السباق إلى
العقول
تأليف
الدكتور/عبدالله قادري الهدل
1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمسد ل نحمده ونسستعينه ونسستغفره ،ونعوذ بال مسن شرور أنفسسنا ،ومسن سسيئات
أعمالنا من يهده ال فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده
ل شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
((يسسا أيهسسا الذيسسن آمنوا اتقوا ال حسسق تقاتسسه ،ول تموتسسن إل وأنتسسم مسسسلمون))[ .آل
عمران]102 :
((يسا أيهسا الناس اتقوا ربكسم الذي خلقكسم مسن نفسس واحدة ،وخلق منهسا زوجهسا ،وبسث
منهمسسا رجال كثيرا ونسسساء ،واتقوا ال الذي تسسساءلون بسسه والرحام ،إن ال كان عليكسسم
رقيبا)) [النساء]1 :
((يسا أيهسا الذيسن آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سسديدا ،يصسلح لكسم أعمالكسم ويغفسر لكسم
ذنوبكم ،ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما))[ .الحزاب]71-70 :
ما يراد السباق به إلى العقول.
أما بعد :فإن ما يراد السباق به إلى العقول هو الحق أو الباطل ،فأهل الحق يسابقون
بالحق إلى العقول ،و أهل الباطل يسابقون بالباطل إلى العقول.
الله هو الحق.
وال سسبحانه وتعالى هسو الحسق ،كمسا قال سسبحانه وتعالى(( :ذلك بأن ال هسو الحسق،
وأنه يحيي الموتى ،وأنه على كل شيء قدير[ ))..الحج]6[ :
وقال تعالى(( :ذلك بأن ال هسو الحسق ،وأن مسا يدعون مسن دونسه الباطسل وأن ال هسو
العلي الكبير[ ))..الحج-62 :لقمان]30 :
وقال تعالى(( :فتعالى ال الملك الحسسسسسق ،ل إله إل هسسسسسو رب العرش الكريسسسسسم ))
[المؤمنون.]116 :
وجزاء ال لعباده يوم القيامة على مواقفهم من دين السلم في الدنيا ،هو الحق ،كما
قال تعالى(( :يومئذٍ يوفيهسم ال دينهسم الحسق ويعملون أن ال هسو الحسق المسبين[ ))..النور:
]25
خلق الله الكون كله بالحق.
والحسق جسل وعل خلق الكون كله :السسماوات والرض ،ومسا بينهمسا ومسا فيهمسا ومسا
فوق ذلك بالحسسق ،وقوله تعالى هسسو الحسسق ،كمسسا قال تعالى(( :وهسسو الذي خلق السسسماوات
والرض بالحق ،ويوم يقول كن فيكون ،قوله الحق وله الملك[ ))...النعام]73 :
وقال تعالى(( :ألم تر أن ال خلق السماوات والرض بالحق[ ))..إبراهيم]19 :
وقال تعالى(( :وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما إل بالحق[ ))..الحجر]85 :
وقال تعالى(( :وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما إل بالحق[ ))..الحقاف]3 :
2
وقال تعالى(( :خلق السماوات والرض بالحق تعالى عمّا يشركون[ ))..النحل]3 :
وقال تعالى(( :خلق السسسسماوات والرض بالحسسسق إن فسسسي ذلك ليسسسة للمؤمنيسسسن))
[العنكبوت]44 :
وقال تعالى(( :أو لم يتفكروا فسي أنفسسهم مسا خلق ال السسماوات والرض ومسا بينهمسا
إل بالحق[ ))..الروم]8 :
وقال تعالى(( :خلق السسسماوات والرض بالحسسق وصسسوركم فأحسسسن صسسوركم وإليسسه
المصير)) [التغابن]3 :
أرسل الله رسله وأنزل كتبه بالحق.
وأرسسل الحسق جسل وعل رسسله ،وأنزل كتبسه بالحسق .كمسا قال تعالى(( :إنسا أرسسلناك
بالحق بشيرا ونذيرا)) [البقرة]119 :
وقال تعالى(( :نزّل عليسسك الكتاب بالحسسق ،مصسسدقا لمسسا بيسسن يديسسه ،وأنزل التوراة
والنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان)) [آل عمران]3 :
وقال تعالى(( :إنسا أنزلنسا إليسك الكتاب بالحسق لتحكسم بيسن الناس بمسا أراك ال ول تكسن
للخائنين خصيما)) [النساء]105 :
وقال تعالى(( :يسسا أيهسسا الناس قسسد جاءكسسم الرسسسول بالحسسق مسسن ربكسسم فآمنوا خيرٌ
لكم))[.النساء]170 :
وقال تعالى(( :وأنزلنسا إليسك الكتاب بالحسق مصسدقا لمسا بيسن يديسه مسن الكتاب ومهيمنسا
عليه)) [المائدة]48 :
وقال تعالى(( :هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق))[الفتح ،28 :والصف]9 :
3
سححعادة أهححل الحححق بقبول الحححق وشقاوة
أهل الباطل برفضه.
وقسد سسعد قوم بهذه الكتسب التسي أنزلهسا ال تعالى على رسسله بالحسق ليمانهسم بهسا ،كمسا
سسعدوا بأولئك الرسسل الذيسن أرسسلهم بالحسق لطاعتهسم لهسم واتباع منهجهسم ،ففازوا بالفلح
فسي الدنيسا والخرة .كمسا قال تعالى(( :ألم ،ذلك الكتاب ل ريسب فيسه هدى للمتقيسن ،الذيسن
يؤمنون بالغيسب ويقيمون الصسلة وممسا رزقناهسم ينفقون ،والذيسن يؤمنون بمسا أنزل إليسك
ومسسسا أنزل مسسسن قبلك وبالخرة هسسسم يوقنون ،أولئك على هدى مسسسن ربهسسسم وأولئك هسسسم
المفلحون)) [البقرة]5-1 :
وشقسي آخرون بإنزال تلك الكتسب وإرسسال أولئك الرسسل ،لعدم إيمانهسم بالحسق الذي
نزلت بسه تلك الكتسب ،وعدم طاعتهسم لولئك لرسسل الذيسن جاءوهسم بالحسق مسن ربهسم .كمسا
قال تعالى(( :وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إل سحر مبين[ ))..سبأ]43 :
وقال تعالى(( :ومسسا نرسسسل المرسسسلين إل مبشريسسن ومنذريسسن ،ويجادل الذيسسن كفروا
بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا[))..الكهف]56 :
وقال تعالى(( :واسسستكبر هسسو وجنوده فسسي الرض بغيسسر الحسسق وظنوا أنهسسم إلينسسا ل
يُرجعون[))..القصص39 :
وقال تعالى(( :وقال الشيطان لمسا قضسي المسر إن ال وعدكسم وعسد الحسق ووعدتكسم
فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي فل تلوموني ولوموا
أنفسسكم ،مسا أنسا بمصسرخكم ومسا أنتسم بمصسرخي إنسي كفرت بمسا أشركتمونسي مسن قبسل إن
الظالمين لهم عذاب أليم[ ))..إبراهيم]22 :
والحق ضد الباطل والضلل .جاء الرسل بالحق ودعوا إليه وجاء الشيطان وأتباعه
بالباطل والضلل ودعوا إليه ،والحق تعالى يريد أن يحق الحق ويبطل الباطل.
كما قال تعالى(( :فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى تصرفون[ ))...يونس]32 :
وقال تعالى(( :ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون[ ))...النفال]8 :
وقال تعالى(( :بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق[ ))..النبياء]18 :
ويعترف أهل الحق بالحق عندما ينالون رضا ال اعتراف شكر وغبطة وسرور في
جنات عدن .كمسا قال تعالى(( :والذيسن آمنوا وعملوا الصسالحات ل نكلف نفسسا إل وسسعها
أولئك أصسحاب الجنسة هسم فيهسا خالدون ،ونزعنسا مسا فسي صسدورهم مسن غسل تجري مسن
تحتهسسم النهار وقالوا الحمسسد ل الذي هدانسسا لهذا ومسسا كنسسا لنهتدي لول أن هدانسسا ال لقسسد
جاءت رسسسسسسل ربنسسسسسا بالحسسسسسق ونودوا أن تلكسسسسسم الجنسسسسسة أورثتموهسسسسسا بمسسسسسا كنتسسسسسم
تعملون[))...العراف]43 :
ويعترف أهل الباطل بالحق ،عندما ينالون جزاء إنكارهم له في الدنيا ،وهم في نار
جهنسم يتمنون أن يجدوا شفيعسا ينفعهسم أو إذنسا لهسم بالرجوع إلى الدنيسا ليعملوا عمل يكون
أساسه الحق وليس الباطل .كما قال تعالى(( :يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد
جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل
4
قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون[ ))...العراف]53 :
والذي كانوا يفتر ونه ،هو الباطل الذي آمنوا به في الدنيا ،والكفر بالحق الذي أقروا
بسسه بعسسد دخولهسسم النار كمسسا قال تعالى(( :والذيسسن أمنوا بالباطسسل وكفروا بال أولئك هسسم
الخاسرون[ ))..العنكبوت]52 :
والباطل هو الضلل الذي يقابل الحق والهدى ،وكل ما عدا الحق والهدى فهو باطل
وضلل .كمسسا قال تعالى(( :فذلكسسم ال ربكسسم الحسسق ،فماذا بعسسد الحسسق إل الضلل فأنسسى
تصرفون[))..يونس]32 :
وقال تعالى(( :ومسن أضسسل ممسن اتبسسع هواه بغيسسر هدى مسن ال إن ال ل يهدي القوم
الظالمين[ ))...القصص]50 :
وقال تعالى(( :أولئك الذيسن اشتروا الضللة بالهدى فمسا ربحست تجارتهسم[))...البقرة:
]16
والحسق يطلق على الثابست المسستقر ،والباطسل يطلق على نقيسض الحسق ،وهسو مسا ل
ثبات له عنسد الفحسص عنسه [المفردات فسي غريسب القرآن ،للراغسب الصسفهاني .الطبعسة
الهندية ص ]50
والضلل أيضا ضد الهداية ،وهو العدول عن الصراط المستقيم والزائل المضمحل.
[المرجع السابق ،ص ،299وكتب اللغة مادة (ض ل ل]
وحيسسث إن الباطسسل هسسو ضسسد الحسسق-وكذلك الضلل-فإن بيان الحسسق يوضسسح معنسسى
الباطل-وكذلك الضلل.-
وقد فصل المام [العلمة الحسين بن محمد بن المفضل الملقب بالراغب الصفهاني
المفسر اللغوي ،المتوفى سنة 502هس ] .-رحمه ال معاني الحق في القرآن الكريم ،فقال:
(أصسل الحسق المطابقسة والموافقسة ،كمطابقسة رجسل الباب فسي حقسه لدورانسه على اسستقامة.
والحق يقال على أوجه:
الول :يقال لموجِد الشيسء ،بسسبب مسا تقتضيسه الحكمسة ،ولهذا قيسل فسي ال تعالى :هسو
الحسق ،قال ال تعالى(( :و ردوا إلى ال مولهسم الحسق ))...وقيسل بعيسد ذلك(( :فذلكسم ال
ربكم الحق ،فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى تصرفون[ ))..يونس]32-30 :
والثانسي :يقال :للموجَد ،بحسسب مسا تقتضيسه الحكمسة ،ولهذا يقال :فعسل ال تعالى كله
حسسق .وقال تعالى(( :هسسو الذي جعسسل الشمسسس ضياءً ا والقمسسر نورا ))...إلى قوله تعالى:
((ما خلق ال ذلك إل بالحق[ ))...يونس]5 :
وقال في القيامة(( :ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق[ ))..يونس]53 :
وقوله عز وجل(( :الحق من ربك[ ))..البقرة ،147 :آل عمران(( ]60 :وإنه للحق من
ربك[ ))..البقرة]149 :
والثالث :فسي العتقاد للشيسء المطابسق لمسا عليسه ذلك الشيسء فسي نفسسه كقولنسا :اعتقاد
فلن في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق ،قال ال تعالى(( :فهدى الذين آمنوا
لما اختلفوا فيه من الحق[ ))...البقرة]213 :
والرابسع :للفعسل والقول ،بحسسب مسا يجسب ،وبقدر مسا يجسب وفسي الوقست الذي يجسب،
5
كقولنا :فعلك حق ،وقولك حق.
قال ال تعالى(( :كذلك حقسست كلمسسة ربسسك[ ))..غافسسر(( ]6 :حسسق القول منسسي لملن
جهنم[ ))..السجدة]13 :
وقوله عسسز وجسسل(( :ولو اتبسسع الحسسق أهواءهسسم[ ))...المؤمنون ]71 :يصسسح أن يكون
المراد به ال تعالى ،ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة.
ويقال :أحققت كذا ،أي أثبته حقا ،أو حكمت بكونه حقا.
وقوله تعالى(( :ليحسسق الحسسق[ ))..النفال ]8 :فإحقاق الحسسق على ضربيسسن :أحدهمسسا
بإظهار الدلة واليات ،كمسسا قال تعالى(( :وأولئكسسم جعلنسسا لكسسم عليهسسم سسسلطانا مبينسسا))
[النسسساء ]91 :أي حجسسة قويسسة .والثانسسي :بإكمال الشريعسسة وبثهسسا فسسي الكافسسة ،كقوله تعالى:
((وال متسسم نوره ولو كره الكافرون[ ))..الصسسف(( ]8 :هسسو الذي أرسسسل رسسسوله بالهدى
وديسن الحسق ليظهره على الديسن كله[ ))..التوبسة ، 33 :الفتسح ، 28 :الصسف ]9 :انتهسى كلم
الصفهاني
ومما ذكره المام الصفهاني رحمه ال يتبين أن ال تعالى هو الحق ،كما أطلق ذلك
على نفسه في كتابه ،وهو تعالى الموجد للكون كله بحسب ما تقتضيه الحكمة ،أي جميع
مخلوقاته تعالى قد أوجدها وفق الحكمة الكاملة التامة .وأن فعله تعالى حق لن كل شيء
أوجده إنمسا أوجده بالحسق ،وأن كسل مسا جاء بسه الرسسل مسن عنسد ال تعالى حسق ،مسن عقيدة
وشريعة وخلق....
وأن قوله تعالى وكلماته كلها حق.
المعنى الشرعي للحق والمعنى الشرعي للباطل.
فالمعنسى الشرعسي-وأقصسد هنسا :المعنسى الشرعسي العام للحسق ،كمسا يتضسح ممسا مضسى
ومسن الرسسالة الربانيسة ،منسذ خلق ال تعالى الخلق وشرع لهسم منهاجسه الذي فرض عليهسم
السير عليه -هو اليمان به وبكل ما أخبر به من الغيب ،وطاعته المطلقة وعبادته واتباع
رسسله ،وعدم معصسيته ،والكفسر بكسل مسن يخالف منهجسه ،وتطسبيق شرعسه ،والسستسلم
لذلك والرضا به.
أما الباطل ،فمعناه الشرعي-وأقصد أيضا المعنى الشرعي العام الشامل لكل ما هو
باطسل عنسد ال -فهسو الكفسر بال تعالى ،أو بمسا أخسبر بسه فسي وحيسه المنزل المحفوظ ،ومسا
جاء بسه رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم مسن عنده ،والسستكبار عسن طاعتسه وطاعسة رسسوله
صسسلى ال عليسسه وسسسلم وعدم اتباعسسه ومحاربسسة شرعسسه ،وعدم السسستسلم لحكمسسه وعدم
الرضا به ،فكل ذلك باطل.
وقد أجمل الحق عز وجل المعنى الشرعي للحق وللباطل في هذه السورة القصيرة،
وهسسي(( :بسسسم ال الرحمسسن الرحيسسم ،والعصسسر ،إن النسسسان لفسسي خسسسر ،إل الذيسسن آمنوا
وعملوا الصسالحات وتواصسوا بالحسق وتواصسوا بالصسبر)) [رقسم السسورة فسي المصسحف:
]103
فاليمان والعمسسل الصسسالح يدخسسل تحتهمسسا كسسل مفردات الحسسق ،وإنمسسا أفرد التواصسسي
6
بالحق والتواصي بالصبر لمزيد الهتمام بهما ،لن الحق ل يثبت ويقوى إل بهما ،فهما
مسسن ذكسسر الخاص بعسسد العام-والعام هنسسا هسسو اليمان الدال عليسسه الفعسسل "آمسسن" والعمسسل
الصسالح .والباطسل هسو مسا كان نقيسض ذلك ،ولهذا أثبست سسبحانه وتعالى لمسن لم يكسن عنده
هذا الحسق الخسسران المؤكسد ،وبهذا يعلم عظسم هذه السسورة القصسيرة التسي قال عنهسا المام
الشافعي رحمه ال" :لو لم ينزل ال على خلقه إل هذه السورة لكفتهم".
ومسسن اليات التسسي أجمسسل فيهسسا معنسسى الباطسسل قول ال تعالى(( :قسسل إنمسسا حرم ربسسي
الفواحش ما ظهر منها وما بطن والثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بال ما لم ينزل
به سلطانا وأن تقولوا على ال ما ل تعلمون[ ))..العراف33 :
أيهما أسبق وجودا الحق أم الباطل؟
وما دام ال سبحانه وتعالى هو الحق -و ((هو الول والخر والظاهر والباطن وهو
بكسل شيسء عليسم[ ))..الحديسد ]3 :وهسو الذي خلق الكون كله بالحسق ،ولم يعرف مسن يؤمسن
بالباطل ويصر عليه وعلى نشره إل إبليس لعنه ال ثم من تبعه بعد ذلك -فإن الباطل أمر
طارئ والحق هو الصل الثابت ،فالحق هو الكلمة الطيبة ،والباطل هو الكلمة الخبيثة.
والكلمة الطيبة هي كلمة ال ومنهاج رسله ،والكلمة الخبيثة هي كلمة الشيطان وسبل
اتباعسه ،كمسا قال تعالى(( :ألم تسر كيسف ضرب ال مثل كلمسة طيبسة كشجرة طيبسة أصسلها
ثابست وفرعهسا فسي السسماء تؤتسي أكلهسا كسل حيسن بإذن ربهسا ويضرب ال المثال للناس
لعلهسم يتذكرون ،ومثسل كلمسة خبيثسة كشجرة خبيثسة اجتثست مسن فوق الرض مسا لهسا مسن
قرار ،يثبسست ال الذيسسن آمنوا بالقول الثابسست فسسي الحياة الدنيسسا وفسسي الخرة ويضسسل ال
الظالمين ويفعل ال ما يشاء)) [إبراهيم]27-25 :
تأمل هذه اليات من سورة إبراهيم الواضحة غاية الوضوح ،في ثبات الحق وطيبته
ورسسوخه وسسمو قسه وعلوه وامتداده ودوام آثاره التسي ل يخلو زمان مسن قطوفهسا الدانيسة
ومنحها السابغة ،ومع ثبات الحق ثبات أهله في الدنيا والخرة.
أما الباطل ،فهو خبيث مقطوع الجذور ل ثبات له ول قرار ،وهكذا أهله مضمحلون
((ويضل ال الظالمين.))..
وقبسل هذه اليات صسور سسبحانه وتعالى اضمحلل أهسل الباطسل وأعمالهسم و باطلهسم
أبلغ تصوير ،فقال تعالى(( :مثل الذين كفروا بربهم أعمالهم كرماد اشتدت به الريح في
يوم عاصف ل يقدرون مما كسبوا على شيء ذلك هو الضلل البعيد)) [إبراهيم]19-18 :
ثسم اتبعهسا بقوله تعالى مبينسا أن الباطسل وأهله فسي شذوذ عسن الكون كله(( :ألم تسر أن ال
خلق السماوات والرض بالحق))..
قلت :إنسه لم يُعرَف مسن يؤمسن بالباطسل ويصسر عليسه وعلى نشره إل إبليسس لعنسه ال،
فالباطل إذًا طارئ طروء إبليس.
وقبسل أن يغري إبليسُس آدمَس وزوجسه حواء عليسه السسلم ،بأكسل الشجرة التسي حرم ال
عليهما الكل منها ،نهاهما ال تعالى عن الكل منها وحذرهما منه ،أي إن حفظ العقول
من الباطل كان أسبق من إيصاله إليها ،كما قال تعالى(( :وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك
7
الجنسة وكل منهسا رغدا حيسث شئتمسا ول تأكل مسن هذه الشجرة فتكونسا مسن الظالميسن)).
[البقرة]35:
وكان آدم عليسسه السسسلم عندمسسا أهبطسسه ال هسسو وزوجسسه وإبليسسس إلى الرض ،على
الفطرة والديسن والتوحيسد الخالص ،وكان قائمسا بالخلفسة التسي ناطهسا ال بسه وأخسبر بهسا
ملئكتسه ،وكان إبليسس وحده على الشرك والمعصسية ،كمسا سسيأتي ،وهذا يدل على بطلن
مسا يزعسم المتخرصسون مسن المؤرخيسن الذيسن يفترون على ال بدون علم ول برهان ،أن
الصل كان عبادة غير ال وأن العقيدة قد تطورت من الشرك والوثنية حتى وصلت إلى
التوحيد ،فهذا افتراء وتقوّل على التاريخ وجهل بال وبكتبه ورسله ووحيه الذي ل مستند
سواه لحد في هذا الباب ،الذي هو من الغيب ،ول سبيل إليه إل بوحي من الخالق ،وقد
أخبرنسسا الخالق سسسبحانه وتعالى أنسسه جعسسل آدم خليفسسة فسسي الرض ،والخليفسسة الذي يمنحسسه
الحسق تبارك وتعالى الخلفسة ،ل بسد أن يزوده الحسق عسز وجسل بالمنهاج الحسق الذي يقوم
بالخلفة على أساسه ((قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فل
خوف عليهسم ول هسم يحزنون ،والذيسن كفروا وكذبوا بآياتنسا أولئك أصسحاب النار هسم فيهسا
خالدون[.))..البقرة]39-38 :
وممسا يدل على أن آدم وذريتسه كانوا على هدى مسن عنسد ال ،مسا تضمنتسه قصسة ابنسي
آدم الذي قتل أحدهما أخاه ،فقد دلت القصة على أنهم كانوا يتقربون إلى ال بقرابين ،وأن
ال يتقبل من المتقي ول يتقبل من الظالم ،وأن المتقين كانوا يخافون ال ويتورعون عن
معصسيته ،وأنهسم كانوا يؤمنون بالجنسة والنار والجزاء ،كمسا قال تعالى(( :واتسل عليهسم نبسأ
ابنسي آدم بالحسق إذ قرّبسا قربانسا فتقبسل مسن أحدهمسا ولم يتقبسل مسن الخسر ،قال لقتلنسك ،قال
ي يدك لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لقتلك إني
إنما يتقبل ال من المتقين ،لئن بسطت إل ّ
أخاف ال رب العالميسن ،إنسي أريسد أن تبوء بإثمسي وإثمسك فتكون مسن أصسحاب النار وذلك
جزاء الظالميسسن ،فطوعسست له نفسسسه قتسسل أخيسسه فقتله فأصسسبح مسسن الخاسسسرين)) إلى قوله
تعالى(( :فأصبح من النادمين))[ .المائدة]31-27 :
فآدم وذريته كانوا على التوحيد والطاعة ،وكان لهم منهج من عند ال يسيرون عليه
ويتقربون إليسسسه ،وكانوا يعرفون الحلل والحرام والجنسسسة والنار والثسسسم والجزاء ،وكان
إبليسسس نفسسسه الذي أغوى آدم وزوجسسه فسسي الجنسسة أول وأقسسسم على ضلل ذريسسة آدم بعسسد
طرده مسن رحمسة ال ثانيسا ،كان يعلم الحسق والباطسل ،وارتكسب الباطسل وعصسى أمسر ال
متعمدا متكبرا.
ولسنا في حاجة إلى مناقشة شبهات جهلة التاريخ الغابر ،فل توجد وثيقة أصدق من
كتاب ال ول أصسسح منسسه حتسسى نحتاج إلى مناقشتهسسم على ضوئهسسا ((إن هذا القرآن يهدي
للتي هي أقوم)) [السراء]9 :
8
من هم أهل الحق؟
تنبيهات ثلثة مهمة:
الول :يجب أن يعلم أن مرادي بأهل الحق في هذا الكتاب أن صاحب الحق-بل
هسسو الحسسق :-ال جسسل جلله ،ثسسم أنسسبياؤه ورسسسله وكسسل مسسن تبعهسسم واهتدى بهديهسسم،
ل إله إل
والمسلمون الذين يقرون ويعترفون بأن السلم حق ويدخلون فيه بشهادة أ ّ
ال محمسد رسسول ال ،وأنسه يجسب العمسل بسه وتطسبيقه فسي الرض ،وأنسه لم يبسق فسي
الرض بعسد بعثسة الرسسول أي ديسن حسق يقبله ال مسن أهله ،ويدخسل فسي زمرة أهسل
الحسق مسن المسسلمين الذيسن تلك صسفتهم مسن حصسل منهسم نوع تقصسير مسن ارتكاب
بعض المعاصي أو ترك بعض الطاعات-ما عدا الشرك بال-التي هي تحت مشيئة
ال إن شاء غفرها لهم ،وإن شاء عذبهم بها ،ثم أدخلهم الجنة ،وقد يكون عند بعض
هؤلء شيسء مسن الباطسل الذي يجسب الرد عليسه ،ولكنهسم ل يخرجون مسن صسف أهسل
الحق-إل عند الخوارج ومن تبعهم في مذهبهم عالما أو جاهل.
وأن مرادي بأهسل الباطسل :كسل مسن لم يدخسل فسي السسلم ،أو انتسسب إليسه ولكنسه
ارتد عنه ،أو زعم أنه مسلم وحارب تطبيق شريعة ال في حياة المسلمين وكلّ من
دعا إلى ذلك التطبيق.
ول يدخسل فسي أهسل الباطسل مسن اجتهسد مسن العلماء فأخطسأ فسي نظسر غيره مسن
المجتهديسن ،فإن للمجتهسد أجريسن إذا أصساب وأجرا إذا أخطسأ ،وقسد يكون الخطسأ عنسد
من خطّأه.
التنسبيه الثانسي :أنسي لم أقصسد بأهسل الحسق فئة معينسة مسن المسسلمين ،ول أهسل بلد
معين ،كما ل أقصد من أهل الباطل فئة معينة ول أهل بلد معين ،وإنما قصدت أهل
الحق من حيث هم من أي فئة كانوا ،وفي أي أرض من أرض ال حلوا ،وقصدت
أهل الباطل من حيث هم من أي فئة كانوا ،وفي أي أرض حلوا.
التنسبيه الثالث :أن قصسدي بالحسق هسو الحسق الربانسي الذي كلف ال عباده التسسليم
له بسه ،والهدى اللهسي الذي أنزل بسه وحيسه وبعسث بسه رسسله ليخرج بسه الناس مسن
الظلمات إلى النور ،والذي ل يقبل ال من أحد دينا سواه ،وهو السلم.
وليسس مرادي مسا وصسلت إليسه المسم مسن التجارب القانونيسة والداريسة والكونيسة
التسسي قسسد يوجسسد فيهسسا الحسسق والباطسسل ،وهسسي أمور تشترك فيهسسا كسسل المسسم فسسي كسسل
الزمان ،فلست أنفي وجود حقّ مّا عن أهل الباطل ،وإنما أنفي عنهم الحق اللهي
الذي جحدوه وكفروا به وحاربوه.
وبناء على هذا فصساحب الحسق الول هسو الحسق جسل جلله ،فمسن أسسمائه الحسق ،كمسا
سسبق وخلق السسماوات والرض ومسا بينهمسا بالحسق وأنزل كتبسه ووحيسه بالحسق ،وبعسث
9
رسله بالحق ،وكلماته كلها حق و أفعاله كلها حق.
ثسم أنسبياء ال ورسسله الذيسن كلفهسم تبليسغ رسسالته إلى الناس ،ومسن اسستجاب لهسم مسن
أقوامهسم فآمن بمسا جاءوا به وعمسل به ودعسا إليه ،وبخاصة من ناصرهم وصسار حواريسا
لهسسم ،يظهسسر ذلك مسسن قصسسص النسسبياء والرسسسل مسسع أقوامهسسم ،وقسسد أمسسر ال تعالى نسسبيه
ورسسوله الخاتسم أن يقتدي بمسن سسبقه مسن الرسسل-بعسد أن ذكسر طائفسة منهسم بأسسمائهم-فقال:
((أولئك الذين هدى ال فبهداهم اقتده[ ))..النعام]90 :
وهسم أهسل طاعتسه الذيسن أنعسم عليهسم ،ذلك الموكسب العظيسم الذي قال ال تعالى فيهسم:
((ومسسن يطسسع ال والرسسسول فأولئك مسسع الذيسسن أنعسسم ال عليهسسم مسسن النسسبيين والصسسديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا[ ))..النساء]69 :
وخير أمم الحق أمة محمد صلى ال عليه وسلم التي شهد ال لها بالخيرية التي نالتها
بمسا منحهسا ال تعالى مسن المؤهلت ((كنتسم خيسر أمسة أخرجست للناس تأمرون بالمعروف
وتنهون عن المنكر وتؤمنون بال))[.آل عمران]110 :
وهسسم حزب ال وأولياؤه الذيسسن يجاهدون فسسي سسسبيله ويحبهسسم ويحبونسسه ،ول يخافون
لومة لئم ويتولونه ويتولون أولياءه ،كما قال تعالى(( :يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم
عسن دينسه فسسوف يأتسي ال بقوم يحبهسم ويحبونسه أذلة على المؤمنيسن أعزة على الكافريسن
يجاهدون فسي سسبيل ال ول يخافون لومسة لئم ،ذلك فضسل ال يؤتيسه مسن يشاء وال واسسع
عليسم ،إنمسا وليكسم ال ورسسوله والذيسن آمنوا الذيسن يقيمون الصسلة ويؤتون الزكاة وهسم
راكعون ،ومسسن يتول ال ورسسسوله والذيسسن أمنوا فإن حزب ال هسسم الغالبون[.))..المائدة:
(( ]56-54والمؤمنون والمؤمنات بعضهسسم أولياء بعسسض يأمرون بالمعروف وينهون عسسن
المنكسر ويقيمون الصسلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسسوله ،أولئك سسيرحمهم ال إن
ال عزيسسسسسسسز حكيسسسسسسسم[.))..التوبسسسسسسسة(( ]71 :أولئك حزب ال أل إن حزب ال هسسسسسسسم
المفلحون[.))..المجادلة ]22 :هؤلء هم أهل الحق.
فمن هم أهل الباطل؟
وأهل الباطل-على عكس أهل الحق-فقائد هم وقدوتهم في الباطل هو إبليس ،أول من
عصى ال واستكبر عن طاعته وكفر به ،وأغوى من أطاع ربه ،وحسده وكان سببا في
إخراجسسه مسسن الجنسسة ،وأقسسسم على السسستمرار فسسي إضلل ذريتسسه إلى يوم البعسسث ،وهكذا
اتباعسسه الذيسسن يتبعون خطواتسسه ويسسسيرون فسسي شعاب كفره ل ينفعهسسم إنذار ،ول تفيدهسسم
اليات يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف.
قال تعالى(( :وإذ قلنسا للملئكسة اسسجدوا لدم فسسجدوا إل إبليسس أبسى واسستكبر وكان
من الكافرين[.))..البقرة]34 :
وقال تعالى(( :ثم قلنا للملئكة اسجدوا لدم فسجدوا إل إبليس لم يكن من الساجدين،
قال ما منعك ألّ تسجد قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين))[.العراف-11 :
]12
وقال تعالى(( :تال لقسسد أرسسسلنا إلى أمسسم مسسن قبلك فزيسسن لهسسم الشيطان أعمالهسسم فهسسو
وليهم اليوم ولهم عذاب أليم))[.النحل]63 :
10
وقال تعالى(( :والذيسن ينفقون أموالهسم رئاء الناس ول يؤمنون بال ول باليوم الخسر
ومن يكن الشيطان له قرينا فساء قرينا))[.النساء]38 :
وقال تعالى(( :الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء))[.البقرة]268 :
وقال تعالى(( :يسسا أيهسسا الذيسسن أمنوا ل تتبعوا خطوات الشيطان ومسسن يتبسسع خطوات
الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر))[.النور]21 :
وقال ال تعالى عسن إبليسس نفسسه(( :قال فبمسا أغويتنسي لقعدن لهسم صسراطك المسستقيم
ثسم لتينهسم مسن بيسن أيديهسم ومسن خلفهسم وعسن أيمانهسم وعسن شمائلهسم ول تجسد أكثرهسم
شاكرين))[.العراف]17-16 :
وقال تعالى عن اتباع إبليس(( :إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم ل
يؤمنون))[.البقرة]6 :
وقال تعالى(( :وما تأتيهم من أية من آيات ربهم إل كانوا عنها معرضين ،فقد كذبوا
بالحق لما جاءهم فسوف يأتيهم أنباء ما كانوا به يستهزئون))[.النعام]5-4 :
وقال تعالى(( :استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر ال أولئك حزب الشيطان أل إن
حزب الشيطان هم الخاسرون))[.المجادلة]19 :
هل يعد متبع الباطل عاقل؟
خلق ال تعالى النسان مزودا بآلت حسية ظاهرة للعيان ،أو خفية في داخل جسمه،
لتقوم تلك اللت بمسسا هيأهسسا ال سسسبحانه وتعالى مسن عمسسل :أسسسنان تطحسسن ولسسسان يخلط
ويتذوق وينظسسف ،وجلد يحسسس ويتألم ،ويسسد تبطسسش وتأخسسذ ،وجسسل تمشسسي وتسسسير ،وأذن
تسسمع ،وعيسن تبصسر ،وأنسف تشسم وتسستنشق الهواء النافسع للجسسم مسن الخارج ويعسبر منهسا
الهواء الفاسد من الداخل ،وحلق يدخل منه الطعام والماء والهواء ،ومعدة تهضم الطعام،
وقلب يضخ الدماء وينقيها ،وهكذا :الرئة ،والكلى ،والجهاز الخراجي والجهاز الدوري
وغيرهسا ،كسل هذه اللت وأجزائهسا تقوم بعمسل قسد هيأهسا ال له ،فإذا فقسد أي منهسا تعطسل
عملها الذي هيئت له.
فإذا فقسد البصسر قيسل لصساحبه أعمسى ،وإذا فقسد السسمع ،قيسل لصساحبه أصسم ،وإذا فقسد
النطسق قيسل لصساحبه أبكسم ،والبصسر قسد يفقسد والعينان فسي ظاهرهمسا سسليمتان ،والسسمع قسد
يفقد والذنان في ظاهرهما كذلك وهكذا....
وهناك آلة معنويسة زود ال بهسا النسسان ،ل يسستفيد مسن كثيسر مسن آلتسه الحسسية ،إذا لم
تكسن هذه اللة موجودةً ،وهسي العقسل الذي جعله ال سسبحانه وتعالى ميزانسا لدراك الحسق
من الباطل ،في حدود مجاله الذي خلقه ال للعمل فيه.
وكسل هذه اللت إذا لم يسستعملها النسسان فيمسا خلقست له ،أو لم يسستعملها فسي أهسم مسا
خلقست له ،فإنهسا تعتسبر بمنزلة اللة المفقودة ،ولذلك يصسح نفيهسا مسع وجودهسا فيقال :فلن
ل يسسسمع ،إذا سسسمع صسسوتا بدون أن يصسسغي لذلك الصسسوت ليفهسسم معناه ،ويقال :فلن ل
يبصسسر ،إذا رأى شيئا دون أن تحصسل فائدة مسن رؤيتسه ،كمسا يقال :فلن ل يعقسل ،إذا لم
يستعمل عقله فيما يعود عليه بالفائدة.
ولهذا امتسن ال تعالى على النسسان بتزويده بهذه اللت النافعسة التسي تسستوجب مسن
11
النسسان شكسر ربسه تعالى عليهسا ،فإذا لم يشكره بهسا وعليهسا فقسد أصسبح كفاقدهسا ،لن شكسر
ال تعالى هو أهم ما خلقت من أجله.
قال تعالى(( :وال أخرجكسسم مسسن بطون أمهاتكسسم ل تعلمون شيئا وجعسسل لكسسم السسسمع
والبصار والفئدة لعلكم تشكرون))[.النحل]78 :
ونفى سبحانه عمن لم يشكره بهذا اللت منافعها ،وهي :البصار والسمع والفقه-أو
العقل-فقال تعالى(( :ولقد ذر أنا لجهنم كثيرا من الجن والنس ،لهم قلوب ل يفقهون بها،
ولهسم أعيسن ل يبصسرون بهسا ،ولهسم آذان ل يسسمعون بهسا ،أولئك كالنعام بسل هسم أضسل
أولئك هم الغافلون))[.النعام]179[ :
وقال تعالى(( :وإن تدعهسسم إلى الهدى ل يسسسمعوا ،وتراهسسم ينظرون إليسسك وهسسم ل
يبصرون))[ .العراف]198 :
بل إن الذين ل ينتفعون بهذه اللت في الدنيا ينفونها هم عن أنفسهم ،عندما يعاينون
جزاء ال لهم في الخرة على غفلتهم وعدم استعمالهم لها فيما خلقت له ،كما قال تعالى:
((كلمسا أُلقوا فيهسا سسمعوا لهسا شهيقسا وهسي تفور ،تكاد تميسز مسن الغيسظ كلمسا أُلقيَس فيهسا فوج
سسألهم خزنتهسا ألم يأتكسم نذيسر ،قالوا بلى قسد جاءنسا نذيسر فكذبنسا وقلنسا مسا نزل ال مسن شيسء
إن أنتسسسم إل فسسسي ضلل كسسسبير ،وقالوا لو كنسسسا نسسسسمع أو نعقسسسل مسسسا كنسسسا فسسسي أصسسسحاب
السعير))[الملك]10-7 :
ولهذا خسسص مسسن يعقسسل النتفاع بآياتسسه الكونيسسة والشرعيسسة ،مسسع أن تلك اليات قابلة
لينتفسع بهسا كسل الناس ،ولكسن الذي ل ينتفسع بعقله مسن تلك اليات ينزل منزلة مسن لم تكسن
تلك اليات قابلة لنتفاعه منها.
قال تعالى(( :إن فسسي خلق السسسماوات والرض واختلف الليسسل والنهار والفلك التسسي
تجري فسي البحسر بمسا ينفسع الناس ومسا أنزل ال مسن السسماء مسن ماء فأحيسا بسه الرض بعسد
موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض
ليات لقوم يعقلون))[.البقرة]164 :
وليسسسسسسسس المراد هنسسسسسسسا مجرد وجود عقسسسسسسسل لهؤلء القوم ،وهسسسسسسسو الذي يقابله
الجنون ،وإنمسا المراد عقسل يهدي صساحبه إلى النتفاع بتلك اليات ،بدليسل نفسي ال تعالى
السمع والعقل عن المكلفين بتصديق الرسالة الذين أنكروها .كما قال تعالى(( :أرأيت من
اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيل ،أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون إن هم
إل كالنعام بل هم أضل سبيل))[.الفرقان]44-43 :
ومثله قوله تعالى(( :أفلم يسسسيروا فسسي الرض فتكون لهسسم قلوب يعقلون بهسسا أو آذان
يسمعون بها ،فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور))[.الحج]46 :
فكسل مسن ُكلّفَس خطابَس ال تعالى ،فلم يسستجب لذلك الخطاب الحسق بسل اتبسع الباطسل،
يصح أن ينفى عنه العقل باعتبار أنه لم ينتفع بعقله في أهم ما خلق من أجله.
ولهذا نَفَى عسن الكافريسن بالحسق المؤمنيسن بالباطسل العقلَ ،فقال جسل وعل(( :ومثسل
الذيسسن كفروا كمثسسل الذي ينعسسق بمسسا ل يسسسمع إل دعاء ونداء صسسم بكسسم عمسسي فهسسم ل
يعقلون))[.البقرة]71 :
وقال عسن أهسل الكتاب الذيسن يسستهزئون بديسن ال(( :وإذا ناديتسم إلى الصسلة اتخذوهسا
12
هزوا ولعبا ،ذلك بأنهم قوم ل يعقلون)) [المائدة]58 :
وقال فيمسسسن افترى على ال الكذب ،فأحسسسل مسسسا حرم ال أو حرم مسسسا أحسسسل ال مسسسن
المشركين-وغيرهم مثلهم((-ما جعل ال من بحيرة ول سائبة ول وصيلة ول حام ،ولكن
الذين كفروا يفترون على ال الكذب وأكثرهم ل يعقلون))[.المائدة]103 :
وقال تعالى(( :ول تكونوا كالذيسن قالوا سسمعنا وهسم ل يسسمعون إن شسر الدواب عنسد
ال الصم البكم الذين ل يعقلون))[ .النفال]22-21 :
وقال تعالى(( :ومنهسم مسن يسستمعون إليسك أفأنست تسسمع الصسم ولو كانوا ل يعقلون،
ومنهم من ينظر إليك أفأنت تهدي العمي ولو كانوا ل يبصرون))[.يونس]43-42 :
وهكذا يصح نفي العلم عمن لم يعمل به.
وبهذا يعلم أن الذي يتبع الباطل ويترك الحق غير عاقل ،وإن توقّد عقله في كثير من
ظاهسر الحياة الدنيسا .ولكنسه –مسع ذلك -مكلف بأمسر ال ونهيسه ،محاسسب على ذنبسه ،لنسه لم
يستعمل عقله الذي منحه ال فيما خلق له.
وبهذا أيضا تعلم منزلة العقل المهتدي إلى الحق التارك للباطل عند ال تعالى.
13
منزلة العقل عند الله وأثره في الحياة.
وظاهسر مسن اليات القرآنيسة-كمسا هسو الواقسع-أن النسسان لو لم يمنحسه ال العقسل ،لكان
أضل من الحيوان ،ولما كان خليفة وسيدا في الرض.
ولو أن أهل العقول أعملوها وفكروا بها في المجالت التي وجدت من أجل إعمالها
والتفكيسر بعقولهسم فيهسا ،وعملوا بمقتضسى النتائج التسي تتوصسل إليهسا على أسساس سسليم،
لسعد الناس بذلك في الدنيا والخرة.
ومسن تلك المياديسن :الكون الذي أبدعسه ال فسي السسماوات والرض ومسا بينهمسا ،ممسا
يمكسن للعاقسل أن يتناوله بالتفكيسر فيسه بعقله ،وهسو كتاب ال المفتوح الذي فيسه مسن الدقسة
والحكام والتقان ،مسا يذهسل العقول ويجعلهسا تسستسلم للخالق وتسستفيد مسن مخلوقاتسه فسي
تسخيرها لصالح المم ،بقوانينها ونواميسها التي أودعها ال تعالى فيها.
ومسن أمثلة ذلك فسي القرآن الكريسم قول ال تعالى(( :هسو الذي أنزل مسن السسماء ماء
لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ،ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب
ومسسن كسسل الثمرات إن فسسي ذلك ليسسة لقوم يتفكرون وسسخّر لكسسم الليسسل والنهار والشمسسس
والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك ليات لقوم يعقلون ،وما ذرأ لكم في الرض
مختلفسا ألوانسه إن فسي ذلك ليسة لقوم يذّكرون وهسو الذي سسخر البحسر لتأكلوا منسه لحمسا
طريا وتستخرجوا منه حلي ًة تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم
تشكرون ..وألقسسى فسسي الرض رواسسسي أن تميسسد بكسسم وأنهارا وسسسبل لعلكسسم تهتدون..
وعلمات وبالنجم هم يهتدون ...أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون ..وإن تعدوا نعمة
ال ل تحصوها إن ال لغفور رحيم))[.النحل181-10 :ول تفكير ،ول تذكر ،ول شكر لمن
ل عقل له] ؟؟؟
فترى القرآن الكريسم يجول بالعقسل فسي السسماء-شمسسها وقمرهسا ونجومهسا وكواكبهسا
ومائهسا-وفسي الرض-بخيراتهسا ،مسن زروعهسا و أشجارهسا وبحارهسا وأنهارهسا وجبالهسا
وسسهولها ،ويجعسل ذلك كله مجال للعقسل ليتفكسر فيسه ويتذكسر ويهتدي ويشكسر ،ومسن شُكْر
ذلك استغللُ هذا الكون في مصالح العباد على أساس هدي ال تعالى.
ومسن تلك المياديسن :فقسه نصسوص القرآن والسسنة ،والتعمسق فسي فهمهسا واسستنباط مسا
تحتاج إليه البشرية منها ،لتتقي ربها وتسير في تصرفاتها على منهجه ،مع فهم أسراره
وحكمسسه حيسسث أمكسسن ذلك ،وإل فالتسسسليم المطلق لشرع ال تعالى ،فإن التسسسليم لشرع ال
هو عين الفقه والعقل ،وعدم التسليم لذلك هو عين الجهل والخطل.
قال تعالى(( :قسل تعالوا أتسل مسا حرم ربكسم عليكسم أن ل تشركوا بسه شيئا ،وبالوالديسن
إحسانا ،ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقكم وإياهم ،ول تقربوا الفواحش ما ظهر
منها وما بطن ،ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ،ذلك وصاكم به لعلكم تعقلون،
ول تقربوا مال اليتيسسسم إل بالتسسسي هسسسي أحسسسسن حتسسسى يبلغ أشده ،وأوفوا الكيسسسل والميزان
بالقسط ،ل نكلف نفسا إل وسعها ،وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قرب،ى وبعهد ال أوفوا،
ذلكسسم وصساكم بسه لعلكسسم تذّكرون ..وأن هذا صسسراطي مسستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السسبل
فتفرق بكم عن سبيله ،ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون))[.التقوى تكليف بدون عقل]
14
فهذه الوصسايا العشسر الجامعسة ،لو تأملهسا الناس وفكروا فسي مصسالحها التسي ل سسعادة
لهسم بدونهسا ،وفهموا معانيهسا والثار المترتبسة على تطبيقهسا والعمسل بهسا ،لعاشوا عيشسة
هنيئة في ظلل شرع ال العظيم.
وقسد ختسم ال الخمسس الولى منهسا بقوله تعالى(( :لعلكسم تعقلون ))..إشارة إلى أن هذه
المور ل بسسد أن يسسسلم العقسسل بضرورة مراعاتهسسا ،و أن مسسن لم يفقسسه الحكمسسة مسسن هذه
التكاليسف ول يسستسلم لشرع ال ويطبقسه ،ليسس مسن العقلء السسوياء بسل هسو أضسل مسن
الحيوان.
وختم الربع الوصايا الخرى بقوله تعالى(( :لعلكم تذكرون ))..والتذكر ل يكون إل
من عاقل يفهم خطاب ال ويعلم أنه ل يأمر إل بخير ول ينهى إل عن شر.
وختسسسم الوصسسسية العاشرة-وهسسسي أشمسسسل الوصسسسايا وأعظمهسسسا-بقوله تعالى(( :لعلكسسسم
تتقون ))..والتقوى هسي المقصسودة ،لن صساحبها يتورع عسن ترك المسر وفعسل النهسي،
تعظيما ل ورغبةً فيما عنده وخشية من عذابه.
وقال تعالى(( :فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم
إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون))[.التوبة]122 :
وقال تعالى(( :وإذا جاءهسسسم أمسسسر مسسسن المسسسن أو الخوف أذاعوا بسسسه ولو ردوه إلى
الرسول وإلى أولى المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم[.))..النساء]13 :
والستنباط :الستخراج والبحث.
والبحث والستنباط هنا يعنيان الجتهاد من أهله للوصول إلى الحكم الواجب تطبيقه
العائد بالخيسسر على المسسة ،الْمُرضسسي ل تعالى ،وهذا ل يكون إل مسسن ذوي العقول النيرة
التي صاغها شرع ال.
ولول أن ال تعالى هيسسأ للمسسة السسسلمية أمثال هؤلء العقلء الذيسسن يسسستنبطون لهسسا
أحكام ال مسن شريعتسه ،لكان الشيطان قائد هسم إلى كسل سسوء ،ولعسل ذلك مسن حكمسة هذا
التعقيسب الربانسي فسي هذه اليسة(( :ولول فضسل ال عليكسم ورحمتسه لتبعتسم الشيطان إل
قليل)).
فالعقسل السسليم له أثره العظيسم فسي حياة الناس ،لن أهسل العقول السسليمة يفكرون فسي
مصسالح المسة ويدعونهسا إليهسا ،كمسا يفكرون فسي المفاسسد التسي يجسب اجتنابهسا وينهونهسم
عنها.
ويجسسب التنسسبيه هنسسا على عبارة شائعسسة متداولة بيسسن عامسسة الناس ،وأصسسبحت لكثرة
تردادها وتكرارها كأنها قضية مسلمة ،وأكثر من يرددها الرياضيون ومشجعوهم وهي:
(العقسل السسليم فسي الجسسم السسليم) .ول شسك أن فسي اجتماع سسلمة الجسسم وسسلمة العقسل
نعمسسة عظيمسسة على صسساحبهما ،وإذا أريسسد بسسسلمة العقسسل السسسلمة مسسن الفات المعنويسسة
والماديسسة فالنعمسسة بذلك أعظسسم .و لكسسن هذه العبارة غيسسر مطردة ،لوجود كثيسسر مسسن ذوي
الفات الجسسمية-كالعمسى ،والصسمم ،والعرج ،والشلل-ممسن منحهسم ال عقول سسليمة قويسة
مخترعسسة مبدعسة فسسي العلوم السسلمية ومسسا يخدمهسسا كاللغسسة والدب والبلغسسة والتاريسسخ
وغيرهسا مسن العلوم المسسماة ب(-النسسانية) ،والعلوم الكونيسة المتعددة التسي نفسع ال بهسا
العالم قديمسا وحديثسا ،ولوجود كثيسر مسن ذوي الجسسام السسليمة القويسة-كمصسارعي الثيران
15
والقران مسسن أبناء جنسسسهم ،وبعسسض أفراد الفرق الرياضيسسة الذيسسن لم تتجاوز عقولهسسم
التفكير في تقوية عضلتهم وإشباع غرائزهم بما حل وحرم!
وكفى بالعقل منزلة عند ال معرفة المور الثلثة التية:
المر الول :أنه مناط التكليف وأن غير العاقل ل ينال شرف التكليف من ال تعالى،
ذلك أن التكليسف ل يكون إل لمسن أمكنسه علم الحسق والعمسل بسه ومعرفسة الباطسل وتركسه،
وهذا ل يمكن إل من أهل العقول.
ولهذا تجسد علماء السسلم يذكرون فسي كتبهسم أصسول كانست أو فروعسا أن مسن أهسم
شروط التكليف :العقل ،فل يكلف غير العاقل …
المسسر الثانسسي :أن العقسسل هسسو إحدى الضرورات الخمسسس التسسي ل تكون الحياة فسسي
الرض مستقرة ول قائمة بدون حفظها .وهي :الدين ،والنفس ،والعقل ،والنسل ،والمال
[راجسسع كتابنسسا :السسسلم وضرورات الحياة ص 105الطبعسسة الثانيسسة .نشسسر وتوزيسسع دار
المجتمع .جدة].
المسر الثالث :أن ال تعالى أرسسل رسسله وأنزل كتبسه لبلغ الناس دينسه الحسق ،مبينسا
لهسسم بحججسسه وبراهينسسه أن ذلك الديسسن حسسق وأن مسسا خالفسسه باطسسل ،ملجئا تلك العقول بتلك
الجسسج والبراهيسسن ،إلى التسسسليم الختياري بأن ديسسن ال حسسق وأنسسه الهدى والرشاد ،وأنسسه
جالب لمصالحهم في الدارين ،واق لهم من المفاسد فيهما.
ومسسسن هنسسسا لم يأذن ال تعالى بإكراه الناس على اليمان بسسسه ،مكتفيسسسا بسسسبيان أن ذلك
اليمان حق ،بيانا قائما على الحجة والبينة التي يقر بها عقل المخاطب-وإن كابر وعاند-
ن َقدْ تَبَيّ نَ
ويتبين بها الرشد من الغي ،كما قال تعالى في كتابه الكريم((:ل إِكْرَا هَ فِي الدّي ِ
سكَ بِالْعُرْوَ ِة الْوُ ْثقَى ل انفِ صَامَ
ن الغَيّ فَمَ نْ يَ ْكفُرْ بِالطّاغُو تِ وَيُ ْؤمِ نْ بِالِّ َفقَ ْد ا سْتَمْ َ
الرّشْدُ مِ ْ
علِيمٌ)) [البقرة]256 :
لَهَا وَالُّ سَمِيعٌ َ
وقال تعالىَ (( :ولَوْ شَاءَ رَبّكَس لمَنَس مَنْس فِي الَْرْضِس ُكلّهُمْس جَمِيعًا َأ َفأَنْتَس تُكْرِهُس النّاسَس
حَتّى يَكُونُوا مُؤْ ِمنِينَ)) [يونس]99 :
وقسسد امتل كتاب ال باليات الدالة على هذا المعنسسى العظيسسم الذي يسسبين عِظَم سَ منزلة
ن له إلى معرفسسة الحسسق
حفْزَه على التأمسسل والتفكسسر الموصسسلَي ِ
العقسسل عنسسد ال تعالى ،و َ
والباطل.
وإن أي إنسان عاقل يستغل طاقته العقلية في تأمل بعض تلك اليات ،ل بد أن يوقن
بأن ما جاءت به رسل ال ونزلت به كتبه حق.
و لنذكر بعضا من تلك اليات بدون تعليق ،ليتأملها طالب الحق ،ثم يسأل عقله بعد
ذلك :هسل تسبين له أن ال تعالى حسق وأن عبادتسه حسق ،وأن الكون كله دال على ذلك ،وأن
ال تعالى قسد أنزل عقله منزلة عظيمسة يجسب عليسه أن يشكرهسا ويصسون ذلك العقسل مسن
عبث المتلعبين به أو ل؟
خلْق ِس الس سّمَاوَاتِ وَالرْض سِ وَاخْتِلف سِ اللّ ْيلِ وَالنّهَارِ
مسسن ذلك قوله تعالى(( :إِنّ فِي َ
وَالفلك الّتِي َتجْرِي فِي الْ َبحْرِ بِمَا يَنفَعُس النّاسَس َومَا أَن َزلَ الُّ مِنْس السّسمَاءِ مِنْس مَاءٍ َفَأحْيَا بِهِس
ن السّمَاءِ
سخّرِ بَيْ َ
سحَابِ الْ ُم َ
لرْضَ بَعْدَ مَوْ ِتهَا وَ َبثّ فِيهَا ِمنْ ُكلّ دَابّةٍ وَ َتصْرِيفِ الرّيَاحِ وَال ّ
16
ت ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ)) [البقرة]164 :
وَلَرْضِ ليَا ٍ
وقوله تعالى(( :المسر ِتلْكَس آيَاتُس الْكِتَابِس وَالّذِي أُن ِزلَ ِإلَيْكَس مِنْس رَبّكَس الحسق َولَكِنّ أَكْثَرَ
علَى الْعَرْشِس
النّاسِس لَ يُؤْمِنُونَس ( )1الُّ الّذِي َرفَعَس السّسمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَ َمدٍ تَرَوْنَهَا ُثمّ اسْستَوَى َ
جلٍ مُس سَمّى يُ َدبّرُ الَمْرَ ُيفَص ّسلُ اليَات ِس لَ َعلّكُم سْ ِبِلقَاءِ
لِ َ
وَس َسخّرَ الشّمْس سَ وَالْقَمَرَ ُكلّ َيجْرِي َ
ل فِيهَا رَوَاسِسيَ َوأَنْهَارًا وَمِنْس ُكلّ الثّمَرَاتِس
رَبّكُمْس تُوقِنُونَس ( )2وَهُ َو الّذِي مَدّ الَرْضَس َوجَ َع َ
ل النّهَا َر إِنّ فِي َذلِكَس ليَاتٍس ِلقَوْمٍس يَ َتفَكّرُونَس ( )3وَفِي
جَ َعلَ فِيهَا زَ ْوجَيْنِس اثْنَيْنِس يُغْشِي اللّ ْي َ
سقَى
ن أَعْنَا بٍ وَزَ ْر عٌ وَ َنخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُ ْ
ض ِقطَ عٌ مُ َتجَاوِرَا تٌ َوجَنّا تٌ ِم ْ
الَرْ ِ
ل إِنّ فِي َذلِكَس ليَاتٍس ِلقَوْمٍس يَ ْع ِقلُونسَ)) ()4
علَى بَعْضٍس فِي الُ ُك ِ
ضلُ بَ ْعضَهَا َ
بِمَاءٍ وَاحِدٍ َوُنفَ ّ
[الرعد]
س ْبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ()1يُنَ ّزلُ
جلُوهُ ُ
ومنها قوله تعالى(( :أَتَى أَمْ ُر الِّ فَل َتسْتَ ْع ِ
ل ِإلَ َه إِل أَنَا فَا ّتقُونِي (
ن أَنذِرُوا أَنّ هُ َ
علَى َم نْ َيشَاءُ ِم نْ عِبَادِ ِه أَ ْ
ن أَمْرِ هِ َ
الْمَلئِكَةَ بِالرّو حِ مِ ْ
ط َف ٍة َفإِذَا
خلَقَس الِنسسَانَ مِنْس نُ ْ
خلَقَس السّسمَاوَاتِ وَالرْضَس بِالحسق تَعَالَى عَمّاس يُشْرِكُونَس (َ )3
َ )2
فءٌ وَمَنَافِعُس وَمِنْهَا َتأْ ُكلُونسَ(َ )5ولَكُمْس فِيهَا
خَلقَهَا لَكُمْس فِيهَا دِ ْ
هُ َو خَصسِيمٌ مُبِينٌس ()4وَالنْعَامَس َ
ل حِينَس تُرِيحُونَس َوحِينَس تَسْس َرحُونَ ()6وَ َتحْ ِملُ أَ ْثقَالَكُمْس ِإلَى َبلَ ٍد لَمْس تَكُونُوا بَالِغِيهِس إِلّ بِشِقّ
جَمَا ٌ
خلُقُ مَا ل
س إِنّ رَبّكُ ْم لَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ ()7وَالْخَ ْيلَ وَالْبِغَالَ وَا ْلحَمِي َر لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَ َي ْ
النفُ ِ
علَى الِّ قَصْ ُد السّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ َولَوْ شَا َء لَهَدَاكُ ْم َأجْمَعِينَ(ُ )9ه َو الّذِي أَن َزلَ
تَ ْعلَمُونَ ()8وَ َ
ت لَكُمْ بِ ِه الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ
شجَ ٌر فِيهِ ُتسِيمُونَ ( )10يُنْ ِب ُ
مِنْ السّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِ ْنهُ شَرَابٌ وَمِ ْنهُ َ
سخّ َر لَكُ ْم اللّ ْيلَ
لعْنَابَ وَ ِمنْ ُكلّ الثّمَرَاتِ ِإنّ فِي َذلِكَ ل َي ًة ِلقَوْمٍ يَ َتفَكّرُونَ ( )11وَ َ
وَال ّنخِيلَ وَا َ
سخّرَاتٌ ِبأَمْرِ ِه إِنّ فِي َذِلكَ ليَاتٍ ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ ()12وَمَا
وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَال ّنجُومُ ُم َ
ذَ َرَأ لَكُمْس فِي الرْضِس ُمخْ َتلِفًا َألْوَانُهُس إِنّ فِي َذلِكَس ليَ ًة ِلقَوْمٍس يَذّكّرُونَس ()13وَهُ َو الّذِي سَسخّرَ
حلْيَةً َتلْبَس سُونَهَا وَتَس ْس َتخْرِجُوا مِنْه ُس حِلْ َيةً
الْبَحْ َر لِ َتأْ ُكلُوا مِنْه ُس َلحْمًا طَ ِريّا س َوتَس سْ َتخْ ِرجُوا مِنْه ُس ِ
ضلِه سِ َولَ َعلّكُمسْ تَشْكُرُون سَ (َ )14وَألْقَى فِي
َتلْبَسسُونَهَا وَتَرَى الفلك مَوَاخِ َر فِيهسِ َولِتَبْتَغُوا مِن ْس َف ْ
ي أَنْس تَمِيدَ بِكُمْس َوأَنْهَارًا وَسُسبُل لّ َعلّكُمْس تَهْ َتدُونَس ()15وَعَلمَاتٍس وَبِال ّنجْمِس هُمْس
لَرْضِس رَوَاسِس َ
ق أَفل تَذَكّرُونَ ([ )))17النحل]
خلُ ُ
خلُقُ كَمَنْ ل َي ْ
يَهْتَدُونَ(َ )16أفَمَنْ َي ْ
وقوله تعالى(( :وَالُّ أَن َزلَ مِنْس السّسمَاءِ مَاءً َفَأحْيَا بِهِس لرْضَس بَ ْعدَ مَوْتِهَا إِنّ فِي َذلِكَس
ن فَرْثٍ وَ َدمٍ
سقِيكُمْ مِمّا فِي ُبطُو ِنهِ ِمنْ بَ ْي ِ
ليَ ًة ِلقَوْمٍ يَسْمَعُونَ(َ )65وإِنّ لَكُ ْم فِي الَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُ ْ
لَبَنًا خَالِ صًا سَائِغًا لِلشّارِبِي نَ( )66وَمِ نْ ثَمَرَا تِ ال ّنخِيلِ وَالعْنَا بِ َتّتخِذُو نَ مِ ْن هُ سَكَرًا وَرِ ْزقًا
حلِ أَنْس ا ّتخِذِي مِنْس الْجِبَالِ
حَسَسنًا إِنّ فِي َذلِكَس ليَ ًة ِلقَوْمٍس يَ ْع ِقلُونَس (َ )67وأَوْحَى رَبّكَس ِإلَى ال ّن ْ
ل الثّمَرَاتِس فَاسْسلُكِي سُسُبلَ رَبّكِس ذُلل
شجَرِ َومِمّاس يَعْ ِرشُونَس ( )68ثُمّ ُكلِي مِنْس ُك ّ
بُيُوتًا وَمِنْس ال ّ
س إِنّ فِي َذلِكَ ليَ ًة ِلقَوْمٍ يَ َتفَكّرُونَ (
شفَاءٌ لِلنّا ِ
ف َألْوَانُ ُه فِيهِ ِ
َيخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ ُمخْ َتلِ ٌ
شيْئًا إِنّ
علْمٍس َ
ل الْعُمُرِ لِكَيْس ل يَ ْعلَمَس بَ ْعدَ ِ
خَلقَكُمْس ُثمّ يَتَ َوفّاكُمْس وَمِنْكُمْس مَنْس يُرَ ّد ِإلَى أَرْ َذ ِ
)69وَالُّ َ
علِي ٌم قَدِيرٌ ([ )))70النحل]
الَّ َ
وقوله تعالىَ(( :أ َفلَم سْ يَس سِيرُوا فِي الَْرْض ِس فَتَكُون َس لَهُم ْس ُقلُوبسٌ يَ ْع ِقلُون سَ بِهَا أَوْ آذَانسٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا َفإِنّهَا ل تَ ْعمَى الَ ْبصَارُ َولَكِنْ تَ ْعمَى الْ ُقلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ ( [)46الحج]
ن السّمَاءِ مَا ًء فَ ُيحْيِ بِهِ
ق خَ ْوفًا َوطَمَعًا وَيُنَ ّزلُ ِم ْ
ن آيَاتِهِ يُرِيكُ ْم الْبَرْ َ
وقوله تعالى(( :وَ ِم ْ
ت ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ ([ )24الروم]
ن فِي َذِلكَ ليَا ٍ
الرْضَ بَعْدَ َموْتِهَا ِإ ّ
17
ت إيمانكُ مْ مِ نْ شُرَكَاءَ
ل لَكُ مْ مِ نْ مَا َملَكَ ْ
ن أَ ْنفُ سِكُمْ َه ْ
وقوله تعالى(( :ضَرَ بَ لَكُ مْ مَثل مِ ْ
صلُ اليَاتِ ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ
فِي مَا رَ َزقْنَاكُ ْم َفأَنْتُ ْم فِيهِ سَوَاءٌ َتخَافُونَ ُهمْ َكخِيفَتِكُمْ أَن ُفسَكُمْ كَ َذلِكَ ُنفَ ّ
([ )28الروم]
خ ْلقِكُمْس وَمَا َيُبثّ
وقوله تعالى(( :إِنّ فِي السّسمَاوَاتِ وَالَرْضِس ليَاتٍس ِللْمُؤْمِنِينسَ(َ )3وفِي َ
ن ال سّمَاءِ ِم نْ رِزْ قٍ
ف اللّ ْيلِ وَالنّهَارِ وَمَا أَن َزلَ الُّ ِم ْ
ت ِلقَوْ مٍ يُوقِنُو نَ()4وَاخْتِلَ ِ
مِ نْ دَابّ ٍة آيَا ٌ
ف الرّيَاحِ آيَاتٌ ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ ([ )5الجاثية]
َفأَحْيَا بِهِ الَرْضَ َبعْدَ مَوْتِهَا وَ َتصْرِي ِ
ن الْكِتَابَ َأفَل تَ ْع ِقلُونَ
ن أَنفُسَكُمْ َوأَنْتُمْ تَ ْتلُو َ
ن النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنسَوْ َ
وقوله تعالى(( :أَ َتأْمُرُو َ
([ )44البقرة]
وقوله تعالى(( :إِنّا أَن َزلْنَا ُه قُرْآنًا عَرَبِيّا لَ َعلّكُمْ تَ ْع ِقلُونَ ([ )2يوسف]
وقوله تعالىَ(( :لقَ ْد أَن َزلْنَا ِإلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ ُك ْم َأفَلَ تَ ْع ِقلُونَ([ )10النبياء]
وقوله تعالى(( :وَ ُه َو الّذِي ُيحْيِس وَيُمِيتُس َولَهُس اخْتِلَفُس اللّ ْيلِ وَالنّهَارِ َأفَلَ تَ ْع ِقلُونَس ()80
[المؤمنون]
طفْلً
عَلقَةٍ ُثمّ ُيخْ ِرجُكُمْ ِ
طفَةٍ ُثمّ ِمنْ َ
خَلقَكُمْ ِمنْ تُرَابٍ ثُمّ مِنْ نُ ْ
وقوله تعالى(( :هُ َو الّذِي َ
ن قَ ْبلُ َولِتَ ْبلُغُوا َأجَل ُمسَمّى َولَ َعلّكُمْ
شيُوخًا وَ ِمنْكُمْ مَنْ يُ َت َوفّى مِ ْ
ثُمّ لِتَ ْبلُغُوا أَشُدّكُمْ ثُمّ لِتَكُونُوا ُ
تَ ْع ِقلُونَ ([ )67غافر]
علَمُوا أَنّ الَّ ُيحْيسِ الَرْضسَ بَعْدَ َموْتِهَا قَدْ بَيّنّاس لَكُمسْ اليَاتِس لَ َعلّكُمسْ
وقوله تعالى(( :ا ْ
تَ ْع ِقلُونَ ([ )17الحديد]
وبهذا يعلم إجرام قادة الباطسل وجنايتهسم على أنفسسهم وعلى غيرهسم ،وتمسسكهم بتقليسد
الباء والمتبوعيسن الذيسن عطلوا نعمسة ال عليهم بتلك العقول ،ليميزوا بهسا الحسق ويتبعوه،
ويعرفوا بهسا الباطسل ويجتنبوه ،فحرموا أنفسسهم وأتباعهسم مسن هدى ال الذي ل ُيحْرمسه إل
مسن ل عقسل له ،بسل عطلوا بذلك كسل المنافسذ المحسسوسة ،كالسسمع والبصسر التسي تعرض
على عقولهسم مسا تسسمع ومسا تبصسر مسن آيات ال فسي أنفسسهم وفسي الكون الكسبير ،وأنزلوا
أنفسهم منزلة أحط من منزلة الحيوان!
علَيْهِس آبَاءَنَا أَ َولَوْ
ل الُّ قَالُوا َبلْ نَتّبِعُس مَا َألْفَيْنَا َ
ل لَهُمْس اتّبِعُوا مَا أَن َز َ
قال تعالىَ (( :وإِذَا قِي َ
ن آبَاؤُهُمْ لَ يَ ْع ِقلُونَ شَيْئًا وَلَ يَهْتَدُونَ ([ )170البقرة]
كَا َ
وقال تعالى(( :وَ َم َثلُ الّذِينَس َكفَرُوا َكمَ َثلِ الّذِي َينْعِقُس بِمَا لَ يَسْسمَعُ إل دُعَاءً وَنِدَاءً صُسمّ
ي فَهُمْ لَ يَ ْع ِقلُونَ([ )171البقرة]
بُكْمٌ عُ ْم ٌ
لّ الصّ ّم الْبُكْ ُم الّذِينَ ل يَ ْع ِقلُونَ([ )22النفال]
وقال تعالى(( :إِنّ شَ ّر الدّوَابّ عِ ْن َد ا ِ
َوَلقَدْ ذَ َرأْنَا ِلجَهَنّمَس كَثِيرًا مِنْس ا ْلجِنّ وَالِْنسِس لَهُمْس ُقلُوبٌس ل َي ْفقَهُونَس بِهَا َولَهُمْس أَعْيُنٌس ل
ضلّ أُ ْولَئِ كَ هُ ْم الْغَا ِفلُو نَ(
يُبْ صِرُونَ بِهَا َولَهُ مْ آذَا نٌ ل َي سْمَعُونَ بِهَا أُ ْولَئِ كَ كَالنْعَا مِ َبلْ هُ ْم َأ َ
[ )179العراف]
ن ِإلَيْكَ َأ َفأَنْتَ ُتسْمِ ُع الصّمّ َولَوْ كَانُوا لَ يَ ْع ِقلُونَ ()42
وقال تعالى(( :وَ ِمنْهُمْ مَنْ َيسْتَمِعُو َ
[يونس]
ن ال سّمَاءِ مَا ًء َفأَحْيَا بِ هِ لرْ ضَ مِ نْ بَعْدِ َموْتِهَا
سَألْتَهُمْ مَ نْ نَ ّزلَ ِم ْ
وقال تعالىَ (( :ولَ ِئ نْ َ
ل أَكْثَرُهُمْ ل يَ ْع ِقلُونَ ([ )63العنكبوت]
ل ا ْلحَمْدُ لِّ َب ْ
ن الُّ ُق ْ
لَ َيقُولُ ّ
وقال تعالى(( :ل ُيقَا ِتلُونَكُ ْم جَمِيعًا إِل فِي قُرًى ُمحَصّنَ ٍة أَوْ ِمنْ وَرَا ِء جُدُرٍ َبأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ
18
شَدِيدٌ َتحْسَبُهُ ْم جَمِيعًا َو ُقلُوبُهُمْ شَتّى َذِلكَ ِبأَنّهُ ْم قَوْمٌ ل يَ ْع ِقلُونَ([ )14الحشر]
ولمسسا كانسست العقول والفطسسر السسسليمة ،ترفسسض الباطسسل لفسسساده ومجافاتسسه للحجسسج
والبراهين التي تسند الحق وتظاهره ،لجأ أهل الباطل إلى إسناده وتأييده بالقوة والكراه
والتضليل والستخفاف.
وقسسد دلت على ذلك أدلة كثيرة ،ل تخفسسى على مسسن تأملهسسا فسسي جميسسع حقسسب التاريسسخ
الممتدة منسسذ أوجسسد ال الخليقسسة إلى يومنسسا هذا ،وسسستبقى كذلك إلى قيام السسساعة .كمسسا دلت
على ذلك سسسسير قادة الباطسسسل وأسسسساليبهم ،منسسسذ أن خلق ال آدم السسسسلم وابتله بقائد قادة
الباطل :إبليس لعنه ال.
وبهذا يظهسر السسبب الذي جعسل أهسل الحسق وأهسل الباطسل يتسسابقون إلى العقول :أهسل
الحسسق بحقهسسم ،وأهسسل الباطسسل بباطلهسسم ،لن مسسن سسسبق إلى العقول بمسسا عنده ملك زمام
أصحابها ،وقادهم إلى غايته بوسائله المتاحة واستثمرها وحظي بنتائجها ،ومن كان أكثر
سسسبقا إلى العقول كان-فسسي الغالب-أكثسسر أنصسسارا وأعوانسسا ،فإن كثسسر أهسسل الحسسق وقويسست
شوكتهسم ،أقاموا الحسق فسي الرض ونشروه وحموه مسن اعتداء أهسل الباطسل عليسه ،وإن
كثر أهل الباطل وقويت شوكتهم ،أقاموا الباطل في الرض ونشروه وحموه وحاربوا به
وبأعوانسه الحسق ،وأحاطوا باطلهسم ِبجُدُرٍ مسن الحواجسز الحسسية والمعنويسة ضسد هجمات
الحق عليه ودحضه وكشف عواره للناس.
19
أسباب تأليف هذا الكتاب
لتأليف هذا الكتاب ثلثة أسباب:
السسبب الول :مسا حكاه القرآن الكريسم ،مسن الصسراع الذي دار بيسن أهسل الحسق مسن
النبياء والرسل وأتباعهم ،وبين أهل الباطل من المم السابقة.
إن المتأمسل فسي ذلك الصسراع يجسد أن أهسل الحسق يسسابقون أهسل الباطسل إلى عقول
الناس بما عندهم من الحق ،ويسابقونهم إلى تفريغ تلك العقول من الباطل الذي تمكن من
الوصول إليها ،ويسابقونهم إلى حمايتها من أن يصل إليها باطل جديد.
وأن أهسسل الباطسسل-كذلك-يسسسابقون أهسسل الحسسق إلى عقول الناس بمسسا عندهسسم مسسن
الباطل ،ويسابقونهم إلى تثبيت ما استقر منه في تلك العقول ،ويسابقونهم إلى حمايتها من
الحق الذي لم يصل إليها بعد.
وفي قصص النبياء مع أممهم بيان واضح لهذه المعاني ،كما سيأتي في فصول
الكتاب.
و في سيرة الرسول صلى ال عليه وسلم وما قام به من تبليغ رسالة ال ،وموقف
قادة الباطسسل مسسن ذلك التبليسسغ أمثلة كثيرة على هذه المعانسسي لمسسن تأملهسسا .وكذلك تاريسسخ
أصسحابه رضسي ال عنهسم ومسا قاموا بسه مسن دعوة إلى ال وجهاد فسي سسبيله ،وكسل مسن
تبعهم على ذلك من أهل الحق ،ومواقف طغاة الباطل منهم في جميع العصور.
السسبب الثانسي :مسا حصسل فسي هذا العصسر مسن الوسسائل الكثيرة المؤثرة للسسباق إلى
العقول ،ومسن اهتمام أهسل الباطسل باختراع كثيسر منهسا واسستغللها فسي سسبقهم بباطلهسم إلى
عقول الناس ،وتفريغ تلك العقول من الحق الذي وصل إليها وحمايتها من أن يصل إليها
الحسق ،وتفريسط أهسل الحسق وتقصسيرهم الشديديسن فسي اسستغلل تلك الوسسائل للسسبق بحقهسم
إلى تلك العقول ،وتفريغها من الباطل الذي وصل إليها وحمايتها مما لم يصل إليها منه.
السسسبب الثالث :خطاب وجهسسه إلي عميسسد شؤون الطلب فسسي الجامعسسة السسسلمية
بالمدينسسة المنورة ،طلب منسسي فيسسه إلقاء محاضرة فسسي قاعسسة المحاضرات الكسسبرى فسسي
الموسسم الثقافسي المعتاد كسل عام ،وطلب ذكسر عنوان المحاضرة ،فلبيست الطلب ،وذكرت
له هذا العنوان( :السسباق إلى العقول-الغايات-الوسسائل والنتائج)-[ .وقسد بعسث إلى بخطاب
الموافقسسة على العنوان المذكور برقسسم )19 /413 /10( ::وتاريسسخ23/4/1413( :هسسس.)-
وألقيسست المحاضرة بتاريسسخ10/5/1413 :هسسس-بعسسد صسسلة المغرب حضرهسسا كثيسسر مسسن
أعضاء هيئة التدريسسس والطلب بالجامعسسة .وكانسست المحاضرة ل تزيسسد عسسن أربعيسسن
صسفحة بخسط اليسد .وهاهسي اليوم كتاب بيسن يدي القارئ يزيسد عسن أربعمائة صسفحة ،وذلك
من فضل ال وعونه].
20
غايات أهل الحق
لهسل الحسق غايات يسسابقون بهسا أهسل الباطسل ،لبلغ تلك الغايات إلى عقول الناس
لتستقر فيها وتؤمن بها ،وتصبح بذلك عقول حق.
ولهل الباطل غايات يسابقون بها أهل الحق لبلغها إلى عقول الناس لتستقر فيها
وتستسلم لها ،وتصبح بذلك عقول باطل.
غاية أهل الحق العليا في السباق إلى العقول.
هنالك غاية عليا لهل الحق تتفرع عنها كل الغايات التي يسابقون بها أهل الباطل
إلى العقول ،وهذه الغاية هي :رضا ال سبحانه وتعالى.
فهم-أي أهل الحق-يتحرون هذه الغاية العليا الشاملة لكل الغايات .أليس ال تعالى هو
الحق؟ أليسوا يسابقون بالحق ومن أجل الحق؟ فماذا يريدون غير رضا الحق؟
فهذا نسبي ال موسسى عليسه السسلم يقول ال تعالى عنسه(( :ومسا أعجلك عسن قومسك يسا
موسى ،قال هم أولء على أثري وعجلت إليك ربي لترضى))[ .طه]84-83 :
وقال تعالى عسسن سسسليمان بسسن داود عليهمسسا السسسلم(( :وقال رب أوزعنسسي أن أشكسسر
نعمتسك التسي أنعمست عليّس وعلى والدي وأن أعمسل صسالحا ترضاه وأدخلنسي برحمتسك فسي
عبادك الصالحين[ .))..النمل]19 :
وختسم تعالى حواره مسع عيسسى عليسه السسلم بقوله(( :هذا يوم ينفسع الصسادقين صسدقهم
لهسم جنات تجري مسن تحتهسا النهار خالديسن فيهسا أبدا رضسي ال عنهسم ورضوا عنسه ذلك
الفوز العظيم))[ .المائدة]119 :
وقال تعالى(( :ومسسسسسسن الناس مسسسسسسن يشري نفسسسسسسسه ابتغاء مرضاة ال وال رؤوف
بالعباد))[.البقرة]207 :
وقال تعالى(( :ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة ال وتثبيتا من أنفسهم كمثل
جنسة بربوة أصسابها وابسل فآتست أكلهسا ضعفيسن فإن لم يصسبها وابسل فطسل وال بمسا تعملون
بصير))[.البقرة]265 :
وقال تعالى عن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم من المهاجرين والنصار
ومسن اتبعهسم بإحسسان(( :والسسابقون الولون مسن المهاجريسن والنصسار والذيسن اتبعوهسم
بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها النهار خالدين فيها
أبدا ،ذلك الفوز العظيم))[.التوبة]100 :
وقال تعالى عنهسم(( :محمسد رسسول ال والذيسن معسه أشداء على الكفار رحماء بينهسم
تراهم ركعا سجدا يبتغون فضل من ال ورضوانا)) [الفتح]29 :
وقال عسن أهسل بيعسة الشجرة منهسم(( :لقسد رضسي ال عسن المؤمنيسن إذ يبايعونسك تحست
الشجرة)) [الفتح]18 :
وقال تعالى بعد أن ذكر ما زين للناس من متاع الحياة الدنيا(( :قل أؤنبئكم بخير من
ذلكسم للذيسن اتقوا عنسد ربهسم جنات عدن تجري مسن تحتهسا النهار خالديسن فيهسا وأزواج
مهرة ورضوان من ال وال بصير بالعباد)) [آل عمران]15 :
21
وقال تعالى(( :أفمن اتبع رضوان ال كمن باء بسخط من ال)) [آل عمران]162 :
وقال تعالى(( :فانقلبوا بنعمسة مسن ال وفضسل لم يمسسسهم سسوء واتبعوا رضوان ال))
[آل عمران]174 :
وقال تعالى عن حزبه(( :رضي ال عنهم ورضوا عنه أولئك حزب ال أل إن حزب
ال هم المفلحون[ ))...المجادلة]22 :
وقال تعالى(( :يسسسا أيهسسسا الذيسسسن آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكسسسم أولياء تلقون إليهسسسم
بالمودة وقسد كفروا بمسا جاءكسم مسن الحسق يخرجون الرسسول وإياكسم ،أن تؤمنوا بال ربكسم
إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي)) [الممتحنة]1 :
وقال تعالى(( :ل خيسسر فسسي كثيسسر مسسن نجواهسسم إل مسسن أمسسر بصسسدقة أو معروف أو
إصسسلح بيسسن الناس ومسسن يفعسسل ذلك ابتغاء مرضاة ال فسسسوف نؤتيسسه أجرا عظيمسسا))
[النساء]114 :
وقال تعالى(( :يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم)) [المائدة]16 :
فأهسسل الحسسق يرجون مسسن كسسل أعمالهسسم الصسسالحة رضسسا ال سسسبحانه وتعالى ويتبعون
رضوانه ،ورضاه تعالى هو غاية كل غاية ،وهو تعالى ل يرضى إل عن أهل الحق.
ومن أجل أن رضا ال تعالى هو غاية أهل الحق ،يأتي خطاب ال تعالى لهم-بعد أن
يسسكنهم جنتسه ويعطيهسم فيهسا مسا ل عيسن رأت ول أذن سسمعت ول خطسر على قلب بشسر-
مخسبرا لهسم بإحلله هذه الغايسة العظيمة عليهسم ،كمسا فسي حديسث أبسي سسعيد الخدري رضسي
ال عنسه أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :إن ال يقول لهسل الجنسة :يسا أهسل الجنسة،
فيقولون :لبيسك ربنسا وسسعديك والخيسر فسي يديسك ،فيقول :هسل رضيتسم؟ فيقولون :ومسا لنسا ل
نرضسى يسا رب فقسد أعطيتنسا مسا لم تعسط أحدا مسن خلقسك؟ فيقول :أل أعطيكسم أفضسل مسن
ذلك؟ فيقولون :يسسا رب وأي شيسسء أفضسسل مسسن ذلك؟ فيقول :أحسسل عليكسسم رضوانسسي ،فل
أسخط عليكم بعده أبدا[ ).صحيح مسلم (])4/1276
فهذا الحديث يفسر أن رضوان ال عن عباده هو غاية الغايات ،لنه أفضل ما يعطى
أهل الجنة التي ل يدخلها إل من رضي ال تعالى عنه.
22
حصول رضا النفس وطمأنينتها في الدنيا لمن
رضي الله عنه.
ويجسب أن يعلم أن هذه الغايسة –رضسا ال-التسي جعلهسا أهسل الحسق نصسب أعينهسم-بسل
جعلوهسا أم الغايات-للسسباق إلى العقول بالحسق هسي التسي يتحقسق بهسا الطمئنان والسسعادة
والرضا لمن حققها ،ويدل على ذلك أمران:
المسر الول :نصسوص الكتاب والسسنة ،مسا ذكسر هنسا منهسا ومسا لم يذكسر ،وبخاصسةٍ
قوله تعالى(( :رضي ال عنهم ورضوا عنه [.))..المجادلة 22 :والبينة]8 :
وإن صسساحب هذه الغايسسة ليجسسد الرضسسا فسسي نفسسسه والطمأنينسسة والسسسعادة فسسي أشسسد
الظروف امتحانسسا وابتلء ،يتضسسح ذلك بتأمسسل قوله تعالى-مخاطبسسا نسسبيه صسسلى ال عليسسه
وسسلم ،ويدخسل فيسه مسن اقتدى بسه مسن أمتسه(( :-فاصسبر على مسا يقولون وسسبح بحمسد ربسك
قبسسسل طلوع الشمسسسس وقبسسسل غروبهسسسا ومسسسن آناء الليسسسل فسسسسبح وأطراف النهار لعلك
ترضسى))[.طسه ]13 :وفسي معنسى ذلك قوله تعالى(( :أل بذكسر تطمئن القلوب))[ .الرعسد:
]28
المر الثاني :شهادة الواقع فما من أحد سعى للوصول إلى هذه الغاية-سواء كان
فردا أو أسسرة أو أمسة-إل وجسد فسي نفسسه الرضسا الطمأنينسة والسسعادة ،وإن الذيسن ينأون
بأنفسسهم عسن هذه الغايسة ليحرمون أنفسسهم مسن الرضسا والطمأنينسة والسسعادة ،مسع كدهسم
واجتهادهم في الحصول على الرضا والطمأنينة والسعادة ،عن غير هذه السبيل العظيم.
وبهذا يعلم أن أهسل الحسق عندمسا يسسابقون بالحسق إلى عقول الناس إنمسا يبتغون للناس
الوصسول إلى هذه الغايسة ليتحقسق لهسم الرضسا والطمئنان والسسعادة ،إذ كلمسا كثسر أهسل هذه
الغاية زادت في الرض هذه المعاني التي ينشدها كل الناس.
وإذا كان رضا ال هو الغاية العليا الشاملة لكل غايات أهل الحق من سباقهم إلى
العقول ،فمسا الغايات التسي تتفرع عسن هذه الغايسة وتعتسبر وسسائل لتحقيقهسا-وإن كانست كسل
واحدة منهسسسا غايسسسة بذاتهسسسا-؟[ كون بعسسسض الغايات تعتسسسبر وسسسسائل لغايات أخرى أمسسسر
معروف].
23
الغايات المتفرعة عن الغاية العليا:
من أهم الغايات المتفرعة عن تلك الغاية ما يأتي:
أول :تبليغ رسالت ال إلى الناس.
ثانيا :إقامة الحجة على الخلق.
ثالثا :إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
رابعا :تحقيق توحيد ال في الرض.
خامسا :غرس اليمان بالغيب في النفوس.
سادسا :تحكيم شرع ال في حياة الناس.
سابعا :تثبيت الولء ل ولرسوله وللمؤمنين والبراء من الكافرين.
ثامنا :غرس الخلق الفاضلة ومطاردة الخلق الفاسدة.
تاسعا :طلب العزة من ال وحده..
عاشرا :القيام بالخلفة في الرض على أساس هدى ال.
أول :تبليغ رسالت الله إلى الناس.
والمراد إيصسال تلك الرسسالت ببراهينهسا وحججهسا ،حتسى تكون واضحسة بينسة تفهمهسا
العقول فهمسسا تقوم بسسه الحجسسة على أصسسحابها ،وهذا هسسو البلغ المسسبين الذي هسسو وظيفسسة
الرسل عليهم السلم ووظيفة أتباعهم.
قال تعالى(( :الذين يبلغون رسالت ال ويخشونه ول يخشون أحدا إل ال وكفى بال
حسيبا))[ .الحزاب]38 :
وقال تعالى(( :ليعلم أن قد أبلغوا رسالت ربهم))[.الجن] 28 :
وكان الرسل عليهم الصلة والسلم يعلنون لقوامهم أنهم جاءوهم لتبليغهم رسالت
ال إليهم.
قال تعالى عسن نوح عليسه السسلم(( :أبلغكسم رسسالت ربسي وأنصسح لكسم))[.العراف:
]62
وقال تعالى عسن هود عليسه السسلم(( :أبلغكسم رسسالت ربسي وأنسا لكسم ناصسح أميسن)).
[العراف]68 :
وقال تعالى عسن صسالح عليسه السسلم(( :يسا قوم لقسد أبلغتكسم رسسالة ربسي ونصسحت لكسم
ولكن ل تحبون الناصحين)).العراف]79 :
وقال تعالى عن شعيب عليه السلم(( :يا قوم لقد أبلغتكم رسالت ربي ونصحت لكم
فكيف آسى على قوم كافرين))[.العراف]93 :
وقال تعالى(( :فهل على الرسل إل البلغ المبين))[ .النحل]35 :
وقال تعالى(( :وما على الرسول إل البلغ المبين)) [النور ،54 :والعنكبوت]18 :
وإذا كانت هذه الوظيفة هي-في الصل-وظيفة الرسل ،فإنها وظيفة أتباعهم بعدهم،
وبخاصة أمة محمد صلى ال عليه وسلم الذين لم يبق دين حق في الرض غير دينهم،
قال تعالى(( :قسل هذه سسبيلي أدعسو إلى ال على بصسيرة أنسا ومسن اتبعنسي[ .))..يوسسف:
24
]108
وإذا ما حصل تقصير أو توان في هذه الوظيفة ممن كلفهم ال القيام بها-وحاشا رسل
ال أن يقصسسروا ويتوانوا فسسي ذلك-فإن ذلك إخلل بالوظيفسسة ،كمسسا قال تعالى(( :يسسا أيهسسا
الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)) [.المائدة]67 :
ثانيا :إقامة الحجة على الناس.
حتسى ل يكون لهسم عذر يحتجون بسه على ربهسم ،وهذه الغايسة ملزمسة لمسا قبلهسا ،لن
في تبليغ الرسالت إقامة للحجة ،ولكن كل منهما غاية من غايات أهل الحق في السباق
إلى العقول.
قال تعالى(( :رسسل مبشريسن ومنذريسن لئل يكون للناس على ال حجسة بعسد الرسسل،
وكان ال عزيزا حكيما)) [.النساء]165 :
وقال تعالى(( :وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكسسسسسسسسسسم ترحمون ،أن
تقولوا إنمسا أنزل الكتاب على طائفتيسن مسن قبلنسا وإن كنسا عسن دراسستهم لغافليسن ،أو تقولوا
لو أنسا أنزل علينسا الكتاب لكنسا أهدى منهسم فقسد جاءكسم بينسة مسن ربكسم وهدى ورحمسة فمسن
أظلم ممسن كذب بآيات ال وصسدف عنهسا سنجزي الذيسن يصسدفون عن آياتنسا سوء العذاب
بما كانوا يصدفون)) [.النعام]157 ،155 :
ثالثا :إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
إن أهسل الباطسل عندهسم بصسر مادي-ينظرون بسه فيرون مسا تمكسن رؤيتسه مسن الكون
العلوي والسفلي ،بل وصلوا إلى رؤية ما لم يكن في الحسبان رؤيته من دقائق المور،
ومسا بَعُ َد فسي هذا الكون ،عسن طريسق مسا صسنعوا مسن آلت مكسبرة ومقربسة ،وعسن طريسق
الصواريخ والقمار الصناعية التي غزوا بها-كما يقولون-الفضاء ،ول زالوا يطورونها.
وأمسا الرض وبعسض طبقاتهسا فقسد مسسحوا كثيرا منهسا ول زالوا يمسسحون ويطلعون
فيها على أسرار خطيرة-غير السرار الطبيعية [-ومنها السرار العسكرية ].ل يعرفها
كثير من مسئولي البلدان التي هي فيها.
ومع هذا كله فإن أهل الباطل عم يٌ يتخبطون في دياجير ظلمات الكفر والجهل-
وإن سسموا علماء ،وأصسبح هذا المصسطلح "علماء" يغلب عليهسم عنسد عامسة المثقفيسن فسي
الرض.-
وهم علماء فعل في تخصصاتهم التي مكنتهم من علم بعض ظواهر الحياة الدنيا،
كما قال تعالى نافيا عنهم حقيقة العلم الذي ينفعهم وينفع أممهم في الحياة الدنيا والخرة،
ومثبتا لهم ما حازوه من علم بعض من ظاهر الحياة الدنيا(( :وعد ال ل يخلف ال وعده
ولكسسن أكثسسر الناس ل يعلمون ،يعلمون ظاهرا مسسن الحياة الدنيسسا وهسسم عسسن الخرة هسسم
غافلون))[ .الروم]7 ،6 :
فأهسل الباطسل هؤلء-وغيرهسم-يعيشون فسي ظلمات-وإن مل الغرور أدمغتهسم والكسبرُ
قلوبَهسسم بمسسا وصسسلوا إليسسه مسسن العلم المادي-وهسسم فسسي حاجسسة إلى مسسن ينبههسسم مسسن غفلتهسسم
25
ويخرجهسم مسن الظلمات :ظلمات الكفسر والجهسل بالخالق وبالغيسب الذي يجسب اليمان بسه،
وبشرع ال ووحيسسه ورسسسله ،ومنهسسج الحياة الذي يسسسعدهم فسسي دنياهسسم وأخراهسسم ،إذا مسسا
طبقوه في حياتهم.
قال تعالى(( :ال ولي الذيسسن آمنوا يخرجهسسم مسسن الظلمات إلى النور ،والذيسسن كفروا
أولياؤهم الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات))[ .البقرة]257 :
وال تعالى يخرج الناس مسن الظلمات إلى النور بوحيسه ،عسن طريسق رسسله واتباعهسم
الذيسن يسبينون للناس الحسق والباطسل ويدعونهسم إلى الحسق وينهونهسم عسن الباطسل ،كمسا قال
تعالى(( :الر .كتاب أنزلناه إليسسسك لتخرج الناس مسسسن الظلمات إلى النور بإذن ربهسسسم إلى
صراط العزيز الحميد))[ .إبراهيم]1:
وقال تعالى(( :ولقسسسد أرسسسسلنا موسسسسى بآياتنسسسا أن أخرج قومسسسك مسسسن الظلمات إلى
النور [.))..إبراهيم]5 :
وقال تعالى(( :رسسسسول يتلو عليكسسم آيات ال مسسبينات ليخرج الذيسسسن آمنوا وعملوا
الصالحات من الظلمات إلى النور))[ .الطلق]11 :
وتخصسسسيص المؤمنيسسسن بالخراج مسسسن الظلمات إلى النور مبنسسسي على كونهسسسم هسسسم
المنتفعيسسن الذيسسن يسسستجيبون لمسسر ال ودعوة رسسسله ،فيخرجون فعل مسسن الظلمات إلى
النور ،كتخصيص كون القرآن هدى للمتقيسن في مثسل قوله تعالى في كتابه العزيسز(( :ألم
ذلك الكتاب ل ريب فيه هدى للمتقين [.))...البقرة]2 :
مسع أن كتاب ال هدى لجميسع الناس لو أرادوا الهدايسة ،ولكنسه خصّس المتقيسن لكونهسم
المنتفعين به ،والرسالت جاءت لخراج الناس كلهم من الظلمات إلى النور.
وقسسسد يقول قائل مبهور بالكتشافات العلميسسسة المعاصسسسرة ،ومسسسا وصسسسل إليسسسه رواد
الحضارة الغربيسة الماديسة :كيسف يكون الناس فسي ظلمات ،وبخاصسة أهسل الغرب الذيسن
ذللوا بعلمهسسم واكتشافاتهسسم الصسسعاب فحولوا الظلم الدامسسس إلى أنوار تتلل فسسي المدن
والقرى والرياف ،وقربوا البعيسسد فسسي السسسفار وحمسسل الثقال ،والتخاطسسب بالصسسوات
والرسائل المكتوبة (بالفاكس والتلكس وغيرها )..والصورة عن طريق التلفاز والقمار
الصسسناعية ،وحولوا وجسسه القمسسر الجميسسل -الذي كان الشعراء والدباء يتغزلون بوجهسسه
الصبيح ،مشبهين به الغانيات من النساء -إلى مطار يهبطون فيه ويصعدون ،وأصبحت
الكواكب البعيدة هدفا لكتشافاتهم تتوالى صورها المنقولة بوساطة اللت الفضائية التي
تسير من الرض ،بحيث تُؤمَر وتُنهَى-على بعد المسافة بينها وبين من يأمرها وينهاها-
فتسسستجيب للمسسر والنهسسي ،وامتلت الرض بآثار حضارتهسسم ،مسسن طائرات وسسسيارات
وقطارات وسسسفن بحريسسة ،أصسسبحت مدنسسا متنقلة فيهسسا كسسل مسسا يبتغيسسه النسسسان فسسي المدن
الكسبرى ،وأصسبحت الرض بالمواصسلت الحديثسة شبيهسة بقريسة صسغير يتواصسل الناس
فيهسا فسي كسل لحظسة مسن لحظات الزمسن-وبخاصسة بتلك الوسسيلة المدهشسة :الشبكسة العالميسة
"النترنست" وشيدت ناطحات السسحاب ذات المرافسق المريحسة المدهشسة ،ووجسد النسسان
اللي الذي أصسسبح يجري العمليات الجراحيسسة ،والكمسسبيوتر الذي عجسسز العقسسل النسسساني
الذي صسسنعه عسسن مجاراتسسه ،ووجدت صسسواريخ تعسسبر القارات وأسسسلحة حرب النجوم،
وأصسبحت طبقات الرض عاجزة عسن سستر مسا فسي طبقاتسه عسن أقمار التجسسس ،وأصسبح
26
النسسان يُصسنَع فسي أنابيسب ،وتمكسن الطباء مسن زرع العضاء فسي الجسسام لتحسل محسل
أعضاء أخرى[ ..وأخيرا وصلوا إلى الستنساخ الحيواني وغيره]...الخ.؟؟!!
أهذا النسان العصري الذي وصل إلى هذه الدرجة من العلم ،هو في ظلمات يحتاج
إلى إخراج منها إلى نور؟!
ما الظلمات التي هو فيها الن؟ وهو بهذه الحال؟
وما النور الذي سيخرج إليه؟
أهو الرجوع إلى سراج الزيت؟ والسفر على البغال والحمير والجمال؟ والسكنى في
الكهوف ،وبيوت القسسش وجلود النعام والخيام؟ وبصسسفة عامسسة إحياء الرجعيسسة والتأخسسر
والجمود وكبست الحريات ونسسف الديمقراطيات التسي نعسم بهسا الغرب بعسد جهسد ونضال
مريرين ،وإعادة المرأة إلى مخدعها ل ترى أحدا ول يراها أحد؟!
والجابسسة عسسن هذا السسسؤال تطول ،ولكسسن تعال معسسي أيهسسا القارئ! لنتأمسسل قليل فسسي
أحوال الناس فسي هذا العصسر الذي وصسف السسؤال قدرا ضئيل مسن تقدمسه المادي ،لنرى
إن كان أولئك الناس الذيسن هذه صسفتهم فسي ظلمات محتاجيسن إلى مسن يخرجهسم منهسا إلى
نور أو ل؟!
27
أمثلة لحياة القوم-المتحضريححن-فححي بعححض
المجالت:
المجال الول :الحياة اليمانية:
قلت فسي آخسر الحلقسة السسابقة ،إجابسة على تسساؤلت قسد تدور فسي ذهسن القارئ :كيسف
يكون النسان المتحضر في هذا العصر في ظلمات ،يحتاج إلى من يخرجه من الظلمات
إلى النور؟ :والجابسة عسن هذا السسؤال تطول ،ولكسن تعال معسي أيهسا القارئ! لنتأمسل قليل
فسي أحوال الناس فسي هذا العصسر الذي وصسف السسؤال قدرا ضئيل مسن تقدمسه المادي،
لنرى إن كان أولئك الناس الذين هذه صفتهم في ظلمات محتاجين إلى من يخرجهم منها
إلى نور أو ل؟!
إن المتأمسل فسي الحياة اليمانيسة لولئك المتحضريسن يجدهسم يؤمنون بكسل شيسء مادي
يدخسسل فسسي نطاق علمهسسم الدنيوي الظاهسسر ،وكثيسسر منهسسم ل يؤمنون اليمان الحسسق ،وهسسو
اليمان بالغيب ،ومنه اليمان بالخالق الله المعبود.
فالذين يسمون بأهل الكتاب ،من يدعي منهم أنه يؤمن بال ل يؤمن به في الحقيقة،
وإنما يؤمن بآلهة متعددة :ال ،البن ،روح القدس ،ويسمون الثلثة إلها واحدا ،مما جعل
بعض الطفال في مدارس الغرب يتساءلون :كيف يكون الثلثة ،واحدا ونحن ندرس في
الرياضيات أن ضرب الثلثة في واحد يساوي ثلثة؟! فل يجدون من القسس والرهبان
جوابسسا ،فينصسسرفون عسسن الديسسن إلى اللحاد ،ولهذا تجسسد كثيرا ممسسن يسسسمون بالنصسسارى
ملحدين ل يؤمنون بإله.
وتجسد دول كسبيرة قامست فسي الرض على اللحاد الصسريح الذي ينكسر وجود الخالق-
أصسسل-مسسع أن كسسل ذرة فسسي الكون تصسسرخ فسسي وجوههسسم وتحتسسج وتثبسست أن ال الخالق
موجود ،بل وتدل على أنه المعبود الحق سبحانه وتعالى.
وإن العقل الذي ل يقر صاحبه بذلك إنما يشهد عليه بأنه أحط من أحقر الحيوانات.
وتجسد وثنييسن قسد ملئوا جوانسب كثيرة مسن الرض يقدسسون كسل مخلوق ويعبدونسه مسن
دون ال ،كالبقسر والنار والشجسر والحيوان والنهسر ،بسل حتسى الفرج ،وتجسد كبار فلسسفتهم
يعيشون مسسع الكلب والقطسسط والدجاج ،فسسي الغابات يعبدون غيسسر ال ،ويُعبَدون هسسم مسسن
دون ال.
وكنت أظن أن هؤلء الوثنيين مثل وثنيي العرب الذين كانوا يعبدون الوثان لتقربهم
إلى ال ،ولكنسي وجدتهسم ينكرون إنكارا شديدا أن يكون هناك رب خلق هذا الكون ،وهسم
فسسي ذلك كالشيوعييسسن الملحديسسن ول يختلفون عنهسسم إل بأنهسسم يعبدون المخلوقات عبادة
صريحة واضحة.
بسل إنسك لتجسد جمهرة مسن المسسلمين يعبدون القبور ويطوفون بهسا ويتمسسحون بترابهسا
ويدعون أهلها من دون ال!
وتجسسد كثيرا مسسن أبناء المسسسلمين ملحديسسن ل يؤمنون بال ورسسسوله واليوم الخسسر،
متبعين في ذلك ماركس ولينين وغيرهما.
28
نعم انهارت الدول اللحادية ولكن اللحاد ما زال موجودا.
والذي ل يؤمسن بال ل يؤمسن بالغيسب الذي جاءت بسه الرسسل ونزلت بسه الكتسب ،فل
يؤمسن بوحسي ول رسسالة ول كتسب-وآخسر تلك الكتسب والمهيمسن عليهسا القرآن الكريسم،-ول
برزخ ول بعسسسث ول حشسسسر ول حسسسساب ول صسسسراط ول ميزان ول جنسسسة ول نار ول
ملئكة ،ل شيء غير عالم الشهود.
فهسسسل ترى أمثال هؤلء الذي هذه حياتهسسسم فسسسي مجال اليمان يعيشون فسسسي نور أو
ظلمات؟!
وفقد اليان بالغيب يكفي وحده للدللة على أن صاحبه ف ظلمات ،وكل خي مفقود هو أثر لفقد هذا
الجال.
المجال الثاني :الحياة الجتماعية.
