Professional Documents
Culture Documents
قال تعالى
حسَ َنهُ )
ن أَ ْ
ن َيسْ َت ِمعُونَ ا ْل َق ْولَ ،فَيَتّ ِبعُو َ
( فَ َبشّ ْر عِبَا ِد ،الّذِي َ
( الزمر )
كتاب
1
الجزء الول
البداية
2
البداية
قبل عدة سنوات ،كنت قد قرأت كتاب ( أحجار على رقعة الشطرنج ) للدميرال الكندي ( وليام كار ) ،حيث
يؤكد المؤلف في هذا الكتاب بالشواهد والدلة ،سيطرة اليهود على واقعنا المعاصر .بعد قراءتي لهذا الكتاب ،
وبالنظر لما يجري على أرض الواقع ،تملكتني حالة من اليأس والقنوط .فأحلمنا وأمانينا ،إذا ما سار الناس
من حولنا ،على هدي ما يُخطّطه وينفذه اليهود – وهم سائرون وما زالوا – أصبحت هباءً منثورا ،وستسير
المور إلى السوأ يوما بعد يوم ،حتى يرث ال الرض ومن عليها .
لم أكن أعلم آنذاك ،أن بعد كل هذا الكفر والظلم والفساد ،الذي استفحل في الرض ،وأخذ ينتشر في أرض
السلم والعروبة ،انتشار النار في الهشيم ،بعد أن مُحيت آثار العيب والحرام ،من مفردات قاموس أهلها ،
ستظهر في آخر الزمان ،خلفة راشدة على منهاج النبوة ،تُعيد هذه المة للحياة من جديد ،فأحاديث الفتن وما
يكون بين يديّ الساعة ،لم تكن معروفة للعامة قبل سنوات قليلة ،ولم تلق أي اهتمام كون الساعة بعيدة عنا –
حسبما نحب أن تكون – كل البعد .ومؤخرا بدأ كثير من الدارسين والباحثين ،يخوضون غمار ما جاء فيها من
أحاديث ،منبّهين لظهور الكثير من أشراطها الصغرى ،ومحذّرين من قرب أشراطها الكبرى .
معرفتي بوجود تلك الخلفة ،التي ستقطع الطريق ،على أصحاب المؤامرة اليهودية العالمية ،وتلغي أحلمهم
بسيادة العالم ،من القدس ،كانت لي بمثابة الضوء في آخر النفق ،تلك المعرفة الجديدة أعادت لي المل ،بعدما
تملكني الكثير من اليأس والقنوط ،من أحوال أمتي العجيبة .اعترتني حالة من الفضول ،أردت معرفة المزيد ،
حيث ساعدني حبي القديم للمطالعة ،فعدّت لمطالعة كل ما يقع بين يديّ ،من كتب على مختلف مواضيعها ،من
عقيدة وفقه وسيرة وتاريخ ،فضل عن القرآن العظيم وتفسيره ،فتبين لي أن العلم والمعرفة ،يهتكان الكثير من
أستار الجهل بأمور الحياة الخرى ،ويزداد المرء بهما إيمانا ويقينا وصلة بربه ،وثباتا على دينه ،فازددت حبا
للمعرفة والمتابعة .
شملت مطالعاتي في تلك الثناء ،بعض الكتب التي تناولت سيرة المهدي ،وأكثر ما حاز على اهتمامي من هذه
الحاديث ،ما يتعلق بالمهدي وظهوره ،والمعارك التي سيخوضها .وبعد تحليلي لتلك الحاديث ،ومحاولة
الربط فيما بينها ،تبين لي بأن دولة إسرائيل الحالية ،لن تكون موجودة عند ظهور أمره ،وأن المهدي سيدخل
القدس ،وبلد الشام ككل بل حرب ،فتبادر إلى ذهني بعض التساؤلت ،التي كان ل بد لي من الجابة عليها ،
بدافع الفضول في البداية ،وأهمها كيف اختفت إسرائيل قبل ظهور المهدي ؟ ومن الذي كان سببا في اختفائها ؟
كنت سابقا أعتقد – كما كان وما زال – يعتقد عامة المسلمين اليوم ،أن الطريق إلى تحرير القدس ،ستكون
بالوحدة العربية ،وهذا بل شك ضرب من الخيال .أو بالعودة إلى السلم وقيام الخلفة السلمية ،وهذا أيضا
أمر بعيد المنال ،والواقع ل ينبئ بذلك ،واليهود الن يسيطرون على مجريات المور ،أكثر مما نسيطر على
زوجاتنا وأولدنا ،فهم يراقبون ويُحاربون ،أي جسم مسلم أو عربي ،تحول من حالة السكون إلى الحركة ،
وكل المحاولت السلمية والقومية العربية النهضوية ،وُئدت واشتُريت وبيعت في سوق النخاسة ،فل أمل في
المنظور القريب ،حسب ما نراه على أرض الواقع .
وأما إسرائيل فعلى ما يبدو ،أنها ستبقى جاثمة فوق صدورنا ،تمتص دماءنا ،وتعدّ علينا أنفاسنا ونبضات قلوبنا
،لتثبت للعالم أننا ما زلنا أحياء ؟! والعالم يأتي وينظر ويهزّ رأسه موافقا ،ويمضي مطمئنا ،نعم إنهم ما زالوا
أحياء .وكأن العالم ،ينتظر منا أن نموت أو نفنى ،فيستيقظ يوما ما ،فل فلسطين ول فلسطينيون ،ليرتاح من
تلك المهمة الثقيلة والمضنية ،التي رُميت على كاهله – وكأنه بل خطيئة اقترفتها يداه – كي يرتاح من مراقبة
طويلة ،لعملية احتضار شعب أُدخل إلى قسم العناية الحثيثة ،منذ أكثر من 50عاما ،وما زال حيا .
وبالنظر إلى الواقع – قبل ثلث سنوات – ولغاية هذه اللحظة ،فإنك تراه يقول بأن إسرائيل ستبقى .ولكن
الحاديث النبوية الشريفة ،ترفض ما يقوله الواقع وتؤكد زوالها ،قبل ظهور المهدي والخلفة السلمية ،ولكن
كيف ؟ ومن ؟ ومتى ؟ ،وللجابة على هذه السئلة كان ل بد من البحث .ومن هناك ،وقبل ثلث سنوات
تقريبا ،كانت البداية .
3
ما يملكه عامّة المسلمين في بلدنا من معتقدات ،فيما يتعلّق بتحرير فلسطين ،يتمحور حول ثلثة عبارات تقريبا
،هي :أول ؛ عبارة " شرقي النهر وهم غربيه " المشهورة لدينا ،بين فلسطينيي الشتات ،وثانيا ؛ عبارة "
عبادا لنا " ،وثالثا ؛ عبارة " وليدخلوا المسجد " .والتفسيرات المعاصرة لهذه العبارات في مجملها ،حصرت
التحرير بقيام الخلفة السلمية ،حتى أصبحت من المور العقائدية ،ويؤمن بصحتها الكثير من الناس ،إن لم
يكن الغلبية العظمى .
أما حديث ل تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود ،ويا مسلم يا عبد ال ،الذي غالبا ما نتدواله ،فهو يتحدث عن
مسلمين حقيقيين ،لن يتوفروا في ظل هذه الجواء على المدى القريب ،أو يتحدّث عن خلفة إسلمية ،ومما
أعلمه أن الخلفة السلمية ،لن تكون إل بظهور المهدي ،وخلف ذلك لم أجد في السنة النبوية ،من الحاديث
ما يشير إلى هذه الفترة ،فهي مغيبة تقريبا ،إل من حديث هنا ،أو هناك .
في النصف الثاني من عام 1998م ،ومن خلل البحث الولي في العديد من المصادر ،أمسكت ببعض الخيوط ،
التي قادتني بدورها إلى اليات ،التي تحكي قصة العلو والفساد اليهودي في سورة السراء ،فطفقت أسبر
معاني ألفاظها وعباراتها وتركيباتها اللغوية ،فتحصلّت على فهم جديد ليات هذه السورة ،يختلف تماما عن
معظم ما تم طرحه سابقا ،ومن خلل هذا الفهم استطعت الجابة على معظم تساؤلتي ،وتساؤلت أخرى كانت
ترد في ذهني ،بين حين وآخر ،أثناء كتابتي لهذا البحث .
عادة ما كنت أطرح ما توصلت إليه ،شفاها أمام الخرين ،وغالبا ما كانت أفكاري ،تُجابه بالمعارضة أحيانا
بعلم ،وأحيانا من غير علم ،وغالبا ما كان النقاش يأخذ وقتا طويل ،وكان هناك الكثير ممن يرغبون بالمعرفة ،
كل حسب دوافعه وأسبابه الخاصة ،وكانت الغلبية تفاجأ بما أطرحه من أفكار ،فالقناعات الراسخة لدى
الغلبية ،مما سمعوه من الناس أو وجدوه في الكتب ،والواقع الذي يرونه بأم أعينهم ،يخالف بصريح العبارة
ما أذهب إليه .
والمشكلة أن المر جدّ خطير ،فالواقع الجديد والمفاجئ ،الذي سيفرض نفسه بعد عدة شهور ،عندما يأتي أمر
ال ،ول ينطق الحجر والشجر بشيء ! كما كانوا يعتقدون ،سيوقع الناس في الحيرة والرتباك .وتتلطم
الفكار والتساؤلت في الذهان تلطم الموج في يوم عاصف ؛ ما الذي جرى ؟ وما الذي يجري ؟ وما الذي
سيجري ؟
لذلك وجدت نفسي ملزما بإطلع الناس ،على ما تحصّلت عليه ،وعلى نطاق أوسع من دائرة الزملء والقارب
.وبالرغم من محدودية قدراتي وتواضعها ،إل أني حاولت جاهدا ،أن أصهر كل ما توصلت إليه ،مما علّمني
ربي ،في بوتقة واحدة .تمثّلت في هذا الكتاب ،الذي بين أيديكم ،في أول محاولة لي للكتابة ،كمساهمة
متواضعة ،في الدعوة إلى ال ،ونصرة لكتابه الكريم ،قبل أن يوضع على المحك ،عندما يتحقّق أحد أعظم
النباء المستقبلية ،بشكل مخالف ،لما اعتادوا أن يسمعوه ويقرءوه ،من آراء وتفسيرات ،كثرت في الونة
ي بني إسرائيل .
الخيرة ،تتناول ما تُخبر عنه سورة السراء ،من إفساد ّ
كما وحاولت جاهدا أن أقدم هذا الكتاب ،في أسرع وقت ممكن ،بعد أن تأخرت سنتين وأكثر ،شغلتني فيها
مشاكل الحياة الدنيا ومصائبها ،عن إخراج هذا الكتاب إلى حيّز الوجود ،ومن ثم لسعى ليصاله ،إلى أكبر
عدد من أمة السلم ،لعله يجد فيهم من يلق السمع وهو شهيد ،فإن أصبت فمن ال ،وإن أخطأت فمن نفسي ،
ول حول ول قوة إل بال .
هذا الكتاب سيكون بإذن ال ،متوافرا باستمرار ،ضمن موقع خاص به ،على شبكة النترنت ،وإن تعذّر
الدخول إليه ،لسبب أو لخر ،فبالمكان الوصول إليه ،عن طريق أحد محركات البحث ( ،
) www.google.comبكتابة عنوان الكتاب كامل ،أو أحد العبارات الموجودة على صفحة الغلف ،حيث
تستطيع من خلل هذا الموقع :
.1الحصول على أحدث نسخة من الكتاب .
.2إبداء أي ملحظة أو استفسار ،من خلل سجل الزوار ،أو البريد اللكتروني .
.3متابعة أطروحات جديدة ،قد تصدر للمؤلف مستقبل .
4
2001 / 7 / 20م _ 1422 / 4 / 29ه
المؤلف
5
من خلل ما وردنا من رسائل عبر البريد اللكتروني ،أو ما تفضّل به زوار الموقع الكرام في سجل الزيارة ،
وجدنا أن الكثير من الناس ،ل يعلمون أن هناك فرقا شاسعا ،ما بين أمرين ،المر الول :هو كشف الغيب
الذي ل يعلمه إل ال ،وهو ما ل ندعيه في كتابنا هذا ،ونعوذ بال من أن ندعيه ،والمر الثاني :هو قراءة ما
هو مكشوف أصل في القرآن والسنة ،وكتب اليهود والنصارى ،وبيانه للناس وتفصيله ،مما أوحى به ال إلى
رسله .
لقد أخبر سبحانه وتعالى ،في مواضع عدة من القرآن الكريم ،أنه ل يعلم الغيب إل هو ،ومنها قوله ( وَعِنْدَ ُه
َمفَا ِتحُ ا ْلغَيْبِ لَ َيعْ َل ُمهَا ِإلّ ُهوَ 59 ( ... ،النعام ) ،وهذه هي القاعدة .ولكن ،هناك استثناء يغفل عنه الكثير من
علَى الْغَيْبِ ،وَ َلكِنّ الَّ َيجْتَبِي مِنْ ُرسُ ِلهِ َمنْ َيشَاءُ ( 179آل الناس ،وهو قوله َ ( ،ومَا كَانَ الُّ لِ ُيطْ ِل َعكُمْ َ
ظهِرُ عَلَى غَيْ ِب ِه َأحَدًا (ِ )26إ ّل مَنِ ارْتَضَى ِمنْ َرسُولٍ 27( ... ،الجن ) . عمران ) .وقوله ( عَا ِلمُ ا ْلغَيْبِ فَلَ ُي ْ
إذن يتبين لنا ،أن ال سبحانه وتعالى أطلع على غيبه من شاء من رسله ،وكثير من هذا الغيب ،مخطوط فيما
ورثته البشرية من كتب النبياء ،ودليل ذلك قوله تعالى ( :تِ ْلكَ مِنْ أَنْبَاءِ ا ْلغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ،مَا كُنْتَ َتعْ َل ُمهَا
أَنْتَ َولَ َق ْومُكَ مِنْ قَ ْبلِ هَذَا ،فَاصْ ِبرْ إِنّ الْعَاقِ َبةَ لِ ْلمُ ّتقِينَ ( 49هود ) ،وقوله َ ( :وكَذَلِكَ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ رُوحًا مِنْ
جعَلْنَاهُ نُورًا َنهْدِي ِبهِ مَنْ َنشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا َ ،وإِنّكَ لَ َتهْدِي َأمْرِنَا ،مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا ا ْلكِتَابُ َولَ الِْيمَانُ ،وَ َلكِنْ َ
ط ُمسْ َتقِيمٍ ( 52الشورى ) . إِلَى صِرَا ٍ
والذي كُشف للرسل هو بعض من غيب ال ،مما اقتضت الحكمة اللهية كشفه للناس عن طريق الوحي ،ولذلك
علّم سبحانه رسوله الكريم ،ما يقوله للناس ،فيما لو سُئل عما ل يعلم من الغيب ،بقوله ُ ( :قلْ َل أَقُولُ َل ُكمْ عِنْدِي
عمَىخَزَائِنُ الِّ َ ،ولَ أَعْ َلمُ ا ْلغَيْبَ َ ،ولَ أَقُولُ َلكُمْ إِنّي مَلَكٌ ،إِنْ أَتّبِعُ ِإلّ مَا يُوحَى إِلَيّ ُ ،قلْ َهلْ َيسْ َتوِي الَْ ْ
وَالْبَصِيرُ أَفَلَ تَ َت َفكّرُونَ ( 50النعام ) ،وقوله ُ ( :قلْ لَ َأمْلِكُ لِ َن ْفسِي َنفْعًا َولَ ضَرّا ِ ،إلّ مَا شَاءَ الُّ ،وَ َلوْ كُنْتُ
ي السّوءُ ،إِنْ أَنَا ِإلّ نَذِي ٌر وَ َبشِيرٌ ِلقَ ْومٍ ُي ْؤمِنُونَ ( 188العراف ) ، أَعْ َلمُ ا ْلغَيْبَ َ ،لسْ َتكْثَرْتُ مِنَ ا ْلخَيْرِ َ ،ومَا َمسّنِ َ
أما ما علمه عليه الصلة والسلم ،مما سيقع في مستقبل المة من فتوحات وفتن وابتلءات ومحن ،منذ وفاته
وحتى قيام الساعة ،مما علمّه ربه من أمر الغيب ،فقد أخبر عنه الكثير .
عامة الناس تخلط ما بين المرين :
من أهم أسباب الخلط ،هو أن معظم النبوءات المستقبلية الموحى بها للنبياء والرسل ،لم تخبر صراحة عن
أسماء أو أزمان أو أماكن ،وإنما اعتمدت الوصف ،كأسلوب للخبار عن مضامين هذه النبوءات ،بالضافة لما
تحفل به اللغة العربية من أوجه بلغية ،من التفات واعتراض وإيجاز واستعارات لفظيه وغيرها ،مما أشكل
على عامة الناس فهمها واستيعابها ،ونتيجة للقصور والعجز تجد أكثر الناس ،يتذرّعون بقولهم ل يعلم الغيب إل
ال ،بالرغم من أن ال هو من كشف هذا الغيب ،وبذلك لم يعد غيبا على الطلق .
أما الحكمة اللهية ،في الخبار عن الحداث المستقبلية ،فهي تحمل وجهان :
أول :زف البشرى للذين آمنوا ،ونذير للذين كفروا ،من الذين يعايشون ظروف الحدث المخبر عنه ،قبل تحققه
على أرض الواقع ،وهذا مما يمل نفوس المؤمنين بالمل ،ويعطيهم الدافع للعمل ،دون كلل أو ملل ،ويلهمهم
الصبر على ما أصابهم من السقام والعلل ،وأما الذين كفروا فأما أن يعودوا عما عليه ،من الفسق والفجور
والعصيان ،وإما أن تعمى بصائرهم ،فيزدادوا طغيانا وكفرا ،لدرجة أن يتحدّوا ال لينزل بهم ما يعدهم به ،
كما هي عادة الجبابرة والظلمة والمفسدين في الرض ،هذا من جانب .
ثانيا :زيادة إيمان المؤمنين بربهم وكتبه ،وزيادة اجتهادهم في عبادته ،وزيادة في إذلل الكافرين ،رغم كل ما
أخذوه من إجراءات احترازية درءا ومنعا لمر ال ،بتحقّق ما وعدهم ربهم على أرض الواقع ،تماما كما
أخبرت عنه الكتب السماوية ،من جانب آخر .
أما من يدّعي بأن ل حكمة ول فائدة من الخبار عنها ،وأن الخبار عنها ،يبعث في النفس اليأس والقنوط
والتواكل ،فأولئك يُخشى عليهم من قلة اليمان ،وادّعاء ما ليس لهم به علم ،لمخالفتهم لما اقتضته الحكمة
اللهية من الخبار عنها .
6
وهذا ما أخبر عنه رب العزة ،في غير موضع ،وعلى وجه الخصوص بعد ذكر أخبار ستقع في المستقبل ،
وخير شاهد على ذلك ،تعليل الخبار عن انتصار الروم مستقبل ،على من غلبوهم ،بفرحة المؤمنين
غلِبَتِ الرّومُ ( واستبشارهم بالنصر والتمكين في الرض ،وليعلموا أن ال ل يخلف وعده ،حيث قال سبحانه ُ ( :
)2فِي أَدْنَى الَْ ْرضِ ،وَ ُهمْ مِنْ َبعْدِ غَلَ ِب ِهمْ سَ َيغْلِبُونَ ( )3فِي بِضْعِ سِنِينَ ،لِّ ا َلْمْرُ ِمنْ قَ ْبلُ َومِنْ َبعْدُ ،وَ َي ْومَئِذٍ
صرُ مَنْ َيشَاءُ َ ،و ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ ( )5وَعْدَ الِّ ،لَ ُيخْلِفُ الُّ وَعْدَهُ ، صرِ الِّ ،يَنْ َُيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ( )4بِنَ ْ
لخِرَةِ ُهمْ غَافِلُونَ ( 7الروم ) . س لَ َيعْ َلمُونَ (َ )6يعْ َلمُونَ ظَاهِرًا مِنَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ،وَ ُهمْ عَنِ ا ْ
ن أَكْثَرَ النّا ِ
وَ َلكِ ّ
إذن من الحكم اللهية لنزال هذا الخبر ،كما أخبرت عنها اليات ،أول :بشرى للمؤمنين ،ثانيا :تأكيد حقيقة
أن النصر من عند ال ،ثالثا :تأكيد حقيقة أن ال ل يُخلف وعدا قطعه على نفسه ،رابعا :أن علم أكثر الناس ،
وليس كلهم ،محصور في الظاهر المشاهد والمحسوس من الحياة الدنيا ،وهو ما يُسمّونه الواقع ،فالواقع ل ينبئ
ول يبشّر بذلك ،فأكثر الناس يؤمنون بالواقع أكثر من إيمانهم بال واليوم الخر .
وهذا ما أكّد عليه سبحانه ،بعد إخباره عن تفصيلت وعد الخرة ،في بداية السورة حيث قال ( :إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآ َ
ن
َيهْدِي ِللّتِي هِيَ أَ ْق َومُ وَيُ َبشّرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّا ِلحَاتِ أَنّ َل ُهمْ َأجْرًا كَبِيرًا (َ )9وأَنّ الّذِينَ لَ ُي ْؤمِنُونَ
عجُولً ( 11السراء ) . ن الِْنسَانُ َع الِْنسَانُ بِالشّرّ دُعَاءَهُ بِا ْلخَيْ ِر َوكَا َ
لخِرَ ِة أَعْتَدْنَا َلهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( )10وَيَدْ ُبِا ْ
ومن الحكم اللهية ،لنزال خبر وعد الخرة في القرآن ،بعد أن أُنزل في التوراة قبل ثلثة آلف سنة ،وكما
تقررها اليات ،أول :بشرى للمؤمنين ،ثانيا نذير لمن ل يؤمنون بالخرة ،وفي مقدمتهم اليهود ،وثالثا :حث
الناس على الصبر ،وعدم الستعجال ،بالدعوة على أنفسهم وأهليهم بالهلك والدمار ،من شدة اليأس والقنوط
من رحمة ال .
ك ِإ ّل مُ َبشّرًا وَنَذِيرًا ( )105وَ ُقرْآنًا فَ َرقْنَا ُه ق أَنزَلْنَا ُه وَبِا ْلحَقّ َن َز َل َومَا أَ ْرسَلْنَا َ
وفي نهاية السورة حيث قال ( :وَبِا ْلحَ ّ
لِ َتقْ َرأَهُ عَلَى النّاسِ عَلَى ُمكْثٍ وَ َنزّلْنَاهُ تَنزِيلً (ُ )106قلْ آمِنُوا ِبهِ َأوْ لَ ُت ْؤمِنُوا إِنّ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ مِنْ قَبْ ِلهِ إِذَا
سجّدًا ( )107وَ َيقُولُونَ سُ ْبحَانَ رَبّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبّنَا َل َم ْفعُولً ( )108وَ َيخِرّونَ يُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ َيخِرّونَ لِلَْذْقَانِ ُ
خشُوعًا ( 109السراء ) . ن وَيَزِيدُ ُه ْم ُ
لِلَْذْقَانِ يَ ْبكُو َ
ومن الحكم اللهية ،لنزال خبر وعد الخرة في القرآن أيضا ،وكما تقررها اليات ،وفضل عن البشرى
والنذار ،فيه امتحان لليمان الناس بهذا القرآن ،وعلى وجه من التبكيت والتحذير ،يقول سبحانه ( قل آمنوا به
أو ل تؤمنوا ) ،وانظر موقف العالمين بتفاصيل هذا الوعد ،وانظر حالهم عندما يتحقّق هذا الوعد على أرض
الواقع ،وانظر حالهم كلما تُليت عليهم آيات هذا الوعد فيما بعد .
وخلصة القول :أننا لم نكشف شيئا من الغيب ،وإنما رب العزة هو من كشف لنا بعضا من علمه ،في ما أنزل
على رسله وأنبيائه من كتب ،وما قمنا به نحن ،هو أننا قرأنا هذه الكتب ،وبحثنا في أمر ما جاءت به من أخبار
الغيب ،وبذلنا ما وفقنا ال إلى بذله ،من جهد في فهمها واستيعابها ،ومن ثم قمنا بعرضها في هذا الكتاب .
في بداية المر ،كنت قد شرعت في البحث ،بدفع من الفضول وحب المعرفة ،ولم أكن أُفكّر في تأليف كتاب
أو غيره ،ولكن بعد أن توصلت إلى بعض النتائج المذهلة ،وإجابات لكثير من المسائل المربكة والمحيّرة ،
أصبح لدي يقين بأن هناك الكثير من عامة الناس سيفتنون ،وربما يخرجوا من دينهم ،إذا لم يقم أحدهم بتصحيح
ما تراكم لديهم من معتقدات خاطئة ،حول حقيقة هذا الوعد الخاص بإزالة الدولة ،التي أوقفت العالم بأسره ،
على قدم وساق ،منذ نشأتها حتى هذه اللحظة .
ولن أغلب من تناولوا سورة السراء ،لم يعطوها حقها من التفسير والتفصيل ،لسبب أو لخر ،كان ل بد لنا
أن نبين بعض ما فصّله رب العزة ،في هذه السورة من علم الغيب ،وأن نقدمه للناس ،حيث أن هذه السورة ،
تحمل في طياتها ،أعظم وأهم وأخطر حدث في تاريخ أمتنا المعاصر ،وأنه سبحانه شخّص فيها الداء الذي
أُصيبت به المة ،ووصف فيها كذلك الدواء ،وإن كنت تسأل عن حلول لما تعاني منه ضياع ،وما ستعاني منه
مستقبل ،فاقرأ هذه السورة وتفكر في معانيها مليا .
ولهمية هذه السورة ،وقدرة ما جاء فيها من خبر هذا الوعد ،على إثبات مصداقية هذا القرآن العظيم ،
ومصداقية منزله ،وهو أصدق القائلين ،للمتشككين من أمة السلم في هذا العصر ،والذين اتخذوا دينهم هزوا
7
ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا ،وظنوا بأنفسهم خيرا ،ذكرت كلمة القرآن إحدى عشر مرة ،وهو ما لم يقع في أي
سورة أخرى من سور القرآن ،وفيها أيضا أورد سبحانه أعظم تحد للبشرية ،حيث قال :
ض ُهمْ لِ َبعْضٍ
( ُقلْ لَئِنِ اجْ َتمَعَتِ الِْنْسُ وَا ْلجِنّ ،عَلَى أَنْ يَأْتُوا ِبمِ ْثلِ هَذَا ا ْلقُرْءَانِ ،لَ يَأْتُونَ ِبمِثْ ِلهِ ،وَ َلوْ كَانَ َبعْ ُ
ظهِيرًا ()88 َ
فمن يعلم غيب الماضي والمستقبل غير ال ؟ … ل أحد … وحتى لو استطاعت الجن والنس ،على أن تأت
بنظم كنظم القرآن ،فلن تتمكن من الخبار عن غيب الماضي ،ول عن غيب المستقبل !!! والخبار عن الغيب ،
كان وما زال من أعظم جوانب العجاز في القرآن .
وفي نهاية المر ،وبعد مخاض عسير ،كان هذا الكتاب ،وما نسأل الناس عليه من أجر ،فغايتنا سواء أصبنا أو
أخطانا ،هي نفع الناس في دينهم ودنياهم ،وإنما العمال بالنيّات .
بضاعتنا في هذا الكتاب مستقاة ،من كتاب ال وسنة رسوله ،والناس أحرار في شرائها أو العراض ،فصانعها
بشري متهم ،حيث ل وحي يوحى ،بعد وفاة المصطفى عليه الصلة والسلم ،ول نفرضها على أحد ،ولكن ل
عليك إن اطلعت عليها ،فهي إن لم تنفعك ،فلن تضرك في شيء ،مع يقيننا الشخصي ،بأنها ل تخلو من
الفائدة ،بل فيها الكثير ،كما أجمع معظم من حظي بقراءة هذا الكتاب ،وتذكر أنك حر فيما اعتقدت بشأن هذه
البضاعة ،ونسأل ال أن يهدينا سواء السبيل .
وأخيرا نطلب من قرّاء هذا الكتاب ،أن يأخذوا بأحسن ما في هذا الكتاب ،وأن يتركوا ما هو دونه ،تماشيا مع
ما أمر به رب العزة أتباع رسله الكرام ،في حق ما أنزله عليهم من الهدي ،في قوله لموسى عليه السلم (
حسَ ِنهَا ،ظةً ،وَ َتفْصِيلً ِل ُكلّ شَيْءٍ َ ،فخُذْهَا ِب ُقوّةٍ َو ْأمُرْ َق ْومَكَ يَ ْأخُذُوا بِ َأ ْ
عََوكَتَبْنَا َلهُ فِي الَْ ْلوَاحِ مِنْ ُكلّ شَيْءٍ َموْ ِ
سقِينَ ( 145العراف ) ،وقوله لمحمد عليه الصلة والسلم ( فَ َبشّرْ عِبَادِ ،الّذِينَ َيسْ َت ِمعُونَ سَأُرِي ُكمْ دَارَ ا ْلفَا ِ
حسَ َنهُ ُ ،أوْلَئِكَ الّذِينَ هَدَا ُهمُ الُ ،وُأوْلَئِكَ ُه ْم ُأوْلُوا الَْلْبَابِ ( 18الزمر ) .
ن َأ ْ ا ْلقَ ْولَ ،فَيَتّ ِبعُو َ
هذا ما قاله رب العزة في حق كتبه ،وما أنزل فيها من الهدي على رسله ،فما بالك بقولنا في حق كتاب ،أنجزه
عبد من عباد ال ،ل ولن يصل إلى حد الكمال ،مهما بذل من جهد ،والعقل البشري له حدود وطاقات ،مهما
بلغ من إبداع ،فإن أصاب في شيء أخطأ في أشياء .
ونقول :ربنا ل تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا ،ول تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين قبلنا ،ربنا ول تحملنا
ما ل طاقة لنا به ،واعف عنا واغفر لنا وارحمنا ،أنت مولنا ،فانصرنا على القوم الكافرين .
2002 / 3 / 15م – 1423 / 1 / 1ه
المؤلف
8
زوال إسرائيل قبل ظهور المهدي
استفاضت كثير من المؤلفات لكبار العلماء والئمة ،في ذكر المهدي وسيرته ،وأكدت على حتمية خروجه آخر
الزمان ،ومن هؤلء على سبيل المثال ل الحصر ،ابن حجر والشوكاني والسيوطي والصابوني وغيرهم ،
وهناك من أفرد له بابا ،أو كان له مقال في كتاب ،كالذهبي وابن تيميه وابن القيم والقرطبي والبرزنجي
وغيرهم .وهناك الكثير من الكتب المتخصصة الحديثة ،جمعت أقوال أولئك العلماء والئمة في المهدي وأحداث
آخر الزمان ،فمن رغب بالستزادة فليرجع إليها ،فهي متوافرة بكثرة في المكتبات هذه اليام ،واللمام المسبق
بالحاديث الواردة في المهدي ،سيساعد كثيرا في فهم ما استخلصته من أفكار في هذا الفصل .
وأما من ينكر أحاديث المهدي ،فل التفات لقوله ،فالحاديث الصريحة وغير الصريحة ،التي أتت على ذكر
أخبار المهدي ،بلغت حد التواتر المعنوي ،وقد ورد فيها ما يُقارب الربعين حديثا .وما سنتناوله منها ،هو ما
يخص موضوع هذا الكتاب فقط .وأود أن أشير إلى أن ذكر المهدي قد جاء في التوراة ،حيث أن الترجمة
العربية للنص التوراتي ،تُسمّيه ( بالقدّوس ) في موضع ( وبالغصن ) في موضع آخر ،وهذا النص موجود مع
التعليق ،في فصل النبوءات التوراتية .وقد تنبأ بظهوره ( نوستراداموس ) مفسّر النبوءات التوراتية ،وأشار
إليه بألفاظ صريحة ،سنوردها في فصل لحق .
وللحقيقة ،ومن خلل اطلعي على الكثير ،من دراسات وأبحاث الغربيين ،التي تتناول النبوءات التوراتية
والنجيلية ،الخاصة بأحداث النهاية ،تبيّن لي بأن اليهود والنصارى ،أكثر إيمانا ويقينا ،من عامة المسلمين ،
بحتمية ظهور المهدي ،وانتصاره في كافة حروبه ،واتخاذه للقدس عاصمة لملكه ،وامتداده لمساحات شاسعة
من الراضي .ولنهم يعلمون بأن النهاية قد اقتربت ،ويعتقدون بأنه سيقود تحالفا عسكريا ضد الغرب ،ينجم
عنه دمار الحضارة الغربية برمتها ،فهم يتوقعون ظهوره في أي لحظة ،ويخشون أن يظهر وأن تقوى شوكته ،
وهم في غفلة من أمرهم ،فلذلك تجدهم يُحاولون تجنيد العالم بأسره ،ضد ما يُسمّونه بالرهاب السلمي ،خوفا
من ذلك المصير المشؤوم الذي ينتظرهم ،عند ظهور أمره .
غربة السلم :
عنْ ثَ ْوبَانَ ،قَالَ :قَالَ َرسُولُ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ ( :يُوشِكُ ا ُلْمَمُ أَنْ تَدَاعَى عَلَ ْي ُكمْ َ ،كمَا تَدَاعَى ا َلْكَ َلةُ إِلَى َ
ن الُّحنُ يَ ْو َم ِئذٍ ،قَالَ َ :ب ْل أَنْتُمْ َي ْومَئِ ٍذ كَثِيرٌ ،وَ َلكِ ّنكُمْ غُثَاءٌ َكغُثَا ِء السّ ْيلِ ،وَلَيَ ْنزَعَ ّ
ن قِلّةٍ َن ْ
صعَ ِتهَا ،فَقَالَ قَائِلٌ َ :ومِ ْ
قَ ْ
مِنْ صُدُورِ عَ ُد ّو ُكمْ ا ْل َمهَا َبةَ مِ ْن ُكمْ ،وَلَ َيقْذِ َفنّ الُّ فِي قُلُو ِب ُكمْ ا ْلوَهْنَ ،فَقَالَ قَائِلٌ :يَا َرسُولَ الِّ َومَا ا ْلوَهْنُ ؟ قَالَ :
حُبّ الدّنْيَا وَكَرَاهِ َيةُ ا ْل َموْتِ ) رواه أبو داود وأخرجه أحمد ،وصحّحه اللباني .
ع َمرَ عَنْ ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ قَالَ ( :إِنّ ا ِلْسْلَمَ بَ َدأَ غَرِيبًا َ ،وسَيَعُودُ غَرِيبًا َكمَا بَ َدأَ ،وَ ُهوَ يَ ْأرِ ُزعنْ ابْنِ ُ َ
جحْرِهَا ) رواه مسلم ،وأخرجه الترمذي وابن ماجه وأحمد والدارمي ، سجِدَيْنِ َكمَا تَ ْأرِزُ ا ْلحَ ّيةُ فِي ُبَيْنَ ا ْل َم ْ
وصححه اللباني .
قبل ظهور المهدي ستشهد المة السلمية ،عصرا حالك السواد ،من كثرة الظلم والجور والفساد ،يتميز
بوجود قلة مؤمنة صابرة متمسكة بدينها ،ل حول لها ول قوة ،تنتظر حتى يأتي ال بأمر من عنده ،وكثرة
طاغية فاسدة ومفسدة متمسكة بدنياها ،هم غثاء كغثاء السيل .
جيش يغزو الكعبة بداية ظهور أمر المهدي :
ع ْنهَا ( ،قَالَتْ :قَالَ َرسُولُ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ َ :يغْزُو جَيْشٌ ا ْلكَعْ َبةَ َ ،فإِذَا كَانُوا ضيَ الُّ َ عنْ عَا ِئشَةُ رَ ِ َ
خرِ ِهمْ َ ،وفِي ِهمْ
سفُ ِبأَوِّل ِهمْ وَآ ِ
خَخسَفُ بِ َأوّ ِل ِهمْ وَآخِ ِر ِهمْ : ،قُلْتُ :يَا رَسُولَ الِّ َك ْيفَ ُي ْ
بِبَيْدَاءَ مِنْ الَْرْضِ ُ ،ي ْ
خسَفُ بِ َأوّ ِل ِهمْ وَآخِرِ ِهمْ ُ ،ثمّ يُ ْبعَثُونَ عَلَى نِيّا ِت ِهمْ ) رواه البخاري ،وأخرجه َأسْوَا ُقهُمْ َ ،ومَنْ َليْسَ ِم ْنهُمْ ،قَالَ ُ :ي ْ
مسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد وصححه اللباني .
9
عبَثَ َرسُولُ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ فِي َمنَامِهِ ( ،فَقُ ْلنَا :يَا رَسُولَ ا ِ
لّ ع ْنهَا ،قَالَتْ َ : ضيَ الُ َ عنْ عَا ِئشَةَ رَ َِ
جلٍ مِنْ ُقرَيْشٍ قَدْ َلجَأَ شيْئًا فِي َمنَا ِمكَ َلمْ َتكُنْ تَ ْفعَُلهُ ،فَقَالَ :ا ْلعَجَبُ إِنّ نَاسًا مِنْ ُأمّتِي َي ُؤمّونَ الْبَيْتِ ،بِ َر ُ
صنَعْتَ َ
َ
جمَعُ النّاسَ ،قَالَ َ :ن َعمْ فِي ِهمْطرِيقَ َقدْ َي ْخسِفَ ِب ِهمْ ،فَقُ ْلنَا :يَا َرسُولَ الِّ ِإنّ ال ّ بِالْبَيْتِ ،حَتّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ ُ
ا ْل ُمسْتَبْصِرُ وَا ْل َمجْبُورُ وَابْنُ السّبِيلِ َ ،يهْ ِلكُونَ َمهْ َلكًا وَاحِدًا ،وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتّى ،يَ ْبعَ ُثهُمْ الُّ عَلَى
نِيّا ِت ِهمْ ) ،رواه مسلم ،وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد ،وصححه اللباني .
عنْ ُأمّ سََلمَةَ قَالَتْ :قَالَ َرسُولُ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ ( :جَيْشٌ مِنْ ُأمّتِي َيجِيئُونَ مِنْ قِ َبلِ الشّامِ َ ،ي ُؤمّو َ
ن َ
خسِفَ ِب ِهمْ َ ،ومَصَادِرُ ُهمْ شَتّى ،فَقُلتُ :يَا جلٍ َيمْ َن ُعهُ الُّ مِ ْن ُهمْ ،حَتّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ مِنْ ذِي ا ْلحُلَ ْي َفةِ ُ
الْبَيْتَ ِل َر ُ
شتّى ،فَقَالَ :إِنّ مِ ْن ُهمْ َمنْ جُبِرَ إِنّ مِ ْن ُهمْ مَنْ جُبِرَ َثلَثًا ) رواه جمِيعًا َو َمصَادِرُ ُهمْ َ سفُ ِب ِهمْ َ رَسُولَ الِّ َك ْيفَ ُيخْ َ
أحمد بهذا النص ،ورواته ثقات ،إل واحدا وثقه البعض وضعفه آخرون .
بداية ظهور المهدي ستكون في مكة بإذن ال ،وفور معرفته تسارع قلة من تلك القلة ،لمبايعته على المارة ،
فيلجأ إلى الحرم تهرّبا ويعتصم به .ويظهر أمره شيئا فشيئا ،فيُبعث إليه بجيش يغزو الكعبة ،فيخسف به في
الصحراء ما بين المدينة ومكة .
هذه الحاديث الثلثة متوافقة من حيث النص والمضمون ،غير أن الحديث الثالث ،أضاف عبارة توضّح مخرج
ذلك الجيش .ومع أن أحد الرواة ضعفه ،إل أن تلك الضافة ( من قبل الشام ) تتفق والتفسير المنطقي ،
للحداث الموصوفة في جملة أحاديث هذا الفصل .
لنخلص إلى ما يلي :
.1أن جيشا سيغزو مكة .
.2وهذا الجيش من أمة محمد عليه الصلة والسلم ،ويعجب رسول ال ويحق له العجب ،فما آل إليه أمر أمة
السلم هذه اليام ،يثير ما هو أكثر من العجب والشفقة ،حتى في نفوس أعدائنا .
.3ومقصد هذا الجيش رجل من قريش يلجأ إلى الحرم ،وغايته وأد بؤرة الخلفة السلمية في مهدها ،خوفا
من أن تزلزل أركان عبدة الحياة الدنيا .
.4يُخسف بهذا الجيش في الصحراء قبل وصوله إلى مكة .
.5ومخرج هذا الجيش من قبل الشام ؟!
عمران بيت المقدس يعقبه خراب المدينة المنورة :
عةُ حَتّى ُيقَا ِتلَ ا ْل ُمسْ ِلمُونَ الْ َيهُودَ ،عنْ َأبِي ُه َر ْيرَةَ ،أَنّ َرسُولَ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ ،قَالَ ( :لَ َتقُومُ السّا َ َ
شجَرُ :يَا ُمسْ ِلمُ يَا عَبْدَ حجَرُ َأوْ ال ّشجَرِ ،فَ َيقُولُ ا ْل َ
حجَرِ وَال ّ
فَ َيقْتُُل ُهمْ ا ْل ُمسْ ِلمُونَ ،حَتّى َيخْتَبِئَ الْ َيهُو ِديّ مِنْ َورَاءِ ا ْل َ
شجَرِ الْ َيهُودِ ) .رواه مسلم وأحمد بنفس النص ، الِّ ،هَذَا َيهُو ِديّ خَ ْلفِي فَ َتعَالَ فَاقْتُ ْلهُ ِ ،إلّ ا ْلغَرْقَدَ فَإِ ّنهُ مِنْ َ
وصححه اللباني ،وأخرجه البخاري والترمذي والنسائي وأبو داود وابن ماجه ،بنصوص أخرى .
هذا الحديث روي بعدة نصوص ،وهذا النص أشهرها وأكثرها تداول بين العامة ،أما نطق الحجر والشجر ،
فهو أمر خارج عن المألوف والعادة ،ول يُعقل أن تحصل تلك المعجزة في آخر الزمان ،قبل بدء ظهور أشراط
الساعة الكبرى على القل ،حتى بظهور المهدي .فنطق الحجر والشجر ،أكثر إعجازا من نطق عيسى عليه
السلم في المهد صبيا .فمن المنطقي أل يحدث هذا المر ،قبل ظهور الحداث غير المألوفة للناس ،كأشراط
الساعة الكبرى .ومن الرجح أن يتزامن هذا الحدث ،مع وجود عيسى عليه السلم ،لكي يستقيم المر ،
فالمعجزات غالبا ما تأتي على أيدي الرسل ،وهذا ما تؤيده سورة السراء .
11
أما عبارة ( شرقيّ النهر وهم غربيه ) فل أساس لها من الصحة ،إذ لم أجد لها أصل ،في أي من كتب الحديث
على اختلفها وكثرتها ،ل في صحيحها ول في ضعيفها .ول تعدو أكثر من كونها ،عبارة أضيفت إلى الحديث
من قبل العامة ،بعد قيام دولة إسرائيل المعاصرة غربيّ النهر .وبالرغم من ذلك ،يُصرّ البعض على أنها
موجودة في الحاديث الضعيفة .أما الزمن الفعلي المتوقع لتحقق هذه النبوءة ،هو وقت نزول عيسى عليه السلم
،وهرب الدجال ومن معه من اليهود إلى فلسطين ،حيث يُقتل على أبواب القدس .
خلصة القول :
وبناءا على ما تقدم ،نقول أن زوال دولة إسرائيل أمر حتمي ،يتبعه زوال حلفائها من الغرب بالضرورة ،قبل
ظهور خلفة المهدي ،وأن من سيقوم بتحريرها هو جيش عربي ،وأن صاحب هذا الجيش سيتخذ مدينة القدس
عاصمة لملكه ،ومن ثم تدين له بلد الشام والعراق ،وأن فترة حكمه أو حكم من يخلفه ،ستكون حافلة بالظلم
والجور ،وعند ظهور أمر المهدي في مكة ،يبعث حاكم مدينة القدس جيشا إلى الجزيرة ،ل قبل للمهدي
وجماعته به ،فيُخرب المدينة المنورة ،لدى مروره بها متجها إلى مكة ،فيخسف ال بهم الرض .
وآنذاك يظهر أمر المهدي ،فيهب إلى قتاله من رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها ،من أمة محمد عليه الصلة
والسلم ،خوفا من عودة دين أكل الزمان عليه وشرب ،يدعوا إلى إخراجهم من غيّهم وضللهم ،وحرمانهم
مما يتلذّذون به من الشهوات والحرمات ،التي استحلّوها واستباحوها في هذا العصر ،فاستعبدتهم فل فكاك لهم
منها ،ول يرضون عنها بديل .
فتكون أولى مواجهات المهدي ،مع جيش آخر ،يُجمع له من جزيرة العرب ،فينتصر عليهم حربا ،وبعد أن
يستتب له أمر الجزيرة يخرج إلى أهل الشام .فيتسلم مقاليد الحكم فيها تسليما عن طيب خاطر ،أو استسلما
خوفا ورهبة ،ويتخّذ مدينة القدس عاصمة لخلفته ،ومن ثم يخرج إلى إيران فيفتحها ،ويعود إلى بلد الشام .
ومن ثم تكون الروم ( نصارى الشرق ) قد جمعت جيشا عرمرما ،قوامه قرابة المليون نفر ،فيخرج لملقاتهها
،فتقع الملحمة الكبرى الفاصلة بين الحق والباطل ،بالقرب من دمشق ،فيكون النصر في النهاية ،حليف
المهدي ومن معه من المسلمين .ومن ثم يخرج إلى القسطنطينية ( استنبول ) ،فيفتحها بالتهليل والتكبير من غير
قتال ،وقريبا من نهاية حكمه يخرج الدجال ،فيعيث في الرض فتنة وفسادا ،ويُحصر المهدي وصحبه في
الشام ،فينزل عيسى عليه السلم ،فيهرب الدجال ومن تبعه من اليهود إلى القدس ،وهناك يلحقون به فيقتله عليه
السلم ،ويتولى المسلمون أمر البقية الباقية من اليهود ،فينطق الحجر والشجر ،فيبيدوهم عن بكرة أبيهم ،بإذن
ال ،ول المر من قبل ومن بعد ،وال أعلم .
هذا ما سيكون من أمر المهدي ،بإذن ال ،قدّمناه بشكل مختصر وموجز ،تناولنا فيه بعضا من سيرة المهدي ،
التي تعرضت لفتوحاته آخر الزمان ،مستندين إلى ما أوردناه من أحاديث صحيحة ،آخذين بعين العتبار ،
أحاديث صحيحة أخرى ،لم يتسع المقام ليرادها .
أما موضوع هذا الكتاب ،فهو يبحث إجمال ،في حدثين عظيمين مفاجئين ،قبل ظهور المهدي ،وفي وقت
قريب جدا جدا ،وهما ؛ أول :نهاية الدولة اليهودية واختفائها إلى البد ،ثانيا :انهيار الحضارة الغربية العملقة
ومظاهرها المختلفة واختفائها إلى البد .
ما ستجده في ثنايا هذا الكتاب :
الجابة على التساؤلت المطروحة على صفحة الغلف ،فيما يتعلق بالدولة اليهودية ،ومصيرها ومصير
اليهود .
الجابة على كثير من التساؤلت التي تدور في أذهان الناس ،وتوضيح كثير من القضايا الخلفية التاريخية ،
فيما يخص تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل ،منذ نشأتهم الولى حتى قيام الساعة ،وخاصة فيما يتعلق بتواجدهم
في فلسطين .
استقراء وتحليل ما جرى ويجري على أرض الواقع ،في منطقتنا والعالم من حولنا .
12
فهم حقيقة الصراع الدائر بين الغرب والشرق ،وحقيقة العداء الغربي للمة العربية والسلمية ،والذي بلغ
أشدّه في العقود الخيرة .
تفسيرات منطقية للحداث المستقبلية ،مدعّمة بالشواهد والدلة من القرآن والسنة والتوراة والنجيل والواقع ،
ووضعها ضمن سياق زمني منطقي .
13
مختصر لمجمل أقوال المفسرين
قبل أن نبدأ في البحار ،في معاني ومقاصد آيات سورة السراء ،سنتجول قليل ،في بعض كتب قدماء
المفسّرين ،لنستعرض مجمل تفسيراتهم ،لهذه اليات ،ومجمل ما أوروده من روايات وآثار ،عن الفساد
والعلو في الرض ،ووعديّ الولى والخرة ،ومن هؤلء المفسرين :القرطبي وابن كثير والطبري
والبيضاوي ،والبغوي والنحاس والثعالبي ،وأبي السعود والشوكاني وابن الجوزي ،والسيوطي والنسفي
واللوسي .
تعريف بسورة السراء :
قال اللوسي في تفسيره " :سورة بني إسرائيل ( ،وهو السم التوقيفي لها ) وتسمى السراء وسبحان أيضا ،
وهي كما أخرج ابن مردويه عن ابن عباس وابن الزبير ،رضي ال تعالى عنهم مكية ،وكونها كذلك بتمامها
قول الجمهور .وقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضي ال تعالى عنهما ،أنه قال (( :إن التوراة كلها في
خمس عشرة آية ،من سورة بني إسرائيل ،وذكر تعالى فيها عصيانهم وإفسادهم ،وتخريب مسجدهم
واستفزازهم النبي ،وإرادتهم إخراجه من المدينة ،وسؤالهم إياه عن الروح ،ثم ختمها جل شأنه ،بآيات موسى
عليه السلم التسع ،وخطابه مع فرعون ،وأخبر تعالى أن فرعون أراد أن يستفزهم من الرض ،فأهلك وورث
بنو إسرائيل من بعده ،وفي ذلك تعريض بهم ،أنهم سينالهم ما نال فرعون ،حيث أرادوا بالنبي ،ما أراد
فرعون بموسى عليه السلم وأصحابه ،ولما كانت هذه السورة ،مصدرة بقصة تخريب المسجد القصى ،
افتتحت بذكر إسراء المصطفى تشريفا له – أي المسجد القصى -بحلول ركابه الشريف فيه ،جبرا لما وقع من
تخريبه )) " .
اليات :
عُلوّا كَبِيرًا ( )4فَإِذَا جَا َء قال تعالى ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَ ابِ لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْ ْرضِ مَرّتَيْنِ وَلَ َتعْلُنّ ُ
للَ الدّيَارِ َوكَانَ َوعْدًا َمفْعُولً (ُ )5ثمّ رَدَدْنَا َل ُكمْ وَعْدُ أُولَ ُهمَا َبعَثْنَا عَلَ ْي ُكمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ َفجَاسُوا خِ َ
حسَن ُتمْ لَِن ُفسِ ُكمْ َوإِنْ َأسَأْ ُتمْ فَ َلهَا فَإِذَا
حسَنتُمْ َأ ْ
جعَلْنَاكُمْ َأكْثَرَ َنفِيرًا ( )6إِنْ َأ ْ
ا ْلكَرّةَ عَلَ ْي ِهمْ َوَأمْدَدْنَا ُكمْ بِ َأ ْموَالٍ وَبَنِينَ َو َ
عسَى سجِدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ َمرّةٍ وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا (َ ) 7 لخِرَةِ لِ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ جَاءَ وَعْدُ ا ْ
جهَ ّنمَ لِ ْلكَافِرِينَ حَصِيرًا ( ) 8إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآنَ َيهْدِي لِلّتِي هِيَ أَ ْق َومُ وَيُ َبشّرُ جعَلْنَا َ حمَ ُكمْ َوإِنْ عُدْ ُتمْ عُدْنَا َو َ رَ ّب ُكمْ أَنْ َي ْر َ
لخِرَ ِة أَعْتَدْنَا َل ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( ن لَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْت أَنّ َلهُ ْم َأجْرًا كَبِيرًا (َ )9وأَنّ الّذِي َ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّا ِلحَا ِ
حسَابَ َو ُكلّ عجُولً ( … )11وَلِ َتعْ َلمُوا عَدَدَ السّنِينَ وَالْ ِ )10وَيَدْعُ الِْنسَانُ بِالشّرّ دُعَاءَهُ بِا ْلخَيْرِ َوكَانَ الِْنسَانُ َ
شَيْءٍ فَصّلْنَاهُ َتفْصِيلً ( 12السراء )
ن وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرًا ( )4
ض مَرّتَيْ ِ
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْأرْ ِ
وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ :وأوحينا إليهم في التوراة ،وحيا مقضيا مبتوتا .
لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْرْضِ َمرّتَيْنِ :لتفسدن في الرض ،جواب قسم محذوف ،والمراد بالرض الجنس ،أو أرض
الشام وبيت المقدس ،ومرتين إفسادتين .
عُلوّا كَبِيرًا :ولتستكبرن عن طاعة ال ،من قوله أن فرعون عل في الرض ،والمراد به البغي والظلم
وَلَ َتعْلُنّ ُ
والغلبة ،لتستكبرن عن طاعة ال تعالى ،أو لتغلبن الناس بالظلم والعدوان ،وتفرطن في ذلك إفراطا مجاوزا
للحد ،وأصل معنى العلو الرتفاع ،وهو ضد السفل وتجوّز به عن التكبر ،والستيلء على وجه الظلم .
14
ن وَعْدًا َم ْفعُولًا ( )5
علَ ْيكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَ ْأسٍ شَدِيدٍ َفجَاسُوا خِلَالَ الدّيَارِ َوكَا َ
فَإِذَا جَاءَ وَعْ ُد أُولَا ُهمَا َبعَثْنَا َ
فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَ ُهمَا :والوعد بمعنى الموعود ،مراد به العقاب ،وفي الكلم تقدير ،أي فإذا حان وقت حلول
العقاب الموعود ،وقيل الوعد بمعنى الوعيد ،وفيه تقدير أيضا ،وقيل بمعنى الوعد الذي يراد به الوقت ،أي
فإذا حان موعد عقاب أولى الفسادتين .
َبعَثْنَا عَلَ ْي ُكمْ عِبَادًا لَنَا :البعث بالتخلية وعدم المنع ( البيضاوي ) ،وقال الزمخشري " :خلينا بينهم وبين ما
فعلوا ولم نمنعهم وفيه دسيسة اعتزال " ،وقال ابن عطية " :يحتمل أن يكون ال تعالى ،أرسل إلى ملك أولئك
العباد رسول ،يأمره بغزو بني إسرائيل ،فتكون البعثة بأمر منه تعالى " .
أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ :ذوي قوة وبطش في الحروب ،والبأس والبأساء في النكاية ،ومن هنا قيل ،إن وصف البأس
بالشديد مبالغة .
للَ الدّيَارِ :قال الجوهري " الجوس مصدر ،وقولك جاسوا خلل الديار ،أى تخللوها كما يجوس َفجَاسُوا خِ َ
الرجل للخبار أى يطلبها " ،أي عاثوا وافسدوا وقتلوا وتخللوا الزقة بلغة جذام ،بمعنى الغلبة والدخول قهرا ،
وقال الزجاج " :طافوا خلل الديار ينظرون هل بقي احد لم يقتلوه " ،والجوس طلب الشيء باستقصاء ،وقال
اللوسي " :والجمهور على أن في هذه البعثة ،خرب هؤلء العباد بيت المقدس ،ووقع القتل الذريع والجلء
والسر في بني إسرائيل ،وحرقت التوراة " .
َوكَانَ وَعْدًا َم ْفعُولً :قضاء كائنا ل خلف فيه ،وكان وعد عقابهم ل بد أن يفعل ،أي ل بد من كونه ،مقضيا أي
مفروغ منه .
ن َوجَعَلْنَا ُكمْ َأكْثَرَ َنفِيرًا ( )6
ُثمّ رَدَدْنَا َل ُكمْ ا ْلكَرّةَ عَلَ ْي ِهمْ َوَأمْدَدْنَا ُكمْ بِ َأ ْموَالٍ وَبَنِي َ
ُثمّ رَدَدْنَا َل ُكمْ ا ْلكَرّةَ عَلَ ْي ِهمْ :ثم للعطف ،وتفيد التراخي في الزمن ،يقول اللوسي " جعل َر َددَنا ،موضع َن ُردّ ،
س َفلَ سَافِلِينَ ) ،أي رددنا النسان
فعبر عن المستقبل بالماضي " ،ويُضيف في تفسير قوله تعالى ( ُثمّ رَدَدْنَاهُ َأ ْ
أسفل سافلين من النار ،إل الذين آمنوا وعملوا الصالحات ،فلهم أجر غير ممنون بعد البعث والجزاء " ،وهذه
الكرة بعد الجلوة الولى ،أي الرجعة والدولة والغلبة ،على الذين بُعثوا عليكم .
َوَأمْدَدْنَا ُكمْ ِبَأ ْموَا ٍل وَبَنِينَ :أعطاهم ال الموال والولد .
َوجَعَلْنَا ُكمْ َأكْثَرَ َنفِيرًا :والنفير أي القوم الذين يجتمعون ،ليصيروا إلى أعدائهم فيحاربوهم ،وهم المجتمعون
للذهاب إلى العدو ،أي أكثر رجال من عدوكم ،والنفير من ينفر مع الرجل من عشيرته .
سجِدَ َكمَا
إِنْ َأحْسَن ُتمْ َأحْسَن ُتمْ لِأَن ُفسِ ُكمْ َوإِنْ َأسَأْ ُتمْ فَ َلهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِ َيسُوءُوا ُوجُو َه ُكمْ وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ
َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَرّ ٍة وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا ( )7
سكُمْ َوإِنْ َأسَأْتُمْ فَ َلهَا :وهذا الخطاب قيل أنه لبني إسرائيل الملبثين ،لما ذكر فى هذه
حسَن ُتمْ لَِن ُف ِ
إِنْ َأحْسَن ُتمْ َأ ْ
اليات ،وقيل لبني إسرائيل الكائنين في زمن محمد صلى ال عليه وآله وسلم ،ومعناه إعلمهم ما حل بسلفهم
فليرتقبوا مثل ذلك ،وأن إحسان العمال وإساءتها مختص بهم ،والية تضمنت ذلك ،وفيها من الترغيب
بالحسان ،والترهيب من الساءة ،ما ل يخفى فتأمل .
لخِرَةِ :أى حضر وقت ما وعدوا من عقوبة المرة الخرة ،وجواب إذا محذوف تقديره بعثناهم فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ ا ْ
لدللة جواب إذا الولى عليه ،فالظاهر فإذا جاء وإذا جاء للدللة ،على أن مجيء وعد عقاب المرة الخرة ،لم
يتراخ عن كثرتهم واجتماعهم ،دللة على شدة شكيمتهم في كفران النعم ،وأنهم كلما ازدادوا عددا وعدة ،زادوا
عدوانا وعزة ،إلى أن تكاملت أسباب الثروة والكثرة ،فاجأهم ال عز وجل على الغرّة ،نعوذ بال سبحانه من
مباغتة عذابه .
15
لِ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ :اللم لم كي ،وليسوءوا متعلق بفعل حُذف لدللة ما سبق عليه ،وهو جواب إذا ،أي
بعثناهم ليسوءوا وجوهكم ،أي ليجعل العباد المبعوثون ،آثار المساءة والكآبة بادية في وجوهكم ،إشارة إلى أنه
جمع عليهم ألم النفس والبدن .
وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َمسْجِدَ :اللم لم كي ،والضمير للعباد أولى البأس الشديد ،والمسجد مسجد بيت المقدس ،قال
اللوسي " :فإن المراد به بيت المقدس ،وداود عليه السلم ابتدأ بنيانه ،بعد قتل جالوت وإيتائه النبوة ،ولم يتمّه
،وأتمّه سليمان عليه السلم ،فلم يكن قبل داود عليه السلم مسجد حتى يدخلوه أول مرة ،ودفع بأن حقيقة
المسجد الرض ل البناء ،أو يحمل قوله تعالى دخلوه على الستخدام ،والحق أن المسجد كان موجودا ،قبل
داود عليه السلم كما قدمنا " .
َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ َمرّةٍ :كما دخلوه أي دخول كائنا ،كدخولهم إياه أول مرة ،قال اللوسي " :والمراد من التشبيه
أنهم يدخلونه بالسيف والقهر والغلبة والذلل ،وفيه أيضا أن هذا يبعد قول ،من ذهب إلى أن أولى المرتين ،لم
يكن فيها قتال ول قتل ول نهب " .
وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا :أي ليدمروا ويخربوا والتبار الهلك ،وليتبروا أي يدمّروا ويهلكوا ما غلبوا عليه من
بلدكم ،أو مدة علوهم ،أي ما علوا عليه من القطار وملكوه من البلد ،وقيل ما ظرفية والمعنى مدة علوهم
وغلبتهم على البلد ،تتبيرا أي تدميرا ،ذُكرَ المصدر إزالة للشك وتحقيقا للخبر ،ما علوا مفعول لتبروا ،أي
ليُهلكوا كل شيء غلبوه واستولوا عليه ،أو بمعنى مدة علوهم .
ن حَصِيرًا ( )8
جهَنّمَ ِل ْلكَافِرِي َ
جعَلْنَا َ
ح َم ُكمْ َوإِنْ عُدْ ُتمْ عُدْنَا َو َ
ن يَ ْر َ
عسَى رَ ّبكُمْ أَ ْ
َ
حمَ ُكمْ :لبقية بني إسرائيل عسى ربكم ،إن أطعتم في أنفسكم واستقمتم أن يرحمكم ،وهذه
عسَى رَ ّب ُكمْ أَنْ َي ْر َ
َ
العودة ليست برجوع دولة ،وإنما هي بأن يرحم المطيع منهم ،وكان من الطاعة اتباعهم لعيسى ومحمد عليهما
السلم .
( ذلك لن المتقدمين من المفسرين اعتبروا أن تحصّل المرتين ،كان قبل بعثهما عليهما السلم ) .
َوإِنْ عُدْ ُتمْ عُدْنَا :وإن عدتم للفساد بعد الذي تقدم ،عدنا عليكم بالعقوبة فعاقبناكم في الدنيا ،بمثل ما عاقبناكم به
في المرتين .
ن حَصِيرًا :أي محبوسون في جهنم ل يتخلصون منها .
جهَ ّنمَ لِ ْلكَافِرِي َ
َوجَعَلْنَا َ
ن َل ُهمْ َأجْرًا كَبِيرًا ( )9
إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآنَ َيهْدِي ِللّتِي هِيَ أَ ْق َومُ وَيُ َبشّرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّا ِلحَاتِ أَ ّ
ي أَ ْق َومُ :أي إلى الطريقة التي هي أصوب ،وقيل الكلمة التي هي أعدل .
إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآنَ َيهْدِي لِلّتِي هِ َ
وَيُ َبشّرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِينَ َي ْعمَلُونَ الصّا ِلحَاتِ أَنّ َل ُهمْ أَجْرًا كَبِيرًا :أي يُبشّر بما اشتمل عليه من الوعد بالخير ،آجل
وعاجل للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ،ويراد بالتبشير مطلق الخبار ،أو يكون المراد منه معناه الحقيقي ،
ويكون الكلم مشتمل على تبشير المؤمنين ببشارتين ،الولى ما لهم من الثواب ،والثانية ما لعدائهم من العقاب
.
ن لَا ُي ْؤمِنُونَ بِالْآخِرَ ِة أَعْتَدْنَا َل ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( )10
َوأَنّ الّذِي َ
وهو عذاب جهنم ،أي أعددنا وهيأنا لهم ،فيما كفروا به وأنكروا وجوده من الخرة ،عذابا مؤلما وهو أبلغ من
الزجر ،لما أن إتيان العذاب من حيث ل يحتسب أفظع وأفجع ،ولعل أهل الكتاب داخلون في هذا الحكم ،لنهم
ل يقولون بالجزاء الجسماني ،ويعتقدون في الخرة أشياء ل أصل لها ،فلم يؤمنوا بالخرة وأحكامها المشروحة
،في هذا القرآن حقيقة اليمان ،والعطف على أن لهم أجرا كبيرا ،فيكون إعداد العذاب الليم ،للذين ل يؤمنون
بالخرة مبشرا به ،كثبوت الجر الكبير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ،ومصيبة العدو سرور يُبشّر به ،
16
فكأنه قيل يبشر المؤمنين بثوابهم وعقاب أعدائهم ،ويجوز أن تكون البشارة مجازا مرسل ،بمعنى مطلق
الخبار الشامل للخبار بما فيه سرور للمؤمنين .
عجُولًا ( )11
ن َ
وَيَدْعُ الْإِنسَانُ بِالشّرّ ُدعَاءَ ُه بِا ْلخَيْ ِر َوكَانَ الْإِنسَا ُ
وَيَدْعُ الِْنسَانُ بِالشّرّ :ويدعو النسان على ماله وولده ونفسه بالشر ،فيقول عند الغضب :اللهم العنه وأهلكه
ونحوهما .
دُعَاءَهُ بِا ْلخَيْرِ :أي كدعائه ربه بالخير ،أن يهب له النعمة والعافية ،ولو استجاب ال دعاءه على نفسه لهلك ،
ولكن ال ل يستجيب بفضله .
عجُولً :بالدعاء على ما يكره أن يُستجاب له فيه ،قاله جماعة من أهل التفسير ،وقال ابن عباس
َوكَانَ الِْنسَانُ َ
:ضجرا ل صبر له على السراء والضراء .
َوكُ ّل شَيْءٍ فَصّلْنَا ُه َتفْصِيلًا ( : )12
أي كل ما تفتقرون إليه فى أمر دينكم ودنياكم ،فصلناه تفصيل :بيناه تبينا ل يلتبس معه بغيره ،أي بيناه بيانا
غير ملتبس ،فأزحنا عللكم وما تركنا لكم حجة علينا .
" بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ،هم أهل بابل ،وكان عليهم بختنصر في المرة الولى ،حين كذبوا
إرمياء وجرحوه وحبسوه ،قاله ابن عباس وغيره ،وقال قتادة :أرسل عليهم جالوت فقتلهم ،فهو وقومه أولوا
بأس شديد ،وقال مجاهد :جاءهم جند من فارس ،يتجسسون أخبارهم ومعهم بختنصر ،فوعى حديثهم من بين
أصحابه ،ثم رجعوا إلى فارس ولم يكن قتال ،وهذا في المرة الولى فكان منهم جوس خلل الديار ل قتل ،
ذكره القشيري أبو نصر ،وذكر المهدوي :عن مجاهد أنه جاءهم بختنصر ،فهزمه بنو إسرائيل ثم جاءهم
ثانية ،فقتلهم ودمرهم تدميرا ،ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد ذكره النحاس ،وقال محمد بن إسحاق في خبر
فيه طول :إن المهزوم سنحاريب ملك بابل ،جاء ومعه ستمائة ألف راية تحت كل راية ألف فارس ،فنزل حول
بيت المقدس فهزمه ال تعالى ،فرجعوا إلى بابل ،ثم مات سنحاريب بعد سبع سنين ،واستخلف بختنصر
وعظمت الحداث في بني إسرائيل ،واستحلوا المحارم وقتلوا نبيهم شعيا ،فجاءهم بختنصر ودخل هو وجنوده
بيت المقدس ،وقتل بني إسرائيل حتى أفناهم ،وقال ابن عباس وابن مسعود :أول الفساد قتل زكريا ،وقال ابن
إسحاق :فسادهم في المرة الولى قتل شعيا نبي ال في الشجرة ،وذكر ابن إسحاق :أن بعض العلماء ،أخبره
أن زكريا مات موتا ،ولم يقتل وإنما المقتول شعيا ،وقال سعيد بن جبير :في قوله تعالى ( ثم بعثنا عليكم عبادا
لنا أولي بأس شديد فجاسوا خلل الديار ) هو سنحاريب من أهل نينوى بالموصل ملك بابل ،وهذا خلف ما قال
ابن إسحاق ،فال أعلم وقيل :إنهم العمالقة وكانوا كفارا قاله الحسن .
من تفسير ابن كثير :
وقد اختلف المفسرون من السلف والخلف ،في هؤلء المسلطين عليهم من هم ،فعن ابن عباس وقتادة :أنه
جالوت الجزري وجنوده ،سلط عليهم أول ثم أديلوا عليه بعد ذلك ،وقتل داود جالوت ،ولهذا قال ( ثم رددنا لكم
الكرة عليهم ) الية ،وعن سعيد بن جبير :أنه ملك الموصل سنحاريب وجنوده ،وعنه أيضا وعن غيره :أنه
بختنصر ملك بابل ،وقد وردت في هذا آثار كثيرة إسرائيلية ،لم أر تطويل الكتاب بذكرها ،لن منها ما هو
موضوع من وضع بعض زنادقتهم ،ومنها ما قد يحتمل أن يكون صحيحا ،ونحن في غنية عنها ول الحمد ،
وفيما قص ال علينا في كتابه غنية ،عما سواه من بقية الكتب قبله ،ولم يحوجنا ال ول رسوله إليهم ،وقد أخبر
17
ال عنهم أنهم لما طغوا وبغوا سلط ال عليهم عدوهم ،فاستباح بيضتهم وسلك خلل بيوتهم ،وأذلهم وقهرهم
جزاء وفاقا ،وما ربك بظلم للعبيد ،فإنهم كانوا قد تمردوا ،وقتلوا خلقا من النبياء والعلماء ،وقد روى ابن
جرير :حدثني يونس بن عبد العلى ،حدثنا ابن وهب ،أخبرني سليمان بن بلل ،عن يحيى بن سعيد ،قال :
سمعت سعيد بن المسيب ،يقول :ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ،ثم أتى دمشق فوجد بها
دما يغلي على كبا ،فسألهم ما هذا الدم ؟ فقالوا أدركنا آباءنا على هذا ،وكلما ظهر عليه الكبا ظهر ،قال :فقتل
على ذلك الدم سبعين ألفا من المسلمين وغيرهم ،فسكن وهذا صحيح إلى سعيد بن المسيب ،وهذا هو المشهور
وأنه قتل أشرافهم وعلماءهم ،حتى أنه لم يبق من يحفظ التوراة ،وأخذ معه منهم خلقا كثيرا أسرى من أبناء
النبياء وغيرهم ،وجرت أمور وكوائن يطول ذكرها ،ولو وجدنا ما هو صحيح أو ما يقاربه ،لجاز كتابته
وروايته وال أعلم .
من تفسير الطبري :
فكان أول الفسادين قتل زكريا ،فبعث ال عليهم ملك النبط ،فخرج بختنصر حين سمع ذلك منهم ،ثم إن بني
إسرائيل تجهزوا فغزوا النبط ،فأصابوا منهم واستنقذوا ما في أيديهم ،قال ابن زيد :كان إفسادهم الذي يفسدون
في الرض مرتين ،قتل زكريا ويحيى بن زكريا ،سلط ال عليهم سابور ذا الكتاف ،ملكا من ملوك النبط في
الولى ،وسلط عليهم بختنصر في الثانية .
عن حذيفة بن اليمان ،يقول :قال رسول ال :إن بني إسرائيل لما اعتدوا وعلوا وقتلوا النبياء ،بعث ال عليهم
ملك فارس بختنصر ،وكان ال قد ملّكه سبع مئة سنة ،فسار إليهم حتى دخل بيت المقدس ،فحاصرها وفتحها ،
وقتل علي دم زكريا سبعين ألفا ،ثم سبى أهلها وبني النبياء ،وسلب حليّ بيت المقدس ،واستخرج منها سبعين
ألفا ومئة ألف عجلة من حليّ ،حتى أورده بابل ،قال حذيفة :فقلت يا رسول ال ،لقد كان بيت المقدس عظيما
عند ال ،قال :أجل بناه سليمان بن داود ،من ذهب ودر وياقوت وزبرجد ،وكان بلطه بلطة من ذهب
وبلطة من فضة وعمده ذهبا ،أعطاه ال ذلك ،وسخر له الشياطين ،يأتونه بهذه الشياء في طرفة عين ،فسار
بختنصر بهذه الشياء ،حتى نزل بها بابل ،فأقام بنوا إسرائيل في يديه مئة سنة ،تعذبهم المجوس وأبناء
المجوس ،فيهم النبياء وأبناء النبياء ،ثم إن ال رحمهم ،فأوحى إلى ملك من ملوك فارس ،يقال له كورش
وكان مؤمنا ،أن سر إلى بقايا بني إسرائيل حتى تستنقذهم ،فسار كورش ببني إسرائيل وحلي بيت المقدس ،
حتى رده إليه فأقام بنوا إسرائيل مطيعين ل مئة سنة ،ثم إنهم عادوا في المعاصي ،فسلط ال عليهم
ابطيانحوس ،فغزا بأبناء من غزا مع بختنصر ،فغزا بني إسرائيل حتى أتاهم بيت المقدس ،فسبى أهلها وأحرق
بيت المقدس ،وقال لهم يا بني إسرائيل ،إن عدتم في المعاصي عدنا عليكم بالسباء ،فعادوا في المعاصي ،
فسيّر ال عليهم السباء الثالث ملك رومية ،يقال له قاقس بن إسبايوس ،فغزاهم في البر والبحر ،فسباهم وسبى
حلي بيت المقدس ،وأحرق بيت المقدس بالنيران ،فقال رسول ال :هذا من صنعة حلي بيت المقدس ،ويرده
المهدي إلى بيت المقدس ،وهو ألف سفينة وسبع مئة سفينة ،يرسى بها على يافا ،حتى تنقل إلى بيت المقدس ،
وبها يجمع ال الولين والخرين " .
ثم اختلف أهل التأويل ،في الذين عنى ال بقوله أولي بأس شديد ،فيما كان من فعلهم ،في المرة الولى في بني
إسرائيل ،حين بعثوا عليهم ،ومن الذين بعث عليهم في المرة الخرة ،وما كان من صنعهم بهم ،فقال بعضهم :
كان الذي بعث ال عليهم في المرة الولى جالوت ،وهو من أهل الجزيرة ،وفيما روي عن ابن عباس قوله :
بعث ال عليهم جالوت ،فجاس خلل ديارهم ،وضرب عليهم الخراج والذل ،فسألوا ال أن يبعث لهم ملكا ،
يقاتلون في سبيل ال فبعث ال طالوت ،فقاتلوا جالوت فنصر ال بني إسرائيل ،وقتل جالوت بيدي داود ،ورجع
ال إلى بني إسرائيل مُلكهم ،وقال آخرون :بل بعث عليهم في المرة الولى سنحاريب ،وفيما روي عن سعيد
بن المسيب يقول :ظهر بختنصر على الشام فخرب بيت المقدس وقتلهم ،وقال آخرون :يعني بذلك قوما من
أهل فارس ،قالوا :ولم يكن في المرة الولى قتال ( ،ثم رددنا لكم … ) وفي قول ابن عباس ،الذي رواه عطية
عنه ،هي إدالة ال إياهم من عدوهم جالوت حتى قتلوه ،وكان مجيء وعد المرة الخرة عند قتلهم يحيى ،بعث
عليهم بختنصر ،وخرّب بيت المقدس ،وأمر به أن تطرح فيه الجيف ،وأعانه على خرابه الروم ،فلما خربه
18
ذهب معه بوجوه بني إسرائيل وأشرافهم ،وذهب بدانيال وعليا وعزاريا وميشائيل ،وهؤلء كلهم من أولد
النبياء .
وفيما روي عن سعيد بن جبير ،قال :بعث ال عليهم في المرة الولى سنحاريب ،قال :فردّ ال لهم الكرة عليهم
كما أخبر ،قال :ثم عصوا ربهم ،وعادوا لما نهوا عنه ،فبعث عليهم في المرة الخرة بختنصر ،فقتل المقاتلة
وسبى الذرية ،وأخذ ما وجد من الموال ،ودخلوا بيت المقدس ،كما قال ال عز وجل ،ودخلوه فتبّروه وخرّبوه
،فرحمهم فردّ إليهم ملكهم ،وخلّص من كان في أيديهم من ذرية بني إسرائيل ،وعن مجاهد قال :بعث ال ملك
فارس ببابل جيشا ،وأمر عليهم بختنصر ،فأتوا بني إسرائيل فدمروهم فكانت هذه الخرة ووعدها .وعن قتادة
قوله :فبعث ال عليهم في الخرة ،بختنصر المجوسي البابلي ،أبغض خلق ال إليه ،فسبا وقتل وخرّب بيت
المقدس ،وسامهم سوء العذاب ،وفيما روي عن ابن عباس قال :فلما أفسدوا ،بعث ال عليهم في المرة
الخرة ،بختنصر فخرب المساجد " .
من تفسير البغوي :
قال قتادة :إفسادهم في المرة الولى ،ما خالفوا من أحكام التوراة وركبوا المحارم ،وقال ابن إسحاق :إفسادهم
في المرة الولى قتل إشعياء في الشجرة وارتكابهم المعاصي ( ،بعثنا عليكم عبادا لنا ) ،قال قتادة :يعني
جالوت الجزري وجنوده ،وهو الذي قتله داود ،وقال سعيد بن جبير :يعني سنحاريب من أهل نينوى ،وقال
ابن إسحاق :بختنصر البابلي وأصحابه ،وهو الظهر ( ،فإذا جاء وعد الخرة ) وذلك قصدهم قتل عيسى عليه
السلم ،حين رفع ،وقتلهم يحيى بن زكريا عليهما السلم ،فسلط عليهم الفرس والروم خردوش وطيطوس ،
حتى قتلوهم وسبوهم ونفوهم عن ديارهم .
من تفسير الشوكاني :
والمرة الولى ،قتل شعياء ،أو حبس أرمياء ،أو مخالفة أحكام التوراة ،والثانية قتل يحيى بن زكريا ،والعزم
على قتل عيسى ( ،عبادا لنا ) قيل هو بختنصر وجنوده ،وقيل جالوت ،وقيل جند من فارس ،وقيل جند من
بابل ،والمرة الخرة ،هى قتلهم يحيى ابن زكريا ( ،وإن عدتم ) قال أهل السير ،ثم إنهم عادوا إلى ما ل ينبغي
،وهو تكذيب محمد صلى ال عليه وآله وسلم ،وكتمان ما ورد من بعثه فى التوراة والنجيل ،فعاد ال إلى
عقوبتهم على أيدي العرب ،فجرى على بني قريظة والنضير وبني قينقاع وخيبر ،ما جرى من القتل والسبي ،
والجلء وضرب الجزية ،على من بقي منهم ،وضرب الذلة والمسكنة .
من تفسير اللوسي :
واختلف في تعيين هؤلء العباد في إفسادهم الول ،فعن ابن عباس وقتادة ،هم جالوت الجزري وجنوده ،وقال
ابن جبير وابن إسحاق هم سنحاريب ملك بابل وجنوده ،وقيل هم العمالقة ،وفي العلم للسهيلي ،هم بختنصر
عامل لهراسف ،أحد ملوك الفرس الكيانية ،على بابل والروم وجنوده ،بعثوا عليهم حين كذبوا أرميا وجرحوه
وحبسوه ،قيل وهو الحق .
واختلف في تعيين هؤلء العباد المبعوثين ،بعد أن ذكروا قتل يحيى عليه السلم في إفسادهم الخير ،فقال غير
واحد إنهم بختنصر وجنوده ،وتعقبه السهيلي وقال بأنه ل يصح ،لن قتل يحيى بعد رفع عيسى عليهما السلم ،
وبختنصر كان قبل عيسى عليه السلم بزمن طويل ،وقيل السكندر وجنوده ،وتعقبه أيضا وقال :بأن بين
السكندر وعيسى عليه السلم نحوا من ثلثمائة سنة ،ثم قال لكنه إذا قيل إن إفسادهم في المرة الخيرة بقتل
شعيا ،جاز أن يكون المبعوث عليهم بختنصر ومن معه ،لنه كان حينئذ حيا ،والذي ذهب إليه اليهود ،أن
المبعوث أول بختنصر ،وكان في زمن آرميا عليه السلم ،وقد أنذرهم مجيئه صريحا ،بعد أن نهاهم عن الفساد
وعبادة الصنام ،كما نطق به كتابه ،فحبسوه في بئر وجرحوه ،وكان تخريبه لبيت المقدس ،في السنة التاسعة
عشر من حكمه ،وبين ذلك وهبوط آدم ثلثة آلف وثلثمائة وثماني وثلثين سنة ،وبقي خرابا سبعين سنة ،ثم
إن أسبيانوس قيصر الروم ،وجّه وزيره طيطوس إلى خرابه ،فخربه سنة ثلثة آلف وثمانمائة وثمانية
19
وعشرين ،فيكون بين البعثين عندهم أربعمائة وتسعون سنة ،وتفصيل الكلم في ذلك في كتبهم ،وال تعالى
أعلم بحقيقة الحال .
وقال اللوسي " :ونعم ما قيل إن معرفة القوام المبعوثين ،بأعيانهم وتاريخ البعث ونحوه ،مما ل يتعلق به
كبير غرض ،إذ المقصود أنه لما كثرت معاصيهم ،سلط ال تعالى عليهم من ينتقم منهم مرة بعد أخرى ،
وظاهر اليات يقتضي اتحاد المبعوثين أول وثانيا "
ونقول :نتفق مع اللوسي في بعض ما ذهب إليه ،ونختلف معه في التقليل من شأن المبعوثين ،التي ما أخبر بها
سبحانه ،في كتابه العزيز إلّ لكبير غرض ،وهو إثبات أن هذا القران من لدن علّم الغيوب ،لمن هم في شك
يءٍ فَصّلْنَاهُ
يلعبون من المسلمين وغيرهم ،فهذه النبوءة تحكي واقعا نعاصره الن ،بكل تفاصيله ( َوكُلّ شَ ْ
َتفْصِيلً ) ومعرفة وتحديد المرتين ،أمر في غاية الهمية .مع أن عبارته الخيرة – رحمه ال -في النص
السابق ،التي أكد فيها " اتحاد المبعوثين أول وثانيا " ،وهو المفسّر الوحيد من القدماء ،الذي أشار صراحة
إلى هذا المر ،أعطتني دفعة كبيرة للمضي قدما في هذا البحث ،حيث كنت قد تتبعت الضمائر الواردة في
اليات ،وتأكدت من هذا المر في بداية البحث ،فقد أيّدت هذه العبارة ،جانبا من الفكار التي كنت أحملها ،
فيما يتعلق بهذه النبوءة ،بعدما تبيّن لي من خلل الحاديث النبوية ،التي ذكرتها في بداية البحث ،أنّ فناء دولة
إسرائيل ،سيكون قبل قيام الخلفة السلمية ،التي ما زال عامة المسلمين ،ينتظرون ويأملون قيامها ،للقضاء
عليهم وإنهاء وجودهم .وبما أن المبعوثين عليهم أول وثانيا متحدين ،فذلك يعني أن معرفتنا لمن بُعث عليهم
أول ،ستقودنا بالضرورة لمعرفة من سيبعث عليهم ثانيا ،وثالثا للكشف عن الكثير مما أحاط هذه النبوءة من
غموض ،كان سببا في كثير من التفسيرات المغلوطة ،التي أوقعت أُناس هذا العصر ،في الحيرة والرتباك .
كان هذا عرضا لمجمل ما قاله المفسرين ،أجلّهم ال ورحمهم جميعا ،مع الخذ بعين العتبار أن أحدا منهم ،لم
يعاصر قيام دولة اليهود للمرة الثانية ،وكان أكثرهم حداثة ،هو اللوسي الذي توفي سنة 1227هجري ،
والملحظ من أقوالهم ،أنهم أجمعوا على أن تحقّق المرتين ،كان قبل السلم ،ونسبة إحدى المرتين ،إلى
البابليين وبقيادة بختنصر ( نبوخذ نصر ) على الغلب ،وهو الحدث المشهور تاريخيا بما يُسمّى ( السبي البابلي
).
ومعظم ما تقدّم من روايات هي أخبار موقوفة ،على أصحابها ،وأصلها أهل التوراة ،حيث أنها المصدر الوحيد
لمثل هذه الروايات ، ،فامتلت التفاسير منها ،وهي ليست مما يُرجع إليه من الحكام ،التي يجب بها العمل ،
فتُتحرى في صحتها أو كذبها ،لذلك تساهل كثير من المفسرون في نقلها ،وهي في بعض منها أقرب إلى
الخرافة .
أمّا المعاصرين من المفسّرين ،فقد أعاد أغلبهم نسخ أقوال القدماء بشكل مختصر ،وأضافوها إلى كتبهم ،ولم
يأتوا بجديد إل واحدا ،هو الشيخ سعيد حوى رحمه ال ،حيث أعلمني أحد الزملء بذلك ،عندما عرضت عليه
بعض نتائج هذا البحث ،فقال لي بأن إحدى النتائج التي خرجت بها ،كان الشيخ قد أوردها في تفسيره ،وقد
اطّلعت على تفسيره لهذه اليات مؤخرا ،فوجدت بأن الشيخ ،قدّمها كاحتمال موسوم بالشك ،ولكنا نطرحها
على وجه اليقين ،الذي ل يُخالطه شك ،بإذن ال .
أما أناس هذه اليام ،ممن علم أو لم يعلم ،فقد جاءوا بتفسيرات وأقوال شتى في هذه اليات ،منها ما وافق
تفسيرات القدماء وأقوالهم من جانب ،وخالفها في جوانب آخرى ،ومنها ما خالفها جملة وتفصيل .
بعض من أسباب الضطراب والرتباك ،في تفسير آيات سورة السراء ؟
.1هجر القرآن
القرآن في العادة ،ل يُقرأ من قبل عامّة المسلمين ،هذه اليام ،إل ما رحم ربي ،وإن قُرء ،فهي قراءة بل تفكّر
أو تدبّر ،حتى أصبحنا إذا سمعناه ،يصدر من أحد البيوت ،في حيّ أو شارع قريب ،تساءلنا فيما إذا كان
أحدهم قد مات ،قال تعالى ( وَ َي ْومَ َيعَضّ الظّا ِلمُ عَلَى يَدَ ْيهِ َيقُولُ يَالَيْتَنِي ا ّتخَذْتُ مَعَ ال ّرسُولِ سَبِيلً (َ )27يوَيْلَتِي
لَيْتَنِي َلمْ أَ ّتخِذْ فُلَنًا خَلِيلً (َ )28لقَدْ أَضَلّنِي عَنْ ال ّذكْرِ َبعْدَ إِذْ جَاءَنِي َوكَانَ الشّ ْيطَانُ ِللِْنسَانِ خَذُولً ( )29وَقَالَ
20
ال ّرسُولُ َيرَبّ إِنّ َق ْومِي ا ّتخَذُوا هَذَا ا ْلقُرْآنَ َم ْهجُورًا ( 30الفرقان ) .وهجر القرآن نبوءة ،وقد تحققت في زماننا
هذا ،وأنّى لنا هذا ،فالتفكر والتدبر في أمور الحياة الدنيا ،أشغلنا وأغنانا عن الخرة ،التي ما خل من القرآن
موضع ،إل وذكّرنا بها ،وهذا أخشى ما نخشاه ،لننا ل نريد أن نتذكّر ،لكيل نتألّم من المصير المرعب ،
الذي نسجناه بأيدينا ،والذي إن تذكّرناه ،لم يغمض لنا جفن ،ولم ترقأ لنا عين .
.2تجميد القرآن وتعطيله وفصله عن الواقع ،ماضيا وحاضرا ومستقبل
يذهب كثير من الناس ،من علماء وعامّة ،إلى أن فهم القرآن واكتشاف مكنوناته ،مقصور على فئة معينة من
الناس دون غيرهم ،أو في زمان أو مكان دون آخر .بالرغم من أن هناك الكثير من التفسيرات الخاطئة ،
والروايات المضلّلة أحيانا ،في كتب التفسير القديمة ،والتي لم تصحّح لغاية الن .ونحن باعتمادنا بشكل كلّي
على تفسيرات القدماء ،حرمنا أنفسنا من فهم كثير من اليات ،ذات الصلة بواقعنا المعاصر ،والتي ما كان
لحد من المفسرين قديما ،القدرة على تفسيرها ،في زمن يسبق زماننا هذا ،ول نقصد هنا التعريض بأي حال
من الحوال ،بأي من المفسرين أجلّهم ال ،فكل له عذره وأسبابه ،ولكن نريد أن نؤكد من خلل هذا الكتاب أن
القرآن ما زال حيّا ،وما زالت لديه القدرة ،على التيان بجديد حتى قيام الساعة ،ولم يكن فهم القرآن يوما ،ولن
يكون محصورا ،بزمان أو مكان ،أو أشخاص دون غيرهم .
.3الغموض والبهام في نصوص النبوءات المستقبلية
عادة ل تُستخدم النصوص الصريحة ،في الكتب السماوية ،وفي السنة النبوية ،كأسلوب للخبار عن مضامين
النبوءات ،فعادة ما يُستعمل الوصف والتشبيه والتمثيل .وهذا هو حال مجمل النبوءات المستقبلية ،تبقى بعض
نصوصها عصية على الفهم ،حتى تتمكن من تجسيد نفسها على أرض الواقع ،لتفسّر نفسها بنفسها .فلكتمال
معالمها ،أسباب ومسببات ،ل بد لها من أخذ مجراها الطبيعي .وعادة ما تكون في جانب منها مبهمة ،خاصة
للطرف صاحب الدور الكبر ،بترجمة أحداثها على أرض الواقع .
وفي المقابل تبقى بعض نصوصها سهلة للهضم والفهم ،لمن جاءت في كتبهم ،إذا عاصروها ،ولكن بال َقدْ ِر
الذي ل يسمح لهم ،بالتدخل في مجرياتها ،أو تعطيل السباب والمسببات المؤدية لتحقّقها .ولتبقى قدرتهم على
التدخل مقيّدة ،بما لم يعرفوه يقينا ،مما أُبهم عليهم من نصوص النبوءة .ومثال ذلك ما جاء في كتب اليهود
والنصارى ،من نصوص تبشّر بنبوة سيدنا محمد عليه الصلة والسلم .وبالرغم من كثرة النصوص التي
أخبرت عنه ،لم يستطع اليهود الستدلل عليه يقينا ،قبل ظهور أمره ،وإل لقتلوه .وصاحب النبوة لم يكن
يعلم ،بأنه المقصود بنبوءات أهل الكتاب ،قبل أن يتنزّل عليه الوحي ،وحتى اسمه ( محمد ) عليه الصلة
والسلم ،جاء مغايرا لسمه ( أحمد ) الموجود في كتبهم ،حيث جاء بالمعنى وليس باللفظ .وبعدما بُعث ،ومع
مرور الزمن ،بدأ الواقع يُفسّر جميع النصوص التي كانت بحوزتهم شيئا فشيئا .أما قريش فما كانت تُصدّق من
نبوءات أهل الكتاب شيئا .
وحتى لو كُشفت مضامين النبوءات ،عند اكتمال معالم القدر ،وقبل تحقق الفصل الخير منها ،كان من الصعب
على ذوي العلقة ،إعادة عقارب الساعة إلى الوراء ،من أجل التأثير على مجريات أحداثها ،أو منع تحقّقها ،
وخاصة أن معظم النبوءات إذا فُسرّت ،وكان واقع الحال ل يتطابق مع التفسير ،وهذا أمر طبيعي جدا ،فعادة
ما يُجابه التفسير بالنكار والتكذيب ،أو التشكيك حتى ممن يعنيهم المر ،أو الظن أن بالمكان منعها ،كما هو
الحال عند بني إسرائيل ،الذين يعلمون هذه النبوءة علم اليقين ،ويُحاولون جهدهم منع تحقّقها ،كما حاولوا
جهدهم البحث ،عن نبينا عليه الصلة والسلم ،لمنع بعثه وظهور أمره .وكما سيكون الحال مع كثير من الناس
،الذين سيقرأون هذا الكتاب ،الذي نكشف فيه ملبسات تحقّق وعد الخرة ،كما لم تكن من قبل ،بعد أن
تشابكت خيوطها ،واتصلت بإحكام منذ سنين عدة ،ولكن الناس كانوا عنها غافلين .
21
.4فهم اللفاظ ومدلولتها
في كثير من الحيان نفهم ألفاظ القرآن ،بالمعنى الذي نستخدمه به في حياتنا المعاصرة ،وربما يكون هذا
الستخدام مختلف أو مخالف تماما ،لستخدام العرب القدماء -الذين نزل القرآن بلغتهم -لنفس اللفظ ،مما
يتسبّب في سوء التفسير أو الفهم .فعلى سبيل المثال ،لنأخذ كلمة ( َفصَلَ ) ،فنحن نستخدم هذا اللفظ تقريبا
بمعنى واحد ؛ قَطعَ التيار ،فَرّق ما بين شيئين بشيء ثالث ،طرده من الوظيفة .أما العرب القدماء فقد كانوا
خرَجَ ،ومن هذه المعاني تستطيع تفسير يستخدمونها بمعان شتى ،تفهم عادة من السياق ،منها ؛ قَطعَ و َف ّرقَ و َ
صلَ طَالُوتُ بِا ْلجُنُودِ ( 249البقرة ) ،على أن طالوت خرج بالجنود .
قوله تعالى ( فَ َلمّا فَ َ
وفي كثير من الحيان ،يحمل اللفظ الواحد في القرآن ،مفهوما عاما عريضا ،ويندرج تحته عدة مفاهيم
خاصة ،يُعرّفها ويُفصّلها القرآن في مواضع عديدة .ومن هذه اللفاظ على سبيل المثال ؛ الفساد والعلو
والفاحشة والظلم ،وهذه كلها مفاهيم عامة ،يختلف تحديد مواصفاتها ومقاييسها ،باختلف فهم الشخص على
سبيل المثال لماهيّة اللفظ .وإذا تركنا الجابة للناس ،كلٌ حسب رأيه ،ستجد أن هناك تعاريف عديدة ومتباينة ،
أما القرآن فله تعريفه الخاص .
فلنأخذ لفظ الظلم ،يقول سبحانه وتعالى ( َومَا كُنّا ُمهْ ِلكِي ا ْلقُرَى ِإلّ َوأَهُْلهَا ظَا ِلمُونَ ( 59القصص ) ،فما هي
ماهية هذا الظلم ،الذي يتحتم عليه إهلك القرى ؟ وكيف تستطيع القرى أن تسلم من الهلك ،بما أن الظلم هو
المقياس لذلك ،كما أخبر رب العزة ؟ ولفهم دللة هذا اللفظ ،يتحتم عليك أن تُلمّ بكل مُتعلّقاته ،في جميع اليات
القرآنية ،التي ورد فيها ذكره ،لتخرج في النهاية بما يُشبه المقياس ،الذي من خلله تستطيع تعريف هذا
المفهوم ،بالمقياس اللهي له ،وليس بالمقاييس الشخصية للناس .
.5اليجاز الشديد
مثل قوله تعالى ( فجاسوا خلل الديار ) ،حيث وصف سبحانه ،كل ما فعله أولئك العباد ،في المرة الولى
بثلث كلمات فقط ،أو بالحرى كلمة واحدة هي ( فجاسوا ) ،وبالرغم من ذلك ،فإن هذه الكلمة ،وعند
الطلع معانيها في المعجم ،ستجد أنها تصوّر مشهدا سينمائيا كامل ،وبدون الطلع على تلك المعاني ،لن
تمتلك القدرة على تخيّل ذلك المشهد .
.6الحذف وتقدير المحذوف
حذف كلمة أو عبارة من السياق ،لسبق الدللة عليها فيما تقدم من نصوص ،مثل حذف جواب شرط إذا
الخاص بوعد الخرة ،وتقديره ( بعثناهم عليكم ) في الية ( ، )7لدللة قوله تعالى ( فإذا جاء وعد أولهما بعثنا
عليكم ) في الية ( . )5
.7اللتفات
الحديث عن الغائب ،ومن ثم النتقال لتوجيه الخطاب إلى الحاضر ،والعكس بالعكس ،بين حين وآخر ،مثل
( وقضينا إلى – الحديث هنا عن الغائب ( السابقين من بني إسرائيل ) …لتفسدنّ في – الخطاب هنا إلى
الحاضر ( المعاصرين من بني إسرائيل ) . ) ..عادة ما يستخدم هذا السلوب ،في إخبار المستمع الحاضر عن
حدث وقع في الماضي .والهدف من إنزال هذه النبوءة في كتاب موسى ،وإعادة نسخها في القرآن ،هو كشف
للغيب الذي ل يعلمه إل من أخبر عنه ،فيما أنزله من كتب على رُسله ،لعل الناس المعاصرين بربهم يؤمنون ،
عند تحقق هذه النبوءة بكل تفاصيلها ،كما جاءت في الكتب السماوية .لذلك جاء الخبار في القرآن للناس كافة ،
وجاء الخطاب لبي إسرائيل خاصّة ،لن المر يعنيهم أكثر من غيرهم ،فلعلّهم إلى ربهم يرجعون .
لقد أخبر سبحانه في الية ( )2أنه آتى موسى الكتاب ،وفي الية ( )4أخبر بأنه أنزل في ذلك الكتاب نص هذه
النبوءة ،التي سيشرع فيما يلي بالخبار عنها بكل تفاصيلها ،كما جاءت في كتاب موسى ،حيث جاء النص
آنذاك مخاطبا لبني إسرائيل .وإتيان النص بأسلوب المخاطبة لبني إسرائيل في القرآن ،يفيد أن هناك جزء من
22
هذه النبوءة سيتحقق مستقبل بعد نزول هذه اليات ،وأعيد النص لتذكير بني إسرائيل وتنبيههم وتحذيرهم ،من
مغبة الفساد في الرض في المرة لثانية ،مما يترتب عليه نفاذ الوعد الثاني ،كما نفذ الوعد الول .
ومع أن المخاطَب في هذه اليات ،هم بنوا إسرائيل ( المعاصرين ) ،ولكن يجب أل ننسى ،أن هناك من يقرأ
ويسمع خطابه تعالى – لبني إسرائيل – من خلل القرآن ،ممن هم من غير بني إسرائيل ،ول يعلمون من أمر
هذه النبوءة شيئا ،فيما إذا كانت قد أنزلت عليهم في كتابهم أم ل ،فابتدأ عز وجل القصة بالخبار عن وجودها
في كتابهم ،لمن ل يعلم من الجمهور بذلك ،من مستمع وقارئ لهذه القصة .ليُعيد الجمهور إلى الجواء التي
أُنزلت فيها هذه النبوءة ،ليسهُل فهمها من قبلهم .وليصبحوا مساوين لبني إسرائيل في معايشة تلك الجواء ،
التي يعرفونها كما يعرفون أبنائهم ،من خلل ما لديهم من كتب .لذلك تجده سبحانه أحيانا يتوجه بالخطاب إلى
الجمهور ،تاركا ( خطاب بني إسرائيل ) ،ليضيف إليهم خبرا أو تعقيبا ،على جزء معين من هذه النبوءة ،أو
إيضاحا أو تفصيل ،لم يرد في النص الصلي للنبوءة ،التي سبق أن أُنزلت عليهم ،أو تحقق بعد نزولها ،لزم
إخبار الجمهور عنه في هذه اليات .فالحكمة من الخبار بهذه النبوءة والكشف عنها للبشر ،هي تحصّل اليمان
ؤمِنُوا (107
بالقرآن ومن أنزله ومن أُرسل به ،كما عقّب سبحانه بقوله في نهاية السورة ( ُقلْ ءَامِنُوا ِبهِ َأوْ لَ ُت ْ
السراء ) .وسنبين إن شاء ال كل موضع ،حصل فيه التفات ،لتصبح نصوص النبوءة أكثر وضوحا وأسهل
للفهم .وعدم معرفة ماهية اللتفات ومواضعه -أحد أوجه البلغة في لغة العرب – سيجعل من الصعوبة بما
كان ،أن يفهم الناس النصوص القرآنية بشكل صحيح ،وربما يقلب المعنى بشكل مخالف تماما .
.8الضمائر
متابعة الضمائر في هذه اليات ،بأنواعها الثلثة ،المتكلّم والمخاطَب والغائب ،وتحديد على من يعود كل منها .
ن كل الضمائر الواردة في اليات ( ، ) 8-4ما عدا ضمائر المتكلّم التي تعود
وهنا ل بد أن نوضح ونؤكد ،على أ ّ
عليه سبحانه ،تعود على أولئك العباد أولي البأس الشديد أنفسهم في مواضع ،وعلى بني إسرائيل في مواضع
أخرى ،وهي محصورة فيهم على الطلق ،إذ لم يضف النص طرفا ثالثا .
.9العتراض
وهو إضافة جملة إلى السياق ،كتعقيب على خبر قد سبق ذكره ،زيادة في اليضاح والبانة ،وهو أحد أوجه
البلغة أيضا .وعدم وجود هذا التعقيب ،ربما يُثير التساؤل في ذهن المستمع ،فيُضيف الراوي من تلقاء نفسه
خبرا جديدا ،ليدفع الحيرة عنه ،ومنعا لتوارد الجتهادات والتفسيرات الخاطئة في مخيلته ،وليُغني المستمع
الحاجة إلى السؤال .فعادة ما تأتي الجملة المعترضة كإضافة ،لزالة الغموض واللبس ،الذي قد ينجم عن سوء
تقدير المستمع ،ولزوم هذا التعقيب يعود لتقدير الراوي .
وقد وقع العتراض في نصوص النبوءة في موضعين ،في قوله تعالى " وكان وعدا مفعول " ،للتعقيب على
الوعد الول ،لبيان أن هذا كان قد أُنجز أم لم يُنجز .وفي قوله تعالى " وليتبّروا ما علوا تتبيرا " للتعقيب على
العلو الكبير الخاص ببني إسرائيل ،لبيان وتأكيد أن هذا العلو ستتم إزالته مستقبل ل محالة .
.10الهوى والعاطفة
نحن كمسلمين مرتبطون عاطفيا بالمسجد القصى ،ومرتبطون عاطفيا بالبطولت السلمية وأبطالها ،
ومرتبطون عاطفيا بالخلفة السلمية وخلفائها ،لنها توفّر لنا شعورا بالعزة والكرامة طالما افتقدناه ،ونحن
بأمس الحاجة إليه هذه اليام .وفي المقابل نحن أبعد ما نكون عن السلم ،في حياتنا العملية ،ولو نظرنا في
أعماق أعماقنا ،لوجدنا أننا نرفض السلم كأسلوب للحياة ،لن السلم بكل بساطة يرفض كل مظاهر الحياة
الدنيا ،التي يتمسّك بها الن معظم المسلمين ،ويسعون لبقائها ويحرصون على إدامتها والستزادة منها ما
أمكنهم ذلك .
نص هذه النبوءة موجود في كتب اليهود ،فما الذي قام به زعماؤهم العلمانيون والمتدينون ،عندما أرادوا أن
يقيموا لهم دولة ؟ أخذوا من النبوءة الجزء الخاص بالعودة من الشتات ورد السبي ،وفسّروها على أن ال أراد
23
لهم ذلك ،بغض النظر عن فسادهم وإفسادهم ،وأخفوا النصوص التي تُحذّر من العقوبة التي تنتظرهم ،ليُضفوا
على عودتهم إلى فلسطين ،بعدا دينيا توراتيا ،وبالتالي استطاعوا كسب التأييد والدعم المادي والمعنوي ،
سياسيا واقتصاديا وعسكريا ،من اليهود والنصارى على حد سواء .
نحن أيضا نملك نص النبوءة نفسها ،وملزمون بتحرير القصى ،ولننا نشعر بالعجز وقصر ذات اليد ،قمنا
بإضفاء البعد الديني على عملية التحرير ،بحصرها بخلفة إسلمية غير منظورة على المدى القريب ،
واستبعدنا احتمالية أن يتم هذا المر ،خارج هذا الطار العاطفي .وبعد أن تقوقعنا داخل هذا الطار ،بدأنا نُفسّر
المعطيات حسب ما يتوافق مع هذا التوجّه .حتى بلغ بنا المر ،إلى أن نُحمّل النصوص القرآنية ما ل تحتمله ،
لتوافق رغباتنا وأهوائنا وتطلّعاتنا كمنتسبين للسلم .فأخذنا عبارة ( عبادا لنا ) ،وعبارة ( وليدخلوا المسجد )
وعبارة ( كما دخلوه أول مرة ) ،وسلخناها عن جلدها ،وقمنا بالسهاب في تفسير وتفصيل هذه العبارات ،
وأهملنا بعض العبارات الخرى ،وفسّرنا بعضها الخر بشكل يُناقض فحواها ،فعزلنا العبارات عن آياتها ،
وعزلنا اليات عن بعضها ،وعزلنا مجموعة اليات عن السورة ،وعزلنا السورة عن القرآن ،وعزلنا القرآن
عن كل شيء .فخرجنا باستنتاجات وتحليلت وأصدرنا أحكام ،حرمت الكثير من الناس من المعرفة الحقيقة ،
التي تكتنفها نصوص هذه النبوءة ،التي تم تفسيرها ،بتغليب من الهوى والعاطفة ،على النصوص القرآنية
والسنة ،وعلى العقل والمنطق والواقع والتاريخ والجغرافيا .
وبذلك أزاحت بعض التفسيرات ،التي حصرت تحرير القصى ،بالخلفة السلمية عن غير قصد ،عن كاهل
هذا الجيل عبء فكرة التحرير ،وأبعدت عن أذهان الناس شبح حرب قادمة ،مما ساهم بشكل غير مباشر ،في
تخدير أمة السلم لسنين طويلة ،لينعُم الناس بحياة آمنة مطمئنة ،ولكن للسف بعيدا عن الدين .فالخلفة
السلمية على المدى القريب صعبة التحقق ،لن مقومات قيامها ضمن الظروف الراهنة معدومة .والمة
بحاجة لمن يُنبّهها ل لمن يُخدّرها … وقبل طرح هذه الفكرة الخطرة عن تحرير المسجد القصى … ونسبها إلى
كتاب ال … وأن ال أراد ذلك … كان على روّاد هذه الفكرة … أن يتجرّدوا من عواطفهم وأهوائهم كليا عند
تفسير آيات ال … فالقرآن يطلب العقل سبيل للفهم ل العاطفة والهوى … لدرجة أنه جعل ( القلب ) موطنا
للعقل بدل من العاطفة … وأن يُفكّروا مليّا قبل أن يُقدّموها للناس … فنحن بحاجة لبناء مساجد في نفوس الناس
… فإن استطعنا القيام بذلك … فلن نحرّر المسجد القصى فقط … بل سنحرّر العالم بأسره … وإن لم نستطع
فالحرى بنا … أن نعتزل ونفرّ إلى رؤوس الجبال … بأطلل المساجد المتبقية في نفوسنا … حتى يأتي ال
بأمره … !!!
هذا الطرح الخطِر والبعيد جدا ،عما جاء في النصوص القرآنية ،سيؤدي بالناس ل محالة ،إلى الوقوع في
الحيرة والرتباك ،ونشوء كثير من علمات الستفهام ،حول من قدّم هذه التفسيرات ،وحول مصداقية كتاب
ال نفسه ،من قبل ضعاف اليمان والعقل والقلب ،عندما تتحقّق النبوءة بشكل مغاير لتلك التفسيرات .
ربما يُصرّ الكثير من الواقعيون ،على أن الواقع يُناقض مما يطرحه هذا الكتاب .غير أن هذا الواقع سيتغير
بالتدريج ،أو بين عشية وضحاها ليتوافق مع أمر ال .وإن لم يتوافق ،فأمر ال فوق الواقع ،وكثيرا ما يأتي
بغتة .وبالرغم من ذلك ،أعتقد بأن كثير من المتغيرات ،على المستوى القليمي والعالمي ،ستلوح في الفق ،
قبل مجيء أمر ال ،وسيلحظها كل ذي بصيرة .
24
وكل شيء فصّلناه تفصيل
قال تعالى ( إِنّ هَذَا ا ْلقُرْآنَ َيقُصّ علَى بَنِي ِإسْرَائِيلَ َأكْثَرَ الّذِي ُهمْ فِيهِ َيخْتَ ِلفُونَ ( 76النمل ) ،هذه الية الكريمة
تؤكد أن هذا القرآن ،فضل عن مخاطبته لكافة البشر ،جاء ليقصّ على بني إسرائيل ،أي ليُخاطبهم ويوضّح لهم
بشكل خاص ،كثيرا مما اختلفوا فيه ،من أمور الدين والدنيا والخرة .فهو يحكي تاريخهم ،ويعرض مواقفهم
من أنبيائهم ،ومشاهد من كفرهم وعصيانهم وعدوانهم ،والعذابات التي أنزلها ال بهم ، ،ويكشف طبائعهم ،
ويفضح سرائرهم ،ويُفنّد أقوالهم ،ويُحذّرهم ويُحذّر منهم ،ويُبيّن لهم حقيقة ما جاء به رسلهم وأنبيائهم من وحي
،بعد أن طمسته وشوّهت معالمه أقلم أحبارهم .
ويقول سبحانه في الية ( )12من سورة السراء َ ( ،و ُكلّ شَيْءٍ فَصّلْنَاهُ َتفْصِيلً ) ،أي أن كلّ شيّ مما سبق هذا
القول من آيات ،قدّ بيّنه سبحانه ،بيانا واضحا ل لُبس فيه .وهذا القول البليغ ،عندما تقرأه مرارا وتكرارا ،تجد
أن له وقعا خاصا في نفسك ،واليات التي تسبق هذا القول ،تخبرنا عن أمر يتعلق ببني إسرائيل ،من حيث
إفسادهم وعلوهم وعقابهم .وقد جاء هذا القول ( بالفعل ومفعوله المطلق للمبالغة في التأكيد ) مرة واحدة في
القرآن ،في هذا الموضع بالذات ،تعقيبا على ما مجمل ما جاء قبله من آيات ،ولم يأتِ عامّا كما في قوله تعالى
عرَبِيّا ِل َق ْومٍ َيعْ َلمُونَ ( 3فصلت ) ،أو في قوله تعالى ( وَ َلقَدْ جِئْنَا ُهمْ ِبكِتَابٍ فَصّلْنَاهُ
( كِتَابٌ فُصّلَتْ ءَايَا ُتهُ قُرْءَانًا َ
ح َمةً ِل َقوْمٍ ُي ْؤمِنُونَ ( 52العراف ) . عَلَى عِ ْلمٍ هُدًى وَ َر ْ
وإن دلّ هذا على شيء ،فإنما يدّل على أن ما تتحدّث عنه هذه اليات ،أمر غاية في الهمية ،ولذلك فصّله
سبحانه تفصيل ،وأبانه بيانا ل يختمره شكّ أو تقوّل ،وأن هذا التفصيل جاء لعِظم هذا المر ،وأن معرفته بكل
دقائقه وتفاصيله ،ل بد إل أن يكون فيه الكثير ،من النفع والفائدة ،لمن يُخاطبهم القرآن ،وما كان بيانه
وتفصيله عبثا .وما كان هذا الفصل ،إل للتعريف بهذه الدقائق والتفاصيل ،وما جاء هذا الكتاب إل لتعميم الفائدة
على الناس ،وال من وراء القصد .
لو أمعنت النظر في مجمل سورة السراء ،لوجدت أنها تناوبت ما بين أسلوبي الخبار والمخاطبة ،ولو أمعنت
النظر في مقدمة السورة ،ستجد أنها جاءت إخبارية ومُخاطِبة للمسلمين ،بصفة عامّة ،وإخبارية ومُخاطِبة لبني
إسرائيل ،بصفة خاصّة .
والسؤال الول :لماذا أُعيد نص النبوءة بأسلوب المخاطبة ،لبني إسرائيل في عصر أمة السلم ؟
مقدمة السورة ( اليات ) 3-1جاءت كتمهيد ،فهي تذكر المسجد القصى ،وتبين قدسيّته عند ال وبالتالي عند
المسلمين ،وتذكُر كتاب موسى عليه السلم ،وتذّكر بني إسرائيل بما جاء فيه ،وبالذات عدم الشرك بال ،
واتّخاذ وكلء من دونه ،ويمنّ الّ عليهم ويذكرهم بنجاة أسلفهم من الطوفان ،وبنفس الوقت يحذّرهم من
الهلك ،من خلل ذكر نوح عليه السلم ،وأنّه ما كان لنوح ومن معه النجاة ،لول إقراره بالعبودية ل ( عبداً )
أولً ،وقيامه بالعبادة ل ( وشكورًا ثانياً ) .
السؤال الثاني :لماذا التمهيد ،وبهذا الشكل المرعب لبني إسرائيل ؟
هناك قول بأن كلتا المرتين وقعتا قبل السلم ،فلو كان هذا المر صحيحا ،لتوجب أن يكون نص النبوءة كامل
بأسلوب الخبار ،ولما كان هناك داعي لوجوده أصل ،فقد أخبرنا سبحانه في مواضع أخرى في القرآن ،بأنه
غضب عليهم ،ولعنهم وضرب عليهم الذلة والمسكنة ،وتوعدهم بأن يبعث عليهم ،من يسومهم سوء العذاب إلى
يوم القيامة ،وقطّعهم في الرض أمما .
السؤال الثالث :ما هو المر الذي خرج عن كل ما تقدّم ،فأراد سبحانه لفت أنظارنا إليه ،مبينا أهميته ،ومنبها
إليها ؟
بما أن المرتين متشابهتين تماما ،فلو فرضنا جدل أن القول السابق صحيح ،لكان من الحرى ،أن يأتي النص
في الحديث عن المرتين مجمل ،على سبيل المثال ،على النحو التالي … ( ،لتفسدن … مرتين ولتعلن علوا
25
كبيرا … فإذا جاء وعد كل منهما ،بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد … فأساءوا وجوهكم ودخلوا المسجد
… وكان كلّ من الوعدين مفعول … وتبّروا ما علوا تتبيرا ) .
السؤال الرابع :لماذا فَصَلت و َفصّلت اليات ،كلّ مرة على حدة ؟
الية الرابعة ،أجملت ثلثة شروط من شروط المرتين ،وهي الرض ( المقدّسة ) والعلو والفساد ،والية
الخامسة أفردت وأوجزت الحديث عن الوعد ( العقاب ) الول ،فذكرت البعث والجوس وصفة العباد ،وجاءت
الفعال كلها بصيغة الماضي .والية السادسة فصّلت مظاهر العلو الثاني ،من لحظة النشوء حتى اكتمال
مقوماته ،من حيث القدرة العسكرية والبشرية والقتصادية ،وجاءت الفعال كلها بصيغة الماضي ،مع حملها
لصفة الستقبال .
السؤال الخامس :لماذا جاءت أفعال وعد الولى بصيغة الماضي ،ولماذا جاءت أفعال وعد الخرة بصيغة
الستقبال ؟
السؤال السادس :لماذا جاء التخيير ما بين الحسان أو الساءة ،بعد اكتمال مظاهر العلو الثاني ،وقبل الحديث
عن عقاب وعد الخرة ،ولم يأتِ عند الحديث عن وعد الولى ؟
السؤال السابع :لماذا أُخرجت كيفية مجيئهم ،عند مجيء وعد الخرة من نص النبوءة ،ولماذا أُفردت في نهاية
السورة ؟
السؤال الثامن :لماذا أُعيد ذكر بني إسرائيل وقصّتهم مع فرعون في نهاية السورة ،اليات ( ) 104 – 101؟
حوْ َلهُ لِ ُنرِ َيهُ مِنْ آيَاتِنَا
سجِدِ ا ْلحَرَامِ إِلَى ا ْل َمسْجِدِ الْأَقْصَى الّذِي بَا َركْنَا َ
( سُ ْبحَانَ الّذِي َأسْرَى ِبعَبْدِهِ لَ ْيلًا مِنْ ا ْل َم ْ
سمِيعُ الْبَصِيرُ ( )1 إِنّه ُه َو ال ّ
تُشير هذه الية ،بذكر المسجد الحرام ،إلى نقطة البداية ،لنتشار رسالة السلم ،التي أنعم ال وأكرم بها نبيه ،
محمد عليه الصلة والسلم .وبذكر المسجد القصى ،تُشير من طرف خفي ،إلى ما ورد في الحديث
الصحيح ،إلى أن مسك الختام لهذه الرسالة ،آخر الزمان ،سيكون بنزول الخلفة الراشدة ،وأميرها المهدي في
بيت المقدس ،بإذن ال .وهذا مما يوحي بأن قيام دولة إسرائيل ،هو أحد أشراط الساعة ،وأن نهايتها ،علمة
لقرب ظهور المهدي ونزول الخلفة فيها ،وال أعلم .وأهم ما جاءت به الية هو تعريف المسجد ،بوصفه
بالقصى أي البعد ،وبالذي باركنا حوله ،وهو المسجد الذي سيكون موضوع ما يلي هذه الية من آيات .
ن دُونِي وَكِيلًا ( )2
جعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ أَلّا تَ ّتخِذُوا مِ ْ
( وَآتيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ َو َ
في هذه الية ،يحذّر ال بني إسرائيل ،من التّكال على غيره ( لَ يَ ّتخِذْ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ا ْلكَا ِفرِينَ َأوْلِيَاءَ مِنْ دُو ِ
ن
سهُ ( 28آل عمران ) ويختم سبحانه السورة ،بقوله ( ..وَ َلمْ َيكُنْ َلهُ وَلِيّ ِمنْ ال ّذلّ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ..وَ ُيحَذّ ُركُمْ الُّ َن ْف َ
) ..أي لم يتخذ له حليفا لضعف أو لذلّة ،وهذا تعريض بالعلو الحالي لبني إسرائيل ،حيث كانوا أذلّء
مضطهدين ،وبموالة الغرب أصبحوا سادة .
ويذكّرهم فيها بما أنزله عليهم من الهدى ،ليكون لهم نورا يهتدون به ،ومن ضمنه هذه النبوءة ،التي أعادها إلى
أذهانهم مخاطبا إياهم بمضمونها ،وكما وردت في الكتاب الذي أُنزل على موسى عليه السلم ،ويحذّرهم من
اتّخاذ أولياء من دونه ،من النس والجنّ على حدّ سواء .
فاختاروا الولء لغير ال ،وتمسكنوا ،وحقّقوا مآربهم منذ البداية بالفساد والفساد ،بما خطّطوا له بمكرهم
ودهائهم ،ونفذّه غيرهم ،من فتن وحروب سبقت وهيّأت الظروف ،وتسبّبت في قيام دولتهم في فلسطين .ولما
تمكنوا استعلوا واستكبروا فيها ،استمروا بالفساد والفساد ،وساموا أهلها سوء العذاب ،فاستحقّوا غضب ال
واستوجبوا العقاب ،فتوافق أمرهم مع ذهب إليه النص القرآني ،بذِكر إفسادهم في الرض بمجملها أول ،ومن
عُلوّا كَبِيرًا
ض مَرّتَ ْينِ وَلَ َتعْلُنّ ُ
ثم جاء ذِكر علوهم الكبير الذي نشهده هذه اليام ،في قوله تعالى ( لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْرْ ِ
).
26
ن عَبْدًا شَكُورًا ( )3
حمَلْنَا مَ َع نُوحٍ إِ ّنهُ كَا َ
( ذُرّ ّي َة مَنْ َ
يقول ابن كثير " :تقديره يا ذريّة من حملنا مع نوح ،فيه تهييج وتنبيه على المنة " وهذا النداء موجّه لبني
إسرائيل ،وبالضافة لما قاله ابن كثير ،نلمس تهديدا وتحذيرا خفيا لبني إسرائيل ،من وراء ذكر نوح عليه
السلم ،فعادة ما كان سبحانه وتعالى ،يمنّ عليهم بتذكيرهم بنعمة النجاة من فرعون وقومه َ ( ،وإِذْ فَ َرقْنَا بِكمْ
ع ْونَ َوأَنْ ُتمْ تَنظُرُونَ ( 50البقرة ) إل في هذا الموضع ،وهي المرة الوحيدة في الْ َبحْرَ فَأَ ْنجَيْنَاكُمْ َوأَغْ َرقْنَا آلَ فِرْ َ
القرآن التي يمنّ عليهم فيها ،بأنهم سللة من حمل مع نوح عليه السلم ،أي من الذين أنجاهم ال من الطوفان ،
حثا لهم على اليمان به ،والعبادة والشكر له كما كان يفعل نوح والذين حملهم معه ،وأنّ فِعل هؤلء هو الذي
أنجاهم من الهلك ،فإن لم يفعلوا كما فعلوا ،حلّ بهم ما حلّ بقوم نوح .و ِذ ْكرُ نوح في هذا الموضع وتكرار
ذكره ،في الية ( 17السراء ) ( َو َكمْ أَهْ َلكْنَا مِنْ ا ْلقُرُونِ مِنْ َبعْدِ نُوحٍ َوكَفَى ِبرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا )
دفعني إلى إلقاء نظرة على سورة نوح .
جلَ الِّ إِذَا جَاءَ لَ ُي َؤخّرُ )4( ... ومنها قوله تعالى ( ...أَنْ أَنذِرْ َق ْومَكَ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ يَأْتِ َي ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ... )1إِنّ َأ َ
شوْا ثِيَا َب ُهمْ َوأَصَرّوا وَاسْتَكْبَرُواجعَلُوا أَصَا ِبعَ ُهمْ فِي آذَا ِنهِمْ وَاسْتَ ْغ َ ...فَ َلمْ يَزِ ْد ُهمْ دُعَائِي ِإلّ فِرَارًا (َ … )6
جعَلْ َل ُكمْ أَ ْنهَارًا ( )12مَا َل ُكمْ لَ تَ ْرجُونَ لِّ َوقَارًا ( اسْتِكْبَارًا ( … )7وَ ُيمْدِ ْد ُكمْ بِ َأ ْموَالٍ وَبَنِينَ وَ َيجْ َعلْ َلكُمْ جَنّاتٍ وَ َي ْ
خسَارًا ( َ )21و َمكَرُوا َمكْرًا كُبّارًا (.. )22 صوْنِي وَاتّبَعُوا مَنْ َلمْ يَزِدْ ُه مَاُلهُ َووَلَدُ ُه ِإلّ َ ب إِ ّنهُمْ عَ َ … )13قَالَ نُوحٌ رَ ّ
وَقَدْ أَضَلّوا كَثِيرًا … )24( ...رَبّ لَ تَذَرْ عَلَى الَْرْضِ مِنْ ا ْلكَا ِفرِينَ دَيّارًا (َ ... )26ولَ َتزِدْ الظّا ِلمِينَ ِإلّ تَبَارًا (
28نوح )
اقرأ هذه اليات وتفكّر وتدبّر ( ..أول إنذار ..ول تأخير ..فرار ..إصرار واستكبار ..إمداد بأموال وأولد ..
وجنات وأنهار ..استهزاء وسخرية ..عصيان ..عبادة القوة والمال ..المكر الكبير ..الضلل ..الكفر ..
وأخيرا تبار ) ..
وهذا هو حال بني إسرائيل ..وهذا هو الفساد في الرض ..وردّ ال عليه أوله إنذار ..فإن كان هناك استكبار
ضلّ عَلَ ْيهَا َ ،ولَ
ضلّ فَإِ ّنمَا يَ ِ
سهِ َ ،ومَنْ َوإصرار ..كان هناك تبار .يقول سبحانه ( مَنْ اهْتَدَى فَإِ ّنمَا َيهْتَدِي لِ َن ْف ِ
ن حَتّى نَ ْبعَثَ َرسُولً ( 15السراء ) . تَ ِز ُر وَازِرَ ٌة وِ ْز َر أُخْرَى َ ،ومَا كُنّا ُمعَذّبِي َ
والرسول قد بُعث ،منذ ألف وأربعمائة وإحدى وثلثون عاما ،وقد أتاهم بالنذار في كتاب ربه ( ،وصحيفة
النذار ) الموجهة لتلك الفاعي في الجحر البيض ،وتلك الطفيّليات في منتجعات المال العالمية ،التي تمتص
بنهم دماء الكرة الرضية ،وتلك الفئران المستأسدة في قدس القداس ،هي ( سورة بني إسرائيل ) ومن أول
حرف فيها وحتى آخر حرف ،حيث قال فيها ( َوإِذَا أَرَدْنَا أَنْ ُنهْلِكَ قَرْ َيةً َأمَرْنَا مُتْ َرفِيهَا ) ..وقد ساد دولة الكفر
سقُوا فِيهَا ) ..فاغتالوا أصالتها ،وقدسيّة ويسودها ،قطاع الطرق واللصوص والقتلة ،وأسافل مجرميها ( َ ..ففَ َ
أرضها ،ووقار شيخوختها ،وسكينة عبّادها ،وحياء حرائرها ،وأحلم طفولتها ،وحتى طهارة مساجدها ( ..
َفحَقّ عَلَ ْيهَا ا ْل َق ْولُ ، ) ..وهذا هو ( قول ) رب العزة … ( ،لِ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ … ) ،وهذا هو ( فعله ) ( ..
فَ َدمّرْنَاهَا تَ ْدمِيرًا ( 16السراء ) وهذا هو ( تعقيبه ) ( … َو َكفَى ِبرَبّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِ ِه خَبِيرًا بَصِيرًا ( 17السراء )
شرِيكٌ فِي ا ْلمُ ْلكِ ،وَ َلمْ َيكُنْ َلهُ وَلِيّ مِنْ
حمْدُ لِّ الّذِي َلمْ يَ ّتخِذْ وَلَدًا ،وَ َلمْ َيكُنْ َلهُ َ
وهذه هي ( خاتمته ) ( وَ ُقلْ ا ْل َ
ال ّذلّ َ ،وكَبّرْهُ َتكْبِيرًا ( 111السراء ) .
اقتصرت مقدمة السورة على ثلث آيات فقط ،حملت من المعاني ما يشحذ الفكر والوجدان ،ويعمل على تهييج
العقل وتنبيهه من غفلته ،لستقبال واستيعاب ما سيأتي من عرض ،لنبوءة ستغير مجرى التاريخ في يوم أو
بضعة أيام .وهذه النبوءة تعني كل من سمع برسالت السماء ،وتمسّهم في صميم معتقداتهم ،وأكثرهم تأثّرا هم
أصحاب الديانات الثلث ،والذي يمتلك كل منهم مخزونا عقائديا ،فيما يخصّ عودة اليهود إلى الرض
المقدسة ،يلتقي مع أحدها ويتعارض مع الخر في التفاصيل والحداث .
27
ن عُُلوّا كَبِيرًا ( )4
ن وَلَ َتعْلُ ّ
ض مَرّتَيْ ِ
( وَقضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَـابِ ،لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الْأَرْ ِ
ورد جذر الفعل قضى في القرآن ( )63مرة ،ومشتقات هذا الفعل حملت عدة معاني ،وعادة ما يأتي هذا الفعل ،
سكَ ُكمْ (200 ليفيد تمام العمل الوارد نصا في السياق ،أو المفهوم ضمنا ،كما في قوله تعالى ( فَإِذَا قَضَيْ ُتمْ مَنَا ِ
البقرة ) ،بمعنى أنجزتم مناسككم وانتهيتم منها ،وقوله تعالى في شأن لوط وقومه ( وَقَضَيْنَا إِلَ ْيهِ ذَِلكَ ا َلْمْرَ ،أَنّ
دَابِرَ َه ُؤلَءِ َم ْقطُوعٌ مُصْ ِبحِينَ ( 66الحجر ) ،أي أخبرناه بالمر ،على وجه النتهاء منه ،إذ ل رجعة عنه ،فل
جلْ بِا ْلقُ ْرءَانِ ،مِنْ قَ ْبلِ أَنْ ُيقْضَى إِلَيْكَ َوحْ ُيهُ ( 114طه ) ،أي من قبل أن تُخبر
نقاش ول جدال فيه َ ( ،ولَ َت ْع َ
بوحيه ،على وجه التمام .
وقوله تعالى ( وَقضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ ) أي أنّا كنّا قد أخبرنا بني إسرائيل في كتابهم -أي أن
مضمون هذا الخبر موجود في كتابهم نصا حتى هذه اللحظة -بما سيأتي تفصيله فيما يلي ،من شأن إفسادهم
وعلوهم في الرض ،وهذا الخطاب ،في هذه العبارة ،موجّه في الحقيقة لمن هم من غير بني إسرائيل ،ممن
ليس لديهم ،علم أو اطلع على هذا المر ،ليطلعهم ال على هذا المر ،وما كان ال ليُخبر عنه إل لعظيم
شأن ،وذلك من سابق علم علم الغيوب ،بما سيكون منهم مستقبل ،وليس ما قضاه عليهم بمعنى المر أو
الحكم ،فحاشا ل أن يأمر بالفساد في الرض أو أن يقضي به .
والكتاب المقصود هنا هو كتاب موسى عليه السلم ،المنصوص عليه في الية الثانية أعله ،وليس التوراة ،
فكتاب موسى شيء والتوراة شيء آخر .والذي قادني إلى معرفة تلك الحقيقة ،هو تساؤلي ،أول :عن سبب
عدم ذكر التوراة بدل من الكتاب ،وثانيا :رغبتي بالطلع على نص النبوءة في التوراة نفسها ،فيما لو وجد .
وبعد أن استخرجت كافة اليات القرآنية ،التي ذُكر فيها موسى ،والتي ذُكرت فيها التوراة ،تبين لي أن ذكر
التوراة ،لم يرتبط بذكر موسى على الطلق ،وعدم الربط بينهما ل بد له من سبب ،وبيان ذلك ،والنص
التوراتي للنبوءة في الترجمات العربية للتوراة اللتينية ،سيأتي في فصل قادم ،إن شاء ال .
سدُنّ فِي ا ْلَأرْضِ َم ّر َتيْنِ وََل َتعْلُنّ عُلُوّا َكبِيرًا :
َلتُ ْف ِ
هنا حصل التفات من الحديث عن الغائب ،وهم بني إسرائيل ككل ،في قوله تعالى ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِي َل
فِي ا ْلكِتَ ابِ ) ،ومن ثم عاد سبحانه ،لتوجيه الحديث إلى الحاضر المُخاطَب ،وهم بني إسرائيل ( المعاصرين )
لرسالة السلم ،وذلك بسرد النبوءة ،بنفس السلوب والعبارات ،التي أنزلت عليهم في كتابهم ،قبل 3آلف ،
زمن موسى عليه السلم .فجاءت نصوصها مخاطبة لبني إسرائيل ،ولكن بألفاظ عربية جزلة موجزة ،كما
وأضيف إليها تعقيبات ،لتبين وتؤكد بعض ما تحقّق منها ،قبل إنزالها في سورة السراء مرة أخرى ،على
ن ...وَلَ َتعْلُنّ . ) ...
محمد عليه الصلة والسلم .فبدأت بقوله تعالى ( لَ ُت ْفسِدُ ّ
في هذا الموضع َقرَنَ سبحانه ،ما بين الفساد والعلو في المرتين ،في قوله ( لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْرْضِ مَرّتَ ْينِ وَلَ َتعْلُ ّ
ن
عُُلوّا كَبِيرًا ( 4السراء ) ولم يوضح التفاصيل ،ولتكون لدينا القدرة ،على معرفة شكل هذا الفساد وهذا العلو ،
دعنا نمعن النظر في اليات التالية ،حيث اقترن فيها المرين مع ا ،في مواضع أخرى من القران الكريم ،
جحَدُوا ِبهَا عوْنَ عَلَ فِي الَْرْضِ … إِ ّنهُ كَانَ مِنْ ا ْل ُمفْسِدِينَ ( 4القصص ) ،وقوله ( َو َ كقوله تعالى ( إِنّ ِفرْ َ
سهُمْ ظُ ْلمًا وَعُُلوّا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِ َبةُ ا ْل ُم ْفسِدِينَ ( 14النمل ) ،حيث جاءت هذه الية ،تعقيبا
وَاسْتَيْقَنَ ْتهَا أَ ْن ُف ُ
على فرعون وقومه لما علو وأفسدوا ،وجحدوا بآيات ال ،فكان جزاءهم الهلك غرقا .
لخِرَةُ َنجْعَُلهَا لِلّذِينَ لَ ُيرِيدُونَ عُُلوّا فِي الَْرْضِ َولَ َفسَادًا وَالْعَاقِ َبةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ ( 83القصص ) وقوله ( تِلْكَ الدّارُ ا ْ
توضح هذه الية ،بأنّ جزاء من لم يُرد العلو والفساد ،سواء كان قادرا على ذلك أم لم يكن ،هو أن يكون لهم
حسن ثواب الدنيا والخرة ،والعاقبة للمتقين بإذن ال ،وذلك تعقيبا على قارون وصنيعه وما حلّ به وبكنوزه ،
حهُ لَتَنُوءُ بِا ْلعُصْ َبةِ أُولِي الْ ُقوّةِ (، )76
حيث قال تعالى فيما آتاه ،من المال والقوة ( وَآتَيْنَاهُ ِمنْ ا ْلكُنُوزِ مَا إِنّ َمفَا ِت َ
علَى عِ ْلمٍ عِندِي َأوَلَمْ َيعْ َلمْ أَنّ الَّ قَدْ أَهَْلكَ مِنْ قَبْ ِلهِ مِنْ القُرُونِفجحد نعم ال ونسبها إلى نفسه ( قَالَ إِ ّنمَا أُوتِي ُتهُ َ
28
سفْنَا
خ َ
ج ْمعًا ( ، )78فعل واستكبر ( َفخَرَجَ عَلَى َق ْو ِمهِ فِي زِينَ ِتهِ ( ، )79فأهلكه ال ( َف َ
مَنْ ُهوَ َأشَدّ مِ ْنهُ ُقوّةً َوأَكْثَرُ َ
ِب ِه وَبِدَارِ ِه الَْرْضَ ( 81القصص ) ،ليجعله عبرة لغيره .
والملفت للنظر ،أن اقتران العلو بالفساد ،جاء في أربع آيات فقط من مجمل القرآن ،وكلها ذات علقة ببني
إسرائيل ،وقد تقدم ذكرها أعله .
والقرآن كما نعلم أُنزل للناس كافة ،منذ اليوم الول لبعثة نبينا ،عليه أفضل الصلة وأتم التسليم ،وحتى يرث
ال الرض ومن عليها ،ومن ضمن هؤلء بني إسرائيل ،الذين عاصروا هذه الرسالة وهذا القرآن ،وقد ذكّرهم
ال وما زال ُيذّكرهم ،في معجزته الخال دة بم ا حصل لفرعون وقارون ،وهم أشدّ الناس قربا لهم ،لما علوا
وأفسدوا في الرض ،وأنّهم إن أصرّوا على الفساد في الرض ،مضت فيهم سنة الولين ( َف َهلْ يَ ْنظُرُونَ ِإلّ
حوِيلً ( 43فاطر ) ،وقال في سورة السراء ( سُ ّنةَ سُ ّنةَ ا َلْوّلِينَ فَلَنْ َتجِدَ ِلسُ ّنةِ الِّ تَبْدِيلً وَلَنْ َتجِدَ ِلسُ ّنةِ الِّ ت ْ
حوِيلً ( )77لينالهم ما نال سابقيهم ،من العذاب في الدنيا مَنْ قَدْ أَ ْرسَلْنَا قَبَْلكَ مِنْ ُرسُلِنَا َولَ َتجِدُ ِلسُنّتِنَا َت ْ
والخرة ،وأنّ ل مناص لهم للنجاة من سخطه وغضبة ،إلّ بالعودة إليه والنابة له ،ولكن هيهات لمن قيل في
عمّا َت ْعمَلُونَ ( 74البقرة ) سوَةً … َومَا الُّ ِبغَا ِفلٍ َ
حجَارَةِ َأوْ َأشَدّ َق ْ
أسلفهم ( ُثمّ َقسَتْ قُلُو ُبكُمْ مِنْ َبعْدِ ذَلِكَ َفهِيَ كَا ْل ِ
.
علوّ بني إسرائيل في المرة الولى ،لم تتضح تفاصيله في سورة السراء ،لكنها جليّة واضحة في مواضع
أخرى من القران ،وسيأتي الحديث عنها في حينه ،أما ما نحن بصدده الن ،هو توضيح مفهوم العلوّ ،ولدينا
مثالين هما فرعون وقومه وقارون وكنوزه ،وبما أنّ العلوّ المقصود هنا ،هو علوّهم كأمّة وليس كأفراد ،
فالخيار يقع على علوّ فرعون وقومه ،وهذه آيات تعرضت لبعض من مظاهر هذا العلو ومقوماته ،قال تعالى (
صرُونَ (51 ع ْونُ فِي َق ْو ِمهِ قَالَ يَا َق ْومِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ َوهَذِهِ الَْنْهَارُ َتجْرِي ِمنْ َتحْتِي أَفَلَ تُبْ ِ
وَنَادَى فِرْ َ
الزخرف ) وعلى لسان مؤمن آل فرعون ( يَا َق ْومِ َل ُكمْ ا ْلمُلْكُ الْ َي ْومَ ظَاهِرِينَ فِي الَْرْضِ ( 29غافر ) ،وقال (
عوْنَ َومَلَهُ زِي َنةً َوَأ ْموَالً فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ( 88يونس ) ،وقال ( وَاتْرُكْ الْ َبحْرَ وَقَالَ مُوسَى رَبّنَا إِنّكَ آتَيْتَ ِفرْ َ
رَ ْهوًا إِ ّن ُهمْ جُندٌ ُمغْ َرقُونَ (َ )24كمْ تَ َركُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ ( )25وَزُرُوعٍ َو َمقَامٍ كَرِيمٍ ( )26وَ َن ْع َمةٍ كَانُوا فِيهَا
فَا ِكهِينَ ( 27الدخان ) وبالقليل من التدبر في اليات السابقة .
نجد أنّ مقومات علو فرعون ومله ،وهم علية القوم ،ويمثلهم في زماننا ،رجال الحكم والقضاء والدولة ،
ورجال السياسة والمال والقتصاد ،والوجهاء ورؤوس الناس ،تتمثل فيما يلي :ملك مصر والسيادة على
أهلها ،والقوة والمنعة والظهور في الرض ،وامتلك الزينة والموال ،والجنات والعيون ،والنهار الجارية ،
والزرع والمقام الكريم ،والنعم المختلفة .
مفهوم العلو :هو مظهر من مظاهر الحياة ،بمعنى الستعلء والرتفاع والتكبّر والتجبّر ،من خلل امتلك
مقومات مادية ،كالرض والمال والقوة ،مما يُمكّن الظلمة والمفسدون من سيادة الناس وسياستهم ،والتحكم في
تصريف شؤونهم ،على وجه من الظلم والبغي .
ع ْونَ َلعَالٍ فِي أما مفهوم الفساد ؛ فهو يتمثّل في بعض ،ما قيل من آيات في فرعون وقومه ،قال تعالى ( َوإِنّ فِرْ َ
ضعِفُ ج َعلَ أَهْ َلهَا شِ َيعًا َيسْتَ ْ
علَ فِي الَْرْضِ َو َ عوْنَ َ الَْرْضِ َوإِ ّنهُ َلمِنْ ا ْل ُمسْ ِرفِينَ ( 83يونس ) ،وقال ( إِنّ ِفرْ َ
عوْنَ َومَلَ ِئهِ
طَا ِئ َفةً مِ ْنهُمْ يُذَ ّبحُ أَبْنَاءَ ُهمْ وَ َيسْ َتحْيِ ِنسَاءَ ُهمْ إِ ّنهُ كَانَ مِنْ ا ْل ُم ْفسِدِينَ ( 4القصص ) ،وقال ( إِلَى ِفرْ َ
سقِينَ (12 عوْنَ وَ َق ْو ِمهِ إِ ّنهُمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا عَالِينَ ( 46المؤمنون ) ،وقال ( إِلَى ِفرْ َ
حشَرَ فَنَادَى (َ )23فقَالَ أَنَا سعَى (َ )22ف َ النمل ) ،وقال ( فََأرَاهُ الْ َيةَ ا ْلكُبْرَى (َ )20فكَذّبَ وَعَصَى (ُ )21ثمّ أَدْبَرَ َي ْ
عوْنُ يَا أَ ّيهَا ا ْلمَلَُ مَا عَ ِلمْتُ َل ُكمْ مِنْ إِ َلهٍ غَيْرِي ( 38القصص ) ( رَ ّب ُكمْ الَْعْلَى ( 24النازعات ) ،وقال ( وَقَالَ ِفرْ َ
عوْنُ َق ْو َمهُ َومَا هَدَى ( 79طه ) . ضلّ فِرْ َ سقِينَ ( 54الزخرف ) ( وَأَ َ فَاسْ َتخَفّ َق ْو َمهُ فَ َأطَاعُوهُ إِ ّن ُهمْ كَانُوا َق ْومًا فَا ِ
ومظاهر إفساده تتمثل فيما يلي :جعْلُ أهل مصر فرقا وطوائف متنابذة ،واستضعاف طائفة منهم ( بني
إسرائيل ) ،بذبح أبنائهم واستحياء نسائهم ،والسراف في كل أمره ،والستكبار والفسق ،وتكذيب الرسل ،
ومعصية ال وجحود آياته ،وادّعاء الربوبية واللوهية ،واستخفاف الناس وإضللهم .
29
مفهوم الفساد :استضعاف الناس وتفريقهم وتصنيفهم ،وإثارة الفتن فيما بينهم ،والقتل وسفك الدماء ،وتكذيب
الرسل ،وتكذيب آيات ال وجحودها ،ومعصية ال ورسله ،واستخفاف عقول الناس وتضليلهم وإضللهم ،
وإنكار ربوبية ال ،وإنكار أحقيته في العبادة دون غيره .
وخلصة القول :هذا هو مفهوم العلو ،وهذا هو مفهوم الفساد ،الذي تتحدث عنهما سورة السراء ،لذلك عند
أي محاولة لتعيين أيّ من المرتين ،يجب أن تكون الحالة موضوع البحث ،مطابقة تماما لما كان عليه فرعون
ومَلَئه ،وكأنّ علو وإفساد بني إسرائيل ،صورة في مرآة لعلو وإفساد فرعون ومََلئِه ،وما علينا إلّ أن نبحث ،
في ماضي بني إسرائيل وحاضرهم ،عن أيّ حالة ترافق فيها مثل هذا العلو ومثل هذا الفساد ،كما هو الحال
بالنسبة لفرعون وقومه .ولن نذهب بعيدا ،فإحداهما موصوفة في القران الكريم وبالتفصيل أيضا .والخرى
نشاهدها بأم أعيننا على أرض الواقع ،منذ أكثر من خمسين عاما .
فِي ا ْلَأرْضِ :
قرن سبحانه وتعالى ،بين الفساد والعلوّ لكلتا المرتين بالرض ،ولفظ الرض هنا اسم جنس ،وجاءت كذلك
لتشمل الجزء والكل والخاص والعام ،حيث قال في الية ( ( )4لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْرْضِ مَرّتَيْنِ وَلَ َتعْلُنّ عُُلوّا كَبِيرًا )
ولم يحدّد مكانا بعينه ،وعاد سبحانه وحدّد موقع العقاب في المرتين ،حين قال في الية ( ( )7لِ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ
سجِدَ َ ،كمَا َدخَلُوهُ َأوّلَ َمرّةٍ ) حيث ربط ما بين العقاب والمسجد ،لنفهم من ذلك أن العقاب ،وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ
الموعود به بنو إسرائيل والمقصود هنا ،سينفذ فيهم في المرتين ،خلل تواجدهم في فلسطين ( الرض
المقدسة ) ،وذُكر المسجد للشارة إلى المكان .وهذا المسجد تم تعريفه ،في بداية سورة السراء ،في قوله
حوْ َلهُ ( ) 1وقوله الذي باركنا حوله ،أي ما يليه من الرض ،ولم يقل سجِدِ الَْقْصَى الّذِي بَا َركْنَا َ تعالى ( ا ْل َم ْ
باركنا فيه ،أي لم تُحصر البركة في المسجد فقط ،بل شملت ما حوله من الرض .
والملحظ أن ذكر الفساد حُصر في المرتين ،وأن ذكر الفساد سبق ذكر العلوّ ،وأن العلو لم يُحصر في
المرتين ،بل أُفرد ووصف بالكبير .وبما أن التركيز هنا على المرة الثانية ،فذلك يوحي بأن الفساد في المرتين
متطابق ،وبأن تحصيلهم للعلو ،على القل في المرة الثانية ،سيتأتى عن طريق الفساد ،وأن العلو الثاني أكبر
من الول ،لذلك تأخر ذكر العلو وصفته ،عن كلمة مرتين للختلف .ذلك لن إفساد بني إسرائيل المُتأتّي عن
العلوّ ،اقتصر على حدود دولتهم ،في فلسطين في المرة الولى ،وهذا ما يُثبته القرآن والتوراة .وأمّا إفسادهم
وعلوّهم الخير في فلسطين ،والذي نعيشه الن ،سبقه ورافقه إفساد وعلو ،شمل مشارق الرض ومغاربها .
وال أعلم .
وبما أنّ العقاب سيحل بهم في الرض المقدسة ،يترتب على ذلك ،حتمية سبق وقوع الفساد والعلوّ فيها ،حتى
ولو سبق منهم ،الفساد والعلو في الرض على عمومها ،أو تزامن مع إفسادهم وعلوهم ،في الرض
المقدسة ،لذلك جاء الحديث مجمل في الية ( ، )4وهي الية الولى من قصة الفسادتين ،فذُكر الفساد
والعلو ،لشتراط وقوعهما في المرتين ،ولم يأتي بأي تفاصيل ليّ من المرتين فيها .
وخلصة القول :أن الرض التي سيتم فيها ،علو بني إسرائيل وإفسادهم ،هي الرض على عمومها في المرة
الثانية ،وفلسطين بشكل خاص في المرتين .وأن عقابهم في المرتين ،سيكون في الرض المقدسة خاصة ،
وزوال علوهم في المرة الثانية ،من الرض على عمومها ،وال أعلم .
َمرّ َتيْنِ :
المرة ،هي الفعلة الواحدة ،من شيء يُمكن تكراره ،والجمع مِرار ،واعتدنا أن نجمعها على مرّات .وقد
أوضح سبحانه بما ل يدع مجال للشك ،أنهما مرّتان بصريح اللفظ .ول يصحّ أن نُضيف ثالثة ،ومن أفتى بثالثة
،فقد أفتى بغير علم .
وعندما تقول :مرة ،ومرتان ،وثلث مرات ،فأنت في الواقع ،تَعدّ فعلة واحدة تتكرّر ،ولها صفة
الستمرار ،كالعمرة والحج مثل ،لتقول اعتمرت مرة ،ومرتان ،وثلث ،والعمرة لها شروط ومناسك خاصة
بها ،تميّزها عن غيرها كالحج مثل ،ول يصحّ أن تَعدّ أفعال مختلفة على أنها مرّات ،كأن تقول مثل ،عندما
30
تعتمر مرة ،وتحجّ مرة ،اعتمرت مرتين أو حججت مرتين .ول يصحّ أن تُسمّي فعلة غير مكتملة الشروط
والمواصفات ،على أنها مرة ،كعمرة بل طواف أو سعي .
وخلصة القول :أنّ المرتين تكرار لفعلة واحدة ،تمتلك نفس الشروط والمواصفات ،وبما أن إفساد بني
إسرائيل في الرض ،بدأ منذ نشأتهم ،قبل حوالي ( )3آلف سنة ،واستمر لغاية هذه اللحظة ،كان من
الضروري لنا ،أن نستنبط من هذه اليات شروطا ومواصفات ،تجعل من السهولة بما كان ،تحديد المرتين
وبدقة متناهية ،وتحديد موقعهما من حيث الزمان والمكان ،وأول شرط من الشروط هو الفساد المقترن بالعلو ،
والشرط الثاني أن يكون في الرض المقدّسة دون غيرها .
س شَدِيدٍ َفجَاسُوا خِلَا َل الدّيَا ِر َوكَانَ وَعْدًا َم ْفعُولًا ( )5
( فَإِذَا جَا َء وَعْدُ أُولَا ُهمَا َبعَثْنَا عَلَ ْي ُكمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْ ٍ
جاء أي مجيء الوقت المعين أو الموعد المحدّد ،والوعد أي الموعودين به من العقاب والهلك ،والمعنى إجمال
هو مجيء زمن الستحقاق ،لنفاذ الوعد بالعقاب والهلك ،ومجيء الوعد متعلّق بتحقق الشروط الثلثة في الية
السابقة ،ويتوضّح هذا المعنى ،في قوله تعالى ( َوجَعَلْنَا ِل َمهْ ِل ِك ِهمْ َموْعِدًا ( 59الكهف ) ،أي ربط الهلك بموعد
عةً َولَ معين ،ل يتأخر ول يتقدّم ،كما في قوله تعالى ( وَ ِل ُكلّ ُأمّةٍ َأجَلٌ فَإِذَا جَاءَ َأجَُل ُهمْ لَ َيسْتَ ْأخِرُونَ سَا َ
َيسْ َتقْ ِدمُونَ( 34العراف ) .وسرعة مجيء موعد الهلك وإبطاءه ،تعتمد على درجة الظلم ،وتجد ذلك في قوله
تعالى ( وَتِلْكَ ا ْلقُرَى أَهْ َلكْنَا ُهمْ َلمّا ظَ َلمُوا … ( 59الكهف ) ،وقوله ( … َومَا كُنّا ُمهْ ِلكِي الْقُرَى ِإلّ َوأَهُْلهَا
ظَا ِلمُونَ ( 59القصص ) ،والظلم المقصود هنا هو الظلم الممي ،مع توافر الصرار .إذ كلما زادت درجة
الظلم ،وزادت وتيرة اقترافه ،كلما أسرع إلى المم قدرها المحتوم ،لتمضي فيها سنن ال ،التي ل تتحول ول
تتبدل .
َب َع ْثنَا عََل ْي ُكمْ :
قال تعالى ( ُهوَ الّذِي َبعَثَ فِي ا ُلْمّيّينَ َرسُولً مِ ْن ُهمْ ( 2الجمعة ) ،وقال ( ُثمّ َبعَثْنَا ُكمْ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتكُمْ َلعَّلكُ ْم
غرَابًا يَ ْبحَثُ فِي الَْرْضِ ( 31المائدة ) ( ،فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَ ُهمَا َبعَثْنَا شكُرُونَ ( 56البقرة ) ،وقال ( فَ َبعَثَ الُّ ُ َت ْ
عَلَ ْي ُكمْ عِبَادًا لَنَا ( 5السراء ) ،ومن خلل التدبر في اليات السابقة ،نجد أن المبعوث من قبله سبحانه ،ليس له
القدرة على بعث نفسه ،وذلك على حالين :
الولى :هي وجود الرادة اللهية وانعدام الرادة البشرية ،فالرسل عليهم السلم بتلقي الرسالة عن طريق
الوحي ،ينتقلون من حال الغفلة والسكون إلى حال الهداية والدعوة ،والموتى ينتقلون بنفخ الروح فيهم من حال
الموت إلى حال الحياة .وفي هذه الحالة يكون التدخل اللهي ظاهرا ،بإحداث البعث عن طريق إرسال الروح
والوحي ،سواء كانت وسيلة البعث مادية أو معنوية .
والثانية :هي وجود كلتا الرادتين ،مع تعليق الرادة الثانية بالولى ،فالحياء يملكون الرادة في بعث أنفسهم ،
لتصريف أمورهم الدنيوية ،ولكنّها إرادة معلقة بالمشيئة أو الرادة اللهية ،فما شاء ال كان ،وما لم يشأ لم يكن
،فإن توافقت الرادة البشرية للقيام بأمر ما ،مع الرادة اللهية ،وقع ذلك المر وإن لم تتوافق لم يقع ،قال
حكِيمًا ( 30النسان ) .وفي هذه الحالة يكون التدخل
تعالى ( َومَا َتشَاءُونَ ِ ،إلّ أَنْ َيشَاءَ الُّ ،إِنّ الَّ كَانَ عَلِيمًا َ
اللهي غير ظاهر ،حيث أنه يتم عن طريق التمكين ،بإزالة المعوقات والمثبّطات وإيجاد التسهيلت والمحفّزات
،سواء كانت الوسائل مادية أو معنوية .
وفي كلتا الحالين يكون البعث من عند ال ،ولذلك نسب سبحانه بعث أولئك العباد إلى نفسه ،لن ال سيُمكّن لهم
السباب والسبل عند خروجهم ،لتحقيق وعده في بني إسرائيل .وأما هؤلء العباد فسيخرجون من تلقاء أنفسهم ،
ورغبة منهم في ذلك ،بدفع من أسبابهم الخاصة .
31
ط ُهمْ ،وَقِيلَ ا ْقعُدُوا
ونجد ذلك في قوله تعالى ( وَ َلوْ أَرَادُوا الخُرُوجَ لَعَدّوا َلهُ عُدّةً ،وَ َلكِنْ كَرِهَ الُّ انْ ِبعَا َثهُمْ فَثَ ّب َ
مَعَ ا ْلقَاعِدِينَ ( 46التوبة )
أي لو أرادوا الخروج ،لعدّوا عدة الخروج ،ولكنهم لم يُعدّوا العدّة ،لن رغبة الخروج لديهم معدومة أصل .
وبما أن إرادتهم معدومة ،كره ال انبعاثهم ،فثبّطهم كي ل يخرجوا مكرهين حياءً أو رياءً ،خشية تأثيرهم
السلبي على الخارجين .وفي المقابل ،فإنّ من وُجد لديه الرادة والرغبة في الخروج ،كان الولى بإزالة
المُثبّطات ،وإحاطته بالمُحفّزات لتمكينه من النبعاث والخروج .
مفهوم البعث :هو انتقال ،أو انقلب ،أو تحول ،أو تغير من حالة إلى أخرى ،نتيجة مُسبّب خارجي ،مادي
أو معنوي .
وخلصة القول :أنّ عملية البعث هنا ،معلّقة بالمشيئة اللهية ،وموعد البعث منوط بهذه المشيئة ،وأن هؤلء
المبعوثين ولو تولدت فيهم الرادة ،ومهما حاولوا النقضاض ،مرارا وتكرارا على بني إسرائيل ،للقضاء
عليهم وإفنائهم ،فلن يتمكنوا من ذلك ،حتى مجيء ذلك الموعد .
عِبَادًا لَنَا :
معظم الناس هذه اليام ،يعتقدون اعتقادا جازما ل شك فيه ،بأن هؤلء العباد المُشار إليهم ،في هذه العبارة ،هم
عباد مؤمنين ،بل من أولياء ال المخلصين .ولبيان خطأ هذا المعتقد ،سنناقش هذا المر من عدة وجوه ،وبما
أن هذه العبارة ،أحد أهم مرتكزات الفهم الخاطئ ،للنبوءة التي جاءت بها آيات سورة السراء ،سنتاولها
بالشرح والتفصيل ،بما يتناسب مع حجم المساحة ،التي احتلتها في أذهان الناس :
أول :رأي المفسرين القدماء
هذه العبارة ،لم يكن فهم معناها ومغزاها ،مشكلة للمفسرين القدماء ،وهم الكثر قربا وفهما ،للفاظ العربية
وتركيباتها اللغوية ،ولو طالعت تفسيراتهم للعبارة ،وآرائهم في أصحاب البعث الول والثاني ،التي أجملناها
في الفصل السابق ،لوجدت أنّهم بل استثناء ،لم يعيروها أدنى انتباه ،وبما أنّ أنّهم ،جزموا بأنّ تحقق الوعدين ،
قد تمّ قبل السلم ،فهم على القل ،لم يثبتوا لهم صفة اليمان ،حيث أن بني إسرائيل آنذاك ،كانوا من أهل
الكتاب ،وكل من حولهم كانوا من عبدة الوثان .بل على العكس من ذلك ،نجد أنهم بل استثناء ،كانوا قد أثبتوا
لهم صفة الكفر .
ثانيا :كلمة عباد نكرة ،وإضافتها للجار والمجرور ،لم تعرّفها ،وبالتالي لم توضح ماهية المعتقد
وردت هذه عبارة ( عبادا لنا ) في القرآن مرة واحدة فقط ،ولو أمعنّا النظر في تركيبتها ،لوجدنا أنّه سبحانه
نكّر هؤلء العباد ،ولم ينسبهم إلى نفسه حتى بضمير متصل ،كأن يقول عبادنا ،وأضافها إلى الجارّ والمجرور
( لنا ) ،لنفهم أنّ تنكيرهم ،كان غاية بحدّ ذاته ،والضافة للجارّ والمجرور ،جاءت هنا لتفيد ملكية ال لهم
فقط ،وليس لها علقة ببيان ماهية المعتقد .وذلك ليعلم بني إسرائيل ،أن هذا البعث من عند ال ،وبتمكين منه
سبحانه ،فكل ما يجري على الرض بخيره وشرّه ،ل يكون إل بمشيئة ال جل وعل وتقدير منه .
ثالثا :الفرق بين العبودية والعبادة
لنعلم أن أصل العبودية الخضوع والذل ،كرها أكثر منها طواعية ،وأصل العبادة الطاعة والولء ،طواعية
ورغبة ل كراهية فيها .
وتجب العبودية ل على الخلئق ،بدافع الربوبية أي المُلكية ،بأحقية الخلق واليجاد ،واقرأ سورة الملك إن
شئت فهبي تفصل المر ،ونجدها في قوله تعالى ( ُقلْ أَغَيْرَ الِّ أَ ْبغِي رَبّا َو ُهوَ رَبّ ُكلّ شَيْءٍ ( 164النعام ) أي
س َموَاتِ وَالَْرْضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا ( 17المائدة ) أي مالك للسموات والرض ، صاحب كل شيء ،وقوله ( َولِّ مُلْكُ ال ّ
وقوله ( خَاِلقُ ُكلّ شَيْءٍ ( 102النعام ) مما يعقل ول يعقل ،والخلق هو الموجب لحقوق الربوبية والملكية ،
32
حمَنِ عَبْدًا ( 93مريم ) من الملئكة حتى الذرّة
ض ِإلّ آتِي ال ّر ْ
س َموَاتِ وَالَْرْ ِ
ولذلك قال جل شأنه ( إِنْ ُكلّ مَنْ فِي ال ّ
من التراب ،رغما عن أنوفهم ل خيار لهم ،بأحقية ما سبق من خلقه إياهم .
ويندرج تحت العبودية ،عبودية الرقّ بدافع الشراء أو ما شابه ،التي توجب الملكية وحق التصرف بكل شؤون
العبد ،ومن هنا جاءت تسمية الرقيق بالعبد ،كما في قوله تعالى ( وَقَالَ ا ْلمَلِكُ ائْتُونِي ِبهِ فَ َلمّا جَاءَهُ ال ّرسُولُ قَالَ
طعْنَ أَيْدِ َيهُنّ إِنّ رَبّي ِبكَيْدِهِنّ عَلِيمٌ ( 50يوسف ) والملك هو ملك سوَةِ اللّتِي َق ّ
ا ْرجِعْ إِلَى رَبّكَ فَاسْأَ ْلهُ مَا بَالُ ال ّن ْ
مصر ،وهو ربّ الرسول أي صاحبه وسيّده ،والرسول هو نفس الفتى الذي ،قال ( :إِنّي أَرَانِي أَعْصِرُ
خمْرًا ) ،وربوبية المَلِك لهذا الفتى جاءت بدافع ملكية الملك للفتى . َ
أما العبادة ،فهي تقديم فروض الطاعة والتقديس والولء ،لله أو للهة ،ول جبرية فيها فالخيار للمخلوق ،
فهو يعبد ما يشاء ،واللهة التي اتخذها الناس للعبادة كثيرة ومتنوعة ،قال تعالى ( ا ّتخَذُوا َأحْبَارَ ُهمْ وَرُهْبَا َن ُهمْ
عمّا ُيشْ ِركُونَ ن مَرْ َيمَ َومَا ُأمِرُوا ِإلّ ،لِ َيعْبُدُوا إِ َلهًا وَاحِدًا ،لَ إِ َلهَ ِإلّ ُهوَ ،سُ ْبحَا َنهُ َ
ن الِّ وَا ْل َمسِيحَ ابْ َ
أَرْبَابًا مِنْ دُو ِ
( 31التوبة ) ،أما الغاية من خلق الجنّ والنس فهي عبادة ال ،لقوله تعالى ( َومَا خَ َلقْتُ ا ْلجِنّ وَالِْنسَ ِإلّ
لِ َيعْبُدُونِ ( 56الذاريات ) .
وكلّ الناس يمارسون طقوسا العبادة ،سواء كانوا من أهل الكتب السماوية أو وثنيون أو ملحدون ،أما المؤمنون
حسَنُ ِمنَ الِّ صِ ْب َغةً
بال فهم من نُسبت عبادتهم ل ،وليس من نُسبوا بذواتهم فقط ،قال تعالى ( صِ ْب َغةَ الِّ َومَنْ َأ ْ
وَ َنحْنُ َلهُ عَابِدُونَ ( 138البقرة ) .
ونجد أنه سبحانه ،يدعو إلى القرار بالربوبية ووحدانية اللوهية ،بأحقية الخلق لكل شيء أول ،ومن ثم يأمر
يءٍبالخضوع له ،وإفراده سبحانه بالعبادة والتكال عليه ،في قوله ( ذَ ِل ُكمْ الُّ رَ ّب ُكمْ ،لَ إِ َلهَ ِإلّ ُهوَ ،خَالِقُ ُكلّ شَ ْ
يءٍ َوكِيلٌ ( 102النعام ) .فل تستقيم العبادة إل بإقرار الربوبية ل أول ،ول يستقيم ،فَاعْبُدُوهُ ،وَ ُهوَ عَلَى ُكلّ شَ ْ
الحال بإقرار الربوبية ل وحدها دون القيام بمقتضيات العبادة .وهذا ما كان عليه كفار قريش ،حيث أنهم أقرّوا
همْ مَنْ خَ َل َقهُمْ لَ َيقُولُنّ الُّ فَأَنّى ُيؤْ َفكُونَ (87بربوبية ال لهم ،ولكنهم أشركوا بالعبادة ،قال تعالى ( وَلَئِنْ سَأَلْ َت ُ
الزخرف ) ،بينما عبادتهم للصنام قالوا فيها ( … مَا َنعْبُدُ ُه ْم ِإلّ لِ ُيقَرّبُونَا إِلَى الِّ ُز ْلفَى … ( 3الزمر ) .
طوْعًا َأوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَا ِئعِينَ (11
سمَاءِ وَ ِهيَ ُدخَانٌ َفقَالَ َلهَا وَلِلَْ ْرضِ اِئْتِيَا َ
قال تعالى ( ُثمّ اسْ َتوَى إِلَى ال ّ
فُصّلت ) ،طوعا من قبيل العبادة ،ولو لم تأتيا طوعا ،لكان ذلك كرها من قبيل العبودية ،حيث قال تعالى (
حهُمْ ،
حمْدِهِ ،وَ َلكِنْ لَ َتفْ َقهُونَ َتسْبِي َ
يءٍ ِإلّ ُيسَ ّبحُ ِب َ
س َموَاتُ السّبْعُ وَالَْرْضُ َومَنْ فِيهِنّ َ ،وإِنْ مِنْ شَ ْ
ُتسَ ّبحُ َلهُ ال ّ
غفُورًا ( 44السراء ) . ن حَلِيمًا َ إِ ّنهُ كَا َ
ومن ذلك يُسمّى من يرزح تحت العبودية كرها عبدا ،فل خيار في أل يكون ،فهو مرغم ،ويُسمى من يقوم
بواجبات العبادة طواعية عابدا ،فالخيار في أن يكون أو ل يكون ،عائد إليه ،وأشدّ الكفر ،هو ما أُنكر فيه
ع َبدَ ) .
العبودية والعبادة ل معا ،وشتان ما بين المسمّيين ،مع أن أصليهما واحد ،وهو كلمة ( َ
رابعا :الفراد والجمع
عبْد ) ،والعبد لغة نقيض الُحرّ ،فكلمتيّ ( عباد ) و ( عبيد ) هي عباد وعبيد كلمتان مترادفتان ،ومفردهما ( َ
صيغة الجمع من كلمة ( عبد ) ،وذلك بدللة النص القرآني في قوله تعالى ( َف َوجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا ءَاتَيْنَاهُ
ع ْلمًا ( 65الكهف ) ،ولو قال ( عابدا من عبادا ) لختلف المر ،وتدبرّ قوله عّلمْنَاهُ مِنْ لَدُنّا ِ
ح َمةً مِنْ عِنْدِنَا وَ َ
َر ْ
شكُورًا ( 3السراء ) ،نجد أنه سبحانه يُخبر أن نوح عليه حمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِ ّنهُ كَانَ عَبْدًا َ تعالى ( ذُرّ ّيةَ مَنْ َ
السلم ،كان عبدا أول من العبودية ،وعابدا بالشكر ل ثانيا من العبادة .
أما كلمة ( عابد ) ،وهو القائم بالعبادة ،فصيغة الجمع منها هي ( عابدون ) ،وذلك بدللة قوله تعالى ( َولَ أَنَا
عَابِدٌ مَا عَبَدْ ُتمْ (َ )4و َل أَنْ ُتمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ ( 5الكافرون )
33
خامسا :ترادف كلمتي عباد وعبيد في المعنى والستخدام .
وقد أطلق سبحانه لفظ عباد على العبيد بمعنى رقيق ،ونجد ذلك في قوله تعالى ( َوأَن ِكحُوا الَْيَامَى مِ ْنكُ ْم
وَالصّا ِلحِينَ مِنْ عِبَا ِدكُمْ َوِإمَا ِئكُمْ ( 32النور ) ،نجد أن الضمير المتصل ( كم ) في كلمة ( عبادكم ) يعود على
المؤمنين المخاطبين بالنص ،ومما ل يُعقل ،أو من المستحيل أن نقول بأن كلمة ( عباد ) جاءت لغة من العبادة ،
فهي ل تحمل هذا المعنى على الطلق ،ولو بدللة هذه الية فقط .
ل ٍم
وأما الترادف في الستخدام ،فقد جاء في قوله ( َومَا الُّ يُرِيدُ ظُ ْلمًا لِ ْلعِبَادِ ( 31غافر ) وقوله ( َومَا رَبّكَ ِبظَ ّ
حكَمَ بَيْنَ ا ْلعِبَادِ ( 48غافر ) ،نجد أن
لِ ْلعَبِيدِ ( 46فصلت ) وقوله ( قَالَ الّذِينَ اسْ َتكْبَرُوا إِنّا ُكلّ فِيهَا إِنّ الَّ قَدْ َ
المعنى المستفاد من عباد وعبيد ،هو جملة خلق ال ،مؤمنهم وكافرهم على السواء .
سادسا :كلمة عباد نكرة ،ول يُعرّفها إل ما يأتي بعدها من سياق .
تشمل العبودية ،كل من في السماوات والرض ،وما بينهما من الخلئق ،وتشمل العبادة ،كل من يملك العقل
والرادة من خلقه ،ومنهم على سبيل المثال الملئكة والنس والجن ،وهم المطالبون والمكلفون ،بإفراده جل
وعل باللوهية والعبادة ،والمحاسبون عليها ،فإن جاءت كلمتي عباد أو عبيد ،معرّفة أو غير معرّفة بأل
حكَمَ بَيْنَ ا ْلعِبَادِ ( 48غافر ) .ول تفيد
التعريف ،أو بالضافة ،فهي تفيد جملة الخلق ،كقوله تعالى ( إِنّ الَّ قَدْ َ
ل إذا أُضيف إليها ما يفيد ذلك :
أي معنى آخر على الطلق ،إ ّ
كقوله تعالى ( إِ ّنهُ مِنْ عِبَادِنَا ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ( 81الصافات ) ليُبرز فيهم سبحانه صفة اليمان ،فهم عباده المؤمنين ،
وفيها حثّ على اليمان به .أو دل السياق على غير ذلك ،من نفي أو إثبات لصفة دون غيرها ،لتناسب الموقف
خشَى الَّ مِنْ عِبَادِهِ ا ْلعُ َلمَاءُ ( 28فاطر ) ليُبرز فيهم صفة العلم ،وحصر خشية ال بمن ،كقوله تعالى ( إِ ّنمَا َي ْ
يتصف بالعلم ،فهم عباده العلماء ،وفيها حثّ على طلب العلم ،وقوله ( َأأَنْ ُتمْ أَضْلَلْ ُتمْ عِبَادِي َه ُؤلَءِ أَمْ ُهمْ ضَلّوا
السّبِيلَ ( 17الفرقان ) دل السياق على ضللهم ،فهم عباده الضالين ،وفيها تحذير من الضلل ،وقوله ( ُقلْ يَا
سهِمْ ( 53الزمر ) دل السياق على إسرافهم ،فهم عباده المسرفين ،وفيها تنفير من عِبَادِي الّذِينَ َأسْرَفُوا عَلَى أَ ْن ُف ِ
السراف ،وكلّهم نسبهم ال إلى نفسه ،بإضافة ضمير متصل يعود عليه سبحانه .
سابعا :التركيب اللغوي للعبارة ،جيء به لتخصيص جزء من كل بصفة معينة ،وهي المراد إبرازها أصل
.
ولتوضيح ذلك ،لحظ الفرق بين أن تقول ( هذا بيتنا ) وذاك ( بيتٌ لنا ) ،يفهم المستمع من العبارة الولى ؛ أ ّ
ن
هذا البيت مُلك لكم وخاصتُكم وأنّكم مُقيمون فيه ،وأمّا الثانية ؛ فيفهم منها المستمع أنّ ذلك البيت ،مُلك لكم ،
وأنّكم غير مقيمين فيه ،وربما يكون فارغا أو مؤجّرا .ومن هنا نجد أن عبارة ( بيت لنا ) ،تعني أنّ بيتكم هذا ،
هو واحد من جملة بيوت تملكونها ،ول تعني شيئا أخر على الطلق ،وأنّك زدته تنكيرا بمثل هذا اللفظ .وأنك
لو قلت ( ذاك بيت لنا ذو غرف كثيرة ) ،نفهم أنك أبرزت فيه صفة معينة ،اختص بها دون غيره ،من البيوت
التي تملكونها ،وهي احتوائه على غرف كثيرة ،وميّزته عن باقي بيوتكم ،التي في معظمها ذات غرف قليلة .
وكذلك المر بالنسبة لعبارة ( عبادا لنا ) ،التي جاءت منكّرة أيضا لبراز صفتهم ( ،أولي بأس شديد ) ،التي
يتميزون بها عن غيرهم ،من جملة عباد ال مؤمنهم وكافرهم ،ولم يأتي السياق بتصريح أو تلميح عن ماهية
معتقدهم .
ولتوضيح ذلك أكثر فأكثر ،نطرح هذا المثال ،فيه أربعة أقوال لرجل ،يُجيب رجل آخرا ،يريد عمال
لمزرعته :
-1سأرسل لك ( أولدي ) غدا ،للعمل في مزرعتك .
-2سأرسل لك ( أولدا لي ) غدا ،للعمل في مزرعتك .
-3سأرسل لك ( أولدي ،أولي المهارة والخبرة في الفلحة ) غدا ،للعمل في مزرعتك .
34
-4سأرسل لك ( أولدا لي ،أولي مهارة وخبرة في الفلحة ) غدا ،للعمل في مزرعتك .
فما المعنى الذي أفادته كل عبارة أعله ؟
-1أنه سيرسل جميع أولده ،مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم .
-2أنه سيرسل بعضا من أولده ،مع عدم توضيحه لصفتهم أو ماهيتهم أيضا .
-3أنه سيرسل جميع أولده ،وأن جميع أولده لديهم مهارة وخبرة في الفلحة .
-4أنه سيرسل بعضا من أولده ،وأن هذا البعض من أولده فقط ،هو الذي يملك المهارة والخبرة في الفلحة ،أما
البقية فل .
وأخيرا تدبرّ هذه اليات :
( وَقَالَ لَ ّتخِذَنّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا َمفْرُوضًا ( 118النساء ) ( أي أن من جملة العباد المنسوبين إلى ال هناك نصيب
لبليس )
( إِنّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَ ْي ِهمْ سُ ْلطَانٌ ِإلّ مَنِ اتّ َبعَكَ ِمنَ ا ْلغَاوِينَ ( 42الحجر ) ( أي أن سلطان إبليس محصور فقط
على أتباعه من الغاوين ،الذين هم من جملة العباد المنسوبين إلى ال )
( إِنّ الّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ الِّ عِبَادٌ َأمْثَاُل ُكمْ فَادْعُو ُهمْ فَلْ َيسْ َتجِيبُوا َل ُكمْ إِنْ كُنْ ُتمْ صَادِقِينَ ( 194العراف ) ( أي
أنتم وهم ،أي العابد والمعبود ،سواء في كونكم عباد )
( ُقلْ ِلعِبَا ِديَ الّذِينَ ءَامَنُوا ( 31إبراهيم ) ( أي أن الخطاب لعبادي الذين آمنوا ،دون عبادي الذين كفروا )
ن كَانَ َتقِيّا ( 63مريم ) ( أي وأن النار لمن لم يكن تقيا من عبادنا )
( تِ ْلكَ ا ْلجَ ّنةُ الّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَ ْ
حمِينَ ( 109المؤمنون ) ( أي
حمْنَا َوأَنْتَ خَيْرُ الرّا ِ
غفِرْ لَنَا وَا ْر َ
( إِ ّنهُ كَانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبَادِي َيقُولُونَ رَبّنَا ءَامَنّا فَا ْ
وكان هناك فريق من عبادي ،يقولون غير ذلك )
خسِرَ هُنَالِكَ ا ْلكَا ِفرُونَ ( 85غافر )
( فَ َلمْ َيكُ يَ ْنفَ ُع ُهمْ إِيمَا ُن ُهمْ َلمّا َرَأوْا بَ ْأسَنَا سُ ّنةَ ال لّهِ الّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ َو َ
( أي في مجمل عباده ،والخاسرون منهم ،هم الكافرون دون المؤمنين )
( َنهْدِي ِبهِ مَنْ َنشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا َوإِنّكَ لَ َتهْدِي إِلَى صِرَاطٍ ُمسْ َتقِيمٍ ( 52الشورى ) ( أي وهناك من لم نهدي من
عبادنا )
حمَنِ عَبْدًا ( 93مريم ) ( مؤمنهم وكافرهم بل استثناء )
س َموَاتِ وَالَْرْضِ ِإلّ ءَاتِي ال ّر ْ
ن ُك ّل مَنْ فِي ال ّ
( إِ ْ
وفي الحديث الصحيح الطويل ،الذي رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وأحمد ،جاء ما جاء
نصه " … إِذْ َأ ْوحَى الُّ إِلَى عِيسَى ،إِنّي قَدْ أَخْ َرجْتُ عِبَادًا لِي ،لَ يَدَانِ َلِحَدٍ ِبقِتَا ِلهِمْ َ ،فحَرّزْ عِبَادِي إِلَى الطّورِ
( جبال القدس ) ،وَيَ ْبعَثُ الُّ يَ ْأجُوجَ َومَ ْأجُوجَ ،وَ ُهمْ ِمنْ ُكلّ حَدَبٍ يَ ْنسِلُونَ … " يرد نفس التركيب اللغوي
لعبارة ( عبادا لنا ) ،وهو (عبادا لي ) والمقصودين به هم قبيلتي يأجوج ومأجوج ،الذين قال فيهم سبحانه (
جعَلَ بَيْنَنَا
ج َعلُ لَكَ خَ ْرجًا ،عَلَى أَنْ َت ْقَالُوا يَاذَا ا ْلقَرْنَيْنِ ،إِنّ يَ ْأجُوجَ َومَ ْأجُوجَ ُ ،م ْفسِدُونَ فِي الَْرْضِ َ ،ف َهلْ َن ْ
وَبَيْ َنهُ ْم سَدّا ( 94الكهف ) .
وخلصة القول :أن كلمة ( عبادا ) ،جاءت نكرة ،و كلمة ( لنا ) لم تعرّفها ،وإنما جاءت هنا لتأكيد الملكية فقط
،وكل الخلق ملك ل ،ليؤكد سبحانه لبني إسرائيل ،أن هذا البعث سيكون من عنده ،وبما أن هؤلء العباد
ملكه ،فهم رهن إشارته وطوع بنانه ،ويملك حق التصرف بشؤونهم ،فإن شاء بعث وإن شاء أمسك .وأكثر
المعاني دقة لهذه العبارة ( عبادا لنا ) ،هو أنهم ( طائفة من خلقنا ) ل أكثر من ذلك ول أقل ،وأهم ما يميّز
هؤلء الخلق عن غيرهم ،أنهم ( أولي بأس شديد ) فقط ل غير .
وأن ورود لفظ ( عباد ) في القرآن ،لم يقتصر على أولياء ال وأحباؤه ،وإنما جاء هذا اللفظ في الخطاب القرآني
،منّا على العباد بنعمة خلقه إياهم ،ورفقه ولطفه بهم ،مطيعهم وعاصيهم ،والكلمات ( عبادي ،عبادنا ،
35
وعباده ) عادة ما تأتي كتهيئة ،لما سيأتي بعدها ،من صفة مميزة ،أو سياق يدل على صفة ،وهي المراد
إبرازها أصل ،فإن كانت صفة محمودة ،كاليمان والعلم فقد أُبرزت تحببا بها ،وإن كانت صفة مذمومة ،
كالضلل والسراف ،فقد أُبرزت تنفيرا منها .
وأما صفة البأس الشديد ،فقد أُبرزت تهديدا وتحذيرا وتخويفا لبني إسرائيل ،من سوء عاقبتهم ،بوقوعهم بين
أيدي مثل أولئك الخلق ،الذين لن يرقبوا فيهم إلّ ول ذمة ،لعلهم ينتهون ويرجعون ويرتدعون ،عمّا هم عليه
من فساد وإفساد واستعلء في الرض .
شدِيدٍ :
س َ
أُولِي َبأْ ٍ
وصف ال هؤلء العباد ،بأولي البأس الشديد ،والبأس كما قدمه معظم المفسرون ،هو القوة والبطش في
ومَنَا ِفعُ لِلنّاسِ (25
الحروب ،والشدّة جاءت زيادة في المبالغة ،قال تعالى ( َوأَنْزَلْنَا ا ْلحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ َ
الحديد ) ،فانظر وتفكر في معدن الحديد ،فهو يحمل في جوهره صفتان ،قلما تجدهما في معدن أخر .وهما ؛
أولّ :أنّه يحافظ على طبيعته ،مهما عظم عليه الطرق واشتدّ ،ول يحترق أي يتحول إلى مادة أخرى ،مهما
ازدادت شدة النيران عليه ،وإن انصهر عاد إلى سابق عهده عند البرودة ،وهذه الصفة إن وجدت في البشر ،
فهي الجلد والصبر عند وقوع البلء .وثانيا :أنّه عند تشكيله وشحذه ،فهو قوي قاتل وقاطع ،لذلك قيل " ل يفل
ل الحديد " ،وهذه الصفة إن وجدت في البشر ،فهي القوة والبطش عند مواجهة العداء . الحديد إ ّ
وفي قوله تعالى ( وَالُّ َأشَدّ بَ ْأسًا َوَأشَدّ تَنكِيلً ( 84النساء ) نجد أنّه سبحانه قد وصف نفسه بذات الصفة ،وبما
أنّ البأس الشديد تعني القوة والبطش ،فأين تستعمل هذه القوة وهذا البطش من قبله سبحانه ؟ وفي أي المواقع
والمواقف يصف رب العزة نفسه بهاتين الصفتين ؛ القوة والبطش ؟ دعنا نتتبع هذه الصفات والعلقة ما بينها ،
شةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُن َت ِقمُونَ ( 16الدخان )
ط َ
في اليات التالية ( إِنّ َبطْشَ رَبّكَ َلشَدِيدٌ ( 12البروج ) ( َي ْومَ نَ ْبطِشُ الْ َب ْ
نجد أنّ الشدة ارتبطت بالبطش ،والبطش بالنتقام .
عزِيزٍ ُمقْتَدِرٍ (42
( إِنّ الَّ َق ِويّ شَدِيدُ ا ْل ِعقَابِ ( 52النفال ) ( إِنّ الَّ َل َق ِويّ عَزِيزٌ ( 40الحج ) ( فَ َأخَذْنَا ُهمْ َأخْذَ َ
القمر ) ( َوكَذَلِكَ َأخْذُ رَبّكَ إِذَا َأخَذَ ا ْلقُرَى وَهِيَ ظَا ِل َمةٌ إِنّ َأخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ( 102هود ) ( َل ُهمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَالُّ
عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ ( 4آل عمران ) ،ونجد أنّ الشدة ارتبطت بالقوة ،والقوة بالعزة ،والعزة بالخذ ،والخذ
بالشدة ،والشدة بالعزة ،والعزة بالنتقام .
ومما تقدم نجد أن الموقف ،الذي يستدعيه جل وعل لظهار بأسه الشديد ،هو موقف النتقام ،وأن النتقام ل
يتأتى إل ممن هو قوي وعزيز .
وخلصة القول :أنّ هؤلء العباد ،المبعوثين من قبله سبحانه على بني إسرائيل ،اختارهم ال لتنفيذ مهمة ،
وهي إنزال أبشع انتقام إلهي ممكن في بني إسرائيل ،لذلك تطلب المر أن يكونوا أولي بأس شديد ،ويتمتعون
بالقوة والعزة ،ذوي صبر وجلد عند وقوع البلء ،وقوة وبطش عند اللقاء ،بغض النظر عن إيمانهم أو كفرهم ،
زيادة في التنكيل وإمعانا في الذلل لبني إسرائيل ،وما عدا ذلك من صفات العباد ،ل تصلح لتنفيذ هذه المهمة .
والفتوحات التي اتخذت الطابع السلمي قديما وحديثا ،لم تحمل الطابع النتقامي بإهلك الحرث والنسل ،الذي
سيكون عليه المر الذي تصفة اليات .
َفجَاسُوا خِلَالَ ال ّديَارِ :
لم ترد كلمة ( جاسوا ) ،أو أي من مشتقات مصدرها ( جوس ) في مجمل القرآن ،إلّ مرة واحدة فقط في هذا
الموضع ،لذلك لجأت إلى معجم لسان العرب ،وهذا مما قيل فيها " :الجوس هو مصدر جاس جوسا ،وجوسان
تردد ،فجاسوا خلل الديار :ترددوا بينها للغارة والجوسان ؛ أي قتلوكم بين بيوتكم ؛ بمعنى يذهبون ويجيئون ؛
فطافوا خلل الديار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه ؛ تخللوها فطلبوا ما فيها ،والجوسان :الطوفان بالليل ،
ورجل جوّاس أي يجوس كل شيء يدوسه ،والجوس :طلب الشيء باستقصاء ،وكل موضع خالطته ووطئته ،
فقد جسته " .
36
ولو جمعنا كل ما قيل فيها من معاني ،وأعدنا تشكيل هذه المعاني وصياغتها ،لخرجنا بالمشهد التالي :
( أغاروا عليكم – ليل على الرجح – ودخلوا دياركم ،ووطئوا أرضكم ليقتلوكم وينكّلوا بكم ،وتردّدوا فيها
ذهابا وإيابا ،وطافوا خللها شرقا وغربا ،وتخلّلوا أزقتكم واقتحموا بيوتكم ،بحثا وتقصيّا ،لعلّهم يجدوا منهم ،
من بقي حيا ليقتلوه ) .
نلحظ هنا أنّ ال جلّت قدرته ،أوجز في وصف فعل هؤلء العباد أيّما إيجاز ،ليصف كل ما فعلوه في كلمة
واحدة فقط ،هي كلمة ( جاسوا ) لتصف مشهدا كامل ،ولم تكن الضافة ( خلل الديار ) إلّ لتوضيح ما كان قد
جيس .وهذا يُشبه مشهد الغارات الوحشية ،التي كان يقوم بها ،المريكي المدجّج بالسلح الناري ،على قرى
الهنود الحمر شبه ال ُعزّل ،وما يُخلفه وراءه من دمار ومآسي ،مشهد طالما حفلت به أفلم الغرب المريكي .
والعبارة جاءت لتصف ما قام به عباد البعث الول عند بعثهم ،قال تعالى ( فجاسوا ) بصيغة الماضي ،أي أن
الجوس ،قد وقع في الماضي ،ولم يقل ( ليجوسوا ) بصيغة الستقبال ،كما هو الحال في أفعال البعث الثاني ،
التي ستقع في المستقبل .
وخلصة القول :أن هذا الجوس قد وقع في الماضي ،وكان غاية في البشاعة ،واستباح فيه هؤلء العباد
حرُماتهم جميعها ،من أرض ومال وعرض ،فوقع فيهم القتل والنهب والسبي .
ُ
عدًا مَ ْفعُولًا :
َوكَانَ َو ْ
هذا الخبر جاء كتعقيب على الوعد الول ،ليؤكد سبحانه تحقق المرة الولى ،بعلوها وإفسادها وبعثها ،قبل
نزول هذه اليات .حيث جاءت صيغة اسم المفعول ( َم ْفعُول ) من الفعل ( َفعَلَ ) ،للدللة على تمام الفعل ،
بمعنى وكان وعدا ( قد ُفعِلْ ) فيما مضى من الزمان .ولم تأتي بأي حال من الحوال بمعنى ( مقضيا ) ،كما
قدّمه معظم المفسرين القدماء ،ومنهم القرطبي أجلّه ال ،حيث قال فيها " وكان وعدا مفعول ،أي قضاء كائنا ل
خلف فيه " ،على اعتبار أن نفاذ الوعدين كان قبل السلم .
وقد جاءت هذه العبارة ،كجملة معترضة ،بحيث لو قمت بإسقاطها من السياق ،ومن ثم قرأت اليتين ( 4و
، ) 5كما يلي … ( :بعثنا عليكم عبادا لنا أولي بأس شديد ،فجاسوا خلل الديار .ثم رددنا لكم الكرة عليهم ،
وأمددناكم … ) لوجدت أن السياق لم يتأثر بحذفها ،فخبر نفاذ الوعد الول ،انتهى عند ذكر الجوس ،أي أن
الجوس قد وقع بعد البعث .وجاء التعقيب على الوعد ،بالجملة المعترضة ( وكان وعدا مفعول ) لبيان وتأكيد ،
أن الوعد بالبعث الذي تقدّم ذِكره ،قد تحقّق فعل ،وكانت نتيجته هي الجوس ،ومن ثم يبدأ النص بالخبار عن
الوعد الثاني .
ضرَةَ الْ َبحْرِ ،إِذْ َيعْدُونَ فِي السّبْتِ إِذْ تَأْتِي ِهمْ حِيتَا ُن ُهمْ َي ْومَ سَبْ ِت ِهمْ
قال تعالى ( وَاسْأَ ْلهُمْ عَنْ ا ْلقَرْ َيةِ الّتِي كَانَتْ حَا ِ
عنْ مَا ُنهُوا عَ ْنهُ ، شُرّعًا ،وَ َيوْمَ لَ َيسْبِتُونَ لَ تَأْتِي ِهمْ ،كَذَلِكَ نَبْلُو ُهمْ ِبمَا كَانُوا َي ْفسُقُونَ ( … )163فَ َلمّا عَ َتوْا َ
قُلْنَا َلهُمْ كُونُوا ِقرَدَةً خَاسِئِينَ ( 166العراف ) وهذه الحادثة كما نعلم ،وقعت في بني إسرائيل قبل مئات
طمِسَ السنين ،والن انظر قوله تعالى ( يَأَ ّيهَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ءَامِنُوا ِبمَا َنزّلْنَا مُصَدّقًا ِلمَا َمعَ ُكمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ َن ْ
صحَابَ السّبْتِ َ ،وكَانَ َأمْرُ الِّ َم ْفعُولً ( )47إِنّ الَّ لَ َيغْفِرُ أَنْ ُوجُوهًا فَ َنرُدّهَا عَلَى أَدْبَا ِرهَا َأوْ َن ْلعَ َنهُمْ َكمَا َلعَنّا أَ ْ
ُيشْرَكَ ِبهِ 48( ..النساء )
جاءت الجملة المعترضة ( وكان أمر ال مفعول ) زيادة لليضاح ،ولتؤكد بما ل يدع مجال للشك أو الظن ،
لبني إسرائيل المعاصرين لرسالة السلم ،والمتشكّكين منهم والذين خانتهم ذاكرتهم ،وغير المصدّقين بصحة
هذا المر ،الذي كان ال قد أجراه في أسلفهم ،أن هذا المر وهو المسخ ،قد مضى في أسلفهم حقيقة ،فجاء
تعقيبه تعالى على ما تقدم ،من لعن ومسخ لسلفهم ،بقوله ( وكان أمر ال مفعول ) لزالة الشك ،ولتأكيد أنّ
ال قادر على تكرار ذلك المر ،إن لم يؤمنوا بما أُنزل من القرآن على وجه التهديد والتحذير .
وخلصة القول :أن الوعد الول بالبعث ،كان قد مضى وانقضى قبل نزول هذه اليات ،وأنّ تعقيبه عز وجل
بقوله ( وكان وعدا مفعول ) ،جاء لتذكير اليهود الحاليين وتحذيرهم ،وإنباء المسلمين غير العالمين ،بوقوع
ذلك في بني إسرائيل ،بأنه قد وقع فعل ،وبشرى لهم بأن الوعد الثاني ،سيتحقق كما تحقّق الوعد الول ،وأن
37
ال ل يخلف الميعاد ،وما عليهم إل الصبر والستمرار في كفاحهم ضد اليهود ،وحسن الظن بال وبوعده –
حلّ قَرِيبًا مِنْ دَارِ ِهمْ ،حَتّى
عةٌ َ ،أوْ َت ُ
وعد الخرة – قال تعالى ( َولَ َيزَالُ الّذِينَ َكفَرُوا تُصِي ُبهُمْ ِبمَا صَ َنعُوا قَارِ َ
لّ لَ ُيخْلِفُ ا ْلمِيعَادَ ( 31الرعد ) .
نا َي وَعْ ُد الِّ إِ ّ
يَأْتِ َ
جعَلْنَاكُ ْم أَكْثَ َر َنفِيرًا ( )6
( ُثمّ رَدَدْنَا َلكُمْ ا ْلكَرّ َة عَلَ ْي ِهمْ َوَأمْدَدْنَا ُكمْ بِ َأ ْموَالٍ وَبَنِينَ َو َ
قال تعالى ( ُثمّ رَدَدْنَاهُ َأسْ َفلَ سَافِلِينَ ) أي ثم رددنا النسان أسفل سافلين من النار ،وهذا ل يتحصل إل بعد
عمِلُوا الصّا ِلحَاتِ فَ َل ُهمْ
البعث والحساب ،بدللة الستثناء في تكملة السياق ،في قوله تعالى ( ِإلّ الّذِينَ آمَنُوا َو َ
َأجْرٌ غَيْرُ َممْنُونٍ ( 6التين ) ،وبالتالي تكون ( ثم رددناه ) بالماضي ،جاءت بمعنى أيضا ( ثم نردّه ) بالمستقبل
.
وجاءت كلمة ( رددنا ) بمعنى أعدنا من إعادة ( ،وال َكرّة ) مصدرها كَ َررَ وفعلها َكرّ ،وال َكرّ والفرّ تقنية
عسكرية ،ويقولون " الحرب كرّ وفرّ " وهي تعني الفعل المضاد للفعل السابق ،فالغلبة كانت للعباد والهزيمة
لبني إسرائيل ،وردّ الكرة لهم هو العكس تماما ،كالصورة في المرآة ،أي الغلبة والتفوق العسكري لبني
لسرائيل .وليس المقصود بالكرّة العودة إلى فلسطين ،وانتصار اليهود في حروبهم ضد الدول العربية ،لقوله ،
( الكرّة عليهم ) أي الغلبة العسكرية على العباد أنفسهم دون غيرهم .فالضمير المتصل ( هم ) في (عليهم ) ،
يعود على العباد المبعوثين عليهم ،الذين سبق ذكرهم ،وجميع الضمائر المتصلة ( كم ) في هذه الية ،تعود
على بني إسرائيل .
حسِنِينَ ( 58الزمر ) ،فالفعل قال تعالى ،على لسان الكافر حين يرى العذاب ( َلوْ أَنّ لِي كَرّةً فَ َأكُونَ مِنْ ا ْل ُم ْ
الذي سبق ،هو مجيئه من الدنيا إلى الخرة ،فتمنى الكرة ،وهي العودة من الخرة إلى الحياة الدنيا ،ليكون من
المحسنين .
