You are on page 1of 346

‫فتح المجيد‬

‫شرح كتاب التوحيد‬

‫تأليف‬
‫المام عبد الرحمن بن حسن آل الشيخ‬
‫ت ‪ 1285‬هـ‪.‬‬
‫مقدمة الشارح‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫وبه نستعين وعليه التكلن ‪.‬‬

‫الحمعد ل رب العالميعن‪ ،‬والعاقبعة للمتقيعن ‪ ،‬ول عدوان إل على الظالميعن ‪ ،‬كالمبتدععة‬


‫والمشركيعن ‪ ،‬وأشهعد أن ل إله إل ال وحده ول شريعك له ‪ ،‬إله الوليعن والخريعن ‪ ،‬وقيوم‬
‫السماوات والرضين ‪ .‬وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ‪ ،‬وخيرته من خلقه أجمعين ‪.‬‬
‫اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ‪ ،‬وسلم‬
‫تسليما كثيرا ‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬فإن كتاب التوحيد الذى ألفه المام شيخ السلم محمد بن عبد الوهاب أجزل ال له‬
‫ال جر والثواب ‪ ،‬وغ فر له ول من أجاب دعو ته إلى يوم يقوم الح ساب ‪ -‬قد جاء بديعا فى معناه‬
‫من بيان التوحيد ببراهينه ‪ ،‬وج مع جمل من أدل ته ليضا حه و تبيينه ‪ .‬ف صار علما للموحد ين ‪،‬‬
‫وح جة على الملحد ين ‪ .‬فانت فع به الخلق الكث ير ‪ ،‬وال جم الغف ير ‪ .‬فإن هذا المام رح مه ال فى‬
‫مبدأ منشئه قد شرح ال صدره للحق المبين ‪ ،‬الذى بعث ال به المرسلين ‪ :‬من إخلص العبادة‬
‫بجم يع أنواع ها ل رب العالم ين ‪ ،‬وإنكار ما كان عل يه الكث ير من شرك المشرك ين ‪ ،‬فأعلى ال‬
‫همتعه ‪ ،‬وقوى عزيمتعه ‪ ،‬وتصعدى لدعوة أهعل نجعد إلى التوحيعد ‪ ،‬الذى هعو أسعاس السعلم‬
‫واليمان ‪ ،‬ونهاهم عن عبادة الشجار والحجار والقبور ‪ ،‬والطواغيت والوثان ‪ ،‬وعن اليمان‬
‫بالسحرة والمنجمين والكهان ‪.‬‬
‫فأبطعل ال بدعوتعه كعل بدععة وضللة يدععو إليهعا كعل شيطان ‪ ،‬وأقام ال بعه علم الجهاد ‪،‬‬
‫وأد حض به ش به المعارض ين من أ هل الشرك والعناد ‪ ،‬ودان بال سلم أك ثر أ هل تلك البلد ‪،‬‬
‫الحاضر منهم والباد وانتشرت دعوته ومؤلفاته فى الفاق ‪ ،‬حتى أقر ال له بالفضل من كان من‬
‫أهل الشقاق ‪ .‬إل من استحوذ عليه الشيطان ‪ .‬وكره إليه اليمان ‪ ،‬فأصر على العناد والطغيان ‪.‬‬
‫و قد أ صبح أ هل جزيرة العرب بدعو ته ‪ ،‬ك ما قال قتادة رح مه ال عن حال أول هذه ال مة إن‬
‫الم سلمين ل ما قالوا ( ل إله إل ال) أن كر ذلك المشركون و كبرت علي هم ‪ ،‬وضاق ب ها إبل يس ‪،‬‬
‫وجنوده ‪ .‬فأبى ال إل أن يمضيها ويظهرها ‪ ،‬ويفلجها وينصرها على من ناوأها ‪ ،‬إنها كلمة من‬
‫خاصم بها فلج ‪ ،‬ومن قاتل بها نصر ‪ ،‬إنما يعرفها أهل هذه الجزيرة التى يقطعها الراكب فى‬
‫ليال قلئل ‪ ،‬ويسير من الدهر ‪ ،‬في فئام من الناس ‪ ،‬ل يعرفونها ول يقرون بها ‪.‬‬
‫و قد شرح ال صدور كث ير من العلماء لدعو ته ‪ ،‬و سروا وا ستبشروا بطلع ته ‪ ،‬وأثنوا عل يه‬
‫نثرا ونظما ‪.‬‬
‫فمن ذلك ما قاله عالم صنعاء ‪ :‬محمد بن إسماعيل المير فى هذا الشيخ رحمه ال تعالى ‪:‬‬
‫يعد لنا الشرع الشعريف بما يبدى‬ ‫وقد جاءت الخبار عنه بأنه‬
‫ومبتدع منه ‪ ،‬فوافق ما عندى‬ ‫وينشر جهرا ما طوى كل جاهعل‬
‫مشاهد ‪ ،‬ضل الناس فيها عن الرشد‬ ‫ويعمر أركان الشريعة هادما‬
‫يغوث وود ‪ ،‬بئس ذلك من ود‬ ‫أعادوا بها معنى سعواع ومثله‬
‫كما يهتعف المضطر بالصمد الفرد‬ ‫وقد هتفوا عند الشدائد باسمها‬
‫أهلت لغير ال جهرا على عمد‬ ‫وكم عقروا فى سوحها من عقيرة‬
‫ومستلم الركان منهن باليدى‬ ‫وكم طائف حول القبور مقبل‬
‫وقال شيخنا عالم الحساء أبو بكر حسين بن غنام رحمه ال تعالى فيه ‪:‬‬
‫بوقت به يعلى الضلل ويرفع‬ ‫لقد رفع المولى به رتبة الهدى‬
‫وعام بتيار المعارف يقطعع‬ ‫سقاه نمير الفهم موله فارتوى‬
‫وأوهى به من مطلع الشرك مهيع‬ ‫فأحيا به التوحيد بعد اندراسه‬
‫سواه ول حاذى فناها سميذع‬ ‫سما ذروة المجد التى ما ارتقى لها‬
‫يشيد ويحيى ما تعفى ‪ ،‬ويرفع‬ ‫وشمرفى منهاج سنة أحمد‬
‫أمرنا إليها فى التنازع نرجع‬ ‫يناظر باليات والسنة التى‬
‫وأمسى محياها يضىء ويلمع‬ ‫فأضحت به السمحاء يبسم ثغرها‬
‫وقد كان مسلوكا به الناس ترتع‬ ‫وعاد به نهج الغواية طامسا‬
‫وحق لها باللمعى ترفع‬ ‫وجرت به نجد ذبول افتخارها‬
‫وأنواره فيها تضىء وتلمع‬ ‫فأثاره فيها سوام سوافر‬
‫وأ ما كتا به المذكور فموضو عه فى بيان ما ب عث به ال ر سله ‪ :‬من توح يد العبادة ‪ ،‬وبيا نه‬
‫بالدلة من الكتاب وال سنة ‪ ،‬وذ كر ما يناف يه من الشرك ال كبر أو ينا فى كماله الوا جب ‪ ،‬من‬
‫الشرك الصغر ونحوه ‪ ،‬وما يقرب من ذلك أو يوصل إليه ‪.‬‬
‫وقد تصدى لشرحه حفيد المصنف ‪ ،‬وهو الشيخ سليمان بن عبد ال رحمه ال تعالى فوضع‬
‫عليه شرحا أجاد فيه وأفاد ‪ ،‬وأبرز فيه من البيان ما يجب أن يطلب منه ويراد ‪ ،‬وسماه تيسير‬
‫العزيز الحميد ‪ ،‬فى شرح كتاب التوحيد ‪.‬‬
‫وح يث أطلق ش يخ ال سلم فالمراد به أ بو العباس أح مد بن ع بد الحل يم بن ع بد ال سلم بن‬
‫تيمية ‪ ،‬و الحافظ فالمراد به أحمد بن حجر العسقلنى ‪.‬‬
‫ولما قرأت شرحه رأيته أطنب فى مواضع ‪ ،‬وفى بعضها تكرار يستغنى بالبعض منه عن‬
‫الكعل ‪ ،‬ولم يكمله ‪ .‬فأخذت فعى تهذيبعه وتقريبعه وتكميله ‪ ،‬وربمعا أدخلت فيعه بععض النقول‬
‫المستحسنة تتميما للفائدة وسميته فتح المجيد بشرح كتاب التوحيد ‪.‬‬
‫وأسأل ال أن ينفع به كل طالب للعلم ومستفيد ‪ ،‬وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم وموصلً‬
‫من سعى فيه إلى جنات النعيم ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلى العظيم ‪.‬‬

‫***********‬

‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪ :‬بسم ال الرحمن الرحيم ‪.‬‬


‫ابتدأ كتابه بالبسملة اقتداء بالكتاب العزيز وعملً بحديث " كل أمر ذى بال ل يبدأ فيه ببسم‬
‫ال الرحمن الرحيم فهو أقطع" أخرجه ابن حبان من طريقين ‪ .‬قال ابن صلح ‪ :‬والحديث حسن‬
‫‪ .‬ولبى دواد وابن ماجه " كل أمر ذى بال ل يبدأ فيه بالحمد ل أو بالحمد‬
‫فهو أقطع " ولحمد " كل أمر ذى بال ل يفتتح بذكر ال فهو أبتر أو أقطع " وللدارقطني عن‬
‫أبى هريرة مرفوعا " كل أمر ذى بال ل يبدأ فيه بذكر ال فهو أقطع " ‪.‬‬
‫والم صنف قد اقت صر فى ب عض ن سخه على الب سملة ‪ ،‬لن ها من أبلغ الثناء والذ كر للحد يث‬
‫المتقدم ‪ .‬وكان ال نبى صلى ال عل يه و سلم يقت صر علي ها فى مرا سلته ‪ ،‬ك ما فى كتا به لهر قل‬
‫عظ يم الروم وو قع لى ن سخة بخ طه رح مه ال تعالى بدأ في ها بالب سملة ‪ ،‬وث نى بالح مد وال صلة‬
‫على ال نبى صلى ال عل يه و سلم وآله ‪ .‬وعلى هذا فالبتداء بالب سملة حقي قى ‪ ،‬وبالحمدلة ن سبى‬
‫إضافى ‪ ،‬أى بالنسبة إلى ما بعد الحمد يكون مبدوءا به ‪.‬‬
‫والباء فى بسم ال متعلقة بمحذوف ‪ ،‬واختار كثير من المتأخرين كونه فعلً خاصا متأخرا ‪.‬‬
‫أما كونه فعل ‪ ،‬فلن الصل فى العمل للفعال ‪.‬‬
‫وأما كونه خاصا ‪ ،‬فلن كل مبتدىء بالبسملة فى أمر يضمر ما جعل البسملة مبدأ له ‪.‬‬
‫وأما كونه متأخرا ‪ ،‬فلدللته على الختصاص ‪ ،‬وأدخل فى التعظيم ‪ ،‬وأوفق للوجود ‪ ،‬ولن‬
‫أهم ما يبدأ به ذكر ال تعالى ‪.‬‬
‫وذكر العلمة ابن القيم رحمه ال تعالى لحذف العامل فوائد ‪ ،‬منها أنه موطن ل ينبغى أن‬
‫يتقدم فيه غير ذكر ال ‪ .‬ومنها ‪ :‬أن الف عل إذا حذف صح البتداء بالبسملة في كل عمل وقول‬
‫حركة ‪ .‬فكان الحذف أعم ‪ .‬إنتهى ملخصا ‪.‬‬
‫وباء بسعم ال للمصعاحبة ‪ .‬وقيعل ‪ :‬للسعتعانة ‪ .‬فيكون التقديعر ‪ :‬بسعم ال أؤلف حال كونعى‬
‫مستعينا بذكره ‪ ،‬متبركا به ‪ .‬وأما ظهوره فى " اقرأ باسم ربك " وفي " بسم ال مجريها " فلن‬
‫المقام يقتضى ذلك كما ل يخفى ‪.‬‬
‫والسم مشتق من السمو وهو العلو ‪ .‬وقيل ‪ :‬من الوسم وهو العلمة ‪ ،‬لن كل ما سمى فقد‬
‫نوه باسمه ووسم ‪.‬‬
‫قوله ( ال ) قال الكسعائي والفراء ‪ :‬أصعله الله ‪ ،‬حذفوا الهمزة ‪ ،‬وأدغموا اللم فعى اللم ‪،‬‬
‫ف صارتا لما واحدة مشددة مفخ مة ‪ .‬قال العل مة ا بن الق يم رح مه ال ‪ :‬ال صحيح ‪ :‬أ نه مش تق ‪،‬‬
‫وأن أ صله الله ‪ ،‬ك ما هو قول سيبويه وجمهور أ صحابه إل من شذ ‪ .‬و هو الجا مع لمعا نى‬
‫السعماء الحسعنى والصعفات العلى ‪ .‬والذيعن قالوا بالشتقاق إنمعا أرادوا أنعه دال على صعفة له‬
‫تعالى ‪ .‬وهى اللهية كسائر أسمائه الحسنى ‪ ،‬كالعليم والقدير ‪ ،‬والسميع ‪ ،‬والبصير ‪ ،‬ونحو ذلك‬
‫‪ .‬فإن هذه السماء مشتقة من مصادرها بل ريب ‪ ،‬وهى قديمة ‪ ،‬ونحن ل نعني بالشتقاق إل‬
‫أن ها ملق ية لم صادرها فى الل فظ والمع نى ‪ ،‬ل أن ها متولدة م نه تولد الفرع من أ صله ‪ .‬وت سمية‬
‫النحاة للمصدر والمشت قق م نه ‪ :‬أصلً وفرعا ‪ .‬ليس معناه أن أحده ما متولد من ال خر ‪ .‬وإن ما‬
‫هو باعتبار أن أحدهما يتضمن الخر وزيادة ‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر بن جر ير ال أ صله الله أ سقطت الهمزة ال تى هى فاء ال سم ‪ .‬فالت قت اللم‬
‫ال تى هى ع ين ال سم واللم الزائدة و هى ساكنة فأدغ مت فى الخرى ‪ ،‬ف صارتا فى الل فظ لما‬
‫واحدة مشددة ‪ .‬وأما تأويلل فإنه على معنى ما روى لنا عن عبد ال بن عباس قال ‪ :‬هو الذى‬
‫يألهه كل شئ ويعبده كل خلق وساق بسنده عن الضحاك عن عبد ال بن عباس قال ‪ :‬ال ذو‬
‫اللوهية والعبودية على خلقه أجمعين فإن قال لنا قائل ‪ :‬وما دل على أن اللوهية هى العبادة‬
‫وأن الله هو المعبود ‪ ،‬وأن له أصلً فى فعل ويفعل ‪ ،‬وذكر بيت رؤية بن العجاج ‪.‬‬
‫سبحن واسترجعن من تألهى‬ ‫ل در الغانيات المدة‬
‫يعنى من تعبدى وطلبى ال بعملى ‪ .‬ول شك أن التأله التفعل ‪ ،‬من أله يأله وأن معنى أله إذا‬
‫ن طق به ‪ :‬ع بد ال ‪ .‬و قد جاء م نه م صدر يدل على أن العرب قد نط قت م نه بف عل يف عل بغ ير‬
‫زيادة ‪ .‬وذلك معا حدثنعا بعه سعفيان بعن وكيعع ‪ -‬وسعاق السعند إلى ابعن عباس أنعه قرأ " ويذرك‬
‫وآله تك " قال ‪ :‬عباد تك ‪ .‬ويقول ‪ :‬إ نه كان يع بد ول يع بد و ساق ب سند آ خر عن ا بن عباس‬
‫ويذرك وإلهتك ‪ .‬قال ‪ :‬إنما كان فرعون يعبد ول يعبد وذكر مثله عن مجاهد ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬فقد‬
‫ب ين قول ا بن عباس ومجا هد هذا ‪ :‬أن أله ع بد وأن الل هة م صدره و ساق حديثا عن أ بى سعيد‬
‫مرفوعا أن عيسى أسلمته أمه إلى الكتاب ليعلمه ‪ .‬فقال له المعلم ‪ :‬اكتب بسم ال ‪ .‬فقال عيسى‬
‫‪ :‬أتدرى ما ال ؟ ال إله اللهة ‪.‬‬
‫قال العل مة ا بن الق يم رح مه ال ‪ :‬لهذا ال سم الث سريف ع شر خ صائص لفظ ية و ساقها ‪ .‬ثم‬
‫قال ‪ :‬وأما خصائصه المعنوية فقد قال أعلم الخلق صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ل أحصى ثناء عليك‬
‫أ نت ك ما أثن يت على نف سك " وك يف نح صى خ صائص ا سم لم سماه كل كمال على الطلق ‪،‬‬
‫وكل مدح وحمد ‪ ،‬وكل ثناء وكل مجد ‪ ،‬وكل جلل وكل كمال ‪ ،‬وكل عز وكل جمال ‪ ،‬وكل‬
‫خ ير وإح سان ‪ ،‬وجود وف ضل وبر فله وم نه ‪ ،‬ف ما ذ كر هذا ال سم فى قل يل إل كثره ‪ ،‬ول ع ند‬
‫خوف إل أزاله ‪ ،‬ول عنعد كرب إل كشفعه ‪ ،‬ول عنعد هعم وغعم إل فرجعه ‪ ،‬ول عنعد ضيعق إل‬
‫وسععه ‪ ،‬ول تعلق بعه ضعيعف إل أفاده القوة ‪ ،‬ول ذليعل إل أناله الععز ‪ ،‬ول فقيعر إل أصعاره‬
‫غنيا ‪ ،‬ول مسعتوحشا إل آنسعه ‪ ،‬ول مغلوب إل أيده ونصعره ‪ ،‬ول مضطعر إل كشعف ضره ‪،‬‬
‫ول شر يد إل آواه ‪ .‬ف هو ال سم الذى تك شف به الكربات ‪ ،‬وت ستنزل به البركات ‪ ،‬وتجاب به‬
‫الدعوات ‪ ،‬وتقال به العثرات ‪ ،‬وتستدفع به السيئات ‪ ،‬وتستجلب به الحسنات ‪ .‬وهو السم الذى‬
‫قامت به الرض والسماوات ‪ ،‬وبه أنزلت الكتب ‪ ،‬وبه أرسلت الرسل ‪ ،‬وبه شرعت الشرائع ‪.‬‬
‫وبه قامت الحدود ‪ ،‬وبه شرع الجهاد ‪ ،‬وبه انقسمت الخليقة إلى السعداء والشقياء ‪ ،‬وبه حقت‬
‫الحا قة ‪ .‬ووق عت الواق عة ‪ .‬و به وض عت المواز ين الق سط ون صب ال صراط ‪ ،‬وقام سوق الج نة‬
‫والنار ‪ .‬و به ع بد رب العالم ين وح مد ‪ ،‬وبح قه بع ثت الر سل ‪ ،‬وع نه ال سؤال في ال قبر ويوم‬
‫البعث والنشور وبه الخصام وإليه المحاكمة ‪ ،‬وفيه الموالة والمعاداة ‪ ،‬وبه سعد من عرفه وقام‬
‫بحقه ‪ ،‬وبه شقى من جهله وترك حقه ‪ ،‬فهو سر الخلق والمر ‪ .‬وبه قاما وثبتا ‪ ،‬وإليه انتهيا ‪،‬‬
‫فالخلق بعه وإليعه ولجله ‪ .‬فمعا وجعد خلق ول أمعر ول ثواب ول عقاب إل مبتدئا منعه ومنتهيا‬
‫إليه ‪ ،‬وذلك موجبه ومقتضاه '‪ " '191 : 3‬ربنا ما خلقت هذا باطلً سبحانك فقنا عذاب النار "‬
‫إلى آخر كلمه رحمه ال ‪.‬‬
‫قوله (الرح من الرح يم) قال ا بن جر ير ‪ :‬حدث نى ال سري بن يح يى حدث نا عثمان بن ز فر‬
‫سمعت العزر مى يقول ‪ :‬الرح من بجم يع الخلق ‪ ،‬والرح يم بالمؤمن ين ‪ .‬و ساق ب سنده عن أ بى‬
‫سعيد ‪ -‬يعنى الخدرى ‪" -‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إن عيسى ابن مريم قال‬
‫‪ :‬الرحمن ‪ :‬رحمن الخرة والدنيا ‪ .‬والرحيم ‪ :‬رحيم الخرة" ‪.‬‬
‫قال ا بن الق يم رح مه ال تعالى ‪ :‬فا سمه ال دل على كو نه مألوها معبودا ‪ .‬يأل هه الخلئق ‪:‬‬
‫محبعة وتعظيما وخضوعا ‪ ،‬ومفزعا إليعه فعى الحوائج والنوائب ‪ .‬وذلك مسعتلزم لكمال ربوبيتعه‬
‫ورحمتعه ‪ ،‬المتضمنيعن لكمال الملك والحمعد ‪ ،‬وإلهيتعه وربوبيتعه ورحمانيتعه وملكعه ‪ ،‬مسعتلزم‬
‫لجميع صفات كماله ‪ .‬إذ يستحيل ثبوت ذلك لمن ليس بحى ‪ ،‬ول سميع ‪ ،‬ول بصير ‪ ،‬ول قادر‬
‫‪ ،‬ول متكلم ‪ ،‬ولفعال لما يريد ‪ ،‬ول حكيم فى أقواله وأفعاله ‪ .‬فصفات الجلل والجمال أخص‬
‫با سم ال ‪ ،‬و صفات الف عل والقدرة والتفرد بال ضر والن فع (العطاء والم نع ونفوذ المشيئة وكمال‬
‫القوة وتدبر أمر الخليقة ‪ :‬أخص باسم الرب) ‪ ،‬وصفات الحسان والجود والبر والحنان والمنة‬
‫والرأفة والعطف أخص باسم الرحمن ‪.‬‬
‫وقال رحمه ال أيضا ‪ :‬الرحمن دال على الصفة القائمة به سبحانه والرحيم دال على تعلقها‬
‫بالمرحوم ‪ .‬واذا أردت فهم هذا فتأ مل قوله تعالى ‪" '44 : 33' :‬وكان بالمؤمن ين رحيما " ' ‪: 9‬‬
‫‪" '117‬إنه بهم رؤوف رحيم" ولم يجيء قط رحمان بهم ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬إن أسماء الرب تعالى هي أسماء ونعوت ‪ ،‬فإنها دالة على صفات كماله ‪ .‬فل تنافي‬
‫في ها ب ين العلم ية والو صفية ‪ ،‬فالرح من ا سمه تعالى وو صفه ‪ ،‬ف من ح يث هو صفة جرى تابعا‬
‫ل سم ال ‪ ،‬و من ح يث هو ا سم ورد في القرآن غ ير تا بع ‪ ،‬بل ورد ال سم العلم ‪ ،‬كقوله تعالى‬
‫"الرحمن على العرش استوى " انتهى ملخصا ‪.‬‬

‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪ :‬الحمد ل ‪.‬‬


‫ش ‪ :‬ومعناه الثناء بالكلم على الجميعل الختياري على وجعه التعظيعم ‪ ،‬فمورده ‪ :‬اللسعان‬
‫والقلب ‪ ،‬والش كر يكون بالل سان والجنان والركان ‪ ،‬ف هو أ عم من الح مد متعلقا ‪ ،‬وأ خص م نه‬
‫سببا ‪ ،‬ل نه يكون في مقابلة النع مة ‪ ،‬والح مد أ عم سببا وأ خص متعلقا‪ ،‬ل نه يكون فى مقابلة‬
‫النع مة وغير ها ‪ .‬فبينه ما عموم وخ صوص وج هى ‪ ،‬يجتمعان فى مادة وينفرد كل وا حد عن‬
‫الخر فى مادة ‪.‬‬

‫قال المصنف رحمه ال ‪ :‬وصلى ال على محمد وعلى آله وسلم ‪.‬‬
‫ش ‪ :‬أصح ما قيل فى معنى صلة ال على عبده ‪ :‬ما ذكره البخارى رحمه ال تعالى عن‬
‫أبعى العاليعة قال ‪" :‬صعلة ال على عبده ثناؤه عليعه عنعد الملئكعة" وقرره ابعن القيعم رحمعه ال‬
‫ونصره فى كتابيه جلء الفهام وبدائع الفوائد ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد يراد بها الدعاء ‪ ،‬كما فى المسند عن على مرفوعا " الملئكة تصلى على أحدكم‬
‫ما دام فى مصله ‪ :‬اللهم اغفر له اللهم ارحمه " ‪.‬‬
‫قوله (وعلى آله) أى أتباعه على دينه ‪ ،‬نص عليه المام أحمد هنا ‪ .‬وعليه أكثر الصحاب‬
‫‪ .‬وعلى هذا فيشمل الصحابة وغيرهم من المؤمنين ‪.‬‬

‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪ :‬كتاب التوحيد‬


‫ش ‪ :‬كتاب ‪ :‬مصعدر كتعب يكتعب كتابا وكتابعة وكتبا ‪ ،‬ومدار المادة على الجمعع ‪ .‬ومنعه ‪:‬‬
‫تكتعب بنعو فلن ‪ ،‬إذا اجتمعوا ‪ .‬والكتيبعة لجماععة الخيعل ‪ ،‬والكتابعة بالقلم لجتماع الكلمات‬
‫والحروف ‪ .‬وسمى الكتاب كتابا ‪ :‬لجمعه ما وضع له ‪.‬‬
‫والتوحيد نوعان ‪ :‬توحيد فى المعرفة والثبات ‪ .‬وهو توحيد الربوبية والسماء والصفات ‪.‬‬
‫وتوحيد فى الطلب والقصد ‪ .‬وهو توحيد اللهية والعبادة ‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال ‪ :‬وأما التوحيد الذى دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب فهو‬
‫نوعان ‪ :‬توحيد فى المعرفة والثبات ‪ ،‬وتوحيد فى الطلب والقصد ‪.‬‬
‫فالول هو ‪ :‬إثبات حقي قة ذات الرب تعالى و صفاته وأفعاله وأ سمائه وتكل مه بكت به وتكلي مه‬
‫ل من شاء من عباده ‪ ،‬وإثبات عموم قضائه وقدره وحكم ته ‪ ،‬و قد أف صح القرآن عن هذا النوع‬
‫جد الفصاح ‪ ،‬كما فى أول سورة الحديد ‪ ،‬وسورة طه ‪ ،‬وآخر الحشر ‪ ،‬وأول تنزيل السجدة ‪،‬‬
‫وأول آل عمران ‪ ،‬وسورة الخلص بكمالها ‪ ،‬وغير ذلك ‪.‬‬
‫النوع الثا نى ‪ :‬ما تضمن ته سورة " قل يا أي ها الكافرون " وقوله تعالى ‪ " '64 : 3' :‬قل يا‬
‫أ هل الكتاب تعالوا إلى كل مة سواء بين نا وبين كم أن ل نع بد إل ال ول نشرك به شيئا ول يت خذ‬
‫بعضنعا بعضعا أربابعا معن دون ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنعا مسعلمون " وأول سعورة تنزيعل‬
‫الكتاب وآخر ها ‪ .‬وأول سورة المؤ من ‪ :‬وو سطها وآخر ها ‪ ،‬وأول سورة العراف وآخر ها ‪.‬‬
‫وجملة سورة النعام ‪ ،‬وغالب سور القرآن ‪ .‬بل كل سورة في القرآن ف هي متضم نة لنو عى‬
‫التوحيد ‪ ،‬شاهدة به داعية إليه ‪.‬‬
‫فإن القران إما خبر عن ال وأسمائه وصفاته وأفعاله وأقواله ‪ ،‬فهو التوحيد العلمى الخبرى‬
‫وإما دعوة إلى عبادته وحده ل شريك له وخلع ما يعبد من دونه ‪ ،‬فهو التوحيد الرادي الطلبي‬
‫‪ .‬وإما أمر ونهى ‪ ،‬وإلزام بطاعته وأمره ونهيه ‪ ،‬فهو حقوق التوحيد ومكملته وإما خبر عن‬
‫إكرام أهل التوحيد وما فعل به فى الدنيا وما يكرمهم به فى الخرة ‪ ،‬فهو جزاء توحيده ‪ ،‬وإما‬
‫خبر عن أهل الشرك وما فعل بهم فى الدنيا من النكال وما يحل بهم في العقبى من العذاب ‪.‬‬
‫فهو جزاء من خرج عن حكم التوحيد ‪ .‬فالقرآن كله فى التوحيد ‪ ،‬وحقوقه وجزائه ‪ ،‬وفى شأن‬
‫الشرك وأهله وجزائهم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم ‪ :‬التوح يد الذى جاءت به الر سل إن ما يتض من إثبات الله ية ل وحده بأن‬
‫يشهد أن ل إله إل ال ‪ :‬ل يعبد إل إياه ‪ ،‬ول يتوكل إل عليه ‪ ،‬ول يوالى إل له ‪ ،‬ول يعادى إل‬
‫ف يه ‪ ،‬ول يع مل إل لجله ‪ .‬وذلك يتض من إثبات ما أثب ته لنف سه من ال سماء وال صفات ‪ .‬قال‬
‫تعالى ‪" '163 : 2' :‬وإلهكم إله واحد ل إله إل هو الرحمن الرحيم" قال تعالى ‪" '51 : 16 ' :‬‬
‫وقال ال ل تتخذوا إله ين اثن ين إن ما هو إله وا حد فإياي فارهبون " وقال تعالى ‪'117 : 23' :‬‬
‫"ومن يدع مع ال إلها آخر ل برهان له به فإنما حسابه عند ربه إنه ل يفلح الكافرون" وقال‬
‫تعالى ‪" '45 :43' :‬واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون"‬
‫وأخبر عن كل نبى من النبياء أنهم دعوا الناس إلى عبادة ال وحده ل شريك له ‪ .‬وقال ‪60' :‬‬
‫‪ " '4 :‬قد كا نت ل كم أ سوة ح سنة في إبراه يم والذ ين م عه إذ قالوا لقوم هم إ نا برآء من كم وم ما‬
‫تعبدون من دون ال كفر نا ب كم وبدا بين نا وبين كم العداوة والبغضاء أبدا ح تى تؤمنوا بال وحده "‬
‫وقال عن المشرك ين ‪ " '36 ، 35 : 37' :‬إن هم كانوا إذا ق يل ل هم ل إله إل ال ي ستكبرون *‬
‫ويقولون أإنا لتاركوا آلهتنا لشاعر مجنون " وهذا فى القرآن كثير ‪.‬‬
‫ول يس المراد بالتوح يد ‪ :‬مجرد توح يد الربوب ية ‪ .‬و هو اعتقاد أن ال وحده خلق العالم ‪ ،‬ك ما‬
‫ي ظن ذلك من يظ نه من أ هل الكلم والت صوف ‪ .‬وي ظن هؤلء أن هم إذا أثبتوا ذلك بالدل يل ف قد‬
‫أثبتوا غاية التوحيد ‪ .‬وأنهم إذا شهدوا هذا وفنوا فيه فقد فنوا فى غاية التوحيد فإن الرجل لو أقر‬
‫ب ما ي ستحقه الرب تعالى من الصفات ونز هه عن كل ما ينزه ع نه ‪ .‬وأقر بأنه وحده خالق كل‬
‫شئ ‪ ،‬لم يكن موحدا حتى يشهد بأن ل إله إل ال وحده ‪ .‬فيقر بأن ال وحده هو الله المستحق‬
‫للعبادة ‪ .‬ويلتزم بعبادة ال وحده ل شريك له ‪ .‬و الله هو المألوه المعبود الذى يستحق العبادة ‪.‬‬
‫وليعس هعو الله بمعنعى القادر على الختراع ‪ .‬فإذا فسعر المفسعر الله بمعنعى القادر على‬
‫الختراع واعتقعد أن هذا المعنعى هعو أخعص وصعف الله ‪ .‬وجععل إثبات هذا هعو الغايعة فعى‬
‫التوح يد ‪ -‬ك ما يف عل ذلك من يفعله من متكل مة ال صفاتية ‪ .‬و هو الذى يقولو نه عن أ بى الح سن‬
‫وأتبا عه لم يعرفوا حقي قة التوح يد الذى ب عث ال به ر سوله صلى ال عليه و سلم ‪ .‬فإن مشر كى‬
‫العرب كانوا مقرين بأن ال وحده خالق كل شئ ‪ .‬وكانوا مع هذا مشركين ‪ .‬قال تعالى ‪: 12' :‬‬
‫‪" '106‬و ما يؤ من أكثر هم بال إل و هم مشركون" قالت طائ فة من ال سلف ت سألهم ‪ :‬من خلق‬
‫السموات والرض ؟ فيقولون ‪ :‬ال وهم مع هذا يعبدون غيره قال تعالى ‪" '89 - 84 : 23' :‬‬
‫قعل لمعن الرض ومعن فيهعا إن كنتعم تعلمون * سعيقولون ل قعل أفل تذكرون * قعل معن رب‬
‫ال سماوات ال سبع ورب العرش العظ يم * سيقولون ل قل أفل تتقون * قل من بيده ملكوت كل‬
‫ش يء و هو يج ير ول يجار عليه إن كنتم تعلمون * سيقولون ل قل فأ نى ت سحرون " فليس كل‬
‫من أ قر بأن ال تعالى رب كل شئ وخال قه يكون عابدا له ‪ ،‬دون ما سواه ‪ .‬داع يا له دون ما‬
‫سواه راجيا له خائفا منه دون ما سواه ‪ .‬يوالى فيه ويعادى فيه ‪ .‬ويطيع رسله ويأمر بما أمر به‬
‫‪ .‬وينهى عما نهى عنه ‪ .‬وعامة المشركين أقروا بأن ال خالق كل شئ ‪ .‬وأثبتوا الشفعاء الذين‬
‫يشركونهم به وجعلوا له أندادا ‪ .‬قال تعالى ‪ "' 44 ،43 : 39' :‬أم اتخذوا من دون ال شفعاء قل‬
‫أو لو كانوا ل يملكون شيئا ول يعقلون * قعل ل الشفاععة جميععا له ملك السعماوات والرض "‬
‫وقال تعالى ‪ " '18 : 10' :‬ويعبدون من دون ال ما ل يضر هم ول ينفع هم ويقولون هؤلء‬
‫شفعاؤ نا ع ند ال قل أتنبئون ال ب ما ل يعلم في ال سماوات ول في الرض سبحانه وتعالى ع ما‬
‫يشركون " وقال تعالى ‪" '14 : 6' :‬ولقعد جئتمونعا فرادى كمعا خلقناكعم أول مرة وتركتعم معا‬
‫خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم‬
‫وضل عنكم ما كنتم تزعمون" وقال تعالى ‪" '165 : 2' :‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا‬
‫يحبونهعم كحعب ال" ولهذا كان أتباع هؤلء معن يسعجد للشمعس والقمعر والكواكعب ويدعوهعا ‪.‬‬
‫وي صوم وين سك ل ها ويتقرأ إلي ها ‪ .‬ثم يقول ‪ :‬إن هذا ل يس بشرك ‪ .‬إن ما الشرك إذا اعتقدت أن ها‬
‫المدبرة لى ‪ .‬فإذا جعلتهعا سعببا وواسعطة لم أكعن مشركا‪ .‬ومعن المعلوم بالضطرار معن ديعن‬
‫السلم أن هذا شرك ‪ .‬انتهى كلمه رحمه ال تعالى ‪.‬‬

‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪ :‬وقول ال تعالى ‪" ' 56 :51 ' :‬وما خلقت الجن والنس إل‬
‫ليعبدون"‬
‫ش ‪ :‬بالجر عطف على التوحيد ‪ .‬ويجوز الرفع على البتداء ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ :‬العبادة هى طاعة ال بامتثال ما أمر ال به على ألسنة الرسل ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬العبادة اسعم جامعع لكعل معا يحبعه ال ويرضاه معن القوال والعمال الظاهرة‬
‫والباطنة ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ :‬ومدارها على خمس عشرة قاعدة ‪ .‬من كملها كمل مراتب العبودية ‪.‬‬
‫وبيان ذلك ‪ :‬أن العبادة منقسعمة على القلب واللسعان والجوارح ‪ .‬والحكام التعى للعبوديعة‬
‫خمسة ‪ :‬واجب ومستحب وحرام ومكروه ومباح ‪ .‬وهن لكل واحد من القلب واللسان والجوارح‬
‫‪.‬‬
‫وقال القرطعبى ‪ :‬أصعل العبادة التذلل والخضوع ‪ .‬وسعميت وظائف الشرع على المكلفيعن‬
‫عبادات ‪ .‬لنهم يلتزمونها ويفعلونها خاضعين متذللين ل تعالى ‪.‬‬
‫ومعنى الية ‪ :‬أن ال تعالى أخبر أنه ما خلق الجن والنس إل لعبادته ‪ .‬فهذا هو الحكمة في‬
‫خلقهم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهي الحكمة الشرعية الدينية ‪.‬‬
‫قال العماد ابن كثير ‪ :‬وعبادته هى طاعته بفعل المأمور وترك المحظور ‪ .‬وذلك هو حقيقة‬
‫ديعن السعلم ‪ .‬لن معنعى السعلم ‪ :‬السعتسلم ل تعالى ‪ ،‬المتضمعن غايعة النقياد والذل‬
‫والخضوع ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال أيضا فى تفسير هذه الية ‪ :‬ومعنى الية أن ال خلق الخلق ليعبدوه وحده ل شريك له‬
‫‪ .‬فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء ‪ .‬ومن عصاه عذبه أشد العذاب ‪ .‬وأخبر أنه غير محتاج إليهم ‪.‬‬
‫بل هم الفقراء فى جميع أحوالهم وهو خالقهم ورازقهم ‪ .‬وقال علي بن‬
‫أبعى طالب رضعى ال عنعه فعى اليعة إل لمرهعم أن يعبدونعى وأدعوهعم إلى عبادتعى وقال‬
‫مجاهد ‪ :‬إل لمرهم وأنهاهم اختاره الزجاج وشيخ السلم ‪ .‬قال ‪ :‬ويدل على هذا قوله ' ‪: 75‬‬
‫‪" ' 36‬أيحسب النسان أن يترك سدى" قال الشافعى ‪ :‬ل يؤمر ول ينهى وقال فى القرآن فى‬
‫غ ير مو ضع "اعبدوا رب كم" "اتقوا رب كم" ف قد أمر هم ب ما خلقوا له ‪ .‬وأر سل الر سل بذلك ‪ .‬وهذا‬
‫المعنى هو الذى قصد بالية قطعا ‪ ،‬وهو الذى يفهمه جماهير المسلمين ويحتجون بالية عليه ‪.‬‬
‫قال وهذه الية تشبه قوله تعالى ‪" ' 64 : 4 ' :‬وما أرسلنا من رسول إل ليطاع بإذن ال" ثم‬
‫قد يطاع وقد يعصى ‪ .‬وكذلك ما خلقهم إل لعبادته ‪ .‬ثم قد يعبدون وقد ل يعبدون ‪ .‬وهو سبحانه‬
‫لم يقل ‪ :‬إنه فعل الول ‪ .‬وهو خلقهم ليفعل بهم كلهم ‪ .‬الثانى ‪ :‬وهو عبادته ولكن ذكر أنه فعل‬
‫الول ليفعلوا هم الثانى ‪ .‬فيكونوا هم الفاعلين له ‪ .‬فيحصل لهم بفعله سعادتهم ويحصل ما يحبه‬
‫ويرضاه منه ولهم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ويشهد لهذا المعنى ‪ :‬ما تواترت به الحاديث ‪.‬‬
‫فمنها ما أخرجه مسلم فى صحيحه عن أنس بن مالك رضي ال عنه عن النبي صلى ال‬
‫عل يه و سلم قال ‪" :‬يقول ال تعالى لهون أ هل النار عذابا ‪ :‬لو كا نت لك الدن يا و ما في ها ومثل ها‬
‫معها أكنت مفتديا بها ؟ فيقول ‪ :‬نعم ‪ .‬فيقول ‪ :‬قد أردت منك أهون من هذا وأنت فى صلب آدم‬
‫‪ .‬أن ل تشرك ‪ -‬أحسبه قال ‪ :‬ول أدخلك النار ‪ -‬فأبيت إل الشرك" فهذا المشرك قد خالف ما‬
‫أراده ال تعالى م نه ‪ :‬من توحيده وأن ل يشرك به شيئا ‪ .‬فخالف ما أراده ال م نه فأشرك به‬
‫غيره ‪ .‬وهذه هى الرادة الشرعية الدينية كما تقدم ‪.‬‬
‫فبين الرادة الشرعية الدينية والرادة الكونية القدرية عموم وخصوص مطلق ‪.‬‬
‫يجتمعان فى حق المخلص المطيع ‪ .‬وتنفرد الرادة الكونية القدرية فى حق العاصى ‪ .‬فافهم‬
‫ذلك تنج من جهالت أرباب الكلم وتابعيهم ‪.‬‬

‫قال الم صنف رح مه ال تعالى ‪ :‬وقوله ' ‪ " ' 36 : 16‬ول قد بعث نا في كل أ مة ر سول أن‬
‫اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت " ‪.‬‬
‫ش ‪ :‬الطاغوت ‪ :‬مشتق من الطغيان ‪ ،‬وهو مجاوزة الحد ‪ .‬قال عمر بن الخطاب رضى ال‬
‫عنعه ‪ :‬الطاغوت الشيطان ‪ .‬وقال جابر رضعى ال عنعه الطاغوت كهان كانعت تنزل عليهعم‬
‫الشياطين رواهما ابن أبى حاتم ‪ .‬وقال مالك ‪ :‬الطاغوت كل ما عبد من دون ال ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وذلك المذكور بععض أفراده ‪ ،‬وقعد حده العلمعة ابعن القيعم حدا جامعا فقال الطاغوت‬
‫كل ما تجاوز به العبد حده ‪ :‬من معبود أو متبوع أو مطاع ‪ .‬فطاغوت كل قوم ‪ :‬من يتحاكمون‬
‫إليه غير ال ورسوله ‪ ،‬أو يعبدونه من دون ال أو يتبعونه على غير بصيرة من ال أو يطيعونه‬
‫في ما ل يعلمون أ نه طا عة ل ‪ .‬فهذه طواغ يت العالم ‪ .‬إذا تأملت ها وتأملت أحوال الناس مع ها ‪.‬‬
‫رأ يت أكثره هم أعرض عن عبادة ال تعالى إلى عبادة الطاغوت و عن طا عة ر سول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم إلى طاعة الطاغوت ومتابعته ‪.‬‬
‫وأ ما مع نى ال ية ‪ :‬فأ خبر تعالى أ نه ب عث فى كل طائ فة من الناس ر سولً بهذه الكل مة "أن‬
‫اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت" أي اعبدوا ال وحده واتركوا عبادة ما سواه ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪' :‬‬
‫‪" '256 : 2‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها" وهذا‬
‫معنى ل إله إل ال فإنها هي العروة الوثقى ‪.‬‬
‫قال العماد ابن كثير فى هذه الية ‪ :‬كلهم ‪ -‬أى الرسل ‪ -‬يدعو إلى عبادة ال ‪ ،‬وينهى عن‬
‫عبادة ما سواه ‪ ،‬فلم يزل سبحانه يرسل إلى الناس الرسل بذلك منذ حدث الشرك فى بنى آدم فى‬
‫قوم نوح الذ ين أر سل إلي هم ‪ ،‬وكان أول ر سول بع ثه ال تعالى إلى أ هل الرض إلى أن ختم هم‬
‫بمحمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬الذى طبق دعوته النس والجن فى المشارق والمغارب ‪ ،‬وكلهم‬
‫كما قال ال تعالى ‪" '25 : 21' :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا‬
‫فاعبدون" وقال تعالى فى هذه ال ية الكري مة ‪ " :‬ول قد بعث نا في كل أ مة ر سول أن اعبدوا ال‬
‫واجتنبوا الطاغوت " فكيف يسوغ لحد من المشركين بعد هذا أن يقول ‪ " :‬لو شاء ال ما عبدنا‬
‫من دونه من شيء " ‪ ،‬فمشيئة ال تعالى الشرعية عنهم منفية ‪ ،‬لنه نهاههم عن ذلك على ألسن‬
‫ر سله ‪ ،‬وأ ما مشيئ ته الكون ية ‪ -‬و هى تمكين هم من ذلك قدرا ‪ -‬فل ح جة ل هم في ها ‪ ،‬ل نه تعالى‬
‫خلق النار وأهلهعا من الشياطيعن والكفرة ‪ ،‬وهعو ل ير ضى لعبادة الك فر ‪ ،‬وله فعى ذلك الح جة‬
‫البال غة والحك مة القاط عة ‪ ،‬ثم إ نه تعالى قد أ خبر أ نه أن كر علي هم بالعقو بة فى الدن يا ب عد إنذار‬
‫الرسل ‪ ،‬فلهذا قال ‪" '36 : 16' :‬فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت عليه الضللة" انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذه الية تفسير الية التي قبلها ‪ .‬وذلك قوله ‪" :‬فمنهم من هدى ال ومنهم من حقت‬
‫عليه الضللة" فتدبر ‪.‬‬
‫ودلت هذه ال ية على أن الحك مة في ار سال الر سل ‪ ،‬دعوت هم أمم هم إلى عبادة ال وحده ‪،‬‬
‫والنهي عن عبادة ما سواه ‪ ،‬وأن هذا هو دين ال نبياء والمر سلين ‪ ،‬وإن اختل فت شريعتهم كما‬
‫قال تعالى "لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا" وأنه ل بد في اليمان من عمل القلب والجوارح ‪.‬‬

‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪ :‬قوله تعالى ‪ " '23 : 17' :‬وقضى ربك أن ل تعبدوا إل إياه‬
‫وبالوالدين إحسانا " ‪.‬‬
‫ش ‪ :‬قال مجاهد قضى يعني وصى ‪ ،‬وكذا قرأ أبي بن كعب وابن مسعود وغيرهم ولبن‬
‫جرير عن ابن عباس وقضى ربك يعني أمر ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ " :‬أن ل تعبدوا إل إياه " المعنى ‪ ،‬أن تعبدوه وحده دون ما سواه ‪ ،‬وهذا معنى‬
‫ل إله إل ال ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ ،‬والنفي المحض ليس توحيدا ‪ ،‬وكذلك الثبات بدون النفي ‪،‬‬
‫فل يكون التوحيد إل متضمنا للنفي والثبات ‪ ،‬وهذا هو حقيقة التوحيد ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ":‬وبالوالد ين إح سانا "أي وق ضى أن تح سنوا بالوالد ين إح سانا ‪ ،‬ك ما ق ضى بعباد ته‬
‫وحده ل شر يك له ‪ .‬ك ما قال تعالى في ال ية الخرى '‪"'14 : 13‬أن اش كر لي ولوالد يك إلي‬
‫المصير"‬
‫وقوله ‪" :‬إ ما يبلغعن عندك الكعبر أحده ما أو كلهمعا فل ت قل لهمعا أف ول تنهره ما" أى أل‬
‫تسمعهما قولً سيئا ‪ ،‬حتى ول التأفيف الذي هو أدنى مراتب القول السيء "ول تنهرهما" أي ‪:‬‬
‫ل يصدر منك إليهما فعل قبيح ‪ ،‬كما قال عطاء بن أبي رباح ل تنفض يديك عليهما ‪.‬‬
‫ولما نهاه عن الفعل القبيح والقول القبيح أمره بالفعل الحسن والقول الحسن فقال ‪" :‬وقل لهما‬
‫قولً كريما" أي لينا طيبا بأدب وتوقير وقوله "واخفض لهما جناح الذل من الرحمة" أى تواضع‬
‫لهما "وقل رب ارحمهما" أي في كبرهما وعند وفاتهما " كما ربياني صغيرا " وقد ورد في بر‬
‫الوالديعن أحاديعث كثيرة ‪ ،‬منهعا ‪ :‬الحديعث المروي معن طرق ععن أنعس وغيره "أن رسعول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لما صعد المنبر قال ‪ :‬آمين ‪ ،‬آمين ‪ ،‬آمين ‪ ،‬فقالوا يا رسول ال ‪ ،‬على ما‬
‫أم نت ؟ قال أتا ني جبر يل فقال ‪ :‬يا مح مد ر غم أ نف امرىء ذكرت عنده فلم ي صل عل يك قل ‪:‬‬
‫آمين ‪ ،‬فقلت ‪ :‬آمين ثم قال ‪ :‬رغم أنف امرىء دخل عليه شهر رمضان ثم خرج ولم يغفر له ‪،‬‬
‫قل آمين ‪ :‬فقلت آمين ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬رغم أنف امرىء أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخله الجنة قل ‪:‬‬
‫آمين ‪ ،‬فقلت آمين" وروى المام أحمد من حديث أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم "رغم أنف ‪ ،‬ثم رغم أنف ‪ ،‬ثم رغم أنف رجل أدرك والديه ‪ ،‬أحدهما أو كلهما لم‬
‫يدخل الجنة " قال العماد ابن كثير ‪ :‬صحيح من هذا الوجه عن أبى بكرة رضى ال عنه قال ‪:‬‬
‫قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬أل أنبئكم بأكبر الكبائر قلنا ‪ :‬بلى يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫الشراك بال ‪ ،‬وعقوق الوالديععععن ‪ .‬وكان متكئا فجلس ‪ ،‬فقال أل وقول الزور ‪ ،‬أل وشهادة‬
‫الزور ‪ ،‬فما زال يكررها حتى قلنا ‪ :‬ليته سكت" رواه البخارى ومسلم ‪ .‬وعن عبد ال بن عمرو‬
‫رضعي ال عنهمعا قال ‪ :‬قال رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم ‪" :‬رضعى الرب فعى رضعى‬
‫الوالد ين ‪ ،‬و سخطه فى سخط الوالد ين " ‪ ،‬عن أ سيد ال ساعدى ر ضى ال ع نه قال ‪" :‬بي نا ن حن‬
‫جلوس عند النبى صلى ال عليه وسلم إذ جاءه رجل من بنى سلمة فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬هل‬
‫بقى من بر أبوي شئ أبرهما به بعد موتهما ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬الصلة عليهما والستغفار لهما ‪،‬‬
‫وإنفاذ عهدهما من بعدهما ‪ ،‬وصلة الرحم التى ل توصل إل بهما ‪ ،‬وإكرام صديقهما " رواه أبو‬
‫داود وابن ماجة ‪ .‬والحاديث فى هذا المعنى كثيرة جدا ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪ :‬وقوله ‪" '36 : 4' :‬واعبدوا ال ول تشركوا به شيئا" ‪.‬‬
‫ش ‪ :‬قال العماد ا بن كث ير رح مه ال فى هذه ال ية ‪ :‬يأ مر ال تعالى عباده بعباد ته وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬فإنه الخالق الرازق المتفضل على خلقه فى جميع الحالت ‪ ،‬وهو المستحق منهم أن‬
‫يوحدوه ول يشركوا به شيئا من مخلوقاته ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وهذه ال ية هى ال تى ت سمى آ ية الحقوق العشرة ‪ ،‬و فى ب عض الن سخ المعتمدة من ن سخ هذا‬
‫الكتاب تقديعم هذه اليعة على آيعة النعام ‪ ،‬ولهذا قدمتهعا لمناسعبة كلم ابعن مسععود التعي ليعة‬
‫النعام ‪ ،‬ليكون ذكره بعدها أنسب ‪.‬‬

‫قال الم صنف رح مه ال تعالى ‪ :‬وقوله تعالى ‪ " '153-151 : 6':‬قل تعالوا أ تل ما حرم‬
‫ربكم عليكم أن ل تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا " اليات ‪.‬‬
‫ش ‪ :‬قال العماد ابن كثير رحمه ال ‪ :‬يقول تعالى لنبيه ورسوله محمد صلى ال عليه وسلم‬
‫(قل) لهؤلء المشركين الذين عبدوا غير ال ‪ ،‬وحرموا ما رزقهم ال (تعالوا) أي هلموا وأقبلوا‬
‫(أتل) أقص علي كم (ماحرم ربكم علي كم) حقا ‪ ،‬ل تخرصا ول ظنا ‪ ،‬بل وحيا منه وأمرا من‬
‫عنده (أل تشركوا به شيئا) وكأن في الكلم محذوفا دل عليه السياق تقديره ‪ :‬وصاكم أل تشركوا‬
‫به شيئا ‪ ،‬ولهذا قال في آخر الية (ذلكم وصاكم به) ا هع ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فيكون المع نى ‪ :‬حرم علي كم ما و صاكم بتر كه من الشراك به ‪ ،‬و في المغ ني ل بن‬
‫هشام فعى قوله تعالى " أن ل تشركوا بعه شيئا " سعبعة أقوال ‪ ،‬أحسعنها ‪ :‬هذا الذى ذكره ابعن‬
‫كثير ‪ ،‬ويليه ‪ :‬بين لكم ذلك لئل تشركوا ‪ ،‬فحذفت الجملة من أحدهما ‪ ،‬وهى (وصاكم) وحرف‬
‫الجر وما قبله من الخرى ‪ .‬ولهذا إذا سئلوا عما يقول لهم رسول ال صلى ال عليه وسلم قالوا‬
‫‪ :‬يقول اعبدوا ال ول تشركوا به شيئا ‪ ،‬واتركوا ما يقول آباؤكم كما قال أبو سفيان ‪ ،‬لهرقل‬
‫وهذا هو الذى فهمه أبو سفيان وغيره من قول رسول ال صلى ال عليه وسلم لهم قولوا ل اله‬
‫إل ال تفلحوا ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪" :‬وبالوالد ين إح سانا" قال القر طبى ‪ :‬الح سان إلى الوالد ين بره ما وحفظه ما‬
‫و صيانتهما وامتثال أمره ما ‪ ،‬وإزالة الرق عنه ما ‪ ،‬وترك ال سلطنة عليه ما ‪ ،‬و(إح سانا) ن صب‬
‫على المصدرية ‪ ،‬وناصبه فعل من لفظه تقديره ‪ :‬وأحسنوا بالوالدين إحسانا ‪.‬‬
‫وقوله "ول تقتلوا أولدكعم معن إملق نحعن نرزقكعم وإياهعم" إلملق ‪ :‬الفقعر ‪ ،‬أى ل تئدوا‬
‫بناتكم خشية العيلة والفقر ‪ ،‬فإنى رازقكم وإياهم ‪ ،‬وكان منهم من يفعل ذلك بالذكور خشية الفقر‬
‫‪ ،‬ذكره القرطبى ‪ .‬وفى الصحيحين "عن ابن مسعود رضى ال عنه (قلت ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أى‬
‫الذنب أعظم عند ال ؟ قال ‪ :‬أن تجعل ل ندا وهو خلقك ‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أى ؟ قال ‪ :‬أن تقتل ولدك‬
‫خشية أن يط عم معك ‪ .‬قلت ‪ :‬ثم أي ؟ قال ‪ :‬أن تزا ني بحليلة جارك ‪ .‬ثم تل ر سول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم '‪ " '70 - 68 : 25‬والذين ل يدعون مع ال إلها آخر ول يقتلون النفس التي‬
‫حرم ال إل بالحق ول يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد‬
‫ف يه مها نا * إل من تاب وآ من وع مل عمل صالحا فأولئك يبدل ال سيئاتهم ح سنات وكان ال‬
‫غفورا رحيما " " ‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن" قال ابن عطية ‪ :‬نهي عام عن جميع‬
‫أنواع الفواحش ‪ ،‬وهى المعاصى ‪.‬‬
‫و(ظهر) و (بطن) حالتان تستوفيان أقسام ما جلتا له من الشياء ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬ول تقتلوا النفعس التعي حرم ال إل بالحعق " فعى الصعحيحين ‪" :‬ععن ابعن عباس‬
‫رضى ال عنه مرفوعا ‪ :‬ل يحل دم امرىء مسلم يشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال‬
‫إل بإحدى ثلث ‪ :‬الثيب الزانى ‪ ،‬والنفس بالنفس ‪ ،‬والتارك لدينه المفارق للجماعة" ‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬ذل كم و صاكم به لعل كم تعقلون" قال ا بن عط ية ‪( :‬ذل كم) إشارة إلى هذه المحرمات‬
‫والو صية ال مر المؤ كد المقرر ‪ .‬وقوله (لعل كم تعقلون) (ل عل) للتعل يل أى إن ال تعالى و صانا‬
‫بهذه الو صايا لنعقل ها ع نه ونع مل ب ها ‪ ،‬و فى تف سير ال طبرى الحن فى ‪ :‬ذ كر أو ل (تعقلون) في‬
‫(تذكرون) ثم (تتقون) لنهم إذا عقلوا تذكروا وخافوا واتقوا ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬ول تقربوا مال اليت يم إل بال تي هي أح سن ح تى يبلغ أشده " قال ا بن عط ية ‪ :‬هذا‬
‫ن هى عام عن القرب الذى ي عم وجوه الت صرف وف يه سد الذري عة ‪ ،‬ثم ا ستثنى ما يح سن و هو‬
‫السعى فى نمائه ‪ ،‬قال مجاهد ‪ :‬التي هي أحسن ‪ ،‬إشارة فيه ‪ ،‬وفي قوله ‪( :‬حتى يبلغ أشده) قال‬
‫مالك وغيره ‪ :‬هو الر شد وزوال ال سفه مع البلوغ ‪ ،‬روى ن حو هذا عن ز يد بن أ سلم والش عبى‬
‫وربيعة وغيرهم ‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬وأوفوا الكيل والميزان بالقسط " قال ابن كثير ‪ :‬يأمر تعالى بإقامة العدل فى الخذ‬
‫والعطاء " ل نكلف نفسا إل وسعها " أي من اجتهاد بأداء الحق وأخذه ‪ ،‬فإن أخطأ بعد استفراغ‬
‫الوسع وبذل جهده فل حرج عليه ‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬وإذا قل تم فاعدلوا ولو كان ذا قر بى" هذا أ مر بالعدل فى القول والفعل على القريب‬
‫والبعيد ‪ .‬قال الحنفي ‪ :‬العدل فى القول فى حق الولى والعدو ل يتغير فى الرضى والغضب بل‬
‫يكون على ال حق وإن كان ذا قر بى فل يم يل إلى ال حبيب والقر يب '‪ " '8 :5‬ول يجرمن كم شنآن‬
‫قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى " ‪.‬‬
‫وقوله "وبعهد ال أوفوا" قال ابن جرير ‪ :‬وبوصية ال تعالى التي وصاكم بها فأوفوا ‪ .‬وإيفاء‬
‫ذلك بأن يطيعوه ب ما أمر هم به ونها هم ع نه ‪ .‬وأن يعملوا بكتا به و سنة ر سوله صلى ال عل يه‬
‫وسعلم ذلك هعو الوفاء بعهعد ال ‪ .‬وكذا قال غيره ‪ ،‬وقوله "ذلكعم وصعاكم بعه لعلكعم تذكرون"‬
‫تتعظون وتنتهون عما كنتم فيه ‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬وأن هذا صعراطي مسعتقيما فاتبعوه ول تتبعوا السعبل فتفرق بكعم ععن سعبيله" قال‬
‫القر طبي ‪ :‬هذه آ ية عظي مة عطف ها على ما تقدم ‪ .‬فإ نه ن هي وأ مر وحذر عن اتباع غ ير سبيله‬
‫على ما بينته الحاديث الصحيحة وأقاويل السلف ‪ .‬و (أن) فى موضع نصب ‪ .‬أي أتلو أن هذا‬
‫صراطي ‪ ،‬عن الفراء و الكسائي ‪ .‬ويجوز أن يكون خفضا ‪ .‬أي وصاكم به وبأن هذا صراطي‬
‫‪ .‬قال‪ :‬والصراط الطريق الذي هو دين السلم ‪( .‬مستقيما) نصب على الحال ومعناه مستويا‬
‫قيما ل اعوجاج ف يه ‪ .‬فأ مر باتباع طري قه الذي طر قه على ل سان مح مد صلى ال عل يه و سلم‬
‫وشرعه ونهايته الجنة وتشعبت منه طرق ‪ ،‬فمن سلك الجادة نجا ‪ ،‬ومن خرج إلى تلك الطرق‬
‫أف ضت به إلى النار ‪ .‬قال ال تعالى ‪" :‬ول تتبعوا ال سبل فتفرق ب كم عن سبيله ذل كم و صاكم به‬
‫لعلكم تتقون" أي يميل ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وروى المام أحمد والنسائي و الدارمي و ابن أبي حاتم و الحاكم ‪ -‬وصححه ‪" -‬عن ابن‬
‫مسعود رضي ال عنه قال ‪ :‬خط رسول ال صلى ال عليه وسلم خطا بيده ‪ ،‬ثم قال هذا سبيل‬
‫ال م ستقيما ‪ ،‬ثم خط خطوطا عن يم ين ذلك ال خط و عن شماله ثم قال ‪ :‬وهذه سبل ل يس من ها‬
‫سبيل إل وعليه شيطان يدعو إليه ‪ ،‬ثم قرأ "وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السبل‬
‫" الية " ‪ .‬وعن مجاهد ‪ :‬ول تتبعوا السبل ‪ ،‬قال ‪ :‬البدع والشهوات ‪.‬‬
‫قال ا بن الق يم رح مه ال ‪ :‬ولنذ كر في ال صراط الم ستقيم قولً وجيزا فإن الناس قد تنو عت‬
‫عباراتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته ‪ ،‬وحقيقته شئ واحد ‪ ،‬وهو طريق ال الذي نصبه لعباده‬
‫مو صلً ل هم إل يه ول طر يق إل يه سواه ‪ ،‬بل الطرق كل ها م سدودة على الخلق إل طري قه الذي‬
‫نصبه على ألسن رسله ‪ ،‬وجعله موصلً لعبادة ال وهو إفراده بالعبادات ‪ ،‬وإفراد رسله بالطاعة‬
‫‪ ،‬فل يشرك بعه أحدا فعي عبادتعه ول يشرك برسعوله صعلى ال عليعه وسعلم أحدا فعي طاعتعه ‪.‬‬
‫فيجرد التوح يد ‪ ،‬ويجرد متاب عة الر سول صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬وهذا كله مضمون شهادة أن ل‬
‫إله إل ال ‪ ،‬وأن محمدا ر سول ال فأي شئ ف سر به ال صراط الم ستقيم ف هو دا خل في هذ ين‬
‫ال صلين ‪ .‬ونك تة ذلك ‪ ،‬أن تح به بقل بك وترض يه بجهدك كله ‪ ،‬فل يكون في قل بك مو ضع إل‬
‫معمورا بح به ‪ ،‬ول يكون لك إرادة متعل قة بمرضا ته ‪ .‬فالول يح صل بتحق يق شهادة أن ل إله‬
‫إل ال ‪ ،‬والثانعي يحصعل بتحقيعق شهادة أن محمدا رسعول ال ‪ .‬وهذا هعو الهدى وديعن الحعق ‪،‬‬
‫وهو معرفة الحق والعمل به ‪ ،‬وهو معرفة ما بعث ال به رسوله والقيام به ‪ ،‬وقل ما شئت من‬
‫العبارات التى هذا آخيتها وقطب رحاها ‪ .‬قال ‪ :‬وقال سهل بن عبد ال ‪ :‬عليكم بالثر والسنة ‪،‬‬
‫فإنى أخاف ‪ ،‬إنه سيأتي عن قليل زمان إذا ذكر إنسان النبى صلى ال عليه وسلم والقتداء به‬
‫فى جميع أحواله ذموه ونفروا عنه وتبرأوا منه ‪ ،‬وأذلوه وأهانوه ‪ .‬ا هع ‪.‬‬

‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪ :‬قال ابن مسعود ‪ :‬من أراد أن ينظر إلى وصية محمد صلى‬
‫ال عل يه و سلم ال تى علي ها خات مه فليقرأ ‪ " :‬قل تعالوا أ تل ما حرم رب كم علي كم "‪ -‬إلى قوله ‪" -‬‬
‫وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه " الية ‪.‬‬
‫ش ‪ :‬قوله ‪ :‬ا بن م سعود هو ع بد ال بن م سعود بن غا فل ‪ -‬بمعج مة وفاء ‪ -‬ا بن حبيب‬
‫الهذلى أبو عبد الرحمن ‪ ،‬صحابى جليل من السابقين الولين ‪ ،‬وأهل بدر وأحد والخندق وبيعة‬
‫الرضوان من كبار علماء الصحابة ‪ ،‬أمر عمر على الكوفة ‪ ،‬ومات سنة اثنتين وثلثين رضى‬
‫ال عنه ‪.‬‬
‫وهذا ال ثر رواه الترمذي وح سنه ‪ ،‬وا بن المنذر وا بن أ بى حا تم وال طبرانى بنحوه ‪ .‬وقال‬
‫بعض هم ‪ :‬معناه من أراد أن ين ظر إلى الو صية ال تى كأن ها ك تب وخ تم علي ها فلم تغ ير ولم تبدل‬
‫فليقرأ ‪( :‬قل تعالوا ‪-‬إلى آخر اليات) شبهها بالكتاب الذى كتب ثم ختم فلم يزد فيه ولم ينقص ‪.‬‬
‫فإن النبى صلى ال عليه وسلم لم يوص إل بكتاب ال ‪ ،‬كما قال فيما رواه مسلم ‪" :‬وإنى تارك‬
‫فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا ‪ :‬كتاب ال" وقد روى عبادة بن الصامت قال ‪" :‬قال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أيكم يبايعنى على هؤلء اليات الثلث ؟ ثم تل قوله تعالى ‪" :‬قل تعالوا‬
‫أتل ما حرم ربكم عليكم" حتى فرغ من الثلث اليات ‪ .‬ثم قال من وفى بهن فأجره على ال ‪،‬‬
‫ومن انتقص منهن شيئا فأدركه ال به فى الدنيا كانت عقوبته ‪ ،‬ومن أخره إلى الخرة كان أمره‬
‫إلى ال إن شاء آخذه وإن شاء ع فا ع نه " رواه ا بن أ بي حا تم و الحا كم و صححه و مح مد بن‬
‫نصر فى العتصام ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ولن النعبى صعلى ال عليعه وسعلم لم يوص أمتعه إل بمعا وصعاهم ال تعالى بعه على‬
‫لسانه ‪ .‬وفى كتابه الذى أنزله '‪ " '89 : 16‬تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين "‬
‫وهذه اليات وصية ال تعالى ووصية رسوله صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬

‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪ :‬وعن معاذ بن جبل قال ‪ :‬كنت رديف النبى صلى ال عليه‬
‫وسلم على حمار فقال لى ‪ :‬يا معاذ أتدري ما حق ال على العباد ‪ ،‬وما حق العباد على ال ؟ ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪ .‬قال ‪ :‬حق ال على العباد أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا وحق العباد‬
‫على ال أن ل يعذب من ل يشرك به شيئا ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا ر سول ال أفل أب شر الناس ؟ قال ‪ :‬ل‬
‫تبشرهم فيتكلوا " ‪ .‬أخرجاه فى الصحيحين ‪.‬‬
‫ش ‪ :‬هذا الحديث فى الصحيحين من طرق ‪ .‬وفى بعض رواياته نحو مما ذكره المصنف ‪.‬‬
‫و معاذ بن ج بل ر ضى ال ع نه هو ا بن عمرو بن أوس الن صارى الخزر جى أ بو ع بد‬
‫الرح من صحابى مشهور من أعيان ال صحابة ‪ ،‬ش هد بدرا و ما بعد ها ‪ .‬وكان إل يه المنت هى فى‬
‫العلم والحكام والقرآن رضي ال عنه ‪ .‬وقال النبى صلى ال عليه وسلم معاذ يحشر يوم القيامة‬
‫أمام العلماء برتوة أي بخطوة ‪ ،‬قال فى القاموس والرتوة الخطوة وشرف من الرض ‪ ،‬وسويعة‬
‫من الزمان ‪ ،‬والدعوة ‪ ،‬والفطرة ‪ ،‬ورم ية ب سهم أو ن حو م يل أو مدى الب صر ‪ .‬والرا تي العالم‬
‫الربانى ‪ .‬انتهى‬
‫وقال فى النهاية أنه يتقدم العلماء برتوة أي برمية سهم ‪ .‬وقيل ‪ :‬بميل ‪ ،‬وقيل ‪ :‬مد البصر ‪.‬‬
‫وهذه الثلثة أشبه بمعنى الحديث‪ .‬مات معاذ سنة ثمانى عشرة بالشام فى طاعون عمواس ‪ .‬وقد‬
‫استخلفه صلى ال عليه وسلم على أهل مكة يوم الفتح يعلمهم دينهم‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ك نت رد يف ال نبى صلى ال عل يه و سلم) ف يه جواز الرداف على الدا بة ‪ ،‬وفضيلة‬
‫معاذ رضى ال عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬على حمار) فى رواية اسمه عفير ‪ ،‬قلت ‪ :‬أهداه إليه المقوقس صاحب مصر ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬تواضعه صلى ال عليه وسلم لركوب الحمار والرادف عليه ‪ ،‬خلفا لما عليه أهل‬
‫الكبر ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬أتدرى ما حق ال على العباد) أخرج السؤال بصيغة الستفهام ليكون أوقع في النفس‬
‫وأبلغ في فهم المتعلم وحق ال على العباد وهو ما يستحقه عليهم وحق العباد على ال معناه أنه‬
‫متح قق ل محالة ‪ ،‬ل نه وعد هم ذلك جزاء ل هم على توحيده '‪" '6 : 30‬و عد ال ل يخلف ال‬
‫وعده" ‪.‬‬
‫قال شيعخ السعلم ‪ :‬كون المطيعع يسعتحق الجزاء هعو اسعتحقاق إنعام وفضعل ‪ ،‬ليعس هعو‬
‫اسعتحقاق مقابلة ‪ ،‬كمعا يسعتحق المخلوق على المخلوق ‪ ،‬فمعن الناس معن يقول ‪ :‬ل معنعى‬
‫للستحقاق ‪ ،‬إل أنه أخبر بذلك ووعده صدق ‪ ،‬ولكن أكثر الناس يثبتون استحقاقا زائدا على هذا‬
‫‪ ،‬كما دل عليه الكتاب والسنة قال تعالى '‪" '47 : 30‬وكان حقا علينا نصر المؤمنين" لكن أهل‬
‫ال سنة يقولون ‪ :‬هو الذي ك تب على نف سه الرح مة وأو جب على نف سه ال حق ‪ ،‬ولم يوج به عل يه‬
‫مخلوق ‪ ،‬والمعتزلة يدعون أ نه وا جب عل يه بالقياس على المخلوق وأن العباد هم الذ ين أطاعوه‬
‫بدون أن يجعلهم مطيعين له ‪ ،‬وأنهم يستحقون الجزاء بدون أن يكون هو الموجب ‪ ،‬وغلطوا في‬
‫ذلك ‪ ،‬وهذا الباب غلطت فيه الجبرية والقدرية أتباع جهم والقدرية النافية ‪.‬‬
‫قوله (قلت ال ورسوله أعلم) فيه حسن الدب من المتعلم ‪ ،‬وأنه ينبغي لمن سئل عما ل يعلم‬
‫أن يقول ذلك ‪ ،‬بخلف أكثر المتكلفين ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬أن يعبدوه ول يشركوا به شيئا) أي يوحدوه بالعبادة ‪ .‬ول قد أح سن العل مة ا بن الق يم‬
‫رحمه ال حيث عرف العبادة بتعريف جامع فقال ‪:‬‬
‫مع ذل عابده هما قطبان‬ ‫وعبادة الرحمن غاية حبه‬
‫ل بالهوى والنفس والشيطان‬ ‫ومداره بالمر ‪ -‬أمر رسوله‪-‬‬
‫قوله ‪( :‬ول يشركوا به شيئا) أى يوحدوه بالعبادة ‪ ،‬فلبد من التجرد من الشرك فى العبادة ‪،‬‬
‫و من لم يتجرد من الشرك لم ي كن آتيا بعبادة ال وحده ‪ ،‬بل هو مشرك قد ج عل ل ندا ‪ .‬وهذا‬
‫معنى قول المصنف رحمه ال ‪:‬‬
‫(وفيه أن العبادة هى التوحيد ‪ ،‬لن الخصومة فيه ‪ ،‬وفى بعض الثار اللهية ‪ :‬إنى والجن‬
‫والنس فى نبأ عظيم ‪ ،‬أخلق ويعبد غيرى ‪ ،‬وأرزق ويشكر سواى ‪ ،‬خيري إ نى العباد نازل ‪،‬‬
‫وشرهم إلى صاعد ‪ ،‬أتحبب إليهم بالنعم ‪ ،‬ويتبغضون إلى بالمعاصى) ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وحق العباد على ال أل يعذب من ل يشرك به شيئا) قال الحافظ ‪ :‬اقتصر على نفي‬
‫الشراك لنعه يسعتدعي التوحيعد بالقتضاء ‪ ،‬ويسعتدعى إثبات الرسعالة باللزوم ‪ ،‬إذ معن كذب‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم فقد كذب ال ‪ ،‬ومن كذب ال فهو مشرك وهو مثل قول القائل ‪:‬‬
‫ومن توضأ صحت صلته ‪ ،‬أى مع سائر الشروط ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬أفل أبشر الناس) فيه استحباب بشارة المسلم بما يسره ‪ ،‬وفيه ما كان عليه الصحابة‬
‫من الستبشار بمثل هذا ‪ .‬قال المصنف رحمه ال ‪.‬‬
‫قوله (ل تبشرهم فيتكلوا) أى يعتمدوا على ذلك فيتركوا التنافس فى العمال ‪ .‬وفى رواية ‪:‬‬
‫فأخبر بها معاذ عند مو ته تأثما أى تحرجا من الثم ‪ .‬قال الوزير أبو المظفر ‪ :‬لم يكن يكتمها‬
‫إل عن جا هل يحمله جهله على سوء الدب بترك الخد مة فى الطا عة ‪ ،‬فأ ما الكياس الذ ين إذا‬
‫سمعوا بم ثل هذا زادوا فى الطا عة ‪ ،‬ورأوا أن زيادة الن عم ت ستدعى زيادة الطا عة ‪ ،‬فل و جه‬
‫لكتمانها عنهم‪.‬‬
‫وفعى الباب معن الفوائد غيعر معا تقدم ‪ ،‬الحعث على إخلص العبادة ل وأنهعا ل تنفعع معع‬
‫الشرك ‪ ،‬بل ل ت سمى عبادة ‪ .‬والت نبيه على عظ مة حق الوالد ين ‪ .‬وتحر يم عقوقه ما ‪ .‬والت نبيه‬
‫على عظمة اليات المحكمات فى سورة النعام ‪ .‬وجواز كتمان العلم للمصلحة ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬أخرجاه) أى البخارى وم سلم‪ .‬و البخارى رح مه ال هو المام مح مد ا بن إ سماعيل‬
‫بن إبراهيم بن بردزبه الجعفي مولهم‪ ،‬الحافظ الكبير صاحب الصحيح والتاريخ والدب المفرد‬
‫وغ ير ذلك من م صنفاته ‪ .‬روى عن المام أح مد بن حن بل والحميدى وا بن المدي نى وطبقت هم ‪.‬‬
‫وروى عنه مسلم والنسائي والترمذي والفربرى رواى الصحيح ‪ .‬ولد سنة أربع وتسعين ومائة‬
‫ومات سنة ست وخمسين ومائتين ‪.‬‬
‫و مسعلم رحمعه ال هعو ابعن حجاج بعن مسعلم أبعو الحسعين القشيرى النيسعابورى صعاحب‬
‫ال صحيح والعلل والوجدان وغ ير ذلك روى عن أح مد بن حن بل ويح يى بن مع ين وأ بى خيث مة‬
‫وا بن أ بى شي بة وطبقت هم ‪ .‬وروى عن البخاري ‪ .‬وروى عنهالترمذي وإبراه يم بن مح مد بن‬
‫سفيان راوى ال صحيح وغيره ما ‪ .‬ولد سنة أر بع ومائت ين ‪ .‬ومات سنة إحدى و ستين ومائت ين‬
‫بنيسابور رحمهما ال ‪.‬‬

‫فضل التوحيد‬
‫قوله ‪( :‬باب بيان فضل التوحيد وما يكفر من الذنوب)‬
‫باب خبر مبتدأ محذوف تقديره هذا (قلت) ويجوز أن يكون مبتدأ خبره محذوف تقديره هذا ‪.‬‬
‫و ما يجوز أن تكون موصولة والعائد محذوف ‪ ،‬أي وبيان الذي يكفره من الذنوب ‪ ،‬ويجوز أن‬
‫تكون مصدرية ‪ ،‬أي وتكفيره الذنوب ‪ ،‬وهذا الثانى أظهر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقول ال تعالى ‪" '82 : 6' :‬الذ ين آمنوا ولم يلب سوا إيمان هم بظلم أولئك ل هم ال من‬
‫و هم مهتدون" قال ا بن جر ير ‪ :‬حدث نى المث نى ‪ -‬و ساق ب سنده ‪ -‬عن الرب يع ا بن أ نس قال ‪:‬‬
‫اليمان الخلص ل وحده ) ‪.‬‬
‫وقال ابن كثير فى الية ‪ :‬أى هؤلء الذين أخلصوا العبادة ل وحده ولم يشركوا به شيئا هم‬
‫المنون يوم القيا مة ‪ ،‬المهتدون فى الدن يا والخرة ‪ .‬وقال ز يد بن أ سلم وا بن إ سحاق ‪ :‬هذا من‬
‫ال على فصل القضاء بين إبراهيم وقومه ‪.‬‬
‫وعن ابن مسعود ‪( :‬لما نزلت هذه ال ية قالوا ‪ :‬فأينا لم يظلم نفسه ؟ فقال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم‪ :‬ليس بذلكم ‪ ،‬ألم تسمعوا إلى قول لقمان ‪" :‬إن الشرك لظلم عظيم" ) ‪.‬‬
‫وساقه البخارى بسنده فقال "حدثنا عمر بن حفص بن غياث حدثنا أبي حدثنا العمش حدثنى‬
‫إبراهيعم ععن علقمعة ععن عبعد ال رضعي ال عنعه قال ‪ :‬لمعا نزلت ‪" :‬الذيعن آمنوا ولم يلبسعوا‬
‫إيمانهعم بظلم" قلنعا ‪ :‬يعا رسعول ال ‪ ،‬أينعا ل يظلم نفسعه ؟ قال ‪ :‬ليعس كمعا تقولون ‪ ،‬لم يلبسعوا‬
‫إيمان هم بظلم ‪ ،‬بشرك ‪ .‬أو لم ت سمعوا إلى قول لقمان لب نه ‪ " :‬يا ب ني ل تشرك بال إن الشرك‬
‫لظلم عظيم " " ‪.‬‬
‫ولحمد بنحوه عن "عبد ال قال ‪ ( :‬لما نزلت "الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" شق ذلك‬
‫على أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فقالوا يا رسول ال ‪ :‬فأينا ل يظلم نفسه ؟ قال ‪:‬‬
‫إنه ليس الذى تعنون ‪ .‬ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح ‪ " :‬يا بني ل تشرك بال إن الشرك لظلم‬
‫عظيم " إنما هو الشرك) " ‪ .‬وعن عمر أنه فسره بالذنب ‪ .‬فيكون المعنى ‪ :‬المن من كل عذاب‬
‫‪ .‬وقال الحسن والكلبي ‪ :‬أولئك لهم المن ‪ ،‬فى الخرة ‪ ،‬وهم مهتدون فى الدنيا ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم ‪ :‬والذى شق علي هم أن هم ظنوا أن الظالم المشروط عد مه هو ظلم الع بد‬
‫نفسه ‪ ،‬وأنه ل أمن ول اهتداء إل لمن لم يظلم نفسه ‪ ،‬فبين لهم النبى صلى ال عليه وسلم ما‬
‫دل هم على أن الشرك ظلم فى كتاب ال ‪ ،‬فل يح صل ال من وإلهتداء إل ل من يل بس إيما نه بهذا‬
‫الظلم ‪ ،‬فإن من لم يل بس إيما نه بهذا الظلم كان من أ هل ال من والهتداء ‪ ،‬ك ما كان من أ هل‬
‫الصطفاء فى قوله ‪" '32 : 35' :‬ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه‬
‫ومن هم مقت صد ومن هم سابق بالخيرات بإذن ال ذلك هو الف ضل ال كبير" وهذا ل ين فى أن يؤا خذ‬
‫أحد هم بظل مه لنف سه بذ نب إذا لم ي تب ك ما قال تعالى ‪ " '8 ، 7 : 99' :‬ف من يع مل مثقال ذرة‬
‫خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره " وقد " سأل أبو بكر الصديق رضى ال عنه النبى‬
‫صعلى ال عليعه وسعلم فقال ‪ :‬يعا رسعول ال ‪ ،‬أينعا لم يعمعل سعوءا ؟ فقال ‪ :‬يعا أبعا بكعر ألسعت‬
‫تن صب ؟ أل ست تحزن ؟ أل يس ي صيبك اللواء ؟ فذلك ما تجزون به" فبين أن المؤ من إذا مات‬
‫دخل الجنة قد يجزى بسيئاته فى الدنيا بالمصائب ‪ .‬فمن سلم من أجناس الظلم الثلثة ‪ :‬الشرك ‪،‬‬
‫وظلم العباد ‪ .‬وظلمه لنفسه ب ما دون الشرك ‪ .‬كان له المن التام والهتداء التام ‪ .‬ومن لم يسلم‬
‫من ظلمه لنفسه كان له المن والهتداء المطلق ‪ .‬بمعنى أنه لبد أن يدخل الجنة كما وعد بذلك‬
‫فعى اليعة الخرى ‪ :‬وقعد هداه ال إلى الصعراط المسعتقيم الذى تكون عاقبتعه فيعه إلى الجنعة ‪.‬‬
‫ويحصل له من نقص المن والهتداء بحسب ما نقص من إيمانه بظلمه لنفسه وليس مراد النبى‬
‫صلى ال عليه و سلم بقوله إن ما هو الشرك أن من لم يشرك الشرك ال كبر يكون له ال من التام‬
‫والهتداء التام ‪ .‬فإن أحاديثه الكثيرة مع نصوص القرآن تبين أن أهل الكبائر معرضون للخوف‬
‫‪ ،‬لم يحصل لهم ال من التام والهتداء التام اللذين يكونون بهما مهتدين إلى الصراط الم ستقيم ‪،‬‬
‫صراط الذ ين أن عم ال علي هم ‪ ،‬من غ ير عذاب يح صل ل هم ‪ .‬بل مع هم أ صل الهتداء إلى هذا‬
‫الصراط ‪ ،‬ومعهم أصل نعمة ال عليهم ولبد لهم من دخول الجنة ‪ .‬وقوله إنما هو الشرك إن‬
‫أراد الكبر ‪ ،‬فمقصوده أن من لم يكن من أهله فهو آمن مما وعد به المشركون من عذاب الدنيا‬
‫والخرة ‪ .‬وإن كان مراده جنعس الشرك ‪ .‬يقال ظلم العبعد نفسعه‪ ،‬كبخله لحعب المال ببععض‬
‫الواجب ‪ -‬هو شرك أصغر ‪ .‬وحبه ما يبغضه ال تعالى حتى يقدم هواه على محبة ال الشرك‬
‫أصغر ونحو ذلك ‪ .‬فهذا فاته من المن والهتداء بحسبه ‪ .‬ولهذا كان السلف يدخلون الذنوب فى‬
‫هذا الشرك بهذا العتبار ملخصا ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬قوله ‪" :‬الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم المن وهم‬
‫مهتدون" قال الصعحابة ‪ :‬وأينعا يعا رسعول ال لم يلبعس إيمانعه بظلم ؟ قال ‪ :‬ذلك الشرك ‪ .‬ألم‬
‫تسمعوا قول العبد الصالح "إن الشرك لظلم عظيم" لما أشكل عليهم المراد بالظلم فظنوا أن ظلم‬
‫النفس داخل فيه ‪.‬‬
‫وأن من ظلم نف سه أى ظلم كان لم ي كن آمنا ول مهتديا ‪ .‬أجاب هم صلوات ال و سلمه عل يه‬
‫بأن الظلم الرافع للمن والهداية على الطلق هو الشرك ‪ .‬وهذا وال هو الجواب ‪ ،‬الذى يشفي‬
‫العليعل ويروي الغليعل‪ .‬فإن الظلم المطلق التام هعو الشرك ‪ .‬الذى هعو وضعع العبادة فعى غيعر‬
‫موضعها ‪ .‬والمن والهدى المطلق ‪ :‬هما المن فى الدنيا والخرة‪.‬‬
‫والهدى إلى الصراط المستقيم ‪ .‬فالظلم المطلق التام رافع للمن والهتداء المطلق التام ‪ .‬ول‬
‫يمنع أن يكون الظلم مانعا من مطلق المن ومطلق الهدى ‪ .‬فتأمله ‪ .‬فالمطلق للمطلق ‪ ،‬والحصة‬
‫للحصة ا هع ملخصا ‪.‬‬
‫حديث عبادة من شهد أن ل إله إل ال إلخ‬
‫وقوله ("عن عبادة بن الصامت رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫من ش هد أن ل إله إل ال وحده ل شر يك له ‪ ،‬وأن محمدا عبده ور سوله ‪ ،‬وأن عي سى ع بد ال‬
‫ور سوله وكلم ته ألقا ها إلى مر يم وروح م نه ‪ .‬والج نة حق ‪ ،‬أدخله ال الج نة على ما كان من‬
‫العمل " ‪ .‬أخرجاه) ‪.‬‬
‫عبادة بن ال صامت بن ق يس الن صارى الخزر جى ‪ ،‬أ بو الول يد ‪ ،‬أ حد النقباء بدرى مشهور‬
‫مات بالرملة سعنة أربعع وثلثيعن وله اثنتان وسعبعون سعنة ‪ ،‬وقيعل ‪ :‬عاش إلى خلفعة معاويعة‬
‫رضى ال عنه ‪.‬‬
‫قوله ( من ش هد أن ل إله إل ال) أى من تكلم ب ها عارفا لمعنا ها ‪ ،‬عاملً بمقتضا ها ‪ ،‬باطنا‬
‫وظاهرا ‪ ،‬فلبد فى الشهادتين من العلم واليقين والعمل بمدلولها ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪: 4 7' :‬‬
‫‪"'19‬فاعلم أنه ل إله إل ال" وقوله ' ‪" '86 : 43‬إل من شهد بالحق وهم يعلمون" أما النطق بها‬
‫من غ ير معر فة لمعنا ها ول يق ين ول ع مل ب ما تقتض يه ‪ :‬من البراءة من الشرك ‪ ،‬وإخلص‬
‫القول والعمل ‪ :‬قول القلب واللسان وعمل القلب والجوارح ‪ -‬فغير نافع بالجماع ‪.‬‬
‫قال القرطبى فى المفهم على صحيح مسلم ‪ :‬باب ل يكفى مجرد التلفظ بالشهادتين بل لبد‬
‫من ا ستيقان القلب ‪ -‬هذه الترج مة ت نبيه على ف ساد مذ هب غلة المرجئة ‪ ،‬القائل ين بأن التل فظ‬
‫بالشهادتين كاف فى اليمان ‪ .‬وأحاديث هذا الباب تدل على فساده ‪ .‬بل هو مذهب معلوم الفساد‬
‫من الشريعة لمن وقف عليها ‪ .‬ولنه يلزم منه تسويغ النفاق ‪ ،‬والحكم للمنافق باليمان الصحيح‬
‫‪ .‬وهو باطل قطعا ا هع ‪.‬‬
‫وفى هذا الحديث ما يدل على هذا ‪ .‬وهو قوله ‪ :‬من شهد فإن الشهادة ل تصح إل إذا كانت‬
‫عن علم ويقين وإخلص وصدق ‪.‬‬
‫قال النووي ‪ :‬هذا حديعث عظيعم جليعل الموقعع ‪ ،‬وهعو أجمعع ‪ -‬أو معن أجمعع ‪ -‬الحاديعث‬
‫المشتملة على العقائد ‪ .‬فإنه صلى ال عليه وسلم جمع فيه ما يخرج من ملل الكفر على اختلف‬
‫عقائدههم وتباعدها ‪ .‬فاقتصر صلى ال عليه وسلم فى هذه الحرف على ما يباين جميعهم ا هع‬
‫‪.‬‬

‫معنى ل إله إل ال‬


‫ومعنى ل إله إل ال ل معبود بحق إل ال ‪ .‬وهو فى غير موضع من القرآن ‪ ،‬ويأتيك فى‬
‫قول البقاعى صريحا قوله (وحده) تأك يد للثبات (ل شريك له) تأكيد للنفى ‪ .‬قال الحافظ ‪ :‬كما‬
‫قال تعالى ‪"'163 : 2' :‬وإلهكم إله واحد ل إله إل هو الرحمن الرحيم" وقال ‪ " '25 : 21 ' :‬وما‬
‫أر سلنا من قبلك من ر سول إل نو حي إل يه أ نه ل إله إل أ نا فاعبدون " وقال ‪" '65 : 7' :‬وإلى‬
‫عاد أخاهم هودا قال يا قوم اعبدوا ال ما لكم من إله غيره" فأجابوه ردا عليه بقولهم ‪ " :‬أجئتنا‬
‫لنعبد ال وحده ونذر ما كان يعبد آباؤنا " وقال تعالى ‪ " '62 : 22' :‬ذلك بأن ال هو الحق وأن‬
‫ما يدعون من دونه هو الباطل وأن ال هو العلي الكبير " ‪.‬‬
‫فتضمعن ذلك نفعى اللهيعة عمعا سعوى ال ‪ ،‬وهعي العبادة ‪ .‬وإثباتهعا ل وحده ل شريعك له ‪،‬‬
‫والقرآن من أوله إلى آخره يبين هذا ويقرره ويرشد إليه ‪.‬‬
‫فالعبادة بجم يع أنواع ها إن ما ت صدر عن تأله القلب بال حب والخضوع والتذلل رغبا ورهبا ‪،‬‬
‫وهذا كله ل يستحقه إل ال تعالى ‪ ،‬كما تقدم فى أدلة هذا الباب وما قبله ‪ .‬فمن صرف من ذلك‬
‫شيئا لغير ال فقد جعله ل ندا ‪ ،‬فل ينفعه مع ذلك قول ول عمل ‪.‬‬
‫(ذكر كلم العلماء ‪ ،‬فى معنى ل إله إل ال)‬
‫قد تقدم كلم ابن عباس ‪ ،‬وقال الوزير أبو المظفر فى الفصاح ‪ :‬قوله ‪ :‬شهادة أن ل إله إل‬
‫ال يقت ضى أن يكون الشا هد عالما بأ نه ل إله إل ال ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪" :‬فاعلم أنه ل إله إل ال"‬
‫قال‪ :‬واسم (ال) بعد (إل) من حيث أنه الواجب له اللهية ‪ ،‬فل يستحقها غيره سبحانه ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫وجملة الفائدة فعى ذلك ‪ :‬أن تعلم أن هذه الكلمعة مشتملة على الكفعر بالطاغوت واليمان بال ‪،‬‬
‫فإنك لما نفيت اللهية وأثبت اليجاب ل سبحانه كنت ممن كفر بالطاغوت وآمن بال ‪.‬‬
‫وقال ا بن الق يم فى البدائع ردا لقول من قال ‪ :‬إن الم ستثنى مخرج من الم ستثنى م نه ‪ .‬قال‬
‫ابن القيم ‪ :‬بل هو مخرج من المستثنى منه وحكمه ‪ ،‬فل يكون داخلً فى المستثنى ‪ ،‬إذ لو كان‬
‫كذلك لم يد خل الر جل فى ال سلم بقوله ‪ :‬ل إله إل ال ل نه لم يث بت الله ية ل تعالى ‪ .‬وهذه‬
‫أعظعم كلمعة تضمنعت بالوضعع نفعى اللهيعة عمعا سعوى ال وإثباتهعا له بوصعف الختصعاص ‪.‬‬
‫فدللتهعا على إثبات إلهيتعه أعظعم معن دللة قولنعا ‪( :‬ال إله) ول يسعتريب أحعد فعى هذا البتعة ‪.‬‬
‫انتهى بمعناه ‪.‬‬
‫وقال أبعو عبعد ال القرطعبي فعى تفسعيره (ل إله إل ال) أى ل معبود إل هعو ‪ .‬وقال‬
‫الزمخشرى ‪ :‬الله من أسماء الجناس ‪ .‬كالرجل والفرس ‪ ،‬يقع على كل معبود بحق أو باطل ‪،‬‬
‫ثم غلب على المعبود بحق ‪.‬‬
‫وقال شيعخ السعلم ‪ :‬الله هعو المعبود المطاع ‪ ،‬فإن الله هعو المألوه ‪ ،‬والمألوه هعو الذى‬
‫يستحق أن يعبد ‪ .‬وكونه يستحق أن يعبد هو بما اتصف به من الصفات التى تستلزم أن يكون‬
‫هو المحبوب غاية الحب ‪ ،‬المخضوع له غاية الخضوع ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن الله هو المحبوب المعبود‬
‫الذى تأل هه القلوب بحب ها ‪ ،‬وتخ ضع له وتذل له ‪ ،‬وتخا فه وترجوه ‪ ،‬وتن يب إل يه فى شدائد ها ‪،‬‬
‫وتدعوه فى مهماتها ‪ ،‬وتتوكل عليه فى مصالحها ‪ ،‬وتلجأ إليه وتطمئن بذكره ‪ ،‬وتسكن إلى حبه‬
‫‪ ،‬وليعس ذلك إل ل وحده ‪ ،‬ولهذا كانعت (ل إله إل ال) أصعدق الكلم ‪ ،‬وكان أهلهعا أهعل ال‬
‫وحز به ‪ ،‬والمنكرون ل ها أعداءه وأ هل غض به ونقم ته ‪ ،‬فإذا صحت صح ب ها كل م سألة وحال‬
‫وذوق ‪ ،‬وإذا لم يصححها العبد فالفساد لزم له فى علومه وأعماله ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم ‪( :‬الله) هو الذى تألهه القلوب محبة وإجللً وإنابة ‪ ،‬وإكراما وتعظيما وذلً‬
‫وخضوعا وخوفا ورجاء وتوكلً ‪.‬‬
‫وقال ابعن رجعب ‪( :‬الله) هعو الذى يطاع فل يعصعى ‪ ،‬هيبعة له وإجللً ‪ ،‬ومحبعة وخوفا‬
‫ورجاء ‪ ،‬وتوكلً عليعه ‪ ،‬وسعؤالً منعه ودعاء له ‪ ،‬ول يصعلح هذا كله إل ال ععز وجعل ‪ ،‬فمعن‬
‫أشرك مخلوقا فعى شعئ معن هذه المور التعي هعي معن خصعائص اللهيعة كان ذلك قدحا فعي‬
‫إخلصه فى قول (ل إله إل ال) وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب مافيه من ذلك ‪.‬‬
‫وقال البقا عي ‪ :‬ل إله إل ال ‪ ،‬أى انتفاء عظيما أن يكون معبود ب حق غ ير الملك الع ظم ‪،‬‬
‫فإن هذا العلم هو أع ظم الذكرى المنج ية من أهوال ال ساعة ‪ ،‬وإن ما يكون علما إذا كان نافعا ‪،‬‬
‫وإنما يكون نافعا إذا كان مع الذعان والعمل بما تقتضيه ‪ ،‬وإل فهو جهل صرف ‪.‬‬
‫وقال الطيبي ‪( :‬الله) فعال بمعنى مفعول ‪ ،‬كالكتاب بمعنى المكتوب ‪ ،‬من أله إلهة أى عبد‬
‫عبادة ‪ .‬قال الشارح ‪ :‬وهذا كثير فى كلم العلماء وإجماع منهم ‪.‬‬
‫فدلت (ل إله إل ال) على نفعي اللهيعة ععن كعل معا سعوى ال تعالى كائنا معا كان ‪ ،‬وإثبات‬
‫اللهية ل وحده دون كل ما سواه ‪ ،‬و هذا هو التوحيد الذى دعت إليه الرسل ودل عليه القرآن‬
‫من أوله إلى آخره ‪ ،‬ك ما قال تعالى عن ال جن ‪ " '1 : 72' :‬قل أو حي إلي أ نه ا ستمع ن فر من‬
‫الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا * يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا " فل إله إل‬
‫ال ل تنفع إل من عرف مدلولها نفيا وإثباتا ‪ ،‬واعتقد ذلك وقبله وعمل به ‪ .‬وأما من قالها من‬
‫غ ير علم واعتقاد وع مل ‪ ،‬ف قد تقدم فى كلم العلماء أن هذا جهل صرف ‪ ،‬فهى حجة عليه بل‬
‫ريب ‪.‬‬
‫فقوله فعى الحديعث وحده ل شريعك له تأكيعد وبيان لمضمون معناهعا ‪ .‬وقعد أوضعح ال ذلك‬
‫وبي نه فى ق صص ال نبياء والمر سلين في كتا به ال مبين ‪ ،‬ف ما أج هل عباد القبور بحال هم ! و ما‬
‫أعظعم معا وقعوا فيعه معن الشرك المنافعى لكلمعة الخلص ل إله إل ال ! فإن مشركعي العرب‬
‫ونحوهعم جحدوا ل إله إل ال لفظا ومعنعى ‪ .‬وهؤلء المشركون أقروا بهعا لفظا وجحدوهعا‬
‫معنعى ‪ ،‬فتجعد أحدهعم يقولهعا وهعو يأله غيعر ال بأنواع العبادة ‪ ،‬كالحعب والتعظيعم ‪ ،‬والخوف‬
‫والرجاء والتوكعل والدعاء ‪ ،‬وغيعر ذلك معن أنواع العبادة ‪ .‬بعل زاد شركهعم على شرك العرب‬
‫بمراتب ‪ ،‬فإن أحدهم إذا وقع فى شدة أخلص الدعاء لغير ال تعالى ‪ ،‬ويعتقدون أنه أسرع فرجا‬
‫من ال ‪ ،‬بخلف حال المشرك ين الول ين ‪ ،‬فإن هم يشركون في الرخاء ‪ ،‬وأ ما في الشدائد فإن ما‬
‫يخل صون ل وحده ‪ ،‬ك ما قال تعالى '‪ " '65 : 29‬فإذا ركبوا في الفلك دعوا ال مخل صين له‬
‫الد ين فل ما نجا هم إلى البر إذا هم يشركون " ال ية ‪ .‬فبهذا ي تبين أن مشر كي أ هل هذه الزمان‬
‫أجهل بال وبتوحيده من مشركي العرب ومن قبلهم ‪.‬‬

‫معنى محمد رسول ال‬


‫وقوله ‪( :‬وأن محمدا عبده ور سوله) أي وش هد بذلك ‪ ،‬و هو معطوف على ما قبله على ن ية‬
‫تكرار العامل ‪ ،‬ومعنى العبد هنا المملوك العابد ‪ ،‬أي أنه مملوك ل تعالى ‪ .‬والعبودية الخاصة‬
‫وصعفه ‪ ،‬كمعا قال تعالى ‪" '26 : 39' :‬أليعس ال بكاف عبده" فأعلى مراتعب العبعد العبوديعة‬
‫الخاصة والرسالة فالنبى صلى ال عليه وسلم أكمل الخلق فى هاتين الصفتين الشريفتين ‪ .‬وأما‬
‫الربوب ية والله ية فه ما حق ال تعالى ‪ ،‬ل يشر كه فى شئ منه ما ملك مقرب ول نبى مر سل ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬عبده ور سوله أ تى بهات ين ال صفتين وجمعه ما دفعا للفراط والتفر يط ‪ ،‬فإن كثيرا م من‬
‫يدعى أنه من أمته أفرط بالغلو قولً وعملً ‪ ،‬وفرط بترك متابعته ‪ ،‬واعتمد على الراء المخالفة‬
‫لما جاء به ‪ ،‬وتعسف فى تأويل أخباره وأحكامه ‪ ،‬بصرفها عن مدلولها والصدوف عن النقياد‬
‫لهعا معع إطراحهعا فإن شهادة أن محمدا رسعول ال تقتضعى اليمان بعه وتصعديقه فيمعا أخعبر ‪،‬‬
‫وطاعته فيما أمر ‪ ،‬والنتهاء عما عنه نهى وزجر ‪ ،‬وأن يعظم أمره ونهيه ‪ ،‬ول يقدم عليه قول‬
‫أ حد كائنا من كان ‪ .‬والواقع اليوم وقبله ‪ -‬ممن يتنسب إلى العلم من القضاة والمفتين ‪ -‬خلف‬
‫ذلك ‪ ،‬وال المستعان ‪ .‬وروى الدارمى فى مسنده عن "عبد ال بن سلم رضى ال عنه أنه كان‬
‫يقول ‪ :‬إنعا لنجعد صعفة رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم ‪ :‬إنعا أرسعلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا‬
‫وحرزا للمي ين ‪ ،‬أ نت عبدي ور سولي ‪ ،‬سميته المتو كل ‪ ،‬ل يس ب فظ ول غل يظ ‪ ،‬ول صخاب‬
‫بالسعواق ‪ ،‬ول يجزى بالسعيئة مثلهعا ‪ ،‬ولكعن يعفعو ويتجاوز ‪ ،‬ولن أقبضعه حتعى يقيعم الملة‬
‫المتعو جة بأن يش هد أن ل إله إل ال ‪ ،‬يف تح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا " قال عطاء‬
‫بن يسار ‪ :‬وأخبرنى أبو واقد الليثى أنه سمع كعبا يقول مثل ما قال ابن سلم ‪.‬‬

‫معنى أن عيسى عبد ال ورسوله وكلمته‬


‫قوله ‪( :‬وأن عيسى عبد ال ورسوله) أى خلفا لما يعتقده النصارى أنه ال أو ابن ال ‪ ،‬أو‬
‫ثالث ثلثة ‪ .‬تعالى ال عما يقولون علوا كبيرا '‪"'91 : 23‬ما اتخذ ال من ولد وما كان معه من‬
‫إله" فل بد أن يشهد أن عيسى عبد ال ورسوله على علم ويقين بأنه مملوك ل ‪ ،‬خلقه من أنثى‬
‫بل ذكر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪"'59 : 3' :‬إن مثل عيسى عند ال كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له‬
‫كعن فيكون" فليعس ربا ول إلها ‪ .‬سعبحان ال عمعا يشركون ‪ .‬قال تعالى '‪"'36 - 29 : 19‬‬
‫فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا * قال إني عبد ال آتاني الكتاب وجعلني‬
‫نبيا * وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلة والزكاة ما دمت حيا * وبرا بوالدتي ولم‬
‫يجعل ني جبارا شق يا * وال سلم علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أب عث ح يا * ذلك عي سى ا بن‬
‫مر يم قول ال حق الذي ف يه يمترون * ما كان ل أن يت خذ من ولد سبحانه إذا ق ضى أمرا فإن ما‬
‫يقول له كن فيكون * وإن ال ر بي ورب كم فاعبدوه هذا صراط م ستقيم " وقال ‪"'172 : 4' :‬لن‬
‫ي ستنكف الم سيح أن يكون عبدا ل ول الملئ كة المقربون و من ي ستنكف عن عباد ته وي ستكبر‬
‫فسيحشرهم إليه جميعا " ويشهد المؤمن أيضا ببطلن قول أعدائه اليهود ‪ :‬أنه ولد بغى ‪ ،‬لعنهم‬
‫ال تعالى ‪ .‬فل ي صح إ سلم أ حد علم ما كانوا يقولو نه ح تى يبرأ من قول الطائفت ين جميعا في‬
‫عيسى عليه السلم ‪ ،‬ويعتقد ما قاله ال تعالى فيه ‪ :‬أنه عبد ال ورسوله ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وكلمتعه) إنمعا سعمى عيسعى عليعه السعلم كلمعة لوجوده بقوله تعالى ‪ :‬كعن كمعا قاله‬
‫السلف من المفسرين ‪ .‬قال المام أحمد فى الرد على الجهمية بالكلمة التى ألقاها إلى مريم حين‬
‫قال له كن فكان عي سى ب كن ول يس عي سى هو كن ول كن ب كن كان ‪ .‬ف كن من ال تعالى قول ‪،‬‬
‫وليس كن مخلوقا ‪ ،‬وكذب النصارى والجهمية على ال فى أمر عيسى انتهى ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ألقاها إلى مريم) قال ابن كثير ‪ :‬خلقه بالكلمة التى أرسل بها جبريل إلى مريم فنفخ‬
‫فيها من روحه بأمر ربه عز وجل ‪ :‬فكان عيسى بإذن ال عز وجل ‪ ،‬فهو ناشىء عن الكلمة‬
‫التي قال له كن فكان والروح التى أرسل بها ‪ :‬هو جبريل عليه السلم ‪.‬‬
‫وقوله ‪( :‬وروح م نه) قال أ بى بن ك عب ‪ :‬عي سى روح من الرواح ال تى خلق ها ال تعالى‬
‫واستنطقها بقوله ‪" '271 : 7' :‬ألست بربكم قالوا بلى" بعثه ال إلى مريم فدخل فيها رواه عبد‬
‫بن حم يد وع بد ال بن أح مد فى زوائد الم سند ‪ ،‬وا بن جر ير وا بن أ بى حا تم وغير هم ‪ .‬قال‬
‫الحافظ ‪ :‬ووصفه بأنه منه ‪ ،‬فالمعنى أنه كائن منه ‪ ،‬كما فى قوله تعالى'‪ "'12 : 45‬وسخر لكم‬
‫ما في ال سماوات و ما في الرض جمي عا م نه " فالمع نى أ نه كائن م نه ‪ ،‬ك ما أن مع نى ال ية‬
‫الخرى أنه سخر هذه الشياء كائنة منه أي أنه مكون ذلك وموجده بقدرته وحكمته ‪.‬‬
‫قال شيعخ السعلم ‪ :‬المضاف إلى ال تعالى إذا كان معنعى ل يقوم بنفسعه ول بغيره معن‬
‫المخلوقات و جب أن يكون صفة ل تعالى قائ مة به ‪ ،‬وامت نع أن تكون إضاف ته إضا فة مخلوق‬
‫مربوب ‪ .‬وإذا كان المضاف عينا قائمة بنفسها كعيسى وجبريل عليهما السلم وأرواح بني آدم‬
‫امتنع أن تكون صفة ل تعالى ‪ ،‬لن ما قام بنفسه ل يكون صفة لغيره ‪.‬‬
‫لكن العيان المضافة إلى ال تعالى على وجهين ‪:‬‬
‫أحده ما ‪ :‬أن تضاف إل يه لكو نه خلق ها وأبدع ها ‪ ،‬فهذا شا مل لجم يع المخلوقات ‪ ،‬كقول هم ‪:‬‬
‫سماء ال ‪ ،‬وأرض ال ‪ .‬فجميع المخلوقين عبيد ال ‪ ،‬وجميع المال مال ال ‪.‬‬
‫الوجه الثانى ‪ :‬أن يضاف إليه لما خصه به من معنى يحبه ويأمر به ويرضاه ‪ ،‬كما خص‬
‫الب يت العت يق بعبادة ف يه ل تكون فى غيره‪ .‬وك ما يقال فى مال الخ مس والفىء ‪ :‬هو مال ال‬
‫ورسعوله ‪ .‬ومعن هذا الوجعه ‪ :‬فعباد ال هعم الذيعن عبدوه وأطاعوا أمره ‪ .‬فهذه إضافعة تتضمعن‬
‫ألوهيته وشرعه ودينه ‪ ،‬وتلك إضافة تتضمن ربوبيته وخلقه ‪ .‬ا ‪ .‬هع ملخصا ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬والج نة حق والنار حق) أى وش هد أن الج نة ال تى أ خبر ب ها ال تعالى فى كتا به أ نه‬
‫أعد ها للمتقين حق ‪ ،‬أى ثاب تة ل شك في ها ‪ ،‬وشهد أن النار ال تى أخبر ب ها تعالى فى كتابه أنه‬
‫أعدها للكافرين حق كذلك ثابتة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " '1 : 57' :‬سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة‬
‫عرضها كعرض السماء والرض أعدت للذ ين آمنوا بال ورسله ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء‬
‫وال ذو الف ضل العظ يم " وقال تعالى ‪ "'24 : 2' :‬فاتقوا النار ال تي وقود ها الناس والحجارة‬
‫أعدت للكافريعن " وفعى اليتيعن ونظائرهمعا دليعل على أن الجنعة والنار مخلوقتان الن ‪ ،‬خلفعا‬
‫للمبتدعة ‪ .‬وفيهما اليمان بالمعاد ‪.‬‬
‫وقوله ‪( :‬أدخله ال الج نة على ما كان من الع مل) هذه الجملة جواب الشرط و فى روا ية ‪:‬‬
‫أدخله ال من أى أبواب الجنة الثمانية شاء ‪ .‬قال الحافظ ‪ :‬معنى قوله ‪ :‬على ما كان من العمل‬
‫أى من صلح أو فساد ‪ ،‬لن أهل التوحيد لبد لهم من دخول الجنة ‪ ،‬ويحتمل أن يكون معنى‬
‫قوله ‪ :‬على ما كان من العمل أن يدخله الجنه على حسب أعمال كل منهم فى الدرجات ‪.‬‬
‫قال القاضى عياض ‪ :‬ما ورد فى حديث عبادة يكون مخصوصا لمن قال ما ذكره صلى ال‬
‫عليه وسلم وقرن بالشهادتين حقيقة اليمان والتوحيد الذي ورد في حديثه فيكون له من الجر ما‬
‫يرجح على سيئاته ويوجب له المغفرة والرحمة ودخول الجنة لول وهلة ‪.‬‬

‫حديث عتبان بن مالك ‪ :‬أن ال حرم على النار‬


‫(قال ‪ :‬ولهما في حديث عتبان فإن ال حرم على النار من قال ل إله إل ال يبتغي بذلك‬
‫وجه ال) ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وله ما) أي البخاري وم سلم في صحيحيهما بكماله ‪ .‬وهذا طرف من حد يث طو يل‬
‫أخرجه الشيخان ‪.‬‬
‫وعتبان بكسعر المهملة بعدهعا مثناة فوقيعة ثعم موحدة ‪ ،‬ابعن مالك بعن عمرو بعن العجلن‬
‫النصاري ‪ ،‬من بنى سالم بن عوف ‪ ،‬صحابي مشهور ‪ ،‬مات فى خلفة معاوية ‪.‬‬
‫وأخرج البخاري فى صحيحه بسنده "عن قتادة قال ‪ :‬حدثنا أنس بن مالك أن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ومعاذ رديفه على الرحل قال ‪ :‬يا معاذ ‪ ،‬قال ‪ :‬لبيك يا رسول ال وسعديك ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫يا معاذ ‪ ،‬قال لبيك يا رسول ال وسعديك ‪ .‬قال ‪ :‬يا معاذ ‪ ،‬قال ‪ :‬لبيك يا رسول ال وسعديك ‪-‬‬
‫ثلثا ‪ -‬قال ‪ :‬ما من أحد يشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال صدقا من قلبه إل حرمه‬
‫ال تعالى على النار ‪ ،‬قال ‪ :‬يعا رسعول ال أفل أخعبر بعه الناس فيسعتبشروا ؟ قال ‪ :‬إذا يتكلوا ‪،‬‬
‫فأخبر بها معاذ عند موته تأثما " ‪ .‬وساق بسند آخر ‪" :‬حدثنا معتمر قال ‪ :‬سمعت أبي ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫سمعت أنسا قال ‪ :‬ذكر لي أن النبى صلى ال عليه وسلم قال لمعاذ ابن جبل ‪ :‬من لقى ال ل‬
‫يشرك به شيئا دخل الجنة ‪ .‬قال ‪ :‬أل أبشر الناس ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬إنى أخاف أن يتكلوا " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فتبين بهذا السياق معنى شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأنها تتضمن ترك الشرك لمن قالها‬
‫بصدق ويقين وإخلص ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم وغيره ‪ :‬فى هذا الحديث ونحوه أنها فيمن قالها ومات عليها ‪ ،‬كما جاءت‬
‫مقيدة بقوله ‪ :‬خال صا من قل به غ ير شاك في ها ب صدق ويق ين فإن حقي قة التوح يد انجذاب الروح‬
‫إلى ال تعالى جملة ‪ ،‬فمن شهد أن ل إله إل ال خالصا من قلبه دخل الجنة ‪ ،‬لن الخلص هو‬
‫انجذاب القلب إلى ال تعالى بأن يتوب من الذنوب تو بة ن صوحا ‪ ،‬فإذا مات على تلك الحال نال‬
‫ذلك فإ نه قد تواترت الحاد يث بأ نه "يخرج من النار من قال ل إله إل ال ‪ ،‬وكان فى قل به من‬
‫الخ ير ما يزن شعيرة ‪ ،‬و ما يزن خردلة ‪ ،‬و ما يزن ذرة" وتواترت بأن كثيرا م من يقول ل إله‬
‫إل ال يد خل النار ثم يخرج من ها ‪ ،‬وتواترت بأن ال حرم على النار أن تأ كل أ ثر ال سجود من‬
‫ابن آدم ‪ ،‬فهؤلء كانوا يصلون ويسجدون ل ‪ ،‬وتواترت بأنه يحرم على النار من قال ل إله إل‬
‫ال ‪ ،‬ومن شهد أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال ‪ ،‬لكن جاءت مقيدة بالقيود الثقال ‪ ،‬وأكثر‬
‫من يقولها ل يعرف الخلص ‪ ،‬وأكثر من يقولها إنما يقولها تقليدا أو عادة ‪ ،‬ولم تخالط حلوة‬
‫اليمان بشا شة قل به ‪ .‬وغالب من يف تن ع ند الموت و في القبور أمثال هؤلء ‪ ،‬ك ما فى الحد يث‬
‫"سمعت الناس يقولون شيئا فقلته" وغالب أعمال هؤلء إنما هى تقليد واقتداء بأمثالهم ‪ ،‬وهم من‬
‫أقرب الناس من قوله تعالى ‪" '23 : 43' :‬إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون" ‪.‬‬
‫وحينئذ فل منافاة ب ين الحاد يث ‪ ،‬فإ نه إذا قال ها بإخلص ويق ين تام لم ي كن فى هذه الحال‬
‫مصرا على ذنب أصلً ‪ ،‬فإن كمال إخلصه ويقينه يوجب أن يكون ال أحب إليه من كل شئ ‪،‬‬
‫فإذا ل يب قى فى قل به إرادة ل ما حرم ال ‪ ،‬ول كرا هة ل ما أ مر ال ‪ .‬وهذا هو الذي يحرم على‬
‫النار وإن كانت له ذنوب قبل ذلك ‪ ،‬فإن هذا اليمان وهذا الخلص ‪ ،‬وهذه التوبة وهذه المحبة‬
‫وهذا اليقين ‪ ،‬ل تترك له ذنبا إل محي عنه كما يمحو الليل النهار ‪ ،‬فإذا قالها على وجه الكمال‬
‫المانع من الشرك الكبر والصغر ‪ ،‬فهذا غير م صر على ذنب أصلً ‪ ،‬فيغفر له ويحرم على‬
‫النار ‪ ،‬وإن قالهعا على وجعه خلص بعه معن الشرك الكعبر دون الصعغر ‪ ،‬ولم يأت بعدهعا بمعا‬
‫ينا قض ذلك ‪ ،‬فهذه الح سنة ل يقاوم ها شئ من ال سيئات فير جح ب ها ميزان الح سنات ‪ ،‬ك ما فى‬
‫حديث البطاقة فيحرم على النار ‪ ،‬ولكن تنقص درجته فى الجنة بقدر ذنوبه ‪ ،‬وهذا بخلف من‬
‫رج حت سيئاته بح سناته ومات م صرا على ذلك ‪ ،‬فإ نه ي ستوجب النار ‪ .‬وإن قال ل إله إل ال‬
‫وخلص ب ها من الشرك ال كبر ولك نه لم ي مت على ذلك ‪ ،‬بل أ تى بعد ها ب سيئات رج حت على‬
‫حسنة توحيده ‪ ،‬فإنه فى حال قولها كان مخلصا لكنه أتى بذنوب أوهنت ذلك التوحيد والخلص‬
‫فأضعفتعه ‪ ،‬وقويعت نار الذنوب حتعى أحرقعت ذلك بخلف المخلص المسعتيقن ‪ ،‬فإن حسعناته ل‬
‫تكون إل راجحة على سيئاته ول يكون مصرا على سيئات ‪ ،‬فإن مات على ذلك دخل الجنة ‪.‬‬
‫وإنما يخاف على المخلص أن يأتى بسيئة راجحة فيضعف إيمانه فل يقولها بإخلص ويقين‬
‫مانع من جميع السيئات ‪ ،‬ويخشى عليه من الشرك الكبر والصغر ‪ ،‬فإن سلم من الكبر بقي‬
‫م عه من ال صغر فيض يف إلى ذلك سيئات تن ضم إلى هذا الشرك فير جح جا نب ال سيئات فإن‬
‫السعيئات تضععف اليمان واليقيعن ‪ ،‬فيضععف قول ل إله إل ال ‪ ،‬فيمتنعع الخلص بالقلب ‪،‬‬
‫فيصير المتكلم بها كالهاذى أو النائم ‪ ،‬أو من يحسن صوته بالية من القرآن من غير ذوق طعم‬
‫وحلوة ‪ ،‬فهؤلء لم يقولو ها بكمال ال صدق واليق ين ‪ ،‬بل يأتون بعد ها ب سيئات تن قض ذلك بل‬
‫يقولونهعا معن غيعر يقيعن وصعدق ويحيون على ذلك ‪ ،‬ويموتون على ذلك ‪ ،‬ولهعم سعيئات كثيرة‬
‫تمنع هم من دخول الج نة ‪ .‬فإذا كثرت الذنوب ث قل على الل سان قول ها وق سا القلب عن قول ها ‪،‬‬
‫وكره العمل الصالح وثقل عليه سماع القرآن ‪ ،‬واستبشر بذكر غير ال ‪ ،‬واطمأن إلى الباطل ‪،‬‬
‫وا ستحلى الر فث ‪ ،‬ومخال طة أ هل الغفلة ‪ ،‬وكره مخال طة أ هل ال حق ‪ ،‬فم ثل هذا إذا قال ها قال‬
‫بلسانه ما ليس فى قلبه ‪ ،‬وبفيه ما ل يصدقه عمله ‪.‬‬
‫قال الحسن ‪ :‬ليس اليمان بالتحلي ول بالتمني ‪ ،‬ولكن ما وقر فى القلوب وصدقته العمال‬
‫‪ .‬فمن قال خيرا وعمل خيرا قبل منه ‪ ،‬ومن قال خيرا وعمل شرا لم يقبل منه ‪.‬‬
‫وقال بكر بن عبد ال المزنى ‪ :‬ما سبقهم أبو بكر بكثرة صيام ول صلة ولكن بشئ وقر في‬
‫قلبه ‪.‬‬
‫فمن قال ‪ :‬ل إله إل ال ولم يقم بموجبها بل اكتسب مع ذلك ذنوبا ‪ ،‬وكان صادقا فى قولها‬
‫موقنا ب ها ‪ ،‬ل كن له ذنوب أضع فت صدقه ويقي نه ‪ ،‬وانضاف إلى ذلك الشرك ال صغر العملي ‪،‬‬
‫فرج حت هذه ال سيئات على هذه الح سنة ‪ ،‬ومات م صرا على الذنوب ‪ ،‬بخلف من يقولها بيقين‬
‫وصدق ‪ ،‬فإنه إما أن ل يكون مصرا على سيئة أصلً ‪ ،‬ويكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه‬
‫ر جح ح سناته‪ .‬والذ ين يدخلون النار م من يقول ها ‪ :‬إ ما أن هم لم يقولو ها بال صدق واليق ين التام‬
‫المنافيين للسيئات أو لرجحانها ‪ ،‬أو قالوها واكتسبوا بعد ذلك سيئات رجحت على حسناتهم ‪ ،‬ثم‬
‫ضعف لذلك صدقهم ويقينهم ‪ ،‬ثم لم يقولوها بعد ذلك بصدق ويقين تام ‪ ،‬لن الذنوب قد أضعفت‬
‫ذلك ال صدق واليق ين من قلوب هم ‪ ،‬فقول ها من م ثل هؤلء ل يقوي على م حو ال سيئات فتر جح‬
‫سيئاتهم على حسناتهم ‪ .‬انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫وقد ذكر هذا كثير من العلماء كابن القيم و ابن رجب وغيرهم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وبما قرره شيخ السلم تجتمع الحاديث ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وفي الحديث دليل على أنه ل يكفي في اليمان النطق من غير اعتقاد وبالعكس‪ ،‬وفي‬
‫تحريم النار على أهل التوحيد الكامل وفيه إن العمل ل ينفع إل إذا كان خالصا لوجه ال تعالى‬
‫على ما شرعه على لسان رسوله صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫(تنبيه) قال القرطبي في تذكرته ‪ :‬قوله في الحديث من إيمان أي من أعمال اليمان التي‬
‫هي من أعمال الجوارح ‪ ،‬فيكون فيه دللة على أن العمال الصالحة من اليمان ‪ ،‬والدليل على‬
‫أ نه أراد باليمان ما قلناه ‪ ،‬ولم يرد مجرد اليمان الذي هو التوح يد ون في الشركاء والخلص‬
‫بقول ل إله إل ال ما في الحد يث نف سه من قوله أخرجوا ‪ -‬ثم ب عد ذلك يق بض سبحانه قب ضة‬
‫فيخرج قوما لم يعملوا خيرا قط يريد بذلك التوحيد المجرد من العمال ا هع ملخصا من شرح‬
‫سنن ابن ماجة ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال ("وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه عن رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪ :‬قال موسى عليه السلم ‪ :‬يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به ‪ ،‬قال ‪ :‬قل‬
‫يا مو سى ل إله إل ال ‪ .‬قال ‪ :‬كل عبادك يقولون هذا ‪ ،‬قال ‪ :‬يا مو سى لو أن ال سموات ال سبع‬
‫وعامر هن غيري والرض ين ال سبع في ك فة ‪ ،‬ول إله إل ال في ك فة ‪ ،‬مالت ب هن ل إله إل ال‬
‫رواه ابن حبان والحاكم وصححه") ‪.‬‬
‫أ بو سعيد ‪ :‬ا سمه سعد بن مالك بن سنان بن عب يد الن صاري الخزر جي ‪ ،‬صحابي جل يل‬
‫وأبوه كذلك ‪ ،‬ا ستصغر أ بو سعيد بأ حد وش هد ما بعد ها ‪ ،‬مات بالمدي نة سنة ثلث أو أر بع أو‬
‫خمس وستين وقيل سنة أربع وستين ‪.‬‬
‫قوله (أذكرك) أي أثني عليك به (وأدعوك) أي اسألك به ‪.‬‬
‫قوله (قعل يعا موسعى ل إله إل ال) فيعه أن الذا كر بهعا يقول ها كلهعا ‪ ،‬ول يقتصعر على لفعظ‬
‫الجللة ‪ ،‬ول على هو كما يفعله غلة جهال المتصوفة ‪ ،‬فإن ذلك بدعة وضلل ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬كعل عبادك يقولون هذا) ثبعت بخعط المصعنف بالجمعع ‪ ،‬والذى فعى الصعول يقول‬
‫بالفراد مراعاة للف ظة كل و هو فى الم سند من حد يث ع بد ال بن ع مر بل فظ الج مع ك ما ذكره‬
‫المصنف على معنى كل ومعنى قوله كل عبادك يقولون هذا أي إنما أريد شيئا تخصني به من‬
‫بين عموم عبادك ‪ ،‬وفى رواية بعد قوله كل عبادك يقولون هذا ‪ -‬قل ل إله إل ال ‪ ،‬قال ل إله‬
‫إل أنت يارب‪ ،‬إنما أريد شيئا تخصنى به ‪.‬‬
‫ول ما كان بالناس ‪ -‬بل بالعالم كله ‪ -‬من الضرورة إلى ل إله إل ال ما ل نها ية له ‪ ،‬كا نت‬
‫من أك ثر الذكار وجودا ‪ ،‬وأي سرها ح صولً ‪ ،‬وأعظم ها مع نى ‪ .‬والعوام والجهال يعدلون عن ها‬
‫إلى الدعوات المبتدعة التى ليست في الكتاب ول في السنة ‪.‬‬
‫قوله (وعامرهن غيري) هو بالنصب عطف على السموات ‪ ،‬أي لو أن السموات السبع ومن‬
‫فيهن من العمار غير ال تعالى ‪ ،‬والرضين السبع ومن فيهن ‪ ،‬وضعوا فى كفة الميزان ول إله‬
‫إل ال في الكفة الخرى ‪ ،‬مالت بهن ل إله إل ال ‪.‬‬
‫وروى المام أح مد عن "ع بد ال بن عمرو عن ال نبى صلى ال عل يه و سلم أن نوحا عل يه‬
‫ال سلم قال لب نه ع ند مو ته ‪ :‬آمرك بل إله إل ال ‪ ،‬فإن ال سموات ال سبع والرض ين ال سبع لو‬
‫وض عت في ك فة ‪ ،‬ول إله إل ال فى ك فة رج حت ب هن ل إله إل ال ‪ ،‬ولو أن ال سموات ال سبع‬
‫والرضين السبع كن حلقة مبهمة لقصمتهن ل إله إل ال " ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬في كفة) هو بكسر الكاف وتشديد الفاء ‪ ،‬أي كفة الميزان ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬مالت بهن) أي رجحت ‪ .‬وذلك لما اشتملت عليه من نفي الشرك ‪ ،‬وتوحيد ال الذي‬
‫هعو أفضعل العمال ‪ .‬وأسعاس الملة والديعن ‪ ،‬فمعن قالهعا بإخلص ويقيعن ‪ ،‬وعمعل بمقتضاهعا‬
‫ولوازمها وحقوقها ‪ ،‬واستقام على ذلك ‪ ،‬فهذه الحسنة ل يوازنها شئ ‪ ،‬كما قال ال تعالى ‪46' :‬‬
‫‪" '13 :‬إن الذين قالوا ربنا ال ثم استقاموا فل خوف عليهم ول هم يحزنون" ‪.‬‬
‫ودل الحديث على أن ل إله إل ال أفضل الذكر ‪ .‬كحديث عبد ال بن عمرو مرفوعا ‪ :‬خير‬
‫الدعاء دعاء يوم عرفة وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلى ‪ :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير رواه أحمد والترمذي ‪ ،‬وعنه أيضا مرفوعا يصاح‬
‫بر جل من أم تى على رؤوس الخلئق يوم القيا مة فين شر له ت سعة وت سعون سجلً ‪ ،‬كل سجل‬
‫منها مد البصر ثم يقال ‪ :‬أتنكر من هذا شيئا ؟ أظلمك كتبتى الحافظون فيقول ‪ :‬ل يارب ‪ .‬فيقال‬
‫‪ :‬أفلك عذر أو حسنة ؟ فيهاب الرجل فيقول ‪ :‬ل ‪ ،‬فيقال ‪ :‬بلى إن لك عندنا حسنة وإنه ل ظلم‬
‫عليك اليوم ‪ ،‬فيخرج له بطاقة فيها ‪ :‬أشهد أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله ‪ .‬فيقول يا‬
‫رب معا هذه البطاقعة معع هذه السعجلت ؟ فيقال ‪ :‬إنعك ل تظلم ‪ ،‬فتوضعع السعجلت فعي كفعة ‪،‬‬
‫والبطاقة في كفة فطاشت السجلت وثقلت البطاقة رواه الترمذي وحسنه ‪.‬‬
‫والنسائى وابن حبان والحاكم ‪ .‬وقال ‪ :‬صحيح على شرط مسلم ‪ ،‬وقال الذهبي في تلخيصه‬
‫‪ :‬صحيح ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬فالعمال ل تتفاضل بصورها وعددها ‪ ،‬وإنما تتفاضل بتفاضل ما‬
‫في القلوب ‪ ،‬فتكون صورة العملين واحدة وبينهما من التفاضل كما بين السماء والرض ‪ .‬قال‬
‫‪ :‬وتأمل حديث البطاقة التى توضع فى كفة ويقابلها تسعة وتسعون سجلً كل سجل منها مدى‬
‫الب صر ‪ ،‬فتث قل البطا قة وتط يش ال سجلت ‪ ،‬فل يعذب ‪ .‬ومعلوم أن كل مو حد له هذه البطا قة‬
‫وكثير منهم يدخل النار بذنوبه ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬رواه ا بن حبان والحا كم) ا بن حبان ا سمه مح مد بن حبان ‪ -‬بك سر المهملة وتشد يد‬
‫الموحدة ‪ -‬ابن أحمد بن حبان بن معاذ ‪ ،‬أبو حاتم التميمي البستي الحافظ صاحب التصانيف ‪:‬‬
‫كالصحيح ‪ ،‬والتاريخ ‪ ،‬والضعفاء ‪ ،‬والثقات وغير ذلك ‪ .‬قال الحاكم ‪ :‬كان من أوعية العلم في‬
‫الفقه واللغة والحديث والوعظ ‪ ،‬ومن عقلء الرجال ‪ .‬مات سنة أربع وخمسين وثلثمائة بمدينة‬
‫بست ‪ -‬بضم الموحدة وسكون المهملة ‪.‬‬
‫وأما الحاكم فاسمه محمد بن عبد ال بن محمد النيسابورى أبوعبد ال الحافظ ويعرف بابن‬
‫البيعع ولد سعنة إحدى وعشريعن وثلثمائة‪ ،‬وصعنف التصعانيف ‪ ،‬كالمسعتدرك وتاريعخ نيسعابور‬
‫وغيرهما ‪ ،‬ومات سنة خمس وأربعمائة ‪.‬‬

‫علو ال على عرشه‬

‫حديث ‪ :‬لو أتيتني بقراب الرض خطايا‬


‫قال الم صنف رح مه ال (وللترمذي ‪ -‬وح سنه ‪ " -‬عن أ نس ‪ :‬سمعت ر سول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم يقول ‪ :‬قال ال تعالى يا بن آدم لو أتيت ني بقراب الرض خطا يا ثم لقيت ني ل تشرك‬
‫بي شيئا لتيتك بقرابها مغفرة") ‪.‬‬
‫ذكر المصنف رحمه ال الجملة الخيرة من الحديث ‪ ،‬وقد رواه الترمذي بتمامه فقال ‪" :‬عن‬
‫أنس قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ :‬قال ال تبارك وتعالى ‪ :‬يا بن آدم إنك‬
‫ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ول أبالي ‪ ،‬يا بن آدم لو بلغت ذنوبك عنان‬
‫السماء ثم استغفرتني غفرت لك ول أبالى يا بن آدم ‪ ،‬إنك لو أتيتني ‪ -‬الحديث "‪.‬‬
‫الترمذي ‪ :‬اسعمه محمعد بعن عيسعى بعن سعورة ‪ -‬بفتعح المهملة ‪ -‬بعن موسعى بعن الضحاك‬
‫السلمي أبو عيسى ‪ ،‬صاحب الجامع وأحد الحفاظ ‪ ،‬كان ضرير البصر ‪ ،‬روى عن قتيبة وهناد‬
‫والبخاري وخلق ‪ .‬مات سنة تسع وسبعين ومائتين ‪.‬‬
‫وأ نس ‪ :‬هو ا بن مالك بن الن ضر الن صاري الخزرج] ‪ ،‬خادم ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم خدمه عشر سنين ‪ ،‬وقال له ‪ :‬اللهم أكثر ماله وولده وأدخله الجنة مات سنة اثنتين وقيل ‪:‬‬
‫ثلث وتسعين ‪ ،‬وقد جاوز المائة ‪.‬‬
‫والحديعث قعد رواه المام أحمعد معن حديعث أبعي ذر بمعناه ‪ ،‬وهذا لفظعه "ومعن عمعل قراب‬
‫الرض خطيئة ثم لقي ني ل يشرك بي جعلت له مثل ها مغفرة" ورواه م سلم ‪ ،‬وأخر جه ال طبرانى‬
‫من حديث ابن عباس عن النبى صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬لو أتيتني بقراب الرض) بضم القاف ‪ :‬وقيل بكسرها والضم أشهر وهو ملؤها أو‬
‫ما يقارب ملئها ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ثم لقيتني ل تشرك بي شيئا) شرط ثقيل فى الوعد بحصول المغفرة ‪ ،‬وهو السلمة‬
‫من الشرك ‪ :‬كثيره وقليله ‪ ،‬صغيره و كبيره ‪ .‬ول ي سلم من ذلك إل من سلم ال تعالى ‪ ،‬وذلك‬
‫هو القلب السليم كما قال تعالى ‪ " '89 : 26' :‬يوم ل ينفع مال ول بنون * إل من أتى ال بقلب‬
‫سليم " ‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬من جاء مع التوحيد بقراب الرض خطايا لقيه ال بقرابها مغفرة ‪-‬إلى أن‬
‫قال ‪ -‬فإن ك مل توح يد العبد وإخلصه ل تعالى ف يه ‪ ،‬وقام بشرو طه بقلبه ول سانه وجوار حه ‪،‬‬
‫أو بقل به ولسانه عند الموت ‪ ،‬أع قب ذلك مغفرة ما قد سلف من الذنوب كلها ومن عه من دخول‬
‫النار بالكل ية ‪ .‬ف من تح قق بكل مة التوح يد قل به أخر جت م نه كل ما سوى ال ‪ :‬مح بة وتعظيما ‪،‬‬
‫وإجللً ومهابة وخشية وتوكلً ‪ ،‬وحينئذ تحرق ذنوبه وخطاياه كلها ‪ ،‬وإن كانت مثل زبد البحر‬
‫ا هع ملخصا ‪.‬‬
‫قال العل مة ا بن الق يم رح مه ال تعالى فى مع نى الحد يث ‪ :‬ويع فى ل هل التوح يد الم حض‬
‫الذي لم يشوبوه بالشرك ما ل يع فى ل من ل يس كذلك ‪ .‬فلو ل قى المو حد الذي لم يشرك بال شيئا‬
‫ألب ته ر به بقراب الرض خطا يا أتاه بقراب ها مغفرة ‪ ،‬ول يح صل هذا ل من ن قص توحيده ‪ .‬فإن‬
‫التوح يد الخالص الذى ل يشو به شرك ل يب قى م عه ذ نب ‪ ،‬ل نه يتض من من مح بة ال وإجلله‬
‫وتعظي مه ‪ ،‬وخو فه ورجائه وحده ما يو جب غ سل الذنوب ولو كا نت قراب الرض ‪ ،‬فالنجا سة‬
‫عارضة والدافع لها قوى ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وفعى هذا الحديعث ‪ :‬كثرة ثواب التوحيعد ‪ ،‬وسععة كرم ال وجوده ورحمتعه والرد على‬
‫الخوارج الذين يكفرون المسلم بالذنوب ‪ ،‬وعلى المعتزلة القائلين بالمنزلة بين المنزلتين ‪ ،‬وهي‬
‫الفسوق ‪ ،‬ويقولون ليس بمؤمن ول كافر ‪ ،‬ويخلد في النار ‪ .‬والصواب قول أهل السنه ‪ :‬أنه ل‬
‫يسعلب عنعه اسعم اليمان ‪ ،‬و ل يعطاه على الطلق ‪ ،‬بعل يقال هعو مؤمعن عاص ‪ ،‬أو مؤمعن‬
‫بإيمانه ‪ ،‬فاسق بكبيرته ‪ .‬وعلى هذا يدل الكتاب والسنة وإجماع سلف المة ‪ .‬و "عن عبد ال بن‬
‫مسعود رضى ال عنه قال ‪ :‬لما أسرى برسول ال صلى ال عليه وسلم انتهي به إلى سدرة‬
‫المنتهعى ‪ ،‬فأعطعي ثلثا ‪ :‬أعطعى الصعلوات الخمعس ‪ ،‬وخواتيعم سعورة البقرة ‪ ،‬وغفعر لمعن ل‬
‫يشرك بال من أمته شيئا ‪ :‬المقحمات " رواه مسلم ‪.‬‬
‫قال ابن كثير فى تفسيره ‪ :‬وأخرج المام أحمد والترمذي وابن ماجه والنسائى "عن أنس ابن‬
‫مالك قال ‪ :‬قرأ ر سول ال صلى ال علي به و سلم هذه ال ية '‪ " '56 : 74‬هو أ هل التقوى وأ هل‬
‫المغفرة" وقال ‪ :‬قال ربكم ‪ :‬أنا أهل أن أتقى فل يجعل معي إله ‪ ،‬فمن اتقى أن يجعل معي إلها‬
‫كان أهلً أن أغفر له " ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال ‪( :‬تأمل الخمس اللواتي فى حديث عبادة فإنك إذا جمعت بينه وبين‬
‫حديث عتبان تبين لك معنى قوله ‪ :‬ل إله إل ال وتبين لك خطأ المغرورين ‪.‬‬
‫وفيعه أن النعبياء يحتاجون للتنعبيه على فضعل ل إله إل ال والتنعبيه لرجحانهعا بجميعع‬
‫المخلوقات ‪ ،‬مع أن كثيرا ممن يقولها يخف ميزانه ‪ .‬وفيه إثبات الصفات خلفا للمعطلة ‪ .‬وفيه‬
‫أنك إذا عرفت حديث أنس وقوله فى "حديث عتبان إن ال حرم على النار من قال ل إله إل ال‬
‫يبتغى بذلك وجه ال " تبينت لك أن ترك الشرك في قولها باللسان فقط ‪.‬‬

‫من حقق التوحيد دخل الجنة‬


‫قوله ‪( :‬باب من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب) أي ول عذاب ‪.‬‬
‫(قلت) تحقيقه تخليصه وتصفيته من شوائب الشرك والبدع والمعاصى ‪.‬‬

‫معنى أن إبراهيم كان أمة‬


‫قال ال تعالى ‪" '120 : 16' :‬إن إبراه يم كان أ مة قانتا ل حنيفا ولم يك من المشرك ين"‬
‫وصف إبراهيم عليه السلم بهذه الصفات التي هي الغاية فى تحقيق التوحيد ‪.‬‬
‫الولى ‪ :‬أنعه كان أمعة ‪ ،‬أي قدوة وإماما معلما للخيعر ‪ .‬ومعا ذاك إل لتكميله مقام الصعبر‬
‫واليقين الذين تنال بهما المامة فى الدين ‪.‬‬
‫الثانيعة ‪ :‬قوله قانتا قال شيعخ السعلم ‪ :‬القنوت دوام الطاععة ‪ ،‬والمصعلي إذا أطال قيامعه أو‬
‫ركو عه أو سجوده ف هو قا نت ‪ .‬قال تعالى ‪" '9 : 39' :‬أ من هو قا نت آناء الل يل ساجدا وقائما‬
‫يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه" ا هع ‪ .‬ملخصا ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬أنه كان حنيفا (قلت) قال العلمة ابن القيم الحنيف المقبل على ال ‪ ،‬المعرض عن‬
‫كل ما سواه ا ‪ .‬هع ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬أنه كان من المشركين ‪ ،‬أي لصحة إخلصه وكمال صدقه ‪ ،‬وبعده عن الشرك ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يوضح هذا قوله تعالى ‪" '4 : 60' :‬قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه"‬
‫أي على دينه من إخوانه المرسلين ‪ ،‬قاله ابن جرير رحمه ال تعالى ‪ " :‬إذ قالوا لقومهم إنا برآء‬
‫من كم وم ما تعبدون من دون ال كفر نا ب كم وبدا بين نا وبين كم العداوة والبغضاء أبدا ح تى تؤمنوا‬
‫بال وحده إل قول إبراهيم لبيه لستغفرن لك وما أملك لك من ال من شيء " وذكر تعالى عن‬
‫خليله عليه السلم أنه قال لبيه آزر ‪ " '49 ، 48 : 19' :‬وأعتزلكم وما تدعون من دون ال‬
‫وأدعو ربي عسى أن ل أكون بدعاء ربي شقيا * فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون ال وهبنا‬
‫له إ سحاق ويعقوب وكل جعل نا نب يا " فهذا هو تحق يق التوح يد ‪ .‬و هو البراءة من الشرك وأهله‬
‫واعتزالهم ‪ ،‬والكفر بهم وعداوتهم وبغضهم ‪ .‬فال المستعان ‪.‬‬
‫قال الم صنف رح مه ال في هذه ال ية ‪" :‬إن إبراه يم كان أ مة" لئل ي ستوحش سالك الطر يق‬
‫معن قلة السعالكين (قانتا ل) ل للملوك ول للتجار المترفيعن (حنيفا) ل يميعل يمينا ول شمالً ‪،‬‬
‫كفعل العلماء المفتونين (ولم يك من المشركين) خلفا لمن كثر سوادهم وزعم أنه من المسلمين‬
‫‪ .‬أ هع ‪.‬‬
‫وقد روى ابن أبى حاتم عن ابن عباس فى قوله ‪" :‬إن إبراهيم كان أمة" على السلم ‪ .‬ولم‬
‫يك فى زمانه أحد على السلم غيره‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ول منافاة بين هذا وبين ما تقدم ‪ :‬من أنه كان إماما يقتدى به فى الخير ‪.‬‬
‫قال ‪( :‬وقوله تعالى ‪ " '59 - 57 : 23' :‬إن الذين هم من خشية ربهم مشفقون * والذين هم‬
‫بآيات ربهم يؤمنون * والذين هم بربهم ل يشركون " ‪.‬‬
‫و صف المؤمن ين ال سابقين إلى الج نة فأث نى علي هم بال صفات ال تى أعظم ها ‪ :‬أن هم برب هم ل‬
‫يشركون ‪ .‬ول ما كان المرء قد يعرض له ما يقدح فى إ سلمه ‪ :‬من شرك جلي أو خ في ‪ ،‬ن فى‬
‫ذلك عنهم ‪ ،‬وهذا هو تحقيق التوحيد ‪ ،‬الذي حسنت بهم أعمالهم وكملت ونفعتهم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬قوله ح سنت وكملت هذا باعتبار سلمتهم من الشرك ال صغر ‪ ،‬وأ ما الشرك ال كبر‬
‫فل يقال فى تركه ذلك ‪ ،‬فتدبر ‪ .‬ولو قال الشارح ‪ :‬صحت لكان أقوم ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ير ‪" :‬والذ ين هم برب هم ل يشركون" أي ل يعبدون مع ال غيره ‪ ،‬بل يوحدو نه‬
‫ويعلمون أنه ل إله إل ال أحد صمد ‪ ،‬لم يتخذ صاحبة ول ولدا وأنه ل نظير له ‪.‬‬

‫من يدخل الجنة بغير حساب‬


‫قال الم صنف ‪ "( :‬عن حصين بن ع بد ال بن عبد الرح من قال ‪ :‬كنت عند سعيد بن جبير‬
‫فقال ‪ :‬أي كم رأى الكو كب الذي ان قض البار حة ؟ فقلت ‪ :‬أ نا ‪ ،‬ثم قلت ‪ :‬أ ما إ ني لم أ كن فى‬
‫صلتي ولكني لدغت ‪ ،‬قال ‪ :‬فما صنعت ؟ قلت ‪ :‬ارتقيت ‪ .‬قال ‪ :‬فما حملك على ذلك ؟ قلت ‪:‬‬
‫حد يث حدثناه الش عبي ‪ ،‬قال ‪ :‬و ما حدث كم ؟ قلت ‪ :‬حدث نا عن بريدة بن الح صيب أ نه قال ‪ :‬ل‬
‫رقية إل من عين أو حمة ‪ .‬قال ‪ :‬قد أحسن من انتهى إلى ما سمع ‪ ، ،‬ولكن حدثنا ابن عباس‬
‫عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم أ نه قال ‪ :‬عر ضت على ال مم ‪ ،‬فرأ يت ال نبى وم عه الر هط ‪،‬‬
‫والنبى ومعه الرجل والرجلن ‪ ،‬والنبى وليس معه أحد ‪ .‬إذ رفع لى سواد عظيم ‪ ،‬فظننت أنهم‬
‫أمتعي ‪ ،‬فقيعل ‪ :‬هذا موسعى وقومعه ‪ ،‬فنظرت فإذا سعواد عظيعم ‪ ،‬فقيعل لي ‪ :‬هذه أمتعك ومعهعم‬
‫سبعون ألفا يدخلون الج نة بغ ير ح ساب ول عذاب ‪ .‬ثم ن هض فد خل منزله ‪ ،‬فخاض الناس فى‬
‫أولئك ‪ ،‬فقال بعض هم ‪ :‬فلعل هم اللذ ين صحبوا ر سول ال صلى اله عل يه و سلم وقال بعض هم ‪:‬‬
‫فلعلهم الذين ولدوا فى السلم ‪ ،‬فلم يشركوا بال شيئا ‪ ،‬وذكروا أشياء ‪ ،‬فخرج عليهم رسول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم فأ خبروه ‪ ،‬فقال ‪ :‬هم الذ ين ل ي سترقون ‪ ،‬ول يكتوون ‪ ،‬ول يتطيرون ‪،‬‬
‫وعلى ربهم يتوكلون ‪ .‬فقام عكا شة بن محصن فقال ‪ :‬يا ر سول ال ادع ال أن يجعل نى منهم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أنت منهم ثم قام رجل آخر فقال ‪ :‬ادع ال أن يجعلني منهم ‪ .‬فقال ‪ :‬سبقك بها عكاشة ")‬
‫‪.‬‬
‫هكذا أورده الم صنف غ ير معزو ‪ ،‬و قد رواه البخارى مخت صرا ومطولً ‪ ،‬وم سلم ‪ ،‬والل فظ‬
‫له ‪ ،‬والترمذي والنسائي ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن (حصين بن عبد الرحمن) هو السلمي ‪ ،‬أبو الهذيل الكوفى ‪ .‬ثقة ‪ ،‬مات سنة ست‬
‫وثلثين ومائة ‪ ،‬وله ثلث وتسعون سنة ‪.‬‬
‫وسعيد بن جبير ‪ :‬هو المام الفقيه من جلة أصحاب ابن عباس ‪ ،‬روايته عن عائشة وأبى‬
‫مو سى مر سلة ‪ .‬و هو كو فى مولى لب ني أ سد ‪ ،‬ق تل ب ين يدى الحجاج سنة خ مس وت سعين ولم‬
‫يكمل الخمسين ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ان قض) هو بالقاف والضاد المعج مة أى سقط ‪ .‬والبار حة هى أقرب ليله م ضت ‪.‬‬
‫قال أ بو العباس ثعلب ‪ :‬يقال ق بل الزوال ‪ :‬رأ يت الليلة ‪ ،‬وب عد الزوال ‪ :‬رأ يت البار حة ‪ ،‬وكذا‬
‫قال غيره ‪ ،‬وهى مشتقة من برح إذا زال ‪.‬‬
‫قال ‪( :‬أما إني لم أكن فى صلة) قال فى مغنى اللبيب ‪ :‬أما بالفتح والتخفيف على وجهين ‪:‬‬
‫أحدهما أن تكون حرف استفتاح بمنزلة أل فإذا وقعت أن بعدها كسرت ‪ .‬الثانى أن تكون بمعنى‬
‫حقا أو أحعق ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬هعى كلمتان الهمزة للسعتفهام ‪ ،‬معا اسعم بمعنعى شعئ ‪ ،‬أى أذلك‬
‫الشئ حق ‪ ،‬فالمعنى أحق هذا ؟ وهو الصواب و ما نصب على الظرفية ‪ ،‬وهذه تفتح أن بعدها‬
‫‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫والنسب هنا هو الوجه الول والقائل هو حصين ‪ ،‬خاف أن يظن الحاضرون أنه رآه وهو‬
‫ي صلي ‪ ،‬فن فى عن نف سه إبهام العبادة ‪ ،‬وهذا يدل على ف ضل ال سلف وحر صهم على الخلص‬
‫وبعدهم على الرياء والتزين بما ليس فيهم ‪.‬‬
‫وقوله (ولكني لد غت) بضم أوله وك سر ثانيه ‪ ،‬قال أ هل اللغة ‪ :‬يقال لدغته العقرب وذوات‬
‫السموم ‪ ،‬إذا أصابته بسمها ‪ ،‬وذلك بأن تأبره بشوكتها ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬قلت وارتقيت) لفظ مسلم استرتقيت أي طلبت من يرقيني ‪.‬‬
‫قوله (فما حملك على ذلك) فيه طلب الحجة على صحة المذهب ‪.‬‬
‫وقوله (حد يث حدثناه الش عبي) ا سمه ‪ :‬عا مر بن شراح يل الهمدا ني ولد في خل فة ع مر ‪،‬‬
‫وهو من ثقات التابعين وفقهائهم مات سنة ثلث ومائة ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬عن بريدة) بضم أوله وفتح ثانيه تصغير بردة ‪ .‬ابن الحصيب ‪ -‬بضم الحاء وفتح‬
‫الصاد المهملتين ‪ -‬ابن الحارث ال سلمى ‪ ،‬صحابى شهير ‪ .‬مات سنة ثلث و ستين ‪ .‬قاله ابن‬
‫سعد ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ل رقية إل من عين أو حمة) وقد رواه أحمد وابن ماجة عنه مرفوعا ‪ .‬ورواه أحمد‬
‫وأبو داود والترمذى عن عمران بن حصين به مرفوعا قال الهيثمى ‪ :‬رجال أحمد ثقات ‪.‬‬
‫والعين هى إصابة العائن غيره بعينه ‪ .‬والحمة ‪ -‬بضم المهملة وتخفيف الميم ‪ -‬سم العقرب‬
‫وشبه ها ‪ .‬قال الخطا بى ‪ :‬ومع نى الحد يث‪ :‬ل رق ية أش فى وأولى من رق ية الع ين والح مة ‪ .‬و قد‬
‫رقى النبى صلى ال عليه وسلم ورقي ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬قد أحسن من انتهى إلى ما سمع) أى من أخذ بما بلغه من العلم وعمل به فقد أحسن‬
‫بخلف من يعمل بجهل ‪ ،‬أو ل يعمل بما يعلم فإنه مسىء آثم ‪ .‬وفيه فضيلة علم السلف وحسن‬
‫أدبهم ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ولكن حدثنا ابن عباس) هو عبد ال بن عباس بن عبد المطلب ‪ ،‬ابن عم النبي صلى‬
‫ال عليعه وسعلم ‪ .‬دععا له فقال ‪" :‬اللهعم فقهعه فعى الديعن ‪ ،‬وعلمعه التأويعل " فكان كذلك ‪ .‬مات‬
‫بالطائف سنة ثمان وستين ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال ‪( :‬وفيه عمق علم السلف لقوله ‪ :‬قد أحسن من انتهى إلى ما سمع‬
‫ولكن كذا وكذا ‪ .‬فعلم أن الحديث الول ل يخالف الثانى) ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬عرضت على المم) وفى الترمذي والنسائي من رواية عبثر بن القاسم عن حصين‬
‫بن عبد الرحمن أن ذلك كان ليلة السراء قال الحافظ ‪ :‬فإن كان ذلك محفوظا كان فيه قوة لمن‬
‫ذهب إلى تعدد السراء ‪ ،‬وأنه وقع بالمدينة أيضا (قلت) وفي هذا نظر ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فرأيت النبي ومعه الرهط) والذي فى صحيح مسلم الرهيط بالتصغير ل غير ‪ ،‬وهم‬
‫الجماعة دون العشرة ‪ ،‬قاله النووي‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وال نبى وم عه الر جل والرجلن ‪ ،‬وال نبى ول يس م عه أ حد) ف يه الرد على من اح تج‬
‫بالكثرة ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬إذ رفع لي سواد عظيم) المراد هنا الشخص الذى يرى من بعيد ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فظن نت أن هم أم تى) لن الشخاص ال تى ترى فى ال فق ل يدرك من ها إل ال صورة‬
‫وفى صحيح مسلم ولكن انظر إلى الفق ولم يذكره المصنف ‪ ،‬فلعله سقط فى الصل الذى نقل‬
‫الحديث منه ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فقيل له ‪ :‬هذا موسى وقومه) أي موسى بن عمران كليم الرحمن ‪ ،‬وقومه ‪ :‬أتباعه‬
‫على دينه من بنى إسرائيل ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فنظرت فإذا سواد عظ يم فق يل لى هذه أم تك ومع هم سبعين أل فا يدخلون الج نة بغ ير‬
‫ح ساب ول عذاب) أي لتحقيق هم التوح يد‪ ،‬و فى روا ية ا بن فض يل ويد خل الج نة من هؤلء من‬
‫أمتك سبعون ألفا و"فى حديث أبي هريرة فى الصحيحين أنهم تضيء وجوههم إضاءة القمر ليلة‬
‫البدر " وروى المام أح مد والبيه قي فى "حد يث أ بى هريرةفا ستزدت ر بى فزاد نى مع كل ألف‬
‫سبعين ألفا" قال الحافظ ‪ :‬وسنده جيد ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ثععم نهععض) أي قام ‪ ،‬قوله ‪( :‬فخاض الناس فععى أولئك) خاض بالخاء والضاد‬
‫المعجمت ين و فى هذا إبا حة المناظرة والمباح ثة في ن صوص الشرع على و جه ال ستفادة وبيان‬
‫الحعق ‪ ،‬وفيعه عمعق علم السعلف لمعرفتهعم أنهعم لم ينالوا ذلك إل بعمعل ‪ ،‬وفيعه حرصعهم على‬
‫الخير ‪ ،‬ذكره المصنف ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فقال هم الذ ين ل ي سترقون) هكذا ث بت فى ال صحيحين و هو كذلك فى حد يث ا بن‬
‫مسعود فى مسند أحمد ‪ .‬وفى رواية لمسلم ول يرقون قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ :‬هذه الزيادة‬
‫وهم من الراوي ‪ ،‬لم يقل النبى صلى ال عليه وسلم و ل يرقون وقد "قال النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم وقد سئل على الرقى ‪ :‬من استطاع منكم أن ينفع أخاه فلينفعه" ‪ .‬و"قال ‪ :‬ل بأس بالرقى ما‬
‫لم تكن شركا" قال ‪ :‬وأيضا فقد "رقى جبريل النبي صلى ال عليه وسلم" و "رقى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أصحابه" قال والفرق بين الراقي والمسترقي ‪ :‬أن المسترقى سائل مستعط ملتفت إلى‬
‫غيعر ال بقلب ‪ ،‬والراقعى محسعن ‪ .‬قال ‪ :‬وإنمعا المراد وصعف السعبعين ألفا بتمام التوكعل ‪ ،‬فل‬
‫يسألون غيرهم أن يرقيهم ول يكويهم ‪ .‬وكذا قال ابن القيم ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ول يكتوون) أي ل ي سألون غير هم أن يكوي هم ك ما ل ي سألون غير هم أن يرقي هم ‪،‬‬
‫استسلما للقضاء ‪ ،‬وتلذذا بالبلء ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والظاهعر أن قوله ل يكتوون أععم معن أن يسعألوا ذلك أو يفععل ذلك باختيارهعم ‪ .‬أمعا‬
‫الكي فى نفسه فجائز ‪ ،‬كما فى الصحيح "عن جابر بن عبد ال أن النبى صلى ال عليه وسلم‬
‫بعث إلى أبى بن كعب طبيبا فقطع له عرقا وكواه" ‪.‬‬
‫وفى صحيح البخارى "عن أنس أنه كوى من ذات الجنب والنبى صلى ال عليه وسلم حى"‬
‫وروى الترمذى وغيره "ععن أنعس أن النعبى صعلى ال عليعه وسعلم كوى أسععد بعن زرارة معن‬
‫الشوكة" ‪.‬‬
‫و في صحيح البخارى " عن ا بن عباس مرفوعا الشفاء فى ثلث ‪ :‬شر بة ع سل ‪ ،‬وشر طة‬
‫محجم ‪ ،‬وكية نار ‪ ،‬وأنا أنهى أمتى عن الكى وفى لفظ ‪:‬وما أحب أن أكتوى" ‪.‬‬
‫قال ا بن الق يم رح مه ال ‪ :‬قد تضم نت أحاد يث ال كى أرب عة أنواع (أحد ها) فعله ‪( .‬والثا نى)‬
‫عدم محب ته ‪( .‬والثالث) الثناء على من تر كه ‪( .‬والرا بع) الن هي ع نه ‪ .‬ول تعارض بين ها بح مد‬
‫ال ‪ ،‬فإن فعله يدل على جوازه ‪ ،‬وعدم محبته له ل يدل على المنع منه ‪ ،‬وأما الثناء على تاركه‬
‫فيدل على أن تركه أولى وأفضل ‪ ،‬وأما النهي عنه فعلى سبيل الختيار والكراهة ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ول يتطيرون) أي ل يتشاءمون بالطيور ونحوهعا ‪ .‬وسعيأتي إن شاء ال تعالى بيان‬
‫الطيرة وما يتعلق بها فى بابها ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وعلى ربهم يتوكلون) ذكر الصل الجامع الذى تنوعت ع نه هذه الفعال والخصال‬
‫و هو التو كل على ال ‪ ،‬و صدق اللتجاء إل يه ‪ ،‬والعتماد بالقلب عل يه ‪ ،‬الذي هو نها ية تحق يق‬
‫التوح يد الذي يث مر كل مقام شر يف ‪ :‬من المح بة والرجاء والخوف ‪ ،‬والر ضا به ربا وإلها ‪،‬‬
‫والرضا بقضائه ‪.‬‬
‫واعلم أن الحد يث ل يدل على أن هم ل يباشرون ال سباب أ صلً ‪ ،‬فإن مباشرة ال سباب فى‬
‫الجملة أمر فطري ضروري ‪ ،‬ل انفكاك لحد عنه ‪ ،‬بل نفس التوكل ‪ :‬مباشرة لعظم السباب‬
‫كما قال تعالى ‪" '3 : 65' :‬ومن يتوكل على ال فهو حسبه" أي كافيه وإنما المراد أنهم يتركون‬
‫المور المكروهة مع حاجت هم إليها ‪ ،‬توكلً على ال تعالى ‪ ،‬كالكتواء وال سترقاء ‪ ،‬فتركهم له‬
‫لكونه سببا مكروها ‪ ،‬ل سيما والمريض يتشبث ‪-‬فيما يظنه سببا لشفائه ‪ -‬بخيط العنكبوت ‪.‬‬
‫وأما مباشرة السباب والتداوي على وجه ل كراهة فيه ‪ ،‬فغير قادح فى التوكل ‪ ،‬فل يكون‬
‫تر كه مشروعا ‪ ،‬ل ما فى ال صحيحين " عن أ بي هريرة مرفوعا ما أنزل ال من داء إل أنزل له‬
‫شفاء ‪ ،‬عل مه من عل مه ‪ ،‬وجهله من جهله" ‪" .‬و عن أ سامة بن شر يك قال ‪ :‬ك نت ع ند ال نبى‬
‫صلى ال عليه وسلم وجاءت العراب ‪ ،‬فقالوا يا رسول ال أنتداوى ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬يا عباد ال‬
‫تداووا ‪ ،‬فإن ال عز وجل لم يضع داء إل وضع له شفاء ‪ ،‬غير داء واحد ‪ .‬قالوا ‪ :‬وما هو ؟‬
‫قال ‪ :‬الهرم" رواه أحمد ‪.‬‬
‫وقال ا بن الق يم رح مه ال تعالى ‪ :‬و قد تضم نت هذه الحاد يث إثبات ال سباب والم سببات ‪،‬‬
‫وإبطال قول من أنكرها ‪ ،‬والمر بالتداوى ‪ ،‬وأنه ل ينافى التوكل ‪ ،‬كما ل ينافيه دفع ألم الجوع‬
‫والعطش ‪ ،‬والحر والبرد ‪ :‬بأضدادها بل ل تتم حقيقة التوحيد إل بمباشرة السباب التى نصبها‬
‫ال تعالى مقتض ية لم سبباتها قدرا وشرعا ‪ ،‬وأن تعطيل ها يقدح فى ن فس التو كل ‪ ،‬ك ما يقدح فى‬
‫المر والحكمة ‪ .‬ويضعفه من حيث يظن معطلها أن تركها أقوى فى التوكل ‪ ،‬فإن تركها عجز‬
‫ينافعى التوكعل الذى حقيقتعه اعتماد القلب على ال تعالى فعي حصعول معا ينفعع العبعد فعى دينعه‬
‫ودنياه ‪ ،‬ود فع ما يضره فى دي نه ودنياه ‪ .‬ول بد مع هذا العتماد من مباشرة ال سباب ‪ ،‬وإل‬
‫كان معطلً للحكمة والشرع ‪ ،‬فل يجعل العبد عجزه توكلً ول توكله عجزا ‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء فى التداوى هل هو مباح ‪ ،‬وتركه أفضل ‪ ،‬أو مستحب أو واجب ؟‬
‫فالمشهور عند أح مد ‪ :‬الول لهذا الحديث وما في معناه ‪ ،‬والمشهور عند الشافعية الثاني ‪،‬‬
‫حتى ذكر النووى فى شرح مسلم ‪ :‬أنه مذهبهم ومذهب جمهور السلف وعامة الخلف ‪ ،‬واختاره‬
‫الوزير أبو الظفر ‪ .‬قال ‪ :‬ومذهب أبي حنيفة أنه مؤكد حتى يدانى به الوجوب ‪ .‬قال ‪ :‬ومذهب‬
‫مالك أنه يستوي فعله وتركه فإنه قال ‪ :‬ل بأس بالتداوي ول بأس بتركه ‪.‬‬
‫وقان شيخ السلم ‪ :‬ليس بواجب عند جماهير الئمة وإنما أوجبه طائفة قليلة من أصحاب‬
‫الشافعي وأحمد ‪.‬‬
‫فقوله ‪( :‬فقام عكا شة بن مح صن) هو ب ضم الع ين وتشد يد الكاف ‪ ،‬ومح صن بك سر الم يم‬
‫وسكون الحاء وفتح الصاد المهملتين ابن حرثان ‪ -‬بضبم المهملة وسكون الراء بعدها مثلثة ‪-‬‬
‫السدي ‪ :‬من بني أسد بن خزيمة ‪ .‬كان من السابقين إلى السلم ومن أجمل الرجال ‪ ،‬هاجر‬
‫وشهد بدرا وقاتل فيها ‪ ،‬واستشهد فى قتال الردة مع خالد بن الوليد بيد طليحة السدي سنة اثنتى‬
‫عشرة ‪ ،‬ثم أسلم طليحة بعد ذلك وجاهد الفرس يوم القادسية مع سعيد بن أبي وقاص ‪ ،‬واستشهد‬
‫في وقعة الجسر المشهورة ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فقال يا رسول ال ادع ال أن يجعلني منهم ‪ ،‬فقال أنت منهم) وللبخاري فى رواية ‪:‬‬
‫فقال اللهم اجعله منهم وفيه ‪ :‬طلب الدعاء من الفاضل ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ثم قام رجل آخر) ذكر مبهما ول حاجة بنا إلى البحث عن اسمه ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فقال سبقك بها عكاشة) قال القرطبي ‪ :‬لم يكن عند الثانى من الحوال ما كان عند‬
‫عكاشة ‪ ،‬فلذلك لم يجبه ‪ ،‬إذ لو أجابه لجاز أن يقلب ذلك كل من كان حاضرا فيتسلسل المر ‪،‬‬
‫فسد الباب بقوله ذلك ا هع ‪.‬‬

