Professional Documents
Culture Documents
العقول
تأليف
الدكتور/عبدالله قادري الهدل
1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
إن الحمسد ل نحمده ونسستعينه ونسستغفره ،ونعوذ بال مسن شرور أنفسسنا ،ومسن سسيئات
أعمالنا من يهده ال فل مضل له ،ومن يضلل فل هادي له ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده
ل شريك له ،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
((يسسا أيهسسا الذيسسن آمنوا اتقوا ال حسسق تقاتسسه ،ول تموتسسن إل وأنتسسم مسسسلمون))[ .آل
عمران]102 :
((يسا أيهسا الناس اتقوا ربكسم الذي خلقكسم مسن نفسس واحدة ،وخلق منهسا زوجهسا ،وبسث
منهمسسا رجال كثيرا ونسسساء ،واتقوا ال الذي تسسساءلون بسسه والرحام ،إن ال كان عليكسسم
رقيبا)) [النساء]1 :
((يسا أيهسا الذيسن آمنوا اتقوا ال وقولوا قول سسديدا ،يصسلح لكسم أعمالكسم ويغفسر لكسم
ذنوبكم ،ومن يطع ال ورسوله فقد فاز فوزا عظيما))[ .الحزاب]71-70 :
ما يراد السباق به إلى العقول.
أما بعد :فإن ما يراد السباق به إلى العقول هو الحق أو الباطل ،فأهل الحق يسابقون
بالحق إلى العقول ،و أهل الباطل يسابقون بالباطل إلى العقول.
الله هو الحق.
وال سسبحانه وتعالى هسو الحسق ،كمسا قال سسبحانه وتعالى(( :ذلك بأن ال هسو الحسق،
وأنه يحيي الموتى ،وأنه على كل شيء قدير[ ))..الحج]6[ :
وقال تعالى(( :ذلك بأن ال هسو الحسق ،وأن مسا يدعون مسن دونسه الباطسل وأن ال هسو
العلي الكبير[ ))..الحج-62 :لقمان]30 :
وقال تعالى(( :فتعالى ال الملك الحسسسسسق ،ل إله إل هسسسسسو رب العرش الكريسسسسسم ))
[المؤمنون.]116 :
وجزاء ال لعباده يوم القيامة على مواقفهم من دين السلم في الدنيا ،هو الحق ،كما
قال تعالى(( :يومئذٍ يوفيهسم ال دينهسم الحسق ويعملون أن ال هسو الحسق المسبين[ ))..النور:
]25
خلق الله الكون كله بالحق.
والحسق جسل وعل خلق الكون كله :السسماوات والرض ،ومسا بينهمسا ومسا فيهمسا ومسا
فوق ذلك بالحسسق ،وقوله تعالى هسسو الحسسق ،كمسسا قال تعالى(( :وهسسو الذي خلق السسسماوات
والرض بالحق ،ويوم يقول كن فيكون ،قوله الحق وله الملك[ ))...النعام]73 :
وقال تعالى(( :ألم تر أن ال خلق السماوات والرض بالحق[ ))..إبراهيم]19 :
وقال تعالى(( :وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما إل بالحق[ ))..الحجر]85 :
وقال تعالى(( :وما خلقنا السماوات والرض وما بينهما إل بالحق[ ))..الحقاف]3 :
2
وقال تعالى(( :خلق السماوات والرض بالحق تعالى عمّا يشركون[ ))..النحل]3 :
وقال تعالى(( :خلق السسسسماوات والرض بالحسسسق إن فسسسي ذلك ليسسسة للمؤمنيسسسن))
[العنكبوت]44 :
وقال تعالى(( :أو لم يتفكروا فسي أنفسسهم مسا خلق ال السسماوات والرض ومسا بينهمسا
إل بالحق[ ))..الروم]8 :
وقال تعالى(( :خلق السسسماوات والرض بالحسسق وصسسوركم فأحسسسن صسسوركم وإليسسه
المصير)) [التغابن]3 :
أرسل الله رسله وأنزل كتبه بالحق.