وخلصة القول :أن المقصود هو أن يُوقع اليهود بأولئك العباد ،ما كان أولئك العباد قد ،أوقعوه في أسلفهم من
قبل ،من استباحة للرض والمال والعرض ،بعد استكمال مظاهر العلو الثاني ،بالستقواء على أولئك العباد
والعتداء عليهم .
جعَ ْلنَا ُكمْ َأ ْك َثرَ نَفيرًا :
وََأ ْم َد ْدنَاكُمْ ِبَأمْوَالٍ َو َبنِينَ َو َ
وأمددنا في ( لسان العرب ) " مصدرها مدد ؛ ومدّه غيره وأمدّه ؛ وأمددناهم بغيرنا ؛ والمدد هم العساكر التي
تلحق بالمغازي ،والمداد أن يرسل الرجل للرجل مددا ،تقول أمددنا فلنا بجيش ،قال تعالى ( ُيمْدِ ْد ُكمْ رَ ّب ُكمْ
سةِ آلَفٍ ( 125آل عمران ) " وفي المجمل تعني الزيادة والكثرة ،في المساعدة العسكرية المقدمة من قبلخ ْم َ
ِب َ
الغير ،من مال وأفراد وعتاد أثناء الحرب .عندما يكون الجيش أقرب للهزيمة منه إلى النصر .
خفَافًا وَ ِثقَالً َوجَاهِدُوا بِ َأ ْموَا ِل ُكمْ
والنفير هم القوم ينفرون معك ويتنافرون في القتال ،ومنه قوله تعالى ( انفِرُوا ِ
َوأَن ُف ِسكُمْ فِي سَبِي ِل الِّ ذَِل ُك ْم خَيْرٌ َل ُكمْ إِ ْن كُن ُتمْ َتعَْلمُونَ ( 41التوبة ) .
جاء في ( كتاب النبوءة والسياسة ) ،للكاتبة المريكية ( غريس هالسل ) " :لقد أغرقنا إسرائيل بالسلحة :
جعلنا من دولة الثلثة مليين يهودي ،ماردا عسكريا أكبر من أي دولة منفردة ،مثل ألمانيا أو إنكلترا أو
فرنسا ،وأقوى من 21دولة عربية مجتمعة ،عدد سكانها 150مليون نسمة "
" أن إسرائيل ..هي المستفيد الول بل منازع من برنامج مساعداتنا ..تحصل على ثلث مجمل المساعدات
المريكية الخارجية "
38
وتقول الكاتبة تعقيبا على انتصار إسرائيل في حرب " ، 1967لم يعطِ أحد أي فضل للوليات المتحدة ،لنها
زودت إسرائيل بالسلحة والتكنولوجيا والدولرات ،وحتى بالعناصر العسكرية المريكية التي ساعدت
السرائيليين ،في تلك الحرب .لقد ربحت إسرائيل لن الوليات المتحدة كانت تؤيدها بل حدود "
وتقول أيضا " أن نسبة العسكريين إلى المدنيين في إسرائيل ،هي ( 1عسكري من كل 22مدني ) وهي أعلى
نسبة في العالم "
وتقول أيضا على لسان الستاذ في الجامعة العبرية ( إسرائيل شاهاك ) " إن دافع الضرائب المريكي أرسل إلى
إسرائيل ،في عام 1985خمسة مليارات دولر " واستمرت أمريكا بدفع هذه القيمة سنويا لغاية الن ،فضل
عن المساعدات المادية والعينية الخرى " ،انتهى .
وفي قوله تعالى ( ثم رددنا لكم الكرة عليهم ،وأمددناكم بأموال وبنين ،وجعلناكم أكثر نفيرا ) ثلثة أفعال ،
حمّلت جميعها أيضا صفة جاءت جميعها بصيغة الماضي ،وهي ( رددنا لكم ،أمددناكم ،جعلناكم ) و ُ
الستقبال ،بمعنى ( ونردّ لكم ،ونمدّكم ،ونجعلكم ) ولكن باختلف الزمان ،فهذه الفعال جاءت لتأخذ صفة
الستقبال ،قبل قيام دولة إسرائيل ،فتفيد معنى ( ونردّ لكم ،ونمدّكم ،ونجعلكم ) ،ولتأخذ بعد قيام دولة
إسرائيل صفة الماضي ( ،رددنا لكم ،وأمددناكم ،وجعلناكم ) .
كان المفسرين القدماء أكثر قربا منا ،وأكثر فهما لمفردات اللغة العربية ،ومع ذلك لم يعطوا هذه اليات حقها
من التفسير والتفصيل ،مما ساهم في إخفاء هذا المر العظيم حتى هذه اليام ،ومردّ ذلك أنهم لم يعاصروا
الدولة الحالية لليهود .ولو ُفسّرت هذه اليات تفسيرا دقيقا كما الن ،لكشفت هذه النبوءة للمسلمين ،الكثير من
الوقائع ،ولكان ضرّ هذا الكشف عنها للمسلمين أكثر من نفعه ،ولكن لم يشأ ال ذلك رحمة بالمسلمين ،حتى ل
ن ال قد أخبر بذلك ،وهو الحقّ وقوله حقّ .
يتملكهم اليأس والقنوط والتسليم بالمر الواقع ،بما أ ّ
ولو حصل أن علم المسلمون بتفاصيل هذه النبوءة مسبقا ،فربما ترك معظم الفلسطينيون بلدهم ،مع إطلق أول
ح ِرمَ المسلمون شرف الشهادة ،ونيل حمَ ربي ،وَل ُ رصاصة من قبل برابرة هذا العصر ،إل من أوتي الحكمة و َر ِ
ح مِثُْلهُ ،وَتِلْكَ الَْيّامُ نُدَاوُِلهَا بَ ْينَ النّاسِ
سسْ ُكمْ َقرْحٌ َ ،فقَ ْد مَسّ ا ْل َقوْمَ قَرْ ٌ
الذى في سبيل ال ،لقوله تعالى ( إِنْ َي ْم َ
شهَدَاءَ ،وَالُّ لَ ُيحِبّ الظّا ِلمِينَ (140آل عمران ) ولقوله ( مَا كَا َ
ن ،وَلِ َيعْلَمَ الُّ الّذِينَ آمَنُوا ،وَيَ ّتخِذَ مِ ْن ُكمْ ُ
سهِ َ ،ذلِكَ س ِهمْ عَنْ َن ْف ِ حوْ َلهُمْ مِنَ الَْعْرَابِ ،أَنْ يَ َتخَّلفُوا عَنْ َرسُولِ الِّ َ ،ولَ َيرْغَبُوا بِأَن ُف ِ لَِ ْهلِ ا ْلمَدِي َنةِ َ ،ومَنْ َ
صةٌ فِي سَبِيلِ الِّ َ ،ولَ َيطَئُونَ َم ْوطِئًا َيغِيظُ ا ْل ُكفّارَ َ ،ولَ يَنَالُونَ
خمَ َ ظمَأٌ َ ،ولَ نَصَبٌ َ ،ولَ َم ْ بِأَ ّن ُهمْ ،لَ يُصِي ُبهُمْ َ ،
حسِنِينَ (120التوبة ) .ولكن عدم ع َملٌ صَا ِلحٌ ،إِنّ الَّ لَ يُضِيعُ أَجْرَ ا ْل ُم ْ
مِنْ عَ ُدوّ نَيْلً ِ ،إلّ كُتِبَ َل ُهمْ ِبهِ َ ،
معرفة الفلسطينيون ،آنذاك بحتمية قيام الدولة اليهودية ،أبقى المل بإمكانية منع إقامتها ،حيّا في نفوس أهلها ،
فبقي الكثير منهم فيها ،واستمر باب الجهاد في سبيل ال ،مشرعا على مصراعيه ،وبقي سجل شرف الشهادة
في سبيل ال ،مفتوحا إلى يوم القيامة ،لمن يرغب منهم في تدوين اسمه ،ولتكون منهم بإذن ال تلك الطائفة ،
التي أخبر عنها رسول الحق عليه الصلة والسلم .
أما بالنسبة لليهود ،فهل كُشفت لهم هذه النبوءة ؟ أقول :نعم بل شك ،ألم يقل سبحانه ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِي َل
فِي ا ْلكِتَ ابِ ) وكشفت لهم أيضا نبوءات أخرى ،ويعرفون تفاصيلها كما يعرفون أبناءهم ،قال تعالى ( ُثمّ آتَيْنَا
مُوسَى ا ْلكِتَابَ َتمَامًا عَلَى الّذِي َأ ْحسَنَ ،وَ َتفْصِيلً ِلكُلّ شَيْءٍ وَهُدًى وَ َر ْح َمةً َ ،لعَّل ُهمْ بِِلقَاءِ رَ ّب ِهمْ ُي ْؤمِنُونَ (154
يءٍ َ ،فخُذْهَا ِب ُقوّةٍ َو ْأمُرْ َق ْومَكَ يَ ْأخُذُوا
ظةً ،وَ َتفْصِيلً ِلكُلّ شَ ْ
عَيءٍ َموْ ِ
النعام ) ( َوكَتَبْنَا َلهُ فِي الَْ ْلوَاحِ مِنْ ُكلّ شَ ْ
سقِينَ ( 145العراف ) وقد كشفها ال لهم ليعلم ما سيكون منهم ،فعلم العقلء حسَ ِنهَا ،سَأُرِي ُكمْ دَارَ ا ْلفَا ِ
بِ َأ ْ
يزيدهم تواضعا وخضوعا وامتثال ،وعلم الذين ل يعقلون ( اليهود ) زادهم جهل واستكبارا وطغيانا وعصيانا
وعدوانا ،وسنوضح لحقا ما كان منهم ،بناءا على معرفتهم لما جاء في كتبهم من نبوءات ،بإذن ال .
أما لماذا كُشفت الن ،نقول :أن ل جدوى من إخفاءها الن ،فقد اكتملت معالم القدر من ظروف وملبسات ،
وفسّر الواقع جزءا كبيرا من نصوصها ،وكل شيء أصبح واضحا للعيان ( ،وَ َتمّتْ كَ ِل َمةُ رَبّكَ صِ ْدقًا وَعَ ْدلً (
115النعام ) وعلم سبحانه ما أراد أن يعلم ؛ مما كان من المسلمين ،واتخذ وسيتخذ منهم ما أراد أن يتخذ ،
39
جهَ ّنمَ لِ ْلكَا ِفرِي َ
ن جعَلْنَا َ
وما كان من اليهود وسيأخذ منهم ،ما شاء أن يأخذ حطبا لنار جهنم ،وبئس المصير ( َو َ
حَصِيرًا ( 8السراء ) .والكشف عن أسئلة المتحان والبلء ،لن يُغيّر شيئا ،فقوائم النتائج والشهادات ،تُعلن
من على شاشات التلفاز ،فقد نجح الكثير من طلب الخرة في امتحان ربهم ،على ( درجة شهيد بامتياز مع
مرتبة الشرف ) ،ولكن أكثر الناس ل يعلمون .
ونحن الن بانتظار أن يُصدر رب العزة ،نتائج أولئك الوغاد السفلة ،بعد أن يمهرها بتوقيعه المبارك ،وكأنّي
أتخيّل الملئكة يُعدّونها ،في عجلة من أمر ربهم ،لتكون جاهزة عند موعد التسليم ،فتدبّر في قوله ( وَ ُنقَلّبُ
طغْيَا ِنهِمْ َي ْع َمهُونَ ( … 110وَلِتَ ْ
صغَى إِلَ ْيهِ أَفْئِدَةُ أَفْئِدَ َت ُهمْ َوأَبْصَارَ ُهمْ َ ،كمَا َلمْ ُي ْؤمِنُوا ِبهِ َأوّلَ َمرّةٍ ،وَنَذَ ُر ُهمْ فِي ُ
ضوْهُ ،وَلِ َيقْتَرِفُوا مَا ُهمْ ُمقْتَرِفُونَ … 113( ،وَ َتمّتْ كَ ِل َمةُ رَبّكَ صِ ْدقًا وَعَ ْدلً ،
خرَةِ ،وَلِيَرْ َ
لِالّذِينَ لَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْ
سمِيعُ ا ْلعَلِيمُ ( 115النعام ) ،وموعدهم قريب ،وعند مجيئه سيكون الباب مشرعالَ مُبَ ّدلَ ِلكَ ِلمَا ِتهِ وَ ُهوَ ال ّ
لولئك العباد بأمر ربهم ،لينقضوا عليهم ويزلزلوا أركانهم ،ويكسروا شوكتهم ويقتلعوها من جذورها ،والبعبع
المريكي يغطّ في سبات عميق ،ولن يمنعهم من أمر ال أحد كان .
ونقول :أنّ عودة اليهود إلى فلسطين حقّ ،فالذي أخبر عن ذلك هو الحقّ ،وأنّ إخراج أهلها منها حقّ ،بعد أن
منّ ال عليهم بالستضعاف بالرض ،كما استضعف الذين من قبلهم ،فأُورثوا الرض من بعد ،فقد أَخرج
رسوله من قبل بالحقّ َ ( ،كمَا َأخْ َرجَكَ رَبّكَ ِمنْ بَيْتِكَ بِا ْلحَقّ َوإِنّ َفرِيقًا مِنْ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ َلكَارِهُونَ ( 5النفال ) وفي
إحدى سننه الكونية لمن يُخرج الناس من ديارهم قال الحقّ ( وَقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِ ُرسُ ِل ِهمْ لَ ُنخْ ِرجَ ّن ُكمْ مِنْ َأرْضِنَا َأوْ
ن الظّا ِلمِينَ ( 13إبراهيم ) .
لَ َتعُودُنّ فِي مِلّتِنَا فَ َأ ْوحَى إِلَ ْي ِهمْ رَ ّب ُهمْ لَ ُنهْ ِلكَ ّ
وهذه رسالة رب العزة ،إلى أمة محمد عليه الصلة والسلم ،ومن سورة ( محمد ) ( :فَلَ َتهِنُوا ،وَتَدْعُوا إِلَى
عمَا َل ُكمْ (َ … )35وإِنْ تَ َتوَّلوْا َيسْتَبْ ِدلْ َق ْومًا غَيْ َر ُكمْ ُثمّ لَ َيكُونُوا
السّ ْلمِ َ ،وأَنْ ُتمْ الَْعْ َلوْنَ ،وَالُّ َم َعكُمْ ،وَلَنْ يَتِ َر ُكمْ أَ ْ
َأمْثَا َلكُمْ ( ، )38وإن لم نكن نستحق النتساب لمّة ( محمد ) عليه أفضل الصلة والتسليم ،قول وعمل ،فسنّة
الستبدال واقعة بنا ل محالة ،ومن المؤسف أنها على وشك .
وخلصة القول :أنه وبعد نفاذ الوعد الول فيكم ،من قبل هؤلء العباد ،وقتلِهم وقهرِهم لكم ،وزوال دولتكم ،
وتشتتكم في الرض بمدة من الزمن ،طالت أو قصرت -تفيدها ثمّ -سنأذن لكم بالعودة إلى الرض المقدسة ،
وتهزموهم كما هزموا أسلفكم ،وتعود لكم السطوة عليهم ،وتلحقوا بهم ما ألحقوه بأسلفكم ،ونُمدّكم بالفراد
لْيّامُ
المدربين على القتال والمساعدات المالية والعسكرية ،ونجعلكم أكثر عددا وعتادا .وهذا من قبيل ( َوتِ ْلكَ ا َ
ُندَاوُِلهَا ب ْينَ النّاسِ ) بإجراء القضاء والقدر ،وليس من قبيل المكافأة ،لبني إسرائيل على إحسانهم ونيلهم رضاه
سبحانه ،كما يدّعون في توراتهم ،وكما ذهب إلى ذلك بعض المفسّرين .
سجِدَ َكمَا
سكُمْ َوإِنْ َأسَأْ ُتمْ َفَلهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ لِ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ
حسَنتُمْ لِأَن ُف ِ
حسَنتُمْ َأ ْ
( إِنْ َأ ْ
َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَرّ ٍة وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا ( ) 7
وهذا على سبيل التخيير ،ولنفي الجبرية على من يملك العقل والرادة ،ولدفع الظلم عن نفسه جلّ وعل ،حيث
لمٍ لِ ْلعَبِيدِ ( 46فصلت ) ،وجاءت في ظاهرها ، سهِ َومَنْ َأسَاءَ َفعَلَ ْيهَا َومَا رَبّكَ ِبظَ ّ
ع ِملَ صَا ِلحًا فَلِ َن ْف ِ
قال ( مَنْ َ
تحمل الكثير من الترغيب ،والكثير من الترهيب ،وفي باطنها التهديد والتحذير مما يليها ،لكيل يكون لهم على
ال حجة ،بأنه لم يحذّرهم وينذرهم ،قبل إنزال عقاب وعد الخرة فيهم .أما دفع تهمة الفساد عن النفس ،
فليست بالماني ومعسول الكلم ،ولكن بالنظر إلى ما اقترفته اليادي ،حيث قال سبحانه ( لَيْسَ ِبَأمَانِ ّيكُمْ َولَ
ن الِّ وَلِيّا َولَ نَصِيرًا ( 123النساء ) . جزَ ِبهِ َولَ َيجِدْ َل ُه مِنْ دُو ِ
ي أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مَنْ َي ْع َملْ سُوءًا ُي ْ
َأمَانِ ّ
والتغيير من الفساد إلى الصلح ،ومن الساءة إلى الحسان ،ل يأتي عبثا بل يحتاج إلى الكثير من الجهد
والعمل ،فالبداية تكون بتحصيل العلم والمعرفة بال ،بالتفكّر والتدبّر في ملكوت السماوات والرض ،ومن ثم
40
اليمان بوجوده وقدرته على الخلق واليجاد ،ومن ثم ردّ الجميل لصاحب الفضل والمنّة ،بإقرار ربوبيته
وملكيته لنا ،ومن ثم الطاعة والتسليم والنصياع ،ومن ثم تحصيل المعرفة بمراده من الخلق ،كما جاء في
كتابه ( َومَا خَ َلقْتُ ا ْلجِنّ وَالِْنسَ ِإلّ لِ َيعْبُدُونِ ( 56الذاريات ) ،وبالتالي البحث الحثيث لمعرفة ما يُنال به الرضا
ويُدفع به الغضب ،ومن ثم العمل بما تعلم ،فإن لم يكن حبا في ملك الملوك ،ليكن ولءً لسبق الفضل ،وإن لم
يكن طمعا في الجنة فخوفا من النار .
فانظر بربك إلى ربك ما أعدله ،أنعم عليك وأوجدك أول ،وسيدخلك الجنة إلى البد ثانيا ،لتكون ممن قالوا (
حمْدُ لِّ الّذِي صَ َدقَنَا وَعْدَهُ َوَأوْرَثَنَا الَْرْضَ نَتَ َب ّوُأ مِنَ ا ْلجَ ّنةِ حَيْثُ َنشَاءُ فَ ِن ْعمَ َأجْرُ ا ْلعَامِلِينَ ( 74الزمر ) ،
وَقَالُوا ا ْل َ
غفْ َل ٍة مِنْ هَذَا َب ْل كُنّا ظَا ِلمِينَ ( 97النبياء ) . ل من الذين قالوا ( َيوَيْلَنَا قَ ْد كُنّا فِي َ
سهِمْ َوإِذَا أَرَادَ الُّ ِب َقوْمٍ سُوءًا فَلَ َمرَدّ لَهُ َومَا َل ُهمْ مِ ْ
ن قال تعالى ( إِنّ الَّ لَ ُيغَيّرُ مَا ِب َق ْومٍ حَتّى ُيغَيّرُوا مَا بِأَن ُف ِ
دُو ِنهِ مِنْ وَالٍ ( 11الرعد ) ،فالتغيير يبدأ من العبد وينتهي عنده ،قال تعالى ( َوإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْو ِمهِ َي َقوْمِ ِلمَ
سقِينَ (5 ُتؤْذُونَنِي وَقَدْ َتعْ َلمُونَ أَنّي َرسُولُ الِّ إِلَ ْيكُمْ فَ َلمّا زَاغُوا أَزَاغَ الُّ قُلُو َب ُهمْ وَالُّ لَ َيهْدِي ا ْل َق ْومَ ا ْلفَا ِ
الصف ) ،حيث سبق الزيغ منهم فأزاغ ال قلوبهم ،أفل يستحق المر شيئا من العناء … ؟! فلنسارع بتغيير
أنفسنا ،قبل أن تتغير جلودنا مرارا وتكرارا ،في نار جهنم .
خرَةِ :
عدُ الْآ ِ
َفإِذَا جَاءَ َو ْ
فيما روي عنه عليه الصلة والسلم ،مما قال في دعاءه " أنت الول فليس قبلك شيء ،وأنت الخر فليس بعدك
شيء " ،والخِر والخِرة نقيض المتقدم والمتقدمة ،ومن معجم مختار الصحاح :الخِر بكسر الخاء بعد الول
وهو صفة ،تقول جاء آخِرا أي أخيرا ،وتقديره فاعل ،والنثى آخِرة والجمع أواخر .
وخلصة القول :أنها المرة الثانية في الترتيب ،والخيرة في عدد المرات ،ول ثالثة بعدها ،وإنما هناك
أخرى ،ولكنها تختلف في أنها ليست مرة ،ول يصحّ أن نسميها مرة ثالثة ،فهي ل تمتلك شروط المرتين
السابقتين .
بعثناهم عليكم :
هذه العبارة ،غير موجودة أصل في نص الية ،وهي جواب شرط إذا الخاص بوعد الخرة ،وقد حُذفت ،
لدللة جواب شرط إذا الخاص بوعد أولهما .ولتوضيح عمل ( إذا ) وما يعنيه شرطها وجوابها ،نقول نستعمل
( إذا ) عادة ،إذا أردنا تعليق فعل معين ( ويسمى جواب شرط إذا ) ،بفعل آخر ( ويسمى شرط إذا ) ،كأن
تقول لزوجتك على سبيل المثال " :إذا حصلت على ترقية في نهاية الشهر ،اشتريت لك ذلك الخاتم " ،فالذي
ذهبت إليه في الواقع ،هو أنك علّقت عملية شراء الخاتم ،الذي رغبت فيه زوجتك ،بعملية حصولك على
الترقية الموعود بها آخر الشهر ،فإن لم تكن هناك ترقية ،فلن تحصل زوجتك المسكينة على الخاتم .فشرط
( إذا ) هو ( الحصول على الترقية ) ،وجواب الشرط هو ( شراء الخاتم ) .وبعبارة أخرى نقول أن حصول
زوجتك على الخاتم متعلّق بالحصول على الترقية .
لخِرَةِ – بعثناهم عليكم –
وبإعادة عبارة ( بعثناهم عليكم ) المحذوفة ،يصبح النص كما يلي ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ ا ْ
سجِدَ ) .وعبارة ( وليسوءوا وجوهكم ) ليست جوابا للشرط ،لرتباطها بلم كي لِ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ
،حيث جاءت العبارة لتعليل البعث وتوضيح الغاية منه .وضمير الغائب ( هم ) في ( بعثناهم ) يعود على العباد
أنفسهم ،وضمير المخاطب ( كم ) في ( عليكم ) ،يعود على بني إسرائيل .
وخلصة القول :أن هذه المرة هي الخيرة من المرتين ،وأن تحقّق البعث متعلّق بمجيء الموعد المحدّد ،وبما
أن الضمير في كلمة ( بعثناهم ) يعود على نفس العباد ،فإن عباد البعث الثاني ،هم نفس عباد البعث الول .
41
ِل َيسُوءُوا ُوجُو َه ُكمْ :
سرّه .وفي الواقع أن فِعل الساءة ،لن يقع على الوجوهل بِالنسان ما َي ْكرَه ،وأساءه نقيض َ
إساءة الوجه ،أن يُفعِ َ
بشكل مباشر ،وإنما على المظاهر والمقومات المادية ،التي مكّنتهم من العلو والستكبار والستعلء على الناس
،ليُحرموا هذه الميزة بتبادل الدوار مع أولئك العباد .ويكسبوا ميزة جديدة ،هي الستضعاف والذل والنخفاض
،بتبادل الدوار مع الفلسطينيين ،ومن ثم ليقع فيهم ،ما أنزلوه بالفلسطينيين طيلة مدة علوهم ،من قتل وأسر
وتعذيب وسلب للراضي والممتلكات ،وإتلف وهدم ،على قاعدة الجزاء من جنس العمل ( ،وَ َيشْفِ صُدُورَ
َق ْومٍ ُم ْؤمِنِينَ ( 14التوبة ) .وضمير الغائب ( واو الجماعة ) في ( ليسوءوا ) ،يعود على نفس العباد ،وضمير
المخاطب (كم ) في ( وجوهكم ) ،يعود على بني إسرائيل .
والذي سيظهر على الوجه ،هو تعابير الستياء ،التي تنتج في الغالب ،عن مشاعر تجيش بها النفس البشرية ،
كاللم والحسرة والغيظ والخزي والذل ،عندما تتعرض للذى النفسي ،الذي غالبا ما يكون ناتج ،عن فقدان
مادي لما هو جيد ،أو كسب ما هو سيئ ،أو كلهما ،وتعتمد درجة الستياء على درجة الفقد أو الكسب ،والذي
سيفقده اليهود ،هو السيادة والغنى والقوة .
ونجد وصف لتعابير وجه ،يشعر صاحبه بسوء ألمّ به ،لحرمانه من الذكر ،بولدة النثى ،التي ستجلب له
سوَدّا َو ُهوَ َكظِيمٌ ( )58يَ َتوَارَى مِنَ الْ َق ْومِ ج ُههُ ُم ْ ظلّ َو ْ العار مستقبل ،في قوله تعالى ( َوإِذَا ُبشّرَ َأحَدُ ُهمْ بِالُْنْثَى َ
مِنْ سُوءِ مَا ُبشّرَ ِبهِ … ( 59النحل ) ،ونجد وصف آخر لتعابير وجوه الذين اقترفوا السيئات ،عندما استيقنوا
أن ل مفر ول عاصم من أمر ال ،وأنهم سينالون جزاء سيئاتهم ،فتملكّتهم مشاعر اليأس والقنوط من النجاة ،
غشِيَتْ ص ٍم كَأَ ّنمَا أُ ْ
لّ مِنْ عَا ِ
جزَا ُء سَيّ َئةٍ ِبمِثْ ِلهَا وَتَ ْر َه ُقهُمْ ذِّلةٌ مَا َل ُهمْ ِمنَ ا ِ
ن َكسَبُوا السّيّئَاتِ َ في قوله تعالى ( وَالّذِي َ
صحَابُ النّارِ ُهمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( 27يونس ) ك أَ ْ
طعًا مِنَ اللّ ْي ِل ُمظْ ِلمًا أُولَئِ َ
ُوجُو ُههُمْ ِق َ
توحي عبارة ( ليسوءوا وجوهكم ) ،أن ما سينزل بهم من عقاب ،على أيدي هؤلء العباد ،شديد الوقع ،وبالغ
الثر والتأثير في نفوسهم ،مما سيعكس بالضرورة آثار المساءة على وجوههم .لدرجة أنه سبحانه ،أورد نفس
التعبير ،في وصفه لحال الكفار عند رؤيتهم لعذاب جهنم ،في قوله تعالى ( فَ َلمّا َرَأوْهُ زُ ْل َفةً سِيئَتْ ُوجُوهُ الّذِينَ
ل باليهود قريبا ،ليس له نظير ،ول يُمكن كَفَرُوا وَقِيلَ هَذَا الّذِي كُنْ ُتمْ ِبهِ تَدّعُونَ ( 27الملك ) .فالعقاب الذي سيح ّ
أن يتأتى هذا العقاب ،إل من قبل أناس يملؤهم الحقد والكراهية ،ولديهم رغبة شديدة وملحة للنتقام ،من بني
إسرائيل لسبب أو لخر .
جلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي ِإسْرَائِيلَ أَ ّنهُ مَنْ قَ َتلَ َن ْفسًا ِبغَيْرِ َنفْسٍ َأوْ َفسَادٍ فِي الَْرْضِ َفكَأَ ّنمَا قَ َت َل قال تعالى ( مِنْ َأ ْ
جمِيعًا وَ َلقَدْ جَاءَ ْت ُهمْ ُرسُلُنَا بِالْبَيّنَاتِ ُثمّ إِنّ كَثِيرًا مِ ْن ُهمْ َبعْدَ ذَلِكَ فِي
جمِيعًا َومَنْ َأحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا َأحْيَا النّاسَ َ
النّاسَ َ
الَْرْضِ َل ُمسْرِفُونَ ( )32إِ ّنمَا جَزَاءُ الّذِينَ ُيحَارِبُونَ الَّ وَ َرسُو َلهُ ،وَ َيسْ َعوْنَ فِي الَْرْضِ َفسَادًا ،أَنْ ُيقَتّلُوا َ ،أوْ
لخِرَةِ يُصَلّبُوا َ ،أوْ ُت َقطّعَ أَيْدِيهِمْ َوأَ ْرجُُل ُهمْ مِنْ خِلَفٍ َ ،أوْ يُن َفوْا مِنْ الَْ ْرضِ ذَِلكَ َل ُهمْ خِ ْزيٌ فِي الدّنيَا وَ َل ُهمْ فِي ا ْ
عظِيمٌ ( 33المائدة ) عَذَابٌ َ
تبين الية الولى ،عظم مكانة النفس البشرية عند ال ،إذ ليس لحد كان ،إزهاق أرواح الناس سوى خالقها ،
فهو الذي يحيي ويميت ،ومن أزهق روحا بغير نفس أي قصاصا ،أو لمنع الفساد في الرض ،كإقامة الحدود
الموجبة للقتل ،فكأنما قتل الناس جميعا ،ومن قام بهذا المر ،خارج نطاق ما تقدّم من موجبات القتل ،فقد أعلن
حربه على ال .وأن من أعلن حربه على ال ،في الية الثانية ،حُصر جزاءه من قبل رب العزة ،بأربعة
خيارات ،تنفّذ فيه في الحياة الدنيا ،من قبل من أوكله ال بذلك ،حسبما يرتأيه منفذ الحكم ،إذ ل جناح عليه
فيما أُنزل به من عقوبة .
والملحظ أن هذا البيان جاء عامّا ،ولكنه ارتبط ببني إسرائيل بشكل خاص ،مما يوحي أن عقابهم في المرتين ،
شمل وسيشمل على ما يبدو هذه الخيارات مجتمعه ،بالقتل والصلب والتنكيل والسبي ،وبما أن النتيجة النهائية
لهذا العقاب ،هي زوال علوهم في فلسطين ،فهذا يعني رحيل من بقي حيّا فرارا ،عن فلسطين نهائيا ،يجرّ
أذيال الخيبة والهزيمة .وستفيض قلوب كل اليهود في كافة أرجاء العالم ،بمشاعر الذل والخزي والعار
42
والهوان ، ،مما يدعو القاصي والداني ،للشماتة بهم وبمن يشدّ على أيديهم .وهذا ما تؤكده اليات الكريمة ،بأن
جزاءهم سيكون من جنس عملهم .
سجِدَ :
وَِل َي ْدخُلُوا ا ْل َم ْ
يعتقد الكثير من المسلمين هذه اليام ،أن ذكر المسجد في هذا الموضع ،يترتب عليه أن من سيدخله ،وأن
تحريره مقصورا على حملة لواء السلم ،أو بتعبير أدق أولياء ال وخاصته ،يوحدهم ويقودهم خليفة يفوقهم
ولءً ل ولدينه ،وفي الذهان صورة ابن الخطاب ،رضي ال وأرضاه عنه ،وصلح الدين رحمه ال ،ومن
منا ل يتمنى ذلك .
ولكن يحضرني هنا قول الشاعر " :ما كل ما يتمنى المرء يدركه تجري الرياح بما ل تشتهي السفن " ،فلو
عدنا بالذاكرة ،إلى دخوليّ عمر وصلح الدين ،ستجد أنهما ل يتفقّان مع ما جاء في سورة السراء ،لسببين ،
الول ؛ كان الدخول على النصارى في المرتين ،والثاني ؛ أن الجوس للديار لم يقع فيهما ،وكذلك الساءة
لوجوه اليهود .بالضافة إلى أن الدخول في المرتين ،كان فتحا وليس عقابا لحد .
ويبدو وكأنّ المسألة ،هي لفظ المسجد الذي أورده تعالى ،للتعريف والتأكيد ،على أن الرض التي ذُكرت في
الية ( ، )4هي الرض التي تحوي المسجد أي مدينة القدس .
والسؤال هنا هل المساجد خاصة بالمسلمين فقط ؟ بكل تأكيد نعم ،ولكن لفظ المسجد ل ! نحن نعلم أن حادثة
السراء كانت في مكة ،وأن سورة السراء أُنزلت فيها أيضا ،وأن ال سبحانه وتعالى لمّا سمّاه بالمسجد
القصى ،لم يكن للمسلمين فيه ناقة ول بعير ،ولم يكن قائما أصل .وعبادة السجود ل كانت قد سبقت ،منذ آدم
عليه السلم ،إلى يومنا هذا ،فاقرأ قوله تعالى ( ُأوْلَئِكَ الّذِينَ أَنْ َعمَ الُّ عَلَ ْي ِهمْ مِنْ النّبِيّينَ ِمنْ ذُرّ ّيةِ آ َدمَ َو ِممّنْ
سجّدًا حمَانِ خَرّوا ُ حمَلْنا مَعَ نُوحٍ َومِنْ ذُرّ ّيةِ إِبْرَاهِيمَ َوِإسْرَائِيلَ َو ِممّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ آيَاتُ ال ّر ْ
َ
سجُدُونَ ن آيَاتِ الِّ آنَاءَ اللّ ْي ِل وَ ُهمْ َي ْ ن أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ ُأ ّمةٌ قَا ِئ َمةٌ يَتْلُو َ
سوَاءً مِ ْ
وَ ُبكِيّا ( 58مريم ) وقوله تعالى ( لَ ْيسُوا َ
( 113آل عمران ) وكل مكان اتخذوه للسجود ،سمّاه ال في القرآن مسجدا ،والمقصود المكان وليس البناء .
سجِدًا (
علَ ْيهِمْ بُنْيَانًا رَ ّب ُهمْ أَعْ َلمُ ِب ِهمْ قَالَ الّذِينَ غَلَبُوا عَلَى َأمْ ِر ِهمْ لَنَ ّتخِذَنّ عَلَ ْي ِهمْ َم ْ
انظر قوله تعالى ( َفقَالُوا ابْنُوا َ
21الكهف ) .ومع أن أصحاب الكهف ،كانوا من أتباع عيسى عليه السلم ،فإن الذين غلبوا على أمرهم في
الواقع ،أقاموا عليهم مكانا للعبادة .وجاءت تسمية القرآن له بالمسجد ،على اعتبارهم له ،والقصد من بنائه ،
أما أنه مسجد خاص بالمسلمين فل ،والصلة بالنسبة للمسلمين في هذا المسجد ،منهيٌ عنها ،وبالرغم من ذلك
سّماه القرآن مسجدا ،لنهم اتخّذوه مكانا للعبادة ،التي أحد أركانها السجود .وضمير الغائب ( واو الجماعة ) في
( وليدخلوا ) ،يعود على المبعوثين .
وخلصة القول :أن هؤلء المبعوثين لم يتبين ،بنص صريح ول بتلميح بأنهم من خاصة عباد ال .وأن ال
نكّرهم وقصد تنكيرهم ،لمر اقتضته الحكمة اللهية ،التي وضحنا جانبا منها فيما سبق .وأن معتقدهم غير
واضح من حيث اليمان أو الكفر ،وما زالت كل الحتمالت قائمة ،فربما يكونوا مؤمنين أو مسلمين أو وثنيين
أو ملحدين .ومن قال بعكس ذلك فقد جانبه الصواب ،بل أدنى شك .والمر الكثر وضوحا ،هو اتحاد
المبعوثين أول وثانيا ،أي خروجهم من نفس الرض في المرتين ،مهما طال الزمن أو قصر وتعاقبت عليها
الجيال ،بمعنى أن أصحاب البعث الثاني ،هم ورثة الرض من أصحاب البعث الول .وأنهم أولي قوة وبطش
في الحروب .وأن عبارة ( وليدخلوا المسجد ) جاءت لتؤكد دخولهم ،لقلب الرض المقدسة ،وسيطرتهم عليها
بالكامل .
َكمَا َدخَلُو ُه أَوّلَ َمرّةٍ :
قوله تعالى ( َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ َمرّةٍ ) ،هو تشبيه للدخول الثاني بالول ،وفي العادة عندما يروي شخص لخر ،
قصة وقع فيها ذِكرُ حدثٍ يحتاج إلى وصف ،سواء كان هذا الحدث ،قد وقع ولم يشهده المستمع ،أو سيقع في
المستقبل ،فبدل من أن يستغرق الراوي ،في وصف هذا الحدث وسرد حيثياته ،على حساب مجمل أحداث
43
القصة ،يعمد الراوي إلى تشبيه الحدث المراد وصفه ،بحدث آخر مألوف ومعروف من الماضي أو الحاضر ،
لتقريب صفة الحدث موضوع الخطاب لذهن المستمع ،ومن ثم يكمل سرد بقية الحداث .
طهُ الشّ ْيطَانُ مِنْ ا ْلمَسّ ( 275البقرة )
قال تعالى ( الّذِينَ يَ ْأكُلُونَ الرّبَا لَ َيقُومُونَ ِإلّ َ ،كمَا َ ،يقُومُ الّذِي يَ َتخَ ّب ُ
حيث شبه سبحانه قيام آكل الربا يوم القيامة ،مجهول الصفة بالنسبة لنا ،وهو حدث سيقع مستقبل ،بقيام
الممسوس أي المجنون ،وهو حدث ومشهد قد رأيناه ونراه في الماضي والحاضر ،مرارا وتكرارا ،ومعروف
ومألوف لذهن المستمع ،ونستطيع استرجاع ذلك المشهد من الذاكرة ،لنرى مشهدا مؤلما ومخزيا ،لكل الربا
عند بعثه ،يتميز به عن غيره ،فيقوم مفزوعا متحفزا مشوشا ،ل يهدأ له بال ،ول تستكين له حال .
ولتوضيح المر أكثر ،فلو أن زوج مدح زوجته -على سبيل المثال -مُبديا إعجابه بجمالها قائل ( :وجهك
كالمريخ ) ،فهل ستكون الزوجة قادرة ،على معرفة مدى حبه لها ،في حال ،لم تكن عالمة بماهية المريخ
وصفته ،من حيث الجمال والقبح .وهل أبان هذا التشبيه ،بغير المألوف والمعروف للزوجة ،وظيفته في تعبير
الزوج عن مدى حبه لها ،أم أنه زادها حيرة واضطرابا وشكّا .لذلك يُشبّهون جمال النساء ،إذا أريد المدح ،
بالقول ( :وجهك كالبدر ليلة تمامه ) وهي صورة معروفة ومألوفة لكل البشر ،تستطيع النساء استرجاعها من
الذاكرة وتخيّلها واستيعابها ،ومعرفة مدى حب زوجها لها .
واستخدام التشبيه في الية ( )7أفاد أمرين :
أول ؛ أنّ دخول المسجد أي بيت المقدس حاصل في المرتين ،وهذا يدحض قول من ذهب ،إلى أن أيّ من
المرتين ،كانت أو ستكون في غير بيت المقدس .
وثانيا ؛ تشابه صفة الدخول في المرتين الولى والخرة بالدخول عنوة .لقوله تعالى في وصف الدخول الول
( فجاسوا خلل الديار ) وهذا يدحض قول من ذهب ،إلى أن المرة الولى كانت للمسلمين ،كون دخولهم إليها ،
لم يحمل صفة الجوس .
ولكي يستقيم فهم هذه العبارة ،نود أن نُشير إلى أن الخطاب لبني إسرائيل ،لم ينقطع ،بل ما زال موّجها إليهم ،
فالمُخاطَب في قوله تعالى ( كما دخلوه أول مرة ) هم بنو إسرائيل .واقرأ هذه الصياغة للنص ( ،فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ
سجِدَ َ ،كمَا َدخَلُوهُ – عليكم – َأ ّولَ مَرّةٍ /
لخِرَةِ – بعثناهم عليكم – لِ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ ،وَلِيَ ْدخُلُوا – عليكم – ا ْل َم ْ
اْ
انقطاع الخطاب والعودة إلى الجمهور /وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا ) .
وهذا يعني أن المعرفة ،بصفة الدخول الول ،محصورة ببني إسرائيل فقط ،وهذا يقودنا إلى أن معرفة اليهود
المعاصرين المخاطبين ،لصفة هذا الدخول بالضرورة ،تحصّلت لهم مما لديهم من كتب تحكي تاريخهم ،
ومجمل تاريخهم القديم موثق في التوراة ،ويعلم سبحانه أن آباءهم القدماء ،قد وثّقوا صفة الدخول في كتبهم ،
فلذلك شبه الدخول الثاني لهم بما يعرفون .وإن أردت معرفة صفته كمسلم ،ل بد لك من الرجوع إلى كتبهم ،
وهذا الفهم يقودنا إلى مراجعة تاريخهم كامل ،لنتعرّف على صفة الدخول الول ،كما وردت في الية ( ، ) 5
وهذا ما سنفعله في الفصول القادمة .
والحقيقة أن هذا الحدث المفجع والرهيب الذي نزل بهم ،كان له بالغ الثر في نفوسهم ،حيث شكّل لهم الكثير
من العقد ،فضل عما كان لديهم في السابق .جعلت منهم شعبا مجرما حاقدا ،على البشرية جمعاء ،وعلى
أولئك العباد ،الذين ساموهم سوء العذاب في المرة الولى .وما جاء التشبيه هنا ،إل لتذكيرهم بحدث يعرفونه
كما يعرفون أبنائهم ،ومن لم يعرفه منهم ،أو خانته ذاكرته ،يستطيع الرجوع إلى توراتهم ،قال تعالى ( الّذِينَ
آتَيْنَا ُهمْ ا ْلكِتَابَ َيعْرِفُو َنهُ َكمَا َيعْرِفُونَ أَبْنَا َء ُهمْ َوإِنّ َفرِيقًا مِ ْنهُمْ لَ َيكْ ُتمُونَ ا ْلحَقّ وَ ُهمْ َيعْ َلمُونَ ( 146البقرة ) ،وجاء
هذا التشبيه والتذكير ،لنذارهم وتحذيرهم من مغبة العودة إلى العلو والفساد ،وما ينتظرهم من خزي عذاب
الدنيا ،وهول عذاب الخرة .
والعجيب في المر ،أنّ الباحثين في هذا الموضوع حديثا من المسلمين ،كانوا قد أهملوا أكبر وأعظم موسوعة
طلُ مِنْ بيْنِ يَدَ ْيهِ َولَ ِمنْ خَ ْل ِفهِ
تاريخية سماوية ،موجودة بين أيدينا ،أقصد القرآن الكريم الذي ( لَ يَأْتِيهِ الْبَا ِ
حمِيدٍ ( 42فصلت ) ،ولم يرجع إليها أحد ،مع أنه كاد أل يترك سورة من سورهِ ،إل وأرّخ فيها حكِيمٍ َ
تَنزِيلٌ مِنْ َ
لبني إسرائيل ،فعلوهم الول ونشأته وإفسادهم في الرض المقدسة ،ظاهر ماثل للعيان بما ل يترك مجال ،
44
للتقوّل أو الجتهاد .وأما فيما يخص عقاب الوعد الول ،فقد وردت إشارات كافية في هذه اليات ،وفي
مواضع أخرى في القرآن ،تدلّ على تحقّقه قبل السلم .
وَِل ُي َتّبرُوا مَا عََلوْا َت ْتبِيرًا :
في المُعجم " :قال ابن جني :ل يقال له ِتبْر ،حتى يكون في تراب معدنه ،أو مكسورا ،قال الزجّاج :والتبار
الهلك ،وتبّره تتبيرا أي كسّره وأهلكه ،وتبّره أي كسّره وأذهبه ،وفي التنزيل العزيز ( َولَ تَزِدْ الظّا ِلمِينَ ِإلّ
تَبَارًا ( 28نوح ) قال الزجاج :معناه إل هلكا ،ولذلك سمي كل مُكسّ ٍر تِبرا ،وفي قوله عز وجل ( وَعَادًا وَ َثمُودَ
س وَقُرُونًا بَيْنَ َذلِكَ كَثِيرًا (َ )38وكُلّ ضَرَبْنَا َل ُه ا َلْمْثَالَ وَكُلّ تَبّرْنَا تَتْبِيرًا ( 39الفرقان ) قال :التتبير
َوأَصْحَابَ الرّ ّ
التدمير ،وكل شيء كسّرته وفتّته فقد تبّرته " .
والمعنى العام للعبارة ،هو ( وليُدمّروا ما علوا تدميرا ) .وقد جاءت صيغة المفعول المطلق ( تتبيرا ) ،زيادة
في المبالغة ،وتأكيدا للفعل ( وليتبروا ) .وسواء كانت ( ما ) ظرفية ،أو اسم موصول ،بمعنى ( الذي ) ،
لتشمل المكان والزمان والكم .
وكما أشرنا في تفسير العبارة السابقة ،فقد حصل انقطاع في الخطاب الموجه لبني إسرائيل ،ليصبح الحديث
موجها للجمهور ،مضيفا تعقيبا حول مصير علو بني إسرائيل ،بدللة ضمير الغائب المتصل ،واو الجماعة في
كلمتي ( وليتبروا ) و ( علوا ) العائد على بني إسرائيل أنفسهم .والعبارة ( وليتبّروا ما علوا تتبيرا ) جاءت
للتعقيب على ما فعله بني إسرائيل أنفسهم ،بمقومات هذا العلو ،مما كان سببا في زواله .ليُصبح المراد هو أن
علو بني إسرائيل ،حمل في أحشائه بذرة دماره منذ نشأته ،بعدم الولء ل ،وعدم اكتراثهم ،بِحثّه لهم على
الحسان وتحذيره لهم من الساءة .بل اعتمدوا على غير ال ،في تحصيل هذا العلو ،وإدامته وحمايته من
الزوال ،بالفساد والفساد والثم والعدوان .
ليتبيّن لنا أن الحديث عن الوعد الثاني ،انتهى بقوله ( كما دخلوه أول مرة ) .وأن عبارة ( وليتبّروا ما علوا
تتبيرا ) جاءت تعقيبا على قوله تعالى في بداية القصة ( ولتعلن علوا كبيرا ) في الية ( ، ) 4ليؤكد بما ل يدع
مجال للشك ،أن هذا العلو الموصوف بالكبير في الرض ،والذي تحصّل عليه بني إسرائيل ببعدهم عن ال ،
سيصبح هبا ًء منثورا بما كسبته أيديهم .
ومن تعريفنا السابق لمفهوم العلو ،نجد أن العلو مظهر من مظاهر الحياة ،كما الغنى الذي يتحصّل بامتلك
المال الوفير ،وكما الفقر الذي يتحصّل بامتلك المال القليل ،ويتم تحصيله من خلل امتلك مقومات مادية ،
تتمثّل في السيادة على الرض وأهلها ،وسياستهم والتحكّم في مختلف شؤونهم ،والقدرة بامتلك القوة ،والغنى
بامتلك المال والموارد المادية الخرى .والحقيقة أن اليهود في هذا العصر ،لم يقتصر علوهم على فلسطين
فحسب ،بل شمل أمريكا وبريطانيا والكثير من الدول الغربية َ .فهُما شكل من أشكال الفساد اليهودي في
الرض ،وأداة للعدوان على الشعوب ،بأيدي اليهودية العالمية .
وبما أن العلو مظهر ،والمظاهر ل تُدمّر تدميرا ،وإنما تزول زوال بفقدان أسبابها ومقوماتها ،كما أُزيل علو
ع ْونُ وَ َق ْو ُمهُ َومَا كَانُوا
فرعون ،بتدمير ما امتلك من مقومات علوه ،في قوله تعالى ( وَ َدمّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْ َ
َيعْ ِرشُونَ ( 137العراف ) .ونلحظ أن ال تبارك وتعالى لم يأت بالمصدر ( علوهم ) ،ليقول ( وليتبروا علوهم
تتبيرا ) ،وإنما قال ( وليتبروا ما ) .لن المقصود تدميره هنا ،ليس العلو بحدّ ذاته ،وإنما تدمير ( ما ) عل
عليه أو به أو فيه ،بنوا إسرائيل بامتلكه والسيطرة عليه ،مما مكّنهم من الفساد في الرض ،أي تدمير كل ما
يقع تحت كلمة ( ما ) ،مما يمتلكونه من مقومات لعلوهم .لتشمل المكان والزمان والكم لهذا العلو ،الموصوفة
بالتفصيل في اليتين ( 4و ، )6والتي تتلخص فيما يلي :
•تدمير القوة العسكرية المتطورة ،والتي مكنتهم من العلو واستمراريته ،ورد الكرة على أعدائهم .
•ذهاب الموال والبنين والمداد ،الذي كان يتوفر لهم في حروبهم السابقة .
•استلب وتدمير المكنة ،التي يتمتعون فيها بالعلو ،في شتى بقاع الرض .
45
لذلك جاء التعقيب ،بعد نهاية ذكر عقاب وعد الخرة بإساءة الوجه ،وبدخول المسجد .وجاء هذا التعقيب
مُتأخرا عنهما ،لن زوال العلو بشكل نهائي ،سيكون كعاقبة أو نتيجة ،لنفاذ وعد الخرة فيهم ،ويبدوا لي أن
زوال العلو اليهودي في العالم ،سيأتي على مراحل ،ليبدأ في فلسطين ،ومن ثم يمتد لمريكا وبريطانيا وفرنسا
والغرب إجمال ،بإذن ال .
وربما يذهب البعض إلى أن هذه العبارة ،جاءت للتعقيب على ما فعله هؤلء العباد ،بعلو بني إسرائيل في وعد
الخرة ،على اعتبار أن الضمير واو الجماعة في ( وليتبّروا ) عائد على العباد .ولكن هذا غير صحيح ،لن
ذلك يعني استمرارية الخطاب ،فلو أن الخطاب لبني إسرائيل استمر ،لجاءت العبارة على النحو التالي
( وليتبّروا ما علوتم تتبيرا ) ،هذا من جانب .
ومن جانب آخر ،لم يُذكر في التعقيب شيء يخص وعد الخرة ،بذكر كلمة وعد مثل ،كما جاء في التعقيب
على الوعد الولى ،بقوله ( وكان وعدا مفعول ) ،وإنما جاء التعقيب الخير ،على بني إسرائيل ،المذكورين
بالسم في الية الرابعة ،لعود ضمير الغائب واو الجماعة عليهم ،في كلمة ( وليتبروا ) ،وكذلك على علوهم
الكبير ،الموصوف في الية الرابعة أيضا ،لتصال ضمير الغائب العائد عليهم ( واو ) ،في كلمة ( علوا ) .
ولو فرضنا جدل استمرارية الخطاب ،فهل يُعقل أن يُدمّر المسلمون ،ما تحصّلوا عليه من مقومات العلو
الصهيوني ،بعد أن يكونوا قد أوقعوا فيهم ،القتل والتنكيل والسبي والنفي ،وتمّت لهم السيطرة الكاملة على
الرض بدخول القدس ؟! طبعا ل .بل على العكس تماما ،سيكونون بأمس الحاجة ،لما تحصّلوا عليه سالما من
مال وعتاد ،لستخدامه في المواجهة الحقيقة المقبلة مع الغرب .
وخلصة القول :أن كل ما عل بنو إسرائيل عليه أو به أو فيه ،سيصله الدمار ل محالة ،لعموم لفظ العلو ،
حتى علوهم في الغرب ،إذ أن الذي أبقى علوهم قائما ومستمرا في فلسطين ،هو علوهم في الغرب .ولذلك
يصبح دمار الدول الغربية أمر محتما ،ليزول علو بني إسرائيل فيها أيضا بشكل نهائي ،وبذلك تنتفي تماما
قدرتهم على العلو مرة أخرى ،إذ أن هذا العلو ،هو علوهم الخير في الرض وأن أفعالهم ستكون سببا في
زوال علوهم هذا ،وستجد مزيد من تفصيل هذه العبارة ،في الجزء الثالث من الكتاب .
خاتمة السورة :
والن لننتقل إلى خاتمة سورة السراء ،حيث ذُكر وعد الخرة مرة أخرى .أما سبب مجيء هذه اليات في آخر
السورة فهو لسببين :أول ؛ إظهار العجاز العددي في القرآن ،الذي سنظهره بإذن ال لحقا ،ثانيا ؛ للتعقيب
على الوعد الثاني في بني إسرائيل بعد نفاذه ،وما سيكون ممن علموا بتفاصيل هذا الوعد قبل نفاذه ،وما سيكون
منهم بعد نفاذه ،تماما كما جاء به القرآن .
لخِرَةِ جِئْنَا بِكمْ َلفِيفًا ( )104وَبِا ْلحَقّ أَن َزلْنَا ُه سكُنُوا الَْرْضَ َفإِذَا جَاءَ َوعْدُ ا ْ ( وَ ُقلْنَا مِنْ َبعْدِهِ لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ ا ْ
وَبِا ْلحَقّ نَ َزلَ َومَا أَ ْرسَلْنَاكَ ِإلّ مُ َبشّرًا وَنَذِيرًا ( )105وَ ُقرْآنًا فَ َرقْنَاهُ لِ َتقْ َرأَهُ عَلَى النّاسِ عَلَى ُمكْثٍ وَنَزّلْنَاهُ تَنزِيلً (
سجّدًا ()107 ُ )106قلْ آمِنُوا ِبهِ َأوْ لَ ُت ْؤمِنُوا إِنّ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلعِ ْلمَ مِنْ قَب ِلهِ إِذَا يُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ َيخِرّونَ لِلَْ ْذقَانِ ُ
خشُوعًا ()109 ن وَيَزِي ُد ُهمْ ُ
ن وَعْدُ رَبّنَا َل َمفْعُولً ( )108وَ َيخِرّونَ ِللَْذْقَانِ يَ ْبكُو َ ن كَا َن سُ ْبحَانَ رَبّنَا إِ ْ
وَ َيقُولُو َ
مختصر ما قيل في هذه اليات ،في تفسير اللوسي :
" ( جئنا بكم لفيفا ) ؛ أي مختلطين ،وفسره ابن عباس ( جميعا ) ،وبكم ؛ جاءت لتغليب المخاطبين على
الغائبين ( ،وبالحق أنزلناه وبالحق نزل ) ؛ عود إلى شرح حال القرآن الكريم ،فهو مرتبط بقوله تعالى ( ،لئن
اجتمعت النس والجن ) ،وهكذا طريقة العرب في كلمها تأخذ في شيء ،وتستطرد منه إلى آخر ،ثم إلى آخر
ثم إلى آخر ،ثم تعود إلى ما ذكرته أول ،والحديث شجون ،فضمير الغائب للقرآن ،وقد حمله بعضهم على
هذا ،أو للوعد المذكور آنفا ،أي وعد الخرة الذي ذُكر في الية السابقة .
والمراد بالحق الول ؛ على ما قيل الحكمة اللهية المقتضية لنزاله ،وبالثاني ما اشتمل عليه من العقائد
والحكام ونحوها ،أي ما أنزلناه إل ملتبسا بالحق المقتضى لنزاله ،وما نزل إل ملتبسا بالحق الذي اشتمل عليه
46
،وقيل الحق في الموضعين المر المحفوظ الثابت ( ،وما أرسلناك إل مبشرا ) ؛ للمطيع بالثواب ( ونذيرا ) ؛
وللعاصي من العقاب ،فل عليك إل التبشير والنذار ل هداية الكفرة المقترحين .
( وقرءانا فرقناه ) ؛ أي أنزلناه منجما مفرّقا ( على مكث ) ؛ أي تؤدة وتأنّ ،فإنه أيسر للحفظ وأعون على الفهم
( ،ونزلناه تنزيل ) ؛ على حسب الحوادث والمصالح ،قل للذين كفروا ( آمنوا به ) أي بالقرآن ( ،أو ل تؤمنوا
إن الذين أوتوا العلم من قبله ) ؛ أي العلماء الذين قرءوا الكتب السالفة ،من قبل تَنزّل القرآن وعرفوا حقيقة
الوحي ،وأمارات النبوة ،وتمكنوا من تمييز الحق والباطل ،والُمحقّ والمُبطل ،أو رأوا نعتك ونعت ما أنزل
إليك .
( إذا يتلى ) أي القرآن ( ،عليهم يخرون للذقان ) ؛ يسقطون بسرعة على وجوههم ( سجدا ) تعظيما لمر ال
تعالى ،أو شكرا لنجاز ما وعد به في تلك الكتب من بعثتك ،وقال صاحب الفرائد ،المراد المبالغة في التحامل
على الجبهة والنف ،حتى كأنهم يلصقون الذقان بالرض ،وهو وجه حسن جدا ،أي يقعون على الرض عند
التحقيق ،والمراد تصوير تلك الحالة .
( ويقولون ) ؛ أي في سجودهم أو مطلقا ( :سبحان ربنا ) عن خلف وعده ،أو عما يفعل الكفرة من التكذيب ( ،
إن كان وعد ربنا لمفعول ) ( ،ويخرون للذقان يبكون ) ؛ ك ّررَ الخرور للذقان لختلف السبب ،فإن الول
لتعظيم أمر ال تعالى أو الشكر لنجاز الوعد ،والثاني لما أثّر فيهم من مواعظ القرآن ،أي ساجدين باكين من
خشية ال تعالى ،ولما كان البكاء ناشئا ،من الخشية الناشئة من التفكّر ،الذي يتجدّد ،جيء بالجملة الفعلية
( يبكون ) المفيدة للتجدد ( ،ويزيدهم ) ؛ القرآن بسماعهم له ( ،خشوعا ) لما يزيدهم علما ويقينا بأمر ال
تعالى ،على ما حصل عندهم من الدلة " .من تفسير اللوسي .
ج ْئنَا بِك ْم لَفِيفًا :
ِ
هذا ما قيل في ( لسان العرب ) في كلمة لفيف ( مُج َتمِع ملتف من كل مكان ) ،و اللفيف ؛ ( القوم يجتمعون من
جمْع العظيم
قبائل شتى ليس أصلهم واحدا ) ،واللفيف ؛ ( ما اجتمع من الناس من قبائل شتى ) ،واللفيف ؛ ( ال َ
من أخلط شتى فيهم الشريف والدنيء والمطيع والعاصي والقوي والضعيف ) .والملحظ أن معاني الكلمة
جمْع ل جميع ،والحقيقة أن الذي تم على أرض الواقع ،هو المجيء والجمع من أماكن شتى .وأن جاءت بمعنى َ
مجيئهم جميعا لن يتحقق ،لنهم يتمتّعون بصفات طفيلية ،ل تمكّنهم من ترك الدول الغربية الغنية ،والعودة إلى
فلسطين .
أما اليات ( ، ) 109-104وكما عقب سبحانه بعد ذِكره لوعد الخرة في بداية السورة .جاءت بعد ذِكره تعالى
لوعد الخرة ،في نهاية السورة ،تعقيبا على إنزاله هذا الوعد بنصه في القران ،كما أُنزل في كتاب موسى عليه
السلم من قبل ،حيث قال سبحانه ( وَبِا ْلحَقّ أَنزَلْنَاهُ وَبِا ْلحَقّ َن َزلَ َومَا أَ ْرسَلْنَاكَ ِإلّ مُ َبشّرًا وَنَذِيرًا ( )105وَ ُقرْآنًا
فَ َرقْنَاهُ لِ َتقْ َرأَهُ عَلَى النّاسِ عَلَى ُمكْثٍ وَنَزّلْنَاهُ تَنزِيلً ( )106أي وبالحق الذي أوجبته الحكمة اللهية ،أنزلنا خبر
هذا الوعد في القران ،الذي نزّله على عبده تنزيل ،وفرّقه ليُقرأ على الناس على مكث ،وبالحقّ والصدق
والخبر اليقين جاء هذا القران ،بهذا الوعد -مما سيكون من شأن بني إسرائيل – بكل تفاصيله وملبساته ،بما ل
يدع مجال للشك أو التقوّل .
والحكمة اللهية التي اقتضت إنزاله ،كما جاء من نص اليات ،هي :
أول :زفّ البشرى للمؤمنين الصابرين المرابطين المتمسكين بدينهم المخلصين له ( وَيُبشّرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ الّذِي َ
ن
َي ْعمَلُونَ الصّا ِلحَاتِ أَنّ َل ُهمْ َأجْرًا كَبِيرًا ( 9السراء ) ،بأن ال لن يخلف وعده الذي وعد ،وأن ما وعدهم ال ،ل
محالة واقع ولو بعد حين ،ليحثهم على التمسك بدينهم والتحلي بالصبر ،وعدم الستعجال لمر ال والركون
لليأس ،فكلما ادلهمت الخطوب بالمؤمنين وضاقت السبل – كما هذه اليام – كان الفرج ،قاب قوسين أو أدنى (
صرُنَا ،فَ ُنجّيَ مَنْ َنشَاءُ َ ،ولَ يُرَدّ َب ْأسُنَا عَنْ ا ْل َقوْمِ
سلُ َ ،وظَنّوا أَ ّنهُمْ قَدْ كُذِبُوا ،جَا َء ُهمْ نَ ْ
حَتّى إِذَا اسْتَيْئَسَ ال ّر ُ
ا ْل ُمجْ ِرمِينَ ( 110يوسف ) .
47
وثانيا :إنذار لبني إسرائيل ( الذين ل يؤمنون بالخرة ) ،والمكذبين والمتشكّكين ممن غرتهم الحياة ،وآمنوا بما
يقوله الواقع ،مع عدم قراءتهم له بشكل صحيح ،أكثر من إيمانهم بال ،وما جاء في كتابه الذي أنزل ،من
لخِرَةِ أَعْتَدْنَا َل ُهمْ عَذَابًا
غضب ال عليهم ،وتحذيرا لهم من عقابه في الدنيا والخرة ( َوأَنّ الّذِينَ لَ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْ
أَلِيمًا ( 10السراء ) .
وثالثا :تحصّل اليمان لمن لم يؤمن بعد ،وتجدّد إيمان المؤمنين ،وزيادةً في اطمئنان قلوبهم ،عند نفاذ هذا
الوعد ،كما جاءت صفته في القرآن .حيث قال سبحانه للناس كافة ،على وجه التبكيت والتهديد شديد اللهجة ( ،
ُقلْ آمِنُوا ِبهِ َأوْ لَ ُت ْؤمِنُوا … ) من أمر هذا الوعد وهذا القرآن ،أنّ هذا الوعد ل محالة واقع ،وإيمانكم به
وبالقرآن وعدمه سواء .وأن من كانوا قد علموه ،وسبق لهم اليمان به وتصديقهم له قبل تحققه … ( ،إِنّ الّذِينَ
أُوتُوا ا ْلعِلْمَ مِنْ قَب ِلهِ … ) ،ليمانهم بمن أنزله وصِدق ما جاء في كتابه ،سيكون هذا حالهم ،عند تحققه وبعد
سجّدًا ( )107وَ َيقُولُونَ سُ ْبحَانَ رَبّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبّنَا َل َم ْفعُولً (، )108
خرّونَ لِلَْذْقَانِ ُ
تحققه ( إِذَا يُتْلَى عَلَ ْي ِهمْ َي ِ
أي أنهم إذا تُليَ عليهم ذِكر هذا الوعد ،عند وبعد تحققه ،خرّوا للذقان سجدا ،قائلين ( :سبحان ربنا إن كان
وعد ربنا لمفعول ) ،وسيكون هذا حالهم مرة تلو مرة ،كلما تُليت عليهم آيات هذا الوعد ( وَ َيخِرّونَ ِللَْذْقَانِ
خشُوعًا ( )109وما أن يقوموا ،حتى ل تكاد تحملهم أرجلهم ،وتغلب عليهم مشاعرهم ،من شدّة يَ ْبكُونَ وَ َيزِيدُ ُه ْم ُ
التصديق وشدّة اليمان ،فيعودوا ليقعوا ساجدين خاشعين ،لمن ل يُخلف وعده .
جهَ ّنمَ لِ ْلكَا ِفرِينَ حَصِيرًا ( ) 8
جعَلْنَا َ
ن عُدْ ُتمْ عُدْنَا َو َ
ح َمكُمْ َوإِ ْ
عسَى رَ ّب ُكمْ أَنْ َي ْر َ
( َ
ح َم ُكمْ :
ن يَ ْر َ
عسَى َر ّبكُ ْم أَ ْ
َ
بعد نفاذ الوعد الثاني ،يوجه سبحانه الخطاب ،للبقية الباقية من بني إسرائيل ،الذين نجوا من هذا العذاب ،ولم
يطلهم عقاب وعد الخرة ،لعلّهم يعتبرون مما حصل ،بعد أن رأوا ما رأوا ،ما حلّ في بني قومهم ،لما علوا
وأفسدوا في الرض .فلعلهم يعودون إلى ال ،ويصلحون أمورهم ،فيتوب ال عليهم ويرحمهم .قال تعالى (
حسِنِينَ (56 حمَةَ الِّ قَرِيبٌ مِنْ ا ْل ُم ْ طمَعًا ،إِنّ َر ْ خوْفًا َو َحهَا ،وَادْعُوهُ َ لَِولَ ُت ْفسِدُوا فِي الَْرْضِ َبعْدَ إِصْ َ
العراف ) ،وعودتهم إلى ال تعني إعتناقهم للسلم ،لقوله تعالى ( َوإِذْ َأخَذَ الُّ مِيثَاقَ النّبِيّينَ َلمَا آتَيْتُ ُكمْ مِنْ
كِتَابٍ َوحِ ْك َمةٍ ُثمّ جَا َءكُمْ َرسُولٌ مُصَدّقٌ ِلمَا َم َعكُمْ لَ ُت ْؤمِنُنّ ِبهِ وَلَتَنْصُرُ ّنهُ قَالَ َأأَقْ َررْ ُتمْ َوَأخَذْتُمْ عَلَى ذَ ِل ُكمْ إِصْرِي
لمِ دِينًا فَلَنْ ُيقْ َبلَ مِ ْنهُ وَ ُهوَ فِي
ن الشّاهِدِينَ (َ ( … )81ومَنْ يَبْ َتغِ غَ ْي َر ا ِلْسْ َ شهَدُوا َوأَنَا َمعَ ُكمْ مِ ْ
قَالُوا أَقْ َررْنَا قَالَ فَا ْ
غفُورٌ َرحِيمٌ ( 89آل عمران ) . لخِرَةِ مِنْ ا ْلخَاسِرِينَ (ِ ( … )85إلّ الّذِينَ تَابُوا مِنْ َبعْدِ َذلِكَ َوأَصْ َلحُوا فَإِنّ الَّ َ اْ
وهذا ما لم يفعلوه سابقا ،ولن يفعلوه مستقبل ،فهم أعلنوا حربهم على ال ،قبل أن يعلنوها على أي شئ آخر ،
سوَةً … ( 74البقرة ) … وهيهات أن يتوبوا ،فقلوبهم كالحجارة ( … َأ ْو َأشَدّ َق ْ
ع ْدنَا :
ع ْدتُمْ ُ
وَِإنْ ُ
لذلك سيستمرون بالفساد ،وسيعودون إليه مرة تلو أخرى ،وهذا محمول على الشرط ،فإن عادوا للفساد بعد
تحقق الوعد الثاني ،عاد ال عليهم بالعقاب ،وستكون هذه العودة باتباعهم للدجال ،أكبر المفسدين في الرض ،
وهي العودة النهائية لهم ،ول تتفق من حيث المواصفات والشروط مع كونها مرة من المرتين ،وستكون نهايتهم
على مشارف بيت المقدس بباب ( ُلدّ ) ،على يديّ عيسى عليه السلم ومن معه من المسلمين ،عند هروب
الدجال إليها ،كما روي في نفس الحديث الصحيح الطويل ،الذي أوردنا بعضا منه في شرحنا لعبارة عبادا لنا ،
جاء ما نصه " … فَبَيْ َنمَا ُهوَ كَذَلِكَ ( أي الدجال ) إِذْ َبعَثَ الُّ ا ْل َمسِيحَ ابْنَ مَرْ َيمَ … فَ َيطْلُ ُبهُ حَتّى يُ ْد ِر َكهُ بِبَابِ لُدّ
ن حَصِيرًا ( )8ول أسف ول رحمة … جهَنّمَ لِ ْلكَا ِفرِي َ
جعَلْنَا َ
فَ َيقْتُُلهُ … " .ليعقّب سبحانه على ذلك بقوله ( … َو َ
ن النّاسِ ) :
( إِلّا ِبحَ ْبلٍ ِمنْ الّل ِه … َوحَ ْبلٍ مِ ْ
سكَ َنةُ ،وَبَاءُوا ِبغَضَبٍ مِنْ الِّ ،ذَلِكَ بِأَ ّن ُهمْ كَانُوا
قال تعالى في سورة البقرة ( … وَضُرِ َبتْ عَلَ ْي ِهمْ الذّّلةُ وَا ْل َم ْ
صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ ( ، )61هذه الية توضح حكما َيكْفُرُونَ بِآيَاتِ الِّ ،وَ َيقْتُلُونَ النّبِيّينَ ِبغَيْرِ ا ْلحَقّ ،ذَِلكَ ِبمَا عَ َ
48
إلهيا مُلزما ،كان فيما سبق ،قد صدر بحق بني لسرائيل ،عند كفرهم وقتلهم النبياء ،ونلحظ أن المسكنة
عُطفت على الذلة مباشرة ،وأنهما تلزما في الوقوع تحت الضرب ،في قوله تعالى ( وَضُرِ َبتْ عَلَ ْي ِهمْ الذّّلةُ
وَا ْل َمسْكَ َنةُ ) .
ضرِبَتْ عَلَ ْي ِهمْ الذّّلةُ أَيْنَ مَا ُث ِقفُوا ِ ،إلّ ِبحَ ْبلٍ وفي سورة آل عمران ،أُعيد نفس النص السابق ،في قوله تعالى ( ُ
سكَ َنةُ ،ذَلِكَ ِبأَ ّن ُهمْ كَانُوا َي ْكفُرُونَ بِآيَاتِمِنْ الِّ َوحَ ْبلٍ مِنْ النّاسِ ،وَبَاءُوا ِبغَضَبٍ مِنْ الِّ ،وَضُرِ َبتْ عَلَ ْي ِهمْ ا ْل َم ْ
صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ ( ، )112ولكن بفصل الذلّة عن المسكنة ،مع الِّ ،وَ َيقْتُلُونَ الَْنبِيَاءَ ِبغَيْرِ حَقّ ،ذَلِكَ ِبمَا عَ َ
ضرب كل منهما على حدة أول ،ومن ثم إضافة الستثناء التالي ( ِإلّ ِبحَ ْبلٍ ِمنْ الِّ َ ،وحَ ْبلٍ مِنْ النّاسِ ) ،من
ضرب الذلّة دون المسكنة ثانيا .ومن هنا نستطيع القول ،بأن الذلّة ستُرفع عنهم في حالتين :الحالة الولى بحبل
من ال ،والحالة الثانية بحبل من الناس ،وأن المسكنة ستبقى ملزمة لهم ،في حال رفعت الذلّة عنهم أم لم تُرفع
.
جاء في معجم لسان العرب ،الذّل نقيض العزّة ،وقوله تعالى ( وذُلّلَتْ ُقطُو ُفهَا تَذْلِيلًَ ) ،بمعنى سويت عناقيدها
ودُلّيت أي خُفّضت ،وتذلّلَ له أي خَضَع له ،وأن المعنى المُستفاد من الذّل هو الصغار والخضوع والنخفاض ،
والنقيض لهذة الصفات ،هو الستكبار والسطوة والرتفاع .
وَضُرِبَتْ عَلَ ْي ِهمْ الذّّلةُ :أي أُلزموا الذّلة والصغار ،فل منعة لهم ،بمعنى ل قوة لهم لمنع الغير ،من استباحة
دمائهم وأموالهم وأهليهم .وثبتت فيهم هذه الصفة ،ولزمتهم على مرّ العصور ،ول خلص لهم منها ،والسبب
في ضربها عليهم ،هو استحقاقهم لغضب ال عليهم ،لكفرهم بآياته وقتلهم النبياء ،بالضافة لما كان من
عصيانهم لوامره ،واعتدائهم على حدوده .
هنا ل بد لنا من وقفة مع هذه العبارة ،حيث يقول سبحانه ( ،ضُرِبَتْ عَلَ ْي ِهمْ الذّّلةُ ،أَيْنَ مَا ُث ِقفُوا ِ ،إلّ ِبحَ ْبلٍ ِم ْ
ن
الِّ َوحَ ْبلٍ ِمنْ النّاسِ ) ،فالذلة ملزمة لهم ،أينما أقاموا أو ارتحلوا ،وهذه الذلة ستُرفع عنهم مرتين ،لتُستبدل
بالعلو ،أينما أقاموا أو ارتحلوا ،على امتداد سطح كوكب الرض ،فالعلو اليهودي لمرتين ،حدث عارض في
تاريخهم ومصيره إلى الزوال ،أو حالة استثنائية ،سيعيشها عامة الشعب اليهودي لمرتين أينما وُجدوا ،
وستزول هذه الحالة عن عامة الشعب اليهودي كذلك ،عندما يأذن رب العزة بزوال علوهم ،في المرة الثانية ،
وليعود كل يهود العالم أفرادا وجماعات ،في شتى بقاع الرض ،إلى حالة الذلة ،التي هي في الصل ،الحالة
التي يستحقون بمنظور رب العزة .
والسؤال الن ،لماذا كان هذا الفصل ،وهذا الستثناء ؟
ِإلّ ِبحَ ْبلٍ مِنْ الِّ َ ،وحَ ْبلٍ مِنْ النّاسِ :الستثناء هنا يفيد رفع حالة الذّلة ،لتصبح حالهم من ( الذل والصغار
والخضوع والنخفاض ) ،إلى العكس تماما ،أي ( العز والستكبار والسطوة والرتفاع ) ،وهذا مما يفيد معنى
العلو ،وهذا الستثناء يوضح أن العلو سيكون على حالين ،وأن العلو الول ،كان بحبل ال ،أي باتكالهم على
ال ،في نشأته وتمكينه من خلل الوحي والنبوة ،وأن العلو الثاني ،سيكون بحبل الناس ،أي باتكالهم على
الناس ،في نشأته وتمكينه من خلل المساعدات المالية والعسكرية .
وتمعنّ في جمال ودقة التعبير القرآني ،واستخدام كلمة ( حبل ) في هذا المقام ،فالحبل يُرفع به دلو الماء ،من
قعر البئر إلى قمته ،فهو وسيلة لنتشال الشيء ،من أدنى حالته وإيصاله إلى أعلها ،ومن قوله عليه الصلة
والسلم ،لصاحب الناقة " اعقل وتوكل " ،نجد أنه وسيلة ربط لحكام الشيء وإبقاءه على حاله .
وهذا ما تحقق في الواقع ،فقد استطاع اليهود بعد أن كانوا في القاع ،من تسلق الحبل المريكي البريطاني ،
ليصعدوا إلى قمة تمثال الحرية ،ومن ثم تناولوا الحبل ،وربطوه في قرنيّ التمثال ،وأخذوا طرفه الخر ،
ولفّوه سياجا منعيا حول دولتهم في فلسطين .حتى أصبح عامّة المريكيين عبيدا لليهود ،يقدّمون لهم القرابين
التي نعلمها ،خشية أن يسحب اليهود ،طرف الحبل الذي يمسكونه بإحكام ،فيهوي رأس التمثال في البحر .
وطرف الحبل الخر ليس ببعيد عن أولئك العباد ،فما زال ينتظرهم ليسحبوه ،ليغرق التمثال وأهله .
49
نعلم أنّ ال قد حذّرهم من اتخاذ وكلء غيره ،في افتتاحية السورة قائل ( َألّ تَ ّتخِذُوا مِنْ دُونِي َوكِيلً ( . )2في
العلو الول لهم ،كانوا قد طلبوا العون من ال ،لقامة الدولة في الرض المقدسة ،وكان اتكالهم على ال
لدامة وجودها ( ،إِذْ قَالُوا لِنَبِيّ َل ُهمْ ا ْبعَثْ لَنَا مَ ِلكًا ُنقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ ( 246البقرة ) ،فآتاهم ال ما طلبوا ( وَ َلقَدْ
علَى ا ْلعَا َلمِينَ ( 16الجاثية ) فجمعحكْمَ وَالنّ ُبوّةَ وَرَ َزقْنَا ُهمْ مِنْ الطّيّبَاتِ وَفَضّلْنَا ُهمْ َ
آتَيْنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ُ
لهم الملك والنبوة ،في داود وسليمان عليهما السلم .وأما في العلو الثاني ،كانوا قد طلبوا العون من ( بلفور )
لقامة الدولة ،والتكال على بريطانيا ليجادها ،وعلى أمريكا لدامة وجودها ،فكان لهم ما أرادوا ُ ( ،ثمّ رَدَدْنَا
جعَلْنَاكُ ْم أَكْثَرَ َنفِيرًا ( 6السراء ) . ن َو َ
َل ُكمْ ا ْلكَرّةَ عَلَ ْي ِه ْم َوَأمْدَدْنَا ُكمْ ِبَأ ْموَا ٍل وَبَنِي َ
ولو لم يأتي هذا الستثناء في سورة آل عمران ،وبقي على حاله كما هو في سورة البقرة ،لتناقض ذلك مع قوله
تعالى في سورة السراء ( ،لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْرْضِ ،مَرّتَيْنِ ،ولَ َتعْلُنّ عُُل ّواً كَبِي َراً ) ،سبحانه وتعالى عن ذلك علوا
كبيرا .
سكَنَةُ :أي الحاجة للغير والتسول بل خجل ،فل كرامة ول عزة ول إباء لهم ،فل يوجد وَضُرِبَتْ عَلَ ْي ِهمْ ا ْل َم ْ
يهودي -وإن كان غنيا -خاليا من زي الفقر والخضوع والمهانة ( ،وهكذا تكون الطفيليات ) ،بارعون في
التسلق على ظهور غيرهم بمكرهم ودهائهم ،لقضاء حاجاتهم الدنيوية الدنيئة .
مجيء اليهود من الشتات :
يظنّ البعض ،بناءا على عبارة جئنا بكم لفيفا ،أن وعد الخرة ما زال بعيدا عن التحقق ،كون تجمّع بني
إسرائيل في فلسطين لم يكتمل بعد ،فالكثير منهم – تقريبا النصف – ما زال في الدول الغربية ،وهذا الظنّ في
غير محلّه ،وينمّ عن عدم معرفة بحقيقة الشخصية اليهودية .فاليهود المنتشرون كالجراد ،في شرق العالم
وغربه ،لن يهاجروا إلى فلسطين ،إل في حالة واحدة إذا أُجبروا على ذلك مُكرهين ،أو ُدمّر العالم بأسره ،ولم
يبق إل فلسطين ليهاجروا إليها ،وهذا غير وارد في المنظور القريب ،ودمار إسرائيل القادم ،سيكون سابقا ،
بل سببا لنهيار العالم الغربي ودماره .
فاليهود كائنات طفيلية ،ل تستطيع العيش بمعزل عن الخرين من غير اليهود ،وحتى الدولة اليهودية تتصف
بنفس الصفة ،فهي ل تستطيع البقاء والمحافظة على وجودها وكيانها ،بدون المساعدة الخارجية من الدول
الغربية ،والتسوّل الدائم والمستمر .وهذه هي المسكنة التي ضربها ال عليهم ،ولزمتهم على مرّ تاريخهم
الطويل ،في غناهم وفقرهم وفي ذلّهم وعلوهم .ول أدلّ على ذلك التسويق المذلّ والمخزي والمستمر ،للمحرقة
النازية المبالغ فيها ،والتي جعلوا منها ،ومن تهمة معاداة السامية ،مسمار جحا في حلق الشعوب الغربية ،
لبتزازها ونهب خيراتها وخاصة ألمانيا ،فهم عالة على كل من آواهم ،وهذا ما يشهد به تاريخهم ،وكان سببا
– بالضافة إلى غدرهم ومكرهم ومؤامراتهم -في اضطهادهم ،من قتل ونهب ونفي وتهجير .
واليهود هم أول من ابتكر الربا ويعيشون به وعليه ،والن هم يملكون معظم بيوت المال العالمية إن لم تكن
كلها ،حتى البنوك المركزية المريكية والبريطانية ،وحق إصدار النقد فيها ،فهل من المعقول أن يتركوا العجل
الذهبي ،ويغادروا جنّة إلههم بمحض إرادتهم ؟! طبعا ل ،فهذا ضرب من الخيال .لذلك أستطيع الجزم – لما
تقدم – بأنّ تجمّعهم في فلسطين بكلّهم وكليلهم لن يكون ،وللعلم فإن معظم المهاجرين اليهود ،كانوا من بلدان
أوروبا الشرقية المعروفة بفقرها ،وأما الغربيون فأعدادهم قليلة جدا .
فضل عن ذلك ،لم يأتي في مجمل معاني لفيفا ما يُفيد ،تجمّع كل اليهود في فلسطين ،كشرط لتحقّق وعد
الخرة ،والمعنى المستفاد منها هو الختلط في الصول ،والجمع من أماكن مختلفة ،وهذا قد تحصّل ،فالدول
التي هاجروا منها ،شملت معظم أرجاء المعمورة ،وهي غنيّة عن التعريف ،وهذا هو المراد .
أما فيما يخص السنن اللهية في القرى الظالمة ،فقد وردت في هذا البحث الكثير من اليات التي توضّحها ،فل
أسرع من النتقام اللهي ليحل بها .وظلم اليهود وعلوهم واستكبارهم ،وعنجهيّتهم وعنصريّتهم ،ومحاربتهم ل
ورسوله وأولياؤه ،وقتل البرياء العزّل ،وهدم البيوت ،واستلب الراضي واقتلع أشجارها واستيطانها ،
ومنعهم مساجد ال أن يُذكر فيها اسمه وتدنيسها ،فاق كل تصوّر ،وأوجب عقابه سبحانه لهم منذ زمن بعيد .
عظُم شأنه ،ضرب لهم موعد لن يُخلفوه ،وأن أرضه المقدسة تزخر بأوليائه
ولول أن الحكيم العليم جلّت قدرته و َ
50
الصالحين ،لنزل الن عليهم رجزا من السماء ،كما أنزله على أسلفهم ،لمجرد تبديلهم للقول والهيئة عند
دخول القرية ،لعنهم ال بكفرهم قليل ما يؤمنون .ولكنّ عقابهم سيكون مختلفا ،رحمة من ربك بعباده الصالحين
جلَ الِّ لَتٍ ) ،
هناك ،لكيل يسوءهم العذاب ،فضل عمّا أساء لهم أولئك الوغاد .فليرتقبوا إنّا مرتقبون ( فَإِنّ َأ َ
ن َأجَ َل الِّ إِذَا جَا َء لَ ُي َؤخّرُ َل ْو كُنتُمْ َتعْ َلمُونَ ( 4نوح ) .
و ( إِ ّ
تعني عملية ربط نفاذ وعد الخرة ،بتجمّع كل اليهود في فلسطين ،أن وعد الخرة ،لن يتحقق حتى قيام
الساعة ،وهذا مخالف لما نراه على أرض الواقع ،حيث وصل الظلم اليهودي أقصى مداه ،ومخالف أيضا لما
تحكيه النصوص ،إذ أن هناك عودة أخرى للفساد ،وهناك عقاب آخر ،سينطق فيه الحجر والشجر ،قبل قيام
الساعة ،التي أصبحت أشراطها الكبرى على البواب ،والناس في غفلة من أمرهم .
ما تُخبر عنه اليات في السورة ،ليس وعدا بنصر للمؤمنين ،وإنما وعد استثنائي بعقاب بني إسرائيل :
علَ ْي ِهمْ إِلَى َي ْومِ ا ْلقِيَا َمةِ مَنْ َيسُو ُم ُهمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ ( 167العراف ) تقرّر هذه
قال تعالى ( َوإِذْ تَأَذّنَ رَبّكَ لَيَ ْبعَثَنّ َ
الية الكريمة ،بأن ال سيبعث على بني إسرائيل ،من يسومهم سوء العذاب إلى قيام الساعة .إذاً هناك
استمرارية للبعث ،وهناك استمرارية للعذاب .وقد وقع العذاب فيهم ،على أيدي وثنيون ونصارى ومسلمون ،
على مرّ تاريخهم الطويل .مما يؤكد أن العذاب الخاص بوعدي المرتين ،هو حالة استثنائية خاصة مختلفة ،عمّا
تقرّره الية أعله ،وأن الذين سيُوقعونه بهم أناس استثنائيون أيضا ،وهذا الستثناء جاء لما يملكونه من
صفات ،على رأسها صفة البأس الشديد ،لن إفساد بني إسرائيل المقترن بالعلو في كلتا المرتين ،أعظم من أي
إفساد سابق أو لحق ،مما يتطلّب بعث أناس هم أهل ،لما يريده ال لبني إسرائيل ،من العذاب الشديد .
أُنزلت نصوص هذه النبوءة على موسى عليه السلم ،قبل 3آلف سنة تقريبا من الن ،وقبل 1600سنة من
مجيء السلم تقريبا ،وكُشفت نصوصها لبني إسرائيل ،بعد نكوصهم عن الدخول إلى فلسطين ،وقبل سنوات
التحريم والتيه .وهي في الواقع ،تحكي حالتين استثنائيتين من تاريخ بني إسرائيل ،يتحصّل لهم فيهما علو أمميّ
في فلسطين ،يشترط فيهما سبحانه ،الحسان وتجنّب الساءة ،فإن أحسنوا أحسن إليهم ،وإن أساءوا أزال
علوهم ،وعذّبهم في الدنيا والخرة .ووعدهم بإطالة أمد هذا العلو إليهم ،طالما هم محسنون ،والساءة إليهم
بعقابهم وبإزالة هذا العلو ،طالما هم يُسيئون ويُصرّون على الساءة .
ولعلمه المسبق بإفسادهم بعد التمكن من العلو فيها في المرتين ،أخبرهم سبحانه بما سيكون منهم مستقبل ،مؤكدا
ذلك بِ َقسَم ،تستشعر من خلله التحدّي اللهي لهم ،كونهم دائبون على تحدّيه ،بمحاربة رسله وأولياءه وشرائعه
.وأنهم كلمّا علوا في الرض ،سيفسدون فيها ،بالرغم من تحذيرهم هذا ،معلنين حربهم عليه سبحانه .فينالون
غضبه وسخطه عليهم ،مما يستوجب العقاب .وعندما يتحصّل ذلك منهم ،وعدهم ربهم بأن يبعث عليهم في كل
مرة ،عبادا له أولي بأس شديد ،ليعيدونهم إلى موقعهم الحقيقي من العراب بين المم .
لنؤكد هنا على أن ما تُخبر عنه سورة السراء حصرا ،هو وعد بعقاب وعذاب لليهود لفسادهم واستعلئهم في
الرض ،بغض النظر عن أي اعتبارات أخرى ،وفي التعقيب على هذا الخبر ،كانت إحدى الحكم اللهية
للخبار عنه ،هي زفّ البشرى للمؤمنين .أما نصر المؤمنين ،من أهل فلسطين ،الذين نصروا ال بصبرهم
ورباطهم وثباتهم ،فالخبار عنه والوعد به ،جاء في مواضع أخرى من القرآن ،فل نخلط بين المرين .
من هم هؤلء العباد ،ولماذا هم ،وما الذي يجري في الحقيقة ؟
يؤكد النص القرآني ،في اليات من ( ) 7-5من سورة السراء ،أن العقاب اللهي لبني إسرائيل ،سيحلّ بهم
على أيدي بشر .طائفة من خلقه ،سخّرهم ال جلّت قدرته ،من أجل القيام بهذه المهمة العظيمة ،واختارهم لهذه
المهمة لتصافهم بالبأس الشديد .وطبيعة هذه المهمة هي النتقام ،وهذا النتقام إلهي الطابع ،وصفته شديد
الوقع والتأثير .وبالتالي من الضرورة بما كان ،أن يمتلك أولئك العباد ،مخزونا هائل وكمّا ضخما ،من الحقد
والكراهية الموجّه لبني إسرائيل لسبب أو لخر ،مما أوجد لديهم رغبة شديدة وملحة في النتقام منهم ،حتى
يتوافق ذلك مع مقتضى الرادة اللهية في النتقام ،وليتجلى ذلك العذاب في أبشع صوره ،كما لو أنه أُنزل
عليهم من السماء .وتوحي اليات بأن هناك علقة عدائية ،ما بين اليهود وأولئك العباد ،نشأت منذ نهاية علوهم
51
الول ،وتجدّدت مع بداية علوهم الثاني ،واستمرت وتزايدت مع مرور الزمن ،وأن سبق العداء والعتداء
اليهودي على أولئك العباد ،سيكون السبب في خروج أولئك العباد عليهم .ولتوضيح ما خفي بين السطور ،في
هذا النص القرآني الكريم ،سنقوم بطرح مثال قريب إلى أذهاننا .
لنأخذ مثل ،الرادة أو الرغبة في الكل ،وهي عادة ل تأتي عبثا ،وفي الغالب تتحصّل لسببين :الشعور
شرِه يأكل في العادة ،دون الحاجة للشعور بالجوع ، بالجوع ،أو لوجود صفة الشراهة في النسان .والنسان ال َ
ذلك لنها طبع ملزم له ،فتخيّل أن إنسانا كهذا ،كان جائعا فضل عن شراهته ،وعند نزوله من إلى الشارع ،
مرّ بمطعم ،فشاهد من خلل الواجهة الزجاجية دجاجة مشوية ،فاستثارته بمنظرها وأسالت لعابه ،بالتأكيد
ستتولّد لديه رغبة شديدة ،في التهام تلك الدجاجة الشهية على الفور ،للشعور باللذة والمتعة ،أثناء التهامها .
وعندما همّ بالدخول ،تبيّن له أن المطعم مغلق للستراحة ،وحسب اللفتة الموجودة على الباب ،تبين له أن
المطعم لن يُفتح قبل عشر دقائق .والذي حصل مع صاحبنا ،أنه لم يترك المر ويمضي في حال سبيله ،بل أخذ
المر على أنه موضوع شخصي ،كونه ذو طبع شره ،وكأن الدجاجة اعتدت عليه بتعرّضها له في الطريق ،
وطعنته في مقتل ،فاتخذ قرارا بالنتقام منها ،لكي يُزيح عن كاهله ،ذلك الوضع وذلك الشعور المزري ،الذي
فرضته عليه تلك الدجاجة ،بما سبّبته له من استثارة واستفزاز .ولكن هل يستطيع تنفيذ رغبته في النتقام من
الدجاجة ؟ كل ! … إذن ل مناص له إلّ النتظار ،لحين مجيء الموعد المنتظر ،فقرّر النتظار ريثما يفتح
المطعم … والن تخيل سلوك ذلك النسان ،لحظة فتح الباب وحتى لحظة وقوع الدجاجة بين يديه … ! وتخيل
ما الذي سيفعله بتلك الدجاجة حتى ينتهي من أمرها … ! وتخيل ما بقي من حطامها … ! وتخيل منظر الطاولة
لحظة النتهاء منها … ! وتخيل منظره لحظة تركه لساحة المعركة … وهو يشعر بنشوة النتصار … الذي
حققه وباقتدار … على تلك الدجاجة المزعجة … !
أخبر سبحانه بأن عقابه لبني إسرائيل ،سيكون من فعل البشر ،والسلوك البشري في بعض من جوانبه ،هو
مجموعة من الحوادث المتكررة .وما نحن بصدده في هذا المقام ،هو القانون الفيزيائي ( لكل فعل رد فعل
معاكس له بالتجاه ) ،ولكن ليس مساو له بالمقدار ،فرد الفعل في السلوك البشري ،تتدخل فيه عوامل كثيرة ،
تغير من مقدار رد الفعل .ومن قراءتنا للنص القرآني وفهمنا له ،نجد أن هذا العقاب اللهي ،سينفذ في بني
إسرائيل على أيدي بشر ،وسيكون غاية ،في البطش والتنكيل والذلل .
وهذا السلوك البشري ،ل يقوم به إل من كان يعتمل في صدورهم ،رغبة شديدة في النتقام .ورغبة النتقام
لدى البشر ،ل تنشأ عبثا ،فغالبا ما تكون ردّ فعل لفعل سابق .بمعنى أن الرغبة في النتقام لدى شخص ما ،
تنتج عادة لسبق العتداء من قبل شخص آخر ،فغالبا ما يتسبب الشخص المعتدِي ،في إيقاع الذى ،بالشخص
المعتدَى عليه ،سواء كان هذا العدوان جسديا أو نفسيا ،مما يُشكل خطرا وتهديدا ،على كيان المعتدَى عليه
برمّته ،من حيث المن والسلمة النفسية والجسدية ،فيُشكّل هذا العدوان استفزازا واستثارة ،تجعل المعتدى
عليه ،يعيش حالة من التوتر والقلق ،تؤدي به أخيرا إلى القيام برد العدوان ،بعدوان أشد قسوة وأكثر إيلما
وتنكيل ،حتى يتخلّص المعتدَى عليه من تلك الحالة ،بالضافة إلى رد اعتباره أمام نفسه وأمام الخرين ،
ولدرء خطر تكرار العدوان من قبل المعتدِي نفسه أو من قبل غيره .
وفي كثير من الحيان ،يتكرر نفس السلوك البشري ،لشخص ما عند تعرضه لنفس المثير ،في أوقات مختلفة .
وفي أحيان كثيرة يتشابه سلوك شخص ما ،لدرجة التطابق مع سلوك شخص آخر ،تعرض لنفس الموقف ،وإن
اختلف ،فالختلف إما أن يكون :
أول ؛ في درجة الشدة ،للفعل نفسه من ( شتم ،أو ضرب ،أو إيذاء بليغ أو قتل ) .
ثانيا ؛ في درجة الشدة لرد الفعل من ( اكتئاب ،أو امتعاض ،أو شتم أو ضرب أو إيذاء بليغ أو قتل ) .
ثالثا ؛ في طبيعة الشخص المعتدى عليه ( فإن كان ذليل ربما يكتئب ،وإن كان جبانا ربما يمتعض ،وإن كان
قويا فيه لين ربما يشتم أو يضرب ،وإن كان عزيزا وقويا ربما يؤذي أو يقتل وينكل ) .
وبما أن السلوك البشري حدث متكرر ،فهو قابل للدراسة والمقارنة .وسورة السراء أعطت صورة من صور
هذا السلوك ،لولئك العباد في التعامل مع بني إسرائيل .وتصوير السلوك البشري ،يظهر في مواضع كثيرة ،
52
أثناء السرد القرآني للقصة ،الذي يعتمد التصوير بإيجاز شديد ،ليلقي على كاهل القارئ ،تخيل بقية تفاصيل
القصة ،التي اختفت بسبب اليجاز ،وما كان المثال السابق إل ليضاح الجانب الخفي ،مما تحكيه النصوص
من أحداث غير ظاهرة ،تغيب في العادة عن ذهن القارئ ،أثناء التلوة العادية لليات .
ما تحصل لدينا من ملمح لسلوك هؤلء العباد ،ومن أحداث من خلل اليات ،هو ما يلي :
.1صفة البأس الشديد :اتصاف هؤلء العباد بالقوة والبطش في الحروب .
:قيام بنو إسرائيل بالعتداء على هؤلء العباد ،بعد تحصّلهم على العلو الكبير . .2ردّ الكرّة
:متعلّق ب ِعظَم الظلم والفساد في الرض ،فكلما ازدادت وتيرته كلما اقترب . .3مجيء الوعد
:الخروج للغزو والغارة ،يقترب كلما ازدادت وتيرة الستفزاز والتهديد ،وتناقصت .4البعث
المُعيقات والموانع .
:سلب مقومات العلو اليهودي في فلسطين . .5دخول المسجد
عظَم النتقام وبشاعته ،باليذاء والقتل والتنكيل والتهجير والسبي .
ِ : .6إساءة الوجه
تتبع وقارن ما بين معطيات السلوكين :
( )1صفة الشراهة ) )2سبق رؤية الدجاجة تسبب في الستفزاز والثارة ) )3تولّد الرادة والرغبة
في الكل ) )4انتظار مجيء الموعد ( الذي حدده مدير المطعم ) )← )5مجيء الموعد ) )6النبعاث
:فتح الباب وتمكين الوصول ( موظفو المطعم ) ) ← )7دخول المطعم ) )8التلذذ والستمتاع بالتهام
الدجاجة ) .
( )1صفة البأس الشديد ) )2سبق اليذاء والعتداء تسبب في الستفزاز والثارة ) )3تولّد الرادة
والرغبة في النتقام ) )4انتظار مجيء الموعد ( الذي حدّده سبحانه ) )← )5مجيء الوعد ) )6
النبعاث :إزالة المعوقات وتمكين الوصول ( العلي القدير ) )← )7دخول المسجد ) )8النتقام بالتلذذ
والستمتاع بالتنكيل ببني إسرائيل ) .
الملمح الخفية التي ظهرت من خلل المقارنة هي :
.1ضرورة اعتداء بني إسرائيل على أولئك العباد ،بإضرارهم وإيذائهم بشكل بالغ الثر .
.2تولّد حالة من التوتر والقلق والقهر ،لدى أولئك العباد يُخلّفها ذلك العدوان .
.3تولد الرادة والرغبة في النتقام ،لدى أولئك العباد ،بردّ الصاع صاعين ،لدفع الذى والضرر ،وردّ
العتبار .
.4العمل والستعداد والنتظار ،ريثما تأتي اللحظة المناسبة ،التي تُمكّنهم من النقضاض .
والن لنطرح السئلة التالية :
.1من الشعب الذي يمتلك صفة الصبر والجلد عند وقوع البلء ،والقوة والبطش عند مواجهة
العداء ؟
.2من الشعب الذي هُزم من قبل اليهود عند نشوء دولتهم ،والوحيد الذي استمر اليهود ،في إيذاءه
والعتداء عليه ،بشكل مباشر وغير مباشر ،وما زالوا حتى يومنا هذا ،وسيستمرون في إيذاءه
حتى يُجبروه على الخروج عليهم ؟
.3من الشعب الذي يُظهر رغبة شديدة وملحة في النتقام منهم ،والقضاء عليهم وإنهاء وجودهم ،وما
بقي عليه إل أن يُهيئ ال له ،أسباب الخروج والنبعاث ؟
.4من الشعب الذي بُعث عليهم في المرة الولى ،ودمّر مملكتهم في فلسطين بالذات ؟ وأين تقع
الرض التي خرج منها الن ؟
53
.5من الشعب العزيز والقوي ،الذي ل يقبل الخضوع والذل والهوان ،ولديه القوة والقدرة ،ليفاجئهم
ل واقتدار ؟
ويكيل لهم الصاع صاعين ،وينزل بهم أبشع انتقام إلهي ،وبتج ّ
شروط ومواصفات المرة :
والن لنحاول استنباط الشروط والمواصفات ،التي يجب توافرها في المرة الواحدة ،ليصبح لدينا مقياس ينأى
بنا ،عن التخبط والعشوائية والجتهاد الخاطئ ،نستطيع من خلله ،تقييم كل حالة من الحالت المعروضة بين
أيدينا ،لجل التحقق وبدقة متناهية ،من كونها إحدى المرتين أم ل -:
أوجه التشابه بين المرتين :
.1المكان :الرض المقدسة -فلسطين .
.2صفة الفساد :أممي جماعي -القتل وسفك الدماء ،إخراج الناس من ديارهم ،محاربة ال وما جاء به
رسله .
.3العلو :الستعلء -امتلك الرض والمال والقوة .
.4صفة المبعوثين :أقوياء وأعزاء -يفضلون الموت على الذل والمهانة ،ول يقبلون بأقل من ردّ الصاع
صاعين ،ومخرجهم من نفس الرض ،في المرتين .
.5صفة العقاب :انتقام إلهي -الدخول بالغلبة قسرا وقهرا ،وهدم مقومات الدولة ،وإفناء شعبها ،والشتات
لمن ينجو منهم .
علمات فارقة تميز كل مرة عن الخرى :
.1النشأة والستمرارية :تواكلية -إحداهما بالتواكل على ال ،والخرى بالتواكل على الناس .
.2المجيء :مختلف -دخول فلسطين كأمة في الولى ،دخولها كجماعات متفرقة من الشتات في الثانية .
.3الوعد :الول -تحقق قبل نزول سورة السراء ،والثاني -سيتحقق في مستقبل المة السلمية .
هل من المكن أن يبعث ال الكفرة ويُسلّطهم على من شاء من عباده ؟
هذا السؤال كان قد أورده الزمخشري في الكشاف ،حيث قال ( " :عبادا لنا ) ،وقُرئ عبيدا لنا ،وأكثر ما يُقال
عباد ال ،وعبيد الناس ،سنحاريب وجنوده وقيل بختنصر … فإن قلت كيف جاز أن يبعث ال الكفرة ويُسلّطهم
عليهم ؟ قلت :معناه خلينا بينهم وبين ما فعلوا ولم نمنعهم ،على أن ال أسند بعث الكفرة إلى نفسه ،فهو كقوله
ض الظّا ِلمِينَ َبعْضًا ِ ،بمَا كَانُوا َيكْسِبُونَ ( 129النعام ) " انتهى .
تعالى ( َوكَذَلِكَ ُنوَلّي َبعْ َ
أما المام أحمد فقد قال ردا على نفس السؤال " :هذا السؤال إنما يتوجه على قدريّ ،يُوجب على ال تعالى
عمّا َيفْ َعلُ
بزعمه ،رعاية ما يتوهمه بعقله مصلحة ،وأما السُنيّ إذا سُئل هذا السؤال أجاب عنه بقوله ( :لَ ُيسْ َألُ َ
وَ ُهمْ ُيسَْألُونَ ( 23النبياء ) " انتهى .
ول ننسى أن الكلم في المسألة أعله ،محمول على أن البعثين قد تحصّل قبل نزول اليات ،حيث أجمعت كل
الروايات على كفر المبعوثين ،فجاء الكلم ردّا ،على من قد ينكر على ال ،بعث الكفرة على فسقة أهل
الكتاب ،ويحصر ذلك بالمؤمنين وهما وظنا واتباعا للهوى ،مُقدّرا بأن في ذلك كل المصلحة والمنفعة ،مُلزما
ربّ العزة برأيه .
وبالضافة لما تقدّم ،نسوق بعض الدلة من القرآن والسنة ،على تسليط ال الناس بعضهم على البعض ،دون
بيان ماهية المعتقد من حيث اليمان أو الكفر ،وحتى نصرة الدين بالفجار :
ضلٍ عَلَى ا ْلعَا َلمِينَ ( 251البقرة )
ن الَّ ذُو فَ ْ
ض وَ َلكِ ّ
ت الَْرْ ُ
ض ُهمْ بِ َبعْضٍ َل َفسَدَ ِ
قال تعالى ( وَ َل ْولَ َدفْ ُع الِّ النّاسَ َبعْ َ
54
صوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَ َلوَاتٌ َو َمسَاجِدُ يُ ْذكَرُ فِيهَا اسْمُ الِّضهُمْ بِ َبعْضٍ َلهُ ّدمَتْ َ
وقال أيضا ( وَ َل ْولَ َدفْعُ الِّ النّاسَ َبعْ َ
ن الَّ َل َق ِويّ عَزِيزٌ ( 40الحج ) صرُ ُه إِ ّ
ن الُّ مَنْ يَنْ ُ
صرَ ّ
كَثِيرًا وَلَيَنْ ُ
عنْهُ ،عن َرسُولِ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ ،أنه قَالَ في معرض
ومما روى البخاري عن َأبِي ُه َر ْيرَةَ َرضِيَ الُّ َ
جلِ ا ْلفَاجِرِ ) ،وأخرجه مسلم وأحمد والدارمي . حديثه َ … ( :وإِنّ الَّ لَ ُيؤَيّدُ هَذَا الدّينَ بِال ّر ُ
فإذا كان الحكيم العليم ينصر دينه بالفجار ،أفل يُعذّب الكفار بالكفار ؟!!
أولم يُسلّط ال التتار على فسقة المسلمين قديما ،ويُسلّط التراك والنصارى واليهود على فسقة المسلمين حديثا ،
أم أن هذا التسليط كان من عند غير ال ؟!!
والسؤال هل هناك منفعة أو مصلحة ،تُرتجى من بعث الريح والحجارة ،أو بعث الطير والضفادع ،على
القوام السابقة ،طالما أن الغاية هي عقاب الظلمة والمفسدين ؟!!
الخلصة :
.1أن إفساد بنو إسرائيل وعلوهم سيكون كأمّة ،وبقيام دولة لهم في فلسطين لمرتين فقط ،ل ثالث لهما .
.2أن البعث من عند ال ،وأنه عقاب وعذاب لبني إسرائيل لفسادهم في الرض ،في الدرجة الولى ،
بالرغم من كونه نصرا للمستضعفين ،من أهل فلسطين ،الذين انتصروا لربهم ودينهم .
.3أن هذا البعث متعلّق بموعد ،والمؤشر على قرب أجله ،هو ازدياد وتيرة الظلم والفساد اليهودي .
.4أن غاية هذا البعث ،هي النتقام من بني إسرائيل في الدرجة الولى ،وليس مكافأة لصلح المبعوثين .
.5أن الوعد الول كان قد أُنجز فيما مضى ،وقبل مجيء السلم ،بل قبل عيسى عليه السلم .
.6أن تحقق الوعد الثاني ،اشتُرط فيه قبل تحققّه :
أول :مجيئهم من الشتات ؛
ثانيا :هزيمة اليهود للمبعوثين وإلحاق الذى بهم ؛
ثالثا :اعتماد اليهود على المساعدات المادية والبشرية ؛
رابعا :تفوّق اليهود عسكريا على أعدائهم .
.7أن للبعث الثاني سبب ،وهو سبق العتداء اليهودي على المبعوثين ،وأن خروج المبعوثين عليهم ،
سيكون لرفع الضرر والنتقام لنفسهم .
.8أن المبعوثين عليهم في المرة الثانية ،هم نفس المبعوثين عليهم في المرة الولى .
.9أن هذا البعث سيكون مُفاجئا لهم ،وهم في قمة علوهم وتجبرهم ،وسيأتيهم من حيث ل يحتسبوا ،وسيتم
قتل اليهود والتنكيل بهم ،ومن ثم دخول فلسطين والسيطرة عليها ،مع انعدام قدرة اليهود على صدّ
المبعوثين .
.10أن الدخول الول يعرفه اليهود ،كمعرفتهم لولدهم ،وليس للمسلمين معرفة بصفته ،كونهم لم
يُعاصرونه ،إل من خلل كتب اليهود .
.11أن تدمير مقومات علوهم في مشارق الرض ومغاربها ،أمر حتمي ،ولو بعد حين .
.12أن ماهية المعتقد للمبعوثين مُبهمة ،فمن الجائز أن يكونوا كفرة أو مسلمين أو مؤمنين أو من أولياء ال
المخلصين ،في كل المرتين ،أو في مرة دون الخرى ،وأن أهمّ ما يُميّزهم في كل المرتين ،هو
اتّصافهم بالبأس الشديد .
55
تاريخ وجغرافيا بني إسرائيل في القران
بعد مراجعتي لمعظم اليات القرآنية ،التي تحكي سيرة بني إسرائيل ،تبيّن لي الكثير من الوقائع المبهمة في
تاريخهم ،والمفاهيم المغلوطة ،التي كنت أحملها ويحملها عامة المسلمين ،والتي سيرد تفصيلها في هذا الفصل
إن شاء ال .كنت سأقتصر بحثي في تاريخ بني إسرائيل ،لثبات تحقق وعد المرة الولى من علو وإفساد
وعقاب ،ولكن تبين لي من خلل الحاديث العامة ،وعند طرحي لموضوع هذا البحث ،أن كثيرا من الناس ،
يجهلون تاريخ بني إسرائيل ،وخاصة ماهيّة الحداث التي حصلت معهم ،وموقعها من حيث الزمان والمكان ،
والتي ذُكرت متفرقة في القرآن ،وبل ترتيب في أغلب الحيان ،ويجهلون أيضا حتى ترتيب أنبياء بني إسرائيل
وتعاقبهم ،لذلك اضطررت لتعقب تاريخهم منذ البداية ،لما فيه من فائدة .
ن َأوّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنّاسِ لَلّذِي بِ َب ّكةَ مُبَا َركًا وَهُدًى لِ ْلعَا َلمِينَ ( 96آل عمران ) .
قال تعالى ( إِ ّ
56
حرَامُ ُ ،قلْتُ ُ :ثمّ أَيّ ؟ قَالَ :
سجِدُ اْل َ
ضعَ َأوّلَ ؟ قَالَ :اْلمَ ْ
جدٍ وُ ِ
سِضيَ اللّهُ عَنْهُ ،قَالَ ُ ( :ق ْلتُ :يَا َرسُولَ اللّهِ أَيّ َم ْ
وعَنْ أَبِي َذرّ رَ ِ
سجِدٌ )
صلّ ،وَالْأَ ْرضُ َلكَ مَ ْ
صلَاةُ فَ َ
سجِدُ الَْأقْصَى ُ ،ق ْلتُ َ :كمْ كَانَ بَيَْن ُهمَا ؟ قَالَ :أَرَْبعُونَ ُ ،ثمّ قَالَ :حَيُْثمَا َأدْ َركَ ْتكَ ال ّ
ثُمّ اْلمَ ْ
رواه البخاري ،وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة وأحد .جاء ف شرح السندي ،لنفس الت عند ابن ماجة ،ما نصه " :قوله
ضعَ أول ) بالبناء على الضمة ( ،قال أربعون عاما ) قالوا :ليس الراد بناء إبراهيم للمسجد الرام ،وبناء سليمان للمسجد ( وُ ِ
القصى ،فإن بينهما مدة طويلة بل ريب ،بل الراد بناؤها قبل هذين البناءين ،وال أعلم " .
ومن معاني ( الوضع ) ،في لسان العرب " والمواضع معروفة ،وواحدها موضع ،والموضع هو اسم
المكان ،وفي الحديث " :ينزل عيسى بن مريم ف َيضَعُ الجزية " ،فتوضع الجزية وتسقط ،وفي الحديث " :و
َيضَعُ العلم " أي يهدمه ويلصقه بالرض ،و َوضَعَ الشيء َوضْ َعاً أي اختلقه وأوجده ،ووضع الشيء في المكان ،
أثبته فيه " .
ضعَ ) بأي حال من الحوال بعن ( بُِنيَ ) ،وذلك يفيد بأن الوضع كان للقواعد فقط .وقد رُوي أن آدم عليه السلم ،
ت ( وُ ِ
ول تأ ِ
هو أول من بن الكعبة ،واتذت مكانا لعبادة ال ،ومن ث تول الوضع لعبادة الصنام ،وأزيلت معال ذلك البناء ،بفعل الطوفان
ضعَ ) ف كل الوضعي ،هو فعل زمن نوح عليه السلم ،واختفت هذه القواعد نتيجة تراكم التربة ،على مرّ السني .وإعراب ( وُ ِ
ماضٍ مبن للمجهول ،أي أن فاعل الوضع غي معلوم ف النص ،وجاءت بعن تعيي وتديد مكان البيت ،وهناك روايات بأن
اللئكة كشفت لدم عن موضعه ،عندما بناه لول مرة .وبلغة مسّاحي الراضي ،نستطيع القول أن ( وُضع ) ،جاءت بعن تديد
وإسقاط إحداثيات الوقع على الرض ،وتثبيت حدوده .
ول يتلف اثنان ،على أن من أعاد بناء البيت الرام ،ها إبراهيم وإساعيل عليهما السلم ،بدللة قوله تعال ( وَِإذْ بَوّأْنَا لِإِْبرَاهِيمَ
سجُودِ ( 26الج ) ،بوّأنا أي كشفنا وأظهرنا له
شرِكْ بِي شَ ْيئًا وَ َط ّهرْ َبيْتِي لِلطّائِفِيَ وَالْقَاِئمِيَ وَال ّركّعِ ال ّ
َمكَانَ الْبَيْتِ َأنْ لَا تُ ْ
موضعه ومكنّاه منه وأذنا له ف بنائه ،ومن ث كان البناء برفعه فوق القواعد ،ف قوله ( وَِإذْ َيرْ َفعُ إِْبرَاهِيمُ اْلقَوَاعِدَ مِنْ اْلبَيْتِ
وَِإ ْسمَاعِيلُ ( 127البقرة ) ،والغاية من بناءه هو جعله مكانا للعبادة ،با تشمله من طواف وقيام وركوع وسجود ،لن يستجيبوا
لرسالة السلم ،كما ورد ف الية أعله ،الت كان يملها إساعيل عليه السلم ،القيم ف ذلك الكان ( وَا ْذ ُكرْ فِي اْلكِتَابِ
ِإ ْسمَاعِي َل إِنّ ُه كَا َن صَادِقَ الْ َوعْ ِد َوكَانَ َرسُولًا نَِبيّا ( 54مري ) .
وبعد أن تبوّأ يوسف عليه السلم في مصر منصبا ،يوازي منصب وزير الخزينة ،أو المالية في عصرنا الحالي
،لدى فرعون مصر ،انتقل يعقوب وبنوه ،للحاق به في مصر ،قال تعالى ( فَ َلمّا َدخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَ ْيهِ
صرَ إِنْ شَاءَ الُّ آمِنِينَ ( )100( … )99رَبّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنْ ا ْلمُلْكِ وَعَّلمْتَني مِنْ تَ ْأوِيلِ
أَ َبوَ ْيهِ وَقَالَ ا ْدخُلُوا مِ ْ
ا َلْحَادِيثِ … ( 101يوسف ) ،ودخلوها معزّزين مكرّمين آمنين ،وقوله ( آمنين ) يوحي بأن ليس كل من دخل
مصر آنذاك ،ليقيم فيه من الغرباء والدخلء ،سيكون آمنا على نفسه ،من الضطهاد والستعباد .
بعض مظاهر الحكم المصري :
قصة يوسف عليه السلم أشهر من أن تعرّف ،لذلك سنوردها باختصار ،ونركّز على بعض ما خفي منها .
صهُ
حيث كانت مصر آنذاك إحدى كُبريات الممالك القديمة ،بدللة قوله تعالى ( وَقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي ِبهِ َأسْتَخْلِ ْ
لِ َن ْفسِي … ( 54يوسف ) ،وعلى لسان مؤمن آل فرعون ( يَا َق ْومِ َل ُكمْ ا ْلمُلْكُ الْ َيوْ َم ظَا ِهرِينَ فِي الَْ ْرضِ ( 29غافر
) ،ونظام الحكم فيها ملكي وراثي ،وكلمة فرعون ربما تكون اسم أو لقب للملك ،ويقال أن الفراعنة لم يكونوا
ملوك مصر ،في زمن يوسف عليه السلم ،فسواء كان هذا أو ذاك ،فنحن نصف الوضاع في مصر بشكل
عام .
حيث يبدو أن المجتمع المصري ،كان يتألّف من أربع طبقات -:
الطبقة الولى :العائلة الملكية ،التي هي في مصاف اللهة من حيث الحقوق والمتيازات .
الطبقة الثانية :الشراف من المصريين ،الموكل إليهم العمال التنفيذية ،ويتمتعون بامتيازات استثنائية ،من
عوْنَ وزراء وما شابه ،وهم علية القوم وسماهم سبحانه مل فرعون ،في قوله ( وَقَالَ مُوسَى رَبّنَا إِنّكَ آتَيْتَ ِفرْ َ
َومَلَهُ زِي َنةً َوَأ ْموَالً فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ( 88يونس ) .ومنهم العزيز صاحب يوسف عليه السلم ،وهامان الذي
عوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَ ْرحًا كان يشغل ما يشبه ،منصب رئيس الوزراء في عصرنا هذا ،قال تعالى ( وَقَالَ ِفرْ َ
َلعَلّي أَبْلُ ُغ ا َلْسْبَابَ ( 36غافر ) .
وانضوى يوسف عليه السلم ضمن هذه الطبقة ،مع أنه كان من الغرباء ،كونهم كانوا بأمسّ الحاجة لعلمه
وحكمته ،لدارة شؤون البلد القتصادية ،في سنين الجفاف ، ،ل لشيء آخر .بعد أن أصبح عليه السلم من
صهُ لِ َن ْفسِي فَ َلمّا كَّل َمهُ قَالَ إِنّكَ الْ َي ْومَ لَدَيْنَا َمكِينٌ َأمِينٌ ( 54يوسف
المقربين للملك ( ،وَقَالَ ا ْلمَِلكُ ائْتُونِي ِبهِ َأسْتَخْلِ ْ
) حيث كان عبدا مملوكا لذلك العزيز ،الذي قال عنه يوسف عليه السلم ،عندما رُو ِودَ عن نفسه للوقوع في
حسَنَ مَ ْثوَايَ إِ ّنهُ لَ ُيفْ ِلحُ الظّا ِلمُونَ ( 23يوسف ) أي لن الزنا ،بزوجة من أكرمه وأحسن مقامه ( :إِ ّنهُ رَبّي َأ ْ
أظلم نفسي بمعصية ال ،ولن أظلم زوجك بنكران معروفه معي ،إذ قال لها زوجها عند شراءه ( وَقَالَ الّذِي
عسَى أَنْ يَن َفعَنَا َأوْ نَ ّتخِذَهُ وَلَدًا ( 21يوسف ) ،ولفظ ربّ في الية السابقة صرَ ِلمْ َرأَ ِتهِ أَكْ ِرمِي مَ ْثوَاهُ َ
اشْتَرَاهُ مِنْ مِ ْ
جاء بمعنى صاحب أو مالك ،ولفظ العزيز هو لقب يُطلق على الشراف ،ذوي المناصب الرفيعة ،وقد خُوطب
به يوسف عليه السلم ،من ِقبَل أخوته في الية ( . )88ويبدو أن المجتمع المصري كان منغلقا على نفسه ،ول
يخالط الغرباء من منظور الفوقية والستعلء ،ويخاف الغرباء ويخشاهم وبالتالي كان ينبذهم .
والطبقة الثالثة :عامة المصريين وهم يعملون بالوظائف العامة والخاصة ،وامتيازاتهم عادية ،وشملت هذه
الطبقة نسبيا بني إسرائيل ،في زمن يوسف عليه السلم .
58
والطبقة الرابعة :العبيد عن طريق الشراء وما شابه ،وأغلبهم من غير المصريين ،بل حقوق وبل امتيازات ،
بل على العكس ليس لهم إل المهانة والزدراء ،ويعملون بقوتهم اليومي في الزراعة والبناء والخدمة ،ومن
ضمنها صاحبيّ السجن ،وشملت بني إسرائيل ،بعد يوسف عليه السلم ،حتى زمن موسى عليه السلم .
والمخطئ من هؤلء العبيد في حق المصريين ،كان مصيره السجن أو العذاب الشديد أو القتل ،وبدون محاكمة
على الرجح ،وخاصة إذا كان خصمه مصريا ،حتى ولو أُتهم زورا وبهتانا .
ع ْونُ فِي َق ْو ِمهِ قَالَ يَا َق ْومِ أَلَيْسَ لِي مُلْ ُ
ك وأما الموقع الجغرافي لعاصمة الملك ،وبدللة هذه اليات ( وَنَادَى فِرْ َ
مِصْرَ وَهَذِهِ الَْ ْنهَارُ َتجْرِي مِنْ َتحْتِي أَفَلَ تُبْصِرُونَ ( 51الزخرف ) ( ،وَاتْرُكْ الْ َبحْرَ رَ ْهوًا إِ ّن ُهمْ جُندٌ ُمغْرَقُونَ (
َ )24كمْ تَ َركُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ ( )25وَزُرُوعٍ َو َمقَامٍ كَرِيمٍ ( )26وَ َن ْع َمةٍ كَانُوا فِيهَا فَا ِكهِينَ ( 27الدخان ) ،فهو
يقع على مجرى نهر النيل ،في أخصب الراضي المصرية ،أما سكنى فرعون وآله ( أي عائلته ) كانت خارج
المدينة ،بمعزل عن الشعب ،وقصره مقام على ضفاف النيل .
هل كان يوسف داعية إلى ال في مصر ؟ نقول نعم ،وقد بدأ الدعوة في السجن ،عندما قال لصاحبيّ السجن (
سمّيْ ُتمُوهَا أَنْ ُتمْ
سجْنِ َأأَرْبَابٌ مُ َتفَرّقُونَ خَيْرٌ َأمْ الُّ ا ْلوَاحِدُ ا ْل َقهّارُ ( )39مَا َتعْبُدُونَ ِمنْ دُو ِنهِ ِإلّ أَسمَاءً َيَصَاحِبَيِ ال ّ
وَآبَاؤُ ُكمْ ،مَا أَن َزلَ الُّ ِبهَا مِنْ سُ ْلطَانٍ ،إِنْ ا ْلحُ ْكمُ ِإلّ لِّ َأمَرَ َألّ َتعْبُدُوا ِإلّ إِيّاهُ ،ذَِلكَ الدّينُ ا ْلقَيّمُ ،وَ َلكِنّ َأكْثَرَ
النّاسِ لَ َيعْ َلمُونَ ( 40يوسف ) ،واستمرت دعوته حتى مماته ،قال تعالى على لسان مؤمن آل فرعون ( وَ َلقَدْ
جَا َء ُكمْ يُوسُفُ مِنْ قَ ْبلُ بِالْبَيّنَاتِ َ ،فمَا زِلْ ُتمْ فِي شَكّ ِممّا جَا َء ُكمْ ِبهِ ،حَتّى إِذَا هَلَكَ قُلْ ُتمْ لَنْ يَ ْبعَثَ الُّ ِمنْ َبعْدِهِ
ضلّ الُّ مَنْ ُهوَ ُمسْرِفٌ مُرْتَابٌ ( 34غافر ) وهو يعني أهل مصر ،وكان يوسف عليه السلم ، َرسُولً ،كَذَلِكَ يُ ِ
يدعوا إلى ال تعالى بالقسط ،فما أطاعوه تلك الطاعة ،إل بمجرد الوزارة والجاه الدنيوي ،ولهذا قال مؤمن آل
فرعون ( :فما زلتم في شك مما جاءكم به ،حتى إذا هلك ،قلتم لن يبعث ال من بعده رسول ) ،وطال المد
بقوم فرعون وببني إسرائيل ،فضلّوا إل قليل ،وكان منهم مؤمن آل فرعون الذي كان يكتم إيمانه ،وعلى لسانه
جاءت هذه الية ،ومنهم أيضا أهل موسى عليه السلم .
أحوال بني إسرائيل في مصر بعد وفاة يوسف عليه السلم وحتى خروجهم منها :
بعد زوال سندهم لدى فرعون ،أصبح حالهم حال العبيد .وربما يكون ذلك في زمن فرعون نفسه ،أو من مَلَك
بعده ،بعد وفاة يوسف عليه السلم ،لزوال المصلحة والنفع الذي تأتّى من علم يوسف ،وحكمته في الدارة
والقتصاد .واستمر حالهم كذلك حتى خروجهم مع موسى عليه السلم ،وحسب ما يُروى أن المدة ،ما بين
دخولهم إلى مصر ،وخروجهم منها هي أربعمائة سنة ،وال أعلم ،وحالهم في تلك الفترة الزمنية ،يصفه
ضعِفُ طَا ِئفَةً مِ ْن ُهمْ يُذَ ّبحُ أَبْنَاءَ ُهمْ وَ َيسْ َتحْيِج َعلَ أَهْ َلهَا شِ َيعًا َيسْتَ ْ
علَ فِي الَْرْضِ َو َ عوْنَ َ القرآن بما يلي ( :إِنّ ِفرْ َ
عوْنَ َيسُومُونَ ُكمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ يُذَ ّبحُونَ ِنسَاءَ ُهمْ إِ ّنهُ كَانَ مِنْ ا ْل ُمفْسِدِينَ ( 4القصص ) َ ( ،وإِذْ َنجّيْنَاكُمْ مِنْ آلِ ِفرْ َ
عظِيمٌ ( 49البقرة ) ( ،وَ َلقَدْ َنجّيْنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ مِنْ ا ْلعَذَابِ أَبْنَا َء ُكمْ وَ َيسْ َتحْيُونَ ِنسَا َء ُكمْ وَفِي ذَ ِلكُمْ بَلَءٌ مِنْ رَ ّب ُكمْ َ
ا ْل ُمهِينِ ( 30الدخان ) ،وازداد العذاب والضطهاد لهم ،ببعث موسى عليه السلم إلى فرعون وقومه .
59
الموقع الجغرافي لمَدْيَن :
قيل فيها في المعاجم :أنها تقع " قرب بحر القلزم ( البحر الحمر ) محاذية لتبوك ،وتقع بين وادي القرى والشام
،وقيل اتجاه تبوك بين المدينة والشام ،وقيل هي كفر سندة من أعمال طبرية ،وقيل بلد بالشام معلوم تلقاء غزة ،
وفي ( البداية والنهاية ) " :كان أهل مدين قوما عربا ،ومدين هي قرية من أرض معان ،من أطراف الشام ،
مما يلي ناحية الحجاز ،قريبا من بحيرة قوم لوط ،وكانوا بعد قوم لوط بمدة قريبة " .
والقول الخير هو أفضل ما قيل فيها ،وهو الرجح فهي تقع شرقيّ نهر الردن ،في السفح المطل على فلسطين
،قبالة أريحا ،حيث المكان المسمى بوادي شعيب حاليا ،والذي يقع فيه مقام النبي شعيب عليه السلم ،في جبال
محافظة البلقاء الردنية ،وهي أرض خصبة تصلح لزراعة القثائيّات ،وفيها الشجار المثمرة ،وعيون الماء ،
ويؤيد ما ذهبنا إليه قوله تعالى ،على لسان شعيب مخاطبا قومه ( َومَا َق ْومُ لُوطٍ مِ ْن ُكمْ بِ َبعِيدٍ ( 89هود ) ،
والمقصود هنا البعد المكاني ،حيث المسافة بين قرية شعيب والبحر الميت ( بحيرة لوط ) ،ل تتجاوز ( )20كم ،
أما البعد الزماني بين لوط وشعيب ،فيُقدّر بمئات السنين ،حيث أن لوط عاصر إبراهيم ،وشعيب عاصر موسى
عليهم السلم .
وكما ورد في الروايات ،كان أهل مدين ،يقطعون السبيل ويخيفون المارة ،وهم أصحاب اليكة أي الشجار
الملتفة والمتشابكة -وهي صفة موجودة أيضا في تلك المنطقة -وكانوا من أسوء الناس معاملة ،يبخسون
المكيال والميزان ويطففون فيهما ،يأخذون بالزائد ويدفعون بالناقص ،فآمن بشعيب بعضهم وكفر أكثرهم ( ،
عظِيمٍ ( 189الشعراء ) ( فَ َأخَذَ ْتهُمْ ال ّرجْ َفةُ فَأَصْ َبحُوا فِي
َفكَذّبُوهُ فَ َأخَ َذ ُهمْ عَذَابُ َي ْومِ الظّّلةِ إِ ّنهُ كَانَ عَذَابَ َي ْومٍ َ
دَارِ ِهمْ جَا ِثمِينَ ( 91العراف ) ،ولم تدمر ديارهم بل بقيت على حالها ،ويقال أن ذلك كان في يوم شديد الحر ،
فبعث ال ظلل من الغمام ،في بقعة قريبة من مكان سكناهم ،فذهبوا ليستظلوا بها ،فنزل بهم العذاب ،وبقي في
القرية من آمن لشعيب عليه السلم من قومه وهم قلة .
مقام موسى في مدين :
ء السّبِيلِ (22
سوَا َ
عسَى رَبّي أَنْ َيهْدِيَنِي َ
جهَ تِ ْلقَا َء مَدْيَنَ … ) ،خرج موسى من مصر وحيدا ( ،قَالَ َ
( وَ َلمّا َت َو ّ
القصص ) ،ولم يكن يملك من أمره ،إل حسن ظنّه بربه عز وجل ،حتى صار إلى مدين .فلبث موسى عليه
السلم ( ) 10-8سنين في أهلها ،لقوله تعالى على لسان شعيب عليه السلم ( قَالَ إِنّي أُرِيدُ أَنْ أُ ْن ِكحَكَ ِإحْدَى
عشْرًا َفمِنْ عِنْدِكَ … ( 27القصص ) وتزوج فيها ورعى ججٍ فَإِنْ أَ ْت َممْتَ َ
حَابْنَتَيّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَ ْأجُرَنِي َثمَانِيَ ِ
ت سِنِينَ فِي أَ ْه ِل مَدْيَنَ … ) . الغنم ،وتعرف إلى أهلها وعرفوه ،وعرف سهولها وجبالها ووديانها ( ،فَلَبِثْ َ
العودة إلى مصر :
نزل الوحي إلى موسى مرتين ؛ الوحي الول :هو الذي كُلف به موسى بحمل الرسالة ،وما بعث به إلى فرعون
وبني إسرائيل ،أثناء عودته إلى مصر ،بعد خروجه من مدين ،والوحي الثاني :هو الشريعة الجديدة التي كُتبت
في اللواح لبني إسرائيل ،بعد خروجهم من مصر ،في الطريق إلى الرض المقدسة ،ويعتقد الكثيرون أن
60
الوحي نزل على موسى ،على جبل سيناء الواقع في صحراء سيناء المصرية ،وهذا غير صحيح ،حيث لم
يوجد أي نص في القرآن يفيد ذلك .والواقع أن هذه تسمية الصحراء المصرية بصحراء سيناء ،استندت إلى ما
جاء في التوراة ،مع أن التوراة لم تُحدّد موقع الصحراء أو الجبل .
وتذكر التوراة في سفر الخروج ،أن بني إسرائيل مروا على التوالي ،بثلثة صحارى ،هي الواردة في النص
التالي بالترتيب :22 :15 " :ثم ارتحل موسى بإسرائيل من البحر الحمر ،وتوجّهوا نحو صحراء شور :27 ،ثم
بلغوا إيليم … :1 :16ثمّ انتقلوا من إيليم حتى أقبلوا على صحراء سين ،الواقعة بين إيليم وسيناء " .
وجاء في نص آخر :1 :17 " :وتنقل بنوا إسرائيل على مراحل ،من صحراء سين … إلى أن خيّموا في رفيديم
… :2 :19فقد ارتحل السرائيليون من رفيديم إلى أن جاءوا إلى برية سيناء ،فنزلوا مقابل الجبل فصعد موسى
للمثول أمام ال ،فناداه الرب من الجبل … : 20ونزل الرب على قمة جبل سيناء … "
وهذه النصوص تُشير إلى أن جبل سيناء ،هو اسم الجبل الذي أُوحي بجانبه إلى موسى ،وأن برية سيناء هي
تسمية ،للمكان الواقع مقابل جبل سيناء .وأن برية سيناء هي البعد عن مصر ،كونها كانت آخر الصحارى
التي مرّوا بها ،أثناء مسيرهم ،باتجاه بوابة الرض المقدّسة شرقي نهر الردن ،والترجمات العربية للتوراة ،
ل تُميّز بين القفر ،أي الخلء غير المأهول بالسكّان ،وبين الصحارى الرملية القاحلة .
وجاء في التوراة " :35 :16واقتات السرائيليون بالمنّ طوال أربعين سنة ،حتى جاءوا إلى تخوم أرض كنعان
العامرة بالسكان " .وهذا النص الكاذب والمضلّل ،يقول أن المنّ والسلوى كانت تنزّل عليهم طيلة أربعين سنة ،
قبل وصولهم إلى مشارف فلسطين ،أي قبل أن يُطلب منهم الدخول إلى الرض المقدسة ،وقبل أن يحكم عليهم
بسنوات التحريم والتيه الربعين .والصحيح أن المنّ والسلوى كانت تنزّل عليهم خلل مسيرهم في الصحراء ،
وهي مدة قصيرة ،أما سنوات التحريم والتيه الربعين – سنوات الغضب اللهي -فلم يكن يتنزّل عليهم شيء .
وتسمية الصحراء المصرية بسيناء ،وذكر التوراة أن بني إسرائيل عاشوا فيها أربعين سنة يأكلون المن والسلوى
.ضلّلت حتى اليهود أنفسهم ،الذين بحثوا ونقبوا فيها طويل ،عن أي أثر لمقامهم فيها ،ولكن دون جدوى ،مما
اضطر بعض الباحثين اليهود مؤخرا ،إلى تكذيب معظم روايات التوراة ،ونشر الكثير من آرائهم ونتائج
أبحاثهم في الصحف .
أما كلمة الطور فقد وردت في القرآن ( )10مرات )8( ،منها بلفظ ( الطور ) معرّفة بأل التعريف ،بمعنى الجبل
خرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدّهْنِ وَصِبْغٍ ِللْكِلِينَ ( 20المؤمنون ) ،
شجَرَةً َت ْ
،وواحدة بلفظ ( طور سيناء ) ( َو َ
وواحدة بلفظ ( طور سينين ) بنفس المعنى السابق ( ،وَالتّينِ وَالزّيْتُونِ (َ )1وطُورِ سِينِينَ ( 2التين ) .وسيناء
وسنين لغة ،إذا لم تمنع من الصرف ،أي لحقها التنوين جرّا ونصباً ،فإنها تعني كثرة الشجر ،وإذا مُنعت من
الصرف ،كما هو الحال هنا فهي اسم ،والكلمات ( طور وسيناء وسينين ) ألفاظ أعجمية ،ومما تقدم نستطيع
القول بأن ( طور سيناء ) اسم لجبل معروف لبني إسرائيل ،بمعنى ( جبل الغابة ) ،وهو في الحقيقة ،اسم
عرّف هذا الجبل من خلل القرآن ،بأنه الجبل الذي أوحيَ بجانبه إلى موسى ،حسب تسمية التوراة له ،وقد ُ
يُنبت التين والزيتون .والمقصود بكلمة ( الطور ) المعرّفة بألف ولم ،أينما جاءت في القرآن ،هو طور سيناء
أو سينين ،والطور هو سلسلة جبال فلسطين ،التي تربض على تللها مدينة القدس ،والتي هي في الصل جبل
واحد ،يمتد من مدينة نابلس شمال إلى مدينة الخليل جنوبا .
جلَ َوسَارَ ِبأَهْ ِلهِ ،آنَسَ مِنْ جَانِبِ الطّورِ نَارًا ،قَالَ لَِهْ ِلهِ ا ْمكُثُوا ،إِنّي آ َنسْ ُ
ت قال تعالى ( فَ َلمّا قَضَى موسَى ا َلْ َ
صطَلُونَ ( 29القصص ) قلنا أن موسى عليه السلم ، نَارًا َ ،لعَلّي آتِي ُكمْ مِ ْنهَا ِبخَبَرٍ َ ،أوْ جَ ْذوَةٍ مِنْ النّارِ َ ،لعَّلكُمْ تَ ْ
كان قد ضلّ طريقه بعد خروجه من مدين باتجاه مصر ، ،لقوله عليه السلم ( َلعَلّي آتِي ُكمْ مِ ْنهَا ِبخَبَرٍ ) فوجد
نفسه في أحد الودية .ودخوله إلى الوادي كان عن طريق انحداره ،بواد فرعي جنوب البحر الميت ،وكان ذلك
ليل ،وفي طقس بارد جدا .وأثناء التخييم هناك ،كان يلتفت يمنة ويسرة ،بحثا عن الدفء والهداية ،فآنس نارا
من جانب الجبل ،فاتجه إليها بعد أن استأذن أهله ،ليأتيهم بجذوة منها لجل الدفء ،أو يجد من يرشده إلى
طريقه ،ولكنه لم يجد نارا ،ولم يجد في المكان أحد .
61
نور ل نار :
شجَرَةِ ( 30القصص ) وفي الواقع لم تكن ( فَ َلمّا أَتَاهَا … ) ،أي النار ،وقف تحتها ( فِي الْ ُبقْ َعةِ ا ْلمُبَا َر َكةِ ِمنْ ال ّ
شجَرَةٍ ،مُبَا َر َكةٍ ،زَيْتُو ِنةٍ ،لَ
نارا ،بل كانت نور في شجرة ،وهي الشجرة الموصوفة في قوله سبحانه ( َ
سهُ نَارٌ ( 35النور ) ،وهي ( شجرة ) ( ،وزيتونة ) ، س ْغرْبِ ّيةٍ َ ،يكَادُ زَيْ ُتهَا يُضِيءُ ،وَ َلوْ َلمْ َت ْم َ
شَرْقِ ّيةٍ َولَ َ
( ومباركة ) ،أي تقع في بقعة من الرض ،ينبت فيها شجر الزيتون ،وهي أرض مباركة ،وقوله ( ل شرقية
ول غربية ) ،أي ل في الجانب الشرقي من وادي عربة ،ول في الجانب الغربي منه ،فهي في منتصف الوادي
تقريبا ،وقوله ( يكاد زيتها يضيء ولو لم تمسسه نار ) ،أي لها وهج من نور ،وليس ذلك من اشتعال نار فيها ،
فهي مضيئة من تلقاء نفسها ،وقوله ( يكاد زيتها يضيء ) ،أي أن الضاءة ناتجة عن زيت الشجرة ،فل يكون
ذلك إل وهي مثمرة ،فالزيت يوجد في الثمر ،وتشكل الزيت في الثمر ،ل يكون إل في بداية فصل الشتاء ،
ويؤيد ذلك طلب موسى عليه السلم للدفء ،ليتأكد لنا أن دخوله إلى بطن وادي عربة ،كان في فصل الشتاء ،
وأن الشجرة التي نوديَ من تحتها في الوادي المقدس ،هي نفس الشجرة الموصوفة في سورة النور ،ول أدري
لماذا يتملكني شعور قوي ،بأن هذه الشجرة قائمة في ذلك المكان إلى اليوم ،في منطقة موحشة ومقفرة وغير
مأهولة ،تضيء كلما أثمرت ،في فصل الشتاء .
( فَ َلمّا أَتَاهَا ) وقف حائرا أمامها ،يتفكّر في أمرها ،حيث أنه لم يجد ما جاء يسعى إليه ،فل نار ول ناس
يُشعلونها ،وأثناء شروده ،وفي سكون الليل ( ،نُودِي َيمُوسَى ( 11طه ) ( مِنْ شَاطِئِ ا ْلوَادِي الَْ ْيمَنِ (30
القصص ) ،أي من الجانب اليمن من الوادي ( ،مِنْ جَانبِ الطّورِ الَْ ْيمَنِ ( 52مريم ) ،أي من الجانب اليمن
للجبل ،وليس اليسر ِ ( ،بجَانِبِ ا ْلغَرْبِيّ ( 44القصص ) ،أي الجبل الغربيّ ،وهذا تحديد جغرافي بالغ الدقة
لمكان الوحي .
أتاه النداء باسمه ممن يعرفه ،وذلك مما آنس موسى ،ليبدّد سكون ذلك الليل الموحش ،ويقطع عليه شروده
وتأمله ،ول أخاله إل قد أجفل عليه السلم ،ولما التفت إلى مصدر النداء ،خاطبه رب العزة قائل ( إِنّي أَنا رَبّكَ
طوًى (12طه ) فأمره بخلع نعليه – إذ هو في ) مطمئنا إياه ومعرّفا بنفسه ( ،فَاخْلَعْ َنعْلَيْكَ إِنّكَ بِا ْلوَادِي ا ْل ُمقَدّسِ ُ
حضرة ملك الملوك – ليتجه حافي القدمين ،سائرا في الجانب المقدس من الوادي ،صوب الجبل ،قال تعالى
( وَ َقرّبْنَاهُ َنجِيّا( 52مريم ) أي كان الكلم مناجاة ،والمناجاة عادة تستدعي القرب .
نحن نعلم أن الرض المباركة والمقدّسة هي أرض فلسطين ،وبما أن الوادي الذي نزل فيه موسى واد مقدّس ،
فل بد له من يكون واقعا في الرض المقدّسة ،وبما أن الشجرة نبتت في بقعة مباركة ،فل بد لها من أن تكون
قائمة في الرض المباركة ،وبما أن شجرة سورة النور زيتونة مباركة ومضيئة ،فلبد لها من أن تكون هي
الشجرة ،التي رآها موسى فظن نورها نارا ،في بطن وادي عربة ،وال أعلم .
وعندما اقترب موسى ،بما فيه الكفاية لبدء المناجاة ،ناجاه ربه قائل ( َوأَنا اخْتَرْتُكَ ،فَاسْ َتمِعْ ِلمَا يُوحَى ()13
إِنّنِي أَنَا الُّ ،لَ إِ َلهَ ِإلّ أَنَا فَاعْبُدْنِي َ ،وأَ ِقمْ الصّلَةَ لِ ِذكْرِي ( 14طه ) فأمره بتوحيده ،وإفراده بالعبادة ،وإقامة
الصلة ،ومن ثم منحه آيتيّ العصا واليد وكلّفه بحمل الرسالة ،والذهاب لدعوة فرعون ودعوة بني إسرائيل إلى
طغَى ( 24طه) .وفي الصباح عاين موسى عليه السلم المكان ،وحفظه عن ظهر عوْنَ إِ ّنهُ َ
ال ( ،اذْهَبْ إِلَى فِ ْر َ
قلب ،فهو المكان الذي تغيّر فيه مجرى حياته عليه السلم ،ولم كان يعلم عليه السلم ،ما يدبّره رب العزة من
أقدار ،ستأتي به إلى هذا المكان في قادم اليام ،عند خروجه بقومه من مصر ،متجها إلى بوابة الرض
المقدسة ،حيث كان في أرض مدين .
موسى في مصر :
كنت أعتقد وربما يشاركني كثيرون أيضا ،أن مُقام موسى في مصر ،ل يتجاوز عدة أيام أو عدة أشهر على
أبعد تقدير ،ولكن تبين لي أني كنت مخطئا ،فالحداث والوقائع التي مرت مع موسى عليه السلم كثيرة ،
وتحتاج إلى سنوات عديدة ،وأظنه مكث هناك ما ل يقل عن 30عاما ،يدعوا فرعون وقومه وبني إسرائيل أيضا
جعَلُوا بُيُو َت ُكمْ قِبْ َلةً َوأَقِيمُوا الصّلَةَ وَ َبشّرْ
َ ( ،وَأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى َوَأخِيهِ أَنْ تَ َب ّوأَا ِلقَ ْو ِم ُكمَا ِبمِصْرَ بُيُوتًا وَا ْ
ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ( 87يونس ) فلو تفكرت في الية الكريمة ،لتبينت أن طلبه سبحانه ببناء البيوت ،وجعلها باتجاه بيت
62
المقدس ،وَأ ْمرِه إياهم بإقامة الصلة فيها ،ما كان إل لطول مُقام ،ولو كان مُقامهم قصيرا أو عارضا ،لما
أمرهم بذلك .والجدل بين موسى عليه السلم وفرعون ،أخذ زمنا طويل ،بدءا باللقاء الول الذي عرض فيه
موسى رسالته ،وما أيّدها به من آيات – العصا واليد – ولقاء يوم الزينة حيث التقى موسى بالسحرة ،وبناء
ص ْرحًا
جعَل لِي َ
عوْنُ يَاأَ ّيهَا ا ْلمَلَُ مَا عَ ِلمْتُ َل ُكمْ مِنْ إِ َلهٍ غَيْرِي فَ َأوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطّينِ فَا ْ
الصرح ( وَقَالَ ِفرْ َ
َلعَلّي َأطّلِ ُع إِلَى إِ َل ِه مُوسَى َوإِنّي لَظُ ّن ُه مِنْ ا ْلكَاذِبِينَ ( 38القصص ) .
بناء الهرامات :
الصرح هو البناء الضخم والمرتفع ،وأعتقد أن الهرامات الثلثة ،هي ما أُمر هامان ببنائها ،من قبل فرعون ،
لينظر إلى إله موسى .وفيما بعد اتّخذت تلك الصروح ،مقابر ومدافن .
إذ لو ُفحِصت مادة بناء الهرامات ،لتبين أنها من الطين المشوي ،لدللة قوله تعالى ( فَ َأوْقِدْ لِي َيهَامَانُ عَلَى
الطّينِ ) ،إذ يخبر سبحانه – وما إعلمه لنا بذلك عبثا -بأنهم كانوا يستخدمون الطين في البناء ،وليس الحجارة
كما يعتقد علماء الثار ،الذين حاولوا جاهدين لتفسير اللية المعقدة والمستحيلة ،في رفع تلك الصخور ذات
القطع الكبير ،إلى قمة الهرم حيث لم يكن لديهم رافعات عملقة .وهذا الخبر يكشف حقيقة ،ربما لم تخطر ببال
علماء الثار من قبل ،ويجعل كيفية البناء غاية السهولة ،حيث كان عبيد فرعون ومنهم بني إسرائيل ،ينقلون
الطين – وليس الصخور والحجارة -ويضعوه في قوالب مثبتة على الهرم نفسه ،وكل لبنة في موقعها ،
وينتظرون الَلبِن حتى يتماسك ،لينزعوا القوالب ،وكلما أنجزوا مرحلة ،قاموا بتثبيت القوالب مرة أخرى ،على
ما تمّ إنجازه ،وبدءوا بنقل الطين ليفرغوه فيها ،وهكذا دواليك ،حتى يكتمل بناء الهرم .ومن الداخل ستجد أن
قلب الهرم مفرغ ،وستجد أن هناك سراديب طويلة غير نافذة ،تتوزّع بكافة التجاهات ،والغاية منها توزيع
الحرارة ،عند إشعال النار في قلب الهرم لشيّ الطين الجاف ،وهي عملية تحتاج إلى وقت طويل نظريا ،ولكن
مع كثرة العبيد فالمر مختلف ،واللية بسيطة وليست معقدّة ،ول توحي بأن الفراعنة كانوا جبابرة وأشداء ،
فبناة الهرام هم العبيد وليس الفراعنة أنفسهم ،وربما يكون شيّ الطين قد تم على مراحل ،وليس دفعة واحدة .
وهذه الفكرة مطروحة للمختصّين لنفيها أو إثباتها ،وبذلك تكون الهرامات ،رمزا من رموز الكفر والعصيان
والتمرد والتحدي الفرعوني ل ورسوله ،ويكون أبو الهول هو إله المصريين القدماء ،قبل أن يُعلن فرعون
ربوبيته ،تحديا لموسى عليه السلم وربه .
وبالضافة إلى تلك الحداث ،التي وقعت أثناء تواجد موسى في مصر ،ما وقع في قوم فرعون من البلء الذي
ضفَادِعَ
أنزله ال ،وكلما كشف عنهم بلء أرسل عليهم آخر ( ،فََأ ْرسَلْنَا عَلَ ْي ِهمُ الطّوفَانَ وَا ْلجَرَادَ وَا ْل ُق ّملَ وَال ّ
وَالدّمَ ءَايَاتٍ ُمفَصّلَتٍ فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَ ( 133العراف ) .وستجد ما مرّ بقوم فرعون من
وقائع ،أثناء تواجد موسى في مصر ،قد سُردت بإيجاز في اليات ( )136 – 103من سورة العراف ،واليات
( )90 – 85من سورة النمل ،ومواضع أخرى متفرقة في القرآن الكريم .
ضلّوا عَ ْ
ن عوْنَ َومَلَهُ زِي َنةً َوَأ ْموَالً فِي ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا رَبّنَا لِيُ ِ
وفي نهاية المطاف ( وَقَالَ مُوسَى رَبّنَا إِنّكَ آتَيْتَ ِفرْ َ
طمِسْ عَلَى َأ ْموَا ِل ِهمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُو ِبهِمْ فَلَ ُي ْؤمِنُوا حَتّى َي َروْا ا ْلعَذَابَ الَْلِيمَ ( 88يونس ) أي سَبِيلِكَ رَبّنَا ا ْ
الغرق ،فاستجيبت دعوة موسى ،وهذا بالضبط ما حصل مع فرعون ( حَتّى إِذَا أَدْ َر َكهُ ا ْلغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَ ّنهُ لَ
إِ َلهَ ِإلّ الّذِي آمَنَتْ ِبهِ بَنُو ِإسْرَائِيلَ َوأَنَا مِنْ ا ْل ُمسْ ِلمِينَ ( 90يونس ) ولو تمعنت في قوله ،لتبينت أنه لم يؤمن ،
لقوله ( الذي آمنت به بنو إسرائيل ) ،وأغلبية بني إسرائيل لم تكن تؤمن بال ،ولم يقل ال أو إله موسى تكبرا
وعلوا .
فمن أصرّ على المعصية وانتهاك حدود ال بكافة أشكالها ،والكفر بكافة أشكاله ،وعن علم بها وبعقوبتها ،ومنّى
النفس بقول ( ل إله إل ال ) عند الموت معلنا التوبة ،أنّه لن يوفق بقولها آنذاك ،لن قولها يُوجب الجنة ،وهي
لم تكتب لهؤلء .ووجوب الجنة يحتاج لدفع الثمن ،وتوفير الثمن اللزم لها ،يحتاج إلى جدّ واجتهاد وصبر ل
محدود ،وأن من كانت تلك الكلمة آخر عهده بالدنيا ،كُتبت له الجنة ،وما أصعب تذكّرها وقولها ،أما هؤلء
شةً َ ،أوْ ح َ
فإن تذكّروها ،تلعثموا بها فلم تؤد معناها ،فل توبة مع إصرار ،قال تعالى ( وَالّذِينَ إِذَا َفعَلُوا فَا ِ
علَى مَا َفعَلُوا ،وَ ُهمْ
س ُهمْ َ ،ذكَرُوا الَّ ،فَاسْ َت ْغفَرُوا لِذُنُو ِب ِهمْ َ ،ومَنْ َي ْغفِرُ الذّنُوبَ ِإلّ الُّ ،وَ َلمْ يُصِرّوا َ
ظَ َلمُوا أَنْ ُف َ
63
َيعْ َلمُونَ ( 135آل عمران ) ،وقال أيضا ( وَلَ ْيسَتْ ال ّتوْ َبةُ ،لِلّذِينَ َي ْعمَلُونَ السّيّئَاتِ ،حَتّى إِذَا حَضَرَ َأحَدَ ُهمْ
ا ْل َموْتُ ،قَا َل إِنّي تُبْتُ الْنَ َ ،ولَ الّذِينَ َيمُوتُونَ وَ ُه ْم ُكفّارٌ ُ ،أوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا َل ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 18النساء ) .
ومعظم مسلمي هذا العصر ،إل ما رحم ربي ،وهم قلة يُعدّون على أصابع اليد الواحدة ،في بعض البلدان
المسماة بالسلمية ،سلكوا هذا المنهج الذي حذّر منه رب العزة ( ،جماعة كل شيء بحسابه ) ،والغلبية هم
غثاء كغثاء السيل ،فل فائدة فيهم أو تُرتجى منهم ،فإن لم يكفر أحدهم بال أشرك في عبادته ،ومن لم يستجب
ويطع ،تولى وعصى .والوثان كثيرة هذه اليام ،واتّخذت أشكالً عديدة .صحيح أنها ليست من الحجر أو
التمر ،ولكنها أدهى وأمرّ ،فنحن حاشى ل أن نعبد الحجارة ،وكل ما نقدّسه فقط ،كرسي ورصيد في البنك
وعمارة ،وتلفزيون وستاليت وخلوي ،وشقراء أو سمراء في سيّارة .وناهيك عن المعاصي من أكل ربا ،
وسرقة وخيانة وتبرج وزنا ،وقطع رحم ،وأكل لحم ،وشرب خمر ودم ،وشتم وسب وذم .
خروج موسى ببني إسرائيل من مصر :
قال تعالى ( وَ َلقَدْ َأ ْوحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ َأسْرِ بعِبَادِي ،فَاضْرِبْ َل ُهمْ طَرِيقًا فِي الْ َبحْرِ يَ َبسًا ،لَ َتخَافُ دَ َركًا َو َل
خشَى ( 77طه ) ،نتبين من ذلك أن خروج موسى بقومه إلى البحر ،كان بوحي من ربه ،وإن لم يخب ظني َت ْ
فقد اتجه صوب البحر الحمر مباشرة ،أقصى الشمال من خليج السويس ،وبعد أن خرج بقومه من البحر ،
اتجه شرقا وشمال بخط شبه مستقيم ،متجاوزا صحراء سيناء وصحراء النقب ،حيث المدخل الجنوبي لوادي
عربة ،وسار شمال في بطن الوادي ،حتى الجبل المعهود جنوب البحر الميت ،ليستقبل الوحي بناءا على
الموعد المسبق ،الذي ضرب بينه وبين ربه ،بعد النجاة من فرعون وقومه ،قال تعالى ( يَبَنِي ِإسْرَائِيلَ قَدْ
أَنجَيْنَا ُكمْ ِمنْ عَ ُد ّوكُمْ َووَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطّورِ الَْ ْيمَنَ ( 80طه ) ،وهذه الية تدل على عدم مكوثهم لفترة طويلة ،
في أي من صحراء سيناء أو النقب ،وأن وجهتهم كانت حيث المكان الموعود ،وكان موسى يستعجل المسير
وهم يبطئون ،وبعد تلقيه الوحي ،وما كان منهم معاصي في بطن الوادي ،صعد بقومه إلى المرتفعات
الشرقية ،ودخل الردن عن طريق الوادي الذي نزل به في المرة السابقة ،ملتفا حول مملكة الدوميين ومملكة
الموآبيين شرقي البحر الميت ،ليصل إلى مكان إقامته السابق ،حيث كان سفيرا لبني إسرائيل – ولم يكن يعلم
بذلك آنذاك -في مدين قرية شعيب عليه السلم ،ل ُي َمهّد لهم طيب القامة فيها مستقبل .
ترتيب الحداث التي مرت بموسى وبني إسرائيل خلل تلك الرحلة الطويلة
رحلته مع بني إسرائيل ،في طريق العودة إلى مدين ،اختلفت كثيرا عن سابقتها ،فقد كانت ترافقه في هذه
الرحلة أمّة بأسرها ،بما لها وما عليها ،وأكثرها من غير المؤمنين ،وغير المطيعين ل تعالى وله عليه السلم ،
عوْنَ خوْفٍ مِنْ فِرْ َ علَى َ فكان المسير فيها بطيئا وشاقا وطويل ،قال تعالى ( َفمَا آمَنَ ِلمُوسَى ِإلّ ذُرّ ّيةٌ مِنْ َق ْو ِمهِ َ
جهْرَةً ،فَ َأخَذَ ْت ُكمْ
َومَلَ ِئ ِهمْ أَنْ َيفْتِ َنهُمْ ( 83يونس ) ،وقال أيضا ( َوإِذْ قُلْ ُتمْ يَامُوسَى ،لَنْ ُن ْؤمِنَ َلكَ ،حَتّى نَرَى الَّ َ
شكُرُونَ ( 56البقرة ) ،وكان قولهم هذا فور ع َقةُ َ ،وأَنْتُمْ تَنظُرُونَ (ُ )55ثمّ َبعَثْنَاكُمْ مِنْ َبعْدِ َموْ ِتكُمْ َلعَلّ ُكمْ َت ْ الصّا ِ
نجاتهم وخروجهم من البحر ،بعدما رأوا كل ما أجراه ال ،على يد موسى من معجزات ،تلين لها قلوب الجبال
وعقولها ،فأماتهم ال ثم أحياهم ،ولو نظرت إلى قولهم في الية السابقة ،واستخدام أداة الجزم والتأبيد ( لن ) ،
تجد أن لديهم إصرار عجيب على الكفر ،بما هو غيبيّ ومحجوب عن حواسّهم ،رغم مشاهدتهم لليات والثار
الدالة على وجوده ،وأنهم ل يؤمنون إل بما تدركه الحواس من أشياء مادية ،وهذا ما جعلهم يقعون في فتنة
العجل الذهبي بعد هذه الحادثة ،وفي فتنة الدجال مستقبل ،بما لديه من فتن مادية ظاهرة للعيان َ ( ،فقَالُوا أَرِنَا
عنْ ذَلِكَ وَآتَيْنَا جلَ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ْت ُهمْ الْبَيّنَاتُ َ ،ف َع َفوْنَا َ ع َقةُ ِبظُ ْل ِم ِهمْ ُ ،ثمّ ،ا ّتخَذُوا ا ْلعِ ْ
جهْرَةً فَ َأخَذَ ْت ُهمْ الصّا ِ
الَّ َ
مُوسَى سُ ْلطَانًا مُبِينًا ( 153النساء ) ،وقد وقع هذا منهم ،قبل اتخاذهم للعجل .
64
ن والسلوى والتظليل بالسحاب أثناء المسير :
تفجير الماء ونزول الم ّ
وبناءً على ما سبق ،كان خط مسير الرحلة في معظمه في صحاري قاحلة ،وكل ما كان بحوزتهم من طعام
شرَةَ َأسْبَاطًا ُأ َممًا ،ع ْ طعْنَا ُهمْ اثْنَتَيْ َ
وماء أثناء الخروج ،كانوا قد استنفدوه في أيامهم الولى ،قال تعالى ( وَ َق ّ
عشْرَةَ عَيْنًا ،قَدْ عَ ِلمَ كُلّجسَتْ مِ ْنهُ اثْنَتَا َ حجَرَ ،فَانْ َب ََوَأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذْ اسْ َتسْقَاهُ َق ْو ُمهُ أَنْ اضْرِب ِبعَصَاكَ ا ْل َ
علَ ْيهِمْ ا ْلمَنّ وَالسّ ْلوَى كُلُوا ِمنْ طَيّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ َ ،ومَا ظَ َلمُونَا أُنَاسٍ َمشْرَ َب ُهمْ َ ،وظَلّلْنَا عَلَ ْي ِهمْ ا ْل َغمَامَ َ ،وأَنزَلْنَا َ
س ُهمْ َيظْ ِلمُونَ (160العراف ) ،ومن هذه الية الكريمة ،نجد أنهم قُسّموا إلى ( ) 12جماعة ، وَ َلكِنْ كَانُوا أَنفُ َ
لتيسير عمليّه القيادة ،ومنّ عليهم ربهم ،سبحانه عما يصفون ،بأن وفّر لهم كل أسباب الراحة ،من ماء
وغذاء ،وحتى أنه وقاهم من حر الشمس ،بأن جعل السحاب يظللهم ،أينما حلوا وأينما ارتحلوا ،أثناء مسيرهم
باتجاه الرض المُقدّسة ،وفي تلك الثناء مرّوا على عبدة الصنام ،فطلبوا من موسى أن يجعل لهم ألهة كما
علَى أَصْنَامٍ َل ُهمْ ،قَالُوا يَامُوسَى اجْ َعلْ لَنَا لهؤلء ألهة ( َوجَاوَزْنَا بِبَنِي ِإسْرَائِيلَ الْ َبحْرَ ،فَأَ َتوْا عَلَى َق ْومٍ َي ْعكُفُونَ َ
جهَلُونَ ( 138العراف ) . إِ َلهًا َكمَا َل ُهمْ ءَا ِل َهةٌ ،قَالَ إِ ّن ُكمْ َقوْمٌ َت ْ
ول يغب عن بالنا ،أن رحلة كهذه ،كانت تستوجب ما بين فترة وأخرى ،التخييم والقامة لبعض الوقت ،ومن
ثم متابعة المسير ،وهكذا دواليك ،ولم تتعدى مدد القامة في أي من مراحل المسير ،سوى أيام أو أسابيع
معدودة ،فهم لم يركنوا إلى مكان معين ،إذ كان هناك مواعدة للقاء في جانب الطور اليمن ،في وادي عربة ،
وكانت هذه المواعدة جماعية لموسى ولبني إسرائيل ،ولكنّ موسى عليه السلم ،وبعد أن قطع شوطا كبيرا في
وادي عربة ،استعجل اللقاء ،وعندما اقترب من المكان المحدد ،استخلف أخيه هارون في قومه ،وتركهم
ومضى مسرعا رغبةً منه في إرضاء ربه ،واعتذارا عن التأخير الذي تسبّب به قومه ،من جرّاء مماطلتهم
وتذّمرهم .
اللقاء الول لموسى بربه بعد الخروج من مصر ،واتخاذ العجل في بطن وادي عربة :
65
اللقاء الثاني والرجفة ونتق الجبل :
وبناءً على ما كان منهم ،اختار موسى ( )70رجل من أفضلهم ،للعتذار عما فعله السفهاء من قومه ( وَاخْتَا َر
ج َفةُ ،قَالَ رَبّ َل ْو شِئْتَ أَهْ َلكْ َت ُهمْ مِنْ قَ ْبلُ َوإِيّايَ ،أَ ُتهْ ِلكُنَا ِبمَا
مُوسَى َق ْو َمهُ سَ ْبعِينَ َرجُلً ِلمِيقَاتِنَا َ ،فَلمّا َأخَذَ ْت ُهمْ ال ّر ْ
حمْنَا َوأَنْتَ غفِرْ لَنَا وَا ْر َ
ضلّ ِبهَا مَنْ َتشَاءُ وَ َتهْدِي مَنْ َتشَاءُ ،أَنْتَ وَلِيّنَا فَا ْ س َفهَاءُ مِنّا ،إِنْ هِيَ ِإلّ فِتْنَتُكَ تُ ِ َف َعلَ ال ّ
خَيْرُ ا ْلغَافِرِينَ ( 155العراف ) فشهدوا الوحي بمعية موسى عليه السلم دون سماعه ،وشعروا بوجود خالقهم
وقدرته ،ومقدار حنقه وغضبه عليهم ،بأن زلزل الرض من تحت أرجلهم .
أخذ الميثاق ،وإلزام النقباء الثنيّ عشر بالسهر على تطبيقه ،والحكم بما جاء فيه :
وهناك عُرض عليهم الميثاق ليلتزموا به ،ويلزموا أتباعهم على القيام به ،ويتحملوا مسؤولية نقضه ،فتردّدوا
وأ َبوْا ،فرفع سبحانه فوقهم الجبل ،وأجبرهم على أخذه بالقوة ،ولو أصرّوا على الرفض لطبقه عليهم ،فقبلوه
على مضض ،وكان ال أعلم بما يعتمل في صدورهم ،ولكنه غفور رحيم ،حيث قال فيهم َ ( ،وإِ ْذ َأخَذْنَا ميثَا َقكُمْ
جلَ ِب ُكفْرِ ِهمْ س ِمعْنَا وَعَصَيْنَا َ ،وُأشْرِبُوا فِي قُلُو ِب ِهمْ ا ْلعِ ْ سمَعُوا ،قَالُوا َ وَرَ َفعْنَا َفوْ َق ُكمْ الطّورَ خُذُوا مَا آتَيْنَا ُكمْ ِب ُقوّةٍ وَا ْ
سمَا يَ ْأمُ ُر ُكمْ ِبهِ إِيمَا ُن ُكمْ إِنْ كُن ُتمْ ُم ْؤمِنِينَ ( 93البقرة ) .فاختير من السبعين رجل ( ) 12نقيبا ،بعدد ُ ،قلْ بِ ْئ َ
السباط ( أي قبائل بني إسرائيل ) وهم الذين تُسميهم التوراة بالقضاة .وهذا نص الميثاق الذي أُلزموا بالعمل
على تطبيقه ،بالضافة إلى الوصايا الواردة في سورة النعام ( وَ َلقَدْ َأخَذَ الُّ مِيثَاقَ بَنِي ِإسْرَائِيلَ ،وَ َبعَثْنَا مِ ْن ُهمْ
لّ إِنّي َم َع ُكمْ ،لَئِنْ أَ َقمْ ُتمْ الصّلَةَ ،وَآتَيْ ُتمْ ال ّزكَاةَ وَآمَنْ ُتمْ ِب ُرسُلِي وَعَزّرْ ُتمُو ُهمْ َ ،وأَقْرَضْ ُتمْ
عشَرَ َنقِيبًا ،وَقَا َل ا ُ اثْنَيْ َ
حسَنًا ُ ،لَ َكفّرَنّ عَ ْنكُمْ سَيّئَا ِت ُكمْ َ ،ولَُ ْدخِلَنّ ُكمْ جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَْ ْنهَارُ َ ،فمَنْ َكفَرَ َبعْدَ َذلِكَ مِ ْن ُكمْ ،
الَّ قَرْضًا َ
سوَا َء السّبِيلِ ( 12المائدة ) . ضلّ َ َفقَدْ َ
رفض المن والسلوى وطلب القثائيات ،والحكم عليهم بالنزول في موطن زراعتها :
كانت مدة المكث بادئ المر في الصحراء بسيطة ،وذلك لتذمّرهم وعدم صبرهم على طعام واحد ،أي الم ّ
ن
والسلوى ،فحكم عليهم سبحانه بإكمال المسير ،المقدّر مسبقا ،بقوله على لسان موسى ( َوإِذْ قُلْ ُتمْ َيمُوسَى لَنْ
سهَا وَبَصَ ِلهَا قَالَ
طعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبّكَ ُيخْرِجْ لَنَا ِممّا تُنْبِتُ الَْ ْرضُ مِنْ َبقْ ِلهَا وَقِثّا ِئهَا وَفُو ِمهَا وَعَ َد ِ
نَصْبِرَ عَلَى َ
أَ َتسْتَبْدِلُونَ الّذِي ُهوَ أَدْنَى بِالّذِي ُهوَ خَيْرٌ اهْ ِبطُوا مِصْرًا ،فَإِنّ َلكُمْ مَا سَأَلْ ُتمْ ( 61البقرة ) ،وحيث أنه قال
( مِصْراً ) منونةً ،ولم يقل ( ِمصْرَ ) بدون تنوين ،فهي غير مصر التي خرجوا منها ،وإنما جاءت هنا بمعنى (
بلداً ) نكرة وغير معرّفة ،وقوله ( فإنّ لكم ما سألتم ) تعني أن هذا البلد يتميّز ،بأن فيه ما سأله بني إسرائيل من
نبيهم ،من عدس وبصل وغيره ،ولو تساءلنا عن موقع هذا البلد ،القريب من الرض المقدسة ،الذي يتميز
بخصوبة أراضيه ،ووفرة مياهه من ينابيع وآبار ،ويصلح لزراعة القثّائيات ،بالتأكيد ستكون الجابة الرض
الواقعة ،شرق نهر الردن ،وفي السفوح الغربية للجبال المطلة على فلسطين ،وبالتحديد قرية مدين التي
يعرفها موسى ،ويعرف ميّزاتها وخصائصها ،وال أعلم ،والتي كان أهلها قد هلكوا بعذاب يوم الظلّة ،قبل أو
بعد خروج موسى منها ،ليرثها بنوا إسرائيل مع القلة المؤمنة ،من قوم شعيب التي نجت من العذاب .
دخول مدين والمُقام فيها :
66
وقوله قبل الدخول ( َوكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْ ُتمْ ) و قوله لهم في النص الخر ( َفكُلُوا مِ ْنهَا حَيْثُ شِئْتُمْ َرغَدًا ) يوحي
بأنها سكنى مؤقتة ،ولم يكن لديهم علم ،بأنه سيكون هناك ما بعدها ،وهو الستعداد والتهيئة لدخول الرض
المقدسة ،فأفشلوا أنفسهم في الدخول الول لتلك القرية ،فاستحقوا غضب ال عليهم ،وأفشلوا أنفسهم عندما
أُمروا بالدخول الثاني بل حرب ،فأفشلهم ال وأذهب ريحهم .وقد قيلت هذه العبارة ،لدم عليه السلم وزوجه (
َوكُلَ مِ ْنهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْ ُتمَا ( 35البقرة ) ،قبل دخوله الجنة ،ولم يكن لديهما علم بأن القامة فيها مؤقتة ،وأن
هناك ما بعدها ،وسيحاطون به علما عند وقوعه ،وفي موعده المقدر المضمر في علم ال ،ولكن بعد فوات
الوان .وإن لم تكن مدين ،هي القرية التي دخلها بنوا إسرائيل وأقاموا فيها ،فهي قرية تقع في نفس المنطقة ،
وال أعلم .
الخسف بقارون ،ورحلة موسى والفتى ،وذبح البقرة :
أقام بنو إسرائيل في مدين بمعية موسى -على ما يبدو -سنين عديدة ،واطمأنوا بها وإليها ،وطاب لهم المقام
فيها ،حيث الزراعة وتربية المواشي والتجارة ،وهذا هو ديدنهم ،ومن الحداث التي وقعت فيها ،قصة البقرة ،
( َوإِذْ قَالَ مُوسَى لِق ْو ِمهِ إِنّ الَّ يَ ْأ ُم ُركُمْ أَنْ تَذْ َبحُوا َبقَرَةً قَالُوا أَتَ ّتخِذُنَا هُ ُزوًا قَالَ أَعُوذُ بِالِّ أَنْ َأكُونَ مِنْ ا ْلجَاهِلِينَ
( 67البقرة ) ،وقصة سفر موسى حيث مجمع البحرين ،لللتقاء بالعالم َ ( ،وإِذْ قَالَ مُوسَى ِلفَتَاهُ لَ أَبْ َرحُ حَتّى
جمَعَ الْ َبحْرَيْنِ َأوْ َأمْضِيَ حُقبًا ( 60الكهف ) وقصة قارون المعروفة ( ،إِنّ قَارُونَ كَانَ مِنْ َق ْومِ مُوسَى أَبْلُغَ َم ْ
حهُ لَتَنُوءُ بِا ْلعُصْ َبةِ أُولِي ا ْل ُقوّةِ إِذْ قَالَ َلهُ َق ْو ُمهُ لَ َتفْ َرحْ إِنّ الَّ لَ ُيحِبّ
فَ َبغَى عَل ْي ِهمْ وَآتَيْنَاهُ مِنْ ا ْلكُنُوزِ مَا إِنّ َمفَا ِت َ
ا ْلفَ ِرحِينَ ( 76القصص ) .
المر بدخول الرض المقدّسة وتحريمها عليهم وتيههم شرقي النهر :
وبعد مدة من مكثهم في مدين ،أمرهم موسى بدخول الرض المقدسة ( فلسطين ) ،ولم تكن هناك حاجة للقتال
آنذاك ،فرفضوا وعصوا ،لقلة وانعدام إيمانهم ،وأخلدوا إلى الرض ،وتذرّعوا بحجج واهية ليبرّروا اتكاليتهم
وعجزهم ،فدعا موسى ربه ليحكم بينه وبينهم ،فاستجاب له ربه ( ،قَالَ فَإِ ّنهَا ُمحَ ّر َمةٌ عَلَ ْي ِهمْ أَرْ َبعِينَ سَ َنةً
يَتِيهُونَ فِي الَْرْضِ فَل تَ ْأسَ عَلَى ا ْل َق ْومِ ا ْلفَاسِقِينَ ( 26المائدة ) ،فكان تحريم الدخول لمدة أربعين سنة ومن ثم
التيه في الرض .
والتيه لغة الحيرة والضلل ،ورجل تائه وتيّاه ،إذا كان جسورا يركب رأسه في المور ،وفي الحديث :إنك
امرؤ تائه ،أي متكبر أو ضال متحيّر .والمراد من ذلك أنهم تُركوا على رؤوسهم ،وحُرموا من قيادة النبياء ،
بأن ال تخلى عنهم وحرمهم من رعايته لهم ،ورفع عنهم الوحي وتركهم بل هداية ،بعد موت موسى عليه
السلم ،على مدى 40سنة ،ولم يُقصد بالتيه الضياع والتشرّد المكاني ،في صحراء سيناء ،كما كنا نعتقد سابقا
.والصحيح أنهم حافظوا على تواجدهم ،كأمة مكونة من 12جماعة شرقي نهر الردن ،وأُوكلت قيادة كل
جماعة إلى أحد النقباء الثني عشر ،كل حسب السبط الذي ينتمي إليه ،بعد انقطاع قيادة الوحي ،وهذا مما ينفي
نبوة فتى موسى المسمى بيوشع بن نون .وهنا تتضح الحكمة من جراء إلقاء مسؤولية حفظ الميثاق وإقامته ،
على النقباء الثني عشر بعد وفاة موسى وانقطاع الوحي والعناية اللهية .وهذا ما حاول مؤلّفو التوراة إخفاءه
بتبديل مواضع الكلم ،فجعلوا المن والسلوى ،تتنزّل عليهم لمدة أربعين سنة في الصحراء ،وهي عدد سنين
التحريم والتيه ،التي كانوا يأكلون فيها البصل والعدس .
ويدّعي كتبة التوراة أن بني إسرائيل ،أثناء قدومهم إلى الرض المقدسة ،بمعية موسى عليه السلم ،قد قاتلوا
أقواما كثيرة ،شرق نهر الردن وانتصروا عليها ،ويدّعون أيضا أنهم هاجموا الكنعانيين بعد موسى ،وهدموا
أسوار مدينة أريحا بمعية يوشع بن نون ،وأنهم أقاموا زمن القضاة غرب النهر .وهذا كله محض افتراء
وتلفيق ،فكيف يقاتل من طلب منه مجرد الدخول ولم يدخل ،ولفظ الدخول في القرآن يوحي بانتفاء القتال .
والحوار الذي دار بين موسى وقومه لدخولها ،تجد نصه كامل في اليات ( )27 – 20المائدة .
67
زمن الخبار بنص نبوءة الفساد والعلو في الرض :
وبعد مدة يسيره من الزمن من ذلك الحكم ،كشف موسى عليه السلم النقاب عن النبوءة موضوع هذا الكتاب ،
وأخبر عنها قبل أن ينتقل إلى جوار ربه .وتركهم في غيهم وطغيانهم يعمهون ،كما حكم عليهم ربهم ،وأُوكل
المر من بعده إلى النقباء الثني عشر أصحاب الميثاق ،ليحفظوا التوراة ،وليحكموا بين الناس بما جاء فيها ،
ومن ذلك اليوم انتقلت مسؤولية حفظ التوراة والشريعة إلى أناس عاديين ،فبدأ ظهور الحبار ،قال تعالى ( إِنّا
حكُمُ ِبهَا النّبِيّونَ الّذِينَ َأسْ َلمُوا ،لِلّذِينَ هَادُوا ،وَالرّبّانِيّونَ وَا َلْحْبَارُ ِبمَا
أَنْزَلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ َ ،ي ْ
شهَدَاءَ ( 44المائدة ) . ب الِّ َ ،وكَانُوا عَلَ ْي ِه ُ
ن كِتَا ِ
ح ِفظُوا مِ ْ
اسْتُ ْ
طلب المُلك لدخول الرض المقدّسة بعد نهاية سنوات التيه :
معظم اليات التي أخبرت عن داود وملكه ،كانت تركّز على شخص داود ،حيث اتّصف عليه السلم بالورع
والتقوى وكثرة العبادة ،والعلم والقوة مع شيء من اللين في المعاملة ،وتوحي بأن شغله الشاغل ،كان توطيد
خطَابِ ( 20ص ) ،وإعداد ما استطاع من قوة صلَ ا ْل ِ
ح ْك َمةَ وَفَ ْ
أركان دولته الحديثة َ ( ،وشَدَدْنَا مُ ْل َكهُ وَآتَيْنَاهُ ا ْل ِ
للدفاع عن دولته الصغيرة ،التي كانت محصورة في بيت المقدس وما حولها ،من هجمات القوام المجاورة لها
من الكنعانيين ،ولم يكن يسعى لتوسيع رقعة الدولة ،كون المة السرائيلية آنذاك كانت قليلة -وهي لم تكثر إل
في العصر الحديث ،وبالتحديد بعد الحرب العالمية الثانية ،حيث رُفع عنهم القتل -ولم تكن تستدعي امتلك
مساحة كبيرة من أرض فلسطين .
68
صفة الجبن الملزمة لليهود ومعالجتها بابتكار داود للدروع الحربية :
س ُكمْ َف َهلْ أَنْ ُتمْ شَاكِرُونَ ( 80النبياء ) ،والضمير ( كم ) قال تعالى ( وَعَّلمْنَاهُ صَ ْن َعةَ لَبُوسٍ َلكُمْ لِ ُتحْصِ َن ُكمْ مِنْ بَ ْأ ِ
في كلمتي ( لكم ) و ( بأسكم ) ،يعود على المخاطبين بالقرآن ،وهذا خبر يفيد أن داود عليه السلم ،هو أول من
ابتكر الدروع الحربية الحديدية ،وأول من استعملها هم بنو إسرائيل ،وهذا يكشف طبيعة الجبن فيهم ،والحرص
على الحياة ،والخوف من الموت ،وكرههم للقتال ( ،وَلَ َتجِدَ ّن ُهمْ َأحْرَصَ النّاسِ عَلَى حَيَاةٍ َومِنْ الّذِينَ َأشْ َركُوا (
96البقرة ) وصناعة داود لها يدل على معرفته بطبيعتهم تلك ،فقد قالوا لموسى من قبل ( إِنّا لَنْ نَ ْدخُ َلهَا أَبَدًا مَا
دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبّكَ َفقَاتِلَ إِنّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ( 24المائدة ) ،فالجبن والتواكل على الغير ،طبيعة
متأصّلة في نفوسهم ،وانظر إلى قولهم ( وربك ) وليس ( وربنا ) ،فهو رب موسى ،وليس بربهم ،فما كانوا
مؤمنين ،لذلك قال فيهم موسى عليه السلم ( فَافْ ُرقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ ا ْل َقوْمِ ا ْلفَاسِقِينَ ( 25المائدة ) ،وكان أغلبهم
فاسقين وعصاة ومعتدين ،حتى في زمن طالوت وداود وسليمان وعلى مر العصور ،حيث قال تعالى ( ُلعِنَ
صوْا َوكَانُوا َيعْتَدُونَ ( 78المائدة ) ، ن مَرْ َيمَ ذَلِكَ ِبمَا عَ َ ن كَفَرُوا مِنْ بَنِي ِإسْرَائِيلَ عَلَى ِلسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْ ِ الّذِي َ
فكما تأذّى موسى عليه السلم َ ( ،وإِذْ قَالَ مُوسَى ِل َق ْومِهِ يَا َق ْومِ ِلمَ ُتؤْذُونَنِي َوقَدْ َتعْ َلمُونَ أَنّي َرسُولُ الِّ إِلَ ْي ُكمْ فَ َلمّا
زَاغُوا أَزَاغَ الُّ قُلُو َب ُهمْ وَالُّ لَ َيهْدِي ا ْلقَ ْومَ ا ْلفَاسِقِينَ ( 5الصف ) تأذّى منهم داود عليه السلم وهو أول
ملوكهم ،وتأذّى منهم عيسى عليه السلم وهو آخر أنبيائهم ،ومن وقع بينهما من النبياء .
ولم يكن شُرب أغلبهم من النهر ،عند عبورهم مع طالوت إلى فلسطين عطشا ،وإنما ليستثنيهم طالوت من
الخروج في الجيش للقتال ،وما زالوا يفتعلون الحجج للتهرب من القتال حتى في دولتهم الحالية ،فهم يدفعون
بأبنائهم إلى المدارس الدينية ،لتجنيبهم الخدمة العسكرية .فابتكر عليه السلم الدروع الحديدية ليلبسوها في
حروبهم ،مع الشعوب المجاورة ،التي على ما يبدو كانت تغزوهم باستمرار ،لعلها تدخل شيئا من الطمئنان
إلى تلك القلوب الوجلة ،وتدفعهم إلى الذود عن حمى مملكتهم .ولو نظرت إلى واقعهم المعاصر ،لوجدتهم
يلبسون الدروع الواقية من الرصاص ،حتى في مواجهة الحجارة ،وتجدهم يتحصّنون وراء السيارات المصفحة
،أو يقاتلون من وراء جدر من السمنت المسلح ،وهذا ما يفضحهم به القرآن في مواضع كثيرة ( ،لَ ُيقَاتِلُو َن ُكمْ
جمِيعًا وَ ُقلُو ُبهُمْ شَتّى ذَِلكَ بِأَ ّن ُهمْ َق ْومٌ لَ
حسَ ُبهُمْ َ
س ُهمْ بَيْ َن ُهمْ شَدِيدٌ َت ْ
جمِيعًا ِإلّ فِي قُرًى ُمحَصّ َنةٍ َأوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَ ْأ ُ
َ
َيعْقِلُونَ ( 14الحشر ) .
( َووَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَ ْيمَانَ ( 30ص ) َ ( ،ووَرِثَ سُلَ ْيمَانُ دَاوُودَ ( 16النمل ) ،نتبين من اليتين السابقتين ،أن
نظام الحكم في مملكة بني إسرائيل الولى ،كان ملكيا وراثيا ،في نسل داود عليه السلم .وفي سنين حكم
سليمان عليه السلم ،سعى إلى توسيع رقعة مملكته نسبيا ،لتغطي مساحة أكبر من مدينة القدس ،لتشمل ما
حولها من المدن والقرى ،من النهر شرقا إلى البحر غربا ،ولكنها على كل الحوال ،لم تشمل فلسطين كاملة ،
فأهل فلسطين الصليين لم يخرجوا منها ،ولم يّبادوا ،ولكنهم تقهقروا إلى ما بعد حدود مملكة سليمان ،حيث
كانت الممالك في تلك العصور ،تقتصر على مدينة – بحجم قرية في العصر الحالي – وما حولها من سهول
ومراعي ،ول أظنهم استكانوا ،وسلمّوا لبني إسرائيل بالمر الواقع ،وإنما كان هناك ،حروب ومناوشات ،
وال أعلم .
حقيقة ملك سليمان :
ع ْمرٍو عَنْ رَسُولِ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ ( :أَنّ سُلَ ْيمَانَ ْبنَ دَاوُدَ صَلّى الُّ عَلَ ْيهِ َوسَّلمَ َ ،لمّا ع ْبدِ الِّ بْنِ َعنْ َ َ
ح ْكمَهُ فَأُوتِ َيهُ َ ،وسَ َألَ الَّ ح ْكمًا يُصَادِفُ ُ جلّ ُعزّ َو َ
للً ثَلَ َثةً ،سَ َألَ الَّ َ
جلّ خِ َ عزّ َو َ بَنَى بَيْتَ ا ْل َمقْدِسِ ،سَ َألَ الَّ َ
سجِدِ ،أَنْ لَ َيأْتِ َيهُ َأحَدٌ
جلّ حِينَ فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ ا ْل َم ْ
عزّ َو َ
جلّ مُ ْلكًا لَ يَنْ َبغِي َلِحَدٍ مِنْ َبعْدِهِ فَأُوتِ َيهُ َ ،وسَ َألَ الَّ َ
عَزّ َو َ
خطِيئَتِهِ كَ َي ْومِ وَلَدَ ْتهُ ُأ ّمهُ ) رواه النسائي وأحمد وابن ماجه وابن خزيمة جهُ مِنْ َ لَ يَ ْنهَزُهُ ِإلّ الصّلَةُ فِيهِ ،أَنْ ُيخْ ِر َ
وابن حبان والحاكم بأسانيدهم ،وصححه اللباني .
هذا الحديث يؤكد :
.1أن مملكة داود وسليمان ،أي مملكة بني إسرائيل الولى ،كانت في فلسطين .
.2أن سليمان عليه السلم ،بنى مدينة بيت المقدس .
.3أن سليمان عليه السلم ،هو أول من بنى المسجد القصى .
وأما التسمية بالمسجد فهي التسمية السلمية له ،وجاءت بعد حادثة السراء ،وأما في عهد سليمان عليه
السلم ،فقد جاءت تسميته في القرآن بالصرح ( ،قِيلَ َلهَا ا ْدخُلِي الصّرْحَ ) ،وأما الترجمة العربية للتوراة
فأعطته اسم الهيكل ،والمعنى لكلتا التسميتين واحد ،وهو البناء الضخم المرتفع .وعلى كل الحوال فإن المسجد
القصى القائم حاليا ،يجثم في نفس المكان الذي أقيم فيه صرح سليمان ،والغريب أن الكثير من أئمة المسلمين
وعامتهم ،ينكرون هذه الحقيقة ،ربما ظنا منهم أن اعترافهم بها ،يعطي الصهاينة حقا في هدم المسجد ،وبناء
هيكلهم مكانه ،ويُسقط أحقيّة المسلمين فيه ،ويُضعف موقفهم في الدفاع عنه ،حتى وصل المر ببعضهم إلى
مخالفة النص القرآني ،وإنكار حتى تواجدهم في الرض المقدسة جملة وتفصيل .
70
قبلة اليهود هي الصخرة المشرّفة :
جاء في البداية والنهاية لبن كثير ،ما نصّه " قال المام احمد ،حدثنا اسود بن عامر ،ثنا حماد بن سلمة ،عن
أبي سنان ،عن عبيد بن آدم ،وأبي مريم وأبي شعيب :أن عمر بن الخطاب ،كان بالجابية فذكر فتح بيت
المقدس ،قال :قال ابن سلمة ،فحدثني أبو سنان ،عن عبيد بن آدم سمعت عمر يقول لكعب " :أين ترى أن
أصلي " ،قال " :إن أخذت عني صليت خلف الصخرة ،وكانت القدس كلها بين يديك " ،فقال عمر " :
ضاهيت اليهودية .ل ،ولكن أصلي حيث صلى رسول ال صلى ال عليه وسلم " ،فتقدم إلى القبلة فصلى ،ثم
جاء فبسط ردائه ،وكنس الكناسة في ردائه ،وكنس الناس .وهذا إسناد جيد ،اختاره الحافظ ضياء الدين
المقدسي ،في كتابه المستخرج " .
وجاء في تاريخ الطبري في رواية أخرى ،أن عمر أجاب كعب بقوله " :فإنا لم نؤمر بالصخرة ولكنّا أُمرنا
بالكعبة " .
ونقول أن مفاد الرواية أن كعب ،لما أشار على عمر بالصلة خلف الصخرة ،أراد منه أن يجمع القبلتين في
صلته ،فأبى عمر وصلى ،جاعل وجه تلقاء الكعبة ،والصخرة من وراء ظهره .
الصلة في الشريعة الموسوية :
لنوضح المر ،نحتاج إلى معرفة طبيعة العبادة في شريعة موسى عليه السلم ،فالصلة لديهم كانت تؤدّى
بشكل فردي في البيت أو فيما يُسمّى بالمحراب ،في المعبد المقدس ( أي الهيكل ) َ ( ،وَأوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى َوأَخِيهِ
جعَلُوا بُيُو َت ُكمْ قِبْ َلةً َ ،وأَقِيمُوا الصّلَةَ ،وَ َبشّرِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ( 87يونس ) ،
،أَنْ تَ َبوّآ ِل َقوْ ِم ُكمَا ِبمِصْرَ بُيُوتًا ،وَا ْ
والمحراب عبارة عن غرفة صغيرة منعزلة ،مخصّصة للصلة والدعاء والذكر ،والغلب أنها كانت تقام
مرتفعة عن الرض ،وهي أشبه ما يكون بالعليّة أو السدّة ،وقد ارتبط ذكر المحراب في القرآن ،بأنبياء بني
سوّرُوا ا ْل ِمحْرَابَ ( 21ص ) ،وبآخر صمِ إِذْ َت َ
إسرائيل الوائل في فلسطين داود وسليمان ( ،وَ َهلْ أَتَاكَ نَبَأُ ا ْلخَ ْ
أنبيائهم زكريا ويحيى ( فَنَادَ ْتهُ ا ْلمَلَ ِئ َكةُ وَ ُهوَ قَا ِئمٌ يُصَلّي فِي ا ْل ِمحْرَابِ ( 39آل عمران ) .
الصرح أو الهيكل ،كيفية بناءه وصفته وموقعه :
أما الصرح فعلى ما يبدو أنه كان أعجوبة من أعاجيب الزمان ،وأن من قام ببنائه وصناعة محتوياته هم الجن
والشياطين ،وأن مادة البناء كانت من النحاس والزجاج ومواد أخرى ما عدا الحجارة ،وأنه اشتمل على
المحاريب والتماثيل والواني النحاسية الصغيرة ،والحواض أو البرك المائية الضخمة المصنوعة من
النحاس ،والجواهر والكنوز من لؤلؤ ومرجان وغيرها ،مما كانت تستخرجه الشياطين من أعماق البحار .قال
جرِي سخّرْنَا َلهُ الرّيحَ َت ْ غفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُ ْلكًا لَ يَنْ َبغِي َلِحَدٍ مِنْ َبعْدِي إِنّكَ أَنْتَ ا ْلوَهّابُ (َ )35ف َ تعالى ( قَالَ رَبّ ا ْ
غوّاصٍ ( 37ص ) وقال أيضا ( َوَأسَلْنَا َلهُ عَيْنَ ا ْل ِقطْرِ ، بِ َأمْرِهِ ُرخَاءً حَيْثُ أَصَابَ ( )36وَالشّيَاطِينَ ُكلّ بَنّاءٍ وَ َ
َومِنْ ا ْلجِنّ مَنْ َي ْع َملُ بَيْنَ يَدَ ْيهِ بِإِذْنِ رَ ّبهِ َومَنْ يَ ِزغْ مِ ْن ُهمْ عَنْ َأمْرِنَا نُذِ ْقهُ ِمنْ عَذَابِ السّعِيرِ (َ )12ي ْعمَلُونَ َلهُ مَا
شكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي عمَلُوا آلَ دَاوُودَ ُجوَابِ ،وَقُدُورٍ رَاسِيَاتٍ ،ا ْ جفَانٍ كَا ْل ََيشَاءُ مِنْ َمحَارِيبَ ،وَ َتمَاثِيلَ َ ،و ِ
الشّكُورُ ( 13سبأ ) .
وأستطيع وصف هذا الصرح بأنه بناء ضخم ومرتفع ،كانت الصخرة تقع في مركزه ،تحيط بها ساحة واسعة ،
أرضيتها من الزجاج المصقول ،يُرى من خللها ماء يجري أسفل منها ،أو ماء راكد في أحواض مائية ،وضع
فيها ما استجلبه سليمان من المناظر والمشاهد البحرية ،مما استخرجته له الشياطين من أعماق البحر ،وعلى
أطراف تلك الساحة أقيمت المحاريب العديدة للعبادة من كل جانب .وال أعلم .
وقد سمعت من زميل لي زار المسجد وتجوّل فيه ،أن هناك آبارا وأحواضا مائية ،تحت ساحة المسجد القصى
مباشرة ،فإذا كان ذلك صحيحا ،ومع علمنا بأن المسجد القصى بُني في نفس موقع المسجد السابق ،وأن
الصخرة هي القبلة الفعلية لليهود ،فهذا المر يُؤكد ،أن الصرح الذي كان قد بُني في عهد سليمان عليه السلم ،
هو المسجد الذي دخله أولئك المبعوثين أول مرة ،وخرّبوه ونهبوا محتوياته ،فلم يبق له أثر يُذكر ،وعدم وجود
71
آثار له ،يُؤكد أن هذا الصرح ،لم يتم بناءه بالطرق المألوفة ،سواء بهندسة البناء أو بالمواد المستخدمة ،فبُناته
هم الجن والشياطين ،وبالتأكيد طريقتهم في البناء تختلف عن طريقة البشر ،وطبيعة المواد المستخدمة تختلف
عما يستخدمه البشر ،وربما يكون هذا الصرح الخرافي ،هو ما دفع نبوخذ نصر صاحب حدائق بابل المعلّقة ،
للغارة على بني إسرائيل في المرة الولى ،لنهب محتوياته .
حكمة سليمان عليه السلم وخرافات ألف ليلة وليلة :
الروايات الموجودة في كتب التفسير ،عن قصة سليمان وحبه لملكة سبأ ،ورغبته في الزواج منها ،وإدخالها
إلى الصرح لرؤية ساقيها ،فيما إذا كان عليهما شعر ،أو أن قدميها كحوافر الحمار ،لن أبوها أو أمها من الجن
… إلى آخره .مما ليس له أصل حتى في التوراة ،جردّت سليمان عليه السلم من حكمته ،في الدعوة إلى ال ،
وجعلت منه رجل مزواجا شهوانيا ،كما أراد له أعداء ال وأعداء أنبياؤه أن يكون .