‫باب الخوف من الشرك‬


‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪ :‬وفيه استعمال المعاريض وحسن خلقه صلى ال عليه وسلم‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬باب (الخوف من الشرك)‬
‫وقول ال عز وجل ‪ 48 :4' :‬و ‪" '116‬إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن‬
‫يشاء" قال ابن كثير ‪ :‬أخبر تعالى أنه (ل يغفر أن يشرك به) أي ل يغفر لعبد لقيه وهو مشرك‬
‫(ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) أي من الذنوب لمن يشاء من عباده ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫فتبين بهذه الية أن الشرك أعظم الذنوب ‪ ،‬لن ال تعالى أخبر أنه ل يغفره لمن لم يتب منه‬
‫‪ ،‬وما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة إن شاء غفره لمن لقيه به ‪ ،‬وإن شاء عذبه به ‪،‬‬
‫وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند ال ‪ ،‬لنه أقبح القبيح وأظلم الظلم‬
‫‪ ،‬وتن قص لرب العالم ين ‪ ،‬و صرف خالص ح قه لغيره وعدل غيره به ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪: 6' :‬‬
‫‪ " '1‬ثم الذ ين كفروا برب هم يعدلون" ول نه منا قض للمق صود بالخلق وال مر مناف له من كل‬
‫وجعه ‪ ،‬وذلك غايعة المعاندة لرب العالميعن ‪ ،‬والسعتكبار ععن طاعتعه ‪ ،‬والذل له ‪ ،‬والنقياد‬
‫لوامره الذي ل صلح للعالم إل بذلك ‪ ،‬فم تى خل م نه خرب وقا مت القيا مة ‪ ،‬ك ما "قال صلى‬
‫ال عليعه وسعلم ل تقوم السعاعة حتعى ل يقال فعى الرض ال ال "رواه مسعلم ‪ .‬ولن الشرك‬
‫تشبيه للمخلوق بالخالق تعالى ومشاركة فى خصائص اللهية ‪ :‬من ملك الضر والنفع ‪ ،‬والعطاء‬
‫والم نع ‪ ،‬الذى يو جب تعلق الدعاء والخوف والرجاء ‪ ،‬والتو كل وأنواع العبادة كل ها بال وحده ‪،‬‬
‫ف من علق ذلك بمخلوق فقد شبهه بالخالق وجعل من ل يملك لنفسه ضرا ول موتا ول حياة ول‬
‫نشورا ‪ ،‬شبيها ب من له الح مد كله ‪ ،‬وله الخلق كله ‪ ،‬وله الملك كله ‪ ،‬وإل يه ير جع ال مر كله ‪،‬‬
‫وبيده الخ ير كله ‪ ،‬فأز مة المور كل ها بيده سبحانه ومرجع ها إل يه ‪ ،‬ف ما شاء كان و ما لم ي شأ لم‬
‫يكن ‪ .‬ل مانع لما أعطى ول معطي لما منع ‪ ،‬الذي إذا فتح للناس رحمة فل ممسك لها ‪ ،‬وما‬
‫يمسك فل مرسل له من بعده وهو العزيز الحكيم ‪ .‬فأقبح التشبيه تشبيه العاجز الفقير بالذات ‪:‬‬
‫بالقادر الغنعي بالذات ‪ .‬ومعن خصعائص اللهيعة ‪ :‬الكمال المطلق معن جميعع الوجوه ‪ ،‬الذى ل‬
‫نقص فيه بوجه من الوجوه ‪ .‬وذلك يوجب أن تكون العبادة كلها له وحده ‪ ،‬والتعظيم والجلل ‪،‬‬
‫والخشية والدعاء ‪ ،‬والرجاء والنابة والتوكل والتوبة والستعانة ‪ ،‬وغاية الحب مع غاية الذل ‪:‬‬
‫كعل ذلك يجعب عقلً وشرعا وفطرة أن يكون ل وحده ‪ ،‬ويمتنعع عقلً وشرعا وفطرة أن يكون‬
‫لغيره ‪ .‬فمن فعل شيئا من ذلك لغيره فقد شبه ذلك الغير بمن ل شبيه له ول مثيل له ‪ ،‬ول ند له‬
‫‪ ،‬وذلك أق بح الت شبيه وأبطله‪ .‬فلهذه المور وغير ها أ خبر سبحانه وتعالى أ نه ل يغفره‪ ،‬مع أ نه‬
‫كتب على نفسه الرحمة ‪ .‬هذا معنى كلم ابن القيم رحمه ال ‪.‬‬
‫وفعى اليعة رد على الخوارج المكفريعن بالذنوب ‪ .‬وعلى المعتزلة القائليعن بأن أصعحاب‬
‫الكبائر يخلدون فى النار ‪ ،‬وليسوا عندهم بمؤمنين ول كفار ‪.‬‬
‫ول يجوز أن يحمعل قوله ‪" :‬ويغفعر معا دون ذلك لمعن يشاء" على التائب ‪ ،‬فإن التائب معن‬
‫الشرك مغفور له كما قال تعالى ‪:‬‬
‫'‪ " '53 : 39‬قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم ل تقنطوا من رحمة ال إن ال يغفر‬
‫الذنوب جمي عا " فه نا ع مم وأطلق ‪ ،‬لن المراد به التائب ‪ ،‬وهناك خص وعلق ‪ ،‬لن المراد به‬
‫من لم يتب ‪ .‬هذا ملخص قول شيخ السلم ‪.‬‬

‫واجنبني وبني أن نعبد الصنام‬


‫قوله ‪( :‬وقال الخل يل عل يه ال سلم) '‪" '35 : 14‬واجنب ني وب ني أن نع بد ال صنام" ال صنم ما‬
‫كان منحوتا على صورة ‪ ،‬والوثن ما كان موضوعا على غير ذلك ‪ .‬ذكره الطبري عن مجاهد‬
‫‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد يسمى الصنم وثنا كما قال الخليل عليه السلم '‪ " '17 : 29‬إنما تعبدون من دون‬
‫ال أوثا نا وتخلقون إف كا " ال ية ويقال ‪ :‬إن الو ثن أ عم ‪ ،‬و هو قوى ‪ ،‬فال صنام أوثان ‪ ،‬ك ما أن‬
‫القبور أوثان ‪.‬‬
‫قوله ‪" :‬واجنب ني وب ني أن نع بد ال صنام" أي اجعل ني وب ني فى جا نب عن عبادة ال صنام ‪،‬‬
‫وباعد بيننا وبينها ‪ .‬وقد استجاب ال تعالى دعاءه ‪ ،‬وجعل بنيه أنبياء ‪ ،‬وجنبهم عبادة الصنام ‪.‬‬
‫و قد ب ين ما يو جب الخوف من ذلك بقوله ‪" :‬رب إن هن أضللن كثيرا من الناس" فإ نه هو الوا قع‬
‫فى كل زمان ‪ .‬فإذا عرف الن سان أن كثيرا وقعوا فى الشرك ال كبر وضلوا بعبادة ال صنام ‪:‬‬
‫أوجب ذلك خوفه من أن يقع فيما وقع فيه الكثير من الشرك الذي ل يغفره ال ‪.‬‬
‫قال إبراهيم التيمي ‪ :‬من يأمن البلء بعد إبراهيم ؟ رواه إبن جرير وابن أبي حاتم ‪.‬‬
‫فل يأمن الوقوع فى الشرك إل من هو جاهل به وبما يخلصه منه‪ :‬من العلم بال وبما بعث‬
‫به رسوله من توحيده ‪ ،‬والنهي عن الشرك به ‪.‬‬

‫خوف النبي صلى ال عليه وسلم على أمته من الشرك‬


‫قال المصنف ‪( :‬وفى الحديث ‪" :‬أخوف ما أخاف عليكم الشرك الصغر ‪ ،‬فسئل عنه فقال ‪:‬‬
‫الرياء") أورد الم صنف هذا الحد يث مخت صرا غ ير معزو ‪ .‬و قد رواه المام أح مد وال طبراني‬
‫والبيهقي ‪ ،‬وهذا لفظ أحمد ‪ :‬حدثنا يونس حدثنا ليث عن يزيد ‪ -‬يعنى ابن الهاد ‪ -‬عن عمرو‬
‫ععن محمود بعن لبيعد أن رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم قال ‪ " :‬إن أخوف معا أخاف عليكعم‬
‫الشرك ال صغر ‪ .‬قالوا و ما الشرك ال صغر يا ر سول ال ؟ قال ‪ :‬الرياء ‪ .‬يقول ال تعالى يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬إذا جازى الناس بأعمالهم ‪ :‬اذهبوا إلى الذين كنتم تراءوا فى الدنيا فانظروا هل تجدون‬
‫عندهم جزاء " ‪.‬‬
‫قال المنذري ‪ :‬ومحمود بن لبيد رأى النبى صلى ال عليه وسلم ولم يصح له منه سماع فيما‬
‫أرى ‪ .‬وذكر ابن أبى حاتم أن البخارى قال ‪ :‬له صحبة ‪ ،‬ورجحه ابن عبد البر والحافظ ‪ .‬وقد‬
‫رواه ال طبرانى بأ سانيد جيدة عن محمود بن لب يد عن را فع بن خد يج‪ .‬مات محمود سنة ست‬
‫وتسعين ‪ .‬وقيل سنة سبع وتسعين وله تسع وتسعون سنة ‪.‬‬
‫قول ‪( :‬إن أخوف معا أخاف عليكعم الشرك الصعغر) هذا معن شفقتعه صعلى ال عليعه وسعلم‬
‫بأمته ورحمته ورأفته بهم ‪ ،‬فل خير إل دلهم عليهم وأمرهم به ‪ ،‬ول شر إل بينه لهم وأخبرهم‬
‫به ونهاهم عنه ‪ ،‬كما قال صلى ال عليه وسلم فيما صح عنه ‪ " :‬ما بعث ال من نبي إل كان‬
‫حقا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم ‪ " . . .‬الحديث ‪ ،‬فإذا كان الشرك الصغر مخوفا‬
‫على أ صحاب ر سول ال صلى ال عل يه و سلم مع كمال علم هم وقوة إيمان هم ‪ ،‬فك يف ل يخا فه‬
‫ومعا فوقعه معن هعو دونهعم فعى العلم واليمان بمراتعب ؟ خصعوصا إذا عرف أن أكثعر علماء‬
‫المصار اليوم ل يعرفون من التوحيد إل ما أقر به المشركون ‪ ،‬وما عرفوا معنى اللهية التى‬
‫نفتها كلمة الخلص عن كل ما سوى ال ‪.‬‬
‫وأخرج أبو يعلى وابن المنذر عن حذيفة بن اليمان عن أبي بكر عن النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم قال ‪ " :‬الشرك أخفى من دبيب النمل ‪ .‬قال أبو بكر ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬وهل الشرك إل ما‬
‫ع بد من دون ال أو ما د عى مع ال ؟ قال ‪ :‬ثكل تك أ مك ‪ ،‬الشرك في كم أخ فى من دب يب الن مل"‬
‫الحديث ‪ .‬وفيه ‪ :‬أن تقول أعطاني ال وفلن ‪ ،‬والند أن يقول النسان ‪ :‬لول فلن قتلنى فلن ا‬
‫هع ‪ .‬من الدر ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪( :‬وعن ابن مسعود رضى ال عنه ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪" :‬من مات وهو يدعو ل ندا دخل النار" رواه البخارى) ‪.‬‬
‫قال ا بن الق يم رح مه ال ‪ :‬ال ند ال شبيه ‪ ،‬يقال ‪ :‬فلن ند فلن ‪ ،‬و ند يده ‪ ،‬أى مثله و شبيهه ا‬
‫هع ‪ .‬قال تعالى ‪" '22 : 2' :‬فل تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون" ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬من مات و هو يد عو ل ندا) أي يج عل ل ندا فى العبادة يدعوه ويسأله وي ستغيث به‬
‫دخل النار ‪ .‬قال العلمة ابن القيم رحمه ال ‪:‬‬
‫ذا القسم يقابل الغفران‬ ‫والشرك فاحذره ‪ ،‬فشرك ظاهر‬
‫كان من حجر ومن إنسان‬ ‫وهو اتخاذ الند للرحمن أيا‬
‫ويحبه كمحبة الديان‬ ‫يدعوه أو يرجوه ثم يخافه‬
‫واعلم أن اتخاذ الند على قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن يجعله ل شريكا فى أنواع العبادة أو بعضها كما تقدم ‪ ،‬وهو شرك أكبر ‪.‬‬
‫والثانعى ‪ :‬معا كان معن نوع الشرك الصعغر كقول الرجعل ‪ :‬معا شاء ال وشئت ‪ ،‬ولول ال‬
‫وأنت ‪ .‬وكيسير الرياء ‪ ،‬فقد ثبت أن النبى صلى ال عليه وسلم لما قال له رجل‪" :‬ما شاء ال‬
‫وشئت ‪ ،‬قال ‪ :‬أجعلتنى ل ندا ؟ بل ما شاء ال وحده" رواه أحمد وابن أبي شيبة والبخارى في‬
‫الدب المفرد والنسائي وابن ماجه ‪ .‬وقد تقدم حكمه فى باب فضل التوحيد ‪.‬‬
‫وفيعه ‪ :‬بيان أن دعوة غيعر ال فيمعا ل يقدر عليعه إل ال شرك جلي ‪ ،‬كطلب الشفاععة معن‬
‫الموات ‪ ،‬فإنها ملك ل تعالى وبيده ‪ ،‬ليس بيد غيره منها شئ ‪ ،‬وهو الذي يأذن للشفيع أن يشفع‬
‫فيمن لقى ل بالخلص والتوحيد من أهل الكبائر ‪ ،‬كما يأتي تقريره فى باب الشفاعة إن شاء‬
‫ال تعالى ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪( :‬ولمسلم عن جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"من لقي ال ل يشرك به شيئا دخل الجنة ‪ .‬ومن لقيه يشرك به شيئا دخل النار" ) ‪.‬‬
‫جابر ‪ :‬هو ابن عبد ال بن عمرو بن حرام ‪ -‬بمهملتين ‪ -‬النصاري ثم السلمي ‪ -‬بفتحتين‬
‫‪ -‬صعحابي جليعل هعو وأبوه ‪ ،‬ولبيعه مناقعب مشهورة رضعى ال عنهمعا مات بالمدينعة بععد‬
‫السبعين ‪ ،‬وقد كف بصره ‪ ،‬وله أربع وتسعون سنة ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬من لقي ال ل يشرك به شيئا) قال القرطبي ‪ :‬أى لم يتخذ معه شريكا فى اللهية ‪،‬‬
‫ول فى الخلق ‪ ،‬ول فى العبادة ‪ ،‬ومن المعلوم من الشرع المجمع عليه عند أهل السنة ‪ :‬أن من‬
‫مات على ذلك فل بد له من دخول الجنة ‪ ،‬وإن جرت عليه قبل ذلك أنواع من العذاب والمحنة‬
‫‪ .‬وأن من مات على الشرك ل يدخل الجنة ول يناله من ال رحمة ‪ ،‬ويخلد فى النار أبد الباد ‪،‬‬
‫من غير انقطاع عذاب ول تصرم آماد ‪.‬‬
‫وقال النووي ‪ :‬أما دخول المشرك النار فهو على عمومه ‪ ،‬فيدخلها ويخلد فيها‪ ،‬ول فرق فيه‬
‫ب ين الكتا بي اليهودي والن صراني‪ ،‬وب ين عبدة الوثان و سائر الكفرة ‪ ،‬ول فرق ع ند أ هل ال حق‬
‫بين الكا فر عنادا وغيره ‪ ،‬ول بين من خالف ملة ال سلم وبين من انت سب إليها ثم ح كم بكفره‬
‫بجحده وغير ذلك ‪ .‬وأما دخول من مات غير مشرك الجنة فهو مقطوع له به ‪ .‬لكن إن لم يكن‬
‫صاحب كبيرة مات مصرا عليها دخل الجنة أول ‪ ،‬وإن كان صاحب كبيرة مات مصرا عليها‬
‫ف هو ت حت المشيئة ‪ .‬فإن ع فا ال ع نه د خل الجنة أولً ‪ ،‬وإل عذب فى النار ثم أخرج من النار‬
‫وأدخل الجنة ‪.‬‬
‫وقال غيره ‪ :‬اقتصر على نفي الشرك لستدعائه التوحيد بالقتضاء واستدعائه إثبات الرسالة‬
‫باللزوم ‪ .‬إذ من كذب ر سل ال ف قد كذب ال ‪ ،‬و من كذب ال ف هو مشرك ‪ ،‬و هو كقولك ‪ :‬من‬
‫تو ضأ صحت صلته ‪ .‬أي مع سائر الشروط ‪ ،‬فالمراد ‪ :‬من مات حال كونه مؤمنا بجم يع ما‬
‫يجب اليمان به إجمالً فى الجمالي وتفصيلً فى التفصيلي ‪ .‬انتهى ‪.‬‬

‫باب الدعاء إلى شهادة أن ل إله إل ال بعث معاذ إلى اليمين يدعوهم إلى‬
‫قوله ‪( :‬باب الدعاء إلى شهادة أن ل إله إل ال)‬
‫لمعا ذكعر المصعنف رحمعه ال التوحيعد وفضله ‪ ،‬ومعا يوجعب الخوف معن ضده ‪ ،‬نبعه بهذه‬
‫الترجمة على أنه ل ينبغى لمن عرف ذلك أن يقتصر على نفسه ‪ ،‬بل يجب عليه أن يدعو إلى‬
‫ال تعالى بالحكمعة والموعظعة الحسعنة ‪ .‬كمعا هعو سعبيل المرسعلين وأتباعهعم كمعا قال الحسعن‬
‫البصري ل ما تل قوله تعالى ‪ " '33 : 41' :‬و من أح سن قول م من د عا إلى ال وعمل صالحا‬
‫وقال إننعي معن المسعلمين " فقال ‪ :‬هذا حعبيب ال ‪ ،‬هذا ولي ال ‪ ،‬هذا صعفوة ال ‪ ،‬هذا خيرة‬
‫ال ‪ ،‬هذا أ حب أ هل الرض إلى ال ‪ ،‬أجاب ال فى دعوته ‪ .‬ود عا الناس إلى ما أجاب ال فيه‬
‫من دعوته ‪ ،‬وعمل صالحا فى إجابته ‪ :‬إنني من المسلمين ‪ .‬هذا خليفة ال ‪.‬‬
‫قال رح مه ال ‪( :‬وقوله '‪ " '108 : 12‬قل هذه سبيلي أد عو إلى ال على ب صيرة أ نا و من‬
‫اتبعني وسبحان ال وما أنا من المشركين"‪.‬‬
‫قال أبو جعفر ابن جرير ‪ :‬يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم (قل) يا محمد‬
‫(هذه) الدعوة التى أدعو إليها ‪ ،‬والطريقة التي أنا عليها ‪ ،‬من الدعاء إلى توحيد ال ‪ ،‬وإخلص‬
‫العبادة له دون اللهعة والوثان ‪ .‬والنتهاء إلى طاعتعه وترك معصعيته (سعبيلي) طريقتعي ‪،‬‬
‫ودعوتي (أدعو إلى ال) تعالى وحده ل شريك له (على بصيرة) بذلك ‪ ،‬ويقين علم مني به (أنا)‬
‫ويدعو إليه على بصيرة أيضا من اتبعني وصدقني وآمن بي (وسبحان ال) يقول له تعالى ذكره‬
‫‪ :‬وقل‪ .‬تنزيها ل تعالى وتعظيما له من أن يكون له شريك فى ملكه أو معبود سواه فى سلطانه‬
‫(وما أنا من المشركين) يقول ‪ :‬وأنا برىء من أهل الشرك به ‪ .‬لست منهم ولهم منى انتهى ‪.‬‬
‫قال فى شرح المنازل ‪ :‬يريد أن تصل باستدللك إلى أعلى درجات العلم وهى البصيرة التى‬
‫تكون نسبة المعلوم فيها إلى القلب كنسبة المائي إلى البصر ‪ ،‬وهذه هي الخصيصة التى اختص‬
‫بها الصحابة عن سائر المة وهي أعلى درجات العلماء ‪ .‬قال تعالى ‪" :‬قل هذه سبيلي أدعو إلى‬
‫ال على بصيرة أنا ومن اتبعني" أي أنا وأتباعي على بصيرة ‪ .‬وقيل (من اتبعنى) عطف على‬
‫المرفوع فى (أدعو) أى أنا أدعو إلى ال على بصيرة ‪ ،‬ومن اتبعنى كذلك يدعو إلى ال تعالى‬
‫على بصعيرة ‪ ،‬وعلى القوليعن ‪ :‬فاليعة تدل على أن أتباععه هعم أهعل البصعائر الداعون إلى ال‬
‫تعالى ‪ ،‬و من ل يس من هم فل يس من أتبا عه على الحقي قة والمواف قة ‪ ،‬وإن كان من أتبا عه على‬
‫النتساب والدعوى ‪.‬‬
‫قال الم صنف رح مه ال ‪ :‬ف يه م سائل (من ها الت نبيه على الخلص لن كثيرا ولو د عا إلى‬
‫ال حق ف هو يد عو إلى نف سه ‪ ،‬ومن ها ‪ :‬أن الب صيرة من الفرائض ‪ .‬ومن ها ‪ :‬أن من دلئل ح سن‬
‫التوحيد أنه تنزيه ل تعالى عن المسبة ‪ .‬ومنها أن من قبح الشرك كونه مسبة ل تعالى ‪ .‬ومنها‬
‫إبعاد المسلم عن المشركين ل يصير منهم ولو لم يشرك) ا هع ‪.‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم رحمه ال تعالى فى معنى قوله تعالى ‪ " '125 : 16' :‬ادع إلى سبيل‬
‫ربك بالحكمة والموعظة الحسنة " الية ‪ .‬ذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلثة أقسام بحسب‬
‫حال المدععو ‪ ،‬فإنعه إمعا أن يكون طالبا للحعق محبا له ‪ .‬مؤثرا له على غيره إذا عرفعه ‪ .‬فهذا‬
‫يد عى بالحك مة ‪ .‬ول يحتاج إلى موع ظة وجدال ‪ .‬وإ ما أن يكون مشتغلً ب ضد ال حق ‪ .‬ل كن لو‬
‫عرفعه آثره واتبععه ‪ .‬فهذا يحتاج إلى الموعظعة بالترغيعب والترهيعب ‪ .‬وإمعا أن يكون معاندا‬
‫معارضا ‪ ،‬فهذا يجادل بالتي هى أحسن ‪ .‬فإن رجع وإل انتقل معه إلى الجلد إن أمكن ‪ .‬انتهى‬
‫‪.‬‬

‫بعث معاذ الى اليمن يدعوهم الى التوحيد‬


‫قال ‪( :‬وعن ابن عباس رضى ال عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم لما بعث معاذا‬
‫إلى اليمن قال ‪" :‬إنك تأتي قوما من أهل الكتاب ‪ .‬فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ل إله ال‬
‫ال ‪ -‬و فى روا ية ‪ :‬إلى أن يوحدوا ال ‪ -‬فإن هم أطاعوك لذلك فأعلم هم أن ال افترض علي هم‬
‫خ مس صلوات فى كل يوم وليلة ‪ .‬فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن ال افترض عليهم صدقة‬
‫تؤخعذ معن أغنيائهعم وترد على فقرائهعم ‪ .‬فإن هعم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهعم ‪ .‬واتعق‬
‫دعوة المظلوم ‪ .‬فإنه ليس بينها وبين ال حجاب" أخرجاه) ‪.‬‬
‫قال الحافظ ‪ :‬كان بعث معاذ إلى اليمن سنة عشر ‪ .‬قبل حج النبى صلى ال عليه وسلم كما‬
‫ذكره المصنف ‪ -‬يعنى البخارى فى أواخر المغازي ‪ -‬وقيل ‪ :‬كان ذلك فى آخر سنة تسع عند‬
‫من صرفه صلى ال عل يه و سلم من تبوك ‪ .‬رواه الواقدي بإ سناد إلى ك عب بن مالك ‪ .‬وأخر جه‬
‫ا بن سعد في لطبقات ع نه واتفقوا على أ نه لم يزل على الي من إلى أن قدم فى خل فة أ بى ب كر‬
‫رضى ال عنه ثم توجه إلى الشام فمات بها ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم ‪ :‬و من فضائل معاذ ر ضى ال ع نه أ نه صلى ال عل يه و سلم بع ثه إلى‬
‫اليمن مبلغا عنه ‪ .‬ومفقها ومعلما وحاكما ‪.‬‬
‫قوله (إنك تأتي قوما من أهل الكتاب) قال القرطبي ‪ :‬يعني اليهود والنصارى ‪ ،‬لنهم كانوا‬
‫في اليمن أكثر من مشركي العرب أو أغلب ‪ ،‬وإنما نبه على ذلك ليتهيأ لمناظرتهم ‪.‬‬
‫وقال الحافظ ‪ :‬هو كالتوطئة للوصية لجمع همته عليها ‪.‬‬
‫قوله (فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن ل إله إل ال شهادة رفع على أنه اسم يكن مؤخر‬
‫‪ .‬و أول خبرها مقدم ‪ .‬ويجوز العكس ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وفعى روايعة إلى أن يوحدوا ال) هذه الروايعة ثابتعة فعى كتاب التوحيعد معن صعحيح‬
‫البخارى ‪ .‬وأشار المصنف بذكر هذه الرواية إلى التنبية على معنى شهادة أن ل إله إل ال فإن‬
‫معناها توحيد ال بالعبادة ونفي عبادة ما سواه ‪ .‬وفى رواية فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة ال‬
‫وذلك هو الك فر بالطاغوت واليمان بال ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪ " '256 : 2' :‬ف من يك فر بالطاغوت‬
‫ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى ل انفصام لها " والعروة الوثقى هى (ل إله إل ال) وفى‬
‫رواية للبخارى فقال‪ :‬ادعهم إلى شهادة أن ل إله إل ال وأني رسول ال ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ل بد فى شهادة أن ل إله إل ال من سبعة شروط ‪ ،‬ل تن فع قائل ها إل باجتماع ها ‪،‬‬
‫أحد ها ‪ :‬العلم المنا في للج هل ‪ .‬الثا نى ‪ :‬اليق ين المنا في لل شك ‪ .‬الثالث ‪ :‬القبول المنا في للرد ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬النقياد المنافي للترك ‪ .‬الخامس ‪ :‬الخلص المنافي للشرك‪ .‬السادس‪ :‬الصدق المنافي‬
‫للكذب ‪ .‬السابع ‪ :‬المحبة المنافية لضدها ‪.‬‬
‫وفيه دليل على أن التوحيد ‪ -‬الذي هو إخلص العبادة ل وحده ل شريك له وترك عبادة ما‬
‫سواه ‪ -‬هو أول واجب ‪ .‬ولهذا كان أول ما دعت إليه الرسل عليهم السلم ‪" :‬أن اعبدوا ال ما‬
‫لكم من إله غيره" وقال نوح ‪" :‬أن ل تعبدوا إل ال" وفيه معنى (ل إله إل ال) مطابقة ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ :‬وقد علم بالضطرار من دين الرسول صلى ال عليه وسلم واتفقت عليه‬
‫ال مة أن أ صل ال سلم وأول ما يؤ مر به الخلق ‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمدا ر سول‬
‫ال ‪ ،‬فبذلك ي صير الكا فر م سلما ‪ ،‬والعدو وليا ‪ ،‬والمباح د مه وماله ‪ :‬مع صوم الدم والمال ‪ .‬ثم‬
‫إن كان ذلك من قلبه فقد دخل فى اليمان وإن قاله بلسانه دون قلبه فهو فى ظاهر السلم دون‬
‫باطن اليمان ‪ .‬قال ‪ :‬وأما إذا لم يتكلم بها مع القدرة فهو كافر باتفاق المسلمين باطنا وظاهرا ‪،‬‬
‫عند سلف المة وأئمتها وجماهير العلماء ا هع ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪( :‬وفيه أن النسان قد يكون عالما وهو ل يعرف معنى ل إله‬
‫إل ال أو يعرفه ول يعمل به) ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فما أكثر هؤلء ‪ -‬ل كثرهم ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فإن هعم أطاعوك لذلك) أي شهدوا وانقادوا لذلك (فأعلمهعم أن ال افترض عليهعم‬
‫خمس صلوات) فيه ‪ :‬أن الصلة أعظم واجب بعد الشهادتين ‪ .‬قال النووى ما معناه ‪ :‬أنه يدل‬
‫على أن المطال بة بالفرائض فى الدن يا ل تكون إل ب عد ال سلم ‪ .‬ول يلزم من ذلك أن ل يكو نا‬
‫مخاطعبين بهعا ‪ ،‬ويزاد فعى عذابهعم بسعببها فعى الخرة ‪ .‬والصعحيح أن الكفار مخاطبون بفروع‬
‫الشريعة المأمور به والمنهى عنه ‪ .‬وهذا قول الكثرين ا هع ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فأعلمهم أن ال افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم) ‪.‬‬
‫فيه دليل على أن الزكاة أو جب الركان بعد الصلوات ‪ ،‬وأنها تؤخذ من الغنياء وتصرف‬
‫إلى الفقراء ‪ ،‬وإنما خص النبى صلى ال عل يه وسلم الفقراء لن حقهم في الزكاة آ كد من حق‬
‫بقية الصناف الثمانية ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أن المام هو الذى يتولى قبض الزكاة وصرفها ‪ :‬إما بنفسه أو نائبه ‪ ،‬فمن امتنع عن‬
‫آدائها إليه أخذت منه قهرا ‪.‬‬
‫في الحديث دليل على أنه يكفي إخراج الزكاة فى صنف واحد ‪ ،‬كما هو مذهب مالك وأحمد‬
‫‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أنه ل يجوز دفعها إلى غني ول إلى كافر غير المؤلف ‪ ،‬وإن الزكاة واجبة فى مال‬
‫الصبى والمجنون ‪ ،‬كما هو قول الجمهور ‪ ،‬لعموم الحديث ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والفقيعر إذا أفرد فعى اللفعظ تناول المسعكين وبالعكعس ‪ ،‬كنظائره ‪ .‬كمعا قرره شيعخ‬
‫السلم ‪.‬‬
‫قوله (إياك وكرائم أموالهم) بنصب كرائم على التحذير ‪ ،‬وجمع كريمة قال صاحب المطالع‬
‫هي الجامعة للكمال الممكن في حقها ‪ ،‬من غزارة لبن ‪ ،‬وجمال صورة ‪ ،‬وكثرة لحم وصوف ‪.‬‬
‫ذكر النووي (قلت) وهي خيار المال وأنفسه وأكثره ثمنا ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أنه يحرم على العامل فى الزكاة أخذ كرائم المال ‪ ،‬ويحرم على صاحب المال إخراج‬
‫شرار المال ‪ .‬بل يخرج الوسط ‪ ،‬فإن طابت نفسه بالكريمة جاز ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬واتعق دعوة المظلوم) أي اجععل بينعك وبينهعا وقايعة بالعدل وترك الظلم ‪ ،‬وهذان‬
‫المران يقيان من رزقهما من جميع الشرور دنيا وأخرى ‪.‬‬
‫وفيه تنبيه على التحذير من جميع أنواع الظلم ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فإنه) أي الشأن (ليس بينها وبين ال حجاب) هذه الجملة مفسرة لضمير الشأن ‪ ،‬أي‬
‫فإنها ل تحجب عن ال فيقبلها ‪.‬‬
‫وفى الحديث أيضا قبول خبر الواحد العدل ‪ ،‬ووجوب العمل به ‪ .‬وبعث المام العمال لجباية‬
‫الزكاة ‪ .‬وأنعه يععظ عماله وولتعه ‪ ،‬ويأمرهعم بتقوى ال تعالى ‪ ،‬ويعلمهعم ‪ ،‬وينهاهعم ععن الظلم‬
‫ويعرفهم سوء عاقبته ‪ .‬والتنبيه على التعليم بالتدريج ‪ .‬قاله المصنف ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويبدأ بالهم فالهم ‪.‬‬
‫واعلم أنه لم يذكر فى الحديث الصوم والحج ‪ ،‬فأشكل ذلك على كثير من العلماء ‪ .‬قال شيخ‬
‫ال سلم ‪ :‬أجاب ب عض الناس ‪ :‬أن ب عض الرواة اخت صر الحد يث ول يس كذلك ‪ .‬فإن هذا ط عن‬
‫فى الرواة ‪ .‬لن ذلك إنما يقع فى الحديث الواحد ‪ ،‬مثل حديث وفد عبد القيس حيث ذكر بعضهم‬
‫ال صيام وبعض هم لم يذكره ‪ ،‬فأ ما الحديثان المنف صلن فل يس ال مر في ها كذلك ‪ ،‬ول كن عن هذا‬
‫جوابان ‪:‬‬
‫أحده ما ‪ :‬أن ذلك بح سب نزول الفرائض ‪ ،‬وأول ما فرض ال الشهادت ين ثم ال صلة ‪ .‬فإ نه‬
‫أمر بالصلة فى أول أوقات الوحي ‪ ،‬ولهذا لم يذكر وجوب الحج ‪ ،‬كعامة الحاديث ‪ ،‬إنما جاء‬
‫فى الحاديث المتأخرة ‪.‬‬
‫الجواب الثا نى ‪ :‬أ نه كان يذ كر فى كل مقام ما ينا سبه ‪ .‬فيذ كر تارة الفرائض ال تى يقا تل‬
‫علي ها ‪ :‬كال صلة والزكاة ‪ .‬ويذ كر تارة ال صلة وال صيام ل من لم ي كن عل يه زكاة ‪ ،‬ويذ كر تارة‬
‫ال صلة والزكاة وال صوم ‪ .‬فإ ما أن يكون ق بل فرض ال حج ‪ ،‬وإ ما أن يكون المخا طب بذلك ل‬
‫حج عليه ‪ ،‬وأما الصلة والزكاة فلهما شأن ليس لسائر الفرائض ولهذا ذكر ال تعالى فى كتابه‬
‫القتال عليه ما ‪ ،‬لنه ما عبادتان ظاهرتان ‪ ،‬بخلف ال صوم بأ نه أ مر با طن من ج نس الوضوء‬
‫والغتسال من الجنابة ‪ ،‬ونحو ذلك مما يؤتمن عليه العبد فإن النسان يمكنه أن ل ينوي الصوم‬
‫وأن يأكل سرا ‪ ،‬كما يمكنه أن يكتم حدثه وجنابته ‪ ،‬وهو يذاكر فى العمال الظاهرة التى يقاتل‬
‫الناس عليهعا ويصعيرون مسعلمين بفعلهعا ‪ .‬فلهذا علق ذلك بالصعلة والزكاة دون الصعوم ‪ ،‬وإن‬
‫كان واجبا ك ما في آي تي براءة نزلت ب عد فرض ال صيام باتفاق الناس ‪ .‬وكذلك ل ما ب عث معاذا‬
‫إلى اليمن لم يذكر فى حديث الصوم ‪ ،‬لنه تبع وهو باطن ‪ ،‬ول ذكر الحج لن وجوبه خاص‬
‫ليس بعام ‪ ،‬و ل يجب فى العمر إل مرة ‪ .‬انتهى بمعناه ‪.‬‬
‫قوله (أخرجاه) أي البخارى ومسعلم ‪ ،‬وأخرجعه أيضا أحمعد وأبعو داود والترمذي والنسعائي‬
‫وابن ماجة ‪.‬‬

‫إعطاء على الراية يوم خيبر وأمره أن يدعوهم إلى السلم‬


‫قال ‪( :‬ولهما عن سهل بن سعد رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال يوم‬
‫خ يبر ‪ " :‬لعط ين الرا ية غدا رجلً ي حب ال ور سوله ويح به ال ور سوله ‪ ،‬يف تح ال على يد يه‬
‫فبات الناس يدوكون ليلت هم ‪ ،‬أي هم يعطا ها ‪ .‬فل ما أ صبحوا غدوا على ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم كل هم ير جو أن يعطا ها ‪ ،‬فقال ‪ :‬أ ين علي بن أ بي طالب ؟ فق يل ‪ :‬هو يشت كي عين يه قال‬
‫فأرسلوا إليه ‪ ،‬فأتي به ‪ ،‬فبصق فى عينيه ودعا له ‪ ،‬فبرأ كأن لم يكن به وجع ‪ ،‬فأعطاه الراية ‪،‬‬
‫قال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ‪ ،‬ثم ادعهم إلى السلم ‪ ،‬وأخبرهم بما يجب عليهم من‬
‫حق ال تعالى فيه‪ ،‬فو ال لن يهدي ال بك رجلً واحدا خير لك من حمر النعم")‪.1‬‬
‫يدوكون أي يخوضون ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬عن سهل بن سعد) أي ا بن مالك بن خالد الن صارى الخزر جى ال ساعدى ‪ ،‬أ بي‬
‫العباس صحابي شهير ‪ ،‬وأبوه صحابي أيضا ‪ ،‬مات سنة ثمان وثمانين وقد جاوز المائة ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬قال يوم خ يبر) و فى ال صحيحين عن سلمة بن الكوع قال ‪" :‬كان علي ر ضي ال‬
‫ع نه قد تخلف عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم فى خ يبر ‪ ،‬وكان أر مد ‪ ،‬فقال ‪ :‬أ نا أتخلف عن‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم فخرج علي ر ضى ال ع نه فل حق بال نبى صلى ال عل يه و سلم‬
‫فلما كان مساء الليلة التى فتحها ال عز وجل فى صباحها قال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬لعطين‬
‫الرا ية ‪ -‬أو ليأخذن الرا ية ‪ -‬غدا ر جل يح به ال ور سوله ‪ ،‬أو قال ‪ :‬ي حب ال ور سوله ‪ ،‬يف تح‬
‫ال على يديعه ‪ .‬فإذا نحعن بعلي ومعا نرجوه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا علي ‪ ،‬فأعطاه رسعول ال صعلى ال‬
‫عليه وسلم الراية ففتح ال عليه" ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬لعطين الراية) قال الحافظ ‪ :‬فى رواية بريدة ‪" :‬إنى دافع اللواء إلى رجل يحبه ال‬
‫ورسوله" وقد صرح جماعة من أهل اللغة بترادفها ‪ ،‬ولكن روى أحمد والترمذي من حديث ابن‬
‫عباس "كانت راية رسول ال صلى ال عليه وسلم سوداء ‪ ،‬ولواؤه أبيض" ومثله عند الطبرانى‬
‫عن بريدة ‪ .‬وعن ابن عدي عن أبى هريرة وزاد مكتوب فيه ‪ :‬ل إله إل ال محمد رسول ال ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬يحب ال ورسوله ويحبه ال ورسوله) فيه فضيلة عظيمة لعلي رضى ال عنه ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ :‬ليس هذا الوصف مختصا بعلي ول بالئمة ‪ ،‬فإن ال ورسوله يحب كل‬
‫مؤمن تقي ‪ ،‬يحب ال ورسوله ‪ ،‬لكن هذا الحديث من أحسن ما يحتج به على النواصب الذين ل‬
‫يتولونعه ‪ ،‬أو يكفرونعه أو يفسعقونه ‪ ،‬كالخوارج ‪ .‬لكعن هذا الحتجاج ل يتعم على قول الرافضعة‬
‫الذين يجعلون النصوص الدالة على فضائل الصحابة كانت قبل ردتهم ‪ ،‬فإن الخوارج تقول في‬
‫علي مثل ذلك ‪ ،‬ولكن هذا باطل ‪ ،‬فإن ال تعالى ورسوله ل يطلق مثل هذا المدح على من يعلم‬
‫ال أنه يموت كافرا ‪.‬‬
‫وفيه إثبات صفة المحبة خلفا للجهمية ومن أخذ عنهم ‪.‬‬

‫‪ 1‬حديث سهل هذا واحد من الدلة التي فيها بيان منهج الدعوة إلى ال تبارك وتعالى ‪ ،‬وكيف ندعوا الناس وكيف يجب أن نحرص على هداية الناس قبل كل‬
‫شيء وأن نعرف أن النبياء كلهم أرسلوا لخراج الناس من الظلمات إلى النور ولهداية الناس من الظلل إلى الحق هذا مقصد دعوة النبياء بالدرجة الولى ‪،‬‬
‫الرحمة بالناس والحرص على إخراجهم مما هم فيه من الظلل الذي سماه ال ظلمات إلى نور اليمان والتوجيد ‪..‬‬
‫والجهاد إنما يشرع بعد أن نبذل الجهد الطويل في إصلحهم وهدايتهم وبيان السلم لهم فإنهم أصروا على كفرهم وأصروا على عدم الخضوع للسلم بأداء‬
‫الجزية فحينئ ٍذ نقااتلهم لنهم تمردوا على ال سبحانه وتعالى الذي خلقهم لعبادته وسخر لهم ما في تالسموات وما في الرض ليقوموا بهذه العبادة كما يريجده‬
‫ال عز وجل فهذا مقصد هذا الحديث ‪ ،‬المقصود منه الموافق للباب والترجمة قوله ( ثم ادعهم إلى السلم ) ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬يفتح ال على يديه) صريح فى البشارة بحصول الفتح ‪ ،‬فهو علم من أعلم النبوة ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فبات الناس يدوكون ليلت هم) بن صب (ليلت هم) و يدوكون قال الم صنف ‪ :‬يخوضون ‪.‬‬
‫أي فيمن يدفعها إليه ‪ .‬وفيه حرص الصحابة على الخير واهتمامهم به ‪ ،‬وعلو مرتبتهم فى العلم‬
‫واليمان ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬أيهم) هو برفع أي على البناء لضافتها وحذف صدر صلتها ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فل ما أ صبحوا غدوا على ر سول ال صلى ال عل يه و سلم كل هم ير جو أن يعطا ها)‬
‫وفى رواية أبي هريرة عند مسلم أن عمر قال ‪" :‬ما أحببت المارة إل يومئذ" ‪.‬‬
‫قال شيخ إلسلم ‪ :‬إن فى ذلك شهادة النبى صلى ال عليه وسلم لعلي بإيمانه باطنا وظاهرا‬
‫وإثباتا لموالته ل تعالى ورسوله ووجوب موالة المؤمنين له ‪ ،‬وإذا شهد النبى صلى ال عليه‬
‫و سلم لمع ين بشهادة ‪ ،‬أو د عا له أ حب كث ير من الناس أن يكون له م ثل تلك الشهادة وم ثل ذلك‬
‫الدعاء ‪ ،‬وإن كان النبى يشهد بذلك لخلق كثير ويدعو لخلق كثير ‪ ،‬وهذا كالشهادة بالجنة لثابت‬
‫بن قيس ‪.‬‬
‫وعبد ال بن سلم وإن كان شهد بالجنة لخرين ‪ ،‬والشهادة بمحبة ال ورسوله للذي ضرب‬
‫فى الخمر ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فقال أين علي بن أبى طالب) فيه سؤال المام عن رعيته ‪ ،‬وتفقد أحوالهم ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فق يل هو يشت كي عين يه) أي من الر مد ‪ ،‬ك ما فى صحيح م سلم عن سعد بن أ بي‬
‫وقاص فقال ‪ :‬ادعوا لي عليا فأتي به أرمد الحديث ‪ ،‬وفى نسخة صحيحة بخط المصنف ‪ :‬فقيل‬
‫هو يشتكي عينيه ‪ ،‬فأر سل إل يه مب ني للفاعل‪ ، 1‬وهو ضمير م ستتر في الفعل را جع إلى النبى‬
‫صلى ال عل يه و سلم ويحت مل أن يكون مبنيا ل ما لم ي سم فاعله ‪ .‬ولم سلم من طر يق إياس بن‬
‫سلمة بن الكوع عن أبيه قال ‪ :‬فأرسلنى‪ 2‬إلى علي فجئت به أقوده أرمد ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فبصق) بفتح الصاد ‪ ،‬أي تفل ‪.‬‬
‫وقوله (ود عا له فبرأ) هو بفتح الراء والهمزة‪ ، 3‬أي عو في في الحال ‪ ،‬عاف ية كاملة كأن لم‬
‫يكن به وجع من رمد ول ضعف بصر ‪.‬‬

‫‪ 1‬فأرسل أو أُرسلَ ؛ ( أرسل ) وفيه الفاعل المرسل هو النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ( ،‬أُرسلَ إليه ) المرسل هو النبي عليه الصلة والسلم أو واحد من طرفه ؛‬
‫أرسلَ إلى علي ‪.‬‬
‫‪ ( 2‬فأرسل إلي ) هذا واضح يبين ؛ فأرسل إليه أو أرسل إليه ؛ يعني المرسل هو النبي ؛ أرسل فلنًا وهو ‪ :‬سلمة بن الكوع ‪ ،‬وفي رواية أنه أرسل سعد بن‬
‫أبي وقاص ؛ ولمانع أن يكون أرسل هذا وهذا كليهما ليحضرا علياً رضي ال عنه ‪.‬‬
‫‪ 3‬يعني ( فبَ َرأَ ) أو ( فبَرَِأ ) يقول ( فبَرََأ ) ‪.‬‬
‫وعند الطبراني من حديث علي فما رمدت‪ 1‬ول صدعت منذ دفع النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫إلي الراية‪ 2‬وفيه دليل على الشهادتين‪. 3‬‬
‫قوله (فأعطاه الراية) قال المصنف ‪ :‬فيه اليمان بالقدر لحصولها لمن لم يسع ومنعها عمن‬
‫سعى‪. 4‬‬
‫وفيه إن فعل السباب المباحة أو الواجبة أو المستحبة ل ينافي التوكل‪. 5‬‬
‫قوله (وقال انفذ على رسلك) بضم الفاء ‪ ،‬اي امض ورسلك بكسر الراء وسكون السين ‪ ،‬أي‬
‫على رفقك من غير عجلة ‪ .‬وساحتهم فناء أرضهم وهو ما حولها‪. 6‬‬
‫وفيه ‪ :‬الدب عند القتال وترك العجلة والطيش‪ ، 7‬والصوات التى ل حاجة إليها ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أمر المام عماله بالرفق‪ 8‬من غير ضعف ول انتقاض عزيمة‪ ، 9‬كما يشير إليه قوله‬
‫ثم ادعهم إلى السلم‪ 10‬أي الذي هو معنى شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسول ال ‪ ،‬وإن‬
‫شئت قلت السلم ‪ :‬شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا عبده ورسوله‪ ، 11‬وما اقتضته الشهادتان‬

‫ض يمرض ‪ ،‬من باب فرح ‪.‬‬ ‫‪َ ( 1‬رمِد ُ‬


‫ت ) َرمِ َد يرمَدُ ؛ من باب مر َ‬
‫‪ 2‬أظنها تصل إلى مرتبة الحديث الحسن هذه الرواية ‪.‬‬
‫‪ 3‬من أين نأخذ هذا ؟‬
‫يعني تفل فيه فبرأ يدل على صدق الرسول ‪ ،‬وأنه رسول ال حقًا ‪ ،‬وهو جاءنا بالشهادة وقال أنا رسول ال – عليه الصلة والسلم – دليل على الشهادتين ‪.‬‬
‫‪ 4‬هذا ما قلناه لكم عن المام رحمه ال إنه قال ( فيه اليمان بالقدر ) يعني يحرص النسان على الشيء ويفشل فيقول ‪ :‬قدر ال وما شاء فعل (( أحرص على‬
‫ما ينفعك واستعن بال ول تعجزن )) فإن فاتت فل تقل ‪ :‬لو أني فعلت كذا وكذا لكان كذا ولكن قل قدر ال وما شاء فعل ‪.‬‬
‫فالشاهد لو اجتهد النسان وفشل ليترك السباب ويقول خلص أنا بذلت السباب في القضية الفلنية وما نجحت خلص أنا ما أبذل السباب أستريح ‪ ..‬ل !‬
‫استمر في بذل السباب وهذا من اليمان بالشرع ؛ لن الشرع أمرنا بالخذ بالسباب ‪.‬‬
‫‪ 5‬الواجبة مثل الصلة والصوم وما شاكل ذلك ‪ ،‬والسعي إلى الحج والسعي إلى أداء الصلة كلها أسباب واجبة ‪ ،‬هذه كلها من السباب الواجبة ‪.‬‬
‫والسباب المستحبة السعي في المستحبات ؛ يعني الصلة النافلة والمشي إليها وما شاكل ذلك ؛ تروح تصلي التراويح في المسجد ؛ هذا من السباب‬
‫المستحبة ‪ ،‬ماهي من الواجبات ‪.‬‬
‫والسباب المباحة في أمور الدننيا ‪.‬كلها ل تنافي التوكل ‪.‬‬
‫أبذل السباب في طلب الرزق ‪ ،‬وفي غيره مما ينفعك في دينك ودنياك ؛ فمن السباب ما هو واجب ومنها ماهو مستحب كالتداوي مثلً على الراجح ؛ ومنها‬
‫ما هو مباح كالسعي في أمور الدنيا ؛ فإذا كان هناك هلك وجوع يترتب على السبب فل بد من السبب ويتعين حينئذٍ ‪.‬‬
‫‪ 6‬الساحة ‪ :‬الفناء ؛ فناء أرض اليهود أو أي فناء ؛ فناء ساحة المسجد يعني فناؤه ؛ ساحة البيت فناؤه ‪.‬‬
‫‪ 7‬من فين نأخذ هذا ؟‬
‫من قوله ( على رسلك ) أي تمهل وترفق ‪.‬‬
‫‪ 8‬أيضاً من قوله ( على رسلك ) أي الرفق ‪.‬‬
‫‪ ( 9‬ول انتقاض عزيمة ) يعني مصمم عازم على التنفيذ لكن ما يمشي بسرعة وعجلة يمشي بهدوء وهو ماضٍ في عزمه ‪ ،‬والدلبل ( حتى تنزل بساحتهم ) ‪.‬‬
‫‪ 10‬الشاهد في هذا ( ادعهم إلى السلم ) ما هو السلم ؟‬
‫في حديث معاذ ( فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لإله إل ال وأن محمداً رسول ال ) وهنا قال ( ادعهم إلى السلم ) هل هذا الحيث يخالف ذاك ؟ وإل‬
‫متفقان ؟‬
‫متفقان ؛ إذن يفسر لك السلم هذا ما هو ؟‬
‫شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمداً رسول ال ‪ ،‬وما تقتضيه الشهادتان من الطاعة والخلص والعمل ؛ فهو يتطابق مع حديث معاذ في قوله (( فليكن أول ما‬
‫تدعوهم إليه شهادة أن ل إله إل ال )) لن الشهادة هي أصل السلم ‪.‬‬
‫كيف يدعوهم إلى السلم ؟‬
‫أول ما يدعوهم يقول ‪ :‬قل أشهد أن ل إله وأن محمداً رسول ال ؛ ما يقول اسلموا وبس !‬
‫يقول ‪ :‬اشهدوا أن ل إله إل ال وأن محمداً رسول ال ‪.‬‬
‫ول يدخل في السلم أي كافر إل إذا نطق بالشهادتين ‪ ،‬يدخل في السلم وبعدين حسابه على ال سبحانه وتعالى ؛ ثم بعد ذلك مجال التطبيق مفتوح ؛ إن طبق‬
‫وإل يظهر لنا نفاقه أو ضعفه أو ما شاكل ذلك ‪.‬‬
‫‪ 11‬ما هو لما جاء جبريل يسأل النبي صلى ال عليه وسلم عن السلم ‪ .‬قال (( السلم أن تشهد أن ل إله إل ال ‪ ،‬وأن محمداً رسول ال ‪ ،‬وتقيم الصلة وتؤتي‬
‫ل )) فجعل أصله شهادة أن ل إله إل ال وأن محمداً رسول ال ‪ ،‬ول يتكامل اليمان إل بهذا إذا قام‬ ‫الزكاة وتصوم رمضان ‪ ،‬وتحج البيت إن استطعت إليه سبي ً‬
‫بهذه الركان ‪.‬‬
‫من إخلص العبادة ل وحده ‪ ،‬وإخلص الطاعة لرسوله صلى ال عليه وسلم‪ . 1‬ومن هنا طابق‬
‫الحديث الترجمة‪ 2‬كما قال تعالى لنبيه ورسوله ‪ " '64 : 3' :‬قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة‬
‫سواء بين نا وبين كم أن ل نع بد إل ال ول نشرك به شيئا ول يت خذ بعض نا بع ضا أربا با من دون‬
‫ال فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون "‪. 3‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬والسلم هو الستسلم ل‪ ، 4‬وهو الخضوع له والعبودية له ‪.‬‬
‫كذا قال أهل اللغة ‪.‬‬
‫وقال رحمه ال تعالى ‪ :‬ودين السلم الذي ارتضاه ال وبعث به رسله‪ : 5‬هو الستسلم له‬
‫وحده ‪ ،‬فأ صله فى القلب ‪ .‬والخضوع له وحده بعباد ته وحده دون ما سواه ‪ .‬ف من عبده وع بد‬
‫معه إلها آخر لم يكن مسلما‪ . 6‬ومن استكبر عن عبادته لم يكن مسلما‪ ، 7‬وفى الصل ‪ :‬هو من‬

‫‪ 1‬وإخلص الطاعة لرسوله ‪ :‬يعني ل يقدم قول أحد كائناً من كان على قول الرسول الكريم عليه الصلة والسلم ؛ ل أقوال الصحابة ول التابعين ‪ ،‬ول الئمة‬
‫‪ ،‬ول أحد ‪.‬‬
‫ليقدم قول أحد على قول الرسول ‪ ،‬ول فعل أحد على فعل الرسول ‪ ،‬ول هدي أحد على هدي رسول ال صلى ال ليه وسلم ؛ هذا هو الخلص في شهادة أن‬
‫محمداً رسول ال ‪ ،‬وهذا أن تقدم هديه على هدي الناس جميعاً ‪ ،‬وأقواله على أقوال الناس جميعاً ولو تجمع الناس كلهم في صعيد واحد ومحمد صلى ال عليه‬
‫وسلم في جانب لوجب أن تقف مع محمد عليه الصلة والسلم وحاشى المسلمين من هذا ؛ لكن هذا فرض ‪.‬‬
‫يعني هذا يشير إلى من يتعصب لمذهب ‪.‬‬
‫يتعصب لطريقة من الطرق الصوفية ‪.‬‬
‫يتعصب للروافض ‪ ..‬للخوارج ‪ ..‬للمرجئة ‪ ..‬لي إمام لي فرقة ‪ ..‬ول يكون مخلصاً في الشهادة ل باللهية ‪ ،‬ولمحمد بالرسالة إل إذا أخلص الشهادة ل‬
‫باللهية وعبده لم يشرك معه أحداً في العبادة ول يعبده إل بما شرع هذا الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ول يقدم قول أحدٍ على شيء مما شرع رسول ال‬
‫ل يقول مثل قوله ‪ (( :‬أجمعت المة أن من استبانت له سنة رسول ال صلى ال‬ ‫صلى ال عليه وسلم ؛ لهذا قال المام الشافعي – رحمه ال – وقال غيره ك ٌ‬
‫عليه وسلم لم يكن له أن يتركها لقول أحد )) أبدًا كائناً من كان ‪.‬‬
‫ل صحابة ول تابعين ‪.‬‬
‫ول أئمة ول أحد ‪ ..‬ل يليق بمسلم أن يقول ‪:‬مذهبي طريقتي ‪ ..‬وال طريقتي كذا ‪ ..‬وال مذهبي كذا ‪.‬‬
‫تقول له قال ال يقول لك مذهبي ‪ ..‬قال رسول ال يقول لك مذهبي ‪ ..‬وال هذا حاصل والدنيا متخمة من هذه الصناف فيجب أن نحذر وأن نعرف لرسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قدره ‪ ،‬ومنزلته ‪ ،‬وأنه رسول ‪.‬‬
‫ما معنى شهادة أن محمداً رسول ال ؟ بس كلم !!‬
‫بعدين تتبع الطريقة التي تريدها ‪ ،‬والجماعة التي تريدها ‪ ،‬والحزب الذي تريده وتمشي بهواك ‪ ..‬ل ‪.‬‬
‫يجب أن تنقاد لهذا الرسول ‪.‬‬
‫تنقاد ل ثم تنقاد لرسوله صلى ال عليه وسلم { من يطع الرسول فقد أطاع ال } { ومن يعص ال ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبداً } عصيان كفر أو‬
‫عصيان كبيرة من الكبائر مهدد بالنار ‪ ،‬ذاك خالد وهذا قد ل يخلد ‪ ،‬وقد يخلد إذا استهان بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫‪ 2‬طابق الحديث الترجمة ( ادعهم إلى السلم ) والترجمة ( باب الدعوة إلى شهادة أن ل إله إل ال ) ادعهم إلى السلم هة الدعوة إلى شهادة أن ل إله إل ال‬
‫‪ .‬فهذا ادعهم إلى السلم وطابق الترجمة ‪.‬‬
‫‪ 3‬لماذا ساق هذه الية ؟‬
‫لن الظرف هذا الذي دعا فيه علي رضي ال عنه اليهود هم أهل الكتاب ودعاهم إلى السلم ‪ ،‬وهذه الية هي دعوة أهل الكتاب إلى السلم { قل يا أهل‬
‫الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول نشرك به شيئًا ول يتخذ بعضنا بعضًا أرباباً من دون ال } { اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من‬
‫دون ال } فعل هذا أهل الكتاب من اليهود والنصارى ‪ ،‬ولما كتب إلى قيصر قال ‪ (( :‬بسم ال الرحمن الرحيم إلى قيصر عظيم الروم أما بعد فإني أدعوك‬
‫بدعاء السلم فأسلم تسلم يؤتك ال أجرك مرتين ؛ فإن أبيت فعليك أثم الريسيين و { يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم أل نعبد إل ال ول‬
‫نشرك به شيئاً ول يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون ال فإن تولوا فقل اشهدوا بأنا مسلمون } فالشاهد أن علياً رضي ال عنه أرسله الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم لدعوة اليهود وهو يشرح هذا الحديث فجاء بهذه الية لن ذاك فيه دعوة لهل الكتاب والية فيها دعوة لهل الكتاب ‪ ،‬ويشبه هذا كتابة الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم إلى قيصر يدعو فيه أهل الكتاب إلى السلم ‪.‬‬
‫‪ 4‬والسلم هو الستسلم ‪ ..‬يا ال تلقي بيديك وتنقاد مافيش ل ول لف ول دوران هذا هو السلم الصحيح ‪.‬‬
‫يجب أن نستسلم ل رب العالمين { إذ قال له ربه أسلم قال أسلمت } فالسلم إنقياد وإخلص ‪.‬‬
‫‪ 5‬فاليوم يا إخوان يجب أن ندرس السلم بقلوبنا ومشاعرنا ما ندرسه كلم بس ‪.‬‬
‫وال يجب أن تتغلغل معاني السلم والتوحيد في أعماق نفوسنا ‪ ،‬وتجري بها دمؤنا ونخلص ل رب العالمين ‪.‬‬
‫‪ 6‬يعني السلم هو الظاهر مع الجوارح ‪ ،‬السلم أن تشهد أن ل إل ال وأن محمداً رسول ال لكن أصله في القلب ‪.‬وهو من باب العمل ‪ ،‬السلم باب العمل ؛‬
‫لكن اليمان من باب القول وهو العتقاد قول القلب واعتقاده وعمله ‪.‬‬
‫‪ 7‬يعني استكبر عن عبادته يعرف أن ال هو الله الحق المبين وأنه هو المعبود بحق لكن ما يعمل استكبر ‪ ..‬هذا مسلم ؟‬
‫ليس مسلم كافر ‪ ..‬هل أبوجهل كان يشك في صدق محمداً عليه الصلة والسلم ؛ بل أبو لهب نفسه كان يشك في صدق محمداً عليه الصلة والسلم كم قال ال‬
‫تعالى { فإنهم ل يكذبونك ولكن الظالمين بآيات ال يجحدون } ‪ { ،‬وجحدوا بها } في فرعون وقومه { واستيقنتها أنفسهم ظلماً وعلواً } قال موسى عليه‬
‫السلم لفرعون { لقد علمت ما أنزل هؤلء إل رب السماوات والرض وإني لظنك يا فرعون مثبوراً } هالك ؛ فهو يعرف أن موسى رسول ال وأن هذه‬
‫الية تنزلت من ال ‪ ،‬ال الذي أنزلها ‪ ،‬وأنها حق لكن استكبر فكان من أكبر أعداء ال فكل من يستكبر يعرف أن ال حق ‪ ،‬ويشهد أن الرسول حق وأن الكتاب‬
‫باب الع مل ‪ ،‬ع مل القلب والجوارح ‪ .‬وأ ما اليمان فأ صله ت صديق القلب ‪ ،‬وإقراره ومعرف ته ‪،‬‬
‫فهو من باب قول القلب المتضمن عمل القلب‪ . 1‬انتهى ‪.‬‬
‫ف تبين أن أ صل ال سلم هو التوحيد‪ 2‬ون في الشرك فى العبادة و هو دعوة جم يع المر سلين ‪،‬‬
‫وهو الستسلم ل تعالى بالتوحيد ‪ ،‬والنقياد له بالطاعة فيما أمرهم به على ألسن رسله‪ ، 3‬كما‬
‫قال تعالى عن نوح أول رسول أرسله ‪" '3 : 71' :‬أن اعبدوا ال واتقوه وأطيعون"‪. 4‬‬

‫حق لكن يستكبر عن النقياتد لهذا الرسول الكريم فهو كافر ليس بمسلم ‪.‬‬
‫‪ 1‬فهو ما أقتصر على التصديق لن المرجئة يقولن اليمان هو التصديق بس ‪ ..‬ويافيه التكذيب فقط ؛ فل يكفر النسان إل بالجحود بس ‪ ..‬هذا غلط ‪.‬‬
‫الجحود والستكبار والستهزاء كلها كفر وتخرج النسان من دائرة السلم ولو صدق هذا الرسول ‪.‬‬
‫لو صدق الرسول وسخر به واستهزأ به ؟! آمن بال واستهزأ به ؟! آمن بالكتاب واستهزأ به ‪.‬‬
‫كافر ‪ { ،‬قل أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزئون } وقال لهم { قد كفرتم بعد إيمانكم } كانوا مؤمنين فكفروا بهذا الستهزاء ‪ ،‬كفروا وخرجوا من السلم ‪،‬‬
‫وصاروا منافقين باستهزائهم ‪.‬‬
‫فالشاهد أن اليمان ليس هو التصديق فقط ؛ شيخ السلم قال ‪ :‬تصديق ‪ ،‬إقرار ‪ ،‬معرفة ؛ هذا هو اليمان ‪ .‬ماهو تصديق بس ‪.‬‬
‫تصديق ‪ ،‬إقرار ‪ ،‬طمأنينة ‪ ،‬إستسلم بارك ال فيك وعلم وعمل ؛ هذا هو اليمان ‪ ،‬مو تصديق بس ‪.‬‬
‫ويا أخوة بعض الناس يرمون اللباني بالرجاء وتلميذه هؤلء يظلمونهم ‪ ،‬يظلمونهم ‪ ،‬ليسوا مرجئة هم يؤمنون بأن الستكبار كفر ‪ ،‬وأن الستهزاء كفر ‪،‬‬
‫وأن وأن ‪.‬‬
‫لكن يغلط بعضهم حينما يقرر هذه الشياء ثم يجمعها ويقول مرجعها إلى الجحود ؛ يأتي الغلط هنا في جمعها و‬
‫وإل فلو قلت له ‪ :‬مارأيك في اللي يستهزيء بال ‪ ،‬يقول لك ‪ :‬كافر ‪.‬‬
‫ما رأيك فيمن يستكبر عن اليمان ‪ ،‬يؤمن بأن محمداً رسول ال لكن يستكبر عن النقياد له ‪ ،‬يقول لك كافر مثل أبي طالب ‪ ،‬ل يكابرون في هذا ‪ ،‬وفرق بينه‬
‫وبين الرجاء ‪ ،‬يجب أن نفرق بينهم ‪ ،‬ويقولون اليمان هو قول وعمل واعتقاد ما يقولون مثل المرجئة ‪ ،‬ويقولون اليمان يزيد وينقص حتى إن اللباني –‬
‫رحمه ال – في شرحه للطحاوية لما قال ابن أبي العز والختلف بيننا وبين مرجئة الفقهاء لفظي ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ليس بلفظي ؛ بل هو حقيقي وجوهري ؛ لن ال‬
‫صرح بأن اليمان يزيد وينقص ‪ ،‬وهم يقولون ل ‪ ،‬وصرح الرسول صلى ال عليه وسلم بأن اليمان ينقص وهم يقولون ل ‪.‬‬
‫فهو يشد على المرجئة ‪ ،‬كيف تقول يا أخي مرجئة ‪ ،‬إذا أخطأ في لفظه وهو يشاركك في العقيدة في كل شيء ثم يخطيء في لفظه تخرجه عن السنة ‪ ،‬وتدخله‬
‫في أهل البدع ‪.‬‬
‫بل كثير ممن يخاصمون اللباني أنا أرى أنهم واقعون في الرجاء الغالي ومنغمسون فيه إلى أعناقهم ؛ كيف ؟‬
‫قل لهم فلن يقول بوحدة الوجود ‪ ..‬يقول بالشتراكية ‪ ..‬يعطل صفات ال ‪ ..‬يسب الصحابة ‪ ..‬يقول لك ‪ :‬مجدد ‪ . .‬مجدد ‪.‬‬
‫يعني ل يضر مع اليمان ذنب ‪ .‬كما يفعل المرجئة نفس الشيء ؛ بل أشد بل غلة المرجئة ل يطيقون من يطعن في أصحاب رسول ال عليه الصلة والسلم ‪،‬‬
‫ول من يقول بوحدة الوجود ‪ ،‬ليطيقون هذا الصنف ول يتولونه ‪ ،‬عرفتم ‪.‬‬
‫فكيف يا أخي ترمي الناس بالرجاء وأنت في حمئة الرجاء ‪ .‬إيش التناقض هذا ‪ ،‬واللعب بعقول الناس ‪.‬‬
‫فيجب يا أخوان أن نتبصر ‪ ،‬وأن ينصف النسان من نفسه ‪ ،‬وأن يفتش نفسه ماذا فيه من العيوب فيتخلص منها لن المة تحتاج إلى دعاة صادقين ماعندهم‬
‫تناقضات ول كلم فارغ ‪ ،‬ول عندهم أهواء يريدون ناس يدعون إلى عبادة ال وحده ‪ ،‬وإلى إخلص الدين له وحده ‪ ،‬وإلى هداية الناس إلى صراط مستقيم ‪.‬‬
‫مو إلى تبع حزب ول جماعة ول فريق ول مذهب ول ول أبداً ‪.‬‬
‫الناس عندهم وما أنا إل من غزية إن غوت غويت ‪ ،‬خلص مع الجماعة الفلنية مع الجماعة الفلنية ‪ ،‬يحارب ‪ ..‬يوالي من أجلها ‪ ..‬مو من أجل ال ‪ ،‬ياأخي‬
‫يجب التجرد ل سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫وال لو كان أقرب قريب مني إبني ول أخي يقول ويطعن في الصحابة وال لتبرأ منه وأحاربنه ‪.‬‬
‫وال لو أجد سبيلً إلى قتله لقتلته وهو لو كان إبني { لتجد قومًا يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله ولو كانوا آبائهم أو أبنائهم أو إخوانهم‬
‫أو عشيرتهم } تقول إنك سلفي ‪.‬‬
‫السلف قالوا من انتقص صحابياً واحدًا فهو زنديق ‪ ..‬وهذا يسب الصحابة كلهم ويهينهم إل القليل ؛ وتقول إمامي وسيدي ‪.‬‬
‫فين الرجاء إن لم يكن هذا هو الرجاء ‪.‬‬
‫الرجاء الغالي بارك ال فيكم ‪.‬‬
‫يجب أن ل يتناقض أما الناس ويكون ضحكه للناس ‪ ..‬يجب أن يكون ديننا خالص ل مبرأ من الشهوات والهواء والشبهات ‪.‬‬
‫دين خالص كما أنزله ال على محمد صلى ال عليه وسلم هذا هو الدين الحق ‪.‬‬

‫‪ 2‬فتبين ‪ ..‬استنتج مما تقدم من كلمه وكلم شيخ السلم تبين منها أن أصل السلم هو التوحيد شهادة أن ل إله إل ال وأن محمداً رسول ال ‪ .‬هذا هو أصل‬
‫السلم ‪.‬‬
‫‪ 3‬ال أكبر ‪ ..‬الستسلم ل بالتوحيد والنقياد له بالطاعة وكذلك طاعة هذا الرسول لن طاعته طاعة ال هذا هو السلم ‪.‬‬
‫هذه قواعد تشمل كل قول وكل عمل وكل تطبيق ‪ ،‬ل تترك شيئاً هذا هو السلم ‪.‬‬
‫‪ 4‬كل رسول يقول هذا ‪ ..‬إخلص العبادة ل والنقياد له بالطاعة هذا هو التوحيد { اعبدوا ال مالكم من إله غيره } عبادة ال الخضوع له والنقياد له‬
‫والستسلم له هذه عبادة ال سبحانه وتعالى ‪ .‬فالذي يخضع ل وينقاد له هل يقع في معصية هل يقع في مخالفة ‪ ..‬ل ‪ .‬حقق السلم ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬مشروعية الدعوة قبل القتال ‪ ،‬لكن إن كانوا قد بلغتهم الدعوة جاز قتالهم ابتداء‪ 1‬لن‬
‫ال نبى صلى ال عل يه و سلم أغار على ب نى الم صطلق ‪2‬و هم غارون وإن كانوا لم تبلغ هم الدعوة‬
‫وجبت دعوتهم‪. 3‬‬
‫قوله وأخعبرهم بمعا يجعب عليهعم معن حعق ال تعالى فيعه أي فعي السعلم إذا أجابوك إليعه‬
‫فأخبرهم بما يجب من حقوقه التى لبد لهم من فعلها ‪ :‬كالصلة والزكاة ‪ ،‬كما فى حديث أبى‬
‫هريرة ‪" :‬فإذا فعلوا ذلك فقد منعوا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها " ولما قال عمر لبي بكر فى‬
‫قتاله مان عي الزكاة ‪ ":‬ك يف تقا تل الن ساء و قد قال ر سول ال صلى اله عل يه و سلم ‪ :‬أمرت أن‬
‫أقاتل الناس حتى يقولوا ‪ :‬ل إله إل ال ‪ .‬فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إل بحقها ‪.‬‬
‫قال أبو بكر ‪ :‬فإن الزكاة حق المال ‪ ،‬وال لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬لقاتلتهم على منعها " ‪.‬‬
‫وفيعه ‪ :‬بععث إلمام الدعاة إلى ال تعالى ‪ ،‬كمعا كان النعبي صعلى ال عليعه وسعلم وخلفائه‬
‫الراشدون يفعلون ‪ ،‬كما فى المسند عن عمر بن الخطاب رضى ال عنه أنه قال فى خطبته ‪" :‬‬
‫أل إ ني وال ما أر سل عمالي إلي كم ليضربوا أبشار كم ول ليأخذوا أموال كم‪ .‬ول كن أر سلهم إلي كم‬
‫ليعلموكم دينكم وسننكم " ‪.‬‬

‫لن يهدي ال بك رجلً واحدا خير لك إلخ‬


‫‪ ( 1‬حتى تنزل بساحتهم غفادعهم إلى السلم ) ففيه مشروعية الدعوة إلى ال تبارك وتعالى قبل القتال هذا في أحاديث كثيرة ‪ ،‬حديث بريدة إذا أمر أميراً على‬
‫سرية أو جيش أوصاه في خاصة نفسه بتقوى ال ‪ ،‬وبمن معه من المسلمين خيراً ‪ ،‬وقال إذا أتيت قوماً فادعهم إلى شهادة أن ل إله إل ال فإن أجابوا لك فلهم‬
‫ماللمسلمين وعليهم ما على المسلمين فإن أبوا فالجزية فإن أبوا فالقتال ) بهذا التفصيل ‪.‬‬
‫الهدف الساسي هو دعوتهم إلى ال وهدايتهم إلى ال تبارك وتعالى ‪.‬‬
‫هذا مقصودنا ‪ ،‬وهذا مقصود السلم ‪ ،‬مقصود النبوات جميعاً مقصود هذا الرسول ‪ ،‬مقصود كل مسلم أن يسلم الناس ل رب العالمين ‪ ،‬أن ينقادوا ل أن‬
‫يطيعوا رسله ‪ ،‬هذا المقصود ‪ ،‬يهود ‪ ..‬نصارى ‪ ..‬شيوعيين ‪ ..‬هنادك ‪ ..‬روافض ‪ ،‬أهل بدع كلهم قصدنا بدعوتهم إلى ال أن ينقادوا ل وأن ينقادوا لرسوله‬
‫عليه الصلة والسلم ويسيروا في طريق السلم ‪ ،‬هذاا الذي يريده المسلم للناس { وما أرسلناك إل رحمة للعالمين } فرسول ال رحمة عليه الصلة والسلم‬
‫للعالمين ‪ ،‬الرحمة بالسلم حتى الجزية من رحمة الكفرة ‪ ،‬حتى الجزية من رحمة الكفرة إذا خضعوا لللسلم وأدوا الجزية هذا نالهم نصيب من المن‬
‫والعيش السعيد في الدنيا وأما الخرة فجزاؤهم على ال سبحانه وتعالى لن ‪....‬‬
‫‪ 2‬يعني هذا سنة هذا أمر مستحب بلغتهم الدعوة أنت متأكد أنهم قد بلغتهم الدعوة وقامت عليهم الحجة هؤلء الكفار يهود ونصارى وغيرهم ‪ ،‬فيستحب لك أن‬
‫تدعوهم قبل الدخول في قتالهم ‪ ،‬بروا للقتال وأنت برزت بجيشك للقتال أدعهم إلى ال تبارك وتعالى هذا المستحب ‪ .‬بلغتهم الدعوة وتريد أن تباغتهم لك لن‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم باغت بني المصطلق لنهم قد قامت عليهم الحجة وبلغتهم الدعوة فل عذر لهم ولك الحق أن تفعل هذا لكن إحساناً إليهم وتفضلً‬
‫من المسلمين ورحمة بهؤلء ندعوهم ‪ ،‬فإذا رأينا المصلحة تقتضي أن نباغتهم نباغتهم ما دمنا قد دعوناهم إلى ال أما إذا مكا بلغتهم الدعوة فل بد من دعوتهم‬
‫إلى ال وإقامة الحجة عليهم وبعد ذلك نشرع في قتالهم إذا أبوا السلم أو الخضوع للجزية حينئ ٍذ نقاتلهم ‪.‬‬
‫سأل واحد من الجزائر قال ‪ :‬ماذا نفعل مع هؤلء الطغاة ؟ وكيف الحل ؟ وكيف ؟‬
‫قلت له ‪ :‬الحل ؟ قال‪ :‬نعم ‪ .‬قلت له ‪ :‬الحل أن توقفوا القتال في الجزائر لنكم تقتلون النساء والطفال والمساكين وتهدمون بيوتهم ‪ ،‬تجمعوا وروحوا عندكم‬
‫أقرب دولة فرنسا وإل إيطاليا وإل إسبانيا ادعوهم إلى السلم ‪.‬‬
‫لنكم ماتدعون في الجزائر إلى السلم تقتلونهم هكذا ‪ .‬بدون دعوه إلى السلم ‪ ،‬روحوا لي دولة من هذه الدول وادعوهم إلى السلم ‪ ،‬قفوا لى حدودهم‬
‫وقولوا لهم نحن جئناكم ندعوكم إلى السلم هذه شهادة ل إله إل ال بينوا لهم السلم إن استجابوا فالحمد ل فإن أبوا فالجزية إذا أبوا بعدين قاتلوهم لكن‬
‫شريطة أل تقتلوا منهم شيخاً ول راهبًا ول عجوزًا ول امرأة ول طفلً ‪ ،‬قتال شريف ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬جزاك ال خير ‪.‬‬
‫هذا هو الجهاد ‪ ..‬هذا هو الجهاد ‪ ،‬مو جهاد بعدين ينعطف على المسلمين ويذبح أبنائهم ونسائهم وأطفالهم ‪ ،‬واليهودي في رخاء وفي سعادة والنصارى في‬
‫رخاء وفي سعادة ‪ ،‬وربما يدمون لنا الموال يساعدوننا لنذبح المسلمين والخوة ‪.‬‬
‫‪ 3‬وأن كانوا لم تبلغهم الدعوة وجبت دعوتهم { رسلً مبشرين ومنذرين لئل يكون للناس على ال حجة بعد الرسل } والمؤمنون هم ورثة النبياء فإذا جاههدوا‬
‫فعليهم أن يسلكوا طريقة الرسل في التبشير والنذار وإقامة الحجة حتى ل تكون على ال حجة فإن استجابوا فهذا هو المطلوب ‪ ،‬أبوا ألجأنا إلى قتالهم نقاتلهم‬
‫بعد رفضهم للسلم ورفضهم لداء الجزية ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬فو ال لن يهدى ال بك رجلً واحدا خ ير لك من ح مر الن عم) أن م صدرية واللم‬
‫قبلها مفتوحة لنها لم القسم ‪ .‬وأن والفعل بعدها فى تأويل مصدر ‪ ،‬رفع على البتداء والخبر‬
‫خير و حمر بضم المهملة وسكون الميم ‪ ،‬جمع أحمر ‪ .‬و النعم بفتح النون والعين المهملة ‪ ،‬أي‬
‫خير لك من البل الحمر ‪ .‬وهي أنفس أموال العرب ‪.‬‬
‫قال النووي ‪ :‬وتشبيه أمور الخرة بأمور الدنيا إنما هو للتقريب إلى الفهام ‪ ،‬وإل فذرة من‬
‫الخرة خير من الرض بأسرها وأمثالها معها ‪.‬‬
‫وف يه ‪ :‬فضيلة من اهتدى على يد يه ر جل وا حد ‪ ،‬وجواز الحلف على ال خبر والفت يا ولو لم‬
‫يستحلف ‪.‬‬

‫باب تفسير التوحيد وشهادة أن ل إله إل ال‬


‫قوله ‪( :‬باب ‪ -‬تفسير التوحيد وشهادة أن ل إله إل ال)‬
‫قلت ‪ :‬هذا من عطف الدال على المدلول ‪.‬‬
‫فإن ق يل ‪ :‬قد تقدم في أول الكتاب من اليات ما يبين مع نى ل إله ال ال و ما تضمن ته من‬
‫التوحيد كقوله تعالى '‪ " '23 : 17‬وقضى ربك أن ل تعبدوا إل إياه " وسابقها ولحقها ‪ ،‬وكذلك‬
‫ما ذكره في البواب بعدها ‪ ،‬فما فائدة هذه الترجمة ؟‬
‫قيعل ‪ :‬هذه اليات المذكورات فعي هذا الباب فيهعا مزيعد بيان بخصعوصها لمعنعى كلمعة‬
‫الخلص ومعا دلت عليعه ‪ :‬معن توحيعد العبادة ‪ .‬فيهعا ‪ :‬الحجعة على معن تعلق معن النعبياء‬
‫والصالحين يدعوهم ويسألهم ‪ .‬لن ذلك هو سبب نزول بعض هذه اليات ‪ ،‬كالية الولى ‪17' :‬‬
‫‪ " '56 :‬قل ادعوا الذ ين زعم تم من دو نه" أك ثر المف سرين على أن ها نزلت في من يع بد الم سيح‬
‫وأ مه ‪ ،‬والعز ير والملئ كة ‪ ،‬و قد ن هى ال عن ذلك أ شد الن هى ‪ ،‬ك ما فى هذه ال ية من التهد يد‬
‫والوع يد على ذلك‪ .‬وهذا يدل على أن دعاء هم من دون ال شرك بال ‪ ،‬ينا في التوح يد وينا في‬
‫شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬فإن التوحيعد أن ل يدععى إل ال وحده ‪ .‬وكلمعة الخلص نفعت هذا‬
‫الشرك ‪ ،‬لن دعوة غير ال تأليه وعبادة له ‪ .‬و الدعاء مخ العبادة ‪.‬‬
‫و فى هذه ال ية ‪ :‬أن المد عو ل يملك لداع يه ك شف ضرر ول تحويله من مكان إلى مكان ‪،‬‬
‫ول من صفة إلى صفة ‪ .‬ولو كان المدعو نبيا أو ملكا ‪ .‬وهذا يقرر بطلن دعوة كل مدعو من‬
‫دون ال كائنا من كان ‪ ،‬لن دعوته تخون داعيه أحوج ما كان إليها ‪ ،‬لنه أشرك مع ال من ل‬
‫ينفعه ول يضره ‪ .‬وهذه الية تقرر التوحيد ‪ ،‬ومعنى ل إله إل ال ‪.‬‬
‫الذين يبتغون إلى ربهم الوسيلة‬
‫وقوله تعالى ‪" :‬أولئك الذيعن يدعون يبتغون إلى ربهعم الوسعيلة" يعبين أن هذا سعبيل النعبياء‬
‫والمرسلين ومن تبعهم من المؤمنين ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬تقربوا إليه بطاعته والعمل فيما يرضيه وقرأ‬
‫ا بن ز يد ‪ ":‬أولئك الذ ين يدعون يبتغون إلى رب هم الو سيلة أي هم أقرب " قال العماد ا بن كث ير ‪:‬‬
‫وهذا ل خلف فيه بين المفسرين ‪ .‬وذكره عن عدة من أئمة التفسير ‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ :‬في هذه الية ذكر المقامات الثلث ‪ :‬الحب ‪ ،‬وهو‬
‫ابتغاء التقرب إليعه ‪ .‬والتوسعل إليعه بالعمال الصعالحة ‪ .‬والرجاء والخوف ‪ .‬وهذا هعو حقيقعة‬
‫التوحيد وحقيقة دين السلم كما في المسند عن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أنه قال للنبى‬
‫صلى ال عليه و سلم " وال يا ر سول ال ما أتيتك إل ب عد ما حل قت عدد أ صابعي هذه ‪ :‬أن ل‬
‫آتيك ‪ .‬فبالذي بعثك بالحق ‪ ،‬ما بعثك به ؟ قال ‪ :‬السلم ‪ .‬قال ‪ :‬وما السلم ؟ قال ‪ :‬أن تسلم‬
‫قلبعك وأن توجعه وجهعك إلى ال ‪ ،‬وأن تصعلي الصعلوات المكتوبعة ‪ ،‬وتؤدي الزكاة المفروضعة"‬
‫وأخرج مح مد بن ن صر المروزى من حديث خالد بن معدان عن أ بي هريرة قال ‪ :‬قال ر سول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم " إن لل سلم صوى ومنارا كمنار الطر يق ‪ .‬من ذلك أن تع بد ال ول‬
‫تشرك به شيئا وتق يم ال صلة وتؤ تي الزكاة وت صوم رمضان ‪ ،‬وال مر بالمعروف والن هي عن‬
‫المنكر" وهذا معنى قوله تعالى ‪" '22 : 31' :‬ومن يسلم وجهه إلى ال وهو محسن فقد استمسك‬
‫بالعروة الوثقى وإلى ال عاقبة المور" ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ " '28 - 26 : 43' :‬وإذ قال إبراهيم لبيه وقومه إنني براء مما تعبدون * إل‬
‫الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة باقية في عقبه " أي ل إله إل ال ‪.‬‬
‫فتدبر كيعف ععبر الخليعل عليعه السعلم ععن هذه الكلمعة العظيمعة بمعناهعا الذي دلت عليعه ‪.‬‬
‫ووض عت له من البراءة من كل ما يع بد من دون ال من المعبودات الموجودة في الخارج ‪:‬‬
‫كالكواكب والهياكل والصنام التى صورها قوم نوح على صور الصالحين ‪ :‬ود وسواع ويغوث‬
‫ويعوق ون سر ‪ ،‬وغير ها من الوثان والنداد ال تى كان يعبد ها المشركون بأعيان ها ‪ .‬ولم ي ستثن‬
‫معن جميعع المعبودات إل الذي فطره ‪ ،‬وهعو ال وحده ل شريعك له ‪ ،‬فهذا هعو الذي دلت عليعه‬
‫كلمة الخلص ‪ .‬كما قال تعالى ‪" '62 : 22' :‬ذلك بأن ال هو الحق وأن ما يدعون من دونه‬
‫هو الباطل" فكل عبادة يقصد بها غير ال ‪ :‬من دعاء وغيره فهي باطلة ‪ ،‬وهي الشرك الذي ل‬
‫يغفره ال ‪ ،‬قال تعالى ‪ " '73،74 : 40' :‬ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون * من دون ال قالوا‬
‫ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل ال الكافرين " ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪" ' 31 : 9 ' :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم"‬
‫‪.‬‬
‫وفعي الحديعث الصعحيح أن النعبي صعلى ال عليعه وسعلم تل هذه اليعة على عدي بعن حاتعم‬
‫الطائي فقال ‪" :‬يارسعول ال ‪ ،‬لسعنا نعبدهعم‪ .‬قال ‪ :‬أليعس يحلون لكعم معا حرم ال فتحلونعه ‪،‬‬
‫ويحرمون ما أحل ال فتحرمونه ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فتلك عبادتهم "‬
‫‪.‬‬
‫فصارت طاعتهم في المعصية عبادة لغير ال وبها اتخذوهم أربابا ‪ ،‬كما هو الواقع في هذه‬
‫المة ‪ ،‬وهذا من الشرك الكبر المنافي للتوحيد الذي هو مدلول شهادة ل إله إل ال ‪.‬‬
‫فتبين بهذه الية أن كلمة الخلص نفت هذا كله لمنافاته لمدلول هذه الكلمة ‪ .‬فأثبتوا ما نفته‬
‫من الشرك وتركوا ما أثبتته من التوحيد ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪" '165 : 2' :‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا يحبونهم كحب ال" فكل‬
‫معن اتخعذ ندا ل يدعوه معن دون ال ويرغعب إليعه ويرجوه لمعا يؤمله منعه معن قضاء حاجاتعه‬
‫وتفريج كرباته ‪ -‬كحال عباد القبور والطواغيت والصنام ‪ -‬فل بد أن يعظموهم ويحبوهم لذلك‬
‫‪ ،‬فإنهم أحبوهم مع ال وإن كانوا يحبون ال تعالى ‪.‬‬
‫ويقولون ل إله إل ال ويصعلون ويصعومون ‪ ،‬فقعد أشركوا بال فعى المحبعة بمحبعة غيره‬
‫وعبادة غيره فاتخاذهم النداد يحبونهم كحب ال يبطل كل قول يقولونه وكل عمل يعملونه ‪ .‬لن‬
‫المشرك ل يق بل منه ع مل ‪ ،‬ول يصح م نه ‪ .‬وهؤلء وإن قالوا ل إله إل ال فقد تركوا كل قيد‬
‫قيدت به هذه الكل مة العظي مة ‪ :‬من العلم بمدلول ها ‪ .‬لن المشرك جا هل بمعنا ها ‪ ،‬و من جهله‬
‫بمعنا ها ج عل ال شريكا في المحبة وغير ها ‪ ،‬وهذا هو الج هل المنا في للعلم ب ما دلت عليه من‬
‫الخلص ‪ :‬ولم يكن صادقا في قولها ‪ :‬لنه لم ينف ما نفته من الشرك ‪ ،‬ولم يثبت ما أثبتته من‬
‫الخلص وترك اليق ين أيضا ‪ ،‬ل نه لو عرف معنا ها و ما دلت عل يه لنكره أو شك ف يه ‪ ،‬ولم‬
‫يقبله وهو الحق ‪ ،‬ولم يكفر بما يعبد من دون ال ‪ ،‬كما في الحديث ‪ ،‬بل آمن بما يعبد من دون‬
‫ال باتخاذه ال ند ومحب ته له وعباد ته إياه من دون ال ك ما قال تعالى "والذ ين آمنوا أ شد حبا ل"‬
‫لنهعم اخلصعوا له الحعب فلم يحبوا إل إياه‪ ،‬ويحبون معن أحعب ويخلصعون أعمالهعم جميعا ل ‪،‬‬
‫ويكفرون بما عبد من دون ال ‪ .‬فبهذا يتبين لمن وفقه ال تعالى لمعرفة الحق وقبوله دللة هذه‬
‫اليات العظي مة على مع نى شهادة أن ل إله إل ال ‪ ،‬وعلى التوح يد الذي هو معنا ها الذي د عا‬
‫إليه جميع المرسلين ‪ .‬فتدبر ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقوله تعالى '‪ " '57 : 17‬أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب "‬
‫الية‪ ،‬يتبين معنى هذه الية بذكر ما قبلها ‪ ،‬وهو قوله تعالى "قل ادعوا الذين زعمتم من دونه‬
‫فل يملكون كشف الضر عنكم ول تحويلً" ‪.‬‬
‫قال ابن كثير رحمه ال ‪ :‬يقول تعالى (قل) يا محمد للمشركين الذين عبدوا غير ال "ادعوا‬
‫الذين زعمتم من دونه" من الصنام والنداد وارغبوا إليهم ‪ ،‬فإنهم ل يملكون كشف الضر عنكم‬
‫أي بالكلية (ول تحويل) أي ول يحولوه إلى غيركم ‪.‬‬
‫والمع نى ‪ :‬أن الذي يقدر على ذلك هو ال وحده ل شر يك له ‪ ،‬الذي له الخلق وال مر ‪ .‬قال‬
‫العو في عن ابن عباس فى الية ‪ :‬كان أهل الشرك يقولون ‪ :‬نعبد الملئكة والم سيح وعزيرا ‪،‬‬
‫وهم الذين يدعون ‪ .‬يعنى الملئكة والمسيح وعزيرا ‪.‬‬
‫وروى البخاري فى الية عن ابن مسعود رضى ال عنه قال ‪" :‬ناس من الجن كانوا يعبدون‬
‫فأسلموا " وفى رواية ‪" :‬كان ناس من النس يعبدون ناسا من الجن فأسلم الجن وتمسك هؤلء‬
‫بدينهم" ‪.‬‬
‫وقول ابن مسعود هذا يدل على أن الوسيلة هى السلم ‪ ،‬وهو كذلك على كل القولين ‪.‬‬
‫وقال السدي عن أبي صالح عن ابن عباس فى الية قال ‪ :‬عيسى وأمه وعزير وقال مغيرة‬
‫عن إبراه يم ‪ :‬كان ا بن عباس يقول فى هذه ال ية ‪ :‬هم عي سى وعز ير والش مس والق مر وقال‬
‫مجاهد ‪ :‬عيسى وعزير والملئكة ‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬يرجون رحمته ويخافون عذابه "ل ت تم العبادة إل بالخوف والرجاء ‪ ،‬فكل داع دعا‬
‫دعاء عبادة أو ا ستغاثة ل بد له من ذلك ‪ ،‬فإ ما أن يكون خائفا وإ ما أن يكون راجيا ‪ ،‬وإ ما أن‬
‫يجتمع فيه الوصفان ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪ ،‬في هذه الية الكريمة ‪ ،‬لما ذكر أقوال المفسرين ‪ :‬وهذه‬
‫القوال كلها حق ‪ ،‬فإن الية تعم من كان معبوده عابدا ل ‪ ،‬سواء كان من الملئكة أو من الجن‬
‫أو من البشر ‪ ،‬والسلف في تفسيرهم يذكرون تفسير جنس المراد بالية على نوع التمثيل ‪ ،‬كما‬
‫يقول الترجمان لمن سأله ‪ :‬ما معنى الخبز ؟ فيريه رغيفا ‪ ،‬فيقول هذا ‪ ،‬فالشارة إلى نوعه ل‬
‫إلى عينه ‪ ،‬وليس مرادهم من هذا تخصيص نوع من شمول الية ‪ ،‬فالية خطاب لكل من دعا‬
‫من دون ال مدعوا ‪ ،‬وذلك المدعو يبتغي الى ال الو سيلة وير جو رحمته ويخاف عذابه ‪ ،‬ف كل‬
‫من د عا ميتا أو غائبا من الولياء وال صالحين سواء كان بل فظ ال ستغاثة أو غير ها ف قد تناول ته‬
‫هذه الية الكريمة ‪ ،‬كما تتناول من دعا الملئكة والجن ‪ ،‬فقد نهى ال تعالى من دعائهم ‪ ،‬وبين‬
‫أن هم ل يملكون ك شف ال ضر عن الداع ين ول تحويله ‪ ،‬ول يرفعو نه بالكل ية ول يحولو نه من‬
‫مو ضع إلى مو ضع ‪ ،‬كتغي ير صفته أو قدره ‪ ،‬ولهذا قال ‪( :‬ول تحويل) فذ كر نكرة ت عم أنواع‬
‫التحو يل ‪ ،‬ف كل من د عا ميتا أو غائبا من الولياء وال صالحين أو د عا الملئ كة ف قد د عا من ل‬
‫يغيثه ول يملك كشف الضر عنه ول تحويله اهع ‪.‬‬
‫وفعى هذه اليعة رد على معن يدععو صعالحا ويقول ‪ :‬أنعا ل أشرك بال شيئا ‪ ،‬الشرك عبادة‬
‫الصنام ‪.‬‬

‫براءة إبراهيم مما يعبد قومه إل ال‬


‫قال‪( :‬وقوله " وإذ قال إبراهيعم لبيعه وقومعه إننعي براء ممعا تعبدون * إل الذي فطرنعي "‬
‫الية) قال ابن كثير ‪ :‬يقول تعالى مخبرا عن عبده ورسوله وخليله إمام الحنفاء ‪ ،‬ووالد من بعث‬
‫بعده من ال نبياء ‪ ،‬الذي تنت سب إل يه قر يش فى ن سبها ومذهب ها ‪ :‬أ نه تبرأ من أب يه وقو مه فى‬
‫عبادتهم الوثان فقال ‪ " :‬إنني براء مما تعبدون * إل الذي فطرني فإنه سيهدين * وجعلها كلمة‬
‫باق ية في عق به لعل هم يرجعون " أي هذه الكل مة و هي عبادة ال وحده ل شر يك له ‪ .‬وخلع ما‬
‫سواه من الوثان ‪ ،‬و هي ل إله إل ال جعل ها فى ذري ته يقتدى به في ها من هداه ال من ذر ية‬
‫إبراهيم عليه السلم (لعلهم يرجعون) أي إليها ‪.‬‬
‫قال عكرمة ومجاهد والضحاك وقتادة والسدي وغيرهم فى قوله ‪ " :‬وجعلها كلمة باقية في‬
‫عقبه لعلهم يرجعون " يعنى ل إله إل ل ل يزال في ذريته من يقولها ‪.‬‬
‫وروى ابن جرير عن قتادة " إنني براء مما تعبدون * إل الذي فطرني " قال ‪ :‬كانوا يقولون‬
‫‪ :‬ال ربنا ' ‪" '87 : 53‬ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن ال" فلم يبرأ من ربه رواه عبد بن حميد ‪.‬‬
‫وروى ابعن جريعر وابعن المنذر ععن قتادة " وجعلهعا كلمعة باقيعة فعي عقبعه " قال ‪ :‬الخلص‬
‫والتوحيد ل يزال في ذريته من يعبد ال ويوحده ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فتعبين أن معنعى ل إله إل ال توحيعد العبادة بإخلص العبادة له والبراءة معن كعل معا‬
‫سواه ‪.‬‬
‫قال الم صنف رح مه ال (وذ كر سبحانه أن هذه البراءة وهذه الموالة ‪ ،‬هي شهادة أن ل إله‬
‫إل ال) ‪.‬‬
‫وفى هذا المعنى يقول العلمة الحافظ ابن القيم رحمه ال فى الكلمة الشافية ‪:‬‬
‫طرا توله العظيم الشان‬ ‫وإذا توله امرؤ دون الورى‬
‫معنى واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا‬
‫قال ‪( :‬وقوله تعالى "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال" ‪ . . .‬الية) ‪.‬‬
‫الحبار ‪ :‬هم العلماء والرهبان هم العباد ‪ .‬وهذه ال ية قد ف سرها ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم لعدي بن حاتم ‪ ،‬وذلك أنه لما جاء مسلما دخل على رسول ال صلى ال عليه وسلم فقرأ‬
‫عليه هذه الية ‪ .‬قال ‪ :‬فقلت ‪ :‬إنهم لم يعبدوهم ‪ .‬فقال ‪ :‬بلى ‪ :‬إنهم حرموا عليهم الحلل وحللوا‬
‫لهم الحرام فاتبعوهم ‪ ،‬فذلك عبادتهم إياهم رواه أحمد والترمذي وحسنه ‪ ،‬وعبد بن حميد وابن‬
‫أبي حاتم والطبراني من طرق ‪.‬‬
‫قال ال سدي ‪ :‬ا ستنصحوا الرجال ونبذوا كتاب ال وراء ظهور هم ‪ .‬ولهذا قال تعالى ‪" :‬و ما‬
‫أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هعو سعبحانه عمعا يشركون" فإن الحلل معا أحله ال ‪،‬‬
‫والحرام ما حرمه ال ‪ ،‬والدين ما شرعه ال ‪.‬‬
‫فظهر بهذا أن الية دلت على أن من أطاع غير ال ورسوله ‪ ،‬وأعرض عن الخذ بالكتاب‬
‫والسنة فى تحليل ما حرم ال ‪ ،‬أو تحريم ما أحله ال ‪ ،‬وأطاعه فى معصية ال ‪ ،‬واتبعه فيما لم‬
‫يأذن به ال ‪ ،‬فقد اتخذه ربا ومعبودا وجعله ل شريكا ‪ ،‬وذلك ينافي‬
‫التوحيعد الذي هعو ديعن ال الذي دلت عليعه كلمعة الخلص (ل إله إل ال) فإن الله هعو‬
‫المعبود ‪ ،‬وقد سمى ال تعالى طاعتهم عبادة لهم ‪ ،‬وسماهم أربابا كما قال تعالى '‪" '80 : 3‬ول‬
‫يأمركم أن تتخذوا الملئكة والنبيين أربابا " أي شركاء ل تعالى في العبادة " أيأمركم بالكفر بعد‬
‫إذ أن تم م سلمون " وهذا هو الشرك ‪ .‬ف كل معبود رب ‪ ،‬و كل مطاع ومت بع على غ ير ما شر عه‬
‫ال ورسوله فقد اتخذا المطيع المتبع ربا ومعبودا ‪ ،‬كما قال تعالى في آية النعام ‪'121 : 6' :‬‬
‫"وإن أطعتمو هم إن كم لمشركون" وهذا هو و جه مطاب قة ال ية للترج مة ‪ ،‬ويش به هذه ال ية في‬
‫المعنى قوله تعالى '‪" '21 : 42‬أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به ال" وال أعلم‬
‫‪.‬‬
‫قال شيخ السلم في معنىقوله "اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال" وهؤلء الذين‬
‫اتخذوا أحبارهعم ورهبانهعم أربابا حيعث أطاعوهعم فعي تحليعل معا حرم ال وتحريعم معا أحعل ال‬
‫يكونون على وجهيعن ‪ :‬أحدهمعا ‪ :‬أن يعلموا أنهعم بدلوا ديعن ال فيتبعونهعم على هذا التبديعل ‪،‬‬
‫فيعتقدون تحل يل ما حرم ال أو تحر يم ما أ حل ال ‪ ،‬اتباعا لرؤ سائهم ‪ ،‬مع علم هم أن هم خالفوا‬
‫د ين الر سل ‪ .‬فهذا ك فر ‪ ،‬و قد جعله ال ور سوله شركا ‪ ،‬وإن لم يكونوا ي صلون ل هم وي سجدون‬
‫لهم ‪ .‬فكان من اتبع غيره في خلف الدين مع علمه أنه خلف للدين ‪ ،‬واعتقد ما قاله ذلك دون‬
‫ما قاله ال ورسوله ‪ ،‬مشركا مثل هؤلء ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يكون اعتقادهم وإيمانهم بتحريم الحرام وتحليل الحلل ثابتا ‪ ،‬لكنهم أطاعوهم في‬
‫معصية ال ‪ ،‬كما يفعل المسلم ما يفعله من المعاصي التي يعتقد أنها معاص ‪ ،‬فهؤلء لهم حكم‬
‫أمثالهم من أهل الذنوب ‪ ،‬كما قد ثبت "عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ :‬إنما الطاعة في‬
‫المعروف" ‪.‬‬
‫ثم ذلك المحرم للحلل والمحلل للحرام إن كان مجتهدا ق صده اتباع الر سل ل كن خ فى عل يه‬
‫الحق في نفس المر وقد اتقى ال ما استطاع ‪ ،‬فهذا ل يؤاخذه ال بخطئه بل يثيبه على اجتهاده‬
‫الذي أطاع به ربه ‪ .‬ولكن من علم أن هذا أخطأ فيما جاء به الرسول ثم اتبعه على خطئه وعدل‬
‫عن قول الر سول ‪ .‬فهذا له ن صيب من هذا الشرك الذي ذ مه ال ‪ ،‬ل سيما إن ات بع ذلك هواه‬
‫ونصره باليد واللسان مع علمه أنه مخالف للرسول ‪ .‬فهذا شرك يستحق صاحبه العقوبة عليه ‪،‬‬
‫ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف الحق ل يجوز له تقليد أحد في خلفه ‪ ،‬وإنما تنازعوا في‬
‫جواز التقل يد للقادر على ال ستدلل ‪ .‬وإن كان عا جز عن إظهار ال حق الذي يعل مه ‪ .‬فهذا يكون‬
‫ك من عرف أن الد ين ال سلم حق و هو ب ين الن صارى ‪ ،‬فإذا ف عل ما يقدر عل يه من ال حق ل‬
‫يؤا خذ ب ما ع جز ع نه ‪ ،‬وهؤلء كالنجا شي وغيره ‪ .‬و قد أنزل ال في هؤلء اليات من كتا به‬
‫كقوله تعالى ‪" ' 199 : 3' :‬وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بال وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم"‬
‫وقوله ‪" ' 83 : 5' :‬وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا‬
‫من الحق " الية وقوله '‪" ' 159 : 7‬ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون " ‪ .‬وأما إن‬
‫كان المت بع للمجت هد عاجزا عن معر فة ال حق على التفض يل و قد ف عل ما يقدر عل يه مثله ‪ :‬من‬
‫الجتهاد فعي التقليعد فهذا ل يؤاخعذ إن أخ طأ كمعا فعي القبلة ‪ .‬وأمعا معن قلد شخصعا دون نظيره‬
‫بمجرد هواه ‪ ،‬ون صره بيده ول سانه من غ ير علم أن م عه ال حق ‪ ،‬فهذا من أ هل الجاهل ية ‪ ،‬وإن‬
‫كان متبوععه مصعيبا لم يكعن عمله صعالحا ‪ ،‬وإن كان متبوععه مخطئا كان آثما ‪ .‬كمعن قال فعى‬
‫القرآن برأ يه ‪ ،‬فإن أ صاب ف قد أخ طأ ‪ ،‬وإن أخ طأ فليتبوأ مقعده من النار ‪ ،‬وهؤلء من ج نس‬
‫مانع الزكاة الذي تقدم فيه الوع يد ‪ ،‬ومن جنس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة ‪ ،‬فإن‬
‫ذلك لما أحب المال منعه من عبادة ال وطاعته وصار عبدا له‪ ،‬وكذلك هؤلء فيكون فيهم شرك‬
‫أصغر ‪ ،‬ولهم من الوعيد بحسب ذلك ‪ ،‬وفي الحديث ‪" :‬إن يسير الرياء شرك" وهذا مبسوط عند‬
‫النصوص التى فيها إطلق الكفر والشرك على كثير الذنوب ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫معنى اتخاذ النداد من دون ال‬
‫وقال أ بو جع فر بن جر ير فى مع نى قول ال تعالى "وتجعلون له أندادا" أي وتجعلون ل من‬
‫خلق ذلك أندادا وهم الكفاء من الرجال تطيعونهم فى معاصى ال ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬كما هو الواقع من كثير ومن عباد القبور ‪.‬‬
‫قال ‪( :‬وقوله '‪" '165 : 2‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا يحبونهم كحب ال "‪. . .‬‬
‫‪ ).‬الية ‪.‬‬
‫قال العماد ا بن كث ير رح مه ال ‪ :‬يذ كر ال حال المشرك ين به فى الدن يا ومآل هم فى الدار‬
‫الخرة ‪ ،‬حيث جعلوا ل أندادا ‪ ،‬أي أمثالً ونظراء يعبدون هم معه ويحبون هم كحبه ‪ ،‬و هو ال ل‬
‫إله إل هو ‪ ،‬ول ضد له ول ند له ‪ ،‬ول شريك معه ‪ .‬وفى لصحيحين عن "عبد ال بن مسعود‬
‫رضعى ال عنعه قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يعا رسعول ال ؟ أي الذنعب أعظعم ؟ قال ‪ :‬أن تجععل ل ندا وهعو‬
‫خلقك" ‪.‬‬
‫وقوله ‪" :‬والذين آمنوا أ شد حبا ل" ولحبهم ل تعالى وتمام معرفت هم به وتوقير هم وتوحيد هم‬
‫ل يشركون به شيئا ‪ .‬بل يعبدونه وحده ويتوكلون عليه ‪ ،‬ويلجأون فى جميع أمورهم إليه ‪ .‬ثم‬
‫توععد تعالى المشركيعن بعه ‪ ،‬الظالميعن لنفسعهم بذلك ‪ .‬فقال تعالى ‪" :‬ولو يرى الذيعن ظلموا إذ‬
‫يرون العذاب أن القوة ل جميعا" قال بعضهعم تقديعر الكلم ‪ ،‬لو عاينوا العذاب لعلموا حينئذ أن‬
‫القوة ل جميعا ‪ ،‬أي أن الحكعم له وحده ل شريعك له ‪ ،‬فإن جميعع الشياء تحعت قهره وغلبتعه‬
‫و سلطانه " وأن ال شديد العذاب " ك ما قال تعالى ‪ " '26 ، 25 : 89' :‬فيومئذ ل يعذب عذابه‬
‫أحد * ول يوثق وثاقه أحد " يقول ‪ :‬لو علموا ما يعانون هناك وما يحل بهم من المر الفظيع‬
‫المن كر الهائل على شرك هم وكفر هم لنتهوا ع ما هم ف يه من الضلل ‪ .‬ثم أ خبر عن كفر هم‬
‫بأعوان هم و تبرؤ المتبوع ين من التابع ين ‪ .‬فقال تعالى ‪" :‬إذ تبرأ الذ ين اتبعوا من الذ ين اتبعوا"‬
‫ترأت منهم الملئكة الذين كانوا يزعمون أنهم يعبدونهم فى الدار الدنيا ‪ ،‬فتقول الملئكة '‪: 28‬‬
‫‪" '63‬تبرأنا إليك ما كانوا إيانا يعبدون" ويقولون ' ‪" '41 : 34‬سبحانك أنت ولينا من دونهم بل‬
‫كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون" الجن أيضا يتبرأون منهم ويتنصلون من عبادتهم لهم ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ " '6 ، 5 : 46' :‬ومن أضل ممن يدعو من دون ال من ل يستجيب له إلى يوم‬
‫القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " ‪.‬‬
‫انتهى كلمه ‪.‬‬
‫روى ابعن جريعر ععن كلمعه فعي قوله تعالى "يحبونهعم كحعب ال" مباهاة ومضاهاة للحعق‬
‫سبحانه بالنداد "والذين آمنوا أشد حبا ل" من الكفار لوثانهم ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال تعالى (ومن المور المبينة لتفسير التوحيد وشهادة أن ل إله إل ال‬
‫‪ :‬آ ية البقرة في الكفار الذ ين قال تعالى في هم "و ما هم بخارج ين من النار" ذ كر أن هم يحبون‬
‫أنداد هم ك حب ال ‪ ،‬فدل على أن هم يحبون ال حبا عظيما ‪ ،‬فلم يدخلوا في ال سلم ‪ ،‬فك يف ب من‬
‫أحب الند أكبر من حب ال ؟ فكيف بمن لم يحب إل الند وحده ؟) ا هع ‪.‬‬
‫ف فى ال ية بيان أن من أشرك مع ال تعالى غيره فى المح بة ف قد جعله شريكا ل فى العبادة‬
‫واتخذه ندا من دون ال ‪ ،‬وأن ذلك هو الشرك الذى ل يغفره ال ‪ ،‬كما قال تعالى فى أولئك "وما‬
‫هعم بخارجيعن معن النار" وقوله ‪" :‬ولو يرى الذيعن ظلموا إذ يرون العذاب" المراد بالظلم هنعا‬
‫الشرك ‪ .‬كقوله ‪" ' 82 : 7' :‬ولم يلبسوا إيمانهم بظلم" كما تقدم ‪ .‬فمن أحب ال وحده ‪ ،‬وأحب‬
‫فيه وله فهو مخلص ‪ ،‬ومن أحبه وأحب معه غيره ‪ ،‬فهو مشرك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪، 21 : 2' :‬‬
‫‪ " '22‬يا أي ها الناس اعبدوا رب كم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعل كم تتقون * الذي ج عل لكم‬
‫الرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقا لكم فل تجعلوا‬
‫ل أندادا وأنتم تعلمون "‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال ما معناه ‪ :‬فمن رغب إلى غير ال فى قضاء حاجة أو‬
‫تفريج كربة ‪ :‬لزم أن يكون محبا له ومحبته هى الصل فى ذلك ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫فكل مة الخلص ل إله إل ال تن فى كل شرك ‪ .‬فى أى نوع كان من أنواع العبادة ‪ ،‬وتث بت‬
‫العبادة بجم يع أفراد ها ل تعالى ‪ .‬و قد تقدم بيان أن الله هو المألوه الذى تأل هه القلوب بالمح بة‬
‫وغير ها من أنواع العبادة فل إله إل ال ‪ ،‬ن فت ذلك كله عن غ ير ال ‪ ،‬وأثبت ته ل وحده ‪ .‬فهذا‬
‫هو ما دلت عليه كلمة الخلص مطابقة ‪ ،‬فلبد من معرفة معناها واعتقاده ‪ ،‬وقبوله ‪ ،‬والعمل‬
‫به باطنا وظاهرا ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫قال العل مة ا بن الق يم رح مه ال تعالى ‪ :‬فتوح يد المحبوب أن ل يتعدد محبو به ‪ ،‬أى مع ال‬
‫تعالى بعبادته له ‪ ،‬وتوحيد الحب ‪ :‬أن ل يبقى فى قلبه بقية حب حتى يبذلها له ‪ ،‬فهذا الحب ‪-‬‬
‫وإن سمى عشقا ‪ -‬فهو غاية صلح العبد ونعيمه وقرة عينه ‪ ،‬وليس لقلبه صلح ول نعيم إل‬
‫بأن يكون ال ورسوله أحب إليه من كل ما سواهما ‪ ،‬وأن تكون محبته لغير ال تابعة لمحبة ال‬
‫تعالى ‪ ،‬فل يحعب إل ال ‪ ،‬ول يحعب إل ال ‪ ،‬كمعا فعى الحديعث الصعحيح ثلث معن كعن فيعه‬
‫الحد يث ومح بة ر سول ال صلى ال عليه و سلم هى من مح بة ال ‪ ،‬ومح بة المرء إن كانت ل‬
‫فهى من محبته ‪ ،‬وإن كانت لغير ال فهى منقصة لمحبة ال مضعفة لها ‪ ،‬ويصدق هذه المحبة‬
‫بأن تكون كراهيته لبغض الشياء إلى ال محبوبه وهو الكفر ‪ -‬بمنزلة كراهيته للقائه فى النار‬
‫أو أشعد ‪ ،‬ول ريعب أن هذا معن أعظعم المحبعة ‪ ،‬فإك الن سان ل يقدم على محبعة نفسعه وحياتعه‬
‫شيئا ‪ ،‬فإذا قدم محبعة اليمان بال على نفسعه بحيعث لو خيعر بيعن الكفعر وبيعن إلقائه فعى النار‬
‫لختار أن يل قى فى النار ول يك فر ‪ ،‬كان أ حب إليه من نف سه ‪ ،‬وهذه المح بة هى فوق ما يجده‬
‫العشاق المحبون من مح بة محبوبي هم ‪ ،‬بل ل نظ ير لهذه المح بة ‪ .‬ك ما ل م ثل ل من تعل قت به ‪،‬‬
‫وهعى محبعة تقتضعى تقديعم المحبوب فيهعا على النفعس والمال والولد ‪ .‬وتقتضعى كمال الذل‬
‫والخضوع والتعظيعم والجلل والطاععة والنقياد ظاهرا وباطنا ‪ .‬وهذا ل نظيعر له فعى محبعة‬
‫المخلوق ‪ ،‬ولو كان المخلوق معن كان ‪ .‬ولهذا معن أشرك بيعن ال وبيعن غيره فعى هذه المحبعة‬
‫الخا صة كان مشركا شركا ل يغفره ال ‪ .‬ك ما قال تعالى ‪" :‬و من الناس من يت خذ من دون ال‬
‫أندادا يحبونهم كحب ال والذين آمنوا أشد حبا ل" والصحيح ‪ :‬أن معنى الية ‪ :‬أن الذين آمنوا‬
‫أشد حبا من ال أهل النداد لندادهم ‪ .‬كما تقدم أن محبة المؤمنين لربهم ل يماثلها محبة مخلوق‬
‫أ صلً ‪ ،‬ك ما ل يما ثل محبوب هم غيره ‪ ،‬و كل أذى فى مح بة غيره ف هو نع يم فى محب ته ‪ .‬و كل‬
‫مكروه فعى محبعة غيره فهعو قرة عيعن محبتعه ‪ .‬ومعن ضرب لمحبتعه المثال التعى فعى محبعة‬
‫المخلوق للمخلوق ‪ :‬كالوصل ‪ ،‬والهجر والتجنى بل سبب من المحب ‪ ،‬وأمثال ذلك مما يتعالى‬
‫ال عنه علوا كبيرا ‪ .‬فهو مخطىء أقبح الخطأ وأفحشه ‪ ،‬وهو حقيق بالبعاد والمقت ‪ .‬انتهى ‪.‬‬

‫من هو الذي يحرم ماله ودمه‬


‫(وفى "الصحيح عن النبى صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ :‬من قال ل إله إل ال وكفر بما‬
‫يعبد من دون ال حرم ماله ودمه وحسابه على ال )" قوله فى الصحيح ‪ :‬أى صحيح مسلم عن‬
‫أبى مالك الشجعى عن أبيه عن النبى صلى ال عليه وسلم فذكره ‪.‬‬
‫وأ بو مالك ا سمه سعد بن طارق ‪ ،‬كو فى ث قة مات فى حدود الربع ين ومائة ‪ .‬وأبوه طارق‬
‫بن أشيم ‪ -‬بالمعجمة والمثناة التحتية وزن أحمر ‪ -‬ابن مسعود الشجعى ‪ ،‬صحابى له أحاديث‬
‫‪ .‬قال مسلم ‪ :‬لم يرو عنه غير ابنه ‪ .‬وفى مسند المام أحمد عن أبى مالك قال ‪ :‬وسمعته يقول‬
‫للقوم ‪ ":‬من و حد ال وك فر ب ما يع بد من دون ال حرم ماله ود مه وح سابه على ال عز و جل"‬
‫ورواه المام أحمد من طريق يزيد بن هارون قال أخبرنا أبو مالك الشجعى عن أبيه ‪ .‬ورواه‬
‫أحمعد ععن عبعد ال بعن إدريعس قال ‪ :‬سعمعت أبعا مالك قال ‪ :‬قلت لبعى ‪ -‬الحديعث ‪ .‬وروايعة‬
‫الحديث بهذا اللفظ تفسر ‪ :‬ل إله إل ال ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬معن قال ل إله إل ال وكفعر يمعا يعبعد معن دون ال) اعلم أن النعبى صعلى ال عليعه‬
‫وسلم علق عصمة المال والدم فى هذا الحديث بأمرين ‪.‬‬
‫الول ‪ :‬قول ل إله إل ال عن علم ويقين ‪ ،‬كما هو قيد فى قولها فى غير ما حديث كما تقدم‬
‫‪.‬‬
‫والثانى ‪ :‬الكفر بما يعبد من دون ال ‪ ،‬فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى ‪ ،‬بل لبد من‬
‫قولها والعمل بها ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وفيه معنى '‪" '256 : 2‬فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بال فقد استمسك بالعروة الوثقى‬
‫ل انفصام لها" ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال تعالى ‪( :‬وهذا من أعظم ما يبين معنى ل إله إل ال ‪ ،‬فإنه لم يجعل‬
‫اللفظ بها عاصما للدم والمال ‪ ،‬بل ول معرفة معناها مع لفظها ‪ ،‬بل ول القرار بذلك ‪ ،‬بل ول‬
‫كونه ل يدعو إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬بل ل يحرم ماله ودمه حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما‬
‫يعبد من دون ال ‪ ،‬فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه ‪ .‬فيا لها من مسألة ما أجلها ويا له من‬
‫بيان ما أوضحه ‪ ،‬وحجة ما أقطعها للمنازع) انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا هعو الشرط المصعحح لقوله ‪ :‬ل إله إل ال فل يصعح قولهعا بدون هذا الخمعس‬
‫ال تى ذكر ها الم صنف رح مه ال أ صلً ‪ .‬قال تعالى ‪" '39 : 8' :‬وقاتلو هم ح تى ل تكون فت نة‬
‫ويكون الدين كله ل" وقال ‪ " :‬فاقتلوا المشرك ين حيث وجدتمو هم وخذو هم واح صروهم واقعدوا‬
‫لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم " أمر بقتالهم حتى يتوبوا من‬
‫الشرك ويخلصعوا أعمالهعم ل تعالى‪ ،‬ويقيموا الصعلة ‪ ،‬ويؤتوا الزكاة ‪ ،‬فإن أبوا ععن ذلك أو‬
‫بعضه قوتلوا إجماعا ‪.‬‬
‫وفى صحيح مسلم عن "أبى هريرة مرفوعا أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن ل إله إل‬
‫ال ‪ ،‬ويؤمنوا بعى وبمعا جئت بعه‪ ،‬فإذا فعلوا ذلك عصعموا منعى دماءهعم وأموالهعم إل بحقهعا‬
‫وح سابهم على ال" و فى "ال صحيحين عن ا بن ع مر قال ‪:‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫أمرت أن أقاتعل الناس حتعى يشهدوا أن ل إله إل ال وأن محمدا رسعول ال ويقيموا الصعلة‬
‫ويؤتوا الزكاة ‪ .‬فإذا فعلوا ذلك عصعموا منعى دماءهعم وأموالهعم إل بحقهعا وحسعابهم على ال"‬
‫وهذان الحديثان تفسير اليتين ‪ :‬آية النفال ‪ ،‬وآية براءة ‪ .‬وقد أجمع العلماء على أن من قال ‪:‬‬
‫ل إله إل ال ولم يعت قد معنا ها ولم يع مل بمقتضا ها ‪ .‬أ نه يقا تل ح تى يع مل ب ما دلت عل يه من‬
‫النفى والثبات ‪.‬‬
‫قال أبو سليمان الخطابى رحمه ال فى قوله ‪ :‬أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا ‪ :‬ل إله إل‬
‫ال معلوم أن المراد بهذا أهعل عبادة الوثان ‪ ،‬دون أهعل الكتاب ‪ ،‬لنهعم يقولون ‪ :‬ل إله إل ال‬
‫ثم يقاتلون ول يرفع عنهم السيف ‪.‬‬
‫وقال القا ضى عياض ‪ :‬اخت صاص ع صمة المال والن فس ب من قال ل إله إل ال ت عبير عن‬
‫الجابعة إلى اليمان ‪ ،‬وأن المراد بذلك مشركعو العرب وأهعل الوثان ‪ ،‬فأمعا غيرهعم ممعن يقعر‬
‫بالتوحيد ‪ ،‬فل يكتفى فى عصمته بقول ل إله إل ال إذ كان يقولها فى كفره‪.‬‬
‫انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫وقال النووى ‪ :‬لبد مع هذا من اليمان بجميع ما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم كما‬
‫جاء فى الرواية ويؤمنوا بى وبما جئت به ‪.‬‬
‫وقال ش يخ ال سلم ‪ ،‬ل ما سئل عن قتال التتار فقال ‪ :‬كل طائ فة ممتن عة عن التزام شرائع‬
‫السلم الظاهرة من هؤلء القوم أو غيرهم فإنه يجب قتالهم حتى يلتزموا شرائعه ‪ ،‬وإن كانوا‬
‫مع ذلك ناطقين بالشهادتين وملتزمين بعض شرائعه ‪ .‬كما قاتل أبو بكر والصحابة رضى ال‬
‫عنهعم مانععى الزكاة ‪ .‬وعلى هذا اتفعق الفقهاء بعدهعم ‪ .‬قال ‪ :‬فأيمعا طائفعة امتنععت ععن بععض‬
‫الصعلوات المفروضات أو الصعيام ‪ ،‬أو الحعج أو ععن التزام تحريعم الدماء ‪ ،‬أو الموال أو‬
‫الخمر ‪ ،‬أو الميسر أو نكاح ذوات المحارم ‪ ،‬أو عن التزام جهاد الكفار ‪ .‬أو غير ذلك من التزام‬
‫واجبات الدين ومحرماته التى ل عذر لحد فى جحودها أو تركها ‪ ،‬التى يكفر الواحد بجحودها‬
‫‪ .‬فإن الطائفة الممتنعة تقاتل عليها وإن كانت مقرة بها ‪ ،‬وهذا مما ل أعلم فيه خلفا بين العلماء‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬وهؤلء عند المحققين ليسوا بمنزلة البغاة ‪ ،‬بل هم خارجون عن السلم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وحسعابه على ال) أي ال تبارك وتعالى هعو الذى يتولى حسعاب الذي يشهعد بلسعانه‬
‫بهذه الشهادة ‪ ،‬فإن كان صادقا جازاه بجنات النع يم ‪ ،‬وإن كان منافقا عذ به العذاب الل يم ‪ .‬وأ ما‬
‫فعى الدنيعا فالحكعم على الظاهعر ‪ ،‬فمعن أتعى بالتوحيعد ولم يأت بمعا ينافيعه ظاهرا والتزم شرائع‬
‫السلم وجب الكف عنه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأفاد الحديث أن النسان قد يقول ل إله إل ال ول يكفر بما يعبدون من دون ال فلم‬
‫يأت بما يعصم دمه وماله كما دل على ذلك اليات المحكمات والحاديث ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وشرح هذه الترجمة ما بعدها من البواب) قلت ‪ :‬وأن ما بعدها من البواب فيه ما‬
‫يبين التوح يد ويو ضح مع نى ل إله إل ال وف يه أيضا ‪ :‬بيان أشياء كثيرة من الشرك ال صغر‬
‫والكعبر ومعا يوصعل إلى ذلك معن الغلو والبدع ‪ ،‬ممعا تركعه معن مضمون ل إله إل ال فمعن‬
‫عرف ذلك وتحققعه تعبين له معنعى ل إله إل ال ومعا دلت عليعه معن الخلص ونفعى الشرك ‪،‬‬
‫وبضدها تتبين الشياء ‪ ،‬فبمعرفة الصغر من الشرك يعرف ما هو أعظم منه من الشرك الكبر‬
‫المنا فى للتوح يد ‪ ،‬وأ ما ال صغر فإن ما ينا فى كماله ‪ ،‬ف من اجتن به ف هو المو حد حقا ‪ ،‬وبمعر فة‬
‫وسائل الشرك والنهى عنها لتجتنب تعرف الغايات التى نهى عن الوسائل لجلها ‪ ،‬فإن اجتناب‬
‫ذلك كله ي ستلزم التوح يد والخلص بل يقتض يه ‪ .‬وف يه أيضا من أدلة التوح يد إثبات ال صفات‬
‫وتنزيه الرب تعالى عما ل يليق بجلله وكل ما يعرف بال من صفات كماله وأدلة ربوبيته يدل‬
‫على أنه هو المعبود وحده ‪ ،‬وأن العبادة ل تصلح إل له ‪ ،‬وهذا هو التوحيد ‪ ،‬ومعنى شهادة أن‬
‫ل إله إل ال ‪.‬‬

‫من الشرك اتخاذ الحلقة والخيط ونحوهما‬


‫قوله ‪( :‬باب من الشرك لبس الحلقة والخيط ونحوهما ‪ ،‬لرفع البلء أو دفعه)‬
‫رفعه ‪ :‬إزالته بعد نزوله ‪ .‬دفعه ‪ :‬منعه قبل نزوله ‪.‬‬
‫قال ‪( :‬وقول ال تعالى ‪ " '38 : 36' :‬قل أفرأي تم ما تدعون من دون ال إن أراد ني ال‬
‫بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته ") ‪.‬‬
‫قال ابن كثير ‪ :‬أي ل تستطيع شيئا من المر (قل حسبى ال) أي ال كافى من توكل عليه‬
‫(عليه يتوكل المتوكلون) كما قال هود عليه السلم حين قال قومه ' ‪ " '56 - 54 : 11‬إن نقول‬
‫إل اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد ال واشهدوا أني بريء مما تشركون * من دونه‬
‫فكيدونعي جميععا ثعم ل تنظرون * إنعي توكلت على ال ربعي وربكعم معا معن دابعة إل هعو آخعذ‬
‫بناصيتها إن ربي على صراط مستقيم " قال مقاتل فى معنى الية ‪ :‬فسألهم النبى صلى اله عليه‬
‫وسلم فسكتوا ‪ .‬أي لنهم ل يعتقدون ذلك فيها‪.‬‬
‫وإنما كانوا يدعونها على معنى أنها وسائط وشفعاء عند ال ‪ ،‬ل على أنهم يكشفون الضر ‪،‬‬
‫ويجيبون دعاء المضطر‪ ،‬فهم يعلمون أن ذلك ل وحده ‪ .‬كما قال تعالى ‪ " '54 ، 53 : 16' :‬ثم‬
‫إذا مسكم الضر فإليه تجأرون * ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فهذه الية وأمثالها تبطل تعلق القلب بغير ال فى جلب أو دفع ضر ‪ ،‬وأن ذلك شرك‬
‫بال ‪ .‬وفى الية بيان أن ال تعالى وسم أهل الشرك بدعوة غير ال والرغبة إليه من دون ال ‪.‬‬
‫والتوحيد ضد ذلك ‪ .‬وهو أن ل يدعو إل ال ‪ ،‬ول يرغب إل إليه ‪ ،‬ول يتوكل إل عليه ‪ ،‬وكذا‬
‫جميع أنواع العبادة ل يصلح منها شئ لغير ال ‪ .‬كما دل على ذلك الكتاب والسنة وإجماع سلف‬
‫المة وأئمتها كما تقدم ‪.‬‬

‫حديث عمران بن حصين في تعليق الحلقة وأنها ل تزيد صاحبها إل وهناص‬


‫قال ‪"( :‬وعن عمران بن حصين أن النبى صلى ال عليه وسلم رأى رجلً فى يده حلقة من‬
‫صفر فقال ‪ :‬ما هذه ؟ قال‪ :‬من الواه نة‪ .‬قال ‪ :‬انزع ها فإن ها ل تزيدك إل وهنا ‪ ،‬فإ نك لو مت‬
‫وهى عليك ما أفلحت أبدا " رواه أحمد بسند ل بأس به) ‪.‬‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا خلف بن الوليد حدثنا المبارك عن "الحسن قال ‪ :‬أخبرنى عمران بن‬
‫حصين أن النبى صلى ال عليه وسلم أبصر على عضد رجل حلقة ‪ -‬قال أراها من صفر ‪-‬‬
‫فقال ‪ :‬ويحك ما هذه ؟ قال ‪ :‬من الواهنة ‪ .‬قال ‪ :‬أما إنها ل تزيدك إل وهنا ‪ .‬انبذها عنك فإنك‬
‫لو مت وهي عليك ما أفلحت أبدا " رواه ابن حبان في صحيحه فقال ‪ :‬فإنك لو مت وكلت إليها‬
‫والحا كم وقال‪ :‬صحيح ال سناد ‪ ،‬وأقره الذ هبي ‪ ،‬وقال الحا كم ‪ :‬أك ثر مشايخ نا على أن الح سن‬
‫سمع من عمران ‪ ،‬وقوله في السناد ‪ :‬أخبرني عمران يدل على ذلك ‪.‬‬
‫قوله (عن عمران بن حصين) أي ابن عبيد خلف الخذاعي ‪ ،‬أبو نجيد ‪-‬بنون وجيم‪ -‬مصغر‬
‫‪ ،‬صحابي عن صحابي ‪ ،‬أسلم عام خيبر‪ ،‬ومات سنة اثنتين وخمسين بالبصرة ‪.‬‬
‫قوله (رأى رجلً) فعي روايعة الحاكعم دخلت على رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم وفعي‬
‫عضدي حلقة صفر ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذه الحديث فالمبهم في رواية أحمد هو عمران راوي الحديث ‪.‬‬
‫قوله ( ما هذه) يحت مل أن ال ستفهام لل ستفسار عن سبب لب سها ‪ ،‬ويحت مل أن يكون للنكار‬
‫وهو أشهر ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬من الواهنة) قال أبو السعادات ‪ :‬الواهنة عرق يأخذ في المنكب واليد كلها ‪ ،‬فيرقى‬
‫منها ‪ ،‬وقيل هو مرض يأخذ في العضد ‪ ،‬وهي تأخذ الرجال دون النساء وإنما نهى عنها لنه‬
‫إنما اتخذها على أنها تعصمه من اللم ‪ ،‬وفيه اعتبار المقاصد ‪.‬‬
‫قوله(انزعها فإنها ل تزيدك إل وهنا) النزع هو الجذب بقوة ‪ ،‬أخبر أنها ل تنفعه بل تضره‬
‫وتزيده ضعفا ‪ ،‬وكذلك كل أمر نهى عنه فإنه ل ينفع غالبا وإن نفع بعضه فضره أكبر من نفعه‬
‫‪.‬‬
‫قوله (فإنعك لو معت وهعو عليعك معا أفلحعت أبدا) لنعه شرك ‪ ،‬والفلح هعو الفوز والظفعر‬
‫والسعادة ‪.‬‬
‫قال المصعنف رحمعه ال تعالى ‪ ( :‬فيعه شاهعد لكلم الصعحابة ‪ :‬إن الشرك الصعغر أكعبر‬
‫الكبائر ‪ ،‬وأنه لم يعذر بالجهالة ‪ .‬وفيه النكار بالتغليظ على من فعل مثل ذلك ) ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬رواه أحمد بسند ل بأس به ) هو المام أحمد بن حنبل بن هلل ابن أسد بن إدريس‬
‫بن عبد ال بن حسان بن عبد ال بن أنس بن عوف بن قاسط بن مازن ابن شيبان بن ذهل بن‬
‫ثعلبة بن عكابة بن صعب بن علي بن بكر بن وائل بن قاسط بن هنب بن أفصى بن دعمى بن‬
‫جديلة بن أ سعد بن ربي عة بن نزار بن م عد بن عدنان _ المام العالم أ بو ع بد ال الذهلي ثم‬
‫الشيبا ني المروزي ثم البغدادي ‪ ،‬إمام أ هل ع صره وأعلم هم بالف قه والحد يث ‪ ،‬وأشد هم ورعا‬
‫ومتابعة للسنة ‪ ،‬وهو الذي يقول فيه بعض أهل السنة ‪ :‬عن الدنيا ما كان أصبره ‪ ،‬وبالماضين‬
‫ما كان أشبهه ‪ ،‬أتته الدنيا فأباها ‪ ،‬والشبه فنفاها ‪ ،‬خرج به من مرو وهو حمل فولد ببغداد سنة‬
‫أربع وستين ومائة في شهر ربيع الول ‪.‬‬
‫وطلب أحمد العلم سنة وفاة مالك ‪ ،‬وهي سنة تسع وسبعين فسمع من هشيم وجرير بن عبد‬
‫الحميد وسفيان بن عيينة ومعتمر بن سليمان ويحيى بن سعيد القطان ومحمد بن إدريس الشافعي‬
‫ويزيعد بعن هرون وعبعد الرزاق وعبعد الرحمعن بعن مهدي وخلق ل يحصعون بمكعة والبصعرة‬
‫والكوفة وبغداد واليمن وغيرها من البلد ‪ .‬روى عنه ابناه صالح وعبد ال ‪ ،‬والبخاري ومسلم‬
‫وأ بو داود وإبراه يم الحر بي وأ بو زر عة الرازي وأ بو زر عة الدمش قي وع بد ال بن أ بي الدن يا‬
‫وأ بو ب كر الثرم وعثمان بن سعيد الدار مي وأ بو القا سم البغوى ‪ ،‬و هو آ خر من حدث ع نه ‪،‬‬
‫وروى ع نه من شيو خه ع بد الرح من بن مهدي وال سود بن عا مر ‪ ،‬و من أقرا نه علي المدي ني‬
‫ويح يى بن مع ين ‪ .‬قال البخاري ‪ :‬مرض أح مد لليلت ين خل تا من رب يع الول ومات يوم الجم عة‬
‫لثن تي عشرة خلت م نه ‪ ،‬وقال حن بل ‪ :‬مات يوم الجم عة في رب يع الول سنة إحدى وأربع ين‬
‫ومائتين وله سبع وسبعون سنة ‪ .‬وقال ابنه عبد ال والفضل بن زياد ‪ :‬مات في ثاني عشر ربيع‬
‫الخر رحمه ال تعالى ‪.‬‬
‫حديث من تعلق تميمة فل أتم ال له إلخ‬
‫قوله ‪ ( :‬وله عن عقبة بن عامر مرفوعا من تعلق تميمة فل أتم ال له ‪ ،‬ومن تعلق ودعة‬
‫فل ودع ال له و في روا ية ‪ :‬من تعلق تمي مة ف قد أشرك ) الحد يث الول رواه المام أح مد‬
‫كما قال المصنف ‪ ،‬ورواه أيضا أبو يعلى والحاكم وقال ‪ :‬صحيح السناد وأقره الذهبى ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وفى رواية) أي من حديث آخر رواه أحمد فقال ‪ :‬حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث‬
‫حدثنا عبد العزيز بن مسلم حدثنا يزيد بن أبي منصور عن دجين الحجرى عن عقبة بن عامر‬
‫الجهنى "أن رسول ال صلى ال عليه وسلم أقبل إليه رهط فبايع تسعة وأمسك عن واحد ‪ ،‬فقالوا‬
‫يا ر سول ال ‪ ،‬باي عت ت سعة وأم سكت عن هذا ؟ فقال ‪ :‬إن عل يه تمي مة فأد خل يده فقطع ها ‪،‬‬
‫فبايعه وقال ‪ :‬من تعلق تميمة فقد أشرك" ورواه الحاكم ونحوه ‪ .‬ورواته ثقات ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬عن عقبة بن عامر) صحابى مشهور فقيه فاضل ‪ ،‬ولى إمارة مصر لمعاوية ثلث‬
‫سنين ومات قريبا من الستين ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬من تعلق تميمة) أي علقها متعلقا بها قلبه فى طلب خير أو دفع شر ‪ ،‬قال المنذري‬
‫‪ :‬خرزة كانوا يعلقونها يرون أنها تدفع عنهم الفات ‪ ،‬وهذا جهل وضللة ‪ ،‬إذ ل مانع ول دافع‬
‫غير ال تعالى ‪.‬‬
‫وقال أ بو ال سعادات ‪ :‬التمائم ج مع تمي مة و هى خرزات كا نت العرب تعلق ها على أولد هم‬
‫يتقون بها العين ‪ ،‬فى زعمهم ‪ ،‬فأبطلها السلم ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فل أتم ال له) دعاء عليه ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ومن تعلق ودعة) بفتح الواو وسكون المهملة ‪ .‬قال فى مسند الفردوس ‪ :‬شئ يخرج‬
‫من البحر يشبه الصدف يتقون به العين ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فل ودع ال له) بتخف يف الدال ‪ ،‬أي ل جعله في د عة و سكون ‪ ،‬قال أ بو ال سعادات‬
‫وهذا دعاء عليه ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬و في روا ية ‪ :‬من تعلق تمي مة ف عد أشرك ) قال أ بو ال سعادات ‪ :‬إن ما جعل ها شركا‬
‫لنهم أرادوا دفع المقادير المكتوبة عليهم ‪ ،‬وطلبوا دفع الذى من غير ال الذي هو دافعه ‪.‬‬
‫قال الم صنف رح مه ال (ول بن أ بي حا تم عن حذي فة ) أ نه رأى رجلً في يده خ يط من‬
‫الحمى ‪ ،‬فقطعه ‪ ،‬وتل قوله تعالى ‪ " ] 106 : 12 [ :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون "‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن أبي حاتم ‪ :‬حدثنا محمد بن الحسين بن إبراهيم بن أشكاب حدثنا يونس بن محمد‬
‫حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم الحول عن عروة قال ‪ :‬دخل حذيفة على مريض ‪ ،‬فرأى في‬
‫عضده سيرا فقطعه أو انتزعه ‪ .‬ثم قال ‪ " :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون " ‪.‬‬
‫وا بن أ بي حا تم هو المام أ بو مح مد ع بد الرح من بن أ بي حا تم مح مد بن إدر يس الرازي‬
‫التميمي الحنظلي الحافظ ‪ ،‬صاحب الجرح والتعديل والتفسير وغيرهما مات سنة سبع وعشرين‬
‫وثلثمائة ‪.‬‬
‫وحذيفة هو ابن اليمان ‪ .‬واسم اليمان ‪ :‬حسيل بمهملتين مصغرا ‪ ،‬ويقال حسل ‪ -‬بكسر ثم‬
‫سكون ‪ -‬العب سي بالموحدة ‪ ،‬حل يف الن صار ‪ ،‬صحابي جل يل من ال سابقين ويقال له صاحب‬
‫السر وأبوه أيضا صحابي ‪ ،‬مات حذيفة في أول خلفة علي رضي ال عنه سنة ست وثلثين ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬رأى رجلً في يده خيط من الحمى ) أي عن الحمى ‪ .‬وكان الجهال يعلقون التمائم‬
‫والخيوط ونحو ها لد فع الح مى وروى وك يع عن حذي فة ‪ :‬أ نه د خل على مر يض يعوده فل مس‬
‫عضده ‪ ،‬فإذا فيه خيط ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما هذا ؟ قال ‪ :‬شئ رقى لي ف يه ‪ ،‬فقطعه وقال ‪ :‬لو مت وهو‬
‫عليك ما صليت عليك وفيه إنكار مثل هذا ‪ ،‬وإن كان يعتقد أنه سبب ‪ ،‬فالسباب ل يجوز منها‬
‫إل معا أباحعه ال تعالى ورسعوله معع عدم العتماد عليهعا ‪ .‬وأمعا التمائم والخيوط والحروز‬
‫والطل سم ون حو ذلك م ما يعل قه الجهال ف هو شرك ي جب إنكاره وازال ته بالقول والف عل ‪ ،‬وإن لم‬
‫يأذن فيه صاحبه ‪.‬‬

‫قوله ‪( :‬وتل قوله ‪" :‬وما يؤمن أكثرهم بال إل وهم مشركون" استدل حذيفة رضي ال عنه‬
‫بالية على أن هذا شرك ‪ .‬ففيه صحة الستدلل على الشرك الصغر بما أنزله ال فى الشرك‬
‫الكبر ‪ ،‬لشمول الية ودخوله فى مسمى الشرك ‪ ،‬وتقدم معنى هذه الية عن ابن عباس وغيره‬
‫فى كلم شيخ السلم وغيره ‪ .‬وال أعلم ‪ .‬وفى هذه الثار عن الصحابة ‪ :‬ما يبين كمال علمهم‬
‫بالتوحيد وما ينافيه أو ينافى كماله ‪.‬‬

‫باب ما جاء في الرقي والتمائم‬


‫قوله ‪( :‬باب ما جاء فى الرقى والتمائم)‬
‫أي من النهي وما ورد عن السلف في ذلك ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وفي الصحيح عن أبي بشير النصاري أنه كان مع النبي صلى ال عليه وسلم في‬
‫بعض أسفاره فأرسل رسولً ‪ :‬أن ل يبقين فى رقبة بعير قلدة من وتر أو قلدة إل قطعت)‬
‫هذا الحديث فى الصحيحين ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬عن أبى بشير) بفتح أوله وكسر المعجمة ‪ ،‬قيل اسمه قيس بن عبيد قاله ابن سعد ‪.‬‬
‫وقال ابن عبد البر ‪ :‬ل يوقف له على اسم صحيح ‪ ،‬هو صحابى شهد الخندق ومات بعد الستين‬
‫‪ .‬ويقال ‪ :‬إنه جاوز المائة ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فى بعض أسفاره) قال الحافظ ‪ :‬لم أقف على تعيينه ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فأر سل ر سولً) هو ز يد بن حار ثة ‪ .‬روى ذلك الحارث بن أ بى أ سامة فى م سنده‬
‫قاله الحافظ ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬أن ل يبقيعن) بالمثناة التحتيعة والقاف المفتوحتيعن وقلدة مرفوع على أنعه فاععل و‬
‫الو تر بفتحت ين ‪ ،‬وأ حد أوتار القوس ‪ .‬وكان أ هل الجاهل ية إذا اخلولق الو تر أبدلوه بغيره وقلدوا‬
‫به الدواب إعتقادا منهم أنه يدفع عن الدابة العين ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬أو قلدة إل قطعت) معناه ‪ :‬أن الراوى شك هل قال شيخه ‪ :‬قلدة من وتر أو قال ‪:‬‬
‫قلدة وأطلق ولم يقيده ؟ ويؤيد الول ما روى عن مالك أنه سئل عن القلدة ؟ فقال ‪ :‬ما سمعت‬
‫بكراهتها إل فى الوتر ‪ .‬ولبى داود ول قلدة بغير شك ‪.‬‬
‫قال البغوى فى شرح ال سنة ‪ :‬تأول مالك أمره عل يه ال صلة وال سلم بق طع القلئد على أ نه‬
‫معن أجعل العيعن وذلك أنهعم كانوا يشدون الوتار والتمائم ويعلقون عليهعا العوذ ‪ ،‬يظنون أنهعا‬
‫تعصمهم من الفات ‪ .‬فنهاهم النبى صلى ال عليه وسلم عنها وأعلمهم أنها ل ترد من أمر ال‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫قال أ بو عب يد ‪ :‬كانوا يقلدون ال بل الوتار ‪ ،‬لئل ت صيبها الع ين ‪ ،‬فأمر هم ال نبى صلى ال‬
‫عليه وسلم بإزالتها إعلما لهم بأن الوتار ل ترد شيئا ‪ .‬وكذا قال إبن الجوزى وغيره ‪.‬‬
‫قال الحا فظ ‪ :‬ويؤيده حد يث عق بة بن عامر ‪ ،‬رف عه من تعلق تمي مة فل أ تم ال له رواه أبو‬
‫داود ‪ .‬وهى ما علق من القلئد خشية العين ونحو ذلك ‪ .‬انتهى ‪.‬‬

‫حديث ابن مسعود ‪ :‬الرقي والتمائم والتولة شرك‬


‫قال الم صنف ‪(" :‬و عن ا بن م سعود ‪ :‬سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول ‪ :‬إن‬
‫الرقى والتمائم والتولة شرك رواه أحمد وأبو داود) "‪.‬‬
‫وفيه قصة ‪ ،‬ولفظ أبى داود ‪ :‬عن "زينب امرأة عبد ال بن مسعود قالت ‪ :‬إن عبد ال رأى‬
‫فى عن قى خيطا فقال ‪ :‬ما هذا ؟ قلت ‪ :‬خ يط ر قى لى ف يه ‪ .‬قالت ‪ :‬فأخذه ثم قط عه ‪ ،‬ثم قال ‪:‬‬
‫أن تم آل ع بد ال لغنياء عن الشرك سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول ‪ :‬إن الر قى‬
‫والتمائم والتولة شرك ‪ .‬فقلت ‪ :‬لقعد كانعت عينعى تقذف ‪ ،‬وكنعت أختلف إلىفلن اليهودي ‪ ،‬فاذا‬
‫ر قى في سكنت‪ .‬فقال ع بد ال ‪ :‬إن ما ذلك ع مل الشيطان ‪ ،‬كان ينخ سها بيده ‪ ،‬فإذا كف عن ها ‪.‬‬
‫إن ما كان يكف يك أن تقولي ك ما كان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول ‪ :‬أذ هب البأس ‪ ،‬رب‬
‫البأس ‪ ،‬وا شف أ نت الشا فى ‪ ،‬ل شفاء إل شفاؤك شفاء ل يغادر سقما" ورواه ا بن ما جه وا بن‬
‫حبان والحاكم وقال ‪ :‬صحيح ‪ ،‬وأقره الذهبى ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬إن الرقى) قال المصنف ‪( :‬هى التى تسمى العزائم ‪ ،‬وخص منه الدليل ما خل من‬
‫الشرك ‪ ،‬ففد رخص فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من العين والحمة) يشير إلى أن الرقى‬
‫الموصوفة بكون ها شركا هى ال تى ي ستعان في ها بغير ال ‪ ،‬وأ ما إذا لم يذ كر في ها إل بأ سماء ال‬
‫وصفاته وآياته ‪ ،‬والمأثور عن النبى صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فهذا حسن جائز أو مستحب ‪.‬‬
‫قوله (فقد رخص فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم من العين والحمة) كما تقدم ذلك فى‬
‫باب من حقق التوحيد ‪ .‬وكذا رخص فى الرقى من غيرها ‪ ،‬كما فى صحيح مسلم عن "عوف‬
‫بن مالك ‪ :‬ك نا نر قى فى الجاهل ية ‪ ،‬فقل نا يا ر سول ال ك يف ترى فى ذلك ؟ فقال ‪ :‬اعرضوا‬
‫علي رقاكم ‪ .‬ل بأس بالرقى ما لم تكن شركا" وفى الباب أحاديث كثيرة ‪.‬‬
‫قال الخطا بى‪ :‬وكان عل يه ال سلم قد ر قى ور قى ‪ ،‬وأ مر ب ها وأجاز ها ‪ ،‬فإذا كا نت بالقرآن‬
‫وبأسماء ال فهى مباحة أو مأمور بها ‪ ،‬وإنما جاءت الكراهة والمنع فيما كان منها بغير لسان‬
‫العرب ‪ ،‬فإنه ربما كان كفرا أو قولً يدخله شرك ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬معن ذلك معا كان على مذاهعب الجاهليعة التعى يتعاطونهعا ‪ ،‬وأنهعا تدفعع عنهعم الفات‬
‫ويعتقدون أن ذلك من قبل الجن ومعونتهم ‪ .‬وبنحو هذا ذكر الخطابى ‪.‬‬
‫وقال ش يخ السعلم ‪ :‬كعل ا سم مجهول فليعس ل حد أن ير قى بعه فضلً أن يد عو به ‪ ،‬ولو‬
‫عرف معناه ‪ :‬لنه يكره الدعاء بغير العربية‪ ،‬وإنما يرخص لمن ل يحسن العربية ‪ ،‬فأما جعل‬
‫اللفاظ العجمية شعارا فليس من دين السلم ‪.‬‬
‫وقال السعيوطى ‪ :‬قعد أجمعع العلماء على جواز الرقعى عنعد اجتماع ثلث شروط ‪ :‬أن تكون‬
‫بكلم ال أو بأسعمائه وصعفاته ‪ ،‬وباللسعان العربعى ‪ :‬معا يعرف معناه ‪ ،‬وأن يعتقعد أن الرقيعة ل‬
‫تؤثر بذاتها بل بتقدير ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬والتمائم) قال المصنف ‪( :‬شئ يعلق على الولد من العين) وقال الخلخالى ‪ :‬التمائم‬
‫جمع تميمة وهى ما يعلق بأعناق الصبيان من خرزات وعظام لدفع العين ‪ ،‬وهذا منهى عنه ‪.‬‬
‫لنه ل دافع إل ال ‪ ،‬ول يطلب دفع المؤذيات ال بال وبأسمائه وصفاته ‪.‬‬
‫قال الم صنف ‪( :‬ل كن إذا كان المعلق من القرآن فر خص ف يه ب عض ال سلف ‪ .‬وبعض هم لم‬
‫يرخص فيه ويجعله من المنهى عنه ‪ .‬منهم ابن مسعود) ‪.‬‬
‫اعلم أن العلماء من الصحابة والتابعين فمن بعدهم اختلفوا فى جواز تعليق التمائم التى من‬
‫القرآن أ سماء ال و صفاته ‪ ،‬فقالت طائ فة يجوز ذلك ‪ ،‬و هو قول ع بد ال بن عمرو بن العاص‬
‫وهو ظاهر ما روى عن عائشة ‪ .‬وبه قال أبو جعفر الباقر وأحمد فى رواية ‪ .‬وحملوا الحديث‬
‫على التمائم التى فيها شرك ‪.‬‬
‫وقالت طائفعة ل يجوز ذلك ‪ .‬وبعه قال ابعن مسععود وابعن عباس ‪ .‬وهعو ظاهعر قول حذيفعة‬
‫وعقبة بن عامر وابن عكيم ‪ ،‬وبه قال جماعة من التابعين ‪ ،‬منهم أصحاب ابن مسعود وأحمد‬
‫فى روا ية اختار ها كث ير من أ صحابه ‪ ،‬وحزم ب ها المتأخرون ‪ ،‬واحتجوا بهذا الحد يث و ما فى‬
‫معناه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا هو الصحيح لوجوه ثلثة تظهر للمتأمل ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬عموم النهى ول مخصص للعموم ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬سد الذريعة ‪ ،‬فإنه يفضى إلى تعليق ما ليس كذلك ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنه إذا علق فلبد أن يمتهنه المتعلق بحمله معه فى حال قضاء الحاجة والستنجاء‬
‫ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وتأ مل هذه الحاد يث و ما كان عل يه ال سلف ر ضى ال تعالى عن هم ي تبين لك بذلك غر بة‬
‫السلم ‪ ،‬خصوصا إن عرفت عظيم ما وقع فيه الكثير بعد القرون المفضلة من تعظيم القبور‬
‫واتخاذ المسعاجد عليهعا والقبال إليهعا بالقلب والوجعه ‪ ،‬وصعرف جعل الدعوات والرغبات‬
‫والرهبات وأنواع العبادات التى هى حق ال تعالى إليها من دونه ‪ ،‬كما قال تعالى '‪، 106 : 10‬‬
‫‪ " '107‬ول تدع من دون ال ما ل ينفعك ول يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين * وإن‬
‫يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد لفضله يصيب به من يشاء من‬
‫عباده وهو الغفور الرحيم " ونظائرها فى القرآن أكثر من أن تحصر ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬التولة) ‪ ،‬قال المصنف ‪( :‬هى شئ يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها‬
‫والرجل إلى امرأته وبهذا فسرها ابن مسعود راوي الحديث ‪ :‬كما فى صحيح ابن حبان والحاكم‬
‫قالوا ‪ :‬يا أبا عبد الرحمن‪ ،‬هذه الرقى والتمائم قد عرفناها فما التولة؟ قال ‪ :‬شئ نصنعه للنساء‬
‫يتحببن به إلى أزواجهن ‪.‬‬
‫قال الحافعظ ‪ :‬التولة ‪ :‬بكسعر المثناة وفتعح الواو واللم مخففا ‪ -‬شيئا كانعت المرأة تجلب بعه‬
‫محبة زوجها ‪ ،‬وهو ضرب من السحر ‪ ،‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وكان من الشرك لما يراد به من دفع المضار وجلب المنافع من غير ال تعالى ‪.‬‬

‫حديث ‪ :‬من تعلق شيئا وكل إليه‬


‫قال المصعنف ‪( :‬وععن عبعد ال بعن عكيعم مرفوعا معن تعلق شيئا وكعل إليعه رواه أحمعد‬
‫والترمذي) ورواه ابو داود والحاكم ‪ ،‬وعبد ال بن عكيم هو بضم المهملة مصغرا ‪ ،‬ويكنى أبا‬
‫مع بد ‪ ،‬الجه ني الكو في ‪ .‬قال البخاري ‪ :‬أدرك ز من ال نبي صلى ال عل يه و سلم ول يعرف له‬
‫سماع صحيح وكذا قال أبو حاتم ‪ .‬قال الخطيب سكن الكوفة وقدم المدائن في حياة حذيفة وكان‬
‫ثقة ‪ ،‬وذكر ابن سعد من غيره أنه مات في ولية الحجاج ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬و من تعلق شيئا و كل إل يه) التعلق يكون بالقلب ‪ ،‬ويكون بالف عل ‪ ،‬ويكون به ما و كل‬
‫إليعه أي وكله ال إلى ذلك الشعئ الذي تعلقعه فمعن تعلق بال وأنزل حوائجعه إليعه والتجعأ إليعه ‪،‬‬
‫وفوض أمره إل يه ‪ ،‬وكفاه وقرب إل يه كل بع يد وي سر له كل ع سير ‪ ،‬و من تعلق بغيره أو سكن‬
‫إلى رأيععه وعقله ودوائه وتمائمععه ونحععو ذلك ‪ ،‬وكله ال إلى ذلك وخذله ‪ ،‬وهذا معروف‬
‫بالنصوص والتجارب ‪ .‬قال تعالى '‪" '3 : 65‬ومن يتوكل على ال فهو حسبه" ‪.‬‬
‫قال المام أح مد ‪ :‬حدث نا هشام بن القا سم حدث نا أ بو سعيد المؤدب حدث نا من سمع عطاء‬
‫الخرساني قال ‪ :‬لقيت وهب بن منبه وهو يطوف بالبيت فقلت ‪ :‬حدثني حديثا أحفظه عنك في‬
‫مقامعي هذا وأوجعز ‪ .‬قال ‪ :‬نععم ‪ ،‬اوحعى ال تبارك وتعالى إلى داود ‪ :‬يعا داود‪ ،‬وأمعا عزتعي‬
‫وعظمتي ل يعتصم بي عبد من عبادي دون خلقي أعرف ذلك من نيته ‪ ،‬فتكيده السموات السبع‬
‫و من في هن والرضون ال سبع و من في هن إل جعلت له بين هن مخرجا وأ ما عز تي وع صمتي ل‬
‫يعت صم ع بد من عبادي بمخلوق دو ني أعرف ذلك من ني ته ‪ ،‬إل قط عت أ سباب ال سماء من يده‬
‫وأسخت الرض من تحت قدميه ثم ل أبالى بأي أوديتها هلك‪.‬‬

‫حديث رويفع من تقلد وترا فإن محمدا منه بريء‬


‫قال المصنف ‪ :‬وروى المام أحمد عن رويفع قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم "‬
‫يا روي فع ‪ ،‬ل عل الحياة ستطول بك ‪ ،‬فأ خبر الناس أن من ع قد لحي ته أو تقلد وترا أو ا ستنجى‬
‫برجيع دابة أو عظم ‪ ،‬فإن محمدا بريء منه " ‪.‬‬
‫الحديث رواه المام أحمد عن يحيى بن إسحاق والحسن بن موسى الشيب كلهما عن ابن‬
‫لهي عة ‪ .‬وف يه ق صة اخت صرها الم صنف ‪ .‬وهذا ل فظ ح سن ‪ :‬حدث نا ا بن لهي عة حدث نا عياش بن‬
‫عباس عن شييم بن بيتان قال ‪ :‬حدثنا رويفع بن ثابت قال ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يأخذ جمل أخيه على أن يعطيه النصف مما غنم وله النصف ‪ ،‬حتى إن أحدنا ليصير له النصل‬
‫والريش وللخر القدح ‪ .‬ثم قال لي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ...‬الحديث ‪.‬‬
‫ثم رواه أحمد بن يحيى بن غبلن حدثنى الفضل عياش بن عباس أن شييم بن بيتان أخبره‬
‫أنه سمع شييان القتباني ‪ -‬الحديث ‪ .‬ابن لهيعة فيه مقال ‪ .‬وفي السناد الثاني شيبان القتبانى ‪،‬‬
‫قيل فيه مجهول ‪ .‬وبقية رجالهما ثقات ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬فأخبر الناس) دل يل على وجوب إخبار الناس ‪ ،‬وليس هذا مختصا برويفع ‪ ،‬بل كل‬
‫من كان عنده علم ل يس ع ند غيره م ما يحتاج إل يه الناس و جب إعلم هم به ‪ ،‬فإن إشترك هو‬
‫وغيره في علم ذلك فالتبليغ فرض كفاية ‪ .‬قاله أبو زرعة في شرح سنن أبي داود ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬ل عل الحياة ستطول بك) ف يه علم من أعلم النبوة ‪ ،‬فإن رويفعا طالت ح يا ته إلى‬
‫سنة ست وخمسين فمات ببرقة من أعمال مصر أميرا عليها ‪ ،‬وهو من النصار ‪ .‬وقيل مات‬
‫سنة ثلث وخمسين ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬إن من عقد لحيته) بكسر اللم ل غير ‪ ،‬والجمع لحى بالكسر والضم قاله الجوهري‬
‫‪.‬‬
‫قال الخطابي ‪ :‬أما نهيه عن عقد اللحية فيفسر على وجهين ‪.‬‬
‫أهدهما ‪ :‬ما كانوا يفعلونه في الحرب ‪ ،‬كانوا يعقدون لحاهم ‪ ،‬وذلك من زى بعض العاجم‬
‫يفتلونها ويعقدونها‪ .‬قال أبو السعادات‪ :‬تكبرا وعجبا ‪.‬‬
‫ثانيهمعا ‪ :‬أن معناه معالجعة الشععر ليتعقعد ويتجععد ‪ ،‬وذلك معن فععل أهعل التأنيعث وقال أبعو‬
‫زرعة بن العراقى ‪ :‬والولى حمله على عقد اللحية في الصلة ‪ ،‬كما دلت عليه رواية محمد بن‬
‫الربيع ‪ .‬وفيه أن من عقد لحيته في الصلة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أو تقلد وترا أي جعله قلدة في عنقه أو عنق دابته ‪ .‬وفي رواية محمد بن الربيع أو‬
‫تقلد وترا ع يريد تميمة ‪.‬‬
‫فإذا كان هذا فيمعن تقلد وترا فكيعف بمعن تعلق بالموات وسعألهم قضاء الحاجات ‪ ،‬وتفريعج‬
‫الكربات ‪ ،‬الذي جاء النهى عنه وتغليظه في اليات المحكمات ؟‬
‫قوله ‪ :‬أو ا ستنجى برج يع دا بة أو ع ظم فإن محمدا بر يء م نه قال لنووي‪ :‬أي بر يء من‬
‫فعله ‪ ،‬وهذا خلف الظاهر ‪ .‬والنووي كثيرا ما يتأول الحاديث بصرفها عن ظاهرها فيغفر ال‬
‫تعالى له ‪.‬‬
‫وفعي صعحيح مسعلم ععن ابعن مسععود رضعي ال عنعه مرفوعا ‪ " :‬ل تسعتنجوا بالروث ول‬
‫العظام فإ نه زاد إخوانكعم معن ال جن " وعل يه ل يجزى ال ستنجاء به ما كمعا هعو ظا هر مذهعب‬
‫أحمد ‪ ،‬لما روى ابن خزيمة والدارقطني عن أبي هريرة ‪ " :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم نهى‬
‫أن يستنجي بعظم أو روث ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنهما ل يطهران " ‪.‬‬
‫قوله ‪( :‬وععن سععيد بعن جعبير قال ‪ " :‬معن قطعع تميمعة معن إنسعان كان كعدل رقبعة " رواه‬
‫وك يع) هذا ع ند أ هل العلم له ح كم الر فع ‪ ،‬لن م ثل ذلك ل يقال بالرأي ويكون هذا مر سلً لن‬
‫سعيدا تابعى ‪ .‬وفيه فضل قطع التمائم لنها شرك ‪ .‬ووكيع هو ابن الجراح ابن وكيع الكوفى ‪،‬‬
‫ث قة إمام ‪ ،‬صاحب ت صانيف من ها الجا مع وغيره ‪ .‬روى ع نه المام أح مد وطبق ته ‪ .‬مات سنة‬
‫سبع وتسعين ومائة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وله عن إبراه يم قال ‪ :‬كانوا يكرهون التمائم كل ها من القرآن وغ ير القرآن وإبراه يم‬
‫هو المام بن يزيد النخعى الكوفي ‪ ،‬يكنى أبا عمران ثقة من كبار الفقهاء ‪ .‬قال المزى ‪ :‬دخل‬
‫على عائشة ‪ ،‬ولم يثبت له سماع منها ‪ .‬مات سنة ست وتسعين ‪ ،‬وله خمسون سنة أو نحوها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كانوا يكرهون التمائم إلى آخره ‪ ،‬مراده بذلك أصحاب عبد ال بن مسعود ‪ ،‬كعلقمة‬
‫والسود وأبي وائل والحارث بن سويد ‪ ،‬وعبيد السلمانى ومسروق والربيع بن خثيم ‪ ،‬وسويد‬
‫بن غفلة وغيرهم ‪ ،‬وهو من سادات التابعين وهذه الصيغة يستعملها إبراهيم من حكاية أقوالهم‬
‫كما بين ذلك الحفاظ العراقى وغيره ‪.‬‬