الحياة السرية هي نواة الحياة الجتماعية في كل المم ،فإذا ما قامت الحياة السرية
على أسساس متيسن فسي علقات بعسض أفرادهسا ببعسض ،ابتداء مسن الزوجيسن الذيسن يكون
الزواج سسكنا لهمسا وراحسة وطمأنينسة ،بحيسث يختار كسل منهمسا صساحبه على أسساس الديسن
الذي ل تسستقيم الحياة الزوجيسة ،ول يحصسل السسكن لكسل مسن الزوجيسن وثقسة كسل منهمسا
بصسساحبه إل بسسه ،وقسسد يكون فسسي بعسسض الديان الباطلة شيسسء مسسن الوصسسايا والداب
الزوجية ،ولكنها ل تقوم على تقوى ال والخوف منه والرغبة في ثوابه ،ول تكون بذلك
مطبقسة فسي الواقسع ،وبخاصسة عندمسا يكون الهدف مسن الزواج لكسل مسن الزوجيسن المتعسة
المادية فحسب أو الكسب المادي ،كطمع كل منهما في مال الخر ونحو ذلك-أي عندما
تطغى النانية والثرة.
وهذا ما هو حاصل اليوم في خضم الحضارة المادية.
لذلك تجسسسد الصسسسراع والشقاق بيسسسن الزواج وكثرة الطلق وتشرد الولد ،وانتشار
المراض النفسية ،وتعاطي الكحول والمخدرات والدمان عليها ،وفقد كل من الزوجين
ثقته في الخر ،وانبنى على ذلك ما ل يحصى من الثار الخطيرة.
مسسن ذلك العزوف عسسن الزواج للتخلص مسسن الرتباطات القانونيسسة وتحمسسل مشقات
تربية الولد-ماديا-وأصبح الدميون يعيشون كما تعيش البهائم.
بسسل إن الزوج يرى امرأتسسه وهسسي ترافسسق غيره ،والمرأة ترى زوجهسسا وهسسو يرافسسق
غيرهسا ،وقسد يتآمسر أحسد الزوجيسن وعشيقسه على الخسر ،فيقتلنسه ليتخلصسا منسه ويعيشسا
عيشة الحيوان برهة من الزمن ،ثم يستبدل كل منهما بقرينه قرينا آخر.
وقسد تنجسب هذه المرأة أولدا فينسسبون إلى زوجهسا وهسو يعلم أنهسم ليسسوا بأولده ،كمسا
ل توجد ثقة عند البناء بأن هذا هو أبوهم.
ولهذا يحاول كل من الباء والبناء تخلص بعضهم من بعض إما بالقانون-إذا أمكن-
أو بالعتداء على الحياة فإذا مسا بلغ الولد-ذكرا أو أنثسى-السسن القانونيسة وكان والده يكره
حياتسه معسه ،طرده مسن بيتسه إلى غيسر رجعسة وليصسادف فسي حياتسه مسا يصسادف ،وإذا كان
الولد يكره الحياة مسسع والديسسه أو أحدهمسسا غادر المنزل وقسسد ل يلتقيهسسم بعسسد ذلك فسسي هذه
29
الحياة ،وقد يقتل أحدهما الخر ،وكم من شيخ فان مات في منزله فلم يعلم بموته أولده،
وهم في مدينته أو حارته أو عمارته أو في مكان آخر؟! فل يُعرف موته إل برائحة جثته
عندمسا تتخلل شقوق البواب والنوافسذ فتنبسه الجيران ليسستدعوا الشرطسة لتريحهسم مسن تلك
الرائحة.
ولعدم ثقة كل من الزوجين في صاحبه وعدم ثقة الباء في نسبة الولد إليهم ،وعدم
ثقة البناء في أن أولئك آباؤهم ،ترى الغني الثري يقف ماله بعد موته على حيوانات أو
غيرها ،فرارا من أن يحوزها من ل يثق بنسبته إليه.
هذه بعسسض أحوال السسسرة التسسي هسسي نواة المجتمسسع ،فكيسسف يسسا ترى يكون المجتمسسع
المكون من هذه السر؟
كيسف تكون الروابسط بيسن أسسرة الزوج وأسسرة الزوجسة؟ وكيسف تكون الروابسط بيسن
الجيران؟ وكيسسسف تكون الروابسسسط بيسسسن الخوان والعمام والعمات والخوال والخالت
والقارب الخرين ،إذا كانت تلك هي الروابط بين الزواج والبناء؟
هذا في القارب فما شأن الباعد؟
إنه الدمار الذي يحطم الروابط المادية التي ل أساس لها من دين أو خلق ،فل يرحم
قوي ضعيفا ول يحترم صغير كبيرا.
فهسل ترى أمثال هؤلء الذيسن هذه حياتهسم فسي المجال الجتماعسي يعيشون فسي نور أو
ظلمات؟!
المجال الثالث :الحياة القتصادية.
والقتصساد عنسد المتحضريسن هسو محور التنافسس وميدان الصسراع ،يحطسم القوي فيسه
الضعيف ،وتقف وراءه حفنة قليلة من البشر تمتص به عرق العالم ودماءه :عصابة يقبع
أفرادهسا فسي مكاتبهسم ويقعدون على كراسسيهم ،ويديرون القتصساد العالمسي كله بمكالمات
هاتفيسة أو رسسائل تلكسس أو فاكسس ،أو بريسد إلكترونسي ،يتلعبون بأسسعار النقسد وأسسعار
السسسسلع ويحطمون اقتصسسساد دول وشعوب ،وتبتلع شركاتسسٌ كسسسبرى شركاتسٍس صسسسغرى،
سلحهم الساسي في كل ذلك الربا الذي دمر العالم وحطمه.
ينبني على هذا الجشع والستغلل والتلعب ،أن يكدح البشر في العالم ويبذل غاية
طاقتسسه فسسي العمسسل مسسن أجسسل أن تقطسسف ثمار عمله تلك العصسسابة المرابيسسة ،فتكون الدول
والشعوب أسيرة لتلك العصابة ،تأخذ منها أقصى جهدها ،وتعطيها ما ل يقيم ضرورتها
من المعيشة.
وبتمكسن تلك العصسابة الشريرة مسن السسيطرة القتصسادية واحتوائهسا للمال ومرافقسه،
أصسبحت تسسيطر على مرافسق العالم مسن العلم بكسل وسسائله مسن الصسحيفة إلى القمسر
الصسناعي ومسا يتصسل بسه ،تخدمهسا الوكالت العلميسة الكسبرى التسي تنشئهسا أو تشتريهسا
بالمال والجاه والمنصب وإشباع الغرائز.
وبذلك تحتكسر المعلومات وتسسرب منهسا مسا تريسد وتحتفسظ بمسا تريسد ،وتأتسي التحليلت
والتحقيقات متمشيسسة مسسع مقاصسسدها ،و كثيرا مسسا تُقلب فيهسسا الحقائق وتُضلل بذلك المسسم
والشعوب ،و تخدمها أجهزة العلم في الدول المستضعفة ،لنها تتلقى مادتها العلمية
30
مسن و كالتهسا ،فتنتشسر بيسن الناس معلومات مضللة فسي كسل المجالت ،ول يتنبسه لذلك إل
قلة مسن الناس ل حيلة عندهسم فسسي كشسف ذلك وفضحسسه ،بدون وسسيلة إعلميسة أمام تيار
الوكالت المسسيرة بذلك القتصساد ،وسسيأتي الكلم على مجالت أخرى للقتصساد ودوره
الفعال في التأثير عليها.
ومسع الثراء الفاحسش الذي تجمسع فسي أيدي تلك العصسابة ،تجسد الفقسر المدقسع قسد أنهسك
مجموعات مسسن البشسسر فسسي جميسسع الدول بمسسا فيهسسا الدول المتحضرة (ماديسسا) يفترشون
الرض ويلتحفون السسسماء ،يتسسسكعون فسسي الشوارع ،ل يجدون مسسن يشفسسق عليهسسم أو
يرحمهم من أولئك الثرياء ،ل بصدقة ول بوظيفة ول بقرض حسن ،فكثرت بسبب ذلك
البطالة ،لتسسسريح أولئك الثرياء أعدادا هائلة مسسن العمال ،وبخاصسسة بعسسد أن حلت اللة
محسل البشسر ،والذي يبقسى فسي عمله مسن الضعفاء ،ل ينال مسن أجره إل مسا يجود عليسه بسه
الثري الذي يسستغل أقصسى جهده فسي العمسل ،ول يعطيسه مسن الجسر إل أقسل القليسل ممسا
يستحق.
وهنا يأتي دور نقابات العمال التي تقوم بالمظاهرات وتلجأ إلى العتصام ،وتتوقف
فسي بعسض المؤسسسات العمال ،حتسى يتسم التفاهسم مسع رب العمسل والعمال فيعود العمسل
لفترة زمنية ،و يتكرر النزاع بعدها من جديد.
وحدّث سْ عسسن الجوع الذي يقتسسل شعوبسسا بأكملهسسا ،والكوارث التسسي تقضسسي على بلدان
كثيرة ،فل تجسد مسن عصسابات الثراء عونسا ول إسسعافا ،وبخاصسة إذا كانست تلك الشعوب
غير مرضي عنها لمر من المور.
واليوم ظهسسر خوف الشعوب ذات الحضارة الماديسسة المتقدمسسة-وكيسسف بغيرهسسا؟ -ممسسا
سسسمي بالعسسو لمسسة ،التسسي حقيقتهسسا سسسيطرة القوياء على الضعفاء فسسي كسسل المجالت:
القتصسسادية ،والسسسياسية ،والجتماعيسسة ،والثقافيسسة ،والعسسسكرية ،والعلميسسة ،وجعسسل
الشعوب الضعيفسة أشسد ضعفسا ،تقضسي فيهسا الدول القويسة على كسل مقوماتهسا ،بسل تقضسي
على سيادتها ،وتصبح الدول القوية تتحكم في كل شأن من شؤون حياتها.
فهسل ترى أمثال هؤلء الذيسن هذه حياتهسم فسي المجال القتصسادي يعيشون فسي نور أو
ظلمات؟!
وإنمسسا أغفلت ذكسسر المعسسسكر الشيوعسسي والشتراكسسي-وإن كان موجودا فسسي الصسسين
الشعبيسة بصسفة خاصسة ،ومحافظسا على فلسسفته الشيوعيسة التسي تجعسل الشعسب كله خادمسا
بلقمة عيشه ومسكنه الجماعي ل يملك لنفسه شيئا-لن هذا المعسكر قد قضي بنفسه على
نفسسه لمخالفسة نهجسه الفطرة والناموس مخالفسة واضحسة ،وهسو فسي طريقسه إلى الزوال كمسا
حصسل لمسا كان يسسمى بالتحاد السسوفيتي .وهاهسي الصسين اليوم تعلن تخليهسا عسن نهجهسا
القتصسسسادي الشيوعسسسي ،وتأخسسسذ بالنهسسسج الرأسسسسمالي ،وإن زعمسسست أنهسسسا ل تزال على
شيوعيتها...
المجال الرابع :الحياة السياسية.
الحياة السياسية في العالم الذي يقال عنه :إنه متحضر-تقوم كغيرها على أساس إبعاد
31
منهسج ال تعالى عسن تسسيير حياة البشسر ،وإحلل المناهسج البشريسة محله ،وهسو مسا اشتهسر
بالعلمانية ،والعالم الغربي منطقي مع نفسه في ذلك ،بالنسبة للديانة النصرانية المحرفة.
فالنجيسسل الذي بأيديهسسم ليسسس فيسسه مسسا يمكسسن أن يسسستند عليسسه فسسي التشريسسع والسسسياسة
والقتصسساد والجتماع والقضاء وغيرهسسا ،حتسسى يقال للنصسسارى :احكموا بالنجيسسل فسسي
سياستكم .
وأمر ال أهل النجيل أن يحكموا بما فيه ،وكذا أمر أهل التوراة أن يحكموا بما فيها،
المراد منسه العتراف والقرار برسسالة الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم التسي وردت فسي
الكتابيسن ،وأنكرهسا اليهود والنصسارى وكتموهسا ،وليسس المراد الحكسم بكسل مسا فيهمسا بعسد
نزول القرآن الذي هو المهيمن على جميع الكتب السماوية ،وقد بين ذلك المفسرون...
وأهل الغرب ليس عندهم-وخاصة ساستهم-استعداد لقبول تحكيم السلم حتى يبنوا
حياتهسم السسياسية على مبادئه-ل سسيما أن المسسلمين أنفسسهم ل يحكمون السسلم فسي أغلب
بلدانهم ،فكيف يرجى من غيرهم أن يحكم به وهم بعيدون منه؟!.
لذلك قامت الحياة السياسية في الغرب-أوربا وأمريكا الشمالية وما دار في فلكها من
البلدان ،كاستراليا واليابان-على مبدأ الديمقراطية التي يقال عنها :إن الشعب يحكم نفسه
بنفسسسه إمسسا بصسسفة مباشرة-وهذه حلم لم يتحقسسق إلى الن-أو عسسن طريسسق نوابسسه الذيسسن
يختارهسسم ،والسسسلوب الذي تدار بسسه السسسياسة فسسي الغرب أسسسلوب جذاب فسسي ظاهره
وبخاصة إذا قورن بالسياسة الستبدادية " الدكتاتورية " التي اتبعها المعسكر الشتراكي
والدول المسسسماة بالعالم الثالث .فإن الشعسسب فسسي الغرب يختار نوابسسه ويختار قادتسسه بدون
شراء الصسسوات مباشرة وبدون تزويسسر واضسسح ،وبدون مضايقسسة شرطيسسة "بوليسسسية"
يتنافسسس الزعماء الذيسسن يرشحون أنفسسسهم لقيادة بلدانهسسم ،فإذا اختيسسر أحدهسسم سسسلم السسسابق
الحكسسم للحسسق بدون أي عناء أو مشقسسة ،وهكذا تتداول الحزاب الحكسسم بطريقسسة سسسلمية-
بخلف الزعماء الستبداديين وأحزابهم ،فإنهم ل يسلمون الحكم لخصومهم إل بالسلح.
ولكسسن هسسل هذه الصسسورة الظاهرة المفضلة على السسستبداد كمسسا يراهسسا الناس فسسي
ظاهرها حرة ليس فيها إكراه ،ونزيهة ليس فيها خداع؟؟
والجواب :ل ،فحريتهسسا ظاهريسسة سسسطحية ،ونزاهتهسسا وهميسسة ،فالحزاب الغربيسسة
المسسسماة بالديمقراطيسسة تضلل عقول الشعوب التسسي تنتخسسب الزعماء ،عسسن طريسسق أجهزة
العلم بتخطيسط وتنظيسم وتنفيسذ معدة إعدادا محكمسا ،مسن قبسل مختصسين فسي كسل شأن مسن
الشؤون التسسسي تهسسسم تلك الشعوب ،وأجهزة العلم هسسسي التسسسي تُشتَرى بدل مسسسن شراء
الصسسوات مباشرة ،وهسسي تكذب وتجعسسل الكذب فسسي صسسورة صسسدق ،والزعماء يكذبون
ويظهر كذبهم في صورة صدق ،إضافة إلى القذارة الخلقية التي يتبعونها في اتهاماتهم
لخصسومهم بالحسق والباطسل ،مسع مسا يعسد بسه الزعيسم الشعوب مسن النجازات التسي يتبخسر
كثير منها بعد وصوله إلى كرسي الحكم.
وإذا علمنا أن أغلب جماهير الشعوب غوغائية ،ل تفكر ول تحلل ول تشغل عقولها
بمصسسالحها ،وإنمسسا تَسسسمع وتُسسس َتخَف وتُقلّد ،وأن الذيسسن يقودون تلك الشعوب هسسم أفراد
قلئل ،أدركنسسسا أن تلك الجماهيسسسر شبسسسه مكرهسسسة على انتخاب أولئك الزعماء ،بسسسسبب
التضليسل الذي تفعله أجهزة العلم وشياطينهسا ،وبسسبب الكاذيسب والشتائم التسي يكيلهسا
32
كل مرشح لخصمه ،والوعود التي يقطعها على نفسه.
ويترتسب على ذلك أن الحزب الحاكسم له مناهسج وخطسط وأهداف ،كثيسر منهسا ليسست
هسسي التسسي يطمسسع فيهسسا الشعسسب الذي انتخبسسه ،فيمنسسي الشعسسب بخسسسائر لم تكسسن بحسسسبانه،
وبخاصة ما يتعلق بالقتصاد الذي ل يكون الرفاه إل بازدهاره.
كمسسسا أن أولئك الزعماء تكون لهسسسم طموحات اسسسستعمارية وسسسسياسية وعسسسسكرية،
فيجمعون بين أمرين:
المر الول :التعالي على الشعوب الضعيفة وقهرها وأخذ خيراتها وجعلها مصدرا
رخيصسا للخامات التسي يصسنعها وسسوقا يشعسل فيسه غلء بضائعسه وصسناعاته ،فيدمسر بذلك
اقتصادها ،وقد يدمر جيشها وسلحها.
المسسر الثانسسي :توريسسط شعوبهسسم-ليحققوا طموحاتهسسم-فسسي حروب وعجسسز ميزانياتهسسا
بسسسبب إنفاق الموال على وسسسائل تخفيسسف تلك الطموحات :مسسن إنفاق مبالغ هائلة على
السلح وما يتبعه وعلى تنفيذ خطط إعلمية وسياسية وغيرها ،وبذلك ترتفع الضرائب
التي ترهق شعوبهم ،بدل من الرفاهية التي وعدوها بها.
والسسسبب فسسي ذلك كله أن أولئك الزعماء يتصسسرفون بدون رقيسسب داخلي ،والرقيسسب
الداخلي ل يكون إل بتقوى ال وهي معدومة عندهم.
نعسسم توجسسد رقابسسة مسسن البرلمانات والحزاب المعارضسسة ،وتعلن فضائح ولكسسن بعسسد
فوات الوان ،ثسم إن الرقباء الذيسن يعارضون الحزب الحاكسم ،إذا تولوا المور فعلوا كمسا
فعل من سبقهم وهكذا....
فهسل ترى أمثال هؤلء الذيسن هذه هسي حياتهسم فسي المجال السسياسي يعيشون فسي نور
أو في ظلم؟!
وهذا مسع اعترافنسا أن أسساليب سسياسة الدول الغربيسة الديمقراطيسة ،أفضسل بكثيسر مسن
أساليب الحكم المستبدة في الدول المسماة بدول الشمال ،أو دول العالم الثالث.
المجال الخامحححححس :حياة تطحححححبيق حقوق
النسان.
عندمسا يتابسع المرء مسا يصسدر عسن زعماء الغرب ومفكسر يهسم وأجهزة إعلمهسم ،عمسا
يتعلق بحقوق النسان ينقدح في ذهنه-إذا كان خالي الذهن-ثلثة أمور رئيسة:
المر الول :أن حقوق النسان هذه مصدرها الغرب ،فهو الذي ابتكرها ،وهو الذي
صاغها ووضعها ،وهو حامل لوائها وناشرها والداعي إليها.
المر الثاني :أن المقصود بالنسان جنسه ،بصرف النظر عن لونه أو دينه أو نوعه
أو أرضه.
فكسل إنسسان فسي الرض يجسب أن يتمتسع بهذه الحقوق المنصسوص عليهسا "بصسرف
النظر عن موافقة بعضها للسلم أو مخالفته "..فهذا أمر آخر له موضوعه.
المسر الثالث :أن حقوق النسسان التسي يدعون إلى تطبيقهسا ،بلغست من الكمال والسسمو
والدوام ما يجعلها جديرة وحدها بالتباع ،وكل ما عداها من التشريعات ل تدانيها!.
33
إن العلن العالمي لحقوق النسان أقرته المم المتحدة ،بعد انتهاء الحرب العالمية
الثانيسسة التسسي دمرت العالم فسسي مشارق الرض ومغاربهسسا ،بسسسبب الطماع السسستعمارية
الغربية "المتحضرة!" وقد سبقتها الحرب العالمية الولى.
وهذا العلن يؤكسسسد على احترام حريات الشعوب والجماعات والفراد دون تمييسسسز
(بسسبب العنصسر أو اللون أو الجنسس أو اللغسة أو الديسن أو الرأي السسياسي أو أي رأي
آخسر ،أو الصسل الوطنسي أو الجتماعسي أو الثروة أو الميلد أو أي وضسع آخسر ،دون أي
تفرقة بين الرجال والنساء.)..
وكان صدور هذا العلن سنة 1948م أي أن المدة التي مضت لصدور هذا القانون
53سنة فقط ،وقد مضى على نزول القرآن الكريم أكثر من 1422هس .والقرآن والسنة
والفقه السلمي المستنبط منهما قد تضمنت من حقوق النسان ما لم يخطر ببال أحد من
الناس ،بالتفصسيل الوارد فسي السسلم ،ليسس فسي الكليات فقسط وإنمسا فسي أدق الجزيئات،
ابتداء مسسن وجود الجنيسسن فسسي بطسسن أمسسه إلى أن يوافيسسه الجسسل الفرد والسسسرة والشعسسب
والدولة ،وليسس المقام مقام اسستعراض لذلك ،ل لكلياتسه ول لجزيئاتسه ،وقسد كتسب بعسض
علماء العصسسر فسسي هذا الموضوع [أي فسسي حقوق النسسسان ،ومنهسسم الدكتور علي عبسسد
الواحسد وافسي والشيسخ محمسد الغزالي وغيرهسم ].وهسو مفتوح للكتابسة فيسه والمقارنسة التسي
تخجسسل تلك المواد غيسسر الوافيسسة فسسي العلن العالمسسي لحقوق النسسسان ،بتفاصسسيل حقوق
النسان الواردة في السلم.
يضاف إلى ذلك أن حقوق النسسسان المفصسسلة الربانيسسة التسسي ل يعتريهسسا النقسسص قسسد
طبقست فترة طويلة مسن الزمسن ،فأسسعدت العالم الذي اسستظل بظلهسا :مسسلمه وكافره ،ول
تزال تنتظر من يطبقها بصدق لتنعم المم بها كذلك.
ولكن ما مدى تطبيق الدول المتحضرة لحقوق النسان التي أقرتها وتعاقدت عليها؟
إن نظرة خاطفسسة إلى تصسسرفات الدول المتحضرة! فسسي هذا المجال تظهسسر للناظسسر
المور التية:
المر الول :أن الجنس البيض الغربي ،ل يرى أي جنس آخر يقترب من مرتبته،
وأنه هو وحده الذي يجب أن يسود ،يتضح هذا عمليا ،فصاحب اللون السود مكث فترة
مسسن الزمسسن بعسسد إعلن حقوق النسسسان ،ل يحسسق له أن يختلط بالبيسسض فسسي المدارس
والجامعات والفنادق والمطاعسم ،ولم َيخِفْس هذا التمييسز إل بعسد كفاح مريسر مسن السسود فسي
أمريكسا ،وإذا مسا وصسل السود إلى وظيفسة حاكسم المدينة بسبب كثرة أنصساره مسن السسود،
أخذت أجهزة العلم تمن على السود بما وصلوا إليه ،وقبل سنوات فازت امرأة سوداء
فسي النتخابات النيابيسة لتكون عضوا فسي الكونجرس المريكسي ،فأحدثست أجهزة العلم
ضجسة كسبيرة لتمسن على تلك المرأة السسوداء التسي هسي أول امرأة سسوداء تدخسل البرلمان
المريكي.
وقبسل سسنوات رشسح القسس السسود "جاكسسون" نفسسه فسي أول المسر ،ليكون رئيسسا
للوليات المتحدة المريكية ،ولكنه شعر من أول وهلة أنه ل يساوي صفرا على اليسار
فانسحب مبكرا.
ول زال حسي "هارلم" فسي نيويورك سسبة فسي جسبين الغرب ،وهسو حسي يسسكنه السسود
34
الذيسسسن يراهسسسم الزائر كأنهسسسم فسسسي كوكسسسب غيسسسر كوكسسسب الرض ،مسسسن البؤس والشقاء
والحرمان ،ويجوز أن يكونوا هسسم غيسسر طامحيسسن إلى مسسستوى معيشسسي أفضسسل ،ولكسسن
الهمال المتعمسد مسن قبسل الحاكسم البيسض ،له دور كسبير فسي ذلك الشقاء ،وهسم على بعسد
أمتار من مبنى هيئة المم المتحدة ومجلس المن الراعي لحقوق النسان!
وفسي الدول الوربيسة "المتحضرة!" تفرقسة واضحسة بيسن النسسان المسسلم والنسسان
اليهودي ،فالمجموعة الصغيرة من اليهود معترف بدينها في البلدان وتنال كامل الحقوق
التي ينالها أهل البلد نفسه ،والعدد الهائل من المسلمين ل تعترف أكثر تلك الدول بدينهم
السلمي ولذلك حرم المسلمون من الحقوق التي حصلت عليها الطوائف اليهودية!
بل إن الهجمة الشرسة على المسلمين الن في بعض الدول الوربية تنذر بالخطر،
فالقتسسل والغتيال اللذان يتعرض لهمسسا المسسسلمون فسسي بعسسض الدول الوربيسسة-كفرنسسسا
وألمانيسا-وكذلك العتداء على بعسض المراكسز السسلمية والمسساجد ،على مرأى ومسسمع
من الحكومات الوربية ،يدل على أن حقوق النسان المسلم في أوربا غير مرغوب في
حمايتها ،والحملت العنصرية تتصاعد ضد المسلمين كل يوم.
هذا على مستوى كل دولة على حدة.
فإذا نظرنا بعد ذلك إلى حقوق النسان في خارج الدول المتحضرة ،رأينا من التحيز
والتفرقسة بيسن إنسسان وآخسر وشعسب وآخسر وجماعسة وأخرى ،مسا يكذب دعوى الغربييسن
بأنهم حماة حقوق النسان.
دعاة حقوق النسححححان يكرهون النسححححان
على التخلي عن عقيدته!
مسن حقوق النسسان لدى الدول الغربيسة-وبخاصسة أمريكسا التسي تزعسم أنهسا حاملة لواء
هذه الحقوق وحاميتهسسسا-عدم إكراه النسسسسان على عقيدة معينسسة .فهسسل وفّىسسس حماة حقوق
النسان بهذا الحق؟!
هذه أمريكسا اليوم تسسعى-وهسي زعيمسة الغرب-لكراه أي دولة أو أي جماعسة أو أي
حزب فسي أي مكان فسي العالم ،لقامسة منهاجهسا و نظامهسا ونشاطهسا على أسساس علمانسي-
بمعنسسى وجوب إبعاد أي تشريسسع مبنسسي على أسسساس دينسسي عسسن حياة الشعوب-ومعلوم أن
حياة المسلمين كلها يجب أن تبنى على أساس دينهم الذي نزل به كتابهم وجاءت به سنة
نبيهم صلى ال عليه وسلم.
وهسم-المسسلمون-يعتقدون جازميسن أن ال قسد فرض تطسبيق أحكام القرآن والسسنة فسي
حياتهسم ،وأنهسم إن جحدوا هذا الفرض فقسد خرجوا مسن ملة السسلم ،وأصسبحوا أشسد بعدا
عن ال من جميع كفار الرض ،وإن خالفوا ذلك مع اعتقادهم بأنهم عاصون لربهم ،فقد
ارتكبوا كبائر الذنوب ،ومسع ذلك أصسبح تطسبيق الشريعسة السسلمية لدى أمريكسا وحزبهسا
(الغرب) جريمسة وتطرفسا وإرهابسا ،وانتهاكسا لحقوق النسسان ،تُحارِب –أمريكسا-أيّ دولة
تتجسه لتطسسبيق شرع ال الذي تعتقسد أنسه مفروض عليهسا وعلى شعبهسسا ،تحاربهسا سسياسيا
واقتصاديا وتعليميا وإعلميا ودبلوماسيا وعسكريا.
35
ومعنسى هذا أن أمريكسا وحزبهسا يفرضون على المسسلمين فرضسا ويكرهونهسم إكراهسا،
أن يعتقدوا أن حقوق النسسان-المبنيسة على الكفسر بشريعسة ال وكتابسه وسسنة رسسوله-هسي
الحسق الذي يجسب اليمان بسه وتطسبيقه ،وأن يعتقدوا أن شريعسة ال التسي جاء بهسا القرآن
والسنة باطل ،ل يجوز أن تكون أساسا لنظمتهم وحكمهم.
والدولة التي تطبق بعض أحكام الشريعة السلمية ،يسلطون عليها وسائل إعلمهم
ومنظماتهسم الرسسمية وغيسر الرسسمية ،فتوصسف بأنهسا دولة وحشيسة وإرهابيسة ومنتهكسة
لحقوق النسسان !....فأيسن تطسبيقهم لمادة حقوق النسسان التسي تنسص على حريسة العتقاد؟
لمسا ذا ل يتركون المسسلمين-وهسم أهسل الديسن الحسق الذي لم يبسق ديسن فسي الرض محتفظسا
بمرجعسه اللهسي الصسادق غيره-أحرارا فسي اعتقادهسم وإيمانهسم و تطسبيق أحكام قرآنهسم
وسسنتهم وشريعتهسم ونظامهسم الذي يختارونسه؟ أليسس هذا إكراهسا لدول وشعوب؟!! أليسس
إكراه الدول والشعوب أشد من إكراه الفراد؟؟!!
دعاة حقوق النسممممان يحرمون النسممممان مممممن
المساواة التي منحه الله.
والتفرقسسة العنصسسرية فسسي جنوب أفريقيسسا اسسستمرت عشرات السسسنين ،والوربيون
يدوسون كرامة السود وهم أهل البلد :قتلوهم وعذبوهم وسجنوهم واعتقلوهم وشردوهم،
ودعاة التحضسسسر وحماة حقوق النسسسسان ينكرون ذلك فسسسي أجهزة العلم ،ويمدون أبناء
جنسسسهم الوربييسسن بكسسل مسسا يريدون مسسن مال وسسسلح وغيرهمسسا ،بطرق خبيثسسة ماكرة،
وبخاصسسة عسسن طريسسق ربيبتهسسم المشابهسسة لدولة جنوب أفريقيسسا :دولة اليهود ،ول زالت
الغلبيسة السسوداء صساحبة البلد تناضسل مسن أجسل حقوقهسا إلى الن ولم تنلهسا [.كانست كتابسة
هذه السطور قبل تحرر جنوب إفريقيا من حكم البيض].
والتفرقة العنصرية اليهودية في فلسطين ،ل زالت جاثمة على صدور أهل البلد ،من
الفلسسسطينيين الذيسسن تداس كرامتهسسم ،فسسي منازلهسسم وشوارعهسسم ومسسساجدهم ومعتقل تهسسم
ومخيماتهسسسم بكسسسل وحشيسسسة ،والدول الغربيسسسة المتحضرة تمسسسد اليهود بالسسسسلح والمال
والقتصسساد والدعسسم الكامسسل ،سسسياسيا وعسسسكريا إذا اقتضسسى المسسر ذلك ،أي إن حقوق
النسان الفلسطيني مهدرة كحقوق النسان الفريقي.
وتلك الهنسد تحتسل أرض المسسلمين فسي كشميسر برغسم قرارات "مجلس المسن!" التسي
أعطسست الحسسق للكشميرييسسن فسسي تقريسسر مصسسيرهم باسسستفتاء يجري بينهسسم ،تقتلهسسم الهنسسد
وتسسجنهم وتشردهسم ،والدول الغربيسة المتحضرة الحاميسة لحقوق النسسان ،تسسمع وترى
وتهز كتفيها غير عابئة بما يجري.
والمسسسلمون فسسي بورمسسا يقتلون ويشردون ويعذبون ويموتون جوعسسا ،ودول الغرب
المتحضرة حامية حقوق النسان تتفرج وكأن المر ل يعنيها.
والغلبيسة المسسلمة فسي الحبشسة وإريتريسا تحكمهسا أقليسة تتصسرف فسي أنفسسهم وأموالهسم
وأعراضهم ،والدول المتحضرة حامية حقوق النسان تتفرج ول تحرك ساكنا.
والغلبيسسة المسسسلمة فسسي جنوب الفلبيسسن تطالب بحقوقهسسا ،والدولة الصسسليبية تدوس
36
كرامتها وتقتل وتشرد المسلمين ،أمام أعين حماة حقوق النسان فل تتحرك ضمائرهم.
والغلبيسة المسسلمة فسي جنوب تايلنسد تضطهسد وتحرم مسن حقوقهسا ،أمام أعيسن حماة
حقوق النسان!
والغلبيسة المسسلمة فسي البوسسنة والهرسسك تسستأصل فسي بلدهسا ،مسن قبسل الصسليبيين
الصرب والدول الغربية تنذر وتتوعد ول تحرك ساكنا.
والمسسسلمون فسسي ليبريسسا يذبحون وتقطسسع السسسنة أئمتهسسم وتهدم مسسساجدهم وتنتهسسك
أعراضهم ،وحماة حقوق النسان يشاهدون دون أن يفعلوا شيئا!
لماذا كسل هذا السسكوت ولماذا يغسض حماة حقوق النسسان الطرف عسن هذه المآسسي،
ولماذا ل يتدخل مجلس المن الظالم لنصر حقوق النسان المسلم.
ل سسسبب أمامنسسا نراه إل شىء واحسسد ،وهسسو أن هذا النسسسان مسسسلم ،ل قيمسسة له لن
المسلمين أذلوا أنفسهم لغير ال فزادوهم ذل.
لكسسن حماة حقوق النسسسان ل ينامون ول يهدؤون إذا مسسا انتهكسست حقوق إنسسسان آخسسر
غير مسلم أو انتهكت حقوق مسلم ولهم في التدخل لحماية حقوقه-في الظاهر-مصلحة،
ومصلحة حماة حقوق النسان هي المحور الساس.
وإليك بعض المثلة:
عندمسا أعلنست كرواتيسا فسي هذه اليام -كان هذا وقست اشتداد العتداء على المسسلمين
في البوسنة والهرسك -استقللها عن صربيا ،وأعلن الصرب الحرب ضدها قامت دول
التحضسسر الحاميسسة لحقوق النسسسان بحملة سسسريعة ضسسد صسسربيا ،وأعلن مجلس المسسن
"اللعبسسة" بعسسث قوة تفصسسل بيسسن الدولتيسسن وتسسم ذلك ،ولكنهسسا لم تفعسسل ذلك مسسع البوسسسنة
والهرسسك ،وكلهمسا دولتان اعترف بهمسا ،وهمسا مسن دول يوغوسسلفيا السسابقة ويجاور
بعضهما بعضا ،فلماذا!؟
أعلنست دول الغرب المتحضسر الحامسي لحقوق النسسان حربسا إعلميسة ضسد حكومسة
السسسودان ،بسسسبب قتلهسسا موظفَيْن سِ سسسودانيين لدى الدارة المريكيسسة ،لنهمسسا نصسسرانيان
والغالب أنهمسسا جاسسسوسان لمريكسسا ،لن الحكومسسة السسسودانية سسسوغت قتلهمسسا بالخيانسسة
العظمى.
وأعلنت الحرب العلمية ضد ليبيا بتهمة أن اثنين من الرعايا الليبيين فجرا طائرة
لوكوربي ،وهددوا ليبيا بحرب عسكرية ول زالوا.
أعلنوا حمايتهسسم لحقوق النسسسان الشيعسسي-الذي يظهرون كراهتسسه-فسسي جنوب العراق
من أجل أغراض خاصة لهم في العراق.
أعلنوا حمايتهسم لحقوق النسسان الكردي فسي شمال العراق وأدخلوا قواتهسم لجله-فسي
زعمهم-ولكنهم (يحمونه من العراق ويسمحون لتركيا أن تطارده وتقتله وتشرده وتتابعه
حتى في الرض العراقية).
عجسب وال لحماة حقوق النسسان الكردي مسن صسدام حسسين ،وإهدار حقوقسه للتراك
ما هذا المكيال الذي يكيل به حماة حقوق النسان؟!
37
دعاة الديمقراطيممممممة يحرمون النسممممممان مممممممن
الديمقراطية!
وحدث عن حقوق النسان المسلم السياسية والديمقراطية ول حرج.
لو تتبعست أجهزة إعلم الغرب وأحصسيت منهسا يومسا واحدا كلمسة الديمقراطيسة وحدهسا
لملتَ بها كراريس.
إن الديمقراطيسسة أحسسد المحاور الرئيسسسة التسسي يدندن حولهسسا الغرب المتحضسسر ،ويلح
على دول مسا يسسمى بالعالم الثالث على أن تطبسق المنهسج الديمقراطسي الذي أسساسه إعطاء
الشعوب حرية اختيار حكامها.
ويحترم الغرب المتحضسسسر فوز أي حزب يختار فسسسي النتخابات-حتسسسى ولو كانسسست
مزورة مسع انتقاده للتزويسر-ولكسن الغرب المتحضسر يحظسر حظرا باتسا ،بأسساليبه الخاصسة
وصسسسلته بحكام الشعوب السسسسلمية النابذيسسسن لشرع ال ،قيام سَس أي حزب على أسسسساس
السسلم ،وإذا مسا سسبق السسيف العذل فقامست جماعسة إسسلمية واختارهسا الشعسب ،حاربوا
تلك الديمقراطيسسة التسسي أهلت الجماعسسة المسسسلمة إلى أن تكون هسسي الحاكمسسة ،وفسسسروا
الديمقراطيسسة التسسي ينادون بهسسا بأنهسسا ليسسست الديمقراطيسسة التسسي تكون وسسسيلة لوصسسول
الصسسسسوليين إلى الحكسسسسم ،لن وصسسسسول الصسسسسوليين إلى الحكسسسسم يعود بالنقسسسسض على
الديمقراطية ،وأوعزوا إلى أذنابهم بحماية الديمقراطية الصيلة ،بالجيش وأجهزة المن
وفتسح المعتقلت والسسجون لمسن اختارهسم الشعسب[ول يخفسى مسا قام بسه تلميسذ أتاتورك
العسسكريون والمدنيون التراك بضغسط حماة الديمقراطيسة وحقوق النسسان مسن محاربسة
حزب الرفاه السلمي الذي وصل إلى الحكم عن طريق النتخابات الديمقراطية ].
الشعسب مسسلم اختار مسن يحكمسه بالسسلم ،فأيسن وضعتسم حسق هذا الشعسب فسي حريسة
اختياره لحكامه يا دعاة حقوق النسان؟!
لقسد اتخسذ الغرب المتحضسر لفتسة حقوق النسسان والديمقراطيسة والحريسة وغيرهسا،
سلحا لحماية حقوق النسان الغربي أو من له مصلحة في حمايته.
وإذا كانسست أمريكسسا هسسي الدولة التسسي تقود الغرب فسسي هذه الفترة ،وتدعسسي أنهسسا دولة
حقوق النسسسان ،فإن بعسسض قادتهسسا يصسسرحون بأن مصسسالحهم هسسي التسسي تحدد مواقفهسسم،
فبمقدار المصلحة يكون الموقف.
قال الرئيسسس السسسبق للوليات المتحدة المريكيسسة ريتشارد نكسسسون( :وأول واجسسب
علينسسا أن نفعله هسسو أن نفرق بيسسن مصسسالحنا الحيويسسة ،ومصسسالحنا الحسسساسة ،ومصسسالحنا
الهامشيسسة ،ول توجسسد دولة فسسي العالم تسسستطيع أن تدافسسع عسن جميسسع هذه المصسسالح طوال
الوقت....
وتكون المصسسسلحة حيويسسسة إذا كان فقدانهسسسا يهدد أمسسسن الوليات المتحدة ،فاسسسستمرار
استقلل أوربا الغربية واليابان وكندا والمكسيك ودول الخليج مسألة حيوية لمن بلدنا.
وكذلك لدينسا مصسلحة حيويسة فسي أن ل تحصسل الدول المتخلفسة على السسلح الذري،
وليس للوليات المتحدة الخيار إل القوة المسلحة لتمنع تهديد مصالحها.
والمصسلحة الحسساسة هسي التسي تشكسل تهديدا مباشرا لحدى النقاط الحيويسة ...ولذلك
38
تعتبر أمريكا الوسطى وكوريا من المصالح الحساسة للوليات المتحدة ،ومن الممكن أن
تلجسسأ الوليات المتحدة أحيانسسا فسسي معالجسسة المصسسالح الحسسساسة ،وكأنهسسا مصسسالح حيويسسة
وكنوع من الستراتيجية الدفاعية.
أمسا المصسالح الهامشيسة فهسي المور التسي لو سسيطرت عليهسا قوى معاديسة فإنهسا تشكسل
تهديدا غير قريب لمصلحة حيوية أو مصلحة حساسة.
وعلى سبيل المثال فإننا ل نحب أن تحتل إحدى الدول المعادية دولة مالي ،ولكننا ل
نعتقسد أن احتلل مالي سسوف يكون له تأثيسر على مصسالح الوليات المتحدة المهمسة ،ومسن
هذا فل نفكر في استعمال القوة العسكرية لرد هذا العتداء.
إن اسستراتيجيتنا المنيسة يجسب أن تقيّمس كسل مسا يمكسن عمله ،طبقسا لمسستوى الهميسة
لمصالحنا وإمكاناتنا وما نواجه من أخطار.
فعلى سسسبيل المثال ل نرسسسل الوحدة 82 :المحمولة جوا للدفاع عسسن إحدى مصسسالحنا
الهامشية في موريتانيا ،ولكننا نفعل ذلك بدون تردد للدفاع عن مصلحتنا في الخليج )...1
[ كتاب الفرصة السانحة .ترجمة أحمد صدقي .دار الهلل ].وقد فعلوا!.
من هذا النص تعرف السبب في عدم التدخل في البوسنة والهرسك ،لن هذا التدخل
ليس لمريكا فيه مصلحة ل حيوية ول حساسة ول هامشية ،لن المظلوم مسلم والظالم
نصسراني .اللهسم إل أن يقال :إن لهسا مصسلحة هامشيسة ،وهسي أن سسكوتها عسن هذا الظلم
يشوه سسسمعتها أمام العالم الذي تعلن له أنهسسا حاميسسة حقوق النسسسان ،ولهذا تسسستنكر فسسي
أجهزة إعلمهسسا هذا الظلم وتهدد-كذبسسا وزورا-صسسربيا ،وتحسسث على إغاثسسة المسسسلمين،
فمصسسلحة الغرب هسسي السسساس-[ .تدخلت أمريكسسا وأوربسسا عسسن بجيوشهسسا فسسي البوسسسنة
والهرسسسك ،بعسسد أن قتسسل مئات اللف مسسن المسسسلمين وشردوا مسسن ديارهسسم ،واغتصسسبت
غالبَس أراضيسه الصسرب ،ول زال الصسرب يحظرون على المسسلمين عودتهسم إلى مدنهسم
وقراهسم التسي تسم التفاق على عودتهسم إليهسا بموجسب اتفاقيسة "دايتون" أمام سسمع وبصسر
أوربا وأمريكا].
هذه هسي يسا أخسي إشارة عابرة إلى صسورة مجال تطسبيق حقوق النسسان ،فهسل ترى
أمثال هؤلء المتحضرين الذي هذه صفتهم يعيشون في نور أو في ظلم؟!
ولو أطلقت لليراع الزمام لطال في هذا الباب ،ليظهر للجاهل أن العالم المتحضر!-
المتخلف في ميزان ال ومنهجه الرباني-يعيش في ظلمات ،وأنه في أمس الضرورة إلى
أهسل الحسق ليخرجوه مسن الظلمات إلى النور .وإخراج الناس مسن الظلمات إحدى غايات
أهل الحق التي يسابقون بها أهل الباطل إلى العقول.
واكتفسى بهذه المجالت الخمسسة ،للتدليسل على أن العالم المتحضسر محروم مسن النور
الربانسي تحيسط بسه الظلمات الشيطانيسة مسن كسل جانسب ،وأنسه يجسب على أهسل الحسق السسعي
الجاد لخراجه من الظلمات إلى النور.
وكمسسا أن الكفسسر كله ظلمات ،فإن السسسلم كله نور ،قال تعالى(( :أوَمسسن كان ميتسسا
فأحييناه وجعلنسا له نورا يمشسي بسه فسي الناس كمسن مثله فسي الظلمات ليسس بخارج منهسا
كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون))[النعام]122 :
1
39
وقد قارن القرآن الكريم بين ذوي العقول التي صاغها النور الرباني وأشرقت عليها
أنوار وحيسه ،وبيسن ذوي العقول المظلمسة التسي أحاطست بهسا الظلمات مسن كسل جانسب ،فقال
ال تعالى فسي الفريقيسن(( :ال نور السسماوات والرض مثسل نوره كمشكاة فيهسا مصسباح،
المصسباح فسي زجاجسة ،الزجاجسة كأنهسا كوكسب دري ،يوقسد مسن شجرة مباركسة ،زيتونسة ل
شرقيسة ول غربيسة ،يكاد زيتهسا يضسئ ولو لم تمسسسه نار ،نور على نور ،يهدي ال لنوره
مسسن يشاء ،ويضرب ال المثال للناس وال بكسسل شيسسء عليسسم)) إلى أن قال جسسل وعل:
((والذيسن كفروا أعمالهسم كسسراب بقيعسة يحسسبه الظمآن ماء حتسى إذا جاءه لم يجده شيئا
ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع الحساب ..أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج
مسن فوقسه موج ،مسن فوقسه سسحاب ظلمات بعضهسا فوق بعسض إذا أخرج يده لم يكسد يراهسا
ومن لم يجعل ال له نورا فما له من نور)) [.النور]40 ،35 :
رابعمما:تحقيممق توحيممد الله تعالى فممي الرض وعدم
الشراك به.
وإذا كان رضسسا ال تعالى هسسو غايسسة الغايات ،فإن توحيسسد ال هسسو قائد جميسسع الغايات
والوسائل إلى رضا ال ،ومهما عمل النسان من أعمال ظاهرها الخير والصلح والنفع
العام أو الخاص للبشسسر ،فإن ذلك كله ل يوصسسل إلى رضسسا ال بدون التوحيسسد ،وهسسو مسسا
تضمنتسه قاعدة القواعسد السسلمية[:ل إله إل ال] التسي يطلق عليهسا كلمسة التوحيسد ،وكلمسة
الخلص.
وهذه الغاية هي التي أوجد ال من أجلها الكون الذي خلقه بالحق ،وهي الحق ،ومن
أجلهسا خلق الملئكسة والجسن والنسس ،ومسن أجلهسا أنزل الكتسب وأوحسى الوحسي وأرسسل
الرسسل الذيسن قاعدة دعوتهسم هسي التوحيسد ،ومسا مسن رسسول بعثسه ال تعالى إلى الخلق ،إل
كانت كلمة التوحيد هي أول ما يدعو إليه قومه.
قال تعالى(( :ولقسسسسسد بعثنسسسسسا فسسسسسي كسسسسسل أمسسسسسة رسسسسسسول أن اعبدوا ال واجتنبوا
الطاغوت))[.النحل]36 :
وقال تعالى(( :فإن أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم
الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم أن ل تعبدوا إل ال))[.فصلت)14-13 :
فسباق أهل الحق-وعلى رأسهم رسل ال-إلى عقول الناس ،أهم غاياته أن يصوغوا
بسسسباقهم عقول موحّدة ل تشرك بال شيئا ،وتلك هسسي عبادة ال التسسي لم يخلق ال الجسسن
والنس والملئكة-كذلك-إل من أجلها.
كما قال تعالى(( :وما خلقت الجن والنس إل ليعبدون))[.الذاريات]56 :
وبتحقيسق هذه الغايسة تسسعد البشرية كلهسا فسي الدنيسا والخرة ،ويكون الناس كلهسم عسبيدَ
ال ،ل يستعبد بعضهم بعضا ،فل يكون هناك سادة يظلمون ويتكبرون ويستبدون بالمر
كما يشاؤون ،ول عبيد يُظلَمون و ُي َذلّون لمخلوقين أمثالهم ،وإنما يستوي الناس كلهم في
أنهسسم مخلوقون مربوبون عسسبيدٌ ل ،ل فضسسل لحسسد منهسسم على أحسسد إل بالتقوى ،كمسسا قال
تعالى(( :يسا أيهسا الناس إنسا خلقناكسم مسن ذكسر وأنثسى وجعلناكسم شعوبسا وقبائل لتعارفوا إن
40
أكرمكم عند ال أتقاكم))[.الحجرات]13 :
ل حرية للنسان إل بتوحيد الله.
وبتوحيسسد ال تعالى يتحرر الناس مسسن عبوديسسة الشيطان والنفسسس والهوى ،ومسسن كسسل
العبوديات (الْمُ ِذلّة) لغير ال تعالى ،سواء كانت تلك العبوديات لمال أو جاه أو منصب أو
امرأة ،أو لشخاص-أحياءً كانوا أو أمواتسسا-وتتمحسسض عبوديتهسسم ل تعالى وحده ،وتلك
هي الحرية الحقة التي يبحث عنها الفراد والسر والمم في كل الزمان ،وبخاصة في
هذا الزمسن الذي أصسبح غالب الناس فيسه يدعون أنهسم أحرار ،وهسم مسستعبدون اسستعبادا
مذل لغير ال تعالى.
وهسل يكون حرا مسن تسستعبده شهوات نفسسه فتجعله أسسيرا لهسا ،سسابحا فسي مسستنقع
ملذاتهسا الماديسة العاجلة ،التسي تحطسم السسدود الحاميسة لحفسظ الديسن والعقسل والنفسس والنسسل
والعرض والمال؟!
هسل يكون حرا مسن يفقسد دينسه باللحاد والكفسر الصسريح والردة عسن السسلم؟ وهسل
يكون حرا مسن ينسسى ال عنسد الشدائد ويلجسأ إلى الموتسى فسي قبورهسم يدعوهسم ويسستغيث
بهسم؟ وهسل يكون حرا مسن يُذهسب عقلَه بتناول المسسكرات والمخدرات؟ وهسل يكون حرا
من يعتدي على النفس والدماء ،ول يأمن هو من أن يَعتدِي على نفسه ودمه غَيْرُه دون
قصساص أو رَدْع؟ وهسل يكون حرا مسن ينفسق ماله فيمسا يعود عليسه وعلى أمتسه بالضرر
ومسسن ل يأمسسن مسسن العتداء على ماله؟ وهسسل يكون حرا مسسن يُهلَك نسسسلُه ويُعتدى على
عرضسه؟ وهسسل يكون حرا مسن يضسع له غيُره مسن البشسر مناهجسَ متناقضسة لحياتسسه ،فسسي
العتقاد والتشريسسع والحكسسم و اُلخُلق و القتصسساد والسسسياسة والعلم والحرب والسسسلم
ونظام السسسرة والدب والفسسن والرياضسسة ...فيخضسسع لذلك كله ،دون أن يكون له اختيار
أو انتقاد أو تظلم؟؟!!
إن الحرية الحقيقية هي أن يكون قلب النسان عبدا ل وحده ،ل يتلقى أمره ونهيه إل
من ال فيتجه بنشاطه وجهة واحدة ،من غير تناقض ول قلق أو اضطراب ،متحررا من
عبوديسة كسل مسن سسواه ،فل يكون عبدا للشيطان ول للنفسس ول للهوى ،ول تتنازعسه آلهسة
الشهوات المتشاكسة تنازعا يجعله في حيرة وريب.
ولقد ضرب ال مثل لمن هو حر حقيقة بعبوديته ل تعالى وحده ،ومن استعبده غيره
مسن اللهسة المتعددة ،فقال تعالى(( :ضرب ال مثل رجل فيسه شركاء متشاكسسون ورجل
سلما لرجل هل يستويان مثل بل أكثرهم ل يعلمون))[.الزمر]29 :
إن الية تصور لنا رجلين:
أحدهمسا عبسد مشترك لمالكيسن متعدديسن بينهسم خلف ونزاع شديسد ،كسل شريسك منهسم
يأمسر ذلك العبسد بأمسر يخالف أوامسر شركائه الخريسن ويصسر على أن يطيعسه فسي أمره،
وطاعتسه لحدهسم معصسية لمسر كسل واحسد مسن شركائه الخريسن ،فل يسستطيع أن يرضسي
كسل واحسد مسن هؤلء الشركاء ،بسل سسيكونون كلهسم سساخطين عليسه ،وسسيعيش فسي حيرة
وضنك وشقاء.
41
وثانيهما :عبد لرجل واحد ل يأمره ول ينهاه إل هو.
فأي العبدين أقرب إلى الحرية :الول الذي فيه شركاء متشاكون ،أم الثاني الذي هو
عبد لرجل واحد؟!
المثسل الول لمسن اسستعبده غيسر ال-أيسا كان هذا الغيسر-والمثسل الثانسي لمسن تمحضست
عبوديته ل وحده ،ول المثل العلى.
وإنسسك لترى الرجسسل الضعيسسف المغلوب على أمره ،الذي اعْتُدِيسَ على نفسسه وماله
وعرضسه وحرم مسن التمتسع بحقسه فسي الحياة فسسجن أو أسسر ،وقسد تمحضست عبوديتسه ل
وحده ،ولكنه حسر قلبه مطمئن باله ،وهو واقف مثسل الجبسل الراسي أمام الطغاة المعتدين
القوياء غيسر مبال ،وعنده إرادة قويسة على تحريسر جسسمه مسن السسر كمسا تحرر قلبسه،
لنه يأوي إلى ركن شديد.
وترى الرجل الغني ذا السلطة والجند والجبروت ،قد خضعت له الرقاب ،ودانت له
المراء ووقسسف بأبوابسسه الحجّاب ،فإذا سسسبرت أمره واختسسبرت سسسره ،وجدتسسه عبدا ذليل
لنفسه وشهوته وهواه ،بل وجدته مستعبدا لبعض من هم في الظاهر عبيده ،وهم أعوانه
الذين يستند في طغيانه على عونهم ،ويستنجد في ملماته بهم ،فهو في ظاهره سيد ،وفي
حقيقته عبد كالعبيد.
وفسي معنسى الحريسة الحقسة والعبوديسة المذلة قال ابسن تيميسة رحمسه ال ..( :فإن أسسر
القلب أعظم من أسر البدن ،واستعباد القلب أعظم من استعباد البدن ،فإن من استُعبِد بدنه
واسسستُرِق ،ل يبالي إذا كان قلبسسه مسسستريحا مسسن ذلك مطمئنسسا ،بسسل يمكنسسه الحتيال فسسي
الخلص ،وأمسسا إذا كان القلب-الذي هسسو الملك-رقيقسسا مسسستعبدا لغيسسر ال ،فهذا هسسو الذل
والسر المحض ..فالحرية حرية القلب ،والعبودية عبودية القلب-...إلى أن قال :-وكذلك
طالب الرئاسسة والعلو فسي الرض ،قلبسه رقيسق لمسن يعينسه عليهسا ،ولو كان فسي الظاهسر
مقدمهسم والمطاع فيهسم ...فهسو فسي الظاهسر رئيسس مطاع ،وفسي الحقيقسة عبسد مطيسع لهسم)..
[مجموع الفتاوى].)189-186 / 10( :
وبهذا يعلم أن الحرية التي يزعم ساسة الغرب ومفكروه-ومن انخدع بهم من ذراري
المسسلمين-أنهسم أهلهسا وحماتهسا والداعون إلى تطبيقهسا ،ليسست هسي الحريسة الصسحيحة التسي
ينشدها العالم اليوم ،بل هي في حقيقتها عبودية مذلة للهة شتى يصعب حصرها .فهي
مسن إطلق السسماء على غيسر مسسمياتها ،كإطلق (المشروبات الروحيسة) على (الخمسر)
شبّهس بهسا
التسي تذهسب العقول وتسسلب الرواح والقلوب حياتهسا ،وكإطلق (النجوم) التسي يُ َ
دعا ُة الخيسر وهدا ُة العالمسَ[كقول الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم( :أصسحابي كالنجوم ،بأيهسم
اقتديتسم اهتديتسم) ].على مسن مسسخوا الفطسر ونشروا المنكسر والخنسا مسن المغنيسن والمغنيات
والراقصسسين والراقصسسات ..وكإطلق لفسسظ (الملهميسسن) و (الرواد) على رجال السسسياسة
الخرقاء الذين باعوا العباد والبلد لعداء المة السلمية....
تنبيه مهم:
ومع أن العبودية ل هي الحرية الحقة ،وعبودية ما سواه عبودية مذلة ،فإن الكافر
بال المتصف بالعبودية المذلة ل يُكرَه على الدخول في السلم ليتحرر من تلك العبودية
المذلة ،وإنمسا يسبين له الحسق وتقام عليسه الحجسة ،ثسم يترك له الخيار بيسن الحريتيسن ،لن
42
إكراهسه على الدخول فسي السسلم-بسل فسي أي ديسن مسن الديان-غيسر ممكسن فسي الواقسع لن
أصل اليمان في القلب ،و ل سلطان لغير الخالق على قلوب العباد ،والذي يظهر دخوله
فسي أي ديسن تحست الكراه ل يكون مؤمنسا فسي الحقيقسة بذلك الديسن ،ولهذا قال تعالى(( :ل
إكراه في الدين)) و (ل) هنا نافية للجنس أي ل إكراه مشروع ول إكراه واقع ،بمعنى أن
الكراه على اعتقاد الديسسن غيسسر مشروع ،ولو حصسسل إظهار الْمُكرَه دخوله فسسي الديسسن
المكره على الدخول فيه فدخوله غيسر واقع فسي حقيقسة المر ،لن العتقاد يكون بالقلب،
ومسن ذا الذي يقدر على إدخال أي ديسن إلى قلب أي إنسسان ل يريده؟ .ولهذا يطلق بعسض
الكتاب عبارة( :إن حريسة العتقاد هسي أول ,,حقوق النسسان) .ومرادهسم بالحريسة هنسا أن
النسسان يدخسل فسي الديسن باختياره ول يمكسن إكراهسه على ذلك وليسس مرادهسم أنسه حسر
القلب والعقيدة بالمعنسسى الذي شرحناه ،ولهذا عذر تعالى مسن أظهسسر الكفسسر مكرهسسا وقلبسسه
مطمئن باليمان ،كما قال تعالى(( :من كفر بال من بعد إيمانه إل من أكره وقلبه مطمئن
باليمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من ال ولهم عذاب عظيم)).
خامسحححححا :غرس اليمان بالغيحححححب فحححححي
النفوس.
إن النسان الذي ل يؤمن إل بما تدركه حواسه ،مباشرة أو باللت التي يصنعها ،ل
فرق بينه وبين الحيوان إل بسعة أفقه ،لما ركبه ال فيه من عقل وتصرف بأدوات تعينه
على ذلك .وسعة أفقه هذه التي فرقت بينه وبين الحيوان ،هي التي أهلته لمعرفة ما ظهر
له من الكون القريب.
والذي ل يؤمسن بالغيسب ل يمكسن أن يعبسد ال ،لن ال تعالى مسن الغيسب ،ول يعرف
تعالى إل بآثار خلقه المشهودة ووحيه.
والذي ل يؤمسن بالغيسب ل يمكسن أن يؤمسن بالوحسي اللهسي والكتسب المنزلة والرسسالة،
ول باليوم الخر ،ول بالملئكة المقربين ،لن ذلك كله من الغيب.
وعدم اليمان بالغيسب يفضسي إلى تسسيب النسسان وعدم التزامسه بمنهسج ال ،واتباعسه
لهواه ،فيتصرف في حياته كما يشاء ل يرده عن هواه إل القوة المادية القاهرة ،فإذا ظن
أن تلك القوة-كالشرطة والقضاء والعقوبات الرادعة-ل تناله ،أتى على كل ما يقدر عليه
دون مراعاة لحقوق غيره ،لنسه ل يؤمسن بال حتسى يطمسع فسي ثوابسه ويخاف مسن عقابسه،
وهكذا يدمر ويفسد ول يبالي شيئا.
ولهذا كان مسن أهسم غايات أهسل الحسق فسي سسباقهم إلى العقول غرس اليمان بالغيسب
فسسي نفوس الناس لتكون عقولهسسم مؤمنسة ،فيسسستجيبون لمراد ال منهسسم ،فيأتون مسا يرضاه
ويتركون ما يسخطه ،سائرين على منهج الوحي والرسالة والشريعة الربانية.
ولهذا كانست أول صسفات المتقيسن الذيسن يهتدون بهذا الكتاب "القرآن الكريسم" اليمان
بالغيسب ،ول يهتدي بسه مسن لم يؤمسن بالغيسب ،كمسا قال تعالى(( :الم ،ذلك الكتاب ل ريسب
فيه هدى للمتقين ،الذين يؤمنون بالغيب))[.البقرة]3-1 :
وقال تعالى(( :ليسسس البر أن تولوا وجوهكسسم قبسسل المشرق والمغرب ولكسسن البر مسسن
43
آمسن بال واليوم الخسر والملئكسة والكتاب والنسبيين وآتسى المال على حبسه ذوي القربسى
واليتامسسى والمسسساكين وابسسن السسسبيل والسسسائلين وفسسي الرقاب وأقام الصسسلة وآتسسى الزكاة
والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس أولئك الذين
صدقوا وأولئك هم المتقون))[ .البقرة]177 :
وقال تعالى(( :ومن يكفر بال وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر فقد ضل ضلل
بعيدا))[.النساء]36 :
سادسا :تحكيم شرع الله في حياة الناس.
ومسن أهسم غايات أهسل الحسق فسي سسباقهم إلى العقول إقناعهسا أو إقامسة الحجسة عليهسا،
بوجوب تحكيسم شرع ال تعالى فسي حياتهسم لحفسظ دينهسم ،ونفوسسهم ،وعقولهسم ،ونسسلهم،
وعرضهم ،ومالهم ،لنه ل تُحفظ هذه الضرورات التي ل حياة للمم بدون حفظها ،ول
يوقى الناس شر العتداء عليها ،ول ينفى عنهم الظلم ويقر العدل ،إل بتحكيم شرع ال.
وكلمسا ابتعسد الناس عسن شرع ال اقتربوا مسن العتداء على هذه الضرورات ،فضل
عن غيرها من الحاجيات والتكميليات ،وهذا أمر مشاهد في حياة الناس في كل زمان.
ولهذا كان أهسل الحسق فسي سسباق شديسد مسع أهسل الباطسل إلى عقول الناس بهذه الغايسة،
ليسستقر فسي تلك العقول ضرورة تحكيسم شرع ال ،ونبسذ حكسم الطاغوت ،لن حكسم ال ل
يحابي أحدا :الغني والفقير ،والرجل المرأة ،والفرد والجماعة ،والحاكم والمحكوم ،كلهم
ق صاحبَه و َيقِف صاحبَ الباطل ويمنعه من باطله.
أمام شرع ال سواء ،يُعطِي الح ّ
ولهذا كان تحكيسم شرع ال والرضسا بسه مسن اليمان بال وتوحيده ،وهسو مسن صسميم
دعوة الرسل عليهم الصلة والسلم ،ومن اعتقد غير ذلك لم يفقه معنى القرآن ول السنة
ول دعوة الرسل.
والذي يزعسسم أنسسه يدعسسو إلى التوحيسسد ويهمسسل دعوة الناس إلى تحكيسسم شرع ال ،أو
يجعسل ذلك مسن الموضوعات التسي يمكسن تأخيرهسا وتأخيسر بيان حكمهسا ،لم يفهسم معنسى ل
إله إل ال ،لن تحكيم شرع ال من توحيد اللوهية ،ومن جوهر ل إله إل ال.
والنسبياء عندمسا يدعون الناس إلى التوحيسد والقرار بمعنسى" :ل إله إل ال" يعلمون
ويعلم أقوامهسم أن ذلك يعنسي تحكيسم شرع ال والتسسليم المطلق لحكمسه ،وأنسه ل خيار لهسم
فسي ذلك أبدا ،لن معنسى "ل إله إل ال" ل يقسر حاكمسا غيسر ال-إل مسن حكسم بحكسم ال-
فالحاكم المطلق الذي ل معقب لحكمه هو ال.
فهذه الكلمسة" :ل إله إل ال" تشمسل السستسلم ل فسي كسل شيسء :فسي النفسس والعقول
والنسسال والعراض والموال وغيرهسا ،ل يحكسم فسي ذلك كله إل ال ،وأي حكسم صسدر
من غير ال يخالف حكم ال فهو حكم طاغوت ل بد من الكفر به ،ومن أطاع حكم غير
ال ورضي به بدل من حكم ال ،لم يؤمن بمعنى ل إله إل ال.
فاليمان حكسم ال ول بسد مسن الرضسا بسه ،والعبادة حكسم ال ول بسد مسن الرضسا بهسا،
والمعاملت السسلمية الثابتسة بنسص من ال أو من رسوله صسلى ال عليه وسسلم حكسم ال
ول بد من الرضا بها ،والخلق حكم ال ول بد من الرضا بها ،والحدود حكم ال ول بد
من الرضا بها ،ل بد من التسليم المطلق ل تعالى في كل حكم يحكم به.
44
ومخطسئ مسن يظسن أن الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم لم يدع إلى تحكيسم شرع ال فسي
العهسد المكسي ،ويخلط هذه المخطسئ بيسن معنسى الدعوة إلى تحكيسم شرع ال الذي هسو مسن
صميم توحيد ال ،وبين معنى إقامة دولة تحكم بشرع ال.
فالدعوة إلى تحكيسسسسم شرع ال والسسسسستسلم له دعوة إلى اليمان بال وإلى القرار
بمعنسى "ل إله إل ال" وقسد قام بهسا الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم عندمسا دعسا الناس إلى
القرار بل إله إل ال.
وأما إقامة الدولة التي تحكم بالسلم وتنفذه على رعاياها ،فقد أخرها الرسول صلى
ال عليسسه وسسسلم-ومسسا كان له إل أن يؤخرهسسا-إلى العهسسد المدنسسي ،حيسسث قويسست شوكسسة
المسسلمين ،وأصسبح الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم هسو إمامهسم فسي الصسلة ،وقائدهسم فسي
الجهاد ،وقاضيهم في الخصومات ،والمر الناهي في الدولة.
وإنمسا لم يسسع لقامسة الدولة السسلمية فسي مكسة ،لن أهلهسا كانوا أهسل القوة الماديسة
والنفوذ ،وكان المسلمون ضعافا-ماديا-مضطهدين ،يفتنون ويعذبون ،ولم يكونوا قادرين
على رد العدوان بمثله-وإن كانوا يرغبون رغبسة شديدة فسي ذلك-بسل نهاهسم ال عسن قتال
المشركين وأمرهم بالكف عن القتال.
وإذا كان كثيسر مسن العبادات والمعاملت والحدود وغيرهسا مسن الحكام الشرعيسة ،قسد
تأخسسر نزول الوحسسي بهسسا إلى العهسسد المدنسسي ،وكان الهتمام فسسي العهسسد المكسسي بالنواحسسي
اليمانيسة والسسلوكية وبعسض العبادات كالصسلة ونحوهسا ،فإن الدعوة فسي العهسد المكسي
اهتمست بجانسب السستسلم ل فسي كسل شيسء وهسو معنسى السسلم ومعنسى كلمسة التوحيسد،
وذلك أصل التشريع اللهي.
ومسع ذلك فإن بعسض اليات المكيسة قسد نزلت تنعسى على المشركيسن وتنكسر عليهسم ،مسا
شرعوه لنفسهم من تحليل ما حرم ال أو تحريم ما أحل ال.
كمسا قال تعالى(( :فكلوا ممسا ذكسر اسسم ال عليسه إن كنتسم بآياتسه مؤمنيسن ،ومالكسم ألّ
تأكلوا ممسا ذكسر اسسم ال عليسه وقسد فصسل لكسم مسا حرم عليكسم إل مسا اضطررتسم إليسه وإن
كثيرا ليضلون بأهوائهم بغير علم إن ربك هو أعلم بالمعتدين ،وذروا ظاهر الثم وباطنه
إن الذين يكسبون الثم سيجزون بما كانوا يقترفون ،ول تأكلوا مما لم يذكر اسم ال عليه
وإنسسسه لفسسسسق وإن الشياطيسسسن ليوحون إلى أوليائهسسسم ليجادلوكسسسم وإن أطعتموهسسسم إنكسسسم
لمشركون[.))..النعام]121-118 :
يدور كلم المفسرين لهذا اليات على أمرين:
المر الول :أن ما ذكر اسم ال عليه ،هو ما ذبحه المسلمون أو أهل الكتاب وما لم
يذكر اسم ال عليه هو ما مات حتف نفسه.
وكان المشركون من قريش يحرمون ما ذبح بالسكين ويحلون الميتة ،ويرون أن ما
ذبح قتله النسان ،وما مات قتله ال ،وأكل ما قتله ال أولى مما قتله النسان ،سيرا على
قياسات الشيطان الذي عصا ربه بها.
المسر الثانسي :أن المراد بمسا ذكسر اسسم ال عليه مسا سسمى الَ عليه حيسن ذبحسه ،ومسا لم
يذكر اسم ال عليه ما ذُكر عليه اسم الوثن ونحوه ،وفي ذلك تفاصيل ل يتسع لها المقام[.
راجع كتب التفسير ،ومنها :تفسير القرآن العظيم لبن كثير ( )2/188وما بعدها ،طبع
45
دار الخير ،والجامع لحكام القرآن ( )7/72وما بعدها للقرطبي].
والشاهسد منهسا هسو كونهسم يحلون مسا يريدون ويحرمون مسا يريدون مسن عنسد أنفسسهم،
بدون هدي ول بينسسة مسسن ال ،وهسسو تشريسسع يعارض تشريسسع ال ،وتحكيسسم لهواهسسم الذي
يخالف تحكيم شرع ال.
وإذا عرفنسسا أن سسسورة النعام مسسن السسسور المكيسسة ،ومنهسسا هذه اليات تسسبين لنسسا أن
الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم أُمسر بالدعوة إلى تحكيسم شرع ال فسي العهسد المكسي ،وأن
تحكيم شرع ال من اليمان الذي ل تصح شهادة أن ل أله إل ال إل به.
ومثسسسل ذلك قوله تعالى(( :وقالوا هذه أنعام وحرث حجسسسر ل يطعمهسسسا إل مسسسن نشاء
بزعمهسسسم ،وأنعام حرّمسسست ظهورهسسسا ،وأنعام ل يذكرون اسسسسم ال عليهسسسا افتراء عليسسسه،
سسيجزيهم وصسفهم بمسا كانوا يفترون ،وقالوا مسا فسي بطون هذه النعام خالصسة لذ كورنسا
ومحرم على أزواجنسسا ،وإن يكسسن ميتسسة فهسسم فيسسه شركاء ،سسسيجزيهم وصسسفهم إنسسه حكيسسم
عليم [.))...النعام]139-138 :
وقسد بيسن المام الصسولي العلمسة أبسو إسسحاق إبراهيسم بسن موسسى اللخمسي الغرناطسي
المالكي ،المشهور بالشاطبي ،في كتابه العظيم "الموافقات" أن الصول الكلية للشريعة
قسد تضمنهسا القرآن الكريسم فسي العهسد المكسي ،وأن مسا نزل بعسد ذلك فسي العهسد المدنسي مسن
التشريع ،إنما هو مكمل لتلك الصول المكية ،وأن ما قد يبدو من التشريع المدني كليا إذا
ما تؤمل حق التأمل وجد جزئيا بالنسبة إلى ما هو أعم منه ،أو تكميل لصل مكي.
قال رحمه ال( :المسألة الثامنة .فنقول :إذا رأيت في المدنيات أصل كليا فتأمله تجده
جزئيسا [قال السستاذ محمسد عبسد ال دراز فسي الحاشيسة " :كالجهاد فهسو جزئي مسن المسر
بالمعروف والنهسي عسن المنكسر ،كمسا سسيقرره قريبسا ]...بالنسسبة إلى مسا هسو أعسم منسه ،أو
تكميل لصسسسل كلي [.قال دراز " :كالنهسسسي عسسسن شرب الخمسسسر تكميل لجتناب الثسسسم
والعدوان كمسا سسيقول ]....وبيان ذلك أن الصسول الكليسة التسي جاءت الشريعسة بحفظهسا
خمسة وهي :الدين والنفس ،والعقل ،والنسل ،والمال.
أمسا الديسن فهسو أصسل مسا دعسا إليسه القرآن والسسنة ومسا نشسأ عنهمسا ،وهسو أول مسا نزل
بمكة.
وأمسا النفسس فظاهسر إنزال حفظهسا بمكسة ،كقوله تعالى(( :ول تقتلوا النفسس التسي حرم
ال إل بالحسق[ .))..النعام(( ]151 :وإذا الموءودة سسئلت ،بأي ذنسب قتلت[.))..التكويسر:
(( ]9وقد فصّل لكم ما حرّم عليكم إل ما اضطررتم إليه[.)).النعام ]119 :وأشباه ذلك.
وأمسا العقسل فهسو ،وإن لم يرد تحريسم مسا يفسسده وهسو الخمسر ،فقسد ورد فسي المكيات
مجمل ،إذ هسو داخسل فسي حفسظ النفسس ،كسسائر العضاء ومنافعهسا ،مسن السسمع والبصسر
وغيرهما ،وكذلك منافعها.
فالعقل محفوظ شرعا في الصول المكية عما يزيله كسائر العضاء ساعة أو لحظة
[قال في الحاشية " :لعل الصل( :ل ساعة أو لحظة) ومعناه أن ما يزيل العقل رأسا هو
من الضروري الداخل في حفظ النفس إجمال ،وأما حفظه على أنه يزول ساعة ثم يعود
فيكون من المكملت ]....ثم يعود كأنه غطي ثم كشف عنه ،وأيضا فإن حفظه على هذا
الوجسه مسن المكملت ،لن شرب الخمسر قسد بيسن ال مثالبهسا فسي القرآن ،حيسث قال(( :إنمسا
46
يريسد الشيطان أن يوقسع بينكسم العداوة والبغضاء فسي الخمسر والميسسر[ ))...المائدة]91 :
فظهر أنها من العون على الثم والعدوان.
وأمسا النسسل ،فقسد ورد المكسي مسن القرآن بتحريسم الزنسا والمسر بحفسظ الفروج إل على
الزواج أو ملك اليمين.
وأمسسا المال ،فورد فيسسه تحريسسم الظلم وأكسسل مال اليتيسسم والسسسراف والبغسسي ونقسسص
المكيال أو الميزان ،والفساد في الرض وما دار بهذا المعنى.
وأما العرض الملحق بها فداخل تحت النهي عن إذايات النفوس.
ولم ترد هذه المور فسسي الحفسسظ مسسن جانسسب العدم إل وحفظهسسا مسسن جانسسب الوجود
حاصل ،ففي الربعة الواخر ظاهر.
وأمسا الديسن فراجسع إلى التصسديق بالقلب ،والنقياد بالجوارح ،والتصسديق بالقلب آت
بالمقصسود فسي اليمان بال ورسسوله واليوم الخسر ،ليفرع على ذلك مسا جاء مفصسل فسي
المدنسي فالصسل وارد فسي المكسي .والنقياد بالجوارح حاصسل بوجسه واحسد [قال السستاذ
دراز :أي متى وجد تكليف واحد بدني فإنه يتحقق به معنى كلي النقياد بالجوارح الذي
هسسو أحسسد ركنسسي الديسسن ].ويكون مسسا زاد على ذلك تكميل ،وقسسد جاء فسسي المكسسي مسسن ذلك
النطق بالشهادتين والصلة والزكاة ،وذلك يحصل به معنى النقياد.
وأمسا الصسوم والحسج فمدنيان مسن باب التكميسل ،على أن الحسج كان مسن فعسل العرب
أول ،وراثسة عسن أبيهسم إبراهيسم ،فجاء السسلم فأصسلح منسه مسا أفسسدوا ،وردهسم فيسه إلى
مشارعهسم ،وكذلك الصسيام أيضسا فقسد كانست الجاهليسة تصسوم يوم عاشوراء ،وكان النسبي
صسلى ال عليسه وسسلم يصسومه أيضسا حيسن قدم المدينسة صسامه وأمسر بصسيامه حتسى نسسخه
رمضان ،وانظسسر حديسسث عائشسسة فسسي صسسيام يوم عاشوراء [مسسسلم ( ].)2/792فأحكمهمسسا
التشريسع المدنسي ،وأقرهمسا على مسا أقسر ال تعالى مسن التمام الذي بينسه فسي اليوم الذي هسو
أعظسم أيامسه حيسن قال تعالى(( :اليوم أكملت لكسم دينكسم ))..اليسة ،فلهمسا أصسل فسي المكسي
على الجملة.
والجهاد الذي شرع بالمدينسسة فرع مسسن المسسر بالمعروف والنهسسي عسسن المنكسسر وهسسو
مقرر في مكة ،كقوله تعالى(( :يا بني أقم الصلة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر))..
وما أشبه ذلك) [.الموافقات ( )50-46 /3بتحقيق الستاذ عبد ال دراز ،والية في سورة
لقمان]:
وإذا علم أن أصسول الشريعسة الكليسة قسد نزلت فسي العهسد المكسي ،ومسا نزل فسي العهسد
المدنسسي فهسسو متمسسم أو مفص سّل لهسسا ،علم أن الدعوة إلى التشريسسع السسسلمي والدعوة إلى
تحكيم شرع ال ،من صميم الرسالة وأنها من اليمان بال تعالى وأن من اعتقد أن تحكيم
شرع ال ليس من صميم التوحيد واليمان فهو ضال جاهل ل يعلم دين ال حق العلم ول
يفقه حق الفقه ،وفيما مضى كفاية لطالب الحق.
وهكذا كان أنسسبياء ال السسسابقون يدعون أقوامهسسم إلى تحكيسسم شرع ال تعالى ،تطبيقسسا
لمعنسى ل إله إل ال ،فشعيسب عليسه السسلم ،دعسا قومسه إلى توحيسد ال وإلى تحكيسم شرعسه
الذي هو من التوحيد في الكيل والوزن وغير ذلك من الحقوق المالية ،فأنكر عليه قومه
تدخله فسي شؤون حياتهسم وبخاصسة الماليسة-وهسو نهسج العلمانييسن فسي كسل زمان ،ل يسستقر
47
لهسم قرار بوجود مسن يدعسو إلى تحكيسم شرع ال فسي حياة البشسر ،لن ذلك يحرمهسم مسن
اتباع أهوائهسسم وتحقيسسق شهواتهسسم ،عسسن طريسسق تشريعهسسم لنفسسسهم مسسا يحقسسق لهسسم تلك
الشهوات.
قال تعالى(( :وإلى مدين أخاهسم شعيبا قال يسا قوم اعبدوا ال مالكسم من إله غيره ،ول
تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط ،ويا قوم
أوفوا المكيال والميزان بالقسسسسسط ول تبخسسسسسوا الناس أشياءهسسسسم ول تعثوا فسسسسي الرض
مفسسسدين ،بقيسست ال خيسسر لكسسم إن كنتسسم مؤمنيسسن ومسسا أنسسا عليكسسم بحفيسسظ ،قالوا يسسا شعيسسب
أصلتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لنت الحليم
الرشيد))[.هود]]89-84 :
تأمسسل مسسا أمرهسسم بسسه شعيسسب(( :اعبدوا ال ...ول تنقصسسوا المكيال والميزان ..أوفوا
الكيل والميزان)).
وتأمسل رد قومسه عليسه(( :أصسلتك تأمرك أن نترك مسا يعبسد آباؤنسا أو أن نفعسل فسي
أموالنا ما نشاء.))..
أمرهسم نسبيهم بالسستسلم الكامسل ل فسي اليمان والتصسرف فسي الموال ،وكانوا عنسد
ذلك كفارا ،ولو كان التشريع من عند أنفسهم في الموال ل يدخل في اليمان بل إله إل
ال ،لخر الدعوة إليه حتى يؤمنوا بال وحده ،ولكن التشريع من اليمان ولذلك جعله في
دعوته قومه إلى ال من أولويات تلك الدعوة ،وفهموا منها أن التسليم المطلق ل يقتضي
ترك عبادة غير ال والتقيد بشرع ال في تصرفاتهم.
فالتسليم لشرع ال إيمان ،ول إيمان بدون تحكيم شرع ال.
وتأتي بعد ذلك اليات المدنية ،لتوضح توضيحا وافيا شافيا قضايا عملية تقرر فيها
أن أعداء السسسلم مسسن المنافقيسسن-وهسسم الذيسسن يمثلهسسم اليوم العلمانيون الذيسسن يحاربون
السسسسلم-لمسسسا لم يرضوا بتحكيسسسم شرع ال ورضوا بحكسسسم الطاغوت ،حكسسسم ال عليهسسسم
بالضلل البعيسد مسع ادعائهسم أنهسم مؤمنون ،ووصسف الضلل بالبعيسد يدل على أنسه ليسس
ضلل مؤمسن يغفره ال له ،كمسا نسص تعالى على أنهسم منافقون ،ونفسى عنهسم اليمان نفيسا
مؤكدا حتى يستسلموا لشرعه ويرضوا به.
قال تعالى(( :الم تسر إلى الذيسن يزعمون أنهسم آمنوا بمسا أنزل إليسك ومسا أنزل مسن قبلك
يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت وقسد أمروا أن يكفروا بسه ويريسد الشيطان أن يضلهسم
ضلل بعيدا ،وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل ال وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون
عنسك صسدودا ،فكيسف إذا أصسابتهم مصسيبة بمسا قدمست أيديهسم ثسم جاءوك يحلفون بال إن
أردنا إل إحسانا وتوفيقا ،أولئك الذين يعلم ال ما في قلوبهم-إلى قوله تعالى-فل وربك ل
يؤمنون حتسسى يحكموك فيمسسا شجسسر بينهسسم ثسسم ل يجدوا فسسي أنفسسسهم حرجسسا ممسسا قضيسست
ويسلموا تسليما[ .))..النساء]65-60 :
وهذه الية الخيرة ذكر بعض العلماء أنها نزلت في الزبير بن العوام وخصم له من
النصسار ،اختصسما إلى النسبي صسلى ال عليسه وسسلم فسي بعسض المسر ،ومعنسى ذلك أنهسا
نزلت فسي ملسسمين ،وبذلك يكون اليمان المنفسي هسو كمال اليمان الواجسب ،وليسس أصسل
اليمان.
48
وقال آخرون :إنها نزلت في المنافق واليهودي الذين نزلت فيهما الية الولى(( :ألم
تر إلى الذين يزعمون ))...الية ،وأن اليهودي أراد الحتكام إلى الرسول صلى ال عليه
وسلم ،والمنافق أراد الحتكام إلى غيره.
ويرى ابن جرير رحمه ال أن الية الخيرة ينسجم معناها مع الية لولى ،ول مانع
من أن يكون فيها بيان لقصة الزبير والنصاري.
قال رحمسه ال( :وهذا القول-أعنسي قول مسن قال :عُنِي بسه المحتكمان إلى الطاغوت
اللذان وصف ال شأنهما في قوله(( :ألم تر الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أنزل إليك وما
أنزل مسن قبلك)) أولى بالصسواب لن قوله تعالى(( :فل وربسك ل يؤمنون حتسى يحكموك
ي ل الخبر عنهم بقوله(( :ألم تر إلى الذين
فيما شجر بينهم)) في سياق قصة الذين ُأ سْ ِد َ
يزعمون أنهسم آمنوا بمسا أنزل إليسك ))..ول دللة تدل على انقطاع قصستهم ،فإلحاق بعسض
ذلك ببعض ما لم تأت دللة على انقطاعه أولى.
فإن ظسسن ظان أن فسسي الذي روي عسسن الزبيسسر وابسسن الزبيسسر-مسسن قصسسته وقصسسة
النصساري فسي شراج الحرة وقول مسن قال فسي خبرهمسا ،فنزلت(( :فل وربسك ل يؤمنون
حتسى يحكموك فيمسا شجسر بينهسم)) مسا ينبسئ عسن انقطاع حكسم هذه اليسة مسن قصسة اليات
التسي قبلهسا ،فإنسه غيسر مسستحيل أن تكون اليسة نزلت فسي قصسة المحتكميسن إلى الطاغوت،
ويكون فيها بيان ما احتكم فيه الزبير وصاحبه النصاري ،إذ كانت الية دالة على ذلك،
وإذ كان ذلك غيسسر مسسستحيل كان إلحاق معنسسى بعسسض ذلك ببعسسض أولى ،مسسا دام الكلم
متسسقة معانيسه على سسياق واحسد ،إل أن تأتسي دللة على انقطاع بعسض ذلك مسن بعسض
فيعدل به عن معنى قبله) [.جامع البيان عن تأويل آي القرآن (.].)160-5/159
وعلى هذا القول الذي رجحسسه ابسسن جريسسر رحمسسه ال يكون التحاكسسم إلى الطاغوت
والنفور عسسن التحاكسسم إلى شرع ال كفرا ،وإن كانسست دللة اليسسة يدخسسل فيهسسا مسسا حصسسل
للزبيسر والنصساري ،فإن ذلك يكون بيانسا لنفسي اليمان الواجسب وليسس لصسل اليمان[.
لن النصساري وإن حصسل عنده شيسء مسن المتعاض مسن حكسم الرسسول صسلى ال عليسه
وسلم للزبير-لم يكن يريد التحاكم إلى الطاغوت ،بخلف المنافق.] .
وعلى هذين المعنيين يمكن تنزيل اليات التية:
((ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الكافرون))..
((ومن لم يحكم بما أنزل ال فألئك هم الظالمون))...
((ومن لم يحكم بما أنزل ال فأولئك هم الفاسقون [.))..المائدة]47 ،45 ،44 :
فالذي يحكسسم بغيسسر مسسا أنزل ال معتقدا جواز ذلك ،ولو حكسسم بمسسا أنزل ال مسسع هذا
العتقاد ،فكفره كفر أكبر ،وظلمه وظلم أكبر ،وفسقه فسق أكبر ،أي إنه ليس مسلما بل
هو خارج عن ملة السلم.
والذيسسن فسسسروا الكفسسر والظلم والفسسسق بالكفسسر الصسسغر والظلم الصسسغر والفسسسق
الصسغر مسن السسلف ،ل بسد أن يكون مرادهسم بذلك مسن حكسم بغيسر مسا أنزل ال فسي بعسض
القضايا-لِهوى أو صداقة أو أخذ مال ونحو ذلك-وهو يعتقد أنه قد عصى ربه بما فعل،
وليسس مسن اسستحل الحكسم بغيسر مسا أنزل ال صسراحة أو دلت القرائن الظاهرة أنسه يفضسل
حكم الطاغوت على حكم ال ،فهذا ل يمكن أن يقصده السلف يكفر دون كفر أو ظلم دون
49
ظلم أو فسق دون فسق ،لنه مؤمن بالطاغوت كافر بال .وال تعالى يقول(( :ولقد بعثنا
في كل أمة رسول أن اعبدوا ال واجتنبوا الطاغوت)) [.النحل]36 :
قال القرطسسبي رحمسسه ال( :قوله تعالى(( :ومسسن لم يحكسسم بمسسا أنزل ال فأولئك هسسم
الكافرون ))...و ((الظالمون)) و ((الفاسسسقون)) نزلت كلهسسا فسسي الكفار ،ثبسست ذلك فسسي
صحيح مسلم من حديث البراء ،وقد تقدم ،وعلى هذا المعظم.
فأما المسلم فل يكفر وإن ارتكب كبيرة ،وقيل فيه إضمار أي ومن لم يحكم بما أنزل
ال ردا للقرآن ،وجحدا لقول الرسسول عليسه الصسلة والسسلم ،فهسو كافسر ،قاله ابسن عباس
ومجاهد .فالية عامة على هذا .قال ابن مسعود والحسن :هي عامة في كل من لم يحكم
بمسا أنزل ال مسن المسسلمين واليهود والكفار أي معتقدا ذلك ومسستحل له ،فأمسا مسن فعسل
ذلك وهسو معتقسد أنسه راكبُس جرمٍس فهسو مسن فسساق المسسلمين ،وأمره إلى ال تعالى ،إن شاء
عذبه ،وإن شاء غفر له) [الجامع لحكام القرآن (.])6/190
وقال ابن القيم ،رحمه ال( :والصحيح أن الحكم بغير ما أنزل ال يتناول الكفرين،
الصسغر والكسبر بحسسب حال الحاكسم ،فإنسه إن اعتقسد وجوب الحكسم بمسا أنزل ال فسي هذه
الواقعسة ،وعدل عنسه عصسيانا ،مسع اعترافسه بأنسه مسستحق للعقوبسة ،فهذا كفسر أصسغر ،وإن
اعتقسد أنسه غيسر واجسب وأنسه مخيسر فيسه ،مسع تيقنسه أنسه حكسم ال [كمسا يفعله مسن يسسمون
بالمشرعيسن فسي هذا العصسر] فهذا كفسر أكسبر ،وإن جهله وأخطأه ،فهذا مخطسئ له حسسكم
المخطئين) [.مدا رج السالكين].)336 / 1( :
وإنمسا كان تحكيسم شرع ال مسن غايات أهسل الحسق فسي السسباق إلى العقول ،لن تحكيسم
شرع ال يعصسسم المسسم مسسن الزلل والفسسساد والظلم والطغيان ،ويقيسسم العدل ويعطسسي كسسل
صاحب حق حقه ويساوي بين الناس ،فل يحابي أحدا على أحد ،وبه تستقيم حياة البشر
ويحفسظ الديسن والنفسس والعقسل والنسسل والعرض والمال ،كمسا قال تعالى فسي فيمسن حكّمس
شرعسه(( :ولينصسرن ال مسن ينصسره ،إن ال لقوي عزيسز ،الذيسن إن مكناهسم فسي الرض
أقاموا الصلة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ول عاقبة المور[.))..
الحج]41 ،40 :
يضاف إلى ذلك أن حكسسم ال عبادة يكفسسر مسسن جحدهسسا وحاربهسسا ،ول يكون النسسسان
موحدا ل إل بإيمانه بذلك.
وأمسا تحكيسم غيسر شرع ال فهسو تحكيسم للبشسر ،والبشسر تتحكسم فسي تشريعهسم الهواء
والجهل وعدم الحاطة بالمصالح والغفلة والحسد والحب والكره وغير ذلك.
وبذلك ينتشسسر الظلم والفسسساد والفواحسسش والتناحسسر بيسسن الناس ،لن قوانيسسن البشسسر
تتعارض بتعارض مصسالحهم وأهوائهسم وجهلهسم وبتصسارع الناس على كراسسي الحكسم،
فإذا غلب فرد فردا أو حزب حزبا أو دولة دولةً ،شرع الغالب ما يريد من القوانين التي
يحكسم بهسا المغلوب ،فيظلمسه ويسسلبه حقوقسه ويعيسث فسي الرض فسسادا ،لعدم وجود مسا
يضبطه من شرع ال ،وذلك هو حكم الجاهلية.
((أفحكم الجاهلية يبغون ،ومن أحسن من ال حكما لقوم يوقنون[.))..المائدة]50 :
((ومسن الناس مسن يعجبسك قوله فسي الحياة الدنيسا ويشهسد ال على مسا فسي قلبسه وهسو ألد
الخصسام ،وإذا تولى سسعى فسي الرض ليفسسد فيهسا ويهلك الحرث والنسسل وال ل يحسب
50
الفسساد ،وإذا قيسل له اتسق ال أخذتسه العزة بالثسم فحسسبه جهنسم وبئس المهاد[ .))..البقرة:
]206 ،204
سمممابعا :تثمممبيت الولء لله ولرسممموله وللمؤمنيمممن
والبراء من الكافرين.
ل إلى عقول الناس ،بغرس الولء وتثسبيته ل ولرسسوله
ويسسابق أهلُ الحقِس أهلَ الباط ِ
وللمؤمنيسن والبراء مسن كسل مسن حاد ال ورسسوله والمؤمنيسن ،عمل بقوله تعالى(( :إِنّمَا
ل الَ وَرَسسُولَ ُه والّذينَس آمَنُوا َفإِن
َولِيّكُمسُ الُ وَرَسسُوُلهُ وَالّذِينَس آمَنُوا-إلى قوله :-وَمَن يَتَ َو ّ
ب الِ هُ ُم الْغَالِبُون))[.المائدة]56-55 :
حِزْ َ
وبقوله تعالى(( :ل تجد قوما يؤمنون بال واليوم الخر يوادون من حاد ال ورسوله
ولو كانوا آباءهسسم أو أبناءهسسم أو إخوانهسسم أو عشيرتهسسم أولئك كتسسب فسسي قلوبهسسم اليمان
وأيدهم بروح منه ويدخلهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها رضي ال عنهم
ورضوا عنه أولئك حزب ال أل إن حزب ال هم المفلحون))[.المجادلة]22 :
ولعلمهسم بأن هذا الولء يجعسل صساحبه يدور مسع الحسق حيسث دار ولو خالفسه فسي ذلك
أقرب المقربين إليه ،كأبيه وابنه ..كما هو واضح من آية المجادلة السابقة.
ولن المنهج الرباني الذي جاء به الرسول من عند ربه هو الحق وكل ما خالفه فهو
الباطسل ،والصسل فسي المؤمنيسن بهذا المنهسج أن يكونوا على الحسق .فالولء ل ولرسسوله
وللمؤمنين هو ولء للحق.
ولن الحسق يقوى ويثبست فسي الرض بكثرة المواليسن له المتناصسرين عليسه .فإذا قوي
الحسق وثبست سسعد بسه أهسل الرض واهتدوا وكثسر فيهسم الصسلح الذي أسساسه اتباع الحسق،
كما قال تعالى(( :هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق))[ .التوبة]32 :
وقال تعالى(( :كان الناس أمسسة واحدة فبعسسث ال النسسبيين مبشريسسن ومنذريسسن وأنزل
معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إل الذين أوتوه من
بعسد مسا جاءتهسم البينات بغيسا بينهسم فهدى ال الذيسن آمنوا لمسا اختلفوا فيسه مسن الحسق بإذنسه
وال يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم))[.البقرة]213 :
وبثبات الحسق يضمحسل الفسساد الذي أسساسه اتباع الهوى ،كمسا قال تعالى(( :ولو اتبسع
الحق أهواءهم لفسدت السماوات والرض ومن فيهن[.))..المؤمنون]71 :
ومن أمثال القرآن لثبات الحق وما يترتب عليه من صلح ،واضمحلل الباطل وما
يترتسب على وجوده مسن فسساد قوله تعالى(( :أنزل مسن السسماء ماء فسسالت أوديسة بقدرهسا
فاحتمسل السسيل زبدا رابيسا وممسا يوقدون عليسه مسن النار ابتغاء حليسة ،أو متاع زبسد مثله
كذلك يضرب ال الحسق والباطسل فأمسا الزبسد فيذهسب جفاء وأمسا مسا ينفسع الناس فيمكسث فسي
الرض كذلك يضرب ال المثال))[.الرعد]17 :
وغنسسي عسسن البيان أن أهسسل الحسسق-رعاة ورعيسسة-ل يخشون مسسن الولء ل ولرسسسوله
وللمؤمنين ،اعتداءً من قوي على ضعيف أو خروجا من رعية على راع ،بل ول يخشى
أهسل الباطسل مسن ولء المؤمنيسن ل ورسسوله ظلمسا ول هضمسا ول عدوانسا ،لن ال بعسث
51
رسوله بالحق الذي يعطي كل ذي حق حقه [.وليس في جهاد قادة الباطل الذين يحاربون
الدعاة إلى ال،له وتبليغ الناس رسالة ال وصدهم عن سماع البلغ المبين ،ومنعهم عن
الدخول فسي ديسن ال بعسد أن يتسبين لهسم أنسه الحسق ،ليسس فسي ذلك اعتداء على أولئك القادة،
بل فيه إخراج للبشر من ظلمات الكفر إلى نور اليمان ،وإنقاذ لهم من النار إلى الدخول
في جنات النعيم] ...
فالمؤمنون يتعاونون على البر والتقوى وينصسسر قويهسسم ضعيفهسسم(( :إِنّمَا الْمُؤْمِنُون سَ
ِإخْوَةٌ))[.الحجرات( ]10 :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) [.اللؤلؤ والمرجان
فيمسا اتفسق عليسه الشيخان( :ص 703 :رقسم ].)1670 :ويقيمون العدل فيمسا بينهسم وفيمسا
بينهسم وبيسن عدوهسم ،كمسا مضسى فسي مثسل قوله تعالى(( :ول يجرمنكسم شنآن قوم على أل
تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى))[.المائدة]8 :
ثامنا :غرس الخلق الفاضلة في النفوس.
الجانب الخلقي في النسان هو الذي يحدد موقع صاحبه أهو إنسان حقا أم أنه أحط
من رتبة الحيوان؟!
ولهذا كان أئمة أهل الحق الذين يسابقون غيرهم من أهل الباطل بالحق إلى العقول،
هسم منبسع الخلق الفاضلة وقدوة البشسر فيهسا ،ولهذا وصسف ال تعالى خاتسم رسسله محمدا
صلى ال عليه وسلم بهذا الوصف العالي(( :وإنك لعلى خلق عظيم))[.القلم]4 :
وعندما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي ال عنها عن خلقه صلى ال عليه وسلم لم
تزد السائل على قولها له" :كان خلقه القرآن" [.صحيح مسلم ( )1/513بلفظ " :فإن خلق
نبي ال صلى ال عليه وسلم كان القرآن "].
وهذا الجواب المختصر الجامع (والسنة وحي كالقرآن إل أنها غير متلوة) يدل على
أن تصسرفات الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم فسي حياتسه سسواء فسي علقتسه مسع ربسه أو مسع
الناس قريبهسم وبعيدهسم كان محكومسة بالقرآن ،فإذا سمع الناس قوله صسلى ال عليه وسسلم
أو رأوا فعله ،علموا معانسي القرآن الكريسم ،فكأن القرآن ينطسق بلسسانه ويتحرك بحركتسه،
ولهذا كان صلى ال عليه وسلم القدوة الحسنة لمته(( :لقد كان لكم في رسول ال أسوة
حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر وذكر ال كثيرا ))[.الحزاب]21 :
والخلق الفاضلة فسسي السسسلم شاملة لنشاط المؤمسسن كله باطنسسه وظاهره ،وليسسست
مقصسسورة على تصسرفات محدودة ،ويدل على هذا الشمول جواب عائشسة السسابق" :كان
خلقه القرآن"..
ويمتاز اتصاف أهل الحق بالخلق الفاضلة عن سواهم من أهل الباطل بأمور:
المسر الول :إيمان أهسل الحسق بمشروعيسة تلك الخلق الفاضلة إيمانسا صسادرا عسن
شرع ربانسي ،أي إنهسا أخلق مشروعسة مسن عنسد ال تعالى ،فهسو الذي شرعهسا ورضسي
التصسساف بهسسا وإن كانسست العقول السسسليمة تقسسر بأن تلك الخلق حميدة والتصسساف بهسسا
خير.
المسر الثانسي :أن أهسل الحسق يتصسفون بتلك الخلق طمعسا فسي رضسا ال وهربسا مسن
52
سخطه تعالى ،ويرجون عليها ثوابه بدخول الجنة ،والنجاة من النار.
المسسسسر الثالث :أن أهسسسسل الحسسسسق يثبتون على اللتزام بتلك الخلق على كسسسسل حال
ويتخذون اتصافهم بها عبادة لربهم ،فاتصافهم بالخلق الفاضلة ثابت ودائم ،وليس تابعا
للهواء يتقلب بتقلبهسا ((ومسا كان لمؤمسن ول مؤمنسة إذا قضسى ال ورسسوله أمرا أن يكون
لهم الخيرة من أمرهم ))[.الحزاب]36 :
المسسر الرابسسع :أن أهسسل الحسسق الذيسسن يتصسسفون بتلك الخلق الفاضلة يحبون لجميسسع
الناس أن يتصسفوا بهسا مثلهسم مسن أجسل سسعادتهم بهسا ،ولذلك يسسعى أهسل الحسق سسعيا حثيثسا
لدعوة الناس إلى التصساف بهسا والتمتسع بثمراتهسا ،كمسا يسسعون إلى إزالة كسل خلق سسيئ
يفسد حياة البشر وينشر بينهم الضلل والفحش والمنكر.
نماذج من الخلق الفاضلة.
ولنذكر شيئا من الخلق الفاضلة التي يتصف بها أهل الحق ،وقد يتصف ببعضها
أهل الباطل ،ولكن ليس كاتصاف أهل الحق بها ،لن أهل الحق يمتازون عن سواهم في
التصاف بالخلق الفاضلة بميزات ل توجد في غيرهم ،كما مضى .ومن تلك الخلق:
أول :الخلص في العمال.
أي إنهسسسم يريدون بأعمالهسسسم وجسسسه ال وحده ،فل يتصسسسفون بخلق ول يعملون عمل
يريدون مسن ورائه مدحسا ول ثناء مسن غيسر ال ،ول جاهسا أو منصسبا أو مال أو غيسر ذلك
من المخلوقين ،كما قال تعالى(( :وما أمروا إل ليعبدوا ال مخلصين له الدين[.))..البينة:
]5
والذي يعمل العمل مخلصا ل ،ل يترك عمله من أجل هوى أو شهوة أو تقر بٍ لحدٍ
مسن الخلق [.وقسد فصسلت القول فسي أهميسة الخلص وصسعوبته والسسباب المعينسة على
التصاف به في كتاب :اليمان هو الساس ،في مبحث :اليمان باليوم الخر ،فليراجعه
من شاء…]
ثانيا :التزام الصدق.
وخلق الصسدق فسي النسسان يجعله مسستقيم السسيرة مسع ربسه ومسع الخلق :يصسدق فسي
إيمانه وفي عبادته ،وفي معاملته مع أسرته ،ومع جيرانه ومع مجتمعه كله ،وباستقامة
الناس على هذه السيرة المبنية على الصدق تستقيم الحياة.
والصدق شرط أساسي في أهل الحق الذين يسابقون أهل الباطل إلى العقول بحقهم،
فل يقبل الحقّ اللهيّ إل الصادقون ،ول يحمله إل الصادقون ،ول يدعو إليه ويثابر في
الدعوة إليسسه إل الصسسادقون ،ول يصسسبر على البلء فسسي السسسباق إلى العقول بالحسسق إل
الصادقون.
فالصسادقون هسم أهسل الحسق الذيسن َيحْيَونَس صسادقين ،مهمسا كلفهسم الصسدق مسن تبعات،
ويموتون على الصدق ،لنهم يعلمون أنه ل ينفع عند ال إل الصدق ،ول يبقى الحق في
الرض إل بالصدق ،ول حق بدون صدق ،كما أنه ل صدق بدون حق.
53
ولمسا كان ال تعالى هسو الحسق ،وهسو مصسدر الحسق أسسند إلى نفسسه الصسدق ،ونفسى أن
يكون أحد أصدق منه.
كمسسسسا قال تعالى(( :قسسسسل صسسسسدق ال فاتبعوا ملة إبراهيسسسسم حنيفسسسسا ومسسسسا كان مسسسسن
المشركين))[.آل عمران]95 :
وقال تعالى(( :ومن أصدق من ال حديثا))[.النساء]87 :
وقال تعالى(( :وعد ال حقا ومن أصدق من ال قيل))[.النساء]122 :
والصدق من صفات أولي العزم من الرسل الذين يسألهم ال يوم القيامة عن صدقهم
إقامة للحجة على من كذب بالصدق ،ول يكذب بالصدق إل الكاذبون.