حكمة الهدهد :
ولكي نفهم ما جرى من حوار وأحداث ،بين سليمان وملكة سبأ ،دعنا نتمعن قليل في قول الهدهد ( َوجَدْ ُتهَا
عمَا َل ُهمْ ،فَصَدّ ُهمْ عَنْ السّبِيلِ َ ،ف ُهمْ لَ َيهْتَدُونَ (
شمْسِ ِمنْ دُونِ الِّ َ ،وزَيّنَ َل ُهمْ الشّ ْيطَانُ أَ ْ
سجُدُونَ لِل ّ
وَ َق ْو َمهَا َي ْ
24النمل ) ،يقول الهدهد أنه وجدها هي وقومها ،يعبدون الشمس من دون ال ،ويعلّل ذلك بقوله أن الشيطان
زيّن لهم أعمالهم ،بمعنى أن الشيطان فتنهم وأوهمهم ،وزيّن لهم الباطل على أنه الحق ،وعمّى سمعهم
وأبصارهم ،فعطّل عقولهم عن تمييز الحقيقة من الوهم ،فحرمهم القدرة على الحكم على معتقداهم ،أهي خطا
أم صواب ،فعبدوا الشمس على أنها ربهم ،وبذلك صدّهم عن السبيل ،أي منعهم من الوصول إلى الحقيقة ،
وهي أن ال هو ربهم ،فما دامت أبصارهم قد عميت ،ويعتقدون بصوابية عبادة الشمس ،فمن أين لهم الهداية ،
وهم على حالهم تلك .والرسالة التي وجّهها الهدهد لسليمان ،من خلل هذا القول ،هي أنهم بحاجة لمن يهديهم ،
ويُزيل الغشاوة عن أبصارهم .فتكفّل سليمان عليه السلم بهدايتهم ،وبإزالة هذه الغشاوة ،لعلهم يُبصرون ومن
ص حالتهم المرضية ،وأعطى سليمان مفاتيح ح الهدهد ،وشخّ َ ثم يهتدون ،بما أوتي من علم وحكمة ،بعد أن شرّ َ
الحل ،والن دعنا نتعلم منه عليه السلم ،هذا الدرس العملي في الدعوة إلى ال .
الدعوة إلى ال :
كان أول خطاب وجهه سليمان لملكة سبأ وقومها ،هو قوله ( َألّ َتعْلُوا عََليّ َوأْتُونِي ُمسْ ِلمِينَ ( ، ) 31خطابا
حازما واثقا قويا ومزلزل ،وكانت هذه هي الضربة الولى ،في جدار معتقداتهم الوثنية المتأصلة في نفوسهم ،
فقد كانت هي وقومها يعبدون الشمس ،ولم يكن لديهم علم بوجود إله آخر ،أولى بالعبادة من غيره ،ولكن هل
أطاعت ؟ بالطبع ل ،فتغيير معتقدات البشر عملية صعبة جدا ،وتحتاج إلى أكثر من ذلك ،وتحتاج إلى علم
وحكمة وصبر – وانظر في سيرة نبي الهدى عليه الصلة والسلم مع كفار قريش لتحويلهم من عبادة إلى
الصنام إلى عبادة ال -ولكن هل تأثرت بذلك العرض القوي ؟ بالطبع نعم ،فردت بالهدية – وكان بإمكانها
عدم الرد – وذلك لتتأكد من جديّة سليمان عليه السلم ،ولتَعرِف مع من تتعامل ،فهي ذكية وحكيمة أيضا ،
وتعي موقعها وعظم المسؤولية الملقاة على عاتقها ،بعكس ملها ذوي القوة والبأس الشديد ،ودللة ذلك ( قَالَتْ
جعَلُوا أَعِزّةَ أَ ْهِلهَا أَذِّلةً َوكَذَلِكَ َي ْفعَلُونَ (َ )34وإِنّي ُم ْرسِ َلةٌ إِلَ ْيهِمْ ِبهَدِ ّيةٍإِنّ ا ْلمُلُوكَ إِذَا َدخَلُوا قَرْ َيةً أَ ْفسَدُوهَا َو َ
فَنَاظِرَةٌ ِبمَ يَ ْرجِعُ ا ْلمُ ْرسَلُونَ ( )35فأعاد الهدية ،ووجه لها تهديدا صارما وحازما وأخيرا ( ،ا ْرجِعْ إِلَ ْي ِهمْ
غرُونَ ( ، )37فاستوعبت الرسالة ،وهي أن ما فَلَنَأْتِيَ ّن ُهمْ ِبجُنُودٍ لَ قِ َبلَ َل ُهمْ ِبهَا وَلَ ُنخْ ِرجَ ّن ُهمْ مِ ْنهَا أَذِّلةً وَ ُهمْ صَا ِ
لدى سليمان ،خير مما لديها ،وأن هذا التهديد ،ل يصدر إل عمّن يعلم حجم قوتها ،ولديه من القوة أضعاف ما
تملك ،وأن ما يريده لجلها شيئا آخر .
72
التيان بالعرش وتنكيره :
لذلك حملت قومها وأتته على جناح من السرعة ،وفي طريقها إليه ،كان عليه السلم يُعدّ لها الضربة الثانية ،
ن لَ َيهْتَدُونَ ( ، )41لختبار مدى
ن مِنْ الّذِي َ
فطلب عرشها وأمر بتنكيره ،وعلّة ذلك كانت ( نَنظُرْ أَ َتهْتَدِي أَمْ َتكُو ُ
استعدادها للهداية للدين الجديد ،وليس المقصود هو اهتدائها إلى العرش .كان همّه عليه السلم هدايتها وقومها ،
وليس الزواج منها ،كما صوّرته بعض الروايات في كتب التفسير .
وكان جلب العرش بحدّ ذاته ،كفيل بتحطيم ذلك الجدار الذي تمترست خلفه .وقد تحطّم بداخلها فعل عندما رأته
وعرفته ،لكنها أضمرت ذلك وتمالكت نفسها .ولما سُئلت عنه ،لم تُثبِت ولم تَنفِ ،وكان بمقدورها أن تعترف
بأنّه عرشها ،وأن تُسلم على الفور ولكنها أجّلت ذلك .والسبب هو ذلك الجدار نفسه ( وَصَدّهَا مَا كَانَتْ َتعْبُدُ مِنْ
دُونِ الِّ ) ،أي الغشاوة التي أعمت بصرها وبصيرتها ،وخوفها من قومها أيضا ،فقالت ( كَأَ ّنهُ ُهوَ ) ،وحتى
لو أُجريَ على متاعك ،الكثير من التعديلت ،فستبقى أشياء كثيرة تدلك عليه ،فكانت إجابتها حكيمة وغاية في
التعقل ،فلم تثبت وتسلم أسلحتها الواهية من الوهلة الولى ،محافظة منها على كبريائها كملكة ،ولم تنف ،لنها
تعلم وقومها ويعلم سليمان وقومه علم اليقين ،أنه هو بعينه ،فتدل على كبرياء أجوف وعن بلهة وغباء ،
فإجابتها الموسومة بالشكّ كانت هي السلم .
كانت تعلم بحكمتها أن هناك شيئا آخر ينتظرها ،سيأتي أوانه بعد حين ،فكشفت بهذه الجابة لسليمان عن
استعدادها للهداية ،فيما لو عرض عليها برهانا دامغا وقاطعا .ولكن ما الذي فعله سليمان حقيقة في هذا
الموقف ؟ كان إحضار عرشها ،لظهار مدى عظم ملكه الموهوب له من قبل ربه ،وكان تنكير العرش ليقاظ
حاسة البصر فيها ودقة الملحظة ،وتحفيزا لعقلها وقلبها ،ولما اهتدت إلى إنه عرشها ،أخذتها العزة بالثم شيئا
قليل ،فكابرت حتى حين .
دخول الصرح :
فكانت الضربة الثالثة والخيرة ،أي القاضية التي سوّت ذلك الجدار بالرض ،ولم تترك له أثرا ( ،قِيلَ َلهَا
ا ْدخُلِي الصّرْحَ ) ،فما الذي كان في الصرح ؟ كانت أرضية الصرح من زجاج مصقول ،ومن تحت الزجاج ماء
عنْجةً َو َكشَفَتْ َ
حسِبَ ْتهُ ُل ّ
،وعندما شاهدت الماء ،رفعت ثوبها خوفا من البلل ،وهمّت بالمشي فيه ( ،فَ َلمّا َرأَ ْتهُ َ
سَاقَ ْيهَا ) فتبسم سليمان وكأنه خاطبها ضاحكا :لقد كنت واهمة ،فلن يصل الماء إلى ثوبك فأنزليه وتقدمي ،فهذا
( صَرْحٌ ُممَرّدٌ مِنْ َقوَارِيرَ ) فأنزلته ودخلت ،ولما لمست قدميها الزجاج تبين لها بطلن ما اعتقدت .وهنا
مربط الفرس ،فما كان منها إل أن خجلت ،من وهمها وانعدام بصيرتها ،وذهاب عقلها وحكمتها وضللها في
تلك اللحظة ،إذ لم تستطع تمييز الزجاج من الماء ،فاستوعبت على الفور ،مضمون الرسالة التي وجهها لها
سليمان .
العبرة :
فقد يظنّ النسان بجهله أنه على حقّ ،بينما يكون في الحقيقة على باطل ،وهذا هو حالها وقومها بعبادة الشمس
من دون ال ،وأنه دعاها إلى الحق عن علم ،فتمسّكت بالباطل عن جهل ،فتبينت بالتجربة والبرهان بطلن
معتقدها ،وأن الحقّ مع سليمان ،فاستجابت على الفور لدعوة سليمان الولى ،قائلة ( رَبّ إِنّي ظَ َلمْتُ َن ْفسِي )
باتباع الباطل عن غير علم َ ( ،وَأسْ َلمْتُ مَعَ سُلَ ْيمَانَ لِّ رَبّ ا ْلعَا َلمِينَ ( 44النمل ) ،فما كان من قومها إل أن
تبعوها ،وعادت إلى مملكتها لهداية قومها ،وأُرجّح أن سليمان لم يتزوجها ،وال أعلم ،ودانت بعد ذلك مملكتها
لسليمان دينيا ،وليس عسكريا ،وبقيت العلقات والمصالح التجارية وغيرها قائمة بين الدولتين ،مرورا بجزيرة
العرب ،لفترة طويلة ،حسبما تثبته سورة سبأ ( ، ) 20 – 15وفيما بعد كفر قوم سبأ إل قليل منهم ،ومع تقادم
الزمن انقطعت تلك العلقة .
73
بنو إسرائيل في عصر سليمان :
أما بني إسرائيل في عصر سليمان ،فلم يختلفوا كثيرا عما كانوا عليه ،في عصر موسى وداود ،حيث كانوا
على الدوام فاسدين كأفراد ،إل من رحم ال ،وما اختلف عليهم في عصر سليمان ،أن سليمان ساسهم بالقوة
حشِرَ ِلسُلَ ْيمَانَ جُنُودُهُ مِنْ ا ْلجِنّ
والسلطان ،وكان يأخذهم إلى القتال ،وهم بطبيعتهم له كارهون ،قال تعالى ( َو ُ
وَالِْنْسِ وَالطّيْرِ َفهُمْ يُو َزعُونَ ( 17النمل ) ،وحشر أي جُمع ،ويوزعون أي يساقون بانضباط ،ول يتقدم
آخرهم على أولهم .
هل تحقّق العلو الول لبني إسرائيل في فلسطين ؟
وأما سبق دخولهم للرض المقدسة ،فقد قال فيه سبحانه ،على لسان موسى عليه السلم َ ( ،ي َقوْ ِم ا ْدخُلُوا الَْرْ َ
ض
سةَ الّتِي كَتَبَ الُّ َلكُمْ ( 21المائدة ) أي كُتب لبني إسرائيل دخولها ،وقال سبحانه ( َوَأوْرَثْنَا ا ْلقَ ْومَ الّذِينَ
ا ْل ُمقَدّ َ
ض َعفُونَ َمشَارِقَ الَْرْضِ َومَغَارِ َبهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا ( 137العراف ) أي ملكوها وسكنوها ،وذلك بعد
كَانُوا ُيسْتَ ْ
انقضاء سنوات التحريم والتيه الربعين .والرض المبارك فيها هي فلسطين ،ومشارقها ومغاربها أي كلها ،
من النهر إلى البحر ،وهذه هي حدود الرض المقدّسة والمباركة ،وحدود مملكة اليهود القديمة .لنخلص إلى أن
الرض المقدّسة والمباركة هي فلسطين فقط ،وليس بلد الشام عامة .إذ أن موسى عليه السلم ،كان يتواجد
وقومه شرقي نهر الردن ،ولو كان شرق النهر أرضا مقدّسة ،لما قال ادخلوا الرض المقدسة وهو بداخلها
أصل .وشرق النهر لم يورّث لبني إسرائيل ،وإنما أقاموا فيه فترة الغضب اللهي عليهم ،ومن ثم تركوها
وارتحلوا إلى فلسطين .
وصلنا إلى مرحلة تحقق العلو ،بوحي من ال وقيادة أنبياؤه وملوكه ،وكان هذا هو العلو الول لبني إسرائيل ،
وأما الفساد فلم يكن قد وقع منهم بعد ،كون الملك اقترن بالنبوة ،وما كان للنبياء عليهم السلم أن يفسدوا في
الرض ،ونجد أن النبي التالي لسليمان في الذكر ،من أنبياء بني إسرائيل في القرآن ،هو زكريا ومن بعده
يحيى ،وكان آخرهم عيسى عليهم السلم جميعا .وقد بعث الثلثة بالتتابع وعاصر بعضهم بعضا ،وكان ذلك
بعد فترة طويلة من وفاة سليمان ،وبعد عيسى لم يُبعث فيهم أنبياء ،ويقدّر المؤرخون بأن المدة ما بين سليمان
وعيسى ،بأكثر من 900سنة .
وما كان بعث عيسى عليه السلم بالنجيل ،إل لتجديد الشريعة التي جاء بها موسى ،بعد أن أضاع بنو إسرائيل
ح ْك َمةِ َولُِبَيّنَ َل ُكمْ َبعْضَ الّذِي
التوراة واختلفوا في أمرها .قال تعالى ( وَ َلمّا جَاءَ عِيسَى بِالْبَيّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْ ُت ُكمْ بِا ْل ِ
َتخْتَ ِلفُونَ فِيهِ فَا ّتقُوا الَّ َوَأطِيعُونِ ( 63الزخرف ) .ويُثبت التاريخ أن بعث عيسى عليه السلم ،كان في زمن
الحكم الروماني للمنطقة ،مما يعني أن هذا العلو الذي تحصّل عليه بنو إسرائيل قد زال واندثر .مما يترتب عليه
أن الفساد قد وقع ،وأن البعث قد تحقق ،في الفترة الممتدة ما بين سليمان وعيسى عليهما السلم ،في زمن
أقرب إلى حكم سليمان منه إلى بعث عيسى .
المملكة اليهودية بعد سليمان :
وليس من المعقول أن نجزم بأن مملكة سليمان انهارت بموته .وبما أن نظام الحكم ،كان ملكيا وراثيا كما أقرّه
القرآن ،فل بد أن يكون الملك ،قد انتقل إلى أحد أبناء سليمان ،الذين لم يكونوا أنبياء في واقع الحال ،فالنبوة
آنذاك خرجت من الملك ،وأصبحت في عامة الشعب ،وهنا تحرّر العصاة والمعتدين من اليهود ،من عبدة المال
والسلطة تجارا ومرابين ،من حكم وملك النبياء ،حيث كان الوحي يقف سدّا منيعا ،أمام طموحاتهم
وأحلمهم ،في نهب ثروات البلد والعباد ،فهم أبناء الذين قال فيهم تعالى ( قَالَ الّذِينَ ُيرِيدُونَ ا ْلحَيَاةَ الدّنْيَا يَلَيْتَ
عظِيمٍ ( 79القصص ) . حظّ َ
ن إِ ّنهُ لَذُو َ
لَنَا مِ ْث َل مَا أُوتِيَ قَارُو ُ
وعلى مر السنين تغيّرت الحوال ،وتغلغل المرابين والتجار في أوساط الحكم ،وتبادلوا المصالح والمنافع ،
وأصبحوا من علية القوم ،ليفرضوا على الملوك ،ما شاءوا من سياسات تخدم مصالحهم .ولو راجعت التوراة
المؤرخ الوحيد لتلك الفترة ،لوجدت أن عدد الملوك الذين تعاقبوا على الحكم ،على مدى 300سنة تقريبا ،هو
22ملكا ،وهو عدد كبير نسبيا ،بمعدل 14سنة حكم لكل ملك .وذلك لكثرة الغتيالت ،التي كان يدبّرها
74
ويوقعها فيهم علية القوم ،ومن والهم من الكهنة والحبار ،سواء من صلح أو فسد ،من هؤلء الملوك .
والملحظ أيضا أن معظم ملوكهم ،كانوا صغارا في السن ،وربما كان ذلك هو الغاية من قتل آبائهم ،فوجود
ملك صغير السن ،يسهل عليهم السيطرة على شؤون الحكم ،ليكونوا هم خبرائه ومستشاريه ،وهذه هي
سياستهم في العصر الحالي ،في شتى بقاع الرض .وعلى الجانب الخر كان هناك النبياء ،الذين لم ينقطع
بعثهم في بني إسرائيل ،ليعيدوا أولئك العصاة إلى حظيرة اليمان ،بدعوتهم إلى العودة إلى شرع ال ،
وتذكيرهم وتحذيرهم بما قضاه ال عليهم إن أفسدوا في الرض .
تخبرنا كثير من اليات القرآنية عن إفساد بني إسرائيل ،حيث الشرك بال ،وتكذيب فريق من النبياء ،وقتل
فريق آخر ،وقتل أولياء ال من الناس ،وسفك دماء فريقا من قومهم وإخراجهم من ديارهم ،وتحريف الكهنة
والحبار ،لكتاب ال ليوافق أهواء علية القوم ،والعتداء على حدود ال ،وعصيان أوامره ،وأكلهم الربا
وأموال الناس بالباطل … إلى آخره .ومجمل هذه اليات تخاطب بني إسرائيل كأمة .فأين ومتى وقع منهم هذا
الفساد الممي … ؟!
وهل تحقّق الفساد الول ؟
قال تعالى ( أَ َفكُّلمَا جَا َء ُكمْ َرسُولٌ ِبمَا لَ َت ْهوَى أَن ُفسُ ُكمْ اسْتَكْبَرْ ُتمْ َففَرِيقًا كَذّبْتُمْ وَ َفرِيقًا َتقْتُلُونَ ( 87البقرة ) ،
والخطاب هنا موجه لمن يملك سلطة القتل ،وهم سادة الحكم وعلية القوم ،فتارة كانوا يكذّبون النبياء وأولياء
ال ،الذين بُعثوا من قبله سبحانه للصلح ،وتارة يقتلونهم ،بدفع من الكهنة والحبار والتجار ، ،لتعارض ذلك
سطِمع رغباتهم وأهوائهم ( ،إِنّ الّذِينَ َيكْفُرُونَ بِآيَاتِ الِّ وَ َيقْتُلُونَ النّبِيّينَ ِبغَيْرِ حَقّ وَ َيقْتُلُونَ الّذِينَ يَ ْأ ُمرُونَ بِا ْل ِق ْ
مِنْ النّاسِ فَ َبشّ ْر ُهمْ ِبعَذَابٍ أَلِيمٍ ( 21آل عمران ) ،فل أشدّ وأعظم إفسادا في الرض عند ال ،من قتل الناس
وسفك دمائهم بغير حق ،فما بالك إذا كان القتل في أنبياء ال وأولياءه الصالحين ،فهذا قمّة في الجرام
والسراف والعصيان والتمرد والعدوان ،ول أظنّ أن هناك إفساد في الرض ،يُقارن بهذا الفساد ،فلم يسبق
لقوم من القوام السابقين واللحقين ،أن قتلوا أنبياءهم سوى بني إسرائيل ،وما إفسادهم الحالي في دولتهم
الحالية ،إل صورة طبق الصل عن الفساد الول في دولتهم الولى ،ولو بُعث فيهم أنبياء في هذا العصر
لقتلوهم بل شك ،فقد قتلوا رئيس وزرائهم ( رابين ) ،بدفع وتحريض من الحاخامات ،كونه لبس ثوب الصلح
فقط ،بإظهاره شيئا من اللين مع الفلسطينين ،ل لنه مُصلح .
شهَدُونَ ( سفِكُونَ ِدمَا َءكُمْ َولَ ُتخْ ِرجُونَ أَن ُفسَ ُكمْ مِنْ دِيَا ِر ُكمْ ُثمّ أَقْ َررْ ُتمْ َوأَنْتُمْ َت ْ قال تعالى ( َوإِذْ َأخَذْنَا مِيثَا َقكُمْ لَ َت ْ
ن َوإِنْ يَأْتُوكُمْ
ظهَرُونَ عَلَ ْي ِهمْ بِالِْ ْثمِ وَا ْلعُ ْدوَا ِ ن أَن ُفسَ ُكمْ وَ ُتخْ ِرجُونَ فَرِيقًا مِ ْنكُ ْم مِنْ دِيَارِ ِهمْ َت َُ )84ث ّم أَنْ ُتمْ َه ُؤلَء َتقْتُلُو َ
جهُمْ أَفَ ُت ْؤمِنُونَ بِ َبعْضِ ا ْلكِتَابِ وَ َت ْكفُرُونَ بِ َبعْضٍ ( 85البقرة ) .توحي ُأسَارَى ُتفَادُو ُهمْ وَ ُهوَ ُمحَ ّرمٌ عَلَ ْي ُكمْ ِإخْرَا ُ
هاتين اليتين ،أن سادة الحكم كانوا يستضعفون طائفة من قومهم ،ظلما وعلوا بغير وجه حق – وهذا نفس فعل
فرعون -فأوقعوا فيهم القتل ،والنهب والسلب ،وأخرجوهم من ديارهم واستولوا عليها .فاضطروا إلى اللجوء
إلى أرض أعدائهم ،وعلى ما يبدو أنهم كانوا يُجبرون على خوض المعارك ،إلى جانب أعداء مملكة بني
إسرائيل ،وعند وقوع المعركة ،كان هؤلء المستضعفين يُحجمون عن قتال بني جلدتهم ،ويقومون بتسليم
أنفسهم ،ظنّا منهم بأن أبناء جلدتهم ،سيتركونهم ليعودوا إلى أهليهم بعد انتهاء المعركة ،فما كان من أولئك
الظلمة ،إل أن عاملوهم كأسرى العدو ،فحبسوهم وطالبوا ذويهم بالفدية .
وأما مظاهر الفساد الخرى فمنها :
جلِ ذَِلكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي ِإسْرَائِيلَ ،أَ ّنهُ مَنْ قَ َتلَ َن ْفسًا ِبغَيْرِ َنفْسٍ (( َأوْ َفسَادٍ فِي الَْرْضِ )) ، قال تعالى ( مِنْ َأ ْ
جمِيعًا ،وَ َلقَدْ جَاءَ ْت ُهمْ ُرسُلُنَا بِالْبَيّنَاتِ ُ ،ثمّ إِنّ كَثِيرًا مِ ْنهُمْ
س َ
جمِيعًا َومَنْ َأحْيَاهَا َفكَأَ ّنمَا َأحْيَا النّا َ س َ َفكَأَ ّنمَا قَ َتلَ النّا َ
جزَاءُ الّذِينَ ُيحَارِبُونَ الَّ َو َرسُو َلهُ (( ،وَ َيسْ َعوْنَ فِي الَْرْضِ َفسَادًا سرِفُونَ ( )32إِ ّنمَا َ َبعْدَ ذَِلكَ فِي الَْرْضِ َل ُم ْ
)) ،أَنْ ُيقَتّلُوا َأوْ يُصَلّبُوا َأوْ ُت َقطّعَ أَيْدِيهِمْ َوأَ ْرجُُل ُهمْ مِنْ خِلَفٍ َ ،أوْ يُن َفوْا مِنْ الَْرْضِ ذَلِكَ َل ُهمْ خِ ْزيٌ فِي الدّنيَا ،
عظِيمٌ ( 33المائدة ) لخِرَةِ عَذَابٌ َ وَ َل ُهمْ فِي ا ْ
وقال أيضا في نفس السورة ( وَقَالَتِ الْ َيهُودُ يَدُ الِّ َمغْلُو َلةٌ … (( وَ َيسْ َعوْنَ فِي الَْرْضِ َفسَادًا )) ،وَالُّ لَ ُيحِبّ
ا ْل ُمفْسِدِينَ ( 64المائدة )
وانظر ما كتبه ال عليهم ،في الية الولى ،وما عقب به في الية الثانية ،حيث أعطى أربع خيارات ،لمجازاة
من يحاربون ال ورسوله ،ويسعون في الرض فسادا .والذين لهم دأب على محاربة ال ورسوله بأقوالهم
وأفعالهم ،والذين يسعون في الرض فسادا ،هم اليهود ل غيرهم ،وهذا ما تُقرّره الية الثالثة .وهذا هو الحكم
المُسبق الذي أصدره أحكم الحاكمين ،وأوكل أصحاب البعث الول ،لتنفيذ خياراته الربعة مجتمعة فيهم ،بإذن
ال .
وقال تعالى ( َوأَنْ َزلَ الّذِينَ ظَاهَرُو ُهمْ ِمنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِنْ صَيَاصِي ِهمْ َوقَذَفَ فِي قُلُو ِب ِهمُ الرّعْبَ فَرِيقًا َتقْتُلُو َ
ن
وَتَ ْأسِرُونَ َفرِيقًا ( 26الحزاب ) ،وهذا ما حُكم به على يهود بني قريظة بعد هزيمة الحزاب ،بقتل الرجال
وسبي النساء والطفال .
76
وبما أن الفساد المقترن بالعلو قد تحصّل ،ومن ثم زال ،فل بد أن يكون أولئك العباد قد بُعثوا عليهم ،فجاسوا
خلل ديارهم وخربوها ،وأوقعوا في حكامهم ورؤسائهم وكهنتهم وأحبارهم القتل والتنكيل ،وهدموا المسجد
( الهيكل ) ونهبوا محتوياته من كنوز وأموال ،وسبوا نسائهم وأطفالهم ،وأصبحت بيت المقدس أطلل تعوي
فيها الثعالب ،فحل بهم الخزي والذلّ والعار ،بعد أن رفعه ال عنهم بمنّه وكرمه ،فخانوا ميثاق ربهم ونقضوا
عهده ،استكبارا وعلوا في الرض بغير الحق .حيث كان ذلك حكم ال الذي أنجزه في أسلفهم ،على أيدي
أولئك العباد ،فيما يُسمى بالسبي البابلي الموصوف بالتوراة بإسهاب ،والذي يؤكد نفاذ هذا الحكم فيهم ،كما جاء
في الية الكريمة أعله .لذلك عقّب سبحانه بعد ذكر الوعد الول ،بقوله ( َوكَانَ َوعْدًا َم ْفعُولً ( 5السراء ) .
بعض الحكام التي صدرت في حقهم فيما سبق نزول القرآن :
علَ ْي ِهمْ إِلَى َي ْومِ ا ْلقِيَا َمةِ مَنْ َيسُو ُم ُهمْ سُوءَ ا ْلعَذَابِ إِنّ رَبّكَ َلسَرِيعُ الْ ِعقَابِ َوإِ ّنهُقال تعالى ( َوإِذْ تَأَذّنَ رَبّكَ لَيَ ْبعَثَنّ َ
حسَنَاتِ وَالسّيّئَاتِ طعْنَا ُهمْ فِي الَْرْضِ ُأ َممًا مِ ْن ُهمْ الصّا ِلحُونَ َومِ ْنهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَ َلوْنَا ُهمْ بِا ْل َ َل َغفُورٌ َرحِيمٌ ( )167وَ َق ّ
جعُونَ (َ )168فخَلَفَ مِنْ َبعْدِ ِهمْ خَلْفٌ َورِثُوا ا ْلكِتَابَ يَ ْأخُذُونَ عَ َرضَ هَذَا الَْدْنَى وَ َيقُولُونَ سَ ُي ْغفَرُ لَنَا َوإِنْ َلعَّل ُهمْ يَ ْر ِ
يَأْ ِت ِهمْ عَرَضٌ مِثُْلهُ يَ ْأخُذُوهُ أَ َلمْ ُي ْؤخَذْ عَلَ ْي ِهمْ مِيثَاقُ ا ْلكِتَابِ أَنْ لَ َيقُولُوا عَلَى الِّ ِإلّ ا ْلحَقّ وَدَ َرسُوا مَا فِيهِ وَالدّارُ
ن أَفَلَ َت ْعقِلُونَ ( 169العراف ) . لخِرَ ُة خَيْرٌ لِلّذِينَ يَ ّتقُو َ اْ
غلّتْ أَيْدِي ِهمْ وَُلعِنُوا ِبمَا قَالُوا َبلْ يَدَاهُ مَبسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ َيشَا ُء وقال أيضا ( وَقَالَتْ الْ َيهُودُ يَدُ الِّ َمغْلُو َلةٌ ُ
طغْيَانًا َو ُكفْرًا َوأَلْقَيْنَا بَيْ َن ُهمْ الْعَدَاوَةَ وَالْ َبغْضَاءَ إِلَى َي ْومِ ا ْلقِيَا َمةِ كُّلمَا
وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرًا مِ ْن ُهمْ مَا أُن ِزلَ إِلَيْكَ ِمنْ رَبّكَ ُ
لّ لَ ُيحِبّ ا ْل ُمفْسِدِينَ ( 64المائدة ) . سعَوْنَ فِي الَْرْضِ َفسَادًا وَا ُ لّ وَ َي ْ
ب َأطْفَأَهَا ا ُ
َأوْقَدُوا نَارًا ِل ْلحَرْ ِ
وهذه الحكام هي :
.1استضعافهم واضطهادهم وتعذيبهم من قبل الخرين ،أينما حلوا وأينما ارتحلوا إلى يوم القيامة .وهذا حكم
عامّ ،وأما عقابهم عند مجيء الوعدين ،فهو حكم خاص مستثنى من هذا الحكم .
.2نفيهم من فلسطين وشتاتهم في كافة أرجاء الرض .مما يؤكد زوال مملكتهم الولى ،ويهيئ لقيام الدولة
الثانية مستقبل .
.3إلقاء العداوة والبغضاء فيما بينهم إلى يوم القيامة .وإطفاء الحروب التي يُشعلوها ،وإفشال مخططاتهم
الساعية إلى الفساد .
وهل دخلوا الرض المقدّسة ؟
لو عدنا إلى زمن موسى عليه السلم ،بعد أن وصل وقومه إلى مشارف الرض والمقدسة ،حيث قال لقومه (
سةَ الّتِي كَتَبَ الُّ َلكُمْ َولَ َترْتَدّوا عَلَى أَدْبَا ِر ُكمْ فَتَ ْنقَلِبُوا خَاسِرِينَ ( 21المائدة ) ،
َي َقوْمِ ا ْدخُلُوا الَْرْضَ ا ْل ُمقَ ّد َ
والرض المقدسة هي فلسطين ،ولم تقدّس في القرآن أرض غيرها .وقد وردت هذه العبارة في القرآن مرة
واحدة فقط ،وكان بنو إسرائيل آنذاك أمة واحدة ،فامتنعوا عن الدخول إليها ،فحُرموا من دخولها أربعين سنة ،
ولم يكن التيه بضياعهم وتشرذمهم في الرض ،كما قد يتوهم البعض ،وإنما بحرمانهم من الهداية والقيادة برفع
النبوة والوحي ،وهذا يؤكد أن موسى عليه السلم ،انتقل إلى جوار ربه قبل أو بداية سنوات التحريم ،ولذلك
تجلّت الحكمة اللهية ،باختيار النقباء الثني عشر وأخذ الميثاق منهم مسبقا ،لعلمه المسبق بما سيكون منهم .
وتُرك أمر بني إسرائيل لولئك النقباء ،كلٌ حسب السبط الذي ينتمي إليه ،لقيادتهم والفصل بينهم في الحوال
المدنية والشرعية .
وفي نهاية الربعين سنة ،وصل ال ما كان قد قطعه ،فبعث فيهم نبيا ( ،أَ َلمْ َترَ إِلَى ا ْلمَلَِ مِنْ بَنِي ِإسْرَائِيلَ مِ ْ
ن
َبعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَ ِبيّ َل ُهمُ ا ْبعَثْ لَنَا مَ ِلكًا ُنقَا ِتلْ فِي سَبِيلِ الِّ ( 246البقرة ) ،وكلمة ( المل ) تعني علية القوم ،
وطلب القتال كان لدخول الرض المقدسة ،التي كان قد كُتب لهم دخولها ،على لسان موسى في الية السابقة ،
وعندما أذن ال لهم بدخولها ،بعد قتال جالوت وجنوده والنتصار عليهم ،بقتل داود عليه السلم لجالوت ،
دخلوها مجتمعين كأمة أيضا ،فأقام لهم داود وسليمان عليهما ،دولتهم الولى وعلوهم الول .
77
حصر الفترة الزمنية للفساد المُذكور في القرآن :
سلِ )) ،وَءَاتَيْنَا عِيسَى والن لننتقل إلى الكريمة التي تقول ( وَ َلقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ (( ،وَ َقفّيْنَا مِنْ َبعْدِهِ بِال ّر ُ
ابْنَ مَرْ َيمَ الْبَيّنَاتِ َ ،وأَيّدْنَاهُ بِرُوحِ ا ْلقُدُسِ .أَ َفكُّلمَا جَا َءكُمْ َرسُولٌ ِ ،بمَا لَ َت ْهوَى أَ ْن ُفسُ ُكمُ ،اسْ َتكْبَرْ ُتمْ َ ،ففَرِيقًا
كَذّبْتُمْ َوفَرِيقًا َتقْتُلُونَ ( 87البقرة ) ،قلنا أن قمة الفساد هي قتل النفس بغير حق ،وأعظمها قتل الرسل والنبياء
،ولحظ قوله سبحانه ( تقتلون ) حيث تفيد صيغة المضارع ،الستمرارية والكثرة في القتل ،وقد ذُكر قتلهم
للرسل والنبياء ( ) 7مرات ،في مواضع متفرقة من القرآن ،وقد حُصر وقوع هذا القتل منهم في هذه الية ،
بين موسى وعيسى عليهما السلم ،وإذا علمنا أن بني إسرائيل ،كانوا بحاجة إلى النبياء ( حبل ال ) لدخول
الرض المقدسة ،لقامة دولتهم فيها ،ولم يكن فيهم أنبياء في سنوات التحريم ،غير ذلك النبي الذي بُعث عند
انقضائها ،والذي توجهوا إليه لطلب المساعدة والنصرة من ال ،لتبين لنا أن قتل النبياء ،قد تحصّل منهم ،قبل
بعث عيسى عليه السلم ،وهو آخر أنبيائهم ،وبعد وفاة سليمان عليه السلم ،آخر النبياء الملوك ،حيث لم تعد
بهم حاجة للنبياء ،ليذكّروهم بشرع ال واللتزام به ،بعد أن أمسى لهم الملك والعلو في الرض ،فأهواء
ورغبات وأطماع ،الذين ( أشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم ) ،والذين ( قست قلوبهم فهي كالحجارة أو شد
قسوة ) ،ل تتفق وشرع ال .
نهاية المملكة وخروجهم من فلسطين :
طعْنَا ُهمْ فِي الَْ ْرضِ ُأ َممًا ) ،أي فرقّناهم ،نجد أنه سبحانه أثبت خروجهم ونفيهم ولو نظرنا في قوله تعالى ( وَ َق ّ
من الرض المقدسة ،وشتاتهم في الرض على عمومها ،على القل قبل بعث محمد عليه الصلة والسلم
بالقرآن ،فهل يُعقل أن أمة بأسرها ،تقوم بالتخلي عن مُلكها وترك أرضها من تلقاء نفسها ورغبة عنها ؟!!! أم
أن هناك أمر عظيم نزل بها ،فتركت أرضها قسرا وقهرا ،بعد أن أُزيل ملكها وأفل نجمها ؟!!! وقد ورد ذكر
للَ الدّيَارِ – َوكَانَ وَعْدًا َمفْعُولً ( 5السراء ) . هذا الحدث في القرآن بصيغة الماضي ،بقوله تعالى ( َفجَاسُوا خِ َ
لخِرَةِ جِئْنَا ِب ُكمْ َلفِيفًا (
وبما أن تلك العبارة أثبتت شتاتهم بعد أن كانوا أمة واحدة ،والعبارة ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ ا ْ
104السراء ) ،تشترط مجيئهم من الشتات والتجمّع في فلسطين ،ولم يرد نص في القرآن ،يُثبت مجيئهم
وتجمّعهم من الشتات قبل السلم ،لقامة علوهم الثاني .نستطيع الجزم بأن وعد الولى ،بقيام المملكة الولى
وزوالها ،قد تحقق ،وأن المرة الثانية قد تحقّقت بمجيئهم وتجمّعهم من الشتات ،لقامة دولتهم الحالية .
إثبات تواجد اليهود في بابل :
قال تعالى ( وَ َلمّا جَاءَ ُهمْ َرسُولٌ ِمنْ عِنْ ِد الِّ ،مُصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ )1( ،نَبَذَ فَرِيقٌ مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ،كِتَابَ ا ِ
لّ
علَى مُلْكِ سُلَ ْيمَانَ ( َومَا َكفَرَ سُلَ ْيمَانُ ظهُورِ ِهمْ ،كَأَ ّن ُهمْ لَ َيعْ َلمُونَ ()2( )101وَاتّبَعُوا مَا تَ ْتلُو الشّيَاطِينُ َ وَرَاءَ ُ
()3
سحْرَ َ ،ومَا أُنْ ِزلَ عَلَى ا ْلمَ َلكَيْنِ ( بِبَا ِبلَ ) هَارُوتَ َومَارُوتَ ( َومَا وَ َلكِنّ الشّيَاطِينَ َكفَرُوا ) ُيعَّلمُونَ النّاسَ ال ّ
جهِ ،ُيعَّلمَانِ مِنْ َأحَدٍ ،حَتّى َيقُولَ إِ ّنمَا َنحْنُ فِتْ َنةٌ ،فَلَ َت ْكفُرْ ،فَيَ َتعَّلمُونَ مِ ْن ُهمَا ،مَا ُيفَرّقُونَ ِبهِ بَيْنَ ا ْلمَرْءِ َو َز ْو ِ
عِلمُوا َلمَنِ اشْتَرَاهُ ،مَا َومَا ُهمْ بِضَارّينَ ِبهِ مِنْ َأحَدٍ ِإلّ بِإِذْنِ الِّ ) ()4وَيَ َتعَّلمُونَ مَا يَ ُ
ضرّ ُهمْ َ ،ولَ يَ ْن َف ُعهُمْ ،وَ َلقَدْ َ
ش َروْا ِب ِه أَ ْن ُفسَ ُهمْ َ ،ل ْو كَانُوا َيعْ َلمُونَ ( 102البقرة ) س مَا َن خَلَقٍ ،وَلَبِئْ َ لخِرَ ِة ِم ْ
َلهُ فِي ا ْ
موضوع الحديث ما قبل هاتين اليتين ،وما بعدهما ،هم اليهود إجمال .بينما تتعرض اليتان أعله ،لموقف
فئة من اليهود المعاصرين لرسالة السلم ،من بعث نبينا محمد عليه الصلة والسلم ،حيث قام هؤلء وما
زالوا يقومون بثلثة أفعال :
.1عند مجيء رسول ال عليه الصلة والسلم ،بصفة مطابقة لما كان بين يديهم من التوراة ،ومجيئه بما
يتفق مع ما جاء به أنبياؤهم ،أزاحوا التوراة من عقولهم وقلوبهم وأنكروا ما فيها ،وكتموا ما أخبرت عنه
وجاءت به عن الناس ،وأظهروا عدم معرفتهم وعلمهم بأمر هذا النبي ،وعوضا عن اتباعهم لهذا النبي
عليه الصلة والسلم ،كما تأمرهم التوراة :
.2قاموا باتباع ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان ،وحقيقة ما اتبعوه يُبيّنه سبحانه ،بالجملة المعترضة (
َومَا َكفَرَ سُلَ ْيمَانُ وَ َلكِنّ الشّيَاطِينَ كَفَرُوا ) أي الكفريّات التي ما زالت تتلوها الشياطين على ملك سليمان ،
78
ومجيء الفعل ( تتلوا ) بصيغة المضارع ،يُفيد بأنهم على اتّصال دائم بالشياطين ،وأن الشياطين ما
زالت تتحدّث إليهم ،بكفريّات تنسبها إلى سليمان عليه السلم ،يُبرأه سبحانه منها بقوله ( وما كفر سليمان
ولكن الشياطين كفروا ) ،وعوضا عن تعليم الناس تعاليم التوراة :
.3كانوا وما زالوا ،يُعلمون الناس السحر ،ويعلّمونهم أيضا نوعا آخرا من السحر ،كانوا قد تعلّموه أثناء
تواجدهم في بابل ،هو ما أُنزل على الملكين هاروت وماروت ،اللذان لم يُعلّما أحدا من الناس ،إل وقال
له ( ،إِ ّنمَا َنحْنُ فِتْ َنةٌ ،فَلَ َتكْفُرْ ) وحقيقة ما كان يتعلّمه الناس من الملكين في بابل ،يُبيّنه سبحانه بالجملة
جهِ َ ،ومَا ُهمْ بِضَارّينَ ِبهِ مِنْ َأحَدٍ ِإلّ ِبإِذْنِ
المعترضة ( فَيَ َتعَّلمُونَ مِ ْن ُهمَا ،مَا ُيفَرّقُونَ ِبهِ بَ ْينَ ا ْلمَ ْرءِ وَ َز ْو ِ
الِّ ) .
ضرّ ُهمْ َ ،ولَ يَ ْنفَ ُع ُهمْ … إلى آخر الية )
.4ويُعقّب سبحانه على ما قامت به تلك الفئة بقوله ( وَيَ َتعَّلمُونَ مَا يَ ُ
.وهذا ما يقومون به لغاية الن ،في محافلهم الماسونية ومدارسهم الدينية ،حيث يُمارسون ويُعلّمون
منتسبيهم وتلميذهم ،طقوس عبادة الشياطين ،وفنون السحر والشعوذة .
عقوبتهم في الجزيرة العربية كانت جلءً وليس عذابا :
وأما عند مجيء السلم ،كان جزء منهم متواجد في الجزيرة العربية ،وأخرجوا منها زمن عمر رضي ال عنه
حشْرِ ( 2الحشر ) ،والحشر معناه ،قال تعالى ( ُهوَ الّذِي َأخْرَجَ الذِينَ َكفَرُوا مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِنْ دِيَارِ ِهمْ َلِ ّولِ ا ْل َ
الجمع ،والجمع يختلف عن الجميع ،وقوله ( لول الحشر ) أي بداية الجمع ،والجمع يكون عادة بعد التشرّد
والشتات ،والمقصود هنا الجمع في الدنيا ،وليس الحشر بعد الموت والبعث ،حيث كانت وجهتهم عند الخروج
إلى بلد الشام ،وأما الجلء الذي حكم ال به عليهم ،في زمن الرسول عليه السلم وصحبه الكرام ،لم يكن
عذابا كالموصوف في سورة السراء ،ل في الوعد الول ،ول في الوعد الثاني ،فكيفية العقاب في المرتين
متطابقة ،كما أوضحنا سابقا ،وهذا ما يقرره سبحانه في الية التالية ( وَ َل ْولَ أَنْ كَتَبَ الُّ عَلَ ْي ِهمُ ا ْلجَلَءَ َ ،لعَذّ َب ُهمْ
لخِرَةِ عَذَابُ النّارِ ( 3الحشر ) ،وقوله تعالى ( لعذّبهم ) ،يفيد بأن الجلء لم يُعتبر عذابا فِي الدّنْيَا وَ َل ُهمْ فِي ا ْ
بمعنى الكلمة ،أما قتل وسبي يهود بني قريظة ،فهو استثناء حصل لخطورة ما قاموا به من خيانة ،في أحرج
لحظة ،في تاريخ المة السلمية .
وإن لم يكن ما تقدّم مقنعا بما فيه الكفاية ،فانظر إلى قوله تعالى ( وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َمسْجِدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَرّ ٍة
وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا ( 7السراء ) ،فأي مسجد الذي دخله المسلمون على اليهود آنذاك ،وما هو المسجد
المقصود أصل في هذه الية ؟! وما صفة العلو الذي كان لهم آنذاك ؟! ،وأما فسادهم وإفسادهم في الجزيرة
حرْبِ َأطْفَأَهَا الُّ وَ َيسْ َعوْنَ فِي الَْرْضِ وغيرها من الماكن ،فهو مشمول في الية الكريمة ( كُّلمَا َأوْقَدُوا نَارًا لِ ْل َ
َفسَادًا وَالُّ لَ ُيحِبّ ا ْلمُ ْفسِدِينَ ( 64المائدة ) ،ولحظ قوله تعالى ( ويسعون ) ،حيث تفيد الستمرارية
والمثابرة ،على الفساد في الرض على عمومها ،وهذا هو ديدنهم على مر العصور ،لذلك كانوا عرضة للقتل
والتنكيل ،أو النهب والسلب ،أو الطرد والنفي ،أينما حلوا وأينما ارتحلوا ،فطافوا معظم أرجاء من المعمورة
وتواجدوا في كل قاراتها ،منذ 3آلف سنة واستمر حالهم هذا على مر العصور ،وهذا ما لم يقع في أي شعب
من شعوب الرض ،وكان الستثناء الوحيد ،هو حصولهم على الدولة في القدس مرتين فقط .وبعد شتاتهم في
المرة الولى ،لم يكن لهم علو ،ولم يكن لهم جمع من الشتات ،الذي هو أحد شروط ومواصفات تحقق الوعد
الثاني ،إل ما نُشاهده الن على أرض الواقع ،من علوا ظاهر مقترن بالفساد والفساد ،في الرض المُقدّسة
فلسطين .
79
تاريخ اليهود في التوراة والتلمود
التوراة في ( لسان العرب ) :نجد أن هذه الكلمة ذات أصل عربي " ومصدرها َو ِريَ ،والوراء هو ولد الولد ،
والواري هو السمين من كل شيء ،و َو ِريَ المخ َيرِي إذا اكتنز ،وناقة وارية أي سمينة ،وو َريْتُ النار توريةً ،
إذا استخرجتها ،قال واستوريت فلنا رأيا ،أي سألته أن يستخرج لي رأيا ،ووريت الشيء وواريته أخفيته ،
واستوريت فلنا رأيا أي طلبت إليه أن ينظر في أمري ،فيستخرج رأيا أمضي عليه ،ووريت الخبر ،أُورِيه
توريةً ،إذا سترته وأظهرت غيره ،وكأنه مأخوذ من وراء النسان ،لنه إذا قال َو َريْته ،فكأنه يجعله وراءه
ستْر " .
حيث ل يظهر ،والتورية هي ال َ
ولو تدبرّنا كل المعاني السابقة ،لوجدنا أن هذ التسمية ( التوارة ،التورية حسب الرسم القرآني لها ) ،جاءت
لتصف بدقة وبشمولية ،حال الكتاب الموجود بين أيدي اليهود ،منذ وفاة زكريا عليه السلم ،ولغاية الن ،
ولتصف الكيفية التي يتعامل بها اليهود مع هذا الكتاب ،فكتابهم في الواقع مكتنز وسمين ،فهو يحوي بين دفتيه (
) 39سفرا ،وإحدى نسخه المترجمة ،فيها ما يزيد عن 1128صفحة ،بمعدل 380كلمة لكل صفحة ،أي ما
يفوق القرآن من حيث عدد الكلمات ،بِ ( )6مرات تقريبا ،جُمع فيه ما أُنزل على أنبياء بني إسرائيل المتعاقبين
تباعا ،من شرائع وأخبار ونبوءات غيبية ،وتاريخ وأساطير وخرافات ،وعلى فترات متباعدة ومتتالية ،ولمدة
ل تقل عن ألف وخمسمائة سنة .
التوراة لم تنزّل على موسى وكتابه جزء منها :
وحسب النص القرآني ،في الية ( يََأ ْهلَ ا ْلكِتَابِ ِلمَ ُتحَاجّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ َومَا أُنْزِلَتْ ال ّتوْرَاةُ وَالِْنجِيلُ ِإلّ مِنْ َبعْدِ ِه
أَفَلَ َت ْعقِلُونَ ( 65آل عمران ) ،والية ( وَ َقفّيْنَا عَلَى آثَا ِر ِهمْ ِبعِيسَى ابْنِ َمرْ َيمَ مُصَدّقًا ِلمَا بَيْنَ يَدَ ْيهِ ِمنْ ال ّتوْرَاةِ (
46المائدة ) ،نجد أن نزول التوراة ،حُصر في الفترة الزمنية الواقعة بين ،وفاة إبراهيم ونبوّة عيسى عليهما
حكُمُ ِبهَا النّبِيّونَ الّذِينَ َأسْ َلمُوا لِلّذِينَ هَادُوا السلم ،ومن قوله تعالى ( إِنّا أَنزَلْنَا ال ّتوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ َي ْ
شهَدَاءَ ( 44المائدة ) ،نجد أنها أنزلت كمرجع علَ ْيهِ ُ
حفِظُوا مِنْ كِتَابِ الِّ َوكَانُوا َ وَالرّبّانِيّونَ وَا َلْحْبَارُ ِبمَا اسْ ُت ْ
لبني إسرائيل ( بني يعقوب عليه السلم ) ،لستنباط واستخراج الحكام الشرعية منها ،وفي قوله تعالى ( يَأَ ْهلَ
خفُونَ مِنْ ا ْلكِتَابِ (15المائدة ) وقوله ( َوإِذْ َأخَذَ الُّ مِيثَاقَ ا ْلكِتَابِ قَدْ جَا َء ُكمْ َرسُولُنَا يُبَيّنُ َل ُكمْ كَثِيرًا ِممّا كُنْتُمْ ُت ْ
ظهُورِ ِهمْ وَاشْتَ َروْا ِبهِ َثمَنًا قَلِيلً فَبِئْسَ مَا َيشْتَرُونَ ( الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ لَتُبَيّنُ ّنهُ لِلنّاسِ َولَ َتكْ ُتمُو َنهُ فَنَبَذُوهُ َورَاءَ ُ
187آل عمران ) نجد وصفا لحال اليهود معها وما كان منهم ،في إخفائها وكتمانها وتحريفها ،وإظهار غير ما
جاء فيها ،وكل ما قيل فيها من معاني في المعجم ،ينسجم مع واقع التوراة الحالي ،وليس على كتاب موسى فقط
،والذي هو في الصل جزء منها ،وما كان الفصل بينها وبين موسى عليه السلم في القران ،إل ليؤكد هذه
الحقيقة .
سهِ -مِنْ قَ ْبلِ أَنْ تُنَ ّز َل
طعَامِ كَانَ حِلّ لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ ِ -إلّ مَا حَ ّرمَ ِإسْرَائِيلُ عَلَى َن ْف ِ ولو تمعنّا في هذه الية ( ُكلّ ال ّ
ال ّتوْرَاةُ ُ -قلْ َفأْتُوا بِال ّت ْورَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْ ُتمْ صَادِقِينَ ( 93آل عمران ) ،وانظر قوله تعالى ( ُت َنزّلَ ) ،ولم يقل
( ُتنْزَلَ ) ،والتنزيل غير النزال ،فالول على مراحل ،والثاني لمرة واحدة ،ومن ثم انتقلنا إلى سورة النعام ،
علَ ْيكُمْ … (ُ = )153( … )152( … )151ثمّ = آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وتدبرنا اليات ( ُقلْ َتعَا َلوْا أَ ْتلُ مَا حَ ّرمَ رَ ّب ُكمْ َ
ح َمةً َلعَّل ُهمْ ِبِلقَاءِ رَ ّب ِهمْ ُي ْؤمِنُونَ ( 154النعام ) لوجدنا أن حسَنَ وَ َتفْصِيلً ِل ُكلّ شَيْءٍ َوهُدًى َو َر ْ َتمَامًا عَلَى الّذِي َأ ْ
حرّم عليهم في التوراة ،وأن مجيء أداة العطف ( ُثمّ ) ،بعد ذكر ما جاء في هذه اليات توضح ،ما كان قد ُ
التوراة مباشرة ،والتي تفيد لغةً ،الترتيب والتراخي في الزمن ،ومجيء العبارة ( آتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ ) بعدها ،
يؤكد بما ل يدع مجال للشك أمرين ؛ الول :أن التوراة شيء يختلف عن كتاب موسى عليه السلم ،والثاني :
أنها سبقت كتاب موسى عليه السلم في النزول .
80
التوراة كتاب يضمّ بين دفتيه جميع ما أُنزل على أنبياء بني إسرائيل :
والرجح أنها أُنزلت مفرّقة بدءاً من يعقوب أو إسحاق ،وانتها ًء بزكريا عليهم السلم ،وأنها مجمل ما أُنزل على
أنبياء بني إسرائيل من كتب ،ومن ضمنها ما أُنزل على يعقوب ويوسف ،وموسى وداود وسليمان وزكريا ،
وبقية أنبيائهم ،ممن لم تذكر أسمائهم ،في القرآن عليهم السلم أجمعين ،قال تعالى ( َومَا أُن ِزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
سحَاقَ وَ َيعْقُوبَ وَالَْسْبَاطِ َومَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى َومَا أُوتِيَ النّبِيّونَ مِنْ رَ ّب ِهمْ لَ ُنفَرّقُ بَ ْينَ َأحَدٍ
َوِإسْمَاعِيلَ َوِإ ْ
مِ ْن ُهمْ وَ َنحْنُ َلهُ ُمسْ ِلمُونَ ( 136البقرة ) ولحظ أن ترتيب أسماء النبياء ،في هذه الية جاء متعاقبا حسب
الترتيب الزمني ،ولحظ أيضا أنّ النزال ،شمل كل من إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والسباط وتوقف
.وأفرد موسى وعيسى مع أنهم من السباط وخصّهما باليتاء ،وأفرد النبيين من غير ذرية إبراهيم باليتاء
أيضا ،والظاهر أن هناك فرق بين النزال واليتاء ،وأما ماهية السباط فسنبينها في فصل آخر .
ولو اطلعت على مجمل النصوص القرآنية ،لوجدت أن ما نُسب إلى موسى عليه السلم باليتاء ،هو الكتاب
والفرقان والهدى وضياء وذكر واللواح والصحف ،وأن التوراة لم تنسب نصّا إلى موسى عليه السلم ،في أي
موضع من المواضع ال ( )18في القرآن ،وهي ( 6مرات في آل عمران ،و 7مرات في المائدة ،ومرة واحدة
في كلٍ من ،العراف والتوبة والفتح والصف والجمعة ) ،وخلصة القول ،أن ذكر التوراة في القران ،يُقصد
به مجموع ما أُنزل على أنبياء بني إسرائيل ،أي الكتاب الذي كان بأيدي اليهود زمن نزول القرآن ،وحتى
عصرنا هذا ،وأن ذكر الكتاب ،يقصد به ما أُنزل على موسى لوحده ،وال أعلم .وأما ما يُنسب إلى موسى
عليه السلم في التوراة الحالية ،فهي السفار الخمسة الولى من مجموع أسفارها ،وهي أسفار التكوين
والخروج واللويين والعدد والتثنية ،وعلى الرجح أن بعض هذه السفار ،كسفر التكوين ،كان موجودا قبل
موسى عليه السلم ،ومن المحتمل أن يكون هذا السفر ،هو مجموع صحف إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم
السلم .
حقيقة التوراة على لسان المقدسي :
جاء في كتاب ( البدء والتاريخ ) للمقدسيّ ،ما نصه " :وذلك أن ( بختنصر ) ،لما خرب بيت المقدس وأحرق
التورية ،وساق بني إسرائيل إلى أرض بابل ،ذهبت التوراة من أيديهم ،حتى جدّدها لهم عزير فيما يحكون ،
والمحفوظ عن أهل المعرفة بالتواريخ والقصص ،أن عزيرا ( عزرا الكاتب ) أملى التوراة في آخر عمره ،ولم
يلبث بعدها أن مات ،ودفعها إلى تلميذ من تلمذته ،وأمره بأن يقرأها على الناس بعد وفاته ،فعن ذلك التلميذ
أخذوها ودونوها ،وزعموا أن التلميذ ،هو الذي أفسدها وزاد فيها وحرفها ،فمن ثم وقع التحريف والفساد في
الكتاب ،و ُبدّلت ألفاظ التوراة ،لنها من تأليف إنسان بعد موسى ،لنه يخبر فيها ،عما كان من أمر موسى عليه
السلم ،وكيف كان موته ووصيته إلى يوشع بن نون ،وحزن بني إسرائيل وبكاؤهم عليه ،وغير ذلك مما ل
يشكل على عاقل ،أنه ليس من كلم ال عز وجل ،ول من كلم موسى ،وفي أيدي السامرة توراة ،مخالفة
للتوراة التي في أيدي سائر اليهود ،في التواريخ والعياد وذكر النبياء ،وعند النصارى توراة منسوبة إلى
اليونانية ،فيها زيادة في تواريخ السنين على التورية العبرانية ،بألف وأربع مائة سنة ونيف ،وهذا كله يدل على
تحريفهم وتبديلهم ،إذ ليس يجوز وجود التضاد فيها من عند ال " .
أما ما دفعني للبحث في أمر التوراة في البداية ،هو رغبتي في استخراج نص النبوءة منها ،ومقارنته مع نص
سورة السراء ،واستقراء تاريخهم حسب ما يروونه هم بأنفسهم ،فيما إذا كان هناك ما يفيد تحقق الوعد الول ،
من خلل البحث في التوراة الحالية ،والموجودة تحت اسم العهد القديم ،في الكتاب المقدس الخاص بالنصارى ،
حيث توفرت لديّ نسختين عنه ،باسم (كتاب الحياة /ترجمة تفسيرية /ط / 1988 2جي سي سنتر القاهرة ) ،
وتقع في ( )1128صفحة ،والخرى باسم ( الكتاب المقدس /دار الكتاب المقدس في الشرق الوسط ) وتقع في (
) 1358صفحة ،مترجمة عن التوراة اليونانية ،وبما أن عدد الصفحات كبير جدا ،ومن المؤكد أن هذا النص ،
قد اعتراه الكثير من التحريف والتزوير من إضافة ونقص ،فهو يحتاج إلى قراءة مركزة ومتأنية ،من اللف
إلى الياء ،مما يتطلب الكثير من الوقت والجهد ،فضل عما تُصاب به من دوار ،كلما حاولت أن تستجمع ما
ورد فيها ،من أفكار مشتتة ومضلّلة ،ولما فيها من إسهاب وإطالة وتكرار ،لذلك كان ل بد لي ،من تحديد على
81
من أُنزلت هذه النبوة ،وما هو المقصود بقوله سبحانه ( في الكتاب ) على وجه الدقة ،وفي أي فترة زمنية
أُنزلت ،لتكون عملية البحث فيها أقل جهدا ،وعند بحثي عنها فيما نُسب إلى موسى عليه السلم من أسفار ،
وجدتها في سفر التثنية ،وقد اعتراها الكثير من التشويه من حذف وإضافة ،وفيما يلي بعض من بقايا نصوصها
التي توزعت على مدى ( 18صفحة ) :
سفر التثنية آخر السفار المنسوبة لموسى ،ويضم في ثناياه نصوص النبوءة :
ملحظة :النص مأخوذ من نسخة ( كتاب الحياة ) حيث أن التركيب اللغوي فيها ،أكثر قوة وتعبيرا ،إل في
مواضع نادرة ،نلجأ فيها للخذ من النسخة الخرى ( الكتاب المقدس ) وهو ما يرد بين [ … ] ،وما يرد بين
( … ) فهو تعقيب من المؤلف .
جعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ أَلّا تَ ّتخِذُوا مِنْ دُونِي َوكِيلًا ( 2السراء )
( وَءَاتَيْنَا مُوسَى ا ْلكِتَابَ َو َ
" إصحاح :26آية :16لقد أمركم الرب إلهكم هذا اليوم ،أن تعملوا بهذه الفرائض والحكام ،فأطيعوا واعملوا
بها من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم … :17 ،وأن عليكم طاعة جميع وصاياه :19،فيجعلكم أسمى من كل المم [
مستعليا على جميع القبائل ] التي خلقها في الثناء والشرف والمجد ( ،العلو ) . " … ،
إخبار موسى عليه السلم بنص النبوءة ،كان قبل دخولهم إلى الرض المقدسة :
" : 1-9 :27وأوصى موسى وشيوخ إسرائيل الشعب قائلين :أطيعوا جميع الوصايا التي أنا أمركم بها اليوم .
فعندما تجتازون نهر الردن ،إلى الرض التي يهبها الرب إلهكم لكم ،تنصبوا لنفسكم حجارة كبيرة … ،
وتكتبون عليها جميع كلمات هذه الشريعة … ،ثم قال موسى والكهنة واللويون لجميع شعب إسرائيل " :
سفر الخروج :2 : 20 " :أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من أرض مصر ديار عبوديتك :3 ،ل يكن لك آلهة
أخرى سواي :4 ،ل تنحت لك تمثال ول صورة :5 ، … ،ل تسجد لهن ول تعبدهن :7 ، … ،ل تنطق باسم
الرب باطل :12 ، … ،أكرم أباك وأمك :13 ، … ،ل تقتل :14 ،ل تزن :15 ،ل تسرق :16 ،ل تشهد على
قريبك شهادة زور :17 ،ل تشته بيت جارك ، … ،ول شيئا مما له " .
وهذا ما يُسمّونه بالوصايا العشر ،واخترت النص من سفر الخروج ،كونه أكثر وضوحا ومطابقة للقرآن ،حيث
ورد نص الميثاق والوصايا في ( البقرة ( ، ) 84 – 83والنعام ( ، ) 153 – 151والسراء . ) 39 – 22
ن عُُلوّا كَبِيرًا ( 4السراء )
( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَابِ لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الْأَ ْرضِ َمرّتَيْنِ وَلَ َتعْلُ ّ
" :16-21 :31و قال الرب لموسى :ما إن تموت وتلحق بآبائك ( مستقبل ) … حالما أدخلهم إلى الرض التي
تفيض لبنا وعسل ، … ،فيأكلون ويشبعون ويسمنون ،فإنهم يسعون وراء آلهة أخرى ،ويعبدونها ويزدرون
بي ،وينكثون عهدي .فيحتدم غضبي عليهم في ذلك اليوم ،وأنبذهم وأحجب وجهي عنهم ،فيكونوا فريسة … ،
:،فمتى حلّت بهم شرور كثيرة ،ومصائب جمّة ،يشهد هذا النشيد عليهم ،لنه سيظل يتردّد على أفواه ذريّتهم ،
إذ أنني عالم بخواطرهم التي تدور بخلدهم الن ،قبل أن أُدخلهم إلى الرض كما [ أقسمت ] " .
سكُمْ ( 7السراء )
حسَنْ ُتمْ لِأَ ْن ُف ِ
حسَنْتُ ْم أَ ْ
( إِنْ َأ ْ
" :1-13 :28وإن أطعتم صوت الرب طاعة تامة ،حرصا منكم على تنفيذ جميع وصاياه فإن الرب إلهكم يجعلكم
أسمى من جميع أمم الرض .وإذا سمعتم لصوت الرب إلهكم ،فإن جميع هذه البركات تنسكب عليكم
وتلزمكم ، … ،كما تتبارك ُذرّيّتكم ،وغلّت أرضكم ،ونتاج بهائمكم ،ويهزم الرب أمامكم أعدائكم القائمين
عليكم ،فيقبلون عليكم في طريق واحدة ،ولكنّهم يُولّون الدبار في سبع طُرق ،فيفتح الرب كنوز سمائه
الصالحة ،فيمطر على أرضكم في مواسمها ،ويُبارك كل ما تنتجه أيديكم ، … ،فإنّه يجعلكم رؤوسا ل أذنابا ،
متسامين دائما ( علو ) ،ول يُدرككم انحطاط أبدا ( ذلّة ) … " .
82
( َوإِنْ َأسَأْ ُتمْ فَ َلهَا ( 7السراء )
" 15 :28ولكن إن عصيتم صوت الرب إلهكم ،ولم تحرصوا على العمل بجميع وصاياه وفرائضه ،التي أنا
آمركم اليوم بها ،فإن جميع هذه اللعنات تحل بكم وتلزمكم ، … ،وتحلّ اللعنة بأبنائكم ،وغلّت أرضكم ،
ونتاج بهائمكم ،ويصبّ الربّ عليكم اللعنة والفوضى والفشل ،حتى تهلكوا وتفنوا سريعا لسوء أفعالكم ،إذ
تركتموني ،ويتفشى بينكم الوباء حتى يُبيدكم ،وتصبح السماء من فوقكم كالنحاس ،والرض من تحتكم كالحديد
:25 ،ويهزمكم الربّ أمام أعدائكم ،فتقبلون عليهم في طريق واحدة ،وتولون الدبار أمامهم متفرقين في سبع
طرق ،وتصبحون عبرة لجميع ممالك الرض : 26 ،وتكون جثتكم طعاما ،لجميع طيور السماء ووحوش
الرض ،ول يطردها أحد [ وليس من يزعجها ] :28 ،ويبتليكم الرب بالجنون والعمى وارتباك الفكر [ وحيرة
القلب ] : 29 ،فتتحسّسون طرقكم في الظهر ،كما يتحسّس العمى في الظلم ،وتبوء طرقكم بالخفاق ،ول
تكونون إل مظلومين مغصوبين كل اليام :32 ،يساق أولدكم وبناتكم إلى أمة أخرى … وما في أيديكم حيلة ،
… : 36 ،ينفيكم الرب أنتم ومَلِككم إلى أمة أخرى ،ل تعرفونها أنتم ول آباؤكم : 37 ، … ،وتصبحون مثار
دهشة وسخرية وعبرة في نظر جميع الشعوب [ :43 ، … ،الغريب الذي في وسطك ،يستعلي عليك
متصاعدا ،وأنت تنحط متنازل ] ( عودة الذل وزوال العلو ) ، … :44 ،وهم يكونون رؤوساً وأنتم تكونون ذنبا
".
النصوص الخاصة بالمرة الولى :
" 49 :28ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ،من أقصى الرض ،فتنقضّ عليكم كالنسر :50 ،أمّة [ جافية الوجه
] يثير منظرها الرعب ،ل تهاب الشيخ ول ترأف بالطفل : 51 ،فتستولي على نتاج بهائمكم ،وتلتهم غلت
أرضكم حتى تفنوا ،ول تُبقِ لك قمحا ول خمرا ول زيتا … ،حتى تفنيك :52 ،وتحاصركم في جميع مدنكم ،
حتى تتهدم أسواركم الشامخة الحصينة ،التي وثقتم بمناعتها : 58 ، … ،فإن لم تحرصوا على العمل بجميع
كلمات هذا الشريعة المكتوبة في هذا الكتاب : 59 ، … ،فإن الرب يجعل الضربات النازلة بكم وبذرّيتكم ،
سرّ الرب بكم ،فأحسن إليكم وكثّركم ،فإنه سيُسرّ بأن
ضربات مخيفة وكوارث رهيبة دائمة :63 ، … ،وكما ُ
يفنيكم ويهلككم فتنقرضون [ فتستأصلون ] من الرض ،التي أنتم ماضون إلى امتلكها :64 ،ويشتّتكم
[ ويبددكم ] الرب بين جميع المم ،من أقصى الرض الى أقصاها : 65 ، … ،ول تجدون بين تلك المم
اطمئنانا ،ول مقرّا لقدم ،بل يعطيكم الرب قلبا هلعا ،وعيونا أوهنها الترقب ،ونفوسا يائسة ( الذلة والمسكنة
بين المم ) :66 ،و تعيشون حياة مفعمة بالتوتر ،مليئة بالرعب ليل و نهارا .
النبوءة جاءت بِ َقسَم ولمرتين ( تكرار للنص السابق مع السهاب ) :
1 :29وهذه هي نصوص العهد ،الذي أمر الرب موسى ،أن يقطعه مع بني إسرائيل في سهول موآب ،فضل
عن العهد الذي قطعه معهم في حوريب :2 ،ودعا موسى جميع إسرائيل 4 :29 ، … ،و لكن الرب لم يعطكم
حتى الن ،قلوبا لتعوا [ لتفهموا ] وعيونا لتبصروا و أذانا لتسمعوا : 9 ، … ،فأطيعوا نصوص هذا العهد
واعملوا بها [ ،لكي تفلحوا في كل ما تفعلون ] : 14 ، … ،ولست أقطع هذا العهد وهذا القسم معكم وحدكم ،
:15بل … أُبرمه أيضا مع الجيال القادمة ( حيث سيقع منهم الفساد مرّتين مستقبل ) :18 ، … ،فاحرصوا أن
ل يكون بينكم ،من تأصّل فيه الشرّ ،فيحمل ثمرا علقما سامّا :19 ،فإن سمعَ كلم هذا القَسم يستمطر بركة على
نفسه ( أي يزكّي نفسه ) قائل :سأكون آمنا ،حتى ولو أصررت على الستمرار في سلوك طريقي ( الصرار
على المعصية ) ،إن هذا يُفضي إلى فناء الخضر واليابس ،على حد سواء :20 ،إن الرب ل يشاء الرفق بمثل
هذا النسان ،بل يحتدم غضبه وغيرته عليه ،فتنزل به كل اللعنات المدوّنة في هذا الكتاب ،ويمحو اسمه من
تحت السماء :22 ،فيشاهد أبناؤكم من الجيال القادمة ،والغرباء الوافدون من أرض بعيدة ،بليا تلك الرض ،
… :23 ،إذ تصبح جميع الرض كبريتا محترقة ل زرع فيها ، … ،كانقلب سدوم ( قوم لوط ) ،التي قلبها
83
الرب من جراء غضبه وسخطه :28 ، … ،واجتثّهم من أرضهم ،بغضبٍ وسخطٍ وغيظٍ عظيم ،وطوّح بهم إلى
أرض أخرى ( السبي والشتات ) . " … ،
النصوص الخاصة بالمرة الثانية :
1 :30وعندما تحلّ بكم هذه البركات واللعنات ( تحقق الوعد الول من علو وإفساد وعقاب ) كلها التي وضعتها
نُصب أعينكم ،وردّدتموها في قلوبكم بين المم ،حيث شتّتكم الرب إلهكم : 2 ،ورجعتم إلى الرب إلهكم أنتم
وبنوكم :3 ، … ،فإن الرب إلهكم يردّ سبيكم ويرحمكم ،ويلّم شتاتكم من بين جميع الشعوب ،التي نفاكم الرب
إلهكم إليها … ،
جعَلْنَاكُ ْم أَكْثَ َر َنفِيرًا ( 6السراء )
( ُثمّ رَدَدْنَا َلكُمُ ا ْلكَرّ َة عَلَ ْي ِهمْ َوَأمْدَدْنَا ُكمْ بِ َأ ْموَالٍ وَبَنِينَ َو َ
:5 :30ويعيدكم إلى الرض التي امتلكها آباؤكم فتمتلكونها ،ويحسن إليكم ويكثّركم أكثر من آبائكم :7 :30 ،و
يُحوّل الرب إلهكم كل هذه اللعنات ( العقاب الذي سيكون قد نزل بهم في المرة الولى ) على أعدائكم ،وعلى
مبغضيكم الذين طردوكم ( الذين أنزلوا بهم العقاب اللهي في المرة الولى ) 8 :30،و أما أنتم فتطيعون صوت
الرب من جديد ( في المرة الثانية ) ،وتعملون بجميع وصاياه التي أنا أوصيكم بها اليوم :9 ،فيفيض الرب عليكم
خيرا ،في كل عمل ما تنتجه أيدكم ،ويكثّر ثمرة أحشائكم ،ونتاج بهائمكم ،أرضكم ( … ،وكل ما تقدم
مشروط بالحسان )
ن َأسَأْ ُتمْ فَ َلهَا ( 7السراء ) ( تكرار )
سكُمْ َوإِ ْ
حسَنْ ُتمْ لِأَ ْن ُف ِ
حسَنْتُ ْم أَ ْ
( إِنْ َأ ْ
: 10 :30هذا إن سمعتم لصوت الرب إلهكم ،وحفظتم وصاياه وفرائضه المدوّنة في كتاب الشريعة هذا ( ،أي
تعاليم شريعة موسى في التوراة ،وليس تعاليم التلمود التي خطّها أحبارهم وكهنتهم ) ،وإن رجعتم إلى الرب
إلهكم ،من كل قلوبكم ومن كل نفوسكم :11 ،إن ما أوصيكم به اليوم من وصايا ،ليست متعذّرة عليكم ول بعيدة
المنال :15 ، … ،انظروا :ها أنا قد وضعت أمامكم اليوم ،الحياة والخير والموت والشر … :16 ،أوصيتكم
اليوم أن تُحبّوا الرب إلهكم ،وأن تسلكوا في طرقه ،وتطيعوا وصاياه وفرائضه وأحكامه ،لكي تحيوا وتنمو ،
فيبارككم الرب ،في الرض التي أنتم ماضون إليها لمتلكها : 17 ،ولكن إن تحوّلت قلوبكم ولم تطيعوا ،بل
غويتم وسجدتم للهة أخرى وعبدتموها : 18 ،فإني أنذركم [ أُنبّئكم ] اليوم أنكم ل محالة هالكون ،ول تطول
اليام على الرض ( أي مقامكم ) التي أنت عابر ( نهر ) الردن لتدخلها وتمتلكها …
: 19ها أنا أُشهد عليكم اليوم السماء والرض ،قد وضعت أمامكم الحياة والموت ( أي وضحت لكم طريق
النجاة وطريق الهلك ،واستبدالها بكلمتي الحياة والموت من خلل النقل أو التحريف ،ترتّب عليه إنكار الحياة
الخرة ،واليوم الخر من بعث وحساب ،فالجزاء عندهم دنيوي فقط ،فالثواب هو إطالة الحياة ،والعقاب هو
قصرها ) ،البركة واللعنة ( أي الجزاء في الدنيا ) ،فاختاروا الحياة ( أي الشريعة ) لتحيوا ( لتنجوا من عذاب
الدنيا والخرة ) أنتم ونسلكم :20 ،إذ تحبّون الرب إلهكم و تطيعون صوته ،وتتمسّكون به لنه هو حياتكم ( أي
نجاتكم ) والذي يُطيل أيامكم لتستوطنوا [ لكي تسكنوا ] الرض التي حلف الرب لبائك ،إبراهيم وإسحاق
ويعقوب أن يعطيها لكم .
الدخول أول مرة كان بحبل من ال :
: 1 :31ومضى موسى يقول لبني إسرائيل … : 2 :وقد قال لي الرب :لن تعبر هذا الردن : 3 ،ولكن الرب
إلهكم هو عابر أمامكم ،وهو يبيد تلك المم من قدّامكم فترثونهم [ :6 ، … ،تشدّدوا ] وتشجّعوا ،ل تخشونهم
ول تجزعوا منهم ،لن الرب إلهكم سائر معكم ،ل يهملكم ول يترككم .
84
حتمية إفسادهم وعقابهم في المرة الثانية :
28 :31اجمعوا إليّ جميع شيوخ أسباطكم و عرفاءكم ( النقباء ) ،لتلو على مسامعهم هذه الكلمات ،وأشهد
عليهم السماء والرض :29 ،لنني واثق أنكم بعد موتي ،تفسدون وتضلون عن الطريق الذي أوصيتكم بها ،
فيصيبكم الشرّ في آخر اليام ( المرة الثانية تكون آخر الزمان ) ،لنكم تقترفون الشر أمام الرب ،حتى تثيروا
غيظه بما تجنيه أيديكم :30 ،فتل موسى في مسامع كل جماعة إسرائيل [ بكلمات ] هذا النشيد … ،
( أَلّا تَ ّتخِذُوا مِنْ دُونِي َوكِيلًا ( 2السراء )
: 3 :32باسم الرب أدعو فمجّدوا عظمة إلهنا : 4 ،هو الصخر ( الوكيل ) [ الكامل صنيعه ] ،سبله جميعها
عدل ،هو إله أمانة ل يرتكب جورا ،صديق وعادل هو :5 ،لقد اقترفوا الفساد أمامه ،ولم يعودوا له أبناء ،بل
لطخة عار ،إنهم جيل أعوج وملتو : 6 ،أبهذا تكافئون الرب ،أيها الشعب الحمق الغبيّ ،أليس هو أباكم
وخالقكم ،الذي عملكم وخلقكم :7 ،اذكروا اليام الغابرة ،وتأملوا في سنوات الجيال الماضية ،اسألوا آبائكم
جدَهم في أرض قفرٍ وفي خلء موحشٍ ،فأحاط بهم ورعاهم وصانهم ، فينبئوكم ،وشيوخكم فيخبروكم َ :10 ،و َ
… :12وحده قاد شعبه ،وليس معه إله غريب ( أي آخر ) :13 ،أصعدهم على هضاب الرض ،فأكلوا ثمار
الصحراء ،وغذّاهم بعسل من حجر ،وزيتا من حجر الصوّان ،و … و …
الدخول الثاني كان بحبل من الناس ،إذ ل حاجة بهم إلى ال :
: 15فسمن بنو إسرائيل ورفسوا ،سمنوا وغلظوا واكتسوا شحما ( كناية عن الترف ) ،فرفضوا الله صانعهم
وتنكّروا لصخرة خلصهم :16 ،أثاروا غيرته بآلهتهم الغريبة ،وأغاظوه بأصنامهم الرجسة :17 ،للهة غريبة
لم يعرفوها بل ظهرت حديثا ( المال والقوة والناس ) ،آلهة لم يرهبها آباؤهم من قبل : 18 ،لقد نبذتم الصخر
الذي أنجبكم ونسيتم ال الذي أنشأكم ( وهذا حالهم وحال دولتهم الحالية ) .
سجِدَ َكمَا َدخَلُوهُ َأ ّولَ مَرّ ٍة … ( 7السراء )
( لِ َيسُوءُوا ُوجُو َهكُمْ وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ
:19فرأى الرب ذلك ورذلهم ،إذ أثار أبناؤه وبناته غيظه :20 ،وقال :سأحجب وجهي عنهم فأرى ماذا سيكون
مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب وأولدُ خونة ، … :21 ،لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش ( أولي بأس شديد ) ،
وأغيظهم بأمة حمقاء [ أمة ل تفهمون لغتها ] : 22فها قد أضرم غضبي نارا ،تُحرق حتى الهاوية السفلى ،
وتأكل الرض وغلّتها ،وتحرق أسس الجبال :23 ،أجمع عليهم شرورا ،وأُنفذ سهامي فيهم :24 ،أجعل أنياب
الوحوش ،مع حمّة زواحف الرض تنشب فيهم :25 ،يثكلهم سيف العدو في الطريق ،ويستولي عليهم الرعب
داخل الخدور ،فيهلك الفتى مع الفتاة ،والرضيع مع الشيخ :26 ،قلت :أشتّتهم في زوايا الرض ،وأمحو من
بين الناس ذكرهم ( أي في المرة الولى ) : 27 ،لول خوفي من تبجح العدو ،إذ يظنون قائلين :إن يدنا قد
عظُمت ( أعداء بني إسرائيل ) ،وليس ما جرى من فِعل الرب .
َ
( فَإِذَا جَاءَ وَعْ ُد الْآخِرَةِ ( 7السراء )
28 :32إن بني إسرائيل أمة غبية ول بصيرة فيهم (ل يعقلون ول يفقهون ) :29 ،لو عقلوا لفطنوا لمآلهم وتأملوا
في مصيرهم : 32 ،إذ أن كرمتهم من كرمة سدوم ،ومن حقول عمورة ( ،تشيه إفسادهم وإصرارهم ،بإفساد
قوم لوط وإصرارهم ) وعنبهم ينضح سمّا ،وعناقيدهم تفيض مرارة :33 ،خمرهم حمّة الفاعي ،وسمُ الثعابين
المميت 34 :32أليس ذلك مدخرا عندي ،مختوما عليه في خزائني : 35 ،لي النقمة وأنا أُجازي ،في الوقت
المعين ( مجيء الوعد ) ،تزلّ أقدامهم ،فيوم هلكهم بات وشيكا ،ومصيرهم المحتوم يُسرع إليهم ( ،كلما
أمعنوا في الفساد كلما اقترب موعد هلكهم ) .
85
ح َم ُكمْ … ( 8السراء )
ن يَ ْر َ
عسَى رَ ّبكُمْ أَ ْ
( َ
" : 36لن الرب يدين شعبه ( بني إسرائيل ) ويرأف بعبيده ،عندما يرى أن قوّتهم قد اضمحلت ( زالت ،بعد
المرة الثانية ) … " .
حوِيلًا ( 56السراء )
ن دُو ِنهِ فَلَا َيمْ ِلكُونَ َكشْفَ الضّرّ عَ ْن ُكمْ وَلَا َت ْ
عمْ ُتمْ مِ ْ
( ُقلِ ادْعُوا الّذِينَ َز َ
" 45 :32وعندما انتهى موسى ،من تلوة جميع كلمات هذا النشيد على السرائيليين : 46 ،قال لهم :تأمّلوا
بقلوبكم في جميع الكلمات ،التي أنا أشهد عليكم بها اليوم ،لكي توصوا بها أولدكم ،ليحرصوا على العمل
بكلمات هذه التوراة كلها : 47 ،لنها ليست كلمات ل جدوى لكم منها ،إنها حياتكم وبها تعيشون طويل ،في
الرض التي أنتم عابرون نهر الردن إليها لترثوها … : 5 :34فمات موسى عبد الرب ،في أرض موآب
[حسب ] قول الرب " .
نلحظ هنا أن النبوءة ،اعتراها بعض التشويه من حذف أو إضافة أو تبديل ،ولكنها حافظت على خطوطها
العريضة ،ونلحظ أيضا أنها فصلت المرتين كل منهما على حدة .
يرجّح كثير من الناقدين والباحثين الغربيون ،من الذين وضعوا التوراة تحت المجهر ،كونها العهد القديم من
كتابهم المقدس ،أنها كتبت بأيدي بشر ،وذلك لما تحفل به من خرافات وأساطير ،ولتناقضها مع العهد الجديد
( النجيل ) ،وتناقضها مع المنطق والواقع ،وتناقضها أيضا ،مع المصادر التاريخية الخرى في مواضع
عديدة ،ويُجمع الكثير منهم أن كتابتها وجمعها ،قد تم بعد السبي البابلي ،وجاء القرآن ليكشف الكثير من
أكاذيبها وافتراءاتها ،ومن خلل اطّلعي عليها ،تبين لي أن من قام بإعادة كتابة التوراة ،هم أشخاص مشبعون
بمشاعر الحقد والقهر والنقمة والرغبة في النتقام ،وكل هذه المشاعر ،موجهة بالترتيب نحو :
.1رب العزة جلّ وعل ( ،يقولون أن يعقوب عليه السلم صرع ال في البرية ،واستطاع ال النجاة بع ّ
ض
يعقوب في فخذه ،فسبب له عرق النساء ،ومن أجل ذلك ل يأكل اليهود عرق النساء الذي في الفخذ ،سفر
التكوين ، 32-24 :32ويقولون عنه سبحانه أنه كثير البكاء وكثير الندم على ما أنزله بشعبه المقدس ،ولذلك
كانوا وما زالوا يعتقدون ،أن ال سيصلح خطأه معهم ،بإعادتهم إلى وطنهم ،الذي طُردوا منه بل ذنب أو
خطيئة ،فالخطأ منسوب إلى ال ورسله وملئكته والشعوب المجاورة ،أما شعب ال المقدّس ،فليس له
خطيئة فهو حمل وديع ،وهذا نوع من السقاط النفسي ،لعظم الخطيئة ،وفداحة العقاب الذي وقع منهم وبهم
).
.2الرسل والنبياء ( ،يقولون أن موسى وهارون خانا الرب وسط الشعب التثنية ؛ ، 51-50 :32وهارون هو
الذي صنع العجل الذهبي ،الخروج ، 6-1 :32وداود ارتكب خطيئة الزنا مع زوجة الجندي ؛ صموئيل
الثاني ، 27-1 :11 ،وسليمان عبد آلهة أخرى ،وفعل الشرّ في عيني الرب ،كما فعل أبوه ؛ ملوك أول :11
. ) 8-1
86
.3الكنعانيون القدماء وورثتهم الجدد ( الفلسطينيون ) ( ،سفر التكوين :27-20 :9واشتغل نوح بالفلحة
وغرس كرما ،وشرب من الخمر فسكر وتعرى داخل خيمته ،فشاهد حام أبو الكنعانيين عُريّ أبيه ،فخرج
وأخبر أخويه اللذين كانا في الخارج ،فأخذ سام ويافث ،رداءً ووضعاه على أكتافهما ،ومشيا القهقرى إلى
داخل الخيمة ،وسترا عورة أبيهما من غير أن يستديرا بوجهيهما نحوه فيُبصرا عورته .وعندم أفاق نوح
من سكره ،وعلم ما فعله ابنه الصغير ،قال :ليكن كنعان ملعونا ،وليكن عبد العبيد لخوته ،ثم قال :
تبارك ال إله سام ،وليكن كنعان عبدا له ،ليوسع ال ليافث ،وليكن كنعان عبدا له ) .
.4الكلدانيون في بابل ،وورثتهم الجدد ( العراقيون ) ( ،وأحقادهم على بابل وأهلها ،أُفرد الحديث عنها في
موضع آخر ) .
.5جميع شعوب الرض ما عدا اليهودي الصرف ( .والمثلة على ذلك موجودة في أسفار موسى ،ونصوص
التلمود ) .
.6سبط بنيامين الخ الشقيق ليوسف عليه السلم .
وكل مشاعر الحقد والرغبة في النتقام ممن ذُكروا أعله ،أفرغها الكتبة ( الكهنة والحكماء ) في كتابهم المقدس
( التوراة ) ،فأعادوا جمعها ونسخها ،تحت وطأة انفعالت نفسية رهيبة ،وفبركة جميع أسفارها ،بما يتناسب
مع تلك المشاعر ،بعد السبي البابلي ،أكبر فاجعة أُصيب بها بنو إسرائيل والكثر إيلما على مرّ التاريخ .
وتبين لي أن هناك تطويل وتكرار غير مبرر ،لنفس الحدث أو الموضوع ،وأحيانا يكون هذا التكرار ،لنفس
السفر كامل تحت مسميين ،مثل أسفار أخبار اليام وأخبار الملوك ،مع اختلف بسيط ،وأحيانا لنفس الفقرة في
نفس السفر ،وهذا التكرار يدل على أن نصوص التوراة جُمعت ،على القل من مصدرين مختلفين ،وأُخذت
النصوص منهما ،وجُمعت في كتاب واحد ،دون تفضيل نص على آخر ،فالحدث الواحد أحيانا يتكرّر مرتين
وثلثة ،دون وجود فارق جوهري في المضمون .
وبعد أن قمت بمطالعة التوراة بشكل مُتكرّر ،تأكدت من هذه الحقيقة ،التي لم يكن قد تنبّه لها الباحثون والناقدون
حرّفت أكثر من من قبل ،وهي أن التوراة قد جمعت فعل ،من نسختين مُختلفين ،وأن إحدى النسختين ُ
الخرى ،وأن لغة كل منهما تختلف عن الخرى ،فغالبا ما يكون هناك مُسمّين لنفس الشخص أو المكان ،حتى
يخال للقارئ أنها أسماء لشخوص أو أماكن مختلفة ،وكمثال على ذلك إبرام وإبراهيم ،وساراي وسارة ،
وصحراء سين وصحراء سيناء ،ومملكة يهوذا ومملكة إسرائيل ،والسبي البابلي والسبي الشوري .وهذا
الرتباك الذي وقع فيه مؤلفو التوراة المتأخرون ،أثناء محاولة التوفيق بجمع ما جاء في النسختين ،تسبب في
هذا العرض التأريخي المشوّه للوقائع ،مما أفقد التوراة مصداقيتها حتى للكثير من الباحثين اليهود أنفسهم ،ولكل
من بحث من علماء التنقيب والثار .ولكنها بقيت المرجع التاريخي الوحيد لتاريخ بني إسرائيل .
وفي كثير من الحيان ،تشعر بسخافة كتابها ،من سخافة أفكارها وأخبارها ،وسخافة تبريرها وتعليلها ،كقصة
عرق النساء وصراع يعقوب مع ال ،وفبركة قصة نوح وأولده أعله ،ناهيك عن ألفاظها البذيئة ،التي أحيانا
تترفع عن كتابتها حتى الروايات الهابطة ،ورائحة اللحوم والدماء ،والخمور والمشاوي والهش والنش … إلى
آخره ،وما يربط التوراة بالوحي ،هو ما يظهر في ثناياها من خطوط عريضة ،هي البقية الباقية التي سلمت
من أيديهم ،رغما عن أنوفهم ،وهذا ل يعني أل نقرأ هذا الكتاب ،بل على العكس تماما ،توّجب على المسلمين
قراءته ،وقراءة التلمود أيضا منذ أمد بعيد ،وقراءة ما كُتب فيهما من مؤلفات ناقدة ،لمعرفة العقلية التي يفكر
بها هؤلء ،ولمعرفة ما يطمحون إليه ،والحقيقة أني ما كنت لقرأها ،وأقرأ ما كُتب فيها من مؤلفات عديدة ،
لول هذا البحث .
مملكة شمالية ومملكة جنوبية :
تقول السفار التاريخية في التوراة ،بأن مملكة سليمان ،انقسمت بعد موته إلى مملكتين ،جنوبية في القدس
واسمها يهوذا ( القدس ) وهي الصل ،وشمالية واسمها إسرائيل ( نابلس ) وهي المنشقة .
87
وصف فساد المملكة الشمالية :
يذكر كتبة التوراة ،أن المملكة الشمالية فسدت وأفسدت ( ،ملوك أول " ) 33-25: 12:وحصّن يربعام ( ملك
الشمالية ) مدينة شكيم ( نابلس ) ،في جبل أفرايم وأقام فيها ، … ،وبعد المشاورة سبك الملك عجليّ ذهب ،
وقال للشعب :إن الذهاب إلى أورشليم للعبادة ،يعرضّكم لمشقة عظيمة ،فها هي آلهتك يا إسرائيل ،التي
أخرجتك من ديار مصر " .
وأما إفسادهم حسب ما يروونه هم عن أنفسهم ،فقد جاء في سفر الملوك الثاني ما نصه :9 :17 " ،وارتكب بنو
إسرائيل في الخفاء المعاصي ،في حقّ الرب إلههم :11 … ،واقترفوا الموبقات لغاظة الرب ،عابدين الصنام
التي حذّرهم ونهاهم الربّ عنها : 13 … ،قائل :ارجعوا عن طرقكم الثيمة ،وأطيعوا وصاياي وفرائضي
بمقتضى ،التي أوصيت آبائكم بتطبيقها … ،على لسان عبيدي النبياء : 14 ،لكنهم أصمّوا آذانهم ،وأغلظوا
قلوبهم كآبائهم : 16 … ،ونبذوا جميع وصايا الرب ، … : 17 ،وتعاطوا العرافة والفأل ( السحر والكهانة ) ،
… : 22ولم يعدل السرائيليون عن ارتكاب جميع خطايا يربعام ،بل أمعنوا في اقترافها : 23 ،فنفى الرب
إسرائيل من حضرته ،كما نطق على لسان جميع النبياء ،فسبي السرائيليون إلى أشور ،إلى هذا اليوم " ( أي
اليوم الذي كتبوا فيه هذا النص بعد السبي بمدة طويلة ) .
وصف فساد المملكة الجنوبية :
وأما ما يُنسب من إفساد إلى ملوك المملكة الجنوبية ،فقد جاء في نفس السفر ما نصه :2 :21 " ،وارتكب الشرّ
في عينيّ الربّ ،مقترفا رجاسات المم الذين طردهم الرب من أمام بني إسرائيل ، … :3 ،وأقام مذابح البعل ،
ونصب تماثيل عشتاروت ( مدينة بابلية ) ،وسجد لكواكب السماء وعبدها :6 ،ولجأ إلى أصحاب الجانّ
والعرّافين ،وأوغل في ارتكاب الشرّ : 10 … ،ثم قال الرب على لسان عبيده النبياء :لن منسّى ملك يهوذا
اقترف جميع هذه الموبقات ،وأضلّ يهوذا … ، … :12 ،ها أنا أجلب شرا على أورشليم ويهوذا ، … :13 ،
وأمسح أورشليم كما يّمسح الطبق من بقايا الطعام : 14 ،وأنبذ شعبي وأسلمهم إلى أيدي أعدائهم ،فيصبحون
غنيمة وأسرى لهم :15 ،لنهم ارتكبوا الشرّ في عيني :16 … ،وزاد منسّى فسفك دم أبرياء كثيرين ،حتى مل
أورشليم من أقصاها إلى أقصاها ،فضل عن خطيئته التي استغوى بها يهوذا . " … ،
وتخبر التوراة أن الحروب استمرت بين المملكتين ،واستعانة المغلوب بالقوام المجاورة على الخر ،إلى أن
جاء الغزو الشوري ،وسبى المملكة الشمالية 721ق.م .
وتتابعَ الملوك الجنوبيون في ارتكاب الشرّ في عينيّ الرب ( حسب قولهم ) ،وفي عهد الملك يهوياقيم ،هاجم
نبوخذ نصر ( بختنصر ) مملكة يهوذا وخضعت له ثلث سنوات ،ثم تمردّ عليه ( يهوياقيم ) :2 :24 " ،فأرسل
الرب غزاة من كلدانيين وأراميين وموآبيين وعمّونيين ( سكان العراق والردن القدماء ) ،للغارة على مملكة
يهوذا وإبادتها ،بموجب ما قضى به الرب ،على لسان عبيده النبياء : 4 ،وانتقاما للدم البريء الذي سفكه
( منسّى ) ،إذ أنه مل أورشليم بدم البرياء . " … ،
وفي عهد الملك ( يهوياكين ) " … :10 :24زحف قادة نبوخذ نصر ملك بابل على أورشليم ،وحاصروا المدينة
،ثم جاء نبوخذ نصر بنفسه وتسلّم زمام القيادة ،فاستسلم ( يهوياكين ) … واستولى على جميع ما في خزائن
الهيكل والقصر ، … ،تماما كما قضى الرب :14 ،وسبى نبوخذ نصر أهل أورشليم ( " ،وكما يقولون أنه ولّى
ابن عم الملك خلفا له ،وسمّاه صدقيّا ،وبعد سنوات ارتكب صدقيّا الشر في عيني الرب كالعادة ،وتمرّد على
ملك بابل ،وآنذاك ) :1 :25 " ،زحف نبوخذ نصر ملك بابل ،بكامل جيشه على أورشليم وحاصرها :3 ، … ،
تفاقمت المجاعة في المدينة ،حتى لم يجد أهلها خبزا يأكلونه : 6 ،فأسروا الملك ( الذي كان ينوي الهرب )
واقتادوه إلى ملك بابل ، … ،ثمّ قتلوا أبناء صدقيّا على مرأى منه ،وقلعوا عينيه ،وساقوه إلى بابل :9 ، … ،
وأحرق الهيكل وقصر الملك وسائر بيوت أورشليم ،وسبى نبوزرادان ( قائد الحرس الملكي ) بقية الشعب … ،
، 121ولكنه ترك فيها فقراء الرض المساكين : 13 .وحطم الكلدانيون أعمدة النحاس وبركة النحاس … إلى
آخره ( ،كل محتويات الهيكل ونقلوها إلى بابل ) : 18 ،وسبى رئيس الحرس الملكي ( سرايا رئيس الكهنة
88
وأعوانه وقادة الجيش وندماء الملك ،وفي المجمل هم علية القوم وزمرة الفساد والفساد في الرض ) فقتلهم
ملك بابل في المعسكر في أرض حماة ( المدينة السورية ) ،وهكذا سُبي شعب يهوذا من أرضه " .
فما أطول باله هذا النبوخذ نصر ،حتى يزحف عليهم مرارا وتكرارا .والحقيقة أنه زحف عليهم مرة واحدة ،
وبشكل مفاجئ فأباد مملكتهم ،وما هذا التطويل والتطويل والتكرار ،إل من صنع أيدي الكتبة ،وما ( يهوياقيم )
و( يهوياكين ) ،إل تسميتين لنفس الملك الذي حصل في عصره السبي البابلي .
مملكة واحدة وبعث واحد :
ما تقدم من نصوص ،كان من السفار ،التي يُسمّونها السفار التاريخية ،التي أرخّت لعصر الملوك ،ابتدا ًء
من طالوت وداود وسليمان ،وانتهاءً بيهوياكين الذي وقع السبي البابلي في عصره .والحقيقة أنه لم يكن هناك
مملكتين ،ولم يكن هناك سبيين ،وإنما مملكة واحدة وسبي واحد .ولكن نتيجة كتابة التوراة بتلك الطريقة
المزدوجة ،أصبحت المملكة مملكتين ،وأصبح الزحف البابلي زحفين ،ولحل الشكال قولبوه في زمانين
مختلفين .
أما إدّعاء انقسام المملكة ،فالقرآن أثبت بطلنه في موضعين ،أول ؛ ذُكر العلو مرتين كأمة في زمانين
مختلفين ،ثانيا ؛ الية التي تتحدث عن سفكهم دمائهم وإخراجهم أنفسهم ،تؤكد أن ذلك لم يكن انشقاق في الحقيقة
،بل كان ذلك قتل وإخراج وسلب ،لطائفة مستضعفة من قومهم ،وفي الحقيقة ،وقع هذا الفعل ،في سبط الخ
الشقيق ليوسف عليه السلم ،الذي تُسميه التوراة ( ببنيامين ) ،وما كان بإمكان هؤلء ،إقامة دولة في أراضي
الكنعانيين المجاورة ،التي لجأوا إليها ،وما كانت حروبهم مع المملكة الم ،إل ضمن جيوش الكنعانيين وهو
الرجح ،أو كثوّار لسترداد أسلبهم وديارهم .
وربما أن بعضهم استنجد بالبابليين ،كنوع من النتقام ( ،بأسهم بينهم شديد ،تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى )
فاستجابوا لهم ،وربما كان ذلك طمعا في كنوز هيكل سليمان ،وال أعلم .حيث لم يأتي أي ذكر في التاريخ
للسبي الشوري ،لعشرة أسباط ( قبائل ) من المملكة الشمالية ،حسب ما يدّعي مؤلفو التوراة ،حتى أن بعض
الباحثون الذين صدّقوا التوراة ،يتساءلون عن كيفية اختفاء تلك القبائل ،التي سُبيت إلى مدينة أشور برمتها ،
ومن المرجّح أن اختراع قصة المملكة الثانية وسبيها ،هو أحد مظاهر السقاط النفسي ،لمن عوقبوا ،على
الذين لم يُعاقبوا ،من الذين أُخرجوا من ديارهم رغم أنوفهم ،تجنبا وتخفيفا للشعور باللم ،كلما طرأ على
مخيلتهم تلك الذكرى الليمة ،ويحصل هذا عادة على المستوى الشخصي ،فور تعرض الشخص لحادثة مؤلمة ،
فيعزو الخطاء التي تسببت في الحادثة إلى الخرين .
89
تحذيرات إشعياء :
إشعياء هو أول النبياء الكبار وهم أربعة ،ويُقال أنه بُعث في فترة ،بلغ فيه إفساد بني إسرائيل الذروة ،قبل
وقوع السبي البابلي ،حيث أن سفره ،جاء حافل بالتقريع والتوبيخ والتحذير والنذار ،والتذكير بنص النبوءة
الذي جاء به موسى ،ويروى أنه من النبياء الذين قُتلوا ( التعريف بأصحاب السفار من النبياء ،مستقاة من
مقدمة المترجم لكل سفر ) :
:4 :1ويل للمة الخاطئة ،الشعب المثقل بالثم ،ذرية مرتكبي الشرّ ،أبناء الفساد :10 .اسمعوا كلمة الرب يا
حكام سدوم ( قرية لوط ) : 15 … ،عندما تبسطون نحوي أيديكم أحجب وجهي عنكم ،وإن أكثرتم الصلة ل
أستجيب ،لن أيديكم مملوءة دما :16 ،اغتسلوا ،تطهّروا ،أزيلوا شرّ أعمالكم من أمام عيني ،كفوا عن اقتراف
الثم :17 ،وتعلّموا الحسان ،انْشدوا الحقّ ،انصفوا المظلوم ،اقضوا لليتيم ،ودافعوا عن الرملة :19 … ،
إن شئتم وأطعتم ،تتمتعون بخيرات الرض ،وإن أبيتم وتمرّدتم فالسيف يلتهمكم ،لنّ فم الربّ قد تكلّم "
( ويستطرد واصفا حال المدينة آنذاك ) … : 21 " ،كانت تفيض حقّا ،ويأوي إليها العدل ،فأصبحت وكرا
للمجرمين :22 ،صارت فضّتك مزيّفة ،وخمرك مغشوشة بماء :23 ،أصبح رؤساءك عصاة ،وشركاء
لصوص ،يُولعون بالرشوة ويسعون وراء الهبات ،ل يدافعون عن اليتيم ،ول تُرفع إليهم دعوى الرملة " .
" : 8 :3قد َكبَت ( وقعت ) أورشليم ،انهارت يهوذا ( المملكة ) ،لنهما أساءتا بالقول والفعل إلى الرب ،
وتمرّدتا على سلطان ه : 9 ،ملمح وجوههم تشهد عليهم ،إذ يجاهرون بخطيئتهم كسدوم ول يسترونها ،فويل
للذين جلبوا على أنفسهم شرّا : 10 ،ولكن بشّروا الصدّيقين بالخير ،لنهم سيتمتعون بثواب أعمالهم : 11 ،أمّا
الشرّير فويل له وبئس المصير … :12 ،إن قادتكم يُضلّونكم ويقتادونكم في مسالك منحرفة … " .
" :11 :4ويل لمن … يسعون وراء ال ُمسْكِر … :12 ،يتلهّون في مآدبهم بالعود والرباب والدف والناي
والخمر ،غير مكترثين بأعمال الربّ :13 … ،لذلك يُسبى شعبي لنهم ل يعرفون ،ويموت عُظماؤهم جوعا ،
وتهلك العامة عطشا :15 … ،ويُذلّ النسان ويُخفض الناس ويُحطّ كل متشامخ فيها ( ،الذل بعد العلو ) … :18
ويل لمن يجرّون الثم بحبال الباطل :19 … ،ويقولون ليُسرع ويُعجّل بعقابه حتى نراه ( انظر اليات 92،99
السراء و 58،59الكهف ) ،ليُنفذ مقدّس إسرائيل مآربه فينا ،فندرك حقيقة ما يفعله بنا :21 ،ويل للحكماء في
أعين أنفسهم ،والذكياء في نظر ذواتهم :25 … ،لذلك احتدم غضب الرب ضدّ شعبه ،فمدّ يده عليهم وضربهم
،فارتعشت الجبال ،وأصبحت جثث موتاهم كالقاذورات في الشوارع ،ومع ذلك لم يرتدّ غضبه ،ولم تبرح يده
ممدودة بالعقاب :26 ،فيرفع راية لمم بعيدة ،ويصفر لمن في أطراف الرض ،فيقبلون مُسرعين :27 ،دون
أن يكلّوا أو يتعثروا أو يعتريهم نُعاس أو نوم :28 … ،سهامهم مسنونة ،وقسيّهم مشدودة ،حوافر خيلهم كأنها
صوّان ،عجلت مركباتهم مندفعة كالعصار : 29 ،زئيرهم كأنه زئير أسد ،يزمجر وينقض على فريسته ،
ويحملها وليس من منقذ :30 ،يُزمجرون … كهدير البحر ،وإن جاس أحدهم في البلد متفرسا ،ل يرى سوى
الظلمة والضيق ،حتى الضوء قد احتجب وراء سحبه . " ..
: 1 :10ويل للذين يسنّون شرائع ظلم ،وللكتبة الذين يسجّلون أحكام جور : 2 ،ليصدّوا البائسين عن العدل ،
ويسلبوا مساكين شعبي حقّهم ،لتكون الرامل مغنما لهم ،وينهبوا اليتامى :3 ،فماذا تصنعون في يوم العقاب ،
عندما تقبل الكارثة من بعيد ! إلى من تلجئون طلبا للعون ؟ وأين تودعون ثروتكم ؟ لم يبقى شيء سوى أن تجثوا
بين السرى ،وتسقطوا بين القتلى : 21 … ،وترجع بقية ذرية يعقوب إلى الرب القدير ،مع أن شعبك يا
إسرائيل ،فإن بقية فقط ترجع ،لن ال قضى بفنائهم ،وقضاؤه عادل " .
" : 8 :46اذكروا هذا واتعظوا ،انقشوه في آذانكم أيها العصاة ،تذكّروا المور الغابرة القديمة ،لني أنا ال
وليس إله آخر :10 ،وقد أنبأت بالنهاية منذ البداية ،وأخبرت منذ القدم ،بأمور لم تكن قد حدثت بعد ،قائل :
مقاصدي ل بد أن تتم ،ومشيئتي ل بد أن تتحقق :11 ،أدعوا من المشرق الطائر الجارح ،ومن الرض البعيدة
برجل مشورتي ،قد نطقت بقضائي ،ول بد أن أُجريه :12 … ،أصغوا إليّ يا غلظ القلوب ،أيها البعيدون عن
البرّ :13 ،لقد جعلت أوان برّي قريبا ،لم يعد بعيدا ،وخلصي ل يُبطئ …
90
: 15-17 :30لنه هكذا قال الرب ،قدّوس إسرائيل :إنّ خلصكم مرهون بالتوبة والركون إليّ ،وقوّتكم في
الطمأنينة والثقة بي ،لكنكم أبيتم ذلك ،وقلتم :ل بل نهرب على الخيل ،أنتم حقّا تهربون ،لهذا فإن مطارديكم
يُسرعون في تعقّبكم ،يهرب منكم ألف من زجرة واحد ،وتتشتّتون جميعا من زجرة خمسة ،حتى تُتركوا
كسارية على رأس جبل …
نلحظ أن إشعياء يدعوا إلى التوبة والصلح ،ويصف ما وصل ببني إسرائيل من إفساد ،ويذّكرهم ويحذّرهم ،
ويعيد إلى أذهانهم ،مضمون تلك النبوءة ،التي جاءت في أسفار موسى ،ونصوص إشعياء لم تحمل في طياتها
تصريح عن ماهية المبعوثين ،سوى أن الفقرة الخيرة ،ذكرت جهة مخرج البعث ،وربما يكون ذلك إضافة من
مؤلفي التوراة .
تحذيرات ارميا :
ارميا هو ثاني النبياء الكبار ،ويُقال أن هذا النبي ،عاش في الفترة ما قبل وما بعد ،التي وقع فيها السبي
البابلي ،وكان فحوى رسالته :دعوة قومه إلى التوبة والعودة إلى ال ،والتخلي عن الوهام ،وتقدير ال حقّ
قدره ،فل ملجأ منه إل إليه ،ول يردّ غضبه قوة أو مال أو جاه .وقد وُصف هذا النبي ( بالنبي البكّاء ) ،من
كثرة بكاءه على قومه ،بعد وقوع الكارثة التي طالما حذّرهم منها ،فلم يستجيبوا له .
" : 2 :7اسمعوا كلم الرب … : 3قوّموا طرقكم وأعمالكم فأُسكنكم في هذا الموضع : 4 ،ل تتكلّوا على أقوال
الكذب ( النفاق ) :5 ،لكن إن قوّمتم حقّا طرقكم وأعمالكم ،وأجريتم قضاءً عادل فيما بينكم :6 ،إن لم تجوروا
على الغريب واليتيم والرملة ،ولم تسفكوا دما بريئا … وإن لم تضلّوا وراء الوثان :7 ،عندئذ أُسكنكم في هذا
الموضع … إلى البد : 8ها أنتم قد اتكلتم على أقوال الكذب ( نافقتم ) ،ولكن من غير جدوى : 9 ،أتسرقون
وتقتلون وتزنون ،وتحلفون زورا وتبخّرون للبعل ( الصنم ) : 10 ،ثم تمثلون في حضرتي …هل أصبح هذا
الهيكل ( الذي أُقيم لذكري ) مغارة لصوص ؟! … :20لذلك يُعلن الرب :ها غضبي وسخطي ينصبّان على هذا
الموضع …
" : 7 :8إن اللقلق في السماء يعرف ميعاد هجرته ،وكذلك … ،أمّا شعبي فل يعرف قضاء الرب ! : 8كيف
تدّعون أنكم حكماء ،ولديكم شريعة الرب ،بينما حولها قلم الكتبة المخادع إلى أُكذوبة ؟! سيلحق الخزي
بالحكماء ،ويعتريهم الفزع والذهول ،لنهم رفضوا كلمة الرب ،إذ أي حكمة فيهم ؟! لذلك أُعطي نسائهم
لخرين ،وحقولهم للوارثين القاهرين ،لنهم جميعهم من صغيرهم إلى كبيرهم مولعون بالربح ،حتى النبي
والكاهن يرتكبان الزور في أعمالهما ،ويعالجون جراح شعبي باستخفاف ،قائلين :سلمٌ ،سلمٌ ،في حين ل
يوجد سلم ،هل خجلوا عندما ارتكبوا الرجس ؟! كلّ ! لم يخزوا قطّ ،ولم يعرفوا الخجل ،لذلك سيسقطون بين
الساقطين ،وحين أُعاقبهم يُطوّح بهم ،يقول الرب " .
" : 22 :10اسمعوا ،ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ،مقبل من الشمال ،ليحوّل مدن يهوذا ،إلى خرائب
ومأوى لبنات آوى " .
" : 22 :6انظروا ،ها شعبٌ زاحف من الشمال ،وأمّة عظيمة تهبّ من أقاصي الرض ،تسلّحتْ بالقوس
والرمح ،وهي قاسية ل ترحم ،جلبتها كهدير البحر ،وهي مقبلة على صهوات الخيل ،قد اصطفّت كإنسان
واحد ،لمحاربتك يا أورشليم ،سمعنا أخبارهم المرعبة فدبّ الوهن في أيدينا ،وتوّلنا كرب وألم ،كألم امرأة
تعاني المخاض ،ل تخرجوا إلى الحقل ،ول تمشوا في الطريق ،فللعد ّو سيف ،والهول مُحدّق من كل جهة ،فيا
أورشليم ارتدي المسوح ،وتمرّغي في الرماد ،ونوحي كمن ينوح على وحيده ،وانتحبي نحيبا مرا ،لن
المُدمّر ينقض علينا فجأة ،إني أقمتك مُمتَحنا للمعدن ( إقامة مملكتهم كان لمتحانهم ) ،وجعلت شعبي ماد ًة خام ،
لكي تعرف طرقهم وتفحصها ،فكلّهم عصاة متمرّدون ساعون في النميمة ،هم نحاس وحديد ،كلهم فاسدون " .
" :3 :23وأجمع شتات غنمي من جميع الراضي ،التي أجليتها إليها ،وأردّها إلى مراعيها ،فتنموا وتتكاثر ،
وأُقيم عليها رعاة يتعهّدونها ،فل يعتريها خوف من بعد ،ول ترتعد ول تضل ،ها أيام مقبلة أُقيم فيها لداود ذريّة
ِبرّ ،ملكا يسود بحكمة ،ويجري في الرض عدل وحقّا ،في عهده يتمّ خلص شعب يهوذا ،ويسكن شعب
إسرائيل آمنا " .
91
" :3 :30ها أيام مقبلة أردّ فيها سبي شعبي … ،وأعيدهم إلى الرض التي أعطيتها لبائهم فيرثونها ( ،ثم يقول
) :سمعنا صراخ رعب ،عم الفزع وانقرض السلم ، … ،ما أرهب ذلك اليوم ،إذ ل مثيل له ،هو زمن ضيق
على ذرية يعقوب ،ولكنها ستنجوا ،في ذلك اليوم ،يقول الرب القدير :أُحطّم أنيار أعناقهم وأقطع رُبطَهم ( أي
أرفع قيود العبودية والذل عنهم ) فل يستعبدهم غريب فيما بعد ،بل يعبدون الرب إلههم ،وداود ملكهم الذي
أُقيمه عليهم ( شرك بال ) … ،فيرجع نسل إسرائيل ،ويطمئنّ ويستريح ،من غير أن يُضايقه أحد ، … ،فأُبيدُ
جميع المم التي شتّتكَ بينها ،أمّ أنت فل أُفنيك أُودّبك بالحق ،ول أُبرّئك تبرئة كاملة ( ، … ،الخطاب موجّه
لورشليم ) إن جرحك ل شفاء له ،وضربتك ل علج لها ،إذ ل يوجد من يدافع عن دعواك ، … ،قد نسيك
محبّوك ،وأهملوك إهمال ،لني ضربتك كما يَضربُ عدوّ ،وعاقبتكِ عقابَ مبغضٍ قاسٍ ،لن إثمك عظيمٌ
وخطاياك متكاثرة ، … ،لهذا أوقعتك بالمحن ،ولكن سيأتي يوم يُفترس فيه جميع مُفترسيك ،ويذهب جميع
مضايقيك إلى السبي ،ويصبح ناهبيك منهوبين ،لني أردّ لك عافيتك وأُبرئ جراحك " .
النصوص الخيرة أعله ،من النصوص المضلّلة ،التي شكّلت قناعات ومعتقدات ،عامّة اليهود حكماءً
ومغفلين ،وملخصها أنهم في المرة الثانية ،سيقيمون لهم دولة في أرض الميعاد ،ويُبعث لهم ملكا من نسل داود
عليه السلم ،يحكم الرض كلها بالحق والعدل ،وليس فلسطين فقط ،ففلسطين ل تتسع لحلمهم وأوهامهم
وهلوسهم وأمانيّهم ،وينعم اليهود تحت حكمه ،بالسلم والمن إلى البد ( فل بعثا ول نشورا ) ،ويكون فيها
اليهود أسيادا ،وباقي خلق ال عبيدا تحت أقدامهم .
لقد أضاع كتبة التوراة الحقيقة ،وظلموا أجيالهم القادمة من حيث ل يعلمون ،فكذبوا الكذبة وصدّقها أبنائهم ،
وأصبحت من صميم معتقداتهم ،فالمعاصرين من اليهود والنصارى ،يتعاملون مع كل نصوص التوراة ،بغثها
وسمينها ،على أنها من عند ال ،ول مجال لتكذيبها .
يقولون أن النص التالي ،هو رسالة من إرمياء إلى المسبيين في بابل ،يُخبرهم فيها أن مقامهم هناك سيكون
طويل ،وينصحهم فيها بأن يُقيموا فيها ويبنوا بيوتا ،ويتزوجوا ويتكاثروا ،وهذا جزء من نصها :
" : 10 :29ولكن بعد انقضاء سبعين سنة عليكم في بابل ،ألتفت إليكم وأفي لكم بوعودي الصالحة ،بردّكم إلى
هذا الموضع ،لني عرفت ما رسمته لكم ،إنها خطط سلم ل شرّ ،لمنحكم مستقبل ورجاء ، … ،وحين
تجدونني ،أر ّد سبيكم ،وأجمعكم من بين جميع المم ،ومن جميع الماكن التي شتّتكم إليها . " … ،
في الحقيقة أن كتبة التوراة ،كانوا يعتقدون أن عودتهم الجزئية ،من بابل إلى أورشليم ،بعد ( )70سنة من السبي
،في عهد كورش الفارسي كما يُروون ،هي العودة الثانية التي سيتحقق فيها ،النصف الثاني من نبوءة موسى
وإشعياء وارميا ،ومنذ ذلك اليوم وهم ينتظرون ،أن يُبعث فيهم ( الملك الله ) ليُقيم لهم دولة في القدس ،فلم
يكن لهم ذلك ،ويروى أن الذين رجعوا من بابل ،أعادوا بناء الهيكل ،مع معارضة المقيمين .وطال انتظارهم ،
وبين عاميّ ( 37ق.م – 70م ) أي مائة سنة تقريبا ،حصلوا على حكم ذاتي محدود ( المملكة الهيرودية ،وكان
الملك من أصل يهودي آرامي ) ،تحت التاج الروماني ،وفي زمانهم تواجد زكريا ويحيى ،وبُعث إليهم عيسى
عليه السلم ،فتآمروا عليه ودفعوه إلى الرومان ،لقتله وصلبه ،حيث كانت سلطة القتل في أيدي الرومان
الوثنيون .
وبعد زوال مملكتهم على يد ( نبوخذ نصر ) البابلي عام 586م ،وحتى تشتّتهم النهائي على يد ( هادريان )
الروماني عام 135م ،أُخرج أغلبية اليهود منها ،ولم تقم لليهود في فلسطين قائمة ،وأقصى ما استطاعوا
الحصول عليه ،هو ذلك الحكم الذاتي ،في بداية الحكم الروماني لبلد الشام ،حيث قضى هذا المبراطور ،
على أي أمل لهم ،في إعادة إقامة دولتهم الثانية ،فكان إنتشارهم في كافة أرجاء العالم .
( ولنكمل النصوص من سفر ارميا ) : 8 :31 " ،ها آتي بهم من بلد الشمال ،وأجمعهم من أقصي أطراف
الرض ،وفيهم العمى والعرج ،الحبلى والماخض ،فيرجع حشد عظيم إلى هنا "
" :27 :31ها أيام مقبلة ،يقول الرب ،أُكثّر فيها ذرية إسرائيل ويهوذا ،وأُضاعف نتاج بهائمهم أضعافا ،وكما
تربّصت بهم لستأصل ،وأهدم وأنقُض وأُهلك وأُسيء ،كذلك أسهر عليكم لبنيكم وأغرسكم " .
92
" :33 :31سأجعل شريعتي في دواخلهم ، … ،وأكون لهم إلها ويكونون لي شعبا ،لني سأصفح عن إثمهم ،
ولن أذكر خطاياهم من بعد " .
( وهذا محض افتراء وتحريف ،وتتبع هذه الكذوبة عبارات مبهمة ،ومن ثم تُفاجأ بهذه العبارة التي تقول ) " :
عندئذ أَنبذ ذرية إسرائبل من أجل كل ما ارتكبوه " ( ،لتفهم أن العبارات المبهمة ،كانت بدل من عبارات
حذفوها ،وهي عبارات مفادها اشتراط الحسان للثواب والفساد للعقاب ) .
" :38 :31ها أيام مقبلة ،يُعاد فيها بناء هذه المدينة للرب ، … ،ولن تستأصل أو تُهدم إلى البد " .
بالنظر في قولهم هذا ،وخاصة العبارة الخيرة ،نجد أن مؤلفي التوراة ،قضوا على أي أمل لليهود ،في
الصلح الصلح في دولتهم الحالية ،حيث أنه شرط أساسيّ في استمرار وجودهم ،فمؤدّى هذه العبارة ،أنهم
سيقيمون فيها إلى البد ،بغض النظر عن إصلحهم أو إفسادهم فيها ،لتصبح نهاية دولتهم حتمية في الموعد
المحدّد ،وقد لحظت من خلل تتبعي ،لما جاء في المرة الثانية ،أنهم بعد كل عقاب مأساوي يحل بهم ،يبدءون
بذكر العودة والجمع من الشتات ،والبركة والكثرة ،ويفيضون فيها وصفا وشرحا ،والنتيجة تكون على الدوام
هي ،انتصار ربهم على أعدائهم ومحقهم عن بكرة أبيهم ،وجعل أرضهم صحراء قاحلة ،أما هم فيعشون جنة
ونعيما ،ويكون لهم الملك في الرض إلى البد ،بعد أن رضيَ عنهم ربهم ورضوا عنه .
( وانظر إلى هذه النبوءة في المرة الثانية على لسان الرب ) " :10 :42إن أقمتم في هذه الرض ،فإني أبنيكم ول
أهدمكم ،وأغرسكم ول أستأصلكم ،لني أسفت على الشرّ الذي ألحقته بكم ( ربهم يأسف ) ،ل تخشوا ملك
بابل ،الذي أنتم منه خائفون ،فإني معكم لخلصكم وأنجيكم من يده ( بل قيد أو شرط ) ،وأُنعم عليكم ،فيرحمكم
ويردّكم إلى أرضكم " ( ،فربهم يأسف ،ويحضّهم على عدم الخشية من ملك بابل ) .
السبي البابلي :
هذا الحدث المشهور تاريخيا والمعروف ( بالسبي البابلي ) ،هو أول وأقسى وأفظع حدث ،وقع في تاريخ اليهود
كأمة ،أثناء تواجدهم في فلسطين ،من حيث الذى الجسدي والنفسي ،وكان له أبلغ الثر ،في وجدان وفكر
الشعب اليهودي ،وليس أدل على ذلك ،من أن عدد الصفحات ،التي تتطرّق إلى ذكر متعلّقات هذا الحدث ،
وتفصّله من جميع جوانبه ،هو ( )400 – 350صفحة ،أي ما يُعادل ثلث التوراة .وقد جاء في كتاب ( الختراق
الصهيوني للمسيحية ) للقس إكرام لمعي ،ونقل عن كتاب ( تاريخ اليهود ) للكاتب ( بول جونسون ) ما نصه :
" وفي بابل لم يعامل اليهود معاملة سيئة ،فقد وجدت مخطوطات بجوار عشتاروت – أقدم مدن بابل – وجد فيها
قائمة بأسماء المسبيين ،ونشاطهم في بابل ،وكان بها اسم ( يهوياكين ) ملك يهوذا ،وبعض السماء الخرى ،
وموضح بها أن اليهود عملوا بالتجارة ،واكتسبوا أموال كثيرة ،وكانت لهم أوضاعهم المتميزة إلى حدّ ما " .
وأما أشور فيشير نفس الكاتب ،إلى عدم وجود أي دليل من ذكر أو أثر ،يؤكد رواية سبيهم إليها .
رواية التلمود عن تدمير الهيكل :
نص منقول عن كتاب ( التلمود تاريخه وتعاليمه ) لظفر السلم خان :
" عندما بلغت ذنوب إسرائيل مبلغها ،وفاقت حدود ما يُطيقه الله العظيم ،وعندما رفضوا أن يُنصتوا لكلمات
وتحذيرات ارميا ،ترك النبي أورشليم وسافر إلى بلد بنيامين ،وطالما كان النبي ل يزال في المدينة المقدّسة ،
كان يدعو لها بالرحمة فنجت ،ولكنه عندما هجرها إلى بلد بنيامين ،دمّر نبوخذ نصر بلد إسرائيل ،وحطّم
الهيكل المقدّس ،ونهب مجوهراته ،وتركه فريسة للنيران الملتهبة ،وكان نبورذدان الذي آثر البقاء في ريبله
( منطقة سورية بالقرب من حماة ) ،قد أرسل نبوخذ نصر لتدمير أورشليم " .
" وقبل أن يبدأ نبوخذ نصر حملته العسكرية ،سعى لمعرفة نتائج الحملة ،بواسطة الشارات نظرا لذهوله ،
فرمى من قوسه نحو المغرب ،فسارت باتجاه أورشليم ،ثم رمى مرة أخرى نحو الشرق ،لكن السهم اتجهت
نحو أورشليم ،ثم رمى مرة أخرى ،ليتأكد من محل وقوع المدينة المُذنبة ،التي وجب تطهيرها من الرض ،
وللمرة الثالثة اتجهت سهمه نحو أورشليم ،وبعد أن استولى نبوخذ نصر على المدينة ،توجّه مع أُمرائه وضباط
93
جيشه ،إلى داخل الهيكل ،وصاح ساخرا مخاطبا إله إسرائيل :وهل أنت الله العظيم الذي يرتعد أمامه العالم ؟
ها نحن في مدينتك ومعبدك ! " .
" ووجد نبوخذ علمة لرأس سهم ،على أحد جدران الهيكل ،كأن أحدا قُتل أو أُصيب بها ،فسأل :من قُتل هنا ؟
فأجاب الشعب ( :زكريا بن يهوياداه ) كبير الكهنة ،لقد كان يُحذّرنا في كل ساعة من حساب اعتداءاتنا ،وقد
سئمنا من كلماته ،فانتهينا منه .فذبح جنود نبوخذ نصر سكان أورشليم ،كهنتها وشعبها ،كهولها وشبابها
ونسائها وأطفالها ،وعندما شاهد كبير الكهنة هذا المنظر ،ألقى بنفسه بالنار ،التي أشعلها نبوخذ نصر في
الهيكل ،وتبعه بقية الكهنة مع عودهم وآلتهم الموسيقية الخرى ،ثم ضرب جنود نبوخذ نصر السلسل
الحديدية ،في أيدي باقي السرائيليين " .
" ورجع ارميا النبي إلى أورشليم ،وصحب إخوانه البؤساء ،الذين خرجوا عرايا ،وعند وصولهم إلى مدينة ،
تُسمى بيت كورو ،هيّأ لهم ملبس جيدة ،وتكلّم مع نبوخذ نصر والكلدانيين ،قائل لهم :ل تظن ،أنك بقوتك
وحدها ،استطعت أن تتغلّب على شعب الرب المُختار ،إنها ذنوبهم الفاجرة ،التي ساقتهم إلى هذا العذاب " .
نجد أن رواية التلمود أكثر وضوحا من رواية التوراة ،حيث أنها لم تذكر مملكتين ،وتؤكد أن اسم المملكة
الجنوبية ،المقام فيها الهيكل هو إسرائيل ،وليس يهوذا كما ذُكر في التوراة .وأن من أسقطوا عليهم اسم إسرائيل
والمملكة الشمالية ،هم الذين أُخرجوا من ديارهم ،ولم يقع فيهم السبي الشوري المزعوم ،وبقوا على حالهم
خارج حدود المملكة ،حيث يذكر النص التلمودي أن ارميا النبي لجأ إليهم " ترك النبي أورشليم وسافر إلى بلد
بنيامين " .وبنيامين حسب التوراة ،هو الخ الشقيق ليوسف عليه السلم ،وهذا يوحي أن الحقد القديم بين
الخوة الباء ،توارثه البناء على مرّ العصور ،وبأن السباط الخرى القوية ،أخرجت سبط بنيامين
المستضعف ،عندما سيطرت على مقاليد الحكم ،بعد سليمان عليه السلم .وبالتالي يُثبت هذا النص وقوع السبي
البابلي ،وينفي وقوع السبي المسمى بالشوري .وأن أشور وبابل آنذاك ،تسميتان لمملكة واحدة ،عند كتبة
التوراة ،وأن أحد مصادر التوراة ذكر على أنه بابلي ،والخر ذكره على أنه آشوري ،وأما نبوخذ نصر ،
فتجده أحيانا ملكا ،وأحيانا وزيرا أو قائدا للجيش ،أو قائدا للحرس .
مقتطفات من رثاء ارميا لشعبه ولورشيلم بعد السبي البابلي :
( من كتاب مراثي ارميا في نهاية سفره ) :1 " :كيف أصبحت المدينة الهلة بالسكان مهجورة وحيدة ؟! هذه
التي كانت عظيمة بين المم ،صارت كأرملة ! صارت السيدة بين المدن تحت الجزية ! تبكي في الليل بمرارة ،
وتنهمر دموعها على خدّيها ،ل مُعزّي لها بين مُحبيها ،غدر بها جميع خلّنها ،وأصبحوا أعداءً لها ،سُبيت
يهوذا إلى المنفى ، … ،فأقامت شقية بين المم ، … ،تهدّمت جميع أبوابها ، … ،ارتكبت أورشليم خطيئة
نكراء فأصبحت نجسة ، … ،لم تذكر آخرتها لهذا كان سقوطها رهيبا ، … ،بدّد الربّ جميع جبابرتي في
شبّاني ،داس الربّ العذراء بنت صهيون ،كما يُداس العنب فيوسطي ،وألّب عليّ حشدا من أعدائي ليسحقوا ُ
المعصرة ، … ،الربّ عادل حقا ،وقد تمرّدت على أمره ،فاستمعوا يا جميع الشعوب ،واشهدوا وجعي ،قد
ذهب عذارايَ وشبّاني إلى السبي َ ، … ،فنِيَ كهنتي وشيوخي في المدينة ، … ،ها السيف يثكل في الخارج ،
ويسود الموت في البيت … " .
" :2قد هدم الربّ بل رحمة ،جميع مساكن يعقوب ، … ،وألحق العار بالمملكة وحكّامها ،إذ سوّاها
بالرض ، … ،وتّر قوسه كعدوّ ،نصب يمينه ك ُم ْبغِض ،ذبح بقسوة كلّ عزيز في عيوننا ، … ،وهدم جميع
قصورها ودمّر حصونها ، … ،جلس شيوخ ابنة صهيون على الرض صامتين ،عفّروا رؤوسهم بالرماد ،
وارتدوا المسوح ،وطأطأت عذارى أورشليم رؤوسهن إلى الرض ،كلّت عيناي من البكاء ، … ،نفّذ الرب
قضاءه ،وحقق وعيده الذي حكم به منذ الحقب السالفة ،هدم ولم يرأف ،فأشمت بك الخصوم ،وعظّم قوة
عدوك ، … ،انظر يا ربّ وتأمّل ، … ،قد انطرح الصبيان والشيوخ في غبار الطرقات ،سقط عذارايَ
شبّاني بالسيف ،قد قتلتهم في يوم غضبك ،ونحرتهم من غير رحمة … "
وُ
" : 3أنا هو الرجل الذي شهد البلية ،التي أنزلها قضيب سخطه ، … ،ولكن هذا ما أُناجي به نفسي ،لذلك
يغمرني الرجاء ،من إحسانات الرب ،أننا لم نفنَ ،لن مراحمه ل تزول ، … ،فلماذا يشتكي النسان حين
94
يُعاقب على خطاياه ؟ … ،لنفحص طرقنا ونختبرها ،ونرجع إلى الرب ،لنرفع أيدينا وقلوبنا إلى ال في
السماوات " … ،
" ، … :4لن عقاب إثم ابنة شعبي ،أعظم من عقاب خطيئة سدوم ،التي انقلبت في لحظة ،من غير أن تمت ّد
إليها يد إنسان ،كان نُبلؤها ،أنقى من الثلج ،وأنصع من اللبن ،أجسادهم أكثر حمرة من المرجان ،وقاماتهم
كالياقوت الزرق ،فأصبحت صورتهم أكثر سوادا من الفحم ،فلم يُعرفوا في الشوارع ، … ،نفث الربّ كامل
سخطه ،وصبّ حموّ غضبه ،وأضرم نارا في صهيون ،فالتهمت أُسسها ، … ،عقابا لها على خطايا أنبيائها ،
وآثام كهنتها ،الذين سفكوا في وسطها دماء الصدّيقين ، … ،آذنت نهايتنا ،وتمّت أيامنا ،وأزِفت خاتمتنا ،كان
مُطاردونا أسرع من نسور السماء ،تعقّبونا على الجبال ،وتربّصوا بنا في الصحراء " … ،
" :5اذكر يا ربّ ما أصابنا ،انظر وعاين عارنا ،قد تحوّل ميراثنا إلى الغرباء ،وبيوتنا إلى الجانب ،أصبحنا
أيتاما ل أب لنا ،وأمهاتنا كالرامل ، … ،داس مُضطهدونا أعناقنا ،أُعيينا ولم نجد راحة ،خضعنا باسطين
أيدينا إلى أشور ومصر ،لنشبع خبزا ، … ،تسلّط علينا عبيد ،وليس من يُنقذنا من أيديهم ، … ،اغتصبوا
النساء في صهيون ،والعذارى في مُدن يهوذا ،عُلّق النبلء من أيديهم ،ولم يوقّروا الشيوخ ( كبار القوم ) .
شبّان للطحن ،وهوى الصبيان تحت الحطب ،هجر الشيوخ ( كبار السن ) بوّابات المدينة ،وكفّ سخّروا ال ُ
الشبّان عن غنائهم ،انقطع فرح قلوبنا ،وتحوّل رقصنا إلى نوح ،تهاوت أكاليل رؤوسنا ،فويل لنا لننا قد
غشِي على قلوبنا ،وأظلمت عيوننا ،لن جبل صهيون أصبح أطلل ،ترتع فيه الثعالب " . أخطأنا ،لهذا ُ
95
فلسطين عبر التاريخ
تدمير الهيكل الثاني على يد المبراطور الروماني ( تيطس أو تايتوس ) 70 .م
إخماد ثورة ( باركوبا ) اليهودي ضد الرومان ،وإبعاد بقية اليهود عن القدس ،على يد المبراطور ( هادريان )
135 -132 .م
638 – 313م فلسطين تحت الحكم البيزنطي ( نسبة إلى بيزنطة ) .
( في عام 330م أسّس المبراطور قسطنطين ،الذي جعل المسيحية الدين الرسمي للمبراطورية ،عاصمة
جديدة للنصف الشرقي في بيزنطة عُرفت بالقسطنطينية .وفي عام 395م انقسمت المبراطورية الرومانية ،إلى
قسمين :شرقية عاصمتها بيزنطة ( القسطنطينية ) وغربية وعاصمتها روما ،ومع اتخاذ المسيحية كديانة
رسمية للمبراطورية الرومانية ،بدأ عصر الضطهاد المسيحي لليهود ،واستمرّ حتى منتصف القرن
الماضي )
638م العرب المسلمون يفتحون فلسطين ،في عهد الخليفة عمر بن الخطاب .
1099 - 638م فلسطين تحت الحكم السلمي ( المويون ،العباسيون ،الفاطميون ،السلجقة ) .
96
الصليبيون يقيمون المملكة اللتينية في القدس 1187 - 1099 .م
صلح الدين اليوبي يهزم الصليبيين في معركة حطين 1187 .م
1220م فلسطين تحت حكم المماليك بعد هزيمة المغول فى موقعة عين جالوت .
فلسطين جزء من المبراطورية العثمانية وعاصمتها استنبول ( القسطنطينية ) 1917 - 1516 .م
تاريخ فلسطين الحديث :
إنشاء أول مستوطنة زراعية صهيونية ( بتاح تكفا ) في فلسطين 1878 .م
البارون ( ادموند دورتشلد ) ،يبدأ دعمه المالي للمستوطنات اليهودية 1882 .م
أول موجة من 25ألف مهاجر صهيوني تدخل فلسطين ،وغالبيتهم من أوروبا الشرقية 1903 – 1882 .م
ينعقد المؤتمر الصهيوني الول " في بال بسويسرا " ويصدر " برنامج بال " الذي يدعو إلى إقامة وطن للشعب
اليهودي في فلسطين ،ويقرر إنشاء ( المنظمة الصهيونية العالمية ، ) WZOللعمل من أجل هذا الهدف .
1897م
إنشاء أول كيبوتز على قاعدة العمل اليهودي ،إنشاء قاعدة تل أبيب شمالي يافا 1909 .م
بداية الحرب العالمية الولى 1914 .م
المراسلت بين الشريف حسين (شريف مكة وقائد الثورة العربية ضد العثمانيون ) ،وبين سير هنري مكماهون
( المندوب السامي في مصر ) ،تنتهي إلى اتفاق استقلل ووحدة البلد العربية ،تحت الحكم العربي بعد انتهاء
الحرب 3/1/1916 .م
اتفاقية ( سايكس بيكو ) السرية ،لتقسيم البلد العربية ،التي كانت تحت الحكم العثماني بين بريطانيا وفرنسا .
16/5/1916م
( وقد كشف البلشفة ( الروس ) النقاب عنها في تشرين أول 1917م )
الشريف حسين يعلن استقلل العرب ،عن الحكم العثماني ،وبداية الثورة العربية 1916 .م
وزير الخارجية البريطاني ( بلفور ) ،يتعهد بالدعم البريطاني ،لوطن قومي لليهود في فلسطين 2/11/1917 .م
قوات الحلفاء بقيادة الجنرال اللنبي البريطاني تحتل فلسطين 9/1917/- .م
نهاية الحرب العالمية الولى 30/10/1918 .م
المجلس العلى لمؤتمر السلم سان ريمو يعطي بريطانيا النتداب على فلسطين 25/4/1920 .م
المندوب السامي سير هربرت صموئيل السياسي اليهودي النجليزي يدشن " الدارة المدنية البريطانية " .
1/7/1920م
عصبة المم تق ّر النتداب على فلسطين 24/7/1921 .م
1/9/1938م بداية الحرب العالمية الثانية .
اللجنة المريكية – النجليزية لتقصي الحقائق ،تصل إلى فلسطين 6/3/1946 .م
تقرير اللجنة المريكية النجليزية يقدر حجم القوات المسلحة اليهودية ( ) 69 - 61ألف فرد ،ويوصي بقبول
100.000يهودي في فلسطين ،وفلسطين تضرب احتجاجا ( .هنا تدخل العناية المريكية ) 5/1946/- .م
لجنة المم المتحدة الخاصة تقترح خطة للتقسيم ،والجامعة العربية ترفضها 8/9/1947 .م
بريطانيا تعلن أنها ستغادر فلسطين خلل ستة شهور إذا لم يتم التوصل الى تسوية 29/10/1947 .م
97
الجمعية العامة للمم المتحدة ،توصي بتقسيم فلسطين بنسبة %56.5لدولة يهودية ،ونسبة %43للدولة
الفلسطينية ،ومنطقة دولية حول القدس 29/11/1947 .م
الجامعة العربية تنظم جيش النقاذ العربي ( قوة متطوعين بقيادة فوزي القاوقجي ،لمساعدة الفلسطينيين في
مقاومة التقسيم ) 12/1947/- .م
بريطانيا توصي المم المتحدة ،بإنشاء دولتين يهودية وفلسطينية ،بعد أسبوعين من انتهاء النتداب .
8/12/1947م
جيش النقاذ العربي يشن هجمات ناجحة على المستعمرات السرائيلية شمالي بيسان 16/2/1948 .م
القاوقجي يدخل فلسطين ويقود وحدات جيش النقاذ في مثلث جنين – نابلس -طولكرم 7/3/1948-5 .م
الرئيس المريكي ( ترومان ) يدعو الى هدنة فورية للقتال 25/3/1948 .م
عصابة شتيرن ترتكب مذبحة في دير ياسين بالقرب من القدس تسفر عن مقتل اكثر من 250شخصاً .
9/4/1948م
قرار لمجلس المن يدعو إلى هدنة 17/4/1948 .م
15/5/1948م نهاية النتداب البريطاني ،وإعلن الدولة السرائيلية من تل أبيب .
القوات اللبنانية تعبر الحدود وتستعيد مؤقتا قرى المالكية وقدس من الهاجاناة 17/5/1948 -15 .م
القوات الردنية تعبر نهر الردن ،وتتحرك صوب القدس ،وتسيطر على الشيخ جراح والحي اليهودي ،في
المدينة القديمة 28/5/1948 -15 .م
الوحدات العراقية تعبر نهر الردن ،وتتحرك نحو مثلث نابلس ،جنين ،طولكرم 4/6/1948 – 15/5 .م
القوات المصرية تعبر الحدود ،وتتحرك عبر الساحل إلى اسدود 7/6/19489 – 15/5 .م
تقدم الطوابير السورية عبر الشمال 10/6/1948 -16/5 .م
مجلس المن الدولي يعين الكونت ( فولك برنادوت ) كوسيط دولي في فلسطين 20/5/1948 .م
قرار مجلس المن الدولي ،بوقف إطلق النار 1948 /22/5 .م
الهدنة الولى 8/7/1948 -11/6 .م
الهدنة الثانية 15/10/1948 -18/7 .م
تقرير الوسيط الدولي ( برنادوت ) يقترح تقسيم فلسطين الى دولتين ؛ عربية وإسرائيلية ،مع بقاء القدس منطقة
دولية ،وتُرفض من العرب وإسرائيل 16/9/1948 .م
اغتيال الوسيط الدولي ( برنادوت ) في القدس ،بواسطة عصابة شتيرن ،ويخلفه نائبه المريكي ( رالف باتش )
.
عام 1949م :
توقيع اتفاقيات الهدنة من قبل الدول العربية التي شاركت في حرب 48باستثناء العراق :
24/2الهدنة المصرية – السرائيلية .
23/3الهدنة اللبنانية – السرائيلية .
3/4الهدنة الردنية -السرائيلية .
20/5الهدنة السورية – السرائيلية .
98
المراحل الزمنية في تاريخ اليهود حسب ما جاءت في سورة السراء
توضح اليات من ( ) 8 – 4من سورة السراء ،خمس مراحل زمنية ،من تاريخ بني إسرائيل ،وهي :
عُلوّا كَبِيرًا
ن وَلَ َتعْلُنّ ُ
ض مَرّتَيْ ِ
♦المرحلة الولى ( :وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ فِي ا ْلكِتَ ابِ لَ ُت ْفسِدُنّ فِي الَْ ْر ِ
()4
( زمن موسى عليه السلم ،حيث أوحى إليه ربه عز وجل ،فيما أنزل إليه من الكتاب نص هذه النبوءة ،
والرجح أنها أنزلت في بداية فترة التيه قبل أربعين عاما ،من دخولهم الول للرض المقدسة ) .
ن وَعْدًا َم ْفعُولً ()5
♦المرحلة الثانية ( :فَإِذَا جَا َء وَعْ ُد أُولَ ُهمَا ………………… …… …… وَكَا َ
( منذ نهاية فترة التيه … بدء حرب الملك طالوت ،لدخول الرض المقدسة …مُلك ونبوّة داود وسليمان عليهما
السلم … مُلك مُتوارث بدون نبوّة :فساد وإفساد … حتى السبي البابلي سنة 586قبل الميلد ) .
♦المرحلة الثالثة ُ … ( :ثمّ … ()6
( منذ السبي البابلي … بعث عيسى عليه السلم … نزول سورة السراء بنص هذه النبوءة سنة 621م … إلى
ما قبل حرب 1948م ) .
♦المرحلة الرابعة ( :رَدَدْنَا َل ُكمْ ا ْلكَرّةَ عَلَ ْي ِه ْم … … … … … وَلِيُتَبّرُوا مَا عَ َلوْا تَتْبِيرًا ()7
( منذ قيام دولة إسرائيل ( 15/5/1948م ) … وانتصار الجيش إسرائيلي في حروبه … ووصول الدولة إلى قمة
مجدها … حتى نهايتها ) .
حمَ ُكمْ َوإِنْ عُدْ ُتمْ عُدْنَا … ( )8
عسَى رَ ّب ُكمْ أَنْ َي ْر َ
♦المرحلة الخامسة َ ( :
( منذ نهاية إسرائيل … قيام الدولة العربية المتحدة في بلد الشام والعراق … الحرب العالمية النووية الثالثة …
ظهور المهدي … معارك المهدي … قيام المبراطورية السلمية وعاصمتها القدس … خروج الدجال …
نزول عيسى عليه السلم … هروب الدجال وأتباعه إلى فلسطين … قتل الدجال … نطق الحجر والشجر …
حتى الذبح النهائي لبني إسرائيل على أرض فلسطين ) .
99
الجزء الثاني
100
المؤامرة اليهودية على العالم
" ويل للمُتآمرين بالسوء ،الذين يحيكون الشرّ ،وهم في مضاجعهم ،الذين يُنفّذون عند طلوع الفجر ،ما
خطّطوا له ( في الليل ) ،لن ذلك في مُتناول أيديهم ،يشتهون حقول فيغتصبونها ،وبيوتا فيستولون عليها ،
يجورون على الرجل ،وعلى بيته ،وعلى النسان وميراثه " ( التوراة :سفر ميخا . ) 2-1 :2 ،
" قد باد الصالح من الرض ،واختفى المُستقيم من الناس ،جميعهم يكمنون لسفك الدماء ،وكل واحد منهم
يقتنص أخاه َ .تجِدّ أيديهم في ارتكاب الشرّ ،ويسعى الرئيس والقاضي وراء الرشوة ،ويملي العظيم عليهم
أهواء نفسه ،فيتآمرون جميعا على الحقّ .أفضلهم مثل العوسج ،وأكثرهم استقامة مثل سياج الشوك "
( التوراة :سفر ميخا . ) 3-2 :7 ،
هذه النصوص التي تكشف حقيقة اليهود والعقلية التي يفكّرون ،لم تخطّها قلم كاتب عربي أو غربي حاقد ،على
اليهود واليهودية ،من المعادين للسامية اليهودية ،وإنما جاءت في التوراة ،كتاب اليهود والنصارى المقدّس .
وبالرغم من ذلك ما زال الكثير ،من مفكري وكتاب العرب في هذا العصر الغبر ،ينكر أن هناك مؤامرة تُحاك
ضد كل ما هو مسلم ،وضد كل ما هو عربي ،بل ضد كل ما هو غير يهودي ،ويتهمون كل من يقول بذلك ،
بأنه من مؤيدي نظرية المؤامرة ،التي ل أصل لها من الصحة .أما ما نقوله نحن في هؤلء أحد أمرين ،إما أن
يكونوا شركاء في المؤامرة ،ويعملون ما بوسعهم لتجهيل الناس بعلم ،حتى ل يتنبّهوا لسلحتها ورموزها
فيُقاوموها ،وإما أن يكونوا أُناس ،يعيشون على سطح كوكبٍ ،غير الذي نعيش فيه ،يُدلون بدلوهم ليُضلّوا
الناس بغير علم .
الديانة اليهودية :
لنعلم أن تسمية القرآن لبني إسرائيل باليهود ،أُطلقت عليهم لقولهم ( إِنّا هُدْنَا إِلَيْكَ ( 156العراف ) ،وذلك بعد
اتخاذهم العجل ،بمعنى أنهم أعلنوا التوبة عن فعلهم والرجوع إلى ال ،وفي الحقيقة كان ذلك قولهم بألسنتهم ،
جلَس ِمعْنَا وَعَصَيْنَا َوُأشْرِبُوا فِي قُلُو ِب ِهمُ ا ْل ِع ْ وأما قلوبهم فأُشربت وشُغفت بعبادة العجل ،حيث قال سبحانه ( قَالُوا َ
سمَا يَ ْأ ُم ُركُمْ ِبهِ إِيمَا ُنكُمْ إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ ( 93البقرة ) ،وكان هذا حالهم بمعية نبيهم موسى عليه ِبكُفْ ِر ِهمْ ُقلْ بِ ْئ َ
السلم .ولم يختلف حالهم مع نبينا محمد عليه الصلة والسلم ،حيث قال فيهم سبحانه ( مِنَ الّذِينَ هَادُوا
سمَعٍ ،وَرَاعِنَا لَيّا بِأَ ْلسِنَ ِت ِهمْ َوطَعْنًا فِي سمَعْ غَيْرَ ُم ْ س ِمعْنَا وَعَصَيْنَا ،وَا ْ
ض ِعهِ ،وَ َيقُولُونَ َ ُيحَرّفُونَ ا ْلكَلِمَ عَنْ َموَا ِ
سمَعْ وَا ْنظُرْنَا َ ،لكَانَ خَيْرًا َل ُهمْ َوأَ ْقوَمَ وَ َلكِنْ َلعَ َنهُمُ الُّ ِب ُكفْرِ ِهمْ َفلَ
طعْنَا وَا ْ
س ِمعْنَا َوأَ َ
الدّينِ ،وَ َلوْ أَ ّن ُهمْ قَالُوا َ
ن ِإلّ َقلِيلً ( 46النساء ) . ُي ْؤمِنُو َ
وأما الديانة اليهودية :فهي معتقد ،اختلط فيه شيء ،من بقايا مشوّهة لكتب أنبيائهم ،مع آراء وتفسيرات
أحبارهم ،ومعتقدات وأساطير وخرافات القوام ،التي عاشوا فيما بينها ،على مرّ العصور ،ومصدر هذه
العقيدة في الصل هو التوراة ،والتي سبق أن قلنا أنها كُتبت بشكلها النهائي ،في القرن الول الميلدي ،قبل
خروجهم النهائي من فلسطين ،وتشتّتهم في كافة أرجاء الرض .
وفيما بعد السبي البابلي ،قام كهنتهم وأحبارهم ( حكمائهم ) ،بتأليف كُتب جمعوا فيها ،معتقداتهم وآرائهم
وشروحهم للتوراة ،وقالوا أنها القانون الشفوي ،الذي لم يأتِ به موسى عليه السلم مكتوبا ،والذي تناقلوه
سمّي بالتلمود ،والذي يعتبرونه أكثر قُدسية من التوراة نفسها ، شفاها عبر الجيال ،وجُمعت هذه المؤلفات فيما ُ
ولديهما تلمودان أحدهما جُمع في فلسطين عام 400م ،وسُميَ تلمود أورشليم ،والخر جُمع في بابل عام 500
م ،وسُميَ تلمود بابل ،وهو الشهر ويقع في 36مُجلّدا .وقد كان التلمود يُعامل بسرية ،فيما بين اليهود ،وقد تم
طبعه في أوروبا ،في القرون الوسطى ،وكلّما أُكتشف أمره في الدول الوربية ،كان يُصادر ويُجمع ويُحرق ،
وكان اكتشافه سببا ،في كثير من حالت الضطهاد والتعذيب والقتل والنفي لليهود .ومن هذا نخلص إلى أن
الديانة اليهودية ،هي ما جاء من معتقدات في التلمود أول وثانيا وثالثا … ،والتوراة على ما بقي فيها من وحي
أخيرا .
101
ماهية التلمود ومعتقدات اليهود :
قال د ( .جوزيف باركلي ) أحد الباحثين في التلمود " :وبعض أقوال التلمود مغالٍ ( مُبالغ فيه ) ،وبعضها كريه
،وبعضها الخر كفر .ولكنها تشكّل في صورتها المخلوطة ،أثراً غير عادي ،للجهد النساني ،وللعقل
النساني ،وللحماقة النسانية " .
ومما جاء في التلمود من تعاليم ،نعرض بعض المقتطفات التالية ،من كتابيّ ( تعاليم التلمود ) لظفر السلم
خان ،و( بروتوكولت حكماء صهيون ) لعجاج نويهض :
يقول عجاج نويهض " :هذه الكلمات للعلمة ( بولس حنا مسعد ) ،صاحب كتاب ( همجية التعاليم
الصهيونية ) ،ومما قاله المؤلف في مقدمته " :للمسيحي إنجيله يبشّر به العالم ،وللمسلم قرآنه ينشره بين جميع
الشعوب ،أما السرائيلي فله كتابان ؛ كتاب معروف وهو التوراة ،ل يعمل به ،والخر مجهول ل يعرفه العالم
( التلمود ) ،يفضّله على الول ويدرسه خفية ،وهو أساس كل مصيبة .والنصارى يؤمنون بأن ال هو أبو
الجميع ،والمسلمين يعترفون بأن ال رب العالمين .أما الصهيونيون يريدون أن يكون الله ،لهم وحدهم ،زد
على ذلك ،أن التلمود ينصّ على أن جميع خيرات الرض ،ملك لبني إسرائيل ،وأن النصارى والمسلمين
وعبدة الوثان ،خلقوا عبيدا لهم .هم منحدرون من ال ،كما ينحدر البن من أبيه ،وشعوب الرض مشتّقة من
الرواح النجسة ،ولم يُعطوا صورة النسانية ،إل إكراما لبني إسرائيل " .
نظرة التلمود لكافة البشر :
المخلوقات نوعان ؛ علوي وسفلي .العالم يسكنه سبعون شعبا بسبعين لغة .إسرائيل صفوة المخلوقات ،واختاره
ال ،لكي تكون له السيادة العليا ،على بني البشر جميعا ،سيادة النسان على الحيوان المُدجّن " .إن نفوس
اليهود منعّم عليها ،بأن تكون جزءا من ال ،فهي تنبثق من جوهر ال ،كما ينبثق الولد من جوهر أبيه " ،و"
هذا السبب يجعل نفس اليهودي ،أكثر قبول عند ال ،وأعظم شأنا عند ال ،من نفوس سائر الشعوب ،لن
هؤلء تُشتقّ نفوسهم من الشيطان ،وهي مشابهة لنفوس الحيوانات والجماد " .
ولهذا يقول التلمود " :أن زرع ( نطفة ) الرجل غير اليهودي هي زرع حيواني " .و" زرع الغراب كزرع
الحصان " .و" إن غير اليهود كلب عند اليهود " .و" إن غير اليهودي ،ل يختلف بشيء عن الخنزير البري
" .و" إن بيوت غير اليهود زرائب للحيوانات " ،و" قد كُتب على شعوب الرض :لحومكم من لحوم الحمير ،
وزرعكم من زرع الحيوانات " .و" كما أن ربة البيت تعيش من خيرات زوجها ،هكذا أبناء إسرائيل ،يجب أن
يعيشوا من خيرات المم ،دون أن يتحمّلوا عناء العمل " .
نظرة التلمود إلى العرب ( القدماء ) :
أمة مُحتقرة ،من العار الزواج بعربية ،يعبدون الصنام ،مرتكبو تسعة أعشار الجرائم في العالم ،صفتهم
الغدر وكراهية اليهود ،كانوا قادة تخريب الهيكل مع نبوخذ نصر .
التعامل مع الملل الخرى :
" إن عبدة الوثان ،الذين ل يعتنقون الدين اليهودي ،والمسيحيين والمسلمين ،هم في نظر اليهود أعداء ال
وأعداء اليهود " .و" يسمح التلمود لصدقاء ال وأقاربه ،في أن يُضلّوا الشرار " .و" ممنوع السلم على
الكفار " ،ولكنّ " الرياء مسموح به " .و" يُمكنك أن تغشّ الغريب وتدينه بالربا الفاحش " .و" يجب انتزاع
قلب النصراني من جسده ،وإهلك علية القوم منهم " .و" إذا ردّ أحد اليهود إلى الغريب ما أضاعه ،فالرب ل
يغفر له أبدا " .و" أُقتل عبدة الوثان ،ولو كان أكثر الناس كمال " .و" إذا وقع وثني في حفرة فاسددها عليه
بحجر " .و" من يسفك دم الكفار ( غير اليهود ) بيده ،يقدّم قربانا مُرضيا ل " .وإجمال يقول التلمود :أن من
ينتهك الوصايا العشر مع غير اليهود فهو جائز بل واجب .
102
التجديف على ال :
" اليهود يضعون التلمود فوق التوراة ،والحاخام فوق ال ،وال يقرأ وهو واقف على قدميه ،وما يقوله الحاخام
يفعله ال ،إن تعاليم اللهوتيين في التلمود ،لهي أطيب من كلم الشريعة ( كلم ال ) ،والخطايا المُقترفة ضد
التلمود ،لهي أعظم من المقترفة ضد التوراة " .و" إن الرباني مناحيم يُطلعنا بالتفاق مع كثير من العلماء ،
على أن ال يأخذ رأي الربانيين على الرض ،في المشاكل التي تنشأ في السماء " .و" إن كلمات الربانيين أشدّ
عذوبة من كلمات النبياء … وذلك لن كلماتهم هي كلمات ال " .
و" إن ال قد تاب عن تركه بني إسرائيل ،يرتطمون في الشقاء ،كمن يتوب عن إثم شخصي . " … ،و" أن ال
عندما يُقسم في كل مرة ،بدون مُبرّر معقول ،فمن اللزم أن يحلّ قسمه بقسم آخر نظيره . " … ،و" أن ال قد
أقسم بغير عدل ،وارتكب خطيئة الكذب ،لكي يلقي السلم والوئام ،بين سارة وإبراهيم " .و" أن اليهود أحبّ
إلى ال من الملئكة ،فالذي يصفع اليهودي ،كمن يصفع العناية اللهية سواء بسواء ،وهذا يُفسر لنا ،استحقاق
الوثني وغير اليهودي الموت ،إذا ضرب يهوديا " .و" وإذا أراد الرجل أن يقترف ذنبا ،فعليه أن يذهب إلى
مكان ،هو مجهول فيه ،لئل يُهين ال علنية " .
الملئكة :
" إن عمل الملئكة الرئيسي ،سكب النوم على عيون البشر ،وحراستهم في الليل ،أما في النهار فإنهم يُصلّون
عن البشر ،ولذلك ،يجب أن نلتجئ إليهم " .
النبياء :
" أن إبراهيم أكل 74رجل ،وشرب دمائهم دفعة واحدة ،ولذلك كان له قوة 74رجل " .وصفوا عيسى عليه
السلم بالحمق والمجذوم و" غشاش بني إسرائيل " ،واتهموا أمه بالزنا ،وتلميذه بالملحدين ،والنجيل
بالكتاب المملوء بالثم .
التنجيم :
يعتقد التلمود اعتقادا جازما ،بأن التنجيم علم يتحكم بحياة الناس ،ومن أقوالهم " :إن تأثير النجوم تجعل الرجل
ذكيا ،وبنو إسرائيل تحت تأثير النجوم " " ،إن كسوف الشمس آية سوء للشعوب ،وخسوف القمر آية سوء لبني
إسرائيل ،لن إسرائيل تعتمد في بقائها على القمر " .
السحر :
والتلمود مليء بطقوس السحر والشعوذة والعرافة ،وطرق التصال بالجنّ ،وفيه أن الرواح الشريرة
والشياطين والجنيات ،من ذرية آدم .وأنهم يطيرون في كل اتجاه ،وهم يعرفون أحوال المستقبل ،باستراق
السمع ،وهم يأكلون ويشربون ويتكاثرون مثل النسان ،ويجوز للناس استشارة الشيطان ،في آخر أيام السبوع
.
الروح والبعث والجزاء :
لهم فيها أقوال شتى " ،تنتقل نفس اليهودي بعد موته إلى جسد آخر ،وعندما يلفظ المتقدم في السن أنفاسه ،
تسرع نفسه إلى جنين في بطن أمه " .ومنها ؛ أن اليهودي الذين يقتل يهوديا " تدخل روحه في الحيوانات
والنباتات ،ثم تذهب إلى الجحيم ،وتعذّب عذابا أليما ،مدة اثنيّ عشر شهرا ،ثم تعود ثانية لتدخل في
الجمادات ،ثم في الحيوانات ،ثم في الوثنيين ،حتى ترجع إلى جسد يهودي بعد تطهيرها " .ويقولون أن
الجنة ،ليس فيها أكل أو شرب ،أو زواج أو تناسل … ،وإنما يجلس الصالح فيها بوقار وسكينة ،ويقولون أن
نار جهنم ل سلطان لها ،على مُذنبي بني إسرائيل ،ول سلطان لها على تلمذة الحكماء .
103
ويقولون أنه ل حساب بعد انفصال الروح عن الجسد .ويقولون " المشروبات السماوية هي الخمور الفاخرة ،
المعتّقة المحفوظة من يوم الخليقة السادس ،وهذه الجنّة اللذيذة ،ل يدخلها إل اليهود الصالحون ،أما الباقون
فيُزجّون في نار جهنم " .و" … ،ويأتي المسلمون بعد النصارى ،لنهم ل يغسلون ،سوى أيديهم وأرجلهم
وأفخاذهم وعوراتهم ،كل هؤلء ،يُحشرون حشرا في جهنم ،ول يغادرونها أبدا " .
التطلع الدائم للملك :
" إن المسيح ( الذي ينتظرون ظهوره ) يُعيد قضيب المُلك إلى إسرائيل ،فتخدمه الشعوب وتخضع له الممالك
" " ،ول يأتي ما لم ينقرض مُلك الشعوب غير اليهودية " " ،ذلك أن إسرائيل إذا كان صالحا ،يجب عليه أن
يعمل بغير هوادة ،في العمل على أن ينبذ المتسلّطين ( الحكام ) على الشعوب نبذ النواة ،لن السلطة على
الشعوب غير اليهودية ،هي من نصيب اليهود فقط ،وفي كل مكان يدخله اليهود ،يجب أن يكونوا هم
المتسلّطين ،وطالما هم بعيدون ،عن تحقيق هذه الفكرة ،فيعتبرون أنفسهم منفيين وغرباء " .
( وهذا المقتطفات جزء يسير ،مما تحصّل لدينا لما جاء في التلمود ،من أفكار وأقوال لحاخامات اليهود ) .
سمَعٍ وَرَاعِنَا سمَعْ غَيْرَ ُم ْ سمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَا ْ ض ِعهِ وَ َيقُولُونَ َ عنْ َموَا ِ حرّفُونَ الْكَ ِلمَ َ قال تعالى ( مِنَ الّذِينَ هَادُوا ُي َ
سمَعْ وَانْظُرْنَا َلكَانَ خَيْرًا َل ُهمْ َوأَ ْق َومَ وَ َلكِنْ َلعَ َن ُهمُسمِعْنَا َوَأطَعْنَا وَا ْ لَيّا بِأَ ْلسِنَ ِت ِهمْ َوطَعْنًا فِي الدّينِ وَ َلوْ أَ ّن ُهمْ قَالُوا َ
الُّ ِب ُكفْرِ ِهمْ فَلَ ُي ْؤمِنُونَ ِإلّ قَلِيلً ( )46يأَ ّيهَا الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ءَامِنُوا ِبمَا َنزّلْنَا مُصَدّقًا ِلمَا َم َعكُمْ مِنْ قَ ْبلِ أَنْ
ن الَّ لَ َي ْغفِرُ لّ َم ْفعُولً ( )47إِ ّ ن َأمْرُ ا ِ
ت َوكَا َ ب السّبْ ِصحَا َ طمِسَ ُوجُوهًا فَنَرُدّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا َأوْ نَ ْلعَ َنهُ ْم َكمَا َلعَنّا أَ ْ َن ْ
عظِيمًا ( )48أَ َلمْ تَ َر إِلَى الّذِينَ ُي َزكّونَ أَنْ ُيشْرَكَ ِب ِه وَ َي ْغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ ِلمَنْ َيشَا ُء َومَنْ ُيشْرِكْ بِالِّ َفقَدِ افْتَرَى إِ ْثمًا َ
س ُهمْ َبلِ الُّ ُي َزكّي َمنْ َيشَاءُ َولَ ُيظْ َلمُونَ فَتِيلً ( )49ا ْنظُرْ كَيْفَ َيفْتَرُونَ عَلَى الِّ ا ْلكَذِبَ َو َكفَى ِبهِ إِ ْثمًا مُبِينًا ( أَنْ ُف َ
)50أَ َلمْ تَرَ إِلَى الّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ ا ْلكِتَابِ ُي ْؤمِنُونَ بِا ْلجِبْتِ وَالطّاغُوتِ وَ َيقُولُونَ لِلّذِينَ َكفَرُوا َه ُؤلَءِ أَهْدَى
لّ َومَنْ يَ ْلعَنِ الُّ فََلنْ َتجِدَ َلهُ نَصِيرًا ( 52النساء ) . مِنَ الّذِينَ ءَامَنُوا سَبِيلً ( )51أُولَئِكَ الّذِينَ َلعَ َن ُهمُ ا ُ
سورة يوسف وبالرغم من تسميتها باسمه عليه السلم ،تحكي في الواقع ،قصة أُخوة يوسف ،وتروي تفاصيل
أول مؤامرة ،حاكها ونفذها بنوا إسرائيل ( يعقوب ) بدم بارد ،ضد أبيهم وأخيهم يوسف عليهما السلم ،أحبّهم
إلى قلب أبيه ،وبوحشية منقطعة النظير ،وقوله تعالى ( في يوسف وأخوته آيات للسائلين ) ،يؤكد أن موضوع
السورة ،هو ما قام به أخوة يوسف من أفعال ،تدلّ على عدم إيمانهم بال وما جاء به أنبياءه ،من علم وموعظة
وحكمة ،من آبائهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب ،وأنهم لما كادوا ليوسف ما كادوه ،كانوا قد أغفلوا كليا ،وجود
104
ال سبحانه وتعالى ،وأنكروا قدرته على التدخل بمجريات المور ،وقلب نتائج ما يُخطّطون له رأسا على
عقب ،وأنكروا أيضا نبوة أبيهم يعقوب عليه السلم .
أخوة يوسف ليسوا أنبياء :
وفي لسان العرب " وقيل السبط واحد السباط ،وهو ولد الولد ،وقال ابن سيده :السبط ولد البن والبنة ،وفي
الحديث ،الحسن والحسين ،سبطا رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ورضي عنهما ،ومعناه طائفتان وقطعتان
منه ،ومنه حديث الضباب ،إن ال غضب على سبط من بني إسرائيل ،فمسخهم دواب ،والسبط من اليهود
سمّي سبطا ،ليفرق بين ولد إسماعيل وولد إسحاق ، كالقبيلة من العرب ،وهم الذين يرجعون إلى أب واحد ُ
وجمعه أسباط .قالوا والصحيح أن السباط ،في ولد إسحاق بن إبراهيم ،بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل عليهم
السلم ،وإنما سمي هؤلء بالسباط ،وهؤلء بالقبائل ،ليفصل بين ولد إسماعيل ،وولد إسحاق عليهما السلم .
وجاء أيضا أن السبط لغة ،هو نبات ذو ساق طويلة مفردة عليها أوراق دقيقة ،تعلفه البل " .
وبالتالي نستطيع القول ،بأن لفظ السباط ،أُطلق على أحفاد يعقوب عليهم السلم ،وليس على أبنائه الثني
عشر ،بل يتعدى ذلك إلى كل نسل بني إسرائيل ،حتى يومنا هذا ،وأمّا قوله تعالى ( َومَا أُن ِزلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ
َوِإسْمَاعِيلَ َوِإسْحَاقَ وَ َيعْقُوبَ وَا َلْسْبَاطِ ( 136البقرة ) ،المقصود هنا النبياء من الحفاد على مرّ العصور ،
ومنهم يوسف وموسى وداود وسليمان ،وزكريا ويحيى وعيسى ،ومن ُكذّب وقُتل من أنبياء بني إسرائيل ،وهم
كثير ،ممن لم تُذكر أسمائهم .والوحيد من أبناء يعقوب الثني عشر ،الذي نصّ القرآن على نبوّته هو يوسف
سحَاقَ وَ َيعْقُوبَ كُلّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَ ْبلُ َومِنْ ُذرّيّ ِتهِ دَاوُدَ
عليه السلم ،بدللة قوله تعالى ( َووَهَبْنَا َلهُ ِإ ْ
َوسُلَ ْيمَانَ َوأَيّوبَ وَيُوسُفَ َومُوسَى وَهَارُونَ َوكَذَلِكَ َنجْزِي ا ْل ُمحْسِنِينَ ( 84النعام ) وقوله ( وَ َلقَدْ جَا َءكُمْ يُوسُفُ
مِنْ قَ ْبلُ بِالْبَيّنَاتِ َفمَا زِلْ ُتمْ فِي شَكّ ِممّا جَا َءكُمْ ِبهِ حَتّى إِذَا هَلَكَ قُلْ ُتمْ لَنْ يَ ْبعَثَ الُّ مِنْ َبعْدِهِ َرسُولً ( 34غافر ) ،
بالضافة إلى ما جاء من آيات في سورة يوسف .
عشْرَةَ َأسْبَاطًا ُأ َممًا ( 160العراف ) ،وقوله تعالى ( أسباطا أمما ) أي
طعْنَا ُهمُ اثْنَتَيْ َ
وانظر في قوله تعالى ( وَ َق ّ
تم فرزهم حسب انتساب كل فرد منهم ،إلى أحد أبناء يعقوب عليه السلم ،فنتج بالتالي اثنتي عشرة أمة ،وكل
أمة أُطلق عليها لفظ سبط ،وسُمي كل سبط باسم أحد أبناء يعقوب ،وعلى ذلك يُطلق لفظ سبط على مجموعة من
الفراد ،يجمعهم انتسابهم إلى أب واحد ،فيقال سبط يوسف أي قبيلة يوسف .
فصول المؤامرة الولى :
.1قام أبناء يعقوب بعقد اجتماع سري ،بعيدا عن المعنيين بالمر ( يعقوب ويوسف وأخيه )
.2كانت المشكلة مدار البحث حب أبيهم ليوسف وأخيه ،والدافع هو الحسد وحب التملّك .
105
ي ال ضالّ ،وضلله واضح ل لُبس فيه .
ن أبيهم يعقوب نب ّ
.3كان هناك إقرار بالجماع ،أ ّ
.4كانوا يؤمنون بالقوة المتحصّلة من الكثرة ( فهم عشرة أشقّاء كبار مقابل اثنان صغار ) .
.5جمعتهم وحدة الغاية والمصلحة .
ل َل ُكمْ َوجْ ُه َأبِي ُكمْ َ ،و َتكُونُوا ِمنْ َب ْعدِ ِه قَ ْومًا صَاِلحِينَ ()9
ط َرحُو ُه َأرْضًا َ ،يخْ ُ
سفَ َ ،أوِ ا ْ
( اقْتُلُوا يُو ُ
.1كان أصلحهم فاسدا ،حيث وافقهم على فعل المنكر مع تخفيف الضرر .
.2كان هناك إصرار لدى الغلبية .
.3كان القرار النهائي أخف الضرر :إلقاء يوسف في بئر مع توافر احتمالية الهلك ،فيما لو لم يلتقطه أحد .
.4عدم الكتراث بنبوة أبيهم ،وما كان يتنزّل عليه من الوحي .
.5غفلة وعمى بصر وبصيرة واتباع للهوى ،فليس فيهم ذو رأي سديد ،ول حتى شيطان أخرس .
.6جهل بعواقب المور ،كالثر النفسي والمعنوي البالغ ،على من يطمحون بالستفراد بحبه ،وبالتالي عدم
تحقق مرادهم .
.7تبييت النية للقيام بالفعل عندما تحين الفرصة .
غدًا َيرْتَعْ َويَ ْلعَبْ ،وَِإنّا َل ُه
صحُونَ ( َ ) 11أرْسِلْهُ َم َعنَا َ سفَ ،وَِإنّا لَهُ َلنَا ِ ( قَالُوا َيَأبَانَا مَا َلكَ لَا َت ْأ َمنّا عَلَى يُو ُ
ع ْنهُ غَافِلُونَ ( )13قَالُوا َلئِنْ َلحَا ِفظُونَ ( )12قَالَ ِإنّي َل َيحْ ُز ُننِي أَنْ َتذْ َهبُوا ِبهِ ،وََأخَافُ أَنْ َي ْأكُلَهُ ال ّذئْبُ ،وََأ ْن ُتمْ َ
غيَابَةِ ا ْلجُبّ ،
جعَلُوهُ فِي َ ج َمعُوا َأنْ َي ْ سرُونَ ( ) 14فََلمّا ذَ َهبُوا بِهِ ،وََأ ْ عصْبَةٌ ِ ،إنّا ِإذًا َلخَا ِ حنُ ُ َأكَلَهُ ال ّذئْبُ َو َن ْ
ش ُعرُونَ ()15 ح ْينَا إَِليْ ِه َل ُت َنبّ َئ ّن ُهمْ ِبَأمْرِ ِهمْ َهذَا وَ ُهمْ لَا َي ْ
وََأ ْو َ
.1لم يكن يعقوب في العادة يأمنهم على يوسف وأخوه ،لمعرفته بعدم صلحهم .
.2لم ينتظروا الفرصة للتنفيذ ،بل سعوا إلى خلقها وإيجادها ،باستخدام الحيلة والمكر والدهاء .
.3تجاهلوا تأكيد أبيهم لهم ،بأن غيبة يوسف عن وجهه ،ولو لفترة بسيطة تسبب له الحزن .فكيف إذا كان ذلك
أبديا ؟! وكانت تلك محاولة منه عليه السلم ،لحياء ضمائرهم لعلّهم يرجعون ،ولكنهم لم يشعروا بذلك فكان
كما أخبره سبحانه .
.4كان أبوهم عليه السلم على علم بمخطّطهم قبل التنفيذ ،وقد أخبرهم بما كانوا قد خطّطوه مسبقا بشأن الذئب ،
لكن ذلك لم يُثنهم عن عزمهم .
.5قرار التنفيذ اتُخذ بالجماع .
106
.6تم إخفاء النوايا الجرامية اتجاه يوسف ،تحت غطاء من الحرص على ترفيهه ،لقناع أبيهم بالستجابة
لمطلبهم .
عنَا َ ،فَأكَلَهُ ال ّذئْبُ ، ع ْندَ َمتَا ِ
سفَ ِ ستَ ِبقُ َ ،و َت َر ْكنَا يُو ُ
عشَاءً َي ْبكُونَ ( ) 16قَالُوا َيَأبَانَا ِإنّا ذَ َه ْبنَا َن ْ ( َوجَاءُوا َأبَا ُهمْ ِ
سكُمْ َأ ْمرًا ،
ت َل ُكمْ َأنْ ُف ُ
ل سَوّلَ ْ ن َلنَا ،وَلَ ْو ُكنّا صَا ِدقِينَ (َ )17وجَاءُوا عَلَى َقمِيصِ ِه ِب َدمٍ َكذِبٍ ،قَالَ بَ ْ ت ِبمُ ْؤمِ ٍَومَا َأنْ َ
س َتعَانُ عَلَى مَا َتصِفُونَ ()18 جمِيلٌ ،وَاللّهُ ا ْل ُم ْ ص ْبرٌ َفَ َ
بعد أن مرّت سنين على تلك الحادثة ،وأصبح يوسف وزيرا لمالية فرعون ،وق ِدمَ أخوته إليه في مصر ،احتال
عليهم ليأمن منهم على أخيه ،ويرفع عنه ما كان قد وقع عليه من ظلم وكيد .
كان يوسف عليه السلم على علم ،بما كانوا يكيدون لخيه ،عن طريق الوحي أو القياس . .1
عدم توبتهم عما فعلوه سابقا ،وبقائهم على نفس الحال . .2
.3خيانة يوسف بالغيب ،بعد كل هذه السنين ،واتهامه زورا وبهتانا بالسرقة ،فيوسف من عباد ال المخلصين ،
وما كان له أن يسرق .
.4تأكيد يوسف على فسادهم وإفسادهم ،بما حدّث به نفسه ،حيث لم يجهر نبي ال بقوله ( أو بحكمه عليهم )
شرّ َمكَانًا ) فما فعلوه معه ل يُقارن بخطيئة السرقة ،التي اتهموه أنهم أسوء حال ممن يسرق ( ،قَالَ أَنْ ُتمْ َ
بها ،والتي أقرّوا بأنها أحد أشكال الفساد في الرض ( قَالُوا تَالِّ َلقَدْ عَ ِلمْ ُتمْ مَا جِئْنَا لِ ُن ْفسِدَ فِي الَْرْضِ َومَا
كُنّا سَارِقِينَ ( 73يوسف ) .
حزْنِ َفهُوَ َكظِيمٌ ( )84قَالُوا تَاللّهِ تَ ْف َتأُ َت ْذ ُكرُ ع ْينَاهُ مِنَ ا ْل ُ
ع ْن ُهمْ َوقَالَ َيَأسَفَى عَلَى يُوسُفَ وَا ْب َيضّتْ َ ( َو َتوَلّى َ
ح ْزنِي إِلَى اللّهِ وََأعَْلمُ مِنَ اللّهِ مَا لَاشكُو َبثّي َو ُ
حرَضًا َأوْ َتكُونَ مِنَ ا ْلهَاِلكِينَ ( )85قَالَ ِإ ّنمَا َأ ْ حتّى َتكُونَ َ سفَ َ يُو ُ
سفَ وََأخِيهِ وَلَا َت ْي َئسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ ِإنّهُ لَا َي ْيئَسُ ِمنْ رَوْحِ اللّهِ إِلّا
حسّسُوا ِمنْ يُو ُ َتعَْلمُونَ (َ )86ي َبنِيّ اذْ َهبُوا َف َت َ
ن ()87 الْقَ ْو ُم ا ْلكَا ِفرُو َ
.1عدم اكتراثهم بسوء حال يعقوب عليه السلم ،ومدى ما نزل به من أذى نفسي وجسدي .
.2قسوة قلوبهم باستنكارهم حزن أبيهم على يوسف .
.3يعقوب يقطع الرجاء من أبنائه ،ويشكو قسوة أبنائه ،وضعفه وقلة حيلته في مواجهة أفعالهم إلى ال .
.4لم يعترفوا لبيهم بحقيقة فعلتهم مع يوسف ،مع علمهم ومعرفتهم ومعايشتهم لحال أبيهم ،وما وصلت إليه من
سوء .
107
.5كان يعقوب على يقين من نجاة يوسف ،وكذب أبنائه عليه .
هنا تتضح مفارقة عجيبة ،توضح الكثير من معالم الشخصية اليهودية السرائيلية القديمة الحديثة ،فهم يعلمون
علم اليقين ،أن يوسف ذهب إلى غير رجعة ،وأنه قُتل على الرجح ،ولم يعترفوا لبيهم بحقيقة ما فعلوا ،
وظلّوا مصرّين على حكاية الذئب ،فل ضمير يؤنبهم ،ول قلب يشعر مع أبيهم .وأبيهم يعلم علم اليقين من
ربه ،أن يوسف على قيد الحياة ،وأنه نبي وسيكون له شأن كبير مستقبل ،إذ كان عالما بتأويل رؤيا يوسف
السابقة ،وأن أخوته سيسجدون له لعلو منزلته ،وهذا ما كان يُصبّره عليه السلم حين قال ( فصبر جميل ) ،أما
ما كان يؤلمه عليه السلم ،هو إصرار أبنائه على ما هم عليه واستمرارهم ،وعدم التوبة والرجوع إلى ال .
طئِينَ ( )91قَالَ لَا َت ْثرِيبَ عََل ْي ُكمُ ا ْل َي ْومَ َيغْ ِفرُ اللّهُ َل ُكمْ وَهُوَ َأ ْرحَ ُم ( قَالُوا تَاللّهِ لَ َقدْ ءَا َثرَكَ اللّهُ عََل ْينَا وَإِنْ ُكنّا َلخَا ِ
جنِي مِنَ خ َر َ
حسَنَ بِي ِإذْ َأ ْ جعََلهَا َربّي حَقّا َوقَدْ َأ ْ الرّاحِمِينَ (َ ( … )92وقَالَ َيَأبَتِ َهذَا َتأْوِيلُ رُ ْؤيَايَ ِمنْ َقبْلُ َقدْ َ
شيْطَانُ َب ْينِي َو َبيْنَ ِإخْ َوتِي إِنّ رَبّي َلطِيفٌ ِلمَا َيشَاءُ ِإنّهُ هُوَ ا ْلعَلِيمُ سجْنِ َوجَاءَ ِب ُكمْ مِنَ ا ْل َبدْوِ مِنْ َب ْعدِ أَنْ َن َزغَ ال ّ ال ّ
ج َمعُوا َأ ْمرَ ُهمْ وَ ُهمْ َي ْم ُكرُونَ ()102 حكِيمُ ( ( … )100ذَِلكَ ِمنْ َأ ْنبَاءِ ا ْل َغيْبِ نُوحِيهِ إَِل ْيكَ َومَا ُكنْتَ َل َد ْيهِمْ ِإذْ َأ ْ ا ْل َ
ح َرصْتَ ِبمُ ْؤ ِمنِينَ ()103 َومَا َأ ْك َثرُ النّاسِ وََلوْ َ
.1هنا يتضح خلق النبياء وأدبهم ،في يوسف عليه السلم ،حيث قابلَ السيئة بالحسنة ،ونسب خطيئة أخوته
إلى الشيطان .
.2معطيات المعادلة كانت :جمع واجتماع في الخفاء +قرار بالجماع +تنفيذ بمكر ودهاء = مؤامرة .
.3أخوة يوسف لم يكونوا أنبياء بأي حال من الحوال .
انظر إلى اليتين ( )103-102التي جاءت تعقيبا على قصة يوسف عليه السلم وأخوته ،لتقول أن هذا هو حال
نبي ال يوسف مع أخوته ،وحال نبي ال يعقوب مع أبنائه ،الذين لم يكونوا على القل مؤمنين بنبوة أبيهم ،إن
لم يكونوا أصل غير مؤمنين بال ،فما بالك في عدم إيمان قومك بنبوتك ودعوتك ،وهم ليسوا بأبنائك ،فل تكن
شديد الحرص ،على من ل أمل في هدايته بعدما أضلّه ال ،ولكن أُدعُ الناس ،وفوّض أمر هدايتهم ل ،كما
فوّض يعقوب ويوسف عليهما السلم ،أمرهما إلى ال فيما كان من شأن أبنائه .أما من يستنكر فكرة أنهم غير
أنبياء ،وال أعلم بحالهم ،فليرجع إلى القرآن وليقرأ قصة نوح عليه السلم مع ابنه ،وقصة إبراهيم عليه السلم
مع أبيه ،وقصة أبو لهب عم رسول ال عليه الصلة والسلم ،ولحظ أنه سبحانه نسبهم بالخوة إلى يوسف
عليه السلم ،في قوله ( :لقد كان في يوسف وأخوته آيات للسائلين ) ،ولم ينسبهم إلى يعقوب عليه السلم ،مع
أنهم أبنائه .
ما تقدّم من أمر أخوة يوسف عليه السلم ،ليس بحاجة لزيادة أو توضيح أو تعليق ،فهذا ما جاء به القرآن الكريم
،وكان هذا أول فسادهم وإفسادهم في الرض ،الذي كان موجّها ضد أخيهم وأبيهم .ومنذ ذلك اليوم ،احترف
بنو إسرائيل فنون التآمر ،ومارسوه أول فيما بينهم ،منذ نشأتهم وحتى نهاية مملكتهم الولى في فلسطين .وبعد
السبي البابلي ،وشتاتهم في شتى بقاع الرض ،أصبح بعضا من تآمرهم ،يُحاك ضد الشعوب التي يقيمون فيما
بينها .وكان تطلّعهم دائما وأبدا إلى الملك والقوة والغنى والفضلية ،وكانت غايتهم على الدوام ،جمع المال
بطرق غير مشروعة ،من ربا ونصب واحتيال ،والتقرب من أصحاب السلطة والنفوذ بالغواء والغراء ،
للتلعب بهم وتحريكهم من وراء الستار ،ليقاع الفتن والحروب بين الشعوب ،لضمان السيطرة لتلبية
مصالحهم واحتياجاتهم ،ولذلك تجدهم يجتمعون ويُخطّطون في السر والعلن ،ويعملون باستمرار بل كلل أو ملل
،وتاريخهم قديما وحديثا غني بالمثلة والشواهد .
108
اليهود والمُلك المادي
كانت نشأة بني إسرائيل كقبيلة بدوية ،تعيش ضمن قبائل البدو ،في صحراء النقب ،وكان أول عهد لهم
بالمُلك ،في زمن يوسف عليه السلم ،تحت التاج الفرعوني في مصر ،حيث وفّر لهم الُملك آنذاك حياة هانئة
رغيدة ،وأزال عنهم بؤس وشقاء حياة البدواة ،ولما زال ملك يوسف عليه السلم بوفاته ،انقلب حالهم رأسا
على عقب ،فقاسوا شتى أنواع العذاب والمهانة ،ومنذ ذلك اليوم ترسخّت لديهم قناعة بأن الملك والغنى يعني
السعادة ،وزوالهما يعني الشقاء .
رفض نبوة موسى عليه السلم :
وعندما بعث سبحانه لهم موسى عليه السلم ،لم يستجيبوا له ،فهم ل ينتظرون من يدعوهم إلى ال ،ول
يؤمنون بما هو غيبي وغير محسوس ،دين فيه إله غير مرئي ،يمنح جنة غير مرئية ،والحصول عليها
مشروط بالصلح والصلح ،بعد عمر طويل ،وبعد موت وبعث وحساب ،وإنما يؤمنون بمن يمنحهم ،ملكا
مجانيا دنيويا ماديا ،عاجل ل آجل ،يكون في متناول اليد ،بل جهد أو عناء منهم لتحصيله ،ول مانع لديهم بعد
ذلك ،أن يكون لهم إله ،بشرط أن يكون محسوسا ،ويوافق أهوائهم ،كالعجل الذهبي الذي صنعه لهم
السامري ،فسارعوا لعبادته ،لذلك عانى منهم عليه السلم ما عاناه ،في رحلته معهم من مصر ،إلى الرض
المقدّسة .
طلب المُلك بدعوى الرغبة في القتال :
وبعد موته عليه السلم ،وبعد انقضاء سنوات التحريم الربعين ،لم يطلبوا من نبيهم قيادتهم للقتال ،لدخول
الرض المقدسة ،وإنما طلبوا منه أن يبعث ال لهم مَلِكا ،وذلك طمعا في المُلْك ،وليس للقتال في سبيل ال كما
زعموا ،إذ أنهم بعد أن كُتب عليهم القتال ،تولوا إل قليل منهم ،وبالرغم من ذلك منّ ال عليهم بالملك ،فكانت
مملكتهم الولى في الرض المقدسة ،بقيادة داود وسليمان ،الذين لم يكن لبني إسرائيل معهما حول ول قوة ،إذ
لم يستطع مترفوهم وفسقتهم ،من الوصول والتغلغل والتدخل في شؤون الحكم ،لجتماع الملك والنبوة فيهما
عليهما السلم ،بل لعنهم داود آنذاك ،كما لعنهم عيسى عليه السلم من بعد .
مُلكا ل نبوة فيه :
وبعد أن توفّى ال سليمان ،وخرجت النبوة من الملك ،كان لهم ما أرادوا – امتحانا لهم وابتلء منه عزّ وجلّ –
فأفسدوا فيها أيّما إفساد ،فوقع منهم القتل في النبياء والصالحين والمستضعفين ،وإخراج بني جلدتهم من
أرضهم ،وسلب ونهب ممتلكاتهم ،وعصيان أوامر ال ،والعتداء على حدوده ،بمخالفتهم الوصايا العشر
برمتها ،بما فيها الشرك بال باتخاذ الصنام والشياطين والملئكة ،أولياء من دونه ،فأزال ال عنهم المُلك عقابا
لهم ،على يد نبوخذ نصر البابلي وجيوشه ،وكان فيهم السبي والخراج من الرض المقدّسة ،لقسم كبير منهم ،
ومع علمهم بفسادهم وعقاب ال لهم ببعث البابليين عليهم ،إل أنهم عاتبون وغاضبون على ال ،لنه أخطأ في
حقهم -حسب اعتقادهم – بإنزال عقاب أولى الفسادتين فيهم ،ويعتبرون وعده لهم برجوعهم من الشتات
للفساد الثاني ،هو تصحيح للخطأ الول .بالضافة إلى ذلك تجدهم ،يصبّون جام غضبهم على بابل
والبابليين ،وكأن بعث البابليين على شعب ال المختار ،كان من تلقاء أنفسهم ،ودون وجه حق ،ولم يكن هذا
البعث من قبله سبحانه .فقد جاء في سفر إشعياء " :3 :52قد تمّ بيعكم مجّانا ،ومجّانا من غير فضة تُفدَوْن ( أي
يُعادون إلى فلسطين ) ،قد نزل شعبي أول إلى مصر ليتغرّب هناك ،ثم جار عليه الشوريون بل سبب " .
109
عيسى عليه السلم لم يوافق أهواءهم :
ومع بقاء بعضهم في الرض المقدسة ،من الذين كانوا قد أخرجوا من المملكة من المستضعفين ،وعودة بعض
المسبيين من بابل ،بعد مدة من الزمن ،حيث لم يكن لهم فيها من أمرهم شيئا ،كانت أعينهم تتطلع إلى المُلك من
جديد ،حيث كانوا يظنّون أن علوهم الثاني ،سيكون بعد عودتهم من بابل مباشرة ،إذ كانت لديهم عدة نبوءات ،
الولى بعيسى عليه السلم الذي سيُبعث من جبال ساعير ( القدس ) ،فانتظروه ليقيم لهم ملكهم الثاني ،وفي فترة
انتظارهم ،تناوب على حكمهم عدة شعوب ،إلى أن بُعث عيسى في زمن الحكم الروماني لفلسطين ،فدعاهم
للعودة إلى ال والمحبة والسلم والتواضع ،وعندما تيقنوا أنه ليس من طلب الملك على اليهود ،بالرغم من
توافق صفته مع ما جاءت به التوراة ،حاربوه وعادوه وكادوا له ،وتآمروا عليه وحرضّوا الرومان الوثنيون
على قتله وصلبه .
وملك البرّ لم يوافق أهواءهم :
وقبل بعث عيسى وبعده ،تعرّضوا للكثير من الذل والهوان ،من الشعوب التي حكمتهم ،في كل مرة قاموا
فيها ،بالتمرد والعصيان للستقلل وإقامة الملك ،وكان آخرها على يد ( هدريان ) الروماني ،الذي أخرجهم
منها بشكل نهائي ،ففرّق ال شملهم في شتى بقاع الرض ،فاتجه قسم كبير منهم إلى الجزيرة العربية ،وسكنوا
بالقرب من المدينة المنورة ،مكان هجرة الرسول عليه الصلة والسلم ،صاحب النبوءة الثانية لديهم ،ملك البرّ
،الذي سيُبعث من جبال فاران ( مكة ) ،ويكون له ولخلفائه ملكا ،يشمل مشارق الرض ومغاربها .
وكان اليهود يترقّبون أخباره ،ويحسبون لزمان مولده ومبعثه ،مع كرههم وعدائهم المسبق له ،كونه من ولد
إسماعيل وليس منهم ،وعندما بُعث عليه السلم ،عاينوا صفته ،وامتحنوه بأسئلتهم بما علموا وما لم يعلموا ،
ولما تبيّنوا صدق نبوته ،حاولوا استمالته لجانبهم بالغواء والغراء ،مستغلين رغبته عليه السلم في اتباعهم له
،كونهم أهل كتاب ،وهم القرب لتصديقه ومؤازرته ومناصرته ،وكان مرادهم منه ،هو اتباع ملتهم لتحقيق
رغباتهم وأهوائهم ،لخراجه من الجزيرة إلى فلسطين ،لقامة ملكه عليهم هناك ،ففضحهم رب العزة ،وحذّر
رسوله الكريم من الوقوع في حبائلهم وشراكهم ،ولمّا تيقّنوا من عدم رضوخه لهم ،أنكروا نبوته وناصروا
المشركين عليه ،وكادوا له بكل ما أُتوا من مكر ودهاء وحيلة ،فآذوه وآذوا أصحابه ،ولم يدخّروا في ذلك
جهدا ،وحاولوا فتنته وقتله عدة مرّات ،إلى أن ت ّم جلئهم وإخراجهم من جزيرة العرب .
البحث عن المُلك القاروني ،وانتظار المَلك الله ،على النمط الفرعوني آخر الزمان :
ومع ظهور السلم ،ومعرفتهم بما سيكون من أمره ،من سرعة انتشاره ،واتساع دولته لتشمل مناطق شاسعة
من العالم ،ومن ضمنها سيطرته على الرض المقدّسة ،تلشت أحلمهم في عودتهم إليها ،لقامة ملكهم
الممي الثاني فيها على المستوى الفرعوني ،فتخلّوا عن ذلك الطموح مؤقتا ،وشرعوا في تحقيق الملك الفردي
على المستوى القاروني ،بجمع المال بالطرق المشروعة وغير المشروعة ،من ربا واحتيال وسرقة والتهريب
وتجارة الرقيق والدعارة ،والتمتع بزينة الحياة الدنيا من جرّاء هذا الكسب ،واستمروا على تلك الحال ،إلى أن
تمكنّوا من إقامة دولتهم الحالية في فلسطين ،منتظرين حكم العالم أجمع ،من خلل النبوءة الخيرة ،بالذي يأتي
من ربوات القدس ( مسيحهم المنتظر ) .
وبعد ذلك اتجه أغلبهم إلى الشمال ،وتفرقوا في البلد العربية الخرى ،فتواجدوا في العراق وبلد الشام ومصر
والندلس ،وبالرغم من تعامل السلم السمح مع أهل الكتاب ،إل أنهم كانوا مقيّدين ،بما وضعه السلم من
قيود ،على أهوائهم ومطامعهم المادية ،ووجود القرآن عدوهم اللدود وثيقة أبدية ،تكشف طبائعهم وحقيقة
نواياهم وتحذر منهم .ولكي يستطيع أحدهم من العيش في ظل الحكم السلمي ،كان يعمد إلى إظهار إسلمه
وإخفاء يهوديته ،أو أن يُرغم نفسه كارها على التخلي ،عن طبائعه وأهوائه في الفساد والفساد ،وهذا مما ل
يوافق طبعهم ،ول ما يأمرهم به تلمودهم ،ولذلك آثر الكثير منهم الهجرة ،من كل البلد ،التي كانت تخضع
للحكم السلمي تباعا ،على مرّ العصور ،ومن ثم استقر بهم المقام في القارة الوروبية ،حيث وجدوا فيها
متنفسا في البداية ،لجهل الوربيين بطبيعتهم البشعة .