‫باب من تبرك بشجرة ونحوهها‬


‫قوله ‪ ( :‬باب من تبرك بشجر أو حجر ونحوهما)‬
‫كبقعة وقبر ونحو ذلك ‪ ،‬أي فهو مشرك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقوله ال تعالى ‪ " ' 23- 19 : 53' :‬أفرأيتم اللت والعزى * ومناة الثالثة الخرى‬
‫" (اليات) وكانت اللت لثق يف ‪ ،‬والعزى لقريش وبنى كنا نة ‪ ،‬ومناة لب نى هلل ‪ .‬وقال ابن‬
‫هشام ‪ :‬كانت لهذيل وخزاعة ‪.‬‬
‫فأما اللت فقرأ الجمهور بتخفيف التاء ‪ ،‬وقرأ ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وحمدي وأبو‬
‫صالح ورويس بتشديد التاء ‪.‬‬
‫فعلى الولى قال العمش ‪ :‬سموا اللت من الله ‪ ،‬والعزى من العز يز ‪ .‬قال ا بن جر ير ‪:‬‬
‫وكانوا قعد اشتقوا اسعمها معن ال تعالى ‪ ،‬قالوا ‪ :‬اللت مؤنثعة منعه ‪ ،‬تعالى ال ععن قولهعم علوا‬
‫كبيرا قال ‪ :‬وكذا العزى من العزيز ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ير ‪ :‬اللت كا نت صخرة بيضاء منقو شة علي ها ب يت الطائف له أ ستار و سدنة‬
‫وحوله فناء مع ظم ع ند أ هل الطائف ‪ ،‬و هم ثق يف و من تبع ها يفتخرون به على من عدا هم من‬
‫أحياء العرب ب عد قر يش ‪ ،‬قال ا بن هشام ‪ :‬فب عث ر سول ال صلى ال عل يه و سلم المغيرة بن‬
‫شعبة فهدمها وحرقها بالنار ‪.‬‬
‫وعلى الثان ية قال ا بن عباس ‪ :‬كان رجلً يلت ال سويق للحاج ‪ ،‬ف ما مات عكفوا على قبره‬
‫ذكره البخاري قال ا بن عباس ‪ :‬كان يبيع ال سويق وال سمن ع ند صخرة وي سلؤه علي ها ‪ ،‬فل ما‬
‫مات ذلك الر جل عبدت ثقيف تلك ال صخرة إعظاما ل صاحب ال سويق وعن مجا هد نحوه وقال ‪:‬‬
‫فلما مات عبدوه رواه سعيد بن منصور ‪ .‬وكذا روى ابن أبي حاتم عن ابن عباس أنهم عبدوه‬
‫وبنحو هذا قال جماعة من أهل العلم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ل منافاة بين القولين ‪ .‬فإنهم عبدوا الصخرة والقبر تأليها وتظيما ‪.‬‬
‫ولم ثل هذا بن يت المشا هد والقباب على القبور واتخذت أوثانا ‪ .‬وف يه بيان أن أ هل الجاهل ية‬
‫كانوا يعبدون الصالحين والصنام ‪.‬‬
‫وأما العزى فقال ابن جرير ‪ :‬كانت شجرة عليها بناء وأستار بنخلة ع بين مكة والطائف ع‬
‫كانت قريش يعظمونها ‪ ...‬كما قال أبو سفيان يوم أحذ ‪ :‬لنا العزى ولعزى لكم فقال رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم " قولوا ‪ :‬ال مولنا ول مولى لكم " وروى النسائي وابن مردوية عن أبي‬
‫الطف يل قال ‪ :‬ل ما ف تح ر سول ال صلى ال عل يه و سلم م كة ب عث خالد بن الول يد إلى نخلة ع‬
‫وكانعت بهعا العزى ‪ ،‬وكانعت على ثلث سعمرات عع فقطعع السعمرات ‪ ،‬وهدم البيعت الذي كان‬
‫عليها‪ .‬ثم أتى النبي صلى ال عليه وسلم فأخبره‪ .‬فقال ارجع فإنك لم تصنع شيئا ‪ ،‬فرجع خالد ‪،‬‬
‫فل ما أب صرته ال سدنة أمعنوا في الج بل و هم يقولون ‪ :‬يا عزى يا عزى ‪ ،‬فأتا ها خالد فإذا امرأة‬
‫عريا نة ناشرة شعر ها تح فن التراب على رأ سها فعم ها بال سيف فقتل ها ثم ر جع إلى ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فأخبره ‪ .‬فقال ‪ :‬تلك العزى قلت ‪ :‬وكل هذا وما هو أعظم منه يقع في هذه‬
‫الزمنة عند ضرائح الموات وفي المشاهد ‪.‬‬
‫وأ ما مناة فكانت بالمشلل عند قديد ‪ ،‬بين مكة والمدينة ‪ ،‬وكانت خزاعة والوس والخزرج‬
‫يعظمونها ويهلون منها للحج ‪ ،‬وأصل اشتقاقها ‪ :‬من إسم ال المنان ‪ ،‬وقيل ‪ :‬لكثرة ما يمنى ع‬
‫أي يراق ع عندها من الدماء للتبرك بها ‪.‬‬
‫قال البخاري رحمه ال ‪ ،‬في حديث عروة عن عائشة رضي ال عنها ‪ :‬إنها صنم بين مكة‬
‫والمدي نة قال ا بن هشام ‪ :‬فب عث ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عليا فهدم ها عام الف تح فمع نى‬
‫ال ية ك ما قال القر طبي ‪ :‬أن في ها حذفا تقديره ‪ :‬أفرأي تم هذه الل هة ‪ ،‬أنف عت أو ضرت ‪ ،‬ح تى‬
‫تكون شركاء ل تعالى ؟‬
‫وقوله ‪ " :‬ألكعم الذكعر وله النثعى " قال ابعن كثيعر ‪ :‬تجعلون له ولدا وتجعلون ولده أنثعى‬
‫وتختارون لكعم الذكور ؟ قوله ‪ " :‬تلك إذا قسعمة ضيزى " أي جور وباطلة ‪ .‬فكيعف تقاسعمون‬
‫رب كم هذه الق سمة ال تي لو كا نت ب ين مخلوق ين كا نت جورا و سفها فتنزهون أنف سكم عن الناث‬
‫وتجعلونهن ل تعالى ‪ .‬وقوله ‪ " :‬إن هي إل أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم " أي من تلقاء أنفسكم‬
‫" ما أنزل ال بها من سلطان " أي من حجة " إن يتبعون إل الظن " أي ليس لهم مستند إل حسن‬
‫ظن هم بآبائ هم الذ ين سلكوا هذا الم سلك البا طل قبل هم " و ما تهوى الن فس " وإل حظ أنف سهم في‬
‫رياستهم وتعظيم آبائهم القدمين ‪ .‬قوله ‪ " :‬ولقد جاءهم من ربهم الهدى " قال ابن كثير ‪ :‬ولقد‬
‫أرسل ال تعالى إليهم الرسل بالحق المنير والحجة القاطعة ‪ ،‬ومع هذا ما اتبعوا ما جاءوهم به‬
‫ول انقادوا له ا هع ‪.‬‬
‫ومطاب قة اليات للترج مة من ج هة أن عباد هذه الوثان إن هم كانوا يعتقدون ح صول البر كة‬
‫من ها بتعظيم ها ودعائ ها وال ستعانة ب ها والعتماد علي ها في حصول ما يرجو نه من ها ويؤملونه‬
‫ببركتها وشفاعتها وغير ذلك ‪ ،‬فالتبرك بقبور الصالحين كاللت ‪ ،‬وبالشجار كالعزى ومناة من‬
‫ض من ف عل أولئك المشرك ين مع تلك الوثان ‪ ،‬ف من ف عل م ثل ذلك واعت قد في قبر أو ح جر أو‬
‫شجر فقد ضاهى عباد هذه الوثان فيما كانوا يفعلونه معها من هذا الشرك ‪ ،‬على أن الواقع من‬
‫هؤلء المشركين مع معبوديهم أعظم مما وقع من أولئك ‪ .‬فال المستعان ‪.‬‬

‫حديث أبي واقد الليثي في ذات أنواط‬


‫قوله ‪ :‬عن أبي واقد الليثي قال ‪ " :‬خرجنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى حنين ‪،‬‬
‫ون حن حدثاء ع هد بك فر ‪ ،‬وللمشرك ين سدرة يعكفون عند ها وينوطون ب ها أ سلحتهم ‪ ،‬يقال ل ها‬
‫ذات أنواط فمررنا بسدرة ‪ ،‬فقلنا يا رسول ال ‪ ،‬اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ‪ ،‬فقال‬
‫رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم ‪ :‬ال أكعبر إنهعا السعنن قلتعم والذي نفسعي بيده كمعا قالت بنعو‬
‫إسرائيل لموسى " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة قال إنكم قوم تجهلون " لتركبن سنن من كان قبلكم‬
‫" رواه الترمذي وصححه ‪.‬‬
‫أبو واقد إسمه الحارث بن عوف ‪ ،‬وفي الباب عن أبي سعيد وأبي هريرة قاله الترمذي وقد‬
‫رواه أحمعد وأبعو يعلى وابعن أبعي شيبعة والنسعائي وابعن جريعر وابعن المنذر وابعن أبعي حاتعم‬
‫والطبراني بنحوه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن أ بي وا قد قد تقدم ذ كر إ سمه في قول الترمذي و هو صحابي مشهور مات سنة‬
‫ثمان وستين وثمانون سنة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬خرج نا مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم إلى حن ين و في حد يث عمرو بن عوف‬
‫و هو ع ند ا بن أ بي حا تم وا بن مردو يه وال طبراني ‪ .‬قال غزو نا مع ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم يوم الفتح ‪ ،‬ونحن ألف ونيف حتى إذا كنا بين حنين والطائف ع الحديث‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ونحن حدثاء عهد بكفر أي قريب عهدنا بالكفر ‪ ،‬ففيه دليل على أن غيرهم ممن تقدم‬
‫إسلمه من الصحابة ل يجهل هذا وأن المنتقل من الباطل الذي اعتاده قبله ل يأمن أن يكون في‬
‫قلبه بقية من تلك العادة ‪ .‬ذكره المصنف رحمه ال ‪.‬‬
‫قول ‪ :‬وللمشرك ين سدرة يعكفون عند ها العكوف هو القا مة على ال شئ في المكان ‪ ،‬وم نه‬
‫قول الخليل عليه السلم ‪ " '52 : 21' :‬ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " وكان عكوف‬
‫المشرك ين ع ند تلك ال سدرة تبركا ب ها وتعظيما ل ها و في حد يث عمرو كان يناط ب ها ال سلح‬
‫فسميت ذات أنواط وكانت تعبد من دون ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وينوطون بها أسلحتهم أي يعلقونها عليها للبركة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ففعي هذا بيان أن عبادتهعم لهعا بالتعظيعم والعكوف والتعبرك ‪ ،‬وبهذه المور الثلثعة‬
‫عبدت الشجار ونحوها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقل نا ‪ :‬يا ر سول ال اج عل ل نا ذات أنواط قال أ بو ال سعادات ‪ :‬سألوه أن يج عل ل هم‬
‫مثل ها فنها هم عن ذلك ‪ .‬وأنواط ج مع نوط و هو م صدر سمى ب ها المنوط ‪ .‬ظنوا أن هذا أ مر‬
‫محبوب عند ال وقصدوا التقرب به ‪ ،‬وإل فهم أجل قدرا من أن يقصدوا مخالفة النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ال أكبر وفي رواية سبحان ال والمراد تعظيم‬
‫ال تعالى وتنزي يه عن هذا الشرك بأي نوع كان ‪ ،‬م ما ل يجوز أن يطلب أو يق صد به غ ير ال‬
‫وكان ال نبي صلى ال عليه و سلم يستعمل التكبير والتسبيح في حال التع جب تعظيما ل وتنزيها‬
‫له إذا سمع من أحد ما ل يليق بال مما فيه هضم للربوبية أو اللهية ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إنها السنن بضم السين أي الطرق ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قلتم والذي نفسي بيده كما قالت بنو إسرائيل لمو سى " اجعل لنا إلها كما لهم آلهة "‬
‫شبه مقالتهم هذه بقول بني إسرائيل ‪ ،‬بجامع أن كلً طلب أن يجعل له ما يألهه ويعبده من دون‬
‫ال ‪ ،‬وإن اختلف اللفظان ‪ .‬فالمعنى واحد ‪ ،‬فتغيير السم ل يغير الحقيقة ‪.‬‬
‫ففيه الخوف من الشرك ‪ ،‬وأن النسان قد يستحسن شيئا يظن أنه يقربه إلى ال ‪ ،‬وهو أبعد‬
‫ما يبعده من رحم ته ويقر هب من سخطه ‪ ،‬ول يعرف هذا على الحقي قة إلى من عرف ما و قع‬
‫في هذه الزمان من كث ير من العلماء والعباد مع أرباب القبور ‪ ،‬من الغلو في ها و صرف جل‬
‫العبادة لها ‪ ،‬ويحسبون أنهم على شئ وهو الذنب الذي ل يغفره ال ‪.‬‬
‫قال الحافظ أبو محمد عبد الرحمن بن إسماعيل الشافعي المعروف بابن أبي شامة في كتاب‬
‫البدع والحوادث ‪ :‬ومن هذا القسم أيضا ما قد عم البتلء به من تزيين الشيطان للعامة تخليق‬
‫الحيطان والعمد وإ سراج مواضع مخ صوصة في كل بلد ‪ ،‬يحكى لهم حاك أ نه رأى في منامه‬
‫بها أحدا ممن شهر بالصلح والولية ‪ ،‬فيفعلون ذلك ويحافظون عليه مع تضييعهم لفرائض ال‬
‫تعالى و سننه ‪ ،‬ويظنون أن هم متقربون بذلك ‪ ،‬ثم يتجاوزون هذا إلى أن يع ظم و قع تلك الما كن‬
‫في قلوبهم فيعظمون ها ويرجون الشفاء لمرضاهم وقضاء حوائجهم بالنذر لها ‪ ،‬وهي من عيون‬
‫وش جر وحائط وح جر ‪ .‬و في مدي نة دم شق من ذلك موا ضع متعددة كعوي نة الح مى خارج باب‬
‫تو ما والعمود المخلق دا خل باب ال صغير ‪ ،‬والشجرة الملعو نة خارج باب الن صر ن فس قار عة‬
‫الطر يق سهل ال قطع ها واجتثاث ها من أ صلها ‪ ،‬ف ما أشبه ها بذات أنواط الواردة في الحد يث ‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫وذكر ابن القيم رحمه ال نحو ما ذكره أبو شامة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬فما أسرع أهل الشرك إلى اتخاذ‬
‫الوثان من دون ال ولو كا نت ما كا نت ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إن هذا الح جر وهذه الشجرة وهذه الع ين‬
‫تقبل النذر ‪ ،‬أي تقبل العبادة من دون ال ‪ ،‬فإن النذر عبادة وقربة يتقرب بها الناذر إلى المنذور‬
‫له ‪ ،‬و سيأتي ما يتعلق بهذا الباب ع ند قوله صلى ال عل يه و سلم ‪ " :‬الل هم ل تج عل قبري وثنا‬
‫يعبد" ‪.‬‬
‫وفعي هذه الجملة معن الفوائد ‪ :‬أن معا يفعله معن يعتقعد فعي الشجار والقبور والحجار معن‬
‫التبرك بها العكوف عندها والذبح لها هو الشرك ‪ ،‬ول يغتر بالعوام والطغام ‪ ،‬ول يستبعد كون‬
‫الشرك بال تعالى يقعع فعي هذه المعة ‪ ،‬فإذا كان بععض الصعحابة ظنوا ذلك حسعنا وطلبوه معن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم حتى بين لهم أن ذلك كقول بني إسرائيل ‪ " ' 138 : 7 ' :‬اجعل لنا‬
‫إلها كما لهم آلهة " فكيف ل يخفى على من دونهم في العلم والفضل بأضعاف مضاعفة مع غلبة‬
‫الجهل وبعد العهد بآثار النبوة ؟ ! بل خفى عليهم عظائم الشرك في اللهية والربوبية ‪ ،‬فأكبروا‬
‫فعله واتخذوه قربة ‪.‬‬
‫وفيها أن العتبار في الحكام بالمعاني ل بالسماء ‪ ،‬ولهذا جعل النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫طلبت هم كطل بة ب ني إ سرائيل ‪ ،‬ولم يلت فت إلى كوف هم سموها ذات أنواط ‪ .‬فالمشرك مشرك وإن‬
‫سمى شركه ما سماه ‪ .‬كمن يسمى دعاء الموات والذبح والنذر لهم ونحو ذلك تعظيما ومحبة ‪،‬‬
‫فإن ذلك هو الشرك ‪ ،‬وإن سماه ما سماه ‪ .‬وقس على ذلك ‪.‬‬

‫لتركبن سنن من قبلكم‬


‫قوله ‪:‬لتركبن سنن من كان قبلكم بضم الموحدة وضم السين أي طرقهم ومناهجهم وقد يجوز‬
‫فتح السين على الفراد أي طريقهم‪ .‬وهذا خبر صحيح ‪ .‬والواقع من كثير من هذه المة يشهد‬
‫له ‪.‬‬
‫وفيه علم من أعلم النبوة من حيث إنه وقع كما أخبر به صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪ :‬النهى عن التشبه بأهل الجاهلية وأهل الكتاب فيما كانوا يفعلونه ‪ ،‬إل ما دل‬
‫الدليل على أنه من شريعة محمد صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال ‪ :‬وفيه التنبيه على مسائل القبر ‪ ،‬أما ‪ :‬من ربك ؟ فواضح‪ .‬وأما ‪:‬‬
‫من نبيك ؟ فمن إخباره أنباء الغيب‪ .‬وأما ‪ :‬ما دينك ؟ فمن قولهم اجعل لنا إلها إلخ ‪ .‬وفيه ‪ :‬أن‬
‫الشرك ل بد أن ي قع في هذه ال مة خلفا ل من اد عى خلف ذلك ‪ ،‬وف يه الغ ضب ع ند التعل يم ‪،‬‬
‫وإن ما ذم ال به اليهود والنصارى فإنه قال لنا لنحذره قاله المصنف رحمه ال ‪.‬‬
‫وأما ما ادعاه بعض المتأخرين من أنه يجوز التبرك بآثار الصالحين فممنوع من وجوه ‪:‬‬
‫من ها ‪ :‬أن ال سابقين الول ين من ال صحابة و من بعد هم لم يكونوا يفعلون ذلك مع غ ير ال نبي‬
‫صعلى ال عليعه وسعلم ‪ ،‬ل فعى حياتعه ول بععد موتعه ‪ .‬ولو كان خيرا لسعبقونا إليعه ‪ ،‬وأفضعل‬
‫ال صحابة أ بو ب كر وع مر وعثمان وعلي ر ضي ال عن هم ‪ .‬و قد ش هد ل هم ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فيمن شهد له بالجنة ‪ ،‬وما فعله أحد من الصحابة والتابعين مع أحد من هؤلء السادة‬
‫‪ ،‬ول فعله التابعون مع ساداتهم في العلم والدين وأهل السوة ‪ .‬فل يجوز أن يقاس على رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أحد من المة ‪ ،‬وللنبي صلى ال عليه وسلم في حال الحياة خصائص‬
‫كثيرة ل يصلح أن يشاركه فيها غيره ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن في المنع عن ذلك سدا لذريعة الشرك كما ل يخفى ‪.‬‬

‫باب ما جاء في الذبح لغير ال‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ما جاء في الذبح لغير ال )‬
‫من الوعيد وأنه شرك بال ‪.‬‬
‫قوله ‪ " ' 163 ، 162 : 6 ' :‬قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل رب العالمين * ل‬
‫شريك له " الية ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ير ‪ :‬يأمره تعالى أن ي خبر المشرك ين الذي يعبدون غ ير ال ويذبحون له ‪ :‬بأ نه‬
‫أخلص ل صعلته وذبيحتعه ‪ .‬لن المشركيعن يعبدون الصعنام ويذبحون لهعا ‪ ،‬فأمره ال تعالى‬
‫بمخالفتهم والنحراف عما هم فيه والقبال بالقصد والنية والعزم على الخلص ل تعالى ‪ .‬قال‬
‫مجاهعد ‪ :‬النسعك الذبعح فعي الحعج والعمرة ‪ .‬وقال الثورى ععن السعدى ععن سععيد ابعن جعبير ‪:‬‬
‫ونسكى ذبحى‪ .‬وكذا قال الضحاك ‪ .‬وقال غيره " ومحياي ومماتي " أي وما آتيه في حياتى وما‬
‫أموت عليه من اليمان والعمل الصالح " ل رب العالمين " خالصا لوجهه " ل شريك له وبذلك‬
‫" الخلص " أمرت وأنا أول المسلمين " أى من هذه المة لن إسلم كل نبى متقدم ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ير ‪ :‬و هو ك ما قال ‪ ،‬فإن جم يع ال نبياء قبله كا نت دعوت هم إلى ال سلم ‪ ،‬و هو‬
‫عبادة ال وحده ل شريك له ‪ .‬كما قال تعالى ‪ " ' 25 : 21 ' :‬وما أرسلنا من قبلك من رسول‬
‫إل نوحي إليه أنه ل إله إل أنا فاعبدون " وذكر آيات في هذا المعنى ‪.‬‬
‫ووجه مطابقة الية للترجمة ‪ :‬أن ال تعالى تعبد عباده بأن يتقربوا إليه بالنسك ‪ ،‬كما تعبدهم‬
‫بال صلة وغير ها من أنواع العبادات ‪ ،‬فإن ال تعالى أمر هم أن يخل صوا جم يع أنواع العبادة له‬
‫دون كعل معا سعواه ‪ ،‬فإذا تقربوا إلى غيعر ال بالذبعح أو غيره معن أنواع العبادة فقعد جعلوا ل‬
‫شريكا في عباد ته ‪ ،‬ظا هر في قوله ‪ " :‬ل شر يك له " ن فى أن يكون ل تعالى شر يك في هذه‬
‫العبادات ‪ ،‬وهو بحمد ال واضح ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬ف صل لر بك وان حر " قال ش يخ ال سلم رح مه ال تعالى ‪ :‬أ مر ال أن يج مع ب ين‬
‫هاتيعن العبادتيعن ‪ ،‬وهمعا الصعلة والنسعك ‪ ،‬الدالتان على القرب والتواضعع والفتقار وحسعن‬
‫الظعن ‪ ،‬وقوة اليقيعن ‪ ،‬وطمأنينعة القلب إلى ال وإلى عدتعه ‪ ،‬عكعس حال أهعل الكعبر والنفرة ‪،‬‬
‫وأهل الغنى عن ال الذين ل حاجة لهم في صلتهم إلى ربهم ‪ ،‬والذين ل ينحرون له خوفا من‬
‫الف قر ‪ ،‬ولهذا ج مع بينه ما في قوله ‪ " :‬قل إن صلتي ون سكي " ال ية والن سك الذبي حة ل تعالى‬
‫إبتغاء وجهه ‪ .‬فإنهما أجل ما يتقرب به إلى ال ‪ ،‬فإنه أتى فيهما بالفاء الدالة على السبب ‪ ،‬لن‬
‫فعل ذلك سبب للقيام بشكر ما أعطاه ال تعالى من الكوثر ‪ .‬وأجل العبادات البدنية ‪ :‬الصلة ‪،‬‬
‫وأ جل العبادات المال ية ‪ :‬الن حر ‪ .‬و ما يجت مع للع بد في ال صلة ل يجت مع له في غير ها ‪ ،‬ك ما‬
‫عر فه أرباب القلوب الح ية ‪ ،‬و ما يجت مع له في الن حر إذا قار نه اليمان والخلص ‪ ،‬من قوة‬
‫اليقين وحسن الظن ‪ :‬أمر عجيب ‪ ،‬وكان النبي صلى ال عليه وسلم كثير الصلة ‪ ،‬كثير النحر‬
‫‪.‬ا هع ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد تضمنت الصلة من أنواع العبادات كثيرا ‪ ،‬فمن ذلك الدعاء والتكبير ‪ ،‬والتسبيح‬
‫والقراءة ‪ ،‬والتسميع والثناء ‪ ،‬والقيام والركوع ‪ ،‬والسجود والعتدال ‪ ،‬وإقامة الوجه ل تعالى ‪،‬‬
‫والقبال عل يه بالقلب ‪ ،‬وغ ير ذلك م ما هو مشروع في ال صلة ‪ ،‬و كل هذه المور من أنواع‬
‫العبادة ال تي ل يجوز أن ي صرف من ها شئ لغ ير ال ‪ :‬وكذلك الن سك يتض من أمورا من العبادة‬
‫كما تقدم في كلم شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪.‬‬

‫حديث علي ‪ :‬لعن ال من ذبح لغير ال إلخ‬


‫قوله ‪ :‬وعن علي بن أبي طالب قال ‪ " :‬حدثني رسول ال صلى ال عليه وسلم بأربع كلمات‬
‫‪ :‬لعن ال من ذبح لغير ال ‪ ،‬ولعن ال من لعن والديه ‪ ،‬ولعن ال من آوى محدثا ‪ ،‬ولعن ال‬
‫من غير منار الرض " رواه مسلم من طرق وفيه قصة ‪.‬‬
‫ورواه المام أحمد كذلك عن أبي طفيل قال قلنا لعلى ‪ :‬أخبرنا بشئ أسره إليك رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬ما أسر إلى شيئا كتمه الناس ‪ ،‬ولكن سمعته يقول ‪ :‬لعن ال من ذبح‬
‫لغيعر ال ‪ ،‬ولععن ال معن آوى محدثا ‪ ،‬ولععن ال معن لععن والديعه ‪ ،‬ولععن ال معن غيعر تخوم‬
‫الرض ‪ ،‬يعنى المنار ‪.‬‬
‫وعلى بن أبي طالب ‪ :‬هو المام أمير المؤمنين أبو الحسن الهاشمي ابن عم النبي صلى ال‬
‫عليه و سلم وزوج ابن ته فاط مة الزهراء ‪ ،‬كان من أ سبق ال سابقين الول ين ومن أ هل بدر وبيعة‬
‫الرضوان ‪ ،‬وأحعد العشرة المشهود لهعم بالجنعة ‪ ،‬ورابعع الخلفاء الراشديعن ‪ ،‬ومناقبعه مشهورة‬
‫رضي ال عنه ‪ ،‬قتله ابن ملجم الخارجي في رمضان سنة أربعين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل عن ال اللعن ‪ :‬البعد عن مظان الرحمة ومواطن ها ‪ .‬قيل ‪ :‬واللع ين والملعون من‬
‫حقت عليه اللعنة ‪ ،‬أو دعى عليه بها ‪ .‬قال أبو السعادات ‪ :‬أصل اللعن ‪ :‬الطرد والبعاد من ال‬
‫‪ ،‬ومن الخلق السب والدعاء ‪.‬‬
‫قال شيعخ السعلم رحمعه ال معا معناه ‪ :‬إن ال تعالى يلععن معن اسعتحق اللعنعة بالقول كمعا‬
‫يصلي سبحانه على من استحق الصلة من عباده قال تعالى ‪ " ' 44 ، 43 : 33 ' :‬هو الذي‬
‫ي صلي علي كم وملئك ته ليخرج كم من الظلمات إلى النور وكان بالمؤمن ين رحي ما * تحيت هم يوم‬
‫يلقونه سلم " وقال ‪ " ' 64 : 33 ' :‬إن ال لعن الكافرين وأعد لهم سعيرا " وقال ‪61 : 33 ' :‬‬
‫' "ملعونين أينما ثقفوا أخذوا وقتلوا تقتيلً " والقرآن كلمه تعالى أوحاه إلى جبريل عليه السلم‬
‫وبلغه رسوله محمدا صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وجبريل سمعه منه كما سيأتي في الصلة إن شاء‬
‫ال تعالى ‪ ،‬فال صلة ثناء ال تعالى ك ما تقدم ‪ .‬فال تعالى هو الم صلى و هو المث يب ‪ ،‬ك ما دل‬
‫على ذلك الكتاب والسنة ‪ ،‬وعليه سلف المة ‪ .‬قال المام أحمد رحمه ال ‪ :‬لم يزل ال متكلما‬
‫إذا شاء ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من ذبح لغير ال قال شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪ " ' 173 : 2 ' :‬وما أهل به‬
‫لغ ير ال " ظاهره ‪ :‬أ نه ما ذ بح لغ ير ال ‪ ،‬م ثل أن يقول ‪ :‬هذا ذبي حة لكذا ‪ .‬وإذا كان هذا هو‬
‫المقصود فسواء لفظ به أو لم يلفظ ‪ ،‬وتحريم هذا أظهر من تحريم ما ذبحه للصنم وقال فيه ‪:‬‬
‫باسم المسيح أو نحوه ‪ .‬كما أن ماذبحناه متقربين به إلى ال كان أزكى وأعظم مما ذبحناه للحم ‪،‬‬
‫وقل نا عل يه ‪ :‬ب سم ال ‪ .‬فإذا حرم ما ق يل ف يه با سم الم سيح أو الزهرة ‪ ،‬فلن يحرم ما ق يل ف يه‬
‫ل جل الم سيح أو الزهرة أو ق صد به ذلك أولى ‪ ،‬فإن العبادة لغ ير ال أع ظم كفرا من ال ستعانة‬
‫بغير ال ‪ .‬وعلى هذا فلو ذبح لغير ال متقربا إليه يحرم ‪ ،‬وإن قال فيه باسم ال ‪ ،‬كما قد يفعله‬
‫طائ فة من مناف قى هذه ال مة الذين يتقربون إلى الكوا كب بالذ بح والبخور ون حو ذلك وإن هؤلء‬
‫مرتدين ل تباح ذبيحتهم بحال ‪ .‬لكن يجتمع في الذبيحة مانعان ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنه مما أهل به لغير ال ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬أنها ذبيحة مرتد ‪.‬‬
‫ومن هذا الباب ‪ :‬ما يفعله الجاهلون بمكة من الذبح للجن ‪ ،‬ولهذا روى عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه نهى عن ذبائح الجن‪ .‬اهع ‪.‬‬
‫قال الزمخشري ‪ :‬كانوا إذا اشتروا دارا أو بنوهعا أو اسعتخرجوا عينا ذبحوا ذبيحعة خوفا أن‬
‫تصيبهم الجن ‪ ،‬فأضيفت إليهم الذبائح لذلك ‪.‬‬
‫وذ كر إبراه يم المروزي ‪ :‬أن ما ذ بح ع ند ا ستقبال ال سلطان تقربا إل يه ‪ ،‬أف تى أ هل بخارى‬
‫بتحريمه ‪ ،‬لنه مما أهل به لغير ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل عن ال من ل عن والد يه يع ني أباه وأ مه وإن عل يا ‪ .‬و في ال صحيح أن ر سول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬من الكبائر ش تم الر جل والد يه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا ر سول ال و هل يش تم‬
‫الرجل والديه ؟ قال ‪ :‬نعم يسب أبا الرجل فيسب أباه ‪ ،‬ويسب أمه فيسب أمه " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل عن ال من آوى محدثا أى من عه من أن يؤ خذ م نه ال حق الذى و جب عل يه آوى‬
‫بفتح الهمزة ممدوده أي ضمه إليه وحماه ‪.‬‬
‫قال أبو ال سعادات ‪ :‬أويت إلى المنزل ‪ ،‬وأو يت غيرى ‪ ،‬وآويته ‪ .‬وأنكر بعض هم المقصور‬
‫المتعدى ‪.‬‬
‫وأما محدثا فقال أبو السعادات ‪ :‬يروى بكسر الدال وفتحها على الفاعل والمفعول ‪ ،‬فمعنى‬
‫الكسر ‪ :‬من نصر جانبا وآواه وأجاره من خصمه ‪ ،‬وحال بينه وبين أن يقتص منه ‪ .‬وبالفتح ‪:‬‬
‫هو ال مر المبتدع نف سه ‪ ،‬ويكون مع نى اليواء ف يه الر ضى به وال صبر عل يه ‪ ،‬فإ نه إذا ر ضى‬
‫بالبدعة وأقر فاعلها ولم ينكر عليه فقد آواه ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ :‬هذه الكبيرة تختلف مراتبها باختلف مراتب الحدث في نفسه‬
‫فكلما كان الحدث في نفسه أكبر كانت الكبيرة أعظم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولعن ال من غير منار الرض بفتح الميم علمات حدودها ‪ .‬قال أبو السعادات في‬
‫النهاية ع في مادة تخم ع ملعون من غير تخوم الرض أي معالمها وحدودها ‪ ،‬وحدها تخم‬
‫ق يل ‪ :‬أراد حدود الحرم خا صة ‪ :‬وق يل هو عام في جم يع الرض ‪ ،‬وأراد المعالم ال تي يهتدى‬
‫ب ها في الطريق ‪ .‬وق يل هو أن يد خل الر جل في ملك غيره فيقتط عه ظلما ‪ .‬قال ويروى تخوم‬
‫بفتح التاء على الفراد وجمعه تخم بضم التاء والخاء ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وتغييرها ‪ :‬أن يقدمها أو يؤخرها ‪ ،‬فيكون هذا من ظلم الرض الذي قال فيه النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬من ظلم شبرا من الرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين " ففيه جواز لعن‬
‫أهل الظلم من غير تعيين ‪.‬‬
‫وأما لعن الفاسق المعين ففيه قولن ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه جائز ‪ .‬اختاره ابن الجوزى وغيره ‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬ل يجوز ‪ ،‬اختاره ‪ ،‬أبو بكر عبد العزيز وشيخ السلم ‪.‬‬

‫حديث دخل رجل الجنة في ذباب إلخ‬


‫قوله ‪ " :‬وعن طارق بن شهاب أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬دخل الجنة رجل‬
‫في ذباب ‪ .‬ودخل النار رجل في ذباب ‪ .‬قالوا كيف يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬مر رجلن على قوم‬
‫لهم صنم ‪ ،‬ل يجوزه أحد حتى يقرب له شيئا ‪ ،‬فقالوا لحدهما ‪ :‬قرب ‪ .‬قال ‪ :‬ليس عندي شئ‬
‫أقرب ‪ .‬قالوا له ‪ :‬قرب ولو ذبابا ‪ .‬فقرب ذبابا ‪ .‬فخلوا سعبيله ‪ ،‬فدخعل النار ‪ ،‬وقالوا للخعر ‪:‬‬
‫قرب ‪ ،‬فقال ‪ :‬ما ك نت لقرب ل حد شيئا دون ال عز و جل ‪ .‬فضربوا عن قه ‪ ،‬فد خل الج نة "‬
‫رواه أحمد ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬قال المام أحمد رحمه ال حدثنا أبو معاوية حدثنا العمش عن‬
‫سليمان بن ميسرة عن طارق بن شهاب يرفعه قال ‪ :‬دخل الجنة في رجل في ذباب الحديث ‪.‬‬
‫وطارق بن شهاب ‪ :‬هو البجلى الح مس ‪ ،‬أ بو ع بد ال ‪ .‬رأى ال نبي صلى ال عل يه و سلم‬
‫وهو رجل ‪.‬‬
‫قال البغوي ‪ :‬نزل الكوفة ‪ .‬وقال أبو داود ‪ :‬رأى النبي صلى ال عليه وسلم ولم يسمع منه‬
‫شيئا ‪ .‬قال الحا فظ ‪ :‬إذا ث بت أ نه ل قى ال نبي ف هو صحابي ‪ .‬وإذا ث بت أ نه لم ي سمع م نه فرواي ته‬
‫عنه مرسل صحابي وهو مقبول على الراجح ‪ ،‬وكانت وفاته ع على ما جزم به ابن حبان ع‬
‫سنة ثلث وثمانين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬دخل الجنة رجل في ذباب أي من أجله ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قالوا ‪ :‬وك يف ذلك يا ر سول ال كأن هم تقالوا ذلك ‪ ،‬وتعجبوا م نه ‪ .‬فبين ل هم ال نبي‬
‫صعلى ال عليعه وسعلم معا صعير هذا المعر الحقيعر عندهعم عظيما يسعتحق هذا عليعه الجنعة ‪،‬‬
‫ويستوجب الخر عليه النار ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقال ‪ :‬مر رجلن على قوم ل هم صنم ال صنم ما كان منحوتا على صورة ويطلق‬
‫عليه الوثن كما مر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل يجاوزه أي ل يمر به ول يتعداه أحد حتى يقرب إليه شيئا وإن قل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قالوا له قرب ولو ذبابا فقرب ذبابا فخلوا سعبيله ‪ ،‬فدخعل النار فعي هذا بيان عظمعة‬
‫الشرك ‪ ،‬ولو في شئ قليل ‪ ،‬وأنه يوجب النار ‪ .‬كما قال تعالى ‪ " ' 72 : 5 ' :‬إنه من يشرك‬
‫بال فقد حرم ال عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار " ‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث ‪ :‬التحذير من الوقوع في الشرك ‪ ،‬وأن النسان قد يقع فيه وهو ل يدرى‬
‫أنه من الشرك الذي يوجب النار ‪.‬‬
‫وفيه أنه دخل النار بسبب لم يقصده ابتداء ‪ ،‬وإنما فعله تخلصا من شر أهل الصنم ‪.‬‬
‫وفيه أن ذلك الرجل كان مسلما قبل ذلك ‪ ،‬وإل فلو لم يكن مسلما لم يقل دخل النار في ذباب‬
‫‪.‬‬
‫وفيه أن عمل القلب هو المقصود العظم حتى عند عبدة الوثان ‪ ،‬ذكره المصنف بمعناه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقالوا للخر ‪ :‬قرب ‪ .‬قال ‪ :‬ما كنت لقرب شيئا دون ال عز وجل ‪.‬‬
‫قال المصعنف رحمعه ال ‪ :‬وفيعه معرفعة قدر الشرك فعي قلوب المؤمنيعن كيعف صعبر على‬
‫القتل ولم يوافقهم على طلبتهم مع كونهم لم يطلبوا منه إلى العمل الظاهر ‪.‬‬

‫باب ل يذبح مكان يذبح فيه لغير ال‬


‫قوله ‪ :‬باب ‪ :‬ل يذبح بمكان يذبح فيه لغير ال تعالى‬
‫ل نافية ويحتمل أنها للنهى وهو أظهر ‪ ،‬قوله ‪ :‬وقول ال تعالى ' ‪ " ' 108 : 9‬ل تقم فيه‬
‫أبدا " ال ية قال المف سرون إن ال تعالى ن هى ر سوله عن ال صلة في م سجد الضرار ‪ ،‬وال مة‬
‫تبع له في ذلك ‪ ،‬ثم إنه تعالى حثه على الصلة في مسجد قباء الذي أسس من أول يوم بنى على‬
‫التقوى‪ ،‬و هي طا عة ال ور سوله صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬وجمعا لكل مة المؤمن ين ومعقلً ومنزلً‬
‫لل سلم وأهله ‪ ،‬ولهذا جاء في الحد يث ال صحيح أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال ‪" :‬‬
‫صلة في م سجد قباء كعمرة " وفي ال صحيح ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عل يه وسلم كان يزور‬
‫قباء راكبا وماشيا وقد صرح أن المسجد المذكور في الية هو مسجد قباء جماعة من السلف ‪،‬‬
‫منهم ابن عباس ‪ ،‬وعروة ‪ ،‬والشعبي ‪ ،‬والحسن وغيرهم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويؤيده قوله في ال ية " ف يه رجال يحبون أن يتطهروا " وق يل هو م سجد ر سول ال‬
‫صعلى ال عليعه وسعلم لحديعث أبعي سععيد قال ‪ " :‬تمارى رجلن فعي المسعجد الذي أسعس على‬
‫التقوى من أول يوم ‪ ،‬فقال رجل ‪ :‬هو مسجد قباء ‪ .‬وقال الخر ‪ :‬هو مسجد رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم ‪ ،‬فقال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ :‬هو م سجدي هذا " رواه م سلم ‪ ،‬و هو‬
‫قول عمر وابنه وزيد ابن ثابت وغيرهم ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ير ‪ :‬وهذا صحيح ‪ .‬ول منافاة ب ين ال ية والحد يث ‪ .‬ل نه إذا كان م سجد قباء قد‬
‫أسس على التقوى من أول يوم ‪ ،‬فمسجد رسول ال صلى ال عليه وسلم بطريق الولى ‪ ،‬وهذا‬
‫بخلف م سجد الضرار الذي أ سس على مع صية ال ك ما قال تعالى ‪ " ' 107 : 9 ' :‬والذ ين‬
‫اتخذوا م سجدا ضرارا وكفرا وتفري قا ب ين المؤمن ين وإر صادا ل من حارب ال ور سوله من ق بل‬
‫وليحل فن إن أرد نا إل الح سنى وال يش هد إن هم لكاذبون " ‪ .‬فلهذه المور ن هى ال نبيه عن القيام‬
‫فيعه للصعلة ‪ .‬وكان الذي بنوه جاءوا إلى النعبي صعلى ال عليعه وسعلم قبعل خروجعه إلى غزوة‬
‫تبوك ف سألوه أن ي صلي ف يه ‪ ،‬وأنهم إن ما بنوه للضعفاء وأهل العل قة في الليلة الشات ية ‪ ،‬فقال ‪" :‬‬
‫إنا على سفر ‪ ،‬ولكن إذا رجعنا إن شاء ال " فلما قفل عليه السلم راجعا إلى المدينة ‪ ،‬ولم يبق‬
‫بينه وبينها إل يوم أو بعضه نزل الوحي بخبر المسجد ‪ ،‬فبعث إليه فهدمه قبل قدومه إلى المدينة‬
‫‪ .‬وجه مناسبة الية للترجمة ‪ :‬أن المواضع المعدة للذبح لغير ال يجب اجتناب الذبح فيها ل ‪،‬‬
‫كما أن هذا المسجد لما أعد لمعصية ال صار محل غضب لجل ذلك ‪ ،‬فل تجوز الصلة فيه‬
‫ل ‪ .‬وهذا قياس صحيح يؤيده حديث ثابت الضحاك التى ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬فيه رجال يحبون أن يتطهروا " روى المام أحمد وابن خزيمة وغيرهما عن عويم‬
‫بن ساعدة الن صاري " أن ال نبي صلى ال عل يه و سلم آتا هم في م سجد قباء فقال ‪ :‬إن ال قد‬
‫أح سن علي كم الثناء بالطهور في ق صة م سجدكم ‪ ،‬ف ما هذا الطهور الذي تطهرون به ؟ فقالوا ‪:‬‬
‫وال يعا رسعول ال معا نعلم شيئا إل أنعه كان لنعا جيران معن اليهود كانوا يغسعلون أدبارهعم معن‬
‫الغائط ‪ ،‬فغ سلنا ك ما غ سلوا " و في روا ية عن جابر وأ نس هو ذاك فعليكموه رواه ا بن ما جه‬
‫وابن أبي حاتم والدارقطني والحاكم ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬وال يحعب المطهريعن " قال أبعو العاليعة ‪ :‬إن الطهور بالماء لحسعن ولكنهعم‬
‫المتطهرون من الذنوب ‪ .‬وفيه إثبات صفة المحبة‪ ،‬خلفا للشاعرة ونحوهم ‪.‬‬

‫حديث فيمن نذر بأن ينحر ببوانة‬


‫ل ببوانة ‪ ،‬فسأل النبي صلى‬
‫قوله ‪ :‬وعن ثابت بن الضحاك قال ‪ " :‬نذر رجل أن ينحر إب ً‬
‫ال عل يه و سلم فقال ‪ :‬هل كان في ها و ثن من أوثان الجاهل ية يع بد ؟ قالوا ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ :‬ف هل كان‬
‫فيها عيد من أعيادهم ‪ .‬قالوا ‪ :‬ل ‪ .‬فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أوف بنذرك ‪ ،‬فإنه ل‬
‫وفاء لنذر في معصية ال ول فيما ل يملك ابن آدم " رواه أبو داود ‪ ،‬وإسناده على شرطهما ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن ثا بت بن الضحاك أي ا بن خلي فة الشهلى ‪ ،‬صحابي مشهور ‪ ،‬روى ع نه أ بو‬
‫قلبة وغيره ‪ .‬مات سنة أربع وستين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ببوا نة ب ضم الباء وق يل بفتح ها ‪ .‬قال البغوي ‪ :‬مو ضع في أ سفل م كة دون يلملم ‪.‬‬
‫قال أبو السعادات ‪ :‬هضبة من وراء ينبع ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فهل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد ؟ فيه المنع من الوفاء بالنذر إذا كان في‬
‫المكان وثن ‪ ،‬ولو بعد زواله ‪ .‬قال المصنف رحمه ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فهل كان فيها عيد من أعيادهم ؟ قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬العيد اسم لما يعود‬
‫من الجتماع العام على و جه معتاد عائد ‪ ،‬إ ما بعود ال سنة أو ال سبوع أو الش هر أو ن حو ذلك‬
‫والمراد به ه نا الجماع المعتاد من اجتماع أ هل الجاهلية ‪ .‬فالع يد يجمع أمورا من ها يوم عائد ‪،‬‬
‫كيوم الفطر ويوم الجمعة ‪ ،‬ومنها اجتماع فيه ‪ ،‬ومنها أعمال تتبع ذلك من العبادات والعادات ‪،‬‬
‫وقعد يختعص العيعد بمكان بعينعه ‪ ،‬وقعد يكون مطلقا ‪ ،‬وكعل معن هذه المور قعد يسعمى عيدا ‪.‬‬
‫فالزمان كقول النبي صلى ال عليه وسلم في يوم الجمعة "إن هذا يوم قد جعله ال للمسلمين عيدا‬
‫" والجتماع والعمال كقول ا بن عباس شهدت الع يد مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫والمكان كقول ال نبي صلى ال عل يه و سلم " ل تتخذوا قبرى عيدا " و قد يكون ل فظ الع يد إ سما‬
‫لمجموع اليوم والعمل فيه وهو الغالب ‪ ،‬كقول النبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬دعهما يا أبا بكر‬
‫فإن لكل قوم عيدا " انتهى ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪ :‬وفيه استفصال المفتى والمنع من الوفاء بالنذر بمكان عيد الجاهلية ولو بعد‬
‫زواله ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وفيه سد الذريعة وترك مشابهة المشركين ‪ ،‬والمنع مما هو وسيلة إلى ذلك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فأوف بنذرك هذا يدل على أن الذ بح ل في المكان الذي يذ بح ف يه المشركون لغ ير‬
‫ال ‪ .‬أي في محل أعيادهم ‪ ،‬معصية ‪ ،‬لن قوله فأوف بنذرك تعقيب للوصف بالحكم بالفاء ‪،‬‬
‫وذلك يدل على أن الوصف سبب الحكم ‪ .‬فيكون سبب المر بالوفاء خلوه من هذين الوصفين ‪.‬‬
‫فلمعا قالوا ل قال أوف بنذرك وهذا يقتضعى أن كون البقععة مكانا لعيدهعم ‪ ،‬أو بهعا وثعن معن‬
‫أوثانهم ‪ :‬مانع من الذبح بها ولو نذره ‪ .‬قال شيخ السلم ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬فإ نه ل وفاء لنذر في مع صية ال دل يل على أن هذا نذر مع صية لو قد و جد في‬
‫المكان بعض الموانع ‪ .‬وما كان من نذر المعصية فل يجوز الوفاء به بإجماع العلماء ‪ .‬واختلفوا‬
‫هل تجب فيه كفارة يمين ؟ هما روايتان عن أحمد ‪.‬‬
‫أحده ما ‪ :‬ي جب و هو المذ هب ‪ .‬وروى عن ا بن م سعود وا بن عباس ‪ .‬و به قال أ بو حني فة‬
‫وأصحابه ‪ ،‬لحديث عائشة رضي ال عنها مرفوعا ‪ " :‬ل نذر في معصية ‪ ،‬وكفارته كفارة يمين‬
‫" رواه أحمد وأهل السنن واحتج به أحمد واسحق ‪.‬‬
‫ثانيهما ‪ :‬ل كفارة عليه ‪ .‬وروى ذلك عن مسروق والشعبي والشافعي ‪ ،‬لحديث الباب ‪ .‬ولم‬
‫يذكر فيه كفارة ‪ .‬وجوابه ‪ :‬أنه ذكر الكفارة في الحديث المتقدم ‪ .‬والمطلق يحمل على المقيد ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول فيما ل يملك ابن آدم قال في شرح المصابيح ‪ :‬يعنى إذا أضاف النذر إلى معين‬
‫ل يملكه بأن قال ‪ :‬إن شفى ال مريضي فلله على أن أعتق عبد فلن ونحو ذلك ‪ .‬فأما إذا التزم‬
‫في الذمة شيئا ‪ ،‬بأن قال إن شفى ال مريضي فلله على أن أعتق رقبة ‪ ،‬وهو في تلك الحال ل‬
‫يملكها ول قيمتها ‪ ،‬فإذا شفى مريضه ثبت ذلك في ذمته ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬رواه أبو داود وإسناده على شرطهما أي البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫وأ بو داود ‪ :‬ا سمه سليمان ا بن الش عث بن ا سحق بن بش ير بن شداد الزدى ال سجستانى‬
‫صاحب المام أح مد ‪ ،‬وم صنف ال سنن والمرا سيل وغير ها ‪ ،‬ث قة إمام حا فظ من كبار العلماء‬
‫مات سنة خمس وسبعين ومائتين ‪ .‬رحمه ال تعالى ‪.‬‬

‫باب من الشرك النذر لغير ال‬


‫قوله ‪ ( :‬باب من الشرك النذر لغير ال تعالى )‬
‫أي لكونه عبادة يجب الوفاء به إذا نذره ل ‪ .‬فيكون النذر لغير ال تعالى شركا في العبادة ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ " ' 7 : 76 ' :‬يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا " فالية دلت‬
‫على وجوب الوفاء بالنذر ومدح من فعل ذلك طاعة ل ووفاء بما تقرب به إليه ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ " ' 270 : 2 ' :‬وما أنفقتم من نفقة أو نذرتم من نذر فإن ال يعلمه " ‪.‬‬
‫قال ا بن كثيعر ‪ :‬ي خبر تعالى أنعه عالم بجميعع ما يعله العاملون معن الخيرات ‪ ،‬معن النفقات‬
‫والمنذورات ‪ ،‬وتضمن ذلك مجازاته على ذلك أوفر الجزاء للعاملين إبتغاء وجهه ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫إذا علمت ذلك ‪ :‬فهذه النذور الواقعة من عباد القبور ‪ ،‬تقربا بها إليهم ليقضوا لهم حوائجهم‬
‫وليشفعوا لهم ‪ ،‬كل ذلك شرك في العبادة بل ريب ‪ .‬كما قال تعالى ‪ " ' 136 : 6 ' :‬وجعلوا ل‬
‫م ما ذرأ من الحرث والنعام نصيبا فقالوا هذا ل بزعم هم وهذا لشركائ نا ف ما كان لشركائ هم فل‬
‫يصل إلى ال وما كان ل فهو يصل إلى شركائهم ساء ما يحكمون " ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬وأما ما نذر لغير ال كالنذر للصنام والشمس والقمر والقبور‬
‫ونحو ذلك ‪ ،‬فهو بمنزلة أن يحلف بغير ال من المخلوقات ‪ .‬والحالف بالمخلوقات ل وفاء عليه‬
‫ول كفارة ‪ ،‬وكذلك الناذر للمخلوقات ‪ .‬فإن كله ما شرك ‪ .‬والشرك ل يس له حر مة ‪ ،‬بل عل يه‬
‫أن يستغفر ال من هذا ويقول ما قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من حلف وقال في حلفه ‪:‬‬
‫واللت والعزى فليقل ل إله إل ال " ‪.‬‬
‫وقال فيمعن نذر سعمعة أو نحوهعا دهنا لتنور بعه ويقول ‪ :‬إنهعا تقبعل النذر كمعا يقوله بععض‬
‫الضالين ع ‪ :‬وهذا النذر معصية باتفاق المسلمين ل يجوز الوفاء به وكذلك إذا نذر مالً للسدنة‬
‫أو المجاور ين العاكف ين بتلك البق عة ‪ .‬فإن في هم شبها من ال سدنة ال تي كا نت ع ند اللت والعزى‬
‫ومناة ‪ ،‬يأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل ال ‪ .‬والمجاورون هناك فيهم شبه من‬
‫الذين قال فيهم الخليل عليه السلم ‪ " :‬ما هذه التماثيل التي أنتم لها عاكفون " والذين اجتاز بهم‬
‫موسى عليه السلم وقومه ‪ ،‬قال تعالى ‪ " ' 138 : 7 ' :‬وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتوا على‬
‫قوم يعكفون على أ صنام ل هم " فالنذر لولئك ال سدنة والمجاور ين في هذه البقاع نذر مع صية ‪.‬‬
‫وفيه شبه من النذر لسدنة الصلبان والمجاورين عندها ‪ ،‬أو لسدنة البداد في الهند والمجاورين‬
‫عندها ‪.‬‬
‫وقال الراف عى في شرح المنهاج ‪ :‬وأ ما النذر للمشا هد ال تي على قبر ولى أو ش يخ أو على‬
‫إ سم من حل ها من الولياء ‪ ،‬أو تردد في تلك البق عة من الولياء وال صالحين فإن ق صد الناذر‬
‫بذلك ع وهو الغالب أو الواقع من قصود العامة تعظيم البقعة والمشهد ‪ ،‬أو الزاوية ‪ ،‬أو تعظيم‬
‫من دفن بها أو نسبت إليه ‪ ،‬أو بنيت على اسمه فهذا النذر باطل غير منعقد ‪ ،‬فإن معتقدهم أن‬
‫لهذه الما كن خصوصيات ‪ ،‬ويرون أن ها م ما يد فع ب ها البلء وي ستجلب ب ها النعماء ‪ ،‬وي ستشفى‬
‫بالنذر لها من الدواء حتى إنهم ينذرون لبعض الحجار لما قيل لهم ‪ :‬إنه استند إليها عبد صالح‬
‫وينذرون لب عض القبور ال سرج والشموع والز يت ‪ ،‬ويقولون إن ها تق بل النذر ك ما يقوله الب عض‬
‫يعنون بذلك أنه يحصل به الغرض المأمول من شفاء مر يض ‪ ،‬أو قدوم غائب أو سلمة مال ‪،‬‬
‫وغير ذلك من أنواع المجازاة ‪ ،‬فهذا النذر على الوجه باطل ل شك فيه ‪ ،‬بل نذر الزيت والشمع‬
‫ونحوهما للقبور باطل مطلقا ‪ .‬ومن ذلك نذر الشموع الكثيرة العظيمة وغيرها لقبر الخليل عليه‬
‫السلم ولقبر غيره من النبياء والولياء ‪ ،‬فإن الناذر ل يقصد بذلك اليقاد على القبر إل تبركا‬
‫وتعظيما ‪ ،‬ظانا أن ذلك قر بة ‪ ،‬فهذا م ما ل ر يب في بطل نه ‪ ،‬واليقاد المذكور محرم ‪ ،‬سواء‬
‫انتفع به هناك منتفع أم ل ‪.‬‬
‫قال الش يخ قا سم الحن فى في شرح درر البحار ‪ :‬النذر الذي ينذره أك ثر العوام على ما هو‬
‫مشا هد ‪ ،‬كأن يكون للن سان غائب أو مر يض أو له حا جة ‪ ،‬فيأ تي إلى ب عض ال صلحاء ويج عل‬
‫على رأ سه ستره ‪ ،‬ويقول ‪ :‬يا سيدي فلن إن رد ال غائ بي أو عو فى مري ضي ‪ ،‬أو قض يت‬
‫حاجتي فلك من الذهب كذا ‪ ،‬أو من الفضة كذا ‪ ،‬أو من الطعام كذا ‪ ،‬أو من الماء كذا ‪ ،‬أو من‬
‫الش مع والز يت ‪ .‬فهذا النذر با طل بالجماع لوجوه ‪ ،‬من ها ‪ :‬أ نه نذر لمخلوق ‪ ،‬والنذر للمخلوق‬
‫ل يجوز ‪ ،‬لنه عبادة والعبادة ل تكون لمخلوق ‪ ،‬ومنها أن المنذور له ميت ‪ ،‬والميت ل يملك ‪،‬‬
‫ومن ها أ نه ظن أن الم يت يت صرف في المور دون ال ‪ ،‬واعتقاد ذلك ك فر ع إلى أن قال ‪ :‬إذا‬
‫علمت هذا فما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت وغيرها وينقل إلى ضرائح الولياء تقربا إليها‬
‫فحرام بإجماع المسلمين‪.‬‬
‫نقله ع نه ا بن نج يم في الب حر الرائق ‪ ،‬ونقله المرشدى في تذكر ته وغيره ما ع نه وزاد‪ :‬قد‬
‫ابتلى الناس بهذا ل سيما في مولد البدوى‪.‬‬
‫وقال الشيعخ صعنع ال الحلبعي الحنفعي فعي الرد على معن أجاز الذبعح والنذر للولياء ‪ :‬فهذا‬
‫الذبح والنذر إن كان على اسم فلن فهو لغير ال ‪ ،‬فيكون باطلً ‪ .‬وفي التنزيل ' ‪" ' 121 : 6‬‬
‫ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال عليه " ' ‪ " ' 162 : 6‬قل إن صلتي ونسكي ومحياي ومماتي ل‬
‫رب العالمين * ل شريك له " والنذر لغير ال إشراك مع ال ‪ ،‬كالذبح لغيره ‪.‬‬

‫حديث من نذر أن يعصي ال فل يعصه‬


‫قوله ‪ :‬ععن عائشعة هعي أم المؤمنيعن ‪ ،‬زوج النعبي صعلى ال عليعه وسعلم ‪ ،‬وابنعة الصعديق‬
‫رضي ال عنهما تزوجها النبي صلى ال عليه وسلم وهي ابنة سبع سنين ‪ ،‬ودخل بها ابنة تسع‬
‫وهي أفقة النساء مطلقا ‪ ،‬وهي أفضل أزواج النبي صلى ال عليه وسلم إل خديجة ففيها خلف‬
‫‪ .‬ماتت سنة سبع وخمسين على الصحيح رضي ال عنها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من نذر أن يطيع ال فليطعه أي فليفعل ما نذره من طاعة ال وقد أجمع العلماء على‬
‫أن من نذر طاعة لشرط يرجوه ‪ ،‬كإن شفى ال مريضى فعلى أن أتصدق بكذا ونحو ذلك وجب‬
‫عليه ‪ ،‬إن حصل له ما علق نذره على حصوله ‪ .‬وحكى عن أبي حنيفة ‪ :‬أنه ل يلزم الوفاء إل‬
‫بما جنسه واجب بأصل الشرع كالصوم وأما ما ليس كذلك كالعتكاف فل يجب عليه الوفاء به‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬و من نذر أن يع صى ال فل يع صه زاد الطحاوى ‪ :‬وليك فر عن يمي نه و قد أج مع‬
‫العلماء على أنه ل يجوز الوفاء بنذر المعصية ‪.‬‬
‫قال الحافظ ‪ :‬اتفقوا على تحريم النذر في المعصية ‪ ،‬وتنازعوا ‪ :‬هل ينعقد موجبا للكفارة أم‬
‫ل ؟ وتقدم ‪ .‬و قد ي ستدل بالحد يث على صحة النذر في المباح ‪ ،‬ك ما هو مذ هب أح مد وغيره ‪،‬‬
‫يؤيده ما رواه أبو داود عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده ‪ ،‬وأحمد والترمذي عن بريدة ‪:‬‬
‫أن امرأة قالت ‪" :‬يعا رسعول ال إنعي نذرت أن أضرب على رأسعك بالدف ‪ ،‬فقال أوفعي بنذرك"‬
‫وأما نذر اللجاج والغضب فهو يمين عند أحمد ‪ ،‬فيخير بين فعله وكفارة يمين ‪ ،‬لحديث عمران‬
‫بن حصين مرفوعا " ل نذر في غ ضب‪ ،‬وكفارته كفارة يم ين " رواه سعيد بن منصور وأحمد‬
‫والنسائي ‪ ،‬فإن نذر مكروها كالطلق استحب أن يكفر ول يفعله ‪.‬‬

‫باب من الشرك الستعاذة بغير ال‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ‪ :‬من الشرك الستعاذة بغير ال )‬
‫السعتعاذة اللتجاء والعتصعام ‪ ،‬ولهذا يسعمى المسعتعاذ بعه ‪ :‬معاذا وملجعأ فالعائذ بال قعد‬
‫هرب مما يؤذيه أو يهلكه ‪ ،‬إلى ربه ومالكه ‪ ،‬واعتصم واستجار به والتجأ إليه ‪ ،‬وهذا تمثيل ‪،‬‬
‫وإل فمعا يقوم بالقلب معن اللتجاء إلى ال ‪ ،‬والعتصعام بعه ‪ ،‬والنطراح بيعن يدى الرب ‪،‬‬
‫والفتقار ‪ ،‬والتذليل له ‪ ،‬أمر ل تحيط به العبارة ‪ .‬قاله ابن القيم رحمه ال ‪.‬‬
‫وقال ا بن كث ير ‪ :‬ال ستعاذة هي اللتجاء إلى ال واللت صاق بجنا به من شر كل ذى شر ‪.‬‬
‫والعياذ يكون لدفع الشر ‪ .‬واللياذ لطلب الخير ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬و هي من العبادات ال تي أ مر ال تعالى ب ها عباده ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪" ' 36 : 41 ' :‬‬
‫وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بال إنه هو السميع العليم " وأمثال ذلك في القرآن كثير‬
‫كقوله ‪ " :‬قل أعوذ برب الفلق " و " قل أعوذ برب الناس " ف ما كان عبادة ل ف صرفه لغ ير ال‬
‫شرك في العبادة ‪ ،‬فمن صرف شيئا من هذه العبادات لغير ال جعله شريكا ل في عبادته ونازع‬
‫الرب في إلهيته كما أن من صلى ل صلى لغيره يكون عابدا لغير ال ‪ ،‬ول فرق ‪ ،‬كما سيأتي‬
‫تقريره قريبا إن شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 6 : 72 ' :‬وأنه كان رجال من النس يعوذون برجال من الجن‬
‫فزادوهم رهقا " ‪.‬‬
‫قال ابن كثير ‪ :‬أي كنا نرى أن لنا فضلً على النس لنهم كانوا يعوذون بنا ‪ ،‬أي إذا نزلوا‬
‫واديا أو مكانا موحشا من البراري وغيرها كما كانت عادة العرب في جاهليتها يعوذون بعظيم‬
‫ذلك المكان من الجان أن ي صيبهم ب شئ ي سوءهم ‪ ،‬ك ما كان أحد هم يد خل بلد أعدائه في جوار‬
‫رجل كبير وذمامه وخفارته ‪ ،‬فلما رأت الجن أن النس يعوذون بهم من خوفهم منهم زادوهم‬
‫رهقا ‪ ،‬أي خوفا وإرهابا وذعرا ‪ ،‬حتى يبقوا أشد منهم مخافة وأكثر تعوذا بهم ع إلى أن قال ع‬
‫قال أ بو العال ية والرب يع وز يد بن أ سلم رهقا أي خوفا ‪ .‬وقال العو في عن ا بن عباس فزادو هم‬
‫رهقا أي إثما ‪ ،‬وكذا قال قتادة ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وذاك أن الرجل من العرب كان إذا أمسى بواد ق فر وخاف على نف سه قال ‪ :‬أعوذ ب سيد هذا‬
‫الوادي من سفهاء قومه ‪ ،‬يريد كبير الجن ‪ ،‬وقد أجمع العلماء على أنه ل يجوز الستعاذة بغير‬
‫ال ‪.‬‬
‫وقال مل على قاري الحنفعي ‪ :‬ل يجوز السعتعاذة بالجعن ‪ .‬فقعد ذم ال الكافريعن على ذلك‬
‫وذكر الية وقال ‪ :‬قال تعالى '‪ " '128 :6‬ويوم يحشرهم جميعا يا معشر الجن قد استكثرتم من‬
‫النس وقال أولياؤهم من النس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت لنا قال النار‬
‫مثوا كم خالد ين في ها إل ما شاء ال إن ر بك حك يم عل يم " فا ستمتاع الن سى بالج ني في قضاء‬
‫حوائ جه وامتثال أوامره وإخباره ب شئ من المغيبات ‪ ،‬وا ستمتاع الج نى بالن سى تعظي مه إياه ‪،‬‬
‫وإستعاذته به وخضوعه له ‪ .‬انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪ :‬وفيه أن كون الشئ يحصل به منفعة دنيوية ل يدل على أنه ليس من الشرك‬
‫‪.‬‬

‫ما يقول من نزل بمكان يخافه‬


‫قوله ‪ :‬و عن خولة ب نت حك يم قالت ‪ :‬سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول ‪ " :‬من‬
‫نزل منزلً فقال ‪ :‬أعوذ بكلمات ال التامات من شر ما خلق ‪ ،‬لم يضره شئ ح تى يرت حل من‬
‫منزله ذلك " رواه مسلم ‪.‬‬
‫هي خولة بنت حكيم بن أمية السلمية ‪ ،‬يقال لها أم شريك ‪ ،‬ويقال إنها هي الواهبة وكانت‬
‫قبل تحت عثمان بن مظعون ‪.‬‬
‫قال ابن عبد البر ‪ :‬وكانت صالحة فاضلة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أعوذ بكلمات ال التامات شرع ال لهعل السعلم أن يسعتعيذوا بعه بدلً عمعا يفعله‬
‫أهل الجاهلية من الستعاذة بالجن ‪ ،‬فشرع ال للمسلمين أن يستعيذوا بأسمائه وصفاته ‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬قيل ‪ :‬معناه الكاملت التي ل يلحقها نقص ول عيب ‪ ،‬كما يلحق كلم البشر‬
‫‪ .‬وقيل معناه ‪ :‬معناه الشافية الكافية ‪ .‬وقيل الكلمات هنا هي القرآن ‪ .‬فإن ال أخبر عنه بأنه ‪' :‬‬
‫‪ 57 : 10‬و ‪ 82 : 17‬و ‪ " ' 44 : 41‬هدى وشفاء " وهذا المر على جهة الرشاد إلى ما يدفع‬
‫به الذى ‪ .‬ول ما كان ذلك ا ستعاذة ب صفات ال تعالى كان من باب المندوب إل يه المر غب ف يه ‪،‬‬
‫وعلى هذا ف حق الم ستعيذ بال أو بأ سمائه و صفاته أن ي صدق ال في إلتجائه إل يه ‪ ،‬ويتو كل في‬
‫ذلك عليه ‪ ،‬ويحضر ذلك في قلبه ‪ ،‬فمتى فعل ذلك وصل إلى منتهى طلبه ومغفرة ذنبه ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم رح مه ال ‪ :‬و قد نص الئ مة كأح مد وغيره على أ نه ل يجوز ال ستعاذة‬
‫بمخلوق ‪ .‬وهذا مما استدلوا به على أن كلم ال غير مخلوق ‪ .‬قالوا ‪ :‬لنه ثبت عن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم أنه استعاذ بكلمات ال وأمر بذلك ‪ ،‬ولهذا نهى العلماء عن التعازيم والتعاويذ التي‬
‫ل يعرف معناها خشية أن يكون فيها شرك ‪.‬‬
‫وقال ابن الق يم ‪ :‬ومن ذ بح للشيطان ودعاه ‪ ،‬واستعاذ به وتقرب إليه ب ما ي جب فقد عبده ‪،‬‬
‫وإن لم يسم ذلك عبادة ويسميه استخداما ‪ ،‬وصدق ‪ ،‬هو استخدام من الشيطان له ‪ ،‬فيصير من‬
‫خدم الشيطان وعابد يه ‪ ،‬وبذلك يخد مه الشيطان ‪ ،‬ل كن خد مة الشيطان له لي ست خد مة عباده ‪،‬‬
‫فإن الشيطان ل يخضع له ول يعبده كما يفعل هو به ا هع ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬من شر ما خلق " قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬أي من كل شر في أي مخلوق قام بن‬
‫الشر من حيوان أو غيره ‪ ،‬إنسيا أو جنيا ‪ ،‬أو هامة أو دابة ‪ ،‬أو ريحا أو صاعقة ‪ ،‬أو أي نوع‬
‫من أنواع البلء في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫و معا ههنعا موصعولة وليعس المراد بهعا العموم الطلقعي ‪ ،‬بعل المراد التقييدي الوصعفي ‪،‬‬
‫والمعنى ‪ :‬من كل شر كل مخلوق فيه شر‪ ،‬ل من شر كل ما خلقه ال ‪ ،‬فإن الجنة والملئكة‬
‫والنبياء ليس فيهم شر ‪ ،‬والشر يقال على شيئين ‪ :‬على اللم ‪ ،‬وعلى ما يفضى إليه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬لم يضره شئ ح تى يرت حل من منزله ذلك قال القر طبي ‪ :‬هذا خبر صحيح وقول‬
‫صادق علمنا صدقه دليلً وتجربة ‪ ،‬فإني منذ سمعت هذا الخبر عملت عليه فلم يضرني شئ إلى‬
‫أن ترك ته ‪ ،‬فلدغت ني عقرب بالمهد ية ليلً ‪ ،‬فتفكرت في نف سي فإذا بي قد ن سيت أن أتعوذ بتلك‬
‫الكلمات ‪.‬‬
‫باب من الشرك الستعانة بغير ال ودعاء غير ال‬
‫قوله ‪ ( :‬باب من الشرك أن يستغيث بغير ال أو يدعو غيره )‬
‫قال ش يخ ال سلم رح مه ال ‪ :‬ال ستغاثة والدعاء أن ال ستغاثة ل تكون إل من المكروب ‪،‬‬
‫والدعاء أعم من الستغاثة ‪ ،‬لنه يكون من المكروب وغيره ‪ .‬فعطف الدعاء على الستغاثة من‬
‫ع طف العام على الخاص ‪ .‬فبينه ما عموم وخ صوص مطلق ‪ ،‬يجتمعان في مادة وينفرد الدعاء‬
‫عنها في مادة ‪ ،‬فكل استغاثة دعاء ‪ ،‬وليس كل دعاء استغاثة ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬أو يدععو غيره اعلم أن الدعاء نوعان ‪ :‬دعاء عبادة ‪ ،‬ودعاء مسعألة ‪ ،‬ويراد بعه‬
‫في القرآن هذا تارة ‪ ،‬وهذا تارة ‪ ،‬ويراد به مجموعهما فدعاء المسألة هو طلب ما ينفع الداعي‬
‫من جلب نفع أو كشف ضر ‪ ،‬ولهذا أنكر ال على من يدعو أحدا من دونه ممن ل يملك ضرا‬
‫ول نفعا ‪ ،‬كقوله تعالى ‪ " ' 76 : 5 ' :‬قل أتعبدون من دون ال ما ل يملك لكم ضرا ول نفعا‬
‫وال هو السميع العليم " وقوله ‪ " ' 71 : 6 ' :‬قل أندعوا من دون ال ما ل ينفعنا ول يضرنا‬
‫ونرد على أعقابنعا بععد إذ هدانعا ال كالذي اسعتهوته الشياطيعن فعي الرض حيران له أصعحاب‬
‫يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى ال هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين " وقال ‪: 10 ' :‬‬
‫‪ " ' 106‬ول تدع من دون ال ما ل ينفعك ول يضرك فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين " ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم رح مه ال ‪ :‬ف كل دعاء عبادة م ستلزم لدعاء الم سألة ‪ ،‬و كل دعاء م سألة‬
‫متضمن لدعاء العبادة ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ " ' 55 : 7 ' :‬ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه ل يحب‬
‫المعتد ين " وقال تعالى ‪ " ' 41 ، 40 : 6 ' :‬قل أرأيت كم إن أتا كم عذاب ال أو أتت كم ال ساعة‬
‫أغير ال تدعون إن كنتم صادقين * بل إياه تدعون فيكشف ما تدعون إليه إن شاء وتنسون ما‬
‫تشركون " وقال تعالى ‪ " ' 14 : 13 ' :‬له دعوة الحق والذين يدعون من دونه ل يستجيبون لهم‬
‫بش يء إل كبا سط كف يه إلى الماء ليبلغ فاه و ما هو ببال غه و ما دعاء الكافر ين إل في ضلل "‬
‫وأمثال هذا في القرآن في دعاء المسألة أكثر من أن يحصر ‪ ،‬وهو يتضمن دعاء العبادة ‪ ،‬لن‬
‫ال سائل أخلص سؤاله ل ‪ ،‬وذلك من أف ضل العبادات ‪ ،‬وكذلك الذا كر ل والتالي لكتا به ونحوه ‪،‬‬
‫طالب من ال في المعنى ‪ ،‬فيكون داعيا عابدا ‪.‬‬
‫فتبين بهذا من قول شيخ السلم أن دعاء العبادة مستلزم لدعاء المسألة كما أن دعاء المسألة‬
‫متض من لدعاء العبادة ‪ ،‬و قد قال ال تعالى عن خليله ‪ " ' 49 ، 48 ، 19 ' :‬وأعتزل كم و ما‬
‫تدعون من دون ال وأدعو ربي عسى أن ل أكون بدعاء ربي شقيا * فلما اعتزلهم وما يعبدون‬
‫من دون ال وهب نا له إ سحاق ويعقوب وكل جعل نا نب يا " ف صار الدعاء من أنواع العبادة ‪ ،‬فإن‬
‫قوله ‪ " :‬وأدعو ربي عسى أن ل أكون بدعاء ربي شقيا " كقول زكريا ‪ " ' 4 : 19 ' :‬إني وهن‬
‫العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا " ‪ .‬وقد أمر ال تعالى به في مواضع‬
‫من كتابه كقوله ‪ " ' 56 ، 55 : 7 ' :‬ادعوا ربكم تضرعا وخفية إنه ل يحب المعتدين * ول‬
‫تفسدوا في الرض بعد إصلحها وادعوه خوفا وطمعا إن رحمة ال قريب من المحسنين " وهذا‬
‫هو دعاء المسألة المتضمن للعبادة ‪ ،‬فإن الداعي يرغب إلى المدعو ويخضع له ويتذلل ‪.‬‬
‫وضابط هذا ‪ :‬أن كل أمر شرعه ال لعباده وأمرهم به ففعله ل عبادة ‪ ،‬فإذا صرف من تلك‬
‫العبادة شيئا لغير ال فهو مشرك مصادم لما بعث به رسوله من قوله ‪ " ' 14 : 39 ' :‬قل ال‬
‫أعبد مخلصا له ديني " وسيأتي لهذا مزيد بيان إن شاء ال تعالى ‪.‬‬

‫تعظيم رسول ال غير الغلو فيه‬


‫قال ش يخ ال سلم رح مه ال في الر سالة ال سنية ‪ :‬فإذا كان على ع هد ال نبي صلى ال عل يه‬
‫وسعلم ممعن انتسعب إلى السعلم معن مرق منعه معع عبادتعه العظيمعة ‪ ،‬فليعلم أن المنتسعب إلى‬
‫ال سلم وال سنة في هذه الزمان قد يمرق أيضا من ال سلم ل سباب من ها ‪ :‬الغلو في ب عض‬
‫المشا يخ ‪ ،‬بل الغلو في علي بن أ بي طالب ‪ ،‬بل الغلو في الم سيح ‪ ،‬ف كل من غل في نبي أو‬
‫رجل صالح ‪ ،‬وجعل فيه نوعا من اللهية مثل أن يقول ‪ :‬يا سيدي فلن انصرني أو أغثني ‪ ،‬أو‬
‫ارزقني ‪ ،‬أو أنا في حسبك ‪ ،‬ونحو هذه القوال ‪ .‬فكل هذا شرك وضلل يستتاب صاحبه ‪ ،‬فإن‬
‫تاب وإل قتل ‪ .‬فإن ال سبحانه وتعالى إنما أرسل الرسل ‪ ،‬وأنزل الكتب ‪ ،‬ليعبد وحده ل شريك‬
‫له ‪ ،‬ول يدععى مععه إله آخعر ‪ .‬والذي يدعون معع ال آلهعة آخرى مثعل المسعيح والملئكعة‬
‫وال صنام ‪ ،‬لم يكونوا يعتقدون أن ها تخلق الخلئق أو تنزل الم طر أو تن بت النبات ‪ ،‬وإن ما كانوا‬
‫يعبدون هم ‪ ،‬أو يعبدون قبور هم ‪ ،‬أو يعبدون صورهم ‪ ،‬يقولون ‪ " ' 3 : 39 ' :‬ما نعبد هم إل‬
‫ليقربونا إلى ال زلفى " ' ‪ " ' 101 : 10‬ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند ال " فبعث ال سبحانه‬
‫رسله تنهى عن أن يدعى أحد من دونه ‪ ،‬ل دعاء عبادة ول دعاء استغاثة ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬من جعل بينه وبين ال وسائط يتوكل عليهم ويدعوهم ويسألهم كفر إجماعا ‪.‬‬
‫نقله عنعه صعاحب الفروع وصعاحب النصعاف وصعاحب القناع وغيرهعم ‪ .‬وذكره شيعخ‬
‫السلم ونقلته عنه في الرد على ابن جرجيس في مسألة الوسائط ‪.‬‬
‫وقال ا بن الق يم رح مه ال ‪ :‬و من أنوا عه ع يع ني الشرك ع طلب الحوائج من المو تى ‪،‬‬
‫وال ستغاثة ب هم والتو جه إلي هم ‪ .‬وهذا أ صل شرك العالم ‪ .‬فإن الم يت قد انق طع عمله ‪ ،‬و هو ل‬
‫يملك لنفسعه نفعا ول ضرا ‪ ،‬فضلً عمعن اسعتغاث بعه أو سعأله أن يشفعع له إلى ال ‪ ،‬وهذا معن‬
‫جهله بالشافع والمشفوع عنده ‪ ،‬وسيأتي تتمة كلمه في باب الشفاعة إن شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫وقال الحا فظ مح مد بن ع بد الهادي رح مه ال في رده على ال سبكى في قوله ‪ :‬إن المبال غة‬
‫في تعظيمه ع أي الرسول صلى ال عليه وسلم ع واجبة ‪.‬‬
‫إن أر يد به المبال غة بح سب ما يراه كل أ حد تعظميا ‪ ،‬ح تى ال حج إلى قبره وال سجود له ‪،‬‬
‫والطواف به ‪ ،‬واعتقاد أنه يعلم الغيب ‪ ،‬وأنه يعطى ويمنع لمن استغاث به من دون ال الضر‬
‫والنفع ‪ ،‬وأنه يقضى حوائج السائلين ويفرج كربات المكروبين ‪ ،‬وأنه يشفع فيمن يشاء ‪ ،‬ويدخل‬
‫الجنة من يشاء ع فدعوى المبالغة في هذا التعظيم مبالغة في الشرك ‪ ،‬وانسلخ من جملة الدين‬
‫‪.‬‬
‫و في الفتاوى البزاز ية من ك تب الحنف ية ‪ :‬قال علماؤ نا ‪ :‬من قال أرواح المشائخ حاضرة‬
‫تعلم ‪ :‬يكفر ‪.‬‬

‫الرد على من ادعى أن للولياء تصرفا‬


‫وقال الشيعخ صعنع ال الحنفعي رحمعه ال عع فعي كتابعه الرد على معن ادععى أن للولياء‬
‫تصرفات في الحياة وبعد الممات على سبيل الكرامة ‪ :‬هذا وأنه قد ظهر الن فيما بين المسلمين‬
‫جماعات يدعون أن للولياء تصرفات بحياتهم وبعد مماتهم ‪ ،‬ويستغاث بهم في الشدائد والبليات‬
‫وبهممهعم تكشعف المهمات ‪ ،‬فيأتون قبورهعم وينادونهعم فعي قضاء الحاجات ‪ ،‬مسعتدلين أن ذلك‬
‫من هم كرامات وقالوا‪ :‬من هم أبدان ونقباء ‪ ،‬وأوتاد ونجباء و سبعون و سبعة ‪ ،‬وأربعون وأرب عة ‪،‬‬
‫والقطعب هعو الغوث للناس ‪ ،‬وعليعه المدار بل التباس ‪ ،‬وجوزوا لهعم الذبائح والنذور ‪ ،‬وأثبتوا‬
‫فيه ما الجور ‪ ،‬قال ‪ :‬وهذا كلم ف يه تفر يط وإفراد ‪ ،‬بل ف يه الهلك البدى والعذاب ال سرمدى‪،‬‬
‫لما فيه من روائح الشرك المحقق ‪ ،‬ومصادمة الكتاب العزيز المصدق ‪ ،‬ومخالفة لعقائد الئمة‬
‫وما اجتمعت عليه المة ‪ .‬وفي التنزيل ‪ " ' 114 : 4 ' :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له‬
‫الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬فأما قولهم ‪ :‬إن للولياء تصرفات في حياتهم وبعد الممات ‪ ،‬فيرده قوله تعالى ‪' :‬‬
‫‪ 61 : 27‬ع ‪ " ' 64‬أإله مع ال " ' ‪ " ' 54 : 7‬أل له الخلق والمر " ' ‪ 189 : 3‬و ‪ 19 : 5‬و‬
‫‪ 123 : 20‬و ‪ 42 : 24‬و ‪ 49 : 42‬و ‪ 27 : 45‬و ‪ " ' 14 : 48‬ل ملك السموات والرض "‬
‫ونحوها من اليات الدالة على أنه المنفرد بالخلق والتدبير والتصرف والتقدير ‪ ،‬ول شئ لغيره‬
‫في شئ ما بو جه من الوجوه فال كل ت حت مل كه وقهره ت صرفا وملكا ‪ ،‬وإما تة وخلقا ‪ .‬وتمدح‬
‫الرب تبار وتعالى بانفراده بملكه في آيات من كتابه كقوله ‪ " ' 3 : 35 ' :‬هل من خالق غير ال‬
‫؟ " ' ‪ " ' 40 : 35‬والذ ين تدعون من دو نه ما يملكون من قطم ير * إن تدعو هم ل ي سمعوا‬
‫دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ول ينبئك مثل خبير " وذكر‬
‫آيات في هذا المعنى ‪.‬‬
‫ثم قوله ‪ :‬فقوله في اليات كلها من دونه أي من غيره ‪ .‬فإ نه هام يد خل ف يه من اعتقد ته ‪،‬‬
‫ومن ولى وشيطان تستمده ‪ ،‬فإن من لم يقدر على نصر نفسه كيف يمد غيره ؟ إلى أن قال ‪ :‬إن‬
‫هذا لقول وخيعم‪ ،‬وشرك عظيعم ‪ ،‬إلى أن قال ‪ :‬وأمعا القول بالتصعرف بععد الممات فهعو أشنعع‬
‫وأبدع من القول بالتصرف في الحياة ‪ .‬قال جل ذكره ‪ " ' 30 : 29 ' :‬إنك ميت وإنهم ميتون "‬
‫' ‪ " ' 42 : 39‬ال يتوفى النفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها‬
‫الموت ويرسل الخرى إلى أجل مسمى " ' ‪ 185 : 3‬و ‪ 34 : 21‬و ‪ " ' 57 : 29‬كل نفس‬
‫ذائقة الموت " ' ‪ " ' 38 : 74‬كل نفس بما كسبت رهينة " وفي الحديث ‪ " :‬إذا مات ابن آدم‬
‫انق طع عمله إل من ثلث " الحد يث فجم يع ذلك و ما هو نحوه دال على انقطاع ال حس والحركة‬
‫من الميت ‪ ،‬وأن أرواحهم ممسكة وأن أعمالهم منقطعة عن زيادة ونقصان ‪ ،‬فدل ذلك على أنه‬
‫ليس للميت تصرف في ذاته فضلً عن غيره ‪ .‬فإذا عجز عن حركة نفسه ‪ .‬فكيف يتصرف في‬
‫غيره ؟ فلله سعبحانه يخعبر أن الرواح عنده‪ ،‬وهؤلء الملحدون يقولون ‪ :‬إن الرواح مطلقعة‬
‫متصرفة ' ‪ " ' 140 : 2‬قل أأنتم أعلم أم ال ؟ " ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأما اعتقادهم أن هذه التصرفات لهم من الكرامات ‪ ،‬فهو من المغالطة ‪ ،‬لن الكرامة‬
‫شئ من ع ند ال يكرم به أولياءه ‪ ،‬ل ق صد ل هم ف يه ول تحدى ‪ ،‬ول قدرة ول علم ‪ ،‬ك ما في‬
‫قصة مريم بنت عمران ‪ ،‬وأسيد بن حضير ‪ ،‬وأبي مسلم الخولني ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأ ما قول هم في ستغاث ب هم في الشدائد ‪ ،‬فهذا أق بح م ما قبله وأبدع لم صادمته قوله جل‬
‫ذكره ‪ " ' 62 : 27 ' :‬أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الرض أإله‬
‫مع ال ؟ " ' ‪ " ' 64 ، 63 : 6‬قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية‬
‫لئن أنجانا من هذه لنكونن من الشاكرين * قل ال ينجيكم منها ومن كل كرب ثم أنتم تشركون "‬
‫وذ كر آيات في هذا المع نى ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬فإ نه جل ذكره قرر أ نه الكا شف لل ضر ل غيره ‪ ،‬وأ نه‬
‫المنفرد بإجابعة المضطريعن ‪ ،‬وأنعه المسعتغاث لذلك كله ‪ ،‬وأنعه القادر على دفعع الضعر ‪ ،‬القادر‬
‫على إيصعال الخيعر ‪ .‬فهعو المنفرد بذلك ‪ ،‬فإذا تعيعن هعو جعل ذكره خرج غيره معن ملك ونعبى‬
‫وولي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والستغاثة تجوز في السباب الظاهرة العادية من المور الحسية في قتال ‪ ،‬أو إدراك‬
‫عدو أو سبع أو نحوه ‪ ،‬كقولهم ‪ :‬يا لزيد ‪ ،‬يا للمسلمين ‪ ،‬بحسب الفعال الظاهرة ‪.‬‬
‫وأما الستغاثة بالقوة والتأثير أو في المور المعنوية من الشدائد ‪ ،‬كالمرض وخوف الغرق‬
‫والضيق والفقر وطلب الرزق ونحوه فمن خصائص ال ل يطلب فيها غيره ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأمعا كونهعم معتقديعن التأثيعر منهعم فعي قضاء حاجاتهعم كمعا تفعله جاهليعة العرب‬
‫وال صوفية والجهال ‪ .‬وينادون هم وي ستنجدون ب هم ‪ .‬فهذا من المنكرات ‪ .‬ف من اعت قد أن لغ ير ال‬
‫من نبى أو ولى أو روح أو غير ذلك في كشف كربة وغيره على وجه المداد منه ‪ :‬أشرك مع‬
‫ال ‪ ،‬إذ ل قادر على الدفع غيره ول خير إل خيره ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأ ما ما قالوا إن من هم أبدالً ونقباء وأوتادا ونجباء و سبعين و سبعة وأربع ين وأرب عة‬
‫والقطب هو الغوث للناس ‪ .‬فهذا من موضوعات إفكهم ‪ .‬كما ذكره القاضي المحدث في سراج‬
‫المريدين ‪ ،‬وابن الجوزى وابن تيمية ‪ .‬انتهى باختصار ‪.‬‬
‫والمقصعود أن أهعل العلم معا زالوا ينكرون هذه المور الشركيعة التعي عمعت بهعا البلوى‬
‫واعتقدهعا أهعل الهواء ‪ .‬فلو تتبعنعا كلم العلماء المنكريعن لهذه المور الشركيعة لطال الكتاب ‪.‬‬
‫والبصعير النبيعل يدرك الحعق معن أول دليعل‪ ،‬ومعن قال قولً بل برهان فقوله ظاهعر البطلن‪،‬‬
‫مخالف معا عليعه أهعل الحعق واليمان المتمسعكون بمحكعم القرآن ‪ ،‬المتسعجيون لداععى الحعق‬
‫واليمان ‪ .‬وال المستعان وعليه التكلن ‪.‬‬

‫" ول تدع من دون ال ما ل ينفعك " إلخ‬


‫قال ‪ :‬وقوله تعالى ‪ " ' 106 : 10 ' :‬ول تدع من دون ال ما ل ينف عك ول يضرك فإن‬
‫فعلت فإنك إذا من الظالمين " ‪.‬‬
‫قال ا بن عط ية ‪ :‬معناه ق يل لي ول تدع ف هو ع طف على أ قم وهذا ال مر والمخاط بة لل نبي‬
‫صلى ال عليه و سلم ‪ .‬إذا كا نت هكذا فأحرى أن يحذر من ذلك غيره ‪ .‬والخطاب خرج مخرج‬
‫الخصوص وهو عام للمة ‪.‬‬
‫قال أبعو جعفعر ابعن جريعر فعي هذه اليعة ‪ :‬يقول تعالى ذكره ‪ :‬ول تدع يعا محمعد معن دون‬
‫معبودك وخالقك شيئا ل ينفعك في الدنيا ول في الخرة ‪ ،‬ول يضرك في دين ول دنيا ‪ ،‬يعنى‬
‫بذلك الل هة وال صنام ‪ ،‬يقول ل تعبد ها راجيا نفع ها أو خائفا ضر ها فإن ها ل تن فع ول ت ضر ‪.‬‬
‫فإن فعلت ذلك فدعوتهعا معن دون ال فإنعك إذا معن الظالميعن يكون معن المشركيعن بال الظالم‬
‫لنفسه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذه الية لها نظائر كقوله ‪ " ' 213 : 26 ' :‬فل تدع مع ال إلها آخر فتكون من‬
‫المعذبين " وقوله‪ " ' 88 : 28 ' :‬ول تدع مع ال إلها آخر ل إله إل هو " ففي هذه اليات بيان‬
‫أن كل مد عو يكون إلها ‪ ،‬والله ية حق ل ل ي صلح من ها شئ لغيره ‪ .‬ولهذا قال ‪ " :‬ل إله إل‬
‫هو " كما قال تعالى ‪ " ' 62 : 22 ' :‬ذلك بأن ال هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل‬
‫وأن ال هو العلي الكبير " وهذا هو التوحيد الذي بعث ال به رسله ‪ ،‬وأنزل به كتبه ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪ " ' 5 : 98 ' :‬وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين " والدين ‪ :‬كل ما يدان ال به‬
‫من العبادات الظاهرة والباط نة ‪ .‬وف سره ا بن جر ير في تف سيره بالدعاء ‪ ،‬و هو فرد من أفراد‬
‫العبادة ‪ ،‬على عادة السلف في التفسير ‪ ،‬يفسرون الية ببعض أفراد معناها ‪ ،‬فمن صرف منها‬
‫شيئا ل قبر أو صنم أو و ثن أو غ ير ذلك ف قد اتخذه معبودا وجعله شريكا ل في الله ية ال تي ل‬
‫يستحقها إل هو ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 117 : 23' :‬ومن يدع مع ال إلها آخر ل برهان له به‬
‫فإن ما ح سابه ع ند ر به إ نه ل يفلح الكافرون " ف تبين بهذه ال ية ونحو ها أن دعوة غ ير ال ك فر‬
‫وشرك وضلل ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " ' 107 : 10' :‬وإن يمسسك ال بضر فل كاشف له إل هو وإن يردك بخير فل راد‬
‫لفضله " فإ نه المنفرد بالملك والق هر ‪ ،‬والعطاء والم نع ‪ ،‬وال ضر والن فع ‪ ،‬دون كل ما سواه ‪.‬‬
‫فيلزم من ذلك أن يكون هو المدعو وحده ‪ ،‬المعبود وحده ‪ ،‬فإن العبادة ل تصلح إل لمالك الضر‬
‫والنفعع ‪ .‬ول يملك ذلك ول شيئا منعه غيره تعالى ‪ ،‬فهعو المسعتحق للعبادة وحده ‪ ،‬دون معن ل‬
‫يضر ول ينفع ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ " ' 38 : 39 ' :‬قل أفرأيتم ما تدعون من دون ال إن أرادني ال بضر هل هن‬
‫كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي ال عليه يتوكل المتوكلون "‬
‫وقال ‪ " ' 2 : 35 ' :‬ما يفتح ال للناس من رحمة فل ممسك لها وما يمسك فل مرسل له من‬
‫بعده و هو العز يز الحك يم " فهذا ما أ خبر به ال تعالى في كتا به من تفرده بالله ية والربوب ية ‪،‬‬
‫ونصب الدلة على ذلك ‪ .‬فاعتقد عباد القبور والمشاهد نقيض ما أخبر به ال تعالى ‪ ،‬واتخذوهم‬
‫شركاء ل في استجلب المنافع ودفع المكاره ‪ ،‬بسؤالهم واللتجاء بالرغبة والرهبة والتضرع ‪،‬‬
‫وغير ذلك من العبادات التي ل يستحقها إل ال تعالى ‪ ،‬واتخذوهم شركاء ل في ربوبيته وإلهيته‬
‫‪ .‬وهذا فوق شرك كفار العرب القائل ين ‪ " :‬ما نعبد هم إل ليقربو نا إلى ال زل فى " " هؤلء‬
‫شفعاؤنا عند ال " فإن أولئك يدعونهم ليشفعوا لهم ويقربوهم إلى ال ‪ .‬وكانوا يقولون في تلبيتهم‬
‫‪ :‬لبيك ‪ ،‬ل شريك لك* إل شريكا هو لك * تملكه وما ملك * ‪.‬‬
‫وأما هؤلء المشركون فاعتقدوا في أهل القبور والمشاهد ما هو أعظم من ذلك ‪ .‬فجعلوا لهم‬
‫نصيبا من التصرف والتدبير ‪ ،‬وجعلوهم معاذا لهم وملذا في الرغبات والرهبات " سبحان ال‬
‫عما يشركون " ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬وهو الغفور الرحيم " أي لمن تاب إليه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقوله تعالى ‪ " ' 17 : 29 ' :‬فابتغوا عنعد ال الرزق واعبدوه واشكروا له إليعه‬
‫ترجعون" يأ مر تعالى عباده بابتغاء الرزق م نه وحده دون ما سواه م من ل يملك ل هم رزقا من‬
‫السماوات والرض شيئا ‪ .‬فتقديم الظرف يفيد الختصاص ‪ .‬وقوله ‪ :‬واعبدوه من عطف العام‬
‫على الخاص ‪ ،‬فإن ابتغاء الرزق عنده من العبادة التي أمر ال بها ‪.‬‬
‫قال العماد ابعن كثيعر رحمعه ال تعالى ‪ :‬فابتغوا أي فاطلبوا عنعد ال الرزق أي ل عنعد‬
‫غيره ‪ .‬لنعه المالك له ‪ ،‬وغيره ل يملك شيئا معن ذلك واعبدوه أي أخلصعوا له العبادة وحده ل‬
‫شر يك له واشكروا له أي على ما أن عم علي كم إل يه ترجعون أي يوم القيا مة فيجازى كل عا مل‬
‫بعمله ‪.‬‬

‫" إن الذين تعبدون من دون ال ل يملكون " إلخ‬

‫" ومن أضل ممن يدعو من دون ال " إلخ‬


‫قال ‪ : :‬وقوله ' ‪ " ' 6 ، 5 : 46‬ومن أضل ممن يدعو من دون ال من ل يستجيب له إلى‬
‫يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين‬
‫"‬
‫ن فى سبحانه أن يكون أحد أضل ممن يدعو غيره ‪ .‬وأ خبر أنه ل ي ستجيب له ما طلب منه‬
‫إلى يوم القيامة ‪ .‬والية تعم على كل من يدعى من دون ال ‪ ،‬كما قال تعالى ‪" ' 56 : 17 ' :‬‬
‫قل ادعوا الذ ين زعم تم من دو نه فل يملكون ك شف ال ضر عن كم ول تحويلً " و في هذه ال ية‬
‫أ خبر أنه ل يستجيب وأ نه غافل عن داع يه " وإذا حشر الناس كانوا ل هم أعداء وكانوا بعبادت هم‬
‫كافرين " فتناولت الية كل داع وكل مدعو من دون ال ‪.‬‬
‫قال أبو جعفر بن جرير في قوله ‪ " :‬وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداءً " يقول تعالى ذكره ‪:‬‬
‫وإذا ج مع الناس ليوم القيا مة في مو قف الح ساب كا نت هذه الل هة ال تي يدعون ها في الدن يا ل هم‬
‫أعداء ‪ ،‬لن هم يتبرأون منهم " وكانوا بعبادت هم كافر ين " يقول تعالى ذكره ‪ :‬وكا نت آلهتهم التي‬
‫يعبدونها في الدنيا بعبادتهم جاحدين ‪ ،‬لنهم يقولون يوم القيامة ‪ :‬ما أمرناهم ول شعرنا بعبادتها‬
‫إيانا ‪ .‬تبرأنا منهم يا ربنا ‪ .‬كما قال تعالى ‪ " ' 18 ، 17 : 25 ' :‬ويوم يحشرهم وما يعبدون‬
‫من دون ال فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي‬
‫لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا " ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ " :‬ويوم يحشر هم و ما يعبدون من دون ال " من الملئ كة وال نس وال جن‬
‫وساق بسنده عن مجاهد قال ‪ :‬عيسى وعزير والملئكة ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬يقول تعالى ذكره قالت الملئكة الذين كان هؤلء المشركون يعبدونهم من دون ال‬
‫وعي سى ‪ :‬تنزيها لك يا رب نا و تبرئةً م ما أضاف إل يك هؤلء المشركون " ما كان ينب غي ل نا أن‬
‫نتخذ من دونك من أولياء " نواليهم " أنت ولينا من دونهم " انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وأكثر ما يستعمل الدعاء في الكتاب والسنة واللغة ولسان الصحابة ومن بعدهم من‬
‫العلماء ‪ :‬في ال سؤال والطلب ‪ ،‬ك ما قال العلماء من أ هل الل غة وغير هم ‪ :‬ال صلة ل غة الدعاء ‪،‬‬
‫وقد قال تعالى ‪ " ' 14 ، 13 : 35 ' :‬والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير " اليتين‬
‫وقال ‪ " ' 63 : 6 ' :‬قل من ينجيكم من ظلمات البر والبحر تدعونه تضرعا وخفية " وقال ‪' :‬‬
‫‪" ' 51 : 41‬‬ ‫‪ " ' 12 : 10‬وإذا مس النسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما " وقال ‪' :‬‬
‫وإذا م سه ال شر فذو دعاء عر يض " وقال ‪" ' 49 : 41 ' :‬ل ي سأم الن سان من دعاء الخ ير "‬
‫الية ‪ .‬وقال ‪ " ' 9 : 8 ' :‬إذ تستغيثون ربكم فاستجاب لكم " الية ‪.‬‬
‫وفي حديث أنس مرفوعا ‪ " :‬الدعاء مخ العبادة " وفي الحديث الصحيح ‪ " :‬ادعوا ال وأنتم‬
‫موقنون بالجا بة " و في آ خر ‪ " :‬من ي سأل ال يغ ضب عل يه " وحد يث ‪ " :‬ل يس شئ أكرم على‬
‫ال معن الدعاء " رواه أحمعد والترمذي وابعن ماجعه وابعن حبان والحاكعم وصعححه ‪ .‬وقوله ‪" :‬‬
‫الدعاء سلح المؤمن وعماد الدين ونور السماوات والرض " رواه الحاكم وصححه ‪ .‬وقوله ‪" :‬‬
‫سلوا ال كل شئ حتى الشسع إذا انقطع " الحديث ‪ .‬وقال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬أفضل‬
‫العبادة الدعاء وقرأ ‪" ' 60 : 40 ' :‬وقال ربكم ادعوني أستجب لكم " الية ‪ .‬رواه ابن المنذر‬
‫والحاكم وصححه ‪ .‬وحديث ‪ " :‬اللهم إني أسألك بأن ل الحمد ل إله إل أنت المنان‪ "...‬الحديث‬
‫وحديث ‪ " :‬اللهم إني أسألك بأنك أنت ال ل إله إل أنت الحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم‬
‫ي كن له كفوا أ حد " وأمثال هذا في الكتاب وال سنة أك ثر من أن يح صر ‪ ،‬في الدعاء الذي هو‬
‫السعؤال والطلب ‪ ،‬فمعن جحعد كون السعؤال والطلب عبادة فقعد صعادم النصعوص وخالف اللغعة‬
‫واستعمال المة سلفا وخلفا ‪.‬‬
‫وأ ما ما تقدم من كلم ش يخ ال سلم ‪ ،‬وتب عه العل مة ا بن الق يم رحمه ما ال تعالى من أن‬
‫الدعاء نوعان ‪ :‬دعاء مسألة ودعاء عبادة ‪ .‬وما ذكر بينهما من التلزم وتضمن أحدهما للخر‬
‫‪ .‬فذلك باعتبار كون الذا كر والتالي والم صلى والمتقرب بالن سك وغيره طالبا في المع نى ‪.‬‬
‫فيد خل فعي مسعمى الدعاء بهذا العتبار ‪ ،‬و قد شرح ال تعالى في الصعلة الشرعيعة معن دعاء‬
‫المسعألة معا ل تصعح الصعلة إل بعه ‪ ،‬كمعا فعي الفاتحعة والسعجدتين وفعي التشهعد ‪ ،‬وذلك عبادة‬
‫كالركوع والسجود ‪ .‬فتدبر هذا المقام يتبين لك جهل الجاهلين بالتوحيد‪.‬‬
‫ومما يتبين هذا المقام ويزيد إيضاحا ‪ .‬قوله العلمة ابن القيم رحمه ال تعالى في قوله تعالى‬
‫‪ " ' 110 : 17 ' :‬قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله السماء الحسنى " وهذا‬
‫الدعاء المشهور أنه دعاء المسألة ‪ .‬قالوا ‪ :‬كان النبي صلى ال عليه وسلم يدعو ربه ويقول مرة‬
‫يا ال ومرة يا رحمن فظن المشركون أنه يدعو إلهين فأنزل ال هذه الية ‪ .‬ذكر هذا عن ابن‬
‫عباس رضي ال عنهما ‪ .‬وقيل ‪ :‬إن هذا الدعاء هنا بمعنى التسمية ‪ ،‬والمعنى ‪ :‬أي سميتموه به‬
‫من أ سماء ال تعالى ‪ ،‬إ ما ال وإ ما الرح من فله ال سماء الح سنى ‪ .‬وهذا من لوازم المع نى في‬
‫الية ‪ .‬وليس هو عين المراد ‪ .‬بل المراد بالدعاء معناه المعهود المطرد في القرآن ‪ .‬وهو دعاء‬
‫السؤال ودعاء الثناء ‪.‬‬
‫ثعم قال ‪ :‬إذا عرف هذا فقوله ‪ " :‬ادعوا ربكعم تضرععا وخفيعة " يتناول نوععي الدعاء لكنعه‬
‫ظا هر في دعاء الم سألة متض من لدعاء العبادة ‪ ،‬ولهذا أ مر بإخفائه ‪ .‬قال الح سن ‪ :‬ب ين دعاء‬
‫ال سر ودعاء العلن ية سبعون ضعيفا ‪ .‬ول قد كان الم سلمون يجتهدون في الدعاء ولم ي سمع ل هم‬
‫صوت إن كان إل همسا بين هم وبين ربهم ‪ .‬وقوله تعالى ‪ " ' 186 : 2 ' :‬وإذا سألك عبادي‬
‫عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان " يتناول نوعى الدعاء ‪ ،‬وبكل منهما فسرت الية‬
‫ق يل ‪ :‬أعط يه إذا سألني ‪ ،‬وق يل أثي به إذا عبد ني ‪ ،‬ول يس هذا من ا ستعمال الل فظ في حقيق ته‬
‫ومجازه ‪ ،‬بل هذا استعمال في حقيقته الواحدة المتضمنة للمرين جمعيا ‪ .‬وهذا يأتي في مسألة‬
‫ال صلة وإن ها ن قل عن م سماها في الل غة و صارت حقي قة شرع ية ‪ ،‬وا ستعملت في هذه العبادة‬
‫مجازا للعلقة بينهما وبين المسمى اللغوي وهي باقية على الوضع اللغوي ‪ ،‬وضم إليها أركان‬
‫وشرائط ‪ .‬فعلى ما قررناه ل حاجة إلى شئ من ذلك ‪ ،‬فإن المصلى من أول صلته إلى آخرها‬
‫ل ينفك عن دعاء ‪ :‬إما عبادة وثناء ‪ ،‬أو دعاء طلب ومسألة ‪ ،‬وهو في الحالتين داع ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫ملخصا من البدائع ‪.‬‬

‫" أمن يجيب المضطر إذا دعاه "‬


‫قال ‪ :‬وقوله ' ‪ " ' 62 : 27‬أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعل كم خلفاء‬
‫الرض أإله مع ال قليلً ما تذكرون " ب ين تعالى أن المشرك ين من العرب ونحو هم قد علموا‬
‫أنه ل يجيب المضطر ويكشف السوء إلى ال وحده فذكر ذلك سبحانه محتجا عليهم في اتخاذهم‬
‫الشفعاء من دونه ‪ ،‬ولهذا قال " أإله مع ال ؟ " يعنى يفعل ذلك ‪ .‬فإذا كانت آلهتهم ل تجيبهم في‬
‫حال الضطرار فل يصلح أن يجعلوها شركاء ل الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء‬
‫وحده ‪ .‬وهذا أصح ما فسرت به الية كسابقتها من قوله " أمن خلق السماوات والرض وأنزل‬
‫لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع ال بل هم‬
‫قوم يعدلون * أمعن جععل الرض قرارا وجععل خللهعا أنهارا وجععل لهعا رواسعي وجععل بيعن‬
‫البحريعن حاجزا أإله معع ال بعل أكثرهعم ل يعلمون " ول حقتهعا إلى قوله ‪ " :‬أمعن يهديكعم فعي‬
‫ظلمات البر والبحعر ومعن يرسعل الرياح بشرا بيعن يدي رحمتعه أإله معع ال تعالى ال عمعا‬
‫يشركون * أ من يبدأ الخلق ثعم يعيده و من يرزق كم معن ال سماء والرض أإله معع ال قل هاتوا‬
‫برهانكم إن كنتم صادقين " ‪.‬‬
‫فتأمل هذه اليات يتبين لك أن ال تعالى احتج على المشركين بما أقروا به على ما جحدوه ‪:‬‬
‫من قصر العبادة جمعيها عليه ‪ ،‬كما في فاتحة الكتاب ‪ " :‬إياك نعبد وإياك نستعين " ‪.‬‬
‫قال أ بو جع فر بن جر ير ‪ :‬قوله ‪ " :‬أ من يج يب المض طر إذا دعاه ويك شف ال سوء " ع إلى‬
‫قوله عع "قليلً معا تذكرون " يقول تعالى ذكره ‪ :‬أم معا تشركون بال خيعر ‪ ،‬أم الذي يجيعب‬
‫المض طر إذا دعاء ويك شف ال سوء النازل به ع نه ؟ وقوله ‪ " :‬ويجعل كم خلفاء الرض " يقول ‪:‬‬
‫ي ستخلف ب عد أموات كم في الرض من كم خلفاء أحياء يخلفون هم ‪ ،‬وقوله ‪ " :‬أإله مع ال ؟ " أإله‬
‫سواه يف عل هذه الشياء ب كم وين عم علي كم هذه الن عم ؟ وقوله ‪ " :‬قليلً ما تذكرون " يقول تذكرا‬
‫قليلً من عظمة ال وأياديه عندكم تذكرون ‪ ،‬وتعتبرون ححج ال عليكم يسيرا ‪ .‬فلذلك أشركوا‬
‫بال وغيره في عبادته ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫قوله صلى ال عليه وسلم أنه ل يستغاث بي‬
‫قوله ‪ :‬وروى الطبراني "أنه كان في زمن النبي صلى ال عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين‬
‫‪ .‬فقال بعضهم ‪ :‬قوموا ب نا ن ستغيث بر سول ال صلى ال عليه و سلم من هذا المنا فق ‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ :‬إنه ل يستغاث بي ‪ ،‬وإنما يستغاث بال " ‪.‬‬
‫الطبراني ‪ :‬هو المام الحافظ سليمان بن أحمد بن أيوب اللخمي الطبراني ‪ ،‬صاحب المعاجم‬
‫الثلثة وغيرها ‪ .‬روى عن النسائي وإسحاق بن إبراهيم الديرى وخلق كثير ‪ .‬مات سنة ستين‬
‫وثلثمائة ‪ .‬روى هذا الحديث عن عبادة بن الصامت رضي ال عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أنه كان في زمن النبي صلى ال عليه وسلم منافق يؤذي المؤمنين لم أقف على اسم‬
‫هذا المنافق ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬هو عبد ال بن أبي كما صرح به ابن أبي حاتم في روايته ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقال بعضهم أي الصحابة رضي ال عنهم ‪ ،‬هو أبو بكر رضي ال عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قوموا بنا نستغيث برسول ال صلى ال عليه وسلم من هذا المنافق لنه صلى ال‬
‫عليه وسلم يقدر على كف أذاه ‪.‬‬
‫قوله إنه ل يستغاث بي ‪ ،‬وإنما يستغاث بال فيه النص على أنه ل يستغاث بالنبي صلى‬
‫ال عليه وسلم ول بمن دونه ‪ .‬كره صلى ال عليه وسلم أن يستعمل هذا اللفظ في حقه ‪ ،‬وإن‬
‫كان مما يقدر عليه في حياته ‪ ،‬حماية لجناب التوحيد ‪ ،‬وسدا لذرائع الشرك وأدبا وتواضعا لربه‬
‫‪ ،‬وتحذيرا لل مة من و سائل الشرك في القوال والفعال ‪ .‬فإذا كان في ما يقدر عل يه صلى ال‬
‫عليه وسلم في حياته ‪ ،‬فكيف يجوز أن يستغاث به بعد وفاته ويطلب منه أمورا ل يقدر عليها‬
‫إل ال عز وجل ؟ كما جرى على ألسنة كثير من الشعراء كالبوصيري والبرعي وغيرهم ‪ ،‬من‬
‫السعتغاثة بمعن ل يملك لنفسعه ضرا ول نفعا ول موتا ول حياة ول نشورا ‪ ،‬ويعرضون ععن‬
‫ال ستغاثة بالرب العظ يم القادر على كل ش يء الذي له الخلق وال مر وحده ‪ ،‬وله الملك وحده ‪،‬‬
‫ل إله غيره ول رب سواه ‪ .‬قال تعالى ‪ " ) 187 : 7 ( :‬قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا إل‬
‫ما شاء ال " في موا ضع من القرآن ( ‪ " ) 21 : 72‬قل إ ني ل أملك ل كم ضرا ول رشدا "‬
‫فأعرض هؤلء عن القرآن واعتقدوا نق يض ما دلت عل يه هذه اليات المحكمات ‪ ،‬وتبع هم على‬
‫ذلك الضلل الخلق الكثيعر والجعم الغفيعر ‪ .‬فاعتقدوا الشرك بال دينا ‪ ،‬والهدى ضللً ‪ ،‬فإنعا ل‬
‫وإنا إليه راجعون ‪ .‬فما أعظمها من مصيبة عمت بها البلوى ‪ ،‬فعاندوا أهل التوحيد وبدعوا أهل‬
‫التجريد ‪ ،‬فال المستعان ‪.‬‬
‫باب " أيشركون ما ل يخلق شيئا وهم يخلقون "‬
‫قوله ‪ :‬باب قول ال تعالى‬
‫' ‪ " ' 120 ، 119 : 7‬أيشركون ما ل يخلق شيئا وهم يخلقون * ول يستطيعون لهم نصرا‬
‫ول أنفسهم ينصرون " ‪.‬‬
‫قوله " أيشركون " أي في العبادة ‪ .‬قال المفسرون ‪ :‬في هذه الية توبيخ وتعنيف للمشركين‬
‫في عبادت هم مع ال تعالى ما ل يخلق شيئا و هو مخلوق ‪ ،‬والمخلوق ل يكون شريكا للخالق في‬
‫العبادة التعي خلقهعم لهعا ‪ ،‬وبيعن أنهعم ل يسعتطيعون لهعم نصعرا ول أنفسعهم ينصعرون ‪ ،‬فكيعف‬
‫يشركون به من ل ي ستطيع ن صر عابد يه ول ن صر نف سه ؟ وهذا برهان ظا هر على بطلن ما‬
‫كانوا يعبدو نه من دون ال ‪ ،‬وهذا و صف كل مخلوق ‪ ،‬ح تى الملئ كة وال نبياء وال صالحين ‪.‬‬
‫وأشرف الخلق مح مد صلى ال عل يه و سلم قد كان ي ستنصر ر به على المشرك ين ويقول " الل هم‬
‫أنت عضدي ونصيري ‪ ،‬بك أحول وبك أصول ‪ ،‬وبك أقاتل " وهذا كقوله ' ‪ " ' 3 : 25‬واتخذوا‬
‫من دونه آلهة ل يخلقون شيئا وهم يخلقون ول يملكون لنفسهم ضرا ول نفعا ول يملكون موتا‬
‫ول حياة ول نشورا " وقوله ' ‪ " ' 188 : 7‬قل ل أملك لنفسي نفعا ول ضرا إل ما شاء ال ولو‬
‫كنت أعلم الغ يب ل ستكثرت من الخير و ما م سني ال سوء إن أ نا إل نذ ير وبشير لقوم يؤمنون "‬
‫وقوله ' ‪ 21 : 72‬ع ‪ " ' 23‬قل إني ل أملك لكم ضرا ول رشدا * قل إني لن يجيرني من ال‬
‫أحد ولن أجد من دونه ملتحدا * إل بلغا من ال ورسالته " ‪.‬‬
‫فك فى بهذه اليات برهانا على بطلن دعوة غير ال كائنا من كان ‪ .‬فإن كان نبيا أو صالحا‬
‫فقعد شرفعه ال تعالى بإخلص العبادة له ‪ ،‬والرضاء بعه ربا ومعبودا ‪ ،‬فكيعف يجوز أن يجععل‬
‫العابد معبودا مع توجيه الخطاب إليه بالنهي عن هذا الشرك كما قال تعالى ‪ " ' 88 : 28 ' :‬ول‬
‫تدع مع ال إل ها آ خر ل إله إل هو كل ش يء هالك إل وج هه له الح كم وإل يه ترجعون " وقال '‬
‫‪ " ' 40 : 12‬إن الحكم إل ل أمر أن ل تعبدوا إل إياه " فقد أمر عباده من النبياء والصالحين‬
‫وغيرهم بإخلص العبادة له وحده ‪ ،‬ونهاهم أن يعبدوا معه غيره ‪ ،‬وهذا هو دينه الذي بعث به‬
‫رسعله ‪ ،‬وأنزل بعه كتبعه ‪ ،‬ورضيعه لعباده ‪ ،‬وهعو ديعن السعلم ‪ ،‬كمعا روى البخاري ععن أبعي‬
‫هريرة في سؤال جبريل عليه السلم قال " يا رسول ال ‪ ،‬ما السلم ؟ قال السلم أن تعبد ال‬
‫ول تشرك به شيئا ‪ ،‬وتقيم الصلة ‪ ،‬وتؤتي الزكاة المفروضة ‪ ،‬وتصوم رمضان " الحديث ‪.‬‬

‫" والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير "‬


‫وقوله تعالى ‪ " ' 14 ، 13 : 35 ' :‬والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن‬
‫تدعوهم ل يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا ما استجابوا لكم ويوم القيامة يكفرون بشرككم ول ينبئك‬
‫مثل خبير " يخبر تعالى عن حال المدعوين من دونه من الملئكة والنبياء والصنام وغيرها‬
‫ب ما يدل على عجز هم وضعف هم وأن هم قد انت فت عن هم ال سباب ال تي تكون في المد عو ‪ ،‬و هي‬
‫الملك ‪ ،‬وسماع الدعاء ‪ ،‬والقدرة على استجابته ‪ ،‬فمتى لم توجد هذه الشروط تامة بطلت دعوته‬
‫فكيعف إذا عدمعت بالكليعة ؟ فنفعى عنهعم الملك بقوله " معا يملكون معن قطميعر " قال ابعن عباس‬
‫ومجاهد وعكرمة ‪ ،‬وعطاء والحسن وقتادة ‪ :‬القطمير ‪ :‬اللفافة التي تكون على نواة التمر كما‬
‫قال تعالى ‪ " ' 73 : 16 ' :‬ويعبدون من دون ال ما ل يملك لهم رزقا من السموات والرض‬
‫شيئا ول يستطيعون " وقال ' ‪ " ' 23 ، 22 : 34‬قل ادعوا الذين زعمتم من دون ال ل يملكون‬
‫مثقال ذرة في السماوات ول في الرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير * ول‬
‫تن فع الشفا عة عنده إل ل من أذن له " ون فى عن هم سماع الدعاء بقوله " إن تدعو هم ل ي سمعوا "‬
‫لنه ما بين ميت وغائب عنهم ‪ ،‬مشتغل بما خلق له ‪ ،‬مسخر بما أمر به كالملئكة ‪ ،‬ثم قال "‬
‫ولو سمعوا ما ا ستجابوا ل كم " لن ذلك ل يس ل هم ‪ ،‬فإن ال تعالى لم يأذن ل حد من عباده في‬
‫دعاء أحعد منهعم ‪ ،‬ل اسعتقللً ول واسعطة ‪ ،‬كمعا تقدم بععض أدلة ذلك ‪ .‬وقوله " ويوم القيامعة‬
‫يكفرون بشرككعم " فتعبين بهذا أن دعوة غيعر ال شرك ‪ .‬وقال تعالى ‪" ' 82 ، 81 : 19 ' :‬‬
‫واتخذوا معن دون ال آلهعة ليكونوا لهعم عزا * كل سعيكفرون بعبادتهعم ويكونون عليهعم ضدا "‬
‫وقوله تعالى ‪ " :‬ويوم القيامة يكفرون بشرككم " قال ابن كثير ‪ :‬يتبرأون منكم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫' ‪ " ' 6 ، 5 : 46‬ومن أضل ممن يدعو من دون ال من ل يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن‬
‫دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقوله " ول ينبئك م ثل خبير " أي ول يخبرك بعواقب المور ومآلها وما تصير إليه‬
‫مثل خبير بها ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬يعني نفسه تبارك وتعالى ‪ .‬فإنه أخبر بالواقع ل محالة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والمشركون لم يسلموا للعليم الخبير ما أخبر به عن معبوداتهم فقالوا ‪ :‬تملك وتسمع‬
‫وتستجيب وتشفع لمن دعاها ‪ ،‬ولم يلتفتوا إلى ما أخبر به الخبير من أن كل معبود يعادى عابده‬
‫يوم القيامة ويتبرأ منه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ 28 : 10 ' :‬ع ‪ " ' 30‬ويوم نحشرهم جميعا ثم نقول‬
‫للذين أشركوا مكانكم أنتم وشركاؤكم فزيلنا بينهم وقال شركاؤهم ما كنتم إيانا تعبدون * فكفى‬
‫بال شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين * هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت وردوا إلى‬
‫ال مول هم ال حق و ضل عن هم ما كانوا يفترون " أخرج ا بن جر ير عن ا بن جر يح قال ‪ :‬قال‬
‫مجاهد " إن كنا عن عبادتكم لغافلين " قال يقول ذلك كل شئ كان يعبد من دون ال ‪.‬‬
‫فالكيعس يسعتقبل هذه اليات التعي هعي الحجعة والنور والبرهان باليمان والقبول والعمعل ‪،‬‬
‫فيجرد أعماله ل وحده دون كل ماسواه ممن ل يملك لنفسه نفعا ول دفعا ‪ ،‬فضلً عن غيره ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الصحيح عن أنس رضي ال عنه قال " شج النبي صلى ال عليه وسلم يوم أحد‬
‫وكسرت رباعيته ‪ .‬فقال ‪ :‬كيف يفلح قوم شجوا نبيهم ؟ فنزلت الية ' ‪ " ' 128 : 3‬ليس لك من‬
‫المر شيء "" ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في ال صحيح أي ال صحيحين ‪ .‬عل قه البخاري ‪ .‬قال وقال حم يد وثا بت عن أ نس ‪.‬‬
‫ووصله أحمد والترمذي والنسائي عن حميد عن أنس ‪ .‬ووصله مسلم عن ثابت عن أنس ‪ .‬وقال‬
‫ابن إ سحاق في المغازي ‪ .‬حدثنا حميد الطويل عن أنس قال كسرت رباعية النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم يوم أحد وشج وجهه ‪ ،‬فجعل الدم يسيل على وجهه ‪ ،‬وجعل يمسح الدم وهو يقول ‪:‬‬
‫كيف يفلح قوم خضبوا وجه نبيهم وهو يدعوهم إلى ربهم ؟ فأنزل ال الية ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬شج ال نبي صلى ال عل يه و سلم قال أ بو ال سعادات ‪ :‬ال شج في الرأس خا صة في‬
‫الصل ‪ ،‬وهو أن يضربه بشئ فيجرحه فيه ويشقه ‪ ،‬ثم استعمل في غيره من العضاء ‪ ،‬وذكر‬
‫ا بن هشام من حد يث أ بي سعيد الخدري أن عت بة بن أ بي وقاص هو الذي ك سر رباع ية ال نبي‬
‫صلى ال عليه وسلم السفلى وجرح شفته العليا وأن عبد ال بن شهاب الزهري هو الذي شجه‬
‫في وجهه ‪ ،‬وأن عبد ال بن قمئة جرحه في وجنته ‪ ،‬فدخلت حلقتان من حلق المغفر في وجنته‬
‫وأن مالك ا بن سنان مص الدم من و جه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم وازدرده ‪ .‬فقال له ‪:‬‬
‫لن تمسك النار ‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬والرباعية بفتح الراء وتخفيف الياء ع وهي كل سن بعد ثنية ‪.‬‬
‫قال النووي رحمه ال ‪ :‬وللنسان أربع رباعيات ‪.‬‬
‫قال الحافظ ‪ :‬والمراد أنها كسرت ‪ ،‬فذهب منها فلقة ولم تقلع من أصلها ‪.‬‬
‫قال النووي ‪ :‬و في هذا وقوع ال سقام والبتلء بال نبياء صلوات ال و سلمه علي هم لينالوا‬
‫بذلك جزيل الجر والثواب ‪ .‬ولتعرف المم ما أصابهم ويأتسوا بهم ‪.‬‬
‫قال القا ضي ‪ :‬وليعلم أن هم من الب شر ت صيبهم م حن الدن يا ‪ ،‬ويطرأ على أج سامهم ما يطرأ‬
‫على أجسام البشر ليتيقن أنهم مخلوقون مربوبون ‪ .‬ول يفتن بما ظهر على أيديهم من المعجزات‬
‫ويلبس الشيطان من أمرهم ما لبسه على النصارى وغيرهم انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬يعني من الغلو والعبادة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬يوم أحد هو شرقي المدينة ‪ .‬قال صلى ال عليه وسلم " أحد جبل يحبنا ونحبه " وهو‬
‫جبل معروف كانت عنده الواقعة المشهورة ‪ .‬فأضيفت إليه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كيف يفلح قوم شجوا نبيهم زاد مسلم مسلم كسروا رباعيته وأدموا وجهه ‪.‬‬

‫" ليس لك من المر شيء "‬


‫قوله ‪ :‬فأنزل ال ‪ " :‬ل يس لك من ال مر ش يء " قال ا بن عط ية ‪ :‬كأن ال نبي صلى ال عل يه‬
‫وسلم لحقه في تلك الحال يأس من فلح كفار قريش ‪ ،‬فقيل له بسبب ذلك " ليس لك من المر‬
‫شيء " أي عواقب المور بيد ال ‪ ،‬فامض أنت لشأنك ‪ ،‬ودم على الدعاء لربك ‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ " :‬ليس لك من المر شيء " في عبادي إل ما أمرتك به فيهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفيه عن ابن عمر رضي ال عنهما أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‬
‫ع إذا رفع رأسه من الركوع في الركعة الخيرة من الفجر ‪ :‬ع اللهم العن فلنا وفلنا بعد ما‬
‫يقول ‪ :‬سعمع ال لمعن حمده ‪ ،‬ربنعا ولك الحمعد ‪ .‬فأنزل ال " ليعس لك معن المعر شيعء " وفعي‬
‫روا ية يد عو على صفوان بن أم ية ‪ ،‬و سهيل بن عمرو ‪ ،‬والحارث بن هشام فنزلت " ل يس لك‬
‫من المر شيء " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفيه أي في صحيح البخاري ‪ .‬رواه النسائي ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن ابن عمر هو عبد ال بن عمر بن الخطاب ‪ ،‬صحابي جليل ‪ ،‬شهد له رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بالصلح ‪ ،‬مات سنة ثلث وسبعين في آخرها أو في أول التي تليها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أنه سمع رسول ال هذا القنوت على هؤلء بعد ما شج وكسرت رباعيته يوم أحد ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬الل هم ال عن فلنا وفلنا قال أ بو ال سعادات ‪ :‬أ صل الل عن والطرد والبعاد من ال ‪.‬‬
‫ومن الخلق السب والدعاء وتقدم كلم شيخ السلم رحمه ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فلنا وفلنا يعني صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام ‪ ،‬كما بينه‬
‫في الرواية التية ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬جواز الدعاء على المشركين بأعيانهم في الصلة ‪ ،‬وأن ذلك ل يضر في الصلة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬بععد معا يقول ‪ :‬سعمع ال لمعن حمده قال أبعو السععادات ‪ :‬أي أجاب حمده وتقعبيله‪.‬‬
‫وقال ال سهيلي‪ :‬مفعول سمع محذوف‪ ،‬لن ال سمع متعلق بالقوال وال صوات دون غير ها فاللم‬
‫تؤذن بمعنى زائد وهو الستجابة للسمع ‪ ،‬فاجتمع في الكلمة اليجاز والدللة على الزائد ‪ ،‬وهو‬
‫الستجابة لمن حمده ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال ما معناه ‪ :‬سمع ال لمن حمده باللم المتضمنة معنى استجاب له‬
‫‪ .‬ول حذف وإنما هو مضمن ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬رب نا لك الح مد في ب عض روايات البخاري بإ سقاط الواو ‪ .‬قال ا بن دق يق الع يد ‪:‬‬
‫كأن إثبات ها دال على مع نى زائد ‪ ،‬ل نه يكون التقد ير ‪ :‬رب نا ا ستجب ولك الح مد ‪ .‬فيشت مل على‬
‫معنى الدعاء ومعنى الخبر ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم ‪ :‬والح مد ضد الذم ‪ ،‬والح مد يكون على محا سن المحمود مع المح بة له ‪.‬‬
‫كما أن الذم يكون على مساويه مع البغض له ‪.‬‬
‫وكذا قال ا بن الق يم ‪ :‬وفرق بي نه وب ين المدح بأن الخبار عن محا سن الغيعر إ ما أن يكون‬
‫إخبار مجردا ععن حعب وإرادة ‪ ،‬أو يكون مقرونا بحبعه وإرادتعه ‪ .‬فإن كان الول فهعو المدح ‪،‬‬
‫وإن كان الثا ني ف هو الح مد ‪ .‬فالح مد إخبار عن محا سن المحمود مع ح به وإجلله وتعظي مه ‪.‬‬
‫ولهذا كان خبرا يتض من النشاء بخلف المدح ‪ ،‬فإ نه خبر مجرد ‪ .‬فالقائل إذا قال ‪ :‬الح مد ل‬
‫أو قال رب نا ولك الح مد تض من كل مه ال خبر عن كل ما يح مد عل يه تعالى بإ سم جا مع مح يط‬
‫متضمن لكل فرد من أفراد الجملة المحققة والمقدرة ‪ ،‬وذلك يستلزم إثبات كل كمال يحمد عليه‬
‫الرب تعالى ‪ ،‬ولهذا ل ت صلح هذه اللف ظة على هذا الو جه ول تنب غي إل ل من هذا شأ نه ‪ ،‬و هو‬
‫الحميد المجيد ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬التصريح بأن المام يجمع بين التسميع والتحميد ‪ ،‬وهو قول الشافعي وأحمد وخالف‬
‫في ذلك مالك وأبو حنيفة ‪ ،‬وقال ‪ :‬يقتصر على سمع ال لمن حمده ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفي رواية يدعو على صفوان بن أمية وسهيل بن عمرو والحارث بن هشام ‪.‬‬
‫وذلك لنهم رؤوس المشركين يوم أحد ‪ ،‬هم وأبو سفيان بن حرب ‪ ،‬فما استجيب له صلى‬
‫ال عل يه و سلم في هم بل أنزل ال " ل يس لك من ال مر ش يء أو يتوب علي هم أو يعذب هم " فتاب‬
‫علي هم فأ سلموا وح سن إ سلمهم ‪ .‬و في كله مع نى شهادة أن ل إله إل ال الذي له ال مر كله ‪،‬‬
‫يهدي من يشاء بفضله ورحمته ‪ ،‬ويضل من يشاء بعدله وحكمته ‪.‬‬
‫وفي هذا من الحجج والبراهين ما يبين بطلن ما يعتقده عباد القبور في الولياء والصالحين‬
‫‪ .‬بل في الواغيت من أنهم ينتفعون من دعاهم ‪ ،‬ويمنعون من لذ بحماهم ‪ .‬فسبحان من حال‬
‫بين هم وب ين ف هم الكتاب ‪ .‬وذلك عدله سبحانه ‪ ،‬و هو الذي يحول ب ين المرء وقل به ‪ ،‬و به الحول‬
‫والقوة ‪.‬‬
‫قوله وف يه عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ح ين‬
‫أنزل ال عل يه ' ‪ " ' 214 : 26‬وأنذر عشير تك القرب ين " قال " يا مع شر قريش ع أو كلمة‬
‫نحوها ع اشتروا أنفسكم ل أغنى عنكم من ال شيئا ‪ .‬يا عباس بن عبد المطلب ل أغنى عنك‬
‫من ال شيئا ‪ .‬يا صفية ع مة ر سول ال ‪ ،‬ل أغ نى ع نك من ال شيئا ‪ .‬يا فاطمة ب نت مح مد ‪،‬‬
‫سليني من مالي ما شئت ‪ ،‬ل أغنى عنك من ال شيئا " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفيه أي وفي صحيح البخاري ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن أ بي هريرة اختلف في ا سمه ‪ .‬و صحيح النووي أن ا سمه ع بد الرح من ا بن‬
‫صخر ‪ ،‬كما رواه الحاكم في المستدرك عن أبي هريرة قال ‪ :‬كان اسمي في الجاهلية عبد‬
‫الرح من وروى الدول بى بإسناده عن أبي هريرة أن النبي صلى ال عل يه وسلم سماه عبد ال‬
‫و هو دو سي من فضلء ال صحابة وحفاظ هم ‪ ،‬ح فظ عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم أك ثر م ما‬
‫حفظه غيره مات سنة سبع أو ثمان أو تسع وخمسين ‪ ،‬وهو ابن ثمان وسبعين سنة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قام رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم فعي الصعحيح معن روايعة ابعن عباس صععد‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم على الصفا ‪.‬‬

‫" وأنذر عشيرتك القربين "‬


‫قوله ‪ :‬حين أنزل عليه " وأنذر عشيرتك القربين " عشيرة الرجل ‪ :‬هم بنو أبيه الدنون أو‬
‫قبيلته ‪ .‬لن هم أ حق الناس ببرك وإح سانك الديني والدنيوي ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪ " ' 5 : 66 ' :‬يا‬
‫أيهعا الذيعن آمنوا قوا أنفسعكم وأهليكعم نارا وقودهعا الناس والحجارة " وقعد أمره ال تعالى أيضا‬
‫بالنذارة العامة ‪ ،‬كما قال ' ‪ " ' 6 : 36‬لتنذر قوما ما أنذر آباؤهم فهم غافلون " ' ‪" ) 44 : 14‬‬
‫وأنذر الناس يوم يأتيهم العذاب " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬يا معشر قريش المعشر الجماعة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أو كلمة نحوها هو بنصب كلمة عطف على ما قبله ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬اشتروا أنف سكم أي بتوح يد ال وإخلص العبادة له وحده ل شر يك له وطاع ته في ما‬
‫أمعر بعه والنتهاء عمعا نهعى عنعه ‪ .‬فإن ذلك هعو الذي ينجعي معن عذاب ال ل العتماد على‬
‫النساب والحساب ‪ ،‬فإن ذلك غير نافع عند رب الرباب ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬معا أغنعي عنكعم معن ال معن شيعء " فيعه حجعة على معن تعلق على النعبياء‬
‫والصعالحين ‪ ،‬ورغعب إليهعم ليشفعوا له وينفعوه ‪ ،‬أو يدفعوا عنعه ‪ ،‬فإن ذلك هعو الشرك الذي‬
‫حرمه ال تعالى ‪ ،‬وأقام نبيه صلى ال عليه وسلم بالنذار عنه ‪ ،‬كما أخبر تعالى عن المشركين‬
‫في قوله ' ‪ " ' 3 : 39‬والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إل ليقربونا إلى ال زلفى " ' ‪10‬‬
‫‪ " ' 18 :‬هؤلء شفعاؤنا عند ال " فأبطل ال ذلك ونزه نفسه عن هذا الشرك ‪ ،‬وسيأتي تقرير‬
‫هذا المقام إن شاء ال تعالى ‪ .‬و في صحيح البخاري يا ب ني ع بد مناف ل أغ نى عن كم من ال‬
‫شيئا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬يا عباس بن ع بد المطلب بن صب بن ويجوز في عباس الر فع الن صب ‪ .‬وكذا في‬
‫قوله يا صفية عمة رسول ال ‪ ،‬ويا فاطمة بنت محمد ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬سليني من مالي ما شئت ب ين ر سول ال صلى ال عل يه و سلم أ نه ل ين جي من‬
‫عذاب ال إل اليمان والعمل الصالح ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أنه ل يجوز أن يسأل العبد إل ما يقدر عليه من أمور الدنيا ‪ .‬وأما الرحمة والمغفرة‬
‫والجنة والنجاة من النار ونحو ذلك من كل ما ل يقدر عليه إل ال تعالى ‪ ،‬فل يجوز أن يطلب‬
‫إل م نه تعالى ‪ ،‬فإن ما عند ال ل ينال إل بتجر يد التوحيد ‪ ،‬والخلص له بما شرعه ورضيه‬
‫لعباده أن يتقربوا إليه به ‪ ،‬فإذا كان ل ينفع بنته ول عمه ول عمته ول قرابته إل ذلك ‪ ،‬فغيرهم‬
‫أولى وأحرى ‪ .‬وفي قصة عمه أبي طالب معتبر ‪.‬‬
‫فان ظر إلى الوا قع الن من كث ير من الناس اللتجاء إلى الموات والتو جه إلي هم بالرغبات‬
‫والرهبات ‪ ،‬وهعم عاجزون ل يملكون لنفسعهم ضرا ول نفعا ‪ ،‬فضلً ععن غيرهعم _ يتعبين لك‬
‫أن هم لي سو على شئ ' ‪ " ' 30 : 7‬إن هم اتخذوا الشياط ين أولياء من دون ال ويح سبون أن هم‬
‫مهتدون " أظ هر ل هم الشيطان الشرك في قالب مح بة ال صالحين ‪ ،‬و كل صالح يبرأ إلى ال من‬
‫هذا الشرك في الدن يا ويوم يقوم الشهاد ‪ .‬ول ر يب أن مح بة ال صالحين إن ما تح صل بموافقت هم‬
‫في الد ين ‪ ،‬ومتابعت هم في طا عة رب العالم ين ‪ ،‬ل باتخاذ هم أندادا من دون ال يحبون هم ك حب‬
‫ال إشراكا بال ‪ ،‬وعبادة لغ ير ال ‪ ،‬وعداوة ل ور سوله وال صالحين من عباده ‪ ،‬ك ما قال تعالى‬
‫‪ " ' 117 ، 116 : 5 ' :‬وإذ قال ال يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين‬
‫من دون ال قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما‬
‫في نف سي ول أعلم ما في نف سك إ نك أ نت علم الغيوب * ما قلت ل هم إل ما أمرت ني به أن‬
‫اعبدوا ال ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم‬
‫وأنت على كل شيء شهيد " ‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال في هذه الية بعد كلم سبق ‪ :‬ثم نفى أن يكون قال لهم غير‬
‫ما أمر به وهو محض التوحيد فقال " ما قلت لهم إل ما أمرتني به أن اعبدوا ال ربي وربكم "‬
‫ثم أ خبر أن شهاد ته علي هم مدة مقا مه في هم ‪ ،‬وأ نه ب عد الوفاة ل إطلع له علي هم ‪ ،‬وأن ال عز‬
‫و جل المنفرد ب عد الوفاة بالطلع علي هم فقال " وك نت علي هم شهيدا ما د مت في هم فل ما توفيت ني‬
‫ك نت أنت الرقيب علي هم وأ نت على كل ش يء شهيد " وصف ال سبحانه بأن شهاد ته فوق كل‬
‫شهادة وأعم ا هع ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ف في هذا بيان أن المشرك ين خالفوا ما أ مر ال به ر سله من توحيده الذي هو دين هم‬
‫الذي اتفقوا عليه ‪ ،‬ودعوا الناس إليه ‪ ،‬وفارقوا فيه إل من آمن ‪ ،‬فكيف يقال لمن دان بدينهم ‪،‬‬
‫وأطاعهم فيما أمروا به من إخلص العبادة ل وحده ‪ :‬إنه قد تنقصهم بهذا التوحيد الذي أطاع به‬
‫ر به ‪ ،‬وات بع ف يه ر سله علي هم ال سلم ‪ ،‬ونزه به ر به عن الشرك الذي هو ه ضم للربوب ية ‪.‬‬
‫وتنقص لللهية وسوء ظن برب العالمين ؟ ‪.‬‬
‫والمشركون هعم أعداء الرسعل وخصعماؤهم فعي الدنيعا والخرة ‪ ،‬وقعد شرعوا لتباعهعم أن‬
‫يتبرأوا من كل مشرك ويكفروا به ‪ ،‬ويبغضوه ويعادوه في ربهم ومعبودهم ' ‪ " ' 109 : 6‬قل‬
‫فلله الحجة البالغة فلو شاء لهداكم أجمعين " ‪.‬‬

‫باب قول ال " حتى إذا فزع عن قلوبهم "‬


‫قوله ‪ :‬باب قول ال تعالى ' ‪ " ' 23 : 34‬ح تى إذا فزع عن قلوب هم قالوا ماذا قال رب كم‬
‫قالوا الحق وهو العلي الكبير " ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬ح تى إذا فزع عن قلوب هم " أي زال الفزع عن ها ‪ .‬قاله ا بن عباس وا بن ع مر وأ بو‬
‫عبد الرحمن السلمى والشعبي والحسن وغيرهم ‪.‬‬
‫وقال ا بن جر ير ‪ :‬قال بعض هم ‪ :‬الذ ين فزع عن قلوب هم ‪ :‬الملئ كة قالوا ‪ :‬وإن ما فزع عن‬
‫قلوبهم من غشية تصيبهم عند سماعهم كلم ال بالوحي وقال ابن عطية ‪ :‬في الكلم حذف ما‬
‫يدل عليه الظاهر ‪ .‬كأنه قال ‪ :‬ول هم شفعاء كما تزعمون أنتم ‪ ،‬بل هم عبدة مسلمون ل أبدا ‪،‬‬
‫يعني منقادون ‪ ،‬حتى إذا فزع عن قلوبهم ‪ .‬والمراد الملئكة على ما اختاره ابن جرير وغيره ‪.‬‬
‫قال ابن كثير ‪ :‬وهو الحق الذي ل مرية فيه ‪ ،‬لصحة الحاديث فيه والثار ‪.‬‬
‫وقال أبو حيان ‪ :‬تظاهرت الحاديث عن رسول ال صلى ال عليه و سلم أن قوله ‪ " :‬حتى‬
‫إذا فزع عن قلوبهم " إنما هي الملئكة إذا سمعت الوحي إلى جبريل يأمره ال به سمعت كجر‬
‫سلسلة الحديد على الصفوان ‪ ،‬فتفزع عند ذلك تعظيما وهيبة ‪ .‬قال ‪ :‬وبهذا المعنى ع من ذكر‬
‫الملئكة في صدر الية ع تتسق هذه الية على الولى ‪ ،‬ومن لم يشعر أن الملئكة مشار إليهم‬
‫من أول قوله ‪ " :‬الذين زعمتم " لم تتصل له هذه الية بما قبلها ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬قالوا ماذا قال رب كم ؟ " ولم يقولوا ماذا خلق رب نا ؟ ولو كان كلم ال مخلوقا لقالوا‬
‫‪ :‬ماذا خلق ؟ ؟ انتهى من شرح سنن ابن ماجة ‪.‬‬
‫ومثله الحديث ماذا قال ربنا يا جبريل وأمثال هذا في الكتاب والسنة كثير ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬قالوا الحق " أي قال ال الحق ‪ .‬وذلك لنهم إذا سمعوا كلم ال صعقوا ثم إذا أفاقوا‬
‫أخذوا يسألون ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬ماذا قال ربكم ؟ فيقولون ‪ :‬قال الحق ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬وهو العلي الكبير " علو القدر وعلو القهر وعلو الذات ‪ ،‬فله العلو الكامل من جميع‬
‫الوجوه ‪ ،‬ك ما قال عبدال بن المبارك ع ل ما ق يل له ‪ :‬ب ما نعرف رب نا ؟ قال بأ نه على عر شه‬
‫بائن من خلقه تمسكا منه بالقرآن لقوله تعالى ‪ " ' 5 : 20' :‬الرحمن على العرش استوى " '‬
‫‪ " ' 59 : 25‬ثم استوى على العرش الرحمن " في سبعة مواضع من القرآن ' ‪ 53 : 7‬و ‪: 14‬‬
‫‪ 2‬و ‪ 4 : 32‬و ‪. ' 4 : 57‬‬
‫قوله ‪ :‬الكبير أي الذي ل أكبر منه ول أعظم منه تبارك وتعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الصحيح عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬‬
‫إذا ق ضى ال ال مر في ال سماء ضر بت الملئ كة بأجنحت ها خضعانا لقوله ‪ ،‬كأ نه سلسلة على‬
‫صفوان ‪ ،‬ينفذ هم ذلك ‪ ،‬ح تى إذا فزع عن قلوب هم قالوا ‪ :‬ماذا قال رب كم ؟ قالوا ‪ :‬ال حق و هو‬
‫العلي الكبير ‪ ،‬فيسمعها مسترق السمع ومسترق السمع هكذا بعضه فوق بعض ‪ .‬وصفة سفيان‬
‫بكفه فحرفها وبدد بين أصابعه ع فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته ‪ ،‬ثم يلقيها الخر إلى أن‬
‫تحته ‪ ،‬حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن‪ ،‬فربما أدركه الشهاب قبل من يلقيها ‪ ،‬وربما‬
‫ألقاها قبل أن يدركه ‪ ،‬فيكذب معها مائة كذبة ‪ ،‬فيقال ‪ :‬أليس قد قال لنا اليوم كذا وكذا ‪ :‬وكذا و‬
‫كذا ؟ فيصدق بتلك الكلمة التي سمعت من السماء " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الصحيح أي صحيح البخاري ‪.‬‬

‫حديث أبي هريرة ‪ :‬إذا قضى ال المر في السماء إلخ‬


‫قوله ‪ :‬إذا ق ضي ال ال مر في ال سماء أي إذا تكلم ال بال مر الذي يوح يه إلى جبر يل ب ما‬
‫أراد ‪ ،‬كما صرح به في الحديث التي‪ ،‬وكما روى سعيد بن منصور وأبو داود وابن جرير عن‬
‫ابن مسعود " إذا تكلم ال بالوحي سمع أهل السموات صلصة كجر السلسلة على الصفوان " ‪.‬‬
‫وروى ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس قال ‪ :‬لما أوحي الجبار إلى محمد صلى‬
‫ال عليه وسلم دعا الرسول من الملئكة ليبعثه بالوحي ‪ ،‬فسمعت الملئكة صوت الجبار يتكلم‬
‫بالوحي ‪ .‬فما كشف عن قلوبهم سألوا عما قال ال ‪ .‬فقالوا ‪ :‬الحق ‪ .‬وعلموا أن ال ل يقول إل‬
‫حقا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ضربعت الملئكعة بأجنحتهعا خضعانا لقوله أي لقول ال تعالى ‪ .‬قال الحافعظ ‪:‬‬
‫خضعانا بفتحت ين من الخضوع ‪ .‬و في روا ية ب ضم أوله و سكون ثان يه ‪ .‬و هو م صدر بمع نى‬
‫خاضعين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كأنعه سعلسلة على صعفوان أي كأن الصعوت المسعموع سعلسلة على صعفوان وهعو‬
‫الحجر الملس ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ينفذهعم ذلك هعو بفتعح التحتيعة وسعكون النون وضعم الفاء والذال المعجمعة ذلك أي‬
‫القول ‪ ،‬والضميعر فعي ينفذهعم للملئكعة‪ ،‬أي ينفعذ ذلك القول الملئكعة أي يخلص ذلك القول‬
‫ويم ضي في هم ح تى يفزعوا م نه ‪ .‬وع ند ا بن مردو يه من حد يث ا بن عباس فل ينزل على أ هل‬
‫سماء إل صعقوا وعند أبي داود وغيره مرفوعا "إذا تكلم ال بالوحي سمع أهل السماء الدنيا‬
‫صلصلة كجر السلسلة على الصفا فيصعقون ‪ ،‬فل يزالون كذلك حتى يأتيهم جبريل " الحديث ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬حتى إذا فزع عن قلوبهم تقدم معناه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قالوا ماذا قال رب كم ؟ قالوا ال حق أي قالوا ‪ :‬قال ال الحعق ‪ ،‬علموا أن ال ل يقول‬
‫إل الحق ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في سمعها م سترق ال سمع أي ي سمع الكل مة ال تي قضا ها ال ‪ ،‬و هم الشياط ين ير كب‬
‫بعض هم بعضا ‪ .‬و في صحيح البخاري عن عائ شة مرفوعا ‪ " :‬إن الملئ كة تنزل في العنان ع‬
‫وهو السحاب ع فتذكر المر قضى في السماء ‪ ،‬فتسترق الشياطين السمع ‪ ،‬فتوجه إلى الكهان"‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ومسترق السمع هكذا وصفه سفيان بكفه أي وصف ركوب بعضهم فوق بعض ‪.‬‬
‫وسفيان هو ابن عيينة أبو محمد الهللي الكوفي ثم المكي ‪ ،‬ثقة حافظ ‪ ،‬فقيه ‪ ،‬إمام حجة ‪،‬‬
‫مات سنة ثمان وتسعين ومائة وله إحدى وتسعون سنة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فحرفها بحاء مهملة وراء مشددة وفاء ‪ .‬قوله ‪ :‬وبدد أي فرق بين أصابعه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فيسمع الكلمة فيلقيها إلى من تحته أي يسمع الفوقاني الكلمة فيلقيها إلى آخر تحته ‪،‬‬
‫ثم يلقيها إلى من تحته حتى يلقيها على لسان الساحر أو الكاهن ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فرب ما أدر كه الشهاب ق بل أن يلقي ها الشهاب هو الن جم الذي ير مي به ‪ ،‬أي رب ما‬
‫أدرك الشهاب المسترق ‪ ،‬وهذا يدل على أن الرمي بالشهب قبل المبعث ‪ .‬لما روى أحمد وغيره‬
‫ع وال سياق له في الم سند من طر يق مع مر ع ‪ :‬أنبأ نا الزهري عن علي بن الح سين عن ا بن‬
‫عباس قال كان رسول ال صلى ال عليه وسلم جالسا في نفر من أصحابه ع قال عبد الرزاق‬
‫‪ :‬من النصار ع قال ‪ :‬فرمى بنجم عظيم ‪ ،‬فاستنار ‪ ،‬قال ‪ :‬ما كنتم تقولون إذا كان مثل هذا‬
‫في الجاهلية ؟ قال ‪ :‬كنا نقول ‪ :‬لعله يولد عظيم أو يموت ‪ ،‬قلت للزهري ‪ :‬أكان يرمى بها في‬
‫الجاهلية ؟ قال نعم ‪ ،‬ولكن غلظت حين بعث النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬فإنها ل يرمى بها‬
‫لموت أحد ول لحياته ‪ ،‬ولكن ربنا تبارك اسمه إذا قضى أمرا سبح حملة العرش ‪ ،‬ثم سبح أهل‬
‫ال سماء الذ ين يلون هم ثم الذ ين يلون هم ‪ ،‬ح تى يبلغ الت سبيح هذه ال سماء الدن يا ‪ .‬ثم ي ستخبر أ هل‬
‫السماء الذين يلون حملة العرش ‪ ،‬فيقول الذين يلون حملة العرش لحملة العرش ‪ :‬ماذا قال ربكم‬
‫؟ فيخبرونهم ‪ ،‬ويخبر أهل كل سماء حتى ينتهي الخبر إلى هذه السماء ‪ ،‬وتخطف الجن السمع‬
‫فيرمون ‪ ،‬ف ما جاءوا به على وج هه ف هو حق ‪ ،‬ولكن هم يقرفون ف يه ويزيدون ‪ .‬قال ع بد ال ‪:‬‬
‫قال أبي ‪ :‬قال عبد الرزاق ويخطف الجن ويرمون وفي رواية له لكنهم يزيدون فيه ويقرفون‬
‫وينقصون ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فيكذب معها مائة كذبة أي الكاهن أو الساحر ‪.‬‬
‫و كذبة بفتح الكاف وسكون الذال المعجمة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أليعس قعد قال لنعا يوم كذا وكذا ‪ :‬وكذا وكذا ؟ هكذا فعي نسعخة بخعط المصعنف ‪،‬‬
‫وكالذي في صحيح البخاري سواء ‪.‬‬
‫قال المصنف ‪ :‬وفيه قبول النفوس للباطل ‪ ،‬كيف يتعلقون بواحدة ول يعتبرون بمائة كذبة ؟‬
‫‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أن الشئ إذا كان فيه شئ من الحق فل يدل على أنه حق كله ‪ ،‬فكثيرا ما يلبس أهل‬
‫الضلل الحق بالباطل ليكون أقبل لباطلهم ‪ ،‬قال تعالى ‪" ' 42 : 2 ' :‬ول تلبسوا الحق بالباطل‬
‫وتكتموا الحق وأنتم تعلمون " ‪.‬‬
‫وفي هذه الحاديث وما بعدها وما في معناها ‪ :‬إثبات علو ال تعالى على خلقه على ما يليق‬
‫بجلله وعظمتعه ‪ ،‬وأنعه تعالى لم يزل متكلما إذا شاء بكلم يسعمعه الملئكعة ‪ ،‬وهذا قول أهعل‬
‫السعنة قاطبعة سعلفا وخلفا ‪ .‬خلفا للشاعرة والجهميعة ‪ ،‬ونفاة المعتزلة ‪ .‬فإياك أن تلتفعت إلى‬
‫مازخرفه أهل التعطيل ‪ ،‬وحسبنا ال ونعم الوكيل ‪.‬‬

‫حديث إذا أراد ال أن يوحي يوحي بالمر إلخ‬


‫قوله ‪ :‬و عن النواس بن سمعان قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم " إذا أراد ال‬
‫تعالى أن يوحي بالمر تكلم بالوحي أخذت السموات منه رجفة ع أو قال رعدة ع شديدة خوفا‬
‫من ال عز وجل ‪ .‬فإذا سمع ذلك أهل السموات صعقوا وخروا ل سجدا فيكون أول من يرفع‬
‫رأسه جبريل ‪ ،‬فيكلمه ال من وحيه بما أراد ‪ ،‬ثم يمر جبريل على الملئكة ‪ ،‬كلما مر بسماء‬
‫سعأله ملئكتهعا ‪ :‬ماذا قال ربنعا يعا جبريعل ؟ فيقول جبريعل ‪ :‬قال الحعق ‪ ،‬وهعو العلي الكعبير ‪.‬‬
‫فيقولون كلهم مثل ما قال جبريل ‪ ،‬فينتهي جبريل بالوحي إلى حيث أمره ال عز وجل" ‪.‬‬
‫هذا الحديث رواه ابن أبي حاتم بسنده كما ذكره العماد ابن كثير في تفسيره ‪.‬‬
‫النواس بن سمعان ‪ ،‬بكسر السين ‪ ،‬بن خالد الكلبي ‪ ،‬ويقال ‪ :‬النصاري صحابي ‪ .‬ويقال‬
‫‪ :‬إن أباه صحابي أيضا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إذا أراد ال أن يوحي بالمر إلى آخره ‪ .‬فيه النص على أن ال تعالى يتكلم بالوحي‬
‫‪ .‬وهذا من حجة أهل السنة على النفاة ‪ :‬لم يزل ال متكلما إذا شاء ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أخذت السعموات منعه رجفعة السعموات مفعول مقدم ‪ ،‬والفاععل رجفعة أي أصعاب‬
‫السموات من كلمه تعالى رجفة ‪ ،‬أي ارتجفت ‪ .‬وهو صريح في أنها تسمع كلمه تعالى ‪ ،‬كما‬
‫روى ا بن أ بي حا تم عن عكر مة ‪ .‬قال إذا ق ضى ال أمرا تكلم تبارك وتعالى رج فت ال سموات‬
‫والرض والجبال ‪ ،‬وخرت الملئكة كلهم سجدا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أو قال رعدة شديدة شك من الراوي ‪ .‬هل قال النبي صلى ال عليه وسلم رجفة ‪،‬‬
‫أو قال رعدة ‪ .‬والراء مفتوحة فيهما ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬خوفا من ال عز و جل وهذا ظا هر في أن ال سموات تخاف ال ‪ ،‬ب ما يج عل تعالى‬
‫فيها من الحساس ومعرفة من خلقها ‪ .‬وقد أخبر تعالى أن هذه المخلوقات العظيمة تسبحه كما‬
‫قال تعالى ‪ " ' 44 : 17 ' :‬تسعبح له السعماوات السعبع والرض ومعن فيهعن وإن معن شيعء إل‬
‫يسبح بحمده ولكن ل تفقهون تسبيحهم إنه كان حليما غفورا " وقال تعالى ‪ " ' 90 : 19 ' :‬تكاد‬
‫ال سموات يتفطرن م نه وتن شق الرض وت خر الجبال هدا " وقال تعالى ‪ " ' 74 : 2 ' :‬وإن من ها‬
‫لمعا يه بط معن خشيعة ال " و قد قرر العل مة ا بن القيعم رح مه ال أن هذه المخلوقات ت سبح ال‬
‫وتخشاه حقيقة ‪ ،‬مستدلً بهذه اليات وما في معناها ‪.‬‬
‫وفي البخاري عن ابن مسعود قال كنا نسمع تسبيح الطعام وهو يؤكل وفي حديث أبي ذر‬
‫" أن ال نبي صلى ال عل يه و سلم أ خذ في يده ح صيات ‪ ،‬ف سمع ل هن ت سبيح ‪ "...‬الحد يث و في‬
‫الصحيح قصة حنين الجذع الذي كان يخطب عليه النبي صلى ال عليه وسلم قبل اتخاذ المنبر ‪.‬‬
‫ومثل هذا كثير ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬صعقوا وخروا ل سجدا الصعوق هو الغشي ‪ ،‬ومعه السجود ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فيكون أول من يرفع رأسه جبريل بنصب أول خبر يكون مقدم على اسمها ‪ .‬ويجوز‬
‫العكس ‪ .‬ومعنى جبريل ‪ :‬عبد ال‪ ،‬كما روى ابن جرير وغيره عن على ابن الحسين قال ‪ :‬كان‬
‫اسم جبريل ‪ :‬عبد ال ‪ ،‬واسم ميكائيل عبيد ال ‪ ،‬وإسرافيل عبد الرحمن ‪ .‬وكل شئ رجع إلى‬
‫ايل فهو معبد ل عز وجل ‪ .‬وفيه فضيلة جبريل عليه السلم ‪ .‬كما قال تعالى ‪- 19 : 81 ' :‬‬
‫‪ " ' 21‬إنه لقول رسول كريم * ذي قوة عند ذي العرش مكين * مطاع ثم أمين " ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ير رح مه ال تعالى ‪ :‬إن هذا القرآن لتبل يغ ر سول كر يم ‪ .‬وقال أ بو صالح في‬
‫الية جبريل يدخل في سبعين حجابا من نور بغير إذن ‪.‬‬
‫ولحمد بإسناد صحيح عن ابن مسعود قال رأى رسول ال صلى ال عليه وسلم جبريل في‬
‫صورته وله ستمائة جناح ‪ ،‬كل جناح منها قد سد الفق ‪ ،‬يسقط من جناحه من التهاويل والدر‬
‫والياقوت ما ال به عل يم فإذا كان هذا ع ظم هذه ع المخلوقات فخالف ها أع ظم وأ جل وأ كبر ‪.‬‬
‫فكيف يسوى به غيره في العبادة ‪ :‬دعاء وخوفا ورجاء وتوكلً وغير ذلك من العبادات التي ل‬
‫يستحقها غيره ؟ فانظر إلى حال الملئكة وشدة خوفهم من ال تعالى ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪: 21 ' :‬‬
‫‪ " ' 29 _ 26‬بل عباد مكرمون * ل يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون * يعلم ما بين أيديهم‬
‫وما خلفهم ول يشفعون إل لمن ارتضى وهم من خشيته مشفقون * ومن يقل منهم إني إله من‬
‫دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ثم ينت هي جبر يل بالو حي إلى ح يث أمره ال عز و جل من ال سماء والرض وهذا‬
‫تمام الحديث ‪.‬‬
‫واليات المذكورة فعي هذا الباب والحاديعث تقرر التوحيعد الذي هعو مدلول شهادة أن ل إله‬
‫إل ال ‪ ،‬فإن الملك العظيعم الذي تصععق الملك معن كلمعه خوفا منعه ومهابعة وترجعف منعه‬
‫المخلوقات ‪ ،‬الكامل في ذاته وصفاته ‪ ،‬وعلمه وقدرته وملكه وعزه ‪ ،‬وغناه عن جميع خلقه ‪،‬‬
‫وافتقار هم جميعا إل يه ‪ ،‬ونفوذ ت صرفه وقدره في هم لعلمه وحكم ته ‪ ،‬ل يجوز شرعا ول عقلً أن‬
‫يجعل له شريك من خلقه في عبادته التي هي حقه عليهم ‪ ،‬فكيف يجعل المربوب ربا ‪ ،‬والعبد‬
‫معبودا ؟ أين ذهبت عقول المشركين ؟ سبحان ال عما يشركون ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ " ' 94 ، 93 : 19 ' :‬إن كل من في السموات والرض إل آتي الرحمن عبدا "‬
‫من أول هم إلى آخر هم تزجر هم عن ذلك الشرك وتنها هم عن عبادة ما سوى ال ‪ .‬انت هى من‬
‫شرح سنن ابن ماجه ‪.‬‬

‫باب الشفاعة‬
‫قوله ‪ ( :‬باب الشفاعة )‬
‫أي بيان ما أثبته القرآن منها وما نفاه ‪ .‬وحقيقة ما دل القرآن على إثباته ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقول ال عز و جل ‪ " ' 51 : 6 ' :‬وأنذر به الذ ين يخافون أن يحشروا " المخا فة‬
‫والتحذير منها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬بعه قال ابعن عباس بالقرآن " الذيعن يخافون أن يحشروا إلى ربهعم " وهعم المؤمنون‬
‫وعن الفضيل بن عياض ليس كل خلقه عاتب ‪ ،‬إنما عاتب الذين يعقلون ‪ ،‬فقال ‪ " :‬وأنذر به‬
‫الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم " وهم المؤمنون أصحاب العقول الواعية ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬ليس لهم من دونه ولي ول شفيع " قال الزجاج ‪ :‬موضع ليس نصب على الحال ‪،‬‬
‫كأنه قال ‪ :‬متخلين من كل ولي وشفيع ‪ .‬والعامل فيه يخافون ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬لعلهم يتقون أي فيعملون في هذه الدار عملً ينجيهم ال به من عذاب يوم القيامة ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " ' 44 : 39 ' :‬قل ل الشفاعة جميعا " وقبلها " أم اتخذوا من دون ال شفعاء قل أو‬
‫لو كانوا ل يملكون شيئا ول يعقلون " وهذه كقوله تعالى ‪ " ' 18 : 10 ' :‬ويعبدون من دون ال‬
‫معا ل يضرهعم ول ينفعهعم ويقولون هؤلء شفعاؤنعا عنعد ال قعل أتنبئون ال بمعا ل يعلم فعي‬
‫السموات ول في الرض سبحانه وتعالى عما يشركون " فبين تعالى في هذه اليات وأمثالها أن‬
‫وقوع الشفاععة على هذا الوجعه منتعف وممتنعع ‪ ،‬وأن اتخاذهعم شفعاء شرك ‪ ،‬يتنزه الرب تعالى‬
‫عنه ‪ .‬وقد قال تعالى ‪ " ' 28 : 46 ' :‬فلول نصرهم الذين اتخذوا من دون ال قربانا آلهة بل‬
‫ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون " فبين تعالى أن دعواهم أنهم يشفعون لهم بتأليههم ‪.‬‬
‫إن ذلك منهم إفك وافتراء ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ " :‬قل ل الشفا عة جميعا " أي هو مالك ها ‪ ،‬فل يس ل من تطلب م نه شئ من ها ‪،‬‬
‫وإنما تطلب ممن يملكها دون كل من سواه ‪ ،‬لن ذلك عبادة وتأليه ل يصلح إلى ل ‪.‬‬
‫قال البيضاوي ‪ :‬لعله رد لما عسى أن يجيبوا به ‪ ،‬وهو أن الشفعاء أشخاص مقربون ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ " :‬له ملك ال سموات والرض " تقر ير لبطلن اتخاذ الشفعاء من دو نه ‪ ،‬ل نه‬
‫مالك الملك‪ ،‬فاندرج في ذلك ملك الشفا عة‪ ،‬فإذا كان هو مالك ها ب طل أن تطلب ممن ل يملك ها '‬
‫‪ " ' 255 : 2‬من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه " ' ‪ " ' 28 : 21‬ول يشفعون إل لمن ارتضى " ‪.‬‬

‫قال 'ابن جرير ' ‪ :‬نزلت لما قال الكفار ‪ :‬ما نعبد أوثاننا هذه إلى ليقربونا إلى ال زلفى قال‬
‫ال تعالى ‪ " :‬له ملك السموات والرض ثم إليه ترجعون " ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقوله ' ‪ " ' 255 : 2‬من ذا الذي يشفع عنده إل بإذنه " قد تبين مما تقدم من اليات‬
‫أن الشفاعة التي نفاها القرآن هي التي تطلب من غير ال ‪ .‬وفي هذه الية بيان أن الشفاعة إنما‬
‫تقع في الدار الخرة بإذنه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 109 : 20 ' :‬يومئذ ل تنفع الشفاعة إل من أذن‬
‫له الرح من ور ضي له قول " فبين أ نه ل ت قع ل حد إل بشرط ين ‪ :‬إذن الرب تعالى للشا فع أن‬
‫يشفع ‪ ،‬ورضاه عن المأذون بالشفاعة فيه ‪ ،‬وهو تعالى ل يرضى من القوال والعمال الظاهرة‬
‫والباطنة إل ما أر يد به وج هه ‪ ،‬ولقى الع بد به ر به مخل صا غ ير شاك في ذلك ‪ ،‬ك ما دل على‬
‫ذلك الحديث الصحيح ‪ .‬وسيأتي ذلك مقررا أيضا في كلم شيخ السلم رحمه ال ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " ' 26 : 53 ' :‬وكم من ملك في السموات ل تغني شفاعت هم شيئا إل من بعد أن‬
‫يأذن ال ل من يشاء وير ضى " قال ا بن كث ير رح مه ال " و كم من ملك في ال سموات ل تغ ني‬
‫شفاعت هم شيئا إل من ب عد أن يأذن ال ل من يشاء وير ضى " كقوله " من ذا الذي يش فع عنده إل‬
‫بإذنه " " ول تنفع الشفاعة عنده إل لمن أذن له " فإذا كان هذا في حق الملئكة المقربين ‪ ،‬فكيف‬
‫ترجون أيها الجاهلون شفاعة هذه النداد عند ال ‪ ،‬وهو لم يشرع عبادتها ول أذن فيها ‪ ،‬بل قد‬
‫نهى عنها على ألسنة جميع رسله ‪ ،‬وأنزل بالنهي عن ذلك جميع كتبه ؟‬
‫قال ‪ ( :‬وقوله تعالى ‪ " ' 23 ، 22 : 34' :‬قل ادعوا الذين زعمتم من دون ال ل يملكون‬
‫مثقال ذرة في السماوات ول في الرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير * ول‬
‫تنفع الشفاعة عنده إل لمن أذن له " ‪.‬‬