قال تعالى(( :وإذ أخذنسسا مسسن النسسبيين ميثاقهسسم ومنسسك ومسسن نوح وإبراهيسسم وموسسسى
وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا ،ليسأل الصادقين عن صدقهم وأعد للكافرين
عذابا أليما))[.الحزاب]8 :
وقال تعالى(( :والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون))[.الزمر]33 :
وأهسل الحسق الصسادقون ينفعهم صسدقهم عنسد ال يوم يلقونه فسي الدار الخرة ،كما قال
تعالى(( :هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجري من تحتها النهار خالدين فيها
أبدا رضي ال عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم))[.المائدة]119 :
وإنمسسا كان للصسسدق هذه المنزلة العظيمسسة لمسسا يترتسسب عليسسه مسسن الثار السسسامية ،فإن
صاحبه يَ صْدُق ربّه في إيمانه وفي عبادته ،فل يكون منافقا يظهر خلف ما يبطن ،ول
مرائيسسا يعمسسل العمسسل الذي ظاهره الصسسلح مسسن أجسسل أن يراه الناس فيحمدونسه ،فإذا خل
بنفسه بارز ال بخلف ذلك ،و َيصْدُق الناسَ الذين يتعامل معهم في أي موقع كان ،حاكما
كان أو محكوما ،خادما كان أو مخدوما ،أبا كان أو ولدا ،يُصَدّق فعلُه قولَه ،فتسري الثقة
بين الناس بالصدق ،ول يتوجس أحد من آخر خيفة بسبب الكذب .إيمانه صادق وجهاده
بأعسز مسا يملك( :ماله ونفسسه) ،صسادق كمسا قال تعالى(( :إنمسا المؤمنون الذيسن آمنوا بال
ورسسسسسوله ثسسسسم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهسسسسم وأنفسسسسسهم فسسسسي سسسسسبيل ال أولئك هسسسسم
الصادقون))[الحجرات]15 :
ب الذي هو من أبرز صفات أعداء ال من
ويُظهر هذه المنزلةَ العظيمة للصدق :الكذ ُ
الكافريسسن والمنافقيسسن ،وإمام الكاذبيسسن هسسو إبليسسس الذي يعدهسسم ويمنيهسسم ويكذب عليهسسم
ويغريهسم بالكذب ،فيضلهسم عسن الحسق حتسى يكذبوا بسه ويصسدقوا الباطسل ،فإذا جاء اليوم
الذي ل ينفسع فيسه إل الصسدق وعاينوا جزاء التكذيسب بالصسدق ،بسث حقده وأظهسر ازدراءه
لهم وأنزل الحسرة في قلوبهم وتبرأ منهم فعرفوه على حقيقته ،كما قال تعالى(( :وبرزوا
ل جميعسا فقال الضعفاء للذيسن اسستكبروا إنسا كنسا لكسم تبعسا فهسل أنتسم مغنون عنسا مسن عذاب
ال من شئ قالوا لو هدانا ال لهديناكم سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص،
وقال الشيطان لما قضي المر إن ال وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم وما كان لي
عليكسسم مسسن سسسلطان إل أن دعوتكسسم فاسسستجبتم لي فل تلومونسسي ولوموا أنفسسسكم مسسا أنسسا
بمصسرخكم ومسا أنتسم بمصسرخي إنسي كفرت بمسا أشركتمونِس مسن قبسل إن الظالميسن لهسم
عذاب أليسسم))[إبراهيسسم 22 :أصسسل الصسسراخ :الصسسوت الشديسسد ،والصسسارخ :المسسستغيث.
والمصرخ-على وزن المكرم-المغيث].
54
تأمسسل قول ال تعالى(( :إن ال وعدكسسم وعسسد الحسسق ووعدتكسسم فأخلفتكسسم)) أي إن ال
الحسق أمركسم بالحسق ووعدكسم على اليمان بسه وفعله وعدا حقسا ،وهسو رضاه عمسن آمسن
بالحق وفَ َعلَه ،وصدَق ال في وعده فأثاب أولياءه رضاه وجنته ،كما قال تعالى بعد الية
السابقة(( :وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها النهار خالدين
فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلم))
أما إبليس فقد صدهم عن الحق وأغراهم بالباطل ،ووعدهم في الدنيا بالسعادة إذا هم
اتبعوه ،وذلك كله كذب وافتراء ،فلم يُعْمِلوا عقولهسم ويفكروا بهسا ليعرفوا صسدق الرسسول
صلى ال عليه وسلم وكذب الشيطان ،فاتبعوا خطوات الشيطان ،فكانت تلك عاقبتهم في
الخرة :عذاب ال الذي ل يغنسسي عنهسسم منسسه أحسسد مسسن قادة الكفسسر والسسستكبار الذيسسن كان
خطاب إبليس خيبة أمل لهم جميعا في ذلك الموقف الرهيب.
وهذا هو جزاء كل من اتبع أهل الباطل من زعماء الضلل المحاربين ل ولرسوله،
الذيسسن دأبهسسم الكذب على أتباعهسسم فسسي دينهسسم ودنياهسسم يكفرون بال ويحاربون شريعتسسه،
ويحلفون اليمان المغلظسسة بأنهسسم هسسم المؤمنون(( :إذا جاءك المنافقون قالوا نشهسسد إنسسك
لرسسول ال وال يعلم إنسك لرسسوله وال يشهسد إن المنافقيسن لكاذبون ،اتخذوا أيمانهسم جنسة
فصدوا عن سبيل ال إنهم ساء ما كنوا يعملون))[.المنافقون]2-1 :
ويفسسسدون فسسي الرض بتأييسسد الكفسسر والكافريسسن وموالتهسسم ،ونشسسر الفسسسق والفجور
وتيسسسير سسسبل ارتكاب الفواحسسش والمنكرات والمحرمات ،ومناصسسرة الظلم والظالميسسن،
وحجسب العدل عسن الضعفاء ،والنغماس فسي الترف المهلك الذي يعينهسم عليسه السسلطان
والمال ،ومحاربسسة أهسسل الحسسق والصسسلح الذيسسن يدعون الناس إلى الحسسق والصسسلح،
ويحذرونهسم مسن المنكسر والفسساد ،ويضلل أولئك المفسسدون جماهيسر الناس المغفليسن بقلب
الحقائق ،وبالكذب المتكرر منهم على تلك الجماهير مزينين لهم أعمالهم منفرين لهم من
سماع ما يدعوهم إليه أهل الحق ،ويدّعون أن فسادهم صلح وصلح أهل الحق فساد،
كما قال تعالى(( :ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد ال على ما في قلبه
وهو ألد الخصسام ،وإذا تولى سعى فسي الرض ليفسد فيهسا ويهلك الحرث والنسل وال ل
يحسسب الفسسساد ،وإذا قيسسل له اتسسق ال أخذتسسه العزة بالثسسم فحسسسبه جهنسسم ولبئس المهاد))[.
البقرة]206 ،204 :
((وإذا قيسسل لهسسم ل تفسسسدوا فسسي الرض قالوا إنمسسا نحسسن مصسسلحون أل إنهسسم هسسم
المفسدون ولكن ل يشعرون))[.البقرة]12-11 :
وإذا كان يترتب على الكذب واتباع أهله ذلك الجزاء الخروي ،فإنه يترتب عليه في
الدنيسسا أيضسسا الفوضسسى والضطراب وسسسوء العاقبسسة والمحسسن التسسي تزلزل البشسسر زلزال
شديدا في كل شؤون حياتهم.
الضرار الرئيسة المترتبة على الكذب.
ولو أردنسسا اسسستعراض الضرار المترتبسسة على الكذب لطال الكلم على ذلك ولذلك
نكتفي بالضرار الرئيسة التية:
55
الضرر الول :القول على الله بالباطمممممممل بعلم أو
بغير علم.
وهذه صسفة علماء السسوء مسن أهسل الكتاب ومسن اقتدى بهسم مسن هذه المسة ،كمسا قال
تعالى(( :فويسل للذيسن يكتبون الكتاب بأيديهسم ،ثسم يقولون هذا مسن عنسد ال ليشتروا بسه ثمنسا
قليل فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون))[.البقرة]79 :
وصسفة الجهلة مسن المشركيسن أيضسا ،كمسا قال تعالى(( :قسل آلذكريسن حرم أم النثييسن
أما اشتملت عليه أرحام النثيين أم كنتم شهداء إذ وصاكم ال بهذا فمن أظلم ممن افترى
على ال كذبا ليضل الناس بغير علم إن ال ل يهدي القوم الظالمين))[.النعام]144 :
الضرر الثانحي :تحليحل محا حرم الله وتحريحم
ما أحل.
وهسو مترتسب على القول على ال بعلم أو بل علم ،مسع نسسبة ذلك إلى ال تعالى كذبسا
وبهتانا ،فيجمعون بذلك بين الكذب والفتراء على ال-عن علم أو عن غير علم-وتحريم
الحلل وتحليسسل الحرام ،ويدخسسل فسسي هذا كسسل حلل وحرام .أو محاربسسة دينسسه وشريعتسسه
بإنكارهمسا ،وادعاء حسق التشريسع ادعاء صسريحا ،ويصسدرون النظمسة والقوانيسن التسي
تحرم مسسا أحسسل ال للناس وتضيسسق عليهسسم مسسا وسسسع ال لهسسم ،أو تحلل مسسا حرم ال مسسن
المعاصي المتنوعة بحسب الهواء في التحليل والتحريم معا.
الضرر الثالث :الكذب السياسي المدمر.
وهذا يحصسل مسن الطغاة المحاربيسن للحسق وأهله ،عندمسا تعوزهسم الحجسة ويصسرعهم
برهان الحسق ،ومسن المثلة الواضحسة على هذا موقسف فرعون مسن دعوة موسسى وأخيسه
هارون عليهمسا السسلم ،فقسد حاول محاورة موسسى فغلبسه موسسى ،وحاول السستعانة عليسه
بالسحرة والحشود الجماهيرية فغلبه موسى ،فلجأ إلى الكذب والفتراء مدعيا أن موسى
إنمسا جاءهسم بمسا جاء بسه ،ليسستولي على الحكسم ويخرج أهسل مصسر مسن بلدهسم ويتكسبر
عليهم-كما يقول المثل" :رمتني بدائها وانسلت".
قال تعالى عسسسسن فرعون-بعسسسسد ذكره حوارا طويل معسسسسه(( :قال للمل حوله إن هذا
لسسساحر عليسسم يريسسد أن يخرجكسسم مسسن أرضكسسم بسسسحره فماذا تأمرون ،قالوا أرجسسه وأخاه
وابعسث فسي المدائن حاشرين ،يأتوك بكسل سسحار عليسم ،فجمسع السسحرة لميقات يوم معلوم،
وقيل للناس هل أنتم مجتمعون ،لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم الغالبين ،فلما جاء السحرة
قالوا لفرعون أئن لنسا لجرا إن كنسا نحسن الغالبيسن ،قال نعسم وإنكسم إذا لمسن المقربيسن ،قال
لهسم موسسى ألقوا مسا أنتسم ملقون ،فألقوا حبالهسم وعصسيهم وقالوا بعزة فرعون إنسا لنحسن
الغالبون ،فألقسى موسسى عصساه فإذا هسي تلقسف مسا يأفكون ،فألقسي السسحرة سساجدين ،قالوا
آمنا برب العالمين ،رب موسى وهارون ،قال آمنتم له قبل أن آذن لكم إنه لكبيركم الذي
علمكم السحر فسوف تعلمون ،لقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ولصلبنكم أجمعين،
قالوا ل ضيسسر إنسسا إلى ربنسسا منقلبون ،إنسسا نطمسسع أن يغفسسر لنسسا ربنسسا خطايانسسا أن كنسسا أول
56
المؤمنيسسسن)) إلى قوله تعالى(( :فأخرجناهسسسم مسسسن جنات وعيون وكنوز ومقام كريسسسم...
1
وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الخرين))[.طه ]36-34 :؟؟
تلك هسي عاقبسة أهسل الباطسل الكاذبيسن مسن الطغاة الذيسن يدمرون أممهسم بكذبهسم عليهسم،
كمسسا حصسسل لفرعون و قومسسه ،وهذه هسسي عاقبسة أهسسل الحسسق الصسسادقين الذيسسن ينصسسحون
لقومهسم ويبلغونهسم الحقائق ،بدون زيسف ول افتراء كمسا حصسل لموسسى عليسه السسلم ومسن
معه.
ومسا أكثسر صسنف فرعون وقومسه الذيسن يكذبون على أممهسم فسي كسل شسئ ويسستخفونهم
فيطيعونهم ،ويحاول أهل الحق إنقاذهم من سياسات ألئك الطغاة ،فتوضع أمام محاولتهم
العقبات ،ثسسم ل يتسسبين القوم كذب سسساستهم إل عندمسسا ينزل بهسسم الدمار ،فيندمون ولت
سسساعة مندم .وهذه المسم اليوم تسسساق إلى دمارهسسا وهلكهسا بكذب طغاتهسسا عليهسا وقلبهسم
الحقائق لها ،وهذه الشعوب في الرض تُدمر في دينها ونفسها وعقلها ونسلها وعرضها
ومالهسا ،ول تعتسبر بمسا جرى ويجري مسن المصسائب النازلة بهسا ،ول زالت تسسير وراء
طغاتهسا كالشياه وراء الراعسي الحمسق ،لم تسستبن رشدهسا الذي دعاهسا إليسه الصسادقون مسن
رجالها ،على حد قول دريد بن الصمة:
أمرتهمُ أمري بمنعرج اللوى === فلم يستبينوا النصح إل ضحى الغد
أمثلة لكذب الطغاة المدمر للشعوب.
ول بسد مسن ذكسر بعسض المثلة الواقعسة لتتنبسه العقول الغافلة بهسا ،فقسد عميست بصسائر
المسم عن العتبار بمسن سبقها في المم الماضية ،ولعسل في التذكير بالواقسع مسا ينبه تلك
العقول الغافلة:
المثال الول :الثورة الكماليسسة التسسي خطسسط لهسسا اليهود والنصسسارى ،للجهاز على مسسا
بقي من رمز الخلفة السلمية التي حملها بنو عثمان.
فقسسد ضعفسست هذه الخلفسسة ،حتسسى أصسسبحت تسسسمى بالرجسسل المريسسض ،واحتسسل أعداء
السلم من الصليبيين الوربيين عاصمة الخلفة (الستانة) وقد أخرجوا صنما أحاطوه
بهالة من العظمة والنتصارات-وكان الخليفة سجينا في دار الخلفة-حتى انتعشت آمال
المسسسلمين الذيسسن ظنوا ذلك الصسسنم مجددا لمعركسسة بدر ،وجهاد صسسلح الديسسن ،وتخيلوا
الملئكسة وهسي تحفسه بالنصسر فسي السسماء وكتائب الجهاد ترفسع رايتسه الرض ،فمدحسه
الشعراء وأثنوا عليه ثناء عطرا ،كما قال فيه شوقي:
ال أكبر كم في الفتح من عجب
"""""""""يا خالد الترك جدد خالد العرب
يسوم كبدر فخيل الحق راقصسة
"""""""""على الصعيد وخيل ال في السحب
وأخذت أجهزة العلم المتاحسة فسي تلك الفترة تكيسل المديحَس للقائد المنتصسر ،والقدحَس
والذمّ للخليفسة المغلوب على أمره ،الذي بقسي يصسارع المسساومات اليهوديسة الصسليبية إلى
آخر لحظة من وليته.
-1طه36-34 :
57
ن التر كِ الصغير أن يقضي على رمز الخلفة
وبذلك سوغ الكذ بُ والتضليل لفرعو ِ
ويفصسل الديسن عسن الدولة-كمسا أراد ذلك اليهود والصسليبيون-ويطرد الخليفسة وأسسرته إلى
خارج حدود تركيا ،ويحارب السلم وأهله حربا بل هوادة فيها .ول زال أتباعه يحذون
1
حذوه في محاربة السلم والمسلمين ،ليضاعفوا له الوزر الذي سيتضاعف لهم كذلك.
وعنسسد ذلك اسسستيقظ الغافلون عسسن المكسسر اليهودي الصسسليبي ،وأخذوا ينوحون على
الخلفة والخليفة والسلم ويحاولون محاولة فاشلة ،أن يجدوا لعودتهما سبيل ،وهيهات،
و ذاق المسلمون بعدها أقسى عقاب وأعظم ذل .فناحوا وبكوا ،وهل يعيد الموتى النواح
والبكاء؟!
وهنا قال شوقي في الخلفة التي أطاح بها خالد الترك!:
عادت أغاني العرس رجع نُواحِي
"""""""""""ونُعِيتِ بين معالم الرواح
ُكفّنتِ في ليل الزفاف بثوبه
""""""""""""و ُدفِنتِ عند تبلج الصباح
ضجت عليكِ مآذن ومنابر
"""""""""""وبكت عليك ممالك ونَواح
الهند والهة ومصر حزينة
"""""""""""تبكي عليك بمدمع سحاح
والشام تسأل والعراق وفارس
""""""""""""أمحا من الرض الخلف َة ماح؟
[راجسع هذا المعانسي فسي :التجاهات الوطنيسة فسي الدب المعاصسر )225(.طبسع دار
الرشاد في بيروت ،للدكتور محمد بن محمد حسين].
وأما كيف خدع المسلمين مصطفى كمال أتاتورك ،وكذب عليهم حتى صدقوه
ودعموه ،فيكفي نقل هذا المقطع من كتاب :تاريخ الدولة العثمانية ( :2وكما أن الغربيين
قد نجحوا في مخططهم وجعلوا العالم السلمي كله يسير فخورا بضع سنوات وراء
الثورة الكمالية ،فقد استغل مصطفى كمال عواطف المسلمين وأموالهم إلى أبعد حدود
الستغلل ،وكسا ثورته لباسا إسلميا ،سواء بأحاديثه وتصريحاته وخطبه أو بمعاملته
لزعماء المسلمين ،فمن ذلك أنه استعان بالزعيم الليبي الشهير أحمد السنوسي وجعله
مستشارا له ،وكان يبرق إليه ،كما قال لي صديقي المير شكيب أرسلن ،إذا أراد شن
هجوم على مكان ما قائل :إننا ننوي الهجوم غدا أو بعد غدٍ على مكان ما ،فاقرؤوا
البخاري الشريف على نية النجاح والتوفيق.
واسسستغل أيضسسا أعمال وأقوال جمعيسسة الخلفاء الهنديسسة التسسي قامسست برعايسسة الخويسسن
شوكسسست علي ومحمسسسد علي واسسسستغل الشعراء فمدحوه ،والدباء فأثنوا عليسسه ،ومشايسسسخ
الطرق فرفعوه إلى مقام الوليسسسة [-ول زال بعضهسسسم يؤيسسسد علمانيتسسسه إلى اليوم .وهكذا
يسستغل الطغاة المحاربون للسسلم بعضَس المنتسسبين إلى العلم والدب للشادة بهسم حتسى
-1وما يفعله العسكر وحلفاؤهم في تركيا اليوم من حرب للقرآن ومدارسه ،والمساجد وأئمتها ،والدعاة إلى ال وأنصارهم ،غير
خاف على أحد.
-2للستاذ محمد فريد بك المحامي تحقيق الدكتور إحسان حقي دار النفائس ص 754وما بعدها.
58
يغتر بهم عوام الناس فيؤيد الطواغيت] .
كان مصطفى كمال يبطن غير ما يظهر وينوي أن يفعل غير ما يقول ،إذ أنه ما كاد
ينتصسر نهائيسا ويطمئن إلى مصسيره ،حتسى ألغسى الخلفسة وطرد الخليفسة مسن البلد وطرد
السسيد أحمسد السسنوسي ،وتنكسر لكسل القيسم السسلمية وسسار بسسيرة ليسس فيهسا أي مصسلحة
للسسلم ول للمسسلمين ،ل بسل ليسس فيهسا أيسة مصسلحة لتركيسا نفسسها ،فهسا هسي تركيسا بعسد
مضسسي سسستين سسسنة على هذه الثورة ،مسسا زالت بلدا ناميسسا ضعيفسسا ،ل حول له ول طول،
فالحركسسة العلميسسة فيهسسا ضعيفسسة ،والميسسة سسسائدة ،والحياة الجتماعيسسة متأخرة والحالة
القتصسادية فسي الحضيسض ،وكسل مسا فعلتسه هذه الثورة أنهسا شغلت الناس بأمور جانبيسة
تافهسة مثسل إلغاء الطربوش ،وسسفور النسساء ،ولو كان هذان المران تركسا للزمسن لتكفسل
بتحقيقهمسسا مسسن غيسسر ثورة كمسسا حدث فسسي كسسل البلد السسسلمية [.)...ول زال الكماليون
مصسرين على تطسبيق العلمانيسة المعاديسة للسسلم والمحاربسة لهله فسي تركيسا ويضايقون
دعاة الحكسسسم بالسسسسلم ،بسسسل بلغ بهسسسم المسسسر أن يغلقوا مدارس تحفيسسسظ القرآن الكريسسسم،
ويتخذون كسسل الوسسسائل للقضاء على تعليسسم الشباب المسسسلم العلوم السسسلمية ،ومسسن ذلك
إغلقهسسم معاهسسد الئمسسة والخطباء ،وعدم اعترافهسسم بشهادات الجامعات السسسلمية فسسي
عواصسم السسلم ،كالزهسر والجامعسة السسلمية وغيرهمسا ،ولكسن الصسحوة السسلمية
تشق طريقها إلى إعادة مجد السلم ورفع رايته وسينصرهم ال على أعدائهم].
المثال الثانسسي :الثورة الناصسسرية فسسي مصسسر التسسي اتخسسذ زعماؤهسسا السسسلم واجهسسة
لثورتهم ،والقومية العربية شعارا لهم ،وعلى رأسهم عبد الناصر الذي اختفى وراء كبار
الضباط فسي أول المسر ،واغتسر بهسم دعاة السسلم بسسبب كذبهسم ووعودهسم التسي قطعوهسا
على أنفسسهم ،بسل إن عبسد الناصسر بايسع المرشد العام للخوان المسسلمين "حسسن البنسا" ،ثم
خدعهم وقلب لهم ظهر المجن ،وكان من أهم أسباب نجاح ثورته مناصرتهم له ،اعتمادا
على أن ولءه وولء الضباط الحرار كان في الصل للسلم ودعاته ،وكانت التسمية
نفسسها "الضباط الحرار" قسد أطلقهسا الخوان الذيسن كانوا مسسؤولين عسن الضباط ،ولكسن
عبد الناصر الذي بايع المرشسد العام وسار تابعسا للمسؤول الذي عينه الخوان للشراف
على الضباط الذيسسن انضموا للحركسسة السسسلمية وارتبطوا بهسسا ،كان يخطسسط فسسي الخفاء
لسسحب الولء له شخصسيا ،بدل مسن الولء ل ولرسسوله وللمؤمنيسن ،وكافسأ الخوان الذيسن
خدعهسسم وأقام الثورة على أكتافهسسم ،بمسسا يعرفسسه القاصسسي والدانسسي مسسن العتقال والسسسجن
والتعذيسسب والقتسسل والتشريسسد والحظسسر لنشاطهسسم [.راجسسع كتاب :صسسفحات مسسن التاريسسخ،
لصسسلح شادي ( )1120ومسسا بعدهسسا ،وراجسسع كتاب :الخوان المسسسلمون لمحمود عبسسد
الحليم (وهو ثلثة أجزاء)].
كما أنه عندما تمكن من الحكم أسرف في وعوده وتبشيره للشعب المصري والعالم
العربسسي والشعوب السسسلمية ،بأنسسه سسسيحقق لهسسم العزة والكرامسسة ضسسد البغسسي والعدوان
الجنسبي ،ويرفسع عنهسم الذنسب الذي نزل بهسم وغل فسي رفسع شعار القوميسة العربيسة مخففسا
مسن ذكسر السسلم ،ثسم تطور حكمسه إلى أن وصسل إلى الشتراكيسة ،العربيسة ثسم الشتراكيسة
العلميسة ،وأحدث شقاقسا ونزاعسا شديدا بيسن الدول العربيسة ،بسل بيسن أحزاب قامست معتمدة
على دعمسه وتحسر يشسه وبيسن الحكومات القائمسة ،وحكسم مصسر حكمسا عسسكريا بغيضسا،
59
وسلب الغنياء غناهم ،وزاد الفقراء فقرا ،حتى أصبحت مصر شبيهة بمقبرة يخيم عليها
الصمت المطبق ،ل ينطق من سكانها إل من يسبح بحمد الطاغية.
وانقلبست العزة التسي بشسر بهسا الشعسب والعرب والمسسلمين إلى ذلة نالت كسل عربسي
ومسلم ،ول زال المسلمون يسبحون في مستنقع تلك الذلة ،فقد احتل اليهود مصر عمرو
بسسن العاص ومرتفعات الجولن والقدس ومسسا حولهسسا وغزة ،ولم تعسسد أرض مصسسر إلى
خلَفُه أمام أقدام اليهود ،ورفع العلم اليهودي على مصسر ،ول
المصريين إل بعد أن سسجد َ
زالت الراضي الخرى-إضافة إلى أرض فلسطين التي احتلها اليهود سنة 1948م-في
قبضة اليهود يعيثون فيها فسادا يعلمه الناس كلهم.
وهذا وغيره مسسسن المصسسسائب والمحسسسن التسسسي أنزلهسسسا بالمسسسة كانسسست عكسسسس وعوده
وتصريحاته ،فقد كذب على المة كما كذب قبله مصطفى أتاتورك كذبا سياسيا مدمرا.
وليسسس مسسن السسسهل السسستمرار فسسي ضرب المثلة لطغاة الكذب السسسياسي المدمسسر
للشعوب ،فهسو الصسل-ومسا عداه اسستثناء-فسي وعسد طاغيسة العراق شعبسه بإمبراطوريسة
واسسسعة الطراف ،بالغزو المسسسلح الذي بدأه باحتلل الكويسست ومسسا آل إليسسه أمسسر العراق
والشعوب السلمية ،وبخاصة العربية منها ما فيه غناء عن المثلة للكاذيب السياسية
المدمرة.
ولم يعد يخفسى على كثير من أبناء الشعوب كذب طغاتها المحاربيسن للسلم ،والذي
تحتاجه تلك الشعوب الن ليس كشف ذلك الكذب المدمر الذي لم يعد خافيا عليها ،ولكنها
تحتاج إلى معرفة السبيل التي تسلكها للتخلص من ذلك الدمار.1
ولكنسي أذكسر مثال واضحسا مسن أمثلة كذب الطغاة المدمسر لشعوبهسم نراه رأي العيسن
اليوم ويراه العالم كله ،وهسو كذب طاغيسة الصسومال الذي اسستولى على الحكسم-كغيره مسن
حكام الشعوب السسسسلمية-بالقوة العسسسسكرية 2مدعيسسسا أنسسسه أراد بذلك تخليسسسص الشعسسسب
الصسومالي مسن محنتسه ،واعدا إياه بالعيسش فسي جنسة مسن الحياة ،وهسو الن يعيسش تعيسسا
جائعسسا ،عاريسسا ،عطشانسسا ،لم يبسسق مسسن أفراده إل الجلد والعظسسم تلهبسسه الشمسسس المحرقسسة،
ويقتله البرد القارس ،وتفتسك بسه المراض المتنوعسة ،عدا المئات الذيسن يموتون كسل يوم
من الجوع والعطش والمرض.
وأمامسسسسسسسسسي الن جريدة الشرق الوسسسسسسسسسسط[عدد (30/5/1413 )5110هسسسسسسسسسس-
24/11/1992م .ص 8 :بقلم اللواء عمسسسسسر الحاج محمسسسسسد مصسسسسسلي ] .وبهسسسسسا عنوان:
(الصومال ....أسوأ كارثة إنسانية) أقتطف من المقال الذي كتب تحته المقطع التي لنه
يناسب المقام:
"النظام الذي اسستولى على الحكسم فسي عام 1969م تراجسع عسن المبادئ التسي أعلنهسا
بعسد أعوام قليلة مسن اسستيلئه على الحكسم 3وبعسد أن أعلن حربسا على الفسساد والمحسسوبية
واختلس أموال ،والقبليسسة ،تعثرت خطاه مسسن تلقاء نفسسسه ،ممسسا أدى إلى اختلل ترتيسسب
المور والتقاعس في تحقيق الوعود .من تلك اللحظة بدأ كل شئ يخطو عكس ما خطط
-1لعل شيئا من ذلك يأتي في مكانه المناسب من هذا الكتاب.
-2سنة 1969م.
3
60
له سسسسسابقا 4فظهرت القسسسسبيلة بقوة جبارة وفعالة ،وسسسسسيطرت المحسسسسسوبية على الدوائر
الحكومية ،ونهبت الموال العامة والخاصة ،وعمّت الفوضى ربوع البلد.
هذه الظواهسسسر السسسسلبية مهدت الطريسسسق إلى ظهور ديكتاتور ينفرد بحكسسسم البلد ل
يشاركه أحد في اتخاذ القرارات ،كما أن السلطات كلها أصبحت في قبضته وتمكن من
التخلص مسن المسسؤولين الذيسن كانوا يتقاسسمون معسه الحكسم ،وعيسن بدل منهسم شخصسيات
انتهازية ل تعارضه في أبسط المور.
هذا الخلل الذي أصساب النظام وفّر مناخسا ملئمسا لتنشيسط القبليسة ،كمسا أعطسى فرصسة
ثمينسة لصسيادي القبليسة والمسستفيدين منهسا ،فزرعوا الفتسن والشكوك بيسن القبائل ،وكسسبوا
مراكز حكومية رفيعة في الدوائر الحكومية ،وأداروا ظهورهم للمصلحة العامة.
ظهرت شخصسسيات كثيرة فسسي قمسسة سسسلم الحكسسم ،ل يهمهسسا التاريسسخ ومسسا يسسسجله مسسن
تصرفاتهم ،فركزوا نفوذهم على الكسب غير المشروع"...
هذا النسص مسن مقال اللواء عمسر الحاج ،وهسو وزيسر الدفاع الصسومالي السسابق الذي
كان مشاركا في الحكم ،وقد جرت العادة أن التاريخ الذي يكتب في عهد الطغاة وينشر،
يكون غالبا في صفهم مدحا وثناء بالكذب والبهتان ،وأن التاريخ الذي يكتب بعد ذهابهم
قسد يكون صسادقا وقسد يكون مبالغسا فسي ذمهسم ونسسبة السسوء إليهسم ،ولكننسا نعرف أن هذا
الكاتب لم يذكر إل قطرة من بحار تاريخ الزعيم الصومالي وكذبه السياسي المدمر.
كمسا أنسه لم يذكسر مسا يتعلق بمحاربتسه السسلم وعلماء السسلم الذيسن أحرق مجموعسة
منهسسم[راجسسع مجلة المجتمسسع الكويتيسسة .عدد (15/11/1395 )234هسسس28 .-ينايسسر سسسنة
1975م ص 6 :ومسسا بعدهسسا ].بسسسبب معارضتهسسم لقانون أصسسدره يسسساوي بيسسن المرأة
والرجل في الرث الذي فرق ال فيه بينهما في نص كتابه.
والمسة التسي تحارب عقيدتهسا ودينهسا وشريعتهسا ويحرق علماؤهسا ،ثسم ل تحرك سساكنا
فسي ردع المعتدي الثسم ،ل بسد أن تصسل فسي النهايسة إلى هذه المأسساة التسي يقول ال فيهسا
وفسسي أمثالهسسا(( :واتقوا فتنسسة ل تصسسيبن الذيسسن ظلموا منكسسم خاصسسة واعلموا أن ال شديسسد
العقاب))[.النفال]25 :
ومسن هنسا نعلم أن أهسل الحسق الصسادقين يسسعدون البشريسة بحقهسم وصسدقهم ،وأن أهسل
الباطل الكاذبين يشقون البشرية بباطلهم وكذبهم.
ولعسل المسة السسلمية تتنبسه لخطسر كذب قادتهسا الذيسن يحاربون السسلم ،وكذبهسم
السسياسي المدمسر الذي تجنسد لترويجسه كسل طاقات الدولة ،حتسى ينطلي عليهسا ويسستمر فسي
تضليلها فترة طويلة ،ول تشعر بآثاره المدمرة إل بعد أن يفوت الوان وتتحطم الشعوب
اقتصسساديا وسسسياسيا وأمنيسسا وخلقيسسا وعسسسكريا ،حتسسى يصسسبح اسسستعمارها مسسن قبسسل أعداء
السسلم الذيسن يوفرون لهسا لقمسة العيسش وشيئا مسن المسن النسسبي ،أحسب إليهسا مسن بقائهسا
تحست مطارق الخوف والجوع والسسلب والنهسب والقتسل والتشريسد [كمسا هسو حاصسل الن
فسي الصسومال الذي سسيطرت عليسه القوات المريكيسة تحست مظلة مجلس المسن والغاثسة
النسسانية مسستترة بتأييسد حلفائهسا الذيسن شاركوهسا بقوات رمزيسة شبيهسة بالمحلل فسي فقسه
-4هذا إذا أحسن الظن بمن الصل فيهم الكذب فيقال :خططوا بأن يقضوا على الفساد ،أما إذا جرينا على الصل فهو أن أصل
التخطيط كان الهدف منه الفساد المذكور وإن زعم صاحبه أنه أراد الصلح.
أصل ولو لم يكذبِ
والشك في ذي الكذبِ
61
النكاح!]
الضرر الرابع للكذب :نشر الفاحشة بين المؤمنين.
ومسسن الضرار المترتبسسة على الكذب :انتهاك أعراض الناس والولوغ فيهسسا ،ونشسسر
الفاحشسة بيسن المؤمنيسن ،بقذف المحصسنات المؤمنات الغافلت-والمحصسنين كذلك-وذلك
ممسا يفقسد الثقسة بيسن السسر والمجتمعات ويفككهسا ،ويؤذي شرفاءهسا ويجرئ فسساقها على
ارتكاب الرذائل ،والطمسع فسي نيسل المعصسية والثسم مسن أهسل الطاعسة والزلفسى عنسد ال
تعالى.
وهذا العتداء الثسسسم على أعراض الشرفاء ل يقدم عليسسسه إل مسسسن أصسسسبحت الرذيلة
صفة معتادة لهم ،والكذب والفتراء ديدنهم ،وحب انتشار الفاحشة متأصل في نفوسهم،
يؤذيهسسم وجود الطهسسر والطاهريسسن ،ويرضيهسسم وجود القذر والقذريسسن ،فل يهدأ لهسسم بال
حتسسسى يلطخوا سسسسمعة الطهار ،وذلك دأب المنافقيسسسن الذيسسسن تلزمهسسسم الخلق السسسسيئة
وبخاصة الكذب.
ولقسد نال أذاهسم أطهسر مسن وجسد على الرض رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ،فسي
زوجه أم المؤمنين الصديقة بنت الصديق رضي ال عنهما ،وكان الذي تولى كبر الفك
العظيسم رئيسس المنافقيسن آنذاك :عبسد ال بسن أبسي بسن سسلول ،وجسر معسه بعسض المسسلمين
الذيسن لم يحسسنوا الظسن بسبيت النبوة والرسسالة ،فأنزلوا بذلك مسن الذى والفتنسة والغسم ،مسا
يعجسز عنسه الوصسف إل أن يكون وصسف المؤمنسة المحصسنة الغافلة المظلومسة ،عائشسة
رضي ال عنها-كما روى القصة بطولها مسلم عنها [رقم الحديث :رقم]4974:
وفسي ذلك أنزل ال تعالى آيات محكمسة توبسخ مسن وقعوا فسي هذا البهتان العظيسم الذي
رميست بسه السسيدة الطاهرة-التسي يعسد مسن اتهمهسا بعسد نزول هذه اليات المسبرئة لهسا مكذبسا
للقرآن ،ومن كذب بالقرآن-كغلة الرافضة-فقد كفر.
قال تعالى(( :والذيسن يرمون المحصسنات ثسم لم يأتوا بأربعسة شهداء فاجلدوهسم ثمانيسن
جلدة ول تقبلوا لهم شهادة أبدا أولئك هم الفاسقون.))...؟؟
ثم قال تعالى بعد ذلك(( :إن الذين جاءوا بالفك عصبة منكم ل تحسبوه شرا لكم بل
هسو خيسر لكسم ،لكسل امرئ منهسم مسا اكتسسب مسن الثسم والذي تولى كسبره منهسم له عذاب
عظيسم ،لول إذ سسمعتموه ظسن المؤمنون والمؤمنات بأنفسسهم خيرا وقالوا هذا إفسك مسبين-
إلى قوله تعالى :-ولول فضل ال عليكم ورحمته في الدنيا والخرة لمسكم في ما أفضتم
فيه عذاب عظيم ،إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا
وهسسو عنسسد ال عظيسسم ،يعظكسسم ال أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتسسم مؤمنيسسن ،ويسسبين ال لكسسم
اليات وال عليم حكيم ،إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم
في الدنيا والخرة وال يعلم وأنتم ل تعلمون))[.النور]19-12 :
فأهسل الحسق الصسادقون ل يفترون مسا يخدش العراض ،بسل لو عملوا منكرا ارتكبسه
مؤمسن فالسستر عندهسم عليسه أولى ،إل إذا جاهسر صساحبه وعانسد ،وأهسل الباطسل الكاذبون
يطلقون ألسنتهم في أعراض الناس افتراءً بدون علم.
62
الضرر الخامس :إهدار الحقوق بشهادة الزور.
ومسن الثار المترتبسة على الكذب شهادة الزور ،وشهادة الزور تزهسق بهسا الرواح،
وتنتهك بها العراض ،وتغتصب بها الموال ،وتستحل بها الفروج ،ويزكى بها الفساق،
ويفسسق بهسا العدول ،ويفقسد بهسا الكفسء مكانسه الذي يسستحقه لتنتفسع بسه فيسه المسة ،ويوضسع
الخائن بها في مكان تقتضي الضرورة أن يكون فيه المين.
وقسد شرع ال الشهادة مسن أجسل توثيسق الحسق ،والذي يوثسق الحسق بشهادتسه هسو العدل،
أما شاهد الزور فإنه يضيع الحق بدل من حفظه.
قال تعالى(( :وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة ل))[.الطلق]2 :
ونفى عن أهل الحق-وهم المؤمنون به-صفة شهادة الزور ،فقال تعالى(( :والذين ل
يشهدون الزور ))[.الفرقان]72 :
وأمرهسم-أي أهل الحق-أن يشهدوا بالحق فسي كل حال ،ولو كانت الشهادة تؤدي إلى
أخذ صاحب الحق حقه منهم ،كما قال تعالى(( :يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط
شهداء ل ولو على أنفسكم أو الوالدين والقربين))[.النساء]35 :
من هم منها
الضرر السادس :اتهام الكاذب بعيوبه َ
براء.
كما قال تعالى في مثل هذا(( :ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل
بهتانا وإثما مبينا))[ .النساء]112 :
وقسد ذكسر المفسسرون أن هذه اليسة نزلت فسي طعمسة بسن أبيرق الذي سسرق سسلحا،
فشكاه صسساحب السسسلح إلى رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم ،فألقسسى السسسارق السسسلح
المسسروق فسي بيست رجسل برئ ،ليسبرئ نفسسه ويحمسل البريسء إثمسه ،وعندمسا وجسد السسلح
في بيت الرجل البريء ثبتت-في الظاهر-براءة السارق ،فأنزل ال هذه الية وآيات قبلها
منها قوله تعالى(( :إنا أنزلنا إليك الكتاب لتحكم بين الناس بما أراك ال ول تكن للخائنين
خصيما)) [.النساء ،105 :وراجع تفسير هذه اليات في كتاب تفسير القرآن العظيم لبن
كثير].
ومسا أكثسر مسا يرتكسب ناس مثسل هذه الخطيئة! ويسبرؤن أنفسسهم ممسا ارتكبوه ويلطخون
به البريئين.
وبنظرة فسسسي وسسسسائل العلم فسسسي هذا العصسسسر ،يرى المرء العجسسسب العجاب مسسسن
التهامات الكاذبسة مسن فرد لخسر ،ومسن جماعسة أو حزب لجماعسة أو حزب آخسر ،ومسن
دولة لدولة أخرى ،وكثيرا مسا يكون المتّهِم غارقسا فسي العيوب والنقائص التسي اتهسم بهسا
غيره.
والسبب في ذلك هو التصاف بصفة الكذب التي تلزم أهل الباطل غالبا ،وفقد صفة
الصدق التي تلزم أهل الحق.
63
ثالثا :العدل.
والعدل من أسس صفات أهل الحق ،وهو مطلوب ضرورة في الحياة عند كل المم،
ول تستقيم الحياة بدونه ،والمم كلها مسلمها وكافرها تعلم أنه ضرورة لحياتها ،لن كل
فرد وكسل أسسرة وكسل أمسة تحرص على أن ل يمسسها غيرهسا بالظلم ،بسل تحسب أن ينصسفها
المتعامل معها ،لكن الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر وشريعة ال العادلة-وهم أهل
الباطسسسل-يحرصسسسون على أن يعاملهسسسم الناس بالعدل ،والغالب أنهسسسم إذا قدروا على ظلم
غيرهسسم-مسسن غيسسر أن ينالهسسم ضرر-ل يتورعون عسسن الظلم ،لنهسسم ل يخشون جزاء ول
عقابا إل إذا نالهم القانون والقضاء وما يسمى بأجهزة المن-في الدنيا-فإذا أمنوا من ذلك
كله ،فالصل عندهم الثرة وظلم الغير ،لنهم أهل باطل.
والذي ل يحسسب الظلم ويلزمسسه العدل مسسع القريسسب والبعيسسد والصسسديق والعدو ،هسسو
المؤمن بال وبرسوله صلى ال عليه وسلم واليوم الخر الذي يلتزم بشريعة ال وحكمه
وينفذهما ،وهؤلء هم أهل الحق ،لن الحق تعالى أمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم ،وهم
يطمعون في ثوابه على طاعته ويخافون من عقابه على معصيته ،ويعلمون أن إيمانهم ل
يكمسل إل إذا أحبوا لغيرهسم مسا يحبون لنفسسهم مسن الخيسر ،وقسد يصسل بهسم إيمانهسم إلى
التنازل عسن بعسض حقوقهسم الخاصسة ،إذا كان التنازل عنهسا مشروعسا ،ولكنهسم يحرصسون
على إيفاء الناس حقوقهم بدون نقصان.
وقد أكسد ال تعالى لعباده أنسه يأمر بالعدل والحسسان وينهسي عمسا يناقضهمسا مسن الظلم
والفسساد والمنكسر ،فقال تعالى(( :إن ال يأمسر بالعدل والحسسان وإيتاء ذي القربسى وينهسي
عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون))[.النحل]90 :
وقسد نهسى ال رسسوله عسن اتباع أهواء أهسل الكتاب الذيسن تفرقوا مسن بعسد مسا جاءهسم
العلم ،وأمره أن يعلن للناس إيمانسه بمسا أنزل ال ،وأنسه أمسر بالعدل بينهسم ،كمسا قال تعالى:
((فلذلك فادع واسستقم كمسا أمرت ول تتبسع أهواءهسم وقسل آمنست بمسا أنزل ال مسن كتاب،
وأمرت لعدل بينكسم ال ربنسا وربكسم لنسا أعمالنسا ولكسم أعمالكسم ل حجسة بيننسا وبينكسم ال
يجمع بيننا وإليه المصير))[.الشورى]15 :
وأمسر ال تعالى عباده المؤمنيسن-كمسا أمسر نسبيه-بالعدل ولو كان على أنفسسهم ونهاهسم
عن اتباع الهوى-كما نهى نبيه-كما قال تعالى(( :يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط
شهداء ل ولو على أنفسكم أو الوالدين والقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فال أولى بهما فل
تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن ال كان بمسا تعملون خسبيرا))[.النسساء:
]135
فالهوى كثيرا مسا يغري النسسان بالظلم وترك العدل ،إمسا لجسر مصسلحة لصساحبه أو
لقريسسب أو صسسديق ،وإمسسا لنزال ضرر بعدو بغيسسض .والحسسق سسسبحانه وتعالى أراد أن
يسستأصل هذا الهوى الظالم فسي كل المريسن :محاباة القريسب ،بسل والنفسس ،كمسا مضسى،
وبغسسض العدو أو الخصسسم ،فقال تعالى(( :يسسا أيهسسا الذيسسن آمنوا كونوا قواميسسن ل شهداء
بالقسسط ول يجرمنكسم شنآن قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا هسو أقرب للتقوى واتقوا ال إن
ال خبير بما تعملون))[.المائدة]8 :
64
إنسه قمسة مسا تحتاج إليسه المم فسي كسل زمان :أن ينصسف القادر خصسمه ولو على نفسه
أو أقربائه وأن يعدل مع أشدّ أعدائه.
وقد يرى أعداء الحق أن هذا من المثاليات قد تدور بالخيال ولكن تطبيقها في الواقع
بعيسد المنال ،وهذا الرأي صسحيح بالنظسر إلى الوضاع التسي يعيسش الناس فيهسا بعيدا عسن
منهسسج الحسسق وتطسسبيقه :منهسسج ال الذي أنزله فسسي كتابسسه ودعسسا إليسسه عباده ،وقسسد اسسستجاب
لدعوته الرعيل الول من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فطبقوه تطبيقا تندب
البشرية اليوم حظها التعيس لفقده ،وتبعهم على ذلك أهل الحق ول زال منهم من يتمسك
بسسه-وإن كانوا قلة فسسي هذا الزمان-ولو عاد المسسسلمون إلى ذلك المنهسسج مسسن جديسسد ،لرأت
المسم فسي الرض مسا تتمناه مسن العدل الذي أمسر ال بسه على وجسه العموم ،وأمسر بسه فسي
الحكسسم كمسسا قال تعالى(( :إن ال يأمركسسم أن تؤدوا المانات إلى أهلهسسا وإذا حكمتسسم بيسسن
الناس أن تحكموا بالعدل إن ال نعمّا يعظكم به إن ال كان سميعا بصيرا))[.النساء]58 :
وأمسر بسه فسي الشهادة كمسا قال تعالى(( :يسا أيهسا الذيسن آمنوا شهادة بينكسم إذا حضسر
أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم))[.المائدة]106 :
وأمسر بسه فسي الصسلح بيسن الناس ،بحيسث ل يكون فسي الصسلح ظلم لحسد المتخاصسمين،
بسسبب ضعفسه وقوة خصسمه أو لغيسر ذلك ،كمسا قال تعالى(( :وإن طائفتان مسن المؤمنيسن
اقتتلوا فأصسلحوا بينهمسا فإن بغست إحداهمسا على الخرى فقاتلوا التسي تبغسي حتسى تفسئ إلى
أمر ال فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن ال يحب المقسطين))[.الحجرات:
]9
وأمسر بسه فسي التعامسل السسري ،فقال تعالى(( :فانكحوا مسا طاب لكسم مسن النسساء مثنسى
وثلث ورباع فإن خفتسسسسم أل تعدلوا فواحدة أو مسسسسا ملكسسسست إيمانكسسسسم ذلك أدنسسسسى أن ل
تعولوا))[.النساء :؟]
وكسل الحقوق التسي أمسر ال بهسا ،وكسل المظالم التسي نهسى ال عنهسا ،إنمسا تتحقسق بالعدل
الذي هو ملزم لهل الحق بحسب نصيبهم منه.
وصسح عسن :رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ،أنسه قال" :إن المقسسطين عنسد ال على
منابر من نور"[ .مسلم )3/1458( :رقم الحديث].1827 :
وقسد ربسى رسسوله ال صسلى ال عليسه وسسلم أصسحابه-وكسل رسسول سسبقه كذلك-على
العدل ،حتى اعترف لهم بذلك أعداؤهم من أهل الكتاب كما في حديث ابن عباس رضي
ال عنهمسسا ،قال :افتتسسح رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم خيسسبر ،واشترط أن له الرض
وكسل صسفراء وبيضاء [يعنسي الذهسب والفضسة] .قال أهسل خيسبر :نحسن أعلم بالرض منكسم
فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة ،ولنا نصف ،فزعم أنه أعطاهم على ذلك ،فلما كان
حين يصرم النخل [يقطع] بعث إليهم عبد ال بن رواحة ،فحرز عليهم النخل ،وهو الذي
يسسميه أهسل المدينسة الخرص ،فقال :فسي ذِه كذا وكذا ،قالوا أكثرت علينسا يسا ابسن رواحسة،
فقال :فأنا أَلي[أي أتولى] حزر النخل وأعطيكم نصف الذي قلت .قالوا :هذا الحق (و) به
تقوم السماء والرض قد رضينا أن نأخذه بالذي قلت" [أبو داود واللفظ له ( )3/698وابن
ماجة ( )582/ 1وهو صحيح.].
وعسن سسليمان بسن يسسار أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم كان يبعسث عبسد ال بسن
65
رواحة إلى خيبر ،فيخرص بينه وبين يهود خيبر ،قال :فجمعوا له حليا من حلي نسائهم،
فقالوا له :هذا لك [يعني رشوة] وخفف عنا وتجاوز في القسم ،فقال عبد ال بن رواحة:
(يسا معشسر اليهود! وال إنكسم لمسن أبغسض خلق ال إليّس ومسا ذاك بحاملي على أن أحيسف
عليكم ،فأما ما عرضتم عل يّ من الرشوة فإنها سحت ،وإنا ل نأكلها) .فقالوا :بهذا قامت
السماوات والرض [الموطأ ( )270 /4والحديث مرسل وهو يفيد شيئا مما جرى بين ابن
رواحة واليهود.].
وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال:
(وأمور الناس تستقيم مع العدل الذي فيه الشتراك في أنواع الثم ،أكثر مما تستقيم
مسع الظلم فسي الحقوق وإن لم تشترك فسي إثسم ،ولهذا قيسل :إن ال يقيسم الدولة العادلة وإن
كانت كافرة ،ول يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة ،ويقال :الدنيا تدوم مع العدل والكفر ول
تدوم مسع الظلم والسسلم ،وقسد قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم" :ليسس ذنسب أسسرع عقوبسة
مسن البغسي وقطيعسة الرحسم" .فالباغسي يصسرع فسي الدنيسا وإن كان مغفورا له مرحومسا فسي
الخرة ،وذلك أن العدل نظام كسسل شسسئ ،فإذا أقيسسم أمسسر الدنيسسا بعدل قامسست ،وإن لم يكسسن
لصاحبها في الخرة من خلق ،ومتى لم تقم بعد ل لم تقم وإن كان لصاحبها من اليمان
ما يجزى به في الخرة [)...مجموع الفتاوى].)28146( :
وإن الذي يتأمل أحوال العالم اليوم ،يدرك المآسي التي نزلت به بسبب فقد العدل أو
قلتسسه التسسي تقترب مسسن العدم ،فل نجسسد ضعيفسسا ينصسسفه القوي-إل مسسا شاء ال-مسسن الفراد
والجماعات والدول ،ولو أردنا أن نضرب أمثلة لذلك لطال بنا المقام.
ويكفسسي أن تقعسسد قليل أمام شاشسسة التلفاز ،لترى ماذا يفعسسل اليهود بأطفال فلسسسطين
وشيوخهسسسا ونسسسسائها مسسسن قهسسسر وإذلل وقتسسسل وتشريسسسد وسسسسجن واعتقال وهدم منازل
بالصواريخ على من فيها.
وأن ترى نصارى الصرب وهم يفعلون بالمسلمين في البوسنة والهرسك ،أعظم مما
فعله اليهود ،وذلك فسي وسسط قارة الحريسة والعدل والمسساواة [وفسي هذه اليام-مسن سسنة
1417ه1996--م-يكشف عن مقابر جماعية للف المسلمين الذين قتلهم الصرب عندما
احتلوا مدنهم وقراهم].
والعالم كله يمور بالفتسسن والمصسسائب بسسسبب الظلم وفقسسد العدل ،وهيئة المسسم المتحدة
ومنظماتها ومجلسها المسمى بمجلس المن ،تتصرف فيها دولة واحدة استبدت بالمر،
تحرك تلك الهيئة ومنظماتهسسا ودول العالم كله كمسسا تريسسد ،فإذا رأت أن لهسسا مصسسلحة مسسن
التدخسل فسي أي حدث يقسع فسي العالم أجلبست بخيلهسا ورجلهسا وحشدت كسل الدول لتحقيسق
مآربهسا ولو أهلكست بذلك الحرث والنسسل مدعيسة أنهسا تنصسف المظلوم مسن ظالمسه ،وإذا
رأت أن عدم التدخسل مسن مصسلحتها أحجمست عسن التدخسل فسي الحدث وروضست غيرهسا
على الحجام بأسلوب ماكر مخادع ،أو بتهديد شديد ظالم.
وكيسف يرجسى مسن هيئة المسم المتحدة خيسر لضعيسف وهسي تصسدر قراراتهسا بالجماع
ل تلك القرارات دولةٌ واحدة عند التنفيذ؟!
أو الغلبية ،فَتُعَطّل ُك ّ
بسل أيسن العدل والنصساف فيمسا يسسمى مجلس المسن وقسد احتشدت بجواره جميسع دول
العالم ،ومسع ذلك تسستطيع دولة مسن خمسس دول تعطيسل أي قرار يصسدره [الدول التسي لهسا
66
مندوبون دائمون ،ولها حق نقض أي قرار يتخذه المجلس مجتمعة أو كل دولة على حدة
هسي :أمريكسا وفرنسسا ،وبريطانيسا ،والصسين ،وروسسيا ،ولكسن أمريكسا فسي الوقست الحاضسر
تقود المجلس وغيره مسن منظمات الهيئة لنفرادهسا بالهيمنسة الدوليسة ،ومسع زعمهسا أنهسا
دولة ديمقراطية ،فإن استبدادها الدولي ل حدود له إل مصالحها وعجزها.].
وبهذا يعلم أن العدل-وهسو صسفة ملزمسة لهسل الحسق-هسو الذي يثبست الحسق ويطرد
الباطسسل ،وأن الظلم-وهسسو ملزم لهسسل الباطسسل-هسسو الذي تشقسسى بسسه البشريسسة على مدار
التاريخ.
وإذا شئت أن تعرف أنموذجسسسا للظلم الغاشسسسم ،وبخاصسسسة على المسسسسلمين مسسسن أعلى
مسسسؤول فسسي هيئة المسسم المتحدة ،فاقرأ عسسن مواقسسف أمينهسسا العام العربسسي النصسسراني
المصسري بطرس غالي[ ،عندمسا كان أمينسا عامسا للمسم المتحدة]مسن قضيسة المسسلمين فسي
البوسنة والهرسك وإصراره على عدم تدخل المم المتحدة لحماية هؤلء المسلمين الذين
يتعرضون لبشع اعتداء من قبل إخوانه الصرب النصارى [مجلة المجتمع الكويتية عدد
1002ص .].22
رابعا :صفة الرحمة.
ومسسن صسسفات أهسسل الحسسق الرئيسسسة خُلق الرحمسسة ،وهسسي تقتضسسي مسسن المتصسسف بهسسا
الشفاق على المخلوقين من الناس والحيوانات والرأفة بهم والحسان إليهم.
ولما كان ال هو الحق ومصدر الحق و ُمشَرّعَه ومنزل الوحي به وباعث الرسل من
أجله ،فهو تعالى الرحمن الرحيم الرؤوف الودود 1الذي وسعت رحمته كل شئ.
[يجسب أن يعلم ابتداء أن ال تعالى ليسس كمثله شسئ فسي ذاتسه ول فسي أسسمائه ول فسي
صسسفاته(( :قسسل هسسو ال أحسسد ،ال الصسسمد ،لم يلد ولم يولد ،ولم يكسسن له كفؤا أحسسد))...
واشتراك المخلوق مع الخالق في التصاف بالرحمة ونحوها إنما هو اشتراك لفظي مثل
أن يقال :إن ال موجود والمخلوق موجود ،والفرق بيسسن الوجود يسسن :أن وجود ال ذاتسسي
أزلي أبدي ووجود المخلوق اسستمده مسن الخالق وهسو وجود محدود ببدايسة ونهايسة وغيسر
ذلك].
وقسد افتتسح تعالى كتابسه الذي أنزله على رسسوله رحمسة للعالميسن بالبسسملة ((بسسم ال
الرحمسن الرحيسم)) وافتتحست بهسا كسل سسور القرآن الكريسم[مسا عدا سسورة براءة ،التسي يرى
بعسسض العلماء إنهسسا مكملة لسسسورة النفال ].وتكرر لفسسظ الرحمسسة ومقتضياتهسسا كثيرا فسسي
القرآن الكريم وكذلك في سنة الرسول صلى ال عليه وسلم.
وقد وعد ال تعالى أهل الحق من المؤمنين الذين يقومون بمقتضى إيمانهم برحمته،
فقال تعالى(( :والمؤمنون والمؤمنات بعضهسم أولياء بعسض ،يأمرون بالمعروف وينهون
عن المنكسر ويقيمون الصسلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسوله ،أولئك سيرحمهم ال
إن ال عزيز حكيم))[.التوبة]71 :
-1يجب أن يعلم ابتداء أن ال تعالى ليس كمثله شئ في ذاته ول في أسمائه ول في صفاته(( :قل هو ال أحد ،ال الصمد ،لم يلد
ولم يولد ،ولم يكن له كفؤا أحد ))...واشتراك المخلوق مع الخالق في التصاف بالرحمة ونحوها إنما هو اشتراك لفظي مثل أن يقال:
إن ال موجود والمخلوق موجود ،والفرق بيسن الوجود يسن :أن وجود ال ذاتسي أزلي أبدي ووجود المخلوق اسستمده مسن الخالق وهسو
وجود محدود ببداية ونهاية وغير ذلك.
67
وأهل الحق المتصفون بالرحمة يطلبون من ربهم أن يرحمهم ،كما قال تعالى((:ول
تحملنا ما ل طاقة لنا به واعف عنا واغفر لنا وارحمنا أنت مولنا فانصرنا على القوم
الكافرين))[.البقرة]286 :
ووصف سبحانه كتابه الذي جاء بالحق بأنه رحمة ،فقال تعالى(( :وهذا كتاب أنزلناه
مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكسم ترحمون ،أن تقولوا إنمسا أنزل الكتاب على طائفتيسن مسن قبلنسا
وإن كنسا عسن دراسستهم لغافليسن ،أو تقولوا لو أنسا أنزل علينسا الكتاب لكنسا أهدى منهسم فقسد
جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة))[.النعام] 157 :
ويدعسو ملئكسة ال المقربون-وهسم فسي السسماوات-للمؤمنيسن-وهسم فسي الرض-الذيسن
يشتركون معهسم فسي اليمان والعمسل بالحسق ،بأن يدخلهسم ال الجنسة ويقيهسم السسيئات التسي
تكون سسببا فسي دخول النار ،ثسم يختمون دعاءهسم لهسم بقولهسم(( :ومسن تسق السسيئات يومئذ
فقد رحمته وذلك هو الفوز العظيم))[.غافر]9 :
بسل إنهسم اسستفتحوا دعاءهسم للمؤمنيسن بالتوسسل إليسه برحمتسه ،كمسا قال تعالى(( :الذيسن
يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل
شئ رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم))[.غافر]7 :
ووصسف إرسساله نسبيه محمسد صسلى ال عليسه وسسلم بأنسه رحمسة للعالميسن ،فقال(( :ومسا
أرسلناك إل رحمة للعالمين))[.النبياء]107 :
وقال عسسسسن نسسسسبيه لوط عليسسسسه السسسسسلم(( :وأدخلناه فسسسسي رحمتنسسسسا إنسسسسه كان مسسسسن
الصالحين))[.النبياء]75 :
وقال عسسسن بعسسسض أنسسسبيائه بعسسسد ذكرهسسسم(( :وأدخلناهسسسم فسسسي رحمتنسسسا إنهسسسم مسسسن
الصالحين))[.النبياء]86 :
وقال عسن نسبيه محمسد صسلى ال عليسه وسسلم(( :لقسد جاءكسم رسسول مسن أنفسسكم عزيسز
عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم))[.التوبة]128 :
ولشدة رحمتسه صسلى ال عليسه وسسلم بأمتسه ،وحرصسه على أن يأخذوا منسه الحسق الذي
جاءهسم بسه ،وخشيتسه عليهسم مسن البقاء فسي الضلل الذي يؤدي بهسم إلى سسخط ال وأليسم
عقابسه ،كان صسلى ال عليسه وسسلم يأسسف أسسفا شديدا يُخشسى أن يقسع بسسببه فسي الهلك،
ولذلك خاطبسه ال تعالى مسسليا ومصسبرا(( :فلعلك باخسع نفسسك على آثارهسم إن لم يؤمنوا
بهذا الحديث أسفا))[.الكهف]6 :
ووصسفه ال تعالى هسو وأمتسه بأنهسم رحماء بينهسم ،فقال(( :محمسد رسسول ال والذيسن
معسه أشداء على الكفار رحماء بينهسم)) [.الفتسح ،29 :وشدتهسم على الكفار إنمسا هسي فسي
الحقيقسة مسن أجسل رحمتهسم إياهسم وشفقتهسم عليهسم مسن أن يموتوا على كفرهسم فينالوا عذاب
ال].
وبرحمسة الحسق جسل جلله التسي وسسعت كسل شسئ فسي هذه الدنيسا-وإن خسص بهسا أهسل
الحق في الهداية والرضا والثواب الجزيل يوم القيامة في الخرة-بعث رسله وأنزل كتبه
وشرع أحكامه لهداية البشر ،وبها جعل الناس والدواب يتراحمون فيما بينهم في حياتهم.
ولكسن الرحمسة الحقيقيسة هسي تلك الرحمسة التسي يتصسف بهسا أهسل الحسق ،فتسستولي على
نفوسسسهم ومشاعرهسسم ،وتجعلهسسم فسسي كسسل لحظسسة مسسن لحظات حياتهسسم يشفقون على أهسسل
68
الباطسل الذيسن قسست قلوبهسم وخلت مسن الرحمسة ،حتسى على أنفسسهم فأصسروا على رفسض
الحق ومحاربته ومحاربة أهله والصد عنه ،واستكبروا استكبارا.
لذلك ترى أهسل الحسق الرحماء يحملون الحسق إلى الناس ،ويسسابقون بسه أهسل الباطسل
إلى عقول البشسسسر ،ويتحملون مسسسن المشاق والمحسسسن والمؤامرات ،مسسسا ل تتحمله الجبال
الرواسي.
والذي يرجسسع إلى قصسسص النسسبياء وحوارهسسم مسسع أممهسسم ومواقسسف تلك المسسم مسسن
دعوتهسم ،مسن التكذيسب والسستهزاء والتحقيسر والتهديسد ،مسع صسبر أولئك النسبياء وتلطفهسم
ولينهم وحسن أسلوبهم ،تتبين له الرحمة التي حلت في قلوب ألئك الرسل لقومهم.
69
نماذج للرحمة التي يتصف بها أهل الحق.
ويكفي أن نذكر ثلثة نماذج :اثنان منهما لنبيين وثالث لحد المؤمنين.
النموذج الول :نبي الله نوح عليه السلم.
وهسو أول رسسول بعثسه ال تعالى للناس فسي عهده رحمسة لهسم ،فمكسث يدعسو قومسه ألف
سنة إل خمسين عاما ،وهم يجادلونه بالباطل ويسخرون منه ويحاولون إدخال اليأس إلى
قلبه ،وهو يمضي في طريقه صابرا محتسبا رحيما بهم شفيقا عليهم ،منوعا أساليبه في
دعوتهسم ،يدعوهسم فسي الليسل والنهار ،وفسي السسر والجهسر ،مرغبسا لهسم إذا اتبعوه ،بالعيسش
الحسسسن فسسي الدنيسسا ،والنعيسسم المقيسسم فسسي الخرة ،ومهددا إذا عصسسوه ،بالهلك فسسي الدنيسسا
والعذاب فسسسي الخرة ،والقوم ل يزدادون إل عنادا واسسسستكبارا ،حتسسسى يأتسسسي أمسسسر ال،
فيضطر إلى أن يتعلم النجارة لصنع سفينة ينجو فيها بنفسه ومن آمن معه بأمر من ربه،
ويرى فلذة كبده وهو يغرق مع أعداء ال.
وقد صورت اليات القرآنية قصته تصويرا مفصل دقيقا فلنذكر بعض اليات بدون
تعليق فل كلم يمكن أن يؤدي معانيها مثلها:
((ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إل خمسين عاما فأخذهم الطوفان
وهم ظالمون))[.العنكبوت]14 :
((بسسم ال الرحمسن الرحيسم ،إنسا أرسسلنا نوحسا إلى قومسه أن أنذر قومسك مسن قبسل أن
يأتيهسم عذاب أليسم ،قال يسا قوم إنسي لكسم نذيسر مسبين ،أن اعبدوا ال واتقوه وأطيعون ،يغفسر
لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل ال إذا جاء ل يؤخر لو كنتم تعلمون،
قال رب إنسي دعوت قومسي ليل ونهارا ،فلم يزدهسم دعائي إل فرارا ،وإنسي كلمسا دعوتهسم
لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ،ثم
إني دعوتهم جهارا ،ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ،فقلت استغفروا ربكم إنه
كان غفارا ،يرسسل السسماء عليكسم مدرارا ،ويمددكسم بأموال وبنيسن ويجعسل جنات ويجعسل
لكسم أنهارا ،مسا لكسم ل ترجون ل وقارا ،وقسد خلقكسم أطوارا ،ألم تروا كيسف خلق ال سسبع
سماوات طباقا ،وجعل القمر فيهن نورا ،وجعل الشمس سراجا ،وال أنبتكم من الرض
نباتسا ،ثسم يعيدكسم فيهسا ويخرجكسم إخراجسا ،وال جعسل لكسم الرض بسساطا ،لتسسلكوا منهسا
سسسبل فجاجسسا ،قال نوح رب إنهسسم عصسسوني واتبعوا مسسن لم يزده ماله وولده إل خسسسارا،
ومكروا مكرا كبارا ،وقالوا ل تذرن آلهتكسسم ول تذرن ودا ول سسسواعا ول يغوث ويعوق
ونسسرا ،وقسد أضلوا كثيرا ،ول تزد الظالميسن إل ضلل ،ممسا خطيئاتهسم أغرقوا فأدخلوا
نارا فلم يجدوا لهسسسسم مسسسسن دون ال أنصسسسسارا ،وقال نوح رب ل تذر على الرض مسسسسن
الكافريسسن ديارا ،إنسسك إن تذرهسسم يضلوا عبادك ول يلدوا إل فاجرا كفارا ،رب اغفسسر لي
ولوالدي ولمسسسسن دخسسسسل بيتسسسسي مؤمنسسسسا وللمؤمنيسسسسن والمؤمنات ول تزد الظالميسسسسن إل
تبارا))[.سورة نوح]
((كذبست قبلهسم قوم نوح فكذبوا عبدنسا وقالوا مجنون وازدجسر ،فدعسا ربسه أنسي مغلوب
فانتصر ،ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمر ،وفجرنا الرض عيونا فالتقى الماء على أمر
قسسد قدر ،وحملناه على ذات ألواح ودسسسر ،تجري بأعيننسسا جزاء لمسسن كان كفسسر ،ولقسسد
70
تركناها آية فهل من مدكر))[ .القمر]15-9 :
ل الَّ إِنّي َأخَا فُ
سلْنَا نُوحًا ِإلَى قَوْ ِم ِه إِنّي لَكُ مْ نَذِيرٌ ُمبِي نٌ()25أَ نْ لَ تَعْبُدُوا إِ ّ
(( َوَلقَ ْد أَرْ َ
ل الْمَلَُ الّذِينَس َكفَرُوا مِنْس قَوْمِهِس مَا نَرَاكَس إِلّ َبشَرًا مِ ْثلَنَا وَمَا
علَيْكُمْس عَذَابَس يَوْمٍس َألِيمسٍ(َ )26فقَا َ
َ
ضلٍ َبلْ نَظُنّكُمْس
علَيْنَا مِنْس َف ْ
ل الّذِينَس هُمْس أَرَا ِذلُنَا بَادِيَس ال ّرأْيِس وَمَا نَرَى لَكُمْس َ
نَرَاكَس اتّبَعَكَس إِ ّ
عنْدِهسِ
علَى بَيّنَةٍ مِنسْ رَبّيس َوءَاتَانِي َرحْمَةً مِنسْ ِ
كَاذِبِينسَ( )27قَالَ يَا قَوْمِس أَ َرأَيْتُم ْس إِنسْ كُنْتسُ َ
ن َأجْرِ يَ
ل إِ ْ
علَيْ هِ مَا ً
سَألُكُمْ َ
ل أَ ْ
علَيْكُ ْم أَ ُنلْزِمُكُمُوهَا َوأَنْتُ ْم لَهَا كَارِهُو نَ()28وَيَا قَ ْو مِ َ
فَعُمّيَ تْ َ
علَى الِّ وَمَا أَنَا بِطَارِ ِد الّذِينَس ءَامَنُوا إِنّهُمْس مُلَقُو رَبّهِمْس َولَكِنّيس أَرَاكُمْس قَوْمًا َتجْ َهلُونسَ(
إِلّ َ
ل َأقُولُ لَكُمْس عِنْدِي
)29وَيَا قَوْمِس مَنْس يَنْصُسرُنِي مِنَس الِّ إِنْس طَرَدُْتهُمْس َأفَلَ َتذَكّرُونسَ( )30وَ َ
ل ِللّذِينَس تَ ْزدَرِي أَعْيُنُكُمْس لَنْس ُيؤْتِيَهُمُس
ل َأقُو ُ
ل إِنّيس َملَكٌس وَ َ
ل َأقُو ُ
علَمُس الْغَيْبَس وَ َ
ل أَ ْ
خَزَائِنُس الِّ وَ َ
علَمُس بِمَا فِي أَ ْنفُسِسهِ ْم إِنّيس إِذًا لَمِنَس الظّالِمِينسَ()31قَالُوا يَا نُوحُس قَ ْد جَا َدلْتَنَا
الُّ خَيْرًا الُّ أَ ْ
ل إِنّمَا َيأْتِيكُمْس بِهِس الُّ إِنْس شَاءَ
ن ال صّا ِدقِينَ()32قَا َ
َفأَكْثَرْ تَ جِدَالَنَا َفأْتِنَا بِمَا تَ ِعدُنَا إِ نْ كُنْتَس مِ َ
ن الُّ يُرِي ُد أَ نْ
ح لَكُ ْم ِإ نْ كَا َ
ن أَنْ صَ َ
ت أَ ْ
ن أَرَدْ ُ
صحِي إِ ْ
وَمَا أَنْتُ مْ بِمُ ْعجِزِي نَ()33وَلَ يَ ْنفَعُكُ مْ نُ ْ
ن افْتَرَيْتُ ُه فَ َعلَيّ ِإجْرَامِي َوأَنَا
ن افْتَرَا ُه ُقلْ إِ ِ
يُغْوِيَكُ مْ هُوَ رَبّ ُك مْ َوِإلَيْ هِ تُ ْرجَعُو نَ()34أَ مْ َيقُولُو َ
بَرِيءٌ مِمّاس ُتجْرِمُونسَ(َ )35وأُوحِيَس ِإلَى نُوحٍس أَنّهُس لَنْس يُؤْمِنَس مِنْس قَوْمِكَس إِلّ مَنْس قَ ْد ءَامَنَس فَلَ
ظلَمُوا
عيُنِنَا وَ َوحْيِنَا وَلَ ُتخَاطِبْنِي فِي الّذِي نَ َ
تَبْتَئِ سْ بِمَا كَانُوا َيفْ َعلُو نَ()36وَا صْنَ ِع ا ْل ُفلْ كَ ِبأَ ْ
علَيْهسِ مَلٌَ مِن ْس قَوْمِهسِ سَسخِرُوا مِنْهُس قَالَ إِنسْ
إِنّهُمسْ مُغْ َرقُونسَ()37وَيَصسْنَعُ ا ْل ُفلْكسَ َو ُكلّمَا مَرّ َ
سخَرُونَ(َ )38ف سَوْفَ تَ ْعلَمُو نَ مَ نْ َيأْتِي هِ عَذَا بٌ ُيخْزِي هِ
سخَرُ مِ ْنكُ مْ كَمَا تَ ْ
سخَرُوا مِنّا َفإِنّا نَ ْ
تَ ْ
ل فِيهَا مِن سْ ُكلّ
علَيْه سِ عَذَاب سٌ ُمقِيم سٌ()39حَتّى س إِذَا جَا َء أَمْرُنَا َوفَارَ التّنّو ُر ُقلْنَا احْ ِم ْ
حلّ َ
وَ َي ِ
ل َقلِيلٌ(
علَيْه ِس ا ْلقَ ْولُ وَمَن ْس ءَامَن سَ وَمَا ءَامَن سَ مَعَه ُس إِ ّ
زَ ْوجَيْن ِس اثْنَيْن سِ َوأَ ْهلَك سَ إِلّ مَن سْ س سَ َبقَ َ
َ )40وقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْس ِم الِّ َمجْرَاهَا وَمُرْسسَاهَا إِنّ رَبّيس لَ َغفُورٌ َرحِيمسٌ()41وَهِيَس َتجْرِي
بِهِمْس فِي مَوْجٍس كَا ْلجِبَالِ َونَادَى نُوحٌس ابْنَهُس وَكَانَس فِي مَعْ ِزلٍ يَابُنَيّ ارْكَبْس مَعَنَا وَلَ تَكُنْس مَعَس
ن أَمْرِ الِّ إِلّ
ن الْمَا ِء قَالَ لَ عَاصِ َم الْيَوْمَ ِم ْ
الْكَافِرِينَ( )42قَالَ سَآوِي ِإلَى جَ َبلٍ َيعْصِمُنِي مِ َ
ض ا ْبلَعِي مَا َءكِ َويَا سَمَاءُ
ن الْمُغْ َرقِينَ(َ )43وقِيلَ يَاأَرْ ُ
ج فَكَانَ ِم َ
مَنْ َرحِمَ َوحَالَ َبيْنَهُمَا الْمَوْ ُ
علَى الْجُودِيّ َوقِيلَ ُبعْدًا ِللْقَوْمِس الظّالِمِينسَ(
َأ ْقلِعِي َوغِيضَس الْمَاءُ َو ُقضِيسَ الَْمْرُ وَاس ْستَ َوتْ َ
ت َأحْكَمُ ا ْلحَاكِمِينَ(
ك الْحَقّ َوأَنْ َ
عدَ َ
ن أَ ْهلِي َوإِنّ وَ ْ
)44وَنَادَى نُوحٌ رَبّ ُه َفقَالَ َربّ ِإنّ ابْنِي مِ ْ
علْ ٌم إِنّي
س لَكَ ِبهِ ِ
سَألْنِ مَا لَيْ َ
ح فَلَ تَ ْ
ن أَ ْهلِكَ إِنّهُ عَ َملٌ غَيْرُ صَالِ ٍ
)45قَالَ يا نوح إِنّ ُه لَيْسَ مِ ْ
علْمٌس
أَعِظُكَس أَنْس تَكُونَس مِنَس ا ْلجَاهِلِينسَ()46قَالَ َربّ إِنّيس أَعُوذُ بِكَس أَنْس أَسْسَأَلكَ مَا لَيْسَس لِي بِهِس ِ
َوإِلّ تَ ْغفِ ْر لِي وَتَ ْرحَمْنِي أَكُن ْس مِنَس ا ْلخَاسِسرِينَ()47قِيلَ يَانُوحُس اهْبِط ْس بِسَسلَمٍ مِنّاس وَبَرَكَاتسٍ
عذَابٌس َألِيمسٌ(ِ )48تلْكَس مِنْس أَنْبَاءِ
علَى أُمَمٍس مِمّنْس مَعَكَس َوأُمَمٌس سَسُنمَتّعُهُمْ ثُمّ يَمَسّسهُمْ مِنّاس َ
علَيْكَس وَ َ
َ
ن قَ ْبلِ هَذَا فَاصْبِ ْر إِنّ الْعَاقِبَ َة ِللْمُ ّتقِينَ(
ل قَوْمُكَ ِم ْ
الْغَيْبِ نُوحِيهَا ِإلَيْكَ مَا كُنْتَ تَ ْعلَمُهَا أَنْتَ وَ َ
[)49سورة هود]
هذا هسو النموذج الول ،وهسو أول رسسول بعثسه ال إلى الناس ليخرجهسم مسن الظلمات
إلى النور ،وهسو نوح عليسه السسلم ولول مسا رزقسه ال مسن رحمسة وشفقسة وصسبر ،لمسا قدر
أن يستمر في دعوة قومه الذين وقفوا منه هذه المواقف تلك المدة الطويلة المديدةَ (( :وَلقَدْ
ل خَمْسسِينَ عَامًا َفَأخَذَهُمُس الطّوفَانسُ وَهُمسْ
أَرْسَسلْنَا نُوحًا ِإلَى قَوْمِهِس َفلَبِثَس فِيهِم ْس َألْفسَ سسَ َن ٍة إِ ّ
ظَالِمُونَ([)14العنكبوت] وقصص النبياء عليهم السلم-غير نوح-شبيهة بقصته
71
النموذج الثانمي :محممد رسمول الله صملى الله عليمه
وسلم.
وهسو الذي ختسم بسه جميسع الرسسل ،وختسم بكتابسه ودينسه المفصسل الكامسل جميسع الكتسب
والديان رحمة من ال للعالمين.
فقد بعثه صلى ال عليه وسلم في وقت أظلمت فيه الفاق بالشرك والوثنية والجهل،
وانطمسسست معالم الرسسسالت ،وكلف تبليسسغ هذا الديسسن إلى قومسسه القربيسسن ،ثسسم عشيرتسسه
المحيطيسن بسه ،ثسم العرب أجمعيسن ،ثسم أمسم الرض وعظماءهسا مسن المراء والسسلطين،
ولقسي صسلى ال عليسه وسسلم مسا لقيسه إخوانسه المرسسلون ،مسن أقوامهسم الضاليسن مسن الذى
والمتحان ،والصد عن سبيل ال واتباع سبيل الشيطان ،وأوذي معه صحبه الكرام الذين
أقام ال بهم دين السلم.
دعا صلى ال عليه وسسلم سرا وعلنسا ،وعرض دعوته على الغنسي والفقيسر ،والقوي
والضعيسف ،وهجسر بلده مكسة هسو وصسحبه عندمسا سسد المشركون أمام دعوتسه البواب،
وكانت أحب البلد إلى ال.
واصل دعوته في المدينة ،وهجم عليه المشركون من كل حدب وصوب ،فجاهد في
ال حق جهاده مدافعا عن دين ال ،وقائما بدعوة ال ،وسالت دماؤه الزكية وجرح جسمه
الطاهسر وكسسرت أسسنانه النظيفسة ،وقتسل كثيسر مسن أصسحابه ،مسستشهدين فسي سساح الجهاد
التسي اشترك معهسم فيهسا الملئكسة المقربون ،حتسى نصسر ال دينسه وأعلى كلمتسه وكان ذلك
كله امتثال لمر ربه ،ورحمة بعباد ال ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
ولنقرأ كذلك بعسض اليات فسي معاناتسه صسلى ال عليسه وسسلم ،وكيسف وقسف قومسه
المشركون واليهود والنصسارى ،مسن الحسق الذي جاء بسه ،وكيسف صسبر ومضسى مشفقسسا
عليهم رحيما بهم.
قال تعالى (( :وَهُ َو الُّ فِي السسماوات وَفِي الَْرْضِس يَ ْعلَمُس سِسرّكُمْ َوجَهْرَكُمْس وَيَ ْعلَمُس مَا
تَكْسِسبُونَ()3وَمَا َتأْتِيهِمْس مِنْس ءَايَةٍ مِنْس ءَايَاتِس رَبّهِمْس إِلّ كَانُوا عَنْهَا ُمعْ ِرضِينسَ(َ )4فقَدْ كَذّبُوا
بِالْحَقّ لَمّاس جَاءَهُمْس فَسَسوْفَ َيأْتِيهِمْس أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِس يَسْستَهْزِئُونَ(َ)5ألَمْس يَرَوْا كَمْس أَ ْهلَكْنَا مِنْس
علَيْ ِه مْ مِدْرَارًا َوجَ َعلْنَا
سلْنَا ال سّمَاءَ َ
ن لَكُ مْ َوأَرْ َ
ن قَرْ نٍ مَكّنّاهُ ْم فِي الَْرْ ضِ مَا لَ مْ نُمَكّ ْ
قَ ْبلِهِ مْ ِم ْ
شأْنَا مِنْ بَعْدِهِ ْم قَرْنًا ءَاخَرِينَ(َ )6ولَوْ نَ ّزلْنَا
الَْنْهَارَ َتجْرِي ِمنْ َتحْتِهِ ْم َفأَ ْهلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِ ِهمْ َوأَ ْن َ
سحْرٌ مُبِينٌ(َ )7وقَالُوا
س َفلَمَسُوهُ ِبأَيْدِيهِ ْم َلقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ َهذَا إِلّ ِ
علَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَا ٍ
َ
علَيْهسِ َملَكسٌ َولَ ْو أَنْ َزلْنَا َملَكًا َل ُقضِيسَ الَْمْرُ ثُمّ لَ يُنْظَرُونسَ(َ )8ولَ ْو جَ َعلْنَاهسُ َملَكًا
ل أُنْ ِزلَ َ
لَوْ َ
علَيْهِمْس مَا َيلْبِسسُونَ(َ )9وَلقَدِ اسْستُهْزِئَ بِرُسُسلٍ مِنْس قَ ْبلِكَس َفحَاقَس بِالّذِينَس
َلجَعَلْنَاهُس َرجُلً َوَللَبَسْسنَا َ
سَسخِرُوا ِمنْهُمْس مَا كَانُوا بِهِس يَسْستَهْزِئُونَ(ُ )10قلْ سسِيرُوا فِي الَْرْضِس ثُمّ ا ْنظُرُوا كَيْفَس كَانَس
علَى َنفْسِس ِه ال ّرحْمَةَ
ل لِمَنْس مَا فِي السسماوات وَالَْرْضِس ُقلْ لِِّ كَتَبَس َ
عَاقِبَ ُة الْمُكَذّبِينسَ(ُ )11ق ْ
لَ َيجْمَعَنّكُمْس ِإلَى يَوْمِس ا ْلقِيَامَةِ لَ َريْبَس فِيهِا الّذِينَس خَسِسرُوا أَ ْنفُسَسهُ ْم فَهُمْس لَ يُؤْمِنُونسَ(َ )12ولَهُس مَا
ن فِي اللّ ْيلِ وَالنّهَارِ وَهُوَ السّسمِي ُع الْ َعلِيمسُ(ُ )13قلْ َأغَيْ َر الِّ أَ ّتخِذُ َولِيّاس فَاطِرِ السسماوات
سَسكَ َ
ل إِنّيس أُمِرْتُس أَنْس أَكُونَس أَ ّولَ مَنْس أَسْسلَمَ َولَ تَكُونَنّ مِنَس
وَالَْرْضِس وَ ُهوَ يُطْعِمُس وَلَ يُطْعَمُس ُق ْ
72
عذَابَس يَوْمٍس عَظِيمسٍ()15مَنْس يُصْسرَفْ عَنْهُس
ل إِنّيس َأخَافُس إِنْس عَصَسْيتُ رَبّيس َ
الْمُشْرِكِينسَ(ُ )14ق ْ
ك الُّ ِبضُ ّر فَلَ كَاشِفَس لَهُس إِلّ هُوَ
سَ
يَوْمَئِ ٍذ َفقَدْ َرحِمَهُس َو َذلِكَس الْفَوْ ُز الْمُبِينسُ(َ )16وإِنْس يَمْسَس ْ
عبَادِهسسِ وَ ُه َو الْحَكِيمسسُ
يءٍ َقدِيرٌ()17وَهُ َو ا ْلقَاهِرُ فَوْقسسَ ِ
علَى ُكلّ شَ ْ
سكَ ِبخَيْ ٍر فَهُوَ َ
َوإِنسسْ يَمْسسسَ ْ
ي ٍء أَكْبَرُ شَهَادَ ًة ُقلِ الُّ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْس َوأُوحِيَس ِإلَيّ هَذَا ا ْلقُرْءَانُس
ل أَيّ شَ ْ
الْخَبِيرُ(ُ )18ق ْ
ل أَشْ َه ُد ُقلْ إِنّمَا هُ َو ِإلَهٌس
لُِنْذِرَكُمْس بِهِس وَمَنْس َبلَغَس أَئِنّكُمْس لَتَشْهَدُونَس أَنّ مَعَس الِّ ءَالِهَ ًة ُأخْرَى ُقلْ َ
وَاحِدٌ َوإِنّنِي بَرِيءٌ مِمّا س تُشْرِكُون سَ( )19الّذِين َس ءَاتَيْنَاهُم ُس الْكِتَاب سَ يَعْ ِرفُونَه سُ كَمَا يَعْ ِرفُون سَ
علَى الِّ َكذِبًا أَوْ
ن افْتَرَى َ
ظلَ مُ مِمّ ِ
ن َأ ْ
خ سِرُوا أَ ْنفُ سَهُ ْم فَهُ مْ لَ يُؤْمِنُو نَ()20وَمَ ْ
ن َ
أَبْنَاءَهُ ُم الّذِي َ
ل ِللّذِينَس َأشْرَكُوا أَيْنَس
كَذّبَس بِآيَاتِهِس إِنّهُس لَ ُي ْفلِحُس الظّالِمُونسَ()21وَيَوْمَس َنحْشُرُهُمْس جَمِيعًا ثُمّ َنقُو ُ
ل أَن ْس قَالُوا وَالِّ رَبّنَا مَا كُنّاس
عمُونسَ()22ثُمّ لَمسْ تَكُن ْس فِتْنَتُهُم ْس إِ ّ
شُرَكَاؤُكُمُس الّذِينسَ كُنْتُمسْ تَزْ ُ
ضلّ عَنْهُمْس مَا كَانُوا َيفْتَرُونسَ( )24وَمِنْهُمْس
علَى أَ ْنفُسِس ِهمْ َو َ
مُشْرِكِينسَ()23انْظُرْ كَيْفَس َكذَبُوا َ
ل ءَايَةٍ
علَى ُقلُوبِهِ ْم أَكِنّ ًة أَ نْ َي ْفقَهُو هُ َوفِي ءَاذَانِهِ مْ َوقْرًا َوإِ نْ يَرَوْا ُك ّ
مَ نْ َي سْتَمِ ُع ِإلَيْ كَ َوجَ َعلْنَا َ
ل أَسسَاطِيرُ الَْ ّولِينسَ(
لَ يُؤْمِنُوا بِهَا حَتّىس إِذَا جَاءُوكَس ُيجَا ِدلُونَكَس َيقُولُ الّذِينَس َكفَرُوا إِنْس َهذَا إِ ّ
[)))25النعام]
وقال تعالى(( :ولقسد صسرفنا للناس فسي هذا القرآن مسن كسل مثسل فأبسى أكثسر الناس إل
كفورا ،وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ،أو تكون لك جنة من نخيل
وعنسب فتفجسر النهار خللهسا تفجيرا ،أو تسسقط السسماء كمسا زعمست علينسا كسسفا أو تأتسي
بال والملئكة قبيل ،أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك
حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت إل بشرا رسول))[.السراء-89 :
]93
ومسع هذه المواقسف الجاسسية العنيدة التسي كان يقفهسا قومسه المشركون منسه ،كان يحزن
لحالهم ويتحسر ويهتم بأمرهم ،رحمة بهم وإشفاقا على ما سيلقونه من مصير سيئ في
الدنيسسا والخرة ،كمسسا قال تعالى له مسسسليا ومصسسبرا(( :واصسسبر ومسسا صسسبرك إل بال ول
تحزن عليهم ول تك في ضيق مما يمكرون))[.النحل]127 :
وقال تعالى(( :ول تحزن عليهم ول تكن في ضيق مما يمكرون))[.النحل]70 :
وقال تعالى(( :فلعلك باخسسسسسع نفسسسسسسك على آثارهسسسسسم إن لم يؤمنوا بهذا الحديسسسسسث
أسفا))[.الكهف]6 :
هكذا كان صسلى ال عليسه وسسلم يحزن لحال أمتسه الذيسن لم يسستجيبوا لدعوتسه ،مشفقسا
عليهم راغبا في هدايتهم برغم عدائهم وحربهم له ولدينه.
وكان صلى ال عليه وسلم أشد رحمة وشفقة على من آمن به من أصحابه ،كما قال
تعالى(( :لقسد جاءكسم رسسول مسن أنفسسكم عزيسز عليسه مسا عنتسم حريسص عليكسم بالمؤمنيسن
رؤوف رحيم))[.التوبة128 :والعنت المشقة]
وقال تعالى(( :واعلموا أن فيكسسسم رسسسسول ال لو يطيعكسسسم فسسسي كثيسسسر مسسسن المسسسر
لعنتم))[.الحجرات]7 :
وقال تعالى(( :محمسسسسد رسسسسسول ال والذيسسسسن آمنوا معسسسسه أشداء على الكفار رحماء
بينهم))[.الفتح]29 :
وقسد ضرب لرحمتسه وشفقتسه على أمتسه ،مثل برجلٍ اسستوقد نارا فلمسا أضاءت جعسل
73
الفراش والدواب تقسع فسي النار والرجسل يحاول منعهسا وحجزهسا عسن النار ،وهسي تأبسى إل
الوقوع فيها.
كمسسا فسسي حديسسث أبسسي هريرة رضسسي ال عنسسه ،قال :قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه
وسسلم( :إنمسا مثلي ومثسل أمتسي كمثسل رجسل اسستوقد نارا ،فجعلت الدواب والفراش يقعسن
فيسه ،فأنسا آخسذ بحجزكسم ،وأنتسم تقحمون فيسه )..وفسي لفسظ( :مثلي كمثسل رجسل اسستوقد نارا،
فلمسسا أضاءت مسسا حولهسسا جعسسل الفراش وهذه الدواب التسسي فسسي النار يقعسسن فيهسسا ،وجعسسل
يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها ،قال :فذلكم مثلي ومثلكم ،أنا أخذ بحجزكم عن النار هلم
عسن النار ،هلم عسن النار ،فتغلبونسي تقحمون فيهسا[ )..مسسلم ( ،)4/1789والتقحسم القدام
والوقوع في المور الشاقة من غير تثبت ،والحجز جمع حجزة وهي معقد الزار.] .
والذي يدرس سسيرة الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم ،ومسا قام بسه مسن الدعوة إلى ال
بيسن المشركيسن وحرصسه الشديسد على هدايتهسم ،وسسيرته صسلى ال عليسه وسسلم مسع أهله
وخَدَ مه وأصحابه ،يرى رحمته شاخصة في تلك السيرة العطرة ،تتحرك بحركة رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،وتتحدث بلسانه.
وعلى تلك الرحمسسة ربسسى أصسسحابه فكانوا يتسسسابقون إلى نفسسع المحتاجيسسن ونصسسرة
الضعفاء.
ويكفسي لمعرفسة رحمسة أبسي بكسر الصسديق رضسي ال عنسه برعيتسه ،بيانسه السسياسي بعسد
بيعتسه الذي أولى فيسه مسن يسستحق الرحمسة اهتمامسه ،حيسث خصسه بنسسبة كسبيرة مسن معانسي
ذلك البيان نصسا ،فكان ممسا قاله فسي ذلك البيان":والضعيسف فيكسم قوي عندي حتسى أزيسح
عليسه حقسه إن شاء ال ،والقوي فيكسم ضعيسف عندي حتسى آخسذ الحسق منسه إن شاء ال"..
[تاريخ الخلفاء ،للمام السيوطي ص ]69
وكان-وهو خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم-ووزيره عمر بن الخطاب رضي
ال عنهمسسا ،يتسسسابقان دون أن يعلم أحدهمسسا بالخسسر لخدمسسة عجوز كسسبيرة السسسن ،وكان
الخليفة يسبق وزيره إليها [نفس المرجع :ص .]80
النموذج الثالث :مؤمن آل فرعون.
وهسسو الذي انسسبرى محاميسسا عسسن موسسسى عليسسه السسسلم ،ومرغبسسا فرعون وقومسسه فسسي
السسستجابة لدعوتسسه ،ومرهبسسا لهسسم مسسن مخالفتسسه والعتداء عليسسه بالقتسسل ،فسسي بيان طويسسل
وجدال قائم على الحجة والبرهان والعاطفة والرحمة.
فعندمسسا سسسمع فرعون يسسستأذن مله-وليسسس اسسستئذانه منهسسم إل لخداعهسسم وإظهار أنسسه
يرجع إليهم في المور المهمة-قائل(( :وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني
أخاف أن يبدل دينكسم أو أن يظهسر فسي الرض الفسساد)) وسسمع موسسى عليسه السسلم وهسو
يستعيذ بربه-الذي ل ملجأ له سواه-كما قال ال تعالى عنه((:وقال موسى إني عذت بربي
وربكم من كل متكبر ل يؤمن بيوم الحساب ))..خرج ذلك الرجل المؤمن رضي ال عنه
من صمته وهو من آل فرعون-فدافع عن موسى ودعا فرعون وقومه إلى اتباعه والبعد
عن إيذائه ،كما قال تعالى(( :وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجل
أن يقول ربي ال وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا
74
يصسبكم بعسض الذي يعدكسم بسه إن ال ل يهدي مسن هسو مسسرف كذاب ،يسا قوم لكسم الملك
اليوم ظاهريسسن فمسسن ينصسسرنا مسسن بأس ال إن جاءنسسا)) [إلى هنسسا تظهسسر رحمسسة الرجسسل
المؤمسسن بموسسسى عليسسه السسسلم ،حيسسث يحذر قومسسه مسسن قتله بسسسبب يقتضسسي مناصسسرته
والسستجابة له ،وهسو أنسه يقول ربسي ال ،ثسم يفترض أنسه إمسا أن يكون صسادقا-وهذا هسو
الذي يعتقده هذا المحامسسي-وإمسسا أن يكون كاذبسسا-حسسسب زعسسم فرعون وملؤه فإن صسسدق
فسيكون قتلهم له ومحاربة دعوته وبال عليهم ،وإن كذب فتركهم له ل يضرهم ويتحمل
هسو كذبه ،وفسي نصحه هذه رحمة بهم ،ثم يظهر رحمته بهم بأنهسم يحرزون الملك وهذا
الملك ل يبقسى مسع الظلم بسل سسينزل بهسم بأس ال فإذا نزل بهسم فل ناصسر لهسم ،وفسي هذا
غاية النصح لهم والرحمة بهم].
((قال فرعون مسا أريكسم إل مسا أرى ومسا أهديكسم إل سسبيل الرشاد .وقال الذي آمسن يسا
قوم إنسسي أخاف عليكسسم مثسسل يوم الحزاب مثسسل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذيسسن مسسن
بعدهسم ومسا ال يريسد ظلمسا للعباد)) [وفسي هذا تخويسف لهسم مسن عقاب ال فسي الدنيسا ،وذلك
رحمة بهم].
ويسا قوم إنسي أخاف عليكسم يوم التناد ،يوم تولون مدبريسن مسا لكسم مسن ال مسن عاصسم
ومن يضلل ال فما له من هاد)) [وفي هذا تحذير لهم من عقاب ال لهم في الخرة ،وهو
من رحمته بهم]
.إلى قوله تعالى ((وقال الذي آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد))[وهذا يعارض
قول فرعون :ما أريكم إل ما أرى وما أهديكم إل سبيل الرشاد ..كما سبق.].
(( يسا قوم إنمسا هذه الحياة الدنيسا متاع وإن الخرة هسي دار القرار ،مسن عمسل سسيئة فل
يجزى إل مثلهسا ومسن عمسل صسالحا مسن ذكسر أو أنثسى وهسو مؤمسن فأولئك يدخلون الجنسة
يرزقون فيهسسسا بغيسسسر حسسسساب .ويسسسا قوم مالي أدعوكسسسم إلى النجاة وتدعوننسسسي إلى النار.
تدعوننسي لكفسر بال وأشرك بسه مسا ليسس لي بسه علم وأنسا أدعوكسم إلى العزيسز الغفار ،ل
جرم أنمسا تدعوننسي إليسه ليسس له دعوة فسي الدنيسا ول فسي الخرة وأن مردنسا إلى ال وأن
المسسسرفين هسسم أصسسحاب النار .فسسستذكرون مسسا أقول لكسسم وأفوض أمري إلى ال إن ال
بصسسسسير بالعباد .فوقاه ال سسسسسيئات مسسسسا مكروا وحاق بآل فرعون سسسسسوء العذاب .النار
يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد العذاب)) [اليات
من سورة غافر].48-28 :
مسا أصسعب كلمسة الحسق أمام الطغاة الفراعنسة ،وكثيرا مسا يكون أناس يؤمنون بالحسق
الذي يكفسسر بسسه الطغاة الفراعنسسة ،ويودون أن يؤمسسن بسسه أولئك الطغاة الفراعنسسة مسسن أهسسل
الباطسسل وأتباعهسسم ،ولكنهسسم ل يجرءون على الجهسسر بذلك ،فيؤمنون بالحسسق فسسي أنفسسسهم
ويكتمون ذلك اليمان ،خوفسسا مسسن جسسبروت الطغاة الفراعنسسة وليسسس عليهسسم شسسئ فسسي ذلك
الكتمان اضطرارا ،ولكسن اليمان عندمسا يقوى والرحمسة بالطغاة وأتباعهسم عندمسا تشتسد،
وكذلك الرحمسسة بأهسسل الحسسق المهدّديسسن بالقتسسل والذى ،يأبسسى ذلك اليمان أن يبقسسى فسسي
الصدور فيظهر في الفعال والقوال ،وتتضاءل قوة الطغاة الفراعنة في نفوس المؤمنين
الذيسسن كانوا يكتمون إيمانهسسم ،فيصسسدعون بالحسسق رحمسسة بالداعسسي المغلوب وبالمدعسسو
المعاند ،وهذا ما حصل من مؤمن آل فرعون رضي ال عنه وأرضاه وأكثر في قصور
75
الطغاة الفراعنسة مسن أمثاله ،وهكذا يكون أهسل الحسق رحماء فيمسا بينهسم ورحماء بغيرهسم،
بخلف أهسل الباطسل فالغالب فيهسم أن تكون الرحمسة منزوعسة مسن قلوبهسم ،وبخاصسة فيمسا
يعارض مصسالحهم-ولو كانست تلك المصسالح ظلمسا صسريحا-وبخاصسة مسع أهسل الحسق فإن
الغلظة والقسوة تكون ملزمة لهم في معاملتهم.
أهل الحق يدعون أهل الباطل إلى الحق وينصحونهم بترك الباطل رحمة بهم ،وأهل
الباطسل يحاربون أهسل الحسق وينابذونهسم العداء ،ويخرجونهسم مسن ديارهسم ،ويفتنونهسم فسي
دينهم بالضرب والرجم والحبس والقتل ،تجبرا عليهم وقهرا وإذلل لهم وقسوة عليهم.
والتاريخ البشري والقرآن العظيم والواقع المعاصر كلها تدل على ذلك.
ولو أردنسا تتبسع ذلك الظلم والقسسوة والقهسر التسي تبايسن الرحمسة وتنافيهسا ،مسن القرآن
الكريسم وكتسب السسنة ،والتاريسخ والواقسع المعاصسر ،لحتاج ذلك منسا إلى كتاب مسستقل،
فلنذكسر نماذج مسن القرآن الكريسم ونشيسر إلى شسئ مسن الواقسع للربسط بيسن أهسل الباطسل فسي
القديم والحديث.
سسبق أن أهسل الحسق تلزمهسم صسفة الرحمسة فسي أغلب الوقات-هذا إذا كانوا مسن
غيسر النسبياء ،وغيسر النسبياء ليسسوا بمعصسومين ،أمسا النسبياء فل تفارقهسم سسجية الرحمسة،
وأمسا أهسل الباطسل فالصسل أنهسم غيسر رحماء ،فإذا مسا وجدت عنسد بعضهسم بعسض معانسي
الرحمة ،فالغالب أنها تتعلق بتحقيق مصالح لهم.
ومن مستلزمات القسوة عند أهل الباطل اعتداء القوي على الضعيف.
مظاهر العتداء.؟؟؟
وللعتداء مظاهر:
المظهمممر الول :إخراج القوي الضعيمممف ممممن بلده
وداره.
وقسسد يكون المعتدى عليسسه مسسن أهسسل الحسسق الرحماء الذيسسن يريدون الخيسسر لذلك
المعتدي ،كالنبياء والدعاة من أتباعهم.
فتأمسل كيسف يتلطسف نسبي ال شعيسب عليسه السسلم مسع قومسه ،ويطلب منهسم الصسبر
والمهادنة-إذا لم يستجيبوا لدعوته-حتى يحكم ال بينه وبينهم ،وكيف يردون عليه؟
قال تعالى عنسه ،وهسو يخاطسب قومسه(( :وإن كان طائفسة منكسم آمنوا بالذي أرسسلت
به ،وطائفة لم يؤمنوا ،فاصبروا حتى يحكم ال بيننا وهو خير الحاكمين)) فيردون عليه
في قسوة وكبرياء(( :قال المل الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين أمنوا
معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أولو كنا كارهين))[.العراف.]88-87 :
بسل حكسى ال تعالى عسن الكفار عمومسا ،تهديدهسم لهسل الحسق مسن النسبياء الرحماء
الذين جاءوهم بالرحمة والخير ،بإخراجهم من أرضهم ،ما لم يتركوا دين الرحمة الذي
جاءوهم به ويعودوا إلى ملة الكفر والعذاب ،كما قال تعالى(( :وقال الذين كفروا لرسلهم
لنخرجنكسسسسم مسسسسن أرضنسسسسا أو لتعودن فسسسسي ملتنسسسسا ،فأوحسسسسى إليهسسسسم ربهسسسسم لنهلكسسسسن
76
الظالمين))[.إبراهيم.]13 :
وقال تعالى عسن قوم لوط-وقسد دعاهسم لوط عليسه السسلم إلى الطهسر والعفسة والبعسد
عن فعل الفاحشة المنكرة-الذين سخروا من دعوته لهم إلى التطهر من الفاحشة(( :وما
كان جواب قومسه إل أن قالوا أخرجوهسم مسن قريتكسم إنهسم أناس يتطهرون))[.العراف:
]82
وقال تعالى-مسسليا رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم وقسد أخرجسه قومسه مسن أحسب بلد
إليه-المسجد الحرام(( :-وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم
فل ناصر لهم))[.محمد]13 :
وقال تعالى-مبينسا مكسر قومسه بسه وتآمرهسم عليسه بالسسجن أو القتسل أو الخراج مسن
بلده(( :وإذ يمكسسر بسسك الذيسسن كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكسسر ال
وال خير الماكرين))[.النفال]30 :
وقال تعالى عسسن رأس المنافقيسسن-ومثله رؤوس العلمانييسسن المنتسسسبين إلى السسسلم
المحاربيسن له اليوم-وهسو يهدد الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم والمؤمنيسن بسه ،وبخاصسة
المهاجريسسن(( :يقولون لئن رجعنسسا إلى المدينسسة ليخرجسسن العسسز منهسسا الذل ،ول العزة
ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين ل يعلمون))[.المنافقون]8 :
وقال تعالى عسن نسبيه صسلى ال عليسه وسسلم وأصسحابه المهاجريسن الذيسن أخرجتهسم
قريسسش مسسن ديارهسسم وأموالهسسم وأهليهسسم((:أذن للذيسسن يقاتلون بأنهسسم ظلموا وإن ال على
نصرهم لقدير ،الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إل أن يقولوا ربنا ال))[.الحج]40 :
ومسا أشسق خروج النسسان-أي إنسسان مسن منزله وبلده بالقوة والكراه-وبخاصسة عندمسا
يكون إخراجسسه بسسسبب دعوتسسه إلى الحسسق ،قومسسا ضلل متمسسسكين بالباطسسل صسسادين عسسن
الحسق ،فيخرجونسه مقهورا مظلومسا ،هسو يجاهسد فسي وصسول الخيسر إليهسم فسي حال كونسه
مشفقسا عليهسم رحيمسا بهسم ،وهسم يصسرون على إخراجسه مسن دياره ،قاسسية قلوبهسم ل تعرف
الرحمة والرأفة بمن يستحقها.