وأرسسل الحسق جسل وعل رسسله ،وأنزل كتبسه بالحسق .كمسا قال تعالى(( :إنسا أرسسلناك
بالحق بشيرا ونذيرا)) [البقرة]119 :
وقال تعالى(( :نزّل عليسسك الكتاب بالحسسق ،مصسسدقا لمسسا بيسسن يديسسه ،وأنزل التوراة
والنجيل من قبل هدى للناس وأنزل الفرقان)) [آل عمران]3 :
وقال تعالى(( :إنسا أنزلنسا إليسك الكتاب بالحسق لتحكسم بيسن الناس بمسا أراك ال ول تكسن
للخائنين خصيما)) [النساء]105 :
وقال تعالى(( :يسسا أيهسسا الناس قسسد جاءكسسم الرسسسول بالحسسق مسسن ربكسسم فآمنوا خيرٌ
لكم))[.النساء]170 :
وقال تعالى(( :وأنزلنسا إليسك الكتاب بالحسق مصسدقا لمسا بيسن يديسه مسن الكتاب ومهيمنسا
عليه)) [المائدة]48 :
وقال تعالى(( :هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق))[الفتح ،28 :والصف]9 :
3
سححعادة أهححل الحححق بقبول الحححق وشقاوة
أهل الباطل برفضه.
وقسد سسعد قوم بهذه الكتسب التسي أنزلهسا ال تعالى على رسسله بالحسق ليمانهسم بهسا ،كمسا
سسعدوا بأولئك الرسسل الذيسن أرسسلهم بالحسق لطاعتهسم لهسم واتباع منهجهسم ،ففازوا بالفلح
فسي الدنيسا والخرة .كمسا قال تعالى(( :ألم ،ذلك الكتاب ل ريسب فيسه هدى للمتقيسن ،الذيسن
يؤمنون بالغيسب ويقيمون الصسلة وممسا رزقناهسم ينفقون ،والذيسن يؤمنون بمسا أنزل إليسك
ومسسسا أنزل مسسسن قبلك وبالخرة هسسسم يوقنون ،أولئك على هدى مسسسن ربهسسسم وأولئك هسسسم
المفلحون)) [البقرة]5-1 :
وشقسي آخرون بإنزال تلك الكتسب وإرسسال أولئك الرسسل ،لعدم إيمانهسم بالحسق الذي
نزلت بسه تلك الكتسب ،وعدم طاعتهسم لولئك لرسسل الذيسن جاءوهسم بالحسق مسن ربهسم .كمسا
قال تعالى(( :وقال الذين كفروا للحق لما جاءهم إن هذا إل سحر مبين[ ))..سبأ]43 :
وقال تعالى(( :ومسسا نرسسسل المرسسسلين إل مبشريسسن ومنذريسسن ،ويجادل الذيسسن كفروا
بالباطل ليدحضوا به الحق واتخذوا آياتي وما أنذروا هزوا[))..الكهف]56 :
وقال تعالى(( :واسسستكبر هسسو وجنوده فسسي الرض بغيسسر الحسسق وظنوا أنهسسم إلينسسا ل
يُرجعون[))..القصص39 :
وقال تعالى(( :وقال الشيطان لمسا قضسي المسر إن ال وعدكسم وعسد الحسق ووعدتكسم
فأخلفتكم وما كان لي عليكم من سلطان إل أن دعوتكم فاستجبتم لي فل تلوموني ولوموا
أنفسسكم ،مسا أنسا بمصسرخكم ومسا أنتسم بمصسرخي إنسي كفرت بمسا أشركتمونسي مسن قبسل إن
الظالمين لهم عذاب أليم[ ))..إبراهيم]22 :
والحق ضد الباطل والضلل .جاء الرسل بالحق ودعوا إليه وجاء الشيطان وأتباعه
بالباطل والضلل ودعوا إليه ،والحق تعالى يريد أن يحق الحق ويبطل الباطل.