‫قول ابن القيم رحمه ال في الشفاعة‬


‫قال ابعن القيعم رحمعه ال تعالى فعي الكلم على هذه اليات ‪ :‬وقعد قطعع ال السعباب التعي‬
‫يتعلق ب ها المشركون جميع ها ‪ .‬فالمشرك إن ما يت خذ معبوده ل ما يح صل له من الن فع ‪ ،‬والن فع ل‬
‫يكون إل ممن فيه خصلة من هذه الربع‪ :‬إما مالك لما يريد عابده منه‪ ،‬فإن لم يكن مالكا كان‬
‫شريكا للمالك ‪ ،‬فإن لم يكعن شريكا له كان معينا له وظهيرا ‪ ،‬فإن لم يكعن معنيا ول ظهيرا كان‬
‫شفيعا عنده ‪ .‬فنفى ال سبحانه المراتب الربع نفيا مرتبا ‪ ،‬متنقلً من العلى إلى الدنى ‪ ،‬فنفى‬
‫الملك والشركة والمظاهرة والشفاعة التي يطلبها المشرك ‪ ،‬وأثبت شفاعة ل نصيب فيها لمشرك‬
‫‪ ،‬وهي الشفاعة بإذنه ‪ .‬فكفى بهذه الية نورا وبرهانا وتجريدا للتوحيد ‪ ،‬وقطعا لصول الشرك‬
‫ومواده لمن عقلها ‪ .‬والقرآن مملوء من أمثالها ونظائرها ‪ ،‬ولكن أكثر الناس ل يشعرون بدخول‬
‫الواقع تحته وتضمنه له ‪ ،‬ويظنونها في نوع وقوم قد خلوا من قبل ولم يعقبوا وارثا ‪ ،‬فهذا هو‬
‫الذي يحول بين القلب وبين فهم القرآن ‪ .‬ولعمر ال ‪ ،‬إن كان أولئك قد خلوا فقد ورثهم من هو‬
‫مثلهم أو شر منهم أو دونهم ‪ ،‬وتناول القرآن لهم كتناوله لولئك ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬و من أنوا عه ع أي الشرك ع طلب الحوائج من المو تى وال ستغاثة ب هم ‪ ،‬وهذا‬
‫أصل شرك العالم ‪ .‬فإن الميت قد انقطع عمله وهو ل يملك لنفسه نفعا ول ضرا ‪ ،‬فضلً عمن‬
‫ا ستغاث به و سأله أن يش فع له إلى ال ‪ .‬وهذا من جهله بالشا فع والمشفوع عنده ‪ .‬فإ نه ل يقدر‬
‫أن يشفع له عند ال إل بإذنه ‪ ،‬وال لم يجعل استغاثته وسؤاله سببا لذنه ‪ ،‬فإنه ل يقدر أن يشفع‬
‫له عند ال إل بإذنه ‪ ،‬وال لم يجعل استغاثته وسؤاله سببا لذنه ‪ ،‬وإنما السبب كمال التوحيد ‪،‬‬
‫فجاء هذا الشرك ب سبب يم نع الذن ‪ ،‬و هو بمنزلة من ا ستعان في حاج ته ب ما يم نع ح صولها ‪.‬‬
‫وهذه حالة كعل مشرك ‪ ،‬فجمعوا بيعن الشرك بالمعبود وتغييعر دينعه ‪ ،‬ومعاداة أهعل التوحيعد ‪،‬‬
‫ونسبة أهله إلى التنقص بالموات ‪ ،‬وهم قد تنقصوا الخالق بالشرك ‪ ،‬وأولياءه الموحدين بذمهم‬
‫وعيبهم ومعاداتهم ‪ ،‬وتنقصوا من أشركوا به غاية التنقص ‪ ،‬إذا ظنوا أنهم راضون منهم بهذا ‪،‬‬
‫وأنهم أمروهم به ‪ ،‬وأنهم يوالونهم عليه ‪ ،‬وهؤلء هم أعداء الرسل في كل زمان ومكان ‪ ،‬وما‬
‫أكثر المستجيبين لهم ‪ ،‬وما نجى من شرك هذا الشرك الكبر إل من جرد توحيده ل ‪ ،‬وعادى‬
‫المشرك ين في ال ‪ ،‬وتقرب بمقت هم إلى ال ‪ ،‬وات خذ ال وحده ول يه وإل هه ومعبوده ‪ .‬فجرد ح به‬
‫ل وخوفعه ل ‪ ،‬ورجاءه ل ‪ ،‬وذله ل ‪ ،‬وتوكله على ال ‪ ،‬واسعتعانته بال ‪ ،‬والتجاءه إلى ال ‪،‬‬
‫واسعتغاثته بال ‪ ،‬وقصعده ل ‪ ،‬متبعا لمره متطلبا لمرضاتعه ‪ ،‬إذا سعأل سعأل ال ‪ ،‬وإذا اسعتعان‬
‫استعان بال ‪ ،‬وإذا عمل عمل ل ‪ .‬فهو ل وبال ومع ال ‪ .‬انتهى كلمه رحمه ال تعالى ‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكره هذا المام في معنى الية هو حقيقة دين السلم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪: 4 ' :‬‬
‫‪ " ' 125‬ومن أحسن دينا ممن أسلم وجهه ل وهو محسن واتبع ملة إبراهيم حنيفا واتخذ ال‬
‫إبراهيم خليلً " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال أبو العباس هذه كنية شيخ السلم أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلم ابن تيمية‬
‫الحراني إمام المسلمين رحمه ال ‪.‬‬
‫نفى ال عما سواه كل ما يتعلق به المشركون ‪ ،‬فنفى أن يكون لغيره ملك أو قسط منه ‪ ،‬أو‬
‫يكون عونا ل ‪ .‬فلم يبق إلى الشفاعة ‪ .‬فبين أنها ل تنفع إل لمن أذن له الرب ‪ ،‬كما قال تعالى ‪:‬‬
‫'‪ " ' 28 : 21‬ول يشفعون إل لمن ارتضى " فهذه الشفاعة التي يظنها المشركون هي منتفية يوم‬
‫القيامة كما نفاها القرآن ‪ ،‬وأخبر النبي صلى ال عليه وسلم أنه يأتي فيسجد لربه ويحمده ‪ ،‬ل‬
‫يبدأ بالشفاعة أولً ‪ .‬ثم يقال له ‪ :‬ارفع رأسك وقل يسمع ‪ ،‬وسل تعطه ‪ ،‬واشفع تشفع ‪ .‬وقال له‬
‫أبعو هريرة "معن أسععد الناس بشفاعتعك ؟ قال ‪ :‬معن قال ل إله إل ال خالصعا معن قلبعه " فتلك‬
‫الشفاععة لهعل الخلص بإذن ال ‪ ،‬ول تكون لمعن أشرك بال ‪ ،‬وحقيقتهعا ‪ :‬أن ال سعبحانه‬
‫وتعالى هو الذي يتف ضل على أ هل الخلص ‪ ،‬فيغ فر ل هم بوا سطة دعاء من أذن له أن يش فع‬
‫ليكرمعه وينال المقام المحمود ‪ .‬فالشفاععة التعي نفاهعا القرآن معا كان فيهعا شرك ‪ ،‬ولهذا أثبعت‬
‫الشفاعة بإذنه في مواضع ‪ ،‬وقد بين النبي صلى ال عليه وسلم أنها ل تكون إل لهل التوحيد‬
‫والخلص انتهى ‪.‬‬

‫من أسعد الناس بشفاعة رسول ال صلى ال عليه وسلم‬


‫قوله ‪ :‬وقال أ بو هريرة إلى آخره ‪ .‬هذا الحد يث رواه البخاري والن سائي عن أ بي هريرة‬
‫ورواه أح مد و صححه ابن حبان وف يه " وشفاعتي لمن قال ل إله إلى ال مخل صا ‪ ،‬يصدق قلبه‬
‫ل سانه ‪ ،‬ول سانه قل به" وشاهده في صحيح م سلم عن أ بي هريرة قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم " ل كل نبي دعوة م ستجابة ‪ ،‬فتج عل كل نبي دعو ته ‪ ،‬وإ ني اختبأت دعو تي شفا عة‬
‫لمتي يوم القيامة ‪ .‬فهي نائلة إن شاء ال من مات ل يشرك بال شيئا " ‪.‬‬
‫وقد ساق المصنف رحمه ال كلم شيخ السلم هنا ‪ ،‬فقام مقام الشرح والتفسير لما في هذا‬
‫الباب من اليات ‪ ،‬وهو كاف واف بتحقيق مع اليجاز ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وقد عرف الخلص بتعريف حسن فقال ‪ :‬الخلص محبة ال وحده وإرادة وجهه ‪ .‬ا هع‬
‫‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال في معنى حديث أبي هريرة ‪ :‬تأمل هذا الحديث كيف جعل أعظم‬
‫السعباب التعي تنال بهعا شفاعتعه تجريعد التوحيعد ‪ ،‬عكعس معا عنعد المشركيعن أن الشفاععة تنال‬
‫باتخاذهم شفعاء وعبادتهم وموالتهم ‪ ،‬فقلب النبي صلى ال عليه وسلم ما في زعمهم الكاذب ‪،‬‬
‫وأ خبر أن سبب الشفا عة تجر يد التوح يد ‪ ،‬فحينئذ يأذن ال للشا فع أن يش فع و من ج هل المشرك‬
‫اعتقاده أن معن اتخذه وليا أو شفيعا أنعه يشفعع له وينفععه عنعد ال ‪ ،‬كمعا يكون خواص الولة‬
‫والملوك تنفع من والهم ولم يعلموا أنه ل يشفع عنده أحد إل بإذنه في الشفاعة ‪ ،‬ول يأذن في‬
‫الشفا عة إل ل من ر ضى قوله وعمله ‪ ،‬ك ما قال في الف صل الول ' ‪ " ' 255 : 2‬من ذا الذي‬
‫يشفع عنده إل بإذنه " وفي الفصل الثاني ' ‪ " ' 28 : 21‬ول يشفعون إل لمن ارتضى " وبقى‬
‫ف صل ثالث ‪ ،‬و هو أ نه ل ير ضى من القول والع مل إل توحيده واتباع ر سوله صلى ال عل يه‬
‫وسلم ‪ .‬فهذه ثلثة فصول تقطع شجرة الشرك من قلب من عقلها ووعاها ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وذكر أيضا رحمه ال تعالى أن الشفاعة ستة أنواع ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬الشفاعة الكبرى التي يتأخر عنها أولو العزم عليهم الصلة والسلم حتى تنتهي إليه‬
‫صلى ال عل يه و سلم فيقول ‪ :‬أ نا ل ها وذلك ح ين ير غب الخلئق إلى ال نبياء ليشفعوا ل هم إلى‬
‫ربهم حتى يريحهم من مقامهم في الموقف ‪ .‬وهذه شفاعة يختص بها ل يشركه فيها أحد ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬شفاعته لهل الجنة في دخولها ‪ .‬وقد ذكرها أبو هريرة في حديثه الطويل المتفق‬
‫عليه ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬شفاع ته لقوم من الع صاة من أم ته قد ا ستوجبوا النار بذنوب هم ‪ ،‬فيش فع ل هم أن ل‬
‫يدخلوها ‪.‬‬
‫الرا بع ‪ :‬شفاع ته في الع صاة من أ هل التوح يد الذي يدخلون النار بذنوب هم ‪ .‬والحاد يث ب ها‬
‫متواترة عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وقد أجمع عليها الصحابة وأهل السنة قاطبة وبدعوا‬
‫من أنكرها ‪ ،‬وصاحوا به من كل جانب ونادوا عليه بالضلل ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬شفاعته لقوم من أهل الجنة في زيادة ثوابهم ورفعة درجاتهم ‪ ،‬وهذه مما لم ينازع‬
‫فيها أحد ‪ .‬وكلها مختصة بأهل الخلص الذين لم يتخذوا من دون ال وليا ول شفيعا ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪ " ' 51 : 6 ' :‬وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ول‬
‫شفيع " ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬شفاعته في بعض أهل الكفار من أهل النار حتى يخفف عذابه وهذه خاصة بأبي‬
‫طالب وحده ‪.‬‬
‫باب إنك ل تهدي من أحببت‬
‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 56 : 28 ' :‬إنك ل تهدي من أحببت ولكن ال يهدي من يشاء وهو أعلم‬
‫بالمهتدين " ‪.‬‬
‫سبب نزول هذه ال ية ‪ ،‬موت أ بي طالب على ملة ع بد المطلب ‪ ،‬ك ما سيأتي بيان ذلك في‬
‫حديث الباب ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ير رح مه ال تعالى ‪ :‬يقول تعالى لر سوله ‪ :‬إ نك يا مح مد ل تهدي من أحب بت ‪،‬‬
‫أي ليعس إليعك ذلك ‪ ،‬إنمعا عليعك البلغ وال يهدي معن يشاء ‪ .‬وله الحكمعة البالغعة ‪ ،‬والحجعة‬
‫الدامغة ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪ " ' 272 : 2 ' :‬ليس عليك هداهم ولكن ال يهدي من يشاء " وقال‬
‫تعالى ‪ " ' 103 : 12 ' :‬وما أكثر الناس ولو حرصت بمؤمنين " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬والمنفى هنا هداية التوفيق والقبول ‪ ،‬فإن أمر ذلك إلى ال ‪ ،‬وهو القادر عليه ‪ .‬وأما‬
‫الهدا ية المذكورة في قول ال تعالى‪ " ' 52 : 42 ' :‬وإ نك لتهدي إلى صراط م ستقيم " فإن ها‬
‫هداية الدللة والبيان ‪ ،‬فهو المبين عن ال والدال على دينه وشرعه ‪.‬‬

‫حديث ابن المسيب في وفاة أبي طالب‬


‫وقوله ‪ :‬في الصحيح عن ابن المسيب عن أبيه قال ‪ " :‬لما حضرت أ با طالب الوفاة جاءه‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم وعنده عبد ال بن أبي أمية وأبو جهل ‪ ،‬فقال له ‪ :‬يا عم قل ل‬
‫إله إلى ال ‪ ،‬كلمعة أحاج بهعا عنعد ال ‪ .‬فقال له ‪ :‬أترغعب ععن ملة عبعد المطلب ؟ فأعاد عليعه‬
‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬فأعاد ‪ .‬فكان أ خر ما قال ‪ :‬هو على ملة ع بد المطلب ‪ .‬وأ بي أن‬
‫يقول ل إله إلى ال ‪ .‬فقال النبي صلى ال عليه وسلم لستغفرن لك مالم أنه عنك " ‪ .‬فأنزل ال‬
‫عز و جل ' ‪ " ' 113 : 9‬ما كان لل نبي والذ ين آمنوا أن ي ستغفروا للمشرك ين ولو كانوا أولي‬
‫قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم " وأنزل ال في أبي طالب ‪ " :‬إنك ل تهدي من‬
‫أحببت ولكن ال يهدي من يشاء " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الصحيح أي في الصحيحين ‪ .‬وابن المسيب هو سعيد بن المسيب بن حزن بن‬
‫أ بي و هب بن ع مر بن عائذ بن عمران بن مخزوم القر شي المخزو مي ‪ ،‬أ حد العلماء والفقهاء‬
‫الكبار السعبعة معن التابعيعن‪ .‬اتفعق أهعل الحديعث على أن مراسعيله أصعح المراسعيل‪ .‬وقال ابعن‬
‫المديني ‪ :‬ل أعلم في التابعين أوسع علما منه ‪ .‬مات بعد التسعين وقد ناهز الثمانين ‪.‬‬
‫وأبو المسيب صحابي ‪ ،‬بقى إلى خلفة عثمان رضي ال عنه ‪ ،‬وكذلك جده حزن ‪ ،‬صحابي‬
‫استشهد باليمامة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬لما حضرت أبا طالب الوفاة أي علماتها ومقدماتها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬جاء ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يحت مل أن يكون الم سيب ح ضر مع الثن ين‬
‫فإنهما من بني مخزوم ‪ ،‬وهو أيضا مخزومي ‪ ،‬وكان الثلثة إذ ذاك كفارا ‪ ،‬فقتل أبو جهل على‬
‫كفره وأسلم الخران ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬يعا ععم منادي مضاف يجوز فيعه إثبات الياء وحذفهعا ‪ ،‬حذفعت الياء هنعا ‪ ،‬وبقيعت‬
‫الكسرة دليلً عليها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قل ل إله إل ال أمره أن يقولها لعلم أبي طالب بما دلت عليه من نفى الشرك بال‬
‫وإخلص العبادة له وحده ‪ ،‬فإن معن قالهعا ععن علم ويقيعن فقعد برىء معن الشرك والمشركيعن‬
‫ود خل في ال سلم ‪ .‬لن هم يعلمون ما دلت عل يه ‪ ،‬و في ذلك الو قت لم ي كن بم كة إل م سلم أو‬
‫كا فر ‪ .‬فل يقول ها إل من ترك الشرك وبرىء م نه ‪ .‬ول ما ها جر ال نبي صلى ال عل يه و سلم‬
‫وأ صحابه إلى المدينعة كان في ها الم سلمون الموحدون والمنافقون الذ ين يقولون ها بألسعنتهم و هم‬
‫يعرفون معناهعا ‪ ،‬لكعن ل يعتقدونهعا ‪ ،‬لمعا فعي قلوبهعم معن العداوة والشعك والريعب ‪ ،‬فهعم معع‬
‫الم سلمين بظا هر العمال دون البا طن ‪ ،‬وفي ها اليهود ‪ ،‬و قد أقر هم ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم لما هاجر ‪ ،‬ووادعهم بأن ل يظاهروا عليه عدوا كما هو مذكور في كتب الحديث والسير‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كلمة قال القرطبي ‪ :‬بالنصب على أنه بدل من ل إله إلى ال ويجوز الرفع على‬
‫أنه خبر مبتدأ محذوف ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أحاج لك بها عند ال هو بتشديد الجيم من المحاجة ‪ ،‬والمراد بها بيان الحجة بها لو‬
‫قالها في تلك الحال ‪ .‬وفيه دليل على أن العمال بالخواتيم ‪ ،‬لنه لو قالها في تلك الحال معتقدا‬
‫ما دلت عليه مطابقة من النفي والثبات لنفعته ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقال له ‪ :‬أترغعب ععن ملة عبعد المطلب ذكراه الحجعة الملعونعة التعي يحتعج بهعا‬
‫المشركون على المر سلين ‪ ،‬كقول فرعون لمو سى ‪ " ' 51 : 20 ' :‬ف ما بال القرون الولى "‬
‫وكقوله تعالى ‪ " ' 23 : 43 ' :‬وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إل قال مترفوها إنا‬
‫وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فأعاد النبي صلى ال عليه وسلم فأعادا فيه معرفتهما لمعنى ل إله إل ال لنهما‬
‫عرفا أن أبا طالب لو قالها لبرىء من ملة عبد المطلب ‪ .‬فإن ملة عبد المطلب هي الشرك بال‬
‫في إلهيته ‪ .‬وأما الربوبية فقد أقروا بها كما تقدم ‪ .‬وقد قال عبد المطلب لبرهة ‪ :‬أنا رب البل‬
‫‪ ،‬والبيت له رب يمنعه منك وهذه المقالة منهما عند قول النبي صلى ال عليه وسلم لعمه ‪ :‬قل‬
‫ل إله إلى ال استكبارا عن العمل بمدلولها ‪ .‬كما قال ال تعالى عنهما وعن أمثالهما من أولئك‬
‫المشركين ‪ " ' 36 ، 35 : 37 ' :‬إنهم كانوا إذا قيل لهم ل إله إل ال يستكبرون * ويقولون أإنا‬
‫لتاركوا آلهتنعا لشاععر مجنون " فرد عليهعم بقوله ‪ " ' 37 : 37 ' :‬بعل جاء بالحعق وصعدق‬
‫المرسلين " فبين تعالى أن استكبارهم عن قوله ل إله إل ال لدللتها على نفي عبادتهم اللهة‬
‫ال تي كانوا يعبدون ها من دون ال ‪ .‬فإن دللة هذه الكل مة على ن في ذلك دللة تض من ‪ ،‬ودللت ها‬
‫عليه وعلى الخلص دللة مطابقة ‪.‬‬
‫و من حك مة الرب تعالى في عدم هدا ية أ بي طالب إلى ال سلم ل يبين لعباده أن ذلك إل يه ‪،‬‬
‫و هو القادر عل يه دون من سواه ‪ ،‬فلو كان ع ند ال نبي صلى ال عل يه و سلم ع الذي هو أف ضل‬
‫خلقه ع من هداية القلوب وتفريج الكروب ‪ ،‬ومغفرة الذنوب ‪ ،‬والنجاة من العذاب ‪ ،‬ونحو ذلك‬
‫شعئ ‪ ،‬لكان أحعق الناس بذلك وأولهعم به عمعه الذي كان يحوطعه ويحم يه وين صره ويؤو يه ‪،‬‬
‫فسبحان من بهرت حكمته العقول ‪ ،‬وأرشد العباد إلى ما يدلهم على معرفته وتوحيده ‪ ،‬وإخلص‬
‫العمل له وتجريده ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فكان آ خر ما قال الح سن ف يه الر فع على أ نه ا سم كان وجملة هو و ما بعد ها‬
‫الخبر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬هعو على ملة عبعد المطلب الظاهعر أن أبعا طالب قال ‪ :‬أنعا فغيره الراوى اسعتقباحا‬
‫للفظ المذكور ‪ ،‬وهو من التصرفات الحسنة ‪ ،‬قاله الحافظ ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وأبى أن يقول ل إله إل ال قال الحافظ ‪ :‬هذا تأكيد من الراوى في نفي وقوع ذلك‬
‫من أبي طالب ‪.‬‬
‫قال المصعنف رحمعه ال ‪ :‬وفيعه الرد على معن زععم إسعلم عبعد الطلب وأسعلفه ومضرة‬
‫أصحاب السوء على النسان ‪ ،‬ومضرة تعظيم السلف ‪.‬‬
‫أي إذا زاد على المشروع ‪ ،‬بحيث تجعل أقوالهم حجة يرجع إليها عند التنازع ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقال ال نبي صلى ال عل يه و سلم ل ستغفرن لك ما لم أ نه ع نك قال النووي ‪ :‬وف يه‬
‫جواز الحلف من غير استحلف ‪ .‬وكان الحلف هنا لتأكيد العزم على الستغفار تطييبا لنفس أبي‬
‫طالب ‪.‬‬
‫وكانت وفاة أبي طالب بمكة قبل الهجرة بقليل ‪.‬‬
‫قال ابعن فارس ‪ :‬مات أبعو طالب ولرسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم تسعع وأربعون سعنة‬
‫وثمانية أشهر وأحد عشر يوما ‪.‬‬
‫وتوفيت خديجة أم المؤمنين رضي ال عنها بعد موت أبي طالب بثمانية أيام ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى " الية أي‬
‫ما ينبغي لهم ذلك ‪ .‬وهو خبر بمعنى النهي ‪ ،‬والظاهر أن هذه الية نزلت في أبي طالب ‪ .‬فإن‬
‫التيان بالفاء المفيدة للترتيب في قوله ‪ :‬فأنزل ال بعد قوله لستغفرن لك ما لم أنه عنك يفيد‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫و قد ذ كر العلماء لنزول ال ية الثان ية فوا ضح في ق صة أ بي طالب ‪ .‬وأ ما نزول ال ية ال تي‬
‫قبل ها فف يه ن ظر ‪ ،‬ويظ هر أن المراد أن ال ية المتعل قة بال ستغفار نزلت ب عد أ بي طالب بمدة ‪،‬‬
‫وهي عامة في حقه وحق غيره ‪ ،‬ويوضح ذلك ما يأتي في التفسير ‪ ،‬فأنزل ال بعد ذلك ‪ " :‬ما‬
‫كان للنبي والذ ين آمنوا أن يستغفروا للمشرك ين " ال ية ‪ .‬ونزل في أ بي طالب ‪ " :‬إنك ل تهدي‬
‫من أحببت " كله ظاهر في أنه مات على غير السلم ‪ .‬ويضعف ما ذكره السهيلي أنه روى في‬
‫بعض كتب 'المسعودى ' أنه أسلم ‪ ،‬لن مثل ذلك ل يعارض ما في الصحيح ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وفيه تحريم الستغفار للمشركين وموالتهم ومحبتهم ‪ ،‬لنه إذا حرم الستغفار لهم فموالتهم‬
‫ومحبتهم أولى ‪.‬‬

‫باب ما جاء أن سبب كفر بني آدم إلخ‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء أن سبب كفر بني آدم وتركهم دينم هو الغلو في الصالحين )‬
‫قوله ‪ :‬ترك هم بال جر عطفا على المضاف إل يه ‪ .‬وأراد الم صنف رح مه ال تعالى بيان ما‬
‫يؤول إله الغلو في ال صالحين من الشرك بال في الله ية الذي هو أع ظم ذ نب ع صى ال به ‪،‬‬
‫وهو ينافي التوحيد الذي دلت عليه كلمة الخلص ‪ :‬شهادة أن ل إله إلى ال ‪.‬‬
‫قوله وقول ال عز وجل ' ‪ " ' 171 : 4‬يا أهل الكتاب ل تغلوا في دينكم ول تقولوا على‬
‫ال إل الحق إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول ال وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " الغلو‬
‫هعو الفراط فعي التعظيعم بالقول والعتقاد ‪ ،‬أي ل ترفعوا المخلوق ععن منزلتعه التعي أنزله ال‬
‫فتنزلوه المنزلة ال تي ل تنب غي إل ل ‪ .‬والخطاب ع وإن كان ل هل الكتاب ع فإ نه عام يتناول‬
‫جم يع ال مة ‪ ،‬تحذيرا ل هم أن يفعلوا ب نبيهم صلى ال عل يه و سلم ف عل الن صارى في عي سى ‪،‬‬
‫واليهود في العزير كما قال تعالى ‪ " ' 16 : 57 ' :‬ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر‬
‫ال وما نزل من الحق ول يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم المد فقست قلوبهم‬
‫وكثير منهم فاسقون " ولهذا قال النبي صلى ال عليه وسلم " ل تطروني كما أطرت النصارى‬
‫ابن مريم " ويأتي ‪.‬‬
‫فكل من دعا نبيا أو وليا من دون ال فقد اتخذ إلها ‪ ،‬وضاهأ النصارى في شركهم ‪ ،‬وضاهأ‬
‫اليهود فعي تفريطهعم ‪ .‬فإن النصعارى غلوا فعي عيسعى عليعه السعلم ‪ ،‬واليهود عادوه وسعبوه‬
‫وتنق صوه ‪ .‬فالن صارى أفرطوا ‪ ،‬واليهود فرطوا ‪ .‬وقال تعالى ‪ " ' 57 : 5 ' :‬ما الم سيح ا بن‬
‫مريعم إل رسعول قعد خلت معن قبله الرسعل وأمعه صعديقة كانعا يأكلن الطعام " ففعي هذه اليعة‬
‫وأمثالها الرد على اليهود والنصارى ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬ومن تشبه من هذه المة باليهود والنصارى ‪ ،‬وغل في الدين‬
‫فإفراط فيه أو تفريط فقد شابههم‪ .‬قال‪ :‬وعلى رضى ال عنه حرق الغالية من الرافضة ‪ ،‬فأمر‬
‫بأخاديد خدت لهم عند باب كندة فقذفهم فيها ‪ .‬واتفق الصحابة على قتلهم‪ .‬لكن ابن عباس مذهبه‬
‫أن يقتلوا بالسفق من غير تحريق ‪ .‬وهو قول أكثر العلماء ‪.‬‬

‫معنى " وقالوا ل تذرن آلهتكم ول " إلخ‬


‫قوله في الصحيح عن ابن عباس رضي ال عنهما في قوله تعالى ' ‪ " ' 23 : 71‬وقالوا ل‬
‫تذرن آلهتكعم ول تذرن ودا ول سعواعا ول يغوث ويعوق ونسعرا " قال ‪ :‬هذه أسعماء رجال‬
‫صالحين من قوم نوح ‪ ،‬فل ما هلكوا أو حى الشيطان إلى قوم هم ‪ :‬أن ان صبوا إلى مجال سهم ال تي‬
‫كانوا يجل سون في ها أن صابا و سموها بأ سمائهم ‪ ،‬ففعلوا ‪ ،‬ولم تع بد ‪ ،‬ح تى إذا هلك أولئك ون سى‬
‫العلم عبدت قوله وفي الصحيح أي صحيح البخاري ‪.‬‬
‫وهذا الثر اختصره المصنف ‪ .‬ولفظ ما في البخاري ‪ :‬عن ابن عباس رضي ال عنهما قال‬
‫صارت الوثان ال تي في قوم نوح في العرب ب عد ‪ .‬أ ما ود فكا نت لكلب بدو مة الجندل ‪ .‬وأ ما‬
‫سواع فكا نت لهذيل ‪ .‬وأ ما يغوث فكانت لمراد ثم لبنى غطيف بالجرف ع ند سبأ ‪ .‬وأ ما يعوق‬
‫فكا نت لهمدان ‪ .‬وأ ما ن سر فكا نت لحم ير لل ذي الكلع ‪ :‬أ سماء رجال صالحين في قوم نوح‬
‫‪ ...‬إلى آخره ‪.‬‬
‫وروى عكرمة والضحاك وابن إسحاق نحو هذا ‪.‬‬
‫قال ا بن جر ير ‪ :‬حدث نا ا بن حم يد قال حدث نا مهران عن سفيان عن مو سى عن مح مد ا بن‬
‫قيس أن يغوث ويعوق ونسرا كانوا قوما صالحين من بني آدم ‪ ،‬وكان لهم أتباع يقتدون بهم ‪.‬‬
‫فلمعا ماتوا قال أصعحابهم ‪ :‬لو صعورناهم كان أشوق لنعا إلى العبادة ‪ ،‬فصعوروهم ‪ ،‬فلمعا ماتوا‬
‫وجاء آخرون دب إليهم إبليس فقال ‪ :‬إنما كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر ‪ .‬فعبدوهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أن انصبوا هو بكسر الصاد المهملة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أنصعابا جمعع نصعب ‪ ،‬والمراد بعه هنعا الصعنام المصعورة على صعور أولئك‬
‫الصالحين التي نصبوها في مجالسهم ‪ ،‬وسموها بأسمائهم ‪ .‬وفي سياق حديث ابن عباس ما يدل‬
‫على أن الصعنام تسعمى أوثانا ‪ .‬فاسعم الوثعن يتناول كعل معبود معن دون ال ‪ ،‬سعواء كان ذلك‬
‫المعبود قبرا أو مشهدا ‪ ،‬أو صورة أو غير ذلك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬حتى إذا هلك أولئك أي الذين صوروا تلك الصنام ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ون سى العلم ورواية البخاري وين سخ وللكشميه ني ون سخ العلم أي در ست آثاره‬
‫بذهاب العلماء ‪ ،‬و عم الج هل ح تى صاروا ل يميزون ب ين التوح يد والشرك فوقعوا في الشرك‬
‫ظنا منهم أنه ينفعهم عند ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عبدت لما قال لهم إبليس ‪ :‬إن من كان قبلكم كانوا يعبدونهم وبهم يسقون المطر ‪،‬‬
‫هو الذي زين لهم عبادة الصنام وأمرهم بها ‪ ،‬فصار هو معبودهم في الحقيقة ‪ .‬كما قال تعالى‬
‫‪ 60 : 36 ' :‬ع ‪ " ' 62‬ألم أع هد إلي كم يا ب ني آدم أن ل تعبدوا الشيطان إ نه ل كم عدو مبين *‬
‫وأن اعبدوني هذا صراط م ستقيم * ول قد أضل من كم جبل كثيرا أفلم تكونوا تعقلون " وهذا يف يد‬
‫الحذر معن الغلو ووسعائل الشرك ‪ ،‬وإن كان القصعد بهعا حسعنا ‪ .‬فإن الشيطان أدخعل أولئك فعي‬
‫الشرك من باب الغلو في الصالحين والفراط في محبتهم ‪ ،‬كما قد وقع مثل ذلك في هذه المة ‪:‬‬
‫أظهر لهم الغلو والبدع في قالب تعظيم الصالحين ومحبتهم ‪ ،‬ليوقعهم فيما هو أعظم من ذلك ‪،‬‬
‫من عبادت هم ل هم من دون ال و في روا ية أن هم قالوا ‪ :‬ما ع ظم أول نا هؤلء إل و هم يرجون‬
‫شفاعتهعم عنعد ال أي يرجون شفاععة أولئك ال ‪U‬الحيعن الذيعن صعوروا تلك الصعنام على‬
‫صورهم وسموها بأسمائهم ‪ .‬ومن هنا يعلم أن اتخاذ الشفعاء ورجاء شفائهم بطلبها منهم ‪ :‬شرك‬
‫بال ‪ ،‬كما تقدم بيانه في اليات المحكمات ‪.‬‬

‫قال ابن القيم لما ماتوا عكفوا على قبورهم‬


‫قوله ‪ :‬وقال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬قال غير واحد من السلف ‪ :‬لما ماتوا عكفوا على قبورهم‬
‫‪ ،‬ثم صوروا تماثيلهم ‪ ،‬ثم طال عليهم المد فعبدوا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال ا بن القيم رحمه ال هو المام العل مة مح مد بن أبي بكر بن أيوب الزرعي‬
‫الدمش قي المعروف با بن ق يم الجوز ية ‪ .‬قال الحا فظ ال سخاوي ‪ :‬العل مة الح جة المتقدم في سعة‬
‫العلم ومعر فة الخلف وقوة الجنان ‪ ،‬المج مع عل يه ب ين الموا فق والمخالف ‪ ،‬صاحب الت صانيف‬
‫السائرة والمحاسن الجمة ‪ .‬مات سنة إحدى وخمسين وسبعمائة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال غ ير وا حد من ال سلف هو بمعنى ما ذكره البخاري وابن جر ير إل أنه ذ كر‬
‫عكوف هم على قبور هم ق بل ت صويرهم تماثيل هم ‪ .‬وذلك من و سائل الشرك بل هو الشرك ‪ ،‬لن‬
‫العكوف ل فعي المسعاجد عبادة ‪ .‬فإذا عكفوا على القبور صعار عكوفهعم تعظيما ومحبعة ‪ :‬عبادة‬
‫لها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ثم طال عليهم المد فعبدوهم أي طال عليهم الزمان ‪ .‬وسبب تلك العبادة والموصل‬
‫إليهعا هعو معا جرى معن الوليعن معن التعظيعم بالعكوف على قبورهعم ‪ ،‬ونصعب صعورهم فعي‬
‫مجال سهم ‪ ،‬ف صارت بذلك أوثانا تع بد من دون ال ‪ ،‬ك ما تر جم به الم صنف رح مه ال تعالى ‪.‬‬
‫فإنهعم تركوا بذلك ديعن السعلم الذي كان أولئك عليعه قبعل حدوث و سائل هذا الشرك ‪ ،‬وكفروا‬
‫بعبادة تلك الصور واتخذوهم شفعاء ‪ .‬وهذا أول شرك حدث في الرض ‪.‬‬
‫قال القرطعبي ‪ :‬وإنمعا صعور أوائلهعم الصعور ليتأسعوا بهعم ويتذكروا أفعالهعم الصعالحة ‪،‬‬
‫فيجتهدوا كاجتهاد هم ‪ ،‬ويعبدوا ال ع ند قبور هم ‪ .‬ثم خلف هم قوم جهلوا مراد هم ‪ ،‬فو سوس ل هم‬
‫الشيطان أسلفهم كانوا يعبدون هذه الصور ويعظمونها ا هع ‪.‬‬
‫قال ا بن الق يم رح مه ال ‪ :‬و ما زال الشيطان يو حي إلى عباد القبور ويل قى إلي هم أن البناء‬
‫والعكوف عليها من محبة أهل القبور من النبياء والصالحين ‪ ،‬وأن الدعاء عندها مستجاب ‪ ،‬ثم‬
‫ينقلها من هذه المرتبة إلى الدعاء بها ‪ ،‬والقسام على ال بها ‪ ،‬فإن شأن ال أعظم من أن يقسم‬
‫عليه أو يسأل بأحد من خلقه ‪.‬‬
‫فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى دعائه وعبادته ‪ ،‬وسؤاله الشفاعة من دون ال ‪ ،‬واتخاذ‬
‫قبره وثنا تعلق عليه القانديل والستور‪ ،‬ويطاف به ويستلم ويقبل ‪ ،‬ويحج إليه ويذبح عنده ‪ ،‬فإذا‬
‫تقرر ذلك عندهم نقلهم م نه إلى دعاء الناس إلى عباد ته ‪ ،‬واتخاذه عيدا ومنسكا ‪ ،‬ورأوا أن ذلك‬
‫أنفع لهم في دنياهم وأخراهم ‪ .‬وكل هذا مما قد علم بالضطرار من دين السلم أنه مضاد لما‬
‫بعث ال به رسوله صلى ال عليه وسلم من تجديد التوحيد ‪ ،‬وأن ل يعبد إل ال ‪.‬‬
‫فإذا تقرر ذلك عندهم نقلهم منه إلى أن من نهى عن ذلك فقد تنقص أهل هذه الرتب العالية‬
‫وحطهم عن منزلتهم ‪ ،‬وزعم أنه ل حرمة لهم ول قدر ‪ ،‬فغضب المشركون واشمأزت قلوبهم ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ " ' 45 : 39 ' :‬وإذا ذكر ال وحده اشمأزت قلوب الذين ل يؤمنون بالخرة وإذا‬
‫ذ كر الذ ين من دو نه إذا هم ي ستبشرون " و سرى ذلك في نفوس كث ير من الجهال والطغام ‪،‬‬
‫وكثير ممن ينتسب إلى العلم والدين ‪ ،‬حتى عادوا أهل التوحيد ورموهم بالعظائم ونفروا الناس‬
‫عن هم ‪ ،‬ووالوا أ هل الشرك وعظمو هم ‪ ،‬وزعموا أن هم أولياء ال وأن صار دي نه ور سوله‪ ،‬ويأ بي‬
‫ال ذلك ' ‪ " ' 34 : 8‬وما كانوا أولياءه إن أولياؤه إل المتقون " ‪ .‬اهع كلم ابن القيم رحمه ال‬
‫‪.‬‬
‫وفي القصة فوائد ذكرها المصنف رحمه ال ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬رد الشبه التي يسميها أهل الكلم عقليات ‪ ،‬ويدفعون بها ما جاء به الكتاب والسنة‬
‫من توحيد الصفات ‪ ،‬وإثباتها على ما يليق بجلل ال وعظمته وكبريائه ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬مضرة التقليد ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ضرورة المة إلى ما جاء به رسول ال صلى ال عليه وسلم علما وعملً بما يدل‬
‫عليه الكتاب والسنة فإن ضرورة العبد إلى ذلك فوق كل ضرورة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وعن عمر رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال " ل تطروني كما‬
‫أطرت النصارى ابن مريم ‪ .‬إنما أعبد عبد ‪ ،‬فقولوا عبد ال ورسوله " أخرجاه ‪.‬‬
‫قوله عن عمر هو ابن الخطاب بن نفيل ع بنون وفاء مصغرا ع العدوى أمير المؤمنين‬
‫وأف ضل ال صحابة ب عد ال صديق ر ضي ال عن هم ‪ .‬ولي الخل فة ع شر سنين ون صفا ‪ .‬فامتلت‬
‫الدنيعا عدلً ‪ ،‬وفتحعت فعي أيامعه ممالك كسعرى وقيصعر ‪ .‬واسعتهشد فعي ذي الحجعة سعنة ثلث‬
‫وعشرين رضي ال عنه ‪.‬‬

‫ل تطروني كما أطرت النصارى عيسى‬


‫قوله ‪ :‬ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم الطراء مجاوزة الحد في المدح والكذب‬
‫عليه ‪ .‬قاله أبو السعادات ‪ .‬وقال غيره ‪ :‬أي ل تمدحوني بالباطل ‪ ،‬ول تجاوزوا الحد في مدحي‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إن ما أ نا ع بد فقولوا ع بد ال ور سوله أي ل تمدحو ني فتغلوا في مد حي ك ما غلت‬
‫النصارى في عيسى عليه السلم فادعوا فيه اللهية ‪ .‬وإنما أنا عبد ال ورسوله ‪ ،‬فصفوني بذلك‬
‫كما وصفني ربي ‪ ،‬فقولوا عبد ال ورسوله ‪ ،‬فأبى المشركون إل مخالفة أمره وارتكاب نهيه ‪،‬‬
‫وعظموه بما نهاهم عنه وحذرهم منه ‪ ،‬وناقضوه أعظم مناقضة ‪ ،‬وضاهوا النصارى في غلوهم‬
‫وشرك هم ‪ ،‬ووقعوا في المحذور ‪ ،‬وجرى من هم من الغلو والشرك شعرا ونثرا ما يطول عده ‪،‬‬
‫وصنفوا فيه مصنفات ‪.‬‬
‫وقد ذكر شيخ السلم رحمه ال عن بعض أهل زمانه أنه جوز الستغاثة بالرسول صلى‬
‫ال عليه وسلم في كل ما يستغاث فيه بال ‪ ،‬وصنف في ذلك مصنفا رده شيخ السلم ‪ ،‬ورده‬
‫موجود بحمد ال ‪ .‬ويقول ‪ :‬إنه يعلم مفاتيح الغيب التي ل يعلهما إل ال ‪ .‬وذكر لهم أشياء من‬
‫هذا النمط ‪ .‬نعوذ بال من عمى البصيرة وقد اشتهر في نظم البوصيري قوله ‪:‬‬
‫سواك عند حدوث الحادث العمم‬ ‫يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به‬
‫و ما بعده من البيات ال تي مضمون ها إخلص الدعاء واللياذ والرجاء والعتماد في أض يق‬
‫الحالت ‪ ،‬وأعظم الضطرار لغير ال ‪ ،‬فناقضوا الرسول صلى ال عليه وسلم بارتكاب ما نهى‬
‫عنعه أعظعم مناقضعة ‪ ،‬وشاقوا ال وروسعوله أعظعم مشاقعة ‪ ،‬وذلك أن الشيطان أظهعر لهعم هذا‬
‫الشرك العظيعم فعي قالب محبعة النعبي صعلى ال عليعه وسعلم وتعظيمعه ‪ ،‬وأظهعر لهعم التوحيعد‬
‫والخلص الذي بعثه ال به في قالب تنقيصه ‪ ،‬وهؤلء المشركون هم المتنقصون الناقصون ‪،‬‬
‫أفرطوا في تعظيمه بها نهاهم عنه أشد النهي ‪ ،‬وفرطوا في متابعته ‪ ،‬فلم يعبأوا بأقواله وأفعاله ‪،‬‬
‫ول رضوا بحك مه ول سلموا له ‪ .‬وإن ما يح صل تعظ يم الر سول صلى ال عل يه و سلم بتعظ يم‬
‫أمره ونهيعه ‪ ،‬والهتداء بهديعه ‪ ،‬واتباع سعنته ‪ ،‬والدعوة إلى دينعه الذي دععا إليعه ونصعرته ‪،‬‬
‫وموالة من ع مل به ‪ ،‬ومعاداة من خال فه ‪ .‬فع كس أولئك المشركون ما أراد ال ور سوله علما‬
‫وعملً ‪ ،‬وارتكبوا ما نهى عنه ورسوله ‪ .‬فال المستعان ‪.‬‬

‫إياكم والغلو فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو‬


‫قوله ‪ :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم " إياكم والغلو ‪ .‬فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو‬
‫"‪.‬‬
‫هذا الحديث ذكره المصنف بدون ذكر راويه ‪ .‬وقد رواه المام أحمد والترمذي وابن ماجه‬
‫من حديث ابن عباس ‪.‬‬
‫وهذا ل فظ روا ية أح مد ‪ :‬عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم غداة جمع ‪ " :‬هلم ال قط لي ‪ .‬فلقطت له حصيات هن حصى الحذف ‪ .‬فما وضعهن‬
‫فعي يده قال ‪ :‬نععم بأمثال هؤلء فارموا ‪ .‬وإياكعم والغلو فعي الديعن ‪ ،‬فإنمعا هلك معن كان قبلكعم‬
‫بالغلو في الدين " ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ :‬هذا عام في جميع أنواع الغلو في العتقادات والعمال وسبب هذا اللفظ‬
‫العلم رمعي الجمار ‪ ،‬وهعو داخعل فيعه ‪ ،‬مثعل الرمعي بالحجارة الكبار ‪ ،‬بناء على أنعه أبلغ معن‬
‫الصغار ‪ .‬ثم علله بما يقتضي مجانبة هدى من كان قبلنا إبعادا عن الوقوع فيما هلكوا به ‪ ،‬فإن‬
‫المشارك لهم في بعض هديهم يخاف عليه من الهلك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولمسلم عن ابن مسعود أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ :‬هلك المتتطعون‬
‫قالها ثلثا ‪.‬‬
‫قال الخطا بي ‪ :‬المتن طع المتع مق في ال شئ ‪ ،‬المتكلف الب حث عن علي مذا هب أ هل الكلم‬
‫الداخلين فيما ل يعنيهم ‪ ،‬الخائضين فيما ل تبلغه عقولهم ‪.‬‬
‫و من التن طع ‪ :‬المتناع من المباح مطلقا ‪ ،‬كالذي يمت نع من أ كل الل حم والخ بز ‪ ،‬و من ل بس‬
‫الكتان والق طن ‪ ،‬ول يل بس إل ال صوف ‪ ،‬ويمت نع من نكاح الن ساء ‪ ،‬وي ظن أن هذا من الز هد‬
‫المستحب ‪ .‬قال الشيخ تقي الدين ‪ :‬فهذا جاهل ضال ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬قال الغزالي ‪ :‬والمتنطعون في البحث والستقصاء ‪.‬‬
‫وقال أبو السعادات ‪ :‬هم المتعمقون الغالون في الكلم ‪ ،‬المتكلمون بأقصى حلوقهم ‪ .‬مأخوذ‬
‫من النطع ‪ ،‬وهو الغار العلى من الفم ‪ ،‬ثم استعمل في كل متعمق قولً وفعلً ‪.‬‬
‫وقال النووي ‪ :‬ف يه كرا هة التق عر في الكلم بالتشدق وتكلف الف صاحة ‪ ،‬وا ستعمال وح شى‬
‫اللغة ودقائق العراب في مخاطبة العوام ونحوهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال ها ثلثا أي قال هذه الكل مة ثلث مرات ‪ ،‬مبال غة في التعل يم والبلغ ‪ ،‬ف قد بلغ‬
‫البلغ المبين ‪ .‬صلوات ال وسلمه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين ‪.‬‬
‫التغليظ على من عبد ال عند قبر صلح‬
‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء من التغليظ فيمن عبد ال عند قبر رجل صالح ‪ ،‬فكيف إذا عبده ؟ )‬
‫أي الر جل ال صالح ‪ ،‬فإن عباد ته هي الشرك ال كبر ‪ ،‬وعبادة ال عنده و سيلة إلى عباد ته ‪،‬‬
‫ووسائل الشرك محرمة ‪ .‬لنها تؤدي إلى الشرك الكبر وهو أعظم الذنوب ‪.‬‬

‫حديث أم سلمة في كنسية الحبشة‬


‫قوله ‪ :‬في الصحيح ‪ :‬عن عائشة رضي ال عنها أن أم سلمة ذكرت لرسول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم كني سة رأت ها بأرض الحب شة و ما في ها من ال صور ‪ .‬فقال ‪ " :‬أولئك إذا مات في هم‬
‫الرجعل الصعالح أو العبعد الصعالح ‪ ،‬بنوا على قعبره مسعجدا ‪ ،‬وصعوروا فيعه تلك الصعور أولئك‬
‫شرار الخلق عند ال " فهؤلء جمعوا بين الفتنتين ‪ :‬فتنة القبور وفتنة التماثيل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الصحيح أي الصحيحين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أن أم سلمة هي ه ند ب نت أ بي أم ية بن المغيرة بن ع بد ال بن ع مر بن مخزوم‬
‫القرشية المخزومية ‪ .‬تزوجها رسول ال صلى ال عليه وسلم بعد أبي سلمة سنة أربع ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫ثلث ‪ ،‬وكانت قد هاجرت مع أبي سلمة إلى الحبشة ماتت سنة اثنتين وستين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ذكرت لر سول ال و في ال صحيحين أن أم حبي بة وأم سلمة ذكر تا ذلك لر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم و الكنسية بفتح الكاف وكسر النون ‪ :‬معبد النصارى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أولئك بكسر الكاف خطاب للمرأة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إذا مات فيهم الرجل الصالح أو العبد الصالح هذا ع وال أعلم ع شك من بعض‬
‫رواة الحد يث ‪ :‬هل قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم هذا أو هذا ؟ فف يه التحري في الروا ية ‪.‬‬
‫وجواز الرواية بالمعنى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وصوروا فيه تلك الصور الشارة إلى ما ذكرت أم سلمة وأم حبيبة من التصاوير‬
‫التي في الكنسية ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أولئك شرار الخلق عنعد ال وهذا يقتضعى تحريعم بناء المسعاجد على القبور ‪ ،‬وقعد‬
‫لعن صلى ال عليه وسلم من فعل ذلك كما سيأتي ‪.‬‬
‫قال البيضاوي ‪ :‬لمعا كانعت اليهود والنصعارى يسعجدون لقبور النعبياء تعظيما لشأنهعم ‪،‬‬
‫ويجعلنها قبلة يتوجهون في الصلة نحوها واتخذوها أوثانا لعنهم النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال القرطعبي ‪ :‬وإنمعا صعور أوائلهعم الصعور ليتأسعوا بهعا ويتذكروا أعمالهعم الصعالحة ‪،‬‬
‫فيجتهدوا كاجتهادهعم ‪ ،‬ويعبدوا ال عنعد قبورهعم ‪ ،‬ثعم خلفهعم قوم جهلوا مرادهعم ووسعوس لهعم‬
‫الشيطان أن أ سلفهم كانوا يعبدون هذه ال صور ويعظمون ها ‪ .‬فحذر ال نبي صلى ال عل يه و سلم‬
‫عن مثل ذلك ‪ ،‬سدا للذريعة المؤدية إلى ذلك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فهؤلء جمعوا بين الفتنت ين ‪ :‬فت نة القبور وفت نة التماثيل هذا من كلم ش يخ ال سلم‬
‫ابن تيمية رحمه ال تعالى ‪ ،‬ذكره المصنف رحمه ال تنبيها على ما وقع من شدة الفتنة بالقبور‬
‫والتماثيل فإن فتنة بالقبور كالفتنة بالصنام أو أشد ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬وهذه العلة التي لجلها نهى الشارع صلى ال عليه وسلم عن‬
‫اتخاذ المساجد على القبور لنها هي التي أوقعت كثيرا من المم إما في الشرك الكبر أو فيما‬
‫دو نه من الشرك ‪ .‬فإن النفوس قد أشر كت بتماث يل ال صالحين ‪ ،‬وتماث يل يزعمون أن ها طل سم‬
‫الكواكب ونحو ذلك ‪ .‬فإن الشرك بقبر الرجل الذي يعتقد صلحه أقرب إلى النفوس من الشرك‬
‫بخش بة أو ح جر ‪ .‬ولهذا ت جد أ هل الشرك يتضرعون عند ها ‪ ،‬ويخشعون ويخضعون ‪ ،‬ويعبدون‬
‫بقلوبهعم عبادة ل يفعلونهعا فعي بيوت ال ول وقعت السعحر ‪ ،‬ومنهعم معن يسعجد لهعا ‪ ،‬وأكثرهعم‬
‫يرجون من بركة الصلة عندها والدعاء ما ل يرجونه في المساجد ‪ ،‬فلجل هذه المفسدة حسم‬
‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم مادت ها ‪ .‬ح تى ن هي عن ال صلة في الم قبرة مطلقا ‪ ،‬وإن لم يق صد‬
‫المصلى بركة البقعة بصلته ‪ ،‬كما يقصد بصلته بركة المساجد ‪ ،‬كما نهى عن الصلة وقت‬
‫طلوع الش مس وغروبها ‪ ،‬لن ها أوقات يق صد في ها المشركون الصلة للش مس ‪ ،‬فنهى أم ته عن‬
‫الصلة حينئذ وإن لم يقصد ما قصده المشركون ‪ ،‬سدا للذريعة ‪ .‬وأما إذا قصد الرجل الصلة‬
‫عنعد القبور متعبركا بالصعلة فعي تلك البقععة فهذا عيعن المحادة ل ولرسعوله ‪ ،‬والمخالفعة لدينعه‬
‫وابتداع ديعن لم يأذن بعه ال ‪ ،‬فإن المسعلمين قعد أجمعوا على معا علموه بالضطرار معن ديعن‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أن الصلة عند القبور منهى عنها ‪ ،‬وأنه صلى ال عليه وسلم‬
‫لعن من اتخذها مساجد ‪ ،‬فمن أعظم المحدثات وأسباب الشرك ‪ :‬الصلة عندها واتخاذها مساجد‬
‫‪ ،‬وبناء المساجد عليها ‪ .‬وقد تواترت النصوص عن النبي صلى ال عليه وسلم بالنهي عن ذلك‬
‫والتغل يظ ف يه ‪ .‬و قد صرح عا مة الطوائف بالن هي عن بناء الم ساجد علي ها متاب عة من هم لل سنة‬
‫الصحيحة الصريحة ‪ .‬وصرح أصحاب أحمد وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريم ذلك‬
‫‪ .‬وطائفة أطلقت الكراهة والذي ينبغي أن تحمل على كراهة التحريم ‪ ،‬إحسانا للظن بالعلماء ‪،‬‬
‫وأن ل يظعن ب هم أن يجوزوا ف عل ما تواتعر عن رسعول ال صعلى ال عل يه و سلم لععن فاعله‬
‫والنهي عنه ‪ .‬ا هع كلمه رحمه ال تعالى ‪.‬‬

‫حديث عائشة ‪ :‬لعن ال اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد‬


‫قوله ‪ :‬وله ما عن ها ع أي عن عائ شة ر ضي ال عن ها ع قالت ‪ " :‬ل ما نزل بر سول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم ط فق يطرح خمي صة له على وج هه ‪ ،‬فإذا اغ تم ب ها كشف ها فقال ع و هو‬
‫كذلك ع ‪ :‬لعن ال اليهود والنصارى ‪ ،‬اتخذوا قبور أ نبيائهم م ساجد ‪ ،‬يحذر ما صنعوا ‪ .‬ولول‬
‫ذلك أبرز قبره ‪ ،‬غير أنه خشى أن يتخذ مسجدا " أخرجاه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولهما أي البخاري ومسلم ‪ .‬وهو يغنى عن قوله في آخره أخرجاه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل ما نزل هو ب ضم النون وك سر الزاي ‪ .‬أي نزل به ملك الموت والملئ كة الكرام‬
‫عليهم السلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬طفق بكسر الفاء وفتحها ‪ ،‬والكسر أفصح ‪ .‬وبه جاء القرآن ‪ ،‬ومعناه جعل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬خميصة بفتح المعجمة والصاد المهملة ‪ .‬كساء له أعلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فإذا اغتم بها كشفها أي عن وجهه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل عن ال اليهود والن صارى اتخذوا قبور أ نبيائهم م ساجد يبين أن من ف عل م ثل ذلك‬
‫حل عليه من اللعنة ما حل على اليهود والنصارى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬يحذر ما صنعوا الظاهر أن هذا كلم عائشة رضي ال عنها لنها فهمت من قول‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ذلك تحذير أمته من هذا الصنيع الذي كانت تفعله اليهود والنصارى‬
‫في قبور أ نبيائهم ‪ ،‬فإ نه من الغلو في ال نبياء ‪ ،‬و من أع ظم الو سائل إلى الشرك ‪ .‬و من غر بة‬
‫السلم أن هذا الذي لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم فاعليه ع تحذيرا لمته أن يفعلوه معه‬
‫صلى ال عليه وسلم ومع الصالحين من أمته ع قد فعله الخلق الكثير من متأخري هذه المة ‪،‬‬
‫واعتقدوه قربة من القربات ‪ ،‬وهو من أعظم السيئات والمنكرات ‪ ،‬وما شعروا أن ذلك محادة ل‬
‫ورسوله ‪.‬‬
‫قال القرطبي في معنى الحد يث ‪ :‬وكل ذلك لق طع الذريعة المؤدية إلى عبادة من في ها ك ما‬
‫كان السبب في عبادة الصنام ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫إذ ل فرق بين عبادة ال قبر و من ف يه وعبادة ال صنم ‪ ،‬وتأمل قول ال تعالى عن نبيه يو سف‬
‫ابن يعقوب حيث قال ‪ " ' 28 : 12 ' :‬واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا‬
‫أن نشرك بال من شيء " نكرة في سياق النفي تعم كل شرك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولول ذلك أي ما كان يحذر من اتخاذ قبر النبي صلى ال عليه وسلم مسجدا لبرز‬
‫قبره وجعل مع قبور الصحابة الذين كانت قبورهم في البقيع ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬غ ير أ نه خ شي أن يت خذ م سجدا روى بف تح الخاء وضم ها ‪ ،‬فعلى الف تح يكون هو‬
‫الذي خ شي ذلك صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬وأمر هم أن يدفنوه في المكان الذي ق بض ف يه ‪ .‬وعلى‬
‫رواية الضم يحتمل أن يكون الصحابة هم الذين خافوا أن يقع ذلك من بعض المة ‪ ،‬فلم يبرزوا‬
‫قبره ‪ ،‬خشية أن يقع ذلك من بعض المة غلوا وتعظيما بما أبدى وأعاد من النهي والتحذير منه‬
‫ولعن فاعله ‪.‬‬
‫قال القر طبي ‪ :‬ولهذا بالغ الم سلمون في سد الذري عة في قبر ال نبي صلى ال عل يه و سلم‬
‫فأعلوا حيطان ترب ته و سدوا المدا خل إلي ها ‪ ،‬وجعلو ها محد قة ب قبره صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬ثم‬
‫خافوا أن يتخذ موضع قبره قبلة إذا كان مستقبل المصلين ‪ ،‬فتصور الصلة إليه بصورة العبادة‬
‫فبنوا جدار ين من رك ني ال قبر الشمالي ين وحرفوه ما ح تى التق يا على زاو ية مثل ثة من ناح ية‬
‫الشمال حتى ل يمكنوا أحد من استقبال قبره انتهى ‪.‬‬

‫حديث في النهي عن اتخاذ القبور مساجد‬


‫قوله ‪ :‬ولم سلم عن جندب بن ع بد ال قال ‪ :‬سمعت ال نبي صلى ال عل يه و سلم ق بل أن‬
‫يموت بخ مس ‪ ،‬و هو يقول ‪ " :‬إ ني أبرأ إلى ال أن يكون لي من كم خل يل ‪ .‬فإن ال قد اتخذ ني‬
‫خليلً ‪ ،‬كما اتخذ إبراهيم خليلً ولو كنت متخذا من أمتي خليلً لتخذت أبا بكر خليلً ‪ ،‬أل وإن‬
‫من كان قبل كم كانوا يتخذون قبور أ نبيائهم م ساجد ‪ ،‬أل فل تتخذوا القبور م ساجد ‪ ،‬فإ ني أنها كم‬
‫عن ذلك " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن جندب بن عبد ال أي ابن سفيان البجلي ‪ ،‬وينسب إلى جده ‪ ،‬صحابي مشهور‬
‫‪ .‬مات بعد الستين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أنعي أبرأ إلى ال أن يكون لي منكعم خليعل أي أمتنعع عمعا ل يجوز لي أن أفعله ‪.‬‬
‫والخلة فوق المحبة والخليل هو المحبوب غاية الحب ‪ ،‬مشتق من الخلة ع بفتح الخاء ع وهي‬
‫تخلل المودة في القلب ‪ ،‬كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫وبذا سمى الخليل خليلً‬ ‫قد تخللت مسلك الروح مني‬
‫هذا هو الصحيح في معناها كما ذكره شيخ السلم وابن القيم وابن كثير وغيرهم رحمهم‬
‫ال تعالى ‪.‬‬
‫قال القرطبي ‪ :‬وإنما كان ذلك لن قلبه صلى ال عليه وسلم قد امتل من محبة ال وتعظيمه‬
‫ومعرفته فل يسع خلة غيره ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فإن ال قد اتخذني خليلً فيه بيان أن الخلة فوق المحبة ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬وأما ما يظنه بعض الغالطين من أن المحبة أكمل من الخلة ‪ ،‬وأن‬
‫إبراه يم خليل ال ‪ ،‬ومحمد حبيب ال ع فمن جهلهم ‪ ،‬فإن المحبة عامة ‪ ،‬والخلة خاصة وهي‬
‫نها ية المح بة ‪ .‬و قد أ خبر ال نبي صلى ال عل يه و سلم أن ال قد اتخذه خليلً ون فى أن يكون له‬
‫خليل غير ربه ‪ ،‬مع إخباره بحبه لعائشة ولبيها ‪ ،‬ولعمر بن الخطاب ‪ ،‬ومعاذ بن جبل وغيرهم‬
‫ر ضي ال عن هم ‪ .‬وأيضا فإن ال ي حب التواب ين وي حب المتطهر ين وي حب ال صابرين ‪ ،‬وخل ته‬
‫خاصة بالخليلين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولو كنت متخذا خليلً ل تخذت أبا بكر خليلً فيه بيان أن الصديق أفضل الصحابة‬
‫‪ .‬وفيه الرد على الرافضة وعلى الجهمية وهما شر أهل البدع ‪ ،‬وأخرجهم بعض السلف من‬
‫الثنتين والسبعين فرقة ‪ .‬وبسبب الرافضة حدث الشرك وعبادة القبور ‪ ،‬وهم أول من بنى عليها‬
‫المساجد ‪ .‬قاله المصنف رحمه ال ‪ ،‬وهو كما قال بل ريب ‪.‬‬
‫وفيه إشارة إلى خلفة أبي بكر ‪ ،‬لن من كانت محبته لشخص أشد كان أولى به من غيره ‪.‬‬
‫وقد استخلفه على الصلة بالناس ‪ ،‬وغضب صلى ال عليه وسلم لما قيل يصلي بهم عمر وذلك‬
‫في مرضه الذي توفى فيه صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫واسم أبي بكر ‪ :‬عبد ال بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة‬
‫الصديق الكبر ‪ ،‬خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم وأفضل الصحابة بإجماع من يعتد بقوله‬
‫من أ هل العلم ‪ .‬مات في جمادى الولى سنة ثلث عشرة ‪ ،‬وله ثلث و ستون سنة ر ضي ال‬
‫عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أل حرف ا ستفتاح أل وإن من كان قبل كم كانوا يتخذون قبور أ نبيائهم م ساجد ‪...‬‬
‫الحديث قال الخلخالي ‪ :‬وإنكار النبي صلى ال عليه وسلم صنيعهم هذا مخرج على وجهين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنهم يسجدون لقبور النبياء تعظيما ‪.‬‬
‫الثا ني ‪ :‬أن هم يجوزون ال صلة في مدا فن ال نبياء والتو جه إلي ها حالة ال صلة ‪ ،‬نظرا من هم‬
‫بذلك إلى عبادة ال والمبالغة في تعظيم النبياء ‪ .‬والول ‪ :‬هو الشرك الجلي ‪ .‬والثاني ‪ :‬الخلفي‬
‫‪ ،‬فلذلك استحقوا اللعن ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقد نهى عنه في آخر حياته أي كما في حديث جندب ‪ .‬وهذا من كلم شيخ السلم‬
‫‪ .‬وكذا ما بعده ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ثم إنه لعن ‪ ،‬وهو في السياق من فعله كما في حديث عائشة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فكيف يسوع بعد هذا التغليظ من سيد المرسلين أن تعظم القبور ويبنى عليها ويصلى‬
‫عندها وإليها ؟ هذا أعظم مشاقة ومحادة ل تعالى ولرسوله لو كانوا يعقلون ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬الصلة عندها من ذلك ‪ ،‬وإن لم يبن مسجد أي من اتخاذها مساجد الملعون فاعله ‪.‬‬
‫وهذا يقتضي تحريم الصلة عند القبور وإليها ‪.‬‬
‫وعن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه مرفوعا " الرض كلها مسجد إل المقبرة والحمام "‬
‫رواه أحمد وأهل السنن وصححه ابن حبان والحاكم ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬وبالجملة فمن له معرفة بالشرك وأسبابه وذرائعه وفهم عن رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم مقاصده ‪ ،‬جزم جزما ل يحتمل النقيض أن هذه المبالغة واللعن والنهي‬
‫ب صيغته ع صيغة ل تفعلوا و صيغة أ ني أنها كم عن ذلك ع ل يس ل جل النجا سة ‪ ،‬بل هو‬
‫لجل نجاسة الشرك اللحقة لمن عصاه ‪ ،‬وارتكب ما عنه نهاه ‪ ،‬واتبع هواه ‪ ،‬ولم يخش ربه‬
‫وموله ‪ ،‬وقل نصيبه أو عدم من ل إله إل ال فإن هذا وأمثاله من النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫صيانة لح مى التوح يد أن يلح قه الشرك ويغشاه ‪ ،‬وتجر يد له وغ ضب لر به أن يعدل به سواه ‪،‬‬
‫فأبعى المشركون إل معصعية لمره وارتكابا لنهيعه ‪ ،‬وغرهعم الشيطان بأن هذا تعظيعم لقبور‬
‫المشا يخ وال صالحين ‪ ،‬وكل ما كن تم ل ها أ شد تعظيما وأ شد في هم غلوا كن تم بقرب هم أ سعد ‪ ،‬و من‬
‫أعدائهعم أبععد ‪ ،‬ولعمعر ال ‪ ،‬معن هذا الباب دخعل الشيطان على عباد يعوق ويغوث ونسعرا ‪،‬‬
‫ود خل على عباد ال صنام م نذ كانوا إلى يوم القيا مة ‪ ،‬فج مع المشركون ب ين الغلو في هم والط عن‬
‫في طريقتهم ‪ ،‬فهدى ال أهل التوحيد لسلوك طريقتهم وإنزالهم منازلهم التي أنزلهم ال إياها من‬
‫العبودية وسلب خصائص اللهية عنهم ‪.‬‬
‫قال الشارح رحمعه ال تعالى ‪ :‬وممعن علل بخوف الفتنعة بالشرك ‪ :‬المام الشافععي ‪ ،‬وأبعو‬
‫ب كر الثرم ‪ ،‬وأ بو مح مد المقد سي ‪ .‬وش يخ ال سلم وغير هم رحم هم ال ‪ .‬و هو ال حق الذي ل‬
‫ريب فيه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فإن ال صحابة لم يكونوا ليبنوا حول قبره م سجدا أي ل ما علموا من تشديده في ذلك‬
‫وتغليظه النهي عنه ‪ ،‬ولعن من فعله‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وكل موضع قصدت الصلة فيه فقد اتخذ مسجدا أي وإن لم يبن مسجد ‪ ،‬بل كل‬
‫موضعع يصعلى فيعه يسعمى مسعجدا ‪ ،‬يعنعي وإن لم يقصعد بذلك ‪ ،‬كمعا إذا عرض لمعن أراد أن‬
‫يصلي فأوقع الصلة في ذلك الموضع الذي حانت الصلة عنده من غير أن يقصد ذلك الموضع‬
‫بخصوصه ‪ ،‬فصار بفعل الصلة فيه مسجدا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كمعا قال صعلى ال عليعه وسعلم " جعلت لي الرض مسعجدا وطهورا " أي فسعمى‬
‫الرض م سجدا ‪ ،‬تجوز ال صلة في كل بق عة من ها إل ما ا ستثنى من الموا ضع ال تي ل تجوز‬
‫الصلة فيها ‪ ،‬كالمقبرة ونحوها ‪.‬‬
‫قال البغوي في شرح السنة ‪ :‬أراد أن أهل الكتاب لم تبح لهم الصلة إل في بيعهم وكنائسهم‬
‫‪ ،‬فأباح ال لهذه المة الصلة حيث كانوا ‪ ،‬تخفيفا عليهم وتيسيرا ‪ ،‬ثم خص من جميع المواضع‬
‫‪ :‬الحمام والمقبرة والمكان النجس ‪ .‬انتهى ‪.‬‬

‫حديث ابن مسعود ‪ :‬إن من شرار الناس الذين يتخذون القبور مساجد‬
‫قوله ‪ :‬ولحمد بسند جيد عن ابن مسعود مرفوعا " إن من شرار الناس من تدركهم الساعة‬
‫وهم أحياء ‪ ،‬والذين يتخذون القبور مساجد " ورواه أبو حاتم ابن حبان في صحيحه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إن من شرار الناس بكسر الشين جمع شرير ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من تدرك هم ال ساعة و هم أحياء أي مقدمت ها ‪ ،‬كخروج الدا بة ‪ ،‬وطلوع الش مس في‬
‫مغربها ‪ .‬وبعد ذلك ينفخ في الصور نفخة الفزع ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬والذيعن يتخذون القبور مسعاجد معطوف على خعبر إن فعي محعل نصعب على نيعة‬
‫تكرار العامعل ‪ ،‬أي وإن معن شرار الناس الذيعن يتخذون القبور مسعاجد أي بالصعلة عندهعا‬
‫وإليهعا ‪ ،‬وبناء المسعاجد عليهعا ‪ ،‬وتقدم فعي الحاديعث الصعحيحة أن هذا معن عمعل اليهود‬
‫والن صارى وأن ال نبي صلى ال عل يه و سلم لعن هم على ذلك ‪ ،‬تحذيرا لل مة أن يفعلوا مع نبيهم‬
‫وصالحيهم مثل اليهود والنصارى ‪ .‬فما رفع أكثرهم بذلك رأسا ‪ ،‬بل اعتقدوا أن هذا المر قربة‬
‫ل تعالى ‪ ،‬و هو م ما يبعد هم عن ال ويطرد هم عن رحم ته ومغفر ته ‪ .‬والع جب أن أك ثر من‬
‫يدعى العلم ممن هو من هذه المة ل ينكرون ذلك ‪ ،‬بل ربما استحسنوه ورغبوا في فعله ‪ ،‬فلقد‬
‫اشتدت غربة السلم وعاد المعروف منكرا والمنكر معروفا ‪ ،‬والسنة بدعة والبدعة سنة ‪ ،‬تنشأ‬
‫على هذا الصغير وهرم عليه الكبير ‪.‬‬
‫قال شيعخ السعلم ‪ :‬أمعا بناء المسعاجد على القبور فقعد صعرح عام الطوائف بالنهعي عنعه ‪،‬‬
‫متابعة للحاديث الصحيحة ‪ .‬وصرح أصحابنا وغيرهم من أصحاب مالك والشافعي بتحريمه ‪،‬‬
‫ثم ذ كر الحاد يث في ذلك إلى أن قال وهذه الم ساجد المبن ية على قبور ال نبياء وال صالحين ‪،‬‬
‫أو الملوك وغيرهعم تتعيعن إزالتهعا بهدم أو غيره ‪ .‬هذا ممعا ل أعلم فيعه خلفا بيعن العلماء‬
‫المعرفين ‪.‬‬
‫وقال ابعن القيعم رحمعه ال ‪ :‬يجعب هدم القباب التعي بنيعت على القبور ‪ ،‬لنهعا أسعست على‬
‫معصية الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد أفتى جماعة من الشافعية بهدم ما في القرافة من‬
‫البنية ‪ ،‬منهم ابن الجميزي والظهير التزميني وغيرهما ‪.‬‬
‫وقال القاضي ابن كج ‪ :‬ول يجوز أن تجصص القبور ‪ ،‬ول أن يبنى عليها قباب ‪ ،‬ول غير‬
‫قباب ‪ ،‬والوصية بها باطلة ‪.‬‬
‫وقال الذرعي ‪ :‬وأما بطلن الوصية ببناء القباب وغيرها من البنية وانفاق الموال الكثيرة‬
‫‪ ،‬فل ريب في تحريمه ‪.‬‬
‫وقال القرطعبي فعي حديعث جابر رضعي ال عنعه نهعى أن يجصعص القعبر أو يينعى عليعه‬
‫وبظاهعر هذا الحديعث قال مالك ‪ ،‬وكره البناء والجعص على القبور ‪ .‬وقعد أجازه غيره ‪ ،‬وهذا‬
‫الحديث حجة عليه ‪.‬‬
‫وقال ا بن ر شد ‪ :‬كره مالك البناء على ال قبر وج عل البل طة المكتو بة ‪ ،‬و هو من بدع أ هل‬
‫الطول ‪ ،‬أحدثوه إرادة الفخر والمباهاة والسمعة ‪ ،‬وهو مما ل اختلف عليه ‪.‬‬
‫وقال الزيل غي في شرح الك نز ‪ :‬ويكره أن يب ني على ال قبر ‪ .‬وذ كر قا ضي خان ‪ :‬أ نه ل‬
‫يجصعص القعبر ول يبنعي عليعه ‪ .‬لمعا روى ععن النعبي صعلى ال عليعه وسعلم أنعه نهعى ععن‬
‫التجصيص وللبناء فوق القبر ‪ .‬والمراد بالكراهة ع عند الحنفية رحمهم ال ع كراهة التحريم ‪.‬‬
‫وقد ذكر ذلك ابن نجيم في شرح الكنز ‪.‬‬
‫وقال الشاف عي رح مه ال ‪ :‬أكره أن يع ظم مخلوق ‪ ،‬ح تى يج عل قبره م سجدا مخا فة الفت نة‬
‫عليعه وعلى معن بعده معن الناس ‪ .‬وكلم الشافععي رحمعه ال يعبين أن مرده بالكراهعة كراهعة‬
‫التحريم ‪.‬‬
‫قال الشارح رحمعه ال تعالى ‪ :‬وجزم النووي رحمعه ال فعي شرح المهذب بتحريعم البناء‬
‫مطلقا ‪ ،‬وذكر في شرح مسلم نحوه أيضا‪.‬‬
‫وقال أبعو محمعد عبعد ال بعن أحمعد بعن قدامعة إمام الحنابلة صعاحب المصعنفات الكبار‬
‫كالمغنعى ‪ ،‬والكافعى وغيرهمعا رحمعه ال تعالى ‪ :‬ول يجوز اتخاذ المسعاجد على القبور ‪ .‬لن‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬لعن ال اليهود والنصارى ‪ " ...‬الحديث وقد روينا أن ابتداء‬
‫عبادة الصنام ‪ :‬تعظيم الموات واتخاذ صورهم ‪ ،‬والتمسح بها والصلة عندها ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم ا بن تيم ية رح مه ال ‪ :‬وأ ما الم قبرة فل فرق في ها ب ين الجديدة والعتق ية ‪،‬‬
‫انقلبت تربتها أو لم تنقلب ‪ .‬ول فرق بين أن يكون بينه وبين الرض حائل أو ل ‪ ،‬لعموم السم‬
‫وعموم العلة ‪ ،‬ولن النبي صلى ال عليه وسلم لعن الذين اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‪ ،‬ومعلوم‬
‫أن قبور النبياء ل تنجس ‪.‬‬
‫وبالجملة فمن علل النهي عن الصلة في المقبرة بنجاسة التربة خاصة فهو بعيد عن مقصود‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ثم ل يخلو أن يكون القبر قد بنى عليه مسجد ‪ ،‬فل يصلي في هذا‬
‫المكان سواء صلى خلف ال قبر أو أما مه بغ ير خلف في المذ هب ‪ :‬لن ال نبي صلى ال عل يه‬
‫وسعلم قال " إن معن كان قبلكعم كانوا يتخذون قبور أنعبيائهم وصعالحيهم مسعاجد ‪ ،‬أل فل تتخذوا‬
‫القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " وخص قبور النبياء لن عكوف الناس على قبورهم أعظم‬
‫‪ ،‬واتخاذها مساجد أشد ‪ ،‬وكذلك إن لم يكن عليه بنى مسجد ‪ ،‬فهذا قد ارتكب حقيقة المفسدة التي‬
‫كان النهي عن الصلة عند القبور من أجلها ‪ ،‬فإن كل مكان صلى فيه يسمى مسجدا‪ ،‬كما قال‬
‫صلى ال عليه وسلم " جعلت لي الرض مسجدا وطهورا " وإن كان موضع قبر أو قبرين ‪.‬‬
‫وقال ب عض أ صحابنا ‪ :‬ل يم نع ال صلة في ها ل نه ل يتناول ها ا سم الم قبرة ‪ ،‬ول يس في كلم‬
‫أحمد ول بعض أصحابه هذا الفرق ‪ ،‬بل عموم كلمهم يقتضى منع الصلة عند كل قبر ‪.‬‬
‫وقد تقدم عن علي رضي ال عنه أنه قال ‪ :‬ل أصلي في حمام ول عند قبر ‪.‬‬
‫فعلى هذا ينب غي أن يكون الن هي متناولً لحر يم ال قبر وفنائه ‪ ،‬ول تجوز ال صلة في م سجد‬
‫بني في مقبرة ‪ ،‬سواء كان له حيطان تحجز بينه وبين القبور أو كان مكشوفا ‪.‬‬
‫قال في روا ية الثرم ‪ :‬إذا كان الم سجد ب ين القبور ل ي صلى ف يه الفري ضة ‪ ،‬وإن كان بين ها‬
‫وب ين الم سجد حا جز فر خص أن ي صلي ف يه على الجنائز ول ي صلى ف يه على غ ير الجنائز ‪.‬‬
‫وذ كر حد يث أ بي مر ثد عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم ‪ :‬ل ت صلوا على القبور وقال‪ :‬إ سناده‬
‫جيد ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫ولو تتبعنا كلم العلماء في ذلك ل حتمل عدة أوراق ‪ .‬فتبين بهذا أن العلماء رحمهم ال بينوا‬
‫أن علة الن هي ما يؤدي إل يه ذلك ‪ :‬من الغلو في ها وعبادت ها من دون ال ك ما هو الوا قع وال‬
‫المستعان ‪.‬‬
‫و قد حدث ب عد الئ مة الذ ين يع تد بقول هم أناس ك ثر في أبواب العلم بال اضطراب هم ‪ ،‬وغلظ‬
‫عن معرفة ما بعث ال به رسوله من الهدى والعلم حجابهم فقيدوا نصوص الكتاب والسنة بقيود‬
‫أوهنت النقياد وغيروا بها ما قصده الرسول صلى ال عليه وسلم بالنهي وأراد ‪ .‬فقال لتنجسها‬
‫بصديد الموتى ‪ ،‬وهذا كله باطل من وجوه ‪ :‬منها ‪ :‬أنه من القول على ال بل علم ‪ .‬وهو حرام‬
‫بنص الكتاب ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن ما قالوه ل يقتضى لعن فاعله والتغليظ عليه ‪ ،‬وما المانع له أن يقول ‪ :‬صلى في‬
‫بق عة نج سة فعل يه لع نة ال ‪ .‬ويلزم على ما قاله هؤلء أن ال نبي صلى ال عل يه و سلم لم يبين‬
‫العلة ‪ ،‬وأحال المة في بيانها على من يجيء بعده صلى ال عليه وسلم وبعد القرون المفضلة‬
‫والئ مة ‪ ،‬وهذا با طل قطعا وعقلً وشرعا ‪ ،‬ل يلزم عل يه من أن الر سول صلى ال عل يه و سلم‬
‫عجز عن البيان أو قصر في البلغ ‪ ،‬وهذا من أبطل الباطل ‪ .‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫بلغ البلغ المبين ‪ ،‬وقدرته في البيان فوق قدرة كل أحد ‪ ،‬فإذا بطل اللزم بطل الملزوم ‪.‬‬
‫ويقال أيضا ‪ :‬هذا اللعن والتغليظ الشديد إنما هو فيمن اتخذ قبور النبياء مساجد ‪ ،‬وجاء في‬
‫ب عض الن صوص ما ي عم ال نبياء وغير هم ‪ ،‬فلو كا نت هذه هي العلة لكا نت منتف ية في قبور‬
‫ال نبياء ‪ ،‬لكون أج سادهم طر ية ل يكون ل ها صديد يم نع من ال صلة ع ند قبور هم ‪ ،‬فإذا كان‬
‫النهي عن اتخاذ المساجد عند القبور يتناول قبور النبياء بالنص ‪ ،‬علم أن العلة ما ذكره هؤلء‬
‫العلماء الذ ين قد نقلت أقوال هم ‪ ،‬والح مد ل على ظهور الح جة وبيان المح جة ‪ .‬والح مد ل الذي‬
‫هدانا لهذا ‪ ،‬وما كنا لنهتدي لول أن هدانا ال ‪.‬‬

‫الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا إلخ‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء أن الغلو في قبور الصالحين يصيرها أوثانا تعبد من دون ال )‬

‫اللهم ل تجعل قبري وثنا يعبد‬


‫روى مالك في الموطأ أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬اللهم ل تجعل قبرى وثنا‬
‫يعبد ‪ ،‬اشتد غضب ال على قوم اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " ‪.‬‬
‫هذا الحديث رواه مالك مرسلً عن زيد بن أسلم ‪ ،‬عن عطاء بن يسار ‪ :‬أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ ...‬الحديث ‪ .‬ورواه ابن أبي شيبة في مصنفه عن ابن عجلن عن زيد بن‬
‫أسلم به ‪ ،‬ولم يذكر عطاء ‪ ،‬ورواه البزار عن زيد عن عطاء عن أبي سعيد الخدري مرفوعا ‪.‬‬
‫وله شاهد عند المام أحمد بسنده عن سهيل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة رفعه ‪:‬‬
‫اللهم ل تجعل قبري وثنا ‪ ،‬لعن ال قوما اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬روى مالك في المو طأ هو المام مالك بن أ نس بن مالك بن أبي عا مر بن عمرو‬
‫الصبحي ‪ ،‬أبو عبدال المدني ‪ .‬إمام دار الهجرة وأحد الئمة الربعة وأحد المتقنين للحديث ‪،‬‬
‫حتى قال البخاري ‪ :‬أصح السانيد مالك عن نافع عن ابن عمر ‪ ،‬مات سنة تسع وسبعين ومائة‬
‫‪ .‬وكان مولده سنة ثلث وتسعين ‪ .‬وقيل أربع وتسعين ‪ .‬وقال الواقدي ‪ :‬بلغ تسعين سنة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬الل هم ل تج عل قبرى وثنا يع يد قد ا ستجاب ال دعاءه ك ما قال ا بن الق يم رح مه ال‬
‫تعالى ‪:‬‬
‫وأحاطه بثلثة الجداران‬ ‫فأجاب رب العالمين دعاءه‬
‫في عزة وحماية وصيان‬ ‫حتى غدت أرجاؤه بدعائه‬
‫ودل الحديث على أن قبر النبي صلى ال عليه وسلم لو عبد لكان وثنا ‪ ،‬لكن حماه ال تعالى‬
‫بما حال بينه وبين الناس فل يوصل إليه ‪ .‬ودل الحديث على أن الوثن هو ما يباشره العابد من‬
‫القبور والتوابيت التي عليها ‪ .‬وقد عظمت الفتنة بالقبور لتعظيمها وعبادتها ‪ ،‬كما قال عبد ال‬
‫بن مسعود رضي ال عنه كيف أنتم إذا مستكم فتنة يهرم فيها الكبير ‪ ،‬وينشأ فيها الصغير ‪.‬‬
‫تجرى على الناس يتخذونها سنة ‪ ،‬إذا غيرت قيل ‪ :‬غيرت السنة انتهى ‪.‬‬
‫ولخوف الفتنة نهى عن عمر تتبع آثار النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال ابن وضاح ‪ :‬سمعت عيسى بن يونس يقول ‪ :‬أمر عمر بن الخطاب ع رضي ال عنه‬
‫بقطعع الشجرة التعي بويعع تحتهعا النعبي صعلى ال عليعه وسعلم فقطعهعا لن الناس كانوا يذهبون‬
‫فيصلون تحتها ‪ ،‬فخاف عليهم الفتنة ‪.‬‬
‫وقال المعرور بن سويد ‪ :‬صليت مع عمر بن الخطاب بطريق مكة صلة الصبح ‪ .‬ثم رأى‬
‫الناس يذهبون مذاهب ‪ ،‬فقال ‪ :‬أين يذهب هؤلء ؟ فقيل ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬مسجد صلى فيه‬
‫ال نبي صلى ال عليه و سلم ف هم ي صلون ف يه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن ما هلك من كان قبل كم بم ثل هذا ‪ ،‬كانوا‬
‫يتتبعون آثار أ نبيائهم ويتخذون ها كنائس وبيعا ‪ ،‬ف من أدرك ته ال صلة في هذه الم ساجد فلي صل ‪.‬‬
‫ومن ل فليمض ول يتعمدها ‪.‬‬
‫وجد المسلمين دانيال في تستر لما فتحوها‬
‫وفي مغازي ابن إسحاق من زيادات يونس بن بكير عن أبي خلدة خالد بن دينار ‪ .‬حدثنا أبو‬
‫العالية قال ‪ :‬لما فتحنا تستر وجدنا في بيت مال الهرمزان سريرا عليه رجل ميت ‪ ،‬عند رأسه‬
‫م صحف ‪ .‬فأخذ نا الم صحف فحملناه إلى عمر ‪ ،‬فد عا له كعبا فن سخه بالعربية ‪ ،‬فأ نا أول ر جل‬
‫قرأه من العرب ‪ ،‬قرأته مثل ما أقرأ القرآن ‪ .‬فقلت لبي العالية ‪ :‬ما كان فيه ؟‪ .‬قال ‪ :‬سيرتكم‬
‫وأموركعم ولحون كلمكعم ومعا هعو كائن بععد ‪ .‬قلت ‪ :‬فماذا صعنعتم بالرجعل ؟ قال ‪ :‬حفرنعا له‬
‫بالنهار ثلثة عشرة قبرا متفرقة ‪ .‬فلما كان الل يل دفناه وسوينا القبور كلها لنعميه عن الناس ل‬
‫ينبشونعه ‪ .‬قلت ‪ :‬ومعا يرجون منعه ؟ قال ‪ :‬كانعت السعماء إذا حبسعت عنهعم برزوا بسعريره‬
‫فيمطرون ‪ .‬فقلت ‪ :‬معن كنتعم تظنون الرجعل ؟ قال ‪ :‬رجعل يقال له دانيال ‪ .‬فقلت ‪ :‬منعذ كعم‬
‫وجدتموه مات ؟ قال ‪ :‬منذ ثلثمائة سنة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ما كان تغ ير م نه شئ ؟ قال ‪ :‬ل ‪ ،‬إل شعيرات من قفاه ‪ ،‬إن لحوم ال نبياء ل تبلي ها‬
‫الرض ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬ففي هذه القصة ما فعله المهاجرون والنصار رضي ال عنهم من‬
‫تعمية قبره لئل يفتتن به ‪ ،‬ولم يبرزوه للدعاء عنده والتبرك به ‪ ،‬ولو ظفر به المتأخرون لجالدوا‬
‫عليه بالسيف ولعبدوه من دون ال ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬وهو إنكار منهم لذلك ‪ ،‬فمن قصد بقعة يرجو الخير بقصدها‬
‫ع ولم يستحب الشارع قصدها ع فهو من المنكرات ‪ ،‬وبعضه أشد من بعض ‪ ،‬سواء قصدها‬
‫لي صلي عند ها أو ليد عو عند ها ‪ ،‬أو ليقرأ عند ها أو ليذ كر ال عند ها ‪ ،‬أو لين سك عند ها بح يث‬
‫ي خص تلك البق عة بنوع من العبادة ال تى لم يشرع تخ صيصها به ل نوعا ول عينا ‪ ،‬إل أن ذلك‬
‫قد يجوز بحكم التفاق ل لقصد الدعاء فيها ‪ ،‬كمن يزورها ويسلم عليها ‪ ،‬ويسأل ال العافية له‬
‫وللموتعى ‪ ،‬كمعا جاءت بعه السعنة ‪ .‬وأمعا تحرى الدعاء عندهعا بحيعث يسعتشعر أن الدعاء هناك‬
‫أجوب منه فى غيره ‪ ،‬فهذا هو المنهى عنه ‪ .‬انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬اشتعد غضعب ال على قوم اتخذوا قبور أنعبيائهم فيعه تحريعم البناء على القبور ‪،‬‬
‫وتحريم الصلة عندها ‪ ،‬وأن ذلك من الكبائر ‪.‬‬
‫وفى القرى للطبرى من أصحاب مالك عن مالك أنه كره أن يقول ‪ :‬زرت قبر النبي صلى‬
‫ال عليعه وسعلم ‪ ،‬وعلل ذلك بقوله صعلى ال عليعه وسعلم ‪ " :‬اللهعم ل تجععل قعبري وثنا يعبعد "‬
‫الحديث ‪ .‬كره إضافة هذا اللفظ إلى القبر ‪ ،‬لئل يقع التشبه بفعل أولئك ‪ ،‬سدا للذريعة ‪.‬‬
‫قال شيعخ السعلم رحمعه ال تعالى ‪ :‬ومالك قعد أدرك التابعيعن ‪ ،‬وهعم أعلم الناس بهذه‬
‫المسألة ‪ ،‬فدل ذلك على أنه لم يكن معروفا عندهم ألفاظ زيارة قبر النبي صلى ال عليه وسلم ع‬
‫إلى أن قال ع و قد ذكروا أ سباب كراه ته لن يقول ‪ :‬زرت قبر ال نبي صلى ال عل يه و سلم‬
‫لن هذا الل فظ قد صار كث ير من الناس ير يد به الزيارة البدع ية ‪ ،‬و هو ق صد الم يت ل سؤاله‬
‫ودعائه ‪ ،‬والرغ بة إل يه في قضاء الحوائج ‪ ،‬ون حو ذلك م ما يفعله كث ير من الناس ‪ ،‬ف هم يعنون‬
‫بلفظ الزيارة مثل هذا ‪ .‬وهذا ليس بمشروع باتفاق الئمة ‪ .‬وكره مالك أن يتكلم بلفظ مجمل يدل‬
‫على معنى فاسد ‪ ،‬بخلف الصلة والسلم عليه ‪ ،‬فإن ذلك مما أمر ال به ‪ .‬أما لفظ الزيارة في‬
‫عموم القبور فل يفهم منها مثل هذا المع نى ‪ .‬أل ترى إلى قوله ‪ :‬فزوروا القبور فإنها تذكركم‬
‫الخرة معع زيارتعه لقعبر أمعه ‪ .‬فإن هذا يتناول قبور الكفار ‪ .‬فل يفهعم معن ذلك زيارة الميعت‬
‫لدعائه و سؤاله وال ستغاثة به ‪ ،‬ون حو ذلك م ما يفعله أ هل الشرك والبدع ‪ ،‬بخلف ما إذا كان‬
‫المزور معظما في الدين كالنبياء والصالحين ‪ ،‬فإنه كثيرا ما يعني بزيارة قبورهم هذه الزيارة‬
‫البدعية الشركية‪ ،‬فلهذا كره مالك ذلك في مثل هذا ‪ ،‬وإن لم يكره ذلك في موضع آخر ليس فيه‬
‫هذه المفسدة ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم لم يستعذ إل مما يخاف وقوعه ‪ .‬ذكره المصنف رحمه‬
‫ال تعالى ‪.‬‬

‫اللت والعزى‬
‫قوله ‪ :‬ول بن جرير بسنده عن سفيان عن منصور عن مجاهد " أفرأيتم اللت والعزى "‬
‫قال ‪ :‬كان يلت لهم السويق ‪ ،‬فمات فعكفوا على قبره ‪ ،‬كذا قال أبو الجوزاء عن ابن عباس قال‬
‫‪ :‬كان يلت السويق للحاج ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولبن جرير هو المام الحافظ محمد بن جرير بن يزيد الطبري ‪ ،‬صاحب التفسير‬
‫والتار يخ والحكام وغير ها ‪ .‬قال ا بن خزي مة ‪ :‬ل أعلم على الرض أعلم من مح مد بن جر ير‬
‫وكان من المجتهدين ل يقلد أحدا ‪ .‬وله أصحاب يتفقهون على مذهبه ويأخذون بأقواله ‪ .‬ولد سنة‬
‫أربع وعشرين ومائتين ‪ ،‬ومات ليومين بقيا من شوال سنة عشر وثلثمائة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن سفيان الظاهر ‪ :‬أنه سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري أبو عبد ال الكوفي‬
‫ثقة حافظ فقيه إمام عابد كان مجتهدا ‪ ،‬وله أتباع يتفقهون على مذهبه ‪ .‬مات سنة إحدى وستين‬
‫ومائة ‪ ،‬وله أربع وستون سنة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن منصور هو ابن المعتمر بن عبد ال السلمي ثقة ثبت فقيه ‪ .‬مات سنة اثنتين‬
‫وثلثين ومائة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن مجاهد هو ابن جبر ع بالجيم الواحدة ع أبو الحجاج المخزومي مولهم المكي‬
‫‪ ،‬ث قة إمام في التف سير ‪ ،‬أ خذ عن ابن عباس وغيره رضي ال عنهم ‪ .‬مات سنة أر بع ومائة ‪،‬‬
‫قاله يحيعى القطان ‪ ،‬وقال ابعن حبان ‪ :‬مات سعنة اثنتيعن أو ثلث ومائة وهعو سعاجد ‪ ،‬ولد سعنة‬
‫إحدى وعشرين في خلفة عمر رضي ال عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كان يلت السويق لهم فمات فعكفوا على قبره في رواية ‪ :‬فيطعم من يمر من الناس‬
‫‪ .‬فلما مات عبدوه ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬هو اللت رواه سعيد بن منصور ‪.‬‬
‫ومناسعبته للترجمعة ‪ :‬أنهعم غلوا فيعه لصعلحه حتعى عبدوه وصعار قعبره وثنا معن أوثان‬
‫المشركين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وكذا قال أبو الجوزاء هو أوس بن عبد ال الربعي ‪ ،‬فتح الراء والباء ‪ ،‬مات سنة‬
‫ثلث وثمانين ‪.‬‬
‫قال البخاري ‪ :‬حدثنا مسلم وهو ابن إبراهيم ‪ .‬حدثنا أبو الشهب حدثنا أبو الجوزاء عن ابن‬
‫عباس قال ‪ :‬كان اللت رجلً يلت سويق الحجاج ‪.‬‬
‫قال ابعن خزيمعة ‪ :‬وكذا العزى ‪ ،‬وكانعت شجرة عليهعا بناء وأسعتار بنخلة ‪ ،‬بيعن مكعة‬
‫والطائف ‪ ،‬كانت قريش يعظمونها ‪ ،‬كما قال أبو سفيان يوم أحد ‪ :‬لنا العزى ول عزى لكم ‪.‬‬

‫لعن ال زوارات القبور إلخ‬


‫قوله ‪ :‬وععن ابعن عباس رضعي ال عنهمعا قال ‪ " :‬لععن رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم‬
‫زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج " رواه أهل السنن ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬و في الباب حديث عن أبي هريرة وحديث حسان بن ثابت ‪ .‬فأما حديث أبي هريرة‬
‫فرواه أحمد والترمذي وصححه ‪ .‬وحديث حسان أخرجه ابن ماجه من رواية عبد الرحمن بن‬
‫حسان بن ثابت عن أبيه قال ‪ " :‬لعن رسول ال صلى ال عليه وسلم زوارات القبور " ‪.‬‬
‫وحد يث ا بن عباس هذا في إ سناده أ بو صالح مولى أم هان يء ‪ ،‬و قد ضع فه بعض هم ووث قة‬
‫بعض هم ‪ .‬قال على بن المدي ني ‪ ،‬عن يح يى القطان ‪ :‬لم أر أحدا من أ صحابنا ترك أ با صالح‬
‫مولى أم هاني ‪ .‬وما سمعت أحدا من الناس يقول فيه شيئا ‪ ،‬ولم يتركه شعبة ول زائدة ول عبد‬
‫ال بن عثمان ‪ .‬قال ابن معين ‪ :‬ليس به بأس ولهذا أخرجه ابن السكن في صحيحه ‪ .‬انتهى من‬
‫الذهب البريز عن الحافظ المزي ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪ :‬وقد جاء عن النبي صلى ال عليه وسلم من طريقين ‪:‬‬
‫ف عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه ‪ " :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل عن زوارات القبور "‬
‫وذكر حديث ابن عباس ‪ .‬ثم قال ‪ :‬ورجال هذا ليس رجال هذا ‪ .‬فلم يأخذه أحدهما عن الخر ‪.‬‬
‫وليس في السنادين من يتهم بالكذب ‪ .‬ومثل هذا حجة بل ريب ‪ .‬وهذا من أجود الحسن الذي‬
‫شر طه الترمذي ‪ ،‬فإ نه ج عل الح سن ما تعددت طر قه ولم ي كن ف يه مت هم ‪ ،‬ولم ي كن شاذا ‪ ،‬أي‬
‫مخالفا ل ما ث بت بن قل الثقات وهذا الحد يث تعددت طر قه ول يس في ها مت هم ول خال فه أ حد من‬
‫الثقات ‪ ،‬هذا لو كان عن صاحب واحد ‪ ،‬فكيف إذا كان رواه عن صاحب وذاك عن آخر ؟ فهذا‬
‫كله يبين أن الحديث في الصل معروف ‪.‬‬
‫والذ ين رخ صوا في الزيارة اعتمدوا على ما روى عن عائ شة ر ضي ال عن ها أن ها زارت‬
‫قبر أخيها عبد الرحمن وقالت ‪ :‬لو شهدتك ما زرتك وهذا يدل على أن الزيارة ليست مستحبة‬
‫للنساء كما تستحب الرجال ‪ .‬إذ لو كان كذلك ل ستحبت زيارته سواء شهدته أم ل ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فعلى هذا ل حجة فيه لمن قال بالرخصة ‪.‬‬
‫وهذا ال سياق لحد يث عائ شة رواه الترمذي من روا ية ع بد ال بن أ بي ملي كة عن ها ‪ ،‬و هو‬
‫يخالف سياق الثرم له عن عبد ال بن أبي مليكة أيضا ‪ :‬أن عائشة رضي ال عنها أقبلت ذات‬
‫يوم من المقابر ‪ .‬فقلت ل ها ‪ :‬يا أم المؤمن ين ‪ ،‬أل يس ن هى ر سول ال صلى ال عل يه و سلم عن‬
‫زيارة القبور ؟ قالت ‪ :‬نعم نهى عن زيارة القبور ‪ ،‬ثم أمر بزيارتها ‪.‬‬
‫فأجاب شيخ السلم رحمه ال عن هذا وقال ‪ :‬ول حجة في حديث عائشة فإن المحتج عليها‬
‫احتج بالنهي العام ‪ ،‬فدفعت ذلك بأن النهي منسوخ ‪ ،‬ولم يذكر لها المحتج النهي الخاص بالنساء‬
‫الذي ف يه لعن هن على الزيارة ‪ .‬يبين ذلك قول ها قد أ مر بزيارت ها فهذا يبين أ نه أ مر ب ها أمرا‬
‫يقت ضي ال ستحباب ‪ ،‬وال ستحباب إن ما هو ثا بت للرجال خا صة ‪ .‬ولو كا نت تعت قد أن الن ساء‬
‫مأمورات بزيارة القبور لكا نت تفعل ذلك ك ما يفعله الرجال ولم ت قل لخيها ل ما زرتك واللعن‬
‫صريح في التحريم ‪ ،‬والخطاب بالذن في قوله فزوروها لم يتناول النساء فل يدخلن في الحكم‬
‫النا سخ ‪ ،‬والعام إذا عرف أ نه ب عد الخاص لم ي كن نا سخا له ع ند جمهور العلماء‪ ،‬و هو مذ هب‬
‫الشاف عي وأحمد في أشهر الروايتين ع نه ‪ ،‬وهو المعروف عند أ صحابه ‪ ،‬فكيف إذا لم يعلم أن‬
‫هذا العام بععد الخاص ؟ إذ قعد يكون قوله ‪ :‬لععن ال زوارات القبور بععد إذنعه للرجال فعي‬
‫الزيارة ‪ .‬يدل على ذلك أنه قرنه بالمتخذين عليها المساجد والسرج ‪ .‬ومعلوم أن اتخاذ المساجد‬
‫والسرج المنهي عنها محكم ‪ ،‬كما دلت عليه الحاديث الصحيحة وكذلك الخر ‪.‬‬
‫والصحيح ‪ :‬أن النساء لم يدخلن في الذن في زيارة القبور لعدة أوجه ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن قوله صلى ال عليه وسلم فزوروها صيغة تذكير ‪ .‬وإنما يتناول النساء أيضا‬
‫على سبيل التغل يب ‪ .‬ل كن هذا ف يه قولن ‪ ،‬ق يل ‪ :‬إ نه يحتاج إلى دل يل منف صل ‪ ،‬وحينئذ فيحتاج‬
‫تناول ذلك للنسعاء إلى دليعل منفصعل ‪ ،‬وقيعل أنعه يحتمعل على ذلك عنعد الطلق ‪ .‬وعلى هذا‬
‫فيكون دخول النسعاء بطريعق العموم الضعيعف ‪ ،‬والعام ل يعارض الدلة الخاصعة ول ينسعخها‬
‫ع ند جمهور العلماء ‪ ،‬ولو كان الن ساء داخلت في هذا الخطاب ل ستحب ل هن زيارة القبور ‪.‬‬
‫وما علمنا أحدا من الئمة استحب لهن زيارة القبور ‪ ،‬ول كان النساء على عهد النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم وخلفائه الراشدين يخرجن إلى زيارة القبور ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬أن ال نبي صلى ال عل يه و سلم علل الذن للرجال بأن ذلك " يذ كر الموت ‪ ،‬وير قق‬
‫القلب ‪ ،‬وتدمع العين " هكذا في مسند أحمد ‪ .‬ومعلوم أن المرأة إذا فتح بالها هذا الباب أخرجها‬
‫إلى الجزع والندب والنياحة ‪ ،‬لما فيها من الضعف وقلة الصبر ‪ .‬وإذا كانت زيارة النساء مظنة‬
‫و سببا للمور المحرمة فإ نه ل يم كن أن يحد المقدار الذي ل يفضي إلى ذلك ‪ ،‬ول التمييز بين‬
‫نوع ونوع ‪ ،‬ومن أصول الشريعة ‪ :‬أن الحكمة إذا كانت خفية أو منتشرة علق الحكم بمظنتها ‪.‬‬
‫فيحرم هذا الباب سدا للذريعة ‪ ،‬كما حرم النظر إلى الزينة الباطنة ‪ ،‬وكما حرم الخلوة بالجنبية‬
‫وغ ير ذلك ‪ .‬وليعس في ذلك من الم صلحة ما يعارض هذه المف سدة ‪ .‬فإ نه ل يس في ذلك إلى‬
‫دعاؤها للميت وذلك ممكن في بيتها ‪.‬‬
‫ومعن العلماء معن يقول ‪ :‬التشييعع كذلك ‪ ،‬ويحتعج بقوله صعلى ال عليعه وسعلم " ارجععن‬
‫مأزورات غ ير مأجورات ‪ ،‬فإن كن تف تن ال حي وتؤذ ين الم يت " ‪ ،‬وقوله لفاط مة ‪ " :‬أ ما إ نك لو‬
‫بل غت مع هم الكدى لم تدخلي الج نة " ويؤيده ما ث بت في ال صحيحين من أ نه ن هى الن ساء عن‬
‫اتباع الجنائز ومعلوم أن قوله صلى ال عل يه و سلم ‪ " :‬من صلى على جنازة فله قيراط و من‬
‫تبعها حتى تدفن فله قيراطان " وهو أدل على العموم من صيغة التذكير ‪ .‬فإن لفظ من يتناول‬
‫الرجال والنسعاء باتفاق الناس ‪ ،‬وقعد علم بالحاديعث الصعحيحة أن هذا العموم لم يتناول النسعاء‬
‫لنهي النبي صلى ال عليه وسلم لهن عن اتباع الجنائز ‪ ،‬فإذا لم يدخلن في هذا العموم فكذلك في‬
‫ذلك بطريق الولى ‪ .‬انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويكون الذن في زيارة القبور مخ صوصا للرجال ‪ ،‬خص بقوله ‪ :‬ل عن ال زوارات‬
‫القبور ‪ ....‬الحديث فيكون من العام المخصوص ‪.‬‬
‫وعندما استدل به القائلون بالنسخ أجوبة أيضا ‪.‬‬
‫منها ‪ :‬أن ما ذكروه عن عائشة وفاطمة رضي ال عنهما معارض مما ورد عنهما في هذا‬
‫الباب فل يثبت به نسخ ‪.‬‬
‫ومنهعا ‪ :‬أن قول الصعحابي وفعله ليعس حجعة على الحديعث بل نزاع ‪ ،‬وأمعا تعليمعه عائشعة‬
‫ك يف تقول إذا زارت القبور ون حو ذلك ‪ ،‬فل يدل على ن سخ ما دلت عل يه الحاديث الثل ثة من‬
‫لعن زائرات القبور ‪ ،‬لحتمال أن يكون ذلك قبل هذا النهي الكيد والوعيد الشديد وال أعلم ‪.‬‬
‫قال مح مد بن ا سماعيل ال صنعاني رح مه ال في كتا به تطه ير العتقاد ‪ :‬فإن هذه القباب‬
‫والمشاهعد التعي صعارت أعظعم ذريععة إلى الشرك واللحاد ‪ ،‬وأكعبر وسعيلة إلى هدم السعلم‬
‫وخراب بنيانه ‪ :‬غالب ع بل كل ع من يعمرها هم الملوك والسلطين والرؤساء والولة ‪ ،‬إما‬
‫على قريب لهم أو على من يحسنون الظن فيه من فاضل أو عالم أو صوفي أو فقير أو شيخ أو‬
‫كبير ‪ ،‬ويزوره الناس الذي يعرفو نه زيارة الموات من دون تو سل به ول ه تف بإ سمه ‪ ،‬بل‬
‫يدعون له ويستغفرون حتى ينقرض من يعرفه أو أكثرهم ‪ ،‬فيأتي من بعدهم فيجد قبرا قد شيد‬
‫عليه البناء ‪ ،‬وسرجت عليه الشموع ‪ ،‬وفرش بالفراش الفاخر ‪ ،‬وأرخيب عليه الستور ‪ ،‬وألقيت‬
‫عل يه الوراد والزهور ‪ ،‬فيعت قد أن ذلك لن فع أو د فع ضر ‪ ،‬وتأت يه ال سدنة يكذبون على الم يت‬
‫بأنه فعل وفعل ‪ ،‬وأنزل بفلن الضر النفع ‪ .‬حتى يغرسوا في جبلته كل باطل ‪ ،‬والمر ما ثبت‬
‫في الحاديث النبوية من ل عن من أ سرج على القبور وكتب علي ها وبنى علي ها ‪ .‬وأحاديث ذلك‬
‫واسعة معروفة فإن ذلك في نفسه منهى عنه ‪ .‬ثم هو ذريعة إلى مفسدة عظيمة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ومنه تعلم مطابقة الحديث للترجمة وال أعلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬والمتخذين عليها المساجد تقدم شرحه في الباب قبله ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬السرج قال أبو محمد المقدسي ‪ :‬لو أبيح اتخاذ السرج عليها لم يلعن من فعله ‪ ،‬لن‬
‫فيه تضييعا للمال في غير فائدة ‪ ،‬وإفراطا في تعظيم القبور أشبه بتعظيم الصنام ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬اتخاذها مساجد وإيقاد السرج عليها من الكبائر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬رواه أهل السنن يعني أن أبا داود والترمذي وابن ماجه فقط ولم يروه النسائي ‪.‬‬
‫باب ما جاء في حماية المصطفى إلخ‬
‫قوله ‪ :‬باب ( ما جاء في حماية المصطفى صلى ال عليه وسلم وسده كل طريق يوصل إلى‬
‫الشرك )‬
‫الجناب ‪ :‬هو الجانب ‪ .‬والمراد حمايته عما يقر منه أو يخالطه من الشرك وأسبابه ‪.‬‬
‫قوله ‪ : :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 129 ، 128 : 9 ' :‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه‬
‫ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم * فإن تولوا فقل حسبي ال ل إله إل هو عليه‬
‫توكلت وهو رب العرش العظيم " ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ير رح مه ال ‪ :‬يقول ال تعالى ممتنا على المؤمن ين ب ما أر سل إلي هم ر سولً من‬
‫أنفسهم أي من جنسهم وعلى لغتهم كما قال إبراهيم عليه السلم ‪ " ' 129 : 2 ' :‬ربنا وابعث‬
‫فيهم رسولً منهم " وقال تعالى ‪ " ' 164 : 3 ' :‬لقد من ال على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولً‬
‫من أنفسهم " وقال تعالى ‪ " :‬ل قد جاء كم رسول من أنفسكم " أي منكم ‪ ،‬ك ما قال جع فر بن أبي‬
‫طالب للنجاشي ‪ ،‬والمغيرة بن شعبة لرسول كسرى ‪ :‬إن ال بعث فينا رسولً منا نعرف نسبه‬
‫و صفته ‪ ،‬ومدخله ومخر جه ‪ ،‬و صدقه وأمان ته وذ كر الحد يث ‪ .‬قال أ بو سفيان بن عيي نة عن‬
‫جعفر بن محمد عن أبيه في قوله تعالى ‪ ":‬لقد جاءكم رسول من أنفسكم" قال ‪ :‬لم يصبه شئ‬
‫في ولدة الجاهلية ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬عزيز عليه ما عنتم " أي يعز عليه الشئ الذي يعنت أمته ويشق عليها ولهذا جاء‬
‫في الحد يث المروي من طرق ع نه صلى ال عل يه و سلم أ نه قال ‪ " :‬بع ثت بالحنيف ية ال سمحة "‬
‫و في ال صحيح ‪ " :‬إن هذا الد ين ي سر" وشريع ته كل ها سمحة سهلة كاملة ‪ ،‬مي سيرة على من‬
‫يسرها ال عليه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬حر يص علي كم أي على هدايت كم وو صول الن فع الدنيوي والخروي إلي كم ‪ .‬و عن‬
‫أبي ذر رضي ال عنه قال ‪ :‬تركنا رسول ال صلى ال عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في‬
‫الهواء إل و هو يذ كر ل نا م نه علما أخر جه ال طبراني ‪ ،‬قال ‪ :‬وقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم ‪ " :‬ما بقى شئ يقر من الجنة ويباعد من النار إل وقد بينته لكم " ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬بالمؤمنيعن رؤوف رحيعم " كمعا قال تعالى ‪" ' 217 ، 216 ، 215 : 16 ' :‬‬
‫واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين * فإن عصوك فقل إني بريء مما تعملون * وتوكل‬
‫على العزيعز الرحيعم " وهكذا أمره تعالى فعي هذه اليعة الكريمعة وهعي قوله ‪ " :‬فإن تولوا " أي‬
‫عما جئتم به من الشريعة العظيمة المطهرة الكاملة " حسبي ال ل إله إل هو عليه توكلت وهو‬
‫رب العرش العظيم " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فاقتضت هذه الوصاف التي وصف بها رسول ال صلى ال عليه وسلم في حق أمته‬
‫أن أنذرهم وحذرهم الشرك الذي هو أعظم الذنوب ‪ ،‬وبين لهم ذرائعه الموصلة إليه ‪ ،‬وأبلغ في‬
‫نهيهم عنها ومن ذلك تعظيم القبور والغلو فيها ‪ ،‬والصلة عندها وإليها ‪ ،‬ونحو ذلك مما يوصل‬
‫إلى عبادتها ‪ ،‬كما تقدم ‪ ،‬وكما سيأتي في أحاديث الباب ‪.‬‬

‫ل تجعلوا قبري عيدا وصلوا على حيث كنتم‬


‫قوله ‪ :‬وععن أبعي هريرة رضعي ال عنعه قال ‪ :‬قال رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم " ل‬
‫تجعلوا بيوتكم قبورا ول تجعلوا قبرى عيدا ‪ ،‬وصلوا فإن صلتكم تبلغني حيث كنتم " رواه أبو‬
‫داود بإسناد حسن ‪ .‬رواته ثقات ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل تجعلوا بيوتكم قبورا قال شيخ السلم ‪ :‬أي ل تعطلوها من الصلة فيها والدعاء‬
‫والقراءة ‪ ،‬فتكون بمنزلة القبور ‪ ،‬فأمر بتحري العبادة في البيوت ونهى عن تحريهما عند القبور‬
‫‪ ،‬عكس ما يفعله المشركون من النصارى ومن تشبه بهم من هذه المة ‪.‬‬
‫وفي الصحيحين عن ابن عمر مرفوعا ‪ " :‬اجعلوا من صلتكم في بيوتكم ول تتخذوها قبورا‬
‫" و في صحيح م سلم عن ا بن ع مر مرفوعا ‪ " :‬ل تجعلوا بيوتكم مقابر فإن الشيطان ي فر من‬
‫البيت الذي يسمع سورة البقرة تقرأ فيه " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول تجعلوا قبرى عيدا قال شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪ :‬العيد اسم لما يعود من‬
‫الجتماع العام على وجه معتاد ‪ ،‬عائدا إما بعود السنة أو بعود السبوع أو الشهر ونحو ذلك ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ :‬العيد ما يعتاد مجيئه وقصده من زمان ومكان ‪ ،‬مأخوذ من‬
‫المعاودة والعتياد ‪ .‬فإذا كان ا سما للمكان ف هو المكان الذي يق صد ف يه الجتماع وانتيا به للعبادة‬
‫وغيرهعا ‪ ،‬كمعا أن المسعجد الحرام ومنعى ومزدلفعة وعرفعة والمشاععر جعلهعا ال عيدا للحنفاء‬
‫ومثا بة ‪ ،‬ك ما ج عل أيام الع يد في ها عيدا ‪ .‬وكان للمشرك ين أعياد زمن ية ومكان ية ‪ .‬فل ما جاء ال‬
‫بالسلم أبطلها وعوض الحنفاء منها عيد الفطر وعيد النحر وأيام منى ‪ ،‬كما عوضهم من أعياد‬
‫المشركين المكانية بالكعبة ومنى ومزدلفة وعرفة والمشاعر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وصلوا علي فإن صلتكم تبلغني حيث كنتم ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪ :‬يشير بذلك إلى أن ما ينالني منكم من الصلة والسلم‬
‫يحصل مع قربكم من قبري وبعدكم ‪ ،‬فل حاجة لكم إلى اتخاذه عيدا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل تجعلوا بيوتكم قبورا تقدم كلم شيخ السلم في معنى الحديث قبله ا هع ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وعن علي بن الحسين رضي ال عنه ‪ " :‬أنه رأى رجلً يجيء إلى فرجة كانت عند‬
‫قبر ال نبي صلى ال عل يه و سلم فيد خل في ها فيد عو ‪ ،‬فنهاه وقال ‪ :‬أل أحدث كم حديثا سمعته من‬
‫أ بي عن جدي عن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ؟ قال ‪ :‬ل تتخذوا قبري عيدا ‪ ،‬ول بيوت كم‬
‫قبورا ‪ ،‬وصلوا علي فإن تسليمكم يبلغني أين كنتم " رواه في المختار ‪.‬‬
‫هذا الحديث والذي قبله جيدان حسنا السنادين ‪.‬‬
‫أما الول ‪ :‬فرواه أبو داود وغيره من حديث عبد ال بن نافع الصائغ قال ‪ :‬أخبرني ابن أبي‬
‫ذئب عن سعيد المقبري عن أبي هريرة فذكره ‪ ،‬ورواته ثقات مشاهير ‪ ،‬لكن عبد ال بن نافع‬
‫قال فيه أبو حاتم ‪ :‬ليس بالحافظ ‪ ،‬تعرف وتنكر ‪ .‬وقال ابن معين ‪ :‬هو ثقة وقال أبو زرعة ‪:‬‬
‫ل بأس به ‪ .‬قال ش يخ ال سلم رح مه ال ‪ :‬وم ثل هذا إذا كان لحد يث شوا هد علم أ نه محفوظ ‪،‬‬
‫وهذا له شوا هد متعددة ‪ .‬وقال الحا فظ مح مد بن ع بد الهادي ‪ :‬هو حد يث ح سن ج يد ال سناد ‪،‬‬
‫وله شواهد يرتقى بها إلى درجة الصحة ‪.‬‬
‫وأ ما الحد يث الثا ني ‪ :‬فرواه أ بو يعلى والقا ضي إ سماعيل والحا فظ الضياء مح مد بن ع بد‬
‫الواحد المقدسي في المختارة ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪ :‬فانظر هذه السنة كيف مخرجها من أهل المدنية وأهل‬
‫البيت الذين لهم من رسول ال صلى ال عليه وسلم قرب النسب وقرب الدار ‪ ،‬لنهم إلى ذلك‬
‫أحوج من غيرهم ‪ ،‬فكانوا له أضبط ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وقال سعيد بن منصور في سننه ‪ ،‬حدثنا عبد العزيز بن محمد أخبرني سهيل بن أبي سهل‬
‫قال ‪ :‬رآني الحسن بن علي بن أبي طالب رضي ال عنهم عند القبر ‪ ،‬فناداني ‪ ،‬وهو في بيت‬
‫فاطمة رضي ال عنها يتعشى ‪ ،‬فقال ‪ :‬هلم إلى العشاء ‪ .‬فقلت ‪ :‬ل أريده ‪ .‬فقال ‪ :‬ما لي رأيتك‬
‫عند القبر ؟ فقلت ‪ :‬سلمت على النبي صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فقال ‪ :‬إذا دخلت المسجد فسلم ‪ .‬ثم‬
‫قال ‪ :‬إن رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم قال ‪ " :‬ل تتخذوا قعبري عيدا ‪ ،‬ول تتخذوا بيوتكعم‬
‫مقابر ‪ ،‬و صلوا علي فإن صلتكم تبلغ ني حيث ما كن تم ‪ ،‬ل عن ال اليهود والن صارى اتخذوا قبور‬
‫أنبيائهم مساجد ‪ ،‬ما أنتم وبني بالندلس إل سواء " ‪.‬‬
‫وقال سعيد أيضا ‪ :‬حدثنا حبان بن علي ‪ ،‬حدثنا محمد عجلن عن أبي سعيد مولى المهري‬
‫قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم " ل تتخذوا قبري عيدا ول بيوت كم قبورا ‪ ،‬و صلوا‬
‫علي فإن صلتكم تبلغني " ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ :‬فهذان المرسلن من هذين الموجين المختلفين يدلن على ثبوت الحديث‬
‫ل سيما وقد احتج به من أرسله ‪ .‬وذلك يقتضي ثبوته عنده هذا لو لم يرو من وجوه مسندة غير‬
‫هذين ‪ ،‬فكيف وقد تقدم مسندا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬على بن الحسين أي ابن علي بن أبي طالب ‪ ،‬المعروف بزين العابدين رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬أفضل التابعين من أهل بيته وأعلمهم ‪ .‬قال الزهري ‪ :‬ما رأيت قرشيا أفضل منه ‪ .‬مات‬
‫سعنة ثلث وتسععين على الصعحيح ‪ .‬وأبوه الحسعين سعبط رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم‬
‫وريحانته ‪ ،‬حفظ عن النبي صلى ال عليه وسلم واستشهد يوم عاشوراء سنة إحدى وستين وله‬
‫ست وخمسون سنة رضي ال عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أنه رأى رجلً يجيء إلى فرجة بضم الفاء وسكون الراء ‪ ،‬وهي الكوة في الجدار‬
‫والخوخة ونحوهما ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فيدخعل فيهعا فيدععو فنهاه هذا يدل على النهعي ععن قصعد القبور والمشاهعد لجعل‬
‫الدعاء والصلة عندها ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم رح مه ال تعالى ‪ :‬ما عل مت أحدا ر خص ف يه ‪ ،‬لن ذلك نوع من اتخاذه‬
‫عيدا ويدل أيضا على أن ق صد ال قبر لل سلم إذا د خل الم سجد لي صلي من هى ع نه ‪ ،‬لن ذلك لم‬
‫يشرع ‪ ،‬وكره مالك لهل المدينة كلما دخل النسان المسجد أن يأتي قبر النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم لن السلف لم يكونوا يفعلون ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬ولن يصلح آخر هذه المة إل ما أصلح أولها‬
‫وكان الصعحابة والتابعون رضعي ال عنهعم يأتون إلى مسعجد النعبي صعلى ال عليعه وسعلم‬
‫فيصعلون ‪ ،‬فإذا قضوا الصعلة قعدوا أو خرجوا ‪ ،‬ولم يكونوا يأتون القعبر للسعلم ‪ ،‬لعلمهعم أن‬
‫الصلة والسلم عليه في الصلة أكمل وأفضل ‪ ،‬وأما دخولهم عند قبره للصلة والسلم عليه‬
‫هناك ‪ ،‬أو للصعلة والدعاء فلم يشرععه لهعم ‪ ،‬بعل نهاهعم عنعه فعي قوله " ل تتخذوا قعبري عيدا‬
‫وصلوا علي فإن صلتكم تبلغني " فبين أن الصلة تصل إليه من بعد وكذلك السلم ‪ ،‬ولعن من‬
‫اتخذ قبور النبياء مساجد ‪ .‬وكانت الحجرة في زمانهم يدخل إليها من الباب ‪ ،‬إذا كانت عائشة‬
‫رضي ال عنها فيها ‪ ،‬وبعد ذلك إلى أن بنى الحائط الخر ‪ ،‬وهم مع ذلك التمكن من الوصول‬
‫إلى قبره ل يدخلون عليه ‪ ،‬ل للسلم ول للصلة ‪ ،‬ول للدعاء لنفسهم ول لغيرهم ‪ ،‬ول لسؤال‬
‫عن حديث أو علم ‪ ،‬ول كان الشيطان يطمع فيهم حتى يسمعهم كلما أو سلما فيظنون أنه هو‬
‫كلمهم وأفتاهم ‪ ،‬وبين لهم الحاديث ‪ ،‬أو أنه قد رد عليهم السلم بصوت يسمع من خارج ‪ ،‬كما‬
‫ط مع الشيطان في غير هم فأضلهم عند قبره و قبر غيره ‪ ،‬ح تى ظنوا أن صاحب ال قبر يأمر هم‬
‫وينهاهم ويفتيهم ويحدثهم في الظاهر ‪ ،‬وأنه يخرج من القبر ويرونه خارجا من القبر ‪ ،‬ويظنون‬
‫أن ن فس أبدان المو تى خر جت تكلم هم ‪ ،‬وأن روح الم يت تج سدت ل هم فرأو ها ك ما رآ هم ال نبي‬
‫صلى ال عليه وسلم ليلة المعراج ‪.‬‬
‫والمق صود ‪ :‬أن ال صحابة ر ضي ال عن هم لم يكونوا يعتادون وال سلم عل يه ع ند قبره ك ما‬
‫يفعله من بعدهم من الخلوف ‪ ،‬وإنما كان بعضهم يأتي من خارج فيسلم عليه إذا قد من سفر ‪.‬‬
‫كما كان ابن عمر يفعله ‪ .‬قال عبيد ال بن عمر عن نافع كان ابن عمر إذا قدم من سفر أتى‬
‫قبر ال نبي صلى ال عل يه و سلم فقال ‪ :‬ال سلم عل يك يا ر سول ال ‪ .‬ال سلم عل يك يا أ با ب كر ‪.‬‬
‫السلم عليك يا أبتاه ثم ينصرف قال عبيد ال ما نعلم أحدا من أصحاب النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم فعل ذلك إل ابن عمر وهذا يدل على أنه ل يقف عند القبر للدعاء إذا سلم كما يفعله كثير‬
‫‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬لن ذلك لم ينقل عن أحد من الصحابة ‪ ،‬فكان بدعة محضة ‪.‬‬
‫و في المب سوط ‪ :‬قال مالك ‪ :‬ل أرى أن ي قف ع ند قبر ال نبي صلى ال عل يه و سلم ول كن ي سلم‬
‫ويمضى ‪ .‬ونص أحمد أنه يستقبل القبلة ويجعل الحجرة عن يساره لئل يستدبره ‪.‬‬
‫وبالجملة ف قد ات فق الئ مة على أ نه إذا د عا ل ي ستقبل ال قبر ‪ ،‬وتنازعوا ‪ :‬هل ي ستقبله ع ند‬
‫ال سلم عل يه أم ل ؟ و في الحد يث دل يل على م نع شد الرحال إلى قبره وإلى غيره من القبور‬
‫والمشاهد ‪ ،‬لن ذلك من اتخاذها أعيادا ‪ .‬بل من أعظم أسباب الشراك بأ صحابها ‪ .‬وهذه هي‬
‫الم سألة ال تي أف تى ب ها ش يخ ال سلم رح مه ال ع أع ني من سافر لمجرد زيارة قبور ال نبياء‬
‫وال صالحين ع ون قل في ها اختلف العلماء ‪ ،‬ف من مب يح لذلك ‪ .‬كالغزالي وأ بي مح مد المقد سي ‪.‬‬
‫ومن مانع لذلك ‪ ،‬كابن بطة وابن عقيل ‪ ،‬وأبي محمد الجويني ‪ ،‬والقاضي عياض ‪ .‬وهو قول‬
‫الجمهور ‪ ،‬نص عليه مالك ولم يخالفه أحد من الئمة ‪ ،‬وهو الصواب ‪ .‬لما في الصحيحين عن‬
‫أبي سعيد عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬ل تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد ‪ :‬المسجد‬
‫الحرام ‪ ،‬وم سجدي هذا ‪ ،‬والم سجد الق صى " فد خل في الن هي شد ها لزيارة القبور والمشا هد ‪،‬‬
‫فإمعا أن يكون نهيا ‪ ،‬وإمعا أن يكون نفيا ‪ .‬وجاء فعي روايعة بصعيغة النهعي ‪ ،‬فتعيعن أن يكون‬
‫للنهي ‪ ،‬ولهذا فهم منه الصحابة رضي ال عنهم المنع ع كما في الموطأ والمسند والسنن ع عن‬
‫بصرة بن أبي بصرة الغفاري أنه قال لبي هريرة ع وقد أقبل من الطور ع ‪ :‬لو أدركت قبل‬
‫أن تخرج إليه لما خرجت ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ " :‬ل تعمل المطي إل‬
‫إلى ثل ثة م ساجد ‪ :‬الم سجد الحرام ‪ ،‬وم سجدي هذا ‪ ،‬والم سجد الق صى " وروى المام أح مد‬
‫وعمر بن شبة في أخبار المدينة بإسناد جيد عن قزعة قال ‪ :‬أتيت ابن عمر فقلت ‪ :‬إني أريد‬
‫الطور ‪ .‬فقال ‪ :‬إنما تشد الرحال إلى ثلثة مساجد ‪ :‬المسجد الحرام ‪ ،‬ومسجد المدينة ‪ ،‬والمسجد‬
‫ل الطور م ما نهي‬
‫القصى ‪ .‬فدع عنك الطور ول تأ ته فا بن ع مر وبصرة بن أبي ب صرة جع ً‬
‫عن شد الرحال إليه ‪ .‬لن اللفظ الذي ذكراه فيه النهي عن شدها إلى غير الثلثة مما يقصد به‬
‫القر بة ‪ ،‬فعلم أن الم ستنى م نه عام في الم ساجد وغير ها ‪ ،‬وأن الن هي ل يس خا صا بالم ساجد ‪،‬‬
‫ولهذا نه يا عن شد ها إلى الطور م ستدلين بهذا الحد يث ‪ .‬والطور إن ما ي سافر من ي سافر إل يه‬
‫لفضيلة البقععة ‪ .‬فإن ال سعماه الوادي المقدس ‪ ،‬والبقععة المباركعة وكلم كليمعه موسعى عليعه‬
‫ال سلم هناك ‪ ،‬وهذا هو الذي عل يه الئمة الرب عة وجمهور العلماء ‪ ،‬و من أراد ب سط القول في‬
‫ذلك والجواب ع ما يعار ضه فعل يه ب ما كت به ش يخ ال سلم مجيبا ل بن الخنائي في ما أعترض به‬
‫على ما دلت عل يه الحاد يث ال صحيحة وأ خذ به العلماء وقياس الولى ‪ .‬لن المف سدة في ذلك‬
‫ظاهرة ‪.‬‬
‫وأما النهي عن زيارة غير المساجد الثلثة فغاية ما فيها ‪ :‬أنها ل مصلحة في ذلك توجب‬
‫شد الرحال ‪ ،‬ول مزية تد عو إل يه ‪ .‬و قد ب سط القول في ذلك الحا فظ مح مد بن ع بد الهادي في‬
‫كتاب ال صارم المن كي في رده ال سبكي ‪ ،‬وذ كر ف يه علل الحاد يث الواردة في زيارة قبر ال نبي‬
‫صلى ال عليه وسلم وذكر هو وشيخ السلم رحمهما ال تعالى أنه ل يصح منها حديث عن‬
‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم ول عن أ حد من أ صحابه ‪ ،‬مع أن ها ل تدل على م حل النزاع ‪ .‬إذ‬
‫ليعس فيهعا إل مطلق الزيارة ‪ ،‬وذلك ل ينكره أحعد بدون شعد الرحال ‪ ،‬فيحمعل على الزيارة‬
‫الشرعية التي ليس فيها شرك ول بدعة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬رواه فعي المختارة المختارة ‪ :‬كتاب جمعع فيعه مؤلفعه الحاديعث الجياد الزائدة ععن‬
‫الصحيحين ‪.‬‬
‫ومؤل فه ‪ :‬هو أ بو ع بد ال مح مد بن ع بد الوا حد المقد سي الحا فظ ضياء الد ين الحنبلي أ حد‬
‫العلم ‪ .‬قال الذ هبي ‪ :‬أف نى عمره في هذا الشأن مع الد ين المت ين ‪ ،‬والورع والفضيلة التا مة‬
‫والتقان ‪ .‬فال يرحمه ويرضى عنه ‪.‬‬
‫وقال شيخ السلم ‪ :‬تصحيحه في مختاراته خير من تصحيح الحاكم بل ريب ‪ .‬مات سنة‬
‫ثلث وأربعين وستمائة ‪.‬‬
‫ما جاء في أن بعض هذه المة يعبدون الوثان‬
‫قوله ‪ :‬باب ( ما جاء أن بعض هذه المة يعبد الوثان )‬
‫وقول ال تعالى ‪ " ' 51 : 4 ' :‬ألم تر إلى الذين أوتوا ن صيبا من الكتاب يؤمنون بالجبت‬
‫والطاغوت " ‪.‬‬
‫الوثن يطلق على ما قصد بنوع من أنواع العبادة من دون ال من القبور والمشاهد وغيرها‬
‫لقول الخليل عليه السلم ‪ " ' 17 : 22 ' :‬إنما تعبدون من دون ال أوثانا وتخلقون إفكا " ومع‬
‫قوله ‪ " ' 17 : 21 ' :‬قالوا نعبد أصناما فنظل لها عاكفين " وقوله ‪ " ' 95 : 37 ' :‬أتعبدون ما‬
‫تنحتون " فبذلك يعلم أن الوثن يطلق على الصنام وغيرها مما عبد من دون ال ‪ ،‬كما تقدم في‬
‫الحديث ‪.‬‬

‫قول اليهود ‪ :‬هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلً‬


‫قوله ‪ " :‬يؤمنون بالجبت والطاغوت " روى ابن أبي حاتم عن عكرمة قال ‪ :‬جاء حيي بن‬
‫أخطب وكعب بن الشرف إلى أهل مكة فقالوا لهم ‪ :‬أنتم أهل الكتاب وأهل العلم ‪ ،‬فأخبرونا عنا‬
‫وععن محمعد ‪ .‬فقالوا ‪ :‬معا أنتعم ومعا محمعد ؟ فقالوا ‪ :‬نحعن نصعل الرحام ‪ ،‬وننحعر الكوماء ‪،‬‬
‫ون سقي الماء على الل بن ‪ ،‬ون فك العناة ‪ ،‬ون سقي الحج يج ‪ ،‬ومح مد صنبور ‪ ،‬ق طع أرحام نا ‪،‬‬
‫واتبعه سراق الحجيج من غفار ‪ .‬فنحن خير أم هو ؟ فقالوا ‪ :‬أنتم خيرا وأهدى سبيلً فأنزل ال‬
‫تعالى ‪ " :‬ألم تر إلى الذ ين أوتوا ن صيبا من الكتاب يؤمنون بالج بت والطاغوت ويقولون للذ ين‬
‫كفروا هؤلء أهدى من الذين آمنوا سبيلً " وفي مسند أحمد عن ابن عباس نحوه‪.‬‬

‫معنى ( عبد الطاغوت ) وقال الذين غلبوا على أمرهم إلخ‬


‫قال عمر بن الخطاب رضي ال عنه الجبت السحر ‪ ،‬والطاغوت الشيطان وكذلك قول ابن‬
‫عباس وأ بو العال ية ومجا هد والح سن وغير هم ‪ .‬و عن ا بن عباس وعكر مة وأ بي مالك الج بت‬
‫الشيطان ع زاد ابن عباس ‪ :‬بالحبشية وعن ابن عباس أيضا ‪ :‬الجبت الشرك وعنه الجبت‬
‫الصنام وعنه الجبت ‪ :‬حيى بن أخطب وعن الشعبي الجبت الكاهن وعن مجاهد ‪ :‬الجبت‬
‫كعب بن الشرف قال الجوهري الجبت كلمة تقع على الصنم والكاهن والساحر ونحو ذلك ‪.‬‬
‫قال الم صنف رح مه ال تعالى ‪ :‬وف يه معر فة اليمان بالج بت والطاغوت في هذا المو ضع‬
‫هل هو اعتقاد قلب ‪ ،‬أو هو موافقة أصحابها ‪ ،‬مع بغضها ومعرفة بطلنها ؟ ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقوله تعالى ‪ " ' 60 : 5 ' :‬قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند ال من لعنه ال‬
‫وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير وعبد الطاغوت " ‪.‬‬
‫يقول تعالى لنبيه محمد صلى ال عليه وسلم ‪ :‬قل يا محمد هل أخبركم بشر جزاء عند ال‬
‫يوم القيامة مما تظنونه بنا ؟ وهم أنتم أيها المتصفون بهذه الصفات المفسرة بقوله ‪ :‬من لعنه‬
‫ال أي أبعده من رحم ته وغ ضب عل يه أي غضبا ل ير ضى بعده أبدا " وج عل من هم القردة‬
‫والخنازير " وقد قال الثوري عن علقمة بن مرثد عن المغيرة بن عبد ال اليشكري عن المعرور‬
‫بن سويد أن ابن مسعود رضي ال عنه قال " سئل رسول ال صلى ال عليه وسلم عن القردة‬
‫والخنازير ‪ ،‬أهي مما مسخ ال ؟ فقال ‪ :‬إن ال لم يهلك قوما ع أو قال لم يمسخ قوما ع فجعل‬
‫لهم نسلً ول عقبا ‪ ،‬وإنما القردة والخنازير كانت قبل ذلك " رواه مسلم ‪.‬‬
‫قال البغوي في تف سيره قل يا مح مد هل أنبئ كم أ خبركم ب شر من ذلك الذي ذكر تم ‪،‬‬
‫يعني قولهم ‪ :‬لم نر أهل دين أقل حظا في الدنيا والخرة منكم ‪ ،‬ول دينا شرا من دينكم ‪ ،‬فذكر‬
‫الجواب بلفظ البتداء وإن لم يكن البتداء شرا ‪ ،‬لقوله تعالى ‪ " ' 72 : 22 ' :‬قل أفأنبئكم بشر‬
‫من ذلكم النار " ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬مثوبة ثوابا وجزاء ‪ ،‬نصب على التفسير عند ال ‪ ،‬من لعنه ال أي هو من لعنه‬
‫ال وغ ضب عل يه يعنعي اليهود " وج عل من هم القردة والخناز ير " فالقردة أ صحاب السعبت ‪،‬‬
‫والخنازير كفار مائدة عيسى ‪ .‬وعن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس أن المسخين كلهما من‬
‫أصحاب السبت ‪ ،‬فشبابهم مسخوا قردة وشيوخهم مسخوا خنازير ‪.‬‬
‫وع بد الطاغوت أي وج عل من هم من ع بد الطاغوت ‪ ،‬أي أطاع الشيطان في ما سول له ‪،‬‬
‫وقرأ ا بن م سعود عبدوا الطاغوت وقرأ حمزة و ع بد ب ضم الباء ‪ ،‬و الطاغوت ب جر التاء‬
‫أراد الع بد ‪ .‬وه ما لغتان ‪ :‬ع بد ب سكون الباء ‪ ،‬وع بد بضمن ها ‪ ،‬م ثل سبع و سبع وقرأ الح سن‬
‫وعبد الطاغوت على الواحد ‪.‬‬
‫و في تفسير الطبر سي ‪ :‬قرأ حمزة وحده وع بد الطاغوت ب ضم الياء وجر التاء ‪ ،‬والباقون‬
‫وعبعد الطاغوت بنصعب الباء وفتعح التاء ‪ .‬وقرأ ابعن عباس وابعن مسععود وإبراهيعم المخععي‬
‫والعمش وأبان بن تغلب وعبد الطاغوت بضمن العين والباء وفتح الدال وخفض التاء ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬وحجة حمزة في قراءته وعبد الطاغوت أنه يحمله على ما عمل فيه جعل كأنه ‪ :‬وجعل‬
‫منهم عبد الطاغوت ‪ .‬ومعنى جعل خلق ‪ .‬كقوله وجعل الظلمات والنور وليس عبد لفظ‬
‫جمع لنه ليس من أبنية الجموع شئ على هذا البناء ‪ ،‬ولكنه واحد يراد به الكثرة ‪ ،‬أل ترى أن‬
‫في السماء المفردة المضافة إلى المعارف ما لفظه الفراد ومعناه الجمع ‪ ،‬كما في قوله تعالى ‪:‬‬
‫" وإن تعدوا نعمة ال ل تحصوها " ولن بناء فعل يراد به المبالغة والكثرة نحو يقظ ودنس ‪،‬‬
‫وكأن تقديره ‪ :‬أنه ذهب في عبادة الطاغوت كل مذهب ‪.‬‬
‫وأما من فتح فقال وعبد الطاغوت فإنه عطفه على بناء المضي الذي في الصلة وهو قوله‬
‫لع نه ال وأفرد الضم ير في ع بد وإن كان المع نى ف يه الكثرة ‪ ،‬لن الكلم محمول على لف ظه‬
‫دون معناه ‪ ،‬وفاعله ضمير من كما أن فاعل المثلة المعطوف عليها ضمير من فأفرد لحمل‬
‫ذلك جميعا على اللفظ ‪ .‬وأما قوله ‪ :‬عبد الطاغوت فهو جمع عبد ‪.‬‬
‫وقال أحمد بن يحيى ‪ :‬عبد جمع عابد ‪ ،‬كبازل وبزل ‪ ،‬وشارف وشرف ‪ ،‬وكذلك عبد جمع‬
‫عابد ‪ .‬ومثله عباد وعباد ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وقال شيعخ السعلم فعي قوله وعبعد الطاغوت الصعواب أنعه معطوف على ماقبله معن‬
‫الفعال ‪ ،‬أي من لعنه وغضب عليه ‪ ،‬ومن جعل منهم القردة والخنازير ومن عبد الطاغوت ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬والفعال المتقد مة الفا عل في ها ا سم ال ‪ ،‬مظهرا أو مضمرا ‪ .‬وه نا الفا عل ا سم من ع بد‬
‫الطاغوت ‪ .‬وهو الضمير في عبد ولم يعد سبحانه من لنه جعل هذه الفعال صفة لصنف‬
‫واحد وهم اليهود ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أولئك شر مكانا مما تظنون بنا وأضل عن سواء السبيل وهذا من باب استعمال‬
‫أف عل التفض يل في ما ل يس في الطرف ال خر له مشارك كقوله تعالى ‪ " ' 24 : 25 ' :‬أ صحاب‬
‫الجنة يومئذ خير مستقرا وأحسن مقيل " قاله العماد ابن كثير في تفسيره ‪ ،‬وهو ظاهر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 21 : 18 ' :‬قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا‬
‫" والمراد أنهم فعلوا مع الفتية بعد موتهم ما يذم فاعله ‪ .‬لن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫ل عن ال اليهود والن صارى اتخذوا قبور أ نبيائهم و صالحيهم م ساجد أراد تحذ ير أم ته أن يفعلوا‬
‫كفعلهم ‪.‬‬

‫لتتبعن سنن من كان قبلكم‬


‫قوله ‪ :‬عن أ بي سعيد ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬لتتب عن‬
‫سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة ‪ ،‬حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه قالوا يا رسول ال ‪:‬‬
‫اليهود والنصارى ؟ قال ‪ :‬فمن ؟ " أخرجاه وهذا سياق مسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬سنن بفتح المهملة أي طريق من كان قبلكم ‪ .‬قال المهلب ‪ :‬فتح أولى ‪.‬‬
‫عم القاف واحدة القذذ‬
‫عدر ‪ .‬والقذة بضع‬
‫عب حذو على المصع‬
‫قوله ‪ :‬حذو القذة بالقذة بنصع‬
‫وموريش السهم ‪ .‬أي لتتبعن طريقهم في كل ما فعلوه ‪ ،‬وتشبهوهم في ذلك كما تشبه قذة السهم‬
‫القذة الخرى ‪ .‬وبهذا تظهر مناسبة اليات للترجمة ‪ .‬وقد وقع كما أخبر ‪ ،‬وهو علم من أعلم‬
‫النبوة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه وفي حديث آخر حتى لو كان فيهم من يأتي‬
‫أمة علنية لكان في أمتي من يفعل ذلك أراد صلى ال عليه وسلم أن أمته ل تدع شيئا مما كان‬
‫يفعله اليهود والن صارى إلى فعل ته كله ل تترك م نه شيئا ولهذا قال سفيان بن عيي نة ‪ :‬من ف سد‬
‫من علمائنا ففيه شبه من اليهود ‪ ،‬ومن فسد من عبادنا ففيه شبه من النصارى ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ف ما أك ثر الفريق ين ‪ ،‬ل كن من رح مة ال تعالى ونعم ته أن ج عل هذه ال مة ل تجت مع‬
‫على ضللة كما في حديث ثوبان التي قريبا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قالوا يا ر سول ال ‪ ،‬اليهود والن صارى ؟ قال ف من ؟ هو بر فع اليهود خبر مبتدأ‬
‫محذوف ‪ ،‬أي أهم اليهود والنصارى الذين نتبع سننهم ؟ ويجوز النصب بفعل محذوف تقديره ‪:‬‬
‫تعني ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال فمن ؟ استفهام إنكاري ‪ .‬أي فمن هم غير أولئك ؟‬

‫حديث ثوبان ‪ :‬إن ال زوى لي الرض إلخ‬


‫قوله ‪ :‬ولمسلم عن ثوبان رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬إن ال‬
‫زوى لي الرض فرأيعت مشارقهعا ومغاربهعا ‪ ،‬وإن أمتعي سعيبلغ ملكهعا معا زوى لي منهعا ‪.‬‬
‫وأعط يت الكنز ين ‪ :‬الح مر ‪ ،‬والب يض ‪ .‬وإ ني سألت ر بي لم تي أن ل يهلك ها ب سنة بعا مة ‪،‬‬
‫وأن ل يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم ‪ ،‬فيستبيح بيضتهم ‪ ،‬وإن ربي قال ‪ :‬يا محمد ‪ ،‬إذا‬
‫قضيت قضاء فإنه ل يرد ‪ ،‬وإن أعطيتك لمتك أن ل أهلكها بسنة بعامة ‪ .‬وأن ل أسلط عليهم‬
‫عدوا من سوى أنف سهم في ستبيح بيضت هم ‪ ،‬ولو اجت مع علي هم من بإقطار ها ح تى يكون بعض هم‬
‫يهلك بعضا ‪ ،‬ويسعبى بعضهعم بعضا " ورواه البرقانعي فعي صعحيحه وزاد " وإنمعا أخاف على‬
‫أم تى الئ مة المضل ين ‪ .‬وإذا و قع علي هم ال سيف لم ير فع إلى يوم القيا مة ول تقوم ال ساعة ح تى‬
‫يل حق حي من أم تي ‪ ،‬بالمشرك ين وح تى تع بد فئام من أم تى الوثان ‪ .‬وأ نه سيكون في أم تي‬
‫كذابون ثلثون ‪ ،‬كلهم يزعم أنه نبي ‪ ،‬وأنا خاتم النبيين ل نبي بعدي ‪ ،‬ول تزال طائفة من أمتي‬
‫على الحق منصورة ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم حتى يأتي أمر ال تبارك وتعالى " ‪.‬‬
‫هذا الحديث رواه أبو داود في سننه وابن ماجه بالزيادة التي ذكرها المصنف ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ععن ثوبان هعو مولى النعبي صعلى ال عليعه وسعلم صعحبه ‪ .‬ولزمعه ‪ .‬ونزل بعده‬
‫الشام ومات بحمص سنة أربع وخمسين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬زوى لي الرض قال التوربشتعى ‪ :‬زويعت الشعئ جمعتعه وقبضتعه ‪ ،‬يريعد تقريعب‬
‫البعيعد منهعا حتعى اطلع عليعه إطلععه على القريعب ‪ .‬وحاصعله أنعه طوى له الرض وجعلهعا‬
‫مجمو عة كهيئة كف في مرآة ينظره ‪ .‬قال الط يبي ‪ :‬أي جمعها ‪ ،‬ح تى بصرت ما تملكه أمتي‬
‫من أقصى المشارق والمغارب منها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوى لي منها قال القرطبي ‪ :‬هذا الخبر وجد مخبره كما‬
‫قال ‪ ،‬وكان ذلك من دلئل نبوته ‪ ،‬وذلك أن ملك أمته اتسع إلى أن بلغ أقصى طنجة ع بالنون‬
‫والجيم ع الذي هو منتهى عمارة المغرب ‪ ،‬إلى أقصى المشرق مما هو وراء خراسان والنهر ‪،‬‬
‫وكثير من بلد السند والهند والصغد ‪ ،‬ولم يتسع ذلك التساع من جهة الجنوب والشمال ‪ .‬وذلك‬
‫لم يذكر عليه السلم أنه أريه ول أخبر أن ملك أمته يبلغه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬زوى لي منها يحتمل أن يكون مبينا للفاعل ‪ ،‬وأن يكون مبنيا للمفعول ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وأعطيت الكنز ين ‪ :‬الحمر والبيض قال القرطبي ‪ :‬عني به كنز كسرى ‪ ،‬وهو‬
‫ملك الفرس ‪ ،‬وكنز قيصر وهو ملك الروم وقصورهما وبلدهما ‪ .‬وقد قال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ " :‬والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل ال " وعبر بالحمر عن كنز قيصر لن الغالب‬
‫عند هم كالذ هب ‪ ،‬وبالب يض عن ك نز ك سرى لن الغالب عند هم كان الجو هر والف ضة ‪ .‬وو جد‬
‫ذلك في خلفة عمر ‪ .‬فإنه سيق إليه تاج كسرى وحليته وما كان في بيوت أمواله ‪ ،‬وجميع ما‬
‫حو ته مملك ته على سعتها وعظمت ها ‪ ،‬وكذلك ف عل ال بقي صر والب يض والح مر من صوبان‬
‫على البدل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإ ني سألت ر بي لم تي أن ل يهلك ها ب سنة بعا مة هكذا ث بت في أ صل الم صنف‬
‫رح مه ال بعا مة بالباء و هي روا ية صحيحة في صحيح م سلم و في بعض ها بحذف ها ‪ .‬قال‬
‫القرطبي ‪ :‬وكأنها زائدة لن عامة ‪ :‬صفة السنة ‪ ،‬والسنة الجدب الذي يكون به الهلك العام ‪،‬‬
‫ويسمى الجدب والقحط ‪ :‬سنة ‪ .‬يجمع على سنين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 130 : 7 ' :‬ولقد أخذنا‬
‫آل فرعون بالسنين " أي الجدب المتوالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬معن سعوى أنفسعهم أي معن غيرهعم معن الكفار معن إهلك بعضهعم بعضا ‪ ،‬وسعبى‬
‫بعضهعم بعضا ‪ ،‬كمعا هعو مبسعوط فعي التاريعخ فيمعا قيعل ‪ .‬وفعي زماننعا هذا ‪ ،‬نسعأل ال العفعو‬
‫والعافية ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فيستبيح بيضتهم قال الجوهري ‪ :‬بيضة كل شئ جوزته ‪ .‬وبيضة القوم ساحتهم ‪،‬‬
‫وعلى هذا فيكون معنى الحد يث ‪ :‬إن ال تعالى ل يسلط العدو على كافة المسلمين حتى يستبيح‬
‫جم يع ما حازوه من البلد والرض ‪ ،‬ولو اجت مع علي هم من بأقطار الرض و هي جوانب ها ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬بيضتهم معظمهم وجماعتهم ‪ ،‬وإن قلوا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ‪ ،‬ويسبى بعضهم بعضا والظاهر أن حتى عاطفة‬
‫‪ ،‬أو تكون لنتهاء الغاية ‪ ،‬أي إن أمر المة ينتهي إلى أن يكون بعضهم يهلك بعضا ‪ .‬وقد سلط‬
‫بعهضم على بعض كما هو الواقع ‪ ،‬وذلك لكثرة اختلفهم وتفرقهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإن ربعي قال ‪ :‬يعا محمعد ‪ ،‬إذا قضيعت قضاء فإنعه ل يرد قال بعضهعم ‪ :‬أي إذا‬
‫حك مت حكما مبرما نافذا فإ نه ل يرد ب شئ‪ ،‬ول يقدر أ حد على رده ‪ ،‬ك ما قال ال نبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ول راد لما قضيت ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬رواه البرقاني في صحيحه هو الحافظ الكبير أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد بن‬
‫غالب الخوارزمعي الشافععي ‪ .‬ولد سعنة سعت وثلثيعن وثلثمائة ومات سعنة خمعس وعشريعن‬
‫وأربعمائة ‪ .‬قال الخط يب ‪ :‬كان ثبتا ورعا ‪ ،‬لم نر في شيوخ نا أث بت م نه ‪ ،‬عارفا بالف قه كث ير‬
‫الت صانيف ‪ .‬صنف م سندا ضم نه ما أشت مل عل يه ال صحيحان ‪ .‬وج مع حد يث الثوري وحد يث‬
‫شعبة وطائفة ‪.‬‬
‫وهذا الحديث رواه أبو داود بتمامه بسنده إلى أبي قلبة عن أبي أسماء عن ثوبان رضي ال‬
‫عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " إن ال ع أو قال إن ربي ع زوى لي الرض‬
‫فأريت مشارق الرض ومغاربها ‪ ،‬وإن ملك أمتي سيبلغ ما زوى لي منها‪ .‬وأعطيت الكنزين ‪:‬‬
‫الح مر والب يض ‪ .‬وإ ني سألت لم تي أن ل يهلك ها ب سنة عا مة ول ي سلط علي هم عدوا سوى‬
‫أنفسهم فيستبيح بيضتهم ‪ .‬وأن ربي قال لي ‪ :‬يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد ‪ ،‬ول‬
‫أهلكهم بسنة عامة ‪ ،‬ول أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ‪ .‬وإن ربي قال لي‬
‫‪ :‬يا محمد إني إذا قضيت قضاء فإنه ل يرد ‪ ،‬ول أهلكهم بسنة عامة ‪ ،‬ول أسلط عليهم عدوا‬
‫من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بين أقطارها ع أو قال ‪ :‬بأقطارها ع‬
‫ح تى يكون بعض هم يهلك بعضا ‪ ،‬وح تى يكون بعض هم ي سبى بعضا ‪ .‬وإن ما أخاف على أم تي‬
‫الئمة المضلين ‪ .‬وإذا وضع السيف في أمتي لم يرفع عنها إلى يوم القيامة ‪ .‬ول تقوم الساعة‬
‫ح تى يل حق قبائل أمتي بالمشرك ين ‪ ،‬وح تى تع بد قبائل من أمتي الوثان وإنه سيكون في أمتي‬
‫كذابون ثلثون كلهم يزعم أنه نبي ‪ ،‬وأنا خاتم النبيين ل نبي بعدي ‪ ،‬ول تزال طائفة من أمتي‬
‫على الحق ع قال ابن عيسى ‪ :‬ظاهرين ثم اتفقا ل يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر ال تعالى‬
‫"‪.‬‬
‫وروى أبو داود أيضا عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫أنعه قال ‪ " :‬تدور رحعى السعلم لخمعس وثلثيعن ‪ ،‬أو سعت وثلثيعن ‪ ،‬أو سعبع وثلثيعن ‪ ،‬فإن‬
‫يهلكوا فسبيل من هلك ‪ ،‬وإن يقم لهم دينهم يقم سبعين عاما قلت ‪ :‬أمما بقى أو مما مضى ؟ قال‬
‫‪ :‬مما مضى " ‪.‬‬
‫وروى في سننه أيضا عن أبي هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪ ":‬يتقارب الزمان وين قص العلم ‪ ،‬وتظ هر الفتن ‪ ،‬ويل قى ال شح ‪ ،‬ويكثر الهرج ‪ ،‬ق يل ‪ :‬يا‬
‫رسول ال أيه هو ؟ قال ‪ :‬القتل القتل " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإنما أخاف على أمتي الئمة المضل ين أي المراء والعلماء والعباد فيحكمون فيهم‬
‫بغ ير علم فيضلون هم ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪ " ' 67 : 33 ' :‬وقالوا رب نا إ نا أطع نا سادتنا وكبراء نا‬
‫فأضلونا السبيل " وكان بعض هؤلء يقول لصحابه ‪ :‬من كان له حاجة فليأت إلى قبري فإني‬
‫أقضيهعا له ول خيعر فعي رجعل يحجبعه ععن أصعحابه ذراع معن تراب ‪ ،‬ونحعو هذا ‪ .‬وهذا هعو‬
‫الضلل البع يد‪ ،‬يد عو أ صحابه إلى أن يعبدوه من دون ال وي سألوه ما ل يقدر عل يه من قضاء‬
‫حاجاتهم وتفريج كرباتها ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪ " ' 13 ، 12 : 22 ' :‬يدعو من دون ال ما ل يضره‬
‫ومعا ل ينفععه ذلك هعو الضلل البعيعد * يدععو لمعن ضره أقرب معن نفععه لبئس المولى ولبئس‬
‫العشير " وقال تعالى ‪ " ' 3 : 25 ' :‬واتخذوا من دونه آلهة ل يخلقون شيئا وهم يخلقون ول‬
‫يملكون لنفسهم ضرا ول نفعا ول يملكون موتا ول حياة ول نشورا " وقال تعالى ‪17 : 29 ' :‬‬
‫' " فابتغوا عند ال الرزق واعبدوه واشكروا له إليه ترجعون " وأمثال هذا في القرآن كثير ‪،‬‬
‫يبين ال تعالى به الهدى من الضلل ‪.‬‬
‫ومن هذا الضرب ‪ :‬من يدعى أنه يصل مع ال إلى حال تسقط فيها عنه التكاليف ‪ ،‬ويدعى‬
‫أن الولياء يدعون ويستغاث بهم في حياتهم ومماتهم ‪ ،‬وأنهم ينفعون ويضرون ويدبرون المور‬
‫على سبيل الكرا مة ‪ ،‬وأ نه يطلع على اللوح المحفوظ ‪ ،‬يعلم أ سرار الناس و ما في ضمائر هم ‪،‬‬
‫ويجوز بناء المسعاجد على قبور النعبياء والصعالحين وإيقادهعا بالسعرج ونحعو ذلك معن الغلو‬
‫والفراط والعبادة لغير ال ‪ .‬فما أكثر هذا الهذيان والكفر والمحادة ل ولكتابه ولرسوله ‪.‬‬

‫إنما أخاف على أمتي الئمة المضلين‬


‫وقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬وإنما أخاف على أمتي الئمة المضلين " أتى بإنما التي قد‬
‫تأ تي للح صر بيانا لشدة خو فه على أم ته من أئ مة الضلل ‪ ،‬و ما و قع في خلد ال نبي صلى ال‬
‫عليه وسلم من ذلك إل لما أطلعه ال عليه من غيبه أنه سيقع نظير ما في الحديث قبله من قوله‬
‫‪ " :‬لتتبعن سنن من كان قبلكم ‪ " ...‬الحديث ‪.‬‬
‫و عن أ بي الدرداء ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ " :‬إن أخوف‬
‫ما أخاف على أمتي الئمة المضلون " رواه أبو داود الطيالسي ‪ .‬وعن ثوبان رضي ال عنه أن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬إنما أخاف على أمتي الئمة المضلين " رواه الدارمى ‪.‬‬
‫وقد بين ال تعالى في كتابه صراطه المستقيم الذي هو سبيل المؤمنين ‪ .‬فكل من أحدث حدثا‬
‫ليس في كتاب ال ول في سنة رسوله صلى ال عليه وسلم فهو ملعون وحدثه مردود ‪ ،‬كما قال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من أحدث حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة ال والملئكة والناس أجمعين‬
‫ل يقبل ال منه يوم القيامة صرفا ول عدلً " وقال ‪ " :‬من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد‬
‫" وقال ‪ " :‬كل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة " وهذه أحاديث صحيحة ‪ .‬ومدار أصول الدين‬
‫وأحكا مه على هذه الحاد يث ونحو ها ‪ .‬و قد ب ين ال تعالى هذا ال صل في موا ضع من كتا به‬
‫العزيز كما قال تعالى ‪ " ' 3 : 7 ' :‬اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من دونه أولياء‬
‫قليلً ما تذكرون " وقال تعالى ‪ " ' 18 : 45 ' :‬ثم جعلناك على شريعة من المر فاتبعها ول‬
‫تتبع أهواء الذين ل يعلمون " ونظائرها في القرآن كثير ‪.‬‬
‫وعن زياد بن حدير قال ‪ :‬قال لي عمر رضي ال عنه ‪ :‬هل تعرف ما يهدم السلم ؟ قلت‬
‫‪ :‬ل ‪ ،‬قال يهدمه زلة العالم ‪ ،‬وجدال المنافق بالكتاب ‪ ،‬وحكم الئمة المضلين رواه الدارمى ‪.‬‬
‫وقال يزيد بن عمير ‪ :‬كان معاذ بن جبل رضي ال عنه ل يجلس مجلسا للذكر إلى ويقول‬
‫‪ :‬ال حكم قسط ‪ :‬هلك المرتابون ع وفيه ‪ :‬فاحذروا زيغة الحكيم فإن الشيطان قد يقول الضللة‬
‫على لسعان الحكيعم ‪ ،‬وقعد يقول المنافعق كلمعة الحعق ‪ .‬قلت لمعاذ ‪ :‬ومعا يدرينعي رحمعك ال أن‬
‫الحك يم قد يقول كلمة الضللة ‪ ،‬والمنا فق قد يقول كلمة ال حق ؟ فقال ‪ :‬اجت نب من كلم الحك يم‬
‫المشتبهات ال تي يقول ‪ :‬ما هذه ‪ :‬ول يثن يك ذلك ع نه ‪ ،‬فإ نه لعله أن يرا جع ال حق ‪ ،‬وتلق ال حق‬
‫إذا سمعته ‪ ،‬فإن على الحق نورا رواه أبو داود وغيره ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإذا و قع ال سيف لم ير فع إلى يوم القيا مة وكذلك و قع ‪ .‬فإن ال سيف ل ما و قع بق تل‬
‫عثمان رضعي ال عنعه لم يرفعع ‪ ،‬وكذلك يكون إلى يوم القيامعة ‪ ،‬ولكعن قعد يكثعر تارة ويقعل‬
‫أخرى ‪ ،‬ويكون في جهة ويرتفع عن أخرى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول تقوم بال ساعة ح تى يل حق حي من أم تي بالمشرك ين ال حي وا حد الحياء و هي‬
‫القبائل ‪ :‬و في روا ية أ بي داود ح تى يل حق قبائل من أم تي بالمشرك ين والمع نى ‪ :‬أن هم يكونون‬
‫معهم ويرتدون برغبتهم عن أهل السلم ويلحقون بأهل الشرك ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬ح تى تع بد فئام من أم تى الوثان الفئام بك سر الفاء مهموز الجماعات ال كبيرة ‪ ،‬قاله‬
‫أبو السعادات ‪.‬‬
‫وفي رواية أبي داود ‪ :‬حتى تعبد قبائل من أمتي الوثان ‪.‬‬
‫وهذا هو شاهد الترجمة ‪ ،‬ففيه الرد على من قال بخلفه من عباد القبور الجاحدين لما يقع‬
‫من هم من الشرك بال بعبادت هم الوثان ‪ .‬وذلك لجهل هم بحقي قة التوح يد و ما يناق ضه من الشرك‬
‫والتنديد ‪ ،‬فالتوحيد هو أعظم مطلوب والشرك هو أعظم الذنوب ‪.‬‬
‫وفي معنى هذا الحديث ‪ :‬ما في الصحيحين عن أبي هريرة رضي ال عنه مرفوعا ‪ " :‬ل‬
‫تقوم الساعة حتى تضطرب أليات نساء دوس على ذي الخلصة قال ‪ :‬وذو الخلصة طاغية دوس‬
‫التي كانوا يعبدون في الجاهلية " وروى ابن حبان عن معمر قال ‪ :‬إن عليه الن بيتا مبنيا مغلقا‬
‫‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال في قصة هدم اللت ‪ ،‬لما أسلمت ثقيف ‪ :‬فيه أنه ل يجوز‬
‫إبقاء مواضعع الشرك والطواغيعت بععد القدرة على هدمهعا وإبطالهعا يوما واحدا ‪ ،‬وكذا حكعم‬
‫المشاهد التي بنيت على القبور ‪ ،‬والتي اتخذت أوثانا تعبد من دون ال ‪ ،‬والحجار التي تقصد‬
‫لل تبرك والنذر ل يجوز إبقاء شئ من ها على و جه الرض مع القدرة على إزالت ها ‪ ،‬وكثير من ها‬
‫بمنزلة اللت والعزى ومناة‪ ،‬أو أع ظم شركا عند ها وب ها ‪ .‬فات بع هؤلء سنن من كان قبل هم ‪،‬‬
‫وسعلكوا سعبيلهم حذو القذة بالقذة ‪ ،‬وغلب الشرك على أكثعر النفوس ‪ ،‬لظهور الجهعل وخفاء‬
‫العلم ‪ ،‬وصعار المعروف منكرا والمنكعر معروفا ‪ ،‬والسعنة بدععة والبدععة سعنة ‪ ،‬وطمسعت‬
‫العلم ‪ ،‬واشتدت غربة السلم ‪ ،‬وقل العلماء ‪ ،‬وغلب السفهاء ‪ ،‬وتفاقم المر ‪ ،‬واشتد البأس ‪،‬‬
‫وظ هر الف ساد ‪ ،‬في البر والب حر ب ما ك سبت أيدي الناس ‪ ،‬ول كن ل تزال طائ فة من الع صابة‬
‫المحمدية بالحق قائمين ‪ ،‬ولهل الشرك والبدع مجاهدين ‪ ،‬إلى أن يرث ال الرض ومن عليها‬
‫وهو خير الوارثين ا هع ملخصا ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فإذا كان هذا في القرن السابع وقبله ‪ ،‬فما بعده أعظم فسادا كما هو الواقع ‪.‬‬