المظهر الثاني :سجن المعتدى عليه بدون حق.
وهذه العقوبسة القاسسية تعتسبر عنسد الطغاة الفراعنسة أهسل الباطسل تفضل منهسم على
أعدائهم من أهل الحق ،لن أهل الحق ل يستحقون الحياة ،والسجن قد يكون محطة يعبر
منها السجين إلى مشنقة الموت ،أو ينسى في السجن نسيان القساة الذين نزعت الرحمة
من قلوبهم.
ففرعون يهدد موسسسى عليسسه السسسلم الرسسسول الموحسسد الذي يدعسسو إلى توحيسسد ال
وعبادته وحده ،ويحذره من أن يعبد إلها غيره ،ويتوعده بالسجن مع المجرمين من قطاع
الطرق وسسسارقي الموال وقاتلي النفوس بدون حسسق ،كمسسا قال تعالى عنسسه(( :لئن اتخذت
إلها غيري لجعلنك من المسجونين))[.الشعراء]39 :
هذا التهديد بالسجن قصد منه إكراه الرسول الموحد الداعي إلى التوحيد الذي هو
أصل كل حق ،على الشراك بال وعبادة الطاغوت الذي هو أصل كل باطل.
77
ويوسف عليه السلم تعرض للسجن ،بسبب تنزهه عن الفاحشة التي طلبتها منه
امرأة العزيسسز فسسي قصسسر السسسلطة ،وقصسسور طغاة الملوك والزعماء تضيسسق بالطاهريسسن
الذيسن ينزهون أنفسسهم مسن الفواحسش ،ول يلقسي الترحيسب فيهسا-غالبسا -والتمكيسن إل لفسسقه
والمجرمون الذيسسن يحبون الفاحشسسة ،لذلك حاولت عزيزة القصسسر إكراهسسه على المنكسسر
واتخذت لذلك الكراه كسل وسسيلة ،فلمسا رفسض صساحب الحسق طلبهسا واعتصسم بال طلبست
سسجنه ،فاسستجاب لطلبهسا زوجهسا الديوثُس وسَسجَنَه ،وكان السسجن أحسب إلى صساحب الحسق
من أن يستجيب للباطل.
قال تعالى(( :ولقد همت به وهم بها لول أن رأى برهان ربه ،كذلك لنصرف عنه
السسوء والفحشاء إنسه مسن عبادنسا المخلصسين ،واسستبقا الباب وقدت قميصسه مسن دبر وألفيسا
سسسسسيدها لدى الباب ،قالت مسسسسا جزاء مسسسسن أراد بأهلك سسسسسوء إل أن يسسسسسجن أو عذاب
أليم))[.يوسف]25 :
وبعسد إقرارهسا بأنهسا هسي العاصسية وإقرارهسا بأنهسا هسي التسي راودتسه على الفاحشسة،
صسدر منهسا التهديسد الظالم الذي هسو عادة أهسل الباطسل ،للمظلوم البريسء صساحب الحسق،
كما قال تعالى عنها(( :ولقد راودته عن نفسه فاستعصم ،ولئن لم يفعل ما أمره ليسجنن
وليكونن من الصاغرين))[.يوسف]32 :
ووقسف صساحب الحسق عالي الرأس ،مفضل السسجن على السستجابة للمنكسر ،كمسا
قال تعالى عنه(( :قال رب السجن أحب إل يّ مما يدعونني إليه وإلّ تصرف عني كيدهن
أصب إليهن وأكن من الجاهلين))[.يوسف32 :؟]
ويصسدر الحكسم الظالم مسن أهسل الباطسل على البريسء المظلوم صساحب الحسق ،دون
رحمسة لضعفسه ول تقديسر لبراءتسه كمسا قال تعالى(( :ثسم بدا لهسم مسن بعسد مسا رأوا اليات
ليسسسجننه حتسسى حيسسن)) [.يوسسسف 35 :واليات :الدلة والبراهيسسن والقرائن الدالة على
براءته واثم العاصية].
المظهر الثالث :الرجم بالحجارة.
ل الحسق ودعاتسه وأهله ،كمسا قال تعالى عسن قوم
وقسد هدد أهسل الباطسل بالرجسم رسس َ
نوح(( :قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين))[.الشعراء]116 :
وهدد آزر أبو إبراهيم ولدَه إبراهيم بالرجم ،كما قال ال تعالى عنه(( :قال أراغب
أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لرجمنك واهجرني مليا))[.مريم]46 :
وحكسى ال عسن قوم شعيسب أنهسم لم يتركوا رجمسه إل خوفسا مسن رهطسه ،كمسا قال
تعالى عنهسسم(( :قالوا يسسا شعيسسب مسسا نفقسسه كثيرا ممسسا تقول ،وإنسسا لنراك فينسسا ضعيفسسا ولول
رهطك لرجمناك ،وما أنت علينا بعزيز))[.هود]91 :
ويظهسسر مسسن بعسسض اليات أن موسسسى عليسسه السسسلم هدده فرعون وملؤه بالرجسسم
فاسسسسستعاذ بال مسسسسن ذلك ،كمسسسسا قال تعالى عنسسسسه(( :وإنسسسسي عذت بربسسسسي ربكسسسسم أن
ترجمون))[.الدخان]20 :
وذكسر تعالى عسن بعسض المسم أنهسا هددت رسسلها بالرجسم والعذاب المؤلم ،كمسا قال
78
تعالى(( :قالوا إنسا تطيرنسا بكسم لئن لم تنتهوا لنرجمنكسم وليمسسنكم منسا عذاب أليسم))[.يسس:
]18
رسسسل ال وأتباعهسسم مسسن أهسسل الحسسق ،يسسسعون جاديسسن إلى إنقاذ أهسسل الباطسسل مسسن
ضللهم الذي يشقيهم في الدنيا والخرة ،شفقة عليهم ورحمة بهم ،وأهل الباطل تتصلب
قلوبهسم وتقسسو نفوسسهم ،فيهددون مسن يريسد رحمتهسم ،بالرجسم والعذاب الليسم! لن قلوب
أهل الحق مليئة بالرحمة وقلوب أهل الباطل خالية من الرحمة مليئة بالقسوة.
المظهر الرابع :تقطيع الطراف والصلب.
وهذا النوع من أنواع العتداء من قساة القلوب-على أهل الباطل والتهديد به أمر
شائع فسي طواغيست الرض وفراعنتهسم ،وقسد هدد بسه فرعون السسحرة الذيسن اسستنجد بهسم
للنتصسسار على آيات موسسسى وبراهينسسه بسسسحرهم ،فبطسسل سسسحرهم وتسسسلل اليمان برب
موسى ودعوته إلى قلوبهم ،فانقلبوا مؤمنين بالحق الذي جاء به موسى عليه السلم ،ضد
الباطسسل الذي كانوا قسسد نشئوا عليسسه وأعانوا عليسسه فرعون ،وعندمسسا ((قالوا آمنسسا برب
العالميسن ،رب موسسى وهارون)) اشتدت قسسوة فرعون فأخسذ يعاتسب وينكسر ويهدد ،كمسا
قال تعالى عنسسه(( :قال فرعون آمنتسسم له قبسسل أن آذن لكسسم ،إن هذا لمكسسر مكسسر تموه فسسي
المدينسسة لتخرجوا منهسسا أهلهسسا فسسسوف تعلمون ،لقطعسسن أيديكسسم وأرجلكسسم مسسن خلف ثسسم
لصلبنكم أجمعين))[.العراف]124-121 :
وقال تعالى(( :قال آمنتسسم له قبسسل أن آذن لكسسم إنسسه لكسسبيركم الذي علمكسسم السسسحر
فلقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف ولصلبنكم في جذوع النخل ولتعلمن أينا أشد عذابا
وأبقى))[.طه]71 :
وقال تعالى عنسه(( :قال آمنتسم له قبسسل أن آذن لكسسم إنسسه لكسسبيركم الذي علمكسسم السسسحر
فلسسوف تعلمون لقطعسن أيديكسم وأرجلكسم مسن خلف ولصسلبنكم أجمعيسن))[.الشعراء:
]49
المظهر الخامس من مظاهر العنف والقسوة:
.الذبح ،وهو أحد أنواع القتل
وقسسد كان فرعون-لشدة قسسسوته-يذبسسح صسسغار بنسسي إسسسرائيل أمام أعيسسن آبائهسسم
وأمهاتهسم ،ليسستأصل ذريتهسم الذكور ،حرصسا على ملكسه وخوفسا متوهمسا أن يسسلبوه ذلك
الملك.
قال تعالى(( :وإذ نجيناكسم مسن آل فرعون يسسومونكم سسوء العذاب يذبحون أبناءكسم
ويستحيون نساءكم ،وفي ذلكم بلء من ربكم عظيم))[.البقرة]49 :
وقال تعالى(( :وإذ قال موسسسى لقومسسه اذكروا نعمسسة ال عليكسسم إذ أنجاكسسم مسسن آل
فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم ،وفي ذلكم بلء من
ربكم عظيم))[.إبراهيم]6 :
وقال تعالى(( :إن فرعون عل فسي الرض ،وجعسل أهلهسا شيعسا يسستضعف طائفسة
منهم ،يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم ،إنه كان من المفسدين))[.القصص]4 :
79
المظهر السادس :التحريق.
ومسن أنواع القتسل الشنيسع التسي يتخذهسا قسساة القلوب مسن أهسل الباطسل ،تحريسق أهسل
الحق بالنار.
كما فعل قوم إبراهيم الخليل عليه السلم-لول أن ال تعالى سلب النار قدرتها على
إيذائه بقدرته تعالى.
قال تعالى فيهسم-بعسد أن أقام إبراهيسم عليسه السسلم الحجسة عليهسم واعترفوا بأنه على
حسق وأنهسم هسم أهسل باطسل وظلم((-قالوا حرقوه وانصسروا آلهتكسم إن كنتسم فاعليسن ،قلنسا يسا
نار كوني بردا وسلما على إبراهيم))[.النبياء]69-68 :
ومن أعظم القصص الدالة على أن أهل الباطل قد نزعت الرحمة من قلوبهم قصة
أصسسحاب الخدود التسسي أشارت إليهسسا هذه اليات(( :قتسسل أصسسحاب الخدود ،النار ذات
الوقود ،إذ هسم عليهسا قعود ،وهسم على مسا يفعلون بالمؤمنيسن شهود ،ومسا نقموا منهسم إل أن
يؤمنوا بال العزيسز الحميسد ،الذي له ملك السسماوات والرض وال على كسل شيسء شهيسد،
إن الذيسسسن فتنوا المؤمنيسسسن والمؤمنات ثسسسم لم يتوبوا فلهسسسم عذاب جهنسسسم ولهسسسم عذاب
الحريسق)) [.البروج 10 ،4 :ويمكسن مراجعسة هذه القصسة فسي كتسب التفسسير ومنهسا تفسسير
القرآن العظيم لبن كثير].
المظهر السابع :القتل بكل الوسائل المؤدية إليه.
وهسسو شامسسل لقتسسل أهسسل الباطسسل أهلَ الحسسق ،نصسسرا للباطسسل على الحسسق ،ومحاولة
لسستئصال مصسادر الحسق التسي تؤدي إلى إبلغ الحسق إلى عقول الناس مسن أجسل أن تخلو
الرض للباطل وأهله.
وشامسل كذلك لعتداء أهسل الباطسل على الضعفاء مسن الصسغار-مسن أولدهسم بسسبب
خشيسسة العار إن كان القتسسل للبنات ،أو خشيسسة الفقسسر-أو أولد أعدائهسسم ،كمسسا يحصسسل فسسي
الحروب ،أو من بعض الطغاة الفراعنة لولد بعض الطوائف المضطهدة تحت حكمهم
وسسيطرتهم ،وذلك كله يدل على نزع الرحمسة والشفقسة مسن قلوبهسم فمسن النوع الول-قتسل
أهل الحق من النبياء وأتباعهم-قوله تعالى في اليهود القساة(( :ذلك بأنهم كانوا يكفرون
بآيات ال ويقتلون النبيين بغير الحق ،ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)) [.البقرة]61 :
وقوله تعالى(( :إن الذيسسن يكفرون بآيات ال ويقتلون النسسبيين بغيسسر حسسق ،ويقتلون
الذين يأمرون بالقسط من الناس فبشرهم بعذاب أليم))[.آل عمران]21 :
وقال تعالى(( :لقسد سسمع ال قول الذيسن قالوا إن ال فقيسر ونحسن أغنياء سسنكتب مسا
قالوا وقتلهم النبياء بغير حق ،ونقول ذوقوا عذاب الحريق))[.آل عمران]81 :
وقال تعالى(( :كلمسسا جاءهسسم رسسسول بمسسا ل تهوى أنفسسسهم ،فريقسسا كذبوا وفريقسسا
يقتلون)) [.المائدة.70 :هذه اليات وغيرها في أهل الكتاب].
وقال تعالى في مشركي قريش وهم يتآمرون على رسول ال صلى ال عليه وسلم
ويطرحون خيار اتهسم فسي التخلص منسه ومسن دعوتسه-ومسن ذلك القتسل(( :-وإذ يمكسر بسك
80
الذي كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكسسسسسسسسسسسر ال وال خيسسسسسسسسسسسر
الماكرين))[.النفال]30 :
ومسن النوع الثانسي-أي قتسل الصسغار-مسا كان يفعله فرعون مسع أولد بنسي إسسرائيل
الذكور ،كما مضى قريبا.
ومن ذلك مسا كان يفعله مشركو قريسش حيث يذبح الب ابنه خشية الفقر ،أو ابنته
خشيسة العار ،وهمسا ينظران والم تبصسر قتسل رضيعهسا ،دون رحمسة ول شفقسة ،كمسا قال
تعالى(( :وكذلك زيّن لكثير من المشركين قتل أولدهم شركاؤهم))[.النعام]137 :
وقال تعالى(( :ول تقتلوا أولدكسم خشيسة إملق نحسن نرزقهسم وإياكسم إن قتلهسم كان
خطئا كبيرا))[.السراء]31 :
وقال تعالى(( :وإذا بشر أحدهم بالنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم ،يتوارى من
القوم مسسن سسسوء مسسا بشسسر بسسه أيمسسسكه على هون أم يدسسسه فسسي التراب ،أل سسساء مسسا
يحكمون))[.النحل]59 :
وقال تعالى(( :وإذا الموءودة سئلت ،بأي ذنب قتلت))[.التكوير]9-8 :
ترى هسل يوجسد شيسء مسن الرحمسة فسي قلوب مسن يقتلون الولد الصسغار ،سسواء
كانوا أولدهم أو أولد أعدائهم؟!
81
المظهر الثامن :الذى ،بكل أنواعه.
وهو يشمل مظاهر القسوة المذكورة سابقا وغيرها.
وأذى أهسل الباطسسل يشمسسل المخلوقات كلهسا :النسسسان-وغيره-سسواء كان مسن أهسل
الحسق أو مسن أهسل الباطسل ،فصساحب الباطسل القوي يؤذي الضعيسف سسواء كان مسن أهسل
الحق أو من أهل الباطل ،ولكن إيذاءه أهل الحق له الولوية عنده ،وسنقتصر عليه ههنا
بذكر بعض اليات القرآنية التي نصت على الذى.
قال تعالى-مخاطبسا عباده المؤمنيسن مصسبرا لهسم ،مبينسا لهسم ،أنهسم ل بسد أن يتعرض
لهم أعداء الحق من أهل الباطل ،من اليهود والنصارى والمشركين سواء ،بالذى الذي
يحتاجون معه إلى الصبر والتقوى في ثباتهم على الحق:
((لتبلون فسي أموالكسم وأنفسسكم ولتسسمعن مسن الذيسن أوتوا الكتاب مسن قبلكسم ومسن
الذيسسن أشركوا أذى كثيرا ،وإن تصسسبروا وتتقوا فإن ذلك مسسن عزم المور))[آل عمران:
]186
وقال تعالى-مسسليا رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم ومواسسيا له على مسا كان يلقاه مسن
أذى قومه المشركين ،بما لقيه قبله إخوانه المرسلون من أقوامهم((-ولقد ُكذّبت رسل من
قبلك فصسسبروا على مسسا كذبوا وأوذوا حتسسى أتاهسسم نصسسر ال ول مبدل لكلمات ال ولقسسد
جاءك من نبأ المرسلين)) [النعام]34 :
وقال تعالى لرسسوله صسلى ال عليسه وسسلم(( :وَل تُطِعِس الْكَافِرِينَس وَالْمُنَافِقِينَس وَدَعْس
علَى الِّ وَ َكفَى بِالِّ وَكِيل))[الحزاب]48 :
أَذَاهُمْ وَتَوَ ّكلْ َ
كان يمكن الكتفاء بذكر أن أهل الباطل أعداء الحق قد نزعت الرحمة من قلوبهم،
لنهسم قسد تكسبروا وتجسبروا وطغوا لبعدهسم عسن ال وعدم السستجابة لرسسله ،ولذلك هسم ل
يدعون شيئا مسن أنواع الذى إل أنزلوه بالضعيسف ،وبخاصسة إذا كان هذا الضعيسف مسن
أهسل الحسق ،كان يكفسي ذكسر ذلك والسستدلل بآيسة أو آيتيسن بدون سسوق المظاهسر الثمانيسة
المذكورة الدالة على قسوتهم وعدم رحمتهم.
ولكن أردت من سوق هذه المظاهر التنبيه إلى شيء-وليس كل شيء-من قاموس
الشسر والفتنسة الذي يزاوله أعداء الحسق ،مسن أهسل الباطسل ضسد أهسل الحسق مسن النسبياء
والرسسسل عليهسسم الصسسلة والسسسلم وأتباعهسسم ،ليفتنوهسسم عسسن دينهسسم بكسسل صسسنوف الذى،
وليصدوا الناس عن الستجابة لدعوتهم بغاية القسوة والشدة.
ولو أنسا عدنسا إلى التاريسخ لضرب أمثلة تندرج تحست هذا القاموس وتزيسد عليسه لمسا
اتسع المقام لذلك.
ولهذا نحاول أن ننبه على الواقع وما يجري فيه من وبال على العالم كله ،من قبل
الطغاة والفراعنسة مسن أهسل الباطسل ،وبخاصسة على أهسل الحسق مسن الدعاة الذيسن امتلت
قلوبهسم رحمسة ورأفسة ،فأجهدوا أنفسسهم واقتحموا العقبات لبلغ الخيسر إلى أهسل الباطسل،
ليسسسعدوا بهذا الخيسسر فسسي الدنيسسا والخرة ،ولكسسن أهسسل الباطسسل وجهوا إليهسسم سسسهام العداء
والحرب بقسوة بالغة فأنزلوا بهم كل أنواع الذى والمحن.
82
نماذج من قساة القلوب في عصر حقوق النسان!
ل نريد-كما سبق-تتبع قسوة الطغاة ووحشيتهم التي يعاملون بها الضعيف من قديم
الزمان ،بسبب فقد قلوبهم الرحمة والرأفة ،والستشهاد على ذلك بحوادث التاريخ ،سواء
أكان ذلك صسسادرا مسسن أهسسل الكتاب ،مسسن اليهود و النصسسارى ،أو الوثنييسسن مسسن مجوس
وغيرهسم مسن الهندوس والبوذييسن ،وسسواء عاملوا بتلك القسسوة والوحشيسة دعاة الحسق مسن
النسسبياء والرسسسل واتباعهسسم ،أو عاملوا بهسسا أبناء جنسسسهم مسسن الكفار ،فإن ذلك-لو أردنسسا
تتبعه-من الصعوبة بمكان.
والذي يرغسب فسي الطلع على نماذج مسن قسسوة أي أمسة مسن تلك المسم فإنسه واجسد
في كتب التاريخ القديمة والحديثة ما يغنيه ،فهذه الرسالة ليست معنية بذلك ،وحسبها أن
تشير بسبابتها إلى المكتبات العامة والخاصة ،والمكتبات التجارية لمن عنده تلك الرغبة.
ولكنها-أي هذه الرسالة-معنية بذكر نماذج تثبت بها دعواها ،وهي أن صفات أهل
الباطل الذين يسابقون بباطلهم أهل الحق إلى العقول ،هي على نقيض صفات أهل الحق،
فإذا كان أهسل الحسق يتصسفون بالرحمسة بالخلق ،ورحمتهسم بهسم تحملهسم على إبلغ الحسق
إلى عقولهم ،فإن أهل الباطل يتصفون بالقسوة والغلظة ،ولعدم رحمتهم بالخلق يحاولون
أن يسبقوا أهل الحق بإبلغ باطلهم إلى عقول الناس ،ويتخذون لذلك كل الوسائل القاسية
الغليظة الخالية من الرحمة لذلك السباق.
ولمسا كانست النماذج المعاصسرة ،أقرب إلى ذهسن القارئ لنسه يراهسا ويسسمع عنهسا،
ويعيش في زمن أحداثها ،فإن الستشهاد بها أقرب إلى إقامة الحجة بها.
وسنعرض هنا خمسة نماذج من قساة القلوب الذين نزعت الرحمة من قلوبهم:
النموذج الول :قساة القلوب من اليهود.
النموذج الثاني :قساة النصارى.
النموذج الثالث :قساة الوثنيين.
النموذج الرابع :قساة الملحدين.
النموذج الخامس :قساة المنافقين.
النموذج الول قساة اليهود.
إن المة التي تكذب قادة دعاة الحق-النبياء والرسل-وتقتلهم ،وهم يتوجهون إليها
بدعوتهسا إلى الدخول فسي رحمسة ال بهسا فسي الدنيسا والخرة ،هسي أمسة بلغست أقصسى حسد
القسوة والغلظة ،وإذا نزعت الرحمة من قلوبها في معاملتها لنبيائها ورسلها ،فما الذي
يتوقع منها في معاملتها لغيرهم؟ وبخاصة إذا كانوا أعداءها ،وبالخص إذا كان أعداؤها
هم المسلمين الذين حسدوا رسولهم ورسالته في أول مجيئها ،وحاولوا القضاء عليها في
مهدها بقتل نبيها غيلة ،وتأليب قوى الشر في الجزيرة العربية على حملتها ،بعد نقضهم
العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين الرسول صلى ال عليه وسلم.
فهاهسسسم اليوم يغتصسسسبون بلد المسسسسلمين-بمعاونسسسة النصسسسارى-ويقتلون أبناءهسسسم،
ويسسجنونهم ،ويعذبونهسم بأقسسى أنواع التعذيسب ،ويخرجونهسم مسن ديارهسم ،ويهدمون على
رؤوسسهم منازلهسم ،ويدنسسون مقدسسا تهسم-ومنهسا قبلة المسسلمين الولى ومسسرى رسسولهم
83
صلى ال عليه وسلم.-
وقسد اغتصسبوا أرض فلسسطين سسنة 1948م وأخذوا يعيثون فسسادا فسي البلد والعباد،
ولست بمحاول تتبع معاملتهم القاسية لهل البلد من ذلك التاريخ ،وإنما أذكر أمثلة قليلة
مسسن تلك المعاملة قريبسسة العهسسد ،قرأهسسا الناس فسسي الصسسحف والمجلت ،وشاهدوهسسا فسسي
التلفاز وسسسمعوها فسسي الذاعسسة ،وأكثسسر مسسا تذكسسر ذلك مفصسسل وسسسائل العلم الجنبيسسة
المواليسسة والمؤيدة لليهود :الوربيسسة والمريكيسسة [هذا كان قبسسل وجود بعسسض الفضائيات
العربيسسة التسسي أصسسبحت تنقسسل مجازر اليهود للفلسسسطينيين سسساعة بسسساعة ،وفسسي مواقسسع
النترنت خير شاهد على ذلك] وشهادة الهل على الهل أقوى حجة من غيرها-ومع أن
هذه الشارة كافيسة لمسن يعيسش فسي هذه اليام على الكوكسب الرضسي ،لن مظاهسر قسسوة
اليهود تعتسبر بدهيسة عندهسم ،ويكفسي أن يُذكّرُوا بهسا للدللة على فقسد اليهود الرحمسة فسي
قلوبهسسم ،أقول مسسع أن ذلك كاف فل بسسد مسسن ضرب أمثلة لتكون أكثسسر تذكيسسر للحاضسسر
ومرجعا للجيال القادمة.
وسأقتصر على بعض المثلة بذكرها من مرجع واحد وهو( :النتفاضة المباركة،
وقائع وأبعاد)[للكاتب غسان حمدان].
فقد ذكر في الفصل الثالث من الكتاب-وعنوانه الجراءات السرائيلية الرهابية:-
العناوين التية:
سياسة القبضة الحديدية .العتقالت العشوائية.
مبدأ رابيسن [كان وزيرا للدفاع ،ثسم أصسبح رئيسسا للوزراء ،وقسد اغتاله بنسو جلدتسه
احتجاجسسا على مسسا ظهسسر لهسسم مسسن تقارب مسسع الشرطسسة الفلسسسطينية] فسسي تكسسسير العظام.
تعطيل الخدمات الصحية.
العقاب الجماعي .انتهاك حرمة المقدسات السلمية.
اشتراك المستوطنين في القمع.
الحرب القتصادية.
محاولة كسر الضراب التجاري .دفن الحياء.
العتداء على المؤسسات التعليمية .هدم ونسف المنازل.
قنابل الغاز السامة .أجهزة عسكرية متطورة.
إبعاد المواطنين خارج فلسطين .الحرب النفسية.
التعتيم العلمي.
وسسأقتطف بعسض الجمسل ممسا فصسل المؤلف ،بعسد ذكره هذه البنود قال( :لم يترك
جنود الجيسش السسرائيلي أسسلوبا للتنكيسل بالمواطنيسن إل وتسسابقوا على تنفيذه ،حتسى وإن
أثار إرهابهسسم العالم-إلى أن قال :-وحول السسساليب القمعيسسة والجراءات التسسي اعترف
المجرم شاميسر[كان رئيسسا للوزراء] بأن الجنود كلفوا بتنفيذهسا ،فإنهسا تحتاج إلى مجلدات
كبيرة ،ويكفي أن نورد أبرز هذه الساليب مدعمة ببعض الشواهد ،على سبيل المثال ،ل
الحصر:
-1اقتحام المنازل بعسسد فرض حظسسر التجول ،وتحطيسسم الثاث وزجاج النوافسسذ،
والعبسسسث بمحتويات المنزل ...بالضافسسسة إلى العتداء على الموجوديسسسن فيهسسسا ...رجال
ونساء ...كبارا في السن أو صغارا...
84
-2قذف قنابسل الغاز السسامة والمسسيلة للدموع داخسل المنازل ...كمسا عمدت قوات
العدو إلى أسلوب جديد للتنكيل باستخدام هذه القنابل ،حيث يقوم الجنود بإطلق عدد من
القنابسل الغازيسة والدخانيسة فسي المنازل ،ثسم يجسبرون المواطنيسن على دخول المنازل تحست
الضرب الشديد.
-3إطلق يد حرس الحدود ...بأعمال تخريب وإهانة..
-4إخراج الرجال والطفال مسسن منازلهسسم وضربهسسم ضربسسا مبرحسسا بالهراوات
وأعقاب البنادق ،ثم ربطهم إلى أعمدة الكهرباء والهاتف والستمرار في ضربهم إلى أن
يفقسد الشخسص المربوط وعيسه ،وعندئذٍ يرش عليسه الماء البارد ويعود الضرب مسن جديسد،
وقد يلجأ الجنود إلى ضرب رأس المعتقل بالحائط والعمود...
-5اسستغلل تأخسر بعسض المواطنيسن فسي الوصسول إلى منازلهسم ليل ،فيقوم الجنود
باعتقالهم وتكسير أطرافهم ...وإلقائهم في أماكن نائية في الطريق...
-6تجميسسع أعداد كسسبيرة مسسن المواطنيسسن ممسسن يتصسسادف مرورهسسم فسسي الشوارع،
وحشرهسم فسي محلت تجاريسة ،بعسد فتحهسا بالقوة ثسم يقوم الجنود بإلقاء قنابسل غاز مسسيل
للدموع...
ويغلقون أبواب المحال والمواطنون بداخلها...
...-7إلقاء الحجارة أو إطلق النار على اللواقسط الزجاجيسة للسسخانات الشمسسية
المنصسوبة على أسسطح المنازل ..وتحطيمهسا ..إطلق النار على خزانات المياه لتفريغهسا
من الماء ،بهدف تعطيش المجاهدين الصامدين ،ووصل المر إلى أن يقوم بعض الجنود
الذيسن يحتلون أسسطح المنازل والمدارس بالتبول داخسل خزانات المياه ..وتحطيسم أسسقف
المنازل المصنوعة من القراميد ،ونتيجة لهذا العمل باتت كثير من السر الفلسطينية في
مخيم جباليا تحت المطر وفي البرد والعراء.
-8ربسط بعسض الشباب إلى مقدمسة سسيارات الجيسب العسسكرية ،التسي تنطلق بسسرعة
ثم تتوقف فجأة ،مما يؤدي إلى قذف الشخص الذي كان موثوقا إلى مقدمة السيارة مسافة
بعيدة عنها ،مما يؤدي إلى إصابتهم بجروح وكسور ورضوض في جميع أنحاء الجسم.
-9اسسستخدام الجيسسش بعسسض المعتقليسسن أو المارة دروعسسا بشريسسة فسسي مواجهسسة
المظاهرات ،وحجارة المجاهدين..
-10إدخال الطارات المشتعلة إلى منازل المواطنين الذين يرفضون إطفاءها مما
يؤدي إلى احتراق المنازل أو أجزاء منها...
-11تجميسع المعتقليسن فسي سسيارة باص ..والعتداء عليهسم بالضرب ،ثسم إلقاؤهسم
واحدا بعد الخر أثناء سير الباص في أماكن مختلفة...
-12إلقاء مواد تموينيسة فاسسدة ،وبخاصسة البسسكويت والشكلتسة فسي مداخسل القرى
والمخيمات-لتقسع-تحست متناول الطفال فسي محاولة لتسسميمهم وقتسل أكسبر عدد ممكسن مسن
أبطال النتفاضة...
-13قتل السرى والمعتقلين.
-14اسستخدام طائرات الهليكوبتسر ..فسي إطلق القنابسل الغازيسة والمسسيلة للدموع،
على جموع المتظاهريسن فسي داخسل القرى والمخيمات عنسد عجسز قوات المشاة والليات
85
فسي اقتحام مناطسق المظاهرات ،كمسا جرى تطويسر عدد مسن هذه الطائرات ،حتسى تتمكسن
من إلقاء كمية كبيرة من الحجارة على المجاهدين ،حيث زودت بمدفع قاذف للحجارة...
كمسا تقوم الطائرات العسسكرية المروحيسة بعمليات إنزال جوي للمظلييسن فسي القرى التسي
يغلق أهلهسا جميسع مداخلهسا فسي وجسه الجنود ..وتسستخدم شبكسة تلقيهسا مسن الطائرة لعتقال
الشباب المجاهد-كما يفعل صيادو السماك في البحر.-
بسسل إن الجنود يحملون المعتقسسل فسسي الطائرة ويرمونسه مسن الجسو فيصسساب بجروح
وكسور خطيرة...
-15النقضاض على من يتم القبض عليهم من الشباب المجاهد بالهراوات والعصي
وأعقاب البنادق ،وعلى جميسع العضاء فسي الجسسد وخاصسة اليديسن والقدميسن ..وهذا هسو
مبدأ إسسسحاق رابيسسن الذي نعسست هذه العمسسل بقوله( :إن هذا السسسلوب أكثسسر فعاليسسة مسسن
العتقالت ،حيسث إن المعتقسل فسي سسجن الفارعسة مثل يمكسث18( ..يومسا)يعود بعدهسا إلى
الشوارع للتظاهسسر وقذف الحجارة ،أمسسا إذا قام الجنود بكسسسر يديسسه فإنسسه لن يتمكسسن مسسن
العودة إلى الشارع قبل شهر ونصف على القل [...وقد شاهد العالم في كل مكان الجنود
اليهود وهم يكسرون عظام الشباب الفلسطيني بالحجارة].
وهكذا يضرب الجنود اليهود كثيرا من الشباب الفلسطيني حتى يموتوا...
-16يضاف إلى ذلك أنواع أخرى مسن التعذيسب الوحشسي الذي يصسعب حصسره،
وقطسسع المواصسسلت والتصسسالت الهاتفيسسة ،ومنسسع إبلغ المواد الغذائيسسة والتموينيسسة إلى
المخيمات ،وقطسسع الخدمات السسساسية ،كالكهرباء والماء وتخفيسسض السسسيولة النقديسسة فسسي
المناطق المحتلة إلى أدنى حد ممكن ،ووقف صرف رواتب المعلمين والمعلمات ،ورفع
الضرائب المرهقسسة ،ومنسسع تصسسدير المنتجات الزراعيسسة لحداث خسسسائر فادحسسة على
الفلسسسسسطينيين ،وإغلق السسسسسواق وإتلف المحاصسسسسيل الزراعيسسسسة ،وإغلق الجامعات
والمدارس ،وتحويسسل بعسسض المدارس إلى ثكنات عسسسكرية وتعطيسسل الخدمات الصسسحية،
ومداهمة المستشفيات والعيادات الصحية.
-17انتهاك حرمات المقدسات السلمية:
تكثيف الوجود العسكري حول المساجد وإقامة الحواجز في الطرق المؤدية إليهاومضايقة ..الذاهبين لداء الصلة بتفتيشهم ومصادرة هويا تهم-مع السب والشتم المؤذي
لمشاعرهم.-
اقتحام المسساجد والعتداء على المصسلين بالضرب بالهراوات وأعقاب البنادقوالركل بالرجل ،ول يستثنى من هذا العتداء أئمة المساجد.
قطع الكهرباء عن المساجد قبيل موعد صلة الجمعة لمنع الخطباء من التطرقإلى النتفاضة الجهادية عن طريق مكبرات الصوت..
اعتقال عدد من علماء السلم وخطباء المساجد.قذف قنابسل الغاز داخسل المسساجد أثناء تجمسع المصسلين وإغلق أبواب المسساجد،وأحيانا إطلق الرصاص على المصلين...
إغلق عدد من المساجد ومنع المواطنين من أداء الصلة فيها...مصادرة مكبرات الصوت الخاصة بالذان...86
العتداء على كبار العلماء مثل مفتي القدس ومحاولة إحراق المسجد القصى...الذن للعصابات اليهودية بتدنيس المسجد القصى.تمزيق جنود اليهود أعدادا كبيرة من المصاحف وسب الدين السلمي...-18دفن الحياء من شباب الجهاد.
-19هدم ونسف المنازل.
-20إبعاد المواطنيسسن خارج فلسسسطين (إخراجهسسم مسسن أرضهسسم وديارهسسم [)..راجسسع
الكتاب المذكور مسن صسفحة 376 ،327وقسد حاولت أن أسسجل للقارئ صسور مختصسرة
جدا مع شيء من التصرف].
وبمناسسبة ذكسر إبعاد المواطنيسن عسن ديارهسم وأرضهسم ،فإن المناسسب ذكسر حادثسة
حصسسلت هذه اليام ،وهسسي حادثسسة مؤلمسسة أمام سسسمع العالم وبصسسره ،وأمام سسسمع العالم
السلمي وبصره ،وأمام من يسمى بالعالم العربي وبصره.
وخلصتها:
أن شباب الجهاد (المنتميسن إلى منظمسة حماس)اختطفوا جنديسا يهوديسا فسي الرض
التسسي احتلهسسا اليهود سسسنة 1948م وطالبوا بالفراج عسسن زعيمهسسم المقعسسد المحكوم عليسسه
بالسجن الستاذ أحمد ياسين مقابل الفراج عن الجندي اليهودي وحددوا وقتا معينا لدولة
اليهود وإذا لم يفرجوا عسن الزعيسم المسسلم فإنهسم سسيقتلون الجندي اليهودي ،وبعسد مضسي
المدة المحددة بفترة قتلوه ووجدت القوات اليهوديسسة القتيسسل فسسي الضفسسة الغربيسسة مقتول
فطارت طائرتهسسم بعسسد أن حملوا حملة اعتقالت وداهموا المدن والقرى والمنازل وقتلوا
عددا من شباب فلسطين وجرحوهم قبل العثور على جثة القتيل.
أمسا بعسد ذلك فقسد أضاف اليهود إلى قسسوتهم قسسوة أشسد فأخذوا آلفسا مسن منازلهسم
وزجوا بهسم فسي السسجون والمعتقلت واختاروا أربعمائة وخمسسة عشسر مسن خيرة رجال
الدعوة والجهاد مسن ذوي المؤهلت العلميسة مسن حملة الدكتوراه والماجسستير والليسسانس
مسن معلميسن وأطباء ومهندسسين وكتاب وعلماء شريعسة وحملوهسم فسي شاحنات معصسوبي
العيسسن وتعاونسست الحكومسسة اليهوديسسة والمحكمسسة العليسسا اليهوديسسة فأصسسدرت هذه حكمهسسا
القاسسسي الظالم وطرد العدد المذكور ونفذت تلك المحكمسسة اليهوديسسة الظالمسسة هذا الحكسسم
الجائر!
وفسي الحدود بيسن مسا يسسمى بالشريسط المنسي الذي اغتصسبته الدولة اليهوديسة مسن
لبنان وبيسسسن الحدود اللبنانيسسسة ،أنزلوا المظلوميسسسن وأطلقوا فوق رؤوسسسسهم النار ليدخلوا
الراضسي اللبنانيسة ،واسستقبلهم الجنود اللبنانيون بالنار مسن الجهسة اللبنانيسة ،فإذا هسم على
قمسة جبسل تتسساقط عليسه الثلوج وهسم فسي العراء فسي الشتاء القارص ،ل طعام ،ول شراب
ول مأوى ،ول غطاء ول دواء ،وكان ذلك فسسي يوم الخميسسس الموافسسق ل23-مسسن شهسسر
جمادى الخرة سسسنة 1413هسسس17-ديسسسمبر سسسنة 1992م ،وتمكسسن الصسسليب الحمسسر فسسي
اليام الولى مسن مسساعدتهم بعدد مسن الخيام والغطيسة والطعام والماء والدواء ،ثسم تآمسر
اليهود من الجنوب ،والنصارى والعلمانيون من الشمال ،على منع أي مساعدات لهم عن
طريسق أهليهسم أو الصسليب الحمسر ،ل مسن فلسسطين المغتصسبة ،ول مسن لبنان ،بحجسة أن
كسل دولة منهمسا ليسست مسسؤولة عنهسم ،أمسا اليهود فل يريدون العتراف بأن لهسم أي حسق
87
فسسي المسسساعدة التسسي تأتيهسسم مسسن دولتهسسم ،لنهسسم قسسد أبعدوا إلى خارجهسسا ،وأمسسا اللبنانيون
فيريدون أن ل يتحملوا تصسسرفات حكومسسة اليهود ،ويزعمون أن فسسي ذلك ضغطسسا على
اليهود لعادتهسم ،فانقطسع عنهسم كسل شيسء فسي ذلك الجبسل وفشست فسي بعضهسم المراض
وصسورهم المحزنسة تنقسل للعالم كله عسبر التلفاز ،وأصسدر مجلس المسن المريكسي الذي
يُزْعَم له بأنسه تابسع لهيئة المسم المتحدة ،قرارا يديسن الدولة اليهوديسة ويطلب منهسا إعادة
النظسر فسي قرارهسا ،وبعسث النصسراني المتعصسب الحاقسد على السسلم والمسسلمين بطرس
غالي أميسسسن عام هيئة المسسسم المتحدة ،مندوبسسسا عنسسسه إلى دولة اليهود ودولة لبنان للذن
بإسسعاف المظلوميسن ،الذيسن يطلقون عليهسم كلمسة مبعديسن ،ولكسن كلتسا الدولتيسن ردتسه على
عقبه خائبا وهو يوالي ضحكاته في اجتماعاته مع اليهود واللبنانيين وكأنه بعث لحضور
عرس وليس لنقاذ نفوس.
و هاأنسسا أكتسسب هذه الصسسفحات فسسي يوم الثلثاء الموافسسق 5مسسن شهسسر رجسسب سسسنة
1413هسس-وهسم على حالهسم مسن الجوع والعطسش والبرد والمرض وقسد مضست عليهسم اثنتسا
عشرة ليلة على تلك الحال ،والعالم يتفرج والمسلمون يتفرجون والعرب يتفرجون!.
فهل من قسوة فوق هذه القسوة اليهودية ،وهل يمكن أن تكون في قلوب أعداء ال
وأعداء رسله رحمة بعد هذه العمال1؟!
وقسسد اضطرت الدولة اليهوديسسة المُغتَص سِبَة إلى قبول عودتهسسم ،لكثرة الحتجاجات
العالميسة ،وزجست بكثيسر منهسم فسي السسجون بعسد أشهسر مسن البعاد والحرمان مسن أي حسق
يستحقه أي حيوان في الرض!
هؤلء هسسم اليهود وهذا فعلهسسم بذرا ري مسسن آووهسسم وحموهسسم ،وفتحوا لهسسم أبواب
القتصاد والعلم والسياسة والحرية العقدية والعبادية من المسلمين ،عندما كان النصارى
يتتبعونهسم ويضطهدونهسم ،وينزلون بهسم أنواع النكال فيجازون الن أبناء المسسلمين الذيسن
أحسسسنوا إليهسسم كمسسا يجزى سسسنمار[راجسسع كتاب :خطسسر اليهوديسسة العالميسسة على السسسلم
والمسسيحية لعبسد ال التسل لمعرفسة مسا واجهسه اليهود مسن مطاردة وقتسل وتشريسد فسي الدول
الوربية ،وبخاصة بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وألمانيا وغيرها كبولندا وإيطاليا ورومانيا
وبلغاريا وسويسرا وهنغاريا ،وفي روسيا أيضا ،كل ذلك بسبب ما عرفه العالم من مكر
اليهود وخبثهسم ومحاولتهسم السسيطرة على غيرهسم واسستعباد الشعوب .ولم يجسد اليهود مسن
يجمعهسم ويرعاهسم ويحسسن إليهسم إل المسسلمون فسي أسسبانيا ثسم فسي البلدان السسلمية فسي
الشرق راجع الكتاب المذكور من ص .120-106دار القلم الطبعة الثانية].
وكان ينبغسسي أن يعتسسبر اليهود بمسسا نالهسسم مسسن عذاب وقسسسوة مسسن عهسسد فرعون إلى
عصسرنا هذا ،ويقدروا صسفة الرحمسة التسي كانوا فسي أمسس الحاجسة إلى مسن يعاملهسم بهسا
فيدربوا أنفسسهم على اكتسسابها-وإن كانست مفقودة فسي قلوبهسم-ولكنهسم لم يعتسبروا ،بسل ل
زالت قلوبهم تقسو وتزداد غلظة كلما زادت قوتهم وسيطرتهم.
كانسست كتابسسة هذه السسسطور قبسسل تسسسع سسسنين .وقسسد اشتدت المحنسسة على إخواننسسا
الفلسسطينيين ،بعسد قيام الحرة الجهاديسة الثانيسة-حركسة القصسى-التسي أشعسل فتيلهسا المجرم
-1هذه الحادثة ل تحتاج إلى ذكر مرجع ،ويكفي أن يعرف القارئ التاريخ ثم يضع يده على أي جريدة أو مجلة في أي بلد وبأي
لغسة ليقرأ تفاصسيل القصسة ،والذي يشاهسد التلفاز ل يحتاج إلى قراءة ،والذي سسيقرأ القصسة فسي المسستقبل يسستطيع البحسث عسن شريسط
فيديو ليرى ما رأينا.
88
شارون ،عندمسسسا دنسسسس بدخوله باحسسسة القصسسسى بحمايسسسة الجيسسسش اليهودي ،بتاريسسسخ
1/7/1421هسس سس 28/9/2000م قبسل أن يكون رئيسسا للوزراء ،وهسو اليوم[بعسد أن أصسبح
رئيسسا للوزراء] يعيسث فسي الرض المباركسة فسسادا ل يخفسى على أهسل الرض جميعسا،
بعون ومدد مسسن الدولة الصسسليبية المعاصسسرة[أمريكسسا] وحلفائهسسا الوربييسسن ،مسسع خذلن
زعماء العالم السسسسلمي ،وبخاصسسسة زعماء العرب للمظلوميسسسن مسسسن أبناء هذا الشعسسسب
المجاهسسد المسسسلم ،وكأن المسسر ل يعنسسي هؤلء الزعماء ،الذيسسن سسسيتفرغ لهسسم اليهود بعسسد
ل يحصل ذلك] وسيقول
القضاء على الشعب الفلسطيني وتشريده من أرضه[نرجو ال أ ّ
كب زعيم عندئذ :أكلت يوم أكل الثور البيض!
هؤلء هم اليهود ،فما نصيب النصارى من الرحمة؟!
النموذج الثانمممي :قسممماة النصمممارى فمممي العصمممور
الماضية.
مسسن الصسسعب جدا تتبسسع المثلة الدالة على أن الرحمسسة قسسد نزعسست مسسن قلوب زعماء
النصسارى وكثيسر مسن مفكريهسم ،وأن القسسوة والغلظسة والوحشيسة قسد حلت محلهسا ،ويكفسي
المرء دليل على ذلك أن يتتبسسسع ممارسسسساتهم فسسسي هذا العصسسسر ،فسسسي مشارق الرض
ومغاربهسا ،عسن طريسق أجهزة إعلم النصسارى أنفسسهم-ومسا يخفونسه أكسبر-وبخاصسة مسا
يسومون به المسلمين من قتل وتشريد وظلم متعمد.
وسأكتفي بمثالين بارزين قديمين دالين على قسوة كثير من النصارى ووحشيتهم
وغلظ قلوبهععم وخلو قلوبهععم تلك مععن الرحمععة ،قبععل أن أنتقععل إلى ذكععر بعععض المثلة
المعاصرة الدالة على ذلك.
المثال الول:
معاملة النصسارى فسي الندلس للمسسلمين الذيسن أسسسوا فسي بلدهسم-عندمسا فتحوهسا-
حضارة لم تعهدهسا أوروبسا ول غيرهسا مسن بلد العالم ،حتسى أشرقست أنوار تلك الحضارة
على أوروبا ،وكانت هي منطلق التقدم المادي الذي نشاهده الن في الغرب ،ولو أن أهل
الغرب أخذوا بتوجيسه المنهسج السسلمي كله ،لكانوا حملة رايسة السسلم وقادة المسسلمين
في العالم كله.
وشهد شاهد من أهلها.
وسأنقل نصا فيه شيء من الطول لهذا المثال ،من كتاب لمؤلف غربي حتى ينطبق
عليه المثل القرآني السائر(( :وشهد شاهد من أهلها[))...يوسف.]36 :
قال غوستاف لوبون( :وعاهد فرديناند[نصراني أسباني كاثوليكي استولى على أخر
مملكسة إسسلمية وهسي غرناطسة سسنة 1492م ].العرب على منحهسم حريسة التديسن واللغسة،
ولكنه في سنة 1499م ،لم تكد تحل حتى حل بالعرب دور الضطهاد والتعذيب الذي دام
قرونسا ،والذي لم ينتسه إل بطرد العرب مسن أسسبانية ،وكان تعميسد العرب كرهسا فاتحسة ذلك
الدور ،ثسسم صسسارت محاكسسم التفتيسسش تأمسسر بإحراق كثيسسر مسسن المعمديسسن على أنهسسم مسسن
89
النصسارى ،ولم تتسم عمليسة التطهسر بالنار إل بالتدريسج ،لتعذر إحراق الملييسن مسن العرب
دفعسسة واحدة ،ونصسسح كردينال طليطلة التقسسي! الذي كان رئيسسسا لمحاكسسم التفتيسسش ،بقطسسع
رؤوس جميسع مسن لم يتنصسر مسن العرب رجال ونسساء وشيوخسا وولدانسا ،ولم يسر الراهسب
الدومينيكسي "بليدا" الكفايسة فسي ذلك ،فأشار بضرب رقاب مسن تنصسر مسن العرب ،ومسن
بقي على دينه منهم ،وحجته في ذلك أن من المستحيل معرفة صدق إيمان من تنصر من
العرب ،فمسن المسستحب إذن ،قتسل جميسع العرب بحسد السسيف ،لكسي يحكسم الرب بينهسم فسي
الحياة الخرى ويُدخِسل النار مسسن لم يكسسن صسسادق النصسسرانية منهسسم ،ولم تسسر الحكومسسة
السسبانية أن تعمسل بمسا أشار بسه هذا الدومينيكسي الذي أيده الكليروس فسي رأيسه ،لمسا قسد
يبديسه الضحايسا مسن مقاومسة ،وإنمسا أمرت فسي سسنة 1610م بإجلء العرب عسن أسسبانية،
فقتل أكثر مهاجري العرب في الطريق ،وأبدى ذلك الراهب البارع "بليدا" ارتياحه لقتل
ثلثسة أرباع هؤلء المهاجريسن فسي أثناء هجرتهسم ،وهسو الذي قتسل مائة آلف مهاجسر مسن
قافلة واحدة ،كانسست مؤلفسسة مسسن أربعيسسن ألفسسا ومائة ألف مهاجسسر ()140000مسسسلم حينمسسا
كانت متجهة إلى إفريقية.
وخسسرت أسسبانية بذلك مليون مسسلم مسن رعاياهسا فسي بضعسة أشهسر ،ويقدر كثيسر مسن
العلماء ،ومنهسم "سسيديو" عدد المسسلمين الذيسن خسسرتهم أسسبانية منسذ أن فتسح "فردينانسد"
غرناطسسة حتسسى إجلئهسسم الخيسسر بثلثسسة ملييسسن ،ول تعسسد ملحمسسة سسسان باتلمسسي إزاء تلك
المذابح سوى حادث تافه ل يؤبه له.
ول يسعنا سوى العتراف بأننا لم نجد بين وحوش الفاتحين من يؤاخذ على اقترافه
مظالم قتل كتلك التي اقترفت ضد المسلمين.
ومما يرثى له أن حرمت أسبانية عمدا ،هؤلء المليين الثلثة الذين كانت لهم إمامة
السكان الثقافية ..والصناعية..
وسسسيرى القارئ فسسي الفصسسل الذي خصسسصناه للبحسسث فسسي وارثسسي العرب ،مقدار
النحطاط الذي أسسسسفر عسسسن إبادة العرب ،وإذا كنسسست قسسسد أشرت إلى هذا هنسسسا فلن شأن
العرب المدني لم يبد في قطر ملكوه كما أبيد في أسبانية ،التي لم تكن ذات حضارة تذكر
قبل الفتح العربي ،فصارت ذات حضارة ناضرة في زمن العرب ،ثم هبطت إلى الدرك
السسفل مسن النحطاط بعسد جلء العرب ،وهذا مثال بارز على مسا يمكسن أن يتفسق لعرق
مسن التأثيسر [)...كتاب حضارة العرب ،للدكتور غوسستاف لوبون ،ترجمسة عادل زعيتسر،
الطبعسسسة الرابعسسسة ص 272 ،270وراجسسسع الفصسسسل الذي يليسسسه لمعرفسسسة أثسسسر الحضارة
السلمية في أوروبا.].
المثال الثاني:
وممسا يدل على قسسوة كثيسر مسن النصسارى ووحشيتهسم وخلو قلوبهسم مسن الرحمسة ،مسا
عاملوا به المسلمين في بعض الحروب الصليبية.
وأنقسل فسي ذلك نصسا فيسه شيسء مسن الطول كذلك لنفسس الكاتسب" :غوسستاف لوبون"
الذي قال:
(ويدل سلوك الصليبيين في جميع المعارك على أنهم من أشد الوحوش حماقة ،فقد
90
كانوا ل يفرقون بيسن الحلفاء والعداء ،والهليسسن الْعُزل والمحاربيسسن ،والنسسساء والشيوخ
والطفال ،وقد كانوا يقتلون وينهبون على غير هدى.
ونرى فسي كسل صسفحة مسن الكتسب التسي ألفهسا النصسارى فسي ذلك الزمسن براهيسن على
توحسش الصسسليبيين ،ويكفسي لبيان ذلك أن ننقسل الخسبر التسي الذي رواه الشاهسد الراهسسب
"روبرت" عن سلوك الصليبيين الحربية [الصواب أن يقال( :الحربي) لنه نعت حقيقي
لسسسلوك ،وهسسو مفرد ،ونعسست المفرد يكون مفردا ].وذلك بالضافسسة إلى مسسا حدث حيسسن
الستيلء على القدس.
قال المؤرخ الراهب التقي! روبرت:
" وكان قومنسسا يجوبون الشوارع والمياديسسن وسسسطوح البيوت ،ليرووا غليلهسسم مسسن
التقتيل ،وذلك كاللبؤات التي خطفت صغارها ،وكانوا يذبحون الولد والشبان والشيوخ
ويقطعونهم إرْبا إرْبا ،وكانوا ل يستبقون إنسانا ،وكانوا يشنقون أناسا كثيرين بحبل واحد
بغيسة السسرعة ،فيسا للعجسب ويسا للغرابسة أن تذبسح تلك الجماعسة الكسبيرة المسسلحة بأمضسى
سسلح مسن غيسر أن تقاوم![ يبدو أنسه يسستبعد أن يكون هؤلء الضحايسا مسسلحين ،لنهسم لو
كانوا مسلحين لدافعوا عن أنفسهم] .
وكان قومنا يقبضون على كل شيء يجدونه ،فيبقرون بطون الموتى ،ليخرجوا منها
قطعسا ذهبيسة ،فيسا للشره وحسب الذهسب! وكانست الدماء تسسيل كالنهار فسي طرق المدينسة
المغطاة بالجثث فيا لتلك الشعوب العمي المعدة للقتل! ولم يكن بين تلك الجماعة الكبرى
واحسد ليرضسى بالنصسرانية دينسا ،ثسم أحضسر "بوهيمونسد" جميسع الذيسن أعتقلهسم فسي برج
القصسر ،وأمسر بضرب رقاب عجائزهسم وشيوخهسم وضعفائهسم ،وبسسوق فتيانهسم وكهولهسم
إلى إنطاكية لكي يباعوا فيها ."...إلى أن قال:
"وكان سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس غير سلوك الخليفة عمر بن الخطاب نحو
النصسارى حيسن دخلهسا منسذ بضعسة قرون ،قال كاهسن مدينسة "لوبوي" "ريمونسد داجسي":
حدث مسا هسو عجسب بيسد العرب عندمسا اسستولى قومنسا على أسسوار القدس وبروجهسا ،فقسد
قطعسست رؤوس بعضهسسم.فكان هذا أقسسل مسسا يمكسسن أن يصسسيبهم(!) وبقرت بطون بعضهسسم
فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسسهم مسن على السسوار ،وحرق بعضهسم فسي النار ،فكان
ذلك بعسسد عذاب طويسسل ،وكان ل يرى فسسي شوارع القدس وميادينهسسا سسسوى أكداس مسسن
رؤوس العرب وأيديهم وأرجلهسم ،فل يمر المرء إل على جثث قتلهم ،ولكن كل هذا لم
يكن سوى بعض ما نالوا."...
وروى ذلك الكاهسسن الحليسسم خسسبر ذبسسح عشرة آلف مسسسلم فسسي مسسسجد عمسسر ،فعرض
الوصف اللطيف التي:
" لقسد أفرط قومنسا فسي سسفك الدماء فسي هيكسل سسليمان ،وكانست جثسث القتلى تعوم فسي
السساحة هنسا وهناك ،وكانست اليدي والذرع المبتورة تسسبح كأنهسا تريسد أن تتصسل بجثسث
غريبسة عنهسسا ،فإذا مسسا اتصسسلت ذراع بجسسسم لم يعرف أصسسلها ،وكان الجنود الذي أحدثوا
تلك الملحمسة ل يطيقون رائحسة البخار المنبعثسة مسن ذلك إل بمشقسة ["...المرجسع السسابق:
ص ].327 ،325
91
قسوة النصارى ووحشيتهم في هذا العصر.
أمسسا المثلة على قسسساوة قلوب النصسسارى وغلظتهسسم ووحشيتهسسم فسسي هذا العصسسر
وبخاصة على المسلمين ،فالكرة الرضية كلها تشهد بها وتئن من وطئتها ،وساكنو هذا
الكوكسب يقرؤون ذلك ويسسمعونه ويشاهدونسه فسي كسل مكان[ل نريسد الحديسث عسن الفظائع
التسسي أرتكبهسسا النصسسارى فسسي القارات التسسي احتلوهسسا بالكامسسل وقضوا على سسسكانها بدون
رحمة وجعلوا من بقى منهم ذليل مهانا أقل عندهم من رتبة الحيوان ،كما هو الحال في
أمريكسا الشماليسة والجنوبيسة واسستراليا ،ول الحديسث عسن تجارة الرقيسق التسي عمست أقطار
إفريقية وأسهمت فيها كل دول النصارى فهذا أمر يطول (راجع كتاب إفريقيا السلمية
للدكتورة عنايات الطحاوي ص .].)231
فقسسد عاثسست الدول النصسسرانية فسسسادا ،اعتدت فيسسه على مسسا اتفقسست المسسم على وجوب
حفظسسه ،مسسن الضرورات التسسي ل تحيسسى تلك المسسم إل بحفظهسسا ،وهسسي :النفوس والعقول
والنسل والمال-إضافة إلى الدين ومن أمثلة ذلك:
أول :في القارة الفريقية:
فقسسد تداعسست دول أوروبسسا النصسسرانية على البلدان الفريقيسسة ،فسسي شمالهسسا وجنوبهسسا
وشرقهسا وغربهسا ووسسطها ،وتقاسسموها فيمسا بينهسم-على شدة الختلفات السسائدة بينهسم-
وأنزلوا بسكانها من الدمار والهلك ،ما تتورع عنه الوحوش في غاباتها ،قضوا في كل
بلد على زعمائه وقادتسسسه وسسسسفكوا دماء اللف مسسسن أبنائه ،بدون تفرقسسسة بيسسسن الرجال
والنسسساء ،والشيوخ والكهول والشباب والطفال ،وشردوا اللف المؤلفسسة ،وحرموا مسسن
بقسي فسي البلد مسن أقسل حقوق النسسان التسي يتشدق النصسارى بالدعوة إليهسا ،فأذلوا بذلك
سسسكان البلدان الفريقيسسة كلهسسم واسسستعبدوهم ونهبوا خيراتهسسم ،كسسل ذلك باسسسم السسستعمار
والتحرير.
في شمال إفريقيا:
فقسسد نقسسل الميسسر شكيسسب أرسسسلن عسسن بعسسض المراسسسلين الوروبييسسن الذيسسن رافقوا
الجيوش اليطاليسسة عندمسسا اغتصسسبت ليبيسسا شيئا ،يسسسيرا ممسسا ذكره أولئك المراسسسلون
وشاهدوه من أعمال غزاة النصارى الوحشية ،فقال:
(وليسس المسسلمون وحدهسم هسم الذيسن شاهدوا أعمال الطليان وضجوا منهسا ،بسل ثمسة
كثيسر مسن الفرنسج شاهدوهسا وأنكروهسا ،ومسن ذلك المسستر "فرانسسس ماكول" النجليزي
الذي كان مرافقسا للجيسش اليطالي فسي طرابلس عنسد الحتلل وشاهسد تلك الفظائع بعينسه،
فقسسد قال" :أبيسست البقاء مسسع جيسسش ل هسسم له إل ارتكاب جرائم القتسسل ،وإن مسسا رأيتسسه مسسن
المذابسسح ،وترك النسسساء المريضات العربيات وأولدهسسن يعالجون سسسكرات الموت على
قارعسة الطريسق جعلنسي أكتسب للجنرال "كانيفسا" كتابسا شديسد اللهجسة ،قلت له :إنسي أرفسض
البقاء مع جيش ل أعده جيشا ،بل عصابة من قطاع الطرق والقتلة).
(ومسن ذلك شهادة الكاتسب اللمانسي "فون غوتسبرغ" الذي قال " :إنسه لم يفعسل جيسش
بعدوه من أنواع الغدر ما فعله الطليان في طرابلس ،فقد كان الجنرال كانيفا يستهين بكل
92
قانون حربي ،ويأمر بقتل جميع السرى ،سواء أقبض عليهم في الحرب أو في بيوتهم،
وفي سيراكوزه الن كثير من السرى الذين لم يؤسر واحد منهم في الحرب ،وأكثرهم
من الجنود الذين تركوا في مستشفى طرابلس.
وقسسد قبسسض الطليان على ألوف مسسن أهسسل طرابلس فسسي بيوتهسسم ونفوهسسم ،بدون أدنسسى
مسوغ إلى جزر إيطاليا حيث مات أكثرهم من سوء المعاملة.
وأقسر مسا قاله "هرمان رنولوف" المراسسل النمسساوي الحربسي فقسد وجسد فسي الباخرة
التي نقلت جانبا من هؤلء السرى فوصف تلك الحالة ،فقال:
" في الساعة السادسة من مساء كل يوم يكبل هؤلء المرضى بالحديد في اليد اليمنى
والرجل اليسرى ،حقا إن موسيقى هذه السلسل تتفق مع المدنية التي نقلتها إيطاليا إلى
إفريقيسسا ،ل ريسسب أن الطليان قسسد أهانوا كثيرا ،فلم يكسسف أنهسسم أسسسقطوا منزلة أوروبسسا
العسكرية في نظر إفريقيا ،حتى شوهوا اسم النصرانية أمام السلم "ثم قال ":وقد قتل
الطليان فسي غيسر ميدان الحرب كسل عربسي زاد عمره على أربسع عشرة سسنة ،ومنهسم مسن
اكتفوا بنفيه.
وأحرق الطليان فسي 26أكتوبر سسنة 1911م حيسا خلف بنسك رومسا ،بعسد أن ذبحوا
أكثسسر سسسكانه بينهسسم النسسساء والشيوخ والطفال "قال ":ورجوت طبيسسبين عسسسكريين مسسن
أطباء المسستشفى ،أن ينقلوا بعض المرضسى والمصسابين المطروحيسن على الرض تحست
حرارة الشمس فلم يفعل ،فلجأت إلى راهب من كبار جمعية الصليب الحمر ،هو الب
"يوسسسف بافيلكسسو" وعرضسست عليسسه المسسر ،وأخسسبرت شابسسا فرنسسسيا أيضسسا ،لكسسن الب
"بافيلكو" حول نظره عني ونصح الشاب بأن ل يزعج نفسه بشأن عربي في سكرات
الموت ،وقال" :دعه يموت".
قلت (القائل هسو الميسسر أرسسلن)" :ليتأمسسل القارئ أن هذا الذي يقول هذا القول هسو
قسسسيس يزعسسم أنسسه ممثسسل المسسسيح على الرض ،وأنسسه مسسن رجال الصسسليب الحمسسر ،أي
الجمعيسة التسي تزعسم أنهسا تخدم النسسانية بل اسستثناء" ثسم قال هذا المراسسل النمسساوي:
"ورأيت على مسافة قريبة جنديا إيطاليا يرفس جثة عربي برجله ،وصباح اليوم التالي
وجدت الجرحى والمرضى الذين رجوت الراهب من أجلهم قد ماتوا "...ثم قال" :رأينا
طائفسة مسن الجنود تطوف الشوارع مفرغسة رصساص مسسدساتها فسي قلب كسل عربسي تجده
في طريقها ،قد نزع أكثرهم معاطفهم ،ورفعوا أكمام قمصانهم كأنهم جزارون"......
وقال مراسل التايمز يومئذٍ-قلت [القائل هو شكيب أرسلن] :ول يجوز أن ننسى أن
غارة إيطاليسا على طرابلس كانست بالتفاق مسع فرنسسا وإنجلترا ،اسسترضاء ليطاليسا على
إثر تقاسم إنكلترا وفرنسا مصر والمغرب" :-إن قسوة النتقام التي استعملها الطليان في
وقعسة يوم الثنيسن يليسق أن يقال عنهسا إنهسا أعمال قتسل عام ،فقسد فتكوا بكثيسر مسن البرياء،
وستبقى ذكرى هذا النتقام زمنا طويل".
وقال المسي كسيرا مراسل جريدة " إكسليسيور" الباريسية ":ل يخطر ببال أحد ما
رأيناه بأعيننا من مشاهد القتل العام ومن أكوام جثث الشيوخ والنساء والطفال ،يتصاعد
منها الدخان تحت ملبسهم الصوفية كالبخور يحرق أمام مذبح من مذابح النصر الباهر،
ومررت بمائة جثة بجانب حائط قضي عليهم بأشكال مختلفة.
93
ومسا فررت مسن هذا المنظسر حتسى تمثلت أمام عينسي عائلة عربيسة قتلت عسن آخرهسا،
وهسي تسستعد للطعام ،ورأيست طفلة صسغيرة أدخلت رأسسها فسي صسندوق حتسى ل ترى مسا
يحسل بهسا وبأهلهسا .إن اليطالييسن فقدوا عقولهسم وإنسسانيتهم مسن كسل وجسه"[)....حاضسر
العالم السلمي ( )128-264ذكر فيها المير شكيب أرسلن من الفظائع الوحشية التي
قام بهسسا النصسسارى اليطاليون مسسا ل يكاد يصسسدقه العقسسل فراجسسع ذلك إن شئت والتاريسسخ
السلمي (.].)14/24
هذه نصسوص مختزلة لبعسض المراسسلين الوروبييسن عسن وحشيسة النصسارى وقسساوة
قلوبهسم وخلوهسا مسن الرحمسة ،فسي بلد واحسد وهسو ليبيسا ومسن جيسش بلد أوروبسي نصسراني
واحسسد ،هسسو الجيسسش اليطالي برضسسا الدول النصسسرانية الخرى فسسي أوروبسسا ،وهسسو مثال
ينطبق على كل البلدان التي اغتصبها النصارى في إفريقيا-وغيرها.-
والعالم كله يعرف غلظسة النصسارى الفرنسسيين وقسسوتهم ووحشيتهسم التسي عاملوا بهسا
الشعسسب الجزائري الذي قدم مليون شهيسد ،فسسي سسبيل إزاحسسة نيسر أولئك القسساة مسن على
كاهله ،مسع إهانسة مقدسساته والعتداء على مسساجده ،التسي حولوهسا إلى كنائس ودنسسوها
بالشرك بدل مسسسن التوحيسسسد الذي كان يعمرهسسسا[راجسسسع كتاب :السسسستعمار أحقاد وأطماع
للسسستاذ محمسد الغزالي ص .37وراجسسع كذلك التاريسسخ السسلمي 14/229ومسا بعدهسسا
لمحمود شاكر.] .
وحدث عسن قسسوة النصسارى واليهود مجتمعيسن على المسسلمين اجتماعسا مباشرا ،كمسا
حصل من بريطانيا وفرنسا ودولة اليهود على مصر المسلمة ،ول حرج.
واقرأ السسسطور القليلة التيسسة التسسي سسسطرها الشيسسخ محمسسد الغزالي (رحمسسه ال) عسسن
العدوان الثلثي على مصر سنة:
قال" :وإنسسي سسساعة كتابسسة هذه السسسطور أسسستمع إلى روايسسة شاهسسد عيان يصسسف غزو
الحلفاء الثلثسسسة :إنجلترا وفرنسسسسا وإسسسسرائيل لمدينسسسة ,,بور سسسسعيد ،،قال :بذل الهلون
قصسارا هسم فسي رد الجنود الهابطين بالمظلت ،واسستطاعوا مغالبسة الفواج الولى منهم،
بيسد أنهسم بوغتوا بمئات الطائرات ترجسم المدينسة بقذائفهسا الحارقسة ،وكان الفسق مليئا بهذه
السراب المغيرة ،تغدو وتروح ،وهي تفرغ الهلك في كل مكان!
خمسسمائة غارة فسي هذا اليوم الغسبر-كمسا نطقست بذلك بلغات العدو-وانضمست سسفن
السسطول إلى هذا الهجوم ،فأخذت تطلق مدافعهسا على المدينسة اللغبسة ،فرئيست القصسور
والنار تخرج من نوافذها ،ثم ما هي إل لحظات حتى تندك فوق رؤوس ساكنيها.
وسسرى الرعسب إلى الحيوانات التسي تقطسن المدينسة ،فانسسابت تجري فسي شسو راعهسا
على غيسر هدى ،غيسر أن الرصساص المنهمسر ل يدعهسا تصسل إلى مهرب ،فأيسن المهرب
للنسان والحيوان في هذا البلء المحيط؟ ولذلك تجاورت في الميادين والزقة جثة كلب
شارد وإنسسسان بائس… وكانسست الجثسسث المتناثرة كأوراق الشجسسر السسساقطة فسسي فصسسل
الخريف ،تكسو الرض المخضبة فسي منظسر يثير اللوعة وأحيانسا تجد كوما من الموتى
وقع بعضهم على بعض فتتساءل :أُركِموا هكذا بفعل فاعل؟ ...ل كم هي رخيصة دماء
أولئك المسلمين؟![الستعمار أحقاد وأطماع ص ].131 ،130
أمسا مسا فعله السستعمار الفرنسسي ثسم السستعمار النجليزي فسي مصسر فله شأن آخسر
94
وكذلك فسي السسودان [.راجسع شيئا مسن فظائع الفرنسسيين فسي مصسر فسي نفسس الكتاب ص
].169 ،152
في شرق إفريقيا:
ول يختلف ظلم النصسارى الحباش ،وبخاصسة فسي عهسد الطاغيسة هيلسسلسي ،عسن
ظلم النصسارى الوروبييسن للمسسلمين وقسسوتهم ،إل فسي أن ظلم نصسارى الحبشسة وقهرهسم
للمسسلمين مسستمر طويسل لنسه صسادر مسن قسساة قلوب حاكميسن مسن أهسل البلد أنفسسهم ،أمسا
الوروبيون فاغتصسسابهم للبلد طارئ ،ومقاومسسة الطارئ مهمسسا عتسسي وتجسسبر أخسسف مسسن
مقاومسة طاغ أصسيل فسي البلد ،يمكنسه أن ينال عون الظالم الجنسبي الطارئ ،كمسا حصسل
لوحسش الحبشسة الذي أيدتسه جميسع الدول النصسرانية فسي الغرب ،لنزال الضربات القاسسية
على المسلمين قتل وتشريدا وإذلل واعتداء على كل ضرورات الحياة ،هذا مع أن نسبة
المسلمين في البلد تفوق نسبة غيرهم ،ولكن عدوهم ينكر ذلك ويدعي العكس ،وتعدت
قسوتهم حدود الحبشة إلى الوغادين الصومالية.
فكسم قتلوا مسن النفوس وكسم هدموا مسن القرى وكسم شردوا مسن البشسر [اقرأ فسي ذلك
المرجع السابق من ص ].106 ،71
أمسا "إريتريسا" المسسلمة فقسد دمروهسا وأحرقوهسا حرقسا وأبادوا شعبهسا إبادة جماعيسة،
برغم مقاومته الباسلة.
يقول هارون آدم علي " :تمكنست حركسة الكفاح المسسلح للشعسب الريتري فسي الفترة
مسن 1381هسس1386-هسس مسن تصسعيد عملياتهسا الجهاديسة بأسسلوب حرب العصسابات ،حتسى
استطاعت استقطاب الجماهير في الريف الريتري ،وأصبحت عملياتها العسكرية تقض
مضاجسع السستعمار الثيوبسي( ...و) جسن جنون المسبراطور هيلسسلسي ،فأمسر قواتسه
بالزحسف على الريسف الريتري معقسل الثوار برا وجوا للقضاء على اليابسس والخضسر،
دون تمييسز بيسن الثوار والشعسب العزل مسن النسساء والطفال ،بسل أمسر جنوده بإبادة مسا
يصسادفونه مسن المواطنيسن بالرصساص وإضرام النار فسي المنازل ،حيسث عمست البلد فسي
عام 1387هس س سسسلسلة مسسن المجازر البشريسسة مسسا تفوق فسسي قسسسوتها مجازر ديسسر ياسسسين
بفلسطين وشارب بفيل في جنوب إفريقيا ،إذ سقط خلل عدة شهور من القصف الجوي
الثيوبسي أكثسر مسن 60ألف مواطسن ،جلهسم مسن النسساء والطفال والكهول ،ودمرت أكثسر
مسن 1500قريسة ،وقتسل مسا يقارب المليون رأس مسن الثروة الحيوانيسة ،بالضافسة لنتهاك
الحرمات وعمليات النهب والسلب والتدمير التي مارستها قوات الحتلل الثيوبي ضد
الشعسسب الريتري ["...واقرأ كذلك :الفعسسى اليهوديسسة فسسي معاقسسل السسسلم ص ،178
].184
ول زال المسسلمون فسي إريتريسا يعانون عنتسا مسن النصسارى ،وبخاصسة بعسد اسستيلء
الحزب النصسسراني على البلد الن ،بقيادة أسسسياسي أفورقسسي الذي ارتمسسى فسسي أحضان
اليهود وأنزل من الذى والتشريد بالمسلمين ما يندى له الجبين.
ولعل هذه النماذج لقسوة النصارى في شمال إفريقيا وشرقها كافية لليقين بأن هؤلء
الجلف العتاة الذيسسسسسن يزعمون التمدن وحمايسسسسسة حقوق النسسسسسسان و إعمار الرض
95
وتحضير الناس والرتقاء بهم ،قد نزعت الرحمة من قلوبهم.
ول داعسي لزيادة ذكسر نماذج فسي بقيسة بلدان إفريقيسا فسي غربهسا ووسسطها وجنوبهسا،
فالنماذج متقاربسسة ،ولكسسن يضاف إلى أعمال الغاصسسبين الوروبييسسن فسسي غرب إفريقيسسا
ووسسطها ،أنهسم اتخذوا الجنسس البشري بضاعسة مزجاة ،إذ كانوا يصسطادون أهسل البلد
رجال ونساء وصغارا وكبارا بأعداد هائلة ويملئون بهم السفن التي تبحر بهم إلى بلدان
أوروبسسا وأمريكسسا ،ليسسبيعوهم عسسبيدا بأبخسسس الثمان ،حيسسث يسسستعبدهم الجنسسس البيسسض
ويرهقهسسم بالعمال الشاقسسة ،ليجود عليهسسم بلقمسسة العيسسش التسسي يبقون بهسسا أحياء يكدون
ويكدحون فسسي المزارع والمصسسانع ،ويعاملونهسسم معاملة أدنسسى مسسن معاملة الحيوان ،فل
يسساكنونهم ول يؤاكلونهسم ول يشار بونهسم ،ول يسسمحون لهسم أن يلبسسوا مثسل لباسسهم ،ول
يركبوا مركوبسا تهسم ،ول يأذنون لهسم بتلقسي التعليسم مثلهسم ،وعندمسا انفرج المسر قليل أذن
لهم بالتعليم في مدارس خاصة بهم ل يختلطون بالبيض في مدارسهم.
وكان كثيرا من هؤلء الفارقة مسلمين.
ولم تلغ التفرقسة العنصسرية البغيضسة قانونسا إل بعسد كفاح مريسر ومعاناة شديدة مروا
بها.
ول زال الحتقار عمليا موجودا ضد الفارقة في أمريكا ،وكان أول حصن يحتمون
بسه مسن تلك التفرقسة العنصسرية ويكافحون الجنسس البيسض انطلقسا منسه ،هسو السسلم الذي
اعتنقه أليجا محمد من أجل تحرير قومه من ذلك الظلم الغاشم ،وكان فهمه للسلم فهما
منحرفسا ،وبعسد وفاتسه خلفسه ابنسه وارث الديسن الذي بدأ يتفهسم السسلم شيئا فشيئا ،بسسبب
زياراتسه للحرميسن ولقائه العلماء فسي الحجاز واتصساله بالمسسلمين العرب وغيرهسم بسه فسي
أمريكا حتى تخلص من مفاهيم والده الخطيرة للسلم.
وأصسبح هسو وقومسه الن أقرب إلى فهسم السسلم ،وبذلك أصسبحت عندهسم عزة وبدأ
المريكيون يحترمونهم.
قسوة النصارى في آسيا:
قسوة النجليز على أهل فلسطين قبل أن تسلم أرضهم لليهود.
وقد ذكر نبذة مختصرة من ذلك الشيخ الغزالي ،فقال:
(تفننست السسلطة البريطانيسة فسي أسساليب التعذيسب ووسسائله ،واسستخدمت العلم وأدواتسه
لنزال أشسد مسا يمكسن مسن اللم بأهالي فلسسطين ،والتعذيسب عندهسم على نوعيسن :تعذيسب
فردي لكراه الفرد على العتراف .وهسسسسسو مسسسسسا يجري عادة فسسسسسي سسسسسسراديب تحسسسسست
الرض[وهو أسلوب متبع لدى كل من انتزعت الرحمة من قلبه حتى من المنتسبين إلى
السسلم ،كمسا سسيأتي ] .وتعذيسب عام يرتكسب فسي الجماعات لرهاب الهليسن وإرهاقهسم،
وهسسو مسسا يجري على مل مسسن الناس فسسي البيوت والطرق وسسساحات القرى فسسي الليسسل
والنهار.
التعذيب الفردي
[وهسسو أيضسسا أسسسلوب متبسسع يمارسسسه الن اليهود فسسي فلسسسطين والعلمانيون فسسي بلد
96
المسلمين].
-1الزنزانسة :وهسي سسجن ضيسق ل يكاد يسسع النسسان ،وطعام السسجين كسسرة صسغيرة
من الخبز الرديء مع قليل من الماء.
-2الضرب ،وهسم يضربون الشخسص بالسسياط واليدي والرجسل ،حتسى يغمسى عليسه،
وتتورم الرجلن مسسن كثرة الضرب ،ثسسم يضعونسسه تحسست صسسنابير الماء البارد زيادة فسسي
إيلمه.
-3التهديسد بالقتسل ،يخرجون المسسدسات ،ويصسوبونها إلى وجهه ،ويهددونسه بإطلقهسا
عليه.
-4الزجاج والمسسسامير ،يكرهونسسه على السسسير فوق قطسسع مسسن الزجاج والمسسسامير،
ويكرهونسسه على القفسسز فوقهسسا ،فإذا توقسسف ضربوه بالسسسياط ،فل يزال يقوم ويقسسع والدم
ينزف مسن رجليسه ويديسه وسسائر جسسمه ،حتسى يرتمسي آخسر المسر منهوكسا أو مغمسى عليسه،
وينزعون ثيابه ،ويضربونه بألواح من خشب فيها مسامير فيسيل دمه.
-5أو يجلسسونه على خشبسة خازوق ويربطون فسي رجليسه أثقال مسن أكياس الرمسل،
حتى يغمى عليه.
-6أو يربطون إبهامي رجليه بسلك من الحديد ،ثم يشدونه حتى تكاد إبهامه تنقطع.
-7أو يربطون أعضاءه التناسسلية برباط متصسل بِبَكْرة مسن السسقف ،ثسم يجذبون الحبسل
شيئا فشيئا حتى يغمى عليه ،وكثيرا ما قطعوا عضوه التناسلي.
-8تقطيسع الظافسر والشعسر بكلليسب خاصسة ،ويشدونسه مسن شاربسه ولحيتسه وينتفون
شعره.
-9صب الماء في الجوف ،ويصبون الماء في فمه بواسطة قمع خاص ،حتى يملئوا
جوفه ،وينتفخ كالقربة ويتألم أشد اللم.
-10الكي بالنار ،ويحمون أسياخ الحديد حتى تلتهب كالجمر ،ثم ينخسونه بأطرافها،
ويأتون بالمسامير المحماة بالنار ويغرسونها تحت أظافره.
-11التعذيسسب بالكهرباء :يضعون فسسي يديسسه جهازا كهربائيسسا ويسسسلطون عليسسه تيارا
كهربائيسسا أقسسل قوة ممسسا يكفسسي للموت فيرتعسسد ويضطرب ويختلج ،ول يسسستطيع أن يلقسسى
الجهاز من يديه.
-12الفعل الشنيع!.
-13سسلخ قدمسي المعذب ،وصسب الزيست المغلي عليهسا ،ونسسف الرجال بالديناميست،
كما حدث في قرية الزيت.
-14ينقلونه إلى المستشفى ،حتى إذا شفي أرجعوه إلى التعذيب ثانية.
-15يخفون الشخسص الذي يظهسر عليسه أثسر التعذيسب ،وأحيانسا يقتلونسه ،ليخفوا أثسر
الجريمة.
-16التعذيسب بالغراق ،يلقونسه فسي البحسر حتسى يشرف على الغرق ،لكراهسه على
العتراف.
-17المسسسسكرات والمخدرات ،يجرعونهسسسا للقروييسسسن كرهسسسا يصسسسبونها بحلوقهسسسم،
ويحقنونهسم بالمورفيسن ،ويسسممونهم بالكوكاييسن والهرويسن ،كمسا جرى مسع رفاق الشهيسد
97
المرحوم الشيخ فرحان السعدي.
-18يعدون سسراديب خاصسة للتعذيسب فسي دائرة المباحسث الجنائيسة بالقدس وغيرهسا،
فلما يجيء دور الرجل المراد تعذيبه ،يأخذونه إلى أقبية التعذيب ،وهو معصوب العينين
بعد منتصف الليل ،وبعد إغمائه من اللم ينقلونه إلى مخفر البوليس ،ثم إذا أفاق يعودون
به إلى أقبية التعذيب.
-19يخفون المعذبيسن عسن أهلهسم وسسائر الناس ،لكسي ل يمكنوا أحدا مسن زيارتهسم أو
معرفة مكانهم.
فإذا فرغوا من تعذيبهم وزال أثر التعذيب ،نقلوهم إلى سجن القدس أو عكا أو معتقل
الزرعة.
التعذيب العام.
عندمسسا يعجسسز الجيسسش عسسن أن ينال مسسن المجاهديسسن ،ينقلب إلى الفلحيسسن المسسساكين
المنيسن فسي بيوتهسم ينتقسم منهسم ،ويشفسي صسدره بتعذيبهسم بالضرب الشديسد بأعقاب البنادق
والهراوات الغليظسة بل شفقسة ول رحمسة ،وبدون تفريسق بيسن الصسغار والكبار والرجال
والنساء ،يسمون هذا العمل عملية تفتيشية ،ويرتكب خللهسا من الفظائع أشكال وألوانا،
وكسل القرى ذاقست فظاعسة التفتيسش ،ويتخلله تخريسب البيوت ونسسفها بالديناميست ،وإتلف
أمتعة الفلحين ومؤنهم ونهب الحلي والموال ،وترويع النساء والطفال ،وقتل المنين
على قارعة الطريق من رجال ونساء وأطفال [الستعمار أحقاد وأطماع .288 ،280
وقد كانت هذه الساليب من النجليز نواة لساليب اليهود في فلسطين الن ،وهاهم
اليوم قسسد نفوا أكثسسر مسسن أربعمائة مسسن خيرة المسسسلمين فسسي فلسسسطين إلى جبسسل فسسي مرج
الزهور فسي فصسل الشتاء القارص بدون طعام ول شراب ول دواء ومسر عليهسم فسي هذا
التعذيب الجماعي أكثر من شهر .راجع ما مضى في هذه القصة].
قسوة النجليز على المسلمين في الهند.
عندمسا اسستولى النجليسز على الهنسد وجهوا حقدهسم على المسسلمين إلى محاربتهسم ،و
تحريسض الهندوس والسسيخ على الفتسك بهسم ،بعسد أن فتكوا هسم بمسن اسستطاعوا الفتسك بسه
منهسسم ،والسسستيلء على أملكهسسم وأراضيهسسم ،وبعسسد ان أعلن الحاكسسم البريطانسسي" :أن
العنصسر السسلمي فسي الهنسد هسو عدو بريطانيسا اللدود ،وأن السسياسة البريطانيسة يجسب أن
تهدف إلى تقريسسب العناصسسر الهندوكيسسة لتسسساعدهم فسسي القضاء على الخطسسر الذي يتهدد
بريطانيا في هذه البلد"....
" فاشتسسد النجليسسز فسسي هجمتهسسم على المسسسلمين بعسسد إنهاء الثورة واسسستولوا على
أراضيهسم ،ففقسد المسسلمون أملكهسم الواسسعة ولم يبسق لهسم سسوى %5مسن أراضيهسم التسي
كانوا يملكونهسا مسن قبسل وسسدت فسي وجوههسم أبواب الرزق فسي الدواويسن ،وصسودرت
أملكهم ،وأخذ النجليز جانب الهندوس والسيخ وأطلقوهم يهزءون بالمسلمين وبدينهم،
ويسسومونهم سسوء العذاب فكانست المذابسح التسي راح ضحيتهسا اللف مسن المسسلمين"...
98
ل[حاضر العالم السلمي وقضاياه ة للدكتور جميل عبد ال المصري ص .397دربت
بريطانيسا الهندوس على ارتكاب المذابسح للمسسلمين فسي الهنسد كمسا دربست اليهود-وهسم فسي
الصل مُدَرّبون-على ذلك بالنسبة للفلسطينيين].
لقد اغتصب النصارى الوروبيون عامة البلدان السيوية ،وعاثوا فيها فسادا وقتلوا
وشردوا ودمروا وأذلوا أهلهسسا ،وعاملوا المسسسلمين بالذات معاملت وحشيسسة قاسسسية دلت
على نزع الرحمسة مسن قلوبهسم مسن غرب آسسيا إلى شرقهسا وجنوب شرقهسا ،ل فرق بيسن
إنجليزي وفرنسسي وأسسباني وبرتغالي وهولندي ،وختموا أعمالهسم فسي البلدان السسلمية
بإيجاد أحزاب متناحرة ودول متحاربسسة يكيسسد بعضهسسا لبعسسض ،وهسسم الن يورون زناد
المعارك بيسن الشعوب السسلمية ويصسنعون لهسم السسلح الذي يقتسل بسه بعضهسم بعضسا،
ولكنهم يحجرون على الحكومات القائمة في الشعوب السلمية أن تقتني سلحا متطورا
يكون شبسه هجومسي ،ويأذنون بذلك لعداء المسسلمين مسن اليهود فسي فلسسطين والهنسد فسي
جنوب القارة الهنديسسة ليمكنوا الدولتيسسن مسسن السسسيطرة على الشعوب السسسلمية وضربهسسا
بشدة وبدون رحمة عند اللزوم.
قسوة نصارى الفلبين وغلظتهم على المسلمين.
تعرض المسلمون في الفلبين لحملة إبادة من نصارى أوروبا ،ومن أمريكا-مؤخرا-
ول نحتاج للحديسث عسن ذلك ،فقسد عرفنسا كيسف نزعست الرحمسة مسن قلوبهسم فسي معاملتهسم
المسلمين في الندلس ،وفي الحروب الصليبية ،وفي زمن اغتصابهم بلدان المسلمين في
الشمال الفريقي وشرقه ،والقارة الفريقية بصفة عامة والن في البوسنة والهرسك.
والذي نريد الشارة إليه هو ما قام به نصارى الفلبين أنفسهم ،في العصر الحاضر
ضد المسلمين.
فقد تآمر ماركوس والرهبان والقسس في الفلبين-بإمداد من اليهود في فلسطين ،ومن
النصسارى فسي الدول الغربيسة-على المسسلمين وقرروا إبادتهسم وأنشئت منظمسة نصسرانية
إرهابيسسة أطلق عليهسسا( :إيلجسسا) أي جماعسسة الفئران-على اعتبار أنهسسا منظمسسة شعبيسسة،
والواقع أن ماركوس هو الذي أمدها وأيدها بكل الوسائل ،بل يقال :إنه هو الذي أنشأها،
وقسد ارتكبست هذه المنظمسة مسن الفظائع مسا يترفسع عنسه وحوش الغاب ،فطردت المسسلمين
مسسن ديارهسسم وأرضهسسم ،وأحرقسست بيوتهسسم ومسسساجدهم ومزارعهسسم ومصسساحفهم ،وقتلوا
علماءهسسم وأئمتهسسم ،وهتكوا أعراض نسسسائهم ومثلوا بشهدائهسسم ،حيسسث يقطعون رؤوس
الطفال وآذان الرجال وأثداء النسسسساء ،وينالون جوائز على هذا التمثيسسسل مسسسن المنظمات
السسرية مقابسل كسل أذن أو رأس أو ثدي يحضرونسه[راجسع مجلة الجامعسة السسلمية فسي
المدينة المنورة ،العدد الثالث من السنة الخامسة محرم سنة 1393ه-فبراير 1973م ص
105وما بعدها.].
وعلم العالم كله بالمذابسسح والعتداءات على المسسسلمين العُزْل ،ول زالت العتداء ت
مسسستمرة مسسن قبسسل حكام الفلبيسسن على المسسسلمين حتسسى كتابسسة هذه السسسطور [1422هس س س س
2001م] ،وأمامسي رسسائل مسن لجنسة العلم التابعسة "لجبهسة تحريسر مورو السسلمية"
99
تبين الحملت التي يقوم بها الجيش الفلبيني بين حين وأخر على المسلمين ،وحشد قواته
في جنوب الفلبين ،ومحاصرة معسكر أبي بكر الصديق الذي يحتمي فيه الشيخ سلمت
هاشم قائد الجبهة.
والمسلمون يستنجدون في هذه الرسائل ،يطلبون أن يمدوا بالمؤن الغذائية والملبس
والغطيسسسة والموال التسسسي يؤمنون بهسسسا لنفسسسسهم سسسسلحا ،يدافعون بسسسه عسسسن أنفسسسسهم
وأعراضهم[التقيت الشيخ سلمت هاشم في مقر قيادته وسجلت بعض المعلومات-كتابة-
عن تاريخ جهادهم ،كان ذلك في 2صفر سنة 1410هس].
هؤلء هسسم أهسسل الكتاب مسسن اليهود والنصسسارى ،وهذه نتسسف قليلة جدا مسسن حوادث
قسسسوتهم ،تكفسسي وحدهسسا للدللة على غلظ قلوبهسسم وخلوهسسا مسسن الرحمسسة وبخاصسسة على
المسلمين.
وإذا كانوا بهذه الصسسفة وهسسم يسسسابقون بمبادئهسسم وأفكارهسسم الباطلة إلى العقول ،فهسسل
يرجسى منهسم بكثرة أتباعهسم واسستيلئهم على العالم ،إل القسسوة والغلظسة والوحشيسة التسي
دمروا ول زالوا يدمرون بها العالم!.
قسوة النصارى في أوروبا[المتحضرة!]
وفسي قسسوة النصسارى الصسرب على المسسلمين فسي البوسسنة والهرسسك ،مسا يكفسي دللة
على وحشيسة النصسارى وقسسوتهم ونزع الرحمسة مسن قلوبهسم ،وقسد أنزل الصسربيون-فيمسا
كان يسسسمى بيوغوسسسلفيا-بالمسسسلمين فسسي البوسسسنة والهرسسسك مسسا تتنزه عنسسه الحيوانات
المتوحشسسة ،مسسن قتسسل مسسا يزيسسد على مائة وخمسسسين ألفسسا مسسن الرجال والنسسساء والشيوخ
والطفال ،وذلك فسي أقسل مسن سسنة ،وشردوا أكثسر مسن مليونيسن مسن المسسلمين ،كثيسر منهسم
أطفال ونساء وشيوخ ،يتلقف الطفال منهم المؤسسات التنصيرية في أوروبا ،لتحويلهم
مسن الفطرة السسلمية ،إلى الشرك النصسراني وينتزعون مسن قلوبهسم أغلى مسا وهبسه ال
للمسلم وهو إيمانه.
واشتدت القسوة على هؤلء اللجئين أكثر بتفريق السر المسلمة في دولة أوروبية
واحدة أو عدة دول :الب فسي مكان ،وأبناؤه فسي مكان آخسر ،والزوج فسي مكان ،وزوجسه
فسسسسسي مكان آخسسسسسر ،وهكذا الخوان والخوات ..يضاف إلى ذلك معسسسسسسكرات العتقال
والتعذيسب التسي فاقست فسي العتداء على حقوق النسسان المعسسكرات النازيسة التسي يندد بهسا
الغرب ويبدي ويعيد في التنديد بها .يعذب القريب فيها أمام قريبه ،ويقتل الب أمام البن
والزوج.
وأشد من ذلك وأنكى اغتصاب الوحوش المتمدنين في قارة حقوق النسان ،أكثر من
خمسسسين ألف امرأة وفتاة مسسسلمة ،بعسسض تلك الغتصسسابات تقسسع أمام أعيسسن أسسسرة الفتاة
المغتصبة.
وهذا غيسر الحصسار المسستمر الذي يفرضسه النصسارى منسذ مسا يقارب العام على مدن
المسسلمين ،وقراهسم وقصسف مرافقهسم وهدم منازلهسم عليهسم ،والحول بينهسم وبيسن المداد
والغاثسسة بلقمسسة العيسسش والدواء والملبسسس والغطاء ،فسسي أشسسد أوقات البرد القاسسسي الذي
قطعسسست على المسسسسلمين فيسسسه الكهرباء وكسسسل وسسسسائل التدفئة ،حتسسسى أنسسسك ترى العجائز
100
والصسبيان يحاولون التماس الخشاب فسي الشوارع وحملهسا إلى منازلهسم مسن أجسل الطبسخ
عليهسسا والتدفئة ،فيطلق عليهسسم النصسسارى قسسساة القلوب الرصسساص ويُرْدُونهسسم قتلى أو
جرحى تنزف منهم الدماء وتسيل ،حتى يموتوا في الشوارع دون إسعاف.
وقسد كشسف حدث البوسسنة غلظسة وقسسوة جميسع الدول النصسرانية الغربيسة التسي تزعسم
أنهسسا حاميسسة حقوق النسسسان ،وأنهسسا تقسسف ضسسد التطرف والتشدد والرهاب والتطهيسسر
العرقسسي ،واعتداء الدول القويسسة على الدول الضعيفسسة ،فقسسد اعترفسست الدول النصسسرانية
الغربيسسة بدولة البوسسسنة والهرسسسك وأصسسبحت عضوا فسسي هيئة المسسم المتحدة ،وبعسسد هذا
العتراف اعتدى الصسرب على المسسلمين بعون مسن حكومسة صسربيا والجبسل السسود،
يشمل السلحة الثقيلة والطائرات الحربية ،وبمساعدات وتأييد من دولة روسيا ،وأصدر
مجلس المن (المزعوم) قرارا بحظر السلحة ووصولها إلى البوسنة والهرسك ،فطبق
الحظسسر على المسسسلمين وبقسسي الصسسرب يتلقون العون مسسن إخوانهسسم النصسسارى بالسسسلح
وغيره.
وأصسسسدر مجلس المسسسن (المزعوم) قرارا بحظسسسر التحليسسسق الجوي على البوسسسسنة
والهرسسك ،ولكسن الصسرب تحدوا ذلك ول زالت الطائرات تقصسف المسسلمين ،ولم يحرك
مجلس المن ساكنا وكذلك المجلس الوروبي وحلف الناتو.
ولكسسن الدول الغربيسسة إذا تحرك صسساروخ فسسي العراق أو طائرة عراقيسسة قريبسسة مسسن
منطقة الحظر الجوي الذي فرضته أمريكا باسم هيئة المم المتحدة ،يرسلون أسرابا من
الطائرات الغربية لتصب نيرانها على الهدف وما جاوره ويطلقون مئات الصواريخ من
الخليسج للقضاء على أي حركسة ،زعمسا منهسم أنهسم ينفذون قرارات مجلس المسن ،وهكذا
يعامل النصارى قساة القلوب المسلمين ويصدرون القرارات التي ظاهرها في مصلحة
المسسلمين وينفذون عكسس ذلك ،ولكنهسم ينفذون قراراتهسم فقسط عندمسا تكون فسي مصسلحة
النصارى أنفسهم.
إنها وحشية دعاة حقوق النسان وقسوة دعاة الحرية والتمدن :نصارى الغرب كله.
وقسسد وجدت الدول النصسسرانية الغربيسسة بغيتهسسا فسسي الميسسن العام لهيئة المسسم المتحدة
النصسراني "بطرس غالي" العربسي الذي يعطيهسا المسسوغ تلو المسسوغ لعدم تدخلهسا فسي
إنقاذ المسسسلمين فسسي البوسسسنة والهرسسسك ،ولذلك تصسسدر هسسي السسستنكار لفعال الصسسرب
وتصرح بأنها تريد التدخل لمنع الصرب من العدوان ،ولكن النصراني العربي يحذرها
مسن مغبسة التدخسل العسسكري ،فتظهسر للعالم وللمسسلمين أنهسا إنمسا تأخرت عسن هذا التدخسل
بسسبب عدم الذن بسه مسن قبسل هيئة المسم المتحدة![.اقرأ عسن تنفيسذ هذا النصسراني العربسي
لمخطسسط التجمعات الكنسسسية جريدة الشرق الوسسسط ص 23بعنوان:بطرس غالي بطسسل
البوسسنة .عدد (27 )5167رجسب 1413هسس سس 20/1/1993م .وقد سسماه الكاتسب :بالجلد،
وأنا أسميه بما سماه ال :النصراني].
والسبب الحقيقي هو أن المظلومين مسلمون ،ولو كانوا يهودا أو نصارى أو وثنيين،
بل لو كان المعتدى عليهم قرودا أو كلبا ،لهبوا لنجدتهم.
وقسد صسرح زعيسم المعتديسن النصسارى الصسرب بأن العتداء على المسسلمين سسيستمر
ما داموا مسلمين " :فقائد القوات الصربية في البوسنة والهرسك أكد في تصريح نشرته
101
مؤخرا مجلة" :شبيجسسل" اللمانيسسة ،قال فيسسه :إن هدفنسسا هسسو القضاء على المسسسلمين فسسي
أوروبسا ،يجسب أن يختفوا كأمسة ،وعلى المسسلمين فسي البوسسنة إعلن تحولهسم عسن السسلم
وأن يصسبحوا صسربيين أو كروات ،أمسا الخيار الثالث لهسم فلن يكون إل الموت[ "...مجلة
المجتمسسسع الكويتيسسسة :العدد ( )1027الثلثاء جمادى الخرة سسسسنة 1413ه-أول ديسسسسمبر
1992م].
وصسسدق ال القائل{ :ولن ترضسسى عنسسك اليهود ول النصسسارى حتسسى تتبسسع ملتهسسم}..
[؟؟].1
ول نحتاج إلى ذكر مراجع لهذه لحوادث في هذه القسوة النصرانية ،فالتلفاز يعرض
قسسوة النصسارى على المسسلمين فيهسا مرات كسل يوم ،والصسحف العالميسة تنشسر أخبارهسا
المأسساوية كسل يوم ،والذاعات فسي العالم كله تذيسع فظائعهسا كسل سساعة :أخبار وتقاريسر
وتعليقات ومقابلت...
[ ومسسسع ذلك أحيسسسل القارئ الى بعسسسض الجرائد والمجلت منهسسسا :جريدة الشرق الوسسسسط عدد
5158ص 19بعنوان :مفكرة العار فسي البوسسنة 18/7/1413هسس .-ومجلة المجتمسع العداد،966 :
17شوال 1412هسسسسسس-ص ،22العدد 999:فسسسسسي 21/1/1414هسسسسسس-ص ،28العدد 1005:فسسسسسي
29/12/1412هسسسسسس-ص ،30العدد 1027 :فسسسسسي 7/6/1413هسسسسسس-ص ،28العدد 1026 :فسسسسسي
30/5/1413هسسسسسسسس-ص 26العدد 1008 :فسسسسسسسي 20/1/1413هسسسسسسسس-ص 30العدد 989:فسسسسسسسي
13/8/1412هس-ص .16وجريدة المسلمون ،كل أعداد عام 1413-1412هس-وكذا العالم السلمي
ومجلة الصلح وغيرها]...
النموذج الثالث :قساة الشيوعيين (الملحدين)
الشيوعيون الروس.
ولننتقسل الن إلى غيسر أهسل الكتاب مسن أهسل الباطسل ،لنأخسذ نتفسا أخرى مسن سسلوكهم
الدال على القسسوة والغلظسة وعدم الرحمسة ،لتكتمسل الصسورة ،ويعلم القارئ أن أهسل الحسق
هسم الرحماء ،وأن الرحمسة هسي مسن الخلق التسي يريدون غرسسها فسي نفوس الناس ،وأن
غرس الخلق الحميدة هو إحدى غاياتهم في السباق إلى العقول.
الحديسث عسن قسسوة الشيوعييسن وغلظتهسم ل يأتسي للناس بجديسد ،فقسد عرف العالم كله
فسي خلل مسا يزيسد عسن سسبعين سسنة أن الشيوعييسن أقسسى الناس قلوبسا وأغلظ أفئدة وأبعسد
عن الرحمة في كل مكان حلوا فيه.
وعداؤهسم للسسلم أشسد مسن عدائهسم لجميسع الديان ،ومعاملتهسم للمسسلمين ،لصسرفهم
بالقوة عسن دينهسم بقضائهسم على علمائهسم وهدمهسم مسساجدهم ومدارسسهم ،وتحويسل مسا بقسي
مسسن المسسساجد والمدارس إلى مسسسارح وحظائر ومخازن ودور للسسسينما ،أمسسر معروف
مشهور.
ويكفسي أن نذكسر لبالغ قسسوتهم مسا رواه أحسد الناجيسن مسن الموت مسن تعذيبهسم ،وهسو
السسستاذ "عيسسسى يوسسسف آلب تكيسسن"الذي فسسر مسسن إدارتهسسم الجهنميسسة وكتسسب كتابسسه الذي
فضحهم فيه وهو( :المسلمون وراء الستار الحديدي) .فقد نقل عنه سيد قطب رحمه ال
1
102
فسي كتابسه دراسسات إسسلمية مسا يلي مسن صسور التعذيسب الوحشسي فقال " :فلندع كاتبسا أخسذ
يحدثنا عن وسائل التعذيب الجهنمية التي سلطت على العنصر السلمي في التركستان
الغربية الخاضعة لروسيا ،والتركستان الشرقية التابعة للصين الشيوعية اسما ،ولروسيا
الشيوعية فعل " إلى أن قال :سيد" :وسنضطر أن نغفل ذكر بعضها-أي صور التعذيب-
هنسا ،لنهسا مسن القذارة بحيسث يخدش ذكرهسا كسل أدب إنسساني ،مكتفيسن بمسا تطيسق الداب
النسانية أن نذكره للناس ...وهذه هي:
-1دق مسامير طويلة في الرأس حتى تصل إلى المخ.