كما قال تعالى(( :فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى تصرفون[ ))...يونس]32 :
وقال تعالى(( :ليحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون[ ))...النفال]8 :
وقال تعالى(( :بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق[ ))..النبياء]18 :
ويعترف أهل الحق بالحق عندما ينالون رضا ال اعتراف شكر وغبطة وسرور في
جنات عدن .كمسا قال تعالى(( :والذيسن آمنوا وعملوا الصسالحات ل نكلف نفسسا إل وسسعها
أولئك أصسحاب الجنسة هسم فيهسا خالدون ،ونزعنسا مسا فسي صسدورهم مسن غسل تجري مسن
تحتهسسم النهار وقالوا الحمسسد ل الذي هدانسسا لهذا ومسسا كنسسا لنهتدي لول أن هدانسسا ال لقسسد
جاءت رسسسسسسل ربنسسسسسا بالحسسسسسق ونودوا أن تلكسسسسسم الجنسسسسسة أورثتموهسسسسسا بمسسسسسا كنتسسسسسم
تعملون[))...العراف]43 :
ويعترف أهل الباطل بالحق ،عندما ينالون جزاء إنكارهم له في الدنيا ،وهم في نار
جهنسم يتمنون أن يجدوا شفيعسا ينفعهسم أو إذنسا لهسم بالرجوع إلى الدنيسا ليعملوا عمل يكون
أساسه الحق وليس الباطل .كما قال تعالى(( :يوم يأتي تأويله يقول الذين نسوه من قبل قد
جاءت رسل ربنا بالحق فهل لنا من شفعاء فيشفعوا لنا أو نرد فنعمل غير الذي كنا نعمل
4
قد خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون[ ))...العراف]53 :
والذي كانوا يفتر ونه ،هو الباطل الذي آمنوا به في الدنيا ،والكفر بالحق الذي أقروا
بسسه بعسسد دخولهسسم النار كمسسا قال تعالى(( :والذيسسن أمنوا بالباطسسل وكفروا بال أولئك هسسم
الخاسرون[ ))..العنكبوت]52 :
والباطل هو الضلل الذي يقابل الحق والهدى ،وكل ما عدا الحق والهدى فهو باطل
وضلل .كمسسا قال تعالى(( :فذلكسسم ال ربكسسم الحسسق ،فماذا بعسسد الحسسق إل الضلل فأنسسى
تصرفون[))..يونس]32 :
وقال تعالى(( :ومسن أضسسل ممسن اتبسسع هواه بغيسسر هدى مسن ال إن ال ل يهدي القوم
الظالمين[ ))...القصص]50 :
وقال تعالى(( :أولئك الذيسن اشتروا الضللة بالهدى فمسا ربحست تجارتهسم[))...البقرة:
]16
والحسق يطلق على الثابست المسستقر ،والباطسل يطلق على نقيسض الحسق ،وهسو مسا ل
ثبات له عنسد الفحسص عنسه [المفردات فسي غريسب القرآن ،للراغسب الصسفهاني .الطبعسة
الهندية ص ]50
والضلل أيضا ضد الهداية ،وهو العدول عن الصراط المستقيم والزائل المضمحل.
[المرجع السابق ،ص ،299وكتب اللغة مادة (ض ل ل]
وحيسسث إن الباطسسل هسسو ضسسد الحسسق-وكذلك الضلل-فإن بيان الحسسق يوضسسح معنسسى
الباطل-وكذلك الضلل.-
وقد فصل المام [العلمة الحسين بن محمد بن المفضل الملقب بالراغب الصفهاني
المفسر اللغوي ،المتوفى سنة 502هس ] .-رحمه ال معاني الحق في القرآن الكريم ،فقال:
(أصسل الحسق المطابقسة والموافقسة ،كمطابقسة رجسل الباب فسي حقسه لدورانسه على اسستقامة.
والحق يقال على أوجه:
الول :يقال لموجِد الشيسء ،بسسبب مسا تقتضيسه الحكمسة ،ولهذا قيسل فسي ال تعالى :هسو
الحسق ،قال ال تعالى(( :و ردوا إلى ال مولهسم الحسق ))...وقيسل بعيسد ذلك(( :فذلكسم ال
ربكم الحق ،فماذا بعد الحق إل الضلل فأنى تصرفون[ ))..يونس]32-30 :
والثانسي :يقال :للموجَد ،بحسسب مسا تقتضيسه الحكمسة ،ولهذا يقال :فعسل ال تعالى كله
حسسق .وقال تعالى(( :هسسو الذي جعسسل الشمسسس ضياءً ا والقمسسر نورا ))...إلى قوله تعالى:
((ما خلق ال ذلك إل بالحق[ ))...يونس]5 :
وقال في القيامة(( :ويستنبئونك أحق هو قل إي وربي إنه لحق[ ))..يونس]53 :
وقوله عز وجل(( :الحق من ربك[ ))..البقرة ،147 :آل عمران(( ]60 :وإنه للحق من
ربك[ ))..البقرة]149 :
والثالث :فسي العتقاد للشيسء المطابسق لمسا عليسه ذلك الشيسء فسي نفسسه كقولنسا :اعتقاد
فلن في البعث والثواب والعقاب والجنة والنار حق ،قال ال تعالى(( :فهدى الذين آمنوا
لما اختلفوا فيه من الحق[ ))...البقرة]213 :
والرابسع :للفعسل والقول ،بحسسب مسا يجسب ،وبقدر مسا يجسب وفسي الوقست الذي يجسب،
5
كقولنا :فعلك حق ،وقولك حق.