‫سيكون في أمتي كذابون ثلثة‬


‫وقوله ‪ :‬وإنه سيكون في أمتي كذابون ثلثون كلهم يزعم أنه نبي قال القرطبي ‪ :‬وقد جاء‬
‫عدد هم معينا في حد يث حذي فة قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ " :‬يكون في أم تي‬
‫كذابون دجالون سبع وعشرون ‪ ،‬منهم أربع نسوة " أخرجه أبو نعيم ‪ .‬وقال ‪ :‬هذا حديث غريب‬
‫‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وحديث ثوبان أصح من هذا ‪.‬‬
‫قال القاضي عياض ‪ :‬عد من تنبأ من زمن رسول ال صلى ال عليه وسلم إلى الن ممن‬
‫اشتهعر بذلك وعرف وأتبععه جماععة على ضللة ‪ .‬فوجعد هذا العدد فيهعم ‪ ،‬ومعن طالع كتعب‬
‫الخبار والتواريخ عرف صحة هذا ‪.‬‬
‫وقال الحا فظ ‪ :‬و قد ظ هر م صداق ذلك في ز من ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬فخرج‬
‫مسيلمة الكذاب باليمامة ‪ ،‬والسود العنسي باليمن ‪ ،‬وفي خلفة أبي بكر ‪ :‬طليحة بن خويلد في‬
‫بني أسد بن خزيمة ‪ ،‬وسجاح في بني تميم ‪ ،‬وقتل السود قبل أن يموت النبي صلى ال عليه‬
‫و سلم ‪ ،‬وق تل م سيلمة في خل فة أ بي ب كر ر ضي ال ع نه ‪ ،‬قتله وح شي قا تل حمزة يوم أ حد ‪،‬‬
‫وشاركه في قتل مسيلمة يوم اليمامة رجل من النصار ‪ ،‬وتاب طليحة ومات على السلم في‬
‫ز من ع مر ر ضي ال ع نه‪ .‬ون قل أن سجاح تا بت أيضا‪ .‬ثم خرج المختار بن أ بي عب يد الثق في‬
‫وغلب على الكوفة في أول خلفة الزبير ‪ .‬وأظهر محبة أهل البيت ودعا الناس إلى طلب قتلة‬
‫الح سين ‪ ،‬فتتبع هم فق تل كثيرا م من با شر ذلك ‪ ،‬وأعان عل يه ‪ .‬فأح به الناس ‪ ،‬ثم اد عى النبوة‬
‫وز عم أن جبريلً عل يه ال سلم يأت يه ‪ .‬ومن هم الحرث الكذاب ‪ ،‬خرج في خل فة ع بد الملك بن‬
‫مروان فقتل ‪ .‬وخرج في خلفة بني العباس جماعة ‪.‬‬
‫ول يس المراد بالحد يث من اد عى النبوة مطلقا ‪ .‬فإن هم ل ي صحون كثرة لكون غالب هم تن شأ‬
‫دعوته عن جنون أو سوداء ‪ .‬وإنما المراد من قامت له شوكة وبدأ له شبهة كمن وصفنا ‪ .‬وقد‬
‫أهلك ال تعالى من وقع له منهم ذلك وبقي منهم من يلحقه بأصحابه وآخرهم الدجال الكبر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وأنا خاتم النبيين قال الحسن ‪ .‬الخاتم الذي ختم به يعني أنه آخر النبيين ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪ " ' 40 : 33 ':‬ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول ال وخاتم النبيين " وإنما‬
‫ينزل عي سى ا بن مر يم في آ خر الزمان حاكما بشري عة مح مد صلى ال عل يه و سلم م صليا إلى‬
‫قبلته ‪ .‬فهو كأحد من أمته ‪ ،‬بل هو أفضل هذه المة ‪ .‬قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬والذي‬
‫نفسي بيده لينزلن فيكم ابن مريم حكما مقسطا ‪ .‬فليكسرن الصليب ‪ ،‬وليقتلن الخنزير ‪ ،‬وليضعن‬
‫الجزية " ‪.‬‬

‫الطائفة المنصورة أهل الحق‬


‫قوله ‪ :‬ول تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة ل يضرهم من خذلهم ول من خالفهم‬
‫قال يزيد بن هرون ‪ ،‬وأحمد بن حنبل ‪ :‬إن لم يكونوا أهل الحديث فل أدري من هم ؟ ‪.‬‬
‫قال ابن المبارك وعلى بن المديني ‪ ،‬وأحمد بن سنان والبخاري وغيرهم إنهم أهل الحديث‬
‫وعن ابن المديني رواية هم العرب واستدل برواية من روى ‪ ،‬هم أهل الغرب ‪ .‬وفسر الغرب‬
‫بالدلو العظيمة ‪ ،‬لن العرب هم الذين يستقون بها ‪.‬‬
‫قال النووي ‪ :‬يجوز أن تكون الطائفعة جماععة متعددة معن أنواع المؤمنيعن معا بيعن شجاع‬
‫وبصير بالحرب ‪ ،‬وفقيه ومحدث ومفسر ‪ ،‬وقائم بالمر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ .‬وزاهد‬
‫وعابعد ‪ ،‬ول يلزم أن يكونوا مجتمعيعن فعي بلد واحعد ‪ ،‬بعل يجوز اجتماعهعم فعي قطعر واحعد ‪،‬‬
‫وافتراق هم في أقطار الرض ‪ ،‬ويجوز أن يجتمعوا في البلد الوا حد وأن يكونوا في ب عض دون‬
‫ب عض م نه ‪ ،‬ويجوز إخلء الرض من بعض هم أولً بأول إلى أن ل يب قى إل فر قة واحدة ببلد‬
‫واحد ‪ ،‬فإذا انقرضوا جاء أمر ال ‪ .‬ا هع ملخصا مع زيادة فيه ‪ .‬قاله الحافظ ‪.‬‬
‫قال القر طبي ‪ :‬وف يه دليل على أن الجماع ح جة لن المة اجتم عت ف قد د خل فيهم الطائ فة‬
‫المنصورة ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال ‪ :‬وفي الية العظيمة ‪ :‬أنهم مع قلتهم ل يضرهم من خذلهم ول من‬
‫خالفهم ‪ .‬وفيه البشارة بأن الحق ل يزول بالكلية ‪.‬‬
‫قتل ‪ :‬واحتج به المام أحمد على أن الجتهاد ل ينقطع ما دامت هذه الطائفة موجودة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬حتى يأتي أمر ال الظاهر أن المراد به ما روى من قبض من بقي من المؤمنين‬
‫بالريح الطي بة ‪ ،‬ووقوع اليات العظام ‪ ،‬ثم ل يبقى إل شرار الناس ‪ ،‬ك ما روى الحا كم أن عبد‬
‫ال بن عمر قال ‪ :‬ل تقوم الساعة إل على شرار الخلق ‪ ،‬هم شر أهل الجاهلية فقال عقبة بن‬
‫عا مر لع بد ال ‪ :‬اعلم ما تقول ‪ ،‬وأ ما أ نا ف سمعت ال نبي صلى ال عل يه و سلم يقول ‪ :‬ل تزال‬
‫عصابة من أمتي يقاتلون على أمر ال ظاهرين ل يضرهم من خالفهم حتى تأتيهم الساعة وهم‬
‫على ذلك قال ع بد ال ‪ :‬ويب عث ال ريحا ريح ها الم سك ‪ ،‬وم سها مس الحر ير فل تترك أحدا‬
‫في قلبه مثقال ذرة من إيمان إل قبضته ‪ ،‬ثم يبقى شرار الناس فعليهم تقوم الساعة وفي صحيح‬
‫مسلم ‪ :‬ل تقوم الساعة حتى ل يقال في الرض ال ال ‪.‬‬
‫وعلى هذا فالمراد بقوله في حديث عقبة وما أشبهه حتى تأتيهم الساعة ساعتهم وهي وقت‬
‫موتهم بهبوب الريح ‪ .‬ذكره الحافظ ‪.‬‬
‫وقد اختلف في محل هذه الطائفة ‪ ،‬فقال ابن بطال ‪ :‬إنها تكون في بيت المقدس ‪ ،‬كما رواه‬
‫الطبراني من حديث أبي أمامة قيل‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أين هم ؟ قال ‪ :‬بيت المقدس وقال معاذ‬
‫بن جبل رضي ال عنه ‪ :‬هم بالشام وفي كلم الطبري ما يدل على أنه ل يجب أن تكون في‬
‫الشام أو في بيت المقدس دائما ‪ ،‬بل قد تكون في موضع آخر في بعض الزمنة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ويشهعد له الواقعع وحال أهعل الشام وأهعل بيعت المقدس ‪ ،‬فإنهعم معن أزمنعة طويلة ل‬
‫يعرف فيهم من قام بهذا المر بعد شيخ السلم ابن تيمية رضي ال عنه وأصحابه في القرن‬
‫السعابع وأول الثامعن ‪ ،‬فإنهعم كانوا فعي زمانهعم على الحعق يدعون إليعه ‪ ،‬ويناظرون عليعه ‪،‬‬
‫ويجاهدون فيه ‪ .‬وقد يجيء من أمثالهم بعد بالشام من يقوم مقامهم بالدعوة إلى الحق والتمسك‬
‫بالسنة ‪ .‬وال على كل شئ قدير ‪.‬‬
‫ومما يؤيد هذا أن أهل الحق والسنة في زمن الئمة الربعة وتوافر العلماء في ذلك الزمان‬
‫وقبله وبعده لم يكونوا في محل واحد ‪ ،‬بل هم في غالب المصار في الشام منهم الئمة ‪ ،‬وفي‬
‫الحجار وفعي مصعر ‪ ،‬وفعي العراق واليمعن ‪ ،‬وكلهعم على الحعق يناضلون ‪ ،‬ويجاهدون أهعل‬
‫البدع ‪ ،‬ولهم المصنفات التي صارت أعلما لهل السنة ‪ ،‬وحجة على كل مبتدع ‪.‬‬
‫فعلى هذا ‪ ،‬فهذه الطائفة قد تجتمع وقد تتفرق ‪ ،‬وقد تكون في الشام ‪ ،‬وقد تكون في غيره ‪،‬‬
‫فإن حديث أبي أمامة ‪ ،‬وقول معاذ ‪ ،‬ل يفيد حصرها بالشام وإنما يفيد أنها تكون في الشام في‬
‫مصر بعض الزمنة ل في كلها ‪.‬‬
‫وكل جملة من هذا الحديث علم من أعلم النبوة ‪ ،‬فإن كل ما أخبر به النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم في هذا الحديث وقع كما أخبر صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬تبارك وتعالى قال ابن القيم ‪ :‬البركة نوعان ‪:‬‬
‫أحده ما ‪ :‬بر كة هي فعلة والف عل من ها بارك ‪ ،‬ويتعدى بنف سه تارة وبأداة على تارة ‪ ،‬وبأداة‬
‫في تارة‪ ،‬والمفعول منها مبارك‪ .‬وهو ما جعل منها كذلك ‪ ،‬فكان مباركا بجعله تعالى ‪.‬‬
‫والنوع الثا ني ‪ :‬بر كة تضاف إل يه إضا فة الرح مة والعزة ‪ ،‬والف عل من ها تبارك ‪ ،‬ولهذا ل‬
‫يقال لغيره ذلك ‪ ،‬ول يصعلح إل له ععز وجعل ‪ ،‬فهعو سعبحانه المتبارك ‪ ،‬وعبده ورسعوله‬
‫المبارك ‪ ،‬ك ما قال الم سيح عل يه ال سلم ‪ " ' 30 : 19 ' :‬وجعل ني مبار كا أ ين ما ك نت " ف من‬
‫يبارك ال فيه وعليه فهو المبارك ‪.‬‬
‫وأما صفة تبارك فمختصة به ‪ ،‬كما أطلقه على نفسه في قوله ‪ " ' 54 : 7 ' :‬تبارك ال رب‬
‫العالم ين " ' ‪ " ' 1 : 76‬تبارك الذي بيده الملك و هو على كل ش يء قد ير " أفل ترا ها ك يف‬
‫اطردت فعي القرآن جاريعة عليعه مختصعة بعه ‪ ،‬ل تطلق على غيره ؟ وجاءت على بناء السععة‬
‫والمبالغعة ‪ ،‬كتعالى وتعاظعم ونحوه ‪ ،‬فجاء بناء تبارك على بناء تعالى الذي هعو دال على كمال‬
‫العلو ونهايته ‪ ،‬فكذلك تبارك دال على كمال بركته وعظمته وسعتها ‪ .‬وهذا معنى قول من قال‬
‫من السلف تبارك تعاظم ‪ .‬وقال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬جاء بكل بركة ‪.‬‬

‫ما هو الجبت والطاغوت‬


‫قوله ‪ :‬قال عمر رضي ال عنه ‪ :‬الجبت ‪ :‬السحر ‪ .‬والطاغوت ‪ :‬الشيطان هذا الثر رواه‬
‫ابن أبي حاتم وغيره ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال جابر ‪ :‬الطواغ يت كهان كان ينزل علي هم الشيطان ‪ ،‬في كل حي وا حد هذا‬
‫الثر رواه ا بن أ بي حا تم بنحوه مطولً عن و هب بن من به قال ‪ :‬سألت جابر بن ع بد ال عن‬
‫الطواغ يت ال تي كانوا يتحاكمون إلي ها ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن في جهي نة واحدا ‪ ،‬و في أ سلم واحدا ‪ ،‬و في‬
‫هلل واحدا ‪ ،‬وفي كل حي واحدا ‪ ،‬وهم كهان كانت تنزل عليهم الشياطين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال جابر هو عبد ال بن حرام النصاري ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬الطواغيت كهان أراد أن الكهان من الطواغيت ‪ :‬فهو من إفراد المعنى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كان ينزل عليهعم الشيطان أراد الجنعس ل الشيطان الذي هعو إبليعس خاصعة ‪ ،‬بعل‬
‫تنزل عليهعم الشياطيعن ويخاطبونهعم ويخعبرونهم بمعا يسعترقون معن السعمع ‪ ،‬فيصعدقون مرة‬
‫ويكذبون مائة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فعي كعل حعي واحعد الحعي واحعد الحياء ‪ ،‬وهعم القبائل ‪ ،‬أي فعي كعل قعبيلة كاهعن‬
‫يتحاكمون إل يه وي سألونه عن الغ يب ‪ ،‬وكذلك كان المر ق بل مبعث ال نبي صلى ال عليه و سلم‬
‫فأبطل ال ذلك بالسلم وحرست السماء بكثرة الشهب ‪.‬‬

‫السبع الموبقات‬
‫قوله ‪ :‬وععن أبعي هريرة رضعي ال عنعه قال ‪ :‬قال رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم ‪" :‬‬
‫اجتنبوا ال سبع الموبقات ‪ ،‬قالوا ‪ :‬يا ر سول ال و ما هن ؟ قال ‪ :‬الشرك بال ‪ ،‬وال سحر ‪ ،‬وق تل‬
‫الن فس ال تي حرم ال إل بال حق ‪ ،‬وأ كل الر با ‪ ،‬وأ كل مال اليت يم ‪ ،‬والتولي يوم الز حف ‪ ،‬وقذف‬
‫المحصنات الغافلت المؤمنات " ‪.‬‬
‫كذا أورده المصنف غير معزو ‪ .‬وقد رواه البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬اجتنبوا أي ابعدوا ‪ ،‬وهعو أبلغ معن قوله ‪ :‬دعوا واتركوا ‪ ،‬لن النهعي ععن القربان‬
‫أبلغ ‪ ،‬كقوله ‪ " ' 141 : 6 ' :‬ول تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬الموبقات بموحدة وقاف ‪ .‬أي المهلكات‪ .‬وسميت هذه موبقات لنها تهلك فاعلها في‬
‫الدنيا بما يترتب عليها من العقوبات‪ ،‬وفي الخرة من العذاب ‪.‬‬
‫وفي حديث ابن عمر عند البخاري في الدب المفرد والطبري في التفسير ‪ ،‬وعبد الرزاق‬
‫مرفوعا وموقوفا قال ‪ :‬الكبائر ت سع ع وذ كر ال سبع المذكورة ع وزاد ‪ :‬واللحاد في الحرم ‪،‬‬
‫وعوق الوالدين ولبن أبي حاتم عن علي قال ‪ :‬الكبائر ع فذكر السبع ع إل مال اليتيم ‪ ،‬وزاد‬
‫ع العقوق ‪ ،‬والتعرب بعد الهجرة ‪ ،‬وفراق ‪ :‬الجماعة ونكث الصفقة ‪.‬‬
‫قال الحافظ ‪ :‬ويحتاج عندي هذا الجواب عن الحكمة في القتصار على سبع ‪.‬‬
‫ويجاب ‪ :‬بأن مفهوم العدد ليعس بحجعة وهعو ضعيعف ‪ ،‬أو بأنعه أعلم أو ل بالمذكورات‪ .‬ثعم‬
‫أعلم بما زاد ‪ ،‬فيجب الخذ بالزائد ‪ ،‬أو أن القتصار وقع بحسب المقام بالنسبة إلى السائل ‪.‬‬
‫و قد أخرج ال طبراني وإ سماعيل القا ضي عن ا بن عباس أ نه ق يل له ‪ :‬الكبائر سبع قال ‪:‬‬
‫هن أكثر من سبع وسبع وفي رواية هي إلى سبعين أقرب وفي رواية ‪ :‬إلى السبعمائة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال الشرك بال هو أن يج عل ل ندا يدعوه ويرجوه ‪ ،‬ويخا فه ك ما يخاف ال ‪ ،‬بدأ‬
‫به لنه أعظم ذنب عصى ال به ‪ ،‬كما في الصحيحين عن ابن مسعود " سألت النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أي الذنب أعظم عند ال ؟ قال ‪ :‬أن تجعل ل ندا وهو خلقك ‪ "... ،‬الحديث ‪ ،‬وأخرج‬
‫الترمذي ب سنده عن صفوان بن ع سال قال ‪ :‬قال يهودي ل صاحبه ‪ :‬اذ هب ب نا إلى هذا ال نبي ‪،‬‬
‫فقال له صاحبه ‪ :‬ل ت قل نبي ‪ ،‬إ نه لو سمعك لكان له أر بع أع ين ‪ ،‬فأت يا ر سول ال صلى ال‬
‫عل يه و سلم ف سأله عن ت سع آيات بينات ‪ ،‬فقال ال نبي صلى ال عل يه و سلم ‪ " :‬ل تشركوا بال‬
‫شيئا ‪ ،‬ول ت سرقوا ‪ ،‬ول تزنوا ‪ ،‬ول تقتلوا الن فس ال تي حرم ال إل بال حق ‪ ،‬ول تمشوا ببريء‬
‫إلى ذي سلطان ليقتله ‪ ،‬ول ت سحروا ‪ ،‬ول تأكلوا الر با ‪ ،‬ول تقذفوا مح صنة ‪ ،‬ول تولوا للفرار‬
‫يوم الزحف ‪ ،‬وعليكم خاصة اليهود أن ل تعدوا في السبت ‪ .‬فقبل يديه ورجليه ‪ .‬وقال ‪ :‬نشهد‬
‫أنك نبي ‪ "...‬الحديث ‪ .‬وقال ‪ :‬حسن صحيح ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬السحر تقدم معناه ‪ .‬وهذا وجه مناسبة الحديث للترجمة ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬وقتل النفس التي حرم ال أي حرم قتلها ‪ .‬وهي نفس المسلم المعصوم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إل بال حق أي بأن تف عل ما يو جب قتل ها ‪ .‬كالشرك والن فس بالن فس ‪ ،‬والزا ني ب عد‬
‫الحصان ‪ ،‬وكذا قتل المعاهد ‪ ،‬كما في الحديث "من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة " ‪.‬‬
‫واختلف العلماء فيمن قتل مؤمنا متعمدا ‪ ،‬وهل له توبة أم ل ؟ فذهب ابن عباس وأبو هريرة‬
‫وغيره ما إلى أ نه ل تو بة له ‪ ،‬ا ستدللً بقوله تعالى ‪ " ' 93 : 4 ' :‬و من يق تل مؤمنا متعمدا‬
‫فجزاؤه جهنم خالدا فيها " وقال ابن عباس نزلت هذه الية وهي آخر ما نزل وما نسخها شئ‬
‫وفي رواية ‪ :‬لقد نزلت في آخر ما نزل وما نسخها شئ حتى قبض رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسعلم ومعا نزل وحعي وروى فعي ذلك آثار تدل لمعا ذهعب إليعه هؤلء ‪ ،‬كمعا عنعد المام أحمعد‬
‫والنسائي وابن المنذر عن معاوية ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ " :‬كل ذنب‬
‫عسى ال أن يغفره إل الرجل يموت كافرا أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا " ‪.‬‬
‫وذ هب جمهور المة سلفا وخلفا إلى أن القا تل له توبة في ما بي نه وبين ال ‪ ،‬فإن تاب وأناب‬
‫عمل صالحا بدل ال سيئاته حسنات ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ 68 : 25 ' :‬ع ‪ " ' 71‬والذين ل يدعون‬
‫مع ال إلها آخر ول يقتلون النفس التي حرم ال إل بالحق ول يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاما‬
‫* يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا * إل من تاب وآمن وعمل عمل صالحا "‬
‫اليات ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ومن يقتل مؤمنا متعمدا قال أبو هريرة وغيره هذا جزاؤه إن جازاه ‪.‬‬
‫وقد روى عن ابن عباس ما يوافق قول الجمهور ‪ ،‬فروى عبد بن حميد والنحاس عن سعيد‬
‫بن عبادة أن ا بن عباس ر ضي ال ع نه كان يقول ‪ :‬ل من ق تل مؤمنا تو بة وكذلك ا بن ع مر‬
‫رضي ال عنهما ‪ .‬وروى مرفوعا " أن جزاءه جهنم إن جازاه " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وآ كل الر با أي تناوله بأي و جه كان ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪ 275 : 2 ' :‬ع ‪" ' 280‬‬
‫الذ ين يأكلون الر با ل يقومون إل ك ما يقوم الذي يتخب طه الشيطان من ال مس " اليات ‪ .‬قال ا بن‬
‫دقيق العيد ‪ :‬وهو مجرب لسوء الخاتمة ‪ .‬نعوذ بال من ذلك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وآكل مال اليتيم يعني التعدي فيه ‪ .‬وعبر بالكل لنه أعم وجوه النتفاع ‪ ،‬كما قال‬
‫تعالى ‪ "7 10 : 4 ' :‬إن الذيعن يأكلون أموال اليتامعى ظلما إنمعا يأكلون فعي بطونهعم نارا‬
‫وسيصلون سعيرا " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬والتولي يوم الز حف أي الدبار عن الكفار و قت التحام القتال ‪ ،‬وإن ما يكون كبيرة‬
‫إذا فر إلى غير فئة أو غير متحرف لقتال ‪ .‬كما قيد به في الية ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقذف المح صنات الغافلت المؤمنات و هو بف تح ال صاد ‪ :‬المحفوظات من الز نا ‪،‬‬
‫وبكسرها الحافظات فروجهن منه ‪ ،‬والمراد بالحرائر العفيفات ‪ ،‬والمراد رميهن بزنا أو لواط ‪.‬‬
‫والغافلت ‪ ،‬أي عن الفواحش وما رمين به ‪ .‬فهو كناية عن البريئات ‪ .‬لن الغافل بريء عما‬
‫بهت به ‪ .‬والمؤمنات ‪ ،‬أي بال تعالى احترازا من قذف الكافرات ‪.‬‬

‫حد الساحر ‪ :‬ضربه بالسيف‬


‫قوله ‪ :‬و عن جندب مرفوعا " حد ال ساحر ضر به بال سيف " رواه الترمذي وقال ‪ :‬ال صحيح‬
‫أنه موقوف ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن جندب ظا هر صنيع ال طبراني في ال كبير أ نه جندب بن ع بد ال البجلي ‪ .‬ل‬
‫جندب الخير الزدي قاتل الساحر فإنه رواه في ترجمة جندب البجلي من طريق خالد العبد عن‬
‫الحسعن ععن جندب ععن النعبي صعلى ال عليعه وسعلم ‪ .‬وخالد العبعد ضعيعف ‪ .‬قال الحافعظ ‪:‬‬
‫والصواب أنه غيره ‪ .‬وقد رواه ابن قانع والحسن بن سفيان من وجهين عن الحسن عن جندب‬
‫الخ ير ‪ :‬أ نه جاء إلى ساحر فضر به بال سيف ح تى مات ‪ ،‬وقال ‪ :‬سمعت ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يقول ع فذكره وجندب الخير هو جندب بن كعب ‪ ،‬وقيل‪ :‬جندب بن زهير ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫ه ما وا حد ‪ ،‬ك ما قال ا بن حبان ‪ :‬أ بو ع بد ال الزدي الغامدي صحابي روى ا بن ال سكن من‬
‫حديث بريدة أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬يضرب ضربة واحدة فيكون أمة واحدة "‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬حد الساحر ضربه بالسيف وروى بالهاء وبالتاء ‪ ،‬وكلهما صحيح ‪.‬‬
‫وبهذا الحد يث أ خذ مالك وأح مد وأ بو حني فة فقالوا ‪ :‬يق تل ال ساحر ‪ .‬وروى ذلك عن ع مر ‪،‬‬
‫وعثمان ‪ ،‬وا بن ع مر ‪ ،‬وحف صة ‪ ،‬وجندب بن ع بد ال ‪ ،‬وجندب بن ك عب ‪ ،‬وق يس ا بن سعد ‪،‬‬
‫وعمر بن عبد العزيز ‪ ،‬ولم ير الشافعي القتل عليه بمجرد السحر إل إن عمل في سحره ما يبلغ‬
‫الكفر ‪ .‬وبه قال ابن المنذر وهو رواية عن أحمد ‪ .‬والول أولى للحديث ولثر عمر ‪ ،‬وعمل به‬
‫الناس في خلفته من غير نكير ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و في صحيح البخاري عن بجالة بن عبدة قال ‪ :‬ك تب ع مر بن الخطاب أن اقتلوا‬
‫كل ساحر وساحرة ‪ .‬قال فقتلنا ثلث سواحر ‪.‬‬
‫هذا الثر رواه البخاري كما قال المصنف رحمه ال ‪ ،‬لكن لم يذكر قتل السواحر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن بجالة بفتح الموحدة بعدها جيم ‪ ،‬ابن عبدة بفتحتين ‪ ،‬التميمي العنبري بصرى‬
‫ثقة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كتب إلينا عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة وظاهره أنه يقتل من غير‬
‫استتابة ‪ .‬وهو كذلك على المشهور عن أحمد ‪ ،‬وبه قال مالك ‪ ،‬لن علم السحر ل يزول بالتوبة‬
‫‪ .‬وعن أحمد يستتاب ‪ ،‬فإن تاب قبلت توبته ‪ ،‬وبه قال الشافعي لن ذنبه ل يزيد عن الشرك ‪،‬‬
‫والمشرك يستتاب وتقبل توبته ولذلك صح إيمان سحرة فرعون وتوبتهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وصح عن حفصة أنها أمرت بقتل جارية لها سحرتها فقتلت ‪.‬‬
‫هذا الثر وراه مالك في الموطأ ‪.‬‬
‫وحف صة هي أم المؤمن ين ب نت ع مر بن الخطاب تزوج ها ال نبي صلى ال عل يه و سلم ب عد‬
‫خينس بن حذافة وماتت سنة خمس وأربعين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وكذلك صح عن جندب أشار المصنف بهذا إلى قتلة الساحر كما رواه البخاري في‬
‫تاري خه عن أ بي عثمان النهدي قال ‪ :‬كان ع ند الول يد ر جل يل عب فذ بح إن سانا وأبان رأ سه‬
‫فعجب نا ‪ ،‬فأعاد رأ سه فجاء جندب الزدى فقتله ورواه البيه قي في الدلئل مطولً ‪ .‬وف يه فأمر‬
‫به الوليد فسجن فذكر القصة بتمامها ولها طرق كثيرة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال أح مد عن ثلث من أ صحاب ال نبي صلى ال عل يه و سلم أح مد هو المام ا بن‬
‫محمد بن حنبل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن ثل ثة أي صح ق تل ال ساحر عن ثل ثة ‪ ،‬أو جاء ق تل ال ساحر عن ثل ثة من‬
‫أصحاب النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬يعني عمر ‪ ،‬وحفصة ‪ ،‬وجندبا ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫باب بيان شيء من أنواع السحر‬


‫قوله ‪ :‬باب ( بيان شئ من أنواع السحر )‬
‫قلت ‪ :‬ذ كر الشارح رح مه ال تعالى ها ه نا شيئا من الخوارق وكرامات الولياء وذ كر ما‬
‫اغ تر به كث ير من الناس من الحوال الشيطان ية ال تي غرت كثيرا من العوام والجهال ‪ ،‬وظنوا‬
‫أن ها تدل على ولية من جرت على يديه ممن هو من أولياء الشيطان ل من أولياء الرحمن ثم‬
‫قال ‪ :‬ولشيخ السلم كتاب الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان فراجعه ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قال رحمعه ال تعالى قال أحمعد ‪ :‬حدثنعا محمعد بعن جعفعر ‪ .‬حدثنعا عوف ععن حيان ابعن‬
‫العلء ‪ ،‬حدثنا قطن بن قبيصة عن أبيه أنه سمع النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬إن العيافة ‪،‬‬
‫والطرق ‪ ،‬والطيرة معن الجبعت " قال عوف ‪ :‬العيافعة زجعر الطيعر ‪ ،‬والطرق الخعط يخعط فعي‬
‫الرض ‪ ،‬والجبت ‪ :‬قال الحسن ر نة الشيطان إسناده جيد ‪ .‬ولبي داود والنسائي وابن حبان‬
‫في صحيحه ‪ :‬المسند منه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال أحمد هو المام أحمد بن محمد بن حنبل ‪.‬‬
‫ومحمعد بعن جعفعر هعو المشهور بغندر الهذلي البصعري ‪ ،‬ثقعة مشهور ‪ ،‬مات سعنة سعت‬
‫ومائتين ‪.‬‬
‫وعوف هو ابن أبي جميلة ع بفتح الجيم ع العبدي البصري ‪ ،‬المعروف بعوف العرابي ‪،‬‬
‫ثقة مات سنة ست أو سبع وأربعين ‪ ،‬وله ست وثمانون سنة ‪.‬‬
‫وحيان بن العلء هو بالتحتية ‪ ،‬ويقال حيان بن مخارق ‪ ،‬أبو العلء البصري ‪ ،‬مقبول ‪.‬‬
‫وقطن ‪ ،‬بفتحتين أبو سهل البصري صدوق ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن أب يه هو قبي صة ع بف تح أوله ع ا بن مخارق ع ب ضم الم يم ع أ بو ع بد ال‬
‫الهللي ‪ .‬صحابي ‪ ،‬نزل البصرة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إن العيا فة والطرق والطيرة من الج بت قال عوف ‪ :‬العيا فة ز جر الط ير والتفاؤل‬
‫بأسعمائها وأصعواتها وممرهعا ‪ ،‬وهعو معن عادات العرب ‪ ،‬وكثيعر معن أشعارهعم ‪ ،‬يقال ‪ :‬عاف‬
‫يعيف عيفا ‪ ،‬إذا زجر وحدس وظن ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬والطرق الخط يخط الرض كذا فسره عوف ‪ ،‬وهو كذلك ‪.‬‬
‫وقال أ بو ال سعادات ‪ :‬هو الضرب بالح صى الذي يفعله الن ساء ‪ .‬وأ ما الطيرة فيأ تي الكلم‬
‫عليها في بابها إن شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من الجبت أي السحر ‪ .‬قال القاضي ‪ :‬والجبت في الصل الفضل الذي ل خير فيه‬
‫‪ ،‬ثم استعير لما يعبد من دون ال ‪ ،‬وللساحر والسحر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال الحسن ‪ :‬رنة الشيطان قلت ‪ :‬ذكر إبراهيم بن محمد بن مفلح أن في تفسير بقي‬
‫بن مخلد أن إبليس رن أربع رنات ‪ :‬رنة حين لعن ‪ ،‬ورنة حين أهبط ‪ ،‬ورنة حين ولد رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬ور نة ح ين نزلت فات حة الكتاب ‪ .‬قال سعيد بن جي ير ‪ :‬ل ما ل عن ال‬
‫تعالى إبليس تغيرت صورته عن صورة الملئكة ‪ ،‬ورن رنة ‪ ،‬فكل رنة منها في الدنيا إلى يوم‬
‫القيا مة ‪ .‬رواه ا بن أ بي حا تم ‪ .‬و عن سعيد بن جبير عن ا بن عباس قال ‪ :‬ل ما ف تح ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم مكة رن إبليس رنة اجتمعت إليه جنوده ‪ .‬رواه الحافظ الضياء في المختارة‬
‫‪ :‬الرنين الصوت ‪ .‬وقد رن يرن رنينا ‪ ،‬وبهذا يظهر معنى قول الحسن رحمه ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولبي داود وابن حبان في صحيحه ‪ :‬المسند منه ولم يذكر التفسير الذي فسره به‬
‫عوف ‪ .‬وقد رواه أبو داود بالتفسير المذكور بدون كلم الحسن ‪.‬‬

‫من اقتبس شعبة من النجوم‬


‫قوله ‪ :‬وعن أبي عباس رضي ال عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬من‬
‫اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر ‪ ،‬زاد ما زاد " رواه أبو داود بإسناد صحيح‬
‫وكذا صححه النووي والذهبي ورواه أحمد وابن ماجه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من اقتبس قال أبو السعادات ‪ :‬قبست العلم واقتبسته إذا علمته ا هع ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬شعبة أي طائفة من النجوم علم ‪ .‬والشعبة الطائفة ‪ .‬ومنه الحديث " الحياة شعبة من‬
‫اليمان " أي جزء منه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقد اقتبس شعبة من السحر المحرم تعلمه ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم رح مه ال تعالى ‪ :‬ف قد صرح ر سول ال صلى ال عل يه و سلم بأن علم‬
‫النجوم من السحر ‪ ،‬وقال تعالى ‪ " ' 69 : 20 ' :‬ول يفلح الساحر حيث أتى " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬زاد ما زاد من تعلم علم النجوم زاد في ال ثم الحا صل بزيادة القتباس من شع به ‪،‬‬
‫فإن ما يعتقده في النجوم من التأثير باطل ‪ ،‬كما أن تأثير السحر باطل ‪.‬‬

‫من سحر فقد أشرك‬


‫قوله ‪ :‬وللنسائي من حديث أ بي هريرة ر ضي ال عنه ‪ " :‬من عقد عقدة ثم نفث في ها ف قد‬
‫سحر ‪ .‬و من سحر ف قد أشرك ‪ .‬و من تعلق شيئا و كل إل يه " هذا حد يث ذكره الم صنف من‬
‫حديث أبي هريرة وعزاه للنسائي ‪ .‬وقد رواه النسائي مرفوعا وحسنه ابن مفلح ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وللنسائي هو المام الحافظ أحمد بن شعيب بن علي بن سنان بن بحر بن دينار أبو‬
‫عبد الرحمن صاحب السنن وغيرها ‪ .‬وروى عن محمد بن المثنى وابن بشار وقتيبة وخلق ‪،‬‬
‫وكان إل يه المنت هي في العلم بعلل الحد يث ‪ ،‬مات سنة ثلث وثلثمائة ‪ ،‬وله ثمان وثمانون سنة‬
‫رحمه ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من عقد عقدة ثم نفث فيها فقد سحر اعلم أن السحرة إذا أرادوا عمل السحر عقدوا‬
‫الخيوط ونفثوا على كل عقدة ‪ ،‬حتى ينعقد ما يريدون من السحر ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ " :‬ومن شر‬
‫النفاثات في العقد " يعني السواحر اللتي يفعلن ذلك ‪ ،‬والنفث هو النفخ مع الريق ‪ ،‬وهو دون‬
‫الت فل ‪ .‬والن فث ف عل ال ساحر ‪ ،‬فإذا تكي فت نف سه بالخ بث وال شر الذي يريده الم سحور وي ستعين‬
‫عليه بالرواح الخبيثة نفخ في تلك العقيدة نفخا معه ريق ‪ .‬فيخرج من نفسه الخبيثة نفس ممازج‬
‫للشعر والذى مقارن للريعق الممارج لذلك ‪ ،‬وقعد يتسعاعد هعو والروح الشيطانيعة على أذى‬
‫المسحور فيصيبه بإذن ال الكونى القدرى ل الشرعي ‪ ،‬قاله ابن القيم رحمه ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ومعن سعحر فقعد أشرك نعص فعي أن السعاحر مشرك ‪ ،‬إذا ل يتأتعى السعحر بدون‬
‫الشرك كما حكاه الحافظ عن بعضهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ومن تعلق شيئا وكل إليه أي من تعلق قلبه شيئا ‪ :‬بحيث يعتمد عليه ويرجوه وكله‬
‫ال إلى ذلك الشئ ‪ .‬فمن تعلق على ربه وإلهه وسيده وموله رب كل شئ ومليكه ‪ ،‬كفاه ووقاه‬
‫وحفظه وتوله ‪ .‬فنعم المولى ونعم النصير ‪ .‬قال تعالى‪ " ' 36 : 39 ' :‬أليس ال بكاف عبده "‬
‫ومن تعلق على السحرة والشياطين وغيرهم من المخلوقين وكله ال إلى من تعلق فهلك ‪ .‬ومن‬
‫تأمل ذلك في أحوال الخلق ونظر بعين البصيرة رآى ذلك عيانا ‪ ،‬وهذا من جوامع الكلم ‪ .‬وال‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وعن ابن مسعود رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬أل هل‬
‫أنبئكم ما العضه ؟ هي النميمة ‪ ،‬القالة بين الناس " رواه مسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أل هل أنبئكم أخبركم و العضه بفتح المهملة وسكون المعجمة ‪ ،‬قال أبو السعادات‬
‫‪ :‬هكذا يروي في كتب الحديث ‪ .‬والذي في كتب الغريب أل أنبئكم ما العضه بكسر العين‬
‫وفتح الضاد ‪ .‬قال الزمخشري ‪ :‬أصلها العضهة فعلة من العضة وهو البهت ‪ .‬فحذفت لمه ‪،‬‬
‫ك ما حذ فت من ال سنة والش فة ‪ ،‬وتج مع على عض ين ث من ف سره بقوله ‪ :‬هي النمي مة القالة ب ين‬
‫فأطلق عليها العضه لنها ل تنفك من الكذب والبهتان غالبا ‪ .‬ذكره القرطبي ‪.‬‬
‫وذكر ابن عبد البر عن يحيى بن أبي كثير قال ‪ :‬يفسد النمام والكذاب في ساعة ما ل يفسد‬
‫الساحر في سنة ‪ .‬وقال أبو الخطاب في عيون المسائل ‪ :‬ومن السحر السعي بالنميمة والفساد‬
‫بين الناس ‪ .‬قال في الفروع ‪ :‬ووجهه أن يقصد الذى بكلمه وعمله على وجه المكر والحيلة ‪،‬‬
‫أش به ال سحر ‪ ،‬وهذا يعرف بالعرف والعادة أ نه يؤ ثر وين تج ما يعمله ال سحر ‪ ،‬أو أك ثر فيع طى‬
‫حكمه تسوية بين المتماثلين أو المتقاربين ‪ .‬لكن يقال ‪ :‬الساحر إنما يكفر لوصف السحر وهو‬
‫أمر خاص ودليله خاص ‪ ،‬وهذا ليس بساحر ‪ .‬وإنما يؤثر عمله ما يؤثره فيعطي حكمه إل فيما‬
‫اختص به من الكفر وعدم قبول التوبة ‪ .‬انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫وبه يظهر مطابقة الحديث للترجمة ‪ .‬وهو يدل على تحريم النميمة ‪ ،‬وهو مجمع عليه قال‬
‫ابن حزم رحمه ال ‪ :‬اتفقوا على تحريم الغيبة والنميمة في غير النصيحة الواجبة ‪ .‬وفيه دليل‬
‫على أنها من الكبائر ‪.‬‬
‫قوله ‪:‬القالة بين الناس قال أبو السعادات ‪ :‬أي كثرة القول وإيقاع الخصومة بين الناس ومنه‬
‫الحديث ‪" :‬فشت القالة بين الناس"‪.‬‬

‫إن من البيان لسحرا‬


‫قال ‪ :‬ولهما عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬إن من البيان لسحر "‬
‫البيان البلغة والفصاحة ‪ .‬قال صعصعة بن صوحان ‪ :‬صدق نبي ال ‪ ،‬فإن الرجل يكون عليه‬
‫ال حق وهو أل حن بالح جج من صاحب ال حق ‪ ،‬فيسحر القوم ببيانه فيذ هب بال حق وقال ا بن عبد‬
‫البر تأوله طائفة على الذم ‪ .‬لن السحر مذموم ‪ ،‬وذهب أكثر أهل العلم وجماعة أهل الدب إلى‬
‫أ نه على المدح ‪ .‬لن ال تعالى مدح البيان ‪ .‬قال ‪ :‬و قد قال ع مر بن ع بد العز يز لر جل سأله‬
‫عن حا جة فأح سن الم سألة فأعج به قوله ‪ .‬قال ‪ :‬هذا ول ال سحر الحلل انت هى ‪ .‬والول أ صح‬
‫والمراد به البيان الذي فيه تمويه على السامع وتلبيس ‪ ،‬كما قال بعضهم ‪:‬‬
‫والحق قد يعتريه سوء تعبير‬ ‫في زخرف القول تزيين لباطله‬
‫مأخوذ من قول الشاعر ‪:‬‬
‫وإن تشأ قلت ‪ :‬ذا قيء الزنابير‬ ‫تقول ‪ :‬هذا مجاج النحل ‪ ،‬تمدحه‬
‫والحق قد يعتريه سوء تعبير‬ ‫مدحا وذما ‪ ،‬وما جاوزت وصفهما‬
‫قوله ‪ :‬إن من البيان لسحرا هذا من التشبيه البليغ ‪ ،‬لكون ذلك يعمل عمل السحر ‪ ،‬فيجعل‬
‫الحق في قالب الباطل ‪ ،‬والباطل في قالب الحق ‪ .‬فيستميل به قلوب الجهال ‪ ،‬حتى يقبلوا الباطل‬
‫وينكروا الحق ‪ ،‬ونسأل ال الثبات والستقامة على الهدى ‪.‬‬
‫وأ ما البيان الذي يو ضح ال حق ويقرره ‪ ،‬ويب طل البا طل و يبينه ‪ .‬فهذا هو الممدوح ‪ .‬وهكذا‬
‫حال الرسل وأتباعهم ‪ ،‬ولهذا علت مراتبهم في الفضائل وعظمت حسناتهم ‪.‬‬
‫وبالجملة فالبيان ل يحمعد إل إذا لم يخرج إلى حعد السعهاب والطناب ‪ ،‬وتغطيعة الحعق ‪،‬‬
‫وتحسعين الباطعل ‪ .‬فإذا خرج إلى هذا فهعو مذموم ‪ .‬وعلى هذا تدل الحاديعث كحديعث الباب‬
‫وحد يث " إن ال يب غض البل يغ من الرجال الذي يتخلل بل سانه ك ما تتخلل البقرة بل سانها " رواه‬
‫أحمد وأبو داود ‪.‬‬

‫باب ما جاء في الكهانة‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ما جاء في الكهان ونحوهم )‬
‫الكا هن هو الذي يأخذ عن م سترق السمع ‪ ،‬وكانوا قبل المبعث كثيرا ‪ .‬وأما ب عد المبعث‬
‫فإنهم قليل ‪ .‬لن ال تعالى حرس السماء بالشهب ‪ .‬وأكثر ما يقع في هذه المة ما يخبر به الجن‬
‫أولياء هم من ال نس عن الشياء الغائ بة ب ما ي قع في الرض من الخبار ‪ ،‬فيظ نه الجا هل كشفا‬
‫وكرامة ‪ ،‬وقد اغتر بذلك كثير من الناس يظنون المخبر لهم بذلك عن الجن وليا ل ‪ .‬وهو من‬
‫أولياء الشيطان ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪ " ' 128 : 6 ' :‬ويوم يحشر هم جميعا يا مع شر ال جن قد‬
‫استكثرتم من النس وقال أولياؤهم من النس ربنا استمتع بعضنا ببعض وبلغنا أجلنا الذي أجلت‬
‫لنا قال النار مثواكم خالدين فيها إل ما شاء ال إن ربك حكيم عليم " ‪.‬‬

‫من أتى عرافا فصدقه ل تقبل له صلة‬


‫قوله ‪ :‬روى م سلم في صحيحه عن ب عض أزواج ال نبي صلى ال عل يه و سلم عن ال نبي‬
‫صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬من أ تى عرافا ف سأله عن شئ ‪ ،‬ف صدقه ب ما يقول ‪ ،‬لم تق بل له‬
‫صلة أربعين يوما " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن بعض أزواج النبي صلى ال عليه وسلم هي حفصة ‪ ،‬ذكره أبو مسعود الثقفي ‪.‬‬
‫لنه ذكر هذا الحديث في الطراف في مسندها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬معن أتعى عرافا سعيأتي بيان العراف إن شاء ال تعالى ‪ .‬وظاهعر هذا الحديعث أن‬
‫الوع يد مر تب على مجيئه و سؤاله ‪ ،‬سواء صدقه أو شك في خبره ‪ .‬فإن في ب عض روايات‬
‫الصحيح "من أتى عرافا فسأله عن شئ لم تقبل له صلة أربعين ليلة " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬لم تقبل له صلة إذا كانت هذه حال السائل ‪ ،‬فكيف بالمسئول ؟ قال النووي وغيره‬
‫‪ :‬معناه أنه ل ثواب له فيها ‪ ،‬وإن كانت مجزئة بسقوط الفرض عنه ‪ ،‬ول بد من هذا التأويل‬
‫في هذا الحديث ‪ ،‬فإن العلماء متفقون على أنه ل يلزم من أتى العراف إعادة صلة أربعين ليلة‬
‫‪ .‬ا هع ملخصا ‪.‬‬
‫وفي الحديث النهي عن إتيان الكاهن ونحوه ‪ .‬قال القرطبي ‪ :‬يجب على من قدر على ذلك‬
‫من محت سب وغيره أن يق يم من يتعا طى شيئا من ذلك من ال سواق وين كر علي هم أ شد النك ير ‪،‬‬
‫وعلى من يج يء إلي هم ‪ ،‬ول يغ تر ب صدقهم في ب عض المور ول بكثرة من يج يء إلي هم من‬
‫ينتسب إلى العلم ‪ ،‬فإنهم غير راسخين في العلم بل من الجهال بما في إتيانهم من المحذور ‪.‬‬

‫من أتى كاهنا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد‬
‫قال ‪ :‬عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬من أتى كاهنا‬
‫فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم " رواه أبو داود ‪.‬‬
‫و في روا ية أ بي داود أو أ تى امرأة ع قال م سدد ‪ :‬امرأ ته حائضا ع أو أ تى امرأة ‪ .‬قال‬
‫م سدد ‪ :‬امرأ ته في دبر ها ع ف قد بر يء م ما أنزل على مح مد صلى ال عل يه و سلم فنا قل هذا‬
‫الحديث من السنن حذف منه هذه الجملة واقتصر على ما يناسب الترجمة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وللربعة والحاكم ع وقال صحيح على شرطهما عن النبي صلى ال عليه وسلم من‬
‫أتى عرافا أو كاهنا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫هكذا بيعض المصعنف لسعم الراوي ‪ .‬وقعد رواه أحمعد والبيهقعي والحاكعم ععن أبعي هريرة‬
‫مرفوعا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من أ تى كاهنا قال بعض هم ل تعارض ب ين هذا وب ين حد يث من أ تى عرافا ف سأله‬
‫عن شئ لم تقبل له صلة أربعين ليلة هذا على قول من يقول هو كفر دون كفر ‪ ،‬أما على قول‬
‫من يقول بظاهر الحديث فيسأل عن وجه الجمع بين الحديثين ‪ .‬وظاهر الحديث أن يكفر متى‬
‫اعتقد صدقه بأي وجه كان ‪ .‬وكان غالب الكهان قبل النبوة إنما كانوا يأخذون عن الشياطين ‪.‬‬
‫قوله ‪:‬فقعد كفعر بمعا أنزل على محمعد صعلى ال عليعه وسعلم قال القرطعبي ‪ :‬المراد بالمنزل‬
‫الكتاب وال سنة ‪ .‬ا ه ع ‪ .‬و هل الك فر في هذا المو ضع ك فر دون ك فر ‪ ،‬فل ين قل عن الملة ‪ ،‬أم‬
‫يتو قف ف يه ‪ ،‬فل يقال يخرج عن الملة ول يخرج ؟ وهذا أش هر الروايت ين عن أح مد رح مه ال‬
‫تعالى ‪.‬‬

‫قال ‪ :‬ولبي يعلى بسند جيد عن ابن مسعود مثله مرفوعا ‪.‬‬
‫أبو يعلى اسمه أحمد بن علي بن المثنى الموصلى المام صاحب التصانيف كالمسند وغيره‬
‫‪ .‬روى عن يحيى بن معين وأبى بكر بن أبي شيبة وخلق ‪ .‬وكان من الئمة الحفاظ ‪ ،‬مات سنة‬
‫سبع وثلثمائة ‪ ،‬وهذا الثر رواه البزار أيضا ولفظه ‪ :‬من أتى كاهنا أو ساحرا فصدقه بما يقول‬
‫فقد كفر بما أنزل على محمد صلى ال عليه وسلم وفيه دليل على كفر الكاهن والساحر لنهما‬
‫يدعيان علم الغيب وذلك كفر ‪ ،‬والمصدق لهما يعتقد ذلك ويرضى به وذلك كفر أيضا ‪.‬‬

‫التحذير من الطيرة ‪ .‬والكهانة والسحر‬


‫قال ‪:‬وعن عمران بن حصين رضي ال عنه مرفوعا " ليس منا من تطير أو تطير له ‪ ،‬أو‬
‫تك هن أو تك هن له ‪ ،‬أو سحر أو سحر له‪ .‬و من أ تى كاهنا ف صدقه ب ما يقول ف قد ك فر ب ما أنزل‬
‫على محمد صلى ال عليه وسلم " رواه البزار بإسناد جيد ‪ ،‬ورواه الطبراني في الوسط بإسناد‬
‫حسن من حديث ابن عباس دون قوله ‪ :‬ومن أتى كاهنا ‪ ....‬الحديث ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ليعس منعا فيعه وعيعد شديعد يدل على أن هذه المور معن الكبائر وتقدم أن الكهانعة‬
‫والسحر كفر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من تط ير أي ف عل الطيرة أو تط ير له أي ق بل قول المتط ير له وتاب عه كذا مع نى أو‬
‫تكهن أو تكهن له كالذي يأتي الكاهن ويصدقه ويتابعه ‪ ،‬وكذلك من عمل الساحر له السحر ‪.‬‬
‫ف كل من تل قى هذه المور ع من تعاطا ها ف قد بر يء م نه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫لكون ها إ ما شركا ‪ ،‬كالطيرة ‪ ،‬أو كفرا كالكها نة وال سحر ‪ ،‬ف من ر ضي بذلك وتا بع عل يه ف هو‬
‫كالفاعل لقبوله الباطل واتباعه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬رواه البزار هو أح مد بن ع مر بن ع بد الخالق ‪ ،‬أ بو ب كر البزار الب صري صاحب‬
‫المسند الكبير ‪ .‬وروى عن ابن بشار وابن المثنى وخلق ‪ ،‬مات سنة اثنتين وتسعين ومائتين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال البغوي إلى آخره البغوي عع بفتحتيعن عع هعو الحسعين بعن مسععود الفراء‬
‫الشاف عي ‪ ،‬صاحب الت صانيف وعالم أ هل خرا سان ‪ ،‬كان ث قة ‪ ،‬فقيها زاهدا ‪ ،‬مات في شوال‬
‫سنة ست عشرة وخمسمائة رحمه ال تعالى ‪.‬‬

‫من هو الكاهن والعراف‬


‫قوله ‪ :‬العراف ‪ :‬الذي يدعى معرفة المور ظاهرة ‪ :‬أن العراف هو الذي يخبر عن الوقائع‬
‫كالسرقة وسارقها والضالة ومكانها ‪.‬‬
‫وقال ش يخ ال سلم ا بن تيم ية رح مه ال تعالى ‪ :‬إن العراف ا سم للكا هن والمن جم والرمال‬
‫ونحوهم ‪ ،‬كالحارز الذي يدعى علم الغيب أو يدعى الكشف ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬والمنجم يدخل في اسم العراف ‪ ،‬وعند بعضهم هو معناه ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬والمن جم يد خل في ا سم الكا هن عند الخطابي وغيره من العلماء ‪ ،‬وحكى ذلك‬
‫عن العرب ‪ .‬وعند آخرين هو من جنس الكاهن ‪ ،‬وأسوء حالً منه ‪ ،‬فيلحق به من جهة المعنى‬
‫‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬العرافة طرف من السحر ‪ .‬والساحر أخبث ‪.‬‬
‫وقال أبعو السععادات ‪ :‬العراف المنجعم ‪ ،‬والحارز الذي يدععى علم الغيعب ‪ ،‬وقعد اسعتأثر ال‬
‫تعالى به ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ :‬من اشتهر بإحسان الزجر عندهم سموه عائفا ‪ ،‬وعرافا ‪.‬‬
‫والمقصود من هذا ‪ :‬معرفة أن من يدعى معرفة علم الشئ من المغيبات فهو إما داخل في‬
‫ا سم الكا هن ‪ ،‬وإ ما مشارك له في المع نى فيل حق به ‪ .‬وذلك أن إ صابة الم خبر بب عض المور‬
‫الغائ بة في ب عض الحيان يكون بالك شف ‪ .‬وم نه ما هو من الشياط ين ويكون بالفأل والز جر‬
‫والطيرة والضرب بالحصى والخط في الرض والتنجيم والكهانة والسحر ‪ ،‬ونحو هذا من علوم‬
‫الجاهل ية ‪ ،‬ونع نى بالجاهل ية كل من ل يس من أتباع الر سل علي هم ال سلم ‪ ،‬كالفل سفة والكهان‬
‫والمنجمين ‪ ،‬وجاهلية العرب الذين كانوا قبل مبعث النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فإن هذا علوم‬
‫لقوم ليس لهم علم بما جاءت به الرسل صلى ال عليهم وسلم ‪ ،‬وكل هذه المور تسمى صاحبها‬
‫كاهنا أو عرافا أو في معناه ما ‪ ،‬ف من أتا هم ف صدقهم ب ما يقولون لح قه الوع يد ‪ .‬و قد ورث هذه‬
‫العلوم عن هم أقوام فادعوا ب ها علم الغ يب الذي ا ستأثر ال بعل مه ‪ ،‬وادعوا أن هم أولياء وأن ذلك‬
‫كرامة ‪.‬‬
‫ول ريب أن من ادعى الولية ‪ ،‬واستدل بإخباره ببعض المغيبات فهو من أولياء الشيطان ل‬
‫معن أولياء الرحمعن ‪ ،‬إن الكرامعة أمعر يجريعه ال على يعد عبده المؤمعن التقعى ‪ ،‬إمعا بدعاء أو‬
‫أعمال صعالحة ل صعنع للولي فيهعا ‪ ،‬ول قدرة له عليهعا ‪ ،‬بخلف معن يدععى أنعه ولي ويقول‬
‫للناس ‪ :‬اعلموا أ ني أعلم المغيبات ‪ ،‬فإن هذه المور قد تح صل ب ما ذكر نا من ال سباب ‪ ،‬وإن‬
‫كانت أسبابا محرمة كاذبة في الغالب ‪ ،‬ولهذا قال النبي صلى ال عليه وسلم في وصف الكهان‬
‫‪ :‬فيكذبون معها مائة كذبة فبين أنهم يصدقون مرة ويكذبون مائة ‪ ،‬وهكذا حال من سلك سبيل‬
‫الكهان ممن يدعى الولية تزكية النفس المنهي عنها بقوله ‪ " ' 32 : 53 ' :‬فل تزكوا أنفسكم "‬
‫وليس هذا من شأن الولياء ‪ ،‬فإن شأنهم الزراء على نفوسهم وعيبهم لها ‪ ،‬وخوفهم من ربهم ‪،‬‬
‫فكيعف يأتون الناس ويقولون ‪ :‬اعرفوا أننعا أولياء ‪ ،‬وأنعا نعلم الغيعب ؟ وفعي ضمعن ذلك طلب‬
‫المنزلة في قلوب الخلق واقتناص الدن يا بهذه المور‪ .‬وح سبك بحال ال صحابة والتابع ين ر ضي‬
‫ال عن هم ‪ ،‬و هم سادات الولياء ‪ ،‬أفكان عند هم من هذه الدعاوى والشطحات شئ ؟ ل وال بل‬
‫كان أحدهعم ل يملك نفسعه معن البكاء إذا قرآ القرآن ‪ ،‬كالصعديق رضعي ال عنعه ‪ ،‬وكان عمعر‬
‫رضي اله عنه يسمع نشيجه من وراء الصفوف يبكي في صلته ‪ ،‬وكان يمر بالية في ورده‬
‫من الليل فيمرض منها ليالي يعودونه ‪ ،‬وكان تميم الداري يتقلب على فراشه ول يستطيع النوم‬
‫إل قليلً خوفا من النار ثم يقوم إلى صلته ‪ .‬ويكفيك في صفات الولياء ما ذكره ال تعالى في‬
‫صفاتهم في سورة الر عد والمؤمن ين والفرقان والذاريات والطور فالمت صفون بتلك ال صفات هم‬
‫الولياء الصفياء ‪ ،‬ل أهل الدعوى والكذب ومنازعة رب العالمين فيما اختص به من الكبرياء‬
‫والعظ مة وعلم الغ يب ‪ ،‬بل مجرد دعواه علم الغ يب ك فر ‪ .‬فك يف يكون المد عى لذلك وليا ل ؟‬
‫ولقعد عظعم الضرر واشتعد الخطعب بهؤلء المفتريعن الذيعن ورثوا هذه العلوم ععن المشركيعن ‪،‬‬
‫ولبسوا بها على خفافيش القلوب ‪ :‬نسأل ال السلمة والعافية في الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫قوله ‪:‬وقال ابن عباس في قوم يكتبون أ با جاد إلى آخره هذا الثر رواه الطبراني عن ابن‬
‫عباس مرفوعا ‪ .‬وإ سناده ضع يف ‪ .‬ولف ظه " رب معلم حروف أ بي جاد دارس في النجوم ل يس‬
‫له عند ال خلق يوم القيامة " ورواه حمد بن زنجويه عنه بلفظ رب ناظر في النجوم ومتعلم‬
‫حروف أبي جاد ليس له عند ال خلق ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ما أرى بجوز فتح الهمزة بمعنى ‪ :‬ل أعلم ‪ .‬ويجوز ضمها بمعنى ‪ :‬ل أظن وكتابه‬
‫أ بي جاد وتعلم ها ل من يد عى ب ها علم الغ يب هو الذي ي سمى علم الحرف ‪ ،‬و هو الذي جاء في‬
‫الوعيد ‪ ،‬فأما تعلمها للتهجي وحساب الحمل فل بأس به ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وينظرون في النجوم أي يعتقدون أن لها تأثيرا كما سيأتي في باب التنجيم ‪ .‬وفيه من‬
‫الفوائد عدم الغترار بما يؤتاه أهل الباطل من معارفهم وعلومهم كما قال تعالى ‪' 83 : 40 ' :‬‬
‫" فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون " ‪.‬‬

‫باب ما جاء في النشرة ‪ ،‬وما هي النشرة‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ‪ :‬ما جاء في النشرة )‬
‫ب ضم النون ‪ ،‬ك ما في القاموس ‪ ،‬قال أ بو ال سعادات ‪ :‬النشرة ضرب من العلج والرق ية ‪،‬‬
‫يعالج به من يظن أن به مسا من الجن ‪ ،‬سميت نشرة لنه ينشر بها عنه ما خامره من الداء ‪،‬‬
‫أي يكشف ويزال ‪.‬‬
‫قال الحسن ‪ :‬النشرة من السحر ‪ .‬وقد نشرت عنه تنشيرا ‪ ،‬ومنه الحديث ‪ :‬فلعل طبا أصابه‬
‫‪ ،‬ثم نشره بقل أعوذ برب الناس أي رقاه ‪.‬‬
‫وقال ا بن الجوزي ‪ :‬النشرة حل ال سحر عن الم سحور ‪ .‬ول يكاد يقدر عل يه إل من يعرف‬
‫السحر ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬عن جابر رضي ال عنهما أن رسول ال صلى ال عليه وسلم سئل عن النشرة ؟ فقال‬
‫‪ " :‬هي من الشيطان " رواه أحمد بسند جيد ‪ .‬وأبو داود وقال ‪ :‬سئل أحمد عنها فقال ‪ :‬ابن‬
‫مسعود يكره هذا كله ‪.‬‬
‫هذا الحديث رواه أحمد ورواه عنه أبو داود في سننه ‪ .‬والفضل بن زياد في كتاب المسائل‬
‫عن ع بد الرزاق عن عق يل بن مع قل بن من به عن جابر فذكره قال ا بن مفلح ‪ :‬إ سناد ج يد ‪،‬‬
‫وحسن الحافظ إسناده ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬سعئل ععن النشرة واللف واللم فيالنشرة للعهعد أي النشرة المعهودة التعي كان أهعل‬
‫الجاهلية يصنعونها هي من عمل الشيطان ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال ‪ :‬سئل أح مد عن ها فقال ‪ :‬ا بن م سعود يكره هذا كله أراد أح مد رح مه ال أن‬
‫ابن مسعود يكره النشرة التي هي من عمل الشيطان كما يكره تعليق التمائم مطلقا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وللبخاري عن قتادة ‪ :‬قلت لبن الم سيب ر جل به طب أو يؤ خذ عن امرأ ته أي حل‬
‫عنه ‪ ،‬أو ينشر ؟ قال ‪ :‬ل بأس به ‪ :‬إنما يريدون به الصلح فأما ما ينفع فلم ينه عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن قتادة هو ا بن دعامة ع بك سر الدال ع الدو سي ث قة فق يه من أح فظ التابعين ‪.‬‬
‫قالوا إنه ولد أكمه ‪ .‬مات سنة بضع عشرة ومائة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬رجل به طب بكسر الطاء ‪ .‬أي سحر ‪ ،‬يقال ‪ :‬طب الرجل ع بالضم ع ذا سحر ‪.‬‬
‫ويقال ‪ :‬كنوا عن السحر بالطب تفاؤلً ‪ .‬كما يقال للديغ ‪ :‬سليم ‪.‬‬
‫وقال ابن النباري ‪ :‬الطب من الضداد ‪ .‬يقال لعلج الداء طب ‪ ،‬والسحر من الداء يقال له‬
‫طب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬يؤ خذ بف تح الواو مهموزة وتشد يد الخاء المعج مة وبعد ها ذال معج مة ‪ .‬أي يح بس‬
‫عن امرأته ول يصل إلى جماعها ‪ .‬والخذة ع بضم الهمزة ع الكلم الذي يقوله الساحر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أيحل بضم الياء وفتح الحاء مبنى للمفعول ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أو ينشر بتشديد المعجمة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل بأس بعه يعنعي أن النشرة ل بأس بهعا لنهعم يريدون بهعا الصعلح ‪ ،‬أي إزالة‬
‫السحر ‪ ،‬ولم ينه عما يراد به الصلح ‪ ،‬وهذا من ابن المسيب يحمل على نوع من النشرة ل‬
‫يعلم أنه سحر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وروى الحسن أنه قال ‪ :‬ل يحل السحر إل ساحر هذا الثر ذكره ابن الجوزي في‬
‫جامع المسانيد ‪.‬‬
‫والحسن هو ابن أبي الحسن واسمه ‪ :‬يسار ع بالتحتية والمهملة ع البصرى النصاري ‪:‬‬
‫مولهعم ‪ .‬ثقعة فقيعه ‪ ،‬إمام معن خيار التابعيعن ‪ .‬مات سعنة عشرة ومائة رحمعه ال ‪ ،‬وقعد قارب‬
‫التسعين ‪.‬‬
‫قوله * ‪ :‬قال ابن القيم ‪ :‬النشرة حل السحر عن المسحور ‪ ،‬وهي نوعان ‪ ،‬حل بسحر مثله‬
‫‪ ،‬و هو الذي من ع مل الشيطان ع إلى آخره * وم ما جاء في صفة النشرة الجائزة ‪ :‬ما رواه‬
‫ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ليث بن أبي سليم قال ‪ :‬بلغني أن هؤلء اليات شفاء من السحر‬
‫بإذن ال ‪ ،‬تقرأ في إناء فيه ماء ‪ ،‬ثم يصب على رأس المسحور ‪ :‬الية التي في سورة يونس ‪:‬‬
‫' ‪ " ' 82 ، 81 : 10‬فلما ألقوا قال موسى ما جئتم به السحر إن ال سيبطله إن ال ل يصلح‬
‫عمل المفسدين * ويحق ال الحق بكلماته ولو كره المجرمون " وقوله ‪ 118 : 7 ' :‬ع ‪" ' 120‬‬
‫فو قع ال حق وب طل ما كانوا يعملون " إلى آ خر اليات الر بع ‪ .‬وقوله ‪ " ' 69 : 20 ' :‬إن ما‬
‫صنعوا كيد ساحر ول يفلح الساحر حيث أتى " ‪.‬‬
‫وقال ابن بطال ‪ :‬في كتاب وهب بن منبه ‪ :‬أنه يأخذ سبع ورقات من سدر أخضر فيدقه بين‬
‫حجرين ثم يضربه بالماء ويقرأ فيه آية الكرسي والقواقل ثم يحسو منه ثلث حسوات ثم يغتسل‬
‫به يذهب عنه كل مابه ‪ ،‬هو جيد للرجل إذا حبس عن أهله ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬قول العلمة ابن القيم والثاني النشرة بالرقية والتعوذات والدعوات والدوية المباحة‬
‫فهو جائز يشير رحمه ال إلى مثل هذا ‪ ،‬وعليه يحمل كلم من أجاز النشرة من العلماء ‪.‬‬
‫والحا صل ‪ :‬أن ما كان م نه بال سحر فيحرم ‪ ،‬و ما كان بالقرآن والدعوات والدو ية المبا حة‬
‫فجائز ‪ :‬وال أعلم ‪.‬‬

‫ما هي النشرة‬

‫باب ما جاء في التطير‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ‪ :‬ما جاء في التطير )‬
‫أي من النهي عنه والوعيد فيه ‪ ،‬مصدر تطير يتطير ‪ ،‬و الطيرة بكسر الطاء وفتح الياء ‪،‬‬
‫و قد ت سكن ا سم م صدر من تط ير طيرة ‪ ،‬ك ما يقال تخ ير خيرة ‪ ،‬ولم يج يء في الم صادر على‬
‫هذه الزنة غيرهما ‪ ،‬وأصله التطير بالسوانح والبوارح من الطير والظباء وغيرهما ‪ ،‬وكان ذلك‬
‫يصدهم عن مقاصدهم ‪ ،‬فنفاه الشارع وأبطله ‪ ،‬وأخبر أنه ل تأثير له في جلب نفع ول دفع ضر‬
‫‪.‬‬
‫قال المدائني سألت رؤبه بن العجاج قلت ‪ :‬ما السانح ؟ قال ‪ :‬ما ولك ميامنه ‪ .‬قلت ‪ :‬فما‬
‫البارح ؟ قال ‪ :‬ما ولك مياسره ‪ .‬والذي يجيء من أمامك فهو الناطح والنطيح ‪ ،‬والذي يجيء‬
‫من خلفك فهو القاعد والقعيد ‪.‬‬
‫ولمعا كانعت الطيرة معن الشرك المنافعي لكمال التوحيعد الواجعب لكونهعا معن إلقاء الشيطان‬
‫وتخويفه ووسوسته ذكرها المصنف رحمه ال في كتاب التوحيد تحذيرا مما ينافي كما التوحيد‬
‫الواجب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 131 : 7 ' :‬أل إنما طائرهم عند ال " ‪ ...‬الية ذكر تعالى‬
‫هذه الية في سياق قوله ‪ " :‬فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى‬
‫و من م عه " ال ية ‪ .‬المع نى ‪ :‬أن آل فرعون كانوا إذا أ صابتهم الح سنة ‪ ،‬أي الخ صب وال سعة‬
‫والعافيعة ‪ ،‬كمعا فسعره مجاهعد وغيره عع قالوا ‪ :‬لنعا هذه ‪ ،‬أي نحعن الجديرون والحقيقيون بعه ‪،‬‬
‫ونحعن أهله ‪ .‬وإن تصعبهم سعيئة ‪ .‬أي بلء وقحعط تطيروا بموسعى ومعن مععه ‪ ،‬فيقولون ‪ :‬هذا‬
‫ب سبب مو سى وأ صحابه أ صابنا بشؤم هم فقال ال تعالى ‪ " :‬أل إن ما طائر هم ع ند ال " قال ا بن‬
‫عباس طائر هم ‪ :‬ماق ضى علي هم وقدر ل هم و في روا ية شؤم هم ع ند ال و من قبله أي إن ما‬
‫جاءهم الشؤم من قبله بكفرهم وتكذيبهم بآياته ورسله ‪.‬‬
‫عم جهال ل يدرون ‪ .‬ولو فهموا وعقلوا‬
‫عم ل يعلمون " أي أن أكثرهع‬
‫عن أكثرهع‬
‫قوله ‪ " :‬ولكع‬
‫لعلموا أنه ليس فيما جاء به موسى عليه السلم إلى الخير والبركة والسعادة والفلح لمن آمن به‬
‫واتبعه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقوله تعالى ‪ " ' 19 : 36 ' :‬قالوا طائر كم مع كم " ال ية المع نى ع وال أعلم ع‬
‫حظ كم و ما ناب كم من شر مع كم ‪ ،‬ب سبب أفعال كم وكفر كم ومخالفت كم النا صحين ‪ ،‬ل يس هو من‬
‫أجلنا ول بسببنا ‪ .‬بل ببغيكم وعدوانكم ‪ .‬فطائر الباغي الظالم معه ‪ ،‬فما وقع به من الشر فهو‬
‫سببه الجالب له ‪ .‬وذلك بقضاء ال وقدره وحكمته وعدله ‪ ،‬كما قال تعالى ‪36 ، 35 : 68 7 :‬‬
‫' " أفنجعل المسلمين كالمجرمين * ما لكم كيف تحكمون " ويحتمل أن يكون المعنى ‪ :‬طائركم‬
‫معكم ‪ .‬أي راجع عليكم ‪ ،‬فالتطير الذي حصل لكم إنما يعود عليكم ‪ .‬وهذا من باب القصاص‬
‫في الكلم ‪ .‬ونظيره قوله عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إذا سلم عليكم أهل الكتاب فقولوا ‪ :‬وعليكم "‬
‫ذكره ابن القيم رحمه ال ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ " :‬أإن ذكرتعم " أي معن أجعل أنعا ذكرناكعم وأمرناكعم بتوحيعد ال قابلتمونعا بهذا‬
‫الكلم " بل أنتم قوم مسرفون " قال قتادة ‪ :‬أئن ذكرناكم بال تطيرتم بنا ؟‬
‫ومنا سبة اليت ين للترج مة ‪ :‬أن التط ير من ع مل أ هل الجاهل ية والمشرك ين ‪ .‬و قد ذم هم ال‬
‫تعالى به ومقتهم ‪ ،‬وقد نهى رسول ال صلى ال عليه وسلم عن التطير وأخبر أنه شرك ‪ .‬كما‬
‫سيأتي في أحاديث الباب ‪.‬‬

‫حديث ‪ :‬ل عدوى ول طيرة إلخ‬


‫قال * ‪ :‬و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬ل‬
‫عدوى ول طيرة ول هامة ول صفر " أخرجاه ‪ .‬زاد مسلم ‪ " :‬ول نوء ول غول " ‪.‬‬
‫قال أ بو ال سعادات ‪ :‬العدوى ا سم من العداء ‪ .‬كالدعوى ‪ .‬يقال ‪ :‬أعداء الداء يعد يه إعداد‬
‫إذا أصابه مثل ما بصاحب الداء ‪.‬‬
‫وقال غيعر ‪ :‬ل عدوى هعو اسعم معن العداد ‪ ،‬وهعو مجاوزة العلة معن صعاحبها إلى غيره‬
‫والمنفي نفس سراية العلة أو إضافتها إلى العلة ‪ .‬والول هو الظاهر ‪.‬‬
‫وفي رواية لمسلم أن أبا هريرة كان يحدث بحديث ل عدوى ‪ ،‬ويحدث عن النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬ل يورد ممرض على مصح " ثم إن أبا هريرة اقتصر على حديث ‪ :‬ل‬
‫يورد ممرض على مصح وأمسك عن حديث ل عدوى فراجعوه وقالوا ‪ :‬سمعناك تحدث به ‪،‬‬
‫فأبى أن يعترف به ‪ .‬قال أبو مسلمة ع الراوي عن أبي هريرة ‪ :‬فل أدري أنسى أبو هريرة أو‬
‫نسخ أحد القولين الخر ؟‬
‫و قد روى حد يث ل عدوى جما عة من ال صحابة ‪ :‬أ نس بن مالك ‪ ،‬وجابر بن ع بد ال ‪،‬‬
‫والسائب بن يزيد ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬وفي بعض روايات هذا الحديث وفر من المجذوم‬
‫كما تفر من السد ‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء في ذلك ‪ .‬وأحسن ما قيل فيه ‪ :‬قول البيهقي ‪ ،‬وتبعه ابن الصلح وابن‬
‫القيعم ‪ ،‬وابعن رجعب ‪ ،‬وابعن مفلح وغيرهعم ‪ :‬أن قوله ‪ :‬ل عدوىعلى الوجعه الذي يعتقده أهعل‬
‫الجاهلية من إضافة الفعل إلى غ ير ال تعالى ‪ ،‬وإن هذه المور تعدى بطبعها ‪ .‬وإل فقد يجعل‬
‫ال بمشيئته مخالطة الصحيح من به شئ من المراض سببا لحدوث ذلك ‪ ،‬ولهذا قال ‪ :‬فر من‬
‫المجذوم ك ما ت فر من ال سد وقال ‪ :‬ل يورد ممرض على م صح وقال في الطاعون ‪ :‬من‬
‫سعمع بعه فعي أرض فل يقدم عليعه وكعل ذلك بتقديعر ال تعالى ‪ .‬ولحمعد والترمذي ععن ابعن‬
‫م سعود مرفوعا ‪ " :‬ل يعدي شئ قال ها ثلثا فقال أعرا بي يا ر سول ال إن النق بة من الجرب‬
‫تكون بمش فر البع ير أو بذن به في ال بل العظي مة فتجرب كل ها ؟ فقال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم ‪ :‬فمن أجرب الول ؟ ل عدوى ول طيرة ول هامة ول صفر ‪ ،‬خلق ال كل نفس وكتب‬
‫حيات ها وم صائبها ورزق ها " فأ خبر صلى ال عل يه و سلم أن ذلك كله قضاء ال وقدره ‪ ،‬والع بد‬
‫مأمور باتقاء أسباب الشر إذا كان في عافية ‪ .‬فكما أنه يؤمر أن ل يلقى نفسه في الماء والنار ‪،‬‬
‫مما جرت العادة أن يهلك أو يضر ‪ .‬فكذلك اجتنب مقاربة المريض كالمجذوم ‪ ،‬والقدوم على بلد‬
‫الطاعون ‪ .‬فإن هذه كل ها أ سباب للمرض والتلف ‪ ،‬فال سبحانه هو خالق ال سباب وم سبباتها ‪.‬‬
‫ل خالق غيره ول مقدر غيره ‪ .‬وأما إذا قوى التوكل على ال واليمان بقضاء ال وقدره فقويت‬
‫الن فس على مباشرة ب عض هذه ال سباب اعتمادا على ال ورجاء م نه أن ل يح صل به ضرر ‪،‬‬
‫ففي هذه الحال تجوز مباشرة ذلك ‪ ،‬لسيما إذا كانت مصلحة عامة أو خاصة ‪ ،‬وعلى هذا يحمل‬
‫الحديث الذي رواه أبو داود والترمذي ‪ " :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم أخذ بيد مجذوم فأدخلها‬
‫معه في القصعة ‪ ،‬ثم قال كل بسم ال ثقة بال وتوكلً عليه " وقد أخذ به المام أحمد ‪ .‬وروى‬
‫ذلك عن ا بن ع مر واب نه و سلمان ر ضي ال عن هم ‪ .‬ونظ ير ذلك ما روى عن خالد بن الول يد‬
‫ر ضي ال ع نه أ نه أ كل ال سم وم نه م شى سعد بن أ بي وقاص وأ بي م سلم الخول ني على م تن‬
‫البحر ‪ ،‬قاله ابن رجب رحمه ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول طيرة قال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ :‬يحتمل أن يكون نفيا أو نهيا أي ل تطيروا‬
‫‪ ،‬ولكعن قوله فعي الحديعث ‪ :‬ل عدوي ول صعفر ول هامعة يدل على أن المراد النفعي وإبطال‬
‫هذه المور ال تي كا نت الجاهل ية تعاني ها ‪ .‬والن في في هذا أبلغ من الن هي ‪ .‬لن الن في يدل على‬
‫بطلن ذلك وعدم تأثيره ‪ ،‬والنهي إنما يدل على المنع منه ‪.‬‬
‫و في صحيح م سلم عن معاو ية بن الح كم أ نه قال لر سول ال صلى ال عل يه و سلم " وم نا‬
‫أناس يتطيرون ‪ .‬قال ‪ :‬ذلك شئ يجده أحد كم في نف سه فل ي صدنكم " فأ خبر أن تأذ يه وتشاؤ مه‬
‫بالطيرة إنما هو في نفسه وعقدته ‪ ،‬ل في المتطير به ‪ ،‬فوهمه وخوفه وإشراكه هو الذي يطيره‬
‫وي صده ل ما رآه و سمعه ‪ ،‬فأو ضح صلى ال عل يه و سلم لم ته ال مر ‪ ،‬وب ين ل هم ف ساد الطيرة‬
‫ليعلموا أن ال سبحانه لم يجعل لهم عليه علمة ‪ ،‬ول فيها دللة ‪ ،‬ول نصبها سببا لما يخافونه‬
‫ويحذرونعه ‪ ،‬ولتطمئن قلوبهعم ‪ ،‬وتسعكن نفوسعهم إلى وحدانيتعه تعالى التعي أرسعل بهعا رسعله ‪،‬‬
‫وأنزل بها كتبه ‪ ،‬وخلق لجلها السماوات والرض ‪ ،‬وعمر الدارين الجنة والنار بسبب التوحيد‬
‫فقطع صلى ال عليه وسلم علق الشرك في قلوبهم ‪ ،‬لئل يبقى فيها علقة منها ‪ ،‬ول يتلبسوا بعمل‬
‫من أعمال أهل النار البتة ‪.‬‬
‫فمن استمسك بعروة التوحيد الوثقى ‪ ،‬واعتصم بحبله المتين ‪ ،‬وتوكل على ال ‪ ،‬قطع هاجس‬
‫الطيرة من قبل استقرارها ‪ ،‬وبادر خواطرها من قبل استكمانها ‪ .‬قال عكرمة ‪ :‬كنا جلوسا عند‬
‫ابن عباس ‪ ،‬فمر طائر يصيح ‪ ،‬فقال رجل من القوم ‪ :‬خير خير ‪ .‬فقال له ابن عباس ‪ :‬لخير‬
‫ول شر ‪.‬فبادره بلنكار عليه لئل يعتقد تأثيره في الخير والشر ‪ .‬وخرج طاوس مع صاحب له‬
‫في سفر ‪ ،‬فصاح غراب ‪ ،‬فقال الرجل ‪ :‬خير ‪ .‬فقال طاوس ‪ :‬وأي خير عند هذا ؟ ل تصحبي‬
‫‪ .‬ا هع ملخصا ‪.‬‬
‫وقد جاءت أحاديث ظن بعض الناس أنها تدل على جواز الطيرة ‪ ،‬كقوله ‪ :‬الشؤم في ثلث‬
‫‪ :‬في المرأة ‪ ،‬والدابة ‪ ،‬والدار ونحو هذا ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ :‬إخباره صلى ال عليه وسلم بالشؤم في هذه الثلثة ليس فيه‬
‫إثبات الطيرة ال تي نفا ها ال سبحانه ‪ ،‬وإن ما غاي ته أن ال سبحانه قد يخلق من ها أعيانا مشؤومة‬
‫على من قاربها وساكنها ‪ ،‬وأعيانا مباركة ل يلحق من قاربها شؤم ول شر ‪ ،‬وهذا كما يعطي‬
‫سعبحانه الوالديعن ولدا مباركا يريان الخيعر على وجهعه ‪ ،‬ويعطعى غيرهمعا ولدا مشؤوما يريان‬
‫ال شر على وج هه ‪ ،‬وكذلك ما يعطاه الع بد من ول ية وغير ها ‪ ،‬فكذلك الدار والمرأة والفرس ‪.‬‬
‫وال سبحانه خالق الخير والشر والسعود والنحوس ‪ ،‬فيخلق بعض هذه العيان سعودا مباركة ‪،‬‬
‫ويق ضي ب سعادة من قارب ها وح صول الي من والبر كة له‪ .‬ويخلق بعض ها نحو سا يتن حس ب ها من‬
‫قاربهعا ‪ .‬وكعل ذلك بقضائه وقدره ‪ ،‬كمعا خلق سعائر السعباب وربطهعا بمسعبباتها المتضادة‬
‫والمختلفة ‪ .‬كما خلق المسك وغيره من الرواح الطيبة ولذذ بها من قاربها من الناس ‪ .‬وخلق‬
‫ضد ها وجعل ها سببا للم من قارب ها من الناس ‪ ،‬والفرق ب ين هذ ين النوع ين مدرك بال حس ‪،‬‬
‫فكذلك الديار والنساء والخيل ‪ .‬فهذا لون والطيرة الشركية لون ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول هامة بتخفيف الميم على الصحيح ‪ .‬قال الفراء ‪ :‬الهامة طير من طير الليل ‪.‬‬
‫كأنه يعني البومة ‪ .‬قال ابن العرابي ‪ :‬كانوا يتشاءمون بها إذا وقعت على بيت أحدهم ‪ ،‬يقول‬
‫‪ :‬نعت إلى نفسي أو أحدا من أهل داري ‪ ،‬فجاء الحديث بنفي ذلك وإبطاله ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول صفر بفتح الفاء ‪ ،‬روى أبو عبيدة في غريب الحديث عن رؤبة أنه قال ‪ :‬هي‬
‫حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس ‪ ،‬وهي أعدى من الجرب عند العرب ‪ .‬وعلى هذا‬
‫فالمراد بنفيعه معا كانوا يعتقدونعه معن العدوى وممعن قال بهذا سعفيان بعن عيينعة والمام أحمعد‬
‫والبخاري وابن جرير ‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬المراد به ش هر صفر ‪ ،‬والن في ل ما كان أ هل الجاهل ية يفعلو نه في الن سيء‬
‫وكانوا يحلون المحرم ويحرمون صفر مكانه‪ ،‬وهو قول مالك ‪.‬‬
‫وروى أبو داود عن محمد بن راشد عمن سمعه يقول ‪ :‬إن أهل الجاهلية يتشاءمون بصفر ‪،‬‬
‫ويقولون ‪ :‬إ نه مشؤوم ‪ ،‬فأب طل ال نبي صلى ال عل يه و سلم ذلك ‪ .‬قال ا بن ر جب ‪ :‬ول عل هذا‬
‫القول أش به القوال ‪ ،‬والتشاؤم ب صفر هو من ج نس الطيرة المن هي عن ها ‪ ،‬وكذلك التشاؤم بيوم‬
‫من اليام كيوم الربعاء وتشاؤم أهل الجاهلية بشوال في النكاح فية خاصة ‪.‬‬

‫ل نوء ول غول‬
‫قوله ‪ :‬ول نواء النوء واحد النواء ‪ ،‬وسيأتي الكلم عليه في بابه إن شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول غول هو بالضم اسم ‪ ،‬وجمعه أغوال وغيلن ‪ ،‬وهو المراد هنا ‪.‬‬
‫قال أ بو ال سعادات ‪ :‬الغول وا حد الغيلن ‪ ،‬و هو ج نس من ال جن والشياط ين كا نت العرب‬
‫تزعم أن الغول في الفلة تتراءى للناس ‪ ،‬تتلون تلونا في صور شتى وتغولهم ‪ ،‬أي تضلهم عن‬
‫الطريق وتهلكهم ‪ ،‬فنفاه النبي صلى ال عليه وأبطله ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬ما معنى النفي وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬إذا تغولت الغيلن فبادروا‬
‫بالذان " ‪.‬‬
‫أج يب ع نه ‪ :‬بأن ذلك كان في البتداء ‪ ،‬ثم دفع ها ال عن عباده ‪ .‬أو يقال ‪ :‬المنفعى ل يس‬
‫وجود الغول ‪ ،‬بل ما يزع مه العرب من تصعرفه في نف سه ‪ ،‬أو يكون المع نى بقوله ل غول‬
‫أن ها ل ت ستطيع أن ت ضل أحدا مع ذ كر ال والتو كل عل يه ‪ .‬ويش هد له الحد يث ال خر " ل غول‬
‫ولكن السعالى سحرة الجن " أي ولكن في الجن سحرة لهم تلبيس وتخييل ‪ .‬ومنه الحديث " إذا‬
‫تغولت الغيلن فبادروا بالذان " أي ادفعوا شرها بذلك بذكر ال ‪.‬‬
‫وهذا يدل على أنه لم يرد بنفيها أو عدمه ‪ .‬ومنه حديث أبي أيوب " كان لي تمر في سهوة‬
‫فكانت الغول تجي فتأخذ " ‪.‬‬

‫أحسنها الفأل‬
‫قوله ‪ " :‬وله ما عن أ نس قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ل عدوى ول طيرة ‪،‬‬
‫ويعجبني الفأل ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وما الفأل ؟ قال ‪ :‬الكلمة الطيبة " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ويعجب ني الفأل قال أ بو ال سعادات ‪ :‬الفأل ‪ ،‬مهموز في ما ي سر وي سوء ‪ ،‬والطيرة ل‬
‫تكون إل في ما ي سوء ‪ ،‬ورب ما ا ستعملت في ما ي سر ‪ .‬يقال ‪ :‬تفاءلت بكذا وتفاولت ‪ ،‬على التحق يق‬
‫والقلب ‪ ،‬وقعد أولع الناس بترك الهمزة تخفيفا ‪ ،‬وإنمعا أحعب الفأل لن الناس إذا أملوا فائدة ال‬
‫ورجوا عائدته عند كل سبب ضعيف أو قوى فهم على خير ‪ ،‬وإذا قطعوا آمالهم ورجاءهم من‬
‫ال تعالى كان ذلك من ال شر ‪ .‬وأ ما الطيرة فإن في ها سوء ال ظن بال وتو قع البلء ‪ ،‬والتفاؤل ‪:‬‬
‫أن يكون رجل مريض فيسمع آ خر يقول ‪ :‬يا سالم ‪ ،‬أو يكون طالب ضالة فيسمع آخر يقول ‪:‬‬
‫يا واجد ‪ ،‬فيقع في ظنه أنه يبرأ من مرضه ويجد ضالته ‪ .‬ومنه الحديث ‪" :‬قيل يا رسول ال ما‬
‫الفأل ؟ قال ‪ :‬الكلمة الطيبة " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قالوا ‪ :‬و ما الفأل ؟ قال ‪ :‬الكل مة الطي بة ب ين صلى ال عل يه و سلم أن الفأل يعج به‬
‫فدل على أنه ليس من الطيرة المنهى عنها ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ :‬ليس في العجاب بالفأل ومحبته شئ من الشرك ‪ ،‬بل ذلك‬
‫إبا نة عن مقت ضى الطبي عة ومو جب الفطرة الن سانية ال تي تم يل إلى ما يوافق ها ويلئم ها ‪ ،‬ك ما‬
‫أ خبرهم صلى ال عل يه و سلم أ نه ح بب إل يه من الدن يا الن ساء والط يب ‪ ،‬وكان ي حب الحلواء‬
‫والعسعل ‪ ،‬ويحعب حسعن الصعوت بالقرآن والذان ويسعتمع إليعه ويحعب معالي الخلق ومكارم‬
‫الشيم ‪ .‬بالجملة يحب كل كمال وخير ما يفضي إليهما ‪ ،‬وال سبحانه قد جعل في غرائز الناس‬
‫العجاب بسعماع السعم الحسعن ومحبتعه ‪ ،‬وميعل نفوسعهم إليعه ‪ ،‬وكذلك جععل فيهعا الرتياح‬
‫والسعتبشار والسعرور باسعم الفلح والسعلم والنجاح والتهنئة والبشرى والفوز والظفعر ونحعو‬
‫ذلك ‪ ،‬فإذا قر عت هذه ال سماء ال سماع ا ستشبرت ب ها النفوس وانشرح ل ها ال صدر وقوى ب ها‬
‫القلب ‪ ،‬وإذا سمعت أضدادها أوجب لها ضد هذه الحال ‪ .‬فأحزنها ذلك ‪ ،‬وأثار لها خوفا وطيرة‬
‫وانكماشا وانقباضا عمعا قصعدت له وعزمعت عليعه ‪ ،‬فأورث لهعا ضررا فعي الدنيعا ونقصعا فعي‬
‫اليمان ومقارفة الشرك ‪.‬‬
‫وقال الحليمي ‪ :‬وإنما كان صلى ال عليه وسلم يعجبه الفأل لن التشاؤم سوء ظن بال تعالى‬
‫بغ ير سبب مح قق ‪ ،‬والتفاؤل ح سن ظن به ‪ ،‬والمؤ من مأمور بح سن ال ظن بال تعالى على كل‬
‫حال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولبي داود ب سند صحيح عن عق بة بن عامر قال ‪ :‬ذكرت الطيرة ع ند ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فقال ‪ " :‬أحسنها الفأل ‪ ،‬ول ترد مسلما ‪ ،‬فإذا رأى أحدكم ما يكره فليقل ‪:‬‬
‫اللهم ل يأتي بالحسنات إل أنت ‪ ،‬ول يدفع السيئات إل أنت ول حول ول قوة إل بك " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن عقبة بن عامر هكذا وقع في نسخ التوحيد ‪ ،‬وصوابه ‪ :‬عن عروة ابن عامر‬
‫كذا أخرجه أحمد وأبو داود وغيرهما ‪ .‬وهو مكي اختلف في نسبه ‪ ،‬فقال أحمد ‪ :‬عن عروة بن‬
‫عامعر القرشعي ‪ ،‬وقال غيره ‪ :‬الجهنعي ‪ .‬واختلف فعي صعحبته ‪ ،‬فقال الماوردي ‪ :‬له صعحبة ‪،‬‬
‫وذكره ابن حبان في ثقات التابعين ‪ ،‬وقال المزي ‪ :‬ل صحبة له تصح ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقال أحسنها الفأل قد تقدم أن النبي صلى ال عليه وسلم كان يعجبه الفأل ‪ .‬وروى‬
‫الترمذي وصعححه ععن أنعس رضعي ال عنعه " أن النعبي صعلى ال عليعه وسعلم كان إذا خرج‬
‫لحاج ته ي حب أن ي سمع ‪ :‬يا نج يح ‪ ،‬يا را شد " وروى أ بو داود عن بريدة أن ال نبي صلى ال‬
‫عليه وسلم كان ل يتطير من شئ ‪ ،‬وكان إذا بعث عاملً سأله عن اسمه فإذا أعجبه فرح به ‪،‬‬
‫وإن كره اسمه رؤي كراهية ذلك في وجهه وإسناده حسن ‪ .‬وهذا فيه استعمال الفأل ‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪ :‬أخبر صلى ال عليه وسلم أن الفأل من الطيرة وهو خيرها ‪ ،‬فأبطل الطيرة‬
‫وأخبر أن الفأل منها ولكنه خير منها ‪ ،‬ففصل بين الفأل والطيرة لما بينهما من المتياز والتضاد‬
‫‪ ،‬ون فع أحده ما ومضرة ال خر ‪ ،‬ونظ ير هذا ‪ :‬من عه من الر قي بالشرك وإذ نه في الرق ية إذا لم‬
‫يكن فيها شرك ‪ ،‬لما فيها من المنفعة الخالية من المفسدة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول ترد مسلما قال الطيبي ‪ :‬تعريض بأن الكافر بخلفه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬اللهعم ل يأتعي بالحسعنات إل أنعت ول يدفعع السعيئات إل أنعت أي ل تأتعي الطيرة‬
‫الحسعنة ول تدفعع المكروهات ‪ ،‬بعل أنعت وحدك ل شريعك لك الذي تأتعي بالحسعنات ‪ ،‬وتدفعع‬
‫ال سيئات ‪ ،‬و الح سنات ه نا الن عم ‪ ،‬و ال سيئات الم صائب ‪ ،‬كقوله ' ‪ " ' 79 ، 78 : 4‬وإن‬
‫تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند ال وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند ال‬
‫فمال هؤلء القوم ل يكادون يفقهون حديثا * ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة‬
‫فمن نفسك " ففيه نفي تعليق القلب بغير ال في جلب نفع أو دفع ضر ‪ ،‬وهذا هو التوحيد ‪ ،‬وهو‬
‫دعاء منا سب ل من و قع في قل به شئ من الطيرة وت صريح بأن ها ل تجلب نفعا ول تد فع ضرا ‪،‬‬
‫ويعد من اعتقدها سفيها مشركا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول حول ول قوة إل بعك اسعتعانة بال تعالى على فععل التوكعل وعدم اللتفات إلى‬
‫الطيرة التي قد تكون سببا لوقوع المكروه عقوبة لفاعل ها ‪ .‬وذلك الدعاء إنما ي صدر عن حقي قة‬
‫التوكل الذي هو أقوى السباب في جلب الخيرات ودفع المكروهات ‪.‬‬
‫و الحول التحول والنتقال من حال إلى حال ‪ ،‬و القوة على ذلك بال وحده ل شر يك له‬
‫‪ .‬ففيه التبري من الحول والقوة والمشيئة بدون حول ال وقوته ومشيئته ‪ .‬وهذا هو التوحيد في‬
‫الربوب ية ‪ ،‬و هو الدل يل على توح يد الله ية الذي هو إفراد ال تعالى بجم يع أنواع العبادة ‪ ،‬و هو‬
‫توحيد القصد والرادة ‪ ،‬وقد تقدم بيان ذلك بحمد ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬و عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه مرفوعا ‪ " :‬الطيرة شرك ‪ ،‬والطيرة شرك ‪ .‬و ما‬
‫منا إل ‪ ،‬ولكن ال يذهبه بالتوكل " رواه أبو داود والترمذي وصححه ‪ .‬وجعل آخر من قول ابن‬
‫مسعود ‪.‬‬
‫ورواه ا بن ما جه وا بن حبان ‪ .‬ول فظ أ بي داود الطيرة شرك ‪ ،‬الطيرة شرك ‪ ،‬الطيرة شرك‬
‫‪ .‬ثلثا وهذا صريح في تحريم الطيرة ‪ ،‬وأنها من الشرك لما فيها من تعلق القلب على غير ال‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫قال ابن حمدان ‪ :‬تكره الطيرة ‪ ،‬وكذا قال غيره من أصحاب أحمد ‪.‬‬
‫قال ابن مفلح ‪ :‬والولى القطع بتحريمها لنها شرك ‪ ،‬وكيف يكون الشرك مكروها الكراهية‬
‫الصطلحية ؟‬
‫قال في شرح ال سنن‪ :‬وإن ما ج عل الطيرة من الشرك لن هم كانوا يعتقدون أن الطيرة تجلب‬
‫لهم نفعا أو تدفع عنهم ضرا إذا عملوا بموجبها ‪ ،‬فكأنهم أشركوا مع ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وما منا إل قال أبو القاسم الصبهاني ‪ ،‬والمنذري ‪ :‬في الحديث إضمار ‪ .‬التقدير ‪:‬‬
‫وما منا إل وقد وقع في قلبه شئ من ذلك ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وقال الخلخاني ‪ :‬حذف المستثنى لما يتضمنه من الحالة المكروهة ‪ .‬وهذا من أدب الكلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول كن ال يذه به بالتو كل أي ل كن ل ما توكل نا على ال في جلب الن فع ود فع ال ضر‬
‫أذهبه ال عنا بتوكلنا عليه وحده ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وج عل آخره من قول ا بن م سعود قال ا بن القيم ‪ :‬و هو من الصواب ‪ ،‬فإن الطيرة‬
‫نوع من الشرك ‪.‬‬

‫من ردته الطيرة فقد أشرك‬


‫قال ‪ :‬ولحمد من حديث ابن عمر ‪ ":‬ومن ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك ‪ .‬قالوا فما‬
‫كفارة ذلك ؟ قال ‪ :‬أن تقول ‪ :‬اللهم ل خير إل خيرك ‪ ،‬ول طير إل طيرك ‪ ،‬ول إله غيرك " ‪.‬‬
‫هذا الحد يث رواه أح مد وال طبراني عن ع بد ال بن عمرو بن العاص ‪ ،‬و في إ سناده ا بن‬
‫لهيعة وبقية رجاله ثقات ‪.‬‬
‫قوله ‪:‬من حديث ابن عمرو وهو عبد ال بن عمرو بن العاص بن وائل السهمي أبو محمد ‪.‬‬
‫وق يل أ بو ع بد الرح من ‪ ،‬أ حد ال سابقين المكثر ين من ال صحابة وأ حد العبادلة الفقهاء ‪ .‬مات في‬
‫ذي الحجة ليالي الحرة على الصح بالطائف ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من ردته الطيرة عن حاجته فقد أشرك وذلك أن الطيرة هي التشاؤم بالشئ المرئي أو‬
‫المسموع ‪ ،‬فإذا رده شئ من ذلك عن حاجته التي عزم عليها كإرادة السفر ونحوه ‪ ،‬فمنعه عما‬
‫أراده وسعى فيه ما رأى وما سمع تشاؤما ‪ ،‬فقد دخل في الشرك ‪ .‬كما تقدم ‪ ،‬فلم يخلص توكله‬
‫على ال بالتفاته إلى ما سواه فيكون للشيطان منه نصيب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فما كفارة ذلك ؟ إلى آخره ‪ .‬فإذا قال ذلك وأعرض عما وقع في قلبه ‪ ،‬ولم يلتفت‬
‫إل يه ‪ ،‬ك فر ال ع نه ما و قع في قلبه ابتداء لزواله عن قل به بهذا الدعاء المتض من للعتماد على‬
‫ال وحده ‪ ،‬والعراض عما سواه ‪.‬‬
‫وتض من الحد يث أن الطيرة ل ت ضر من كره ها وم ضى في طري قه ‪ ،‬وأ ما من ل يخلص‬
‫توكله على ال وا سترسل مع الشيطان في ذلك ‪ ،‬ف قد يعا قب بالوقوع في ما يكره ‪ ،‬ل نه أعرض‬
‫عن وا جب اليمان بال ‪ ،‬وأن الخ ير كله بيده ‪ ،‬ف هو الذي يجل به لعبده بمشيئ ته وإراد ته ‪ ،‬و هو‬
‫الذي يد فع ع نه ال ضر وحده بقدر ته ولط فه وإح سانه ‪ ،‬فل خ ير إل م نه ‪ ،‬و هو الذي يد فع ال شر‬
‫عن عبده فما أصابه من ذلك فبذنبه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 79 : 4 ' :‬ما أصابك من حسنة فمن‬
‫ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وله من حديث الفضل بن عباس إنما الطيرة ما أمضاك أو ردك ‪.‬‬
‫هذا الحد يث ع ند المام أح مد من حد يث الف ضل بن عباس قال ‪ " :‬خر جت مع ر سول ال‬
‫صعلى ال عليعه وسعلم يوما ‪ ،‬فعبرح ظعبي ‪ ،‬فمال فعي شقعه فاحتضنتعه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يعا رسعول ال‬
‫تطيرت ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن ما الطيرة ما أمضاك أو ردك " و في إ سناده انقطاع ‪ ،‬أي ب ين م سلمة روا ية‬
‫وبين الفضل ‪ ،‬وهو الفضل بن العباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى ال عليه وسلم ‪ .‬قال‬
‫ا بن مع ين ‪ :‬ق تل يوم اليرموك ‪ .‬وقال غيره ‪ :‬ق تل يوم مرج ال صفر سنة ثلث عشرة و هو ا بن‬
‫اثنتين وعشرين سنة ‪ .‬وقال أبو داود ‪ :‬قتل بدمشق ‪ .‬كان عليه درع رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إنمعا الطيرة معا أمضاك أو ردك هذا حعد الطيرة المنهعى عنهعا ‪ :‬أنهعا معا يحمعل‬
‫الن سان على المض مي في ما أراده ‪ ،‬ويمن عه من الم ضي ف يه كذلك ‪ .‬وأ ما الفأل الذي كان يح به‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم فيه نوع من بشارة ‪ ،‬فيسر به العبد ول يعتمد عليه بخلف ما يمضيه‬
‫أو يرده ‪ ،‬فإن للقلب عليه نوع اعتماد ‪ .‬فافهم الفرق وال أعلم ‪.‬‬

‫باب ما جاء في التنجيم‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ‪ :‬ما جاء في التنجيم )‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬التنجيم هو الستدلل بالحوال الفكلية على الحوادث الرضية‬
‫‪.‬‬
‫وقال الخطابعي ‪ :‬علم النجوم المنهعى عنعه هعو معا يدعيعه أهعل التنجيعم معن علم الكوائن‬
‫والحوادث التعي سعتقع فعي مسعتقبل الزمان ‪ ،‬كأوقات هبوب الرياح ومجيعء المطعر ‪ ،‬وتغيعر‬
‫ال سعار ‪ ،‬و ما في معنا ها من المور ال تي يزعمون أن ها تدرك معرفت ها بم سير الكوا كب في‬
‫مجاري ها ‪ ،‬واجتماع ها وافتراق ها ‪ ،‬يدعون أن ل ها تأثيرا في ال سفليات ‪ ،‬وهذا من هم تح كم على‬
‫الغيب ‪ ،‬وتعاط لعلم قد استأثر ال به ‪ ،‬ول يعلم الغيب سواه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال البخاري في صحيحه ‪ :‬قال قتادة ‪ :‬خلق ال هذه النجموم لثلث ‪ :‬زينة للسماء ‪،‬‬
‫ورجوما للشياطيعن ‪ ،‬وعلمات يهتدى بهعا ‪ ،‬فمعن تأول فيهعا غيعر ذلك أخطعأ وأضاع نصعيبه ‪،‬‬
‫وتكلف ما ل علم له به ‪.‬‬
‫هذا ال ثر عل قه البخاري في صحيحه ‪ .‬وأخر جه ع بد الرزاق وع بد بن حم يد وا بن جر ير‬
‫وابن المنذر وغيرهم ‪ .‬وأخرجه الخطيب في كتاب النجوم عن قتادة ‪ ،‬ولفظه قال ‪ :‬إنما جعل‬
‫ال هذه النجوم لثلث خصعال ‪ :‬جعلهعا زينعة للسعماء ‪ ،‬وجعلهعا يهتدى بهعا ‪ ،‬وجعلهعا رجوما‬
‫للشيطاطين ‪ .‬فمن تعاطى فيها غير ذلك فقد قال برأيه ‪ ،‬وأخطأ حظه وأضاع نصيبه ‪ ،‬وتكلف‬
‫ما ل علم له به ‪ ،‬وإن نا سا جهلة بأ مر ال قد أحدثوا في هذه النجوم كها نة ‪ :‬من أعرس بن جم‬
‫كذا وكذا كان كذا وكذا ‪ ،‬ومن سافر بنجم كذا وكذا كان كذا وكذا ‪ .‬ولعمري ما من نجم إل يولد‬
‫به الحمر والسود والطويل والقصير والحسن والدميم ‪ ،‬وما علم هذه النجوم وهذا الدابة وهذا‬
‫الطائر بشعئ معن هذا الغيعب ولو أن أحدا علم الغيعب لعلمعه آدم الذي خلقعه ال بيده وأسعجد له‬
‫ملئكته وعلمه أسماء كل شئ انتهى ‪.‬‬
‫فتأمل ما أنكره هذا المام مما حدث من المنكرات في عصر التابعين ‪ ،‬وما زال الشر يزداد‬
‫في كل عصر بعدهم حتى بلغ الغاية في هذه العصار ‪ ،‬وعمت به البلوى في جميع المصار‬
‫فمقل ومستكثر ‪ ،‬وعز في الناس من ينكره ‪ ،‬وعظمت المصيبة به في الدين ‪ .‬فإنا ل وإنا إليه‬
‫راجعون ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬خلق ال هذه النجوم لثلث قال تعالى ‪ " ' 5 : 67 ' :‬ولقعد زينعا السعماء الدنيعا‬
‫بمصعابيح وجعلناهعا رجوما للشياطيعن " وقال تعالى ‪ " ' 16 : 16 ' :‬وعلمات وبالنجعم هعم‬
‫يهتدون " وف يه إشارة إلى أن النجوم في ال سماء الدن يا ‪ ،‬ك ما روى ابن مردو يه عن ا بن م سعود‬
‫رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم " أما السماء الدنيا فإن ال خلقها من‬
‫دخان وجعل فيها سراجا وقمرا منيرا ‪ ،‬وزينها بمصابيح وجعلها رجوما للشياطين ‪ ،‬وحفظا من‬
‫كل شيطان رجيم " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وعلمات أي دللت على الجهات يهتدي بها أي يهتدي بها الناس في ذلك ‪ .‬كما‬
‫قال تعالى ‪ " ' 97 : 6 ' :‬وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر " أي‬
‫لتعرفوا بها جهة قصدكم ‪ ،‬وليس المراد أن يهتدي بها في علم الغيب ‪ ،‬ك ما يعتقده المنجمون ‪،‬‬
‫وقد تقدم وجه بطلنه وأنه ل حقيقة له كما قال قتادة ‪ :‬فمن تأول فيها غير ذلك أي زعم فيها‬
‫غير ما ذكر ال في كتابه من هذه الثلث فقد أخطأ ‪ .‬حيث زعم شيئا ما أنزل ال به من سلطان‬
‫‪ ،‬وأضاع نصيبه من كل خير ‪ ،‬لنه شغل نفسه بما يضره ول ينفعه ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬المنجم قد يصدق ؟ قيل ‪ :‬صدقه كصدق الكاهن ‪ ،‬ويصدق في كلمة ويكذب في‬
‫مائة ‪ .‬وصدقه ليس عن علم ‪ ،‬بل قد يوافق قدرا ‪ ،‬فيكون فتنة في حق من صدقه ‪.‬‬
‫وعن ابن عباس رضي ال عنهما في قوله ‪ " ' 15 : 16 ' :‬وألقى في الرض رواسي أن‬
‫تميعد بكعم وأنهارا وسعبل لعلكعم تهتدون * وعلمات " فقوله ‪ :‬علمات معطوف على معا تقدم‬
‫م ما ذكره في الرض ‪ ،‬ثم ا ستأنف فقال ‪ " :‬وبالن جم هم يهتدون " ذكره ا بن جر ير عن ا بن‬
‫عباس بمعناه ‪.‬‬
‫و قد جاءت الحاد يث عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم بإبطال علم التنج يم ‪ ،‬كقوله ‪ " :‬من‬
‫اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر ‪ .‬زاد ما زاد " ‪.‬‬
‫وععن رجاء بعن حيوة أن النعبي صعلى ال عليعه وسعلم قال ‪ " :‬إن ممعا أخاف على أمتعي ‪:‬‬
‫الت صديق بالنجوم ‪ ،‬والتكذ يب بالقدر ‪ ،‬وح يث الئ مة " رواه ع بد بن حم يد ‪ .‬و عن أ بي مح جن‬
‫مرفوعا ‪ " :‬أخاف على أمتعي ثلثا ‪ :‬حيعف الئمعة ‪ ،‬وإيمانا بالنجوم وتكذيبا للقدر " رواه ابعن‬
‫عساكر وحسنه السيوطي ‪.‬‬
‫وععن أنعس رضعي ال مرفوعا "أخاف على أمتعي بعدي خصعلتين ‪ :‬تكذيبا بالقدر ‪ ،‬وإيمان‬
‫بالنجوم " رواه أبعو يعلي وابعن عدي والخطاب فعي كتاب النجوم وحسعنه السعيوطي أيضا ‪.‬‬
‫والحاديث في ذم التنجيم والتحذير منه كثيرة ‪.‬‬

‫ما جاء في تعلم علم الفلك‬


‫قوله ‪ :‬وكره قتادة تعلم منازل الق مر ‪ .‬ولم ير خص ا بن عيي نة ف يه ‪ .‬ذكره حرب عنه ما ‪.‬‬
‫ورخص في تعلم المنازل أحمد وإسحاق ‪.‬‬
‫قال الخطابعي ‪ :‬أمعا علم النجوم الذي يدرك معن طريعق المشاهدة والخعبر الذي يعرف بعه‬
‫الزوال ‪ ،‬وتعلم به جهة القبلة فإنه غير داخل فيما نهى عنه ‪ .‬وذلك أن معرفة رصد الظل ليس‬
‫شيئا أكثر من أن الظل ما دام متناقصا فالشمس بعد صاعدة نحو وسط السماء من الفق الشرقي‬
‫‪ ،‬وإذا أ خد في الزيادة فالش مس هاب طة من و سط ال سماء ن حو ال فق الغر بي ‪ ،‬وهذا علم ي صح‬
‫إدرا كه بالمشاهدة ‪ ،‬إل أن أ هل هذه ال صناعة قد دبرو ها ب ما اتخذوه من اللت ال تي ي ستغنى‬
‫الناظر فيها عن مراعاة مدته ومراصدته ‪ .‬وأما ما يستدل به من النجوم على جهة القبلة فإنها‬
‫كوا كب ر صدها أ هل ال خبرة من الئ مة الذ ين ل ن شك في عنايت هم بأ مر الد ين ومعرفت هم ب ها‬
‫وصدقهم فيما أخبروا به عنها ‪ ،‬مثل أن يشاهدها بحضرة الكعبة ويشاهدها على حال الغيبة عنها‬
‫‪ ،‬فكان إدراكهم الدللة منها بالمعاينة ‪ ،‬وإدراكنا ذلك بقبول خبرهم إذ كانوا عندنا غير مهتمين‬
‫في دينهم ‪ ،‬ول مقصرين في معرفتهم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وروى ا بن المنذر عن مجا هد أ نه كان ل يرى بأ سا أن يتعلم الر جل منازل الق مر ‪ .‬وروى‬
‫عن إبراه يم أ نه كان ل يرى بأ سا أن يتعلم الر جل من النجوم ما يهتدي به ‪ .‬قال ا بن ر جب ‪:‬‬
‫والمأذون في تعل مه الت سيير ل علم التأث ير فإ نه با طل محرم ‪ ،‬قليله وكثيره ‪ .‬وأ ما علم الت سيير‬
‫فيتعلم ما يحتاج إليه منه للهتداء ومعرفة القبلة والطرق جائز عند الجمهور ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ذكره حرب عنهما هو المام الحافظ حرب بن إسماعيل أبو محمد الكرماني الفقيه‬
‫من جلة أ صحاب المام أح مد ‪ .‬روى عن أح مد وإ سحاق وا بن المدي ني وا بن مع ين وغير هم ‪.‬‬
‫وله كتاب المسائل التي سئل عنها المام أحمد وغيره ‪ ،‬مات سنة ثمانين ومائتين ‪ .‬وأما إسحاق‬
‫فهو ابن إبراهيم بن مخلد أبو أيوب الحنظلي النيسابوري ‪ ،‬المام المعروف بابن راهويه ‪ .‬روى‬
‫عن ا بن المبارك وأ بي أ سامة وا بن عيي نة وطبقت هم ‪ .‬قال أح مد ‪ :‬إ سحاق عند نا إمام من أئ مة‬
‫المسلمين ‪ .‬روى عنه أحمد والبخاري ومسلم وأبو داود وغيرهم ‪ .‬وروى هو أيضا عن أحمد ‪.‬‬
‫مات سنة تسع وثلثين ومائتين ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وعن أبي موسى رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ثلثة‬
‫ل يدخلون الجنة ‪ :‬مدمن الخمر ‪ ،‬وقاطع الرحم ‪ ،‬ومصدق بالسحر " رواه أحمد وابن حبان في‬
‫صحيحه ‪.‬‬
‫هذا الحديعث رواه أيضا الطعبراني والحاكعم وقال ‪ :‬صعحيح ‪ .‬وأقره الذهعبي ‪ .‬وتمامعه ومعن‬
‫مات وهو يدمن الخمر سقاه ال من نهر الغوطة ‪ :‬نهر يجري من فروج المومسات ‪ ،‬يؤذي أهل‬
‫النار ريح فروجهن ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وعن أبي موسى هو عبد ال بن قيس بن سليم بن حضار ع بفتح المهملة وتشديد‬
‫الضاد ‪ ،‬أبي موسى الشعري ‪ .‬صحابي جليل ‪ .‬مات سنة خمسين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ثلثة ل يدخلون الجنة هذا من نصوص الوعيد التي كره السلف تأويلها ‪ .‬وقالوا ‪:‬‬
‫أمروها كما جاءت ‪ ،‬وعن تأولها فهو على خطر من القول على ال بل علم ‪ .‬وأحسن ما يقال ‪:‬‬
‫إن كل عمل دون الشرك والكفر المخرج على ملة السلم فإنه يرجع إلى مشيئة ال ‪ ،‬فإن عذبه‬
‫فقد استوجب العذاب ‪ ،‬وإن غفر له فبفضله وعفوه ورحمته ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬مدمن الخمر أي المداوم على شربها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقاطع الرحم يعني القرابة كما قال تعالى ‪ " ' 22 : 47 ' :‬فهل عسيتم إن توليتم أن‬
‫تفسدوا في الرض وتقطعوا أرحامكم " الية ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ومصعدق بالسعحر أي مطلقا ‪ .‬ومنعه التنجيعم ‪ ،‬لمعا تقدم معن الحديعث ‪ .‬وهذا وجعه‬
‫مطابقة الحديث للترجمة ‪.‬‬
‫قال الذهبي في الكبائر ‪ :‬ويدخل فيه تعلم السيميا وعملها ‪ ،‬وعقد المرء عن زوجته ومحبة‬
‫الزوج لمرأته وبغضها وبغضه ‪ .‬وأشباه ذلك بكلمات مجهولة ‪ .‬قال ‪ :‬وكثير من الكبائر ع بل‬
‫عامتها إل القل ع يجهل خلق من المة تحريمه ‪ ،‬وما بلغه الزجر فيه ‪ ،‬ول الوعيد عليه ا هع‬
‫‪.‬‬

‫الستسقاء بالنجوم‬
‫قوله ‪ ( :‬ما جاء في الستسقاء بالنواء )‬
‫أي من الوعيد ‪ ،‬والمراد ‪ :‬نسبة السقيا ومجيء المطر إلى النواء ‪ .‬جمع نوء وهي منازل‬
‫القمر ‪ .‬قال أبو السعادات ‪ :‬وهي ثمان وعشرون منزلة ‪ .‬ينزل القمر كل ليلة منها ‪ .‬ومنه قوله‬
‫تعالى ‪ " ' 39 : 36 ' :‬والق مر قدرناه منازل " ي سقط في الغرب كل ثلث عشرة ليلة منزلة‬
‫طلوع الفجعر ‪ ،‬وتظلع أخرى مقابلتهعا ذلك الوقعت معن المشرق ‪ ،‬فتقضعي جميعهعا معع انقضاء‬
‫السنة ‪ .‬وكانت العرب تزعم أن مع سقوط المنزلة وطلوع رقيبها يكون مطر ‪ ،‬وينسبونه إليها ‪،‬‬
‫ويقولون مطرنا بنوء كذا وكذا وإنما سمى نوءا لنه إذا سقط الساقط منها ناء الطالع بالمشرق‬
‫‪ ،‬أي نهض وطلع ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقوله تعالى ' ‪ " ' 82 : 56‬وتجعلون رزق كم أن كم تكذبون " روى المام أح مد‬
‫والترمذي ع وحسنه ع وابن جرير وابن أبي حاتم والضياء في المختارة عن علي رضي ال‬
‫عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " " :‬وتجعلون رزقكم " يقول ‪ :‬شكركم " أنكم‬
‫تكذبون " تقولون ‪ :‬مطرنعا بنوء كذا وكذا ‪ :‬بنجعم كذا وكذا " وهعذ أولى معا فسعرت بعه اليعة ‪.‬‬
‫وروى ذلك ععن علي وابعن عباس وقتادة والضحاك وعطاء الخراسعاني وغيرهعم وهعو قول‬
‫جمهور المفسرين وبه يظهر وجه استدلل المصنف رحمه ال بالية ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬أي تجعلون حظكم من هذا الرزق الذي به حياتكم ‪ :‬التكذيب به ‪،‬‬
‫يعني القرآن ‪ .‬قال الحسن ‪ :‬تجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون قال ‪ :‬وخسر عبد‬
‫ل يكون حظه من القرآن إل التكذيب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن أبي مالك الشعري رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬‬
‫أر بع في أم تي من أ مر الجاهل ية ل يتركون هن ‪ :‬الف خر بالح ساب ‪ ،‬والط عن في الن ساب ‪،‬‬
‫والستسقاء بالنجوم ‪ ،‬والنياحة " ‪ .‬وقال ‪ " :‬النائحة إذا لم تتب قبل موتها تقام يوم القيامة وعليها‬
‫سربال من قطران ودرع من جرب " رواه مسلم ‪ .‬أبو مالك اسمه الحرث بن الحرث الشامي ‪.‬‬
‫صحابي تفرد عنه بالرواية أبو سلم ‪ .‬وفي الصحابة أبو مالك الشعري اثنان غير هذا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أر بع في أم تي من أ مر بالجاهل ية ل يتركون هن ستفعلها هذه ال مة إ ما مع العلم‬
‫بتحريم ها أو مع الج هل بذلك ‪ ،‬مع كون ها من أعمال الجاهل ية المذمو مة المكرو هة المحر مة ‪.‬‬
‫والمراد بالجاهل ية ه نا ‪ :‬ما ق بل المب عث ‪ ،‬سموا ذلك لفرط جهل هم ‪ .‬و كل ما يخالف ما جاء به‬
‫الرسول صلى ال عليه وسلم فهو جاهلية ‪ ،‬فقد خالفهم رسول ال صلى ال عليه وسلم في كثير‬
‫من أمور هم أو أكثر ها ‪ .‬وذلك يدرك بتدبر القرآن ومعر فة ال سنة ‪ .‬ولشخ نا رح مه ال م صنف‬
‫لطيف ذكر فيه ما خالف رسول ال صلى ال عليه وسلم فيه أهل الجاهلية ‪ ،‬بلغ مائة وعشرين‬
‫مسألة ‪.‬‬

‫قال ش يخ ال سلم رح مه ال تعالى ‪ :‬أ خبر أن ب عض أمر الجاهل ية ل يتر كه الناس كل هم ذما‬
‫لمعن لم يتر كه ‪ ،‬وهذا يقت ضي أن كل ما كان من أمعر الجاهل ية وفعلهعم ف هو مذموم فعي د ين‬
‫ال سلم ‪ ،‬وإل لم ي كن في إضا فة هذه المنكرات إلى الجاهل ية ذم ل ها ‪ ،‬ومعلوم أن إضافت ها إلى‬
‫الجاهليعة خرج مخرج الذم ‪ ،‬وهذا كقوله تعالى ‪ " ' 33 : 33 ' :‬ول تعبرجن تعبرج الجاهليعة‬
‫الولى " فإن في ذلك ذما للتبرج وذما لحال الجاهلية الولى ‪ ،‬وذلك يقتضي المنع من مشابهتهم‬
‫في الجملة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬الف خر بالح ساب أي التعا ظم على الناس بالباء ومآثر هم ‪ ،‬وذلك ج هل عظ يم ‪ ،‬إذ‬
‫ل كرم إل بالتقوى ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 13 : 49 ' :‬إن أكرمكم عند ال أتقاكم " وقال تعالى ‪' :‬‬
‫‪ " ' 37 : 34‬و ما أموال كم ول أولد كم بال تي تقرب كم عند نا زل فى إل من آ من وع مل صالحا‬
‫فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا وهم في الغرفات آمنون " ‪.‬‬
‫ولبي داود عن أبي هريرة مرفوعا ‪ " :‬إن ال قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالباء‬
‫‪ ،‬إن ما هو مؤ من ت قي ‪ ،‬أو فا جر ش قي ‪ ،‬الناس ب نو آدم وآدم من تراب ‪ ،‬ليد عن رجال فخر هم‬
‫بأقوام إنما فحم من فحم جهنم ‪ ،‬أو ليكونن أهون على ال من الجعلن " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬والط عن في النساب أي الوقوع في ها بالعيب والتن قص ‪ .‬ول ما عير أ بو ذر رضي‬
‫ال عنه رجلً بأمه قال له النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ":‬أعيرته بأمه ؟ إنك امرؤ فيك جاهلية "‬
‫متفق عليه ‪ .‬فدل على أن الطعن في النساب من عمل الجاهلية ‪ ،‬وأن المسلم قد يكون فيه شئ‬
‫معن هذه الخصعال بجاهليعة ويهوديعة ونصعرانية ‪ ،‬ول يوجعب ذلك كفره ول فسعقه ‪ .‬قاله شيعخ‬
‫السلم رحمه ال‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وال ستسقاء بالنجوم أي ن سبة الم طر إلى النوء و هو سقوط الن جم ‪ .‬ك ما أخرج المام‬
‫أحمد وابن جرير السوائي قال‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ":‬أخاف على أمتي‬
‫ثلثا ‪ :‬استسقاء بالنجوم ‪ .‬وحيف السلطان ‪ .‬وتكذيبا بالقدر " ‪.‬‬
‫فإذا قال قائلهم ‪ :‬مطرنا بنجم كذا أو بنوء كذا ‪ .‬فل يخلوا إما أن يعتقد أن له تأثيرا في إنزال‬
‫الم طر ‪ .‬فهذا شرك وك فر ‪ .‬و هو الذي يعتقده أ هل الجاهل ية كاعتقاد هم أن دعاء الم يت والغائب‬
‫يجلب لهم نفعا ‪ ،‬أو يدفع عنهم ضرا ‪ .‬أو أنه يشفع بدعائهم إياه ‪ ،‬فهذا هو الشرك الذي بعث ال‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم بالنهي عنه وقتال من فعله ‪ .‬كما قال تعالى ‪" ' 39 : 8 ' :‬وقاتلوهم‬
‫حتعى ل تكون فتنعة ويكون الديعن كله ل " والفتنعة الشرك ‪ ،‬وإمعا أن يقول ‪ :‬مطرنعا بنوء كذا‬
‫مثل ‪ ،‬ل كن مع اعتقاده أن المؤ ثر هو ال وحده ‪ .‬لك نه أجرى العادة بوجود الم طر ع ند سقوط‬
‫ذلك النجم ‪ ،‬والصحيح ‪ :‬أنه يحرم نسبة ذلك إلى النجم ولو على طريق المجاز ‪ ،‬فقد صرح ابن‬
‫مفلح فعي الفروع ‪ :‬بأنعه يحرم قول مطرنعا بنوء كذا وجزم فعي النصعاف بتحريمعه ولو على‬
‫طريق المجاز ‪ ،‬ولم يذكر خلفا ‪ .‬وذلك أن القائل لذلك نسب ما هو من فعل ال تعالى الذي ل‬
‫يقدر عليعه غيره إلى خلق مسعخر ل ينفعع ول يضعر ول قدرة له على شعئ ‪ ،‬فيكون ذلك شركا‬
‫أصغر ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫عقوبة النائحة إذا لم تتب‬


‫قوله ‪ :‬والنياحة أي رفع الصوت بالندب على الميت لنها تسخط بقضاء ال ‪ ،‬وذلك ينافي‬
‫الصبر الواجب ‪ ،‬وهي من الكبائر لشدة الوعيد والعقوبة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬والنائحة إذا لم تتب قبل موتها فيه تنبيه على أن التوبة تكفر الذنب وإن عظم ‪ ،‬هذا‬
‫مج مع عل يه في الجملة ‪ ،‬ويك فر أيضا الح سنات الماح ية والم صائب ‪ ،‬ودعاء الم سلمين بعض هم‬
‫لبعض ‪ ،‬وبالشفاعة بإذن ال ‪ ،‬وعفو ال عمن شاء ممن ل يشرك به شيئا وفي الحديث عن ابن‬
‫ع مر مرفوعا ‪ ":‬إن ال تعالى يق بل تو بة الع بد ما لم يغر غر" رواه أح مد والترمذي وا بن ما جه‬
‫وابن حبان ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬تقام يوم القيامة وعليها سربال من قطران ودرع من جرب قال القرطبي ‪ :‬السربال‬
‫وا حد ال سرابيل ‪ ،‬و هي الثياب والقم يص‪ ،‬يع ني أن هن يلط خن بالقطران ‪ ،‬فيكون ل هم كالق مص ‪،‬‬
‫حتعى يكون اشتعال النار بأجسعادهن أعظعم ‪ ،‬ورائحتهعن أنتعن ‪ ،‬وألمهعن بسعبب الجرب أشعد ‪.‬‬
‫وروى عن ابن عباس ‪ :‬إن القطران هو النحاس المذاب ‪.‬‬
‫قال ‪" :‬وله ما عن ز يد بن خالد ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬صلى ل نا ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫و سلم صلة ال صبح بالحديب ية على إ ثر سماء كا نت من الل يل ‪ ،‬فل ما ان صرف أق بل على الناس‬
‫فقال ‪ :‬أتدرون ماذا قال ربكم ؟ قالوا ‪ :‬ال ورسوله أعلم ‪ .‬قال ‪ :‬قال ‪ :‬أصبح من عبادي مؤمن‬
‫بي وكافر ‪ ،‬فأما من قال ‪ :‬مطرنا بفضل ال ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب ‪ ،‬وأما من‬
‫قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب " ‪.‬‬
‫ز يد بن خالد الجه ني صحابي مشهور ‪ ،‬مات سنة ثمان و ستين ‪ ،‬وق يل ‪ :‬غ ير ذلك ‪ ،‬وله‬
‫خمس وثمانون سنة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬صلى لنا رسول ال صلى ال عليه وسلم أي بنا ‪ ،‬فاللم بمعنى الباء ‪ .‬قال الحافظ‬
‫‪ :‬وفيه إطلق ذلك مجازا ‪ .‬وإنما الصلة ل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬بالحديبية بالمهملة المضمومة وتخفيف يائها وتثقل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬على إثر سماء كانت من الليل بكسر الهمزة وسكون المثلثة على المشهور ‪ ،‬وهو‬
‫ما يعقب الشئ ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬سماء أي مطر ‪ .‬لنه ينزل من السحاب ‪ ،‬والسماء يطلق على كل ما ارتفع ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فل ما ان صرف أي من صلته ‪ ،‬أي الت فت إلى المأموم ين ‪ ،‬ك ما يدل عل يه قوله ‪:‬‬
‫أقبل على الناس ويحتمل أنه أراد السلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬هل تدرون ل فظ ا ستفهام ومعناه الت نبيه ‪ .‬و في الن سائي ‪ :‬ألم ت سمعوا ما قال رب كم‬
‫الليلة ؟ وهذا من الحاديث القدسية‪ .‬وفيه إلقاء العالم على أصحابه المسألة ليختبرهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قالوا ال ورسوله أعلم فيه حسن الدب للمسئول عما ل يعلم أن يكل العلم إلى عالمه‬
‫‪ .‬وذلك يجب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أصبح من عبادي الضافة هنا للعموم بدليل التقسيم إلى مؤمن وكافر كقوله تعالى ‪:‬‬
‫' ‪ " ' 2 : 64‬هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬مؤمن بي وكافر إذا اعتقد أن للنوء تأثيرا في إنزال المطر فهذا كفر لنه أشرك في‬
‫الربوبية ‪ .‬والمشرك كافر ‪ .‬وإن لم يعتقد ذلك فهو من الشرك الصغر ‪ ،‬لنه نسب نعمة ال إلى‬
‫غيره ‪ ،‬ولن ال لم يجعل النوء سببا لنزال المطر فيه ‪ ،‬وإنما هو فضل من ال ورحمته يحبسه‬
‫إذا شاء وينزله إذا شاء ‪.‬‬
‫ودل هذا الحديعث على أنعه ل يجوز لحعد أن يضيعف أفعال ال إلى غيره ولو على سعبيل‬
‫المجاز ‪ .‬وأيضا الباء تحتمل معاني ‪ ،‬وكلها ل تصدق بهذا اللفظ ‪ ،‬فليست للسببية ول للستعانة‬
‫‪ ،‬ل ما عر فت من أن هذا با طل ‪ .‬ول ت صدق أيضا على أن ها للم صاحبة ‪ ،‬لن الم طر قد يج يء‬
‫فعي هذا الوقعت وقعد ل يجيعء فيعه ‪ ،‬وإنمعا يجيعء المطعر فعي الوقعت الذي أراد ال مجيئه فيعه‬
‫برحمته وحكمته وفضله ‪ .‬فكل معنى تحمل عليه الباء في هذا اللفظ المنهى عنه فاسد ‪ .‬فيظهر‬
‫على هذا تحر يم هذه اللف ظة مطلقا لف ساد المع نى ‪ .‬و قد تقدم الق طع بتحري مه في كلم صاحب‬
‫الفروع والنصاف ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال ‪ :‬وفيه التفطن لليمان في هذا الموضع يشير إلى أنه الخلص ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فأ ما من قال ‪ :‬مطر نا بف ضل ال ورحم ته فالف ضل والرح مة صفتان ل ‪ ،‬ومذ هب‬
‫أهل السنة والجماعة ‪ :‬أن ما وصف ال به نفسه ووصفه به رسوله من صفات الذات ‪ :‬كالحياة‬
‫والعلم ‪ ،‬و صفات الفعال ‪ ،‬كالرح مة ال تي ير حم ب ها عباده ‪ .‬كل ها صفات ل قائ مة بذا ته لي ست‬
‫قائمة بغيره ‪ ،‬فتفطن لهذا فقط غلط فيه طوائف ‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث ‪ :‬إن نعم ال ل يجوز أن تضاف إل إليه وحده ‪ ،‬وهو الذي يحمد عليها ‪،‬‬
‫وهذه حال أهل التوحيد ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وأما من قال ‪ :‬مطرنا بنوء كذا وكذا إلى أخره ‪ ،‬تقدم ما يتعلق بذلك ‪.‬‬
‫قال المصنف رحمه ال ‪ :‬وفيه التفطن للكفر في هذا الموضع ‪.‬‬
‫يش ير إلى أ نه ن سبة النع مة إلى غ ير ال ك فر ‪ ،‬ولهذا ق طع ب عض العلماء بتحري مه ‪ ،‬وإن لم‬
‫يعتقعد تأثيعر النوء بإنزال المطعر ‪ ،‬فيكون معن كفعر النععم ‪ ،‬لعدم نسعبتها إلى الذي أنععم بهعا ‪،‬‬
‫ونسبتها إلى غيره ‪ ،‬كما سيأتي في قوله تعالى ‪ " ' 83 : 16 ' :‬يعرفون نعمة ال ثم ينكرونها "‬
‫‪.‬‬
‫قال القرطبي في شرح حديث زيد بن خالد ‪ :‬وكانت العرب إذا طلع نجم من الشرق وسقط‬
‫آخر من المغرب فحدث عند ذلك مطر أو ريح ‪ ،‬فمنهم من ينسبه إلى الطالع ‪ ،‬ومنهم من ينسبه‬
‫إلى الغارب نسبة إلى إيجاد واختراع ‪ ،‬ويطلقون ذلك القول المذكور في الحديث ‪ .‬فنهى الشارع‬
‫عن إطلق ذلك لئل يعتقد أحد اعتقادهم ول يتشبه بهم في نطقهم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فمنهعم معن ينسعبه نسعبة إيجاد عع يدل على أن بعضهعم كان ل يعتقعد ذلك ‪ ،‬كمعا قال‬
‫تعالى ‪ " ' 63 : 29 ' :‬ولئن سألتهم من نزل من السماء ماء فأحيا به الرض من بعد موتها‬
‫ليقولن ال قل الح مد ل بل أكثر هم ل يعقلون " فدل على أن من هم من يعرف وي قر بأن ال هو‬
‫الذي أو جد الم طر ‪ ،‬و قد يعت قد هؤلء أن النوء ف يه شيئا من التأث ير ‪ ،‬والقر طبي في شر حه لم‬
‫يصعرح أن العرب كلهعم يعتقدون ذلك المعتقدالذي ذكره ‪ .‬فل اعتراض عليعه بليعة للحتمال‬
‫المذكور ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولهما من حديث ابن عباس معناه ‪ ،‬وفيه ‪ :‬قال بعضهم ‪ :‬لقد صدق نوء كذا وكذا ‪.‬‬
‫فأنزل ال هذه اليات ‪ " ' 82 - 75 : 56 ' :‬فل أقسم بمواقع النجوم * وإنه لقسم لو تعلمون‬
‫عظيعم * إنعه لقرآن كريعم * فعي كتاب مكنون * ل يمسعه إل المطهرون * تنزيعل معن رب‬
‫العالميعن * أفبهذا الحديعث أنتعم مدهنون * وتجعلون رزقكعم أنكعم تكذبون " ‪ .‬وبلفظعه ععن ابعن‬
‫عباس قال ‪ :‬مطر الناس على عهد النبي صلى ال عليه وسلم فقال النبي صلى ال عليه وسلم ‪":‬‬
‫أصبح من الناس شاكر ‪ ،‬ومن هم كافر ‪ .‬قالوا ‪ :‬هذه رحمة ال ‪ .‬وقال بعض هم ‪ :‬لقد صدق نوء‬
‫كذا وكذا " ‪ .‬فقال ‪ :‬فنزلت هذه الية ‪ " :‬فل أقسم بمواقع النجوم " ‪.‬‬
‫هذا ق سم من ال عز و جل ‪ ،‬يق سم ب ما شاء من خل قه على ما شاء ‪ .‬وجواب الق سم ‪ " :‬إ نه‬
‫لقرآن كر يم " فتكون ل صلة لتأك يد الن في ‪ ،‬فتقدير الكلم ‪ ،‬ل يس ال مر ك ما زعم تم في القرآن‬
‫أ نه سحر ‪ ،‬أو كها نة ‪ ،‬بل هو قرآن كر يم ‪ .‬قال ا بن جر ير ‪ :‬قال ب عض أ هل العرب ية ‪ :‬مع نى‬
‫قوله ‪ :‬فل أقسم فليس المر كما تقولون ‪ ،‬ثم استؤنف القسم بعد فقيل ‪ :‬أقسم بمواقع النجوم ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬يعني نجوم القرآن ‪ ،‬فإنه نزل جملة ليلة القدر من السماء الدنيا ‪ ،‬ثم نزل مفرقا‬
‫في السنين بعد ‪ ،‬ثم قرأ ابن عباس هذه الية ‪ .‬ومواقعها ‪ :‬نزولها شيئا بعد شئ ‪ .‬وقال مجاهد ‪:‬‬
‫مواقع النجوم مطالعها ومشارقها ‪ .‬واختاره ابن جرير ‪ .‬وعلى هذه فتكون المناسبة بين المقسم‬
‫به والمق سم عل يه ع و هو القرآن ع من وجوه ‪ :‬أحد ها ‪ :‬أن النجوم جعل ها ال يهتدي ب ها في‬
‫ظلمات البر والبحعر ‪ ،‬وآيات القرآن يهتدي بهعا فعي ظلمات الغعي والجهعل ‪ .‬فتلك هدايعة فعي‬
‫الظلمات الحسية ‪ ،‬والقرآن هداية في الظلمات المعنوية ‪ .‬فجمع بين الهدايتين مع ما في النجوم‬
‫من الزينة الظاهرة ‪ .‬وفي القرآن من الزينة الباطنة ‪ ،‬ومع ما في النجوم من الرجوم للشياطين ‪،‬‬
‫و في القرآن من رجوم شياط ين ال جن وال نس‪ .‬والنجوم آيا ته المشهودة العيان ية ‪ ،‬والقرآن آيا ته‬
‫المتلوة السعمعية ‪ ،‬معع معا فعي مواقعهعا عنعد الغروب معن الععبرة والدللة على آياتعه القرآنيعة‬
‫ومواقعها عند النزول ذكره ابن القيم رحمه ال ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬وإ نه لق سم لو تعلمون عظ يم " قال ا بن كث ير ‪ :‬أي وإن هذا الق سم الذي أق سمت به‬
‫لقسم عظيم لو تعلمون عظمته لعظمتم المقسم به عليه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬إ نه لقرآن كر يم " هذا هو المق سم عل يه ‪ ،‬و هو القرآن ‪ ،‬أي إ نه و حي ال وتنزيله‬
‫وكل مه ‪ ،‬ل ك ما يقول الكفار ‪ :‬إ نه سحر أو كها نة ‪ ،‬أو ش عر ‪ .‬بل هو قرآن كر يم أي عظ يم‬
‫كثير الخير لنه كلم ال ‪.‬‬
‫قال ا بن الق يم رح مه ال تعالى ‪ :‬فو صفه ب ما يقت ضي ح سنه وكثرة خيره ومناف عه وجلل ته ‪،‬‬
‫فإن الكر يم هو الب هي الكث ير الخ ير العظ يم ‪ ،‬و هو من كل شئ أح سنه وأفضله ‪ .‬وال سبحانه‬
‫وتعالى وصف نفسه بالكرم ووصف به كلمه ‪ ،‬ووصف به عرشه ‪ ،‬ووصف به ما كثر خيره‬
‫وحسن منظره من النبات وغيره ولذلك فسر السلف الكريم بالحسن قال الزهري‪ :‬الكريم اسم‬
‫جا مع ل ما يح مد‪ ،‬وال تعالى كر يم جم يل الفعال ‪ ،‬وإ نه لقرآن كر يم يح مد ل ما ف يه من الهدى‬
‫والبيان والعلم والحكمة ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬في كتاب مكنون " أي في كتاب معظم محفوظ موقر ‪ ،‬قاله ابن كثير ‪.‬‬
‫وقال ابعن القيعم رحمعه ال تعالى ‪ :‬اختلف المفسعرون فعي هذا ‪ ،‬فقيعل ‪ :‬هعو اللوح المحفوظ‬
‫والصحيح أنه الكتاب الذي بأيدي الملئكة ‪ ،‬وهو المذكور في قوله ‪ 13 : 80 ' :‬ع ‪ " ' 16‬في‬
‫صعحف مكرمعة * مرفوععة مطهرة * بأيدي سعفرة * كرام بررة " ويدل على أنعه الكتاب الذي‬
‫بأيدي الملئكة قوله ‪ " :‬ل يمسه إل المطهرون " فهذا يدل على أنه بأيديهم يمسونه ‪.‬‬

‫" ل يمسه إل المطهرون "‬


‫قوله ‪ " :‬ل يمسه إل المطهرون " قال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬ل يمسه إل المطهرون‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬الكتاب الذي في السماء وفي رواية ل يمسه إل المطهرون يعني الملئكة وقال قتادة‬
‫‪ :‬ل يمسه عند ال إل المطهرون فأما في الدنيا فإنه يمسه المجوسي النجس والمنافق الرجس‬
‫واختار هذا القول كثيرون ‪ ،‬منهم ابن القيم رحمه ال ورجحه ‪ ،‬وقال ابن زيد ‪ :‬زعمت قريش‬
‫أن هذا القرآن تنزلت به الشياط ين ‪ ،‬فأ خبر ال تعالى أنه ل يم سه إل المطهرون ك ما قال تعالى‬
‫‪ 210 : 26 ' :‬ع ‪ " ' 212‬وما تنزلت به الشياطين * وما ينبغي لهم وما يستطيعون * إنهم عن‬
‫السعمع لمعزولون " قال ابعن كثيعر ‪ :‬هذا قول جيعد ‪ .‬وهعو ل يخرج ععن القول قبله ‪ .‬وقال‬
‫البخاري رحمه ال تعالى في صحيحه في هذه الية ‪ :‬ل يجد طعمه إل من آمن به ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬هذا من إشارة الية وتنبيهها ‪ ،‬وهو أنه ل يلتذ به وبقراءته وفهمه‬
‫وتدبره إل من يشهد أنه كلم ال تكلم به حقا ‪ ،‬وأنزله على رسوله وحيا ‪ .‬ل ينال معانيه إل من‬
‫لم يكن في قلبه حرج منه بوجه من الوجوه ‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ " :‬ل يمسه إل المطهرون " أي من الجنابة والحديث ‪ .‬قالوا ‪ :‬ولفظ الية خبر‬
‫معناه الطلب ‪ .‬قالوا ‪ :‬والمراد بالقرآن ههنعا المصعحف ‪ .‬واحتجوا على ذلك بمعا رواه مالك فعي‬
‫الموطأ عن عبد ال بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم ‪ :‬إن في الكتاب الذي‬
‫كتبه رسول ال صلى ال عليه وسلم لعمرو بن حزم ‪ :‬أن ل يمس القرآن إل طاهر ‪.‬‬
‫وقوله ‪ ":‬تنزيل من رب العالمين " قال ابن كثير ‪ :‬هذا القرآن منزل من رب العالمين وليس‬
‫كما يقولون إنه سحر أو كهانة أو شعر‪ ،‬بل هو الحق الذي ل مرية فيه ‪ ،‬وليس وراءه حق نافع‬
‫‪ .‬وفي هذه الية ‪ :‬أنه كلم ال تكلم به ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬ونظيره ‪ " ' 13 : 32 ' :‬ولكن حق القول مني " وقوله ‪: 16 ' :‬‬
‫‪ " ' 102‬قل نزله روح القدس من ر بك بال حق " هو إثبات علو ال تعالى على خل قه ‪ .‬فإن‬
‫النزول والتنزيل الذي تعقله العقول وتعرفه الفطر هو وصول الشئ من أعلى إلى أسفل ول يرد‬
‫عليه قوله ‪ " ' 6 : 39 ' :‬وأنزل لكم من النعام ثمانية أزواج" لنا نقول ‪ :‬إن الذي أنزلها فوق‬
‫سماواته ‪ .‬فأنزلها لنا بأمره ‪.‬‬
‫قال ا بن الق يم رح مه ال ‪ :‬وذ كر التنز يل مضافا إلى ربوبي ته للعالم ين الم ستلزمة لمل كه ل ها‬
‫وتصرفه فيهم ‪ ،‬وحكمه عليهم ‪ ،‬وإحسانه إليهم ‪ ،‬وإنعامه عليهم ‪ ،‬وأن من هذا شأنه مع الخلق‬
‫ك يف يل يق به مع ربوبي ته التا مة أن يتكر هم سدى ‪ ،‬ويدع هم هملً ‪ ،‬ويخلق هم عبثا ‪ .‬ل يأمر هم‬
‫ول ينهاهعم ول يثيبهعم ول يعاقبهعم ؟ فمعن أقعر بأنعه رب العالميعن أقعر بأن القرآن تنزيله على‬
‫رسعوله ‪ .‬واسعتدل بكونعه رب العالميعن على ثبوت رسعالة رسعوله وصعحة معا جاء بعه ‪ ،‬وهذا‬
‫السعتدلل أقوى وأشرف معن السعتدلل بالمعجزات والخوارق ‪ .‬وإن كانعت دللتهعا أقرب إلى‬
‫أذهان عموم الناس ‪ .‬وذلك إنما تكون لخواص العقلء ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬أفبهذا الحديث أنتم مدهنون " قال مجاهد ‪ :‬أتريدون أن تمالئوهم فيه وتركنوا إليهم ؟‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن الق يم رحمه ال تعالى ‪ :‬ثم وبخهم على وضعهم الدهان في غير موضعه ‪ ،‬وأن هم‬
‫يداهنون في ما ح قه أن ي صدع به ويعرف به ‪ ،‬وي عض عل يه بالنوا جذ ‪ ،‬وتث ني عل يه الخنا صر ‪،‬‬
‫وتعقعد عليعه القلوب والفئدة ‪ ،‬ويحارب ويسعالم لجله ‪ ،‬ول يلتوى عنعه يمنعة ول يسعرة ‪ ،‬ول‬
‫يكون للقلب التفات إلى غيره ‪ ،‬ول محاكمعة إل إليعه ‪ ،‬ول مخاصعمة إل بعه ‪ ،‬ول اهتداء فعي‬
‫طرق المطالب العاليعة إل بنوره‪ ،‬ول شفاء إل بعه ‪ ،‬فهعو روح الوجود ‪ ،‬وحياة العالم ‪ ،‬ومدار‬
‫ال سعادة ‪ ،‬وقائد الفلح ‪ ،‬وطر يق النجاة ‪ ،‬و سبيل الرشاد‪ ،‬ونور البصائر‪ .‬فك يف تطلب المداه نة‬
‫ب ما هذا شأ نه ‪ ،‬ولم ينزل للمداه نة ‪ ،‬وإن ما نزل بال حق ولل حق ‪ ،‬والمداه نة إن ما تكون في با طل‬
‫قوى ل تمكن إزالته ‪ ،‬أو في حق ضعيف ل تمكن إقامته ‪ ،‬فيحتاج المداهن إلى أن يترك بعض‬
‫الحق ويلتزم بعض الباطل ‪ ،‬فأما الحق الذي قام به كل حق فكيف يداهن به ؟‬
‫قوله ‪ " :‬وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون " تقدم الكلم عليها أول الباب ‪ ،‬وال تعالى أعلم ‪.‬‬

‫ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 165 : 2 ' :‬ومن الناس من يتخذ من دون ال أندادا يحبونهم كحب ال "‬
‫‪.‬‬
‫لما كانت محبته سبحانه هي أصل دين السلم الذي يدور عليه قطب رحاه ‪ ،‬فبكمالها يكمل‬
‫‪ ،‬وبنقصها ينقص توحيد النسان ‪ ،‬نبه المصنف على ذلك بهذه الترجمة ‪.‬‬
‫قوله تعالى ‪ " :‬ومعن الناس معن يتخعذ معن دون ال أندادا " اليعة ‪ .‬قال فعي شرح المنازل ‪:‬‬
‫أخبر تعالى أن من أحب من دون ال شيئا كما يحب ال تعالى فهو ممن اتخذ من دون ال أندادا‬
‫‪ ،‬فهذا ند في المح بة ل في الخلق والربوب ية ‪ ،‬فإن أحدا من أ هل الرض ل يث بت هذا ال ند ‪،‬‬
‫بخلف ند المحبة ‪ .‬فإن أكثر أهل الرض قد اتخذوا من دون ال أندادا في الحب والتعظيم‪ .‬ثم‬
‫قال تعالى‪ " :‬يحبونهم كحب ال " وفي تقدير الية قولن ‪:‬‬
‫أحدهمعا ‪ :‬والذيعن آمنوا أشعد حبا ل معن أصعحاب النداد لندادهعم وآلهتهعم التعي يحبونهعا‬
‫ويعظمونها من دون ال ‪.‬‬
‫وروى ابن جرير عن مجاهد في قوله تعالى ‪ " :‬يحبونهم كحب ال " مباهاة ومضاهاة للحق‬
‫بالنداد " والذيعن آمنوا أشعد حبا ل" معن الكفار لوثانهعم ‪ .‬ثعم روى ععن ابعن زيعد قال ‪ :‬هؤلء‬
‫المشركون أنداد هم آلهت هم ال تي عبدوا مع ال يحبون هم ك ما ي حب الذ ين آمنوا ال ‪ ،‬والذ ين آمنوا‬
‫أشد حبا ل من حبهم آلهتهم ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬والذين آمنوا أشد حبا ل من المشركين بالنداد ل ‪ ،‬فإن محبة المؤمنين خالصة ‪،‬‬
‫ومح بة أ صحاب النداد قد ذه بت أنداد هم بق سط من ها ‪ ،‬والمح بة الخال صة أ شد من المشتر كة ‪.‬‬
‫والقولن مرتبان على القولين في قوله تعالى ‪ " :‬يحبونهم كحب ال " فإن فيها قولين أيضا ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬يحبونهم كما يحبون ال ‪ .‬فيكون قد أثبت لهم محبة ال ‪ .‬ولكنها محبة أشركوا فيها‬
‫مع ال تعالى أندادهم ‪.‬‬
‫والثانعي ‪ :‬أن المعنعى يحبون أندادهعم كمعا يحعب المؤمنون ال ‪ ،‬ثعم بيعن تعالى أن محبعة‬
‫المؤمنين ل أشد من محبة أصحاب النداد لندادهم ‪.‬‬
‫وكان ش يخ ال سلم ا بن تيم ية رح مه ال ير جح القول الول ويقول ‪ :‬إن ما ذموا بأن شركوا‬
‫بين ال وبين أندادهم في المحبة ولم يخلصوها ل كمحبة المؤمنين له ‪ ،‬وهذه التسوية المذكورة‬
‫في قوله تعالى حكاية عنهم ‪ ،‬و هم في النار أنهم يقولون للهت هم وأنداد هم و هي محضرة مع هم‬
‫في العذاب ' ‪ " ' 98 ، 97 : 26‬تال إن كنا ل في ضلل مبين * إذ ن سويكم برب العالم ين "‬
‫ومعلوم أنهم ما سووهم برب العالمين في الخلق والربوبية وإنما سووهم به في المحبة والتعظيم‪،‬‬
‫وهذا أيضا هعو العدل المذكور فعي قوله تعالى ‪ " ' 1 : 6 ' :‬الحمعد ل الذي خلق السعموات‬
‫والرض وج عل الظلمات والنور ثم الذ ين كفروا برب هم يعدلون " به غيره في العبادة ال تي هي‬
‫المحبة والتعظيم ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ " ' 31 : 3 ' :‬قل إن كنتم تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال " وهذه تسمى آية‬
‫المح نة ‪ .‬قال ب عض ال سلف ‪ :‬اد عى قوم مح بة ال فأنزل ال تعالى آ ية المح نة ‪ " :‬قل إن كن تم‬
‫تحبون ال فاتبعوني يحببكم ال " إشارة إلى دليل المحبة وثمرتها وفائدتها ‪ ،‬فدليلها وعلمتها ‪:‬‬
‫اتباع الرسول صلى ال عليه وسلم وفائدتها وثمرتها ‪ ،‬محبة المرسل لكم ‪ ،‬فما لم تحصل منكم‬
‫المتابعة فمحبتكم له غير حاصلة ‪ ،‬ومحبته لكم منتفية ‪.‬‬
‫وقال تعالى ‪ " ' 54 : 5 ' :‬يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي ال بقوم‬
‫يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل ال ول يخافون لومة‬
‫لئم " ذكر لها أربع علمات ‪:‬‬
‫إحداهما ‪ :‬أنهم أذلة على المؤمنين ‪ ،‬قيل ‪ :‬معناه أرقاء رحماء مشفقين عاطفين عليهم ‪ ،‬فلما‬
‫ضمعن أذلة هذا المعنعى عداه بأداة على‪ .‬قال عطاء رحمعه ال ‪ :‬للمؤمنيعن كالولد لوالده وكالعبعد‬
‫لسيده ‪ ،‬وعلى الكافرين كالسد على فريسته ‪ " ،‬أشداء على الكفار رحماء بينهم " ‪.‬‬
‫العلمعة الثالثعة ‪ :‬الجهاد فعي سعبيل ال بالنفعس واليعد والمال واللسعان ‪ .‬وذلك تحقيعق دعوى‬
‫المحبة ‪.‬‬
‫العلمة الرابعة ‪ :‬إنهم ل تأخذهم في ال لومة لئم ‪ .‬وهذه علمة صحة المحبة ‪ .‬فكل محب‬
‫أخذه اللوم على محبو به فل يس بم حب على الحقي قة ‪ .‬وقال تعالى ‪ " ' 57 : 17 ' :‬أولئك الذ ين‬
‫يدعون يبتغون إلى رب هم الو سيلة أي هم أقرب ويرجون رحم ته ويخافون عذا به " فذ كر المقامات‬
‫الثلثة ‪ :‬الحب ‪ .‬وهو ابتغاء القرب إليه ‪ ،‬والتوسل إليه بالعمال الصالحة ‪ .‬والرجاء والخوف‬
‫يدل على أن ابتغاء الوسيلة أمر زائد على رجاء الرحمة وخوف العذاب ‪ ،‬ومن المعلوم قطعا أنه‬
‫ل يتنا فس إل في قرب من ي حب قر به ‪ ،‬و حب قر به ت بع لمح بة ذا ته ‪ ،‬بل مح بة ذا ته أوج بت‬
‫محبة القرب منه ‪ .‬وعند الجهمية والمعطلة ‪ :‬ما من ذلك كله شئ فإنه عندهم ل تقرب ذاته من‬
‫شعئ ‪ ،‬ول يقرب معن ذاتعه شعئ ‪ ،‬ول يحعب ‪ ،‬فأنكروا حياة القلوب ‪ ،‬ونعيعم الرواح وبهجعة‬
‫النفوس ‪ ،‬وقرة العيون وأعلى نعيعم الدنيعا والخرة ‪ .‬ولذلك ضربعت قلوبهعم بالقسعوة وضرب‬
‫دون هم ودون ال حجاب على معرف ته ومحب ته‪ ،‬فل يعرفو نه ول يحبو نه ول يذكرو نه إلى ع ند‬
‫تعطيعل أسعمائه وصعفاته‪ ،‬فذكرهعم أعظعم آثامهعم وأوزارهعم ‪ ،‬بعل يعاقبون معن يذكره بأسعمائه‬
‫وصفاته ونعوت جلله ويرمونهم بالدواء التي هم أحق بها وأهلها ‪ .‬وحسب ذي البصيرة وحياة‬
‫القلب ما يرى على كلم هم من الق سوة والم قت والتنف ير عن مح بة ال تعالى ومعرف ته وتوحيده‬
‫وال المستعان ‪.‬‬
‫وقال رحمه ال تعالى أيضا ‪ :‬ل تحد المحبة بحد أوضح منها ‪ ،‬فالحدود ل تزيدها إل خفاء‪.‬‬
‫فحد ها وجود ها ول تو صف المح بة بو صف أظ هر من المح بة ‪ ،‬وإن ما يتكلم الناس في أ سبابها‬
‫وموجباتها وعلماتها وشواهدها وثمراتها وأحكامها ‪ .‬وأجمع ما قيل في ذلك ‪ :‬ما ذكره أبو بكر‬
‫الكتاني عن الجنيد ‪.‬‬

‫محبة ال‬
‫قال أبو بكر ‪ :‬جرت مسألة في المحبة بمكة ع أعزها ال في أيام الموسم ع فتكلم الشيوخ‬
‫في ها ‪ ،‬وكان الجن يد أ صغرهم سنا ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هات ما عندك يا عرا قي ‪ ،‬فأطرق رأ سه ودم عت‬
‫عيناه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬عبد ذاهب عن نفسه ‪ ،‬متصل بذكر ربه ‪ ،‬قائم بأداء حقوقه ‪ ،‬ناظر إليه بقلبه ‪،‬‬
‫أحرق قلبه أنوار هيبته ‪ ،‬وصفا شرابه من كأس مودته ‪ ،‬وانكشف له الحياء من أستار غيبه ‪،‬‬
‫فإن تكلم فبال ‪ ،‬وإن ن طق ف عن ال ‪ ،‬وإن تحرك فبأ مر ال ‪ ،‬وإن سكن ف مع ال ‪ ،‬ف هو ل وبال‬
‫ومع ال ‪ .‬فبكى الشيوخ وقالوا‪ :‬ما على هذا مزيد ‪ ،‬جبرك ال يا تاج العارفين ‪.‬‬
‫وذكر رحمه ال تعالى ‪ :‬أن السباب الجالبة للمحبة عشرة ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعانيه وما أريد به ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬التقرب إلى ال تعالى بالنوافل بعد الفرائض ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬دوام ذكره على كل حال بالل سان والقلب والع مل والحال فن صيبه من المح بة على‬
‫قدر هذا ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬إيثار محابه على محابك عند غلبات الهوى ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬مطالعة القلب لسمائه ومشاهدتها وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬مشاهدة بره وإحسانه ونعمه الظاهرة والباطنة ‪.‬‬
‫السابع ‪ :‬وهو أعجبها ع إنكسار القلب بين يديه ‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬الخلوة وقت النزول اللهي وتلوة كتابه ثم ختم ذلك بالستغفار والتوبة ‪.‬‬
‫التاسعع ‪ :‬مجالسعة المحعبين الصعادقين ‪ ،‬والتقاط أطايعب ثمرات كلمهعم ‪ ،‬ول تتكلم إل إذا‬
‫ترجحت مصلحة الكلم وعلمت أن فيه مزيدا لحالك ومنفعة لغيرك ‪.‬‬
‫العاشرة ‪ :‬مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين ال عز وجل ‪.‬‬
‫فمن هذه السباب العشرة وصل المحبون إلى منازل المحبة ودخلوا على الحبيب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 24 : 9 ' :‬قل إن كان آباؤ كم وأبناؤ كم وإخوان كم وأزواج كم‬
‫وعشيرت كم وأموال اقترفتمو ها وتجارة تخشون ك سادها وم ساكن ترضون ها أ حب إلي كم من ال‬
‫ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي ال بأمره وال ل يهدي القوم الفاسقين " ‪.‬‬
‫أمر ال نبيه صلى ال عليه وسلم أن يتوعد من أحب أهله وماله وعشيرته وتجارته ومسكنه‬
‫فآثارها ‪ ،‬أو بعضها على فعل ما أوجبه ال عليه من العمال التي يحبها ال تعالى ويرضاها ‪،‬‬
‫كالهجرة والجهاد ونحو ذلك ‪.‬‬
‫قال العماد ابعن كثيعر رحمعه ال تعالى ‪ :‬أي إن كانعت هذه الشياء " أحعب إليكعم معن ال‬
‫ور سوله وجهاد في سبيله فترب صوا " أي انتظروا ما ي حل ب كم من عقا به ‪ .‬روى المام أح مد‬
‫وأبو داود ع واللفظ له ع من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن عطاء الخراساني عن نافع‬
‫عن ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‪ ":‬إذا تبايعتم‬
‫بالعينة ‪ ،‬وأخذتم أذناب البقر ‪ ،‬ورضيتهم بالزرع ‪ ،‬وتركتم الجهاد‪ ،‬سلط ال عليكم ذلً ل ينزعه‬
‫عنكم حتى تراجعوا دينكم " ‪.‬‬
‫فل بد من إيثار ما أحبه ال من عبده وأراده على ما يحبه العبد ويريده ‪ ،‬فيحب ما يحبه ال‬
‫ويبغض ما يبغضه ‪ ،‬ويوالي فيه ويعادي فيه ويتابع رسوله صلى ال عليه وسلم ك ما تقدم في‬
‫آية المحنة ونظائرها ‪.‬‬