-2إحراق المسجون بعد صب البترول عليه وإشعال النار فيه.
-3جعل المسجون هدفا لرصاص الجنود يتمرنون عليه.
-4حبسس المسسجونين فسي سسجون ل ينفسذ إليهسا هواء ول نور ،وتجويعهسم إلى أن
يموتوا.
-5وضع خوذات معدنية على الرأس وإمرار التيار الكهربائي فيها.
-6ربط الرأس في طرف آلة ميكانيكية وباقي الجسم في ماكينة أخرى ،ثم تدار كل
مسن الماكينتيسن فسي اتجاهات متضادة ،فتعمسل كسل وحدة مقتربسة مسن أختهسا حينسا ومبتعدة
آخر ،حتى يتمدد الجسم الذي بين اللتين ،فإما أن يقر المعذب وإما أن يموت.
-7كي كل عضو من الجسم بقطعة من الحديد مسخنة إلى درجة الحمرار.
-8صب زيت مغلي على جسم المعذب.
-9دق مسمار حديدي أو إبر الجراموفون في الجسم.
-10تسمير الظافر بمسمار حديدي حتى يخرج من الجانب الخر.
-11ربط المسجون على سرير ربطا محكما ثم تركه ليام عديدة.
-12إجبار المسجون على أن ينام عاريا فوق قطعة من الثلج أيام الشتاء.
-13نتف كتل من شعر الرأس بعنف ،مما يسبب اقتلع جزء من جلد الرأس.
-14تمشيط جسم المسجون بأمشاط حديدية حادة.
-15صب المواد الحارقة والكاوية في فم المسجونين وأنوفهم وعيونهم ،بعد ربطهم
ربطا محكما.
-16وضع صخرة على ظهر المسجون ،بعد أن توثق يداه إلى ظهره.
-17ربط يدي المسجون وتعليقه بهما إلى السقف ،وتركه ليلة كاملة أو أكثر.
-18ضرب أجزاء الجسم بعصا فيها مسامير حادة.
-19ضرب الجسسسم بالكرباج حتسسى يدميسسه ،ثسسم يقطسسع الجسسسم إلى قطسسع بالسسسيف أو
بالسكين.
-20إحداث ثقسب فسي الجسسم وإدخال حبسل ذي عقسد واسستعماله بعسد يوميسن كمنشار،
لتقطيع قطع من أطراف الجرح المتآكل.
-21ولكسي يضمنوا أن يظسل المسسجون واقفسا على قدميسه طويل ،يلجئون إلى تسسمير
أذنيه في الجدار.
-22وضع المسجون في برميل مملوء بالماء في فصل الشتاء.
-23خياطة أصابع الرجلين واليدين والرجلين وشبك بعضهما إلى بعض.
103
-24والنسساء حظهسن مثسل هذا العذاب ،أنهسن يعريسن ويضربسن ضربسا مبرحسا على
ثديهن وصدورهن.
أمسا بقيسة تعذيسب النسساء فإننسا نمسسك عنسه ،لن المواقسع التسي اختاروهسا مسن أجسسامهن
والطرق الدنيئة التسي اسستعملوها تجعلنسا نسستحي مسن ذكرهسا وكتابتهسا[دراسسات إسسلمية
الطبعة الرابعة ص .206 ،200
وعندما كتب سيد هذه الصور لم تكن قد طبقت عليه هو في مصر ولكنه رحمه ال
قسسد ذاق فسسي زنزانات المجرميسسن هسسو وإخوانسسه وأخواتسسه شيئا منهسسا قبسسل أن يشنقسسه أعداء
السلم.].
يكفي هذا النموذج لمعرفة ما إذا كانت توجد في قلوب الشيوعيين الروس رحمة!!!.
تدمير شعب أفغانستان.
ولكسن مثال آخسر ظهسر أكثسر وضوحسا فسي الدللة على خلو قلوبهسم مسن الرحمسة ،وهسو
أنهسسم غزوا أفغانسسستان بجيوش جرارة وأسسسلحة فتاكسسة ،برا وجوا ،وقتلوا مسسن الشعسسب
الفغانسي مليونسا ونصسف المليون ،وطردوا مسا يقارب سستة ملييسن ،وعاثوا فسي الرض
فسادا يندر أن يوجد له مثيل ،ومكثوا يزاولون أعمالهم الوحشية في هذا الشعب أكثر من
سسبع سسنوات ،هدموا فيهسا المسساجد وأهانوا المصساحف واغتصسبوا النسساء ،وفرقوا كلمسة
المسلمين وجعلوا بعضهم يقتل بعضا ،ولزال الفغان يعانون المرين من آثار غزوهم.
ولكسسن ال تعالى نصسسر الفئة المؤمنسسة التسسي تصسسدت لهؤلء القسسساة ،ومسسع الصسسبر
والمصابرة نصر ال المجاهدين-على قلة عُدَدِهِم-على أعظم قوة عسكرية ضاربة ،فهزم
الجيش الروسي الشيوعي وعاد إلى بلده يجر أذيال الهزيمة ،وكان الجهاد الفغاني من
أعظم السباب التي هيأها ال لنهيار التحاد السوفيتي الظالم.
ولعسسل المسسسلمين يقطفون آثار هذا الجهاد فسسي تطسسبيق السسسلم فسسي أفغانسسستان وفسسي
الشعوب السسسلمية المجاورة التسسي كانسست تابعسسة للتحاد السسسوفيتي المنهار[.لقسسد خيسسب
المجاهدون الفغان آمال المسسسلمين الذيسسن أعانوهسسم بالمال والرجال والعتاد ،لرفسسع رايسسة
السسلم فسي بلدهسم ،حيسث أخذوا يقتتلون فيمسا بينهسم بعسد انسسحاب العدو الشيوعسي مسن
بلدهم ،ومازالت دماء المدنيين العزل تراق بأسلحة إخوانهم ممن كانوا قادة للجهاد ،إلى
يومنا هذا (كتبت هذا التعليق في 22/5/1418هس)].
الشيوعيون في الصين.
ول تقل قسوة الشيوعيين في الصين وغلظتهم على المسلمين-وعلى كل من يخالفهم-
عسسن قسسسوة الشيوعييسسن فسسي التحاد السسسوفيتي السسسابق ،وبخاصسسة فسسي إقليسسم "تركسسستان
الشرقيسسسة" الذي غيروا اسسسسمه إلى "سسسسانكيانج" وبالغوا فسسسي العتداء على أهله ،فقتلوا
علماءهسسم ،وأتلفوا مصسساحفهم وكتبهسسم الدينيسسة ،ومنعوهسسم مسسن أداء شعائرهسسم الدينيسسة،
وأغرقوهم بالمهجرين الشيوعيين من مناطق أخرى ،لتصبح نسبة المسلمين في هذا البلد
المسلم %10بعد أن كانت نسبتهم من قبل أكثر من .%90
104
وقسد ذكسر أن المسسلمين الذيسن تسم قتلهسم مسن سسنة 1950م إلى سسنة 1972م بلغ 360
ألفسسا ،وأن الذيسسن سسسيقوا إلى المعسسسكرات التعذيبيسسة والشغال الشاقسسة بلغ عددهسسم ()500
ألف ،وأن الذيسسن هربوا مسسن ديارهسسم بسسسبب ذلك العدوان بلغ ( )100ألف[-راجسسع محلة
الصلح عدد 219ص 35ومجلة المجتمع الكويتية عدد 967ص ].28
هذه الفظائع ذكرت في بلد واحد من بلدان الصين وهو تركستان الشرقية.
أما على مستوى الصين فالمر أعظم من ذلك ،وقد ذكر لي الشيخ عبد الرحمن بن
إسحاق الصيني الذي زرته في مدرسة التقوى في مدينة تشانجماي في شمال تايلند في
24/11/1409هسسس .أن الشيوعييسسن فسسي الصسسين قتلوا خلل سسست عشرة سسسنة مسسن سسسنة
1950م إلى 1976م عشرة ملييسسن (ول بسسد أن يكون للمسسسلمين حظهسسم الوافسسر مسسن هذا
القتل) ومات بسبب الجوع سبعة مليين.
أمسسا المسسسلمون فقسسد كانسست مسسساجدهم فسسي الصسسين ( )45ألف مسسسجد ،فصسسادرها
الشيوعيون وحولوهسا إلى مصسانع ومسسارح ودور سسينما ،وبنوا فسي محاريبهسا الطاهرة
التسسي كان الئمسسة يتلون فيهسسا كتاب ال ويسسسجدون فيهسسا لربهسسم ،المراحيسسض إهانسسة لهسسا
وللمسسلمين ،وقتلوا كثيرا مسن الئمسة والعلماء ،وقتلوا مسن المسسلمين مسا ل يقسل عسن مليون
شخص.
وكانوا يأمرون العالم المسلم بحمل القاذورات ليسمد بها الرض الزراعية ،ويعلقون
فسسي عنقسسه الكومسسة مسسن تلك القاذورات ،ويقولون له مسسن باب التهكسسم والذلل والسسسخرية
بربه وبدينه :إذا كنت تعبد ال فادعه ليساعدك[...المجلد الخاص بتايلند من سلسلة (في
المشارق والمغارب) مخطوط في مكتبة المؤلف].
وهذه الفظائع هسي التسي علمست ،ومسا لم يعلم أكثسر مسن ذلك بكثيسر ،وبخاصسة إذا علمنسا
أن الشيوعييسن يحيطون بلدانهسم وتصسرفاتهم بمسا يسسترها مسن الكتمان والحجسر العلمسي،
وعدم الذن بتسسرب تلك التصسرفات ،ولكسن ذلك يكفسي لمعرفسة أن الرحمسة قسد نزعست مسن
قلوبهم.
[راجسع على سسبيل المثال مسا نشسر على أحسد مواقسع النترنست على الوصسلة التيسة:
] http://www.islam-online.net/Arabic/news/2001-06/17/Article36.shtml
وفسي هذه اليام يعيسث الشيوعيون ذوو السسماء السسلمية فسي طاجكسستان فسسادا فسي
هذا البلد المسلم ،فقد قتلوا اللف من المسلمين الذين يطالبون بالتمتع بالسلم ،وشردوا
مئات اللف ،وأخافوا المنيسن من أبناء البلد متعاونيسن مسع الشيوعيين مسن ذوي السسماء
السلمية في بلدان أخرى ومع الروس بمساعدات من الغرب وبخاصة أمريكا ،والكفر
ملة واحدة [راجع مجلة المجتمع عدد 25-1038شعبان 1413هس-ص .].22
بسسسل لقسسسد غزت روسسسسيا الجمهوريسسسة الشيشانيسسسة فسسسي 9/7/1415هسسسس-الموافسسسق
11/12/1994م-ودمرت عاصسمتها جسر وزنسي تدميرا كامل ،وقتلت المسسلمين المدنييسن،
ول زالت تواصسل القتسل والتدميسر على مرأى ومسسمع مسن دول الصسليب التسي تدعسي أنهسا
ترعسى حقوق النسسان ،بسل على مرأى ومسسمع مسن حكام الشعوب السسلمية الذيسن ماتست
الحمية في نفوسه على حفظ ضروراتهم التي ل حياة لهم بدونها.
وقسد تكبسد الروس خسسائر فادحسة فسي جمهوريسة الشيشان السسلمية ،وخرجوا منهسا
105
يجرون أذيال الهزيمسة ،كمسا خرجوا مسن أفغانسستان ،وذلك بفضسل ال ثسم بفضسل قوة إيمان
أهلهسا ...ثسم غزت روسسيا الشيشان مرة أخرى فسي سسنة 1420هسس سس 1999م ودمرت البلد
مرة أخرى وعاثست فيسه فسسادا ،ول زالت القوات الروسسية تحتسل هذا البلد المسسلم ،وتقتسل
أهله وتشردهسم وتعتقلهسم ،وموقسف دعاة حقوق النسسان الغربييسن هسو موقفهسم المعروف،
عندمسسا يكون النسسسان مسسسلما ل يحركون سسساكنا ،اللهسسم إل إظهار شيسسء مسسن السسستنكار
البارد ،ليقال عنهسم :إنهسم أنكروا! وليقارن المسسلم موقسف الغرب مسن الشيشان ،وموقفهسم
من تيمور الشرقية التي أجبروا إندونيسيا على التخلي عنها خلل فترة وجيزة!
النموذج الرابع :قساة الوثنيين.
قسوة الوثنيين الهنود.
والوثنيون-ومنهم الهندوس والبوذيون وغيرهم-ل تقل وحشيتهم وغلظتهم عن اليهود
والنصارى والشيوعيين.
فالهندوس فسسي الهنسسد بتواطسسؤ مسسع النصسسارى النجليسسز ،أذاقوا المسسسلمين مسسن العذاب
والتشريسسد والقتسسل وسسسوء المعاملة مسسا يصسسعب وصسسفه ،واعتدوا على أموالهسسم ومنازلهسسم
ومسسساجدهم ،ول يخلو عام مسسن العوام مسسن العتداء عليهسسم ،حتسسى اضْطَرّوا المسسسلمين
على النقسام :قسم منهم سئم العيش تحت الذل والقهر الهندوسي ،فقرروا الهجرة إلى ما
سمي في حينه بباكستان الشرقية وباكستان الغربية ،حيث تفصل بينهما مساحات شاسعة
مسسن الهنسسد ثسسم تدخلت الهنسسد وحليفتهسسا روسسسيا (التحاد السسسوفيتي سسسابقا) للتحريسسش بيسسن
الباكسسستانيين فحصسسل النشقاق والقتال الذي راح ضحيتسسه اللف مسسن المسسسلمين ،وعلى
أثره انفصلت باكستان الشرقية وسميت باسم قومي انفصالي" :بنغلدش" فضعف بذلك
المسلمون في الجناحين ،وضعف المسلمون كذلك في الهند الذين يبلغ عددهم الن أكثر
مسن 150مليونسسا فسي كسسل أنحاء الهنسسد ،وهسم اليوم يواجهون حربسا وثنيسة شرسسة ،حيسث
نظمت جمعيات هندوسية لمحاربتهم تحت سمع وبصر الحكومة الهندية التي تزعم أنها
دولة ديمقراطية علمانية ،وتشير الحصاء ت إلى أن العتداء الهندوسي على المسلمين
بلغ حدا خطرا ل يطاق ،يتعاون عليهسسسسم فسسسسي ذلك العتداء المنظمات المذكورة وقوات
الشرطة ،بل والجيش أحيانا.
وعلى سسسبيل المثال فإن الهندوس قتلوا خمسسسة عشرة ألف مسسسلم فسسي مجزرة "أحمسسد
أباد" باعتراف رئيسسسسسسسة الوزراء أنديرا غاندي سسسسسسسنة 1970م وأحرقوا ثلثمائة امرأة
مسسلمة بالنار وهسن أحياء ،وفسي مذبحسة آسسام قتسل الهندوس 50ألف مسسلم[راجسع حاضسر
العالم السلمي لجميل المصري ص ].420
وفي هذه اليام تجمع جماهير الهندوس وهدموا مسجد "البابري" وقتلوا اللف من
المسلمين ،في أنحاء متفرقة من الهند وأحرقوا ممتلكاتهم وهدموا منازلهم وطردوهم من
ديارهسسسم[راجسسسع على سسسسبيل المثال مجلة المجتمسسسع عدد 20 1029جمادى الخرة سسسسنة
1413هس-ص ].20واستولوا على كثير من مساجدهم وحولوها إلى معابد وثنية.
وكسسل الفظائع التسسي يرتكبهسسا الهندوس فسسي حسسق المسسسلمين ل يوجسسد أي مسسسوغ لهسسا،
106
فالمسسلمون مسسالمون ،ل يريدون إل العيسش بطمأنينسة فسي ديارهسم ،يقيمون شعائر دينهسم
ويعلمون أبناءهسسسم ديسسسن السسسسلم دون أن يحركوا سسسساكنا ضسسسد الهندوس ابتداء ،وإنمسسسا
يضطرون أن يدافعوا عن أنفسهم عندما يعتدي عليهم هؤلء ،مع قلتهم وفقدهم آلة الدفاع
على عكسسسس الوثنييسسسن الهندوس ،والمتتبسسسع لوحشيسسسة هؤلء الهندوس وقسسسسوتهم ضسسسد
المسسسلمين ،يتضسسح له أنهسسم قوم قسسد نزعسست الرحمسسة مسسن قلوبهسسم وحلت محلهسسا الغلظسسة
والشراسة والوحشية.
قسوة الوثنيين في سيريلنكا.
وهكذا يلقسسسي المسسسسلمون فسسسي سسسسيريلنكا قسسسسوة بالغسسسة مسسسن الهندوس والسسسسنهال
والشيوعيين ،ومن الحكومة البوذية من اغتيالت ومذابح جماعية ونهب أموال ومتاجر
وإحراق منازل وأسواق[راجع مجلة المجتمع الكويتية .عدد 957في 9شعبان 1410هس
ص 40ومجلة رابطة العالم السلمي عدد 319ص ].7
وفسي " بورمسا" ل تنقطسع مذابسح المسسلمين وتشريدهسم ونهسب أملكهسم والعتداء على
أعراضهسسسسم ،يقوم بذلك الوثنيون البوذيون فقسسسسد قتلوا منهسسسسم عشرات اللف ،وشردوا
ملييسن ،وهدموا المسساجد ،وأغلقوا المدارس ،واغتصسبوا المسسلمات وأجهضوا الحوامسل
منهسن ،وفسي يوم عيسد مسن أعياد الفطسر قتلوا مائتسي مسسلم ،وكثيسر مسن المسسلمين يموتون
جوعسا فسي مخيمات الموت فسي "بنغلدش" أو فسي الطريسق بيسن حدود بورمسا وبنغلدش
وهم فارون بأنفسهم من القتل الجماعي[راجع :العالم السلمي (جريدة تصدرها رابطة
العالم السسسلمي) 24ربيسسع الول1-ربيسسع الثانسسي 1413ه -ص ،4و 6محرم 1412ه-
ومجلة المجتمع عدد 993ص 10وعدد 989ص .].16
قسوة الوثنيين في تايلند.
وفسي تايلنسد أذاقست الحكومسة الوثنيسة البوذيسة المسسلمين ،أهوال مسن العذاب والقتسل
والتدميسسر والغتيال والتشريسسد ،وأذلت المسسسلمين فسسي جنوب البلد ،وأصسسبحت فطانسسي
المسلمة تحت سيطرة الجيش ووزارة الداخلية ،وقد قسمتها تقسيمات إدارية جديدة ،حيث
أصسسبحت محافظات صسسغيرة ،وحشدت أعدادا كسسبيرة مسسن البوذييسسن مسسن شمال تايلنسسد
ووسسسطها للهجرة إلى بلد المسسسلمين ،وملكتهسسم أراضيهسسم ويسسسرت لهسسم إقامسسة الشركات
والمشاريسسع المتنوعسسة ،ليسسستولوا على البلد المسسسلمة ،ويكونوا أكثريسسة ينشرون الفسسساد
الخلقسي والجتماعسي ،مسن أجسل إذابسة المسسلمين وتحاول الحكومسة تغييسر مناهسج المدارس
السسلمية وكتبهسا وحروف لغتهسا [وقسد فصسل المؤلف شيئا مسن ذلك فسي المجلد الخاص
بتايلند من سلسلة في المشارق ،وهو مخطوط في مكتبته]
وقد خف التضييق على المسلمين نسبيا ،وتمكن علماؤهم من إقامة مؤسسات تعليمية
ودعوية ،كان لها أثر جيد في تعليم أبنائهم وتفقيههم ،وعلى رأس هؤلء العلماء الدكتور
إسسماعيل لطفسي المتخرج مسن الجامعسة السسلمية فسي المدينسة المنورة ،وجامعسة المام
محمد بن سعود السلمية في الرياض.
107
قساة أهل الباطل من المنتسبين السلم!
مرت فترة على المسلمين ضعفت فيه دولتهم ،بل اضمحلت وهوت ،فتأخروا في كل
شؤون الحياة الدينيسسسسسة والقتصسسسسسادية والعلميسسسسسة-علم الشرع وعلم المادة-والسسسسسسياسية
والعسكرية والجتماعية ،وتقدم غير المسلمين في الحضارة المادية ،فأصيب المسلمون
بالهوان وكبر في صدورهم تقدم غيرهم ،وانقسموا قسمين:
القسسسسسم الول :رأى أن تقدم البلدان السسسسسلمية مرهون باتباع خطوات الغرب حذو
القذة بالقذة ،وذلك بتنحيسة الديسن السسلمي عسن أن يكون منهسج حياة للشعوب السسلمية،
والفصسسسل التام بينسسسه وبيسسسن تدبيسسسر شؤونهسسسا ،بحيسسسث يكون الديسسسن أمرا يتعلق بالفراد
بأشخاصسهم فيمسا بينهسم وبيسن ربهسم ،يصسلون ويصسومون ويحجون ويقرؤون القرآن ،دون
أن يتدخسل السسلم فسي الشؤون السسياسية والجتماعيسة والقتصسادية والعسسكرية وغيرهسا
مسسن مناهسسج العلم والتعليسسم وهلم جرا– ...ول يسسستثنون مسسن ذلك إل بعسسض الحوال
الشخصية-وذلك على غرار ما فعله أهل الغرب بالدين النصراني المحرف ،حيث نحوه
عن شؤون الحياة التي وضعت لها الدساتير والقوانين البشرية ،اتقاء التصرفات الكنسية
ورجالهسا الذيسن كانوا يزاولون تدبيسر شؤون الشعوب تدبيرا ظالمسا ،وينسسبون تصسرفاتهم
تلك إلى ال ،ويتلخسسص ذلك كله فيمسسا يقال له" :العلمانيسسة" التسسي تعنسسي فصسسل الديسسن عسسن
الدولة.
وقد أوهم أهل الغرب هذا القسم من أبناء المسلمين ،أن الدين هو سبب التأخر عندما
يتدخسل فسي حياة البشسر ،بدليسل أن الغرب عندمسا فصسل الديسن عسن الدولة تقدم حضاريسا
وأصسسبح يقود العالم،وأنسسه ل يمكسسن للمسسسلمين أن يتقدموا إل إذا فعلوا كمسسا فعسسل الغرب،
ففصلوا الدين السلمي عن الدولة.
وتتلمسسذ أبناء المسسسلمين هؤلء على أسسساتذة الغرب فسسي العلوم المتنوعسسة :النسسسانية
والتطبيقيسة واقتنعوا بتلك الفكرة ،بسسبب جهلهسم بالسسلم الذي جعلهسم يسساوون بينسه وبيسن
الدين النصراني ،ويقفون من دينهم كما وقف أهل الغرب من الدين النصراني ،وبسبب
فقدهسم العلماء الذيسن يجمعون بيسن فقسه النصسوص الواردة فسي القرآن والسسنة الصسحيحة
والمقاصد الشرعية من جهة وبين فقه العصر والواقع من جهة أخرى ،فانطلق هذا القسم
مسسن أبناء المسسسلمين ،وقسسد أحرز شيئا مسسن الثقافسسة التسسي تؤهله لقيادة الشعوب السسسلمية
وإدارتهسا مغرورا بنفسسه وبثقافتسه ،متجاهل أولئك العلماء ،بسل مذل لهسم ضاربسا بآرائهسم
وراء الحائط ،وسسسبب هذا سسسبق غيسسر المسسسلمين الى عقول أبناء المسسسلمين وكسسسبهم فسسي
صفهم.
والقسسم الثانسي :رأى فسي حضارة الغرب الماديسة ومسا رافقهسا أفكارا فاسسدة وأخلقسا
سسيئة وعقائد ملحدة وهجومسا على السسلم وأهله ،فانزوى عسن علوم الغرب كلهسا ،ودعسا
الشعوب إلى مقاطعتها والبعد عنها والكتفاء بما تجود به كتاتيب المعلمين الذين يلقنون
التلميسذ تلوة القرآن الكريسم ،ويعلمونهم بعسض مبادئ الفقسه والتوحيسد والكتابسة وشيئا مسن
الحساب ،فكان نصيب هذا القسم البعد عن ممارسة إدارة شؤون المة والمشاركة فيها،
فاسسستبد القسسم الول بالحكسسم والدارة وغيرهسسا ،وأخسسذ يكبست كسل صسسوت يخالف منهجسه
108
ومسسيرته ،يسسنده فسي ذلك مسا تحست يده مسن إمكانات الدولة فسي الداخسل ومؤازرة الدول
والمؤسسات الغربية في الخارج.
وبعد أن مضت فترة ليست بالقصيرة على هذه الحالة المزرية ،هيأ ال للمسلمين من
صسحا منهسم مسن نومسه ،وتنبسه مسن غفلتسه ،فرأى بنور مسن ال وبصسيرة تلك الهاويسة التسي
تردى فيهسسا المسسسلمون والسسسباب التسسي أدت إلى ذلك التردي ،والواجسسب الذي ل بسسد مسسن
القيام به لنتشال المة السلمية من وهدتها ،إلى قمة مجدها وعزها ،فظهرت دعوات
المفكريسن السسلميين بصسفة فرديسة هنسا وهناك ،ولم يمسض وقست غيسر طويسل نسسبيا حتسى
أثمرت تلك الدعوات ،ونتسسج عنهسسا قيام حركات إسسسلمية تعتمسسد التعليسسم والتربيسسة وبيان
شمول السلم ،وأنه منهج لحياة البشر يجب أن يعود ليحكم حياتهم ،فأزعج ذلك تلميذ
الغرب الذيسسن كان الجسسو قسسد خل لهسسم ،فتربعوا على كراسسسي الحكسسم وأمروا ونهوا دون
منازع لهسم إل مسن أمثالهسم ،كمسا أزعسج ذلك الغرب الذي طسن أن السسلم قسد مات وقسبر،
فاتفسسق السسسيد فسسي الغرب والعبسسد فسسي الشرق ،على القضاء على السسسلم دون هوادة ول
رحمسسة ،فكان أن حصسسل مسسن أعداء السسسلم المنتسسسبين إليسسه مثسسل مسسا حصسسل مسسن أعداء
السلم من اليهود والنصارى والملحدين والوثنيين ،من الهجوم على السلم وتشويهه،
ومحاولة القضاء على دعاتسسسه بالسسسسجون والمعتقلت والتعذيسسسب الوحشسسسي والتشريسسسد،
وانتهاك العراض ومصسادرة الموال والتضييسق عليهسم فسي لقمسة العيسش وإيذاء أسسرهم
وأقربائهسسم وأصسسدقائهم ،وبالقتسسل والغتيالت ،حصسسل ذلك فسسي أغلب بلدان السسسلم فسسي
شمال إفريقيسسا ،وفسسي الصسسومال ،واليمسسن ،والعراق ،وسسسوريا ،وباكسسستان ،وأفغانسسستان،
وإندونيسيا ،وتركيا ،وبنغلدش ،وألبانيا وغيرها.
قسموة أعداء السملم ممن المنتسمبين إليمه أشمد ممن
قسوة غيرهم !
ولعل قسوة أعداء السلم من المنتسبين إليه من أبناء المسلمين ،أشد من قسوة غير
المسلمين على المسلمين وذلك لمور ثلثة:
المر الول :أن عدو السلم المنتسب إلى السلم ،يعد من أبناء البلد وليس أجنبيا
عنسسه ،وتصسسرفاته الظالمسسة ل ينظسسر إليهسسا عامسسة الناس-وبخاصسسة الجهلة-نظرتهسسم إلى
تصرفات العدو الجنبي الظالم ،ولذلك تجد العدو الجنبي غير المسلم يخفف من طغيانه
وظلمسه ،إذا لم يتعرض العلماء والدعاة لمصسالحه تعرضسا مباشرا ،بخلف الطاغيسة مسن
أبناء البلد ،فإنه يوسع دائرة ظلمه وقسوته ،لتشمل المعارض الصريح والساكت الذي لم
يظهر تأييده لظلمه وقسوته.
المسر الثانسي :أن عدو السسلم المنتسسب إليسه مسن أبناء المسسلمين ،يجسد المؤيديسن له
ولظلمسه وقسسوته ،مسن أبناء البلد مسن أقربائه وقسبيلته والمنتفعيسن بحكمسه ،مسا ل يجده غيسر
المسلم الظالم ،لن تأييد غير المسلم يعد منقصة يعير بها المؤيد ،بخلف من يؤيد الظالم
مسن أبناء البلد ،وبخاصسة عندمسا يدعسي الوطنيسة والقوميسة والتقدميسة والثوريسة-مسع ادعائه
السلم!.-
109
المسر الثالث :أن عدو السسلم المنتسسب إليسه ،يسستغل إمكانات البلد البشريسة والماديسة
والعلميسسسة والتعليميسسسة والقتصسسسادية والسسسسياسية والعسسسسكرية ،فسسسي ضرب السسسسلم
والمسلمين ،وهو ينعت بالوطني القومي والثوري والراعي والحامي ،وليس بالمستعمر
المغتصب والعدو والمحتل.
لذلك تجسسسد قسسسسوة هذا العدو على دعاة السسسسلم مسسسن أبناء بلده تفوق قسسسسوة اليهود
والنصارى والملحدين والوثنيين أحيانا.
ولو أردنا أن نذكر نماذج لقسوة أعداء السلم من المنتسبين إليه على دعاة السلم
وعلمائه في كل بلد ومن كل طاغية لحتاج ذلك إلى كتاب مستقل.
نموذجان لقسححححوة أعداء السححححلم مححححن
المنتسبين إليه.
ولنكتسف بالشارة العاجلة إلى نموذجيسن نوضسح بهمسا شدة قسسوة مسن حارب السسلم
من المنتسبين إليه:
الول:النموذج الثوري الناصري!.
وهو القدوة الحسنة الولى للثوريين والقوميين العرب على تنوع مسمياتهم ،وهو ما
فعله عبسد الناصسر فسي مصسر بالمسسلمين الذيسن نذروا أنفسسهم للدعوة إلى ال وإقامسة حكمسه
في الرض ،ويكفي أن أنقل بعض النصوص للذين ذاقوا وبال تعذيبه للدللة على قسوة
الطاغيسة وأعوانسه وخلو قلوبهسم مسن الرحمسة ،قال أحسد المعذبيسن( :المكنسة التسي وضعنسا
فيها ل يمكن أن تكون إل مقابر ،إن كلمة زنازين التي تستعمل في السجون ،ل يمكن أن
تعطيسك فكرة صسحيحة عسن المكنسة التسي رأيتهسا فسي ذلك الليمان [وهسو سسجن جهنمسي يعسد
أحسد النجازات الثوريسة الناصسرية ].عندمسا دفسع بسي العسسكري فسي العنسبر لم أجسد مكانسا
أضسع فيسه قدمسي ،لقسد كان المكان مليئا بالجسساد البشريسة المتكدسسة ،بحيسث ل يجسد المرء
فيه مكانا للجلوس أو الوقوف ..فما بالك بالنوم؟!.
إن مسساحة العنسبر-كمسا تسبين لي بعسد قياسسه بواسسطة بلط الرض-خمسسة وأربعون
مترا ..كان به عندما دخلته ثمانية وثمانون معتقل ،أي كل مخلوق بشري له نصف متر
فقط لجلوسه ونومه وطعامه وشرابه وملبسه وحذائه وكل شؤونه) [هذا وصف لبعض
أماكن السجن ،وهناك أماكن وصفها آخرون أسوأ من ذلك .نافذة على الجحيم ص ]56
وتحت عنوان :الرياضة الجهنمية قال المعذب:
(ينادي جاويسش السسجن :كسل الناس بره [أي اخرجوا جميعسا] الزنازيسن .وهذا النداء
يسستعمل دائمسا إذا أرادوا أن يلقوا أمرا عامسا على الجميسع ويقول الجاويسش :إحنسا-نحسن-
حننزل-سسسسننزل-دي الوأت-ذا الوقسسست-علشان-مسسسن أجسسسل-تشموا هواء يسسسا أولد الكلب!
ويقول :انزل بسسرعة يسا بسن الكلب ،ومسا هسي إل لحظات فتتدفسق الجموع الغفيرة سسريعا..
وبهسا مسا بهسا مسن اللم ..وهسم مسع ذلك صسفوة أبناء الشعسب ومسن أنبسل أبنائه ،فيهسم الوزيسر
ووكيسسسل الوزارة ،والطسسسبيب والمهندس ،والمحامسسسي ،والتاجسسسر والصسسسانع ،والمزارع،
110
والطالب ،والمدرس ،والقاضسي ،والفراش ،والضابسط ،ثسم ينتظسم الجميسع عدة طوابيسر فسي
مكان واسسسع كسسبير ،ويبدأ سسسير الطابور سسسريعا ..ويسسسير الطابور فسسي شبسسه دائرة أو
مسسستطيل ..والطابور يتكون مسسن عدة صسسفوف ويقسسف على جانسسبي كسسل صسسف رجال
الجيسسش[الذي الصسسل فيسسه أن يعسسد للجهاد فسسي سسسبيل ال وطرد العدو اليهودي مسسن بلد
المسسلمين فسي أرض السسراء والمعراج!] وهسم ممسسكون بالسسياط والكرابيسج والمدافسع
الخفيفسة فسي أكتافهسم ،ويسسير الطابور تحست الضرب ،فكسل شرطسي يكلف أن يضرب مسن
يمسر عليسه بصسفة مسستمرة ،وبمرور الوقست تهوي الضحايسا على الجانسبين ،لطول الزمسن
الذي قسسد يمتسسد إلى ثلث سسساعات متواصسسلة مسسن الجري الشديسسد المصسسحوب بالضرب
العنيف ،وكلما ازدادت سرعة الطابور تزايد عدد الضحايا ،بين فاقد الوعي ومقعد تماما
ل يقوى على الحركسة ،والشيسء الملفست للنظسر أن مسن يقسع على الرض ،يتجمسع الشرطسة
حوله وينهالون عليسه ضربسا بالكرابيسج ،فإمسا أن يقوم إذا اسستطاع وإمسا أن يمزق جسسمه
فوق ما به من تمزيق ،وفي موكب الطابور تتساقط العروق مصحوبة بالدماء من أجساد
البشر) [نافذة على الجحيم ص ].80
ولعسل بعسض المقاطسع مسن قصسيدة أحسد المعذبيسن ،وهسو مسن العلماء الفذاذ فسي هذا
العصر تظهر بعض صور القسوة لزعيم الثورة العربية والقومية العربية وأعوانه:
قال في مطلع قصيدته:
ثار القريض بخاطري فدعوني
"""""""أفضي لكم بفجائعي وشجوني
فالشعر دمعي حين يعصرني السى
""""""""والشعر عودي يوم عزف لحوني
ألهمتها عصماء تنبع من دمي
""""""""""""""ويمدها قلبي وماء عيوني
نونية والنون تحلو في فمي
""""""""""أبدا فكدت يقال لي ذو النون
في ليلة ليلء من نوفمبر
"""""""""""""فزّعت من نومي لصوت رنين
فإذا كلب الصيد تهجم بغتة
"""""""""""""""وتحوطني من شمأل ويمين
ي وأقبلوا
فتخطفوني من ذو ّ
"""""""""""""""فرحا بصيد للطغاة سمين
وعزلت عن بصر الحياة وسمعها
""""""""وقذفت في قفص العذاب الهون
أسمعت بالنسان ينفخ بطنه
"""""""""""""حتى يرى في هيئة البالون
أسمعت بالنسان يضغط رأسه
""""""""""""بالطوق حتى ينتهي لجنون
111
أسمعت بالنسان يشعل جسمه
"""""""""""""""نارا وقد صبغوه بالفازلين
أسمعت ما يلقى البريء ويصطلي
"""""""""""""حتى يقول أنا المسيء خذوني
أسمعت بالهات تخترق الدجى
"""""""""""""""""""رباه عدلك إنهم قتلوني
إن كنت لم تسمع فسل عما جرى
""""""""""""""""مثلي ول ينبيك مثل سجين
وسل السياط السود كم شربت دما
""""""""""""""""حتى غدت حمرا بل تلوين
وسل العروسة قبحت من عاهر
"""""""""""""كم من جريح عندها وطعين
كم فتيسة زفوا إليها عنوة
"""""""""""سقطوا من التعذيب والتوهين
[من القصيدة أو الملحمة التي أنشأها الدكتور يوسف القرضاوي في السجن وكادت
تضيسع لول أن هيسأ ال لهسا مسن حفظهسا مسن إخوانسه فسي السسجن ،نافذة على الجحيسم ص
.135
أما العروسة فهي خشبة تعذيب يصلب عليها المسجونون شرحها أحد السجناء كما
فسسي نافذة على الجحيسسم ص 100وراجسسع كتاب :أيام مسسن حياتسسي لزينسسب الغزالي لترى
أنواع التعذيب التي ل تخطر على البال لها ولخوانها في السجن ،ولماذا أعدم سيد قطب
وإخوانه ،ودفاع لم يسمع وغيرها من الكتب التي كتبت في هذا الموضوع]
الثاني:النموذج الشيوعي الصومال!
في الصومال عندما أظهر حاكم الصومال النضمام إلى المعسكر الشيوعي ،وأراد
إثبات ولئه للشيوعييسسسن الروس ،فحارب السسسلم ،وأنكسسر مسسسا هسسو معلوم مسسن الديسسن
بالضرورة ،وادعسى فسي بعسض خطبسه أن نصسف القرآن منسسوخ ،ومنسع العلماء والخطباء
من القيام بالدعوة في المساجد ،وعندما أنكر عليه بعضهم زج بالكثير منهم في السجون،
وقتل عشرة من خيارهم حرقا بالنار وعاث في الرض فسادا ،ول زالت بلد الصومال
وشعبها يتجرعون غصص تصرفاته إلى اليوم [راجع مجلة المجتمع الكويتية :عدد 240
بتاريخ 28صفر سنة 1395هس-ص 17وعدد 239بتاريخ 21صفر من نفس السنة ص .20
المجلد العاشر].
هذه القسسوة والوحشيسة التسي انتهست إلى حرق علماء المسسلمين والدعاة إلى ال تعالى
بالنار فسي شعسب مسسلم ،بسسبب دفاعهسم بالكلمسة فقسط عسن كتاب ال وشريعسة السسلم ،تدل
دللة واضحة أن كل من وقف ضد السلم وشريعته ،سواء كان من المنتسبين إليه اسما
دون مسمى ،أو من أعداء ال الكافرين من يهود ونصارى وملحدين ووثنيين ،قد نزعت
الرحمة من قلوبهم.
112
والذي تنزع الرحمة من قلبه من أعداء السلم ،ل ينتظر منه في سباقه إلى العقول
بباطله ،إل إعنات الناس وإنزال الحرج والضيق بهم وجلب التعاسة والشقاء لهم ،تحقيقا
لغاياته الباطلة وأهدافه الخبيثة.
وبعسسد فقسسد أطلت كثيرا بذكسسر المثلة الدالة على قسسسوة غيسسر المسسسلمين ووحشيتهسسم
وفقدهسسم الرحمسسة مسسن قلوبهسسم ،سسسواء أكانوا مسسن أهسسل الكتاب :اليهود والنصسسارى ،أو
الملحديسن-الشيوعييسن-أو الوثنييسن مسن هندوس وبوذييسن وغيرهسم ،أو مسن المنتسسبين إلى
السلم-بعد أن بينت اتصاف المسلمين بالرحمة حتى بأعدائهم ،ليتبين للقارئ أن سباق
المسسسلمين إلى العقول هسسو سسسباق رحمسسة ورحماء ،مسسع أن الغايات التسسي يريدون تحقيقهسسا
بسباقهم إلى العقول كلها غايات تسعد البشرية كلها ،وأن سباق غير المسلمين إلى العقول
هسو سسباق قسسوة وشدة وغلظسة-وإن حاولوا أن يظهروا بعسض أعمالهسم بمسا قسد يبدو فيسه
رحمسة -مسع أن الغايات التسي يحاولون السسباق مسن أجلهسا إلى العقول هسي غايات فاسسدة
تشقى بتحقيقها البشرية في الرض كما هو حاصل الن.
وبهذا يتضسح أن مسن أهسم أهداف أهسل الحسق وغاياتهسم فسي السسباق إلى العقول :غرس
الخلق الفاضلة فسسي نفوس الناس ،وأن مسسن أهسسم أهداف أهسسل الباطسسل فسسي سسسباقهم إلى
العقول محاربسة الخلق الفاضلة وتمكيسن الخلق الفاسسدة ،وأن أهسل الحسق قدوة حسسنة
في تطبيق الخلق الفاضلة ،وأن أهل الباطل قدوة سيئة في تطبيق الخلق الفاسدة.
وأكتفي بما ذكرت من الخلق الفاضلة التي يسعى أهل الحق إلى غرسها في نفوس
الناس مسسن باب التمثيسسل ل الحصسسر ،ولو أُرِيدَ التوسسسع فسسي ذكسسر كسسل خلق مسسن الخلق
الفاضلة وما يضادها،لقتضى ذلك تأليف كتاب مستقل ،وليس هذا هدفنا من هذا الكتاب
وإنما الهدف بيان أن من غايات سباق أهل الحق إلى العقول غرس الخلق الفاضلة في
نفوس البشر.
تاسعا :من غايات أهل الحق :طلب العزة من الله
تعالى وحده.
لقسسد سسسمى ال تعالى نفسسسه العزيسسز فسسي آيات كثيرة مسسن كتابسسه الكريسسم ،ومعناه القوي
الغالب الذي يَغلِب ول يُغلب ،ويَقهَر ول يُقهر.
سلِ
حجّةٌ بَعْ َد الرّ ُ
علَى الِّ ُ
ن لِلنّا سِ َ
ن لِئَلّ يَكُو َ
كما قال تعالى((:رُ سُلً مُ َبشّرِي نَ َومُنْذِرِي َ
ن الُّ عَزِيزًا حَكِيمًا()))165
وَكَا َ
وقال تعالى((:وَ َر ّد الُّ الّذِينَس َكفَرُوا بِغَيْظِهِمْس لَمْس يَنَالُوا خَيْرًا وَ َكفَى الُّ الْمُؤْمِنِينَس الْقِتَالَ
لّ قَوِيّا عَزِيزًا)) [الحزاب]25 :
نا ُ
وَكَا َ
ن الُّ عَزِيزًا حَكِيمًا)) [الفتح]7 :
وقال تعالى((:وَلِّ جُنُو ُد السماوات وَالَْرْضِ وَكَا َ
وقال تعالى((:مَنْس كَانَس يُرِي ُد الْعِزّ َة َفِللّهِس الْعِزّ ُة جَمِيعًا ِإلَيْهِس يَصْسعَ ُد الْ َكلِمُس الطّيّبُس وَالْعَ َملُ
ت لَهُ مْ عَذَا بٌ شَدِيدٌ وَمَكْ ُر أُولَئِ كَ هُوَ يَبُورُ))[فاطر:
ن ال سّيّئَا ِ
ال صّالِحُ يَ ْرفَعُ هُ وَالّذِي نَ يَمْكُرُو َ
]10
ن أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُ ُم الْعِزّةَ
ن الْمُؤْمِنِي َ
ن أَ ْولِيَاءَ ِمنْ دُو ِ
ن الْكَافِرِي َ
وقال تعالى((:الّذِينَ يَ ّتخِذُو َ
113
ن الْعِزّةَ لِّ جَمِيعًا)) [النساء]139 :
َفإِ ّ
ن الْعِزّةَ لِّ جَمِيعًا هُوَ السّمِي ُع الْ َعلِيمُ)) [يس]65:
وقال تعالى((:ول َيحْزُ ْنكَ قَ ْولُهُ ْم إِ ّ
وقال تعالىَ ((:يقُولُونَس لَئِنْس َرجَعْنَا ِإلَى الْمَدِينَ ِة لَ ُيخْ ِرجَنّ الَْعَزّ مِنْهَا ال َذلّ وَلِِّ الْعِزّةُ
ن الْمُنَا ِفقِينَ لَ يَ ْعلَمُونَ))[المنافقون]8 :
َولِرَسُوِلهِ َوِللْمُؤْمِنِينَ َولَكِ ّ
صفُون))[الصافات]180 :
ب الْعِزّةِ عَمّا َي ِ
وقال تعالى((:سُ ْبحَانَ رَ ّبكَ َر ّ
علَيْهِس
ل الِّ صَسلّى اللّهسم َ
علّمَنِي رَسسُو ُ
علِيّ َرضِي الّ عَنْهمساَ :
وفسي حديسث ا ْلحَسَسنُ بنِس َ
وَسَسلّمَ َكلِمَاتٍس َأقُولُهُنّ فِي قُنُوتِس الْوِتْرِ( :اللّهُمّ اهْدِنِي فِيمَنْس هَدَيْتَس َوعَافِنِي فِيمَنْس عَافَيْتَس
ت إِنّ كَ َت ْقضِي وَلَ ُيقْضَى
عطَيْ تَ َوقِنِي شَرّ مَا َقضَيْ َ
وَتَ َولّنِي فِيمَ نْ تَ َولّيْ تَ وَبَارِ كْ لِي فِيمَا أَ ْ
علَيْكَ َوإِنّهُ ل َي ِذلّ مَنْ وَالَيْتَ ول يَعِزّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبّنَا وَتَعَالَيْتَ) [سنن أبي داود،
َ
رقم]1214 :
فهسو سسبحانه العزيسز ول عزيسز سسواه ،وله العزة وحده ول يملكهسا غيره ،ومسن أراد
العزة فليعبسسد رب العزة وليطلبهسسا منسسه وحده ،ومسسن عبده حسسق عبادتسسه وطلب منسسه العزة
أعزه ،ومن أطاع غيره في معصيته تعالى طالبا العزة من ذلك الغير أذله ال.
لهذا كان من غايات سباق أهل الحق إلى العقول أن يطلب عباد ال العزة من ال ،ل
من سواه.
ل الحسسق إلى العقول ،لتسسبين لنسسا سسسبب الذلة التسسي
وإن هذه الغايسسة التسسي يسسسابق بهسسا أه ُ
أنزلها ال بالمسلمين في هذا العصر ،حيث طلبوا العزة من أعداء ال ورسوله من اليهود
والنصارى والمشركين ،ونسوا رب العزة العزيز الحكيم ،فنسيهم العزيز الحكيم!
عاشرا إقامحححة الخلفحححة فحححي الرض على
أساس هدى الله.
لقد استخلف ال بني آدم في الرض ابتلء لهم ،ليجزي من قام بحق هذا الستخلف
مسا يسستحقه مسن الجزاء الحسسن فسي الدنيسا والخرة ،وينزل بمسن عاد على هذا السستخلف
بالنقض عقابه الشديد ،كما قال تعالى((:وَهُ َو الّذِي جَ َعلَكُ ْم خَلئِ فَ الَْرْ ضِ وَ َرفَ عَ بَ ْعضَكُ مْ
فَوْقَس بَعْضٍس دَ َرجَاتٍس لِيَ ْبلُوَكُمْس فِي مَا آتَاكُمْس إِنّ َربّكَس سَسرِي ُع الْ ِعقَابِس َوإِنّهُس لَ َغفُورٌ َرحِيسم))
[النعام]165ٌ:
والمراد بالخلفسة هنسا :اسستغلل خيرات السسماوات والرض التسي سسخرها ال تعالى
لخلقسه ،فسي جلب المصسالح لكسل مخلوق مسن إنسسان وغيره ،ودفسع المفاسسد كذلك عسن كسل
مخلوق مسن إنسسان وغيره ،وعمارة الرض ماديسا بمسا أودع ال فيهسا مسن النعسم العظيمسة،
ومعنويا باتباع منهجه وهداه الذي أنزله على رسله لدعوة الناس إلى صراطه المستقيم.
فمسن اسستغل تلك الخيرات وذلك التسسخير وعمسر بهمسا الرض ،وقام بطاعسة واتبسع
هداه ،فقد حقق هذه الغاية وقام بالخلفة على هدى من ال ،وعاش في دنياه عيشة رضا
وسسعادة واطمئنان ،ونال فسي آخرتسه ثواب ربسه الجزيسل فسي جنات عدن التسي فيهسا مسا ل
عين رأت ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر.
علَيْهِمسسْ بَرَكَاتسسٍ مِنسَس السسسّمَاءِ
ل ا ْلقُرَى ءَامَنُوا وَا ّتقَوْا َلفَتَحْنَسا َ
قال تعالىَ ((:ولَ ْو أَنّس أَ ْه َ
114
وَالَْرْضِ)) [العراف]96 :
وقال تعالى((:قَالَ اهْ ِبطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَ ْعضُكُ ْم لِبَعْ ضٍ عَدُ ّو َفإِمّا َيأْتِيَنّكُ مْ مِنّي هُدًى فَمَ نِ
شقَى))[طه]123 :
ضلّ وَلَ يَ ْ
ي فَل َي ِ
اتّبَعَ هُدَا َ
وقال تعالىُ (( :قلْنَا اهْ ِبطُوا مِنْهَا جَمِيعًا َفإِمّاس َيأْتِيَنّكُم ْس مِنّيس هُدًى فَمَن ْس تَبِعَس هُدَايَس فَلَ
علَيْهِمْ وَلَ ُهمْ َيحْزَنُونَ)) [البقرة]38 :
خَوْفٌ َ
وبيسن تعالى أن مسن أهسم واجبات اسستخلفه للنسسان فسي الرض إقامسة مسن مكنسه ال
فيها دينه تعالى في الرض ،وهو شامل للقيام بحق ال وحق عباده ،فقال تعالى(( :الّذِي نَ
ن الْمُنْكَرِ
ض َأقَامُوا الصّلَةَ َوءَاتَوُا الزّكَاةَ َوأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَ َهوْا عَ ِ
إِنْ مَكّنّاهُ ْم فِي الَرْ ِ
وَلِّ عَاقِبَةُ الُمُورِ)) [الحج]41 :
ومسسن واجبات الخلفسسة فسسي الرض :عدل الحكام بيسسن الناس ،بأن يحكموا بينهسسم
بالحق ،ول يتبعوا أهواءهم التي تضلهم عن سبيل ال.
ن النّا سِ
كما قال تعالى(( :إِنّ الَّ َيأْمُرُكُ ْم أَ نْ تُؤَدّوا الَمَانَا تِ ِإلَى أَ ْهلِهَا َوإِذَا حَكَمْتُ مْ َبيْ َ
ن الَّ كَانَ سَمِيعًا َبصِيرًا)) [النساء]58 :
ن الَّ نِ ِعمّا يَ ِعظُكُمْ ِب ِه إِ ّ
أَنْ َتحْكُمُوا بِالْعَ ْدلِ إِ ّ
ن النّاسِ بِا ْلحَقّ وَلَ تَتّبِعِ
ض فَاحْكُمْ بَيْ َ
خلِيفَ ًة فِي الَْ ْر ِ
و قال تعالى((:يَا دَا ُو ُد إِنّا جَ َعلْنَاكَ َ
ل الِّ لَهُمْس عَذَابٌس شَدِيدٌ بِمَا نَسسُوا
ضلّونَس عَنْس سَسبِي ِ
ل الِّ إِنّ الّذِينَس َي ِ
ضلّكَس عَنْس سَسبِي ِ
الْهَوَى فَ ُي ِ
يَوْ َم ا ْلحِسَاب))[ص]26 :
س أَ نْ
ن النّا ِ
ت ِإلَى أَ ْهلِهَا َوإِذَا حَكَمْتُ مْ بَيْ َ
وقال تعالى((:إِنّ الَّ َيأْمُرُكُ ْم أَ نْ تُ َؤدّوا الَْمَانَا ِ
ن الَّ كَانَ سَمِيعًا َبصِيرًا))[النساء]58 :
ن الَّ نِعِمّا يَ ِعظُكُمْ بِ ِه ِإ ّ
َتحْكُمُوا بِالْعَ ْدلِ إِ ّ
ومن استغل تلك الخيرات معرضا عن هدى ال خارجا عن طاعته ،نال من دنياه ما
كتب ال له ،وعاش في الرض عيشة ضنك ونكد ،ونال في الخرة عقابه في نار جهنم
على ما قدم جزاء وفاقا.
قال تعالى((:هُ َو الّذِي جَ َعلَكُم ْس خَلئِف َس فِي الَْرْض ِس فَمَن سْ َكفَ َر فَ َعلَيْه سِ ُكفْرُه سُ وَلَ يَزِيدُ
ل خَسَارًا)) [فاطر]39 :
الْكَافِرِينَ ُكفْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِ ْم إِلّ َمقْتًا وَلَ يَزِي ُد الْكَافِرِينَ ُكفْرُهُ ْم إِ ّ
و قال تعالى((:وَمَنْس أَعْرَضَس عَنْس ذِكْرِي َفإِنّ لَهُس مَعِيشَ ًة ضَنْكًا َو َنحْشُرُهُس َيوْمَس ا ْلقِيَامَةِ
أَعْمَى()124قَالَ رَبّ لِمَس حَشَرْتَنِي أَعْمَى َوقَدْ كُنْتُس بَصسِيرًا()125قَالَ كَ َذلِكَس أَتَتْكَس ءَايَاتُنَا
ن َأسْرَفَ َولَمْ يُؤْ ِمنْ بِآيَاتِ رَبّهِ َولَعَذَابُ
فَنَسِيتَهَا وَكَ َذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى()126وَكَ َذلِكَ َنجْزِي َم ْ
الخِرَةِ َأشَدّ َوأَ ْبقَى)) [طه]127 :
ن قَرْ نٍ مَكّنّاهُ مْ فِي الَْرْ ضِ مَا لَ مْ نُمَكّ نْ
ن قَ ْبلِهِ مْ ِم ْ
وقال تعالىَ((:ألَ مْ يَ َروْا َك ْم أَ ْهلَكْنَا مِ ْ
علَيْهِمْس مِدْرَارًا َوجَ َعلْنَا الَنْهَارَ َتجْرِي مِنْس َتحْتِهِمْس َفأَهْلَكْنَاهُمْس ِبذُنُوبِهِمْس
لَكُمْس َوأَرْسَسلْنَا السّسمَاءَ َ
شأْنَا مِنْ بَ ْعدِهِ ْم قَرْنًا ءَاخَرِينَ)) [النعام]6 :
َوأَنْ َ
فمن أحق بالسباق إلى العقول-إذًا-أهل الحق أم أهل الباطل؟
تلك هي غايات أهل الحق من سباقهم إلى العقول:
-1تبليغ رسالت ال إلى الناس.
-2إقامة الحجة على الخلق.
-3إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
-4تحقيق توحيد ال في الرض.
115
-5غرس اليمان بالغيب في النفوس.
-6تحكيم شرع ال في حياة الناس.
-7تثبيت الولء ل ولرسوله وللمؤمنين والبراء من الكافرين.
-8غرس الخلق الفاضلة ومطاردة الخلق الفاسدة.
-9العتزاز بال واتخاذ وسائل العزة.
-10إقامة الخلفة في الرض على أساس هدى ال.
وبتحقيسق هذه الغايات يتحقسق المقصسد العام مسن التشريسع السسلمي كله ،وهسو "حفسظ
نظام المة واستدامة صلحه بصلح المهيمن عليه ،وهو نوع النسان ويشمل صلحه
صسلح عقله وصسلح عمله ،وصسلح مسا بين يديه مسن موجودات العالم الذي يعيسش فيه"
[انظر كتاب :مقاصد الشريعة لفضيلة العلمة الستاذ محمد الطاهر بن عاشور ص ]63
هذا فسي الدنيسا ،وأمسا فسي الخرة فيتحقسق لمسن اسستجاب للحسق واتبسع هدى ال الذي
تتحقق به هذه الغايات ،رضا ال تعالى وثوابه الجزيل :الجنة التي فيها ما ل عين رأت
ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر.
116
وسائل أهل الحق في السباق إلى العقول .
تمهيد:
إن كسل غايسة يراد الوصسول إلى تحقيقهسا ،ل بسد لهسا مسن وسسائل يُتَوصسّل بهسا إلى ذلك
التحقيسق ،وهذه الوسسائل منهسا مسا هسو سسلمي ،ومنهسا مسا هسو عسسكري حربسي ،وأقصسد
بالوسسائل السسلمية هنسا ،كسل مسا يمكسن إبلغ الحسق بسه إلى العقول ممسا هسو مشروع بدون
قتال ،مسن بيان الحسق بالدعوة والتزكيسة والتعليسم ،ويشمسل ذلك وسسائل نذكسر مسا تيسسر منهسا
إجمال ،ثم نشرع في تفصيلها:
الوسيلة الولى :التربية السرية
الوسيلة الثانية :تلوة كتاب ال على الخلق
الوسيلة الثالثة :الموعظة الحسنة
الوسيلة الرابعة :الجدال بالتي هي أحسن
الوسيلة الخامسة :التعليم
الوسيلة السادسة :العناية باللغة العربية
الوسيلة السابعة :القدوة الحسنة
الوسيلة الثامنة :الفطرة
الوسيلة التاسعة :المساجد
الوسيلة العاشرة :العلم
الوسيلة الحادية عشرة :المؤتمرات والندوات
الوسيلة الثانية عشرة :النوادي
الوسيلة الثالثة عشرة :الرحلت والمخيمات
الوسيلة الربعة عشرة :العلقات الدبلوماسية
الوسيلة الخامسة عشرة :المال
الوسيلة السادسة عشرة :المواقع
الوسيلة السابعة عشرة .الجهاد العسكري.
117
الوسيلة الولى :التربية السرية:
إن أولى وسسسسائل السسسسباق إلى العقول بالحسسسق أو بالباطسسسل ،هسسسي السسسسرة :البوان
والقارب الذيسسن يحيطون بالطفال ويتربسسى هؤلء الطفال فسسي وسسسطهم ،مسسن إخوة لهسسم
كبار ،أو أعمام أو عمات ،أو أخوال أو خالت ،أو أجداد أو جدات…
وإن الم لهسي المفتاح الول لهذا السسباق ،إذ هسي التسي تلزم الطفسل فسي جميسع أطوار
حياته ،منذ خروجه من رحمها صارخا ،إلى أن يبلغ رشده متواضعا أو متكبرا شامخا.
تلزمه ليل ونهارا ،صحيحا ذا فرح أو سقيما ذا ترح ،ضاحكا ساعيا ،أو مقعدا باكيا.
يفتسسح عينيسسه على حركاتهسسا وسسسكناتها ،وهسسي هادئة وقورة ،أو طائشسسة مسسسعورة،
ويصغي بأذنيه لصوتها ،ناطقة بالقول النافع ،أو صارخة بالسب اللذع.
وطفلها يراقبها-كما يراقب غيرها-منذ الصغر ،خازنا في جعبته كل ما تأتي وتذر،
ينبت لحمه من حليب ذرعها ،وتنبت أخلقه من حميد أو ذميم خلقها.
فإن تحلت بالصدق نشأ صريحا صادقا ،وإن أكثرت من الكذب ،أصبح كاذبا منافقا.
ولهذا شرع ال للرجسل الصسالح الحرص على المرأة الصسالحة ،فقال رسسوله الكريسم
صسلى ال عليسه وسسلم :كمسا فسي حديسث أبسي هريرة رضسي ال عنسه( :تنكسح المرأة لربسع
لمالهسسا ولحسسسبها ولجمالهسسا ولدينهسسا فاظفسسر بذات الديسسن تربسست يداك[ ).الحديسسث فسسي
الصحيحين؟؟]
الوسيلة الثانية .تلوة كتاب الحق على الخلق.
مسن أهسم الوسسائل التسي يجسب على أهسل الحسق أن يسسابقوا بهسا إلى العقول ،تلوة كتاب
الحسق على الخلق ،وبيان معانيسه لهسم ،حتسى يفهسم مراد ال تعالى منهسم فسي أمره ونهيسه،
وبهذه الوسيلة يتحقق إدراك مراد ال من عباده وتقوم حجته عليهم.
وقسد دعسا إبراهيسم عليسه السسلم ربسه أن يبعسث فسي هذه المسة هذا الرسسول الكريسم ليتلو
عليهسم آيات كتابسه العظيسم ،كمسا قال تعالى(( :ربنسا وابعسث فيهسم رسسول منهسم يتلو عليهسم
آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة)) [البقرة.]129 :
وقسد اسستجاب ال تعالى دعوة إبراهيسم ،فحقسق بعثسه هذا الرسسول فسي هذه المسة يتلو
عليهسم آيات ال ،كمسا قال تعالى(( :هسو الذي بعسث فسي المييسن رسسول منهسم يتلو عليهسم
آياته)) [الجمعة.]2 :
وأمسر ال تعالى رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم بتلوة كتابسه-وأمره له أمسر لعلماء أمتسه
بعده-فقال تعالى(( :اتل ما أوحي إليك من الكتاب؟؟)) وقال تعالى(( :واتل ما أوحي إليك
من كتاب ربك)) [العنكبوت.]45 :
وبيسن تعالى أن المسسم التسي تكفسسر بالرسسسل فسي الدنيسسا ،تعترف يوم القيامسسة بأن أولئك
الرسل الذين بعثهم ال إليهم ،قد أقاموا عليهم الحجة وبلغوهم رسالت ال بتلوتهم آيات
ال عليهم ،كما قال تعالى(( :وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاءوها فتحت
أبوابهسا وقال لهسم خزنتهسا ألم يأتكسم رسسل منكسم يتلون عليكسم آيات ربكسم وينذرونكسم لقاء
يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين))[الزمر.]71 :
118
وليسس المقصسود مسن التلوة مجرد قراءة القرآن على الناس دون أن يفهموا معانيسه،
فالتلوة وحدهسا تكون كافيسة إذا كان المتلو عليسه يفقسه معانسي المتلو ،أمسا إذا كان ل يفهسم
ذلك ،كأن يكون جاهل مسن العرب ،أو أعجميسسا ل يفهسسم اللغسسة العربيسسة ،فل بسسد مسسع تلوة
القرآن عليسه مسن بيان معنسى مسا يتلى عليسه ،كسل بمسا يناسسبه مسن اللغسة العربيسة أو بالترجمسة
إلى لغتسه ،وبدون ذلك ل تقوم الحجسة ،لن التكليسف مناطسه العقول التسي وصسل إليهسا مسا
عقلتسه ،وذلك ل يكون إل بالبيان ،كمسا قال تعالى(( :وأنزلنسا إليسك الذكسر لتسبين للناس مسا
نزل إليهم ولعلهم يتفكرون))[النحل.]44 :
ويجسسب أن يشمسسل بيان العلماء للناس كسسل المصسسالح المعتسسبرة فسسي شرع ال ،وكسسل
المفاسسد التسي اعتبرهسا الشرع مفاسسد ،بل فرق بيسن مسا تعلق منهسا بالجانسب اليمانسي أو
الجانسسب العبادي أو الجانسسب الفكري ،أو الجانسسب التشريعسسي ،أو الجانسسب السسسياسي ،أو
الجانسسب القتصسسادي والمالي ،أو الجانسسب الجتماعسسي ،أو الجانسسب التعليمسسي ،أو الجانسسب
العلمسي ،أو غيسر ذلك ممسا يمسس حياتهسم ،لن السسلم شامسل لكسل ذلك ،فل بسد أن يكون
البيان شامل لما يشمله السلم[سيأتي مزيد بيان لهذا في موضعه إن شاء ال].
الوسيلة الثالثة .الموعظة.
وهسسي أمسسر زائد على التلوة-وإن كان القرآن يشتمسسل عليهسسا-والبيان ،لن كثيرا مسسن
الناس يعلم الحسسسق ول يتبعسسسه ،أو يعلمسسسه ويتهاون بسسسه أو ببعضسسسه ،فيحتاج إلى تذكيره
بالموعظسسة التسسي تلفسست نظره وترقسسق قلبسسه ،وتهسسز عقله للتفكيسسر فسسي مصسسلحته العاجلة
والجلة ،وفيما يلحقه من ضرر عاجل أو آجل ،إن هو لم يعمل بما علم ،كما قال تعالى:
((ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة)) [النحل]125 :
والموعظسة تشمسل الترغيسب فيمسا عنسد ال مسن سسعادة ونعيسم وراحسة قلب ورغسد عيسش
في الدنيا ،والترهيب مما عنده من عقاب ونكال وشقاء وقلق وتعاسة في الدنيا كذلك ،كما
تشمل بيان رضاه عن أهل طاعته وإثابتهم في جناته في اليوم الخر ،وبيان سخطه على
أهل معصيته وجزائه لهم في نار جهنم في اليوم الخر كذلك ،والتذكير بالموت وبالقبر
وما فيه من نعيم أو عذاب.
ول بد أن تكون الموعظة ذات عاطفة قوية جياشة ،وأن تكون بليغة تجعل من يراد
إبلغ الحسق إلى عقله يتفاعسل معهسا ويفكسر بعقله فسي الحسق الذي كانست وسسيلة له ،أمسا إذا
كانت الموعظة باهتة غير محركة للعاطفة ،أو كان السلوب الذي تؤدى به ركيكا غير
بليسغ ول مؤثسر ،فإنهسا قسد تحدث عكسس المقصسود منهسا ،وقسد تؤثسر فسي قليسل مسن الناس ول
تؤثر في كثير منهم ،ولهذا أمر ال رسوله صلى ال عليه وسلم أن يعظ المنافقين وعظا
مؤثرا يبلغ مداه فسسي نفوسسسهم ،لن الموعظسسة البليغسسة إذا لم تؤثسسر فسسي المخاطسسب تأثيسسر
اسسستجابة وقبول ،تؤثسسر فيسسه تأثيسسر خوف وانهزام نفسسسي ،يجعله جبانسسا أمام الحسسق الذي
طرقسست الموعظسسة البليغسسة بسسه سسسمعه وعقله ،قال تعالى(( :أولئك الذيسسن يعلم ال مسسا فسسي
قلوبهم فأعرض عنهم وعظهم وقل لهم في أنفسهم قول بليغا)) [النساء]63 :
119
الوسيلة الرابعة .الجدال بالتي هي أحسن.
وهسسو مناظرة أهلِ الحسسق أهلَ الباطسسل ،ومخاصسسمتهم بالحجسسج والبراهيسسن التسسي تقيسسم
عليهم الحجة وتظهر الحق وتزيل الشبهة ،وتجعل عقول أهل الباطل مضطرة للتسليم أو
النقطاع عن الجدال ،لنصرة باطلهم الذي دحضه برهان الحق فجعله زاهقا.
وقد أمر ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم أن يجادل أهل الكتاب بالحسنى ،فقال
تعالى(( :وجادلهم بالتي هي أحسن)) [النحل]125 :
وكان الجدال الذي تقام بسسه الحجسسة على الناس لخضاع عقولهسسم للحسسق ،مسسن وسسسائل
النبياء وأساليبهم في دعوتهم قومهم إلى الحق الذي بعثهم ال تعالى به إليهم.
وكان نبي ال نوح عليه السلم وهو أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض كلهم في
زمانسسه ،كثي َر المحاجسسة والمجادلة لقومسسه طول مدة رسسسالته التسسي اسسستغرقت ألف سسنة إل
خمسين عاما ،حتى إن قومه الذين أصروا على التمسك بالباطل ونبذ الحق الذي جاءهم
به ،برموا من جداله وحججه ،وطلبوا منه أن يأتيهم بما كان يتوعدهم به من عذاب ال،
بدل مسن الجدال والمحاجسة بالبراهيسن ،كمسا قال تعالى عنهسم(( :قالوا يسا نوح قسد جادلتنسا
فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين)) [هود.]32 :
فلو كان قوم نوح عندهسم مقدرة على السستمرار فسي جداله عليسه السسلم بمسا يمكسن أن
يسمى حجة أو برهانا ،لما اضطروا إلى مواجهته بهذا السلوب الدال على أن صدورهم
قد ضاقت بجداله ومحاجته.
مه:
أنموذجان لجدال إبراهيم قو َ
وكذلك جاء أبسو النسبياء الثانسي إبراهيسم عليسه السسلم ودعسا قومسه إلى الحسق ،وكانست
وسيلة الجدال والمناظرة بالحجج والبراهين ،من أهم الوسائل التي اتخذها لبلغ الحق
إلى عقول قومه ،فجادلهم حتى أفحمهم ،واضطرهم إلى الستسلم لبراهينه التي لم تقدر
عقولهم على إنكارها ،فلجئوا إلى القوة والتهديد بها ،كما هي عادة الطغاة الذين ل سلح
لهم غير القوة أمام دوامغ الحق العظيمة.
ول بأسس أن نذكر نموذجين من جدال إبراهيم لقومه ،لما لهما من الدللة الواضحة
في هذا المر.
النموذج الول :يتعلق بمعبودات قومه السماوية.
مسن الشمسس والقمسر والكواكسب والنجوم ،فقسد جادلهسم مجادلة أقام بهسا الحجسة عليهسم،
وبين لهم بالبرهان أنها ل تستحق العبادة ،وأن الذي يستحق العبادة وحده هو خالقها.
وقسد أثنسى ال تعالى على إبراهيسم فسي تلك المناظرة ،وامتسن عليسه بأنسه هسو الذي وفقسه
ق الذي جاء به الباطلَ الذي عند قومه.
لها حتى غلب الح ّ
ن الْمُوقِنِينَ(
قال تعالى(( :وَكَ َذِلكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ َملَكُوتَ السماوات وَال ْرضِ َولِيَكُونَ ِم َ
ل ُأحِبّ ال ِفلِينسَ(َ )76فلَمّاس
علَيْهِس اللّ ْيلُ َرأَى َكوْكَبًا قَالَ َهذَا رَبّيس َفلَمّاس َأ َفلَ قَالَ َ
َ )75فلَمّاس جَنّ َ
ل قَالَ لَئِن ْس لَم سْ َيهْدِنِسي رَبّي س لكُونَنّس مِن َس ا ْلقَوْم سِ
َرأَى الْقَمَرَ بَازِغًسا قَالَ هَذَا رَبّي س َفلَمّا س َأفَ َ
120
غ ًة قَالَ هَذَا رَبّيس َهذَا أَكْبَ ُر َفلَمّاس َأفَلَتْس قَالَ يسا قوم إِنّيس
الضّالّينسَ(َ )77فلَمّاس َرأَى الشّمْسَس بَازِ َ
بَرِيءٌ مِمّاس تُشْرِكُونسَ( )78إِنّيس َوجّهْتُس َوجْهِيَس ِللّذِي فَطَرَ السسماوات وَالرْضَس حَنِيفًا وَمَا
أَنَا مِنَس الْمُشْرِكِينسَ(َ )79وحَاجّهُس قَوْمُهُس قَالَ أَ ُتحَاجّونّيس فِي الِّ َوقَدْ َهدَانسِ وَل َأخَافسُ مَا
علْمًا أَفل تَتَذَكّرُونسَ()80وَكَيْفَس
يءٍ ِ
تُشْرِكُونَس بِهِس إل أَنْس َيشَاءَ رَبّيس شَيْئًا وَسِسعَ رَبّيس ُكلّ شَ ْ
سلْطَانًا َفأَيّ ا ْلفَرِيقَيْنِ
علَيْ ُكمْ ُ
ن أَنّكُ ْم َأشْرَكْتُمْ بِالِّ مَا لَمْ يُنَ ّزلْ بِهِ َ
َأخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ ول َتخَافُو َ
ظلْ ٍم أُولَئِ كَ لَهُ مُ الَ ْم نُ
ن آمَنُوا َولَ مْ َيلْبِ سُوا إِيمَانَهُ مْ ِب ُ
ن إِ نْ كُنْتُ مْ تَ ْعلَمُو نَ( )81الّذِي َ
َأحَقّ بِالمْ ِ
علَى َقوْمِهِس نَ ْرفَعُس دَ َرجَاتٍس مَنْس نَشَا ُء إِنّ
حجّتُنَا ءَاتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَس َ
وَهُمْس مُهْتَدُونسَ()82وَ ِتلْكَس ُ
علِيمسٌ)) [النعام 83 :والصسواب أن إبراهيسم عليسه السسلم اتخسذ هذا السسلوب
رَبّكَس حَكِيمٌس َ
لقامة الحجة على قومه ،وليس كما يرى بعضهم أنه كان يبحسث عن الحق قبل رسالته
واليات كلهسا تدل على هذا المعنسى الذي هسو الصسواب ،ففسي أولهسا قوله تعالى(( :وكذلك
نري إبراهيسسم ملكوت السسسماوات والرض)) وفسسي وسسسطها(( :وحاجسسه قومسسه ))..وفسسي
آخرها(( :وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم.]))..
النموذج الثاني .يتعلق بمعبود اتهم الرضية.
وهسسي الصسسنام التسسي كانوا يصسسنعونها بأيديهسسم ويعبدونهسسا مسسن دون ال ،وقسسد كانسست
حججه قولية وفعلية ،وهي واضحة في سياق اليات التيةَ ((:وَلقَ ْد ءَاتَيْنَا إِبْرَاهِي مَ ُرشْدَ هُ
مِنْس قَ ْبلُ وَكُنّاس بِهِس عَالِمِينسَ()51إِ ْذ قَالَ لَِبِيهِس َوقَوْمِهِس مَا هَذِهِس التّمَاثِيلُ الّتِي أَنْتُمْس لَهَا عَا ِكفُونسَ(
ل َلقَدْ ُكنْتُمْس أَنْتُمْس َوءَابَاؤُكُمْس فِي ضَللٍ مُبِينسٍ(
)52قَالُوا َوجَدْنَا ءَابَاءَنَا لَهَا عَابِدِينسَ()53قَا َ
)54قَالُوا َأجِئْتَنَا بِا ْلحَقّ أَمْس أَنْتَس مِنَس اللّعِبِينسَ()55قَالَ بَل رَبّكُمْس َربّ السسماوات وَالَرْضِس
علَى َذلِكُمسْ مِنسَ الشّاهِدِينسَ()56وَتَالِّ لَكِيدَنّ أَصسْنَامَكُمْ بَ ْع َد أَنسْ ُت َولّوا
الّذِي فَطَرَهُنّ َوأَنَا َ
مُدْبِرِين سَ(َ )57فجَ َعلَهُم سْ جُذَاذًا إل كَبِيرًا لَهُم ْس لَ َعلّهُم ْس ِإلَيْه سِ يَ ْرجِعُون سَ()58قَالُوا مَن ْس فَ َعلَ هَذَا
ل لَ ُه إِبْرَاهِي مُ()60قَالُوا َفأْتُوا بِ هِ
ن الظّالِمِي نَ()59قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُ ُه مْ ُيقَا ُ
بِآلِهَتِنَا إِنّ ُه لَ ِم َ
س لَ َعلّهُ مْ يَشْ َهدُو نَ()61قَالُوا َءأَنْ تَ فَ َعلْ تَ َهذَا بِآلِهَتِنَا يا إبراهيم()62قَالَ َبلْ
ن النّا ِ
علَى أَعْيُ ِ
َ
طقُونسَ()63فَ َرجَعُوا ِإلَى أَ ْنفُسسِهِ ْم َفقَالُوا إِنّكُم ْس أَنْتُمسُ
فَ َعلَهسُ َكبِيرُهُمسْ َهذَا فَاس ْسَألُوهُ ْم إِنسْ كَانُوا يَ ْن ِ
ل َأفَتَعْبُدُونَس
طقُونسَ()65قَا َ
لءِ يَنْ ِ
علِمْتَس مَا هَؤُ َ
علَى ُرءُوسِس ِه ْم َلقَدْ َ
الظّالِمُونسَ( )64ثُمّ نُكِسسُوا َ
مِنْس دُونِس الِّ مَا ل يَ ْنفَعُكُمْس شَ ْيئًا َولَ َيضُرّكُمسْ()66أُفّ لَكُمْس َولِمَا َتعْبُدُونَس مِنْس دُونِس الِّ أَفل
علِينسَ(ُ )68قلْنَا يسا نار كُونِي بَرْدًا
تَ ْع ِقلُونسَ()67قَالُوا حَ ّرقُوهُس وَانْصُسرُوا ءَالِهَتَكُمْس إِنْس كُنْتُمْس فَا ِ
لخْسَرِينَ)) [النبياء]70-51 :
علَى إِبْرَاهِيمَ(َ )69وأَرَادُوا ِبهِ كَيْدًا َفجَ َعلْنَاهُمُ ا َ
وَسَلمًا َ
فعلى أهسسل الحسسق الذيسسن يسسسابقون بحقهسسم إلى عقول الناس أن يسسستعدوا لجدال أهسسل
الباطسل المعانديسن بالحجسج والبراهيسن ،ليحققوا بذلك الهدف مسن الجدال ،وهسو السسيطرة
البرهانيسة على عقول الناس حتسى يقبلوا الحسق أو يهزموا أمام الحجسة والبرهان ،فتضطسر
عقولهسسسم إلى الخضوع والسسسستسلم ،وإن كابروا وعاندوا ،وبذلك يظهسسسر لتباع أهسسسل
الباطسل بطلن مسا هسم عليسه كمسا يظهسر لهسم الحسق بسبراهينه فتقوم بذلك الحجسة وتتضسح
المحجة.
121
الوسيلة الخامسة .التعليم.
وهذه الوسيلة هي أكثر الوسائل تأثيرا وثباتا ورسوخا في السباق إلى العقول ،لنها
تقوم على أسس مدروسة ومناهج هادفة ،ومواد مختارة ،وكتب معدة ،ومعلمين مدربين،
ولن وقسست التعليسسم طويسسل يبدأ فسسي سسسن مبكرة ويسسستمر إلى الممات عنسسد كثيسسر مسسن
المتعلمين ،والسبق بأي مبدأ إلى عقول الناشئين يملك عقولهم و يأسرها أسرا ،ولهذا قال
علَى
الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم-كمسا فسي حديسث أبسي هريرة( :-مَا مِنْس َم ْولُودٍ إل يُولَدُ َ
الْفِطْرَ ِة َفأَبَوَاهسسُ يُ َهوّدَانِهسِس أَوْ يُنَصسسّرَانِ ِه أَوْ ُي َمجّسسسَانِهِ كَمَسسا تُنْتَجسُس الْبَهِي َمةُ بَهِي َم ًة جَمْعَاءَ َهلْ
ل أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي اللّهسم عَنْه ((فِطْرَ َة الِّ الّتِي فَطَرَ
ن فِيهَا مِنْس جَدْعَاءَ؟ ثُمّ َيقُو ُ
ُتحِسسّو َ
علَيْهَا)) ال َيةَ[.الحديث في صحيح البخاري برقم ]1270 :وذلك إنما يكون بالتعليم
النّاسَ َ
الدراسي والسري .فإذا راعى أهل الحق أسس التعليم وأحكموها ،كان التعليم من أنجح
وسسائل السسباق إلى العقول بالحسق وتثسبيته فسي تلك العقول :عقول الفراد والسسر والحكام
والمربين في كل الجيال.
أسس التعليم الناجحة في السباق إلى العقول.
الساس الول :وضوح الغايات.
أي غايات أهل الحق في سباقهم إلى العقول ،وهي:
-1تبليغ رسالت ال إلى الناس.
-2إقامة الحجة على الخلق.
-3إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
-4تحقيق توحيد ال في الرض.
-5غرس اليمان بالغيب في النفوس.
-6تحكيم شرع ال في حياة الناس.
-7غرس الخلق الفاضلة ومطاردة الخلق الفاسدة.
-8إقامة الخلفة في الرض على أساس هدى ال.
-9العتزاز بال واتخاذ وسائل العزة.
وقسد سسبق الكلم عنهسا ،وهسي-وإن كانست مطلوبسة التحقيسق مسن كسل الوسسائل-تتحقسق
بوسيلة التعليم وتثبت وترسخ أكثر من غيرها من الوسائل الخرى.
الساس الثاني :وضع مناهج للتعليم تتحقق بها تلك
الغايات.
بحيسث تشمسل المناهسج كسل مسا تحتاج إليسه المسة فسي حياتهسا ،على أسساس دينهسا الذي
تضمنه كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم ،مما يحقق لها السيادة التي ترضي
ربها في الرض.
122
ما تجب مراعاته في وضع المناهج.
ويجب أن يراعى في وضع المناهج المور التية:
المممر الول :السممبر الشامممل لكممل ممما تحتاج إليممه
المة من العلوم.
وهسسي كسسل العلوم التسسي تمكنهسسا مسسن النهوض والتقدم واعتلء مقعسسد القيادة الربانيسسة
للبشريسة ،وهسو مسا عسبر عنسه القرآن الكريسم بالخليفسة(( :إنسي جاعسل فسي الرض خليفسة))
سواء كانت تلك العلوم من فروض العين ،وهي التي تتعلق بجميع المكلفين ول يكفي أن
يقوم بهسا أحسد عسن آخسر ،كأركان السسلم وأركان اليمان ،أو فروض الكفايسة وهسي التسي
تسسقط عسن بقيسة المسة ،إذا قامست بهسا طائفسة كافيسة عددا وسس ّد حاجسة ،كالعلوم السسياسية،
والقضائيسسسة ،والقتصسسسادية ،والهندسسسسية والطبيسسة ،والصسسسناعية ،والحِرفيسسسة ،والفلكيسسسة،
والعسكرية ،وغيرها.
ثسسم يوضسسع لكسسل علم منهجسسه الخاص بسسه مسسن قبسسل ذوي الكفاءة فيسسه والختصسساص،
ويخصص له من الزمن ما يكفيه.
المممر الثانممي :أن يراعممى فممي وضممع المناهممج ممما
يتناسب مع العصر.
ويشمسل ذلك جميسع المواد والمفردات المطلوب دراسستها ،بحيسث يكون الدارس على
وعسسي وخسسبرة بمسسا يتعلق بالعلم الذي يدرسسسه فسسي واقسسع الحياة ،مسسع المقارنسسة والموازنسسة
والترجيسسح بالحجسسة والبرهان ،ول تكون دراسسسته دراسسسة نظريسسة تلقينيسسة تقليديسسة جامدة،
تجعله إذا خالط الناس واصسسطدم بمسسا عندهسسم مسسن أفكار ونظريات ومبادئ ،كأنسسه بدوي
دعي لحضور مؤتمر تتصارع فيه نظريات الفلسفة والسياسيين والقتصاديين ،مع أن
بعض تلك النظريات تتعلق بتخصصه.
وسأضرب بعض المثلة لتوضيح هذا المعنى:
المثال الول :وجسد فسي هذا العصسر إلحادٌ مادي قوي ينكسر وجود الخالق-فضل عسن
اسسسستحقاقه العبادة واتباع رسسسسله وتحكيسسسم شرعسسسه-قامسسست على أسسسساس هذا اللحاد دول
ووضعسست له فلسسسفات ومناهسسج تعليسسم وإعلم ،واتخذت لنشره والدعوة إليسسه وسسسائل تبدأ
بالعلم وتنتهي بالسلح ،وخدعت به عقول واستجابت له حكومات.
والجديسد فسي هذا اللحاد هسو انتشاره وقيام دول على أسساسه ،وقسد كان فسي الزمان
الماضية مغمورا ل يوجد إل لدى أفراد أو جماعات قليلة ،ل وزن لها بين الناس.
ل الرسسسل على قومهسسم المقريسسن بسسه ،بأن الخالق الذي
وكان إقرار المسسم بالخالق دلي َ
أقرت به تلك المم هو وحده الله المعبود الذي يستحق العبادة.
ولهذا لم تكسن الرسسل فسي حاجسة إلى أن يَنْصَسبُوا فسي دعوة أممهسم إلى القرار بوجود
خالق لهذا الكون ،لن ذلك من تحصيل حاصل ومن تبديد الجهد في غير مكانه.
كمسا قال تعالى(( :قسل لمسن الرض ومسن فيهسا إن كنتسم تعلمون ،سسيقولون ل قسل أفل
123
تذكرون ،قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ،سيقولون ل قل أفل تتقون،
قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ول يجار عليه إن كنتم تعلمون ،سيقولون ل قل
فأنى تسحرون)) [المؤمنون.]89-84 :
وال الخالق العليسم عالم الغيسب والشهادة ،قسد أودع فسي كتابسه مسن الحجسج والبراهيسن
الدالة على وجوده وأنسه رب كسل شسئ ومالكسه ،مسا ل يدع لمنكره منفذا يفسر مسن براهينسه
وحججسه ،سسواء قسل المنكرون أو كثروا ،وحججسه وبراهينسه منتزعسة مسن آياتسه الكونيسة
ب المفتوح وهو الكون كله ،كما قال
ومخلوقاته ،فالكتاب المقروء َينْ صِب للجاحدين الكتا َ
تعالى(( :أم خُلقوا مسسن غيسسر شسسئ أم هسسم الخالقون ،أم خلقوا السسسماوات والرض بسسل ل
يوقنون))[الطور]36-35 :
وقال تعالى(( :أ مّنس خلق السسماوات والرض وأنزل لكسم مسن السسماء ماء فأنبتنسا بسه
حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع ال بل هم قوم يعدلون ،أمن جعل
الرض قرارا وجعسل خللهسا أنهارا وجعسل لهسا رواسسي وجعسل بيسن البحريسن حاجزا أإله
مسع ال بسل أكثرهسم ل يعلمون ،أمسن يجيسب المضطسر إذا دعاه ويكشسف السسوء ويجعلكسم
خلفاء الرض أإله مسع ال قليل مسا تذكرون ،أمسن يهديكسم فسي ظلمات البر والبحسر ومسن
يرسسل الرياح بشرا بيسن يدي رحمتسه أإله مسع ال تعالى ال عمسا يشركون ،أمسن يبدأ الخلق
ثسسم يعيده ومسسن يرزقكسسم مسسن السسسماء والرض أإله مسسع ال قسسل هاتوا برهانكسسم إن كنتسسم
صادقين))[النمل.]64-60 :
ومع هذا كله-أي مع كون وجود الخالق الذي كانت المم تعترف به ،وكانت الرسل
تسسستدل بهذا العتراف على وجوب عبادتسسه وحده وعدم الشراك بسسه ،ومسسع وجود كثرة
الحجسسج والبراهيسسن فسسي الكتاب المقروء والكتاب المفتوح ،على وجوده وأنسسه خالق هذا
الكون ،ومع بسط علماء المسلمين في القديم والحديث الكلم عن هذا المعنى ،ومع وجود
دول إلحادية في هذا العصر قامت على إنكار هذا الصل الذي كان بالمس ُمقَرّا به لدى
عامة أمم الكفر ،وأصبح الن محل إنكار-مع هذا كله وجد من ينتسب إلى العلم ويزعم
أنه ل داعي لدخال هذا الصل الذي سماه علماء السلم "توحيد الربوبية" في مباحث
العقيدة لبرازه والدعوة إليه ،لنه هو الدليل على توحيد اللوهية فهو بد هي ،والرسل لم
تكن تدعو أممها إليه!!!
أيعقسسل هذا الكلم؟! إذا أنكسسر مراض القلوب وضعاف النفوس مسسا كان فسسي الصسسل
دليل ،أفل ندعوهسسم إلى القرار بهذا الدليسسل الذي أقرت بسسه المسسم وتظاهرت عليسسه آيات
الكون ومخلوقاتسه كلهسا؟! وإذا أصسبح الدليسل مُنكَرًا ولم نقسم الحجسج على منكريسه ونجعسل
عقولهم تقربه ،فهل هذه مزية لنا؟ وهل نعد متبعين حقا للرسل الذين كانوا يستدلون بهذا
الصل على وحدانية ال وعبادته بل شريك معه؟!
ألم يكسن نسبي ال موسسى عليسه السسلم يعلم أن فرعون كان-فسي الواقسع-مسستيقنا بأن ال
هسو خالق السسماوات والرض ،وأن اليات التسي جاء بهسا موسسى كانست حقسا ،وأن إنكاره
وجحده مسا كان إل مكابرة منسه؟! كمسا قال تعالى(( :فلمسا جاءتهسم آياتنسا مبصسرة قالوا هذا
سسسحر مسسبين ،وجحدوا بهسسا واسسستيقنتها أنفسسسهم ظلمسسا وعلوا فانظسسر كيسسف كان عاقبسسة
المفسدين)) [النمل.]14-13 :
124
ومسع ذلك فإن موسسى عليسه السسلم أقام الحجسة على فرعون عندمسا ادعسى الربوبيسة
وسسخر مسن دعوة موسسى إلى اليمان بربسه ،فقال كمسا ذكسر ال تعالى عنسه(( :قال فرعون
ومسسسسا رب العالميسسسسن)) فأجابسسسسه موسسسسسى بقوله(( .رب السسسسسماوات والرض إن كنتسسسسم
موقنين))[الشعراء.]24-23 :
لقسد خلت مناهسج بعسض المعاهسد والجامعات والمدارس السسلمية ،فسي هذا العصسر
الذي ظهسسر فيسسه هذا اللحاد ،واسسستفحل وانتشسسر عسسن طريسسق التعليسسم والعلم والسسسياسة
والقتصسساد وعلوم النفسسس وعلوم الجتماع ،وعسسن طريسسق الغزو المسسسلح والكراه على
إنكار وجود ال ،خلت تلك المناهسسج مسسن بحوث يتسسسلح بهسسا الطلب ودعاة السسسلم ،فسسي
إقامسسة الحجسسج والبراهيسسن ،على تفاهسسة هذا اللحاد وإزالة مسسا علق بعقول عدد كسسبير مسسن
الناس ،ومنهسم بعسض ذرا ري المسسلمين ،ووقسف كثيسر ممسن تخرجوا فسي تلك المؤسسسات
السلمية عاجزين عن رد شبهات إلحادية كثيرة بثها الملحدون في مناهج التعليم وكتبه
فسي بعسض البلدان السسلمية ،إل مسن اجتهسد مسن أولئك المتخرجيسن اجتهادا ذاتيسا فدرس
بعسض المؤلفات وقرأ بعسض البحوث التسي ألفهسا بعسض الغيوريسن مسن دعاة السسلم ،أو
لزم بعسض هؤلء الدعاة واسستفاد منهسم ،فإنهسم انطلقوا بحجسج وبراهيسن مثسل الصسواريخ
تدمر كل شئ أتت عليه من مبادئ وأفكار وشبهات أولئك الملحدة.
ومع ذلك فقد اجتهد بعض دعاة السلم ،فوضعوا في مناهج بعض المدارس بحوثا
وكتبسا مزودة بأدلة علميسة وحجسج وبراهيسن قويسة فسي هذا المعنسى ،اسستأصلوا بهسا شجرة
اللحاد مسن بلدهسم وقسد كادت تمسد جذورهسا فيهسا ،وكان ذلك تحصسينا لطلبهسا وسسلحا
يهاجمون به أساطين اللحاد في عقر دارهم [كان ذلك في اليمن ،حيث ألف الشيخ عبد
المجيسد الزندانسي كتسب التوحيسد السستة التسي قررت على طلب المتوسسط والثانوي فقضسى
ال بهسسسا على اللحاد فسسسي اليمسسسن وأصسسسبح الطلب اليمنيون الذيسسسن ابتعثوا إلى البلدان
الشيوعيسسة يوجهون أسسسئلة إلى المشرفيسسن عليهسسم مسسن الملحديسسن تفحمهسسم كمسسا ذكسسر ذلك
الزنداني في بعض كتبه.].
المثال الثانسسي :أن أعداء السسسلم قسسد بلغوا شأوا عظيمسسا فسسي هذا العصسسر مسسن القوة
المادية والصناعية ،وأصبح عندهم من السلح ما أخافهم هم أنفسهم من أن يتفجر بينهم
فسسي صسسراعاتهم على زعامسسة العالم ،ومسسا يُطِيسسش عقولهسسم فسسي أن يتقاتلوا بذلك السسسلح
ويدمروا به أنفسهم وبلدانهم وما بنوه من حضارة مادية في مدة طويلة من الزمن.
وهسم متفقون جميعسا على أن عدوهسم الحقيقسي هسو السسلم الذي يخشون أن يولد مسن
أبنائه من يُعلِي ال به رايتَه في الرض ،فينطلق السلم انطلقة ل قبل لهم بإعاقته ،ول
قدرة لكسل السسدود التسي وضعوهسا ول زالوا يضعونهسا فسي طريقسه ،على صسده ومنعسه عسن
النسسياب فسي الرض ،سسابقا بعقيدتسه وأخلقسه ومعاملتسه الشاملة ،إلى عقول الناس التسي
لو وصسل إليهسا صسحيحا غيسر مشوه ،لسسرعت إلى قبوله ورفضست كسل العقائد والمبادئ
والنظمسة التسي تخالفسه والتسي شقيست البشريسة بهسا فسي الرض ،وبخاصسة أنسه مهيسأ ليحسل
محل تلك المبادئ والنظمة التي جربت كلها ففشلت ،والعالم يترقب ما ينقذه مما حل به
من دمار.
وأعداء السسسلم يعلمون أن هذا الديسسن ديسسن عقيدة صسسحيحة وأخلق فاضلة وأنظمسسة
125
سسسامية ،يدعسسو إلى العلم الشامسسل علم الدنيسسا وعلم الخرة ،وأنسسه ديسسن المسسساواة والعدل
والحريسسة والصسسدق ،ويعلمون بأن حضارتهسسم الماديسسة مبنيسسة على عقائد فاسسسدة ،وتحلل
اجتماعسي ،وأنظمسة اقتصسادية مدمرة ،وأنظمسة سسياسية ل قدرة لهسا على الوقوف طويل
أمام سسياسة السسلم ،إذا طبقست فسي الرض ،ديدنهسم العدوان على الضعيسف وظلمسه وهسم
يزعمون أنهسم دعاة سسلم وعدل ،فإذا طبسق السسلم فسي الرض ظهرت عيوب مدنيتهسم
وانكشسف زيسف مسا يلصسقونه بالسسلم مسن مثالب زورا وبهتانسا ،ولذلك فهسم يخافون مسن
السسلم خوفسا شديدا ،ويحيكون للمسة السسلمية كسل المؤامرات ،ويعدون العدة لختلق
الذرائع لشسسن غاراتهسسم العسسسكرية المباشرة على أي دولة إسسسلمية يخشون مسسن تطبيقهسسا
الشريعسسة السسسلمية تطبيقسسا صسسادقا ،وليسسس مجرد دعوى ،أو يخشون مسسن امتلكهسسا قوة
عسسكرية واقتصسادية-وإن كانست علمانيسة-خشيسة مسن أن ترث تلك القوة قيادة مسسلمة تعلي
بها كلمة ال!.
ولهذا دمسر اليهود المفاعسل النووي فسي العراق ،وأغْرَتْس الدول الغربيسة وعلى رأسسها
أمريكسا نظام البعسث العراقسي بغزو الكويست ،مسن أجسل القضاء على مسا يملك مسن قوة ،وقسد
فعلوا ول زالوا يفعلون ،ويهددون جمهورية باكستان السلمية ويحيكون لها المؤامرات
لتدمير ما تملك من قوة نووية ،ول يعترضون على قوة الهند الوثنية النووية ،ويواصلون
دعمهسسم لليهود ولمتلكهسسم مزيدا مسسن القوة النوويسسة ،ول يطيقون أن تملك أي دولة مسسن
الدول السلمية قوة متميزة ولو كانت غير نووية ،كل ذلك من أجل أن يضمنوا تفوقهم
العسكري في كل لحظة ،على جميع الدول في البلدان السلمية ،ويريدون لجميع الدول
فسي الشرق السسلمي أن تكون ضعيفسة فسي سسلحها وجيشهسا واقتصسادها ،مسا عدا الدولة
اليهوديسة التسي احتلت أرض المسسلمين فسي فلسسطين ،فإنهسم يدعمونهسا بكسل وسسائل القوة،
ليسسطروا على بلد المسسلمين واقتصسادهم سسيطرة كاملة ،وليضطروهسم إلى عدم التفكيسر
في إقامة دين ال في الرض بتطبيق شريعته.
ومسسع وضوح هذا العداء السسسافر ضسسد السسسلم والمسسسلمين ،مسسن الدول النصسسرانية
والدولة اليهوديسة وغيرهسم مسن أعداء السسلم ،فإن مناهسج المدارس والمعاهسد والجامعات
فسي أغلب البلدان السسلمية ،قسد أهملت فقسه الجهاد فسي سسبيل ال الذي يوجسب على المسة
السسسلمية أن تعسسد العدة اللزمسسة لرهاب أعداء ال ،حتسسى ل يعتدوا على هذه المسسة،
وحتسى تحطسم المسة السسلمية كسل الطواغيست الذيسن يصسدون الناس عسن الدخول فسي ديسن
ال.
وكذلك أغفلت تلك المناهسسج فسسي أغلب البلدان السسسلمية قاعدة الولء والبراء التسسي
أبدى فيهسا القرآن الكريسم وأعاد ،موضحسا أعداء المسة السسلمية مسن اليهود والنصسارى
والوثنييسن ومكايدهسم التسي ل يكفون عنهسا إلى يوم القيامسة ،بسل إن بعسض الحكومات فسي
بعسض البلدان السسلمية أمرت بحذف مسا كتسب مسن آيات فسي بعسض المقررات الدراسسية
مما يتعلق باليهود والنصارى حتى ل يتنبه التلميذ لهذه القاعدة من فهمهم لتلك اليات،
وقد نبه على ذلك بعض كتاب المسلمين في بعض الصحف العلمانية ،بعنوان[ .فتنة في
الرض وفسسساد كسسبير .الهرام ،القاهريسسة 14/10/1413هسسس6/4/1993-م ص ،9راجسسع
الملف الصحفي الذي تصدره تهامة عدد 362ص 39بتاريخ 1/11/1413هس].
126
المثال الثالث .إذا تأمل المتابع لحركة التدبير العالمي وجدها تعتمد على ثلثة أسس
جوهرية ،وهي :السياسة والقتصاد والقوة العسكرية بكل فروعها.
وقسسد أنشئت لكسسل واحسسد مسسن هذه السسس معاهسسد وكليات ومؤسسسسات ومراكسسز بحسسث
ومراكسز تدريسب ،وخصسصت لهسا ميزانيات هائلة فسي بلدان العالم الغربسي بالذات ،وكذلك
فسسي بلدان العالم الثالث-كمسسا يطلق عليسسه هذه التسسسمية الغربيون احتقارا له وتثبيطسسا مسسن
التفكير في النهوض-ومنه دول العالم السلمي ،وكلها تعتمد على المنهج العلماني إل ما
ندر فسسي بعسسض البلدان السسسلمية ،ولهذا سسسيطرت النظريات السسسياسية والقتصسسادية
العلمانية على العالم بدعم من القوة العسكرية ،وترى المثقفين ورجال الدارة والحكم في
العالم السلمي قد فتنوا بتلك النظريات ورأوا فيها مثال يحتذى وقدوة تتبع-سواء طبقوا
مسا فتنوا بسه أو خالفوه بحسسب أهوائهسم ومصسالحهم ،ولم يلتفتوا إلى مسا فسي مصسادر دينهسم
من قواعد السياسة والقتصاد ،بل وقر في أذهانهم أن الدين السلمي كغيره من الديان
المحرفسسة صسسلة بيسسن العبسسد وربسسه ،ول دخسسل له فسسي حياة البشسسر الداريسسة والسسسياسية
والقتصسادية والعسسكرية وغيرهسا ،ولم يخرج عسن هذه القاعدة التسي سسار عليهسا المثقفون
مسن أبناء المسة السسلمية إل مسن هيسأ ال له السسبيل ،فتربسى تربيسة إسسلمية على أيدي
علماء الدعوة السسلمية ،ودرس كتبهسم ورجسع إلى مصسادر العلوم السسلمية فتفقسه فسي
دين ال وتيقن أن السلم منهج كامل لحياة البشر.
ومسع ذلك ل تجسد فسي العالم السسلمي كله كليسة واحدة للقتصساد السسلمي ،ول كليسة
واحدة للسسياسة الشرعيسة ،بسل ل تجسد فسي كليات القتصساد والعلوم السسياسية والداريسة،
مقارنسة جادة بيسن النظريات القتصسادية والنظريات السسياسية ،وبيسن السسياسة الشرعيسة
والقتصساد السلمي ،بل ممسا يؤسسف له أن المعاهسد والجامعات السلمية لم تعط هذين
العلمين المهمين في السلم-السياسة والقتصاد-ما يستحقانه من العناية والهتمام ،وإن
كانست بعسض الجامعات قسد أنشأت مسا يسسمى بقسسم السسياسة الشرعيسة ،فإن الدراسسة فيهسا
دراسة جامدة تعتمد على مذكرات ونصوص جزئية ل تمت إلى حياة البشرية المعاصرة
بصلة قوية.
وكان الجدى بالجامعات السسسلمية أن تنشسسئ كليات للسسسياسة الشرعيسسة والقتصسساد
السلمي ،وأن توجد أساتذة مؤهلين يجمعون بين الفقه السلمي من مصادره في هذين
المجاليسن ،وبيسن النظريات السسياسية والقتصسادية المشهورة فسي العالم اليوم ،وأن تدرس
موادهسسسا بتوسسسسع ليتخرج فيهسسسا ذوو كفاءات مؤهلون لدارة البلدان السسسسلمية سسسسياسيا
واقتصسساديا ،وليظهسر للعالم مسا فسي هذا الديسن مسن مزايسا يُحَل بهسا كثيسر مسن المشكلت
العويصسسة ،ويقضسسى بهسسا على أزمات مسسستعصية ،وأن وسسسطية هذا الديسسن فسسي السسسياسة
والقتصساد جديرة بالدراسسة والمقارنسة والتطسبيق الذي سسيقضي على مفاسسد الديمقراطيسة
مع اشتماله على ما قد يكون فيها من محاسن ،كما سيقضي على الدكتاتورية والستبداد
مسسع اشتماله على مسسا قسسد يكون فيهمسسا مسسن ضبسسط وعدم تسسسيب ،وسسسيقضي على مفاسسسد
الرأسسمالية الربويسة مسع اشتماله على مسا قسد يكون فيهسا مسن حريسة فرديسة محكومسة ،وعلى
مفاسد الشتراكية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من حفظ حق الجماعة بدون اعتداء
على حقوق الفراد.
127
فهل ننتظر من الجامعات السلمية اهتماما ما بذلك؟!
سبب التخصيص.
إن تخصسيص الجامعات السسلمية فسي هذا السسياق ،إنمسا هسو مسن باب مسسايرة الواقسع
الذي فُرِض على المسة السسلمية فرضسا ،بسسبب العلمنسة التسي سسيطرت على الحكومات
فسسي الشعوب السسسلمية ،بعسسد الجهسسل الذي خيسسم على المسسسلمين والسسستعمار الذي كرس
جهوده فسي زيادة جهلهسم بدينهسم ،وبعسد التمزق الذي أصساب المسة السسلمية فسي أعقاب
سقوط ما كان يربطهم ،وهو آخر رمز للخلفة السلمية-في دولة بني عثمان-حيث تم
الفصسل بيسن الديسن والدولة ،وتسم بناء على ذلك الفصسل بيسن مسا سسمي بالجامعات المدنيسة
والجامعات الدينية .وأصبح طلب الجامعات المدنية التي خلت في الغالب من الدارسات
السسسسلمية هسسسم قادة الشعوب السسسسلمية 1والمدبريسسسن لشؤونهسسسا السسسسياسية والداريسسسة
والقتصادية وغيرها ،لن مناهج جامعاتهم أعدت لتؤهلهم لذلك.