110
الضطهاد الوروبي لليهود ،وفشلهم في تحصيل المُلك القاروني :
وعندما تبين للوربيين مع مرور الوقت ،أن الكثير من المشاكل والمصائب والكوارث الجتماعية
والقتصادية ،من فقر ومجاعات وانهيارات اقتصادية ،وانتشار للفساد والرذيلة ،كان سببه اليهود ،وضعوا
الكثير من الحلول لمواجهة مشكلتهم ،مثل سن القوانين التي تقيد حركتهم وتعاملتهم ،فلم تكن تجدي نفعا ،مع
ما يملكون من مكر ودهاء .وتم عزلهم في أحياء سكنية خاصة بهم ،فلم يجدي ذلك نفعا ،فكان ل بد من الحل
الخير ،وهو طردهم ونفيهم ،من معظم بلدان أوروبا الغربية ،وكان رجالت الكنيسة آنذاك ،يعملون
كمستشارين للملوك في العصور الوسطى ،وكانوا يؤيدون تلك الجراءات ضد اليهود ،لتحريم المسيحية للزنا
والربا ،بالضافة إلى ما اكتشف من تجديف على المسيح والدته ،وكره وبغض وعداء للمسيحيين ،في تلمودهم
السري ،الذي جلب لهم المذابح الجماعية في بعض البلدان الوربية ،كإسبانيا والبرتغال ،وفي النهاية تم
طردهم بالتعاقب وعلى فترات متباعدة ،من فرنسا وسكسونيا وهنغاريا ،وبلجيكا وسلوفاكيا والنمسا ،وهولندا
وإسبانيا وليتوانيا ،والبرتغال وإيطاليا وألمانيا ،بدءا من عام 1253م وحتى عام 1551م ،فاضطر اليهود
للهجرة ،إلى روسيا وأوروبا الشرقية والمبراطورية العثمانية .
إذن ل بدّ من التآمر :
آنذاك أصبح لليهود كشعب مشتت همّا مشتركا ،من جرّاء الضطهاد والتعذيب والطرد ،من قبل الوروبيين .
وأبواب الجنّة الوربية قد أغلقت من دونهم ،حيث بدأ هناك بعد رحيل أغلب اليهود ،ما يُسمى بالنهضة
الوروبية ،فحيل بينهم وبين تحقيق أحلمهم ،سواء على مستوى الملك الممي ،أو مستوى الملك الفردي ،
وهذا ما ل يستطيعون احتماله أو تقبّله ،وهذه الجواء تذكّرنا بأجواء المؤامرة الولى في تاريخهم ،حيث واجه
أخوة يوسف همّا مشتركا ،تمثّل في شعورهم بالدونية ،بالمقارنة مع يوسف وأخيه ،وكان دافعهم الحسد ،
فاجتمعوا سرا وتآمروا ،وأجمعوا فنفّذوا .
ويحضرني في هذا المقام قول لبن القيم ،إذ يقول في كتاب الفوائد أن أصول المعاصي ،ثلثة :الكبر
والحرص والحسد ،فالكبر جعل إبليس يفسق عن أمر ربه ،والحرص أخرج آدم من الجنة ،والحسد جعل أحد
ابنيّ آدم يقتل أخاه ،وبعد التدبر في هذا القول ،ستجد أن الطريق إلى الوقوع في المعصية ،هو الوقوع فريسة
للمقارنة والمفاضلة ،من خلل العتماد على الحواس فقط ،وبتغييب العقل والفؤاد ،وبالتالي فقدان القدرة على
الستبصار ،والحكم على المور ،وقد نهى سبحانه في مواضع كثيرة من القرآن ،عن المقارنة والمفاضلة ،
وحسم المر بأن الفضل من لدنه ،يؤتيه من يشاء من عباده ،أما اليهود وبعد إطلعي على ما جاء في توراتهم
وتلمودهم ،فإنهم جمعوا فيها أصول المعاصي كلها ،فالكبر جعلهم أفضل الناس على الطلق ،والحرص
جعلهم يفضّلون الدنيا على الخرة ،والحسد جعلهم يستبيحون ممتلكات الخرين ويستحلّونها لنفسهم .
( لوثر ) بإصلحاته الكنسية في القرن السادس عشر ،يُمكّن اليهود من احتلل أوروبا اقتصاديا :
ضمّت التوراةوعندما تم تدمير السلطة الكنسية ،التي قام بها الصلحيون في أوروبا ( بفعل اليهود أنفسهم ) ،و ُ
إلى النجيل في كتب النصارى المقدسة ،وجد اليهود بعض القبول في الدول الوروبية ،فعادوا إليها شيئا
فشيئا ،ونتيجة للضطهاد والطرد الجماعي ،الذي تعرض له اليهود في هذه الدول فيما مضى ،وهم شعب ال
المختار ،أجمع قارونات المال اليهود ،وبدءوا يعقدون اجتماعاتهم السرية ،في نهايات القرن الثامن عشر ( قبل
أكثر من مائتي سنة ) ،للنتقام وتجنب ذلك المصير المرعب مرة أخرى .وبوجود المال اليهودي ،تشكل لديهم
مخططا شيطانيا ،للسيطرة على العالم كله وحكمه ،فوضعوا مخططا مبدئيا ،كان موجها في الدرجة الولى ،
ضد ملوك أوروبا ورجالت الدين المسيحي .
111
أكبر وأخطر مؤامرة في تاريخ اليهود
ويتلخص مخططهم المبدئي ،مما كُشف من محاضر اجتماعاتهم ،في كتاب ( أحجار على رقعة الشطرنج )
لمؤلفه ( وليام كار ) ضابط الستخبارات في البحرية الكندية ،بما يلي :
الهدف العام :تأليه المادة ونشر المذاهب اللحادية ،لتمهيد سيطرة اليهود على العالم ،ومن ثم تتويج أنفسهم
ملوكا وأسيادا على الشعوب ( .ونتيجة لذلك برز الكثيرين من المُفكّرين اليهود كفرويد وماركس وغيرهم ،ومن
غير اليهود من المأجورين كداروين وغيره ،حيث بدأت الطروحات والنظريات اللحادية المنكرة لوجود ال
عزّ وجلّ ،فظهرت الشيوعية ( ل إله ) والرأسمالية ( المال هو الله ) لذلك وضع الصيارفة اليهود عبارة ( In
) God we Trustعلى الدولر المريكي ،وليس على الصفحة الولى من كتابهم المقدّس ،وظهرت الشتراكية
التي جمعت ما بين المبدأين من حيث الكفر ) .
فلسفة المخطط :يتم تقسيم الشعوب ،إلى معسكرات متنابذة ،تتصارع إلى البد ،دونما توقف ،حول عدد من
المشاكل ،اقتصادية وسياسية واجتماعية وعرقية وغيرها ،ومن ثم يتم تسليح هذه المعسكرات ،ثم يجري تدبير
حادث ما ( فتنة ) ،تتسبب في إشعال الحروب بين هذه المعسكرات ،ل ُت ْنهِك وتحطّم بعضها بعضا ،وبالتالي
تتساقط الحكومات الوطنية والمؤسسات الدينية تباعا .
برنامج العمل :
.1السيطرة على رجالت الحكم ،على مختلف المستويات والمسؤوليات ،بالغواء المالي ( الرشوة ) والغراء
الجنسي ،وعند وقوعهم ،يتم استغللهم لغايات تنفيذ المخطط ،وعند تفكير أي منهم بالنسحاب ،يتم تهديده
بالنطفاء السياسي أو الخراب المالي ،أو تعريضه لفضيحة عامة كبرى تقضي على مستقبله ،أو تعريضه
لليذاء الجسدي أو بالتخلص منه بالقتل .
.2دفع معتنقي المذهب اللحادي المادي ،للعمل كأساتذة والجامعات والمعاهد العلمية وكمفكرين ،لترويج فكرة
الممية العالمية بين الطلب المتفوقين ،لقامة حكومة عالمية واحدة ،وإقناعهم أن الشخاص ذوي المواهب
والملكات العقلية الخاصة ،لهم الحق في السيطرة على من هم أقل منهم كفاءةً وذكاءً ( وذلك كغطاء لجرهم
لعتناق المذهب اللحادي ) .
.3يتم استخدام الساسة والطلب ( من غير اليهود ) ،الذين اعتنقوا هذا المذهب ،كعملء خلف الستار ،بعد
إحللهم لدى جميع الحكومات ،بصفة خبراء أو اختصاصيين ،لدفع كبار رجال الدولة ،إلى نهج سياسات ،
من شأنها في المدى البعيد ،خدمة المخططات السرية لليهود ،والتوصل إلى التدمير النهائي ،لجميع الديان
والحكومات ،التي يعملون لجلها .
.4السيطرة على الصحافة وكل وسائل العلم ،لترويج الخبار والمعلومات التي تخدم مصالح اليهود ،وتساهم
في تحقيق هدفها النهائي .
أما القائمون على المؤامرة ،فهم مجموعة كبيرة منظمة من جنود إبليس ،تضم حفنة من كبار أثرياء اليهود في
العالم ،بالضافة إلى حفنة من كبار حاخامات الشرق والغرب ،ومن السماء التي أطلقها عليهم الباحثون في
مؤلفاتهم ،جماعة النورانيون ،وحكومة العالم الخفية ،واليهود العالميّون ،يعملون في الخفاء .هدفهم حكم العالم
اقتصاديا ،ومن ثم سياسيا ،عن طريق تدمير الخلق والديان ،وإشعال الحروب القليمية والعالمية ،وهم
وراء كل جريمة ،ويسيطرون على كثير من المنظمات السرية والعلنية ،اليهودية وغير اليهودية ،تحت
مسميات عديدة ،ولهم عملء ذوي مراكز رفيعة ومرموقة ،في معظم الحكومات الوطنية لدول العالم ،من الذين
باعوا شعوبهم وأوطانهم بأبخس الثمان ،وتميّزوا بولئهم المطلق للمؤامرة وأصحابها ،وفيما يلي سنعرض
أهدافهم وسياساتهم .
112
بروتوكولت حكماء صهيون
يقول ( ويليام كار ) أن هذه البروتوكولت ،عرضها ( ماير روتشيلد ) أحد كبار أثرياء اليهود ،أمام اثني عشر
من كبار أثرياء اليهود الغربيون ،في فرانكفورت بألمانيا عام 1773م ،أما كشفها فقد تم بالصدفة عام 1784م
في ألمانيا نفسها ،حيث أرسلت نسخ منها إلى كبار رجال الدولة والكنيسة ،وتم محاربتها ،ومحاربة كل
رموزها الظاهرة في ألمانيا آنذاك .ولذلك انتقلت إلى السرية التامة ،وسارع معظم يهود العالم إلى التنصل
منها ،واستطاعوا بما لديهم من نفوذ ،من إرغام الناس والحكومات على تجاهلها ،ومنذ ذلك اليوم الذي كُشفت
فيه ،وحتى منتصف القرن الماضي ،والكتّاب والباحثون الغربيون يتناولونها بالبحث والتقصي ،ويؤكدون
مطابقة ما جاء فيها ،مع ما جرى ويجري على أرض الواقع ،ويحذّرون حكوماتهم من الخطر اليهودي المحدّق
بأممهم ،ولكن ل حياة لمن تنادي ،في حكومات تغلغل فيها اليهود ،كما تتغلغل بكتيريا التسوس في السنان ،
ومعظم الكتب التي حذّرت -وما زالت -من الخطر اليهودي ،كان مصيرها الختفاء من السواق ،أو اللقاء
في زوايا النسيان والهمال .
أما من يُفكّر اليوم بمناهضة اليهود ومعاداتهم في الغرب ،فقد ثكلته أمه ،فخذ ( هايدر ) مثل ،زعيم أحد
الحزاب النمساوية ،الذي أطلق يوما عبارات مناهضة لليهود ،عندما فاز حزبه ديموقراطيا ،بأغلبية في مقاعد
البرلمان ،فقامت الدنيا ولم تقعد ،ضجّة إعلمية كبرى ،في إسرائيل ،أمريكا ،بريطانيا ،فرنسا ،المم
المتحدة ،حتى أُرغم التحاد الوروبي على مقاطعة النمسا ،لمنع ( هايدر ) من الحصول على أي منصب في
الحكومة النمساوية .
الصيغة النهائية لمبادئ المخطط الشيطاني :
الذي تربع اليهود من خلله ،أسيادا على العالم في الخفاء ،منذ خمسين عاما مضت ،وما زالوا :
.1أن قوانين الطبيعة تقضي بأن الحقّ هو القوة ( .بمعنى أن الذي يملك القوة ،هو الذي يُحدّد مفاهيم الحق ،
ويفرضها على الخرين ،والقوة تعني امتلك المال ) .
.2أن الحرية السياسية ليست إل فكرة مجردة ،ولن تكون حقيقة واقعة ( .بمعنى أنك تستطيع الدعاء ظاهريا ،
بأنك ديموقراطي وتسمح بحرية الرأي ،ولكنك في المقابل تقمع الرأي الخر سرا ) .
.3سلطة الذهب ( المال ) فوق كل السلطات حتى سلطة الدين ( .محاربة الدين وإسقاط أنظمة الحكم غير
الموالية ،من خلل تمويل الحركات الثورية ذات الفكار التحررية ،وتمويل المنتصر منها بالقروض ) .
.4الغاية تبرّر الوسيلة ( .فالسياسي الماهر :هو الذي يلجأ إلى الكذب والخداع والتلفيق ،في سبيل الوصول إلى
سدة الحكم ) .
.5من العدل أن تكون السيادة للقوى ( .وبالتالي تحطيم المؤسسات والعقائد القائمة ،عندما يترك المستسلمون
حقوقهم ومسؤولياتهم ،للركض وراء فكرة التحرّر الحمقاء ) .
.6ضرورة المحافظة على السرية ( .يجب أن تبقى سلطتنا ،الناجمة عن سيطرتنا على المال ،مخفيّة عن أعين
الجميع ،لغاية الوصول إلى درجة من القوة ،ل تستطيع أي قوة منعنا من التقدم ) .
.7ضرورة العمل على إيجاد حكام طغاة فاسدين ( .لن الحرية المطلقة تتحول إلى فوضى ،وتحتاج إلى قمع ،
وذلك لكي يتسنى لولئك الحكام سرقة شعوبهم ،وتكبيل بلدانهم بالديون ،ولتصبح الشعوب برسم البيع ) .
.8إفساد الجيال الناشئة لدى المم المختلفة ( .ترويج ونشر جميع أشكال النحلل الخلقي ،لفساد الشبيبة ،
وتسخير النساء للعمل في دور الدعارة ،وبالتالي تنتشر الرذيلة حتى بين سيدات المجتمع الراقي ،اقتداءً
بفتيات الهوى وتقليدا لهن ) .
.9الغزو السلمي التسللي هو الطريق السلم ،لكسب المعارك مع المم الخرى ( .الغزو القتصادي لغتصاب
ممتلكات وأموال الخرين ،لتجنب وقوع الخسائر البشرية في الحروب العسكرية المكشوفة ) .
113
.10إحلل نظام مبني على أرستقراطية المال ،بدل من أرستقراطية النسب ( ،لذلك يجب إطلق شعارات :
الحرية والمساواة والخاء ،بين الشعوب بغية تحطيم النظام السابق ،وكان هذا موجها إلى السر الوروبية
ذات الجذور العريقة ،ومن ضمنها السر الملكية والمبراطورية ،ليلقى لصوص هذه المؤامرة بعدها ،شيئا
من التقدير والحترام ) .
.11إثارة الحروب ،وخلق الثغرات في كل معاهدات السلم التي تعقد بعدها ،لجعلها مدخل لشعال حروب
جديدة ( .وذلك لحاجة المتحاربين إلى القروض ،وحاجة كل من المنتصر والمغلوب لها بعد الحرب ،لعادة
العمار والبناء ،وبالتالي وقوعهم تحت وطأة الديون ،ومسك الحكومات الوطنية من خنّاقها ،وتسيير
أمورها حسب ما يقتضيه المخطط من سياسات هدامة ) .
.12خلق قادة للشعوب ،من ضعاف الشخصية الذين يتميزون بالخضوع والخنوع ( ،وذلك بإبرازهم وتلميع
صورهم ،من خلل الترويج العلمي لهم ،لترشيحهم للمناصب العامة في الحكومات الوطنية ،ومن ثم
التلعب بهم ،من وراء الستار بواسطة عملء متخصّصين ،لتنفيذ سياساتنا ) .
.13امتلك وسائل العلم والسيطرة عليها ( .لترويج الكاذيب والشاعات والفضائح الملفّقة ،التي تخدم
المؤامرة ) .
.14قلب أنظمة الحكم الوطنية المستقلة بقراراتها ،والتي تعمل من أجل شعوبها ،ول تستجيب لمتطلبات المؤامرة
( .من خلل إثارة الفتن ،وخلق ثورات داخلية فيها ،لتؤدي إلى حالة من الفوضى ،وبالتالي سقوط هذه
النظمة الحاكمة ،وإلقاء اللوم عليها ،وتنصيب العملء قادة في نهاية كل ثورة ،وإعدام من يُلصق بهم تهمة
الخيانة من النظام السابق ) .
.15استخدام الزمات القتصادية للسيطرة على توجهات الشعوب ( .التسبب في خلق حالت من البطالة والفقر
والجوع ،لتوجيه الشعوب إلى تقديس المال وعبادة أصحابه ،لتصبح لهم الحقية والولوية في السيادة ،
واتخاذهم قدوة والسير على هديهم ،وبالتالي سقوط أحقية الدين وأنظمة الحكم الوطنية ،والتمرد على كل ما
هو مقدّس ،من أجل لقمة العيش ) .
.16نشر العقائد اللحادية المادية ( .من خلل تنظيم محافل الشرق الكبرى ،تحت ستار العمال الخيرية
والنسانية ،كالماسونية ونوادي الروتاري والليونز ،التي تحارب في الحقيقة كل ما تمثله الديان السماوية ،
وتساهم أيضا في تحقيق أهداف المخطط الخرى ،داخل البلدان التي تتواجد فيها ) .
.17خداع الجماهير المستمر ،باستعمال الشعارات والخطابات الرنّانة ،والوعود بالحرية والتحرر ( .التي تلهب
حماس ومشاعر الجماهير لدرجة يمكن معها ،أن تتصرف بما يخالف حتى الوامر اللهية ،وقوانين الطبيعة
،وبالتالي بعد الحصول على السيطرة المطلقة على الشعوب ،سنمحو حتى اسم " ال " من معجم الحياة ) .
.18ضرورة إظهار القوة لرهاب الجماهير ( .وذلك من خلل افتعال حركات تمرد وهمية ،على أنظمة الحكم ،
وقمع عناصرها بالقوة على علم أو مرأى من الجماهير ،بالعتقال والسجن والتعذيب والقتل إذا لزم المر ،
لنشر الذعر في قلوب الجماهير ،وتجنّب أي عصيان مسلح قد يُفكّرون فيه ،عند مخالفة الحكام لمصالح
أممهم ) .
.19استعمال الدبلوماسية السريّة من خلل العملء ( .للتدخل في أي اتفاقات أو مفاوضات ،وخاصة بعد
الحروب ،لتحوير بنودها بما يتفق مع مخططات المؤامرة ) .
.20الهدف النهائي لهذا البرنامج هو الحكومة العالمية التي تسيطر على العالم بأسره ( .لذلك سيكون من
الضروري ،إنشاء احتكارات عالمية ضخمة ،من جرّاء اتحاد ثروات اليهود جميعها ،بحيث ل يمكن لي
ثروة من ثروات الغرباء مهما عظُمت ،من الصمود أمامها ،مما يؤدي إلى انهيار هذه الثروات
والحكومات ،عندما يوجّه اليهود العالميون ،ضربتهم الكبرى في يوم ما ) .
.21الستيلء والسيطرة على الممتلكات العقارية والتجارية والصناعية للغرباء ( .وذلك من خلل ؛ أول :فرض
ضرائب مرتفعة ،ومنافسة غير عادلة للتجار الوطنيين ،وبالتالي تحطيم الثروات والمدخرات الوطنية ،
114
وحصول النهيارات القتصادية بالمم .ثانيا :السيطرة على المواد الخام ،وإثارة العمال ،للمطالبة بساعات
عمل أقل وأجور أعلى ،وهكذا تضطر الشركات الوطنية لرفع السعار ،فيؤدي ذلك إلى انهيارها وإفلسها ،
ويجب أل يتمكن العمال بأي حال من الحوال ،من الستفادة من زيادة الجور ) .
.22إطالة أمد الحروب لستنزاف طاقات المم المتنازعة ماديا ومعنويا وبشريا ( .لكي ل يبقى في النهاية سوى
مجموعات من العمال ،تسيطر عليها وتسوسها حفنة من أصحاب المليين العملء ،مع عدد قليل من أفراد
الشرطة والمن ،لحماية الستثمارات اليهودية المختلفة ،بمعنى آخر إلغاء الجيوش النظامية الضخمة حربا
أو سلما ،في كافة البلدان ) .
.23الحكومة العالمية المستقبلية ،تعتمد الدكتاتورية المطلقة كنظام للحكم ( .فرض النظام العالمي الجديد ،يقوم
فيه الدكتاتور بتعيين أفراد الحكومة العالمية ،من بين العلماء والقتصاديين وأصحاب المليين ) .
.24تسلل العملء إلى كافة المستويات الجتماعية والحكومية ( .من أجل تضليل الشباب وإفساد عقولهم
بالنظريات الخاطئة ،حتى تسهل عملية السيطرة عليهم مستقبل ) .
.25ترك القوانين الداخلية والدولية التي سنتها الحكومات والدول كما هي ،وإساءة استعمالها وتطبيقها ( .عن
طريق تفسير القوانين ،بشكل مناقض لروحها ،يستعمل أول قناعا لتغطيتها ،ومن ثم يتم طمسها بعد ذلك
نهائيا ) .
ثم يختم المتحدّث عرضه بالقول " :لعلكم تعتقدون أن الغرباء ( غير اليهود ) ،لن يسكتوا بعد هذا ،وأنهم
سيهبّون للقضاء علينا ،كل هذا اعتقاد خاطئ .سيكون لنا في الغرب ،منظمة على درجة من القوة والرهاب ،
تجعل أكثر القلوب شجاعة ترتجف أمامها ،تلك هي منظمة الشبكات الخفية تحت الرض ،وسنعمل على تأسيس
منظمات من هذا النوع ،في كل عاصمة ومدينة ،نتوقّع صدور الخطر منها " ،انتهى .
* بتصرّف من كتاب ( أحجار على رقعة الشطرنج ) .
نود أن نُشير إلى أنّ هذا المخطط ،وُضع قبل أكثر من 200سنة تقريبا ،وأن العمل على تنفيذه بقي جاريا على
قدم وساق ،وكان دائم التجدّد والتطوّر من حيث القائمين عليه ،ومن حيث برامجه وأدواته ،ليتوافق مع
التطورات المتسارعة التي ظهرت في القرنين الماضيين ،من مُخترعات واكتشافات كوسائل التصال ووسائل
الحروب على مختلف أنواعها ،سُخرّت كلها لخدمة هذا المُخطّط الشيطاني ،الذي خطّته أيدي أبالسة اليهود على
مرّ العصور ،وما كان لبشر من غير اليهود ،أن يجمعوا كل هذا الشرّ في جعبتهم ،ويصهروه بهذا الشكل
المُذهل المتعمّق ،في معرفته بدواخل النفس البشرية وأهوائها ،ومكامن ضعفها وقوتها ،اتقانا ربما يعجز إبليس
نفسه عن التيان بمثله ،حتى استطاعوا من خلله ،التحكم بالبشر ،بدءا من الرئيس المريكي بعظمته ،وحتى
إنسان الغياهب الفريقية بفقره وقلة حيلته ،الذي ل يدري ما الذي يُحاربه أول ،الجوع أم اليدز .وها هم الن
بدءوا يُزيلون أقنعتهم شيئا فشيئا ،فتصريحاتهم من مواقع السياسة المريكية ومواقفهم ،تكشف عن مدى قباحة
ق النسانية .
وجوههم وأفعالهم في ح ّ
إسقاط جميع أنظمة الحكم الوراثية العريقة في أوروبا من خلل الثورات التحررية :
وقد استطاع اليهود ،من خلل مواظبتهم على تنفيذ هذه البروتوكولت ،من إسقاط نظام الحكم الملكي في
بريطانيا ،لفترة ليست بالقصيرة ،ومن ثم عاد النظام الملكي ،بشكل صوري ل يتمتع بأي سلطة ،كما هو
الحال الن ،كما وقاموا بإسقاط النظام الملكي في فرنسا ،ومن ثم تم تحويلها إلى النظام الجمهوري .وبعد
إثارتهم للحرب العالمية الولى ،استطاعوا إسقاط الحكم القيصري في روسيا ،الذي عاملهم كما عوملوا في
أوروبا ،ولكن بدون طرد ،وإدخال الحكم الشيوعي إليها ،واستطاعوا إسقاط الحكم القيصري في ألمانيا أيضا ،
وأسقطوا المبراطورية العثمانية ،وكان آخر حصادها ،هو وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني .
115
المخطط في مراحله النهائية ،تحت حماية أمريكا :
ولو أنك نظرت إلى البروتوكول رقم ( ، )23ستجد أن النظام الذي كان يُنادي به الرئيس المريكي ( بوش ) في
بداية التسعينيات ،بعد انهيار التحاد السوفييتي ،موجود تحت نفس السم ( النظام العالمي الجديد ) وهذه العبارة
نفسها مكتوبة أيضا ،على الدولر باللغة اللتينية ،وهذا مؤشر على أن المخطّط أصبح في مراحله الخيرة ،
حيث أن هذا البرتوكول هو الثالث قبل الخير ،وما بقي عليهم للوصول إلى هدفهم النهائي ،سوى تنفيذ
البرتوكولين ( )24و ( ، )25وهما المتعلقيّن بالعولمة بجانبيها الثقافي والقتصادي ،والتي سنوضحها لحقا .
الرؤساء المريكيون الوائل يُحذّرون من الخطر اليهودي
ترجمة النص الكامل للجزء الخاص باليهود من خطاب بنيامين فرانكلين أمام الكونغرس :
" أيها السادة :هنالك خطر كبير يتهدد الوليات المتحدة المريكية … وهذا الخطر هو اليهود … ففي أي أرض
يحلّ بها اليهود … يعملون على تدني المستوى الخلقي والتجاري فيها … وعلى مدى تاريخهم الطويل …
ظلّوا متقوقعين على أنفسهم في معزل عن المم التي يعيشون فيها … ولم يندمجوا في حضاراتها … بل كانوا
يعملون دوما على إثارة الزمات المالية وخنق اقتصادياتها … كما حصل في البرتغال وإسبانيا .
لكثر من 1700سنة … وهم يبكون على قدرهم ومصيرهم المحزن … أعني طردهم ونفيهم من وطنهم الم
( فلسطين ) … ولو أن العالم المتحضر ( الغرب ) أعاد لهم فلسطين الن … فإنهم على الفور سيختلقون الكثير
من السباب والعذار والحجج الواهية … ليبرروا عدم رغبتهم في العودة إليها … لماذا ؟ … لنهم كائنات
طفيلية … والطفيليات ل تستطيع أن تتطفل على طفيليات أخرى … فهم ل يستطيعون العيش مع بعضهم البعض
… مما يستدعي ضرورة تواجدهم بين المسيحيين … أو بين أناس من غير جنسهم .
وإن لم يُطردوا من الوليات المتحدة بموجب الدستور … فإنهم وخلل مائة عام على القل من الن …
سيتوافدون إلى هذا البلد بأعداد كبيرة … وبتلك العداد سوف يحكمونا ويدمّرونا … من خلل تغيير أنظمة
الحكم لدينا … والتي بذلنا نحن المريكيين من أجل توطيدها على مر السنين … الغالي والنفيس من دمائنا
وأرواحنا وممتلكاتنا وحرياتنا … وإن لم يتم طردهم … وبعد مائتي سنة من الن …فإن أحفادنا سيعملون في
الحقول ليل نهار … من أجل إشباع بطونهم وجيوبهم … بينما يجلسون هم في قصورهم يفركون أيديهم فرحا
واغتباطا … بما حصدوه من غلل وأرباح .
وها أنا أحذركم أيها السادة … إن لم تطردوا اليهود من هذا البلد إلى البد … فإن أولدكم وأحفادكم سيلعنونكم
في قبوركم … ومع أنهم يعيشون بيننا منذ أجيال … فإن ُمثُلهم العليا ما زالت تختلف كليا ،عما يتحلى به الشعب
المريكي من ُمثُل … فالفهد الرقط ل يمكنه تغيير لون جلده ( عبارة مقتبسة من التوراة ) … سوف يُعرّضون
مؤسساتنا ومقوماتنا الجتماعية للخطر … لذلك يجب طردهم بنص من الدستور " .
وكان فرانكلين من الرؤساء الوائل في أمريكا ،والذي استشعر الخطر اليهودي قبل تغلغله في أمريكا ،من
خلل دراسته لتوراتهم ولتاريخهم في أوروبا ،وما أحدثوه من خراب فيها .
وهذا قسم من خطاب الرئيس المريكي ( لنكولن ) للمة ،في نهاية مدته الرئاسية الولى :
" إنني أرى في الفق نُذر أزمة تقترب شيئا فشيئا … وهي أزمة تثيرني وتجعلني أرتجف على سلمة بلدي …
فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات الكبرى … وسيترتب على ذلك وصول الفساد إلى أعلى المناصب … إذ
أن أصحاب رؤوس الموال ،سيعملون على إبقاء سيطرتهم على الدولة … مستخدمين في ذلك مشاعر الشعب
وتحزّباته … وستصبح ثروة البلد بأكملها ،تحت سيطرة فئة قليلة … المر الذي سيؤدي إلى تحطم الجمهورية
".
وكان هذا الخطاب قبل أكثر من 130سنة ،بعد أن تغلغل اليهود في أمريكا ،وقد اغتيل هذا الرئيس في بداية
فترة الرئاسية الثانية ،نتيجة خطاباته لن كل أصحاب رؤوس المال المريكي أصبحوا من اليهود .كما اغتيل
116
الرئيس ( جون كندي ) ،عندما أعلن عن برامجه الصلحية ،وبناء أمريكا من الداخل ،ونهج التعايش السلمي
مع الخارج ،كروسيا والبلدان الخرى ،وهذا مما يتعارض كليا ،مع بروتوكولت أرباب المال اليهود
وحكمائهم .وتخيل لو أن أرباب المال اليهود يسحبون أرصدتهم من أمريكا ،بالتأكيد سينهار القتصاد المريكي
برمّته على الفور ،وربما تصبح أمريكا من أفقر بلدان العالم .
بعد اغتيال ( كندي ) استوعب رؤساء أمريكا الدرس ،وحفظوه عن ظهر قلب ،فلم يجرؤ أحدهم على نهج أي
سياسة ،تتعارض مع طموحات اليهود ،وتطلعاتهم على كافة الصعدة ،بل كانوا فور انتخابهم ،يسارعون
لتقديم فروض الطاعة والولء لسيادهم اليهود .وخدماتهم لليهود خلل الربعين سنة الماضية ظاهرة للعيان ،
وأصبحت مهمة الرئيس المريكي ،ل تتعدى مهمة ( كلب الصيد المدرّب جيدا ) ،لصطياد الشعوب وثرواتها
وجلبها ،لليهود في الداخل والخارج ،وفي نهاية ولية كل كلب جيد منهم ،يُعلّق في رقبته وساما رفيعا من
المديح اليهودي ،فيهزّ ذنبه فرحا ويمضي خارجا من البيت البيض ،بعد حصوله على شرف عضوية ( نادي
كلب الصيد ) اليهودي ،وكلنا يذكر قصة ( كلينتون ) عندما نسي نفسه ،وحاول الضغط على نتنياهو ،ففجّروا
في بيته البيض القنبلة ( لوينسكي ) ،التي كانت مُعدّة منذ لحظة انتخابه ،فأعادته إلى صوابه ،وإلى موقعه
الحقيقي ككلب صيد ل أكثر ،فأصبح في نهاية مدة رئاسته صهيونيا ،أكثر من الصهاينة أنفسهم ،يمسح بفروه
البيض الناعم نعال أحذيتهم ،عسى أن يقتات هو وزوجته على فتات موائدهم ،في قاعات مجلس الشيوخ
المريكي ،بعد خروجهم من البيت البيض .
الحرب العالمية الثانية درس من دروس التآمر اليهودي العالمي
الظروف التي سبقت الحرب ،من كتاب ( أحجار على رقعة الشطرنج ) بتصرّف :
معاهدة فرساي المجحفة بحق ألمانيا :التي كان لليهود وعملئهم اليد الطولى في صياغتها ،من وراء الستار ،
لتكون بؤرة لتوريط ألمانيا في حرب أخرى ،إذا تطلب المر مستقبل .حيث أن بنود هذه المعاهدة ،اقتطعت
جزءا من الراضي اللمانية ،وضمتها إلى بولندا ،وأرغمت ألمانيا على دفع التعويضات ،للخسائر الناجمة عن
الحرب العالمية الولى ،وأبقت ألمانيا تحت طائلة الديون إلى ما ل نهاية .
وجود الحركة النازية في ألمانيا :والسبب في بلورة أفكارها ،هو معرفة اللمان بفصول المؤامرة اليهودية ،
حيث أن الصيغة النهائية لبرتوكولت حكماء المؤامرة ،التي تدعو لتفوق العرق اليهودي ،والتي كُشفت أصل
فيما سبق في ألمانيا نفسها ،مما دفع اللماني ( كارل ريتر ) إلى طرح أفكار ،تدعو إلى تفوق العرق
الجرماني ،ردا على ما طرحته برتوكولت حكماء اليهود .ومن أقوال مؤسس الفكر النازي ( كارل ريتر )
الذي نشر أفكاره عام 1849م " :لكي يعود السلم والحرية القتصادية إلى العالم ،يجب أول القضاء على
الممولين اليهود ،وعلى جميع أعضاء الحركة الثورية العالمية ،الذين يُوجّهون الشيوعية ويسيطرون عليها " .
ومضمون المعتقدات النازية يقضي بتفوق العرق الجرماني ،والذي يتوجب عليه إخضاع العالم بالقوة
العسكرية ،ويجب أن تكون الطاعة فيه لرئيس الدولة الجرمانية ،طاعة عمياء وبدون نقاش .وعلى ما يبدو أن
رجالت الحرب اللمان ،بعد الحرب العالمية الولى ،وما لحق بألمانيا من إجحاف ،من خلل المؤامرات
اليهودية قبل وبعد الحرب ،اقتنعوا بالمذهب النازي واعتنقوا مبادئه ،التي تتقاطع مع المخطط اليهودي ،
للسيطرة على العالم اقتصاديا ،ومن ثم السيطرة على الحكم سلميا ،فوضعوا مخططهم العسكري لكتساح
أوروبا وأمريكا ،للقضاء على الممولين اليهود ،واليهود بشكل عام في أماكن تواجدهم ،والستيلء على
ثرواتهم الطائلة .
مرتكزات السياسة اللمانية :كانت تقوم على وجوب تحرير ألمانيا ،من التفاقيات القتصادية المفروضة
عليها ،من قبل الممولين والمرابين الدوليين ،بعد أن أدرك الزعماء اللمان ،خطر هذه التفاقيات على استقلل
البلد ،لن الفوائد المفروضة على القروض المالية ،بموجب هذه التفاقيات ،ستؤدي حتما إلى وقوع البلد في
براثن دائنيها ( ،بمعنى ارتهان القرار والموقف ،السياسي والقتصادي بمصلحة الدائنين ،بغض النظر عن
مصلحة المة ) ،تماما كما وقعت بريطانيا عام 1694م ،وفرنسا عام 1790م ،وأمريكا عام 1791م .وبالتالي
ستكون هذه القروض ،دينا واستعبادا لكل فرد من أفراد الشعب ،لن تسديدها لن يكون إل بفرض مزيد من
117
الضرائب ،يدفعها المواطنون جميعا ،ويكون المستفيد الذي ل يخسر أبدا هو الدائن ،أي الممول المرابي
العالمي .عندئذ صمم القادة اللمان ،على خلق عملة ألمانية ،ل تستند إلى القروض ،بل تعتمد على الدخل
القومي ،والممتلكات الوطنية ،وعلى موارد الصناعة والزراعة ،والثروات الطبيعية ،وعلى الطاقة النتاجية
للمة .
وصول هتلر إلى سدة الحكم :شخصية هذا الرجل ،اعتراها الكثير من التشويه العلمي اليهودي الغربي ،
وفي الحقيقة لم يكن هتلر داعية حرب ،ولم يكن معتنقا للمذهب النازي ،بل كان رجل قوميا ،يسعى لرفع الظلم
والجحاف الذي لحق بأمته ،من جراء معاهدة فرساي ،وكان عدوًا لدودا للنازيين ،والممولين اليهود على حد
سواء ،وقد جاء في الصفحة الخيرة من كتابه ( كفاحي ) الذي كتبه في السجن عام 1934م ،قبل أن يتسلّم
الزعامة ،ما نصه " وبهذا يقف الحزب الشتراكي الوطني ،موقفا إيجابيا من المسيحية ،ولكنه ل يترك أمور
العقيدة لجماعة من المنحرفين ( النازيين ) ،ومن جهة أخرى يحارب ،الروح المادية اليهودية ،المتغلغلة في
نفوسنا وفي نفوس الخرين " .أما عن معاهدة فرساي فقد كتب يقول " :إنها لم تكن لمصلحة بريطانيا ،ولكنها
كانت أول وأخيرا ،في صالح اليهود لتدمير ألمانيا " .ونود أن نضيف أن السبب الرئيسي ،في هزيمة ألمانيا
في الحرب العالمية الولى ،وهي في قمة انتصاراتها العسكرية ،هو الثورات والفتن التي أحدثها الممولون
اليهود ،بإحياء الثورات الشيوعية داخل ألمانيا ،والتي أضعفت الجبهة الداخلية ،وأضعفت الروح المعنوية لدى
الجيش اللماني ،والتي تسببت في تنازل القيصر عن عرشه ،وتوقيع الهدنة لللتفات إلى الشأن الداخلي ،خوفا
من سيطرة الشيوعية على ألمانيا ،كما حصل في روسيا .
نشوء دول المحور :وجد الشعب اللماني بصورة عامة ،أنه يشارك شعوب اليابان وإيطاليا وإسبانيا ،آمالهم
وأمانيهم في المستقبل السياسي والقتصادي ،فظهر حلف المحور ،ونظرا لديناميكية زعماء تلك الدول ،وما
بذلوه من جهود ضخمة ،تمكنّوا من إعادة بناء بلدانهم على كافة المستويات ،الصناعية والزراعية والعسكرية ،
بما يشبه المعجزات .
كان هتلر يحمل على كاهله أربعة هموم قومية :
بدأ هتلر عام 1936م ،محاولت التحالف مع بريطانيا ،وجرت عدة محادثات غير رسمية بين دبلوماسيي البلدين
،وكانت الغاية من هذا التحالف ،هو رغبة اللمان في احتلل جميع الدول الشيوعية ،وتحرير شعوبها ،وإعدام
جميع الخونة فيها ،وذلك لقناعة اللمان بارتباط الشيوعية ،بكبار أغنياء اليهود ،الذين يوجّهون حركتها
ويموّلونها ،كما يوجهون ويمولون في نفس الوقت الحركة الصهيونية السياسية ،وكان الرد البريطاني على
مقترحات اللمان سلبيا ،معبرا عن عدم موافقته على هذه المقترحات ،فاقتنع هتلر بأنه يستحيل على أي أمة
بمفردها ،أن تحطم نفوذ المرابين العالميين ،وخاصة في الدول المسمّاة بالديموقراطية ،وذلك لتحكّمهم المالي
بهذه الدول ،وإيقاعهم إياها تحت طائلة الديون .
ولمّا رفض هتلر ،أوامر لوردات الحرب النازيين ،لردع الشيوعية وستالين منفردا ،حاولوا اغتياله ،ولما
فشلوا ،حاولوا إضعاف شعبيته التي حققها بين اللمان ،فبدأ النازيون بنشر الفكار النازية اللحادية بين الشعب
اللماني ،واستغلت الصحافة المعادية ذلك ،وألصقت هذه التهمة بهتلر ،وبدأت وسائل العلم حملتها ضد هتلر
،وانقسم الشعب اللماني إلى قسمين ،ووقع هتلر بين فكي كماشة ،رجال الكنيسة من جهة ،ورجال النازية من
118
جهة أخرى ،أما في بريطانيا فكانت وسائل العلم اليهودية ،ماضية في تشويه صورة هتلر وألمانيا ،لتمنع أي
فرصة لي تقارب ألماني بريطاني .
وعندما عرضت ألمانيا مشروعا مقبول ،لمشكلة الممر البولندي ودانزنغ المدينة اللمانية ،التي سببتها معاهدة
فرساي الجائرة ،سارع أقطاب المؤامرة ،ليجاد تحالف بريطاني بولندي ،من خلل فبركتهم لنذار مزوّر ،
تنذر فيه ألمانيا البولنديين ،بالستسلم خلل 48ساعة فقط ،تمخّض عن معاهدة بريطانية ،لحماية البولنديين
من أي عدوان ألماني ،عام 1939م .ومن ثم عملوا على إقناع البولنديين ،بصلحية معاهدة الحماية البريطانية ،
وهكذا أهمل البولنديون المذكرة اللمانية أشهرا عديدة ،في حين كانت الصحافة المعادية لهتلر ،تشنّ عليه
الحملت العنيفة المضادة ،وذلك لسبب واحد هو معاداته لصحاب المؤامرة العالمية ،واعتماده سياسة مستقلة
داخل المبراطورية اللمانية ،بعيدا عن قروضهم وخططهم القتصادية المدمرة ،وبشكل عام كانت الصحافة
الغربية ،قد هيّأت الشعوب هناك لتقف موقفا معاديا لللمان ،ولجميع الدول التي تؤيد سياستهم ،وبدأت تفسّر
وتحلّل أقواله وأفعاله ،وتقلب الحقائق وتفبرك الخبار ،وتحذر من أطماعه التوسعية .
وهكذا بعد التعنت البولندي وتجاهله للمذكرة اللمانية ،ضجر هتلر من انتظار الرد ،ومن الحرب المشينة ،
التي وجهتها ضده صحافة الحلفاء ،فأمر جيوشه بالتحرك نحو بولندا ،لسترجاع ما استقطع من أراضي ألمانيا
بالقوة ،ولم يتعدّ إلى ما وراءها ،بل توقف عند ذلك الحدّ .عندئذ أعلنت بريطانيا الحرب على ألمانيا ،بموجب
التفاقية السابقة ،مع علم الذين أوجدوا هذه التفاقية عدم قدرة بريطانيا ،على حماية نفسها في مواجهة القدرات
العسكرية اللمانية .وعندما تأكد لهم أن رئيس الوزراء البريطاني ( تشامبرلين ) ،غير مُتحمس للدخول في
حرب فعلية مع ألمانيا ،أسقطوه وجاءوا ( بتشرشل ) الذي قام بقصف المدن اللمانية بالطائرات .وهكذا اضطر
هتلر مرغما لتكملة تلك الحرب المدمرة ،مُستجيبا للوردات الحرب النازيون ،التي دامت قرابة الخمس
سنوات ،وانتهت بخروج معظم الدول التي شاركت فيها ،مثقلة بالديون والخسائر المادية والبشرية .وكان
المستفيد الوحيد هم المرابون اليهود ،الذين موّلوا هذه الحرب في سنواتها الخمس ،وموّلوا عمليات العمار
بعدها ،بقروض لم تستطع البلدان الوربية ،تسديدها إلى يومنا هذا .
وأما ألمانيا ومن أجل عدائها المعلن لليهود ،سواء من هتلر أو من قبل النازيون ،فقد لقت مصيرها المحتوم ،
من تقسيم أراضيها وتحجيمها قدراتها ،ونهب مقدّراتها وثرواتها ،حيث استطاع اليهود العالميون ،بما يملكونه
من أموال ،ومن خلل سيطرتهم على اقتصاديات الدول الغربية برمتها ،ومصادرة قرارها السياسي ،وتجييره
لخدمة مخططاتهم الشيطانية ،وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا ،من التخلص من الخطر اللماني ،الذي كان يُهدّد
ض مضجعهم ويتقاطع مع مخطّطاتهم لتدمير البشرية . وجودهم ،ويق ّ
ويخلص صاحب كتاب ( أحجار على رقعة الشطرنج ) المسيحي الكندي ،في نهاية حديثه عن الحرب العالمية
الثانية ،يوجهه لمن انساق وساهم من ساسة الغرب ،في نجاح المخطط الجهنمي للمرابين اليهود ،طمعا بما
يلقونه لهم من فتات وحطام هذه الدنيا الزائلة ،إلى القول :
" أما الحقيقة الولى :فهي أن النسان ،لن يصحب معه إلى القبر ،شيئا من كنوز الدنيا ،أو شيئا من
أكاليل المجد والثناء …
والحقيقة الثانية :هي أن القبر ،ليس النهاية ،بل إنه الطريق الذي ل مناص منه ول مفرّ ،بعد القبر ،من
تقديم الحساب أخيرا ،حيث ليس للمرابين العالميين ،من حول ول قوة " .
كان مخطط المؤامرة ،يقتضي تنفيذ ما جاء في البروتوكولت بحرفتيه ،والغاية من ذلك السيطرة على
اقتصاديات دول العالم بأسرها ،وحصر رؤوس الموال العالمية كلها في أيدي اليهود ،وعندما يحين الموعد
المناسب ،يعمد اليهود إلى شراء الذهب من السواق العالمية وتكديسه ،ومن ثم يُشعلون نيران الحرب العالمية
الثالثة ،والتي حسب تصورهم ،ستكون كارثية بكل معنى الكلمة على العالم بأسره ،وتخلف وراءها قطعانا
بشرية جائعة ،ملحدة ل تؤمن إل بما هو مادي ،ومنحلة ل تبحث إل عن كل ما يُشبع غرائزها الجسدية ،آنذاك
119
يُعلن ملوك الذهب عن أنفسهم ،ويشترطون لنقاذ تلك القطعان البشرية من الموت جوعا ،بما أنهم يملكون
الذهب ،تنصيبهم ملوكا على الرض ،ليُقيموا دولتهم العالمية الدكتاتورية وعاصمتها القدس ،فل تملك تلك
القطعان ،إل أن تدين بالعبودية المطلقة لليهود ،بعد أن جاءها نور الذهب ليُبدد ظلمة الديان الموحشة .
إذ كان من المفروض أن تقوم الحرب العالمية الثالثة ،حسب مُخططاتهم ،بعد ( ) 25 – 20عاما من الحرب
العالمية الثانية ،ولكن ما لم يكن في الحسبان ،هو موت لينين نتاج المؤامرة اليهودية ،وانقلب ( ستالين ) على
مخطّطاتها ومخطّطيها ،وتخلّصه من جميع القادة اليهود في الحزب الشيوعي ،وإقامته لتحاد سوفييتي قوي ،
وامتلكه للسلح النووي ،ومقاسمته لمريكا حكم العالم ،ودخول عصر الحرب الباردة ،الذي حجّم اليهود
وطموحاتهم ،بوقوفه ندّا قويا في وجه أمريكا وطموحاتها ،فكان ل بد من تدميره وتفكيكه أول ،عن طريق
الغزو السلمي التسلي ،المطروح في البروتوكول رقم ( . ) 9
فوجدوا في ( غورباتشوف ) ضالتهم ،الذي أدخل إصلحاته الهدّامة .ولما أوشك التحاد على النهيار ،
أجهزوا عليه بعمليهم الخر ( يلتسين ) ،فسيطر على مقاليد الحكم بالقوة ،وأنهى ما يُسمى بحلف وارسو ،
وأزاح الحكم الشيوعي المناهض لمريكا عن روسيا ،وأخذ بنصائح صندوق النقد الدولي ،للصلح
القتصادي من خصخصة وغيرها ،فاستطاع المليارديرات اليهود ك ( بيريزوفسكي ) من شراء معظم
المشاريع الستثمارية الروسية ،وشراء القرار السياسي والقتصادي الروسي ،وبالضافة إلى ما كانت تواجهه
روسيا من أوضاع اقتصادية متردّية ،أدخلوها في حرب استنزافية مع الشيشان في أوساط التسعينيات ،وكل
ذلك حتى يتسنى لليهود أن يصولوا ويجولوا ،في كافة أرجاء العالم ليُحققوا طموحاتهم ،وخاصة في منطقة
الشرق الوسط ،وعندما خلت لهم الساحة بانهيار التحاد السوفييتي ،وتجيير قرارات روسيا بالموال
اليهودية ،أشعلوا حرب الخليج الثانية ،باستخدام نفس السيناريو المستخدم في الحرب العالمية الثانية ،والخروج
بنفس النتائج ،وشاركت روسيا في الحملة الثلثينية على العراق ،على استحياء من حليفها السابق ،غير أن
الحصار العراقي ،شمل كل مناحي الحياة ،ولم يقتصر على التصنيع العسكري كما هو الحال مع ألمانيا واليابان
.
وكان مؤتمر مدريد للسلم ،الذي كان في الصل ،غاية لمخطّطي ومفكري اليهود التوراتيون في الغرب ،
والذي لم يكن يوافق عليه حكام إسرائيل العلمانيون ،وذلك لخلق درع من معاهدات السلم ،لحماية إسرائيل من
الخطار الخارجية ،من دول ما وراء دول الطوق ،ولتحييد طول الطوق نفسها ،ودفعها لخوض الحروب نيابة
عن الدولة اليهودية ،في حال فكرت أي دولة بعيدة ،كروسيا والعراق ،العدوين اللدودين حسب النبوءات
التوراتية ،بالضافة إلى مصر والسودان وليبيا ،والردن وسوريا وإيران وأفغانستان ،وكل هذه الدول مذكورة
في التوراة بأسمائها القديمة .ولذلك كانت هناك معاهدة السلم المصرية ،لقطع الطريق على مصر نفسها
والسودان وليبيا ،وكانت المعاهدة الردنية لقطع الطريق على الدول الشرقية ،ولم تتحقق معاهدة السلم
السورية ،نتيجة التعنت السوري لسترجاع هضبة الجولن ،التي ل تستطيع إسرائيل التخلي عنها ،بأي حال
من الحوال ،فكانت هناك معاهدة أمنية بين إسرائيل وتركيا ،بديل عن المعاهدة السورية مؤقتا ،لقطع الطريق
على روسيا ،أما هذه اليام فالموقف من سوريا قد اختلف ،باختلف الموقف السوري من إسرائيل ومن
العراق ،مما يستدعي أفكارا جديدة ،وأسلوبا جديدا للتعامل مع سوريا .
بغض النظر عما يُمثّله من أنظمة وقوانين وقرارات ،تأخذ طابع العدالة والنصاف ،فالتطبيق في الواقع يختلف
كليا ،ويأخذ طابع الجور والظلم ،كما هو الحال مع فلسطين والعراق من جانب ،وإسرائيل من جانب آخر .
فالقرارات ملزمة للجانب الول ،وغير ملزمة للجانب الثاني .وخذ إسرائيل وجنوب إفريقيا من جانب آخر
كنظاميين عنصريين ،فالنظام الول زالت عنه صفة العنصرية ،بقرار من مجلس المن مع بقاء النظام
العنصري ،والثاني زالت عنه هذه الصفة بزوال النظام ،وهذا ل يُسمّى كما يحلو لبعض الغافلين ،ازدواجية في
التعامل ،أو الكيل بمكيالين ،فالحقيقة هي أن مجلس المن الخاص بالمم المتحدة ،هو مجلس أمن يهودي
120
عالمي ،وبالتالي ليس هناك ما يُسمّى بمعيارين أو مكيالين ،بل هو معيار واحد ومكيال واحد ،يقيس كل الشياء
وفق الرؤى اليهودية السرائيلية ،فهو الذي أوجد دولة إسرائيل ،وهو الذي حافظ على بقائها وإدامتها .
لنطرح هذه التساؤلت :كم كان عدد الدول ،التي كانت قلقة بمصير اليهود ؟ وما الداعي لوجود دولة لليهود ،
بما أن اليهودية ديانة وليست قومية ؟ ومن قال بأن القومية تعطي الشرعية لقامة دولة ؟ فهناك الكراد والرمن
وألبان كوسوفو وغيرهم الكثير ،ممن هم متواجدين على أراضيهم ! فلماذا لم يُوجد لهم مجلس المن دول ؟!
وبدل من ذلك يتغاضى عن إبادتهم وقمعهم ،خاصة إذا كانوا مسلمين كالبوسنة وكوسفو والشيشان ،أو أعداءً
لدولة حليفة لليهود كأكراد تركيا ،وعندما يتعلّق المر بالعراق يُصبح الكراد في الشمال مسألة إنسانية تُقلق
مجلس المن .فما مصلحة أمم العالم قاطبة ومجلس أمنها ،في إنشاء دولة لليهود ! مع وجود النظمة العلمانية
في معظم دول العالم ،حتى في معظم الدول السلمية والعربية ! إل أن يكون هذا المجلس هو مجلس أمن
يهودي بحت ،ولكن كيف تحصّل اليهود على ذلك ؟
الجواب بسيط جدا ،من خلل التلعب من خلف الستار ،بالترغيب والترهيب القتصادي ،للمصوّتين على
القرارات ،لضمان الغلبية لصدار أي قرار يرغبون بتمريره .بالضافة إلى إيجاد حق النقض ( الفيتو )
للدول دائمة العضوية ،منها ثلث دول مؤيدة لسرائيل بالسيطرة القتصادية ،مع أن واحدة تكفي ،لتعطيل أي
ج منهما خيرا وهما روسيا والصين ،اللتان غالبا ما
قرار ل يخدم مصالح اليهود والدولة اليهودية ،واثنتان ل يُرت َ
كانتا تتماشيان مع الرغبة المريكية ،نتيجة السترضاء السياسي ،كغض الطرف عن ممارسات هاتين
الدولتين ،فيما يخص مثل حقوق النسان في الصين ،أو اضطهاد الشعوب المُجاورة والقليّات العرقية أو
الدينية في روسيا ،بالضافة إلى الغراء القتصادي ،متعدد الوجه والخيارات .وفي حال فكّرت إحداهما في
استعمال أي منهما ،حق النقض على قرار يخدم إسرائيل ،تصبح دولة نازية ول سامية ،وتبدأ اللة العلمية
اليهودية العالمية بالطبل والزمر ،فالمور تصبح محسومة مسبقا ،ومؤخرا كُشف النقاب عن هذه السياسة علنا ،
عندما هدّدت أمريكا دولة كولومبيا المستضعفة بفرض مقاطعة اقتصادية ،عندما صوّتت لصالح إرسال قوة
حماية دولية للفلسطينيين .
ولنأخذ على سبيل المثال ،القرارات الخاصة بالعراق ،حيث اتُخذت بالجماع ،بحجة مخالفة العراق للقانون
الدولي آنذاك ،وطريقة تأمين الجماع ،تمت كما هي العادة بطريقة آلية ،بالنشاط الملحوظ للديبلوماسية
اليهودية المريكية من وراء الستار ،ومن أمام الستار أحيانا بجولت مكوكية .فمعظم دول مجلس المن ،إمّا
أن تكون حليفة أو صديقة أو مديونة أو منهارة اقتصاديا .وعندما وُضع أول قرار بدأت الماكينة اليهودية ،
بالدوران بأقصى سرعتها وطاقتها ،مدفوعة بأحقادها ومخاوفها التوراتية ،لفرض قرارات جديدة ،ولتأمين
تطبيق القرارات وتنفيذها ،والعالم كله ل يعلم لغاية الن ،حقيقة النوايا اليهودية المريكية البريطانية الفرنسية ،
من وراء تلك الحرب وهذا الحصار .وفي الحقيقة ما وُضع بقرار ل يُرفع إل بقرار ،وهذا ينطبق على الحصار
،ولن يُرفع هذا الحصار اليهودي التوراتي ،ما دامت أمريكا تملك حق النقض ،إل أن يتم خرق هذا الحصار
بدون قرار رفع ،من جانب دولة عظمى كروسيا أو الصين ،ل يستطيع القانون الدولي اليهودي المريكي
معاقبتها ،كونها تمتلك سلحا نوويا ،قادرا على أن يمحو أمريكا وحلفائها عن الوجود ،بما فيها من يهود ،وهذا
الحتمال يُعدّ نوع من المُغامرة في الظروف الراهنة ،ومع ذلك بدأ التمرد الروسي على أوامر أسياد العالم يلوح
في الفق .
المنظمات النسانية في المم المتحدة :
ما الذي تنادي به هذه المنظمات ؟ تنادي بحرية المرأة ،وحقوق النسان ،وحقوق الطفل ،وتنظيم النسل
وتحديده ،وغيرها ،وكل هذه الحريات والحقوق ،عند المناداة بها ،غالبا ما تأخذ الطابع السياسي ،فانظر إلى
الدول المتهمة ،بانتهاك هذه الحريات وهذه الحقوق ،هي الدول العربية السلمية أول ،والدول السلمية غير
العربية ثانيا ،والدول الشيوعية ،وما عدا ذلك إذا كان موجودا ،فهو لذرّ الرماد في العيون ،فما الذي يريدون
من وراء ذلك ؟ انظر إلى الحياة الجتماعية في الغرب ،الذي سمح ويسمح بهذه الحريات والحقوق ،تجد أن
الجابة هي ما يلي :
121
تحرّر الفكر ،فنتج الكفر واللحاد وعبادة المادة وتقديسها ،تحررت النساء فتنازلن عن دورهن الفطري في
المومة والتربية ،فنتجت كافة أنواع الباحية والفجور والدعارة ،وأصبحت لحوم النساء عرضة للكلب
الضالّة .وتحرّرت الطفولة ،فتطاولت على الباء والمهات والمعلّمين والمعلّمات ،وتمرّدت عند البلوغ لتترك
السرة ،وطفقت تبحث عن إشباع الغرائز والشهوات .لنخلص من ذلك إلى أن المطالبة بحماية هذه الحقوق
والحريات ،هي في الصل دعوة للتمرد على الطبيعة البشرية وأبجدياتها ،وعلى القيم الروحية والخلقية ،
التي قدّمتها الديان السماوية كمنهج للحياة .تهدف إلى ضرب السرة ،اللبنة الساسية في بناء المجتمعات ،
بحرمان الب من دوره القيادي ،مما يؤدي إلى تفكيك العلقات ما بين أفرادها ،وضياع الرؤى المشتركة للبقاء
والستمرار .ولو قمت بإحصائية لعدد الغربيون ذوي الولدات الشرعية ! ربما لوجدت أن معظمهم أولد زنا ،
شرّ الخلق عند ال !! أما نحن … فماضون على الدرب لنواكب مُتطلبات العصر اليهودي … بجهود الجهابذة
من مفكرين وخبراء واختصاصيين … من دعاة التحرّر والتحرير والصلح القتصادي والثقافي … وسنصل
… عمّا قريب … إن لم يدّاركنا ال برحمته .
البنك الدولي وصندوق النقد الدولي :
مهمة هذه المؤسسة تقديم النصائح ،بما يُسمى ببرامج التصحيح القتصادي ،ومن ثم تقديم القروض ،
والحصول على ضمانات للسداد ،ولكن هل تكترث هذه المؤسسة بمصير الموال المقدّمة ،وهل تتابع تنفيذ
برامجها التصحيحية ؟ وما هي طبيعة هذه البرامج وماذا تحمل في طياتها ؟ في الحقيقة تذهب معظم الموال
المقدّمة إلى جيوب ،المتنفّذين في الحكم ،وكنفقات للجهزة الحكومية ،ول تظهر المتابعة ،إل عندما تقع الدول
المديونة ،في أزمات اقتصادية يكون سببها في الصل برامج الصندوق نفسها ،تعجز بسببها من سداد
استحقاقات الدين ،فيأتي الصندوق بحزمة اقتراحات جديدة ،بديون جديدة وفوائد جديدة ،ومن ثم يتم إعادة
جدولة الديون .ومن ضمن القتراحات رفع الضرائب والرسوم على كل شيء .وربما يضعوا في بيتك مستقبل
موظفا حكوميا ،ليحصي عليك عدد لقمات الطعام ،التي تأكلها أنت وأبناءك ،أو ما تحرقه عضلتك من سكّر
سكّر ،مماأثناء الحركة ،بما أنها نوع من الوقود ،ولتُجبى منك نسبة الضريبة على كل لقمة أو غرام من ال ُ
يؤدي إلى رفع السعار باستمرار ،ويكون ضحيتها أول وأخيرا المواطن المسحوق .ويُضاف دين جديد
للخروج من الزمة القتصادية ،وتُعاد جدولته مع الديون القديمة مرة أخرى ،ومن ثم تقع أزمة جديدة ،نتيجة
النسياب المستمر لرأس المال الوطني ،في المجتمعات الستهلكية وغير المنتجة ،فضل عن السرقات
والختلسات ،ومن ثم ديون جديدة ،وهكذا دواليك … ،فيتضخم أصل الدين القومي ليصل إلى أرقام فلكية ،ل
تستطيع الشعوب حتى تسديد قيمة فوائدها السنوية …
وبالتالي تصادر أو بالحرى تُشترى القرارات السياسية ،كما اشتُريت قرارات التحاد السوفييتي ،في حرب
الخليج وما بعدها ،بعد أن اختلس ( غورباتشوف ) وحاشيته ،ما مجموعه أربعة مليارات دولر ،ثمنا لتدمير
التحاد السوفييتي ،لكي يتمكن اليهود من التفرّد بحكم العالم ،من خلل نظامهم العالمي الجديد .وبعد أن أزاح
الرئيس الروسي ( يلتسين ) غريمه من الكرملين بقوة المدرعات ،أكمل صفقة البيع ،فاختلس على مدى سنين
حكمه ،ما مجموعه سبعة مليارات دولر ،من مساعدات صندوق النقد لدولي .ولما اكُتشف المر من قبل
الروس ،وصار ( يلتسين ) قاب قوسين أو أدنى من الملحقة القضائية ،اشتعلت بقدرة قادر أحداث داغستان ،
شنّت حرب غير مبررة للقضاء على الرهاب في والتفجيرات الوهمية في موسكو ،التي لم تُسجّل أي ضحية ،و ُ
الشيشان ،وانشغل الشعب الروسي فيها ،ونسي اختلسات ( يلتسين ) ،الذي قدّم استقالته ،واشترط علنا على
خليفته ( بوتين ) ،عدم ملحقته قضائيا عند تسلمه للسلطة ،فمن الذي مكّن ( يلتسين ) من ذلك ؟ وكيف صعد
( بوتين ) من المجهول ،ليصبح رئيسا لروسيا ؟!
يُصرّح الملياردير اليهودي ( سوروس ) ،بأن المسؤول عن تدبير ذلك ،هو الملياردير اليهودي الخر
( بيريزوفسكي ) ،الذي قدّم التمويل لثوار داغستان السلميين ،وبعد اشتعال النيران وغزو الشيشان ،انقطع
التمويل .ويصرح زعيم السلميين ( خطّاب ) صحفيا ،بعد أن شرب المقلب اليهودي ،وتبخرّت أحلمه في
إقامة دولة إسلمية في داغستان ،بأن التفاق مع ( بيريزوفسكي ) ،لم يتطرّق إلى تدخل الطيران الروسي
لقصف الثوار .وبالتالي ذهبت الشعب الشيشاني المسلم ،ضحية لمؤامرة ( يلتسين ،بيريزوفسكي ،خطّاب ،
122
بوتين ) ،كما حصل مع الشريف حسين في الثورة العربية في الحرب العالمية بعد أن غُدر به ،فكانت نتيجتها
الستعمار والنتداب وضياع فلسطين وتشرذم المة العربية ،وكما حصل مع هتلر في الحرب العالمية الثانية ،
ومع صدام حسين في حربي العراق المُدمّرتين .هل المشكلة في أن العرب ،ل يقرءون التاريخ أو القرآن أو
التوراة أو النجيل ؟! أم أن العرب ل يقرءون شيئا ،وإن قرءوا ل يفهمون ،وإن فهموا ل يعملون .في الحقيقة
هذا ليس من قولي ،وإنما سمعته يوما من أحدهم ،منسوبا إلى أحد زعماء اليهود ربما يكون ( بيغن ) ،والغريب
أن سيناريو المؤامرة هو نفسه بكل حيثياته ،يتكرّر في كل مرة !!!
والسؤال هنا ،من هم أصحاب صندوق النقد الدولي والبنك الدولي الحقيقيون ؟! وإن كانت تملكهما الدول ،فما
معنى أن تكون بلدان كأمريكا وبريطانيا وفرنسا واليابان مثل ،من أكثر دول العالم أرقاما للدين القومي ؟! فالدين
القومي المريكي المعلن لعام ، 2000كما نُشر في إحدى الصحف ،يصل إلى 300ألف مليار دولر ،والدين
القومي الياباني يصل إلى 280ألف مليار دولر ،وهما أكبر اقتصادان في العالم .ولم يكفهم كل ذلك ،وكما
أخوة يوسف ،لم ينتظروا الفرصة ولم يتقاعسوا ،بل سارعوا لخلق الفرصة بالمكر والحيلة ،للظفر بأخيهم ،لم
تستكن أبالسة الشر ،ولم يهدأ لهم بال ،فهم دائمو الحركة والبحث ،في مطابخ السياسة والقتصاد هناك في
الغرب ،وكل جيل يُكمل ما بدأه الخر ،ويضيف عليه تعديلته ،ويستعجل تنفيذ خطوات المخطط الشيطاني ،
ويحلم كل جيل بأن يكون مجيء مليكهم المنتظر في زمانه ،وتأخّر التنفيذ يعني تأخر المجيء ،وآخر ما تفتّقت
عنه أذهانهم ،في حلقات هذا المسلسل الطويل ،هو فكرة العولمة ،التي ل تعدو أكثر من كونها ،وحيا شيطانيا ،
لنشر المذهب الشيطاني وفرضه على شعوب العالم .
العولمة :
العولمة :كلفظ مُجرّد مصطلح مُبهم ،ويصبح مفهوما وتضح ماهيته ،عندما تُضاف إليه كلمة أخرى ،كأن نقول
عولمة الثقافة وعولمة القتصاد .وبما أننا نعلم أن من يُنادي بالعولمة ويدعوا إليها هي أمريكا ،فذلك يعني أول :
تعميم الثقافة المريكية ،وثانيا :تعميم النظام القتصادي المريكي الرأسمالي .وبشكل شمولي هو فرض
الحضارة المريكية الغربية بكافة جوانبها ،كأسلوب جديد للحياة على كافة شعوب العالم ،ولو قمنا بتقييم بسيط
للحضارة المريكية ،لوجدنا أن من رسم وشكّل معالم وأبعاد هذه الحضارة ،منذ بدايات القرن الماضي ،هم
السياد الجدد لمريكا ،أعني أرباب المال اليهود ،من خلل سيطرتهم المطلقة ،على كافة أدوات النتاج
المريكي القتصادي والثقافي .
أما ملمح الحضارة المريكية ،فهي في الواقع ترجمة حيّة لما يحمله اليهود ،من عقائد كفرية إلحادية ،ل تؤمن
إل بكل ما هو محسوس ،تدعوا إلى تأليه رأس المال والقتصاد وعبادة أصحابه .وتدعوا إلى أخلقيات
اجتماعية تلمودية ،سِمتها النحلل والباحية ،والدعوة لممارسة كل رذيلة ،والتحلل من كل فضيلة .لنخلص
إلى القول إلى أن الغاية من العولمة ،هو نشر العقيدة اليهودية المادية الدنيوية ،الخاصة بأصحاب البروتوكولت
اليهود تمهيدا لضربتهم النهائية .
في أواخر القرن الماضي ،تمكن اليهود من نشر هذه العقيدة في أمريكا والدول الغربية ،وبعد أن استحكمت
قبضتهم على مواقع صنع القرار فيها ،من خلل امتلكهم لرؤوس الموال المحرّكة لقتصاديات هذه الدول .
ومع انتهاء الحرب الباردة وتفرّد أمريكا بحكم العالم ،امتلك هؤلء القوة العظمى والوحيدة في العالم ،التي
أصبحت كالمعلّم الشرس بعصاه الطويلة ،الذي يسعى كل التلميذ لنيل رضاه ،بالنصياع لوامره وترك نواهيه
،وينفذون ما يفرضه عليهم رغبة ورهبة ،حتى لو أوردهم موارد الهلك .فأصبح لدى هؤلء القدرة أكثر من
أي وقت مضى – حسب تصورهم -على تنفيذ ما تبقى من خطوات مخططهم الشيطاني .
في الجانب الخر من العالم ،تقف بشموخ المجتمعات الشرقية ،من المؤمنين بال وحتى الملحدين والوثنيون ،
ذوي المعتقدات والقيم الراسخة ،والتي غرسها وحافظ عليها النبياء والمفكّرين ورجال الدين ،قديما وحديثا ،
فشكّلت حواجز منيعة أمام طموحات اليهودية العالمية ،وكانت آخر القلع التي يتطلّعون إلى تحطيمها ،وما
تبقى من أسوارها في طريقه للنهيار .
123
ولما أصبحت الرياح مواتية لهم ،جلس أسياد العالم وائتمروا فتفتّقت أذهانهم ،عن هذه الفكار الجهنمية الخاصة
بمنظمة التجارة العالمية وقوانينها ،ومتطلبات النتساب إليها ،لختراق جميع الحواجز القتصادية ،التي
أقامتها الحكومات لحماية ثرواتها الوطنية ،من النسياب التلقائي إلى جيوب أرباب المال اليهود .والتي سيكون
بمقدورهم من خللها ،إصابة عدة عصافير بحجر واحد .
وسائلها الثقافية :بالترتيب هي ،المطبوعات والراديو والسينما والتلفاز والفيديو والطباق اللقطة وأخيرا
النترنت .وكان ابتكار النترنت بمُشاركة الطباق اللقطة ،التي أُجبرت الدول العربية ،على السماح بدخولها
واقتناها ،قبل 4إلى 5سنوات ،أكبر ضربة لما أقامه هؤلء من حواجز ،لحماية شعوبهم من الغزو الثقافي
الغربي .وجاءت العولمة القتصادية لترفع الرسوم الجمركية عنها ،لتصبح في متناول من ل يملك ثمن رغيف
الخبز ،ولتكون بمثابة حصان طروادة ولكن بحلّة جديدة ،لتصل إلى البدوي في خيمته ،والمشرّد في كهفه ،
والموظف في مكان عمله ،والطالب في جامعته ومدرسته ،وحتى الطفل في مهده .
التحذير من خطر العقائد والخلقيات اليهودية ،والتي يسعون الن لنشرها تحت مُسميات عولمة الثقافة وعولمة
القتصاد ،جاء في بعض أقوال رؤساء الغرب :
( لنكولن ) … " :فقد أصبحت السيادة للهيئات والشركات الكبرى … إذ أن أصحاب رؤوس الموال ،
سيعملون على إبقاء سيطرتهم على الدولة … وستصبح ثروة البلد بأكملها ،تحت سيطرة فئة قليلة … المر
الذي سيؤدي إلى تحطم الجمهورية " .
( فرانكلين ) " :ومع أنهم يعيشون بيننا منذ أجيال … فإن ُمثُلهم العليا ما زالت تختلف كليا ،عما يتحلى به
الشعب المريكي من ُمثُل … فالفهد الرقط ل يمكنه تغيير لون جلده ( عبارة مقتبسة من التوراة ) " .
( هتلر ) " :ومن جهة أخرى يحارب ،الروح المادية اليهودية ،المتغلغلة في نفوسنا وفي نفوس الخرين " .
بعد هذا العرض نستطيع تعريف لفظ العولمة على أنها :
مصطلح مضلل استعمل كغطاء ،للتعبير عن برنامج يهودي أمريكي لتهويد العالم بأسره .أدواته الثقافية هي
وسائل التصال والعلم المختلفة ،وأدواته القتصادية صندوق النقد والبنك الدولي والخصخصة ومنظمة
التجارة العالمية .وغايته أول :خلق ديانة مادية جديدة ،تحت عنوان الثقافة والتحضّر ،وثانيا :نهب ثروات
الشعوب ،تحت عنوان تحرير التجارة .وذلك لتهيئة الجواء ،لظهور اليهود كأسياد للعالم بأسره ،عندما يحين
الوقت المناسب لذلك .
أخطار العولمة على أرض الواقع :
الخطر الجتماعي ؛ يتمثّل في ضرب منظومة العقائد والقيم والخلق ،لدى الشعوب المختلفة في العالم ،والتي
بدورها تشكل الضمير النساني للفرد ،الذي يُحاول السمو بالنسان إلى مرتبة الملئكة .وأما الهدف النهائي
المرتجى من بعدها الجتماعي ،هو تشكيل أجيال جديدة تبحث بشتى الوسائل والسبل ،عما يُشبع غرائزها
ورغباتها ونزواتها ،لتهبط بالنسان إلى ما دون مرتبة الحيوان ،وبذلك يسهل على مخططي المؤامرة اليهود
سياسة هذه الجيال وتذليلها .وبالتالي لن تكون هناك معارضة ،لمثل هؤلء فيما لو حُكموا من قبل سادة العالم
الجدد ،ملوك اللحاد والباحية ،وهذا ما تصبوا إليه الجيال التي هي في طور التشكّل الن .
وقد بدأنا في السنوات الخيرة ،نرى نماذج من المسوخ البشرية ،في العديد من بيوت المسلمين .فتيان وفتيات
ل يرغبون في التعلم أو العمل ،والفشل هو السمة البارزة في أعمالهم وتوجهاتهم ونتائجهم .يجوبون الشوارع
ويرتادون الماكن العامة ويذهبون إلى الجامعات ،بحثا عن الحب والمجون والخلعة ،بعد أن أصبحت
جامعاتنا وشوارعنا معارض لدور الزياء العالمية ،ول أحد يريد العفاف والطهر ،لذلك تجدهم يعزفون عن
الزواج ،وكما قال أحد المتعولمين " :ما دام الحليب موجود في السوق ،فما الداعي لشراء البقر ؟ " .
وأكبر الثر في تشكيل هذه النماذج ،هي القنوات الفضائية العربية – فضل عن قنوات الباحة الجنبية –
وخاصة التي تضم في طاقمها مقدّمي ومقدّمات البرامج اللبنانيون ،بعرض الكاسيات العاريات المائلت
المميلت ،اللواتي يتحدثن بلسان عربي مبين ،مما أعطى المبرر لفتياتنا ،وكسر الحاجز النفسي لديهن ،
124
ليتّخذن منهن قدوة تُحتذى ،بمباركة من الب الذي يُربّت على كتف ابنته ،أثناء مشاهدته لتلك الغواني وأولئك
المخنّثين ،بعين الرضا والقبول والعجاب والستحسان والستمتاع .
ما تراه اليوم أن رجال أمة السلم ،يتحدّون ال وحدوده وحُرماته ،عن سبق إصرار وترصّد ،وهم يدفعون
فتياتهم بشكل مباشر لممارسة مهنة عرض الزياء ،في الشوارع والماكن العامة والجامعات وأماكن العمل .
هدفهن دائما وأبدا الغواء والفتنة بحركات وأصوات ،ل تقوم بها إل إناث القطط في شهر شباط ،ولمرة واحدة
في السنة ،أمّا رجال بلد العرب أوطاني ،شيوخا وشبابا ،أصبحوا كذكورها ،ولكن على مدار السنة .لينتهي
بهن المطاف في أحضان الرذيلة ،فل أحد معصوم ،والذباب البشري الجائع يمل الجواء ،بحثا عن قطة
الحلوى أو كيس للقمامة ،فل فرق عنده .وأما النترنت فحدّث ول حرج ،والنساء تتهافت عليها أكثر من
الرجال …
أما أطفال أمة السلم ،فهم بين أيدي أمهات صفتهن قد تقدّمت أعله ،ل يفقهن من الزواج شيئا ،ول يملكن من
عاطفة المومة واحد بالمليون ،مما تمتلكه وحوش القفر .وتربية الطفال لديهن ،تقوم على مبادئ تربية
الدواجن وتسمين الخراف .أطفال مهملون في زوايا الغرف ،يحملقون في برامج المسوخ المتحركة ،وأغاني
ع ِمدَ إلى تغيير المناهج المدرسية ،لسلخ
ومسلسلت وأفلم الدعارة العربية والجنبية .أما في المدرسة فقد ُ
الطفل عن هويته السلمية العربية ،فحُذفت أمجاد البطال والبطولت السلمية ،وبدل منها تم تصميم
بطولت وهمية لبطال من ورق .وربما يضيفون غدا مناهج التربية الجنسية لتثقيف الجيال الناشئة ،فالغرائز
تحتاج إلى تعلم .وتم تغيير أساليب التربية والتدريس ،بإلغاء عقوبة الضرب ،وإلغاء عقوبة الرسوب ،وإدخال
لغة العولمة ،كمبحث أساسي في المناهج الدراسية .
وخلصة القول بأنهم سيُهوّدون العالم ،تحت غطاء أمريكي مدموغ بِ ( ، ) made in USAلدرجة أنهم ربما ،
يُجبروك على الذهاب لصلة الجمعة ،في يوم السبت أو الحد ،بعد إحدى ندوات حوار الديان .
أما الخطر القتصادي ؛ فيتمثّل في ضرب قوانين الحماية ،التي وُضعت للمحافظة على الثروة الوطنية .لتسهيل
عملية سلب ثروات الشعوب ،وتكديسها في المصارف العالمية وإفقارها وتجويعها .إذ لم يكفهم ما يقوم به البنك
الدولي وصندوق النقد والخصخصة ،من نهب لثروات الشعوب ،من خلل تغلغل الستثمارات اليهودية ،في
شتى أقطار العالم ،بعد كل هزة أو أزمة اقتصادية مفتعلة ،بشكل مباشر أو غير مباشر .فموجة الخصخصة
التي هي أحد برامج صندوق النقد الدولي ،أتاحت لرؤوس الموال اليهودية ،لدخول الدول العربية ،تحت
مُسميات شركات أجنبية عالمية كبرى ،أو عن طريق شركات محلية بأسماء عربية صورية ،مقابل حفنة من
الدولرات .
بل ابتكروا ما هو أخطر بكثير ،الشق الخر الذي كان ( كلينتون ) يُروّج للنضمام له ،أل وهو ( منظمة
التجارة العالمية ) ،والتي تدعو لتحرير التجارة وتحرير رأس المال .والملحظ أن كل مبادئهم الهدامّة ،عادة ما
تحمل صفة التحرير أو التحرر ،وانظر إلى هذا القول العرج العوج ،فالشعوب عندما تحمي سلعتها
وصنعتها ،تصبح مُستعمِرة لتجارتها ،لذلك فهي بحاجة إلى التحرير .أما المراد من وراء ذلك في الحقيقة ،فهو
السطو على مكتسبات الدول الغنية والفقيرة ،بطرق شرعية ملتوية ،مغطّاة بأوراق التغليف البراقّة الملوّنة ،
لتسحر أعين الشعوب المسحوقة ،بما يُشبه عملية التنويم المغناطيسي .ولنوضح ما نقصده بذلك ،بأنك تستطيع
في البداية على سبيل المثال ،الحصول على سيارة جيدة بثمن زهيد ،نتيجة تخفيض الجمارك والرسوم ،ولكن
هذا التخفيض سيترتب عليه ،عجز كبير في الموازنة العامة للدولة ،فمن أين ستغطي الدولة هذا العجز برأيك ،
إن لم تعتمد على فرض رسوم وضرائب بديلة تحت مسميات أخرى ،لتصل في النهاية إلى عدم القدرة ،على
شراء الوقود لتلك السيارة ،لعدم قدرة الراتب على تأمين متطلبات الحياة الساسية .
فبعد أن تمكّنوا من خلق قطعان من المستهلكين ،تنظر بعين القداسة لكل ما هو غربي ومستورد ،من منتجات
ثقافية وتكنولوجية استهلكية الطابع ،جاءوا باتفاقيات هذه المنظمة ،لرفع القيود ،من قوانين جمركية وضريبية
على السلع المستوردة ،وذلك بغية فتح السواق الوطنية للسلع الجنبية ،وبالتالي تتهافت المجتمعات الستهلكية
،على تلك السلع ،فتتسرّب العملة الوطنية إلى الخارج بل توقف ،ويترتّب على ذلك عجز كبير ،في ميزانيات
دول العالم الثالث ،التي ل تملك صناعات منافسة ،تعوّض وتعيد جزء من العملة المفقودة .لذلك ستضطر
125
الحكومات ،إلى اتخاذ إجراءات علجية عديدة ،لسدّ عجز الموازنة ،التي غالبا ما يتكفل بها صندوق النقد
الدولي ،بزيادة الضرائب بكافة الشكال والمُسمّيات ،بمبررات ومن غير مبررات أحيانا ،بالضافة إلى تراكم
ديون جديدة ،وزيادة الضرائب تعني رفع السعار تلقائيا ،وهكذا دواليك … ،وسيظهر التأثير المدمّر على
شعوب الدول التي انضمّت لهذه المنظمة ،خلل فترة ربما ل تزيد عن سنة أو سنتان .وذلك عندما تبدأ
المؤسسات والشركات الوطنية ،بالفلس والنهيار تباعا ،ومن ثم انتشار البطالة والفقر والجوع بين
مواطنيها ،انتشار النار في الهشيم .
هناك فرق شاسع ،بين فلسفة القتصاد وفلسفة الدمار والخراب .تقضي فلسفة القتصاد بأن تنفق أقل مما تُنتج ،
وتدّخر الفائض لتقلبات الزمن ،وأما فلسفة الدمار والخراب ،تقضي بأن تنفق أضعاف أضعاف ما تنتج ،لتنتهي
في أحضان صندوق النقد الدولي ،ول أظن من قال " :على قدّ لحافك مدّ رجليك " كان حاصل على دكتوراه
في القتصاد ،ليصل إلى هذه النتيجة .وأتساءل كيف عاشت البشرية ما يُقارب الستة آلف سنة ،بدون صندوق
النقد الدولي وبرامجه الصلحية .
أما الن … فأمعن النظر والفكر والوجدان ،في كل ما يدور من حولك ،في بيتك ،في الشارع ،في المدرسة ،
في الجامعة ،في وطنك ،بل في العالم أجمع … وأجب هن هذا التساؤل … على أيّ هدي ،يسير هذا الواقع
الذي نحن عليه الن … ؟! على هدي القرآن … أم على هدي أسياد هذا الزمان !
من حيث المنشأ ،ينقسم الشعب اليهودي إلى ثلثة أقسام :
اليهود الغربيون :وأغلبهم أثرياء ،استطاعوا التغلغل في أوروبا الغربية في نهاية القرون الوسطى ،وبدايات
عصر النهضة ( ، )17-16فازدادوا ثراء فوق ثراء ،بما لديهم من وسائل وإمكانيات وأخلقيات ،لجمع المال
بطرق مشروعة وغالبا غير مشروعة ،لم يكن الوروبيون والمريكيون يُمارسونها أو يتنبّهوا إليها ،رغم كل
تحذيرات الرؤساء والساسة والخبراء المخلصين لممهم ،حتى " وقع الفأس في الرأس " ،فتربعوا على عرش
القتصاد العالمي حاليا .
اليهود الشرقيون الشكناز :وأغلبهم فقراء ،وقد بقي حالهم كذلك ،في بلدان أوروبا الشرقية وروسيا الفقيرة ،
وكانوا مضطهدين ومنبوذين ،في أغلب الحيان ،ويعيشون فيما يُسمّى بالغيتوهات أو الكيبوتس .
اليهود الشرقيون العرب :وهم الذين عاشوا في البلدان العربية ،كأفراد وجماعات ،يتمتعون بحق المواطنة
مثلهم مثل غيرهم ،وكثير منهم أُجبر على الهجرة إسرائيل ،من خلل دبّره الموساد السرائيلي ،من أزمات
لرغامهم على المغادرة ،وبقي جزء منهم في البلدان العربية لغاية الن .
أما من حيث التوجه فينقسموا إلى ثلث أقسام :
المتحرّرون :وأغلبهم من يهود الغرب ،ومهمتهم تنفيذ ما جاء في بروتوكولت الحكماء ،وحكم العالم
اقتصاديا وسياسيا ،يكونون فيه شيوخ المة ،ويضعون الدستور ،ويرسمون السياسية ،ويُنصّبون مَلِكا من
أنفسهم ،دكتاتورا مُطلقا على العالم ،يؤمر فيُطاع ،ويكون بمثابة الله على الرض ،ول إله في السماء ،
فيُصبح اليهود أسيادا وبقية خلق ال ،بل استثناء عبيدا لهم .
العلمانيون :وأغلبهم من يهود الشرق الوروبي ،ومهمتهم هي تنفيذ أهداف الحركة الصهيونية السياسية ،التي
تلفّعت بالدين اليهودي ،من أجل تحقيق أهدافها السياسية ،بإيجاد " غيتو " قومي لليهود في فلسطين ،لرفع
الضطهاد والذل الذي لزمهم طيلة ،وليجاد موطئ قدم لهم ،فنوائب الدهر الغربية غير مضمونه ،فربما
ينقلبون عليهم يوما ما ويطردونهم ،وهم الذين يشكّلون الحزاب العلمانية في الدولة اليهودية .
المتدينون :وأغلبهم من يهود الشرق بما فيهم يهود البلد العربية ،وظهرت منهم حركات دينية متطرفة
كثيرة ،ومهمتهم هي تنفيذ الوصايا التوراتية ،التي خطّها أحبارهم القدماء على شكل نبوءات ،وتتلخص في
126
استلب الراضي ،وتهجير السكان الوثنيين ،والستيطان ،وهدم المسجد القصى وبناء الهيكل ،تمهيدا للملك
اليهودي الداودي القادم ،الذي سيأتي من ربوات القدس ،ليحكم العالم إلى البد ،فينتشر الحق والعدل والسلم
اليهودي في الرض ،وهم الذين يشكّلون الحزاب الدينية المتطرّفة .
وكل هذه الصناف اليهودية ،في المحصلة وجوه عديدة لعملة واحدة ،هي التوراة والتلمود ،أخطر وثيقتين
على مستقبل البشرية والعالم ،لذلك احتل التحذير من اليهود واليهودية ،مساحة شاسعة من قرآننا العظيم .بينما
احتل الفكر اليهودي المادي ،مساحة شاسعة ،من عقول أمة السلم ،فنسيت إلهها ،وعبدت العجول الذهبية
المادية للسامريّون الجدد .
آخر ما نود قوله ،أن اليهود قطعوا شوطا كبيرا ،في تنفيذ مخططهم الشيطاني للسيطرة على العالم ،حتى
صاروا ( نظريا ) قاب قوسين أو أدنى ،من الوصول إلى هدفهم النهائي في ظرف سنين قليلة ،ونجاحهم اعتمد
في الدرجة الولى ،ليس على ذكائهم ومكرهم ودهائهم فحسب ،بل في العزف على وتر يطرب له جميع
الناس ،بل استثناء إل من رحم وهدى ربي ،أل وهو سهولة وقوع النفس البشرية أسيرة لهوائها وأطماعها ،
ومن ثم إرغامها على الخلود إلى الرض ،لترضى بالحياة الدنيا وتطمئنّ بها ،عندما تنعدم لديها القيم الروحية
اليمانية ،المُتحصّلة من فهم حقيقة العلقة ما بين السماء والرض ،والتي توضحها سورة السراء بكل فصولها
،فاقرأها إن رغبت في الفهم ،فهي تحكي واقعنا المعاصر بكل فصوله ،ومن أجل أن تفهم فصولها ،كان هذا
الفصل في هذا الكتاب .
جمِيعًا َ ،يعْ َلمُ مَا َت ْكسِبُ وقد يسأل سائل :ثم ماذا ؟ نُجيب بقوله تعالى ( :وَقَدْ َمكَرَ الّذِينَ مِنْ قَ ْبِلهِمْ ،فَلِّلهِ ا ْل َمكْرُ َ
عقْبَى الدّارِ ( 42الرعد ) وقوله ( :قَدْ َمكَرَ الّذِينَ مِنْ قَبْ ِل ِهمْ ،فَأَتَى الُّ بُنْيَا َن ُهمْ مِنَ ُكلّ َنفْسٍ َ ،وسَيَعْ َلمُ ا ْل ُكفّارُ ِل َمنْ ُ
شعُرُونَ ( 26النحل ) . ث لَ َي ْ ن حَيْ ُب مِ ْف مِنْ َفوْ ِق ِهمْ َ ،وأَتَا ُهمُ ا ْلعَذَا ُ
ا ْلقَوَاعِدِ َ ،فخَرّ عَلَ ْي ِه ُم السّقْ ُ
والعلو اليهودي قائم على قاعدتين ،هما إسرائيل كموطن بما فيها القدس ،كعاصمة مستقبلية للدولة اليهودية
العالمية البدية ،وأمريكا كقوة اقتصادية عسكرية ،لتمكين هذا الحلم اليهودي .فل غرابة ول عجب ،إن أتى
ال هذا البنيان من القواعد ،فخرّ على رؤوسهم وعلى رؤوس من يش ّد على أيديهم ،سقف أحلمهم وطموحاتهم ،
فأتاهم العذاب من حيث ل يشعرون .
ونختم هذا الفصل بنص من التوراة ،يؤكد لليهود أن عاقبة أفعالهم ،ستكون مدمرة ل محالة ،وأن الكأس التي
جرّعوها للشعوب ،ل بد أن يتجرّعوها في النهاية ،حتى لو تخندقوا في الحصن المريكي البريطاني المنيع ،
فذلك لن يُجدي نفعا ،ومهما كُبرت أمريكا وعظمت وتعالت ،فال أكبر وأعظم وأعلى ،وليت عبدة أمريكا من
أمتي يفقهون ذلك ،لعلهم يرجعون ،قبل فوات الوان .
" ويل لمن يكوّم لنفسه السلب ،ويثرى على حساب ما نهب ،إنما إلى متى ؟ أل يقوم عليك دائنوك بغتة ،
أول يثورون عليك ويُملونك رُعبا .فتصبح لهم غنيمة لنك سلبت أمما كثيرة ،فإن بقية الشعوب ينهبونك ثأرا
،لما سفكت من دماء ،وارتكبت من جور في الرض ،فدمّرت مُدنا ،وأهلكت الساكنين فيها .ويل لمن يدّخر
لبنيه مكسب ظلم ،ويُشيد مسكنه في مقام حصين ،ليكون في مأمن من الخطر .لقد لطّختْ مؤامرتك بيتك
بالعار ،حين استأصلت أمما عديدة ،وجلبت الدمار على نفسك ،حتى حجارة الجدران تصرخ من شرّك ،
فتردّد الدعائم الخشبية أصداءها .ويل لمن يبني مدينة بالدماء ،ويُؤسس قرية بالثم " ( .التوراة :سفر
حبقوق ) 12-6 :2
قال تعالى
( وَقَالَتِ الْ َيهُودُ يَدُ الِّ َمغْلُو َلةٌ ،غُلّتْ أَيْدِي ِهمْ ،وَُلعِنُوا ِبمَا قَالُوا َ ،بلْ يَدَاهُ مَ ْبسُوطَتَانِ ،يُ ْنفِقُ كَيْفَ َيشَاءُ ،
طغْيَانًا َو ُكفْرًا َ ،وأَلْقَيْنَا بَيْ َن ُهمُ ا ْلعَدَاوَةَ وَالْ َبغْضَاءَ إِلَى َي ْومِ ا ْلقِيَا َمةِ ،
وَلَيَزِيدَنّ كَثِيرًا مِ ْن ُهمْ ،مَا أُنْ ِزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبّكَ ُ ،
لّ لَ ُيحِبّ ا ْل ُم ْفسِدِينَ ( 64المائدة ) س َعوْنَ فِي الَْرْضِ َفسَادًا ،وَا ُ ب َأطْفَأَهَا الُّ ،وَ َي ْ حرْ ِكُّلمَا َأوْقَدُوا نَارًا لِ ْل َ
127
النبوءات التوراتية بين الماضي والمستقبل
بالرغم من تحريف التوراة ،ونسخها وتأليفها عدة مرات ،وضعف الترجمة إلى العربية وانحيازها .إل أنها ما
زالت تحوي بقية من كلم ال جلّ وعل ،تستطيع الستدلل عليها ،من خلل مقابلتها ومقارنتها ،مع ما لدينا
من وحي ،وتستطيع أحيانا ملحظة الساليب ،التي تم بها كتابة التوراة ،من إضافة وحذف وتبديل لمواضع
العبارات ،كما أخبر عنها القرآن الكريم .وهذه البقية هي ما كان يستدل اليهود من خللها وما زالوا ،على
بعض الحداث المستقبلية ،كبعث عيسى ومحمد عليهما السلم قديما ،وما سيقع من أحداث النهاية مستقبل .
وكما قلنا في الفصل السابق ،أن معرفتهم بما وجد لديهم من نبوءات ،كانت بمثابة القوة الدافعة ،في تحركاتهم
لستباق تحقّق هذه النبوءات ،على أرض الواقع ،ولم ولن يألوا جهدا ،في استعجالها إن وافقت أهوائهم ،أو في
تعطيلها إن خالفتها ،
في هذا الفصل ،سنتتبع في البداية ،بعض الخبار التي وردت في التوراة ،بشكل مقتضب وسريع ،ومن ثم
سنعرض جانبا من النبوءات التوراتية ،التي تحققت في الماضي ،وجانبا من النبوءات التي لم تتحقق بعد ،مما
يُساعد على استقراء بعض النبوءات المستقبلية لديهم ،لنتعرّف على المخاوف اليهودية ،وتطلعاتهم وأحلمهم
وأمانيّهم ،المتعلّقة بعودتهم إلى فلسطين للمرة الثانية .
ومن خلل هذا الكشف تستطيع التعرف على حقيقة العقلية ،التي يُفكّر بها يهود ،ومن ثم قراءة مواقفهم
وسياستهم ،على الساحتين العالمية والقليمية ،وتستطيع أيضا قراءة سياسات ومواقف أمريكا ،التي يحكمها
ويديرها في الخفاء ،زعماء المؤامرة العالمية ،من الثرياء والحاخامات اليهود ،لتجد أن التوراة ونبوءاتها هي
ما سيّر اليهود في الماضي ،وهي ما يُسيّرهم في الحاضر والمستقبل .
قال تعالى ( َفوَ ْيلٌ ِللّذِينَ َيكْتُبُونَ ا ْلكِتَابَ بِأَيْدِي ِهمْ ُ ،ثمّ َيقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْ ِد الِّ ،لِ َيشْتَرُوا ِبهِ َثمَنًا قَلِيلً َ ،فوَ ْيلٌ َل ُهمْ
ِممّا كَتَبَتْ أَيْدِي ِهمْ َ ،ووَ ْيلٌ َل ُه ْم ِممّا َي ْكسِبُونَ ( 79البقرة )
وقال أيضا ( وَ َلمّا جَاءَ ُهمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ الِّ ،مُصَدّقٌ ِلمَا َم َعهُمْ َ ،وكَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َيسْ َتفْتِحُونَ عَلَى الّذِينَ َكفَرُوا
فَ َلمّا جَاءَ ُهمْ مَا عَ َرفُوا َكفَرُوا ِبهِ ،فَ َلعْ َنةُ الِّ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ ( 89البقرة )
حسَبُوهُ مِنَ ا ْلكِتَابِ َ ،ومَا ُهوَ مِنَ ا ْلكِتَابِ ،وَ َيقُولُونَوقال أيضا ( َوإِنّ مِ ْن ُهمْ َلفَرِيقًا ،يَ ْلوُونَ أَ ْلسِنَ َتهُمْ بِا ْلكِتَابِ ،لِ َت ْ
ب وَ ُهمْ َيعْ َلمُونَ ( 78آل عمران ) علَى الِّ ا ْلكَذِ َُه َو مِنْ عِنْ ِد الِّ َ ،ومَا ُه َو مِنْ عِنْ ِد الِّ ،وَ َيقُولُونَ َ
" تكوين :18 :15 :في ذلك اليوم ،عقد الرب ميثاقا مع إبراهيم ،قائل :سأعطي نسلك هذه الرض ،من نهر
مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات " .
" تكوين : 8-4 :17 :ها أنا أقطع لك عهدي ،فتكون أبا لمم كثيرة ،وأُصيّرك مُثمرا جدا ،يخرج من نسلك
ملوك ،فأكون إلها لك ولنسلك من بعدك .وأهبك أنت وذريّتك أرض كنعان التي نزلت فيها غريبا ،مُلكًا أبديا " .
تكرار الوعد لبراهيم ،بأرضين مختلفتين ،ناتج عن كون التوراة ،جُمعت من مصدرين مُختلفين كما سبق
وأوضحنا ،وأحد المصدرين أقل تطرّفا ومُغالة ،في التحريف والكذب من الخر ،وهذا الوعد بما أنه كان
لبراهيم ونسله ،فهو ليس حكرا على نسل إسحاق ،بل يشمل نسل إسماعيل أيضا .
128
وعد ال لهاجر في إسماعيل :
" تكوين 10 :16 :وقال لها ملك الرب :لُكثّرنّ نسلك فل يُعدّ من الكثرة ،هو ذا أنت حامل ،وستلدين ابنا
وتدعينه إسماعيل ،ويكون إنسانا وحشيّا يُعادي الجميع والجميع يُعادونه [ ،وأمام جميع أخوته يسكن ] " .
همجيّ متوّحش وإرهابي ،معاد للبشرية ،هذه هي صورة ،إسماعيل عليه السلم نبي ال ،جد العرب ،وهي
ذاتها صورة النسان العربي في وسائل العلم الغربية ،من سينما وتلفزيون وصحف ومجلّت ،ومصدر هذه
الصورة هو التوراة ،والمُنتج المُنفذّ هم اليهود ،المُسيطرون على كافة وسائل العلم الغربية .فالرب يقول ذلك
،ل كذبة التوراة ،وإذا كان العرب مستاءون من هذه النظرة لهم ،فليجرؤ أحدهم على مطالبة اليهود والنصارى
،بحذف كلمات الرب هذه ،من كتابهم المقدّس ،كما يُطالبوننا بحذف اليات التي تحضّ على قتالهم ،من الكتب
المدرسية .
وعد ال لبراهيم في سارة ونسلها :
" تكوين : 19-15 :17 :وقال الرب لبراهيم :أما ساراي زوجتك ،وأُباركها وأُعطيك منها ابنا ،سأباركها
وأجعلها أمّا لشعوب ،ومنها يتحدّر ملوك أمم ،إنّ سارة زوجتك هي التي تلد لك ابنا ،وتدعو اسمه اسحق وأُقيم
عهدي معه ،ومع ذريّته من بعده إلى البد " .
وعد ال لبراهيم في إسماعيل ونسله :
" تكوين : 20 :17 :وأمّا إسماعيل فقد استجبت لطلبتك من أجله ،سأُباركه حقا ،وأجعله مُثمرا ،وأكثّر ذريّته
جدا ،فيكون أبا لثني عشر رئيسا يلد ،ويُصبح أمّة كبيرة " .
هجرة هاجر وإسماعيل إلى صحراء فاران :
" تكوين :21-14 :21 :فنهض إبراهيم في الصباح الباكر ،وأخذ خبزا وقربة ماء ،ودفعهما إلى هاجر ،
ووضعهما على كتفيها ،ثم صرفها مع الصبي ،فهامت على وجهها في برية بئر سبع .وعندما فرغ الماء من
القربة ،طرحت الصبي تحت إحدى الشجار ،ومضت وجلست قبالته ،على بُعد مائة متر ( ،تبريرهم :حتى
ل تشهد موت الصبي ) ،ورفعت صوتها وبكت ( .ناداها ملك الرب قائل ) " :قومي واحملي الصبي ،
وتشبّثي به لنّي سأجعله أمّة عظيمة " ،ثم فتحت عينيها ،فأبصرت بئر ماء ،فذهبت وملت القربة وسقت
الصبي .وكان ال مع الصبي فكبُر ،وسكن في صحراء فاران ،وبرع في رمي القوس ،واتّخذت له ُأمّه زوجة
من مصر " .
في هذا النص يُوحي كتبة التوراة ،أن إبراهيم تخلّى عن هاجر وابنها وطردهما طردا ،ويقولون في بداية
النص ،أنه سكن بئر السبع ،وأن بئر زمزم تفجّرت فيها ،وفي نهاية النص يقولون بأنه سكن في صحراء فاران
،وهذا يعني أن التسمية العبرية القديمة ،لصحراء الجزيرة العربية هو صحراء فاران ،وجبال فاران هي جبال
مكة أو الجزيرة العربية ،ولذلك كان اليهود يعلمون على وجه التحديد ،أن نبياً من نسل إسماعيل ،سيُبعث في
جزيرة العرب ،فارتحلوا إليها وسكنوا فيها .
التبشير بمحمد عليه الصلة والسلم في سفر التثنية على لسان موسى عليه السلم
" تثنية :18 :18 :فقال لي الرب :لهذا أُقيم لهم نبيا من بين أُخوتهم مثلك ،وأضع كلمي في فمه ،فيُخاطبهم بكل
ما آمره به ،وكلّ من يعصي كلمي ،الذي يتكلم به باسمي ،فإني أُحاسبه " .
وقول موسى عليه السلم ،نبيا من بين أُخوتهم ،يعني أنه من غير بني إسرائيل ،بل من أخوتهم ،وأخوتهم
كما نعلم هم نسل إسماعيل عليه السلم ،بدللة التوراة نفسها في النص الوارد أعله ( ، ) 12 :16وهذا القول
بطبيعة الحال ،ل يُشير إلى عيسى عليه السلم ،كون أُمه من بني إسرائيل .وقوله نبيا مثلك ،يعني يماثله في
129
كل شيء تقريبا ،من لحظة ولدته بما شمله ال من رعاية وعناية ،وبعثه ورسالته ومعاناته ،وحتى مماته عليه
السلم .
" تثنية [ 2 :33 :فقال ( موسى عليه السلم ) :جاء الرب من سيناء ،وأشرق لهم من سعير ،وتلل من جبال
فاران ،وأتى من ربوات القدس ،وعن يمينه نار شريعة لهم ] " .
وهذا النص يحمل في ثناياه أربع نبوءات هي :
.1جاء الرب من سيناء .وسيناء هو ( طور سيناء ) في وادي عربة ،مكان الوحي الذي أُنزلت فيه اللواح ،
على موسى عليه السلم .
.2وأشرق لهم من سعير ، .حيث بُعث عيسى عليه السلم بالنجيل ،قال تعالى ( وَا ْذكُرْ فِي ا ْلكِتَابِ َمرْ َيمَ إِذِ
انْتَبَذَتْ ِمنْ أَهْ ِلهَا َمكَانًا شَرْقِيّا ( 16مريم ) وقال ( َوجَعَلْنَا ابْنَ مَرْ َيمَ َوُأ ّمهُ ءَا َيةً وَءَاوَيْ َن ُهمَا إِلَى رَ ْبوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ
َو َمعِينٍ ( 50المؤمنون ) وسعير على ما يبدو من اليات الكريمة ،هي منطقة شرقي القدس ،تقع على تلة
ذات أشجار مثمرة وفيها عين ماء جارية .
.3وتلل من جبال فاران .جبال فاران هي جبال الجزيرة العربية ،حيث تقع مكة ،مكان سُكنى إسماعيل بدللة
التوراة نفسها ،حيث بُعث محمد عليه الصلة والسلم بالقرآن ( لحظ هنا الفعل تلل ) ،دللة على ما
سيكون للسلم من شأن عظيم .وهذا دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلم ( رَبّنَا وَا ْبعَثْ فِي ِهمْ َرسُولً مِ ْن ُهمْ
حكِيمُ (129إبراهيم ) ،وهذه استجابة ح ْك َمةَ وَيُ َزكّي ِهمْ إِنّكَ أَنْتَ ا ْلعَزِيزُ ا ْل َيَتْلُو عَلَ ْي ِهمْ ءَايَتِكَ وَ ُيعَّل ُمهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ
ح ْك َمةَ َوإِنْ
دعائهما ( ُهوَ الّذِي َبعَثَ فِي ا ُلْمّيّينَ َرسُولً مِ ْن ُهمْ يَتْلُو عَلَ ْي ِهمْ ءَايَا ِتهِ وَ ُي َزكّيهِمْ وَ ُيعَّل ُمهُمُ ا ْلكِتَابَ وَا ْل ِ
ل ٍل مُبِينٍ ( 2الجمعة ) كَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َلفِي ضَ َ
.4وأتى من ربوات القدس .وهي النبوءة التي لم تتحقق لغاية الن ،حيث ل شريعة جديدة ،بل تجديد لشريعة
قائمة .
والنبوءة الخيرة فُسرّت على ثلثة أقوال :
المسلمون :ظهور المهدي وعودة الخلفة السلمية واتّخاذ القدس عاصمة لها . •
اليهود :ظهور مَلِك اليهود المنتظر ،الذي سينتصر على أعداء إسرائيل ،في حرب العالمية النووية الثالثة •
،ومن ثم يحكم العالم إلى البد .
النصارى :عودة عيسى عليه السلم ،ليخلّص أتباعه برفعهم فوق السحاب ،عند نشوب تلك الحرب ،ومن •
ثم يحكم العالم مدة ألف عام .
من كتاب ( المنتظم في تاريخ الملوك والمم ) لبي الفرج " عن حسان بن ثابت ،قال :إني لغلمٍ يفعة ،ابن
سبع أو ثمان ،إذا يهوديٌ بيثرب ،يصرخ ذات غداة :يا معشر يهود ،فلما قالوا :ما لك ،ويلك ! قال :طلع نجم
أحمد ،الذي ولد هذه الليلة ،قال :فأدركه اليهودي ولم يؤمن به " .
من كتاب ( المنتظم ) " أخبرنا أبو الحسن بن البراء قالت آمنة … :وكان بمكة رجل من اليهود حين ولد ،فلما
أصبح ،قال :يا معشر قريش ،هل ولد فيكم مولود ؟ قالوا :ل نعلمه ،قال :ولد الليلة نبي العرب ،به شامة بين
منكبيه سوداء فيها شعرات ،فرجع القوم ،فسألوا أهليهم فقيل :ولد الليلة لعبد المطلب غلم ،فلقوه فأخبروه ،
فنظر إليه ،فقال :ذهبت النبوة من بني إسرائيل ،هذا الذي سرّه أحبارهم ،يا معشر قريش ،وال ليسطونّ بكم
سطوة ،يخرج نبأها من المشرق إلى المغرب " .
" إشعياء : 2 :9 :الشعب السالك في الظلمة أبصر نورا عظيما ،والمقيمون في أرض ظلل الموت ،أضاء
عليهم نور عظيم … :7-6 :9لنه يُولد لنا ولد ،ويُعطى لنا ابن يحمل الرياسة على كتفه ،ويُدعى اسمه عجيبا ،
مُشيرا ،إلها قديرا ،أبا أبديا ،رئيس السلم ،ول تكون نهاية لنمو رياسته وللسلم ،الل َذيْن يسودان عرش داود
ومملكته ،ليُثبتها بالحق والبرّ ،من الن وإلى البد ،إن غيرة الرب تُتم هذا " .
" إشعياء : 13 :9 :إن الشعب لم يرجع تائبا إلى من عاقبه ،ول طلب الرب القدير .لذلك سيقطع الرب من
إسرائيل ،في يوم واحد الرأس والذنب ،النخل والسل " .
ل".
" إشعياء :34-33 :10 :لكن الرب القدير يُحطّم الغصان بعنفوان ،فكل مُتطاول يُقطع ،وكل مُتشامخ يُذ ّ
علم اليهود من خلل النص الول :
.1أن نجما عظيما سيظهر عند مولد أحمد ،
.2ومن النص الثاني أن علمة النبوة ستكون على كتفه ،
.3أما اسمه العجيب في هذا الموضع فوصفته أقلم الكهنة ،بمشير وإله وأب ورئيس سلم .
.4أما رسالته فتشمل مشارق الرض ومغاربها ،حتى قيام الساعة ،
.5أما إضافة عرش داود ومملكته فهي من أمانيهم وأحلمهم .
.6أما النص الثالث والرابع يؤكد انقطاع النبوة وخروجها من بني إسرائيل بمولد هذا النبي ومبعثه .
ويعود الكهنة ويسمّون هذا الله بأحمد ،في النص التالي :
" إشعياء : 3-1 :25 :يا رب أنت إلهي ،أُعظمّك وأحمد اسمك ،لنك صنعت عجائب كنت قد قضيت بها منذ
القدم ،وهي حق وصدق … لذلك يُمجّدك شعب قوي ،وتخشاك مدن آهلة بأمم فظة لنك كنت حصنا للبائس ،
وملذا منيعا للمسكين في ضيقه ،وملجأ له من العاصفة ،وظلّ تقيه وهج الحرّ … "
هو ملك البرّ ورؤساءه يحكمون بالعدل :
" إشعياء :1 :32 :ها إن ملكا يملك بالبرّ ( محمد ) ،ورؤساء يحكمون بالعدل ( الخلفاء ) [ :2 ،ويكون إنسان ]
( أي ليس إلها كما صوّره النص السابق ) كملذ من الريح ،وكملجأ من العاصفة ،أو كجداول مياه في
صحراء ،أو كظل صخرة عظيمة في أرض جدباء :3 ،عندئذ تنفتح عيون الناظرين وتصغي آذان السامعين ،
:4فتفهم وتعلم العقول المتهوّرة ،وتنطق بطلقة اللسنة الثقيلة ( الُميّون ) ، … .حتى تنسكب علينا روح من
131
السماء ،فتتحوّل البرية ( الصحراء ) إلى مرج خصيب ،ويُحسب المرج غابة ،عندئذ يسكن العدل في
الصحراء ،ويٌقيم البرّ في المرج الخصيب ،فيكون ثمر الب ّر سلما ،وفعل الب ّر سكينة وطمأنينة إلى البد " .
نص آخر " إشعياء : 1 :35 :ستفرح الصحراء والقفر الجرد ( جزيرة العرب ) ،و تبتهج البرية وتزهر
كالورد ،تزهر ازدهارا ،وتبتهج أشدّ بهجة ،ويضفي عليها مجد لبنان وجلل الكرمل ،ويشهدون مجد الرب
وبهاء إلهنا :5 ، … ،عندئذ تبصر عيون العمي ،وتنفتح آذان الصمّ [ :6 ،ويقفز ] العرج كالظبي ،ويترنم
لسان البكم فرحا ،إذ تنفجر المياه في البرية ،وتتدفق الجداول في الصحراء :7 ،و يتحوّل السراب إلى واحة ،
والرض الظمأى إلى جداول ، … ،حيث كانت تأوي بنات أوى ،ينمو العشب القصب و البرديّ " … ،
صفة المصطفى عليه الصلة والسلم :
" إشعياء :1 :42 :هو ذا عبدي الذي أعضده ،مختاري الذي ابتهجت به نفسي ،وضعت روحي عليه ليسوس
المم بالعدل : 2 ،ل يصيح ول يصرخ ،ول يرفع صوته في الطريق : 3 ،ل يكسر قصبة مرضوضة ( أي
يُقيمها ) ،ول يطفئ فتيلة [ خامدة ] ( أي يُشعلها ) ،إنما بأمانة يُجري عدل ( ،أي أنه ل يسيء إلى الناس ،بل
يُحسن إليهم ) 4 ،ل يكلّ ول تُثبّط له همّة ،حتى يرسّخ العدل في الرض ،وتنتظر الجزائر شريعته : 6 ،أنا
الرب قد دعوتك بالبّر ،أمسكت بيدك وحافظت عليك ،وجعلتك عهدا للشعب ونورا للمم : 7 ،لتفتح عيون
العمي ،وتطلق سراح المأسورين في السجن ،وتحرّر الجالسين في ظلمة الحبس :9 ،ها النبوّات السالفة
ئ بها قبل أن تحدث " … ، تتحقق ،وأخرى جديدة أُعلنُ عنها ،وأُنب ُ
نبي الهدى يُعرّف بنفسه من خلل التوراة :
" " :1-13 :49أنصتي إليّ أيّتها الجزائر ،وأصغوا يا شعوب الرض البعيدة :قد دعاني ( سمّاني ) الربّ وأنا
ما زلت جنينا ،وذكر اسمي وأنا ما برحت في رحم ُأمّي ،جعل فمي كسيف قاطع ،وواراني في ظل يديه ،
فصنع مني سهما مسنونا ،وأخفاني في جعبته ،وقال لي :أنت عبدي إسرائيل الذي به أتمّجد ،ولكنني أجبت :
لقد تعبت باطل ،وأفنيت قوّتي سدى وعبثا ،غير أنّ حقي محفوظ عند الرب ،ومُكافأتي عند إلهي " .
وحتى يستقيم النص ضع أحمد بدل من إسرائيل ،واحذف الكلمات ،التي تحتها خط ،وأقرأ النص من جديد ،
ي ِإلّ عَلَى الِّ … (47
ن أَجْ ِر َ
فهي ليست من قول رسولنا الكريم ) ،وهذا قوله ( ُقلْ مَا سَأَلْ ُت ُكمْ مِنْ َأجْرٍ َف ُهوَ َل ُكمْ إِ ْ
سبأ ) .
الجزيرة العربية تُشرق بنور ربّها :
"إشعياء : 1 :60 :قومي استضيئي ( صهيون ،والصل الجزيرة العربية ) ،فإن نورك قد جاء ،ومجد الرب
أشرق عليك : 3 … ،فتقبل المم إلى نورك ،وتتوافد الملوك في إشراق ضياءك ( الحج ) : 15 … ،وبعد أن
كنت مهجورة وممقوتة ،ل يعبر بك أحد ،سأجعلك بهيّة إلى البد ،وفرح كل الجيال :18 … ،ول يسمع بظلم
في أرضك :21 … ،وشعبك كلهم أبرار ،ويرثون الرض إلى البد ،فهم غصن غرسي وعمل يدي لتمجّد ،
:22ويضحي أقلّهم ألفا ،وأصغرهم أمة قوية ،أنا الرب أُسرع في تحقيق ذلك في حينه . "… ،
رسالة السلم وصفة حملتها :
" إشعياء :1 :61 :روح السيد الرب عليّ ( الوحي ) لن الرب مسحني لُبشّر المساكين ،أرسلني لضمّد جراح
منكسري القلوب ،لنادي للمسبيين بالعتق وللمأسورين بالحرية : 2 ،لعلن سنّة الرب المقبولة ( إِنّ الدّينَ عِنْدَ
لمُ َومَا اخْتَلَفَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ِإلّ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَ ُهمُ ا ْلعِ ْلمُ َبغْيًا بَيْ َن ُهمْ ( 19آل عمران ) :7 ، … ،
الِّ ا ِلْسْ َ
وعوضا عن عاركم تنالون ضعفين من الميراث ( إِنّا كُنّا مِنْ قَبْ ِلهِ ُمسْ ِلمِينَ ( )53أُولَئِكَ ُيؤْ َتوْنَ َأجْرَ ُهمْ مَرّتَيْنِ …
( 54القصص ) :8 ،لني أنا الرب أُحبّ العدل ،وأمقت الختلس والظلم ،وأُكافئهم بأمانة ( وَلَ َنجْزِيَ ّن ُهمْ َأجْرَ ُهمْ
حسَنِ مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ ( 97النحل ) ،وأقطع معهم عهدا أبديا : 9 ،وتشتهر ذريتهم بين المم ،ونسلهم وسط بِ َأ ْ
سجُودِ ذَِلكَ مَثَُل ُهمْ فِي ال ّتوْرَاةِ ) ،ويُقرّ أنهم
الشعوب ،وكل من يراهم يعرفهم ( سِيمَا ُهمْ فِي ُوجُو ِه ِهمْ مِنْ أَثَرِ ال ّ
132
شعب باركه الرب :11 ، … ،كما تنبت الرض مزروعاتها ،والحديقة تخرج نباتاتها ،هكذا السيد الرب ينبت
شطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْ َتغْ َلظَ فَاسْ َتوَى عَلَى سُو ِقهِ ُي ْعجِبُ الزّرّاعَ
البرّ والتسبيح ،ينبتان أمام كل المم ( كَزَرْعٍ َأخْرَجَ َ
لِ َيغِيظَ ِب ِهمُ ا ْلكُفّارَ ) :1 :62 ،إكراما لصهيون ( هذه إحدى تحريفاتهم ،والصل إكراما لخير أمة أُخرجت
للناس ) ،ل أصمت ،و… ل أستكين [ ،حتى يخرج برّها كضياء ،وخلصها كمصباح مُتقد ] :2 ،فترى المم
ن مِنْ قَ ْبلُ ( 78الحج ) . سمّاكُمُ ا ْل ُمسْ ِلمِي َ
ل الملوك مجدك ،وتدعين باسم جديد يطلقه عليك فم الرب ( ُه َو َ ِبرّكِ وك ّ
انتشار رسالة السلم بين المم ،وصفة مجيء حجّاج بيت ال الحرام :
" إشعياء :20-18 :66 :ولني عالم بأعمالهم وأفكارهم ،فأنا مُزمع أن آتي لجمع كل المم واللسنة ،فيتوافدون
ويرون مجدي ،وأجعل بينهم آية ،وأبعث بعض الناجين منهم إلى المم ،إلى ترشيش وفول ولود ،المهرة في
رمي السهام ،وإلى توبال وياوان ،وإلى الجزائر البعيدة ،ممن لم يسمعوا بشهرتي ،أو يروا مجدي ،فيذيعون
مجدي بين المم .ويُحضرون جميع أخوتكم من سائر المم ،تقدمة للرب ،على متون الجياد ،وفي المركبات
والهوادج ،وعلى ظهور البغال وأسنمة الجمال ،إلى أورشليم جبل قدسي " .
طهّرْ بَيْتِيَ لِلطّا ِئفِينَ وَا ْلقَا ِئمِينَ وَال ّركّعِ
شرِكْ بِي شَيْئًا َ ،و َ قال تعالى ( َوإِذْ َب ّوأْنَا لِ ْبرَاهِيمَ َمكَانَ الْبَيْتِ ،أَنْ لَ ُت ْ
عمِيقٍ ( 27الحج ) ن كُلّ َفجّ َ ن ِم ْ حجّ ،يَأْتُوكَ ِرجَالً ،وَعَلَى ُكلّ ضَا ِمرٍ ،يَأْتِي َ سجُودِ (َ )26وأَذّنْ فِي النّاسِ بِا ْل َ ال ّ
وهب بن منبه يُجمل ما تفرّق من نصوص التوراة :
وقارن كل ما تقدّم مع ما قاله وهب بن منبه أحد مُسلمي اليهود ،حيث أجمل كل هذه النبوءات في هذا النص من
كتاب ( المنتظم ) لبي الفرج " قال وهب بن منبه :أوحى ال تعالى إلى إشعياء ،إني مُبعث نبيا أميّا ،أفتح به
آذانا صما ،وقلوبا غلفا ،وأعينا عميا ،مولده بمكة ومهاجره طيبة ( المدينة المنورة ) ،وملكه بالشام ،عبدي
المتوكل المرفوع الحبيب المجيب ،ل يجزي بالسيئة السيئة ،ولكن يعفو ويصفح ،ويغفر بالمؤمنين ،وليس بفظ
ول غليظ ،ول صخاب في السواق ،ول متزيّن بالفحش ول قوّال ،أُسدّده لكل جميل ،وأهب له كل خلق
كريم ،وأجعل السكينة لباسه ،والبرّ شعاره ،والتقوى والحكمة مقولته ،والصدق والوفاء طبيعته ،والعفو
والمغفرة والمعروف خلقه ،والعدل والحق شريعته ،والهدى إمامه ،والسلم ملته ،وأحمد اسمه ،أهدي به بعد
الضللة … ،به بعد الجهالة ،وأُكثر به بعد القلة ،وأغني به بعد العيلة ،وأجمع به بعد الفرقة بين قلوب
مختلفة ،وأهواء متشتتة ،وأمم متفرقة ،أجعل أمته خير أمة أخرجت للناس ،تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر
،توحيدا لي ،وإيمانا بي ،وإخلصا لي ،وتصديقا لما جاء به رسلي ،وهم دعاة الشمس ( النور ) ،طوبى لتلك
القلوب " .
اليهود ينكرون نبوّة أحمد عليه الصلة والسلم حسدا وبغيا :
من كتاب ( المنتظم ) " عن عاصم بن عمر عن قتادة عن رجل من قومه ،قال :إن مما دعانا إلى السلم ،مع
رحمة ال إيانا وهداه ،لما كنا نسمع من يهود ،كنا أصحاب أوثان ،وكانوا أهل كتاب ،عندهم علم ليس عندنا ،
وكانت ل تزال بيننا وبينهم ،فإذا نلنا منهم بعض ما يكرهون ،قالوا لنا :إنه قد تقارب زمان نبي يبعث الن ،
فنقتلكم معه قتل عاد وإرم ،وكنا كثيرا ما نسمع ذلك منهم ،فلما بعثه ال عز وجل ،أجبناه حين دعانا إلى ال ،
وعرفنا ما كانوا يتوّعدونا به ،فبادرناهم إليه ،وآمنا وكفروا ،ففينا وفيهم ،نزلت هذه اليات ( وَ َلمّا جَاءَ ُهمْ
كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ الِّ مُصَدّقٌ ِلمَا َمعَ ُهمْ َوكَانُوا مِنْ قَ ْبلُ َيسْ َتفْ ِتحُونَ عَلَى الّذِينَ كَفَرُوا فَ َلمّا جَاءَ ُهمْ مَا عَ َرفُوا كَفَرُوا ِبهِ
فَ َلعْ َنةُ الِّ عَلَى ا ْلكَافِرِينَ ( 89البقرة ) " .
من كتاب ( المنتظم ) " وعن عاصم عن شيخ من بني قريظة ،قال :قال لي :هل تدرون عمّا كان إسلم ثعلبة
بن سعيد وأسد بن عبيد ،نفر من بني ذهل أخوة بني قريظة ،كانوا معهم في جاهليتهم ،كانوا ساداتهم في
السلم ،قال :قلت :ل أدري ،قال :فإن رجل من يهود من أهل الشام ،يُقال له ابن الهيبان ،قدم علينا قبل
السلم بسنين ،فحلّ بين أظهرنا ،ل وال ما رجل قط ،كان يصلي الخمس أفضل منه ،فأقام عندنا ،فكنّا إذا
قحط عنا المطر ،قلنا اخرج يا ابن الهيبان فاستسق لنا ،فيقول ل وال ،حتى تقدموا بين يدي مخرجكم صدقة
133
له ،فنقول :كم ؟ فيقول :صاعا من تمر أو ُمدّين من شعير ،قال :فيُخرج ذلك ،ثم يخرج بنا إلى حرّتنا ،
فيستسقي لنا ،فوال ما يبرح مجلسه ،حتى يمر السحاب ويسقي ،قد فعل ذلك غير مرة ول مرتين ول ثلثا ،
قال :ثم حضرته الوفاة عندنا ،فلما عرف أنه ميت ،قال :يا معشر يهود ،ما ترونه أخرجني من أرض الخمر
والخمير ،إلى أرض الجوع والبؤس ،قالوا :قل لنا أنت ،قال :فإني إنما جئت هذه البلدة ،أتوّكف خروج نبي
قد أظلّكم زمانه ،هذه البلدة مهاجره ،فكنت أرجو أن أُدركه فأتبعه ،وقد أظلّكم زمانه ،فل يسبقنّكم أحد إليه ،يا
معشر اليهود ،فإنه يُبعث يسفك ويسبي الذراري والنساء ممن خالفه ،فل يمنعنّكم ذلك منه ،فلما بعث ال رسوله
… بني قريظة ،قال هؤلء الفتية ،وكانوا شبابا أحداثا ،يا بني قريظة ،وال إنه الذي عهد إليكم فيه ابن
الهيبان ،قالوا :ليس به ،قالوا :بلى وال ،إنه لهو بصفته ،فأسلموا فأحرزوا دماءهم وأموالهم وأهاليهم " .
من كتاب ( المنتظم ) " عن ابن عباس قال :كانت يهود قريظة والنضير وفدك وخيبر ،يجدون صفة النبي قبيل
أن يُبعث ،وأن دار مهاجره المدينة ،فلما وُلد رسول ال ،قالت أحبار اليهود ولد أحمد الليلة ،هذا الكوكب
طلع ،فلما تنبّأ ،قالوا تنبأ أحمد ،قد طلع الكوكب ،كانوا يعرفون ذلك ،ويُقرّون به ،وما منعهم من اتّباعه ،إل
الحسد والبغي " .
كان هذا عرضا لبعض من نبوءات التوراة ،التي تحقّقت في الماضي ،وعرضا لكيفية فهمهم لشاراتها
ورموزها وتفسيرهم لها .وفيما يلي سنبدأ بعرض أغلب نبوءاتهم المستقبلية ،والتفسيرات المعاصرة لها ،من
الرواد الغربيون من اليهود والنصارى ،مع التعقيب عليها أحيانا .
" ارميا :3 :25 :على مدى ثلث وعشرين سنة ،والربّ يوحي إليّ بكلمته ،فخاطبتكم بها ،ولكنكم لم تسمعوا ،
… :5وقد قالوا لكم ( النبياء ) :توبوا الن ليرجع كل واحد منكم ،عن طُرقِه الشرّيرة ،وممارساته الثيمة ،
… :6ول تضلوا وراء آلهة أخرى … عندئذ ل أُنزل بكم أذىً :7 ،غير أنكم لم تسمعوا لي ،بل أثرتم غيظي
بما جنته أيديكم ،فاستجلبتم على أنفسكم الشرّ : 8 ،لذلك يقول الرب القدير :لنكم عصيتم كلمي :9 ،فها أنا
أُجنّد جميع قبائل الشمال ،بقيادة نبوخذ نصر عبدي ،وآتي بها إلى هذه الرض ،فيجتاحونها ويهلكون جميع
سكّانها ،مع سائر المم المحيطة بها ،وأجعلهم مثار دهشة وصفير ،وخرائب أبدية : 10 ،وأُبيد من بينهم
أهازيج الفرح والطرب … ،وضجيج الرحى ونور السراج : 11 ،فتصبح هذه الرض بأسرها قفرا خرابا ،
وتُستعبد هذه المم لملك بابل ،طوال سبعين سنة :12 ،وفي ختام السبعين سنة أُعاقب ملك بابل وأمّته ،وأرض
الكلدانيين على إثمهم ،وأُحولها إلى خراب أبديّ ،يقول الرب : 13 ،وأُنفّذ في تلك الرض ،كل القضاء الذي
نطقت به عليها ،كلّ ما دوّن في هذا الكتاب ،وتنبأ به إرميا على جميع المم : 14 ،إذ أنّ أمما كثيرة وملوكا
عظماء يستعبدونهم أيضا ،وهكذا أُجازيهم بمقتضى أفعالهم ،وما جنته أيديهم من أعمال أثيمة " .
نص النبوءة في هذه الفقرة ،بالمقارنة مع نص النبوءة الصلي في سفر التثنية ،هو محض افتراء وتزوير ،
فالكاتب في الواقع يسرد تاريخا لحداث بعد وقوعها ،يحدّد فيه أسماء وأمكنة وأزمنة ،مع أنه يحكيها بصيغة
المستقبل ،وفي النهاية يسكب بعضا من حقده الدفين ،على بابل وأهلها ،فاضحا الثر النفسي الذي كان يعتريه
عند كتابتها ،وهذا يؤكد أنّ هذا النص ،أُعيدت كتابته بالضافات ،من قبل مؤلفي التوراة ،بعد السبي البابلي ،
فمثل سفر إشعياء ،يقول بأن الطائر الجارح سيأتي من المشرق ،وسفر إرمياء يقول أن نبوخذ نصر يأتي من
الشمال ،وفي الحقيقة ،ربما يكون كل المرين بناءً على نصوص التوراة صحيح ،ليكون خروج نبوخذ نصر
من الشرق ( بابل ) ،وغزوه لمملكتهم من الشمال ( حماة ) ،أما جهة المخرج في المرة الولى ،لم تكن معروفة
إل بعد تحقق البعث ،فلذلك كانت الفقرة السابقة سردا تاريخيا .
134
المرة الثانية وما بعدها :
" ارميا :3 :30 :ها أيام مقبلة أردّ فيها سبي شعبي … ،وأعيدهم إلى الرض التي أعطيتها لبائهم فيرثونها ،
( ثم يقول ) :سمعنا صراخ رعب ،عم الفزع وانقرض السلم ، … ،ما أرهب ذلك اليوم ،إذ ل مثيل له ،هو
زمن ضيق على ذرية يعقوب ،ولكنها ستنجو ،في ذلك اليوم ،يقول الرب القدير :أُحطّم أنيار أعناقهم وأقطع
رُبطَهم ( أي أرفع قيود العبودية والذل عنهم ) فل يستعبدهم غريب فيما بعد ،بل يعبدون الرب إلههم ،وداود
ملكهم الذي أُقيمه عليهم … ،فيرجع نسل إسرائيل ،ويطمئنّ ويستريح ،من غير أن يُضايقه أحد ، … ،فأُبيدُ
جميع المم التي شتّتكَ بينها ،أمّ أنت فل أُفنيك أُودّبك بالحق ،ول أُبرّئك تبرئة كاملة ( ، … ،الخطاب موجّه
لورشليم ) إن جرحك ل شفاء له ،وضربتك ل علج لها ،إذ ل يوجد من يدافع عن دعواك ، … ،قد نسيك
محبّوك ،وأهملوك إهمال ،لني ضربتك كما يُضربُ عدوّ ،وعاقبتكِ عقابَ مبغضٍ قاسٍ ،لن إثمك عظيمٌ
وخطاياك متكاثرة ، … ،لهذا أوقعتك بالمحن ،ولكن سيأتي يوم يُفترس فيه جميع مُفترسيك ،ويذهب جميع
مضايقيك إلى السبي ،ويصبح ناهبيك منهوبين ،لني أردّ لك عافيتك وأُبرئ جراحك " .
هذه الفقرة تتحدث عن المرة الثانية وعقابهم الثاني ،وهذا النص منقول كامل ،مع حذف بعض العبارات
الزائدة كعبارة يقول الرب أو ما شابه ،فانظر ماذا أضافوا إليها ،لقد أضاعوا الحقيقة ،وظلموا أجيالهم القادمة
من حيث ل يعلمون ،فكذبوا الكذبة وصدّقها أبنائهم ،وأصبحت من صميم معتقداتهم ،فالمعاصرين من اليهود
والنصارى ،يتعاملون مع كل نصوص التوراة ،بغثها وسمينها ،على أنها من عند ال ،ول مجال لتكذيبها .وما
أُضيف إلى هذه النبوءة المستقبلية ،كما يعتبرونها هم ،هو كل ما تحته خط .وأخطر ما في هذه الضافة ،هو
تفسيرهم المعاصر لها .
" حزقيال :5 :5 :هذه هي أورشليم التي أقمتها في وسط الشعوب … ،فخالفت أحكامي بأشرّ مما خالفتها المم
… لذلك من حيث أنكم تمرّدتم أكثر من المم المحيطة بكم ، … ،ها أنا أنقلب عليك يا أورشليم ،وأجري عليك
قضاء على مشهد من المم ،فأصنع بك ما لم أصنعه من قبل ،وما لم أصنع مثله من بعد ،عقابا لك على جميع
سكّانك يموتون بالوبأ والجوع في
أرجاسك ، … ،فأنا أيضا أستأصل ،ول تترأف عليك عيني ول أعفو … ثُلث ُ
وسطك ،وثُلث ثانٍ يُقتل حولك بالسيف ،وثُلث أخير أُشتّته بين المم ،وأتعقبه بسيف مسلول ،وهكذا أُنفّس عن
غضبي ،ويخمد سخطي ،إذ أكون قد انتقمت … وأجعلك خرابا وعارا بين المم … أنا الرب قد قضيت " .
هذا النص يؤكد مقتل ثلثي اليهود ،وشتات ثلث سيكون عرضة للقتل والتنكيل والضطهاد .
نزول العقاب ببني إسرائيل في جميع مواطن إقامتهم :
" حزقيال :3 :6 :ها أنا أجلب عليكم سيفا وأهدم مرتفعاتكم ،فتصبح مذابحكم أطلل ، … ،وأطرح قتلكم أمام
أصنامكم ،وأُلقي جثث أبناء إسرائيل أمام أوثانهم ،وأذري عظامهم حوا مذابحكم ،وحيثما تُقيمون تتحول مُدنكم
إلى أطلل … ،يموت البعيد بالوبأ ،والقريب يصرعه السيف ،والباقي منهم والمُحاصر تقضي عليهم
المجاعة ، … ،وأم ّد يدي عليهم في جميع مواطن إقامتهم " .
هنا يؤكد نزول العقاب بهم على اختلف أمكنة إقامتهم ،ويؤكد بأن مدنهم التي يتواجدون فيها ستصبح خرابا .
135
شدة العقاب وآثاره النفسية على البقية الناجية :
" حزقيال : 15 :7 :السيف مُسلّط من الخارج ،والوبأ والجوع من الداخل … أما الناجون منهم ،فيلوذون
بالجبال كحمام الودية ،يبكي كل واحد منهم على إثمه ،جميع اليدي مسترخية ،وكلّ الركب مائعة كالمياه ،
يتلفعون بالمسوح ( الملبس الخشنة ) ،ويغشاهم الرعب ،ويكسو العار وجوههم جميعا ،ويطغى القرَع
( الصلع ) على رؤوسهم .ويطرحون فضّتهم في الشوارع ،ويضحي ذهبهم نجاسة ،وتعجز فضتهم وذهبهم
عن إنقاذهم في يوم غضب الرب " .
الوعد بالعودة إلى فلسطين من الشتات :
" حزقيال 14 :11 :ثم أوحى الرب إليّ بكلمته ،قائل :يا ابن آدم ،قل لخوتك وأقربائك وسائر شعب إسرائيل ،
في الشتات معك ،الذين قال لهم سكان أورشليم :ابتعدوا عن الرب ،لنا قد وهبت هذه الرض ميراثا .ولكن إن
كنت ،قد فرّقتهم بين المم ،وشتّتهم بين البلد ،فإني أكون لهم مَقدِسا صغيرا ،في الراضي التي تبدّدوا فيها .
لذلك قل لهم :سأجمعكم من بين الشعوب ،وأحشدكم من الراضي التي شتّتكم فيها ،وأهبكم أرض إسرائيل .
وعندما يُقبلون إليها ينتزعون منها جميع أوثانها الممقوتة ورجاساتها ( أي الحسان والصلح بترك أوثانهم
وأرجاسهم ،ولكنهم عملوا ويعملون على انتزاع الفلسطينيين وهدم أوثانهم المقدسة ) ،أعطيهم جميعا قلبا
واحدا ،وأجعل في دواخلهم روحا جديدا ،وأنزع قلب الحجر من لحمهم ،وأستبدله بقلب من لحم ،لكي يسلكوا
في فرائضي ،ويطيعوا أحكامي ويعملوا بها ،ويكونون لي شعبا وأنا أكون لهم إلها .يقول السيّد الرب :أمّا
الذين ضلّت قلوبهم وراء أوثانهم ورجاساتهم ،فإني أجعلهم يل َقوْن عقاب طُرُقهم على رؤوسهم ( فإن أحسنوا فلها
وإن أساءوا فعليها ) " .
الحث على الحسان والتوبة والرجوع إلى ال ،لنها السبيل الوحيد للنجاة :
" حزقيال : 32-29 :18 :يقول السيد الرب :ومع ذلك يقول بيت إسرائيل إنّ طريق الرب غير عادلة ،أطرقي
غير عادلة يا بيت إسرائيل ؟! أليست طرقكم هي المعوجّة ؟! لذلك أُدينكم يا شعب إسرائيل ،كل واحد بمُقتضى
طُرُقه .يقول السيد الرب :توبوا وارجعوا عن ذنوبكم كلّها ،فل يكون لكم الثم معثرة هلك .اطرحوا عنكم كل
ذنوبكم ،واحصلوا لنفسكم على قلب جديد وروح جديدة ،فلماذا تموتون يا شعب إسرائيل ؟! إذ ل أُسرّ بموت
أحد ،فتوبوا واحيوا " .
يؤكد النص على فسادهم على الدوام ،وأنهم ل يعترفون بذلك ،بل يدّعون بأن الرب غير عادل بعقابهم على
فسادهم ،كما ويحضّهم النص على التوبة والعودة ،ويُحذّرهم من الهلك إن لم يفعلوا .
ذكر المرتين وعقابهما بشكل رمزي :
" حزقيال : 9-1 :19 :أما أنت فاتلُ مرثاة على رؤساء إسرائيل ،وقل :ماذا كانت أمك ؟! لبؤة ربضت بين
السود ،وربّت جراءها بين الشبال ،حتى إذا كبُر أحد جرائها وصار شبل ( الولى ) ،وتعلّم الصيد ،أكل
الناس .وعندما بلغ أمره المم وقع في حفرتهم ،فأخذوه مسوقا بخزائمه إلى أرض مصر ،وعندما أدركت أثناء
انتظارها أن رجاءها قد هلك ،أخذت جروا آخر وجعلته شبل ( الثانية ) ،فتمشى بين السود وتعلّم الصيد ،أكل
الناس ،وهدم قصورهم وخرّب مدنهم ،فارتعبت الرض ومن فيها صوت زمجرته ،فاجتمعت عليه المم من
كل صوب ،وألقوا عليه شبكتهم فوقع في حفرتهم ،فساقوه بخزائم وزجّوه في قفص وأحضروه إلى ملك بابل ،
واعتقلوه في القلع لكيل تتردّد أصداء صوته بعد ،فوق جبال إسرائيل " .
التحذير المُسبق من الغترار بالقوة ،ومن الستهانة بما أنذرهم ال به :
" حزقيال :16-6 :21 :يقول السيد الرب :أمّا أنت يا ابن آدم ،فتنهّد بقلب مُنكسر وحزن ومرارة ،فإن سألوك
على ماذا تتنهّد ؟ تجيبهم :على الخبار الواردة التي تُذيب كل قلب ،فتسترخي اليدي ويعتري القنوط كل
136
روح ،وتصبح الركب كالماء ،ها هي الخبار واردة ول بد أن تتم .وأوحى إليّ بكلمته قائل :يا ابن آدم ،تنبّأ
وقل :هذا ما يُعلنه الرب :سيفٌ ،سيفٌ قد تم سنّه وصقله ،قد سٌنّ للذبح المُبرم ،وصقل ليومض بالبريق ،فهل
نبتهج قائلين :عصا ابني ( البن إسرائيل الدولة ،والعصا كناية عن القوة ) تحتقر كل قضيب ؟! ( بمعنى فهل
نسخر من هذا السيف ونستهزئ بجبروته مغترّين بقوتنا ) ،وقد أُعطي السيف ليصقل ويجرّد بالكف ،وها هو
بعد سنّه وصقله يُسلّم ليد القاتل ،اصرخ واعول يا ابن آدم ،لنه يتسلّط على شعبي ،وعلى كل رؤساء
إسرائيل ،يتعرّض شعبي لهوال من جراء هذا السيف ،لذلك اضرب على صدرك فزعا ( ندبا ) .يقول السيد
الرب :لنه امتحان ( وجود إسرائيل في فلسطين ) ،وماذا يحدث إن لم تُقبل العصا المُحتقرِة ( الُمزدرِية ،غير
البهة بالعقاب ) ؟! ( بمعنى ماذا ستكون عاقبتها ،إذا رسبت بالمتحان اللهي ) .أنا الرب قد تكلّمت ( قضيت )
:فتنبأ يا ابن آدم ،واصفق كفا على كف ،وليضرب السيف مرتيّن ،بل ثلث مرّات ،إنه سيف القتلى ،سيف
المجزرة العظيمة المُحدّقة بهم ،لكي تذوب القلوب ،ليتهاوى كثيرون عند كل بواباتهم ،لهذا جرّدت سيفا متقلبا
برّاقا مصقول للذبح .فيا سيف اجرح يمينا ،اجرح شمال ،اجرح حيثما توجّه حدّك ،وأنا أيضا أُصفّق بكفي ،
وأُسكن غضبي " .
هذا النص يصف الجبن اليهودي وحالة الرعب التي ستصيبهم ،عندما يدخل عليهم هذا السيف الذي يعرفونه
جيدا ،والذي مزّق أجسادهم شرّ مُمزق ذات مرّة .ويحذّر النص من الستهزاء بهذا السيف ،والغترار بالقوة ،
لنه سيف من صنع ال ،وسيسلّم ليد القاتل في الموعد المُحدّد ،ويؤكد أن الرسوب في المتحان أي الفساد ،
معناه نفاذ القضاء بوقوع المجزرة .
من أرض واحدة يخرج البعثان :
" حزقيال :19 :21 :وأوحى إليّ الربّ بكلمته قائل :أمّا أنت يا ابن آدم ،فخطّط طريقين لزحف ملك بابل .من
أرض واحدة تخرج الطريقان [ وأنت يا ابن آدم ،عيّن لنفسك طريقين ،لمجيء سيف ملك بابل ،من أرض
واحدة تخرج الثنتان ] ( النص الثاني من النسخة الخرى ) ، ... ،لنكم ذكّرتم بإثمكم ،إذ انكشف تمردكم ،
فتجلّت خطاياكم في كل ما ارتكبتموه من أعمال ،لهذا إذ ذكّرتم بأنفسكم ،يُقبض عليكم باليد ،وأنت أيّها
المطعون الثيم ،ملك إسرائيل ،يا من أزِف يومه في ساعة العقاب النهائي ،اخلع العمامة وانزع التاج ،فلن
يبقى الحال كسالف العهد به ،ارفع الوضيع ،وضع الرفيع ( اجعل الوضيع عاليا ،والعالي وضيعا ) ،ها أنا
أقلبه ،أقلبه ،أقلبه ،حتى ل يبقى منه أثر ( تاج الملك ) إلى أن يأتي صاحب الحكم ،فأعطيه إياه ( للذي يأتي من
ربوات القدس ) " .
هذه النبوءة توضح لهم ،أن أرض الخروج الثاني هي بابل ،بما ل يدع مجال للشك ،وأن البعث عقاب لهم
لفسادهم ،وأن ملكهم سيزول ل محالة ،وأن تاج المُلك سيُعطى لصاحبه ،عندما يأتي من ربوات القدس ،وهي
النبوءة الرابعة والخيرة ،التي أخبر عنها موسى عليه السلم قبل موته .وبما أنهم ل يفقهون ول يعلمون ،
وعقولهم وقلوبهم كالحجارة أو أشدّ قسوة ،فهم ل يتقبّلون فكرة زوال ملكهم ،وذهاب الملك لغير شعب ال
المُختار وأبناء ال وأحبائه ،حسب ما علّمهم كهنتهم وأحبارهم ،لذلك فهم سيعملون المستحيل ،للمحافظة على
بقائهم في فلسطين ،بغض النظر عن إفسادهم فيها ،ليخرج هذا الملك التوراتي المُنتظر فيهم ،ليحكموا العالم
من خلله إلى البد .
وصف الفساد والعقاب في المرة الثانية :
" حزقيال : 17-2 :22 :وأوحى إليّ الربّ بكلمته قائل :وأنت يا ابن آدم ،أتُدين المدينة السافكة الدماء ؟! إذًا
عرفّها بكل رجاساتها ( أي بيّن صفة إفسادها ) ،وقل :هذا ما يُعلنه السيد الرب :أيّتها المدينة التي تسفك الدماء
في وسطها ،لتستجلب العقاب على نفسها ، … ،قد أثمت بما سفكت من دماء ،وتنجّست بما عملت من أصنامك
.قد قرّبت يوم دينونتك ،وبلغتِ منتهى أيامك ،لذلك جعلتك عارا عند المم ،ومثار سخرية لجميع البلدان ،
… ،أنت يا نجسة ،يا كثيرة الشغب ،هو ذا كل واحد من رؤساء إسرائيل ،ممن كانوا فيك ،انهمك في سفك
الدماء على قدر طاقته .فيك استخفّوا بأب وأم ،واضطهدوا اليتيم والرملة ،احتقرتِ مُقدّساتي ونجّست أيام
137
سبوتي .أقام فيك وشاة عملوا على سفك الدم ،وأكلوا أمام الصنام على الجبال ،وارتكبوا في وسطك
الموبقات ، … ،أخذت الربا ومال الحرام ،وسلبت أقربائك ظُلما ونسيتني " .
" حزقيال :16-13 :22 :ها أنا قد صفّقت بكفي من جرّاء ،ما حصلت عليه من ربح حرام ،وما سُفك من دم في
وسطك .فهل يصمد قلبك أو تحتفظ يداك بقوتهما ،في اليام التي أتعامل معك فيها ؟! أنا الرب قد تكلّمت ،وأُتمم
ما أنطق به .سأُشتتك بين المم وأُبعثرك بين البلدان ،وأزيل نجاستك منك ،وتتدنّسين بنفسك على مرأى من
المم ،وتدركين أنّي أنا الرب " .
" حزقيال :31-23 :22 :وأوحى إليّ الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،تنبأ وقل لها أنت أرض ،لم تتطهّري ولم
يُمطر عليها في يوم الغضب ، ... ،خالف كهنتها شريعتي ،ونجّسوا مقادسي ،لم يُميّزوا بين المُقدّس والرجس ،
ولم يعلموا الفرق بين الطاهر والنّجس ،رؤساؤها فيها كذئاب خاطفة ،تُمزّق فرائسها ،إذ يسفكون دماء الناس ،
في سبيل الربح الحرام ،وأنبياؤها ( أي المتنبئون الجدد كعوفاديا يوسف ) يرَوْن لها رؤى باطلة ، … ،قائلين :
هذا ما يعلنه الرب -مع أن الرب لم يعلن شيئا َ : -أفِرطوا في ظلم شعب الرض ،فاغتصبوا سالبين ،
واضطهدوا الفقير والمسكين ،وظلموا الغريب جورا .فالتمست من بينهم رجل واحدا ،يبني جدارا ( رجل
مُصلحاً ) ،ويقف في الثغرة أمامي ،حتى ل أُخربها فلم أجد .فصببت سخطي عليهم ،والتهمتهم بنار غضبي ،
جازيتهم بحسب طرقهم ،يقول السيد الرب " .
هذه النصوص تصف إفساد دولة اليهود الحالية ،بدقة متناهية ،وكأنها تُسجّل وقائع عاينها الراوي ،وتؤكد أن
الهلك والخراب واقع بهم ل محالة ،عندما تبلغ هذه الدولة منتهى أيامها .
التعقيب على المرتين وعقابهما بشكل رمزي :
" حزقيال :35-1 :23 :وأوحى إليّ الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،كانت هناك امرأتان ،ابنتا أم واحدة ، … ،
اسم الكبرى ( أُهولة أي السامرة ) واسم أختها ( أُهوليبة أي أورشليم ) ،وكانتا لي وأنجبتا أبناء وبنات ،وزنت
أهولة ( المملكة الولى ) ( أي فسدت وأفسدت ) مع أنها كانت لي ،وتنجّست بكل من عشقتهم ،وبكل أصنامهم ،
عشّاقها أبناء أشور ،ففضحوا ولم تتخل عن زناها منذ أيام مصر ( فساد الباء وعصيانهم ) ،لذلك سلمّتها ليد ُ
عورتها ،وأسروا أبنائها وبناتها ،وذبحوها بالسيف ،فصارت عبرة للنساء ،ونفّذوا فيها قضاءً .ومع أن أختها
أُهوليبة ( المملكة الثانية ) شهدت هذا ،فإنّها أوغلت أكثر منها في عشقها وزناها ، … ،فرأيت أنها قد تنجست ،
وسلكتا كلتاهما في ذات الطريق ، … ،وإذ واظبت على زناها علنية ،وتباهت بعرض عُريّها ،كرهتها كما
كرهت أختها .لذلك يا أهوليبة :ها أنا أُثير عليك عشّاقك ، … ،وآتي بهم عليك من كل ناحية ،أبناء البابليين ،
وسائر الكلدانيين ،ومعهم جميع أبناء أشور ،من ولة وقادة ورؤساء ،وكلهم فرسان خيل ،فيُهاجمونك بأسلحة
ومركبات وعربات ، … ،وأصبّ سخطي عليك ،فيعاملونك بغيظ ،يجدعون أنفك وأذنيك ،وتُقتل بقيّتك
بالسيف .يأسرون أبناءك وبناتك ،وتلتهم النار بقيّتك ،ويُجرّدونك من ثيابك ،ويستولون على حُليّك .وهكذا
أضع حدّا لعهرك وزناك . … ،وهذا ما يُعلنه السيد الرب :ستشربين كأس عقاب أختك العميقة ( في القِدم ) ،
وتكونين مثار ضحك واستهزاء ،لن الكأس تسع كثيرا ،تمتلئين سُكرا وحزنا ،فكأس أختك السامرة ،كأس
الرعب والخراب ،تشربينها وتمتصينها ، … ،لنك نسيتني ونبذتني وراء ظهرك " .
خراب أمريكا بعد زوال إسرائيل :
في الصحاحات ( ، ) 28 ، 27 ، 26تجد وصفا تفصيليا لمدينة سمّاها كتبة التوراة ( صور :مدينة ساحلية لبنانية
) نلخصّه بما يلي :
سكّانها على البحر .
.1مُسيطرة هي و ُ
.2تُرعب جميع جيرانها .
.3تاجرة الشعوب وكاملة الجمال .
.4تقبع في قلب البحار .
138
.5تأتيها السفن التجارية من كل مكان .
.6شعبها وجيشها خليط من أمم أخرى .
.7تتمتع بكونها مركز للتجارة العالمية .
وهذه الوصاف ل تنطبق إل على أمريكا كدولة ،أو ( نيويورك ) كمدينة ،وأما صفة عقابها فهي كما يلي :
.1دمارها سيتحصل بريح شرقية ( أي من الشرق ) .
.2اندلع النيران في وسطها .
.3تحوّلها إلى رماد .
.4مصيرها الغرق ولن يبقى منها أثر .
.5القائمون على خرابها غرباء من أعتى المم .
وأما أسباب الغضب اللهي عليها وعلى ملكها فهي :
.1تنصيب ملكها لنفسه كإله للبشر .
.2تربعه في مجلس اللهة في قلب البحار .
.3الدعاء بامتلكه حكمة اللهة .
.4الستحواذ على الذهب والفضة وادّخارها .
.5مضاعفة الثروة بمهارتها في التجارة .
.6التجارة الظالمة .
.7البهاء والجلل والتكبر والستعلء لفرط الغنى .
وفي النص التالي تسمية أخرى لها ،هي مصر :
" حزقيال : 16-3 :29 :ها أن أنقلب عليك يا فرعون ملك مصر ،أيها التمساح الكامن في وسط أنهاره … ،
وأُخرجك قسرا من أنهارك ،وأسماكها ما برحت عالقة بحراشفك ،وأهجرك في البرية ،مع جميع سمك أنهارك
،فتتهاوى على سطح أرض الصحراء ،فل تُجمع ول تُلمّ ،بل تكون قوتا لوحوش البرّ وطيور السماء .فيُدرك
عكّاز قصبٍ هشةً لبني إسرائيل ،ما أن اعتمدوا عليك بأكفهم ،حتى كل أهل مصر أني أنا الرب ،لنّهم كانوا ُ
انكسرت ومزّقت أكتافهم ،وعندما توكّأوا عليك ،تحطّمت وقصفت كلّ متونهم .لذلك ها أنا أجلب سيفا ،
وأستأصل منك النسان والحيوان ،وأجعل ديار مصر ،الكثر وحشة بين الراضي المقفرة ،وتظلّ مدنها
الكثر خرابا بين المدن الخربة … وأجعلهم أقلية لئل يتسلطوا على الشعوب ،فل تكون بعد ،موضع اعتماد
لبني إسرائيل ،بل تُذكّرهم بإثمهم حين ضلّوا وراءهم … "
قد يظن القارئ للوهلة الولى أن هذا النص ،يتنبأ بخراب مصر ،ولكن بعد إمعان النظر في العلقة ما بين
هذا الفرعون وبين اليهود ،الموضّحة بما تحته خط ،ستجد أن المقصود بهذا النص ،هم فراعنة هذا العصر ،
أمريكا ومن شايعها ،وعلى ما يبدو أن المقصود بالتمساح هو السطول ،والمقصود بالسماك هو السفن الحربية
،والمقصود بالنهار هي البحار التي تنشر فيها القوات البحرية المريكية ،وعلى ما يبدو أن الساطيل
المريكية ،ستخرج وتجتمع في مكان ما ( البحر المتوسط ) ،بعد إنهاء الوجود اليهودي في فلسطين ،لتلقي
مصيرها المحتوم الذي يُخبر عنه هذا النص .
وفي نصوص أخرى ،ربما نوردها لحقا ،ستجد أن هناك تسميات أخرى ،استخدمها كتبة التوراة والنجيل ،
لنفس المدينة كبابل الجديدة ،وبابل العُظمى .كناية عن دولة عظمى ،سيتزامن وجودها مع ظهور الدولة
اليهودية في فلسطين .
139
تحالف أعداء ال ضد اليهود والنصارى :
" حزقيال : -18 :29 :يا ابن آدم :إنّ نبوخذ نصّر ملك بابل ،قد سخّر جيشا أشدّ تسخير ،ضدّ صور فأصبحت
كل رأس من رؤوس جنوده صلعاء ،وكل كتف مُجرّدة من الثياب ،ولكن لم يغنم هو ول جيشه شيئا من صور ،
رغم ما كابده من جهد للستيلء عليها .لذلك … ،ها أنا أبذل ديار مصر لنبوخذ نصر ملك بابل ،فيستولي على
ثروتها ،ويسلبها غنائمها وينهبها ،فتكون هذه أُجر ًة لجيشه " .
" حزقيال :13-1 :30 :وأوحى إليّ الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،تنبّأ ،وقل ، … :إنّ يوم الربّ بات وشيكا ،
… ،إنّه يوم مُكفهرّ بالغيوم ،ساعة دينونة ( نهاية ) للمم ،إذ يُجرّد سيف على مصر ،فيعُمّ الذعر الشديد
إثيوبيا ،عندما يتهاوى قتلى مصر ،ويستولي على ثروتها ،وتُنقض أُسسها .ثم تسقط معهم بالسيف ،إثيوبيا
سكّانها من مجدل إلى وفوط ولود ،وشبه الجزيرة العربية وليبيا ،وشعوب الرض المُتحالفة معهم … فيتهاوى ُ
أسوان ...فتُصبح أكثر الراضي المُقفرة وحشة ،وتُضحي مُدنها أكثر المُدن خرابا … في يوم هلك مصر ،
الذي ل بد أن يتحقّق .
لني سأفني جماهير مصر بيد نبوخذ نصّر ملك بابل ،إذ يُقبل بجيشه ،أعتى جيوش المم لخراب ديار مصر ،
فيُجرّدون عليها سيوفهم ،ويملئون أرضها بالقتلى ،وأُجفّف مجاري نهر النيل ،وأبيع الرض لقوم أشرار ،
وأُخرّب البلد فيها بيد الغرباء ،أنا الربّ قد قضيت .ثمّ أُحطّم الصنام ،وأُزيل الوثان من ممفيس ،ول يبقى
بعد ،رئيس في ديار مصر ،وأُلقي فيها الرعب " .
" :18-30 :32وأوحى إليّ الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،ولول على جند مصر ، … ،يسقطون صرعى وسط
قتلى السيف .قد أسلمت مصر للسيف ،وأسروها مع كل حلفائها ،وهناك أشور ( سوريا ) وقومه … ،وحلفاؤه
.… ،وهناك أيضا أيلم ( أفغانستان ) وحلفاؤها … وهناك أيضا ماشك وتوبال ( مدن روسية ) ،وكلّ حلفائهما
… ،وهناك أيضا أدوم ( الردن ) وملوكها ورؤسائها … ،وهناك أُمراء الشمال ،وكل الصيدونيين ( اللبنانيين
) … ،أولئك الذين أشاعوا الرعب في أرض الحياء ، … ،كلهم قتلى ،وصرعى السيف " .
هذه الفقرات الثلثة ،مقتطعة من الصحاحات ( ، ) 32 ، 31 ، 30التي كرّرت بإسهاب ما جاء في الصحاح (
، ) 29وعلى ما يبدو أن محتوى هذه الصحاحات الثلثة ،قد تناولته أقلم الكتبة ،بكثير من التبديل والتحوير
والضافة ،وقد أوردنا هذه الفقرات لتعيينها بعض الشعوب والدول ،التي يعتبرها الغرب أعداءً ل ،الذي هو
المسيح عند النصارى .ويفترض الكثير من المفسّرين الجدد للتوراة ،أن الدول المذكورة في هذه النصوص ،
ستقوم بالتحالف مستقبل ،ومن ثم ستغزو إسرائيل وتنهي وجودها ،بقيادة مصر أو العراق أو روسيا ،منفردة
أو مجتمعة ،مما يتسبب في مواجهة مصيرية كبرى بين الشرق والغرب ،يطلقون عليها تسمية ،الحرب
العالمية الثالثة ،ويجزمون بأن النصر ،سيكون فيها حليف أحباء ال من اليهود والنصارى ،على أعداءه من
المسلمين وغيرهم ،وحتمية وقوع هذه الحرب المستقبلية ،أصبحت في السنوات الخيرة ،حقيقة وعقيدة راسخة
،لدى عامة نصارى الغرب وساستهم ،المهووسون بالنبوءات التوراتية ،وهذا مما ساهم فيه واستغلته اليهود في
أمريكا ،لدفع أمريكا لخوض هذه الحرب الوهمية ،التي فيها كل المصلحة ليهود الشرق والغرب ،ضد العرب
والمسلمين ،من قبل أن تبدأ .
وقد تكون هذه النصوص ،في الحقيقة ،تُخبر عن الستعمار الغربي ،لكل البلدان العربية والبلدان الخرى
المذكورة فيها ،أو تُخبر عن توحيد البلدان المذكورة بالقوة ،من قبل ورثة نبوخذ نصر الجدد ،بعد قيامهم بإنهاء
الوجود اليهودي في فلسطين .
خراب الرض بعد خراب إسرائيل :
" حزقيال :29-24 :33 :فأوحى إليّ الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،إن المقيمين في خرائب أرض إسرائيل ،
يقولون :إن إبراهيم كان فردا واحدا ،ومع ذلك ورث الرض ،وهكذا نحن كثيرون ،وقد وُهبت لنا الرض
ميراثا .لذلك قل لهم أتأكلون اللحم بالدم ،وتتعلّق عيونكم بأصنامكم ،وتسفكون الدّم ،فهل ترثون الرض ؟!
اعتمدتم على سيوفكم ،وارتكبتم الموبقات ، … ،فهل ترثون الرض ؟! قل لهم :هذا ما يُعلنه الرب :إن الذين
140
يُقيمون في الخرائب ،يُقتلون بالسيف .والذين يسكنون في العراء ،أبذلهم قوتا للوحوش .والمتمنّعون في
الحصون والمغاور يموتون بالوبأ ( يُفسّرونه على أنه السلح النووي والكيماوي ) .فأجعل الرض أطلل مُقفرة
،ويُذلّ كبريائها وعزّتها … فيُدركون أنّي أنا الرب ،حين أجعل الرض خربة مُقفرة ( وهذا ما ستُحدثه أسلحة
الدمار الشامل التي يرتعبون منها لتوافقها مع ما جاءت به التوراة ) ،من جرّاء ما ارتكبوه من رجاسات " .
وهذه النبوءة تؤكد زوال الدولة اليهودية بعد قيامها ،وذبح اليهود وتشريدهم وفنائهم ( بالنووي والكيماوي كما
يعتقدون ) ،وبالضافة إلى ذلك تؤكد خراب الرض إجمال ؟ ولكنهم يرفضون هذه النبوءة جملة وتفصيل ،
ويصرّون على مخالفة ما جاء فيها ،ويبذلون قصارى جهدهم لمنع تحقّقها .ولو طالعت نصوص التوراة
بمجملها ،ستجد أنه بعد كل مرة ،تُخبر التوراة بحتمية نفاذ قضاء ( الرب ) ،في إسرائيل وشعبها عند الفساد ،
يُضيف ( كتبة التوراة ) نصوصا تفيد بأن ربهم دائما وأبدا ،يعود ويعفوا عنهم ،فيجمعهم من الرض التي شُتتوا
فيها ،من جميع الشعوب ،ويعيدهم إلى أرض الميعاد التي وُهبت لهم ،فيّفسدون فيها ،فيُعذّبون ويُشتتون ،
فيجمعهم ويعيدهم إليها ،وهكذا دواليك ( … ،حسب ما يشتهيه كتبة التوراة ) ،واليهود حتى بعد زوال دولتهم
الحالية لن يستكينوا أو يهدءوا ،إلى أن يتحصّل لهم فيها الملك البدي ،الذي يحلمون به ،وهو ما رسم معالمه
أقلمهم الكهنة والحبار ،في النص التالي :
مَلِك القدس المنتظر من نسل محمد ،ل من نسل داود :
" حزقيال :28-21 :37 :وأوحى إليّ الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ، … ،وها أنا أحشد أبناء إسرائيل من بين
المم ،التي تفرّقوا فيها ،وأجمعهم من كل جهة ،وأُحضرهم إلى أرضهم ،وأجعلهم أمة واحدة ، … ،تحت
رئاسة ملك واحد ، … ،ول ينقسمون إلى مملكتين .ول يتدنّسون بعد بأصنامهم ورجاساتهم ،ول بأيّ من
معاصيهم ،بل أُخلّصهم من مواطن إثمهم ،وأُطهّرهم فيكونون لي شعبا ،وأكون لهم إلها .ويُصبح داود عبدي
ملكا عليهم ، … ،فيمارسون أحكامي ويُطيعون فرائضي ويعملون بمقتضاها .ويُقيمون في الرض التي وهبتها
لعبدي يعقوب ،التي سكن فيها آباؤهم ،فيستوطنون فيها ،هم وأبناؤهم وأحفادهم إلى البد ،ويكون عبدي داود
رئيسا عليهم مدى الدهر .وأُبرم معهم ميثاق سلم ،فيكون معهم عهدا أبديا ، … ،فتدرك المم أنّي أنا الرب
مُقدّس إسرائيل ،حين يكون مقدِسي قائما فيهم ( أي العبادة ل ،ولكنهم يُفسّرونها بإقامة الهيكل ) إلى البد " .
هذه النبوءة المُحرّفة ،هي ما يسير عليه اليهود ،منذ أجيال وما زالوا ،حيث أن كتبة هذا النص ،استخلصوا
ما يُوافق أهوائهم وأطماعهم ،من مُجمل النبوءات السابقة واللحقة ،وصهروها في بوتقة واحدة ،وبات من
جاء بعدهم من اليهود ،يحملها ويعتقد بها كحقيقة ،غير قابلة للنقض أو المناقشة ،فهي نُسبت إلى الرب .
ومؤدى هذه النبوءة يقول :عند مجيئهم من الشتات ( نبوءة العلو والفساد الثاني مع استثناء العقاب ،الذي طالما
تحدّثت عنه النصوص السابقة ) ،سيبعث ال لهم ملكا ( وجاءت شخصية هذا الملك من خلل تجميع النبوءات
الخاصة برسولنا ،وعيسى ،والدجّال ) ،وجعلوه من نسل داود ( مَِلكَهم الول ) ،ويكون مُلكه البدي هذا ،في
فلسطين ( يأتي من ربوات القدس ) ،وفي زمانه ينتشر الحقّ والعدل ( اليهودي طبعا ) ،في أرجاء المعمورة .
وعلى هذا يعتقد عامة اليهود أن عودتهم الحالية ،هي العودة الخيرة والنهائية ،والتي ورد ذكرها في سورة
عدّتم عدنا ) ،وليست المرة الثانية ،التي سيتحقّق فيها وعد الخرة ،ولكن هذا السراء ،تحت عبارة ( وإن ُ
العتقاد ليس يقينا ،بل هناك نسبة من الشك ،وهذا الشكّ تولّد نتيجة التناقض في النصوص التوراتية ،فهم
يعملون على الحتمال الول ،مع عدم إغفالهم للحتمال الثاني .وحقيقة النص أعله تُخبر عن مُلك المهدي ،في
القدس ،وهو من نسل محمد عليه الصلة والسلم ،مؤسس دولة السلم الولى .
روسيا وحلفاؤها من نصارى الشرق يُهاجمون دولة السلم في زمن المهدي :
" حزقيال : 12-1 :38 :وأوحى إليّ الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،التفت بوجهك نحو جوج أرض ماجوج ،
رئيس روش ( روسيا ) ماشك ( موسكو ) وتوبال ،وتنبّأ عليه ،وقل :هذا ما يُعلنه السيّد الرب :ها أنا أنقلب
عليك ،يا جوج رئيس روش وماشك وتوبال ،وأقهرك … ،وأطردك أنت وكل جيشك خيل وفرسانا ،وجميعهم
مُرتدون أفخر ثياب ،جمهورا غفيرا ،كلهم قابض سيف ،وحامل أتراس ومجانّ .ومن جملتهم ،رجال فارس (
إيران ) ،وإثيوبيا ( السودان ) وفوط ، … ،وأيضا جومر ( اليمن /أوروبا الشرقية ) وكل جيوشه ،وبيت
141
توجرمة ( بلد القوقاز الروسية /الشيشان ) من أقاصي الشمال مع كل جيوشه ،جيوش غفيرة اجتمعت إليك
( أي لرئيس روش ) .إذ بعد أيام كثيرة تُستدعى للقتال ،فتقبل في السنين الخيرة ( آخر الزمان ) ،إلى الرض
الناجية من السيف ( فلسطين ) ،التي تم جمع أهلها من بين شعوب كثيرة ،فتأتي مُندفعا كزوبعة … ،أفكار
سوء تراودك ، … ،للستيلء على السلب ،ونهب الغنائم ،ومهاجمة الخرائب التي أصبحت آهلة ،
ولمحاربة الشعب المجتمع من بين المم ، … ،المُستوطن في مركز الرض " .
هذا النص النبوي ،وقع فيه خلط كبير ،بين نبوءتين ،وحقيقة هذا النص تحكي وقائع الملحمة الكبرى ،التي
ستقع مستقبل بين الروس والعرب ،والتي سنتطرق لذكرها لحقا ،ولنكمل النص …
خروج يأجوج ومأجوج ،ونهايتهم عند وصولهم لمشارف مدينة القدس :
"حزقيال :23-14 :38 :لذلك تنبّأ يا ابن آدم وقل لجوج ،هذا ما يُعلنه الرب :في ذلك اليوم عندما يسكن شعبي
إسرائيل آمنا … وتُقبل أنت من مقرّك في أقاصي الشمال ،مع جيوش غفيرة ،تغشى الرض ،كلّهم راكبو خيل
… ،وتزحف على شعبي إسرائيل ،كسحابة تغطي الرض ،في اليام الخيرة ،أني آتي بك إلى أرضي ،لكي
تعرفني الشعوب ،عندما تتجلّى قداستي ،حين أُدمّرك يا جوج أمام عيونهم .هذا ما يقوله السيد الرب :ألست
أنت الذي ،تحدّثت عنه في اليام الغابرة ،على ألسنة عبيدي أنبياء إسرائيل ،الذين تنبّأوا في تلك اليام لسنين
كثيرة ؟! … ،وأُسلّط عليه السيف في كل جبالي ،فيكون سيف كلّ رجل ضدّ أخيه .وأُدينه بالوباء وبالدم ،
وأُمطر عليه وجيوشه ،وعلى جموع حلفائه الغفيرة ،مطرا جارفا ،وبردا عظيما ،ونارا وكبريتا … ،
فيدركون أني أنا الرب … فيخرج سكان مُدن إسرائيل ( بعد أن يكونوا قد اعتصموا منهم في جبال القدس ) ،
ويحرقون السلحة والمجانّ ،والترسة والقسيّ والسهام ،والحراب والرماح ،ويوقدون بها النار سبع سنين ،
وينهبون ناهبيهم ،ويسلبون سالبيهم " .
مفاد هذه النبوءة ،والنبوءة السابقة ،كما يُفسّره ويُأولّه الباحثون الجدد حديثا ،من اليهود والنصارى ،أن
روسيا ( جوج وماجوج ) وحلفائها ،ستقوم بغزو أرض إسرائيل ،آنذاك سيقف الرب بجانب إسرائيل وحلفائها ،
فيكون النصر حليفهم .والخلط الذي أوجده مؤلفو التوارة ،بتكرار ذكر يأجوج ومأجوج ،في نصين مختلفين ،
دفع مفسّري التوراة للعتقاد ،بأن الروس هم يأجوج ومأجوج ،والحقيقة التي نعلمها نحن كمسلمون أن خروج
يأجوج ومأجوج ،سيقع بعد زوال دولة إسرائيل ،بل بعد ذبح اليهود النهائي ،وبعد خروج الدجال ،ونزول
عيسى عليه السلم ،وأما غزو الروس لبلد الشام ،فسيكون لقتال المسلمين ،في زمن المهدي وقبل خروج
الدجال .
مواصفات الهيكل الهندسية :
وعلى مدى 16صفحة تقريبا ،يُفردها سفر حزقيال ،لتحديد المواصفات الهندسية للهيكل الجديد ،بلغة الكلمات ،
من بوابات وساحات ،وحجرات لعداد الذبائح ،وحجرات للكهنة ،ودعائم الهيكل وجدرانه وغرفه ،ومخادع
الكهنة ،ومقاييس المنطقة التي سيقام فيها الهيكل ،ومقاييس المذبح .ويصف مراسيم تقديم القرابين المُقدّسة ،
ويوضح شرائع لستخدام الهيكل .ويُحدّد الرض الممنوحة للكهنة ،والممنوحة للشعب ،والممنوحة للملك .
ومن ثم يصف طريقة تقديم الملك للقربان المُقدّس ،إلى آخره .وبناءً على هذه المواصفات ،قام كثير من اليهود
بعمل مخططات ونماذج ،للهيكل الذي يسعون لتشييده مكان المسجد القصى ،كما تأمرهم التوراة .
الطار العام للحداث المستقبلية حسب الترتيب الزمني لحزقيال :
تفسير جبريل لحدى رؤى النبي دانيال " :دانيال :19 :8 :وقال :ها أن أُطلعك على ما سيحدث ،في آخر حقبة
الغضب ،لنّ الرؤيا ترتبط بميعاد النتهاء [ وقت المُنتهى ] ،أن الكبش ذو القرنين الذي رأيته هو ملوك مادي
وفارس ( إيران والعراق ) ،والتيس الشعر هو ملك اليونان ( الغرب ) ،والقرن العظيم النابت بين عينيه ،هو
الملك الول وما أن انكسر ،حتى خلفه أربعة عوضا عنه ،تقاسموا مملكته ،ولكن لم يُماثلوه في قوته .وفي
أواخر ملكهم ،عندما تبلغ المعاصي أقصى مداها ( عند اكتمال الظلم ) ،يقوم ملك فظ حاذق وداهية [ جافي
الوجه وفاهم الحيل ] ( بعض المفسّرون يرون بأنه الرئيس العراقي ) ،فيُعظم شأنه ،إنما ليس بفضل قوّته ( أي
بقدرة ال ) .ويُسبّب دمارا رهيبا ( نتيجة استخدام أسلحة الدمار الشامل ) ،ويفلح في القضاء على القوياء
( أمريكا والغرب ) ،ويقهر شعب ال ( اليهود ) .وبدهائه ومكره يُحقّق مآربه ،ويتكبّر في قلبه ،ويُهلك
الكثيرين وهم في طمأنينة ،ويتمرّد على رئيس الرؤساء ،لكنه يتحطّم بغير يد النسان ( أي يموت موتا طبيعيا )
".
يرى نوستراداموس قديما ،من خلل هذا النص ،أن نقطة البداية ( الشرارة ) للحرب العالمية النهائية
المدمّرة ،ستكون محصورة في ثلثة بلدان هي ( إيران والعراق وفلسطين ) ،أما أتباعه الجدد ،فيرون أن هذه
النبوءة تتحدث عن صدام حسين ،وغزوه لسرائيل وتدميرها ،وإشعاله لنار الحرب العالمية الثالثة ،فتارة
يصفونه بنبوخذ نصر جديد ،وتارة يصفونه بصلح الدين الجديد ،وتارة بدجال آخر الزمان ،الذي يظهر في
إيران أو العراق ،وهذه النبوءة وتفسيراتها الحديثة ،مما يُفسر جانبا من العداء الغربي المرضيّ المزمن ،
للعراق وللعراقيين ولشخص الرئيس العراقي .
فساد إسرائيل وإفسادها يؤكد حتمية زوالها :
" دانيال :11 :9 :قد تعدّى كلّ شعب إسرائيل على شريعتك ،وانحرفوا فلم يسمعوا صوتك ،فسكبت علينا اللعنة
وما أقسمت أن توقعه بنا ،كما نصّت عليه شريعة موسى عبد ال ،لننا أخطأنا إليك .وقد نفذّت قضاءك الذي
قضيت به علينا ،وعلى قضاتنا الذين تولّوا أمرنا ،جالبا علينا على أورشليم شرا عظيما ،لم يحدث له مثيل
تحت السماء ، … .ولم [ نتضرّع إلى ] وجهك أيها الرب إلهنا ،تائبين عن آثامنا ومُتنبّهين لحقك ،فأضمرت لنا
العقاب ،وأوقعته بنا لنك إلهنا البارّ في كل أعمالك ،التي صنعتها لننا لم نستمع إليك ".
هنا يُخبر دانيال عن العقاب على اعتبار ما سيكون ،وبأنه قضاء كان موسى عليه السلم قد أخبر عنه في كتابه
،وموضحا السباب التي أوجبت العقاب ،وأن العقاب سيُرفع ،لو سبقته التوبة ،ويقرّر أن ال عادل في عقابه
لشعبه المختار .
143
قيام دولة اليهود الثانية :
النص التالي هو تكملة لنصّ متداخل ،على ما يبدو أنه تكرار لنفس نص الرؤيا الولى أعله ،لم أستطع تتبّع
بداياته بدقة ،يتحدّث عن حروب وعن ملك ما ،لم أستطع تحديد ماهيته أو مخرجه ،ولكن من قراءة النص
اللحق ،يتبين أنه الذي تسبب في زوال الحكم السلمي وقيام دولة إسرائيل في فلسطين .ويصف هذا النص
بدقة ،الواقع الحالي لهل فلسطين وللعرب والمسلمين إجمال ،ويحمل بشرى لهم ،بالنصر والفرج من عند
ال ،عندما يحين موعد نهاية الدولة اليهودية ،وما كان عودة اليهود لفلسطين إل امتحانا ،ليميز الطيب من
الخبيث ،والمؤمن من المنافق .
" دانيال :31 :11 :فتُهاجم بعض قوّاته حصن الهيكل وتنجّسه ،وتزيل المحرقة الدائمة ( أي الحكم السلمي ) ،
وتنصب الرجس المُخرّب ( أي دولة إسرائيل ) .ويُغوي بالمُداهنة المعتدين على عهد الرب ( اليهود ) ،أمّا
الشعب ( الفلسطينيون ) الذين يعرفون إلههم فإنّهم يصمدون ويُقاومون .والعارفون منهم يُعلّمون كثيرين ،مع
أنّهم يُقتلون بالسيف والنار ،ويتعرّضون للسر والنهب أيّاما ( سنين معدودة ) ،ول يتلقون عند سقوطهم ( قتلى
وجرحى ) ،إل عونا قليل ،وينضمّ إليهم كثيرون نفاقا ( حال العرب ) ،ويعثر بعض الحكماء تمحيصا لهم
وتنقية ،حتى يأزف وقت النهاية ( نهاية إسرائيل ) ،في ميقات ال المعيّن ( أي عند مجيء وعد الخرة ) " .
حتمية نهاية إسرائيل على يد العراقيين :
" دانيال :36 :11 :ويصنع الملك ( ملك إسرائيل ) ما يطيب له ،ويتعظّم على كل إله ويُجدّف بالعظائم على إله
اللهة ،ويُفلح إلى أن يحين اكتمال الغضب ،إذ ل بدّ أن يتم ما قضى ال به ،ولن يبالي هذا الملك بآلهة آبائه ،
… ،إنّما يكرم إله الحصون بدل منهم ( أي يتّكل على القوة ) . … ،وعندما تأزف النهاية ،يُحاربه ملك
الجنوب ،فينقضّ عليه ملك الشمال ،كالزوبعة بمركبات وفرسان وسفن كثيرة ،ويقتحم دياره كالطوفان الجارف
.ويغزو أرض إسرائيل ،فيسقط عشرات اللوف صرعى ،ول ينجو منه سوى ،أرض أدوم وأرض موآب ،
والجزء الكبر من أرض عمون ( ممالك الردن القديمة ) ،يبسط يده على الراضي ،فل تفلت منه حتى أرض
مصر .ويستولي على كنوز الذهب والفضة ،وعلى كل ذخائر مصر ،ويسير الليبيون والثيوبيون في ركابه
( ليبيا والسودان ) ،وتبلغه أخبار من الشرق ومن الشمال ،فيرجع بغضب شديد ،ليُدمّر ويقضي على كثيرين ،
وينصب خيمته الملكية ،بين البحر وأورشليم ،ويبلغ نهاية مصيره ( الوفاة ) ،وليس له من نصير " .
يبدو أن هذا النص يتحدّث عن آخر رئيس لسرائيل ،وهو ملك ل يؤمن إل بالقوة ول يتكلّ إل عليها ،والنص
يصف الغزو العراقي القادم لسرائيل ،وسيطرة رئيس العراق على معظم بلدان المنطقة وحكمه لها ،واتخاذه
القدس عاصمة لملكه ،ومن ثم موته موتا ،ل قتل .وأما ذكر ملكين من الشمال والجنوب ،فهو ناتج عن ارتباك
كتبة التوراة ،في تحديد هوية هذا الملك ،والذي تبين لدينا من النبوءات السابقة ،أن هناك ملكين سيقومان بغزو
إسرائيل ،الول هو ملك بابل ،وكان مخرجه حسب إشعياء من الشرق ،وكان غزوه لسرائيل حسب ارميا من
الشمال ،وهذا يفيد بأنه خرج من الشرق ،وغزاهم من الشمال عن طريق سوريا حيث كان مُعسكرا ،في منطقة
حماة .والملك الثاني هو جوج رئيس ماجوج أي الرئيس الروسي ،الذي سيغزوهم من أقصى الشمال ،ومع أن
كل منهما ،حادث منفصل عن الخر ،إل أنهم جمعوهما في نص واحد ،بطريقة مربكة للقارئ ،وهذا أدى إلى
حيرة الدارسين والباحثين الجدد لهذه النصوص ،في محاولتهم لمعرفة ظروف الحرب العالمية الثالثة ،ولتحديد
شقيّ النزاع فيها وأحلف كل منهم ،وهذا النص تكرار لنص تفسير جبريل للرؤيا الذي تقدّم أعله .
" :9 :12اذهب يا دانيال ،لن الكلمات مكتومة ومختومة إلى وقت النهاية .كثيرون يتطهّرون ويتنقّون
ويُمحّصون بالتجارب ( يُمتحنون ) ،أما الشرار فيرتكبون شرا ول يفهمون ،ولكن ذوو الفطنة يُدركون
[ يفهمون ] " .
يؤكد هذا النص ،أن الحداث التي أخبر عنها ،ستأخذ مكانها في زمان النهاية ،وسيُمتحن من خللها أناس
كثيرون ،فمنهم من يقع بشرّ أعماله ،ومنهم من ينجو بجميل صنعه وفهمه ،واختياره للطريق الصوب ،بناءً
على ما جاء في هذه النبوءات .
144
بعض رؤى ونبوءات النبياء الصغار
وهم اثنا عشر نبيا ،وعلى ما يبدو أنهم بُعثوا في الفترة ،التي كان لليهود فيها تواجد في جزئي في القدس ،
وتمتعوا فيها بحكم شبه ذاتي ،للقلة التي بقيت فيها ولمن عادوا من السبي البابلي ،وامتدت هذه الفترة ،ما بعد
سمّوا بالنبياء الصغار ،كون أسفارهم صغيرة الحجم ، السبي البابلي ،إلى ما قبل بعث عيسى عليه السلم ،و ُ
حيث يتراوح عدد صفحات كل منها ،ما بين ( ) 12-2صفحة ،ومعظم رؤاهم ونبوءاتهم تتحدث عن أحداث
آخر الزمان ،المرتبطة بعودتهم الثانية إلى فلسطين :
سفر يوئيل
" هذا ما أوحى به الرب ،إلى يوئيل بن فثوئيل :اسمعوا هذا أيّها الشيوخ ،وأصغوا يا جميع أهل الرض … ،
:15 :1يا له من يوم رهيب ،لن يوم الرب قريب ،حامل معه الدمار من عند القدير … ،اصحوا أيها السكارى
،وابكوا يا جميع مدمني الخمر … فإن أمةً قوية قد زحفت على أرضي ،أُمة قوية ل تُحصى لكثرتها ،لها
أسنان ليث وأنياب لبؤة … ،
:2 :2هو يوم ظلمة وتجهّم ،يوم غيوم مُكفهرّة وقتام دامس ،فيه تزحف أمة قوية وعظيمة ،كما يزحف الظلم
على الجبال ،أمّة لم يكن لها شبيه في سالف الزمان ،تلتهم النار ما أمامها ،ويُحرق اللهيب ما خلفها ،الرض
أمامها جنة عدن ،وخلفها صحراء موحشة ،يثبون على رؤوس الجبال ،في جلبة كجلبة المركبات ،كفرقعة
لهيب نار يلتهم القشّ ،وكجيش عات مُصطفّ للقتال .تنتاب الرعدة منهم كل الشعوب ،وتشحب كل الوجوه ،
يندفعون كالجبابرة وكرجال الحرب ، … ،ينسلّون بين السلحة من غير أن يتوقفوا ،ينقضّون على المدينة ،
ويتواثبون فوق السوار ،يتسلّقون البيوت ،ويتسلّلون من الكوى كاللصوص ،ترتعد الرض أمامهم وترجف
السماء ، … ،يجهر الرب بصوته في مُقدّمة جيشه ،لن جُنده ل يُحصى لهم عدد ،ومن يُنفّذ أمره يكون مُقتدرا
،لن يوم الرب عظيم ومخيف ،فمن يحتمله ؟! " .
يوم الغضب الذي يصفه يوئيل ،هو اليوم الذي ستنقضّ فيه ،تلك المة القوية ،لتنفيذ وعد الخرة ،في شعب
ال المختار .
الشارة إلى موعد زوال دولة إسرائيل فلكيا :
" يوئيل :30 :2 :وأجري آيات في السماء ،وعلى الرض ،دما ونارا وأعمدة دخان .وتتحول الشمس إلى ظلم
( كسوف الشمس ) ،والقمر إلى دم ( وخسوف القمر ) ،قبل مجيء يوم الرب العظيم المُخيف .إنّما كل من
يدعو باسم الرب يخلص ،لن النجاة تكون في جبل صهيون وفي أورشليم …
يُشير هذا النص إلى أن نهاية إسرائيل ،سيسبقها بعض الشارات والدلئل ،في السماء وفي الرض ،أما
الشارات الرضية ،فهي قتل وسفك دماء ،ودمار ونار ،وحرائق ودخان ،وأما الشارات السماوية ،فهي
أول كسوف كلّي للشمس ،يليه خسوف كلّي للقمر ،تتم مشاهدتهما من فلسطين على التوالي ،والملفت للنظر أن
الشارات السماوية قد وقعت بالفعل ،فالكسوف الكلي للشمس ،حدث بتاريخ 1999 / 8 / 11م ،وتبعه خسوف
كلي للقمر بتاريخ ، 2001 / 1 / 9ولول مرة بعد قيام الدولة اليهودية ،يتحصّل هذا الحدث على هذا النحو ،
وهو ما لن يتكرّر قبل 180سنة على القل .
فلسطين مسرح الحرب العالمية الثالثة :
:1 :3لنّه في تلك اليام ،وفي ذلك الحين ،عندما أردّ سبي يهوذا وأورشليم ،أجمع المم كلّها ،وأحضرهم إلى
وادي يهوشافاط ،وأحاكمهم هناك ،من أجل شعبي وميراثي إسرائيل ، … ،نادوا بهذا بين المم ،وتأهبوا
145
للحرب ، … ،أسرعوا وتعالوا من كل ناحية ، … ،لتنهض المم وتقبل إلى وادي القضاء ، … ،تعالوا
ودوسوا ،فإن المعصرة الخمر قد امتلت ،والحياض فاضت بكثرة شرّهم …
يوم الغضب يشمل أيضا ،ما سيقع من غضب إلهي لحق ،على بقية شعوب الرض .
عودة المن والطمأنينة لفلسطين بعد الحرب :
وتقطر الجبال في ذلك اليوم خمرة عذبة ،وتفيض التلل باللبن ،وجميع ينابيع يهوذا تتدفق ماء ،ويخرج ينبوعا
من هيكل الرب ،يروي واد السنط ،وتصبح مصر خرابا ،وأدوم قفرا موحشا ،لفرط ما أنزلوه من ظلم ، … ،
ولنهم سفكوا دما بريئا في ديارهم .أما يهوذا فإنّه يسكن الرض إلى البد ،وتعمر أورشليم مدى الجيال ،
وأُزكّي دمهم الذي لم أُبرّئه ،لن الرب يسكن في صهيون ( كناية عن الدين ) " .
رؤيا حبقوق
" :3-11 :1أينما تلفّت أشهد أمامي جورا واغتصابا ،ويثور حولي خصام ونزاع ،لذلك بطلت الشريعة
( تعطلّت ) وباد العدل ،لن الشرار يُحاصرون الصدّيق ،فيصدر الحكم مُنحرفا عن الحقّ .
تأمّلوا المم وأبصروا ،تعجّبوا وتحيّروا ،لني مُقبل على إنجاز أعمال ،في عهدكم ،إذا أُخبرتم بها ل
تصدّقونها .فها أنا أُثير الكلدانيين ،هذه المة الحانقة المُندفعة ،الزاحفة في رحاب الرض ،لتستولي على
مساكن ليست لها ،أمّة مُخيفة مُرعبة ،تستمدّ حُكمها وعظمتها من ذاتها .خيولها أسرع من النمور ،وأكثر
ضراوة من ذئاب المساء ،فرسانها يندفعون بكبرياء ،قادمين من أماكن بعيدة ،مُتسابقين كالنسر المُسرع ،
للنقضاض على فريسته ،يُقبلون جميعهم ليعيثوا فسادا ،ويطغى الرعب منهم على قلوب الناس قبل وصولهم ،
فيجمعون أسرى كالرمل .يهزءون بالملوك ويعبثون بالحكام ،ويسخرون من الحصون ،يجعلون حولها تلل
من التراب ،ويستولون عليها .ثم يجتاحون كالريح ويرحلون ،فقوة هؤلء الرجال هي إلههم " .
" 3 :2لن الرؤيا ل تتحقّق إل في ميعادها ،وتسرع إلى نهايتها ،إنها ل تكذب ،وإن توانت فانتظرها ،لنها ل
بدّ أن تتحقّق ،ولن تتأخر طويل " .
عودة السلم بخروج المهدي من مكة وانتصاره في جميع حروبه :
" :3-13 :3قد أقبل ال من أدوم ( الردن ) ،وجاء القدّوس من جبل فاران ( مكة ) ،غمر جلله السماوات ،
وامتلت الرض من تسبيحه ،إن بهاؤه كالنور ،ومن يده يومض شعاع ،وهناك يحجب قوّته .يتقدّمه وبأ ،
والموت يقتفي خطاه .وقف وزلزل الرض ،تفرّس فأرعب المم ،اندكّت الجبال البدية ،وانهارت التلل
القديمة ،أما مسالكه فهي منذ الزل ،لقد رأيت خيام كوشان تنوء بالبلية ،وشُقق أخبية ديار مديان ترجف رعبا
".
هذا النص مشابه للنص النبوي الذي ورد في سفر التثنية ،بداية هذا الفصل ،فعبارة ( جاء القدّوس ) ،تُشير
إلى عودة الدين ،وعبارة ( من جبل فاران ) ،تُحدّد مكان ظهور القائم على أمره ،وهي جبال الجزيرة العربية ،
أما عبارة ( قد أقبل ال ) ،فتعني قدوم شيء من أمر ال ،كالبعث أو الملك المنتظر ،وعبارة ( من أدوم ) أي
من الردن ،تُشير إلى الجهة التي سيأتي منها البعث ،أو التي سيأتي منها المهدي لدخول القدس ،وعلى ما يبدو
أن هذا النص ،جاء ليُفسّر ويُفصّل النبوءة ،التي جاءت على لسان موسى عليه السلم ( وأتى من ربوات
القدس ،وعن يمينه نار شريعة لهم ) ،وتؤكد أن المهدي ،سيظهر في مكة ،ومن ثم سينتقل إلى القدس ،ليُعيد
للسلم مجده وبهاءه ،وليُيدد بنوره ،عصورا من ظلم القلوب والعقول .
146
رؤيا صفنيا
:1-4 :3ويل للمدينة الظالمة المُتمرّدة الدنسة ،التي ل تُصغي لصوت أحد ،وتأبى التقويم ،ول تتكلّ على
الرب ،ول تتقرّب من إلهها ،رؤساؤها في داخلها أُسود زائرة ،وقضاتها كذئاب المساء الجائعة ،التي ل تبقي
شيئا ،من فرائسها إلى الصباح ،أنبياؤها مغرورون وخونة ،وكهنتها يُدنّسون المقدس ،ويتعدّون على الشريعة
…
" :2 :1يقول الرب :سأمحو محوا كل شيء عن وجه الرض . … ،أمدّ يدي لُعاقب يهوذا وكل أهل
أورشليم ،وأُفني من هذا الموضع بقية عبدة البعل ،وكل كهنة الوثن ، … .فتصبح ثروتهم غنيمة ،وبيتهم
خرابا " .
الحرب القادمة مُباغتة وسريعة :
:14-18 :1إن يوم الرب العظيم قريب ،وشيك وسريع جدا .دويّ يوم الرب مُخيف ،فيه يصرخ الجبار
مرتعبا ،يوم غضب هو ذلك اليوم ،يوم ضيق وعذاب ،يوم خراب ودمار ،يوم ظلمة واكتئاب ،يوم غيوم
وقتام ، … .فيه أُضايق الناس فيمشون كالعمي ،لنهم أخطئوا في حقّ الرب ،فتنسكب دماؤهم كالتراب ،
ويتناثر لحمهم كالجلّة .ل يُنقذهم ذهبهم ول فضتهم ،في يوم غضب الرب ،إذ بنار غيرته تُلتهم كلّ الرض ،
ل سكان المعمورة " .
وفيه يضع نهاية ،مُباغتة كاملة سريعة ،لك ّ
اعتمادا على هذا النص ،يعتقد معظم المفسّرون الغربيون ،بأن الحرب العالمية القادمة ،ستكون مباغتة
وسريعة جدا ،وستحسم في فترة زمنية قصيرة جدا ،تُعدّ باليام .وقصر المدة ،يُشير إلى حتمية استخدام أسلحة
الدمار الشامل بكافة أشكالها .
سفر حجّي
" :7-8 :1هكذا يقول الرب القدير :تأملوا فيما فعلتم ،اصعدوا الجبل ،واجلبوا خشبا وشيّدوا الهيكل ،فأرضى
عنه وأتمجّد …
:5-9 :2بمقتضى عهدي الذي أبرمته معكم ،عندما خرجتم من ديار مصر ،إن روحي ماكث معكم ،فل تفزعوا
.لنه هكذا يقول الرب :ها أنا مُزمع مرّة أخرى ،عمّا قليل أن أُزلزل السماء والرض والبحر واليابسة ،وأن
أُزعزع أركان جميع المم ،فتُجلب نفائسهم إلى هذا المكان ،وأمل الهيكل بالمجد ،فالذهب والفضة لي يقول
الرب القدير ،ويكون مجد هذا الهيكل الخير ،أعظم من مجد الهيكل السابق ،وأجعل السلم يسود هذا
الموضع ،يقول الرب القدير " .