‫محبة النبي‬
‫قوله ‪ :‬و عن أ نس ر ضي ال ع نه ‪ :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬ل يؤ من‬
‫أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " أخرجاه أي البخاري ومسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل يؤمن أحدكم أي اليمان الواجب ‪ ،‬والمراد كماله ‪ ،‬حتى يكون الرسول أحب إلى‬
‫الع بد من ولده ووالده والناس أجمع ين ‪ ،‬بل ول يح صل هذا الكمال إل بأن يكون الر سول أ حب‬
‫إل يه من نف سه ‪ ،‬ك ما في الحد يث ‪ " :‬أن ع مر بن الخطاب ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬يا ر سول ال‬
‫لنت أحب إلي من كل شئ إل من نفسي ‪ .‬فقال ‪ :‬والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من‬
‫نفسك ‪ ،‬فقال له عمر ‪ :‬فإنك الن أحب إلي من نفسي ‪ ،‬فقال ‪ :‬الن يا عمر " رواه البخاري ‪.‬‬
‫فمن قال ‪ :‬إن المنفي هو الكمال ‪ ،‬فإن أراد الكمال الواجب الذي يذم تاركه ويعرض للعقوبة‬
‫فقد صدق ‪ ،‬وإن أراد أن المنفي الكمال المستحب ‪ ،‬فهذا لم يقع قط في كلم ال ورسوله صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ .‬قاله شيخ السلم رحمه ال ‪.‬‬
‫ف من اد عى مح بة ال نبي صلى ال عل يه و سلم بدون متاب عة وتقد يم قوله على قول غيره ف قد‬
‫كذب كما قال تعالى ‪ " ' 47 : 24 ' :‬ويقولون آمنا بال وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم‬
‫من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين " فنفى اليمان عمن تولى عن طاعة الرسول صلى ال عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬لكن كل مسلم يكون محبا بقدر ما معه من السلم وكل مسلم ل بد أن يكون مؤمنا وإن‬
‫لم يكن مؤمنا اليمان المطلق ‪ .‬لن ذلك ليحصل إل لخواص المؤمنين ‪.‬‬
‫قال شيعخ السعلم رحمعه ال ‪ :‬وعامعة الناس إذا أسعلموا بععد كفعر ‪ ،‬أو ولدوا على السعلم‬
‫والتزموا شرائعه وكانوا من أهل الطاعة ل ورسوله ‪ .‬فهم مسلمون ومعهم إيمان مجمل ‪ ،‬لكن‬
‫دخول حقي قة اليمان إلى قلوب هم يح صل شيئا فشيئا إن أعطا هم ال ذلك ‪ ،‬وإل فكث ير من الناس‬
‫ل يصعلون إلى اليقيعن ول إلى الجهاد ‪ ،‬ولو شككوا لشكوا ‪ ،‬ولو أمروا بالجهاد لمعا جاهدوا ‪ .‬إذ‬
‫ل يس عند هم من علم اليق ين ما يدرأ الر يب ‪ ،‬ول عند هم من قوة ال حب ل ور سوله ما يقدمو نه‬
‫على ال هل والمال ‪ ،‬فهؤلء إن عرفوا من المح نة ماتوا ودخلوا الج نة ‪ ،‬وإن ابتلوا ب من يد خل‬
‫عليهعم شبهات توجعب ريبهعم فإن لم ينععم ال عليهعم بمعا يزيعل الريعب وإل صعاروا مرتابيعن ‪،‬‬
‫وانتقلوا إلى نوع من النفاق ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث ‪ :‬أن العمال من اليمان ‪ .‬لن المحبة عمل القلب ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬أن محبة الرسول صلى ال عليه وسلم واجبة تابعة لمحبة ال لزمة لها ‪ ،‬فإنها ل‬
‫ولجله ‪ ،‬تز يد بزيادة مح بة ال في قلب المؤ من وتن قص بنق صها ‪ ،‬و كل من كان محبا ل فإن ما‬
‫يحب في ال ولجله كما يحب اليمان والعمل الصالح ‪ .‬وهذه المحبة ليس فيها شئ من شوائب‬
‫الشرك كالعتماد عل يه ورجائه في ح صول مرغوب م نه أو د فع مرهوب م نه ‪ .‬و ما كان في ها‬
‫ذلك فمحب ته مع ال ل ما في ها من التعلق على غيره والرغ بة إل يه من دون ال ‪ ،‬فبهذا يح صل‬
‫التمييز بين المحبة في ال ولجله ‪ ،‬التي هي من كمال التوحيد ‪ ،‬وبين المحبة مع ال التي هي‬
‫محبة النداد من دون ال لما يتعلق في قلوب المشركين من اللهية التي ل تجوز إل ل وحده ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وله ما ع نه ع أي البخاري وم سلم ‪ ،‬عن أ نس ر ضي ال ع نه ع قال ‪ :‬قال ر سول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ثلث من كن فيه وجد حلوة اليمان ‪ :‬أن يكون ال ورسوله أحب‬
‫إليه مما سواهما ‪ ،‬وأن يحب المرء ل يحبه إل ل ‪ ،‬وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه ال‬
‫م نه ك ما يكره أن يقذف بالنار " و في روا ية ‪ :‬ل ي جد أ حد حلوة اليمان ح تى ي حب المرء ل‬
‫يحبه إل ل ‪ ...‬إلخ ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ثلث أي ثلث خصال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من كن فيه أي وجدت فيه تامة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وجد بهن حلوة اليمان الحلوة هنا هي التي يعبر عنها بالذوق لما يحصل به من‬
‫لذة القلب ونعيمه وسروره وغذائه ‪ ،‬وهي شئ محسوس يجده أهل اليمان في قلوبهم ‪.‬‬
‫قال السيوطي رحمه ال في التوشيح ‪ :‬وجد حلوة اليمان فيه استعارة تخييلية ‪ .‬شبه رغبة‬
‫المؤمن في اليمان بشئ حلو‪ ،‬وأثبت له لزم ذلك الشئ ‪ ،‬وأضافه إليه ‪.‬‬
‫وقال النووي‪ :‬معنععى حلوة اليمان اسععتلذاذ الطاعات وتحمععل المشاق وإيثار ذلك على‬
‫أغراض الدن يا ‪ ،‬ومح بة الع بد ل بف عل طاع ته وترك مخالف ته ‪ .‬وكذلك الر سول صلى ال عل يه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫قال يحيى بن معاذ ‪ :‬حقيقة الحب في ال ‪ :‬أن ل يزيد بالبر ول ينقص بالجفاء ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أن يكون ال ورسوله أحب إليه مما سواهما يعني بالسوى ‪ :‬ما يحبه النسان بطبعه‬
‫‪ ،‬كمحبة الولد والمال والزواج ونحوها ‪ .‬فتكون أحب هنا على بابها ‪.‬‬
‫وقال الخطابي ‪ :‬المراد بالمحبة هنا حب الختيار ل حب الطبع كذا قال ‪.‬‬
‫وأما المحبة الشركية التي قد تقدم بيانها فقليلها وكثيرها ينافي محبة ال ورسوله وفي بعض‬
‫الحاديث ‪":‬أحبوا ال بكل قلوبكم" فمن علمات محبة ال ورسوله ‪ :‬أن يحب ما يحبه ال ويكره‬
‫ما يكرهه ال ‪ ،‬ويؤثر مرضاته على ما سواه ‪ ،‬ويسعى في مرضاته ما استطاع ‪ ،‬ويبعد عما‬
‫حرمه ال ويكرهه أشد الكراهة ‪ ،‬ويتابع رسوله ويمتثل أمره ويترك نهيه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪4 ' :‬‬
‫‪ " ' 80 :‬من يطع الرسول فقد أطاع ال " فمن آثر أمر غيره على أمره وخالف ما نهى عنه ‪،‬‬
‫فذلك أحب ال وأطاعه أحب الرسول وأطاعه ‪ .‬ومن ل فل ‪ ،‬كما في آية المحنة ‪ ،‬ونظائرها ‪.‬‬
‫وال المستعان ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪ :‬أخبر النبي صلى ال عليه وسلم أن هذه الثلث من كن‬
‫فيه وجد حلوة اليمان ‪ .‬لن وجود الحلوة للشئ يتبع المحبة له فمن أحب شيئا واشتهاه ‪ ،‬إذا‬
‫حصل له مراده فإنه يجد الحلوة واللذة والسرور بذلك ‪ ،‬واللذة أمر يحصل عقيب إدراك الملئم‬
‫الذي هو المحبوب أو المشت هى ‪ .‬قال ‪ :‬فحلوة اليمان المتضم نة للذة والفرح تت بع كمال مح بة‬
‫الع بد ل ‪ .‬وذلك بثل ثة أمور ‪ :‬تكم يل هذه المح بة وتفريغ ها ‪ ،‬ود فع ضد ها ‪ .‬فتكميل ها أن يكون‬
‫ال ورسوله أحب إلى العبد مما سواهما ‪ ،‬فإن محبة ال ورسوله ل يكتفى فيها بأصل الحب ‪،‬‬
‫بل أن يكون ال ورسوله أحب إليه مما سواهما ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ومح بة ال تعالى ت ستلزم مح بة طاع ته ‪ ،‬فإ نه ي حب من عبده أن يطي عه ‪ .‬والم حب‬
‫يحب ما يحبه محبوبه ول بد ‪.‬‬
‫ومن لوازم محبة ال أيضا ‪ :‬محبة أهل طاعته ‪ ،‬كمحبة أنبيائه ورسله والصالحين من عباده‬
‫‪ .‬فمحبة ما يحبه ال ومن يحبه ال من كمال اليمان ‪ ،‬كما في حديث ابن عباس التي ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وتفريغ ها ‪ .‬أن ي حب المرء ل يح به إل ل ‪ ،‬قال ‪ :‬ود فع ضد ها أن يكره ضد اليمان‬
‫كما يكره أن يقذف في النار ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أ حب إل يه م ما سواهما ف يه ج مع ضم ير ال تعالى وضم ير ر سوله صلى ال عل يه‬
‫وسلم وفيه قولن ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه ثنى الضمير هنا إيماء إلى أن المعتبر هو المجموع المركب من المحبتين ‪ ،‬ل‬
‫كل واحدة فإن ها وحد ها لغ ية ‪ .‬وأ مر بالفراد في حد يث الخط يب إشعارا بأن كل وا حد من‬
‫الع صيانين م ستقل با ستلزام الغوا ية إذ الع طف في تقد ير التكر ير ‪ ،‬وال صل ا ستقلل كل من‬
‫المعطوفين في الحكم ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬حمل حديث الخطيب على الدب والولى ‪ ،‬وهذا هو الجواز ‪.‬‬
‫وجواب ثالث ‪ :‬وهو أن هذا وارد على الصل ‪ ،‬وحديث الخطيب ناقل فيكون أرجح ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ك ما يكره أن يقذف في النار أي ي ستوى عنده المران ‪ .‬وف يه رد على الغلة الذ ين‬
‫يتوهمون أن صدور الذنب من العبد نقص في حقه مطلقا وإن تاب منه ‪.‬‬
‫والصعواب ‪ :‬أنعه إن لم يتعب كان نقصعا وإن تاب فل ‪ ،‬ولهذا كان المهاجرون والنصعار‬
‫رضي ال عنهم أفضل هذه المة مع كونهم في الصل كفارا فهداهم ال إلى السلم ‪ ،‬والسلم‬
‫يمحو ما قبله ‪ ،‬وكذلك الهجرة ‪ .‬كما صح الحديث بذلك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬و في روا ية ‪ :‬ل ي جد أ حد هذه الرواية أخرج ها البخاري في الدب من صحيحه ‪.‬‬
‫ولفظ ها ‪ :‬ل ي جد أ حد حلوة اليمان ح تى ي حب المرء ل يح به إلى ل ‪ ،‬وح تى أن يقذف في‬
‫النار أحب إليه من أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه ال منه ‪ ،‬وحتى يكون ال ورسوله أحب إليه‬
‫مما سواهما ‪.‬‬
‫وقعد تقدم أن المحبعة هنعا عبارة عمعا يجده المؤمعن معن اللذة والبهجعة والسعرور والجلل‬
‫والهيبة ولوازم ذلك ‪ ،‬قال الشاعر ‪:‬‬
‫على ‪ ،‬ولكن ملء عين حبيبها‬ ‫أهابك إجللً ‪ .‬وما بك قدرة‬

‫من أحب ال أبغض في ال ووالى في ال‬


‫قوله ‪ :‬وعن ابن عباس رضي ال عنهما ‪" :‬من أحب في ال ‪ ،‬وأبغض في ال ‪ ،‬ووالى في‬
‫ال ‪ ،‬وعادى في ال ‪ ،‬فإنما تنال ولية ال بذلك ‪ ،‬ولن يجد عبد طعم اليمان وإن كثرت صلته‬
‫و صومه ح تى يكون كذلك ‪ .‬و قد صارت عا مة مؤاخاة الناس على أ مر الدن يا ‪ ،‬وذلك ل يجدي‬
‫على أهله شيئا " رواه ابن جرير ‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم الجملة الولى منه فقط ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ومن أحب في ال أي أحب أهل اليمان بال وطاعته من أجل ذلك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وأب غض في ال أي أب غض من ك فر بال وأشرك به وف سق عن طاع ته ل جل ما‬
‫فعلوه مما يسخط ال وإن كانوا أقرب الناس إليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 22 : 58 ' :‬ل تجد قوما‬
‫يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله " الية ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ووالى فعي ال هذا والذي قبله معن لوازم محبعة العبعد ل تعالى ‪ ،‬فمعن أحعب فيعه ‪،‬‬
‫ووالى أولياءه ‪ ،‬وعادى أهل معصيته وأبغضهم ‪ ،‬وجاهد أعداءه ونصر أنصاره ‪ .‬وكلما قويت‬
‫محبة العبد ل في قلبه قويت هذه العمال المترتبة عليها ‪ ،‬وبكمالها يكمل توحيد العبد ‪ ،‬ويكون‬
‫ضعفها على قدر ضعف محبة العبد لربه ‪ ،‬فمقل ومستكثر ومحروم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فإنما تنال ولية ال بذلك أي توليه لعبده ‪ .‬و ولية بفتح الواو ل غير ‪ :‬أي الخوة‬
‫والمحبة والنصرة ‪ ،‬وبالكسر المارة ‪ ،‬والمراد هنا الول ‪ .‬ولحمد والطبراني عن النبي صلى‬
‫ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬ل ي جد الع بد صريح اليمان ح تى ي حب ل ويب غض ل ‪ .‬فإذا أ حب ل‬
‫وأب غض ل ‪ ،‬ف قد ا ستحق الول ية ل " و في حد يث آ خر ‪ " :‬أو ثق عري اليمان ال حب في ال ‪،‬‬
‫والبغض في ال عز وجل " رواه الطبراني ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولن يجعد عبعد طععم اليمان إلى آخره ‪ .‬أي ل يحصعل له ذوق اليمان ولذتعه‬
‫و سروره وإن كثرت صلته و صومه ‪ ،‬ح تى يكون كذلك ‪ ،‬أي ح تى ي حب في ال ويب غض في‬
‫ال ‪ ،‬ويعادي في ال ‪ ،‬ويوالي فيه ‪.‬‬
‫وفي حديث أبي أمامة مرفوعا ‪ " :‬من أحب ال وأبغض ل وأعطى ل ومنع ل فقد استكمل‬
‫اليمان " رواه أبو داود ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقعد صعارت عامعة مؤاخاة الناس على أمعر الدنيعا ‪ .‬وذلك ل يجدي على أهله شيئا‬
‫أي ل ينفعهم ‪ ،‬بل يضرهم كما قال تعالى ‪ " ' 67 ، 43 ' :‬الخلء يومئذ بعضهم لبعض عدو‬
‫إل المتقين " فإذا كانت البلوى قد عمت بهذا في زمن ابن عباس خير القرون فما زاد المر بعد‬
‫ذلك إل شدة ‪ ،‬حتى وقعت الموالة على الشرك والبدع والفسوق والعصيان ‪ .‬وقد وقع ما أخبر‬
‫به صلى ال عليه وسلم بقوله ‪ " :‬بدأ السلم غريبا وسيعود غريبا كما بدأ " ‪ .‬وقد كان الصحابة‬
‫رضي ال عنهم من المهاجرين والنصار في عهد نبيهم صلى ال عليه وسلم وعهد أبي بكر‬
‫وعمر رضي ال عنهما يؤثر بعضهم بعضا على نفسه محبة في ال وتقربا إليه ‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫‪ " ' 9 : 59 ' :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة " وعن ابن عمر رضي ال عنهما‬
‫قال ‪ :‬لقد رأيتنا على عهد رسول ال صلى ال عليه وسلم وما منا أحد يرى أنه أحق بديناره‬
‫ودرهمه من أخيه المسلم رواه ابن ماجه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال ا بن عباس في قوله تعالى ‪ " ' 166 : 2 ' :‬وتقط عت ب هم ال سباب " قال ‪:‬‬
‫المودة هذا الثر رواه عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والحاكم وصححه‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال المودة أي التعي كانعت بينهعم فعي الدنيعا خانتهعم أحوج معا كانوا إليهعا ‪ ،‬وتعبرأ‬
‫بعضهم من بعض ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 25 : 29 ' :‬وقال إنما اتخذتم من دون ال أوثانا مودة‬
‫بينكم في الحياة الدنيا ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا ومأواكم النار وما‬
‫لكم من ناصرين " ‪.‬‬
‫قال العامة ابن القيم في قوله تعالى ‪ " ' 167 ، 166 : 2 ' :‬إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين‬
‫اتبعوا ورأوا العذاب " اليتيعن فهؤلء المتبوعون كانوا على الهدى وأتباعهعم ادعوا أنهعم على‬
‫طريقهم ومناهجهم ‪ ،‬وهم مخالفون لهم سالكون غير طريقهم ‪ ،‬ويزعمون أن محبتهم لهم تنفعهم‬
‫مع مخالفتهم ‪ ،‬فيتبرآون منهم يوم القيامة فإنهم اتخذوهم أولياء من دون ال ‪ .‬وهذا حال كل من‬
‫اتخذ من دون ال أولياء ‪ ،‬يوالي لهم ‪ ،‬ويعادي لهم ‪ ،‬ويرضى لهم ‪ ،‬ويغضب لهم ‪ ،‬فإن أعماله‬
‫كل ها باطلة ‪ ،‬يرا ها يوم القيا مة ح سرات عل يه مع كثرت ها وشدة تع به في ها ون صبه ‪ ،‬إذ لم يجرد‬
‫موالته ومعاداته وحبه وبغضه وإنتصاره وإيثاره ل ورسوله ‪ ،‬فأبطل ال عز وجل ذلك العمل‬
‫كله ‪ .‬وقطع تلك السباب ‪ .‬فينقطع يوم القيامة كل سبب وصلة ووسيلة ومودة كانت لغير ال ‪،‬‬
‫ول يبقى إل السبب الواصل بين العبد وربه ‪ .‬وهو حظه من الهجرة إليه وإلى رسوله وتجريده‬
‫عبادتعه ل وحده ولوازمهعا ‪ :‬معن الحعب والبغعض ‪ ،‬والعطاء والمنعع ‪ ،‬والموالة والمعاداة ‪،‬‬
‫والتقرب والبعاد ‪ ،‬وتجر يد ومتاب عة ر سول ال صلى ال عل يه و سلم تجريدا محضا بريئا من‬
‫شوائب اللتفات إلى غيره ‪ ،‬فضلً ععن الشرك بينعه وبيعن غيره ‪ ،‬فضلً ععن تقديعم قول غيره‬
‫عليه ‪ .‬فهذا السبب هو الذي ل ينقطع بصاحبه ‪ .‬وهذه هي النسبة التي بين العبد وربه ‪ ،‬وهي‬
‫نسعبة العبوديعة المحضعة ‪ ،‬وهعي آخيتعه التعي يجول معا يجول وإليهعا مرجععه ‪ ،‬ول تتحقعق إل‬
‫بتجريده متابعة الرسل صلوات ال وسلمه عليهم ‪ ،‬إذ هذه العبودية إنما جاءت على ألسنتهم ‪،‬‬
‫وما عرفت إل بهم ول سبيل إليها إل بمتابعتهم ‪ .‬وقد قال تعالى ‪ " ' 23 : 25 ' :‬وقدمنا إلى ما‬
‫عملوا من ع مل فجعلناه هباءً منثورا " فهذه هي العمال ال تي كا نت في الدن يا على غ ير سنة‬
‫ر سله وطريقت هم ولغ ير وج هه ‪ ،‬يجعل ها ال هباءً منثورا ل ينت فع من ها صحابها ب شئ أ صلً ‪.‬‬
‫وهذا من أعظم الحسرات على العبد يوم القيامة ‪ :‬أن يرى سعيه ضائعا ‪ .‬وقد سعد أهل السعي‬
‫النافع بسعيهم ‪ .‬انتهى ملخصا ‪.‬‬

‫قول ال ‪ :‬إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 175 : 3 ' :‬إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه فل تخافوهم وخافون إن‬
‫كنتم مؤمنين " ‪.‬‬
‫الخوف من أفضل مقامات الدين وأجلها ‪ ،‬وأجمع أنواع العبادة التي يجب إخلصها ل تعالى‬
‫‪ .‬قال تعالى ‪ " ' 28 : 21 ' :‬وهم من خشيته مشفقون " وقال تعالى ‪ " ' 50 : 16 ' :‬يخافون‬
‫ربهم من فوقهم " وقال تعالى ‪ " ' 46 : 55 ' :‬ولمن خاف مقام ربه جنتان " وقال تعالى ‪16 ' :‬‬
‫‪ " ' 51 :‬فإياي فارهبون " وقال تعالى ‪ " ' 44 : 5 ' :‬فل تخشوا الناس واخشون " وأمثال هذه‬
‫اليات في القرآن كثير ‪.‬‬

‫أقسام الخوف‬
‫والخوف من حيث هو على ثلثة أقسام ‪:‬‬
‫أحدهعا ‪ :‬خوف السعر ‪ ،‬وهعو أن يخاف معن غيعر ال معن وثعن أو طاغوت أن يصعيبه بمعا‬
‫يكره ‪ ،‬ك ما قال تعالى عن قوم هود عل يه ال سلم إن هم قالوا له ‪ " ' 54 : 11 ' :‬إن نقول إل‬
‫اعتراك ب عض آلهت نا ب سوء قال إ ني أش هد ال واشهدوا أ ني بر يء م ما تشركون * من دو نه‬
‫فكيدوني جميعا ثم ل تنظرون " وقال تعالى ‪ " ' 36 : 39 ' :‬ويخوفونك بالذين من دونه " وهذا‬
‫هو الواقع من عباد القبور ونحوها من الوثان يخافونها ‪ ،‬ويخوفون بها أهل التوحيد إذا أنكروا‬
‫عبادتها وأمروا بإخلص العبادة ل ‪ ،‬وهذا ينافي التوحيد ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن يترك النسان ما يجب عليه ‪ ،‬خوفا من بعض الناس ‪ ،‬فهذا محرم وهو نوع من‬
‫الشرك بال المنا فى لكمال التوح يد ‪ .‬وهذا هو سبب نزول هذه ال ية ‪ .‬ك ما قال تعالى ‪: 3 ' :‬‬
‫‪ 173‬ع ‪ " ' 175‬الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا‬
‫ح سبنا ال ون عم الوك يل * فانقلبوا بنع مة من ال وف ضل لم يم سسهم سوء واتبعوا رضوان ال‬
‫وال ذو فضل عظيم* إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه " الية ‪ .‬وفي الحديث ‪ " :‬إن ال تعالى‬
‫يقول للع بد يوم القيا مة ‪ :‬ما من عك إذ رأ يت المن كر أن ل تغيره ؟ فيقول ‪ :‬رب خش ية الناس ‪.‬‬
‫فيقول ‪ :‬إباي كنت أحق أن تخشى " ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬الخوف ال طبيعي ‪ ،‬و هو الخوف من عدو أو سبع أو غ ير ذلك ‪ .‬فهذا ل يذم ‪ .‬ك ما‬
‫قال تعالى في قصة موسى عليه السلم ‪ " ' 21 : 28' :‬فخرج منها خائفا يترقب " الية ‪.‬‬
‫ومعنعى قوله ‪ " :‬إنمعا ذلكعم الشيطان يخوف أولياءه " أي يخوفكعم أولياءه " فل تخافوهعم‬
‫وخافون " وهذا نهعى معن ال تعالى للمؤمنيعن أن يخافوا غيره ‪ ،‬وأمعر لهعم أن يقصعروا خوفهعم‬
‫على ال ‪ ،‬فل يخافون إل إياه ‪ .‬وهذا هعو الخلص الذي أمعر بعه عباده ورضيعه منهعم ‪ .‬فإذا‬
‫أخلصوا له الخوف وجميع العبادة أعطاهم ما يرجون وأمنهم من مخاوف الدن يا والخرة ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪ " ' 36 : 39 ' :‬أليس ال بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه " الية ‪.‬‬
‫قال العل مة ا بن الق يم رح مه ال تعالى ‪ :‬و من ك يد عدو ال ‪ :‬أ نه يخوف المؤمن ين من جنده‬
‫وأوليائه ‪ ،‬لئل يجاهدو هم ‪ ،‬ل يأمرو هم بمعروف ‪ ،‬ول ينهوم عن من كر ‪ .‬وأ خبر تعالى أن هذا‬
‫من ك يد الشيطان وتخوي فه ‪ .‬ونها نا أن نخاف هم ‪ .‬قال ‪ :‬والمعنى ع ند جميع المف سرين ‪ :‬يخوفهم‬
‫بأوليائه ‪ .‬قال قتادة ‪ :‬يعظمهم في صدوركم ‪ .‬فكلما قوى إيمان العبد زال خوف أولياء الشيطان‬
‫من قلبه ‪ ،‬وكلما ضعف إيمانه قوى خوفه منهم ‪ .‬فدلت هذه الية على أن إخلص الخوف من‬
‫كمال شروط اليمان ‪.‬‬

‫" إنما يعمر مساجد ال " الية‬


‫قوله ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 18 : 9 ' :‬إن ما يع مر م ساجد ال من آ من بال واليوم ال خر‬
‫وأقام الصلة وآتى الزكاة ولم يخش إل ال فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين " ‪.‬‬
‫أخبر تعالى أن مساجد ال ل يعمرها إل أهل اليمان بال واليوم الخر ‪ ،‬الذين آمنوا بقلوبهم‬
‫وعملوا بجوارح هم ‪ ،‬وأخل صوا له الخش ية دون من سواه ‪ ،‬فأث بت ل هم عمارة الم ساجد ب عد أن‬
‫نفاها عن المشركين ‪ .‬لن عمارة المساجد بالطاعة والعمل الصالح ‪ ،‬والمشرك وإن عمل فعمله‬
‫‪ " ' 30 : 24 ' :‬كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا " أو ' ‪' 18 : 14‬‬
‫" كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف " وما كان كذلك فالعدم خير منه ‪ ،‬فل تكون المساجد‬
‫عامرة إل باليمان الذي معظمه التوحيد مع العمل الصالح الخالص من شوائب الشرك والبدع ‪،‬‬
‫وذلك كله داخل في مسمى اليمان المطلق عند أهل السنة والجماع ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬ولم يخعش إل ال " قال ابعن عطيعة ‪ :‬يريعد خشيعة التعظيعم والعبادة والطاععة ‪ ،‬ول‬
‫محالة أن النسان يخشى المحاذير الدنيوية ‪ ،‬وينبغي في ذلك كله قضاء ال وتصريفه ‪.‬‬
‫وقال ابعن القيعم رحمعه ال ‪ :‬الخوف عبوديعة القلب ‪ .‬فل يصعلح إل ل ‪ ،‬كالذل والنابعة‬
‫والمحبة والتوكل والرجاء وغيرها من عبودية القلب ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين " قال بن أبي طلحة عن ابن عباس رضي ال‬
‫عنهما ‪ :‬يقول ‪ :‬إن أولئك هم المهتدون ‪ ،‬وكل عسى في القرآن فهي واجبة وفي الحديث ‪" :‬‬
‫إذا رأي تم الر جل يعتاد الم سجد فاشهدوا له باليمان قال ال تعالى ‪ " :‬إن ما يع مر م ساجد ال من‬
‫آمن بال واليوم الخر " " رواه أحمد والترمذي والحاكم عن أبي سعيد الخدري ‪.‬‬

‫" ومن الناس من يقول آمنا بال " فإذا أوذي إلخ‬
‫قوله ‪ " ' 10 : 29 ' :‬و من الناس من يقول آم نا بال فإذا أوذي في ال ج عل فت نة الناس‬
‫كعذاب ال " ‪.‬‬
‫قال ا بن كث ير رح مه ال تعالى ‪ :‬يقول تعالى م خبرا عن صفات قوم من المكذب ين يدعون‬
‫اليمان بألسنتهم ‪ ،‬ولم يثبت في قلوبهم ‪ :‬أنهم إذا جاءتهم محنة وفتنة في الدنيا اعتقدوا أنها من‬
‫نقمة ال بهم ‪ ،‬فارتدوا عن السلم ‪ .‬قال ابن عباس رضي ال عنهما ‪ :‬يعني فتنة أن يرتد عن‬
‫دينه إذا أوذي في ال ‪.‬‬
‫وقال ا بن الق يم رح مه ال تعالى ‪ :‬الناس إذا أر سل إلي هم الر سل ب ين أمر ين ‪ :‬إ ما أن يقول‬
‫أحدهم ‪ :‬آمنا ‪ ،‬وإما أن ل يقول ذلك ‪ .‬بل يستمر على السيئات والكفر ‪ ،‬فمن قال ‪ :‬آمنا امتحنه‬
‫ر به وابتله وفت نه ‪ .‬والفت نة ‪ :‬البتلء والختبار ‪ ،‬لي تبين ال صادق من الكاذب ‪ ،‬و من لم ي قل ‪:‬‬
‫آم نا ‪ .‬فل يح سب أ نه يع جر ال ويفو ته وي سبقه ‪ .‬ف من آ من بالر سل وأطاع هم عاداه أعداؤ هم‬
‫وآذوه وابتلى بما يؤلمه ‪ ،‬ومن لم يؤمن بهم ولم يطعهم عوقب في الدنيا والخرة وحصل له ما‬
‫يؤلمه ‪ ،‬وكان هذا اللم أعظم وأدوم من ألم أتباعهم ‪ .‬فل بد من حصول اللم لكل نفس ‪ ،‬آمنت‬
‫أو رغ بت عن اليمان ‪ ،‬ل كن المؤ من يح صل له اللم في الدن يا ابتداء ثم تكون له العاق بة في‬
‫الدنيعا والخرة ‪ ،‬والمعرض ععن اليمان تحصعل له اللذة ابتداء ثعم يصعير فعي اللم الدائم ‪،‬‬
‫والنسان ل بد أن يعيش مع الناس ‪ ،‬والناس لهم إرادات وتصورات ‪ ،‬فيطلبون منه أن يوافقهم‬
‫عليها ‪ ،‬وإن لم يوافقهم آذوه وعذبوه ‪ ،‬وإن وافقهم حصل له العذاب تارة منهم وتارة من غيرهم‬
‫‪ ،‬ك من عنده د ين وت قي حل ب ين قوم فجار ظل مة ل يتمكنون من فجور هم وظلم هم إل بموافق ته‬
‫لهم أو سكوته عنهم ‪ ،‬فإن وافقهم أو سكت عنهم سلم من شرهم في البتداء ‪ ،‬ثم يتسلطون عليه‬
‫بالهانة والذى أضعاف ما كان يخافه ابتداء لو أنكر عليهم وخالفهم ‪ ،‬وإن سلم منهم فل بد أن‬
‫يهان ويعاقب على يد غيرهم ‪.‬‬
‫فالحزم كل الحزم بما قالت أم المؤمن ين عائشة رضي ال عنها لمعاوية ر ضي ال عنه ‪" :‬‬
‫من أرضى ال بسخط الناس كفاه ال مؤونة الناس ‪ .‬ومن أرضى الناس بسخط ال لم يغنوا من‬
‫ال شيئا "‪.‬‬
‫فمن هداه ال وألهمه رشده ووقاه شر نفسه امتنع من الموافقة على فعل المحرم وصبر على‬
‫عداوتهم ‪ ،‬ثم تكون له العاقبة في الدنيا والخرة ‪ ،‬كما كانت للرسل وأتباعهم ‪.‬‬
‫ثم أ خبر تعالى عن حال الدا خل في اليمان بل ب صيرة وأ نه إذا أوذي في ال ج عل فت نة‬
‫الناس له ‪ ،‬وهي أذاهم ونيلهم إياه بالمكروه ‪ ،‬وهو اللم الذي ل بد أن ينال الرسل وأتباعهم ممن‬
‫خالفهعم ‪ ،‬جععل ذلك فعي فراره منعه وتركعه السعبب الذي يناله بعه ‪ :‬كعذاب ال الذي فعر منعه‬
‫المؤمنون باليمان ‪.‬‬
‫فالمؤمنون لكمال بصعيرتهم فروا معن ألم عذاب ال إلى اليمان ‪ ،‬وتحملوا معا فيعه معن اللم‬
‫الزائل المفارق ععن قرب ‪ .‬وهذا لضععف بصعيرته فعر معن ألم أعداء الرسعل إلى موافقتهعم‬
‫ومتابعت هم ‪ ،‬ففر من ألم عذابهم إلى ألم عذاب ال ‪ .‬فج عل ألم فت نة الناس في الفرار منه بمنزلة‬
‫عذاب ال ‪ .‬وغبن كل الغبن إذ استجار من الرمضاء بالنار ‪ .‬وفر من ألم ساعة إلى ألم البد ‪،‬‬
‫وإذا نصعر ال جنده وأولياءه قال ‪ :‬إنعي كنعت معكعم ‪ ،‬وال أعلم بمعا انطوى عليعه صعدره معن‬
‫النفاق ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وفي الية رد على المرجئة والكرامية ‪ ،‬ووجهه ‪ :‬أنه لم ينفع هؤلء قولهم ‪ :‬آمنا بال ‪ .‬مع‬
‫عدم صبرهم على أذى من عاداهم في ال ‪ ،‬فل ينفع القول والتصديق بدون العمل ‪ .‬فل يصدق‬
‫اليمان الشر عي على الن سان إل باجتماع الثل ثة ‪ :‬الت صديق بالقلب وعمله ‪ ،‬والقول بالل سان ‪،‬‬
‫والعمل بالركان ‪ .‬وهذا قول أهل السنة والجماعة سلفا وخلفا ‪ ،‬وال سبحانه وتعالى أعلم ‪.‬‬
‫وفيه الخوف من مداهنة الخلق في الحق ‪ .‬والمعصوم من عصمه ال ‪.‬‬

‫من ضعف اليقين أن ترضى الناس بسخط ال‬


‫قوله ‪ :‬عن أ بي سعيد مرفوعا ‪ :‬إن من ض عف اليق ين أن تر ضى الناس ب سخط ال ‪ ،‬وأن‬
‫تحمدهم على رزق ال ‪ ،‬وأن تذمهم على ما لم يؤتك ال ‪ ،‬إن رزق ال ل يجره حرص حريص‬
‫‪ ،‬ول يرده كراهية كاره ‪.‬‬
‫هذا الحد يث رواه أ بو نع يم في الحل ية والبيه قي ‪ ،‬وأعله بمح مد بن مروان ال سدى وقال ‪:‬‬
‫ضعيعف ‪ ،‬وفيعه أيضا عطيعة العوفعي ‪ :‬ذكره الذهعبي الضعفاء والمتروكيعن ‪ ،‬ومعنعى الحديعث‬
‫صحيح ‪ ،‬وتما مه ‪ " :‬وإن ال بحكم ته ج عل الروح والفرح في الر ضى واليق ين ‪ ،‬وج عل ال هم‬
‫والحزن في الشك والسخط " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إن من ض عف اليق ين الض عف ي ضم ويحرك ‪ ،‬ضد القوة ‪ ،‬ض عف ككرم ون صر ‪،‬‬
‫ضعفا ‪ ،‬وضعفعة ‪ ،‬وضعافيعة ‪ ،‬فهعو ضعيعف وضعوف وضعفان ‪ ،‬والجمعع ‪ :‬ضعاف وضعفاء‬
‫وضعفعة وضعفعى ‪ ،‬أو الضععف عع بالفتعح عع فعي الرأي وبالضعم فعي البدن ‪ ،‬فهعي ضعيفعة‬
‫وضعوف ‪ .‬اليقيعن كمال اليمان ‪ .‬قال ابعن مسععود ‪ :‬اليقيعن اليمان كله ‪ ،‬والصعبر نصعف‬
‫اليمان رواه أبو نعيم الحلية ‪ ،‬والبيهقي في الزهد من حديثه مرفوعا ‪ .‬قال ‪ :‬ويدخل في ذلك‬
‫تحق يق اليمان بالقدر ال سابق ‪ ،‬ك ما في حد يث ا بن عباس مرفوعا ‪ " :‬فإن ا ستطعت أن تع مل‬
‫بالرضى في اليقين فافعل ‪ ،‬فإن لم تستطع فإن في الصبر على ما تكره خيرا كثيرا " وفي رواية‬
‫‪ " :‬قلت يا رسول ال كيف أصنع باليقين ؟ قال ‪ :‬أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك ‪ ،‬وما‬
‫أخطأك لم يكن ليصيبك " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أن تر ضى الناس ب سخط ال أي تؤ ثر رضا هم على ر ضى ال ‪ ،‬وذلك إذا لم ي قم‬
‫بقلبه من إعظام ال وإجلله وهيبته ما يمنعه من استجلب رضى المخلوق بما يجلب له سخط‬
‫خال قه ور به وملي كه الذي يت صرف في القلوب ويفرج الكروب ويغ فر الذنوب ‪ .‬وبهذا العتبار‬
‫يدخل في نوع من الشرك ‪ .‬لنه آثر رضى المخلوق على رضى ال ‪ .‬وتقرب إليه بما يسخط‬
‫ال ‪ .‬ول ي سلم من هذا إل من سلمه ال ‪ .‬ووف قه لمعرفته ومعر فة ما يجوز على ال من إثبات‬
‫صفاته على ما يل يق بجلله ‪ ،‬وتنزي هه تعالى عن كل ما ينا في كماله ‪ ،‬ومعر فة توحيده من‬
‫ربوبيته وإلهيته وبال التوفيق ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وأن تحمد هم على رزق ال أي على ما و صل إل يك من أيدي هم ‪ ،‬بأن تضي فه إلي هم‬
‫وتحمدهم عليه ‪ .‬فإن المتفضل في الحقيقة هو ال وحده الذي قدره لك وأوصله إليك ‪ ،‬وإذا أراد‬
‫أمرا ق يض له أ سبابا ‪ .‬ول ينا في هذا حد يث ‪ " :‬من ل يش كر الناس ل يش كر ال " لن شكر هم‬
‫إن ما هو بالدعاء لهم لكون ال ساقه على أيدي هم فتد عو ل هم أو تكافئهم ‪ ،‬لحديث ‪ " :‬ومن صنع‬
‫إليكعم معروفا فكافئوه ‪ ،‬فإن لم تجدوا معا تكافئونعه فادعوا له حتعى تروا أنكعم قعد كافأتموه " ‪.‬‬
‫فإضافة الصنيعة إليهم لكونهم صاروا سببا في إيصال المعروف إليك ‪ ،‬والذي قدره وساقه هو‬
‫ال وحده ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وأن تذم هم على ما لم يؤ تك ال ل نه لم يقدر لك ما طلب ته على أيدي هم فلو قدره لك‬
‫ل ساقته المقاد ير إل يك ‪ .‬ف من علم أن المتفرد بالعطاء والم نع هو ال وحده وأ نه هو الذي يرزق‬
‫العبعد بسعبب وبل سعبب ‪ ،‬ومعن حيعث ل يحتسعب ‪ ،‬لم يمدح مخلوقا على رزق ولم يذمعه على‬
‫م نع ‪ ،‬ويفوض أمره إلى ال ‪ ،‬ويعت مد عل يه في أ مر دي نه ودنياه ‪ .‬و قد قرر ال نبي هذا المع نى‬
‫بقوله فعي الحديعث ‪ " :‬إن رزق ال ل يجره حرص حريعص ول يرده كراهيعة كاره " كمعا قال‬
‫تعالى ‪ " ' 2 : 35 ' :‬ما يفتح ال للناس من رحمة فل ممسك لها وما يمسك فل مرسل له من‬
‫بعده وهو العزيز الحكيم " ‪.‬‬
‫قال ش يخ السعلم رحمعه ال ‪ :‬اليقيعن يتضمعن اليقيعن في القيام بأمعر ال ومعا عدا ال أ هل‬
‫طاعتعه ‪ ،‬ويتضمعن اليقيعن بقدر ال وخلقعه وتدبيره ‪ ،‬فإذا أرضيتهعم بسعخط ال لم تكعن موقنا ل‬
‫بوعده ول برزقه ‪ ،‬فإنه إنما يحمل النسان على ذلك إما ميل إلى ما في أيديهم فيترك القيام فيهم‬
‫بأ مر ال ل ما يرجوه من هم ‪ ،‬وإ ما ض عف ت صديقه ب ما و عد ال أ هل طاع ته من الن صر والتأي يد‬
‫والثواب في الدنيا والخرة ‪ .‬فإنك إذا أرضيت ال نصرك ورزقك وكفاك مؤونتهم ‪ .‬وإرضاؤهم‬
‫بما يسخطه إنما يكون خوفا منهم ورجاءً لهم وذلك من ضعف اليقين ‪ .‬وإذا لم يقدر لك ما تظن‬
‫يفعلونه معك فالمر في ذلك إلى ال ل لهم ‪ .‬فإنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬فإذا ذممتهم‬
‫على ما لم يقدر كان ذلك من ض عف يقي نك ‪ ،‬فل تخف هم ول ترج هم ول تذم هم من ج هة نف سك‬
‫وهواك ‪ ،‬ول كن من حمده ال ور سوله من هم ف هو المحمود ‪ ،‬و من ذ مه ال ور سوله من هم ف هو‬
‫المذموم ‪ .‬ول ما قال ب عض و فد ب ني تم يم ‪ " :‬أي مح مد أعط ني ‪ .‬فإن حمدي زين وذمي ش ين ‪،‬‬
‫قال النعبي صعلى ال عليعه وسعلم ذاك ال " ودل الحديعث على أن اليمان يزيعد وينقعص وأن‬
‫العمال من مسمى اليمان ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وعن عائشة رضي ال عنها أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬من التمس‬
‫رضى ال بسخط الناس رضي ال عنه وأرضى عنه الناس ‪ ،‬ومن التمس رضى الناس بسخط‬
‫ال سخط ال عليه وأسخط عليه الناس " رواه ابن حبان في صحيحه ‪.‬‬
‫هذا الحد يث رواه ا بن حبان بهذا الل فظ ‪ ،‬ورواه الترمذي عن ر جل من أ هل المدي نة قال ‪:‬‬
‫كتب معاوية رضي ال عنه إلى عائشة رضي ال عنها ‪ :‬أن اكتبي لي كتابا توصيني فيه ‪ ،‬ول‬
‫تكثري علي ‪ ،‬فكتبت عائشة رضي ال عنها ‪ :‬إلى معاوية ‪ ،‬سلم عليك‪ ،‬أما بعد فإني سمعت‬
‫رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم يقول ‪ " :‬معن التمعس رضعا ال بسعخط الناس كفاه ال مؤونعة‬
‫الناس ‪ ،‬و من الت مس ر ضا الناس ب سخط ال وكله ال إلى الناس ‪ .‬وال سلم عل يك " ورواه أ بو‬
‫نعيم في الحلية ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من التمس أي طلب ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ :‬وكتبت عائشة إلى معاوية ‪ ،‬وروي أنها رفعته ‪ " :‬من أرضى ال بسخط‬
‫الناس كفاه ال مؤونة الناس ‪ ،‬ومن أرضى الناس بسخط ال لم يغنوا عنه من ال شيئا " هذا لفظ‬
‫المرفوع ‪ .‬ولفظ الموقوف ‪ " :‬من أرضى ال بسخط الناس رضى ال عنه وأرضى عنه الناس ‪،‬‬
‫ومن أرضى الناس بسخط ال عاد حامده من الناس له ذما " وهذا من أعظم الفقه في الدين فإن‬
‫من أر ضى ال ب سخطهم كان قد اتقاه وكان عبده ال صالح ‪ ،‬وال يتولى ال صالحين ‪ ،‬وال كاف‬
‫عبده ‪ " ' 3 ، 2 : 65 ' :‬ومن يتق ال يجعل له مخرجا * ويرزقه من حيث ل يحتسب " ‪ .‬وال‬
‫يكفيعه مؤنعة الناس بل ريعب ‪ .‬وأمعا كون الناس كلهعم يرضون عنعه قعد ل يحصعل ذلك ‪ ،‬لكعن‬
‫يرضون عنه إذا سلموا من الغراض وإذا تبين لهم العاقبة ‪ .‬ومن أرضى الناس بسخط ال لم‬
‫يغنوا عنه من ال شيئا كالظالم الذي يعض يديه ‪ .‬وأما كون حامده ينقلب ذاما ‪ ،‬فهذا يقع كثيرا‬
‫ويحصل في العاقبة ‪ .‬فإن العاقبة للتقوى ل تحصل ابتداء عند أهوائهم ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وقد أحسن من قال ‪:‬‬
‫فكل الذي فوق التراب تراب‬ ‫إذا صح منك الود يا غاية المنى‬
‫قال ا بن ر جب رح مه ال ‪ :‬ف من تح قق أن كل مخلوق فوق التراب ف هو تراب فك يف يقدم‬
‫طاعة من هو تراب على طاعة رب الرباب ؟ أم كيف يرضى التراب بسخط الملك الوهاب ؟‬
‫إن هذا لشئ عجاب ‪.‬‬
‫وفي الحديث ‪ :‬عقوبة من خاف الناس وآثرهم رضاهم على ال ‪ ،‬وأن العقوبة قد تكون في‬
‫الد ين ‪ .‬عياذا بال من ذلك ‪ .‬ك ما قال تعالى ‪ " ' 78 : 9 ' :‬فأعقب هم نفاقا في قلوب هم إلى يوم‬
‫يلقونه بما أخلفوا ال ما وعدوه وبما كانوا يكذبون " ‪.‬‬

‫وعلى ال فتوكلوا إلخ‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قوله ال تعالى ‪ " ' 23 : 5 ' :‬وعلى ال فتوكلوا إن كنتم مؤمنين " ‪.‬‬
‫قال أبو السعادات ‪ :‬يقال ‪ :‬توكل بالمر ‪ .‬إذا ضمن القيام به ‪ ،‬ووكلت أمري إلى فلن ‪ .‬إذا‬
‫اعتمدت عليه ‪ ،‬ووكل فلن فلنا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته ‪ ،‬أو عجزا عن القيام بأمر نفسه ‪.‬‬
‫ا هع ‪.‬‬
‫وأراد الم صنف رح مه ال بهذه الترج مة بال ية بيان أن التو كل فري ضة ي جب إخل صه ل‬
‫تعالى ‪ ،‬فإن تقد يم المعمول يف يد الح صر ‪ .‬أي وعلى ال فتوكلوا ل على غيره ‪ ،‬ف هو من أج مع‬
‫أنواع العبادة وأعظمها ‪ ،‬لما ينشأ عنه من العمال الصالحة ‪ ،‬فإنه إذا اعتمد على ال في جميع‬
‫أموره الدين ية والدنيو ية ‪ ،‬دون كل من سواه صح إخل صه ومعامل ته مع ال تعالى ‪ ،‬ف هو من‬
‫أعظعم منازل " إياك نعبعد وإياك نسعتعين " فل يحصعل كمال التوحيعد بأنواععه الثلثعة إل بكمال‬
‫التوكل على ال ‪ ،‬كما في هذه الية ‪ ،‬وكما قال تعالى ‪ " ' 84 : 10 ' :‬إن كنتم آمنتم بال فعليه‬
‫توكلوا إن كن تم م سلمين " وقوله ‪ " ' 9 : 73 ' :‬رب المشرق والمغرب ل إله إل هو فاتخذه‬
‫وكيلً " اليات في المر به كثيرة جدا ‪ .‬قال المام أحمد رحمه ال ‪ :‬التوكل عمل القلب ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم في معنى الية المترجم ب ها ‪ :‬فجعل التوكل على ال شرطا في اليمان فدل‬
‫على إنتفاء اليمان عند انتفائه ‪ ،‬وفي الية الخرى ‪ " ' 84 : 10 ' :‬قال موسى يا قوم إن كنتم‬
‫آمنتم بال فعليه توكلوا إن كنتم مسلمين " فجعل دليل صحة السلم التوكل ‪ ،‬وكلما قوى إيمان‬
‫العبعد كان توكله أقوى ‪ ،‬وإذا ضععف اليمان ضععف التوكعل وإذا كان التوكعل ضعيفا كان دليلً‬
‫على ض عف اليمان ول بد ‪ .‬وال تعالى يج مع ب ين التو كل والعبادة ‪ ،‬وب ين التو كل واليمان ‪،‬‬
‫وبين التوكل والتقوى ‪ ،‬وبين التوكل والسلم ‪ ،‬وبين التوكل والهداية ‪.‬‬
‫فظهعر أن التوكعل أصعل جميعع مقامات اليمان والحسعان ‪ ،‬ولجميعع أعمال السعلم ‪ ،‬وأن‬
‫منزلته منها كمنزلة الجسد من الرأس ‪ ،‬فكما ل يقوم الرأس إل على البدن فكذلك ل يقوم اليمان‬
‫ومقاماته وأعماله إل على ساق التوكل ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪ :‬وما رجا أحد مخلوقا ول توكل عليه إل خاب ظنه فيه ‪،‬‬
‫فإنه مشرك ‪ " ' 31 : 22 ' :‬ومن يشرك بال فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به‬
‫الريح في مكان سحيق " ‪.‬‬
‫قال الشارح رحمه ال تعالى ‪ :‬قلت ‪ :‬لكن التوكل على ال قسمان ‪:‬‬
‫أحده ما ‪ :‬التو كل في المور ال تي ل يقدر ال ‪ ،‬كالذ ين يتوكلون على الموات والطواغ يت‬
‫في رجاء مطالبهم من نصر ‪ ،‬أو حفظ أو رزق أو شفاعة ‪ .‬فهذا شرك أكبر ‪.‬‬
‫الثانعي ‪ :‬التوكعل فعي السعباب الظاهرة ‪ ،‬كمعن يتوكعل على أميعر أو سعلطان فيمعا أقدره ال‬
‫تعالى عليه من رزق ‪ ،‬أو د فع أذى ون حو ذلك ‪ ،‬ف هو نوع شرك أصغر ‪ .‬والوكالة الجائزة هي‬
‫توكيل النسان النسان في فعل ما يقدر عليه نيابة عنه ‪ ،‬لكن ليس له أن يعتمد في حصوله ما‬
‫وكعل فيعه ‪ ،‬بعل يتوكعل على ال فعي تيسعير أمره الذي يطلبعه بنفسعه أو نائبعه ‪ ،‬وذلك معن جملة‬
‫السباب التي يجوز فعلها ‪ ،‬ول يعتمد عليها بل يعتمد على المسبب الذي أوجد السبب والمسبب‬
‫‪.‬‬

‫" إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم "‬


‫قال ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 2 : 8 ' :‬إنما المؤمنون الذين إذا ذكر ال وجلت قلوبهم " اليات‬
‫‪.‬‬
‫قال ابن عباس في الية ‪ :‬المنافقون ل يدخل في قلوبهم شئ من ذكر ال عند أداء فرائضه‬
‫ول يؤمنون بشعئ معن آيات ال ‪ ،‬ول يتوكلون على ال ‪ ،‬ول يصعلون إذا غابوا ‪ ،‬ول يؤدون‬
‫زكاة أموالهم ‪ ،‬فأخبر ال أنهم ليسوا بمؤمنين ‪ ،‬ثم وصف المؤمنين فقال ‪ " :‬إنما المؤمنون الذين‬
‫إذا ذ كر ال وجلت قلوب هم " فأدوا فرائ ضه رواه ا بن جرير وا بن أ بي حا تم ‪ ،‬وو جل القلب من‬
‫ال مستلزم القيام بفعل ما أ مر به وترك ما ن هى ع نه ‪ :‬قال ال سدى ‪ ":‬الذين إذا ذكر ال وجلت‬
‫قلوب هم" هو الر جل ير يد أن يظلم ‪ ،‬أو قال ي هم بمع صية ‪ ،‬فيقال له ‪ :‬ا تق ال ‪ ،‬في جل قل به رواه‬
‫ابن أبي شيبة وابن جرير ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬وإذا تل يت علي هم آيا ته زادت هم إيمانا " ا ستدل ال صحابة ر ضي ال عن هم والتابعون‬
‫ومن تبعهم من أهل السنة بهذه الية ونظائرها على زيادة اليمان ونقصانه ‪.‬‬
‫قال عميعر بعن حعبيب الصعحابي ‪ " :‬إن اليمان يزيعد وينقعص ‪ ،‬فقيعل له ‪ :‬ومعا زيادتعه‬
‫ونقصانه ؟ قال ‪ :‬إذا ذكرنا ال وخشيناه فذلك زيادته ‪ .‬وإذا غفلنا ونسينا وضيعنا فذلك نقصانه "‬
‫‪ .‬رواه ابن سعد ‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬اليمان يزيد وينقص وهو قول وعمل رواه ابن أبي حاتم ‪.‬‬
‫وحكى الجماع على ذلك الشافعي وأحمد وأبو عبيد وغيرهم رحمهم ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬وعلى ربهم يتوكلون " أي يعتمدون عليه بقلوبهم مفوضين إليه أمورهم فل يرجون‬
‫سواه ول يقصدون إل إياه ‪ ،‬ول يرغبون إل إليه ‪ ،‬يعلمون أن ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪،‬‬
‫وأ نه المت صرف في الملك وحده ‪ ،‬والمعبود وحده ‪ ،‬ل شر يك له ‪ .‬و في ال ية و صف المؤمن ين‬
‫حقا بثلث مقامات معن مقامات الحسعان ‪ ،‬وهعي ‪ :‬الخوف ‪ ،‬وزياة اليمان ‪ ،‬والتوكعل على ال‬
‫عة والظاهرة مثال ذلك‬
‫عول أعماله الباطنع‬
‫عي كمال اليمان وحصع‬
‫وحده ‪ .‬وهذه المقامات تقتضع‬
‫الصلة ‪ ،‬فمن أقام ال صلة وحافظ عليها وأدى الزكاة كما أمره ال استلزم ذلك العمل بما يقدر‬
‫عليه من الواجبات وترك جميع المحرمات ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 45 : 29 ' :‬إن الصلة تنهى‬
‫عن الفحشاء والمنكر ولذكر ال أكبر " ‪.‬‬

‫معنى ‪ :‬حسبك ال ومن ابتعك من المؤمنين‬


‫قال وقوله ‪ " ' 64 : 8 ' :‬يا أيها النبي حسبك ال ومن اتبعك من المؤمنين " قال ابن القيم‬
‫رحمه ال ‪ :‬أي ال وحده كافيك وكافي أتباعك ‪ :‬فل تحتاجون معه إلى أحد ‪ ،‬وهذا اختيار شيخ‬
‫السلم ابن تيمية رحمه ال ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬المعنى حسبك ال وحسبك المؤمنون ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬وهذا خطأ محض ل يجوز حمل الية عليه ‪ ،‬فإن الحسب والكفاية‬
‫ل وحده كالتوكل والتقوى والعبادة ‪ .‬قال ال تعالى ‪ " ' 62 : 8 ' :‬وإن يريدوا أن يخدعوك فإن‬
‫ح سبك ال هو الذي أيدك بن صره وبالمؤمن ين " ففرق ب ين الح سب والتأي يد ‪ ،‬فج عل الح سب له‬
‫وحده وجعل التأييد له بنصره وبعباده ‪ ،‬وأثنى على أهل التوحيد من عباده حيث أفردوه بالحسب‬
‫‪ ،‬فقال تعالى ‪ " ' 173 : 3 ' :‬الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم‬
‫إيمانا وقالوا حسبنا ال ونعم الوكيل " ولم يقولوا ‪ :‬حسبنا ال ورسوله ‪ .‬ونظير هذا قوله سبحانه‬
‫‪ " ' 59 : 9 ' :‬وقالوا حسبنا ال سيؤتينا ال من فضله ورسوله إنا إلى ال راغبون " ‪ .‬فتأمل‬
‫كيف جعل اليتاء ل والرسول ‪ ،‬وجعل الحسب له وحده ‪ .‬فلم يقل ‪ :‬وقالوا حسبنا ال ورسوله ‪،‬‬
‫بل جعله خالص حقه ‪ ،‬كما قال " إنا إلى ال راغبون " فجعل الرغبة إليه وحده‪ ،‬كما قال تعالى‬
‫"وإلى ر بك فار غب" فالرغ بة والتو كل والنا بة والح سب ل وحده ‪ ،‬ك ما أن العبادة والتقوى‬
‫والسجود والنذر والحلق ل يكون إل له سبحانه وتعالى ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وبهذا ي تبين مطاب قة ال ية للترج مة ‪ .‬فإذا كان هو الكا في لعبده و جب أل يتو كل إل عل يه ‪،‬‬
‫وم تى الت فت بقل به إلى سواه وكله ال إلى من الت فت إل يه ‪ ،‬ك ما في الحد يث ‪ " :‬من تعلق شيئا‬
‫وكل إليه " ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 3 : 65 ' :‬ومن يتوكل على ال فهو حسبه " ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال وغيره ‪ :‬أي كافيه ‪ .‬ومن كان ال كافيه وواقيه فل مطمع فيه لعدوه‬
‫ول يضره إل أذى ل بعد منعه ‪ ،‬كالحعر والبرد والجوع والعطعش ‪ .‬وأمعا أن يضره بمعا يبلغ بعه‬
‫مراده منه فل يكون أبدا ‪ ،‬وفرق بين الذى الذي هو الظاهر إيذاء وفي الحقيقة إحسان وإضرار‬
‫بنف سه ‪ ،‬وب ين الضرر الذي يتش فى به م نه ‪ .‬قال ب عض ال سلف ‪ :‬ج عل ال ل كل ع مل جزاء من‬
‫نف سه ‪ ،‬وج عل جزاء التو كل عل يه ن فس كفاي ته ‪ ،‬فقال ‪ " :‬و من يتو كل على ال ف هو ح سبه " فلم‬
‫يقل ‪ :‬فله كذا وكذا من الجر كما قال في العمال ‪ ،‬بل جعل نفسه سبحانه كافي عبده المتوكل‬
‫عل يه وح سبه وواق يه ‪ .‬فلو تو كل الع بد على ال حق توكله ‪ ،‬وكاد ته ال سموات والرض و من‬
‫فيهن ‪ ،‬لجعل ال له مخرجا وكفاه رزقه ونصره ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫وفي أثر رواه أحمد في الزهد عن وهب بن منبه قال ‪ " :‬قال ال عز وجل في بعض كتبه ‪:‬‬
‫بعزتي إنه من اعتصم بي فكادته السموات بمن فيهن والرضون بمن فيهن ‪ ،‬فإني أجعل له من‬
‫ذلك مخرجا ‪ ،‬ومن لم يعتصم بي فإني أقطع يديه من أسباب السماء وأخسف من تحت قدميه‬
‫الرض ‪ ،‬فأجعله في الهواء ثم أكله إلى نفسه ‪ .‬كفى بي لعبدي مآلً ‪ .‬إذا كان عبدي في طاعتي‬
‫أعطيه قبل أن يسألني ‪ ،‬وأستجيب له قبل أن يدعوني ‪ .‬فأنا أعلم بحاجته التي نرفق به منه " ‪.‬‬
‫و في الية دل يل على فضل التوكل ‪ ،‬وأ نه أعظم السباب في جلب المنافع ود فع المضار ‪.‬‬
‫لن ال تعالى علق الجملة الخيرة على الولى وتعليعق الجزاء على الشرط ‪ .‬فيمتنعع أن يكون‬
‫وجود الشرك كعدمه ‪ ،‬لنه ال تعالى رتب الحكم على الوصف المناسب له ‪ ،‬فعلم أن توكله هو‬
‫سبب كون ال حسبا له ‪.‬‬
‫وفيها تنبيه على القيام بالسباب مع التوكل ‪ ،‬لنه تعالى ذكر التقوى ثم ذكر التوكل ‪ ،‬كما‬
‫قال تعالى ‪ " ' 11 : 5 ' :‬واتقوا ال وعلى ال فليتوكل المؤمنون " فجلع التوكل مع التقوى الذي‬
‫هو قيام ال سباب المأمور ب ها‪ .‬فالتو كل بدون القيام بال سباب المأمور ب ها ع جز م حض ‪ ،‬وإن‬
‫كان مشوبا بنوع من التوكل فل ينبغي للعبد أن يجعل توكله عجزا ول عجزه توكلً ‪ ،‬بل يجعل‬
‫توكله من جملة السباب التي ل يتم المقصود إل بها كلها ‪ .‬ذكره ابن القيم بمعناه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال ‪ " :‬ح سبنا ال ون عم الوك يل " ‪ ،‬قال ها إبراه يم‬
‫صلى ال عليه وسلم حين ألقي في النار ‪ ،‬وقالها محمد صلى ال عليه وسلم حين قالوا له ‪ " :‬إن‬
‫الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا ال ونعم الوكيل " رواه البخاري ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ح سبنا ال أي كافي نا ‪ .‬فل نتو كل إل عل يه ‪ .‬قال تعالى ' ‪ " ' 36 : 39‬أل يس ال‬
‫بكاف عبده ؟ " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ونعم الوكيل أي نعم الموكل إليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 78 : 22 ' :‬واعتصموا بال‬
‫هو مولكم فنعم المولى ونعم النصير " ومخصوص نعم محذوف تقديره هو ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬هو حسب من توكل عليه وكافى من لجأ إليه ‪ ،‬وهو الذي يؤمن‬
‫خوف الخائف ‪ ،‬ويجير المستجير ‪ ،‬فمن توله واستنصر به وتوكل عليه ‪ ،‬وانقطع بكليته إليه ‪،‬‬
‫توله وحف ظه وحر سه و صانه ‪ .‬و من خا فه واتقاه ‪ ،‬أم نه م ما يخاف ويحذر ‪ ،‬ويجلب إل يه ما‬
‫يحتاج إليه من المنافع ‪.‬‬

‫ما قال إبراهيم حين ألقى في النار‬


‫قوله ‪ :‬قالها إبراهيم صلى ال عليه وسلم حين ألقي في النار قال تعالى ‪ 68 : 21 ' :‬ع‬
‫‪ " ' 70‬قالوا حرقوه وان صروا آلهت كم إن كن تم فاعل ين * قل نا يا نار كو ني بردا و سلما على‬
‫إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الخسرين " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقالها محمد صلى ال عليه وسلم حين قالوا له ‪ " :‬إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم‬
‫فزادهم إيمانا وقالوا ح سبنا ال ونعم الوكيل " وذلك ب عد منصرف قريش والحزاب من أ حد "‬
‫بل غه أن أ با سفيان و من م عه قد أجمعوا الكرة علي هم ‪ ،‬فخرج ال نبي صلى ال عل يه و سلم في‬
‫سبعين راكبا حتى انتهى إلى حمراء السد ‪ ،‬فألقى ال الرعب في قلب أبي سفيان ‪ .‬فرجع إلى‬
‫مكة بمن معه ‪ ،‬ومر به ركب من عبد القيس فقال ‪ :‬أين تريدون ؟ قالوا ‪ :‬نريد المدينة ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ف هل أن تم مبلغون محمدا ع ني ر سالة ؟ قالوا ‪ :‬ن عم ‪ .‬قال فإذا وافيتموه فأ خبروه أ نا قد أجمع نا‬
‫السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيت هم ‪ .‬فمر الركب برسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫بحمراء ال سد ‪ ،‬فأ خبروه بالذي قال أ بو سفيان ‪ .‬فقال ‪ :‬ح سبنا ال ون عم الوك يل " ف في هات ين‬
‫الق صتين ف ضل هذه الكل مة العظي مة وأن ها قول الخليل ين عليه ما ال صلة وال سلم في الشدائد ‪.‬‬
‫وجاء في الحديث ‪ " :‬إذا وقعتم في المر العظيم فقولوا ‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل " ‪.‬‬

‫ما قال إبراهيم حين ألقى في النار‬


‫قوله ‪ :‬قالها إبراهيم صلى ال عليه وسلم حين ألقي في النار قال تعالى ‪ 68 : 21 ' :‬ع‬
‫‪ " ' 70‬قالوا حرقوه وان صروا آلهت كم إن كن تم فاعل ين * قل نا يا نار كو ني بردا و سلما على‬
‫إبراهيم * وأرادوا به كيدا فجعلناهم الخسرين " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقالها محمد صلى ال عليه وسلم حين قالوا له ‪ " :‬إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم‬
‫فزادهم إيمانا وقالوا ح سبنا ال ونعم الوكيل " وذلك ب عد منصرف قريش والحزاب من أ حد "‬
‫بل غه أن أ با سفيان و من م عه قد أجمعوا الكرة علي هم ‪ ،‬فخرج ال نبي صلى ال عل يه و سلم في‬
‫سبعين راكبا حتى انتهى إلى حمراء السد ‪ ،‬فألقى ال الرعب في قلب أبي سفيان ‪ .‬فرجع إلى‬
‫مكة بمن معه ‪ ،‬ومر به ركب من عبد القيس فقال ‪ :‬أين تريدون ؟ قالوا ‪ :‬نريد المدينة ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ف هل أن تم مبلغون محمدا ع ني ر سالة ؟ قالوا ‪ :‬ن عم ‪ .‬قال فإذا وافيتموه فأ خبروه أ نا قد أجمع نا‬
‫السير إليه وإلى أصحابه لنستأصل بقيت هم ‪ .‬فمر الركب برسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫بحمراء ال سد ‪ ،‬فأ خبروه بالذي قال أ بو سفيان ‪ .‬فقال ‪ :‬ح سبنا ال ون عم الوك يل " ف في هات ين‬
‫الق صتين ف ضل هذه الكل مة العظي مة وأن ها قول الخليل ين عليه ما ال صلة وال سلم في الشدائد ‪.‬‬
‫وجاء في الحديث ‪ " :‬إذا وقعتم في المر العظيم فقولوا ‪ :‬حسبنا ال ونعم الوكيل " ‪.‬‬

‫باب قول ال " أفأمنوا مكر ال "‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 99 : 7 ' :‬أفأمنوا مكر ال فل يأمن مكر ال إل القوم الخاسرون " ‪.‬‬
‫قصد المصنف رحمه ال بهذه الية التنبيه على أن المن من مكر ال من أعظم الذنوب ‪.‬‬
‫وأنه ينافي كمال التوحيد ‪ ،‬كما أن القنوط من رحمه ال كذلك وذلك يرشد إلى أن المؤمن يسير‬
‫إلى ال بين الخوف والرجاء ‪ ،‬كما دل على ذلك الكتاب والسنة وأرشد إليه سلف المة والئمة‬
‫‪.‬‬
‫ومعنى الية ‪ :‬أن ال تبارك وتعالى لما ذكر حال أهل القرى المكذبين للرسل بين أن الذي‬
‫حملهم على ذلك هو المن مكر ال وعدم الخوف منه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ 96 : 7 ' :‬ع ‪" ' 98‬‬
‫أفأمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا بياتا وهم نائمون * أو أمن أهل القرى أن يأتيهم بأسنا ضحى‬
‫و هم يلعبون * أفأمنوا م كر ال فل يأ من م كر ال إل القوم الخا سرون " ‪ .‬أي الهالكون ‪ .‬وذلك‬
‫أنهم أمنوا مكر ال لما استدرجهم بالسراء والنعم ‪ ،‬فاستبعدوا أن يكون ذلك مكرا ‪.‬‬
‫قال الحسن رحمه ال ‪ :‬من وسع ال عليه فلم ير أنه يمكر به فل رأى له ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬بغت القوم أمر ال ‪ ،‬وما أخذ ال قوما قط إلى عند سلوتهم ونعمتهم غرتهم ‪.‬‬
‫فل تغتروا بال ‪.‬‬
‫وفعي الحديعث ‪ " :‬إذا رأيعت ال يعطعي العبعد معن الدنيعا على معاصعيه معا يحعب فإنمعا هعو‬
‫استدراج " رواه أحمد وابن جرير وابن أبي حاتم ‪.‬‬
‫وقال إ سماعيل بن را فع ‪ " :‬من ال من من م كر ال إقا مة الع بد على الذ نب يتم نى على ال‬
‫المغفرة " رواه ابن أبي حاتم ‪.‬‬
‫وهذا هو تفسير المكر في قول بعض السلف ‪ :‬يستدرجهم ال بالنعم إذا عصوه ‪ ،‬ويملى لهم‬
‫ثم يأخذ هم أ خذ عز يز مقتدر ‪ .‬وهذا هو مع نى الم كر والخدي عة ون حو ذلك ‪ ،‬ذكره ا بن جر ير‬
‫بمعناه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 56 : 15 ' :‬ومن يقنط من رحمة ربه إل الضالون " القنوط ‪:‬‬
‫استبعاد الفرج واليأس منه ‪ .‬وهو يقابل المن من مكر ال ‪ .‬وكلهما ذنب عظيم ‪ .‬وتقدم ما فيه‬
‫لمنافاته لكمال التوحيد ‪.‬‬
‫وذكر المصنف رحمه ال تعالى هذه الية مع التي قبلها تنبيها على أنه ل يجوز لمن خاف‬
‫ال أن يقنعط معن رحمتعه ‪ ،‬بعل يكون خائفا راجيا ‪ ،‬يخاف ذنوبعه ويعمعل بطاعتعه ‪ ،‬ويرجعو‬
‫رحم ته ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪ " ' 9 : 39 ' :‬أ من هو قا نت آناء الل يل ساجدا وقائما يحذر الخرة‬
‫ويرجو رحمة ربه " وقال ‪ " ' 218 : 2 ' :‬إن الذين آمنوا والذين هاجروا وجاهدوا في سبيل‬
‫ال أولئك يرجون رح مة ال وال غفور رحيم " فالرجاء مع المعصية وترك الطاعة غرور من‬
‫الشيطان ‪ ،‬ليو قع الع بد في المخاوف مع ترك ال سباب المنج ية من المهالك ‪ ،‬بخلف حال أ هل‬
‫اليمان الذيعن أخذوا بأسعباب النجاة خوفا معن ال تعالى وهربا معن عقابعه ‪ ،‬وطمعا فعي المغفرة‬
‫ورجاء لثوابه ‪.‬‬
‫والمعنعى أن ال تعالى حكعى قول خليله إبراهيعم عليعه السعلم ‪ ،‬لمعا بشرتعه الملئكعة بابنعه‬
‫إ سحاق ‪ " ' 54 : 15 ' :‬قال أبشرتمو ني على أن م سني ال كبر ف بم تبشرون " لن العادة أن‬
‫الر جل إذا كبر سنه و سن زوج ته ا ستبعد أن يولد له من ها ‪ .‬وال على كل شئ قد ير ‪ ،‬فقالت‬
‫الملئكة ‪ " :‬بشرناك بالحق " الذي ل ريب فيه ‪ .‬فإن ال إذا أراد شيئا إنما يقول له كن فيكون ‪:‬‬
‫" فل تكن من القانطين " أي من اليسين ‪ ،‬فقال عليه السلم ‪ " :‬ومن يقنط من رحمة ربه إل‬
‫الضالون " فإ نه يعلم من قدرة ال ورحم ته ما هو أبلغ من ذلك وأع ظم ‪ ،‬لك نه ع وال أعلم ع‬
‫قال ذلك على وجه التعجب ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬إل الضالون " قال بعضهعم ‪ :‬إل المخطئون طريعق الصعواب ‪ ،‬أو إل الكافرون ‪.‬‬
‫كقوله ‪ " ' 87 : 12 ' :‬إنه ل ييأس من روح ال إل القوم الكافرون " ‪.‬‬

‫اليأس من روح ال والمن من مكر ال‬


‫قوله ‪ :‬و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم " سئل عن‬
‫الكبائر ‪ ،‬فقال ‪ :‬الشرك بال ‪ ،‬واليأس من روح ال ‪ ،‬والمن من مكر ال " ‪.‬‬
‫هذا الحد يث رواه البزار وا بن أ بي حا تم من طر يق شبيب بن ب شر عن عكر مة عن ا بن‬
‫عباس ورجاله ثقات إل شبيب بن بشر ‪ .‬فقال ابن معين ‪ :‬ثقة ‪ .‬ولينه أبو حاتم ‪ .‬وقال ابن كثير‬
‫‪ :‬في إسناده نظر ‪ .‬والشبه أن يكون موقوفا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬الشرك بال هو أكبر الكبائر ‪ .‬قال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬الشرك بال هضم للربوبية‬
‫وتنقص لللهية ‪ ،‬وسوء ظن برب العالمين ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫ولقد صدق ونصح ‪ .‬قال تعالى ‪ " ' 1 : 6 ' :‬ثم الذين كفروا بربهم يعدلون " وقال تعالى ‪' :‬‬
‫‪ " ' 13 : 31‬إن الشرك لظلم عظيم " ولهذا ل يغفره ال إل بالتوبة منه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬واليأس من روح ال أي ق طع الرجاء الول وال مل من ال في ما يخا فه ويرجوه ‪،‬‬
‫وذلك إساءة ظن بال ‪ ،‬وجهل به وبسعة رحمته وجوده ومغفرته ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وال من من م كر ال أي من ا ستدراجه للع بد و سلبه ما أعطاه من اليمان ‪ ،‬نعوذ‬
‫بال من ذلك ‪ .‬وذلك جهل بال وبقدرته ‪ ،‬وثقة بالنفس وعجب بها ‪.‬‬
‫واعلم أن هذا الحديث لم يرد به حصر الكبائر في الثلث ‪ ،‬بل الكبائر كثير وهذه الثلث من‬
‫أ كبر الكبائر المذكورة في الكتاب وال سنة ‪ ،‬وضابط ها ما قاله المحققون من العلماء ‪ :‬كل ذ نب‬
‫خت مه ال بنار أو لع نة أو غ ضب أو عذاب ‪ .‬زاد ش يخ ال سلم ا بن تيم ية رح مه ال ‪ :‬أو ن فى‬
‫اليمان ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬و من برىء م نه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬أو قال ‪ " :‬ل يس م نا من ف عل كذا‬
‫وكذا " ‪.‬‬
‫و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما ‪ :‬هي إلى سبعمائة أقرب من ها إلى سبع ‪ ،‬غ ير أ نه ل‬
‫كبيرة مع الستغفار ول صغيرة مع الصرار‬
‫قوله ‪ :‬و عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه قال ‪ " :‬أ كبر الكبائر الشراك بال ‪ .‬وال من من‬
‫مكر ال ‪ ،‬والقنوط من رحمة ال ‪ ،‬واليأس من روح ال " رواه عبد الرزاق ‪.‬‬
‫ورواه ابن جرير بأسانيد صحاح عن ابن مسعود رضي ال عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬والقنوط من رحمة ال قال أبو السعادات ‪ :‬هو أشد اليأس ‪.‬‬
‫وف يه الت نبيه على الرجاء والخوف ‪ ،‬فإذا خاف فل يق نط ول ييأس ‪ ،‬بل ير جو رح مة ال ‪.‬‬
‫وكان ال سلف ي ستحبون أن يقوى في ال صحة الخوف ‪ ،‬و في المرض الرجاء ‪ .‬وهذه طريقة أبي‬
‫سعليمان الدارانعي وغيره ‪ .‬قال ‪ :‬ينبغعي للقلب أن يكون الغالب عليعه الخوف‪ ،‬فإذا غلب الرجاء‬
‫الخوف فسد القلب ‪ .‬قال تعالى ‪ " ' 12 : 14 ' :‬إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر‬
‫كبير " وقال ‪ " ' 37 : 14 ' :‬يخافون يوما تتقلب فيه القلوب والبصار " قال تعالى ‪: 23 ' :‬‬
‫‪ " ' 60‬والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون * أولئك يسارعون في‬
‫الخيرات وهم لها سابقون " وقال تعالى ‪ " ' 9 : 39 ' :‬أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما‬
‫يحذر الخرة ويرجو رحمة ربه " الية ‪ .‬قدم الحذر على الرجاء في هذه الية ‪.‬‬

‫باب من اليمان بال الصبر على أقدار ال‬


‫قوله ‪ ( :‬باب من اليمان بال ‪ :‬الصبر على أقدار ال )‬
‫قال المام أحمعد ‪ :‬ذكعر ال تعالى الصعبر فعي تسععين موضعا معن كتابعه ‪ .‬وفعي الحديعث‬
‫ال صحيح ‪ " :‬ال صبر ضياء " رواه أح مد وم سلم‪ ،‬وللبخاري وم سلم مرفوعا ‪ " :‬ما أع طى أ حد‬
‫عطاء خيرا أو سع من ال صبر " قال ع مر ر ضي ال ع نه ‪ :‬وجد نا خ ير عيش نا بال صبر رواه‬
‫البخاري ‪ .‬قال علي ر ضي ال ع نه ‪ " :‬إن ال صبر من اليمان بمنزلة الرأس من الج سد ع ثم‬
‫رفع صوته ع فقال ‪ :‬أل إنه ل إيمان لمن ل صبر له " ‪.‬‬
‫واشتقاقه ‪ :‬من صبر إذا حبس ومنع ‪ .‬والصبر حبس النفس عن الجزع ‪ ،‬وحبس اللسان عن‬
‫التشكي والتسخط ‪ ،‬والجوارح عن لطم الخدود وشق الجيوب ونحوهما ذكره ابن القيم رحمه ال‬
‫‪.‬‬
‫واعلم أن الصبر ثل ثة أق سام ‪ :‬صبر على ما أمر ال به ‪ ،‬وصبر عما ن هى عنه ‪ ،‬وصبر‬
‫على ما قدره من المصائب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 11 : 64 ' :‬ومن يؤمن بال يهد قلبه " ‪.‬‬
‫وأول الية ‪ " :‬ما أصاب من مصيبة إل بإذن ال " أي بمشيئته وإرادته وحكمته ‪ ،‬كما قال‬
‫في ال ية الخرى ‪ " ' 22 : 57 ' :‬ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنف سكم إل في‬
‫كتاب من ق بل أن نبرأ ها إن ذلك على ال ي سير " وقال ‪ " ' 154 : 2 ' :‬وب شر ال صابرين *‬
‫الذيعن إذا أصعابتهم مصعيبة قالوا إنعا ل وإنعا إليعه راجعون * أولئك عليهعم صعلوات معن ربهعم‬
‫ورحمة وأولئك هم المهتدون " ‪.‬‬

‫معنى قول ال " ومن يؤمن بال يهد قلبه "‬


‫قوله ‪ " :‬و من يؤ من بال ي هد قل به " قال ا بن عباس في قوله ‪ " :‬إل بإذن ال " إل بأ مر ال‬
‫يع ني عن قدره ومشيئ ته " و من يؤ من بال ي هد قل به " أي من صابته م صيبة فعلم أن ها بقدر ال‬
‫فصبر واحتسب واستسلم لقضاء ال هدى ال قلبه وعوضه عما فاته من الدنيا هدى في قلبه ‪،‬‬
‫ويقينا صادقا ‪ .‬وقد يخلف عليه ما كان أخذ منه ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬وال بكل شيء عليم " تنبيه على أن ذلك إنما يصدر عن علمه المتضمن لحكمته ‪.‬‬
‫وذلك يوجب الصبر والرضا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال علقمة ‪ :‬هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند ال فيرضى ويسلم ‪.‬‬
‫هذا الثر رواه ابن جرير وابن أبي حاتم ‪.‬‬
‫وعلقمة ‪ :‬هو قيس بن عبد ال النخعي الكوفي ‪ .‬ولد في حياة النبي صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وسمع من أبي بكر وعثمان وعلي وسعد وابن مسعود وعائشة وغيرهم رضي ال عنهم ‪ .‬وهو‬
‫من كبار التابعين وأجلئهم وعلمائهم وثقاتهم مات بعد الستين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬هو الر جل ت صيبه الم صيبة إلخ ‪ .‬هذا ال ثر رواه الع مش عن أ بي ظبيان ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫ك نا ع ند علق مة فقرىء عل يه هذه ال ية ‪ " :‬و من يؤ من بال ي هد قل به " قال هو الر جل ت صيبه‬
‫المصيبة فيعلم أنها من عند ال فيرضى ويسلم ‪ .‬هذا سياق ابن جرير ‪ .‬وفي هذا دليل على أن‬
‫العمال من مسمى اليمان ‪ .‬قال سعيد بن جبير ‪ " :‬ومن يؤمن بال يهد قلبه " يعني يسترجع ‪.‬‬
‫يقول إ نا ل وإ نا إل يه راجعون ‪ .‬و في ال ية بيان أن ال صبر سبب لهدا ية القلب وأن ها من ثواب‬
‫الصابرين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬و في صحيح م سلم عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه ‪ :‬أن ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم قال ‪ " :‬اثنتان في الناس هما بهم كفر ‪ :‬الطعن في النسب ‪ ،‬والنياحة على الميت " ‪.‬‬
‫أي هما بالناس كفر حيث كانتا من أعمال الجاهلية ‪ ،‬وهما قائمتان بالناس ول يسلم منهما إل‬
‫من سلمه ال تعالى ورزقه علما وإيمانا يستضيء به ‪ .‬لكن ليس من قام بشعبة من شعب الكفر‬
‫ي صير كافرا كالك فر المطلق ‪ .‬ك ما أ نه ل يس من قام به شب عة من ش عب اليمان ي صير مؤمنا‬
‫اليمان المطلق ‪ .‬وفرق بين الكفر المعرف باللم كما في قوله ‪ " :‬ليس بين العبد وبين الكفر أو‬
‫الشرك إل ترك الصلة " وبين كفر منكر في الثبات ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬الطعن في النسب أي عيبه ‪ ،‬يدخل فيه أن يقال ‪ :‬هذا ليس ابن فلن مع ثبوت نسبه‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬والنيا حة على الم يت أي ر فع ال صوت بالندب وتعداد فضائل الم يت ‪ ،‬ل ما ف يه من‬
‫الت سخط على القدر المنا في لل صبر ‪ ،‬كقول النائحة ‪ :‬واعضداه ‪ ،‬واناصراه ‪ ،‬ون حو ذلك ‪ .‬وفيه‬
‫دليل على أن الصبر واجب ‪ ،‬وأن الكفر ما ل ينقل عن الملة ‪.‬‬

‫براءة الرسول صلى ال عليه وسلم من ضرب الخدود إلخ‬


‫قوله ‪ :‬وله ما عن ا بن م سعود مرفوعا ‪ " :‬ل يس م نا من ضرب الخدود ‪ ،‬و شق الجيوب ‪،‬‬
‫ودعا بدعوى الجاهلية " ‪.‬‬
‫هذا من نصوص الوعيد ‪ ،‬وقد جاء عن سفيان الثوري وأحمد كراهية تأويلها ليكون أوقع في‬
‫النفوس ‪ ،‬وأبلغ في الزجر ‪ ،‬وهو يدل على أن ذلك ينافي كمال اليمان الواجب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من ضرب الخدود وقال الحا فظ ‪ :‬خص ال خد لكو نه الغالب وإل فضرب بق ية الو جه‬
‫مثله ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬و شق الجيوب هو الذي يد خل ف يه الرأس من الثوب ‪ ،‬وذلك من عادة أ هل الجاهل ية‬
‫حزنا على الميت ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ود عا بدعوى الجاهل ية قال ش يخ ال سلم رح مه ال تعالى ‪ :‬هو ندب الم يت ‪ .‬وقال‬
‫غيره ‪ :‬هو الدعاء بالويل والثبور ‪ .‬وقال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬الدعاء بدعوى الجاهلية كالدعاء‬
‫إلى القبائل والعصبية‪ ،‬ومثله التعصب إلى المذاهب والطوائف والمشايخ‪ ،‬وتفضيل بعضهم على‬
‫بضع ‪ ،‬يدعو إلى ذلك ويوالي عليه ويعادي ‪ ،‬فكل هذا من دعوى الجاهلية ‪.‬‬
‫وع ند ابن ما جه وصححه ابن حبان عن أبي أما مة ‪ " :‬أن رسول ال صلى ال عل يه وسلم‬
‫لعن الخامشة وجهها ‪ ،‬والشاقة جبيها ‪ ،‬والداعية بالويل والثبور " ‪.‬‬
‫وهذا يدل على أن هذه المور من الكبائر ‪ ،‬و قد يع فى ع نه ال شئ الي سير من ذلك إذا كان‬
‫صدقا وليس على وجه النوح والتسخط نص عليه أحمد رحمه ال ‪ ،‬لما وقع لبي بكر وفاطمة‬
‫رضي ال عنهما لما توفي رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ول يس في هذه الحاد يث ما يدل على الن هي عن البكاء ‪ ،‬ل ما في ال صحيح أن ر سول ال‬
‫صلى ل عل يه و سلم ل ما مات اب نه إبراه يم قال ‪ " :‬تد مع الع ين ويحزن القلب ‪ ،‬ول نقول إل ما‬
‫يرضي الرب ‪ ،‬وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون " وفي الصحيحين عن أسامة بن زيد رضي ال‬
‫عنه ‪ " :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم انطلق إلى إحدى بناته ولها صبي في الموت ‪ ،‬فرفع‬
‫إل يه ونف سه تقع قع كأن ها شن ‪ ،‬ففا ضت عيناه ‪ ،‬فقال سعد ‪ :‬ما هذا يا ر سول ال ؟ قال ‪ :‬هذه‬
‫رحمة جعلها ال في قلوب عباده ‪ ،‬وإنما يرحم ال من عبادة الرحماء " ‪.‬‬

‫من رحمته بالعبد تعجيل عقوبته في الدنيا‬


‫قوله ‪ " :‬و عن أ نس ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال ‪ :‬إذا أراد ال‬
‫بعبده الخير ع جل له العقوبة في الدنيا ‪ ،‬وإذا أراد بعبده ال شر أم سك ع نه بذن به حتى يوا فى به‬
‫يوم القيامة " ‪.‬‬
‫هذا الحد يث رواه الترمذي والحا كم وح سنه الترمذي ‪ .‬وأخر جه ال طبراني والحا كم عن ع بد‬
‫ال بن مغفل ابن عدي عن أبي هريرة ‪ ،‬والطبراني عن عمار بن ياسر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إذا أراد ال بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا أي يصب عليه البلء والمصائب‬
‫لما فرط من الذنوب منه ‪ ،‬فيخرج منها وليس عليه ذنب يوافى به يوم القيامة ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم رح مه ال تعالى ‪ :‬الم صائب نع مة ‪ ،‬لن ها مكفرات للذنوب ‪ ،‬وتد عو إلى‬
‫الصبر فيثاب عليها ‪ .‬وتقتضي النابة إلى ال والذل له ‪ ،‬والعراض عن الخلق ‪ ،‬إلى غير ذلك‬
‫من الم صالح العظي مة ‪ .‬فن فس البلء يك فر ال به الذنوب والخطا يا ‪ .‬وهذا من أع ظم الن عم ‪.‬‬
‫فالمصائب رح مة ونع مة في حق عموم الخلق إل أن يد خل صاحبها ب سببها في معا صي أع ظم‬
‫م ما كان ق بل ذلك فيكون شرا عل يه من ج هة ما أ صابه في دي نه ‪ ،‬فإن من الناس من إذا ابتلى‬
‫بفقر أو مرض أو وجع حصل له من النفاق والجزع ومرض القلب والكفر الظاهر وترك بعض‬
‫الواجبات وفعل بعض المحرمات ما يوجب له الضرر في دينه ‪ ،‬فهذا كانت العافية خيرا له من‬
‫ج هة ما أورث ته الم صيبة ل من ج هة ن فس الم صيبة ‪ ،‬ك ما أن من أوج بت له الم صيبة صبرا‬
‫وطاعة ‪ ،‬كانت في حقه نعمة دينية ‪ ،‬فهي بعينها فعل الرب عز وجل ورحمة للخلق وال تعالى‬
‫محمود علي ها ‪ ،‬ف من ابتلى فرزق ال صبر كان ال صبر عل يه نع مة في دي نه ‪ ،‬وح صل له ب عد ما‬
‫كفر من خطاياه رحمة ‪ ،‬وحصل له بثنائه على ربه صلة ربه عليه ‪ ،‬قال تعالى ‪' 156 : 2 ' :‬‬
‫" أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة " وحصل له غفران السيئات ورفع الدرجات ‪ .‬فمن قام‬
‫بالصبر الواجب حصل له ذلك انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإذا أراد بعبده الشعر أمسعك عنعه أي أخعر عنعه العقوبعة بذنبعه حتعى يوافعى بعه يوم‬
‫القيامة وهو بضم الياء وكسر الفاء منصوبا بحتى مبنيا للفاعل ‪ .‬قال العزيزي ‪ :‬أي ل يخازيه‬
‫بذنبه في الدنيا حتى يجيء في الخرة مستوفر الذنوب وافيها ‪ ،‬فيستوفى ما يستحقه من العقاب‬
‫‪ .‬وهذه الجملة هي آخر الحديث ‪ .‬فأما قوله ‪ :‬وقال النبي صلى ال عليه وسلم " إن عظم الجزاء‬
‫معع عظعم البلء " إلى آخره فهعو أول حديعث آخعر ‪ ،‬لكعن لمعا رواهمعا الترمذي بإسعناد واحعد‬
‫وصحابي واحد جعلهما المصنف كالحديث الواحد ‪.‬‬
‫وف يه الت نبيه على ح سن الرجاء وح سن ال ظن بال في ما يقض يه لك ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪: 2 ' :‬‬
‫‪ " '216‬وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم وال يعلم‬
‫وأنتم ل تعلمون " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال ال نبي صلى ال عل يه و سلم " إن ع ظم الجزاء مع ع ظم البلء ‪ .‬وإن ال تعالى‬
‫إذا أحب قوما ابتلهم ‪ ،‬فمن رضي فله الرضى ‪ ،‬ومن سخط فله السخط " حسنه الترمذي ‪.‬‬
‫قال الترمذي ‪ :‬حدثنا قتيبة ثنا الليث عن يزيد بن أبي حبيب عن سعد بن سنان عن أنس ‪،‬‬
‫فذكر الحديث السابق ثم قال ‪ :‬وبهذا السناد عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬إن عظم‬
‫الجزاء ‪ " ...‬الحد يث ‪ .‬ثم قال حد يث ح سن غر يب من هذا الو جه ‪ .‬ورواه ا بن ما جه ‪ .‬وروى‬
‫المام أح مد عن محمود بن لب يد رف عه‪ " :‬إذا أ حب ال قوما ابتل هم ‪ ،‬ف من صبر فله ال صبر ‪،‬‬
‫ومن جزع فله الجزع " قال المنذري ‪ :‬رواته ثقات ‪.‬‬
‫قوله ‪:‬إن عظم الجزاء بكسر العين وفتح الظاء فيها ‪ .‬ويجوز ضمها مع سكون الطاء ‪ .‬أي‬
‫من كان ابتلؤه أعظم كمية وكيفية ‪.‬‬
‫وقد يحتج بهذا الحديث من يقول ‪ :‬إن المصائب يثاب عليها مع تكفير الخطايا ‪ ،‬ورجح ابن‬
‫القيم أن ثوابها تكفير الخطايا فقط ‪ ،‬إل إذا كانت سببا لعمل صالح ‪ ،‬كالصبر والرضا والتوبة‬
‫والستغفار ‪ .‬فإنه حينئذ يثاب على ما تولد منها ‪ ،‬وعلى هذا يقال في معنى الحديث ‪ :‬إن عظم‬
‫الجزاء مع عظم البلء إذا صبر واحتسب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإن ال إذا أ حب قوما ابتل هم ولهذا ورد في حد يث سعد ‪ " :‬سئل ال نبي صلى ال‬
‫عل يه و سلم ‪ :‬أي الناس أ شد بلء ؟ قال ال نبياء ‪ ،‬ثم الم ثل فالم ثل ‪ ،‬يبتلي الر جل على ح سب‬
‫دي نه ‪ ،‬فإن كان في دينه صلبة اشتد بلؤه ‪ ،‬وإن كان في دينه ر قة ابتلى على قدر دينه ‪ ،‬فما‬
‫يبرح البلء بالعبد حتى يتركه يمشي على الرض وما عليه خطيئة " رواه الدرامى وابن ماجه‬
‫والترمذي وصححه ‪.‬‬
‫وهذا الحديث ونحوه من أدلة التوحيد ‪ ،‬فإذا عرف العبد أن النبياء والولياء يصيبهم البلء‬
‫في أنفسهم الذي هو في الحقيقة رحمة ول يدفعه عنهم إل ال ‪ ،‬عرف أنهم ل يملكون لنفسهم‬
‫نفعا ول دفعا ‪ ،‬فلن ل يملكوه لغير هم أولى وأحرى ‪ ،‬فيحرم ق صدهم والرغ بة إلي هم في قضاء‬
‫حاجة أو تفريج كربة ‪ ،‬وفي وقوع البتلء بالنبياء والصالحين من السرار والحكم والمصالح‬
‫وحسن العاقبة ما ل يحصى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فمن رضى فله الرضاء أي من ال تعالى ‪ ،‬والرضاء قد وصف ال تعالى به نفسه‬
‫في مواضع من كتابه كقوله تعالى ' ‪ " ' 8 : 98‬جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها‬
‫النهار خالدين فيها أبدا رضي ال عنهم ورضوا عنه " ومذهب السلف وأتباعهم من أهل السنة‬
‫‪ :‬إثبات الصفات التي وصف ال بها نفسه ووصفه بها رسول ال صلى ال عليه وسلم على ما‬
‫يل يق بجلله وعظم ته إثباتا بل تمث يل وتنزيها بل تعط يل ‪ :‬فإذا ر ضي ال تعالى ع نه ح صل له‬
‫كل خ ير ‪ ،‬وسلم من كل شر ‪ ،‬والرضى هو أن ي سلم العبد أمره إلى ال ‪ ،‬ويح سن الظن به ‪،‬‬
‫ويرغب في ثوابه ‪ ،‬وقد يجد لذلك راحة وانبساطا محبة ل وثقة به ‪ ،‬كما قال ابن مسعود رضي‬
‫ال ع نه ‪ :‬إن ال بق سطه وعدله ج عل الروح والفرح في اليق ين والر ضا ‪ ،‬وج عل ال هم والحزن‬
‫في الشك والسخط ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬و من سخط و هو بك سر الخاء ‪ ،‬قال أ بو ال سعادات ‪ :‬ال سخط الكراه ية لل شئ وعدم‬
‫الرضا به ‪ .‬أي من سخط على ال فيما دبره فله السخط ‪ ،‬أي من ال ‪ ،‬وكفى بذلك عقوبة ‪ .‬وقد‬
‫يستدل به على وجوب الرضا وهو اختيار ابن عقيل ‪ .‬واختار القاضي عدم الوجوب ‪ ،‬ورجحه‬
‫شيخ السلم وابن القيم ‪.‬‬
‫قال شيعخ السعلم ‪ :‬ولم يجيعء المعر بعه كمعا جاء المعر بالصعبر ‪ .‬وإنمعا جاء الثناء على‬
‫أصحابه ‪ .‬قال ‪ :‬وأما ما يروى من لم يصبر على بلئي ولم يرض بقضائي فليتخذ ربا سوائي‬
‫فهذا إسرائيلي لم يصح عن النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم ‪ :‬وأعلى من ذلك ع أي من الرضا ع أن يشكر ال على المصيبة لما يرى‬
‫من إنعام ال عليه بها ‪ .‬ا هع وال أعلم ‪.‬‬

‫باب ما جاء في الرياء‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ‪ :‬ما جاء في الرياء )‬
‫أي من الن هي والتحذ ير ‪ .‬قال الحا فظ ‪ :‬هو مش تق من الرؤ ية ‪ .‬والمراد ب ها إظهار العبادة‬
‫لق صد رؤ ية الناس ل ها فيحمدون صاحبها ‪ .‬والفرق بي نه وب ين ال سمعة ‪ :‬أن الرياء ل ما يرى من‬
‫الع مل كال صلة ‪ .‬وال سمعة ل ما ي سمع كالقراءة والو عظ والذ كر ‪ ،‬ويد خل في ذلك التحدث ب ما‬
‫عمله ‪.‬‬

‫" قل إنما أنا بشر مثلكم " إلخ‬


‫قوله ‪ :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 110 : 18 ' :‬قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله‬
‫واحد " أي ليس لي من الربوبية ول من اللهية شئ ‪ ،‬بل ذلك كله وحده ل شريك له أوحاه إلى‬
‫" فمن كان يرجو لقاء ربه " أي يخافه " فليعمل عملً صالحا ول يشرك بعبادة ربه أحدا "‪ ،‬قوله‬
‫أحدا نكرة فعي سعياق النهعي تععم ‪ ،‬وهذا العموم يتناول النعبياء والملئكعة والصعالحين والولياء‬
‫وغيرهم ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم رح مه ال ‪ :‬أ ما اللقاء ف قد ف سره طائ فة من ال سلف والخلف ب ما يتض من‬
‫المعاينة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬لقاء ال يتضمن رؤيته سبحانه وتعالى يوم القيامة ‪ ،‬وذكر الدلة على ذلك ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال في الية ‪ :‬أي كما أن ال واحد ل إله سواه ‪ ،‬فكذلك ينبغي أن تكون‬
‫العبادة له وحده ل شريك له ‪ ،‬فكما تفرد باللهية يجب أن يفرد بالعبودية ‪ ،‬فالعمل الصالح ‪ :‬هو‬
‫الخالص من الرياء المقيد بالسنة ‪.‬‬
‫وفعي اليعة دليعل على أن أصعل الديعن الذي بععث ال بعه رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم‬
‫والمرسلين قبله ‪ ،‬هو إفراده تعالى بأنواع العبادة ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 25 : 21 ' :‬وما أرسلنا‬
‫من قبلك من ر سول إل نو حي إل يه أ نه ل إله إل أ نا فاعبدون " والمخالف لهذا ال صل من هذه‬
‫المعة أقسعام ‪ :‬إمعا طاغوت ينازع ال فعي ربوبيتعه وإلهيتعه ‪ ،‬ويدععو الناس إلى عبادتعه ‪ ،‬أو‬
‫طاغوت يدعو الناس إلى عبادة الوثان ‪ ،‬أو مشرك يدعو غير ال ويتقرب إليه بأنواع العبادة أو‬
‫بعض ها ‪ ،‬أو شاك في التوح يد ‪ :‬أ هو حق أم يجوز أن يج عل ل شر يك في عباد ته ؟ أو جا هل‬
‫يعتقد أن الشرك دين يقرب إلى ال ‪ ،‬وهذا هو الغالب على أكثر العوام لجلهم وتقليدهم من قبلهم‬
‫‪ ،‬لما اشتدت غربة الدين ونسى العلم بدين المرسلين ‪.‬‬

‫ال أغنى الشركاء عن الشرك‬


‫قوله ‪ :‬و عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه مرفوعا ‪ " :‬قال ال تعالى ‪ :‬أ نا أغ نى الشركاء عن‬
‫الشرك ‪ .‬من عمل عملً أشرك معي فيه غيري تركته وشركه" رواه مسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من ع مل عملً أشرك ف يه غيري أي من ق صد بعمله غيري من المخلوق ين ترك ته‬
‫وشر كه ‪ .‬ولبن ما جه فأنا بريء و هو الذي أشرك قال الطيبي ‪ :‬الضمير المنصوب في قوله‬
‫تركته يجوز أن يرجع إلى العمل ‪.‬‬

‫أخوف النبي صلى ال عليه وسلم على أمته من الرياء‬


‫قال ا بن ر جب رح مه ال ‪ :‬واعلم أن الع مل لغ ير ال أق سام فتارة يكون رياء محضا كحال‬
‫المنافقين ‪ .‬كما قال تعالى ‪ " ' 142: 4' :‬وإذا قاموا إلى الصلة قاموا كسالى يراؤون الناس ول‬
‫يذكرون ال إل قليل " وهذا الرياء المحض ل يكاد يصدر عن مؤمن في فرض الصلة أو التي‬
‫يتعدى نفع ها ‪ ،‬فإن الخلص في ها عز يز ‪ ،‬وهذا الع مل ل ي شك م سلم أ نه حا بط ‪ ،‬وأن صاحبه‬
‫يستحق المقت من ال والعقوبة ‪.‬‬
‫وتارة يكون العمعل ل ويشاركعه الرياء ‪ ،‬فإن شاركعه معن أضله فالنصعوص الصعحيحة تدل‬
‫على بطلنه ع وذكر أحاديث تدل على ذلك منها ‪ :‬هذا الحديث وحديث شداد بن أوس مرفوعا‬
‫" من صلى يرائى فقد أشرك ‪ ،‬ومن صام يرائي فقد أشرك ‪ ،‬ومن تصدق يرائي فقد أشرك ‪،‬‬
‫وإن ال ععز و جل يقول ‪ :‬أ نا خ ير ق سم لمعن أشرك بي ‪ ،‬فمعن أشرك بي شيئا فإن جدة عمله‬
‫وقليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به ‪ .‬أنا عنه غني " رواه أحمد ‪ ،‬وذكر أحاديث في المعنى ثم‬
‫قال ‪ :‬فإن خالط نية الجهاد مثلً نية غير الرياء ‪ ،‬مثل أخذ أجرة الخدمة أو أخذ من الغنيمة أو‬
‫التجارة نقص بذلك أجر جهاده ولم يبطل بالكلية ‪.‬‬
‫قال ابن رجب ‪ :‬وقال المام أحمد رحمه ال ‪ :‬التاجر والمستأجر والمكرى أجرهم على قدر‬
‫ما يخلص من نياتهم في غزواتهم ‪ ،‬ول يكون مثل من جاهد بنفسه وماله ل يخلط به غيره ‪.‬‬
‫وقال أيضا فيمن يأخذ جعل الجهاد ‪ :‬إذا لم يخرج لجل الدراهم فل بأس كأنه خرج لدينه إن‬
‫أعطى شيئا أخذه ‪ .‬وروى عن عبد ال بن عمرو رضي ال عنهما قال ‪ " :‬إذا أجمع أحدكم على‬
‫الغزو فعو ضه ال رزقا فل بأس بذلك ‪ ،‬وأ ما إن أحد كم أع طى درا هم غزا وإن لم ي عط لم ي غز‬
‫فل خير في ذلك " ‪ .‬وروى عن مجاهد رحمه ال أنه قال في حج الجمال وحج الجير ‪ ،‬وحج‬
‫التاجر ‪ :‬هو تام ل ينقص من أجرهم شئ أي لن قصدهم الصلي كان هو الحج دون التكسب‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬وأ ما إن كان أصل العمل ل ثم طرأ عليه ن ية الرياء ‪ ،‬فإن كان خاطرا ثم دفعه فل‬
‫يضره بغ ير خلف ‪ ،‬وإن ا سترسل م عه ف هل يح بط عمله أم ل فيجازى على أ صل ني ته ؟ في‬
‫ذلك اختلف بين العلماء من السلف قد حكاه المام أحمد وابن جرير ‪ ،‬ورجحا أن عمله ل يبطل‬
‫بذلك ‪ ،‬وأنه يجازي بنيته الولى ‪ ،‬وهو مروى عن الحسن وغيره ‪ .‬وفي هذا المعنى جاء حديث‬
‫أ بي ذر عن النبي صلى ال عليه و سلم ‪ " :‬أ نه سئل عن الرجل يعمل العمل من الخير يحمده‬
‫الناس عليه ‪ ،‬فقال ‪ :‬تلك عاجل بشرى المؤمن " رواه مسلم ‪ .‬انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وتمام هذا المقام يتبين في شرح حديث أبي سعيد إن شاء ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وعن أبي سعيد مرفوعا " أل أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال‬
‫؟ قالوا ‪ :‬بلى يا رسول ال ‪ .‬قال ‪ :‬الشرك الخفي ‪ :‬يقوم الرجل فيصلي فيزين صلته لما يرى‬
‫من نظر رجل " رواه أحمد ‪.‬‬
‫وروى ابن خزيمة في صحيحه عن محمود بن لبيد قال ‪ " :‬خرج عليه رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم فقال ‪ :‬أيها الناس ‪ ،‬إياكم وشرك السرائر ‪ ،‬قالوا يا رسول ال وما شرك السرائر ؟‬
‫قال ‪ :‬يقوم الرجل فيصلي فيزين صلته لما يرى من نظر الرجل إليه ‪ .‬فذلك شرك السرائر " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن أبي سعيد الخدري وتقدم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬الشرك الخ في سماه خفيا لن صاحبه يظ هر أن عمله ل و قد ق صد به غيره ‪ ،‬أو‬
‫شر كه ف يه بتزي ين صلته لجله ‪ .‬و عن شداد بن أوس قال ‪ :‬ك نا ن عد الرياء على ع هد ر سول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم الشرك الصغر رواه ابن أبي الدنيا في كتاب الخلص ‪ ،‬وابن جرير‬
‫في التهذيب ‪ ،‬والطبراني والحاكم وصححه ‪.‬‬
‫قال ابعن القيعم ‪ :‬وأمعا الشرك الصعغر فكيسعير الرياء والتصعنع للخلق والحلف بغيعر ال ‪،‬‬
‫وقول الر جل للر جل ماشاء ال وشئت ‪ ،‬وهذا من ال وم نك ‪ ،‬وأ نا بال و بك ‪ ،‬و ما لي إل ال‬
‫وأ نت ‪ ،‬وأ نا متو كل على ال وعل يك ‪ ،‬ولول ال وأ نت لم ي كن كذا وكذا ‪ .‬و قد يكون هذا شرك‬
‫أكبر بحسب حال قائله ومقصده ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫ول خلف أن الخلص شرط لصحة العمل وقبوله ‪ ،‬وكذلك المتابعة ‪ ،‬كما قال الفضيل بن‬
‫عياض رحمه ال في قوله تعالى ‪ " ' 2 : 67 ' :‬ليبلوكم أيكم أحسن عملً " قال ‪ :‬أيكم أخلصه‬
‫ولم ي كن صوابا لم يق بل ‪ ،‬وإذا كان صوابا لم يق بل ‪ ،‬وإذا كان صوابا ولم ي كن خال صا لم يق بل‬
‫حتى يكون خالصا صوابا ‪ ،‬فالخالص ما كان ل ‪ ،‬والصواب ما كان على السنة ‪.‬‬
‫و في الحد يث عن الفوائد ‪ :‬شف قة ال نبي صلى ال عل يه و سلم على أم ته ون صحه ل هم ‪ ،‬وأن‬
‫الرياء أخوف على الصالحين من فتنة الدجال ‪ .‬فإن كان النبي صلى ال عليه وسلم يخافه على‬
‫سادات الولياء مع قوة إيمان هم وعلم هم فغير هم م من هو دون هم بأضعاف أولى بالخوف من‬
‫الشرك أصغره وأكبره ‪.‬‬

‫باب من الشرك إرداة النسان بعمله الدنيا‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ‪ :‬من الشرك إرادة النسان بعمله الدنيا )‬
‫فإن قيل ‪ :‬فما الفرق بين هذه الترجمة وبين ترجمة الباب قبله ؟‬
‫قلت ‪ :‬بينه ما عموم وخ صوص مطلق ‪ ،‬يجتمعان في مادة ‪ ،‬و هو ما إذا أراد الن سان بعمله‬
‫التزين عند الناس والتصنع لهم والثناء ‪ ،‬فهذا رياء كما تقدم بيانه ‪ ،‬كحال المنافقين ‪ .‬وهو أيضا‬
‫إرادة الدنيعا بالتصعنع عنعد الناس ‪ ،‬وطلب المدحعة منهعم والكرام ‪ .‬ويفارق الرياء بكونعه عمعل‬
‫عملً صالحا ‪ ،‬أراد به عرضا من الدنيا ‪ ،‬كمن يجاهد ليأخذ مالً ‪ ،‬كما في الحديث " تعس عبد‬
‫الدينار " أو يجاهد للمغنم أو غير ذلك من المور التي ذكرها شيخنا عن ابن عباس رضي ال‬
‫ع نه وغيره من المف سرين في مع نى قوله تعالى ‪ " ' 15 : 11 ' :‬من كان ير يد الحياة الدن يا‬
‫وزينتها " ‪.‬‬
‫وأراد الم صنف رحمه ال بهذه الترجمة وما بعدها أن الع مل لجل الدنيا شرك ينا في كمال‬
‫التوحيد الواجب ‪ ،‬ويحبط العمال ‪ ،‬وهو أعظم من الرياء ‪ ،‬لن مريد الدنيا قد تغلب إرادته تلك‬
‫على كثيعر معن عمله ‪ ،‬وأمعا الرياء فقعد يعرض له فعي عمعل دون عمعل ‪ ،‬ول يسعترسل مععه ‪،‬‬
‫والمؤمن يكون حذرا من هذا وهذا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وقوله تعالى ‪ " ' 16 ، 15 : 11 ' :‬من كان يريد الحياة الدن يا وزينت ها نوف إليهم‬
‫أعمالهم فيها وهم فيها ل يبخسون * أولئك الذين ليس لهم في الخرة إل النار وحبط ما صنعوا‬
‫فيها وباطل ما كانوا يعملون " ‪.‬‬
‫قال ا بن عباس ر ضي ال ع نه ‪ " :‬من كان ير يد الحياة الدن يا " أي ثواب ها ‪ .‬وزينت ها ‪ ،‬أي‬
‫مالها ‪ .‬نوف ‪ ،‬أي نوفر لهم ثواب أعمالهم بالصحة والسرور في المال والهل والولد ‪ " :‬وهم‬
‫فيها ل يبخسون " ل ينقصون ‪ ،‬ثم نسختها ‪ " ' 19 ، 18 : 17 ' :‬من كان يريد العاجلة عجلنا‬
‫له فيها ما نشاء لمن نريد " اليتين ‪ .‬رواه النحاس في ناسخه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ثم نسختها أي قيدتها ‪ .‬فلم تبق الية على إطلقها ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬من كانت الدنيا همه وطلبته ونيته جازاه ال بحسناته في الدنيا ثم يفضي إلى‬
‫الخرة وليس له حسنة يعطي بها جزاء ‪ ،‬وأما المؤمن فيجازى بحسناته في الدنيا ويثاب عليها‬
‫في الخرة ذكره ابن جرير بسنده ‪ ،‬ثم ساق حديث أبي هريرة عن ابن المبارك عن حيوة ابن‬
‫شر يح قال ‪ :‬حدثني الوليد بن أبي الوليد أ بو عثمان أن عق بة بن م سلم حد ثه أن شفى بن ماتع‬
‫ال صبحي حد ثه ‪ ( :‬أ نه د خل المدي نة فإذا هو بر جل قد اجت مع عل يه الناس ‪ ،‬فقال ‪ :‬من هذا ؟‬
‫فقالوا ‪ :‬أ بو هريرة ‪ .‬قال ‪ :‬فدنوت م نه ح تى قعدت ب ين يد يه ‪ ،‬و هو يحدث الناس ‪ .‬ف ما سكت‬
‫وخل قلت ‪ :‬أنشدك ب حق وب حق ل ما حدثت ني حديثا سمعته من ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫عقلته وعلمته ‪ .‬قال ‪ :‬فقال أبو هريرة ‪ :‬أفعل ‪ ،‬لحدثنك حديثا حدثنيه رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم في هذا البيت ما فيه أحد غيري وغيره ثم نشغ أبو هريرة نشغة ‪ ،‬ثم أفاق فقال ‪ :‬لحدثنك‬
‫حديثا حدثنيه رسول ال صلى ال عليه وسلم في هذا البيت ما فيه غيري أحد وغيره ‪ .‬ثم نشغ‬
‫أ بو هريرة نش غة أخرى ‪ ،‬ثم مال خارا على وج هه ‪ ،‬واش تد به طويلً ‪ .‬ثم أفاق فقال ‪ :‬حدث ني‬
‫رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم ‪ " :‬إن ال تبارك وتعالى إذا كان يوم القيامعة نزل إلى القيامعة‬
‫ليقضي بينهم ‪ ،‬وكل أمة جاثية ‪ .‬فأول من يدعو به رجل جمع القرآن ‪ ،‬ورجل قتل في سبيل ال‬
‫‪ ،‬ور جل كث ير المال ‪ .‬فيقول ال تبارك وتعالى للقارىء ‪ :‬ألم أعل مك ما أنزلت على ر سولي ؟‬
‫قال ‪ :‬بلى يعا رب ‪ .‬قال ‪ :‬فماذا عملت فيمعا علمعت ؟ قال ‪ :‬كنعت أقوم آناء الليعل وآناء النهار ‪.‬‬
‫فيقول ال له ‪ :‬كذبعت ‪ ،‬وتقول له الملئكعة ‪ :‬كذبعت ‪ ،‬ويقول ال له ‪ :‬بعل أردت أن يقال فلن‬
‫قارىء فقد قيل ذلك ‪ .‬ويؤتي بصاحب المال فيقول ال له ‪ :‬ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج‬
‫إلى أحد ؟ قال ‪ :‬بلى يا رب ‪ ،‬قال ‪ :‬فما عملت فيما آتيتك ؟ قال ‪ :‬كنت أصل الرحم وأتصدق ‪،‬‬
‫فيقول ال له ‪ :‬كذبت ‪ ،‬وتقول له الملئكة ‪ :‬كذبت ‪ ،‬ويقول ال ‪ :‬بل أردت أن يقال فلن جواد ‪،‬‬
‫ف قد ق يل ذلك ‪ .‬ويؤ تي بالذي ق تل في سبيل ال فيقال له ‪ :‬فبماذا قتلت ؟ فيقول ‪ :‬أمرت بالجهاد‬
‫في سبيلك فقاتلت حتى قتلت ‪ ،‬فيقول ال له ‪ :‬كذبت ‪ ،‬وتقول له الملئكة ‪ :‬كذبت ‪ ،‬ويقول ال له‬
‫‪ :‬بل أردت أن يقال فلن جريء فقد قيل ذلك ‪ .‬ثم ضرب رسول ال صلى ال عليه وسلم على‬
‫ركبتي فقال ‪ :‬يا أبا هريرة ‪ ،‬أولئك الثلثة أول خلق ال تسعر بهم النار يوم القيامة " ‪.‬‬
‫وقد سئل شيخنا المصنف رحمه ال عن هذه الية فأجاب بما حاصله ‪ :‬ذكر عن السلف فيها‬
‫أنواع مما يفعله الناس اليوم ول يعرفون معناه ‪.‬‬
‫فمن ذلك ‪ :‬العمل الصالح الذي يفعله كثير من الناس ابتغاء وجه ال ‪ :‬من صدقة وصلة ‪،‬‬
‫و صلة وإح سان إلى الناس ‪ ،‬وترك ظلم ‪ ،‬ون حو ذلك م ما يفعله الن سان أو يتر كه خال صا ل ‪،‬‬
‫لك نه ل ير يد ثوا به في الخرة ‪ ،‬إن ما ير يد أن يجاز يه ال بح فظ ماله وتنمي ته ‪ ،‬أو ح فظ أهله‬
‫وعياله ‪ ،‬أو إدا مة النع مة علي هم ‪ ،‬ول ه مة له في طلب الج نة والهرب من النار ‪ ،‬فهذا يع طي‬
‫ثواب عمليه في الدنيا وليس له في الخرة من نصيب ‪ .‬وهذا النوع ذكره ابن عباس ‪.‬‬
‫النوع الثاني ‪ :‬وهو أكبر من الول وأخوف ‪ ،‬وهو الذي ذكره مجاهد في الية ‪ :‬أنها نزلت‬
‫فيه وهو أن يعمل أعمالً صالحة ونيته رياء الناس ‪ ،‬ل طلب ثواب الخرة ‪.‬‬
‫النوع الثالث ‪ :‬أن يعمل أعمالً صالحة يقصد ب ها مالً ‪ ،‬مثل أن ي حج لمال يأخذه أو يها جر‬
‫لدنيا يصيبها ‪ ،‬أو امرأة يتزوجها ‪ ،‬أو يجاهد لجل المغنم ‪ ،‬فقد ذكر أيضا هذا النوع في تفسير‬
‫هذه اليعة ‪ ،‬كمعا يتعلم الرجعل لجعل مدرسعة أهله أو مكسعبهم أو رياسعتهم ‪ ،‬أو يتعلم القرآن‬
‫ويواظب على الصلة لجل وظيفة المسجد ‪ ،‬كما هو واقع كثيرا ‪.‬‬
‫النوع الرا بع ‪ :‬أن يع مل بطا عة ال مخل صا في ذلك ل وحده ل شر يك له لك نه على ع مل‬
‫يكفره كفرا يخرجه عن السلم ‪ ،‬مثل اليهود والنصارى إذا عبدوا ال ‪ ،‬أو تصدقوا أو صاموا‬
‫إبتغاء وجه ال والدار الخرة ‪ ،‬ومثل كثير من هذه المة الذين فيهم كفر أو شرك أكبر يخرجهم‬
‫معن السعلم بالكليعة ‪ ،‬إذا أطاعوا ال طاععة خالصعة يريدون بهعا ثواب ال فعي الدار الخرة ؟‬
‫لكنهم على أعمال تخرجهم من السلم وتمنع قبول أعمالهم ‪ ،‬فهذا النوع أيضا قد ذكر في هذه‬
‫الية عن أنس بن مالك وغيره ‪ ،‬وكان السلف يخافون منها ‪ ،‬قال بعضهم ‪ :‬لو أعلم أن ال تقبل‬
‫مني سجدة واحدة لتمنيت الموت لن ال تعالى يقول ‪ " ' 27 : 5 ' :‬إنما يتقبل ال من المتقين "‬
‫‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬ب قي أن يقال ‪ :‬إذا ع مل الر جل ال صلوات الخ مس والزكاة وال صوم وال حج إبتغاء‬
‫وجه ال ‪ ،‬طالبا ثواب الخرة ‪ ،‬ثم بعد ذلك عمل أعمالً قاصدا بها الدنيا ‪ ،‬مثل أن يحج فرضه‬
‫ل ‪ ،‬ثم ي حج بعده ل جل الدن يا ك ما هو وا قع ‪ ،‬ف هو ل ما غلب عل يه منه ما ‪ .‬و قد قال بعض هم ‪:‬‬
‫القرآن كثيرا ما يذكر أهل الجنة الخلص وأهل النار الخلص ‪ ،‬ويسكت عن صاحب الشائبتين ‪،‬‬
‫وهو هذا وأمثاله ا هع ‪.‬‬

‫تعس عبد الدينار‬


‫قوله ‪ ( :‬في ال صحيح عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم ‪ " :‬تعس عبد الدينار ‪ ،‬تعس عبد الدرهم ‪ ،‬تعس عبد الخميصة ‪ ،‬تعس عبد الخميلة ‪ ،‬إن‬
‫أعطى رضى ‪ ،‬وإن لم يعط سخط ‪ ،‬تعس وانتكس وإذا شك فل انتقش ‪ .‬طوبى لعبد أخذ بعنان‬
‫فرسه في سبيل ال أشعث رأسه ‪ ،‬مغبرة قدماه ‪ ،‬إن كان في الحراسة كان في الحراسة ‪ ،‬وإن‬
‫كان في الساقة كان في الساقة ‪ .‬إن استأذن لم يؤذن له ‪ ،‬وإن شفع لم يشفع له " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الصحيح أي صحيح البخاري ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ت عس هو بك سر الع ين ويجوز الف تح أي سقط ‪ ،‬والمراد ه نا هلك ‪ .‬قاله الحا فظ ‪،‬‬
‫وقال في مو ضع آ خر ‪ :‬و هو ضد سعد ‪ .‬أي ش قي ‪ .‬قال أ بو ال سعادات ‪ :‬يقال ت عس يت عس إذا‬
‫عثر وانكب لوجهه ‪ .‬وهو دعاء عليه بالهلك ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عبد الدينار هو المعروف من الذهب كالمثقال في الوزن ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬تعس عبد الدرهم وهو من الفضة ‪ ،‬قدره الفقهاء بالشعير وزنا ‪ ،‬وعندنا منه درهم‬
‫معن ضرب بنعي أميعة وهعو زنعة خمسعين حبعة شعيعر وخمسعا حبعة سعماه عبدا له ‪ ،‬لكونعه هعو‬
‫المقصود بعمله ‪ ،‬فكل من توجه بقصده لغير ال ف قد جعله شريكا له في عبوديته كما هو حال‬
‫الكثر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ت عس ع بد الخمي صة قال أ بو ال سعادات ‪ :‬هي ثوب خز أو صوف معلم ‪ ،‬وق يل ل‬
‫تسمى خميصة إل أن تكون سوداء معلمة‪ ،‬وتجمع على خمائص ‪ .‬والخميلة بفتح الخاء المعجمة‬
‫وقال أبو السعادات ‪ :‬ذات الخمل ‪ ،‬ثياب لها خمل من أي شئ كان ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬تعس وانتكس قال الحافظ ‪ :‬هو بالمهملة ‪ ،‬أي عاوده المرض ‪ .‬وقال أبو السعادات‬
‫‪ :‬أي انقلب على رأسه ‪ .‬وهو دعاء عليه بالخيبة ‪ .‬قال الطيبي ‪ :‬فيه الترقي بالدعاء عليه ‪ .‬لنه‬
‫إذا تعس انكب على وجهه ‪ .‬وإذا انتكس انقلب على رأسه بعد أن سقط ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإذا ش يك أي أ صابته شو كة فل انت قش أي فل يقدر على إخراج ها بالمنقاش قاله‬
‫أبو السعادات ‪.‬‬
‫والمراد أن من كا نت هذه حاله فإ نه ي ستحق أن يد عى عل يه ب ما ي سوءه في العوا قب ‪ ،‬و من‬
‫كا نت هذه حاله فل بد أن ي جد أ ثر هذه الدعوات في الوقوع في ما يضره في عا جل دنياه وآ جل‬
‫أخراه ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬فسماه النبي صلى ال عليه وسلم عبد الدينار والدرهم وعبد‬
‫القطي فة وع بد الخمي صة ‪ .‬وذ كر ف يه ما هو دعاء بل فظ ال خبر و هو قوله ‪ :‬ت عس وانت كس وإذا‬
‫ش يك فل انت قش وهذه حال من إذا أ صابه شر لم يخرج م نه ولم يفلح ‪ ،‬لكو نه ت عس وانت كس ‪،‬‬
‫فل نال المطلوب ‪ ،‬ول خلص من المكروه ‪ ،‬وهذا حال من عبد المال ‪ .‬وقد وصف ذلك بأنه ‪:‬‬
‫إن أعطعى رضعى ‪ ،‬وإن منعع سعخط كمعا قال تعالى ‪ " ' 58 : 8 ' :‬ومنهعم معن يلمزك فعي‬
‫ال صدقات فإن أعطوا من ها رضوا وإن لم يعطوا من ها إذا هم ي سخطون " فرضاؤ هم لغ ير ال ‪،‬‬
‫و سخطهم لغ ير ال ‪ ،‬وهكذا حال من كان متعلقا من ها بريا سة أو صورة ون حو ذلك من أهواء‬
‫نفسه ‪ ،‬إن حصل له رضى ‪ ،‬وإن لم يحصل له سخط ‪ ،‬فهذا عبد ما يهواه من ذلك وهو رقيق‬
‫له ‪ ،‬إذ الرق والعبود ية في الحقي قة هو رق القلب وعبودي ته ‪ ،‬ف ما ا سترق القلب وا ستعبده ف هو‬
‫عبده ع إلى أن قال ‪ :‬ع‬
‫وهكذا أيضا طالب المال ‪ ،‬فإن ذلك يستعبده ويسترقه وهذه المور نوعان ‪ ،‬فمنها ما يحتاج‬
‫إل يه الع بد ‪ ،‬ك ما يحتاج إلى طعا مه وشرا به ومنك حه وم سكنه ون حو ذلك ‪ ،‬فهذا يطلب من ال‬
‫وير غب إل يه ف يه ‪ .‬فيكون المال عنده ي ستعمله في حاج ته بمنزلة حماره الذي يرك به ‪ ،‬وب ساطه‬
‫الذي يجلس عليه من غير أن يستعبده فيكون هلوعا ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ما ل يحتاج إليه الع بد ‪ ،‬فهذا ينبغي أن ل يعلق قلبه بها ‪ ،‬فإذا تعلق قلبه بها صار‬
‫مستعبدا لها ‪ ،‬وربما صار مستعبدا متعمدا على غير ال فيها ‪ ،‬فل يبقى معه حقيقة العبودية ل‬
‫ول حقي قة التو كل عل يه ‪ ،‬بل ف يه شع بة من العبادة لغ ير ال وشع بة من التو كل على غ ير ال ‪،‬‬
‫وهذا من أحق الناس بقوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬تعس عبد الدينار ‪ ،‬تعس عبد الدرهم ‪ ،‬تعس‬
‫عبد الخميصة ‪ ،‬ت عس ع بد الخميلة " وهذا هو عبد لهذه المور ولو طلب ها من ال ‪ ،‬فإن ال إذا‬
‫أعطاه إياه رضى ‪ ،‬وإن منعه إياها سخط ‪ ،‬وإنما عبد ال من يرضيه ما يرضي ال ويسخطه‬
‫ما ي سخط ال وي حب ما أح به ال ور سوله ويب غض ما أبغ ضه ال ور سوله ‪ ،‬ويوالى أولياء ال‬
‫ويعادى أعداء ال فهذا الذي استكمل اليمان ‪ ،‬انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬طوبى لعبد قال أبو السعادات ‪ :‬طوبى اسم الجنة ‪ ،‬وقيل ‪ :‬هي شجرة فيها ويؤيد‬
‫هذا ما روى ابن وهب بسنده عن أبي سعيد قال ‪ " :‬قال رجل ‪ :‬يا رسول ال وما طوبى ؟ قال‬
‫‪ :‬شجرة في الجنة مسيرة مائة سنة ‪ ،‬ثياب أهل الجنة تخرج من أكمامها " ورواه المام أحمد ‪:‬‬
‫حدثنا حسن بن موسى سمعت عبد ال بن لهيعة حدثنا دراج أبو السمح أن أبا الهيثم حدثه أبو‬
‫سعيد الخدري عن رسول ال صلى ال عليه وسلم " إن رجلً قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬طوبى لمن‬
‫رآك وآمن بك ‪ ،‬قال طوبى لمن رآني وآمن بي ‪ ،‬وطوبى ثم طوبى ثم طوبى لمن آمن بي ولم‬
‫ير ني ‪ .‬قال له رجل ‪ :‬وما طو بى ؟ قال ‪ :‬شجرة في الجنة م سيرة مائة عام ‪ ،‬ثياب أهل الجنة‬
‫تخرج من أكمامها " وله شواهد في الصحيحين وغيرهما ‪ .‬وقد روى ابن جرير عن وهب بن‬
‫منبه هاهنا أثرا غريبا عجيبا ‪ .‬قال وهب رحمه ال ‪ :‬إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى يسير‬
‫الراكعب فعي ظلهعا مائة عام ل يقطعهعا ‪ :‬زهرهعا رياط ‪ ،‬وورقهعا برود وقضبانهعا عنعبر ‪،‬‬
‫وبطحاؤهعا ياقوت ‪ ،‬وترابهعا كافور ‪ ،‬ووحلهعا مسعك ‪ ،‬يخرج معن أصعلها أنهار الخمعر واللبعن‬
‫والعسل ‪ ،‬وهي مجلس لهل الجنة ‪ ،‬بينما هم في مجلسهم إذا أتتهم الملئكة من ربهم يقودون‬
‫نجبا مزمومة بسلسل من ذهب ‪ ،‬وجوهها كالمصابيح من حسنها ‪ ،‬ووبرها كخز المرعزي من‬
‫لينعه ‪ ،‬عليهعا رحال ألواحهعا معن ياقوت ‪ ،‬ودفوفهعا معن ذهعب وثيابهعا معن سعندس وإسعتبرق ‪،‬‬
‫فينيخونها ويقولون ‪ :‬إن ربنا أرسل إليكم لتزوروه وتسلموا عليه قال ‪ :‬فيركبونها ‪ ،‬قال ‪ :‬فهي‬
‫أسرع من الطائر ‪ ،‬وأوطأ من الفراش ‪ .‬خبا من غير مهنة ‪ ،‬يسير الراكب إلى جنب أخيه وهو‬
‫يكلمعه ويناجيعه ‪ ،‬ل تصعيب أذن راحلة منهعا أذن صعاحبتها ‪ ،‬ول برك راحلة برك صعاحبتها ‪،‬‬
‫ح تى إن الشجرة لتنت حى عن طريق هم لئل تفرق ب ين الر جل وأخ يه ‪ .‬قال ‪ :‬فيأتون إلى الرح من‬
‫الرحيم فيسفر لهم عن وجهه الكريم حتى ينظروا إليه ‪ ،‬فإذا رأوه قالوا ‪ :‬اللهم أنت السلم ومنك‬
‫السعلم ‪ ،‬وحعق لك الجلل والكرام ‪ ،‬قال ‪ :‬فيقول تبارك وتعالى عنعد ذلك ‪ ،‬أنعا السعلم ومنعي‬
‫ال سلم وعلي كم ح قت رحم تي ومحب تي ‪ ،‬مرحبا بعبادي الذ ين خشو ني بالغ يب وأطاعوا أمري ‪.‬‬
‫قال فيقولون ‪ :‬رب نا إ نا لم نعبدك حق عباد تك ‪ ،‬ولم نقدرك ‪ ،‬فائذن ل نا بال سجود قدا مك ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فيقول ال ‪ :‬إن ها لي ست بدار ن صب ول عبادة ‪ ،‬ولكن ها دار ملك ونع يم ‪ ،‬وإ ني قد رف عت عن كم‬
‫ن صب العبادة ‪ ،‬ف سلوني ما شئ تم ‪ ،‬بأن ل كل ر جل من كم أمني ته ‪ .‬في سألونه ‪ ،‬ح تى إن أق صرهم‬
‫أمنية ليقول ‪ :‬ربي ‪ ،‬تنافس أهل الدنيا في دنياهم فتضايقوا فيها ‪ ،‬رب فآتني من كل شئ كانوا‬
‫فيه من يوم خلقتها إلى أن انتهت الدنيا ‪ ،‬فيقول ال تعالى ‪ :‬لقد قصرت بك اليوم أمنيتك ‪ .‬ولقد‬
‫سألت دون منزل تك ‪ .‬هذا لك م نى و سأتحفك بمنزل تي لن ل يس في عطائي ن كد ول ق صر يد ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬ثم يقول ‪ :‬اعرضوا على عبادي ما لم تبلغ أمانيهم ولم يخطر على بال ‪ .‬قال ‪ :‬فيعرضون‬
‫عليهم حتى تقصر بهم أمانيهم التي في أنفسهم ‪ ،‬فيكون فيما يعرضون عليهم براذين مقرنة على‬
‫كل أربعة منها سرير من ياقوتة واحدة ‪ .‬على كل سرير منها قبة من ذهب مفزعة ‪ .‬في كل قبة‬
‫من ها فرش من فرش الج نة مظاهرة ‪ .‬في كل ق بة من ها جاريتان من الحور الع ين ‪ .‬على كل‬
‫جارية منهن ثوبان من ثياب الجنة ‪ .‬وليس في الجنة لون إل وهو فيهما ‪ .‬ول ريح طيب إل قد‬
‫عبق به ما ‪ .‬ين فذ ضوء وجوهه ما غلظ الق بة ‪ .‬ح تى ي ظن من يراه ما أنه ما من دون الق بة يرى‬
‫مخهما من فوق سوقهما كالسلك البيض في يا قوته حمراء ‪ .‬يريان له من الفضل على صحابته‬
‫كفضعل الشمعس على الحجارة أو أفضعل ‪ .‬ويرى لهمعا مثعل ذلك ‪ .‬ثعم يدخعل عليهمعا فيحييانعه‬
‫ويقبل نه ويعانقا نه ويقولن له ‪ :‬وال ما ظن نا أن ال يخلق مثلك ‪ .‬ثم يأ مر ال تعالى الملئ كة‬
‫فيسيرون بهم صفا في الجنة حتى ينتهي كل رجل منهم إلى منزلته التي أعدت له ‪.‬‬
‫و قد روى هذا ال ثر ا بن أ بي حا تم ب سنده عن و هب بن من به وزاد ‪ :‬فانظروا إلى موا هب‬
‫ربكم الذي وهب لكم ‪ ،‬فإذا بقباب في الرفيق العلى ‪ ،‬وغرف مبنية بالدر والمرجان أبوابها من‬
‫ذهب وسررها من ياقوت ‪ ،‬وفرشها من سندس واستبرق ‪ ،‬ومنابرها من نور ‪ ،‬يفور من أبوابها‬
‫وعراصعها نور مثعل شعاع الشمعس ‪ ،‬عنده مثعل الكوكعب الدري فعي النهار المضيعء ‪ ،‬وإذا‬
‫بقصعور شامخعة فعي أعلى علييعن معن الياقوت يزهعو نورهعا ‪ .‬فلول أنعه مسعخر إذا للتمعع‬
‫البصار ‪ ،‬فما كان من تلك القصور من الياقوت البيض فهو مفروش بالحرير البيض ‪ ،‬وما‬
‫كان من ها من الياقوت الخ ضر ف هو مفروش بال سندس الخ ضر ‪ ،‬و ما كان من ها من الياقوت‬
‫ال صفر ف هو مفروش بالرجوان ال صفر ‪ ،‬مبو بة بالزمرد الخ ضر والذ هب الح مر والف ضة‬
‫البيضاء ‪ ،‬قوائم ها وأركان ها من الجو هر ‪ ،‬وشرف ها من قباب من لؤلؤ ‪ ،‬وبروج ها غرف من‬
‫المرجان ‪ .‬فلما انصرفوا إلى ما أعطاهم ربهم قربت لهم براذين من ياقوت أبيض منفوخ فيها‬
‫الروح ‪ ،‬تحت ها الولدان المخلدون ‪ ،‬ب يد كل ول يد من هم حك مة برذون من تلك البراذ ين ولجم ها‬
‫وأعنتها من فضة بيضاء منظومة بالدر والياقوت ‪ ،‬سرر موضونة مفروشة بالسندس والستبرق‬
‫‪ ،‬فانطلقعت بهعم تلك البراذيعن تزف فينظرون رياض الجنعة فلمعا انتهوا إلى منازلهعم وجدوا‬
‫الملئكة قعدوا على منابر من نور ينتظرونهم ليزوروهم ويصافحوهم ويهنئوهم كرامة ربهم ‪،‬‬
‫فلما دخلوا قصورهم وجدوا فيها جميع ما تطاول به عليهم وما سألوا وما تمنوا ‪ ،‬وإذا على باب‬
‫كعل قصعر معن تلك القصعور أربععة جنان جنتان ذواتا أفنان وجنتان مدهامتان وفيهمعا عينان‬
‫نضاختان ‪ ،‬وفيهما من كل فاكهة زوجان ‪ ،‬وحور مقصورات في الخيام ‪ ،‬فلما تبوءوا منازلهم‬
‫واستقروا قرارهم قال لهم ربهم ‪ " :‬هل وجدتم ما وعد ربكم حقا قالوا نعم " وربنا ‪ .‬قال ‪ :‬هل‬
‫رضيتعم ثواب ربكعم ؟ قالوا‪ :‬ربنعا رضينعا فارض عنعا ‪ ،‬قال‪ :‬فعبرضائي عنكعم أحللتكعم داري‬
‫ونظرتم إلى وجهي ‪ ،‬فعند ذلك قالوا ‪ " :‬الحمد ل الذي أذهب عنا الحزن إن ربنا لغفور شكور‬
‫* الذي أحلنا دار المقامة من فضله ل يمسنا فيها نصب ول يمسنا فيها لغوب " وهذا سياق‬
‫غريب وأثر عجيب ولبعضه شواهد في الصحيحين ‪.‬‬
‫وقال خالد بن معدان ‪ :‬إن في الجنة شجرة يقال لها طوبى ‪ ،‬ضروع كلها ‪ ،‬ترضع صبيان‬
‫أهل الجنة ‪ ،‬وإن سقط المرأة يكون في نهر من أنهار الجنة يتقلب فيه حتى تقوم القيامة فيبعث‬
‫ابن أربعين سنة رواه ابن أبي حاتم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أخذ بعنان فرسه في سبيل ال أي في جهاد المشركين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أشعث مجرور بالفتحة لنه اسم ل ينصرف للوصفية ووزن الفعل ‪ ،‬ورأسه مرفوع‬
‫على الفاعليعة ‪ ،‬وهعو طائر الشععر ‪ ،‬شغله الجهاد فعي سعبيل ال ععن التنععم بالدهان وتسعريح‬
‫الشعر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬مغبرة قدماه هو بالجر صفة ثانية لعبد ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إن كان في الحرا سة كان في الحرا سة هو بك سر الحاء أي ح مى الج يش عن أن‬
‫يهجم العدو عليهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كان في الحراسة أي غير مقصر فيها ول غافل ‪ ،‬وهذا اللفظ يستعمل في حق من‬
‫قام بالمر على وجه الكمال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإن كان في الساقة كان في الساقة أي في مؤخرة الجيش ‪ ،‬يقلب نفسه في مصالح‬
‫الجهاد ‪ ،‬ف كل مقام يقوم ف يه إن كان ليلً أو نهارا ‪ ،‬رغ بة في ثواب ال وطلبا لمرضا ته ومح بة‬
‫لطاعته ‪.‬‬
‫قال ابن الجوزي رحمه ال ‪ :‬وهو خامل الذكر ل يقصد السمو ‪.‬‬
‫وقال الخلخالي ‪ :‬المعنى ائتماره بما أمر ‪ ،‬وإقامته حيث أقيم ‪ .‬ل يفقد من مقامه ‪ ،‬وإنما ذكر‬
‫الحراسة والساقة لنهما أشد مشقة ‪ .‬انتهى ‪ .‬وفيه فضل الحراسة في سبيل ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إن ا ستأذن لم يؤذن له أي إن ا ستأذن على المراء ونحو هم لم يؤذن له ل نه ل جاه‬
‫له عندهم ول منزلة ‪ .‬لنه ليس من طلبها ‪ .‬وإنما يطلب ما عند ال ل يقصد بعمله سواه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإن شفع بفتح أوله وثانية لم يشفع بفتح الفاء مشددة ‪ .‬يعني لو ألجأته الحال إلى‬
‫أن يشفع في أمر يحبه ال ورسوله لم تقبل شفاعته عند المراء ونحوهم ‪.‬‬
‫وروى المام أحمد ومسلم عن أبي هريرة مرفوعا ‪ " :‬رب أشعث مدفوع بالبواب لو أقسم‬
‫على ال لبره " ‪.‬‬
‫وروى المام أحمعد أيضا ععن مصععب بعن ثابعت بعن عبعد ال بعن الزبيعر قال ‪ :‬قال عثمان‬
‫ر ضي ال ع و هو يخ طب على م نبره ‪ " :‬إ ني محدث كم حديثا سمعته من ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم لم يكن يمنعني أن أحدثكم به إل الظن بكم ‪ .‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪ :‬حرس ليلة في سبيل ال أفضل من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها " ‪.‬‬
‫وروى الحا فظ ا بن ع ساكر في ترج مة ع بد ال بن المبارك قال ع بد ال بن مح مد قا ضي‬
‫نصيبين حدثني محمد بن إبراهيم بن أبي سكينة أنه أملى عليه عبد ال بن المبارك هذه البيات‬
‫بطرسوس وواعده الخروج ‪ .‬وأنشدها معه إلى الفضيل بن عياض في سنة سبع وسبعين ومائة‬
‫‪ .‬قال ‪:‬‬
‫لعلمت أنك في العبادة تلعب‬ ‫يا عابد الحرمين لو أبصرتنا‬
‫فنحورنا بدمائنا تتخضب‬ ‫من كان يخصب خده بدموعه‬
‫فخيولهم يوم الصبيحة تتعب‬ ‫أو كان يتعب خيله في باطل‬
‫رهج السنابك والغبار الطيب‬ ‫ريح العبير لكم ‪ ،‬ونحن عبيرنا‬
‫قول صحيح صادق ل يكذب‬ ‫ولقد أتانا من مقال نبينا‬
‫أنف امرىء ودخان نار تلهب‬ ‫ل يستوي غبار خيل الليل في‬
‫ليس الشهيد بميت ل يكذب‬ ‫هذا كتاب ال ينطق بيننا‬
‫قال ‪ :‬فلقيت الفضيل بكتابه في المسجد الحرام فلما قرأه ذرفت عيناه فقال ‪ :‬صدق أبو عبد‬
‫الرحمعن ونصعحني ‪ ،‬ثعم قال ‪ :‬أنعت ممعن يكتعب الحديعث ؟ قلت ‪ :‬نععم قال لي ‪ :‬اكتعب هذا‬
‫الحديث ‪ ،‬وأملى على الفضيل بن عياض ‪ :‬حدثنا منصور بن المعتمر عن أبي صالح عن أبي‬
‫هريرة ‪" :‬أن رجلً قال ‪ :‬يا ر سول ال علم ني عملً أنال به ثواب المجاهد ين في سبيل ال ‪،‬‬
‫فقال ‪ :‬هل تستطيع أن تصلي فل تفتر ‪ ،‬وتصوم فل تفطر ؟ فقال ‪ :‬يا رسول ال أنا أضعف من‬
‫أن أ ستطيع ذلك ‪ ،‬ثم قال ال نبي صلى ال عل يه و سلم ‪ :‬فو الذي نف سي بيده لو طو قت ذلك ما‬
‫بل غت ف ضل المجاهد ين في سبيل ال ‪ ،‬أ ما عل مت أن فرس المجا هد لي ستن في طوله فيك تب له‬
‫بذلك حسنات ؟ " ‪.‬‬

‫باب من أطاع العلماء والمراء في تحريم ما أحل ال‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ‪ :‬من أطاع العلماء والمراء في تحريم ما أحل ال أو تحليل ما حرم ال ‪ ،‬فقد‬
‫اتخذهم أربابا من دون ال )‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 31 : 9 ' :‬اتخذوا أحبار هم ورهبان هم أربابا من دون ال والم سيح ابن‬
‫مريم وما أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون" وتقديم تفسير هذا في‬
‫أصل المصنف رحمه ال عند ذكر حديث عدي ابن حاتم رضي ال عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال ا بن عباس ر ضي ال عنه ما ‪ " :‬يو شك أن تنزل علي كم حجارة من ال سماء ‪.‬‬
‫أقول ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم وتقولون ‪ :‬قال أبو بكر وعمر ؟ " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬يوشك بضم أوله وكسر الشين المعجمة أي يقرب ويسرع ‪.‬‬
‫وهذا القول من ابن عباس رضي ال عنهما جواب لمن قال ‪ :‬إن أبا بكر وعمر رضي ال‬
‫عنهما ل يريان التمتع بالعمرة إلى الحج‪ ،‬ويريان أن إفراد الحج أفضل ‪ :‬أو ما هو معنى هذا ‪،‬‬
‫وكان ا بن عباس يرى أن التم تع بالعمرة إلى ال حج وا جب ويقول ‪ :‬إذا طاف بالب يت و سعى ب ين‬
‫الصفا والمروة سبعة أشواط فقد حل من عمرته شاء أم أبى" لحديث سراقة بن مالك حين أمرهم‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم أن يجعلوها عمرة ويحلوا إذا طافوا بالبيت وسعوا بين الصفا والمروة‬
‫‪ ،‬فقال سراقة ‪ :‬يا رسول ال ألعامنا هذا أم للبد ؟ فقال ‪ :‬بل للبد " والحديث في الصحيحين ‪،‬‬
‫وحينئذ فل عذر ل من ا ستفى أن ين ظر في مذا هب العلماء و ما ا ستدل به كل إمام ويأ خذ من‬
‫أقوالهم ما دل عليه الدليل إذا كان له ملكة يقتدر بها على ذلك ‪ .‬كما قال تعالى ‪" ' 59 : 4 ' :‬‬
‫فإن تنازعتعم فعي شيعء فردوه إلى ال والرسعول إن كنتعم تؤمنون بال واليوم الخعر ذلك خيعر‬
‫وأحسن تأويل " ‪.‬‬
‫وللبخاري ومسلم وغيرهما أن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬لو استقبلت من أمري ما‬
‫ا ستدبرت ما أهد يت ولول أن م عي الهدى لحللت " هذا ل فظ البخاري في حد يث عائ شة ر ضي‬
‫ال عن ها ‪ .‬ولف ظه في حد يث جابر ‪ " :‬افعلوا ما أمرت كم به فلول أ ني سقت الهدى لفعلت م ثل‬
‫الذي أمرتكم " في عدة أحاديث تؤيد قول ابن عباس ‪.‬‬
‫وبالجملة فلهذا قال ابن عباس لما عارضوا الحديث برأي أبي بكر وعمر رضي ال عنهما ‪:‬‬
‫يوشك أن تنزل عليكم حجارة من السماء ‪ ....‬الحديث ‪.‬‬
‫وقال المام مالك رح مه ال تعالى ‪ :‬ما م نا إل راد ومردود عل يه ‪ ،‬إل صاحب هذا ال قبر‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وكلم الئمة في هذا المعنى كثير ‪.‬‬
‫وما زال العلماء رحمهم ال يجتهدون في الوقائع فمن أصاب منهم فله أجران ‪ ،‬ومن أخطأ‬
‫فله أجر ‪ ،‬كما في الحديث ‪ ،‬لكن إذا استبان لهم الدليل أخذوا به وتركوا اجتهادهم ‪ .‬وأما إذا لم‬
‫يبلغ هم الحد يث أو لم يث بت عن ال نبي صلى ال عل يه و سلم عند هم ف يه حد يث ‪ ،‬أو ث بت وله‬
‫معارض أو مخ صص ون حو ذلك فحينئذ ي سوغ للمام أن يجت هد ‪ .‬و في ع صر الئ مة الرب عة‬
‫رحمهم ال تعالى إنما كان طلب الحاديث ممن هي عنده باللقى والسماع ‪ ،‬ويسافر الرجل في‬
‫طلب الحديث إلى المصار عدة سنين ‪ .‬ثم اعتنى الئمة بالتصانيف ودونوا الحاديث ورووها‬
‫بأسانيدها ‪ ،‬وبينوا صحيحها من حسنها من ضعيفها ‪ .‬والفقهاء صنفوا في كل مذهب ‪ ،‬وذكروا‬
‫حجج المجتهدين ‪ .‬فسهل المر على طالب العلم ‪ .‬وكل إمام يذكر الحكم بدليله عنده ‪ ،‬وفي كلم‬
‫ابن عباس رضي ال عنهما ما يدل على أن من يبلغه الدليل فلم يأخذ به ع تقليدا لمامه ع فإنه‬
‫يجب النكار عليه بالتغليظ لمخالفته الدليل ‪.‬‬
‫وقال المام أح مد ‪ :‬حدث نا أح مد بن ع مر البزار ‪ ،‬حدث نا زياد بن أيوب ‪ ،‬حدث نا أ بو عبيدة‬
‫الحداد عن مالك بن دينار عن عكرمة ابن عباس قال ‪ :‬ليس منا أحد إل يؤخذ من قوله ويدع‬
‫غير النبي صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وعلى هذا فيجعب النكار على معن ترك الدليعل لقول أحعد معن العلماء كائنا معن كان ‪،‬‬
‫ونصوص الئمة على هذا ‪ ،‬وأنه ل يسوغ التقليد إل في مسائل الجتهاد التي ل دليل فيها يرجع‬
‫إليه من كتاب ول سنة ‪ ،‬فهذا هو الذي عناه بعض العلماء بقوله ‪ :‬ل إنكار في مسائل الجتهاد ‪.‬‬
‫وأ ما من خالف الكتاب وال سنة في جب الرد عل يه ك ما قال ا بن عباس والشاف عي ومالك وأح مد ‪،‬‬
‫وذلك مجمع عليه ‪ ،‬كما تقدم في كلم الشافعي رحمه ال تعالى ‪.‬‬

‫قول المام أحمد ‪ :‬عجبت لقوم عرفوا السناد ويذهبون إلى رأي سفيان إلخ‬
‫قوله ‪ :‬وقال المام أحمد ‪ :‬عجبت لقوم عرفوا السناد وصحته ‪ ،‬ويذهبون إلى رأي سفيان ‪.‬‬
‫وال تعالى يقول ‪ " ' 63 : 24 ' :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم‬
‫عذاب أليم " أتدرون ما الفتنة ؟ الفتنة الشرك ‪ ،‬لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شئ من‬
‫الزيغ فيهلك ‪.‬‬
‫هذا الكلم من المام أح مد رح مه ال رواه ع نه الف ضل بن زياد وأ بو طالب ‪ .‬قال الف ضل‬
‫ععن أحمعد ‪ :‬نظرت فعي المصعحف فوجدت طاععة الرسعول صعلى ال عليعه وسعلم فعي ثلث‬
‫وثلث ين موضعا ‪ ،‬ثم ج عل يتلو ‪ " :‬فليحذر الذ ين يخالفون عن أمره أن ت صيبهم فت نة " ال ية ‪،‬‬
‫فذكر من قوله ‪ :‬الفتنة الشرك ع إلى قوله ع فيهلك ‪ .‬ثم جعل يتلو هذه الية ‪" ' 65 : 4 ' :‬‬
‫فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت‬
‫ويسلموا تسليما " ‪.‬‬
‫وقال أبعو طالب ععن أحمعد وقيعل له ‪ :‬إن قوما يدعون الحديعث ويذهبون إلى رأي سعفيان‬
‫وغيره ‪ ،‬فقال ‪ :‬أعجب لقوم سمعوا الحديث وعرفوا السناد وصحته يدعونه ويذهبون إلى رأي‬
‫سفيان وغيره ‪ ،‬قال ال تعالى ‪ " :‬فليحذر الذ ين يخالفون عن أمره أن ت صيبهم فت نة أو ي صيبهم‬
‫عذاب أليم " أتدري ما الفتنة ؟ الفتنة ‪ :‬الكفر ‪ .‬قال ال تعالى ‪ " ' 217 : 2 ' :‬والفتنة أكبر من‬
‫القتل " فيدعون الحديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم وتغلبهم أهواؤهم إلى الرأي ذكر‬
‫ذلك عنه شيخ السلم رحمه ال تعالى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عرفوا السناد أي إسناد الحديث وصحته ‪ ،‬فإن صح إسناد الحديث فهو صحيح عند‬
‫أهل الحديث وغيرهم من العلماء ‪.‬‬
‫و سفيان ‪ :‬هو الثوري المام الزا هد العا بد الث قة الفق يه ‪ ،‬وكان له أ صحاب يأخذون ع نه ‪،‬‬
‫ومذه به مشهور يذكره العلماء رحم هم ال في الك تب ال تي يذ كر في ها مذا هب الئ مة ‪ ،‬كالتمه يد‬
‫لبن عبد البر ‪ ،‬والستذكار له ‪ ،‬وكتاب الشراف على مذاهب الشراف لبن المنذر ‪ ،‬والمحلى‬
‫لبن حزم ‪ ،‬والمغنى لبي محمد عبد ال بن أحمد بن قدامة الحنبلي ‪ .‬وغير هؤلء ‪.‬‬
‫فقول المام أحمد رحمه ال ‪ :‬عجبت لقوم عرفوا السناد وصحته ‪ ...‬إلخ إنكار منه لذلك‬
‫‪ .‬وأ نه يؤول إلى ز يع القلوب الذي يكون به المرء كافرا ‪ .‬و قد ع مت البلوى بهذا المن كر‬
‫خصوصا ممن ينتسب إلى العلم ‪ ،‬نصبوا الحبائل في الصد عن الخذ بالكتاب والسنة ‪ ،‬وصدوا‬
‫عن متاب عة الر سول صلى ال عل يه و سلم وتعظ يم أمره ونه يه ‪ ،‬ف من ذلك قول هم ‪ :‬ل ي ستدل‬
‫بالكتاب وال سنة إل المجت هد ‪ .‬والجتهاد قد انق طع ويقول ‪ :‬هذا الذي قلد ته أعلم م نك بالحد يث‬
‫وبنا سخه ومن سوخه ‪ ،‬ون حو ذلك من القوال ال تي غايت ها ترك متاب عة الر سول صلى ال عل يه‬
‫وسلم الذي ل ينطق عن الهوى ‪ ،‬والعتماد على قول من يجوز عليه الخطأ ‪ ،‬وغيره من الئمة‬
‫يخالفه ‪ ،‬ويمنع قوله بدليل ‪ ،‬فما من إمام إل والذي معه بعض العلم ل كله ‪ .‬فالواجب على كل‬
‫مكلف إذا بلغه الدل يل من كتاب ال وسنة ر سوله وفهم مع نى ذلك ‪ :‬أن ينتهي إليه ويع مل به ‪،‬‬
‫وإن خالفه من خالفه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 3 : 7 ' :‬اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ول تتبعوا من‬
‫دونه أولياء قليلً ما تذكرون " وقال تعالى ' ‪ " ' 51 : 29‬أولم يكفهم أنا أنزلنا عليك الكتاب يتلى‬
‫علي هم إن في ذلك لرح مة وذكرى لقوم يؤمنون " و قد تقدم حكا ية الجماع على ذلك ‪ ،‬وبيان أن‬
‫المقلد ليس من أهل العلم ‪ ،‬وقد حكى أيضا أبو عمر ابن عبد البر وغيره الجماع على ذلك ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ول يخالف فعي ذلك إل جهال المقلدة ‪ ،‬لجهلهعم بالكتاب والسعنة ‪ ،‬ورغبتهعم عنهعا ‪،‬‬
‫وهؤلء وإن ظنوا أنهم قد اتبعوا الئمة فإنهم في الحقيقة قد خالفوهم ‪ ،‬واتبعوا غير سبيلهم ‪ .‬كما‬
‫قدمنا من قول مالك والشافعي وأحمد ‪ ،‬ولكن في كلم أحمد رحمه ال إشارة إلى أن التقليد قبل‬
‫بلوغ الحجة ل يذم وإنما ينكر على من بلغته الحجة وخالفهم لقول إمام من الئمة ‪ ،‬وذلك إنما‬
‫ينشأ عن العراض عن تدبر كتاب ال وسنة رسوله والقبال على كتب من تأخروا والستغناء‬
‫بها عن الوحيين ‪ ،‬وهذا يشبه ما وقع من أهل الكتاب الذي قال ال فيهم ‪ " ' 3 : 9 ' :‬اتخذوا‬
‫أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال " كما سيأتي بيان ذلك في حديث عدي بن حاتم ‪ ،‬فيجب‬
‫على من ن صح نف سه إذا قرأ ك تب العلماء ون ظر في ها وعرف أقوال هم أن يعرض ها على ما في‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬فإن كل مجتهد من العلماء ومن تبعه وانتسب إلى مذهبه ل بد أن يذكر دليله ‪،‬‬
‫وال حق في الم سألة وا حد‪ ،‬والئ مة مثابون على اجتهاد هم‪ ،‬فالم صنف يج عل الن ظر في كلم هم‬
‫وتأمله طريقا إلى معر فة الم سائل وا ستحضارها ذهنا وتمييزا لل صواب من الخ طأ بالدلة ال تي‬
‫يذكر ها الم ستدلون ‪ ،‬ويعرف بذلك من هو أ سعد بالدل يل من العلماء فيتب عه ‪ ،‬والدلة على هذا‬
‫الصل في كتاب ال أكثر وفي السنة كذلك ‪ ،‬كما أخرج أبو داود بسنده عن أناس من أصحاب‬
‫معاذ ‪ " :‬أن رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم لمعا أراد أن يبععث معاذا إلى اليمعن قال ‪ :‬كيعف‬
‫تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ قال ‪ :‬أقضي بكتاب ال تعالى ‪ ،‬قال ‪ :‬فإن لم تجد في كتاب ال ؟‬
‫قال ‪ :‬فبسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم قال فإن لم تجد في سنة رسول ال صلى ال عليه‬
‫و سلم ول في كتاب ال ؟ قال ‪ :‬أجت هد رأيي ول آلو ‪ ،‬قال ‪ :‬فضرب ر سول ال صلى ال عليه‬
‫وسلم صدره وقال ‪ :‬الحمد ل الذي وفق رسول رسول ال لما يرضي رسول ال" وساق بسنده‬
‫عن الحارث بن ع مر عن أناس من أ صحاب معاذ بن ج بل ر ضي ال ع نه ‪ :‬أن ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم لما بعثه إلى اليمن ع بمعناه ‪.‬‬
‫والئمة رحمهم ال لم يقصروا في البيان ‪ ،‬بل نهوا عن تقليدهم إذا استبانت السنة ‪ ،‬لعلمهم‬
‫أن معن العلم شيئا لم يعلموه ‪ ،‬وقعد يبلغ غيرهعم ‪ ،‬وذلك كثيعر كمعا ل يخفعى على معن نظعر فعي‬
‫أقوال العلماء ‪.‬‬
‫قال أبو حنيفة رحمه ال ‪ :‬إذا جاء الحديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم فعلى الرأس‬
‫والع ين ‪ ،‬وإذا جاء عن ال صحابة ر ضي ال عن هم فعلى الرأس والع ين ‪ ،‬وإذا جاء عن التابع ين‬
‫فنحن رجال وهم رجال ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬إذا قلت قولً وكتاب ال يخال فه فاتركوا قولي لكتاب ال ‪ .‬ق يل ‪ :‬إذا كان قول ر سول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يخالفه ؟ قال ‪ :‬اتركوا قولي لخبر الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وقيل‬
‫إذا كان قول الصحابة يخالفه ؟ قال ‪ :‬اتركوا قولي لصحابة ‪.‬‬
‫وقال الربيع ‪ :‬سمعت الشافعي رحمه ال يقول ‪ :‬إذا وجدتم في كتابي خلف سنة رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم فخذوا سنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ودعوا ما قلت ‪.‬‬
‫وقال ‪ :‬إذا صح الحديث بما يخالف قولي فاضربوا بقولي الحائط ‪.‬‬
‫وقال مالك ‪ :‬كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إل رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫وتقدم له مثل ذلك ‪ ،‬فل عذر لمقلد بعد هذا ‪ .‬ولو استقضينا كلم العلماء في هذا لخرج عما‬
‫قصدناه من الختصار ‪ ،‬وفيما ذكرناه كفاية لطالب الهدى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬لعله إذا رد بعض قوله أي قول الرسول صلى ال عليه وسلم أي يقع في قلبه شئ‬
‫من الز يغ فيهلك ن به رح مه ال أن رد قول الر سول صلى ال عل يه و سلم سبب لز يغ القلب ‪،‬‬
‫وذلك هو الهلك في الدنيا والخرة كما قال تعالى ‪ " ' 5 : 61 ' :‬فلما زاغوا أزاغ ال قلوبهم‬
‫وال ل يهدي القوم الفاسقين " ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال في معنى قول ال تعالى ‪ " ' 63 : 24 ' :‬فليحذر الذين يخالفون‬
‫عن أمره " فإن كان المخالف لمره قد حذر من الكفر والشرك ‪ ،‬أو من العذاب الليم ‪ ،‬دل على‬
‫أ نه قد يكون مفضيا إلى الك فر والعذاب الل يم ‪ ،‬ومعلوم أن إفضاءه إلى العذاب الل يم هو مجرد‬
‫فعل المعصية ‪ ،‬فإفضاؤه إلى الكفر إنما هو لما يقترن به من الستخفاف في حق المر ‪ ،‬كما‬
‫فعل إبليس لعنه ال تعالى ا هع ‪.‬‬
‫وقال أبو جعفر ابن جرير رحمه ال تعالى عن الضحاك ‪ " :‬فليحذر الذين يخالفون عن أمره‬
‫أن تصيبهم فتنة " قال ‪ :‬يطبع على قلبه فل يؤمن أن يظهر الكفر بلسانه فتضرب عنقه ‪.‬‬
‫قال أبعو جعفعر بعن جريعر ‪ :‬أدخلت ععن لن معنعى الكلم فليحذر الذيعن يلوذون ععن أمره‬
‫ويدبرون عنه معرضين ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أو ي صيبهم في الدن يا عذاب من ال مو جع على خلف هم أ مر ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬

‫اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال‬


‫قوله ‪ :‬عن عدي بن حا تم ر ضي ال ع نه ‪ :‬أ نه سمع ال نبي صلى ال عل يه و سلم يقرأهذه‬
‫الية ‪ " ' 31 : 9 ' :‬اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم " الية ‪.‬‬
‫فقلت ‪ " :‬إنعا لسعنا نعبدهعم ‪ .‬قال ‪ :‬أليعس يحرمون معا أحعل ال فتحرمونعه ويحلون معا حرم ال‬
‫فتحلونه ؟ فقلت ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فتلك عبادتهم " رواه أحمد والترمذي وحسنه ‪.‬‬
‫هذا الحد يث قد روى من طرق ‪ ،‬فرواه ا بن سعد وع بد بن حم يد وا بن المنذر وا بن جر ير‬
‫وابن أبي حاتم والطبراني ‪ ،‬وأبو الشيخ وابن مردويه والبيهقي ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ععن عدي بعن حاتعم أي الطائي المشهور ‪ .‬وحاتعم هعو ابعن عبعد ال بعن سععد بعن‬
‫الحشرج ع بفتح الحاء ع المشهور بالسخاء والكرم ‪ .‬قدم عدي على النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫في شعبان سنة تسع من الهجرة ‪ .‬فأسلم وعاش مائة وعشرين سنة ‪.‬‬
‫وفي الحديث دليل على أن طاعة الحبار والرهبان في معصية ال عبادة لهم من دون ال ‪،‬‬
‫و من الشرك ال كبر الذي ل يغفره ال لقوله تعالى في آ خر ال ية ‪ " :‬و ما أمروا إل ليعبدوا إلها‬
‫واحدا ل إله إل هو سبحانه ع ما يشركون " ونظ ير ذلك في قوله تعالى ‪ " ' 121 : 6 ' :‬ول‬
‫تأكلوا مما لم يذكر اسم ال عليه وإنه لفسق وإن الشياطين ليوحون إلى أوليائهم ليجادلوكم وإن‬
‫أطعتمو هم إن كم لمشركون " وهذا قد و قع ف يه كث ير من الناس مع من قلدو هم ‪ ،‬لعدم إعتبار هم‬
‫الدليل إذا خالف المقلد ‪ ،‬وهو من هذا الشرك ‪ .‬ومنهم من يغلو في ذلك ويعتقد أن الخذ بالدليل‬
‫والحالة هذه يكره ‪ ،‬أو يحرم ‪ ،‬فعظ مت الفت نة ‪ .‬ويقول ‪ :‬هم أعلم م نا بالدلة ‪ .‬ول يأ خذ بالدل يل‬
‫إل المجتهد ‪ ،‬وربما تفوهوا بذم من يعمل بالدليل ‪ ،‬ول ريب أن هذا من غربة السلم كما قال‬
‫شيخنا رحمه ال في المسائل ‪:‬‬
‫فتغيرت الحوال ‪ ،‬وآلت إلى هذه الغايعة فصعارت عنعد الكثعر عبادة الرهبان هعي أفضعل‬
‫العمال ‪ ،‬ويسمونها ولية ‪ ،‬وعبادة الحبار هي العلم والفقه ‪ .‬ثم تغيرت الحال إلى أن عبد من‬
‫ليس من الصالحين ‪ ،‬وعبد بالمعنى الثاني من هو من الجاهلين ‪.‬‬
‫وأما طاعة المراء ومتابعتهم فيما يخالف ما شرعه ال ورسوله فقد عمت بها البلوى قديما‬
‫وحديثا في أكثر الولة بعد الخلفاء الراشدين وهلم جرا ‪ .‬وقد قال تعالى ‪ " ' 50 : 28 ' :‬فإن لم‬
‫يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال إن ال ل‬
‫يهدي القوم الظالمين " ‪.‬‬
‫و عن زياد بن حد ير قال ‪ :‬قال لي ع مر ر ضي ال ع نه ‪ " :‬هل تعرف ما يهدم ال سلم ؟‬
‫قلت ‪ :‬ل ‪ ،‬قال ‪ :‬يهدمعه زلة العالم ‪ ،‬وجدال المنافعق بالقرآن ‪ ،‬وحكعم الئمعة المضليعن " رواه‬
‫الدارمى ‪.‬‬
‫جعلنا ال وإياكم من الذين يهدون بالحق وبه يعدلون ‪.‬‬