قال ال تعالى(( :كذلك حقسست كلمسسة ربسسك[ ))..غافسسر(( ]6 :حسسق القول منسسي لملن
جهنم[ ))..السجدة]13 :
وقوله عسسز وجسسل(( :ولو اتبسسع الحسسق أهواءهسسم[ ))...المؤمنون ]71 :يصسسح أن يكون
المراد به ال تعالى ،ويصح أن يراد به الحكم الذي هو بحسب مقتضى الحكمة.
ويقال :أحققت كذا ،أي أثبته حقا ،أو حكمت بكونه حقا.
وقوله تعالى(( :ليحسسق الحسسق[ ))..النفال ]8 :فإحقاق الحسسق على ضربيسسن :أحدهمسسا
بإظهار الدلة واليات ،كمسسا قال تعالى(( :وأولئكسسم جعلنسسا لكسسم عليهسسم سسسلطانا مبينسسا))
[النسسساء ]91 :أي حجسسة قويسسة .والثانسسي :بإكمال الشريعسسة وبثهسسا فسسي الكافسسة ،كقوله تعالى:
((وال متسسم نوره ولو كره الكافرون[ ))..الصسسف(( ]8 :هسسو الذي أرسسسل رسسسوله بالهدى
وديسن الحسق ليظهره على الديسن كله[ ))..التوبسة ، 33 :الفتسح ، 28 :الصسف ]9 :انتهسى كلم
الصفهاني
ومما ذكره المام الصفهاني رحمه ال يتبين أن ال تعالى هو الحق ،كما أطلق ذلك
على نفسه في كتابه ،وهو تعالى الموجد للكون كله بحسب ما تقتضيه الحكمة ،أي جميع
مخلوقاته تعالى قد أوجدها وفق الحكمة الكاملة التامة .وأن فعله تعالى حق لن كل شيء
أوجده إنمسا أوجده بالحسق ،وأن كسل مسا جاء بسه الرسسل مسن عنسد ال تعالى حسق ،مسن عقيدة
وشريعة وخلق....
وأن قوله تعالى وكلماته كلها حق.
8
من هم أهل الحق؟
تنبيهات ثلثة مهمة:
الول :يجب أن يعلم أن مرادي بأهل الحق في هذا الكتاب أن صاحب الحق-بل
هسسو الحسسق :-ال جسسل جلله ،ثسسم أنسسبياؤه ورسسسله وكسسل مسسن تبعهسسم واهتدى بهديهسسم،
ل إله إل
والمسلمون الذين يقرون ويعترفون بأن السلم حق ويدخلون فيه بشهادة أ ّ
ال محمسد رسسول ال ،وأنسه يجسب العمسل بسه وتطسبيقه فسي الرض ،وأنسه لم يبسق فسي
الرض بعسد بعثسة الرسسول أي ديسن حسق يقبله ال مسن أهله ،ويدخسل فسي زمرة أهسل
الحسق مسن المسسلمين الذيسن تلك صسفتهم مسن حصسل منهسم نوع تقصسير مسن ارتكاب
بعض المعاصي أو ترك بعض الطاعات-ما عدا الشرك بال-التي هي تحت مشيئة
ال إن شاء غفرها لهم ،وإن شاء عذبهم بها ،ثم أدخلهم الجنة ،وقد يكون عند بعض
هؤلء شيسء مسن الباطسل الذي يجسب الرد عليسه ،ولكنهسم ل يخرجون مسن صسف أهسل
الحق-إل عند الخوارج ومن تبعهم في مذهبهم عالما أو جاهل.
وأن مرادي بأهسل الباطسل :كسل مسن لم يدخسل فسي السسلم ،أو انتسسب إليسه ولكنسه
ارتد عنه ،أو زعم أنه مسلم وحارب تطبيق شريعة ال في حياة المسلمين وكلّ من
دعا إلى ذلك التطبيق.
ول يدخسل فسي أهسل الباطسل مسن اجتهسد مسن العلماء فأخطسأ فسي نظسر غيره مسن
المجتهديسن ،فإن للمجتهسد أجريسن إذا أصساب وأجرا إذا أخطسأ ،وقسد يكون الخطسأ عنسد
من خطّأه.