هذا النص المُحرّف ،مما يتّخذه اليهود كدعوة لعادة بناء الهيكل ،والحقيقة أن ال أمرهم بعبادته وإقامة
شريعته ،ولكنهم يعبدون الذهب والفضة ،ومستودعها هو الهيكل ،ويسعون لبناءه لجعله مصرف دولي أو
بورصة عالمية ،وهذا كان حالهم عند مجيء المسيح عليه السلم ،وكما هو موصوف بالنجيل ،وأما النص
غير المُحرّف ،الذي يخبرهم فيه ربهم ،بأنه ل يريد منهم هيكل ،وإنما يريد منهم صلحا وإصلحا ،فهو
موجود أيضا في نفس السفر ،بعد أسطر قليلة وهذا نصه :
" : 14-15 :2هذا هو حال الشعب ، … ،فكلّ أعمال أيديهم ،وما يُقدّمونه نجس .والن تأملوا فيما صنعتم
اليوم ،وفيما صنعتم في اليام السالفة ،قبل أن تضعوا حجرا فوق حجر ،لبناء هيكل الرب !!! " .
147
سفر زكريا
تحذير يهود هذا الزمان على لسان زكريا عليه السلم :
:2-6 :1لقد غضب الربّ أشدّ الغضب على آبائكم ،ولكن قُل لهم هذا ما يُعلنه الرب القدير :ارجعوا إليّ فأرجع
إليكم .ول تكونوا كآبائكم ،الذين حذّرهم النبياء السابقون ،قائلين :ارجعوا عن طُرقكم الباطلة ،وأعمالكم
الشرّيرة ،ولكنّهم لم يسمعوا ولم يُصغوا إليّ … ،ألم تدركوا أقوالي وفرائضي ،التي أمر بها عبيدي النبياء
آباءكم ،قائلين :لقد نفّذ الرب القدير ،ما عزم أن يُعاقبنا به ( في المرة الولى ) ،بمقتضى ما ارتكبناه ،من
أعمال باطلة " .
" : 8 :7هذا ما يقوله الرب القدير :اقضوا بالعدل ،وليُبدِ كل منكم إحسانا ورحمة لخيه .ول تجوروا على
الرملة واليتيم ،والغريب والمسكين .ولكنهم أبَوْا أن يُصغوا ،واعتصموا بعنادهم غير عابئين ،وأصموا آذانهم
لئل يسمعوا .وقسّوا قلوبهم كالصوّان لئل يسمعوا ، … ،فانصبّ غضب عظيم من لدن الرب القدير … ،
وأضحت الرض المبهجة قفرا " .
مصير الشعب اليهودي في إسرائيل :
" : 7-9 :13ويقول الرب القدير :استيقظ أيها السيف ،وهاجم راعيّ ورجل رفقتي ،اضرب الراعي فتتبدّد
الخراف ،ولكنّي أردّ يدي عن الصّغار ( أي المستضعفين ) .يقول الرب :فيفنى ثُلثا شعب أرضي ،ويبقى ثُلثهم
حيا فقط .فأُجيز هذا الثلث في النار ،لُنقيه تنقية الفضة ،وأ ُمحّصه كما يُمحّص الذهب " .
هذا النص يُشير إلى الوعد الثاني وعقابه ،حيث يفنى ثلثان وينجو ثلث ،وهذا الثلث يُمتحن بمجيء الدجال ،
فيفنى من تبعه منهم ،وينجو منهم من يعتنق السلم .
" : 1 :14انظروا ها يوم مُقبل للرب ،يُقسم فيه ما سُلب منكم في وسطكم .لني أجمع المم على أورشليم
لتحاربها ،فتُؤخذ المدينة وتُنهب البيوت ،وتُغتصب النساء ،ويُسبى نصف أهلها إلى المنفى ،إنّما ل ينقرض
بقية الشعب من المدينة " .
الحرب العالمية النووية الثالثة :
يعتقد مُجمل الغربيون من يهود ومسيحيين ،من مفسّري النصوص التوراتية ،أن حربا نووية ستقع في
المستقبل القريب ،تبدأ بهجوم على إسرائيل ،من قبل روسيا وحلفائها من الشرقيين ،المذكورين في النصوص
السابقة .وستكون نتيجة هذه الحرب ،هي انتصار إسرائيل وحلفائها الغربيّون ،وفيما بعض النصوص ،التي
تُخبر عن ظروف هذه الحرب .
" :1-6 :12ها أنا مُزمع ،أن أجعل أورشليم كأس خمر ،تترنّح منها جميع الشعوب المُحيطة بها ، … ،في ذلك
اليوم أجعل أورشليم كصخرة ثقيلة ،تعجز عن حملها جميع الشعوب .وكل من يُحاول حملها ينشقّ شقّا ،ويتألّب
عليها جميع شعوب الرض ،في ذلك اليوم ،يقول الرب :أُصيب كل فرس من جيوش العداء بالرعب ،
وفارسه بالجنون ، … ،أجعل عشائر يهوذا ، … ،كمشعلٍ ملتهبٍ بين أكداس الحنطة ،فيلتهمون الشعوب من
حولهم ،ممن عن يمينهم وعن يسارهم ،بينما تظلّ أورشليم ،آمنة آهلة في موضعها " .
مع أنّ هذا النص يُشير إلى أن إسرائيل ،ستُهاجم من قبل أمم كثيرة ،فينتصر الرب لورشليم وعشائرها ،
وتبقى آمنة مطمئنة ،لكن في النصوص التي تلي هذا النص ،تجد نواحا ونحيبا من قبل ذرية داود ،والنواح
والنحيب ل يكون عادة من شدة الفرح ،وإنما من شدة اللم ،لوقوع فاجعة ما حلّت بهم ،وفي النص التالي ،
وصفا لهذا النواح :
" :11 :12في ذلك اليوم يكون النواح في أورشليم ،مماثل للنواح في هدد رمّون في سهل مجدّو ،فيشيع النحيب
بين أهل البلد " .
148
وحسب ما يعتقد اليهود والنصارى ،فإن هذا النص يُحدّد ساحة المعركة البرية ،في الحرب القادمة المُسمّاة
( هرمجدون ) ،بين إسرائيل وأعدائها ،في سهل مجدّو شمال فلسطين .
" : 12 :14وهذا هو البلء الذي يُعاقب به الرب ،جميع الشعوب الذين اجتمعوا على أورشليم :تتهرّأ لحومهم
وهم واقفون على أرجلهم ،وتتآكل عيونهم في أوقابها ،وتتلف ألسنتهم في أفواههم : 13 .في ذلك اليوم يُلقي
الرب ،الرعب في قلوبهم ،حتى ترتفع يد الرجل ضد رفيقه فيهلكان معا :14 .ويُحارب أبناء يهوذا أيضا دفاعا
عن أورشليم ،ويغنمون ثروات من المم المُحيطة " .
يُشكّل هذا النص توليفة غريبة ،من صنع الكتبة .فالفقرة ( ) 12تصف ما يُشبه تأثير تعرّض الجسم لحرارة
شديدة جدا .والية ( )13تصف ما يُشبه قيام الساعة .والفقرة ( )14وكأنها نص مأخوذ ،مما يلي الفقرة ( )16في
النص اللحق ،إذ كيف يقوم أبناء يهوذا بمحاربة الجثث المحترقة !!!
" : 13 :9ها أنا أُتر يهوذا كقوس ،وأجعل أفرايم كسهم ،وأُثير رجال صهيون على أبناء اليونان ،فتكونين
كسيف جبّار :15 ، … .يقيهم الرب القدير حجارة المقلع ،بل تقصر عنهم ويطئونها ،ويشربون ويصخبون
كالسكارى من الخمر ( من نشوة النصر ) : 16 .في ذلك اليوم ،يُخلّصهم الربّ إلههم لنهم شعبه وقطيعه ،
ويتألقون في أرضه كحجارة كريمة مرصّعة في تاج ،فما أجملهم وأبهاهم ! " .
هذا النص يصف رجال ،يُقاتلون أبناء اليونان ،أي ليس آباءهم ،واليونان هم الغرب ،ويُمثّلهم الن أمريكا
وبريطانيا وحلف الناتو ،وهم كما نعلم حلفاء لسرائيل ،فكيف سيقاتل رجال صهيون ،حُلفائهم من أبناء اليونان
؟
ملخص ما تُفصح عنه هذه النصوص :
بربط هذه النصوص مع النصوص السابقة ،نجد أن النصوص السابقة ،تُحذّر اليهود من الفساد في الرض ،
ومن ثم تُخبر بأن الفساد سيقع منهم ل محالة ،مما يُحتم انسكاب الغضب اللهي عليهم ،والنتيجة هي وفاة
ثلثيهم ،ونجاة ثلث ،وخراب أرضهم ،بمعنى نهاية دولتهم في فلسطين ،وهذا يعني أن القدس ،ستكون في
أيدي أناس من غير اليهود ،وهم الذين أنهوا الوجود اليهودي فيها .
ومن ثم تبدأ بالخبار بأن أورشليم أي القدس ،ستكون محط أنظار جميع شعوب العالم ،وبأن شعوبا كثيرة ،
ستأتي لقتال أهلها والستيلء عليها ،فيهلكوا جميعا ،وتبقى القدس آمنة عامرة بسكانها .وهلك هذه الشعوب
سيكون باحتراقها بالسلحة النووية ،ويُحارب أهل فلسطين آنذاك في معركة برية ،فيُنصرون ويغنمون
ويسلمون .
والخصم يُحدّده النص الخير ،بأبناء اليونان ،أي حلف الناتو بقيادة أمريكا ،ويُخبر النص بأن ال سيقي شعبه
المتواجد في فلسطين ،من صورايخ أعداءهم وقنابلهم ،ويكون النصر حليفهم ،ومن ثم يُخبر عن صفة القوم ،
الذين يُحاربون أبناء اليونان ،وهي صفة ل تليق إل بالمسلمين .
بناء الهيكل تعبير مجازي والمراد منه إقامة الدين وليس إقامة البناء :
" : 14-17 :1هذا ما يقوله الرب القدير :إنّي قد غرت على أورشليم ،وعلى صهيون ( جبل المسجد ) غيرة
عظيمة ( ،من أجل ما فعلوه فيها ) ،ولكنّ غضبي مُتأجج على المم المتنعمة ( وهم على رأسها ) .لقد اغتظت
قليل ( والصحّ كثيرا ) من شعبي ،إل أنّهم زادوا من فواجعهم .لذلك يقول الرب :سأرجع إلى أورشليم بفيض
من المراحم ( بعودتها إلى أهلها ) ،فيُبنى هيكلي ( فيُقام الدين ) ،وتعمر أورشليم ( ُتتّخذ عاصمة للحكم
السلمي ) ،واهتف قائل :هذا ما يقوله الرب القدير :ستفيض مُدني خيرا ثانية ويرجع الرب ،فيُعزّي صهيون
ويصطفي أورشليم " .
وفيما يلي تكرار لنفس النص ،ولكن بدون التشويهات التي أضافها الكهنة إلى النص أعله :
149
" :2-3 :8هذا ما يقوله الرب القدير :إنّني أغار على صهيون غيرة عظيمة ،مُفعمة بغضب شديد على أعدائها (
وأعداءها هم اليهود أنفسهم ) .لهذا يقول الرب القدير :ها أنا عائد إلى صهيون لُقيم في أورشليم ،فتُدعى آنئذ
ق ،كما يُدعى جبل الرب القدير بالجبل المُقدّس " .
مدينة الح ّ
وهذا سيكون عند ظهور ملك القدس المنتظر ،الذي تتحدّث عنه النصوص التالية :
المهدي ومسمّاه وصفة ملكه :
" :8 :3فأصغ يا يهوشع رئيس الكهنة ،أنت وسائر رفاقك الكهنة الجالسين أمامك ،أنتم رجال آية ( أي شهود )
:وها أنا آتي بعبدي الذي يُدعى الغصن " .
" :12-15 :6هكذا يقول الرب القدير :ها هو الرجل الذي اسمه الغصن ،ينبت من ذاته [ وفي الترجمة الثانية /
ومن مكانه ينبت ] ،ويبني هيكل الرب ( أي يقيم الدين ) .هو الذي يبني هيكل الرب ويتجلّل بالمجد ،ويكون
ملكا وكاهنا في آن واحد ( أي خليفة قائم بأمر الدين والدنيا ) ،فيجلس ويحكم على عرشه ،فيعمل بفضل مشورة
رتبتيه ( أي الملك والكهانة ) ،على إشاعة السلم بين قومه .ويتوافد قوم من بعيد ليبنوا هيكل الرب .
وهذا الرجل ،غصن من شجرة محمد عليه الصلة والسلم ،وينبت في نفس المكان أي من جزيرة العرب ،
التي يُسمّونها في التوراة ،جبال فاران .
" :19-22 :8ستكون مواسم ابتهاج وفرح وأعياد سعيدة ،يتمتع بها شعب يهوذا ،لهذا أحبّوا الحقّ والسلم … ،
.فتتوافد أمم كثيرة وشعوب قويّة ،ليلتمسوا وجه الرب القدير ،في أُورشليم وليحظوا برضاه .
قارن ما بين النصين لتكتشف التحريف والتبديل ،حيث وضعوا شعب يهوذا في النص ( )22-19بدل من قومه
في النص ( )15-12أعله ،وأضافوا إلى النص الثاني ،ابنة صهيون وابنة أورشليم .
ملك القدس المنتظر ،الذي تُخبر عنه توراة اليهود ،هو المهدي :
" : 9-10 :9ابتهجي جدا يا ابنة صهيون ،واهتفي يا ابنة أورشليم ،لن هو ذا ملكك مُقبل إليك .هو عادل
ظافر ،ولكنّه وديع راكب على أتان .وأستأصل المركبات الحربية من أفرايم ،والخيل من أورشليم ،وتبيد
أقواس القتال ،ويشيع السلم بين المم ،ويمتدّ ملكه من البحر إلى البحر ،ومن نهر الفرات إلى أقاصي الرض
".
يقول اليهود أنه الملك الرب ،ويقول النصارى أنه عيسى عليه السلم وقد تحقق ذلك ،والحقيقة أن هذه النبوءة
مستقبلية ،ولم تتحقق لغاية الن ،فصاحبها هو المهدي ،الذي سيقهر كل خصومه ،ومن ثم يشيع السلم والمن
،على امتداد ملكه الموصوف بالنص ،وهذا مما يجعل أي صحوة إسلمية ،تدبّ الرعب في قلوبهم الفزعة .
الدجال وصفته في التوراة :
" : 16 :11فها أنا مزمع ،أن أُقيم في الرض راعيا ،ل يعبأ بالغنم الشاردة ،ول يفتقد الحملن أو يجبر
المكسورين ،ول يُغذي الصحيح ،ولكنه يفترس السِمان منهم ،وينزع أظلفهم ،ويل للراعي الحمق الذي
يهجر القطيع .ليبتر السيف ذراعه ويفقأ عينه اليمنى ،فتُيبّس ذراعه ،فتكفّ عينه اليمنى عن البصر " .
" ، … : 5 :14ويأتي الربّ إلهي في موكب ،من جميع قدّيسيه .في ذلك اليوم ،يتلشى نور الكواكب ،ول
يكون برد ول صقيع .ويكون يوم متواصل معروف عند الربّ ،ل نهار فيه ول ليل ،إذ يغمر النهار ساعات
المساء .في ذلك اليوم تجري مياه حية من أورشليم ،يصبّ نصفها في البحر الشرقيّ ،ونصفها في البحر
ب على الرض كلها ،فيكون في ذلك اليوم ،ربّ واحد ل يُذكر سوى اسمه " .
الغربي ،ويملك الر ّ
" : 16 :14فيصعد الناجون من المم ،التي تألّبت على أورشليم ،سنة بعد سنة ليعبدوا الملك الرب القدير ،
ويحتفلوا بعيد المظلّت " .وإن تقاعست أيّة عشيرة من عشائر أمم الرض ،عن الصعود إلى أورشليم ،لتسجد
للملك الرب القدير ،يمتنع المطر عن الهطول على ديارهم ،وإن أبى أهل مصر الصعود ،للشتراك في
150
الحتفال ،يحلّ البلء الذي يُعاقب به الرب المم ،التي ل تجيء للحتفال بعيد المظلّت … ،ول يبقى في
هيكل الرب القدير تجّار في ذلك اليوم " .
من يملك دراية بالحاديث النبوية الخاصة بآخر الزمان ،ل يشك بأن هذه النصوص بالرغم من تلعب الكتبة
بها وتشويهها ،تصف حال الدجال ،وما يملك من خوارق ،في الفقرتين الولى والثالثة ،فهو يأتي ليُفسد في
الرض ،وهو أعور العين اليُمنى .يومه الول كسنة ليس فيه تعاقب لليل والنهار ،وبين يديه نهران ،نهر من
ماء ونهر من نار ،ويدّعي الربوبية ويجوب الرض كلها ،وإن امتنع قوم من الستجابة له ،أمر السماء
فأمسكت ،وأصبحت سمان مواشيهم هزيلة ،والعكس بالعكس .والنص الخير يدعوهم لعبادة هذا الملك الرب
القدير ،فلذلك فهم ينتظرون ظهوره ،ويريدون استعجال المر ،ليحارب أعدائهم ،كما كان يُحارب عنهم في
اليام الغابرة ،وأما الفقرة الثانية ،فكأنها تصف يوم القيامة في قوله تعالى ( َي ْومَ تُبَ ّدلُ الَْ ْرضُ غَيْرَ الَْ ْرضِ
ظرُونَ ِإلّ أَنْ يَأْتِ َي ُهمُ الُّ فِي ظُ َللٍ مِنَ ا ْل َغمَامِ
سمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِّ ا ْلوَاحِدِ الْ َقهّارِ ( 48إبراهيم ) ،وقوله ( َهلْ يَ ْن ُ وَال ّ
ي ا َلْمْ ُر َوإِلَى الِّ تُ ْرجَ ُع ا ُلْمُورُ ( 210البقرة ) .
وَا ْلمَلَ ِئ َكةُ وَقُضِ َ
النبوءات التوراتية وأثرها في تشكيل القناعات والعقائد اليهودية المشوّهة :
هذه النبوءات التوراتية الواعدة ،شكلّت أحد أبرز العقد في الشخصية اليهودية ،وهي التطلع الدائم إلى الملك
والسيادة ،في أرض الميعاد .وهذه النبوءات ،كانت تُسيّر اليهود ،على مدى تاريخهم الطويل ،وما زالت ،
في حلّهم وترحالهم في أرجاء الرض ،بحثا عن هذا المُلك التوراتي الموعود ،الذي نسجته أقلم الكهنة ،
فظلموا أنفسهم وظلموا من جاء بعدهم ،ممن آمن بأن هذا من عند ال ،ليُلقي عُميان البصر والبصيرة ،من
أبنائهم هذه اليام ،مصيرهم المظلم والمحتوم ،والذي تقشعرّ من وصفه في التوراة ،أبدان الذين يعقلون من
الناس .ولكن اليهود … ل يسمعون … ول يُبصرون … ول يعقلون … ول يفقهون … إل أكاذيب أربابهم من
الكهنة والحبار .ولذلك سيكون من ينجو منهم ،من عقاب وعد الخرة ،صيدا سهل للدجّال عند ظهوره بملكه
المادي ،الذي هو القرب للوصف الذي خطه الكهنة ،وهو القرب لهوائهم وأطماعهم ،التي لم تختلف قيد
أنملة عن أهواء وأطماع أسلفهم .
قراءة في العقائد اليهودية :
اليهود أقرب إلى القرار بوجود ال من إنكاره ،ولكن معرفة المُ ِقرّ منهم بال محصورة ،في إطار ما جاء في
التوراة والتلمود ،التي تصف ال بصفات ،أقرب ما يكون إلى صفات الب البشري ،الذي يعطي ويعطف
ويعفو ويصفح ،ول يغضب على أبنائه ،مهما بلغوا من السوء ،ويُخطئ ولكنه يعود ويعترف بخطئه في حق
أبنائه ،ويرجع عنه ،وهم يعتبرون أنفسهم البن البكر ،صاحب الحظوة عند الب كما هي العادة ،ويتعاملون
مع ال على هذا الساس ،لفهمهم الخاطئ لمسألة التفضيل ،باختيارهم لحمل الرسالة السماوية ،ورعاية ال لهم
فيما مضى من الزمان ،وتستطيع تصوّر العقلية التي يتعاملون بها مع ال ،بعقلية البن المُدلّل الناني الفاسد
والمفسد ،عديم البصر والبصيرة ،والذي ل يتوقع من أبيه الذى ،مهما ارتكب من أخطاء .حتى ولو حذّره
والده مرارا وتكرارا ،من استمراره على نفس الحال ،فهو ل يريد أن يُصدّق أن هذا الب المعطاء الحاني ،من
الممكن يوما من اليام ،أن يُعاقب ابنه المدلّل ،مهما كانت السباب .وتستطيع تصوّر الكيفية التي يتعامل بها
اليهود ،مع باقي البشر ،من خلل الكيفية التي يتعامل بها ذلك البن مع باقي أخوته ،وهذه الكيفية هي ما تجده
في تعاليم التلمود .
وأخطر معتقدات اليهود ،هو عدم اليمان باليوم الخِر ،فمؤدى نكران اليوم الخِر ،هو نكران للبعث بعد
الموت ،ونكران للحساب ،ونكران للجزاء الخروي ،والبديل إن وُجد فهو الجزاء الدنيوي .وهذا مما يؤدي
إلى العتقاد بعبثية الخلق ،وعبثية اليمان بال أصل ،فل جدوى من الصلح والصلح ،إن لم يكن هناك
ثواب ،ول ضير من الفساد والفساد ،إن لم يكن هناك عاقبة ،وبعض من هذه الفكار اللحادية ،تجدها في
التوراة في سفر الجامعة ،سفر العبث والعبثية .ولذلك أخذ اليهود على عاتقهم ،مسؤولية الفساد في الرض
دونما وازع أو رادع ،بما أخفاه مؤلفو التوراة من ذكر لليوم الخر ومتعلّقاته ،فالثواب حسب اعتقادهم ،هو
مقدار ما ينالونه من كسب دنيوي بشتى الوسائل والسبل ،والعقاب هو مقدار ما يخسرونه من هذا الكسب .وحتى
151
يُجنّب رب العزة أمّة السلم خطر هذا العتقاد ،اقترن ذكر اليمان بال بذكر اليمان باليوم الخر والخرة ،
بصريح اللفظ 26مرة في القرآن ،وتكاد ل تخلو سورة من ذكر متعلّقاته أو التذكير بها ،من بعث وحساب
وجزاء ،وما يليه من عقاب وثواب .وانعدام إيمانهم باليوم الخر ،أوجد لديهم الصفات السلبية ،التي تمتعوا بها
على مرّ العصور ،مثل الحرص على الحياة ،والجبن ،والبخل ،والسعي وراء الكسب المادي ،وانعدام
المبادئ والقيم والصفات البشرية المحمودة .
وللتعويض عما حذفوه من الصول العقائدية الصحيحة ،وللتوفيق ما بين المعتقدين السابقين ،طرح مؤلفو
التوراة والتلمود ،الكثير من الفكار اللحادية ،كفكرة الملك الله الرب من نسل داود ،الذي سيظهر بلحمه
ودمه ،ليسكن جبل صهيون في القدس ،ويحكم العالم إلى البد ،لينفوا بعبارة ( إلى البد ) أي أمل لليهود
ليعتقدوا بنهاية الحياة الدنيا ،وبوجود حياة أخرى هي التي تتصف بالبدية ،مما أبهم على العامة مصير الروح
بعد الموت ،فطرحوا حول مصيرها أفكار متضاربة ،هي أقرب إلى المعتقدات الوثنية ،منها إلى أي شيء آخر
.
أثر هذه المعتقدات في الشخصية اليهودية :
كان السبي البابلي بما أحدثه من دمار وتنكيل وأسر ،أكبر صدمة يتعرض لها الشعب اليهودي ،حيث قلبت
كيانهم رأسا على عقب ،ولم تقم لهم قائمة منذ ذلك اليوم ،حتى تمكنوا من تحقيق علوهم الثاني في فلسطين ،
ولول مشيئة ال التي ينكرونها ما كان .والذي لم يكن يتخيله أو يتصوره اليهود آنذاك وهم في قمة علوهم
الول ،أن يتخلى عنهم رب الجنود ،وأن يبعث عليهم أمة جافية الوجه ،لتعمل فيهم سيف انتقامه ،وأن يُنزل
بهم ضعة وذلّ وخزيا ،بعد عزة وقوة وعلو ،بالرغم من كل ذلك الدلل -الموثّق في التوراة -الذي أحاطهم
به ،منذ خروجهم من مصر ،وما أجراه لهم من معجزات ،وعفوه سبحانه عنهم رغم كفرهم وعصيانهم
وعدوانهم ،مرارا وتكرارا ،حتى أدخلهم إلى الرض المقدّسة ،وأقام لهم مملكة بل جهد أو عناء .
وبالرغم من وضع نبوءة الفسادين وما يليهما من عقاب ،سيفا إلهيا مسلطا على رقابهم ،لم ولن يرجعوا عن
غيهم وطغيانهم ،فهم مسكونون بما تقوّله كهنتهم وأحبارهم وحاخاماتهم ( الحكماء ) ،على ال وعلى رسله ،
وعلى كل ما هو مقدّس ،مما أدى إلى إصابتهم كأمّة ،بحالة معقدّة من الفصام العقلي ،من جراء اعتناقهم
لمعتقدات خاطئة ،نتيجة ما زرعه حكماؤهم في التوراة والتلمود ،من خرافات وأساطير وآراء وتفسيرات ،هي
أقرب ما يكون إلى الوهام والهلوس ،فأنبتت تلك المسوخ الشيطانية ،عديمة البصر والبصيرة ،التي اتّحدت
وآمنت بشكل جماعي بمعتقدات خاصة بها ،تتنافى مع الطبيعة البشرية السليمة ،فرُفضت واضطهدت من كل
المجتمعات البشرية ،التي ساءها ذلك السلوك الجماعي الشاذ والمنحرف لتلك المسوخ ،وبالتالي لم تجد الشعوب
،حل لمشكلتهم ،إل الطرد والنفي ،أو إجبارها بمراسيم ملكية ،على التقوقع والعيش كالبهائم في حظائر
المواشي ،المسماة بالغيتوهات أو الكيبوتس ،ومع ذلك لم ينجح هذا الحل ،وظنّ الغرب أنهم بإيجاد غيتو كبير
لهم فلسطين ،ونفيهم إليه وحشرهم فيه ،سيتخلصون من مشكلتهم إلى البد ،ولكن تبين لهم بعد فوات الوان ،
أنهم كانوا على خطأ ،إذ أنهم بعد تمكّنهم من إقامة وطن قومي لهم ،أصرّ معظمهم وخاصة الغنياء منهم على
البقاء في الغرب ،فأصيب نصارى الغرب مؤخرا بعدوى الفصام اليهودي ،لنهم يملكون استعدادا وراثيا
توراتيا لذلك ،لما يحملونه بدورهم من معتقدات خاطئة ،بناءً على ما جاء في النجيل ،من أوهام وهلوس
مشابهة .لذلك من الطبيعي جدا ،أن ترى زعماء اليهود يصافحون العرب ،راسمين على شفاهم تلك البتسامة
العريضة ،بينما أيديهم تقطر من دم أبنائهم وأخوانهم ،وكأن شيئا لم يكن .
ما يعتقده اليهود بالنسبة لوجودهم الحالي في فلسطين :
خلصة ما يعتقده اليهود هذه اليام ،وهم القرب والكثر فهما لنبوءات التوراة ،لمعرفتهم بالطرق السرية التي
كُتبت فيها نصوص التوراة ،وما تضمنته من أسرار ورموز ،مفاتيح حلها موجودة ،في كتب خاصة لديهم ،
بناءً على ما تقدّم :
152
.1تُخبرهم بعض نصوص التوراة بأنهم ،بعد العودة من الشتات ،ل محالة سيُفسدون ،وأن ال سيبعث
عليهم من يُعاقبهم ،من العراق أو إيران أو كليهما .
.2وتُخبرهم نصوص أخرى ،أنّ مُلكهم بعد العودة من الشتات ،سينضوي مستقبل ،تحت لواء ملك من
نسل داود أو الملك الرب القدير ،يظهر آخر الزمان ،يقود اليهود وينتصر على أعداء إسرائيل ،في
الحرب القادمة ،ويحكم العالم أجمع من القدس ،ملكا أبديا ،يتصف بالحق والعدل والسلم ،وأن أوانه قد
اقترب ،ولتعجيل ظهوره ،ل بد لهم من الستيلء على أرض فلسطين كاملة ،وتفريغ شعبها منها .
وهدم المسجد القصى ،وبناء الهيكل ،لكي يتسنى لهذا الملك تقديم القربان المُقدّس على مذبح الهيكل ،
وهو أول عمل سيقوم به فور ظهوره ،ويعتقدون بأن سرعة إنجاز هذه المور ،ستُعجّل بظهور هذا
الملك .
.3وتُخبرهم نصوص أخرى ،أن هناك كم هائل من العداء ،الذين سيُهاجمون إسرائيل مستقبل ،وسيكون
النصر حليف إسرائيل وحلفائها .لذلك فهم يعملون بل كلل أو ملل ،من وراء الستار الغربي المريكي
البريطاني ،لتأمين هذا النصر الموعود .
لذلك ل بد لهم من أجل مخالفة النبوءة التي تخبر عن دمار دولتهم ،ومن أجل تحقق النبوءة ،التي تنسب إليهم
الملك البدي ،الذي سيقوم في القدس في نهاية المر ،أن يعملوا :
.1على تقوية إسرائيل بإمدادها بالموال والتكنولوجيا العسكرية المُتطوّرة التقليدية والنووية .
.2على إجبار دول هؤلء العداء التوراتيون على الموالة للغرب ،ومن ثم الموالة لسرائيل عن طريق
الترغيب والترهيب .
.3على حرمان الدول المعادية لسرائيل من هذه القدرات ،وإضعاف هذه القدرات حين امتلكها وتدميرها .
.4على تدمير الستقرار الداخلي لتلك الدول ،سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ،إن تعذّر ذلك عسكريا .
ويعتقدون أن الخطر القادم يتمثّل بشكل أساسي في :
.1البلدان العربية والسلمية وعلى رأسها العراق .
.2البلدان الشيوعية المناهضة للديموقراطية الرأسمالية ،وعلى رأسها روسيا .
.3شخص المير المُسلم الذي أخبرت عنه التوراة ،بأنه سيخرج من جزيرة العرب ،ليملك مشارق الرض
ومغاربها .
وللسباب الثلثة مجتمعة ،عمل اليهود وما زالوا يعملون ،على تواجد الساطيل والقواعد العسكرية المريكية
البريطانية ،بشكل مكثف في منطقة الخليج العربي والجزيرة العربية ،وتركيا والبحر الحمر والبحر البيض
المتوسط سابقا ولحقا ،لكي تمنع العراق من مهاجمة إسرائيل ،ولكي تمنع هذا المير المسلم من الخروج من
أرض الجزيرة ،وظهور أمره وأمر السلم من جديد .فكما أنهم أي اليهود ،سكنوا جزيرة العرب ،ليحاربوا
جدّه عليه الصلة والسلم .فهم الن متواجدون فيها تحت القناع المريكي ،في انتظار خروجه ،ليحاربونه بل
أدنى شك .ولقطع الطريق على الجيش الروسي عند هجومه على إسرائيل ،أما ادّعائهم بالتواجد في منطقة
الخليج ،للحفاظ على مصالح الوليات المُتحدة ،فذلك لذرّ الرماد في العيون ،فمصالحهم محميّة بسواعد
عربية ،وأوامرهم مطاعة حتى في غرف النوم .
وغزو العراق لسرائيل ،الذي هو أول مشهد في الحلقة الخيرة ،من مسلسل اليهود التاريخي الطويل ،قد
اقترب أوانه وأشرف زمانه ،وهم يعلمون ذلك من خلل الحساب ،ومن خلل الظواهر الفلكية ،كما علموا
قديما عن طريق الفلك ،بموعد مولده عليه السلم وموعد بعثه .
153
أعداء دولة إسرائيل التوراتيون بمسمّياتها القديمة والحديثة حسب تفسيرهم :
.1بابل وآشور وبلد الكلدانيين ورجال فارس العراق ( .درجة أولى في العداء التوراتي لسرائيل ،
وبامتياز مع مرتبة الشرف ) .تم توريطه في حربيّ الخليج الولى والثانية ،وضرب المفاعل النووي ،
وفرض حصار أبدي ،ويطمحون إلى إبادة شعبه بالسلحة النووية ،في أقرب فرصة ممكنة .ومشمول
في قائمة الدول الراعية للرهاب .
.2روش وماشك وتوبال وكلّ حلفائهما ،وبيت توجرمة من أقاصي الشمال دول التحاد السوفييتي السابق
( .درجة ثانية ) .تم تفكيك التحاد السوفييتي ،وإضعاف الحزب الشيوعي المناهض للغرب ،وتدمير
اقتصاد روسيا وتوريطها مع صندوق النقد الدولي .وتوريطها في حربين استنزافيتين في جمهورية
الشيشان .
.3مادي ،ملوك الشرق إيران ( .درجة ثانية ) .تم توريطها في حرب الخليج الولى ،ومقاطعة
اقتصادية أمريكية وعداء مُعلن ،تشجيع الحركات الصلحية الهدامة ،وإثارة الفتن والثورات الداخلية ،
لشعال حروب أهلية ،طمعا في قلب نظام الحكم السلمي فيها ،وهي مشمولة في القائمة المريكية
للدول الراعية للرهاب .
.4إثيوبيا السودان ( .درجة ثالثة ) .ما زالت الحروب الهلية التي يدعمها الغرب مشتعلة فيها ،ومقاطعة
اقتصادية أمريكية وعداء مُعلن ،وُقصفت بالصواريخ المريكية في زمن ( كلينتون ) ،لتهامها بالتعاون
مع ابن لدن ،وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب .
.5ليبيا ( .درجة ثالثة ) قٌصفت من قبل الطائرات المريكية في زمن الرئيس المريكي ( ريغان ) ،تم
فبركة حادثة تفجير الطائرة ( لوكربي ) ،واتُهمت بتدبيرها ،ومن ثم فُرض عليها ،حظر دولي من
مجلس المن ،ومقاطعة اقتصادية أمريكية ،وهي مشمولة في القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب
.
.6أشور وحلفائها سوريا ( .درجة ثالثة ) .موضوعة على جدول مؤامراتهم القادمة ،وهي مشمولة في
القائمة المريكية للدول الراعية للرهاب .
.7عيلم وحلفاؤها ،ملوك الشرق أفغانستان وباكستان ( .درجة ثالثة ) .حظر ومقاطعة اقتصادية على
كلتا الدولتين ،تم قصف معسكرات تنظيم القاعدة في أفغانستان .وأفغانستان غير مشمولة في القائمة
المريكية للدول الراعية للرهاب ،كونهم ل يعترفون بنظام الحكم فيها .
154
النبوءات النجيلية بين الماضي والمستقبل
النجيل في الصل كتاب سماوي ،أُنزل على عيسى عليه السلم ،بنص واحد مصدقا لما جاء في التوراة ،
ويحمل في طياته شريعة جديدة لليهود ،وناسخة لبعض ما جاء في شريعة موسى ،لتخفّف عنهم الكثير من
العباء ،والكثير من القيود والغلل ،التي كانوا قد ألزموا بها في التوراة ،نتيجة فسقهم وعصيانهم وظلمهم .
ومن أهم ما جاء به عيسى عليه السلم ،هي البشرى بنبي الهدى ( أحمد ) عليه الصلة والسلم .وكلمة النجيل
في اليونانية تعني البشرى أو البشارة ،ويدّعي النصارى أن هذه البشرى هي بشرى الخلص .أمّا فيمن كانت
البشارة حقيقة ،فنجده في قوله تعالى ( َوإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْ َيمَ يَبَنِي ِإسْرَائِيلَ إِنّي َرسُولُ الِّ إِلَ ْي ُكمْ مُصَدّقًا ِلمَا
سحْرٌ مُبِينٌ (6 حمَدُ فَ َلمّا جَاءَ ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ قَالُوا هَذَا ِ
س ُمهُ َأ ْ
بَيْنَ يَ َديّ مِنَ ال ّتوْرَاةِ َومُ َبشّرًا ِب َرسُولٍ يَأْتِي مِنْ َبعْدِي ا ْ
الصف ) .ونص البشارة بنبينا محمد عليه الصلة والسلم ،موجود في النجيل الرابع المنسوب ليحيى
( يوحنّا ) عليه السلم ،في الصحاحات ( ، ) 16-14ومُسمّياته هي " المؤيّد" و " المؤيّد الروح القُدس " و "
روح الحق " و" سيّد هذا العالم " ،في الترجمة التي اقتبست منها هذا النص .وفي ترجمات أخرى " :الروح
القُدس ال ُمعِين " " ،ال ُمعَزّي " .
أما ما هو موجود هذه اليام في الناجيل ،هو مُجرّد بقايا من الوحي اللهي ،المُنزل على الرسل .وهذا ما
يؤكدّه حتى المؤمنين به من النصارى أنفسهم .فقد جاء في مقدّمة نسخة العهد الجديد من الكتاب المُقدّس ،دار
المشرق ط ، 13ما نصه " إن القارئ في عصرنا ،وهو حريص على الدّقة ،ل ينفكّ يبحث عن الحداث ،التي
تم إثباتها والتحقّق منها ،يقع في حيرة أمام تلك المؤلفات ( الناجيل الربعة وملحقاتها ) ،التي تبدو له مفكّكة ،
يخلو تصميمها من التنسيق ،ويستحيل التغلب على تناقضاتها ،ول يُمكنها أن تردّ على السئلة التي تُطرح عليها
".
وهكذا يعترف رجالت الدين المسيحي ،أن محتويات كتابهم المقدّس مُتناقضة ،وأنها مؤلفات كُتبت بأيدي بشر ،
بعد المسيح بما يزيد على 300سنة ،وأقدم النسخ المتوافرة ذات أصل يوناني ،تعود إلى القرن الرابع الميلدي .
وأما النصوص الصلية للنجيل بلغته العبرية أو الرامية ،فهي غير موجودة .وللحقيقة يستحيل أن يكون ذلك
صحيحا .فقد سمعت يوما ،أن الكثير من المخطوطات الصلية ،موجود على شكل لفائف وقراطيس ،في
قوارير زجاجية على رفوف ،في أقبية الكنائس الكبرى .ول يُسمح لي كان من الوصول إليها ،إل كبار
رجالت الكنيسة ،الحريصون على إضلل الناس ،بكتم ما في تلك المخطوطات من حقائق ،تنفي ألوهية عيسى
،وتدعوا إلى وحدانية ال .
أما الكتاب الموجود حاليا بين يديّ النصارى ،فهو ل يعدو أكثر من كونه كتاب ،يحكي سيرة المسيح عليه
السلم -كما التوراة تحكي سيرة موسى -بشكل حائر ومُضطرب ،تغلب عليه ذِكر أفعاله أكثر من أقواله ،حتى
أنك تشعر عند قراءته ،أن المسيح شخصية خيالية أسطورية ساذجة غبية وبليدة ،خالية من الحكمة والمنطق ،
وحاشا ل أو لبنه كما يدّعون ،أو حتى لرسول أن يكون كذلك .غير أن إنجيل يوحنّا ( يحيى ) ،وسفر الرؤيا
المنسوب ليوحنّا ،يبدو أنهما أكثر قربا ،إلى السفار المُتأخرة من التوراة ،حيث أنهما يتفقان مع أسلوب كتابة
النصوص التوراتية ،إلى درجة التطابق ،من حيث النشاء واللفاظ المُستخدمة والمُسميّات ،وحتى تكرار
وازدواجية النصوص ،التي تؤكد أنهما جُمعا ونسخا من مصدرين مُختلفين .
وقد جاء في مقدّمة سفر الرؤيا ،من نسخة العهد الجديد من الكتاب المُقدّس ،دار المشرق ط ، 13ما نصه " :ل
يأتينا سفر رؤيا يوحنّا ،بشيء من اليضاح عن كاتبه .لقد أطلق على نفسه اسم يوحنّا ،واسم نبي ،ولم يذكر قط
،أنه أحد الثنيّ عشر ( التلميذ ) .هناك تقليد على شيء من الثبوت ،وقد عُثر على بعض آثاره منذ القرن
الثاني ( الميلدي ) ،وورد فيه أن كاتب الرؤيا هو الرسول يوحنّا ،وقد نُسب إليه أيضا النجيل الرابع .بيد أنه
ليس في التقليد القديم إجماع على هذا الموضوع .وقد بقي المصدر الرسولي لسفر الرؤيا ،عرضة للشك مدّة
طويلة ،في بعض الجماعات المسيحية .إن آراء المُفسّرين في عصرنا مُتشعبة كثيرا ،ففيهم من يؤكد أن
الختلف في النشاء والبيئة والتفكير اللهوتي ،يجعل نسبة سفر الرؤيا والنجيل الرابع ،إلى كاتب واحد أمرا
155
عسيرا .وهناك مُفسّرون يرون أن ظروف إنشاء سفر الرؤيا ،أشدّ تشعبا من ذلك بكثير ،فهو ليس مُؤلّفا
مُتجانسا ،بل محاولة غير مُحكمة لجمع أجزاء مُختلفة ،أُنشئت ،ثم نُقّحت في العقود الخيرة من القرن الول "
.
وللحق نستطيع الجزم ،بأن التوراة تم تنقيحها وجمعها بشكل نهائي ،في هذه الحقبة من الزمن ،بعد وفاة عيسى
ويحيى عليهما السلم .
نجد من خلل ما تقدّم أن النصارى أنفسهم ،كان لديهم الكثير من الشكوك حول سفر الرؤيا ،وبعد قراءتي
لمحتوى هذا السفر تبين لي ،أن أسلوب إنشاءه هو نفس السلوب ،الذي أُنشئت به أسفار التوراة ،من حيث
اللفاظ والعبارات ،وحتى تكرار الفكار والنصوص وتحويرها وتحريفها ،وتبديل مواضعها من تقديم وتأخير ،
لتشويه الرؤى النبوية التي تأتي عادة في غير صالح اليهود .والسفر يحتوي على نبوءات مُشابه ،لما جاء في
السفار المُتأخرة من التوراة .حيث أن سفر زكريا في التوراة ،ينتهي عند ذكر الدجال ،ويُغفل ما سيأتي بعده
من أحداث .وتجد أن سفر الرؤيا يُعيد بعض ما جاء في السفار المُتأخرة من التوراة ومن ضمنها سفر زكريا ،
ويكمل الحداث حتى دخول أهل الجنة الجنة ،ودخول أهل النار النار .
وما تقدّم يدفعني إلى العتقاد ،أن كتبة هذين السفرين ،هم كهنة اليهود الذين ألفوا التوراة ،إذ أن آثار أقلمهم
واضحة للعيان ،مما فيه من تناقض أحيانا وتكرار أحيانا أخرى ،لمحاولتهم فهم هذه النبوءات وتفسيرها ،
حسبما يتناسب مع زمانهم ،أي مع بداية التقويم الميلدي ،حيث كانت مقومات ذلك العصر ورموزه ،تختلف
كليا عمّا لدينا في العصر الحالي ،حيث بدأت هذه النبوءات هذه اليام ،تأخذ مكانها على أرض الواقع .
ويبدو أن المُتأخرين من الكهنة اليهود ،كانوا عاقدي العزم ،على ضمّ سفر الرؤيا والنجيل المنسوب إلى يوحنّا
إلى التوراة ،ف أعملوا أقلمهم فيهما ،ويبدوا أنهم تراجعوا عن ذلك في اللحظة الخيرة ،فقرّروا إسقاطهما ،بعد
أن تنكرّوا لنبوة يحيى وعيسى عليهما السلم .فسفر الرؤيا كما الحال بالنسبة لنجيل يوحنا ،يُهاجم اليهود
أنفسهم ،ويهاجم مجّمعات كهنتهم ( المُسمّاة بالسنهدرين ) التي كانوا يتدارسون فيها التوراة ( والحقيقة أنهم كانوا
يدرسون التوراة كما ندرس الزيتون ) ،والتي وصفها هذا السفر بمُجمعات الشيطان .حيث جاء فيه " رؤيا :2
: 9وأعلم افتراء الذين يقولون أنهم يهود وليسوا بيهود ،بل هم مَجمَع للشياطين " .رؤيا : 9 :3ها إني أعطيك
أُناسا من مَجمَع للشيطان ،يقولون أنهم يهود ،وما هم إل كذّابون " ،وهاتين العبارتين مثال على التكرار لنفس
المعنى وبنفس اللفاظ تقريبا .
بالضافة إلى ذلك جاء سفر الرؤيا ،بنبوءات تُخالف أهواء الكهنة ،وتتناقض مع ما كان قد خطّه الكهنة
المُتقدّمين .ومنها أنّه يُثبت البعث والحساب والجزاء ،وهذا مما يُنكره اليهود ويجحدونه .فالتوراة على امتدادها
الشاسع ،ل تجد فيها حتى كلمة ،توضّح مصير الروح بعد الموت .وما يملكونه من معتقدات ،فيا يتعلق بالروح
والبعث والجزاء ،تعتمد في الدرجة الولى على أقوال متناقضة ومرتبكة لحكمائهم ،وهذه القوال مثبتة في
التلمود ،وهي أقرب ما تكون إلى معتقدات الوثنيين ،كتناسخ الرواح والحلولية .
وربما تكون نسبة هذا السفر إلى ( يوحنّا ) ،وهو يحيى بن زكريا عليهما السلم صحيحه ،حيث أن يحيى كان
قد سبق عيسى عليه السلم في البعث لليهود ،وحال سفر الرؤيا يشبه حال السفار المتأخرة من التوراة ،التي
امتازت بالطابع الدعوي النبوي في معظمها .وبعد أن أسقط اليهود النجيل وسفر الرؤيا ،المنسوبين إلى يوحنا
من التوراة ،تلقّفته كهنة النصارى ،ومن ثم قاموا بتحريفه بالحذف والضافة والتبديل ،لثبات أُلوهية عيسى
عليه السلم ،وأضافوه إلى كتابهم المُقدّس ،على ما هو عليه من ازدواجية وتكرار ،في اللفاظ والفكار .
أمّا الكلم في النجيل المنسوب إلى يوحنّا ،هو أقرب ما يكون إلى كلم عيسى عليه السلم ،حيث جاءت على
لسانه البشارة بنبيّنا عليه الصلة والسلم ،كما نص عليها القرآن الكريم ،وهذا النجيل يتميّز عن باقي
الناجيل ،بأنه يُركّز على القوال التي جاء بها عيسى عليه السلم ،أكثر من طابع السرد القصصي للفعال
التي قام بها ،الذي غلب على الناجيل الخرى .
156
إنجيل يوحنا
قال تعالى ( َوإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ َمرْ َيمَ ،يَبَنِي ِإسْرَائِيلَ إِنّي َرسُولُ الِّ إِلَ ْي ُكمْ ،مُصَدّقًا ِلمَا بَ ْينَ يَ َديّ مِنَ ال ّت ْورَاةِ ،
سحْ ٌر مُبِينٌ ( 6الصف ) حمَدُ َ ،فَلمّا جَاءَ ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ ،قَالُوا هَذَا ِ
س ُمهُ َأ ْ
َومُ َبشّرًا ِب َرسُولٍ يَأْتِي مِنْ َبعْدِي ا ْ
" : 16-18 :14وأنا سأسأل الب ،فيهب لكم مؤيّداً آخر ،يكون معكم إلى البد ،روح الحقّ ،الذي ل يستطيع
العالم أن يتلقّاه ،لنّه ل يراه ول يعرفه .أمّا أنتم فتعلمون ،أنّه يُقيم عندكم ويكون فيكم ،لن أدعكم يتامى ،فإني
أرجع إليكم " .
يُخبر عيسى أتباعه في هذا النص أن الب سيرسل لهم مؤيدا آخر ،غير عيسى عليه السلم ،فإن كان عيسى
هو ال ،فإن ال سيبعث للنصارى إلها غير عيسى ،وإن كان ابن ال ،فإن ال سيبعث لهم ابنا له غير عيسى ،
وإن كان عيسى رسول ال ،فإن ال سيبعث لهم رسول آخر غيره .ويُخبر أيضا أن رسالته ،ستكون خاتمة
الرسالت السماوية ،ويأتي بالحقّ ويعدل به ،ويُخبرهم بأنهم امتازوا على الخرين من سكان العالم ،بأن لديهم
علم بهذا الرسول ،وبإخبارهم أيضا أن الوحي من بعده لن ينقطع .
" : 24-25 :14ومن ل يُحبني ل يحفظ كلمي ،والكلمة التي تسمعونها ليست كلمتي ،بل كلمة الب الذي
أرسلني .قلت لكم هذه الشياء وأنا مُقيم عندكم " .
" : 26-31 :14ولكن المؤيّد الروح القدس ،الذي يُرسله الب باسمي ،هو يُعلمكم جميع الشياء ،ويُذكّركم
بجميع ما قلته … .لقد أنبأتكم مُنذ الن بالمر قبل حدوثه ،حتى إذا حدث تؤمنون .لن أُطيل عليكم الكلم بعد
ذلك ،لن سيد هذا العالم آت ،وليس له يد عليّ .وما ذلك إل ليعرف العالم أنّي أُحبّ الب ،وأنّي أعمل كما
أوصاني " .
يخبرهم بأن هذا المؤيّد ،سيُذكّرهم من خلل الوحي بما سبقه ،ويُعلّمهم أشياء جديدة ،وسبب إخباره لهم
بذلك ،هو وجوب اليمان به واتّباعه عند ظهوره .يصفه عيسى بأنه سيّد هذا العالم ،ويؤكد مجيئه ،وأنه ذو
أفضلية على من قبله ،ويُخبرهم في نهاية النص أنّه بلّغهم البشارة بأمانة ،كما أخبره ربه .
" : 26-27 :15ومتى جاء المُؤيّد ،الذي أرسله لكم روح الحقّ المُنبثق من الب ،فهو يشهد لي ،وأنتم أيضا
تشهدون ،لنكم معي منذ البدء " .
هذا النص تكرار لجزاء مما تقدم من نصوص .
:1-14 :16قُلت لكم هذه الشياء لئل تعثروا .سيفصلونكم عن المجامع ،بل تأتي ساعة ،يظنّ فيها كلّ من يقتلكم
،بأنه يؤدي عبادة ل … .وقد قلت هذه الشياء لكم لتذكروا إذا أتت الساعة ،أنّي قُلتها لكم .ولم أقلها منذ البدء ،
لنّي كنت معكم .أمّا الن ،فإنّي ذاهب إلى الذي أرسلني ،وما من أحد يسألني إلى أين أذهب ؟ ل بل مل الحزن
قلوبكم ،لنّي قلت لكم هذه الشياء .فإن لم أمضِ ،ل يأتكم المؤيّد .أمّا إذا ذهبت فأرسله إليكم " .
_ يُثبت هذا النص بما ل يدع مجال للشك ،أن هذا المؤيّد سيُرسل ل محالة ،وأن بعثه مرتبط بذهاب عيسى عليه
السلم .
" : 8-11 :16وهو ،متى جاء ،أخزى العالم ،على الخطيئة والبرّ والدينونة :أما على الخطيئة ،فلنهم ل
يؤمنون بي .وأمّا على الب ّر ،فلني ذاهب إلى أبي ،وأما على الدينونة ،فلن سيّد هذا العالم قد دِين . ".
هذا النص فيه فلسفة تفسيرية من الكاتب ،محاول ترميم ما أفسده من تغيير لللفاظ والعبارات ومواضعها ،
والمعنى المراد من وراء هذا النص ،أنه يأتي شاهدا ومُبشّرا ونذيرا ،يدعوا إلى البرّ ويُدين الخطيئة ،مُبشّرا
بالثواب ومُنذرا بالعقاب وشاهد على الخلق يوم الدينونة أي يوم القيامة ،وال أعلم ،قال تعالى ( يَأَ ّيهَا النّبِيّ إِنّا
ك شَاهِدًا َومُ َبشّرًا وَنَذِيرًا ( 45الحزاب ) .
أَ ْرسَلْنَا َ
157
" : 13-14 :16فمتى جاء هو ،أي روح الحقّ ،أرشدكم إلى الحقّ كله ،لنّه لن يتكلّم من عنده ،بل يتكلّم بما
يسمع ،ويخبركم بما سيحدث ،سيُمجّدني لنه يأخذ مما لي ويُخبركم " .
هذا النص يُخبر بأن " روح الحقّ " ،سيرشدهم إلى الحقّ ،ويُبلّغ رسالة ربه على أكمل وجه َ ( ،ومَا يَ ْنطِقُ
عَنِ ا ْل َهوَى ( )3إِنْ ُه َو ِإ ّل َوحْيٌ يُوحَى ( 4النجم ) .ويُنبئهم بأمور غيبية ستحدث لحقا .
ولو أمعنت النظر أخي القارئ ،في النصوص أعله أو رجعت إلى الكتاب نفسه ،ستكتشف بسهولة محاولت
التضليل والتمويه ،من خلل تتبّع النصوص ومقارنتها مع بعضها البعض ،فاللفاظ والمُسمّيات تتكرّر بصورة
مُزدوجة ،وتتقدّم أحيانا وتتأخر أحيانا أخرى ( يُحرّفون الكلم عن مواضعه ) ،كما هو الحال في النصوص
التوراتية تماما .وغالبا ما يكشف أحد النصوص المزدوجة كذب ،وتضليل النص الخر .
إنجيل متى
" متى :13 :23 :ولكن الويل لكم أيّها الكتبة والفرّيسيّون المراءون ،فإنكم تُغلقون ملكوت السماوات في وجوه
الناس ،فل أنتم تدخلون ،ول تدعون الناس يدخلون ، … ،فإنكم تطوفون البرّ والبحر ،لتكسبوا مُتهوّدا واحدا ،
فإذا تهوّد جعلتموه أهل لجهنّم ،ضعف ما أنتم عليه .الويل لكم أيها القادة العميان ،تقولون :من أقسم بالهيكل ،
فقسمه غير مُلزم ،أمّا من أقسم بذهب الهيكل ،فقسمه مُلزم " .
" : 27 :23الويل لكم … فإنكم كالقبور المطلية بالكلس ،تبدو جميلة من الخارج ،ولكنّها من الداخل ،ممتلئة
بعظام الموتى وكل نجاسة .كذلك أنتم أيضا تبدون للناس أبرارا ،ولكنّكم من الداخل ممتلئون بالرياء والفسق .
… الويل لكم … فإنكم تبنون قبور النبياء وتُزيّنون مدافن البرار ،وتقولون :لو عشنا في زمن آبائنا ،لما
شاركناهم في سفك دماء النبياء .فبهذا تشهدون على أنفسكم ،بأنكم أبناء قاتلي النبياء ،فأكملوا ما بدأه آباؤكم ،
ليطفح الكيل " .
الجريمة وعقابها :
" : 33 :23أيها الحيّات ،أولد الفاعي ،كيف تُفلتون من عقاب جهنّم ؟ لذلك ها أنا ذا أُرسل إليكم ،أنبياء
وحكماء ومعلّمين ،فبعضهم تقتلون وتصلبون ،وبعضهم في مجامعكم تجلدون ،ومن مدينة إلى أُخرى تُطاردون
،حتى يقع عليكم كل دمٍ سُفك في الرض ،من دم هابيل البّار إلى دم زكريّا بن برخيا ،الذي قتلتموه بين الهيكل
والمذبح .الحق أقول لكم :أن عقاب ذلك كله سينزل بهذا الجيل " .
" : 37 :23أورشليم ،يا قاتلة النبياء وراجمة المرسلين إليها .كم مرّة أردت أن أجمع أولدك ،كما تجمع
الدجاجة فراخها تحت جناحيها ،فأ َبيْتم .ها إن بيتكم يُترك لكم خرابا ،فإني أقول لكم :أنّكم لن تروني من الن ،
حتى تقولوا :مُبارك التي باسم الرب " .
" :1 :24 :ثم خرج يسوع من الهيكل ، … ،فقال لهم :أما ترون هذه المباني كلها ؟ الحقّ أقول لكم :لن يُترك
هنا حجر فوق حجر إل ويُهدم " .
المسيح يُنبئ بأحداث آخر الزمان :
" :3 :24وبينما كان جالسا على جبل الزيتون ،تقدّم إليه التلميذ على انفراد ،وقالوا له :أخبرنا متى يحدث هذا
( أي خراب أورشليم ) ،وما هي علمة رجوعك ،وانتهاء الزمان ؟ فأجاب يسوع :انتبهوا ،إيّاكم أن يُضلّكم
أحد ،فسوف يأتي كثير من الناس منتحلين اسمي ،ويضلّون أُناسا كثيرين .وستسمعون بالحروب وبإشاعات
عن الحروب ،فإياكم أن تفزعوا ،فل بدّ من حدوثها ،ولكن لن تكون النهاية عندئذ .فستقوم أمة على أمة ،
ومملكة على مملكة ،وتحدث مجاعات وزلل في أماكن كثيرة ،وهذا ليس إل بدء المخاض " .
158
اضطهاد المؤمنين بال وفساد الدنيا يُبشّر بقرب النهاية :
" :9 :24وستسلمون عندئذ إلى الضيق وتقتلون ،ويُبغضكم جميع الوثنيين من أجل اسمي .فيعثر أناس
كثيرون ،ويُسلم بعضهم بعضا ويتباغضون … .ويزداد الثم ،فتفتر المحبة في أكثر الناس ،والذي يثبت إلى
النهاية فذاك الذي يخلص .وستُعلن بشارة الملكوت هذه ،في المعمورة كلّها ،شهادة لدى الوثنيين أجمعين ،
وحينئذ تأتي النهاية " .
قيام دولة إسرائيل ودمارها يُبشر بقرب النهاية :
" متى :15 :24 :فإذا رأيتم المُخرّب الشنيع ،الذي تكلّم عليه النبي دانيال ،قائما في المكان المُقدّس – ليفهم
القارئ – فليهرب إلى الجبال من كان عندئذ في اليهودية .ومن كان على السطح ،فل ينزل ليأخذ ما في بيته
.ومن كان في الحقل ،فل يرجع ليأخذ رداءه .الويل للحوامل والمرضعات في تلك اليام ،صلّوا لئل يكون
هربكم في الشتاء أو في يوم سبت " .
" لوقا :24-20 :21 :فإذا رأيتم أورشليم قد حاصرتها الجيوش ،فاعلموا أن خرابها قد اقترب .فمن كان يومئذ
في اليهودية فليهرب إلى الجبال ،ومن كان في وسط المدينة فليخرج منها ،ومن كان في الحقول فل يدخل
إليها ،لن هذه اليام أيام نقمة يتم فيها جميع ما كُتب .الويل للحوامل والمرضعات في تلك اليام ،فستنزل الشدّة
على هذا البلد ،وينزل الغضب على هذا الشعب ،فيسقطون قتلى بحدّ السيف ،ويؤخذون أسرى إلى جميع المم
".
المقصود بالمُخرّب الشنيع ،في النص الول المأخوذ من إنجيل متى ،هي دولة الفساد إسرائيل ،وهذا ما
يوضّحه النص الثاني من إنجيل لوقا بنص صريح بعبارة (فإذا رأيتم أورشليم ) .ولو تمعّنت في النصائح المُقدّمة
للشعب اليهودي ،لتجنّب القتل والسر .ستجد أن دخول الجيوش على أورشليم ،سيكون مُفاجئا وسريعا وبدون
ضجة ،لدرجة أن من على سطح المنزل ،ل يشعر بدخولهم إلى بيته .وأن من في الرياف ل يسمع بهم ،إل
مُتأخرا ،وأما النصارى الجدد في الغرب ،فيرون أن المقصود بالمُخرّب الشنيع -أو رجسة الخراب في سفر
دانيال -هو الدجال عدو المسيح ،الذي سيظهر في القدس ،وأما اليهود فيرون أنه المسجد القصى .
الحرب الكونية النووية :
" :21 :24فستحدث عندئذ شدّة عظيمة ،لم يحدث مثلها ،منذ بدء الخليقة إلى اليوم ،ولن يحدث .ولو لم تقصّر
تلك اليام ،لما نجا أحد من البشر ،ولكن من أجل المُختارين ،ستقصر تلك اليام " .
وهذا أحد النصوص التي يستند إليها نصارى الغرب في تحليلتهم ،بالقول بأن الحرب العالمية الثالثة ستكون
نووية ل محالة ،لسرعة هذه السلحة في حسم المعركة .
المسيح يُحذّر من أتباعه الدجّال :
" :23 :24فإذا قال عندئذ أحد من الناس :ها هو ذا المسيح هنا ،بل هنا ،فل تُصدّقوه .فسيظهر مُسحاء دجّالون
وأنبياء كذّابون ،يأتون بآيات عظيمة وأعاجيب ،ليُضلّوا حتى المُختارين ( التقياء ) لو استطاعوا .فها أنا قد
أنبأتكم " .
" :26 :24فإن قيل لكم ها هو في البرية ،فل تخرجوا إليها ،أو ها هو ذا في المخابئ ،فل تُصدّقوا .وكما أن
البرق يخرج من المشرف ،ويلمع حتى المغرب ،فكذلك يكون مجيء ابن النسان ،وحيث تكون الجيفة
( الدجال ) تتجمّع النسور ( اليهود ) " .
159
ظواهر فلكية تسبق بداية النهاية :
" : 29 :24وعلى أثر الشدّة في تلك اليام ،تُظلم الشمس ( كسوف ) ،والقمر ل يُرسل ضوءه (خسوف ) ،
وتتساقط النجوم من السماء ( الصواريخ ) ،وتتزعزع قوات السماء ( دوي النفجارات ) .وتظهر عندئذ في
السماء آية ابن النسان .فتنتحب جميع قلئل الرض ،وترى ابن النسان آتيا على غمام السماء ،في تمام العزة
والجلل " .
وهذا النص جعل الصوليون النجيليون ،يعتقدون بأن مجيء عيسى عليه السلم ،يسبقه حرب كونية نووية
شاملة ،تحرق الخضر واليابس ،وهم يعملون على دفع القادة السياسيين في أمريكا ،إلى التحضير لها ،بغية
النتصار فيها ،والنجاة من أهوالها ،فهي ل محالة قادمة ،ومن ضمن التحضيرات -فضل عن التسلح النووي
-إصرار أمريكا مؤخرا ،على إنشاء الدرع المضا ّد للصورايخ البالستية .
أحداث النهاية ستكون مباغتة :
" :32 :24من التينة خذوا العبرة ،فمتى لنت أغصانها ونبتت أوراقها ،علمتم أن الصيف قريب ،وكذلك أنتم ،
إذا رأيتم كلّ هذه المور ،فاعلموا أن ابن النسان قريب ،بل على البواب … السماء والرض تزولن ،
وكلمي ل يزول … " .
" :37 :24وكما كانت الحال في زمن نوح ،كذلك ستكون عند رجوع ابن النسان ،فقد كان الناس قبل
الطوفان ،يأكلون ويشربون ويتزوّجون ويُزوّجون ،وما كانوا يتوقعون شيئا ،حتى جاء الطوفان فجرفهم
أجمعين " .
رؤيا يوحنّا
" : 14 :9فقال للملك السادس " :أطلق الملئكة الربعة المُقيّدين ،على النهر الكبير ،نهر الفرات " .وكان
هؤلء الملئكة الربعة ،مُجهّزين استعدادا لهذه الساعة واليوم والشهر والسنة ،فأُطلقوا ليقتلوا ثلث البشر .
وسمعت أن جيشهم يبلغ مائتي مليون مُحارب ،ورأيت في الرؤيا الخيول وعليها فرسان ،يلبسون دروعا … .
وكانت رؤوس الخيل مثل رؤوس السود ،تلفظ من أفواهها نارا ودخانا وكبريتا ،فقُتل ثلث الناس بهذه البليا
الثلث … .وكانت قوة الخيل القاتلة ،تكمن في أفواهها وفي أذنابها أيضا ،أما سائر الناس الذين لم يموتوا من
هذه النكبات ،لم يتوبوا عن أعمالهم … " .
هذا النص يُبين أن هنالك جيش كبير العدد ،مقيّد على نهر الفرات أي في العراق ،وسيُفكّ قيده في موعد مُعين
.ويصف هذا النص ما يملكه هذا الجيش من آليّات حربية حديثة ،وأن هناك أُناس سينجون من هذا الجيش ،
ولكنهم بالرغم من ذلك لن يتوبوا .
جفاف نهر الفرات والحرب العالمية النهائية :
" :12-14 :16وسكب الملك السادس ،كأسه على نهر الفرات الكبير فجفّ ماؤه ،ليصير ممرا للملوك القادمين
من الشرق .وعند هذا رأيت ثلثة أرواح نجسة ، … ،وهي أرواح شيطانية ،قادرة على صنع المُعجزات ،
تذهب إلى ملوك الرض جميعا ،وتجمعهم للحرب في ذلك اليوم العظيم ،يوم ال القادر على كل شيء " .
هذا النص يُخبر بأن العراق سيُضرب بالنووي ل محالة ،فيجفّ نهر الفرات من جراء ذلك ،إما قبل أو بعد ،
نشوب الحرب العالمية ،ليصير ممرا للدول الشرقية لتشارك في الحرب القادمة ،والدول الواقعة شرق الفرات ،
تبدأ بإيران وتنتهي بالصين .ومن ثم يجتمع ملوك العالم لتبدأ الحرب البرية ،التي يُحدّد مكانها في النص اللحق
.
160
" : 16-21 :16وجمعت الرواح الشيطانية ،جيوش العالم كلها ،في مكان يُسمّى بالعبرية " هرمجدون " .ثم
سكب الملك السابع ،كأسه على الهواء ،فدوى صوت من العرش ، … ،يقول " :قُضيَ المر " .فحدثت
بروق وأصوات ورعود وزلزال عنيف ،لم تشهد الرض له مثيل ،منذ أن وُجد النسان على الرض ،لنه
كان زلزال عنيفا جدّا .فانقسمت المدينة العُظمى إلى ثلثة أقسام ،وحلّ الدمار بمُدن المم .فقد ذكر ال بابل
العُظمى ،ليسقيها كأسا تفور بخمر غضبه .وهربت الجُزر كلها ،واختفت الجبال .وتساقط من السماء على
ل حبّة بقدار وزنة واحدة ،فجدّف الناس على ال ،بسبب هذه البلية الشديدة جدا " .
الناس َب َر ٌد كبير ،ك ّ
هذا النص يصف هذه الحرب ،فهناك صواريخ تسقط من السماء ،وأصوات انفجاراتها مُدوّية كالرعد ،محدثة
زلزل عنيفة ،واختفاء الجبال من شدة الزلزل ،وهروب الجُزر تحت الماء ،لذوبان الكتل الجليدية ،وتبخّر
المسطّحات المائية ،نتيجة ارتفاع درجات الحرارة ،التي ستحدثها السلحة النووية .
أمّا المدينة العُظمى التي ستنقسم إلى ثلثة أقسام ،فهي بل شك أمريكا ،وإن كان هناك مدينة بعينها فهي
نيويورك ،بالرغم من أن كتبة التوراة ،أضافوا عبارة ( فقد ذكر ال بابل العُظمى ) .فلفظ مدينة بالعبرية يعني
دولة ،وبما أن النبوءة تحكي عن دولة عُظمى في العصر الحالي ،فهم أضافوا هذه العبارة لكون بابل في
مُخيّلتهم ،تُمثّل الدولة العظمى والقوية في العصور القديمة ،أما بابل الحالية أي العراق ،فهي ليست بأي حال
من الحوال بالدولة العظمى ،وهذا اللقب حاليا يُطلق على أمريكا .
ويبدو أن بعض مفسّري النبوءات التوراتية والنجيلية مُؤخرا ،اكتشفوا هذا المر ،ومنهم من قام بتأليف كتب
تنبأوا فيها بدمار إسرائيل ،ومن ثم أمريكا ،وبالتالي تستطيع قراءة النصوص ،التي تُخبر عن دمار بابل
العظمى أو الجديدة ،على أنها تُخبر عمّا سيحلّ بأمريكا نتيجة هذه الحرب ،وليس العراق .ولكن اليهود
يريدونها بابل القديمة ،ولكن ستجري الرياح بما ل تشتهيه سُفنهم ،بإذن ال .
عرس الحمل :
" :6-10 :19ثمّ سمعت صوتا ، … ،يقول " :هلّلويا ! فإن الرب الله القادر على كل شيء ،قد مَلَك ،لنفرح
ونبتهج ونمجّده ،فإن عرس الحمل ،قد حان موعده ،وعروسه قد هيّأت نفسها ،ووهب لها أن تلبس الكتان
البيض الناصع ،والكتان يرمز إلى أعمال الصلح التي قام بها القدّيسون " .
" :11 :19ثم رأيت السماء مفتوحة ،وإذا حصان أبيض يُسمّى راكبه " المين الصادق " ،الذي يقضي
ويحارب بالعدل … .وكان الجناد الذين في السماء ،يتبعونه راكبين خيول بيضاء ، … ،وكان يخرج من فمه
سيف حادّ ،ليضرب به المم ،ويحكمهم بعصا من حديد . " … ،
ل أجد تفسيرا لهذه النبوءة ،إل أنها تُخبر عن المهدي ( الحمل ) وعروسه ( القدس ) ،وجيوشه ( الجناد ) ،
وانتصاراته في حروبه التي سيخوضها .
عودة المسيح :
" :4 :20ثمّ رأيت عروشا مُنح الجالسون عليها حق القضاء .ورأيت نفوس الذين قُتلوا في سبيل الشهادة
ليسوع ،وفي سبيل كلمة ال ،والذين … ،وقد عادوا إلى الحياة ،وملكوا مع المسيح ألف سنة .هذه هي القيامة
الولى .أما بقية الموات فل يعودون إلى الحياة حتى تنقضي اللف سنة " .
ظاهر هذا النص يُبشر بعودة المسيح ،وبأنه سيحكم من انتسب إلى الديانة المسيحية ،بعد بعثهم من الموت ،
بغض النظر عن فساد من انتسب إليه أو صلحه ،مدة ألف عام يعيشون فيها بسلم ،أما بقية البشر من غير
المسيحين ،فسيقومون بعد ألف سنة ،فيما يُسمّونه بالقيامة الثانية .وسيُخلّدون في نار جهنم ،ول في خلقه
شؤون .
161
الدجّال ويأجوج ومأجوج :
" : 7-10 :20فحين تنقضي اللف سنة ،يُطلق الشيطان من سجنه ،فيخرج ليُضلّل المم في زوايا الرض
الربع ،جوج وماجوج ،ويجمعهم للقتال ،وعددهم كثير جدّا كرمل البحر .فيصعدون على سهول الرض
العريضة ،ويحاصرون من كل جانب مُعسكر القدّيسين ( عيسى ومن معه من المسلمين ) والمدينة المحبوبة
( القدس ) ،ولكن نارا من السماء تنزل عليهم وتلتهمهم .ثم يُطرح إبليس الذي كان يُضلّلهم ،في بُحيرة النار
والكبريت ،حيث الوحش ( أمريكا ) والنبي الدجال ( إسرائيل ) ،هناك سوف يُعذّبون نهارا وليل ،إلى أبد
البدين " .
( في هذا النص يُذكر الشيطان ( الدجال ) الذي سيُطلق ،بعد أن كان مقيدا مدة ألف سنة .وهو في الصل سابق
لمجيء عيسى عليه السلم ،ويذكر خروج يأجوج ومأجوج ،حيث أنهم يحصرون عيسى ومن معه من المؤمنين
،في جبال القدس ،هربا منهم حيث ل قِبل لحد بهم ،فيتم القضاء عليهم والتخلّص من جثثهم ،بأمر من عند ال
،أمّا النصارى ،فهُم يُفسّرون هذا النص ،على ما فسّره العهد القديم أي التوراة ،حيث أخبرت أن جوج
وماجوج هم الروس .
البعث والحساب :
" :11-12 :20ثم رأيت عرشا عظيما أبيض ،هربت السماء والرض من أمام الجالس عليه ،فلم يبق لهما مكان
.ورأيت الموات كبارا وصغارا ،واقفين أمام العرش .وفُتحت الكتب ،ثم فُتح كتاب آخر هو سجلّ الحياة ،
ودِين الموات بحسب ما هو مُدوّن في تلك الكتب ،كل واحد حسب أعماله … .وطُرح الموت … وكل من لم
يُوجد اسمه في سجل الحياة ،طُرح في بُحيرة النار " .
السماء الجديدة والرض الجديدة
" :1 :12ثم رأيت سماء جديدة ،وأرضا جديدة ،ل بحر فيها ،لن السماء والرض القديمتين قد زالتا .ورأيت
المدينة المُقدّسة أورشليم الجديدة ،نازلة من السماء من عند ال . … ،وسمعت صوتا هاتفا من العرش " :الن
صار مسكن ال مع الناس ،هو يسكن بينهم .وال نفسه يكون معهم إلها لهم ،وسيمسح كل دمعة عن عيونهم .إذ
يزول الموت والحزن … ،لن المور القديمة كلها زالت " .
في الحقيقة يصف هذا النص يوم الحشر والحساب ،حيث أن أورشليم هي أرض المحشر ،وهذا الموقف
العظيم الوارد في هذا النص ،موصوف بالتفصيل في مواضع كثيرة من القرآن .ولكن النصارى يفهمون النص
على أن إلههم ( المسيح ) سينزل ليسكن معهم ،في أورشليم الجديدة ،التي يصفونها في نهاية السفر ،وهو في
الحقيقة وصف يُشبه وصف الجنّة في القرآن ،والموت ل يزول ،إل عندما يدخل أهل الجنة إلى الجنة ،وأهل
النار إلى النار .
يفهم عامة النصارى وخاصتهم من مُجمل النصوص أعله ،أنه عندما تبدأ الحداث المُدمّرة التي سيتعرّض لها
كوكب الرض ،بأن المسيح سيعود وسيرتفع بهم فوق السحاب ،وبعد نهاية الحداث التي لن تستمرّ طويل ،
سينزل بهم ويحكمهم مدة ألف عام ،تحت أرض وسماء جديدتين .وهنا وقع خلط ما بين ،استعادة الرض
لبركتها بعد الخراب ،وبين تبدّل السماء والرض يوم القيامة ،كما جاء في قوله تعالى ( َي ْومَ تُبَ ّدلُ الَْرْضُ غَ ْيرَ
ت وَبَ َرزُوا لِّ ا ْلوَاحِدِ ا ْل َقهّارِ ( 48إبراهيم ) .
س َموَا ُ
ض وَال ّ
الَْرْ ِ
ولذلك ظهرت جماعة التدبيريين ،التي تدعوا إلى تدمير كوكب الرض بالسلحة النووية ،لقناعاتهم الجديدة
نتيجة تفسيرهم الجديد ،بأن هناك أرض جديدة وسماء جديدة ستأتي بعد الدمار .والمصيبة الكبرى أن رؤساء
وساسة ،أكبر دولة عظمى في العالم يؤمنون بذلك ،ويسيرون بالعالم نحو الهاوية ( ،فجورج بوش البن ) ل
يكترث بظاهرة النحباس الحراري ،وارتفاع درجة حرارة الرض ،وهو غير معني بتوقيع اتفاقية ( كيوتو )
للحد من هذه الظاهرة ،بما أن هذه الرض ستؤول إلى الزوال ،وما يعنيه في الدرجة الولى ،هو الستعداد
للحرب النووية القادمة هجوما ودفاعا .
162
الغربيون وهوس النبوءات التوراتية والنجيلية
يعتقد اليهود ونصارى الغرب ،أن قيام دولة إسرائيل للمرة الثانية في فلسطين ،هو علمة لقرب ظهور الملك
المنتظر بالنسبة لليهود ،وللمجيء الثاني للمسيح بالنسبة للنصارى ،ولذلك يعكف الكثير من النصارى واليهود ،
على اختلف تخصصاتهم العلمية والمهنية ،في السنوات الخيرة ،على دراسة وتحليل وتفسير النبوءات
التوراتية والنجيلية ،التي تُخبر عن أحداث آخر الزمان .وخاصة فيما يتعلّق بنهاية إسرائيل ،ودمار العالم
الغربي ،وعودة السلم ،في نهاية المطاف ،لواجهة الصدارة .ونطاق هذه البحوث في الغالب ،يدور حول ما
جاء في التوراة والنجيل من نصوص نبوية ،وما ُقدّم فيها من كتب ومؤلفات مؤخرا ،تفسّر هذه النصوص ،
والكتاب الكثر شهرة في هذا المجال ،هو كتاب ( نبوءات نوستراداموس ) الغامض ،والسوق الرائجة
لطروحاتهم في هذا المجال ،هي شبكة النترنت .
وإذا أردت أن تعرف مقدار ما تشغله هذه النبوءات المستقبلية ،من فكر كبار رجالت السياسة والدين والعلم ،
وعامة الشعوب الغربية ،وفي مقدّمتها المريكية والبريطانية والفرنسية ،وحتى عامة النصارى واليهود في
شتى بقاع الرض ،فما عليك إل أن تزور شبكة النترنت ،وأن تقوم بالبحث – على سبيل المثال – عن إحدى
الكلمات التالية World War III ( ، )WW III ( ، )WW3 ( ، ) Armegeddon ( ) Nostradamus ( ، ) Prophecy ( ( :
، ) ، ) Miracle( ، ) Piple ( ، ) Torahلتجد أن هناك عشرات اللف ،من المواقع التي تعرض البحاث
والكتب والدراسات ،التي تبحث في تفسير النصوص التوراتية والنجيلية .
وفيما يلي ،غيض من فيض هذه المواقع :
•)NOSTRADAMUS, CATHOLIC PROPHECY ON WORLD WAR III )1999-2030
A Catholic Prophecy Nostradamus prophesied that World War III would be initiated ...
... .by Russia and Iran on July 4th of 1999 with nuclear and chemical weapons
]http://web.tusco.net/newone/nostradamus.htm ]More Results From: web.tusco.net
من كتاب ( نبوءات نوستراداموس ) للطبيب الفرنسي د ( .دو فونبرون ) ،ترجمة أسامة الحاج ،دار مكتبة
التربية ،بيروت ،طبعة 1996م .
هو مسيحي كاثوليكي فرنسي ،ذو أصل يهودي ،عاش في الفترة ( 1566 – 1503م ) ،ألّف أحد أشهر كتب
النبوءات التوراتية والنجيلية .يقول هذا المتنبئ في مقدمة كتابه ،أن مصدر نبوءاته ،هو مجموعة من الكتب
والمجلدات القديمة ،التي كان قد ورثها عن أجداده اليهود ،كانت مخبأة منذ قرون عديدة ،وعلى ما يبدو أنه
استطاع من خللها ،الكشف عن الرموز التوراتية اللفظية والعددية ،التي استخدمها مؤلفو التوراة من الكهنة
والحبار ،ومن ثم قام بقراءة الحداث الواردة في النبوءات .ووضعها في كتاب ،على شكل رسائل نثرية ،
وأبيات شعرية سمّاها الرباعيات ،استخدم فيها الكثير من الستعارات والرموز ،الواضحة الدللة أحيانا ،
والمضلّلة والمُحيّرة أغلب الحيان .
وقد اجتهد كثير من الباحثين الغربيين ،وخاصة في العصر الحديث ،وأجهدوا أنفسهم ،بمحاولت مضنية لحل
رموزه وطلسمه ،ومحاولت مضنية لمطابقتها ،لما جرى ويجري وسيجري على أرض الواقع ،لدرجة أنك
لو بحثت عن لفظ ( ) Nostradamusفي أحد محرّكات البحث على شبكة النترنت ،ستجد أكثر من ( ) 57ألف
موقع ،لمراكز وجمعيات وكتب ودراسات ،تبحث في أمر نبوءاته وتجتهد في مطابقتها مع الواقع ،في محاولة
لستقراء المستقبل ،وخاصة فيما يتعلق بأحداث النهاية ،وخاصة الحرب العالمية الثالثة ،ونهاية الحضارة
الغربية ،المرتبطة بعودة الخلفة السلمية .
ومن أشهر الكتب في تفسير نبوءاته ،وفك رموزه وطلسمه ،هو كتاب ( نبوءات نوستراداموس ) ،الذي ألّفه
الطبيب الفرنسي ( دو فونبرون ) ،المتوفى عام 1959م ،وقد طُبع هذا الكتاب عدة مرات ،أعوام 38و 39و
1940م ،ومن ثم أُعيد طبعه بعد عدة سنوات من خلل ابن المؤلف ،ومما أضافه البن إلى الطبعة الجديدة من
الكتاب ،نص مخطوط بقلم أبيه الطبيب ،كتبه قبل وفاته بأربعة أشهر ،بعنوان ( :بحث في الحداث القادمة )
وهذا نصه :
" يجب النظر بصورة منفصلة إلى الحداث وتتابعها الزمني ،إن ترتيبها من حيث الزمان ل يمكن تصوّره ،إل
ضمن عملية افتراضية ،إذ أن المعطيات المتعلقة بها شديدة التشذر ،بحيث ل يمكن أن تؤدي إلى استنتاجات
أكيدة كليا …
إن جميع النبوءات القيّمة ،متركّزة على الحقبة ،التي ستغدو فيها الحضارة الغربية ،مهدّدة بالدمار .والوقائع
الساسية لهذه الزمة العالمية ،هي كالتالي :الحرب والثورة العامتان ،تدمير باريس الكلي بالنار ،وتدمير
جزء من مرسيليا ،بتلطم لمواج البحر ،هزات أرضية مخيفة ،وباء طاعون يقضي على ثلثي البشرية ،البابا
المطرود من روما ،انشقاق كنسي …
يبدو أن هذه الحداث ستبدأ بالحرب بين الشرق والغرب ،أما ذريعتها فستكون في الشرق الوسط ( العراق ،
إيران ،أو فلسطين ) ،ومن المرجح أن تجري على مرحلتين ،على غرار حرب 1945– 39م …
في تلك اللحظة يظهر نجم مذنّب سوف يمرّ على مقربة من الرض ،لدرجة أنها ستجتاز شعره المُحمّل
بالحصى ،هذه النيازك الجوية التي ستكون بمثابة انتقام السماء العجائبي ،سوف تسقط على أمكنة محدّدة ،حيث
ستكون محتشدة قوات الثورة الحمراء ،والسطول الروسي في البحر المتوسط …
164
من المرجح أن تدمير باريس ،سيتم في المرحلة الثانية من النزاع ،قبل وقت قصير من طرد البابا من روما …
" ،انتهى .
وجاء في نفس المقدمة ما مفاده أن المحنة الكبرى ،التي ستشهد بداية تدمير الحضارة اليهودية المسيحية ،كان (
نوستراداموس ) قد حدّد نقطة انطلقها في الشهر السابع من عام 1999م .
نصوص من نبوءات ( نوستراداموس ) من كتاب الطبيب الفرنسي :
في الرسالة إلى هنري الثاني ورد ما نصّه :
" وسوف تتم حملة جديدة ،ما وراء البحر المتوسط لنقاذ الندلس ،التي يُهدّدها النهوض الول للمحمديين .
( إشارة للستعمار الغربي للبلد العربية ) .
والمكان الذي كان به مسكن إبراهيم في الماضي البعيد ( أي العراق ) سوف تُهاجمه رسل المسيح ( إشارة
للعدوان الثلثيني النصراني على العراق ) .
ومدينة ( سيشم ) أي فلسطين ،سوف تُحيط بها وتهاجمها من كل الجهات ،جيوش غربية قوية جدا ،ستحد من
قوة أساطيلهم .وفي هذا الملك سوف يحدث حزن عظيم ،تقفر مدنه الكبرى ( .إشارة لستلب فلسطين )
والذين يعودون إليها ،أولئك الذين سيُمارس ال غضبه ضدهم ( أي اليهود في فلسطين ) ،والمكان المُقدّس لن
يؤوي بعد ذلك ،سوى عدد صغير جدا من الكفار ( يقصد المسلمين ) ،أوه ! في أي حزن فاجع ،ستكون عندئذ
النساء الحبالى ،اللواتي ستمنعهن ثمرة أحشائهن من الهرب …
وخلل كل هذا التقدير الكرونولوجي ( الممتد طوليا عبر الزمن ) ،المُعاد إلى الكتابات المقدّسة ،سيتولد
اضطهاد رجال الكنيسة ،من خلل تحالف قادة الشمال العسكريين (من قبل دول التحاد السوفييتي السابق ،
يأجوج ومأجوج ) ،وهذا الضطهاد سيدوم 11عاما غير مكتملة ،وستسقط خللها الدولة الشمالية الرئيسية
( روسيا ) ،بعد أن تُنجز تلك السنوات من الضطهاد ،سيأتي حليفها الجنوبي ( العرب ) ،الذي سيضطهد
رجال الكنيسة على مدى ثلثة أعوام وبقسوة أشدّ … إلى حدّ أن دم رجال الدين الحقيقيين سيسبح في كل مكان
…
وللمرة الخيرة أيضا سترتجف كل الممالك المسيحية ،وكذلك ممالك الكفار خلل 25عاما ،ستكون الحروب
والمعارك أكثر دموية من أي وقت مضى ،وسوف تُحرق المدن والقصور وكل المباني الخرى ،وسيتم هجرها
وتدميرها ،مع إهراق عظيم لدماء العذارى والمهات والرامل المغتصبات ،والطفال الرُضع الذين سيُرمى
بهم على جدران المدن وتحطّم عظامهم ( وصف لعقاب اليهود في فلسطين ) ،الكثير من الشرور سيتم ارتكابها
بفعل الشيطان ،المير الجهنمي ،بحيث كل العالم الكاثوليكي تقريبا ،سيتعرّض للخراب للبادة ،وقبل أن تتم
هذه الحداث ،ستدوي في الفضاء طيور غريبة ( هي الطائرات ) … ،وستختفي بعد قليل ،بفعل الكارثة
النهائية للعالم ( الحرب العالمية النووية الثالثة ) … ومن ثم ستقوم حقبة جديدة ،عهد ذهبي سيأمر به الخالق .
وعندئذ سيبدأ بين ال والبشر سلم شامل ( زمن عيسى عليه السلم ) … "
وفي نهاية الفصل ( )11من الكتاب يخلص المؤلف إلى القول " :كل الشرق إذن ،سينتفض من جديد ضد الغرب
،وحبره العظم الخير بطرس الروماني ( أمريكا ) … "
نجد أن المؤلف من خلل فهمه لمجمل نصوص ( نوستراداموس ) ،يخلص إلى أن الشعوب الشرقية بما فيها
من إثنيات متنوعة ،ستتحد ضد الغرب في مواجهة مصيرية نهائية .
وفي بدايات الفصل ( )14على لسان المتنبئ :
" 1-9من الشرق سيأتي العمل الغادر .الذي سيُصيب إيطاليا وورثة رومولوس .بصحبة السطول الليبي .
ارتجفوا يا سكان مالطا والجزر القريبة المقفرة " .
نجد أن المتنبئ يصف انتفاضة الشرق ،بالعمل الغادر ،الذي سيطيح بإيطاليا وورثة المبراطورية الرومانية ،
ونجده يذكر ليبيا بالسم مؤكدا انضمامها للتحالف الشرقي ،مثيرا رعب الغربيين من هذا العمل الغادر .
165
وفي الفصل ( ، )27يقول المؤلف :
" بمقدار ما نبتعد في المستقبل ،يغدو من الصعوبة بما كان ،أن نربط بين الحداث ،التي ستعيشها البشرية في
انحدارها القصى .إل أن التكرار المتواصل للتاريخ متشابه ،وعلى شبكته المُتجدّدة باستمرار ،يُمكن أن تُطرّز
سلفا المعركة الخيرة والمُخيفة ،التي سيظفر بها الشرق البربري على الغرب المسيحي .
هنا يلصق المؤلف صفة البربرية بالشرق ،ويؤكد انتصار هذا الشرق المتوحش ،على الغرب المسيحي
المسالم والمتحضر .
مستفيدين من النقسامات التي سيُثيرها المسيح الدجال ،ومن الضعف والفوضى الناتجة عن مذاهبه ،ينجح
العرب والسيويّون والمغول في اجتياح أوروبا ،بعضهم عبر إيطاليا وإسبانيا ،كما هي العادة ،والخرون عبر
القارة والجو ،في حين تنهار فرنسا والكنيسة ،ويتعرض البابا بالذات إلى الغتيال وسط الفساد العام ،تظهر
ظواهر مرعبة في السماء .
نجد أن المتنبئ ،يُحدّد في هذا النص ماهية الشعوب الشرقية التي يقصدها ،ويضع العرب على رأس القائمة ،
ويؤكد نجاحهم في اجتياح معظم دول أوروبا ،برا وبحرا وجوا .
في عام الكسوفين الكاملين ،من طرف لخر طرف في العالم القديم ،تحصل أمور غريبة :تظلم الشمس ويفقد
القمر نوره ،وضجيج البحر والموج ،سيجعل الناس ييبسون رعبا ،لنه سيصل الطوفان التكفيري الجديد
( عودة الخلفة السلمية ) ،ليختم فجأة العصر الذي بدأ مع زمن نوح " .
في هذا النص ،يُحدّد المتنبئ فلكيا ،نقطة البداية ،لحداث مسلسل الرعب الخير ،الذي يصفه في كتابه ،
بكسوف كلي كبير للشمس ( 1999م ) ،متبوعا بخسوف كلي للقمر .
يؤكد المؤلف على حتمية وقوع مواجهة أخيرة ،بين الغرب والشرق ،وعلى حتمية ظفر الشرق بها ،وكنتيجة
لهذه المواجهة ،ستنهار فرنسا ( التي كانت تُمثل الدولة الصليبية العظمى آنذاك ،في العصر الذي عاش فيه
المتنبئ ،أما الن فأمريكا هي الدولة العظمى ،وراعية الحملت الصليبية الجديدة على الشرق ) ،وستنهار
الكنيسة ( بمعنى انهيار الدين ،بظهور الدين السلمي من جديد ) .ويعزو المؤلف نجاح الشرق في غزوه
أوروبا ،إلى ما أثاره المسيح الدجال ،من ضعف وفوضى وانقسام ،وليس غضبا إلهيا لكفرهم وضللهم ،
ورغبة إلهية في إظهار الحق وزهق الباطل ،والحقيقة أن الذي سيتسبب في ظهور الضعف والنقسام
الوروبي ،بين مؤيد ومعارض هو إسرائيل ( المسيح الدجال الحقيقي ) ،والشعب اليهودي بشكل عام .
والمسيح الدجال هو لفظ ،يطلقه مفسّرو النبوءات التوراتية على شخص مفسد ومخرّب ،سيظهر في المكان
المقدّس ،معادٍ لليهود وللمسيح وأتباعه ،سيقود الشرق في معركته الخيرة مع إسرائيل الغرب ،وينسبون إليه
كل ما يُوصف في التوراة من إفساد ،حتى إفساد الدولة اليهودية الحالية الموصوف بالتوراة ،وبذلك أصبح
الفساد اليهودي السرائيلي ،الذي حذّرت منه التوراة ووصفته بدقة متناهية ،منسوبا إلى شخص المسيح الدجال
الذي لم يظهر بعد ،لتكون إسرائيل وحلفائها ،بمنأى عن الغضب والعقاب اللهي ،الذي سينسكب على الدجال
وأتباعه ،وأتباعه هم من العرب والروس والمغول ،حسب اعتقادهم .
وفيما يلي بعض النصوص ،التي استقى منها المؤلف هذه الفكار :
مشاهد من الحرب العالمية الثالثة :
" 2-70سيف السماء يمتد فوق العالم … يجري إعدام عظيم لمن سيموتون وهم يتخاطبون "
" 2-18مطر جديد مفاجئ وعنيف … تتساقط من السماء على البحر ،الحجارة والنار … تموت بغتة الجيوش
السبعة البرية والبحرية " .
" 2-56من لم ينجح الطاعون والسلح في الجهاز عليهم … سيُضربون من أعالي السماء " ..
166
" 2-86خلل الغرق الذي سيتم قرب البحر الدرياتيكي … ستهتز الرض لتُميت من كانوا يحومون في الهواء
…"
" 3-83الجو والسماء والرض ستُظلم وتضطرب … حينئذ سيتضرع الكافر ل وقدّيسيه "
أمريكا :
" 9-44اهربوا ،اهربوا يا سكان جنيف أجمعين … عهدكم الذهبي سيغدو عهدا حديديا … "
هذه الدعوة للهرب من جنيف ،هي في الصل دعوة للهرب من بابل في النصوص التوراتية ،ليتبين لنا أن لفظ
بابل استخدمه كتبة التوراة ،للتعبير عن دولة أو مدينة ذات مال وجمال وسطوة ،ستظهر مستقبل ،كما كانت
جنيف في عصر نوستراداموس ،الذي لم يُعاصر العصر الذهبي لمريكا وعاصمتها التجارية ( نيويورك ) .
" 1-26الصاعقة العظيمة ستسقط في وضح النهار "
" 1-87النار المركزية التي تجعل الرض تهتز … ستتجلى حول المدينة الجديدة ( نيويورك ) "
" 10-49بستان العالم قرب المدينة الجديدة … سيُؤخذ ويُغطّس في البحيرة الغالية "
" 6-97سماء خط التوازي ، 45ستحترق تقترب النار من المدينة الجديدة العظيمة … "
بريطانيا وفرنسا وبقية دول أوروبا :
" 9-55أية حرب مخيفة ستتهيأ في الغرب … وفي العام التالي سيأتي الطاعون … رهيبا إلى حدّ أنه على
شبّان والعجزة والقطعان … سيكون للدم والنار سلطة في فرنسا …
ال ُ
" 4-67في العام الذي سيشتعل فيه الزمن والحرب معا … سيكون ثمة مسار كبير للمقذوف في الهواء الجاف
( الصواريخ النووية ) … يحترق المكان الكبير بنيران آتية من بعيد … يرى الناس القحط والعاصفة ،تحصل
حروب وغزوات " .
" 8-16في روما ،حيث كلي القدرة بنى هيكله … سيكون طوفان كبير ومفاجئ … بحيث ما من مكان ،وما
من أرض ستسمح باتقائه … ستمر المياه من فوق الولمب فيزول " .
" 3-32القبر الكبير للشعب البريطاني … سيكون على وشك النفتاح … حين تزمجر الحرب قرب حدود ألمانيا
… وفي بلد مانتو ( إيطاليا ) " .
" 3-70بريطانيا العظمى ،أي إنكلترا … تتعرض لثورة عنيفة ( تغمرها المياه ) … " .
" 8-15نحو الشمال تعزيزات كبرى من الحشود البشرية ( روسيا ) … تضرب أوروبا والعالم أجمع تقريبا …
خلل الكسوفين ،تقوم بمطاردة مهمة … وتدخل هنغاريا في الحياة والموت " .
خلصة ما يتنبأ به ( نوستراداموس ) ،هو دمار الدول الغربية ( أمريكا وبريطانيا وفرنسا ) ،بهجوم صاروخي
نووي مفاجئ ،يصفه بكل دقة ( مطر جديد مفاجئ وعنيف …) ويُعرّف هذا المطر الجديد ( تتساقط من السماء
على البحر ،الحجارة والنار ) ويُعرّفه أكثر بقوله ( للمقذوف في الهواء الجاف ) ويُحدّد مصدره ( بنيران آتية
من بعيد ) ويصف تأثيره ( يرى الناس القحط والعاصفة ) ويصف ما يعقبه ( سيكون طوفان كبير ومفاجئ )
نتيجة ارتفاع درجة حرارة الرض ،التي ستعمل على ذوبان الكتل الجليدية ،وتبخّر مياه البحار والمحيطات ،
ومن ثم لتعود وتسقط على شكل مطر غزير ،مسببة طوفانا ،تغرق في مياهه أمريكا وبريطانيا إلى غير رجعة
.
وما يعطي مصداقية ،لنبوءات هذا المتنبئ ،واهتماما منقطع النظير بها لدى الغربيين ،هو تحقّق الكثير منها
حسب اعتقادهم ،بالرغم من إبهامها وعموميتها ،ووصفه الدقيق -قبل ( ) 450سنة تقريبا -للسلحة ووسائل
النقل ،التي استخدمت في الحروب العالمية ،والتي لم تكن موجودة أصل في عصره .وهذا مما يُعزّز مخاوف
167
هؤلء من صدق نبوءاته ،بشأن دمار الحضارة الغربية برمتها ،من قبل الشرقيين ،كما يُعلن عن ذلك بصراحة
.
من خلل هذه النصوص والنصوص التوراتية الصلية ،تبين للكثير من الباحثين المريكيين والبريطانيين
والفرنسيين ،المشغولين بنبوءات ( نوستراداموس ) ،أن المقصود بالمدينة الجديدة ،التي سيلحقها الدمار
والخراب ،هي ( نيويورك ) بشكل خاص ،وأمريكا بشكل عام .وخوفا من صدق هذه النبوءات المرعبة ،تُجهد
أمريكا نفسها – بقيادة الحزب الجمهوري التوراتي النجيلي -وتحثّ الخطى ،سعيا لمتلك الدرع النووي
المضاد ،للنبوءات التوراتية بصواريخها النووية الروسية والصينية ،ل الصواريخ النووية العراقية أو اليرانية
أو الكورية الشمالية كما تدّعي .
في تقرير لوكالة ( أ ف ب ) من واشنطن ،نقل عن صحيفة الدستور الردنية ،الصادرة بتاريخ - 7 - 12
2001م ،جاء ما نصه " :أعلنت وزارة الدفاع المريكية أمس ،تسريع برنامجها للدرع المضاد للصواريخ ،
الذي قد يصطدم بالقيود التي تفرضها معاهدة ( إيه بي أم ) " :وذلك في غضون بضعة أشهر عوضا عن بضع
سنين " .وصرّح مساعد وزير الدفاع المريكي ( بول فولفوفيتس ) في كلمة أمام لجنة القوات المسلحة في
مجلس الشيوخ " :لقد بدأنا متأخرين سباقا ضد الزمن " .وبحسب المسؤول المريكي ،فإن عمليات التجارب
وتطوير نظام الدرع المضاد للصواريخ ،سيصطدم بل شك ،بقيود نصت عليها معاهدة ( إيه بي أم ) ،وأشار
إلى " أن هناك فرصا عديدة ليتم ذلك في غضون بضعة أشهر بدل من بضع سنين " ،وأكد أنه " ينبغي أن
نتجاوز قيودا تفرضها علينا معاهدة ( إيه بي أم ) ،وقال أن الوليات المتحدة ،ستحاول العمل على إبرام اتفاق
مع روسيا ،يتضمّن ترتيبات جديدة ،بهدف تجاوز معاهدة ( إيه بي أم ) ،وأشار مع ذلك إلى أنه " :سيكون من
الصعب التأكد من تأمين ذلك خلل السنة المقبلة " .وأضاف " :كنا نُفضّل التوصل لذلك من خلل التعاون ( مع
روسيا ) ،ول نزال متفائلين بأن مثل هذا الخيار أمر ممكن " .وذكرت صحيفة واشنطن بوست ) في عددها
أمس أن وزارة الخارجية ،أن وزارة الخارجية المريكية أمرت السبوع الماضي ،سفارات الوليات المتحدة
في العالم ،باطلع الحكومات الجنبية ،على النية المريكية ،بتطوير مشروع الدرع المضادة للصواريخ "
انتهى .
لماذا بدءوا هذا السباق المحموم مع الزمن لنتاج هذا الدرع ؟
الذريعة المريكية بتخوّفها من مهاجمتها بصواريخ باليستية ،من قبل العراق وإيران وكوريا الشمالية ،غير
مقنعة لكل دول العالم ،وحتى حلفاء أمريكا من الوروبيين ،أما السباب الحقيقية لنتاج هذا الدرع ،فمردّها هو
مخاوف توراتية وإنجيلية بحتة ،وهي على أربعة احتمالت :
.1وقاية نفسها من أي هجوم روسي ،أثناء المواجهة القادمة بين الشرق والغرب ،فيما لو فكرت روسيا ببدء
هجوم مباغت ،بعد تحالفها مع الدول العربية والسلمية ،وهو الحتمال الضعف .
.2التفكير بالمبادرة بالهجوم على روسيا ،استعجال للمواجهة الحتمية التي فرضتها عليهم النبوءات ،فكسب
المعركة سيكون من نصيب ،من يُوجّه الضربة الولى للطرف الخر ،وقد يكون استجابة لدعوات المُبشّرين
النجيلين ،استعجال للمجيء الثاني للمسيح .
.3تنفيذ نواياها المعلنة اتجاه العراق ،بالقيام بعمل إجرامي جديد ،يُريح أعصاب اليهود في الشرق والغرب إلى
البد ،من خطر زوال إسرائيل على أيدي العراقيين ،بشن حرب أو بتوجيه ضربة نووية واسعة النطاق أو
محدودة ،وهو الحتمال القوى .
.4منع إمكانية ظهور ذلك القائد المسلم ،الذي سيتسبب في دمار الحضارة الغربية ،بضرب بؤر القيادات
السلمية الحالية .
وعلى ما يبدو أن صفة الستعجال ،جاءت من فهم حاخامات اليهود للنصوص النبوية ،ومعرفتهم من خلل
الشارات الفلكية ،والحسابات الموجودة في التوراة ،بقرب تحقق هذه الحداث على أرض الواقع .
168
العدوان على العراق :
" 10-86سيأتي ملك أوروبا مثل غريفون … تُرافقه جماعة الشمال … سيقود حشدا كبيرا من الحمر والبيض
… ويسيرون ضد ملك بابل " .
" 1-55في ظل المناخ الذي سيواجه بابل … سيكون الدم المراق غزيرا … والرض والبحر والجو والسماء
جائرات … بفعل البدع والمجاعة والحكومات والطاعون والفوضى " .
خروج المهدي من مكة ،وحتمية ظهور الدين السلمي من جديد :
وهو المر الذي يُرعب نصارى ويهود الغرب ويقضّ مضاجعهم ،وهو المبرّر الوحيد لحربهم الشعواء ،التي
يشنّوها ضد السلم ومن يُمثّله ،دون كلل أو ملل ،بدفع من أحبار اليهود وكهنتهم ،في كواليس ودهاليز
السياسة الغربية ،كما كانوا يُزيّنون لكفار قريش سوء أفعالهم ،في كواليس ودهاليز السياسة في مكة ،خوفا من
ظهور أمر الدولة المحمدية الولى ،وكنا قد أشرنا سابقا إلى بعض النصوص التوراتية الصلية ،التي استطاع
( نوستراداموس ) من خللها التنبؤ بهذا المر بنصوص صريحة ل لُبس فيها :
" 5-55من الجزيرة العربية السعيدة … سيولد قائد مسلم كبير … يهزم إسبانيا ويحتل غرناطة … يصد
المسلمون الصليب … يخون البلد واحد من قرطبة " .
" 5-25أمام المير العربي ،بعد الحرب الملكية الفرنسية … تسقط مملكة الكنيسة في البحر … يأتون من جهة
فارس مليونا … حين يستولي الشيطان على مصر واستنبول .
" 2-29سيُغادر الشرقي مقرّه … يجتاز جبال البينين ويدخل فرنسا … يعبر الثلوج الخالدة ( جبال اللب ) …
ويضرب كل واحد بعصاه " .
" 9-100سيجري كسب المعركة البحرية ليل … يكون ذلك خراب الغرب … سيكون ثمة ميثاق أحمر ،تتلطخ
الكنيسة بالدم … يشهد المهزوم إفلت النصر منه ويستشيط غضبا " .
" 2-93قريبا من نهر التيبر ،تُهدّد آلهة الموت … بعد فيضان عظيم بقليل … يقع البابا في السر … يحرقون
القصر والفاتيكان " .
إذن يعلم الغربيون يهودا ونصارى ،مما جاء في كتبهم ،أن هناك قائد مسلم كبير ،هو نفس المير العربي
والشرقي ،الذي سيولد في الجزيرة العربية ،وأن هذا القائد سينتصر في حروبه ،موحدا بذلك جميع دول العالم
السلمي ،ومن ثم سيجتاح أوروبا كاملة ،بجيوشه الجرارة البالغة في نص ( ) 1مليون ،وفي نص آخر (
) 200مليون مقاتل ،مسببا سقوط الحضارة المسيحية اليهودية واندثارها .لذلك تجد الغرب يسعى حثيثا ،لوأد
أية بادرة تلوح في الفق ،لحياء الخلفة السلمية .
الصحوة السلمية :
يقول مؤلف الكتاب :إذا كانت أوروبا ،وفرنسا بوجه خاص ،بقيت بمنأى عن أي غزو من جانب العالم
العربي ،منذ أيام ( شارلمان ) ،فالحرب الكبرى ستشهد عودتهم المؤذية ،هذا ما سماه ( نوستراداموس ) في
الرسالة إلى هنري الثاني " ،العودة المحمدية الولى " .حيث يقول ( نوستراداموس ) :
" 3-4حين سيقترب تمرّد المسلمين ،لن نكون بعيدين جدا عن هذا وذاك … البرد والقحط والخطر على الحدود
… حتى حيث بدأ الوحي اللهي " .
… " 4-39لن إمبراطورية الهلل ستخرج من سباتها … "
" 6-42سيجري التخلي عن السلطة للكلم الفتان … لمبراطورية الهلل التي ستفرض نفسها … وتمدّ رايتها
إلى ما فوق اليطاليين … ستكون في يد شخص يتظاهر بالحكمة " .
169
" 5-73سيتم اضطهاد كنيسة ال … وتصادر البنية الدينية … سيُعري الولد أمه … وسيتفق العرب مع
البولنديين " .
" 10-33الجماعة القاسية ذات الرداء الطويل ( المسلمون ) … ستأتي مخبئة خناجرها … يستولي قائدها على
فلورنسا ومكان اللهبة المزدوجة ( روما ) … قائما بفتحه مع القتلة والحالمين " .
تؤكد هذه النصوص ،أن المة السلمية ستنهض من سباتها ،وستفرض نفسها كدولة عظمى ،وعلى مساحة
واسعة من الرض ،تشمل أجزاء من أوروبا الغربية ،ويُخبر ( نوستراداموس ) بخبث ودهاء يهوديين ،بأنهم
أي المسلمون الغادرون القساة القتلة ،سيضطهدون كنيسة ال ،ويستولون على إيطاليا كلها .وهذه إحدى الصور
التي شكلتها النبوءات التوراتية والنجيلية ،عن السلم والمسلمين بشكل عام ،وبدون استثناء لي عربي أو
مسلم ،حتى لو تنصّر .وهذه الصور أجاد في تشويهها والتخويف منها ،والتحريض على محاربتها ،مفسّرو
هذه النبوءات قديما وحديثا ،حتى أصبحت من المسلمات العقدية لدى عامة الغربيين ،فل عجب ول غرابة ،من
حمل الغربيين لهذا العداء العقائدي المزمن للعرب والمسلمين ،فهذا ما يُخبرونهم به مفسّرو الكتاب المقدس ،
الذي ل يأتيه الباطل من بين يديه أو من خلفه ،حسب اعتقادهم .
نزول عيسى عليه السلم وتسلّمه لمقاليد الحكم :
" 4-77إمبراطورية الهلل ( المسلمون ) ،وإيطاليا المسالمة ( النصارى ) … يتحدّ فيهما الحُكمان ،على يد
ملك العالم المسيحي ( المسيح عليه السلم ) … " .
هذا النص ،يؤكد عملية تسلّم عيسى عليه السلم للحكم من المهدي ،أما النصارى فليس لديهم استعداد ،لطرح
أي تساؤل عن سبب اتحاد المسلمين ( الكفار غير المؤمنين بألوهية المسيح ) والنصارى ؟ ولماذا يتنازل خليفة
المسلمين ،عن مقاليد الحكم للمسيح عليه السلم ،بعد أن يكون قد فرض سيطرته على العالم بأسره ؟ ولماذا ل
يصلبه المسلمون ،وهم المتوحشون والغادرون والقتلة والقساة والرهابيون ،كما صلبه اليهود المساكين
الضعفاء ؟
نحن نعلم أن الناس قديما وحديثا ،كانوا وما زالوا ،يلجئون للعرافين والكهان ،لكشف الطالع ومعرفة أنباء
الغيب ،كل حسب مآربه وغاياته ،ومنها الفضول وحب المعرفة ،ومنهم العوام وأكثرهم الملوك والرؤساء ،
ول غرابة عندما أقرأ يوما ،أن زوجة أحد رؤساء أمريكا المعاصرين ،وأظنه بوش الب كانت تلجأ إليهم .
إن أخطر ما فعلته هذه الكتب ،هو أنها خلقت لدى نصارى الغرب ،عقائد جديدة مرتبكة ومشوهة ،فيما يتعلّق
بشكل خاص بالمسلمين والعرب ،ودورهم القادم في دمار الحضارة الغربية المسيحية ،التي صنعتها اليهودية
العالمية ،حتى أنستهم تعاليم المسيح نفسه ،التي ما زالت تدعوا إلى التسامح والتعايش السلمي ،بالرغم من
إعادة صيغتها من قبل اليهوديين بولس وبطرس .مما خلق لديهم حالة من الرعب والقلق ،من كل ما هو إسلمي
وعربي ،بمساعدة حثيثة من خبثاء اليهود ،الذين يؤمنون بأن استمرارية وجودهم وبقائهم ،ونجاح مخططاتهم
الشيطانية ،تعتمد في الساس على القضاء على الديان ،التي يُحاربهم ال بها ،ويعلمون أن ألدّ أعدائهم هو
القرآن العظيم ،الذي ل بد له في يوم من اليام ،إن بقي المر على حاله ،ولم يتم مسحه من قلوب وعقول
حملته ،ومسخ تعاليمه وتشويها كما شوّه آباءهم وأجدادهم التوراة والنجيل ،سيبعث فيهم الحياة من جديد .
هو عنوان لكتاب صدر في بريطانيا ،عام 1999م ،وعنوانه بالنجليزية هو ( ، ) Total War 2006للكاتب
البريطاني ( سيمون بيرسون ) ،الذي شغل منصب ،مساعد رئيس أركان الحرب البريطاني لشؤون السياسة ،
وهذا الكتاب واحد من آلف الكتب والبحاث ،التي كادت أن تُصيب كبد الحقيقة ،لول تضليل مؤلفي نصوص
التوراة ،بتحريف الكلم عن مواضعه ،وتضليل الواقع ،مما أدى إلى الخلط بين الحداث ،من حيث شخوصها
وزمانها ومكانها .
* من مقال للكاتب محمد عارف ،من صحيفة الحياة اللندنية ،في النصف الثاني من عام 1999م .
170
" كل فصل من فصول الكتاب تقريبا ،يُستهل بقول للنبي ارميا ،ويستهلّ الفصل الخير منه ،بأربع فقرات من
سفر ارميا ،أخفها وقعاً " :أرضهم أضحت قفرا يبابا ،شارة للزدراء السرمدي ،وي ُهزّ كل عابر فيها رأسه
فزعا " .هذا ما ستُخلّفه الحرب الشاملة عام ، 2006بين التحالف السلمي العظيم وروسيا من جانب ،
والوليات المتحدّة من جانب آخر ،حيث تبدأ الحداث بنشوب حرب البلقان مُجدّدا عام ، 2002واندلع الحرب
الكورية الثانية ،وثورات إسلمية تكتسح البلدان العربية ،وتوحّدها عام ، 2004تحت راية صلح دين جديد ،
نصفه كردي ونصفه الخر ألماني .
ويبلغ الباحث الستراتيجي البريطاني الذروة ،عندما يتوقع الحداث السياسية ،التي ستشمل قيام مملكة فلسطين
السلمية ،وتضم الردن ويقودها العاهل الردني ،وثورة جديدة في روسيا ،تأتي بحكومة عسكرية ،يُسيطر
شنّها
عليها صلح الدين ،من مقرّه في مدينة قم اليرانية ،وانتفاضات مُتعاطفة مع الحلف السلمي ،ي ُ
متطرفون في مدن فرنسا وإيطاليا وبريطانيا .ول يخلو الكتاب ،من صور فوتوغرافية لحرب عام ، 2006بينها
صورة لخر البطال السرائيليين الحياء ،يقف تحت مُلصق جداري لحركة حماس .
وعندما تُقرّر السيدة رئيسة الوليات المتحدّة المريكية ،اللجوء إلى السلح النووي الشامل ،تجد أن صلح
الدين ،استبق تفكيرها مرة أخرى ،إنّه انفجار السلح الكهرومغناطيسي ،الذي طوّره ألمع " علماء المسلمين
" ،ليُضيء السماء ليل على امتداد المسافة ،من قبرص والسكندرية ،حتى حدود الردن والحدود السورية
العراقية ،حيث يُطلق هذا السلح السلمي ،نبضا إلكترونيا جبارا ينفذ من خلل كل شيء معدني ،في البنايات
والجهزة والعربات والدبابات والسلحة ،وتكمن قوته في قدرته على تدمير ،الدارات الكهربائية المستخدمة في
كل شيء ،من الترانزيستور والكمبيوتر والتلفزيون ،إلى أجهزة الهاتف والتصالت ،وأنظمة المصانع
والمختبرات ،وحتى الطائرات والقمار الصطناعية والصواريخ الموجّهة .خلل لحظة تحوّلت دولة
التكنولوجيا الرفيعة ( إسرائيل ) ،إلى مجتمع العصر الحجري ،من دون معدات حرارة وإنارة وضخ مياه
ونقل ،مُحاطة بجبل من الدوات المعدنية واللكترونية ،لعصر أصبح فجأة غابرا " .
وعندما تُهدّد الرئيسة المريكية ،بشنّ الحرب النووية الشاملة ،يُجيبها صلح الدين " :بأن كلّ شيء قد انتهى ،
سكّانها قد ماتوا ،مخزونها النووي قد ُدمّر ،ولن يشكر التاريخ الرئيسة ، إسرائيل انتهت كشعب ،معظم ُ
لتسبّبها في قتل مئات اللوف ،وربما المليين لجل بلد خاوٍ " .كما ويبدي صلح الدين استعداده ،في حال
تراجع قوات حلف الناتو ،التي تستعد للتحرك ضدّه من تركيا ،لوقف العمليات العسكرية ،لمشاهدة إسرائيل
وهي تموت " .
تعقيب على الكتاب :
الملفت للنظر أن كثير من الباحثين ،في نصوص النبوءات التوراتية والنجيلية ،هم ممن يشغلون مراكز
حساسة ومرموقة ،في السلك السياسي والعسكري والديني ،وهذا الكاتب هو أحدهم ،ول يُعقل أل تتأثر
القرارات السياسية والعسكرية لهؤلء ،بما يحملونه من أفكار ومعتقدات ،تُشكّل خطرا على المن والستقرار
العالمي ،ول يُعقل أل تؤثر أفكارهم ومعتقداتهم في قرارات رؤساء دولهم ،هذا إن لم يكن رؤساء الدول أنفسهم
( كريغان وبوش ) يحملون هذه الفكار والمعتقدات .
تفصيل الحداث بشخوصها ومكانها وزمانها ،سنعرضه لحقا في الفصول الخيرة ،ولكن سنتوقف قليل مع
هذا الكتاب ،لنوضح ونصحّح بعضا من أحداثه وشخوصه :
.1صلح الدين الجديد كناية عن القائد الذي سيُنهي الوجود اليهودي في فلسطين .
.2مملكة فلسطين السلمية كناية عن الخلفة السلمية في القدس .
.3العاهل الردني كناية عن ملك القدس المنتظر ،أي المهدي الذي يعود بنسبه ،إلى الرسول عليه الصلة
والسلم .
.4ثورات إسلمية تكتسح البلدان العربية حروب المهدي لتوحيد البلدان العربية والسلمية .
.5السلح الكهرومغناطيسي ،ليُضيء السماء ليل شريعة السلم التي ستبعث من جديد بخلفة المهدي .
171
.6من قبرص والسكندرية ،حتى حدود الردن والحدود السورية العراقية امتداد الدولة السلمية .
.7إنتاج السلح الكهرومغناطيسي ربما تكون صحيحة ،ولكن من الرجح أنها فكرة ابتدعها الكتاب ،لتفسير
النتصار المقبل للعرب على إسرائيل وتدميرها ،رغم امتلكها للتكنولوجيا العسكرية ،وأسلحة الدمار
الشامل ،وتحالفها مع الغرب ،حسب رأيه .والحقيقة أن فلسطين لن يتم تدميرها ،لتصبح قفرا ل تصلح
للسكن للبد ،كما تُخبر النصوص التوراتية .
.8الدمار الموصوف -هو دمار لمريكا ل فلسطين ،أما فلسطين فسيتم استعادتها بدون تدمير ،وهي التي
ستكون أكثر البلدان ،أمانا وطمأنينة خلل الحداث القادمة ،وستكون بمنأى ،عن ضربات أسلحة الدمار
الشامل ،بإذن ال ،حيث قُسم لها بعد تلك الحداث ،أن تكون عاصمة الخلفة السلمية .
حقيقة ما وقع فيه هذا الكاتب ،أنه قام ببناء هرم نبوءاته على أساس ،صحة النصوص التوراتية ،إذ أنه ل يعلم
أن كتبة التوراة ،قاموا ببعثرة وجمع ،ثلثة أخبار نبوية ،متباعدة ومتتابعة ،في نصوص مرتبكة ومضطربة ،
ليظنّ الكاتب أنها تحكي حدثا نبويا واحدا .وهذه الخبار النبوية الثلثة بالترتيب هي ؛ أول :الغزو العراقي
لسرائيل ،وثانيا :تحالف الروس والعرب ضد الغرب في الحرب العالمية الثالثة ،بعد سقوط الدولة اليهودية ،
وثالثا :خروج المهدي من مكة ،واتخاذ القدس عاصمة لخلفته الممتدة ،من النيل إلى الفرات ،ومن تركيا إلى
اليمن .
ولحظ هنا ،أن مؤلف هذا الكتاب ،كان قد شغل منصب ،مساعد رئيس أركان الحرب البريطاني ،ولشؤون
السياسة أيضا ،ونحن هنا ل نطرح تكهنات أو تخرّصات ،حول معتقداتهم بالنسبة لنا كمسلمين وعرب ،فهذا ما
يعتقدون ويؤمنون به ،ويطرحونه في كتبهم ،والتي هي من أكثر الكتب مبيعا في بلدانهم ،وأن هذا المؤلف
وغيره الكثير ،من الذين يحملون هذه الفكار ،كانوا في المس القريب جدا ،يشتركون في صنع القرارات
الخاصة بالمنطقة ،ولو اطلعت على غزارة إنتاجهم في هذا المجال ،ل شكّ أنك ستصاب بالذهول ،مما
يطرحونه من أفكار وقناعات جنونية ومرعبة ،يُقدّمونها لشعوبهم على أنها مسلمات ،وستصاب بالذهول لغفلة
أمتنا عما يحملونه من عقائد وقناعات ،وما يقترفونه بناءً عليها من سياسات ،يُحيكونها تحت ستر الظلم ،في
كواليس السياسة الغربية ،وينفذونها على أرض واقع أمتنا ،ونشاركهم نحن أيضا في تنفيذها ،بعد أن يُقدّموها
لنا ،في غلف من ورق السولفان الملون ،الذي يكشف من خلل شفافيته وسخافته ،حقيقة أهدافهم البشعة ،
والمشبعة بالحقد على أمة القرآن ،التي تخلّت عنه طوعا ل كرها ،منذ أمد ليس بالقصير ،ولكن ذلك ل ولن
يرضيهم ،حتى يُحقّقوا كامل أحلمهم وأمانيهم ،ويُتخلّصوا من كامل مخاوفهم وهواجسهم ،التي لن تزول ،إل
بزوال هذه المة عن وجه الرض ،التي وعدها ربها بالبقاء حتى تقوم الساعة ،ولذلك عاجل أم آجل ،
ستقودهم أوهامهم وهواجسهم ،إلى تدمير أنفسهم ،بكسب مزيد من العداء والحقاد ،من جراء تخبطهم
العمى ،وسيرحلوا قريبا جدا ،إلى غير رجعة ،وسيرث الصالحون من هذه المة الرض بأسرها ،بإذن ال ،
ض لِّ يُورِ ُثهَا مَنْ َيشَا ُء مِنْ عِبَادِ ِه وَا ْلعَاقِ َبةُ لِ ْلمُ ّتقِينَ ( 128العراف ) .
ن الَْرْ َ
( … إِ ّ
قال تعالى
172
السياسة المريكية ونبوءات التوراة والنجيل
ستناول في هذا الفصل ،مسألة تأثير نبوءات التوراة والنجيل ،على القرارات السياسة المريكية ،وخاصة ما
يتعلق بمنطقة الشرق الوسط ،لنفهم أبجديات هذه السياسة المنحازة لسرائيل ،والمعادية للعرب والمسلمين
بشكل عام ،والتي اجتهد الكثير من المحللين في تفسيرها وتحليل دوافعها .وخير من تعرّض لهذه المسألة ،
وأفاض في بحثها هي الكاتبة المريكية ( غريس هالسل ) في كتاب ( النبوءة والسياسة ) ،وهو من منشورات
( الناشر للطباعة ) ،ط 1990 3م ،ترجمة محمد السمّاك .
ملخص مقدّمة المترجم ( بتصرف ) :
يمثل العالم العربي موقعا متميزا وفريدا من نوعه ،في عملية صنع القرار السياسي المريكي ،فبالضافة إلى
أهمية موقعه الجغرافي ،وكونه سوقا تجارية استهلكية ،ويملك أكبر احتياطي من النفط ،فإن هناك عامل
آخر ،يتقدم على كل هذه العوامل ،وهو تأثير الفكر المسيحي الديني ،على صياغة القرار المريكي ،المتعلق
بالصراع العربي السرائيلي .حيث نشأ في نهاية القرن التاسع عشر ،وبداية القرن الماضي ،ما يسمى
بالصهيونية المسيحية النجيلية القائمة على اعتناق ثلثة مبادئ :
أول :اليمان بعودة المسيح ،
ثانيا :أن عودته مشروطة بقيام دولة إسرائيل ،
ثالثا :وبالتالي تجمّع اليهود في فلسطين .
وقد لعب هذا المر دورا أساسيا ،في صناعة القرار الخاص بقيام إسرائيل ،وتهجير اليهود إليها ومن ثم دعمها
ومساعدتها ،وإعفاءها من النصياع للقوانين والمواثيق الدولية .وأن شريعة ال وحدها -التوراة – التي يجب
أن تطبق على اليهود في فلسطين ،بما أنهم شعب ال المختار .
ونتيجة لهذه المعتقدات ،ظهر الكثير من الحركات الدينية المسيحية النجيلية الصولية ،في بريطانيا والوليات
المتحدة ،وأهم وأخطر هذه الحركات هي ( الحركة التدبيرية ) ،التي نشأت في الوليات المتحدة ،بعد قيام دولة
إسرائيل .وتضمّ في عضويتها أكثر من أربعين مليون أمريكي ،لحظة تأليف هذا الكتاب في أواسط الثمانينيات ،
ومن بين أعضائها الرئيس المريكي آنذاك ( رونالد ريغان ) وهي تسيطر على قطاع واسع من المنابر العلمية
المريكية ،وتمتلك محطات تلفزة خاصة بها ،ويشارك قادتها ،كبار المسؤولين في البيت البيض ،ومجلس
المن القومي المريكي ،ووزارة الخارجية في صناعة القرارات السياسية والعسكرية ،المتعلقة بالصراع
العربي السرائيلي .
وتعتقد هذه الحركة أنّ ال قد وضع في الكتاب المقدس ،نبوءات واضحة ،حول كيفية تدبيره لشؤون الكون
ونهايته ،كما يلي :
.1قيام إسرائيل وعودة اليهود إليها .
.2هجوم أعداء ال على إسرائيل ووقوع محرقة هرمجدون النووية ( وأعداء إسرائيل هم الروس والعرب ،
وعلى مدى أوسع هم الشيوعيون والمسلمون بشكل عام ) .
.3انتشار الخراب والدمار ومقتل المليين .
.4ظهور المسيح المخلص وتخليصه لتباعه ( أي المؤمنين به ) من هذه المحرقة .
.5إيمان من بقي من اليهود بالمسيح بعد المحرقة .
.6انتشار السلم في مملكة المسيح في أرض جديدة وتحت سماء جديدة مدة ألف عام .
173
وأن مهمة أعضاء هذه الحركة وأتباعها ،هي تدبير وتهيئة -وكأنّ ال قد أوصاهم بذلك -كل المور التي من
الممكن ،أن تعجّل في عودة المسيح إلى الرض ،ومن ضمن تلك المور :
أول :ضرورة إضعاف العرب عسكريا ،
وثانيا :تلبية جميع مطالب إسرائيل بالدعم المالي والسياسي والعسكري ،
وثالثا :تعزيز ترسانتها النووية .
مقتطفات من مقدمة الكاتبة :
تؤكد الكاتبة المريكية ( غريس هالسل ) ،أن بذور هذه المُعتقدات المُدمّرة ،نشأت في نهاية القرن التاسع عشر
.وكان رائد هذا التجاه ،في تفسير الكتاب المُقدّس ،هو ( سايروس سكوفيلد ) ،وقد طُبع أول مرجع إنجيلي له
عام 1909م ،زرع فيه آراءه الشخصية في النجيل ،وصار أكثر الكتب المتداولة حول المسيحية .وبدأت هذه
المُعتقدات في الظهور وتعزّزت ،عندما تتابعت انتصارات إسرائيل ،على دول الجوار العربية ،وبلغت ذروتها
بعد الجتياح السرائيلي لجنوب لبنان .
تقول ،وفي إحدى المناسبات كان ( سكوفيلد ) يذكّر مُستمعيه بأنه " :عام بعد عام ،كان يُردّد التحذير بأن
عالمنا ،سيصل إلى نهايته بكارثة ودمار ومأساة عالمية نهائية " .ولكنه يقول أيضا " :أن المسيحيين المُخلّصين
،يجب أن يُرحّبوا بهذه الحادثة ،لنه مُجرّد ما أن تبدأ المعركة النهائية ،فإن المسيح سوف يرفعهم فوق السحاب
،وسيُنقذون ،وأنهم لن يُواجهوا شيئا من المعاناة ،التي تجري تحتهم " .
وتقول " بالرغم من أن بعض الصوليين ،لم يتقبّلوا هذه الفكرة ،إل أنها تسبّبت في انقسام كبير .فهناك مؤشر
إلى أن أعداد المسيحيين الذين يتعلّقون بنظرية ( هرمجدون ) في تزايد مُضطرد .فهُم مثل سكوفيلد ،يعتقدون أن
المسيح ،وعد المسيحيين المُخلّصين ،بسماء جديدة وأرض جديدة .وبما أن المر كذلك ،فليس عليهم أن يقلقوا
حول مصير الرض ،فليذهب العالم كلّه إلى الجحيم ،ليُحقّق المسيح للقلّة المُختارة ،سماءً وأرضا جديدتين " .
" إن استقصاء عام 1984م ،الذي أجرته مؤسسة ( باتكيلو فيتش ) أظهر أن 39بالمائة من الشعب المريكي ،
يقولون ،أنه عندما يتحدّث عن تدمير الرض بالنار ،فإن ذلك يعني ،أننا نحن أنفسنا سوف نُدمّر الرض ب
( هرمجدون ) نووية .وأظهرت دراسة لمؤسسة ( نلسن ) نُشرت في أُكتوبر 1985م ،أن 61مليون أمريكي
يستمعون بانتظام إلى مُبشّرين ،يقولون أننا ل نستطيع أن نفعل شيئا ،لمنع حرب نووية تتفجر في حياتنا " .
ومن أكثر الصوليين النجيليين شهرة ،من الذين يُبشرون على شاشة التلفزيون بنظرية ( هرمجدون ) :
بات روبرتسون :يملك شبكة تلفزيونية مسيحية ،مكونة من ثلث محطات ،عائداته السنوية تصل إلى 200 .1
مليون دولر ،ومساهم في محطة تلفزيون الشرق الوسط في جنوب لبنان ،يشاهد برامجه أكثر من 16
مليون عائلة أمريكية .
.2جيمي سواغرت :يملك ثاني أكبر المحطات النجيلية شهرة ،يُشاهد برامجه ما مجموعه 9,25مليون منزل .
.3جيم بيكر :يملك ثالث أشهر محطة تبشيرية ،عائداته السنوية تصل إلى 100-50مليون دولر ،يُشاهد
برامجه حوالي 6مليين منزل ،يعتقد أن علينا أن نخوض حربا رهيبة ،لفتح الطريق أمام المجيء الثاني
للمسيح .
.4أورال روبرتس :تصل برامجه التلفزيونية إلى 5,77مليون منزل .
.5جيري فولويل :تصل دروسه التبشيرية إلى 5,6مليون منزل ،يملك محطة الحرية للبث بالكابل ،أقام بعد
شرائها بأسبوع ،حفل عشاء على شرف جورج بوش نائب الرئيس ريغان آنذاك .وقد أخبر فولويل يومها
بأن جورج بوش ،سيكون أفضل رئيس في عام 1988م .
174
.6كينين كوبلند :يُشاهد برامجه 4,9مليون منزل .يقول " :أن ال أقام إسرائيل .إنّنا نُشاهد ال يتحرك من
أجل إسرائيل … إنه لوقت رائع أن نبدأ في دعم حكومتنا ،طالما أنّها تدعم إسرائيل … إنه لوقت رائع أن
نُشعر ال ،مدى تقديرنا لجذور إبراهيم " .
.7ريتشارد دي هان :يصل في برنامجه إلى 4,75مليون منزل .
.8ريكس همبرد :يصل إلى 3,7مليون منزل ،وهو يُبشّر بتعاليم سكوفيلد التي تقول " :أن ال كان يعرف منذ
البداية الولى ،أننا نحن الذين نعيش اليوم ،سوف نُدمّر الكرة الرضية " .
وتعقّب الكاتبة بقولها " :لقد ذكرت ثمانية من الذين يٌقدّمون البرامج الدينية ،ويُبشّرون بنظرية هرمجدون نووية
في الذاعة والتلفزيون ،ومن بين 4آلف أصولي إنجيلي … ،هناك 3آلف من التدبيريين ،يعتقدون أن كارثة
نووية فقط ،يمكن أن تُعيد المسيح إلى الرض .إن هذه الرسالة تُبث عبر 1400محطة دينية في أمريكا .ومن
بين ألف قسّيس إنجيلي ،يذيعون يوميا برامج من خلل 400محطة راديو ،فإن الكثرية الساحقة منهم من
التدبيريين " .وتقول " :أن بعض هؤلء القساوسة ،ورؤساء الكنائس ،هم من القوة بحيث يظهرون كالملوك
في مناطقهم " .
والرسالة التي يُرسلها هؤلء على الدوام هي " :لن يكون هناك سلم حتى يعود المسيح ،وأن أي تبشير
بالسلم ،قبل هذه العودة هو هرطقة ( تخريف وكفر ) ،إنه ضد كلمة ال ( ضد ما جاء في الكُتب المقدسة ) ،
إنه ضد المسيح " .وهذا ما يقوله أيضا ( جيم روبرتسون ) التلفزيوني النجيلي الذي دعاه الرئيس ( ريغان ) ،
للقاء صلة افتتاح المؤتمر الحزب الجمهوري عام 1984م .
كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) ومؤلفه ( هال لندسي ) :
تقول الكاتبة أن هذا الكتاب ،أصبح الكثر مبيعا خلل السبعينات ،حيث بيع منه حوالي 18مليون نسخة ،وفي
تعليقها على هذا الكتاب ومؤلفه ،تقول " أن المؤلف يفسّر كل التاريخ ،قائل أن دولة إسرائيل ،هي الخط
التاريخي لمعظم أحداث الحاضر والمستقبل " .
( ومن هنا يأتي تقديس النصارى المريكان لسرائيل ،فضل عن اليهود ،ولحظ أن هذا الكتاب ،قرأه ما ل
يقل عن 18مليون أمريكي ،في بداية صدوره ،أما الن فربما قد قرأه معظم الشعب المريكي ،وخطورة هذا
الكتاب تنبع من كون الفكار والمعتقدات التي أوردها المؤلف ،منسوبة إلى ال ،كما أوضح في كتابه المقدّس
لديهم ) .
" ويقول لندسي :أن الجيل الذي وُلد عام 1948م ،سوف يشهد العودة الثانية للمسيح .ولكن قبل هذا الحدث ،
علينا أن نخوض حربين ،الولى ضد يأجوح ومأجوج ( أي الروس ) ،والثانية في هرمجدون .والمأساة ستبدأ
هكذا :كل العرب بالتحالف مع السوفييت ( الروس ) ،سوف يُهاجمون إسرائيل " .
( وهذا تحذير من ،وتحريض للغرب النصراني ،لمعاداة العرب المسلمين والروس الشيوعيين )
وتقول الكاتبة بعد مقابلتها للمؤلف " :أن لندسي ل يبدو عليه الحزن ،عندما يُعلن :أن كل مدينة في العالم ،
سيتم تدميرها في الحرب النووية الخيرة ،وتعقّب الكاتبة :تصوّروا أن مُدنا مثل لندن وباريس وطوكيو ،
ونيويورك ولوس أنجلوس وشيكاغو وقد أُبيدت " .
ويقول لندسي " :إن القوة الشرقية سوف تُزيل ثلث العالم … عندما تصل الحرب الكبرى إلى هذا المستوى ،
بحيث يكون كل شخص تقريبا قد قُتل ،ستحين ساعة اللحظة العظيمة ،فيُنقذ المسيح النسانية من الندثار الكامل
( الفناء ) " .
ويُتابع لندسي " :وفي هذه الساعة سيتحول اليهود ،الذين نجوا من الذبح إلى المسيحية … سيبقى 144ألف
يهودي فقط ،على قيد الحياة بعد معركة هرمجدون " .
( إذن يجب أل يكترث نصارى الغرب ،بنشوب حرب عالمية نووية ثالثة مدمرة ،ما دامت مجمل ضحايا هذه
الحرب ،ستكون من المسلمين واليهود وبقية الوثنيين في الشرق ،غير المؤمنين بألوهية المسيح ،بل عليهم أن
175
يستعجلوا نشوبها ،بالعمل على تسريع المواجهة بين الشرق والغرب ،حتى يعود للرض مرة ليُنقذ البشرية
النصرانية فقط ،من الندثار الكامل " .
وقفة مع المُبشّر النجيلي ( جيري فولويل ) :
بعد عرضه لنظرية هرمجدون مستخدما الدلة التوراتية والنجيلية .تقول الكاتبة بعد حضورها للعرض " :
رسم فولويل صورة مُرعبة عن نهاية العالم ،ولكنه لم يبدُ حزينا أو حتى مهتمّا .في الواقع أنهى عظته بابتسامه
كبيرة ،قائل :ما أعظم أن نكون مسيحيين ! إن أمامنا مُستقبل رائعا " .
وفي إحدى تسجيلته يقول :
" وهكذا ترون أن هرمجدون حقيقة ،إنها حقيقة مُركّبة .ولكن نشكر ال لنها ستكون نهاية العامة ،لنه بعد
ذلك سيكون المسرح مُعدّا ،لتقديم الملك الرب المسيح ،بقوة وعظمة … إنّ كل المُبشّرين بالكتاب المُقدّس ،
يتوقّعون العودة الحتمية للله … وأنا نفسي أُصدّق ،بأننا جزء من جيل النهاية ،الذي لن يُغادر قبل أن يأتي
المسيح " .
" ومنذ 2600سنة تنبأ النبي العبراني حزقيال ،أن أمة ستقوم إلى الشمال من فلسطين ،قبل وقت قصير من
العودة الثانية للمسيح … في الفصلين 38و 39من حزقيال ،نقرأ أن اسم هذه الرض هو روش .ويذكر أيضا
اسم مدينتين هما ماشك وتوبال … إن هذه السماء تبدو مُشابهة بشكل مُثير ،لموسكو وتيبولسك ،العاصمتين
الحاكمتين اليوم في روسيا … وكذلك كتب حزقيال ،أن هذه الرض ستكون مُعادية لسرائيل ،وأنه من أجل
ذلك سيكون ضدها .وقال أيضا أن روسيا ،سوف تغزوا إسرائيل بمساعدة حُلفاء مُختلفين ،في اليام الخيرة
… وقد سمّى هؤلء الحلفاء :إيران ( التي كنا نُسميها فارس ) ،وجنوب إفريقيا أو إثيوبيا ،وشمال إفريقيا أو
ليبيا ،وأوروبا الشرقية ( جومر ) ،والقوقاز جنوب روسيا ( توجرمة ) " .
" بالرغم من المال الوردية وغير الواقعية تماما ،التي أبدتها حكومتنا ،حول اتفاقية كامب ديفيد بين مصر
وإسرائيل ،إل أن هذه التفاقية لن تدوم .إننا نصلي بالفعل من أجل السلم في القدس … إننا نحترم كثيرا
رئيسيّ حكومتيّ إسرائيل ومصر … ولكن أنت وأنا نعرف أنه ،لن يكون هناك سلم حقيقي في الشرق
الوسط ،إلى أن يأتي يوم ،يجلس فيه الله المسيح ،على عرش داود في القدس " .
وفي كتابه ( الحرب النووية والمجيء الثاني … ) ،في فصل الحرب القادمة مع روسيا ،يتنبأ ( فولويل ) بغزو
سوفييتي لسرائيل ...وفي نهاية المعركة سيسقط خمس أسداس الجنود السوفييت ،وبذلك يبدأ أول احتفال للرب
.ويجري احتفال آخر بعد معركة هرمجدون … وسيتوقف التهديد الشيوعي إلى البد ،وسيستغرق دفن الموتى
مدة 7أشهر .
الرئيس المريكي ( ريغان ) كان أحد فرسان هرمجدون النووية :
تقول الكاتبة " :كان ( رونالد ريغان ) واحدا ،من الذين قرءوا كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) … في وقت
مبكر من عام 1986م ،أصبحت ليبيا العدو الول ( لريغان ) … واستنادا إلى ( جيمس ميلز ) ،الرئيس السابق
لمجلس الشيوخ في ولية كاليفورنيا ،فإن ( ريغان ) كره ليبيا ،لنه رأى أنها واحدة من أعداء إسرائيل ،الذين
ذكرتهم النبوءات ،وبالتالي فإنها عدو ال " .
" وعندما كان ( ريغان ) مرشحا للرئاسة عام 1980م ،كان يُواصل الحديث عن هرمجدون ،ومن أقواله " :إن
نهاية العالم قد تكون في متناول أيدينا … إن هذا الجيل بالتحديد هو الجيل الذي سيشهد هرمجدون " .
" إن معظم المؤمنين ( بالتدبيرية ) ،ينظرون إلى روسيا على أنها شيطانية ،وأنها تُمثّل إمبراطورية الشيطان
.ولقد جاهر ( ريغان ) بذلك في 1983 / 3 / 8م ،عندما قال " :إن التحاد السوفييتي هو حجر الزاوية في العالم
المعاصر " " .إنني أؤمن أن الشيوعية ،فصل حزين وسيئ في التاريخ النساني ،الذي يكتب الن صفحاته
الخيرة " .
176
وتقول الكاتبة :يقول (جيمس ميلز ) في مقال صحفي " :إن استعمال ( ريغان ) لعبارة إمبراطورية الشيطان
… كان إعلنا انطلق من اليمان الذي أعرب لي عنه ،في تلك الليلة عام 1971م … إن ( ريغان ) كرئيس
أظهر بصورة دائمة ،التزامه القيام بواجباته ،تمشيا مع ارادة ال … إن ( ريغان ) كان يشعر بهذا اللتزام
خصّيصا ،وهو يعمل على بناء ،القدرة العسكرية للوليات المتحدة وحلفائها …
… صحيح أن حزقيال تنبأ بانتصار إسرائيل وحلفائها ،في المعركة الرهيبة ضد قوى الظلم ،إل أن المسيحيين
المحافظين مثل رئيسنا ،ل يسمح لهم التطرف الروحي ،بأن يأخذوا هذا النتصار كمُسلّمات .إن تقوية قوى
الحقّ لتربح هذا الصراع المهم ،هو في عيون مثل هؤلء الرجال ،عمل يُحقّق نبوءة ال انسجاما مع إرادته
السامية ،وذلك حتى يعود المسيح مرّة ثانية …
… وبالتأكيد فإن توجهه بالنسبة للنفاق العسكري ،وبرودته اتجاه مُقترحات نزع السلح النووي ،متفقة مع
وجهة نظره هذه ،التي يستمدّها من سفر الرؤيا … إن هرمجدون التي تنبأ بها حزقيال ،ل يُمكن أن تحدث في
عالم منزوع السلح .إن كل من يؤمن بحتمية وقوعها ،ل يُمكن توقع تحقيقه لنزع السلح .إن ذلك يُناقض
مشيئة ال كما وردت على لسانه …
… إن سياسات الرئيس ( ريغان ) الداخلية والمالية ،مُنسجمة مع التفسير اللفظي ،للنبوءات التوراتية والنجيلية
.فل يوجد أي سبب للغضب من مسألة ال َديْن القومي المريكي ،إذا كان ال سيطوي العالم كلّه قريبا " .
وتقول الكاتبة " :وبناء على ذلك ،فإن جميع البرامج المحلية ،التي تتطلب إنفاقا كبيرا ،يمكن بل يجب أن تُعلّق
من أجل توفير المال ،لتمويل برامج تطوير السلحة النووية ،من أجل إطلق الحمم المُدمّرة على الشياطين ،
أعداء ال وأعداء شعبه ،وأضاف ميلز :
" لقد كان ( ريغان ) على حق عندما اعتقد أن أمامه فرصة أكبر ،لينفق المليارات من الدولرات ،استعدادا
لحرب نووية مع يأجوج ومأجوج ،لو كان معظم الشعب الذي أعاد انتخابه ،يؤمن كما أخبرني ،بما يؤمن هو
به ،بالنسبة ( لهرمجدون ) والعودة الثانية للمسيح " .
وتقول نقل عن كتاب ( ساحات المعارك النووية ) " :أن أمريكا تملك في الداخل 14500رأس نووي ،موزعة
على 40ولية ،وتملك 3396 :في ألمانيا ،و 1268في بريطانيا ،و 549في إيطاليا ،و 489في تركيا ،و 164
في اليونان ،و 151في كوريا الجنوبية ،و 81في هولندا ،و 25في بلجيكا " .
ونقل عن صحيفة واشنطن بوست ،تقول " :أن الدارة المريكية ،اقترحت مواصلة البناء العسكري في
السنوات الخمس المُقبلة .وأن النفاق على مشاريع وزارة الدفاع ،يُشير إلى ارتفاع من 258.4مليار دولر عام
1986م ،إلى 356.6مليار عام 1991م " .
النجيليون الصوليون يؤمنون بأكاذيب التوراة أكثر من اليهود أنفسهم :
في لقاء للكاتبة مع محام فلسطيني مسيحي بروتستنتي إنجيلي ،يعمل في القدس ،بعد أن عاد من أمريكا ليعيش
في فلسطين ،في معرض ردّه على سؤال ،عن رأيه في الحجّاج المريكيين ،الذين يُنظّمهم المُبشّر ( فولويل )
لزيارة أرض المسيح ،قال :
" بالنسبة للنجيليين الصوليين مثل ( فولويل ) ،فإن اليمان بإسرائيل يتقدم على تعاليم المسيح .إن الصهاينة
يُفسدون تعاليم المسيح .إن صهيونية ( فولويل ) سياسية ل علقة لها ،بالقيم أو الخلق أو بمواجهة المشاكل
الحقيقية .إنه يدعو أتباعه إلى تأييد إسرائيل ،ويطلب من دافع الضرائب المريكي ،أن يُقدّم لسرائيل 5مليار
دولر كل سنة .إذ أنه يؤكد لتباعه وبما أنهم مؤيدون للصهيونية ،فهم على الطريق الصحيح ،وفي الجانب
الرابح دوما …
وفي الواقع فإن مسيحيين مثل ( فولويل ) ،يُوفّرون للسرائيليين الدافع للتوسع ومصادرة المزيد من الراضي ،
ولضطهاد مزيد من الشعوب ،لنهم يدّعون أن ال إلى جانب إسرائيل ،وأن العم سام راغب في التوقيع على
الفاتورة …
177
إن السرائيليين ،يعرفون أن مسيحيين جيدين ومؤثرين مثل ( فولويل ) ،يقفون معهم على الدوام ،بغض النظر
عما يفعلون أخلقيا ومعنويا .ومهما بلغوا من القمع ،فإن السرائيليين يعرفون أن الصهيونيين المسيحيين
المريكيين معهم ،ويرغبون في إعطائهم السلحة ومليارات الدولرات ،وسيُصوّتون إلى جانبهم في المم
المتحدّة " .
المُبشر ( فولويل ) والترويج لسرائيل سياسيا :
في بحث قام به اثنان من الساتذة الجامعيين عن حياة ( فولويل ) ،يؤكد د ( .غودمان ) أن ( فولويل ) تحوّل من
الوعظ الديني ،إلى الوعظ السياسي المؤيد للدولة الصهيونية ،بعد النتصار العسكري السرائيلي في عام
1967م .حيث أن هذا النتصار المُذهل ،كان له تأثير كبير على العديد من المريكيين ،في الوقت الذي كان فيه
شعور الهزيمة والخيبة ،يُخيّم على الكثير من المريكيين من جرّاء الحرب الفيتنامية ،ومن هؤلء كان
( فولويل ) الذي نظر إلى المر بطريقة مختلفة ،حيث قال :أن السرائيليين ،ما كانوا لينتصروا لو لم يكن
هناك تدخّل من ال .
ونتيجة لذلك بدأ السرائيليون باستخدام ( فولويل ) في السبعينيات ،لتحقيق أغراضهم ومطالبهم ،وتأييد
سياساتهم لدي الشعب والساسة المريكان ،وفي خطاب له عام 1978م في إسرائيل ،قال " :إن ال يُحب أمريكا
،لن أمريكا تُحب اليهود " .وفي مناسبات عديدة كان يقول للمريكيين " :إن قدر المة يتوقف على التجاه ،
الذي يتخذونه من إسرائيل … وإذا لم يُظهر المريكيون ،رغبة جازمة في تزويد إسرائيل بالمال والسلح ،فإن
أمريكا ستخسر الكثير " .وقد قامت وسائل العلم الصهيونية بإبرازه وتلميع صورته ،ليصبح شخصية سياسية
وإعلمية مرموقة على الساحة المريكية ،لدرجة أن الرئيس ( ريغان ) رتب له حضور اجتماع مجلس المن
القومي ( البنتاغون ) ،ليستمع ويُناقش كبار المسؤولين فيه ،حول احتمال نشوب حرب نووية مع روسيا .
يُتابع د ( .غودمان ) " :في عام 1981م ،عندما قصفت إسرائيل المفاعل النووي قرب بغداد ،تخوّف ( بيغن )
من رد فعل سيّء في الوليات المُتحدّة .ومن أجل الحصول على الدعم ،لم يتصل بسيناتور أو كاهن يهودي ،
إنما اتصل ( بفولويل ) … وقبل أن يُغلق سماعة الهاتف ،قال ( فولويل ) ( لبيغن ) " :السيد رئيس الوزراء ،
أريد أن أهنئك على المهمة ،التي جعلتنا فخورين جدا بإنتاج طائرات ف . " 16
وقال د ( .برايس ) " :إن أي عمل عسكري قامت أو ستقوم به إسرائيل ،تستطيع أن تعتمد فيه على دعم اليمين
المسيحي " .
هدم المسجد القصى وبناء الهيكل ،مطلب إلهي منصوص عليه فيه التوراة ،كما يعتقد مسيحيو الغرب ،
فضل عن يهود الشرق والغرب :
أثناء رحلة الحج الثانية للكاتبة ،وفي لقاء مع أحد مستوطني مُستعمرة ( غوش أمونيم ) -مُعقبة على قوله -قالت
له :إن بناء هيكل للعبادة شيء ،وتدمير المسجد شيء آخر ،فمن الممكن ،أن يُؤدي ذلك إلى حرب بين إسرائيل
والعرب ،فردّ قائل " :تماما ،هذا ما نُريده أن يحدث ،لننا سوف نربحها ،ومن ثم سنقوم بطرد العرب من
أرض إسرائيل ،وسنُعيد بناء الهيكل ،وننتظر مسيحنا " .
تقول الكاتبة " :لقد زرت قبة الصخرة ،وهي واحدة من أجمل الصروح في العالم – والتي تُقارن بجمال تاج
محل – وقد تم بناؤها عام 685م ،بأمر من الخليفة الموي عبد الملك بن مروان ،وهو البناء الجمل في القدس
" .وتقول " :على الرغم من أن المسيح ،دعا إلى إقامة المعابد في النفس ،فإن الصوليين المسيحيين ،
يُصرّون على أن ال ،يُريد أكثر من بناء معبد روحي ،إنه يُريد معبدا حقيقيا من السمنت والحجارة ،يُقام تماما
في الموقع الذي توجد فيه الصروح السلمية " .
وتقول الكاتبة " :قال زميل لي في الجولة " :إنني أعتقد أن الرهابيين اليهود ،سوف ينسفون الماكن
السلمية المُقدّسة .وأن ذلك سيتسبّب في إثارة العالم السلمي ،ودفعه إلى شنّ حرب مُقدّسة على إسرائيل ،
مما يحمل المسيح على التدخل .يعتقد اليهود أن المسيح سيأتي للمرة الولى ،ونحن كمسيحيين نعلم أن عودته
ستكون الثانية ،وأنا واثق من أنه سيكون هناك هيكل يهودي ثالث " .
178
ويقول ( لندسي ) في كتاب ( آخر أعظم كرة أرضية ) " :لم يبق سوى حدث واحد ،ليكتمل المسرح تماما أمام
إسرائيل ،لتقوم بدورها في المشهد العظيم الخير ،من مأساتها التاريخية ،وهو إعادة بناء الهيكل القديم ،في
موقعه القديم .ول يوجد سوى مكان واحد ،يمكن بناء الهيكل عليه ،استنادا إلى قانون موسى ،في جبل موريا
حيث الهيكلن السابقان " .
يوضح ( ناتان بيرلمتر ) يهودي أمريكي ،من حركة ( بناي برث ) – منظمة يهودية -في أمريكا ،أسباب
تحالف يهود الوليات المتحدة مع الصوليين المسيحيين ،بقوله " :أن الصوليين النجيليين ،يُفسّرون نصوص
الكتاب المُقدّس بالقول " :أن على جميع اليهود ،أن يؤمنوا بالمسيح أو أن يُقتلوا في معركة هرمجدون .ولكنه
يقول في الوقت نفسه " :نحن نحتاج إلى كل الصدقاء لدعم إسرائيل … وعندما يأتي المسيح فسوف نفكر في
خياراتنا آنذاك .أما الن دعونا نُصلّي ونرسل السلحة " .
تشير الكاتبة إلى كتاب ( مصير اليهود ) للمؤلفة اليهودية ( فيورليخت ) ،الذي تصفه بالرائع ،حيث تقول فيه
الكاتبة اليهودية " :أن أول مساهمة لليهودية كانت القانون الخلقي ،وأن عظمة اليهودية ،لم تكن في ملوكها
وإنما في أنبيائها .وأن ال لم يأمر اليهود بالموت ،ولكنّه أمرهم بالحياة .وتُدلّل على قولها بنص من التوراة "
لقد وضعت أمامكم الحياة والموت … ولذلك عليكم أن تختاروا الحياة " .وتُضيف :مع ذلك فإن السرائيليين
بوضع مصيرهم بيد الجيوش والسلحة ،وبتشريفهم الجنرالت أكثر من النبياء .ل يختارون الحياة وإنما
يختارون الموت " .وتُحذّر ،من أنّ أولئك الذين يجعلون من إسرائيل إلها يُعبد ،يدفعوننا في هذا التجاه " .
وتلخص الكاتبة أهداف إسرائيل من التحالف ،مع اليمين المسيحي في الوليات المتحدة :
الحصول على المال . •
أن يكون الكونغرس مجرد خاتم مطاطي للموافقة على أهدافها السياسية . •
تمكينها من السيطرة الكاملة والمنفردة على القدس . •
وتقول على لسان ( إسرائيل شاهاك ) " :إن طبيعة الصهيونية هي البحث الدائم ،عن حامٍ ومعيل .في البداية
توجّه الصهاينة السياسيون إلى إنجلترا ،والن يتوجّهون ويعتمدون كليّا على الوليات المتحدة .وقد أقاموا هذا
الحلف مع اليمين المسيحي الجديد ،لكي يُبرّر أي عمل عسكري أو إجرامي ،تقوم به إسرائيل " .
وتقول الكاتبة " :إن للقادة الصوليين النجيليين اليوم ،قوة سياسية ضخمة .إن اليمين المسيحي الجديد ،هو
النجم الصاعد في الحزب الجمهوري ،وتحصد إسرائيل مكاسب سياسية جمة ،داخل البيت البيض من خلل
تحالفها معه " .
وتنقل الكاتبة :إن ( مارفن ) – أحد زملئها في رحلة الحج -كغيره من اليمين المسيحي الجديد ،يشعر بالنشوة
لنه مع الحليف الرابح .وقد نقل إلي مرة المقطع 110الذي يتحدّث عن يهوه وهو يسحق الرؤوس ،ويمل
الرض بجثث غير المؤمنين ،والمقطع 137الذي يُعرب فيه عن الرغبة من النتقام ،من أطفال بابليين وإلقائهم
فوق الصخور .ثم قال ( مارفن ) :وهكذا يتوجب على السرائيليين أن يُعاملوا العرب بهذه الطريقة .ورغم أن
( مارفن ) كان معجبا ومطلعا على نصوص التاريخ التوراتي ،إل أنه كان جاهل فيما يتعلق بالصراع العربي
السرائيلي .لنه يعرف مسبقا ،كل ما يعتقد أن ال يريد منه أن يعرفه .وقال لي " :إن على المريكيين أن
يتعلموا من السرائيليين كيف يُحاربون " .ويشارك ( مارفن ) كذلك ،هؤلء بالعتقاد " بأننا نحن المسيحيين
نؤخر وصول المسيح ،من خلل عدم مساعدة اليهود ،على مصادرة مزيد من الرض من الفلسطينيين " .
وتخلُص الكاتبة إلى القول أن عدة مليين ،من المسيحيين المريكيين ،يعتقدون أن القوانين الوضعية ،يجب أل
تُطبق على مصادرة اليهود واسترجاعهم لكل أرض فلسطين .وإذا تسبّب ذلك في حرب عالمية نووية ثالثة ،
فإنهم يعتقدون بأنهم تصرّفوا بمشيئة ال " .
وتذكر الكاتبة أن هناك قائمة ،بأسماء 250منظمة إنجيلية أصولية موالية لسرائيل ،من مختلف الحجام
والعمق في أمريكا ،ومعظم هذه المنظمات نما خلل السنوات الخمس الخيرة ،أي منذ عام 1980م .
180
وتقول الكاتبة في فصل مزج الدين بالسياسة " :أن السرائيليون يُطالبون بفرض سيادتهم وحدهم ،على المدينة
التي يُقدّسها مليار مسيحي ومليار مسلم ،وحوالي 14مليون يهودي .وللدفاع عن ادّعائهم هذا ،فإن السرائيليين
– ومعظمهم ل يؤمن بال – يقولون :بأن ال أراد للعبرانيون ،أن يأخذوا القدس إلى البد .ومن أجل ترويج هذه
الرسالة ،توجّه السرائيليون إلى ( مايك ايفنز ) اليهودي المريكي ،الذي ُقدّم في أحد المعابد ،على أنه قسّ
تنصّر ليساعد شعبه ،وأنه صديق لجورج بوش ،ويحتل مكانة مرموقة في الحزب الجمهوري ،ومن حديثه في
هذا المعبد قوله " :إن ال يريد من المريكيين ،نقل سفارتهم من تل أبيب إلى القدس ،لن القدس هي عاصمة
داود .ويحاول الشيطان أن يمنع اليهود ،من أن يكون لليهود حق اختيار عاصمتهم .إذا لم تعترفوا بالقدس ملكية
يهودية ،فإننا سندفع ثمن ذلك من حياة أبنائنا وآبائنا .إن ال ،سيُبارك الذين يُباركون إسرائيل ،وسيلعن لعنيها
".
الخاتمة :
وفي الخاتمة تقول الكاتبة " :فكرت في خيارنا للحياة أو الموت ،طوال السنين العديدة الماضية ،مستمعة إلى
( جيري فولويل ) وغيره من النجيليين ،الذين يطلّون علينا عبر الهاتف ،والكتاب المقدّس باليد الخرى ،
ناقلين عن كتاب دانيال من العهد القديم ،وعن كتاب سفر الرؤيا من العهد الجديد ،قائلين :أن ال قد قضى علينا
أن نخوض حربا نووية مع روسيا ...
اقتناعا منهم بأن هرمجدون نووية ل مفر منها ،بمقتضى الخطة اللهية .فإن العديد من النجيليين المؤمنين
بالتدبيرية ،ألزموا أنفسهم سلوك طريق مع إسرائيل ،يؤدي بشكل مباشر – باعترافهم أنفسهم – إلى محرقة أشدّ
وحشية ،وأوسع انتشارا ،من أي مجزرة ،يُمكن أن يتصورها عقل ( أدولف هتلر ) الجرامي …
لقد وجدت فكرهم الوعظي ،تحريضيا تصادميا ،في حثّهم على الستعداد لنهاية العالم ،إنهم يدفعونني إلى
العتقاد ،بأننا قطعنا مسافة طويلة بعيدا عن بداياتنا كبشر .إن معظمنا يتمسك باعتبار حسن الجوار ،كعلقة
رائعة في حياتنا المتحضرة ؛ معاملة الخرين كما نحب أن يُعاملونا ،وفوق ذلك عاش الكثيرين بهدف أكثر
نبل ؛ وهو مغادرة هذه الدنيا في حاله ،أفضل من تلك التي وجدوها عليها " .
بعد هذا العرض لبعض ما جاء في هذا الكتاب ،نستطيع القول أن الحلف المنعقد بين إسرائيل والوليات
المتحدّة ،هو حلف عقائدي عسكري ،تُغذيه النبوءات التوراتية والنجيلية .لدرجة أن الكثير من أفراد الشعب
المريكي الضالّ ،يتمنى لو أنه ولد يهوديا ،لينعم بالنتساب إلى شعب ال المختار ،الذي يقاتل ال عنهم في
جميع حروبهم ضد الكفرة من المسلمين والشيوعيين .ونحن كمسلمين بتواجدنا على أرض اليهود ،وبمقاومتنا
للحتلل الصهيوني ،نمنع ال من تحقيق إرادته ،بإعطاء أرض فلسطين لليهود .فالشعب المريكي ينظر على
أن اليهود هم جنود ال ،وأن الفلسطينيون هم إرهابيون وجنود الشيطان ،وأن قلة قليلة من شُرفاء أمريكا ،
يعتقدون بعكس ذلك ،من الذين سبروا أغوار الحقيقة ،ودرسوا التاريخ والجغرافيا والواقع ،بعين العدالة
والنصاف ،حتى أن بعضهم طعن في مصداقية كتبهم المُقدّسة ،ولكن كل جهود الشرفاء ،من مواقف
ومحاضرات وبرامج ومؤلفات ،ذهبت أدراج الرياح ،لنهم قلة ول يملكون ،ما يملكه اليهود وأتباعهم من القوة
والمال ،فكانوا كمن يُجدّف بالرمال .
ونستطيع تلخيص العلقة ما بين إسرائيل وأمريكا ( اليهود والنصارى ) كما يلي :
أن التحالف بين الدولتين ،فضل عن كل شيء ،هو حلف ديني عقائدي ،أقوى من أي معاهدة أو اتفاقية •
مكتوبة على الورق .
كل من المريكان والسرائيليون ينتظرون المسيح الخاص بهم . •
يتفق الطرفان على أن قيام الدولة اليهودية في فلسطين إشارة لقرب مجيئه . •
ويتفق الطرفان على وجوب سيطرة اليهود ،على فلسطين كاملة ،واتخاذ القدس عاصمة لهم ،ومن ثم •
يتوجب عليهم إقامة الهيكل مكان المسجد القصى ،وأن هذه المور ،ما لم تأخذ مجراها على أرض الواقع ،
فإنها ستعطل مجيء المسيح بالنسبة للطرفين .
181
وأن ظهور المسيح سيكون مسبوقا ،بحرب مُدمرة ستقع بين إسرائيل وأعدائها ،تحصد ما ل يُعدّ ول يُحصى •
من أرواح البشر ،وتنتهي بخراب الرض ،وروّاد المؤامرة اليهودية العالمية ،يبذلون قصارى جهدهم
لشعالها ،لقطف ثمار مخططهم الشيطاني ،بإثارة الفتن وافتعال الزمات .
وبناء على ذلك ،تجد أمريكا نفسها ملزمة عقائديا ،بتسليح إسرائيل ما أمكنها ذلك ،وبدعمها في كل •
مخططاتها داخل فلسطين وخارجها .استعدادا لوقوع هذه الحرب المدمرة ،لضمان انتصار إسرائيل وحلفائها
ضد أعداء ال .
هكذا هي المعادلة بكل بساطة ،فساسة الشعب المريكي جملة وتفصيل ،صهاينة أكثر من ساسة إسرائيل أنفسهم
،وما عبادة المريكيين ،لسرائيل إل لتقرّبهم إلى ال زلفى ،ولذلك يسعى المريكيون قبل السرائيليون ،لتلبية
متطلبات مجيء المسيح ،وأعجب من العرب عندما يطلبون من صهاينة الغرب ،رفع ظلم صهاينة الشرق .
ولو عدنا بالذاكرة إلى الوراء ،وبدأنا بتتبّع الرؤساء المريكيين المتأخرين ،لتبين لنا أن الرؤساء من الحزب
الديموقراطي ،كانوا أكثر اعتدال وأكثر ميل إلى السلم مع العرب وروسيا ،بغض النظر عن مفهومهم له ،
وأقل تجاوبا مع متطلبات الصهيونية اليهودية ،والصهيونية المسيحية المُتطرّفة ،كما هو حال الرئيس ( كارتر )
– الذي انتهت وليته عام 1980م – حيث أُنجزت في عهده اتفاقية ( كامب ديفيد ) بين مصر وإسرائيل ،
والرئيس ( كلينتون ) 200-1992 ،م ،الذي أُنجزت في عهده اتفاقية وادي عربة بين الردن وإسرائيل ،وحاول
جاهدا صنع ( كامب ديفيد ) أخرى مع الفلسطينيين ،رغم محاولته الخجولة لرضاء هؤلء بقصف مصانع
الدوية السودانية ،وقصف العراق بين حين وأخر .
ولتبين لنا أيضا ،أن الرؤساء من الحزب الجمهوري اليميني المسيحي النجيلي التوراتي الصولي المتطرّف ،
كانوا أكثر تطرفا وعدوانية ،وأقل اهتماما بالسلم ،ويتجاوبون مع متطلبات اليهود ،بل يُنفّذونها بحذافيرها .
فالرئيس ( ريغان ) 1988-1980م ،شنّ الحرب على ليبيا ،وتم في عصره ضرب المفاعل العراقي ،واجتياح
بيروت ،واشتعلت الحرب اليرانية ،وتم إطالة أمدها ،وانتهت بنهاية وليته .والرئيس ( بوش الب ) ،
1992-1988م ،شنّ الحرب على العراق ،وفرض عليه الحصار ،وتم إسقاط الشيوعية وتفكيك التحاد
السوفييتي ،وأعلن عن النظام العالمي الجديد ،المذكور في بروتوكولت اليهود .
ومؤخرا جاء دور ( بوش البن ) ،ليُكمل سلسلة جرائم أسلفه من الجمهوريين ،ويُنفذ ما أُعدّ له هؤلء من
برامج مسبقة ،كان أبالسة اليهود قد خطّوها ،قبل وصوله لسدة الحكم ،كما خطّ أجدادهم أسفار التوراة والنجيل
،وبروتوكولت الحكماء ،فيما يُسمّى ( بتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الدنى ، ) 2001حيث بدأ بتنفيذ
ما جاء فيه من أوامر ،فور تسلّمه للسلطة :
.1فضرب بغداد دون سابق إنذار ،وبدأت إدارته بالترويج " للعقوبات الذكية " ،التي طالب بها خبثاء معهد
واشنطن .
.2وأظهر عداءه لروسيا والصين .
.3وطلب الرئيس المصري لمعاقبة مصر ،على موقفها المتشدّد مع إسرائيل في قمة القاهرة ،بخفض
المساعدات وتأخير إنشاء منطقة التجارة الحرة ،فيما لو أصرّت على ذلك .
.4وصرّح عن رغبته في نقل السفارة المريكية إلى القدس .
.5ودعم إسرائيل في قمعها لنتفاضة الرهابيين الفلسطينيين ،وبرّر وما زال يُبرّر جرائمها .
.6وظهر هناك من يدعو إلى انسحاب الجيش السوري من لبنان ،من اللبنانيين المدعومين بالموال اليهودية
تحت غطاء الدين .
.7وقام وزير الخارجية بجولة في دول المنطقة ،لشرح السياسة الجديدة التي جاء بها هذا التقرير ،الذي تمت
صياغته بذكاء ودهاء يهودي صرف ،بناء على المخاوف النبوية التوراتية .
182
تقرير معهد واشنطن لسياسة الشرق الدنى لعام 2001م
يُؤكد هذا التقرير أن مصير هذه المنطقة ،مرهون بما جاء من نبوءات في الكتب المقدّسة ،ومرهون أيضا
بكيفية تفسيرهم لهذه النبوءات .وإذا اطّلعت على هذا التقرير ،الذي يوضح السياسات ،التي يتوجب على
الرئيس المريكي نهجها ،للسيطرة على هذه المنطقة واستعباد شعوبها ،ستجد أنها قد رُسمت بدهاء ومكر ،
على طريقة دسّ السم في العسل ،بناءً على المخاوف اليهودية ،المنبثقة من النبوءات التوراتية .حيث أن مُجمل
بنود هذا التقرير ،جاءت لدرء المخاطر عن الدولة اليهودية فقط ل غير .وفيما يلي سنعرض من فصول هذا
التقرير الخمسة ،بعض المقتطفات شديدة التعلق بموضوع هذا الكتاب .وقد نُشر هذا التقرير مترجما على
حلقات ،في جريدة العرب اليوم الردنية ،في النصف الول من شهر 3/2001م .
تأسس معهد واشنطن عام 1985م ،وهو يعمل كوحدة للبحوث ،تابعة للجنة للعلقات العامّة المريكية
السرائيلية ،المسماة بِ ( ايباك ) ،وهي المُنظمّة الصهيونية الولى في الوليات المُتحدة ،التي تُعتبر " خط
الدفاع الول عن إسرائيل " ،ويضم في عضويته مفكرون وسياسيون وخبراء أمريكيون يهودا ومسيحيين ،
صهاينة في الفكر والمعتقد .وقد تطوّر هذا المعهد ليصبح مصدر التأثير العظم ،في صنع القرارات السياسية
الخاصة بالمنطقة ،التي تتخذها الدارات المريكية المتعاقبة .ويصدر هذا التقرير في بداية كل ولية رئاسية
جديدة ،ليكون نورا يهتدي به الرئيس المريكي الجديد ،ونجاح هذا الرئيس وفشله لدى سادته اليهود ،يعتمد
على مدى التزامه ،ومقدار ما أنجزه من الهداف الواردة في التقرير ،وهذه المنظّمة على علقة وثيقة مع
الرؤساء والساسة المريكان ،وفي العادة ،تقيم مأدبة عشاء على شرف الرئيس المريكي ،بين الحين والخر ،
ليُعلن في خطابه الفتتاحي -كما جرت العادة -عن ولئه المطلق لسرائيل ،وعبوديته لليهود العالميون .
الفصل الول :
دبلوماسية عربية إسرائيلية -اردع الحرب القليمية ،بين إسرائيل والدول العربية ،واستطلع مسالك جديدة .
تقويم دروس تجربة أوسلو ،واستطلع مسارات بديلة للسلم :
التأكيد على أن الوليات المتحدة حليفة لسرائيل ،وأنها ل ترتبط معها بأحكام ومعاهدات مكتوبة ،وإنما بروابط
أقوى من القيم والمصالح المشتركة .المضي قدما في نقل سفارة الوليات المتحدة إلى الموقع المقرر في القدس
الغربية .
تشجيع الجهود الدولية للمساعدة في تخفيف التوتر القليمي :
التركيز على الدول الموالية للغرب :تحتاج الوليات المتحدة إلى التواصل مع الزعماء العرب والمسلمين ،ومع
شعوبهم ،في السعي إلى إشراكهم ،في حوار صادق وصريح ،حول آراء ومصالح كل منهم .إذ أنّ دور الدول
الموالية للغرب في المنطقة مهم جدا ،في وضع الجندة السياسية الجتماعية الثقافية للشرق الوسط ،ويصدق
ذلك بشكل خاص على مصر وتركيا ،والعربية السعودية والمغرب والردن .وقد اتضح ذلك أثناء قمة كامب
ديفيد 2000وبعدها ،عندما أدى غياب التشاور ،مع الدول العربية الرئيسية ،حول قضية القدس خصوصا ،إلى
تقليص فرصة قبول عرفات ،بأي من الحلول المختلفة ،التي طُرحت في الجتماع .
تتحمل مصر من بين جميع الدول ،المسؤولية الكبر ،بصفتها الدولة العربية القوى ،والدولة التي تحمل
إجراءاتها الثر الكثر أهمية في المنطقة .إذ تُعتبر تصريحات الرئيس المصري حسني مبارك ،ضد أي توسيع
للنزاع الفلسطيني السرائيلي ،وضد تحويله إلى حرب عربية إسرائيلية ،جدارا واقيا ،بوجه انتشار المزيد من
الراديكالية ( أي التوجه المعادي لسرائيل والغرب ) .
المثلث السرائيلي اللبناني السوري :ينبغي على الدارة المريكية الجديدة ،أن تُعزّز قوة الردع السرائيلية ضد
احتمالت تعرضها ،لهجمات برية أو صاروخية ،تقوم بها قوات حزب ال ،المدعوم من سوريا وإيران .على
183
الدارة المريكية أن تدعم الحركة الناشئة في لبنان ،والداعية إلى الضغط من أجل المزيد من الحرية في
الداخل ،وتخفيف قبضة سوريا المطبقة على الشؤون اللبنانية .
الفصل الثاني :
ينبغي على الوليات المتحدة ،أن تتبع سياسة ل تسامح فيها :ففي الوقت الذي يحق للسلطة الفلسطينية ،أن
تختلف مع إسرائيل حول القضايا الدبلوماسية ،فإن العلقة المريكية الفلسطينية ،يجب أن تدفع ثمن التهاون ،
الذي تُبديه السلطة الفلسطينية بشأن التزامها بمكافحة الرهاب .
ينبغي على الوليات المتحدة ،أن تُعزز جهودها الرامية للرتقاء بالتعاون الدولي ،ضد شبكات العنف السلمية
المُتطرّفة .وينبغي أن تعمل مع دول أوروبا والشرق الوسط ،لممارسة ضغط جماعي على تلك الدول القليلة ،
التي ما زالت تقدم الملذ للرهابيين ،أو تغض النظر عنهم ،وهي إيران وباكستان واليمن وأفغانستان .
* وقفة قصيرة مع مقال ،في جريدة الدستور الردنية الصادرة ،بتاريخ 2001 – 7 – 5م ،نقل عن رويترز :
( تصدير المقال :في حال هاجم ابن لدن مصالح أمريكية -واشنطن تُهدّد طالبان بانتقام عسكري )
" واشنطن – رويترز ؛ قال نائب وزير الخارجية المريكية ( ريتشارد أرميتاج ) :أن الوليات المتحدّة قد تش ّ
ن
انتقاما عسكريا ،على حركة طالبان ،إذا شنّ أسامة بن لدن ،على هجمات مصالح أمريكية .وكان
( أرميتاج ) يُعقّب على تحذير قدّمه إلى طالبان ،سفير الوليات المتحدة لدى باكستان ( ويليام ملم ) ،في
اجتماع عُقد في إسلم أباد ،يوم الجمعة الماضي .وقال مسؤول في طالبان لرويترز ،أن طالبان التي توفر
المأوى لبن لدن ،تم إبلغها بأنها ستتحمل المسؤولية ،عن أي هجمات على مصالح أمريكية … " ،انتهى .
طور الستخدام الفعّال لدوات السياسة المريكية المتوفرة :
لخضاع الرهابيين للدانة الجنائية ،يتحتم على الوليات المتحدة ،متابعة اللتزام بملحقة أولئك المجرمين ،
حتى وإن واجه المر عقبات دبلوماسية .على الحكومة التحادية ،العمل على إيقاف المناصرين المحليين
المؤيدين للجماعات الرهابية ( ،المقصود هنا هو الجاليات العربية الداعمة للحركات الجهادية في فلسطين ) .
لقد تقلص عدد الدول الداعمة للرهاب ،إلى سبع دول .وآخر الدول ،التي رُفع اسمها هي العراق عام 1982م
وأعيد عام 1991م ،أما آخر اسم أُضيف للقائمة هو السودان عام 1993م .على الرئيس كجزء من عملية إعادة
النظر ،أن يُفكر بتحديد الطرق ،التي تستطيع من خللها تلك الدول من رفع اسمها من القائمة ( أي وضع
184
متطلبات جديدة لشهادات حسن السيرة والسلوك المريكية ) .وخصوصا تلك التي أظهرت اهتماما بذلك مثل
ليبيا والسودان وسوريا .بعد ذلك يجب ربط درجة الدعم المقدّم للرهاب ،بدرجة العقوبات التي تفرضها
الوليات المتحدة ،وكذلك بمستوى التعامل ،الذي يقوم بين الحكومة المعنية ،وحكومة الوليات المتحدة .
الفصل الرابع :
نعتقد أن من المهم تحديد تلك المصالح المريكية الحيوية ،التي يمكن لصدام أن يُهدّدها ،ووضع خطوط حمراء
تُشكّل عند تجاوزها ،تحدّيا غير مقبول ،يستدعي ردا عسكريا أمريكيا واسع النطاق .
ما أن يتم النتهاء من هذه المراجعة ،يتوجب على الرئيس ،أن يطرح مقرراتها على الشعب ،كتهيئة لحتمال
وقوع مواجهة عسكرية ،واسعة النطاق مع صدام ،إذا ما اقتضى المر … في حالة العدوان خارج أراضيه ،
أو استخدامه لسلحة الدمار الشامل ،أو حتى نشرها في حالت معينة ،أو عدوانه على الكراد .
يُقصد بالقوة واسعة النطاق :
أول ؛ حملت القصف المتواصلة ،ضد الهداف التي تحمي النظام ،
ثانيا ؛ إذا كانت النتهاكات العراقية خطيرة بما يكفي ،يعني إرسال قوات أرضية ،بقدرات كافية بمشاركة
الحلفاء ،لغرض إحلل التغيير في النظام العراقي ،
ثالثا ؛ في حالة استخدام أسلحة الدمار الشامل ،يتوجب استخدام جميع الوسائل المُتاحة ،ضد نظام صدام حسين
( أي استخدام السلح النووي ) .
على الوليات المتحدة ،أن تكون مستعدة ،للعمل بالتنسيق مع الحلفاء الرئيسيين ،وبالخص السعودية والكويت
وبريطانيا .وبذل مزيد من الجهد لقناع تركيا ،بلعب دور أكثر فاعلية ،في الرد على التحدّي الذي يُمثّله صدام
حسين .
أحد الخطوط الصفراء التي تجاوزها صدام بالفعل ،هو التوقف عن التعاون مع مفتشي السلحة .أظهرت
دروس التاريخ الليمة ،أن صدام ل يسمح بعمليات تفتيش ،تكشف ما تبقى من برامجه ،لنتاج الصواريخ
وأسلحة الدمار الشامل ،كما أن السرة الدولية غير مستعدة ،لتأييد استخدام القوة لرغام صدام على التعاون .
إلى جانب التفتيش المهني الدقيق الذي يجب أن تصرّ الوليات المتحدة عليه .يوجد عنصر مهم آخر ،هو الدعم
الذي يجب أن توفره واشنطن ،لجماعات المعارضة العراقية ،كعنصر إضافي لحتواء صدام .
185
ضمن عملها مع المعارضة العراقية ،ينبغي للوليات المتحدة أن تضع رؤية أوضح لعراق ما بعد صدام ،على
واشنطن أن توضح ،انه كلما ازداد العراق مسالمة وانفتاحا وديموقراطية ،كلما ازداد دعمها له .
حوّل العقوبات إلى أدا ٍة لنفتاح العراق :
نعتقد بأن على الوليات المتحدة ،أن تقوم بمجهود عاجل ،لتركيز العقوبات على نحو أكثر حدّة ،على صدام
ونظامه العسكري .من أجل ذلك ينبغي لواشنطن ،أن تأخذ زمام المبادرة في إعادة صياغة العقوبات ،بدل من
أن توافق مرغمة ،على خطوات يفرضها الخرون .
في الوقت نفسه ،ينبغي للوليات المتحدة التوجه للمنظمات النسانية ،لتحسين طرق إيصال المساعدات للشعب
العراقي .بدل من أن تكرّس هذه المنظمات ،الكثير من جهدها لنتقاد السياسة المريكية إزاء العراق .وأن
تُظهر لهذه المنظمات ،أنها تشاركها همومها النسانية ،مؤكدة بأن السبب في معاناة الشعب العراقي هو حكومة
العراق الستبدادية ( أي استخدام النفاق السياسي ) .
ينبغي للقيود التي فُرضت على السفر ،من تلك الدولة ،أن تُعكس بشكل تام .سيكون من الفضل تشجيع التبادل
الفردي ،وسفر العراقيين العاديين ،ومنع سفر المسؤولين العراقيين وأفراد أسرهم ،من الذين يُعيقون تنفيذ
قرارات مجلس المن ،أو الذين يُشتبه بارتكابهم جرائم حرب ،أو انتهاكات فظيعة لحقوق النسان .لقد حصل
هذا النوع من " العقوبات الذكية " ،على التأييد في المم المتحدة عندما طُبق على يوغسلفيا .
الفصل الخامس :
إسرائيل :أكد على التحالف غير المكتوب ،فهو يعكس عمق ينابيع الدعم والتآخي ،الذي يشعر به الشعب
المريكي إزاء إسرائيل ،والذي يشمل كافة الطياف السياسية المريكية .ينبغي على الدارة أن تأخذ زمام
المبادرة ،في الرتقاء بشراكتها لسرائيل ،إلى مستوى مواجهة التهديدات الستراتيجية المشتركة … وسط جو
التهديدات الجديدة ،ومع اضطراد تقدّم السلحة الحديثة .فإن على الدارة أن تواجه التحدي السياسي المتمثل في
التوضيح لجارات إسرائيل ،بأن أمريكا سوف تعارض أي مجهود ،للتوصل إلى مستوى الندية الستراتيجية مع
إسرائيل .
دول مجلس التعاون الخليجي :تقوية المن النفطي والعسكري والقتصادي ،لضمان استمرار تدفق النفط
بأسعار مناسبة .على الوليات المتحدّة تعميق دعمها ،للصلحات القتصادية في تلك الدول ،بسبب مصلحتها
في استقرار النظمة الملكية الخليجية .
مصر :لدى مصر قدرة على لعب دور إيجابي ،في تعزيز العتدال والستقرار في المنطقة ،أو لعب دور
سلبي في تعقيد وإعاقة مبادرات الوليات المتحدة القليمية .ولو حافظت مصر على وضعها المقبول فإن على
الوليات المتحدة ،أن تكون مستعدة للمضي قدما ،في مبادراتها القتصادية .
الردن :ادعم السلم مع إسرائيل ،واحذر من العودة إلى احتضان عراق صدام .أما على الجانب العسكري ،
فينبغي له المساعدة في عملية التعامل مع المن الحدودي ،ومكافحة الرهاب ،والخطر العراقي المحتمل .أحد
186
السباب المبررة لتقديم معونة أمريكية كبيرة هو المسعى الذي يبذله العراق ،لجذب الردن بتقديم مساعدة نفطية
900-600مليون دولر .ولحباط الغراء العراقي ،بوسع دول الخليج تقديم النفط بشروط ملئمة ،وتوسيع
دائرة التجارة ،واستخدام العمالة الردنية .
تركيا :يُعتبر بقاؤها ،كدولة ديموقراطية علمانية موالية للغرب ،مصلحة حيوية للوليات المتحدة .حيث تلعب
تركيا دورا مركزيا في عملية احتواء العراق .
ادعم التعاون ما بين شركاء أمريكا القليميين ،ومن ضمنها إسرائيل وتركيا ودول مجلس التعاون الخليجي
والردن ومصر .إنّ التعاون بين تركيا وإسرائيل ،يُعتبر الفضل بين جميع حالت التعاون المني القليمي في
المنطقة .
الطار الستراتيجي :
لدى الوليات المتحدة مصالح دائمة في الشرق الوسط ،من بينها ؛ منع وقوع الحرب ،وتسهيل التقدم باتجاه
سلم عربي إسرائيلي ،وضمان أمن وسلمة إسرائيل ،وتوطيد الستقرار والمن والرفاهية والتنمية ،في تركيا
والدول العربية المعتدلة ،والمحافظة على حرية تدفق النفط وبأسعار معقولة .بعد النتصار في الحرب الباردة ،
وحرب الخليج في مطلع التسعينيات ،تمكنت الوليات المتحدة ،من ممارسة الزعامة في مجالين مهمين ،هما ؛
بناء السلم العربي السرائيلي ،وتعزيز المن في الخليج .
العولمة :
على مدى العقد الخير ،كان سجل المنطقة مشوشا بالنسبة للعولمة ،فمن جانب ،لم تستطع الحواجز الوطنية
القوية ،أن تمنع انتشار وسائل العلم الحديثة ،مثل القنوات الفضائية العربية ،التي أنهت – بمصاحبة
النترنت – سيطرة الدولة على المعلومات ،كما تم العتراف ،على مستوى المنطقة باقتصاد السوق ،والنفتاح
على التجارة والستثمار الدوليين ،بصفتها أفضل الطرق لتحقيق التنمية … إل أن الشرق الوسط ،يُعتبر
خاسرا نسبيا في سباق العولمة ،فحصّته في التجارة العالمية في تدهور مستمر .
بفضل أجهزة الفيديو والمحطّات الفضائية والنترنت ،وأخيرا وليس آخرا .فمن المحتمل جدا ،أن يرتدي
المتظاهرون في رام ال أو طهران ،بنطلونات وأحذية من إنتاج أمريكي .
* بقولهم هذا ،يكشف رواد العولمة ودعاتها ،عن الوجه القذر لها ولغاياتها ،بشقيّها الثقافي والقتصادي ،
فغايات العولمة هي :
أول :مسخ الهوية العربية والسلمية بشكل خاص ،والشرقية بشكل عام ،باستهلك الثقافة المريكية ،عن
طريق وسائل العلم المختلفة .
ثانيا :ومن ثم جعل جميع دول العالم سوقا مفتوحة ،للمنتجات المريكية بمختلف أنواعها ،بإجبار الحكومات
على رفع القيود ،التي وُضعت لحماية ودعم الصناعات الوطنية .
إذ ليس هناك أي أهمية تُذكر لدى رواد العولمة ،بالنسبة لتظاهرك ضد إسرائيل وأمريكا ،وحرق أعلمها
وصور زعمائها ،بما أنك تدعم في نفس الوقت ،اقتصاد الدولتين ،باستهلك منتجاتهما ،مما يُساهم بزيادة
النمو القتصادي فيهما ،وأمريكا سيطرت على العالم اقتصاديا ،وبذلك تمكّنت من السيطرة عليه عسكريا .
انهيار تحالف حرب الخليج :
على المستوى الدولي ،ما زالت هيمنة أمريكا القليمية على ما كانت عليه ،إل أن هناك تصاعدا ،في عزم
القوى الخرى وقدرتها ،على التأثير في مجرى الحداث في الشرق الوسط ،خصوصا باتجاه إعاقة السياسة
المريكية في المنطقة .ويبرز في هذا المجال ثلثة لعبين مهمين :
187
روسيا :أصبحت روسيا أكثر قومية خلل العقد الماضي ،وازدادت شكوكها فيما يتعلق بعلقاتها مع الوليات
المتحدة … لكنها أصبحت من جديد ،لعبا مُثيرا للمشاكل … دأبت روسيا على تقويض جهود المم المتحدة ،
الرامية إلى السيطرة على التسلح وفرض العقوبات ،حتى أن الرئيس الروسي مؤخرا ،أثنى بنفسه على التعاون
التام بين موسكو وبغداد .لم تُبدِ روسيا تعاونا يُذكر ،مع مساعي الوليات المتحدة المدعومة بدولرات
المساعدات ،للحيلولة دون انتشار أسلحة الدمار الشامل ،وتكنولوجيا الصواريخ ،من روسيا إلى الشرق
الوسط وخصوصا إلى إيران .
الصين :فالصين ،تمتلك القدرة على تغيير ميزان القوى القليمية ،بتزويد دول في المنطقة ،بتكنولوجيا
الصواريخ وأسلحة الدمار الشامل .في الوقت الذي تستطيع الصين فيه ،أن تصبح قوة إيجابية بالنسبة لنمو
اقتصاد العولمة ،إذا ما واصلت فتح أسواقها ،وخصخصة اقتصادها .
أوروبا :على سبيل المثال لعبت الدول الوروبية ،دورا مهما في تسهيل الدبلوماسية الهادئة ،بين إسرائيل
والفلسطينيين .وفي تأمين التمويل السخي للسلطة الفلسطينية بعد عام 1993م .وفي فرض مناطق حظر الطيران
،شمال وجنوب العراق .إن مما يُؤسف له ،أن فرنسا قد أصبحت العقبة الكبرى ،في طريق تحقيق التنسيق
المريكي الوروبي ،حول الكثير من قضايا الشرق الوسط ،خصوصا تلك المتعلقة بالعملية السلمية ،
والسياسة المُتبعة إزاء العراق .
على خلفية هذا الطار الستراتيجي ،نعتقد بأن الشرق الوسط ،مرشح لن يكون منطقة مضطربة ،خلل فترة
ولية الرئيس المريكي الجديد .سيتغذى بعض ذلك الضطراب ،على مشاعر عدم الرضا والرغبة في تحقيق
الوحدة ،والمور غير المنجزة في النزاع العربي السرائيلي .كما أن بعضا منه ،سوف يتولد نتيجة التغييرات
البركانية التي تنتظر إيران .وسوف ينتج بعضه الخر عن ردود الفعل المترتبة ،على عودة انبعاث صدام
حسين .
يحتاج الرئيس المريكي الجديد وكبار مساعديه ،لدراك أن الشرق الوسط يدخل القرن الواحد والعشرين ،
بقيادة زعماء جدد بل خبرة ،يتولون الزعامة من المحيط الطلسي إلى الخليج الفارسي ،باقتصاديات راكدة
وبأسلحة مرعبة عالية التقنية ،لها القدرة على نقل النزاعات ،إلى شواطئ أمريكا .إن لجنة الدراسة الرئيسية ،
في معهد واشنطن لسياسة الشرق الوسط الدنى ،قد وضعت هذا التقرير ،من أجل تقديم النصح للرئيس
المريكي الجديد ،حول الطرق الكفيلة بإدارة هذه اللحظة العاصفة ،على نحو يحمي مصالح الوليات المتحدة
وحلفائها … انتهى القتباس .
بنود هذا التقرير اليهودي المقدّم للرئيس المريكي واضحة ،وربما ل تحتاج لتعليق ،فالمخاوف والهداف
التوراتية واضحة ،خلف ما يدّعي اليهود ،بأنه مصالح للوليات المتحدّة ،تقضي بتحجيم وتدمير ثلثة قوى ،
ذات الخطر الكبر على مستقبل الدولة اليهودية في المنطقة ،حسبما أوضحته التفسيرات الجديدة للنبوءات
التوراتية ،وهي روسيا ( يأجوج ومأجوج ) ،والعراق وإيران ( مادي وفارس وبابل وأشور ) ،كافة الدول ذات
التوجه السلمي ،التي يسمونها بالراعية للرهاب ( خوفا من إحياء الخلفة السلمية ) .
والسؤال المطروح بعد الطلع على هذا التقرير :لماذا يشغل العراق المساحة الكبر ،في مفردات صحيفة
برتوكولت حكماء صهيون الجديدة ،المسمّاة بتقرير معهد واشنطن ؟!
ونختم هذا الفصل ،بقول لظفر السلم خان ،صاحب كتاب ( تعاليم التلمود ) " :وقد ساعدت كراهية بريطانيا
العمياء ،وغدرها بالعرب والمسلمين ،ووجود النزعة الصليبية الخاطئة ،لدى البلدان الوربية وأمريكا ،على
نجاح المخططات الصهيونية ،وغزو البلدان العربية في الحرب العالمية الولى ،فنرى القائد الفرنسي
( غورو ) الذي فتح دمشق يقول ،وقد وضع قدمه على قبر صلح الدين " :ها نحن قد عُدنا يا صلح الدين !
" ،والجنرال النجليزي ( اللنبي ) عند دخوله القدس ،يقول أمام كنيسة القيامة " :اليوم ،انتهت الحروب
الصليبية " .
قال تعالى
188
( لَ َتجِدَنّ َأشَدّ النّاسِ عَدَاوَةً لِلّذِينَ ءَامَنُوا ،الْ َيهُودَ ،وَالّذِينَ َأشْ َركُوا ،وَلَ َتجِدَنّ أَقْرَ َب ُهمْ َموَدّةً لِلّذِينَ ءَامَنُوا الّذِينَ
ن وَ ُرهْبَانًا َوأَ ّن ُهمْ لَ َيسْ َتكْبِرُونَ ( 82المائدة )ن مِ ْنهُمْ ِقسّيسِي َ قَالُوا إِنّا نَصَارَى ذَلِكَ بَِأ ّ
189
الكتب المقدّسة تأمر اليهود بتدمير أصحاب البعث
احتل العراق مساحة شاسعة في التقرير السابق ،لن التوراة تُخبر اليهود صراحة ،بأن العراقيون هم أصحاب
البعث الثاني .وتوصيهم وتأمرهم كذلك ،بتدمير العراق ،بعد عودتهم من الشتات لفلسطين في المرة القادمة ،
لقامة دولتهم الثانية ،وتُحرّضهم وتحثّهم بألّ يدّخروا جهدا ،من أجل إعادته إلى العصر الحجري ،حتى ل
يتمكّن أهل بابل ،من النبعاث عليهم مرة أخرى ،عندما يأذن ال لهم بذلك .
موسى :
سفر التثنية " 49 :28ويجلب الرب عليكم أمة من بعيد ،من أقصى الرض ،فتنقضّ عليكم كالنسر :50 ،أمّة
[ جافية الوجه ] يثير منظرها الرعب ،ل تهاب الشيخ ول ترأف بالطفل ( أولي بأس شديد ) :51 ،فتستولي على
نتاج بهائمكم ،وتلتهم غلت أرضكم حتى تفنوا ،ول تُبقِ لك قمحا ول خمرا ول زيتا … ،حتى تفنيك :52 ،
وتحاصركم في جميع مدنكم ،حتى تتهدم أسواركم الشامخة الحصينة ،التي وثقتم بمناعتها " … ،
:29 :31لنني واثق أنكم بعد موتي ،تفسدون وتضلون عن الطريق الذي أوصيتكم بها ،فيصيبكم الشرّ في آخر
اليام ( المرة الثانية تكون في آخر اليام ) ،لنكم تقترفون الشر أمام الرب ،حتى تثيروا غيظه بما تجنيه أيديكم
…".