أمسا طلب الجامعات الدينيسة ،فقسد وضعست لهسم مناهسج قصسد منهسا حصسر نشاطهسم فسي
المسساجد-أئمسة وخطباء ومؤذنيسن-مقيدا بمسا يأذن لهسم مسن تربسع على كراسسي الحكسم مسن
طلب الجامعات المدنيسة ،وفسي تدريسس المواد الدينيسة حسسب المنهسج الذي تضعسه الزمرة
الحاكمة ،ول زال هذا الفصل مستمرا إلى الن.
وكان الجفاء والنفرة على أشدهمسسا بيسسن أسسساتذة الجامعات المدنيسسة وطلبهسسا ،وبيسسن
أساتذة الجامعات السلمية وطلبها ،حتى أصبحوا-وهم إخوة في بلد إسلمي واحد-كأن
بعضهم أجنبي عن الخر.
ولكسن بحمسد ال وتوفيقسه ثسم بفضسل جهود دعاة السسلم فسي نشسر المعانسي السسلمية
والدعوة إلى الرجوع إلى هذا الدين والتفقه فيه وحمله ،أن أقبل طلب الجامعات المدنية
إلى هذا الديسن وتمسسكوا بسه حتسى فاق كثيسر منهسم فسي اللتزام بسه بعضَس طلب الجامعات
السسلمية ،حتسى ضاقست بذلك صسدور العلمانييسن فسي البلدان السسلمية ،وأسساتذتهم فسي
بلدان الغرب ذرعسا بهذه الظاهرة ،وأصسبحوا يحاربون هذا الصسنف مسن الملتزميسن أكثسر
مسسن حربهسسم للملتزميسسن بالسسسلم مسسن طلب الجامعات السسسلمية ،حتسسى الطلب الذيسسن
درسسوا فسي الجامعات الغربيسة معقسل العلمانيسة ،رجسع كثيسر منهسم وهسم يحملون الدعوة إلى
السلم مع تخصصاتهم المسماة بالمدنية والعسكرية ،فكان فيهم شبه بتربية موسى في
قصر فرعون ،وعلى أهلها تدور الدوائر!
هذا هسو سسبب تخصسيص الجامعات السسلمية ،وإل فالصسل أن تكون الجامعات فسي
البلدان السلمية كلها جامعات إسلمية ،بدون حاجة أن توصف بأنها إسلمية ،على أن
تضسم الجامعسة الواحدة جميسع الكليات والقسسام التخصسصية ،فتكون فسي الجامعسة كليات
الطسسب والهندسسسة والجغرافيسسا والسسسياسة والقتصسساد والشريعسسة واللغسسة وغيرهسسا ،وتكون
الدارسات السلمية مقررة في كل الكليات بالقدر المناسب ،مع ما فيها من تخصصات،
حتسى يكون المتخرجون منهسا كلهسم ذوي كفاءات ومؤهلت متخصسصة ،مع معرفسة القدر
الكافسي مسن العلوم السسلمية ،وبذلك يقضسى على الزدواجيسة الموجودة الن فسي البلدان
-1بل تجاوز المر المدنيين إلى أن تولى أزمّة المور في كثير من بلدان المسلمين العسكر.
128
السلمية.
أقسام العلم في الشريعة السلمية.
إن العلم في الشريعة السلمية ثلثة أقسام:
:
.
وهو ما ل يسع أحدا من المسلمين جهلُه ،لتعلقه بعينه وعدم سقوطه عنه-ما دام قادرا
عليسسسه-بفعسسسل غيره ،وذلك مثسسسل العلم بالقدر الضروري مسسسن أصسسسول اليمان ،والعلم
الضروري بأصسسول السسسلم ،وكسسل مسسا هسسو فرض على العيان ،فإن الواجسسب على كسسل
مسلم أن يعلم ما وجب عليه عينا بحسب ما هو مطلوب منه شرعا.
.
.
وهو ما ل يجب على أحد بعينه من المسلمين ،وإنما يجب على المة أن يوجد فيها
من يقوم به قياما كافيا ،فإذا قام به واحد منها وكان كافيا للمة سقط عن باقي المة ،وإن
لم يكسف الواحسد وجسب أن يوجسد العدد الكافسي للمسة بحسسب حاجتهسا ،وذلك مثسل الفتوى
والقضاء والسسسسياسة الشرعيسسة والمواريسسث والمعاملت والعقوبات-الحدود والقصسسساص
والتعزيسر-وغيسر ذلك مسن علوم الشريعسة السسلمية ،فيجسب أن يوجسد القضاة الذيسن تحتاج
إليهسم المسة مهمسا كان عددهسم ،وهكذا ال ُمفْتُون ،وفقهاء السسياسة الشرعيسة وخسبراء الجهاد
والقتصاد السلمي وغيرهم.
هذان القسسسمان-كمسسا هسسو واضسسح-مسسن علوم الشريعسسة التسسي تسسستفاد مسسن القرآن وسسسنة
الرسول صلى ال عليه وسلم ،لن الوحي الذي جاء به ،من عند ال يشملهما ،ويدخل في
ذلك ما أخذ منهما بطرق الستنباط والستدلل المعروفة عند العلماء ،وما دل عليه من
مقاصد الشريعة السلمية.
القسم الثالث :ما يتعلق بمصالح الدنيا.
1
ممسا يرشسد إليسه الوحسي أو العقسل أو التجربسة أو اللغسة ،وهسي العلوم التسي يحتاج إليهسا
المسسسسسلمون وغيرهسسسسم ،وإذا خل منهسسسسا بلد تعرض أهله للهلك أو النحطاط والتأخسسسسر
والضعف.
مثسل علم الطسب والرياضيات والهندسسة بأنواعهسا ،وكذلك المهسن الخرى كالصسناعة
-1الصل في التقسيم أن العلم قسمان :فرض عيسن ،وهسو ما تعلق بذات كسل فرد من أفراد المسسلمين ،بحيسث ل يغني عنسه غيره
في القيام به… وفرض كفاية ،وهو ما لم يتعلق بذات الفراد ،وإنما يتعلق بوجود الفرض نفسه ،بحيث يغني في القيام به عن المة
مسن يقوم بسه عنهسا قيامسا كافيسا ،وهذا الفرض قسسمان :قسسم يتعلق بالمصسالح الدينيسة تعلقسا مباشرا ،كالجهاد فسي سسبيل ال ،والقضاء
والفتوى… وقسم يتعلق بمصالح الدنيا ،كالصناعة والتجارة… وقد فضلت إفراد هذا القسم وجعله ثالثا ،لنه-مع إثم المسلمين بتركه
كالقسسم الذي قبله-مسن المور التسي يشترك المسسلمون وغيرهسم فسي ضرورة القيام بهسا لن حياتهسم ل تقوم بدونهسا .ول مشاحسة فسي
الصطلحات.
129
والزراعة والخياطة والحياكة والخبازة وغيرها ،فهذه العلوم والمهن من فروض الكفاية.
وفرض الكفايسة بقسسميه .الشرعسي والعادي تأثسم المسة كلهسا إذا لم يوجسد مسن يقوم بسه
قياما كافيا.
وكلهمسسا-فرض العيسسن وفرض الكفايسسة بقسسسميه-يثاب فاعله-إذا قصسسد بسسه وجسسه ال-
ويعاقب تاركه القادر عليه .وكلها تدخل تحت الحكام التكليفية الخمسة ،وهي :الواجب
والمندوب والمباح والمحرم والمكروه.
وبهذا يعلم أن المسلم مكلف شرعا بجميع العلوم :الشرعي منها والعادي ،إل أن منها
ما يكون فرض عين ومنها ما يكون فرض كفاية .1
وهذا يدل على ارتباط شؤون الدنيسا بشؤون الديسن ،وأن الفصسل بينهمسا فصسل يعزل
الديسن عسن توجيسه المسة فسي حياتهسا الدينيسة والدنيويسة ،منكسر فسي السسلم ل يجوز إقراره،
وهسو الذي دمسر حياة المسسلمين فسي هذا العصسر ،حيسث صسار لشؤون الدنيسا سسلطة زمنيسة
مستقلة ،ولشؤون الدين زعامات تقيدها سلطة الشؤون المدنية بما تهوى ،ولو ألغي بذلك
تطسبيق السسلم ،اتباعسا لمسا سسار عليسه العلمانيون فسي الغرب مسن إقصساء الديسن النصسراني
الكنسسسي المحرف عسسن التدخسسل فسسي الشؤون الدنيويسسة ،مسسع أن الفرق الكسسبير بيسسن الديسسن
الكنسسي الذي َتحَكّمس فسي حياة الناس باسسم ال ،فأحسل مسا حرم ال وحرم مسا أحسل ال بدون
إذن مسن ال ،وليسس فيسه منهسج صسالح لحياة البشسر الشاملة ،بخلف السسلم الذي لم يدع
شاردة ول واردة فسي حياة البشسر إل شرع لهسا فيسه مسا يحقسق لهسم مصسالحهم ويدفسع عنهسم
المفاسد ،إما بالنصوص الصريحة والظاهرة ،وإما بالستنباط والقياس ،وإما بما وضعه
من مقاصد يندرج تحتها ما ل يحصى من المسائل.
فالصل-إذا-أن يكون التعليم ومناهجه ومدارسه وجامعاته على أساس السلم ،وأن
يكون العلماء الذيسسن يتخرجون مسسن تلك المدارس والجامعات كلهسسم متعاونيسسن-مسسع تنوع
تخصسصاتهم-على إقامسة ديسن ال فسي الرض ،يحكمهسم جميعسا شرع ال ويسسيرون جميعسا
على نهج السلم.
ويظهر من ذلك أن الوضاع الموجودة الن في مؤسسات التعليم ومناهجه ونتائجه،
التي أوجدت فئة علماء دين هم المسؤولون عن الشؤون الدينية في حدود ما يأذن لهم به
الحكام ،وفئة يدعون بالمثقفيسن الذيسن مكنتهسم تخصسصاتهم مسن قيادة المسة غيسر متقيديسن
بشرع ال-إن هذه الوضاع تعتسبر شاذة يجسب السسعي لزالتهسا وإعادة المور إلى أصسلها
كما هو واضح فيما ذكرنا.
ولست بهذا أرى منع جامعات أو كليات أو معاهد متخصصة في بعض العلوم قائمة
بنفسها مستقلة عن غيرها ،ول أوجب أن تكون كل الكليات الشرعية وما تسمى بالمدنية
فسي جامعسة واحدة ،وإن كنست أحبسذ ذلك للقضاء على الوضسع الراهسن الشاذ ،وإنمسا أردت
بهذا أن ل توجسد جامعات يقال لهسا مدنيسة ،وأخرى يقال لهسا دينيسة ،وتكون تلك غيسر مقيسد
طلبهسسا بالسسسلم فسسي وظائفهسسم ،وهذه غيسسر مأذون لطلبهسسا بالشتراك فسسي قيادة المسسة
وإدارة شؤونها على أساس منهج ال ،بل يجب أن يكون الجميع سائرين على هذا النهج
الواجب شرعا ،بل إن العلماء الذين تخصصوا في علم الشريعة هم الذين يحكمون على
-1راجع إحياء علوم الدين ( )1/16للغزالي .ومجموع الفتاوى لبن تيمية (.)80-28/79
130
التصسرفات والنظسم ،مسا هسو مشروع ومسا هسو غيسر مشروع على ضوء فقههسم فسي الديسن
وتصورهم لما يحكمون عليه.
وقسد نسص على ذلك العلماء ،حتسى قال الرازي رحمسه ال[ :والعلماء فسي الحقيقسة هسم
أمراء المراء ،فكان حمل لفظ أولي المر عليهم أولى].1
وقال ابسسن العربسسي رحمسسه ال( :والصسسحيح عندي أنهسسم-يعنسسي أولي المسسر-المراء
والعلماء جميعسا ،أمسا المراء فلن أصسل المسر منهسم والحكسم إليهسم ،وأمسا العلماء فلن
سسؤالهم واجسب متعيسن على الخلق وجوابهسم لزم وامتثال فتواهسم واجسب )...إلى أن قال.
(والمسسر كله يرجسسع إلى العلماء لن المسسر قسسد أفضسسى إلى الجهال وتعيسسن عليهسسم سسسؤال
العلماء.2 )..
وقال ابسن القيسم رحمسه ال( :والتحقيسق أن المراء يطاعون إذا أمروا بمقتضسى العلم،
فطاعتهم تبع لطاعة العلماء ،فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم ،فكما
أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول ،فطاعة المراء تبع لطاعة العلماء.3 )...
ولو أن التعليسسم فسسي البلدان السسسلمية سسسار على هذا النهسسج ،لمسسا سسسبق أهسسل الباطسسل
بباطلهسسم إلى عقول أبناء المسسسلمين ،ولكان السسسبق لعلماء المسسسلمين بالحسسق إلى عقول
هؤلء البناء.
الممر الثالث :مما يناسمب الدارسمين فمي المراحمل
الدراسية المبكرة.
ويشمسسل ذلك طلب الروضسسة وطلب المرحلة البتدائيسسة والمرحلة المتوسسسطة-مسسن
الجوانسسب اليمانيسسة والعباديسسة والخلقيسسة والداب والحقوق السسسرية والخوة اليمانيسسة
وحقوق الجيران ،والسسيرة النبويسة التسي تغرس فسي نفوس الطلب محبسة الرسسول صسلى
ال عليسه وسسلم ووجوب اتباعسه ،وتعظيسم شأن القرآن الكريسم وتحسبيب الطلب فسي حفظسه
وقراءتسه ،والتمسك به وحسب السسنة النبوية ،وتوقير العلماء واحترامهم ومحبة المسسلمين
عمومسسسا ،ومختصسسسرات عسسسن التاريسسسخ السسسسلمي وجغرافيسسسة البلدان السسسلمية ،ونبذة
مختصرة عن مقارنة الديان ،يبين فيها الديان السماوية السابقة على السلم وما طرأ
عليهسسا مسسن تحريسسف ،والديانات الوثنيسسة ليخلص مسسن ذلك إلى أنسسه لم يبسسق ديسسن حسسق فسسي
الرض محفوظ وسسيظل محفوظسا إلى يوم القيامسة ،إل السسلم الذي جاء ليكون منهاجسا
لحياة الناس كلهم ،وأن محمدا رسول ال صلى ال عليه وسلم خاتم النبياء.
مسع دراسسة بعسض أبواب الفقسه ،وقواعسد اللغسة العربيسة مسن نحسو وصسرف ،وشسئ مسن
المفردات اللغويسة ،وحفسظ بعسض النصسوص المفيدة مسن الشعسر والنثسر ،واختيارات مسن
كلم الصحابة رضوان ال عليهم.
كمسسا يهتسم بتعليسم الكتابسسة وقواعسسد الخسسط ومبادئ الحسساب والهندسسة ونحوهسا ،وكسل
مرحلة مسسن المراحسسل الثلث ،يوضسسع لهسسا مسسا يناسسسبها مراعاة لسسن الطالب مسع الهتمام
-1التفسير الكبير (.)146-10/144
-2أحكام القرآن (.)211-2/210
-3أعلم الموقعين عن رب العالمين (.)1/10
131
بوسائل اليضاح وجعل الدارس-مع حفظ ما ل بد من حفظه-يفكر ويشغل عقله في فهم
ما يمكنه فهمه ول يعتمد على التلقي فحسب.
إن هذه المراحسل-مسن الروضسة إلى المتوسسطة-هسي مراحسل تأسسيس لصسياغة المسسلم
الذي يؤمسن بدينسه إيمانسا صسادقا مبنيسا على حجسة وبرهان ،وليسس على مجرد تقليسد ،والذي
يفقسه دينسه فقهسا يصسحح بسه تقربسه إلى ال بالعبادة ،ويجعسل علقتسه بالناس علقسة شرعيسة،
تجعله يؤدي إليهسم حقوقهسم دون نقسص ،ويأخسذ منهسم حقوقسه دون إجحاف ،و يكون لبنسة
صسسالحة فسسي المسسة يبنسسي معهسسا الحياة ويتعاون معهسسا على البر والتقوى ول يكون عالة
عليها.
لذلك يجب مراعاة هذه المعاني في هذه المرحلة المبكرة من عمر النسان في مناهج
التعليسم ،لمسا فسي ذلك مسن العداد والتحصسين لعقول ذرا رينسا حتسى ل يسسبقنا إليهسا أهسل
الباطل بباطلهم.
فإذا تجاوزوا هذه المرحلة إلى المرحلة الثانويسسة ،أمكسسن بعسسد ذلك التوسسسع فسسي العلوم
الخرى لعداد الطالب للتخصصات التي يميل إليها في المرحلة الجامعية ،وما فوقها.
المر الرابع :مراعاة الفوارق بين الذكور والناث.
بعسسد مراعاة فروض العيسسن وفروض الكفايسسة ،والعداد لمسسا قسسد يتهيسسأ له المسسسلم مسسن
تخصصات.
فالمرأة يجسب أن تهيسأ فسي الصسل لشؤون المنزل وتدبيره ،وتربيسة الولد السسرية،
التي هي أساس لتربية المدرسة والمجتمع ،والمجالت التي تنتظر قيام المرأة بالواجبات
المناسسسبة لهسسا ،ل تحصسسى كثرة ،وهسسي لو صسسرفت كسسل أوقاتهسسا فيهسسا لكانسست جديرة بهسسا،
كتهيئة المنزل وترتيبسه وإعداد الغذاء ،والتنظيسف ،وإرضاع الطفال ،والعنايسة بتغذيتهسم
ونظافتهسم وتوجيههسم التوجيسه السسلمي المبكسر المناسسب لعمارهسم ،والعنايسة بالمريسض
وإسسسعافاته الوليسسة التسسي تقتضسسي تدربهسسا على وسسسائل التمريسسض والسسسعاف ،والعنايسسة
بالمسسنين مسن أقربائهسا كالب والم والجدة ونحوهسم ،وتعليسم بناتهسا مسا يحتجسن إلى تعلمسه
من شؤون المنزل وتربية الولد وغيرها مما ذكر.
إن المرأة المسسسلمة هسسي المحضسسن الول لتربيسسة الطفسسل تربيسسة إسسسلمية ،وهسسي أول
السسباقين بالحسق إلى عقسل أبنائهسا وبناتهسا ،ولو أن النسساء المسسلمات كلهسن عنيسن بتربيسة
أبنائهسن وبناتهسن تربيسة إسسلمية سسليمة فسي كسل منزل ،لكان جيسل المسة السسلمية فسي كسل
عصسر على هدى مسن ربسه ،فقسد يكون فسي المنزل الواحسد عشرون ابنسا وبنتسا أو أكثسر أو
أقسل ،فإذا تربسى الولد الكسبر تربيسة سسليمة ،كان قدوة لمسن بعده وخسف العبسء وأصسبحت
السرة كلها مسلمة بإذن ال.
وإن مسسا يعانيسسه المسسسلمون اليوم مسسن تفلت كثيسسر مسسن الشباب وبعدهسسم عسسن التمسسسك
بالسلم ،من أهم أسبابه عدم قيام السرة في المنزل وبخاصة الم بهذا الواجب العظيم،
إما جهل به ،وإما تكاسل ،وإما اشتغال بغيره مما ليس بأولى منه ،ولذلك يسبق إلى عقل
الطفسل بالتدريسج الباطلُ ،إمسا عسن طريسق أهله بالقدوة السسيئة والتربيسة الفاسسدة ،وإمسا عسن
طريق الخادمات الجنبيات غير المسلمات ،أو المسلمات الجاهلت اللتي هن في حاجة
132
إلى التربة السلمية والتوجيه.
هذا هو الصل الذي ينبغي أن تعد له المرأة.
وهذه المعانسسي ،مسسع منهاج الحياة الزوجيسسة وحقوق كسسل مسسن الزوجيسسن وواجباتسسه،
وحقوق الولد والباء والقارب والجيران ،وفقسه أحكام النسساء هسي التسي ينبغسي العنايسة
بها في تعليم الفتاة ومنهاج دراستها.
ثسم ينظسر بعسد ذلك فسي العلوم التسي تحتاج المسة إليهسا للنسساء خاصسة ،بحيسث تنشسأ لهسن
مدارس ومعاهد وكليات ،وتوضع لها مناهج تشتمل على مواد تلك العلوم التي تتخصص
فيهسا النسساء للقيام بتدريسسها لبنات جنسسها ،أو بالوظائف التسي يحتاج إلى أن تقوم المرأة
بها ،ول مانع من مشاركتها في العمل في خارج منزلها في تعليم وخدمة نساء المة ،إذا
اسستغني عنهسا بيتهسا بغيرهسا مسن نسساء أهسل المنزل ،كأن تكون غيسر متزوجسة أو ل أولد
لهسسا ،والحاجسسة تدعسسو إلى مشاركتهسسا فسسي خارج المنزل ،فسسي تدريسسس الفتيات وإدارة
مدرستهن ،من روضة أطفال إلى الكليات ،أو طبيبة في أمراض النساء في عيادة خاصة
بهسن أو مسستشفى خاص بالنسساء ،ول يدخله الرجال أطباء أو عامليسن إل عنسد الضرورة
فسي حدودهسا ،ومسا أحوج المسسلمين إلى أمثال هذا المسستشفى فسي كسل مدينسة وبلد ليسستقل
النسساء فيه عسن مخالطسة الرجال! ولسيما المخالطسة مسع الخلوة ،ويمكسن أن تتولى المرأة
إدارتسه وجميسع أعماله ،كمسا هسو الحال فسي مدارس البنات وكلياتهسن فسي المملكسة العربيسة
السعودية ،بل كما هو الحال في مستشفى....
وهكذا العمل في خدمات اجتماعية أخرى خاصة بالنساء وأعمال مالية خاصة بهن،
كالمصسارف التسي يحتاج إليهسا النسساء المسسلمات فسي كثيسر مسن الحيان ،بسسبب عدم وجود
أولياء أمور لهن ،فيضطررن إلى الذهاب إلى البنوك والنتظار هناك ومخالطة الرجال.
إنه ل يوجد مانع شرعي من خروج المرأة من منزلها للحاجة الخاصة بها أو حاجة
المجتمسع إليهسا ،ولكسن ينبغسي الخسذ بالسسباب المانعسة من الفتنة مسا دامست ممكنة ،أمسا عند
الضرورة أو الحاجسسة القريبسسة منهسسا ،فإن المرأة تقوم بالعمال لمسسساعدة الرجال كمداواة
جرحاهسم أو نقسل موتاهسم فسي وقست الحروب ،وكذلك تختلط بالرجال فسي العبادات التسي ل
يمكنها الستقلل فيها عنهم ،كالطواف والسعي وغيرهما من أعمال الحج ،إل أنه يجب
والحالة هذه الكثار مسن تقوى ال ومراقبتسه-وإن كان ذلك مطلوبسا فسي كسل الوقات-مسن
الرجال والنسساء معسا ،اتقاء لمسا قسد يحصسل مسن فتنسة المخالطسة ،كسل هذه المعانسي ينبغسي
مراعاتها في مناهج التعليم.
وليسس مسن الحكمسة جعسل المنهسج للرجال والنسساء سسواء ،مسع وجود الفوارق بينهسم فسي
مجالت العمل ،وفي قوة التحمل وضعفه ،وفي الخروج من المنزل وعدمه أو قلته ،وفي
المشي في مناكب الرض والسفار وغيرها.
ويجسب التنسبيه هنسا إلى مسا يحصسل مسن بعسض الغيوريسن مسن منسع النسساء مسن حضور
المساجد لسماع الخطب والمواعظ والستفادة من العلماء في أمور دينهن ،هو تشدد في
غيره محله .وقسد كان النسساء يحضرن صسلوات الجماعسة فسي مسسجد الرسسول صسلى ال
عليه وسلم في أوقات معينة يعظهن فيها ويعلمهن ،وغاية ما نصح به الرسول صلى ال
عليه وسلم الرجال والنساء هو الورع والبعد عن الفتنة فقال-كما روى عنه أبو هريرة:-
133
ف النّ سَاءِ آخِرُهَا َوشَرّهَا أَ ّولُهَا].
صفُو ِ
ف الرّجَالِ أَ ّولُهَا وَشَرّهَا آخِرُهَا َوخَيْرُ ُ
صفُو ِ
خيْرُ ُ
[َ
1
ول زال النسسساء يحضرن المسسساجد ويسسسمعن المواعسسظ فسسي كسسل المسسساجد الكسسبيرة
كالمسسجد الحرام والمسسجد النبوي وغيرهمسا ،وإذا احتاجست المرأة إلى السسؤال عسن أمسر
من أمور دينها فلها أن تسأل العالم ،بل إذا احتاج الرجل أن يسأل المرأة التي عندها علم
يحتاج إليسه فله أن يسسألها ،كسل ذلك فسي حدود الحاجسة والدب السسلمي ل مانسع منسه ،فل
تفريط ول إفراط.
السماس الثالث .وضمع الكتمب المناسمبة للمراحمل
الدراسية.
ويجسسسب أن يتحقسسسق بتلك الكتسسسب أهداف التعليسسسم المذكورة آنفسسسا ،بدء بالكتسسسب المعدة
للطفال ،وانتهاء بالمراحسسسسل الجامعيسسسسة-الكليات ومسسسسا فوقهسسسسا-وتشمسسسسل كسسسسل العلوم
والتخصصات.
ويراعى في إعداد هذه الكتب المور التية.
المسر الول :أن يختار لتأليفهسا متخصسصون فسي كسل علم مؤهلون لذلك قادرون على
صياغتها ،بأساليب تناسب العصر.
وينبغسسي تجنسسب العبارات المعقدة والمصسسطلحات الصسسعبة ،وبخاصسسة فسسي المراحسسل
الولى ،مع التقيد باللغة العربية الفصحى ،وأن يكون المؤلفون من الصالحين الملتزمين
بالسسلم قول وعمل ،ليجتمسع فسي المادة التسي يتولون الكتابسة فيهسا العلم الموثسق والعاطفسة
اليمانية الجياشة المؤثرة.
المر الثاني :أن يجمع في المادة المكتوبة بين القواعد والنصوص التي يجب حفظها
وفهمهسسا بالشرح واليضاح ،وبيسسن الحوار والسسسئلة التسسي تدرب الطالب على التفكيسسر
والستنباط والستنتاج والتطبيق.
ول ينبغي أن يكون الطالب نسخة مكررة للكتاب الذي يحفظه ،وهذا السلوب يمكن
اتباعه في كل المراحل مع مراعاة السن ،فالمقصود من التعليم إيجاد عقول تفكر وتبدع
وليس مجرد ببغاوات تتلقى وتقلد.
المسسر الثالث :اسسستعمال وسسسائل اليضاح المعاصسسرة التسسي تمكسسن الطالب فسسي جميسسع
المراحسل-وبخاصسة المراحسل المبكرة-مسن فهسم المواد الدراسسية ،ل فرق بيسن الدينيسة منهسا
وغير الدينية.
ومن أمثلة وسائل اليضاح في المواد الدينية ما يأتي:
المثال الول :توضيح معنى توحيد الربوبية للطفل في المرحلة البتدائية:
ينبغسي أن يكون فسي الفصسل الدراسسي شريسط(فيديسو) يشتمسل على صسور للكواكسب مسن
شمسسسس وقمسسسر ونجوم ،وللرض مسسسن جبال وغابات وأنهار وبحار وسسسسحب ورمال…
تعرض كلهسا عندمسا يقال للطفسل :والدليسل على توحيسد الربوبيسة :خلق السسماوات والرض
-1مسلم664 :
134
والشمسس والقمسر… ليتصسور الطفسل هذه الدلة تصسورا واضحسا ،فإنسه ل يتصسور ذلك
بمجرد الحفظ والتلقين كما هو معروف.
المثال الثاني :توضيح معنى صفة الوضوء ،وصفة الصلة.
ينبغي كذلك أن يوجد شريط(فيديو) في الفصل الدراسي مشتمل على تينك الصفتين،
بحيث يتصور الطفل صفة الوضوء وصفة الصلة تصورا واضحا ،ويطلب من بعض
الطفال تطبيق ذلك عمليا أمام زملئهم .وهكذا بقية العلوم.
كمسا ينبغسي أن تكون طريقسة المدرس فسي الشرح واليضاح طريقسة الحوار والسسؤال
والجواب ،وليست طريقة اللقاء والملء باستمرار ،لما في الطريقة الولى من إشراك
الطالب وتفاعله مع المدرس والمادة والكتاب ،وما في الطريقة الثانية من غفلته وشروده
وعدم استيعابه وتصوره للمعاني التي ل يدرك غالبها.
وهكذا ينبغسسي أن يراعسسى فسسي تأليسسف الكتسسب وإخراجهسسا ،ليقضسسى بذلك على الشكوى
المتكررة مسن عدم فهسم الطلب ،بسل مسن الملل الذي يصسيبهم فسي أوقات التدريسس ،ومسن
الرغبة في الخروج من المدارس…
المر الرابع :أن تكون الصبغة السلمية شاملة للكتب الدراسية كلها.
يسستوي فسي ذلك مسا يتعلق بالعبادة أو بغيرهسا ،كالمعاملت والحدود والقصساص ،ومسا
يتعلق بعلوم النسان الخرى ،كعلم النفس وعلم الجتماع وعلم السياسة وعلم القتصاد.
ول يجوز أن تكون –العلوم النسانية-نقل محضا لفكار الغربيين ونظرياتهم ،وهذا
ل يمنع من المقارنة وإيضاح ما بها من أخطاء وإبراز تفوق السلم عليها ،فإن الكتاب
والسسنة إنمسا جاءا لصسلح النفسس البشريسة والجماعات والسسر والفراد والدول ،فل بسد
أن يكون الكتاب والسنة وما استنبطه منهما علماء السلم ومقاصد الشريعة السلمية،
هسي مصسدر هذه العلوم ومرجعهسا ،ول يوجسد باب مسن البواب التسي يحتاج إليهسا النسسان
لصلح نفسه وعمارة الرض والقيام بالخلفة فيها ،إل وقد اشتمل عليه الكتاب والسنة
وفصسسله علماء المسسسلمين قديمسسا وحديثسسا ،فسسي كتسسب التفسسسير ،وشروح الحديسسث ،وكتسسب
اليمان "العقائد" والخلق ،وأصسسول العلوم ،مثسسل .أصسسول التفسسسير وأصسسول الحديسسث
وأصول الفقه ،و الفقه ،وغيرها من العلوم.1 ...
ول يمنسسسع ذلك اطلع علماء المسسسسلمين على الفكار والنظريات ة فسسسي تلك العلوم،
ووزنهسا بميزان السسلم ،وبيان مسا فيهسا مسن زيسف للطلب ،حتسى ل تغزو عقولهسم وهسي
خالية غير محصنة فتتمكن منها ،لتقديمها في أساليب مزخرفة.
ول يقتصر هذا المر-وهو صبغة الكتب بالصبغة السلمية-على ما يسمى بالعلوم
النسسانية فحسسب ،بسل إن العلوم الكونيسة كالجغرافيسا والجيولوجيسا وعلم الفلك وعلم الطسب
ونحوهسسا ،ينبغسسي أن تربسسط بالسسسلم مسسن حيسسث إن ال تعالى هسسو خالق هذا الكون وهذا
النسان ،وهو الذي سخر للنسان ما في السماوات والرض ،ومنحه العقل الذي يتفكر
ويتدبر ويسسسستنتج ويزن ويقارن ،والدوات التسسسي بهسسسا يسسسستغل خيرات الرض وبركات
السسماء ،وكلمسا زاد النسسان علمسا بمسا فسي الكون زاد إيمانسه بال خالق الكون وشكره له،
وكثر تواضعه وأدبه مع ربه وقدره حق قدره ،ول يكون كمن صال وجال في استغلل
-1راجع على سبيل المثال :أعلم الموقعين عن رب العالمين.)377 ،4/372( .
135
هذا الكون وما فيه من طاقات ناسيا ربه بل مغرورا بنفسه مدعيا أنه قهر الطبيعة قائل:
{إنما أوتيته على علم عندي}.
وكذلك يجسب أن تتضمسن الكتسب الدراسسية توجيسه الجيال إلى السسبيل المشروع فسي
اسستغلل ثمرات العلوم المدروسسة ،بأن تسستعمل فسي إسسعاد البشسر وأمنهسم واسستقرارهم،
وليس في ظلمهم وتخويفهم واغتصاب حقوقهم ،كما يفعل أعداء السلم اليوم ،فالمسلم
قائد عادل رحيسم كريسم حازم ،ل يسستغل ثمرات العلوم إل فيمسا هسو طاعسة ل وإحسسان إلى
خلقسه ،وإذا مسا قاوم الطغاة الجبابرة وجسا هدهسم وطاردهسم فسي الرض ،فإنمسا يفعسل ذلك
رحمسة بالمسم التسي يظلمهسا هؤلء الطغاة ،ويحولون بينهسا وبيسن التمتسع بالسسعادة التسي منّس
ال بها عليهم ،من حفظ الضرورات التي ل حياة لهم بدونها وحفظ مكملتها.
المر الرابع :أن يجتهد مؤلفو الكتب الدراسية في معرفة قواعد العلوم وأسرارها.
وأعنسسي بذلك العلوم الكونيسسة كالرياضيات ونحوهسسا ،ويجسسب أن يجتهدوا كذلك فسسي
إيصسسسال تلك القواعسسسد والسسسسرار إلى عقول الطلب ،حتسسسى ل تكون حكرا على غيسسسر
المسلمين من أهل الغرب ،هم يصنعون ونحن الذين نستهلك فقط ،فإن ذلك يجعل المة
السسسلمية خاضعسسة لغيرهسسا مسسستعبدة مقلدة غيسسر مبدعسسة ،كمسسا هسسو الحال الن ،إذ يأخسسذ
أعداؤهسسم خيراتهسسم مسسن أنواع المعادن والمواد الخام بأرخسسص الثمان ويصسسنعونها ،ثسسم
يسبيعون الرديسء مسن مصسنوعاتها لهسم بأعلى السسعار ،وبخاصسة السسلح الذي تتعطسل
حركة أي شعب مسلم في وقت شدة الحاجة إليه في أوقات الزمات العسكرية إذا منعت
عنها الدول الغربية قطع الغيار.
المر الخامس :أن يهتم العلماء المسلمون بترجمة الكتب العلمية المفيدة التي يكتبها
الغربيون في العلوم الكونية أو الدارية.
إن الواجب على المسلمين أن يستفيدوا من التجارب البشرية التي يحتاجون إليها ،ما
دامت ل تخالف شيئا من دين ال.
والتجارب البشرية ليست ملكا لحد ،فما من جيل يَخلُف إل بنى نشاطه على تجارب
أجيال تُخلَف .وقسد اجتهسد سسلفنا فسي ترجمسة كثيسر مسن الكتسب العلميسة التسي ألفهسا اليونانيون
وغيرهسم واسستفادوا منهسا وزادوا عليهسا وطبقوا نظرياتهسا فسي تجارب واقعسة ،وهسي التسي
كانسست مصسسدرا لحضارة الغرب الحاليسسة باعترافهسسم ،فلم ل نقتدي بسسسلفنا-فيمسسا نحسسن فسسي
حاجة إليه ول يخالف ديننا-ونسترد بضاعتنا؟!
السممماس الرابمممع .إعداد المدرسمممين والسممماتذة
المتخصصين.
ويجسب إعداد المدرسسين والسساتذة المتخصسصين وتدريبهسم ،تدريبسا يجعلهسم قادريسن
على القيام بوظائفهسم ،قيامسا يخرج أجيال ذات كفاءات عاليسة فسي كسل علم مسن العلوم التسي
تحتاج إليهسا المسة السسلمية ،وإذا أمكسن القيام بهذا التدريسب فسي بلدانهسم فبهسا ،وإل اختيسر
منهسم المتفوقون دينسا وخلقسا وعلمسا ورغبسة وقدرة على السستيعاب ،لمسا يتدربون عليسه ثسم
إفادة أوطانهم إذا رجعوا إليها ،فيندبون إلى البلدان التي يتوافر فيها التدريب المطلوب.
136
ويدخل في هذا إعداد أجهزة إدارية وإشرافية قادرة على إدارة المؤسسات التعليمية،
تعين المدرسين والطلب بتوفير كل ما يحتاجون إليه في أعمال التعليم ،ليتفرغ المدرس
والطالب لوظيفة التعليم والتعلم ،حتى تؤتي هذه الوظيفة ثمارها.
الساس الخامس .ربط التعليم بالتربية السلمية.
يجسب تزكيسة الدارسسين باليمان والتقوى والعمسل الصسالح الذي يرضسي ال ،وغرس
الخلق الفاضلة في نفوسهم وجعلهم يحققون معنى الستخلف الشرعي في الرض.
وبهذين الركنين-التعليم والتزكية-جاء القرآن الكريم ،كما قال تعالى{ :هو الذي بعث
فسي المييسن رسسول منهسم يتلو عليهسم آياتسه ويزكيهسم ويعلمهسم الكتاب والحكمسة وإن كانوا
من قبل لفي ضلل مبين} .1
فالمقصود من العلم :التربية والتزكية والحكمة ،وليس العلم للعلم فقط كما يقال!
الوسيلة السادسة :العناية باللغة العربية ونشرها.
اللغسسة العربيسسة هسسي لغسسة القرآن والسسسنة-أي لغسسة السسسلم ،فالقرآن نزل بهذه اللغسسة،
والسسنة وردت بهذه اللغسة ،والثار المفسسرة للقرآن والسسنة ،ومصسادر الفقسه السسلمي،
وتاريخ السلم ،وكتب اللة من نحو وصرف وبلغة ومصطلح وعلم تفسير وغيرها،
أساسها اللغة العربية ،فل غرو أن تكون اللغة العربية هي مفتاح علوم السلم كلها ،فل
يفقه هذا الدين حق الفقه ،ول يعلم مقاصده وأسراره وحكمه وعلله حق العلم ،إل من فقه
هذه اللغة.
ولهذا كثسسر وصسسف كتاب ال-القرآن الكريسسم-بكونسسه عربيسسا ،كمسسا قال تعالى{ :كتاب
فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون} .2
وقال تعالى{ :إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} .3
وقال تعالى{ :إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون} .4
وقال تعالى{ :لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين} .5
وقال تعالى{ :وإنسه لتنزيسل رب العالميسن نزل بسه الروح الميسن على قلبسك لتكون مسن
المنذرين بلسان عربي مبين} .6
وقال تعالى{ :وكذلك أنزلناه قرآنا عربيا} .7
وقال تعالى{ :وكذلك أنزلناه حكما عربيا} .8
وقال تعالى{ :ولقسد ضربنسا للناس فسي هذا القرآن مسن كسل مثسل لعلهسم يتذكرون قرآنسا
عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون} .9
-1الجمعة.2 :
-2فصلت.3 :
-3الزخرف.3 :
-4يوسف.2 :
-5النحل.103 :
-6الشعراء.195 ،192 :
-7طه.113 :
-8الرعد.37 :
-9الزمر.28 ،27 :
137
وقال تعالى{ :وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا} .1
وقال تعالى{ :وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا} .2
حكمة وصف القرآن بأنه عربي.
إن هذا التنويسسه بكون القرآن عربيسسا ،لجديسسر بالتأمسسل والنظسسر ولو وصسسف ال القرآن
الكريم بأنه عربي مرة واحدة فقط لستحق التأمل والنظر ،فكيف وقد كرر تعالى وصفه
بذلك في أساليب متعددة؟!.
ولو أن مخلوقسا عاقل وصسف شيئا مسا بوصسف مرة واحدة ،لكان لوصسفه بذلك اعتبار
عند القارئ والسامع فكيف إذا وصفه بذلك مرات؟!
وكيسف إذا كان هذا الوصسف صسادرا عسن ال فسي كتابسه ،فمسا حكمسة وصسف القرآن
الكريم بأنه عربي؟
هسسل المقصسسود مسسن ذلك بيان إعجاز القرآن الذي نزل بلغسسة العرب ،وقسسد تحداهسسم أن
يأتوا بمثله فعجزوا؟
نعسم إن ذلك لمقصسود ،ولكسن هذا التحدي يكون أكمسل عندمسا يتعلم غيسر العربسي اللغسة
العربيسة ويصسبح لسسانه عربيسا ،يفهسم القرآن الكريسم بلغتسه التسي نزل بهسا ويتذوق أسساليبها
وبلغتهسا ويتعمسق فسي فهسم معانيهسا ،ويطلع على أسسرار القرآن وحكمسه بهسا ،فيتسبين له
معنى كون هذا القرآن معجزا حقا.
وهل المقصود بذلك نفى أن يكون الرسول صلى ال عليه وسلم تعلم هذا القرآن من
بعسسض مسن كان عندهسم علم مسسن الكتسسب السسماوية السسسابقة ،كمسسا زعسسم ذلك بعسسض أعداء
السلم؟
نعسسم ،إن ذلك لمقصسسود وقسسد صسسرح ال بذلك فسسي قوله{ .لسسسان الذي يلحدون إليسسه
أعجمسي وهذا لسسان عربسي مسبين} .3ولكسن هذا المعنسى المقصسود جزء ممسا يحمله هذا
الوصف وليس كل معناه.
وهسل المقصسود أن هذا القرآن الذي نزل باللغسة العربيسة ،مسع أنسه نزل لهدايسة جميسع
البشر ،شرف لك أيها الرسول ولقومك العرب وبخاصة قريشا؟!
نعسسم إن ذلك أيضسسا لمقصسسود ،كمسسا قال تعالى{ :وإنسسه لذكسسر لك ولقومسسك وسسسوف
تسألون} .4
ولكنه ليس ذلك كل المقصود.
بل هناك مقاصد أخرى من أهمها ما يأتي.
-1الشورى.7 :
-2الحقاف.12 :
-3النحل.103 .
-4الزخرف.44 :
138
المقصمد الول :أن الديمن السملمي إنمما جاء باللغمة
العربية.
لقسسد جاء هذا الديسسن-أي ديسسن السسسلم-عسسن طريسسق القرآن الكريسسم والسسسنة النبويسسة،
وكلهمسا باللغسة العربيسة ويتوقسف فهمسه السسليم الكامسل على فهسم اللغسة التسي حملتسه إلى
الناس ،وهسي اللغسة العربيسة ،ول يمكسن أن يَنقُل للناس معانسي ديسن السسلم نقل صسحيحا
ويبينهسسا بيانسسا شافيسسا ،إل مَن كان عنده درايسة تامسسة باللغسسة العربيسسة ،بقواعدهسسا وبلغتهسسا
واشتقاقهسا وغريبهسا وحقيقتهسا ومجسا زهسا وأسساليبها ،لنهسا لسسان هذا الديسن ولسسان كتابسه
ولسسان رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم ،ولسسان أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم.
{وهذا لسسان عربيٌس مسبين} .وقسد كلف ال رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم بيانَس هذا الديسن
للناس ،وقسد فعسل ذلك ،وبيانسه كان بلغتسه التسي نزل بهسا القرآن قال تعالى{ :وأنزلنسا إليسك
الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} .1
وقال تعالى{ :ومسا أنزلنسا عليسك الكتاب إل لتسبين لهسم الذي اختلفوا فيسه وهدى ورحمسة
لقوم يؤمنون} .2
وقد كلف ال أمة محمد صلى ال عليه وسلم التي آمنت به واتبعته ،تبلي َغ هذا الدين،
وفي طليعة أمته أصحابه الكرام رضي ال عنهم ،كما قال تعالى{ :قل هذه سبيلي أدعو
إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني} .3
وقد قاموا بنشر هذا الدين وبيانه للناس بلسان عربي مبين.
وترجمة معاني القرآن الكريم لمن ل يفهم اللغة العربية ،ل سبيل إليها إل لمن يجيد
اللغة العربية واللغة المترجم إليها ،فاللغة العربية هي أساس البيان لهذا الدين الذي نزل
بها.
المقصمد الثانمي :أن ممن أهمم وسمائل نشمر السملم
اللغة العربية.
إن علماء السسسلم مأمورون باتخاذ كسسل وسسسيلة مشروعسسة لنشسسر هذا الديسسن وإبلغ
ن تعلمها
معانيه إلى الناس ،ومن أهم وسائل نشره تعليم الناس اللغة العربية التي يتمكن مَ ْ
من فهم هذا الدين فهما صحيحا سريعا.
المقصد الثالث :أن كثيرا من العبادات يجب أداؤها
باللغة العربية.
مثسسل قراءة الفاتحسسة فسسي الصسسلة ،وأذكار الصسسلة كتكسسبيرة الحرام وأذكار الركوع
والسسسجود والتشهسسد ،ونحوهسسا مسن فروض العيسسن التسسي يجسسب على المسسسلم أداؤهسسا باللغسسة
العربية ما استطاع إلى ذلك سبيل ،ليتقرب بها إلى ال تعالى.
-1النحل.44 :
-2النحل.64 :
-3يوسف.108 :
139
المقصممد الرابممع :ل بممد مممن وجود علماء يفقهون
السلم باللغة الغربية.
إنسه ل بسد مسن وجود علماء يجيدون اللغسة العربيسة ،إجادة تجعلهسم قادريسن على فهسم
معانسي القرآن والسسنة وكتسب العلم التسي يحتاج إليهسا المسسلمون ،ليكونوا مرجعسا لهسل كسل
بلد يعلمون الناس معاني القرآن الكريم والسيرة النبوية وغيرها ،فإن وجود علماء باللغة
العربية تحصل بهم الكفاية في ذلك وغيره ،هو فرض كفاية يأثم كل قادر من المة على
عدم إيجادهم ،ويأثم القادرون على تعلم اللغة العربية للقيام بهذا الفرض إذا لم يتعلموها.
المقصممد الخامممس ل بممد مممن وجود قادريممن على
ترجمة معاني السلم.
وهذا المقصسد ل يحصسل إل بوجود علماء يجيدون اللغسة العربيسة ويجيدون لغسة البلد
الذي يريدون دعوة أهله إلى السسسسلم ،ليترجموا لهله معانسسسي القرآن الكريسسسم والسسسسنة
النبويسة ،ومسا يجسب إبلغسه إلى الناس مسن أحكام هذا الديسن ،لن علماء السسلم مأمورون
بالبلغ المبين الذي أصبح من واجبهم بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم ،وليس من
السهولة بمكان أن يتعلم كل الناس اللغة العربية.
ترجمة معاني السلم إلى اللغات الخرى.
هذا وليعلم أن تبليسغ الناس معانسي السسلم وأحكامسه بالترجمسة إلى لغات أخرى غيسر
اللغة العربية ،أمر تقتضيه الضرورة ،إذ أنه مهما أوتي المترجم من إتقان للغة العربية
واللغات الخرى التسي يترجسم بهسا معانسي السسلم ،ل يمكنسه أن يسستوعب مسا تحويسه اللغسة
العربية من معان إلى اللغات الخرى ،ولذلك يجب على المسلمين أن يهتموا بتعليم اللغة
العربية ونشرها بكافة الوسائل المتاحة ،كالمدارس والمعاهد والجامعات والكتب وإعداد
المعلميسن وتدريبهسم ،والمنسح الدراسسية فسي البلدان العربيسة لغيسر العرب ،وكذلك اسستغلل
أجهزة العلم كالمذياع والتلفاز والفيديسسو والكاسسسيت وغيرهسسا ،لتعليسسم الناس-وبخاصسسة
المسلمين-لغة القرآن ليصلوا إلى فهم هذا الدين فهما مباشرا بلغته التي جاء بها.
وإنسي أشبسه مسن يجيسد اللغسة العربيسة ويفهسم دينسه مسن القرآن والسسنة وكتسب العلم بهسا
مباشرة ،برجسل اشتسد عطشسه فرأى عينسا جاريسة تنبسع مسن صسخرة فسي قمسة جبسل وهسو فسي
أسفله ،فشمر صاعدا حتى وصل إلى نبع الماء واستقى منه عذبا زلل صافيا.
وأشبسه مسن وصسلت إليسه معانسي السسلم بالترجمسة ،برجسل آخسر اشتسد عطشسه ،وهسو
مصساب بالكسسل ،وقسف فسي أسسفل الجبسل ينتظسر وصسول الماء إليسه ليشرب منسه وهسو فسي
مكانه ،فوصل إليه الماء وقد مر بالتراب والقاذورات التي كدرته فأخذ يشرب منه وهو
بتلك الحالة.
وإن المسة السسلمية لجديرة بالهتمام بلغتهسا ونشرهسا بالوسسائل المتاحسة ،لتصسل إلى
الناس في هذا الكوكب الرضي ،فهي لغة دين لم يعد في الرض دين حق سواه ،وهو
الذي حفظ لها هذه اللغة من الضياع ،لحفظ ال تعالى هذا الدين بحفظ كتابه الذي ل يأتيه
140
الباطل من بين يديه ول من خلفه{ .إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون} .1
انتشار لغة المة من علمات قوتها.
وإن انتشار لغة أي أمة لهو دليل عظمتها وتفوقها ،وبلغتها تستطيع أن تسبق بدينها
وفكرها وسياستها واقتصادها وسائر علومها ،غيرَها من المم إلى عقول الناس.
وهذا ما تحقق للمة السلمية أيام مجدها ،حيث انتشرت لغة دينها انتشار مساجدها
ومعاهدها ودعاتها ،ونبغ في اللغة العربية أئمة من غير العرب فملئوا بعلمهم الفاق من
حدود الصين شرقا إلى المحيط الطلسي غربا.
وكانست المسم تتسسابق إلى علوم المسسلمين فسي كسل مجال مسن مجالت الحياة ،كمسا نقسل
المسلمون علوم المم الخرى إلى لغتهم ،واستفادوا منها وطبقوها عمليا وزادوا عليها،
وعلى أيديهم تعلم الوربيون أسس حضارتهم التي يفخرون بها اليوم.
وإن ممسسا يؤسسسف له أن تنحدر المسسة السسسلمية انحدارا مروعسسا ،فسسي دينهسسا وخلقهسسا
وسسياستها واقتصسسادها وأمنهسا ووحدتهسا وقوتهسا العسسكرية ،ممسا كان له أثره البالغ على
لغتها التي لم تعد لها مكانتها في العالم ،بل أصبحت في مؤخرة اللغات ،وأصبحت لغات
الجانسسب مسسن النصسسارى وغيرهسسم هسسي لغات العلم والثقافسسة والفكسسر فسسي العالم وأصسسبح
المسسلمون-والعرب منهسم بصسفة خاصسة-يفتخرون باللغات الجنبيسة ويتكالبون على أفكار
أهلهسا وآدابهسم ويتأثرون بهسم ،فأصسبح السسبق للجانسب ولغاتهسم وأفكارهسم إلى عقول أبناء
المة السلمية بدل من أن تسبق المة السلمية بلغتها ودينها وفكرها إلى عقول أبناء
المم الخرى .2
وهسا هسي أمسم الغرب تنشسر لغتهسا فسي كسل مكان ،عسن طريسق مناهسج التعليسم والعلم
والبحسسث العلمسسي والدوات المتنوعسسة والمواصسسلت والتصسسالت ،حتسسى ليكاد المسسسلم
العربي يكون غريبا بلغته في بلده ،يقتني الجهاز الذي يحتاج إليه فل يستطيع استخدامه
لن الكتسسب الرشاديسسة المتعلقسسة باسسستخدامه قسسد أعدت باللغات الجنبيسسة .وهكذا الدواء
والغذاء وغيرهسا ،وهكذا الفنادق والشركات والمسستشفيات ،بسل إن بعسض البلدان العربيسة
ما زالت معاملتها الرسمية باللغة الجنبية!
وإنما هانت اللغة العربية عند أهلها ،لهوان الدين في نفوسهم وضعف فقههم له ،ولو
كان الديسن قويسا فسي نفوسسهم مطبقسا فسي حياتهسم ،لعرفوا للغتسه حقهسا وقدروهسا حسق قدرهسا،
وسابقوا غيرهم بدينهم الحق بلغته إلى عقول الناس في الرض كلها.
إن ترجمسسة معانسسي السسسلم مسسن اللغسسة العربيسسة إلى اللغات الخرى لبلغ أهسسل تلك
اللغات هذا الديسن ،هسي فريضسة كفائيسة ،ولكسن أنسى لهسل تلك اللغات أن يفهموا حقائق هذا
الدين كاملة عن طريق ترجمته وليس عن طريق اللغة العربية مباشرة؟!
ولقد بذل علماء السلم من سلفنا الصالح ،جهودا مضنية لبلغ حقائق السلم إلى
عقول الناس عربسسا وعجمسسا ،بمسسا وضعوه مسسن قواعسسد اللغسسة العربيسسة مسسن نحسسو وصسسرف
-1الحجر9 :
-2ليسس المراد هنسا التنفيسر مسن تعلم اللغات الجنبيسة للسستفادة منهسا فسي العلوم المحتاج إليهسا وفسي دعوة أهسل تلك اللغات بهسا إلى
السلم فهذا من فروض الكفاية في السلم ،وإنما المراد المبالغة في تقديس تلك اللغات ونسيان اللغة العربية لغة السلم.
141
واشتقاق وغيرهسسا ،وبمسسا وضعوه مسسن قواعسسد شرعيسسة تضبسسط بهسسا مقاصسسد الشريعسسة
وأحكامهسا ،مسن أصسول الفقسه وقواعده ،فسبينوا النسص والظاهسر والمجمسل والمسبين والمقيسد
والمطلق والخاص والعام ،ومسسسا وضعوه مسسسن مصسسسطلحات فسسسي علوم الحديسسسث وعلوم
التفسسير ،فكانوا بذلك أعظسم أمسة اتخذت وسسائل لغويسة وشرعيسة لتسسبق بالحسق الذي آتاهسا
ال باطلَ المسسم الخرى إلى عقول الناس.هذا بالضافسسة إلى بذل جهودهسسم فسسي مجالت
التعليم والدعوة والجهاد في سبيل ال.
الوسيلة السابعة :القدوة الحسنة.
إن مسن أهسم وسسائل السسباق إلى العقول ،القدوة الحسسنة التسي يراهسا الناس ويلمسسونها
فسي صساحب الحسق ،بحيسث يرون صساحب المبدأ يطبسق مبدأه فسي واقسع حياتسه وتصسرفاته،
فإذا كان المقام يحتاج منسسه إلى الكرم أقدم إلى البذل والعطاء ،وإذا كان المقام يحتاج منسسه
إلى خلق الشجاعسسة رآه الناس مقدامسسا غيسسر هياب ،وإن اختسسبروه فسسي صسسفة الصسسدق لم
يجربوا عليه كذبا ،وإن التمسوا عدالته لم يجدوا منه ظلما ،وإن أرادوا معرفة تقواه ألفَوه
يدع مسا ل بأس بسه خشيسة مسن الوقوع فيمسا بسه بأس ،لشدة تحرجسه مسن الوقوع فسي المأثسم،
فضل عن إتيانه الوامر الواجبة وتركه المحرمات.
والخلصسة أنسه يتحرك فسي نشاطسه كله بالقرآن والسسنة ،فإذا رآه الناس مداومسا على
ذلك مالوا إلى القتداء بسه ولو لم يتكلم ،لن الحسق بذاتسه يدعسو الناس إلى ذاتسه ،فكيسف إذا
رأوه مطبقا في حياة أهله ورأوا ثمار تطبيقه في الحياة؟ ويبدأ المعاند المناوئ للحق يفكر
فسي سسيرة صساحب الحسق ويتدبر ويقارن بيسن الحسق الذي يراه مطبقسا فسي حياة صساحبه،
وبين الباطل الذي يزاوله هو ،ويترتب على ذلك أحد أمرين.
المر الول :اتباع الحق والعمل به ،ونبذ الباطل.
المسر الثانسي :الصسرار على الباطسل ،مسع تيقنسه أنسه باطسل ،وترك الحسق مسع تيقنسه أنسه
حسق ،وفائدة ذلك انكسسار نفسس صساحب الباطسل أمام صسولة الحسق ،وإقامسة الحجسة العمليسة
عليه.
أمسا إذا كان الداعسي إلى الحسق لم يلتزم هسو نفسسه بسه ولم يطبقسه فسي حياتسه ،فإن الناس
ينصسرفون عنسه ول يشغلون عقولهسم بالتفكيسر فيمسا يدعسو إليسه ،لمعرفسة كونسه حقسا فيُتّبَع أو
باطل فيُجتَنَب.
وهذه هسسي القدوة السسسيئة التسسي تُ َنفّر س مسسن المبدأ وإن كان حقسسا ،كمسسا هسسي عادة غالب
الناس ،وقسد يوجسد مسن يفكسر فسي المبدأ الذي ل يكون الداعسي إليسه قدوة حسسنة فسي تطسبيقه،
فيعلم أنه حق ويتبعه ،ولكن ذلك ليس من وسائل السباق الناجعة إلى العقول.
لهذا كان للقدوة الحسسنة منزلتهسا فسي السسلم .وكان رسسل ال وأنسبياؤه والداعون إلى
هداه ،كلهم قدوة حسنة ،وقد أمر ال رسوله صلى ال عليه وسلم أن يقتدي بمن سبقه من
إخوانه المرسلين ،فقال تعالى{ :أولئك الذين هدى ال فبهداهم اقتده} .1
وأرشد أمة محمد صلى ال عليه وسلم ،إلى القتداء بنبيه إبراهيم عليه السلم ومن
-1النعام.90 :
142
معسه ،فقال تعالى{ :قسد كانست لكسم حسسنة فسي إبراهيسم والذيسن معسه إذ قالوا لقومهسم إنسا برآء
منكم ومما تعبدون من دون ال} .1
وقال تعالى{ :لقد لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر} .2
وحسث تعالى هذه المسة حثسا مؤكدا على القتداء برسسوله صسلى ال عليسه وسسلم الذي
جمسع كسل قدوة حسسنة سسبقه النسبياء وزاده ال مسن فضله ،فقال تعالى{ :لقسد كان لكسم فسي
رسول ال أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر وذكر ال كثيرا} .3
ولقد كانت المة السلمية في ماضي عهدها ،قدوة حسنة في إيمانها وفي عبادتها
ومعاملتهسا وسسلوكها ،وفسي عهودهسا ومواثيقهسا وفسي الخسذ بأسسباب القوة والعزة ،فكان
ذلك سسببا فسي سسرعة وصسول الحسق الذي يحملونسه إلى عقول المسم فسي مشارق الرض
ومغاربها ،فسارع الناس إلى القتداء بهم واتباع دينهم ،حتى ترك أهل الديانات الخرى
دياناتهم ،ووقف رعايا الطغاة ضد طغاتهم إيثارا للحق على الباطل ،ونصرةً لهل الحق
على أهسسل الباطسسل ،فوصسسل السسسلم إلى لشبونسسة وفينسسا وبلغراد وموسسسكو وبلد الصسسين
والفلبين وإندونيسيا وإفريقيا ،بدون قتال في غالب تلك البلدان ،لن القدوة الحسنة تجعل
اتباع الحق سهل ميسرا لرؤيته مطبقا في واقع الحياة ،يطبقه البشر.
وذلك على عكس ما عليه المة السلمية اليوم ،حيث يغلب عليها القدوة السيئة التي
جعلت المسم تنفسر منهسا ومسن دينهسا ،وجعلت أعداء السسلم يسستغلون تلك القدوة السسيئة،
فيبرزونها في مؤتمراتهم وندواتهم ومناهج تعليمهم وإعلمهم وفي كل مناسبة تسنح لهم.
يسسمع الناس أن السسلم يدعسو إلى الصسدق ،ولكنهسم يرون فسي كثيسر مسن المسسلمين
الكذب.
ويسسمعون أن السسلم ديسن القوة والعزة ،ولكنهسم ل يرون فسي المسسلمين ال الضعسف
والذلة.
ويسسمعون أن الديسن السسلمي يدعسو إلى الجماعسة والوحدة وأن المسة السسلمية أمسة
واحدة ،ولكنهم يرون المسلمين متفرقين مختلفين ،يسب بعضهم بعضا ،ويعتدي بعضهم
على بعسض ،ويقتسل بعضهسم بعضسا .ويسسمعون أن السسلم ديسن الرحمسة وأن المسسلمين
رحماء فيمسا بينهسم ،ولكنهسم ل يجدون فسي كثيسر مسن المسسلمين إل القسسوة والعنسف يأكسل
القوي منهسسم الضعيسسف .ويسسسمعون أن السسسلم ديسسن العدل ،ولكنهسسم يرون الظلم بيسسن
المسلمين هو السائد.
ويسسسمعون أن السسسلم يدعسسو إلى الشجاعسسة ،ولكنهسسم يرون المسسسلمين جبناء تضيسسع
حقوقهم وتغتصب بلدهم من قبل عدوهم القليل فيستسلمون له ويخضعون وهم كثر.
فكان ذلك سببا في نفور الناس عن هذا الدين الذي صار أهله قدوة سيئة فيه.
وأقول-إنصسافا للحسق :-إنسه يوجسد فسي المسسلمين مسن هسو قدوة حسسنة ولكسن ليسس على
مستوى المة.
والقدوة الحسسنة عندمسا تكون على مسستوى المسة ،تسبرز معانسي السسلم فسي السسياسة
والحكم والقتصاد والسلوك والنواحي الجتماعية والعسكرية والقوة الصناعية وغيرها.
-1الممتحنة.4 :
-2الممتحنة.6 :
-3الحزاب.21 :
143
أمسا مسا يكون على مسستوى الفراد والسسر وبعسض الجماعات الصسغيرة ،فإنسه قدوة
حسسنة ،ولكنسه محدودة غيسر بارز للعالم الذي ل يطلع إل على مسا تسبرزه وسسائل العلم
وإمكانات الدول.
والذي يراه الناس الن فسي المسسلمين هسو السسراف فسي المحرمات ومحاربسة أغلب
حكوماتهسم للسسلم والدعاة إليسه ،والتأخسر فسي الشؤون الداريسة والقتصسادية ،مسع كثرة
الخيرات فسسي بلدانهسسم وسسسعة أراضيهسسم ،كمسسا يرون تقتيسسل أعدائهسسم لهسسم وإخراجهسسم مسسن
ديارهسم ،وهدم مسساجدهم وانتهاك أعراضهسم ،وهسم سسادرون فسي غيهسم يرقصسون ويغنون
ويمثلون ويتعرون ،يقضسسي فسسي أمورهسسم غيْرُهسسم ،وكأنهسسم غيسسر موجوديسسن على ظهسسر
الرض:
ويقضى المر حين تغيب تيم ول يستأذنون وهم شهود
فأين هي القدوة الحسنة فيهم ،حتى يكونوا من السباقين بالحق إلى العقول ،وعقولهم
مأوى للباطل؟!
الوسيلة الثامنة .الفطرة.
والمراد بالفطرة مسسا أودعسسه ال تعالى فسسي الكون علويسه وسسسفليه ،وفسسي النسسسان مسسن
اليات العظيمسسة التسسي تنادي العقسسل نداء برهانيسسا مسسستمرا إلى الحسسق الذي خلق ال بسسه
السسماوات والرض ومسا بينهمسا ،وتدل دللة واضحسة أن مسا جاءت بسه الرسسل ونزلت بسه
الكتسب حسق ،كمسا أن الكون كله حسق .فالذي يعترف بوجود المخلوقات ومسا اشتملت عليسه
مسن دقسة وتناسسق ونواميسس ،ومسا سسخره ال للنسسان فسي هذا الكون مسن رزق ،ومسا منحسه
ال لهذا النسسان مسن عقسل يفكسر ويدبر ويوازن ويقيسس ويغوص فسي أسسرار هذا الكون،
ومسسا وهبسسه لهذا النسسسان مسسن آلت وقدرات على اسسستغلل مسسا فسسي الكون مسسن خيرات
وطاقات واسستمتاع بهسا ،إن الذي يعترف بهذا كله-وهسو مسن الفطرة-ل بسد أن يعترف أن
منهج ال الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب ،هو حق مثل ما أن ما في الكون حق،
وكلهما من الفطرة.
فوسيلة الفطرة من أعظم الوسائل التي تعين أهل الحق على السباق إلى عقول الناس
بالحسق ،وليسس لهسل الباطسل وسسيلة تقسف أمام هذه الوسسيلة ،بسل إن الفطرة صسخرة صسماء
تتحطم عليها وسائل الباطل كلها.
ولهذا كان الرسسسل عليهسسم الصسسلة والسسسلم يتخذون وسسسيلة الفطرة سسسلما إلى عقول
الناس بالحق ،فينبهون العقول بآيات ال في الكون والنسان ،كما يتضح ذلك من قصص
النسبياء عليهسم السسلم مسع أقوامهسم ،كمسا مضسى فسي محاجسة إبراهيسم لقومسه ،واسستدلله
بتغييسسر المخلوقات على أنهسسا ل تصسسلح أن تكون آلهسسة ،بسسل إنهسسا مخلوقسسة عابدة للخالق
المعبود.
ولنقرأ هذه اليات التسسسسي تجول بالعقول فسسسسي ملكوت السسسسسماوات والرض ،وفسسسسي
النسسسان ،وفسسي الحيوان ،وفسسي الماء ،وفسسي الشجسسر والزرع ،وفسسي الليسسل والنهار ،وفسسي
الجبال والبحار والنهار....
فقسسد نزه ال تعالى نفسسسه عسسن الشرك الذي أصسسر عليسسه أعداؤه وأعداء رسسسله ،وهسسو
144
يخالف الفطرة ،ثسسم أتبسسع ذلك بذكسسر وحيسسه الذي أنزله للدعوة إلى توحيده ،وهسسو عيسسن
الفطرة ،ثسم أورد شواهسد الفطرة وحقائقهسا الدالة على حقيقسة التوحيسد ونفسي الشرك ،وكأن
القارئ أو السسامع يرى الكون كله ،فسي مظاهرة حاشدة ،كلهسا يشهسد أن ل إله إل ال وأن
محمدا رسول ال ،وأن الوحي حق وأن كل ما يخالف ذلك باطل.
جلُوهُ سسسُ ْبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمّاسس يُشْرِكُونسسَ()1يُنَ ّزلُ
قال تعالى{ :أَتَسى أَمْ ُر الِّس فَلَ تَسسسْتَ ْع ِ
ل أَنَا فَا ّتقُونسِ(
ل ِإلَهَس إِ ّ
علَى مَنْس َيشَاءُ مِنْس عِبَادِهِس أَنْس أَنْذِرُوا أَنّهُس َ
الْمَلَئِكَةَ بِالرّوحِس مِنْس أَمْرِهِس َ
ط َف ٍة َفإِذَا
خلَقَس الِْنْسسَانَ مِنْس نُ ْ
خلَقَس السسماوات وَالَْرْضَس بِا ْلحَقّ تَعَالَى عَمّاس يُشْرِكُونسَ(َ )3
َ )2
فءٌ وَمَنَافِعُس وَمِنْهَا َتأْ ُكلُونسَ(َ )5ولَكُمْس فِيهَا
خَلقَهَا لَكُمْس فِيهَا دِ ْ
هُ َو خَصسِيمٌ مُبِينسٌ()4وَالَْنْعَامَس َ
ل أَ ْثقَالَكُمْس ِإلَى َبلَ ٍد لَمْس تَكُونُوا بَالِغِيهِس إِلّ ِبشِقّ
ل حِينَس تُرِيحُونَس َوحِينَس تَسْس َرحُونَ()6وَ َتحْ ِم ُ
جَمَا ٌ
خلُقُ مَا لَ
س إِنّ رَبّكُ ْم لَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ()7وَالْخَ ْيلَ وَالْبِغَالَ وَا ْلحَمِي َر لِتَرْكَبُوهَا وَزِي َنةً وَ َي ْ
الَْ ْنفُ ِ
علَى الِّ قَصْدُ ال سّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ َولَوْ شَاءَ لَهَدَاكُ ْم َأجْمَعِي نَ(ُ )9ه َو الّذِي أَنْ َزلَ
تَ ْعلَمُو نَ()8وَ َ
شجَ ٌر فِيهسِ تُسسِيمُونَ( )10يُ ْنبِتُس لَكُم سْ بِه ِس الزّرْعسَ
مِن َس السسّمَاءِ مَاءً لَكُمسْ مِنْهسُ شَرَابسٌ وَ ِمنْهسُ َ
ل الثّمَرَاتسِس إِنّس فِسي َذلِكسسَ لَيَ ًة ِلقَوْمسسٍ َي َتفَكّرُونسسَ(
وَالزّيْتُونسسَ وَال ّنخِيلَ وَالَْعْنَابسسَ وَمِنسسْ ُك ّ
ن فِي َذِلكَ لَيَاتٍ
سخّرَاتٌ ِبأَمْرِ ِه إِ ّ
سخّرَ لَكُ ُم اللّ ْيلَ وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَال ّنجُومُ مُ َ
)11وَ َ
ِلقَوْ مٍ يَ ْع ِقلُو نَ()12وَمَا ذَ َرأَ لَكُ ْم فِي الَْرْ ضِ ُمخْ َتِلفًا َألْوَانُ ُه ِإنّ فِي َذلِ كَ لَ َي ًة ِلقَوْ مٍ يَذّكّرُو نَ(
حلْيَةً َتلْبَ سُونَهَا وَتَرَى
سخّ َر الْ َبحْرَ لِ َتأْ ُكلُوا مِنْ ُه َلحْمًا طَرِيّا وَ َت سْ َتخْ ِرجُوا مِنْ ُه ِ
)13وَهُ َو الّذِي َ
ي أَ نْ
ضلِ هِ َولَ َعلّكُ مْ تَشْكُرُو نَ(َ )14وَأ ْلقَى فِي الَْرْ ضِ رَوَا سِ َ
ن َف ْ
الْ ُفلْ كَ مَوَاخِ َر فِي هِ َولِتَبْتَغُوا مِ ْ
ل لَ َعلّكُمسْ تَهْ َتدُونسَ()15وَعَلَمَاتسٍ وَبِال ّنجْمسِ هُم ْس يَهْتَدُونسَ(َ )16أفَمَنسْ
تَمِيدَ بِكُمسْ َوأَنْهَارًا وَسُسبُ ً
خلُقُس َأفَلَ تَذَكّرُونسَ(َ )17وإِن ْس تَ ُعدّوا نِعْمَ َة الِّ لَ ُتحْصسُوهَا إِنّ الَّ لَ َغفُورٌ
خلُقُس كَمَن ْس لَ َي ْ
َي ْ
1
َرحِيمٌ(. })18
واليات في هذا المعنى في هذه السورة وفي غيرها كثير.
وميزة هذه الوسسسيلة-وسسسيلة الفطرة-وضوحهسسا لكسسل الناس بفئاتهسسم المتنوعسسة :العالم
والجاهسل ،والقارئ والمسي ،كسل منهسم يشعسر بهذه الفطرة بحسسب موقعسه ووعيسه وثقافتسه،
وهسسي تكاد تكون قاهرة للعقول على التسسسليم للحسسق ،وبخاصسسة اليمان بالخالق وإن كابر
بعض المكابرين في ذلك.
وتأمسسل التعقيبات التسسي تختتسسم بهسسا اليات{ .لقوم يتفكرون}{ ،لقوم يعقلون}{ ،لقوم
يذكرون}{ ،ولعلكم تشكرون}{ ،لعلكم تهتدون}{ ،لعلكم تذكرون}.
إنهسا تحرك العقول وتوقسظ الفطسر بذاتهسا وقوله تعالى{ .أفمسن يخلق كمسن ل يخلق}
واضسح الدللة على أن وسسيلة الفطرة مسن أعظسم الوسسائل الدالة على الحسق فهسي بدهيسة،
فكما أن الخالق حق وتدل كل مخلوقاته عليه ،فإن هداه الذي أنزله على رسله حق كذلك
.
-1اليات من سورة النحل.
145
الوسيلة التاسعة :المساجد.
المسحححاجد بأئمتهحححا وخطبائهحححا منطلقات
للسبق بالحق إلى العقول.
إن المسسساجد مسسن أعظسسم المنطلقات للسسسباق إلى العقول ،وهسسي مسسن أقوى الوسسسائل
وأشملهسا فسي ذلك ،إذا اسستغلت اسستغلل شامل فسي كسل البلدان السسلمية ،فهسي مسن حيسث
البناء توجد في كل مدينة وفي كل قرية ،بل في كل حي ،يتسابق صالحو المسلمين إلى
بنائهسا وتشييدهسا ،وللمسساجد حرمتهسا فسي نفوس المسسلمين ،يلتقون فيهسا لداء الصسلوات
الخمسس فسي جماعسة ،ويصسلي بعضهسم فيهسا بعسض النوافسل كمسا يصسلون فيهسا التراويسح
جماعة ،وكذلك صلة العيدين وصلة الكسوف ،وقد يصلون فيها صلة الستسقاء ،فهي
فسي الصسل محسل لداء العبادات الجماعيسة ،فإذا وجسد فسي كسل مسسجد إمام كفسؤ ،يحفسظ
القرآن الكريسسم أو كثيرا منسسه ،عنده مقدرة على التأثيسسر فسسي الناس بالخطسسب والمواعسسظ،
وعنده علم يفيسد المتعلم والمسستفتي ،وعنده اطلع على قضايسا الناس الدينيسة والجتماعيسة
والقتصسادية والسسياسية ،أي إنسه فقيسه بقضايسا العصسر ومشكلتسه ،مخلص ل فسي عمله،
محسسب لقضاء حاجات الناس متودد إليهسسم مخالط لهسسم ،سسساع فسسي جمسسع كلمتهسسم وحسسل
مشكلتهسم ،فإن هذا المام سسيكون قطسب جماعسة المسسجد ومحور كافسة شؤونهسم ،يلتفون
حوله ،ويتعلمون العلم على يديسه ،ويسسارعون إلى سسماع خطبسه ومحاضراتسه ،ويسسألونه
عمسسسا أشكسسسل عليهسسسم ،ويسسسستفتونه فسسسي الحلل والحرام ،ويلجسسسأ ون إليسسسه للصسسسلح بيسسسن
المتخاصمين منهم ،فهو لهم بمنزلة الب للبناء والراعي للرعية.
يقيسسم لهسسم حلقات العلم بحسسسب فئاتهسسم وحاجاتهسسم ،يعلمهسسم فروض العيسسن وفروض
الكفايسة ،ويغرس فسي نفوسسهم اليمان والخلق الفاضلة ،ويحبسب إليهسم العمسل الصسالح،
ويتخرج على يديه طلبة العلم الذين يصبحون مثله ينشرون العلم والخير ،يكون المسجد
به وبهم وبجماعته مثل خلية النحل في تعلم وتعليم ،وعبادة وذكر ،وسماع أمر بمعروف
ونهسي عسن منكسر ،وتفسسير قرآن وشرح حديسث ،وفقسه أحكام ،ورد شبهات ،وبالجملة بيان
كل ما فيه مصلحة للمة ودعوة إليه ،وتوضيح كل ما فيه ضرر عليها وتنفير منه.
وهنا يكون السبق الحقيقي للحق إلى العقول ،والحماية لها من الباطل والطرد له من
أن يصل إلى عقول جماعة المسجد وأسرهم التي ستتأثر بعلمهم وسلوكهم.
ول يلزم أن تكون هذه النشاطات كلهسا صسادرة مسن إمام واحسد وخطيسب واحسد ومعلم
واحسد ،بسل يمكسن أن يختار للمسسجد الواحسد عدد مسن العلماء والخطباء والئمسة ،ليتعاونوا
على القيام بهذه المهمات ،وقسسسسد يكون لكسسسسل نشاط واحدٌ أو أكثرُ ،كالخطابسسسسة والتعليسسسسم
والمامسة ،بحسسب كسبر المسسجد وصسغره وكثرة جماعتسه وقلتهسم وكثرة طلبسه العلم فيسه
وقلتهم كذلك.
خطب الجمعة ودورها في السبق إلى العقول.
ومسن أهسم وظائف أئمسة المسساجد وخطبائهسا ،خطبسة الجمعسة التسي يحضرهسا المسسلمون
146
كلهسسم-فسسي الغالب-المكلف منهسسم بالحضور ،وهسسم الكبار ،وغيسسر المكلف وهسسم الصسسغار
والنساء ،والحاكم والمحكوم والخادم والمخدوم ،وكلهم ينصت لخطبة الجمعة على سبيل
العبادة ،دون كلم ول لغسسط ول لهسسو فسسي كسسل بلدان المسسسلمين فسسي يوم واحسسد ،ول توجسسد
خطبسة يجسب حضورهسا عينسا على جميسع المكلفيسن-إل مسن عذر-غيسر خطبسة الجمعسة ،ومسع
حضورها يجب النصات لها وعدم التشاغل عنها.
وبهذا تعتسبر خطسب الجمعسة فرصسة يجسب أن يغتنمهسا الخطباء ،فيقدموا للناس فيهسا مسا
يفيدهم في دنياهم وأخراهم ،وينبغي أن يهتم الخطباء بما يكون الناس في حاجة إلى بيانه
فسسسي هذه الخطبسسسة ،ممسسسا يمسسسس حياتهسسسم الحاضرة ،سسسسواء تعلق بأمور اليمان-أصسسسوله
وفروعسه-أو بالخلق-بأي جزئيسة منهسا-أو بالشؤون السسرية والجتماعيسة ،أو السسياسية
أو العسكرية أو العلمية.
وهذا يقتضي أن يفتش الخطيب عن الحداث التي تدور في السبوع في الحي ،أو
في القرية ،أو في المدينة ،أو في القطر ،أو في أي بلد من بلدان المسلمين ،أو في العالم
الرحسسب الذي يشمسسل المسسسلمين وغيرهسسم ،ثسسم يختار الموضوع الذي يراه أولى وأكثسسر
التصساقا بحياة الناس ،ويعسد خطبسة الجمعسة فيسه إعدادا يجعلهسا مفيدة للمسسلمين فسي مسسجده
أو في خارجه-إذا أذيعت في المذياع أو في التلفاز أو سجلت في شريط ووزعت.
وبهذا يسسسستطيع خطباء المسسسساجد أن يكونوا أكثسسسر سسسسبقا بالحسسسق إلى عقول الناس-
وبخاصة المسلمين.-
وينبغسي أن يتسم تنسسيق بيسن أئمسة مسساجد الحياء والمدن والقرى ،فسي أخسذ كسل واحسد
منهم أو طائفة موضوعا من الموضوعات ،وإعداد الخطبة أو الخطب فيه ،وهكذا حتى
تطرق في اليوم الواحد وفي المدينة الواحدة وفي القطر الواحد الموضوعات التي تدعو
الحاجة إلى طرقها.
وإذا اقتضسى المسر أن يخصسص خطباء المدينسة كلهسم أو القطسر الواحسد كله موضوعسا
واحدا لخطبهم في يوم واحد ،لكونه أهم أحداث الساعة فعلوا كذلك ،بل لو اقتضى المر
أن يتفسق خطباء المسساجد الكسبرى فسي العالم السسلمي كله ،على أن تكون خطسب الجمعسة
كلهسا فسي يوم واحسد فسي موضوع واحسد ،فعلوا ذلك لكون الموضوع يتعلق بقضيسة عامسة
يحتاج لبيانها جميع المسلمين.
وقسد أصسبح هذا المسر اليوم ممكنسا عسن طريسق وسسائل التصسال السسريعة ،وبخاصسة
الهاتف والفاكس ،والنترنت...
وممسا يحقسق هذا التنسسيق تكويسن رابطسة لئمسة المسساجد فسي المدن والقرى فسي القطسر
الواحسد ،ثسم فسي أقطار المسسلمين كلهسا ،بحيسث يتسم عسن طريسق هذه الرابطسة تدارس أحوال
المسلمين وحاجاتهم وما ينبغي اتخاذه في كل شأن من شؤونهم.
إن أئمة المساجد لو فعلوا ذلك كان لهم دور كبير في سبقهم بالحق إلى العقول محليا
وعالميا ،وكان للمساجد دور عظيم في هذا الشأن.
وهذا كان شأن المساجد وأئمتها وخطبائها في عصور السلم المفضلة ،ويجب على
المسلمين أن يسعوا العادة ذلك الشأن لمساجدهم.
147
تفاوت المساجد وأثره في السبق إلى العقول.
وكلمسا كان المسسجد أكثسر فضل واحترامسا فسي نفوس الناس،كان أجدر بأئمسة وخطباء
وعلماء أكثر كفاءة وقدرة على القيام بواجبهم على مستوى ذلك المسجد ،فل يستوي بيت
ال الحرام وغيره مسن المسساجد ،ول المسسجد النبوي وغيره مسن المسساجد الخرى ،وهلم
جرا ...كسسبيت المقدس ثسسم الجامسسع الزهسسر ،والجامسسع الموي ،وجامسسع الزيتونسسة وجامسسع
القيروان ...كمسا ل تسستوي مسساجد الحياء الصسغيرة والجامسع الكسبير فسي أي مدينسة مسن
المدن .ول يسسستوي مسسجد غالب جماعتسه مثقفون ،وآخسسر غالب جماعتسه أميون أو غيسر
مثقفين ،فكل مسجد ينبغي أن يوضع فيه المام والخطيب والعالم المناسب له.
إن المام الكفسء قادر على أن يسسبق إلى العقول بالحسق سسبقا يعجسز أهسل الباطسل عسن
أن يسبقوا بباطلهم إلى عقول جماعة مسجده ،مع تفوق وسائلهم وإمكاناتهم التي غالبا ما
تكون إمكانات دولة بأكملها ،كما هو حال الدول العلمانية.
ذلك أن المام الكفسسء تتفتسسح لصسسوته الذان عبادةً ،كمسسا تتدبر مسسا يقرؤه أو يتكلم بسسه
العقول كذلك تعبدا ،وتليسن لمواعظسه وزواجره القلوبُس التسي يسسرع أهلهسا إلى طاعسة ال
رغبسسا ،وينزجرون عسسن عصسسيان أوامره وترك نواهيسسه رهبسسا ،وبخاصسسة أن المام يتلو
عليهسسم آيات القرآن فسسي الصسسلة الجهريسسة ،فيختار فسسي قراءتسسه مسسن اليات مسسا يناسسسب
القضايا النازلة التي تعرض للمسلمين في مدنهم وأحيائهم وبلدانهم ،فإذا كان المقام مقام
اعتداء مسن أعداء المسسلمين على أحسد أقطارهسم ،أكثسر مسن آيات الجهاد والتعاون والتنسا
صسر ،وإن كان المقام مقام ظلم وقهسر على شعسب مسن الشعوب السسلمية أكثسر مسن قراءة
آيات العدل والمسر بسه ،واليات الناهيسة عسن الظلم والعدوان ،والمبينسة لمصسائر الطغاة،
كفرعون وهامان وجنودهما ،وإذا كان الوقت وقت تفسخ وتحلل أخلقي أكثر من قراءة
اليات التسي تدعسو إلى الخلق الحسسنة وتنهسي عسن الخلق السسيئة ،وإذا كان المقام مقام
محاربسسة لتحكيسسم الشريعسسة السسسلمية أكثسسر مسسن قراءة اليات اليمانيسسة واليات المرة
بتحكيم شرع ال والناهية عن تحكيم الطواغيت ،وإذا كان المقام مقام خلف وشقاق بين
المسسلمين اختار قراءة اليات الداعيسة إلى الوحدة الناهيسة عسن التفرق والتنازع ،وإذا كان
المقام مقام ضعسف الولء ل ولرسسوله وللمؤمنيسن والميسل إلى موالة أعداء ال مسن أهسل
الكتاب أو المشركيسسن أكثسسر مسسن قراءة آيات الولء والبراء ،وإذا كان المقام مقام تفشسسي
المنكرات والسكوت عنها أكثر من قراءة اليات المرة بالمعروف والناهية عن المنكر،
وإذا كان المقام مقام كوارث وزلزل وحروب ومجاعات يحتاج المصسسابون بهسسا إلى مسسد
يسسسسد العون بالمال والطعام والكسسسسساء واليواء أكثسسسسر مسسسسن قراءة آيات التعاون والنفاق
والصسدقة والزكاة ،وهكذا ل يكاد يوجسد باب مسن أبواب الخيسر إل وجسد المام الكفسء مسن
آي القرآن مسا يذكسر به الناس فسي صلتهم للمسسارعة إلى عمسل الخيسر فسي ذلك الباب ،ول
باب من أبواب الشر إل وجد المام الكفء في آي القرآن ما يذكر الناس ويحضهم على
مقاومته ،ويحذرهم من الوقوع فيه.
والمسلمون في أمس الحاجة إلى من يربط أحوالهم وقضاياهم بالقرآن ،وبخاصة في
أوقات الصلة التي يصغون فيها إلى كتاب ال وهو يتلى عليهم في بيوت ال.
148
هذا كله يحصل من مجرد قراءة القرآن في الصلة.
فإذا ما قام المام بعد انتهاء الصلة ،فتل آية أو آيات مناسبة للمقام ،وفسرها تفسيرا
موجزا ،وبيسسن مقصسسدها ،وحرك مشاعسسر المصسسلين بموضوعهسسا ،وأيقسسظ عقولهسسم إلى
تدبرها ،فقد زادهم بذلك نورا على نور.
وإذا حصسل هذا فسي أغلب مسساجد المسسلمين ،فإنسه سسيحدث أثره الطيسب فسي جماعسة
المسسسجد وأسسسرهم وجيرانهسسم ومشار كيهسسم فسسي أعمالهسسم الوظيفيسسة وغيرهسسا ،وسسستصبح
المسساجد مصسادر قوة وفقسه ووحدة وتعاون وطاعسة ،وسستستعصي عقول المسة السسلمية
على محاولت أهل الباطل السبق إليها بباطلهم ،بل سيصبح المسلمون هم السباقين إلى
عقول الناس بحقهم ،وستقضي حركة المسجد على كثير من المشكلت التي يشكو منها
المسسسلمون اليوم شعوبسسا وحكومات ،كتعاطسسي المسسسكرات والمخدرات ،والعتداء على
النفوس والموال والعراض وغيرهسا ،وسستقطع الطريسق على أجهزة العلم الموجهسة
عسن طريسق القمار الصسناعية لفسساد عقول المسسلمين وقلوبهسم ،لن التربيسة الناشئة مسن
المسجد ستكون سدا منيعا في وجه كل فساد.
تدريممب حفظممة القرآن على السممبق بالحممق إلى
العقول.
إن هذه المعانسي يجسب أن ُي َفقّهسَ بهسا الناشئون مسن حفظسة كتاب ال وهسم كثيرون فسي
العالم السسلمي ،لن كثيرا منهسم يصسبحون أئمسة وخطباء فسي مسساجد المسسلمين الكسبيرة
والصغير.
ويجسب أن يوضسع لهسم منهسج متدرج يفسسر لهسم فيسه القرآن الكريسم تفسسيرا موضوعيسا
مرتبطسا بواقسع المسسلمين وحاجاتهسم وقضاياهسم ،حتسى يكونوا قراء يقتدون بابسن عباس،
وبالشبيبة الذين كان عمر بن الخطاب يجعلهم في مجلس شوراه تكريما لهم واستفادة من
علمهم.
ول ينبغي أن يقتصر حفظة القرآن الكريم على حفظ ألفاظه وتجويدها-وإن كان ذلك
عبادة في ذاته-بدون فهم لمعانيه ومقاصده التي ل بد من توعية الناس بها.
وعلى القائمين على مدارس تحفيظ القرآن الكريم أن يولوا هذا المر عنايتهم ،ليكون
طلبهم أهل القرآن حقا كما كان السلف الصالح ،وليسوا كما عليه كثير من القراء اليوم
الذين يقرؤون القرآن من أجل أخذ أجر عليه في المآتم وأجهزة العلم...
الوسيلة العاشرة :العلم.
وهذه الوسسيلة هسي مسن أسسرع الوسسائل وصسول إلى عقول الناس بالحسق أو بالباطسل،
وأكثسر انتشارا ،وأشمسل تلقيسا ،وبخاصسة فسي هذا العصسر الذي توافرت فيسه مسن وسسائل
العلم مسا لم يتوافسر فسي أي عصسر مسن العصسور الغابرة ،لن العلم يسستوعب الفراد
والسر والقطار ويصل إلى العالم والجاهل والمتعلم والمي ،في الحضر وفي البادية،
وفسي البر والبحسر والجسو ،وعلى قمسم الجبال وفسي أغوار الشعاب والوديان ،عسن طريسق
149
القراءة والسماع والمشاهدة.
ولوسسائل العلم مسن المكانات مسا يجعلهسا تشمسل كسل موضوع يخطسر بالبال .عقديسا
أو اجتماعيسسا أو سسسياسيا أو اقتصسساديا أو عسسسكريا ،كمسسا أنسسه يُس َسخّ ْر لهسسا كسسل المكانات
والطاقات :البشريسسة فسسي كسسل مجال مسسن مجالتهسسا وتخصسسصاتها ،والماليسسة ،واللت
والدوات.
وإن المكانات التي هيأها ال في هذا العصر في مجال العلم لم يسبق لها مثيل في
تاريسسخ البشريسسة ،فمسسا كانسست المعلومات والرسسسائل تصسسل مسسن بلد إلى بلد مجاور إل بعسسد
حين ،وبعد تحمل أسفار ومشاق سيرا على القدام أو ركوبا على الحيوانات التي عرف
مسن أسسرعها الخيسل ،كمسا حاول النسسان ابتكار مسا هسو أسسرع مسن ذلك ،وهسو تعليسم بعسض
الطيور كالحمام الذي كان ينقسسل الرسسسائل مسسن بلد إلى آخسسر ،وهسسو مسسع سسسرعته النسسسبية
معرض لعدم الوصول إلى غايته ،بسبب المخاطر التي قد تواجهه في طريقه.
وقسد مكسن ال تعالى لنسبيه سسليمان عليسه السسلم اسستغلل بعسض مخلوقاتسه ،كالطيسر
والجسسن لبلغ رسسسائله وإخباره بالرد عليهسسا ،كمسسا حصسسل له ذلك فسسي قصسسة ملكسسة سسسبأ
وقومهسا ،ولكسن ذلك كان معجزة خاصسة منحسه ال تعالى إياهسا ل طاقسة له ول لغيره فسي
إيجادها.
أمسا العصسر الحاضسر الذي امتدت إليسه دعوة الرسسول العامسة الشاملة للبشسر جميعسا
وللمكنة والزمنة ،وستمتد كذلك إلى يوم القيامة ،فقد سخّر ال تعالى فيه من المكانات
مسسسا يناسسسسب هذه الدعوة الخاتمسسسة العالميسسسة فاخترعسسست العقول-عقول المسسسسلمين وغيسسسر
المسلمين-ما يدهشها ويحيرها من الوسائل التي يمكن للمة السلمية أن تتخذها لبلغ
الحق اللهسي-الذي كلفهسا ال قبوله وحمله والدعوة إليه-إلى عقول المسسلمين وغيرهم فسي
كسل صسقع مسن أصسقاع الرض ،كمسا هيسأ لهسا مسن المكانات الماديسة مسا يجعلهسا قادرة على
اسستغلل وسسيلة العلم فسي سسباقها بالحسق إلى عقول الناس ،فأراضيهسا الشاسسعة الغنيسة
بكل خيرات الدنيا من نواكشوط إلى جاكرتا ،ومن عدن إلى بلدان المسلمين التي استقلت
حديثسسا-عسسن الحتلل الشيوعسسي-والتسسي تشتمسسل على كسسل عناصسسر القوة والغنسسى مسسن
المحاصسيل الزراعيسة والمعادن ،وأعدادهسا البشريسة الهائلة التسي جاوزت المليار ،وتوجسد
فيهسسم كفاءات فسسي كسسل علم مسسن علوم الدنيسسا والخرة ،وكذلك المياه الوفيرة مسسن النهار
والمياه الجوفيسسة ،والممرات المائيسسة والثروات البحريسسة ،والغابات وأنواع الطاقسسة مسسن
البترول ومصادر الكهرباء وغيرها.
إن هذه المكانات التسي سسخرها ال لهذه المسة ،لو وجدت مسن يقوم عليهسا ويحفظهسا
ويدبر بهسا شؤونهسا ومصسالحها ،ومسن ذلك اتخاذ وسسيلة العلم لنقسل الحسق الذي جاء بسه
دينهسسا إلى العالم كله ،لمكنهسسا اسسستقطاب كثيسسر مسسن البشسسر وقيادتهسسم إلى الدخول فسسي هذا
الدين ،ومناصرته لسبق أهل الحق بحقهم إلى عقول أولئك البشر.
تأمل أول في سعة أراضي المسلمين وافترض أن كل بلد من بلدانهم استغل وسائل
العلم فسسي السسسباق بالحسسق إلى عقول الناس :المذياع ،والتلفاز ،والصسسحف والمجلت،
والنشرات والعلنات ،والكتب والمسجلت ،والملصقات…
كسم بلدا إسسلميا فسي إفريقيسسا ،وكسم بلدا إسسلميا فسي آسسيا؟ إن بلدان المسسلمين قادرة
150
بسسبب سسعة مسساحتها أن تغطسي بأجهزة إعلمهسا غالب الكوكسب الرضسي ،وبغالب لغات
العالم ولهجاته.
أمسا إذا تعاونست حكومات الشعوب السسلمية على إيجاد وسسائل إعلم مركزيسة قويسة
عسن طريسق القمار الصسناعية ،فإن الحسق الذي تحمله تلك الوسسائل سسيصل إلى كسل شسبر
في الرض وبكل لغات العالم.
ولو تعاونسست حكومات الشعوب السسسلمية مسسع المسسسلمين المقيميسسن فسسي البلدان غيسسر
السسلمية ،كأمريكسا الشماليسة وأمريكسا الجنوبيسة ،وأوروبسا الغربيسة والشرقيسة ،وروسسيا،
والصسين ،وبعسض بلدان شرق آسسيا الخرى ،كاليابان وكوريسا ،وتايوان ،والفلبيسن ،وكذا
قارة اسستراليا ،ونيوزلندا ،والهنسد ،وسسيريلنكا ودول الهنسد الصسينية ،لسستغلل مسا أمكسن
من وسائل العلم في كل بلد لبلغ الحق إلى عقول الجاليات السلمية وغيرها ،لكان
السلم قد تمكن من الوصول إلى تلك العقول واضحا وضوح الشمس في رابعة النهار،
ولقضى ذلك على التشويه-عمدا أو جهل-لهذا الدين في نفوس الناس.
إن بعسض البلدان الغربيسة بهسا مسن النظمسة والقوانيسن مسا يتيسح الفرصسة للمسسلمين أن
يسسستغلوا وسسسائل العلم ،لنشسسر دينهسسم إذا أحسسسنوا اقتناص تلك الفرصسسة بحكمسسة ورويسسة
وعدم إثارة.
إن أفرادا مسسن المسسسلمين يمكنهسسم أن يملكوا إذاعات يبثون بهسسا مواد إسسسلمية بطرق
نظامية على مستوى المدن-كمحطات ( )F Mوعلى مستوى أكثر من ذلك.
كمسا أن الغنياء مسن المسسلمين يقدرون على اسستئجار إذاعسة عالميسة لعدة سساعات ،1
وكذلك التلفاز فسسي المدن بالشتراك عسسن طريسسق الكيبسسل ،وإقامسسة مراكسسز تلفازيسسة على
مسسستوى العالم ،وقسسد تبدأ الدول الغربيسسة فسسي حرب تلك الوسسسائل إذا رأت فسسي مناهجهسسا
خطرا على الباطسل الذي تحمله ،ولكسن المسسلمين إذا وضعوا خططسا مرحليسة غيسر مثيرة
مسن أول المسر ولم يضيقوا مسا وسسع ال مسن المباحات فسي مناهسج تلك المراكسز ،وتركوا
التشدد فسسي منسسع مسسا لم يرد الشرع بتحريمسسه ،ولو كان مكروهسسا فسسي سسسبيل إبلغ الحسسق
الواجب إلى عقول الناس ،فإن تلك المراكز ستجد المجال مفتوحا أمامها للسباق إلى تلك
العقول.
أمسسا الصسسحف والمجلت ،وأشرطسسة الفيديسسو والكاسسسيت ،والنشرات ،والعلنات،
وخطابات صسسناديق البريسسد ،والفاكسسس والهاتسسف ،وأجهزة اللسسسلكي-فسسي كثيسسر مسسن تلك
البلدان-والمسسسسسسارح والسسسسسسينما ،والنوادي الثقافيسسسسسة والنوادي الرياضيسسسسسة ،والندوات
والمؤتمرات ،فإن المجال لسستغللها فسي إبلغ الحسق إلى عقول الناس مفتوح والفرصسة
سانحة في أغلب البلدان الغربية.
رضا الله وتمكينه أو مقته واستبداله.
لقد ابتلى ال هذه المة التي لم توجد أمة غيرها في الرض تملك الحق الذي تملكه،
وهسو ديسن السسلم الذي لحسق سسواه اليوم مسن جميسع الديان ،ابتلهسا ال تعالى فسي هذا
-1بل يستطيعون شراء عدة إذاعات لتبث على مدى الليل والنهار.
151
العصر بهذه المكانات الهائلة من وسائل العلم التي لم توجد لي أمة من أمم النبياء
السسابقين عندمسا كانست تملك الحسق اللهسي ،كمسا ابتلى هذه المسة بجعسل دينهسا دينسا عالميسا
يجب إبلغه إلى جميع البشر ،ويجب على كل من بلغه هذا الدين أن يؤمن به ،ومن لم
يؤمن به بعد بلوغه فهو من أهل النار.
فإذا لم تسستغل هذه المسة هذه المكانات التسي ابتلهسا ال بهسا لتسسابق بالحسق اللهسي
الباطلَ الشيطانسي إلى عقول الناس ،فإنهسا تسستحق مقست ال تعالى وغضبسه واسستبداله بهسا
غيرها ،لعدم قيامها بوظيفتها التي هيأ ال لها أسباب قيامها بها{ :يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} { .1قل هذه سبيلي أدعو إلى ال على
بصيرة أنا ومن اتبعني} .2
سلّما للحق إلى عقول الناس ،تقع
وبدهي أن المسؤولية الولى في اتخاذ هذه الوسيلة ُ
على مسسن تولوا أمور المسسسلمين مسسن الملوك والرؤسسساء وأعوانهسسم ،لن إمكانات الشعوب
السسلمية كلهسا بأيديهسم وتحست تصسرفهم ،فالوسسائل الماديسة مسن إذاعسة وتلفاز وصسحف
ومجلت ،كلهسا تحست سسيطرتهم ،ل يذاع شسئ ول يعرض ول يكتسب إل مسا أقروه وأذنوا
به.
وتهيئة الكفاءات البشريسسة بتأهيلهسسا وتدريبهسسا وتوظيفهسسا ،كلهسسا ل توجسسد على الوجسسه
المطلوب ،إل إذا قاموا هسسم بدعمهسسا ،وإذا وجدت فل يختارون منهسسا إل مسسن هسسم عنسسه
راضون ،لعلمهم أنه ل يخرج عن دائرة ما يرسمون له.
والمناهج العلمية والمواد التي تذاع وتعرض وتنشر وتطبع كلها مرهونة بموافقة
رقبائهم عليها.
وإذا كانست بعسض البلدان السسلمية تعطسي مسساحة جيدة للمواد السسلمية-مسع مواد
أخرى ل تنسسسجم معهسسا-فإن أغلب أجهزة العلم فسسي أغلب البلدان السسسلمية الخرى،
تقدم بهسا مواد قليلة جدا عسن السسلم ،ل تخلو مسن تشويسه ظاهسر أو خفسي ،ومسا يعلق منسه
مسسسن الخيسسسر فسسسي أذهان الناس تمحوه المواد الخرى المضادة للسسسسلم ،فسسسي الجوانسسسب
اليمانيسسة والخلقيسسة والحكام المتعلقسسة بالحلل والحرام ،حيسسث إن هذه المواد تنال مسسن
الدعم والتمكين ،ما ل يتاح لجزء قليل جدا من السلم.
وممسسا يزيسسد الطيسسن بلة أن أجهزة العلم محتكرة بيسسد الحكومات فسسي كسسل الشعوب
السسلمية ،وإن وجدت فسي بعضهسا مؤسسسات صسورية ،فإنهسا فسي الواقسع فروع لجهزة
العلم الحكوميسسة ،وهذا بخلف كثيسسر مسسن البلدان الغربيسسة التسسي يجسسد فيهسسا العلم مسسن
الحرية ،ما يجعله يسقط زعماء وحكومات وأحزابا.
لهذا كانست المسسؤولية فسي الشعوب السسلمية تقسع على حكوماتهسا ،لسستغلل وسسائل
سلّما للحق ،ليصل إلى عقول الناس في العالم السلمي وغيره.
العلم واتخاذها ُ
وهذا ل يعفسسي العلماء وأهسسل الرأي ،مسسن القيام بواجسسب النصسسح للحكام ومطالبتهسسم
بوضسع مناهسج ذات أهداف ووسسائل لجهزة العلم ،يتحقسق بهسا-مسع تطبيقهسا فعل-سسبقُ
الحق الذي تضمنه السلم إلى عقول المسلمين وغير المسلمين ،ول يكفي وضع أنظمة
-1المائدة.67 :
-2يوسف.108 :
152
ولوائح لجهزة العلم يُنَص فيهسا على مواد دينيسة ل يتحقسق بهسا ذلك السسبق ،أو تكون
أنظمتها نظرية دون تطبيق في واقع المر.
السمماليب العلميممة المطلوبممة لسممبق الحممق إلى
العقول.
ول يشترط فسسي نقسسل الحسسق بأجهزة العلم أن يكون دائمسسا بالسسسلوب المباشسسر،
كالمحاضرات والمواعظ وسرد آيات قرآنية أو أحاديث نبوية ،أو أحكام فقهية وما شابه
ذلك ،بسل يكون بذلك وبغيره مسن السساليب المسستحدثة المؤثرة ،كأفلم الكرتون للطفال،
والقصسسسص والتمثيليات والمسسسسلسلت والمسسسسرح ،والناشيسسسد وغيرهسسسا ،فإن أثسسسر هذه
السساليب فسسي عقول الناس صسسغارا وكبارا ممسا يسسمع ويشاهسد ويقرأ ويرسسسم ،أث ٌر فعال
مشاهسد اسستغله أعداء السسلم فسي سسبقهم بباطلهسم إلى عقول الناس وأصسبح ذريعسة فسي
بلدان المسلمين أنفسهم لذلك الباطل.
وإذا كان علماء المسسلمين يخافون-ولهسم الحسق أن يخافوا-مسن اختلط المشروع بغيسر
المشروع فسسي بعسسض هذه السسساليب ،فإن عليهسسم أن يدرسسسوا كسسل أسسسلوب ومسسا يمكسسن أن
يشتمسسل عليسسه ،مسسن مخالفات شرعيسسة واضحسسة ،ويقرروا مسسا هسسو مشروع ومسسا هسسو غيسسر
مشروع مسسن المواد المعروضسسة ،على أن ل يراعسسى فسسي الذن والترخيسسص المبالغسسة
والتشدد في منع ما ل نص في منعه من الشارع ،وينبغي مراعاة باب المصالح والمفاسد
ومقاصد الشريعة السلمية في ذلك.