التنسبيه الثانسي :أنسي لم أقصسد بأهسل الحسق فئة معينسة مسن المسسلمين ،ول أهسل بلد
معين ،كما ل أقصد من أهل الباطل فئة معينة ول أهل بلد معين ،وإنما قصدت أهل
الحق من حيث هم من أي فئة كانوا ،وفي أي أرض من أرض ال حلوا ،وقصدت
أهل الباطل من حيث هم من أي فئة كانوا ،وفي أي أرض حلوا.
التنسبيه الثالث :أن قصسدي بالحسق هسو الحسق الربانسي الذي كلف ال عباده التسسليم
له بسه ،والهدى اللهسي الذي أنزل بسه وحيسه وبعسث بسه رسسله ليخرج بسه الناس مسن
الظلمات إلى النور ،والذي ل يقبل ال من أحد دينا سواه ،وهو السلم.
وليسس مرادي مسا وصسلت إليسه المسم مسن التجارب القانونيسة والداريسة والكونيسة
التسسي قسسد يوجسسد فيهسسا الحسسق والباطسسل ،وهسسي أمور تشترك فيهسسا كسسل المسسم فسسي كسسل
الزمان ،فلست أنفي وجود حقّ مّا عن أهل الباطل ،وإنما أنفي عنهم الحق اللهي
الذي جحدوه وكفروا به وحاربوه.
وبناء على هذا فصساحب الحسق الول هسو الحسق جسل جلله ،فمسن أسسمائه الحسق ،كمسا
سسبق وخلق السسماوات والرض ومسا بينهمسا بالحسق وأنزل كتبسه ووحيسه بالحسق ،وبعسث
9
رسله بالحق ،وكلماته كلها حق و أفعاله كلها حق.
ثسم أنسبياء ال ورسسله الذيسن كلفهسم تبليسغ رسسالته إلى الناس ،ومسن اسستجاب لهسم مسن
أقوامهسم فآمن بمسا جاءوا به وعمسل به ودعسا إليه ،وبخاصة من ناصرهم وصسار حواريسا
لهسسم ،يظهسسر ذلك مسسن قصسسص النسسبياء والرسسسل مسسع أقوامهسسم ،وقسسد أمسسر ال تعالى نسسبيه
ورسسوله الخاتسم أن يقتدي بمسن سسبقه مسن الرسسل-بعسد أن ذكسر طائفسة منهسم بأسسمائهم-فقال:
((أولئك الذين هدى ال فبهداهم اقتده[ ))..النعام]90 :
وهسم أهسل طاعتسه الذيسن أنعسم عليهسم ،ذلك الموكسب العظيسم الذي قال ال تعالى فيهسم:
((ومسسن يطسسع ال والرسسسول فأولئك مسسع الذيسسن أنعسسم ال عليهسسم مسسن النسسبيين والصسسديقين
والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا[ ))..النساء]69 :
وخير أمم الحق أمة محمد صلى ال عليه وسلم التي شهد ال لها بالخيرية التي نالتها
بمسا منحهسا ال تعالى مسن المؤهلت ((كنتسم خيسر أمسة أخرجست للناس تأمرون بالمعروف
وتنهون عن المنكر وتؤمنون بال))[.آل عمران]110 :
وهسسم حزب ال وأولياؤه الذيسسن يجاهدون فسسي سسسبيله ويحبهسسم ويحبونسسه ،ول يخافون
لومة لئم ويتولونه ويتولون أولياءه ،كما قال تعالى(( :يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم
عسن دينسه فسسوف يأتسي ال بقوم يحبهسم ويحبونسه أذلة على المؤمنيسن أعزة على الكافريسن
يجاهدون فسي سسبيل ال ول يخافون لومسة لئم ،ذلك فضسل ال يؤتيسه مسن يشاء وال واسسع
عليسم ،إنمسا وليكسم ال ورسسوله والذيسن آمنوا الذيسن يقيمون الصسلة ويؤتون الزكاة وهسم
راكعون ،ومسسن يتول ال ورسسسوله والذيسسن أمنوا فإن حزب ال هسسم الغالبون[.))..المائدة:
(( ]56-54والمؤمنون والمؤمنات بعضهسسم أولياء بعسسض يأمرون بالمعروف وينهون عسسن
المنكسر ويقيمون الصسلة ويؤتون الزكاة ويطيعون ال ورسسوله ،أولئك سسيرحمهم ال إن
ال عزيسسسسسسسز حكيسسسسسسسم[.))..التوبسسسسسسسة(( ]71 :أولئك حزب ال أل إن حزب ال هسسسسسسسم
المفلحون[.))..المجادلة ]22 :هؤلء هم أهل الحق.