: 19 :32فرأى الرب ذلك ورذلهم ،إذ أثار أبناؤه وبناته غيظه : 20 ،وقال :سأحجب وجهي عنهم فأرى ماذا
سيكون مصيرهم ؟ إنهم جيل متقلب وأولدُ خونة ، … : 21 ،لذلك سأثير غيرتهم بشعب متوحش ( أولي بأس
شديد ) ،وأغيظهم بأمة حمقاء [ أمة ل تفهمون لغتها ] .
إشعياء :
:9 :25فها أنا أُجنّد جميع قبائل الشمال ،بقيادة نبوخذ نصر عبدي* ،وآتي بها إلى هذه الرض ،فيجتاحونها
ويهلكون جميع سكّانها ،مع سائر المم المحيطة بها ،وأجعلهم مثار دهشة وصفير ،وخرائب أبدية .
* ( عبدي ) جاءت صفة لنبوخذ نصر في التوراة .
:22 :10اسمعوا ،ها أخبار تتواتر عن جيش عظيم ،مقبل من الشمال ،ليحوّل مدن يهوذا ،إلى خرائب ومأوى
لبنات آوى .
: 22 :6انظروا ،ها شعبٌ زاحف من الشمال ،وأمّة عظيمة تهبّ من أقاصي الرض ، … ،لمحاربتك يا
أورشليم .
190
حزقيال :
:19 :21وأوحى إليّ الربّ بكلمته قائل :أمّا أنت يا ابن آدم ،فخطّط طريقين لزحف ملك بابل .من أرض واحدة
تخرج الطريقان ،وفي ترجمة أخرى [ وأنت يا ابن آدم ،عيّن لنفسك طريقين ،لمجيء سيف ملك بابل ،من
أرض واحدة تخرج الثنتان ]
:22-23 :23وآتي بهم عليك من كل ناحية ،أبناء البابليين ،وسائر الكلدانيين ،ومعهم جميع أبناء أشور .
يعلم اليهود علم اليقين ،أن المبعوثين عليهم في المرة الثانية ،سيخرجون من أرض بابل وأشور ،فالكلدانيون
بابليين وآشوريون هم سكان العراق القدماء .وبابل مدينة عراقية ،تقع في وسط العراق إلى الجنوب من بغداد ،
وأشور تقع في شماله .ورغم معرفتهم هذه فهم مستمرّون في غيهم وطغيانهم ،ذلك لنهم لم يؤمنوا بال ول
بأنبيائه سابقا ولحقا ،فمعرفتهم به سبحانه جاءت من خلل آراء كهنتهم وأحبارهم .فهم يأخذون من التوراة ما
يوافق أهوائهم ،ويتركون ما سواه .أما ما يؤمنون به حقا فهو المال والقوة .وبما أنهم يملكون القوة والمال ،
وبما أن ال قد كشف لهم عن مُخططاته ،بالنسبة لحتمية القضاء على وجودهم في فلسطين ،فالحل لديهم ليس
التوبة والرجوع إلى ال ( الذي ل يقيمون له وزناً ،نتيجة افتراءات زنادقة التلمود عليه ،سبحانه وتعالى عمّا
يصفون ) ،وإنما بمخالفة مُخطّطات ال وإبطالها ،معتمدين على ما ألّفه الكهنة من نبوءات خاطئة عن الملك
الموعود .وذلك بكل بساطة ،من خلل تنفيذ مخطّطات الكهنة والحبار القديمة الجديدة ،التي وُضعت كحلّ
لمعضلتهم المستعصية مع ال ،وهي إبادة الكلدانيين ،ومحو بابل الجديدة عن الوجود ،وتحويلها إلى صحراء
قاحلة ،ل تسكنها إل الثعالب ،وما كان تصريح أحد كلبهم ( بوش الب ) ،عندما قال ( :بأنه سيُعيد العراق
إلى العصر الحجري ) ،إل من خلفية توراتية حاقدة .
191
أرض الرب ،ويتسلّطون على آسريهم وظالميهم .في ذلك اليوم يُريحكم الرب ،من عنائكم وشقائكم وعبوديتكم
القاسية " .
" :4-23 :14فتسخرون من ملك بابل قائلين " :كيف استكان الظالم وكيف خمدت غضبته المُتعجرفة ؟ قد حطّم
الرب عصا المنافق وصولجان المُتسلطين … حتى شجر السرو وأرز لبنان عمّها الفرح ،فقالت " :منذ أن
انكسرت شوكتك ،لم يصعد إلينا قاطع حطب " … والذين يرونك ،يحملقون فيك ويتساءلون " :أهذا هو
النسان الذي زعزع الرض وهزّ الممالك ،الذي حوّل المسكونة إلى مثل القفر ،وقلب مُدنها ،ولم يُطلق أسراه
ليرجعوا إلى بيوتهم ؟ " … أما أنت فقد طُرحت بعيدا عن قبرك ،كغصن مكسور … لنك خرّبت أرضك ،
وذبحت شعبك ،فذريّة فاعلي الثم ،يبيد ذكرها إلى البد .أعدّوا مذبحة لبنائه جزاء إثم آبائهم ،لئل يقوموا
ب ضدهم ،وأمحو من بابل ،اسماً وبقيةً ويرثوا الرض فيملئوا وجه البسيطة مُدناً .يقول الرب القدير " :إني أه ّ
ونسلً وذريةً ،وأجعلها ميراثًا للقنافذ ،ومستنقعاتٍ للمياه ،وأكنسها بمكنسة الدمار " .
دعوة للشماتة والسخرية من بابل بعد سقوطها .ودعوة لعداد مذبحة لبنائها ؛ أول :للنتقام منهم لما فعله
آبائهم سابقا ،وثانيا :لمنع البناء من تكرار فعل الباء لحقا ،وتلك هي مُبرّراتهم لتدمير العراق .
" : 29 :14ل تفرحي يا كلّ فلسطين ( إسرائيل ) ،لن القضيب الذي ضربك قد انكسر .فانه من أصل تلك
الفعى يخرج أُفعوان ،وذريّته تكون ثعبانا سامّا طيّارا … ولول أيّها الباب ،ونوحي أيّتها المدينة ،ذوبي خوفا
يا فلسطين قاطبة ،لن جيشا مُدرّبا قد زحف نحوك من الشمال … " .
وهذا النص يُحذر اليهود من الفرح ،بانكسار قضيب بابل ( أي بانكسار العراق في بادئ المر ) ،لنه في
النهاية سينهض من جديد ،ليُنجز ما قضاه ال عليهم .فالُفعوان ل محالة خارج ،من أصل تلك الفعى ،طال
الزمان أو قصر ،وسينفث سمّه في أجسادهم عند مجيء الموعد ،وذريته ستكون أشد بأسا وأشد تنكيل .
192
أمّا أن ال قد أمرهم ،بتدمير العراق وإبادة أهله ،وتحويل العراق إلى صحراء قاحلة ،تسكنها الثعالب ،فحاشا
ل ،أن يأمر أو يُحرّض الناس على الفساد في الرض ،وهو الذي سيمحو ذكرهم عن فلسطين ،على أيدي
العراقيين أنفسهم ،لعظم ما أفسدوه في أرضه ،ولجل الفساد ذاته ،ولجل سفك دماء البرياء الذي هو أعظم
الفساد في الرض .إذ أنهم فور امتلكهم للقوة والسلطة ،أسرفوا في القتل والتنكيل ،أيّما إسراف ،في الرض
على عمومها ،فأصابعهم ملوثة بدماء ضحايا كافة الحروب على مرّ العصور .ففي مملكتهم الولى أوقعوا القتل
والنهب والنفي في أبناء جلدتهم ،وفي دولتهم الثانية كرّروا فعلتهم في شعب فلسطين .
ول يغب عن البال أن هذه النص التحريضي ،بما يحفل به من مبالغة وتهويل ،وتكرار وتطويل ،كُتب بعد
السبي البابلي ،قبل 2500عام تقريبا ،كدعوة للنتقام من بابل القديمة ،عند عودتهم من السبي والشتات إلى
فلسطين ،وإن كانت بابل قد وقعت في أيدي الفرس قديما كما جاء في التوراة ،فمملكة فارس تقع إلى الشرق من
بابل وأشور ،والنبوءة تقول أن من سيُدمّرها جمع من الملوك يجتمعون عليها من الشمال .حتى جاءت دولتهم
الحالية ،وأخذ يهود هذا العصر ،بكل ما لديهم من طاقات وإمكانيات ووسائل ،على عاتقهم تنفيذ هذا البرنامج ،
الذي وضعه لهم أربابهم من الحبار والكهنة ( الحكماء ) .ولو أنك أمعنت النظر في الواقع ،وما مرّ بالعراق
من أحداث ،خلل عشرين سنة ماضية ،تجد أن مرجعية كل تلك الحداث ،موجودة في هذا النص التوراتي
وبالتفصيل .
وفي ما يلي النص الكامل لوثيقة الثأر ،والدعوة لتسديد الحساب القديم لبابل الجديدة ،كما جاء في الصحاح (
) 51 – 50من سفر ارميا ،بما فيها من تكرار وتطويل :
التحريض العلمي :
" النبوءة التي قضى بها الرب ،على بابل وعلى بلد الكلدانيين ،على لسان ارميا النبي :أخبِروا في الشعوب
وأسمِعوا وارفعوا راية ،أسمِعوا ل تخفوا ،قولوا :قد تم الستيلء على بابل ،ولحق ببيل العار وتحطّم مردوخ
( أسماء لصنام بابل ) ،خربت أصنامها وانسحقت أوثانها ،لن أمة من الشمال ،قد زحفت عليها ،لتجعل
أرضها مهجورة ،شرد منها الناس والبهائم جميعا " .
التنفيذ مرتبط بعودتهم إلى فلسطين :
" وفي تلك اليام ،يقول الرب ،يتوافد بنو إسرائيل وبنو يهوذا معا ،يبكون في سيرهم ويلتمسون الرب إلههم ،
يسألون عن الطريق صهيون ويتوجّهون إليها قائلين :هلم ننضمّ إلى الرب ،بعهد أبدي ل يُنسى ،إنّ شعبي كغنم
ضالّة قد أضلّهم رعاتهم ،وشرّدوهم على الجبال ،فتاهوا ما بين الجبل والتل ،ونسوا مربضهم ،كل من وجدهم
افترسهم ،وقال أعدائهم :ل ذنب علينا لنهم ،هم الذين أخطأوا في حقّ الرب ،الذي هو ملذهم الحقّ ،ورجاء
آبائهم "
دعوة لخروج الغرباء من بابل :
" اهربوا من وسط بابل ،واخرجوا من ديار الكلدانيين ،وكونوا كالتيوس أمام قطيع الغنم ( ،الطلب من جميع
الغربيين مُغادرة العراق قبل القصف ) فها أنا أُثير وأجلب على بابل ،حشود أُمم عظيمة ( 30دولة ) ،من
أرض الشمال ،فيتألّبون عليها ،ويستولون عليها من الشمال ،وتكون سهامهم كجبّار متمرّس ل يرجع فارغا
( من الصيد ) ،فتصبح أرض الكلدانيين غنيمة ،وكل من يسلبها يُتخم ( عوائد النفط ) ،يقول الرب .لنكم
تبتهجون وتطفرون غبطة يا ناهبي شعبي ،وتمرحون كعِجلةٍ فوق العشب وتصهلون كالخيل ،فإنّ أمّكم قد لحقها
الخزي الشديد ،وانتابها الخجل ،ها هي تُضحي أقلّ الشعوب ،وأرضها تصير قفرا جافا وصحراء ،وتظلّ
بأسرها مهجورة وخربة ،كل من يم ّر ببابل ،يُصيبه الذعر ويصفر دهشة ،لما ابتليت به من نكبات " .
193
تحريض على تدمير بابل :
" اصطفّوا على بابل من كل ناحية ،يا جميع موتري القواس ،ارموا السهام ول تبقوا سهما واحدا ،لنها قد
أخطأت في حقّ الرب ( لنها أنزلت بهم العقاب اللهي في المرة الولى ) ،أطلقوا هتاف الحرب عليها من كل
جانب ( طبل وزمر العلم الغربي قبل بدء الحرب ) ،فقد استسلمت ( لقرارات مجلس المن ) وانهارت أسسها
وتقوضت أسوارها ( البنية التحتية ) ،لن هذا هو انتقام الرب ( بل هو انتقامهم ) ،فاثأروا منها ( تحريض ) ،
وعاملوها بمثل ما عاملتكم ،استأصلوا الزّارع من بابل ،والحاصد بالمنجل في يوم الحصاد ،إذ يرجع كل واحد
إلى قومه ،ويهرب إلى أرضه فرارا من سيف العاتي " .
دوافع النتقام :
" إسرائيل قطيع غنم مشتّت ،طردته السود ،كان ملك أشور أولّ من افترسه ،ونبوخذ نصر آخِر من هشّم
عظامه ( كان هذا واقع حال الكهنة ،عند كتابة هذه الوثيقة ،موضحين دوافع هذا التحريض ) ،لذلك هذا ما
يُعلنه الرب القدير إله إسرائيل :ها أنا أُعاقب ملك بابل وأرضه ،كما عاقبت ملك أشور من قبل ،وأردّ إسرائيل
إلى مرتعه ،فيرعى في الكرمل وباشان ،وتشبع نفسه في جبل أفرايم وجلعاد .وفي ذلك الزمان والوان
( المستقبل ) ،يقول الرب ( وما هو بقوله ) :يُلتمس إثم إسرائيل فل يوجد ،وخطيئة يهوذا فل تكون ،لني
أعفو عمن أبقيته منهما ( في المرة الثانية بعد السبي البابلي ) " .
تحريض مستمر:
" ازحف على أرض ميراثايم ( الجبّار المتمرّد ،أي ملك بابل ) ،وعلى المقيمين في فقود ( أرض العقاب ،بابل
خرّب ودمّر وراءهم ( أثناء فرارهم ) ،يقول الرب ،وافعل حسب كل ما آمرك به .قد عَلَتْ جلبة القتال في) َ
الرض ( على مرآى من العالم في بث حيّ ومُباشر ) ،صوت تحطيم عظيم ( دوي القنابل ) ،كيف تكسرّت
وتحطّمت بابل ،مطرقة الرض كلها ؟ قد نصبتُ الشرك فوقعتِ فيه يا بابل ( تورطت في الحرب نتيجة مؤامرة
) ،من غير أن تشعري ،قد وُجدّت ( أُخذتِ ) وقُبضَ عليك ،لنّك خاصمت الربّ ،قد فتح الرب ( أمريكا التي
يعبدون ) مخزن سلحه ،وأخرج آلت سخطه ( التعبير هنا أكثر دقة وبمصطلحات حديثة ) ،لنه ما برح للسيد
الرب القدير ،عمل يُنجزه في ديار الكلدانيين ( حربين مدمّرتين وحصار وما زال في جعبتهم أكثر ،لحقا ) ،
ازحفوا عليها من أقاصي الرض ،وافتحوا أهراءها ،وكوّموها أعراما واقضوا عليها قاطبة ،ول تتركوا منها
بقية ( ،نهب ثرواتها وخيراتها ) ،اذبحوا جميع ثيرانها ،أحضروها للذبح ،ويل لهم لن يوم موعد عقابهم قد
حان " .
استخدام وسائل العلم في الطبل والزمر ( تكرار ) :
" اسمعوا ها جلبة الفارّين الناجين ،من ديار بابل ليذيعوا في صهيون ،أنباء انتقام الرب إلهنا والثأر لهيكله ،
استدعوا إلى بابل رماة السهام ،جميع موتري القسي (مُذخّري السلح ) ،عسكروا حولها فل يُفلت منها أحد
( الحصار ) ،جازوها بمُقتضى أعمالها ،واصنعوا بها كما صنعت بكم ،لنها بغت على الرب قدّوس إسرائيل ،
لذلك يُصرع شبّانها في ساحاتها ،ويبيد في ذلك اليوم جميع جنودها ،يقول الرب .ها أنا أُقاومكِ أيتها
المتغطرسة ،يقول الرب القدير ،لن يوم إدانتك ،وتنفيذ العقاب فيك قد حان ،فيتعثّر المُتغطرس ويكبو ،ول
يجد من يُنهضه ،وأُضرم نارا في مُدنه فتلتهم ما حوله " .
دوافع النتقام ( تكرار ) :
" وهذا ما يعلنه الرب القدير :قد وقع الظلم على شعب إسرائيل ( عقابهم من قبل بابل كان ظلماً لهم ) ،وعلى
شعب يهوذا ،وجميع الذين سبوهم وتشبّثوا بهم ولم يطلقوهم ،غير أن فاديهم قوي ،الرب القدير اسمه ،وهو
حتما يُدافع عن قضيتهم ،لكي يُشيع راحة في الرض ،ويُقلق أهل بابل .ها سيف على الكلدانيين ،يقول الرب
وعلى أهل بابل ،وعلى أشرافها وعلى حكامها " .
194
طبيعة العقاب الذي يأمل اليهود أن يوقعوه في بابل وأهلها :
" ها سيف على عرّافيها فيصبحون حمقى ،وها سيف على مُحاربيها فيمتلئون رعبا .ها سيف على خيلها وعلى
حرّ على مياهها
مركباتها ،وعلى فِرق مُرتزقتها فيصيرون كالنساء ،ها سيف على كنوزها فتُنهب ،ها ال َ
فيُصيبها الجفاف ( بسبب ضربة نووية قادمة ) لنها أرض أصنام ،وقد أُولع أهلها بالوثان .لذلك يسكنها وحش
القفر مع بنات آوى ،وتأوي إليها رعال النعام ،وتظلّ مهجورة إلى البد .غير آهلة بالسكان إلى مدى الدهر .
وكما قلب ال سدوم وعمورة وما جاورهما ،هكذا لن يسكن فيها أحد ،أو يقيم فيها إنسان ( وهذا ما يصبون
إليه ،ولن يهدأ لهم بال حتى يحققوه ) " .
العدوان الثلثيني لتدمير بابل وإسقاط نظام الحكم فيها :
" ها شعب مُقبل من الشمال ،أمّة عظيمةٌ ولفيفٌ من الملوك ( العدوان الثلثيني ) ،قد هبّوا من أقاصي
الرض ،يمسكون بالقسيّ ويتقلّدون بالرماح ،قُساة ل يعرفون الرحمة ،جلبتهم كهدير البحر ،يمتطون الخيل
وقد اصطفوا كرجل واحد ،لمحاربتك يا بنت بابل ( بابل الجديدة هي بنت بابل القديمة ،أي العراق ) ،قد بلغ
خبرهم ملك بابل ،فاسترخت يده وانتابته الضيقة ،ووجع امرأة في مخاضها .انظر ،ها هو ينقضّ عليها ،كما
ض أسد من أجمات نهر الردن ،هكذا وفي لحظة أطردهم منها ،وأُولي عليها من أختاره ( قلب نظام الحكم ، ينق ّ
وإسقاط الرئيس ،وتولية من يرضون عنه ) .لنه من هو نظيري ؟ ومن يُحاكمني ؟ وأي راع يقوى على
مواجهتي ؟ " ( من منطلق العنجهية والقوة العمياء ) .
قصف بابل بالقنابل التوراتية :
" لذلك اسمعوا ما خطّطه الربّ ضدّ بابل ( بل ما خطّطه ودبّره عميان القلب والبصيرة ،من كهنتهم وأحبارهم
الحاقدين ) ،وما دبّره ضد ديار الكلدانيين ،ها صغارهم يُجرّون جرّا ،ويُخرّب مساكنهم عليهم .من دوي
أصداء سُقوط ( القنابل التوراتية على ) بابل ترجف الرض ،ويتردّد صراخها بين المم " .
" وهذا ما يُعلنه الرب ( أربابهم ) :ها أنا أُثير على بابل ،وعلى المُقيمين في ديار الكلدانيين ريحا مُهلكة ،
وأبعث إلى بابل مُذرّين يُذرّونها ،ويجعلون أرضها قفرا ،ويُهاجمونها من كل جانب في يوم بليّتها .ليوتر
شبّانها ،بل
( يُذخّر ) الرامي قوسه وليتدجّج بسلحه ( لتلقي طائراتهم كل حمولتها فوق بابل ) ،ل تعفوا عن ُ
أبيدوا كل جيشها إبادة كاملة ،يتساقط القتلى في أرض الكلدانيين ،والجرحى في شوارعها ( من المدنيين
طبعا ) ،لن إسرائيل ويهوذا لم يُهملهما الربّ القدير ،وإن تكن أرضهما تفيضُ بالثم ضدّ قدّوس إسرائيل
( ربهم معهم دائما حتى لو وصل إفسادهم عنان السماء ) " .
دعوة لخروج الغرباء من بابل ( تكرار ) :
" اهربوا من وسط بابل ،ولينجُ كل واحد بحياته ،ل تبيدوا من جراء إثمها ( دعوة للجاليات الغربية لمغادرة
العراق ) ،لن هذا هو وقت انتقام الرب ( الوقت الذي حدده جورج بوش ) ،وموعد مُجازاتها ( تصفية الحساب
القديم قبل 2500عام تقريبا ) ،كانت بابل كأس ذهب في يد ال ( الثروة والقوة ) ،فسكرت الرض قاطبة ،
جنّت الشعوب .فجأة سقطت بابل وتحطّمت ،فولولوا عليها ،خذوا بلسما تجرّعت المم من خمرها ،لذلك ُ
لجرحها لعلها تبرأ .قُمنا بمداواة بابل ( حرب الخليج الولى ،وضرب المفاعل النووي ) ،ولكن لم ينجع فيها
علج ( إذ قامت بالتهديد بحرق نصفها حال اعتدائها على أي بلد عربي ) .اهجروها وليمضِ كل واحد منا إلى
أرضه ،لن قضاءها قد بلغ عنان السماء ،وتصاعد حتى ارتفع إلى الغيوم ( تهديدها لدولة الفاعي مرارا
وتكرارا ) " .
195
تحريض اليرانيين على تدمير بابل :
" قد أظهر الرب برّنا ،فتعالوا لنُذيع في صهيون ،ما صنعه الرب إلهنا .سنّوا السهام وتقلّدوا التروس ،لن
الرب قد أثار روح ملوك الماديين ( اليرانيين ) ،إذ وطّد العزم على إهلك بابل ،لن هذا هو انتقام الرب ،
والثأر لهيكله .انصبوا راية على أسوار بابل ،شدّدوا الحراسة ،أقيموا الرصاد ( الجواسيس والعملء ) أعدوا
الكمائن ( المؤامرات ) ،لن الرب قد خطّط وأنجز ما قضى به على أهل بابل ،أيتها الساكنة إلى جوار المياه
الغزيرة ،ذات الكنوز الوفيرة ،إن نهايتك قد أزفت ،وحان موعد اقتلعك ،قد أقسم الرب القدير بذاته ،قائل :
لملنّك أُناسا كالغوغاء فتعلوا جلبتهم عليك " .
بقدرة الرب القدير سيتم تدمير بابل :
" هو الذي صنع الرض بقدرته ،وأسّس الدنيا بحكمته ،ومدّ السماوات بفطنته ،ما إن ينطق بصوته ،حتى
تتجمع غمار المياه في السماوات ،وتصعد السحب من أقاصي الرض ،ويجعل للمطر بروقا ،ويُطلق الريح
من خزائنه ،كل امرئٍ خامل وعديم المعرفة ،وكل صائغ خزيَ من تمثاله ،لن صنمه المسبوك كاذب ول حياة
فيه ،جميع الصنام باطلة وصنعة ضلل ،وفي زمن عقابها تبيد .أما نصيب يعقوب فليس مثل هذه الوثان ،
بل جابل كل الشياء .وشعب إسرائيل ميراثه ،واسمه الرب القدير ،أنت فأس معركتي وآلة حربي ،بك أُمزّق
المم إربا وأُحطّم ممالك ،بك أجعل الفرس وفارسها أشلء ،وأهشّم المركبة وراكبها ،بك أُحطّم الرجل
والمرأة ،والشيخ والفتى والشاب والعذراء ،بك أسحق الراعي وقطيعه ،والحارث وفدّانه والحكّام والولة " .
خطيئة بابل في حق صهيون :
" سأُجازي بابل وسائر الكلدانيين على شرّهم ،الذي ارتكبوه في حق صهيون ،على مرأى منكم ،يقول الرب .
ها أنا أنقلب عليك أيها الجبل المخرّب ،أنت تُفسد كل الرض ،لذلك أمدّ يدي عليك ،وأدحرجك من بين
الصخور ،وأجعلك جبل محترقا ،فل يُقطع منك حجر لزاوية ،ول حجر يُوضع لساس ،بل تكون خرابا
أبديا ،يقول الرب " .
تحريض المم والممالك على تدمير بابل ( تكرار ) :
" انصبوا رايةً في الرض ،انفخوا في البوق بين المم ( وسائل العلم الغربية ) ،أثيروا عليها الممَ لقتالها ،
وألّبوا عليها ممالكَ أراراط ومنّي وأشكناز ( تركيا وما حولها ) ،أقيموا عليها قائداً ،اجعلوا الخيل تزحف
عليها ،كجحافلِ الجنادبِ الشرسة .أثيروا عليها الممَ وملوكَ الماديين ( اليرانيين ) ،وكل حكّامهم وولتهم
وسائر الديار التي يحكمونها ( إمبراطورية فارس القديمة ) .الرضُ ترتجف وتقشعرّ ،لن قضاء الرب على
بابل يتمّ ،ليجعل أرض بابل خرابا وقفرا " .
أهل بابل بيدر ،أزف موعد حصاده في 1991 – 1 – 16م :
" قد أحجم مُحاربو بابل الجبابرة عن القتال ،واعتصموا في معاقلهم ،خارت شجاعتهم وصاروا كالنساء ،
احترقت مساكن بابل وتحطّمت مزاليجها ،يركض عدّاء لملقاة عدّاء آخر ،ويُسرع مُخبر للقاء مُخبر ،ليُبلغ
ملك بابل أن مدينته ،قد تم الستيلء عليها ،من كل جانب ،قد سقطت المعابر ،وأُحرقت أجمات القصب
بالنار ،واعترى المحاربين الذعر ،لن هذا ما يُعلنه الرب القدير إله إسرائيل :أنّ أهل بابل كالبيدر ،وقد حان
أوان درس حنطته ،وبعد قليل يأزف موعد حصادهم " .
196
دوافع النتقام ( تكرار ) :
" يقول المسبيون " :قد افترسنا نبوخذ نصر ملك بابل ،وسحقنا وجعلنا إناءً فارغا ،ابتلعنا كتنّين ،ومل جوفه
من أطايبنا ،ثم لفظنا من فمه " .يقول أهل أورشليم " :ليحُلّ ببابل ما أصابنا ،وما أصاب لحومنا من ظلم " ،
وتقول أورشليم " :دمي على أهل أرض الكلدانيين " ( مطالبة بالثأر مستقبل من الجيال القادمة ) .
الكيفية التي تم بها إشعال حرب الخليج الثانية :
" لذلك هذا ما يُعلنه الرب :ها أنا أُدافع عن دعواك وانتقم لك ،فأجفف بحر بابل وينابيعها ،فتصير بابل ركاما ،
ومأوى لبنات آوى ،ومثار دهشة وصفير وأرضا موحشة ( سيتحصّل لهم ذلك في حال ضرب العراق نوويا ،
وهو ما يُفكّرون به حاليا ) ،إنهم يزأرون كالسود ،ويُزمجرون كالشبال ( ،أي العراقيون ،وهذا ما يُغيظ تلك
الفئران ،التي ترتعد فرائسها ،وتصطك أسنانها هلعا وجزعا ،عند سماعها للتهديدات العراقية ) ،عند شبعهم ،
أُعدّ لهم مأدبة ( دولة الكويت ،وحكامها باستجابتهم لبالسة المكر والدهاء جعلوا منها مأدبة ) ،وأُسكرهم حتى
تأخذهم نشوة ( الغراء والمديح لحكام العراق ،باستجابتهم للفريق الثاني من البالسة ) ،فيناموا نوما أبديا ل
يقظة منه ،يقول الرب .وأُحضرهم ( العراقيين ) كالحملن للذبح ،وكالكباش والتيوس " .
وكل الفريقين وبقية الدول العربية ،بعلم ومن غير علم ،وقعوا في الفخ الذي نُصب لهم ،وكلهم ملومين بل
استثناء ،ومن يضع اللوم على فريق دون الخر ،فقد جانبه الصواب ،فكل عربي كان له دور في المؤامرة ،
ونفذّه على أكمل وجه ،وكلٌ أخذ نصيبه في تأجيج نار الفتنة .وفي المحصلة نُهبت ثروات المة ،واستخدمت
لشباع بعضا من الرغبة اليهودية في النتقام من بابل ،ولديهم مزيد ،فتوراتهم تأمرهم بألّ يتركوا العراق ،
حتى يعود إلى " العصر الحجري " ،كما صرح الرئيس المريكي آنذاك ،وأقصى أمانيّهم ،هي اختفاء أي
مظهر من مظاهر الحياة في العراق ،خوفا من تكرار كابوس السبي البابلي ،الذي ما زال يؤرق أجفانهم ،
ويقضّ مضاجعهم ،ما دام هناك عراق قوي ،يُهدّد وجودهم ،وقادر على الوصول إليهم .
المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا :
" كيف استُوليَ على بابل ! كيف سقطت فخر كل الرض ! كيف صارت بابل مثار دهشة بين المم ! قد طغى
البحر على بابل ،فغمرها بأمواجه الهائجة ،وأصبحت مُدنها موحشة ،وأرض قفر وصحراء ،أرض ل يأوي
إليها أحد ،ول يجتاز بها إنسان ،وأعاقبُ الصنم بيل في بابل ،وأستخرج من فمه ما ابتلعه ( ،نهب ثروات
ف المم من التوافد إليه ،وينهدم أيضا سور بابل " .
العراق تعويضا عن كنوز الهيكل ) ،فتك ّ
ل بد لهم ،من ضرب العراق بالنووي ،عاجل أم آجل ،حتى يتمكنوا من تحقيق هذا الحلم التوراتي ،فالسلحة
التقليدية لم تُجدي نفعا ،والرعب الم َرضِيّ اليهودي من اسم بابل وأشور ،كما هو واضح من هذه النصوص ،
ليس له علج إل محو هذا البلد بأهله ،عن الوجود وإلى البد ،وهذا ما يُصرّحون به ،في هذه النصوص ،ومن
معرفتك بطبيعة العلج الذي يصفونه لنفسهم ،تستطيع التعرف على خطورة الحالة المرضيّة المستعصية ،التي
يُعانون منها ،وخطورة ما قد يُقدمون عليه مستقبل في حق العراق .
دعوة أخرى لخروج الغرباء من بابل ( تكرار ) :
" اخرجوا من وسطها يا شعبي (لذلك لم يبدأ العدوان إل بعد خروج رعايا الدول المعتدية ،والنية كانت تدمير
العراق عن بكرة أبيه ،لو أُتيح لهم ذلك ) ،ولينجُ كل واحد بحياته ،هربا من احتدام غضب الرب ،ل تخرّ
قلوبكم ول تفزعوا ،مما يشيع في الديار من أنباء ،إذ تروج شائعة في هذه السنة ،وأُخرى في السنة التالية ،
ويسود العنف الرض ،ويقوم مُتسلّط على مُتسلّط .لذلك ها أيام مُقبلة ،أُعاقب فيها أصنام بابل ،ويلحق العار
بأرضها كلها ،ويتساقط قتلها في وسطها ،عندئذ تتغنى بسقوط بابل ،السماوات والرض وكل ما فيها ،لن
المُدمّرين يتقاطرون عليها من الشمال ،يقول الرب " .
197
المستهدف هو شعب بابل :
" كما صرعت بابل قتلى إسرائيل ،هكذا يُصرع قتلى بابل في كل الرض ( السن بالسن والعين بالعين ) ،يا
أيّها الناجون من السيف ،اهربوا ل تقفوا ،اذكروا الرب في مكانكم البعيد ،ول تبرح أورشليم من خواطركم .قد
لحقنا الخزيَ لننا استمعنا للهانة ،فكسا الخجل وجوهنا ( إساءة الوجه ) ،إذ انتهك الغرباء ( أي البابليون )
مقادس هيكل الرب ( بعدما حوّله الكهنة إلى بورصة ،للتبادلت التجارية الربويّة ،حسبما ذكر أنبياؤهم ) " .
" لذلك ها أيام مُقبلة ،يقول الرب ،أُنفّذ فيها قضائي على أصنام بابل ،ويئنّ جرحاها في كل ديارها ،وحتى لو
ارتفعت بابل فبلغت عنان السماء ،وحتى لو حصّنت معاقلها الشامخة ،فإنّ المُدمّرين ينقضون عليها من عندي ،
يقول الرب " .
المصير المرعب الذي كان اليهود يتمنونه لبابل بعد حرب الخليج وما زالوا ( تكرار ) :
" ها صوت صراخ يتردّد في بابل ،صوت جلبة دمار عظيم ،من أرض الكلدانيين ،لن الرب قد خرّب بابل ،
وأخرس جلبتها العظيمة ،إذ طغت عليها جحافل أعدائها ،كمياه عجّاجة ،وعل ضجيج أصواتهم ،لن المُدمّر
قد انقض على بابل ،وأسرَ مُحاربيها ،وتكسرت كل قسيّها ( أسلحتها ) ،لن الرب إله مُجازاة ،وهو حتما
يُحاسبها ،إني أُسكرُ رؤساءها وحكماءها ومحاربيها ،فينامون نوما أبديا ل يقظة منه ، … ،وهذا ما يُعلنه
الرب القدير :إن سور بابل العريض ،يُقوّض ويُسوّى بالرض ،وبوّاباتها العالية تحترق بالنار ،ويذهب تعب
الشعوب باطل ،ويكون مصير جهد المم للنار " .
" وكان ارميا قد دوّن في كتاب واحد ،جميع الكوارث التي ستُبتلى بها بابل ،أي جميع النبوءات المدوّنة عن
بابل ( ،وأرسله ارميا إلى بابل وقال لحامله ) " :حالما تصل إلى بابل ،اعمل على تلوة جميع هذه النبوءات ،
وقل :أيها الرب ،قد قضيت على هذا الموضع بالنقراض ،فل يسكن فيه أحد من الناس والبهائم ،بل يُصبح
خرابا أبديا " ،ومتى فرغت من تلوة هذا الكتاب ،اربط به حجرا واطرحه في وسط الفرات ،وقل " :كذلك
تغرق بابل ،ول تطفو بعد ،لما أُوقعه عليها من عقاب ،فيعيا كل أهلها " .
هذه الوثيقة المرعبة التي خطّها مؤلفو التوراة ،على أنها عقوبة ال لبابل ،ما هي إل العقوبة التي تنتظر
إسرائيل وأمريكا مستقبل ،ولكنهم أرادوها لبابل ،ونفذّوا فصولها في العراق ،فصل تلو الخر ،وهم يسعون
الن من وراء الكواليس لتنفيذ بقية فصولها .
صفة العقاب اللهي لمريكا :
سبب العقاب اللهي هو استعلئها وإضللها لشعوب الرض ،وما أوقعته من ظلم بهم .ودمارها سيأتي من
الشمال .من خلل تحالف عدة دول ،وبضربات نووية كثيفة ومفاجئة .تتسبب بدمار عظيم وحرائق وجفاف ،
ومن ثم طوفان عظيم يجتاح أراضيها ،ليتركها قفرا أجرد ل يصلح للسكن أبد الدهر .وجيوشها التي كانت قد
خرجت منها ،سيتم ذبحها كالحملن والتيوس .
198
السماء " :اخرجوا منها يا شعبي ،لئل تشتركوا في خطاياها ،فتصابوا ببلياها ،فقد تراكمت خطاياها حتى
بلغت عنان السماء ،وتذكّر ال ما ارتكبته من آثام .افعلوا بها كما فعلت بكم ،وضاعفوا لها جزاء ما اقترفت ،
… .ستنقضّ عليها البليا في يوم واحد ،من موت وحزن وجوع ،وستحترق بالنار فإن ال الذي يُدينها ،هو
ربّ قدير " .
" : 9-10 :18وسيبكي عليها ملوك الرض ،الذين زنوا وترفّهوا معها ،وسينوحون وهم ينظرون إلى دخان
حريقها ،فيقفون على بُعد منها ،خوفا من عذابها ،وهم يصرخون :الويل ،الويل ،أيتها المدينة العظمى ،بابل
القوية ! في ساعة واحدة حل بك العقاب ! " .
" : 12-17 :18وسيبكي تُجار الرض ويحزنون عليها ، … ،هؤلء التجار الذين اغتنوا من التجارة معها ،
يقفون على بعد منها ،خوفا من عذابها ،يبكون عليها وينتحبون ،قائلين :الويل ،الويل ،على المدينة العظمى ،
… ،وقد زال هذا كله في ساعة واحدة ! " .
" :18-19 :18ويقف قادة السفن وركّابها وملّحوها على بعد منها ،ينظرون إلى دُخان حريقها ،أية مدينة مثل
هذه المدينة العظمى ؟! ويذرون التراب على رؤوسهم ،وهم يصرخون باكين منتحبين :الويل ،الويل ،على
المدينة العظمى ،التي اغتنى أصحاب سفن البحر جميعا بفضل ثروتها ! ها هي في ساعة واحدة قد زالت ! " .
" :20 :18اشمتي بها أيتها السماء ! واشمتوا بها أيها القدّيسون والرسل والنبياء ،فقد أصدر ال حُكمه عليها بعد
أن أصدرت أحكامها عليكم " .
" : 21-24 :18وتناول ملك قوي ،حجرا كأنّه حجر طاحونة عظيم ،وألقاه في البحر ،قائل " :هكذا تُدفع
وتُطرح بابل الدينة العُظمى ،فتختفي إلى البد ! لن يُسمع فيك عزف موسيقى بعد ، … ،ولن تقوم فيك صناعة
بعد الن ،ولن يُسمع فيك صوت رحى ،ولن يُضيء فيك نور مصباح … فقد كان ُتجّارك سادة الرض ،
وبسحرك ضلّلت جميع أمم الرض .وفيها وُجدت دماء أنبياء وقدّيسين وجميع الذين قُتلوا على الرض " .
ب إلهنا !
" :1-2 :19وبعد هذا سمعت صوتا عاليا … ،يقول " :هلّلويا ! الخلص والمجد والكرامة والقدرة للر ّ
فإن أحكامه حق وعدل ،لنّه عاقب الزانية الكبرى ،التي أفسدت الرض ،وانتقم لدم عبيده منها " .
الحقيقة أن هذه النبوءة ،تتحدث عن دولة عظمى في العصر الحديث ،تُضاهي عظمة بابل القديمة وقوتها ،
وهذه النصوص في الواقع ،تصف حال أمريكا بقوتها القتصادية والعسكرية ،وما أحدثته في هذا العصر من
فساد وإفساد ،وسفك للدماء في مشارق الرض ومغاربها ،فهي تحكم الكرة الرضية بأسرها من خلل ،
ونصّبت نفسها كإله يُعبد ويُقدّس ،فهي تحدّد في تقارير وزارة خارجيّتها ،من أصلح ومن أفسد ،ومن حافظ
على الحقوق ومن هضمها ،ومن أرهب ومن لم يرهب .وعلى قائمة مقاطعاتها القتصادية حوالي 46دولة ،
فهي المُنعِم والمُكرِم والمُتفضّل على خلق ال ،والكلّ يخطب ودّ ورضا هذه اللهة الجديدة ،وهي تسعى الن
لعولمة اقتصادها وثقافتها ،وفرضها على شعوب تارة بالترهيب وتارة بالترغيب ،وأما كلمة بابل في هذه النص
إما أن تكون أُضيفت عن قصد من قبل الكهنة ،بسبب الحقد والكراهية والرغبة في النتقام من بابل ،وإما أن
تكون قد استخدمت لترمز إلى الدولة العُظمى في هذا العصر .ولو حذفت كلمة بابل ووضعت كلمة أمريكا ،
لوجدت أن النص سيُصبح أكثر صدقا وتطابقا مع الواقع .
ولكن أغلب المفسّرين الجدد من النصارى بوجه خاص ،كما تشير الكاتبة المريكية في الفصل السابق ،يأخذون
بالتفسير اللفظي للمسميات ،التي جاءت في النصوص التوراتية والنجيلية ،ويقدّمون شروحاتهم وتفسيراتهم ،
لنصارى الغرب من ساسة وعامة ،على نحو مغاير لما تُخبر عنه النصوص حقيقة ،فبابل القديمة أينما جاءت
في النصوص ،تعني بالنسبة لهم بابل الجديدة أي العراق ،بالرغم من أن النصوص تصف دولة عظمى ،هي
أقرب إلى أمريكا منها إلى العراق ،وتوحي بأن لفظ بابل استخدام كاستعارة لفظية .
أما اليهود فهم يعلمون حقيقة ما تُخبر عنه النصوص ،وبأن الدمار القادم والذي تُخبر عنه النصوص ،سيكون
لسرائيل وأمريكا وحلفائهما ،ولكنهم يستغلون الفهم الخاطئ والمضطرب للنصارى ،لخدمة أغراضهم
ومخططاتهم الشيطانية ،ولحماية دولتهم من الخطار المحدّقة بها .فهم متّفقون على أن هذه النبوءات تتحدث
عن تدمير العراق ،وبما أنها جاءت تحريضية بصيغة المر ،فقد اتّحدوا لتنفيذ ما قضى به الرب على بابل ،
199
ولن تستكين لهم حال أو تلين لهم عزيمة ،حتى يتحقق ما جاء في هذه النصوص ،بجعل العراق أرضا قفرا
صحراء قاحلة خاوية على عروشها ،لذلك هم ل يكترثون بالشرعية الدولية ول بالقانون الدولي ،إذ ل يمتثل
لهما إل الضعفاء والغبياء ،فالقوانين اللهية بشأن العراق ،هي ما ينصاعون إليه ويلتزمون بتطبيقه ،فالحرب
على العراق حرب مُقدّسة ،لنهم موقنون تماما :بأنّ بقاء العراق يعني حتمية زوال إسرائيل … وأنّ بقاء
إسرائيل يعني حتمية زوال العراق …
وما داموا يمتلكون مقدّرات الكاوبوي المريكي البريطاني ،المُشترى بالرشوة والشهوة والرعب ،والمأخوذ
بجنون القوة .فلن يُثنيهم عن عزمهم ،إل أن يُبادوا قبل أن يُبيدوا الحرث والنسل .وبالتالي فإن بقاء العراق ،
يتحتّم عليه محو إسرائيل ،من قلب الوطن العربي ،وسحق تلك الفئران ،المتلفّعة بريش النسر المريكي القرع
.
وإن لم تكن الحرب العراقية اليرانية من صنع أيديهم ،فهم ساهموا فيها بشكل أو بآخر ،فإيران تأتي في الدرجة
الثانية في العداء التوراتي لسرائيل ،وكلنا سمع بفضيحة ( إيران غيت ) في الثمانينيات ،التي كان بطلها
الرئيس المريكي ( ريغان ) حيث كانوا يُؤيدون العراق علنا ،ويُزوّدون إيران -التي كانت تنظر إلى أمريكا
على أنها الشيطان الكبر -بالسلحة سرا ،لطالة أمد هذه الحرب ،ولبقاء العراق وإيران منشغلين فيها .
والسبب الهم لشعالها ،هو الرعب الذي دب في قلوبهم من المارد العراقي ،الذي أعاد إلى أذهانهم النبوءات
التوراتية ،وأيقظ في مخيلتهم شبح نبوخذ نصر ،وكابوس السبي البابلي ،ليقض مضاجعهم فلم ترقأ لهم عين ،
ولم يغمض لهم جفن ،والذي بدأ يستيقظ من غفوته بامتلكه المفاعل النووي .وسيكون بعد سنوات قليلة ،قاب
قوسين أو أدنى من إنتاج القنابل النووية .وما أن انشغل العراق في الحرب ،وأصبح ظهره مكشوفا ،حتى
انسلت خفافيشهم ،تحت جنح الظلم ،لتصبّ حممها التوراتية الحاقدة ،على ذلك المفاعل ،في سنين صباه
الولى ،لتُبيده عن بكرة أبيه .
وبعد أن خرج العراق من تلك الحرب ،محتفظا بقوته وجبروته ،ومع أول تصريح وتهديد له " ،بحرق نصف
إسرائيل ،حال اعتدائها على أي قطر عربي " ،على لسان الرئيس العراقي ،جهارا نهارا في مؤتمر قمة
بغداد ،عام 1989م ،أقامت وسائل العلم المرئية والمسموعة والمقروءة -التي تمتلك معظمها تلك الفاعي -
الدنيا ولم تقعدها ،حتى استطاعت زجّه وتوريطه ،في الدخول إلى الكويت ،بالتآمر والتواطؤ وبمكرهم ودهائهم
المعهودين ،ومن ثم حرضّت عليه من بأقطارها ،بحجة رفع الظلم عن دولة الكويت ،وتأمين منابع النفط ،التي
سيسطر عليها العراقيون .وكما خطّوا بأقلمهم سيناريو الحرب العالمية الثانية ،أعادوا نفس السيناريو ،في
حرب الخليج ،من ألفه إلى يائه .
فها قد تحرّرت الكويت ،وتأمّنت منابع النفط ،فلماذا هذا الحصار الظالم على أطفال العراق ؟! يدّعون أن
العراق يهدد جيرانه ،فانظر من يدّعي ! وانظر إلى جيرانه ! وما علقة المدّعي بالجيران ؟! المدّعون هم
( مادلين أُلبرايت وزيرة الخارجية المريكية ،ووليام كوهين وزير الدفاع المريكي ،وساندي بيرغر مسؤول
المن القومي المريكي ،وهلم جرا … ) وكلهم يهود .فما عليك إل استبدال كلمة المريكي في مناصبهم
ومسؤولياتهم ،بكلمة السرائيلي ،لتعرف من هم الجيران الذين سيهددهم وجود عراق قوي .
أما الحصار ،فقد وُجد ليبقى ،وغايته منع المارد العراقي من الصحوة .واستمرّ الحصار ليبقى المارد محصورا
في القمقم ،وعندما تمّ لهم ذلك ،عمدوا إلى تقليم مخالبه واقتلع أنيابه ،فمنظرها يُرعب تلك الفئران المسكينة ،
ويجعل فرائصها ترتعد هلعا وجزعا .واستمرّ الحصار لمنع أطفال العراق ،من الوصول إلى مرحلة الرجولة ،
كي ل يكونوا مستقبل أفراد جيش ،يُسطّر على أجساد تلك الفئران أساطير البطولة ،فهم وحسب رؤاهم
التوراتية ،يعرفون ويعلمون أن دولتهم ستزول ،وسيكون فيهم القتل والنهب والنفي ،وأن المرشح الول
والوحيد للقضاء عليهم هو غريمهم الزلي ،وأن دولتهم سيعيش فيها ،ل أكثر من جيل واحد .لذلك بما أنهم
موقنون تماما ،بأن زوال دولتهم أمر حتمي ،كان ل بد لهم من أن يعملوا بكل طاقاتهم ،من أجل حماية هذا
المسخ الخداج ،الذي حملت به عروس المدائن غصبا واغتصابا ،من مرتزقة الغرب المأجورين ،في غفلة من
الزمان .
لذلك … فالحصار لن يُرفع … ما دامت تلك الفئران … في القدس ترتع
200
الفعوان العراقي في سفر إشعياء
خطورة هذا الفعوان المرعب ،تتمثل في ما يحمله في أحشائه من سموم مُميتة ،كان أسلفهم قد تجرّعوها من
قبل ،ووصفوا تأثيرها المؤلم على امتداد التوراة الشاسع ،فشغلت حيّزا كبيرا من فكرهم ووجدانهم ،فمجرّد
التفكير بتكرار ذلك المصير المرعب ،الذي حلّ بأسلفهم ،من جرّاء تلك الفعى التي أنجبت هذا الفعوان ،
يُصيبهم بحالة من الذعر والهلع ،لذلك كان وسيكون لهم ،محاولت عديدة للتخلّص من خطر هذا الفعوان على
وجودهم :
المُحاولة الولى :هي الحرب اليرانية العراقية ،لصابته بالشلل وقد أُصيب ،فتسنّى لهم ضرب مفاعله •
النووي ،واجتياح بيروت ،وترحيل منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان .
المُحاولة الثانية :هي الحرب المريكية العراقية ،لتغيير رأس هذا الفعوان ،وزرع رأس جديد له ،وتقطيع •
أوصاله وتفريق شملها ،وتوزيع دمه على جميع القبائل التي اجتمعت عليه ،ولم يُكتب لها النجاح .
المُحاولة الثالثة :هي الحصار الممي ولجان التفتيش ،لنزع النياب التي تنفث السمّ ،بتدمير أسلحة الدمار •
الشامل ،وحرمانه من امتلك أسلحة جديدة ،فاقتلعوا النياب واستخرجوا السمّ ،ولكن النياب نبتت من
جديد ،والسم يتجدّد ول ينقطع .
المُحاولة الرابعة :هي الحرب المريكية الشاملة ،مع احتمالية توجيه ضربات نووية محدودة إن أمكن ، •
لقطع الرأس والوصال معا ،حيث لم يعُد هناك أهمية لتوزيع دمه على القبائل .وستصبح احتمالية الضربات
النووية ،قائمة وحتمية فور امتلك أمريكا ،للدرع المُضاد للصواريخ المُحمّلة بالرؤوس النووية ،وهذه
الحرب قائمة بل أدنى شك ،إن لم يقع ،ما لم يكن في حُسبان أمريكا وإسرائيل ،فهم يُخطّطون لها
ويستعجلونها ،ويطلبون من الرئيس المريكي ،تهيئة الشعب المريكي لتقبّلها ،وسيعملون جهدهم لشعالها
في أقرب فرصة ممكنة ،ظنا من الذين ل يعقلون ول يفقهون ،بأنهم قادرين على منع رب العزة ،من إنجاز
وعده فيهم ،بإبادة العراقيين وتقسيم العراق وإسقاط قيادته .
201
الجزء الثالث
بل هم في شك يلعبون
202
وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة
تبين لنا من خلل هذه القراءة الجديدة ،في تاريخ بني إسرائيل ،في القرآن والسنّة والتوراة والتلمود ،أن
البابليّون هم أصحاب البعث الول ،وبناءً على ذلك ،يكون العراقيون حصرا ،بل أدنى شك ،هم أصحاب
البعث الثاني .وسيتبين لنا في هذا الفصل ،من خلل قراءة جديدة للواقع ،بأن اليهود على علم بهذا البعث
وأصحابه ،وظنّا منهم بأنهم قادرون على مخالفة أمر ال ،بمنع تحقق البعث الثاني ،خططوا ونفّذوا وما زالوا
يخططون ،لدرء خطر هذا البعث الموعودين به ،بإبادة أصحابه بشتى الوسائل والسبل ،لقناعتهم بأن بقاء
دولتهم ،يتحتم عليه محو العراق وشعبه عن خريطة العالم .
حقيقة ما يُضمره الغرب للعراق :
دأبت أمريكا ومن سار في ركبها ،على إعلن عدائها لقيادة العراق الحالية ،والرغبة في إسقاطها ،وجعلت من
بقاء القيادة العراقية ،على سدة الحكم في بغداد ،وسابقتها في غزو الكويت ،مثال لعدوانية هذه الحكومة
وخطورتها على جيرانها ،وذريعة لدامة الحصار ،لتجريد العراق من مقومات وجوده .ليصل العالم والشعب
العراقي إلى قناعة ،بأن المستهدف حقيقة من وراء الصرار المريكي ،على إبقاء الحصار مفروضا على
العراق ،هي القيادة العراقية الحالية ،بتوجهاتها العدوانية ضد جيرانها ،مما يُهدد أمن منطقة الخليج الحيوية
للعالم ،وبإسقاط هذه القيادة ،ستنعم منطقة الخليج بالمن مجدّدا ،حسب الرؤى المريكية .
ومع أن أمريكا ل تُبدِ أدنى اهتمام بمصير الشعب العراقي ،بل على العكس من ذلك ،كان وما زال بعض
مسؤوليها من اليهود ،يُبدون سعادة عارمة ،بل خجل أو مواربة ،بوقوع المزيد من الضحايا في العراق ،
حيث الغالبية العظمى من الطفال ،الذين سقطوا ،من جراء نقص الدوية والغذاء ،حين تصرح وزيرة
الخارجية المريكية ( أولبرايت ) ،في حوار صحفي في محطة ( : ) CBSبأن تسبّب أمريكا بموت نصف مليون
طفل عراقي " أمر يستحق العناء " ،إل أن العالم أجمع ،والشعب العربي وحتى الشعب العراقي ،لم يبحث عن
الدوافع الحقيقية ،لهذا العداء المريكي للعراق .
" إشعياء :16 :13 :كل من يُؤسر يُطعن ،وكل من يُقبض عليه يُصرع بالسيف ،ويُمزّق أطفالهم على مرأى
منهم ،وتُنهب بيوتهم وتُغتصب نسائهم " .
" إشعياء :23-20 :14 :فذريّة فاعلي الثم ،يبيد ذكرها إلى البد .أعدّوا مذبحة لبنائه جزاء إثم آبائهم ،لئل
يقوموا ويرثوا الرض فيملئوا وجه البسيطة مُدناً .يقول الرب القدير " :إني أهبّ ضدهم ،وأمحو من بابل ،
اسماً وبقيةً ونسلً وذريةً ،وأجعلها ميراثاً للقنافذ ،ومستنقعاتٍ للمياه ،وأكنسها بمكنسة الدمار " .
" وهذا ما يُعلنه الرب :ها أنا أُثير على بابل ،وعلى المُقيمين في ديار الكلدانيين ريحا مُهلكة ،وأبعث إلى بابل
مُذرّين يُذرّونها ،ويجعلون أرضها قفرا ،ويُهاجمونها من كل جانب في يوم بليّتها .ليوتر ( يُذخّر ) الرامي
شبّانها ،بل أبيدوا كل جيشها إبادة كاملة ،يتساقط القتلى في أرض قوسه وليتدجّج بسلحه ،ل تعفوا عن ُ
الكلدانيين ،والجرحى في شوارعها ( من المدنيين طبعا ) " .
وباستجابة ( أولبرايت ) ،وكافة الجوقة اليهودية ،في الدارات المريكية المتعاقبة ،لوامر الرب القدير ،
الواردة في التوراة ،استطاع بنوا إسرائيل ،من ردّ الصاع صاعين لهل بابل ،وهكذا يكون العراقيون حصرا ،
من ُردّت لبني إسرائيل الكرة عليهم ،إذ أنهم أنزلوا بالعراقيين أضعاف أضعاف ،ما أنزله البابليون بهم في
المرة الولى .
ولو عدنا إلى كامل النصوص التوراتية ،ونظرنا إلى ما يجري حقيقة على أرض الواقع ،لتبين لنا أن المستهدف
الحقيقي ،هو العراق لنه أرض البعث ،والشعب العراقي لنه يحمل صفة أهل البعث ،والقيادة العراقية
لرسالها البعوث في كل الحروب العربية السرائيلية ،وعدم قبولها وتوقيعها على اتفاقيات الهدنة ،ولعلنها
المتجدّد عن نية البعث ،بمناسبة وبدون مناسبة ،في السنوات الخيرة ،منذ انتهاء حرب الخليج الولى ،
203
ورفضها لمعاهدات السلم والتطبيع ،ولصرارها على مقولة ،فلسطين عربية من البحر إلى النهر ،والدعوة
إلى تحرير فلسطين بالقوة .
وفي حال استطاع الغرب اليهودي إسقاط القيادة العراقية ،فسيكون البديل ،كما هي العادة ،قيادة موالية
للغرب ،ومعادية للشعب العراقي وللمة العربية ،المتخمة أصل بالعداء من أبناء جلدتنا ،لتزيد المة ذل
وهوانا أضعافا مضاعفة ،أما مصير العراق بين يدي هكذا قيادة ،فسيكون بل شك كما يتمنّى يهود الغرب
والشرق ويشتهون ،ليتحقّق لهم ،ما لم يحلموا بتحقيقه ،بجيوشهم المدجّجة بالسلحة المتطورة .وانظر إلى حال
ألمانيا بعد الحرب ،وانظر إلى حال التحاد السوفييتي ،العدو الثاني للوجود اليهودي في فلسطين ،كما تُخبر
التوراة ،عندما استطاعوا إيصال الخونة – من شعبه – إلى سدة الحكم ،وما فعلوه به .لنقول بأن مهمة القيادة
المستقبلية للعراق ،فيما لو أُسقطت القيادة الحالية ،هي :
تفكيك العراق وتقسيمه إلى دويلت صغيرة ،كردية وسنية وشيعية ،في الشمال والوسط والجنوب . •
إثارة الحروب والفتن بين هذه الدويلت ،لشغالها عن المهمة الساسية ،التي أُنيطت بأصحاب البعث . •
تدمير القتصاد وإفقار الشعب العراقي ،ليركض لهثا وراء قروض صندوق النقد الدولي . •
حظر امتلك وتصنيع السلحة . •
تقديم فروض الطاعة والولء ليهود الغرب والشرق ،وإنهاء حالة الحرب مع إسرائيل ،ومباركة عملية •
السلم .
فالمعضلة الساسية لدى الغرب ،المملوك من قبل اليهود ،هي وجود عراق قوي وقادر ،فكما صدقت نبوءات
التوراة ،في عودتهم من الشتات إلى فلسطين .فهم يخشون أيضا ،صدق النبوءات الخرى ،فيما تصفه في
نصوص عديدة ،من عقاب حتمي ،غاية في البشاعة ،سينزل بهم بعد العودة إليها ،من قبل أصحاب البعث
الول ،بالرغم مما أُضيف إليها من نصوص قليلة مضللة ،ل تُسمن ول تغني من جوع ،تُخبر عن ملكهم
البدي ،تبعث في تخبّطها وعدم منطقيتها ،في نفوسهم القلق ،أكثر مما تبعث على الطمأنينة .ليجد اليهود
أنفسهم ملزمون ،بتسخير كل إمكانياتهم ،دون كلل أم ملل ،لدفع قادة الغرب إلى القضاء المبرم على العراق ،
كما هي عادتهم دائما وأبدا ،يدفعون الخرين لخوض حروبهم نيابة عنهم ،مذ طلبوا من موسى وربه الذهاب
للقتال عنهم ،وحتى حربهم الخيرة على العراق ،التي خاضتها ومازالت تخوضها ،أمريكا وبريطانيا في العلن
،وفرنسا المنافقة في الخفاء ،والحرب الوحيدة ،التي كسبها اليهود منفردين في مواجهة جيش ،هي عند
دخولهم فلسطين مع طالوت في المرة الولى ،وكان ذلك بتأييد من ال للقلة المؤمنة ،وبشجاعة نبي ال داود
عليه السلم ،فالمسألة لديهم مسألة حياة أو موت ،وبقاء العراق ،يعني تبخر أحلم الشعب اليهودي بسيادة العالم
من القدس .
ومما يؤذي الذان اليهودية في الشرق والغرب هو سماعها ،لتصريحات هذه القيادة المتكررة ،بضرورة تحرير
فلسطين من البحر إلى النهر ،وطرد اليهود منها ،مما يقضّ مضطجعهم في فلسطين ،ويُعيد إلى أذهانهم تلك
الذكريات الليمة للبعث الول ،التي أشبعتها أسفار التوراة وصفا وتفصيل ،لتتراءى لهم ،صورة نبوخذ نصر
وهتلر وصلح الدين ،دفعة واحدة ،في شخص الرئيس العراقي .
الخيارات القائمة أمام اليهود ،لدرء الخطر العراقي :
.1العمل على بقاء الحصار على ما هو عليه ،ما أمكنهم ذلك ،ومنع أي محاولة لتفكيكه أو إضعافه .
والستمرار في نهب ثروات العراق ،وحرمانه من تطوير أسلحته وتجديدها .
.2محاولة إسقاط القيادة العراقية ،عن طريق إحداث فتن وثورات داخلية ،أو عن طريق مواجهة عسكرية
واسعة النطاق ،بعد خلق المبررات لها ،باستفزاز جديد للعراق للقيام بعمل عدواني داخلي ،ضد الكراد في
الشمال أو الشيعة في الجنوب ،أو القيام بعمل عدواني خارجي ،ضد إحدى دول الجوار .
204
.3ضرب العراق نوويا كخيار أخير ،وهذا الحتمال غير قائم حاليا ،حيث أنه مرفوض عالميا ،فمثل هذا
المر ،سيؤلب العالم بأسره ضد أمريكا ومؤيديها .ولكن هذا الحتمال سيقوى ،في حال فشلت الخيارات
السابقة ،وخاصة عند امتلك أمريكا للدرع المضاد للصورايخ البالستية .
والسؤال الن :هل من الممكن أن يكون هناك ضربة نووية للعراق ؟
جاء في سفر الرؤيا ما نصه " :وسكب الملك السادس ،كأسه على نهر الفرات الكبير فجفّ ماؤه ،ليصير
ممرا لملوك القادمين من الشرق " .
أما في السنة النبوية فقد جاء ما نصه :عَنْ َأبِي ُه َريْرَةَ ،قَالَ :قَالَ َرسُولُ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ " :يُوشِ ُ
ك
حسِرَ عَنْ كَنْزٍ مِنْ ذَهَبٍ َفمَنْ حَضَرَهُ فَلَ يَ ْأخُذْ مِ ْنهُ شَيْئًا " .رواه البخاري ،وأخرجه مسلم والترمذيا ْلفُرَاتُ أَنْ َي ْ
حسِرَ ا ْلفُرَاتُ عَنْ جَ َبلٍ
عةُ حَتّى َي ْ
،وأبو داود وابن ماجه وأحمد .وفي نص آخر من رواية مسلم " :لَ َتقُومُ السّا َ
مِنْ ذَهَبٍ " ،يحسر أي ينكشف عن .
يُخبر النص في سفر الرؤيا ،أن شيئا ما سيسكب على نهر الفرات فيجف ماؤه ،ويُخبر الحديث الصحيح ،عن
انحسار الفرات عن كنز من ذهب ،قبل قيام الساعة ،وانحسار الفرات يعني ذهاب ماءه ،فهل سيكون جفافه
نتيجة ،لما تنتجه السلحة النووية ،من حرارة شديدة عند انفجارها .
وبالضافة إلى ما ورد من مخططات ،لتدمير العراق والطاحة بقيادته ،كما جاءت في تقرير واشنطن السابق ،
يقول الصحفي فتحي خطاب من القاهرة ،في مقال له في جريدة العرب اليوم الردنية ( لم أنتبه لتوثيق تاريخ
صدورها ،ولكنه على الرجح كان في بداية شهر : ) 2001/ 3
" حذّر خبراء عسكريون من مُخطط عسكري أمريكي إسرائيلي ،يستهدف فرض السيطرة المُطلقة على المنطقة
،وتطبيق ما يُعرف في ( البنتاغون ) بخطة إعادة دمج المنطقة عسكريا وأمنيا … وأن توجّه ( شارون )
لستحداث وزارة تعنى بتطوير السلحة النووية ،وأسلحة الدمار الشامل ،واستحداث وزارة للشؤون
الستخباراتية ،في سابقة هي الولى من نوعها ،يأتي في إطار ما تفرضه ضرورات نظام الحماية المنية
الجديد … وكشف الخبراء العسكريون في مصر ،عن الترتيبات المريكية لنشاء أكبر شبكة صاروخية في
منطقة الخليج العربي ،تتمتع بمدى قتالي واسع ،يشمل العراق وإيران ودول أخرى ،بالضافة إلى مناطق
شمال إفريقيا والبحر الحمر .لضمان أمن منطقة الخليج ،وملحقة الطائرات المُغيرة ،والتدمير السريع لية
أهداف مُعادية .
وأكد الخبراء أن وزير الخارجية المريكي ( كولن باول ) ،حصل على موافقة دول خليجية … على إنشاء
الشبكة ،التي سيتم تزويدها بأحدث أجهزة التصالت الحديثة والنذار المبكّر ،التي ستكون لها القدرة على
التعامل السريع ،مع العمليات الطارئة ،وقادرة على منع إصابة الشبكة ،بأي خلل أثناء العمليات العسكرية .
وسوف تتحمل دول الخليج النصيب الكبر ،من تكلفة مشروع هذه الشبكة الصاروخية ،وأن هناك مشاورات
واتصالت عسكرية ،للترتيب لنشاء هذه الشبكة ،ولعداد التفصيلت الفنية المتعلّقة بها … وحذّر الخبراء من
المُخطط العسكري السرائيلي ،لضرب العراق بالقنابل النيترونية ،والتي سيتم إطلقها على منطقة غرب
العراق ،وفق إعلن ( شارون ) .التي تعتبر نقلة نوعية في التسلح بالمنطقة …
وأوضح العالم الفيزيائي الدكتور طارق النمر ،بقوله " :أن القنابل النيوترونية النووية ،هي قنابل إشعاعية ،
ذات أحجام مختلفة ،منها أسطوانات إبرية في حجم القلم ،وتستطيع قتل جميع الكائنات الحية ،في مساحة
قطرها مُحدّد سلفا ،وتأثير كل قنبلة منها يتحدد حسب حجمها ،بحيث يتم زراعتها داخل الراضي العراقية ،
وفي الوقت المحدد ،سيتم تفجير هذه القنابل بواسطة أشعة الليزر … وأن إسرائيل مهتمة بتجربة أسلحتها
الجديدة على أرض العراق ،بعدما نفذت عدة تجارب أسفل مياه خليج العقبة … ول أستبعد أن تعمل أمريكا
وبريطانيا ،على زرع قنابل نيوترونية في مناطق من العراق ،بحيث تبقى بغداد تحت التهديد الدائم ،بتدمير
حقول القنابل النيوترونية بواسطة أشعة الليزر ،في نطاق العقوبات الذكية " .
ما لفت انتباهي في هذا التقرير الصحفي ،هو انسجامه مع المخاوف اليهودية التوراتية ،حيث يُسمّي الدول
والمناطق التي تضم الدول المعادية لسرائيل توراتيا ،ومنها إيران والعراق ،وليبيا في شمال إفريقيا ،
205
والسودان وإثيوبيا بمحاذاة البحر الحمر ،واللتان كانتا قديما دولة واحدة ،ويُشير أيضا إلى ضرورة ضرب
العراق ،حسب ما تدعو وتُحرّض عليه النصوص التوراتية .ولفت انتباهي أيضا التركيز على منطقة غرب
العراق ،التي من المتوقع ،أن يتواجد فيها الجيش العراقي ،قبل تحرّكه لغزو لسرائيل .
وفي تقرير آخر من واشنطن ،للصفحي محمد دلبح ،نُشر في جريدة الدستور الردنية ( التاريخ غير موّثق ) ،
يقول فيه :
" تبحث وزارة الدفاع المريكية ( البنتاغون ) ،إنتاج قنابل نووية من نوع جديد ،قادرة على اختراق مراكز
القيادة ،والتحصينات التي يستخدمها الزعماء والقادة .ونقلت صحيفة ( واشنطن بوست ) عن مصادر في
الحكومة المريكية والكونغرس قولها :أن الهدف من إنتاج هذه القنابل ،هو تجنّب ما تُس ّميه الحكومة المريكية
الضرار الجانبية ،التي تُحدثها السلحة التدميرية بأنواعها .ويقول المدافعون عن هذا النوع من القنابل النووية
الصغيرة – مقارنة بغيرها – أنها قد تعمل على قيام الوليات المتحدة ،بتخفيض مخزونها الحالي من القنابل
النووية ،دون أن تتعرّض مفاهيمها المنية لخطار أو تعديلت .ونسبت الصحيفة إلى مستشاريّ وزير الدفاع
المريكي ( دونالد رامسفيلد ) قوله :أن السلحة النووية المريكية الحالية ،لن تردع الرئيس العراقي صدام
حسين ،لنه يعلم بأن الرئيس المريكي ،لن يقوم بإلقاء قنبلة نووية – بقوة مائة كيلو طن -على بغداد ،
سكّانها ،بهدف القضاء على أسلحة الدمار الشامل … ومن ناحية ليُدمّر المدينة بأكملها ،ويقضي على ُ
أخرى ،يعتزم اتحاد العلماء المريكيين ،إصدار تقرير هذا السبوع يقول فيه " أن إضافة هذا النوع من القنابل
النووية ،إلى المخزون النووي في العالم ،سيجعل استخدام هذا النوع من السلح أكثر احتمال " .
أستطيع القول بأن التفكير المريكي السرائيلي العسكري على المدى القريب ،بعد المعارضة والدانة العالمية
لضربهم بغداد مؤخرا ،سيكون محصورا في الردع وليس في الهجوم ،لعدم وجود ذريعة للهجوم مقبولة دوليا ،
( كذريعة القضاء على أسلحة الدمار الشامل العراقية ) ،منتظرين فبركة مؤامرة جديدة ،أو تحرّك عراقي
خاطئ ،وأعتقد أنهم سيُحاولون استفزازه في المستقبل القريب ،بشتى الوسائل والسبل ،ليعلنوا عليه حربهم
الشاملة .أما على المدى البعيد – إن لم يُعطهم العراق الذريعة لشنّ تلك الحرب – أستطيع القول ،أنهم وفور
امتلكهم للدرع النووي – الذي سيكون جاهزا بعد خمس سنوات حسب تقديرهم – والذي سيُوفر لهم الحماية من
أي ردود فعل نووية ،سيشنّون حربهم المُقدّسة على العراق ،وسيقومون بضربه بوابل من القنابل النووية ،
حتى يغدو صحراء قاحلة خاوية على عروشها .لكي يتخلص يهود العالم ،من هذا الرعب التوراتي المُسلّط على
رقابهم ،لينتظروا بسلم ملكهم الذي سيظهر في القدس ،والذي سيعيشون معه أحلمهم الوردية إلى البد ،ومن
المحتمل جدا أن تكون الضربة النووية للعراق ،كرد فعل أمريكي على الدخول العراقي لفلسطين ،لتبدأ بذلك
الحرب العالمية الثالثة .
الموقف العالمي إزاء العراق :
كانت غاية الغرب في السنوات الخيرة وما زالت ،هي تدمير العراق تحقيقا لرغبات اليهود في حماية إسرائيل .
وما كان للغرب أن يُحقّق هذا الهدف ،بالخروج على العراف والمواثيق الدولية ،بأي شكل من الشكال ،
كالقيام بعدوان مباشر ومكشوف على العراق ،وما كان لمريكا بعظمتها ،أن تقوم منفردة بعمل عدواني ضد
العراق ،لنها في هذه الحالة ستجابه العالم بأسره .وبما أن مآرب اليهود ،من خلل إشعال حرب الخليج الولى
،لم تتحقّق .بل على العكس من ذلك تماما ،خرج العراق من هذه الحرب محتفظا بقوته ،وقامت قيادته بتهديد
إسرائيل جهارا نهارا ،بحرق نصف إسرائيل حال اعتدائها على أي بلد عربي ،فكانت هذه القيادة " كمن حكّ
لليهود على جرب " .
آنذاك قامت الدنيا ولم تقعد ،طبل وزمر في الشرق والغرب ،لتأكيد عدوانية العراق ونازيته ،فحرق اليهود هو
فعل هتلريّ نازيّ ،وكان ذلك لتهيئة الرأي الغربي والعالمي ،لستقبال هتلر جديد يسعى لحرق اليهود .وفي
الخفاء كانت تُطبخ مؤامرة جديدة ،تمخّضت عن غزو العراق للكويت ،وبذلك استطاعت أمريكا ،أن تُوجد
مبرّرا قانونيا لتدمير العراق ،فغزو العراق للكويت ،كان مخالفا للقوانين والعراف والمواثيق الدولية ،وبذلك
استطاعوا إضفاء الشرعية على عدوانيتهم ،لتحقيق مآربهم الحقيقية تحت غطاء الشرعية الدولية ،وبدل من أن
206
تواجه أمريكا المعتدية العالم بأسره ،أصبحت الضحية العراقية تواجه العالم ،بعد أن أصبحت معتدية ،كما
حصل مع ألمانيا ،بنفس السيناريو ما قبل الحرب العالمية الثانية ،وبكل حيثياته ،والسبب هو عداء قيادة البلدين
لسياد العالم ،وبذلك أُجبرت دول العالم المختلفة ،على اتخاذ موقف معادي للعراق ،حتى من قبل حلفاءه
التقليديين ،في ذلك الوقت .
أما في الوقت الحالي ،فقد بدأت دول العالم مؤخرا ،تصحو من أكاذيب الدارات المريكية المتعاقبة ،لتبرير ما
تنتهجه من سياسات إزاء العراق ،فكل المبرّرات السابقة لم تعد موجودة ،وأصبحت العمال المريكية
العدوانية ،تُجابه بالمعارضة الشديدة من قبل أغلب دول العالم .وحتى قرارات الشرعية الدولية ،تميل كثير من
الدول ومنها روسيا والصين ،إلى التغاضي عن البحث ،في مسألة التزام العراق بها من عدمه ،ومنها مسألة
فرق التفتيش عن السلحة .بل تعمد هذه الدول أحيانا ،إلى خرق هذه القرارات سرا ،حتى وصل المر بمجلس
الدوما الروسي ،إلى المطالبة بالتصويت ،على عملية رفع الحصار عن العراق من جانب واحد .أما الكثر
تمسكا بقرارات الشرعية الدولية ،فهم الذين يذرفون دموع التماسيح ،على الشعب العراقي ،بدعوى أنهم
حريصون على مصلحة هذا الشعب ،وأن قيادة هذا الشعب ليست حريصة عليه ،بما أنها عصت وتمرّدت على
قرارات الشرعية الدولية ،التي جعلوا من يعصيها ،بمنزلة من عصى ال ،إن لم تكن أعظم .
وأما دعوى المريكان ،بأن العراق يُشكل تهديدا للمصالح المريكية ،في منطقة الشرق الوسط ،وأهم هذه
المصالح ،هي تدفق النفط بأسعار معقولة ،واستمرارية فتح السواق الخليجية للبضائع المريكية ،فهي دعوى
باطلة ،فهذان المران هما تحصيل حاصل ،منذ اغتيال الزعيم العربي الوحيد ،الذي عارض الله المريكي
بقطع النفط ،ليشلّ بذلك العالم الغربي بأسره .وأما التذرّع بعدوانية العراق على جيرانه بغزوه للكويت ،فهو
محض افتراء ،لن من أجبر العراق على غزو الكويت ،هم المريكان بعلم ،وحلفائهم الكويتيون بغير علم ،
وبتخطيط وتدبير وتشجيع من المريكان أنفسهم لكل الطرفين ،وبمساعدة من العرب أنفسهم .لنخلص إلى القول
أن العداء المريكي للعراق ،أصبح غير مبرّر ،في نظر شعوب العالم كافة ،حتى من قبل الشعب المريكي
نفسه ،الذي أصبح يُحرج قادته ،بتفنيد كافة الحجج والذرائع ،التي يُبرّرون فيها مواقفهم المتناقضة من العراق
وإسرائيل .
ولنخلص إلى القول ،أول ؛ بأن الموقف العالمي إزاء الصراع المريكي العراقي ،أصبح مختلفا بل مغايرا لما
كان عليه في السابق ،فهناك بعض الدول العظمى وحتى الصغرى منها ،باتت تتخذ موقفا مناهضا لمريكا
ولسرائيل ،ومتعاطفا مع العراق وفلسطين ،وخير مثال على ذلك موقف كولومبيا في مجلس المن المؤيد ،
لرسال قوة حماية دولية للفلسطينيين ،مبدية عدم اكتراثها بمقاطعات أمريكا القتصادية ،وموقفي كل من روسيا
والصين .وثانيا ؛ بأن الموقف المريكي المعادي للعراق ،عند عدم عزوه للمخاوف التوراتية اليهودية ،يُصبح
أمرا ل يُمكن فهمه من قبل الخرين .
الموقف العربي من العراق :
دأبت أمريكا على دفع المور ،باتجاه جعل الرأي العالمي والعربي والعراقي ،يعتقد بأن السبب في معاناة
الشعب العراقي ،هو القيادة العراقية بتوجهاتها العدوانية ،حتى بات كثير من العرب ،يعتقدون بأن هذه القيادة
هي السبب الحقيقي ،فيما وصل إليه العرب من ذل وهوان وفرقة ،وضياع لثرواتهم النفطية ،فضل عما كانوا
عليه في السابق .بل مضى الكثير منهم إلى أبعد من ذلك ،فاتهموا هذه القيادة بالتآمر والتواطؤ مع الغرب نفسه ،
ضد العرب وضد الشعب العراقي ،ليصبح إسقاط القيادة العراقية مطلبا عالميا وعربيا وعراقيا ،وليبقى رفع
المعاناة عن الشعب العراقي مرتبطا ،بإسقاط القيادة العراقية الحالية .وهذا مما جعل البعض يذهب إلى القول
أيضا ،أن الغرب مستفيد من وجود القيادة العراقية على رأس السلطة ،لذلك ل يرغب بإسقاطها ،وأن الرئيس
العراقي متآمر ومتواطئ مع أمريكا ،للضرار بشعبه وأمته ،وحتى ضربه لسرائيل كان فقط ،لذر الرماد في
العيون .ولو أن أمريكا لم تكن مستفيدة من وجوده ،لعملت على إزاحته ،تأليها من أولئك لمريكا بغير علم ،
وكأنّها القادر على كل شيء .
207
وكما أخطأ الشريف حسين بوضع ثقته في النكليز ،في الحرب العالمية الولى ،وساهم بتنفيذ مخططات
اليهود ،من حيث ل يدري ،أخطأت القيادة العراقية مرتين ،عندما وثقت بأمريكا وبعض مواليها من العرب ،
المتآمرين في ظهر الغيب ،فانطلى عليها معسول الكلم ،فسيق العراق كما يُساق الفهد إلى قفص الصياد ،
فدخل حربين مدمرتين ،كان الهدف منهما تحطيم قدراته .وعلى ما يبدو أن هذه القيادة استيقظت من غفوتها ،
فور دخولها للكويت ،وانكشاف الوجه الحقيقي لمريكا ،ولكن بعد فوات الوان ،فانسحبت من حرب الخليج
الثانية ،لنقاذ ما يمكن إنقاذه ،ولكن المتآمرون على العراق من عرب وعجم ،لم يُعطوها الفرصة للتقاط
أنفاسها ،فتوالت قرارات مجلس المن تباعا ،وكان الحصار الذي لم يكن في الحسبان ،وكانت لجان التفتيش ،
وكانت التعويضات ،فحُصر المارد العراقي ،في قمقم قرارات مجلس المن الدولي ،ريثما يجد المتآمرون عليه
طريقة للجهاز عليه تماما .
كان مقتل القيادة العراقية الول ،الذي استغله المتآمرون خير استغلل ،هي ما يتمتع به العراقيون إجمال ،من
صفات العزة والنفة وامتلكهم للقوة ،وعدم قبولهم للذل والهوان ،والتطاول عليهم من قبل الخرين .فعندما
أُغري الكويتيون بالتطاول على العراق ،كانت الحرب النتقامية .وكان المقتل الثاني وما زال ،هو أن
العراقيين رجال حرب ،وليسوا برجال مكر وكذب ومراء .لذلك كان من السهولة بما كان ،أن تنطلي عليهم
دسائس المكرة الفجرة من الغرب والشرق .وأما رجم القيادة العراقية بالخيانة والتواطؤ مع الغرب ،من بعض
المحبطين العرب ،فذلك أول :لجهلهم بما يدور في مطابخ الغرب والشرق ،ضد هذه المة بشكل عام ،وضد
العراق بشكل خاص ،وثانيا :لخيبة أملهم فيما عقدوه من آمال ،على القيادة العراقية ،لرفع حالة الذل والهوان
المزمنة التي يُعانون منها ،وخاصة بعد أن توقفت الصواريخ العراقية ،التي كانت تضيء سماء العروبة ،لتدك
معاقل الصهاينة ،قبل أن تتحقّق أحلم الشعب العربي في العزة والكرامة .
دوافع ومبررات العراق لمحو إسرائيل عن الوجود :
.1التخلّص من الشعور بعقدة الذنب ،حيث أن أفعال القيادة العراقية ،أضرّت حقيقة بالشعب العراقي والمة
العربية ،حتى لو كانت عن غير قصد .
.2تبيض الصفحة ونفي تهمة الخيانة والتواطؤ ،حيث أن القيادة العراقية ،أصبحت متهمة من قبل الخرين .
.3ضرورة التعويض عما لحق الشعب العراقي والمة العربية ،من ذل وهوان نتيجة النكسار العراقي .
.4إثبات القدرة العراقية على النهوض بالمة العربية ،وقيادتها لما تصبو إليه من منازل العز والكرامة ،والتي
طالما كانت تتحدث عنها فيما مضى ،ولكنها لم تفلح لغاية الن ،مما شكّك في مصداقية القيادة العراقية ،في
تصديها لهموم المة العربية ،كما تدّعي .
.5إثبات صدق تبني القيادة العراقية ،لمقولة " عاشت فلسطين حرة عربية من البحر إلى النهر " ،والتي تُعتبر
من أولويات الحزب الحاكم .
.6الخروج من الوضع المأساوي والمُهين ،الذي نجم عن الحصار البدي ،المفروض على العراق منذ أحد
عشر عاما .
.7قطع الطريق على المخططات اليهودية المريكية لتدمير العراق ،التي أصبح العراقيون يعونها تماما .
.8النتقام من التطاول السرائيلي الجبان ،بضرب المفاعل النووي العراقي ،أثناء انشغاله في الحرب مع
إيران .
.9النتقام من التطاول المريكي ،بتكنولوجيته الجبانة ،أثناء وما بعد حرب الخليج الثانية .
.10إظهار عدم مقدرة أمريكا ،على حماية مسخها الخداج في المنطقة ،في أي مواجهة عسكرية حقيقية .
.11سلبية مواقف القيادات العربية غير المبرّرة من العراق ،ويأس القيادة العراقية وقنوطها من هذه القيادات ،
خاصة بعد مؤتمري القمة الخيرين ،في القاهرة وعمان .
208
.12تعلّق آمال الشعب الفلسطيني اليائس ،بصحوة المارد العراقي المحاصر ،وخروجه من القامة الجبرية في
القمقم .وهذا ما يُظهره الفلسطينيون أثناء مسيراتهم ،من خلل رفع صور الرئيس العراقي ،والعلم
العراقية .
.13حاجة الشعوب العربية إلى بطل حقيقي يعيد لها أمجادها ،في زمن عزّت فيه البطولة ،إل من بطولت ،
على نمط بطولت الدون كيشوت ،في معاركه مع طواحين الهواء ،التي ما فتئت تتغنى بها وبأبطالها
شاشات التلفزة العربية ،ليل ونهارا .
.14العراق ،غريق لن يخشى البلل ،وعلى ما يبدو ،أنه سيعمل على مبدأ " أنا والطوفان من بعدي " ،وإن لم
يكسب ،فل شيء يخسره .
.15الستفزاز أو العدوان المريكي القادم ،بناءً على التحريض اليهودي ،كما ورد في تقرير واشنطن ،بإثارة
مسألة المفتشين ،مع نهاية شهر 11/2001م ،أو بإثارة فتنة جديدة ،تدفع العراق للقيام بعمل عدواني ،داخل
أو خارج أراضيه .
النص القرآني يتحدّث عن علقة ثأرية بين طرفين ،ول اعتبار لي طرف آخر :
يتحدّث النص القرآني عن نزاع بين طرفين ،في سورة السراء ،تربط ما بينهما علقة ثأرية متأصلة في النفس
اليهودية ،منذ آلف السنين ،ول يضع في حسبانه أي طرف آخر ،مهما عظُم شأنه أو صغُر ،وكأنه ل يوجد
على الكرة الرضية ،سوى اليهود وأولئك العباد .وهذا ما نجده في الية السادسة والخمسين من سورة السراء
ضرّ ) ورد في
حوِيلً ( ، )56ولفظ ( ال ّ
عمْ ُتمْ مِنْ دُو ِنهِ ،فَلَ َيمْ ِلكُونَ َكشْفَ الضّرّ عَ ْن ُكمْ َ ،ولَ َت ْ
( ُقلِ ادْعُوا الّذِينَ َز َ
القرآن )29( ،مرة فقط ،وبمعنى واحد هو الذى أو العذاب في الحياة الدنيا ،والمعنى الجمالي للية ،بأن ال
سبحانه وتعالى ،يُخاطب أُناسا أثناء نزول العذاب بهم متحديا إيّاهم ،بدعوة من اتّكلوا عليهم من دونه ،لرفع
عذاب ال عنهم .ووعد الخرة هو وعد إلهي لليهود بالعذاب – وليس للمسلمين بالنصر -سيقع ل محالة ،
والذين نهاهم ال في نفس السورة ،عن اتخاذ وكلء من دونه ،هم بنوا إسرائيل أنفسهم ،ولن يملك أحد من الجن
والنس ،رفعه أو حتى تحويله عنهم ،ولكن كيف ؟
لنتفق أول على أن تحقق هذا الوعد ،بغزو العراق لسرائيل ،يعتمد أساسا على انفراد العراق بإسرائيل ،ويمكن
لهذا المر أن يتحقّق في حالتين :
الحتمال الول :أن يكون هذا الغزو مسبوقا ،بدمار جميع القوى العسكرية التي يمتلكها الغرب وإسرائيل ،
كنتيجة لتدخل بشري بقيام حرب نووية عالمية ،بين الغرب والشرق ،أو كنتيجة لتدخل إلهي ،بإحداث كوارث
طبيعية هائلة في الغرب ،شبيهة بأحداث يوم القيامة .
الحتمال الثاني :أن يكون هذا الغزو ضمن معطيات الواقع الحالي ،مع بقاء جميع القوى العسكرية التي يمتلكها
الغرب وإسرائيل .باستخدام العراق لتقنيات وخطط عسكرية بسيطة ،تحمل في طياتها منطق عسكري جديد ،لم
تألفه الشعوب ول تتوقعه ضمن المعطيات الحالية ،يكون من شأنه أثناء الغزو ،إلغاء أو تهميش القدرات
العسكرية السرائيلية والغربية كليا .
والحتمال الول ضعيف جدا ،حيث أنه يتطلب أن تقوم القوى الغربية ،بفعل عدواني يُهدّد الستقرار العالمي ،
مما يُجبر القوى الشرقية المتمثلة بروسيا والصين مثل ،على الرد بشكل عنيف ومدمّر ،لعادة المور إلى
نصابها .وضمن المنظور القريب ل يوجد من السباب ،ما يدفع القوى الغربية للقيام بمثل هذا الفعل العدواني .
أما الفعل اللهي بتدمير القوى الغربية ،فهو أمر مستبعد كليا ،لن الحاديث النبوية ،فيما يُخص الفترة الزمنية
التي يظهر فيها المهدي ،تُشير إلى فناء التكنولوجيا العسكرية وغير العسكرية بمجملها ،سواء ما يمتلكه الشرق
أو ما يمتلكه الغرب ،ول تُشير إلى فناء جميع الدول والشعوب ،التي تمتلك هذه التكنولوجيا ،فكيف فنيت
التكنولوجيا بكليتها ،ولم تفنى الشعوب … ؟!
وهذا مما يؤكد أمرين ،أول :بقاء بعض الدول وفناء البعض الخر ،وثانيا :فناء جميع السلحة المتطورة
وعلى رأسها السلحة النووية من كل الطرفين .فالدمار القادم للحضارة الغربية برمتها ،سيتحصّل ل محالة ،
209
وعلى ما يبدو ،من جرّاء حرب عالمية نووية مدمرة ،تستنفذ فيها كافة السلحة المتطورة من على وجه البسيطة
،مع بقاء بعض الشعوب المنتصرة ،بعد أن تكون ألقت ما في جعبتها من أسلحة ،على خصومها المنكسرة ،
وبذلك يغدو من الممكن قيام الخلفة السلمية ،في ظل غياب تلك القوى ،ليحكم الكون بأسره ،إذ ل بد للنصر
من أسباب ومسببات مادية ،فضل عن العقائد الروحية .
أما الحتمال الثاني فهو القوى ،إذ أن المؤشرات على الساحة العالمية والمحلية ،تؤكد على أن العراق ،لن
يستطيع الصمود حتى وقت متأخر جدا ،فصبر القيادة العراقية بدأ ينفذ ،والتحركات السياسية المتعددة للخلص
من الحصار ،على المستوى القليمي والدولي باتت غير مجدية ،ورغم كل ذلك ،ل يبدو أن هناك ضوء في
آخر النفق ،والضغوط والتهديدات المريكية في تزايد مستمر ،فل بد لها من القيام بعمل ما لتحريك المور ،أو
قلبها رأسا على عقب .وكذلك المر بالنسبة للشعب الفلسطيني في فلسطين ،إذا ما استمر الحال ،على ما هو
عليه من الخذلن العربي والعالمي ،فهو أقرب إلى النهيار منه إلى الستمرار ،وستكون النتيجة مأساوية على
المدى البعيد ،وعلى عكس ما يتوقعه الناس منهم ،فللنسان طاقة محدودة على الصبر ،وسيبدأ الفلسطينيون
مجدّدا بالنسياب إلى الخارج شيئا فشيئا .
معطيات الواقع الحالي تؤكد حتمية نفاذ هذا الوعد في وقت قريب :
وسرّ قابلية نفاذ هذا الوعد في الوقت الراهن ،يكمن أول :في القيادة الحالية للعراق ،التي إن زالت لن تتكرّر ،
فهي التي تملك إرادة الغزو ،بعدما تولدت لديها نتيجة عملية مخاض عسيرة ،تمثلت بما لحق بالعراق ،من ظلم
وإجحاف وإذلل في السنوات الخيرة ،على عهد هذه القيادة ،وهي المُطالبَة بإزالة هذا الظلم والهوان ،والثأر
ممن تسبّب فيه ،وبعث أولئك العباد المشار إليهم في النص القرآني أساسا ،وكما وضحّنا سابقا ،قائم على علقة
ثأرية بينهم وبين اليهود ،غايته النتقام ليس إل .
ويكمن ثانيا :في القيادة الحالية لسرائيل ،بقيادة أكثر اليهود إجراما ووحشية ،ودورها في ازدياد حدّة ودموية
النتفاضة الجديدة ،التي ساهمت وستساهم ،في استمرارية انغماس يهود إسرائيل في شأنهم الداخلي ،وإهمالهم
وعدم التفاتهم لمن يتربّص بهم الدوائر من الخارج ،مما يعطي فرصة أكبر لنجاح الغزو العراقي .
ويكمن ثالثا :في حالة المجتمع السرائيلي الراهنة ،وخاصة بعد اختياره لقيادة هي الكثر دموية بين سابقاتها ،
وبأغلبية ساحقة مما يُشير إلى أن الشعب بكليته ،أصبح أيضا شعبا دمويا فاسدا ومفسدا ،وعندما تصبح المة
بأسرها تملك هذه الصفة ،وحسب السنن اللهية ،نجد أن هلكها بات وشيكا جدا .وإذا علمنا أن السفاح
( شارون ) يحمل على عاتقه ،تنفيذ مجمل أحلم اليهود التوراتية ،الواردة في الفصول السابقة ،قبل نهاية
وليته ،وعلى رأسها هدم المسجد القصى ،نستطيع القول بأن هلك هذه المة ،لن يتجاوز الربع سنوات على
أبعد الحتمالت .
ويكمن رابعا :في القيادة الحالية المريكية غير المتزنة ،التي أعلنت عدائيتها غير المبررة للعراق ،وقامت
بضربه فور تسلمها للسلطة ،دون سابق إنذار ،بالرغم من سياساته التصالحية ،وتجاوبه الكامل مع قرارات
الشرعية الدولية ،وانتهاجه لسلوب الحوار مع مجلس المن _ وكل ذلك لم ولن يُجدي نفعا ،إذ أن المطلوب من
العراق ،هو عبادة إسرائيل التي يعبدون ،وتقديم فروض الطاعة والولء للسامريّون الجدد في الغرب المتصهين
_ والتي أظهرت أيضا في المقابل تغاضيا وصمتا ،على ما تقترفه القيادة السرائيلية ،بشكل غير مسبوق ،مما
أثار حفيظة حتى المنافقين من حلفاء أمريكا ،فتعاقبت التنديدات والنتقادات لهذا التصرف الهوج ،من قبل
المُهرّج المريكي بوش .
هذا ،فضل عما أثارته القيادة المريكية من استياء عالمي ودولي ،لسياستها المعادية لدول الشرق القصى
والدنى من روسيا شمال وحتى اليمن جنوبا ،ومن الصين شرقا وحتى ليبيا غربا ،ولحلفائها الغربيين من الدول
غير المنحازة لسياساتها ،وللبشرية جمعاء بعدم توقيعها على اتفاقية الحد من النبعاث الحراري ،حتى انعكس
ذلك ،على مشاركة أمريكا ،في اللجان المنبثقة عن هيئة المم المتحدة ،فأُسقطت من لجنتي حقوق النسان
ومكافحة المخدرات ،خلل فترة قصيرة ،مما يعكس السخط الدولي على أمريكا وسياساتها .
210
فضل عن ذلك ،يأتي مشروع الدرع المضاد للصواريخ المثير للجدل ،والذي تروّج له أمريكا على أنه مشروع
دفاعي بحت ،تسعى لمتلكه ،متذرّعة بمخاوف غير منطقية ،من هجوم نووي ،ربما تقوم به إحدى الدول
المارقة ،كإيران وكوريا الشمالية ،أو جماعات إرهابية ،من الممكن أن تحصل يوما ما على السلح النووي ،
لضمان تأييد حلفائها لهذا المشروع ،الذين أبدوا حوله الكثير من التحفظات ،لعدم قناعتهم بالمسوغات المريكية
لهذا المشروع .والذي يُجابه أيضا بمعارضة شديدة من قبل روسيا والصين ،كون هذا المشروع سيلغي قوة
الردع النووية ،لي دولة تمتلك السلح النووي .فالسلح النووي في الصل هو قوة ردع كفيلة ،بمنع أي دولة
مارقة أو غير مارقة ،من مجرد التفكير بضرب أمريكا نوويا ،ليتبين لنا أن دوافع أمريكا المعلنة لمتلك هذا
الدرع ،غير مبررة وغير منطقية .
أما دوافعها غير المعلنة لمتلك هذا الدرع ،فهي نابعة من المخاوف التوراتية والنجيلية ،فيما يتعلّق بالمواجهة
المقبلة بين الشرق والغرب ،والتي تناولناها في فصل سابق ،ومحركاتها الرئيسية هي العراق وروسيا والمهدي
.وبامتلك أمريكا لهذا الدرع ،تتحول صواريخها النووية إلى أسلحة هجومية ،قادرة على ضرب أي جماعة ،
أو دولة نوويا أو غير نووية من المذكورة آنفا ،في حالة قيامها بتهديد المصالح أو أمن أمريكا وحلفائها ،دون أن
تكترث بأي هجوم نووي مضاد ،حتى من قبل روسيا والصين ،وبذلك تستطيع أمريكا ،فرض إرادتها على أي
دولة بالقوة إن لم تمتثل لسياساتها طواعية ،ضاربة بهيئة المم ومجالسها وقراراتها ومواثيقها عُرض الحائط .
ولو بحثت عمن يسعى بحماس لترويج فكرة هذا الدرع ،في الدارة المريكية ومجلسي الشيوخ والنواب ،
لوجدت أنهم في معظمهم ،من اليهود ومن المتصهينين النصارى من عبدة إسرائيل ،المسكونين بالمخاوف
التوراتية والنجيلية .وأن الهدف المنشود من إقامة هذا الدرع ،هو تمكين النبوءات التوراتية المستقبلية التي
توافق أهوائهم وأمانيهم من التحقق ،وتعطيل جميع النبوءات التي تخالفها ،وبذلك تصبح قابلية نفاذ هذا الوعد ،
بالشكل الذي نتحدث عنه شبه معدومة بل مستحيلة ،ففور شعور أمريكا بأي بوادر تحركات عراقي باتجاه
إسرائيل ،لن تتردد الدارة المريكية التوراتية ،في أن تجعل أرض العراق صعيدا جرزا ،دون خوف أو
وجل ،وليصبح اسم العراق نسيا منسيا .هذا إن لم تستبق المور كما هي العادة ،بضرب العراق والخلص من
أمره ،حتى قبل أن يُفكر بالتحرك ،فور امتلكها لهذا الدرع ،بعد خمس سنوات من البدء في تنفيذه ،حسب
تقديراتها ،ليصبح أمر نفاذ هذا الوعد ،بعد هذه المدة الزمنية ضربا من الخيال .فل بد من تحقق هذا الوعد قبل
مضي هذه المدة .
وقد يقول قائل أن أمريكا ل تخشى أحدا ،ولو أرادت بالعراق السوء لفعلت ،ونقول بأن هذا القول غير صحيح ،
فلتدمير القدرة العسكرية التقليدية وأسلحة الدمار الشامل العراقية ،احتاجت أمريكا أول :مبررا وهو غزو
الكويت ،وثانيا :لجماع أممي لستصدار قرار باستخدام القوة ،وثالثا :لمشاركة 30دولة لتنفيذ الهجوم ،
لتوزيع دمه على القبائل ،ومن ثم فُتح المجال لجراءاتها العدائية المستمرة اتجاه العراق .فلو كانت قادرة ،فما
الداعي لما قامت به من خطوات سبقت الضرب الفعلي للعراق ! ونقول بأن أمريكا ،لن تجرؤ على ضرب
العراق نوويا ،بداعي الخوف على مصالحها أو أمنها ،في ظل امتلك نفس السلح ،من قبل دول مناهضة لها
ولسياساتها كروسيا والصين ،لنها بالمقابل ،ستعطي لهما مبررا لضربها نوويا دون سابق إنذار ،في حال قيام
أمريكا بتهديد مصالحهما وأمنهما .فالمخاوف المريكية من أسلحة الدمار الشامل تأتي من العراق ،وكما نعلم
فإن العراق كان على علقة طيبة مع أمريكا ،قبل حرب الخليج الثانية ،ولم يُهدّد يوما ل أمن الوليات المتحدة
ول مصالحها ،وحتى بعد احتلله للكويت ،لم يكن ذلك ليُغيّر من طبيعة تلك العلقة ،والذين هدّد العراق أمنهم
قبل جرّه لغزو الكويت وما زال ،وتستطيع صواريخه الكيماوية والبيولوجية أن تصلهم ،هم يهود إسرائيل ،
وهو ما كان قد أيقظ المخاوف التوراتية لسياد أمريكا من اليهود ،فكان ما كان ،ووقع ما لم يكن في الحسبان .
الجواء الن مغايرة تماما ،للجواء التي قامت في ظلها الدولة اليهودية :
منذ أكثر من مائتي سنة ،قام اليهود بوضع مخطط طويل المد ،جمعوا فيه ،ما بين مطامع أرباب المال اليهود
في السيطرة القتصادية ،وأحلم الحاخامات التوراتية في فلسطين .وكان الهدف النهائي للعمل الجماعي
اليهودي ،وما زال ،هو السيادة الكاملة على كوكب الرض ،من خلل حكم ملكي ديكتاتوري ،يتخذ من القدس
عاصمة له ،لتحقيق مطلب الطرفين معا .نظريا وبإغفال القدرة اللهية ،التي ل يؤمن اليهود بوجودها ،فإن
211
مخططهم الفسادي قابل للتحقق على أرض الواقع .أما عمليا ،وبإدخال القدرة اللهية ،يُصبح أمر تحقق
مخططهم هذا ،ضربا من الخيال .
وقد تمكن اليهود من خلل هذا المخطط ،من تحقيق السيطرة القتصادية ،على العالم الغربي ،بامتلك
الصناعة المصرفية ،وشراء الستثمارات بكافة أشكالها ،وأهمها الصناعات العسكرية والعلمية .مما مكّنهم
من السيطرة على مجمل سياسيات تلك الدول الداخلية والخارجية ،ومن ثم تم تسخيرها ،لخدمة أهداف المخطط
اليهودي آنف الذكر .
ولو أمعنت النظر في ظروف المنطقة ،التي سبقت الحربين العالميتين الولى والثانية ،لوجدت أنها تتقاطع كليا
مع المخططات اليهودية ،بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين ،في ظل موقف السلطان عبد الحميد ،الرافض
حتى لقامة اليهود فيها كأفراد ،حتى استيئست رسل اليهود من المر .ولو أمعنت النظر في نتائج الحربين ،
ستجد أنها خدمت المخطط اليهودي بشكل ملفت للنظر ،حيث تمخضت الحرب الولى عن انهيار الدولة
العثمانية ،ومن ثم إصدار وعد بلفور ،ووضع فلسطين تحت النتداب البريطاني ،ومن ثم فتح باب الهجرة
اليهودية .ومن ثم قامت الحرب الثانية ،فتمخّض عنها إنشاء المم المتحدة من خمس دول حليفة ومنتصرة ،
وفي تلك الجواء تم استصدار قرار أممي بتقسيم فلسطين ،من خلل دعم غربي أمريكي بريطاني فرنسي ،
وعدم معارضة شرقية روسية صينية ،حيث كان لكل دولة ،من تلك الدول والمأخوذة بنشوة النتصار ،أطماع
لنيل جزء من الكعكة العالمية بعد الحرب ،وكان أحد المطالب الغربية ،هو تقديم فلسطين لليهود على طبق من
ذهب .وفي المقابل ،ستجد أن نتائج هذه الحرب ،كانت مأساوية على مجمل الدول ،التي شاركت فيها ،حتى
المنتصرة منها ،بما أنها تكبّلت بالديون اليهودية إلى ما ل نهاية ،والمستفيد الوحيد دائما وأبدا ،هم تجّار
الحروب من سادات اليهود ،أثرياء وحاخامات ،ممن يحكمون العالم الغربي في الخفاء .
لنخلص إلى أن قيام إسرائيل واستمرارها ،اعتمد على عدة أمور :
.1تمكين بريطانيا من السيطرة على فلسطين ،لستصدار وعد بلفور ،الذي لم يكن كافيا لتحقيق الحلم
اليهودي ،بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين .ومن ثم وضع فلسطين تحت النتداب البريطاني ،لتمكين
بريطانيا من تنفيذ الوعد ،بفتح أبواب الهجرة ،وخلق واقع جديد ،يسمح لليهود بإقامة الدولة .
.2التضليل العلمي المستمر للرأي العالمي ،بترويج مقولة " أرض بل شعب ،وشعب بل أرض " .
بالضافة إلى التضخيم العلمي لمسألة الضطهاد الممي لليهود ،وخاصة ترويج حكاية ضحايا المحرقة
النازية الستة مليين .لكسب تعاطف وتأييد الرأي العالمي الغربي .ومن ثم استغلل الحلفاء الخمسة
المنتصرين ،والمؤسسين للمم المتحدة ،لستصدار قرار أممي بتقسيم فلسطين ،تمخض عنه قيام دولة
إسرائيل .بطلب وتأييد من الدول الغربية ،وقبول من الدول الشرقية ،حيث كانت حسبة المصالح للدول
الخمسة الكبرى آنذاك ،تسير في مركب واحد ،بينما كانت الدول العربية بأسرها ،مملوكة من قبل الغرب .
.3الرعاية القتصادية والسياسية والعسكرية المريكية والوربية المستمرة لسرائيل ،في حالتي السلم والحرب
.
والسؤال الن هل الظروف ،التي أوجدت دولة إسرائيل ،وحافظت على بقائها واستمراريتها ،ما زالت
قائمة ؟
.1فور خروج الجيش البريطاني ،وفور العلن عن قيام الدولة اليهودية ،استطاعت الجيوش العربية قهر
الجيش السرائيلي ،والوصول إلى مشارف تل أبيب ،ولول استجابة العرب للوامر المريكية بوقف
القتال ،لما استطاع الغرب من إمداد إسرائيل بالعدة والعتاد ،مما مكّنها لحقا من النتصار ،ولما كان هناك
ما يُسمى بدولة إسرائيل ،ولكن قدّر ال وما شاء فعل .
.2بعد النفتاح العلمي ،وعالمية وسائل التصال ،وتعدّد مصادر المعلومات ،أُتيح للرأي العالمي ،وخاصة
المناهض لمريكا وسياساتها ،رؤية الجانب الخر من الصورة ،الذي عملت وسائل العلم الغربية على
التعتيم عليه ،فيما مضى ،فبات الكل يعلم ،أن فلسطين لم تكن يوما من اليام ،أرضا بل شعب ،بل فيها
شعب ،ل مثيل له بين الشعوب ،له إرادة تفل الحديد ،ويستحق التقدير والحترام .وبات الكل يعلم ،أن
212
الشعب الذي كان يتباكى من الضطهاد النازي له ،تبين أنه أكثر نازية ووحشية من النازيين أنفسهم ،فتبدّل
التعاطف معه إلى سخطٍ عليه ،واستياءٍ وخجلٍ عالميّ من أفعاله ،ولول الفيتو المريكي والدعم البريطاني
والفرنسي والتخاذل العربي ،المسلّط على رقاب الفلسطينيين ،والُمحبِط حتى لنصار القضية الفلسطينية ،
من الشعوب غير العربية ،لما استمرت هذه الدولة النازية الجديدة في الوجود .
.3لو تتبعنا كافة الحروب العربية السرائيلية ،لوجدنا أن إسرائيل لم تكن قادرة ،بأي حال من الحوال ،على
مجابهة الجيوش العربية ،بل لم تكن قادرة على حماية نفسها ،لول الدعم العسكري المريكي البريطاني
الفرنسي ،المعلن والخفي بالسلح والفراد ،من خلل الجسور الجوية التي كانت توصل هذا الدعم .
فالمواجهة في كل الحروب ،لم تكن بين العرب وإسرائيل ،وإنما كانت بين العرب والغرب .ولوجدنا أن
مجمل نوايا القيادات العربية ،كانت معروفة باليوم والساعة ،وأن تحركات الجيوش العربية وإمداداتها ،
كانت معلنة ومكشوفة وبطيئة ،وغير منسقة لتعدد القيادات ،ولوجدنا أن عامل الوقت كان حاسما في مجمل
تلك الحروب ،مما كان يُمكّن إسرائيل من الستعداد ،وطلب النصرة من الغرب .
كانت هذه قراءتنا للواقع .أما معطيات الواقع المنظور ،كما يقرأها عامة الناس ،والتي ل توحي باقتراب تحقّق
وعد الخرة ،بإساءة وجوه الصهاينة ،والدخول العراقي لفلسطين .سنحاول تصحيح هذه القراءة ما أمكن ،من
خلل رسم صورة ،للدخول القادم من خلل صور ومشاهد ،من القرآن والتاريخ والواقع ،لتقريب صفة هذا
الدخول لذهن القارئ ،وذلك أول :لتأكيد مصداقية ما جاء به كتاب ال ،من أمر هذا الوعد قبل تحقّقه ،وعلى
النحو الذي أراده رب العزة ،ل كما أرادته أهواء البشر ،وثانيا :بيان مدى قابلية تحقّق هذا البعث ،في زمن
قريب جدا ،وضمن معطيات الواقع الحالي ،الذي قد يراه الناس مخالفا ،لما نذهب إليه جملة وتفصيل .
من صور الدخول في القرآن :
نطرح فيما يلي بعضا من صور الدخول ،مما ورد ذكره في القرآن الكريم :
طةٌ َ ،ن ْغفِرْ َلكُمْ
حّسجّدًا ،وَقُولُوا ِ
( َوإِذْ قُلْنَا ا ْدخُلُوا هَذِهِ ا ْلقَرْ َيةَ َ ،فكُلُوا مِ ْنهَا حَيْثُ شِئْتُمْ َرغَدًا ،وَادْخُلُوا الْبَابَ ُ •
حسِنِينَ ( 58البقرة ) خطَايَاكُمْ َ ،وسَنَزِيدُ ا ْل ُم ْ َ
كان هذا وصف لكيفية الدخول ،التي أُمر بها بنو إسرائيل على قرية مدين شبه الخاوية ،بعد هلك أغلبية أهلها
بالعذاب ،وتركهم لرضهم ومساكنهم وممتلكاتهم من الزروع والمواشي ،وهذا ما يُشير إليه قوله تعالى ( فكلوا
منها حيث شئتم رغدا ) ،أي أن ما فيها من خيرات وأنعام ،أصبح في متناول أيديهم بمجرد الدخول ،وهذه
العبارة قيلت لدم وزوجه عند أمرهم بدخول الجنة ،وكان هذا من لطف ال بهم ومنّه وكرمه عليهم ،ولذلك
طُلب منهم عند دخول باب القرية ،التعبير بالقول والهيئة ،عن شكرهم وطاعتهم ل على هذه النعمة ،التي كانوا
قد طلبوها سابقا ،وتحصّلوا عليها دون جهد أو عناء ،إذ لم يُجابهوا بأية ممانعة أو مقاومة ،بل على العكس ،
قوبلوا بالترحيب ،من قبل شعيب والقلة المؤمنة ممن بقي من قومه ،لمصاهرة موسى عليه السلم لهم ،وإقامته
عندهم فيما مضى ،وال أعلم .
همُ الْبَابَ ،فَإِذَا َدخَلْ ُتمُوهُ فَإِ ّن ُكمْ غَالِبُونَ (23
( قَالَ َرجُلَنِ ،مِنَ الّذِينَ َيخَافُونَ ،أَ ْن َعمَ الُّ عَلَ ْي ِهمَا ،ا ْدخُلُوا عَلَ ْي ِ •
المائدة )
كان هذا وصف لكيفية الدخول ،الذي أُمر به بنو إسرائيل ،لدخول الرض المقدّسة المأهولة بالسكان ،في
محاولة من رجلين مؤمنين عالمين بواقع الحال ،لتشجيعهم وطمأنتهم ،لعلهم يرجعون عن موقفهم الرافض ،
لدخولها وطرد سكانها الوثنيون ،والستيطان فيها بدل منهم ،حيث يؤكد لهما الرجلن ،بأنهم لن يتعرضوا
للذى عند الدخول ،وفي حال كانت هناك مواجهة ،فلن يُكلّفهم ذلك سوى كسر الباب ،بقتل الحراس
المتواجدين عليه ومباغتة أهلها في الداخل .وعلى ما يبدو أن موسى عليه السلم ،قبل أن يأمر بني إسرائيل
بالدخول ،كان قد بعث هذين الرجلين ،للتجسس على أهل المدينة المقدّسة ،فوجدا أن أهلها على غير استعداد
للحرب ،وأنهم ل يملكون جيشا ،ولم يكونوا جبارين حقيقة ،كما ادعى بنوا إسرائيل لحقا ،وأنهم ل يملكون
سوى بضعة حرّاس ،على باب المدينة فقط .وعندما أمر موسى قومه بالدخول ،رفضوا مُتذرعين بجبروت
أهلها تقاعسا وخذلنا وجبنا ،فعقّب هذين الرجلين على قول موسى ،بقولهم ذلك تفنيدا لدّعائهم ،وتوضيحا
213
لحقيقة المر ،كما رأوها بُأمّ أعينهم ،ومع ذلك أصرّ بنو إسرائيل على موقفهم ،بقلة إيمانهم وفسقهم وجبنهم .
ودخول كهذا يحتاج للمباغتة كعنصر أساسي ،لمنع الخصم من الستعداد والجاهزية للقتال ،مما يُقلّل أو يمنع
الخسائر في المواجهات المكشوفة ،ويدفع الخصم إلى الستسلم والرضوخ للمر الواقع ،ومن ثم الرحيل عن
الرض .
جعَلُوا أَعِزّ َة أَ ْهِلهَا أَذِّلةً ،وَكَذَلِكَ َي ْفعَلُونَ ( 34النمل )
ت إِنّ ا ْلمُلُوكَ ،إِذَا َدخَلُوا َقرْ َي ًة أَ ْفسَدُوهَا َ ،و َ
( قَالَ ْ •
وكان هذا وصفا لكيفية دخول الملوك ،على القرى المتمرّدة والمتطاولة ،على أمرهم ومكانتهم ،على لسان
ملكة سبأ ،تحذيرا لقومها من عصيان أمر الملك سليمان عليه السلم ،وهذا الدخول هو السوأ على الطلق .
وانظر في قول سليمان عليه السلم ،عندما تمرّدوا على أمره ،ولم يأتوه مسلمين كما طلب ،حيث قال ( ا ْرجِعْ
خ ِرجَ ّنهُمْ مِ ْنهَا أَذِّلةً وَ ُهمْ صَاغِرُونَ ( 37النمل ) ،فعصيان أمر
إِلَ ْيهِمْ ،فَلَنَأْتِيَ ّن ُهمْ ِبجُنُودٍ لَ قِ َبلَ َل ُهمْ ِبهَا ،وَلَ ُن ْ
الملوك ،ذوي القوة والعزة والنفة والتطاول عليهم ،بأي شكل من الشكال ،يُحمل على أنه تحقير وتقليل من
شأنهم ،ويُعتبر إهانة ل يستطيعون غفرانها .والرد عليها عادة ما يكون ،كما هو ظاهر في رد سليمان عليهم ،
بإرسال جيش ل قبل للخصم به ،ل من حيث العدد ول من حيث العدة ،ونتيجة فعلهم ،هي كما وصفته ملكة سبأ
في الية الولى ،وما أكدّ عليه سليمان في الية الثانية أعله .
وغاية هذا الدخول في العادة ،تكون للنتقام ورد العتبار ،باستباحة الرض والمال والعرض ،بتخريب
الممتلكات والقتل والتنكيل في العامة ،وأسر علية القوم وإذللهم ،ومن ثم قتلهم والتنكيل بهم ،وسبي نسائهم
وأطفالهم ،وتسخيرهم للعمل كجواري وخدام في القصور إمعانا في إذللهم .ودخول كهذا ،عادة ما تُعلن فيه
الرغبة في النتقام ،ويتم فيه تهديد الخصم مسبقا ،لذلله وإدخال الرعب في قلبه ،مما يكون أدعى لنهياره ،
وسرعة تداعيه عند المواجهة ،في حال تجرّأ على ذلك .
س ُكمْ ،
سجِدَ ا ْلحَرَامَ ،إِنْ شَاءَ الُّ ءَامِنِينَ ُ ،محَّلقِينَ رُءُو َ
( َلقَدْ صَدَقَ الُّ َرسُو َلهُ ال ّرؤْيَا بِا ْلحَقّ ،لَتَ ْدخُلُنّ ا ْل َم ْ •
ج َع َل مِنْ دُونِ ذَلِكَ فَ ْتحًا قَرِيبًا ( 27الفتح )ن لَ َتخَافُونَ َ ،فعَ ِل َم مَا َلمْ َتعْ َلمُوا َ ،ف َ
َو ُمقَصّرِي َ
هذه هي المرة الخرى ،والوحيدة في القرآن ،التي يرتبط فيها ذكر الدخول بالمسجد ،وهو دخول المسجد
الحرام في مكة ،ولو أمعنت النظر في نص الية ،ستجد أنها تصف المسلمين أثناء تأدية العمرة ،وقد جاء في
سمّي لحقا بعمرة القضاء ،في العام التالي لصلح الحديبية ،كتب التفسير ،أن هذه الرؤيا قد تحقّقت ،فيما ُ
سمّي في القرآن
فأنزلت هذه الية تصديقا للرؤيا ووعدا بالفتح .وأما الدخول العسكري لمكة والمسجد الحرام ،ف ُ
فتحا وليس دخول .والمعروف أن المسلمين عندما خرجوا لغزو مكة ،كانوا قد أعدوا عدة الحرب .وقد روى
المام مسلم عن جابر " :أن رسول ال دخل مكة ،وعليه عمامة سوداء ،من غير إحرام " ،وقال ابن كثير في
تفسيره للية ( ) 24من نفس السورة ،والتي سيرد نصها في الحديث عن فتح مكة ،أن الرسول عليه الصلة
والسلم " :لم يسق عام الفتح هديا ،وإنما جاء محاربا مقاتل في جيش عرمرم " .
المقصود بدخول المسجد :
الدخول القادم للمسجد القصى ،لن يكون لتخريبه كما وقع في المرة الولى ،ولن يكون بقصد الزيارة فقط ،
لداء عبادة من العبادات ،كما هو الحال عند دخول المسجد الحرام ،الموصوف في الية أعله .فالمقصود
بقوله تعالى ( وليدخلوا المسجد ) هو الدخول إلى الرض المباركة ،التي تحوي هذا المسجد ،أي فلسطين ككل
والسيطرة عليها .وذِكر المسجد ،الذي هو بمثابة القلب من الجسد ،بالنسبة للرض المباركة والمقدّسة ،جاء
للشارة وللتأكيد على أن نفاذ الوعد بشكل كامل ،سيتحصل أخيرا بدخول القدس ،بعد إزالة العلو اليهودي من
فلسطين ،وإنهاء الوجود اليهودي فيها ،الذي يفيده تقدّم ذكر الساءة عن ذِكر الدخول .
سجِدَ ( ، )7ستجد أن الغاية
لخِرَةِ ،لِ َيسُوءُوا ُوجُو َه ُكمْ ،وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ
ولو تمعنّت في قوله تعالى ( فَإِذَا جَا َء وَعْدُ ا ْ
من البعث في الصل ،هي إساءة وجوه اليهود ،وستتحصّل هذه الساءة ،من جرّاء ما وقع فيهم ،من قتل
وتنكيل وسبي وفرار .ومن ثم جاء ذكر المسجد ،ليكون دخول القدس واستعادتها ،نتيجة تأتّى من جرّاء ما وقع
في اليهود من إساءة .والنكى والكثر إيلما لليهود ،هو أن ُتتّخذ القدس عاصمة لدولة عربية كبرى ،لتصبح
أحلم يهود الشرق والغرب المتعلقة بها هباءً منثورا ،بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من التحقق .وبالتالي
214
يكون مجيء لفظ الدخول في هذه الحالة ،تأكيدا لتحرير فلسطين واستعادة المسجد والستيلء عليه من قبل
المبعوثين ،وأن البعث لم يقتصر على إساءة الوجوه فقط .والتشبيه هنا كان لصفة الدخول ،منذ اجتيازهم لحدود
الرض المقدّسة ،بما تخلله من قتل وتنكيل وأسر وإذلل ،حتى وصولهم إلى قلب مدينة القدس ،ليتأكد لنا زوال
علوهم منها بشكل كامل قهرا وقسرا ،بالضبط كما حصل في المرة الولى ،عند دخول البابليين بقيادة نبوخذ
نصّر .
وعلى ما يبدو أن الدخول القادم ،سيجمع بين صفتي الدخول الثاني والثالث ،المشار إليهما أعله ،لن غاية
الدخول القادم ،تجمع ما بين غايتيهما ،وهما أول :طرد اليهود وإعادة الرض لصحابها الصليين ،وثانيا :
إشباع الرغبة العراقية في النتقام من اليهود وإذللهم .
ومن جانب آخر ،نجد أن قوله تعالى ( ليسوءوا … وليدخلوا … كما دخلوه … ) يصف ما سيجري على أرض
فلسطين لحظة الوصول إليها ،وحتى استعادة كامل أرضها .والذي سيجري حقيقة على أرض الواقع ،حسب
الوصف القرآني ،ليس بمعركة ،وإنما غزو من قبل أمة ل تعرف الرحمة ،لمة ضعيفة وجبانة مستباحة
الرض والمال والعرض .ولو أنك فكّرت بهذا الحدث نظريا ،كما جاء به النص القرآني ،وحاولت مطابقته مع
معطيات الواقع الحالي ،ستجد بأن عملية تحققه ضرب من الخيال ،ضمن الظروف الراهنة ،التي تؤكد رجحان
كفة موازين القوى العالمية ،لصالح اليهود وحلفائهم الغربيين .
صور من الواقع :
حال إسرائيل في المنطقة ،كحال ثري يملك منزل ،في منطقة معزولة عن المدينة ،يحتوي على كمّ هائلٍ من
الكنوز والمقتنيات الثمينة ،ويقتني عتاد جيش كامل من السلحة ،من مسدسات وأسلحة رشاشة وقنابل يدوية
وصواريخ ،لحماية هذه الممتلكات من هجمات اللصوص .
فلو أن مجموعة كبيرة من اللصوص ،ل تملك سوى السلح البيض ،فكّرت بالسطو على مثل هذا المنزل ، ،
فهل ستنجح ؟!
للجابة فكّر مليا بالحالت التالية :
إذا وقع السطو ،وشعر صاحب المنزل باللصوص ،وهم خارج السوار ،سيكون بمقدوره التصال برجال •
المن ،ومشاغلتهم بما لديه من السلحة متنوعة وفتاكة ،حتى يتمكن من الحصول على المساعدة ،هذا إن لم
يكن قد فرق شملهم ،وأبادهم عن بكرة أبيهم ،قبل وصول المساعدة ،وستكون إمكانية صدهم في هذه الحالة
كبيرة جدا .
إذا وقع السطو ،ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص ،إل بعد دخولهم إلى المنزل والنتشار في أرجاءه ، •
فهو خاسر ل محالة ،ولكن أمامه عدة خيارات ،أول :التصال بالمساعدة التي لن تصل في الوقت
المناسب ،وسيكون ضررها أكثر من نفعها ،في حال أحس اللصوص بذلك ،فقد يُصبح قتله أمرا محتما ،
وكذلك الحال فيما لو حوصر اللصوص ،من قبل رجال المن ،داخل المنزل المُتخم بالسلحة ،ثانيا :
المواجهة المسلحة ،فيما لو لم يتمكن من التصال ،والنتيجة مع كثرتهم ،محسومة لصالحهم ،بقتله ونهب
محتويات المنزل ،وثالثا :الفرار أو الختفاء ،والتسليم بالمر الواقع ،لتنهب محتويات المنزل .
إذا وقع السطو ،ولم يشعر صاحب المنزل باللصوص ،إل وسكين أحدهم تضغط على حنجرته ،منبهين إياه •
من النوم .هنا ستكون النتيجة محسومة ،فنهب المنزل أصبح تحصيل حاصل ،وأما أمر نجاته من عدمها ،
فمرهون بأيدي اللصوص .
ولغزو إسرائيل ،يتطلب المر تجنّب الحالة الولى ،وهي ما جرت عليه العادة ،في كافة الحروب العربية
السرائيلية ،والعمل على ما أمكن على تحقيق الحالة الثالثة ،أو الحالة الثانية على القل ،بهجوم كبير وشامل
ومباغت وسريع ،تكفله وحدة القيادة من خلل العمل المنسقّ والمحافظة على السرية التامة ،مما يحرم إسرائيل
من الستعداد ،ويلغي جميع قدراتها الدفاعية والهجومية ،ويحرمها حتى من القدرة على طلب المساعدة كذلك .
ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة ،يتطلّب عدة عوامل :
215
أول :إعداد جيش كبير العدد ،يفوق تعداد الجيش السرائيلي أضعافا مضاعفة ،يتم تدريبه على كافة الساليب
القتالية الحديثة ،ويكون لفراده القدرة على تحمل الجهد والجوع والعطش ،والقدرة على البقاء والستمرارية
في أقسى الظروف ،تملؤهم رغبة جامحة بالنتقام ،ويُسيّرهم حقد جارف .
ثانيا :المحافظة على السرية التامة ،منذ لحظة النطلق حتى الوصول ،لتوفير عنصر المباغتة .
ثالثا :سرعة الوصول ،باستخدام كافة الوسائل والتقنيات العصرية المتاحة .
رابعا :شمولية الهجوم ،من خلل تعدد الجبهات .
خامسا :سرعة النتشار .
ـ ولو نظرنا إلى واقع إسرائيل ،ستجد أنها أشبه بالطفل الخداج ،الذي يعيش في بيئة مصطنعة ،ويحتاج فيها
إلى من يٌقدّم له الحماية والرعاية والعناية المستمرة والحثيثة ،والمداد بالغذاء والهواء في الظروف الطبيعية ،
وإلى العلج المكثف في الزمات الصحية بسبب نقص المناعة ،وعدم القدرة على المقاومة .
ومشكلة إسرائيل ،أن حاضنتها تقع في بيئة معادية ،وهي عرضة لن يُفتك بها ،في أي لحظة ،وأن أمريكا
القائمة على رعايتها والعناية بها ،تبعد عنها آلف الميال .وتحتاج إلى وقت ليس بالقصير ،لتقديم العون لها ،
كلما ألمّ بها عارض مفاجئ ،وغالبا ما كانت أمريكا تلجأ إلى الحيلة والمماطلة ،في كل مرّة لكسب الوقت ،كي
تؤمن لها العلج المناسب ،وتنقذها من الهلك .
وللتخلص من هذا المسخ ،يتطلب المر ،المباغتة بالهجوم وسرعة النجاز وعدم التأخير ،أثناء عملية القتل ،
والستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد ،لحرمان القائمة على الرعاية ،من كسب الوقت ،الذي تحتاجه
لتعطيل عملية قتل المسخ ،ومن ثم لتقوم بإنعاشه ،كما جرت العادة في كافة الحروب العربية السرائيلية .
ولنخلص إلى القول بأن نجاح هذه المهمة ،يعتمد على ثلثة عوامل :
أول :المباغتة بالهجوم .
وثانيا :سرعة النجاز .
وثالثا :الستمرارية حتى مفارقة الروح الجسد ،إذ ليس بإمكان أمريكا أن تحيي الموتى ،ولو فكّرت بذلك فلن
تجد من يُؤيّدها .
صور من التاريخ السلمي :
في السنة السادسة للهجرة ،كان الرسول عليه الصلة السلم ،وألف وأربعمائة رجل من المسلمين ،قد أحرموا
بالعمرة متوجهين إلى مكة ،فعلم مشركي قريش بذلك ،فخرجوا بخيلهم ،لصدّهم عن دخول المسجد الحرام .
فسلك عليه الصلة والسلم طريقا ،غير التي كان عليها ،حتى وصل إلى الحديبية ،بركت الناقة على غير
عادتها ،فعلم عليه الصلة والسلم ،أنها لن تعدو مكانها ،وبأن العمرة لم تُكتب لهم ذلك العام ،فأقام ومن معه
فيها .فكان فيها الصلح الذي كان من بنوده ،حرمان المسلمين من أداء العمرة في ذلك العام ،على أن يعودوا
لدائها في العام المقبل ،فشُقّ ذلك على المسلمين ،ومنهم عمر بن الخطاب رضي ال عنه ،الذي أراد قتالهم
والدخول قسرا ،ولم تهدأ سَوْرة غضبه ،إل بعض أن أُنزلت آيات سورة الفتح ،مُبيّنة الحكمة اللهية ،التي غفل
عنها بعض من أيّد قتال أهل مكة ،من الصحابة رضوان ال عليهم .
ظفَ َركُمْ عَلَ ْي ِهمْ ،وَكَانَ الُّ ِبمَا
قال تعالى ( وَ ُهوَ الّذِي كَفّ أَيْدِ َيهُمْ عَ ْن ُكمْ َ ،وأَيْدِيَ ُكمْ عَ ْنهُمْ بِ َبطْنِ َم ّكةَ ،مِنْ َبعْدِ أَنْ َأ ْ
عنِ ا ْل َمسْجِدِ ا ْلحَرَامِ ،وَا ْلهَدْيَ َمعْكُوفًا أَنْ يَبُْلغَ َمحِّلهُ ،وَ َل ْولَ َت ْعمَلُونَ بَصِيرًا (ُ )24همُ الّذِينَ كَفَرُوا ،وَصَدّو ُكمْ َ
خلَ الُّ فِي ع ْلمٍ ،لِيُ ْد ِ
ِرجَالٌ ُم ْؤمِنُونَ وَ ِنسَاءٌ ُم ْؤمِنَاتٌ َ ،لمْ َتعْ َلمُو ُهمْ ،أَنْ َتطَئُو ُهمْ ،فَتُصِي َبكُمْ مِ ْن ُهمْ َمعَرّةٌ ِبغَيْرِ ِ
حمَ ِتهِ مَنْ َيشَاءُ َ ،لوْ تَزَيّلُوا َ ،لعَذّبْنَا الّذِينَ َكفَرُوا مِ ْن ُهمْ عَذَابًا أَلِيمًا ( 25الفتح ) ،فبالرغم من توافر الرغبة َر ْ
اللهية في تعذيب الكفار ،وتوافر التأييد اللهي للمسلمين في مواجهاتهم للمشركين ،وأسر المسلمين لمن خرج
لصدّهم عن المسجد من مشركي قريش ،مُنع المسلمين من الدخول لمكة قسرا ،لئل يُلحقوا الذى بالمؤمنين ،
216
غير المعلومين من أهل مكة ،وأنه لو كان هؤلء ظاهرين ومعلومين ،لسُمح للمسلمين بقتال المشركين ،
ودخول مكة قسرا .
قلنا في فصل سابق أن صفة دخول المسجد القصى ،في المرة الثانية مشابهة لصفة دخوله في المرة الولى ،
والدخول الول كما علمنا ،كان من قبل البابليين .ولكن ما نود أن نؤكد عليه هنا ،أن ظروف الدخول الول
مختلفة ،عن ظروف الدخول الثاني ،فالدخول الول ،وقع على كفرة اليهود وفسقتهم ،بعد أن قاموا بإخراج
المؤمنين المستضعفين من ديارهم ،وإبعادهم إلى خارج حدود المملكة .وما نراه أمامنا على أرض الواقع في
فلسطين ككل ،هو تداخل المدن الفلسطينية بالمدن اليهودية والمستوطنات ،واختلط السكان من عرب ويهود ،
في بعض المدن وخاصة في مدينة القدس .وهذا الواقع مشابه إلى حد ما ،ظروف مكة قبل الفتح ،حيث اختلط
المؤمنين سرّا بالكفار .وهذا مما ينفي ،وال أعلم ،استخدام القوة بشكل مفرط ،أثناء الدخول العراقي
لفلسطين ،ومما ينفي وقوع مواجهة شاملة ،في حرب معلنة ومكشوفة ،ولنتعرف على الفكر العسكري ،
لرسول ال عليه الصلة والسلم ،في كيفية التعامل مع هذا الواقع ،وكيفية التدبير اللهي في تنفيذ وعده ،
سنعرض بعض الملمح من فتح مكة .
لما كان صلح الحديبية ،دخل بنو بكر في عقد قريش ،ودخلت خزاعة في عقد رسول ال عليه الصلة والسلم ،
وكانت الهدنة .فاغتنمها جماعة من بني بكر ،في السنة الثامنة للهجرة ،فأصابوا من خزاعة ثأرا قديما لهم ،
وكانت قريش قد رفدت بني بكر بالسلح والرجال .فخرج نفر من خزاعة ،حتى قدموا على رسول ال عليه
الصلة والسلم ،فأخبروه بما أصيب منهم ،ومظاهرة قريش لبني بكر عليهم ،فوعدوا بالنصر ،ثم انصرفوا
راجعين .فخرج أبو سفيان حتى قدم المدينة ،ليطلب الشفاعة ،ويشدّ في العقد ،ويزيد في المدة ،فرجع خائبا .
في تلك الثناء ،أُمر المسلمون بالجهاد ،وأُخفيت جهة الخروج عن الناس في بادئ المر ،كما أُخفي موعد
الخروج ،ثم إن رسول ال أخبر الناس ،قبيل خروجه بفترة قصيرة ،أنه سائر إلى مكة ،وأمرهم بالجدّ
والتهيؤ ،وقال " :اللهم خُذ العيون والخبار عن قريش ،حتى نبغتها في بلدها " .وكلنا يعلم قصة حاطب بن
أبي بلتعه ،عندما حاول إعلم قريش بما كان من أمر المسلمين ،فكشف ال أمره عن طريق الوحي .وشاء ال ،
فعُمّيت الخبار عن قريش ،ونزل جيش الفتح بالقرب من مكة .
كان العباس عم الرسول عليه الصلة والسلم ،قد أعلن إسلمه عند مقدم جيش المسلمين لغزو مكة ،ومما قاله
حين نزل رسول ال مرّ الظهران " :واصباح قريش ،وال لئن دخل رسول ال مكة عنوة ،قبل أن يأتوه
فيستأمنوه ،إنه لهلك قريش إلى آخر الدهر " .فخرج العباس رضي ال عنه ،ليبحث عن رجل من قريش ،
ليطلب لها المان ،من رسول ال عليه الصلة والسلم ،خوفا من أن يُهلكها جيش المسلمين ،القادم للنتقام منها
لنقض العهد ،فوجد صاحبه أبي سفيان ،فاستجلبه ليطلب المان .ولول ما أُعطي أبو سفيان ،من المان لهل
مكة ،وإطلق سراحه صباحا ،ليُخبرهم قبل دخول جيش المسلمين ،لهلكت قريش .
كانت قريش – بعد أن نقضت العهد – تتوقع خروج الرسول عليه الصلة والسلم عليها ،ولكنّ معرفتها لوقت
خروجه على وجه الدقة ،لم تكن متحصّلة ،لذلك لم تقم بالستعداد للمواجهة ،وكانت تعتمد على خبر يأتيها من
عمليات التجسس ،التي دأبت على القيام بها ،منذ نقضها للعهد ،للبدء في الستعداد .ولكن ذلك الخبر لم يأت ،
بمشيئة ال ،حتى كان صباح يوم الفتح ،على لسان أبي سفيان ،الذي كان قد أسلم ،داعيا أهل مكة إلى
الستسلم ،ل داعيا إياهم إلى النفير .
مقومات وظروف فتح مكة :
كان مُحرّك الخروج على قريش ،هو الرغبة في النتقام منها لنقضها العهد ،والثأر لبني خزاعة ،بالضافة
لدوافع أخرى ،أما رسول ال عليه السلم ،فكان أرحم بأهل قريش من أنفسهم .
.1توافر الوعد اللهي لرسوله وللمؤمنين بالفتح .
.2إحاطة عملية الخروج بالسرية التامة ،لتوفير عنصر المباغتة ،مما حرم قريش من الستعداد للمواجهة ،
سواء بإعداد العدد والعدة ،أو بالستعانة بما حولها من القبائل ،ممن كانوا على عداء مع المسلمين .مع العلم
217
بأن المسافة ما بين المدينة ومكة ،تزيد على 400كم ،وأن وسائل النتقال كانت بدائية وبطيئة جدا ،ومع
ذلك تمكّن المسلمون ،من الوصول ومباغتة أهل مكة ،من خلل الخذ بالسباب ،ومن ثم العتماد على
التأييد اللهي .
.3تأمين الكثرة ،لدب الرعب في قلوب المشركين ،وإجبارهم على الستسلم لنعدام القدرة على المواجهة ،
ولسحق أي مقاومة محتملة ،مهما كان حجمها ،حيث بلغ تعداد الجيش قرابة عشرة آلف رجل ،وهو نفس
العدد الذي استطاعت قريش ،وحلفائها من القبائل ،جمعه في غزوة الخندق ،وهو ما حُرمت قريش من فعله
عند فتح مكة .
.4علم المسلمين التام ،بجغرافية مكة ومحيطها ،مما أفاد المسلمين قبل وأثناء الدخول .
.5والهم من كل ما تقدّم ،هو التأييد والتمكين والتدبير اللهي ،من البداية إلى النهاية ،لنجاز ذلك الوعد .
والن لو طرحنا التساؤل التالي ،أليس من الممكن أن تتوفر ذات المقومات للعراقيين ،ليُنجز ال وعده لبني
إسرائيل ؟!
.1توافر نفس المُحرّك للخروج ،وتوافر دوافع ومبررات أخرى طرحناها أعله .
.2توافر الوعد اللهي بعقاب بني إسرائيل على أيدي العراقيين ،حتى لو لم يُذكروا بالسم في النص القرآني .
.3توافر وحدة القيادة ،وقدرتها في هذه الحالة ،على إخفاء أمر الخروج ،من حيث توقيته وكيفيّته ،مما يضمن
عنصر المباغتة .
.4القرب المكاني ،وتوافر آليات النقل الحديثة ،مما يضمن سرعة الوصول .
.5توافر الكثرة والستعداد والتدريب المكثف ،فهذا هو ما يُشاهده القاصي والداني ،على شاشة التلفزيون
العراقي مؤخرا .ول يأخذ هذا المر على محمل الجدّ ،إل يهود أمريكا وإسرائيل من المؤمنين بالنبوءات
التوراتية ،لدرجة أن ( شارون ) سافر مؤخرا لمريكا فقط ،لبحث أمر جيش القصى الذي يُعدّه الرئيس
العراقي ،حيث وعدَه المريكان بالتكفل بأمره ،وطلبوا منه الهتمام بالشأن الداخلي ،والعمل على تهدئة
المور ظاهريا .ومربط الفرس ،أن العالم ل يُعير أدنى اهتمام للستعدادات العراقية الجارية حاليا على قدم
وساق ،وحتى أمريكا نفسها على ما يبدو تقلل من شأن هذا الجيش ،ول تتوقع أن يقوم العراق بغزو إسرائيل
برا .
.6توافر التجربة والخبرة الميدانية للقيادات العسكرية العراقية ،بمشاركتها في كافة الحروب العربية السرائيلية
،والحرب اليرانية ،ودخولها المفاجئ للكويت .
.7توافر التأييد والتمكين اللهي ،بتذليل السبل أمام العراقيين ،والتي من شأنها تحقيق هذا الوعد ،بالكيفية التي
جاءت بها النصوص القرآنية .
صفة جيش البعث في التوراة :
سفر يوئيل :1 :1 " :هذا ما أوحى به الرب إلى يوئيل بن فثوئيل :اسمعوا هذا أيّها الشيوخ ،وأصغوا يا جميع
أهل الرض … ،
:15 :1يا له من يوم رهيب ،لن يوم الرب قريب ،حامل معه الدمار من عند القدير … ،اصحوا أيها السكارى
،وابكوا يا جميع مدمني الخمر … فإن أمةً قوية قد زحفت على أرضي ،أُمة قوية ل تُحصى لكثرتها ،لها
أسنان ليث وأنياب لبؤة … ،
:2 :2هو يوم ظلمة وتجهّم ،يوم غيوم مُكفهرّة وقتام دامس ،فيه تزحف أمة قوية وعظيمة ،كما يزحف الظلم
على الجبال ،أمّة لم يكن لها شبيه في سالف الزمان ،تلتهم النار ما أمامها ،ويُحرق اللهيب ما خلفها ،الرض
أمامها جنة عدن ،وخلفها صحراء موحشة ،يثبون على رؤوس الجبال ،في جلبة كجلبة المركبات ،كفرقعة
لهيب نار يلتهم القشّ ،وكجيش عات مُصطفّ للقتال .تنتاب الرعدة منهم كل الشعوب ،وتشحب كل الوجوه ،
218
يندفعون كالجبابرة وكرجال الحرب ، … ،ينسلّون بين السلحة من غير أن يتوقفوا ،ينقضّون على المدينة ،
ويتواثبون فوق السوار ،يتسلّقون البيوت ،ويتسلّلون من الكوى كاللصوص ،ترتعد الرض أمامهم وترجف
السماء ، … ،يجهر الرب بصوته في مُقدّمة جيشه ،لن جُنده ل يُحصى لهم عدد ،ومن يُنفّذ أمره يكون مُقتدرا
،لن يوم الرب عظيم ومخيف ،فمن يحتمله ؟! " .
سفر حبقوق : 3 :1 " :أينما تلفّت أشهد أمامي جورا واغتصابا ،ويثور حولي خصام ونزاع ،لذلك بطلت
الشريعة ( تعطلّت ) وباد العدل ،لن الشرار يُحاصرون الصدّيق ،فيصدر الحكم مُنحرفا عن الحقّ .
" :5 :1تأمّلوا المم وأبصروا ،تعجّبوا وتحيّروا ،لني مُقبل على إنجاز أعمال ،في عهدكم ،إذا أُخبرتم بها ل
تصدّقونها .فها أنا أُثير الكلدانيين ،هذه المة الحانقة المُندفعة ،الزاحفة في رحاب الرض ،لتستولي على
مساكن ليست لها ،أمّة مُخيفة مُرعبة ،تستمدّ حُكمها وعظمتها من ذاتها .خيولها أسرع من النمور ،وأكثر
ضراوة من ذئاب المساء ،فرسانها يندفعون بكبرياء ،قادمين من أماكن بعيدة ،مُتسابقين كالنسر المُسرع ،
للنقضاض على فريسته ،يُقبلون جميعهم ليعيثوا فسادا ،ويطغى الرعب منهم على قلوب الناس قبل وصولهم ،
فيجمعون أسرى كالرمل .يهزءون بالملوك ويعبثون بالحكام ،ويسخرون من الحصون ،يجعلون حولها تلل
من التراب ،ويستولون عليها .ثم يجتاحون كالريح ويرحلون ،فقوة هؤلء الرجال هي إلههم " .
" 3 :2لن الرؤيا ل تتحقّق إل في ميعادها ،وتسرع إلى نهايتها ،إنها ل تكذب ،وإن توانت فانتظرها ،لنها ل
بدّ أن تتحقّق ،ولن تتأخر طويل " .
اليهودي وصفة الجبن الملزمة له عبر العصور :
كلنا يعلم أن وجود إسرائيل وبقائها ،ل يعتمد في الدرجة الولى على مقوّماتها الذاتية ،مهما بلغت قوتها
العسكرية من عدة وعتاد ،فحصنهم المنيع هو أمريكا بقوتها وعظمتها ،والحصن الخر هو الطوق المني من
معاهدات السلم والحلف العسكرية ،التي سعوا جاهدين للتوقيع عليها مع دول الجوار .وهذين الحصنين هما
ما يتكل عليه اليهود ،كضمانة لستمرار وجودهم ،وشعورهم نسبيا بالمان ،الذي يُمكّنهم من البدء ،في تنفيذ
مشاريعهم التوراتية على أرض فلسطين .
أما اليهود في الحقيقة ،فليس لديهم عقيدة أو مبدأ ،ليبذلوا أرواحهم في سبيل الدفاع عنها ،كما هي الحال عند
غيرهم من شعوب الرض .لذلك تجدهم أشدّ الناس حرصا على الحياة ،فل يُقاتلون إل مجبرين ،وفي قرى
محصنة أو من وراء جدر ،فعادة الخروج للقتال ليست من شأنهم ،أما الخروج للقتل وسفك دماء غير المقاتلين ،
فهذا أكثر ما يستطيعون القيام به ،وعلى تخوّف من إصابتهم ،من قبل خصمهم العزل ،وهذا ما نشاهده على
أرض الواقع هذه اليام .
أما في حال المواجهة المعلنة المكشوفة ،فأول ما يُفكّر به الجندي السرائيلي المدجّج بالسلح ،هو البحث عن
ملجأ يتحصّن خلفه ،هذا إن تجرأ على القتال .وإن لم يجرؤ ،فأول ما يُفكّر به ،هو أن يولي الدبار مطلقا
لساقيه العنان ،هاربا إلى حيث ل يدري .فكيف إذا لم يكن هناك مواجهة ،بل غزو مفاجئ ،أتخيّل هذا الجندي
وفور سماعه ،بأمر خروج أحفاد نبوخذ نصر ،من بابل وقبل اجتيازهم للحدود العراقية ،باتجاه إسرائيل ،وقد
تسمّر في مكانه ،وتجمّد الدم في عروقه ،وشلّت أطرافه ،فلم يقو على حمل سلحه .وخلصة القول أن
دولتهم محكوم عليها بالفناء ،منذ لحظة قيامها ،وهم يعلمون ذلك علم اليقين ،وأن الجندي السرائيلي ،مهزوم
بالرعب من قبل أن تبدأ المعركة .
الكيفية المتوقعة لهذا الدخول :
على ما يبدو ،وبعد هذه القراءة المطوّلة ،أنه لن تكون هناك معركة معلنة ومكشوفة وطويلة المد ،تستخدم فيها
الليات الحربية ،من مدافع ودبابات وصواريخ وطائرات .وإنما غزو سريع ومباغت ،لجيش عرمرم ،بعدد
هائل من الجند ،مُدرّبين على سرعة النتقال والنتشار ،ومزودين بأسلحة خفيفة ،هم أشبه – كما تصورهم
التوراة – باللصوص في خفة حركتهم وانسيابهم وتسلّلهم ،وبالنسور بسرعة انقضاضها ،وبالسود في قوتها
219
وجبروتها وبطشها .وقد ل يخلو المر ،من مواجهات ولكنها ستكون محدودة وقصيرة ،ربما ل تتعدى كسر
الباب ،بمعنى أن العقبة الوحيدة التي ربما تواجه المهاجمين ،ل تعدو عن كونها ،مقاومة بسيطة على الحدود .
وكون هذا الهجوم مباغتا ،يُفهم من تحذير النجيل لليهود ،بأن من سمع بمحاصرة أورشليم بالجيوش ،إذا كان
في الحقل ،فل يرجع إلى المدينة ،وإذا كان على سقف المنزل ،فل ينزل إلى أسفل ،ليجلب متاعا أو ما شابه ،
أي أن هناك من سيسمع بهذا الغزو بعد خروجه إلى الحقل ،وأن هناك من سيسمع بالغزو ،بعد صعوده إلى
سطح منزله ،والخروج من المدينة إلى الحقل والعودة ،ربما ل يتجاوز سويعات معدودة ،وأما الصعود إلى
سطح المنزل والنزول عنه ،فربما ل يتجاوز دقائق معدودة .فالفارق الزمني قصير جدا ،ما بين الحالتين ،
فالذي خرج إلى الحقل ،لم يكن يعلم بالغزو قبل خروجه ،والذي صعد إلى سطح المنزل ،لم يكن قد سمع
بالغزو قبل صعوده .
ومن المحتمل أن يكون هذا الغزو ليل ،ومن المحتمل أن يبدأ الهجوم ليل الجمعة ،لينتهي يوم السبت قبل
الظهيرة ،استغلل لنقطاع أغلب اليهود عن العمل ،بحجة التزامهم بشريعة حرمة السبت ،التي ما ألزم ال بها
،إل أصحاب تلك القرية ،وال أعلم .وسينجم عن هذا الغزو ،تفريغ كامل لليهود من فلسطين ،سواء بالقتل أو
الفرار ،وسيطرة كاملة ،على مساحة فلسطين كلها ،وبالتالي فرض واقع جديد ،يُعيد المور إلى نقطة الصفر ،
أي ما قبل قيام إسرائيل بخمسين عاما ،أيام خلو فلسطين من اليهود ،وال أعلم .
ردود الفعل العالمية المتوقعة :
هذا الحدث ،السريع والمباغت ،المرعب والعجيب ،عندما يقع ،سيُصاب العالم بأسره بالذهول والشلل ،ربما
لشهر أو لعدة أشهر ،وأول ما يُجابه به سماع خبره ،هو عدم التصديق ،وسيحتاج الغرب اليهودي الحليف
لسرائيل ،إلى وقت طويل ليفيق من هول الصدمة ،وليجد الغرب نفسه عاجزا ،عن القيام بأي رد فعل سريع
ومؤثر للمساعدة ،فل إسرائيل ول يهود .أما من هم في الصف المناهض لسرائيل وأمريكا من الشرق ،
فسيصابون بنفس الشعور ،ولكن شعور ل يخلو من الشماتة باليهود إجمال ،وبأمريكا بشكل خاص .أما اليهود
إجمال ،ويهود أمريكا بشكل خاص ،فسيصابون بخيبة أمل كبيرة ،وهم يرون أحلهم التوراتية ،تتحول إلى
سراب .
وبعد امتصاص الصدمة الولى ،ستبدأ المواقف العالمية من هذا الحدث في التبلور ،لتجد أمريكا نفسها عندما
تبدأ بالتحرك ،لعادة إحياء الدولة اليهودية ،بدفع من سادتها اليهود المتربعين على عروشها ،أنها تغني منفردة
خارج السرب العالمي ،الذي أضحى مؤيدا ومعجبا بما قدّمه العراقيون ،من حل سحري لتلك المشكلة
المستعصية ،التي أرّقت جفون العالم طوال قرن من الزمان .
فالعرب من وجهة النظر العالمية ،التي باتت مطّلعة على أدق تفاصيل القضية الفلسطينية ،قد استعادوا أرضهم
وحقوقهم ،وإسرائيل بما قدّمته من أعمال وحشية وهمجية ،خلل سنين عمرها ،ضد أرض فلسطين وشعبها ،
وعدم استجابتها لقرارات الجهة التي أوجدتها ،ل تستحق الوجود والبقاء .فالحق هو عودة فلسطين إلى أهلها
العرب ،والباطل هو وجود إسرائيل على أرض العرب ،فإذا جاء الحق وزهق الباطل ،فليس هناك مشكلة
بالنسبة لمجمل دول العالم ،التي ل تقع تحت النتداب المريكي اليهودي المعاصر ،فالمشكلة وُجدت بإقامة
إسرائيل ،في قلب الوطن العربي ،وزالت هذه المشكلة بزوالها .
الوعد والموعد والواقع :
وبالعودة إلى الوراء قليل ،نجد أن المسلمون استاءوا كثيرا ،عندما مُنعوا من أداء العمرة ،بصحبة رسول ال
عليه الصلة السلم ،في السنة السادسة للهجرة ،وما زاد في قهرهم هو ذلك الصلح ،الذي منع دماء المشركين
منهم ،وأبقى المسجد الحرام في أيديهم ،لمدة عشر سنوات قادمة ،فعقّب سبحانه وتعالى على ذلك قائل ( َفعَ ِلمَ
مَا َلمْ َتعْ َلمُوا … ) ،والذي كان يعلمه رب العزة مسبقا ،هو أنهم سيؤدون العمرة في العام التالي ،وأن هذا
الصلح ،الذي استاءوا من عقده مع مشركي قريش ،وأضفى عليهم شعورا باليأس والحباط ،سيكون هو نفسه ،
220
سببا ومبررا لفتح مكة ،عند نقضه من قبل قريش بعد سنتين من إبرامه ،فعقّب بقوله ( … َفجَ َعلَ مِنْ دُونِ ذَلِكَ
فَ ْتحًا َقرِيبًا ( 27الفتح ) .
حتى أكثر المسلمين إيمانا ويقينا وتفاؤل ،لم يكن يتصور ،لحظة منعهم من أداء العمرة وإبرام الصلح ،بأن فتح
مكة سيكون بعد سنتين فقط ،من تاريخ تلك اللحظة ،وبتلك الصورة الحتفالية والمشرّفة ،لتكون تأدية فريضتي
الحج والعمرة ،متاحة لهم في أي وقت شاءوا .
وبالنظر لواقع المسلمين في غزوة الحزاب ،وهم قلة ،وقريش وقبائل الجزيرة بمشركيها ويهودها ،يتربصون
بهم ريب المنون ،من الداخل والخارج ،هل كان ممن المكن أن يتصور أن هذه الحال ،ستنقلب رأسا على عقب
،بعد ثلث سنوات ،فيغزو المسلمين مكة بعشرة آلف مقاتل ؟
وبالرغم من اختلف طبيعة الوعود اللهية ،من حيث الثواب والعقاب ،إل أننا نتحدّث هنا عن الوعد بحد ذاته ،
لنقول بأن الوعد اللهي ،ل يحدّه زمان ول مكان ول واقع ،ول ننسى بأن وعد الخرة ،هو وعد بعقاب اليهود
في المقام الول ،ولكن هناك أسباب ومسببات ل بد أن تأخذ مجراها ،قبل إتيان أمر ال .
قال تعالى
شعُرُونَ (53
سمّى َ ،لجَا َء ُهمُ ا ْلعَذَابُ ،وَلَيَأْتِيَ ّنهُمْ َبغْتَةً ،وَهُمْ لَ َي ْ
جلٌ ُم َ
( وَ َيسْتَ ْعجِلُونَكَ بِا ْلعَذَابِ ،وَ َل ْولَ َأ َ
حشْرِ ،مَا ظَنَنْ ُتمْ أَ ْ
ن العنكبوت ) ،وقال ( ُهوَ الّذِي َأخْرَجَ الّذِينَ كَفَرُوا ،مِنْ أَ ْهلِ ا ْلكِتَابِ مِنْ دِيَا ِر ِهمْ َ ،لِ ّولِ ا ْل َ
َيخْ ُرجُوا َ ،وظَنّوا أَ ّنهُمْ مَا ِنعَ ُتهُمْ حُصُو ُنهُمْ مِنَ الِّ ،فَأَتَا ُهمُ الُّ مِنْ حَيْثُ َلمْ َيحْ َتسِبُوا ،وَقَذَفَ فِي قُلُو ِب ِهمُ الرّعْبَ ،
ُيخْرِبُونَ بُيُو َت ُهمْ بِأَيْدِي ِه ْم َوأَيْدِي ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ،فَاعْتَبِرُوا يَأُولِي الَْبْصَارِ ( 2الحشر )
221
وليتبروا ما علوا تتبيرا
قلنا في نهاية تفسيرنا لعبارة ( وليتبروا ما علوا تتبيرا ) :أن كل ما عل بنو إسرائيل عليه أو به أو فيه ،سيصله
الدمار ل محالة ،لعموم لفظ العلو ،حتى علوهم في الغرب ،إذ أن الذي أبقى علوهم قائما ومستمرا في فلسطين
،هو علوهم في الغرب .ولذلك يصبح دمار الدول الغربية أمر محتما ،ليزول علو بني إسرائيل فيها أيضا بشكل
نهائي ،وبذلك تنتفي تماما قدرتهم على العلو مرة أخرى ،إذ أن هذا العلو ،هو علوهم الخير في الرض .
ويؤكد سبحانه أن السبب ،في زوال هذا العلو ،هم اليهود أنفسهم ،حيث أن ال ،كان قد اشترط عليهم الحسان
لدامة هذا العلو ،وحذرهم من زواله إن هم أساءوا ،وجاء هذا الشرط مباشرة ،قبل إخباره عن وعد الخرة في
الية السابعة ،فاليهود حكموا على أنفسهم بالهلك ،وعلى علوهم بالزوال :
أول :وذلك لنهم لم يُحسنوا ،بل على العكس ،من ذلك أساءوا ،ولم يألوا جهدا ،بالفساد في الرض ،
ضاربين بالتحذير اللهي عرض الحائط .
ثانيا :والنكى من ذلك أنهم ،بأنهم قاموا بتوجيه رسالة أخرى لرب العزة ،ومؤداها يقول :بأننا سنفعل ما يحلو
لنا ،وسنفسد في الرض ،وسنمنعك من بعث عبادك الشداء ،الذين تُهدّدنا بهم ،لننا سنُبيدهم عن بكرة أبيهم ،
قبل أن تُفكر في بعثهم ،مظهرين إصرارا عز نظيره في تحدّيهم لرب العزة ،بأن ينزل بهم ما وعدهم ،متّكلين
على من هم دونه ،لحمايتهم ووقايتهم من أمر ال ،منكرين ربوبية ال وألوهيته ،وقدرته على تصريف أمور
الكون ،وكذلك حقيقة البعث بعد الموت ،وهذه المور هي ما تتناوله سورة السراء ،على امتدادها ،من وجوه
متعددة ،وبذلك تكون عداوتهم للعراق ،وعدوانهم عليه ،ورغبتهم في تدميره وإبادة أهله سببا ،في خروج أهل
العراق عليهم ،انتقاما ودفعا لما يُحيق بهم من أخطار ،في حال استمر تواجد الدولة اليهودية على أرض
فلسطين ،ليخربوا بيوتهم بأيديهم وأيدي المسلمين .
ثالثا :هي حرب ال عليهم ،ل حرب أحد ،ذلك بأنهم تحدوا ال ،وأعلنوا حربهم عليه ،وعلى كل من يؤمن
به ،ربا وإلها واحدا أوحدا ،خاب وخسر الذين من دونه ،وأن رب العزة قبِل التحدّي ،وأعلن حربه عليهم ،
وهذا ما تستشعره من خلل مجمل آيات سورة السراء ،ولكن لم يتبقّى إل أن تحين ساعة الصفر ،ليروا من ال
ما لم يكونوا يحتسبون .
وفي الصل كما أوضحنا سابقا ،أن علوهم غير المسبوق في الغرب ،هو الذي أوجد علوهم في فلسطين لحقا ،
وإذا كانت النتيجة ،أي علوهم في فلسطين ،تستحق الزوال ،فالولى أن يُزال المتسبّب فيها ،أي علوهم في
الغرب ،حتى تنتفي فرصة ظهور تلك النتيجة ( أي العلو اليهودي ) مرة أخرى ،فكما أن زوال دولة إسرائيل
أمر حتمي ،فزوال أمريكا أمر أكثر حتمية .
فاليهود لهم من حيث المكان إفسادين :
أول :في فلسطين ،إفساد بسفك الدماء ،وإخراج الناس من ديارها ،والستيلء على ممتلكاتهم ،وإتلف
الخضر واليابس ،ومنع مساجد ال أن يُذكر فيها اسمه ،والسعي في خرابها … إلى آخره .
وثانيا :في أمريكا والدول الغربية ،إفساد بنشر العقائد المادية اللحادية ،وإشاعة الرذيلة والنحلل الخلقي
والخلقي ،في شتى مناحي الحياة ،بالضافة إلى تفريق الناس وتصنيفهم واستضعاف طوائف منهم ،وسومهم
سوء العذاب ،لدرجة حرقهم وإبادتهم ،بالسلحة التقليدية والنووية ،وعلى قاعدة الجزاء من جنس العمل ،ل
شك لدي من أن كبرى المدن المريكية ،ستُضرب من السماء بصواريخ نووية ،أو بشهب من السماء ،مسببة
دمارا كالدمار ،الذي أحدثته قنابلها المدن اليابانية ،ولكن على مدى أوسع بكثير .
زوال العلو اليهودي في أمريكا ،لن يتوانى كثيرا ،عن زوال العلو اليهودي في فلسطين :
ن الِّ ،
ب مِ ْ
ن الِّ َوحَ ْب ٍل مِنْ النّاسِ ،وَبَاءُوا ِبغَضَ ٍ
ن مَا ُثقِفُوا ِإلّ ِبحَ ْب ٍل مِ ْ
ضرِبَتْ عَلَ ْي ِهمْ الذّّلةُ أَيْ َ
قال تعالى ( ُ
… ( 112آل عمران ) ،الذلة هي الضعة والنخفاض ،وهي نقيض العزة والعلو ،وأين ما ثقفوا ،أينما وجدوا ،
222
في الرض على امتداد رقعتها ،وخلصة ما تقوله هذه الية ،أن الشعب اليهودي كأمة وأفراد ،سيمرّ بخمسة
مراحل ،هي ذات المراحل التي أشرنا إليها ،في نهاية الجزء الول ،وهي على التوالي ( :ذل ،علو ،ذل ،
علو ،ذل ) .ومن ذلك نفهم أن صفة العلو ،وهي المرحلة الرابعة ،ستزول عنهم في شتى بقاع الرض ،سواء
في إسرائيل أو في أمريكا ،أو فيما سواها من دول العالم ،ليدخل الشعب اليهودي بأسره ،في المرحلة التي تليها
،ولتعود إليه صفة الذل التي هي القاعدة ،أينما وجد أيضا ،وعلى مستوى الفراد والجماعات ،حيث كان العلو
استثناءً لمرتين فقط .ولن يتحصّل ذلك إل بانكسار وزوال كل الدول ،التي يوجد بها علو يهودي ظاهر ،وفي
مقدّمتها أمريكا .
ولو أننا نظرنا إلى أمريكا كدولة ،وما تقوم به حاليا ،نظرة مُتفحصّة وشاملة ،سنجد أنها فاقت فرعون ،في
علوه واستعلئه وفساده وإفساده ،باحتضانها للعقائد اليهودية الشيطانية ،والسهر على تطبيقها وترويجها ،في
الرض على عمومها ،بالترغيب تارة وبالترهيب تارة أخرى .
والعقاب اللهي الموعود به بنو إسرائيل ،كان للفساد الناجم عن العلو ،وعلوهم الن يتمثل في مكانين تحديدا ،
هما فلسطين وأمريكا ،وفضل عن ذلك ،فإن أمريكا المتعالية على شعوب الرض ،وبصرف النظر عن كونها
مكانا للعلو اليهودي ،ستكون هدفا مؤكدا لنسكاب الغضب اللهي عليها ،بما يفوق الغضب اللهي على
إسرائيل ،وذلك لن أمريكا ،تجمع ما بين علوين وإفسادين ،هما :العلو والفساد اليهودي ،والعلو والفساد
الذاتي لها ،ليتأكد لنا أنها أولى من إسرائيل بالعقاب ،وبما هو أشد بأسا وأشد تنكيل ،وهذا بإذن ال ،ما سنشهده
في السنوات القليلة القادمة ،وما ذلك على ال بعزيز .
وقد يستغرب ويستنكر كثير ،من أمة السلم ،والصح من المؤمنين بالله ( أمريكا ) ،مجرد التفكير بأن
أمريكا ستزول ،وكأنهم ل يقرءون قوله تعالى ( َأوَ َلمْ َيسِيرُوا فِي الَْرْضِ ،فَيَ ْنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ مِنْ
علِيمًا
س َموَاتِ َولَ فِي الَْرْضِ ،إِ ّنهُ كَانَ َ قَبْ ِل ِهمْ َ ،وكَانُوا َأشَدّ مِ ْن ُهمْ ُقوّةً َ ،ومَا كَانَ الُّ لِ ُي ْعجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ ،فِي ال ّ
قَدِيرًا ( 44فاطر ) .
وقوله ( َأوَ َلمْ َيسِيرُوا فِي الَْرْضِ ،فَيَ ْنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ كَانُوا مِنْ قَبْ ِل ِهمْ ،كَانُوا ُهمْ َأشَدّ مِ ْن ُهمْ ُقوّةً
ن وَاقٍ ( 21غافر ) ن الِّ مِ ْوَءَاثَارًا فِي الَْ ْرضِ ،فَ َأخَذَ ُهمُ الُّ بِذُنُو ِبهِمْ َ ،ومَا كَانَ َل ُه ْم مِ َ
ما بعد الغزو العراقي لسرائيل :
بعد امتصاص يهود أمريكا والغرب للصدمة ،من جرّاء الكارثة التي حلّت ببني جلدتهم في فلسطين ،ستبدأ
الماكينة اليهودية في الغرب ،في بذل أقصى طاقاتها ،وعمل ما بوسعها لعادة عقارب الساعة ،قبل فوات
الوان ،من خلل الدبلوماسية في مجلس المن ،لشن حرب دولية تحت غطاء الشرعية الدولية ،لتحرير
إسرائيل من العرب ،كما كان المر عند مطالبتهم بتحرير الكويت ،وستُفاجأ هذه الماكينة اليهودية ،ببرود
وجمود شديدين ،لم يسبق لها أن واجهتهما ،من قبل معظم دول العالم ،لتُثبت عدم نجاعتها هذه المرة ،وستجد
مشاريع القرارات المريكية والبريطانية والفرنسية ،فيما لو طُرحت ،معارضة شديدة من قبل روسيا والصين ،
حتى لو تطلّب المر استخدام حق النقض من قبلهما ،خوفا من الدخول في مواجهة ،ل تُحمد عقباها مع العالم ،
بين الغرب المسيحي والشرق المسلم .
وربما يأخذ المر قرابة السنتين بين مدّ وجزر ،حتى يستطيع اليهود تحريض أمريكا ،وبعض دول الغرب من
ن حرب مصيرية على العرب ،حلف الناتو ،وحملها على تحريك أساطيلها ،باتجاه شواطئ البحر المتوسط ،لش ّ
ضاربة بمجلس المن وغطاءه الشرعي -بعد اليأس من الحصول عليه -عُرض الحائط .
وعلى الجانب الخر ،سيضطر العرب والمسلمون ،لتوحيد صفوفهم كرها من البعض ،وطواعية من البعض
الخر ،والنضواء تحت لواء واحد ،للدفاع عن القصى بعد عودته إلى حظيرة السلم ،وسيبدأ التقارب
العربي الروسي الصيني ،على ما يبدو في التشكل ،إلى ما يُشبه الحلف العسكري ،وربما يكون باتفاقيات
مكتوبة ،وال أعلم .
223
الحرب العالمية الثالثة ،والسيناريو المحتمل :
بوجود القيادة الحالية غير المتزنة لمريكا ،وبتأييد من صهاينة الحزب الجمهوري ،سيتمكن اليهود أخيرا من
جرّ أمريكا ،للدخول في مواجهة غير محسوبة ،مع العالمين العربي والسلمي ،بدفع من العقائد الدينية
المشوّهة ،فيما يخص وجود اليهود في فلسطين ،وعودة المسيح الثانية للنصارى والولى لليهود ،بالضافة إلى
الرغبة في النتقام للمكانة المريكية ،التي ُمرّغت في التراب أمام العالم أجمع ،بزوال مسخها الخداج بطرفة
عين ،دون أن يُعير العرب عظمة أمريكا وجبروتها أدنى انتباه .
في ظرف سنتين من استعادة العرب لفلسطين ،ستُعلن أمريكا ،حربها اليهودية الصليبية المقدّسة على العرب
والمسلمين ،مما يُثير حالة من عدم الستقرار في سائر أرجاء العالم ،وستبدأ المواقف العالمية من هذا العلن
شيئا فشيئا ،بالتباين والتمايز ،بشكل لم يسبق له مثيل ،لينقسم إلى العالم معسكرين شرقي وغربي .يقف إلى
جانب العرب معظم الدول المناهضة لمريكا في الشرق وفي مقدمتها روسيا ،ويقف إلى جانب أمريكا دول
حلف الناتو وملحقاته .
وعندما تبدأ أمريكا بحشد قواتها وأساطيلها في البحر البيض ،وتبوء كل المحاولت والتحذيرات والتهديدات
العالمية ،لثني أمريكا عن عزمها بالفشل ،وتصبح المواجهة أمر ل مفر منه ،ستتطور المواقف الدولية فجأة ،
وتتحول إلى أحلف عسكرية ،بحيث تضطر وتنجرّ الكثير من الدول ،للمشاركة الفعلية في الحرب الدائرة ،
وعلى ما يبدو أن أمريكا نتيجة لذلك ،ستفقد زمام السيطرة مبكرا ،وربما تلجأ إلى استخدام السلح النووي ،في
وقت ما بضرب بعض العواصم العربية ،كبغداد والقاهرة على سبيل المثال ،وربما يكون ذلك قبل الحرب
البرية ،ظنا منها أن ذلك ،سيحسم المعركة لصالحها ،في وقت مبكر .
ولكن ما لن يكون في حساب أمريكا ،هو ردّ الفعل الروسي والصيني العنيف ،على استخدام أمريكا لهذا
السلح ،لتبدأ الصواريخ النووية الروسية وربما الصينية ،تنهال على أمريكا تباعا ،دون سابق إنذار ،لتبيدها
عن بكرة أبيها ،هذا إن لم يُسقط عليها رب العزة ،كسفا من السماء .ومن ثم تبدأ الحروب البينية ،بين دول
العالم المختلفة المتخاصمة ،فيختلط الحابل بالنابل ،لتشمل هذه الحرب معظم بقاع العالم .ولدخول السلحة
النووية دائرة الصراع ،ستكون هذه الحرب سريعة وقصيرة وحاسمة ،ولكن حجم الدمار فيها سيكون هائل جدا
،وستنتهي بالمواجهة البرية البحرية على سواحل فلسطين ،بين الغرب والشرق ،بانتصار العرب والروس
نصرا مؤزرا ،بإذن ال .
غزْوَ ِة َتبُوكَ وَهُ َو فِي ُقبّ ٍة مِنْ َأدَمٍ ،فَقَالَ " :اعْدُ ْد ن مَاِلكٍ ،قَالَ َ :أ َتيْتُ ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ ،فِي َ ع ْوفَ بْ َعنْ َ َ
ضةُ ا ْلمَالِ ،عةِ ؛ َموْتِي ُ ،ثمّ فَ ْتحُ بَيْتِ ا ْل َمقْدِسِ ُ ،ثمّ ُموْتَانٌ يَ ْأخُذُ فِي ُكمْ َكقُعَاصِ ا ْلغَ َنمِ ُ ،ثمّ اسْ ِتفَا َ سِتّا بَيْنَ يَ َديْ السّا َ
خطًا ُ ،ثمّ فِتْ َنةٌ لَ يَ ْبقَى بَيْتٌ مِنْ ا ْلعَرَبِ ِإلّ َدخَلَ ْتهُ ُ ،ثمّ هُدْ َنةٌ َتكُونُ بَيْ َن ُكمْظلّ سَا ِ جلُ مِا َئةَ دِينَارٍ فَ َي َ
حَتّى ُي ْعطَى ال ّر ُ
شرَ أَلْفًا ) رواه البخاري ، ع َصفَرِ ،فَ َيغْدِرُونَ فَيَأْتُو َنكُمْ َتحْتَ َثمَانِينَ غَا َيةً َ ،تحْتَ ُكلّ غَا َيةٍ اثْنَا َ وَبَيْنَ بَنِي الَْ ْ
وأخرجه أبو داود وابن ماجه وأحمد .
جاء في شرح هذا الحديث في فتح الباري " :قوله هدنة ،هي الصلح على ترك القتال بعد التحرك فيه ،قوله بني
الصفر ،هم الروم ،قوله غاية أي راية " .
يخبر هذا الحديث عن هدنة تكون بين المسلمين والروم ،والهدنة كما جاء في الشرح ،هي صلح على إيقاف
القتال قبل اشتعال فتيله أو في بداياته ،ومن ثم يغدر الروم فيغزون ديار المسلمين ،بجيش قوامه ما يُقارب
المليون جندي .
أما الهدنة وما يسبقها ،فيوضحه الحديث التالي :
ج َب ْيرِ
عنْ ُ
طيّةَ ،قَالَ :مَالَ َم ْكحُولٌ وَابْنُ َأبِي َز َك ِريّا ،إِلَى خَاِلدِ ْبنِ َم ْعدَانَ َ ،ومِلْتُ َم َع ُهمْ َ ،فحَ ّد َثنَا َ عِ حسّانَ ْبنِ َ عنْ َ َ
ب ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََل ْيهِ َوسَّلمَ ، صحَا ِخ َبرٍ َ ،رجُلٍ مِنْ َأ ْ ق ِبنَا إِلَى ذِي ِم ْ ج َب ْيرٌ :ا ْنطَلِ ْ
ل :قَالَ ُ
ن نُ َف ْيرٍ ،عَنْ ا ْل ُه ْدنَةِ ،قَا َ
بْ ِ
224
س ِمعْتُ َرسُولَ الِّ صَلّى الُّ عََل ْيهِ َوسَّلمَ ،يَقُولُ " :سَتُصَا ِلحُونَ الرّو َم ج َب ْيرٌ عَنْ ا ْل ُه ْدنَةِ ،فَقَالَ َ :
سأَلَهُ َُفأَ َت ْينَاهُ ،فَ َ
جعُونَ ،حَتّى تَنْزِلُوا
ن وَرَا ِئ ُكمْ ،فَتُنْصَرُونَ ،وَ َتغْ َنمُونَ ،وَ َتسْ َلمُونَ ُ ،ثمّ َت ْر ِ ن أَنْ ُت ْم وَ ُهمْ عَ ُدوّا مِ ْ
صُ ْلحًا آمِنًا ،فَ َتغْزُو َ
جلٌ مِنْ أَ ْهلِ النّصْرَانِ ّيةِ الصّلِيبَ ،فَ َيقُولُ :غَلَبَ الصّلِيبُ ،فَ َيغْضَبُ َرجُلٌ مِنْ ِبمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ ،فَ َيرْ َفعُ َر ُ
ح َمةِ " ،رواه أبو داود ،وصحّحه اللباني وأخرجه ابن جمَعُ لِ ْلمَ ْل َ
ا ْل ُمسْ ِلمِينَ ،فَيَ ُد ّقهُ َ ،فعِنْدَ ذَلِكَ َ ،تغْدِرُ الرّومُ ،وَ َت ْ
ماجه وأحمد والحاكم والبيهقي .
ح َمةِ ،فَيَأْتُونَ حِينَئِذٍ َ ،تحْتَ َثمَانِينَ
وتكملة للحديث ،في رواية أخرى بسند آخر لبن ماجه " فَ َيجْ َتمِعُونَ لِ ْلمَ ْل َ
عشَ َر أَ ْلفًا " .
ت ُكلّ غَا َي ٍة اثْنَا َ
غَا َيةٍ َ ،تحْ َ
جاء في شرح هذا الحديث في ( عون المعبود ) " :الروم جيل معروف ،في بلد واسعة تضاف إليهم ،فيقال
بلد الروم ،ومشارق بلدهم وشمالهم الترك والروس والخزر ،وجنوبهم الشام والسكندرية ،ومغاربهم البحر
والندلس ،وكانت الرقة والشامات كلها ،تعد في حدودهم أيام الكاسرة ،وكانت أنطاكية دار ملكهم ،إلى أن
نفاهم المسلمون إلى أقصى بلدهم انتهى ...فسأله جبير عن الهدنة ،أي الهدنة التي تكون بين المسلمين وبين
الروم ،آمنا أي ذا أمن ،فتغزون أنتم ،أي فتقاتلون أيها المسلمون ،وهم أي الروم المصالحون معكم ،عدوا من
ورائكم أي من خلفكم ،وقال السندي في حاشية ابن ماجه ،أي عدوا آخرين بالمشاركة والجتماع ،بسبب
الصلح الذي بينكم وبينهم ،فتُنصرون بصيغة المجهول ،وتغنمون بصيغة المعلوم أي الموال ،وتسلمون من
السلمة ،أي تسلمون من القتل والجرح في القتال ،ثم ترجعون أي من عدوكم ،حتى تنزلوا ،أي أنتم وأهل
الروم بمرج ،أي الموضع الذي ترعى فيه الدواب قاله السندي ،وفي النهاية أرض واسعة ذات نبات كثيرة ،ذي
تلول بضم التاء جمع تل ،وهو موضع مرتفع ،قاله القاري ،وقال السندي :كل ما اجتمع على الرض ،من
تراب أو رمل انتهى .فيقول أي الرجل منهم ،غلب الصليب أي دين النصارى ،فيدقّه ،أي فيكسر المسلم
الصليب ،تغدر الروم أي تنقض العهد ،وتجمع أي رجالهم ويجتمعون للملحمة أي للحرب " .
هذا الحديث يُخبر بأن هناك صلحا آمنا ،أي ل قتال فيه ،سيكون بين المسلمين والنصارى ،لمدة من الزمن ،ثم
يُقاتلون جنبا إلى جنب عدوا مشتركا ،فينتصرون بل خسائر ،وبعد النصر يقع الخلف بين المنتص َريْن ،بسبب
إدعاء أحد النصارى ،أن النصر كان للصليب دون السلم ،فيقتتل الطرفان ،ومن ثم يُفض الشتباك ،وتعلن
الهدنة ،ومن ثم يعود النصارى إلى ديارهم مضمرين الغدر ،ليعودوا في قادم في اليام ،في جيش عرمرم ،
لغزو المسلمين في زمن المهدي .
الروم قديما وحديثا :
نعلم أن المبراطورية الرومانية القديمة ،كانت قد انقسمت إلى قسمين شرقي وغربي ،واتّخذت القسطنطينية
عاصمة للجزء الشرقي ،وروما عاصمة للجزء الغربي ،وذلك قبل ظهور السلم بحوالي مائتي سنة ،وبقيت
القسطنطينية عاصمة ،لمملكة الروم الشرقية منذ ذلك الوقت ،حتى تم فتحها ،على يد محمد الفاتح ،سابع
السلطين العثمانيين ،وبذلك اختفت مملكة الروم الشرقية إلى البد ،وأما سكان تركيا الحاليين فمعظهم من
التراك المتأسلمون ،الذين يعودون في أصولهم إلى غرب الصين ،مع بقاء نسبة قليلة من النصارى فيها ،ذوي
الصول الرومية ،أما النسبة الكبر من الروم ،فقد هاجرت وانتشرت ،فيما حولها من بلدان أوروبا الشرقية .
ولنذكر هنا أن المسلمين ،حاصروا القسطنطينية إحدى عشرة مرة ،ولم يتمكنوا من فتحها ،إل بعد أن بدأت
شمس العثمانيون الترك ،بالظهور فيما يُسمى بآسيا الصغرى ،بعد ضعف الدولة السلجوقية وانحللها عام
1300م تقريبا ،فبدأت دولتهم بالتساع غربا ،على حساب مملكة الروم الشرقية ،شيئا فشيئا ،حتى اقتصرت
مملكة الروم الشرقية ،على القسطنطينية وضواحيها ،عندما تسلّم محمد الفاتح لمقاليد الحكم ،وهو الذي لم
يتوانى عن فتحها سنة 1453م .ومن ثم استمرت فتوحات العثمانيين ،حتى شملت معظم بلدان منطقة البلقان ،في
أوروبا الشرقية .
والمتتبع للتاريخ الحديث ،سيجد أن روسيا القيصرية بعد بزوغ شمسها ،أصبحت الوريث الكبر ،لمملكة الروم
الشرقية بعد زوالها ،حيث كانت وما زالت في القرون الخيرة ،تحاول تنصيب نفسها كراعية وحامية ،
لمصالح نصارى الشرق ذوي المذهب الرثوذكسي ،وأخذت على عاتقها ،بعد أن اشتد عودها ،مهمة استعادة
225
القسطنطينية من التراك ،ومن ثم إعادتها كعاصمة دينية للكنيسة الرثوذكسية ،كما كانت في السابق ،وهو ما
تحاول الستئثار به حاليا ،الكنيسة اليونانية الموالية للغرب .وفيما يلي بعض البنود التي جاءت في وصية
بطرس الكبر ،المؤسس الحقيقي للملكة الروسية ،في أواخر القرن السابع عشر ،من كتاب ( تاريخ الدولة
العثمانية ) لفريد بك المحامي :
" البند التاسع :ينبغي التقرب بقدر المكان ،من استنبول والهند ،وحيث انه من القضايا المسلمة ،أن من يحكم
على استنبول ،يمكنه حقيقة أن يحكم على الدنيا بأسرها … ،
البند الحادي عشر ، … :وحينما نستولي على استنبول ،علينا أن نسلط دول أوروبا القديمة ،على دولة النمسا
حربا ،أو نُسكن حسدها ومراقبتها لنا ،بإعطائها حصة صغيرة من الماكن ،التي نكون قد أخذناها من قبل ،
وبعدها ،نسعى إلى نزع هذه الحصة منها .
البند الثاني عشر :ينبغي أن نستميل لجهتنا جميع المسيحيين ،الذين هم من مذهب الروم ،المنكرين لرياسة البابا
الروحية ،والمنتشرين في بلد المجر والممالك العثمانية ،ونجعلهم أن يتخذوا دولة روسيا مرجعا ومعينا لهم ،
ومن اللزم قبل كل شيء ،إحداث رياسة مذهبية ،حتى نتمكن من إجراء نوع من السلطة الدينية عليهم … " .
المذاهب النصرانية :
كل النصارى بل استثناء أعداء للسلم والمسلمين ،ولكن بالنظر إلى الطوائف الثلثة الكبرى ،المهيمنة على
العالم المسيحي ،نجد أن معتنقي المذهب البروتستانتي ،والذي تُمثّله أمريكا وبريطانيا وهولندا ،هم الشدّ عدواة
وكراهية للمسلمين والعرب بشكل خاص ،والمعروفين بميلهم وتأييدهم لليهود .ويليهم في ذلك معتنقي المذهب
الكاثوليكي ،والذي تُمثّله فرنسا وإيطاليا وألمانيا وإسبانيا وباقي الدول الغربية ،وأقلّهم عدواة وكراهية هم
معتنقي المذهب الرثوذكسي ،والذي تُمثّله روسيا ودول أوروبا الشرقية .
والمتتبع للتاريخ القديم والحديث ،سيجد أن الطوائف المسيحية الثلثة على خلف دائم ،وأن العداوة والبغضاء ،
مستفحلة وذات جذور عميقة ،فنصارى الشرق الرثوذكس ،لم ينسوا ولم يغفروا ،لنصارى الغرب من
الكاثوليك ،ما أوقعوه بهم من مذابح في حملت الغرب الصليبية ،ولم يقبلوا مؤخرا اعتذار البابا عنها .والعداوة
والبغضاء مستفحلة ،حتى بين الكاثوليك والبروتستنت من جهة أخرى ،كما هو الحال في أيرلندا الشمالية ،وهذا
حظّا ِممّا ُذكّرُوا
ما أخبر عنه سبحانه وتعالى في قوله ( َومِنْ الّذِينَ قَالُوا إِنّا نَصَارَى ،أَخَذْنَا مِيثَا َق ُهمْ ،فَ َنسُوا َ
سوْفَ يُنَبّ ُئ ُهمْ الُّ ِبمَا كَانُوا يَصْ َنعُونَ ( 14المائدة ) ،
ِبهِ ،فَأَغْرَيْنَا بَيْ َن ُهمْ ا ْلعَدَاوَةَ وَالْ َبغْضَاءَ ،إِلَى َي ْومِ ا ْلقِيَا َمةِ َ ،و َ
وهذه العداوة والبغضاء ل انقطاع لها ،مستمرة إلى يوم القيامة ،وهذا ما أكدّه التاريخ الوروبي القديم والحديث
.
والمتتبع للتاريخ السلمي والعربي ،سيجد أن ما تُخبر عنه هذا الحاديث النبوية أعله ،من شأن مصالحة
المسلمين أو العرب للنصارى ،والتحالف معهم ضد عدو مشترك ،وتحصّلهم معا على النصر والغنيمة
والسلمة ،ومن ثم الختلف ،وإضمار الغدر ،وعودة الروم لمقاتلة المسلمين ،لم يكن قد تحصّل قديما أو
حديثا .وبما أن الدنيا تعدّ سنواتها الخيرة ،وأشراط الساعة الكبرى باتت على البواب ،فل شك أن هذه الحرب
،التي سيخوضها المسلمين والنصارى جنبا إلى جنبا ،ضد عدوهم المشترك ،للمرة الولى والخيرة ،ستقع في
وقت قريب .والحاديث النبوية ،تُخبر أن هناك ثلثة أطراف ؛ المسلمون ،والروم ،وعدو مشترك للمسلمين
والروم .
وبما أن هذا الحدث سيقع ضمن معطيات الواقع الحالي ،ومن خلل قراءة الواقع ،في ضوء ما أخبرت عنه
الحاديث ،سنجد أن الروم ما زالوا ينقسمون إلى قسمين :
نصارى الشرق من معتنقي المذهب الرثوذكسي ،وهم المُقيمون إجمال في أوروبا الشرقية ،أو دول حلف •
وارسو القديم ،الذي كانت فيه الزعامة ،وما زالت للدولة الروسية .
نصارى الغرب من معتنقي المذهب البروتستانتي والمذهب الكاثوليكي ،وهم المقيمون إجمال في أمريكا •
وأوروبا الغربية ،أو دول حلف الناتو بزعامة أمريكا .
226
وكل الفريقين يُكنّ عداوة مذهبية ،قل نظيرها ،للفريق الخر .ولو نظرنا إلى الواقع الحالي ،لوجدنا أن أمريكا
وبريطانيا وفرنسا ،هي الدول الشدّ عداءً للعرب والمسلمين ،منذ حروبهم الصليبية الولى ،التي كانت تقودها
فرنسا بصفتها الراعية للمذهب الكاثوليكي ،منضويا تحت لوائها كل من ألمانيا وإيطاليا وإنكلترا ،وحتى
حروبهم الستعمارية في العصر الحديث بقيادة أمريكا ،وما موالة هذه الدول لبعض الدول العربية إل مداهنة ،
من قبيل الحرص على مصالحها فقط ،بل هي أكثر مقتا واحتقارا وامتهانا ،لتلك الدول نفسها من غيرها .
ولوجدنا أيضا أن الروس ،ونصارى الشرق إجمال ،ممن يعتنقون المذهب الرثوذكسي ،هم القلّ عدا ًء للعرب
والمسلمين من مجموع المذاهب النصرانية .
لنخلص إلى القول ،بأن الفريق الذي سيكون حليفنا في المعركة القادمة هم الروس ،ضد عدونا وعدوهم
المشترك ،أمريكا ومن شايعها من دول حلف الناتو .وأن هذا التحالف بين الروس والعرب ،سيحصل بدافع
المصالح أول ،وعلى قاعدة عدو عدوي صديقي ثانيا ،وليس حبا بالعرب أو بالمسلمين ،ولكن لتعارض
مصالحهم مع مصالح المريكان ،ولكراهية الروس المذهبية لمريكا واليهود .
هذه الحرب البشع في تاريخ البشرية ،أجد أحداثها ونتائجها موصوفة في كثير من اليات ،في مطالع سور
كثيرة من سور القرآن ،والتي يعتقد معظم الناس ،أنها تُخبر عن أحداث يوم القيامة ،ومنها اشتعال البحار ،
واضطراب السماء ،وزلزلة الجبال وانهيار بعضها ،وحتى السلحة المستخدمة في الحروب الحديثة ،كان
سبحانه قد أخبر عنها ،أيضا في مطالع السور ،فالطارق هو الصاروخ ،والعاديات هي الدبابات ،وربما نفرد
لهذا المر بحثا خاصا ،إن شاء ال ،في وقت لحق ،وسيكون متوافرا على نفس موقع الكتاب ،هذا إن أسعفنا
الوقت ،وكان في العمر بقية .
النتائج المتوقعة للحرب العالمية الثالثة :
.1تدمير عدد كبير من المدن الكبرى ،وخاصة في أمريكا ومن شايعها من الدول في الشرق والغرب .
.2ارتفاع هائل ومفاجئ ،في درجة حرارة الرض نتيجة التفجيرات النووية ،ذوبان الكتل الجليدية القريبة من
القطب الشمالي للكرة الرضية ،وتبخر مياه المحيطات والبحار ،وعودتها على شكل أمطار غزيرة ،مما
يتسبب في طوفان كبير ،أشبه ما يكون بطوفان نوح عليه السلم ،وبالتالي اختفاء بعض البلدان والجزر
غرقا .
.3اختفاء معالم الحضارة الغربية ومظاهرها ،من خلل الموت البطيء للتكنولوجيا المتبقية ،لعدم القدرة على
تجديدها ،بكسر حلقة أو أكثر من حلقات سلسلة إنتاجها ( ،نفط _ كهرباء _ تقنية _ كهرباء _ نفط ) .
.4عودة منطقة الشرق الوسط كبؤرة للنشاط والصراع العالمي ،كما كانت في العصور القديمة .
.5عودة عصور الجاهلية الولى ،في أبشع صورها ،بما فيها من ظلم وجور وفساد وإفساد ،وال أعلم .
قال تعالى
لّ وَلَدًا ()4
( وَيُنْذِرَ الّذِينَ قَالُوا ا ّتخَذَ ا ُ
ن ِإ ّل كَذِبًا ()5
ن أَ ْفوَا ِه ِهمْ إِنْ َيقُولُو َ
ج مِ ْ
ت كَ ِل َمةً َتخْرُ ُ
مَا َل ُهمْ ِب ِه مِنْ عِ ْلمٍ َولَ لِبَا ِئ ِهمْ كَبُرَ ْ
ث َأسَفًا ()6
علَى ءَاثَارِ ِهمْ إِنْ َلمْ ُي ْؤمِنُوا ِبهَذَا ا ْلحَدِي ِ
فَ َلعَلّكَ بَاخِعٌ َن ْفسَكَ َ
عمَلً ()7
حسَنُ َ
جعَلْنَا مَا عَلَى الَْرْضِ زِي َنةً َلهَا لِنَبُْلوَ ُهمْ أَ ّي ُه ْم أَ ْ
إِنّا َ
صعِيدًا جُرُزًا ()8
ن مَا عَلَ ْيهَا َ
َوإِنّا َلجَاعِلُو َ
( الكهف )
227
وجعلنا لمهلكهم موعدا
كان جلّ اهتمامي في البداية محصورا ،لثبات نظرية زوال دولة إسرائيل قبل ظهور المهدي ،ومن ثم معرفة
هؤلء العباد ،الذين سيكونون سببا في زوالها ،والكيفية التي ستزول بها ،ولم أكن قد فكّرت في بحث مسألة
معرفة موعد زوالها ،إل بعد أن اطّلعت على كتاب ( زوال إسرائيل عام 2022م ) للكاتب بسام جرار ،والذي
كان قد بحث هذا المر من قبل .وجدت أن الكاتب توغل في حسابات كثيرة ومعقّدة ،كانت أحيانا عصيّة على
الفهم والمتابعة ،وأنّ محاولته لتحديد موعد زوال إسرائيل ،من خلل تلك الحسابات غير مقنعة .ولكنّ طرحه
لفكرة استخراج الموعد ،من سورة السراء ،أمر لفت انتباهي ،وأوجد لدي الدافع للبحث في أمر العدد
والحساب ،لستخراج موعد زوال الدولة اليهودية .
مسألة العدّ في القرآن :
أغلب رجال الدين إل من رحم ربي ،يُنفّرون من مسألة العدّ في القرآن ،ومنهم من يُنكر ذلك جملة وتفصيل ،
وربما يذهب البعض إلى اتهام من يبحث في هذا المر ،بالسحر والشعوذة والتنجيم .بالرغم من ذلك فإن هذا
النوع من العجاز ،الذي يُظهر ما يكتنفه القرآن ،من توافق وترابط عددي لغوي ،بدأ مؤخرا يفرض نفسه
بشكل ظاهر ،وصدرت فيه بعض الكتب والمؤلفات حديثا .
ويتذرّع البعض في معرض إنكاره واستنكاره ،لمسألة العدّ في القرآن ،بعدم وجود ،خبر صريح وصحيح ،
عن رسول ال عليه الصلة والسلم ،أتى من قريب أو بعيد على ذكر هذه المسألة ،ولكن في المقابل ،هل يوجد
خبر أو حتى أثر ،يُنكر وجود العجاز العددي في القرآن ،أو ينهى عن البحث في أمر إثباته وبيانه ،وهل
وضع رسول ال عليه الصلة والسلم ،تفسيرا للقرآن أو كتابا بيّن فيها أوجه العجاز كلها ،فلم يترك المجال
لباحث أو مجتهد ؟! وهل نجعل من استغلل أشخاص أو طوائف ،للعداد الواردة في القرآن ،بشكل غير
سوي ،عقبة في طريق بحث هذه المسألة .
وأما الفترة الزمنية التي سينفذ فيها وعد الخرة ،والتي سنكشف عنها في هذا الفصل ،فنحن لم نقم بتحديدها ،
فهي محددة أصل من قبله سبحانه وتعالى ،في سورة السراء ،وكل ما قمنا به ،هو الكشف عن هذه الفترة
الزمنية ،وقراءتها بشكل صحيح ودقيق .وبما أن القرآن جاء بكل هذه التفاصيل ،من حيث ماهية العباد وكيفية
الدخول وموعده ،وبالرغم من كونه حدثا مستقبليا ،فإن حيثيات هذا الوعد ،لم تعد بوجودها في القرآن غيبا
على الطلق ،وقراءة وفهم ما هو معلوم ،إذا اعترى النسان قصور في القراءة أو الفهم ،ل يٌقال عنه كشفا
للغيب ،إل إذا كان ذلك من قبيل تعزية النسان لنفسه ،فذلك شأن آخر .
ورد في القرآن والسنة ،الكثير من النبوءات المستقبلية ،وفيما يلي سنطرح مثال ،ربما يجعل هذا الفصل قابل
للهضم والفهم ،فلنأخذ على سبيل المثال ،النبوءة المستقبلية ،بانتصار الروم على الفرس ،في سورة الروم ،
غلِبَتِ الرّومُ ( )2فِي أَدْنَى الَْرْضِ َ ،و ُهمْ مِنْ َبعْدِ غَلَ ِب ِهمْ سَ َيغْلِبُونَ ( )3فِي بِضْعِ سِنِينَ ،لِّ حيث قال تعالى ( ُ
صرُ مَنْ َيشَاءُ َ ،و ُهوَ ا ْلعَزِيزُ ال ّرحِيمُ ()5 ا َلْمْرُ مِنْ قَ ْبلُ َومِنْ َبعْدُ ،وَ َي ْومَئِذٍ َيفْرَحُ ا ْل ُم ْؤمِنُونَ ( )4بِنَصْرِ الِّ ،يَنْ ُ
وَعْدَ الِّ ،لَ ُيخْلِفُ الُّ وَعْدَهُ ،وَ َلكِنّ أَكْثَرَ النّاسِ لَ َيعْ َلمُونَ (َ )6يعْ َلمُونَ ظَا ِهرًا مِنَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ،وَ ُهمْ عَنِ
لخِرَةِ ُهمْ غَا ِفلُونَ ()7 اْ
.1جاء النص القرآني ،بفعل ماض مبني للمجهول ،فأظهر المغلوب ولم يظهر الغالب .