وبهذا يتمكسن المسسلمون مسن منافسسة أعداء السسلم فسي وسسيلة هسي مسن أهسم الوسسائل
للسباق إلى العقول.
وممسا يجسب التنسبيه عليسه ،أن المواد التسي تتخسذ وسسيلة العلم لنقلهسا وإبلغهسا إلى
العقول ،ليسسست قاصسسرة على موضوعات دينيسسة معينسسة ،كمسسا قسسد يتبادر إلى الذهان عنسسد
عامسسة الناس ،ومنهسسم العلمانيون الذيسسن يظنون أن هذه الجهزة إذا سسسيطر عليهسسا دعاة
السسسلم وأتباعهسسم سسسيكون مجالهسسا ضيقسسا ،ل يخرج عسسن الوعسسظ والرشاد والدعوة إلى
بعض شعائر السلم ،وتفسير آي من القرآن الكريم أو أحاديث من السنة الشريفة ونحو
ذلك ،بحسسب فهمهسم الضيسق للديسن السسلمي ،وكذلك ظسن بعسض المتدينيسن الذيسن ضاقست
آفاقهسم عسن الفقسه الشامسل للسسلم ومقاصسده وعسن المسساحة الواسسعة للمباحات التسي ترك
السسلم للناس أن يرتعوا فيهسا دون حرج ول إثسم ،فل ينبغسي أن يضيقوا دائرة مسا أباحسه
ال ويبالغوا في منعه ،لن تحريم المباح منهي عنه شرعا كتحليل الحرام...
إن هذا التبادر الحاصسسسسل مسسسسن الطرفيسسسسن غيسسسسر صسسسسحيح ،وإن السسسسلم أشمسسسسل
مما يظنون ،كما أن الصل في الشياء الباحة ،إل ما ورد به نص من الكتاب والسنة،
أو ما يصادم مقصدا من مقاصد الشريعة السلمية.
وإن بعسسض النصسسوص قابلة للجتهاد الصسسادر مسسن أهله ،فالفتوى كمسسا هسسو معروف
تقدر زمانا ومكانا وشخصا...
لذلك فإن مواد أجهزة العلم ،ستكون شاملة للكون والحياة والنسان ،وسيجد فئات
الناس صسسغارا وكبارا ورجال ونسسساء ،وأدباء وفقهاء ومفسسسرين ومحدثيسسن وقصسساصا
153
وكتابسسسسسسا ،وأطباء ومهندسسسسسسسين ورجال فضاء ،وعلماء طبقات الرض ،وسسسسسسسياسيين
واقتصسساديين ،واجتماعييسسن وعلماء نفسسس ،وعسسسكريين ،مجال رحبسسا فسسي هذه الوسسسيلة
ل إلى عقول الناس.
ق الباط َ
وسيكون ذلك كله سللم وجسورا لسبق الح ّ
قلة القيود العلميمة فمي السملم وثمرات اللتزام
بها.
ول تقييسد على نشاط هؤلء كلهسم وغيرهسم فسي اسستغلل وسسيلة العلم إل بالمور
التية:
المر الول :التزام الصدق وتجنب الكذب والتضليل.
المر الثاني :التزام العدل واجتناب الظلم للصديق والعدو.
المر الثالث :حفظ مقاصد الشريعة السلمية وعدم التفريط في شئ منها.
وهسي مقاصسد تنشدهسا البشريسة كلهسا ،وتتلخسص فسي الضروريات :حفسظ الديسن ،وحفسظ
النسسسل ،وحفسسظ النفسسس ،وحفسسظ العقسسل ،وحفسسظ المال .ومسسا يكمسسل تلك الضروريات مسسن
الحاجيات والتكميليات.
المر الرابع :عدم مخالفة النصوص الصحيحة الصريحة.
وهسسي قيود –كمسسا ترى-قليلة جدا ،وثمراتهسسا النافعسسة عائدة على الناس كلهسسم .وإنسسه
لجدر بالمسلمين أن يكونوا سباقين إلى استغلل وسائل العلم المتنوعة ،لبلغ حقهم
إلى عقول العالم ،قبسل أن يُسسبَقوا مسن قِبَل أهسل الباطسل بإبلغ باطلهسم إلى أبنائهسم ،ولكسن
الواقع المشاهد هو عكس هذا ،فقد استغل أهل الباطل هذه الوسائل استغلل ل نظير له،
ولذلك عم الباطل وانزوى الحق.
لقد أسمعت لو ناديت حيا!
وهؤلء مفكرو المسلمين ودعاته يتنادون اليوم ،منبهين المسلمين على الخطر القادم
مسن البسث المباشسر الذي لم يبسق جزء مسن الرض خال منسه عسن طريسق أدوات اسستقبال
أطلق عليهسا فسي البلدان العربيسة "الدش" ويخطسط أهسل الباطسل لصسنع أجهزة تلفازيسة ل
تحتاج إلى "الدش" وإنمسسا هسسي مزودة بآلت اسسستقبال ذاتيسسة فتكون مثسسل التلفاز العادي
لجميع الناس-وإن غل ثمنها قليل في أول المر.
ومما يؤسف له أن المسلمين-الغيورين منهم-ل يفكرون إل في كيفية اتقاء خطر هذا
البث ،وكل فئة تفكر في الخطر من زاوية مصلحة خاصة بها-وقد لتكون مصلحة على
الحقيقة-والفئة القادرة على حشد الطاقات لدرء الخطر عن المة كلها ،وهي فئة النظمة
الحاكمسة فسي البلدان السسلمية ل تفكسر-غالبسا-إل فسي درء الخطسر عسن سسلطتها التسي قسد
تزعزعهسسا برامسسج ومواد البسسث المباشسسر ،بمسسا تتضمنسسه مسسن هجوم على أسسساليب الحكسسم
السستبدادي ومسا تنتهكسه مسن حقوق النسسان فسي بلدانهسا ،ومسع ذلك فإن تفكيرهسا فسي الدفاع
عن مصالحها السياسية غير جاد ،لن غاية ما يمكن أن تعده في برامجها هو الكثار من
مواد المدح والثناء على أنظمتهسا ،والردود الوقتيسة على مسا يرشقهسا بسه البسث المباشسر مسن
154
انتقادات ،وقد تعد المزيد من المواد التافهة التي تظن أنها ستلهي بها الشعوب عن التأثر
بالهجوم المرتقسسب عليهسسا ،مثسسل المسسسلسلت الغراميسسة والتمثيليات والغانسسي والرقسسص،
والكثار مسن اللعسب الرياضسي ونحوهسا ،وهذه الثلثسة العناصسر كلهسا-المدح المبالغ فيسه،
والردود الوقتيسة الباردة ،ومواد اللهاء المزعومسة-سسوف ل تغنسي عنهسم فتيل ،لن مواد
البسث المباشسر سسيوجد فيهسا مسن المواد الجادة الموثقسة ،والمضللة مسا يقضسي على العنصسر
الول والثانسي ،كمسا سسيوجد فيهسا مواد الغراء واللهاء مسا يشسد المشاهسد إليهسا ،ويجعسل
الناس يهملون البسسسسث المحلي والقطري ،وسسسسستكون لهسسسسا نتائج خطيرة على الحكومات
والشعوب في البلدان السلمية.
وكان الولى والجدر بالمسسلمين :مفكريهسم وعلمائهسم ودعاتهسم وقادة السسياسة فيهسم،
أن يفكروا بجسد فسي اسستغلل البسث المباشسر بصسورة هجوميسة وليسست دفاعيسة :هجوم على
عقائد فاسسدة فسي الغرب ،وهجوم على أخلق سسيئة ،وهجوم على اقتصساد مدمسر ،وهجوم
على كبرياء وعنصرية تخالف دعوة حقوق النسان التي يزعم الغرب رعايتها والدعوة
إليها ،وهجوم على معاملت أسرية واجتماعية مفككة.
وهجوم بمسا هسو أهسم وأوجسسب ،وهسو إبلغ معانسي السسلم السسامية إلى عقول أهسسل
أوروبا وأمريكا وغيرهما ،من إيمان قائم على الحجة والبرهان ،ومن عبودية ل تتحقق
بها الحرية الصحيحة التي يزعم الغرب العناية بها والدعوة إليها ،وهو في الحقيقة إنما
يدعسسو إلى جعسسل النسسسان عبدا ذليل لشهواتسسه وملذاتسسه ،مسسن جاه ومال ومنصسسب وامرأة
وخمر ومخدر وغيرها ،منطلقا في تصرفاته كلها من أثرته وجشعه.
إن هجوم البسث المباشسر مسن قبلنسا بمبادئ السسلم اليمانيسة والجتماعيسة والسسياسية
والقتصسادية والمنيسة وغيرهسا ،سسيغير الصسورة السسيئة المشوهسة عسن السسلم فسي عقول
الشعوب الغربيسسة ،وسسسيكون السسسلم مسسع مبادئ الكفسسر مثسسل عصسسى موسسسى مسسع حبال
وعصي سحرة فرعون:
فقد بطل السحر والساحر
إذا جاء موسى وألقى العصا
ول أقصسد بالهجوم الكلم الغليسظ العنيسف ضسد مبادئ الغرب ،وإنمسا أقصسد أن تكون
هممنا أعلى وأسمى من أن نقعد مفكرين في الدفاع عن أنفسنا ضد هجوم عدونا ،بما ل
يجدي شيئا أمام ذلك الهجوم الماكر القوي المنظم ،بل نبدأ نحن بإبلغ حقنا إلى عقولهم،
بدل من أن يبد أوهم بإبلغ باطلهم إلى عقولنا.
وإذا كان وضعنسا الحالي ل يمكننسا مسن البدء بهذا الهجوم ،فليكسن دفاعنسا إيجابيسا غيسر
مهزوم ،مع بدئنا بالتخطيط للهجوم ،بدل من الستمرار في الدفاع.
وقبسل الهجوم والدفاع ل بسد مسن تحصسين المسسلمين فسي بلدانهسم بالتربيسة السسلمية
الصسحيحة ،حتسى يكونوا قادريسن ذاتيسا على تجنسب أخطار البسث المباشسر وغيره ،وبدون
ذلك ل أمل في توقي خطر داخلي أو خارجي.
155
اسممتغلل إمكانات المسمملمين فممي تحقيممق رغبات
أعدائهم.
وممسسا يؤسسسف المؤمن سَ ويحزنسسه أن يرى بعسسض أغنياء المسسة السسسلمية ،يؤسسسسون
قنوات فضائيسة متخصسصة تسستغرق أزمانسا طويلة مسن البسث المباشسر وغيسر المباشسر ،فسي
جوانسب معينسة مسن اللهسو العابسث واللعسب التافسه ،يشغلون بهسا أوقات الشعوب السسلمية
ويفسسدون بهسا أخلقهسم ،مسع علمهسم بجهسل أغلب تلك الشعوب بحقيقسة دينهسا ،وبعسد كثيسر
منهم عن تطبيق هذا الدين.
وكان الجدر بهسسم أن ينافسسسوا بتلك القنوات غيرهسسا مسسن القنوات التسسي أعدت إعدادا
محكمسسا ووجهسست توجيهسسا مقصسسودا للسسسباق إلى عقول المسسسلمين ،لزعزعسسة اليمان فسسي
قلوبهسم وتشكيكهسم فسي ثوابتسه ،وإفسساد أخلقهسم وبسث الفرقسة والعداوة بينهسم ،كان الجدر
بهسم أن ينافسسوا تلك القنوات بتقويسة إيمانهسم بالحجسج والبراهيسن التسي تثبتسه فسي نفوسسهم،
وبغرس الخلق السسسلمية فسسي نفوسسسهم ،وبنشسسر العلم الشامسسل والثقافسسة المفيدة اللذيسسن
يقضيان على الميسة المنتشرة بيسن المسسلمين أو يخففان منهسا ،سسواء كانست الميسة أميسة
القراءة والكتابة ،أو أمية الفقه في الدين ،أو أمية النزواء عن عناصر المعرفة :سياسية
أو اقتصسادية أو إداريسة أو طبيسة ...وباتخاذ الوسسائل والسساليب التسي تجمسع كلمتهسم على
الحق وتحقق بينهم الخوة اليمانية التي تنشأ عنها المحبة والتعاون على البر والتقوى،
كل ذلك يمكن أن يحصل بأساليب وطرق متعددة كما مضى ،وليست عن طريق الوعظ
والتعليم المباشرين فقط ،وإن كان لبد منهما.
وكان بإمكانهسم أن يسستقطبوا الكفاءات السسلمية فسي جميسع التخصسصات العلميسة،
ويدربوا شبابا مسلما على بعض الوسائل والتخصصات التي تدعو الحاجة إليها.
كان الجدر بهم أن يسخروا قنواتهم لمصلحة السلم والمسلمين ،بدل من تسخيرها
فيمسا سسخر له كثيسر مسن القنوات الرسسمية فسي الشعوب السسلمية والدول الجنبيسة ،ممسا
يحقق رغبات أعداء السلم في إيصال الباطل والسبق به إلى عقول أبناء المسلمين!
فهل من آذان تصغي ،ونداء يُسمع ،وعقول تفكر ،وحق يُدعَم!.
مشروع مقارنات إعلمية ميدانية!
إن الذي يتتبسسع وسسسائل العلم التسسي تسسسيطر عليهسسا الحكومات فسسي غالب الشعوب
السلمية ،ليجد غالب موادها (برامجها) تقود المة السلمية إلى المزيد من النحطاط
والتأخسر والبعسد عسن عزتهسا وكرامتهسا ،وإلى إلهائهسا عسن أسسمى الغايات ومعالي المور
التي حققها لها أسلفها الماجد ،والتي يجب عليها أن تسعى إلى تحقيقها واستعادتها.
تناقضات مدمرة يجب أن تدركها المة!
ولبيان هذا المشروع أضرب بعض المثال ،وفي المثال عبر لولي اللباب:
156
المثال الول :إلهاء الشعوب عممممممن العداد للجهاد
في سبيل الله.
وهسسو مسسن فروض العيسسن الواجبسسة على جميسسع المسسسلمين فسسي كسسل أقطارهسسم فسسي هذا
العصسسر ،الذي احتسسل فيسسه أعداؤهسسم ديارهسسم ،وانتهكوا أعراضهسسم ،ودنسسسوا مقدسسساتهم،
واعتدوا على حقوقهم ،وأصبحوا قادة لهم ،يأمرونهم وينهونهم ،فيسمعون لهم ويطيعون،
وحالوا بينهسسم وبيسسن إعداد القوة الرادعسسة التسسي يدفعون بسسه العدوان عسسن دينهسسم وأنفسسسهم
وأموالهم وأعراضهم...
فترى العدو اليهودي وغيره-كالصسسرب فسسي البوسسسنة وكوسسسوفا-يحشسسد جيشسسه ويعسسد
عدتسه ،ويدرب شعبسه ،رجال ونسساء ،صسغارا وكبارا ،على حمسل السسلح بكسل أنواعسه،
لرهاب المسلمين وإخضاعهم للسيطرة عليهم.
ويرى المرء كيسسف يعامسسل اليهود نسسساء المسسسلمين ضربسسا وركل وسسسحبا ،واعتقال
وسجنا ،كما يرى كيف يكسر اليهود أيدي وأرجل الطفال ،وكيف يصوبون رصاصهم
إلى صسدورهم فيردونهسم قتلى ،وكيسف يطلقون صسواريخهم على بيوتهسم فيدمرونهسا على
رءوسهم!...
ويرى فسي مقابسل ذلك قادة الشعوب السسلمية يشيدون ملعسب الرياضسة ،ويزينون
لشبابهم تضييع غالب أوقاتهم في مزاولتها وتشجيعها ،ويجعلونها غاية حياتهم!
تراهسسم يفرحون ويحتفلون برفسسسة كرة داخسسل شبسسك الهداف ،حتسسى يظسسن مسسن يرى
فرحهسم واحتفالهسم أنهسم قسد فتحوا بكلمسة التوحيسد بلدا إثسر بلد ،وحرروا القدس وأديسس أبابسا
ومانل وموسسسكو ،رافعيسسن رايسسة السسسلم ،مقتديسسن بعمسسر بسسن الخطاب وخالد بسسن الوليسسد،
ومحمد بن القاسم وصلح الدين!...
وتراهسم يبكون ويحزنون إذا هزموا فسي معركسة الكرة ،حتسى يظسن مسن رأى حزنهسم
أنهم هزموا في معركة جهادية ،أو طردوا من "قصر الحمراء" آخر معقل للمسلمين في
الندلس ،وأنهسسسم سسسسيعدون العدة للنقضاض على عدوهسسسم مرة أخرى ،حتسسسى ل تتكرر
المأساة!...
المثال الثانححححي :اليهود والسححححلح النووي
والمسلمون وآلت الطرب!
المسلمون كلهم يعلمون أن اليهود قد صنعوا من السلح الهجومي مال طاقة لهم به
فسي وضعهسم المأسساوي الحالي ،إضافسة إلى مسا يمنحسه أنصسار اليهود لليهود مسن أسسلحة
هجومية فتاكسة مجانا ،مسع التدريب العالي لجند العدو على كسل تلك السلحة ،وأن أسسلحة
المسسسلمين الدفاعيسسة المسسستوردة التسسي يجود عليهسسم بهسسا أنصسسار اليهود بأغلى الثمان،
وبشروط تفرض سيطرتهم على استعمالها ،غير مجدية في الدفاع عن بلدانهم ورعاياهم
وقت الحاجة.
والشسسد مسسن ذلك أن العدو اليهودي قسسد مل ترسسسانته بالسسسلح النووي الذي صسسنعه
بنفسه ،وأعانه على صنعه أنصاره في الغرب!...
157
ومسع هذا إذا نظرت إلى قنوات التلفاز فسي بلدان المسسلمين ،المحليسة منهسا والفضائيسة،
ترى جيوشا من الشعوب السلمية-نساء ورجال ،شبابا وكهول ،يحيون لياليهم-بل قل:
يميتونهسسا-بالرقسسص الفاجسسر ،والغناء الماجسسن ،واتخاذ كسسل وسسسيلة مسسن وسسسائل الفحسسش
والمنكسسر ،وترى عامسسة السسسر والفراد فسسي الشعوب السسسلمية ،قسسد اتجهوا إلى شاشات
التلفاز واتخذوه قبلة لهسم ،يحطمون بمناهجسه أخلقهسم ،ويغفلون عسن مصسالحهم المهدرة،
والمفاسسد النازلة بهسم المدمرة لحياتهسم ،بدل مسن اتجاههسم إلى القبلة ليقتدوا بمسن {تتجافسى
جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا}...
تخال بيوتهسم فسي الليسل أسسواقا ،وفسي النهار قبورا ،العدو يعسد العدة لهانتهسم صسباحا
ومساء! يصنع السلح النووي ،وقادتهم هم يشجعونهم على الطرب بآلته وميوعته!
1
المثال الثالث :السهام في إضعاف القريب وتقوية
البعيد!
المتأمل في أحوال المسلمين اليوم يرثي لها ،حيث يرى كثيرا منهم يقطعون إخوانهم
المسلمين ،ويصلون غير المسلمين!
يتعاونون تعاونا قويا ،مباشرا وغير مباشر ،مع غير المسلمين سياسيا ،واقتصاديا،
وتجاريا ،وثقافيا ،وإعلميا ،وعسكريا ،ورياضيا.
وفي غالب تعاونهم هذا خسارتهم وربح عدوهم.
وكثيرا ما يكون تعاون المسلمين مع غيرهم ضد بعض إخوانهم المسلمين ،والمثلة
على ذلك ل تحصى.
ويقاطسع بعضهسم بعضسا مقاطعسة كاملة ،أو شبيهسة بهسا ،وإذا حصسل بينهسم شيسء مسن
التعاون الذي يضطرون إليسسه اضطرارا ،فهسسو بالنسسسبة إلى تعاونهسسم مسسع غيسسر المسسسلمين
كقطرة ماء عذب سقطت في محيط مالح!
لهذا تجسسد كثيرا مسسن المسسسلمين يسسسهمون بتلك المواقسسف الشاذة ،فسسي تقويسسة البعيسسد،
وإضعاف القريب!
المثال الرابمع :هذا يموت ممن التخممة ،وذلك يموت
من الجوع!
لقد أحضرت القنوات الفضائية للناظر والسامع من المتناقضات ،ما يقتضي العجب.
ومن ذلك ما يشاهده العالم كله من السراف والبذخ في حفلت الفراح والمناسبات
والنوادي والقصور.
إنسسك لو أحصسسيت أثمان ملبسسس الفراح ،وأثمان أدوات الزينسسة ،والمبالغ التسسي تنفسسق
لحضار الطعمسة التسي يرمسى كثيسر منهسا فسي المناسسبات ،وغيسر ذلك ممسا قسد ينفسق فسي
المحرمات ،ل فسي المباحات والمكروهات ،لو أحصسيت ذلك فسي مدينسة واحدة مسن المدن
السسلمية التسي مسن ال على بعسض أهلهسا بالمال والغنسى ،ثسم جلت فسي تلك المدينسة نفسسها
لتتعرف على الفقراء والمحتاجين ،لرأيت هنالك التخمة والترف والسراف ،ورأيت هنا
-1السجدة.16 :
158
الفقر والعوز والحرمان والموت!...
فكيف لو قارنت بين بلد غني وآخر فقير؟!
كيسسف لو رأيسست البدان السسسمينة التسسي ل يسسستطيع أهلهسسا السسسير إل على وسسسائل
المواصسلت ،ول يعيشون إل بالدويسة والعقاقيسر ،ورأيست الطفال والنسساء والشيوخ فسي
ذلك البلد أو في بلد آخر قد يبست جلودهم على عظامهم ،وأنهكتهم المراض لقلة الغذاء
والدواء ،وامتلت الغبراء بجثثهم بسبب الجوع والعطش…!!
المشروع العلمي الميداني؟
إن المثلة على المتناقضات التي يعيشها العالم اليوم ،والمسلمون جزء من هذا العالم
–وهم المقصود ون هنا-المثلة كثيرة جدا…
والمشروع العلمي الميداني الذي أقصده هنا :أن توجد قناة فضائية أو أكثر ،تقوم
بتوعية المسلمين بهذه العمال المتناقضة مع مصالحهم ،لعلهم يتنبهون للمصير الخاسر
الذي ينتظرهم ،إن هم استمروا على هذا الوضع المتردي!...
وعلى سبيل المثال :تعرض نماذج لمسا سسبق :الشباب الرياضسي فسي ملعبه وأفراحسه
بالنتصسسارات الرياضيسسة وأحزانسسه بهزائمهسسا ،ومسسا يلقاه مسسن دعسسم وتشجيسسع على كسسل
المسستويات ،وأطفال الحجارة الواقفيسن بصسمود أمام العدو اليهودي الذي يتفنسن فسي قتلهسم
وتعذيبهم ،والمسلمين الذين يدمر الصرب بيوتهم وقراهم ،ويشردهم من ديارهم ،وينتهك
أعراضهسم ،ويهدم مسساجدهم ،فسي كوسسوفا ،ليقارن شباب الرياضسة بيسن أهدافسه ونشاطسه
وبيسسن أهداف أطفال الحجارة والمسسسلمين فسسي كوسسسوفا ،لعله يخجسسل ويسسستحي ويعرف
الهداف العليا للمسلم ،والولويات التي يجب أن يبلي فيها شبابه الذي سيسأله ال عنه.
وتعرض كذلك :الفتيات اليهوديات ،وهسسسن يقدن الدبابات ،فسسسي أرض المعركسسسة أمام
ضباط المسلمين-كما في سيناء-وبعض صور أطفال اليهود الصغار الذين يدربهم آباؤهم
على حمسسسل السسسسلح والرمسسسي ،وفسسسي مقابسسسل ذلك تعرض بنات المسسسسلمين فسسسي القنوات
الفضائيسة ،وهسن يغنيسن ويرقصسن مسع الفتيان عاريات ،وأطفال المسسلمين الذيسن يدربون
على آلت الموسسسيقى والطرب ،أو يقضون أوقاتهسسم-فسسي أيام دراسسستهم-فسسي الملعسسب
الرياضيسة فسي الحارات ،وتكون نتيجسة هذه التربيسة السسيئة السسقوط فسي مسستنقعات الشسر،
ومنه تعاطي المخدرات والخمور التي تعود على ضرورات المة بالنقض.
لعل في عرض هذه المتناقضات ما يدعو السر السلمية ،وأبناء المسلمين وفتياتهم
إلى تأمسل وضعهسسم المزري الذي يعيشون فيسه ،فيسستيقظوا مسن سسباتهم ،بسل مسن نومهسم
العميق ،بل من موتهم الطويل ،فيلوموا أنفسهم على ما فوتوه من أوقات في الباطل الذي
يعود عليهم وعلى أمتهم بالخسران ،وعلى عدوهم بالفائدة والقوة والنصر ،وهكذا!...
الوسيلة الحادية :المؤتمرات والندوات.
إن المؤتمرات والندوات مسسن أهسسم الوسسسائل التسسي يمكسسن اتخاذهسسا للسسسباق إلى العقول
بالحق اللهي.
159
جوانب يبرز فيها خطر المؤتمرات والندوات.
ويبرز خطر المؤتمرات والندوات في الجوانب التية:
الجانب الول:
أن المؤتمرات والندوات تعقسسد-غالبسسا-فسسي أوقات تشتسسد الحاجسسة إلى عقدهسسا لتحقيسسق
أهداف ومصالح عامة تعود على المة بالخير ،إما لجلب مصالح وإما لدفع مفاسد واقعة
أو متوقعسة ،فهسي-فسي الصسل-وسسيلة بحسث ودراسسة لخطوات التعاون على البر والتقوى،
تعاونسا مبنيسا على تخطيسط ومشاورة ،وليسست مجرد مواعسظ وخطسب حماسسية ،وإن كانست
الخطسب والمواعسظ مسن وسسائل حفسز همسم المؤتمريسن ودفعهسا إلى الجسد والعمسل ،للوصسول
إلى النتائج المرجوة من اجتماعهم.
الجانب الثاني:
أن المشاركيسسسن فسسسي المؤتمرات والندوات ،يكونون فسسسي الغالب مسسسن وجوه المسسسة
وأعيانها وخبرائها ومثقفيها ،وذوي التأثير فيها ،بحسب الهدف الذي عقد له المؤتمر أو
الندوة ،ومن ذوي الختصاص في مجالت المؤتمر وموضوعاته.
الجانب الثالث:
أن المؤتمرات والندوات ،يعسسسسسسد لعقدهسسسسسسا إعدادا مبكرا توضسسسسسسح بسسسسسسه الهداف
والموضوعات ،ويختار لهسا المشاركون ،ويسستكتب المتخصسصون ،وتُكَوّن لذلك العداد
اللجان الْمُنَظّمَة والْمُمَوّلة ،والمشرفسة ،واللجان العلميسة المتخصسصة ،وتختار لهسا عناويسن
البحوث التي تكتب وتقرأ وتمحص من قبل لجان تحكيم متخصصة.
الجانب الرابع:
أن المؤتمريسسسن يعطون الوقسسست الكافسسسي ،لطرح أفكارهسسسم وتوصسسسياتهم ومناقشتهسسسا
مناقشات مستفيضة ،تدون وتسجل ثم تلخص ،فتكون منها خلصة لقرائح عقول صفوة
المتخصصين والمهتمين ،في موضوع المؤتمر أو الندوة.
الجانب الخامس:
أنه يختار في النهاية لجنة من ذوي التخصصات المتنوعة ،للطلع على ما دار في
المؤتمسر مسن أفكار وتوصسيات واقتراحات مسن أفراد ولجان فرعيسة لتصسوغ التوصسيات
صياغة رصينة شاملة قابلة-في الصل-للتنفيذ.
ولهذه الجوانسسسب كلهسسسا أثرهسسسا الفعال فسسسي نجاح المؤتمرات والندوات مسسسن الناحيسسسة
النظرية ،وكذلك من الناحية العلمية.
الجانب السادس:
أن المؤتمريسن يكلفون-غالبسا-لجنسة لمتابعسة قرارات المؤتمسر وتوصسياته حتسى تؤتسي
ثمارها.
ومسن هنسا تظهسر أهميسة المؤتمرات والندوات ،فسي التأثيسر على العقول وسسبق الحسق
إليها.
160
سنة متبعة.
وعقسد المؤتمرات للتشاور وإبداء الراء ومناقشتهسا ،للوصسول إلى نتيجسة ترضسي ال
تعالى سنة متبعة.
فقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم يدعو أصحابه ويجمعهم ،ليستشيرهم ويعرف
رأيهسم ويحاورهسم بصسفته ولي أمرهسم ،ثسم يمضسي مسا اتفسق عليسه معهسم ،أو مسا أراه ال أنسه
خيسر ،كمسا حصسل ذلك فسي غزوة بدر 1،وغزوة أحد ،2وغزوة حنيسن ،فسي شأن غنائم أهسل
الطائف وسبيهم .3
وقسد عقسد أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أول مؤتمسر لهسم بعسد وفاتسه وقبسل
دفنسسه ،فسسي شأن اختيار خليفسسة له فسسي سسسقيفة بنسسي سسساعدة ،وأتبعوا ذلك بمؤتمسسر أعسسم فسسي
المسجد النبوي في اليوم الثاني ،تمت في كليهما البيعة لبي بكر الصديق رضي ال عنه
.4
ولما مرض أبو بكر رضي ال عنه ،شاور أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
فسسي اسسستخلف عمسسر ،وكتسسب كتابسسا بذلك وقرئ على الناس فسسي المسسسجد ،وأشرف على
الناس وقال( :أترضون بمن استخلفت عليكم.5 )...
ولما طعن عمر رضي ال عنه ،كلف ستة نفر بأن يشاوروا الناس في اختيار خليفة
له ..انتدبوا منهم عبد الرحمن بن عوف يشاور الناس ويشاورونه حتى تمت بيعة عثمان
رضي ال عنه.6
وعقسسد عمسسر بسسن الخطاب رضسسي ال عنسسه مؤتمرا ،فسسي شأن الوباء الذي انتشسسر فسسي
الشام ،توافد عليه في هذا المؤتمر كبار الصحابة وشاورهم في القدوم بمن معه إلى الشام
وعرض كسل فريسق رأيسه ،ثسم أخسذ عمسر بمسا اتضسح له صسوابه الذي أيده-بعسد ذلك-حديسث
رواه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى ال عليه وسلم .7
وكذلك جمسع أصسحابه رضسي ال عنسه فسي شأن أرض العراق التسي رأى عدم قسسمتها
فسسي الغانميسسن للمصسسلحة العامسسة ،وخالفسسه بعضهسسم ،فأخسسذ يسسستشير ويسسسمع الراء ويدلي
بحججه ،حتى انتهى إلى ما رآه أول ،مع شدة الخلف في ذلك .8
وكسل تلك المؤتمرات كان الهدف منهسا إيصسال الحسق إلى العقول وإقناعهسا بسه بالحجسة
والبرهان.
-1مسلم ( )3/1403والسيرة النبوية ( )1/214لبن هشام.
-2السيرة النبوية ( .)2/63البداية والنهاية ( .)13-4/12وزاد المعاد (.)3/193
-3البخاري (.)100-5/99
-4البخاري (.)28-8/25
-5الكامل في التاريخ (.)2/425
-6البخاري (.)8/198( ،)4/204
-7البخاري ( )7/21ومسلم (.)4/1740
-8كتاب الخراج (.)24،27
161
المؤتمرات السلمية في هذا العصر.
وقسد كثرت المؤتمرات السسلمية (المنسسوبة إلى السسلم) فسي هذا العصسر ،وهسي-
على الجمال-قسمان:
القسم الول :مؤتمرات رسمية.
وهسي مسا تدعسو إليهسا حكومسة واحدة أو عدة حكومات ،للبحسث فسي موضوع معيسن يهسم
تلك الحكومة أو الحكومات ،تحتاج فيه إلى دعم إسلمي في موقفها نحوه ،سواء كان هذا
الدعسم المطلوب مسن بعسض الحكومات لبعسض ،أو مسن علماء المسسلمين ودعاتهسم ،لتظهسر
أنها على حق في موقفها من ذلك الموضوع.
وهذه المؤتمرات تحشسسسد لهسسسا الطاقات الماليسسسة والبشريسسسة والوسسسسائل العلميسسسة
والتصسالت والمواصسلت ،وكسل مسا تحتاج إليسه لنجاحهسا ،وتحاول الجهسة الداعيسة إلى
المؤتمسر أن توجسه نشاطسه وبحوثسه ونقاشسه وقراراتسه وتوصسياته ،لخدمسة الغرض الذي
دعت المؤتمرين من أجله ،وهذا التوجيه قد يكون مباشرا أحيانا وقد يكون غير مباشر،
والغالب أن قرارات المؤتمسسر ونتائجسسه تكون فسسي مصسسلحة الجهسسة الداعيسسة إليسسه ،لعوامسسل
كثيرة معروفسسة ،وإن كان قسسد يحصسسل فيسسه مسسا ل يعلن مسسن التجاهات المضادة لبعسسض
العضاء الحاضرين.
ومسسسن المؤتمرات الحكوميسسسة البارزة الجتماعات التسسسي تعقدهسسسا منظمسسسة المؤتمسسسر
السسسلمي الذي تنضوي تحتسسه حكومات الشعوب السسسلمية ،وإن كان بعضهسسا قسسد علق
عضويته في هذه المنظمة.
وهذا المؤتمر يضم الدول التي تصرح في دساتيرها بأنها علمانية وهي أغلب دول
المنظمسة ،ويضسم بعسض الدول القليلة التسي تعلن أنهسا تحكسم بالسسلم ،ولذلك تتحكسم فسي
قرارات هذا المؤتمسر ونتائجسه التجاهات المتباينسة لدى تلك الدول-وقسد تتحقسق فيسه بعسض
المصالح ،وإن كانت ضعيفة في مقابل ما يلقيه المسلمون من مشكلت.
وقسسد تدخسسل فسسي ذلك المؤتمرات المتخصسسصة التسسي تدعسسو إليهسسا الجامعات ومراكسسز
البحوث العلميسسة الحكوميسسة ،كالمؤتمرات الطبيسسة ،والفلكيسسة ،والجغرافيسسة ،والهندسسسية،
والصناعية ،والجتماعية ،والسياسية ،والقتصادية ،والبيئية وغيرها.
وينبغسسي أن يغتنسسم الملتزمون بالسسسلم والدعاة إليسسه مسسن ذوي الختصسساص الذيسسن
يُدعَون لحضور هذه المؤتمرات ،الفرص المتاحة لهم فيها لطرح ما أمكنهم طرحه ،من
الموضوعات السسلمية المناسسبة لموضوعات المؤتمرات ولتخصسصاتهم ،كالكلم عسن
أضرار الخمسر والمسسكرات والمخدرات ،وأضرار الفواحسش كالزنسا واللواط ،والنظافسة
الحسية والمعنوية في المؤتمرات الطبية ،والحلول التي جاء بها السلم للوقاية من هذه
الضرار وعلجها .وكذا إبراز العجاز العلمي في القرآن والسنة.
وفسي المؤتمرات القتصسادية يسبين المتخصسصون السسلميون الجوانسب القتصسادية
في السلم ،وما فيها من حلول للمشكلت في القتصاد الرأسمالي الربوي أو القتصاد
الشتراكي.
وفسي المؤتمرات السسياسية يسبين المتخصسصون أسسس السسياسة السسلمية ومزاياهسا،
162
وكيف طبقت في الماضي وآتت ثمارها ،وحاجة الناس إليها اليوم.
وفسسي المؤتمرات القانونيسسة يسسبين المتخصسسصون السسسلميون مزايسسا الفقسسه السسسلمي
وشموله وثباته وسموه ،وما فيه من ثروة يمكن أن تسعد بها البشرية لو طبقت.
وفي المؤتمرات المنية يبين المتخصصون أسس المن في السلم :المعنوية منها
والماديسسة وهكذا ...فسسي جميسسع المؤتمرات التسسي تعقسسد فسسي أي موضوع مسسن الموضوعات
يجسسب أن يشارك فيهسسا العلماء والمفكرون والمتخصسسصون الملتزمون بالسسسلم ،لظهار
محاسسسن السسسلم ومزاياه فسسي كسسل مجال لتنسسبيه العقول المشاركسسة إلى تلك المحاسسسن
والمزايا.
القسم الثاني :مؤتمرات شعبية.
وهسسي المؤتمرات التسسي تقوم بهسسا جماعات إسسسلمية منظمسسة-فسسي الجملة-أو جمعيات
خيريسسة ،أو فئة معينسسة تجمعهسسا رابطسسة خاصسسة ،مثسسل فئة علماء الشريعسسة السسسلمية
المتنوعسسة ،كالفقهاء والمحدثيسسن ،ومثسسل علماء التاريسسخ السسسلمي ،أو علماء الجتماع
السسلميين أو الطباء السسلميين ،أو النقابات المتلزم أعضاؤهسا بالسسلم ،كالمحاميسن
والصحفيين والمهندسين ،والعلميين ،وغيرهم كالطلب.
وقسسد تكون المؤتمرات المنعقدة على مسسستوى مدينسسة أو محافظسسة أو قطسسر ،أو على
مسستوى إقليمسي يجمسع عدة أقطار متقاربسة جغرافيسا أو متشابهسة نظامسا ،أو على مسستوى
قومسسي محدد كالدول العربيسسة ،أو على مسسستوى قارة كآسسسيا وإفريقيسسا ..أو على مسسستوى
عالمي.
وقسسسد يكون المؤتمسسسر المعقود محدد الوقسسست والهدف ،كالدعوة إلى عقده مرة واحدة
لمناسبة خاصة ،وقد يراد له الستمرار بأن يعقد دوريا :في كل عام أو خمسة أعوام أو
أكثر أو أقل.
والفرص المتاحسسة للمؤتمرات السسسلمية الشعبيسسة تختلف مسسن قطسسر إلى آخسسر ،ففسسي
بعض القطار تحظر حكوماتها التجمعات الصغيرة فضل عن الكبيرة بإذن وبدون إذن،
وفسي بعسض القطار قسد تأذن دولهسا بعقسد بعسض المؤتمرات بقيود تجعسل ثمارهسا محدودة
جدا-أعني بذلك دول القطار السلمية-ومن النادر أن توجد دولة في القطار السلمية
تتيح فرصة للمؤتمرات الشعبية تكون لها حرية كاملة.
ولكسن الفرص قسد تتاح فسي بعسض البلدان غيسر السسلمية فسي الغرب وتتوافسر فيهسا
الحرية أكثر من القطار السلمية.
والواجب أن يغتنم السلميون الفرص المتاحة لهم في كل مكان ،قلت أو كثرت.
غايات المؤتمرات السلمية.
والغايات العامة للمؤتمرات السلمية ،يجب أن تكون غايات أهل الحسق في سباقهم
إلى العقول ،وقد سبق الحديث عنها.
ويضاف إلى تلك الغايات غايات أخرى عامسسة وخاصسسة ،وغالبهسسا يدخسسل ضمنسسا فسسي
الغايات المذكورة سابقا.
163
غايات للمؤتمرات العامة.
هناك غايات عامة ينبغي أن يجعلها المشاركون في أي مؤتمر نصب أعينهم ،مهما
تنوعت موضوعات تلك المؤتمرات ،ومن أهمها ما يأتي:
أول :السمعي الجاد فمي جممع كلممة الممة السملمية
على الحق.
ويبدأ ذلك بمحاولة تخفيسسسف حدة الصسسسراع والخلف الشديديسسسن المسسسستمر يسسسن بيسسسن
المسسسلمين ،على المسسستويين :الرسسسمي ،وهسسو الخلف بيسسن الدول الحاكمسسة فسسي القطار
السلمية ،على أسس الصلح السلمية التي أمر بها ال تعالى رسوله صلى ال عليه
وسلم.
وتتلخص هذه السس في ركنين أساسين:
الركن الول :أن يكون الصلح بالعدل.
ول يجوز أن يتعمد القائمون بالصلح الوقوف بجانب القوي ،ضد الضعيف المظلوم،
كما جرت عادة كثير من الناس.
الركن الثاني :مناصرة المظلوم المعتدى عليه على ظالمه إذا لم يقلع عن ظلمه له.
وقد جمعت هذين الركنين آية الحجرات ،كما قال تعالى{ :وإن طائفتان من المؤمنين
اقتتلوا فأصلحوا بينهما ،فإن بغت إحداهما على الخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفئ إلى
أمر ال فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن ال يحب المقسطين} .1
وكذلك الختلف الحاصسسسل على المسسسستوى الشعسسسبي ،كالختلف بيسسسن الجماعات
والحزاب السسلمية أو القبائل ،يجسب أن يكون مسن أهداف المؤتمريسن العنايسة بالصسلح
بين هذه الفئات-وإن كان المؤتمر في الصل عقد لغرض آخر ،فإن التمزق الذي أصاب
المسة السسلمية فسي هذا العصسر سسبب لهسا كوارث وأضعسف كيانهسا ،ولم يبسق شعسب أو
دولة أو دول متجاورة أو متباعدة ،إل أصسسسسسسسسسسابها هذا الداء العضال ،ولهذا كان جديرا
بالعناية والهتمام.
وهذه الغايسة تحتاج-مسع طرقهسا فسي كسل المؤتمرات-إلى عقسد مؤتمرات خاصسة بهسا،
لوضع مشروع كامل وعمل متواصل ولجان متنوعة من رجال أكفاء يكونون محل ثقة
يسسعون لجمسع كلمسة المسسلمين بحكمسة وتجرد وصسبر ،لوجود عقبات كأداء فسي طريقهسم،
منها الذاتي الداخلي ومنها الخارجي.
ثانيممما :التذكيمممر المسمممتمر بتحقيمممق الخوة بيمممن
المسلمين.
بحيث يحب بعضهم بعضا ،ويحب بعضهم لبعض ما يحب لنفسه من الخير ،وذلك
يقتضي التعاون فيما بينهم والتنا صر والتناصح والمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
-1الحجرات.9:
164
:
.
ويجب إقناع المسلمين بوجوب الوقاية من تلك الخطار ،أو دفعها بالوسائل الممكنة
التي يجب أن تتخذ لها.
رابعممما :الدعوة إلى تطمممبيق السممملم فمممي حياة
المسلمين.
الفراد منهم والسر والشعوب والدول وعدم التفريط في شئ منه.
وتكرار العناية بهذه الغايات ،ينبه الحاضرين وغيرهم ممن تبلغهم مناقشات المؤتمر
وبحوثه وتوصياته وقراراته على أهميتها ،وعلى أن الواجب عليهم جعلها من الوليات
التي يجب البدء بها ،فيكون في ذلك وسيلة من وسائل السبق بالحق إلى العقول ،وسوف
ل يعدم المؤتمرون مناسبات في مؤتمراتهم تسوغ لهم طرق هذه الغايات ولو إجمال.
غايات المؤتمرات الخاصة.
أما غايات المؤتمرات الخاصة ،فإنها تتحدد بطبيعة كل مؤتمر على حدة.
فقد يكون المؤتمر دعويا ،وقد يكون تعليميا تربويا ،وقد يكون اقتصاديا ،وقد يكون
سسياسيا ،وقسد يكون اجتماعيسا ،وقسد يكون صسناعيا ،وقسد يكون إصسلحيا-،يعنسي للصسلح
بين الناس-وقد يكون علميا شرعيا-يجتهد فيه علماء الشريعة في بعض القضايا الطارئة
التي تحتاج إلى معرفة الحكم الشرعي فيها ...وهكذا...
فطبيعسة كسل مؤتمسر تحدد غايتسه التسي عقسد مسن أجلهسا ،وموضوعاتسه التسي تكتسب فيهسا
البحوث ويناقشهسسسا المؤتمرون ،والشخاص الذيسسسن يدعون لحضوره أصسسسل أو تبعسسسا،
وينبغسي أن يكون لعلماء السسلم وجود فسي كسل المؤتمرات ،حتسى ولو كانست متخصسصة
كالمؤتمرات الطبيسسة والهندسسسية ،فالغالب أن تشتمسسل موضوعات المؤتمرات على مسسا قسسد
يحتاج إلى فتوى فيسسه وبيان موقسسف السسسلم منسسه ،وحضور العلماء الشرعييسسن يحقسسق
غرضين:
الغرض الول :صسحة تصسورهم وإدراكهسم للقضايسا التسي يبحسث فيهسا المتخصسصون،
وصحة الدراك والتصور أساس في الحكم الشرعي على المدركات والمتصورات.
الغرض الثانسسي :بيانهسسم للحكسسم الشرعسسي فسسي القضيسسة المطروحسسة ،ليسسستفيد منهسسم
المتخصصون الذين ل يدرون الحكم الشرعي في القضية.
ثسم إن وجود علماء السسلم الشرعييسن مسع المتخصسصين فسي العلوم الخرى ،يتيسح
لهؤلء السستفادة مسن أولئك فسي مجالت متنوعسة مسن الموضوعات السسلمية ،يسسألونهم
عمسسا يشكسسل عليهسسم فسسي الحلل والحرام ،وفسسي قضايسسا معاصسسرة سسسياسية واقتصسسادية
واجتماعية وغيرها ،وفي اجتماعهم بهم في المؤتمرات فرصة قد ل يجدونها في غيرها
لكثرة أشغالهم وتفرقهم.
165
وينبغي في المؤتمرات الخاصة إبراز ما يتصل بها من الموضوعات السلمية ،في
إعداد بحوث يتعاون على إعدادهسا ذوو الختصساص فسي العلوم الكونيسة والطبيسة وعلماء
الشريعسة السسلمية ،ويسبرز ذوو الختصساص الحقائق العلميسة ،ويشرح علماء الشريعسة
السسلمية مسا وردت بسه النصسوص مسن الكتاب والسسنة الصسحيحة ،ويسبينون مدى موافقسة
الحقائق العلميسة لمسا تضمنتسه النصسوص ،ليظهسر بذلك معنسى العجاز العلمسي فسي القرآن
والسنة ،كما هو الحال في علم الجنة وأطوار الجنين في القرآن الكريم.
وعندمسسا يكون المؤتمسسر يتعلق بالقوانيسسن والحكام تسسبين الحكام الشرعيسسة ،ومدى
صلحيتها في الماضي والحاضر والمستقبل ،مع سموها وشمولها والنتائج التي تتحقق
بتطبيقها.
وعندمسسسا يتعلق المؤتمسسسر بحقوق النسسسسان تسسسبرز الحقوق النسسسسانية فسسسي السسسسلم،
المنصسوص عليهسا فسي الكتاب والسسنة والمراجسع السسلمية ،وكونهسا قسد طبقست فسي واقسع
الحياة ،ونالت البشريسة مسن تطبيقهسا السسعادة والرخاء ،وحاجسة البشريسة اليوم إليهسا ،مسع
التنسبيه على أنهسا قسد جربست كسل النظسم والمبادئ البشريسة فلم تنسل مسن غالبهسا إل الشقاء تلو
الشقاء.
وعندمسسا يتعلق المؤتمسسر بالمحافظسسة على البيئة تسسبرز النصسسوص الواردة فسسي عمارة
الرض واسسستغلل خيراتهسسا ،وغرس الشجار فيهسسا والمحافظسسة على نظافسسة الظلل بسسل
طهارتهسا وعدم تنجيسسها ،وكذلك الطرق والشوارع وأجسر مسن أزال الذى عسن الطريسق،
وأن ذلك من شعب اليمان ،وكون السلم أمر بالقتصاد في الكل والشرب ،ونهى عن
السراف والتبذير ،حتى إنه أمر بمتابعة ما في الناء من الطعام وأكله ،حتى ل يبقى فيه
شيسء ،ونهسى عسن البول فسي المياه .ونهسى عسن تعاطسي كسل ضار بالنسسان وتناول كسل
خبيث ،ويدخل في ذلك شرب الدخان ونحوه ،مما يلوث باطن النسان وظاهره ،ويلوث
الجواء المحيطة به ،وأمر بنظافة الجسم والثوب والرض وطهارتها ،حتى إن الصلة
ل تصح مع ملمسة نجاسة في ذلك كله.
وهكذا ل يوجسد موضوع مسن الموضوعات التسي تعقسد لهسا المؤتمرات ،إل وللسسلم
فيسه قول ،مسن ذلك الصسناعات بأنواعهسا ،فالسسهم الواحسد يؤجسر عليسه صسانعه والرامسي بسه
ومنبله ،والرفق بالحيوان الذي يغفر ال بسببه لساقي الكلب العطشان ذنوبه.
وهكذا الشؤون الجتماعيسسسة كالعنايسسسة بالسسسسرة والحياة الزوجيسسسة والولد والباء،
والجيران ،وصغار السن وكبار السن والمعوقين والفقراء واللجئين…
وكذلك قضايا المن بمعناه العام الواسع الذي يشمل المة في كل شؤونها ،كما أشار
إلى ذلك سيد قطب رحمه ال في كتابه :السلم العالمي والسلم .1
فيجسب أن ينبسه على أن المحافظسة على البيئة المعنويسة ،وهسي الحرص على الطاعات
والبعد عن الفواحش والمنكرات ،من أهم ما جاءت به الشريعة...
وهو يتلخسص في قوة اليمان والعبادة والعمسل الصسالح ،والتربية السلمية السليمة،
والعمسسل بالحكام الشرعيسسة ،وغرس الخلق السسسلمية ،ثسسم تطسسبيق العقوبات الشرعيسسة
على من لم تُج ِد فيه التربية اليمانية والعبادية والخلقية...
-1وللمؤلف كتاب في هذا المعنى بعنوان :أثر التربية السلمية في أمن المجتمع السلمي.
166
نخلص من هذا كله إلى أنه ل ينبغي أن نفوت أي فرصة تسنح في أي مؤتمر ،دون
أن تكون الدعوة إلى السسسسلم متسسسسللة فيسسسه إلى عقول الناس فسسسي فقرات موضوعاتسسسه
وبحوثه ،ولكن ليس بمجرد الوعظ والحماس وإنما بالساليب العلمية المناسبة للمؤتمر،
حتى تكون المؤتمرات من وسائل السبق إلى العقول بالحق.
مؤتمرات لها لولوية.
ومسن أهسم المؤتمرات التسي يجسب الهتمام بهسا فسي هذا العصسر :مسا تعلق منهسا بالدعوة
والتعليم والتربية.
وهذه البواب الثلثسسسسة مترابطسسسسة ،ويجسسسسب أن تكون هسسسسي محور نشاط الجماعات
السسلمية التسي نصسبت نفسسها لحمسل عبسء هدايسة الناس وجمسع كلمتهسم على الحسق ضسد
الباطل.
فالدعوة إلى ال ،الصسل فيهسا أن تكون علنيسة يقصسد بهسا كسل الناس ،كمسا أن الصسل
فيهسسا أن تكون شاملة فسسي موضوعاتهسسا فتشمسسل الجانسسب اليمانسسي ،والجانسسب العبادي،
والجانسب الخلقسي ،والجانسب التشريعسي ،والجانسب القتصسادي ،والجانسب الجتماعسي،
والجانب الجهادي ،والجانب السياسي ،والجانب العلمي ،غيرها.
والغرض أن دعاة السلم يجب أن يبينوا للمة كل ما هو مطلوب منها ،من اليمان
والعلم والعمل الصالح الذي يرضي ربها ،ويمكنها في الرض لنصر دينه وهداية خلقه،
ويدعونها-مع البيان-إلى التطبيق.
وإذا كانسست الفرصسسة متاحسسة للدعوة علنسسا لبلغهسسا إلى كسسل الناس ،بهذا الشمول فسسي
الموضوعات ،فإن واجسسسسب الدعاة إلى ال أن يجتهدوا فسسسسي إبلغ الناس كافسسسسة بكسسسسل
الموضوعات السسلمية ،ول يجوز لهسم أن يقصسروا فسي شسئ مسن ذلك مسا داموا قادريسن
عليه.
ويدخسل فسي ذلك المؤتمرات ،فكسل مسا رأوا الحاجسة داعيسة إلى العنايسة بموضوع مسن
الموضوعات السسسلمية وحاجتسسه إلى الدراسسسة والبحسسث والمشاورة ،أعدوا له مؤتمرا
يحيسط بجوانبسه ،واختاروا له العضاء المناسسبين فسي الختصساصات وفسي الدعسم ،وهيئوا
له المكان والزمان المناسبين ،وحشدوا له وسائل العلم لبلغ رسالته إلى الناس.
ول يقيسد الدعاة إلى ال فسي موضوعات المؤتمرات ،إل تقديسم الولى منهسا على غيسر
الولى.
ولكسن هذيسن الصسلين-العلنيسة والشمول-غيسر متاحيسن الن على إطلقهمسا ،فكثيسر مسن
الدول الحاكمسة للشعوب السسلمية-وبخاصسة العلمانيسة منهسا-ل تتاح فيهسا الفرص للدعاة
الصسادقين المؤثريسن أن ينشروا دعوتهسم ويبلغوهسا إلى كسل الناس ،وإذا أتيحست لهسم فرص
التبليغ لكل الناس بالوسائل الممكنة ،لم تتح لهم فرص بيان كل الموضوعات السلمية،
وإنما يؤذن لهم ببيان بعض الجوانب اليمانية والعبادية ،التي ل يصل أثرها إلى تحريك
عقول المة ،لتعي ما يجب عليها من طاعة ال وطاعة رسوله طاعة شاملة لكل حياتها
على نهسج كتاب ال وسسنة رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم ،وتحكيسم شرع ال ورفسض حكسم
الطاغوت الذي يحكمها.
167
وفسي هذه الحالة يجسب على علماء الدعوة ومؤسساتها ،أن يضعوا لنشاطهم الدعوي-
في الدول التي تحارب الدعوة السلمية الشاملة-بوسيلة المؤتمرات منهجين:
المنهج الول :مؤتمرات مصغرة.
وتكون على مسستوى المدن ،وعلى مسستوى المناطسق ،وعلى مسستوى القطسر ،وعلى
المستوى القليمي-عدد من الدول المتناسبة-وعلى المستوى الدولي.
فعلى مسستوى المدينسة يحضسر المؤتمرَ مندوبون عسن أحيائهسا ،لتدارس سسير الدعوة
فيهسا ،وملءمسة المنهسج الذي تسسير عليسه الدعوة ،ومدى تأثيسر الدعوة فسي الناس فسي كسل
حسسسي ،ومسسسا يعترض الدعوة مسسن معوقات ،ومسسا تحتاج إليسسسه الدعوة مسسن الدعسسم بالمال
والرجال ،وتقديسسم اقتراحات لتطويسسر أسسساليب الدعوة ووسسسائلها ،ولحسسل المشكلت التسسي
تواجههسسا ،وإزالة المعوقات أو تخفيفهسسا ،ومناقشسسة كسسل مسسا يمكسسن عمله مسسن أجسسل انتشار
الدعوة وحمايتهسا ،ثسم النتهاء إلى وضسع خطسط مسستقبلية وأهداف ووسسائل لتحقيسق تلك
الهداف ،والتزام الجميع بذلك.
وكذلك يكون مؤتمسر المنطقسة ،ثسم مؤتمسر القطسر ،على أن تكون تلك المؤتمرات كلهسا
محكومة بقواعد شاملة تنسقها وتنظمها ،بحيث ل يحصل بينها تداخل أو تضارب.
وعلى المسسسستوى القليمسسسي يحضسسسر المؤتمرَ مندوبون عسسسن القطار لتدارس شؤون
الدعوة فسي كسل قطسر على حدة ،ثسم تدارس شؤونهسا على المسستوى القليمسي ،بحيسث تقدم
تقاريسر مفصسلة على المسستويين ،وتوضسع خطسط وأهداف ووسسائل على المسستويين-أي
على كسسل مسسستوى وحده-مفصسسلة ،متفقسسه وموصسسلة إلى أهداف وخطسسط ووسسسائل الدعوة
العامة في القليم كله.
وهكذا تكون المسسستويات القليميسسة مسسع المسسستوى الدولي-مثسسل مسسستوى القطار مسسع
المستوى القليمي.-
وتكون أولوية المستوى الدولي في المؤتمرات للموضوعات المناسبة لهذا المستوى،
بحيسث تكون له الصسدارة فسي القاليسم والقطار ،كمسا تكون الوليسة على مسستوى القليسم
للموضوع الهم على مستواه ،وهكذا القطار ،ثم المناطق ثم المدن ،وقد يكون موضوع
قطر واحد ذا مستوى دولي.
وبالمثال يتضح المقصود.
قضيسة فلسسطين-أرض القدس الشريسف-هسي قضيسة المسسلمين جميعسا ،وموضوعاتهسا
تهم المسلمين جميعا ،وذلك لعدة أسباب:
السسبب الول :أنهسا جزء مسن بلد السسلم ،بسل مسن أهسم أراضسي المسسلمين المقدسسة،
وأي جزء مسسن بلد السسسلم يجسسب على المسسسلمين كلهسسم حمايتسسه والدفاع عنسسه ،إل إذا
اسستطاع أهله أو البلدان المجاورة له حمايتسه حمايسة كافيسة ،سسقط بهسم الواجسب عسن بقيسة
المسسسلمين ،وهذه الحمايسسة لم تحصسسل ،فبقسسي الوجوب على الجميسسع ،وكسسل السسسلمين اليوم
آثمون إن لم يجتهدوا في طرد الدولة اليهودية من أرض فلسطين دامت مغتصبة.
السسسبب الثانسسي :أن هذا الجزء المقدس تواطأت-تواطؤا مباشرا أو غيسسر مباشسسر-على
اغتصسابه وغزوه وتقتيسل أهله وتشريدهسم وتهسد يسم منازلهسم ،الدولُ الغربيسة كلهسا سسياسيا
168
واقتصاديا وإعلميا وعسكريا ودينيا.
يضاف إلى ذلك أن الدولة اليهوديسسة ،حشدت لتأييدهسسسا كثيرا مسسن دول العالم ،حتسسسى
بعسض حكومات الشعوب السسلمية ،التسي عقدت معهسا علقات دبلوماسسية واقتصسادية،
وأمنيسسة ،ومنهسسا بعسسض الدول العربيسسة ،كمصسسر والردن ،بسسل عقدت مسسع بعسسض حكام
الشعوب السلمية تحالفات عسكرية ،كما هو الحال مع الحكومة التركية العلمانية.
ول تزال الدولة اليهوديسة تحشسد فسي صسفها الدول المؤيدة لهسا فسي المريكتيسن وفسي
أوروبسسا الغربيسسة والشرقيسسة ،وفسسي إفريقيسسا ،وفسسي آسسسيا ،وهذه الدول تحيسسط بالشعوب
1
السلمية.
هذا مسع تمزق الدول العربيسة وتنازعهسا وفشلهسا ،وتفريطهسا فسي حشسد شقيقاتهسا فسي
الشعوب السلمية!...
وكلمسا عظمست القوة المعتديسة عظمست المسسؤولية على المسة ،وأهسل فلسسطين غيسر
قادريسن على الدفاع عسن أنفسسهم وأموالهسم وأعراضهسم و مقدسسا تهسم ،فكان الواجسب على
جميسسع المسسسلمين أن يقفوا بجانبهسسم بالمال والرجال والقتصسساد والسسسياسة والجهاد بكسسل
أنواعه.
السبب الثالث :أن أجهزة العلم العربية-متواطئة مع أجهزة العلم الغربية-وتدور
فسي فلكهسا القيادات الفلسسطينية العلمانيسة ،قسد رسسخت فسي عقول عامسة المسسلمين ،ومنهسم
كثير من الشعوب العربية ،أن قضية فلسطين قضية عربية ،فكان في ذلك تضليل لعامة
المسسلمين الذيسن يجسب أن يعلموا بأن قضيسة فلسسطين هسي قضيسة المسسلمين جميعسا ،ويجسب
عليهم السعي بقدر الطاقة في تحريرها من اليهود.
هذه السسسباب وغيرهسسا تجعسسل مسسن قضيسسة قطسسر واحسسد ،وهسسو فلسسسطين ذات مسسستوى
إسلمي دولي ،وليست قضية على مستوى قطر واحد ،ولها الولوية-في الجملة-على ما
سسواها حتسى تتجسه المسسة بقدر كاف مسن طاقتهسا لدعسسم هذه القضيسة ،ليقوى التأثيسر على
حكومات الشعوب السسلمية ،حتسى ل تعترف بالدولة اليهوديسة المغتصسبة التسي تدعمهسا
الدول النصرانية ،وحتى تقاطع تلك الدول الدولة اليهودية اقتصاديا وسياسيا ومواصلت
واتصالت ،وتقاطع كل المؤسسات التي تتعامل معها.
إن هذا المعنسى يجسب أن يعيسه المسسلمون فسي كسل العالم حتسى تبقسى الروح الجهاديسة
ومعنى الولء والبراء حية في نفوسهم.
ولهذا فإن من أهم الولويات في المؤتمرات العالمية ،قضية فلسطين وتحريرها من
أيدي اليهود.
ومثسل قضيسة فلسسطين فسي هذه الفترة قضيسة المسسلمين فسي البوسسنة والهرسسك التسي
2
تعاونست دول الغرب كلهسا على المسسلمين فيهسا ،وكادت تكون الندلس الثانيسة ،ولهسا الن
أكثسسر مسسن سسسنة ،والمؤتمرات الرسسسمية 3تعقسسد وتنفسسض بعسسد مناقشات وتصسسريحات
وقرارات ،يظسن سسامعها أن علم الجهاد سسيرتفع ضسد أعداء ال المعتديسن ،ثسم يكون المسر
-1وفي هذا الشهر-شهر صفر من عام1419 :هس كادت الدولة اليهودية تهاجم المفاعل النووي الباكستاني من أرض إسلمية،
وهي كشمير التي ل زالت الهند تغتصبها.
-2كانت كتابة هذه السطور في 7/11/1413هس.-
-3التي تعقدها حكومات الشعوب السلمية.
169
كما في المثل العربي :أسمع جعجعة ول أرى طحينا.
والمؤتمرات الشعبيسة ل تسستطيع فسي هذه الظروف أن تحرر فلسسطين ،ول تسستطيع
أن تعمل عمل سريعا لردع الصرب والكروات عن المسسلمين ،1ولكنهسا تستطيع أن تنبه
الشعوب السسلمية على الخطسر الذي يهددهسا كلهسا إذا هسي بقيست غافلة مسستكينة يتربسص
بهسا أعداؤهسا شعبسا شعبسا ،وتضللهسا أجهزة العلم فسي دولهسا ،وفسي هذا التنسبيه والتوعيسة
تهيئة وإعداد للشعوب قسد يؤتيان ثمارهمسا فسي مسستقبل قريسب أو بعيسد .أمسا إذا بقيست فسي
2
غفلة فإنه ل يرجى منها أن تفكر في مصيرها المحتوم.
وقد تعمدت أن أضرب هذين المثالين-وهما جهاديان سياسيان-في سياق الدعوة إلى
ال والسسباق إلى العقول بالحسق ،لبيان أن الدعوة إلى ال شاملة لكسل مسا يحقسق للمسسلمين
مصسالحهم ويدفسع عنهسا المفاسسد ،وليسست مقصسورة على دعوتهسم إلى الجوانسب اليمانيسة
والعبادية فقط ،كما يفهم ذلك من قصر علمهم بالكتاب والسنة وسيرة الرسول صلى ال
عليه وسلم ونهج علماء الدعوة الذين فقهوا الكتاب والسنة والسيرة النبوية.
المنهج الثاني :مؤتمرات عامة.
يدعسى لهسا القادرون على حضورهسا مسن عامسة الناس ،ول تقتصسر على مندوبيسن مسن
صسفوة العلماء والمفكريسن والمتخصسصين-وإن كانوا هسم المسسئولين عسن دراسسة أهدافهسا
ووسسسائل العمسسل مسسن أجسسل تحقيقهسسا والعداد السسسابق للدعوة إليهسسا-سسسواء كانسست تلك
المؤتمرات على مسستوى المدن ،أو على مسستوى المناطسق ،أو على مسستوى القطار ،أو
على مستوى القاليم ،أو على المستوى الدولي.
ويكون الهدف مسسن هذه المؤتمرات العامسسة ،توعيسسة المسسة كلهسسا بموضوعات يرى
علماء المسلمين وقادتهم أن الحاجة تدعو إلى تعريف المسلمين بها وحثهم على الهتمام
بها ،وإقناعهم بوجوب بالمصالح المترتبة على العمل من أجلها ،والضرار الناتجة عن
التقصسسير فسسي شأنهسسا والتهاون فسسي أمرهسسا ،ووجوب السسسعي الكامسسل فسسي اتخاذ السسسباب
المتاحسة المحققسة لهدافهسا ،وإصسدار القرارات التسي يمكسن للمؤتمريسن تنفيسذ مضمونهسا،
والتوصسسيات التسسي ينبغسسي تبليغهسسا إلى غيرهسسم مسسن القادريسسن القيام بمحتوياتهسسا ،وتكويسسن
اللجان اللزمة لمتابعة تلك القرارات والتوصيات معا…
مؤتمرات تعليمية.
ومسسن أمثلة المؤتمرات العالميسسة التسسي يحتاج إلى عقدهسسا المسسسلمون فسسي كسسل العالم-
الشعوب السسسسلمية و القليات السسسسلمية-مؤتمرات التعليسسسم فسسسي المدارس والمعاهسسسد
والجامعات السسلمية الهليسسة ،لرفسسع مسستوى التعليسم فيهسسا بمراجعسة المناهسج والخطسسط
والكتب ووسائل التدريس واليضاح وكفاءة المدرسين بها ،لتكون كلها صالحة لتخريج
-1لنها ليست مطلقة الحرية في عقد المؤتمرات وقراراتها ومتابعة تلك القرارات في جمع التبرعات وإيصالها إلى المجاهدين
في فلسطين والبوسنة وغيرهما إل بطرق خفية عن حكوماتها وبخاصة العلمانية التي يسرها ضرب المجاهدين ولو كان المعتدون
يهود أو نصارى أو شيوعيين.
-2وقسد حصسل فسي هذه اليام-أكتسب هذه السسطور فسي السسبوع الول مسن شهسر جمادى الخرة-للمسسلمين فسي كوسسوفا مسا حصسل
للمسسلمين فسي البوسسنة والهرسسك ،وموقسف المسسلمين مسن هذه الكارثسة هسو موقفهسم مسن كارثسة المسسلمين فسي البوسسنة والهرسسك :شعسب
يباد ،واحتجاجات وإنذارات كاذبة من دول الغرب ومن مجلس المن ضد الصرب المعتدين ،وحرب من دول الغرب ومن حكومات
الشعوب السلمية ضد من يريد مناصرة المسلمين في كوسوفا من المجاهدين المسلمين…!
170
طلب أكفاء قادرين على استيعاب العلوم السلمية المتنوعة ،وعلى أخذ حظ وافر من
العلوم الكونية وغيرها ،كما مضى في فقرة :وسيلة التعليم.
إن الذيسن يتولون شؤون التعليسم الخاص فسي الشعوب السسلمية ،توجسد بينهسم فروق
كسسبيرة جدا فسسي مناهسسج التعليسسم التسسي وضعوهسسا وخططسسه وكتبسسه ووسسسائله ،فتجسسد بعسسض
المدارس تهتسم بالعلوم الرياضيسة والطبيسة والمهنيسة وغيرهسا مسن علوم الحياة ،ول تهتسم
بالعلوم السسسلمية ،بحيسسث تجسسد طلبهسسا ل يفقهون فروض العيسسن التسسي ل يسسسع المسسسلم
جهلهسا ،وتجسد فسي الجانسب الخسر مدارس تهتسم بتدريسس بعسض العلوم السسلمية ،بمناهسج
قديمسة وكتسب معينسة وبوسسائل تدريسس عقيمسة ،وترى مدرسسيها ل يدري كثيسر منهسم شيئا
يذكسر عسن الثقافات المعاصسرة ،فيتخرج مسن هذه المدارس طلب يحفظون بعسض المتون
وبعسسض الحكام ل يفقهون معناهسسا حسسق الفقسسه ،أمسسا مسسا يتعلق بثقافسسة العصسسر ومشكلت
المسلمين وما يجب أن يتخذ لها من حلول ،فإن عقول كثير منهم قد حجزت عن معرفتها
والتفكيسر فيهسا ،على عكسس الصسنف الول الذيسن عندهسم ثقافسة معاصسرة وعلوم مسن الحياة
الدنيويسة ،ولكسن كثيرا مسن المشكلت التسي يتعرض لهسا السسلم تكمسن فيهسم ،إذ الفكار
التي زرعت في عقولهم أفكار علمانية أو غير سليمة عن السلم.
ومسسن النادر أن تجسسد مدارس جمعسست بيسسن الحسسسنيين :حسسسنى الدراسسسات السسسلمية
الشاملة التي يتمكن طلبها من التفقه في الدين ،تفقها يعتقدون به أن السلم منهج شامل
لحياة النسسان كلهسسا ويطبقونسه فسسي حياتهسم على هذا السساس ،وحسسنى معرفسة مسا ينفسع
المسلمين في حياتهم الدنيا من العلوم والثقافة لتخاذه وسيلة لقوتهم وتقدمهم ،ومعرفة ما
يضرهم فيجتنبونه ويتخذون من الوسائل ما يقيهم شره.
لهذا تظهسر الحاجسة إلى عقسد مؤتمرات تعليميسة ،يجتمسع فيهسا علماء مسسلمون من ذوي
التخصسسصات المتنوعسسة وخسسبراء تعليسسم إسسسلميون ،مسسع زعماء المؤسسسسات التعليميسسة
السسلمية فسي العالم السسلمي ،لتدارس شؤون التعليسم ومحاولة توحيسد المناهسج-ولو فسي
إطارهسا العام فسي أول المسر-ووضسع المواد اللزمسة فسي العلوم الدينيسة والعلوم الكونيسة
الخرى.
ول بسد أن يسسبق المؤتمرات العامسة مؤتمرات قطريسة-أي مؤتمسر أو أكثسر لكسل قطسر
إسسسلمي-ومؤتمرات إقليميسسة-لعدة أقطار متجاورة أو متشابهسسة-يشترك فيهسسا-المؤتمرات
القطريسسسة أو القليميسسسة-زعماء المؤسسسسسات التعليميسسسة فسسسي القطار أو القاليسسسم ،وعلماء
مسسلمون وخسبراء تعليسم ،يسستعرضون المناهسج والكتسب والسساليب التعليميسة الموجودة،
ويضيفون ما يرون إضافته من المواد الخرى ،ويقترحون ما يرون من تعديل بزيادة أو
نقص ،وما يناسب من وسائل التعليم وأساليبه ،ويحصرون التخصصات التي ينبغي أن
تتوافر في المدرسين على ضوء منهج جديد مقترح ووسائل تحقيق تلك التخصصات ،ثم
تجمسسع تلك الدراسسسات فسسي تقاريسسر وتعرض على العلماء والخسسبراء الذيسسن سسسيحضرون
المؤتمرات العالميسسسة ،وتعسسد لهسسسم عناويسسن الموضوعات المناسسسسبة ليكتبوا فيهسسا بحوثسسا
وملخصات لعرضها في المؤتمرات.
فإذا نوقشست التقاريسر والبحوث واتفسق على قرارات أو توصسيات ،كونست لهسا لجان
متابعة قطرية تقودها لجنة عالمية لمحاولة تنفيذ تلك القرارات والتوصيات.
171
وقسد يكون تنفيذهسا فسي كسل القطار صسعبا ،لسسباب مختلفسة ،ويمكسن أن يجتهسد فسي
تنفيذها في بعض القطار ،لتكون نموذجا ومثال يحتذى في بقية القطار حسب المكان،
ويحسسن أن تنفسذ نماذج منهسا فسي جهات مختلفسة ،فيكون أحسد النماذج فسي شرق إفريقيسا،
وآخر في غربها ،وآخر في جنوبها ،وهكذا ينفذ نموذج في شرق آسيا وآخر في جنوب
شرق آسسيا ،وينفسذ آخسر فسي بعسض دول المسسلمين التسي اسستقلت عسن التحاد السسوفيتي
السابق ،وآخر في شرق أوربا ،وآخر في غربها ،وآخر في أمريكا الشمالية ونموذج في
أمريكسسا الجنوبيسسة ،ليظهسسر أثسسر كسسل نموذج فسسي الدول المجاورة ،فتتأثسسر بسسه المؤسسسسات
التعليمية فيها ،لن الناس يتأثرون بالواقع المشاهد أكثر من المقترح النظري.
مؤتمرات دعوية.
ومن المثلة للمؤتمرات العالمية التي يحتاج إليها المسلمون مؤتمرات الدعوة ،وهي
حاجة عامة شاملة للمسلمين وغير المسلمين في كل أنحاء العالم ،وفي كل الوقات.
ومؤتمرات الدعوة العالميسسة تحتاج قبسسل عقدهسسا إلى دراسسسة جادة وعميقسسة ،مسسن قبسسل
مختصسين يحددون أهدافهسا القريبسة والبعيدة ،ومناهجهسا وأسساليبها ووسسائلها ،ويكتبون فسي
ذلك بحوثسا محددة ،وهذه الدراسسة وحدهسا تحتاج إلى مؤتمسر عالمسي مصسغر يجتمسع فيسه
أفذاذ العلماء والدعاة وزعماء الجماعات السسسلمية ،وعلى ضوئه يحدد المكان والزمان
ويحضسر الشخاص الذيسن ينبغسي أن يُدْعَوا لحضوره وتمويله والموضوعات التسي توزع
على القادرين للكتابة فيها ،واللجان الدارية والتنظيمية والعلمية وغيرها ،حتى إذا ما
اجتمسسسع المؤتمرون وجدوا أمامهسسسم موضوعات عمليسسسة محددة ،تدرس لتنفسسسذ قرارتهسسسا
وتوصسياتها ،ل لتحفسظ فسي ملفات يأكسل عليهسا الدهسر ويشرب كمسا هسو واقسع كثيسر مسن
المؤتمرات التي تعقد الن.
ويجدر بالمؤتمرين أن يبدؤوا في مؤتمراتهم بالوليات من الموضوعات التي يترتب
عليهسا تقدم الدعوة وانتشارهسا وكفاءة الدعاة ،ودعوة الناس إلى مسا يجهلونسه مسن اليمان
والعبادات العينية والمعاملت اليومية ،مثل فقه السرة وبعض أحكام الحلل والحرام.
وكذلك تحذيرهسسم ممسسا يحيسسط بهسسم مسسن المخاطسسر الحاضرة مسسن أعدائهسسم ووجوب
اجتماعهم على الحق والتعاون على البر والتقوى.
ويتلخص ذلك في المور التية:
المر الول :إعداد برامج لتدريب قادة الدعاة تؤهلهم لتخريج دعاة أكفاء.
وهذه البرامسسج تشمسسل التفقسسه فسسي العلوم السسسلمية المتنوعسسة ،مسسن مصسسادرها وفسسي
طليعتهسا الكتاب والسسنة والسسيرة ،وكتسب العقيدة السسلفية السسليمة مسن التعقيدات الكلميسة
والفلسسسفية ،وعلوم التفسسسير وكتبسسه وعلوم الحديسسث وكتبسسه ،وأصسسول الفقسسه وكتبسسه وكتسسب
الخلق ،والثقافسة ،ومعرفسة شبهات العداء كالمسستشرقين والمنصسرين وغيرهسم والرد
عليهسا بالبرهان والحجسة ،وإجادة بعسض اللغات العالميسة أو بعسض اللغات المحليسة حسسب
الحاجسة ،ومعرفسة البيئات والعادات للبلدان التسي تسسند إليهسم شؤون الدعوة فيهسا ،وكذلك
معرفسة أديان أهلهسا مسع مقارنتهسا والسستعداد لكشسف معايبهسا وإظهار محاسسن السسلم،
وكونه هو الدين الحق الذي ل يوجد دين حق سواه.
172
هذا التدريسسب يكون-فسسي الصسسل-لذوي المؤهلت فسسي الدراسسسات السسسلمية ،ولكسسن
ينبغسسي أن يختار عدد مسسن ذوي المؤهلت الخرى كالمهندسسسين والطباء والكهربائييسسن
والبيطرييسسن وغيرهسسم ،مسسن ذوي المهسسن ممسسن عندهسسم ثقافسسة إسسسلمية محدودة وثقافسسة
معاصسرة ،وتعقسد لهسم دورات تدريبيسة فسي العلوم السسلمية السسابقة ،ليأخذوا حظسا كافيسا
منهسا ،ليؤهلهسم لتعليسم الناس فروض العيسن وتوعيتهسم بمسا يجسب أن يعلموه فسي حياتهسم،
ويسسساعدوا المحتاجيسسن إلى علومهسسم مسسن فقراء المسسسلمين وغيرهسسم بالدواء والتعميسسر
والزراعة وتربية الدواجن والماشية وبعض المهن العملية ،كالنجارة والخياطة ونحوها،
ليجمع الدعاة إلى السلم بين بيان السلم والدعوة إليه وبين ترقية الناس المعاشية ،ول
يتركوا هذه الخيرة لغيرهم من المنصرين.
وهؤلء الدعاة بنوعيهم يُدَرّبون-مع دعوتهم عامة الناس-من يرونهم ذوي قدرة على
السستيعاب فسي كسل بلد مسن بلدان المسسلمين أو غيرهسم ،لمناهسج الدعوة ونقلهسا إلى بنسي
قومهم بلسانهم ،لما في ذلك من النتشار السريع للدعوة بكثرة القائمين بها.
ومسن الوسسائل التسي تسسهل تدريسب الدعاة على تنوع مسستوياتهم ،إنشاء معاهسد عليسا
لذوي المؤهلت فسي الدراسسات السسلمية-خاصسة بمناهسج الدعوة وأسساليبها ووسسائلها ،ل
تزيسد مدتهسا عسن سسنتين ول تنقسص عسن سسنة ،يسستقدم لهسا علماء كبار متخصسصون وذوو
خسبرة فسي هذا المجال ،بحيسث تكون الدراسسة قويسة والمواد مختارة مناسسبة-مسع التدريسب
العملي الميداني على مسا يدرسون ،وتقوى عندهسم الجوانسب العبادية ليكونوا قدوة لغيرهم
فيما يدعونهم إليه.
وكذلك تنشسسسسأ معاهسسسسد متوسسسسسطة لذوي الثقافسسسسة السسسسسلمية المحدودة مسسسسن ذوي
الختصاصات الخرى ،يأخذون فيها ما يؤهلهم لمهمتهم الدعوية كما مضى ،وتحدد لهم
المواد التي يحتاجون إليها والمراجع والمدة المناسبة مع تدريبهم العملي.
المسر الثانسي :أن يبدأ الدعاة فسي كسل بلد بالموضوعات الهسم فسي ذلك البلد ،فإذا كان
أهسل البلد يجهلون فروض العيسن ،كأصسول اليمان وقواعسد السسلم التسي تضمنهسا حديسث
جبريسسل المشهور ،والحكام المتعلقسسة بهسسا كصسسفة الصسسلة وأركانهسسا وشروطهسسا ،وأموال
الزكاة ومقاديرهسا ومصسارفها ،وصسيام رمضان ومسا يتعلق بسه مسن واجبات ومفطرات،
ومناسسسك الحسسج ،فإن على الدعاة أن يبدءوا بهذه الفروض بالترتيسسب الذي لقنسسه الرسسسول
صلى ال عليه وسلم لداعية اليمن معاذ بن جبل رضي ال عنه[ :فليكن أول ما تدعوهم
إليسسه شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسسسول ال ،فإن هسسم أطاعوك لذلك فأخسسبرهم أن
عليهسسم خمسسس صسسلوات ،فإن هسسم أطاعوك لذلك فأخسسبرهم أن عليهسسم صسسدقة تؤخسسذ مسسن
أغنياءهم فترد على فقرائهم]...
فإن وجدهسم على علم بذلك ويجهلون غيره ،فليعلمهسم مسا يجهلون الهسم فالهسم .مسع
مراعاة نفور النفوس عما تألف والتدرج مع أهلها في ذلك ،كما هي سنة الرسول صلى
ال عليسه وسسلم ،وبخاصسة مسع غيسر المسسلمين أو المسسلمين بالسسم الذيسن يجهلون كسل شسئ
فسي السسلم ،فإن مطالبتهسم دفعسة واحدة بأداء كسل الفرائض واجتناب كسل النواهسي بدون
تدرج حكيم ،قد ينفرهم من السلم كله.
المسسسسر الثالث :أن يتدارس المؤتمرون الموضوعات المهمسسسسة التسسسسي يحتاج إليهسسسسا
173
المسسلمون لتوعيتهسم بهسا فسي أمور دينهسم ودنياهسم وتحصسر عناوينهسا ،ويحصسر العلماء
القادرون على التأليسف والكتابسة فيهسا أو إلقاء محاضرات تسسجل فسي أشرطسة كاسسيت أو
فيديسو ،أو تعقسد ندوات وتسسجل كذلك ويسستنسخ منهسا أعداد كافيسة لنشرهسا وتوزيعهسا على
العالم السسسلمي ،عسسن طريسسق إدارة خاصسسة بنشسسر الدعوة ،وكذلك تطبسسع فسسي رسسسائل
وكتيبات صغيرة بكميات كثيرة بلغات عالمية ومحلية وتوزع على المسلمين.
وليس من الصعب أن تكتب أو تقرأ تلك الموضوعات في الشرطة بلغات المسلمين
المتنوعسسة ،فالبلدان السسسلمية ممتدة فسسي القارتيسسن :السسسيوية والفريقيسسة مسسن مشارق
الرض إلى مغاربهسا ،وقلمسا يوجسد بلد ل يوجسد فيسه طلبسة علم قادرون على الترجمسة أو
التأليسسف أو القراءة ،كمسسا أن المسسسلمين منتشرون فسسي القارات الربسسع الخرى :أوربسسا
وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأستراليا ،بل وفي أطراف العالم كله.
إن أي موضوع مسن الموضوعات التسي تهسم المسسلمين يمكسن أن يصسل إلى المسسلمين
كلهسسم فسسي العالم خلل فترة قصسسيرة جدا بتلك الوسسسائل ،لسسسرعة المواصسسلت الجويسسة
والبحريسة والبريسة ،ولوجود التصسالت التسي تحطسم حواجسز الرقابسة والمنسع ،كالقنوات
الفضائية والفاكسات والنترنت ،وغيرها…
وما أحوج المسلمين اليوم إلى اتخاذ هذه الوسائل ،لبلغ ما يهمهم إلى كل مسلم في
العالم سسواء كان متعلقسا بالشعائر التعبديسة أو الجتماعيسة أو السسياسية أو القتصسادية أو
العسسكرية ،حتسى ينتشسر الوعسي ويشعروا كلهسم أنهسم معنيون بتلك الموضوعات والتعاون
على البر والتقوى فيها.
174
مؤتمرات عملية.
وينبغسسي أن يكون الهدف مسسن عقسسد مؤتمرات العمسسل السسسلمي المقدور عليسسه ،تنفيسسذ
قرارات المؤتمسسسسسسر المعقود وتوصسسسسسسياته ،وليسسسسسسس مجرد الجتماعات وإلقاء البحوث
والمحاضرات والمناقشات الكثيرة التسسي تتمخسسض عسسن قرارات وتوصسسيات كثيرة ،قسسد
تكرر فسي مؤتمرات أخرى بدون تنفيسذ ومتابعسة ،والولى أن تنفسق الموال التسي ترصسد
لمثال هذه المؤتمرات التي ل تنفذ قراراتها ،في نشاطات إسلمية عملية تحتاج إلى تلك
الموال ،كقوافسسل الدعوة ،ومدارس المسسسلمين القائمسسة المحتاجسسة إلى المسسساعدة ،وإنشاء
مدارس جديدة ،وإنشاء مسساجد فسي أماكسن يحتاج إليهسا المسسلمون ،وطبسع كتيبات ورسسائل
ومنشورات تصسسل إلى الناس لتعرفهسسم بالسسسلم وفرائضسسه ،بدل مسسن إنفاق تلك الموال
الطائلة على مؤتمرات غير مجدية وإن كان الهدف منها صحيحا عند من يدعو إليها من
المخلصين.
ولو نفذت قراراتهسا وتوصسياتها لكان فسي ذلك نفسع عظيسم ،ولكسن تنفيذهسا يتوقسف غالبسا
على دعم الحكومات في الشعوب السلمية ،وأكثر حكوماتهم تقف ضد تحكيم شرع ال
وضسد الدعوة إلى تطسبيقه ،ول تأذن بتطسبيق جوهسر السسلم وحقائقسه التسي تنظسم بهسا حياة
المسسلمين ،بسل تحاربهسا وتحسل محلهسا قوانيسن تخالفهسا مخالفسة صسريحة ،فكيسف يرجسى مسن
أمثال تلك الحكومات دعم قرارات المؤتمرات السلمية وتوصياتها وذلك هو شأنها؟!
ولو أراد باحث أن يحصي المؤتمرات السلمية التي عقدت في أواخر القرن الرابع
عشسسر الهجري ،وأول القرن الخامسسس عشسسر الهجري ،وبحوثهسسا وتوصسسياتها وقراراتهسسا
ويجمع ذلك كله ،لكون منها مكتبة كبيرة.
ولو أحصى الموال التي أنفقت على تلك المؤتمرات ،للفاها كافية لنشاء مؤسسات
دعويسة وتعليميسة وخيريسة ،المسسلمون فسي أمسس الحاجسة إليهسا ،ولو قوّم نتائجهسا وثمراتهسا
اليجابية لوجدها هزيلة بجانب ما بذل فيها من جهد ووقت ومال.
لذلك يجسسسب على قادة العمسسسل السسسسلمي والمؤسسسسسات السسسسلمية ،أن ل يضيعوا
جهودهسم وأموال المسسلمين ،إل فسي مؤتمرات لهسا غايات عمليسة يمكسن تحقيقهسا أو تحقيسق
غالبهسا ،وأن تكون موضوعاتهسا ذات أولويسة ،وأن يسسبق عقدهسا تخطيسط وتنظيسم يجعلهسا
ذات جدوى.
وإن اجتماعات مصسغرة لقادة العمسل السسلمي وعلمائه ،لبحسث موضوعات الدعوة
السلمية والعمل السلمي ،ودراسة ما يجب اتخاذه من خطوات في ذلك دراسة هادئة
متأنيسة يترتسب عليهسا عمسل مفيسد-ولو قسل-خيسر مسن كثيسر مسن المؤتمرات الجماهيريسة غيسر
المجدية عمليا.
وإذا كان المقصود من تلك المؤتمرات الكثيرة ،هو الوصول إلى معرفة سبل العمل
للسسسلم ،فسسي مجال الدعوة والتعليسسم والتشريسسع والخلق ومكافحسسة الدعوات المضللة
والشبهات التسي يتخذهسا أعداء السسلم للطعسن فيسه ،كالمسستشرقين والمنصسرين وغيرهسم،
فإن عشرات المؤتمرات قسسسد عقدت فسسسي أغلب بلدان المسسسسلمين مسسسن بلد المغرب إلى
إندونيسسيا فسي موضوعات إسسلمية شتسى ،وحضرهسا كبار العلماء والمفكريسن فسي العالم
175
السلمي ،وأدلي كل منهم بدلوه بحثا ونقاشا ونصحا وسجلت كلها في مجلدات وملفات
وأشرطة فيديو وكاسيت ،ويمكن الرجوع إليها وأخذ ما يراد العمل به منها.
وقسسسد اعتدنسسسا مسسسن بعسسسض حكومات الشعوب السسسسلمية الصسسسبر على المؤتمرات
الجماهيرية وبحوثها ومؤتمراتها وتوصياتها ،ولو كانت ل ترضى عنها تلك الحكومات،
لنهسسا تعلم أن حماس المؤتمسسر المعقود ينتهسسي بقراءة قراراتسسه وتوصسسياته التسسي ل ترى
أثرها في الواقع إل ما ندر.
فليتجسسه العاملون للسسسلم إلى الجتماعات والمؤتمرات المصسسغرة ،العمليسسة التسسي
يمكنهسم متابعسة تنفيسذ نتائجهسا ،وليدلوا بدلوهسم فسي بقيسة المؤتمرات مسن باب النصسح وتبليسغ
الحق دون أن تستنفد أوقاتهم وأموالهم فيها.
وإذا مسا أحسسن دعاة السسلم وقادة العمسل السسلمي والمنظمات السسلمية اسستغلل
المؤتمرات بموضوعاتهسا المتنوعسة اسستغلل عمليسا ،فإنهسا سستكون مسن أهسم وسسائلهم إلى
السباق إلى العقول بالحق.
أمسا مسا تسسير عليسه المؤتمرات الن-مسع فائدتهسا المحدودة فسي الدعوة-مسن إنفاق هائل
للموال على عقدهسا ،ومسن أوقات طويلة تبذل لهسا مسن المضيفيسن والمضافيسن ،ثسم تنتهسي
بتوصسسيات وقرارات ،ل تخرج مسسن ملفاتهسسا بعسسد صسسياغتها وتلوتهسسا إلى عالم الواقسسع،
فينبغسي أن يفكسر المسسؤولون عنهسا والدعاة إليهسا وباذلو المال لعقدهسا ،فسي أسسلوب آخسر
للعمل السلمي من تعليم ودعوة وغيرها ،فإن الموال التي تصرف في تلك المؤتمرات
التي تتضمن قراراتها وتوصياتها ،الحث على إنشاء المدارس والمعاهد والمساجد وطبع
الكتسب وتوزيعهسا وإيجاد منسح دراسسية لبناء المسسلمين وإعداد دعاة وضمان نفقاتهسم ،إن
تلك الموال التسي تصسرف فسي تلك المؤتمرات لو جمعست لكفست أو قاربست الكفايسة لبراز
ما تضمنته قراراتها وتوصياتها في عالم الواقع.
ولهذا تجسسسسد كثيرا مسسسسن المفكريسسسسن يتسسسسساءلون عسسسسن الصسسسسرار على عقسسسسد تلك
المؤتمرات ،دون تنفيسذ غالب قراراتهسا وتوصسياتها :هسل أهداف تلك المؤتمرات المعلنسة
هسي الهداف الحقيقيسة وراء عقدهسا ،أو لهسا أهداف أخرى؟! والجواب :أهسل مكسة أدرى
بشعابها!.
الوسيلة الثانية عشرة :النوادي.
إن النوادي بأقسسامها المتنوعسة ،مسن أهسم الوسسائل التسي يمكسن لهسل الحسق أن يسسبقوا
ل الباطل ،إلى عقول الناس فيها سواء أكانت تلك النوادي ثقافية أو اجتماعية أو
بحقهم أه َ
رياضيسة أو أدبيسة ،رسسمية-كانست-أو شعبيسة ،ولذلك ينبغسي أن يسسعى أهسل الدعوة إلى ال
إلى اغتنام أي فرصسسسة تتاح لهسسسم ،للدخول فسسسي تلك النوادي والختلط بأعضائهسسسا عسسسن
طريسسسق الوظائف أو الشتراك العضوي ،مسسسن أجسسسل إبلغ الحسسسق إلى عقول أهسسسل تلك
النوادي بالسساليب المشروعسة المناسسبة ،ول يجوز لهسل الحسق ترك تلك النوادي لهسل
الباطل الذين يجعلونها بؤرة لباطلهم.
176
خطوات استفادة أهل الحق من النوادي:
والخطوات التسي يجسب اتخاذهسا لمحاولة اسستفادة أهسل الحسق مسن تلك النوادي كثيرة،
ومنها ما يأتي:
الخطوة الولى :توجيسه بعسض الشباب المسسلم المثقسف ثقافسة إسسلمية جيدة والمربّى
تربيسة إسسلمية عاليسة ،إلى الدراسسة التسي تؤهلهسم لقيادة نشاطات تلك النوادي الرياضيسة
والثقافيسة والدبيسة والجتماعيسة ،حتسى يكون تأثيرهسم فسي أعضاء النوادي تأثيرا إيجابيسا،
لكونهم في مراكز توجيه فيها.
الخطوة الثانيسسة :السسسعي لتوظيسسف أولئك الشباب المتخصسسص فسسي النوادي المناسسسبة
لتخصسسصاتهم ،حتسسى يكون نشاطهسسم مشروعسسا بمقتضسسى نظمهسسا ،وتكون غايتهسسم غرس
اليمان بهذا الدين في نفوس أعضاء النوادي ،وتثقيفهم ثقافة إسلمية تجعلهم واعين بما
يحيط بهم ،وبكيفية التعامل مع الواقع تعامل هادئا مؤثرا بدون ضجيج ،وبتربيتهم تربية
إسلمية تحقق فيهم معنى العبودية ل تعالى والتحلي بالخلق السلمية العالية ،وتحبب
إليهم التطبيق العملي للسلم في أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم.
الخطوة الثالثسسة :ينبغسسي أن يفرز عدد مناسسسب مسسن الشباب السسسلمي المتربسسي على
السلم ،ليكونوا أعضاء في تلك النوادي من أجل التأثير في أعضائها بمعاني السلم.
الخطوة الرابعة :ينبغي أن يخطط أهل الحق لبلغ الحق إلى أعضاء النوادي ،بكل
الطرق والوسسائل المشروعسة المتاحسة ،مسن كتيبات ونشرات وصسحف ومجلت إسسلمية،
وشُ ُرطْ كاسيت أو فيديو لتحقيق أهداف الدعوة السلمية في العضاء.
الخطوة الخامسة :يجب أن يعد أعضاء النوادي لحمل الدعوة السلمية إلى زملئهم
فسي النوادي الخرى ،سسواء كان فسي نفسس بلدانهسم أو فسي البلدان الخرى إسسلمية كانست
تلك البلدان أو غير إسلمية.
وقسد أصسبحت الفرق الرياضيسة وغيرهسا فسي هذا العصسر تجوب العالم كله للشتراك
في المسابقات الدولية ،ولو أن هذه الفرق التي تنفق على تدريبها الموال الكثيرة اعتني
بهسا فسي الثقافسة السسلمية والتربيسة السسلمية الشاملة ،وحببست إليهسا الدعوة السسلمية،
والتزمست بالسسلم فكانسست قدوة حسسنة لغيرهسا ،لكان لهسا أثسر عظيسم فسي نشسر السسلم
وإظهار محاسسسنه ،ولكانسست مسسن أهسسم وسسسائل إبلغ الحسسق والسسسبق بسسه إلى عقول الناس،
وهكذا الفرق الثقافية والجتماعية وغيرها.
الخطوة السسسسادسة :ينبغسسسي أن تهتسسسم الجماعات أو الجمعيات السسسسلمية بإنشاء نواد
شعبيسة متنوعسة ،كتلك النوادي الرسسمية أو شبسه الرسسمية ،وتضسع لهسا الهداف والخطسط
والوسائل الممكنة ،لتؤدي الدور المطلوب الذي قد يصعب تحقيقه في النوادي الرسمية،
وإذا تعذّر إنشاء مثسسل هذه النوادي الشعبيسسة فسسي َمقَارّ-جمسسع مقسسر-معينسسة لسسسباب ماديسسة
وعسسسر فسسي النفقات أو أمنيسسة ،كعدم إذن الجهات الرسسسمية-المحاربسسة للدعوة السسسلمية-
بذلك ،فينبغسي إنشاء نواد مفتوحسة متنقلة فسي الحدائق العامسة أو الملعسب الشعبيسة ،وهسي
السسساحات التسسي توجسسد فسسي الحارات أو فسسي أطراف القرى والمدن تقام عليهسسا المسسسابقات
الرياضية المتنوعة بما أمكن من الدوات والتخطيط.
177
وكثيسسر مسسن الشباب يفعلون ذلك بأنفسسسهم ،ويمكسسن للشباب السسسلمي أن يختلط بهسسم
ويشاركهسم فسي نشاطهسم ،ويتخسذ السساليب والوسسائل المناسسبة لهدايتهسم وتربيتهسم وحفظهسم
مسسن الضياع ،بترتيسسب أوقاتهسسم فسسي هذه النشاطات ،وفسسي المحافظسسة على الصسسلوات فسسي
أوقاتهسا ،وفسي اسستذكار دروسسهم وتحسسين العلقات معهسم حتسى تحصسل الثقسة بهسم وقبول
التوجيه منهم.
فالشباب المشتركون في هذه النشاطات يؤثر بعضهم في بعض أشد من تأثير غيرهم
ت مداخسل خطابهسم فسي كسل نشاط بمسا
ممسن ل يشاركهسم فسي النشاطات ،وبخاصسة إذا ُأحْسِسَن ْ
يناسسبه مسن الموضوعات السسلمية ،كالفروسسية وارتباطهسا فسي السسلم بأهدافهسا العليسا،
كإعداد القوة للجهاد في سبيل ال ورفع راية السلم...
الخطوة السابعة :ينبغي أن يبتعد من يريد هداية الشباب في تلك النوادي ،عن الدعوة
إلى الحزبيات الضيقسة التسي تصسدع صسف المسسلمين وتحدث التنازع بينهسم ،وأن يغرسسوا
في نفوسهم-فقط-الولء ل ولرسوله وللمؤمنين ،حرصا على جمع كلمة المسلمين تحت
رايسسة [ل إله إل ال محمسسد رسسسول ال] وعمل بقول ال تعالى{ :واعتصسسموا بحبسسل ال
جميعسسا ول تفرقوا واذكروا نعمسسة ال عليكسسم إذ كنتسسم أعداء فألف بيسسن قلوبكسسم فأصسسبحتم
بنعمته إخوانا 1 .}...وقوله تعالى{ :ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} 2 .وفي تطبيق
هذا المر فائدتان
الفائدة الولى :ما سبق من اجتماع الكلمة واتقاء التنازع.
الفائدة الثانيسة :سسد الباب على دعاوى مسن يضيقون ذرعسا ،بالتمسسك بالسسلم ،حيسث
يحاربون من يتمسك به ،بحجة الدعوة إلى الحزبية.
الوسيلة الثالثة عشرة :الرحلت والمخيمات.
أول :الرحلت.
كثير من الناس يرغبون في ترك منازلهم أو بلدانهم والرحيل عنها لهداف متنوعة،
منهسسا تغييسسر نمسسط حياتهسسم الذي ألفوه فسسي غالب أوقاتهسسم وحصسسل لهسسم منسسه ملل وسسسآمة،
فيحبون أن يمتعوا أنفسسسسهم بالنطلق مسسسن ذلك النمسسسط ،كالتدريسسسس والدراسسسسة للمدرس
والدارس ،والعمال الداريسسة للموظفيسسن فسسي مكاتبهسسم على تنوعهسسا واختصسساصاتها،
والعمال الهندسسسسسسسسية كذلك ،كالمهندس المعماري والمهندس الزراعسسسسسسسي ،والمهندس
الكهربائي ،وغيرها من العمال الكبيرة والصغيرة.
وهذه الرحلت قسد تكون قصسيرة كالجازة السسبوعية ،وقسد تكون متوسسطة كإجازة
نصف السنة ،وقد تكون طويلة كالجازة الصيفية ،وقد ل يكون بعض الناس مقيدا بعمل
معين في مكان معين ولكنه يحب أن يضرب في أرض ال الواسعة...
وأكثر الناس ل هدف لهم إل التمتع العادي والستجمام.
ومنهسا-أي أهداف الرحيسل-الطلع على بعسض المناطسق أو البلدان والتعرف عليهسا
جغرافيسا ،أو اجتماعيسا ومعرفسة عادات أهلهسا ،وسسلوكهم وحضارتهسم ،ونظمهسم الداريسة،
1آل عمران.103 :
-2آل عمران.46 :
178
وحالتهسسم القتصسسادية وسسسلعهم المتوافرة ،وغيسسر ذلك مسسن المعارف المتعلقسسة بأهسسل البلد،
والناس يختلفون في الهتمام بشيء مما ذكر أو أشياء.
ومنها التجارة ومعاملتها ،بيعا أو شراء أو ما يتعلق بهما.
ومنهسا طلب العلم-أي علم كان ممسا يرغسب فيسه الدارس-ومنهسا أداء وظيفسة ُكّلفَهسا مسن
قبسسل دولتسسه ،كالوظائف الدبلوماسسسية ومسسا يتعلق بهسسا ،أو التدرب على أعمال خاصسسة فسسي
دورات محددة.
ومنها قضاء أوطار هابطة ومزاولة أعمال فاسدة ،ل يستطيع المرء الحصول عليها
بحريسسة كاملة فسسي بلده ،كتناول المسسسكرات والمخدرات والولوغ فسسي مسسستنقع الشهوات
والفواحش ،وغير ذلك من الهداف المباحة أو المحرمة.
ولكسن هناك أهدافسا أخرى عليسا يحرص عليهسا المؤمسن التقسي وبخاصسة الراغسب فسي
هداية الناس بمنهج ال ،ومن تلك الهداف:
-1تقويسة المسسافر إيمانسه بسسياحته فسي الرض ونظره فسي الكون وتأمله فيسه وأخسذ
العسبرة منسه ،سسواء مشسى على قدميسه أم اسستقل دابسة ،أم صسعد إلى السسماء فسي طائرة ،أم
ركب سيارة أو قطارا ،أم مخر عباب البحر في سفينة.
فهسو عندمسا يسسيح فسي الرض يرى كسل شسئ فسي الكون كأنسه جديسد :البحار والنهار،
والغابات ،والحيوانات ،والسسسحاب والمطسسر والجبال ،والكواكسسب ،والبشسسر الذيسسن تختلف
ألوانهسم ولغاتهسم وعاداتهسم وغيسر ذلك ،كمسا أن فسي الطلع على آثار الماضيسن-صسالحين
أو طالحيسن-عسبرة لمسن اعتسبر ،فيزداد المعتسبر باعتباره صسلحا ،ويهرب مسن التصساف
بفسساد الفاسدين ،قال تعالى{ :أو لم ينظروا فسي ملكوت السسماوات والرض ومسا خلق ال
1
من شئ.}..
2
وقال تعالى{ :قل انظروا ماذا في السماوات والرض.}..
وقال تعالى{ :فانظر إلى آثار رحمة ال كيف يحي الرض بعد موتها إن ذلك لمحي
3
الموتى وهو على كل شئ قدير.}...
وقال تعالى{ :إن فسي خلق السسماوات والرض واختلف الليسل والنهار والفلك التسي
تجري فسي البحسر بمسا ينفسع الناس ومسا أنزل ال مسن السسماء مسن ماء فأحيسا بسه الرض بعسد
موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض
4
ليات لقوم يعقلون.}..
وقال تعالى{ :أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون
5
بها ،فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
وقال تعالى{ :قسد خلت مسن قبلكسم سسنن فسسيروا فسي الرض فانظروا كيسف كان عاقبسة
6
المكذبين}.
إلى غير ذلك من اليات الكثيرة في هذه المعاني.