13
منزلة العقل عند الله وأثره في الحياة.
وظاهسر مسن اليات القرآنيسة-كمسا هسو الواقسع-أن النسسان لو لم يمنحسه ال العقسل ،لكان
أضل من الحيوان ،ولما كان خليفة وسيدا في الرض.
ولو أن أهل العقول أعملوها وفكروا بها في المجالت التي وجدت من أجل إعمالها
والتفكيسر بعقولهسم فيهسا ،وعملوا بمقتضسى النتائج التسي تتوصسل إليهسا على أسساس سسليم،
لسعد الناس بذلك في الدنيا والخرة.
ومسن تلك المياديسن :الكون الذي أبدعسه ال فسي السسماوات والرض ومسا بينهمسا ،ممسا
يمكسن للعاقسل أن يتناوله بالتفكيسر فيسه بعقله ،وهسو كتاب ال المفتوح الذي فيسه مسن الدقسة
والحكام والتقان ،مسا يذهسل العقول ويجعلهسا تسستسلم للخالق وتسستفيد مسن مخلوقاتسه فسي
تسخيرها لصالح المم ،بقوانينها ونواميسها التي أودعها ال تعالى فيها.
ومسن أمثلة ذلك فسي القرآن الكريسم قول ال تعالى(( :هسو الذي أنزل مسن السسماء ماء
لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون ،ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والعناب
ومسسن كسسل الثمرات إن فسسي ذلك ليسسة لقوم يتفكرون وسسخّر لكسسم الليسسل والنهار والشمسسس
والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن في ذلك ليات لقوم يعقلون ،وما ذرأ لكم في الرض
مختلفسا ألوانسه إن فسي ذلك ليسة لقوم يذّكرون وهسو الذي سسخر البحسر لتأكلوا منسه لحمسا
طريا وتستخرجوا منه حلي ًة تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم
تشكرون ..وألقسسى فسسي الرض رواسسسي أن تميسسد بكسسم وأنهارا وسسسبل لعلكسسم تهتدون..
وعلمات وبالنجم هم يهتدون ...أفمن يخلق كمن ل يخلق أفل تذكرون ..وإن تعدوا نعمة
ال ل تحصوها إن ال لغفور رحيم))[.النحل181-10 :ول تفكير ،ول تذكر ،ول شكر لمن
ل عقل له] ؟؟؟
فترى القرآن الكريسم يجول بالعقسل فسي السسماء-شمسسها وقمرهسا ونجومهسا وكواكبهسا
ومائهسا-وفسي الرض-بخيراتهسا ،مسن زروعهسا و أشجارهسا وبحارهسا وأنهارهسا وجبالهسا
وسسهولها ،ويجعسل ذلك كله مجال للعقسل ليتفكسر فيسه ويتذكسر ويهتدي ويشكسر ،ومسن شُكْر
ذلك استغللُ هذا الكون في مصالح العباد على أساس هدي ال تعالى.
ومسن تلك المياديسن :فقسه نصسوص القرآن والسسنة ،والتعمسق فسي فهمهسا واسستنباط مسا
تحتاج إليه البشرية منها ،لتتقي ربها وتسير في تصرفاتها على منهجه ،مع فهم أسراره
وحكمسسه حيسسث أمكسسن ذلك ،وإل فالتسسسليم المطلق لشرع ال تعالى ،فإن التسسسليم لشرع ال
هو عين الفقه والعقل ،وعدم التسليم لذلك هو عين الجهل والخطل.
قال تعالى(( :قسل تعالوا أتسل مسا حرم ربكسم عليكسم أن ل تشركوا بسه شيئا ،وبالوالديسن
إحسانا ،ول تقتلوا أولدكم من إملق نحن نرزقكم وإياهم ،ول تقربوا الفواحش ما ظهر
منها وما بطن ،ول تقتلوا النفس التي حرم ال إل بالحق ،ذلك وصاكم به لعلكم تعقلون،
ول تقربوا مال اليتيسسسم إل بالتسسسي هسسسي أحسسسسن حتسسسى يبلغ أشده ،وأوفوا الكيسسسل والميزان
بالقسط ،ل نكلف نفسا إل وسعها ،وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قرب،ى وبعهد ال أوفوا،
ذلكسسم وصساكم بسه لعلكسسم تذّكرون ..وأن هذا صسسراطي مسستقيما فاتبعوه ول تتبعوا السسبل
فتفرق بكم عن سبيله ،ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون))[.التقوى تكليف بدون عقل]
14
فهذه الوصسايا العشسر الجامعسة ،لو تأملهسا الناس وفكروا فسي مصسالحها التسي ل سسعادة
لهسم بدونهسا ،وفهموا معانيهسا والثار المترتبسة على تطبيقهسا والعمسل بهسا ،لعاشوا عيشسة
هنيئة في ظلل شرع ال العظيم.