‫باب " ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا " إلخ‬
‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 60 : 4 ' :‬ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما أنزل‬
‫من قبلك " اليات ‪.‬‬
‫قال العماد ابن كثير رحمه ال تعالى ‪ :‬والية ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة وتحاكم إلى‬
‫ما سواهما من الباطل ‪ ،‬وهو المراد بالطاغوت ههنا ‪.‬‬
‫وتقدم ما ذكره ابن القيم رحمه ال في حده للطاغوت ‪ ،‬وأنه كل ما تجاوز به العبد حده من‬
‫معبود أو متبوع أو مطاع ‪ ،‬فكل من حاكم إلى غير كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم‬
‫فقد حاكم إلى الطاغوت الذي أمر ال تعالى عباده المؤمنين أن يكفروا به ‪ ،‬فإن التحاكم ليس إل‬
‫إلى كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ومن كان يحكم بهما ‪ ،‬فمن تحاكم إلى غيرهما‬
‫فقعد تجاوز بعه حده ‪ ،‬وخرج عمعا شرععه ال ورسعوله صعلى ال عليعه وسعلم وأنزله منزلة ل‬
‫يستحقها ‪ .‬وكذلك من عبد شيئا دون ال فإنما عبد الطاغوت ‪ ،‬فإن كان المعبود صالحا صارت‬
‫عبادة العابد له راجعة إلى الشيطان الذي أمره بها ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ 28 : 10 ' :‬ع ‪ " ' 30‬يوم‬
‫نحشر هم جمي عا ثم نقول للذ ين أشركوا مكان كم أن تم وشركاؤ كم فزيل نا بين هم وقال شركاؤ هم ما‬
‫كنتم إيانا تعبدون * فكفى بال شهيدا بيننا وبينكم إن كنا عن عبادتكم لغافلين * هنالك تبلو كل‬
‫نفس ما أسلفت وردوا إلى ال مولهم الحق وضل عنهم ما كانوا يفترون " وكقوله ‪40 : 34 ' :‬‬
‫ع ‪ " ' 41‬ويوم يحشرهم جميعا ثم يقول للملئكة أهؤلء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك‬
‫أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن أكثرهم بهم مؤمنون " وإن كان ممن يدعو إلى عبادة‬
‫نفسعه أو كان شجرا أو حجرا أو قعبرا وغيعر ذلك ممعا يتخذه المشركون أصعناما على صعور‬
‫الصعالحين والملئكعة وغيعر ذلك ‪ ،‬فهعي معن الطاغوت الذي أمعر ال تعالى عباده أن يكفروا‬
‫بعباد ته ‪ ،‬وي تبرأوا م نه ‪ ،‬و من عبادة كل معبود سوى ال كائنا من كان ‪ ،‬وهذا كله من ع مل‬
‫الشيطان وتسويله ‪ ،‬فهو الذي دعا إلى كل باطل وزينة لمن فعل ‪ ،‬وهذا ينافي التوحيد الذي هو‬
‫مع نى شهادة أن ل إله إل ال ‪ .‬فالتوح يد‪ :‬هو الك فر ب كل طاغوت عبده العابدون من دون ال ‪،‬‬
‫كما قال تعالى ‪ " ' 4 : 60 ' :‬قد كانت لكم أسوة حسنة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم‬
‫إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون ال كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى‬
‫تؤمنوا بال وحده " وكل من عبد غير ال فقد جاوز به حده وأعطاه من العبادة ما ل يستحقه ‪.‬‬
‫قال المام مالك رحمه ال الطاغوت ما عبد من دون ال ‪.‬‬
‫وكذلك من د عا إلى تحك يم غ ير ال ور سوله ف قد ترك ما جاء به الر سول صلى ال عل يه‬
‫وسلم ور غب عنه ‪ ،‬وجعل ل شريكا في الطاعة وخالف ما جاء به رسول ال صلى ال عليه‬
‫وسعلم فيمعا أمره ال تعالى بعه فعي قوله ‪ " :‬وأن احكعم بينهعم بمعا أنزل ال ول تتبعع أهواءهعم‬
‫واحذر هم أن يفتنوك عن ب عض ما أنزل ال إل يك " وقوله تعالى ‪ " ' 65 : 4 ' :‬فل ور بك ل‬
‫يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم ل يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما‬
‫" فمن خالف ما أمر ال به ورسوله صلى ال عليه وسلم بأن حكم بين الناس بغير ما أنزل ال ‪،‬‬
‫أو طلب ذلك أتباعا ل ما يهواه ويريده ف قد خلع رب قة ال سلم واليمان في عن قه ‪ .‬وإن ز عم أ نه‬
‫مؤمن ‪ ،‬فإن ال تعالى أنكر على من أراد ذلك ‪ ،‬وأكذبهم في زعمهم اليمان لما في ضمن قوله‬
‫‪ " :‬يزعمون " من نفى إيمانهم ‪ ،‬فإن " يزعمون " إنما يقال غالبا لمن ادعى دعوى هو فيها‬
‫كاذب لمخالفتعه لموجبهعا وعمله بمعا ينافيهعا‪ ،‬يحقعق هذا قوله‪ " :‬وقعد أمروا أن يكفروا بعه " لن‬
‫الك فر بالطاغوت ر كن التوح يد ‪ ،‬ك ما في آ ية البقرة فإن لم يح صل هذا الر كن لم ي كن موحدا‬
‫والتوحيد هو أ ساس اليمان الذي تصلح به جم يع العمال وتفسد بعد مه ‪ .‬ك ما أن ذلك بين في‬
‫قوله تعالى ‪ " ' 256 : 2 ' :‬ف من يك فر بالطاغوت ويؤ من بال ف قد ا ستمسك بالعروة الوث قى "‬
‫الية ‪ .‬وذلك أن التحاكم إلى الطاغوت إيمان به ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬ويريد الشيطان أن يضلهم ضللً بعيدا " يبين تعالى في هذه الية أن التحاكم إلى‬
‫الطاغوت مما يأمر به الشيطان ويزينه لمن أطاعه ‪ :‬ويبين أن ذلك مما أضل به الشيطان من‬
‫أضله ‪ ،‬وأكده بالمصعدر ‪ ،‬ووصعفه بالبععد ‪ .‬فدل على أن ذلك معن أعظعم الضلل وأبعده ععن‬
‫الهدى ‪.‬‬

‫ففعي هذه اليعة أربععة أمور ‪ .‬الول ‪ :‬أنعه إرادة الشيطان ‪ :‬الثانعي ‪ :‬إنعه ضلل ‪ .‬الثالث ‪:‬‬
‫تأكيده بالمصدر ‪ .‬الرابع ‪ :‬وصفه بالبعد عن سبيل الحق والهدى ‪.‬‬
‫ف سبحان ال ما أع ظم هذا القرآن و ما أبل غه ‪ ،‬و ما أدله على أ نه كلم رب العالم ين ‪ ،‬أوحاه‬
‫إلى رسوله الكريم ‪ ،‬وبلغه عبده الصادق المين ‪ .‬صلوات ال وسلمه عليه ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬وإذا ق يل ل هم تعالوا إلى ما أنزل ال وإلى الر سول رأ يت المنافق ين ي صدون ع نك‬
‫صدودا " بين تعالى أن هذه صفة المنافقين ‪ ،‬وأن من فعل ذلك أو طل به ‪ ،‬وإن زعم أنه مؤمن‬
‫فإنه في غاية البعد عن اليمان ‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال تعالى ‪ :‬هذا دليل على أن من دعى إلى تحكيم الكتاب والسنة‬
‫فأبى أنه من المنافقين ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬ويصدون " لزم وهو بمعنى يعرضون ‪ ،‬لن مصدره صدودا فما أكثر من اتصف‬
‫بهذا الوصف ‪ ،‬خصوصا ممن يدعى العلم ‪ ،‬فإنهم صدوا عما توجبه الدلة من كتاب ال وسنة‬
‫ر سوله صلى ال عل يه و سلم إلى أقوال من يخطىء كثيرا م من ينت سب إلى الئ مة الرب عة في‬
‫تقليدهعم معن ل يجوز تقليده ‪ ،‬واعتمادهعم على قول معن ل يجوز العتماد على قوله ‪ ،‬ويجعلون‬
‫قوله المخالف لنص الكتاب والسنة وقواعد الشريعة هو المعتمد عندهم الذي ل تصح الفتوى إل‬
‫به ‪ .‬فصار المتبع للرسول صلى ال عليه وسلم بين أولئك غريبا ‪ ،‬كما تقدم التنبيه على هذا في‬
‫الباب الذي قبل هذا ‪.‬‬
‫فتدبر هذه اليات ومعا بعدهعا يتعبين لك معا وقعع فيعه غالب الناس معن العراض ععن الحعق‬
‫وترك العمل به في أكثر الوقائع ‪ .‬وال المستعان ‪.‬‬

‫" وإذا قيل لهم ل تفسدوا في الرض " إلخ‬


‫قوله ‪ " ' 11 : 2 ' :‬وإذا قيل لهم ل تفسدوا في الرض قالوا إنما نحن مصلحون " قال أبو‬
‫العالية في الية ‪ :‬يعني ل تعصوا في الرض ‪ .‬لن من عصى ال في الرض أو أمر بمعصية‬
‫ال فقد أفسد في الرض ‪ ،‬لن صلح الرض والسماء إنما هو بطاعة ال ورسوله ‪ .‬وقد أخبر‬
‫تعالى عن إخوة يوسف عليه السلم في قوله تعالى ‪ 70 : 12 ' :‬ع ‪ " ' 72‬ثم أذن مؤذن أيتها‬
‫الع ير إن كم ل سارقون" ع إلى قوله ع "قالوا تال ل قد علم تم ما جئ نا لنف سد في الرض و ما ك نا‬
‫سارقين " فدلت الية على أن كل معصية فساد في الرض ‪.‬‬
‫ومنا سبة الية للترج مة ‪ :‬أن التحاكم إلى غ ير ال ور سوله من أعمال المنافقين وهو الفساد‬
‫في الرض ‪.‬‬
‫وفي الية ‪ :‬التنبيه على عدم الغترار بأقوال أهل الهواء وإن زخرفوها بالدعوى ‪.‬‬
‫وفي ها التحذ ير من الغترار بالرأي ما لم ي قم على صحة دل يل من كتاب ال و سنة ر سوله‬
‫صلى ال عليه وسلم فما أكثر من يصدق بالكذب ويكذب بالصدق إذا جاءه ‪ ،‬وهذا من الفساد في‬
‫الرض ويتر تب عل يه من الف ساد أمور كثيرة ‪ ،‬تخرج صاحبها عن ال حق وتدخله في البا طل ‪.‬‬
‫نسأل ال العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والخرة ‪.‬‬
‫فتدبر ت جد ذلك في حال الك ثر إل من ع صمه ال و من عل يه بقوة دا عي اليمان ‪ ،‬وأعطاه‬
‫عقلً كاملً ع ند ورود الشهوات ‪ ،‬وب صرا نافذا عند ورود الشبهات ‪ ،‬وذلك فضل ال يؤتيه من‬
‫يشاء وال ذو الفضل العظيم ‪.‬‬
‫قوله ‪ " ' 56 : 7 ' :‬ول تفسدوا في الرض بعد إصلحها " قال أبو بكر بن عياش في الية‬
‫‪ :‬إن ال بعث محمدا صلى ال عليه وسلم إلى أهل الرض وهم فساد ‪ ،‬فأصلحهم ال بمحمد‬
‫صعلى ال عليعه وسعلم فمعن دععا إلى خلف معا جاء بعه محمعد صعلى ال عليعه وسعلم فهعو معن‬
‫المفسدين في الرض ‪.‬‬
‫وقال ابن القيم رحمه ال ‪ :‬قال أكثر المفسرين ‪ :‬ل تفسدوا فيها بالمعاصي والدعاء إلى غير‬
‫طاعة ال بعد إصلح ال لها ببعث الرسل ‪ ،‬وبيان الشريعة والدعاء إلى طاعة ال ‪ ،‬فإن عبادة‬
‫غيعر ال والدعوة إلى غيره والشرك بعه هعو أعظعم فسعاد فعي الرض ‪ ،‬بعل فسعاد الرض فعي‬
‫الحقيقة إنما هو بالشرك به ومخالفة أمره ‪ ،‬فالشرك والدعوة إلى غير ال وإقامة معبود غيره ‪،‬‬
‫ومطاع مت بع غير ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬هو أع ظم فساد في الرض ‪ ،‬ول صلح‬
‫لهعا ول لهلهعا إل أن يكون ال وحده هعو المطاع ‪ ،‬والدعوة له ل لغيره ‪ ،‬والطاععة والتباع‬
‫لرسوله ليس إل ‪ ،‬وغيره إنما تجب طاعته إذا أمر بطاعة الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فإذا‬
‫أمر بمعصية وخلف شريعته فل سمع ول طاعة ‪ .‬ومن تدبر أحوال العالم وجد كل صلح في‬
‫الرض فسببه توحيد ال وعبادته وطاعة رسوله‪ ،‬وكل شر في العالم وفتنة وبلء وقحط وتسليط‬
‫عدو وغير ذلك فسببه مخالفة رسوله والدعوة إلى غير ال ورسوله‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وو جه مطاب قة هذه ال ية للترج مة ‪ :‬أن التحا كم إلى غ ير ال ور سوله من أع ظم ما يف سد‬
‫الرض من المعاصي ‪ ،‬فل صلح لها إل بتحكيم كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وهو سبيل المؤمنين ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 15 : 4 ' :‬ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له‬
‫الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " ‪.‬‬
‫قوله ‪ ( :‬وقول ال تعالى ‪ " ' 50 : 5 ' :‬أفح كم الجاهل ية يبغون و من أح سن من ال حكما‬
‫لقوم يوقنون " ‪.‬‬
‫قال ابن كث ير رحمه ال ‪ :‬ين كر تعالى على من خرج عن ح كم ال تعالى المشتمل على كل‬
‫خير ‪ ،‬الناهي عن كل شر وعدل إلى ما سواه من الراء والهواء والصطلحات التي وضعها‬
‫الرجال بل مستند من شريعة ال ‪ ،‬كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الجهالت والضللت‬
‫كما يحكم به التتار من السياسات المأخوذة عن جنكيز خان الذي وضع لهم الياسق وهو عبارة‬
‫عن كتاب أحكام قد اقتب سها من شرائع ش تى من اليهود ية والن صرانية والملة ال سلمية وفي ها‬
‫كث ير من الحكام أخذ ها عن مجرد نظرة وهواه‪ .‬ف صارت في بن يه شرعا يقدمون ها على الح كم‬
‫بالكتاب وال سنة ‪ ،‬ف من ف عل ذلك ف هو كا فر ي جب قتاله ح تى ير جع إلى ح كم ال ور سوله ‪ ،‬فل‬
‫يحكم بسواه في قليل ول كثير ‪.‬‬
‫قوله ‪ " :‬ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون " استفهام إنكار أي ل حكم أحسن من حكمه‬
‫تعالى ‪ .‬وهذا من باب استعمال أفعل التفضيل فيما ليس له في الطرف الخر مشارك ‪ ،‬أي ومن‬
‫أعدل من ال حكما ل من ع قل عن ال شر عه وآ من وأي قن أ نه تعالى أح كم الحاكم ين ‪ ،‬وأر حم‬
‫بعباده من الوالدة بولد ها ‪ ،‬العل يم بم صالح عباده القادر على كل شئ ‪ ،‬الح كم في أقواله وأفعاله‬
‫وشره وقدره ؟ ‪.‬‬
‫وفي الية ‪ ،‬التحذير من حكم الجاهلية وإختياره على حكم ال ورسوله ‪ ،‬فمن فعل ذلك فقد‬
‫أعرض عن الحسن ‪ ،‬وهو الحق ‪ ،‬إلى ضده من الباطل ‪.‬‬

‫ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به‬


‫قوله ‪ :‬عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما ‪ :‬أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬‬
‫ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " قال النووي ‪ :‬حديث صحيح رويناه في كتاب‬
‫الحجة بإسناد صحيح ‪.‬‬
‫هذا الحد يث رواه الش يخ أ بو الف تح ن ضر بن إبراه يم المقد سي الشاف عي في كتاب ‪ :‬الح جة‬
‫على تارك الح جة بإ سناد صحيح ك ما قاله الم صنف رح مه ال عن النووي ‪ .‬ورواه ال طبراني‬
‫وأبو بكر بن عاصم‪ ،‬والحافظ أبو نعيم في الربعين التي شرط لها أن تكون في صحيح الخبار‬
‫‪ ،‬وشاهده في القرآن قوله تعالى ‪ " ' 65 : 4 ' :‬فل وربك ل يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر‬
‫بينهم " الية ‪ .‬وقوله ‪ " ' 36 : 33 ' :‬وما كان لمؤمن ول مؤمنة إذا قضى ال ورسوله أمرا أن‬
‫يكون ل هم الخيرة من أمر هم " وقوله ‪ " ' 50 : 28 ' :‬فإن لم ي ستجيبوا لك فاعلم أن ما يتبعون‬
‫أهواءهم " ونحو هذه اليات ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل يؤمن أحدكم أي ل يكون من أهل كمال اليمان الواجب الذي وعد ال أهله عليه‬
‫بدخول الجنة والنجاة من النار ‪ .‬وقد يكون في درجة أهل الساءة والمعاصي من أهل السلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬حتعى يكون هواه تبعا لمعا جئت بعه ‪ .‬الهوى بالقصعر ‪ ،‬أي معا يهواه وتحبعه نفسعه‬
‫وتميل إليه ‪ ،‬فإن كان الذي تحبه وتميل إليه نفسه ويعمل به تابعا لما جاء به رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ل يخرج عنه إلى ما يخالفه ‪ .‬فهذه صفة أهل اليمان المطلق ‪ ،‬وإن كان بخلف‬
‫ذلك أو في بعض أحواله أو أكثرها انتفى عنه من اليمان كماله الواجب ‪ ،‬كما في حديث أبي‬
‫هريرة ‪ " :‬ل يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ‪ ،‬ول يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن "‬
‫يع ني أ نه بالمع صية ينت في ع نه كمال اليمان الوا جب وينزل ع نه في در جة ال سلم وين قص‬
‫إيمانه ‪ ،‬فل يطلق عليه اليمان إل بقيد المعصية ‪ ،‬أو الفسوق ‪ ،‬فيقال ‪ :‬مؤمن عاص ‪ ،‬أو يقال‬
‫‪ :‬مؤمن بإيمانه فاسق بمعصيته ‪ ،‬فيكون معه مطلق اليمان الذي ل يصح إسلمه إل به ‪ .‬كما‬
‫قال تعالى ‪ " ' 92 : 5 ' :‬فتحرير رقبة مؤمنة " والدلة على ما عليه سلف المة وأئمتها ‪ :‬أن‬
‫اليمان قول وع مل ون ية يز يد بالطا عة وين قص بالمع صية ‪ :‬من كتاب ال تعالى و سنة ر سوله‬
‫صلى ال عليه وسلم أكثر من أن تحصى ‪ ،‬فمن ذلك قوله تعالى ‪ " ' 143 : 2 ' :‬وما كان ال‬
‫ليض يع إيمان كم " أي صلتكم إلى ب يت المقدس ق بل تحو يل القبلة ‪ ،‬وقول ال نبي صلى ال عل يه‬
‫وسلم لوفد عبد القيس ‪ " :‬آمركم باليمان بال وحده ‪ ،‬أتدرون ما اليمان بال وحده ؟ شهادة أن‬
‫ل إله إل ال " الحديث ‪ ،‬وهو في الصحيحين والسنن ‪ .‬والدليل على أن اليمان يزيد قوله تعالى‬
‫‪ " ' 124 : 9‬فأما الذين آمنوا‬ ‫‪ " ' 31 : 74 ' :‬ويزداد الذين آمنوا إيمانا " الية ‪ .‬وقوله ‪' :‬‬
‫فزادت هم إيما نا " ال ية ‪ .‬خلفا ل من قال ‪ :‬إن اليمان هو القول ‪ ،‬و هم المرجئة ‪ ،‬و من قال ‪ :‬إن‬
‫اليمان هو التصديق كالشاعرة ‪ .‬ومن المعلوم عقلً وشرعا أن نية الحق تصديق ‪ ،‬والعمل به‬
‫تصديق وقول الحق تصديق وليس مع أهل البدع ما ينافي قول أهل السنة والجماعة ول الحمد‬
‫والم نة ‪ .‬قال ال تعالى ‪ " ' 177 : 2 ' :‬ل يس البر أن تولوا وجوه كم ق بل المشرق والمغرب‬
‫ولكن البر من آ من بال واليوم الخر" ع إلى قوله ع "أولئك الذ ين صدقوا " أي فيما عملوا به‬
‫في هذه ال ية من العمال الظاهرة والباط نة ‪ .‬وشاهده في كلم العرب قول هم ‪ :‬حملة صادقة ‪.‬‬
‫وقد سمي ال تعالى الهوى المخالف لما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم إلها ‪ ،‬فقال تعالى‪:‬‬
‫' ‪ " ' 43 : 25‬أفرأيت من اتخذ إلهه هواه " قال بعض المفسرين ‪ :‬ل يهوى شيئا إل ركبه ‪.‬‬
‫قال ابن رجب رحمه ال ‪ :‬أما معنى الحديث ‪ :‬فهو أن النسان ل يكون مؤمنا كامل اليمان‬
‫الواجب حتى تكون محبته تابعة لما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم من الوامر والنواهي‬
‫وغير ها ‪ .‬في جب ما أ مر به ويكره ما ن هى ع نه ‪ ،‬و قد ورد القرآن م ثل هذا المع نى في غ ير‬
‫موضع ‪ ،‬وذم سبحانه من كره ما أحبه ال أو أحب ما كرهه ال كما قال تعالى ‪" ' 28 : 47 ' :‬‬
‫ذلك بأن هم اتبعوا ما أ سخط ال وكرهوا رضوا نه فأح بط أعمال هم " فالوا جب على كل مؤ من أن‬
‫يحب ما أحبه ال محبة توجب له التيان بما أوجب عليه منه ‪ ،‬فإن زادت المحبة حتى أتى بما‬
‫ندب إل يه منه كان ذلك فضلً ‪ ،‬وأن يكره ما يكرهه ال كراهة تو جب له الكف ع ما حرم عليه‬
‫منه ‪ ،‬فإن زادت الكراهة حتى أوجبت الكف عما كراهه تنزيها كان ذلك فضلً ‪ .‬فمن أحب ال‬
‫ور سوله مح بة صادقة من قل به أو جب ذلك له أن ي حب بقل به ما ي حب ال ور سوله ويكره ما‬
‫يكرهه ال ورسوله ‪ ،‬فيرضي ما يرضي ال ورسوله ‪ ،‬ويسخط ما يسخط ال ورسوله ‪ ،‬ويعمل‬
‫بجوارحعه بمقتضعى هذا الحعب والبغعض ‪ ،‬فإن عمعل بجوارحعه شيئا يخالف ذلك ‪ ،‬بأن ارتكعب‬
‫ب عض ما يكر هه ال ور سوله وترك ما يح به ال ور سوله مع وجو به والقدرة عل يه ‪ ،‬دل ذلك‬
‫على نقص محبته الواجبة ‪ ،‬فعليه أن يتوب من ذلك ويرجع إلى تكميل المحبة الواجبة التي هي‬
‫ركن العبادة إذا كملت فجميع المعاصي تنشأ عن تقديم هوى النفس على محبة ال ورسوله ‪ .‬وقد‬
‫وصف ال المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه ‪ ،‬فقال تعالى ‪ " ' 50 : 28 ' :‬فإن لم‬
‫يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواء هم ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من ال " وكذلك‬
‫البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ‪ .‬ولهذا سمي أهلها أهل الهواء ‪ ،‬وكذلك المعاصي‬
‫إنما تنشأ من تقديم الهوى على محبة ال ومحبة ما يحبه ‪ ،‬وكذلك حب الشخاص ‪ :‬الواجب فيه‬
‫أن يكون تبعا لما جاء به الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فيجب على المؤمن محبة ما يحبه ال‬
‫من الملئكة والرسل والنبياء والصديقين والشهداء والصالحين عموما ‪ ،‬ولهذا كان من علمات‬
‫وجود حلوة اليمان ‪ :‬أن يحعب المرء ل يحبعه إل ل فتحرم موالة أعداء ال ومعن يكرهعه ال‬
‫عموما ‪ ،‬وبهذا يكون الدين كله ل ‪ .‬ومن أحب ل وأبغض ل ‪ ،‬وأعطى ل ومنع ل فقد استكمل‬
‫اليمان ‪ ،‬ومن كان حبه وبغضه وعطاؤه ومنعه لهوى نفسه كان ذلك نقصا في إيمانه الواجب ‪.‬‬
‫فتجب التوبة من ذلك ‪ :‬انتهى ملخصا ‪.‬‬
‫ومناسبة الحديث للترجمة ‪ :‬بيان الفرق بين أهل اليمان وأهل النفاق والمعاصي في أقوالهم‬
‫وأفعالهم وإرادتهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال الشععبي هعو عامعر بعن شراحيعل الكوفعي ‪ ،‬عالم أهعل زمانعه ‪ ،‬وكان حافظا‬
‫عل مة ذا فنون ‪ .‬كان يقول ‪ :‬ما كت بت سوداء في بيضاء ‪ ،‬وأدرك خلقا كثيرا من ال صحابة‬
‫وعاش بضعا وثمانين سنة ‪ .‬قال الذهبي ‪.‬‬
‫وفيمعا قاله الشععبي معا يعبين أن المنافعق يكون أشعد كراهعة لحكعم ال ورسعوله معن اليهود‬
‫والنصارى ‪ .‬ويكون أشد عداوة منهم لهل اليمان ‪ .‬كما هو الواقع في هذه الزمنة وقبلها من‬
‫إعا نة العدو على الم سلمين ‪ .‬وحر صهم على إطفاء نور ال سلم واليمان ‪ :‬و من تدبر ما في‬
‫التاريخ وما وقع منهم من الوقائع عرف أن هذا حال المنافقين قديما وحديثا ‪ ،‬وقد حذر ال نبيه‬
‫صلى ال عليه وسلم من طاعتهم والقرب منهم ‪ ،‬وحضه على جهادهم في مواضع من كتابه ‪،‬‬
‫قال تعالى ‪ " ' 9 : 66 ' :‬يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم " الية ‪ .‬وفي قصة‬
‫عمر رضي ال عنه وقتله المنافق الذي طلب التحاكم إلى كعب بن الشرف اليهودي دليل على‬
‫ق تل من أظ هر الك فر والنفاق ‪ ،‬وكان ك عب بن الشرف هذا شد يد العداوة لل نبي صلى ال عل يه‬
‫وسلم والذى له والظهار لعداوته فانتقض به عهده ‪ .‬وحل به قتله ‪ .‬وروى مسلم في صحيحه‬
‫ععن عمعر ‪ :‬سعمعت جابرا يقول ‪ : :‬قال رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم ‪ " :‬معن لكععب ابعن‬
‫الشرف ؟ فإنه قد آذى ال ورسوله ‪ ،‬قال محمد بن سلمة ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬أتحب أن أقتله ؟ قال‬
‫‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ :‬ائذن لي فلقل ‪ ،‬قال ‪ :‬قل ‪ ،‬فأتاه فقال له ‪ ،‬وذكر ما بينهما وقال ‪ :‬إن هذا الرجل‬
‫قد أراد صدقة و قد عنا نا ‪ .‬ف ما سمعه قال ‪ :‬وأ نا أيضا وال لتمل نه ‪ ،‬قال ‪ :‬إ نا قد اتبعناه الن ‪،‬‬
‫ونكره أن ند عه ح تى ننظر إلى أي شئ يصير أمره‪ ،‬قال ‪ :‬و قد أردت أن ت سلفني سلفا ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فمعا ترهننعي ؟ قال ‪ :‬معا تريعد ‪ .‬قال ‪ :‬ترهننعي نسعائكم ؟ قالت ‪ :‬أنعت أجمعل العرب ‪ ،‬أنرهنعك‬
‫ن سائنا ؟ قال ‪ :‬ترهنو ني أولد كم ؟ قال ‪ :‬ي سب ا بن أحد نا فيقال ‪ :‬ر هن في و سقين من ت مر ‪.‬‬
‫ولكن نرهنك اللمة ع يعني السلح ع قال ‪ :‬فنعم ‪ :‬وواعده أن يأتيه بالحارث وأبي عبس بن‬
‫جبر وعباد بن بشر ‪ .‬قال ‪ :‬فجاءوا فدعوه ليلً فنزل إليهم ع قال سفيان قال غير عمرو ‪ :‬قالت‬
‫له أمرأ ته ‪ :‬إني أسمع صوتا كأ نه صوت دم ‪ ،‬قال ‪ :‬إن ما هذا محمد بن مسلمة ورضيعه وأبو‬
‫نائلة إن الكريعم لو دععى إلى طعنعة ليلً لجاب ‪ ،‬قال محمعد إنعي إذا جاء فسعوف أمعد يدي إلى‬
‫رأسه ‪ ،‬فإذا استمكنت منه فدونكم قال ‪ :‬فلما نزل وهو متوشح ‪ .‬فقالوا ‪ :‬نجد منك ريح الطيب ‪،‬‬
‫قال ‪ :‬ن عم ‪ ،‬تح تى فل نة أع طر ن ساء العرب ‪ ،‬قال ‪ :‬فتأذن لي أن أش تم م نه ؟ قال ‪ :‬ن عم ف شم ‪،‬‬
‫فتناول فشم ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬أتأذن لي أن أعود ؟ قال ‪ :‬فاستمكن من رأسه ‪ .‬ثم قال ‪ :‬دونكم ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فقتلوه " ‪.‬‬
‫وفعي قصعة عمعر ‪ :‬بيان أن المنافعق المغموض بالنفاق إذا أظهعر نفاقعه قتعل ‪ ،‬كمعا فعي‬
‫الصحيحين وغيرهما ‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم إنما ترك قتل من أظهر نفاقه منهم تأليفا‬
‫للناس ‪ ،‬فإنه قال ‪ " :‬ل يتحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه " فصلوات ال وسلمه عليه ‪.‬‬
‫باب من جحد شيئا من السماء والصفات‬
‫باب‬
‫من جحد شيئا من السماء والصفات‬
‫وقول ال تعالى ‪ " ' 30 : 13 ' :‬و هم يكفرون بالرح من قل هو ر بي ل إله إل هو عل يه‬
‫توكلت وإليه متاب " ‪.‬‬
‫سبب نزول هذه ال ية معلوم مذكور في ك تب التف سير وغير ها ‪ .‬و هو أن مشر كي قر يش‬
‫جحدوا اسم الرحمن عنادا ‪ ،‬وقال تعالى‪ " ' 110 : 17 ' :‬قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن أيا ما‬
‫تدعوا فله ال سماء الح سنى " و الرح من ا سم و صفته ‪ ،‬دل هذا ال سم على أن الرح مة و صفه‬
‫سبحانه ‪ ،‬و هي من صفات الكمال ‪ ،‬فإن كان المشركون جحدوا إ سما من أ سمائه تعالى ‪ ،‬و هو‬
‫من ال سماء ال تي دلت على كماله سبحانه وبحمده فجمود مع نى هذا ال سم ونحوه من ال سماء‬
‫يكون كذلك ‪ ،‬فإن جهم بن صفوان ومن تبعه يزعمون أنها ل تدل على صفة قائمة بال تعالى ‪.‬‬
‫وتبعهم على ذلك طوائف من المعتزلة والشاعرة وغيرهم ‪ .‬فلهذا كفرهم كثيرون من أهل السنة‬
‫‪ .‬قال العلمة ابن القيم رحمه ال تعالى ‪:‬‬
‫عشر من العلماء في البلدان‬ ‫ولقد تقلد كفرهم خمسون في‬
‫هم بل حكاه قبله الطبراني‬ ‫الكائي المام حكاه عنعع‬
‫فإن هؤلء الجهمية ومن وافقهم على التعطيل جحدوا ما وصف به نفسه ووصفه به رسوله‬
‫من صفات كماله ونعوت جلله ‪ ،‬وبنوا هذا التعطيل على أصل باطل أصلوه من عند أنفسهم ‪،‬‬
‫فقالوا ‪ :‬هذه هعي صعفات الجسعام ‪ .‬فيلزم معن إثباتهعا أن يكون ال جسعما ‪ ،‬هذا منشعأ ضلل‬
‫عقول هم ‪ ،‬لم يفهموا من صفات ال إل ما فهموه من خ صائص صفات المخلوق ين ‪ ،‬فشبهوا ال‬
‫في إبتداء آرائ هم الفا سدة بخل قه ثم عطلوه من صفات كماله ‪ ،‬وشبهوه بالناق صات والجمادات‬
‫ل وعطلوا ثانيا ‪ .‬وشبهوه ثالثا بكعل ناقعص ومعدوم ‪ ،‬فتركوا معا دل‬
‫والمعدومات ‪ ،‬فشبهوا أو ً‬
‫عل يه الكتاب وال سنة من إثبات ما و صف ال به نف سه وو صفه به ر سوله على ما يل يق بجلله‬
‫وعظم ته ‪ .‬وهذا هو الذي عل يه سلف ال مة وأئمت ها ‪ ،‬فإن هم أثبتوا ل ما أثب ته لنف سه وأثب ته له‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم إثباتا بل تمثيل ‪ ،‬وتنزيها بل تعطيل ‪ ،‬فإن الكلم في الصفات فرع‬
‫عن الكلم في الذات يحتذى حذوه فكما أن هؤلء المعطلة يثبتون ل ذاتا ل تشبه لذوات ‪ ،‬فأهل‬
‫السنة يقولون ذلك ويثبتون ما وصف ال به نفسه ووصفه به رسوله من صفات كماله ونعوت‬
‫جلله ل تش به صفاته صفات خل قه ‪ ،‬فإن هم آمنوا بكتاب ال و سنة ر سوله صلى ال عل يه و سلم‬
‫ولم يتناقضوا ‪ ،‬وأولئك المعطلة كفروا ب ما في الكتاب وال سنة من ذلك ‪ ،‬وتناقضوا ‪ .‬فب طل قول‬
‫المعطلين بالعقل والنقل ول الحمد والمنة ‪ ،‬وإجماع أهل السنن من الصحابة والتابعين وتابعيهم‬
‫وأئمة المسلمين ‪.‬‬
‫و قد صنف العلماء رحم هم ال تعالى في الرد على الجهم ية والمعطلة والمعتزلة والشاعرة‬
‫وغير هم في إبطال هذه البدع و ما في ها من التنا قض والتها فت ‪ :‬كالمام أح مد رح مه ال تعالى‬
‫في رده المشهور ‪ ،‬وكتاب ال سنة لب نه ع بد ال ‪ ،‬و صاحب الحيدة ع بد العز يز الكتا ني في رده‬
‫على ب شر المري سي ‪ ،‬وكتاب ال سنة ل بي عبد ال المروزي ‪ ،‬ورد عثمان بن سعيد على الكا فر‬
‫العن يد ‪ .‬و هو ب شر المري سي ‪ ،‬وكتاب التوح يد لمام الئ مة مح مد بن خزي مة الشاف عي ‪ ،‬وكتاب‬
‫ال سنة ل بي ب كر الخلل ‪ ،‬وأ بي عثمان ال صابوني الشاف عي ‪ ،‬وش يخ ال سلم الن صاري ‪ ،‬وأ بي‬
‫ع مر بن ع بد البر النمري ‪ ،‬وخلق كث ير من أصحاب الئ مة الربعة وأتباعهم ‪ ،‬وأ هل الحديث‬
‫و من متأخري هم أ بو مح مد ع بد ال بن أح مد بن قدا مة ‪ ،‬وش يخ ال سلم ا بن تيم ية وأ صحابه‬
‫وغيرهم رحمهم ال تعالى ‪ .‬فلله الحمد والمنة على بقاء السنة وأهلها مع تفرق الهواء وتشعب‬
‫الراء ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفي صحيح البخاري عن علي رضي ال عنه ‪ :‬حدثوا الناس بما يعرفون أتريدون‬
‫أن يكذب ال ورسوله ‪.‬‬
‫على هو أمير المؤمنين أبو الحسن علي بن أبي طالب ‪ ،‬وأحد الخلفاء الراشدين ‪ .‬وسبب‬
‫هذا القول عع وال أعلم عع معا حدث فعي خلفتعه معن كثرة إقبال الناس على الحديعث ‪ ،‬وكثرة‬
‫القصعاص وأهعل الوععظ ‪ .‬فيأتون فعي قصعصهم بأحاديعث ل تعرف معن هذا القبيعل ‪ ،‬فربمعا‬
‫ا ستنكرها ب عض الناس ورد ها و قد يكون لبعض ها أصل أو معنى صحيح ‪ ،‬في قع ب عض المفا سد‬
‫لذلك ‪ ،‬فأرشدهعم أميعر المؤمنيعن رضعي ال عنعه إلى أنهعم ل يحدثون عامعة الناس إل بمعا هعو‬
‫معروف ينفع الناس في أصل دينهم وأحكامه ‪ ،‬من بيان الحلل من الحرام الذي كلفوا به علما‬
‫وعملً ‪ ،‬دون ما يشغل عن ذلك مما قد يؤدي إلى رد الحق وعدم قبوله فيفضي بهم إلى التكذيب‬
‫‪ ،‬ول سيما مع اختلف الناس في وقته ‪ ،‬وكثرة خوضهم وجدلهم ‪.‬‬
‫وقد كان شيخنا المصنف رحمه ال ل يحب أن يقرأ على الناس إل ما ينفعهم في أصل دينهم‬
‫وعبادات هم ومعاملت هم الذي ل غ نى ل هم عن معرف ته ‪ ،‬وينها هم عن القراءة في م ثل ك تب ا بن‬
‫الجوزي ‪ :‬كالمنععش ‪ ،‬والمرععش ‪ ،‬والتبصعرة لمعا فعي ذلك معن العراض عمعا هعو أوجعب‬
‫وأنفع ‪ ،‬وفيها ما ال به وأعلم مما ل ينبغي اعتقاده ‪ .‬والمعصوم من عصمه ال ‪.‬‬
‫و قد كان أم ير المؤمن ين معاو ية بن أ بي سفيان ين هى الق صاص عن الق صص ‪ ،‬ل ما في‬
‫ق صصهم من الغرائب والت ساهل في الن قل وغ ير ذلك ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ل ي قص إل أم ير أو مأمور‬
‫وكل هذا محافظة على لزوم الثبات على الصراط المستقيم علما وعملً ونية وقصدا ‪ ،‬وترك كل‬
‫ما كان وسيلة إلى الخروج عنه من البدع ووسائلها ‪ ،‬وال الموفق للصواب ‪ ،‬ول حول ول قوة‬
‫إل بال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وروى عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس عن أبيه عن ابن عباس ‪ :‬أنه رأى‬
‫رجلً انتفض لما سمع حديثا عن النبي صلى ال عليه وسلم في الصفات ع استنكارا لذلك ع‬
‫فقال ‪ :‬ما فرق هؤلء ؟ يجدون رقة عند محكمه ‪ ،‬ويهلكون عند متشابهه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وروى عبعد الرزاق هعو ابعن همام الصعنعاني المحدث محدث اليمعن صعاحب‬
‫التصانيف‪ ،‬أكثر الرواية عن معمر بن راشد صاحب الزهري ‪ .‬وهو شيخ عبد الرزاق يروي‬
‫عنه كثيرا ‪.‬‬
‫ومعمر ع بفتح الميمين وسكون العين ع أبو عروة بن أبي عمرو راشد الزدي الحراني ثم‬
‫اليماني ‪ ،‬أحد العلم من أصحاب محمد بن شهاب الزهري يروي عنه كثيرا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن ابن طاوس هو عبد ال بن طاوس اليماني ‪ .‬قال معمر ‪ :‬كان من أعلم الناس‬
‫بالعربية ‪ .‬وقال ابن عيينة ‪ :‬مات سنة اثنتين وثلثين ومائة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن أب يه هو طاوس بن كي سان الجندي بف تح الج يم والنون ع المام العلم ‪ ،‬ق يل‬
‫اسمه ذكوان ‪ ،‬قاله ابن الجوزي ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهو من أئمة التفسير ومن أوعية العلم ‪ ،‬قال في تهذيب الكمال ‪ :‬عن الوليد الموقري‬
‫عن الزهري قال ‪ :‬قد مت على ع بد الملك بن مروان فقال ‪ :‬من أ ين قد مت يا زهري ؟ قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬من م كة ‪ ،‬قال ‪ :‬و من خل فت ي سودها وأهل ها ؟ قلت ‪ :‬عطاء بن أ بي رباح ‪ ،‬قال ‪ :‬ف من‬
‫العرب أم من الموالي ؟ قلت ‪ :‬من الموالي ‪ ،‬قال ‪ :‬فبم سادهم ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬بالديانة والرواية ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬إن الديا نة والرواية لينب غي أن ي سودوا ‪ .‬قال ‪ :‬ف من ي سود أ هل الي من ؟ قلت ‪ :‬طاوس بن‬
‫كيسان ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن العرب أم من الموالي ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬من الموالى ‪ ،‬قال ‪ :‬فبم سادهم ؟ قلت‬
‫‪ :‬بما ساد به عطاء ‪ ،‬قال ‪ :‬إنه لينبغي ذلك ‪ .‬قال ‪ :‬فمن يسود أهل مصر ؟ ؟ قلت يزيد بن‬
‫حبيب ‪ ،‬قال ‪ :‬ف من العرب أم من الموالى ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬من الموالى ‪ ،‬قال ‪ :‬ف من ي سود أ هل‬
‫الشام ؟ قلت ‪ :‬مكحول ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن العرب أم من الموالي ؟ قلت من الموالي ‪ ،‬عبد نوبي أعتقته‬
‫امرأة معن هذيعل ‪ .‬قال ‪ :‬فمعن يسعود أهعل الجزيرة ؟ قلت ‪ :‬ميمون بعن مهروان ‪ ،‬قال ‪ :‬فمعن‬
‫العرب أم من الموالي ‪ ،‬قال ‪ :‬قلت ‪ :‬من الموالي ‪ .‬قال فمن يسود أهل خراسان ؟ قال ‪ :‬قلت ‪:‬‬
‫الضحاك بن مزاحم ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن العرب أم من الموالي ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬من الموالي ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن‬
‫ي سود أ هل الب صرة ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬الح سن الب صري ‪ ،‬قال ف من العرب أم من الموالي ؟ قلت ‪:‬‬
‫من الموالي ‪ .‬قال ‪ :‬ويلك ‪ ،‬ومن يسود أهل الكوفة ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬إبراهيم النخعي ‪ ،‬قال ‪ :‬فمن‬
‫العرب أم معن الموالي ؟ قال ‪ :‬قلت ‪ :‬معن العرب ‪ .‬قال ‪ :‬ويلك يعا زهري فرجعت عنعي ‪ ،‬وال‬
‫لت سودن الموالي على العرب في هذا البلد ح تى يخ طب ل ها على المنابر والعرب تحت ها ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫قلت ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬إنما هو دين ‪ :‬من حفظه ساد ومن ضيعه سقط ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن ا بن عباس قد تقدم ‪ ،‬وهو حبر ال مة وترجمان القرآن ‪ ،‬ودعا له ال نبي صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ " :‬اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل " وروى عنه أصحابه أئمة التفسير ‪:‬‬
‫كمجاهد ‪ ،‬وسعيد بن جبير ‪ ،‬وعطاء بن أبي رباح ‪ ،‬وطاوس وغيرهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ما فرق هؤلء يستفهم من أصحابه ‪ ،‬يشير إلى أناس ممن يحضر مجلسه من عامة‬
‫الناس ‪ ،‬فإذا سمعوا شيئا من محكم القرآن ومعناه حصل معهم فرق أي خوف ‪ ،‬فإذا سمعوا شيئا‬
‫من أحاديث ال صفات انتفضوا كالمنكرين له ‪ ،‬فلم يحصل من هم اليمان الوا جب الذي أوج به ال‬
‫تعالى على عباده المؤمنين قال الذهبي ‪ :‬حديث وكيع عن إسرائيل بحديث ‪:‬إذا جلس الرب على‬
‫الكر سي فاقش عر ر جل ع ند وك يع ‪ .‬فغ ضب وك يع ‪ .‬وقال ‪ :‬أدرك نا الع مش و سفيان يحدثون‬
‫بهذه الحاد يث ول ينكرون ها أخر جه ع بد ال بن أح مد في كتاب الرد على الجهم ية ‪ .‬ورب ما‬
‫حصل معهم من عدم تلقيه بالقبول ترك ما وجب من اليمان به ‪ ،‬فشبه حالهم حال من قال ال‬
‫فيهم ‪ " ' 85 : 2 ' :‬أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض " فل يسلم من الكفر إل من عمل‬
‫بما وجب عليه في ذلك من اليمان بكتاب ال كله واليقين كما قال تعالى ‪ " ' 7 : 3 ' :‬هو الذي‬
‫أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ‬
‫فيتبعون ما تشا به م نه ابتغاء الفت نة وابتغاء تأويله و ما يعلم تأويله إل ال والرا سخون في العلم‬
‫يقولون آم نا به كل من ع ند رب نا و ما يذ كر إل أولو اللباب " فهؤلء الذ ين ذكر هم ا بن عباس‬
‫رضي ال عنهما تركوا ما وجب عليهم من اليمان بما لم يعرفوا معناه من القرآن ‪ ،‬وهو حق‬
‫ل يرتاب فيه مؤمن ‪ ،‬وبعضهم يفهم منه غير المراد من المعنى الذي أراد ال فيحمله على غير‬
‫معناه ‪ ،‬كمعا جرى لهعل البدع ‪ ،‬كالخوارج والرافضعة والقدريعة ‪ ،‬ونحوهعم ممعن يتأول بععض‬
‫آيات القرآن على بدعته ‪ .‬وقد وقع منهم البتداع والخروج عن الصراط المستقيم ‪ ،‬فإن الواقع‬
‫من أهل البدع وتحريفهم لمعنى اليات يبين معنى قول ابن عباس ‪.‬‬
‫وسبب هذه البدع جهل أهلها وقصورهم في الفهم ‪ ،‬وعدم أخذ العلوم الشرعية على وجهها ‪،‬‬
‫وتلقيهعا معن أهلهعا العارفيعن لمعناهعا الذيعن وفقهعم ال تعالى لمعرفعة المراد ‪ ،‬والتوفيعق بيعن‬
‫النصوص ‪ ،‬والقطع بأن بعضها ل يخالف بعضا ‪ ،‬ورد المتشابه إلى المحكم ‪ .‬وهذه طريقة أهل‬
‫السنة والجماعة في كل زمان ومكان ‪ ،‬فلله الحمد ل نحصي ثناء عليه ‪.‬‬

‫ما ورد عن علماء السلف في المشتابه‬


‫( ذكر ما ورد عن علماء السلف في المتشابه )‬
‫قال في الدر المنثور ‪ :‬أخرج الحا كم ع و صححه ع عن ا بن م سعود عن ال نبي صلى ال‬
‫عل يه و سلم قال ‪ " :‬كان الكتاب الول ينزل من باب وا حد على حرف وا حد ‪ ،‬فنزل القرآن من‬
‫سعبعة أحرف ‪ :‬زجعر ‪ ،‬وأمعر ‪ ،‬وحلل ‪ ،‬وحرام ‪ ،‬ومحكعم ومتشابعه ‪ ،‬وأمثال ‪ .‬فأحلوا حلله ‪،‬‬
‫وحرموا حرامعه ‪ ،‬وافعلوا معا أمرتعم بعه ‪ ،‬وانتهوا عمعا نهيتعم عنعه ‪ ،‬واعتعبروا بأمثاله واعملوا‬
‫بمحكمة ‪ ،‬وآمنوا بمتشابهه ‪ ،‬وقولوا آمنا به كل من عند ربنا " ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأخرج عبد بن حميد عن قتادة في قوله تعالى ‪ " ' 7 : 3 ' :‬فأما الذين في قلوبهم‬
‫زيغ فيتبعون ما تشابه منه " الية ‪ .‬قال ‪ :‬طلب القوم التأويل ‪ ،‬فأخطأوا التأويل وأصابوا الفتنة ‪،‬‬
‫وطلبوا ما تشابه منه فهلكوا بين ذلك ‪.‬‬
‫وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله ‪ " :‬آيات محكمات‬
‫" قال ‪ :‬منهن قوله تعالى ‪ 151 : 6 ' :‬ع ‪ " ' 153‬قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم " إلى‬
‫ثلث آيات ‪ ،‬ومن هن ‪ 23 : 17 ' :‬ع ‪ " ' 39‬وق ضى ر بك أن ل تعبدوا إل إياه " إلى آ خر‬
‫اليات ‪.‬‬
‫وأخرج ابن جرير من طريق أبي مالك عن أبي صالح عن ابن عباس ‪ ،‬وعن مرة عن ابن‬
‫مسععود وناس معن الصعحابة رضعي ال عنهعم ‪ :‬المحكمات الناسعخات التعي يعمعل بهعن ‪،‬‬
‫والمتشابهات المنسوخات ‪.‬‬
‫وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن إسحق بن سويد أن يحيى بن يعمر‬
‫وأبعا فاختعة تراجععا هذه اليعة " هعن أم الكتاب " فقال أوب فاختعة ‪ :‬هعن فواتعح السعور ‪ .‬منهعا‬
‫يستخرج القرآن ‪ " :‬الم * ذلك الكتاب " منها استخرجت البقرة و " الم * ال ل إله إل هو " منها‬
‫اسعتخرجت آل عمران ‪ .‬وقال يحيعى ‪ :‬هعن اللتعي فيهعن الفرائض ‪ ،‬والمعر والنهعي والحال‬
‫والحرام ‪ .‬والحدود وعماد الدين ‪.‬‬
‫وأخرج ابعن جريعر ععن محمعد بعن جعفعر بعن الزبيعر قال ‪ :‬المحكمات فيهعن حجعة الرب‬
‫وع صمة العباد ‪ ،‬ود فع الخ صوم والبا طل ‪ ،‬ل يس في ها ت صريف ول تحر يف ع ما وض عت عل يه‬
‫وأخعر متشابهات فعي الصعدق ‪ ،‬لهعن تصعريف وتحريعف وتأويعل ‪ ،‬ابتلى ال بهعن العباد كمعا‬
‫ابتلهم بالحلل والحرام ‪ ،‬ل يصرفن إلى الباطل ول يحرفن عن الحق ‪.‬‬
‫وأخرج ابن أبي حاتم مقاتل بن حيان إنما قال ‪ " :‬هن أم الكتاب " لنه ليس من أهل دين ل‬
‫يرضي بهن ‪ " :‬وأخر متشابهات " يعني فيما بلغنا ألم و المص و المر ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ول يس في هذه الثار ونحو ها ما يش عر بأن أ سماء ال تعالى و صفاته من المتشا به ‪،‬‬
‫وما قال المنفاة من أنها من المتشابه دعوى بل برهان ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولما سمعت قريش رسول ال صلى ال عليه وسلم يذكر الرحمن أنكروا ذلك فأنزل‬
‫ال فيهم ‪ " ' 30 : 13 ' :‬وهم يكفرون بالرحمن " روى ابن جرير عن قتادة ‪ " :‬وهم يكفرون‬
‫بالرحمن " روى ابن جرير عن قتادة ‪ " :‬وهم يكفرون بالرحمن " ذكر لنا أن نبي ال صلى ال‬
‫عليه وسلم زمن الحديبية حين صالح قريشا كتب ‪ :‬هذا ما صالح عليه محمد رسول ال ‪ ،‬فقال‬
‫مشركوا قريش ‪ :‬لئن كنت رسول ال ثم قاتلناك لقد ظلمناك ‪ ،‬ولكن اكتب ‪ :‬هذا ما صالح عليه‬
‫محمد بن عبد ال ‪ .‬فقال أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬يا رسول ال دعنا نقاتلهم ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ل ‪ .‬اكتبوا كمعا يريدون ‪ :‬إنعي محمعد بعن عبعد ال فلمعا كتعب الكاتعب بسعم ال الرحمعن‬
‫الرحيم قالت قريش ‪ :‬أما الرحمن فل نعرفه ‪ .‬وكان أهل الجاهلية يكتبون ‪ :‬باسمك اللهم ‪ .‬فقال‬
‫أ صحابه ‪ :‬دع نا نقاتل هم ‪ .‬قال ‪ :‬ل ‪ .‬ول كن اكتبوا ك ما يريدون وروى أيضا عن مجا هد قال ‪:‬‬
‫قوله ‪ " ' 30 : 13 ' :‬كذلك أرسلناك في أمة قد خلت من قبلها أمم لتتلو عليهم الذي أوحينا إليك‬
‫وهم يكفرون بالرحمن قل هو ربي ل إله إل هو عليه توكلت وإليه متاب " قال ‪ :‬هذا ما كاتب‬
‫عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم قريشا في الحديبية ‪ ،‬كتب بسم ال الرحمن الرحيم قالوا‬
‫‪ :‬ل تكتب الرح من ‪ ،‬ل ندري ما الرحمن ؟ ل نك تب إل با سمك الل هم ‪ .‬قال تعالى ‪ " :‬و هم‬
‫يكفرون بالرحمن " الية ‪.‬‬
‫وروى أيضا عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما قال ‪ :‬كان ر سول ال صلى ال عل يه و سلم‬
‫يدعو ساجدا ‪ :‬يا رحمن يا رحيم ‪ .‬فقال المشركون ‪ :‬هذا يزعم أنه يدعو واحدا وهو يدعو مثنى‬
‫مثنى ‪ .‬فأنزل ال ‪ " ' 110 : 17 ' :‬قل ادعوا ال أو ادعوا الرحمن أيا ما تدعوا فله السماء‬
‫الحسنى " الية ‪.‬‬

‫يعرفون نعمة ال ثم ينكرونها‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 83 : 16 ' :‬يعرفون نعمة ال ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون " ‪.‬‬
‫ذ كر الم صنف رح مه ال ما ذ كر ب عض العلماء في معنا ها ‪ .‬وقال ا بن جر ير ‪ :‬فإن أ هل‬
‫التأويعل اختلفوا فعي المعنعى بالنعمعة ‪ .‬فذكعر ععن سعفيان ععن السعدى ‪ " :‬يعرفون نعمعة ال ثعم‬
‫ينكرونها " قال ‪ :‬محمد صلى ال عليه وسلم وقال آخرون بل معنى ذلك أنهم يعرفون أن ما‬
‫عدد ال تعالى ذكره في هذه ال سورة من الن عم من ع ند ال ‪ ،‬وأن ال هو المن عم علي هم بذلك ‪،‬‬
‫ولكنهم ينكرون ذلك ‪ ،‬فيزعمون أنهم ورثوه عن آبائهم ‪.‬‬
‫وأخرج عن مجاهد ‪ " :‬يعرفون نعمة ال ثم ينكرونها " ‪ ،‬قال ‪ :‬هي الم ساكن والنعام وما‬
‫يرزقون منها والسرابيل من الحديد والثياب ‪ ،‬تعرف هذا كفار قريش ثم تنكره ‪ ،‬بأن تقول ‪ :‬هذا‬
‫كان لبائ نا فورثو نا إياه وقال آخرون ‪ :‬مع نى ذلك أن الكفار إذا ق يل ل هم من ‪ :‬رزق كم ؟ أقروا‬
‫بأن ال هو الذي يرزقهم ثم ينكرونه بقولهم ‪ :‬رزقنا ذلك شفاعة آلهتنا ‪.‬‬
‫وذكر المصنف مثل هذا عن ابن قتيبة وهو أبو محمد عبد ال بن مسلم بن قتيبة الدينوري‬
‫قا ضي م صر النحوي اللغوي ‪ ،‬صاحب الم صنفات البدي عة المفيدة المحتو ية على علوم ج مة ‪،‬‬
‫اشتغل ببغداد وسمع الحديث على إسحاق بن راهوية وطبقته ‪ .‬توفي سنة ست وسبعين ومائتين‬
‫‪.‬‬
‫وقال آخرون ‪ :‬ما ذكره الم صنف عن عون بن ع بد ال بن عت بة بن م سعود الهذلي أ بو‬
‫عبد ال الكوفي الزاهد عن أبيه وعائشة وابن عباس وعنه قتادة وأبو الزبير والزهري ‪ ،‬وثقة‬
‫أحمد وابن معين قال البخاري ‪ :‬مات بعد العشرين ومائة " يعرفون نعمة ال ثم ينكرونها " قال‬
‫‪ :‬إنكارهم إياها أن يقول الرجل ‪ :‬لول فلن ما كان كذا وكذا ‪ ،‬ولول فلن ما أصبت كذا وكذا‬
‫وإختار ا بن جر ير القول الول ‪ ،‬واختار غيره أن ال ية ت عم ما ذكره العلماء في معنا ها ‪ .‬و هو‬
‫الصواب وال أعلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال مجا هد هو ش يخ التف سير ‪ :‬المام الربا ني ‪ ،‬مجا هد بن جبر الم كي مولى ب ني‬
‫مخزوم ‪ .‬قال الفضعل بعن ميمون ‪ :‬سعمعت مجاهدا يقول عرضعت المصعحف على ابعن عباس‬
‫مرات ‪ ،‬أقفه عند كل آية وأسأله ‪ :‬فيم نزلت ؟ وكيف نزلت ؟ وكيف معناها ؟ توفي سنة اثنتين‬
‫ومائة ‪ .‬وله ثلث وثمانون سنة رحمه ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال أ بو العباس هو ش يخ ال سلم أح مد بن ع بد الحل يم بن ع بد ال سلم ا بن تيم ية‬
‫المام الجليل رحمه ال ع بعد حديث زيد بن خالد ع وقد تقدم في باب ما جاء في الستسقاء‬
‫بالنواء ‪ .‬قال ‪ :‬وهذا كثيعر فعي الكتاب والسعنة ‪ ،‬يذم سعبحانه معن يضيعف إنعامعه إلى غيره‬
‫ويشرك به ‪ .‬قال بعض السلف هو كقولهم ‪ :‬كانت الريح طيبة ‪ ،‬والملح حاذقا ‪ .‬نحو ذلك مما‬
‫هو جار على ألسنة كثير ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫وكلم شيخ السلم يدل على أن حكم هذه الية عام فيمن نسب النعم إلى غير ال الذي أنعم‬
‫بها ‪ ،‬وأسند أسبابها إلى غيره ‪ ،‬كما هو مذكور في كلم المفسرين المذكور بعضه هنا ‪.‬‬
‫قال شيخنا رحمه ال ‪ :‬وفيه اجتماع الضدين في القلب ‪ ،‬وتسمية هذا الكلم إنكارا للنعمة ‪.‬‬

‫قول ال " فل تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون "‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 22 : 2 ' :‬فل تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون " ‪.‬‬
‫ال ند ‪ :‬الم ثل والنظ ير ‪ .‬وج عل ال ند ل ‪ :‬هو صرف أنواع العبادة أو شئ من ها لغ ير ال ‪،‬‬
‫كحال عبدة الوثان الذ ين يعتقدون في من دعوه ورجوه أ نه ينفع هم ويد فع عن هم ‪ ،‬ويش فع ل هم ‪.‬‬
‫وهذه ال ية في سياق قوله تعالى ‪ " :‬يا أي ها الناس اعبدوا رب كم الذي خلق كم والذ ين من قبل كم‬
‫لعلكم تتقون * الذي جعل لكم الرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من‬
‫الثمرات رزقا لكم فل تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون " قال العماد ابن كثير رحمه ال في تفسيره‬
‫‪ :‬قال أ بو العال ية ‪ :‬ل تجعلوا ل أندادا أي عدلء شركاء ‪ .‬وهكذا قال الرب يع بن أ نس وقتادة‬
‫والسدى وأبو مالك واسماعيل بن أبي خالد ‪.‬‬
‫وقال ا بن عباس ‪ " :‬فل تجعلوا ل أندادا وأن تم تعلمون " أي ل تشركون بال شيئا من النداد‬
‫التي ل تنفع ول تضر ‪ ،‬وأنتم تعلمون أنه ربكم ل رب لكم يرزقكم غيره ‪ ،‬وقد علمتم أن الذي‬
‫يدعو كم الر سول إليه من توحيده هو ال حق الذي ل شك ف يه ‪ .‬وكذلك قال قتادة ومجا هد ‪ " :‬فل‬
‫تجعلوا ل أندادا " قال أكفاء من الرجال تطيعونهم في معصية ال ‪ .‬وقال ابن زيد ‪ :‬النداد هي‬
‫اللهة التي جعلوها معه وجعلوا لها مثل ما جعلوا له ‪ .‬وعن ابن عباس ‪ " :‬فل تجعلوا ل أندادا‬
‫" أشباها ‪ .‬وقال مجاهد ‪ " :‬فل تجعلوا ل أندادا وأنتم تعلمون " قال تعلمون أنه إله واحد في‬
‫التوراة والنجيل ‪ .‬وذكر حديثا في معنى هذه الية الكريمة وهو ما في مسند أحمد عن الحارث‬
‫الشعري أن نبي ال صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬إن ال أ مر يح يى بن زكر يا عل يه ال سلم‬
‫بخمس كلمات أن يعمل بهن وأن يأمر بني إسرائيل أن يعملوا بهن ‪ ،‬وأنه كاد أن يبطيء بها ‪.‬‬
‫فقال له عيسى عليه السلم ‪ :‬إن ال أمرك بخمس كلمات أن تعمل بهن وتأمر بني إسرائيل أن‬
‫يعملوا بهن فإما أن تبلغهن وإما أن أبلغهن ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أخي ‪ ،‬إني أخشى إن سبقتني أن أعذب‬
‫أو يخسف بي ‪ .‬قال ‪ :‬فجمع يحيى بن زكريا بني إسرائيل في بيت المقدس ‪ ،‬حتى امتل المسجد‬
‫وقعد على الشرف ‪ .‬فحمد ال وأث نى عليه ثم قال ‪ :‬إن ال أمرني بخمس كلمات أن أعمل بهن‬
‫وآمر كم أن تعملوا ب هن ‪ :‬أول هن أن تعبدوا ال ول تشركوا به شيئا ‪ :‬فإن م ثل ذلك م ثل ر جل‬
‫اشترى عبدا من خالص ماله بذهب أو ورق ‪ ،‬فج عل يع مل ويؤدي غل ته إلى غ ير سيده ‪ ،‬فأي كم‬
‫يسعره أن يكون عبده كذلك ؟ وإن ال خلقكعم ورزقكعم فاعبدوه ول تشركوا بعه شيئا ‪ .‬وآمركعم‬
‫بالصلة فإن ال ينصب وجهه لوجه عبده ما لم يلتفت ‪ .‬فإذا صليتم فل تلتفتوا ‪ .‬وآمركم بالصيام‬
‫‪ ،‬فإن مثل ذلك كمثل رجل معه صرة من مسك في عصابة كلهم يجد ريح المسك ‪ .‬وإن خلوف‬
‫فم الصائم عند ال أطيب من ريح المسك ‪ .‬وآمركم بالصدقة ‪ .‬فإن مثل ذلك كمثل رجل أسره‬
‫العدو فشدوا يديه إلى عنقه ‪ ،‬وقدموه ليضربوا عنقه ‪ .‬فقال لهم ‪ :‬هل لكم أن أفتدي نفسي منكم ؟‬
‫فجعل يفتدى بالقليل والكثير حتى فك نفسه ‪ .‬وآمركم بذكر ال كثيرا ‪ :‬فإن مثل ذلك كمثل رجل‬
‫طلبه العدو سراعا في أثره ‪ ،‬فأتى حصنا حصينا فتحصن فيه ‪ ،‬وإن العبد أحصن ما يكون من‬
‫الشيطان إذا كان في ذكر ال ‪ .‬قال ‪ :‬وقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ :‬وأنا آمركم بخمس‬
‫ال أمر ني بهن ‪ :‬الجما عة ‪ ،‬وال سمع والطا عة‪ ،‬والهجرة والجهاد في سبيل ال ‪ ،‬فإ نه من خرج‬
‫من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة السلم من عنقه إل أن يراجع ‪ ،‬ومن دعا بدعوى الجاهلية‬
‫فهو من جثي جهنم ‪ .‬قالوا يا رسول ال وإن صلى وصام ؟ فقال ‪ :‬وإن صلى وصام وزعم أنه‬
‫مسلم ‪ ،‬فادعوا المسلمين بأسمائهم التي سماهم ال عز وجل ‪ :‬المسلمين المؤمنين عباد ال " ‪.‬‬
‫وهذا حد يث ح سن ‪ ،‬والشا هد م نه في هذه ال ية قوله ‪ " :‬واعبدوا ال ول تشركوا به شيئا "‬
‫وهذه اليعة دالة على توحيعد ال تعالى بالعبادة وحده ل شريعك له ‪ .‬وقعد اسعتدل بهعا كثيعر معن‬
‫المفسعرين على وجود الصعانع ‪ ،‬وهعي دالة على ذلك بطريعق الولى ‪ .‬واليات الدالة على هذا‬
‫المقام في القرآن كثيرة جدا ‪ .‬وسئل أبو نواس عن ذلك فأنشد ‪:‬‬
‫إلى آثار ما صنع المليك‬ ‫تأمل في نبات الرض وانظر‬
‫بأحداق هي الذهب السبيك‬ ‫عيون من لجين ناظرات‬
‫بأن ال ليس له شريك‬ ‫على قضب الزبرجد شاهدات‬
‫وقال ابن المعتز ‪:‬‬
‫عه أم كيف يجحده الجاحد ؟‬ ‫فيا عجبا ‪ ،‬كيف يعصى اللع‬
‫تدل على أنه واحد‬ ‫وفي كل شئ له آية‬
‫قوله ‪ :‬و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما في ال ية النداد هو الشرك ‪ ،‬أخ فى من دب يب‬
‫النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل ‪ .‬وهو أن تقول ‪ :‬وال ‪ ،‬وحياتك يا فلنة ‪ .‬وحياتي ‪،‬‬
‫وتقول ‪ :‬لول كليبعة هذا لتانعا اللصعوص ‪ .‬ولول ال وفلن ‪ .‬ل تجععل فيهعا فلنا‪ .‬هذا كله بعه‬
‫شرك رواه ا بن أ بي حا تم ‪ .‬ب ين ا بن عباس ر ضي ال عنه ما أن هذا كله من الشرك ‪ ،‬و هو‬
‫الوا قع اليوم على ألسن كث ير م من ل يعرف التوحيد ول الشرك ‪ :‬فتن به لهذه المور ‪ .‬فإن ها من‬
‫المنكر العظيم الذي يجب النهي عنه والتغليظ فيه لكونه من أكبر الكبائر ‪ .‬وهذا من ابن عباس‬
‫رضي ال عنهما تنبيه بالدنى من الشرك على العلى ‪.‬‬

‫من حلف بغير ال فقد أشرك أو كفر‬


‫قوله ‪ :‬وعن ع مر بن الخطاب رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عل يه وسلم قال ‪" :‬‬
‫من حلف بغير ال فقد كفر أو أشرك " رواه الترمذي وحسنه وصححه الحاكم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فقد كفر أو أشرك يحتمل لي أن يكون شكا من الراوي ويحتمل أن تكون أو بمعنى‬
‫الواو فيكون قد ك فر وأشرك ‪ .‬ويكون الك فر الذي هو دون الك فر ال كبر ‪ .‬ك ما هو من الشرك‬
‫الصغر ‪ .‬وورد مثل هذا عن ابن مسعود بهذا اللفظ ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال ابن مسعود ‪ :‬لن أحلف بال كاذبا أحب إلى من أن أحلف بغيره صادقا ‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن الحلف بال كاذبا كبيرة من الكبائر لكن الشرك أكبر من الكبائر ‪ .‬وإن كان‬
‫أ صغر ك ما تقدم بيان ذلك ‪ ،‬فإذا كان هذا حال الشرك ال صغر فك يف بالشرك ال كبر المو جب‬
‫للخلود في النار ؟ كدعوة غير ال والستغاثة به ‪ ،‬والرغبة إليه ‪ ،‬وإنزال حوائجه به ‪ ،‬كما هو‬
‫حال الك ثر من هذه ال مة في هذه الزمان و ما قبل ها ‪ :‬من تعظ يم القبور ‪ ،‬واتخاذه ها أوثانا ‪،‬‬
‫والبناء عليها ‪ ،‬واتخاذها مساجد ‪ ،‬وبناء المشاهد باسم الميت لعبادة من بنيت باسمه وتعظيمه ‪،‬‬
‫والقبال عليعه بالقلوب والقوال والعمال ‪ .‬وقعد عظمعت البلوى بهذا الشرك الكعبر الذي ل‬
‫يغفره ال ‪ ،‬وتركوا ما دل عليه القرآن العظيم من النهي عن هذا الشرك وما يوصل إليه ‪ .‬قال‬
‫ال تعالى ‪ " ' 37 : 7 ' :‬ف من أظلم م من افترى على ال كذبا أو كذب بآيا ته أولئك ينال هم‬
‫نصيبهم من الكتاب حتى إذا جاءتهم رسلنا يتوفونهم قالوا أين ما كنتم تدعون من دون ال قالوا‬
‫ضلوا عنا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين " كفرهم ال تعالى بدعوتهم من كانوا يدعونه‬
‫من دونه في دار الدنيا ‪ .‬وقد قال تعالى ‪ " ' 18 : 72 ' :‬وأن المساجد ل فل تدعو مع ال أحدا‬
‫" وقال تعالى ‪ 20 : 72 ' :‬ع ‪ " ' 21‬قل إنما أدعو ربي ول أشرك به أحدا * قل إني ل أملك‬
‫ل كم ضرا ول رشدا " وهؤلء المشركون عك سوا ال مر فخالفوا ما بلغ به ال مة وأ خبر به عن‬
‫نفسه صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فعاملوه بما نهاهم عنه من الشرك بال والتعلق على غير ال حتى‬
‫قال قائلهم ‪:‬‬
‫سواك عند حلول الحادث العمم‬ ‫يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به‬
‫فضلً ‪ ،‬وإل فقل ‪ :‬يا زلة القدم‬ ‫إن لم تكن في معادي آخذا بيدي‬
‫ومن علومك علم اللوح والقلم‬ ‫فإن من جودك الدنيا وضرتها‬
‫فان ظر إلى هذا الج هل العظ يم ح يث اعت قد أ نه ل نجاة له إل بعياذه ولياذه بغ ير ال ‪ ،‬وان ظر‬
‫إلى هذا الطراء العظيم الذي تجاوز الحد في الطراء الذي نهي عنه صلى ال عليه وسلم بقوله‬
‫‪ " :‬ل تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم ‪ ،‬إنما أنا عبد فقولوا عبد ال ورسوله " رواه‬
‫مالك وغيره ‪ ،‬وقد قال تعالى ‪ " ' 50 : 6 ' :‬قل ل أقول لكم عندي خزائن ال ول أعلم الغيب‬
‫ول أقول لكم إني ملك " ‪.‬‬
‫فان ظر إلى هذه المعار ضة العظي مة للكتاب وال سنة والمحادة ل ور سوله ‪ .‬وهذا الذي يقوله‬
‫هذا الشا عر هو الذي في نفوس كث ير خصوصا م من يدعون العلم والمعر فة ‪ .‬ورأوا قراءة هذه‬
‫المنظومة ونحوها لذلك وتعظيمها من القربات فإن ل وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وعن حذيفة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬ل تقولوا ما شاء‬
‫ال وشاء فلن ‪ ،‬ولكن قولوا ما شاء ال ‪ ،‬ثم شاء فلن " رواه أبو داود بسند صحيح ‪.‬‬
‫وذلك لن المعطوف بالواو يكون مسعاويا للمعطوف عليعه ‪ ،‬لكونهعا إنمعا وضععت لمطلق‬
‫الجمع ‪ .‬فل تقتضي ترتيبا ول تعقيبا ‪ .‬وتسوية المخلوق بالخالق شرك ‪ ،‬إن كان في الصغر ع‬
‫مثل هذا ع فهو أصغر ‪ ،‬وإن كان في الكبر فهو أكبر ‪ .‬كما قال تعالى عنهم في الدار الخرة‬
‫‪ " ' 98 ، 97 : 21 ':‬تال إن ك نا ل في ضلل مبين * إذ ن سويكم برب العالم ين " بخلف‬
‫المعطوف بثعم ‪ .‬فإن المعطوف بهعا يكون متراخيا ععن المعطوف عليعه بمهملة ‪ .‬فل محذور‬
‫لكونه صار تابعا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وعن إبراهيم النخعي ‪ :‬أنه يكره أن يقول الرجل أعوذ بال وبك ‪ .‬ويجوز أن يقول‬
‫‪ :‬بال ثم بك ‪ .‬قال ويقول ‪ :‬لول ال ثم فلن ‪ .‬ل تقولوا ‪ :‬لول ال وفلن ‪.‬‬
‫وقد تقدم الفرق بين ما يجوز وما ل يجوز من ذلك ‪ .‬هذا إنما هو في الحي الحاضر الذي له‬
‫قدرة و سبب في ال شئ ‪ .‬و هو الذي يجري في ح قه م ثل ذلك ‪ .‬وأ ما في حق الموات الذ ين ل‬
‫إح ساس ل هم ب من يدعو هم ول قدرة ل هم على ن فع ول ضر ‪ .‬فل يقال في حق هم شئ من ذلك ‪.‬‬
‫فل يجوز التعلق عل يه ب شئ ما بو جه من الوجوه ‪ ،‬والقرآن يبين ذلك وينادي بأ نه يجعل هم آل هة‬
‫إذا سئلوا شيئا من ذلك ‪ ،‬أو رغب إليهم أحد بقوله أو عمله الباطن أو الظاهر ‪ ،‬فمن تدبر القرآن‬
‫ورزق فهمه صار على بصيرة من دينه وبال التوفيق ‪.‬‬
‫والعلم ل يؤخذ قسرا وإنما يؤخذ بأسباب ذكرها بعضهم في قوله ‪:‬‬
‫سأنبيك عن تفصيلها ببيان‬ ‫أخي ‪ ،‬لن تنال العلم إل بستة‬
‫وإرشاد أستاذ ‪ ،‬وطول زمان‬ ‫ذكاء وحرص ‪ ،‬واجتهاد وبلغة‬
‫وأع ظم من هذه ال ستة من رز قه ال تعالى الف هم والح فظ ‪ ،‬وأت عب نف سه في تح صيله ف هو‬
‫الموفق لمن شاء من عباده ‪ .‬كما قال تعالى ‪ " ' 113 : 4 ' :‬وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل‬
‫ال عليك عظيما " ‪.‬‬
‫ولقد أحسن العلمة ابن القيم رحمه ال تعالى من حيث قال ‪:‬‬
‫أمران في التركيب متفقان‬ ‫والجهل داء قاتل وشفاؤه‬
‫وطبيب ذاك العالم الرباني‬ ‫نص من القرآن ‪ ،‬أو من سنة‬
‫من رابع ‪ ،‬والحق ذو تبيان‬ ‫والعلم أقسام ثلث ‪ ،‬ما لها‬
‫وكذلك السماء للرحمن‬ ‫علم بأوصاف الله وفعله‬
‫وجزاؤه يوم المعاد الثاني‬ ‫والمر والنهي الذي هو دينه‬
‫جاءت عن المبعوث بالقرآن‬ ‫والكل في القرآن والسنن التي‬
‫بسواهما إل من الهذيان‬ ‫وال ما قال امرؤ متحذلق‬

‫باب ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بال والنهي عن الحلف بالباء‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء فيمن لم يقنع بالحلف بال )‬
‫عن ابن عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬ل تحلفوا بآبائكم ‪ .‬من حلف بال‬
‫فليصدق ‪ .‬ومن حلف له بال فليرض ‪ .‬ومن لم يرض فليس من ال " رواه ابن ماجه بسند حسن‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل تحلفوا بآباكم تقدم النهي عن الحلف بغير ال عموما ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من حلف بال فليصدق هذا مما أوجبه ال على عباده وحضهم عليه في كتابه ‪ .‬قال‬
‫تعالى ‪ " ' 119 : 9 ' :‬يا أيها الذين آمنوا اتقوا ال وكونوا مع الصادقين " وقال ‪' 35 : 33 ' :‬‬
‫" والصادقين والصادقات " وقال ‪ " ' 21 : 47 ' :‬فلو صدقوا ال لكان خيرا لهم " وهو حال أهل‬
‫البر ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 177 : 2 ' :‬ولكن البر من آمن بال واليوم الخر والملئكة والكتاب‬
‫والنبيين " ع إلى قوله ع "أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون " ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬من حلف فليرض ‪ ،‬و من لم يرض فل يس من ال أ ما إذا لم ي كن له بح كم الشري عة‬
‫على خ صمه إل اليم ين فأحل فه فل ر يب أ نه ي جب عل يه الر ضا ‪ .‬وأ ما إذا كان في ما يجري ب ين‬
‫الناس م ما قد ي قع في العتذارات من بعض هم لب عض ون حو ذلك ‪ .‬فهذا من حق الم سلم على‬
‫الم سلم ‪ :‬أن يق بل م نه إذا حلف له معتذرا أو م تبرئا من ته مة و من ح قه عل يه ‪ :‬أن يح سن به‬
‫الظن إذا لم يتبين خلفه ‪ ،‬كما في الثر عن عمر رضي ال عنه ‪ :‬ول تظنن بكلمة خرجت‬
‫من مسلم شرا وأنت تجد لها في الخير محملً ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬من التواضع واللفة والمحبة وغير ذلك من المصالح التي يحبها ال ما ل يخفى على‬
‫من له ف هم ‪ .‬وذلك من أ سباب اجتماع القلوب على طا عة ال ‪ ،‬ثم إ نه يد خل في ح سن الخلق‬
‫الذي هو أثقل ما يوضع في ميزان العبد ‪ ،‬كما في الحديث وهو من مكارم الخلق ‪.‬‬
‫فتأمعل أيهعا الناصعح لنفسعه معا يصعلحك معع ال تعالى ‪ :‬معن القيام بحقوقعه وحقوق عباده ‪،‬‬
‫وإدخال السرور على المسلمين ‪ ،‬وترك النقباض عنهم والترفع عليهم ‪ .‬فإن فيه من الضرر ما‬
‫ل يخطر بالبال ول يدور بالخيال ‪ .‬وبسط هذه المور وذكر ما ورد فيها مذكور في كتب الدب‬
‫وغير ها ‪ .‬ف من رزق ذلك والع مل ب ما ينب غي الع مل به من وترك ما ي جب تر كه من ذلك ‪ ،‬دل‬
‫على وفور دينه ‪ ،‬وكمال عقله ‪ .‬وال الموفق لعبده الضعيف المسكين ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫باب ‪ :‬قول ما شاء ال وشئت‬


‫باب‬
‫قول ‪ ( :‬ما شاء ال وشئت )‬
‫عن قتيلة ‪ " :‬أن يهوديا أتى النبي صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنكم تشركون ‪ .‬تقولون ‪ :‬ما‬
‫شاء ال وشئت ‪ ،‬وتقولون ‪ ،‬وتقولون ‪ :‬والكع بة ‪ .‬فأمر هم النبي صلى ال عل يه وسلم إذا أرادوا‬
‫أن يحلفوا أن يقولوا ‪ :‬ورب الكعبة ‪ .‬وأن يقولوا ‪ :‬ما شاء ال ثم شئت " رواه النسائي وصححه‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن قتيلة بمثناة مصغرة بنت صيفي النصارية صحابية مهاجرة ‪ ،‬ل ها حديث في‬
‫سنن النسائي ‪ ،‬وهو المذكور في الباب ‪ .‬ورواه عنها عبد ال بن يسار الجعفي ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬قبول الحق مما جاء به كائنا من كان ‪ .‬وفيه ‪ :‬بيان النهي عن الحلف بالكعبة ‪ ،‬مع‬
‫أنها بيت ال التي حجها وقصدها بالحج والعمرة فريضة ‪ .‬وهذا يبين أن النهي عن الشرك بال‬
‫عام ل ي صلح م نه شعئ ‪ ،‬ل لملك مقرب ول نبي مرسعل ‪ .‬ول للكعبعة التعي هي بيعت ال فعي‬
‫أرضه ‪ .‬وأنت ترى ما وقع من الناس اليوم من الحلف بالكعبة وسؤالها ما ل يقدر عليه إل ال‬
‫‪ .‬ومن المعلوم أن الكعبة ل تضر ول تنفع ‪ .‬وإنما شرع ال لعباده الطواف بها والعبادة عندها‬
‫وجعلها للمة قبلة ‪ :‬فالطواف بها مشروع والحف بها ودعاؤها ممنوع ‪ .‬فميز أيها المكلف بين‬
‫ما يشرع و ما يم نع ‪ ،‬وإن خال فك من خال فك من ج هة الناس الذ ين هم كالنعام ‪ ،‬بل هم أ ضل‬
‫سبيلً ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬إنكعم تشركون ‪ .‬تقولون ‪ :‬معا شاء ال وشئت والعبعد وإن كانعت له مشيئة فمشيئتعه‬
‫تابععة لمشيئة ال ‪ ،‬ول قدرة له على أن يشعأ شيئا إل إذا كان ال قعد شاءه ‪ ،‬كمعا قال تعالى ‪' :‬‬
‫‪ " ' 29 ، 28 : 81‬لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاؤون إل أن يشاء ال رب العالمين "‬
‫وقوله ‪ " ' 30 ، 29 : 76 ' :‬إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيل * وما تشاؤون إل أن‬
‫يشاء ال إن ال كان عليما حكيما " ‪.‬‬
‫وفعي هذه اليات والحاديعث ‪ :‬الرد على القدريعة والمعتزلة ‪ ،‬نفاة القدر الذيعن يثبتون للعبعد‬
‫مشيئة تخالف ما أراده ال تعالى من الع بد وشاءه ‪ ،‬وسيأتي ما يب طل قولهم في ‪ :‬باب ما جاء‬
‫في منكري القدر إن شاء ال تعالى ‪ ،‬وأنهم مجوس هذه المة ‪.‬‬
‫وأما أهل السنة والجماعة فتمسكوا بالكتابة والسنة في هذا الباب وغيره ‪ .‬واعتقدوا أن مشيئة‬
‫العبد تابعة لمشيئة ال تعالى في كل شئ مما يوافق ما شرعه ال وما يخالفه ‪ ،‬من أفعال العباد‬
‫وأقوالهم ‪ .‬فالكل بمشيئة ال وإرادته ‪ .‬فما وافق ما شرعه رضيه وأحبه ‪ .‬وما خالفه كرهه من‬
‫العبد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 7 : 39 ' :‬إن تكفروا فإن ال غني عنكم ول يرضى لعباده الكفر "‬
‫الية ‪ .‬وفيه ‪ :‬بيان أن الحلف بالكعبة شرك ‪ .‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم أقر اليهودي على‬
‫قوله ‪ :‬إنكم تشركون ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وله أيضا ععن ابعن عباس رضعي ال عنهمعا " أن رجلً قال للنعبي صعلى ال عليعه‬
‫وسلم ما شاء ال وشئت ‪ ،‬قال ‪ :‬أجعلتني ل ندا ؟ بل ما شاء ال وحده " ‪.‬‬
‫هذا يقرر ما تقدم من أن هذا شرك ‪ ،‬لوجود التسوية في العطف بالواو ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬أجعلتني ل ندا فيه بيان أن من سوى العبد بال ولو في الشرك الصغر فقد جعله‬
‫ندا ل شاء أم أ بى ‪ ،‬خلفا ل ما يقوله الجاهلون ‪ ،‬م ما يخ تص بال تعالى من عباده ‪ ،‬و ما ي جب‬
‫النهي عنه من الشرك بنوعيه ‪ .‬ومن يرد ال به خيرا يفقهه في الدين‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولبن ماجه ‪ :‬عن الطفيل أخي عائشة لمها قال ‪ :‬رأيت فيما يرى النائم كأني أتيت‬
‫على نفر من اليهود ‪ ،‬فقلت ‪ :‬من أنتم ؟ قالوا ‪ :‬نحن اليهود ‪ ،‬قلت ‪ :‬إنكم لنتم القوم ‪ ،‬لول أنكم‬
‫تقولون عز ير ابن ال‪ .‬قالوا ‪ :‬وإنكم لن تم القوم ‪ ،‬لول أنكم تقولون ‪ :‬ما شاء ال وشاء مح مد ‪.‬‬
‫ثم مررت بنفر من النصارى فقلت ‪ :‬من أنتم ؟ قالوا نحن النصارى ‪ .‬قلت إنكم لنتم القوم لول‬
‫أن كم تقولون ‪ :‬الم سيح ا بن ال ‪ ،‬قالوا ‪ :‬وإن كم لن تم القوم لول أن كم تقولون ‪ :‬ما شاء ال وشاء‬
‫محمد ‪ ،‬فلما أصبحت أخبرت بها من أخبرت ثم أتيت النبي صلى ال عليه وسلم فأخبرته ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬هل أخبرت بها أحدا ؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال ‪ :‬فحمد ال وأثنى عليه ‪ .‬ثم قال ‪ :‬أما بعد فإن طفيلً‬
‫رأى رؤيا أخبر بها من أخبر منكم ‪ ،‬وإنكم قلتم كلمة كان يمنعني كذا وكذا أن أنهاكم عنها ‪ .‬فل‬
‫تقولوا ‪ :‬ما شاء ال وشاء محمد ‪ ،‬ولكن قولوا ‪ :‬ما شاء ال وحده ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن الطفيل أخي عائشة لمها هو الطفيل بن عبد ال بن سخبرة أخو عائشة لمها ‪،‬‬
‫صحابي له حديث عند ابن ماجه ‪ ،‬وهو ما ذكره المصنف في الباب ‪.‬‬
‫وهذه الرؤيا حق أقرها رسول ال صلى ال عليه وسلم وعمل بمقتضاها ‪ .‬فنهاهم أن يقولوا‬
‫‪ :‬ما شاء ال وشاء محمد ‪ ،‬وأمرهم أن يقولوا ‪ :‬ما شاء ال وحده ‪.‬‬
‫وهذا الحديعث والذي قبله فيعه أن يقولوا ‪ :‬معا شاء ال وحده ول ريعب أن هذا أكمعل فعي‬
‫الخلص وأب عد عن الشرك من أن يقولوا‪ :‬ثم شاء فلن لن ف يه الت صريح بالتوح يد المنا في‬
‫للتنديد في كل وجه ‪ .‬فالبصير يختار لنفسه أعلى مراتب الكمال في مقام التوحيد والخلص ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬كان يمنعنعي كذا وكذا أن أنهاكعم عنهعا ورد فعي بععض الطرق ‪ :‬أنعه كان يمنععه‬
‫الحياء من هم وب عد هذا الحد يث الذي حد ثه به الطف يل عن رؤياه خطب هم صلى ال عل يه و سلم‬
‫فنهى عن ذلك نهيا بليغا ‪ ،‬فما زال صلى ال عليه وسلم يبلغهم حتى أكمل ال له الدين وأتم له‬
‫به النعمة ‪ ،‬وبلغ البلغ المبين ‪ ،‬صلوات ال وسلمهم عليه وعلى آله وصبحه أجمعين ‪.‬‬
‫وفيه معنى قوله صلى ال عليه وسلم ‪" :‬الرؤيا الصالحة جزء من ستة وأربعين جزءا من‬
‫النبوة " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وإن كان رؤيا منام فهي وحي يثبت بها ما يثبت بالوحي أمرا ونهيا ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫باب من سب الدهر فقد آذى ال‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( من سب الدهر فقد آذى ال )‬
‫وقول ال تعالى ‪ " ' 24 : 45 ' :‬وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إل‬
‫الدهر " ‪.‬‬
‫قال العماد ا بن كث ير في تف سيره ‪ :‬ي خبر تعالى عن دهر ية الكفار و من وافق هم من مشر كي‬
‫العرب في إنكار المعاد ‪ " :‬وقالوا ما هي إل حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إل الدهر " ما‬
‫ثعم إل هذه الدار ‪ ،‬يموت قوم ويعيعش آخرون ‪ ،‬ومعا ثعم معاد ول قيامعة ‪ .‬وهذا يقوله مشركعو‬
‫العرب المنكرون للمعاد ‪ ،‬ويقوله الفلسفة اللهيون منهم ‪ ،‬وهم ينكرون البدأة والرجعة ‪ .‬وتقول‬
‫الفل سفة الدهر ية الدور ية ‪ ،‬المنكرون لل صانع ‪ ،‬المعتقدون أن في كل ستة وثلث ين ألف سنة‬
‫يعود كل شئ إلى ما كان عل يه ‪ .‬وزعموا أن هذا قد تكرر مرات ل تتنا هى ‪ ،‬فكابروا المعقول‬
‫وكذبوا المنقول ‪ ،‬ولهذا قالوا ‪ " :‬وما يهلكنا إل الدهر " قال ال تعالى ‪ " :‬وما لهم بذلك من علم‬
‫إن هم إل يظنون " أي يتوهمون ويتخيلون ‪.‬‬
‫فأما الحديث الذي أخرجه صاحب الصحيح وأبو داود والنسائي من رواية سفيان ابن عيينة‬
‫عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫" يقول ال تعالى ‪ :‬يؤذيني ابن آدم ‪ ،‬يسب الدهر وأنا الدهر ‪ ،‬بيدي المر ‪ ،‬أقلب الليل والنهار "‬
‫وفي رواية ‪ " :‬ل تسبوا الدهر فإني أنا الدهر " وفي رواية ‪ " :‬ل يقل ابن آدم يا خيبة الدهر ‪،‬‬
‫فإني أنا الدهر ‪ ،‬أرسل الليل والنهار ‪ ،‬فإذا شئت قبضتهما " ا هع ‪.‬‬
‫قال في شرح السنة ‪ :‬حديث متفق على صحته أخرجاه من طريق معمر من أوجه عن أبي‬
‫هريرة قال ‪ :‬ومعناه أن العرب كان معن شأنهعا ذم الدهعر أي سعبه عنعد النوازل ‪ ،‬لنهعم كانوا‬
‫ينسبون إليه ما يصيبهم من المصائب والمكاره فيقولون ‪ :‬أصابتهم قوارع الدهر وأبادهم الدهر ‪،‬‬
‫فإذا أضافوا إلى الدهعر معا نالهعم معن الشدائد التعي يصعنعونها فنهوا ععن سعب الدهعر ‪ .‬ا هعع‬
‫باختصار ‪.‬‬
‫و قد أورده ابن جر ير ب سياق غريب جدا بهذا الطر يق ‪ .‬قال ‪ :‬كان أ هل الجاهلية يقولون ‪:‬‬
‫إنما يهلكنا الليل والنهار وهو الذي يهلكنا ويميتنا ويحيينا ‪ ،‬فقال ال في كتابه ‪ " :‬وقالوا ما هي‬
‫إل حيات نا الدن يا نموت ونح يا و ما يهلك نا إل الد هر " ‪ .‬وي سبون الد هر ‪ .‬فقال ال عز و جل ‪:‬‬
‫يؤذيني ابن آدم ‪ ،‬يسب الدهر وأنا الدهر ‪ ،‬بيدي المر ‪ ،‬أقلب الليل والنهار ‪.‬‬
‫وكذا رواه ابن أبي حاتم عن أحمد بن منصور عن سريج بن النعمان عن ابن عيينة مثله ‪.‬‬
‫ثم روى عن يونس عن ابن وهب عن الزهري عن أبي سلمة عن أبي هريرة ‪ :‬سمعت رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ " :‬يقول ال تعالى ‪ :‬يسب ابن آدم الدهر وأنا الدهر ‪ ،‬بيدي الليل‬
‫والنهار " وأخرجه صاحب الصحيح والنسائي من حديث يونس بن يزيد به ‪.‬‬
‫وقال مح مد بن إ سحاق عن العلء بن عبدالرح من عن أب يه عن أ بي هريرة أن ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬يقول ال عز وجل ‪ :‬استقرضت عبدي فلم يعطني ‪ ،‬ويسبني عبدي‬
‫‪ ،‬يقول ‪ :‬وادهراه ‪ ،‬وأنا الدهر " ‪.‬‬
‫قال الشافعي وأبو عبيد وغيرهما من الئمة في تفسير قوله ‪ :‬أل تسبوا الدهر فإن ال هو‬
‫الدهعر كانعت العرب فعي جاهليتهعا إذا أصعابهم شدة أو بلء أو نكبعة قالوا ‪ :‬يعا خيبعة الدهعر‬
‫في سندون تلك الفعال إلى الد هر وي سبونه ‪ ،‬وإن ما فاعل ها هو ال تعالى ‪ .‬فكأن ما إن ما سبوا ال‬
‫سبحانه ‪ ،‬لنه فاعل ذلك في الحقيقة ‪ ،‬فلهذا نهى عن سب الدهر بهذا العتبار لن ال هو الدهر‬
‫الذي يعنو نه وي سندون إل يه تلك الفعال ‪ .‬هذا أحسن ما ق يل في تفسيره ع وهو المراد ع وال‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫وقد غلط ابن حزم ومن نحا نحوه من الظاهرة في عدهم الدهر من السماء الحسنى أخذا‬
‫من هذا الحديث ‪ .‬ا هع ‪.‬‬
‫و قد بين معناه في الحد يث بقوله ‪ :‬أقلب الليل والنهار وتقليبه ت صرفه تعالى فيه ب ما يحبه‬
‫الناس ويكرهونه ‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث زيادة لم يذكرها المصنف رحمه ال تعالى ‪ ،‬وهي قوله ‪ :‬بيدي المر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفي رواية ‪ :‬ل تسبوا الدهر فإن ال هو الدهر ‪.‬‬
‫مع نى هذه الروا ية ‪ :‬هو ما صرح به في الحد يث من قوله ‪ :‬وأ نا الد هر ‪ ،‬أقلب الل يل‬
‫والنهار يع ني ما يجري ف يه من خ ير و شر بإرادة ال وتدبيره ‪ ،‬بعلم م نه تعالى وحك مة ‪ ،‬ل‬
‫يشاركه في ذلك غيره ‪ .‬ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪ ،‬فالواجب عند ذلك حمده في الحالتين‬
‫وح سن ال ظن به سبحانه وبحمده ‪ ،‬والرجوع إل يه بالتو بة والنا بة ‪ .‬ك ما قال ال تعالى ‪: 7 ' :‬‬
‫‪ " ' 168‬وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون " وقال تعالى ‪ " ' 35 : 21 ' :‬ونبلوكم‬
‫بال شر والخ ير فت نة وإلي نا ترجعون " ون سبة الف عل إلى الد هر وم سبته كثيرة ‪ ،‬ك ما في أشعار‬
‫المولدين ‪ ،‬كابن المعتز والمتنبي وغيرهما ‪ .‬وليس منه وصف السنين بالشدة ونحو ذلك كقوله‬
‫تعالى ‪ " ' 48 : 12 ' :‬ثم يأتي من بعد ذلك سبع شداد " الية ‪ .‬وقال بعض الشعراء ‪:‬‬
‫تطوى وتنشر بينها العمار‬ ‫إن الليالي من الزمان مهولة‬
‫وطوالهن مع السرور قصار‬ ‫فقصارهن مع الهموم طويلة‬
‫وقال أبو تمام ‪:‬‬
‫ذكر النوى ‪ ،‬فكأنها أيام‬ ‫أعوام وصل كاد ينسى طيبها‬
‫نحوى أسى ‪ ،‬فكأنها أعوام‬ ‫ثم انبرت أيام هجر أعقبت‬
‫فكأنها وكأنهم أحلم‬ ‫ثم انقضت تلك السنون وأهلها‬

‫باب التسمى بقاضي القضاة‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( التسمى بقاضي القضاة ونحوه )‬
‫ذ كر الم صنف رح مه ال هذه الترج مة إشارة إلى الن هى عن الت سمى بقا ضي القضاة قيا سا‬
‫على ما في حديث الباب ‪ .‬لكونه شبهه في المعنى فينهى عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الصحيح عن أبي هريرة رضي ال عنه عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪" :‬‬
‫إن أخنع اسم عند ال رجل تسمى ملك الملك ‪ ،‬ل مالك إل ال " ‪.‬‬
‫لن هذا الل فظ إن ما ي صدق على ال تعالى ‪ .‬ف هو ملك الملك ل ملك أع ظم ول أ كبر م نه ‪.‬‬
‫مالك الملك ذو الجلل والكرام ‪ .‬وكعل ملك يؤتيعه ال معن يشاء معن عباده فهعو عاريعة يسعرع‬
‫ردها إلى المعير ‪ .‬وهو ال تعالى ‪ ،‬ينزع الملك من ملكه تارة وينزع الملك منه تارة فيصير ل‬
‫حقي قة له سوى ا سم زال م سماه ‪ .‬وأ ما رب العالم ين فمل كه دائم كا مل ل انتهاء له بيده الق سط‬
‫يخفضه ويرفعه ‪ ،‬ويحفظ على عباده أعمالهم بعلمه سبحانه وتعالى ‪ ،‬وما تكتبه الحفظة عليهم ‪.‬‬
‫فيجازى كل عامل بعمله إن خيرا فخير وإن شرا فشر ‪ .‬كما ورد في الحديث ‪ " :‬اللهم لك الحمد‬
‫كله ولك الملك كله وبيدك الخ ير كله ‪ .‬وإل يك ير جع ال مر كله ‪ .‬أ سألك من الخ ير كله ‪ ،‬وأعوذ‬
‫بك من الشر كله " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال سفيان يع ني ا بن عيي نة م ثل شاهنشاه ع ند الع جم عبارة عن ملك الملك ‪.‬‬
‫ولهذا مثل به سفيان لنه عبارة عنه بلغة العجم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفي رواية ‪ :‬أغيظ رجل على ال وأخبثه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أغيظ من الغيظ وهو مثل الغضب والبغض ‪ .‬فيكون بغيضا إلى ال مغضوبا عليه‬
‫‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وأخب ثه و هو يدل أيضا على أن هذا خبيث ع ند ال فاجتم عت في ح قه هذه المور‬
‫لتعاظمه في نفسه وتعظيم الناس له بهذه الكلمة التي هي من أعظم التعظيم ‪ ،‬فتعظمه في نفسه‬
‫وتعظيم الناس له بما ليس له بأهل ‪ ،‬وضعه عند ال يوم القيامة ‪ .‬فصار أخبث الخلق وأبغضهم‬
‫إلى ال وأحقرهعم ‪ ،‬لن الخعبيث البغيعض عنعد ال يكون يوم القيامعة أحقعر الخلق وأخبثهعم ‪،‬‬
‫لتعاظمه في نفسه على خلق ال بنعم ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أخ نع ‪ :‬يع ني أو ضع هذا هو مع نى أخ نع فيف يد ما ذكر نا في مع نى أغ يظ أ نه‬
‫يكون حقيرا بغيضا عند ال ‪.‬‬
‫وفيه التحذير من كل ما فيه تعاظم ‪ .‬كما أخرج أبو داود عن أبي مجلذ قال ‪ :‬خرج معاوية‬
‫رضي ال عنه على ابن الزبير وا بن عا مر ‪ .‬فقام ابن عا مر وجلس ابن الزب ير ‪ .‬فقال معاوية‬
‫لبن عامر ‪ :‬اجلس ‪ ،‬فإني سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬من أحب أن يتمثل‬
‫له الرجال قياما فليتبوأ مقعده من النار " وأخرجه الترمذي أيضا ‪ ،‬وقال حسن ‪ .‬وعن أبي أمامة‬
‫رضي ال عنه قال ‪ " :‬خرج علينا رسول ال صلى ال عليه وسلم متكئا على عصا ‪ ،‬فقمنا إليه‬
‫‪ .‬فقال ‪ :‬ل تقوموا كما تقوم العاجم ‪ ،‬يعظم بعضهم بعضا " رواه أبو داود ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أغيظ رجل هذا من الصفات التي تمر كما جاءت ‪ ،‬وليس شئ مما ورد في الكتاب‬
‫والسعنة إل ويجعب اتباع الكتاب والسعنة فعي ذلك وإثباتعه على وجعه يليعق بجلل ال وعظمتعه‬
‫تعالى ‪ ،‬إثباتا بل تمثيعل وتنزيها بل تعطيعل كمعا تقدم ‪ ،‬والباب كله واحعد ‪ .‬وهذا هعو قول أهعل‬
‫السنة والجماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم من الفرق الناجية من الثلث والسبعين فرقة‪.‬‬
‫وهذا التفرق والختلف إن ما حدث في أوا خر القرن الثالث و ما بعده ك ما ل يخ فى على من له‬
‫معرفعة بمعا وقعع فعي المعة معن التفرق والختلف والخروج ععن الصعراط المسعتقيم ‪ ،‬وال‬
‫المستعان ‪.‬‬
‫باب إحترام أسماء ال‬
‫باب‬
‫( احترام أسماء ال تعالى وتغيير السم لجل ذلك )‬
‫عن أبي شر يح ‪ :‬أ نه كان يكنى أ با الحكم ‪ .‬فقال له ال نبي صلى ال عليه و سلم ‪ " :‬إن ال‬
‫هو الحكم ‪ .‬وإليه الحكم ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن قومي إذا اختلفوا في شئ أتوني فحكمت بينهم فرضى كل‬
‫الفريقين ‪ .‬فقال ‪ :‬ما أحسن هذا ‪ .‬فما لك من الولد ؟ قل ‪ :‬شريح ومسلم وعبد ال ‪ .‬قال ‪ :‬فمن‬
‫أكبرهم ؟ قلت ‪ :‬شريح ‪ .‬قال ‪ :‬فأنت أبو شريح " رواه أبو داود وغيره ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن أبي شريح قال في خلصة التهذيب‪ :‬هو أبو شريح الخزاعي اسمه خويلد بن‬
‫عمرو أ سلم يوم الف تح ‪ ،‬له عشرون حديثا ‪ ،‬اتف قا على حديث ين وانفرد البخاري بحد يث ‪ ،‬وروى‬
‫عنه أبو سعيد المقبري ونافع بن جيير وطائفة ‪ .‬قال ابن سعد ‪ :‬مات بالمدينة سنة ثمان وستين ‪.‬‬
‫وقال الشارح اسمه هانيء بن يزيد الكندي قاله الحافظ ‪ ،‬وقيل ‪ :‬الحارث الضبابي ‪ .‬قاله المزي‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬يك نى الكن ية ما صدر بأب أو أم ون حو ذلك والل قب ما ل يس كذلك كز ين العابد ين‬
‫ونحوه ‪.‬‬
‫وقول ال نبي صلى ال عل يه و سلم ‪ :‬إن ال هو الح كم وإل يه الح كم ف هو سبحانه الح كم في‬
‫الدنيا والخرة ‪ ،‬يحكم بين خلقه في الدنيا بوحيه الذي أنزل على أنبيائه ورسله ‪ ،‬وما من قضية‬
‫إل ول في ها حكعم بمعا أنزل على نعبيه معن الكتاب والحكمعة ‪ ،‬وقعد يسعر ال معرفعة ذلك لكثعر‬
‫العلماء من هذه المة ‪ ،‬فإنها ل تجتمع على ضللة ‪ ،‬فإن العلماء وإن اختلفوا في بعض الحكام‬
‫فل بد أن يكون الم صيب في هم واحدا ‪ ،‬ف من رز قه ال تعالى قوة الف هم وأعطاه مل كة يقتدر ب ها‬
‫على فهم الصواب من أقوال العلماء يسر له ذلك بفضله ومنه عليه وإحسانه إليه ‪ ،‬فما أجلها من‬
‫عطية ‪ ،‬فنسأل ال من فضله ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإليه الحكم في الدنيا والخرة كما قال تعالى ‪ " ' 10 : 42 ' :‬وما اختلفتم فيه من‬
‫شيء فحكمه إلى ال " وقال ‪ " ' 59 : 4 ' :‬فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى ال والرسول إن‬
‫كنتم تؤمنون بال واليوم الخر ذلك خير وأحسن تأويل " فالحكم إلي ال هو الحكم إلى كتابه ‪،‬‬
‫والحكم إلى رسوله هو الحكم إليه في حياته وإلى سنته بعد وفاته ‪.‬‬
‫وقد قال صلى ال عليه وسلم لمعاذ لما بعثه إلى اليمن ‪ " :‬بم تحكم ؟ قال ‪ :‬بكتاب ال ‪ :‬قال‬
‫‪ :‬فإن لم تجد ؟ قال ‪ :‬بسنة رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ .‬قال فإن لم تجد ؟ قال أجتهد رأيي‬
‫‪ .‬فقال الحمد ل الذي وفق رسول رسول ال إلى ما يرضى رسول ال " فمعاذ من أجل علماء‬
‫ال صحابة بالحكام ومعر فة الحلل من الحرام ‪ ،‬ومعر فة أحكام الكتاب وال سنة ‪ .‬ولهذا ساغ له‬
‫الجتهاد إذا لم ي جد للقض ية حكما في كتاب ال ‪ ،‬ول في سنة ر سوله صلى ال عل يه و سلم ‪،‬‬
‫بخلف ما ي قع اليوم وقبله من أ هل التفر يط في الحكام م من يج هل ح كم ال في كتا به و سنة‬
‫رسوله ‪ ،‬فيظن أنه الجتهاد يسوغ له مع الجهل بأحكام الكتاب والسنة وهيهات ‪.‬‬
‫وأ ما يوم القيا مة فل يح كم ب ين الخلق إل ال عز و جل إذا نزل لف صل القضاء ب ين العباد ‪،‬‬
‫فيحكم بين خلقه بعلمه ‪ .‬وهو الذي ل يخفى عليه خافية من أعمال خلقه ‪ " ' 40 : 4' :‬إن ال ل‬
‫يظلم مثقال ذرة وإن تك ح سنة يضاعفها ويؤت من لد نه أجرا عظيما " والح كم يوم القيامة إن ما‬
‫هو بالحسنات والسيئات ‪ ،‬فيؤخذ للمظلوم من الظالم من حسناته بقدر ظلمته إن كان له حسنات‬
‫‪ ،‬وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات المظلوم ‪ ،‬فطرح على سيئات الظالم ل يزيد على هذا‬
‫مثقال ذرة ول ينقص هذا عن حقه بمثقال ذرة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فإن قو مي إذا اختلفوا في شئ أتو ني فحك مت بين هم فر ضى كل الفريق ين فقال ‪ :‬ما‬
‫أحسن هذا فالمعنى ع وال أعلم ع أن أبا شريح لما عرف منه قومه أنه صاحب إنصاف وتحر‬
‫للعدل بينهم ومعرفة ما يرضيهم من الجانبين صار عندهم مرضيا وهذا هو الصلح ‪ :‬لن مدارؤ‬
‫على الر ضى ل على اللزام ‪ .‬ول على الكهان وأ هل الكتاب من اليهود والن صارى ‪ ،‬ول على‬
‫الستناد إلى أوضاع أهل الجاهلية من أحكام كبرائهم وأسلفهم التي تخالف حكم الكتاب والسنة‬
‫‪ .‬كما قد يقع اليوم كثيرا ‪ ،‬كحال الطواغيت الذين ل يلتفتون إلى حكم ال ول إلى حكم رسوله ‪.‬‬
‫وإنما المعتمد عندهم ما حكموا به بأهوائهم وآرائهم ‪.‬‬
‫و قد يلت حق بهذا ب عض المقلدة ل من لم ي سغ تقليده فيعت مد على قول من قلده ويترك ما هو‬
‫الصواب الموافق لصول الكتاب والسنة ‪ .‬وال المستعان ‪.‬‬
‫وقول رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬فما لك من الولد ؟ قال شريح ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬وعبد ال‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬فمن أكبرهم ؟ قلت ‪ :‬شريح‪ .‬قال ‪ :‬فأنت أبو شريح " فيه تقديم الكبر في الكنية وغيرها‬
‫غالبا ‪ .‬وجاء هذا المعنى في غير ما حديث وال أعلم ‪.‬‬

‫باب من هزل بشيء فيه ذكر ال والرسول‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( من هزل بشئ فيه ال أو القرآن أو الرسول ) أي فقد كفر‬
‫قوله ‪:‬وقول ال تعالى ‪ " ' 65 : 9 ' :‬ولئن سألتهم ليقولن إنما كنا نخوض ونلعب قل أبال‬
‫وآياته ورسوله كنتم تستهزئون" ‪.‬‬
‫قال العماد ا بن كث ير رح مه ال في تف سيره ‪ :‬قال أ بو مع شر المد ني عن مح مد بن ك عب‬
‫القرظي وغيره ‪ :‬قالوا ‪ :‬قال رجل من المنافقين ‪ :‬ما أرى مثل قرائنا هؤلء ؟ أرغبنا بطونا ‪،‬‬
‫وأكذب نا أل سنا ‪ ،‬وأجبننا ع ند اللقاء ‪ ،‬فر فع ذلك إلى رسول ال صلى ال عل يه و سلم وقد ارتحل‬
‫وركب ناق ته ‪ .‬فقال يا ر سول ال ‪ ،‬إن ما ك نا نخوض ونلعب ‪ ،‬ونتحدث حديث الركب نق طع به‬
‫عنا الطريق ‪ .‬فقال ‪ " :‬أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم‬
‫إن نعف عن طائفة منكم نعذب طائفة بأنهم كانوا مجرمين " وإن رجليه ليسفعان الحجارة ‪ ،‬وما‬
‫يلت فت إل يه ر سول ال صلى ال عل يه و سلم و هو متعلق بن سعة نا قة ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم وقال عبد ال بن وهب ‪ :‬أخبرني هشام بن سعد عن زيد بن أسلم عن عبد ال بن عمر‬
‫قال ‪ :‬قال ر جل في غزوة تبوك في مجلس ‪ :‬ما رأي نا م ثل قرائ نا هؤلء أر غب بطونا ‪ ،‬ول‬
‫أكذب أل سنا ‪ ،‬ول أج بن ع ند اللقاء ‪ .‬فقال ر جل في المجلس ‪ :‬كذ بت ‪ ،‬ولك نك منا فق ‪ ،‬ل خبرن‬
‫رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فبلغ ذلك رسول ال صلى ال عليه وسلم ونزل القرآن ‪ .‬قال‬
‫عبد ال بن عمر ‪ :‬وأنا رأيته متعلقا بحقب ناقة رسول ال صلى ال عليه وسلم تنكبه الحجارة ‪،‬‬
‫وهو يقول ‪ :‬يا رسول ال إنما كنا نخوض ونلعب ‪ ،‬ورسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪" :‬‬
‫أبال وآياته ورسوله كنتم تستهزئون * ل تعتذروا قد كفرتم بعد إيمانكم " وقد رواه الليث عن‬
‫هشام بن سعد بنحو هذا ‪.‬‬
‫وقال ابن إسحاق ‪ :‬وقد كان جماعة من المنافقين منهم وديعة بن ثابت أخو بني أمية ابن‬
‫ز يد بن عمرو بن عوف ‪ ،‬ور جل من أش جع حل يف لب نى سلمة يقال له ‪ :‬مخ شي بن حم ير ‪،‬‬
‫يشيرون إلى رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم وهعو منطلق إلى تبوك ‪ ،‬فقال بعضهعم لبععض ‪:‬‬
‫أتحسبون جلد بني الصفر كقتال العرب بعضهم بعضا ؟ وال لكأنا بكم غدا مقرنين في الجبال‬
‫‪ ،‬إرتجافا وترهيبا للمؤمنين ‪ .‬فقال مخشي بن حمير ‪ :‬وال لوددت أني أقاضي على أن يضرب‬
‫كل رجل منا مائة جلدة ‪ ،‬وأنا نتلفت أن ينزل فينا قرآن لمقالتكم هذه ‪ ،‬وقال رسول ال صلى ال‬
‫عليه و سلم في ما بلغني لعمار بن يا سر ‪ :‬أدرك القوم فإن هم قد احترقوا ‪ ،‬ف سلهم ع ما قالوا ‪ ،‬فإن‬
‫أنكروا فقعل ‪ :‬بعل قلتعم كذا وكذا وكذا ‪ ،‬فانطلق إليهعم عمار ‪ ،‬فقال ذلك لهعم ‪ ،‬فأتوا رسعول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم يعتذورن إليه ‪ .‬فقال وديعة بن ثابت ع ورسول ال واقف على راحلته ع‬
‫فجعل يقول وهو آخذ بحقها ‪ :‬يا رسول ال إنما كنا نخوض ونلعب ‪ ،‬فقال مخشي بن حمير ‪ :‬يا‬
‫ر سول ال ق عد بي ا سمي وا سم أ بي ‪ ،‬فكان الذي عناه أي بقوله تعالى ‪ " :‬إن ن عف عن طائ فة‬
‫من كم نعذب طائ فة " في هذه ال ية ‪ :‬مخ شي بن حم ير ف سمى ع بد الرح من‪ ،‬و سأل ال أن يق تل‬
‫شهيدا ل يعلم بمكانه ‪ ،‬فقتل يوم اليمامة فلم يوجد له أثر ‪.‬‬
‫وقال عكرمة في تفسير هذه الية ‪ :‬كان رجل ممن إن شاء ال عفا عنه يقول ‪ :‬اللهم إني‬
‫أ سمع آ ية أ نا أع ني ب ها تقش عر من ها الجلود ‪ ،‬وت جل من ها القلوب ‪ .‬الل هم فاج عل وفا تي قتلً في‬
‫سبيلك ‪ ،‬ل يقول أحد أنا غسلت ‪ ،‬أنا كفنت ‪ ،‬أنا دفنت ‪ .‬قال ‪ :‬فأصيب يوم اليمامة ‪ ،‬فما أحد‬
‫من المسلمين إل وقد وجد غيره ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬ل تعتذروا قد كفر تم ب عد إيمان كم " أي بهذه المقالة ال تي ا ستهزأتم ب ها " إن ن عف‬
‫عن طائ فة من كم " أي مخ شي بن حم ير " نعذب طائ فة " أي ل يع فى عن جميعكم ‪ ،‬ول بد من‬
‫عذاب بعضكم " إنهم كانوا مجرمين " أي بهذه المقالة الفاجرة الخاطئة ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قال ش يخ ال سلم ‪ :‬و قد أمره ال تعالى أن يقول ل هم ‪ " :‬قد كفر تم ب عد إيمان كم " وقول من‬
‫يقول ‪ :‬إن هم كفروا ب عد إيمان هم بل سانهم مع كفر هم أولً بقلوب هم ‪ :‬ل ي صح لن اليمان بالل سان‬
‫مع ك فر القلب قد قار نه الك فر ‪ ،‬فل يقال ‪ :‬قد كفر تم ب عد إيمان كم ‪ ،‬فإن هم لم يزالوا كافر ين في‬
‫نفعس المعر ‪ ،‬وإن أر يد أنكعم أظهرتعم الكفعر ب عد إظهاركعم اليمان ‪ ،‬ف هم لم يظهروا للناس إل‬
‫لخواصهم ‪ ،‬وهم مع خواصهم ما زالوا كذلك ‪ .‬ول يدل اللفظ على أنهم ما زالوا منافقين ‪.‬‬
‫وقال رحمه ال في موضع آخر ‪ :‬فقد أخبر أنهم كفروا بعد إيمانهم مع قولهم ‪ :‬إنما تكلمنا‬
‫بالك فر من غ ير اعتقاد له ‪ ،‬بل إن ما ك نا نخوض ونل عب ‪ .‬وب ين أن ال ستهزاء بآيات ال ك فر ‪.‬‬
‫ول يكون هذا إل م من شرح صدرا بهذا الكلم ‪ ،‬ولو كان اليمان في قل به لمن عه أن يتكلم بهذا‬
‫الكلم ‪ ،‬والقرآن يبين أن إيمان القلب يستلزم العمل الظاهر بحسبه ‪ .‬كقوله تعالى ‪47 : 24 ' :‬‬
‫ع ‪ " ' 52‬ويقولون آمنا بال وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك" ع إلى قوله ع‬
‫"إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى ال ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك‬
‫هم المفلحون " فن فى اليمان عمن تولى عن طا عة الر سول ‪ ،‬وأ خبر أن المؤمن ين إذا دعوا إلى‬
‫ال ورسوله ليحكم بينهم سمعوا وأطاعوا ‪ ،‬فبين أن هذا من لوازم اليمان ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫وف يه ‪ :‬بيان أن الن سان قد يك فر بكلمة يتكلم ب ها أو عمل يعمل به ‪ .‬وأشد ها خطرا إرادات‬
‫القلوب ‪ .‬فهي كالبحر الذي ل ساحل له ‪ .‬ويفيد الخوف من النفاق الكبر ‪ .‬فإن ال تعالى أثبت‬
‫لهؤلء إيمانا ق بل أن يقولوا ما قالوه ‪ ،‬ك ما قال ا بن أ بي ملي كة ‪ :‬أدر كت ثلث ين من أ صحاب‬
‫رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم كلهعم يخاف النفاق على نفسعه ‪ .‬نسعأل ال السعلمة والعفعو‬
‫والعافية في الدنيا والخرة ‪.‬‬

‫باب قول ال " ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته " الية‬
‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 50 : 41 ' :‬ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته " الية ‪.‬‬
‫ذكر المصنف رحمه ال تعالى عن ابن عباس وغيره من المفسرين في معنى هذه الية وما‬
‫بعدها ما يكفي في المعنى ويشفي ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال مجاهد ‪ :‬هذا بعملي وأنا محقوق به ‪ .‬وقال ابن عباس ‪ :‬يريد من عندي ‪ .‬وقوله‬
‫‪ " :‬قال إنما أوتيته على علم عندي " قال قتادة ‪ :‬على علم مني بوجوه المكاسب ‪ :‬وقال آخرون‬
‫‪ :‬على علم من ال أني له أهل وهذا معنى قول مجاهد‪ :‬أوتيته على شرف ‪.‬‬
‫وليس فيما ذكروه اختلف وإنما هي افراد المعنى ‪.‬‬
‫قال العماد ابن كثير رحمه ال في مع نى قوله تعالى ‪ " ' 49 : 39 ' :‬إذا خولناه نعمة منا‬
‫قال إن ما أوتي ته على علم بل هي فت نة " ي خبر أن الن سان في حالة ال ضر يضرع إلى ال تعالى‬
‫وينيب إل يه ويدعوه ‪ ،‬ثم إذا خوله نع مة منه ط غى وبغى و " قال إن ما أوتيته على علم " أي ل ما‬
‫يعلم ال من استحقاق له ‪ ،‬ولول أني عند ال حظيظ لما خولني هذا ‪ .‬قال تعالى‪ " :‬بل هي فتنة"‬
‫أي ل يس ال مر ك ما ز عم بل إن ما أنعم نا عل يه بهذه النع مة لنخ تبره في ما أنعم نا عل يه أيط يع أم‬
‫يع صى ؟ مع علم نا المتقدم بذلك " بل هي فت نة " أي إختبار " ول كن أكثر هم ل يعلمون " فلهذا‬
‫يقولون معا يقولون ‪ ،‬ويدعون معا يدعون ‪ " :‬قعد قالهعا الذيعن معن قبلهعم " أي قعد قال هذه المقالة‬
‫وز عم هذا الز عم واد عى هذه الدعوى كث ير م من سلف من الم مم " ف ما أغ نى عن هم ما كانوا‬
‫يكسبون " أي فما صح قولهم ول نفعهم جمعهم ‪ ،‬وما كانوا يكسبون ‪ .‬كما قال تعالى مخبرا عن‬
‫قارون ‪ 76 : 28 ' :‬ع ‪ " ' 78‬إذ قال له قومه ل تفرح إن ال ل يحب الفرحين * وابتغ فيما‬
‫آتاك ال الدار الخرة ول تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن ال إليك ول تبغ الفساد في‬
‫الرض إن ال ل يحب المفسدين * قال إنما أوتيته على علم عندي أولم يعلم أن ال قد أهلك من‬
‫قبله من القرون من هو أشد منه قوة وأكثر جمعا ول يسأل عن ذنوبهم المجرمون " وقال تعالى‬
‫‪ " ' 138 : 26 ' :‬وقالوا نحن أكثر أموالً وأولدا وما نحن بمعذبين " ا هع ‪.‬‬
‫حديث أبرص وأقرع وأعمى‬
‫قوله ‪ : :‬وعن أبي هريرة رضي ال عنه أنه سمع رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪:‬‬
‫إن ثلثة ‪ ..‬الحديث ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أخرجاه أي البخاري ومسلم ‪ .‬والناقة العشراء ع بضم العين وفتح الشين وبالمد ع‬
‫هي الحامل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أنتج وفي رواية فنتج معناه تولي نتاجها ‪ ،‬والناتج للناقة كالقابلة للمرأة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولد هذا هعو بتشديعد اللم ‪ ،‬أي تولى ولدتهعا ‪ ،‬وهعو بمعنعى أنتعج فعي الناقعة ‪،‬‬
‫فالمولد والناتج والقابلة بمعنى واحد ‪ ،‬لكن هذا للحيوان ‪ ،‬وذلك لغيره ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬انقطعت بي الحبال هو بالحاء المهملة والباء الموحدة ‪ :‬هي السباب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ل أجهدك معناه ‪ :‬ل أشعق عليعك فعي رد شعئ تأخعذ ‪ ،‬أو تطلب معن مالي ذكره‬
‫النووي ‪.‬‬
‫وهذا حديث عظيم ‪ ،‬وفيه معتبر ‪ :‬فإن الولين جحدا نعمة ال ‪ ،‬فما أقرا ل بنعمة ‪ ،‬ول نسبا‬
‫النع مة إلى المن عم ب ها ‪ ،‬ول أد يا حق ال في ها ‪ ،‬ف حل عليه ما ال سخط ‪ .‬وأ ما الع مى فاعترف‬
‫بنعمة ال ‪ ،‬ونسبها إلى من أنعم عليه بها ‪ ،‬وأدى حق ال فيها ‪ ،‬فاستحق الرضا من ال بقيامه‬
‫بش كر النع مة ل ما أ تى بأركان الش كر الثل ثة ال تي ل يقوم الش كر إل ب ها ‪ .‬و هي القرار بالنع مة‬
‫ونسبتها إلى المنعم ‪ ،‬وبذلها فيما يجب ‪.‬‬
‫قال العلمعة ابعن القيعم رحمعه ال ‪ :‬أصعل الشكعر هعو العتراف بإنعام المنععم على وجعه‬
‫الخضوع له ‪ ،‬والذل والمحبعة ‪ ،‬فمعن لم يعرف النعمعة بعل كان جاهلً بهعا لم يشكرهعا ‪ ،‬ومعن‬
‫عرف ها ولم يعرف ب ها لم يشكر ها أيضا ‪ ،‬و من عرف النع مة والمن عم ل كن جحد ها ك ما يح جد‬
‫المنكر لنعمة المنعم عليه بها فقد كفرها ‪ ،‬ومن عرف النعمة والمنعم بها ‪ ،‬وأقر بها ولم يجحدها‬
‫‪ ،‬ولكن لم يخضع له ولم يحبه ويرض به وعنه ‪ ،‬لم يشكره أيضا ‪ ،‬ومن عرفها وعرف المنعم‬
‫بها وأقر بها ‪ ،‬وخضع للمنعم بها ‪ ،‬وأحبه ورضى به وعنه ‪ ،‬واستعملها في محابه وطاعته ‪،‬‬
‫فهذا هو الشاكر لها ‪ ،‬فل بد في الشكر من علم القلب ‪ ،‬وعمل يتبع العلم ‪ ،‬وهو الميل إلى المنعم‬
‫ومحبته والخضوع له ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قذرني الناس بكراهة رؤيته وقربه منهم ‪.‬‬

‫باب قول ال " فلما آتاهما صالحا " الية‬


‫قول ال ' ‪ " ' 190 : 7‬فل ما آتاه ما صالحا جعل له شركاء في ما آتاه ما فتعالى ال ع ما‬
‫يشركون " ‪.‬‬
‫قال المام أح مد رحمه ال في معنى هذه ال ية ‪ :‬حدث نا ع بد ال صمد حدثنا عمر بن إبراه يم‬
‫حدثنا قتادة عن الحسن عن سمرة عن النبي صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬لما ولدت حواء طاف‬
‫ب ها إبل يس وكان ل يع يش ل ها ولد فقال ‪ :‬سميه ع بد الحارث فإ نه يع يش ‪ ،‬ف سمته ع بد الحارث‬
‫فعاش ‪ .‬وكان ذلك من وحي الشيطان وأمره " وهكذا رواه ابن جرير عن محمد بن بشار بندار‬
‫عن عبد الصمد بن عبد الوارث به ‪ .‬ورواه الترمذي في تفسير هذه الية عن محمد ابن المثنى‬
‫ععن عبعد الصعمد بعه ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا حديعث حسعن غريعب ‪ ،‬ل نعرفعه إل معن حديعث عمعر بعن‬
‫إبراهيم ‪ ،‬ورواه بعضهم عن عبد الصمد ولم يرفعه ‪ .‬ورواه الحاكم في مستدركه من حديث‬
‫عبد الصمد مرفوعا ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا حديث صحيح السناد ‪ ،‬ولم يخرجاه ‪ .‬ورواه المام أبو محمد‬
‫بن أبي حاتم في تفسيره عن أبي زرعة الرازي عن هلل بن فياض عن عمر بن إبراهيم به‬
‫مرفوعا ‪.‬‬
‫وقال ابن جرير ‪ :‬حدثنا ابن وكيع ‪ ،‬حدثنا سهيل بن يوسف عن عمرو عن الحسن " جعل له‬
‫شركاء فيما آتاهما " قال ‪ :‬كان هذا في بعض أهل الملل ولم يكن آدم ‪ .‬وحدثنا بشر بن معاذ‬
‫قال ‪ :‬حدث ني يز يد ‪ ،‬حدث نا سعيد عن قتادة قال ‪ :‬كان الح سن يقول ‪ :‬هم اليهود والن صارى ‪،‬‬
‫رزقهم ال أولدا فهودوا ونصروا وهذا إسناد صحيح عن الحسن رحمه ال ‪.‬‬
‫قال العماد ابعن كثيعر فعي تفسعيره ‪ :‬وأمعا الثار ‪ :‬فقال ‪ :‬محمعد بعن إسعحاق ععن داود ابعن‬
‫الحصين عن عكرمة عن ابن عباس قال ‪ :‬كانت حواء تلد لدم عليه السلم أولدا فتعبدهم ل‬
‫وت سميهم ع بد ال وعب يد ال ون حو ذلك ‪ ،‬في صيبهم الموت ‪ ،‬فأتاه ما إبل يس فقال ‪ :‬أ ما إنك ما لو‬
‫ت سميانه بغ ير الذي ت سميانه به لعاش ‪ ،‬فولدت له رجلً ف سماه ع بد الحارث ‪ ،‬فف يه أنزل ال ‪" :‬‬
‫هو الذي خلقكم من نفس واحدة " الية وقال العوفي عن ابن عباس ‪:‬فأتاهما الشيطان فقال ‪ :‬هل‬
‫تدريان ما يولد لك ما ؟ أم هل تدريان ما يكون ‪ ،‬أبهي مة أم ل ؟ وز ين له ما البا طل ‪ ،‬إ نه لغوي‬
‫مبين ‪ ،‬و قد كا نت ق بل ذلك ولدت ولد ين فما تا ‪ ،‬فقال له ما الشيطان‪ :‬إنك ما إن لم ت سمياه بي لم‬
‫يخرج سويا ‪ ،‬ومات ك ما مات الول ‪ .‬ف سميا ولده ما ع بد الحارث ‪ ،‬فذلك قوله تعالى ‪ " :‬فل ما‬
‫آتاهما صالحا جعل له شركاء فيما آتاهما فتعالى ال عما يشركون " ‪.‬‬
‫وذكر مثله عن سعيد بن جيير عن ابن عباس ‪ .‬ورواه ابن أبي حاتم ‪ .‬وقد تلقى هذا الثر‬
‫عن ابن عباس جما عة من أ صحابه كمجا هد وعكر مة و سعيد بن جبير ‪ ،‬ومن الطب قة الثان ية ‪:‬‬
‫قتادة والسدى وجماعة من الخلف ‪ ،‬ومن المفسرين والمتأخرين جماعات ل يحصون كثرة ‪ .‬قال‬
‫العماد ابن كثير ‪ :‬وكأن أصله ع وال أعلم ع مأخوذ من أهل الكتاب ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذا بعيد جدا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قال ابن حزم ‪ :‬اتفقوا على تحريم كل اسم معبد لغير ال كعبد عمرو وعبد الكعبة ‪،‬‬
‫وما أشبه ذلك ‪ ،‬حاشى عبد المطلب ‪.‬‬
‫ابن حزم ‪ :‬هو عالم الندلس ‪ ،‬أبو محمد على بن أحمد بن سعيد بن حزم القرطبي الظاهري‬
‫‪ .‬صاحب التصانيف ‪ ،‬توفي سنة ست وخمسين وأربعمائة ‪ .‬وله اثنتان وسبعون سنة ‪.‬‬
‫وعبد المطلب هذا هو جد رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وهو ابن هاشم بن عبد مناف بن‬
‫قصى بن كلب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن‬
‫خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ‪ ،‬وما فوق عدنان مختلف فيه‬
‫‪ .‬ول ريب أنهم من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل عليهما السلم ‪.‬‬
‫ح كى رح مه ال اتفاق العلماء على تحر يم كل ما ع بد لغ ير ال ‪ ،‬ل نه شرك في الربوب ية‬
‫والله ية ‪ .‬لن الخلق كل هم ملك ل وعب يد له ‪ ،‬ا ستعبدهم لعباد ته وحده ‪ ،‬وتوحيده في ربوبي ته‬
‫وإلهيته ‪ ،‬فمنهم من عبد ال ووحده في ربوبيته وإلهيته ‪ ،‬ومنهم من أشرك به في إلهيته وأقر له‬
‫بربوبيته وأسمائه وصفاته ‪ ،‬وأحكامه القدرية جارية عليهم ول بد ‪ ،‬كما قال تعالى ‪93 : 19 ' :‬‬
‫' " إن كل من في السماوات والرض إل آتي الرحمن عبدا " فهذه هي العبودية العامة ‪.‬‬
‫وأ ما العبود ية الخا صة فإن ها ت خص بأ هل الخلص والطا عة ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪ " :‬أل يس ال‬
‫بكاف عبده " ونحوها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬حاشى عبد المطلب هذا استثناء من العموم المستفاد من كل وذلك أن تسميته بهذا‬
‫السم ل محذور فيها ‪ ،‬لن أصله من عبودية الرق ‪ ،‬وذلك أن المطلب أخو هاشم قدم المدينة ‪،‬‬
‫وكان ا بن أخ يه شي بة هذا قد ن شأ في أخواله ب ني النجار من الخزرج‪ ،‬لن هاشما تزوج في هم‬
‫امرأة ‪ ،‬فجاءت منه بهذا البن ‪ ،‬فلما شب في أخواله ‪ ،‬وبلغ سن التمييز سافر به عمه المطلب‬
‫إلى م كة بلد أب يه وعشير ته فقدم به م كة و هو ردي فه ‪ ،‬فرآه أ هل م كة و قد تغ ير لو نه بال سفر ‪،‬‬
‫فح سبوه عبدا للمطلب ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬هذا ع بد المطلب ‪ ،‬فعلق به هذا ال سم وركبه ‪ ،‬ف صار ل يذكر‬
‫ول يدعى إل به ‪ ،‬فلم يبق للصل معنى مقصود ‪ .‬وقد قال النبي صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬أنا‬
‫ابعن عبعد المطلب " وقعد صعار معظما فعي قريعش والعرب ‪ ،‬فهعو سعيد قريعش وأشرفهعم فعي‬
‫جاهليته ‪ ،‬وهو الذي حفر زمزم وصارت له السقاية وفي ذريته من بعده ‪ .‬وعبد ال والد رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم أحد بني عبد المطلب ‪ ،‬وتوفي في حياة أبيه ‪ .‬قال الحافظ صلح الدين‬
‫العلئي في كتاب الدرة السنية في مولد خير البرية ‪ :‬كان سن أبيه عبد ال حين حملت منه آمنة‬
‫برسول ال صلى ال عليه وسلم نحو ثمانية عشر عاما ‪ ،‬ثم ذهب إلى المدينة ليمتار منها تمرا‬
‫لهله فمات بها عند أخواله بني عدي بن النجار ‪ ،‬والنبي صلى ال عليه حمل على الصحيح ‪.‬‬
‫انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وصار النبي صلى ال عليه وسلم لما أوضعته أمه في كفالة جده عبد المطلب ‪ .‬قال‬
‫الحافظ الذهبي ‪ :‬وتوفي أبوه عبد ال وللنبي ثمانية وعشرون شهرا ‪ ،‬وقيل أقل من ذلك ‪ ،‬وقيل‬
‫‪ :‬و هو ح مل ‪ .‬تو في بالمدي نة ‪ ،‬وكان قد قدم ها ليمتار تمرا ‪ ،‬وق يل ‪ :‬بل مر ب ها راجعا من‬
‫الشام ‪ ،‬وعاش خمسعة وعشريعن سعنة ‪ .‬قال الواقدي ‪ :‬وذلك أثبعت القاويعل فعي سعنه ووفاتعه ‪.‬‬
‫وتوفيت أمه آمنة بالبواء وهي راجعة به صلى ال عليه وسلم إلى مكة من زيارة أخوال أبيه‬
‫ب ني عدي بن النجار ‪ ،‬و هو يومئذ ا بن ست سنين ومائة يوم ‪ ،‬وق يل ‪ :‬ا بن أر بع سنين ‪ .‬فل ما‬
‫ماتت أمه حملته أم أيمن مولته إلى جده ‪ ،‬فكان في كفالته إلى أن توفي جده ‪ ،‬وللنبي صلى ال‬
‫عليه وسلم ثمان سنين فأوصى به إلى عمه أبو طالب ا هع ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬و عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما في ال ية قد قدم نا نظيره عن ا بن عباس في‬
‫المعنى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وله بسند صحيح عن قتادة قال ‪ :‬شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته قال شيخنا‬
‫رحمه ال ‪ :‬إن هذا الشرك في مجرد تسمية ‪ ،‬لم يقصدا حقيقته التي يريدها إبليس ‪ ،‬وهو محمل‬
‫ح سن يبين أن ما و قع من البو ين من ت سميتهما ابنه ما ع بد الحارث إن ما هو مجرد ت سمية لم‬
‫يقصدا تعبيده لغير ال وهذا معنى قول قتادة ‪ :‬شركاء في طاعته ولم يكن في عبادته ‪.‬‬

‫قول ال " ول السماء الحسنى فادعوه بها "‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 180 : 7 ' :‬ول السماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في‬
‫أسمائه " الية ‪.‬‬
‫ععن أبعي هريرة رضعي ال عنعه أن رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم قال ‪ " :‬إن ل تسععة‬
‫وتسعين اسما ‪ ،‬مائة إل واحدا ‪ ،‬من أحصاها دخل الجنة ‪ ،‬وهو وتر يحب الوتر " أخرجاه في‬
‫ال صحيحين من حد يث سفيان ا بن عيي نة ‪ .‬ورواه البخاري عن أ بي اليمان عن أ بي الزناد عن‬
‫العرج عنه ‪ .‬وأخرجه الجوزجاني عن صفوان بن صالح عن الوليد بن مسلم عن شعيب بسنده‬
‫مثله ‪ .‬وزار بععد قوله ‪ " :‬يحعب الوتعر عع ‪ :‬هعو ال الذي ل إله إل هعو ‪ ،‬الرحمعن ‪ ،‬الرحيعم ‪،‬‬
‫الملك ‪ ،‬القدوس ‪ ،‬السلم ‪ ،‬المؤمن ‪ ،‬المهيمن ‪ ،‬العزيز ‪ ،‬الجبار ‪ ،‬المتكبر ‪ ،‬الخالق ‪ ،‬البارىء ‪،‬‬
‫المصور ‪ ،‬القهار ‪ ،‬الغفار ‪ ،‬الوهاب ‪ ،‬الرزاق ‪ ،‬الفتاح ‪ ،‬العليم ‪ ،‬القابض ‪ ،‬الباسط ‪ ،‬الخافض ‪،‬‬
‫الرافعع ‪ ،‬المععز ‪ ،‬المذل ‪ ،‬السعميع ‪ ،‬البصعير ‪ ،‬الحكعم ‪ ،‬العدل ‪ ،‬اللطيعف ‪ ،‬الخعبير ‪ ،‬الحليعم ‪،‬‬
‫العظ يم ‪ ،‬الغفور ‪ ،‬الشكور ‪ ،‬العلي ‪ ،‬ال كبير ‪ ،‬الحف يظ ‪ ،‬المق يت ‪ ،‬الح سيب ‪ ،‬الجل يل ‪ ،‬الكر يم ‪،‬‬
‫الرق يب ‪ ،‬المج يب ‪ ،‬الوا سع ‪ ،‬الحك يم ‪ ،‬الودود ‪ ،‬المج يد ‪ ،‬البا عث ‪ ،‬الشه يد ‪ ،‬ال حق ‪ ،‬الوك يل ‪،‬‬
‫القوي ‪ ،‬المت ين ‪ ،‬الولي ‪ ،‬الحم يد ‪ ،‬المح صي ‪ ،‬المبدىء ‪ ،‬المع يد ‪ ،‬المح يى ‪ ،‬المم يت ‪ ،‬ال حي ‪،‬‬
‫القيوم ‪ ،‬الواجد ‪ ،‬الماجد ‪ ،‬الواحد ‪ ،‬الحد ‪ ،‬الفرد ‪ ،‬الصمد ‪ ،‬القادر ‪ ،‬المقتدر ‪ ،‬المقدم ‪ ،‬المؤخر‬
‫‪ ،‬الول ‪ ،‬الخعر ‪ ،‬الظاهعر ‪ ،‬الباطعن ‪ ،‬الوالي ‪ ،‬المتعالي ‪ ،‬البر ‪ ،‬التواب ‪ ،‬المنتقعم ‪ ،‬العفعو ‪،‬‬
‫الرؤوف ‪ ،‬مالك الملك ‪ ،‬ذو الجلل والكرام ‪ ،‬المق سط ‪ ،‬الجا مع ‪ ،‬الغ ني ‪ ،‬المغ ني ‪ ،‬المع طي ‪،‬‬
‫المانع ‪ ،‬الضار ‪ ،‬النافع ‪ ،‬النور ‪ ،‬الهادي ‪ ،‬البديع ‪ ،‬الباقي ‪ ،‬الوارث ‪ ،‬الرشيد ‪ ،‬الصبور " ‪ .‬ثم‬
‫قال الترمذي ‪ :‬هذا حديث غريب ‪ .‬وقد روى من غير وجه عن أبي هريرة ‪ ،‬ول نعلم في كثير‬
‫من الروايات ذ كر ال سماء إل في هذا الحد يث ‪ .‬الذي عول عل يه جما عة من الحفاظ أن سرد‬
‫السماء في هذا الحديث مدرج فيه ‪ .‬وإنما ذلك كما رواه الوليد بن مسلم وعبد الملك بن محمد‬
‫الصنعاني عن زهير بن محمد أنه بلغه عن غير واحد من أهل العلم أنهم قالوا ذلك ‪ .‬أي أنهم‬
‫جمعوها من القرآن كما روى عن جعفر بن محمد وسفيان وأبي زيد اللغوي وال أعلم ‪.‬‬
‫هذا معا ذكره العماد ابعن كثيعر فعي تفسعيره ‪ .‬ثعم قال ‪ :‬ليعلم أن السعماء الحسعنى ليسعت‬
‫منحصرة في تسعة وتسعين ‪ .‬بدليل ما رواه أحمد عن يزيد بن هارون عن فضيل بن مرزوق‬
‫عن أبي سلمة الجهني عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبيه عن عبد ال بن مسعود عن رسول‬
‫ال صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬ما أ صاب أحدا قط هم ول حزن فقال ‪ :‬الل هم إ ني عبدك بن‬
‫عبدك ‪ ،‬بن أمتك ‪ ،‬ناصيت بيدك ‪ .‬ماض في حكمك ‪ .‬عدل في قضاؤك ‪ .‬أسألك اللهم بكل اسم‬
‫هو لك ‪ .‬سميت به نفسك‪ .‬أو أنزلته في كتابك ‪ .‬أو علمته أحدا من خلقك ‪ .‬أو استأثرت به في‬
‫علم الغ يب ع نك ‪ .‬أن تج عل القرآن العظ يم رب يع قل بي ونور صدري ‪ .‬وجلء حز ني ‪ .‬وذهاب‬
‫همعي وغمعى ‪ .‬إل أذهعب ال همعه وحزنعه ‪ .‬وأبدله مكانعه فرحا فقيعل ‪ :‬يعا رسعول ال ‪ :‬أل‬
‫نتعله ما ؟ فقال ‪ :‬بلى ‪ .‬ينب غي ل من سمعها أن يتعلم ها " و قد أخر جه أ بو حا تم وا بن حبان في‬
‫صحيحه ‪.‬‬
‫معنى يلحدون في أسمائه‬
‫وقال العوفعي ععن ابعن عباس فعي قوله تعالى ‪ " :‬وذروا الذيعن يلحدون فعي أسعمائه " قال ‪:‬‬
‫إلحاد الملحد ين ‪ :‬أن دعوا اللت في أ سماء ال وقال ا بن جر يج عن مجا هد ‪ " :‬وذروا الذ ين‬
‫يلحدون في أسمائه " قال ‪ :‬اشتقوا اللت من ال ‪ .‬واشتقوا العزى من العزيز ‪.‬‬
‫وقال قتادة ‪ :‬يلحدون ‪ :‬يشركون وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس اللحاد التكذيب‬
‫‪.‬‬
‫وأ صل اللحاد في كلم العرب ‪ :‬العدول عن الق صد ‪ .‬والم يل والجور والنحراف ‪ .‬وم نه‬
‫اللحد في القبر ‪ .‬لنحرافه إلى جهة القبلة عن سمت الحفر ‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه ال تعالى ‪:‬‬
‫عراك والتعطيل والنكران‬ ‫وحقيقة اللحاد فيها الميل بالشع‬
‫وقال رح مه ال تعالى ‪ :‬فاللحاد إ ما بجحد ها وإنكار ها ‪ .‬وإ ما بج حد معاني ها وتعطيلها وإما‬
‫بتحريفها عن الصواب وإخراجها عن الحق بالتأويلت ‪ .‬وإما أن يجعلها أسماء لهذه المخلوقات‬
‫كإلحاد أهل التحاد ‪ .‬فإنهم جعلوها أسماء هذا الكون محمودها ومذمومها ‪ .‬حتى قال زعيمهم ‪:‬‬
‫هو المسمى بمعنى كل اسم ممدوح عقلً وشرعا وعرفا ‪ .‬وبكل اسم مذموم عقلً وشرعا وعرفا‬
‫‪ .‬تعالى عما يقولون علوا كبيرا ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫ق تل ‪ :‬والذي عل يه أ هل ال سنة والجما عة قاط بة ‪ .‬متقدم هم ومتأخر هم ‪ :‬إثبات ال صفات ال تي‬
‫وصعف ال بهعا نفسعه ووصعفه بهعا رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم على معا يليعق بجلل ال‬
‫وعظم ته ‪ .‬إثباتا بل تمث يل ‪ .‬وتنزيها بل تعط يل ‪ .‬ك ما قال تعالى ‪ " ' 11 : 42 ' :‬ل يس كمثله‬
‫ش يء و هو ال سميع الب صير " وأن الكلم في ال صفات فرع عن الكلم في الذات يحتذى حذوه‬
‫ومثاله ‪ .‬فكما أنه يجب العلم بأن ال ذاتا حقيقة ل تشبه شيئا من ذوات المخلوقين ‪ ،‬فله صفات‬
‫حقيقة ل تشبه شيئا من صفات المخلوقين ‪ ،‬فمن جحد شيئا مما وصف ال به نفسه أو وصفه به‬
‫ر سوله ‪ ،‬أو تأوله على غير ما ظهر من معناه فهو جهمي قد ات بع غ ير سبيل المؤمنين ‪ .‬كما‬
‫قال تعالى ‪ " ' 115 : 4 ' :‬و من يشا قق الر سول من ب عد ما تبين له الهدى ويت بع غ ير سبيل‬
‫المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا " ‪.‬‬
‫وقال العلمة ابن القيم رحمه ال تعالى أيضا ‪:‬‬
‫( فائدة جليلة )‬
‫ما يجري صفة أو خبرا على الرب تبارك وتعالى أقسام ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬ما يرجع إلى نفس الذات ‪ ،‬كقولك ‪ :‬ذات وموجود ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ما يرجع صفاته ونعوته ‪ ،‬كالعليم والقدير ‪ ،‬والسميع والبصير ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬ما يرجع إلى أفعاله ‪ .‬كالخالق والرازق ‪.‬‬
‫الرابعع ‪ :‬التنزيعه المحعض ‪ .‬ول بعد معن تضمنعه ثبوتا ‪ ،‬إذا ل كمال فعي العدم المحعض ‪،‬‬
‫كالقدوس والسلم ‪.‬‬
‫الخامعس ‪ :‬عع ولم يذكره أكثعر الناس عع وهعو السعم الدال على جملة أوصعاف عديدة ل‬
‫تختص بصفة معينة ‪ ،‬بل دال على معان ‪ ،‬نحو المجيد العظيم الصمد ‪ .‬فإن المجيد من اتصف‬
‫بصعفات متعددة ‪ ،‬معن صعفات الكمال ‪ ،‬ولفظعه يدل على هذا ‪ .‬فإنعه موضوع للسععة والزيادة‬
‫والكثرة ‪ ،‬فمنه استمجد المرخ والعفار وأمجد الناقة ‪ ،‬علفها ‪ .‬ومنه رب العرش المجيد صفة‬
‫العرش لسعته وعظمته وشرفه ‪ .‬وتأمل كيف جاء هذا السم مقترنا بطلب الصلة من ال على‬
‫ر سوله ك ما علمناه صلى ال عل يه و سلم ل نه في مقام طلب المز يد والتعرض ل سعة العطاء ‪،‬‬
‫وكثرته ودوامه ‪ .‬فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه ‪ ،‬كما تقول ‪ :‬اغفر لي وارحمني إنك أنت‬
‫الغفور الرحيم ‪ ،‬فهو راجع إلى التوسل إليه بأسمائه وصفاته ‪ .‬وهو من أقرب الوسائل وأحبها‬
‫إليعه ‪ .‬ومنعه الحديعث الذي فعي الترمذي ‪ " :‬ألظوا بياذا الجلل والكرام " ومنعه ‪ " :‬اللهعم إنعي‬
‫أسألك بأن لك الحمد ل إله إل أنت المنان بديع السموات والرض يا ذا الجلل والكرام " فهذا‬
‫سؤال له وتوسل إليه بحمده وأنه ل إله إل هو المنان ‪ .‬فهو توسل إليه بأسمائه وصفاته ‪ .‬وما‬
‫أحق ذلك بالجابة وأعظمه موقعا عند المسؤول ‪ .‬وهذا باب عظيم من أبواب التوحيد ‪.‬‬
‫ال سادس ‪ :‬صفة تح صل من اقتران أ حد ال سمين والو صفين بال خر ‪ .‬وذكل قدر زائد على‬
‫مفرديه ما ن حو الغ ني الحم يد ‪ ،‬الغفور القد ير ‪ ،‬الحم يد المج يد ‪ ،‬وهكذا عا مة ال صفات المقتر نة‬
‫وال سماء المزدو جة في القرآن ‪ .‬فإن الغ ني صفة كمال و الح مد كذلك ‪ ،‬واجتماع الغ ني مع‬
‫الحمد كمال آخر ‪ ،‬فله ثناء من غناه من حمده ‪ ،‬وثناء من اجتماعهما ‪ ،‬وكذلك الغفور القدير ‪،‬‬
‫والحميد المجيد ‪ ،‬والعزيز الحكيم ‪ ،‬فتأمله فإنه أشرف المعارف ‪.‬‬

‫باب ‪ :‬ل يقال السلم على ال‬


‫قوله ‪ ( :‬باب ل يقال ‪ :‬السلم على ال ) ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في ال صحيح عن ا بن م سعود ع إلخ هذا الحد يث رواه البخاري وم سلم وأ بو داود‬
‫والنسائي وابن ماجه من حديث شقيق بن سلمة عن عبد ال بن مسعود رضي ال عنه قال ‪" :‬‬
‫كنا إذا جلسنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في الصلة قلنا ‪ :‬السلم على ال قبل عباده ‪،‬‬
‫السلم على فلن وفلن ع الحديث " وفي آخره ذكر التشهد الخير ‪ .‬رواه الترمذي من حديث‬
‫السود بن يزيد عن ابن مسعود ‪ .‬وذكر في الحديث سبب النهي عن ذلك بقوله ‪ " :‬فإن ال هو‬
‫ال سلم وم نه ال سلم " و قد كان ال نبي صلى ال عل يه و سلم إذا ان صرف من ال صلة المكتو بة‬
‫يستغفر ثلثا ويقول ‪ " :‬اللهم أنت السلم ومنك السلم ‪ ،‬تباركت يا ذا الجلل والكرام " ‪ .‬وفي‬
‫الحديث ‪" :‬إن هذا هو تحية أهل الجنة لربهم تبارك وتعالى " وفي التنزيل ما يدل على أن الرب‬
‫تبارك وتعالى يسلم عليهم في الجنة ‪ .‬كما قال تعالى ‪ " ' 58 : 36 ' :‬سلم قولً من رب رحيم‬
‫"‪.‬‬
‫ومعنعى قوله ‪ :‬إن ال هعو السعلم إن ال سعالم معن كعل نقعص ومعن كعل تمثيعل ‪ .‬فهعو‬
‫الموصوف بكل كمال ‪ ،‬المنزه عن كل عيب ونقص ‪.‬‬
‫قال العلمعة ابعن القيعم فعي بدائع الفوائد ‪ :‬السعلم اسعم مصعدر ‪ .‬وهعو معن ألفاظ الدعاء ‪.‬‬
‫يتض من النشاء والخبار ‪ ،‬فج هة ال خبر ف يه ل تنا قض الج هة النشائ ية ‪ .‬و هو مع نى ال سلم‬
‫المطلوب عند التحية ‪ .‬وفيه قولن مشهوران ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن السلم هنا هو ال عز وجل ‪ .‬ومعنى الكلم ‪ :‬نزلت بركته عليكم ونحو ذلك ‪.‬‬
‫فاختير في هذا المعنى من أسمائه عز وجل اسم السلم دون غيره من السماء ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬أن السلم مصدر بمعنى السلمة ‪ .‬وهو المطلوب المدعو به عند التحية ومن حجة‬
‫أصحاب القول ‪ :‬أنه يأتي منكرا ‪ ،‬فيقول المسلم ‪ :‬سلم عليكم ولو كان اسما من أسماء ال لم‬
‫يستعمل كذلك ‪ .‬ومن حجتهم ‪ :‬أنه ليس المقصود من السلم هذا المعنى ‪ ،‬وإنما المقصود منه‬
‫اليذان بالسلمة خبرا ودعاء ‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال ‪ :‬وفصل الخطاب أن يقال ‪ :‬الحق في مجموع القولين ‪ .‬فكل‬
‫منهما بعض الحق ‪ ،‬والصواب في مجموعهما ‪ .‬وإنما يتبين ذلك بقاعدة ‪ .‬وهي ‪ :‬أن حق من‬
‫د عا ال بأ سمائه الح سنى أن ي سأل في كل مطلوب ويتو سل بال سم المقت ضى لذلك المطلوب ‪،‬‬
‫المناسب لحصوله ‪ ،‬حتى إن الداعي متشفع إلى ال تعالى متوسل به إليه ‪ .‬فإذا قال ‪ :‬رب اغفر‬
‫لي وتعب علي إنعك أنعت التواب الغفور ‪ .‬فقعد سأله أمريعن وتوسعل إليعه باسعمين معن أسعمائه ‪،‬‬
‫مقتضيين لحصول مطلوبه ‪ .‬وقال صلى ال عليه وسلم لبي بكر رضي ال عنه وقد سأله ما‬
‫يدعو به " قل ‪ :‬اللهم أني ظلمت نفسي ظلما كثيرا ‪ ،‬ول يغفر الذنوب إل أنت فاغفر لي مفغرة‬
‫من عندك ‪ ،‬وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم " فالمقام لما كان مقام طلب السلمة التي هي أهم‬
‫ع ند الر جل ‪ ،‬أ تى في طلب ها ب صيغة ا سم من أ سماء ال تعالى و هو ال سلم الذي تطلب م نه‬
‫السلمة ‪ .‬فتضمن لفظ السلم معنين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬ذكر ال‪ ،‬والثاني‪ :‬طلب السلمة ‪ .‬وهو مقصود‬
‫المسلم ‪ .‬فقد تضمن سلم عليكم اسما من اسماء ال وطلب السلمة منه ‪ .‬فتأمل هذه الفائدة ‪.‬‬
‫وحقيقتعه ‪ :‬البراءة والخلص والنجاة معن الشعر والعيوب ‪ .‬وعلى هذا المعنعى تدور تصعاريفه ‪،‬‬
‫فمن ذاك قولهم ‪ :‬سلمك ال ‪ ،‬ومنه دعاء المؤمنين على الصراط رب سلم سلم ومنه سلم الشئ‬
‫لفلن ‪ ،‬أي خلص له وحده ‪ .‬قال تعالى ‪ " ' 29 : 39 ' :‬ضرب ال مثلً رجلً ف يه شركاء‬
‫متشاكسعون ورجلً سعلما لرجعل " أي خالصعا له وحده ل يملكعه مععه غيره ‪ .‬ومنعه السعلم ضعد‬
‫الحرب ‪ :‬لن كعل واحعد معن المتحاربيعن يخلص ويسعلم معن أذى الخعر ‪ ،‬ولهذا بنعى فيعه على‬
‫المفاعلة ‪ ،‬فقيل ‪ :‬المسالمة مثل المشاركة ‪ .‬ومنه القلب السليم وهو الن في من الدغل والعيب ‪.‬‬
‫وحقيقته ‪ :‬الذي قد سلم ل وحده ‪ ،‬فخلص من دغل الشرك وغله ‪ ،‬ودغل الذنوب والمخالفات ‪،‬‬
‫ف هو م ستقيم على صدق ح به وح سن معامل ته ‪ .‬وهذا هو الذي ض من له النجاة من عذاب ال‬
‫والفوز بكرامتعه ‪ .‬ومنعه أخعذ السعلم ‪ ،‬فإنعه معن هذه المادة ‪ ،‬لنعه السعتسلم والنقياد ل ‪،‬‬
‫والتخلص معن شوائب الشرك ‪ ،‬فسعلم لربعه وخلص له ‪ ،‬كالعبعد الذي سعلم لموله ليعس له فيعه‬
‫شركاء متشاكسون ‪ .‬ولهذا ضرب سبحانه هذين المثلين للمسلم الخالص لربه وللمشرك به ‪.‬‬

‫قول ‪ :‬اللهم اغفر لي إن شئت‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ‪ :‬اللهم اغفر لي إن شئت‬
‫يعني أن ذلك ل يجوز لورود النهي عنه في حديث الباب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الصحيح عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال‬
‫‪ " :‬ل يقل أحدكم ‪ :‬اللهم اغفر لي إن شئت ‪ ،‬اللهم ارحمني إن شئت ‪ ،‬ليعزم المسألة فإن ال ل‬
‫مكره له " بخلف الع بد ‪ ،‬فإ نه قد يع طي ال سائل م سألته ‪ .‬لحاج ته إل يه‪ ،‬أو لخو فه أو رجائه ‪،‬‬
‫فيعطيعه مسعألته وهعو كاره ‪ .‬فاللئق بالسعائل للمخلوق أن يعلق حصعول حاجتعه على مشيئة‬
‫المسعؤول ‪ ،‬مخافعة أن يعطيعه وهعو كاره ‪ ،‬بخلف رب العالميعن ‪ ،‬فإنعه تعالى ل يليعق بعه ذلك‬
‫لكمال غناه عن جم يع خل قه ‪ ،‬وكمال جوده وكر مه ‪ ،‬وكل هم فق ير إل يه ‪ ،‬محتاج ل ي ستغني عن‬
‫ربه طرفة عين وعطاؤه كلم ‪ .‬وفي الحديث ‪ " :‬يمين ال ملى ل يغيضها نفقة ‪ ،‬سخاء الليل‬
‫والنهار ‪ .‬أرأي تم ما أن فق م نذ خلق ال سموات والرض ؟ فإ نه لم ي غض ما في يمي نه ‪ ،‬و في يده‬
‫الخرى القسط يخفضه ويرفعه " يعطي تعالى لحكمة ويمنع لحكمة وهو الحكيم الخبير ‪ .‬فاللئق‬
‫بمن سأل ال أن يعزم المسألة ‪ ،‬فإنه ل يعطي عبده شيئا عن كراهة ول عن عظم مسألة ‪ .‬وقد‬
‫قال بعض الشعراء فيمن يمدحه ‪:‬‬
‫ويصغر في عين العظيم العظائم‬ ‫ويعظم في عين الصغير صغارها‬
‫وهذا بالنسعبة إلى معا فعي نفوس أرباب الدنيعا ‪ ،‬وإل فإن العبعد يعطعي تارة ويمنعع أكثعر ‪،‬‬
‫ويعطعي كرها ‪ ،‬والبخعل عليعه أغلب ‪ .‬وبالنسعبة إلى حاله هذه فليعس عطاؤه بعظيعم ‪ ،‬وأمعا معا‬
‫يعطيه ال تعالى عباده فهو دائم مستمر ‪ ،‬يجود بالنوال قبل السؤال من حين وضعت النطفة في‬
‫الر حم ‪ .‬فنع مه على الجن ين في ب طن أ مه دارة ‪ ،‬يرب يه أح سن ترب ية ‪ ،‬فإذا وضع ته أ مه ع طف‬
‫عل يه والد يه ورباه بنع مة ح تى يبلغ أ شد ‪ ،‬يتقلب في ن عم ال مدة حيا ته ‪ ،‬فإن كا نت حيا ته على‬
‫اليمان والتقوى ازدادت ن عم ال تعالى عل يه إذا توفاه أضعاف أضعاف ما كان عل يه في الدن يا‬
‫من النعم التي ل يقدر قدرها إل ال ‪ ،‬مما أعده ال تعالى لعباده المؤمنين المتقين ‪ .‬وكل ما يناله‬
‫الع بد في الدن يا من الن عم وإن كان بعض ها على يد مخلوق ف هو بإذن ال وإراد ته وإح سانه إلى‬
‫عبده ‪ ،‬فال تعالى هو المحمود على الن عم كل ها ‪ ،‬ف هو الذي شاء ها وقدر ها وأجرا ها عن كر مه‬
‫وجوده وفضله ‪ .‬فله النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن ‪ .‬قال تعالى ‪ " ' 53 : 16 ' :‬وما بكم‬
‫من نع مة ف من ال ثم إذا م سكم ال ضر فإل يه تجأرون " و قد يم نع سبحانه عبده إذا سأله لحك مة‬
‫وعلم ب ما ي صلح عبده من العطاء والم نع ‪ ،‬و قد يؤ خر ما سأله عبده لوق ته المقدر ‪ ،‬أو ليعط يه‬
‫أكثر ‪ .‬فتبارك ال رب العالمين ‪.‬‬
‫وقوله ‪:‬ولمسعلم ‪ :‬وليعظعم الرغبعة أي فعي سعؤاله ربعه حاجتعه ‪ ،‬فإنعه يعطعي العظائم كرما‬
‫وجودا وإحسانا ‪ .‬فال تعالى ل يتعاظمه شئ أعطاه ‪ ،‬أي ليس شئ عنده بعظيم ‪ ،‬وإن عظم في‬
‫ن فس المخلوق ‪ .‬لن سائل المخلوق ل ي سأله إل ما يهون عل يه بذله بخلف رب العالم ين ‪ ،‬فإن‬
‫عطاءه كلم ' ‪ " ' 82 : 36‬إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " فسبحان من ل يقدر‬
‫الخلق قدره ‪ ،‬ل إله غيره ول رب سواه ‪.‬‬