-1العراف.185 :
-2يونس.101 :
-3الروم.50 :
-4البقرة.164 :
-5الحج.46 :
-6آل عمران.137 :
179
-2ومن الهداف العليا للراحل والمسافر ،الدعوة إلى ال وبيان الحق للناس والحث
على قبوله ،وبيان الباطسل والحسض على تركسه والبعسد عنسه ،فقسد سسن ال تعالى لملئكتسه
النتقال مسن مواطنهسم فسي السسسماء ،والهبوط منهسسا إلى الرض لتبليسسغ وحيسه إلى رسسله،
وكذلك شرع لرسسله عليهسم السسلم أن يرحلوا مسن أجسل إبلغ الحسق إلى الناس فسي بلدان
نائيسة وتوطيسن الحسق وأهله فيهسا ،كمسا سسافر إبراهيسم عليه السسلم بزوجسه هاجسر إلى مكان
البيست الحرام ،وتركهسا هنالك وولدت ابنسه إسسماعيل عليسه ،ثسم بنسي بعسد ذلك معسه البيست،
فكان ذلك نواة لنبثاق الرسسسالة الخاتمسسة بعسسد ذلك التسسي انطلقسست مسسن هناك ،وهكذا كان
للرسسسول صسسلى ال عليسسه وسسسلم نصسسيب وافسسر فسسي ذلك ،حيسسث كان يؤم أسسسواق الناس
ومخيماتهم بل وقراهم ،مبلغا دعوة ال كما حصل له ذلك مع أهل الطائف ،وهكذا هاجر
هسسو وأصسسحابه إلى المدينسسة ،حيسسث قامسست دولة السسسلم ،وقبسسل ذلك هاجسسر أصسسحابه إلى
الحبشسة ،فرارا بدينهسم ودعوة إليسه ،وقسد بذروا السسلم فسي الحبشسة التسي اسستوطنها قبسل
غيرها من مدن الجزيرة العربية بما فيها المدينة المنورة ،ول زال راسخا فيها إلى اليوم
برغسم كيسد أعدائه له ولهله ،وهكذا انطلق الصسحابة والتابعون فيمسا بعسد بالحسق إلى كسل
أنحاء الرض المعروفسسة آنذاك ،فارتفعسست رايسسة السسسلم ودولتسسه فسسي مشارق الرض
ومغاربها.
-3ومسن الهداف العليسا للراحسل :رفسع رايسة الجهاد فسي سسبيل ال ،لتحطيسم الحواجسز
التسي توضسع للصسد عسن سسبيل ال والدعوة إليسه ،ولدفسع عدوان أعداء السسلم وتحصسين
الثغور منهم.
وقسد بسسطت القول فسي هذا فسي مجلديسن كسبيرين بعنوان :الجهاد فسي سسبيل ال ،حقيقتسه
وغايته ،وسيأتي توضيح كون الجهاد وسيلة من وسائل السباق إلى العقول ،ليس لكراه
الناس على الدخول في السلم وإنما لفتح المجال لبلغ الحق وسماعه.
-4ومسن الهداف العليسا للراحسل ،تفقسد أحوال المسسلمين ،ومسد يسد العون لهسم مسن ذوي
اليسار والغنى ،بإنشاء المساجد والمدارس والمراكز السلمية وغير ذلك مما المسلمون
في أمس الحاجة إليه في كل مكان ،ول سيما القليات منهم في البلدان غير السلمية.
-5ومسن أهسم الرحلت المؤثرة فسي السسباق إلى العقول بالحسق ،الرحلت العباديسة،
كرحلت الحسسج والعمرة مسسن بلدان المسسسلمين القريبسسة والبعيدة ،فإن أجواء هذه الرحلت
مهيأة للخسذ والعطاء ،صسساحب الحسق القادر على إبلغسه يعطسي ،ومرافقسه المحتاج إلى
سماع ذلك الحق يسمع ويأخذ.
-6هذا عدا الرحلت التي ينبغي أن ينظمها أهل الحق للشباب ،لتحقيق إبلغ الحق
إلى عقولهسسم وإقناعهسسم بسسه بالطرق والسسساليب الممكنسسة المناسسسبة ،سسسواء كانسست رحلت
استجمام أو رحلت صيد أو رحلت رياضية ،أو غيرها.
إن هذه الهداف وغيرها من الهداف الحميدة النافعة ،ينبغي أن تبين للمسلمين وأن
يضعوها نصب أعينهم وهم يرحلون من بلدهم ،وإذا تمكن القادرون على السباق بالحق
إلى العقول مسن مرافقسة الراحليسن مسن إخوانهسم وأبنائهسم فسي أسسفارهم ،فعليهسم أن يغتنموا
الفرصة بتطبيق هذه الهداف فيهم عمل.
ولمسا كان الراحسل معرضسا للمغريات والشهوات والتعامسل مسع غيسر أهسل بلده ممسن ل
180
يعرفونه ،و قد يدفعه ذلك إلى عدم الحتراز عن مقارفة بعض الخلل السيئة في غربته،
بخلف بلده الذي يعرفسه فيسه أهله وجيرانسه ومجتمعسه ،ولهسم أخلق وعادات يلتزمون بهسا
ويعدون الخروج عنهسا شاذا عسن ضوابسط حياتهسم ،ولمسا كان الشارع يريسد منسه اللتزام
بضوابط الشريعة في سفره كحضره ،ويزيد على ذلك الكثار من فعل الخير بما في ذلك
الدعوة إلى ال وهدايسسة الضال بإبلغ الحسسق إلى العقول ،فقسسد شرع ال له دعاء يلجسسأ بسسه
إليسه عنسد سفره ،ليحقسق له به كسل تلك الهداف وغيرهسا مسن أعمال الخيسر ،وهسو يبدأ بهذه
العبارة العظيمة التي تعتبر-مع كونها دعاء-توجيها للمسافر ليبني تصرفاته عليها[ :اللهم
إنسا نسسألك فسي سسفرنا هذا البر والتقوى ومسن العمسل مسا ترضسى ]...وتأتسي فسي أثنائه هذه
العبارة الدالة على حرص المسسسسافر على حفسسسظ ال إياه حفظسسسا يجعله هسسسو وأهله ممسسسن
يلزمون البر والتقوى والعمسل بما يرضسي ال[ :اللهم أنست الصاحب في السسفر والخليفة
في الهل]...
ثانيا :المخيمات.
والمخيمات من الوسائل المهمة للسباق إلى العقول ،من الناحتين النظرية والعملية.
لذلك ينبغسسي العنايسسة بهسسا وإقامتهسسا فسسي الوقات والماكسسن المناسسسبة ،فسسي المصسسيفات
والصحارى والشواطئ ،والعداد لها وتنظيمها تنظيما يحقق الهدف من إقامتها ،ويُ َكلّف
العدا َد لهسسا وتنظيمهسسا والشراف عليهسسا ووضسسع برامجهسسا ،ذوو الكفاءة والخسسبرة فيهسسا،
ويُختار لهسا ذوو اختصساصات متنوعسة مسن الجتماعييسن والثقافييسن والرياضييسن والعلماء
الشرعييسن ،وتمل أوقاتهسا كلهسا بالمواد المنظمسة المفيدة غيسر المملة ،بحيسث تكون متنوعسة
ومشوقسة ،مسن مسسابقات ثقافيسة وأدبيسة ورياضيسة ،وتمثيليات ،وأناشيسد ،ودروس علميسة
خفيفسسسة ومحاضرات وحوارات ،ونكات ذات مغزى وهدف ،وفروسسسسية ،وتدريسسسب على
أعمال المخيمات ،كنصسب الخيام وتنظيفهسا وحراسستها وفرشهسا ،ونشاط الجوالة ،وطبسخ
الطعام وإعداد السسّفر ،وشراء مسا يحتاج إليسه المخيسم مسن البلد المجاور وغيسر ذلك ،مسع
الحرص على إقامسسة حلقات قرآنيسسة يتحلق فيهسسا أعضاء المخيسسم ،لقراءة القرآن مجودا،
وإشارة مسن عنده علم فسي الحلقسة إلى بعسض الفوائد والداب القرآنيسة باختصسار ،وكذلك
مدارسسة شسئ مسن السسيرة النبويسة وسسيرة الخلفاء الراشديسن ،وإبراز بعسض المعانسي التسي
تدعم هدف المخيم المقام.
ويتوقف اليجاز والسهاب في هذه المواد على ضيق الوقت وسعته ،فقد يقام المخيم
لمدة شهر أو شهرين ،وقد يقام لمدة أسبوع أو أسبوعين أو يوم أو يومين ،ولكل زمان ما
يناسبه.
ثسسم إنسسه يختلف نشاط المخيسسم باختلف الهدف منسسه ،وباختلف العضاء المشاركيسسن
فيسه ،فقسد يكون الهدف منسه مدارسسة حدث معيسن مسن أحداث المسسلمين الكثيرة والخطيرة،
كقضيسة فلسسطين ،أو قضيسة البوسسنة والهرسسك ،أو الصسومال ،أو إريتريسا ،أو بعسض دول
آسسسيا الوسسسطى ،أو قضيسسة أفغانسسستان ،أو الفلبيسسن أو غيرهسسا مسسن القضايسسا النازلة بالبلدان
السلمية أو بلد واحد منها ،يراد دراسة القضية من حيث الهداف-أهداف المسلمين أو
أهداف أعدائهسم-والسسباب التسي نشأت عنهسا القضيسة والمؤامرات التسي تحاك لهسا ،ومسا
181
يجسسب على المسسسلمين فعله ،وموقسسف المنظمات السسسلمية الرسسسمية والهيئات الشعبيسسة،
والشبهات التسي قسد ترد على بعسض المسسلمين فيهسا ومحاولة دحضهسا وإزالتهسا على ضوء
موقف الشريعة السلمية منها.
وقسد يكون الهدف مسن المخيسم تربيسة أعضائه أو بعضهسم على معانسي إسسلمية معينسة،
كقيام الليسسسل ،والمحافظسسسة على الذكار المطلقسسسة والمقيدة ،والصسسسبر واليثار ،والخوة
السسلمية ،وقسد يكون الهدف منسه التدريسب على الدعوة وأسساليبها وكيفيسة مخاطبسة الناس
بالخطبة أو المحاضرة.
وقسسد يكون الهدف تدريسسب بعسسض العضاء على إجادة العمسسل فسسي بعسسض الوسسسائل
العلميسسسة ،كالصسسسحافة والتصسسسوير الفوتوغرافسسسي والتلفزيونسسسي ،وصسسسحافة الحائط
والملصقات ونحو ذلك ،من فنون العلم ومواده ،كالتمثيلية والمسرحية وإدارة ندوة أو
حوار أو مقابلة.
وقسسد يكون الهدف منسسه التدريسسب على العمال الغاثيسسة ،مسسن جمسسع الموال والمواد
المحتاج إليها للغاثة ،كالدوية والملبس والغطية وغيرها ،ثم التخطيط لبلغها إلى
مسستحقيها بالطرق الظاهرة والخفيسة ،وكذلك التدرب على السسعافات الوليسة التسي تمكسن
من يشترك في أعمال الغاثة من مساعدة المرضى والعجزة والمصابين.
وقسسسد يكون الهدف التدريسسسب على أسسسساليب مكافحسسسة نشاطات التنصسسسير فسسسي العالم
السسسلمي ،بالتعرف على المؤسسسسات النصسسرانية النشطسسة ،ومصسسادر دعمهسسا ،والبلدان
المسسستهدفة للتنصسسير ،والوسسسائل المتخذة فسسي ذلك ،ومسسا يجسسب على المسسسلمين القيام بسسه،
وكيف ُيقْنَع القادرون على مكافحة التنصير بأداء واجبهم فيه ،من أغنياء المة بالتمويل،
ومسسن العلماء الشرعييسسن بالسسسفار إلى تلك البلدان لتبصسسير الناس بالخطسسر التنصسسيري
وأسساليبه الماكرة ،وتعليمهسم عقيدة السسلم وفرائضسه ،والرد على شبهات المنصسرين فسي
تزييسن دينهسم أو الطعسن فسي ديسن السسلم ،وكذلك إقناع بعسض ذوي الختصساصات التسي
يحتاج إليهسسا المسسسلمون المتسسسهدفون بالتنصسسير ،كالطسسب والبيطرة والهندسسسة الزراعيسسة
والكهربيسة ونحوهسا ،لمشاركسة العلماء الشرعييسن فسي مسساعدة المسسلمين المسستهدفين الذي
يغريهم النصارى بالمساعدة في تلك المجالت ،وهكذا يحدد لكل مخيم هدفه ويخطط في
إقامته لتحقيق ذلك الهدف.
إن المخيمات تعتبر مجال خصبا لهل الحق لبلغ حقهم إلى عقول الناس وبخاصة
الشباب ،كمسسا أنهسسا مجال كذلك لزالة الباطسسل مسسن العقول وصسسيانتها منسسه ،إذا مسسا وجسسد
المشرفون الكفاء الذين يقومون عليها.
والمناسسسسبات المسسسسوغة لقامتهسسسا كثيرة ،والمهسسسم اهتبال الفرص والتحلي بالحكمسسسة
والعمسل الهادئ ،والبعسد عسن الشعارات المثيرة التسي تسسبب قطسع الطريسق على الحسق قبسل
وصوله إلى العقول.
الوسيلة الرابعة عشرة :العل قات الدبلوماسية.
إن العلقات التي تربط بين الدول-سواء أكانت دول البلدان السلمية فيما بينها ،أو
182
هسي مسع الدول غيسر السسلمية-مسن أهسم الوسسائل التسي يمكسن اسستغللها لبلغ الحسق إلى
عقول الناس وسسبقه الباطسل ،لمسا للدول مسن إمكانات ل تتوافسر للفراد ول الجماعات ول
الجمعيات.
والصل في كل دولة أن تخدم عقيدتها ونظامها بالساليب المتاحة لها.
ومجالت علقات الدولة بالدولة مجالت واسسسسعة ،تشمسسسل كسسسل النشاطات المهمسسسة
تقريبسسا :السسسياسية والقتصسسادية والثقافيسسة-وهسسي مسسن أهسسم العلقات بسسل أهمهسسا-والمنيسسة
والعسكرية والتجارية ،وكثيرا ما تتعدى إلى الشؤون الجتماعية ،ولذلك تجد لكل سفارة
ملحقاتها المتخصصة في مجالها من العلقات.
والواجب أن يكون ممثلو الدولة التي تقر بمنهج السلم ،من الملتزمين بذلك المنهج
فسي حياتهسم نظريسا وعمليسا ،حتسى يكونوا صسورة تحكسي لرائيهسا مسا عليسه تلك الدولة مسن
اللتزام بمنهج السلم.
إن السسفير المسسلم يجسب أن يكون داعيسة إلى السسلم ،وأن يكون مثقفسا ثقافسة إسسلمية
متحليسا بأخلق السسلم محققسا العبوديسة ل فسي نفسسه ،وأن يكون شجاعسا فسي قوله{ :إننسي
من المسلمين.}...
وكذلك الملحقون بالسفارات ينبغي أن يكونوا ممثلين لدينهم ،إيمانا وفكرا وسلوكا.
واقع محزن لبعض سفراء المسلمين.
وما قيمة سفير علماني أو ملحق علماني يمثل دولة إسلمية ،وهل يؤتمن من يكره
السلم أن ينصر قضايا السلم؟!
إن كثيرا مسن سسفراء حكومات الشعوب السسلمية ،يسسيرون فسي سسلوكهم فسي خسط
معاكسس لمنهسج السسلم ،وأمثال هؤلء إنمسا يمثلون فسي حقيقسة المسر منهجسا غيسر منهسج
السلم ،وانتسابهم إلى السلم يشوه صورته لدى غير المسلمين.
كيسف يمثسل السسلم مسن ل يصسلي جمعسة ول جماعسة ول صسلة العيسد مسع المسسلمين،
وبخاصسسة فسسي البلدان غيسسر السسسلمية ،وكيسسف يمثسسل السسسلم مسسن يحتسسسي فسسي الحفلت
المختلطسسة الصسساخبة كأس الخمسسر أمام المل ،وكيسسف يمثسسل السسسلم مسسن يراقسسص النسسساء
الجنبيات ،وتراقص امرأته أو ابنته الرجال الجانب؟!
كيسف يمثسل السسلم مسن يسستدعي مسن بلده فرقَس الرقسص والغناء لظهار وجسه بلده
المسلم بالراقصين والمغنين الذين قد امتلت بهم كل بلدان العالم؟!
كيسف يمثسل السسلم مسن يحارب الدعاة إلى ال ،مسن الئمسة والخطباء الذيسن يسبينون
للناس حقائق السلم ،ويقف في صف دعاة يحرفون معاني السلم ويطوعونها لهوائه
العلمانية؟!
هذه الصورة السوداء هي الغالبة على سفارات كثير من حكومات القطار السلمية
التسي لم ترض السسلم منهجسا لحياتهسا وحياة شعوبهسا ،يعرف ذلك مسن تجول فسي عواصسم
بعض الدول ،وبخاصة الدول غير السلمية التي تشكو القليات السلمية فيها شكوى
مرة من تصرفات تلك السفارات العابثة.
ولكن-والحق يقال-يوجد أفراد في بعض السفارات-وإن كانوا قليلين-يمثلون السلم
183
خير تمثيل هم وأهلوهم .كثر ال من أمثالهم.
سبل سباق السفارات السلمية إلى العقول.
وإذا وجسد السسفير الذي يمثسل السسلم 1ويصسطبغ بمعانيسه فإنسه-هسو وملحقسو سسفارته
يستطيعون أن يوجدوا سبل كثيرة لسبق الحق إلى عقول الناس ،ومن ذلك ما يأتي:
أول :ينبغسي أن يكون الملحسق الثقافسي فسي سسفارته ،جامعسا بيسن الشريعسة السسلمية
والثقافسة العامسة ،ومضيفسا إلى اللغسة العربيسة أو لغسة بلده السسلمية لغسة البلد الذي يعمسل
فيه ،ويكون عنده قدرة على الجابة عن أسئلة الناس واستفساراتهم السلمية التي ليست
شديدة الصسعوبة ،وإذا وجدت أسسئلة صسعبة يسسرع فسي التصسال بالعلماء الكبار فسي بلده
للستفادة منهم ،ليفيد الناس بالجابات الصادرة منهم ،وأن يكون قادرا على رد كثير من
الشبهات التسي يوردهسا أعداء السسلم بقصسد تشويسه صسورته ،كالمسستشرقين والمنصسرين
والملحديسن والباحييسن وغيرهسم ،وليسس مسن اللئق بملحسق ثقافسي مسسلم يحضسر اجتماعسا
يُتّهَم فيه السل ُم بالباطل فل يقدر على تفنيد ذلك الباطل.
ثانيا :نبغي أن تزود كل سفارات بلدان المسلمين ،بمكتبة تضم أهم مصادر السلم
ومراجعسسسه ،فسسسي التفسسسسير والعقيدة والحديسسسث والفقسسسه والصسسسول والتاريسسسخ والحضارة
السسلمية وغيرهسا مسن كتسب اللغسة العربيسة ،ومسا أمكسن مسن الكتسب السسلمية التسي كتبست
بلغسسة البلد الذي فيسسه السسسفارة أو يترجسسم إليهسسا ليتمكسسن أعضاء السسسفارة أو أهسسل البلد مسسن
الستفادة من تلك المكتبة.
ثالثسا :ينبغسي أن تزود تلك السسفارة بكتيبات صسغيرة ،كسل كتيسب يتضمسن شرح أحسد
الموضوعات السسسسلمية ،كالعقيدة المبسسسسطة ،ل المعقدة ،وبدون ذكسسسر مذاهسسسب الفرق
واختلفهسا ،بسل تذكسر منهسا العقيدة السسلمية على بسساطتها كمسا جاءت فسي القرآن والسسنة
بعيدة عسسن الفلسسسفات الكلميسسة ،وكصسسفة صسسلة النسسبي صسسلى ال عليسسه وسسسلم ،والطهارة
والوضوء ،والغسسسل ،وأحكام الصسسيام ،والحسسج ،والزكاة ،وغيرهسسا مسسن فروض العيسسن
وفروض الكفايسة ،والمعاملت المشروعسة والمحرمسة ،والخلق ،وبيان شمول السسلم،
وبعسسسض الكتيبات تكون فسسسي الرد على الشبهات التسسسي يتهسسسم بهسسسا السسسسلم ،كشبهات
المسستشرقين والمنصسرين وغيرهسم ،تكتسب كلهسا بلغسة البلد الذي بسه السسفارة أو تترجسم إلى
تلك اللغسسة ،وتوزع على أفراد المسسسلمين الذيسسن يترددون على السسسفارة أو على المراكسسز
والمؤسسات السلمية والمساجد.
رابعسسا :ينبغسسي أن يكون عنسسد كسسل سسسفارة إسسسلمية إمكانات لكتابسسة نشرات صسسغيرة
وطبعهسا وتوزيعهسا ،لبيان مسا يطرأ فسي المناسسبات والنوازل ممسا يتعلق بالسسلم ،وكذلك
إعلنات وملصقات لنشر الوعي بالمعاني السلمية.
خامسا :ينبغي أن تتولى السفارة السلمية إقامة محاضرات وندوات ،تستضيف لها
رجال العلم من بلدها أو من البلد الذي هي فيه ،وتدعو لحضورها أعيان البلد ومفكريها،
-1هذا إذا كانست دولتسه التسي يمثلهسا مسسلمة تطبسق السسلم وتعتسز بسه وتعينسه على القيام بالواجسب السسلمي فسي وظيفتسه ،أمسا إذا
كانست تحارب السسلم فالغالب أنهسا ل تختار إل مسن هسو على شاكلتهسا إذ فاقسد الشيسء ل يعطيسه ،فإن شذت واختارت رجل صسالحا
فليتق ال ما استطاع ول يكلف ال نفسا إلى وسعها.
184
لتوضيسسح بعسسض المفاهيسسم السسسلمية ،وبخاصسسة تلك التسسي يتعمسسد أعداء السسسلم تشويسسه
السسسلم بهسسا ،كموضوع المرأة ،وموضوع الرق ،وموضوع انتشار السسسلم بالسسسيف،
والكراه على الدخول في السلم ،وموقف السلم من الديمقراطية والتعددية والحزبية
ونحوها.
سادسا :ينبغي أن تزود السفارة السلمية ببعض أشرطة الكاسيت وأشرطة الفيديو،
المشتملة على شرح بعسسسض الموضوعات السسسسلمية ،إمسسسا عسسسن طريسسسق المحاضرات
والندوات أو المؤتمرات ،أو غيرهسسا مسسن مظاهسسر السسسلم ،كمسسسيرة الحسسج والتجمعات
السسلمية كصسلة الجمعسة وصسلة العيسد ،لمسا فسي ذلك مسن تشويسق المسسلمين وتحريسك
عواطفهسم نحسو السسلم ،وتعريسف غيسر المسسلمين بذلك ،وإهداء تلك الشرطسة للمراكسز
1
السلمية والمراكز الثقافية غير السلمية ،وحبذا لو كانت ترجمت بلغة أهل البلد.
سابعا :أن يغتنم المؤهلون من أعضاء السفارة الفرص والمناسبات والحتفالت التي
يدعون إليهسا ،لشرح قضايسا المسسلمين وعدالتهسا ومناصسرتها ،والبعسد عسن الحيسف فيهسا،
ويفعلون ذلك كذلك بالتصسريحات فسي أجهزة العلم ،وبخاصسة الغربيسة منهسا ،ليوصسلوا
إلى عقول الناس والرأي العام حقائق المور المتعلقسسسة بالمسسسسلمين والتسسسي قلبهسسسا أعداء
السسسلم بطرق شتسسى منهسسا أجهزة العلم ،بحيسسث أصسسبح المظلوم بسسسبب ذلك ظالمسسا،
والمعتدي الظالم مظلوما ،كما هو الشأن في قضية فلسطين وغيرها.
الوسيلة الخامسة عشرة :المال.
وهذه الوسسيلة هسي الوسسيلة الماديسة السساسية التسي تحرك معظسم الوسسائل ،وبدونهسا
تنحصسر الوسسائل الخرى فسي زوايسا ضيقسة وقسد يفقسد كثيسر منهسا لفقسد هذه الوسسيلة ،ولهذا
كان شأن المال عظيمسا فسي الجهاد فسي سسبيل ال ،الجهاد الشرعسي الشامسل لكسل نشاط يقوم
به النسان في مرضاة ال ،ومنه قتال أعداء السلم المشروع.
فالجهاد بالمال قريسن الجهاد بالنفسس ومقدم عليسه فسي الذكسر فسي القرآن الكريسم ،إل فسي
موضسع واحسد ،قال تعالى{ :يسا أيهسا الذيسن آمنوا هسل أدلكسم على تجارة تنجيكسم مسن عذاب
2
أليم .تؤمنون بال ورسوله وتجاهدون في سبيل ال بأموالكم وأنفسكم}.
وقال تعالى{ :الذيسن آمنوا وهاجروا وجاهدوا فسي سسبيل ال بأموالهسم وأنفسسهم أعظسم
درجة عند ال وألئك هم الفائزون} .3وغيرها كثير.
4
وقال تعالى{ :إن ال اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة}.
5
والسسسباق إلى العقول بالحسسق ،نوع مسسن أنواع الجهاد فسسي سسسبيل ال بمعناه الشامسسل
وتدخل فيه جميع الوسائل السابقة ،والمال من أهم وسائل القيام بها.
فالتعليسسم يحتاج إلى معلم مكفّيّ فسسي رزقسسه ،وكفايتسسه فسسي المال ،والتعليسسم يحتاج إلى
مشرف ومدير مؤمّن الرزق ،وتأمينه في المال.
-1ومما ينبغي الهتمام به الن :استغلل مواقع في وسيلة "النترنت" التي أصبحت في متناول الناس في كل مكان.
-2الصف.11 ،10 :
-3التوبة.20 :
-4التوبة.111 :
-5راجع كتاب :الجهاد في سبيل ال حقيقته وغايته للمؤلف )1/48( .وما بعدها.
185
والتعليسسم يحتاج إلى مناهسسج وكتسسب ،وهذه تقوم بهسسا لجان واللجان تحتاج إلى المال،
والكتسب تحتاج إلى طباعسة والطباعسة ل تتيسسر إل بالمال ،وهكذا جميسع وسسائل التعليسم ل
تحصل بدون مال.
والمسساجد تحتاج إلى أرض وبناء وأئمسة ومؤذنيسن ومدرسسين ولوازم أخرى كثيرة،
وبخاصسسة إذا كان المسسسجد مجمّعسسا شامل لنشاطات كثيرة ،تعليميسسة ودعويسسة واجتماعيسسة
وثقافية وصحية وغيرها ،وكلها ل تقوم إل بالمال.
والعلم ،وقسسد عظسسم خطره فسسي هذا العصسسر وتشعبسست أنواعسسه ،وهيمسسن على الكرة
الرضيسسسة ،وأصسسسبح يكوّن عقول الناس بالقراءة والسسسسماع والمشاهدة ،بمواد يصسسسعب
إحصسساؤها ،ودعامتسسه الماديسسة السسساسية هسسي المال ،وبسسه يسسستطيع المسسسلمون أن يوجدوا
الرجال العلمييسن والفنييسن والعلماء الشرعييسن والمؤلفيسن ،والدوات مسن راديسو وتلفاز
وجرائد ومجلت وأقمار صسسناعية ومسسسجلت وشرائط كاسسسيت وفيديسسو ،ويغطون كسسل
العالم بإبلغ الحق إلى عقول الناس ،وكيف يمكن ذلك بدون مال؟!.
والمؤتمرات والندوات تحتاج إلى رجال متخصسسسسسصين وكتاب وعلماء ومفكريسسسسسن
يدعون لحضورهسا ،وهسم يحتاجون إلى نفقات تنقسل وسسكن وإعاشسة ،وكلهسا ل بسد لهسا مسن
المال ،وتحتاج إلى لجان إدارية وفنية وإعلمية ،وكلها ل بد لها من المال.
والنوادي بأنواعهسسسسسسا قوامهسسسسسسا-بعسسسسسسد الرجال-المال ،وهكذا الرحلت والمخيمات
والتصالت كلها ل بد لها من المال.
وهكذا قوافل الدعاة التي يجب أن تنتشر في الرض لبلغ الحق إلى عقول الناس،
ل قدرة لها إل بالمال.
ومن هنا نعلم عظم وسيلة المال في السباق إلى العقول.
مسؤولية الموسرين في السباق إلى العقول.
ومن هنا يجب أن يعلم الغنياء والموسرون عظم مسئوليتهم أمام ال في السباق إلى
العقول بالحسسق ،فأكثسسر الغنياء ل قدرة عندهسسم على أن يباشروا بأنفسسسهم العمسسل فسسي هذا
الميدان ،إمسسا لعدم العلم الذي بسسه يسسسابقون إلى العقول ،وإمسسا لضيسسق أوقاتهسسم ومشاغلهسسم
الكثيرة فسي جمسع المال وحفظسه وتصسريفه ،ولكنهسم قادرون على تحريسك كسل قادر على
السهام في هذا الميدان بكل الوسائل السابقة.
وإذا كان الواجسب على العالم أن يسبين بعلمسه الحسق للناس ويسسبق بسه أهسل الباطسل إلى
العقول ،وإذا كان الواجسب على المعلم أن يجتهسد فسي تعليسم النشسء العلوم السسلمية ومسا
يخدمهسسسا ،وإذا كان الواجسسسب على العلمسسسي أن يوصسسسل الحسسسق إلى عقول الناس فسسسي
تخصسسصه ،وإذا كان الواجسسب على القادر على التأليسسف أن يعكسسف على الكتابسسة ويخرج
للناس الحسسق فسسي كتسسب ونشرات ،وإذا كان الواجسسب على المهندس أن يصسسنع الميكرفون
واللقسط والراديسو والمسسجل والكاسسيت ،لنقسل الحسق إلى عقول الناس ،فإن الواجسب على
الغني أن يمول كل أولئك وتخصصاتهم مما رزقه ال.
وكسل وسسيلة للسسباق بالحسق إلى العقول ،يتوقسف اسستغللها على المال ،فإن إثسم العجسز
186
عن استغللها يقع على أغنياء المة السلمية ،وبخاصة ولة المر فيها.
فكسم مسن داعيسة يحترق قلبسه يرغسب فسي التنقسل وإبلغ الحسق والسسبق بسه إلى العقول
أقعده عدم المال عن بغيته؟
وكسم معلم كفسء قادر على تعليسم أبناء المسة السسلمية مسا ينفعهسم ويوصسل الحسق إلى
عقولهسم ،عجسز عسن وظيفتسه بسسبب حاجتسه وكده لجمسع رزقسه ورزق أهله ،ولم يجسد مسن
ينفق عليه ليتفرغ للتعليم؟.
وكم كاتب عنده من الفكار ما يحمي به عقول أبناء المسلمين من الباطل ويوصل به
الحق إلى تلك العقول ،لم يجد صحيفة تنشر له أفكاره؟
وكم مؤلف تكدست عنده الكراريس النافعة المفيدة لم يجد من ينشر له كتبه؟
وكسسم قريسسة أو مدينسسة أو حارة احتاج أهلهسسا إلى إقامسسة مسسسجد أو وجود إمام كفسسء
متفرغ ،لم يتح لهم ذلك بسبب عدم وجود المال؟
وكسم بلد يمكسن أن تتخسذ فيهسا وسسائل إعلم لنشسر الحسق والرد على الباطسل ،لم يحسظ
أهله بذلك للعجز المالي؟
وكسم مسن الناس يتيسه فسي ضلل الكفسر وسسيئ الخلق ،لم يجسد مسن يهديسه إلى السسلم
ومكارم الخلق ،ولو وجد المال لوجد الهادي؟
إن غنيسا واحدا مسن أغنياء المسسلمين ،قادر على إنشاء جامعات وتمويلهسا ،وإن غنيسا
آخسسسر ،قادر على إنشاء إذاعسسسة أو إذاعات وتمويلهسسسا ،وإن غنيسسسا واحدا قادر على إنشاء
محطة فضائية أو محطات للبث التلفزيوني.
وإن غنيا واحدا قادر على إنشاء عدد من الجوامع والمساجد والنفاق عليها.
وإن غنيا واحدا قادر على إيجاد مطبعة أو مطابع لنشر الكتب والعلم والفكر.
وإن غنيا واحدا قادر على إنشاء دار أو دور للترجمة وتولي النفاق عليها.
وإن غنيا واحدا قادر على كفالة عدد من الدعاة في أقطار العالم ،وعلى النفاق على
قوافل منهم تجوب الرض لبلغ الحق إلى عقول الناس.
وإن غنيسسا واحدا قادر على كفالة عدد مسسن الطلبسسة المسسسلمين لكمال دراسسساتهم فسسي
مجالت متنوعة من التخصصات.
وإن غنيسسا واحدا قادر على إيجاد وسسسائل مواصسسلت ،فسسي البر أو البحسسر أو الجسسو
للدعوة إلى ال ومنافسة أعداء ال من المنصرين.
وإن غنيسسا واحدا قادر على إيجاد ملجسسئ ليتام المسسسلمين ،الذيسسن نزلت بهسسم نوازل
العدوان والحروب والمجاعات والكوارث ،فتسسسابق إلى إيوائهسسم وملء عقولهسسم بالباطسسل
أهسل الباطسل مسن اليهود والنصسارى والملحديسن ،ولو بذل الغنسي المسسلم مسن ماله مسا يوفسر
لهم الملجأ والطعام والشراب ،والدواء والمدرس ،لصان بذلك عقولهم من الباطل وملها
بالحق.
فكيسف لو اجتمسع أغنياء المسسلمين ونسسقوا فيمسا بينهسم ،وأسسندوا وضسع أهداف السسباق
إلى العقول وخططهسا ووسسائلها إلى أهسل العلم والدعوة والفكسر والخسبرة ،ثسم شرعوا فسي
بذل الموال واسسستثمارها وتحبيسسسها على مصسسالح المسسسلمين التسسي تحقسسق تلك الهداف
والخطط والوسائل.
187
أولويات ينبغمممي لذوي اليسمممار معرفتهممما للعممممل
السلمي.
وينبغسسي أن يعرف أغنياء المسسة السسسلمية وحكامهسسا أولويات العمال السسسلمية،
حتسى يهتموا بالولى فالولى منهسا ،لمسا فسي فواتهسا مسن فوات مصسالح عظيمسة ،وحصسول
مفاسد مهلكة ،ونلخص ذلك في المور التية:
المسر الول :أنسه يوجسد كثيسر مسن أهسل اليسسار يحبون الخيسر ويحاولون بذل شسئ مسن
أموالهسسم فسسي العمال الخيريسسة ،ولكسسن ينقصسسهم معرفسسة الولويات ،ولذلك قسسد يقدمون
الحاجسسي على الضروري والتحسسسيني على الحاجسسي .والواجسسب أن يدرسسسوا المياديسسن
الخيرية ويقدموا الهم على ما سواه.
المسسر الثانسسي :أن كثيرا مسسن الغنياء تخدعهسسم المشروعات الجماهيريسسة ،والدعايات
والصسور وإحسسان عرض المشروعات ،بأهداف وخطسط ووسسائل ووسساطات ،وقسد يكون
كثيسسر ممسسن يتقنون ذلك العرض مبالغيسسن فسسي مشروعاتهسسم ،وقسسد يكون بعضهسسم مرتزقسسة
ومتكسسبين بأعمال خيريسة وهميسة ،والواجسب التريسث والتسبين بالطرق الممكنسة مسن صسدق
أولئك ،وحبذا لو أوفد المحسنُ مَن يتعرف له على المشروعات المدعاة بطريقة خاصة.
المسسر الثالث :أن بعسسض الغنياء يربطون مسسساعداتهم بفئة معينسسة ،وقسسد توجسسد فئات
غيرهسا أكثسر نشاطسا منهسا وأشمسل نفعسا وأصسفى منهجسا وأعظسم تأثيرا فسي الناس ،كمسا أن
بعسسض الغنياء يتجهون إلى أعمال خيريسسة نافعسسة ،ولكنهسسا يوجسسد منهسسا مسسا فيسسه غنيسسة،
والحاجسة داعيسة إلى أعمال خيريسة غيسر موجودة أو يوجسد منهسا مسا ل يكفسي ،فقسد تجسد مسن
يكثسر مسن بناء المسساجد فسي أماكسن تكثسر فيهسا المسساجد ،ول يوجسد من يصسلي فسي بعضهسا،
ويهملون بناء المدارس فسي تلك الماكسن التسي ل توجسد بهسا مدارس ،بسل قسد توجسد مدارس
غير إسلمية نصرانية أو غيرها تفسد أبناء المسلمين في عقائدهم وأخلقهم.
المسر الرابسع :أن عدم وجود تنسسيق بيسن المحسسنين مسن الغنياء ،قسد يجعسل نشاطهسم
يتراكم في ميدان واحد وفي بلد واحد أو في فئة معينة ،وقد يكون ذلك الميدان أو البلد أو
الفئة جديرة بالهتمام ،ولكسسن مياديسسن أخرى وبلدانسسا أخرى وفئات أخرى محرومسسة مسسن
العون والمساعدة ،وهي ل تقل أهمية عن غيرها ،ولو وجد تنسيق واتفاق لوصل الخير
إلى الجميع.
المسر الخامسس :أن فسي الشريعسة السسلمية بابسا مسن أبواب الخيسر جرب نفعسه فترات
طويلة مسن الزمسن ،وقسد كاد يندثسر الن بسسبب وجود حكومات علمانيسة تحارب السسلم
وكسل الوسسائل التسي تدعسم بقاءه وانتشاره ،وقسد قضست على ذلك الباب فسي كثيسر مسن بلدان
المسسلمين ،أل وهسو الوقسف الذي يسستمر نفعسه ويعسم فسي مياديسن كثيرة ،فلو اتجسه الغنياء
إلى إحياء هذا الباب وحبسسس كسسل غنسسي أو عدد مسسن الغنياء بعسسض المرافسسق ،كالبسسساتين
والعمارات والدكاكيسسن على مشروع مسسن المشروعات الخيريسسة ،كمدرسسسة ،أو مركسسز
إسسلمي ،أو جهاز إعلم إسسلمي ،أو مطبعسة إسسلمية ،أو دار ترجمسة أو دار نشسر ،أو
غيرها من الوسائل التي يتم بها السباق بالحق إلى العقول ،لكان لذلك ثماره العظيمة في
188
هذا المجال ،وقسد يترك الواقسف واسستثماراته لهيئة يوثسق بهسا علمسا وأمانسة ووعيسا ومعرفسة
بمقاصد الشريعة السلمية لتنفق منه بحسب ما ترى من المصلحة بعد دراسة وتثبيت.
وإذا رؤي أن مؤسسسة مسا مسن المؤسسسات تسستحق أن يوقسف شسئ على نشاطهسا المفيسد
نفذ ذلك.
وهذا خيسر مسن ترك المور بدون تنظيسم وترتيسب ،وإيجاد شسئ ثابست ينفسق منسه عنسد
الحاجة ،أولى من النفاق العشوائي الذي يكثر بسبب كثرة الطالبين للمساعدة في مواسم
معينة ،قد يوجد من يستحق منهم وقد يوجد من ل يستحق.
ويمكسن التغلب على محاربسة أعداء السسلم للوقاف النافعسة ،باختيار بعسض البلدان
السلمية التي يرجى أن تسلم الوقاف فيها من اعتداء حكوماتها عليها لتستثمر فيها ،أو
بعسض البلدان غيسر السسلمية التسي فيهسا نوع ضمان 1لمثسل ذلك ،وللحيسل الشرعيسة نفعهسا
في هذا الباب.
المسر السسادس :ينبغسي لغنياء المسسلمين عندمسا يسسافرون إلى خارج بلدانهسم سسواء
أكانسست بلدانسسا إسسسلمية أو غيسسر إسسسلمية ،أن يزوروا المراكسسز والمؤسسسسات والمدارس
السلمية ،ويتفقدوها ويعرفوا مدى نشاطها وصلح منهجها-إن كانوا قادرين على ذلك،
وإل أخذوا معلومات عنهسا وعرضوهسا بعسد رجوعهسم على أهسل العلم والخسبرة بالمناهسج،
ليرشدوهسسم إلى صسسلح تلك المناهسسج أو عدم صسسلحها-فإذا كانسست صسسالحة قدموا لهسسا
المساعدة المستطاعة ليستمر نفعها ،وزيارة هذه المؤسسات أولى من الزيارات السياحية
المباحة-بله المكروهة أو المحرمة-ويمكنهم الجمع بين السياحتين المباحة والمندوبة.
ولو أن التجار والغنياء الذيسن يزورون كثيرا مسن البلدان فسي الخارج-أي فسي خارج
بلدانهسم-تفقدوا المراكسز والمدارس والمؤسسسات السسلمية ورأوا نشاطهسا وحاجتهسا إلى
المسساعدة ،لربمسا رقست قلوبهسم وشعروا بأن مسن واجبهسم مسساعدة تلك المؤسسسات والخسذ
بيدهسسا ،وخاصسسة المؤسسسسات الموجودة فسسي البلدان غيسسر السسسلمية التسسي تسسستفيد منهسسا
القليات السلمية.
المسر السسابع :أن كثيرا من أغنياء المسسلمين ل يبذلون المال إل فسي إغاثسة المنكوبيسن
مسن المسسلمين ،إمسا بكوارث طبيعيسة كالفيضانات والزلزل والحروب ،ومسا شابسه ذلك،
حيسسث يرون المنكوبيسسن وقسسد أخسسذ الجوع أو العطسسش أو المرض أو الجراح أو غيرهسسا
تحصدهم حصدا ،فيسرعون إلى إغاثتهم ،وذلك أمر مطلوب بل فرض كفاية تأثم المة
السسلمية إذا لم يوجسد فيهسا مسن يقوم بسه قيامسا كافيسا ،ولكسن أولئك الغنياء يغفلون عسن
مجالت الوقاية من الكوارث والنكبات قبل نزولها.
ومن أمثلة ذلك :أن بعض الشعوب السلمية معرضة للعتداء عليها من قبل بعض
الدول الكافرة ،ويعرف الغنياء المسسسسلمون بمسسسا فيهسسسم بعسسسض الحكام أن تلك الشعوب
السسلمية تحتاج إلى المال الذي يمكنهسا مسن الدفاع عسن نفسسها إذا هجسم عليهسا ذلك العدو،
فل تجسد مسن يمدهسا بالمال المطلوب ،حتسى ينفسذ العدو عدوانسه عليهسا ،ويقضسي على كسل
مؤسسساتها الدينيسة والتعليميسة والقتصسادية وغيرهسا ،فيهدم بيوتهسا ويقتسل رجالهسا ويرمسل
نسساءها وييتسم أطفالهسا الذيسن يشردون فسي العراء جوعسى عطشسى جرحسى مرضسى ،وعنسد
-1وهو أكثر رجاء من كثير من البلدان السلمية!!!.
189
ذلك يبذل الغنياء بعضسا مسن أموالهسم ،لنقاذ حياة بعسض مسن نزلت بهسم النكبسة ،واحتسل
العدو ديارهم ونهب أموالهم وسبى ذراريهم.
ولو أنهسم-الغنياء-جادوا ببعسض أموالهسم تلك قبسل العتداء لكان فسي ذلك وقايسة مسن
العتداء قبل وقوعه ،فهل يعي الغنياء هذا المر؟!
الوسيلة السادسة عشرة :سباق المواقع.
أي أن يقوم كسل شخسص مسن المسسلمين القادريسن على السسباق بالحسق إلى العقول مسن
موقعه الذي هو فيه بهذا السباق.
وليسسس لقادر عذر فسسي ترك القيام بهذه الوسسسيلة ،لنسسه ل يكلف النتقال بالسسسباق إلى
موقسع آخسر ،حتسى يعتذر بالوقست أو بالمال أو غيسر ذلك ،فالمطلوب منسه أن يتخسذ الوسسائل
الممكنة للسباق بالحق إلى العقول في محيطه الذي هو فيه.
فرب السسرة أو أي عضسو مسن أعضائهسا ،عليسه أن يحصسن عقول أفراد أسسرته مسن
الباطسل ،ويوصسل إليهسا الحسق فسي محيسط أسسرته وأقاربسه ،والجار عليسه أن يفعسل ذلك مسع
جيرانسه-مسن أمكسن منهسم-والمدرس مسع زملئه المدرسسين وطلبسه ،والطالب مسع زملئه،
ويمكن أن يفعل ذلك مع أساتذته بالحكمة والدب والسلوب المناسب.
والمدير يفعل ذلك مع موظفيه الصغار والكبار.
والموظف يفعل ذلك مع زملئه وخدمه.
والطبيب يفعل ذلك مع مرضاه ومراجعيه وزملئه ،والمهندس يفعل ذلك مع زملئه
وعماله ،ورئيسس المصسنع يفعسل ذلك مسع موظفيسه وعماله ،وهكذا كسل موظسف مسع زملئه
ومن هم تحت إدارته.
والوزيسر فسي وزارتسه مسن أعلهسا إلى أسسفلها ،ورئيسس الدولة مسع مسن هسم تحست يده،
والقادرون على فعل ذلك مع رئيس الدولة يفعلون ذلك معه.
وفرق الرياضسسة فيمسسا بينهسسم ومسسع الفرق الخرى المشاركسسة لهسسم فسسي رياضتهسسم،
ومسسؤولو النوادي مسع مسن هسم تحست يدهسم ،وكسل عضسو يفعسل ذلك مسع العضسو الخسر.
وهكذا الخبراء في مجال خبراتهم.
فخسسسبراء المناهسسسج يراعون فسسسي وضسسسع المناهسسسج هدف السسسسباق إلى العقول بالحسسسق
وصيانتها من الباطل.
ومؤلفو الكتب الدراسية يضعون ذلك الهدف في تأليف كتبهم.
وهكذا ل يبقسسى أحسسد قادر على السسسباق إلى العقول بالحسسق إل أمكنسسه القيام بذلك فسسي
موقعه.
وقسسد تتعدد المواقسسع للشخسسص الواحسسد ،كأن يكون رب أسسسرة وإمام مسسسجد ،أو مديسسر
مدرسة ،أو رئيس شركة ،أو قائد كتيبة ،أو ضابط عادي أو جندي أو غير ذلك.
وقد يكون موقع الشخص واسعا ،كرئيس الدولة المسؤول عن رعيته كلها ،فهو قادر
بما مكنه ال من المسؤولية الولى ،أن يأمر وأن يعين المأمور بما يحتاج إليه ،وأن يعين
من يتابع المر حتى ينفذ ،وأن يكوّن اللجان التي تبلغه بما يوجد من باطل قد غرس في
العقول أو يراد غرسسه ،فيتخسذ التدابيسر اللزمسة فسي أي مرفسق لصسيانة العقول وتصسفيتها
190
ممسا علق بهسا ،وبالحسق المفقود الذي يجسب أن يصسل إلى العقول فيتخسذ التدابيسر اللزمسة
لبلغ ذلك الحق إلى العقول.
وهسو كذلك مسسؤول عسن إبلغ الحسق إلى مسن أمكنسه إبلغسه إليسه مسن غيسر رعيتسه،
للعلقات الواسسعة مسع البلدان الخرى ،وبمسا عنده مسن إمكانات التصسال برؤسساء الدول
الخرى اتصسال شخصسيا ،أو عسن طريسق أي وسسيلة مسن وسسائل التصسال ،وبمسا عنده مسن
وسسسائل العلم التسسي يمكسسن أن تصسسل إلى شعوب كثيرة مجاورة وغيسسر مجاورة ،عسسن
طريق الذاعة والتلفاز والقمار الصناعية وغيرها.
إن وسيلة المواقع وسيلة واسعة إذا نظرنسا إليهسا هذه النظرة الشاملة ،بحيسث يقوم كسل
فرد وكسل شركسة أو مؤسسسة ،بالسسباق بالحسق إلى العقول مسن مواقعهسم ،فمسا مسن صساحب
حق قادر على السباق به إلى العقول إل كان في موقع أو مواقع .1
وليعلم صساحب كسل موقسع قادر على صسيانة عقول مسن هسم فسي موقعسه مسن الباطسل أو
إبلغ الحق إليها ،ثم لم يفعل ولم يقم بذلك غيره قياما كافيا ،أنه آثم سيسأله ال عن ذلك
يوم لقائه.
وهذه الوسيلة جديرة بأن تسمى دعوة المواقع أو سباق المواقع.
وبهذا ينتهسسي الكلم على القسسسم الول مسسن وسسسائل السسسباق إلى العقول بالحسسق وهسسو
الوسائل السلمية .2
الوسيلة السابعة عشرة :الجهاد العسكري.
كسل الوسسائل الماضيسة وغيرهسا تشملهسا كلمسة الجهاد فسي سسبيل ال لن الجهاد قسسمان:
قسسم معنوي ،وقسسم مادي ،فالوسسائل الماضيسة مسن قسسم الجهاد المعنوي ،والجهاد المادي
هسو الجهاد القتالي الشامسل لعداد الرجال والعتاد ،ومقارعسة طغاة الباطسل الذيسن يصسدون
3
عن سبيل ال بالسيف والصاروخ.
والجهاد العسسسكري ليسسس وسسسيلة للسسسباق إلى العقول بالحسسق بالكراه ،فل إكراه فسسي
الدين ،ولو أن أحدا أكره أحدا على أن يصرح بأنه مؤمن بدينٍ مّا من الديان ،وقلبه غير
مؤمن به في الواقع ،لما كان للكراه معنى إل العدوان.
وإنما الجهاد وسيلة لتحطيم السدود وإزالة العقبات التي تقف في طريق إبلغ الحق
إلى عقول الناس.
فإذا مسا تمكسن أهسل الحسق مسن إبلغ الحسق إلى عقول الناس ،وتمكسن الناس مسن سسماع
الحق دون عقبات ،فل سبيل بعد ذلك إلى إكراه أحد ممن بلغه الحق على اعتقاده ،بل إن
شاء قبله وإن شاء رفضه وحسابه على ال.
لكسسن لمسسا كان أعداء الحسسق مسسن الطغاة يضيقون بالحسسق ،ول يأذنون لهله بأن يبلغوه
للناس ،بل يحاربونه ويحاربونهم ،ويمنعون الناس من سماع الحق ،ليختاروا اليمان به
-1فالشخسص أو الجماعسة قسد ترى موقعهسا ضيسق المسساحة ،لكسن المسساحة هسي الرض كلهسا بالنسسبة لكسل المواقسع فسي سسفر أو
حضر.
-2أنظر ص 196من النسخة المخطوطة باليد.؟؟؟
-3راجع كتاب الجهاد في سبيل ال حقيقته وغايته ( )537-1/273للمؤلف.
191
أو رفضه ،وفي نفس الوقت يتخذون كل وسيلة للسباق بالباطل إلى عقول الناس .فإن ال
تعالى شرع لهسل الحسق أن يجاهدوا أولئك الطغاة بالحديسد ،ليتمكسن أهسل الحسق مسن تبليسغ
الحق ،ويتمكن الناس من سماعه.
وقسد دل التاريسخ والقرآن والواقسع ،أنسه ل غنسى لهسل الحسق عسن اتخاذ وسسيلة الجهاد
العسكري ،لصيانة عقول الناس من الكراه على اعتقاد الباطل ،وليتمكن أهل الحق من
1
إبلغ الحق إلى عقول الناس دون إكراه على اعتقاده.
ومسا نشاهده فسي هذا العصسر مسن محاربسة السسلم والدعاة إليسه ،بسل مسن العتداء على
المسسلمين ،لجبارهسم على التخلي عسن دينهسم والدخول فسي الديان الوثنيسة والنصسرانية،
كما هو الحال في الهند والبوسنة والهرسك ،وما يحصل في بعض البلدان السلمية ،من
حكوماتهسا العلمانيسة التسي تُظهِر-ول تخفسي-حربَهسا لدعاة تطسبيق الشريعسة السسلمية ،كسل
ذلك يدل دللة واضحسة أن هذه الوسسيلة هسي أنجسع الوسسائل-بعسد أن أخفقست وسسائل كثيرة
من الوسائل المعنوية في رد أعداء السلم إلى صوابهم-في إتاحة الفرصة للحق ،ليصل
إلى عقول الناس ،ولصيانة تلك العقول من الباطل.
قيسض ال للمسسلمين مسن يقودهسم بالجهاد فسي سسبيل ال لعلء كلمسة ال ،وال غالب
على أمره.
وتحطيسم الحواجسز التسي يضعهسا الطغاة فسي طريسق أهسل الحسق ،لبلغسه إلى عقول
الناس أمسر مشروع ،لن إبلغ الحسق إلى تلك العقول مشروع ول يمكسن أن يصسل إليهسا
إل بتحطيم تلك الحواجز ،وتلك الحواجز هي الطغاة الذين يقفون ضد الحق بالقوة.
وهاهسم أهسل الباطسل اليوم يتذرعون بمسا يدعونسه مسن حقوق النسسان ،ليسسقطوا دول
يزعمون أنهسا تقسف ضسد حقوق النسسان فسي شعوبهسا ،ووصسل المسر بهسم أن يعتسبروا مسن
حقوق النسسان عدم تطسبيق الشريعسة السسلمية فسي أي بلد إسسلمي ،ولو كان غالب أهسل
البلد ينادون بتطسبيق الشريعسة فسي بلدهسم ،بسل ولو أجريست انتخابات حزبيسة تعدديسة باسسم
الديمقراطيسة التسي هسم يزعمون تقديسسها وعدهسا مسن حقوق النسسان فسي الشعوب ،وفاز
دعاة تطسبيق الشريعسة السسلمية فوزا سساحقا ،فإن أعداء السسلم ودعاة حقوق النسسان
ومقدسي الديمقراطية ،يقفون بدون حياء بجانب فئة قليلة من عبيدهم وأذنابهم العلمانيين،
لسحق الغلبية المسلمة من الشعب ،لئل يستقر الحق ويعلو ويزهق الباطل ويزول.
وإذا كان هذا هسو موقسف أهسل الباطسل مسن أجسل حمايتسه وحمايسة العقول مسن نفاذ الحسق
إليهسا ،فإن أهسل الحسق أولى بتحطيسم سسدود أهسل الباطسل-ل لكراه الطغاة المردة أنفسسهم
على اعتقاد الحق ولكن-ليصسال الحق الذي يحملونه إلى الناس ،وليسسمع الناس دعوتهسم
إلى الحق وبيانه ،ثم يقرروا-دون إكراه-اعتقادهم الحق أو عدم اعتقاده.
ولنضرب مثال يقرب هذا المعنى:
حارة شسسسسب فيهسسسسا حريسسسسق ،فجاءت نجدة الطفاء لطفاء الحريسسسسق ،وجاءت نجدة
السسسعاف الطسسبي لنقسسل المصسسابين إلى المسسستشفيات لمعالجتهسسم ،فوجدت النجدتان رجال
مسسسلحين يحيطون بتلك الحارة التسسي أصسسابها الحريسسق ،يمنعون نجدة الطفاء مسسن إطفاء
الحريسق ،ويمنعون نجدة السسعاف الطسبي مسن إسسعاف المصسابين ،ويمنعون أهسل الحارة
-1للجهاد أهداف أخرى فصلت في المرجع السابق (.)116-1/107
192
من الهرب منها لينجوا بأنفسهم من الموت.
أل يجسسب فسسي هذه الحالة على الدولة أن تبعسسث فرقسسا مسسن الشرطسسة أو الجيسسش ،لطرد
المسسلحين الظالميسن الذي يحيطون بالحارة المحروقسة ،لجبار أهلهسا على البقاء فسي لهسب
النار ليحترقوا ،ومنع من يريد إسعافهم من الوصول إليهم لنقاذهم؟!
ل بد أن يكون جواب كل عاقل باليجاب.
وهكذا يجسب أن يزال طغاة الباطسل مسن طريسق الحسق ،ليصسل إلى عقول الناس ،ومسن
طريق الناس ليصل إليهم الحق.
فالباطل أشد خطرا من النار ،والحق أكثر ضرورة من الطفاء والسعاف ،والناس
الذيسن يحجسر عليهسم الطغاة ول يأذنون لهسم بسسماع الحسق وفهمسه ،أعظسم حاجسة إلى إطلق
حريتهم من الذين شب الحريق في منازلهم ،وأهل الحق أجدر بالوصول إلى الناس من
فرق الغاثسة الماديسة لغاثتهسم بالحسق ،وطغاة الباطسل الذيسن يمنعون وصسول الحسق إلى
الناس أولى بالستئصال من مانعي نجدة الطفاء من الحرائق ،ونجدة إسعاف المصابين.
فغايسة مسا يسسببه الحريسق هسو تلف الموال والنفوس فسي الدنيسا ،والموال تعوض والنفوس
لها آجال ل بد منها ،والنفس التي تموت وهي مؤمنة ستنال الثواب الجزيل والفوز الدائم
برضا ال وجنة الخلد.
أمسا البقاء فسي ضلل الكفسر وظلمسا تسه واتباع الباطسل والبقاء فسي ظلماتسه ،فإن نهايتسه
الشقاء والنكد في الدنيا ،والوقوع في سخط ال والعذاب الدائم في نار جهنم والعياذ بال.
193
غايات أهل الباطل في السباق إلى العقول .
كمسا أن لهسل الحسق غايات فسي سسباقهم بالحسق إلى العقول ،فإن لهسل الباطسل-كذلك-
غايات فسي سسباقهم بباطلهسم إلى العقول ،وقسد ل يصسرحون بتلك الغايات ،ولكسن أعمالهسم
وتصرفاتهم تدل على غاياتهم.
ولنذكر أهم غاياتهم تلك إجمال ،ثم نشرع في تفصيلها:
الغاية الولى :التمتع المطلق بكل ما في الحياة الدنيا.
الغاية الثانية :الصد عن سبيل ال.
الغاية الثالثة :تكذيب الرسل.
الغاية الرابعة :الحْوَْل بين الناس وبين إقامة الحجة عليهم.
الغاية الخامسة :إخراج الناس من النور إلى الظلمات.
الغاية السادسة :إحلل الشرك محل التوحيد.
الغاية السابعة :إنكار اليمان بالغيب.
الغاية الثامنة :محاربة الحكم بما أنزل ال.
الغاية التاسعة :محاربة الولء ل ولرسوله وللمؤمنين.
الغاية العاشرة :غرس الخلق الفاسدة في نفوس الناس.
الغاية الحادية عشرة :الفساد في الرض.
194
الغايمة الولى :التمتمع المطلق بكمل مما فمي الحياة
الدنيا.
وكلمسة[ :المطلق] هنسا مقصسودة ،لن أهسل الحسق يتمتعون بكثيسر ممسا يتمتسع بسه أهسل
الباطسل ،مسن مأكسل ومشرب ومنكسح ومسسكن ومركسب ومنصسب وجاه ،وغيسر ذلك ،ولكسن
تمتع أهل الحق بذلك ليس تمتعا مطلقا ،وإنما هو مقيد بما أذن ال فيه وشرعه.
بخلف أهسل الباطسل ،فإنهسم يتمتعون بكسل مسا فسي الرض تمتعسا مطلقسا ،أي خاليسا مسن
كل قيد ،من دين أو خلق ،ودون معارض من رسل أو أنبياء ودعاة خير ،ول يقيدهم إل
قيد واحد فقط ،وهو عدم القدرة على تناول ما يشتهون.
وهذه الغاية ل تتحقق لهم إل إذا كثر أهل الباطل كثرة ،ل تدع مجال لهل الحق في
صسدهم عسن الوصسول إلى غاياتهسم تلك ،ولذلك فهسم يسسعون جاديسن فسي سسباقهم إلى عقول
الناس ،ليكسسبوا أكسبر عدد منهسم ،ليقفوا فسي صسفهم للوصسول إلى غاياتهسم تلك وصسد مسن
يحاول منعهم منها.
وقسد أبرز ال تعالى هذه الغايسة فسي كتابسه ،والواقسع يشهسد بهسا ،قال تعالى{ :والذيسن
كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام والنار مثوى لهم}.1
وقال تعالى{ :ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل فسوف يعلمون}.2
وقال تعالى{ :ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون} .3
وقال تعالى{ :ل يغرنسسك تقلب الذيسسن كفروا فسسي البلد متاع قليسسل ثسسم مأواهسسم جهنسسم
وبئس المهاد}.4
وفسي هذه اليات يهدد ال تعالى الكافريسن الذيسن جعلوا غايتهسم التمتسع بالحياة الدنيسا،
وحرصسوا على تحقيسق هذا التمتسع الذي ألهاهسم عسن عبادة ال وطاعتسه وطاعسة رسسله بمسا
ينتظرهم من جزاء يوم القيامة.
وقال تعالى-:مبينسا نوعسا مسن أنواع هذا التمتسع وهسو العلو فسي الرض{-إن فرعون
عل في الرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم
إنه كان من المفسدين}.5
وبيسن تعالى شيئا مسن علو فرعون ،فسي قوله تعالى{ :ونادى فرعون فسي قومسه قال يسا
قوم أليس لي ملك مصر وهذه النهار تجري من تحتي أفل تبصرون أم أنا خير من هذا
الذي هسو مهيسن ول يكاد يسبين فلول ألقسى عليسه أسسورة مسن ذهسب أو جاء معسه الملئكسة
مقترنين ،فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} .6
فغايسة فرعون-وكذلك كسل الفراعنسة-العلو فسي الرض بالملك والمال وكثرة التباع،
ولذلك يحاولون خداع الجماهيسر والشعوب بمظاهسر ملكهسم وضعسف أهسل الحسق والوقوف
ضدهم.
-1محمد.12 :
-2الحجر.3 :
-3العنكبوت.66 :
-4آل عمران.196،197 :
-5القصص.4 :
-6الزخرف.54 ،51 :
195
وقال تعالى عسن فرعون ،أيضسا-وقسد أرسسل إليسه موسسى يدعوه إلى طاعسة ال ،مسع مسا
لدى موسسى مسن آيات دالة على صسدق رسسالته{:-فكذب وعصسى ،ثسم أدبر يسسعى ،فحشسر
فنادى ،فقال أنا ربكم العلى} .1
وقال تعالى-عسن نموذج مسن نماذج التمتسع بالمال والغنسى والترف-فسي قصسة قارون:
علَيْهِمْس َوءَاتَيْنَاهُس مِنَس الْكُنُوزِ مَا إِنّ َمفَاتِحَهُس لَتَنُوءُ
{إِنّ قَارُونَس كَانَس مِنْس قَوْمِس مُوسسَى فَبَغَى َ
بِالْعُصْسَب ِة أُولِي ا ْلقُوّ ِة إِ ْذ قَالَ لَهُس قَوْمُهُس لَ َتفْرَحْس إِنّ الَّ لَ ُيحِبّ ا ْلفَ ِرحِينسَ()76وَابْتَغِس فِيمَا
ن الُّ ِإلَيْكَس وَلَ تَبْغِس
لخِرَةَ وَلَ تَنْسَس نَصسِي َبكَ مِنَس الدّنْيَا َوَأحْسِسنْ كَمَا أَحْسَس َ
ءَاتَاكَس الُّ الدّارَ ا ْ
علْمٍ عندي أولم يَ ْعلَمْ
علَى ِ
ب الْ ُمفْسِدِينَ()77قَالَ إِنّمَا أُوتِيتُهُ َ
ن الَّ لَ ُيحِ ّ
ض ِإ ّ
الْفَسَا َد فِي الَْرْ ِ
أَنّ الَّ قَ ْد أَ ْهلَكَس مِنْس قَ ْبلِهِس مِنَس ا ْلقُرُونِس مَنْس ُه َو أَشَدّ مِنْهُس قُوّةً َوأَكْثَ ُر جَمْعًا وَلَ يُسْسَألُ عَنْس
ن ا ْلحَيَا َة الدّنْيَا يا ليت
ل الّذِينَ يُرِيدُو َ
علَى قَوْ ِم ِه فِي زِينَتِ ِه قَا َ
ذُنُوبِ ِه ُم الْمُجْرِمُونَ(َ )78فخَرَجَ َ
2
ن إِنّ ُه لَذُو حَظّ عَظِيمٍ(. })79
ي قَارُو ُ
لَنَا مِ ْثلَ مَا أُوتِ َ
وهذا الحتفاء بمسن عندهسم متاع الحياة الدنيسا ،هسو مسن غاياتهسم التسي يريدون تحقيقهسا،
وهسم يعلمون أنهسم ل يُحتَفِي بهسم وهسم على باطسل إل أتباعُهسم مسن أهسل الباطسل ،وأمسا أهسل
الحق فل يعبأ ون بما عندهم من متاع الحياة الدنيا ،ولهذا فإن أهل الباطل يضيقون ذرعا
ل الّذِينَس
بأهسل الحسق ،لعدم اغترارهسم بمسا عندهسم ،كمسا قال تعالى فسي هذه القصسةَ { :وقَا َ
ل الصسّابِرُونَ(8
أُوتُوا الْ ِعلْمَس وَ ْيلَكُمْس ثَوَابُس الِّ خَيْ ٌر لِمَنْس ءَامَنَس َوعَ ِملَ صسَاِلحًا وَلَ ُيَلقّاهَا إِ ّ
3
.}0
فالميزان يختلف عنسد هؤلء وأولئك :أهسل الحسسق يزنون الناس ومسسا يملكون باليمان
والعمسل الصسالح والصسبر ،وهسي الصسفات التسي يترتسب عليهسا رضوان ال وثوابسه ،وأهسل
الباطل يزنون الناس بما عندهم من ملك وغنى وشتان شتان.
وممسسا يدل على أن أهسسل الباطسسل يضيقون ذرعسسا بأهسسل الحسسق ونصسسحهم وأمرهسسم
بالمعروف ونهيهسم عسن المنكسر ،ليقيدوا تمتعهسم فسي الحياة الدنيسا بقيود شرع ال :موقسف
قوم شعيسب مسن نصسحه لهسم بالتزام عبادة ال وحده والعدل وترك الظلم والفسساد ،كمسا قال
ن ِإلَ هٍ غَيْرُ هُ وَلَ تَ ْنقُ صُوا
ن َأخَاهُ مْ شُعَ ْيبًا قَالَ يا قوم اعْبُدُوا الَّ مَا لَكُ مْ مِ ْ
تعالىَ { :وِإلَى مَدْ َي َ
علَيْكُمْ عَذَابَ يَ ْومٍ ُمحِيطٍ()84وَيَا قَ ْو ِم أَ ْوفُوا
ن إِنّي أَرَاكُمْ ِبخَيْرٍ َوإِنّي َأخَافُ َ
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَا َ
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَس بِا ْلقِسْسطِ وَلَ َت ْبخَسسُوا النّاسَس أَشْيَاءَهُمْس وَلَ َتعْثَوْا فِي الَْرْضِس ُمفْسِسدِينَ(
حفِي ظٍ( )86قَالُوا يا شعيب أَ صَلَ ُتكَ
علَيْكُ مْ ِب َ
َ )85بقِيّ ُة الِّ خَيْرٌ لَكُ ْم إِ نْ ُكنْتُ مْ ُمؤْمِنِي نَ وَمَا أَنَا َ
حلِي مُ الرّشِيدُ(
ت الْ َ
ل فِي أَمْوَالِنَا مَا َنشَاءُ إِنّ كَ لَنْ َ
ك أَ نْ نَتْرُ كَ مَا يَعْ ُب ُد ءَابَاؤُنَا أَ ْو َأ نْ َنفْ َع َ
َتأْمُرُ َ
.4})87
الغاية الثانية :الصد عن سبيل الله.
هذه هي الغاية الرئيسة الثانية التي يريد أهل الباطل تحقيقها في السباق إلى العقول،
-1النازعات.21،24 :
-2اليات من سورة القصص.
-3القصص.
-4اليات من سورة هود.
196
وهي الصد عن سبيل ال ومحاربة الحق وأهله ،ونصر الباطل وتثبيته في الرض ،أي
تحقيق كل ما يضاد غايات أهل الحق ويخالفها من غايات.
وقد أوضح القرآن الكريم في آيات كثيرة منه أن أهل الباطل كلهم يصدون عن سبيل
ال ،سسسسواء فسسسي ذلك أهسسسل الكتاب مسسسن اليهود والنصسسسارى ،أو المشركون الوثنيون أو
المنافقون.
وفعل" :صَدّ" يأتي لزما ،ومعناه انصراف الصاد عن الشيء والمتناع من قبوله،
ويأتسي متعديسا ،ومعناه صسرف غيره عسن الشيسء وعسن قبوله ،ول يصسرف النسسان غيره
عن الحق إل إذا كان هو نفسه قد انصرف عنه ،لن صاحب الحق ل ينصرف عنه ول
يصرف غيره.
قال تعالى عسن أهسل الكتاب{ :قسل يسا أهسل الكتاب لم تصسدون عسن سسبيل ال مسن آمسن
تبغونها عوجا وأنتم شهداء وما ال بغافل عما تعملون} .1
وقال تعالى عسسن علمائهسسم وعبادهسسم{ :يسسا أيهسسا الذيسسن أمنوا إن كثيرا مسسن الحبار
والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل ال} .2
وقال عسسن اليهود منهسسم{ :فبظلم مسسن الذيسسن هادوا حرمنسسا عليهسسم طيبات أحلت لهسسم
وبصدهم عن سبيل ال كثيرا} .3
وقال تعالى عسسن المشركيسسن{ :ول تكونوا كالذيسسن خرجوا مسسن ديارهسسم بطرا ورئاء
الناس ويصدون عن سبيل ال وال بما يعملون محيط}.4
وقال تعال{ :الذين كفروا وصدوا عن سبيل ال زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا
يفسدون} .5
وقال تعالى{ :الذيسن كفروا وصسدوا عسن سسبيل ال أضسل أعمالهسم-إلى قولهَ -:ذلِكَس ِبأَنّ
طلَ} .6
الّذِينَ َكفَرُوا اتّبَعُوا الْبَا ِ
وقال تعالى عسسن المنافقيسسن-النفاق العتقاد{ :-وإذا قيسسل لهسسم تعالوا إلى مسسا أنزل ال
وإلى الرسول رأيت المنافقين يصدون عنك صدودا} .7
وقال تعالى{ :اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل ال فلهم عذاب مهين} .8
وقال تعالى{ :اتخذوا إيمانهم جنة فصدوا عن سبيل ال إنهم ساء ما كانوا يعملون}.9
هاتان همسا الغايتان الرئيسستان اللتان يضعهمسا أهسل الباطسل نصسب أعينهسم فسي سسباقهم
إلى العقول بباطلهسم :التمتسع بكسل مسا فسي الحياة الدنيسا بدون التقيسد بشرع ال ،والصسد عسن
سبيل ال من أجل إبطال الحق وتثبيت الباطل.
-1آل عمران.99 :
-2التوبة.34 :
-3النساء.160 :
-4النفال.47 :
-5النحل.88 :
-6محمد.1،3 :
-7النساء.61 :
-8المجادلة.16 :
-9المنافقون.2 :
197
الغاية الثالثة :تكذيب الرسل والكفر بالوحي.
إن أقوى وسسسيلة يتمكسسن بهسسا أهسسل الباطسسل ،مسسن الخلص مسسن التقيسسد بديسسن ال ،ومسسن
الستجابة لرسله ،عليهم الصلة والسلم ،هي :تكذيب أولئك الرسل في دعواهم أن ال
تعالى بعثهسم إلى الخلق لهدايتهسم بوحيه ،ووصسف أولئك الرسسل بضسد مسا يتصسفون بسه من
الصسفات الحميدة التسي أهلتهسم لختيار ال لهسم رسسل إلى الناس ،فيصسفونهم بالضلل بدل
الهدى ،وبالسسسفه بدل الرشسسد ،وبالجنون بدل كمال العقول ،ويجعلونهسسم محل للسسسخرية
والستهزاء بدل من الحترام والتوقير.
وينعتون الوحسي الذي أنزله ال عليهسم وجميسع الكتسب السسماوية التسي نزل بهسا جبريسل
من عند ال-وآخرها القرآن الكريم-بأنها أساطير الولين وبأنها كذب وافتراء.
قال تعالى عن فرعون وقومه في موسى عليه السلم{ :وفسي موسسى إذ أرسسلناه إلى
فرعون بسلطان مبين ،فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون}.1
وأخسبر تعالى أن دأب المسم المكذبسة لرسسله عليهسم الصسلة والسسلم فسي كسل الزمان،
هو الستهزاء والسخرية بهم ،كما قال تعالى{ :يا حسرة على العباد ما يأتيهم من رسول
إل كانوا به يستهزئون} .2
وقال تعالى{ :كذلك مسا أتسى الذيسن مسن قبلهسم مسن رسسول إل قالوا سساحر أو مجنون،
أتواصوا به بل هم قوم طاغون} .3
وهكذا وصسفوا بينات الرسسل أنهسا سسحر ،كمسا قال تعالى عسن فرعون وقومسه{ :فلمسا
جاءهسسم موسسسى بآياتنسسا بينات قالوا مسسا هذا إل سسسحر مفترى ومسسا سسسمعنا بهذا فسسي آبائنسسا
4
الولين}
وقال عمسن كفسر بعيسسى مسن بنسي إسسرائيل{ :فقال الذيسن كفروا منهسم إن هذا إل سسحر
مبين} .5
وقال تعالى عن المشركين الذين كفروا بالوحي المنزل على رسولنا محمد صلى ال
عليه وسلم{ :وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قالوا ما هذا إل رجل يريد أن يصدكم عما كان
يعبسد آباؤكسم وقالوا مسا هذا إل إفسك مفترى وقال الذيسن كفروا للحسق لمسا جاءهسم إن هذا إل
سحر مبين} .6
وقال تعالى عنهسم{ :ولو نزلنسا عليسك كتابسا فسي قرطاس فلمسسوه بأيديهسم لقال الذيسن
كفروا إن هذا إل سحر مبين.7}...
8
وقال تعالى عنهم{ :وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون}
-1الذاريات.38،39 :
-2يس.3 :
-3الذاريات.52،53 :
-4القصص.36 :
-5المائدة.110 :
-6سبأ.43 :
-7النعام.7 :
-8الحجر.6 :
198
حوْل بيممن الناس وإقامممة الحجممة
الغايممة الرابعممة :ال ْ َ
عليهم.
ويحصسل ذلك بإعراض قادة الباطسل عسن سسماع الحسق الذي يأتسي بسه أهله ،وبحسض
غيرهسم على العراض عسن حجسج الحسق وتدبرهسا والصسغاء إليهسا ،بسل وأمرهسم بإحداث
اللغط والضوضاء عندما يدعو أهل الحق إليه ،كما قال تعالى عنهم{ :وقال الذين كفروا
ل تسسمعوا لهذا القرآن والغوا فيسه لعلكسم تغلبون} .1وقال تعالىَ { :وقَالُوا ُقلُوبُنَا فِي أَكِنّةٍ
ب فَاعْ َملْ إِنّنَا عَا ِملُون} .2
حجَا ٌ
ك ِ
مِمّا تَدْعُونَا ِإلَيْهِ َوفِي آذَانِنَا َوقْرٌ وَ ِمنْ بَيْنِنَا وَبَيْ ِن َ
وليس من شرط هذا الحوْل وتحققه أن يصرح أهل الباطل بمثل ما دلت عليه اليتان
المذكورتان ،فيقولوا :ل تسسمعوا كلم الدعاة إلى ال ،أو أن على قلوبنسا أغطيسة ل يصسل
إليها ما يدعون إليه ،بل يتحقق بكل سبيل يؤدي إلى ذلك الحول ،كوضع مناهج تعليمية،
أو برامج إعلمية ،أو نواد ثقافية ،أو رياضة ،أو دور سينما ،أو غيرها مما يلهي الناس
ويشغلهسم عسن سسماع الحسق وحججسه ودلئله ،وهذا السسلوب أشسد تأثيرا فسي الناس مسن
المر الصريح بالعراض عن الحق .3
الغايححة الخامسححة :إخراج الناس مححن النور
إلى الظلمات.
كمسسا قال تعالى{ :والذيسسن كفروا أولياؤهسسم الطاغوت يخرجونهسسم مسسن النور إلى
الظلمات} .4
الغاية السادسة :إحلل الشرك محل التوحيد.
ويكون ذلك بتقديسس الطواغيست التسي تنصسب نفسسها أو ينصسبها غيرهسا آلهسة للبشسر،
سسسواء أكانسست قبورا أو حجارة أو أشجارا أو حيوانات ،أو هسسي مسسن علماء السسسوء الذيسسن
يشترون بآيات ال ثمنسسا قليل ،كمسسا فعسسل علماء اليهود مسسن قبسسل وغيرهسسم ،مسسن أمثال
المجالس النيابيسة أو البرلمانيسة التسي تعطسي نفسسها حسق التشريسع الذي يحسل مسا حرم ال،
ويحرم ما أحل ال ،تحقيقا لمصالح الطواغيت المحاربين للسلم وشريعته.
ويدخسل فسي ذلك طواغيست الحكام المسستبدون الذيسن يشرعون للناس تشريعسا يخالف
شريعسسة ال ،ويحاربون تلك الشريعسسة عسسن طريسسق إصسسدار مراسسسيم وقوانيسسن وأنظمسسة ل
يقرها السلم ،حربا منهم ل ورسوله وكتابه المبين.
ولهذا كان طواغيسست المشركيسسن العرب يسسستنكرون التوحيسسد ويتعجبون مسسن الدعوة
1فصلت.29 :
-2فصلت.5 :
-3وسيأتي الحديث عن الوسائل في مكانه ،هذا مع العلم أن بعض الغايات قد تكون وسائل الى غيرها من الغايات ،فكون أمرٍ
ما وسيلة أو غاية أمر نسبي.
-4البقرة .257 :وقسسد سسسبق بيان النور والظلمات ،عنسسد الكلم على غايات أهسسل الحسسق ،ومنهسسا :إخراج الناس مسسن الظلمات إلى
النور.
199
إليسسه ،ويظهرون أن الصسسل هسسو الشرك الذي يقوم على تعدد اللهسسة ،مصسسادمة للفطرة
الربانية التي فطر ال الناس عليها ،كما قال تعالى عنهم{ :وعجبوا أن جاءهم منذر منهم
وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل اللهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} .1
وقال تعالى عن علماء السوء الذين اشتروا الدنيا بالدين{ :فويل للذين يكتبون الكتاب
بأيديهم ثم يقولون هذا من عند ال ليشتروا به ثمنا قليل فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل
لهم مما يكسبون} .2
وقال تعالى{ :اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما
أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون} .3
وإنمسسا كان اتخاذهسسم إياهسسم أربابسسا مسسن دون ال ،لتباعهسسم فسسي تحليسسل مسسا حرم ال أو
4
تحريم ما أحل ال ،كما وردت بذلك السنة في تفسير الية.
الغاية السابعة :إنكار اليمان بالغيب والصد عنه.
ومعلوم أن اليمان بالغيسسب هسسو أسسساس التسسسليم المطلق ل تعالى فسسي أمره ونهيسسه
والدينونسسة له ،لهذا يحرص أهسسل الباطسسل على إنكاره ،لمسسا فسسي ذلك النكار مسسن إبطال
الوحسي والرسسالة مسن أسساسها ،ومسا يتبسع ذلك مسن محاربسة ل ورسسوله صسلى ال عليسه
وسسلم ،وكذلك مسن قبله مسن إخوانسه المرسسلين وتقليسل أتباعهسم ،وتكثيسر سسواد أهسل الباطسل
الذين يقفون ضد دعوة الرسل.
ولهذا يتذرع أهل الباطل إلى إنكار هذا الساس بطلبهم آيات مادية يأتي بها الرسل،
للدللة على صدقهم في دعوى الرسالة ،مع أنهم مهما جاءتهم من آيات مادية لم تزدهم
إل جحودا واستكبارا.
قال تعالى عن فرعون الذي أوهم قومه أن موسى عليه السلم يدعوهم إلى رب غير
موجود ،وأنسسه كاذب-حاشاه-فسسي دعواه الرسسسالة ،مسسع مسسا أنزل ال مسسن اليات العظيمسسة
المؤيدة لموسسى على فرعون وقومسه ،وكلهسا آيات ماديسة ،فجحدهسا مسع يقينسه أنهسا مسن عنسد
ال .قال تعالى{ :وقال فرعون يسا أيهسا المل مسا علمست لكسم مسن إله غيري ،فأوقسد لي يسا
هامان على الطيسسسن فاجعسسسل لي صسسسرحا لعلي أطلع إلى إله موسسسسى وإنسسسي لظنسسسه مسسسن
الكاذبين}.5
وقال تعالى عسسن بنسسي إسسسرائيل-وقسسد شرفهسسم ال ببعسسث موسسسى رسسسول منهسسم إليهسسم،
وأنزل عليهم التوراة ،وفضلهم على كثير من العالمين-في زمانهم-وأخرجهم من استعباد
فرعون وظلمسسه لهسسم{ :وإذ قلتسسم يسسا موسسسى لن نؤمسسن لك حتسسى نرى ال جهرة فأخذتكسسم
الصاعقة وأنتم تنظرون} .6
وقال تعالى عسسن مشركسسي قريسسش{ :فقسسد كذبوا بالحسسق لمسسا جاءهسسم} إلى قوله تعالى:
-1ص.4،5:
-2البقرة.79 :
-3التوبة.31 :
-4يراجع في تفسير الية في كتب التفسير ،ومنها تفسير الطبري ،وتفسير ابن كثير ،رحمهما ال.
-5القصص.38 :
-6البقرة.55 :
200
{ولو نزلنسا عليسك كتابسا فسي قرطاس فلمسسوه بأيديهسم لقال الذيسن كفروا إن هذا إل سسحر
مبين} .1
وقال تعالى{ :ولقسد صسرفنا للناس فسي هذا القرآن مسن كسل مثسل فأبسى أكثسر الناس إل
كفورا ،وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ،أو تكون لك جنة من نخيل
وعنسب فتفجسر النهار خللهسا تفجيرا ،أو تسسقط السسماء كمسا زعمست علينسا كسسفا أو تأتسي
بال والملئكة قبيل ،أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك
حتى تنزل علينا كتابا نقرأه ،قل سبحان ربي هل كنت إل بشرا رسول}.2
الغاية الثامنة :نبذ الحكم بما أنزل الله ومحا ربته.
والمقصسد مسن نبسذ الحكسم بمسا أنزل ال ومحاربسة شرعسه ،أن َتحْكُمَس الناسَس أهواءُ أهسل
الباطسل ورغباتُهسم التسي يصسوغونها فسي صسورة قوانيسن وأعراف وأنظمسة تصسادم شريعسة
ال ،لن نبسذ الحكسم بشرع ال وتحكيسم مسا يلبسي رغباتهسم وأهواءهسم ،يسسهل عليهسم اسستعباد
الناس بتشريعهسم ،فيتصسرفون فسي أنفسسهم وأعراضهسم وعقولهسم وأموالهسم ،كمسا يشاءون
بعيدا عن شريعة ال التي تحفظ للناس كل ذلك ،إضافة إلى التلعب بالدين وإضاعته.
قال تعالى عسن قوم شعيسب-وهسو يأمرهسم بأمسر ال وينهاهسم بنهيسه{ :-قالوا يسا شعيسب
أصلتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لنت الحليم
الرشيد} .3
وقال تعالى عسن قوم لوط-وقسد نهاهسم عسن ارتكاب الفاحشسة التسي لم يسسبقهم إليهسا مسن
أحسسد مسسن العالميسسن ،مسسع نهيهسسم عسسن الشرك بال{ :-فمسسا كان جواب قومسسه إل أن قالوا
أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون} .4
وقال تعالى عسن مشركسي العرب-وكانوا يشرعون لنفسسهم مسن دون ال ،فيحلون مسا
ل أَوْلَدِهِمسسْ
حرم ال ويحرمون مسسا أحسسل ال{ :-وَكَ َذلِكسسَ زَيّنسَس لِكَثِيرٍ مِنسَس الْمُشْرِكِينسَس قَ ْت َ
علَيْهِمْس دِينَهُمْس َولَوْ شَا َء الُّ مَا فَ َعلُوهُس فَذَرْهُمْس وَمَا َيفْتَرُونسَ(
شُرَكَاؤُهُمْس لِيُرْدُوهُمْس َولِ َيلْبِسسُوا َ
حجْرٌ لَ َيطْعَمُهَا إِلّ مَنسْ َنشَاءُ بِزَعْ ِمهِمسْ َوأَنْعَامٌس حُرّمَتسْ
َ )137وقَالُوا َهذِهِس أَنْعَامسٌ َوحَرْثٌس ِ
علَيْهِ سَ َيجْزِيهِمْ بِمَا كَانُوا َيفْتَرُونَ()138
علَيْهَا افْتِرَاءً َ
س َم الِّ َ
نا ْ
ظُهُورُهَا َوأَنْعَامٌ لَ يَ ْذكُرُو َ
علَى أَزْوَاجِنَا َوإِنْ يَ ُكنْ مَ ْيتَ ًة فَهُمْ
َوقَالُوا مَا فِي بُطُونِ َهذِهِ الَْنْعَا ِم خَالِصَ ٌة لِذُكُورِنَا وَ ُمحَرّمٌ َ
علِيمسٌ()139قَ ْد خَسِس َر الّذِينَس قَ َتلُوا أَوْلَدَهُمْس سَسفَهًا
فِيهِس شُرَكَاءُ سَسَيجْزِيهِمْ وَصْسفَهُ ْم إِنّهُس حَكِيمٌس َ
ضلّوا وَمَا كَانُوا ُمهْتَدِينسَ()140وَهُوَ
علَى الِّ قَ ْد َ
علْمٍس َوحَرّمُوا مَا رَ َزقَهُمُس الُّ افْتِرَاءً َ
بِغَيْرِ ِ
خلَ وَالزّرْعسَ ُمخْ َتلِفًا أُ ُكلُهسُ وَالزّيْتُونسَ
شَأ جَنّاتسٍ مَعْرُوشَاتسٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتسٍ وَال ّن ْ
الّذِي أَنْ َ
حقّه سُ َيوْم َس حَص سَادِهِ َولَ
وَالرّمّان سَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ متشابسسه كلوا مِن سْ ثَمَرِه ِس إِذَا أَثْمَرَ َوءَاتُوا َ
تُ سْ ِرفُوا إِنّ هُ لَ ُيحِبّ الْمُ سْ ِرفِينَ()141وَمِ نَ الَْنْعَا ِم حَمُولَةً َوفَ ْرشًا ُكلُوا مِمّا رَ َزقَكُ ُم الُّ وَلَ
ضأْنِس اثْنَيْنِس وَمِنَس
تَتّبِعُوا خُطُوَاتِس الشّ ْيطَانِس إِنّهُس لَكُمْس عَدُوّ مُبِينسٌ()142ثَمَانِ َي َة أَزْوَاجٍس مِنَس ال ّ
-1النعام.5،7 :
-2السراء.89،93 :
-3هود.87 :
-4النمل.56 :
201
علَيْهِس أَرْحَامُس الُْنْثَيَيْنِس نَبّئُونِي بِ ِعلْمٍس
ل ءَالذّكَرَيْنِس حَرّمَس أَمِس الُْنْثَيَيْنِس أَمّاس اشْ َت َملَتْس َ
الْمَعْزِ اثْنَيْنِس ُق ْ
ل اثْنَيْنِس وَمِنَس الْ َبقَ ِر اثنيسن قسل ءَالذّكَرَيْنِس حَرّمَس أَمِس الُْنْثَيَيْنِس
إِنْس كُ ْنتُمْس صسَا ِدقِينَ()143وَمِنَس الِْ ِب ِ
ن افْتَرَى
ظلَمُ مِمّ ِ
ن أَ ْ
ن أَ مْ كُ ْنتُ مْ شُهَدَا َء إِذْ وَ صّاكُ ُم الُّ بِ َهذَا فَ َم ْ
علَ ْي ِه أَ ْرحَا مُ الُْنْثَيَيْ ِ
أَمّا اشْتَ َملَ تْ َ
ل َأجِ ُد فِي
علْ ٍم إِنّ الَّ لَ يَهْدِي الْقَوْ َم الظّالِمِي نَ(ُ )144قلْ َ
ضلّ النّا سَ بِغَيْرِ ِ
علَى الِّ كَذِبًا لِ ُي ِ
َ
سفُوحًا أَ ْو َلحْمَ خِنْزِيرٍ
ل أَ نْ يَكُو نَ مَيْتَ ًة أَوْ دَمًا َم ْ
علَى طَاعِ مٍ يَطْعَ ُم ُه إِ ّ
ي ِإلَيّ ُمحَرّمًا َ
مَا أُوحِ َ
غفُورٌ َرحِيمٌ(
سقًا أُ ِهلّ لِغَيْ ِر الِّ بِ ِه فَمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَ عَا ٍد َفإِنّ رَ ّبكَ َ
س أَ ْو فِ ْ
َفإِنّهُ ِرجْ ٌ
.1})145
وقال تعالى عسن المنافقيسن-وهسم الذيسن يمثلهسم العلمانيون اليوم ممسن يحاربون الحكسم
بشرع ال ،ويحاربون الدعاة إلى تحكيمسه َ{ :2ألَمْس تَ َر ِإلَى الّذِينَس يَ ْزعُمُونَس أَنّهُمْس ءَامَنُوا بِمَا
أُنْ ِزلَ ِإلَيْكَس وَمَا أُنْ ِزلَ مِنْس قَ ْبلِكَس يُرِيدُونَس أَنْس يَ َتحَاكَمُوا ِإلَى الطّاغُوتِس َوقَ ْد أُمِرُوا أَنْس يَ ْكفُرُوا
ل الُّ َوِإلَى
ل لَهُ مْ تَعَالَوْا ِإلَى مَا أَنْ َز َ
ن أَ نْ ُيضِلّهُ ْم ضَلَلً بَعِيدًا(َ )60وإِذَا قِي َ
بِ هِ وَيُرِيدُ الشّيْطَا ُ
ف إِذَا أَ صَابَتْهُمْ مُ صِي َبةٌ بِمَا قَدّمَ تْ
عنْ كَ صُدُودًا()61فَكَيْ َ
الرّ سُولِ َرأَيْ تَ الْمُنَا ِفقِي نَ يَ صُدّونَ َ
3
ل ِإحْسَانًا َوتَ ْوفِيقًا(})62
ن أَرَدْنَا إِ ّ
لّ إِ ْ
حلِفُونَ بِا ِ
أَيْدِيهِمْ ثُ ّم جَاءُوكَ َي ْ
الغايمممة التاسمممعة :محاربمممة الولء لله ولرسممموله
والمؤمنين.
ويسسسابق أهسسل الباطسسل إلى عقول الناس بمحاربسسة الولء ل ولرسسسوله وللمؤمنيسسن،
وتثسسبيته للشيطان وأتباعسسه ،وللهواء التسسي يتبعونهسسا ،لعلمهسسم بأن الولء ل ولرسسسوله
وللمؤمنيسن ولء للحسق ،والولء للحسق يسسلبهم ولء الناس للباطسل الذي ل يملكون سسواه،
ول حياة لهم بدون أنصار يؤمنون بباطلهم ويؤيدونهم عليه.
ولهذا ترى أهل الباطل يحاربون من يوالي ال ورسوله والمؤمنين ،ول ُيظْهِرُ ولءه
لهم و لباطلهم ،حربا شعواء ،كما يحاربون كل دعوة إلى هذا الولء ،خوفا من أن يكثر
أنصسسار الحسسق وأولياؤه ،ويقسسل أنصسسار الباطسسل وأولياؤه ،فيخسسسرون بذلك الجاه والمال
والمنصسسب ،وينتهسسي تسسسلطهم على رقاب الناس وطغيانهسسم ،ويقربون مسسن يواليهسسم على
باطلهسسم ويرفعون منزلتسه بالجاه والمال والمنصسب ،مسسع العلم أن الذي يكون ولؤه لغيسر
الحسق ل يثبست ولؤه ول يدوم ،لنسه إنمسا يوالي مسن رأى أن فسي موالتسه مصسلحة ماديسة،
فإذا ظن أن تلك المصلحة ستنقطع ،أو أنه سينال مصلحة أعظم منها من صاحب باطل
آخر ،نقل ولءه لهذا وأصبح عدوا لمن سبق أن كان مواليا له!.
الغايمممة العاشرة :تثمممبيت الخلق الفاسمممدة فمممي
الرض.
ومسسن أهسسم غايات أهسسل الباطسسل ،تمكيسسن الخلق الفاسسسدة وإشاعتهسسا بيسسن الناس فسسي
الرض ،ومطاردة الخلق الفاضلة وأهلهسسا والتضييسسق عليهسسم ،لتأسسسن الرض وتفسسسد
-1اليات من سورة النعام.
-2لن أكثرهم الن يحكمون الشعوب السلمية بخلف المنافقين في عهد الرسول صلى ال عليه وسلم.
-3اليات من سورة النساء.
202
الحياة ،تحقيقسسا لشباع شهواتهسسم ونزواتهسسم التسسي ل تتحقسسق مسسع وجود الخلق الفاضلة
وغلبتهسا ،كمسا قال تعالى{ :وال يريسد أن يتوب عليكسم ويريسد الذيسن يتبعون الشهوات أن
تميلوا ميل عظيما}.1
وقال تعالى{ :إن الذيسن يحبون أن تشيسع الفاحشسة فسي الذيسن أمنوا لهسم عذاب أليسم فسي
الدنيا والخرة} .2
3
وقال تعالى{ :ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يأمر بالفحشاء والمنكر}
4
وقال تعالى{ :الذين عاهدت منهم ثم ينقضون عهدهم في كل مرة وهم ل يتقون}
وقال تعالى { :إذا جاءك المنافقون قالوا نشهسسسد إنسسسك لرسسسسول ال ،وال يعلم إنسسسك
لرسوله ،وال يشهد إن المنافقين لكاذبون}.5
علَيْهِس وَسَسلّ َم قَالَ:
وفسي الحديسث الصسحيح عسن عَ ْب ِد الِّ بْنِس عَمْرٍو َأنّ النّبِيّ صَسلّى اللّهسم َ
صلَةٌ مِ نَ
ت فِي ِه خَ ْ
صلَةٌ مِنْهُنّ كَانَ ْ
ت فِي ِه خَ ْ
[أَرْبَ عٌ مَ نْ كُنّ فِي هِ كَا نَ مُنَا ِفقًا خَالِ صًا وَمَ نْ كَانَ ْ
ن خَانَ َوإِذَا حَ ّدثَ كَ َذبَ َوإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ َوإِذَا خَاصَ َم َفجَرَ].6
ق حَتّى يَ َدعَهَا إِذَا اؤْتُ ِم َ
ال ّنفَا ِ
وبنظرة عجلى إلى أحوال المسسم اليوم-بمسسا فيهسسا أغلب الشعوب السسسلمية-يتضسسح
للناظسر مسا تعانيسه البشريسة مسن الخلق الفاسسدة ،ومسا جنسى بسه عليهسا دعاة الباطسل الذيسن
يحاربون الخلق الفاضلة بكسسسسسسل الوسسسسسسسائل والمكانات ،ويثبتون الخلق الفاسسسسسسسدة
وينشرونها كذلك.
ويتضسح للناظسر كذلك حاجسة العالم اليوم إلى سسباق أهسل الحسق بأخلقهسم الفاضلة ،إلى
عقول الناس ،لينقذوا البشريسة مسن الخلق الفاسسدة التسي اتخسذ أهسل الباطسل كسل الوسسائل
ليسبقوا بها إلى عقول الناس الذين ذاقوا من جراء ذلك شتى أنواع العذاب في الدنيا ،مع
ما ينتظرهم من مقت ال وغضبه في الخرة
الغاية الحادية عشرة :الفساد في الرض.
أراد ال تعالى مسسن عباده أن يصسسلحوا فسسي الرض ،ول يفسسسدوا ،لن الفسسساد فسسي
الرض يعود على اسستخلف ال للنسسان والغرض منسه بالنقسض ،ولكسن أهسل الباطسل –
كعادتهم-ل ترضى نفوسهم بالصلح والصلح ،فيجتهدون في الكثار من الفساد فيها،
ويسمون إفسادهم إصلحا.
ويشمل ذلك الفساد :النسل والنفس والعقل والمال ،إضافة إلى إفساد الدين ،يستغلون
خيرات الرض وبركات السسماء ،لنشسر فسسادهم وظلمهسم ،وإنزال الرعسب على المنيسن
واسستعباد الناس وإذللهسم والتكسبر عليهسم ،كمسا قال تعالى{ :وإذا قيسل لهسم ل تفسسدوا فسي
الرض قالوا إنما نحن مصلحون أل إنهم هم المفسدون ولكن ل يشعرون} .7
-1النساء.27 :
-2النور.19 :
-3النور.21 :
-4النفال.56 :
-5المنافقون1 :
6البخاري .33 :ومسلم.88 :
-7البقرة.12 :
203
وقال تعالى { :ومسن الناس مسن يعجبسك قوله فسي الحياة الدنيسا ويشهسد ال على مسا فسي
قلبسه وهسو ألد الخصسام ،وإذا تولى سسعى فسي الرض ليفسسد فيهسا ويهلك الحرث والنسسل
وال ل يحب الفساد}.8
وبالمقارنسة بيسن غايات أهسل الحسق فسي سسباقهم إلى العقول بحقهسم ،وبيسن غايات أهسل
الباطسل فسي سسباقهم إلى العقول بباطلهسم ،يُعلم مسا يثمره كسل مسن السسباقين فسي حياة الناس
أفرادا وأسرا وأمما ودول.
فعندمسا يسسبق أهسل الحسق بحقهسم إلى عقول الناس ،تتحقسق فسي الرض غاياتهسم مسن
سعادة وأمن على الدين والنسل والعرض والعقل والنفس والمال ،وهي الضرورات التي
ل حياة على الحقيقة إل بحفظها ،وما يكملها من حاجيات وتكميليات.
وعندما يسبق أهل الباطل بباطلهم إلى عقول الناس تتحقق في الرض غاياتهم ،من
شقاء وخوف ونكسد بضياع تلك الضرورات ومسا يكملهسا ،كمسا هسو حال العالم اليوم الذي
تقدم فيه أهل الباطل بباطلهم ،وتأخر أهل الحق بحقهم.
-8البقرة.203،204 :
204
وسائل أهل الباطل في السباق إلى العقول .
ول بد لهل الباطل من اتخاذ وسائل للسباق بباطلهم إلى العقول ،وهي كثيرة ،نذكر
أهمها إجمال ،ثم نأتي إلى تفصيلها:
الوسيلة الولى :تزيين الباطل وزخرفته
الوسيلة الثانية :الثناء على أهل الباطل وقادته
الوسيلة الثالثة :حشد قادة الباطل من يؤيد باطلهم
الوسيلة الرابعة :تخويف الناس من أهل الحق
الوسيلة الخامسة :إغراء أهل الباطل مؤيديهم بالمناصب والموال
الوسيلة السادسة :وضع قوانين لنصر الباطل ومحاربة الحق
الوسيلة السابعة :جعل التعليم منطلقا لتضليل العقول به
الوسيلة الثامنة :العلم.
الوسيلة التاسعة :إقامة محاكم ظالمة لحماية الباطل وأهله
الوسيلة العاشرة :جعل وسائل الحق منطلقات للباطل
الوسيلة الحادية عشرة :استغلل اختلفات أهل الحق.
205
تمهيد:
اقتضت سنة ال الكونية أن يتصارع أهل الحق وأهل الباطل في هذه الحياة منذ وجد
أبو البشرية آدم عليه السلم ،وعدوه إبليس لعنه ال ،وأن يمتد هذا الصراع في الرض
إلى أن يرث ال الرض ومن عليهسا ،ابتلء منسه تعالى لهسل الحسق بأهسل الباطسل ،ولهسل
الباطسل بأهسل الحسق ،ليزداد الولون إيمانسا بحقهسم ويحملوه عمل وسسلوكا ودعوة وجهادا،
فينالوا نصسسر ال وتمكينسسه لهسسم فسسي الدنيسسا ،ورضاه ودار كرامتسسه فسسي الخرة ،وليزداد
الخرون الذين تكبروا على أمر ال ودعوة أنبيائه تمردا وعتوا ،فينالوا الضنك و الشقاء
والنكسد فسي الدنيسا-وإن تمتعوا بنعسم ال فيهسا كالحيوانات السسائمة-والعذاب الليسم السسرمدي
وسخط ال في الخرة.
1
قال تعالى{ :الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل}
2
قال تعالى{ :ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون}
وقال تعالى{ :فإذا لقيتسم الذيسن كفروا فضرب الرقاب-إلى قوله تعالى-:ذلك ولو يشاء
3
ال لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}
4
وقال تعالى{ :ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}
5
وقال تعالى{ :وليبلي المؤمنين منه بلء حسنا إن ال سميع عليم}
6
وقال تعالى{ :هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزال شديدا}
7
وقال تعالى{ :وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا}
وإن الحسق ليحمسل عناصسر قوتسه وبقائه فسي ذاتسه ،وإن الباطسل ليحمسل عناصسر ضعفسه
واضمحلله في ذاته.
أليس الحق نورا ...والباطل ظلمات؟ أليس الحق هدى والباطل ضلل..؟ أليس الحق
عدل والباطسل ظلمسا..؟ أليسس الحسق صسلحا والباطسل فسسادا؟ أليسس الحسق طهارة وتقسى
والباطسل رجسا وفسسقا؟ أليسس الحق إيمانسا وتوحيدا والباطسل شركسا وكفرا وجحودا؟ أليس
الحق رحمة والباطل غلظة وقسوة ووحشية؟ أليس الحق برا والباطل إثما وعدوانا؟
إنه لو ترك الناس على فطرهم التي فطرهم ال عليها ،ل يُكرهون على اعتقاد الحق
ول على اعتقاد الباطسل ،وإنمسا يعرض عليهسم هذا وذاك ،لختاروا الحسق ونبذوا الباطسل،
فالفطر السليمة التي لم تجتلها الشياطين ل تفضل الظلمات على النور ،ول الضلل على
الهدى ،ول العدل على الظلم ،ول الفسسسساد على الصسسسلح ،ول الرجسسسس والفسسسسق على
الطهارة والتقوى ،ول الشرك والكفسسر على اليمان والتوحيسسد ،ول القسسسوة والعنسسف على
الرحمة واللين.
ولكسن كسل مولود يولد على الفطرة ،كمسا ثبست عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن
-1الملك.2 :
-2النبياء.35 :
-3محمد.4 :
-4محمد.31 :
-5النفال.17 :
-6الحزاب.11 :
-7الفرقان.20 :
206
علَيْهِس وَسَسلّمَ مَا مِنْس
ل قَالَ رَسسُولُ الِّ صَسلّى اللّهسم َ
حديسث أبسي هريرة ،رضسي ال عنسه[ :قَا َ
ج الْبَهِيمَةُ بَهِي َمةً
علَى الْفِطْرَ ِة َفأَبَوَا هُ يُ َهوّدَانِ هِ وَُينَ صّرَا ِن ِه أَوْ يُ َمجّ سَانِهِ كَمَا تُنْ َت ُ
مَ ْولُو ٍد إِلّ يُولَدُ َ
ل أَبُو هُرَيْرَةَ َرضِي اللّهم عَنْهم (فِطْرَ َة الِّ ا