وقسد ختسم ال الخمسس الولى منهسا بقوله تعالى(( :لعلكسم تعقلون ))..إشارة إلى أن هذه
المور ل بسسد أن يسسسلم العقسسل بضرورة مراعاتهسسا ،و أن مسسن لم يفقسسه الحكمسسة مسسن هذه
التكاليسف ول يسستسلم لشرع ال ويطبقسه ،ليسس مسن العقلء السسوياء بسل هسو أضسل مسن
الحيوان.
وختم الربع الوصايا الخرى بقوله تعالى(( :لعلكم تذكرون ))..والتذكر ل يكون إل
من عاقل يفهم خطاب ال ويعلم أنه ل يأمر إل بخير ول ينهى إل عن شر.
وختسسسم الوصسسسية العاشرة-وهسسسي أشمسسسل الوصسسسايا وأعظمهسسسا-بقوله تعالى(( :لعلكسسسم
تتقون ))..والتقوى هسي المقصسودة ،لن صساحبها يتورع عسن ترك المسر وفعسل النهسي،
تعظيما ل ورغبةً فيما عنده وخشية من عذابه.
وقال تعالى(( :فلول نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم
إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون))[.التوبة]122 :
وقال تعالى(( :وإذا جاءهسسسم أمسسسر مسسسن المسسسن أو الخوف أذاعوا بسسسه ولو ردوه إلى
الرسول وإلى أولى المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم[.))..النساء]13 :
والستنباط :الستخراج والبحث.
والبحث والستنباط هنا يعنيان الجتهاد من أهله للوصول إلى الحكم الواجب تطبيقه
العائد بالخيسسر على المسسة ،الْمُرضسسي ل تعالى ،وهذا ل يكون إل مسسن ذوي العقول النيرة
التي صاغها شرع ال.
ولول أن ال تعالى هيسسأ للمسسة السسسلمية أمثال هؤلء العقلء الذيسسن يسسستنبطون لهسسا
أحكام ال مسن شريعتسه ،لكان الشيطان قائد هسم إلى كسل سسوء ،ولعسل ذلك مسن حكمسة هذا
التعقيسب الربانسي فسي هذه اليسة(( :ولول فضسل ال عليكسم ورحمتسه لتبعتسم الشيطان إل
قليل)).
فالعقسل السسليم له أثره العظيسم فسي حياة الناس ،لن أهسل العقول السسليمة يفكرون فسي
مصسالح المسة ويدعونهسا إليهسا ،كمسا يفكرون فسي المفاسسد التسي يجسب اجتنابهسا وينهونهسم
عنها.
ويجسسب التنسسبيه هنسسا على عبارة شائعسسة متداولة بيسسن عامسسة الناس ،وأصسسبحت لكثرة
تردادها وتكرارها كأنها قضية مسلمة ،وأكثر من يرددها الرياضيون ومشجعوهم وهي:
(العقسل السسليم فسي الجسسم السسليم) .ول شسك أن فسي اجتماع سسلمة الجسسم وسسلمة العقسل
نعمسسة عظيمسسة على صسساحبهما ،وإذا أريسسد بسسسلمة العقسسل السسسلمة مسسن الفات المعنويسسة
والماديسسة فالنعمسسة بذلك أعظسسم .و لكسسن هذه العبارة غيسسر مطردة ،لوجود كثيسسر مسسن ذوي
الفات الجسسمية-كالعمسى ،والصسمم ،والعرج ،والشلل-ممسن منحهسم ال عقول سسليمة قويسة
مخترعسسة مبدعسة فسسي العلوم السسلمية ومسسا يخدمهسسا كاللغسسة والدب والبلغسسة والتاريسسخ
وغيرهسا مسن العلوم المسسماة ب(-النسسانية) ،والعلوم الكونيسة المتعددة التسي نفسع ال بهسا
العالم قديمسا وحديثسا ،ولوجود كثيسر مسن ذوي الجسسام السسليمة القويسة-كمصسارعي الثيران
15
والقران مسسن أبناء جنسسسهم ،وبعسسض أفراد الفرق الرياضيسسة الذيسسن لم تتجاوز عقولهسسم
التفكير في تقوية عضلتهم وإشباع غرائزهم بما حل وحرم!