‫ل يقول ‪ :‬عبدي وأمتي‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ل يقول ‪ :‬عبدي وأمتي )‬
‫ذكر الحديث الذي في ال صحيح ‪ :‬عن أبي هريرة رضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم قال ‪ " :‬ل يقولن أحدكم ‪ :‬أطعم ربك ‪ .‬وضيء ربك ‪ .‬وليقل ‪ :‬سيدي ومولي ‪ .‬ول‬
‫يقل أحدكم ‪ :‬عبدي وأمتي ‪ ،‬وليقل ‪ :‬فتاي وفتاتي وغلمي " ‪.‬‬
‫هذه اللفاظ المن هى عن ها ‪ .‬وإن كا نت تطلق ل غة ‪ .‬فال نبي صلى ال عل يه و سلم ن هى عن ها‬
‫تحقيقا للتوح يد وسعدا لذرائع الشرك ل ما في ها من التشريعك فعي الل فظ ‪ .‬لن ال تعالى هو رب‬
‫العباد جميعهم ‪ .‬فإذا أطلق على غيره شاركه في السم ‪ .‬فينهى عنه لذلك ‪ .‬وإن لم يقصد بذلك‬
‫التشر يك في الربوبية التي هي و صف ال تعالى ‪ .‬وإن ما المعنى أن هذا مالك له ‪ .‬فيطلق عليه‬
‫هذا اللفعظ بهذا العتبار ‪ .‬فالنهعي عنعه حسعما لمادة التشريعك بيعن الخالق والمخلوق ‪ .‬وتحقيقا‬
‫للتوحيد ‪ .‬وبعدا عن الشرك حتى في اللفظ ‪ .‬وهذا أحسن مقاصد الشريعة ‪ .‬لما فيه من تعظيم‬
‫الرب تعالى ‪ ،‬وبعده عن مشاب هة المخلوق ين ‪ ،‬فأرشد هم صلى ال عل يه و سلم إلى ما يقوم مقام‬
‫هذه اللفاظ ‪ .‬و هو قوله سيدي ومولي وكذا قوله ‪ :‬ول ي قل أحد كم عبدي وأم تي لن العب يد‬
‫عبيد ال ‪ .‬والماء إماء ال ‪ .‬قال ال تعالى ‪ " ' 93 : 19 ' :‬إن كل من في السماوات والرض‬
‫إل آتي الرحمن عبدا " ففي إطلق هاتين الكلمتين على غير ال تشريك في اللفظ ‪ ،‬فنهاهم عن‬
‫ذلك تعظيما ل تعالى وأدبا وبعدا عن الشرك وتحقيقا للتوح يد ‪ ،‬وأرشد هم إلى أن يقولوا ‪ :‬فتاي‬
‫وفتاتي وغلمي وهذا من باب حماية المصطفى صلى ال عليه وسلم جناب التوحيد ‪ ،‬فقد بلغ‬
‫صلى ال عليه وسلم أمته كل ما فيه لهم نفع ‪ ،‬ونهاهم عن كل ما فيه نقص في الدين ‪ .‬فل خير‬
‫إل دلهم عليه ‪ ،‬خصوصا في تحقيق التوحيد ‪ ،‬ول شر إل حذرهم منه ‪ ،‬خصوصا ما يقرب من‬
‫الشرك لفظا وإن لم يقصد به ‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫ل يرد من سأل ال‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ل يرد من سأل بال )‬
‫ظاهعر الحديعث النهعي ععن رد السعائل إذا سعأل بال ‪ .‬لكعن هذا العموم يحتاج إلى تفصعيل‬
‫بحسب ما ورد في الكتاب والسنة ‪ ،‬فيجب إذا سأل السائل ما له فيه حق كبيت المال أن يجاب‬
‫فيع طى م نه على قدر حاج ته و ما ي ستحقه وجوبا ‪ ،‬وكذلك إذا سأل المحتاج من في ماله ف ضل‬
‫فيجب أن يعطيه على حسب حاله ومسألته ‪ ،‬خصوصا إذا سأل من ل فضل عنده ‪ ،‬فيستحب أن‬
‫يعط يه على قدر حال الم سؤول ما ل ي ضر به ول ي ضر عائل ته ‪ ،‬وإن كان مضطرا و جب أن‬
‫يعطيه ما يدفع ضرورته ‪.‬‬
‫ومقام النفاق من أشرف مقامات الدين ‪ ،‬وتفاوت الناس فيه بحسب ما جبلوا عليه من الكرم‬
‫وضدهما من البخل والشح ‪ .‬فالول ‪ :‬محمود في الكتاب والسنة ‪ .‬والثاني ‪ :‬مذموم فيهما ‪ .‬وقد‬
‫حعث ال تعالى عباده على النفاق لعظعم نفععه وتعديعه وكثرة ثوابعه ‪ .‬قال ال تعالى ‪: 2 ' :‬‬
‫‪ " ' 268 ، 267‬يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الرض‬
‫ول تيمموا ال خبيث م نه تنفقون ول ستم بآخذ يه إل أن تغمضوا ف يه واعلموا أن ال غ ني حم يد *‬
‫الشيطان يعد كم الف قر ويأمر كم بالفحشاء وال يعد كم مغفرة م نه وفضل وال وا سع عل يم " وقال‬
‫تعالى ‪ " ' 7 : 55 ' :‬وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه " وذلك النفاق من خصال البر المذكورة‬
‫في قوله تعالى ‪ " ' 177 : 2 ' :‬ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر‬
‫معن آمعن بال واليوم الخعر والملئكعة والكتاب والنعبيين وآتعى المال على حبعه ذوي القربعى‬
‫واليتا مى والم ساكين وا بن ال سبيل وال سائلين " ال ية فذكره ب عد ذ كر أ صول اليمان وق بل ذ كر‬
‫الصلة ‪ .‬ذلك ع وال أعلم ع لتعدي نفعه ‪ .‬وذكره تعالى في العمال التي أمر ال بها عباده ‪.‬‬
‫وتعبدهم بها ووعدهم عليها الجر العظيم ‪ .‬قال تعالى ‪ " ' 35 : 33 ' :‬إن المسلمين والمسلمات‬
‫والمؤمنيعن والمؤمنات والقانتيعن والقانتات والصعادقين والصعادقات والصعابرين والصعابرات‬
‫والخاشع ين والخاشعات والمت صدقين والمت صدقات وال صائمين وال صائمات والحافظ ين فروج هم‬
‫والحافظات والذاكرين ال كثيرا والذاكرات أعد ال لهم مغفرة وأجرا عظيما " ‪.‬‬
‫وكان ال نبي صلى ال عل يه و سلم ي حث أ صحابه على ال صدقة ح تى الن ساء ‪ .‬ن صحا لل مة‬
‫وحثا ل هم على ما ينفع هم عاجلً وآجلً ‪ .‬و قد أث نى ال سبحانه على الن صار ر ضي ال عن هم‬
‫باليثار ‪ ،‬فقال تعالى ‪ " ' 9 : 59 ' :‬ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ‪ ،‬ومن يوق‬
‫شعح نفسعه فأولئك هعم المفلحون " واليثار معن أفضعل خصعال المؤمعن كمعا تفيده هذه اليعة‬
‫الكريمة ‪ ،‬وقد قال تعالى‪ " ' 9 ،8 : 76 ' :‬ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا *‬
‫إنما نطعمكم لوجه ال ل نريد منكم جزاء ول شكورا " ‪.‬‬
‫واليات والحاد يث في ف ضل ال صدقة كثيرة جدا ‪ ،‬و من كان سعيه للخرة ر غب في هذا‬
‫ورغب ‪ ،‬بال التوفيق ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬من دعاكم فأجيبوه هذا من حقوق المسلمين بعضهم على بعض ‪ :‬إجابة دعوة المسلم‬
‫‪ ،‬وتلك من أسباب اللفة والمحبة بين المسلمين ‪.‬‬
‫من صنع لكم معروفا فكافئون‬
‫قوله ‪ :‬ومعن صعنع إليكعم معروفا فكافئوه ندبهعم صعلى ال عليعه وسعلم على المكافأة على‬
‫المعروف ‪ ،‬فإن المكافأة على المعروف من المروءة التي يحبها ال ورسوله ‪ ،‬كما دل عليه هذا‬
‫الحديعث ول يهمعل المكافأة على المعروف إل اللئام معن الناس ‪ ،‬وبععض اللئام يكافىء على‬
‫الح سان بال ساءة ‪ ،‬ك ما ي قع كثيرا من بعض هم ‪ .‬ن سأل ال الع فو والعاف ية في الدن يا والخرة ‪،‬‬
‫بخلف حال أ هل التقوى واليمان فإن هم يدفعون ال سيئة بالح سنة طا عة ل ومح بة ل ما يح به ل هم‬
‫ويرضاه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ 96 : 23 ' :‬ع ‪ " ' 98‬ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما‬
‫يصعفون * وقعل رب أعوذ بعك معن همزات الشياطيعن * وأعوذ بعك رب أن يحضرون " وقال‬
‫تعالى ‪ " ' 35 ، 34 : 41 ' :‬ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم‬
‫* وما يلقاها إل الذين صبروا وما يلقاها إل ذو حظ عظيم " وهم الذين سبقت لهم من ال تعالى‬
‫السعادة ‪.‬‬

‫قوله ‪ :‬فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له أرشدهم صلى ال عليه وسلم إلى أن الدعاء في‬
‫حق من لم يجد المكافأة مكافأة للمعروف ‪ :‬فيدعو له على حسب معروفه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬تروا ع بضم التاء تظنوا ع أنكم قد كافأتموه ويحتمل أنها مفتوحة بمعنى تعلموا ‪.‬‬
‫ويؤيده ما في سنن أبي داود من حديث ابن عمر ‪ :‬حتى تعلموا فتعين الثاني للتصريح به ‪.‬‬
‫وفيه ‪ :‬من سألكم بال فأجيبوه أي إلى ما سأل ‪ .‬فيكون بمعنى ‪ :‬أعطوه ‪ ،‬وعند أبي داود في‬
‫رواية أبي نهيك عن ابن عباس ‪ :‬من سألكم بوجه ال فأعطوه وفي رواية عبيد ال القواريري‬
‫لهذا الحديث ومن سألكم بال كما في حديث ابن عمر ‪.‬‬

‫ل يسأل بوحه ال إل الجنة‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ل يسأل بوجه ال إل الجنة )‬
‫ذكر فيه حديث جابر ع رواه أبو داود عن جابر قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫‪ " :‬ل يسأل بوجه ال إل الجنة " ‪.‬‬
‫وهنا سؤال ‪ :‬وهو أنه قد ورد في دعاء النبي صلى ال عليه وسلم عند منصرفه من الطائف‬
‫حين كذبه أهل الطائف ومن في الطائف من أهل مكة ‪ ،‬فدعا النبي صلى ال عليه وسلم بالدعاء‬
‫المأثور ‪ " :‬اللهعم إليعك أشكعو ضععف قوتعي ‪ ،‬وقلة حيلتعي ‪ ،‬وهوانعي على الناس ‪ .‬أنعت رب‬
‫الم ستضعفين وأنت ر بي ‪ ،‬إلى من تكل ني ؟ إلى بع يد يتجهم ني ‪ ،‬أو إلى عدو ملكته أمري ؟ إن‬
‫لم يك ب كل غ ضب علي فل أبالي ‪ ،‬غ ير أن عافي تك هي أو سع لي " و في آخره ‪ " :‬أعوذ بنور‬
‫وج هك الذي أشر قت له الظلمات و صلح عل يه أ مر الدن يا والخرة ‪ .‬أن ي حل على غض بك ‪ ،‬أو‬
‫ينزل بي سخطك ‪ .‬لك العتبي حتى ترضى ول حول ول قوة إل بال " ‪ .‬والحديث المروي في‬
‫الذكار ‪ " :‬الل هم أ نت أ حق من ذ كر وأ حق من ع بد ع و في آخره ع أعوذ بنور وج هك الذي‬
‫أشرقت له السموات والرض " وفي حديث آخر ‪ " :‬أعوذ بوجه ال الكريم ‪ ،‬وباسم ال العظيم‬
‫وبكلما ته التا مة من شر ال سامة والل مة ‪ ،‬و من شر ما خل قت ‪ ،‬أي رب ‪ ،‬و من شر هذا اليوم‬
‫و من شر ما بعده ‪ ،‬و من شر الدن يا والخرة " ‪ .‬وأمثال ذلك في الحاد يث المرفو عة بال سانيد‬
‫الصحيحة أو الحسان ‪.‬‬
‫فالجواب ‪ :‬أن ما ورد من ذلك فهو في سؤال ما يقرب إلى الجنة أو ما يمنعه من العمال‬
‫التعي تمنععه من الجنعة ‪ ،‬فيكون قعد سأل بوجعه ال وبنور وج هه ما يقرب إلى الجنعة ك ما في‬
‫الحديث الصحيح ‪ " :‬اللهم إن أسألك الجنة وما يقرب إليها من قول وعمل ‪ ،‬وأعوذ بك من النار‬
‫و ما يقرب إلي ها من قول وع مل " بخلف ما يخ تص بالدن يا ك سؤال المال والرزق وال سعة في‬
‫المعيشة رغبة في الدنيا ‪ ،‬مع قطع النظر عن كونه أراد بذلك ما يعينه على عمل الخرة ‪ .‬فل‬
‫ر يب أن الحد يث يدل على الم نع من أن ي سأل حوائج دنياه بو جه ال ‪ .‬وعلى هذا فل تعارض‬
‫بين الحاديث ‪ .‬كما ل يخفى ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫وحديث الباب من جملة الدلة المتواترة في الكتاب والسنة على إثبات الوجه ل تعالى ‪ .‬فإنه‬
‫صفة كمال ‪ :‬و سلبه غا ية الن قص والت شبيه بالناق صات ‪ .‬ك سلبهم جم يع ال صفات أو بعض ها ‪.‬‬
‫فوقعوا في أعظم مما فروا منه ‪ .‬تعالى ال عما يقول الظالمون علوا كبيرا ‪ .‬وطريقة أهل السنة‬
‫والجما عة سلفا وخلفا ‪ .‬اليمان ب ما وصف ال به نف سه في كتابه ووصفه به ر سوله صلى ال‬
‫عليه وسلم في سنته على ما يليق بجلل ال وعظمته ‪ ،‬فيثبتون له ما أثبته لنفسه في كتابه وأثبته‬
‫له ر سوله صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬وينفون ع نه مشاب هة المخلوق ‪ .‬فك ما أن ذات الرب ل تش به‬
‫الذوات فصفاته كذلك ل تشبه الصفات ‪ ،‬فمن نفاها فقد سلبه الكمال ‪.‬‬

‫ما جاء في اللهو‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء في اللهو )‬
‫أي من الوعيد والنهي عنه عند المور المكرو هة ‪ ،‬كالمصائب إذا جرى ب ها القدر ل ما فيه‬
‫من الشعار بعد الصبر والسى على ما فات ‪ ،‬مما ل يمكن استدراكه ‪ ،‬فالواجب التسليم للقدر ‪،‬‬
‫والقيام بالعبودية الواجبة وهو الصبر على ما أصاب العبد مما يكره ‪ .‬واليمان بالقدر أصل من‬
‫أ صول اليمان ال ستة ‪ .‬وأد خل الم صنف رح مه ال أداة التعر يف على لو وهذه في هذا المقام‬
‫ل تفيد تعريفا كنظائرها ‪ ،‬لن المراد هذا اللفظ كما قال الشاعر ‪:‬‬
‫شديدا بأعباء الخلفة كأهله‬ ‫رأيت الوليد بن اليزيد مباركا‬
‫وقوله ‪ :‬وقول ال عز وجل ‪ " ' 154 : 3 ' :‬يقولون لو كان لنا من المر شيء ما قتلنا‬
‫هاهنا " ‪.‬‬
‫قال بعض المنافقين يوم أحد ‪ ،‬لخوفهم وجزعهم وخورهم ‪.‬‬
‫قال بن إ سحاق ‪ :‬فحدث ني يح يى بن عباد بن ع بد ال بن الزب ير عن أب يه عن ع بد ال ا بن‬
‫الزب ير قال ‪ :‬قال الزب ير ‪ :‬ل قد رأيت ني مع ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ح ين اش تد الخوف‬
‫علي نا أرسل ال علينا النوم ‪ .‬ف ما م نا ر جل إل ذق نه في صدره ‪ ،‬قال ‪ :‬فو ال إني ل سمع قول‬
‫معتب بن قشير ما أسمعه إل كالحلم ‪ :‬لو كان لنا من المر شئ ما قتلنا ها هنا ‪ .‬فحفظتها منه ‪،‬‬
‫وفي ذلك أنزل ال عز وجل ‪ " :‬يقولون لو كان لنا من المر شيء ما قتلنا هاهنا " لقول معتب‬
‫رواه ابن أبي حاتم ‪ .‬قال ال تعالى ‪ " :‬قل لو كنتم في بيوتكم لبرز الذين كتب عليهم القتل إلى‬
‫مضاجعهم " أي هذا قدر مقدر من ال عز وجل وحكم حتم لزم ل محيد عنه ول مناص منه ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " ' 96 : 3 ' :‬الذين قالوا لخوانهم وقعدوا لو أطاعونا ما قتلوا " الية ‪.‬‬
‫قال العماد ا بن كث ير ‪ :‬الذ ين قالوا لخوان هم ‪ ،‬وقعدوا ‪ :‬لو أطاعو نا ما قتلوا أي لو سمعوا‬
‫مشورتنا عليهم بالقعود وعدم الخروج ما قتلوا مع من قتل ‪ .‬قال ال تعالى ‪ " :‬قل فادرؤوا عن‬
‫أنفسكم الموت إن كنتم صادقين " أي إذا كان القعود يسلم به الشخص من القتل والموت ‪ ،‬فينبغي‬
‫ل كم أن ل تموتوا ‪ ،‬والموت ل بد آت إلي كم ‪ ،‬ولو كن تم في بروج مشيدة ‪ ،‬فادفعوا عن أنف سكم‬
‫الموت إن كنتم صادقين ‪ .‬قال مجاهد عن جابر بن عبد ال ‪ :‬نزلت هذه الية في عبد ال بن‬
‫أبعي وأصعحابه يعنعي أنعه هعو الذي قال ذلك ‪ .‬وأخرج البيهقعي ععن أنعس أن أبعا طلحعة قال ‪:‬‬
‫غشي نا النعاس ون حن في م صافنا يوم أ حد ‪ ،‬فج عل ي سقط سيفي وآخذه وي سقط وآخذه ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫والطائفة الخرى ع المنافقون ع ليس لها هم إل أنفسهم ‪ ،‬أجبن قوم ‪ ،‬وأرعبه ‪ ،‬وأخذله للحق "‬
‫يظنون بال غير الحق ظن الجاهلية " إنما هم أهل ريب وشك بال عز وجل ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قد أهمت هم أنف سهم يع ني ل يغشا هم النعاس عن القلق والجزع والخوف ‪ " :‬يظنون‬
‫بال غير الحق ظن الجاهلية " ‪.‬‬

‫ابن تيمية ‪ :‬كلمه على القدر‬


‫قال شيخ السلم رحمه ال ‪ :‬لما ذكر ما وقع من عبد ال بن أبي في غزوة أحد قال ‪ :‬فلما‬
‫انخذل يوم أ حد وقال ‪ :‬يدع رأ يي ورأ يه ويأ خذ برأي ال صبيان ؟ أو ك ما قال ‪ ...‬انخذل م عه‬
‫خلق كث ير ‪ ،‬كان كث ير من هم لم ينا فق ق بل ذلك ‪ .‬فأولئك كانوا م سلمين وكان مع هم إيمان ‪ ،‬هو‬
‫الضوء الذي ضرب ال به المثل ‪ .‬فلو ماتوا قبل المحنة والنفاق لماتوا على السلم‪ ،‬ولم يكونوا‬
‫معن المؤمنيعن حقا الذيعن امتحنوا فثبتوا على المحنعة ‪ ،‬ول معن المنافقيعن حقا الذيعن ارتدوا ععن‬
‫اليمان بالمح نة ‪ .‬وهذا حال كث ير من الم سلمين في زمان نا أو أكثر هم إذا ابتلوا بالمح نة ال تي‬
‫يتضعضع فيها أهل اليمان ينقص إيمانهم كثيرا وينافق كثير منهم ‪ .‬ومنهم من يظهر الردة إذا‬
‫كان العدو غالبا ‪ ،‬وقد رأينا من هذا ورأى غيرنا من هذا ما فيه عبرة ‪ .‬وإذا كانت العافية ‪ ،‬أو‬
‫كان المسلمون ظاهرين على عدوهم كانوا مسلمين ‪ ،‬وهم مؤمنون بالرسل باطنا وظاهرا ‪ ،‬لكنه‬
‫إيمان ل يث بت على المح نة ‪ ،‬ولهذا يك ثر في هؤلء ترك الفرائض وانتهاك المحارم وهؤلء من‬
‫الذين قالوا ‪ :‬آمنا ‪ ،‬فقيل لهم ‪ " :‬لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل اليمان في قلوبكم " أي‬
‫اليمان المطلق الذي أهله هععم المؤمنون حقا ‪ ،‬فإن هذا هععو اليمان إذا أطلق فععي كتاب ال‬
‫تعالى ‪ ،‬ك ما دل عل يه الكتاب وال سنة‪ ،‬فلم يح صل ل هم ر يب ع ند الم حن ال تي تقل قل اليمان في‬
‫القلوب ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقد رأينا من هذا ورأى غيرنا ما فيه عبرة ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ون حن كذلك رأي نا من ذلك ما ف يه عبرة ع ند غل بة العدو ‪ ،‬من إعانت هم العدو على‬
‫المسلمين ‪ ،‬والطعن في الدين ‪ ،‬وإظهار العداوة والشماتة ‪ ،‬وبذل الجهد في إطفاء نور السلم ‪،‬‬
‫وذهاب أهله ‪ ،‬وغير ذلك مما يطول ذكره ‪ .‬وال المستعان ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬في الصحيح أي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي ال عنه أن رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم قال ‪ :‬احرص ع الحديث ‪.‬‬
‫اختصر المصنف رحمه ال هذا الحديث ‪ ،‬وتمامه ‪ :‬عن النبي صلى ال عليه وسلم أنه قال‬
‫‪ " :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى ال من المؤمن الضعيف ‪ ،‬وفي كل خير ‪ .‬اخرص على ما‬
‫ينفعك " أي في معاشك ومعادك ‪ .‬والمراد الحرص على فعل السباب التي تنفع العبد في دنياه‬
‫وأخراه مما شرعه ال تعالى لعباده من السباب الواجبة والمستحبة والمباحة ‪ ،‬ويكون العبد في‬
‫حال فعله السبب مستعينا بال وحده دون كل ما سواه ليتم له سببه وينفعه ‪ .‬ويكون اعتماده على‬
‫ال تعالى في ذلك ‪ ،‬لن ال تعالى هو الذي خلق السبب والمسبب ‪ ،‬ول ينفعه سبب إل إذا نفعه‬
‫ال به ‪ ،‬فيكون اعتماده في ف عل ال سبب على ال تعالى ‪ .‬فف عل ال سبب سنة ‪ ،‬والتو كل على ال‬
‫توحيد ‪ .‬فإذا جمع بينهما تم له مراده بإذن ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول تعجزن النون نون التأكيعد الخفيفعة ‪ .‬نهاه صعلى ال عليعه وسعلم ععن العجعز‬
‫وذ مه ‪ ،‬والع جز مذموم شرعا وعقلً ‪ ،‬و في الحد يث ‪ " :‬الك يس من دان نف سه وع مل ل ما ب عد‬
‫الموت ‪ ،‬والعا جر من أت بع نف سه هوا ها وتم نى على ال الما ني " فأرشده صلى ال عل يه و سلم‬
‫في هذا الحديث إذا أصابه ما يكره أن ل يقول ‪ :‬لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا ‪ .‬ولكن يقول ‪:‬‬
‫قدر ال ومعا شاء فععل ‪ ،‬أي هذا قدر ال والواجعب التسعليم للقدر ‪ ،‬والرضعى بعه ‪ ،‬واحتسعاب‬
‫الثواب عليه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فإن لو تفتعح عمعل الشيطان أي معا فيعه معن التأسعف على معا فات والتحسعر ولوم‬
‫القدر ‪ ،‬وذلك ينافي الصبر والرضى ‪ ،‬والصبر واجب ‪ ،‬واليمان بالقدر فرض ‪ ،‬قال تعالى ‪' :‬‬
‫‪ " ' 23 ، 22 : 57‬ما أصاب من مصيبة في الرض ول في أنفسكم إل في كتاب من قبل أن‬
‫نبرأها إن ذلك على ال يسير * لكي ل تأسوا على ما فاتكم ول تفرحوا بما آتاكم وال ل يحب‬
‫كل مختال فخور " ‪.‬‬
‫قال أمير المؤمنين على بن أ بي طالب ر ضي ال ع نه ‪ :‬الصبر من اليمان بمنزلة الرأس‬
‫من الجسد وقال المام أحمد ‪ :‬ذكر ال الصبر في تسعين موضعا من القرآن ‪.‬‬
‫قال شيخ السلم رحمه ال ع وذكر حديث الباب بتمامه ع ثم قال في معناه ‪ :‬ل تعجز عن‬
‫مأمور ‪ ،‬ول تجزع عن مقدور ‪ ،‬ومن الناس من يجمع كل الشرين ‪ ،‬فأمر النبي صلى ال عليه‬
‫وسلم بالحرص على النافع والستعانة بال ‪ ،‬والمر يقتضي الوجوب ‪ ،‬وإل فالستحباب ‪ ،‬ونهى‬
‫عن العجز وقال ‪ :‬إن ال يلوم على العجز والعاجز ضد الذين هم ينتصرون فالمر بالصبر‬
‫والنهي عن العجز مأمور به في مواضع كثيرة ‪ ،‬وذلك لن النسان بين أمرين ‪ :‬أمر أمر بفعله‬
‫‪ ،‬فعليه أن يفعله ويحرص عليه ويستعين ال ول يعجز ‪ ،‬وأمر أصيب به من غير فعله ‪ .‬فعليه‬
‫أن يصعبر عليعه ول يجزع منعه ‪ ،‬ولهذا قال بععض العقلء عع ابعن المقفعع أو غيره عع المور‬
‫أمران ‪ :‬أمر فيه حيلة فل تعجز عنه ‪ ،‬وأمر ل حيلة فيه فل تجزع منه ‪ .‬وهذا في جميع المور‬
‫لكن عند المؤمن ‪ :‬الذي فيه حيلة هو ما أمره ال به ‪ ،‬وأحبه له ‪ .‬فإن ال لم يأمره إل بما فيه‬
‫حيلة له ‪ ،‬إذ ل يكلف ال نفسا إل وسعها ‪ ،‬وقد أمره بكل خير له فيه حيلة ‪ .‬وما ل حيلة له فيه‬
‫ما أصيب به من غير فعله ‪ .‬واسم الحسنات والسيئات يتناول قسمين ‪ :‬فالفعال مثل قوله تعالى‬
‫‪ " ' 160 : 6 ' :‬من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها ومن جاء بالسيئة فل يجزى إل مثلها " ومثل‬
‫قوله تعالى ‪ " ' 7 : 17 ' :‬إن أحسنتم أحسنتم لنفسكم وإن أسأتم فلها " ومثل قوله تعالى ‪42 ' :‬‬
‫‪ " ' 81 : 2‬بلى من ك سب سيئة‬ ‫‪ " ' 40 :‬وجزاء سيئة سيئة مثل ها " وم ثل قوله تعالى ‪' :‬‬
‫وأحاطت به خطيئته " إلى آيات كثيرة من هذا الجنس وال أعلم ‪.‬‬
‫والقسم الثاني ‪ :‬ما يجري على العبد بغير فعله من النعم والمصائب ‪ .‬كما قال تعالى ‪: 4 ' :‬‬
‫‪ " ' 79‬ما أصابك من حسنة فمن ال وما أصابك من سيئة فمن نفسك " والية قبلها ‪ ،‬فالحسنة‬
‫في هاتين اليتين ‪ :‬النعم‪ ،‬والسيئة ‪ :‬المصائب ‪ ،‬هذا هو الثاني من القسمين ‪.‬‬
‫وأظن شيخ السلم رحمه ال ذكره في هذا الموضع ولعل الناسخ أسقطه وال أعلم ‪.‬‬
‫ثم قال رحمه ال ‪ :‬فإن النسان ليس مأمورا أن ينظر إلى القدر عندما يؤمر به من الفعال‬
‫ول كن عند ما يجري عل يه الم صائب ال تي ل حيلة له في دفع ها ‪ ،‬ف ما أ صابك بف عل الدمي ين أو‬
‫بغير فعلهم فاصبر عليه وارض وسلم ‪ .‬قال تعالى ‪ " ' 11 : 64 ' :‬ما أصاب من مصيبة إل‬
‫بإذن ال ومن يؤمن بال يهد قلبه " ولهذا قال آدم لموسى ‪ :‬أتلومني على أمر قدره ال على قبل‬
‫أن أخلق بأربعين سنة ؟ فحج أدم موسى لن موسى قال له ‪ :‬لماذا أخرجتنا ونفسك من الجنة‬
‫فلمه على المصيبة التي حصلت بسبب فعله ‪ ،‬ل لجل كونها ذنبا ‪ .‬وأما كونها لجل الذنب ع‬
‫ك ما يظ نه طوائف من الناس ع فل يس مرادا بالحد يث ‪ ،‬فإن آدم عل يه ال سلم كان قد تاب من‬
‫الذنب ‪ .‬والتائب من الذنب كمن ل ذنب له ‪ .‬ول يجوز لوم التائب باتفاق الناس ‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال ‪ :‬فتضمن هذا الحديث أصولً عظيمة من أصول اليمان ‪.‬‬
‫أحدها ‪ :‬أن ال سبحانه موصوف بالمحبة وأنه يحب حقيقة ‪ .‬الثاني ‪ :‬أنه يحب مقتضى أسمائه‬
‫وصفاته وما يوافقها ‪ ،‬فهو القوي ويجب المؤمن القوي ‪ ،‬وهو وتر ويحب الوتر ‪ ،‬وجميل يحب‬
‫الجمال ‪ ،‬وعليم يحب العلماء ‪ ،‬ونظيف يحب النظافة ‪ ،‬ومؤمن يحب المؤمنين ‪ ،‬ومحسن يحب‬
‫المحسنين ‪ ،‬وصابر يحب الصابرين ‪ ،‬وشاكر يحب الشاكرين ‪.‬‬
‫ومنها أن محبته للمؤمنين تتفاضل ‪ ،‬فيحب بعضهم أكثر من بعض ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن سعادة النسان في حرصه على ما ينفعه في معاشه ومعاده ‪ ،‬والحرص هو بذل‬
‫الجهد واستفراغ الوسع ‪ .‬فإذا صادف ما ينتفع به الحريص كان حرصه محمودا وكماله كله في‬
‫مجموع هذين المرين‪ :‬أن يكون حريصا وأن يكون حرصه على ما ينتفع به‪ ،‬فإن حرص على‬
‫ما ل ينفعه أو فعل ما ينفعه من غير حرص فإنه من الكمال بقدر ما فاته من ذلك ‪ ،‬فالخير كله‬
‫في الحرص على ما ينفع ‪.‬‬
‫ول ما كان حرص الن سان وفعله إن ما هو بمعو نة ال ومشيئ ته وتوفي قه أمره أن ي ستعين بال‬
‫ليجت مع له مقام ‪ " :‬إياك نع بد وإياك ن ستعين " فإن حر صه على ما ينف عه عبادة ل تعالى ‪ .‬ول‬
‫يتم إل بمعونته فأمره أن يعبده وأن يستعين به ‪ .‬فالحريص على ما ينفعه ‪ ،‬المستعين بال ضد‬
‫العا جز ‪ ،‬فهذا إرشاد له ق بل وقوع المقدور إلى ما هو أع ظم أ سباب ح صوله ‪ ،‬و هو الحرص‬
‫عليه مع الستعانة بمن أزمة المور بيده ومصدرها منه ومردها إليه ‪.‬‬
‫فإن فاته ما لم يقدر له فله حالتان ‪ :‬عجز ‪ .‬وهو مفتاح عمل الشيطان ‪ ،‬فيلقيه العجز إلى لو‬
‫ول فائدة من لو هه نا بل هي مفتاح اللوم والع جز وال سخط وال سف والحزن ‪ ،‬وذلك كله من‬
‫عمل الشيطان فنهاه صلى ال عليه وسلم عن افتتاح عمله بهذا الفتتاح ‪ ،‬وأمره بالحالة الثانية ‪.‬‬
‫وهي النظر إلى القدر وملحظته وأنه لو قدر له لم يفته ولم يغلبه عليه أحد ‪ ،‬فلم يبق له ها هنا‬
‫أنفع من شهود القدر ومشيئة الرب النافذة التي توجب وجوب المقدور ‪ ،‬وإن انتفت امتنع وجوده‬
‫‪ ،‬ولهذا قال ‪ :‬فإن غلبك أمر فل تقل ‪ :‬لو أني فعلت كذا وكذا ولكن قل ‪ :‬قدر ال وما شاء فعل‬
‫فأرشده إلى معا ينفععه فعي الحالتيعن ‪ :‬حال حصعول المطلوب ‪ ،‬وحالة فواتعه ‪ ،‬فلهذا كان هذا‬
‫الحد يث م ما ل ي ستغنى ع نه الع بد أبدا ‪ ،‬بل هو أ شد إل يه ضرورة ‪ ،‬و هو يتض من إثبات القدر‬
‫والكسب والختيار والقيام بالعبودية ظاهرا وباطنا في حالتي المطلوب وعدمه ‪ ،‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫النهي عن سب الريح وما يقول عند هياج الريح‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( النهي عن سب الريح )‬
‫قوله ‪ :‬عن أبي بن كعب رضي ال عنه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬ل تسبوا‬
‫الريح فإذا رأيتم ما تكرهون فقولوا‪ :‬اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها ‪ ،‬وخير ما‬
‫أمرت به ‪ ،‬ونعوذ بك من شر هذه الريح وشر ما فيها وشر ما أمرت به " ‪ .‬صححه الترمذي‬
‫‪.‬‬

‫لنها ع أي الريح ع إنما تهب عن إيجاد ال تعالى وخلقه لها وأمره ‪ .‬لنه هو الذي أوجدها‬
‫وأمر ها ‪ ،‬فم سبتها م سبة للفا عل ‪ ،‬و هو ال سبحانه ‪ .‬ك ما تقدم في الن هي عن سب الد هر وهذا‬
‫يشبهه ‪ ،‬ول يفعله إل أهل الجهل بال ودينه وبما شرعه لعباده ‪ ،‬فنهى صلى ال عليه وسلم أهل‬
‫اليمان عما يقوله أهل الجهل والجفاء وأرشدهم إلى ما يجب أن يقال عند هبوب الرياح فقال ‪:‬‬
‫إذا رأيتم ما تكرهون فقولوا ‪ :‬اللهم إنا نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها وخير ما أمرت‬
‫به يعني إذا رأيتم ما تكرهون من الريح إذا هبت فارجعوا إلى ربكم بالتوحيد وقولوا " اللهم إنا‬
‫نسألك من خير هذه الريح وخير ما فيها ‪ ،‬وخير ما أمرت به ‪ .‬ونعوذ بك من شر هذه الريح‬
‫وشر ما فيها وشر ما أمرت به " ففي هذا عبودية ل وطاعة له ولرسوله ‪ ،‬واستدفاع للشرور به‬
‫‪ ،‬وتعرض لفضله ونعمته وهذه حال أهل التوحيد واليمان ‪ ،‬خلفا لحال أهل الفسوق والعصيان‬
‫الذين حرموا ذوق طعم التوحيد الذي هو حقيقة اليمان ‪.‬‬

‫ما يقول عند هياج الريح‬

‫قول ال " يظنون بال غير الحق ظن الجاهلية "‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 154 : 3 ' :‬يظنون بال غ ير ال حق ظن الجاهل ية يقولون هل ل نا من‬
‫المر من شيء قل إن المر كله ل " الية ‪.‬‬
‫وهذه الية ذكرها ال في سياق قوله تعالى في ذكر وقعة أحد " ثم أنزل عليكم من بعد الغم‬
‫أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم " يعني أهل اليمان والثبات والتوكل الصادق ‪ ،‬وهم الجازمون بأن‬
‫ال تعالى ينصر رسوله صلى ال عليه وسلم وينجز له مأموله ‪ ،‬ولهذا قال‪ " :‬وطائفة قد أهمتهم‬
‫أنفسعهم " يعنعي ل يغشاهعم النعاس معن الجزع والقلق والخوف " يظنون بال غيعر الحعق ظعن‬
‫الجاهلية " كما قال تعالى ‪ " ' 12 : 48 ' :‬بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم‬
‫أبدا وزيعن ذلك فعي قلوبكعم وظننتعم ظعن السعوء وكنتعم قوما بورا " وهكذا هؤلء اعتقدوا أن‬
‫المشرك ين ل ما ظهروا تلك ال ساعة ظنوا أن ها الفي صلة ‪ ،‬وأن ال سلم قد باد وأهله ‪ .‬وهذا شأن‬
‫أهل الريب والشك إذا حصل أمر من المور الفظيعة تحصل لهم هذه المور الشنيعة ‪ ،‬عن ابن‬
‫جريج قال ‪ :‬قيل لعبد ال بن أبي ‪ :‬قتل بنو الخزرج اليوم ؟ قال ‪ :‬وهل لنا من المور من شئ‬
‫؟ ‪.‬‬

‫قول بن القيم ‪ :‬في ظن السوء بال والذين يظنونه‬


‫قال العلمة ابن القيم رحمه ال تعالى في الكلم على ما تضمنته وقعة أحد ‪ :‬وقد فسر هذا‬
‫الظن الذي ل يليق بال سبحانه بأنه ل ينصر رسوله ‪ ،‬وأن أمره سيضمحل وأنه يسلمه للقتل ‪،‬‬
‫وفسر بظنهم أن ما أصابهم لم يكن بقضاء ال وقدره ول حكمة له فيه ‪ .‬ففسر بإنكار الحكمة ‪.‬‬
‫وإنكار القدر ‪ ،‬وإنكار أن يتم أمر رسول ال صلى ال عليه وسلم وأن يظهره على الدين كله ‪.‬‬
‫وهذا هو ظن السوء الذي ظنه المنافقون والمشركون في سورة الفتح حيث يقول ‪" ' 6 : 48 ' :‬‬
‫ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بال ظن السوء عليهم دائرة السوء‬
‫وغضب ال عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا " وإنما كان هذا هو ظن السوء وظن‬
‫الجاهلية ع وهو المنسوب إلى أهل الجهل ع وظن غير الحق ‪ ،‬لنه ظن غير ما يليق بأسمائه‬
‫الح سنى و صفاته العل يا وذا ته ال مبرأة من كل ع يب و سوء ‪ ،‬وخلف ما يل يق بحكم ته وحمده‬
‫وتفرده بالربوبية واللهية ‪ ،‬وما يليق بوعده الصادق الذي ل يخلفه ‪ ،‬وبكلمته التي سبقت لرسله‬
‫أنه ينصرهم ول يخذلهم ‪ .‬ولجنده بأنهم هم الغالبون ‪ .‬فمن ظن به أنه ل ينصر رسله ول يتم‬
‫أمره ول يؤيده ويؤيد حزبه ويعليهم ويظفرهم بأعدائهم ويظهرهم ‪ ،‬وأنه ل ينصر دينه وكتابه ‪،‬‬
‫وأنعه يديعل الشرك على التوحيعد ‪ ،‬والباطعل على الحعق إدالة مسعتقرة ‪ ،‬يضمحعل معهعا التوحيعد‬
‫والحق اضمحللً ل يقوم بعده أبدا ‪ .‬فقد ظن بال ظن السوء ‪ ،‬ونسبه إلى خلف ما يليق بجلله‬
‫وكماله وصعفاته ونعوتعه ‪ ،‬فإن حمده وعزتعه وحكمتعه وإلهيتعه تأبعى ذلك وتأبعى أن يذل حزبعه‬
‫وجنده ‪ ،‬وأن تكون النصرة المستقرة والظفر الدائم لعدائه المشركين به العادلين به ‪ .‬فمن ظن‬
‫به ذلك ف ما عر فه ول عرف أ سماءه ول عرف صفاته وكماله ‪ .‬وكذلك من أن كر أن يكون ذلك‬
‫بقضاءه وقدره ‪ .‬فما عرفه ولعرف ربوبيته وملكه وعظمته ‪ .‬وكذلك من أنكر أن يكون قدر ما‬
‫قدره من ذلك وغيره لحكمة بالغة وغاية محمودة يستحق الحمد عليها ‪ ،‬وأن ذلك إنما صدر عن‬
‫مشيئة مجردة عن حكمته وغاية مطلوبة هي أحب إليه من فواتها ‪ .‬وأن تلك السباب المكروهة‬
‫له المفضية إليها ‪ ،‬ل يخرج تقديرها عن الحكمة ‪ ،‬لفضائها إلى ما يحب وإن كانت مكروهة له‬
‫‪ ،‬فما قدرها سدى ول شاءها عبثا ول خلقها باطلً ‪ " ' 27 : 48' :‬ذلك ظن الذين كفروا فويل‬
‫للذين كفروا من النار " ‪.‬‬
‫وأك ثر الناس يظنون بال غ ير ال حق ظن ال سوء في ما يخ تص ب هم ‪ ،‬وفي ما يفعله بغيره ‪ ،‬ول‬
‫يسلم من ذلك إل من عرف ال وعرف أسمائه وصفاته ‪ ،‬وعرف موجب حكمته وحمده ‪ .‬فمن‬
‫قنط من رحمته وأيس من روحه فقد ظن به ظن السوء ‪ .‬ومن جوز عليه أن يعذب أولياءه مع‬
‫إحسانهم وإخلصهم ويسوى بينهم وبين أعدائه فقد ظن به ظن السوء ‪ .‬ومن ظن أن يترك خلقه‬
‫سدى معطلين عن المر والنهي ‪ ،‬ل يرسل إليهم رسله ول ينزل عليهم كتبه بل يتركهم هملً‬
‫كالنعام فقد ظن به ظن السوء ‪ ،‬ومن ظن أنه لن يجمع عبيده بعد موتهم للثواب والعقاب في‬
‫دار يجازى المحسن فيها بإحسانه والمسيء بإساءته ‪ ،‬ويبين لخلقه حقيقة ما اختلفوا فيه ويظهر‬
‫للعالمين كلهم صدقه وصدق رسله ‪ ،‬وأن أعداءه كانوا هم الكاذبين فقد ظن به ظن السوء ‪ .‬ومن‬
‫ظن أنه يضيع عليه عمله الصالح الذي عمله خالصا لوجهه على امتثال أمره ‪ ،‬ويبطله عليه بل‬
‫سعبب معن العبعد ‪ ،‬وأنعه يعاقعب بمعا ل صعنع له فيعه ول اختيار له ول قدرة ول إرادة له فعي‬
‫حصعوله ‪ ،‬بعل يعاقبعه على فعله هعو سعبحانه بعه ‪ ،‬أو ظعن بعه أنعه يجوز عليعه أن يؤيعد أعداءه‬
‫الكاذبين عليه بالمعجزات التي يؤيد بها أنبياءه ورسله ويجريها على أيديهم ليضلوا بها عباده ‪،‬‬
‫وأ نه يح سن م نه كل شئ ح تى تعذ يب من أف نى عمره في طاع ته فيخلده في الجح يم في ا سفل‬
‫ال سافلين ‪ ،‬وين عم من ا ستنفذ عمره في عداو ته وعداوة ر سله ودي نه فيرف عه إلى أعلى علي ين ‪،‬‬
‫وكل المريعن فعي الحسعن عنده سعواء ‪ ،‬ول يعرف امتناع أحدهمعا ووقوع الخعر إل بخعبر‬
‫صادق ‪ ،‬وإل فالعقل ل يقضي بقبح أحدهما وحسن الخر ‪ .‬فقد ظن به ظن السوء ‪.‬‬
‫ومن ظن أنه أخبر عن نفسه وصفاته وأفعاله بما ظاهره باطل وتشبيه وتمثيل ‪ ،‬وترك الحق‬
‫لم يخبر به وإنما رمز إليه رموزا بعيدة ‪ ،‬وأشار إليه إشارة ملغزة ولم يصرح به وصرح دائما‬
‫بالت شبيه والتمث يل والبا طل ‪ ،‬وأراد من خل قه أن يتعبوا أذهان هم وقوا هم وأفكار هم في تحر يف‬
‫كلمعه ععن مواضععه ‪ ،‬وتأويله على غيعر تأويله ‪ ،‬ويتطلبوا له وجوه الحتمالت المسعتكرهة‬
‫والتأويلت التي هي باللغاز والحاجي أشبه منها بالكشف والبيان ‪ ،‬وأحالهم في معرفة أسمائه‬
‫وصفاته على عقولهم وآرائهم ل على كتابه ‪ .‬بل أراد منهم أل يحملوا كلمه على ما يعرفونه‬
‫من خطابهم ولغتهم ‪ ،‬مع قدرته على أن يصرح لهم بالحق الذي ينبغي التصريح به ‪ ،‬ويريحهم‬
‫من اللفاظ التي توقعهم في اعتقاد الباطل فلم يفعل ‪ ،‬بل سلك بهم خلف طريق الهدى والبيان ‪.‬‬
‫فقد ظن به ظن السوء ‪ ،‬فإنه إن قال ‪ :‬إنه غير قادر على التعبير عن الحق باللفظ الصريح الذي‬
‫عبر به هو وسلفه فقد ظن بقدرته العجز ‪ ،‬وإن قال إنه قادر ولم يبين ‪ ،‬وعدل عن البيان وعن‬
‫التصريح بالحق إلى ما يوهم ‪ ،‬بل يوقع في الباطل المحال والعتقاد الفاسد ‪ .‬فقد ظن بحكمته‬
‫ورحمته ظن السوء ‪.‬‬
‫و من ظن أ نه هو و سلفه عبروا عن ال حق ب صريحه دون ال ور سوله ‪ .‬وأن الهدى وال حق‬
‫في كلم هم وعبارات هم وأ ما كلم ال فإن ما يؤ خذ من ظاهره الت شبيه والتمث يل والضلل وظا هر‬
‫كلم المتهوكين والحيارى هو الهدى والحق فهذا أسوأ الظن بال ‪.‬‬
‫فكل هؤلء من الظانين بال ظن السوء ومن الظانين بال غير الحق ظن الجاهلية ‪.‬‬
‫ومن ظن به أن يكون في ملكه ما ل يشاء ول يقدر على إيجاده وتكوينه ‪ ،‬فقد ظن بال ظن‬
‫السوء ‪.‬‬
‫ومن ظن أنه كان معطلً من الزل إلى البد عن أن يفعل ‪ ،‬ول يوصف حينئذ بالقدرة على‬
‫الفعل ثم صار قادرا عليه بعد أن لم يكن قادرا ‪ ،‬فقد ظن به ظن السوء ‪.‬‬
‫ومن ظن أنه ل يسمع ول يبصر ول يعلم الموجودات ‪ ،‬ول عدد السموات ول النجوم ‪ ،‬ول‬
‫بنعي آدم وحركاتهعم وأفعال هم ‪ ،‬ول يعلم شيئا من الموجودات في العيان ‪ ،‬ف قد ظعن ب هم ظعن‬
‫السوء ‪.‬‬
‫و من ظن به أ نه ل سمع له ول ب صر ول علم ول إرادة ‪ ،‬ول كلم يقوم به ‪ ،‬وأ نه ل يكلم‬
‫أحدا من الخلق ول يتكلم أبدا ‪ ،‬ول قال ‪ ،‬ول يقول ‪ ،‬ول له أمر ول نهي يقوم به ‪ ،‬فقد ظن بهم‬
‫ظن السوء ‪.‬‬
‫ومن ظن به أنه ليس فوق سمواته على عر شه بائن من خلقه ‪ ،‬وأن نسبة ذاته إلى عرشه‬
‫كنسبتها إلى أسفل سافلين ‪ ،‬وإلى المكنة التي يرغب عن ذكرها ‪ ،‬وأنه أسفل كما أنه أعلى ‪،‬‬
‫وأنه من قال ‪ :‬سبحان ربي السفل كان كمن قال ‪ :‬سبحان ربي العلى ‪ .‬فقد ظن به أقبح الظن‬
‫وأسوأه ‪.‬‬
‫ومعن ظعن أنعه يحعب الكفعر والفسعوق والعصعيان ‪ ،‬ويحعب الفسعاد كمعا يحعب اليمان والبر‬
‫والطاعة والصلح ز فقد ظن به ظن السوء ‪.‬‬
‫ومن ظن به أنه ل يحب ول يرضى ‪ ،‬ول يغضب ول يسخط ‪ ،‬ول يوالي ول يعادي ‪ ،‬ول‬
‫يقرب من أحد من خلقه ‪ ،‬ول يقرب منه أحد ‪ .‬وأن ذوات الشياطين في القرب من ذاته كذوات‬
‫الملئكة المقربين وأوليائه المفلحين ‪ .‬فقد ظن به ظن السوء ‪.‬‬
‫ومن ظن به أنه يسوي بين المتضادين ‪ ،‬أو يفرق بين المتساويين من كل وجه ‪ ،‬أو يحبط‬
‫طاعات الع مر المد يد الخال صة ال صواب ب كبيرة واحدة تكون بعد ها ‪ ،‬فيخلد فا عل تلك الطاعات‬
‫في الجحيم أبد البدين بتلك الكبيرة ‪ ،‬ويحبط بها جميع طاعاته ويخلده في العذاب كما يخلد من‬
‫لم يؤمن به طرفة عين ‪ ،‬واستنفذ ساعات عمره في مساخطة ومعاداة رسله ودينه ‪ ،‬فقد ظن به‬
‫ظن السوء ‪.‬‬
‫ومعن ظعن بعه أن له ولدا أو شريكا ‪ ،‬أو أن أحدا يشفعع عنده بدون إذنعه ‪ ،‬أو أن بينعه وبيعن‬
‫خل قه و سائط يرفعون حوائج هم إل يه ‪ ،‬وأ نه ن صب لعباده أولياء من دو نه يتقربون ب هم إل يه ‪،‬‬
‫ويتوصلون بهم إليه ‪ ،‬ويجعلونهم وسائط بينه وبينهم ‪ ،‬فيدعونهم ويخافونهم ويرجونهم فقد ظن‬
‫به أقبح الظن وأسوأه ‪.‬‬
‫ومن ظن به أنه ينال ما عنده بمعصيته ومخالفته ‪ ،‬كما يناله بطاعته والتقرب إليه ‪ ،‬فقد ظن‬
‫به خلف حكمته وخلف موجب أسمائه وصفاته وهو من ظن السوء ‪.‬‬
‫و من ظن به أ نه إذا ترك شيئا من أجله لم يعو ضه خيرا م نه ‪ ،‬أو من ف عل شيئا لجله لم‬
‫يعطه أفضل منه ‪ ،‬فقد ظن به ظن السوء ‪.‬‬
‫ومن ظن به أنه يغضب على عبده ويعاقبه ويحرمه بغير جرم ول سبب من العبد إل بمجرد‬
‫المشيئة ومحض الرادة فقد ظن به ظن السوء ‪.‬‬
‫ومن ظن به أنه إذا صدقه في الرغبة والرهبة وتضرع إليه وسأله واستعان به وتوكل عليه‬
‫أنه يخيبه ول يعطيه ما سأله ‪ ،‬فقد ظن به ظن السوء ‪ .‬وظن به خلف ما هو أهله ‪.‬‬
‫و من ظن أ نه يثي به إذا ع صاه ك ما يثي به إذا أطا عه ‪ ،‬و سأله ذلك في دعائه ‪ ،‬ف قد ظن به‬
‫خلف ما تقتضيه حكمته وحمده ‪ ،‬وخلف ما هو أهله وما ل يفعله ‪.‬‬
‫ومن ظن به أنه إذا أغضبه وأسخطه وأوضع في معاصيه ثم اتخذ من دونه أولياء ودعا من‬
‫دونه ملكا أو بشرا حيا أو ميتا يرجو بذلك أن ينفعه عند ربه ويخلصه من عذابه ‪ ،‬فقد ظن به‬
‫ظن السوء ‪.‬‬
‫فأكثر الخلق بل كلهم ع إل من شاء ال ع يظنون بال غيره الحق وظن السوء ‪ ،‬فإن غالب‬
‫بني آدم يعتقد أنه مبخوس الحق ناقص الحظ ‪ ،‬وأنه يستحق فوق ما شاءه ال وأعطاه ‪ .‬ولسان‬
‫حاله يقول ‪ :‬ظلم ني ر بي ومنع ني ما أ ستحقه ونف سه تش هد عل يه بذلك ‪ ،‬و هو بل سانه ينكره ول‬
‫يتجا سر على الت صريح به ‪ .‬و من ف تش نف سه وتغل غل في معر فة طوايا ها رأي ذلك في ها كامنا‬
‫كمون النار في الزناد ‪ ،‬فاقدح زناد من شئت ينبئك شراره عما في زناده ‪ ،‬ولو فتشت من فتشت‬
‫لرأ يت عنده تعنتا وتعتبا على القدر ومل مة له واقتراحا عل يه خلف ما جرى به ‪ ،‬وإ نه كان‬
‫ينبغي أن يكون كذا وكذا ‪ .‬فمستقل ومستكثر ‪ ،‬وفتش نفسك هل أنت سالم من ذلك ؟‬
‫وإل فإني ل إخالك ناجيا‬ ‫فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة‬
‫فليعتن اللبيب الناصح لنفسه بهذا الموضع ‪ ،‬وليتب إلى ال ويستغفره في كل وقت من ظنه‬
‫بربه ظن السوء ‪ ،‬وليظن السوء بنفسه التي هي مادة كل سوء ومنبع كل شر ‪ ،‬المركبة على‬
‫الجهل والظلم ‪ .‬فهي أولى بظن السوء من أحكام الحاكمين ‪ ،‬وأعدل العادلين ‪ ،‬وأرحم الراحمين‬
‫الغ ني الحم يد ‪ ،‬الذي له الغ ني التام ‪ ،‬والح مد التام ‪ ،‬والحك مة التا مة ‪ ،‬المنزه عن كل سوء في‬
‫ذاته وصفاته وأفعاله وأسمائه ‪ ،‬فذاته لها الكمال المطلق من كل وجه وصفاته كذلك وأفعاله كلها‬
‫حكمة ومصلحة ورحمة وعدل ‪ ،‬وأسماؤه كلها حسنى ‪.‬‬
‫فإن ال أولى بالجميل‬ ‫فل تظنن بربك ظن سوء‬
‫فكيف بظالم جان جهول‬ ‫ول تظنن بنفسك قط خيرا‬
‫أترجو الخير من ميت بخيل‬ ‫وقل ‪ :‬يا نفس مأوى كل سوء‬
‫كذاك وخيرها كالمستحيل‬ ‫وظن بنفسك السوأى تجدها‬
‫فتلك مواهب الرب الجليل‬ ‫وما بك من تقي فيها وخير‬
‫من الرحمن فاشكر للدليل‬ ‫وليس لها ول منها ولكن‬
‫قوله ‪ " :‬الظانين بال ظن ال سوء " قال ا بن جر ير في تف سيره " ويعذب المنافقين والمنافقات‬
‫والمشركين والمشركات الظانين بال ظن السوء " الظانين بال أنه لن ينصرك وأهل اليمان بك‬
‫على أعدائك ‪ ،‬ولن يظ هر كلم ته فيجعل ها العل يا على كل مة الكافر ين به ‪ .‬وذلك كان ال سوء من‬
‫ظنونهعم التعي ذكرهعا ال فعي هذا الموضعع ‪ .‬يقول تعالى ذكره ‪ :‬على المنافقيعن والمنافقات‬
‫والمشركين والمشركات الذين ظنوا هذا الظن دائرة السوء ‪ .‬يعني دائرة العذاب تدور عليهم به‬
‫‪ .‬واختلف القراء في قراءة ذلك ‪ :‬فقرأته عامة قراء الكوفة دائرة السوء بفتح السين ‪ .‬وقرأ‬
‫بعض قراء البصرة دائرة السوء بالضم ‪ .‬وكان الفراء يقول ‪ :‬الفتح أفشى في السين ‪ .‬وقل ما‬
‫تقول العرب دائرة السوء بضم السين ‪.‬‬
‫وقوله ‪ " :‬وغضب ال عليهم ولعنهم " يعني ونالهم ال بغضب منه ولعنهم ‪ .‬يقول ‪ :‬وأبعدهم‬
‫فأقصاهم من رحمته " وأعد لهم جهنم " يقول ‪ :‬وأعد لهم جهنم يصلونها يوم القيامة " وساءت‬
‫ل يصعير إليعه هؤلء المنافقون والمنافقات والمشركون‬
‫مصعيرا " يقول ‪ :‬وسعاءت جهنعم منز ً‬
‫والمشركات ‪.‬‬
‫عن‬
‫عن والمنافقات والمشركيع‬
‫عه ال تعالى ‪ " :‬ويعذب المنافقيع‬
‫عر رحمع‬
‫عن كثيع‬
‫وقال العماد ابع‬
‫والمشركات الظانيعن بال ظعن السعوء " أي يتهمون ال فعي حكمعه ويظنون بالرسعول صعلى ال‬
‫عليه وسلم وأصحابه أن يقتلوا ويذهبوا بالكلية ‪ .‬ولهذا قال تعالى ‪ " :‬عليهم دائرة السوء " وذكر‬
‫في معنى الية الخرى نحوا مما ذكره ابن جرير رحمهما ال تعالى ‪:‬‬
‫قوله ‪ :‬قال ا بن الق يم رح مه ال تعالى الذي ذكره الم صنف في الم تن قدم ته لندرا جه في‬
‫كلمه الذي سقته من أوله إلى آخره‪.‬‬
‫ما جاء في منكري القدر‬
‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء في منكري القدر )‬
‫أي من الوعيد الشديد ونحو ذلك ‪.‬‬
‫أخرج أبو داود عن عبد العزيز بن أبي حازم عن أبيه عن ابن عمر رضي ال عنهما عن‬
‫ال نبي صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬القدر ية مجوس هذه ال مة ‪ ،‬إن مرضوا فل تعودو هم ‪ .‬وإن‬
‫ماتوا فل تشهدوهم " ‪.‬‬
‫وعن عمر مولى غفرة عن رجل من النصار عن حذيفة ع وهو ابن اليمان ع رضي ال‬
‫عنهما قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬لكل أمة مجوس ‪ ،‬ومجوس هذه المة الذين‬
‫يقولون ‪ :‬ل قدر ‪ ،‬من مات منهم فل تشهدوا جنازته ومن مرض منهم فل تعودوه ‪ ،‬وهم شيعة‬
‫الدجال ‪ ،‬وحق على ال أن يلحقهم بالدجال " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقول ابن عمر ‪ :‬والذي نفسي بيده ‪ ...‬إلخ حديث ابن عمر أخرجه مسلم وأبو داود‬
‫والترمذي والنسائي وابن ماجه عن يحيى بن يعمر قال ‪ :‬كان أول من تكلم في القدر بالبصرة‬
‫معبد الجهني ‪ ،‬فانطلقت أنا وحميد بن عبد الرحمن الحميري حاجين ‪ ،‬أو معتمرين ‪ .‬فقلنا ‪ :‬لو‬
‫لقينا أحدا من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فسألناه عما يقول هؤلء في القدر ؟ فوفق‬
‫ال تعالى لنا عبد ال بن عمر داخلً في الم سجد ‪ ،‬فاكتنفته أنا وصاحبي ‪ ،‬فظننت أن صاحبي‬
‫سيكل الكلم إلى ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أبا عبد الرحمن ‪ ،‬إنه قد ظهر قبلنا أناس يقرآون القرآن ‪ ،‬ويتقفرون‬
‫العلم يزعمون أن ل قدر ‪ ،‬وأن المر أنف ‪ ،‬فقال ‪ :‬إذا لقيت أولئك فأخبرهم أني منهم بريء ‪،‬‬
‫وأنهم مني برآء ‪ .‬والذي يحلف به عبد ال بن عمر لو أن لحدهم مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل‬
‫ال ما قبله ال منه ‪ ،‬حتى يؤمن بالقدر ‪ .‬ثم قال حدثني عمر بن الخطاب رضي ال عنه قال ‪" :‬‬
‫بينما نحن جلوس عند رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا طلع علينا رجل شديد بياض الثياب ‪،‬‬
‫شديد سواد الشعر ل يرى عليه أثر السفر ‪ ،‬ول يعرفه منا أحد ‪ .‬حتى جلس إلى النبي صلى ال‬
‫عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ‪ ،‬ووضع كفيه على فخذيه ‪ .‬وقال ‪ :‬يا محمد أخبرني عن‬
‫ال سلم ‪ .‬قال ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ :‬ال سلم أن تش هد أن ل إله إل ال وأن محمدا‬
‫ر سول ال ‪ ،‬وتق يم ال صلة ‪ ،‬وتؤ تي الزكاة ‪ ،‬وت صوم رمضان ‪ ،‬وت حج الب يت إن ا ستطعت إل يه‬
‫سبيلً ‪ .‬قال ‪ :‬صدقت ‪ .‬فعجبنا له يسأله ويصدقه ‪ .‬قال ‪ :‬فأخبرني عن اليمان ‪ .‬قال ‪ :‬أن تؤمن‬
‫بال وملئك ته وكت به ور سله واليوم ال خر ‪ ،‬وتؤ من بالقدر خيره وشره ‪ ،‬قال ‪ :‬صدقت ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فأخعبرني ععن الحسعان ‪ ،‬قال ‪ :‬أن تعبعد ال كأنعك تراه فإن لم تكعن تراه فإنعه يراك ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فأخبرني عن الساعة ‪ ،‬قال ‪ :‬ما المسؤول عنها بأعلم من السائل ‪ .‬قال ‪ :‬فأخبرني عن أماراتها‬
‫قال ‪ :‬أن تلد المعة ربتهعا وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون فعي البنيان ‪ .‬قال‬
‫فانطلق ‪ .‬فلبث ثلثا ‪ ،‬وفي رواية مليا ‪ ،‬ثم قال يا عمر أتدري من السائل ؟ قلت ‪ :‬ال ورسوله‬
‫أعلم ‪ ،‬قال ‪ :‬فإنه جبريل أتاكم يعلكم دينكم " ‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث أن اليمان بالقدر من أصول اليمان الستة المذكورة ‪ ،‬فمن لم يؤمن بالقدر‬
‫خيره وشره فقد ترك أصلً من أصول الدين وجحده ‪ ،‬فيشبه من قال ال فيهم ‪" ' 85 : 2 ' :‬‬
‫أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض " الية ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وعن عبادة قد تقدم ذكره في باب فضل التوحيد ‪ ،‬وحديثه هذا رواه أبو داود ورواه‬
‫المام أح مد بكماله قال حدث نا الح سن بن سوار حدث نا ل يث عن معاو ية عن أيوب بن زياد ‪،‬‬
‫حدث ني عبادة بن الول يد بن عبادة ث نى أ بي قال ‪ :‬دخلت على عبادة و هو مر يض أتخا يل ف يه‬
‫الموت ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا أبتاه أوصني واجتهد لي ‪ ،‬فقال ‪ :‬أجلسوني ‪ .‬قال ‪ :‬يا بني إنك لن تجد طعم‬
‫اليمان ‪ ،‬ولن تبلغ حقيقة العلم بال حتى تؤ من بالقدر خيره وشره ‪ ،‬قلت ‪ :‬يا أبتاه فكيف لي أن‬
‫أعلم معا خيعر القدر وشره ؟ قال ‪ :‬تعلم أن معا أخطأك لم يكعن ليصعيبك ‪ ،‬ومعا أصعابك لم يكعن‬
‫ليخطئك ‪ ،‬يا ب ني سمعت ر سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول ‪" :‬إن أول ما خلق ال القلم ‪،‬‬
‫فقال له ‪ :‬اكتب ‪ ،‬فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة ‪ .‬يا بني ‪ ،‬إن مت ولست‬
‫على ذلك دخلت النار "‪ .‬ورواه الترمذي ب سنده المت صل إلى عطاء بن أ بي رباح عن الول يد بن‬
‫عبادة عن أبيه ‪ ،‬وقال ‪ :‬حسن صحيح وغريب ‪.‬‬
‫وفعي هذا الحديعث ونحوه ‪ :‬بيان شمول علم ال تعالى وإحاطتعه بمعا كان ويكون فعي الدنيعا‬
‫والخرة ‪ ،‬كما قال تعالى‪ " '12 : 65 ' :‬ال الذي خلق سبع سماوات ومن الرض مثلهن يتنزل‬
‫المر بينهن لتعلموا أن ال على كل شيء قدير وأن ال قد أحاط بكل شيء علما " ‪.‬‬
‫وقد قال المام أحمد رحمه ال لما سئل عن القدر قال ‪ :‬القدر قدرة الرحمن واستحسن ابن‬
‫عقيل هذا من أحمد رحمه ال ‪.‬‬
‫والمعنى ‪ :‬أنه ل يمنع عن قدرة ال شئ ‪ .‬ونفاة القدر قد جحدوا كمال قدرة ال تعالى فضلوا‬
‫سواء ال سبيل ‪ .‬و قد قال ب عض ال سلف ‪ :‬ناظرو هم بالعلم ‪ ،‬فإن أقروا به خ صموا وإن جحدوه‬
‫كفروا ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬و في الم سند و سنن أ بي داود عن ا بن الديل مي و هو أ بو ب سر ع بال سين المهملة ‪،‬‬
‫وبالباء المضمومة ‪ .‬ويقال أبو بشر ع بالشين المعجمة وكسر الباء ع وبعضهم صحح الول ‪.‬‬
‫وإسمه عبد ال بن فيروز ‪ .‬ولفظ أبي داود قال ‪ :‬لو أن ال عذب أهل سمواته وأهل أرضه ‪،‬‬
‫عذبهم وهو غير ظالم لهم ‪ .‬ولو رحمهم لكانت رحمته خيرا لهم من أعمالهم ‪ .‬ولو أنفقت مثل‬
‫أحد ذهبا ما قبله ال منك حتى تؤ من بالقدر ‪ ،‬وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك‬
‫لم يكن ليصيبك ‪ ،‬ولو مت على غير هذا لكنت من أهل النار ‪ .‬قال ‪ :‬فأتيت عبد ال بن مسعود‬
‫فقال م ثل ذلك ثم أت يت حذي فة بن اليمان فقال م ثل ذلك ‪ ،‬قال ‪ :‬ثم أت يت ز يد بن ثا بت ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فحدثني عن النبي صلى ال عليه وسلم مثل ذلك وأخرجه ابن ماجه ‪.‬‬
‫وقال العماد ابن كثير رحمه ال ‪ :‬عن سفيان عن منصور عن ربعي بن حراش عن رجل‬
‫عن علي بن أبي طالب رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬ل يؤمن‬
‫ع بد حتى يؤ من بأربع ‪ :‬يشهد أن ل إله إل ال وأني ر سول ال بعث ني بالحق ‪ ،‬ويؤ من بالبعث‬
‫ب عد الموت ‪ ،‬ويؤ من بالقدر خيره وشره " وكذا رواه الترمذي عن الن ضر بن شم يل عن شع بة‬
‫عن منصور به ‪ .‬ورواه من حديث أبي داود الطياليسي عن شعبة عن ربعي عن على فذكره ‪.‬‬
‫وقد ثبت في صحيح مسلم من رواية عبد ال بن وهب وغيره عن أبي هانئ الخولني عن‬
‫أ بي عبد الرح من الحبلى عن ع بد ال بن عمرو قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عليه و سلم ‪" :‬‬
‫إن ال كتعب مقاديعر الخلئق قبعل أن يخلق السعموات والرض بخمسعين ألف سعنة عع زاد ابعن‬
‫وهب ع ‪ :‬وكان عرشه على الماء " رواه الترمذي وقال ‪ :‬حديث حسن غريب ‪.‬‬
‫وكل هذه الحاديث وما في معناها فيها الوعيد الشديد على عدم اليمان بالقدر وهي الحجة‬
‫على نفاة القدر من المعتزلة وغير هم ‪ .‬و من مذهب هم ‪ :‬تخل يد أ هل المعا صي في النار ‪ .‬وهذا‬
‫الذي اعتقدوه من أكبر الكبائر وأعظم المعاصي ‪.‬‬
‫وفي الحقيقة إذا اعتبرنا إقامة الحجة عليهم بما تواترت به نصوص الكتاب والسنة من إثبات‬
‫القدر فقد حكموا على أنفسهم بالخلود في النار إن لم يتوبوا ‪ .‬وهذا لزم لهم على مذهبهم هذا ‪،‬‬
‫وقعد خالفوا معا تواترت بعه أدلة الكتاب والسعنة معن إثبات القدر ‪ ،‬وعدم تخليعد أهعل الكبائر معن‬
‫الوحدين في النار ‪.‬‬

‫ما جاء في المصورين‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء في المصورين )‬
‫أي من عظيم عقوبة ال لهم وعذابه ‪.‬‬
‫وقعد ذكعر النعبي صعلى ال عليعه وسعلم العلة ‪ :‬وهعي المضاهاة بخلق ال ‪ ،‬لن ال تعالى له‬
‫الخلق والمعر ‪ ،‬فهعو رب كعل شعئ ومليكعه‪ ،‬وهعو خالق كعل شعئ وهعو الذي صعور جميعع‬
‫الخلوقات ‪ ،‬وج عل في ها الرواح ال تي تح صل ب ها الحياة ‪ ،‬ك ما قال تعالى ‪ " ' 7 : 32 ' :‬الذي‬
‫أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من طين * ثم جعل نسله من سللة من ماء مهين * ثم‬
‫سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والبصار والفئدة قليل ما تشكرون " فالمصور لما‬
‫صور الصورة على شكل ما خلقه ال تعالى من إنسان وبهيمة صار مضاهئا لخلق ال ‪ .‬فصار‬
‫ما صوره عذابا له يوم القيامة ‪ ،‬وكلف أن ينفخ فيها الروح وليس بنافخ ‪ .‬فكان أشد الناس عذابا‬
‫‪ ،‬لن ذنبه من أكبر الذنوب ‪.‬‬
‫فإن كان هذا فيمن صور صورة على مثال ما خلقه ال تعالى من الحيوان ‪ ،‬فكيف بحال من‬
‫سوى المخلوق برب العالمين وشبهه بخلقه ‪ ،‬وصرف له شيئا من العبادة التي ما خلق ال الخلق‬
‫إل ليعبدوه وحده بمعا ل يسعتحقه غيره معن كعل عمعل يحبعه ال معن العبعد ويرضاه ‪ .‬فتسعوية‬
‫المخلوق بالخالق بصرف حقه لمن ل يستحقه من خلقه ‪ ،‬وجعله شريكا له فيما اختص به تعالى‬
‫وتقدس ‪ ،‬وهو أعظم ذنب عصى ال تعالى به ‪ .‬ولهذا أرسل رسله وأنزل كتبه لبيان هذا الشرك‬
‫والنهي عنه ‪ ،‬وإخلص العبادة بجميع أنواعها ل تعالى ‪ .‬فنجى ال تعالى رسله ومن أطاعهم ‪.‬‬
‫وأهلك من جهل التوحيد ‪ ،‬واستمر على الشرك والتنديد ‪ ،‬فما أعظمه من ذنب‪116 : 48 : 4' :‬‬
‫' " إن ال ل يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " ' ‪ " ' 41 : 22‬ومن يشرك بال‬
‫فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق " ‪.‬‬

‫بعث على إلى اليمن لهدم القباب وطمس التماثيل والصور‬


‫قوله ‪ :‬ولمسلم عن أبي الهياج السدي ع حيان بن حصين ع قال ‪ :‬قال لي علي رضي ال‬
‫عنه هو أمير المؤمنين على بن أبي طالب رضي ال عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أل أبعثك على ما بعثني عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم ؟ أن ل تدع صورة إل‬
‫طمستها ول قبرا مشرفا إل سويته ‪.‬‬
‫فيه تصريح بأن النبي صلى ال عليه وسلم بعث عليا لذلك ‪ .‬أما الصور فلمضاهاتها لخلق‬
‫ال ‪ .‬وأما تسوية القبور فلما في تعليتها من الفتنة بأربابها وتعظيمها ‪ ،‬وهو من ذرائع الشرك‬
‫وو سائله ‪ .‬ف صرف اله مم إلى هذا وأمثاله من م صالح الد ين ومقا صده وواجبا ته ‪ .‬ول ما و قع‬
‫التساهل في هذه المور وقع المحذور ‪ ،‬وعظمت الفتنة بأرباب القبور ‪ ،‬وصارت محطا لرحال‬
‫العابدين المعظمين لها ‪ .‬فصرفوا لها جل العبادة ‪ :‬من الدعاء والستعانة والستغاثة ‪ ،‬والتضرع‬
‫لها ‪ ،‬والذبح لها ‪ ،‬والنذور ‪ ،‬وغير ذلك من كل شرك محظور ‪.‬‬

‫قول ابن القيم فيما ابتدعه الضالون من بدع القبور محادة ال ولرسوله‬
‫قال العل مة ا بن القيم رح مه ال ‪ :‬ومن ج مع ب ين سنة ر سول ال صلى ال عليه و سلم في‬
‫القبور وما أمر به ونهى عنه وما كان عليه أصحابه ‪ ،‬وبين ما عليه أكثر الناس اليوم ‪ .‬رأى‬
‫أحدهمعا مضادا للخعر ‪ ،‬مناقضا له بحيعث ل يجتمعان أبدا ‪ .‬فنهعى رسعول ال صعلى ال عليعه‬
‫وسلم عن الصلة إلى القبور ‪ ،‬وهؤلء يصلون عندها وإليها ‪.‬‬
‫ونهى عن اتخاذها مساجد ‪ ،‬وهؤلء يبنون عليها المساجد ‪ ،‬ويسمونها مشاهد مضاهاة لبيوت‬
‫ال ‪ .‬ونهى عن إيقاد السرج عليها وهؤلء يوقفون الوقوف على إيقاد القناديل عليها ‪ .‬ونهى عن‬
‫أن تت خذ عيدا ‪ ،‬وهؤلء يتخذون ها أعيادا ومنا سك ‪ ،‬ويجتمعون ل ها كاجتماعات هم للعيد أو أك ثر ‪.‬‬
‫وامر بتسويتها ‪ ،‬كما روى مسلم في صحيحه عن أبي الهياج السدي ع فذكر حديث الباب ع‬
‫وحديعث تمامعة بعن شفعي وهعو عنعد مسعلم أيضا قال ‪ :‬كنعا معع فضالة بعن عبيعد بأرض الروم‬
‫بدردس ‪ ،‬فتوفى صاحب لنا ‪ ،‬فأمر فضالة بقبره فسوى ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال‬
‫عليه وسلم يأمر بتسويتها وهؤلء يبالغون في مخالفة هذين الحديثين‪ ،‬ويرفعونها عن الرض‬
‫كالبيت ‪ ،‬ويعقدون عليها القباب ‪ .‬ونهى عن تجصيص القبر والبناء عليه ‪ .‬كما روى مسلم في‬
‫صحيحه عن جابر رضي ال ع نه قال ‪ :‬ن هى ر سول ال صلى ال عليه و سلم عن تجصيص‬
‫القبر وأن يعقد عليه ‪ ،‬وأن يبني عليه ونهى عن الكتابة عليها ‪ ،‬كما روى أبو داود في سننه ‪.‬‬
‫عن جابر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬نهى عن تجصيص القبور ‪ ،‬وأن يكتب عليها "‬
‫قال الترمذي ‪ :‬حديعث حسعن صعحيح ‪ .‬وهؤلء يتخذون عليهعا اللواح ‪ ،‬ويكتبون عليهعا القرآن‬
‫وغيره ‪ ،‬ون هى أن يزاد علي ها غ ير تراب ها ‪ .‬ك ما روى أ بو داود عن جابر أيضا أن ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم نهى أن يجصص القبر ‪ ،‬أو يكتب عليه ‪ ،‬أو يزاد عليه وهؤلء يزيدون‬
‫عليه الجر والجص والحجار ‪ .‬قال إبراهيم النخعي ‪ :‬كانوا يكرهون الجر على قبورهم ‪.‬‬
‫والمق صود ‪ :‬أن هؤلء المعظم ين للقبور المتخذين ها أعيادا ‪ ،‬الموقد ين علي ها ال سرج ‪ ،‬الذ ين‬
‫يبنون عليها المساجد والقباب مناقضون لما أمر به رسول ال صلى ال عليه وسلم محادون لما‬
‫جاء به ‪ ،‬وأع ظم ذلك اتخاذ ها م ساجد ‪ ،‬وإيقاد ال سرج علي ها ‪ .‬و هو من الكبائر ‪ .‬و قد صرح‬
‫الفقهاء من أصحاب أحمد وغيرهم بتحريمه ‪.‬‬
‫قال أبو محمد المقدسي ‪ :‬ولو أتيح اتخاذ السرج عليها لم يلعن من فعله ‪ .‬ولن فيه تضييعا‬
‫للمال في غ ير فائدة وإفراطا في تعظ يم القبور أش به تعظ يم بال صنام ‪ .‬قال ‪ :‬ول يجوز اتخاذ‬
‫المسعاجد على القبور لهذا الخعبر ‪ ،‬ولن النعبي صعلى ال عليعه وسعلم قال ‪ " :‬لععن ال اليهود‬
‫والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد ‪ .‬يحذر ما صنعوا " متفق عليه ‪ .‬ولن تخصيص القبور‬
‫بال صلة عند ها يش به تعظ يم ال صنام بال سجود ل ها والتقرب إلي ها ‪ ،‬و قد روي نا أن ابتداء عبادة‬
‫الصنام تعظيم الموات باتخاذ صورهم ‪ ،‬والتمسح بها والصلة عندها ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫و قد آل ال مر بهؤلء الضلل المشرك ين إلى أن شرعوا للقبور حجا ‪ .‬ووضعوا ل ها منا سك‬
‫حتى صنف بعض غلتهم في ذلك كتابا وسماه مناسك حج المشاهد مضاهاة منه القبور بالبيت‬
‫الحرام ‪ ،‬ول يخ فى أن هذا مفار قة لد ين ال سلم ‪ ،‬ودخول في د ين عباد ال صنام ‪ ،‬فان ظر إلى‬
‫هذا التباين العظيم بين ما شرعه رسول ال صلى ال عليه وسلم وقصده ‪ ،‬من النهي عما تقدم‬
‫ذكره في القبور ‪ ،‬وب ين ما شر عه وق صدوه ‪ ،‬ول ر يب أن في ذلك من المفا سد ما يع جز عن‬
‫حصره ‪.‬‬
‫فمن ها ‪ :‬تعظيم ها المو قع في الفتتان ب ها ‪ .‬ومن ها ‪ :‬اتخاذ ها أعيادا ‪ .‬ومن ها ال سفر إلي ها ‪.‬‬
‫ومن ها ‪ :‬مشاب هة عباد ال صنام ب ما يف عل عند ها من العكوف علي ها والمجاورة عند ها وتعل يق‬
‫السعتور عليهعا وسعدانتها ‪ ،‬وعبادهعا يرجحون المجاورة عندهعا على المجاورة عنعد المسعجد‬
‫الحرام ‪ ،‬ويرون سدانتها أف ضل من خد مة الم ساجد ‪ ،‬والو يل عند هم لقيم ها ليلة يطفىء القند يل‬
‫المعلق عليها ‪ .‬ومنها ‪ :‬النذر لها ولسدنتها ‪ .‬ومنها ‪ :‬اعتقاد المشركين فيها أن بها يكشف البلء‬
‫وين صر على العداء ‪ ،‬وي ستنزل غ يث ال سماء ‪ ،‬وتفرج الكروب ‪ ،‬وتق ضي الحوائج ‪ ،‬وين صر‬
‫المظلوم ‪ ،‬ويجار الخائف إلى غ ير ذلك ‪ .‬ومن ها ‪ :‬الدخول في لع نة ال ور سوله باتخاذ الم ساجد‬
‫عليها وإيقاد السرج عليها ‪ .‬ومنها ‪ :‬الشرك الكبر الذي يفعل عندها ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬إيذاء أصحابها بما يفعله المشركون بقبورهم ‪ .‬فإنهم يؤذيهم ما يفعل عند قبورهم ‪،‬‬
‫ويكرهو نه غا ية الكراه ية ‪ ،‬ك ما أن الم سيح عل يه ال سلم يكره ما يفعله الن صارى ع ند قبره ‪،‬‬
‫وكذلك غيره من النبياء والولياء والمشايخ يؤذيهم ما يفعله أشباه النصارى عند قبورهم ‪ .‬ويوم‬
‫القيامة يتبرأون منهم ‪ ،‬كما قال تعالى ‪ " ' 18 ، 17 : 25 ' :‬ويوم يحشرهم وما يعبدون من‬
‫دون ال فيقول أأنتم أضللتم عبادي هؤلء أم هم ضلوا السبيل * قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا‬
‫أن نتخذ من دونك من أولياء ولكن متعتهم وآباءهم حتى نسوا الذكر وكانوا قوما بورا " قال ال‬
‫تعالى للمشركين ‪ " :‬فقد كذبوكم بما تقولون " وقال تعالى ‪ " ' 116 : 5 ' :‬وإذ قال ال يا عيسى‬
‫ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون ال قال سبحانك ما يكون لي أن أقول‬
‫ما ل يس لي ب حق " ال ية وقال تعالى ‪ " ' 41 ، 40 : 34 ' :‬ويوم يحشر هم جمي عا ثم يقول‬
‫للملئكة أهؤلء إياكم كانوا يعبدون * قالوا سبحانك أنت ولينا من دونهم بل كانوا يعبدون الجن‬
‫أكثرهم بهم مؤمنون " ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬إماتة السنن وإحياء البدع ‪.‬‬
‫ومنهعا تفصعيلها على خيعر البقاع وأحبهعا إلى ال ‪ ،‬فإن عباد القبور يقصعدونها معع التعظيعم‬
‫والحترام والخشوع ورقة القلب ‪ ،‬والعكوف بالهمة على الموتى بما ل يفعلونه في المساجد ول‬
‫يحصل لهم فيها نظيره ول قريبا منه ‪.‬‬
‫ومنهعا ‪ :‬أن الذي شرععه الرسعول صعلى ال عليعه وسعلم عنعد زيارة القبور إنمعا هعو تذكعر‬
‫الخرة ‪ ،‬والحسعان إلى المزور بالدعاء له ‪ ،‬والترحعم عليعه ‪ ،‬والسعتغفار له ‪ .‬وسعؤال العافيعة‬
‫له ‪ ،‬فيكون الزائر محسنا إلى نفسه وإلى الميت ‪ .‬فقلب هؤلء المشركون المر وعكسوا الدين ‪،‬‬
‫وجعلوا المقصود بالزيارة الشرك بالميت ‪ ،‬ودعاءه والدعاء به ‪ ،‬وسؤالهم حوائجهم ‪ ،‬واستنزال‬
‫البركة منه ‪ ،‬ونصره لهم على العداء ‪ .‬ونحو ذلك ‪ .‬فصاروا مسيئين إلى أنفسهم وإلى الميت ‪.‬‬
‫وكان رسول ال صلى ال عليه وسلم قد نهى الرجال عن زيادة القبور سدا للذريعة فلما تمكن‬
‫التوح يد في قلوب هم أذن ل هم في زيارت ها على الو جه الذي شر عه ‪ ،‬ونها هم أن يقولوا هجرا ‪،‬‬
‫ومن أعظم الهجر ‪ :‬الشرك عندها قولً وفعلً ‪.‬‬
‫و في صحيح م سلم عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال صلى ال عل يه‬
‫وسلم " زوروا القبور ‪ ،‬فإنها تذكر الموت " وعن ابن عباس رضي ال عنهما قال ‪ :‬مر رسول‬
‫ال صلى ال عليه وسلم بقبور المدينة ‪ ،‬فأقبل عليهم بوجهه فقال ‪ ":‬السلم عليكم يأهل القبور ‪،‬‬
‫يغفر ال لنا ولكم ‪ ،‬أنتم سلفنا ونحن بالثر " رواه أحمد والترمذي وحسنه ‪.‬‬
‫فهذه الزيارة التي شرعها رسول ال صلى ال عليه وسلم لمته ‪ ،‬وعلمهم إياها ‪ ،‬هل تجد‬
‫في ها شيئا م ما يعتمده أ هل الشرك والبدع ؟ أم تجد ها مضادة ل ما هم عل يه من كل و جه ؟ و ما‬
‫أح سن ما قال مالك بن أ نس رح مه ال ‪ :‬لن ي صلح آ خر هذه ال مة إل ما أ صلح أول ها ول كن‬
‫كل ما ض عف تم سك ال مم بعهود أ نبيائهم ون قص إيمان هم عوضوا عن ذلك ب ما أحدثوه من البدع‬
‫والشرك ‪.‬‬
‫ولقد جرد السلف الصالح التوحيد وحموا جانبه ‪ ،‬حتى كان أحدهم إذا سلم على النبي صلى‬
‫ال عل يه و سلم ثم أراد الدعاء ا ستقبل القبلة ‪ ،‬وج عل ظهره إلى جدار ال قبر ثم د عا و نص على‬
‫ذلك الئمة الربعة ‪ :‬أنه يستقبل القبلة وقت الدعاء حتى ل يدعو عند القبر ‪ ،‬فإن الدعاء عبادة ‪.‬‬
‫و في الترمذي وغيره ‪ :‬الدعاء هو العبادة فجرد ال سلف العبادة ل ولم يفعلوا ع ند القبور من ها‬
‫إل ما أذن فيه رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬من الدعاء لصحابها والستغفار لهم والترحم‬
‫عليهعم ‪ .‬وأخرج أبعو داود ععن أبعي هريرة قال ‪ :‬قال رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم ‪ " :‬ل‬
‫تجعلوا بيوت كم قبورا ‪ ،‬ول تجعلوا قبري عيدا ‪ ،‬و صلوا علي فإن صلتكم تبلغ ني ح يث كن تم "‬
‫وإسناده جيد ورواته ثقات مشير ‪ .‬قوله ‪ :‬ل تجعلوا بيوتكم قبورا أي ل تعطلوها عن الصلة‬
‫فيهعا والدعاء والقراءة فتكون بمنزلة القبور فأمعر بتحري النافلة فعي البيوت ونهعى ععن تحريعر‬
‫النافلة عند القبور ‪ ،‬وهذا ضد ما عليه المشركون من النصارى وأشباههم ‪.‬‬
‫ثم إن في تعظيم القبور واتخاذها أعيادا من المفاسد العظيمة التي ل يعلمها إل ال ما يغضب‬
‫ال لجله كل من في قلبه وقار ال وغيرة على التوحيد وتهجين وتقبيح للشرك ‪ ،‬ولكن ما لجرح‬
‫بميت إيلم ‪.‬‬
‫فمن المفاسد ‪ :‬اتخاذها أعيادا والصلة إليها والطواف بها وتقبيلها واستلمها وتعفير الخدود‬
‫على ترابهعا وعبادة أصعحابها ‪ ،‬والسعتغاثة بهعم ‪ ،‬وسعؤالهم النصعر والرزق والعافيعة ‪ ،‬وقضاء‬
‫الد ين ‪ ،‬وتفر يج الكربات ‪ ،‬وإغاثة اللهفات وغير ذلك من أنواع الطلبات التي كان عباد الوثان‬
‫يسعألونها أوثانهعم ‪ .‬فلو رأيعت غلة المتخذيعن لهعا عيدا ‪ ،‬وقعد نزلوا ععن الكوار والدواب إذا‬
‫رأوهعا معن مكان بعيعد ‪ ،‬فوضعوا لهعا الجباه ‪ ،‬وقبلوا الرض ‪ ،‬وكشفوا الرؤوس ‪ ،‬وارتفععت‬
‫أ صواتهم ‪ ،‬بالضج يج ‪ ،‬وتباكوا ح تى ت سمع ل هم النش يج ‪ ،‬ورأو أن هم قد أربوا في الر بح على‬
‫الحجيج ‪ ،‬فاستغاثوا بمن ل يبديء ول يعيد ‪ ،‬ونادوا ولكن من مكان بعيد ‪ ،‬حتى إذا دنوا منها‬
‫صلوا عند القبر ركعتين ‪ ،‬ورأوا أنهم قد أحرزوا من الجر ول أجر من صلى إلى القبلتين !!‍‬
‫فتراهعم حول القعبر ركعا سعجدا يبتغون فضلً معن الميعت ورضوانا ‪ ،‬وقعد ملوا أكفهعم خيبعة‬
‫وخسرانا ‪.‬‬
‫فلغ ير ال ع بل الشيطان ع ما يراق هناك من العبرات ‪ ،‬ويرت فع من الصوات ‪ ،‬ويطلب‬
‫من الميت من الحاجات ‪ ،‬ويسأل من تفريج الكربات ‪ ،‬وإغاثة اللهفات ‪ ،‬وإغناء ذوي الفاقات ‪،‬‬
‫ومعافاة ذوي العاهات والبليات ‪ ،‬ثم انثنوا بعد ذلك حول القبر طائفين ‪ ،‬تشبيها له بالبيت الحرام‬
‫الذي جعله ال مباركا وهدى للعالم ين ‪ .‬ثم أخذوا في التقب يل وال ستلم ‪ .‬أرأ يت الح جر ال سود‬
‫وما يفعل به وفد البيت الحرام ‪ .‬ثم عفروا لديه تلك الجباه والخدود ‪ ،‬التي يعلم ال أنه لم تعفر‬
‫كذلك ب ين يد يه في ال سجود ‪ ،‬ثم كملوا منا سك حج ال قبر بالتق صير هناك والحلق وا ستمتعوا‬
‫بخلقهم من ذلك الوثن إذ لم يكن لهم عند ال من خلق ‪ ،‬وقد قربوا لذلك الوثن القرابين وكانت‬
‫صلتهم ون سكهم وقربان هم لغ ير ال رب العالم ين ‪ ،‬فلو رأيت هم يهنىء بعض هم بعضا ويقول ‪:‬‬
‫أجزل ال ل نا ول كم أجرا وافرا وحظا ‪ ،‬فإن رجعوا سألهم غلة المتخلف ين أن يبيع أحد هم ثواب‬
‫حجة القبر بحجة المتخلف إلى البيت الحرام ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ل ول بحجك كل عام ‪.‬‬
‫هذا ع ولم نتجاوز في ما حكيناه عن هم ‪ ،‬ول ا ستقصينا جم يع بدع هم وضلل هم ‪ ،‬إذ هي فوق‬
‫ما يخطر بالبال ‪ ،‬ويدور في الخيار ‪ ،‬وهذا مبدأ الصنام في قوم نوح كما تقدم ‪ .‬وكل من شم‬
‫أدنعى رائحعة معن العلم والفقعه يعلم أن معن أهعم المور ‪ ،‬سعد الذريععة إلى هذا المحظور ‪ .‬وأن‬
‫صاحب الشرع أعلم بعاق بة ما ن هى ع نه و ما يؤول إل يه ‪ ،‬وأح كم في نه يه ع نه وتوعده عل يه ‪،‬‬
‫وأن الخير والهدى في اتباعه وطاعته ‪ ،‬والشر والضلل في معصيته ومخالفته ‪ .‬ا هع كلمه‬
‫رحمه ال تعالى ‪.‬‬

‫ما جاء في كثرة الحلف‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء في كثرة الحلف )‬
‫أي من النهي عنه والوعيد ‪.‬‬
‫وقول ال تعالى ‪ " ' 98 : 5 ' :‬واحفظوا أيمانكم " ‪.‬‬
‫قال ابن جر ير ل تتركوها بغ ير تكفير ‪ .‬وذ كر غيره من المفسرين عن ا بن عباس ير يد ل‬
‫تحلفوا ‪ .‬وقال آخرون ‪ :‬احفظوا أيمانكعم ععن الحنعث فل تحنثوا ‪ .‬والمصعنف أراد معن اليعة‬
‫المع نى الذي ذكره ا بن عباس ‪ ،‬فإن القول ين متلزمان ‪ ،‬فيلزم من كثرة الحلف كثرة الح نث مع‬
‫ما يدل عليه من الستخفاف ‪ ،‬وعدم التعظيم ل ‪ ،‬وغير ذلك مما ينافى كمال التوحيد الواجب أو‬
‫عدمه ‪.‬‬
‫عن أبي هريرة رضي ال عنه قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول ‪ ":‬الحلف‬
‫منفقة للسلعة ممحقة للكسب " أخرجاه‪.‬‬
‫أي البخاري ومسلم ‪ .‬وأخرجه أبو داود والنسائي ‪ .‬والمعنى ‪ :‬أنه إذا حلف على سلعته أنه‬
‫أع طى في ها كذا وكذا ‪ ،‬أو أ نه اشترا ها بكذا وكذا ‪ ،‬و قد يظ نه المشتري صادقا في ما حلف عل يه‬
‫فيأخذها بزيادة على قيمتها ‪ ،‬والبائع كذاب وحلف طمعا في الزيادة ‪ ،‬فيكون قد عصى ال تعالى‬
‫‪ ،‬فيعا قب بم حق البر كة ‪ ،‬فإذا ذه بت بر كة ك سبه د خل عل يه من الن قص أع ظم من تلك الزيادة‬
‫ال تي دخلت عل يه ب سب حل فه ‪ ،‬ورب ما ذ هب ث من تلك ال سلعة رأ سا ‪ .‬و ما ع ند ال ل ينال إل‬
‫بطاعته وإن تزخرفت الدنيا للعاصي فعاقبتها اضمحلل وذهاب وعقاب ‪.‬‬

‫ثلث ل يكلهم ال‬


‫قوله ‪ :‬و عن سلمان ر ضي ال ع نه أن ر سول ال صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬ثل ثة ل‬
‫يكلمهعم ال ول يزكيهعم ولهعم عذاب أليعم ‪ :‬أشيمعط زان ‪ ،‬وعائل مسعتكبر ‪ ،‬ورجعل جععل ال‬
‫بضاعته ‪ ،‬ل يشتري إل بيمينه ‪ ،‬ول يبيع إل بيمينه " رواه الطبراني بسند صحيح ‪.‬‬
‫وسلمان لعله سلمان الفارسي أبو عبد ال ‪ ،‬أسلم مقدم النبي صلى ال عليه وسلم المدينة ‪،‬‬
‫وشهد الخندق ‪ ،‬روى عنه أبو عثمان النهدي وشرحبيل بن السمط وغيرهما ‪ .‬قال النبي صلى‬
‫ال عل يه و سلم ‪ ":‬سلمان م نا أ هل الب يت ‪ ،‬إن ال ي حب من أ صحابي أرب عة‪ :‬عليا ‪ ،‬وأ با ذر ‪،‬‬
‫و سلمان ‪ ،‬والمقداد " أخر جه الترمذي وا بن ما جه ‪ .‬قال الح سن ‪ :‬كان سلمان أميرا على ثلث ين‬
‫ألفا يخطب بهم في عباءة يفترش نصفها ويلبس نصفها ‪ .‬توفي في خلفة عثمان رضي ال عنه‬
‫‪ .‬قال أبو عبيده سنة ست وثلثين عن ثلثمائة وخمسين سنة ‪ .‬ويحتمل أنه سلمان بن عامر بن‬
‫أوس الضبي ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ثلثة ل يكلم هم ال ن فى كلم الرب تعالى وتقدس عن هؤلء الع صاة دليل على أن‬
‫يكلم من أطاعه ‪ .‬وأن الكلم صفة كماله ‪ .‬والدلة على ذلك من الكتاب والسنة أظهر شئ وأبينه‬
‫‪ .‬وهذا هو الذي عليه أهل السنة والجماعة من المحققين قيام الفعال بال سبحانه ‪ ،‬وأن الفعل‬
‫ي قع بمشيئ ته تعالى وقدر ته شيئا فشيئا ولم يزل مت صفا به ‪ .‬ف هو حادث الحاد قد يم النوع ‪ ،‬ك ما‬
‫يقول ذلك أئ مة أ صحاب الحد يث وغير هم من أ صحاب الشاف عي وأح مد و سائر الطوائف ‪ ،‬ك ما‬
‫قال تعالى ‪ " ' 82 : 36 ' :‬إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون " فأتى بالحروف الدالة‬
‫على الستقبال والفعال الدالة على الحال والستقبال أيضا ‪ .‬وذلك في القرآن كثير ‪.‬‬
‫قال شيعخ السعلم ابعن تيميعة رحمعه ال ‪ :‬فإذا قالوا لنعا يعنعي النفاة ‪ :‬فهذا يلزمعه أن تكون‬
‫الحوادث قائ مة به ‪ .‬قل نا ‪ :‬و من أن كر هذا قبلكم من ال سلف والئمة ؟ ون صوص القرآن وال سنة‬
‫تتضمن ذلك مع صريح العقل ‪ .‬ولفظ الحوادث مجمل ‪ ،‬فقد يراد به العراض والنقائص ‪ ،‬وال‬
‫تعالى منزه عن ذلك ع ول كن يقوم به ما يشاء من كل مه وأفعاله ون حو ذلك ‪ :‬م ما دل عل يه‬
‫الكتاب والسعنة ‪ .‬والقول الصعحيح ‪ :‬هعو قول أهعل العلم والحديعث الذيعن يقولون ‪ :‬لم يزل ال‬
‫متكلما إذا شاء ‪ ،‬كما قال ابن المبارك وأحمد بن حنبل وغيرهما من أئمة السنة ‪ ،‬ا هع ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ومعنى قيام الحوادث به تعالى ‪ :‬قدر ته علي ها وإيجاده ل ها بمشيئته وأمره ‪ .‬وال أعلم‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول يزكيهم ولهم عذاب أليم لما عظم ذنبهم عظمت عقوبتهم ‪ ،‬فعوقبوا بهذه الثلث‬
‫التي هي أعظم العقوبات ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬أشيمط زان صغره تحقيرا له وذلك لن داعي المعصية ضعف في حقه ‪ ،‬فدل على‬
‫أن الحامل له على الزنا ‪ :‬محبة المعصية والفجور ‪ ،‬وعدم خوفه من ال ‪ .‬وضعف الداعي إلى‬
‫المعصية مع فعلها يوجب تغليظ العقوبة عليه ‪ ،‬بخلف الشاب ‪ ،‬فإن قوة داعي الشهوة منه قد‬
‫تغلبه مع خوفه من ال ‪ ،‬وقد يرجع على نفسه بالندم ‪ ،‬ولومها على المعصية فينتهي ويراجع ‪.‬‬
‫وكذا العائل الم ستكبر ل يس له ما يدعوه إلى ال كبر ‪ ،‬لن الدا عي إلى ال كبر في الغالب كثرة‬
‫المال والنعم والريا سة ‪ .‬والعائل الفقير ل داعي له إلى أن يستكبر ‪ ،‬فاستكباره مع عدم الداعي‬
‫إل يه يدل على أن ال كبر طبيع له ‪ ،‬كا من في قل به ‪ ،‬فعظمت عقوب ته لعدم الدا عي إلى هذا الخلق‬
‫الذميم الذي هو من أكبر المعاصي ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ور جل ج عل ال بضاع ته بن صب ال سم الشر يف ‪ ،‬أي الحلف به ‪ ،‬جعله بضاع ته‬
‫لملزم ته له وغلب ته عل يه ‪ .‬وهذه أعمال تدل على أن صاحبها إن كان موحدا فتوحيده ضع يف‬
‫وأعماله ضعي فة بح سب ما قام بقل به وظ هر على ل سانه وعمله من تلك المعا صي العظي مة على‬
‫قلة الداعي إليها ‪ .‬نسأل ال السلمة والعافية ‪ ،‬نعوذ بال من كل عمل ل يحبه ربنا ول يرضاه‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفعي الصعحيح أي صعحيح مسعلم ‪ .‬وأخرجعه أبعو داود والترمذي ‪ ،‬ورواه البخاري‬
‫بلفظ خيركم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن عمران بن حصين رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫" خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم ‪ ،‬ثم الذين يلونهم ع قال عمران ‪ :‬فل أدري أذكر بعد قرنيه‬
‫مرتيعن أو ثلثا ؟ عع ثعم إن بعدكعم قوما يشهدون ول يسعتشهدون ‪ ،‬ويخونون ول يؤتمنون ‪،‬‬
‫وينذرون ول يوفون ‪ ،‬ويظهر فيهم السمن " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬خ ير أم تي قر ني لفضيلة أ هل ذلك القرن في العلم واليمان والعمال ال صالحة ال تي‬
‫يتنافس فيها المتنافسون ‪ ،‬ويتفاضل فيها العاملون ‪ ،‬فغلب الخير فيها وكثر أهله ‪ ،‬وقل الشر فيها‬
‫وأهله واعتز فيها السلم واليمان ‪ ،‬وكثر فيها العلم والعلماء ثم الذين يلونهم فضلوا على من‬
‫بعدهم لظهور السلم فيهم وكثرة الداعي إليه والراغب فيه والقائم به ‪ .‬وما ظهر فيه من البدع‬
‫أنكر وا ستعظم وأذيل ‪ ،‬كبد عة الخوارج والقدرية والرافضة ‪ ،‬فهذه البدع وإن كا نت قد ظهرت‬
‫فأهلها في غاية الذل والمقت والهوان والقتل فيمن عاند منهم ولم يتب ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فل أدري أذ كر ب عد قر نه مرت ين أو ثلثا هذا شك من راوي الحد يث عمران بن‬
‫حصعين رضعي ال عنعه ‪ .‬والمشهور فعي الروايات ‪ :‬أن القرون المفضلة ثلثعة ‪ ،‬الثالث دون‬
‫الول ين في الفضل ‪ ،‬لكثرة البدع ف يه ‪ ،‬لكن العلماء متوافرون وال سلم ف يه ظا هر والجهاد ف يه‬
‫قائم ‪ ،‬ثم ذكر ما وقع بعد القرون الثلثة من الجفاء في الدين ‪ ،‬وكثرة الهواء ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ثم إن بعد كم قوما يشهدون ول ي ستشهدون ل ستخفافهم بأ مر الشهادة وعدم تحري هم‬
‫الصدق ‪ ،‬وذلك لقلة دينهم وضعف إسلمهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ويخونون ول يؤتمنون يدل على أن الخيانعة قعد غلبعت على كثيعر منهعم أو أكثرهعم‬
‫وينذرون ول يوفون أي ل يؤدون معا وجعب عليهعم ‪ ،‬فظهور هذه العمال الذميمعة يدل على‬
‫ضعف إسلمهم وعدم إيمانهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ويظ هر في هم ال سمن لرغبتهم في الدنيا ‪ ،‬ونيل شهواتهم والتن عم ب ها ‪ ،‬وغفلت هم عن‬
‫الدار الخرة والع مل ل ها ‪ .‬و في حد يث أ نس ‪ " :‬ل يأ تي على الناس زمان إل والذي بعده شر‬
‫منه حتى تلقوا ربكم " قال أنس ‪ :‬سمعته من نبيكم صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فما زال الشر يزيد في‬
‫ال مة ح تى ظ هر الشرك والبدع في كث ير من هم ح تى في من ينت سب إلى العلم ويت صدر للتعل يم‬
‫والتصنيف ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬بعل قعد دعوا إلى الشرك والضلل والبدع ‪ ،‬وصعنفوا فعي ذلك نظما ونثرا فنعوذ بال‬
‫من موجبات غضبه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وف يه عن ا بن م سعود ر ضي ال ع نه أن ال نبي صلى ال عل يه و سلم قال ‪ " :‬خ ير‬
‫الناس قر نى ثم الذ ين يلون هم ‪ ،‬ثم الذ ين يلون هم ‪ ،‬ثم الذ ين يلون هم ‪ ،‬ثم يج يء قوم ت سبق شهادة‬
‫أحدهم يمينه ويمينه شهادته " ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذه حال من صرف رغب ته إلى الدن يا ون سى المعاد ‪ ،‬ف خف أ مر الشهادة واليم ين‬
‫عنده تحملً وأداء ‪ ،‬لقلة خو فه من ال وعدم مبال ته بذلك ‪ ،‬وهذا هو الغالب على الكثر ‪ .‬وال‬
‫المستعان ‪ .‬فإذا كان هذا قد وقع في صدر السلم الول فما بعده أكثر بأضعاف ‪ .‬فكان الناس‬
‫على حذر ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقال إبراه يم ع هو النخ عي ع كانوا يضربون نا على الشهادة والع هد ون حن صغار‬
‫وذلك لكثرة علم التابع ين ‪ ،‬وقوة إيمان هم ومعرفت هم برب هم ‪ ،‬وقيام هم بوظي فة ال مر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر ‪ ،‬لنه من أفضل الجهاد ول يقوم الدين إل به ‪ .‬وفي هذا رغبة في تمرين‬
‫الصغار على طاعة ربهم ونهيهم عما يضرهم ‪ .‬وذلك فضل ال يؤتيه من يشاء وال ذو الفضل‬
‫العظيم ‪.‬‬

‫ما جاء في ذمة ال وذمة نبيه‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء في ذمة ال وذمة نبيه )‬
‫وقول ال تعالى ‪ " ' 91 : 16 ' :‬وأوفوا بع هد ال إذا عاهد تم ول تنقضوا اليمان ب عد‬
‫توكيدها وقد جعلتم ال عليكم كفيل " الية ‪.‬‬
‫قال العماد بعن كثيعر ‪ :‬وهذا ممعا يأمعر ال تعالى بعه وهعو الوفاء بالعهود والمواثيعق ‪،‬‬
‫والمحاف ظة على اليمان المؤكدة ‪ .‬ولهذا قال ‪ " :‬ول تنقضوا اليمان ب عد توكيد ها " ول تعارض‬
‫ب ين هذا وقوله ‪ " :‬ول تجعلوا ال عر ضة ليمان كم " وب ين قوله ‪ " :‬ذلك كفارة أيمان كم إذا حلف تم‬
‫واحفظوا أيمانكم " أي ل تتركوها بل تكفير ‪ .‬وبين قوله صلى ال عليه وسلم في الصحيحين ‪" :‬‬
‫إ ني وال إن شاء ال ل أحلف على يم ين فأرى غير ها خيرا من ها إل أت يت الذي هو خ ير من ها‬
‫وتحللتها ع وفي رواية ع وكفرت عن يميني " ل تعارض بين هذا كله وبين الية المذكورة هنا‬
‫وهعي ‪ " :‬ول تنقضوا اليمان بععد توكيدهعا " لن هذه اليمان المراد بهعا الداخلة فعي العهود‬
‫والمواثيق ‪ ،‬ل اليمان الواردة على حث أو منع ‪ ،‬ولهذا قال مجاهد في هذه الية ‪ :‬يعني الحلف‬
‫أي حلف الجاهلية ‪ .‬ويؤيده ما رواه المام أحمد عن جبير بن مطعم قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عليه وسلم ‪ " :‬ل حلف في السلم ‪ ،‬وإنما حلف كان في الجاهلية لم يزده السلم إل شدة "‬
‫وكذا رواه مسلم ‪ ،‬ومعناه أن السلم ل يحتاج معه إلى الحلف الذي كان أهل الجاهلية يفعلونه‪،‬‬
‫فإن في التمسك بالسلم كفاية عما كانوا فيه ‪.‬‬
‫وقوله تعالى ‪ " :‬إن ال يعلم ما تفعلون " تهديد ووعيد لمن نقض اليمان بعد توكيدها ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬عن بريدة هو ابن الحصيب السلمي ‪ .‬وهذا الحديث من رواية ابنه سليمان عنه ‪.‬‬
‫قال في المفهم ‪.‬‬

‫وصايا النبي صلى ال عليه وسلم لقواد جيوشه بأن ل يغلوا ول يغدروا ول يقتلوا وليدا إلخ‬
‫قوله ‪ " :‬قال ‪ :‬كان رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم إذا أمعر أميرا على جيعش أو سعرية‬
‫أوصاه في خاصته بتقوى ال تعالى " فيه من الفقه تأمير المراء ووصيتهم ‪.‬‬
‫قال الحربعي ‪ :‬السعرية ‪ :‬الخيعل تبلغ أربعمائة ونحوهعا ‪ .‬والجيعش معا كان أكثعر معن ذلك ‪.‬‬
‫وتقوى ال ‪ :‬التحرز بطاعته من عقوبته ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وذلك بالعمل بما أمر ال به والنتهاء عما نهى عنه ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ومن معه من المسلمين خيرا أي ووصاه بمن معه أن يفعل معهم خيرا ‪ :‬من الرفق‬
‫بهم ‪ ،‬والحسان إليهم ‪ ،‬وخفض الجناح لهم ‪ ،‬وترك التعاظم عليهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬اغزوا باسم ال هذا أي اشرعوا في فعل الغزو مستعينين بال مخلصين له ‪ .‬قلت ‪:‬‬
‫فتكون الباء في بسم ال هنا للستعانة والتوكل على ال ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬قاتلوا من ك فر بال هذا العموم يش مل جم يع أ هل الك فر المحارب ين وغير هم ‪ .‬و قد‬
‫خصص منهم من له عهد والرهبان والنسوان ‪ ،‬ومن لم يبلغ الحلم ‪ ،‬وقد قال متصلً به ‪ :‬ول‬
‫تقتلوا وليدا وإنما نهى عن قتل الرهبان والنسوان لنه ل يكون منهم قتال غالبا ‪ .‬وإن كان منهم‬
‫قتال أو تدبير قتلوا ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وكذلك الذراري والولد ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ول تغلوا ول تغدروا ول تمثلوا الغلو ‪ :‬الخذ من الغنيمة من غير قسمتها ‪ .‬الغدر‬
‫نقض العهد ‪ .‬والتمثيل هنا التشويه بالقتيل ‪ ،‬كقطع أنفه وأذنه والعبث به ‪ .‬ول خلف في تحريم‬
‫الغلو والغدر ‪ .‬وفي كراهية المثلة ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإذا لق يت عدوك من المشرك ين فادع هم إلى ثلث خلل أو خ صال الروا ية بال شك‬
‫وهو من بعض الرواة ‪ .‬ومعنى الخلل والخصال واحد ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فأيت هن ما أجابوك فاق بل من هم و كف عن هم قيدناه ع من يو ثق بعل مه وتقييده بن صب‬
‫أيتهنعلى أن يعمل فيها أجابوك ل على إسقاط حرف الجر ‪ .‬وما زائدة ‪ .‬ويكون تقدير الكلم ‪:‬‬
‫فإلى أيتهن أجابوك فاقبل منهم ‪ .‬كما تقول ‪ :‬جئتك إلى كذا وفي كذا ‪ .‬فيعدى إلى الثاني بحرف‬
‫جر ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فيكون فعي ناصعب أيتهعن وجهان ‪ :‬ذكرهمعا الشارح ‪ .‬الول ‪ :‬منصعوب على‬
‫الشتغال ‪ .‬والثاني ‪ :‬على نزع الخافض ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ثم ادع هم إلى ال سلم كذا وق عت الروا ية في جم يع ن سخ كتاب م سلم ثم ادع هم‬
‫بزيادة ثم والصواب إسقاطها ‪ .‬كما روى في غير كتاب مسلم ‪ .‬كمصنف أبي داود ‪ ،‬وكتاب‬
‫الموال لبي عبيد ‪ .‬لن ذلك هو إبتداء تفسير الثلث خصال ‪.‬‬
‫وقوله ‪ :‬ثعم ادعهعم إلى التحول إلى دار المهاجريعن يعنعي المدينعة ‪ .‬وكان فعي أول المعر‬
‫وجوب الهجرة إلى المدي نة على كل من د خل في ال سلم ‪ .‬وهذا يدل على أن الهجرة واج بة‬
‫على كل من آمن من أهل مكة وغيرهم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فإن أبوا أن يتحولوا يع ني أن من أ سلم ولم يها جر ولم يجا هد ل يع طي من الخ مس‬
‫ول من الفيء شيئا ‪ .‬وقد أخذ الشافعي رحمه ال بالحديث في العراب ‪ ،‬فلم ير لهم من الفيء‬
‫شيئا ‪ .‬إن ما ل هم ال صدقة المأخوذة من أغنيائ هم فترد على فقرائ هم‪ .‬ك ما أن أ هل الجهاد وأجناد‬
‫الم سلمين ل حق ل هم في ال صدقة عنده ‪ ،‬وم صرف كل مال في أهله ‪ .‬و سوى مالك رح مه ال‬
‫وأبو حنيفة رحمه ال بين المالين ‪ ،‬وجوزا صرفهما للضعيف ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬فإن هم أبوا فاسألهم الجزية فيه حجة لمالك وأصحابه والوزاعي في أخذ الجزية‬
‫من كل كافر ‪ :‬عربيا كان أو غيره ‪ ،‬كتابيا كان أو غيره ‪ .‬وذهب أبو حنيفة رحمه ال إلى أنها‬
‫تؤخذ من الجميع إل من مشركي العرب ومجوسهم ‪ .‬وقال الشافعي ل تؤخذ إل من أهل الكتاب‬
‫عربا كانوا أو عجما ‪ .‬وهو قول المام أحمد في ظاهر مذهبه ‪ ،‬وتؤخذ من المجوس ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬لن النبي صلى ال عليه وسلم أخذها منهم ‪ .‬وقال ‪ " :‬سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ‪.‬‬
‫وقد اختلفوا في القدر المفروض من الجزية ‪ :‬فقال مالك ‪ :‬أربعة دنانير على أهل الذهب ‪،‬‬
‫وأربعون درهما على أ هل الورق ‪ .‬و هل ين قص من ها الضع يف أو ل ؟ قولن ‪ .‬قال الشاف عي ‪:‬‬
‫فيعه دينار على الغنعي والفقيعر ‪ .‬وقال أبعو حنيفعة رحمعه ال ‪ ،‬والكوفيون ‪ :‬على الغنعي ثمانيعة‬
‫وأربعون درهما والوسط أربعة وعشرون درهما ‪ .‬والفقير اثنا عشر درهما ‪.‬‬
‫وهو قول أحمد بن حنبل رحمه ال ‪.‬‬
‫قال يحيى بن يوسف الصرصري الحنبلي رحمه ال ‪:‬‬
‫عوس ‪ ،‬فإن هم سلموا الجزية أصدد‬ ‫وقاتل يهودا والنصارى وعصبة المجع‬
‫وأربعة من بعد عشرين زد‬ ‫على الدون اثني عشر درهما افرضن‬
‫ثمانية مع أربعين لتنقد‬ ‫لوسطهم حالً ومن كان موسرا‬
‫وشيخ لهم فان وأعمى ومقعد‬ ‫وتسقط عن صبيانهم ونسائهم‬
‫ومن وجبت منهم عليه فيهتدي‬ ‫وذي الفقر والمجنون أو عبد مسلم‬
‫وع ند مالك وكا فة العلماء على الرجال الحرار البالغ ين العقلء دون غير هم ‪ ،‬وإن ما تؤ خذ‬
‫ممن كان تحت قهر المسلمين ل ممن نأى بداره ‪ ،‬ويجب تحويلهم إلى بلد المسلمين أو حربهم‬
‫‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإذا حاصعرت أهعل حصعن الكلم إلى آخره فيعه حجعة لمعن يقول معن الفقهاء وأهعل‬
‫الصعول ‪ :‬إن المصعيب فعي مسعائل الجتهاد واحعد ‪ .‬وهعو المعروف معن مذهعب مالك وغيره‬
‫ووجه الستدلل به أنه صلى ال عليه وسلم قد نص على أن ال تعالى قد حكم حكما معينا في‬
‫المجتهدات ‪ .‬فمن وافقه فهو المصيب ومن لم يوافقه فهو المخطىء ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة ال وذمة نبيه ‪ :‬الحديث الذمة‬
‫الع هد ‪ ،‬وتخ فر تن قض يقال ‪ :‬أخفرت الر جل إذا نق ضت عهده ‪ ،‬وخفر ته ‪ :‬أجر ته ‪ ،‬ومعناه أ نه‬
‫خاف من نقض من لم يعرف حق الوفاء بالعهد ‪ ،‬كجملة العراب ‪ :‬فكأنه يقول ‪ :‬إن وقع نقض‬
‫من متعد معتد كان نقض عهد الخلق أهون من نقض عهد ال تعالى ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وقول نا فع و قد سئل عن الدعوة ق بل القتال ‪ ،‬ذ كر ف يه أن مذ هب مالك يج مع ب ين‬
‫الحاديعث فعي الدعوة قبعل القتال ‪ ،‬قال وهعو أن مالكا قال ‪ :‬ل يقاتعل الكفار قبعل أن يدعوا ول‬
‫تلت مس غرت هم إل أن يكونوا قد بلغت هم الدعوة ‪ .‬فيجوز أن تلت مس غرت هم وهذا الذي صار إل يه‬
‫مالك هو ال صحيح لن فائدة الدعوة أن يعرف العدو أن الم سلمين ل يقاتلون للدن يا ول للع صبية‬
‫وإنما يقاتلون للد ين فإذا علموا بذلك أم كن أن يكون ذلك سببا مميلً لهم إلى النقياد إلى ال حق ‪،‬‬
‫بخلف ما إذا جهلوا مق صود الم سلمين ‪ .‬ف قد يظنون أن هم يقاتلون للملك وللدن يا فيزدادون عتوا‬
‫وبغضا ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬

‫ما جاء في القسام على ال‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ما جاء في القسام على ال )‬
‫ذكر المصنف في حديث ‪ :‬عن جندب بن عبد ال رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال صلى‬
‫ال عل يه و سلم ‪ " :‬قال ر جل ‪ :‬وال ل يغ فر ال لفلن ‪ .‬قال ال عز و جل ‪ :‬من ذا الذي يتألى‬
‫على أن ل أغفر لفلن ؟ إني قد غفرت له وأحبطت عملك " رواه مسلم ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬يتألى أي يحلف ‪ .‬والليعة بالتشديعد الحلف ‪ .‬وصعح معن حديعث أبعي هريرة قال‬
‫البغوي في شرح ال سنة ع و ساق بال سند إلى عكر مة بن عمار ع قال ‪ :‬دخلت م سجد المدي نة‬
‫فناداني شيخ قال ‪ :‬يا يمامي ‪ ،‬تعال ‪ ،‬وما أعرفه ‪ ،‬قال ‪ :‬ل تقولن لرجل‪ :‬وال ل يغفر ال لك‬
‫أبدا ول يدخلك الج نة ‪ .‬قلت ‪ :‬و من أ نت يرح مك ال ‪ .‬قال ‪ :‬أ بو هريرة ‪ ،‬فقلت ‪ :‬إن هذه كل مة‬
‫يقول ها أحد نا لب عض أهله إذا غ ضب ‪ ،‬أو لزوج ته أو لخاد مه ‪ ،‬قال ‪ ،‬فإ ني سمعت ر سول ال‬
‫صلى ال عل يه و سلم يقول ‪ " :‬إن رجل ين كا نا في ب ني إ سرائيل متحاب ين ‪ ،‬أحده ما مجت هد في‬
‫العبادة ‪ ،‬وال خر ‪ ،‬كأ نه يقول مذ نب ‪ ،‬فج عل يقول ‪ :‬أق صر ع ما أ نت ف يه ‪ .‬قال فيقول ‪ :‬خل ني‬
‫وربي ‪ ،‬قال ‪ :‬فوجده يوما على ذنب استعظمه فقال ‪ :‬أقصر ‪ ،‬فقال ‪ :‬خلني وربي ‪ ،‬أبعثت علي‬
‫رقيبا ‪ ،‬فقال ‪ :‬وال ل يغ فر ال لك ول يدخلك الج نة أبدا ‪ .‬قال ‪ :‬فب عث ال إليه ما ملكا ‪ ،‬فق بض‬
‫أرواحهمعا ‪ ،‬فاجتمععا عنده ‪ ،‬فقال للمذنعب‪ :‬ادخعل الجنعة برحمتعي‪ ،‬وقال للخعر ‪ :‬أتسعتطيع أن‬
‫تحظعر على عبدي رحمتعي ؟ قال ‪ :‬ل يعا رب ‪ ،‬قال ‪ :‬اذهبوا بعه إلى النار ‪ .‬قال أبعو هريرة ‪:‬‬
‫والذي نف سي بيده لتكلم بكل مة أو ب قت دنياه وآخر ته " ‪ .‬ورواه أ بو داود في سننه ‪ ،‬وهذا لف ظه‬
‫عن أ بي هريرة ر ضي ال ع نه يقول ‪ " :‬كان رجلن في ب ني إ سرائيل متآخي ين فكان أحده ما‬
‫يذنعب ‪ ،‬والخعر مجتهعد فعي العبادة ‪ .‬فكان ل يزال المجتهعد يرى الخعر على الذنعب فيقول ‪:‬‬
‫أقصر ‪ ،‬فوجده يوما على ذنب فقال له ‪ :‬أقصر ‪ ،‬فقال ‪ :‬خلني وربي أبعثت علي رقيبا ؟ قال ‪:‬‬
‫وال ل يغ فر ال لك ول يدخلك الج نة ‪ ،‬فقب ضت أرواحه ما ‪ ،‬فاجتم عا ع ند رب العالم ين ‪ ،‬فقال‬
‫لهذا المجتهد ‪ :‬أكنت بي عالما ‪ ،‬أو كنت على ما في يدي قادرا ؟ فقال للمذ نب ‪ :‬اذهب فادخل‬
‫الجنة وقال للخر ‪ :‬اذهبوا به إلى النار " ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وفعي حديعث أبعي هريرة أن القائل رجعل عابعد يشيعر إلى قوله فعي هذا الحديعث ‪:‬‬
‫أحدهما مجتهد في العبادة وفي هذه الحاديث بيان خطر اللسان وذلك يفيد التحرز من الكلم ‪،‬‬
‫ك ما في حد يث معاذ " قلت يا ر سول ال ‪ ،‬وإ نا لمؤاخذون ب ما نتكلم به ؟ قال ‪ :‬ثكل تك أ مك يا‬
‫معاذ ‪ ،‬وهل يكب الناس في النار على وجوهم ع أو قال على مناخرهم ع إل حصائد ألسنتهم "‬
‫‪ .‬ال أعلم ‪.‬‬

‫ل يشتشفع بال على خلقه‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫( ل يستشفع بال على خلقه )‬
‫وذ كر الحد يث و سياق أ بي داود في سننه أ تم م ما ذكره الم صنف رح مه ال ولف ظه ‪ :‬عن‬
‫جبير بن محمد بن جبير بن مطعم عن أبيه عن جده قال ‪ " :‬أتى رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫أعرا بي فقال ‪ :‬يا ر سول ال ‪ ،‬جهدت الن فس ‪ ،‬وضا عت العيال ‪ ،‬ونه كت الموال ‪ ،‬وهل كت‬
‫النعام ‪ ،‬فاسعتسق ال لنعا ‪ ،‬فإنعا نسعتشفع بعك على ال ‪ ،‬ونسعتشفع بال عليعك ‪ ،‬قال رسعول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ :‬ويحك ‪ ،‬أتدري ما تقول ؟ وسبح رسول ال صلى ال عليه وسلم فما زال‬
‫يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ويحك ‪ ،‬إنه ل يستشفع بال على أحد من‬
‫خل قه ‪ ،‬شأن ال أع ظم من ذلك‪ ،‬وي حك أتدري ما ال ‪ .‬إن عر شه على سمواته لهكذا ع وقال‬
‫بأصابعه مثل القبة عليه ع وإنه ليئط به أطيط الرجل بالراكب " قال ابن بشار في حديثه ‪ " :‬إن‬
‫ال فوق عرشه فوق سماواته " ‪.‬‬
‫قال الحا فظ الذ هبي ‪ :‬رواه أ بو داود بإ سناد ح سن عنده في الرد على الجهم ية من حد يث‬
‫محمد بن إسحاق بن يسار ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬وي حك إ نه ل ي ستشفع بال على أ حد من خل قه فإ نه تعالى رب كل شئ وملي كه ‪،‬‬
‫والخ ير كله بيده ‪ ،‬ل ما نع ل ما أع طى ول مع طي ل ما م نع ‪ ،‬ول راد ل ما ق ضى ‪ ،‬و ما كان ال‬
‫ليعجزه من شئ في السموات ول في الرض إنه كان عليما قديرا ‪ .‬إنما أمره إذا أراد شيئا أن‬
‫يقول له كن فيكون ‪ .‬والخلق و ما في أيدي هم مل كه يت صرف في هم ك يف يشاء و هو الذي يش فع‬
‫الشافع إليه ‪ ،‬ولهذا أنكر على العرابي ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬و سبح ل كثيرا وعظمه لن هذا القول ل يل يق بالخالق سبحانه وبحمده إن شأن ال‬
‫أعظم من ذلك ‪.‬‬
‫وفعي هذا الحديعث ‪ :‬إثبات علو ال على خلقعه ‪ ،‬وأن عرشعه فوق سعماواته‪ .‬وفيعه تفسعير‬
‫الستواء بالعلو كما فسره الصحابة والتابعون والئمة ‪ ،‬خلفا للمعطلة والجهمية والمعتزلة ومن‬
‫أ خذ عن هم ‪ ،‬كالشاعرة ونحو هم م من أل حد في ا سماء ال و صفاته و صرفها عن المع نى الذي‬
‫وض عت له ودلت عل يه من إثبات صفات ال تعالى ال تي دلت على كماله جل وعل ‪ ،‬ك ما عل يه‬
‫السلف الصالح والئمة ومن تبعهم ممن تمسك بالسنة ‪ ،‬فإنهم أثبتوا ما أثبته ال لنفسه وأثبته له‬
‫رسوله من صفات كماله على ما يليق بجلله وعظمته إثباتا بل تمثيل ‪ ،‬وتنزيها بل تعطيل ‪.‬‬
‫قال العل مة ا بن القيم رح مه ال تعالى في مفتاح دار ال سعادة ع ب عد كلم سبق في ما يعرف‬
‫العبد بنفسه وبربه من عجائب مخلوقاته ‪ .‬قال بعد ذلك ‪:‬‬
‫والثا ني ‪ :‬أن يتجاوز هذا إلى الن ظر بالب صيرة الباط نة فتف تح له أبواب ال سماء ‪ ،‬فيجول في‬
‫أقطارها وملكوتها وبين ملئكتها ‪ ،‬ثم يفتح له باب بعد باب حتى ينتهي به سير القلب إلى عرش‬
‫الرحمن فينظر سعته وعظمته وجلله ومده ورفعته ‪ ،‬ويرى السماوات السبع والرضين السبع‬
‫بالنسة إليه كحلقة ملقاة بأرض فلة ‪ ،‬ويرى الملئكة حافين من حول العرش لهم زجل بالتسبيح‬
‫والتحم يد والتقديس والتكبير ‪ ،‬وال مر ينزل من فوقه بتدبير الممالك والجنود ال تي ل يعلمها إل‬
‫ربهعا ومليكهعا ‪ ،‬فينزل المعر بإحياء قوم وإماتعة آخريعن ‪ ،‬وإعزاز قوم إذلل آخريعن ‪ ،‬وإنشاء‬
‫ملك و سلب ملك ‪ ،‬وتحو يل نع مة من م حل إلى م حل وقضاء الحاجات على إختلف ها وتبيان ها‬
‫وكثرتهعا ‪ :‬معن جعبر كسعير ‪ ،‬وإغناء فقيعر ‪ ،‬وشفاء مريعض ‪ ،‬وتفريعج كرب ‪ ،‬ومغفرة ذنعب ‪،‬‬
‫وكشعف ضعر ‪ ،‬ونصعر مظلوم ‪ ،‬وهدايعة حيران ‪ ،‬وتعليعم جاهعل ‪ ،‬ورد آبعق ‪ ،‬وأمان خائف ‪،‬‬
‫وإجارة م ستجير ‪ ،‬ومدد لضعيف ‪ ،‬وإغاثة لملهوف ‪ ،‬وإعا نة لعا جز ‪ ،‬وانتقام من ظالم ‪ ،‬وكف‬
‫لعدوان ‪ ،‬فهي مراسيم دائرة بين العدل والفضل ‪ ،‬والحكمة والرحمة ‪ ،‬تنفذ في أقطار العوالم ‪،‬‬
‫ل يشغله سمع شئ منها عن سمع غيره ‪ ،‬ول تغلطه كثرة المسائل والحوائج على اختلف لغاتها‬
‫وتبيان ها واتحاد قوت ها ‪ ،‬ول ي تبرم بإلحاح الملح ين ‪ ،‬ول تن قص ذرة من خزائ نه ‪ ،‬ل إله إل هو‬
‫العزيز الحكيم ‪ .‬فحينئذ يقوم القلب بين يدي الرحمن مطرقا لهيئته خاشعا لعظمته عانيا لعزته ‪،‬‬
‫فيسجد بين يدي الملك الحق المبين ‪ ،‬سجدة ل يرفع رأسه منها إلى يوم المزيد ‪ ،‬فهذا سفر القلب‬
‫‪ ،‬وهو في وطنه وداره ومحل ملكه ‪ ،‬وهذا من أعظم آيات ال وعجائب صنعه ‪ ،‬فياله من سفر‬
‫معا أبركعه وأروحعه ‪ ،‬وأعظعم ثمرتعه وربحعه ‪ ،‬وأجعل منفعتعه وأحسعن عاقبتعه ‪ ،‬سفر هعو حياة‬
‫الرواح ‪ ،‬ومفتاح السعادة ‪ ،‬وغنيمة العقول واللباب ‪ ،‬ل كالسفر الذي هو قطعة من العذاب ‪ .‬ا‬
‫هع كلمه رحمه ال ‪.‬‬
‫وأما الستشفاع بالرسول صلى ال عليه وسلم في حياته فالمراد به استجلب دعائه ‪ ،‬وليس‬
‫خا صا به صلى ال عل يه و سلم بل كل حي ير جى أن ي ستجاب له فل بأس أن يطلب م نه أن‬
‫يدعو للسائل بالمطالب الخاصة والعامة ‪ ،‬كما قال النبي صلى ال عليه وسلم لعمر لما أراد أن‬
‫يعتمر من المدينة ل تنسنا يا أخي من صالح دعائك وأما الميت فإنما يشرع في حقه الدعاء له‬
‫على جناز ته على قبره و في غ ير ذلك ‪ .‬و هذ هو الذي يشرع في حق الم يت ‪ ،‬وأ ما دعاؤه فلم‬
‫يشرع ‪ ،‬بل قد دل الكتاب والسنة على النهي والوعيد عليه ‪ ،‬كما قال تعالى ‪14 ، 13 : 35 ' :‬‬
‫' " والذين تدعون من دونه ما يملكون من قطمير * إن تدعوهم ل يسمعوا دعاءكم ولو سمعوا‬
‫معا اسعتجابوا لكعم ويوم القيامعة يكفرون بشرككعم " فعبين ال تعالى أن دعاء معن ل يسعمع ول‬
‫يستجيب شرك يكفر به المدعو يوم القيامة أي ينكره ويعادي من فعله ‪ ،‬كما في آية الحقاف ‪' :‬‬
‫‪ " ' 6 : 46‬وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين " فكل ميت أو غائب ل‬
‫يسمع ول يستجيب ول ينفع ول يضر ‪ .‬والصحابة رضي ال عنهم ‪ ،‬ل سيما أهل السوابق منهم‬
‫كالخلفاء الراشد ين ‪ ،‬لم ين قل عن أ حد من هم ول عن غيره أن هم أنزلوا حاجت هم بال نبي صلى ال‬
‫عليعه وسعلم بععد وفاتعه ‪ ،‬حتعى فعي أوقات الجدب ‪ ،‬كمعا وقعع لعمعر رضعي ال عنعه لمعا خرج‬
‫ليسعتسقي بالناس خرج بالعباس ععم النعبي صعلى ال عليعه وسعلم فأمره أن يسعتسقي لنعه حعي‬
‫حاضر يدعو ربه فلو جاز أن يستسقي بأحد بعد وفاته لستسقى عمر رضي ال عنه والسابقون‬
‫الولون بالنبي صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وبهذا يظهر الفرق بين الحي والميت ‪ ،‬لن المقصود من‬
‫الحعي دعاءه إذا كان حاضرا ‪ .‬فإنهعم فعي الحقيقعة إنمعا توجهوا إلى ال بطلب دعاء معن يدعوه‬
‫ويتضرع إل يه ‪ ،‬و هم يدعون رب هم ‪ ،‬ف من تعدى المشروع إلى ما ل يشرع ضل وأ ضل ‪ .‬ولو‬
‫كان دعاء الميت خيرا لكان الصحابة إليه أسبق وعليه أحرص ‪ ،‬وبهم أليق ‪ ،‬وبحقه أعلم وأقوم‬
‫‪ .‬فمن تمسك بكتاب ال نجا ‪ ،‬ومن تركه واعتمد على عقله هلك ‪ .‬وبال التوفيق ‪.‬‬

‫ما جاء في حماية النبي حمى التوحيد‬


‫باب‬
‫( ما جاء في حماية النبي صلى ال عليه وسلم حمى التوحيد ‪ ،‬وسد طرق الشرك )‬
‫حمايته صلى ال عليه وسلم حمى التوحيد عما يشوبه من القوال والعمال التي يضمحل‬
‫معهعا التوحيعد أو ينقعص وكذا كثيعر فعي السعنة الثابتعة عنعه صعلى ال عليعه وسعلم كقوله ‪ " :‬ل‬
‫تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا ‪ :‬عبد ال ورسوله " وتقدم ‪ .‬وقوله‬
‫‪ " :‬إنه ل يستغاث بي وإنما يستغاث بال عز وجل " ونحو ذلك ‪ .‬ونهى عن التمادح وشدد القول‬
‫فيه ‪ ،‬كقوله لمن مدح إنسانا ‪ :‬ويلك قطعت عنق صاحبك ‪ ...‬الحديث أخرجه أبو داود عن عبد‬
‫الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه ‪ :‬أن رجلً أثنى على رجل عند النبي صلى ال عليه وسلم فقال‬
‫له ‪" :‬قط عت ع نق صاحبك ‪ ...‬ثلثا " وقال ‪" :‬إذا لقي تم المداح ين فاحثوا في وجوه هم التراب "‬
‫أخرجه مسلم والترمذي وابن ماجه عن المقداد بن السود ‪.‬‬
‫وفي هذا الحديث ‪ :‬نهى عن أن يقولوا ‪ :‬أنت سيدنا وقال ‪ :‬السيد ال تبارك وتعالى ونهاهم‬
‫أن يقولوا ‪ :‬وأفضلنا فضلً وأعظمنا طولً وقال ‪ :‬ل يستجرينكم الشيطان ‪.‬‬
‫وكذلك قوله في حديث أنس ‪ " :‬أن ناسا قالوا ‪ :‬يا رسول ال يا خيرنا وابن خيرنا " ‪ ...‬إلخ‬
‫‪ .‬كره صلى ال عليه وسلم أن يواجهوه بالمدح فيفضي بهم إلى الغلو ‪ .‬وأخبر صلى ال عليه‬
‫وسلم أن مواجهة المادح للمدوح بمدحه ع ولو بما هو فيه ع من عمل الشيطان لما تفضي محبة‬
‫المدح إليه من تعاظم الممدوح في نفسه وذلك ينافي كمال التوحيد فإن العبادة ل تقوم إل بقطب‬
‫رحاها الذي ل تدور إل عليه ‪ ،‬وذلك غاية الذل في غاية المحبة ‪ ،‬وكمال الذل يقتضي الخضوع‬
‫والخشية والستكانة ل تعالى ‪ ،‬وأن ل يرى نفسه إل في مقام الذم لها والمعاتبة لها في حق ربه‬
‫‪ ،‬وكذلك الحب ل تحصل غايته إل إذا كا يحب ما يحبه ال ‪ ،‬ويكره ما يكرهه ال من القوال‬
‫والعمال والرادات ‪ ،‬ومح بة المدح من الع بد لنف سه تخالف ما يح به ال م نه والمادح يغره من‬
‫نفسه فيكون آثما ‪ ،‬فمقام العبودية يقتضي كراهة المدح رأسا ‪ ،‬والنهي عنه صيانة لهذا المقام ‪،‬‬
‫فمتى أخلص العبد الذل ل والمحبة له خلصت أعماله وصحت ومتى أدخل عليها ما يشوبها من‬
‫هذه الشوائب دخل على مقام العبودية بالنقص أو الفساد ‪ ،‬وإذا أداه المدح إلى التعاظم في نفسه‬
‫والعجاب ب ها و قع في أمر عظيم ينافي العبودية الخاصة كما في الحد يث ‪ " :‬ال كبرياء درائي‬
‫والعظمة إزاري فمن نازعني شيئا منهما عذبته "‪ :‬وفي الحديث ‪ " :‬ل يدخل الجنة من كان في‬
‫قل به مثقال ذرة من كبر" ‪ :‬وهذه الفات قد تكون مح بة المدح سببا ل ها و سلما إلي ها ‪ ،‬والع جب‬
‫يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب ‪ ،‬وأما المادح فقد يفضي به المدح إلى أن ينزل الممدوح‬
‫منزلة ل ي ستحقها ‪ ،‬ك ما يو جد كثيرا في أشعار هم من الغلو الذي ن هى ع نه الر سول صلى ال‬
‫عليه وسلم وحذر أمته أن يقع منهم ‪ ،‬فقد وقع الكثير منه حتى صرحوا فيه بالشرك في الربوبية‬
‫واللهية والملك ‪ ،‬كما تقدمت الشارة إلى شئ من ذلك ‪ .‬والنبي صلى ال عليه وسلم لما أكمل‬
‫ال له مقام العبوديعة صعار يكره أن يمدح ‪ ،‬صعيانة لهذا المقام ‪ ،‬وأرشعد المعة إلى ترك ذلك‬
‫نصحا لهم ‪ ،‬وحماية لمقام التوحيد عن أن يدخله ما يفسده ‪ ،‬أو يضعفه من الشرك ووسائله ‪' :‬‬
‫‪ " ' 59 : 2‬فبدل الذين ظلموا قولً غير الذي قيل لهم " ورأو أن فعل ما نهاهم صلى ال عليه‬
‫وسلم عن فعله قربة من أفضل القربات وحسنه من أعظم الحسنات !‬
‫وأما تسمية العبد بالسيد فاختلف العلماء في ذلك ‪.‬‬
‫قال العل مة ا بن الق يم في بدائع الفوائد ‪ :‬اختلف الناس في جواز إطلق ال سيد على الب شر ‪.‬‬
‫فمن عه قوم ‪ ،‬ون قل عن مالك ‪ ،‬واحتجوا بقول النبي صلى ال عل يه و سلم ل ما ق يل له ‪ :‬يا سيدنا‬
‫قال ‪ :‬السعيد ال تبارك وتعالى وجوزه قوم ‪ ،‬واحتجوا بقول النعبي صعلى ال عليعه وسعلم‬
‫للنصعار ‪ :‬قوموا إلى سعيدكم وهذا أصعح معن الحديعث الول ‪ .‬قال هؤلء ‪ :‬السعيد أحعد معا‬
‫يضاف إليعه ‪ ،‬فل يقال للتميمعي سعيد كندة ‪ ،‬ول يقال الملك سعيد البشعر ‪ .‬قال ‪ :‬وعلى هذا فل‬
‫يجوز أن يطلق على ال هذا ال سم ‪ ،‬و في هذا ن ظر ‪ ،‬فإن ال سيد إذا أطلق عل يه تعالى ف هو في‬
‫منزلة المالك ‪ ،‬والمولى والرب ‪ .‬ل بمعنى الذي يطلق على المخلوق ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬ف قد صح عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما أ نه قال في مع نى قول ال تعالى ‪: 6 ' :‬‬
‫‪ " ' 164‬قل أغير ال أبغي ربا " أي إلها وسيدا وقال في قول ال تعالى ‪ " :‬ال الصمد " أنه‬
‫السيد الذي كمل في جميع أنواع السؤدد ‪ :‬وقال أبو وائل ‪ :‬هو السيد الذي انتهى سؤدده ‪ .‬وأما‬
‫استدللهم بقول النبي صلى ال عليه وسلم للنصار قوموا إلى سيدكم فالظاهر أن النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم لم يواجه سعدا به ‪ ،‬فيكون في هذا المقام تفضيل وال أعلم ‪.‬‬

‫ما جاء في قول ال " وما قدروا ال حق قدره "‬


‫قوله ‪ :‬باب‬
‫قول ال تعالى ‪ " ' 67 : 39 ' :‬وما قدروا ال حق قدره والرض جميعا قبضته يوم القيامة‬
‫والسماوات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون " أي من الحاديث والثار في معنى‬
‫هذه الية الكريمة ‪.‬‬
‫قال العماد ا بن كث ير رح مه ال تعالى ‪ :‬يقول تعالى ‪ :‬ما قدر المشركون ال حق قدره ح تى‬
‫عبدوا معه غيره ‪ ،‬وهو العظيم الذي ل أعظم منه ‪ ،‬القادر على كل شئ المالك لكل شئ ‪ ،‬وكل‬
‫شئ تحت قهره وقدرته ‪ .‬قال مجاهد ‪ :‬نزلت في قريش ‪ .‬وقال السدى ‪ :‬ما عظموه حق عظمته‬
‫‪ .‬وقال محمد بن كعب ‪ :‬لو قدروه حق قدره ما كذبوه ‪ .‬وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس‬
‫‪ :‬هم الكفار الذين لم يؤمنوا بقدرة ال عليهم فمن آمن أن ال على كل شئ قدير ‪ ،‬فقد قدر ال‬
‫حق قدره ‪ ،‬ومن لم يؤمن بذلك فلم يقدر ال حق قدره ‪.‬‬
‫وقد وردت أحاديث كثيرة متعلقة بهذه الية ‪ ،‬الطريق فيها وفي أمثالها مذهب السلف ‪ ،‬وهو‬
‫إمرارها كما جاءت من غير تكييف ول تحريف ع وذكر حديث ابن مسعود كما ذكره المصنف‬
‫رح مه ال في هذا الباب قال ‪ :‬ورواه البخاري في غ ير مو ضع من صحيحه ‪ .‬والمام أح مد‬
‫وم سلم والترمذي والن سائي كل هم من حد يث سليمان بن مهران و هو الع مش عن إبراه يم عن‬
‫عبيدة عن ابن مسعود بنحوه ‪.‬‬

‫حديث الحبر الذي جاء يصف كيف يقبض ال السموات والرض‬


‫قال المام أحمد ‪ :‬حدثنا معاوية حدثنا العمش ‪ ،‬عن إبراهيم عن علقمة عن عبد ال قال ‪" :‬‬
‫جاء رجل من أهل الكتاب إلى النبي صلى ال عليه وسلم فقال ‪ :‬يا أبا القاسم أبلغك أن ال تعالى‬
‫يجععل الخلئق على إصعبع والسعموات على إصعبع ‪ ،‬والرضيعن على إصعبع ‪ ،‬والشجعر على‬
‫إصبع ‪ ،‬والثرى على إصبع وسائر الخلق على إصبع ‪ .‬فيقول ‪ :‬أنا الملك ‪ .‬فضحك رسول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم حتى بدت نواجذه تصديقا لقول الحبر ‪ .‬قال ‪ :‬وأنزل ال ‪ " :‬وما قدروا ال‬
‫حق قدره " "الية ‪ .‬وهكذا رواه البخاري ومسلم والنسائي من طرق عن العمش به ‪.‬‬
‫وقال المام أحمد ‪ :‬حدثنا الحسين بن حسن الشقر ‪ ،‬حدثنا أبو كدينة عن عطاء ‪.‬‬
‫عن أبي الضحى عن ابن عباس قال ‪ " :‬مر يهودي برسول ال صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫جالس ‪ ،‬فقال ‪ :‬ك يف تقول يا أ با القا سم يوم يج عل ال ال سموات على ذه ع وأشار بال سبابة ع‬
‫والرض على ذه ‪ ،‬والجبال على ذه وسائر الخلق على ذه ؟ كل ذلك يشير بأصابعه ‪ ،‬فأنزل ال‬
‫‪ " :‬وما قدروا ال حق قدره " " وكذا رواه الترمذي في التفسير بسنده عن أبي الضحى مسلم بن‬
‫صبيح به ‪ .‬وقال ‪ :‬حسن صحيح غريب ل نعرفه إل من هذا الوجه ‪ .‬ثم قال البخاري ‪ :‬حدثنا‬
‫سعيد بن عفير حدثنا الليث حدثني عبد الرحمن بن خالد بن مسافر عن ابن شهاب عن أبي سلمة‬
‫بن عبد الرحمن أن أبا هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم يقول‬
‫‪ " :‬يقبض ال الرض ويطوي السماء بيمينه ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أنا الملك أين ملوك الرض ؟ " تفرد به‬
‫من هذا الوجه ‪ ،‬ورواه مسلم من وجه آخر ‪.‬‬
‫وقال البخاري في موضع آخر ‪ :‬حدثنا مقدم بن محمد حدثنا عمى القاسم بن يحيى عن عبيد‬
‫ال عن نافع عن ابن عمر رضي ال عنهما قال ‪ :‬إن رسول ال صلى ال عليه و سلم قال ‪" :‬‬
‫إن ال تعالى يقبض يوم القيامة الرضين على إصبع وتكون السماء بيمينه ثم يقول ‪ :‬أنا الملك "‬
‫تفرد به أيضا من هذا الوجه ‪ .‬ورواه مسلم من وجه آخر ‪.‬‬
‫وقد رواه المام أحمد من طريق آخر بلفظ أبسط من هذا السياق وأطول فقال ‪ :‬حدثنا عفان‬
‫حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬أنبأنا إسحاق بن عبد ال بن أبي طلحة عن عبيد ال ابن مقسم عن ابن‬
‫عمر أن رسول ال صلى ال عليه وسلم قرأ هذه الية ذات يوم على المنبر " وما قدروا ال حق‬
‫قدره والرض جميعا قبضتعه يوم القيامعة والسعماوات مطويات بيمينعه ‪ ،‬سعبحانه وتعالى عمعا‬
‫يشركون " ور سول ال صلى ال عل يه و سلم يقول هكذا بيده يحرك ها ‪ ،‬يق بل ب ها ويدبر ‪ ،‬يم جد‬
‫الرب تعالى نفسعه ‪ :‬أنعا الجبار ‪ ،‬أنعا المتكعبر ‪ ،‬أنعا الملك ‪ ،‬أنعا العزيعز ‪ ،‬أنعا الكريعم ‪ ،‬فرجعف‬
‫برسول ال صلى ال عليه وسلم المنبر حتى قلنا ‪ :‬ليخرن به ا هع ‪.‬‬
‫قوله ‪ :‬ولم سلم عن ا بن ع مر ع الحد يث كذا في روا ية م سلم ‪ .‬قال الحميدي و هي أ تم ‪،‬‬
‫وهي عند مسلم من حديث سالم عن أبيه ‪ .‬وأخرجه البخاري من حديث عبيد ال عن نافع عن‬
‫ا بن ع مر ر ضي ال عنه ما قال ‪ " :‬إن ال يق بض يوم القيا مة الرض ين وتكون ال سماء بيمي نه "‬
‫وأخرجه مسلم من حديث عبيد ال بن مقسم ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وهذه الحاديث وما في معناها تدل على عظمة ال وعظيم قدرته وعظم مخلوقاته ‪.‬‬
‫وقعد تعرف سعبحانه وتعالى إلى عباده بصعفاته وعجائب مخلوقاتعه ‪ ،‬وكلهعا تعرف وتدل على‬
‫كماله ‪ ،‬وأنه هو المعبود ل شريك له في ربوبيته وإلهيته وتدل على إثبات الصفات له على ما‬
‫يليعق بجلل ال وعظمتعه ‪ ،‬إثباتا بل تمثيعل ‪ ،‬وتنزيها بل تعطيعل ‪ ،‬وهذا هعو الذي دلت عليعه‬
‫ن صوص الكتاب وال سنة وعل يه سلف ال مة وأئمت ها و من تبع هم بإح سان ‪ ،‬واقت فى أثر هم على‬
‫السلم واليمان ‪.‬‬
‫وتأ مل ما في هذه الحاد يث ال صحيحة من تعظ يم ال نبي صلى ال عل يه و سلم ر به بذ كر‬
‫صفات كماله على ما يليق بعظمته وجلله وتصديقه اليهود فيما أخبروا به عن ال من الصفات‬
‫التي تدل على عظمته وتأمل ما فيها من إثبات علو ال تعالى على عرشه ‪ ،‬ولم يقل النبي صلى‬
‫ال عليه وسلم في شئ منها ‪ .‬إن ظاهرها غير مراد ‪ ،‬وأنها تدل على تشبيه صفات ال بصفات‬
‫خل قه ‪ ،‬فلو كان هذا حقا بل غه أمي نه أم ته ‪ ،‬فإن ال أك مل به الد ين وأ تم به النع مة فبلغ البلغ‬
‫المعبين ‪ .‬صعلوات ال وسعلمه عليعه وعلى آله وصعحبه ومعن تبعهعم إلى يوم الديعن ‪ .‬وتلقعى‬
‫الصحابة ر ضي ال عنهم عن نبيهم صلى ال عليه وسلم ما وصف به ربه من صفات كماله‬
‫ونعوت جلله ‪ ،‬فآمنوا به وآمنوا بكتاب ال و ما تضم نه من صفات رب هم جل وعل ‪ ،‬ك ما قال‬
‫تعالى ‪ " ' 7 : 3 ' :‬والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا " وكذلك التابعون لهم‬
‫بإحسان وتابعوهم ‪ ،‬والئمة من المحدثين والفقهاء كلهم وصف ال بما وصف به نفسه ووصفه‬
‫بعه رسعول ال صعلى ال عليعه وسعلم ولم يجحدوا شيئا معن الصعفات ‪ ،‬ول قال أحعد منهعم ‪ :‬إن‬
‫ظاهرها غير مراد ول أنه يلزم من إثباتها التشبيه ‪ ،‬بل أنكروا على من قال ذلك غاية النكار ‪،‬‬
‫فصنفوا في رد هذه الشبهات المصنفات الكبار المعروفة الموجودة بأيدي أهل السنة والجماعة ‪.‬‬

‫ما الكرسي في العرش إل كحلقة ألقيت في فلة من الرض‬

‫بعد ما بين كل سماء والتي يليها والسابعة والكرسي ‪ ،‬الكرسي والعرش‬


‫قال شيخ السلم أحمد بن تيمية رحمه ال تعالى ‪ :‬وهذا كتاب ال من أوله إلى آخره وسنة‬
‫ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬وكلم ال صحابة والتابع ين ‪ ،‬وكلم سائر الئ مة مملوءة كل ها‬
‫بما هو نص أو ظاهر أن ال تعالى فوق كل شئ ‪ ،‬وأنه فوق العرش فوق السموات مستو على‬
‫عرشه ‪ ،‬مثل قوله تعالى ‪ " ' 10 : 35 ' :‬إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " وقوله‬
‫‪ " ' 158 : 4‬بل‬ ‫تعالى ‪ " ' 55 : 3 ' :‬يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي " وقوله تعالى ‪' :‬‬
‫رفعه ال إليه " وقوله تعالى‪ " ' 4 : 3 : 70 ' :‬ذي المعارج * تعرج الملئكة والروح إليه "‬
‫وقوله تعالى ‪ " ' 5 : 32 ' :‬يدبر المر من السماء إلى الرض ثم يعرج إليه " وقوله تعالى ‪' :‬‬
‫‪ " ' 50 : 16‬يخافون ربهم من فوقهم " وقوله تعالى ‪ " ' 29 : 2 ' :‬هو الذي خلق لكم ما في‬
‫الرض جميعا ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات " وقوله تعالى ‪ " ' 54 : 7 ' :‬إن‬
‫ربكم ال الذي خلق السماوات والرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يغشي الليل النهار‬
‫يطلبعه حثيثعا والشمعس والقمعر والنجوم مسعخرات بأمره أل له الخلق والمعر تبارك ال رب‬
‫العالم ين " وقوله ‪ " ' 3 : 10 ' :‬إن رب كم ال الذي خلق ال سماوات والرض في ستة أيام ثم‬
‫استوى على العرش يدبر المر ما من شفيع إل من بعد إذنه " ‪ ...‬الية فذكر التوحيدين في هذه‬
‫ال ية ‪ .‬قوله تعالى ‪ " ' 2 : 13 ' :‬ال الذي رفع ال سماوات بغير عمد ترون ها ثم ا ستوى على‬
‫العرش " وقوله تعالى ‪ " ' 5 ، 4 : 20 ' :‬تنزيل م من خلق الرض وال سماوات العلى *‬
‫الرحمن على العرش استوى " وقوله ‪ " ' 59 ، 58 : 25 ' :‬وتوكل على الحي الذي ل يموت‬
‫وسبح بحمده وكفى به بذنوب عباده خبيرا * الذي خلق السماوات والرض وما بينهما في ستة‬
‫أيام ثم استوى على العرش الرحمن فاسأل به خبيرا " وقوله تعالى‪ " ' 5 ، 4 : 32' :‬ال الذي‬
‫خلق ال سماوات والرض و ما بينه ما في ستة أيام ثم ا ستوى على العرش ما ل كم من دو نه من‬
‫ولي ول شف يع أفل تتذكرون * يدبر ال مر من ال سماء إلى الرض ثم يعرج إل يه في يوم كان‬
‫مقداره ألف سنة مما تعدون " وقوله ‪ " ' 4 : 57 ' :‬هو الذي خلق السماوات والرض في ستة‬
‫أيام ثم ا ستوى على العرش يعلم ما يلج في الرض و ما يخرج من ها و ما ينزل من ال سماء و ما‬
‫يعرج في ها و هو مع كم أ ين ما كن تم وال ب ما تعملون ب صير " فذ كر عموم عل مه وعموم قدر ته‬
‫وعموم إحاطته وعموم رؤي ته ‪ .‬وقوله تعالى ‪ " ' 17 ، 16 : 67 ' :‬أأمنتم من في السماء أن‬
‫يخسف بكم الرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون‬
‫كيف نذير " وقوله تعالى ‪ " ' 42 : 41 ' :‬تنزيل من حكيم حميد " وقوله‪ " ' 2 : 45 ' :‬تنزيل‬
‫الكتاب من ال العزيز الحكيم " وقوله تعالى ‪ " ' 37 ، 36 : 40 ' :‬وقال فرعون يا هامان ابن‬
‫لي صرحا لعلي أبلغ ال سباب * أ سباب ال سماوات فأطلع إلى إله مو سى وإ ني لظ نه كاذ با " ‪.‬‬
‫انتهى كلمه رحمه ال ‪.‬‬

‫اليمان بما وصف ال به نفسه ووصفه به رسوله بل تمثيل ول تعطيل‬


‫وقوله تعالى ‪ " ' 42 : 41 ' :‬تنزيل من حكيم حميد " وقوله‪ " ' 2 : 45 ' :‬تنزيل الكتاب من‬
‫ال العزيز الحكيم " وقوله تعالى ‪ " ' 37 ، 36 : 40 ' :‬وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا‬
‫لعلي أبلغ السباب * أسباب السماوات فأطلع إلى إله موسى وإني لظنه كاذبا " ‪ .‬انتهى كلمه‬
‫رحمه ال ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬وقد ذكر الئمة رحمهم ال تعالى فيما صنفوه في الرد على نقاة الصفات من الجهمية‬
‫والمعتزلة والشاعرة ونحو هم أقوال ال صحابة والتابعين ‪ .‬ف من ذلك ما رواه الحافظ الذ هبي في‬
‫كتاب العلو وغيره بال سانيد ال صحيحة عن أم سلمة زوج ال نبي صلى ال عليه و سلم أنها قالت‬
‫في قوله تعالى ‪ " :‬الرحمن على العرش استوى " قالت ‪ :‬الستواء غير مجهول ‪ ،‬والكيف غير‬
‫معقول ‪ ،‬والقرار به إيمان ‪ ،‬والجحود به ك فر رواه ا بن المنذر والللكائي وغيره ما بأ سانيد‬
‫صحاح ‪ .‬قال ‪ :‬وث بت عن سفيان بن عيي نة رح مه ال تعالى أنه قال ‪ :‬ل ما سئل ربي عة بن أبي‬
‫ع بد الرحمن ‪ :‬ك يف الستواء ‪ ،‬قال ‪ :‬ال ستواء غ ير مجهول ‪ ،‬والكيف غير معقول ‪ ،‬و من ال‬
‫الر سالة ‪ ،‬وعلى الر سول البلغ ‪ ،‬وعلي نا الت صديق ‪ .‬وقال ا بن و هب ‪ :‬ك نا ع ند مالك فد خل‬
‫رجل فقال ‪ :‬يا أبا عبد ال " الرحمن على العرش استوى " كيف استوى ؟ فأطرق مالك رحمه‬
‫ال وأخذته الرحضاء وقال ‪ :‬الرحمن على العرش استوى ‪ ،‬كما وصف نفسه ول يقال كيف ؟ و‬
‫كيف عنه مرفوع ‪ ،‬وأنت صاحب بدعة ‪ .‬أخرجوه رواه البيهقي بإسناد صحيح عن ابن وهب ‪،‬‬
‫ورواه عن يح يى بن يح يى أيضا ‪ ،‬ولف ظه قال ‪ :‬ال ستواء غ ير مجهول ‪ ،‬والكيف غ ير معقول‪،‬‬
‫واليمان به واجب ‪ ،‬والسؤال عنه بدعة ‪.‬‬
‫قال الذهبي ‪ :‬فان ظر إلي هم ك يف أثبتوا ال ستواء ل ‪ ،‬وأ خبروا أ نه معلوم ل يحتاج لف ظه إلى‬
‫تفسير ‪ ،‬ونفوا عنه الكيفية ‪ ،‬قال البخاري في صحيحه ‪ :‬قال مجاهد استوى عل على العرش ‪.‬‬
‫وقال إسحاق بن راهويه سمعت غير واحد من المفسرين يقول ‪ " :‬الرحمن على العرش استوى‬
‫" أي ارتفع ‪ .‬وقال محمد ابن جرير الطبري في قوله تعالى ‪ " :‬الرحمن على العرش استوى "‬
‫أي عل وارتفع ‪.‬‬
‫وشواهده في أقوال الصحابة والتابعين وأتباعهم ‪ ،‬فمن ذلك قول عبد ال بن رواحة رضي‬
‫ال عنه ‪:‬‬
‫وأن النار مثوى الكافرينا‬ ‫شهدت بأن وعد ال حق‬
‫وفوق العرش رب العالمينا‬ ‫وأن العرش فوق الماء طاف‬
‫ملئكة الله مسومينا‬ ‫وتحمله ملئكة شداد‬
‫وروى الدارمى والحاكم والبيهقي بأصح إسناد إلى علي بن الحسين بن شقيق ‪ ،‬قال ‪ :‬سمعت‬
‫عبد ال بن المبارك يقول ‪ :‬نعرف ربنا بأنه فوق سبع سماواته على العرش استوى ‪ ،‬بائن في‬
‫خل قه ‪ ،‬ول نقول ك ما قال الجهم ية قال الدار مي ‪ :‬حدث نا الح سن بن ال صباح البزار حدث نا علي‬
‫بن الح سين بن شق يق عن ابن المبارك ‪ :‬ق يل له ‪ :‬ك يف نعرف رب نا ؟ قال ‪ :‬بأ نه فوق ال سماء‬
‫السابعة على العرش بائن من خلفه ‪.‬‬
‫وقد تقدم قول الوزاعي ‪ :‬كنا ع والتابعون متوافرون ع نقول ‪ :‬إن ال تعالى ذكره بائن من‬
‫خلقه ‪ ،‬ونؤمن بما وردت به السنة ‪.‬‬
‫وقال أ بو ع مر الطلمن كي في كتاب ال صول ‪ :‬أج مع الم سلون من أ هل ال سنة على أن ال‬
‫اسعتوى على عرشعه بذاتعه ‪ .‬وقال فعي هذا الكتاب أيضا ‪ :‬أجمعع أهعل السعنة على أن ال تعالى‬
‫استوى على عرشه على الحقيقة ل على المجاز ‪ ،‬ثم ساق بسنده عن مالك قوله ‪ :‬ال في السماء‬
‫وعلمه في كل مكان ‪ :‬ثم قال في هذا الكتاب ‪ :‬أجمع المسلمون من أهل السنة أن معنى قوله ‪" :‬‬
‫وهو معكم أين ما كنتم " ونحو ذلك من القرآن ‪ :‬أن ذلك علمه ‪ ،‬وأن ال فوق السماوات بذاته‬
‫مستو على عرشه كيف شاء ‪ .‬وهذا لفظه في كتابه ‪.‬‬
‫وهذا كث ير في كلم ال صحابة والتابع ين والئ مة ‪ ،‬أثبتوا ما أثب ته ال في كتا به على ل سان‬
‫رسعوله على الحقيقعة على معا يليعق بجلل ال وعظمتعه ‪ ،‬ونفوا عنعه مشابهعة المخلوقيعن ‪ ،‬ولم‬
‫يمثلوا ولم يكيفوا ‪ ،‬كما ذكرنا ذلك عنهم في هذا الباب ‪.‬‬
‫وقال الحافظ الذهبي ‪ :‬وأول وقت سمعت مقالة من أنكر أن ال فوق عرشه ‪ :‬هو الجعد بن‬
‫در هم ‪ .‬وكذلك أن كر جم يع ال صفات ‪ .‬وقتله خالد بن ع بد ال الق سري وق صته مشهورة ‪ ،‬فأ خذ‬
‫هذه المقالة عنه الجهم بن صفوان إمام الجهمية ‪ ،‬فأظهرها واحتج لها بالشبهات ‪ ،‬وكان ذلك في‬
‫آخر عصر التابعين فأنكر مقالته أئمة ذلك العصر مثل الوزاعي وأبي حنيفة ‪ ،‬ومالك والليث‬
‫بن سعد والثوري ‪ ،‬وحماد بن زيد ‪ ،‬وحماد بن سلمة وابن المبارك ومن بعدهم من أئمة الهدى‬
‫‪ .‬فقال الوزاعي إمام أهل الشام على رأس الخمسين ومائة عند ظهور هذه المقالة ‪ :‬ما أخبرنا‬
‫عبد الواسع البهري بسنده إلى أبي بكر البيهقي ‪ :‬أنبأنا أبو عبد ال الحافظ ‪ ،‬أخبرني محمد بن‬
‫علي الجوهري ع ببغداد ع حدث نا إبراه يم بن الهي ثم حدث نا مح مد بن كث ير الم صيصي سمعت‬
‫الوزاعي يقول ‪ :‬كنا ع والتابعون متوافرون ع نقول ‪ :‬إن ال فوق عرشه ‪ .‬ونؤمن بما وردت‬
‫به السنة من صفاته ‪ .‬أخرجه البيهقي في الصفات ورواته أئمة ثقات ‪.‬‬
‫وقال المام الشافعي رحمه ال تعالى ‪ :‬ل أسماء وصفات ل يسع أحدا ردها ومن خالف بعد‬
‫ثبوت الح جة عل يه ك فر ‪ ،‬وأ ما ق بل قيام الح جة فإ نه يعذر بالج هل ‪ ،‬ونث بت هذه ال صفات ونن في‬
‫عنه التشبيه ‪ ،‬كما نفى عن نفسه فقال ‪ " :‬ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " ا هع من فتح‬
‫الباري ‪.‬‬

‫حديث الوعال الذي رواه العباس‬


‫قوله ‪ :‬عن العباس بن عبد المطلب ساقه المصنف رحمه ال مختصرا ‪ ،‬والذي في سنن‬
‫أ بي داود ‪ :‬عن العباس بن ع بد المطلب قال ‪ :‬ك نت في البطحاء في ع صابة في هم ر سول ال‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فمرت بهم سحابة فنظر إليها فقال ‪ ":‬ما تسمون هذه؟ قالوا ‪ :‬السحاب قال‬
‫‪ :‬والمزن قالوا ‪ :‬والمزن ‪ .‬قال ‪ :‬والعنان قالوا ‪ :‬والعنان ع قال أبو داود ‪ :‬لم أتقن العنان جيدا‬
‫عع قال ‪ :‬هعل تدرون معا بععد معا بيعن السعماوات والرض ؟ قالوا ‪ :‬ل ندري قال ‪ :‬إن بععد معا‬
‫بينهما إما واحدة أو اثنتان أو ثلث وسبعون سنة ‪ ،‬ثم السماء التي فوقها كذلك ‪ ،‬حتى عد سبع‬
‫سماوات ‪ ،‬ثم فوق ال سابعة ب حر ب ين أ سلفه وأعله م ثل ما ب ين سماء إلى سماء ‪ ،‬ثم فوق ذلك‬
‫ثمانية أوعال ‪ ،‬بين أظلفهم وركبهم مثل ما بين سماء إلى سماء ‪ ،‬ثم على ظهورهم العرش بين‬
‫أسلفه وأعله كما بين سماء إلى سماء ‪ ،‬ثم ال تعالى فوق ذلك " وأخرجه الترمذي وابن ماجه‬
‫وقال الترمذي ‪ :‬حسن غريب ‪.‬‬
‫وقال الحافعظ الذهعبي ‪ :‬رواه أبعو داود بإسعناد حسعن وروى الترمذي نحوه معن حديعث أبعي‬
‫هريرة وفيعه ‪ :‬معا بيعن سعماء إلى سعماء خمسعمائة عام ول منافاة بينهمعا ‪ .‬لن تقديعر ذلك‬
‫بخمسمائة عام هو على سير القافلة مثلً ‪ ،‬ونيف وسبعون سنة على سير البريد ‪ ،‬لنه يصح أن‬
‫يقال ‪ :‬بين نا وب ين م صر عشرون يوما باعتبار سير العادة ‪ ،‬وثل ثة أيام باعتبار سير البر يد ‪.‬‬
‫وروى شريك بعض هذا الحديث عن سماك فوقفه ‪ .‬هذا آخر كلمه ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬فيعه التصعريح بأن ال فوق عرشعه كمعا تقدم فعي اليات المحكمات ‪ ،‬والحاديعث‬
‫الصعحيحة وفعي كلم السعلف معن الصعحابة والتابعيعن وتابعيهعم ‪ ،‬وهذا الحديعث له شواهعد فعي‬
‫ال صحيحين وغيره ما ‪ ،‬ول عبرة بقول من ضع فه لكثرة شواهده ال تي ي ستحيل دفع ها و صرفها‬
‫عن ظواهرها ‪.‬‬
‫وهذا الحد يث كأمثاله يدل على عظ مة ال وكماله وع ظم مخلوقا ته ‪ ،‬وأ نه المت صف ب صفات‬
‫الكمال ال تي و صف ب ها نف سه في كتا به وو صفه ب ها ر سول ال صلى ال عل يه و سلم ‪ ،‬وعلى‬
‫كمال قدرته وأنه هو المعبود وحده ل شريك له دون كل ما سواه ‪.‬‬

‫وبال التوفيق ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بال العلي العظيم ‪ ،‬وحسبنا ال ونعم الوكيل ‪.‬‬
‫وصلى ال على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‪ .‬تم كتاب ( فتح المجيد ) بعون ال‬
‫الحميد ‪.‬‬

You might also like