.2وأضاف نبأ جديدا ،وهو غلبة الروم مستقبل ،لمن غلبهم في الماضي .
.3وحدّد فترة زمنية لتحقّق ذلك ببضع سنين .
.4وأفاد بأن المؤمنين سيفرحون عند تحقّق هذا المر .
.5وأكدّ على أنه وعد من ال ،وأن ال ل يُخلف وعده .
228
ن أكثر الناس ل يعلمون ) ،مما يكون من أمر ال .
.6وعقّب بقوله ( ولك ّ
.7وأما ما يعلمه الناس ،فهو ظاهر الحياة الدنيا ،أي الواقع الذي يستشعرونه بحواسهم فقط .
.8أما أمر الغيبيات ،التي أخبر عنها سبحانه في كتابه ،ومنها الحياة الخرة فهم عنها غافلون .
فلو قلنا بأن هذه النبوءة تقول :بأن الروم سيهزمون الفرس في فترة زمنية ،تتراوح ما بين [ ] 9 – 3سنوات ،
سيقول من لم يعلم بظروف هذه النبوءة ،ولم يعلم التاريخ ،ولم يعلم أن البضع في لغة العرب يساوي ( – 3
، ) 9أن هذا النص غير مكتوب في القرآن ،فكيف عرفت أن الذين سيُهزمون هم الفرس ؟ وأن ذلك سيتم في
فترة ،ل تقل عن 3سنوات ،ول تزيد عن 9سنوات ؟
نلحظ أن هذه النبوءة كانت واضحة بالنسبة للمسلمين ،من حيث من سيغلب من ،ولكن زمن التحقّق جاء
فضفاضا ،إذ لم يشأ سبحانه مع علمه ،الكشف عن الزمن بشكل دقيق ،ولكنه أعطى فترة زمنية على مدى 6
سنوات تقريبا ،ليترك المجال لجريان السباب والمسبّبات ،التي من شأنها أن تترجم النبوءة على أرض الواقع ،
دون تعطيل من البشر ،من جرّاء العلم المسبق بحيثياتها .
ولو تمعنّا في التعقيب الخير في الية ( ، )7الذي جاء فيها على مجمل ،ما أخبر عنه سبحانه في اليات السابقة
لها ،ستجد أن هناك حكمة إلهية ،من الخبار عن شأن هذا الحدث المستقبلي .أل وهي زفّ البشرى للمؤمنين ،
بحتمية النصر مستقبل ،فكما تحقّقت هذه النبوءة وهذا الوعد ،على أرض الواقع ،فسيُنجز ال كل ما وعد به في
كتابه الكريم ،ليزداد المؤمنون إيمانا ويقينا ،بصدق كل ما حواه هذا الكتاب ،من شأن الدنيا والخرة ،ماضيا
وحاضرا ومستقبل ،وصدق من أنزله ،وصدق وأمانة من أُرسل به ،هدى ورحمة للعالمين .
وتراوحت غايات الخبار عن أنباء المستقبل ،ما بين البشارة والنذارة ،وأهم النباء المستقبلية ،التي يريد رب
العزة أن يتيقن منها الناس ،هي اليوم الخر ،بما فيه من بعث وحساب وثواب وعقاب ،وهذه الحقيقة تكاد ل
تخلو أي من سور القرآن ،من ذكرها والتذكير بها ،إذ أن مؤدى إنكار اليوم الخر ،حتى ولو قُرن مع اليمان
بال ،هو عبث وعبثية ،ليُصبح إحسان النسان ،مرتبط بما يتحصّل عليه من مكاسب دنيوية فقط ،وبذلك يفسد
الناس وتفسد الرض ،فيحل بهم الهلك ،ولذلك عقّب سبحانه ،بعد الخبار عن هذه النبوءة بقوله ( … وَ َلكِنّ
لخِرَةِ ُهمْ غَافِلُونَ ( 7الروم ) .
ن ظَا ِهرًا مِنَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ،وَ ُهمْ عَنِ ا ْ
س لَ َيعْ َلمُونَ (َ )6يعْ َلمُو َ
أَكْثَرَ النّا ِ
وقد جاءت أخبار النبوءات المستقبلية في القرآن والسنّة مسبقا ،لتتحقّق في أزمان يكون المؤمنين فيها ،بأمس
الحاجة لما يقوي إيمانهم ،ويُثبّتهم على دينهم ،ويشدّ من أزرهم ،في مواجهة أهل الكفر والفسوق والعصيان ،
كما هو الحال مع النبوءة السابقة .وجاءت أيضا لتتحقّق في أزمان يكاد فيها اليمان ،أن يلفظ أنفاسه الخيرة ،
لتُعيد له الحياة في قلوب أصحابه ،ولينفضوا ما علق بأرواحهم ،وما أغشى أبصارهم وبصائرهم ،من رماد
هذه الدنيا ،التي أوشكت على الفناء .فإذا ما عاصر الناس ،تحقّق نبوءة على أرض الواقع ،مما أخبر به القرآن
،أثبت هذا القرآن للناس ،بشكل قاطع وملموس محسوس ،بأنه من لدن حكيم عليم ،عالم للغيب والشهادة ،وأن
ل بد للناس من المثول بين يديه ،فالموت ليس نهاية المطاف ،بل هو بداية رحلة ل نهاية لها ،من الشقاء أو من
السعادة .
229
عندما قرأت هذه المعلومة ،أحببت أن أتأكد من صحتها ،فقمت بإجراء نفس عملية الحصاء آنذاك ،فتبيّن لي
صحة الخبر .ظننت في بادئ المر ،أن المقصود هو إظهار التوافق العددي اللغوي ،ما بين عدد السنين التي
لبثها هؤلء الفتية في الكهف ،وعدد كلمات القصة التي تروي خبرهم ،وهو بحدّ ذاته شيء جميل وعجيب .
ولكن عندما رغبت في البحث ،في مسألة زوال إسرائيل فيما بعد ،حيث لم أقتنع بحسابات بسام جرار ،أصبح
ى أخرا .
لهذا المثال المطروح في سورة الكهف ،معن ً
تصفّحت سورة السراء مرارا وتكرارا ،ولفت انتباهي أن موضوع السورة بشكل عام ،هم بني إسرائيل أنفسهم
" ،وبني إسرائيل " هو السم التوقيفي للسورة ،كما ورد في جميع الحاديث والروايات ،التي جاءت على
ذكرها ،وأما ما تُركّز عليه السورة بشكل خاص ،هو قصة المرتين ،وما فيهما من إفساد وعلو ووعد كل منهما
،والملحظ أن القصة لها بداية ولها نهاية .قمت بالمقارنة بين القصتين ،وفي مخيلتي تساؤل مفاده ،أليس من
الممكن أن يكون سبحانه ،قد طرح هذا المثال الموجود في سورة الكهف ،لكي نقوم بتطبيقه في سورة السراء ،
لستخراج موعد هلك بني إسرائيل في المرة الثانية .
وجعلنا لمهلكهم موعدا :
تُركّز سورة السراء بشكل كبير ،على ذكر وعد الخرة ،وهو وعد بهلك بني إسرائيل وزوال دولتهم ،وهذا
عمْ ُتمْ
الوعد له موعد ،ويقول سبحانه وتعالى في سورة الكهف ،التي تلي سورة السراء مباشرة ( … َ ،بلْ َز َ
ج َعلَ َل ُكمْ َموْعِدًا (َ ، … )48بلْ َل ُهمْ َموْعِدٌ )58( … ،وَتِلْكَ ا ْلقُرَى أَهْ َلكْنَا ُهمْ َلمّا ظَ َلمُوا َ ،وجَعَلْنَا ِل َمهْ ِل ِكهِمْ
أَلّنْ َن ْ
َموْعِدًا ( ، ) 59هذا التكرار لكلمة موعد ،والتأكيد على أن هناك موعد ،أمر ملفت للنظر .حاولت في البداية
عدّت إلى سورة الكهف ،وقمت بدارسة وتحليل المثال المطروح إيجاد أوجه الشبه بين السورتين ،ومن ثم ُ
فيها ،فوجدت نفسي أمام درس إلهي ،في رياضات من نوع آخر .خرجت منه بعدة قواعد رياضية ،فتملكني
شعور آنذاك ،أن هذا المثال ،إنما وُضع ليكون بمثابة مفتاح ،للكشف عن موعد هلك بني إسرائيل ،في سورة
السراء .
قصة أصحاب الكهف :
بعد إطلعي على قصة أصحاب الكهف ،من خلل كتاب ( أهل الكهف ) ،لحدى دور النشر الردنية – ل
أذكر اسم المؤلف -الذي يؤكد فيه المؤلف ،أن الكهف المعني ،هو الكهف الموجود ،بالقرب من مدينة مادبا
الردنية ،وأن أحداث القصة ،وقعت بعد وفاة عيسى عليه السلم ،وقبل بعث محمد عليه الصلة والسلم ،
حيث كانت المبراطورية الرومانية الوثنية آنذاك ،مسيطرة على المنطقة ،وأن القضية التي كانت مطروحة
آنذاك ،هي مسألة البعث بعد الموت ،التي كان ينكرها الوثنيّون الرومانيون ،واليهود الخاضعين لسيطرتهم
كذلك .
والحكمة من جرّاء تنويمهم ،ومن ثم بعثهم ،ومن ثم العثور عليهم من قبل أهل المدينة ،كانت لثبات البعث بعد
الموت ،لدى أُناس ذلك العصر ،من وثنيون ويهود ،وهذا ما يُخبر عنه سبحانه وتعالى صراحة ،في قوله (
عةَ لَ رَيْبَ فِيهَا ،إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْ َنهُمْ َأمْ َر ُهمْ … ( َوكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَ ْي ِهمْ ،لِ َيعْ َلمُوا أَنّ َوعْدَ الِّ حَقّ َ ،وأَنّ السّا َ
)21أي أن ال أعثر أُناس تلك المدينة المجاورة للكهف ،لكي يعلم أولئك الناس ،ب ( أَنّ وَعْدَ الِّ حَقّ _ بالبعث
عةَ لَ رَيْبَ فِيهَا ) .ومجيء قصة أصحاب الكهف في القرآن ،لم يكن في الصل ،لطرح بعد الموت _ َوأَنّ السّا َ
التساؤلت عن عددهم وعن مدة لبثهم ،فهذا أمر ل طائل منه ول فائدة فيه ،فهو سبحانه ينهى عن ذلك بقوله (
فَلَ ُتمَارِ فِي ِهمْ ِإلّ مِرَاءً ظَا ِه َراً َولَ َتسْ َتفْتِ فِي ِهمْ مِ ْن ُهمْ َأحَ َداً ( 22الكهف ) ،وقد قرّر سبحانه عددهم ،بقوله (
ن سَ ْب َع ٌة وَثَامِ ُنهُ ْم كَلْ ُب ُهمْ ُقلْ رَبّي أَعْ َلمُ ِبعِدّ ِت ِهمْ مَا َيعْ َل ُمهُ ْم ِإلّ قَلِيلٌ ( 22الكهف ) ،إذ استثنى هذه العبارة من وَ َيقُولُو َ
قوله ( رجما بالغيب ) ،واقتصرها على القوال السابقة فقط .وأما مدة لبثهم فقد قرّرها في قوله ( وَلَبِثُوا فِي
س َموَاتِ وَالَْرْضِ (26 سعًا ( ، )25وقوله ( ُقلِ الُ أَعْ َلمُ ِبمَا لَبِثُوا َ ،لهُ غَيْبُ ال ّ َكهْ ِف ِهمْ ثَلَثَ مِا َئةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا ِت ْ
الكهف ) ،تأكيد على أن ما أخبر عنه ،من مدة لبثهم هو الحق ،فهو أعلم بغيب الماضي والمستقبل ،كما أكدّ
على إخباره عن عدّتهم فيما سبق .
230
ل يُمكن إحصاء عدد السنين :
نخلص من ذلك ،إلى أن المسألة المراد التركيز عليها ،هي شيء آخر غير إحصاء عددهم أو مدة لبثهم ،هي
إشارات لدرس رائع في الرياضيات اللهية ،ولتوضيح هذا الدرس ،سنبدأ مع بداية القصة ،حيث لخّص
عجَبًا ()9 صحَابَ ا ْلكَهْفِ وَالرّقِيمِ كَانُوا مِنْ ءَايَاتِنَا َحسِبْتَ أَنّ أَ ْسبحانه القصة كاملة في أربع آيات ،في قوله ( َأمْ َ
علَى ءَاذَانِ ِهمْ
ح َمةً وَهَيّئْ لَنَا مِنْ َأمْرِنَا َرشَدًا ( )10فَضَرَبْنَا َ إِذْ َأوَى ا ْلفِتْيَةُ إِلَى ا ْل َكهْفِ َفقَالُوا رَبّنَا ءَاتِنَا مِنْ لَدُنْكَ َر ْ
فِي ا ْلكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (ُ )11ثمّ َبعَثْنَا ُهمْ لِ َنعْ َلمَ َأيّ ا ْلحِزْبَيْنِ َأحْصَى ِلمَا لَبِثُوا َأمَدًا ( ، )12هذا الملخّص يقول :أن
أصحاب الكهف فتية ،لجئوا إلى الكهف ،وطلبوا من ربهم أن يرحمهم ،وأن يُهيئ لهم سبيل للنجاة من قومهم ،
فأسلمهم سبحانه للنوم في الكهف ،عددا من السنين ،ثم بعثهم ،ثم علّل أمر نومهم ثم بعثهم ،بأنه يريد أن يعلم ،
ص مدة لبثهم في الكهف ،من عدد السنين . من أحصى ممن لم يُح ِ
وتعليل النوم والبعث حقيقة ،كنا قد أوضحناه سابقا ،ولكن الملفت للنظر هنا هو تعليل البعث ،في بداية القصة
على غير الوجه الحقيقي له ،بقوله تعالى ( لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا ) ،إذ ل يُعقل أن يكون
المقصد الحقيقي ،هو معرفة من أحصى مدة اللبث ممن لم يُحصِها .وفي الواقع ،فإن المد ( أي الفترة
الزمنية ) ل يُحصى إحصاءً ،وإنما يتحصّل بالحساب .ولو فكّرت في معنى الحصاء رياضيا ،لوجدت أن هذا
الذي جاء في اليتين ،غير منطقي من الناحية الرياضية العملية ،فعملية الحصاء والعدّ ل يمكن القيام بها ،إل
إذا كان المراد إحصاءه أو عدّه ،ماثل أمامك عيانا ،كأن تحصي مجموعة من الشياء .أما أن تحصي شيئا ،ل
تلمسه بيديك أو تراه بعينيك ،فهذا أمر مستحيل .وأما بالنسبة للسنين ،فل يُمكن بأي حال من الحوال إحصائها
أيضا ،لنها ليست أشياء قابلة للعدّ ،وإنما تتحصل معرفتها بالحساب ،فهي نتيجة لجمع عدد من الشهور ،
والشهور نتيجة لعدد من اليام ،وعلى سبيل المثال ،إذا أردت معرفة عمر شخص ما ،أو عمر ُأمّة ما ،فما
ستقوم به هو عملية طرح للتواريخ ،لتحصيل عدد السنين ،التي تُمثّل عمر ذلك الشخص ،أو عمر تلك المة .
الحصاء لمدة اللبث :
وبالتالي نستطيع القول بأن هذا التركيب اللغوي ،جاء ليلفت انتباهنا إلى ما جاء في هذه القصة ،من إعجاز
عددي لغوي ،ولحصاء أشياء ماثلة أمام أعيننا ،أل وهي كلمات القصة ،التي توافق عدد السنين ،التي لبثها
أصحاب الكهف في كهفهم ،والتي إن قمت بإحصاءها ،ستكون في الحقيقة قمت بعدّ مدة اللبث بالسنين ،لن
عدد الكلمات يوافق عدد السنين ،ويقول سبحانه تعقيبا على هذا العجاز ،فيما يلي القصة من آيات ( َلهُ غَيْبُ
س َموَاتِ وَالَْرْضِ ) ،أي ما كشفه من شأن هؤلء الفتية من غيب الماضي ( ،أَبْصِرْ ِبهِ َوَأسْمِعْ ( ) 26وكأنه ا ْل ّ
حثّ على إمعان النظر ،فيما بين يديك من إعجاز ،وكشفه والخبار عنه ،ويؤكد سبحانه من خلل هذا التوافق
العددي أن ( ل مُبَ ّدلَ ِلكَ ِلمَاتِه ( 27الكهف ) ،كما أكدّ أيضا في سورتي النعام ويونس بقوله ( َولَ مُبَ ّدلَ ِلكَ ِلمَاتِ
الِّ ( ( ، ) 34لَ تَبْدِيلَ ِلكَ ِلمَاتِ الِّ ( )64ليتبين لك أن ل تبديل لمواقع الكلمات فيه ،ول زيادة فيه ول نقص ،
وهذا ما تثبته هذه السورة ،وسورة السراء أيضا ،مصداقا لقوله تعالى ( إِنّا َنحْنُ نَزّلْنَا الْ ّذكْ َر َوإِنّا َلهُ َلحَا ِفظُونَ (
ن مِنْ عِنْدِ غَيْ ِر الِّ َل َوجَدُوا فِي ِه اخْتِلَفًا كَثِيرًا ( 82النساء ) .
9الحجر ) ،وقوله ( وَ َل ْو كَا َ
يقول سبحانه ( أحصى لما لبثوا أمدا ) ،نتبين من ذلك ،أن المراد هو إجراء عملية إحصاء أو عدّ ،وأن المراد
إحصاؤه _ حسب ظاهر النص القرآني -هو مدة اللبث ،وبما أن إحصاء مدة اللبث مُتعذّر ،فالحصاء سيكون
لشياء تُمثّل هذه المدّة ،أل وهي الكلمات الماثلة أمامنا ،والتي تُشكل أحداث القصة ،لنستطيع من خلل
إحصائها ،معرفة عدد سنين مدة اللبث ،وكأنه سبحانه أراد أن يُعلمنا درسا رياضيا ،نستطيع من خلل القواعد
التي سنستنبطها منه ،من استخراج عدد السنين لمدة لبث أُناس ،قد سبق ذكرهم في السورة التي سبقت سورة
الكهف ،وهذا يعني أن مدة لبثهم لها نهاية بهلكهم ،والمشار إليها بوعد الخرة .
طريقة العدّ في سورة الكهف :
سعًا )(309
ف … … 5وَلَبِثُوا 306فِ ي َ 307ك ْهفِ هِمْ ( 308ثَلَثَ مِا َئةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا ِت ْ
صحَابَ 4ا ْلكَهْ ِ
حسِبْتَ 2أَنّ 3أَ ْ
( أَمَْ 1
)25
231
تبدأ القصة من الية ( ، )9بعبارة ( أم حسبت ) وتنتهي في الية ( ، )25بعبارة ( ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا )
.نلحظ أن كلمة ( كهفهم ) تحمل العدد ( ، ) 308وأن العدد الذي يلي العدد ( ، )308هو ( ، )309وبدل من أن
ينتهي العدّ عند الكلمة ،التي تلي كلمة ( كهفهم ) مباشرة ،بقولنا :ثلثمائة وتسعة ،جاء سبحانه بعبارة ،تحكي
العدد نفسه بالكلمات ( ،ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ) ،لتحمل العبارة كاملة ،العدد ( . ) 309
وقوله سبحانه ( ثلثمائة سنين وازدادوا تسعا ) ،وعدم قوله ( تسع وثلثمائة ) ،جاءت ليُعلّمنا قاعدة حسابية ،
لحساب الفرق بين السنين الشمسية والسنين القمرية ،بإضافة 3سنوات لكل 100شمسية ،لنحصل على ما
يُعادلها بالقمرية ،حيث أن كل ( )100سنة شمسية ،تعادل ( )103سنوات قمرية تقريبا .ومفاد هذه العبارة أنهم
لبثوا ( ) 300سنة شمسية ،و ( ) 309سنة قمرية ،والهم من ذلك أن عدد الكلمات جاء متفقا ،مع مدة لبثهم
بالسنين القمرية ،أي أن كل كلمة مثّلت سنة قمرية ل شمسية .وبناء على ذلك ،وعند استخدام هذه الطريقة ،في
سورة السراء سنتعامل ،مع السنين القمرية .
قواعد الحصاء في سورة الكهف :
قال تعالى ( فَضَرَبْنَا عَلَى ءَاذَا ِن ِهمْ فِي الْ َكهْفِ سِنِينَ عَدَدًا (ُ )11ثمّ َبعَثْنَا ُهمْ لِ َنعْ َلمَ َأيّ ا ْلحِزْبَيْنِ َأحْصَى ِلمَا لَبِثُوا
َأمَدًا ( )12لو أمعنت النظر فيما تحته ،لوجدت أن الظاهر يقول ،أن بعثهم كان لن ال سبحانه وتعالى ،أراد أن
يعلم أي الحزبين أحصى ! أحصى ماذا ؟ أحصى مدة ما لبثوا في الكهف من عدد السنين .أي أن المراد من
الحصاء هو معرفة عدد السنين .في المقابل نجد في الية ( )12من سورة السراء عبارة تقول ( ولتعلموا عدد
السنين والحساب ) ،للشارة إلى أن السورة ،تحمل بين ثناياها معرفة لعدد سنين ،تتحصل بالعدّ والحساب ،
تخصّ أُناس سبق ذكرهم فيما ورد من آيات ،سبقت هذه العبارة .
وللفت النتباه إلى أن الحصاء متعلق بمدة اللبث ،تكرّر ذِكر مشتقات هذه الكلمة ( )6مرات في سورة الكهف ،
وهي ( َل ِبثُوا َ ،ل ِب ْثتُمْ َ ،ل ِب ْثنَا َ ،ل ِب ْث ُتمْ ،وََل ِبثُوا َ ،ل ِبثُوا ) في اليات ( . ) 12،19،25،26وفي المقابل نجد أن مشتقات
هذه الكلمة ،تكرّرت مرتين في سورة السراء ،في قوله سبحانه ( وَ َتظُنّونَ إِنْ لَبِثْ ُتمْ ِإلّ قَلِيلً ( )52وقوله ( َوإِذًا
لَ يَلْبَثُونَ خِلَفَكَ ِإلّ قَلِيلً ( ، )76يُقال أن المقصودين في هاتين اليتين هم مشركي قريش حصرا ،وهذا القول
غير صريح .ولو أنك تتبعت النص منذ البداية ،لوجدت أن القول الول قيل لمنكري البعث ،وعلى رأس القائمة
في إنكار البعث هم اليهود .
عنِ الّذِي َأ ْوحَيْنَا إِلَيْكَ … َوإِنْ كَادُوا لَ َيسْ َتفِزّونَكَ مِ َ
ن ولو أنك تتبعت النص من قوله تعالى ( َوإِنْ كَادُوا لَ َيفْتِنُونَكَ َ
ك ِإلّ قَلِيلً ( ، )76لوجدت أن القول الثاني قيل في اليهود حصرا ، ن خِلَ َف َ
خ ِرجُوكَ مِ ْنهَا َ ،وإِذًا لَ يَلْبَثُو َ
الَْرْضِ ،لِ ُي ْ
حيث تؤكد معظم الروايات أن هذه اليات مدنية ،ولو تمعنّت في قوله تعالى ( وإن كادوا ليفتنونك ) وتساءلت
232
عمن له القدرة ،على فتنة الرسول عليه الصلة والسلم ،أهم أهل الكتاب أم عبدة الصنام ! ولو تمعنّت في قوله
تعالى ( وإن كادوا ليستفزّونك من الرض ليُخرجوك منها ) وتساءلت عمن حاولوا استفزاز الرسول عليه
الصلة والسلم ،لخراجه ولم يُكتب لهم النجاح ! لو قلت أنهم اليهود ،عندما أرادوا منه أن يخرج معهم ،من
أرض الجزيرة ككل إلى الرض المقدّسة ،ليُعيد لهم ملكهم المنقرض ،لكان ذلك أقرب إلى العقل والمنطق ،
وهناك روايات تؤكد ذلك .ولو قلت أنهم مشركي قريش ،فقد جانبت الصواب ،لنهم قد استفزّوه بالفعل ،
وأخرجوه من بلدته حقيقة .
أوجه التشابه :
أول :ذكر أحد مشتقات لفظ اللبث في السورتين ،وهو لفظ يأتي أينما ورد في القرآن ،للشارة إلى مدة زمنية ،
ضعَ سِنِينَ ( 42يوسف ) ( ،فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِي أَ ْهلِ
سجْنِ بِ ْ ( قَالَ َبلْ لَبِثْتَ مِا َئةَ عَامٍ ( 259البقرة ) ( ،فَلَبِثَ فِي ال ّ
عشْرًا ( 103طه ) ( قَالَ َكمْ لَبِثْ ُتمْ فِي الَْرْضِ عَدَدَ سِنِينَ ( 112المؤمنون ) ( ، مَدْيَنَ ( 40طه ) ( ،إِنْ لَبِثْ ُتمْ ِإلّ َ
خ ْمسِينَ عَامًا ( 14العنكبوت ) . ف سَ َن ٍة ِإلّ َ
فَلَبِثَ فِي ِهمْ أَلْ َ
ثانيا :ذكر لفظ يُشير إلى الحصاء أو العدّ في السورتين ( ،سِنِينَ عَدَدًا … َأحْصَى ِلمَا لَبِثُوا َأمَدًا ) في الكهف ،
حسَابَ ) في السراء ،بإضافة لفظ الحساب . ن وَالْ ِ
( وَلِ َتعْ َلمُوا عَدَ َد السّنِي َ
عبارة ( جِئْ نَا بِكُمْ َلفِيفًا ( ، )104ستجد أن كلمة ( لفيفا ) تحمل العدد ، 1422وهو عدد كلمات القصة ،وهو مما
خالفنا به الخ بسام جرّار ،الذي اعتبر بداية القصة من الية الثانية .
( ملحظة :لو قمت بعدّ كلمات السورة ،من خلل العدّ التسلسلي العادي ،ستخطئ مرارا وتكرارا ،فالصوب
والسهل هو استخدام الحساب التراكمي ،بحيث تعدّ كلمات كل آية بشكل منفرد ،ومن ثم تقوم بجمع كل عشر
مع بعضها ،ومن ثم تقوم بجمع الناتج الكلي .وإن كنت تملك جهاز حاسوب ،ستكون عملية غاية في السهولة ،
فما عليك إل أن تنقل نص سورة السراء ،من أحد برامج القرآن ،كما هو مرسوم بالمصحف ،واستثناء أرقام
اليات ،أو إلصاقها بالكلمة التي تسبقها ،ومن ثم تظليل نقطة البداية حتى نقطة النهاية ،ومن ثم طلب أمر ( عدد
الكلمات ) من قائمة ( أدوات ) ،لتظهر لك النتيجة على الفور ) .
هذا العدد الذي تحصّلنا عليه ،هو عدد من السنين القمرية ،التي ربما تُشير إلى نهاية مدة لبث بني إسرائيل ،في
الرض المذكورة بداية السورة ،أي أن نهاية هذا اللبث ،ستكون بعد 1422سنة قمرية ،ومن هنا تكون نقطة
النهاية معلومة ،بينما نقطة البداية مجهولة .
فهل ستكون نقطة البداية هي حادثة السراء والمعراج ،أم هو وقت نزول سورة السراء ،أم حادثة الهجرة
النبوية نفسها ،التي اتّخذت اصطلحا كنقطة بداية للتقويم الهجري ،ال أعلم ؟!
حيث ورد في كتاب ( الكامل في التاريخ ) للشيباني ،ما نصه " :والصحيح المشهور أن عمر بن الخطاب
رضي ال عنه ،أمر بوضع التاريخ ،وسبب ذلك أن أبا موسى الشعري ،كتب إلى عمر ،أنه يأتينا منك ،كتب
ليس لها تاريخ ،فجمع عمر الناس للمشورة ،فقال بعضهم َ :أرّخ بمبعث النبي صلى ال عليه وسلم ،وقال
233
بعضهم :بمهاجرة رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال عمر :بل نؤرخ بمهاجرة رسول ال ،فإن مهاجرته
فرق بين الحق والباطل ،قاله الشعبي " .
اختبار العدد ، 1422على فرض أنه يمثّل السنة الهجرية : 1422
آخر أيام السنة الهجرية ، 1422هو - 29ذو الحجّة ،وذو الحجّة هو الشهر الثاني عشر من السنة الهجرية .
وقامت دولة إسرائيل بتاريخ 1948 / 5 / 15م ،ويقابل هذا التاريخ بالهجري / 6رجب 1367 /ه ،ورجب هو
الشهر السابع من السنة الهجرية .ولحساب أطول مدة ممكنة ،لبقاء دولة إسرائيل على قيد الحياة ،سنقوم بطرح
التاريخ الثاني من الول :
1422 / 12 / 29ه 1367 / 7 / 6 -ه = 23يوم ،و 5أشهر و 55سنة قمرية
أي ستكون نهاية الدولة اليهودية في بحر السنة ( السادسة والخمسين ) من عمرها .
اختبار العدد ( : ) 56
بما أن قصة وعدي الولى والخرة ،بدأت بعبارة ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ … ( ) 4وإذا فرضنا أنها ، •
تمثّل بداية قيام دولة إسرائيل ،فما هي العبارة التي تُشير إلى نهايتها ،ونفاذ وعد الخرة فيها ؟ بل شك
سجِدَ … ( ، )7إذ أن ما جاء بعدها ،هي عبارات للتعقيب فقط . ستكون الجابة هي عبارة ( … وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ
وإذا قمت بإحصاء الكلمات من عبارة ( وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إسْرائِيلَ … ( ، ) 4حتى تصل إلى عبارة (
4 3 2 1
سجِدَ … ( ) 7ستجد أن كلمة ( المسجد ) تحمل العدد ( ، ) 56وهو نفس العدد الذي تحصّلنا وَلِيَ ْدخُلُوا ا ْل َم ْ
عليه في الحسبة السابقة .
يُعاد ذِكر بني إسرائيل مرة أخرى ،في نهاية السورة ،في قوله تعالى ( وَ َلقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى ِتسْعَ ءَايَاتٍ بَيّنَا ٍ
ت •
َفسْ َئلْ بَنِي ِإسْرَائِيلَ … ( ، ) 101وينتهي ذكرهم بالمر الخر الذي سيتحقّق بمجيء وعد الخرة ،وهو
لخِرَةِ جِئْنَا ِبكُمْ َلفِيفًا ( . ) 104وإذا قمت بإحصاء مجيئهم من الشتات ،في قوله تعالى ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ ا ْ
الكلمات ،منذ بداية ذكرهم وذكر وعد الخرة للمرة الثانية بعبارة ( وَ َلقَدْ آتَيْنَا مُوسى … ( ) 101حتى
3 2 1
تصل إلى عبارة ( … جِئْنَا ِب ُكمْ َلفِيفًا ( ، )104ستجد أن كلمة ( لفيفا ) أيضا ،تحمل العدد ( . ) 56
اختبار العدد 56من خلل العدّ والحساب :
والن نعود إلى قوله تعالى ( وَ َتظُنّونَ إِنْ لَبِثْ ُتمْ ِإلّ قَلِيلً ( ، ) 52وقوله ( َوإِذًا لَ يَلْبَثُونَ خِلَفَكَ ِإلّ قَلِيلً (، )76
حيث ذُكر لفظ اللبث .وكما قلنا فيما سبق ،أن المقصود باللبث ،في العبارتين هو لبث اليهود .وهذا اللبث منذ
بداية دولتهم وحتى نهايتها ،تبين لنا أنه ل يتجاوز 56سنة ،وهو موصوف بالقليل :
إذا قمت بإحصاء 56كلمة ،من حيث الكلمة التي تلي كلمة قليل مباشرة ،في قوله تعالى ( وَ َتظُنّونَ إِنْ لَبِثْ ُت ْم •
ِإلّ قَلِيلً ( )52وَ ُقلِْ 1لعِبَادِي )53( … 2وتوقفت عند الكلمة التي تحمل العدد ( ، )56ستجد أنك توقفت في نهاية
54
عمْ ُتمْ مِنْ دُو ِنهِ ،فَلَ َيمْ ِلكُونَ َكشْفَ
العبارة ( فل يملكون كشف الضرّ عنكم ) ،في الية ( ُقلِ ادْعُوا الّذِينَ َز َ
حوِيلً ( ، )56والذين سيقع بهم الضُرّ أي الذى والعذاب الدنيوي ،عند مجيء وعد الضّرّ 55عَن ُكمَْ ، 56ولَ َت ْ
الخرة هم اليهود .ولو نظرت إلى نهاية الية ،التي تسبق هذه الية مباشرة ،ستجد قوله تعالى ( وَآتَيْنَا
دَاوُودَ زَبُورًا ( )55وداود عليه السلم هو مؤسّس مملكتهم الولى ،وكأن ذكره جاء للشارة إليهم .ولو قرأت
نص الية كامل ،ستجد المخاطبين ،كانوا قد اتّخذوا أولياء ووكلء من دون ال ،ويؤكد سبحانه أن هؤلء
الولياء والوكلء ،ل يملكون إزالة الذى أو تحويله عنهم ،حال وقوعه بهم .
ولو كنت دقيق الملحظة ،ستكتشف أن الية التي توقف العدّ فيها عند العدد ، 56على عبارة ( فل يملكون
كشف الضرّ عنكم ) ،هي الية التي تحمل العدد ( ) 56أيضا ،وهذه الية تقع في منتصف السورة تماماً .إذ
لو أنك قمت بقسمة عدد آيات السورة ( )111على ( )2ستحصل على ( ، ) 55.5وهي تقريبا نفس الحسبة التي
خرجنا بها سابقا ،لتُشير إلى أن زوال دولتهم ،سيكون في بحر السنة السادسة والخمسين من عمر دولتهم .
234
وإذا قمت بإحصاء 56كلمة ،من حيث الكلمة التي تلي كلمة قليل مباشرة ،في قوله تعالى ( َوإِذًا لَ يَلْبَثُو َ
ن •
خِلَفَكَ ِإلّ قَلِيلً ( )76سُ ّنةَ 1مَنْ 2قَدْ 3أَ ْرسَلْنَا ، )77( … 4وتوقفت عند الكلمة التي تحمل العدد ( ، ) 56ستجد
طلُ، 56 أنك توقفت في نهاية العبارة ( جاء الحقّ وزهق الباطل ) ،في الية ( وَ ُقلْ جَاءَ 53ا ْلحَقّ 54وَ َزهَقَ 55الْبَا ِ
ن وَعْدُ رَبّي جعَ َلهُ َدكّاءَ َوكَا َ
طلَ كَانَ زَهُوقًا ( ، )81ومجيء الحقّ هو مجيء الوعد ( فَإِذَا جَا َء وَعْدُ رَبّي َ
إِنّ الْبَا ِ
حقّا ( 98الكهف ) ،وزَهقِ الباطل هو بل شك نفاذ وعد الخرة ،بزوال دولة الفساد وهلك أهلها . َ
التأريخ لقيام دولة إسرائيل :
لخِرَةِ :
سكُنُوا الَْرْضَ … فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ ا ْ
لخِرَةِ … ) 7 ( … :وَ ُقلْنَا … لِبَنِي ِإسْرَائِيلَ ا ْ
( … فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ ا ْ
جِئْنَا ِبكُمْ َلفِيفًا (. )104
تكرار ذكر بني إسرائيل في بداية السورة ونهايتها ،هو أمر ملفت للنظر ،وتكرار ذكر وعد الخرة في بدايتها
ونهايتها كذلك ،هو أمر آخر ملفت للنظر أيضا ،وأثناء محاولتي المتكرّرة للربط العددي ،بين عبارتي ( فإذا
جاء وعد الخرة ) في الية ( ) 7والية ( . ) 104
لخِرَةِ )7( … 4في بداية السورة ،إلى ما قبل عبارة ( فإذاقمت بعدّ الكلمات من قوله تعالى ( فَإِذَا 1جَاءَ 2وَعْدُ 3ا ْ
جاء وعد الخرة ( )104في نهاية السورة ،وتوقفت عند عبارة ( اسكنوا الرض ) ،في قوله ( وَقُلْنَا … لِبَنِي
ِإسْرَائِيلَ اسْكُنُوا 1366الَْرْضَ . )104( … 1367فوجدت أنني قد توقفت على العدد ( ، )1367وهذا العدد ،هو موعد
قيام دولة إسرائيل بالتقويم الهجري ،وهو موعد استيلئهم الفعلي على أرض فلسطين ،وبدء استيطانهم فيها ،
وتجمّعهم من شتى بقاع الرض .
وكأن واقع الحال ،يُخبر بأنه في عام 1367ه ،سيأذن ال لهم بالسكن في الرض المقدّسة واستيطانها ،وإقامة
علوهم الثاني والخير فيها .
مجموع كلمات السورة يحمل في ثناياه العددين 56و : 1422
235
وحاصل جمع العددين هو 15 = 7 + 8 :
ومجموع الناتجين ،هو ، 71 = 15 + 56 :وهذا العدد سنوضح أمره فيما يلي .
تحديد الفترة الزمنية :
بعد انقضاء الموعد ،الذي كنا قد رجحناه في الصدارات السابقة ،وبعد العودة لسورة السراء ،والتفكير مليا
لخِرَةِ جِئْنَا ِب ُكمْ َلفِيفاً ( ، ) 104مما
في أمر العدد ، 1442تبين لنا أن هذا العدد ارتبط بعبارة ( فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ ا ْ
يدفعنا للعتقاد بأن ارتباط هذه العبارة بهذا العدد ،يشير إلى اكتمال مجيء بني إسرائيل من الشتات ،بانقضاء
سنة 1422ه ،وليس موعدا لنهايتها ،وأن الموعد الكثر احتمال ،هو بحر السنة 56من عمرها ،والتي بقي
منها الن هو النصف الثاني فقط .
وبعد التدقيق في أمر العدد ، 56تبين لنا أن سورة السراء ،تُظهر هذا العدد أكثر من العدد ، 1422وبصورة
ملفتة للنظر ،وهو ما لم نعتمد عليه بشكل كلي ،لتحديد أقصى موعد محتمل لنهاية إسرائيل .
وبذلك تكون الفترة الزمنية المحتملة لنهاية الدولة اليهودية ،هي الفترة التي تمتد ما بين ،أول يوم حتى آخر
يوم ،من السنة 56من عمرها :
[ / 6رجب 1422 /ه – / 5رجب 1423 /ه ]
ويقابلها بالميلدي :
[ 2001 / 9 / 23م 2002 / 9 / 12 -م ]
وإذا ثبت خطأ هذا الحتمال ،ولم يتحقق وعد الخرة في بني إسرائيل في الموعد المحدد ،فلن يكون هناك
احتمالت جديدة ،لعدم وجود أية دلئل أخرى ،توحي بأرقام غير التي تحصّلنا عليها سابقا ،ونود أن ننبه
الخوة القرّاء ،بأن إصابتنا في هذا الموعد ،فيما لو حصلت ،فذلك ل يعني بالضرورة إصابتنا ،في المواعيد
التي تليها ...والتصديق بهذه مسألة من عدمها ،يعود لقناعة القارئ الشخصية .
ونكرّر ما ختمنا به مقدمة كتابنا ،وإن أخطأنا فمن أنفسنا ،وإن أصبنا فمن ال ،ول حول ول قوة إل بال ،وال
ولي التوفيق .
الموعد المتوقع لنهاية الوليات المتحدّة المريكية :
236
لقد بدأ يوم القيامة ،بقيام دولة إسرائيل ،بل منذ عل اليهود في الرض ،والناس في غفلة من أمرهم :
إن لم تُصدّق ذلك ،فتفكّر معي ،بتأنٍ وتروّي ،وتوقف عند كل مقطع ،وكل عبارة ،في قوله تعالى ( إِذْ قَالَ ا ُ
لّ
علُ الّذِينَ اتّبَعُوكَ َ ،فوْقَ الّذِينَ كَفَرُوا ،
طهّرُكَ مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا َ ،وجَا ِ َ ،يعِيسَى إِنّي مُ َتوَفّيكَ ،وَرَا ِفعُكَ إِلَيّ َ ،و ُم َ
ح ُكمُ بَيْ َن ُكمْ ،فِيمَا كُنْ ُتمْ فِيهِ َتخْتَ ِلفُونَ ( 55آل عمران ) .
جعُ ُكمْ ،فَ َأ ْ
ي مَ ْر ِ
إِلَى َي ْومِ ا ْلقِيَا َمةِ ُ ،ث ّم إِلَ ّ
طهّرُكَ مِنَ الّذِينَ َكفَرُوا ) ،والذين كفروا
يقول سبحانه وتعالى ،في معرض خطابه لعيسى عليه السلم َ ( ،و ُم َ
ن اتّبَعُوكَ ) والذين اتبعوه هم النصارى إجمال علُ الّذِي َ
بعيسى وطهّره ال من أقوالهم وأفعالهم ،هم اليهود َ ( ،وجَا ِ
،بغض النظر عن صحة معتقدهم وصدق التزامهم بتعاليمه َ ( ،فوْقَ الّذِينَ َكفَرُوا ) والفوقية تعني العلو
والستعلء ،والذين كفروا هم اليهود ( ،إِلَى َي ْومِ ا ْلقِيَا َمةِ ) واليوم في الميقات السماوي ،يساوي ألف سنة
بالميقات الرضي ،وهذا اليوم ،هو الذي سيقوم الناس فيه من قبورهم ،ول ندري فيما كانت الناس ،ستقوم في
أوله ،أم في وسطه ،أم في آخره .
ومفاد الية أعله ،أن الفوقية ستكون للنصارى على اليهود ،إلى يوم القيامة ،بمعنى أن فوقية النصارى على
اليهود ،لها منتهى ،وقد حدّدته هذه الية بمجيء يوم القيامة ،وأن تحوّل هذه الحالة إلى العكس تماما ،أي
أصبحت الفوقية لليهود على النصارى ،فهي إيذان ببدء يوم القيامة بالميقات السماوي .
ولو تتبعنا التاريخ اليهودي ،لوجدنا أن الضطهاد النصراني لليهود ،بدأ منذ اعتناق الرومان للنصرانية ،
واتخاذها كدين رسمي للمبراطورية الرومانية ،واستمر حتى بدايات القرن الماضي ،وزال كلية بعد الحرب
العالمية الثانية ،وبعد قيام الدولة اليهودية في فلسطين ،حيث انقلب الحال ،فأصبحت الفوقية لليهود على
النصارى ،وبدأ عصر الضطهاد اليهودي للنصارى وغيرهم ،فرئيس الوليات المتحدة بعظمته ،ل يملك من
أمره ،إل السمع والطاعة لسياده اليهود .
الموعد المتوقع لعودة عيسى عليه السلم ،والقضاء على الدجال وأتباعه اليهود :
عندما قمنا بعدّ الكلمات ،من عبارة ( وَقَضَيْنَا 1إِلَى 2بَنِي 3إسْرائِيلَ ، )4( …4حتى تصل إلى عبارة ( وَلِيَ ْدخُلُوا
سجِدَ … ( )7وجدنا أن كلمة ( المسجد ) تحمل العدد ( ، ) 56وهي السنة التي ستكون فيها نهاية إسرائيل . ا ْل َم ْ
فلنكمل العدّ حتى نصل لعبارة ( … َوإِنْ عُدْ ُتمْ عُدْنَا ) ،التي تُخبر عن عودتهم للفساد ،وعودة ال عليهم
بالعقاب ،على يد عيسى عليه السلم ،ومن معه من المؤمنين ،ستجد أن كلمة ( عدنا ) تحمل العدد ( ، ) 71
وهي تُمثّل السنة الواحدة والسبعون ،من قيام دولتهم ،وهي تقابل سنة 1437ه تقريبا .
ومجموع العدد ( ، ) 71ومقلوبه ( ) 17الذي يُمثل ترتيب السورة هو 88 = 17 + 71 :
والناتج ( ) 88هو رقم الية ،التي تحدى سبحانه فيها الجن والنس ،على أن يأتوا بمثل هذا القرآن .
الموعد المتوقع لظهور المهدي :
خدْ ِريّ أَنّ ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ قَالَ ُ ( :ثمّ َيخْرُجُ فِي آخِرِ ُأمّتِي ا ْل َمهْ ِديّ َ ، … ،يعِيشُ سَ ْبعًا
سعِيدٍ ا ْل ُ
عنْ َأبِي ََ
صرَ َفسَبْعٌ َوِإلّ فَ ِتسْعٌ ) ،
حجَجَاً ) رواه الحاكم وصحّحه اللباني ،وأخرجه الترمذي ( … إِنْ قُ ِ َأوْ َثمَانِيَاً َ ،يعْنِي ِ
سعًا ) ،وأبو داود ( … َيمْلِكُ سَبْعَ سِنِينَ ) ، خ ْمسًا َأوْ سَ ْبعًا َأوْ ِت ْ
سعًا … ) و ( … َ وأحمد ( … َيمِْلكُ سَبْعًا َأوْ ِت ْ
خ ْدرِيّ .
سعِيدٍ ا ْل ُ
وابن ماجه ( إِنْ قُصِرَ َفسَبْ ٌع َوِإلّ فَ ِتسْعٌ … ) كلّهم عَنْ َأبِي َ
ومن المرجّح لدي أن خروج المهدي ،سيكون قبل خروج الدجال ،وستنتهي خلفته ،بنزول عيسى عليه السلم
وتسليمها له ،ومتوسط مدة خلفته ،إذا أخذنا بعين العتبار ،اختلف الروايات ،هو سبع سنوات ،فإن صحّ
هذا التقدير ،نستطيع حساب موعد خروجه بطرح ( ) 7سنوات ،من الموعد المتوقع لنزول عيسى عليه السلم
( : ) 1437
1430 = 7 – 1437
الموعد المتوقع لخروجه هو عام 1430ه ،بتقديم سنتين أو تأخير سنتين ،وال أعلم .
237
المواعيد المتوقعة للحداث الكبرى :
قال تعالى
ضهُمْ
ن َبعْ ُ
ن ،لَا يَأْتُونَ ِبمِثْ ِل ِه ،وَ َلوْ كَا َ
ن يَأْتُوا ِبمِ ْثلِ هَذَا ا ْلقُرْءَا ِ
ن ،عَلَى أَ ْ
س وَا ْلجِ ّ
ت الْإِ ْن ُ
ن اجْ َتمَعَ ِ
( ُق ْل لَئِ ِ
ظهِيرًا ()88 ض َ لِ َبعْ ٍ
238
فإنما يسّرناه بلسانك لعلّهم يتذكّرون
تبدأ سورة الدخان بتعظيم شأن القرآن الكريم ،وتعظيم شأن الليلة التي أُنزل فيها ،وتركّز السورة ،على النذار
دون البشرى ،حيث قال سبحانه في إرسال محمد عليه الصلة والسلم ( يَأَ ّيهَا النّبِيّ إِنّا أَ ْرسَلْنَاكَ شَاهِدًا َومُ َبشّرًا
وَنَذِيرًا ( 45الحزاب ) .ويؤكد سبحانه أنه أرسله ،منذرا للبشر من قبل أن يحل بهم العقاب ،رحمة منه بعباده .
والعقاب الذي تأتي على خبره اليات وتحذّر منه ،هو البطشة الكبرى ،التي لم تُحدّد ماهيتها هنا ،ونذير هذه
البطشة ،الذي سيسبقها بقليل ،هو الدخان ،فليرتقبه الناس ،فإن ظهر وعاينوه فليعتبروا ،وليحذروا ،وليعودوا
عما هم عليهم من الشك والتشكيك في أمر ربهم ،واللعب في أمر دينهم ،والطعن في رسولهم الكريم ،الذي
بُعث إليهم بشيرا ونذيرا ،فإن لم يفعلوا ولن يفعلوا ،فليرتقبوا البطشة الكبرى .وقد ظهر الدخان الموصوف في
هذه السورة ،في عاصمة أحد القطار العربية ،فاقرأ معنا هذا الفصل والفصول التي تليه ،لتعرف كيف ُفسّرت
هذه النبوءة على أرض الواقع ،ولتعرف من هم الموعودين بالبطشة الكبرى قريبا ،بعد إصرارهم على ما هم
عليه ،من الكفر والفسوق والعصيان ،بالرغم من غشيان الدخان لهم ،بنفس الصفة ،التي أخبرت عنها اليات .
تعريف بسورة الدخان :
" مكية ،كما روي عن ابن عباس ،وابن الزبير رضي ال تعالى عنهم ،ووجه مناسبتها لما قبلها أنه عز وجل ،
ختم ما قبلها ( الزخرف ) بالوعيد والتهديد ،وافتتح هذه بشيء من النذار الشديد ،وذكر سبحانه هنا ،كقول
الرسول صلى ال تعالى عليه وسلم ،يا رب إن هؤلء قوم ل يؤمنون ( في نهاية سورة الزخرف ) ،وهنا نظيره
،فيما حكى عن أخيه موسى عليهم الصلة والسلم ،بقوله تعالى فدعا ربه ،أن هؤلء قوم مجرمون ،وورد
بفضلها أخبار " ،اللوسي .
حكِيمٍ ( )4
( حم ( )1وَالْكِتَابِ ا ْلمُبِينِ ( )2إِنّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْ َلةٍ مُبَا َر َكةٍ إِنّا كُنّا مُنْذِرِينَ ( )3فِيهَا ُيفْرَقُ ُكلّ َأمْرٍ َ
سمِيعُ العَلِيمُ ( )6ك إِ ّنهُ ُه َو ال ّ ح َمةً مِنْ رَبّ َ ن عِنْدِنَا إِنّا كُنّا ُم ْرسِلِينَ ( َ )5ر َْأمْرًا مِ ْ
" يقول تعالى مخبرا عن القرآن العظيم ،أنه أنزله في ليلة مباركة ،وهي ليلة القدر ،أمر حكيم ،أي محكم ل
يُبدّل ول يُغيّر ،ولهذا قال جل جلله ( ،أمرا من عندنا ) ،أي جميع ما يكون ويُقدّره ال تعالى وما يوحيه ،
فبأمره وإذنه وعلمه ( ،إنا كنا مرسلين ) أي إلى الناس رسول يتلوا عليهم آيات ال مبينات " ،ابن كثير .
س َموَاتِ وَالْأَرْضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ( ) 7لَا إِ َلهَ إِلّا ُهوَ ُيحْيِي وَ ُيمِيتُ رَ ّبكُمْ وَرَبّ ءَابَائِ ُكمُ
( رَبّ ال ّ
الْ َأوّلِينَ ( )8
" أي إن كنتم من أهل اليقان ،علمتم كونه سبحانه رب السماوات والرض ،لنه من أظهر اليقينيات دليل ،
وفي هذا الشرك تنزيل إيقانهم ،منزلة عدمه ،لظهور خلفه عليهم ،وهو مراد من قال :إنه من باب تنزيل
العالم منزلة الجاهل ،لعدم جريه على موجب العلم ،قيل :ول يصح أن يقال :إنهم نزلوا منزلة الشاكين ،لما
كان قوله سبحانه بعد :بل هم في شك ،ول أدري بأسا في أن يقال :إنهم نزلوا أول كذلك ،ثم سجّل عليهم
بالشك ،لنهم وأن أقرّوا بأنه عز وجل ،رب السماوات والرض ،لم ينفكّوا عن الشكّ للحادهم في صفاته ،
وإشراكهم به تعالى شأنه " ،اللوسي .
( َبلْ ُهمْ فِي شَكّ يَ ْلعَبُونَ ( )9
" بل هؤلء المشركون ( ،في شك يلعبون ) أي قد جاءهم الحق اليقين ،وهم يشكّون فيه ،ويمترون ول
يصدقون به ،ثم قال عز وجل متوعدا لهم ومهدّدا ( ،فارتقب يوم تأتي السماء ) " ،ابن كثير .
239
" ( بل هم في شك يلعبون ) أي ليسوا على يقين ،فيما يظهرونه من اليمان والقرار ،في قولهم إن ال خالقهم ،
وإنما يقولونه لتقليد آبائهم ،من غير علم ،فهم في شكّ ،وإن توهموا أنهم مؤمنون ،فهم يلعبون في دينهم ،وقيل
يلعبون ،يضيفون إلى النبي صلى ال عليه وسلم الفتراء والستهزاء ،ويقال أعرض عن المواعظ لعب ،وهو
كالصبي الذي يلعب ،فيفعل ما ل يدري عاقبته " القرطبي .
" ل يقولون ما يقولون ،مما هو مطابق لنفي المر عن جدر وإذعان ،بل يقولونه مخلوطا بهزء ولعب ،وهذه
الجملة خبر بعد خبر لهم ،واللتفات عن خطابهم ،لفرط عنادهم وعدم التفاتهم ،والفاء في قوله تعالى :فارتقب
لترتيب الرتقاب ،أو المر به على ما قبلها ،فإن كونهم في شك يلعبون ،مما يوجب ذلك ،أي فانتظر لهم ،يوم
تأتي السماء بدخان مبين " ،اللوسي .
ب أَلِيمٌ ( )11
سمَاءُ بِ ُدخَانٍ مُبِينٍ ( َ )10ي ْغشَى النّاسَ هَذَا عَذَا ٌ
( فَارْ َتقِبْ َي ْومَ تَأْتِي ال ّ
" ارتقب معناه انتظر ،يا محمد بهؤلء الكفار ،يوم تأتي السماء بدخان مبين ،قاله قتادة .وقيل معناه احفظ
قولهم هذا ،لتشهد عليهم " ،القرطبي .
" يعني تعالى ذكره بقوله ( فارتقب ) ،فانتظر ،يا محمد بهؤلء المشركين من قومك ،الذين ( هم في شك
يلعبون ) ( ،يغشى الناس ) يقول يغشى أبصارهم ،من الجهد الذي يصيبهم ( ،هذا عذاب أليم ) يعني أنهم
يقولون ،مما نالهم من ذلك الكرب والجهد ،هذا عذاب أليم ) " الطبري .
أقوال المفسّرين في الدخان :
حدّثُ فِي ِك ْندَةَ ،فَقَالَ َ :يجِيءُ ُدخَانٌ يَ ْومَ الْ ِقيَامَةِ َ ،ف َي ْأخُ ُذ عنْ َمسْرُوقٍ ،قَالَ َ " :ب ْي َنمَا َرجُلٌ ُي َ تفسير ابن مسعود َ :
سعُودٍ َ ،وكَانَ ُم ّت ِكئًا َ ،فغَضِبَ ، عنَا َ .فَأ َتيْتُ ابْنَ َم ْ خذُ ا ْلمُ ْؤمِنَ َك َه ْيئَةِ ال ّزكَامِ ،فَ َفزِ ِْبَأسْمَاعِ ا ْل ُمنَافِقِينَ وََأبْصَارِهِمْ َ ،ي ْأ ُ
ن الَّ ل َيعَْلمُ لَ أَعَْلمُ َ ،فإِ ّ ن يَقُولَ ِلمَا َ ن مِنْ ا ْلعِ ْلمِ َ ،أ ْل الُّ أَعَْلمُ َ ،فإِ ّ
َفجَلَسَ ،فَقَالَ :مَنْ عَِلمَ فَ ْليَقُلْ َ ،ومَنْ َل ْم َيعَْلمْ ،فَلْيَقُ ْ
عنْ طئُوا َ قَالَ ِل َن ِبيّهِ صَلّى الُّ عََل ْيهِ َوسَّلمَ ( ُقلْ مَا َأسْأَُلكُمْ عَلَ ْيهِ مِنْ َأجْرٍ َومَا أَنَا مِنْ ا ْلمُ َتكَّلفِينَ ) وَِإنّ قُ َر ْيشًا َأ ْب َ
سنَةٌسفَ َ ،فَأخَ َذ ْت ُهمْ َ سبْعِ يُو ُ
سبْعٍ َك َعنّي عََل ْي ِهمْ ِب َ لْسْلَمِ َ ،فدَعَا عََل ْي ِهمْ ال ّن ِبيّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ ،فَقَالَ :الّل ُهمّ أَ ِ اِ
لْرْضِ َ ،ك َه ْيئَةِ ال ّدخَانِ َ ،فجَاءَهُ َأبُو سمَاءِ وَا َ حتّى هََلكُوا فِيهَا ،وََأكَلُوا ا ْل َم ْيتَةَ وَا ْل ِعظَامَ َ ،و َيرَى ال ّرجُلُ مَا َبيْنَ ال ّ َ
حمِ ،وَإِنّ قَ ْو َمكَ َقدْ هََلكُوا ،فَادْعُ الَّ ( َفقَ َرأَ فَارْ َتقِبْ َي ْومَ تَأْتِي جئْتَ َت ْأمُ ُرنَا ِبصِلَةِ ال ّر ِ ح ّمدُ ِ
سُ ْفيَانَ ،فَقَالَ :يَا ُم َ
خرَةِ ِ ،إذَا جَاءَ ُثمّ عَادُوا إِلَى كُ ْفرِهِمْ َ ،فذَِلكَ لِ عذَابُ ا ْ ع ْن ُهمْ َ
شفُ َ سمَاءُ بِ ُدخَانٍ مُبِينٍ -إِلَى قَوِْلهِ -عَائِدُونَ ) َأفَ ُي ْك َ ال ّ
س َيغْلِبُونَ ) شةَ ا ْلكُبْرَى ) يَ ْومَ َب ْدرٍ وَ ( ِلزَامًا ) َي ْومَ َب ْدرٍ ( الم غُِلبَتْ الرّومُ ) إِلَى ( َ ط َ قَوْلُهُ َتعَالَى َ ( :ي ْومَ نَ ْبطِشُ الْ َب ْ
وَالرّو ُم َقدْ َمضَى " .رواه البخاري وأخرجه مسلم والترمذي وأحمد .
طشَةُ
خمْسٌ ال ّدخَانُ وَالرّومُ وَا ْل َق َمرُ وَا ْل َب ْ
سعُودٍ ،قَالَ َ " :مضَى َ
ع ْبدِ الِّ بنَ َم ْ
عنْ َ
سرُوقٍ َ
عنْ َم ْ
رواية لبن مسعود َ :
وَالّلزَامُ " .رواه البخاري وأخرجه مسلم والترمذي وأحمد .
ح َذيْ َفةَ بْنِ َأسِيدٍ ا ْلغِفَا ِريّ ،قَالَ :اطّلَعَ ال ّنبِيّ صَلّى الُّ عََل ْيهِ َوسَّلمَ عََل ْينَا َ ،و َنحْنُ َن َتذَا َكرُ ،فَقَالَ :
حديث حذيفة :عَنْ ُ
عشْرَ آيَاتٍ ،فَ َذكَرَ ال ّدخَانَ ، ( مَا تَذَاكَرُونَ ؟ ) قَالُوا َ :ن ْذ ُكرُ السّاعَةَ ،قَالَ ( :إِ ّنهَا لَنْ َتقُومَ حَتّى تَ َروْنَ قَبْ َلهَا َ
شمْسِ مِنْ َمغْرِ ِبهَا ،وَنُزُولَ عِيسَى ابْنِ َمرْ َيمَ صَلّى الُّ عَلَ ْيهِ َوسَّلمَ ،وَيَ َأجُوجَ وَال ّدجّالَ ،وَالدّا ّبةَ َ ،وطُلُوعَ ال ّ
خرُجُ
خسْفٌ ِبجَزِيرَةِ الْعَرَبِ ،وَآخِرُ َذلِكَ نَارٌ َت ْ خسْفٌ بِا ْل َمغْرِبِ َ ،و َ
خسْفٌ بِا ْل َمشْرِقِ َ ،و َ خسُوفٍ َ َومَ ْأجُوجَ ،وَثَلَ َثةَ ُ
حشَرِ ِهمْ ) رواه مسلم وأخرجه الترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد . س إِلَى َم ْمِنْ الْ َيمَنِ َ ،تطْرُدُ النّا َ
قال ابن كثير " وقد وافق ابن مسعود ،رضي ال عنه ،على تفسير الية بهذا ،وأن الدخان مضى ،جماعة من
السلف ،كمجاهد وأبي العالية وإبراهيم النخعي ،والضحاك وعطية العوفي وهو اختيار ابن جرير .وروى ابن
جرير ،عن ربعي بن حراش قال سمعت حذيفة بن اليمان ،رضي ال عنه ،يقول ،قال رسول ال صلى ال
عليه وسلم ( :إن أول اليات الدجال ،ونزول عيسى بن مريم عليهما الصلة والسلم ،ونار تخرج من قعر
عدن أبين ،تسوق الناس إلى المحشر ،تقيل معهم إذا قالوا ،والدخان ،قال :حذيفة رضي ال عنه يا رسول ال
:وما الدخان ؟ فتل رسول ال صلى ال عليه وسلم هذه الية ( :فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ،يغشى
الناس هذا عذاب أليم ) يمل ما بين المشرق والمغرب ،يمكث أربعين يوما وليلة ،أما المؤمن فيصيبه منه كهيئة
240
الزكمة ،وأما الكافر فيكون بمنزلة السكران ،يخرج من منخريه وأذنيه ودبره ) ،قال ابن جرير لو صحّ هذا
الحديث لكان فاصل ،وإنما لم أشهد له بالصحة .
وقال ابن جرير أيضا :عن أبي مالك الشعري ،رضي ال عنه ،قال :قال رسول ال صلى ال عليه وسلم :
( إن ربكم أنذركم ثلثا ؛ الدخان ،يأخذ المؤمن كالزكمة ،ويأخذ الكافر ،فينفخ حتى يخرج من كل مسمع منه ،
والثانية الدابة ،والثالثة الدجال ) ورواه الطبراني ،عن هاشم بن مرثد عن محمد بن إسماعيل بن عياش به ،
وهذا إسناد جيد .
وروى ابن جرير :عن عبد ال بن أبي مليكة ،قال :غدوت على ابن عباس رضي ال عنهما ،ذات يوم ،فقال :
ما نمت الليلة حتى أصبحت ! قلت ِ :لمَ ؟ قال :قالوا طلع الكوكب ذو الذنب ،فخشيت أن يكون الدخان قد طرق ،
فما نمت حتى أصبحت ) وهكذا رواه ابن أبي حاتم فذكره وهذا إسناد صحيح إلى ابن عباس رضي ال عنهما ،
حبر المة وترجمان القرآن ،وهكذا قول من وافقه من الصحابة والتابعين ،رضي ال عنهم ،مع الحاديث
المرفوعة من الصحاح والحسان وغيرهما ،التي أوردوها ،مما فيه مقنع ،ودللة ظاهرة ،على أن الدخان ،
من اليات المنتظرة ،مع أنه ظاهر القرآن ،قال ال تبارك وتعالى ( فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين ) أي
بيّن واضحٌ ،يراه كل أحد ،وعلى ما فسّر به ابن مسعود ،رضي ال عنه ،إنما هو خيال ،رأوه في أعينهم من
شدة الجوع والجهد ،وهكذا قوله تعالى ( يغشى الناس ) ،أي يتغشاهم ويعميهم ،ولو كان أمرا خياليا ،يخصّ
أهل مكة المشركين ،لما قيل فيه يغشى الناس ،وقوله تعالى ( هذا عذاب أليم ) ،أي يقال لهم ذلك تقريعا
وتوبيخا " .
وقال القرطبي " :وفي الدخان أقوال ثلثة ؛ الول :أنه من أشراط الساعة ،لم يجئ بعد ،وأنه يمكث في
الرض أربعين يوما ،يمل ما بين السماء والرض ،فأما المؤمن فيصيبه مثل الزكام ،وأما الكافر والفاجر
فيدخل في أنوفهم ،فيثقب مسامعهم ،ويضيق أنفاسهم ،وهو من آثار جهنم يوم القيامة ،وممن قال إن الدخان لم
يأت بعد ،علي وابن عباس وابن عمر وأبو هريرة وزيد بن علي والحسن وابن أبي ملكية وغيرهم ؛ والثاني :أن
الدخان ،هو ما أصاب قريشا من الجوع ،بدعاء النبي صلى ال عليه وسلم ،حتى كان الرجل يرى بين السماء
والرض دخانا ،قاله ابن مسعود ؛ والثالث :إنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء الغبرة ،قاله عبد الرحمن
العرج " .
وقال اللوسي " :أي يوم تأتي بجدب ومجاعة ،فإن الجائع جدا ،يرَ بينه وبين السماء ،كهيئة الدخان ،وقد فسّر
أبو عبيدة الدخان به ،والمراد باليوم مطلق الزمان ،أي ارتقب وعد ال ذلك اليوم ،وبالسماء جهة العلو ،وإسناد
التيان بذلك إليهما ،من قبيل السناد إلى السبب ،لنه يحصل بعدم إمطاره ،وتفسير الدخان بما فسرناه به ،
مروي عن قتادة وأبي العالية والنخعي ،والضحاك ومجاهد ومقاتل ،وهو اختيار الفرّاء والزجّاج ،وقد روي
بطرق كثيرة عن ابن مسعود رضي ال تعالى ،وظاهره ،يدلّك ما في تاريخ ابن كثير ،على أن القصة ،كانت
بمكة ،فالية مكية ،وفي بعض الروايات ،أن قصة أبي سفيان ،كانت بعد الهجرة ،فلعلها وقعت مرتين ،وقد
تقدّم ما يتعلق بذلك في سورة المؤمنين ،وقال علي كرّم ال تعالى وجهه ،وابن عمر وابن عباس وأبو سعيد
الخدري ،وزيد بن علي والحسن ،أنه دخان يأتي من السماء ،قبل يوم القيامة ،يدخل في أسماع الكفرة ،حتى
يكون رأس الواحد ،كالرأس الحنيذ ،ويعتري المؤمن كهيئة الزكام ،فالدخان على ظاهره ،والمعنى فارتقب يوم
ظهور الدخان .
وحمل ما في الية ،على ما يعم الدخانين ،ل يخفى حاله .هذا والظهر ،حمل الدخان على ما روي عن ابن
مسعود أولى ،لنه أنسب بالسياق ،لما أنه في كفار قريش ،وبيان سوء حالهم ( .يغشى الناس ) أي يحيط بهم ،
والمراد بهم كفار قريش ،ومن جعل الدخان ،ما هو من أشراط الساعة ،حمل ( الناس ) ،على من أدركه ذلك
الوقت ،ومن جعل ذلك يوم القيامة ،حمل الناس على العموم ،والجملة ( يغشى الناس ) صفة أخرى للدخان ،
وقوله تعالى هذا عذاب أليم ،وقيل :يجوز أن يكون هذا عذاب أليم ،إخبارا منه عز وجل ،تهويل للمر ،كما
قال سبحانه وتعالى ،في قصة الذبيح ،إن هذا لهو البلء المبين " .
241
( رَبّنَا اكْشِفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ ( )12
" أي يقول الكافرون ،إذا عاينوا عذاب ال وعقابه ،سائلين رفعه وكشفه عنهم ( ،ربنا اكشف عنا العذاب ) "
ابن كثير .
" وقوله ( ربنا اكشف عنا العذاب ) يعني أن الكافرين الذين يصيبهم ذلك الجهد ،يضّرعون إلى ربهم ،بمسألتهم
إياه كشف ذلك الجهد " ،الطبري .
" كما صرح به غير واحد من المفسرين ،وعدُ منهم باليمان ،إن كشفَ جلّ وعل عنهم العذاب ،فكأنهم قالوا :
ربنا إن كشفت عنا العذاب آمنا ،لكن عدلوا عنه " ،اللوسي .
( أَنّى َل ُهمُ ال ّذكْرَى وَقَدْ جَاءَ ُهمْ َرسُولٌ مُبِينٌ ( ُ )13ثمّ َتوَّلوْا عَ ْن ُه وَقَالُوا ُمعَّلمٌ َمجْنُونٌ ( )14
" يقول كيف لهم بالتذكر ،وقد أرسلنا إليهم رسول ،بين الرسالة والنذارة ،ومع هذا تولّوا عنه ،وما وافقوه بل
كذّبوه ،وقالوا مُعلّم مجنون " ابن كثير .
" قال ابن عباس :أي يتعظون ،وال أبعدهم من التعاظ والتذكر ،بعد توليهم عن محمد صلى ال عليه وسلم ،
وتكذيبهم إياه ( ،وقالوا مُعلّم مجنون ) أي علّمه بشر ،أو علّمه الكهنة والشياطين ،ثم هو مجنون وليس برسول
" ،القرطبي .
" يقول تعالى ذِكره ،من أي وجه لهؤلء المشركين التذكّر ،من بعد نزول البلء بهم ،وقد تولوا عن رسولنا ،
حين جاءهم مدبرين عنه ،ل يتذكرون بما يتلى عليهم من كتابنا ،ول يتعظون بما يعظهم به من حُججنا ،
ويقولون إنما هو مجنون عُلّم هذا الكلم " الطبري .
" ( أنى لهم الذكرى ) نفي صدقهم في الوعد ،وأن غرضهم إنما هو كشف العذاب والخلص ،أي كيف
يتذكرون ،أو من أين يتذكرون بذلك ،ويفون بما وعدوه من اليمان ،عند كشف العذاب عنهم ،وقد جاءهم
رسول مبين ،أي والحال ،أنهم شاهدوا من دواعي التذكر وموجبات التعاظ ،ما هو أعظم من ذلك في
إيجابهم ،حيث جاءهم رسول عظيم الشأن ،ظاهر أمر رسالته باليات والمعجزات ،التي تخز لها صم الجبال ،
أو مظهرا لهم مناهج الحق ( ،ثم تولوا عنه ) أي عن ذلك الرسول عليه الصلة والسلم ،ولم يقل ومجنون
بالعطف لن المقصود تعديد قبائحهم " ،اللوسي .
شةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْ َت ِقمُونَ ( )16
ش الْ َبطْ َ
شفُوا ا ْلعَذَابِ َقلِيلًا إِ ّن ُكمْ عَائِدُونَ ( َ )15ي ْومَ نَ ْبطِ ُ
( إِنّا كَا ِ
" والحتمال الثاني أن يكون المراد ،إنا مؤخرو العذاب عنكم قليل ،بعد انعقاد أسبابه ،ووصوله إليكم ،وأنتم
مستمرون ،فيما أنتم فيه من الطغيان والضلل ،ول يلزم من الكشف عنهم أن يكون باشرهم " ابن كثير .
" ( إنا كاشفوا العذاب ) يعني الضرّ النازل بهم ،يقول تعالى ذكره ،إنكم أيها المشركون ،إن كشفت عنكم
العذاب النازل بكم ،والضرّ الحالّ بكم ،ثم عدّتم في كفركم ونقضتم عهدكم ،الذي عاهدتم ربكم ،انتقمت منكم ،
يوم أبطش بكم ،بطشتي الكبرى ،في عاجل الدنيا ،فأهلككم " ،الطبري .
" إنا كاشفوا العذاب قليل ،وعد أن يكشف عنهم ذلك العذاب قليل ،أي في زمان قليل ،ليعلم أنهم ل يفون بقولهم
،بل يعودون إلى الكفر ،بعد كشفه ،قاله ابن مسعود .ومن قال ،إن الدخان منتظر ،قال ،أشار بهذا إلى ما
يكون ،من الفرجة بين آية وآية ،من آيات قيام الساعة ،ثم من قضى عليه بالكفر ،يستمر على كفره .ومن قال
هذا في القيامة ،قال أي لو كشفنا عنكم العذاب لعدتهم إلى الكفر ،وقيل ،معنى إنكم عائدون إلينا ،أي مبعوثون
بعد الموت " ،القرطبي .
" وقيل :المعنى وارتقب الدخان ،وارتقب يوم نبطش ،فحذف واو العطف ،كما تقول :اتق النار ،اتق
العذاب ،والبطشة الكبرى في قول ابن مسعود ،يوم بدر ،وهو قول ابن عباس ،وأبي بن كعب ،ومجاهد
والضحاك ،وقيل :عذاب جهنم يوم القيامة ،قاله الحسن وعكرمة وابن عباس أيضا ،واختاره الزجاج " ،
القرطبي .
242
" أي إن كشفنا عنكم العذاب ،كشفا قليل ،أو زمانا قليل عدتم ،والمراد على ما قيل ،عائدون إلى الكفر ،وأنت
عدُهم
تعلم أن عودهم إليه ،يقتضي إيمانهم ،وقد مر أنهم لم يؤمنو ا ،وإنما وعدوا اليمان ،فإما أن يكون و ْ
مُنزل ،مَنزلة إيمانهم ،أو المراد عائدون إلى الثبات ،على الكفر أو على القرار والتصريح به ( .يوم نبطش )
يوم نسلّط القتل عليهم ونوسع الخذ منهم ،وفي القاموس ،بطش به ،أخذه بالعنف والسطوة ،كأبطشه ،
والبطش ،الخذ الشديد في كل شيء " ،اللوسي .
" فسر ذلك ابن مسعود رضي ال عنه ،بيوم بدر ،وهذا قول جماعة ،ممن وافق ابن مسعود رضي ال عنه ،
على تفسيره الدخان بما تقدم ،وروي أيضا ،عن ابن عباس رضي ال عنهما ،من رواية العوفي عنه ،وعن
أبي بن كعب رضي ال عنه ،وهو محتمل .والظاهر أن ذلك يوم القيامة ،وإن كان يوم بدر يوم بطشة .وروى
ابن جرير عن عكرمة ،قال :قال ابن عباس رضي ال عنهما ( :قال ابن مسعود رضي ال عنه ،البطشة
الكبرى يوم بدر ،وأنا أقول هي يوم القيامة ) ،وهذا إسناد صحيح عنه ،وبه يقول الحسن البصري وعكرمة ،
في أصحّ الروايتين عنه ،وال أعلم " ،ابن كثير .
عوْنَ َوجَاءَ ُهمْ َرسُولٌ كَرِيمٌ ( ) 17أَنْ أَدّوا إِلَيّ عِبَادَ الّلهِ إِنّي َل ُكمْ َرسُولٌ َأمِينٌ ( )18 وَ َلقَدْ فَتَنّا قَبْ َل ُهمْ َق ْومَ ِفرْ َ
جمُونِ ( َ ) 20وإِنْ َلمْ
َوأَنْ لَا َتعْلُوا عَلَى الّلهِ إِنّي ءَاتِيكُمْ ِبسُ ْلطَانٍ مُبِينٍ ( َ )19وإِنّي عُذْتُ بِرَبّي َورَ ّبكُمْ أَنْ تَ ْر ُ
ُت ْؤمِنُوا لِي فَاعْ َتزِلُونِ ( )21فَدَعَا رَ ّب ُه أَنّ َهؤُلَاءِ َق ْومٌ ُمجْ ِرمُونَ ( )22
" يقول تعالى ،ولقد اختبرنا قبل هؤلء المشركين ،قوم فرعون ،وهم قبط مصر ،وجاءهم رسول كريم ،يعني
موسى كليمه ،عليه الصلة والسلم " ،ابن كثير .
" ( رسول كريم ) أي مُكرم معظّم عند ال عز وجل ،أو عند المؤمنين ،أو عنده تعالى وعندهم ،أو كريم في
نفسه متصف بالخصال الحميدة والصفات الجليلة حسبا ونسبا ،وقال الراغب :الكرم إذا وصف به النسان ،
فهو اسم للخلق والفعال المحمودة ،التي تظهر منه ،ول يقال هو كريم ،حتى يظهر ذلك منه " ،اللوسي .
" ( وإني عذت بربي وربكم ) أي التجأت إليه تعالى ،وتوكلت عليه جل شأنه ( أن ترجمون ) ،من أن
ترجموني ،أن تؤذوني ضربا أو شتما ،أو أن تقتلوني ،وروي هذا عن قتادة وجماعة ،قيل :لما قال :أن ل
تعلوا على ال ،توعّدوه بالقتل ،فقال ذلك ،وفي البحر أن هذا ،كان قبل أن يخبره عز وجل بعجزهم عن رجمه
بقوله ( ،وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون ) ،فكونوا بمعزل مني ل علي ول لي ،ول تتعرضوا لي بسوء ،فليس
ذلك جزاء ،من يدعوكم إلى ما فيه فلحكم ،فدعا ربه بعد أن أصرّوا على تكذيبه عليه السلم ( ،أن هؤلء قوم
مجرمون ) " ،اللوسي .
" وفيه اختصار كأنه قيل :أن هؤلء مجرمون ،تناهى أمرهم في الكفر ،وأنت أعلم بهم ،فافعل بهم ما
يستحقونه ،قيل :كان دعاؤه عليه السلم ،اللهم عجّل لهم ما يستحقون بإجرامهم ،وقيل :قوله ربنا ل تجعلنا
فتنة للقوم الظالمين ،إلى قوله ،فل يؤمنوا حتى يروا العذاب الليم ،وإنما ذكر ال سبحانه السبب ،الذي
استوجبوا به الهلك ،ليُعلم منه دعاؤه والجابة معا ،وإن دعاءه على يأس من أيمانهم ،وهذا من بليغ
اختصارات الكتاب المعجز " ،اللوسي .
( … وَاتْرُكِ الْ َبحْرَ رَ ْهوًا إِ ّن ُهمْ جُنْدٌ ُمغْ َرقُونَ ( َ ) 24كمْ تَ َركُوا مِنْ جَنّاتٍ وَعُيُونٍ ( … ) 25كَذَلِكَ َوَأوْرَثْنَاهَا
ض َومَا كَانُوا مُ ْنظَرِينَ ( )29سمَا ُء وَالْأَرْ ُ
َق ْومًا ءَاخَرِينَ ( َ )28فمَا َبكَتْ عَلَ ْي ِهمُ ال ّ
" يقول تعالى ذكره ،كم ترك فرعون وقومه من القبط ،بعد مهلكهم ،وتغريق ال إياهم ،من بساتين وأشجار
وعيون ومقام كريم ،يقول وموضع كانوا يقومونه شريف كريم .وقوله ( كذلك وأورثناها قوما آخرين ) يقول
تعالى ذكره ،وأورثنا جناتهم وعيونهم وزروعهم ومقاماتهم ،وما كانوا فيه من النعمة قوما آخرين ،وقيل عُنيَ
بالقوم الخرين بنو إسرائيل " ،الطبري .
" ( كذلك وأورثناها قوما آخرين ) وهم بنو إسرائيل ،كما تقدم ،وقوله سبحانه وتعالى ( فما بكت عليهم السماء
والرض ) أي لم تكن لهم أعمال صالحة ،تصعد في أبواب السماء ،فتبكي على فقدهم ،ول لهم في الرض ،
243
بقاع عبدوا ال تعالى فيها ،فقدتهم ،فلهذا استحقوا أن ل يُنظروا ،ول يُؤخروا ،لكفرهم وإجرامهم وعتوهم
وعنادهم " ،ابن كثير .
" قال الزجاج :أي المر كذلك ،فيوقف على كذلك ،وقيل :إن الكاف في موضع نصب ،على تقدير نفعل فعل
كذلك ،بمن نريد إهلكه ،وقال الكلبي :كذلك أفعل بمن عصاني ،وقيل :كذلك كان أمرهم ،فأهلكوا ،
وأورثناها قوما آخرين ،يعني بني إسرائيل ،ملّكهم ال تعالى أرض مصر ،بعد أن كانوا فيها مستعبدين ،
فصاروا لها وارثين لوصول ذلك إليهم ،كوصول الميراث ونظيره ،وأورثنا القوم الذين كانوا يستضعفون
مشارق الرض ومغاربها ،الية " ،القرطبي .
عوْنَ إِ ّنهُ كَانَ عَالِيًا مِنَ ا ْل ُمسْرِفِينَ ( )31وَ َلقَدِ
( … وَ َلقَدْ َنجّيْنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ مِنَ ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ ( )30مِنْ فِرْ َ
ت مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ ( … )33 علَى عِ ْل ٍم عَلَى ا ْلعَا َلمِينَ ( )32وَءَاتَيْنَا ُه ْم مِنَ الْآيَا ِ
اخْتَرْنَا ُهمْ َ
" يعني ما كانت القبط ،تفعل بهم بأمر فرعون ،من قتل البناء ،واستخدام النساء ،واستعبادهم إياهم ،وتكلفهم
العمال الشاقة ،وقيل :أي أنجيناهم من العذاب ،ومن فرعون ،إنه كان عاليا من المسرفين ،ولقد اخترناهم
يعني بني إسرائيل " ،القرطبي .
" واختلف أهل التأويل ،في ذلك البلء ،فقال بعضهم ابتلهم بن َعمِه عندهم ،وقال آخرون ،بل ابتلهم بالرخاء
والشدة ،وأولى القوال في ذلك بالصواب ،أن يقال إن ال أخبر ،أنه آتى بني إسرائيل من اليات ،ما فيه
ابتلؤهم واختبارهم ،وقد يكون البتلء والختبار بالرخاء ،ويكون بالشدة ،ولم يضع لنا دليل ،من خبر ول
عقل ،أنه عنى بعض ذلك دون بعض ،وقد كان ال اختبرهم ،بالمعنيين كليهما جميعا " ،الطبري .
( … إِنّ َهؤُلَاءِ لَ َيقُولُونَ ( ) 34إِنْ هِيَ إِلّا َموْتَتُنَا الْأُولَى َومَا َنحْنُ ِبمُ ْنشَرِينَ ( ) 35فَأْتُوا بِآبَائِنَا إِنْ كُنْتُمْ
ن مِنْ قَبْ ِل ِهمْ ،أَهْ َلكْنَا ُهمْ ،إِ ّن ُهمْ كَانُوا ُمجْ ِرمِينَ ( … )37
صَادِقِينَ ( )36أَ ُهمْ خَيْ ٌر َ ،أمْ َق ْومُ تُبّ ٍع وَالّذِي َ
" ( إن هؤلء ) ،كفار قريش ،لن الكلم فيهم ،وذكر قصة فرعون وقومه ،استطرادي للدللة على أنهم
مثلهم ،في الصرار على الضللة ،والنذار على مثل ما حلّ بهم ،وفي اسم الشارة (هؤلء ) تحقير لهم
( ليقولون ) ( :إن هي إل موتتنا الولى ) أي ما العاقبة ونهاية المر ،إل الموتة الولى المزيلة للحياة الولى ،
( وما نحن بمنشرين ) أي بمبعوثين بعدها " ،اللوسي .
" ( إن هؤلء ليقولون ،إن هي إل موتتنا الولى ،وما نحن بمنشرين ،فأتوا بآبآئنا ،إن كنتم صادقين ) ،يقول
تعالى ذكره ،مخبرا عن قيل مشركي قريش ،لنبي ال صلى ال عليه وسلم ،إن هؤلء المشركين من قومك ،
يا محمد ،ليقولون إن هي إل موتتنا الولى ،التي نموتها ،وهي الموتة الولى ،وما نحن بمنشرين بعد مماتنا ،
ول بمبعوثين ،تكذيبا منهم بالبعث والثواب والعقاب " ،الطبري .
" ( أهم خير أم قوم تبع ،والذين من قبلهم أهلكناهم ،إنهم كانوا مجرمين ) ،يقول تعالى ذكره ،لنبيه محمد
صلى ال عليه وسلم ،أهؤلء المشركون يا محمد من قومك خير ،أم قوم تبع يعني تبعا الحميري ،وكانت
عائشة تقول :ل تسبوا تبعا فإنه كان رجل صالحا .وقوله ( والذين من قبلهم ) ،من المم الكافرة بربها ،يقول
فليس هؤلء بخير من أولئك ،فنصفح عنهم ول نهلكهم ،وهم بال كافرون ،كما كان الذين أهلكناهم ،من المم
من قبلهم كفارا ،وقوله ( إنهم كانوا مجرمين ) ،إنما أهلكناهم لجرامهم وكفرهم بربهم " ،الطبري .
" عن عائشة قالت :كان تبع رجل صالحا ،أل ترى أن ال تعالى ذم قومه ولم يذمه " ،اللوسي .
" ( أهم خير أم قوم تبع ) هذا استفهام إنكار ،أي إنهم مستحقون في هذا القول العذاب ،إذ ليسوا خيرا من قوم
تبع ،والمم المهلكة ،وإذا أهلكنا أولئك فكذا هؤلء " ،القرطبي .
" ( والذين من قبلهم ) أي قبل قوم تبع كعاد وثمود ،أو قبل قريش فهو تعميم ،بعد تخصيص ( ،أهلكناهم ) ،
استئناف لبيان عاقبة أمرهم هدّد به كفار قريش ( ،إنهم كانوا مجرمين ) ،تعليل لهلكهم ،أي أهلكناهم ،
بسبب كونهم مجرمين ،فليحذر كفار قريشا " ،اللوسي .
244
( فَإِ ّنمَا َيسّرْنَاهُ ِبِلسَانِكَ َلعَّلهُمْ يَتَ َذكّرُونَ ( )58فَارْ َتقِبْ إِ ّن ُهمْ مُرْ َتقِبُونَ ( )59
" أي أنزلناه سهل واضحا بينا جليا ،بلسانك الذي هو أفصح اللغات ،وأجلها وأحلها وأعلها ( ،لعلهم
يتذكرون ) أي يتفهّمون ويعلمون ،ثم لما كان مع هذا الوضوح والبيان ،من الناس ،من كَفرَ وخالفَ وعاندَ ،
قال ال تعالى لرسوله صلى ال عليه وسلم ،مسليا له وواعدا له بالنصر ،ومتوعدا لمن كذّبه بالعطب والهلك ،
( فارتقب ) أي انتظر ( ،إنهم مرتقبون ) أي فسيعلمون لمن ستكون النصرة ،والظفر وعلو الكلمة في الدنيا
والخرة " ابن كثير .
" ( فإنما يسرناه بلسانك ،لعلهم يتذكرون ،فارتقب إنهم مرتقبون ) يقول تعالى ذكره ،لنبيه محمد صلى ال عليه
وسلم ،فإنما سهّلنا قراءة هذا القرآن ،الذي أنزلناه إليك بلسانك ،ليتذكر هؤلء المشركون ،الذين أرسلناك
إليهم ،بعِبرِه وحُججه ،ويتعظوا بعظاته ،ويتفكروا في آياته ،إذا أنت تتلوه عليهم ،فيُنيبوا إلى طاعة ربهم ،
ويذعنوا للحق عندما تبينهموه .وقوله ( فارتقب إنهم مرتقبون ) يقول تعالى ذكره ،لنبيه محمد صلى ال عليه
وسلم ،فانتظر أنت يا محمد الفتح من ربك ،والنصر على هؤلء المشركين بال ،من قومك من قريش ،إنهم
منتظرون ،عند أنفسهم قهرك وغلبتك ،بصدهم عما أتيتهم به من الحق ،من أراد قبوله واتباعك عليه " ،
الطبري .
" ( فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ) أي كي يفهموه ،ويتذكروا به ويعملوا بموجبه ( ،فارتقب ) ،أي وأن
لم يتذكروا بما يحلّ بهم ،وهو تعميم بعد تخصيص ،بقوله تعالى ( فارتقب يوم تأتي السماء …حتى قوله …
إنهم مرتقبون ) وقيل :معناه مرتقبون ما يحل بهم تهكما ،وفي الية من الوعد له ،صلى ال تعالى عليه وسلم ،
ما ل يخفى " ،اللوسي .
سورة الدخان تُنذر قوما من أمة السلم كفروا بعد إيمانهم
َبلْ ُهمْ فِي شَكّ َي ْلعَبُونَ ( )9
هذا الوصف لم يكن بحال من الحوال ،لمشركي قريش ،فهؤلء كذّبوا وكفروا بما جاء به ،محمد عليه الصلة
والسلم ،جملة وتفصيل .والشكّ في المعتقد عادة ،يتأتّى بعد اليمان ،بوحي من شياطين النس والجنّ
والهوى ،مما يدفع النسان في النهاية إلى الكفر .وأما اللعب ،جاء بمعنى العراض عما ينفع والستهزاء به ،
والنشغال بما ل ينفع ،بل وبما يضرّ ،وهي صفة يمتاز بها الصبية والولد الصغار ،لصغر عقولهم ،وقلة
مداركهم ،وضيق أفقهم ،وعدم مقدرتهم ،على أخذ العبرة والعظة .
أما هؤلء القوم من أمة محمد ،فهم في شك من أمر ال ،والشك هو انعدام اليقين ،بمعنى أنهم غير موقنين ،
مما أخبر عنه في كتابه المبين ،الذي جاء به الرسول المبين ،بلسان عربي مبين ،من أمور الغيب ،وعلى
رأسها انعدام اليقين بربوبية وألوهية ال ووحدانيته وإنكار البعث ،أي الشك بملكية ال للسماوات والرض وما
بينهما ،وقدرته على تصريف المور ،والشك بأمر البعث بعد الموت .لذلك فهم ل يتورعون ،عن اتخاذ دينهم
هزوا ولعبا ،إذ ل بعث ول حساب ول عقاب يردعهم .
قال تعالى ( يَأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا ،لَ تَ ّتخِذُوا الّذِينَ ا ّتخَذُوا دِي َن ُكمْ هُ ُزوًا وَ َلعِبًا ،مِنَ الّذِينَ أُوتُوا ا ْلكِتَابَ ِمنْ قَ ْبِلكُ ْم
وَالْ ُكفّارَ َأوْلِيَاءَ ،وَا ّتقُوا الَّ ،إِنْ كُنْتُمْ ُم ْؤمِنِينَ ( 57المائدة ) ،فالذين يوالون الذين اتخذوا دين ال هزوا ولعبا ،
من اليهود والنصارى والكفار إجمال ،وهم يُظهرون اليمان ليسوا بمؤمنين ،فما بالك بمن يتخذ دين السلم ،
هزوا ولعبا ويحاربه ،وهو ينتسب إليه .
سلَ َنفْسٌ ِبمَا َكسَبَتْ لَ ْي َ
س وقال تعالى ( وَذَرِ الّذِينَ ا ّتخَذُوا دِي َن ُهمْ َلعِبًا وَ َل ْهوًا وَغَرّ ْت ُهمُ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا وَ َذكّرْ ِبهِ أَنْ تُ ْب َ
شفِيعٌ َوإِنْ َتعْ ِدلْ ُكلّ عَ ْدلٍ لَ ُي ْؤخَذْ مِ ْنهَا أُولَئِكَ الّذِينَ أُ ْبسِلُوا ِبمَا َكسَبُوا َل ُهمْ شَرَابٌ ِمنْ َلهَا ِمنْ دُونِ الِّ وَِليّ َولَ َ
غرّ ْت ُهمُ ا ْلحَيَاةُ الدّنْيَا
حمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ ِبمَا كَانُوا َيكْفُرُونَ ( 70النعام ) ،وقال ( الّذِينَ ا ّتخَذُوا دِي َن ُهمْ َل ْهوًا وَ َلعِبًا وَ َ َ
جحَدُونَ ( 51العراف ) . فَالْ َي ْومَ نَ ْنسَا ُه ْم َكمَا َنسُوا ِلقَاءَ َي ْو ِم ِهمْ هَذَا َومَا كَانُوا بِآيَاتِنَا َي ْ
فهؤلء القوم يتصفون بأمرين :
245
الول :أنهم ل يؤمنون بال واليوم الخر .
الثاني :أن شغلهم الشاغل هو الحياة الدنيا ،وأنهم يتخذون أمور دينهم ،مادة للهزء والسخرية واللهو .
ب أَلِيمٌ ( )11
سمَاءُ بِ ُدخَانٍ مُبِينٍ ( َ )10ي ْغشَى النّاسَ هَذَا عَذَا ٌ
فَارْ َتقِبْ َي ْومَ تَأْتِي ال ّ
نلحظ أن المفسرين اختلفوا على ثلثة مواقف ،فمنهم من وافق تفسير ابن مسعود ،ومنهم من وافق تفسير ابن
عباس ،ومنهم من أخذ بالحتمالين .وكلّ منهم أكمل تفسير السورة ،على ما ارتأى من صوابية اعتقاده ،
بالنسبة لهذا الدخان .وأما من حيث زمن الوقوع ،فالحتمال الول ،يقول بأن الدخان والبطشة ،قد مضيا في
مشركي قريش ،والحتمال الثاني يقول بأنه قبل يوم القيامة ،والحتمال الثالث يقول بأنه من أحداث يوم
القيامة ،وللفصل في هذه القوال والمواقف ،سنستنبط صفات هذا الدخان من اليات نفسها ،وصفات هؤلء
القوم وأفعالهم ،في نهاية الفصل ،بمعزل عن الروايات والتفسيرات السابقة ،فظاهر اليات الكريمة ،يدل على
أن ما ورد في اليات ،هو نبأ دخان سيظهر في المستقبل ،والقدر على بيان أمره ،هو من يعاصر ظهوره ،
بعد اكتمال معالمه ،كما هي العادة ،في فهم وتفسير النبوءات المستقبلية .
رَبّنَا اكْشِفْ عَنّا ا ْلعَذَابَ إِنّا ُم ْؤمِنُونَ ( )12
وهذا هو دعاء المعُرضين عن ذكر ال ،كما هي العادة ،من المسرفين والمشركين والكفار ،من الناس إجمال ،
كلما مسّتهم الضراء والبأساء ،سواء من أمة السلم أو من غيرها ،كما في قوله تعالى ( َوإِذَا مَسّ الِْ ْنسَانَ
سهُ كَذَلِكَ زُيّنَ لِ ْل ُمسْ ِرفِينَ
ضرّ َم ّ
الضّرّ دَعَانَا ِلجَنْ ِبهِ َأوْ قَاعِدًا َأوْ قَا ِئمًا َفَلمّا َكشَفْنَا عَ ْنهُ ضُرّهُ َمرّ كَأَنْ َلمْ يَ ْدعُنَا إِلَى ُ
مَا كَانُوا َي ْعمَلُونَ ( 12يونس ) .
ولحظ ضمير المخاطب ( كم ) ،والذي يعود على المخاطبين بالقرآن ،في قوله تعالى ( َومَا ِبكُمْ مِنْ ِن ْع َمةٍ َفمِنَ
ركُونَ (54 س ُكمُ الضّرّ ،فَإِلَ ْيهِ َتجَْأرُونَ (ُ )53ثمّ إِذَا َكشَفَ الضّرّ عَ ْن ُكمْ إِذَا َفرِيقٌ مِ ْن ُكمْ ِبرَ ّب ِهمْ ُيشْ ِ
الِّ ُ ،ثمّ إِذَا َم ّ
عرَضْتُمْ َوكَانَ ضلّ َمنْ تَدْعُونَ ِإلّ إِيّاهُ فَ َلمّا َنجّاكُمْ إِلَى الْبَرّ أَ ْ سكُمُ الضّرّ فِي الْ َبحْرِ َ النحل ) ،وقوله ( َوإِذَا َم ّ
ن كَفُورًا ( 67السراء ) . الِْ ْنسَا ُ
والقرب والظهر ،بالنظر في دعواهم تلك ،وإقرارهم بألسنتهم ما ليس في قلوبهم من اليمان ،عند غشيان
الدخان لهم ،أن يكون هؤلء من أمة محمد عليه الصلة والسلم ،فسقوا عن دينهم مع كونهم مسلمين ،نفاقا
على الغلب ،وشركهم في ال جاء بعد اليمان به .أما قريش فلم يكن هذا حالهم ،وما كان ليصدر منها هذا
الدعاء ،فمنهم من أسلم ،ومنهم أصرّ على كفره ،أما النفاق فلم يعرفوه ،ولم يكن لهم فيه مصلحة ،ومن
المعروف أن النفاق ،ظهر بعد انتشار السلم ،وهو ما حصل في المدينة المنورة ،لعدة غايات وأهمها
وأخطرها ،هو سعيهم لمحاربة تعاليم الدين وهدم معالمه ،داخل المجتمعات السلمية ،وسورة الدخان مكية ،
وحال هؤلء ،كحال من قال فيهم سبحانه ،في مطلع سورة البقرة :
لخِرِ َ ،ومَا ُهمْ ِب ُم ْؤمِنِينَ (ُ )8يخَادِعُونَ الَّ ،وَالّذِينَ ءَامَنُوا ، ( َومِنَ النّاسِ مَنْ َيقُولُ :ءَامَنّا بِالِّ ،وَبِالْ َي ْومِ ا ْ
شعُرُونَ ( )9فِي قُلُو ِبهِمْ َمرَضٌ فَزَادَ ُهمُ الُّ مَرَضًا وَ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ِبمَا كَانُوا س ُهمْ َومَا َي ْ َومَا َيخْدَعُونَ ِإلّ أَ ْنفُ َ
َيكْذِبُونَ (َ )10وإِذَا قِيلَ َل ُهمْ لَ ُت ْفسِدُوا فِي الَْ ْرضِ قَالُوا إِ ّنمَا َنحْنُ مُصْ ِلحُونَ (َ )11ألَ إِ ّنهُمْ ُهمُ ا ْل ُمفْسِدُونَ وَ َلكِنْ لَ
سفَهَاءُ وَ َلكِنْ شعُرُونَ (َ )12وإِذَا قِيلَ َل ُهمْ ءَامِنُوا َكمَا ءَامَنَ النّاسُ قَالُوا أَ ُن ْؤمِنُ َكمَا ءَامَنَ السّ َفهَاءُ َألَ إِ ّنهُمْ ُهمُ ال ّ َي ْ
لَ َيعْ َلمُونَ (َ )13وإِذَا َلقُوا الّذِينَ ءَامَنُوا قَالُوا ءَامَنّا َوإِذَا خَ َلوْا إِلَى شَيَاطِي ِن ِهمْ قَالُوا إِنّا َم َع ُكمْ إِ ّنمَا َنحْنُ ُمسْ َتهْزِئُونَ
طغْيَا ِن ِهمْ َي ْع َمهُونَ ( )15أُولَئِكَ الّذِينَ اشْتَ َروُا الضّلَ َلةَ بِا ْلهُدَى َفمَا رَ ِبحَتْ ( )14الُّ َيسْ َتهْ ِزئُ ِب ِهمْ وَ َيمُدّ ُهمْ فِي ُ
ِتجَارَ ُت ُهمْ َومَا كَانُوا ُمهْتَدِينَ ( 16البقرة ) .
حيث قال سبحانه ( ومن الناس ) ،ولم يحصر هذا السلوك بطائفة من الناس ،أو بزمن معين ،وهذا السلوك بدأ
بالظهور ،بعدما قويت شوكة السلم في المدينة المنورة ،واستمر على مرّ العصور ،حتى يومنا هذا .
246
أَنّى َل ُهمُ ال ّذكْرَى وَقَ ْد جَاءَ ُهمْ َرسُولٌ مُبِينٌ ( ُ )13ثمّ َتوَّلوْا عَ ْنهُ وَقَالُوا ُمعَلّ ٌم َمجْنُونٌ ( )14
من أين لهؤلء القوم الذكرى ؟! أي التوبة والنابة إلى ال ،وقد سبق منهم العراض ،عما جاء به الرسول
الكريم ،الذي ل يُشكّك في كرم أخلقه ،أو حسبه أو نسبه أو لسانه العربي ،محمد عليه الصلة والسلم ،بعد
مجيئه واليمان به ،والنتساب إلى دينه .وفضل عن سبق العراض عن رسالته ،بعد احتضانها لمدة من
الزمن ،تولّوا عنه وأعرضوا عما جاء به ،واتهموه بالتعلّم من الكهّان والشياطين ،بحوادث ميتافيزيقية ،
وأضافوا إليه صفة الجنون ،إمعانا منهم ،في الجرام والفتراء والستهزاء ،فإن سلم من الكهانة ،لم يسلم من
ولَ َمجْنُونٍ (29
الجنون .فيردّ عليهم ربهم قولهم هذا ،بقوله لرسوله ( فَ َذكّرْ َ ،فمَا أَنْتَ بِ ِن ْعمَةِ رَبّكَ ِبكَاهِنٍ َ
عظِيمٍ ( 4القلم ) ( ،إِ ّنهُ َل َق ْولُ َرسُولٍ كَرِيمٍ ( 40الحاقة )
الطور ) َ ( ،وإِنّكَ َلعَلى خُلُقٍ َ
وسُتفاجأ أخي المسلم ،أن المقصود بهذا القول ليسوا مشركي قريش ،بل مشركي ومنافقي هذا العصر من أمة
السلم ،وأنهم قالوا هذا القول وأكثر ،في رسول ال عليه الصلة والسلم ،تحت رعاية ودعم حكومي مادي
ومعنوي ،وأن هذا الفتراء ذاته ،هو الذي أخبر عنه سبحانه ،وهو من أكبر السباب الموجبة لعقابهم .
شفُوا ا ْلعَذَابِ َقلِيلًا إِنّ ُكمْ عَائِدُونَ ( )15
إِنّا كَا ِ
ويُخبر سبحانه بأنه سيرفع العذاب عنهم قليل ،بعد انعقاد أسبابه ،بكشف الدخان ،بعد نيلهم قسطا من أذاه ،
نزول عند رغبتهم السابقة ،وإقرارهم باليمان عند غشيانه لهم ،فالدخان مجرد تحذير ،ولفت انتباه لهم ،بأن
ال هو رب السموات والرض ،وبأنه قادر على إماتتهم وإهلكهم ،كما أمات آبائهم ،ولئل تكن لهم حجّة ،بأنه
لم يعطهم الفرصة للتوبة والنابة .،ومن ثم يٌقرّر سبحانه بأنهم سيعودون ،لما كانوا عليه ،من الشك واللعب ،
وسيضيفون إليها التولي والعراض والعصيان والتهام لرسوله الكريم ،ليستوجبوا عن جدارة واستحقاق ،أن
يبطش بهم رب العزة بطشته الكبرى .
قال تعالى ( :وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ َرسُولَ الِّ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيم ( 61التوبة ) ،وقال ( الّذِينَ ُيؤْذُونَ الَّ َو َرسُو َلهُ َلعَ َن ُهمُ
لخِرَةِ َوأَعَدّ َل ُهمْ عَذَابًا ُمهِينًا ( 57الحزاب ) . الُّ فِي الدّنْيَا وَا ْ
شةَ ا ْلكُبْرَى إِنّا مُنْ َت ِقمُونَ ( )16
ط َ
َي ْومَ نَ ْبطِشُ الْ َب ْ
أما بطش رب العزة ،فهذا وصفه ( إِنّ َبطْشَ رَبّكَ َلشَدِيدٌ ( 12البروج ) .ونستطيع تصوّر طبيعة هذه البطشة ،
من قوله تعالى في سورة القمر ( كَذّبَتْ َق ْومُ لُوطٍ بِالنّ ُذرِ ( )33إِنّا أَ ْرسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ حَاصِبًا ِإلّ ءَالَ لُوطٍ َنجّيْنَا ُهمْ
طشَتَنَا فَ َتمَا َروْا بِالنّذُرِ ( )36وَ َلقَدْ رَاوَدُوهُ
شكَرَ ( )35وَ َلقَدْ أَنْذَ َر ُهمْ َب ْ
سحَرٍ (ِ )34ن ْع َمةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ َنجْزِي مَنْ َ ِب َ
حهُمْ ُبكْرَةً عَذَابٌ ُمسْ َتقِرّ ( )38فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُ ُذرِ ط َمسْنَا أَعْيُ َن ُهمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ( )37وَ َلقَدْ صَ ّب َ
عَنْ ضَ ْي ِفهِ َف َ
( )39وَ َلقَدْ َيسّرْنَا ا ْلقُرْءَانَ لِل ّذكْرِ َف َهلْ مِنْ مُ ّدكِرٍ ( 40القمر ) ،وتماروا بالنُذر ،أي كذّبوا إنذارات لوط عليه
الصلة والسلم ،وتحذيراته لهم ،وأكثروا الجدال والستهزاء بها ومنها ،فبطش بهم ربهم ،وما وقع من قوم
لوط ،هو ما وقع من هؤلء ،بعد أن جاءهم هذا رسولهم الكريم ،نذيرا من غضب ال ،فغشيهم الدخان ،
وستبغتهم البطشة الكبرى ،وهم ما زالوا يُمارون ويتمارون ،في شكٍ يلعبون ،من أمر هذا الرسول المبين ،
وأمر هذا الكتاب المبين ،وأمر هذا الدخان المبين .
وما نزل بقوم لوط نستخلصه من اليات التالية :
جعَلْنَا عَالِ َيهَا سَافِ َلهَا َ ،وَأمْطَرْنَا عَلَ ْيهَا ،
( … إِنّ َموْعِدَ ُهمُ الصّ ْبحُ أَلَيْسَ الصّ ْبحُ ِبقَرِيبٍ ( )81فَ َلمّا جَاءَ َأمْرُنَا َ ،
ن الظّا ِلمِينَ بِ َبعِيدٍ ( 83هود ) . ي مِ َ
س ّو َمةً عِنْدَ رَبّكَ َ ،ومَا هِ َ
سجّيلٍ مَنْضُودٍ (ُ )82م َ ن ِ حجَارَ ًة مِ ْ
ِ
كان ذلك في الصباح الباكر ،حيث رُفعت قرية لوط عليه الصلة والسلم بمن فيها ،إلى السماء ،وتقول بعض
الروايات أن الملئكة في السماء الولى سمعت نباح كلبهم ،ومن ثم قُلبت ،ورُميت من ذلك الرتفاع الشاهق
إلى الرض ،فأحدثت ذلك الجرف الجغرافي ،الممتد من على طول نهر الردن ووادي عربة ،ومن ثم أُمطرت
بالحجارة ،التي ل تزال ظاهرة ،إلى يومنا هذا ،بانغراسها في الطين المتحجّر ،في تلك المنطقة على سواحل
البحر الميت ،وفي سفوح الجبال حوله .وخلصة القول ،أن البطشة تعني خراب الديار وهلك أهلها ،بغض
247
النظر عن الوسيلة ،مشهد يحمل في ثناياه أبشع صور للنتقام اللهي ،حين يوغل الناس بإصرار في الجرام ،
بحق ال وحق رسله الكرام ،دون وازع أو رادع ،ضاربين بإنذارات ربهم عُرض الحائط ،مستحقّين بذلك
غضبا إلهيا عارما ،سيسكبه على رؤوسهم عاجل أم آجل .
عوْنَ َوجَاءَ ُهمْ َرسُو ٌل كَرِيمٌ … فَدَعَا رَ ّب ُه أَنّ َهؤُلَاءِ َق ْومٌ ُمجْ ِرمُونَ ( )22
وَ َلقَدْ فَتَنّا قَبْ َل ُهمْ َق ْومَ ِفرْ َ
ومفاد اليات أعله ،هو أن حال هؤلء القوم ،مع محمد الكريم المين المبين ،عليه الصلة والسلم ،كحال
فرعون وقومه مع موسى الكريم المين المبين ،عليه الصلة والسلم ،وذلك نفيا لما قاله هؤلء عنهما ،سواء
من فرعون وقومه ،أو ممن أشرك وكفر من أمة محمد .ومن تشبيه الحال بالحال ،نستطيع التعرف على موقف
هؤلء القوم من محمد ،من خلل معرفة موقف فرعون وقومه من موسى ،الذي ورد بالتفصيل في القرآن
الكريم ،حيث أن اليات ،التي تصف موقف فرعون وقومه من موسى ورسالته ،تكاد تبين ما تحويه سورة
الدخان ،من مقاصد إلهية ،تكتنفها اليات الكريمة .
حال فرعون وقومه مع موسى :
دعا موسى عليه الصلة والسلم فرعون وقومه ،إلى تقوى ال ،فجادلوه واستهزءوا به ،وبما جاء به ،
وأنكروا ربوبية ال ،واتهمه فرعون بالجنون ،وهدّده بالسجن ،إن اتّخذ إلها غيره ،فأراه موسى آيات ربه
الكبرى ،فاتهمه بالسحر ،وببلوغه مرتبة عالية في علمه ،ليصبح كبيرا السحرة ،ونفّذ تهديده فيمن اتبعه وآمن
به من السحرة .
ع ْونَ َألَ يَ ّتقُونَ ( )11قَالَ َربّ إِنّي َأخَافُ أَنْ ُيكَذّبُونِ ن ائْتِ ا ْل َقوْمَ الظّا ِلمِينَ (َ )10قوْمَ فِرْ َ ك مُوسَى أَ ِ ( َوإِذْ نَادَى رَبّ َ
عوْنُ سلْ َمعَنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ ( … )17قَالَ فِ ْر َ عوْنَ َفقُولَ إِنّا َرسُولُ رَبّ ا ْلعَا َلمِينَ ( )16أَنْ أَ ْر ِ ( … )12فَأْتِيَا ِفرْ َ
حوْ َلهُ َألَ سمَوَاتِ وَالَْرْضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْ ُتمْ مُوقِنِينَ ( )24قَالَ ِلمَنْ َ َومَا رَبّ ا ْلعَا َلمِينَ ( )23قَالَ رَبّ ال ّ
سلَ إِلَ ْيكُمْ َل َمجْنُونٌ ( )27قَالَ رَبّ َتسْ َت ِمعُونَ ( )25قَالَ رَ ّبكُمْ َورَبّ ءَابَا ِئ ُكمُ ا َلْوّلِينَ ( )26قَالَ إِنّ َرسُو َلكُمُ الّذِي ُأ ْر ِ
ا ْل َمشْرِقِ وَا ْل َمغْرِبِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْ ُتمْ َتعْقِلُونَ ( )28قَالَ لَئِنِ ا ّتخَذْتَ إِ َلهًا غَيْرِي لَجْعَلَنّكَ مِنَ ا ْل َمسْجُونِينَ ()29
يءٍ مُبِينٍ ( )30قَالَ َفأْتِ ِبهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّا ِدقِينَ ( )31فَأَ ْلقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ُثعْبَانٌ مُبِينٌ ( قَالَ َأوَ َلوْ جِئْتُكَ ِبشَ ْ
حوْ َلهُ إِنّ هَذَا َلسَاحِرٌ عَلِيمٌ ( … )34قَالَ ءَامَنْ ُتمْ َلهُ قَ ْبلَ ظرِينَ ( )33قَالَ لِ ْل َملَِ َ )32وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاءُ لِلنّا ِ
طعَنّ أَيْدِ َيكُمْ َوأَ ْرجُ َل ُكمْ مِنْ خِلَفٍ َولَُصَلّبَ ّنكُمْ
سوْفَ َتعْ َلمُونَ لَُ َق ّ سحْرَ فَ َل َ
أَنْ ءَاذَنَ َلكُمْ إِ ّنهُ َلكَبِي ُر ُكمُ الّذِي عَّل َم ُكمُ ال ّ
جمَعِينَ ( ( … )49الشعراء ) . َأ ْ
ولهذا تشابهت لغة الخطاب وتشابهت الحجة في قول الرسولين الكريمين :
لْوّلِينَ (26
س َموَاتِ وَالَْرْضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ( … )24قَالَ رَ ّب ُكمْ وَرَبّ ءَابَا ِئكُمُ ا َ
موسى ( :قَالَ َربّ ال ّ
الشعراء )
لْوّلِينَ (8
س َموَاتِ وَالَْرْضِ َومَا بَيْ َن ُهمَا إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ ( … )7رَ ّبكُمْ َورَبّ ءَابَا ِئ ُكمُ ا َ
محمد … ( :رَبّ ال ّ
الدخان )
فأنذرهم ال بعذابات ،من المألوفة للناس ،كالقحط والجوع ،مشعرا إياهم بقدرته على أخذهم ،لعلهم
يرجعون ،ولكنهم ردّوا هذه البتلءات ،إلى " الوشّ النحس " ( باللهجة المصرية ) ،لموسى ومن معه ،ولم
ينسبوها إلى ال .وأصرّوا على كفرهم ،فأرسل عليهم ما لم يألفوه ،كالطوفان والجراد والقمل والضفادع
والدم ،فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين .ولكنهم لما وقع بهم العذاب وعاينوه ،وعدوا موسى باليمان ،في حال
كُشف عنهم .ورُفع العذاب عنهم لجل مسمى ،هم بالغوه ،وفور شعورهم بالرخاء ،نكثوا عهدهم وعادوا لما
سبق ،فانتقم ال منهم ،لتكذيبهم ليات ال وغفلتهم عنها .
حسَ َنةُ ،قَالُوا لَنَا
عوْنَ بِالسّنِينَ وَ َنقْصٍ مِنَ ال ّثمَرَاتِ َ ،لعَّل ُهمْ يَ ّذكّرُونَ ( )130فَإِذَا جَاءَ ْت ُهمُ ا ْل َ ( وَ َلقَدْ َأخَذْنَا ءَالَ فِرْ َ
هَذِهِ َ ،وإِنْ تُصِ ْب ُهمْ سَيّ َئةٌ َ ،يطّيّرُوا ِبمُوسَى َومَنْ َم َعهُ َ ،ألَ إِ ّنمَا طَا ِئرُ ُهمْ عِنْدَ الِّ ،وَ َلكِنّ أَكْثَ َر ُهمْ لَ َيعْ َلمُونَ ()131
سحَرَنَا ِبهَا َ ،فمَا َنحْنُ َلكَ ِب ُم ْؤمِنِينَ ( )132فَأَ ْرسَلْنَا عَلَ ْي ِهمُ الطّوفَانَ وَا ْلجَرَادَ وَقَالُوا َم ْهمَا تَأْتِنَا ِبهِ مِنْ ءَا َيةٍ ،لِ َت ْ
248
جزُ ، ضفَادِعَ وَال ّدمَ ،ءَايَاتٍ ُمفَصّلَتٍ ،فَاسْ َتكْبَرُوا َ ،وكَانُوا َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَ ( )133وَ َلمّا وَقَعَ عَلَ ْي ِهمُ ال ّر ْ وَالْ ُق ّملَ وَال ّ
شفْتَ عَنّا ال ّرجْزَ لَ ُن ْؤمِنَنّ َلكَ ،وَلَنُ ْرسِلَنّ َمعَكَ بَنِي ِإسْرَائِيلَ ( عهِدَ عِنْ َدكَ ،لَ ِئنْ َك َ قَالُوا َ :يمُوسَى ادْعُ لَنَا رَبّكَ ِبمَا َ
جلٍ ُهمْ بَا ِلغُوهُ ،إِذَا ُهمْ يَ ْنكُثُونَ ( )135فَانْ َت َقمْنَا مِ ْن ُهمْ َ ،فأَغْ َرقْنَا ُهمْ فِي الْ َيمّ ، )134فَ َلمّا َكشَفْنَا عَ ْن ُهمُ ال ّرجْزَ إِلَى َأ َ
ضعَفُونَ َ ،مشَارِقَ الَْ ْرضِ بِأَ ّن ُهمْ كَذّبُوا بِآيَاتِنَا ،وَكَانُوا عَ ْنهَا غَافِلِينَ (َ )136وَأوْرَثْنَا ا ْلقَ ْومَ الّذِينَ كَانُوا ُيسْتَ ْ
حسْنَى عَلَى بَنِي ِإسْرَائِيلَ ِبمَا صَ َبرُوا ،وَ َدمّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ َو َمغَارِ َبهَا الّتِي بَا َركْنَا فِيهَا ،وَ َتمّتْ كَ ِل َمةُ رَبّكَ ا ْل ُ
ن وَ َق ْو ُمهُ َ ،ومَا كَانُوا َيعْ ِرشُونَ ( 137العراف ) . عوْ ُفِ ْر َ
فما آمن لموسى ،سوى فئة قليلة من مجموع بني إسرائيل ،وتبعهم فرعون إلى البحر ،وعندما أدركه الغرق ،
ندم الله فرعون ،فخان قومه ،وأعلن توبته وإيمانه بإله آخر ،هو الله ،الذي آمنت به بنوا إسرائيل ،حسب
قوله .
عوْنَ َومَلَ ِئهِ بِآيَاتِنَا فَاسْ َتكْبَرُوا َوكَانُوا َق ْومًا ُمجْ ِرمِينَ (َ … )75فمَا ( ُثمّ َبعَثْنَا مِنْ َبعْدِ ِهمْ مُوسَى وَهَارُونَ إِلَى فِرْ َ
عوْنَ َلعَالٍ فِي الَْرْضِ عوْنَ َومَلَ ِئ ِهمْ ،أَنْ َيفْتِ َن ُهمْ َ ،وإِنّ ِفرْ َ خوْفٍ مِنْ فِ ْر َ ءَامَنَ ِلمُوسَى ِإلّ ُذرّ ّيةٌ مِنْ َق ْو ِمهِ ،عَلَى َ
عوْنُ َوجُنُودُهُ َبغْيًا وَعَ ْدوًا ،حَتّى إِذَا َوإِ ّنهُ َلمِنَ ا ْل ُمسْ ِرفِينَ (َ … )83وجَاوَزْنَا بِبَنِي ِإسْرَائِيلَ الْ َبحْرَ ،فَأَتْ َب َع ُهمْ فِرْ َ
ت أَ ّن ُه َل إِ َلهَ ِإلّ الّذِي ءَامَنَتْ ِبهِ بَنُو ِإسْرَائِيلَ َ ،وأَنَا مِنَ ا ْل ُمسْ ِلمِينَ ( 90يونس ) . أَدْ َر َكهُ ا ْلغَرَقُ ،قَالَ ءَامَنْ ُ
وأما عامة المصريين ،فقد اتبعوا إلههم وربهم العلى فرعون ،بعد أن استخفّ عقولهم فأطاعوه ،وأضلّهم عن
السبيل ،فكانوا قوما فاسقين كإلههم ،ومن الغريب أن صفة خفة العقل ،صفة متوارثة لغاية الن في عامة
الشعب المصري ،إل من رحم ربي ،كما ورث أهل العراق صفة البأس الشديد من أجدادهم البابليين .
عوْنُ َيأَ ّيهَا ا ْلمَلَُ مَا عَ ِلمْتُ َل ُكمْ مِنْ إِ َلهٍ غَ ْيرِي َ ،فَأوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطّينِ ،فَاجْ َعلْ لِي صَ ْرحًا ،( وَقَالَ فِرْ َ
َلعَلّي َأطّلِعُ إِلَى إِ َلهِ مُوسَى َوإِنّي لَظُ ّنهُ مِنَ ا ْلكَاذِبِينَ ( 38القصص ) ( .فََأرَاهُ الْ َيةَ ا ْلكُبْرَى (َ )20فكَذّبَ وَعَصَى (
حشَرَ فَنَادَى (َ )23فقَالَ أَنَا رَ ّب ُكمْ الَْعْلَى ( 24النازعات ) ( .فَاسْ َتخَفّ َق ْو َمهُ فَ َأطَاعُوهُ سعَى (َ )22ف َ ُ )21ثمّ أَدْبَرَ َي ْ
عوْنُ َق ْو َم ُه َومَا هَدَى ( 79طه ) .
ضلّ فِ ْر َ
سقِينَ ( 54الزخرف ) ( .وَأَ َ إِ ّنهُ ْم كَانُوا َق ْومًا فَا ِ
أما علية القوم ،حاشية السوء فكان رأيهم أنهم هم المصلحون ،وأن موسى ومن معه من المؤمنين بال ،هم
المُفسدون في الرض ،وكذلك رأي فراعنة هذا العصر ،في المصلحين من الناس ،بمعنى أنهم سيدفعون الناس
إلى عبادة ال ،فيتركوا عبادة آلهة فرعون ،مما يجعلهم يستنكفوا عن طاعته ،فتُقوض بذلك أركان ملكه ،مما
يؤول به إلى الزوال ،فتفسد الرض ،لذلك يجب التخلص من شرورهم ،بقتل أبنائهم واستحياء نسائهم
وقهرهم ،وقتل الرأس المحرّكة للفتنة .
عوْنَ أَتَذَرُ مُوسَى َو َق ْو َمهُ لِ ُي ْفسِدُوا فِي الَْ ْرضِ وَيَذَ َركَ وَءَا ِلهَتَكَ قَالَ سَ ُنقَتّلُ أَبْنَاءَ ُه ْم ( وَقَالَ ا ْلمَلَُ مِنْ َق ْومِ ِفرْ َ
عوْنُ ذَرُونِي أَقْ ُتلْ مُوسَى ،وَلْيَدْعُ رَ ّبهُ ، وَ َنسْ َتحْيِي ِنسَاءَ ُهمْ َوإِنّا َفوْ َق ُهمْ قَاهِرُونَ ( 127العراف ) ( .وَقَالَ فِرْ َ
ظهِرَ فِي الَْرْضِ ا ْل َفسَادَ ()26ف أَنْ يُبَ ّدلَ دِي َنكُمْ َ ،أ ْو أَنْ ُي ْ
إِنّي أَخَا ُ
وأما مؤمن آل فرعون ،كان له رأي آخر ،إذ قال لقومه ،فمن ينصرنا من بأس ال إن جاءنا ؟!
عوْنُ :مَا أُرِي ُك ْم
صرُنَا مِنْ بَأْسِ الِّ إِنْ جَاءَنَا … ،قَالَ فِ ْر َ
( َي َق ْومِ َل ُكمُ ا ْلمُلْكُ الْ َيوْمَ ظَا ِهرِينَ فِي الَْ ْرضِ َ ،فمَنْ يَنْ ُ
ِإلّ مَا أَرَى َ ،ومَا أَهْدِيكُمْ ِإلّ سَبِيلَ ال ّرشَادِ ( 29غافر ) .وعلى هذا ،فليحذر فراعنة أمة السلم الجدد ،الذين
يهدون الناس إلى سبيل الرشاد الخاص بهم ،من بأس ال !!
وجاء نصر ال لرسوله الكريم ،فأنجاه من مكر فرعون وملئه ،وأنزل بهم ما استجلبوه على أنفسهم ،من
عذاب الدنيا والخرة .
عشِيّا وَ َي ْومَ
علَ ْيهَا غُ ُدوّا وَ َ
عوْنَ سُوءُ ا ْلعَذَابِ ( )45النّارُ ُيعْرَضُونَ َ
( َفوَقَاهُ الُّ سَيّئَاتِ مَا َمكَرُوا َوحَاقَ بِآلِ فِ ْر َ
ن َأشَدّ ا ْلعَذَابِ ( 46غافر )عوْ َ
ع ُة أَ ْدخِلُوا ءَالَ فِ ْر َ
َتقُو ُم السّا َ
وأخيرا ،تهديد وتحذير شديد اللهجة ،لمن كفر بالنذير محمد ،من ملقاة نفس المصير ،فليس هناك استثناء
لحد ،حتى ولو انتسب لمته وادعى السلم ،فملة الكفر عند رب العزة واحدة ،ومصيرها واحد ،إذ ل خيرية
في الكفر .
249
عوْنَ النّذُرُ ( )41كَذّبُوا بِآيَاتِنَا كُّلهَا فَ َأخَذْنَا ُهمْ َأخْذَ عَزِيزٍ ُمقْتَدِرٍ (َ )42أ ُكفّا ُركُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَ ِئكُ ْم
( وَ َلقَدْ جَاءَ ءَالَ ِفرْ َ
عوْنَ َرسُولً علَ ْيكُمْ َ ،كمَا ،أَ ْرسَلْنَا إِلَى فِرْ َ
أَمْ َلكُمْ َبرَاءَةٌ فِي الزّ ُبرِ ( 43القمر ) ( .إِنّا أَ ْرسَلْنَا إِلَ ْيكُمْ َرسُولً ،شَاهِدًا َ
ن ال ّرسُولَ ،فَ َأخَذْنَا ُه َأخْذًا وَبِيلً ( 16المزمل ) . عوْ ُ(َ )15فعَصَى فِرْ َ
وقد جانب الصواب من ظنّ ،بأن الذين ورثوا أرض مصر ،هم بني إسرائيل ،فتاريخ مصر القديم والحديث ،
ل يدل على ذلك ،وكذلك تاريخ بني إسرائيل ،في القرآن والسنة والتوراة والتلمود ،كما بينّاه سابقا ،وأما
المقصودين بوراثتها ها هنا ،هم أهل مصر ،من أبناء من بقي ،من قوم فرعون وعبيده ،الذين لم يُهلك منهم
في اليم غرقا ،سوى من تبع بني إسرائيل ،أثناء خروجهم من مصر ،أما الرض التي ورثها بنو إسرائيل ،بعد
خروجهم من مصر ،فهي الرض المقدّسة والمباركة أي فلسطين .
ن الْآيَاتِ مَا فِي ِه بَلَا ٌء مُبِينٌ ( )33
ب ا ْل ُمهِينِ … وَءَاتَيْنَا ُهمْ مِ َ
ن ا ْلعَذَا ِ
وَ َلقَدْ َنجّيْنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ مِ َ
ويُذكّر سبحانه بإنجائه بني إسرائيل ،من فرعون وقومه ،وبما آتى نبيهم موسى عليه الصلة والسلم ،من
معجزات بيّنات ،في مصر وأثناء خروجهم منها ،شاهدوها بأم أعينهم ،ويذكّر سبحانه بأنه وبالرغم من
تفضيلهم ،وابتلئهم بالسرّاء والضرّاء ،فما كان من أكثرهم إل الكفر والفسوق والعصيان ،وإيذاء نبيهم موسى
عليه الصلة والسلم ،فأنزل بهم وعليهم ربهم العذاب تلو العذاب ،مما فصلناه في فصل سابق .وكما حاول
فرعون إيذاء موسى ومن منعه من المؤمنين ،كذلك فعل بنو إسرائيل أنفسهم ،بموسى بعد النجاة َ ( ،وإِذْ قَالَ
مُوسَى ِل َق ْو ِمهِ َ :ي َق ْومِ ِلمَ ُتؤْذُونَنِي ؟! وَقَدْ َتعْ َلمُونَ أَنّي َرسُولُ الِّ إِلَيْ ُكمْ ،فَ َلمّا زَاغُوا ،أَزَاغَ الُّ قُلُو َب ُهمْ ،وَالُّ لَ
سقِينَ ( 5الصف ) ،ومجمل من تقدّم ذكرهم في سورة الدخان ،يقول فيهم سبحانه : َيهْدِي ا ْل َق ْومَ ا ْلفَا ِ
ج ِرمِينَ ( )37
ي إِلّا َموْتَتُنَا الْأُولَى … أَهْ َلكْنَا ُهمْ ،إِ ّن ُهمْ كَانُوا ُم ْ
إِنّ َهؤُلَا ِء لَ َيقُولُونَ :إِنْ هِ َ
يُقرّر سبحانه وتعالى بأن ( َه ُؤلَءِ ) أي أصحاب الدخان ،يُنكرون البعث والنشور ،كما يُقرّر سبحانه وتعالى ،
أنهم ليسوا بخير من قوم تبع ،والذين من قبلهم ،حيث أهلكهم ال بإجرامهم .ومن المفهوم ضمنا ،بأن في هذا
وعيد ،لمن يُجرمون في حق ال ورسله وكتبه ،وينكرون البعث .حيث أنهم لو آمنوا ،بحقيقة رجعتهم إلى ال
في اليوم الخر لتقديم الحساب ،ونيل ما ترتب على أقوالهم وأفعالهم تلك ،من ثواب وعقاب ،وتحصّل لديهم
اليقين بذلك ،لما تجرّأوا على الجرام ،كما أجرم الذين من قبلهم .فهم في شك يلعبون ،ومصيرهم الهلك ل
محالة ،وانظر قوله تعالى موضحا حقيقة حالهم ،وهو أعلم بما يعتمل في صدورهم ،وحقيقة موقفه منهم ،ومن
أمثالهم ماضيا ومستقبل :
جعَ َل ُكمْ خَلَئِفَ فِي س َموَاتِ وَالَْرْضِ ،إِ ّنهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصّدُورِ (ُ )38هوَ الّذِي َ قال تعالى ( إِنّ الَّ عَا ِلمُ غَيْبِ ال ّ
الَْرْضِ َ ،فمَنْ كَفَرَ َفعَلَ ْيهِ ُكفْرُهُ َ ،ولَ َيزِيدُ ا ْلكَا ِفرِينَ ُكفْرُ ُهمْ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ ِ ،إلّ َمقْتًا َ ،ولَ َيزِيدُ ا ْلكَا ِفرِينَ ُكفْرُ ُهمْ ِ ،إلّ
جهْدَ أَ ْيمَا ِن ِهمْ ،لَئِنْ جَا َء ُهمْ نَذِيرٌ ،لَ َيكُونُنّ أَهْدَى مِنْ ِإحْدَى ا ُلْمَمِ ،فَ َلمّا جَاءَ ُهمْ سمُوا بِالِّ َ خسَارًا (َ … )39وأَ ْق َ َ
نَذِيرٌ ،مَا زَادَ ُهمْ ِإلّ ُنفُورًا ( )42اسْتِكْبَارًا فِي الَْرْضِ َ ،و َمكْرَ السّيّئِ َ ،ولَ َيحِيقُ ا ْل َمكْرُ السّيّئُ ِإلّ بَِأهْ ِلهِ َ ،ف َهلْ
حوِيلً (َ )43أوَ َلمْ َيسِيرُوا فِي الَْرْضِ ، يَ ْنظُرُونَ ِإلّ سُ ّنةَ ا َلْوّلِينَ ،فَلَنْ َتجِدَ ِلسُ ّنةِ الِّ تَبْدِيلً ،وَلَنْ َتجِدَ ِلسُ ّنةِ الِّ َت ْ
يءٍ ،فِي فَيَ ْنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِ َبةُ الّذِينَ ِمنْ قَ ْبِل ِهمْ ،وَكَانُوا َأشَدّ مِ ْن ُهمْ ُقوّةً َ ،ومَا كَانَ الُّ لِ ُي ْعجِزَهُ مِنْ شَ ْ
ظهْ ِرهَاس َموَاتِ َولَ فِي الَْرْضِ ،إِ ّنهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا ( )44وَ َلوْ ُيؤَاخِذُ الُّ النّاسَ ِ ،بمَا َكسَبُوا ،مَا تَ َركَ عَلَى َ ال ّ
ن الَّ كَانَ ِبعِبَادِهِ بَصِيرًا ( 45فاطر ) . سمّى ،فَإِذَا جَا َء َأجَُلهُمْ ،فَإِ ّ مِنْ دَا ّبةٍ ،وَ َلكِنْ ُي َؤخّرُ ُهمْ إِلَى َأجَ ٍل ُم َ
خسِرَ هُنَالِكَ ا ْلكَافِرُونَ (85
وقال ( فَ َلمْ َيكُ يَ ْنفَ ُع ُهمْ إِيمَا ُن ُهمْ َ ،لمّا َرَأوْا َب ْأسَنَا ،سُ ّنةَ الِّ الّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ َ ،و َ
غافر ) .
-إذن ل أحد ممن أجرم في حق ال ،بمفازة من العذاب ،وما تركِهم في طغيانهم يعمهون ،إل لحين مجيء
أجلهم المُعلوم سلفا ،وتأخير العذاب عنهم ،ما كان لعجز ،أو لقصر ذات يد .إذ أنهم كلما أمعنوا في الكفر ،
كلما ازدادوا مقتا وغضبا وخسارة ،وكلما اقترب إليهم أجلهم ،وهم ل يشعرون ،ولن يقبل إيمانهم ،عند معاينة
العذاب ،بعد أن حق القول عليهم ،وصدر الحكم بكفرهم ،ونفذ قضاء ال فيهم .
250
ب إِ ّنهُمْ ُمرْ َتقِبُونَ ( )59
ك َلعَّل ُهمْ يَتَ َذكّرُونَ ،فَارْ َتقِ ْ
فَإِ ّنمَا َيسّرْنَا ُه بِ ِلسَانِ َ
أي أن ال سبحانه سهّل هذا القرآن ،بلسان عربي مبين ،وجعله قابل للفهم والهضم ،لمن أراد فهمه ،رغبة في
الذكرى والتذكّر ،ومن لم يُرد الذكرى منه ،وارتاده لمر ما غير ذلك ،حُجب عنه الفهم ،ووجده طلسم
ورموز ل يفقه منها شيئا ،فكذّب وجادل وكفر ،ونسب إلى كتاب ال ،ما ليس فيه ،وأعرض عن اتباعه ،
ونهى عن العمل به ،وحاربه بشتى الوسائل والسبل :
قال تعالى ( َومَنْ َأظْ َلمُ ِممّنِ افْ َترَى عَلَى الِّ كَذِبًا َأوْ كَذّبَ بِآيَا ِتهِ إِ ّنهُ لَ ُيفْ ِلحُ الظّا ِلمُونَ (َ … )21ومِ ْن ُهمْ َم ْ
ن
َيسْ َتمِعُ إِلَيْكَ َ ،وجَعَلْنَا عَلَى ُقلُو ِبهِمْ َأكِ ّنةً أَنْ َي ْف َقهُوهُ ،وَفِي ءَاذَانِ ِهمْ وَ ْقرًا َ ،وإِنْ يَ َروْا ُكلّ ءَا َيةٍ لَ ُي ْؤمِنُوا ِبهَا ،
حَتّى إِذَا جَاءُوكَ ُيجَادِلُونَكَ َ ،يقُولُ الّذِينَ كَفَرُوا ،إِنْ هَذَا ِإلّ َأسَاطِيرُ ا َلْوّلِينَ ( )25وَ ُهمْ يَ ْن َهوْنَ عَ ْنهُ ،وَيَنْ َأوْنَ
علَى النّارِ َ ،فقَالُوا َ :يلَيْتَنَا نُرَدّ َولَ ُنكَذّبَ
شعُرُونَ ( )26وَ َلوْ تَرَى إِذْ وُ ِقفُوا َ س ُهمْ َ ،ومَا َي ْ عَ ْنهُ َ ،وإِنْ ُيهْ ِلكُونَ ِإلّ أَنْ ُف َ
خفُونَ مِنْ قَ ْبلُ ،وَ َلوْ رُدّوا َلعَادُوا ِلمَا ُنهُوا عَ ْنهُ ،بِآيَاتِ رَبّنَا ،وَ َنكُونَ مِنَ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ (َ )27بلْ بَدَا َل ُهمْ ،مَا كَانُوا ُي ْ
ي ِإ ّل حَيَاتُنَا الدّنْيَا َومَا َنحْنُ ِبمَ ْبعُوثِينَ ( 29النعام ) .َوإِ ّنهُمْ َلكَاذِبُونَ ( )28وَقَالُوا إِنْ هِ َ
( فارتقب ) خاص برسوله عليه الصلة والسلم ،وفيه وعد بنصرته ونصرة أتباعه ،بإهلك خصومه ،وعام
لمن يُخاطبهم القرآن ( ،إنهم مرتقبون ) أي مرتقبين هلكهم ،غير مصدّقين ،مستهزئين غير عابئين ،بما
وعدهم ال من أمر البطشة الكبرى ،وفيه تهكّم من ال بهم وتحقيرا لشأنهم .وقوله ( فارتقب ) يفيد أن ذلك سيقع
مستقبل ،وفيه حثّ على الترقّب والنتظار ،كقوله ( فارتقب يوم تأتي السماء ) لمعاينة الحدث الول ( ،أي
الدخان ) الذي بيّن رب العزة خبره ،وبيّن ما سيكون قولهم عند نزوله بهم ،وما سيكون موقفهم بعد كشفه
عنهم ،ومن ثم ( فارتقب ) في آخر السورة ،لمعاينة الحدث الثاني ( أي البطشة الكبرى ) ،لتعلم وليعلم
المؤمنون ،بأن ما أخبر عنه هذا القرآن الكريم المبين هو الحق ،وأن من أنزله هو الحق ،وأن ما يُنكره هؤلء
بكفرهم ،هو الحق فل يُضيرك ويُضير المؤمنين به ،كفرهم وفسوقهم وعصيانهم ،فلن تأسف عليهم السماء ول
ض ّركُمْ
س ُكمْ ،لَ يَ ُ
علَ ْيكُمْ أَ ْنفُ َ
الرض ،كما لم تأسف على من أهلكناهم من قبل ،قال تعالى ( يَأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا َ
جمِيعًا فَيُنَبّ ُئ ُكمْ ِبمَا كُنْ ُتمْ َت ْعمَلُونَ (105المائدة ) .
جعُ ُكمْ َ
لّ مَ ْر ِ
ض ّل إِذَا اهْتَدَيْ ُتمْ ،إِلَى ا ِ
مَنْ َ
جاء في لسان العرب أن " جماع معنى الفتنة ،البتلء والمتحان والختبار ،وأصلها ،مأخوذ من قولك فتنت
الفضة والذهب ،إذا أذبتهما بالنار ،لتميز الرديء من الجيد " .ويتضح معناها من قوله تعالى ( وَنَبْلُو ُكمْ بِالشّرّ
حسِبَ النّاسُ ،أَنْ يُتْ َركُوا ،أَنْ َيقُولُوا ءَامَنّا ،وَ ُهمْ لَ وَا ْلخَيْرِ فِتْ َنةً ( 35النبياء ) ،وقوله تعالى ( الم (َ )1أ َ
ُيفْتَنُونَ ( )2وَ َلقَدْ فَتَنّا الّذِينَ مِنْ قَبْ ِل ِهمْ ،فَلَ َيعْ َلمَنّ الُّ الّذِينَ صَدَقُوا ،وَلَ َيعْ َلمَنّ الْكَاذِبِينَ ( … ) 3وَلَ َيعْ َلمَنّ الُّ
الّذِينَ ءَامَنُوا وَلَ َيعْ َلمَنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ ( 11العنكبوت ) ،ليكون معنى الفتنة ،هو المتحان والختبار ،ويكون ذلك
بالبتلء بالشر أو بالخير ،ليعلم ال الصادق من الكاذب ،وليعلم المؤمن من المنافق .
والملحظ في اليات أعله ،أن المخاطب في الية ( ) 35من النبياء ،هم المعاصرين لرسالة السلم ،وأن
الحديث في الية ( ) 2من العنكبوت ،كان عن الناس إجمال وبشكل عام .أما قوله ( ولقد فتنا الذين من قبلهم )
فالضمير ( هم ) يعود على المعاصرين لرسالة السلم ،والذين فتنوا من قبلهم ،هم كل من سبقت فتنتهم ،قبل
مجي السلم ،إذ لم يكن في هذه العبارة ،تحديد لقوام بعينها سبقت فتنتها ،فهي أسبقية زمانية ل مكانية .
وأما في سورة الدخان ،فيقول سبحانه وتعالى ( ،ولقد فتنا قبلهم ) ،وضمير الغائب ( هم ) في كلمة ( قبلهم ) ،
يعود حصرا على أصحاب الدخان ،الموعودين بالبطشة الكبرى ،وبمجيء التحديد لقوم بعينهم ،بقوله تعالى
( قوم فرعون ) ،تصبح أسبقية ( قوم فرعون ) لهؤلء الناس ،مكانية وزمانية في آن واحد ،ونلحظ هنا ،أن
الفتنة كانت للقوم بشكل عام ،إذ لم يقل سبحانه ( فرعون ) أو ( فرعون وقومه ) أو ( فرعون وملئه ) ،وإنما
قال ( قوم فرعون ) .
ليصبح المعنى ،بأننا قمنا بامتحان واختبار ،هؤلء القوم ( أصحاب الدخان ) ،فكان منهم ما كان ،من أمر
رسولهم ،ورسبوا في المتحان الذي قُدّم إليهم ،بمجيء محمد عليه الصلة والسلم ،الرسول الكريم ،وتبيّن لنا
وتأكّد أنهم كاذبون ،فاستحقوا بطشتنا الكبرى ،فبطشنا بهم ،كما كنا قد فتنا قبلهم في نفس الرض ،قوم فرعون
،ببعث رسولنا الكريم موسى إليهم ،فكذبوه وحاربوه واتهموه بالسحر والجنون ،فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر .
وهنا نفهم من قوله تعالى ( ،يغشى الناس ) ،بأن المقصودين هنا ،أناس بعينهم ل جملة البشر ،وحقيقة هؤلء
الناس موضحة ،في اليات بشكل ل لبس فيه ،وأهم ما يتميّزون به هو الكفر والنفاق ،وأن هذا الدخان
سيغشاهم كعذاب وليس كابتلء ،وذلك لكفرهم ونفاقهم ،مما ينفي أن هذا الدخان سيُبتلى به عامة البشر ،من
مؤمنين وكفار ومنافقين ،ويُفهم من قوله ( الناس ) ،أنه سيغشى عامة الناس المقيمين في المكان ،الذي أحدث
الناس فيه ،ما وصفته اليات أعله ،دون سائر البشر .
عوْ َ
ن أما الشارة الثانية للمكان فجاءت في قوله تعالى ( وَ َلقَدْ َنجّيْنَا بَنِي ِإسْرَائِيلَ مِنَ ا ْلعَذَابِ ا ْل ُمهِينِ ( )30مِنْ ِفرْ َ
… ) ،ونجاتهم كانت بخروجهم من مصر ،وذكر بني إسرائيل أيضا جاء هنا ،لشتراكهم مع الفراعنة بالفساد
والفساد في الرض ،وانعدام اليمان بال واليوم الخر ،ومحاربتهم ل ولرسله وأنبيائه والصالحين من الناس ،
قبل العلو وبعده ،فأنزل ال بهم العذاب تلو العذاب .
وقوله تعالى ( … إِنّ َه ُؤلَءِ … ) أصحاب الدخان … ( ،أَهْ َلكْنَا ُهمْ ،إِ ّنهُمْ كَانُوا ُمجْ ِرمِينَ ( ) 37وفيه تهديد
ضمني ،للمخاطبين بالقرآن ،من كفرة أمة محمد عليه الصلة والسلم ،بالهلك كما أُهلك الذين من قبلهم ،لما
فعلوا مثل فعلهم .
ترتيب المشاهد حسبما وردت في سورة الدخان :
253
المشهد الثالث :العودة لما كانوا عليه ،بل والمعان في التولي والعراض ،وأخيرا الساءة لرسول ال .
المشهد الرابع :البطشة الكبرى .
تساؤلت :
والسؤال الول :هل ظهر الدخان في مصر ،حيث مكان إقامة فرعون وقومه ؟
والسؤال الثاني :هل كان أهل مصر ( ،فِي شَكّ يَ ْلعَبُونَ ) ،قبل ظهور الدخان ؟
والسؤال الثالث :هل أمعن أهل مصر ،في التولي والعراض ،عما جاء به رسول ال عليه الصلة والسلم ،
بعد ظهور الدخان ( ،وَقَالُوا _ عنه _ ُمعَلّ ٌم َمجْنُونٌ ) أيضا ؟
254
فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين
في هذا الفصل ،سنعرض جانبا من مقالت ،أوردتها صحيفة الهرام المصرية ،تتحدث عن سحابة كثيفة من
الدخان السود ،غشيَت سكان القاهرة ،في الفترة الواقعة ،ما بين 1999 / 10/ 30 – 20م .
255
سحابة الدخان تتلشى نهائيا من فوق القاهرة خلل 48ساعة
25 ،أكتوبر 1999م ،السنة -124العدد 41230 الصفحة الولى /الثنين 16 /من رجب 1420ه
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/FRON13.HTM :
256
سر اختناق القاهرة !
25أكتوبر 1999م ،السنة -124العدد 41230 ، الثنين 16 /من رجب 1420ه تحقيقات /
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE1.HTM :
حرق حطب القطن وقش الرز ،مع خليط الغازات المركبة ،سبب سحابة الدخان .المواطنون :إصابات
بالنف والحلق ،وصعوبة في التنفس ،نتيجة للتلوث .مصدر أمني 5 :بلغات فقط حول حرائق المخلفات وتم
إخمادها .
257
ومن ناحية أخرى فقد أدت عمليات احتراق أحطاب القطن ،للقضاء على دودة اللوز ،وفقا للقرار الذي صدر
من مديريات الزراعة بالمحافظات ،بالعقوبات المقررة لمن يحتفظ بالحطب ،مما دفع الفلحين ،إلى سرعة
حرق الحطاب ،تنفيذا لقرارات وزارة الزراعة في الحقول .
ومن جانبه آثار المستشار صبري البيلي ،محافظ القليوبية ،مشكلة حرق حطب القطن في المزارع ،أمام وزيرة
البيئة ،ورئيس جهاز شؤون البيئة ،في اجتماع هذا السبوع .وقال المستشار البيلي ،أن القانون 4لسنة 1994
المادة ، 37بشأن البيئة ،يمنع منعا باتا حرق المخلفات والقمامة ومخلفات الحقول ،حتى ل يتلوث الهواء ،وفي
نفس الوقت ،يحتم القرار الوزاري على الفلحين ،حرق الحطاب .من هنا ،وقف المحافظ عاجزا ،عن
إصدار قرار بمنع الحرق ،أو الحرق في الحقول ! ومن ناحية أخرى ،تدرس وحدة البيئة والتنمية ،في
الصندوق الجتماعي ،الستفادة من دراسات عديدة ،أشارت إلى أهمية الستفادة ،من حطب القطن ،في
صناعات خشبية ،كأحد مقومات المشاريع الصغيرة ،التي يدفع بها الصندوق ،إلى السوق لتشجيع الشباب ،
على الدخول في هذه المشاريع التنموية .
ومن المعروف ،أن هناك 32محطة ،أقامتها الدانمرك في الرض المصرية ،لرصد حالة الهواء ،بالكاسيد
الزوتية الكبريتية والكربونية .وقد تم تركيب هذه المحطات ،لتغطي أرض الدلتا ،وهي تعمل لمدة 24ساعة ،
ويتم بها رصد حالة الهواء ومكوناته ،ولم نسمع أن أحدا ،فتح هذه المحطات ،ورصد ما بها من تسجيل ،وما
حدث من ملوثات ،بهواء الدلتا وعواصم مدنها .
وفي القاهرة الكبرى ،حوالي 40محطة لرصد الهواء ،وقد أقام المشروع المريكي ،لتحسين هواء القاهرة ،
حوالي 33محطة ،لرصد الذرات الصغيرة ،العالقة من 2.5جزء في المليون ،إلى عشرة أجزاء في المليون ،
كما تقوم برصد الرصاص ،وهناك 7محطات دانمركية ،تقوم برصد أول وثاني أكسيد الكربون ،وأول أكسيد
الكبريت ،والغازات الخرى ،ولم َتبُح هذه المحطات ،بأسرار ما حدث من تلوث ،في هواء القاهرة الكبرى
والدلتا والجيزة .
قام اليابانيون ،بإنشاء معمل مركزي ،تابع لجهاز شؤون البيئة ،ومعامل أخرى متنقلة ،لرصد حالة الجو عند
حدوث أزمة أو كارثة ،أو رد فعل لي شكوى ،ويشرف على المعامل جهاز شؤون البيئة ،ويديرها خبراء
مصريون ،وتدرب عليها الخبراء .
ومن المعروف أيضا أن المصادر الطبيعية ،لتلوث هواء القاهرة ،مصدرها بخار الماء الضار ،والبكتيريا
والفطريات والملح ،ونواتج الحتراق ذو النشاط الطبيعي .أما المصادر الصناعية .في تلوث هواء القاهرة
الكبرى ،فهي حرق الوقود والطاقة ،وعمليات النتاج الصناعي ،ووسائل النقل والقطارات والطائرات والسفن
..
ومن ناحية أخرى ،لم تنقطع التصالت التليفونية ،للمواطنين بالهرام ،طوال ليلة أمس الحد ،حيث اشتكوا
من وجود ،سحابة دخان كثيفة ،غطّت أجواء القاهرة ،خاصة منطقتي مدينة نصر ومصر الجديدة ،ومناطق
وسط البلد ومصر القديمة ،وأصابت الطفال وكبار السن بالختناق .
وتقول السيدة نجية الشال ،من سكان شارع مصطفى النحاس بمدينة نصر ،أن سحابة الدخان أصابتها وأطفالها
،بحالة اختناق ،حيث تعاني من حساسية في الصدر ،أدت إلى عدم قدرتها على التنفس ،رغم إغلق النوافذ
بالشقة ،وتتساءل هل عمال جمع القمامة هم السبب ،أم القائمون على حرق القمامة ؟! أم العمال المختصين ،
بجمع القمامة من الشوارع ،هم الذين أحرقوا هذه القمامة ،التي أدت إلى هذا الدخان الكثيف ؟! وتتساءل السيدة
نجية الشال ،أين وزيرة شؤون البيئة ،وأين القائمون على النظافة في بلدنا ..وكيف يتركون هذا المر دون
متابعة ،أدت إلى عدم قدرتها على التنفس ،رغم إغلق النوافذ بالشقة
ومن الروضة بالمنيل ،استغاث بنا محمد أبو سريع عبد الكريم ،قائل :ما هي حكاية الدخان الكثيف ،الذي
يمتد من حلوان إلى المعادي والمنيل والمهندسين ؟! ويقول أننا ل نستطيع التنفس ،ونكاد نصاب بحالة اختناق
شديدة .
258
أما السيدة سمر عمر محمود ،من سكان مدينة نصر ،فقد وصفت الدخان ،بأنه عبارة عن دخان ،ينبعث من
آبار بترول تحترق ،وليس دخانا عاديا ،ينبعث من مخلفات قمامة ،كما أن الجو الحار ،ساعد على حدوث
انقباض في حالة الجو ،جعلتنا ل نستطيع التنفس .
أحمد علي أبو الحسن ،مشرف اجتماعي بجامعة الزهر ،بمدينة نصر ،يقول إنه يشعر بحالة اختناق شديدة ،
وحرقان بعينيه ،لم يستطع معها ،البصار بصورة جيدة .
ومن جانبه أكد مصدر أمني بنجدة القاهرة ،بأن النجدة لم تتلق بلغات حرائق ،ليلة أمس ،عدا حريق محدود
شب في محطة بنزين التعاون ،بشارع قصر العيني .وذكر المصدر المني ،أن الدارة تلقت ليلة أمس ،
حوالي 5بلغات حريق في مخلفات قمامة ،وتم إخمادها فورا ،وأوضح أن الدارة تلقّت إشارة بأن الشبورة ،
التي أحاطت سماء القاهرة ليلة أمس ،كانت نتيجة حرق ،مخلفات محصول القطن والرز بالرياف .
وحول أسباب الظاهرة ،كتب عبد المجيد الشوادفي من الشرقية ،في محاولة سريعة وعاجلة ،لحتواء السباب
التي أدت إلى ظهور السحابة السوداء ،فوق سماء القاهرة ،وعدد من محافظات الدلتا ،نتيجة لقيام الفلحين
بحرق قش الرز المتخلف ،عن حصاد المحصول ،مما ترتب عليه ،حدوث اختناقات ،وإصابات في العيون ،
بين الكثيرين من أبناء ومحافظة الشرقية .
قرّر المحافظ الدكتور حسين رمزي كاظم ،تنفيذ عدة إجراءات ،للقضاء على هذه الظاهرة ،التي انتشرت في
مختلف مساحات الراضي المزروعة بالرز ،والتي تبلغ حوالي 150ألف فدان .وتم التفاق ،مع اللواء محمد
صادق أبو النور ،مساعد وزير الداخلية لمن الشرقية ،على تكليف رؤساء الوحدات المحلية ،بالقرى والمدن
ومأموري مراكز الشرطة ،بتنظيم حملت لخماد عمليات حرق قش الرز ،والستعانة بفرق الدفاع المدني ،
والحريق لطفاء النيران المشتعلة في الحقول ،وتحرير محاضر للمخالفين .
كما تم التفاق على تشكيل غرفة عمليات ،تضم ممثلين لجهزة الحكم المحلي والشرطة ،لمتابعة هذه العملية ،
وتجميع البلغات بشأنها .وتم إخطار وزارة الزراعة ،للبحث في إمكانية الستفادة ،من مخلفات محصول
الرز ،والتوصل إلى وسائل لستثمارها ،بما يعود بالنفع العام على المزارعين ،وحتى ل تتكرر هذه الظاهرة
مرة أخرى .
وكانت سحابة الدخان الكثيفة ،التي خيّمت على مدى اليام الماضية ،فوق محافظة الشرقية ،نتيجة حرق قش
الرز ،قد امتدت إلى مناطق متعددة ،في المحافظات المجاورة ؟ وغطّت الطرق الرئيسية التي تربط بينها ،
وبين الطرق الصحراوية ،مما أدى إلى إعاقة الرؤية ،أمام سائقي السيارات ،وعرضتهم إلى ارتكاب حوادث
التصادم .
ومن جانبه صرح المهندس محمود الجمل ،وكيل وزارة الزراعة بمحافظة الشرقية ،بأن عمليات حرق قش
الرز ،التي يقوم بها الفلحون ،وسط الحقول ،يستهدفون من ورائها ،زيادة نسبة التسميد للراضي ،حيث أن
مخلفات حريق القش ،تسهم في خصوبة الرض ،وارتفاع الخصوبة فيها ،نتيجة لما يحويه القش المحروق ،
من عناصر متعددة ومختلفة ،تؤدي إلى تحسين التربة الزراعية ،وترفع من إنتاجيتها ،في مختلف المحاصيل
التي تزرع فيها .
ومن القليوبية ،كتب أبو سريع إمام ،أكد المستشار ،أحمد صبري البيلي محافظ القليوبية ،أنه بالنسبة للشبورة
الملوثة ،الناتجة عن صرف مخلفات زراعة الرز ،فإنني اتخذت الجراءات ،منذ يوم 12أكتوبر ،وتمّت
إحالة بعض المخالفين والمتسببين ،في هذه الدخنة الملوثة ،إلى النيابة العامة ،طبقا لقانون البيئة ،والكثر من
ذلك ،بأنني قمت بعرض هذه المشكلة ،في مؤتمر حماية البيئة يوم 14أكتوبر ،برئاسة الدكتورة نادية مكرم
عبيد ،وزيرة الدولة لشئون البيئة .وأوضح محافظ القليوبية ،أنه طلب من وكيل وزارة الزراعة ،اتخاذ
الجراءات لوقف عمليات حرق مخلفات الرز ،فأكد أنه ل يوجد تعليمات ،بمنع الحرق بالراضي الزراعية .
ويقول المهندس عبد الحميد خاطر ،وكيل وزارة الزراعة بالقليوبية ،إن المحافظة غير مسموح لها بزراعة
الرز .وإنما زراعة هذا المحصول ،تمت على مساحة 21ألف فدان بالمحافظة ،وقامت أجهزة الري ،بعمل
259
محاضر لصحاب هذه الراضي ،لن أجهزة الري ،هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن تحرير محاضر ،
بالمخالفات لمزارعي الرز .
وأوضح اللواء محمود وجدي ،مساعد وزير الداخلية لمن القليوبية ،أنه تم على الفور عمل دوريات مرورية ،
ليلية ونهارية ،لمحاولة السيطرة السريعة ،للحد من عمليات الحريق ،حتى يتم بشكل منظم .
260
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/25/INVE4.HTM :
261
وتضيف :قمت بجولة جوية بالطائرة ،لمدة ثلث ساعات بعد استجابة فورية ،من المشير محمد طنطاوي وزير
الدفاع ،شملت القاهرة الكبرى ،في محافظات القاهرة والجيزة والقليوبية .وشاهدت حالت اشتعال ذاتي في
حوالي 7أو 8مواقع للقمامة ،في مناطق عشوائية ،وتلوث في جنوب القاهرة ،من بعض المصانع .كما
شاهدت حرق قش الرز ،ولفت نظري انتشار القمامة ،على أسطح المنازل .
من هنا أرجعت هذه السحابة الدخانية ،إلى تزامن عدة عوامل ،في آن واحد .فالنبعاثات التي تصدر من
الشتعال الذاتي للقمامة ،التي يلقيها الهالي بطريقة عشوائية ،نتيجة سلوك غير سوي ،مع استقرار الهواء
بدون رياح ،أدى إلى تعلّق دخان القمامة المشتعلة والقش المحترق ،والذي يقوم الفلحون ،بحرقه منذ سنوات ،
لكننا شعرنا بدخان هذا الحتراق ،نتيجة اتحاد العوامل السابقة معا .فالدخنة المعلّقة سبب شعورنا ،بأن هناك
شيئا يحرق في الهواء .
وأضافت د .نادية مكرم عبيد ،أنه سيتم إعداد برنامج تنفيذي ،للتعامل مع الحرق المكشوف .فقانون البيئة
يعطي للمواطن ،الحق في البلغ ،عن أية مخالفة بيئية في القسم ،وعلى ملوّث البيئة أن يدفع الثمن .وعلى
الرغم أن الوزارة ،ليست لديها شرطة بيئية ،إل أننا نعتمد في المحافظة على البيئة ،على 60مليون مصريا ،
فبعد تصريحات الرئيس حسني مبارك ،أن الحفاظ على البيئة أصبحت ضرورة ،وليست ضربا من الرفاهية .
وجهود السيدة سوزان مبارك ،في توعية المواطنين بذلك خاصة الطفال ،أصبحت البيئة على الجندة السياسية
،وقد لمست صحوة بيئية ،في آلف الشكاوي ،التي تتلقاها الوزارة من المواطنين .
وأوضحت أن قانون البيئة ،ينص على عقوبات لملوثي البيئة ،منها غرامة مالية ألف جنيه لحارق القمامة ،
وهذا المبلغ من وجهة نظر وزيرة البيئة ،مناسب لكن المشكلة في تنفيذ العقوبات ،وهي مهمة منوط بها الوزارة
والمحافظات ،والهم سلوك المواطنين ،والجمعيات الهلية ،وأجهزة العلم عليهم دور كبير لتحقيق
الستجابة المطلوبة ،من الموطنين ،للحفاظ علي بيئتهم .
وكما يقول د .أحمد نعيم البنداق ،المشرف على المجالس النوعية بأكاديمية البحث العلمي ،أن المحاور الرئيسية
،التي يجب أن تنتهجها الدولة ،لمعالجة مشكلة القمامة ،وكيفية الستفادة منها ،عن طريق دراسة مكونات
القمامة … ،ويؤكد د .أحمد نعيم على أن كل هذا ل يتم دون وضع التشريعات الخاصة بالنفايات ،بشكل عام ،
والتطبيق الذي تم إصداره بالفعل منها ،في قانون البيئة ،الذي صدر عام ، 94وعمل حصر للمؤسسات المختلفة
،لمتابعة تشريعات حماية البيئة من التلوث ،وكيفية الستفادة منها بشكل نافع .
أما الدكتور فوزي عبد القادر الرفاعي ،المشرف على قطاع تنمية التكنولوجيا والخدمات ،بأكاديمية البحث
العلمي ،فقد طرح نموذجا عمليا ،بوحدات تحول القمامة إلى سماد ،ثم بنائها ،وتعميمها بأيد مصرية ،وبتكلفة
أقل بكثير من مثيلها المستوردة … ،
ويقول د .شريف عيسى ،رئيس المركز القومي للبحوث ،أن هناك خطة قادمة لتطوير التكنولوجيا المصرية ،
في مجال تصنيع القمامة . … ،
ويوضح المهندس مدحت حسين ،مدير مصنع ( شبرامنت ) أحد المصانع الخاصة ،بتحويل القمامة إلى سماد
عضوي ،بمدينة شبرامنت أن هذا المصنع أُنشئ بسعة كلية 10أطنان قمامة يوميا . … ،
ومن جانبه أكد د .عبد الرحيم شحاته ،محافظ القاهرة ،أن سحابة الدخان ،التي غطت القاهرة ،ليست بسبب
القمامة ،فالمحافظة خصصت 18مليون جنيه سنويا ،لميزانية شركات القمامة ،وأن الدولة تقوم بدورها ،من
حيث توفير جهاز بمسئوليه ومعداته ،لنظافة القاهرة ،ولم تعد لدى إدارات مقالب القاهرة الرسمية أية محارق ،
إل أن المحافظة ،وكل الجهزة المعنية ،لن تستطيع أن تقضي علي القمامة في الشوارع ،فذلك يتوقف بنسبة
100%على سلوك المواطنين ،واستشهد محافظ القاهرة بسلوك المواطنين ،الذي يساعد على استمرار تلل
القمامة في الشوارع ،حيث إن 50%فقط من سكان القاهرة ،يتعاملون مع جامعي القمامة ،والباقي يرفض دفع
3جنيهات ،مفضل إلقاء مخلفاته على الجزيرة الوسطية في الشارع . ...
262
رئيس هيئة النظافة وتجميل القاهرة يُبرّئ مقالب القمامة ويتهم القش
تحقيقات /الثلثاء 17 /من رجب 1420ه 26 ،أكتوبر 1999م ،السنة -124العدد 41231
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/26/INVE2.HTM :
كتب عبد العظيم الباسل :أثارت سحابة الدخان الخانق ،التي غطت القاهرة ،أول أمس ،تساؤلت عديدة حول
أسبابها ..البعض أرجعها لحرق ،مقالب القمامة المنتشرة حول القاهرة ،وعلّلها البعض الخر ،بحرق بقايا
جذور نبات الرز ،في الحقول المنتشرة حول القاهرة الكبرى .
وأياً كانت أسبابها الحقيقية ،فقد انزعج العديد من الهالي ،التي أصابها احمرار بالعين ،وضيق بالتنفس
الصدري ،نتيجة لهذا الدخان الخانق ،الذي لف القاهرة .
من جانبه يؤكد اللواء مجدي البسيوني ،رئيس هيئة التجميل والنظافة بالقاهرة :إن هذه السحابة العالقة بسماء
القاهرة ،ل ترجع إلى حرق القمامة ،خاصة أن لدينا ثلث مقالب كبرى ،بالوفاء والمل والقطامية ودار السلم
،مساحة كلٍ منها 15فدانا ،ولم يتم حرق قمامة إحداها ،طوال اليام الثلثة الماضية ..فضل عن أننا ،قمنا
بالتفتيش على مقالب قمامة القطاع الخاص ،ووجدناها ل تعمل أيضا ،وقبل هذا وذاك ،فان رائحة حرق القمامة
مميزة ،وهي تختلف عن رائحة الدخان ،التي انبعث فوق القاهرة .
ومن هنا فقد تأكدنا ،وفقا لشكاوي المواطنين القادمين من الطرق السريعة ،والذين أكدّوا انهم فقدوا الرؤية على
الطرق السريعة ،نتيجة لنبعاث الدخنة من الحقول المجاورة ،على جانبي الطريق ،على غرار ما حدث في
العام الماضي ،خلل نفس التوقيت .وأضاف :من المعاينة ،تأكدنا من اشتعال 9مواقع في المساحة المحصورة
،من مزارع الرز ،بين الطريق الدائري والطريق الزراعي ،عند مدينة قليوب ،بالضافة لمساحات أخرى ،
كانت ظاهرة من طريق بلبيس الصحراوي ،باتجاه الخانكة . ...
263
عودة سحابة الدخان إلى سماء القاهرة
الصفحة الولى /الربعاء 18 /من رجب 1420ه 27 ،أكتوبر 1999م ،السنة -124العدد 41232
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/FRON1.HTM :
صورة ليلية :سحابة الدخان حجبت مباني القاهرة مرة أخرى مساء أمس
تجدد انتشار الدخان ،في سماء القاهرة الكبرى ،مساء أمس ،وتلقت الهرام اتصالت هاتفية ،من قاطني
الساحل وشبرا مصر ومصر الجديدة ،ومدينة السلم والعجوزة والمنيل والهرم ،بإحساسهم بتكاثر الدخان ،
وأنهم أغلقوا نوافذ مساكنهم .وصرحت الدكتورة نادية مكرم عبيد ،وزيرة شئون البيئة ،بأن كثافة سحابة
الدخان ،التي عادت إلى سماء القاهرة ،أقل مما كانت عليه مساء السبت الماضي ،حين بلغت ذروتها .وقالت
لمندوبي الهرام ،أنها في اجتماع دائم مع خبراء البيئة المصريين ،وبعض الخبراء من الدنمارك ،لرصد
وتحليل الدخنة الموجودة ،في سماء القاهرة الكبرى .وأكدّت وجود مرتفع جوي ،قادم من شمال الجمهورية ،
وأنه أدى إلى عدم تشتت الملوثات العالقة في الجو ،وزيادة شعور المواطنين بها ،في بعض مناطق القاهرة
الكبرى .وحذر الدكتور طارق صفوت ،رئيس قسم المراض الصدرية بجامعة عين شمس ،من أن هذه
السحابة ،تزيد مخاطر التهاب الشعب الهوائية للمواطنين ،وحدوث النزلت الربوية ،وحساسية جهاز التنفس .
ونفى مدير أمن القليوبية ،ما تردّد عن احتراق ،مخلفات أحد المصانع الكبرى ب ( بنها ) .
264
عودة الدخان الخانق ! طوارئ في وزارة البيئة لفك لغز السحابة السوداء
تحقيقات /الربعاء 18 /من رجب 1420ه 27 ،أكتوبر 1999م ،السنة -124العدد 41232
موقع الصفحة على شبكة النترنت هو www.ahram.org.eg/Arab/Ahram/1999/10/27/INVE1.HTM :
متابعة :عبد العظيم الباسل وناجي الجرجاوي وسالي وفائي وأشرف أمين
صورة ليلية
في حوالي الساعة السابعة والنصف مساء أمس 26 ،أكتوبر ،تلقت الهرام العديد من المكالمات التليفونية ،
تؤكد عودة سحابة الدخان مرة أخرى ،في مناطق الساحل وشبرا ومصر الجديدة ،ومدينة السلم والعجوزة
والمنيل والهرم .وقد أغلق المواطنون النوافذ لشعورهم بالختناق .وصرحت الدكتور نادية مكرم عبيد ،وزيرة
شؤون البيئة ،بأن سحابة الدخان الخانق ،عادت إلى سماء القاهرة بالمس ،ولكن ليست بكثافة السحابة ،التي
غطت القاهرة منذ ثلثة أيام .وقالت :أنها في اجتماع دائم ،مع خبراء البيئة المصريين وبعض الخبراء
الدانماركيين ،لرصد وتحليل الدخنة المنبثقة والمنتشرة ،في سماء القاهرة الكبرى .
وأشارت إلى أن التحليل المبدئي للدخنة ،أكد وجود نسبة عالية ،من الجسيمات العالقة والتربة الرفيعة ،ساعد
على انتشارها سكون الجو ،وعدم تحريكها بواسطة الرياح ،ومازالت أبحاثنا مستمرة للوصول إلى حقيقة هذه
الدخنة ،خلل ال 48ساعة المقبلة .وعلّلت عودة الدخنة إلى تضافر مجموعة من العوامل ،أهمها المسابك
والصناعات الملوثة للبيئة ،وحرق بقايا محصولي الرز والقطن ،في الحقول المجاورة للقاهرة .
أكدّت السيدة نادية مكرم عبيد ،أن استمرار ظهور الدخان المنتشر ،في سماء القاهرة الكبرى ،هو نتيجة وجود
مرتفع جوي ،قادم من شمال الجمهورية ،أدى إلى عدم تشتت الملوثات العالقة في الجو ،والتي شعر بها
المواطنون ،في بعض مناطق القاهرة الكبرى .وقالت الوزيرة إن الوزارة تقوم حاليا ،بالتعاون مع الجهزة
المعنية ،بمتابعة الموقف للتخفيف من تركيز تلك الملوثات ،حيث أشارت مصادر الرصاد الجوية ،إلى توقع
استمرار هذه الظاهرة لمدة 3أيام على القل .
ومن جانبه ،قال الدكتور محمود نصر ال ،مدير معمل تلوث الهواء بالمركز القومي للبحوث :إن حرائق
القمامة ،والملوثات الناتجة من العربات والصناعات الصغيرة ،ليست السبب الوحد في هذه الحالة المناخية ،
فهناك نوع من الركود للحركة الرئيسية والفقية للهواء ،هذا بالضافة إلى انخفاض سرعة الرياح ،وتغير
265
العوامل الجوية ،مما يؤدي إلى حالة من الحتباس الحراري ،لذلك يجب أن تشكل غرفة عمليات ،في مثل هذه
الحالت ليقاف الملوثات المنبعثة ( .تبريرات وتكهنات جديدة ) .
وشرح الدكتور محمود نصر ال مدير معمل تلوث الهواء ،أنه من المتوقع أن تكون الدخنة ( وليس من
المؤكد ) ،ناتجة عن احتراق وقود البترول أو القمامة ! هذه الدخنة عبارة عن جسيمات عالقة ،من الدخان
السود ،ثاني أكسد الكربون ،وثاني أكسيد الكبريت ،أول أكسيد الكربون ،وأكاسيد النيتروجين ،لذلك يجب أن
يكون هناك حل سريع وفوري ،وتشكيل غرفة عمليات ،لرصد مصادر التلوث ،وكل منطقة سكنية ،بها
محرقة أو مقلب زبالة ،يجب أن تبلغ الجهات المسؤولة ،مثل وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة ،حتى تخمد هذه
الحرائق فورا .
ويضيف الدكتور محمود نصر ال :إننا الن أمام احتمالين ،إما أن تنشط حركة الهواء مرة أخرى ،ويعود
المناخ لوضعه الطبيعي ،أو يستمر الوضع على ما هو عليه ،مما يؤدي إلى تركز الهواء ،وبالتالي تراكم
الملوثات ،والتي سيُضارّ منها ،مرضى الصدر والدورة الدموية والقلب .ويضيف الدكتور محمود نصر ال ،
أنه للسف ل توجد خريطة ،توضح مراكز التلوث بالقاهرة ،مثل المحارق وبعض الورش والمصانع ،والتي
من الممكن التحكم بها ،في مثل هذه الحالت بإيقاف مصادر التلوث ،بشكل تدريجي ومؤقت ،لحين عودة
الرياح لنشاطها .
ويضيف الدكتور محمود نصر ال :أن حادثا مشابها ،وقع في لندن عام ( 56المسؤول السابق قال أنه وقع عام
، ) 49حيث ازدادت كثافة السحب المعبأة بالملوثات ،مما أدى إلى إصابة العديد باللتهابات الشعبية ،وتطور
المر إلى مرحلة الختناق والوفاة .لذلك يطالب الدكتور محمود نصر ال ،بأن تتابع محطات الرصد ،التابعة
لجهاز شؤون البيئة ،تغيرات مكونات الهواء ،في كل منطقة ،وتحدد مصادر التلوث سواء كانت محارق أو
مصانع .ووقفها بشكل مؤقت ،لحين تحسن الحالة الجوية ،وعودة الرياح لسرعتها الطبيعية .
ومن جانبه أكد مجدي البسيوني ،رئيس هيئة النظافة وتجميل القاهرة :أنه قام بجولة ميدانية ،للوقوف على
مصادر انبعاث الدخنة ،من جديد ،فوجد أن المقالب الرسمية ،لم يحدث بها أي اشتعال للقمامة ،بينما لحظ
وجود الدخنة ،بكثافة في المناطق المتاخمة للراضي الزراعية ،على امتداد المشروع البلبيسي .وأجمعت
المصادر على أن الحرائق ،ل تزال مشتعلة في الحقول ،بمنطقة الخانكة والطريق الدائري .وطالب البسيوني :
بضرورة تحرك الرصاد والبيئة ،للكشف عن سر هذه الظاهرة ،التي تفاجئ القاهرة بين الحين والخر .
ومن جانبه أكد المستشار صبري البيلي ،محافظ القليوبية أنه بالمس فقط ،تم تحرير 35محضرا ،ب ( قها
وطوخ ) لحرق قش الرز المخالف ،والحملت مازالت مستمرة من الزراعة ،ومجالس المدن لمتابعة
المخالفين .مؤكدا أن سبب الدخان ،يرجع للرز المحترق ،من بعض المزارعين ،بمنطقة اللج والخانكة
بجوار الطريق الدائري .ونفى المستشار البيلي ،عدم حرق أي كاوتش كما تردّد عن أحد المصانع الكبرى .
ومن جانبه صرح د .محمد عطية الفيومي ،رئيس مجلس محلي محافظة القليوبية :بأنه ل توجد حرائق في
المنشآت الموجودة ،على أرض المحافظة ،حتى الساعة التاسعة ،مساء الثلثاء 26أكتوبر ،ولم تتلق النجدة أو
المطافئ ،أية بلغات في هذا الخصوص ،إل أنه قد توجد بعض حرائق ،يشعلها بعض المزارعين للمحاصيل
المنتهية ،لكنها ل تخرج عن كونها ،حرائق محدودة الثر ،وغير ذات تأثير .وعلى الجانب الخر ،لم يشعر
سكان القليوبية بالدخان ،الذي شعر به سكان القاهرة ،ولم تتغير طبيعة المناخ ،ول رائحة الجو ،عن المور
المعتادة ( بالرغم من أن الحرق يتم في القليوبية ،وهي تبعد عن القاهرة 25كم ) .ونفى مدير أمن القليوبية ،ما
تردّد عن احتراق مخلفات أحد المصانع الكبرى ب ( بنها ) مسببة الدخان ،الذي غطّى سماء القاهرة .
267
وكان بيان لهيئة الرصاد ،قد أعلن :أن العاصمة تأثرت أمس ،بمرتفع جوي أدى إلى تباطؤ سرعة الرياح .
كذلك أكدت الوزيرة :ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة ،حتى يمكن التخفيف من حدة تلك الظاهرة ،بما في ذلك
التنبيه على المصانع الكبرى ،حول القاهرة الكبرى ،للعمل على التقليل من حدة النبعاثات الملوثة ،خلل اليام
القليلة المقبلة ،وقيام الجهزة المعنية ،باليقاف الفوري للنشطة العشوائية الملوثة ،مثل الجيارات والفواخير ،
والمسابك ومصانع الطوب والحرق المكشوف ،أيا كان مصدره ،وقيام أجهزة الشرطة ،بمنع سير السيارات ،
التي ينتج عنها عادم كثيف ،تطبيقا لحكام قانون المرور .
268
مشكلة الدخان وتطوير مطار القاهرة
الصفحة الولى /السبت 21 /من رجب 1420ه 30 ،أكتوبر 1999م ،السنة -124العدد 41235
لحظ المواطنون ،أن المصائب توالت علينا ،منذ إعلن النقلب الوزاري الخير ،بدءا من اختطاف طائرة
بسكين ،وانهيار بعض المدارس ،ثم انتهاءً بالسحابة السوداء الغامضة ،والسقوط المروع للطائرة المصرية ،
في المياه المريكية ،وهذه الملحظة عن تتابع المصائب ،صحيحة بالقطع ،وقد استنتج الناس أن الوزارة
( وشّها نحس ) .
إل أننا ل نتفق طبعا ،مع هذا التفسير ،ومن واجبنا أن ننتبه ،إلى ما جرى ،أخطر كثيرا من كونه مجرد أحداث
متفرقة ،تتابعت بسبب النحس .
ونحن في تحليلنا نُفرّق بين نمطين من الحداث ،الول له أسبابه المحلية الظاهرة ،ومثل ذلك اختطاف الطائرة
بالسكين ،وسقوط المدارس ،وما سبقه من تصادم القطارات ،وتهاوي ركابها فوق القضبان ،فمثل هذه
الحداث ،كوارث داخلية في أسبابها ومغازيها ،فهي تكشف عن مدى النحطاط ،الذي بلغه جهازنا الداري ،
الذي ل يعرف كيف يُنظم العمل ، ،ول كيف تتم الصيانة والمتابعة ،والذي أصبح ل يعرف العقاب الفوري ،
للمهمل والفاسد .ويتفرّع عن هذا ،كل ما يُعانيه المواطن ،من ظلم وإذلل ،لدى تعامله مع أية مصلحة حكومية
.
إل أنني أُركّز هنا على النمط الثاني ،من المصائب التي اجتاحتنا ،والذي يتمثّل في السحابة السوداء ،وفي
سقوط الطائرة في المياه المريكية ،وسأضيف أيضا ،التهديد باستقلل جنوب السودان .
269
لغز السحابة السوداء :
بالنسبة للسحابة السوداء ،مؤكد أن هناك إجماعا ،على رفض التفسير الرسمي المعلن ،بحكاية مقالب الزبالة ،
وحرق قش الرز وما شابه … طبعا لو صحّ التفسير ،لكان سببا إضافيا لعزل ( يوسف والي ) !! ولكننا ل
نصدّق مثل غيرنا هذا التفسير ،المتهافت والمهين للعقول ،ونحن ل نتسقّط أسبابا ،لعزل ( والي ) ،فوالي مش
ناقص ،والتهامات الخرى الثابتة في حقه ،تكفي وزيادة ،للطاحة به ومحاكمته .
ولكن مع الرفض الجماعي ،لعلن الحكومة عن حكاية قش الرز ،حاول الناس أن يتوصلوا بمعرفتهم ،
للسباب الكثر احتمال ومنطقية ،لحكاية السحابة السوداء ،وفي سعيهم هذا ،حاولوا أن يرصدوا أي تغيّر جديد
،يربطونه بنشوء هذه الظاهرة ،المفاجئة وغير المألوفة ،فلم يجدوا أمامهم إل مناورات النجم الساطع ،وانتشر
بين الناس أنها السبب ،وهذا التفسير للظاهرة العجيبة والمؤذية ،يُعبّر في تقديري عن اتجاه سليم في التحليل ،
فهو من ناحية يعكس وعيا شعبيا عميقا ،في التعامل مع الحلف الصهيوني المريكي ،على أمننا ووجودنا …
ومن جهة أخرى ،فقد خمّن الناس ،أن لجوء الحكومة إلى كذبة مفضوحة وسخيفة ،يُخفي حرجها من إعلن
السبب الحقيقي ،لمأساة السحابة السوداء ،فتأكد عندهم ،أن مناورات النجم الساطع ،قد تكون السبب ،المُثير
للحرج .
وقد ذكرت ،أن ما وصل إليه جمهور الناس وخاصتهم ،يُعتبر تحليل في التجاه الصحيح ،ولكن قد ل تكون
مناورات النجم الساطع ،بالذات مسؤولة ،وبشكل مباشر عن هذه الظاهرة ،إذن كيف حدثت ؟ ل أستبعد أن
تكون الحكومة عاجزة مثلنا ،عن المساك وبالدليل ،بالسبب الحقيقي لمصيبة السحابة السوداء ،ول غرابة في
قولي هذا ،فمن الثابت الن ،أن ترسانة العداء ،في مجال الحرب البيولوجية والكيمائية ،فيها الكثير من
الطلسم والسرار ،التي يصعب فهم كنهها ،وفيها تنويع هائل ،فبعضها يُمكن أن يقتل ،والبعض الخر يُمكنه
اليذاء ،دون القتل ،وحسب الدرجة المطلوبة … ،وفي كل الحوال ،فإن الميزة العظمى لهذه السلحة السرية
،أنها تُحدث فعلها المدمر ،دون أن تتمكن الضحية ،من معرفة السبب أو من التثبت ،من نوع الوسائل ،التي
حملت إليها أسلحة القتل واليذاء .
( ويسهب الكاتب قليل ،في الحديث عن السلحة السرية ،ويضرب قصة المحاولة السرائيلية الفاشلة ،لغتيال
خالد مشغل ،واستخدام اليورانيوم المستنفذ في العراق ويوغسلفيا ،ومنتجات الهندسة الوراثية في الغذية ،
ومن ثم يختم كل ذلك بقوله ) :
في إطار ما سبق ،لم ل تكون سحابتنا الغامضة ،ضمن وسائل الحرب السرية ؟! ول يعني هذا ،أن ما جرى
كان بالضرورة ،في إطار أسلحة البادة الشاملة ،فقد ذكرت أن أسلحتهم ،أصبح فيها درجات متصاعدة من
اليذاء ،الذي قد ل يصل في كل الحالت إلى القتل .
إنّ البتلء الذي مثّلته السحابة السوداء الغامضة ،قد يكون مجرّد إشارة تحذير ( لقد أصاب الكاتب هنا كبد
الحقيقة ،وهي كذلك ) ،وشدّ للذن ،فالدولة قد تتوصل إلى نفس الستنتاج الذي وصلناه ،وهذا في ظنهم يكفي
– مع ضغوط أخرى -لكي تخضع الدولة ،وتُنفّذ ما يُطلب منها ،خوفا من تكرار الظاهرة وتصاعدها ،إن
الدولة قد ل تتمكن من تقديم ،أدلة قاطعة ،تثبت وقوع الجريمة ،وإن كانت ترجح قيامها ،ولكن هذا الغموض ،
هو ما يُميّز الشكال الجديدة ،للحروب الكيماوية والبيولوجية ،والتي يُمكن أن تحقق ما يستهدفه القصف النووي
بالصواريخ ،ولكن دون ضجيج ودليل … انتهى .
* صحيفة الشعب ،والتي أُخذ منها هذا المقال ،موقوفة عن العمل ،من قبل الحكومة المصرية .
270
قراءة سريعة في مقالت الهرام والشعب
صحيفة الهرام
الدخنة والغازات والروائح النفاذة … ظاهرة غريبة بحاجة إلى تفسير … سحابة دخان كثيفة … الدخان الكثيف
… السحابة العالقة بسماء القاهرة … دخان ينبعث من آبار بترول تحترق ،وليس دخانا عاديا … بأن هناك شيئا
يحرق في الهواء … هذا الدخان الخانق … وبالنسبة لدخان السحابة الخيرة ،فقد اتسم بالكثافة ،ووجود رائحة
نفّاذه مصاحبة له .تقول د .نادية مكرم عبيد وزيرة البيئة ،إنها رصدت سحابة الدخان ،وشعرت بها مثل كل
المواطنين ،وأدركت أن هناك شيئا غير طبيعي ،في الهواء منذ عشرة أيام … لغز السحابة السوداء .
مدى انتشار الدخان :
تعرضت سماء الدلتا والقاهرة حتى الجيزة ،لتلوث هوائي شديد … غطّت أجواء القاهرة ،خاصة منطقتي مدينة
نصر ومصر الجديدة ،ومناطق وسط البلد ومصر القديمة … الدخان الكثيف ،الذي يمتد من حلوان إلى المعادي
والمنيل والمهندسين … نتيجة لهذا الدخان الخانق ،الذي لف القاهرة ...فوق سماء القاهرة ،وعدد من
محافظات الدلتا … التي خيّمت على مدى اليام الماضية ،فوق محافظة الشرقية … تجدد انتشار الدخان ،في
سماء القاهرة الكبرى ،مساء أمس ،وتلقت الهرام اتصالت هاتفية ،من قاطني الساحل وشبرا مصر ومصر
الجديدة ،ومدينة السلم والعجوزة والمنيل والهرم ،بإحساسهم بتكاثر الدخان .
الضرر النفسي والجسدي الذي أحدثه :
اختناق القاهرة ،الذي استمر لثلثة أيام متتالية … وأياً كانت أسبابها الحقيقية ،فقد انزعج العديد من الهالي …
،تسبب في حالة من القلق ،بين سكان القاهرة … أثار ذعر السكان … بعدم المبالغة في قلق ،ووصف
الحدث ،بالكارثة …
العراض المبدئية للتعرض لها ،تشمل التهاب العيون ،والنف والذن والصدر والحلق ،وصعوبة في التنفس
… وسبّب بعض حالت الختناق … أزمات تنفسية ،نتيجة لزمتة الهواء ،وغياب الوكسجين الكافي ،
وأصابت الطفال وكبار السن بالختناق … عدم القدرة على التنفس ،رغم إغلق نوافذ الشقق … ل نستطيع
التنفس ،ونكاد نصاب بحالة اختناق شديدة … أصيب بحالة اختناق شديدة ،وحرقان بعينيه ،لم يستطع معها ،
البصار بصورة جيدة ...وغطّت الطرق الرئيسية ،مما أدى إلى إعاقة الرؤية ،أمام سائقي السيارات ،
وعرضتهم إلى ارتكاب حوادث التصادم ...وقد أغلق المواطنون النوافذ لشعورهم بالختناق .
ويقول د .محمد عوض تاج الدين ،أستاذ المراض الصدرية ،ونائب رئيس جامعة عين شمس … :وبالنسبة
لدخان السحابة الخيرة ،فقد اتسم بالكثافة ،ووجود رائحة نفاذه مصاحبة له ،مما أحدث تهيجا في الغشية
المخاطية ،للعين والنف ،لمن تعرضوا له ،وأدى ذلك إلى إصابتهم ،بضيق في التنفس ،نتيجة تهيج هذه
الغشية ،فارتفع عدد الحالت المصابة ،وزاد عدد المتردّدين على أقسام الصدر ،بالمستشفيات العامة
والخاصة .
السباب المحتملة :
ثلثة احتمالت :حرق المخلفات الزراعية ،حرق القمامة ،عوادم السيارات … أثارت سحابة الدخان الخانق ،
التي غطت القاهرة ،أول أمس ،تساؤلت عديدة حول أسبابها ..البعض أرجعها لحرق ،مقالب القمامة المنتشرة
حول القاهرة ،وعلّلها البعض الخر ،بحرق بقايا جذور نبات الرز .
271
مقالب الزبالة بريئة من التهمة :
من جانبه يؤكد اللواء مجدي البسيوني ،رئيس هيئة التجميل والنظافة بالقاهرة :إن هذه السحابة العالقة بسماء
القاهرة ،ل ترجع إلى حرق القمامة .ليُبرّئ مقالب القمامة ،ويتهم القش .
أما المزارعون فقد برّءوا القش بحجج منطقية ،بالضافة إلى أن دخان حرق القش والخشاب ،ذو لون
أبيض ،ورائحة خاصة ومميزة ،من الممكن احتمالها ،تختلف عن دخان حرق المواد البترولية ،ذو اللون
السود ،والرائحة النفاثة ،وكذلك تختلف عن دخان حرق القمامة ،ذو اللون القل سوادا ،والرائحة الكريهة .
المختص ل يعرف الحقيقة ،ويُبرّئ القش ويتهم القمامة :
وشرح الدكتور محمود نصر ال ،مدير معمل تلوث الهواء ،أنه من المتوقع أن تكون الدخنة ( وليس من
المؤكد ) ،ناتجة عن احتراق وقود البترول ! ،أو القمامة ! هذه الدخنة عبارة عن جسيمات عالقة ،من الدخان
السود :
.1ثاني أكسد الكربون ،
.2وثاني أكسيد الكبريت ،
.3أول أكسيد الكربون ،
.4وأكاسيد النيتروجين .
لذلك يجب أن يكون هناك حل سريع وفوري ،وتشكيل غرفة عمليات ،لرصد مصادر التلوث ،وكل منطقة
سكنية ،بها محرقة أو مقلب زبالة ،يجب أن تبلغ الجهات المسؤولة ،مثل وزارة البيئة وجهاز شؤون البيئة ،
حتى تخمد هذه الحرائق فورا .
وبما أنه ل يوجد حقول نفط تحترق في القاهرة ،نجد أن هذا المختص ،يُبعد الشبهة عن القش ،ويعزوه لمقالب
القمامة ،والتي أكد المسؤولون ،أنها موقوفة عن العمل منذ مدة ،وأنها ليست السبب .
عودة الدخان … ول حرائق تؤخذ بعين العتبار … ؟!
ل الجراءات الحترازية والحتياطات اللزمة ،التي اتخذت على الرض ،بمنع الحرائق في القاهرة ورغم ك ّ
وما حولها ،يعود الدخان بنفس الكثافة ،ويبقى عالقا في سماء القاهرة ،ليدبّ الذعر والرعب ،بين سكان
القاهرة ،من جديد ،في ليل 1999 / 10 / 26م ،ليصبح لغزا غامضا ،ل يقبل تبريرا منطقيا ،ول يجد تفسيرا
علميا .
وقالت الوزيرة :أنها في اجتماع دائم ،مع خبراء البيئة المصريين وبعض الخبراء الدانماركيين ،لرصد وتحليل
الدخنة المنبثقة والمنتشرة ،في سماء القاهرة الكبرى .وأشارت إلى أن التحليل المبدئي للدخنة ،أكد وجود
نسبة عالية ،من الجسيمات العالقة والتربة الرفيعة ،ساعد على انتشارها سكون الجو ،وعدم تحريكها بواسطة
الرياح ( كمن فسّر الماء بعد الجهد بالماء ) ،وما زالت أبحاثنا مستمرة للوصول إلى حقيقة هذه الدخنة .
أي بالرغم من كل محطات الرصد ،التي عدّدها أحد المقالت أعله ،لم تستطع الوزيرة وخبرائها الدنمركيين
من معرفة أسبابها .
ونفى المستشار البيلي ،حرق أي كاوتش ،كما تردّد عن أحد المصانع الكبرى .
ومن جانبه صرح د .محمد عطية الفيومي ،رئيس مجلس محلي محافظة القليوبية :بأنه ل توجد حرائق في
المنشآت الموجودة ،على أرض المحافظة ،حتى الساعة التاسعة ،مساء الثلثاء 26أكتوبر .
272
اهتمام على مستوى رئاسة مجلس الوزراء :
تلقى الدكتور عاطف عبيد ،رئيس مجلس الوزراء ،تقريرا شامل ،مساء أمس ،من الدكتورة نادية مكرم
عبيد ،وزيرة الدولة لشؤون البيئة ،حول ظاهرة الدخان الكثيف ،الذي غطى سماء القاهرة ،منذ يوم السبت
الماضي ،وعاد إلى الظهور ،يومي أمس وأمس الول .وقال عبيد :أنه سيتم بحث هذا التقرير ،بشكل تفصيلي
،لمعرفة أسباب تلك الظاهرة ،وكانت الهرام ،قد تلقت طوال ليلة أمس ،سيل من الشكاوي حولها ،من
عشرات المواطنين ،الذين يشكون من الختناق ،وعودة الدخان إلى الظهور بشكل كثيف ،في أنحاء متفرقة من
القاهرة .
إحدى الحقائق المرعبة ،على لسان وزيرة الدولة لشؤون البيئة :
وصرحت الدكتورة نادية مكرم عبيد ،وزيرة الدولة لشؤون البيئة ،بأن معدلت تلوث الهواء ،وصلت أخيرا
إلى 300ميكروغرام في المتر المكعب ،بما يتجاوز أربعة أضعاف نسب التلوث المنية .
فكيف وصلت نسبة التلوث بالدخان ،إلى هذه الدرجة بين عشية وضحاها … ؟! ولماذا لم تُطلع الوزيرة
وخبراء الرصد الشعب المصري ،على تقارير التحليلت المخبرية ،أثناء حدوث الظاهرة أو بعد انتهائها ،
واقتصرت على تبريرات وتفسيرات ،أشبه ما يكون بحكايا جدتي .
وكما تطيّر فرعون وقومه بموسى ومن معه ،لما كان ينزل بهم العذاب ،تطيّر أهل مصر ( بالوشّ النحس )
للوزارة الجديدة ،وكان جواب رب العزة لهل مصر القدماء ( َألَ إِ ّنمَا طَائِ ُر ُهمْ عِنْدَ الِّ ،وَ َلكِنّ َأكْثَرَ ُهمْ لَ
َيعْ َلمُونَ ) .
الوصاف التي أطلقتها الصحيفة على ظاهرة الدخان :
الظاهرة العجيبة والمؤذية ،المفاجئة وغير المألوفة ،مأساة السحابة السوداء ،مصيبة السحابة السوداء ،سحابتنا
الغامضة ،السحابة السوداء الغامضة .
هي ابتلء ونذير شؤم لهل مصر ؟!
وتخلص الصحيفة إلى القول :إنّ البتلء الذي ،مثّلته السحابة السوداء الغامضة ،قد يكون مجرّد إشارة
تحذير ،وشدّ للذن .
وهنا أصاب كاتب المقال كبد الحقيقة ،نعم هو تحذير وإنذار نهائي ،ولكن من قبل من … ؟!
273
بل هم في شك يلعبون
* النصوص الكاملة لمادة هذا الفصل ،تجدها على موقع باسم ( ملف وليمة لعشاب البحر ) ،على شبكة
النترنت على العنوان :
، www.mohammadabbas.com/books/alwaai/alwaai8.htmأو العنوان :
www.alshaab.com/GIF/31-08-2001/Walima.htm
مقتطفات ،من مقالت د .محمد عباس في رواية وليمة لعشاب البحر :
صحيفة الشعب ، 28/4/2000 :عنوان المقال :
ل إلـه إل ال ..
" ل إل ه إل ال … بكيت …لم يكن طول الجرح بالمسافة بل بالزمن ..جرح طوله ألف وخمسمائة عام ..
صرخت :تبت أيديكم ..أيما كنتم ..وأينما كنتم ..وأيما أنتم ..وأيا كان من وراءكم ..يا كلب النار يا حطب
جهنم ...
أمسكت بال هاتف واتصلت بصديق كي أبثه همي … استطعت بعد جهد جهيد ،أن أقرأ للصديق بعض الجمل ،
التي انصبت على جسدي كالنار ..كرصاص منصهر ..طفحت من كتاب داعر فاسق فاجر كافر ..طبعته لنا
ونشرته بيننا ،وزارة الثقافة المصرية ..وليس السرائيلية ول المريكية …
حرون هو القلم في يدي ..وقلبي ل يطاوعني ،أن أنقل لكم الكلمات الفاسقة الداعرة الكافرة ،التي أوردها كتاب
فاسق داعر كافر ..نشرته هيئة ،لبد أن تكون فاسقة داعرة كافرة ،تحت رئاسة مسئول ،لبد أن يكون داعرا
فاسقا كافرا ..
إليكم ما طبعته ونشرته وزارة الثقافة المصرية " :وهؤلء يهمشون التاريخ ،ويعيدونه مليون عام إلى الوراء ،
في عصر الذرة والفضاء والعقل المتفجر ،يحكموننا بقوانين آل هة البدو ،وتعاليم القرآن ..خ راء "..
ل إل ه إل ال ..ل إل ه إل ال ..ل إل ه إل ال ...
صرخت في نفسي :كيف يا صفيق قرأتها فلم تمت الفور ..كيف ؟! …
274
تراءى لي الرسول ،صلى ال عليه وسلم ،يناظرني معاتبا ،يوم القيامة ،فصرخت من الخجل …
تراءى لي الزبير بن العوام ،يهتف صارخا في حروب الردة :من يبايعني على الموت ...
تراءى لي مليين وملين من الشهداء والصابرين ..بذلوا حياتهم واحتسبوا صبرهم ،لتقديس اسم ال ،ورفع
كلمته ..ثم أتى الشيطان ،ليكتب ما يسميه كتابا ،تعتبره وزارة الثقافة المصرية – وهى الخرى شيطان -أدبا ،
فتنشره على الناس كي تنوّرهم ...
وزارة الثقافة المصرية في بلد الزهر ،وصلح الدين وقطز وخالد السلمبولي ،تنشر يا قراء كتابا ،يدعى
أنه رواية ،يقول :أن القرآن خ راء ..ثم ل يلبث أن يقول :إخرأ بربك …
ل إل ه إل ال … أول مرة ألقى مثل هذا اللم في حياتي ..
ول حتى ،استدراجنا كقطيع من الخراف ،إلى مقتلة الخليج ..حين اندفع بالشرك والغباوة والخيانة والجهل
والنفاق ،نصفنا يقتل نصفنا ..كقطيع ..قطيع من الخراف ،يندفع إلى المجزرة ،وهو فرح بها نشوان ..
ول حتى ،عندما حمل السادات ،كفننا وكرامتنا وتاريخنا ،ليذهب مذموما مدحورا إلى القدس ..
ول حتى مع الذبح اليومي ،الذي نشارك فيه للعراق ..ول حتى يوم موت أبى ..أبدا ..لم أشعر بمثل هذا اللم
...
القرآن ..خ راء …
ملذنا الخير ينتهك ويهان ...
كان صديقي ما يزال على ال هاتف … وكنت ما أزال أبكى ،وأنا أقرأ له ،مما نشرته وزارة الثقافة المصرية ..
رائدة التكفير ل التنوير " :ال قال انكحوا ما طاب لكم .رسولنا المعظم كان مثالنا جميعا ،ونحن على سنته ..
لقد تزوج أكثر من عشرين امرأة ،بين شرعية وخليلة ومتعة " ..
ثم يستطرد الكتاب الفاجر الكافر ،الذي يلبس عباءة رواية ،وليس برواية ،إل في عقول مخصية شاذة
مريضة ،سعت وتسعى إلى نشر الكفر والفاحشة ..يستطرد مجترئا على الذات الل هية ،ليقول " :إن رب هذه
الرض ،كان يزحف وهو يتسلل من عصور الرمل والشمس ،ببطيء السلحفاة " .
ويسوق في حوار فاجر كافر " :هو من صنع ربى ..ل بد أن ربك فنان فاشل إذن " ..
ل إل ه إل ال …
ويقول الفاجر بن الفاجر ،الفاسق بن الفاسق ،الكافر بن الكافر :مؤلفا وطابعا وناشرا ووزارة " :داخل هذه
الهواز التي خلقها الرب ،في الزمنة الموغرة في القدم ،ثم نسيها فيما بعد ،لتراكم مشاغله ،التي ل تحد في
بلد العرب وحدها ،حيث الزمن يدور على عقبيه منذ ألفي عام " .
و " أقام ال مملكته الوهمية ،في فراغ السماوات " ..
و " وخلع الجلد المتخلف والبالي ،الذي خاطه السلم فوق جلودنا القديمة " ..
و " إن حبل السرة ،ما يزال موصول مع الزمنة الرعوية ،وأزمنة عبادة ال الواحد القهار في السماء والرض
،وذلك الذي يقول للشيء ،كن فيكون " .
آه ينصدع لها القلب ،وينحطم الفؤاد ،وتنكسر الروح ...
برح الخفاء يا ناس ،وهذا وقت المفاصلة ،إما إيمان ،وإما كفر ...
للوهلة الولى ..والدوار يكتنفني ،قلت لنفسي :اذهب إلى الزهر على الفور ،واصعد منبره ،واصرخ :من
يبايعني على الموت ..؟!
ثم آخذ الرهط الذي يجتمع حولي ،وأتوجه بهم إلى قصر الرئيس مبارك ..عراة صدورنا ،نازفة قلوبنا ،دامعة
عزّل أيدينا ..نسأل ه ،والسؤال دم :ما هي الحدود بين السلم والكفر ..؟ ما هي التخوم بين التنوير
عيوننا ُ ،
275
والتعهير ..؟ ما هى الطخوم بين تجفيف المنابع ،والخروج من الملة ..؟ ما هى البيون ،بين أن تكون مصر
قائدة للتنوير حقا ،يرتضيها العرب والمسلمون ،وبين أن تكون قوادة ،للكفر والفسوق والعصيان ..؟
نهتف في ه :أنت ولى المر … وليس لنا أن نقيم الحد على الفجرة الكفرة الفسقة بأيدين ا …
تسلل إلى نفسي أمل ميت ..أن يكون ثمة لبس ،قد حدث أمام صحيفة السبوع ،عندما فجرت هذه الفضيحة منذ
أسابيع قليلة ..لعل الكتاب طبع في إسرائيل مثل ..وقلت لنفسي أن السلم يأمرني بالتثبت ..بحثت عن الكتاب
..ووجدته :
( وليمة لعشاب البحر ..حيدر حيدر ..سلسلة آفاق الكتابة ..العدد -35ال هيئة العامة لقصور الثقافة ..وعنوانها
كما هو مثبت 16 :أ شارع أمين سامي -قصر العيني – القاهرة ت – 3564842 – 3564841 :فاكس – 3564202
أما الطابع فهو :شركة المل للطباعة والنشر ،أما قائمة العار الدن سة ،المكتوبة على صفحات الكتاب الولى ،
فتجمع :رئيس مجلس الدارة :على أبو شادي ،أمين عام النشر :محمد كشيك ،رئيس التحرير :إبراهيم
أصلن ،الشراف الفني :د .محمود عبد العاطي ،مدير التحرير :حمدي أبو جلي ل ) ...
ل إل ه إل ال …
كنت أظن أني محتاج ،لقراءة الرموز بين السطور ،كي أكشف الشرك الخفي ..حتى جاء هذا الكتاب ،وفجرت
صحيفة السبوع قضيته …
ليس الشرك الخفي ،بل الكفر البواح ...
هو الخيانة ل ولرسوله ..هو الخيانة للمة وللوطن ..هي العمالة الصريحة المباشرة ،لمريكا وإسرائيل ...
هو التسلل إلى عقول أبنائنا ،لخراجهم من السلم تماما ،كما قال ( زويم ر ) ..هو نشر الباحية والسفالة
والشذوذ ،وقتل روح المة …
إن العار ل يلحق بوزارة الثقافة فقط ..فتضامن المسؤولية الوزارية ،يجعل مجلس الوزراء كله مسئول ،وكل
وزير مسئول ..ورئيس الوزراء مسئول ..و..
لكن الفاجر يكتب والفاجر ينشر أن "القرآن خ راء " ..و " خرا بربك " ..ثم يجد من يدافع عنه ..أما من وزير
يستقيل … ؟!
ل إل ه إل ال ...
يا جللة ملوك وفخامة رؤساء الدول السلمية ..لطالما تعاونتم على الثم والعدوان ..فتعاونوا ولو مرة للدفاع
عن القرآن ..اطلبوا الرئيس مبارك اليوم ..قولوا له أن ما نشرته وزارة الثقافة المصرية ،لم يذبح المسلمين في
مصر فقط ،بل في العالم السلمي كله ..من لم يفعل منكم ذلك ،فليأت ال يوم القيامة ،والقرآن خصمه … !
من كان منكم يحب ال والرسول ،فليدافع عن القرآن …
من كان منكم مذنبا ،فليكفر عن ذنوبه ،بالدفاع عن القرآن ..
يا شيخ الزهر ...ل إل ه إل ال … يا فضيلة المفتى … يا شيوخ الزهر ،ويا طلبة جامعة الزهر … يا
خطباء المساجد … ل إل ه إل ال ...
يا كل هيئة ومؤسسة وصحيفة في العالم السلمي … اكتبوا أنهم في بلد الزهر ،ينشرون أن القرآن خ راء …
يا شيخ يوسف القرضاوي … دافع عن القرآن بما أنت له أهل … إن المة تنتظر فتواك ،في كل مسئول عن
نشر هذا الكتاب … أصرخ فيك … أهتف فيك :مصر لم تعد بخير ..مصر لم تعد بخير ..مصر لم تعد بخي ر
… فالنجدة النجدة والغوث الغوث … فإنه الق رآن … ول إل ه إل ال …
يا سيادة الرئيس … أطفئ الفتن ة …
276
واعلم هدانا وهداك ال ،أن المر ليس أمر وزير فاسق ،أو وزارة فاجرة ،بل هو منهج مشرك تسلل إلى النظام
،مسئوليتك أمام ال أن تزيله ،وأن تحاربه ،حتى لو استشهدت دونه ..منهج مشرك ،ل يقتصر على وزارة ،
ول يقوم به مجرد أفراد ...
واعلم هدانا وهداك ال ،أن مثل هذا المنهج الفاجر ،هو الذي يغيب في السجون والمعتقلت ،عشرات اللف
من شباب ،لم يأخذوا عليهم ،سوى أن السلم دينهم والقرآن كتابهم ..بينما يرى ذلك المنهج الخائن الفاجر
الكافر العميل ،أن القرآن خ راء … وذلك ما ينقمونه عليهم …
واعلم هدانا وهداك ال ،أن أسوأ ما تفعل أن تكتفي ،بإقالة وزير أو تنحية مسئول ...
فالخطب أطم والمصيبة أعم ...
قل لي يا سيادة الرئيس :هل ترضى لعهدك – دون العهود جميعا – أن تصمه هذه الوصمة ..فالقرآن لم يتعرض
،لمثل ما يتعرض له الن ..أبدا ..ول حتى في عهد كرومر ..بل ،وحتى الفراعنة كانوا يقدسون كتب الدين ...
قل لي يا سيادة الرئيس :هل كانت الدولة تسكت ،لو أن من كتب هذا الكتاب ،أو طبعه ،أو نشره ووزعه ،كان
قد وضع النجيل ،أو التوراة ،مكان القرآن ؟! ..ما كانت الدولة لتسكت ..وما كنا نحن أيضا سنسكت ..
يا سيادة الرئيس :إنك مسئول عن هذه الفئة المنحرفة الشاذة ..مسئول أمام المة ،وأمام التاريخ ،وأمام ال ..
إن القانون في بريطانيا ،يحمي النجيل والتوراة ..وأخوتنا المسلمون هناك ،يجاهدون لمدّ مظلة الحماية إلى
القرآن ..فهل ترضى لنفسك ،أن نجاهد أمامك ،لسن قانون يحمي القرآن ؟! …
يا سيادة الرئيس :إنك كادح إلى ربك كدحا فملقيه ..وإني وال لمشفق عليك ،من أن تلقاه وهذه الفعلة الشنعاء
في كتابك ..توضع في ميزانك ..وما أثقلها ..ما أثقلها ..ما أثقلها !..
وإنني أناشدك يا سيادة الرئيس -أبيت اللعن -أن تطفئ لهيب الفتنة ،ببي ان يصدر عن الرئاسة اليوم ..بيان
استغفار إلى ال ..واعتذار إلى الم ة ..
فإن لم تفعل يا سيادة الرئيس … فإنني أرجوك :مر رجالك بقتلي … قتلة غلم أهل الخدود " .
* مقتطفات من مقال آخر ،د .محمد عباس ،صحيفة الشعب 5/5/2000 :م ،تصدير المقال :
الجريمة مستمرة ..
ثلثية الثقافة في مصر :
الجريمة مستمرة … وسوف تخطئون خطأ مروعا ،إذا ظننتم أنه مجرد كتاب داعر فاجر كافر أفلت ..وأن
المر قد ل يتكرر مرة أخرى ...
ليس مجرد الكتاب ،بل إنه المنهج ..منهج متعمد مقصود ..منهج أخطبوطي ،ينفذ بالضبط تعاليم المستشرقين
والمبشرين ،والستعمار في صورته الحديثة ..منهج يدرك ،أن أخطر ما في السلم والقرآن ،هو ذلك اليمان
اليقيني ،الذي يجعل من المسلمين بشرا ،يمكن أن يتفوقوا حتى على الملئكة ،ويجعل من المنافقين ،أشبه
بالخنازير والقردة ..وتلك هي النقطة ،التي تثير عجب وحنق المنافقين ،عندما يلحظون استعلءنا عليهم ،
مهما أدبرت عنا الدنيا ،وأقبلت عليهم ..استعلء البشر على الخنازير ..ولقد أدرك الغرب منذ قرون ،أنه هزم
في المواجهة المسلحة مع الحضارة السلمية ..وأنه ل سبيل أمامه ،إل إفراغ السلم من محتواه ..ولقد
277
استعان على ذلك حينا بالستعمار ،حتى اطمأن إلى أنه ربّى بيننا ،نخبة فاسدة مفسدة ،فتركها لتنوب عنه ..
وهم منا ،لكن قلوبهم قلوب ذئاب ...
ليس مجرد كتاب يا أمة ...الجريمة مستمرة ول إل ه إل ال …
الجريمة مستمرة … والثقافة في بلدنا تهدف إلى ثلثة أشياء ل تنسوها :
أن تكون حرية التفكير مرادفة للكفر ...
وأن تكون حقوق المرأة مرادفة للعهر ...
وأنه بعد نشر الكفر والعهر ،سيكون المجتمع السلمي ،قد غرق في غيبوبة ،فقد معها كل مناعة ..ليسهل
التطبيع بعد ذلك مع إسرائيل ،والنسحاق أمام الغرب ...
الجريمة مستمرة يا ناس ..وسأعرض عليكم على الفور ،نماذج ل تقل سفالة وبشاعة ،عما عرضت عليكم في
المقالة الماضية ...فلنتناول معا كتابا أخرجته وزارة الثقافة أيضا ،ال هيئة العامة لقصور الثقافة ( ،كتابات
نقدية ،العدد ، 97ديسمبر ، 99والكتاب معروض ،عند باعة الصحف ،وإن كنت أحسب أن السيد الوزير ،
الذي يطلقون عليه ( زين الرجال ) ،سوف يأمر بسحبه غدا ،قبل انتشار الفضيحة ..عنوان الكتاب :شعر
الحداثة في مصر ،وقائمة العار للهيئة المشرفة عليه ،هي ذات قائمة العار ،التي نشرناها في السبوع الماضي
،وعلى رأسها أيضا :علي أبو شادي ) ...
ولقد وفّر علينا إدوارد الخراط ،مئونة البحث في عشرات ،من إصدارات وزارة الثقافة المصرية ،لعشرات
الشعراء المصريين -وأغلبهم وال ليسوا شعراء ،وليسوا بشرا -حين استعرضها في هذا الكتاب 700 :صفحة
تقريبا ..وسعره خمسة جنيهات ..وتذكروا يا قراء ،أن هذه الكتب هي التي يخرءونها – إذا صح التعبير-
لتشكيل وجدان المة ...
فلندلف معا ،إلى كلمات السفالة والشذوذ والكفر البواح ..فلندلف دامعين إلى السخرية ،من الذات الل هية
والمرسلين ..فلندلف إلى محاكاة هازلة هازئة ،كمحاكاة مسيلمة الكذاب ..فلندلف إلى خيوط الشبكة ،التي
يصطادون بها المة ..إل أنني أجد لزاما عليّ ،أن أنبه القراء ،أن ما سيقرؤونه على الفور ،بالغ الفحش ،وأن
يبعدوه عن أيدي أبنائهم …
( لم نشأ أن نورد شيئا ،مما اقتبسه المؤلف من أمثلة ،على شعر الحداثة في مصر … حيث أن ما يطرحونه من
تصويرات وتشبيهات ،تقشّعر منها جلود الذين كفروا ،وهي ل تقل سفالة وانحطاطا ،عن الرواية السابقة ،بل
تفوقها أحيانا .تستطيع الطلع على ما لم نقم بإيراده هنا ،مما اقتبسه كاتب المقال ،وشيوخ الزهر في
تقاريرهم ،من نصوص ،على موقع الملف على شبكة النترنت ) .
ويستطرد الكاتب قوله :
لم ينته ال هزء بالقرآن ،ولكنني أكتفي – مؤقتا – بما ذكرت ،لننتقل إلى السخرية ،من الحاديث النبوية الشريفة
:
" زمليني أنا العاشق المرتبك " ..و" :دثريني وخلي نهودك تحرث قلبي بنصلين من وبر" ..و " :نمضي إلى
الوادي المقدس ،أنبياء آبقين ،نأمر بالمنكر ،وننهى عن المعروف ،دون أن نكظم الغيظ ،أو نعفو عن الناس "
( .مرجعية هذا الشاعر هي التوراة ،حيث أُتهم فيها النبياء بالفحش والكفر ) .
"دثريني دثريني ..ورطبي لي جبيني ..النار في عيوني ..والريح في يقيني " .
هذا هو تنوير وزارة الثقافة المصرية ،يا مسلمون ويا عرب ...هذا هو ما يحاربون به السلم ...
وأكثر من عشرين ألف معتقل ،يسومونهم سوء العذاب ،لنهم يقرءون القرآن …
ل إل ه إل ال …
278
يا عاطف عبيد ..هذا هو الفجر بعينه ..فُجر فاجر ،وعُهر عاهر ،ل يرعاه إل فاجر وعاهر ..وتذكّر ..أن من
ولّى أمر المسلمين فاجرا ،فهو فاجر مثله …
تصورت يا ناس أن نشر المقال ،سيسفر عن نسف ،كل مؤسسات وزارة الثقافة على الفور ..
لكن تصوّري ،كان أمل جهيضا في القلب ..وعلى العكس ..وجدت من المثقفين والنخبة ،من يدافع عن الكفر
البواح ...
لقد احتفظت حضارتنا ،بتراث أوغل في الفحش بل والكفر ..ونذكر أبي نواس والغاني ،والفرق المختلفة التي
زاغت عن السلم ..كان المجرى الرئيسي للنهر سليما ،ولم يكن يضره كثيرا ،أن يبول كلب أو خنزير فيه ..
لكن عندما يكون الماء راكدا ..وليس لدينا سوى كوب من الماء ،ونحن تائهون في البيداء في ال هجير ،فكيف
نسمح للكلب ،أن تبول في مائنا الخ ير ..
* مقتطفات من مقال آخر ،د .محمد عباس ،صحيفة الشعب 12/5/2000 :م ،تصدير المقال :
ل إلـه إل ال ..
يا سيادة الرئيس :الفتنة تطل ..فأطفئها ..
يا شيخ الزهر :دافع عن دين ال ..
يا فضيلة المفتي :صمتك مذهل ..
إن وزيرة في الحكومة المصرية ،هي التي صرحت أن %17من طالبات الجامعة ،قد تزوجن زواجا عرفيا ...
فكم يا ترى ؟! لم يحتجن إلى ورقة التوت المغشوشة ،يغطين بها سوءاتهن ...
ولماذا نندهش لذلك ،إذا كانت مطبوعات وزارة الثقافة ،تتدنى حتى تنشر الفسق والفجور ،وتصف بعهر ،كل
ما يهدم القيم والثوابت ...
لماذا نندهش ،عندما تتحدث بعض الدراسات ،إلى أن أكثر من % 50من طلب الجامعة ،يتعاطون البانجو
( مخدر ) ...
وبرغم ذلك كله ،فإن اعتراضنا على تشبيه القرآن بالخ راء ،لم يتركّز على المؤلف ،ول على روايته ..
فليذهب إلى الجحيم ،ما دام قد اختار الطريق إليها ..لقد انصب اعتراضي ،على قيام وزارة الثقافة المصرية ،
بإعادة نشر الرواية في مصر ..والرواية التي تباع في السواق ،بثلثين أو أربعين جنيها ،دعمتها وزارة الثقافة
،حتى بيعت بأربعة جنيهات ..هل هذا هو الفكر ،الذي ننقله ونعلمه لبنائنا …
نعم ..كذب المسؤولون في وزارة الثقافة ،وكانت مجلتهم وصحفهم تكذبهم ..لقد صرحوا بأن الرواية مسموح
بها ،في كل الدول العربية ...
لكن أخبار الدب :تذكر بالنص على لسان حيدر حيدر " :عشت في بيئة تحاربني ،على المستوى الديني ،ول
يقولون أنني علماني ول عقلني وتنويري ،بل يقولون ملحدا "
ويسألونه :هل كنت تجد صعوبة في نشر أعمالك ؟ فيجيب " :صعوبة شديدة جدا … فقد عشت أنا وكتبي ،في
حالة منع مستمر ،من بلد عربية كثيرة " …
اقرءوا أيضا في نفس العدد من أخبار الدب ،تعليق الستاذ محمود أمين العالم " :أخذت أقلب بين يدي رواية ،
وليمة لعشاب البحر ،أو نشيد الموت ،للستاذ حيدر حيدر .بحثا عن اسم ناشر أو مطبعة ،فلم أجد ،وأخيرا
علمت ،أن دور النشر العربية جميعا ،رفضت نشر هذه الرواية ،فقام هو بطبعها على نفقته ،ولكن يبدو أن
المطبعة التي قامت بطبع هذه الرواية ،قد آثرت هي أيضا السلمة ،فاكتفت بالطبع ،وامتنعت عن ذكر اسمها .
صدرت الرواية مجهّلة ،إل من اسم مؤلفها .ولقد علمت كذلك ،أن الرواية ،تكاد تعتمد في توزيعها على اليد
.وعلى العلقات الشخصية ،كما توزع المخدرات أو المنبهات المحظورة " .
279
فلماذا كذبت أجهزة وزارة الثقافة ...؟!
لماذا يُكذب الوزير نفسه كل يومين ..لقد صرح أول ،بأن الرواية مصادرة ،منذ منتصف نوفمبر الماضي ..
شرِ بيانه ،كان بيان علي أبو شادي ،يقول :أن الرواية صدرت في منتصف نوفمبر ( أي بعد
وفى نفس يوم َن ْ
ظهور الدخان بأسبوعين ) ...
لماذا حاول الوزير باستمرار ،أن يخلط بين طبعة مصرية ،هو الذي أصدرها ورعاها ،وباعها بعشر ثمنها ،
وبين طبعات لبنانية ،لم نسأل ه ،ولم نطلب حسابه عنها ،رغم أنه بحكم مسئوليته الوزارية ،مسئول عما يدخل
إلى البلد ،من عناصر الثقافة …
إنني أتهم وزير الثقافة ،أنه بسبب مواقفه المتناقضة ،قد أشعل غضب الناس ..أشعل غضب الطلب ..يوم
الخميس نشرت صحيفة الوفد بدهشة ،تصريحا عن اللجنة التي شكلها ،وقوله أنها ليست لجنة تحقيق ،بل لجنة
ستشرح للناس ما خفي عليهم ،من إبداع في الرواية ..يوم الجمعة الماضي نشرت صحيفة الهرام ،في مكان
بارز خبر مصادرة الرواية ..ويوم الحد نشرت صحيفة الخبار ،تصريح وزير الثقافة بأن الرواية لم تصادر
..وانفجرت مظاهرات الطلب يوم الثنين ...
إن القانون النجليزي مثل ،يُجرّم العتداء على التوراة والنجيل ..وهم ل يعتبرون القرآن كتابا سماويا مقدسا ..
هم وشأنهم ..لكن أل يحقّ للقرآن في بلده أن يقدّس ..لقد منع فيلم العشاء الخير للمسيح في لندن ،وخرجت
المظاهرات تحطم دور السينما ،التي تعرضه في باريس ...
لماذا لجأ بعض مثقفينا ( المدافعين عن وزارة الثقافة ) إلى هذا ال هجوم الضاري ؟ …
لماذا اعتبرتم فاروق حسني فرعونكم َ ،فرُحتم كالكهنة القدامى ،تدعون لعبادته من دون ال ؟ …
وأقول لكم على الرغم مني يا ناس ،أنهم حققوا بعض النجاح في خطتهم ..فقد وعدتكم في السبوع الماضي ،
أن أتناول اليوم كتابا من كتب وزارة الثقافة ،تدعو فيه كاتبته ،إلى تعديل القرآن ،كي يتوافق مع النظام العالمي
الجديد ،ومواثيق حقوق النسان …
وأن هؤلء الناس ،ينظرون إلى السلم وإلينا ،كما ينظر مبدعهم حيدر حيدر ،الذي يقول في صفحة ، 510
من كتابه الملعون :
"ضحك الرجل وهو يرمم جثة البدوي فيه :لكنني ملحد كما تعرفين ..الشرف والبكاة ( لعله يقصد البكارة) ،
وأخلق المسلمين في مؤخرتي ،من عشرات العوام " .
ل تعترضوا يا قراء ..فنقادنا الجهابذة ،يرون أن هذا الكلم السافل البذيء إبداعا ..
" في تلك الليلة تحدث عن تحطيم الوثان ،التي أقامها الباء والجداد ،وضرورة النفصال عن الدين وال ،
والخلق والتقاليد ،والزمنة الموحلة والجنة والجحيم الخرافيين ،وطاعة أولى المر والوالدين ،والزواج
المبارك بالشرع ،وسائر الكاذيب والطقوس ،التي رسمتها دهور الكذب " .
280
بيان مجمع البحوث السلمية
بيان الزهر
الزهر /مكتب المام الكبر /شيخ الزهر ،بيان مجمع البحوث السلمية بشأن ،رواية ( وليمة لعشاب
البحر ) لمؤلفها السيد حيدر حيدر .طبع ونشر ال هيئة العامة لقصور الثقافة ،التابعة لوزارة الثقافة بالقاهرة .
تم عرض موضوع الرواية المشار إليها ،على لجنة البحوث الفقهية ،فكلّفت اثنين من أعضائها المتخصصين ،
حدّد لها يوم
بكتابة تقريرين منفصلين عن الرواية ،لعرضها في جلسة استثنائية ،لمجمع البحوث السلمية ُ ،
الربعاء 17مايو سنة ، 2000وقد تم عرض هذين التقريرين والرواية ،على المجمع في جلسته الستثنائية ،
وتبين ما يأتي :
أول :أن وزارة الثقافة التي نشرت هذه الرواية ،لم تستطلع رأي الزهر الشريف ،أو مجمع البحوث
السلمية ،مع ما ورد فيها من أمور كثيرة ،تتصل بالسلم والعقيدة والشريعة ،وذلك على خلف ،ما يقضى
به القانون 103لسنة … 1961
ثانيا :إن الرواية مليئة باللفاظ والعبارات ،التي تحقّر وتهين جميع المقدسات الدينية ،بما في ذلك ،ذات ال
سبحانه وتعالى ،والرسول صلى ال عليه وسلم ،والقرآن الكريم ،واليوم الخر ،والقيم الدينية .
ومن ذلك أنها تستهزئ بذات ال ،مثل وصفه بأنه فنان فاشل ( ص ، ) 219 :وأنه نسي بعض مخلوقاته ،من
تراكم مشاغله التي ل تحد ،في بلد العرب وحدها ( ص ، ) 257 :وأنه أقام مملكته الوهمية في فراغ السماوات
،ليدخل في خلود ذاته بذاته ( ص . ) 426 :
كما يفتري على الرسول عليه الصلة والسلم ،بأنه تزوج أكثر من عشرين امرأة ،ما بين شرعية ،وخليلة ،
ومتعة ( ص ، ) 148 :وأنه كان يتزوج من عذارى القبائل بغية توحيدها ( ص . ) 427 ، 426 :
وأنه حرّف في آيات القرآن الكريم ،ونسب إليه ،ما ليس منه ،كقوله " وال تعالى قال في كتابه العزيز " :إذا
بليتم بالمعاصي فاستتروا ) " ( ص ، ) 148 :كما أن الرواية تحرّض صراحة ،على الخروج على الشريعة
السلمية ،وعدم التمسك بأحكامها ،وذلك بالدعوة إلى ضرورة النفصال ،عن الدين وال والخلق والتقاليد
والزمنة الموحلة ،والجنة والجحيم الخرافيين ،وطاعة أولى المر والوالدين ،والزواج المبارك بالشرع ،
وسائر الكاذيب والطقوس ،التي رسمتها دهور الكذب ( ص . ) 348 :
ثالثا :إن الرواية خرجت على الداب العامة ،خروجا فاضحا ،وذلك بالدعوة إلى الجنس غير المشروع ،
واستعمال اللفاظ في الوقاع ،وأعضائه الجنسية للذكر والنثى ،بل حياء مما يعف اللسان عن ذكرها ،وكتابة
نصها حفظا على الحياء العام ،الذي انتهكته الرواية .
رابعا :إن الرواية لم تكتف بذلك ،بل حرّضت صراحة ،على إهانة جميع الحكام العرب ،ووصفتهم بأقبح
وأقذع الوصاف ،مما يعف المقام عن ذكرها ،وطالبت بالخروج عليهم ،والثورة ولو بإراقة الدماء .
خامسا :اتضح لمجمع البحوث السلمية ،من كل ما سبق ،أن ما ورد برواية " وليمة لعشاب البحر" ،لمؤلفها
حيدر حيدر ،خروج عما هو معلوم من الدين بالضرورة ،وينتهك المقدسات الدينية والشرائع السماوية ،
والداب العامة ،والقيم القومية ،ويثير الفتن ،ويزعزع تماسك وحدة المة ،التي هي الركيزة الساسية لبناء
الدولة ،ويضع على عاتق من نشروا هذه الرواية ،دون استطلع رأي أهل الختصاص ،المسؤولية الكاملة ،
عن هذا التجاوز والثار المترتبة عليه دينيا واجتماعيا ،وذلك على النحو الموضّح تفصيل ،بالتقريرين المقدمين
،من عضويّ مجمع البحوث السلمية المشار إليهما .
وال ولى التوفيق ..تحريرا في 13من صفر سنة 1421ه ..الموافق 17من مايو سنة 2000م ،شيخ الزهر :
الدكتور محمد سيد طنطاوي
تقرير عن رواية ( وليمة لعشاب البحر )
بسم ال الرحمن الرحيم
281
يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقين
المؤلف :حيدر حيدر ،طبع ونشر ال هيئة العامة لقصور الثقافة بالقاهرة .
تقع في ( ) 690صفحة ،من القطع المتوسط ،وهى القصة الخامسة والثلثون ،في سلسلة آفاق الكتابة ،وسعر
البيع 4جنيهات ،بتكليف من لجنة البحوث الفقهية بالمجمع ،في جلسة الربعاء ، 10/5/2000قرأت هذه
الرواية ،قراءة محايدة في خمس وعشرين ساعة ،وقد وجدت فيها ما يأتي -:
أول :الدعوة إلى الشيوعية والكفاح المسلح والستيلء على السلطة بالعنف والدماء :ويورد صاحب التقرير 12
موضعا من الرواية للدللة ) .
ثانيا :الستهزاء بثوابت العقيدة السلمية وإهانتها ( ،ل ،والرسول ،والقرآن ،واليوم الخر ) ( :ويورد
صاحب التقرير 19موضعا في الرواية للدللة ) .
ثالثا :إهانة حكام العرب ،ووصفهم بأقذع وأقبح الوصاف ( :ويورد صاحب التقرير 3مواضع في الرواية
للدللة ) .
رابعا :عبارات فاضحة في الجنس ،ومنافية للداب العامة ( :ويورد صاحب التقرير 14موضعا في الرواية
للدللة ) .
.1وبعد :فإنه من غير المعقول ،أن تقوم وزارة مسؤولة ،في نظام حكم لبلد مسلم ،بطبع ونشر هذه الرواية
( وليمة لعشاب البحر ) ،وأن تدعمها ماليا ،ل ُتيّسر قراءتها للجميع .
قلت :غير معقول أن تقوم هيئة مسؤولة ،في نظام الدولة ،بطبع ونشر وتدعيم مثل هذه الرواية .ولعلها ل
تدرى ما فيها ،وأن الذين اختاروها خدعوا رئاستهم ،ولكن الشاعر يقول :إن كنت ل تدري فتلك مصيبة ..وإن
كنت تدري فالمصيبة أعظم .
ولو أن أحدا ،أدخل هذه الرواية خلسة ،وضبطت عنده لحاكمته الدولة ،على جلب هذه المفاسد ،التي تصيب
وحدة هذه المة ،وتدعو إلى الفتنة والحرب والدم بين أبنائها ...فهل صرنا في زمن اللمعقول !! نرجو أل
يكون .
أ.د .عبد الرحمن العدوي :عضو مجمع البحوث السلمية
تقرير عن رواية ( وليمة لعشاب البحر )
بقلم :الدكتور محمد رأفت عثمان /عميد كلية الشريعة والقانون بالقاهرة /عضو مجمع البحوث السلمية
الرواية :من تأليف حيدر حيدر كاتب سوري ،طبع ونشر ال هيئة العامة لقصور الثقافة بمصر ،سنة ، 1999
وهي مكونة من 690صفحة ،عدا الفهرست ،من القطع المتوسط .
والنطباع العام عن هذه الرواية ،أنها مكتوبة بأسلوب ركيك ،غامض في كثير من صفحاتها ،ل فكر فيها ،ول
تنبئ عن ملكة فنية عند كتابتها ،مليئة بالعبارات الفاحشة الخادشة للحياء ،والتي تحقّر وتهين المقدسات الدينية ،
ما بين الستهزاء بذات ال تبارك وتعالى ،والسخرية بأحكام شريعة السلم ،وإهانة القرآن الكريم ،ويتبين ذلك
مما يأتي :
( ويورد صاحب التقرير 32موضعا في الرواية للدللة ) .
ويستطرد قائل :وبعد ،فهذا قليل من كثير ،مُلئت به هذه الرواية المنحطة ،في التعبير والفكر والفن ،وأرى
مصادرتها ،ومحاكمة مؤلفها ،وكل الذين ساعدوه على نشرها ،بل أرى كفر مؤلفها ،لذكره العبارات
الساخرة ،بذات ال تبارك وتعالى ،وبرسوله ،وبالقرآن ،وبالسلم كله .
وإذا كان بعض المدافعين عن هذا النوع ،من الكتابة الساقطة ،يقولون أنه يحكي ذلك ،على لسان أبطال
روايته ،فالرد :
282
أول :أن بعض العبارات ،التي تؤدي إلى السخرية ،من ال عز وجل ،ومن رسوله ،ومن القرآن ،والسلم ،
جاءت على لسان الكاتب نفسه .
ثانيا :العبارات التي قال ها المؤلف ،على لسان أشخاص روايته ،التي تؤدي إلى كفر قائلها ،تؤدي أيضا إلى
كفر المؤلف ،وذلك لن ذكر الكفريات ،سواء أكانت أقوال أم أفعال ،إما أن تكون على سبيل الحكاية ،عن
إنسان قال ها ،أو صدرت منه فعل ،أو تكون على سبيل التخيل والختراع ،لقول أو فعل ،لم يحدث في الواقع .
فإن كان ذكر الكفريات حكاية عن إنسان قال ها ،أو صدرت منه فهذا جائز ،فيما يأتي :
أول :إذا كان ذكر هذا ،في مقام بيان قبح ،هذا القول أو الفعل .
ثانيا :إذا ذكر هذا ،في مقام بيان حكمة .
ثالثا :إذا ذكر هذا ،في مقام بيان الرد عليه .
رابعا :إذا ذكر هذا ،في مقام الشهادة .
خامسا :إذا ذكر هذا ،في مقام بيان آراء الفرق والمذاهب .
وإما إن كانت الكفريات ،قد عبر بها المؤلف ،على سبيل التخيل ،ولم ينطق بها صاحبها ،أو يفعلها في الواقع ،
وإنما هو فقط على لسان المؤلف ،فهذا محرّم ،بل ويصل في رأيي إلى درجة الكفر ،بدليل أنه ل يجوز ،
لمؤلف رواية أو قصة مثل ،أن يتخيل إنسانا معينا حقيقيا ،موجود على قيد الحياة ،أو توفاه ال ،في موقف
مهين ،ويكتب عنه في الرواية أو القصة ،أنه كان يزني مثل ،ويجري حوارا بينه ،وبين من يتخيل أنه يزنى
بها ،فإن هذا يعد جريمة قذف ،في الشريعة والقانون ،مع أنه أجراه في قالب روائي .
ول يشفع له أنه يتخيل ذلك ،وليس على سبيل الحقيقة والواقع ،فإذا كان هذا ل يجوز بالنسبة للنسان ،فهل من
المعقول أو المقبول ،أن يكون ذلك جائزا بالنسبة إلى ربنا تبارك وتعالى ؟! فأي عبارة تكتب تخيل ،ولو على
لسان شخصية وهمية ،من شخصيات الروايات أو القصص ،أو غير ذلك ،يصدر عنها عبارة أو فعل ،فيه
سخرية بال عز وجل ،أو برسوله صلى ال عليه وسلم ،أو بالقرآن ،أو بأحكام السلم ،تؤدي إلى كفر
مؤلفها ،وقد وجدنا علماءنا رضى ال عنهم ،قد بينوا أنه ،إذا قال شخص عن عدوه " :لو كان ربى ما عبدته "
فإنه يكفر ،وكذا لو قال " :لو كان نبيا ما آمنت به " ،مع أن هذه العبارة ،هي فرض لما قد يحدث .
إن البداع في الكتابة ،ل يكون بالسخرية من ذات ال عز وجل ،أو بإهانة المقدسات ،وإنما البداع تعبير سام
راق ،عن فكر محترم دينيا ،يتفق وتقاليد المجتمع وثقافته ومثله العليا ،وأما غير ذلك ،مما يريدوننا أن نوافقهم
عليه ،فهو ليس إبداعا ،ول ينتمي إلى الدب ،بل أحرى أن يوصف بقلة الدب ،بل بانعدام الدب .
القرضاوي يطالب مبارك بالتدخل لوقف الموجة الثقافية الفاجرة
ناشد فضيلة العلمة د .يوسف القرضاوي ،الرئيس المصري حسني مبارك ،أن يتدخل لوقف الموجة الثقافية
الفاجرة -حسب وصفه -عند حدّها ،وشدّد فضيلته على أهمية الحرص ،على وحدة المة ،كما حيّا ش يخ
الزهر ،والزهر ،ورئيس جامعة الزهر ،والطلب والطالبات ،الذين وقفوا موقفا موحدا ،ضد رواية
الكاتب السوري ،وليمة لعشاب البحر ،التي طبعتها وزارة الثقافة المصرية ،وتسببت في حالة ال هياج التي
شهدها الشارع المصري مؤخراً ،واعتبر د .القرضاوي في خطبة الجمعة أمس ،أن الرواية تدخل في باب الكفر
،مستنداً في ذلك على بيان الزهر الشريف ،ورأي فضيلته أن هذا العمل كفر ،بغض النظر عن الشخاص ،
واعتبر من قال ه ،ورضي به ك افرا .
" ُكلّ ما في وليمة لعشاب البحر مُنكر "
العلم ة الق رض اوي في خطبة الجمعة ( 15صفر ) 19/5/2000 – 1420
أنا وأنتم وشيخ جامع الزهر ،ومجمع البحوث السلمية ،ورئيس جامعة الزهر ،وخطباء المساجد في العالم
ظلميون ،ووزير الثقافة المصري وحده يحمل النور !!!!!
283
تلخيص الخطبة ،بقلم د .حسن علي دَبَـا :
شنّ فضيلة العلمة د .يوسف القرضاوي ،هجوما شديدا على وزارة الثقافة المصرية ،على ما نشرته من رواية
"وليمة لعشاب البحر" لكاتب سوري ،واستنكر ما بها ،من منكر وتحقير وإهانة الذات الل هية ،والقرآن
والرسول والقيم الدينية ،وتحريضها على الخروج على الشريعة السلمية ،وطالب فضيلته المسؤول الول في
مصر ،الرئيس حسني مبارك ،وناداه أن يوقف هذه الموجة الثقافية الفاجرة عند حدها ،وأن يعيد الثقافة عند
حقيقتها ،فل يجوز أن نقسم المة ،بين الثقافة الغربية المستغربة الصادة عن سبيل ال ،والسائرة في ركاب
الشيطان ،والثقافة التي مع القيم الدينية ،مع ال ورسله وكتابه ومع الربانيين ،وشدّد فضيلته على أهمية وحدة
المة ،خاصة في هذا الزمان التعيس – حسب وصفه – الذي استغلته إسرائيل ،وبغت فيه وطغت ،فينبغي أن
نضم صفوف المة بعضها إلى بعضها .
ثمّ تابع الدكتور القرضاوي ،قائلً :الكلمة الن للرئيس مبارك ،الذي أسأل ال أن يهديه سواء السبيل ،وأن
يوفّقه لموقف الحق ،الذي ل يخاف في ال لومة لئم .
كما حيا د .القرضاوي الزهر وشيخ الزهر ،ورغم اختلفه معه في قضية الربا وغيرها ،وحيّا جامعة الزهر
،ورئيسها وطلب الزهر وطالباته ،وجريدة الشعب والكاتب السلمي د .محمد عباس ،الذي صرخ في المة
قائلً " :ل إل ه إل ال :من يبايعني علي الموت" .قال :غضب الرجل لدينه ،لربه ،وربما في غمرة هذا
الغضب ،خرجت منه بعض اللفاظ ،في بعض الناس ،لكن النسان في حالة غضبه ،يقول ما قد ل يحمد في
بعض الحالت ،كما حيا الشاعر الكبير فاروق جويده ،في صحيفة الهرام ،والمثقفين الشرفاء الذين وقفوا ضد
هذا الباطل ،وهذا الفجور الدبي ،الذين يحترمون عقائد المة ومقدساتها ،أقف مع كل هؤلء أشد أزرهم ،
وأصلب ظهرهم ،بكل قوتي ،وأقول الحق ،ل أخاف في ال لومة لئم .
وكان فضيلته قد بدأ خطبته ،متحدثا عن انشغال المة بهمّ جديد ،أضيف إلى همومها ،هو ال هم الثقافي ،الذي
بدأ بنش ر وزارة الثقافة المصرية ،لرواية تسمى وليمة لعشاب البحر – معبراً عن استغرابه من العنوان –
لكاتب سوري مغمور ،أشهرته تلك الرواية شهرة كبيرة ،وقال :لم أشأ أن أتحدث عن تلك الرواية ،حتى أراها
و( الحكم على الشيء فرع عن تصوره ) ،كما قال علماؤنا ،وقرأت ما يقارب نصفها ،أغالب نفسي ،فهي من
أول صفحة ،تقزّز نفس النسان المؤمن ،وهي رواية ،ل تعرف شيئا اسمه الحرام ،ول العيب ،ول تعرف ال
،ول تقدره حق قدره ،ول عجب ،فقد كتبها إنسان َنصِ يري العقيدة ،ش يوعي الفكرة .
ثم ذكر فضيلته ،أن عقيدة النسان الدينية واليدلوجية ،تنضح على فكره ،وعلى كتابته وعلى أسلوبه ،وكل
إناء بالذي فيه ينضح ،وأضاف :لكني سأتجاوز عن عقيدة الرجل الدينية واليدلوجية ،ونحاكم النص الذي كتبه
:لم أستطع أن أستمر في قراءة الرواية ،في أكثر من النصف ،لقد بلغ الشمئزاز مني مبلغه ،فاكتفيت بتصفّح
الباقي ،وكلما تصفّحتها ،وجدت أشياء وأشياء ينكرها الدين ،وينكرها الخلق ،والعقل والعراف ،كل ما فيها
والعياذ بال منكر ،فوجدت فيها أكثر مما انتقد عليها الناقدون ،في السطور وما بين السطور .
المؤلف يرسم شخصياته :
وبدأ د .القرضاوي ،يرد على أصحاب الرأي الخر ،الذين وقفوا مع الكاتب ،فقال " :قالوا إن ما ذكره الكاتب
جاء على ألسنة شخصيات الرواية " ،وأقول نحن نعرف ،أن الرواية قصة يتخيلها الكاتب ،قد يكون لها أصل
في الواقع ،وقد ل يكون ،هو الذي يرسم صورتها ،مبدأها ونهايتها وعقدتها وحلها ،وهو الذي ينشئ
شخصياتها ،ويُنطق هذه الشخصيات ،بما يريد أن تنطق به ،يعبّر عن نفسه ،أو يعبّر عن هذه الشخاص ،ولو
كان له فكرة معينة ،فهو يجريها على لسان أحد الشخاص ،ويقوي هذه الفكرة ،ثم يأتي الرد عليها من الطرف
الخر ضعيفا ،أو ل يأتي رد عليها قط ،هذه حيلة نجدها عند القصاصين والروائيين .
وأضاف إذا كان من حق النس ان ،أل يعري جسده أمام الجمهور :فهل من حقه أن يُعري أدبه ،وفنه أمام
الناس ؟ إن العري الذي في هذه الرواية ،عُريّ فضائحي بأهدافها وأسلوبها وكتابتها ،أشدّ من العري الجسدي ،
هل من حق النسان المبدع ،أن يتجرأ على ال ،وعلى رسله ،وعلى كتبه ،وعلى اليوم الخر ،وعلى القيم
284
والدين والخلق ،كما يفعل هذا الكاتب ؟ أيستطيع أن يقول ذلك لرئيس دولته ،يتجرأ عليه ،ويقول كذا وكذا ،
أم أن الدين وال والكتب والرسل ،أصبحت الحائط الواطئ ،التي يتجرأ عليها كل الناس .
ورجع بالذاكرة إلى ما مضى ،فقال :لقد رأينا كثيرا من القصاصين الكبار ،يذكرون النواحي الجنسية ،
ويتحدثون عن الش واذ والجناة واللواطين وتجار المخدرات ،لكنهم ل يذكرونها ،بمثل هذه اللفاظ المسفة
العارية ،رأينا ذلك في قصص محمود تيمور ،وتوفيق الحكيم ،ومحمد عبد الحليم عبد ال ،والطيب صالح
ونجيب الكيلني ،ويوسف السباعي وإحسان عبد القدوس ،رغم أنهم ذكروا أشياء كثيرة ،تحدث في الفراش ،
لكن لم يجرؤ أحدهم ،ولم ينزل أحدهم إلى مثل هذا الدرك .
واستمر د .القرضاوي ،يرد :قالوا في أدبنا أشياء مكشوفة ،مثل ما قال ه امرؤ القيس ،أو مثل ما ورد في
خمريات أبي نواس ،أو في التغزل بالذكور ،وقال :بأن هذه الشياء في أدبنا ،ل تمثل التجاه العام ،وليس لها
أثر في مجرى الحياة ،وكانت أشياء خاصة يتداولها بعض الناس في مجالسهم ،أو يقرأها بعض الناس في كتبهم
،وكانت هذه الكتب محدودة النتشار .
وتناول مظاهرة شباب الزهر ،فقال :لقد عابوا على طالبات وطلب الزهر ،أن غضبوا لهذا الدين :وهل
يلم النسان ،إذا غضب لدينه ! وقال مثلً :إذا مشيت في الشارع ،ومعك زوجتك أو ابنتك أو أختك ،ثم اجترأ
عليها أحد من أولئك الفاسقين ،فنبذها بكلمة نابية جارحة :أل تغار لها ؟؟ أل يثور الدم في عروقك ؟؟ أل تقف
له بالمرصاد ؟؟ هذا ما يفعله النسان الحر ،فالشريف ل يقبل أن يهان في عرضه .
أكان الدين أهون على النسان من العرض ،أكان ال وقرآنه ونبيه محمد ،أهون لدى النسان المسلم ،من
الغيرة على ابنته وامرأته وأخته ؟
وقرّر :لقد كان طلبة الزهر وطلبه معذورين ،حينما سمعوا ما سمعوا ،وقرؤوا ما قرؤوا .
قالوا " :إن طلبة الزهر لم يقرؤوا الرواية " .
ورد :وهل يجب أن يقرأ جميع طلب الزهر وطالباته ،هذه القصة حتى يغضبوا من أجلها ،لقد رأينا في
صحيفة الهرام ،كاتبا يدّعي أنه تقدمي ،يدافع عن الرواية ،وفي نفس الوقت يقول :أنا لم اقرأها .
وزير الثقافة يدافع عن الخط التنويري :
ورد فضيلة الدكتور القرضاوي ،على وزير الثقافة المصري ،فقال :
لقد قال وزير الثقافة :إننا منذ بضع عشرة سنة ،ونحن ننشر هذه الثقافة المستنيرة ،لنقاوم بها ثقافة الظلميين
الرجعيين ،وارتفع صوت د .القرضاوي يرد عليه :أنا وأنت وانتم أيها الخوة ظلميون ! كل من يتمسك بكتاب
ال وسنة رسوله ،وفهم القرون الولى لهذه المة خير القرون ،كل هؤلء ظلميون ! أنا وأنت ظلمي ..
الزهر ظلمي ..شيخ الزهر ظلمي ..مجمع البحوث ظلمي ..ورئيس جامعة الزهر ..واللجنة الدينية في
مجلس الشعب ..وحزب العمل ،جريدة الشعب ،الجمعيات السلمية في مصر ،وخطباء المساجد كلها ظلمي
.هم إذن أهل النور … !! وزير الثقافة وحده ،هو الذي يحمل النور … ! والثقافة المستنيرة … !! وهي هنا
الثقافة التي تَس خر بالدين ،وتستهين بالقيم الدينية ،ومن ال ومن رسله ومن كتب ال ،وقد سكت الناس ،على
قصص وكتب وروايات دهر من الزمن ،ثم كان لبد أن يحدث النفجار " :ومن استُغضِب ،ولم يغضب فهو
حمار " .
ل بأس بالمظاهرات :
وأضاف :أنا ل أرى في تظاهرات الطلب شيئا منكرا ،إذا كان تظاهرا سلميا ،يجب أن نعوّد أمتنا ،ما تعوّدته
أمم الحضارة من التظاهر السلمي ،وقد كنا طلبا ،في المعاهد الدينية البتدائية والثانوية في كليات الزه ر ،
وكنا نخرج نحتج على كل أمر يخالف الدين ،كل أمر يهتم به المسلمون :خرجنا من أجل فلسطين ،وتونس
285
والجزائر ومراكش وسوريا ولبنان وكشمير ،الطلب هم نبض المة ،ل يستطيعون العيش بعيدا عنها ،كل ما
نمنعه هو التخريب ،أما التظاهر السلمي ،فل مانع منه ( واستشهد في ذلك بتظاهرات سياتل ) .
وتابع :إن من حق الناس أن تغضب لدينها ،ومن حق أبناء الشارع ،خصوصا الطلبة في الجامعات ،فهُم أوعى
الناس بهذه القضايا ،فهم الذين يحملون الروح الثورية ،ويتأججون من داخلهم ،فمن حقهم أن يقولوا :ل ،دون
أن يدخلوا في تخريب ،أن يستغلوا من الخرين .
وعلل عدم التغاضي عن الرواية ،بأنها نشرت من قبل مؤسسة ،من مؤسسات الدولة ،ووزارة تطبع طبعة
شعبية 690صفحة ،بأربعة جنيهات .ولو كان المؤلف ،نشرها على نفقته ،أو على نفقة دار نشر خاصة ،فلها
من المر ،وكان يمكننا أن نسكت ،ويحكم في ذلك القارئ .
وقال :كنت أتمنى أل أتحدث عن هذه الشياء ،حتى ل أجعلها تشتهر ،فكم كنت أتمنى أل يقف المسلمون ،من
رواية سلمان رشدي ،ذاك الموقف ،الذي شهرها في الفاق .ثم قال :ل يجوز لوزارة تحترم نفسها ،وتعمل
من أجل الشعب ،أن تنشر أشياء ضد قيم الشعب ،وعقائد الشعب ومقدساته ،ومن هنا كانت غضبة ،كل
المثقفين المسلمين ،إل طائفة معينة للسف ،إما لنها جهلت دينها وتراثها ،أن باعت نفسها ،لما تنتفع به ،من
وراء هذه الوزارة ،وإني أعجب كل العجب ،لبعض اللجان التي تشكّلها الوزارة ،تدافع عن هذه الرواية
الساقطة ،في مضمونها وأساليبها .
السمة العامّة في الرواية :
وعاد إلى الرواية فذكر أنّ :الشرب والخمر من أول الرواية حتى آخرها ،فحين تزوج الرجل العراقي بفتاته
الجزائرية احتفلوا بشرب الكونياك ..هذه هي السمة العامة في الرواية :ليس منها خشية ل ،ول توقيرا له ،ول
اعتبارا لحسابه ،ول ليوم الجزاء ول الجنة والنار ،بل هي تسخر من هذا كله ..
واستشهد ببعض العبارات من الرواية ،منها مثلً :
ن الذي يقف بيني وبينك ،
ما قال ه الرجل ،الذي قال للمرأة العاهرة ،التي كان يصف جسدها وصفا مكشوفا " ،إ ّ
هو أنفك هذا ،قالت :له م اذا أفعل ؟ هذا خلقة ربي ! قال لها :ربّك إذن فنان فاشل " .
ركُمْ (64
ص َو َ
حسَنَ ُ
صوّ َركُمْ فَ َأ ْ
ن ربك ل يحسن التصوير !! ورد القرضاوي عليهم :إن ال تعالى يقول ( :وَ َ أي أ ّ
حسَنِ َت ْقوِيمٍ ( 4التين ) .
غافر ) … ( َلقَدْ خَ َلقْنَا الِْ ْنسَانَ فِي َأ ْ
وتابع :لقد قالت اللجنة ،التي شكّلها وزير الثقافة ،أنه قال ذلك في مقام الدعابة والمزاح ،وردّ :يا عجباً ،هل
هنا مقام دعابة ومزاح ؟! الحديث عن ال جل جلل ه ،يدخل فيه المزاح ؟! يقول تعالى ( :وَلَئِنْ سَأَلْ َت ُهمْ لَ َيقُولُنّ
إِ ّنمَا كُنّا َنخُوضُ وَنَ ْلعَبُ ُقلْ أَبِالِّ وَءَايَا ِتهِ وَ َرسُو ِلهِ كُنْ ُتمْ َتسْ َتهْزِئُونَ ( )65لَ َتعْتَذِرُوا قَدْ َكفَرْ ُتمْ َبعْدَ إِيمَا ِن ُكمْ … (
66التوبة ) .وهذا في أمثال هؤلء .
وأضاف مثالً آخر ،مما ورد في الرواية :إنه يتحدث في روايته ،قائلً :
" وهؤلء الناس ،يهمّشون التاريخ ،ويعيدونه مليون عام إلى الوراء ،في عصر الذرة والفضاء والعقل المتفجر
،يحكموننا بقوانين آل هة البدو ،وتعاليم القرآن . .خ راء " .
هكذا يذكر الكلمة خ راء !! وأنا أقولها مضطراً .وتتردّد كلمة آل هة كثيرا في كلمه ،فهو ل يؤمن بإل ه واحد ،
بل آل هة .
* بعد انتهاء الخطبة ،اتصلنا بفضيلة العلمة د .يوسف القرضاوي ،وسألناه عن مدى دخول هذا العمل الروائي
،في باب الكفر فأجاب :
" إن بيان مجمع البحوث السلمية ،بالزهر الشريف ،يدل على أن هذا من الكفر ،لنه خروج على ما هو
معلوم من الدين بالضرورة ،وانتهاك للمقدسات الدينية والشرائع السماوية ،وهذا واضح لكل من قرأ الرواية ،
لما فيه من ازدراء واستخفاف باللوهية والقرآن والرسول والقيم الدينية كلها في مواضع شتى ،وأضاف :
286
ونحن نقول :إن هذا العمل كفر ،بغض النظر عن الش خاص ،فمن قال ه واعيا متعمدا ذاكرا ،فهو كافر ،
ورضي به وهو يعلم هذا ،فهو كافر ،ومن كان يجهل بما فيه ،ثم أُعلم بمضمونه ورضيه ،فهو كافر ،هذا هو
الحكم الشرعي ،أما الحكم على الشخاص ،فل ندخل فيه ،فهو يحتاج إلى تحقيق وقضاء " .
288
بمجهود فردي ،أحصيت حوالي 700مقال ،في الصحف المصرية ،خلل شهر واحد ،ومثلها تقريبا في
الصحف العربية ،كان % 75تقريبا ،من هذه المقالت ،يصب في اتجاه السلطة ،التي حددت اتجاهها مع
أدعياء التنوير .المر قد يبدو محزنا ،لكننا من وجهة نظر أخرى ،نستطيع القول أن نسبة ، %25انتصرت
لربها ولدينها وللحق ،في هذا الخضم من الرهاب والبطش وتزييف الوعي ،هي نسبة مرتفعة ومبشرة ...
بدأت المظاهرات في الزهر ،مساء الحد 7/5/2000م ،اشترك فيها 25000طالب ،وأطلق المن الرصاص
على الطلب ،كان القناصة ،يصطادونهم داخل الحجرات في المدينة الجامعية ،وكانت رسائل البريد
الليكتروني من الطلب ،أقسى على من ذوب الرصاص المنصهر ،فكتبت هذا النداء إلى الرئيس ونشرته
صحيفة الشعب …
نداء ورجاء إلى سيادة الرئيس ..
أستحلفك بحق خالقك عليك ..أستحلفك بمن استرعاك علينا ،وجعل رعيتك أمانة في عنقك ..أستحلفك بحق
القرآن ..أستحلفك بحق رسول ال صلى ال عليه وسلم ..أستحلفك ..أن تصدر أوامرك الشخصية ،بمنع أي
تعذيب عن أبنائنا ،طلبة وطالبات جامعة الزهر ..وأن توصي بهم خيرا ،تماما كما لو كانوا أبناءك ،فهم
أبناؤك ..وهم رعيتك ،الذين يسألك ال عنهم يوم القيامة ...
تعرض الدكتور أحمد عمر هاشم ،لهانات بالغة بسبب تصريحاته عن الرواية الكافرة .ونشرت بعض الصحف
أخبارا ،عن استبعاده من عضوية مجلس الشعب ،وعن فصله من منصبه ،كرئيس لجامعة الزهر .
من أعجب ما حدث ،كانت الزمة ،في الظاهر ،تتكون من شقين ،شق مع الدولة ،وشق مع أدعياء التنوير ،
لذلك عندما بدأت التهديدات بقتلي ،تصلني عبر الهاتف ،عجبت … كان معدل المكالمات ،يصل إلى خمس أو
ست ،مكالمات في اليوم ،بعد البلغ عنها ،لم يتكرر التهديد ولو لمرة واحدة .
كان موقف التلفزيون المصري غريبا ،والحق أنه طلب مني ،أن أسجل معه ،لكنني كنت قد لدغت من صحافة
بلدي ،التي لم ترع إل ول ذمة ،فاعتذرت ،لكن غيري لم يعتذر ،وأذاع التليفزيون الحلقات ،التي تؤيد
الحيدريين ،ومنع إذاعة الحلقات ،التي تنتصر للدين .
في مواجهة على قناة الجزيرة الفضائية ،في يوم 7/8/2000م ،كان حيدر حيدر ،يتكلم في برنامج التجاه
المعاكس ،كان هو شخصيا ،ل أبطال الرواية المتخيلين ول المؤلف ،بل هو بشحمه ولحمه ،وكان يكرّر :نعم
،كان للرسول خليلت ،وكان يتزوج زواج متعة …!!
بعد إغلق صحيفة الشعب ،اطمأن الذين في قلوبهم مرض ،أننا لن نستطيع الرد عليهم ،فتضاعفت مساحات ما
ينشرونه من كذب ،وتشويه وقلب للحقائق ،وكان يجب على أن أبحث عن طريقة للرد .لكن الصحف المتوازنة
كالوفد ،اعتذرت ،والصحف السلمية اعتذرت أيضا ،بعد أن رأت أن الدولة ،قد كشرت عن أنيابها ،ويمكن
أن تغلق صحف التجاه السلمي جميعا … انتهى القتباس .
289
مصر الفساد والفساد
كانت مصر قد اضطلعت ،منذ استقللها السياسي ،بدور ريادي في الفساد والفساد ،والضرار بالسلم
والمسلمين ،على مستوى العالمين العربي والسلمي ،والذي تمثّل في كثير من المجالت ،ونذكر منها على
سبيل المثال :
.1التخلي عن الحضارة السلمية وتراثها وقيمها ،والعتزاز بالنتساب إلى حضارة الفراعنة ،الذين
ظلموا أنفسهم ،فأخذهم ال بذنوبهم ،وتقديس آثارهم وأوثانهم ،التي ما تركها ال إل عظة وعبرة .فها
هم ينفقون نصف مليون دولر ،تحت سفوح الهرامات ،على حفلت غنائية غربية حتى الصباح ،
بمناسبة حلول عام ألفين ميلدي ،في شهر رمضان ،الذي أنزل فيه القرآن ،حيث قامت الحكومة
المصرية مشكورة ،بحظر شرب الخمور أثناء الحفل ،إكراما لحرمة الشهر الفضيل .ويأبى عالم
الكيمياء المصري ،إل أن يتسلّم جائزة نوبل ،تحت سفوحها ،تعظيما منه لها ولبناتها ،واعتزازا
بالنتماء لهم .
.2نشر رذائل الخلق ،وتعميمها كنموذج يُحتذى بين أبناء المة السلمية ،من خلل السينما والمسرح
والغناء ،بالضافة إلى تشويه صور أولياء ال ،من الرسل والئمة والعلماء ،في أفلمهم ومسلسلتهم
وبرامجهم الدينية ،لتجد ممثل يزني ويشرب الخمر ،في فيلم ،ومن ثم تجده في أحد البرامج الدينية ،
يدعوا ويبتهل إلى ال ،متوشحا ثوب العفاف والتقى ،ممتهنا قدسية الدين وشعائره ،بالضافة إلى ما
يطرحونه في أفلمهم ومسلسلتهم وأغانيهم ،من أفكار يُعلّمونها لبنائنا وبناتنا ،تعجز الشياطين عن
التيان بمثلها ؛ فتكلفة إعادة غشاء البكارة إلى طبيعته ،كما أخبرني أحدهم ممن شاهد أحد الفلم
المصرية ،وعلى لسان إحدى بغايا مصر ،في الفيلم ،داعية أخرى لممارسة الرذيلة مثلها ،ل تتجاوز
لمُرَ ّن ُهمْ فَلَ ُيغَيّرُنّ
المائة والخمسين جنيها " ،وكل شيء يرجع زي الول " ،مصداقا لقول إبليس ( … وَ َ
خَلْقَ الِّ … ( 119النساء ) ،لتتساوى البغي في الحصانة ،مع مريم ابنة عمران ،وشتان ما بين الثرى
والثريا ،وهذا مما تُعلّمه السينما المصرية ،لفتيات أمة محمد ،عليه الصلة والسلم .
.3تمجيد وتقديس سفلة الناس ،من الممثلين والممثلت والمطربين والمطربات ،وإقامة الصنام والوثان ،
وزرعها في الميادين العامة ،وإن لم تصدّق بأنهم يُمجّدونها ويُقدّسونها ،فحاول أن تشتم أحد عمالقة الفن
العربي ،في حضور أحد المصريين .
تأليه وعبادة أصحاب المال والسلطة من البشر ،كما عبد المصريون القدماء ،ربهم العلى فرعون . .4
.5موالة أعداء ال ورسوله من اليهود والنصارى ،وبيع قضايا المة العربية والسلمية المصيرية ،لقاء
حفنة من الدولرات المريكية .
.6محاربة تعاليم السلم ورموزه ،في السرّ والعلن ،والعمل على محو أثارها من نفوس الناس .
الصور التي عُرضت في ملف الجريمة ،لما كان يجري في مصر ،من حرب شعواء مبرمجة ،شنّها الفراعنة
الجدد على ال ورسوله ،منذ سنوات ،رسمتها ريشة فنان مبدع من أبناء مصر ،ل من غيرها .أشهد ال على
أن قومه أصبحوا مجرمين ،بل وفاقوا الفراعنة القدماء في إجرامهم ،وكأنه أعذر ال سبحانه وتعالى ،في إنزال
العذاب ببني جلدته ،من حيث ل يدري ،وهذه المر يُذكّرني بقصة النبي ارميا ،عندما أعذر ربه في عذاب
قومه ،بني إسرائيل في المرة الولى .التي أوردها الطبري ،في تفسيره ج 3ص ( ، ) 33 – 32وهي قصة
سفُونَا
جميلة ،تُبين بعضا من الحكمة اللهية في تصريف المور .وكما قال رب العزة في قوم فرعون ( فَ َلمّا ءَا َ
لخِرِينَ ( 56الزخرف )
جعَلْنَا ُه ْم سَ َلفًا َومَثَلً ِل ْ
جمَعِينَ (َ )55ف َ
انْتَ َقمْنَا مِ ْن ُهمْ فَأَغْ َرقْنَا ُه ْم َأ ْ
حيث يؤكد د .محمد عباس ،وبيان شيوخ وطلبة الزهر ،الوارد ذكره في الحاشية ،أن هناك مخطط ،تنتهجه
الحكومة المصرية ،منذ سنوات ،لتدمير معالم السلم ورموزه ،معلما تلو الخر .
290
واستنادا لبيان علي أبو شادي ،رئيس مجلس الهيئة المشرفة على النشر ،والذي يقول " :بأن الرواية ( وليمة
لعشاب البحر ) صدرت في منتصف نوفمبر " ،أي 15/11/1999م ،نستطيع القول أن هذه الرواية المشؤومة (
أو وشّ النحس الحقيقي ) ،على القل ،كانت في مخازن دار النشر ،عندما غشيَ الدخان سكان القاهرة ،في
الفترة الواقعة بين [ 1999] 30/10 – 20/10م .ليأتي التحذير والنذير اللهي ،قبل نشرها وتوزيعها بين الناس
مجانا ،من قبل الحكومة المصرية .لكنهم نشروها ،ونشروا كتابا آخر ،كتابات نقدية ،العدد ، 97ديسمبر
1999م ،بعنوان :شعر الحداثة في مصر ،بعد شهر واحد من نشر الكتاب الول ،بعد أن كشف ال الدخان
عنهم ،واستمروا في النشر .
بعد هذا العرض ،نكون قد عايشنا على التوالي ،مشهدين من المشاهد التي تعرضها اليات ،هما الشك
واللعب ،وظهور الدخان في مصر ،والن إلى المشهد الثالث ،عندما يُتهم خير النام ،عليه الصلة والسلم ،
بالتعلّم والجنون والسحر ،في كتاب ( فترة التكوين في حياة الصادق المين ) ،الذي صدر في النصف الول ،
من العام الحالي 2001م ،وهو الكتاب السابع للمجرم ،خليل عبد الكريم .
قال تعالى
ن ()83
( فَ َذرْ ُه ْم َيخُوضُوا وَيَ ْلعَبُوا ،حَتّى يُلَاقُوا َي ْو َمهُمُ الّذِي يُوعَدُو َ
( الزخرف )
وقال
ص َعقُونَ ()45
( فَ َذرْ ُه ْم حَتّى يُلَاقُوا َي ْو َم ُهمُ الّذِي فِيهِ يُ ْ
( الطور )
291
ثم تولوا عنه وقالوا مُعلّم مجنون
في هذا الملف يجد القارئ ،جزءا يسيرا من التغطية العلمية ،التي نشرت مؤخرا ،عن خليل عبد الكريم
وكتابه .ومنها صحيفة القدس العربي ،والهرام القتصادي وصحيفة أخبار الدب ،والخيرة كرست نفسها ،
للدفاع عن كل اجتراء على الذات اللهية ،ويبدو أنها ذهبت في ذلك ،إلى أبعد مما نتصور ،ويكفي دليل على
ذلك ،أن محاميها في قضايا الرأي ،هو فريد الديب ..محامي الجاسوس السرائيلي عزام عزام وسعد الدين
إبراهيم ..كما أنه محامي الشواذ عبدة الشيطان ..
نعم ..
جاسوسية ..وخيانة ..وشذوذ ..
فذلك هو الوجه الخر ،للدفاع عن الكفر ..
السلم الشيوعي
سبعة كتب مشبوهة للمفكر اليساري خليل عبد الكريم
موقع المقال على شبكة النترنت http://www.lailatalqadr.com/stories/p6260501.shtml :
أو http://www.alshaab.com/GIF/31-08-2001/Khalil%20Abd%20Alkareem.htm :
بقلم بدر الشبيب :
" خليل عبد الكريم ،كاتب يساري أو شيوعي أو تقدمي ،يكتب في السلم ..ول بأس أن يكتب ،كائن من
كان ،عن الدين الحنيف ،ولكن السؤال هو :ماذا يكتب ؟
وقد كان خليل عبد الكريم ،عضوًا في جماعة الخوان المسلمين ،منذ سنوات طويلة خلت ،ولكنه ترك موقعه
هذا ،وتحوّل من أقصى اليمين ،إلى أقصى اليسار ،فأصبح عضوًا في اللجنة المركزية ،لحزب التجمع الوطني
التقدمي الوحدوي ،وهو حزب يساري يقول عنه السلميون :إنه حزب شيوعي .
ومنذ عشر سنوات أو أكثر ،يثير خليل عبد الكريم عاصفة في مصر وخارجها ،بكتبه التي يضعها عن السلم
..وتتعرض هذه الكتب ،للمنع والمصادرة والهجوم العنيف ،ومع هذا ،فإن الرجل لم يتوقف عن الكتابة ،ولم
يتوقف عن تغيير خطه الفكري ،الذي يصدم الجميع .ورغم أن عددًا من أساتذة الجامعات الكبار ،قد حاولوا
كشف ما في دراساته هذه ،من زيف وافتراءات على السلم ،إل أن شيئًا ،ل يمنع الرجل من الستمرار ،بل
إنه يزداد غلوًا ،مع كل كتاب جديد ،غير عابئ بما تثيره كتبه ،من رفض عنيف .
ويستخدم خليل عبد الكريم ،لغة جارحة في كتبه ،كما يطرح آراء وأفكار ،ل يمكن أن توصف ،إل بأنها
خروج على الملة ،وعلى رأي الجماعة ،وعلى رأي الجمهور .
وهو ينطلق في هذا من مقولة :إننا يجب أن نتمتع بالجرأة العقلية ،وأن نطرح كل الفكار وكل الشخصيات ،
على مائدة التشريح العقلي الموضوعي ،البعيد عن الهوى ،وعن الفكار الجاهزة ،التي يكتب بها المؤرخون
والدارسون للسلم ،عن الدعوة والرسالة وسيدنا محمد ..يقول خليل عبد الكريم ،في صدر كتاب أخير له " ..
وآمل -وهذا أمر متوقع -أل يسيء البعض ،فهم هذه الدراسة ،على نحو لم يرد على خاطرنا ،وكنا قد طالبنا
بضرورة كتابة التاريخ السلمي ،كتابة علمية موضوعية بداية بالحبيب المصطفى ،وكرّرنا أن الكتابة بطريقة
مغايرة للكتابات التقليدية ،يتعين أن تقابل ،بأفق رحيب وعقلنية بعيدة عن التشنج ،ونذكر هؤلء بأن المين
نفسه ،أكد أن من اجتهد واخطأ فله أجر ،ونحن نأمل في أن نحظى بالجرين ..أجر الجتهاد ،وأجر الصابة
".
292
وفى ظل ما يدعيه من جرأة عقلية ،على هذا النحو ،فإن خليل عبد الكريم ،يمضي في هذه الكتابات ،التي ل
نجد لها مثيلً في تاريخ السلم .ونحن ل ندعو بالطبع ،إلى مصادرة هذه الكتب ،أو الحجر على حرية
الرجل ،ولكننا ندعو المتخصصين وعلماء الدين وشيوخ المة ،إلى مناقشة أفكار الرجل ،ودحض ما فيها من
شبهات ،بشكل علمي هادئ بعيدًا ،عن الترويع والتخويف والرهاب الفكري .
وهناك الن ،ما ل يقل عن سبعة كتب هامة ،أصدرها الرجل في السنوات الخيرة ،وهي تستحق المناقشة
والتحليل ،لعرض ما فيها من آراء والرد عليها .
ولسنا هنا بالطبع ،في معرض تحليل هذه الكتب أو مناقشتها ،فليس هنا ،ول الن ،يتم هذا المر ،ولكننا قد
نكتفي بالتعريف السريع بها ،خصوصًا أنها تكوّن الن مشروعًا فكريًا ،لهذا الرجل .والكتب السبعة التي
سنعرض لها هنا ،هي :
ل :كتاب ( للشريعة ل لتطبيق الحكم ) :
أو ً
وهذا الكتاب يقوم على فكرة واحدة أساسية ،هي أن تطبيق الشريعة السلمية ،لم يعد صالحًا في هذا العصر ،
لن هذا التطبيق سوف يجر علينا ،من المشاكل ما ل حصر لها .ومع أن السلم ،وكما جاء في القرآن
العظيم ،هو الدين الخالد ،الذي يصلح للبشر كافة ،ويصلح في كل زمان ومكان ،إل أن خليل عبد الكريم ،له
رأي آخر ،فهو يقول بالحرف " :إن السلم ليس عبادات فقط ،بل هو أيضًا تشريعات وعقوبات ونظام سياسي
" ،وهنا الخطورة من وجهة نظره ،إذ يرى أن تطبيق الشريعة ،سوف يؤدي بنا إلى أضرار ،تفوق بمراحل
الضرار ،التي تترتب على إهمالنا لتطبيقها .وتلك هي دعوة العلمانيين واللدينيين ،الذين يفضلون القانون
الوضعي على الشريعة السلمية .
ثانيا :كتاب ( الجذور التاريخية للشريعة السلمية ) :
وهذا الكتاب ،يعتبر استكمالً وتأصيلً للكتاب الول ،إذ أنه ينطلق من نفس الفكرة ،التي ترفض الشريعة
السلمية ،وترفض تطبيقها ،وهنا يقول خليل عبد الكريم " :إن هذه الشريعة التي ينادون بها ،هي مجرد
تعاليم ،كان يقول ويأخذ بها عرب الجاهلية ،ثم جاء محمد ،فأخذ هذه التعاليم ،وأعمل فيها عقله وفكره ،حتى
بدت وأنها شيء جديد " .ولهذا فإن السؤال الذي يطرحه خليل عبد الكريم ،هو :هل تصلح هذه التعاليم ،التي
كان يطبقها بدو الصحراء ،قبل أكثر من أربعة عشر قرنًا ،لكي تحكمنا اليوم ؟! على أن ما هو أخطر من هذا
السؤال ،ما معناه وخلصته ،أنه ليس ثمة شيء منزل من السماء ،بل إن الشياء كلها من صنع سيدنا محمد
… !!
ثالثا :كتاب ( السس الفكرية لليسار السلمي ) :
وفى هذا الكتاب ،يقول خليل عبد الكريم صراحة " ،إن السلم ليس شيئًا غير العبادات " ،مع أن طلبة
المراحل التعليمية الولى ،يعرفون أن السلم يقوم على دعامتين ،هما :العبادات ،والمعاملت .ولكنه يحصر
السلم في العبادات فقط ،ولهذا فإن ميدانه الصلي ،هو المساجد والجوامع والتكايا والحسينيات ،أو الخلوي
والخانقاهات والزوايا والمصليّات ،وحضرات الصوفية وحلقات الذكر ،ومجالس دلئل الخيرات .ومعنى هذا
أن السلم دين للعبادة ،وليس دينًا للحياة .أنه يحصر وظيفته في دور العبادة ،أما شؤون الناس وتصريف
حياتهم ،فليس للسلم شأن بها .وهنا نعود إلى مقولت المغرضين ،الذين يقولون إن السلم ،ليس دينًا ودولة
،بل هو دين فقط .
رابعًا :كتاب ( مجتمع يثرب ..العلقة بين الرجل والمرأة في العهدين المحمدي والخليفي ) :
وهذا كتاب َم ْعيَبة ،لنه يشوه السلم في أعظم عصوره ،أي في مرحلة النبوة ،وصدر السلم ،والخلفاء
الراشدين .وسوف يلحظ القارئ ،في اللحظة الولى ،أن الكاتب يستخدم ،كلمة ( يثرب ) ول يستخدم اسم
( المدينة المنورة ) علمًا بأن السم الول ،قد نسخه السلم ،وألغاه النبي ،وأطلق عليها هذا السم الجديد
293
الجميل .ولكن ليست هذه هي المشكلة في هذا الكتاب ،ولكن المشكلة ،هي في الدراسة الجتماعية المزعومة ،
التي قدّمها ،والتي شوه بها ،ومن خللها ،أعظم المجتمعات وأعظم العصور وأعظم الشخصيات ،حين
نكتشف ،أن المجتمع في مدينة رسول ال ،وهو المجتمع الذي أقام دولة ،ونشر دينًا ،هذا المجتمع ورجاله ،لم
يكونوا مشغولين بشيء ،قدر انشغالهم بالمرأة والجنس معًا …!
خامسا :كتاب ( قريش من القبيلة إلى الدولة المركزية ) :
وهذا الكتاب ،ينزع عن النبي محمد ،صلى ال عليه وسلم ،صفات الرسالة والنبوة والوحي جميعًا ،إذ يحاول
المؤلف أن يثبت ،أنه ليس هناك شيء من هذا كله ،ولكن المر كان ينحصر في رغبة قريش ،في أن تقيم دولة
،وأن تسود على القبائل العربية ،في شبه الجزيرة وما حولها .وقد تم هذا وفق تخطيط محكم قام به ،رجل
داهية ،هو جدّ النبي ،صلى ال عليه وسلم ،وهو عبد المطلب الذي جاء بحفيده " محمد " ،ولم يكن أقل منه
ذكاءً ،وصنع منه حاكمًا ومؤسسًا لهذه الدولة .لقد أراد عبد المطلب ،أن " يصنع " ملكًا فصنع نبيًا ،أي أن
الحكاية كلها هي الحكم ،وهي السيطرة ،وهي السيادة إلى جوار ملوك وأباطرة ،يحيطون بقبائل العرب ،ابتداء
من كسرى حتى هرقل .
سادسا :كتاب ( شدو الربابة بأحوال الصحابة ) :
وهذا كتاب ل يقل سوءًا ،إن لم يزد عن الكتب السابقة ،وهو أيضًا يأتي استكمالً لكتابي مجتمع يثرب ،وقريش
القبيلة والدولة .وفي هذا الكتاب الجديد ،يعرض المؤلف لحوال صحابة رسول ال ،فيقول فيهم كلمًا ،لم يرد
في كتب السيرة ،ول في كتب التاريخ ،ومنه أن رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،كان يختلي بالصحابي
الجليل سلمان الفارسي ،ليام طويلة لكي يأخذ منه ،ويتعلم على يديه ،لن سلمان ،فيما يقال كان من كبار
مثقفي عصره ،وكان عالمًا بالعقائد والديان ،وكان يحيط بالمذاهب المختلفة .وقد جلس النبي بين يديه ،كما
يجلس تلميذ بين يدي أستاذه ،ليتعلم منه كل السس والقواعد والتجارب والتواريخ والسير ،التي استفاد منها
النبي ،بعد ذلك في رسالته السلمية المحمدية .
سابعًا :كتاب ( فترة التكوين في حياة الصادق المين ) :
وهذا هو آخر كتب ،خليل عبد الكريم ،ولعله من أخطرها جميعًا .ويقوم هذا الكتاب على فكرة واحدة أساسية ،
هي أن سيدنا محمد ليس نبيًا ،ولكنه تلميذ عبقري ،لمجموعة من الساتذة هم :السيدة خديجة ،وابن عمها ورقة
بن نوفل ،وبقية أفراد السرة وهم :ميسرة ،والراهب بحيرا ،والراهب عداس ،والبطرك عثمان بن الحويرت
..وكلهم مسيحيون ..ولقد قامت هذه المجموعة النصرانية ،على " صناعة" هذا النبي ،بعد أن عكفوا على
تعليمه ،لكثر من خمسة عشر عامًا ،حفظ فيها كتب الولين والخرين ،وعرف التوراة والنجيل ،والمذاهب
والعقائد ،وانتهى هذا كله بنجاح " التجربة " أي الرسالة ،وصنع هذا العبقري ،الذي أصبح نبيًا ،ووضع كتاب
حيّر العاملين ،على امتداد القرون هو القرآن الكريم .
ويقول خليل عبد الكريم بالحرف الواحد " :وهذا الكتاب ،يقدم رؤية جديدة ،نزعم أنها غير مسبوقة ،لحل هذا
اللغز الذي مل الدنيا ،وشغل الناس ،وقد بدأنا بمحمد ،قبل أن يلتقي أبوه بأمه ،حتى التقطته سيدة قريش ،بعد
أن توسمت فيه ،بفراسة يعز مثلها ،أنه هو القادم المنتظر ،ثم قيامها بمعونة سخية ،من ابن عمها القس ،بدور
ل نجد له في تاريخ الديان مجرد شبيه ،أنها ملحمة خالدة ،سلخت من عمر الطاهرة والقس ،عقدًا ونصف
العقد من الزمان ،في العداد والتصنيع والتهيئة والتأهيل ،حتى طرح ذلك العمل ،الصبور الدءوب المتأني
المخطط ،والمرسوم بدقة متناهية ثمرته الناجحة ،وحدثت واقعة غار حراء ،بصورة فذة معجبة ،أدهشت حتى
فاعليها ،وهما سيدة نساء قريش ،وورقة بن نوفل ،لنها جاءت بصورة ،لم تخطر لهما على بال ،ول شك أن
هذا النجاح ،يؤوب بنسبة كبيرة إلى موضوع التجربة ،وهو " محمد " فقد كان عبقريًا ،ل يفري فرية أحد ،
ذلك أن سيرته الذاتية ،وخبراته الشخصية وملكاته العقلية والنفسية واللسانية ،كانت ركائز أساسية في فلح
التجربة " .
294
ل يفري فرية أحد ( :أي ل يكذب كذبة أحد ،بمعنى جاء بكذبة لم يسبقه إليها أحد من قبله ،حيث كان يُسمى
الصادق المين في مكة ،وبذلك ينفي عنه الكاتب هاتين الصفتين ،فيكون إيرادهما في عنوان الكتاب ،من قبيل
الستهزاء والستخفاف ،به وبمن صدّقوه على مدى 1400سنة ،وهذا مما مل قلب مسيلمة الكذاب هذا ،وأمثاله
،غيظا وحسدا على خير الخلق وأكرمهم ،محمد عليه الصلة والسلم )
ويقول أيضًا في نفس الكتاب " ...أما في المساء ،وفي ليل مكة الطويل شتاءً ،فكان مع الطاهرة -أي خديجة -
بمفردها أحياناً ،وبحضور القس أحيانًا أخرى ،حيث تتم في تلك القعدات ،مذاكرة الصحاحات مباشرة
( التوراة والنجيل ) ،ثم إدارة الحوار بشأنها ،وأما بتلقّيها من الم الرءوم والزوجة الحنون خديجة ،التي ل
شك أنها أجادت القراءة والكتابة ،وقد قرأت تلك الصحاحات ،وخزنتّها في ذاكرتها ،أو أنها طفقت تقرأها له
مباشرة .وكل هذا يدور بالنهار ،في السواق والحوانيت والعياد ،وما يتم سماعه من القس ورقة ،وخديجة
من الصحاحات ،التي عرّبها القس في الليالي الطوال ( ،لتخرج في شكل سور القرآن ) ،وما يعقبها من
شروح وإيضاحات ( السنة النبوية ) ،وحوارات بالجلسات ،التي قد تستمر حتى بزوغ الفجر .نقول أن كل
هذا ،كان يجري تخزينه ،وبرمجته في ذاكرة العبقري ،الذي لم تر جزيرة العرب له مثيلً ،ولم تشهد له
ضريبًا ،ولم تعاين له شبيهًا أو ندًا ،خاصّة وقد آمنا أنه أمي ل يقرأ ول يكتب ،والمي -أيّ أُميّ -يتمتع بذاكرة
حديدية ،وحافظة واعية أشد الوعي ،فما بالك إذا اجتمعت المية والعبقرية الفذة ،في شخص واحد .
ويقول في موضع آخر " ..ومهما كانت الجهود التي بذلتها الطاهرة ،وعاضدها فيها ابن عمها القس ،فأنها ل
تنفي عن التجربة ،وفى مقدمتها حادث الغار ،جانبها الغيبي وناحيتها الميتافيزيقية ( المتافيزيقية :لفظ توصف
به الظواهر الخارقة الطبيعية ،التي عادة ما تتأتى ،على أيدي الكهان والسحرة والمشعوذين والدراويش
ومحضّري الرواح ،وذلك لنفي الوحي ) ،إذ ل تعارض بين المرين ،بل إن كل منهما يكمل الخر ويدعمه .
ويقول أيضًا " ..حتمٌ علينا ،أن نقرّ ونعترف بمهارة خديجة ،في المزج بين المومة الفياضة ،بالحب
والحنان ،وبين العداد الكريم الدقيق ،لتلقى التجربة ( النجاح ) ،ولول هذا الخلط البارع ،لما قُدّر للتجربة
الفلح والنجاح ،الذي مل الدنيا ،وشغل الناس منذ أربعة عشر قرنًا ،ومازال يشغلهم حتى الن ،وربما لمد
بعيد ،ما لم تتبدل جذريًا ،أحوالهم الجتماعية والقتصادية والثقافية ،وما لم يتحلّل حراس الساطير ،وجلّس
التراث المبارك ،عن أماكنهم الميمونة ( ،بمعنى ما لم يعمل جهابذة المفكّرين من أمثال الكاتب ،على رفع هالة
القداسة عن محمد ورسالته ،فتعالى ال عما يُشرك به المجرمون ) " .
ثم يقول خليل عبد الكريم في موضع آخر وأخير " ..كان أسى محمد المرير ،على فقد خديجة أمرًا بديهيًا ،
لنها الم الرءوم والزوجة الحبيبة ،ولولها ما أكمل التجربة حتى نهايتها ،وهي التي أتاحت له التّماس ،مع
ورقة وعداس وبحيرا ،وقضاء الليالي الطوال مع ابن نوفل ،في المدارسة والمذاكرة والمحاورة ،وهي التي
كانت تقرأ له الصحف ،التي عرّبها القس نوفل ،وهي التي هيأت له الختلط ،بأصحاب جميع الملل والنحل
والعقائد والديان ،الذين اكتظّت بهم مكة ،ولول التفرغ الدائم ،وهو أحد عطايا أم هند ،لما انفسحت له الفرصة
الثمينة .ول شك أن الخلطة بأصحاب الديانات ،شكّلت جزءًا من الخطة المرسومة .لما انضوت عليه الخطة ،
من تمرّس واستماع ،وحفظ وحوار ومدارسة وتخزين معلومات .لقد أدركت خديجة ،منذ فجر التجربة ،أن
احترامه التجارة ل يدع له فسحة من الوقت ،في حين أن التجربة ،تحتّم ضرورة التفرغ الكامل ،وطلق كل ما
يشغله عنها ،طلقًا بائنًا بينونة كبرى " .
وبعد ..فهذه مجرد وقفة سريعة ،عند كتب خليل عبد الكريم ..وليس منها كتابًا أقل خطورة من الخر ..ولكن
ربما كان هذا الكتاب الخير هو أخطرها ..فسوف نلحظ هنا ،أن سيدنا محمد ،صلى ال عليهم وسلم ،ليس
نبيًا يوحى إليه ،بل هو رجل عبقري ،تمت صناعته على يد السيدة خديجة وجماعتها ،وهم مجموعة من أقباط
مكة ،وأنه تم تحفيظه الكتب السماوية ،التي سبقته كلها ،فكان النتاج هو هذا الرسول .وأغرب من هذا ،أن
الكتاب كله ،ل ترد فيه كلمة " الرسالة " ،للدللة على الدين الحنيف ،بل هو يسميها " التجربة " ..فلقد نجحت
" تجربة " خديجة ومن معها ،بما يعني أنها شيء أرضي ،وليست شيئًا علويًا منزلً ،من فوق سبع سماوات .
وفي هذا السياق ،فهو يسمي السيدة خديجة باسم " الطاهرة " تيمنًا باسم مريم العذراء ،التي طهّرها رب العزة
والجلل واصطفاها على نساء العالمين ،ودللة السم هو أن السيدة خديجة كانت نصرانية ،وبعد هذا ،فهو ل
295
يتورع ،عن وصف الوحي ،الذي نزل على رسول ال ،صلى ال عليه وسلم ،في غار حراء بأنه حادث غيبي
ميتافيزيقي !
بين البداع والحرية
296
وهذا التأصيل ضروري ،لكي نتعرف على قيمة المنفعة والمتعة وغيرهما ،في تحديد إبداعية العمل ،وكذلك
للتعرف على الطر ،التي تعمل الحرية في حدودها ،إذ ل يمكننا العتماد على المنهج الغربي ،الذي يكيل
بألف مكيال ،فيحتفي بسلمان رشدي ،باعتباره مبدعا ،ويضيق صدرا بروجيه جارودي ،فيسن قانون ( جيسو
– فابيو ) ليقدمه للمحاكمة ،لنه كتب ( الساطير المؤسسة للسياسة السرائيلية ) ،كما لم يتسع صدره ل ( دافيد
ايرفنج ) ،المؤرخ البريطاني ،الذي شكك في أرقام الهولوكوست " .
جولة الصحافة :الجزيرة نت ،ثورة المشايخ
" الكلم الوارد ،في كتاب فترة التكوين في حياة الصادق المين ،ل يحتمل حكماً آخر ،غير الكفر " د .يحيى
إسماعيل ،الهرام العربي .
ونشرت المجلة ملفاً عن الثورة ،التي أحدثها كتاب "فترة التكوين في حياة الصادق المين" ،لخليل عبد الكريم ،
الكاتب اليساري ،الذي ينسب نفسه إلى ما يسمى ب " اليسار السلمي " ،أو " السلم المستنير " .
وأصدر مجمع البحوث السلمية من جهته ،تقريراً عن الكتاب ،أوضح فيه أن الكتاب ،يعتبر إنكارا لرسالت
النبياء .ويعرض الكتاب لحياة الرسول الكريم بشكل مزر ،حيث صار فاقد الرادة أمام زوجته السيدة خديجة ،
ثم خضع خضوعاً تاماً ،لما أرادته هي وابن عمها ورقة بن نوفل ،من تصييره نبياً ،تدين له جزيرة العرب
وغيرها .
وانتهى التقرير ،إلى التوصية بمصادرة الكتاب ،الذي يمثل عملً عدوانياً ،على عقيدة المة السلمية ،ينكر
مبدأ الرسالت السماوية إنكاراً قاطعاً ،ويزعم أن جميع النبياء ،صناعة أرضية بشرية .من الجدير بالذكر ،
أن التوصية بالمصادرة ،صدرت بإجماع آراء علماء مجمع البحوث .
من ناحيته ،أكد د .يحيى إسماعيل المين العام ،لجبهة علماء الزهر ،أن الكلم الوارد في الكتاب ،ل يحتمل
حكماً آخر غير الكفر .وأضاف قائلً :لسنا أمام ثقافة أو فكر ،ول يمكن أن تكون الوقاحة إبداعاً .
وليمة جديدة :وفي نفس الطار ،نشرت صحيفة الوفد ،تقريرا تحت عنوان " وزارة الثقافة تطبع كتاباً يهاجم
السلم " ،ويقول التقرير :أن مجمع البحوث السلمية ،طلب مصادرة كتاب " المرأة والجنوسة في السلم "
،والذي قامت بتأليفه ،ليلى أحمد باللغة النجليزية ،وطبعته وزارة الثقافة ،على نفقتها بعد ترجمته .
وكشف التقرير ،أن الكتاب يزعم ،أن القرآن اقتبس مادته التاريخية من التوارة ،وأن السلم سلب حقوق
المرأة .واتهم التقرير المؤلفة بالتشكيك ،في سماوية القرآن ،وبالتحريف المتعمد لوقائع السيرة النبوية .وطلب
التقرير ،مساءلة المجلس العلى للثقافة ،عن إضاعة أموال الدولة ،في عمل يدعو لهدم السلم " .
معارك السلميين
* جزء من مقال في صحيفة القدس العربي :
" وإلى جماعة الخوان المسلمين ،في جريدتهم آفاق عربية ،واندهاش الدكتور عبد العظيم المطعني ،الستاذ
بجامعة الزهر ،من الحملة العنيفة ضد صحيفة النبأ ،بسبب نشرها موضوع الراهب برسوم المحرقي ،وغلقها
وإسقاط عضوية ،صاحبها ممدوح مهران من نقابة الصحافيين ،وتقديمه للمحاكمة ،والحملة التي تعرضت لها
الدكتورة نوال السعداوي ،بينما لم يحدث تحرك ضد خليل عبد الكريم ،بسبب كتابه فترة التكوين في حياة
الصادق المين .
المهم أن الدكتور المطعني ،قال :د .نوال ،اخترقت جانباً من حصن العقيدة والتشريع ،وجريدة النبأ ،اخترقت
جانباً من الطار الخلقي ،بما يعد تحريضا علي الفسق والفجور ،وخدشاً للحياء وإساءة إلى مشاعر الشعب
المصري كله ،مسلمين وأقباطا ،أما خليل عبد الكريم عبد الناصر ( الكاتب ) ،ومحمد هاشم ( الناشر ) ،فإن
جريمتهما أفظع جريمة يشهدها المجتمع المصري ،جريمة تدعو إلى تقويض وهدم حقائق اليمان ،ومحوها من
الوجود ،حيث تصور كل أنبياء ال ورسله ،على مدى التاريخ النبوي كله ،بأنهم صناعة أرضية بشرية مفبركة
297
!! وليست لهم صلة بوحي ال ،بل هم ال ُمصَنفرون والمقلوظون في ورش بشرية ،تخصصت في إنتاج النبياء
والرسل المخدوعين !!
هذه الجريمة الفظيعة ،لم تتجاوز مواجهتها حتى الن سوى الرفض العلمي القولي ،ولم يتخذ ضد أطرافها
أي موقف رسمي حاسم ،لوقف هذه المهاترات المشبوهة ،التي تمس نظام المجتمع من الجذور ،والواجب أن
يُحاسب قانوناً ،كل من المؤلف والناشر ،وأن تحذو نقابة المحامين ،حذو نقابة الصحافيين ،بشطب اسم خليل
عبد الكريم من جدول المحامين ،وأن يتخذ اتحاد الناشرين قرارا ،برفع دعوى لسحب ترخيص ،مكتبة ميريت
للنشر والمعلومات ،من مزاولة مهنة النشر .أجل ،إن خليل أولى بالمحاكمة ،من نوال وإن ميريت أولى
بالغلق من النبأ ،وإل فان نجاة خليل ومحمد هاشم من المساءلة الرادعة ،سوف يفسح المجال للعشرات من
أمثال خليل ،في مجال التأليف المخرّب ،وللعشرات من أمثال محمد هاشم ،من الناشرين المخربين .وحسبنا
ال ونعم الوكيل " .
خشْ َيةً )
خشْ َيةِ الّل ِه َأوْ َأشَدّ َ
س كَ َ
شوْنَ النّا َ
خ َ
( َي ْ
في نيجيريا تخرج المليين من الناس ،لتجتمع في صعيد واحد مطالبة بتطبيق الشريعة ،فتبدأ ولية تلو أخرى
بتطبيقها ،بالرغم من معارضة الغرب النصراني ،أما في مصر أم الدنيا ،بلد الزهر ،كما يُسمّيها الشقاء
المصريون ،وفي أرض الكنانة كما يُسميها الشقاء العرب ،فالشريعة السلمية لديهم انتهت مدة صلحيتها ،
لذلك يتوجب علينا أن نُلقيها في سلة المهملت ،ليكون مصيرها الحرق في مقالب قمامة القاهرة .
هي نفسها ،حرب فرعون وملئه ،على موسى ومن معه من المؤمنين ،تتجدّد على نفس الرض ،وعلى نفس
الشاكلة ،ول وازع ول رادع ،بالرغم من سكنهم ،في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ،فأخذهم وأبقى أثرهم ،
لتذكير من يأتي بعدهم ،ببطشه وجبروته .
في مصر تُصدر المحكمة الدارية في القاهرة ،في مطلع شهر 7/2001م ،قرارا بإغلق صحيفتي ( النبأ ) و
( آخر نبأ ) ،لنها أساءت لمشاعر القباط ،بنشر صور فاضحة ،انحرافات جنسية لراهب مطرود من الدير ،
مما أثار تظاهرات غاضبة للقباط في حزيران الماضي .وهذا القرار عادل بل أدنى شك ،فديننا ل يقبل هذا
الفعل .
ولكن ماذا عن إساءة مشاعر المسلمين ،وماذا عن الساءة لكتاب ال ،وماذا عن الساءة لرسول ال ،وماذا عن
الجتراء على ال ،لقد رُفعت قضايا ضد من قاموا بذلك ،ولكن هل اتخذت تلك المحكمة قرارا مشابها ...؟! نعم
..لقد أخذت الحكومة المصرية قرارا ،ولكن بإغلق الصحف التي دافعت عن مقدسات المة ،بدعوى الرهاب
الفكري للمبدعين ،الذين انهالوا على السلم ليحطموا أوثانه وأصنامه ،التي ألفوا آباءهم وأجدادهم عليها
عاكفين ،منذ أربعة عشر قرنا من الزمان … !!
ما يلفت النتباه إلى أن أقباط مصر ،غضبوا لدينهم بشكل جماعي ،وهم أقلية في مصر ،ومن حق النسان ،بل
واجب عليه أن يغضب ،ول يكون الغضب محمودا إل في هذا الموقف ،ولكن هل غضب المسلمون في مصر ،
عندما انتهكت ،وما زالت ،مقدّساتهم الدينية جمل وتفصيل .
يقول د .محمد عباس " :كانت المة تغلي بالغضب ،وكان قلبها متمثل ،في طلبة جامعة الزهر ،حيث تظاهر
25ألف طالب ،وكانت الدولة مترددة ،حتى حسمت أمرها بإطلق الرصاص ،على قلب المة ،على طلبة
جامعة الزهر " .ويقول " :كان موقف شيوخ الزهر وطلبته رائعا ،فقد أصدر 70عالما أزهريا بيانا " .
رائعا ،لكونهم أصدروا بيانا ،ولكن ما شاهدناه على شاشة التلفزيون هو مظاهرة ،تضم بضعة عشرات من
فتيات الزهر ،وأدتها الشرطة المصرية ،من قبل أن تبدأ ،حسبما جاء في النشرات الخبارية ،وما نود أن
نُشير إليه هنا ،أن المة المصرية ،لم تُحرك ساكنا ،فهي منشغلة بدنياها ،من رأسها حتى أخمص قدمها ،
لتستمر المعركة على صفحات الصحف من قبل القلة ،من أبناء الذين انتصروا لدينهم ،وخذلتهم أمتهم وخذلت
دينها ،قبل أن تخذلهم حكومتهم ،وما نسبة 25ألف طالب ،مما يزيد عن 50مليون مسلم في مصر … ؟!
298
وهذا الوضع المؤسف والمأسوي في مصر ،الذي حاول د .محمد عباس تجميله ،والذي يبعث السى والحزن
في قلب كل مسلم ،هو ما تستشعره في ثنايا مقالت وبيانات ،د .محمد عباس نفسه ،وهو ينادي في أمته ،فل
سامع ول مجيب ،مما اضطره للستنجاد بالزهر وطلبته والمفتي والقرضاوي ،بعد أن وجد نفسه وحيدا
ي كماشة إعلم الكفر والضللة ،وجبروت فرعون وسطوته ،فاستجابوا له بعد حين . محاصرا ،بين فك ّ
فلماذا انتصرت الحكومة ،لنصارى مصر وحاربت مسلميها ؟! أليس لنهم يخشون الناس ،من نصارى الغرب
،كخشية ال أو أشد خشية ،نعم ..هذا هو الشرك بعينه ،لذلك اعتقد بعض المفسّرون القدماء ،أن المقصود في
اليات هم مشركي قريش ،ظنا منهم أن الشرك ،ولّى من غير رجعة .
نعم ..إنهم يشكّون بربوبية ال وألوهيته ،ول يدينون له بالعبادة ،ويشكّون في قدرته على نصر أوليائه ،
والنتقام من خصومه ،ويُضاف إلى شركهم صفة أخرى ،هي النفاق ،وهو ما لم ينتبه إليه ،من ذهبوا إلى ذلك
القول من المُفسّرين ،فمشركو قريش أخذتهم العزة بالثم ،فل حاجة بهم ليُنافقوا رسول ال وصحبه ،ولم يُعطوا
الدنية في معتقدهم بالرغم من بطلنه ،حتى فُتحت مكة ودخلوا في السلم ،وما ظهر النفاق إل في المدينة .
وفي خضم هذه الموجة ،ومع ضعف نور السلم ،وأفول شمسه ،سيتحول النفاق قريبا ،إلى كفر بواح ،فلن
يكون هناك داعيا للخجل .حينها ستكون بطشة ربك الكبرى ،على البواب ،ويكون أهل مصر قد أعذروا ال
في أنفسهم ،بما كسبت أيديهم ،وبما سكتوا عن الحق ،فالساكت عن الحق شيطان أخرس ،لنعود إلى قوله
تعالى ( َومَا كَانَ رَبّكَ ُمهْلِكَ الْقُرَى حَتّى يَ ْبعَثَ فِي ُأ ّمهَا َرسُولً يَتْلُو عَلَ ْي ِهمْ ءَايَاتِنَا َومَا كُنّا ُمهْ ِلكِي الْقُرَى ِإلّ
َوأَهُْلهَا ظَا ِلمُونَ ( 59القصص ) ،ورحمة من ربك ،بعث رسله الكرام ،مبشرين بعظم ثواب الدنيا والخرة ،
ومنذرين من بأسه الشديد في الدنيا والخرة ،ورحمة بأهل مصر ،ها قد أنذرهم بالدخان ،حتى يوقظهم من
وأَهُْلهَا غَافِلُونَ (131 غفلتهم لعلهم يرجعون ،مصداقا لقوله ( ذَلِكَ أَنْ َلمْ َيكُنْ رَبّكَ ُ ،مهْلِكَ ا ْلقُرَى ِبظُ ْلمٍ َ ،
النعام ) ،وقوله ( َومَا كَانَ رَبّكَ لِ ُيهِْلكَ ا ْلقُرَى ِبظُ ْلمٍ َ ،وأَهُْلهَا مُصْ ِلحُونَ ( 117هود ) .
قال تعالى ( َومِ ْنهُمُ الّذِينَ ُيؤْذُونَ النّبِيّ ،وَ َيقُولُونَ ُهوَ أُذُنٌ ُ ،قلْ أُذُنُ خَيْرٍ َل ُكمْ ُ ،ي ْؤمِنُ بِالِّ وَ ُي ْؤمِنُ لِ ْل ُم ْؤمِنِينَ ،
ح َمةٌ لِلّذِينَ ءَامَنُوا مِ ْنكُمْ ،وَالّذِينَ ُيؤْذُونَ َرسُولَ الِّ َل ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (َ )61يحْ ِلفُونَ بِالِّ َلكُمْ لِيُرْضُو ُكمْ ،وَالُّ وَ َر ْ
جهَ ّنمَ وَ َرسُوُلهُ َأحَقّ أَنْ يُرْضُوهُ ،إِنْ كَانُوا ُم ْؤمِنِينَ ( )62أَ َلمْ َيعْ َلمُوا أَ ّنهُ مَنْ ُيحَادِدِ الَّ وَ َرسُو َلهُ َ ،فأَنّ َلهُ نَارَ َ
خَالِدًا فِيهَا ،ذَِلكَ ا ْلخِ ْزيُ ا ْل َعظِيمُ (َ )63يحْذَرُ ا ْلمُنَا ِفقُونَ ،أَنْ تُنَ ّزلَ عَلَ ْي ِهمْ سُورَةٌ تُنَبّ ُئ ُهمْ ِبمَا فِي قُلُو ِب ِهمْ ُ ،قلِ
اسْ َتهْزِئُوا ،إِنّ الَّ ُمخْرِجٌ مَا َتحْذَرُونَ ( )64وَلَئِنْ سََألْ َت ُهمْ ،لَ َيقُولُنّ إِ ّنمَا كُنّا َنخُوضُ وَنَ ْلعَبُ ُ ،قلْ أَبِالِّ وَءَايَا ِتهِ
ن طَا ِئ َفةٍ مِ ْنكُمْ ُ ،نعَذّبْ طَا ِئ َفةً ،بِأَ ّن ُهمْ وَ َرسُو ِلهِ كُنْ ُتمْ َتسْ َتهْزِئُونَ ( )65لَ َتعْتَذِرُوا قَ ْد كَفَرْ ُتمْ َبعْدَ إِيمَا ِن ُكمْ ،إِنْ َنعْفُ عَ ْ
ضهُمْ مِنْ َبعْضٍ ،يَ ْأمُرُونَ بِا ْلمُ ْنكَرِ وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْل َمعْرُوفِ ، ج ِرمِينَ ( )66ا ْلمُنَا ِفقُونَ وَا ْلمُنَا ِفقَاتُ َبعْ ُ كَانُوا ُم ْ
سقُونَ ( )67وَعَدَ الُّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ وَا ْلمُنَا ِفقَاتِ وَ َيقْبِضُونَ أَيْدِ َي ُهمْ َ ،نسُوا الَّ فَ َنسِ َي ُهمْ ،إِنّ ا ْلمُنَا ِفقِينَ هُمُ ا ْلفَا ِ
حسْ ُب ُهمْ وَ َلعَ َن ُهمُ الُّ وَ َل ُهمْ عَذَابٌ ُمقِيمٌ ( )68كَالّذِينَ ِمنْ قَبْ ِل ُكمْ ،كَانُوا َأشَدّ جهَ ّنمَ خَالِدِينَ فِيهَا ،هِيَ َ وَالْ ُكفّارَ ،نَارَ َ
مِ ْنكُمْ ُقوّةً َوَأكْثَرَ َأ ْموَالً َوَأ ْولَدًا ،فَاسْ َتمْ َتعُوا ِبخَلَ ِق ِهمْ ،فَاسْ َتمْتَعْ ُتمْ ِبخَلَ ِق ُكمْ َكمَا اسْ َتمْتَعَ الّذِينَ مِنْ قَبْ ِل ُكمْ ِبخَلَ ِق ِهمْ ،
لخِرَةِ َ ،وأُولَئِكَ ُهمُ ا ْلخَاسِرُونَ ( )69أَ َلمْ يَأْ ِت ِهمْ نَبَأُ عمَاُل ُهمْ فِي الدّنْيَا وَا ْ َوخُضْتُمْ كَالّذِي خَاضُوا ،أُولَئِكَ حَ ِبطَتْ أَ ْ
صحَابِ مَدْيَنَ وَا ْل ُمؤْتَ ِفكَاتِ ،أَتَ ْتهُمْ ُرسُُل ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ ، الّذِينَ مِنْ قَبْ ِل ِهمْ َ ،قوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَ َثمُودَ وَ َق ْومِ إِبْرَاهِيمَ َوأَ ْ
ضهُمْ َأوْلِيَاءُ َبعْضٍ ،يَ ْأ ُمرُونَ ن وَا ْل ُمؤْمِنَاتُ َبعْ ُ س ُهمْ َيظْ ِلمُونَ ( )70وَا ْل ُم ْؤمِنُو َ َفمَا كَانَ الُّ لِ َيظْ ِل َم ُهمْ ،وَ َلكِنْ كَانُوا أَنْ ُف َ
ح ُمهُمُ بِا ْل َمعْرُوفِ وَيَ ْن َهوْنَ عَنِ ا ْلمُ ْنكَرِ ،وَ ُيقِيمُونَ الصّلَةَ وَ ُيؤْتُونَ ال ّزكَاةَ وَ ُيطِيعُونَ الَّ وَ َرسُو َلهُ ،أُولَئِكَ سَ َي ْر َ
الُّ ،إِنّ الَّ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( )71وَعَدَ الُّ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ وَا ْل ُم ْؤمِنَاتِ ،جَنّاتٍ َتجْرِي مِنْ َتحْ ِتهَا الَْ ْنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ،
ضوَانٌ مِنَ الِّ أَكْبَرُ ،ذَلِكَ ُهوَ ا ْل َفوْزُ ا ْل َعظِيمُ ( )72يَأَ ّيهَا النّبِيّ ،جَاهِدِ ا ْلكُفّارَ َو َمسَاكِنَ طَيّ َبةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ َ ،ورِ ْ
جهَ ّنمُ وَبِئْسَ ا ْلمَصِيرُ (َ )73يحْ ِلفُونَ بِالِّ مَا قَالُوا ،وَ َلقَدْ قَالُوا كَ ِل َمةَ ا ْلكُفْرِ ، وَا ْلمُنَا ِفقِينَ وَاغُْلظْ عَلَ ْي ِهمْ َ ،ومَ ْأوَا ُهمْ َ
ل ِم ِهمْ ،وَ َهمّوا ِبمَا َلمْ يَنَالُوا َ ،ومَا َن َقمُوا ِإلّ أَنْ أَغْنَا ُهمُ الُّ َو َرسُوُلهُ مِنْ فَضْ ِلهِ ،فَإِنْ يَتُوبُوا يَكُ َوكَفَرُوا َبعْدَ ِإسْ َ
لخِرَةِ َ ،ومَا َلهُمْ فِي الَْرْضِ مِنْ وَِليّ َولَ نَصِيرٍ ()74 خَيْرًا َل ُهمْ َ ،وإِنْ يَ َتوَّلوْا ُيعَذّ ْب ُهمُ الُّ عَذَابًا أَلِيمًا فِي الدّنْيَا وَا ْ
299
ضِلهِ ،
َومِ ْنهُمْ َمنْ عَاهَدَ الَّ ،لَئِنْ ءَاتَانَا مِنْ فَضْ ِلهِ ،لَنَصّدّقَنّ وَلَ َنكُونَنّ مِنَ الصّا ِلحِينَ ( )75فَ َلمّا ءَاتَا ُهمْ ِمنْ فَ ْ
عقَ َب ُهمْ ِنفَاقًا فِي قُلُو ِب ِهمْ إِلَى َي ْومِ يَ ْل َقوْ َنهُ ِ ،بمَا َأخْلَفُوا الَّ مَا وَعَدُوهُ ، َبخِلُوا ِبهِ وَ َتوَّلوْا وَ ُهمْ ُمعْرِضُونَ ( )76فَأَ ْ
لمُ ا ْلغُيُوبِ ( 78التوبة ) . عّ ن الَّ َ جوَا ُهمْ َ ،وأَ ّ ن الَّ َيعْ َل ُم سِرّ ُه ْم وَ َن ْوَ ِبمَا كَانُوا َيكْذِبُونَ ( )77أَ َلمْ َيعْ َلمُوا أَ ّ
قال تعالى
لخِرَةِ َ ،وأَعَدّ َل ُهمْ عَذَابًا ُمهِينًا ( 57الحزاب )
لّ وَ َرسُو َلهُ َ ،لعَ َن ُهمُ الُّ فِي الدّنْيَا وَا ْ
( إِنّ الّذِينَ ُيؤْذُونَ ا َ
وقال
ن ظَ َلمُوا ،وَ ُبشْرَى
عرَبِيّا ،لِيُنْ ِذرَ الّذِي َ
ح َمةً ،وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدّقٌ ِلسَانًا َب مُوسَى ِإمَامًا وَ َر ْ
( َومِنْ قَبْ ِل ِه كِتَا ُ
حسِنِينَ ( 12الحقاف ) لِ ْل ُم ْ
300
يوم نبطش البطشة الكبرى
وهكذا نكون قد عايشنا أجواء المشهد الثالث ،قبل الخير ،من فصول سورة الدخان ،وبقي المشهد الرابع
والخير ،المشهد الكثر رعبا ،إنها البطشة الكبرى ،التي سينتقم فيها رب العزة ممن آذوا رسوله ،وهو وعد
خاص لمحمد عليه الصلة والسلم ،ول يخلف ال وعده ،قال تعالى ( إِنّا لَنَنْصُرُ ُرسُلَنَا ،وَالّذِينَ ءَامَنُوا ،فِي
حسَبَنّ الَّ ُمخْلِفَ وَعْدِهِ ُرسُ َلهُ ،إِنّ الَّ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (
شهَادُ ( ، )51وقال ( فَلَ َت ْ
ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ،وَ َي ْومَ َيقُومُ ا َلْ ْ
47إبراهيم ) .
أما المؤمنون من أهل مصر ،فربهم أعلم بهم ،وهو كفيل بأن يقيهم العذاب ،حيث وعدهم بالنصر كما وعد
حقّا
رسله ( ،وَ َلقَدْ أَ ْرسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ ُرسُلً ،إِلَى َق ْو ِم ِهمْ َفجَاءُو ُهمْ بِالْبَيّنَاتِ ،فَانْ َت َقمْنَا مِنَ الّذِينَ َأجْ َرمُوا َ ،وكَانَ َ
عَلَيْنَا نَصْرُ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ( 47الروم ) ،ووعدهم بالنجاة كما وعد رسله ،قال تعالى ( َف َهلْ يَنْ َتظِرُونَ ِ ،إلّ مِ ْثلَ أَيّامِ
الّذِينَ خَ َلوْا مِنْ قَبْ ِل ِهمْ ُ ،قلْ فَانْ َتظِرُوا ،إِنّي َمعَ ُكمْ مِنَ ا ْلمُنْ َتظِرِينَ (ُ )102ثمّ نُ َنجّي ُرسُلَنَا ،وَالّذِينَ ءَامَنُوا ،كَذَلِكَ
علَيْنَا نُ ْنجِ ا ْل ُم ْؤمِنِينَ ( 103يونس ) . حقّا َ
َ
وبعد جدال طويل ،لمؤمن آل فرعون ،مع أئمة الكفر من قومه ،في حوار يمتد من الية 28في سورة غافر
وحتى الية ، 44يقول لقومه َ ( :فسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ َل ُكمْ َ ،وأُ َفوّضُ َأمْرِي إِلَى الِّ ،إِنّ الَّ بَصِيرٌ بِا ْلعِبَادِ ()44
عشِيّا ،وَ َي ْومَ
علَ ْيهَا غُ ُدوّا وَ َ
عوْنَ سُوءُ ا ْلعَذَابِ ( )45النّارُ ُيعْرَضُونَ َ َفوَقَاهُ الُّ سَيّئَاتِ مَا َمكَرُوا َ ،وحَاقَ بِآلِ فِرْ َ
ع ْونَ َأشَدّ ا ْلعَذَابِ ( ، )46وكذلك سيفعل الذين من بعدهم ،عندما يسمعون بأمر هذا عةُ ،أَدْخِلُوا ءَالَ فِرْ َ
َتقُومُ السّا َ
الكتاب ،فسيُمارون ويُكثرون من الجدل الجدال ،ليُثبتوا أن هذه السورة ،لم تكن بأي حال من الحوال بشأن
مصر ،وما يجري في مصر ،وما ذلك بمنجيهم من العذاب ،فالولى بهم أن يُصلحوا ما فسد من أمرهم ،
ويعودوا إلى ربهم .
ماهية هذه البطشة :
المكان هو القاهرة ،بشكل خاص حيث ظهر الدخان ،ومن المرجح أل يمتد إلى غيرها من المدن المصرية
الكبرى ،وربما يمتد ،وال أعلم .
النتيجة هي دمار القاهرة وخرابها ،وهلك أهلها ،دمارا وهلكا عاما ،غاية في البشاعة ،وهذا مستفاد من قوله
تعالى ( بطشتنا ) عند حديثه عن عذاب قوم لوط ،التي أوضحنا صفتها ،في فصل سابق ،فتلك بطشة ،وهذه
بطشة كبرى .
ومن المرجح ،وال أعلم ،أل تكون هذه البطشة ،بفعل إلهيّ خاص وظاهر ،كعذابات القوام السابقة ،مع بقاء
الحتمالية قائمة ،كالخسف والزلزل .ومن المحتمل أن تكون ضربة أو ضربات نووية ،تترافق وتتزامن مع
أحداث الحرب القادمة ،في ظرف ثلثة سنوات على الكثر ،وال أعلم .
ومما يدعم احتمال ضرب القاهرة نوويا ،هو ما جاء في أسفار التوراة ،من أخبار بخراب مصر وحريقها بالنار
،وهلك أهلها ،وجفاف النيل وروافده ،فربما تصدق إن كانت هي المقصودة فعل ،في النصوص التالية :
نص من سفر إشعياء ،وهو السفر القل تشويها وتحريفا ،وهو السفر الذي مازال يحتفظ بنصوص البشرى ،
بمحمد عليه الصلة والسلم ،وإليك نصه :
" إشعياء :16-1 :19 :نبوءة بشأن مصر ،ها هو الرب قادم إلى يركب سحابة سريعة ،فترتجف أوثان مصر
في حضرته ،وتذوب قلوب المصريين في داخلهم ،وأُثير مصريين على مصريين فيتحاربون ،ويقوم الواحد
على أخيه ،والمدينة على المدينة ،والمملكة على المملكة ،فتذوب أرواح المصريين في داخلهم ،وأُبطل
مشورتهم ،فيسألون الوثان والسحرة وأصحاب التوابع والعرّافين ،وأُسلّط على المصريين مولىً قاس ،فيسود
ملك عنيف عليهم ،هذا ما يقوله الرب القدير .
301
وتنضب مياه النيل ،وتجف الحواض وتيبس ،تُنتن القنوات ،وتتناقص تفرّعات النيل وتجف ،ويتلف القصب
والسل ،وتذبل النباتات على ضفاف نهر النيل ،والحقول والمزروعات كلها تجف ،وكأنها لم تكن مخضرّة .
فيئن الصيادون وطارحو الشصوص في النيل وينوحون ،ويتحسّر الذين يلقون شباكهم في المياه ،ويتولّى اليأس
قلوب الذين يصنعون الكتان الممشّط ،ويفقد حائكو الكتان الفاخر كل أمل ،ويُسحق الرجال ،أعمدة الرض ،
ويكتئب كل عامل أجير .
رؤساء صوعن حمقى ،ومشورات أحكم حكماء فرعون غبية ,كيف تقولون لفرعون ،نحن من نسل حكماء ،
وأبناء ملوك قدامى ؟! أين حكماؤك يا فرعون ،ليطلعوك على ما قضى به الرب القدير على مصر ؟! قد حَمق
رؤساء صوعن ،وانخدع أمراء نوف ،وأضلّ مصر شرفاء قبائلها .جعل الرب فيها روح فوضى ،فأضلّوا
مصر في كل تصرّفاتها ،حتى ترنّحت كترنّح السكران في قيئه ،فلم يبق لعُظمائها أو أدنيائها ما يفعلونه فيها .
في ذلك اليوم ،يرتعد المصريون كالنساء ،خوفا من يد الرب القدير التي يهزّها فوقهم " .
ومقتطفات من نص آخر لرميا ،يُنبّئ بخراب مصر :
" ارميا : - 13 :46 :النبوءة التي أوحى بها الرب إلى ارميا النبي ،عن زحف نبوخذ نصر لمهاجمة مصر :
أذيعوا في مصر ،وأعلنوا في مجدل ،خبّروا في ممفيس ،وفي تحفنحيس ،قولوا :قف متأهبا لن السيف يلتهم
مِن حولك … .فتقول بقية اليهود آنذاك " :قوموا لنرجع إلى قومنا ،وإلى أرض موطننا ،هربا من السيف
الطاغي " .ويهتفون هناك " :إن فرعون ملك مصر ،ليس سوى طبل أجوف ،أضاع فرصته " … .تأهبوا
للجلء يأهل مصر ،لن ممفيس ستصبح أطلل ،وخربا مهجورا .مصر عجلة فاتنة هاجمها الهلك من الشمال
،حتى مرتزقتها في وسطها كعجول مسمّنة ،قد نكصوا على أعقابهم هاربين معا ،ولم يصمدوا لن يوم بلئهم ،
قد حل بهم في وقت عقابهم … " .
ومقتطفات من نص آخر لحزقيال ،يُنبّئ بخراب مصر :
" حزقيال :13-1 :30 :وأوحى إليّ الرب بكلمته قائل :يا ابن آدم ،تنبّأ ،وقل ، … :إنّ يوم الربّ بات وشيكا ،
… ،إنّه يوم مُكفهرّ بالغيوم ،ساعة دينونة ( نهاية ) للمم ،إذ يُجرّد سيف على مصر ،فيعُمّ الذعر الشديد
إثيوبيا ،عندما يتهاوى قتلى مصر ،ويستولي على ثروتها ،وتُنقض أُسسها .ثم تسقط معهم بالسيف ،إثيوبيا
سكّانها من مجدل إلى وفوط ولود ،وشبه الجزيرة العربية وليبيا ،وشعوب الرض المُتحالفة معهم … فيتهاوى ُ
أسوان ...فتُصبح أكثر الراضي المُقفرة وحشة ،وتُضحي مُدنها أكثر المُدن خرابا … في يوم هلك مصر ،
الذي ل بد أن يتحقّق .
لني سأفني جماهير مصر بيد نبوخذ نصّر ملك بابل ،إذ يُقبل بجيشه ،أعتى جيوش المم لخراب ديار مصر ،
فيُجرّدون عليها سيوفهم ،ويملئون أرضها بالقتلى ،وأُجفّف مجاري نهر النيل ،وأبيع الرض لقوم أشرار ،
وأُخرّب البلد فيها بيد الغرباء ،أنا الربّ قد قضيت .ثمّ أُحطّم الصنام ،وأُزيل الوثان من ممفيس ،ول يبقى
بعد ،رئيس في ديار مصر ،وأُلقي فيها الرعب " .
طشَتَنَا فَ َتمَا َروْا بِالنّذُرِ )
( وَ َلقَدْ أَنْذَرَ ُهمْ َب ْ
سحَرٍ ( قال تعالى في سورة القمر ( كَذّبَتْ َق ْومُ لُوطٍ بِالنّذُرِ ( )33إِنّا أَ ْرسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ حَاصِبًا ِإلّ ءَالَ لُوطٍ َنجّيْنَا ُهمْ ِب َ
عنْ
طشَتَنَا فَ َتمَا َروْا بِالنّ ُذرِ ( )36وَ َلقَدْ رَاوَدُوهُ َ شكَرَ ( )35وَ َلقَدْ أَنْذَرَ ُهمْ َب ِْ )34ن ْع َمةً مِنْ عِنْدِنَا كَذَلِكَ َنجْزِي مَنْ َ
حهُمْ ُبكْرَةً عَذَابٌ ُمسْ َتقِرّ ( )38فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُ ُذرِ ( ط َمسْنَا أَعْيُ َن ُهمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ ( )37وَ َلقَدْ صَ ّب َ ضَ ْي ِفهِ َف َ
ن مُ ّدكِرٍ ( 40القمر ) . )39وَ َلقَدْ َيسّرْنَا ا ْلقُرْءَانَ لِل ّذكْرِ َف َه ْل مِ ْ
فتماروا بالنُذر :جماع معنى كلمة مراء ،هو الكثار في الجدال بل طائل ،بغية إلباس الحق بالباطل ،
والصورة التي تشكّلت لدينا ،مما جاء من معاني في لسان العرب ،هو أن قوم لوط ،عندما أنذرهم وحذّرهم
عليه السلم من العذاب ،استهزءوا به وبتحذيره ،بل وطفقوا في مجالسهم ،يتبارون فيما بينهم أيهم أقوى حجة ،
بكل ما أُتوا من ملكات وبيان ،لستخراج واستنباط البراهين ،لتفنيد ما يدّعيه لوط ،من قدرة ربه على
إهلكهم ،دون أن يألوا جهدا في التشكيك بذلك ،مظهرين أكبر قدر من الصلبة والثبات ،في مواقفهم المخالف
302
للوط ،وأكبر قدر من الخصومة ،كل من بما يدعيه من الحق ،فيما يقول .وهذا ما يقوم به عادة ،المدافعين عن
الباطل ،لضلل الناس ،وهذه الصورة كثيرا ،ما نراها هذه اليام ،في حوارات أهل الباطل ومناقشاتهم ،
حتى من بعض رجال الدين ،عندما يجتمعون فيما بينهم ،على منابر العلم المرئية والمسموعة والمكتوبة .
طلِ لِيُ ْدحِضُوا ِبهِ ا ْلحَقّ وَاتّخَذُوا
سلُ ا ْلمُ ْرسَلِينَ ِإلّ مُ َبشّرِينَ َومُنْذِرِينَ وَ ُيجَا ِدلُ الّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَا ِ
قال تعالى ( َومَا نُ ْر ِ
ءَايَاتِي َومَا أُنْذِرُوا هُ ُزوًا ( 56الكهف )
والسؤال الن :هل سيتمارى أهل مصر بهذا الكتاب ،فيما لو وقع تحت أيديهم ،كما تمارى الذين من قبلهم ؟
نقول :نعم بل أدنى ! ألم يقل سبحانه ( أنّى لهم الذكرى ) ،وقد كذّبوا برسالة محمد عليه الصلة والسلم ،
فالحرى بهم أن يُكذبوا من هو دونه من البشر ،أيا كانت درجتهم أو صفتهم ،وألم يقل سبحانه ( يوم نبطش
… ) وعقب على هذا اليوم ،بقوله ( ،فارتقب إنهم مرتقبون ) ،فالمسألة باتت مسألة وقت ،ل أكثر …
فلنرتقب … ونرى … !
ولكن هل يفيد هذا النذار ،السابق للعذاب ؟ نقول :نعم ،لو لم يكن فيه فائدة ،لما أنزله ال في كتابه :
أول :إذ لو عاد أهل مصر عامة ،عمّا هم عليه ،لرُفع عنهم العذاب ،كما رُفع عن قوم يونس عليه الصلة
والسلم ،وأما التأكيد على أنهم سينزل بهم ،كان لسبق علم ال ،بما سيكون من إصرارهم على ما هم عليه ،
بعد كشف الدخان .
ثانيا :وربما سيكون هناك عودة ،لبعض أهل مصر على المستوى الفردي ،فيما لو انتبه أحدهم ،لهذا المر ،
من خلل قراءته لسورة الدخان ،أو تم تنبيهه لهذا النذير اللهي .وكون الناس منشغلون بدنياهم عن قراءة
القرآن ،فذلك حجة إضافية عليهم ،يوم القيامة فيما لو تذرّعوا بأن لم يأتهم نذير ،في أنهم كانوا حقا معرضين
عن كتابه ،كما أخبر سبحانه بحالهم ،من سابق علمه ،في كتابه العزيز ،ليكون النذير في متناول أيديهم وهم ل
يشعرون .وربما يكون أحدهم قد انتبه .ولما لم يُكلّف نفسه بالبحث ،إذ ل يرى نفسه ملزما ،بفهم كتاب ال ،
فتساءل … ؟! فضلّله عامّي أو عالم أو فقيه ،بغير علم … !
ثالثا :ليكون في كل هذا عبرة ،لمن يعتبر من المصريين ،وغيرهم من المم .قال تعالى ( َفجَعَلْنَا ُهمْ سَ َلفًا
لخِرِينَ ( 56الزخرف )
َومَثَلً ِل ْ
مسألة إهلك العامة والخاصة :
قد يستنكر البعض إهلك ال للعامة ،كونهم مسلمين … ! نقول أن ربهم أعلم بهم ،وهو القدر على كيفية
التعامل معهم ،وحكمه في خلقه عدل ،وقضاؤه فيهم حقّ .
ومما قاله رب العزة في سنن إهلك القرى ،موضحا أسباب استحقاق أهلها للعقاب بفعل ساداتها :
شعُرُونَ ( س ِهمْ َومَا َي ْ ج ِرمِيهَا لِ َي ْمكُرُوا فِيهَا َ ،ومَا َي ْمكُرُونَ ِإلّ بِأَ ْن ُف ِ
جعَلْنَا فِي ُكلّ قَرْ َيةٍ ،أَكَابِرَ ُم ْ
قال تعالى ( َوكَذَلِكَ َ
123النعام ) ،وقال ( َوإِذَا أَرَدْنَا أَنْ ُنهْلِكَ َقرْ َيةً َ ،أمَرْنَا مُ ْترَفِيهَا َ ،ف َفسَقُوا فِيهَا َ ،فحَقّ عَلَ ْيهَا ا ْل َق ْولُ ،فَ َدمّرْنَاهَا
تَ ْدمِيرًا ( 16السراء )
-وأما أسباب استحقاق العامة للعقاب ،كما يُبيّنوها هم بأنفسهم :
سعِيرًا ( )64خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَ َيجِدُونَ وَلِيّا َولَ نَصِيرًا (َ )65ي ْومَ قال تعالى ( إِنّ الَّ َلعَنَ ا ْلكَافِرِينَ َوأَعَدّ َل ُهمْ َ
طعْنَا سَادَتَنَا َوكُبَرَاءَنَا
طعْنَا الَّ َوَأطَعْنَا ال ّرسُولَ ( )66وَقَالُوا رَبّنَا إِنّا َأ َ ُتقَلّبُ ُوجُو ُه ُهمْ فِي النّارِ َيقُولُونَ يَلَيْتَنَا أَ َ
ضعْفَيْنِ مِنَ ا ْلعَذَابِ وَا ْلعَ ْنهُمْ َلعْنًا كَبِيرًا ( )68يَأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا ،لَ َتكُونُوا
فَأَضَلّونَا السّبِيلَ ( )67رَبّنَا ءَا ِت ِهمْ ِ
كَالّذِينَ ءَا َذوْا مُوسَى ،فَبَ ّرأَهُ الُّ ِممّا قَالُوا َ ،وكَانَ عِنْدَ الِّ َوجِيهًا ( )69يَأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا ا ّتقُوا الَّ َوقُولُوا َق ْولً
سَدِيدًا ( 70الحزاب )
صمُونَ ( )96تَالِّ جمَعُونَ ( )95قَالُوا َو ُهمْ فِيهَا َيخْتَ ِ س َأ ْ
وقال تعالى ( َفكُ ْبكِبُوا فِيهَا ُه ْم وَا ْلغَاوُونَ (َ )94وجُنُودُ إِبْلِي َ
ن شَا ِفعِينَ (
سوّيكُمْ بِرَبّ ا ْلعَا َلمِينَ (َ )98ومَا أَضَلّنَا ِإلّ ا ْل ُمجْ ِرمُونَ (َ )99فمَا لَنَا ِم ْ
للٍ مُبِينٍ ( )97إِذْ ُن َ ضَ ن كُنّا َلفِي َ
إِ ْ
حمِيمٍ ( 101الشعراء ) . ق َ َ )100ولَ صَدِي ٍ
303
وقال تعالى ( وَقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا َ ،لنْ ُن ْؤمِنَ ِبهَذَا ا ْلقُرْءَانِ َ ،ولَ بِالّذِي بَيْنَ يَدَ ْيهِ ،وَ َلوْ تَرَى ،إِذِ الظّا ِلمُونَ
ضعِفُوا ،لِلّذِينَ اسْتَكْبَرُوا َ ،ل ْولَ أَنْ ُتمْ َلكُنّا
ض ُهمْ إِلَى َبعْضٍ ا ْل َق ْولَ َ ،يقُولُ الّذِينَ اسْتُ ْ
َموْقُوفُونَ عِنْدَ رَ ّب ِهمْ َ ،ي ْرجِعُ َبعْ ُ
ُم ْؤمِنِينَ ( 31سبأ )
وذلك بسبب طاعتهم وتأليههم لسادتهم وكبرائهم من المجرمين ،ورضاهم واتباعهم لمنهج كبرائهم ،سواء كان
ذلك كرها أم طوعا ،وممارستهم للفساد والفساد كل حسب طاقته .وفساد الحكام عادة ما يكون مسبوقا ،بفساد
الشعوب وانحرافها ،وليس العكس كما يتصور الكثير من المنظّرين ،الطامعين في السلطة ،صابين جام
غضبهم على الحكام ،والجدى بهؤلء والجدر .بأن يشعروا بالرثاء لحال الملوك ،والشفاق عليهم من
حسابهم العسير ،بين يدي ملك الملوك ،إن كانوا من الظالمين ،وليصلحوا أنفسهم أول ،ورب العزة كفيل ،بأن
يولّي عليهم من هو خير منهم ،ول أذكر بالضبط من القائل " :لو يعلم الملوك ،ما نشعر به من حلوة اليمان ،
لقاتلونا عليها بالسيوف " .وهل يضمن هؤلء أل يُفتنوا ببريق المال والسلطة ،كما افتُتن الملوك والحكام ،على
س ِهمْ ( 11الرعد )
ن الَّ لَ ُيغَيّ ُر مَا ِب َق ْومٍ حَتّى ُيغَيّرُوا مَا بِأَ ْن ُف ِ
مرّ العصور ،فيما لو تحصّلوا عليهما .قال تعالى ( إِ ّ
.
ضلّوا
وتدبّر دعاء نوح عليه السلم على قومه ،حيث شملت دعوته من هم في ظهور آبائهم ( :إِنّكَ إِنْ تَذَ ْر ُهمْ يُ ِ
ك َولَ يَلِدُوا ِإلّ فَاجِرًا كَفّارًا ( 27نوح )
عِبَادَ َ
وتفكّر وتدبّر في قصة أصحاب السبت ،فيما يلي من آيات :
ضرَةَ الْ َبحْرِ إِذْ َيعْدُونَ فِي السّبْتِ إِذْ تَأْتِي ِهمْ حِيتَا ُنهُمْ َي ْومَ سَبْ ِت ِهمْ شُرّعًا وَ َي ْومَ
( وَاسْأَ ْل ُهمْ عَنِ ا ْلقَرْ َيةِ الّتِي كَانَتْ حَا ِ
سقُونَ (َ )163وإِذْ قَالَتْ ُأ ّمةٌ مِ ْن ُهمْ ِلمَ َت ِعظُونَ َق ْومًا الُّ ُمهْ ِل ُكهُمْ َأوْ لَ َيسْبِتُونَ لَ َتأْتِي ِهمْ كَذَلِكَ نَبْلُو ُهمْ ِبمَا كَانُوا َي ْف ُ
ُمعَذّ ُبهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا َمعْذِرَةً إِلَى رَ ّبكُمْ وَ َلعَّل ُهمْ يَ ّتقُونَ ( )164فَ َلمّا َنسُوا مَا ُذكّرُوا ِبهِ أَ ْنجَيْنَا الّذِينَ يَ ْن َهوْنَ عَنِ
سقُونَ ( )165فَ َلمّا عَ َتوْا عَنْ مَا ُنهُوا عَ ْنهُ قُلْنَا َل ُهمْ كُونُوا السّوءِ َوَأخَذْنَا الّذِينَ ظَ َلمُوا ِبعَذَابٍ بَئِيسٍ ِبمَا كَانُوا َي ْف ُ
قِرَدَ ًة خَاسِئِينَ ( 166العراف ) .
إذن ،هناك نجاة لمن ينهون عن السوء أول ،ومن ثم هناك عذاب للذين ظلموا ثانيا ،بما كانوا يفسقون ،والفسق
اصطلحا هو الخروج من الدين ،ولحظ هنا أن النجاة ،كُتبت لمن أمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ،فهل
نجرؤ أو نقوى هذه اليام على فعل ذلك ،وإيمان الواحد منا على حرف ،وخوفنا على فقدان متاع الحياة الدنيا ،
أشد من خوفنا من أمر ال … ؟!
طمَأَنّ ِبهِ َ ،وإِنْ أَصَابَ ْتهُ فِتْ َنةٌ ،ا ْنقَلَبَ عَلَى
قال تعالى ( َومِنَ النّاسِ مَنْ َيعْبُدُ الَّ عَلَى حَرْفٍ ،فَإِنْ أَصَا َبهُ خَيْرٌ ا ْ
خسْرَانُ ا ْلمُبِينُ ( 11الحج ) لخِرَةَ َذلِكَ ُهوَ ا ْل ُ
خسِرَ الدّنْيَا وَا ْ
ج ِههِ َ ،
َو ْ
سأَلُهُ عَ ْ
ن خ ْيرِ َ ،و ُكنْتُ َأ ْسأَلُونَ َرسُولَ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ عَنْ ا ْل َ حذَيْ َفةَ بْنَ ا ْل َيمَانِ ،قال :كَانَ النّاسُ َ ،ي ْ وعن ُ
خ ْيرِ ،فَهَلْ َب ْعدَ َهذَاشرّ َ ،فجَا َءنَا الُّ ِبهَذَا ا ْل َ الشّرّ َ ،مخَافَةَ أَنْ ُي ْد ِر َكنِي ،فَقُلْتُ :يَا رَسُولَ الِّ ِإنّا ُكنّا فِي جَاهِِليّةٍ َو َ
خنُهُ ؟ قَالَ خ ْيرٍ ؟ قَالَ َ :نعَمْ ،وَفِيهِ َدخَنٌ ،قُلْتُ َ :ومَا َد َ شرّ مِنْ َ شرّ ؟ قَالَ َ :ن َعمْ ،قُلْتُ :وَهَلْ َب ْعدَ ذَِلكَ ال ّ خيْرِ ِمنْ َ ا ْل َ
خ ْيرِ مِنْ شَرّ ؟ قَالَ َ :ن َعمْ دُعَاةٌ إِلَى أَ ْبوَابِ َ :قوْمٌ َيهْدُونَ ِبغَيْرِ هَدْيِي َ ،تعْرِفُ مِ ْنهُمْ وَتُ ْنكِرُ ،قُلْتُ َ :فهَلْ َب ْعدَ ذَِلكَ ا ْل َ
ل الِّ صِ ْف ُهمْ َلنَا ؟! فَقَالَ ُ :همْ مِنْ جِلْدَتِنَا وَيَ َتكَّلمُونَ بِأَ ْلسِنَتِنَا ، ن َأجَا َبهُمْ إِلَ ْيهَا قَذَفُوهُ فِيهَا ،قُلْتُ :يَا َرسُو َ جهَنّمَ ،مَ َْ
عةٌ َولَ جمَا َ عةَ ا ْل ُمسْ ِلمِينَ َوِإمَا َم ُهمْ ،قُلْتُ َ :فإِنْ َلمْ َيكُنْ َل ُهمْ َ جمَا َ
قُلْتُ َ :فمَا َت ْأ ُم ُرنِي ِإنْ َأ ْد َر َكنِي ذَِلكَ ؟ قَالَ :تَلْ َزمُ َ
شجَرَةٍ ،حَتّى يُدْ ِركَكَ ا ْل َموْتُ َ ،وأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ " . صلِ َ ِإمَامٌ ؟ قَالَ :فَاعْتَ ِزلْ تِ ْلكَ ا ْلفِرَقَ كُّلهَا ،وَ َلوْ أَنْ َتعَضّ ِبأَ ْ
رواه البخاري ومسلم ،وأخرجه الترمذي والنسائي وأبو داود وابن وأحمد .
عنْهُ ،قَالَ " :قِيلَ يَا َرسُولَ الِّ َ ،أيّ النّاسِ َأ ْفضَلُ ؟ فَقَالَ َرسُولُ الِّ صَلّى ا ُ
لّ خ ْدرِيّ َرضِيَ الُّ َ سعِيدٍ ا ْل ُوعَنْ َ
شعَابِ يَ ّتقِي
شعْبٍ مِنْ ال ّ
سهِ َومَا ِلهِ ،قَالُوا ُ :ثمّ َمنْ ؟ قَالَ ُ :م ْؤمِنٌ فِي ِ
عََليْهِ َوسَّلمَ ُ :م ْؤمِنٌ ُيجَاهِدُ فِي سَبِيلِ الِّ بِ َن ْف ِ
ن شَرّهِ " .رواه البخاري ومسلم ،وأخرجه وأبو داود وابن ماجه وأحمد . س ِم ْالَّ ،وَيَدَعُ النّا َ
ن الَّ شَدِيدُ ا ْلعِقَابِ ( 25النفال )
صةً ،وَاعْ َلمُوا أَ ّ
ن ظَ َلمُوا مِ ْن ُكمْ خَا ّ
وقال تعالى ( وَا ّتقُوا فِتْ َن ًة لَ تُصِيبَنّ ،الّذِي َ
304
عمّا َي ْع َملُ الظّا ِلمُونَ )
ن الّلهَ غَافِلًا َ ،
حسَبَ ّ
( وَلَا َت ْ
شخَصُ فِيهِ الَْبْصَارُ ()42 عمّا َي ْع َملُ الظّا ِلمُونَ ،إِ ّنمَا ُي َؤخّرُ ُهمْ لِ َي ْومٍ َ ،ت ْ حسَبَنّ الَّ غَافِلً َ ، قال تعالى َ ( :ولَ َت ْ
س ِهمْ لَ يَرْتَدّ إِلَ ْي ِهمْ طَرْ ُف ُهمْ َوأَفْئِدَ ُت ُهمْ َهوَاءٌ (َ )43وأَنْذِرِ النّاسَ َ ،يوْمَ َيأْتِي ِهمُ الْعَذَابُ ،فَ َيقُولُ ُم ْهطِعِينَ ُمقْنِعِي رُءُو ِ
سمْ ُتمْ مِنْ قَ ْبلُ ،مَا َلكُمْ
سلَ َ ،أوَ َلمْ َتكُونُوا أَ ْق َ عوَتَكَ ،وَنَتّبِعِ ال ّر ُجلٍ قَرِيبٍ ُ ،نجِبْ دَ ْ الّذِينَ ظَ َلمُوا :رَبّنَا َأخّرْنَا إِلَى َأ َ
سهُمْ ،وَتَبَيّنَ َلكُمْ كَيْفَ َفعَلْنَا ِب ِهمْ ،وَضَرَبْنَا َل ُكمُ ا َلْمْثَالَ ()45 سكَنْ ُتمْ فِي َمسَاكِنِ الّذِينَ ظَ َلمُوا أَ ْن ُف َمِنْ َزوَالٍ (َ )44و َ
حسَبَنّ الَّ ُ ،مخْلِفَ وَعْدِهِ وَقَدْ َمكَرُوا َمكْ َر ُهمْ َ ،وعِنْدَ الِّ َمكْرُ ُهمْ َ ،وإِنْ كَانَ َمكْرُ ُهمْ لِ َتزُولَ مِ ْنهُ ا ْلجِبَالُ ( )46فَلَ َت ْ
ن الَّ عَزِيزٌ ذُو انْ ِتقَامٍ ( 47إبراهيم ) … ُرسُ َلهُ ،إِ ّ
… هَذَا بَلَغٌ لِلنّاسِ ،وَلِيُنْ َذرُوا ِبهِ ،وَلِ َيعْ َلمُوا أَ ّنمَا ُه َو إِ َل ٌه وَاحِدٌ ،وَلِيَ ّذكّ َر أُولُو الَْلْبَابِ ( 52إبراهيم )
من هم الظالمون ومن هي القرى الظالمة ؟!
305
عرِضْ عَ ْن ُهمْ حَتّى َيخُوضُوا فِي
.9الخوض في آيات ال َ ( :وإِذَا َرأَيْتَ الّذِينَ َيخُوضُونَ فِي ءَايَاتِنَا فَأَ ْ
ك الشّ ْيطَانُ فَلَ َت ْقعُدْ َبعْدَ ال ّذكْرَى مَعَ ا ْل َقوْ ِم الظّا ِلمِينَ ( 68النعام )
حَدِيثٍ غَيْرِ ِه َوِإمّا يُ ْنسِيَنّ َ
.10تكذيب الرسل ( :وَ َلقَدْ جَاءَ ُهمْ َرسُولٌ مِ ْن ُهمْ َفكَذّبُوهُ فَ َأخَذَ ُهمْ ا ْلعَذَابُ وَ ُهمْ ظَا ِلمُونَ ( 113النحل )
سحُورًا ( 47السراء
.11اتهام الرسل بالمس ،إنكارا للوحي ( :إِذْ َيقُولُ الظّا ِلمُونَ إِنْ تَتّ ِبعُونَ ِإلّ َرجُلً َم ْ
)
جوَى الّذِينَ ظَ َلمُوا َهلْ هَذَا
.12اللهو والتجني على الرسل في السر والعلن ( :لَهِ َيةً قُلُو ُب ُهمْ َ ،وَأسَرّوا ال ّن ْ
سحْ َر َوأَنْتُمْ تُبْصِرُونَ ( 3النبياء )
ن ال ّ
ش ٌر مِثُْلكُ ْم أَفَتَأْتُو َ
ِإلّ َب َ
.13اتهام الرسول بالكذب والتعلّم من البشر ( :وَقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ هَذَا ِإلّ إِفْكٌ افْتَرَاهُ َوأَعَا َنهُ عَلَ ْيهِ َق ْومٌ
ءَاخَرُونَ َفقَ ْد جَاءُوا ظُ ْلمًا َوزُورًا ( 4الفرقان )
علَى يَدَ ْيهِ َيقُولُ يَلَيْتَنِي اتّخَذْتُ مَعَ
.14العراض عن هدي الرسل واتباع سبلهم ( :وَ َيوْمَ َيعَضّ الظّا ِلمُ َ
ال ّرسُولِ سَبِيلً ( 27الفرقان )
س ُمهُ
.15منع ذكر ال في المساجد والسعي في خرابها َ ( :ومَنْ َأظْ َلمُ ِممّنْ مَ َنعَ َمسَاجِدَ الِّ أَنْ يُ ْذكَرَ فِيهَا ا ْ
َوسَعَى فِي خَرَا ِبهَا ( 114البقرة )
شهَادَةً عِنْدَهُ
.16كتم ما أُوتي الناس من علم من عند ربهم ُ ( :قلْ َءأَنْتُمْ أَعْ َلمُ أَمِ الُّ َ ،ومَنْ َأظْ َلمُ ِممّنْ كَ َتمَ َ
ن الِّ ( 140البقرة )
مِ ْ
شهَادَ ِت ِهمَا َومَا اعْتَدَيْنَا إِنّا إِذًا َلمِنَ الظّا ِلمِينَ (
شهَادَتُنَا َأحَقّ ِمنْ َ
سمَانِ بِالِّ َل َ
.17شهادة الزور … ( :فَ ُي ْق ِ
107المائدة )
ضلّ الُّ َومَا َل ُهمْ ِمنْ
.18اتباع الهوى َ ( :بلْ اتّبَعَ الّذِينَ ظَ َلمُوا أَ ْهوَاءَ ُهمْ ِبغَيْرِ عِ ْلمٍ َفمَنْ َيهْدِي مَنْ أَ َ
نَاصِرِينَ ( 29الروم )
.19اتباع أهواء أهل الكتاب ( :وَلَئِنْ اتّ َبعْتَ أَ ْهوَاءَ ُهمْ مِنْ َبعْدِ مَا جَاءَكَ مِنْ الْعِ ْلمِ إِنّكَ إِذًا َلمِنْ الظّا ِلمِينَ (
145البقرة )
.20السعي في الفتنة ( :وَقَاتِلُو ُهمْ حَتّى لَ َتكُونَ فِتْ َنةٌ وَ َيكُونَ الدّينُ لِّ َفإِنْ ان َت َهوْا فَلَ عُ ْدوَانَ ِإلّ عَلَى
الظّا ِلمِينَ ( 193البقرة )
ن الظّا ِلمِينَ ( 35البقرة )
شجَرَةَ فَ َتكُونَا مِ ْ
.21معصية أمر ال َ ( :ولَ َتقْرَبَا هَذِ ِه ال ّ
همْ الظّا ِلمُونَ (229
ك حُدُودُ الِّ َفلَ َتعْتَدُوهَا َومَنْ يَ َتعَ ّد حُدُودَ الِّ فَُأوْلَئِكَ ُ
.22العتداء على حدود ال ( :تِلْ َ
البقرة )
جزَاءُ الظّا ِلمِينَ
صحَابِ النّارِ وَذَلِكَ َ
.23القتل وسفك الدماء ( :إِنّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِ ْثمِي َوإِ ْثمِكَ فَ َتكُونَ مِنْ أَ ْ
( 29المائدة )
ح ُكمْ ِبمَا أَن َزلَ الُّ فَُأوْلَئِكَ ُهمْ الظّا ِلمُونَ ( 45المائدة )
.24الحكم بغير ما أنزل ال َ ( :ومَنْ َلمْ َي ْ
.25الستنكاف عن القتال في سبيل ال ( :فَ َلمّا كُتِبَ عَلَ ْي ِهمْ ا ْلقِتَالُ َتوَّلوْا ِإلّ قَلِيلً مِ ْنهُمْ وَالُّ عَلِيمٌ
بِالظّا ِلمِينَ ( 246البقرة )
سهِ وَغَّلقَتْ الَْ ْبوَابَ وَقَاَلتْ هَيْتَ
عنْ َن ْف ِ
.26خيانة العهد ونكران المعروف ( :وَرَاوَدَ ْتهُ الّتِي ُهوَ فِي بَيْ ِتهَا َ
ن مَ ْثوَايَ إِ ّن ُه لَ ُيفْ ِلحُ الظّا ِلمُونَ ( 23يوسف ) حسَ َ
لَكَ قَالَ َمعَا َذ الِّ إِ ّنهُ رَبّي أَ ْ
.27موالة الذين يقاتلون المسلمين ،ويُخرجونهم من ديارهم ،وموالة الذين يُؤيدونهم ويُساندونهم في
فعلهم ( :إِ ّنمَا يَ ْنهَا ُكمُ الُّ عَنِ الّذِينَ قَاتَلُو ُكمْ فِي الدّينِ َوَأخْ َرجُوكُمْ مِنْ دِيَا ِر ُكمْ َوظَا َهرُوا عَلَى ِإخْرَاجِ ُكمْ
أَنْ َتوَّلوْ ُهمْ َومَنْ يَ َتوَّل ُهمْ فَأُولَئِكَ ُهمُ الظّا ِلمُونَ ( 9الممتحنة )
306
ض ُهمْ َأوْلِيَاءُ
.28موالة اليهود والنصارى ( :يَأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لَ تَ ّتخِذُوا الْ َيهُودَ وَالنّصَارَى َأوْلِيَاءَ َبعْ ُ
ض َومَنْ يَ َتوَّلهُ ْم مِ ْن ُكمْ َفإِ ّنهُ مِ ْن ُه ْم إِنّ الَّ لَ َيهْدِي ا ْل َق ْومَ الظّا ِلمِينَ ( 51المائدة )
َبعْ ٍ
خوَانَ ُكمْ َأوْلِيَاءَ إِنْ
.29موالة الكافرين ولو كانوا أولي قربى ( :يَأَ ّيهَا الّذِينَ آمَنُوا لَ تَ ّتخِذُوا آبَا َء ُكمْ َوإِ ْ
ن َومَنْ يَ َتوَّل ُهمْ مِ ْن ُكمْ فَُأوْلَئِكَ ُه ْم الظّا ِلمُونَ ( 23التوبة )
اسْتَحَبّوا ا ْل ُكفْرَ عَلَى الِْيمَا ِ
.30إخراج الناس من ديارهم وتشريدهم ( :وَقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا لِ ُرسُ ِل ِهمْ لَ ُنخْ ِرجَ ّنكُمْ مِنْ أَرْضِنَا َأوْ لَ َتعُودُنّ
ن الظّا ِلمِينَ (13إبراهيم ) فِي مِلّتِنَا فَ َأ ْوحَى إِلَ ْي ِهمْ رَ ّب ُهمْ لَ ُنهْ ِلكَ ّ
للً ( 24نوح )
.31إضلل الناس ( :وَقَ ْد أَضَلّوا كَثِيرًا َولَ تَزِ ِد الظّا ِلمِينَ ِإلّ ضَ َ
سهِ قَالَ مَا َأظُنّ أَنْ
خلَ جَنّ َتهُ وَ ُهوَ ظَا ِلمٌ لِ َنفْ ِ
.32الشعور بالفوقية ،والتكبر والستعلء على الناس ( :وَ َد َ
تَبِيدَ هَذِ ِه أَبَدًا ( 35الكهف )
.33ازدراء فقراء المؤمنين والعراض عنهم َ ( :ولَ َتطْرُدِ الّذِينَ يَدْعُونَ رَ ّب ُهمْ بِا ْلغَدَاةِ وَا ْل َعشِيّ ُيرِيدُو َ
ن
طرُدَهُمْ فَ َتكُونَ مِنَ حسَابِكَ عَلَ ْي ِهمْ مِنْ شَيْءٍ فَ َت ْ يءٍ َومَا مِنْ ِحسَا ِب ِهمْ مِنْ شَ ْ
علَيْكَ مِنْ ِ
ج َههُ مَا َ
َو ْ
الظّا ِلمِينَ ( 52النعام )
عسَى أَنْ َيكُونُوا سخَرْ قَومٌ مِنْ َقوْمٍ َ .34الستهزاء بالخرين والتقليل من شأنهم ( :يَأَ ّيهَا الّذِينَ ءَامَنُوا لَ َي ْ
س ُكمْ َولَ تَنَابَزُوا بِالَْ ْلقَابِ
عسَى أَنْ َيكُنّ خَيْرًا مِ ْنهُنّ َولَ تَ ْل ِمزُوا أَ ْنفُ َ
خَيْرًا مِ ْن ُهمْ َولَ ِنسَاءٌ مِنْ ِنسَاءٍ َ
ن َومَنْ َلمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ ُه ُم الظّا ِلمُونَ ( 11الحجرات ) س ا ِلسْمُ ا ْل ُفسُوقُ َبعْ َد الِْيمَا ِ
بِئْ َ
سقَا َيةَ
جعَلْتُمْ ِ
.35الستعاضة عن اليمان بال واليوم الخر ،والجهاد في سبيله ،بخدمة الحجاج َ ( :أ َ
لخِرِ َوجَاهَدَ فِي سَبِيلِ الِّ لَ َيسْ َتوُونَ عِنْدَ
سجِدِ ا ْلحَرَامِ َكمَنْ ءَامَنَ بِالِّ وَالْ َي ْومِ ا ْ
عمَارَةَ ا ْل َم ْ
ا ْلحَاجّ وَ ِ
لّ لَ َيهْدِي ا ْل َق ْومَ الظّا ِلمِينَ ( 19التوبة ) الِّ وَا ُ
حمَارِ
حمِلُوهَا َكمَثَلِ ا ْل ِ
حمّلُوا ال ّتوْرَاةَ ُثمّ َلمْ َي ْ
.36حمل القرآن والعمل بنقيض ما جاء به ( :مَ َثلُ الّذِينَ ُ
ت الِّ وَالُّ لَ َيهْدِي ا ْل َقوْ َم الظّا ِلمِينَ ( 5الجمعة ) ن كَذّبُوا بِآيَا ِ
س مَ َثلُ ا ْل َق ْومِ الّذِي َ
سفَارًا بِئْ َ
ح ِملُ َأ ْ
َي ْ
هذا الكتاب يؤكد على أن زمن النهاية قد اقترب ،وأن الحلقة الولى من مسلسل أحداثها ،ستبدأ على أبعد
الحتمالت ،خلل فترة زمنية ،ل تزيد عن أشهر معدودة .وأن أحداث النهاية ،سيهلك فيها الكثير من الناس ،
وتنهار فيها الكثير من المم ،وقد يستنكر الكثيرون هذا المر .
قال تعالى ( َوكَمْ أَهْ َلكْنَا مِنَ ا ْلقُرُونِ مِنْ َبعْدِ نُوحٍ ( 17السراء ) ولو رجعنا إلى الوراء قليل ،واستذكرنا تلك
القوام التي أُهلكت لمّا ( عَتَتْ عَنْ َأمْرِ رَ ّبهَا وَ ُرسُ ِلهِ ( 8الطلق ) ،لوجدنا أن أشكال الظلم التي مارستها تلك
القوام ،ل تُقارن مع ما تمارسه القوام المعاصرة .أفل تستحق القوام المعاصرة الهلك ؟ وإن كانت كذلك
أليس هلكها بقريب ؟!
ولو استذكرنا تاريخ المة السلمية ،سنجد أنها مُنيت بكثير من النكبات والمصائب ،كلما كانت تبتعد عن
الخرة وتلتصق بالحياة الدنيا .والحالة التي نعيشها الن ،هي السوأ على مر التاريخ ،فنحن منغمسون في
الحياة الدنيا ،من الرأس حتى أخمص القدم ،وأما السلم ،فهو مجرد شعار تسويقي ،نلبَسه كلما اقتضت
الحاجة لذلك .أفل نستحق الهلك ،أو الستبدال ،أو التأديب على القل :
ن ا َلْ ْموَالِ وَالَْ ْنفُسِ وَال ّثمَرَاتِ ( 155البقرة ) ؟!
ص مِ َ
ع وَنَقْ ٍ
خوْفِ وَا ْلجُو ِ
ي ٍء مِنَ ا ْل َ
ولو ( ِبشَ ْ
ض ُكمْ بَأْسَ َبعْضٍ ،
سكُمْ شِ َيعًا ،أوَ يُذِيقَ َبعْ َ
أو ( أَنْ يَ ْبعَثَ عَلَ ْيكُمْ عَذَابًا مِنْ َف ْو ِقكُمْ َ ،أوْ مِنْ َتحْتِ أَ ْرجُ ِلكُمْ َ ،أوْ يَلْ ِب َ
ا ْنظُ ْر كَيْفَ نُصَرّفُ الْيَاتِ َلعَّلهُمْ َي ْفقَهُونَ ( 65النعام ) ؟
وعلى ما يبدو أن إهلك القرى ،سيبدأ بثلثية الفساد والظلم في الرض ،على مستوى الديانات الثلث ،
اليهودية والنصرانية والسلم ،متمثلة في إسرائيل وأمريكا ومصر ،ومن ثم بقية القرى المفسدة والظالمة تباعا
،على قاعدة الجزاء من جنس العمل ،بإذن ال ،وما ذلك على ال بعزيز .
307
ف سَ َنةٍ مِمّا َتعُدّونَ )
ن َيوْمًا عِنْ َد رَ ّبكَ كَأَلْ ِ
( وَِإ ّ
س َفلَ مِ ْن ُكمْ َ ،وإِذْ زَاغَتِ الَْبْصَارُ ،وَبَ َلغَتِ ا ْلقُلُوبُ ا ْلحَنَاجِرَ ،وَ َتظُنّو َ
ن قال تعالى ( إِذْ جَاءُو ُكمْ مِنْ َفوْ ِقكُمْ َ ،ومِنْ َأ ْ
بِالِّ الظّنُونَا ( 10الحزاب ) ،كان هذا حال صحابة رسول ال عليه الصلة والسلم ،أكثر الناس إيمانا وعزيمة
وصبرا وثباتا على دينهم ،لقد بلغ منهم الخوف مبلغا عظيما ،حتى ساورتهم الشكوك والظنون ،في غزوة
الحزاب ،عندما تألبّ عليهم من بأقطارها ،من ملل الكفر والشرك ،جمعتها الصهيونية اليهودية الحاقدة قديما ،
لوأد دولة السلم الحديثة ،خوفا من ضياع السيطرة اليهودية ،على مجريات المور في الجزيرة العربية ،
بإثارة الفتن والحروب بين القبائل ،حيث كان اليهود المرجعية الستشارية ،لمشركي قريش وغيرهم من
القبائل ،فيما يتعلّق بأساطير الولين .
وفي العالم العربي والسلمي شرقا وغربا ،يشعر الناس بالحباط واليأس والخوف ،من الوضع المُتأزم الذي
يعيشونه في السنوات الخيرة إجمال ،وفي هذه اليام على وجه الخصوص ،وهم يشاهدون ما يجري على
أرض السراء والمعراج وغيرها ،من هجمة شرسة شنها أوغاد الصهانية في الشرق ،مدعومين بأوغاد
الصهانية من يهود ومسيحيين في الغرب ،حتى بدأ اليأس والقنوط من رحمة ال ،يتسرّب إلى قلوب الكثير منهم
،لدرجة أن منهم من ظنّ بال ظنّ السوء ،بل ومنهم من كفر بال ربّا ،وبالسلم دينا في لحظة من اللحظات ،
ومنهم من دعا على أهله وولده ،وعلى الشعوب العربية وحكّامها بالهلكة والخراب .
لمثل أولئك في هذا الزمان ،يقول سبحانه وتعالى ،قبل ما يزيد على 1400سنة ،في كتابه المجيد ،في نهاية
سورة النحل ،قبل أن يبدأ في الخبار ،عن وعد الخرة في السورة التي تليها :
( َوإِنْ عَاقَبْ ُتمْ َفعَاقِبُوا ِبمِ ْثلِ مَا عُوقِبْ ُتمْ ِبهِ وَلَئِنْ صَ َبرْ ُتمْ َل ُهوَ خَيْرٌ لِلصّا ِبرِينَ ( )126وَاصْبِرْ َومَا صَبْ ُركَ ِإلّ بِالِّ ،
حسِنُونَ ()128 ن ا ّت َقوْا ،وَالّذِينَ ُهمْ ُم ْ
لّ مَعَ الّذِي َ
ق ِممّا َي ْمكُرُونَ ( )127إِنّ ا َ حزَنْ عَلَ ْي ِهمْ َ ،ولَ تَكُ فِي ضَيْ ٍ َولَ َت ْ
وفي معرض تعقيبه على وعد الخرة ،الذي نعيشه الن بكل حيثيّاته ،يقول :
عجُولً ( 11السراء )
ن الِْ ْنسَانُ َ
ع الِْ ْنسَانُ بِالشّرّ دُعَاءَهُ بِا ْلخَيْرِ َ ،وكَا َ
( وَيَدْ ُ
سهُ الشّرّ كَانَ يَئُوسًا (
علَى الِْ ْنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى ِبجَانِ ِبهِ َ ،وإِذَا َم ّ
ويقول أيضا في نفس السورة َ ( :وإِذَا أَ ْن َعمْنَا َ
)83
س ُه الشّرّ فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ ()49
ن َم ّ
ن مِنْ دُعَاءِ ا ْلخَيْرِ َ ،وإِ ْ
ويقول في سورة ُفصّلت ( :لَ َيسْ َأمُ الِْ ْنسَا ُ
عجَبًا َلِ ْمرِ ا ْل ُم ْؤمِنِ ،إِنّ َأمْرَهُ كُّلهُ خَيْرٌ ،وَلَيْسَ ذَاكَ َلِحَدٍ
ص َهيْبٍ ،قَالَ َرسُولُ الِّ صَلّى الُّ عََليْهِ َوسَّلمَ َ " : وعَنْ ُ
ن خَيْرًا َلهُ " .رواه مسلم . ن خَيْرًا َلهُ َ ،وإِنْ أَصَابَ ْتهُ ضَرّاءُ ،صَبَرَ َفكَا َ شكَرَ َ ،فكَا َ
ن أَصَابَ ْت ُه سَرّا ُء َ
ِإلّ ِل ْل ُم ْؤمِنِ ،إِ ْ
كثير من الناس ،ببعدهم عن القرآن والسنة ،ل يفهمون الكثير من الغايات والمقاصد اللهية ،من تصريف أمور
الناس بالشكل المنظور والمحسوس ،وخاصة فيما يتعلّق بالبتلء ،سواء بالخير أو الشرّ ( ،وَنَبْلُو ُكمْ بِالشّرّ
وَا ْلخَيْرِ فِتْ َنةً َوإِلَيْنَا ُت ْرجَعُونَ ( 35النبياء ) مع أن ال سبحانه وتعالى ،وضّح وبيّن في كتابه العزيز للمؤمنين ،
أن عاقبة المور ،هي ما يجب أن نُركّز عليه أنظارنا وعقولنا وقلوبنا .وأن نعلّق آمالنا دائما وأبدا على العاقبة ،
أي المنتهى الذي ستؤول إليه المور فيما بعد ،سواءً في الدنيا أو الخرة ،مهما طال الزمن أو قصر ،وأل نعلّق
آمالنا على الواقع الذي نعيش فيه ،فبعد غزوة الحزاب ،التي زاغت فيها أبصار المؤمنين ،وبلغت قلوبهم
الحناجر ،وظنوا بال الظنون ،فُتحت مكة ،وكانت تلك الفئة المؤمنة الصابرة والثابتة ،هي نفسها التي قادت
جيوشا ،زلزلت عروش أكبر دول الكفر والطغيان ،في ذلك الزمان .
كان يوسف عليه السلم قد أُبعد عن أبويه طفل ،ورُمي في البئر ،وأُخذ من قبل أُناس غرباء إلى أرض غريبة ،
وبيع عبدا بدارهم قليلة ،وعاش غريبا حتى بلغ أشدّه ،واتُهم بمراودة زوجة سيده ،وألقي في السجن سنينا
طويلة .ولكن بعد كل تلك المعاناة ،وفي نهاية المطاف ،كان المر مختلفا كليا ( َوكَذَلِكَ َمكّنّا لِيُوسُفَ فِي
حسِنِينَ ( 56يوسف ) وأما في الخرة حمَتِنَا مَنْ َنشَاءُ َولَ نُضِيعُ َأجْرَ ا ْل ُم ْ
الَْرْضِ يَتَ َب ّوأُ مِ ْنهَا حَيْثُ َيشَاءُ نُصِيبُ بِ َر ْ
لخِرَ ِة خَيْرٌ لِلّذِينَ ءَامَنُوا َوكَانُوا يَ ّتقُونَ ( 57يوسف ) ( َولَجْرُ ا ْ
308
ويؤكد سبحانه بأن بداية التمكين ليوسف ،كانت منذ دخوله لبيت العزيز ،مع كونه دخله عبدا ( وَقَالَ الّذِي
عسَى أَنْ يَ ْن َفعَنَا َأوْ نَ ّتخِذَهُ وَلَدًا َوكَذَلِكَ َمكّنّا لِيُوسُفَ فِي الَْرْضِ وَلِ ُنعَّل َمهُ
صرَ ِل ْم َرأَ ِتهِ أَكْ ِرمِي مَ ْثوَاهُ َ
اشْتَرَاهُ مِنْ مِ ْ
مِنْ تَ ْأوِيلِ ا َلْحَادِيثِ … ) ،ولكنّ الناظر إلى يوسف عبدا سجينا ،قابعا في زوايا النسيان والهمال ،ولو كان
أكثر الناس تفاؤل ،لم يكن يخطر بباله ،أن حال هذا العبد السجين ،المتهم بالخيانة ،سينقلب رأسا على عقب ،
ليُصبح وزير مالية مصر ،أكبر دول العالم القديم ؟! ولكن حكمة ال اقتضت ،عكس ما قد يتصوّره ،أغلب
الواقعيون من أُناس ذلك العصر ،وعلى رأسهم العزيز وامرأته .لذلك أكد سبحانه ،على أن الناس – خاصة
غير المؤمنين بال وصفاته ،جلّت قدرته – يُعانون في الغالب ،من قصر النظر والفكر ،بأنه قادر على تنفيذ
مشيئته ،في أقسى الظروف وأحلكها واستحالتها ،مخالفا كل معطيات الواقع ،الذي يتذرّع به الناس هذه اليام ،
لذلك قال في تكملة الية ( … وَالُّ غَالِبٌ عَلَى َأمْرِهِ ،وَ َلكِنّ َأكْثَرَ النّاسِ لَ َيعْ َلمُونَ ( ، )21وفي سورة الروم ،
يُوضّح سبحانه ،حقيقة ما يعلمه الناس ويؤمنون به ،في قوله ( َيعْ َلمُونَ ظَا ِهرًا مِنَ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا ،وَ ُهمْ عَنِ
لخِرَةِ ُهمْ غَا ِفلُونَ ( ، )7وظاهر الحياة الدنيا ،هو الواقع المشاهد . اْ
أما بالنسبة لواقع المة السلمية الحالي ،وما يواجهه الشعب الفلسطيني ،من معاناة ،من قبل المفسدون
الصهاينة في الغرب والشرق ،فإن ال وعد المؤمنين بالنصر من عنده ،ووعد عدوهم قبل ثلثة آلف سنة ،
بالعذاب إن أفسدوا في الرض ،وقد أفسدوا فيها ما يزيد على خمسين سنة ،وبلغ إفسادهم هذه اليام عنان
السماء ،فهذان وعدان ،صدرا ممن ل يخلف الميعاد ،ولكن المر يحتاج إلى اليمان بال ،والصبر والثبات
على الدين ،وعلى مواجهة عدوهم ،وحسن ظنهم بال .
يقول سبحانه في شأن المفسدين في الرض مخاطبا رسوله وأمته ( وَ َيسْ َت ْعجِلُونَكَ بِا ْلعَذَابِ ،وَلَنْ ُيخْلِفَ الُّ وَعْدَ ُه
سلِ َ ،ولَ َ ،وإِنّ َي ْومًا عِنْدَ رَبّكَ ،كَأَلْفِ سَ َنةٍ ِممّا َتعُدّونَ ( 47الحج ) وقال ( فَاصْ ِبرْ َكمَا صَ َبرَ أُولُو ا ْلعَ ْزمِ مِنَ ال ّر ُ
سقُونَ (35 عةً مِنْ َنهَارٍ بَلَغٌ َف َهلْ ُيهْلَكُ ِإلّ ا ْل َقوْمُ ا ْلفَا ِ
جلْ َل ُهمْ ،كَأَ ّن ُهمْ َي ْومَ يَ َروْنَ مَا يُوعَدُونَ َلمْ يَلْبَثُوا ِإلّ سَا َ
َتسْ َتعْ ِ
الحقاف ) .
هذه اليام ،يأس الناس من الشرّ ،فهم يستعجلون زواله ،ورغبوا في الخير ،وهم يستعجلون إطلله ،فقد
ن سَبِيلٍ ( 11غافر ) ؟ !
ج مِ ْ
استقوى الباطل وزادت سطوته ،وغاب الحقّ وطالت غيبته َ ( .ف َه ْل إِلَى خُرُو ٍ
عادة ما يشعر النسان ،في حالت الفرح ،بأن الزمن ينقضي كلمح البرق ،فالسبوع يمرّ وكأنه يوم ،واليوم
وكأنه ساعة ،والساعة وكأنها دقيقة ،أما في حالت الفراغ أو الحزن ،فيشعر بأن الزمن يسير ببطئ شديد ،
ويكاد أن يتوقف ،فالدقيقة تمرّ وكأنها ساعة ،والساعة وكأنها يوم ،واليوم كأنه شهر ،فالحساس بالزمن أمر
نسبي ،يعتمد على الحالة النفسية التي تعتري النسان بين حين وآخر .
وحتى ل يتخبّط النسان ،في تقديراته للزمن تبعا لحالته النفسية ،اتُخذت اليام والشهور والسنون ،وهي
مقاييس ثابتة ومنتظمة ،لعتمادها على الحركة المنتظمة ،والثابتة للجرام السماوية ،التي أبدعها رب هذا
الكون .وبقيت مسألة كيفية تقدير الزمن ،بالنسبة لليوم الواحد ،فاصطلح على تقسيم اليوم ،إلى 24ساعة ،
والساعة إلى 60دقيقة ،والدقيقة 60ثانية .
ويرى كثير من المسلمين ،أن فترة الظلم والفساد على الرض ،طالت جدا ،وربما ستطول أكثر عند البعض .
ونقول هي في الميقات السماوي قصيرة جدا ،ولتوضيح الفكرة وتقريبها إلى الذهان ليس إل ،سنقوم بعملية
حسابية بسيطة .
اليوم في الميقات السماوي = 1000سنة ،واليوم في الميقات الرضي = 24ساعة
فإذا قمنا بقسمة 1000سنة ،على 24ساعة ،سنكون قادرين ،على التوصل لمعرفة نسبية لمقدار الساعة الواحدة
،في الميقات السماوي 41,6 = 24 ÷ 1000 :سنة
309
إذن الساعة الواحدة في الميقات السماوي تقابل 41,6سنة أرضية
أي أن الساعة في الميقات السماوي ،تُقابل 42سنة تقريبا ،بالمقارنة مع الميقات الرضي
ولحساب عمر الدولة اليهودية ،على سبيل المثال ،بالميقات السماوي ،وبما أن العمر المتوقع لها ،لن يتجاوز
56سنة ،نجد أن
( ) 1ساعة سماوية 41,6 :سنة أرضية
( س ) ساعة سماوية 56 :سنة أرضية
ومن خلل الضرب التبادلي :
نجد أن ( س ) = ( 1,344 = 41,6 ÷ ) 1 × 41,6ساعة سماوية
أي أن عمرها ،هو ساعة واحدة و 0,344من الساعة .وبما أن الساعة لدينا ،تتكون من ( ) 60دقيقة .
ليتبين لنا ،أن إحساس أهل السماء ،بانقضاء 56سنة أرضية ،يُماثل إحساسنا بانقضاء ،ساعة واحدة وعشرين
دقيقة فقط على الرض ،وهو زمن قصير جدا بالنسبة لهل السماء ،وطويل جدا بالنسبة لهل الرض .
لذلك يشعر الناس على الرض ،بطول الزمن وامتداده ،فتجدهم يستعجلون الوعود اللهية ،بإهلك القرى
الظالمة وبنصر المؤمنين ،ويعجبون من تأخّرها ،وأما أهل السماء ،فهم على العكس تماما ،يرون أن العذاب
أو النصر ،يتنزل على الناس بسرعة كبيرة جدا ،وأن الحداث تجري كلمح البصر ،وهذا ما يؤكده الخبار
اللهي ،عن الساعة في القرآن ،حتى ظنّ صحابة رسول ال ،من كثرة ما أكّد سبحانه وتعالى على قربها ،أن
ستقع في زمانهم ،لذلك كان الناس آنذاك يكثرون السؤال عنها ،إشفاقا من أمرها ،وها قد مرّ أكثر من 1400
سنة ،ولم تقم بعد ،وهذه الحقيقة هي ما يُقرّره سبحانه وتعالى ،في مطلع سورة المعارج ،حيث قال ( :سَا ِئلٌ
ِبعَذَابٍ وَاقِعٍ ( )1لِ ْلكَافِرينَ لَ ْيسَ َلهُ دَافِعٌ ( )2مِنَ الِّ ذِي ا ْل َمعَارِجِ (َ )3تعْرُجُ ا ْلمَلَ ِئ َكةُ وَالرّوحُ إِلَ ْيهِ فِي َي ْومٍ كَانَ
جمِيلً ( )5إِ ّنهُمْ يَ َروْ َنهُ َبعِيدًا ( )6وَنَرَاهُ َقرِيبًا ( 7المعارج ) ،وقال خ ْمسِينَ أَلْفَ سَ َنةٍ ( )4فَاصْ ِبرْ صَبْرًا َ ِمقْدَارُهُ َ
تعالى :
310
الطوفان الخير وطوق النجاة
الرض حبلى بالفساد :
جعُونَ (41
عمِلُوا َلعَّل ُهمْ يَ ْر ِ
ظهَرَ ا ْلفَسَادُ فِي الْبَرّ وَالْ َبحْرِ ِبمَا َكسَبَتْ أَيْدِي النّاسِ لِيُذِي َقهُمْ َبعْضَ الّذِي َ
قال تعالى ( َ
الروم )
لم تحمل الرض ،حمل فاسدا ومفسدا ،في تاريخها الطويل ،كهذا الحمل ،الذي حملته في المائة سنة الخيرة .
فقد حوت في رحمها ،جميع خطايا ومعاصي المم السابقة ،التي كانت فيما مضى ،تُهلك لمجرد خطيئة أو
معصية واحدة تُصرّ عليها ،كعبادة الصنام ،أو إتيان الفواحش ،أو تطفيف الكيل ،وذلك بالرغم من وجود ،
تعاليم موسى وعيسى ومحمد ،عليهم الصلة والسلم ،حية مسطورة بين دفات الكتب .فالرض حبلى بالفساد ،
ول بد لهذا الحمل ،الذي عظم شأنه وكبر حجمه ،من جراحة قيصرية مؤلمة جدا ،لنقاذ رحم الرض ،قبل أن
تتسرّب لبقيته العفونة ،فل يُسمح له بحمل آخر .
سمَاءِ ،فَاخْتَ َلطَ ِبهِ نَبَاتُ الَْرْضِ ِ ،ممّا يَ ْأ ُكلُ النّا ُ
س قال تعالى ( إِ ّنمَا مَ َثلُ ا ْلحَيَاةِ الدّنْيَا َ ،كمَاءٍ أَنْ َزلْنَاهُ مِنْ ال ّ
وَالَْنْعَامُ ،حَتّى إِذَا َأخَذَتْ الَْرْضُ ُزخْرُ َفهَا وَازّيّنَتْ َ ،وظَنّ أَهُْلهَا أَ ّن ُهمْ قَا ِدرُونَ عَلَ ْيهَا ،أَتَاهَا َأمْرُنَا لَ ْيلً َأوْ َنهَارًا ،
صلُ الْيَاتِ ِل َقوْمٍ يَ َت َفكّرُونَ ( 24يونس ) جعَلْنَاهَا حَصِيدًا ،كَأَنْ َلمْ َتغْنَ بِا َلْمْسِ ،كَذَلِكَ ُنفَ ّ
َف َ
هذه الية تحمل في ثناياها سنة إلهية ،جاءت على شكل شرط وجواب للشرط ،والشرط َ ( ،أخَذَتْ الَْرْ ُ
ض
ُزخْ ُر َفهَا وَازّيّنَتْ َ ،وظَنّ أَهُْلهَا أَ ّنهُمْ قَادِرُونَ عَلَ ْيهَا ) ،هو أن تأخذ الرض أبهى صورها ،وأن يُصبح أهلها
منشغلون بمظاهرها ،مفتونون بجمالها ،يبذلون قصارى جهدهم في تحصيل متاعها ،غافلين عن شكر خالقها
وبارئها ،ظانين أنهم قادرين ،وبل منازع ،على تصريف شؤونها ،وشؤون من على ظهرها من المخلوقات ،
منتقصين قدر وقدرة ،خالقهم وخالقها .
أما جواب الشرط ،فهو مجيء أمر ال ( ،أَتَاهَا َأمْرُنَا لَيْلً َأوْ َنهَارًا ) ،وماهية أمر ال تتبين من النتيجة ،في
تعقيبه سبحانه وتعالى َ ( ،فجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا ،كَأَنْ َلمْ َتغْنَ بِا َلْمْسِ ) ،وهي خراب الرض ،بزوال زينتها
وزخرفها ،التي أشغلت الناس عن عبادة ال ،وهي تشمل كل ما تراه من حولك ،من مفاتن الحياة ،التي اغتر
بها الناس ،إل من رحم ربي وهم قليل ،وذلك يعني هلك الكثير من الناس .وإن لم تستخدم السلحة النووية ،
في جعل الرض صحراء قاحلة ،أينما وقع من أهلها ،ما أخبرت عنه اليات ،فما الذي سيجعلها كذلك ،مع
حتمية زوال هذه السلحة ،كما كنا قد أوضحنا في فصول سابقة .
وهذه السنة اللهية ،ستمضي في عصرنا ،وقريبا جدا ،كما مضت مرارا وتكرارا في القوام ،كلما ابتعد
الناس عن الغاية اللهية ،من جعل النسان خليفة في الرض ،ويُعقّب سبحانه ،أنه فصّل اليات ،وأن هذا
المر المفصّل في الية ،مطروح للتفكّر فيه ،بمعنى أنك متى عاينت ما أخبرت عنه اليات ،متمثّل على أرض
الواقع ،فتوقع أمر ال في أي لحظة ،هذا إن كنت ممن يتفكّرون .
عشِيرَ ُتكُمْ َ ،وَأ ْموَالٌ اقْتَ َرفْ ُتمُوهَا ،وَ ِتجَارَ ٌة جكُمْ ،وَ َ
خوَانُ ُكمْ َ ،وأَ ْزوَا ُ
قال تعالى ( ُقلْ إِنْ كَانَ ءَابَا ُؤكُمْ َ ،وأَبْنَا ُؤكُمْ َ ،وِإ ْ
جهَادٍ فِي سَبِي ِلهِ ،فَتَرَبّصُوا حَتّى يَأْتِيَ ضوْ َنهَا َ ،أحَبّ إِلَ ْيكُمْ ِمنَ الِّ وَ َرسُو ِلهِ َ ،و ِ شوْنَ َكسَادَهَا َ ،و َمسَاكِنُ َترْ َ خ َ َت ْ
لّ لَ َيهْدِي ا ْل َقوْمَ ا ْلفَاسِقِينَ ( 24التوبة ) . الُّ بِ َأمْرِهِ ،وَا ُ
وهنا شرط آخر خاص بأمة السلم ،فإن تحقّق منها ما تُخبر عنه اليات ،وقد تحقّق هذه اليام ،بل حالنا أسوأ
من ذلك بكثير ،إذ لمن نكتفي بحب الحياة الدنيا ومفرداتها ،فقد بدأنا مؤخرا ،نمارس الفساد والظلم والعصيان ،
والتعدي على حدود ال في وضح النهار ،وفي الماكن العامة ،في الشارع ،في الجامعة ،في التلفاز ،في
311
الصحف ،في الكتب ،ولكن الرحمن الرحيم ،لم يُنزل بنا غضبه حتى هذه اللحظة ،ول شكّ أنه على وشك
…!
أمر ال سيحيق بنا قريبا ،وأقلّه شيء من الخوف والجوع ،ونقص من الموال والنفس والثمرات ،وأكثره
الهلك العاجل في الدنيا ،ونار جهنم في الخرة ،هذا لمن فسق عن أمر ربه ،من أمة محمد عليه الصلة
والسلم ،أما من ضرب بمظاهر الحياة الدنيا عرض الحائط ،وتاجر بما عند ربه ،فآمن وصبر وعمل صالحا ،
فأولئك لهم البشرى من ربهم ،في الدنيا والخرة .
مرت البشرية بعدة محطات ،بدأت بهبوط آدم عليه السلم ،بمذهب إلهيّ يدعو إلى الصلح والصلح ،وهبوط
إبليس بمذهب شيطاني يدعو إلى الفساد والفساد .ومنذ ذلك اليوم بدأ الصراع الحقيقي بين مذهبين ،بين مذهب
إبليس ومذهب رب العزة ،وكل له جنده ،وتُركت للبشر حرية الختيار ،في تجنيد أنفسهم لنصرة أحد
المذهبين ،وكل من الفريقين سيتحمّل تبعة اختياره .
حين بدأت الحياة البشرية على الرض ،كان مقام آدم عليه السلم ،في أرض الجزيرة العربية ،حيث كانت جنة
ال في الرض ،فقام ببناء أول بيت وضع لعبادة ال ،في مكة المكرمة .وتناسل فيها وكثر أولده وأحفاده .
ومع مرور الزمن ،بدأ المذهب الشيطاني ينتشر في نسله ،والمذهب اللهي يضمحل شيئا فشيئا .وبعد وفاة آدم
عليه السلم ،استفحل المذهب الشيطاني ،حتى عمّ أرجاء المعمورة ،التي لم تتجاوز حدود الجزيرة العربية
آنذاك .
في هذه الجواء ،بُعث سبحانه نوح عليه السلم ،لدعوة قومه ،فلم يستجب له ،إل قلة من المستضعفين ،ولما
واجهوه بإصرارهم على الكفر ،واستمرارهم بالفساد في الرض ،ولما انقطع رجاءه في هدايتهم .هنالك دعا
ربه ليقطع دابر الكافرين ،فأُمر بصناعة الفلك .وبدأ بإقامته وسط اليابسة ،حيث أقرب بحر يبعد آلف الميال ،
وإقامة الفلك في ذلك المكان هو الجنون بعينه ،فما كان من قومه إل أن سخروا منه وممن معه ،وهم ل
يعلمون ،وعن عاقبتهم غافلون .وفجأة … انقلب كل شيء رأسا على عقب ،كان الطوفان الذي رافقه انقلب
كوني هائل ،في جغرافية الرض ،جعلت من الجزيرة العربية صحراء قاحلة .
ورست سفينته على جبل الجودي ،في الموصل شمالي العراق ،فنزل الذين انتصروا للمذهب اللهي ،
واستوطنوا العراق في بادئ المر ،ومع مرور الزمن ،ومن هناك بدءوا بالنتشار ،شيئا فشيئا ،في شتى بقاع
الرض .وعادت المور بعد الطوفان ،كما كانت في بداية عهد آدم عليه السلم ،وبدأ الناس في التناسل
والتكاثر .
وبعد نوح عليه السلم ،ومع مرور الزمن ،بدأ المذهب الشيطاني دورته الثانية ،أخذ سبحانه يبعث الرسل تباعا
،إلى تلك القوام التي كانت محصورة ،في هذه منطقة الهلل الخصيب والجزيرة العربية ،حيث أن المناطق
البعد ،لم تكن مأهولة آنذاك ،وأُخذت معظم أقوام الرسل السابقين بالعذاب ،ومن ثم بدأ الناس منذ تلك اللحظة ،
في النتشار إلى البلدان البعد شيئا فشيئا -حتى عمروا الرض كلها في عصرنا الحالي – ومع ذلك بقيت الكثافة
السكانية آنذاك ،متمركزة في هذه المنطقة ،ولذلك اختصت بالرسالت السماوية دون غيرها .ومن ثم بُعث
إبراهيم عليه السلم ،إلى قومه في بلدة أور جنوب العراق ،فلم يؤمنوا له ،فتركهم وهاجر إلى الرض
المقدّسة ،ليُسلم الراية إلى نسله من بعده .
312
وبعد مرور الزمن ،وبعد ضلل بني إسرائيل ،أثناء تواجدهم في مصر ،عن شريعة آبائهم إبراهيم واسحق
ويعقوب عليه السلم ،بُعث فيهم موسى عليه السلم ،فلم يؤمنوا له ول لمن بعده إل قليل .وبعد سنين طويلة ،
من انتصار بني إسرائيل للمذهب الشيطاني ،بُعث فيهم عيسى عليه السلم رسول مجدّدا ،فلم يؤمنوا له ،بل
حاولوا قتله ،فتوفاه ال ورفعه إلى السماء ،ليعود آخر الزمان ،وينهي آخر حلقات مسلسل الطوفان الخير ،
والذي ستبدأ حلقاته بالتتابع ،بعد شهور قليلة ،والناس لهية قلوبهم ،وهم عنه غافلون .
ويكمل المذهب الشيطاني مشواره ،ومع مرور الزمن ،وفجأة يتعطل هذا المذهب ،في هذه البقعة من العالم ،
لفترة دامت ما يقارب ( )1350عام ،بِبعث نبي الهدى عليه أفضل الصلة والسلم ،بخاتمة الرسالت السماوية ،
ومن ثم يتوفاه ال ،ليترك لنا هذا القرآن العظيم ،حبل متينا ممدودا ما بين السماء والرض ،لمن ابتغى
الهداية ،ووجد في نفسه العزم والقوة .فدُحر ذلك المذهب اللعين وولى هاربا .وفي السنوات الخيرة ،عادت
أمة السلم لتحذوا حذو سابقيها من المم ،وتحتضن ذلك المذهب ،لينبُت في هذه البقعة من العالم ،وينموا
ويزدهر مشمول بالعناية والرعاية ،بحجّة التقدم والحضارة ،فعاد ذلك المذهب وشمل كافة أرجاء الدنيا ،بما
فيها مهد الرسالت السماوية ،بلد الشام والعراق وجزيرة العرب ،فأصبح العالم أجمع ،أسوأ مما كان عليه قبل
طوفان نوح عليه السلم .
وفي نهاية الطوفان ،يُبعث عيسى بن مريم عليه السلم ،ليعيد المور إلى نصابها ،وتستعيد الرض بركتها ،
ويمضي المهدي ،ويمضي عيسى عليه السلم ،بعد أن يبلغ سن الكهولة ،وتبقى القلة المؤمنة ،فيبدأ المذهب
الشيطاني من جديد ،انتشار النار في الهشيم في نسل تلك القلة ،وتخطف ريح لينة أرواح البقية المؤمنة ،وتبقى
الغلبية الكافرة ،وتجري الزمنة مسرعة إلى حيث الساعة .
المرحلة الولى :أكبر وأبشع مذبحة ،في تاريخ الشعب اليهودي ،على يد العراقيين في فلسطين .
المرحلة الثانية :تحالف العرب مع الروس ،في حرب عالمية نووية ثالثة ،تنتهي فناء الحضارة الغربية
ومظاهرها .
المرحلة الثالثة :احتمالية عودة أجواء داحس والغبراء ،في المنطقة العربية ،فيما بعد الحرب العالمية الثالثة .
المرحلة الرابعة :خروج المهدي من مكة ،وحروبه لضم الجزيرة العربية ،وإيران وتركيا ،والملحمة الكبرى
مع الروس .
المرحلة الخامسة :سقوط عبدة المادة وظاهر الحياة الدنيا بين براثن الدجّال ،في حرب الجوع والعطش .
المرحلة السادسة :نزول عيسى عليه السلم ،والذبح النهائي للدجال وأتباعه من اليهود ،على مشارف القدس .
المرحلة السابعة :فناء من بقي من الشعوب الشرقية ،في حرب يأجوج ومأجوج ،وحصر الصفوة من عباد
ال ،مع عيسى عليه السلم ،في جبال فلسطين .
المرحلة الثامنة :فناء يأجوج ومأجوج ،وتغيّر في جغرافية الرض ،وعودة مناخها الفردوسي ( جنة آخر
الزمان ) ،كما كانت على عهد آدم عليه السلم .
313
المرحلة التاسعة :عصر المن والسلم ،تحت حكم عيسى عليه السلم ،مكمل سنين عمره ،حتى يبلغ سن
الكهولة .
* ملحظة :المراحل تحمل ترتيبا زمنيا ،وقد يكون هناك اندماج بين المراحل ،أو تقديم أو تأخير ،وال أعلم .
إذا بقي البصر حيث موطئ القدم … فلن ترَ النجوم في بطن السماء … ول القمر في ليل تمامه … ول الشمس
في ع ّز الظهيرة … فمنذ هذه اللحظة …
[ نهاية الكتاب ]
314
كتاب
نهاية إسرائيل والوليات المتحدة المريكية
متوفر على شبكة النترنت ضمن موقع وعد الخرة
موقع شخصي للمؤلف يتم من خلله تقديم فكرة عن الكتاب ،وتقديم خدمة تحميل الكتاب مجانا
هذا الكتاب لم يُعط حق نشره ،لي من دور النشر ،حتى يتسنى لنا عرضه من خلل شبكة النترنت ،وليتسنى
للجميع الطلع على ما يحويه هذا الكتاب من أفكار وطروحات
الكتاب غير متوفر مطبوعا في السواق ،ومن رغب بطباعته ونشره فله الحق بذلك ،ودون داع للرجوع إلى
المؤلف
إذ ل نبتغ من وراءه منفعة مادية أو معنوية ،قل شأنها أو كبر
حق النشر متاح للجميع
315