وكفى بالعقل منزلة عند ال معرفة المور الثلثة التية:
المر الول :أنه مناط التكليف وأن غير العاقل ل ينال شرف التكليف من ال تعالى،
ذلك أن التكليسف ل يكون إل لمسن أمكنسه علم الحسق والعمسل بسه ومعرفسة الباطسل وتركسه،
وهذا ل يمكن إل من أهل العقول.
ولهذا تجسد علماء السسلم يذكرون فسي كتبهسم أصسول كانست أو فروعسا أن مسن أهسم
شروط التكليف :العقل ،فل يكلف غير العاقل …
المسسر الثانسسي :أن العقسسل هسسو إحدى الضرورات الخمسسس التسسي ل تكون الحياة فسسي
الرض مستقرة ول قائمة بدون حفظها .وهي :الدين ،والنفس ،والعقل ،والنسل ،والمال
[راجسسع كتابنسسا :السسسلم وضرورات الحياة ص 105الطبعسسة الثانيسسة .نشسسر وتوزيسسع دار
المجتمع .جدة].
المسر الثالث :أن ال تعالى أرسسل رسسله وأنزل كتبسه لبلغ الناس دينسه الحسق ،مبينسا
لهسسم بحججسسه وبراهينسسه أن ذلك الديسسن حسسق وأن مسسا خالفسسه باطسسل ،ملجئا تلك العقول بتلك
الجسسج والبراهيسسن ،إلى التسسسليم الختياري بأن ديسسن ال حسسق وأنسسه الهدى والرشاد ،وأنسسه
جالب لمصالحهم في الدارين ،واق لهم من المفاسد فيهما.
ومسسسن هنسسسا لم يأذن ال تعالى بإكراه الناس على اليمان بسسسه ،مكتفيسسسا بسسسبيان أن ذلك
اليمان حق ،بيانا قائما على الحجة والبينة التي يقر بها عقل المخاطب-وإن كابر وعاند-
ن َقدْ تَبَيّ نَ
ويتبين بها الرشد من الغي ،كما قال تعالى في كتابه الكريم((:ل إِكْرَا هَ فِي الدّي ِ
سكَ بِالْعُرْوَ ِة الْوُ ْثقَى ل انفِ صَامَ ن الغَيّ فَمَ نْ يَ ْكفُرْ بِالطّاغُو تِ وَيُ ْؤمِ نْ بِالِّ َفقَ ْد ا سْتَمْ َ
الرّشْدُ مِ ْ
علِيمٌ)) [البقرة]256 : لَهَا وَالُّ سَمِيعٌ َ
وقال تعالىَ (( :ولَوْ شَاءَ رَبّكَس لمَنَس مَنْس فِي الَْرْضِس ُكلّهُمْس جَمِيعًا َأ َفأَنْتَس تُكْرِهُس النّاسَس
حَتّى يَكُونُوا مُؤْ ِمنِينَ)) [يونس]99 :
وقسسد امتل كتاب ال باليات الدالة على هذا المعنسسى العظيسسم الذي يسسبين عِظَم سَ منزلة
ن له إلى معرفسسة الحسسق حفْزَه على التأمسسل والتفكسسر الموصسسلَي ِ العقسسل عنسسد ال تعالى ،و َ
والباطل.
وإن أي إنسان عاقل يستغل طاقته العقلية في تأمل بعض تلك اليات ،ل بد أن يوقن
بأن ما جاءت به رسل ال ونزلت به كتبه حق.
و لنذكر بعضا من تلك اليات بدون تعليق ،ليتأملها طالب الحق ،ثم يسأل عقله بعد
ذلك :هسل تسبين له أن ال تعالى حسق وأن عبادتسه حسق ،وأن الكون كله دال على ذلك ،وأن
ال تعالى قسد أنزل عقله منزلة عظيمسة يجسب عليسه أن يشكرهسا ويصسون ذلك العقسل مسن
عبث المتلعبين به أو ل؟
خلْق ِس الس سّمَاوَاتِ وَالرْض سِ وَاخْتِلف سِ اللّ ْيلِ وَالنّهَارِ مسسن ذلك قوله تعالى(( :إِنّ فِي َ
وَالفلك الّتِي َتجْرِي فِي الْ َبحْرِ بِمَا يَنفَعُس النّاسَس َومَا أَن َزلَ الُّ مِنْس السّسمَاءِ مِنْس مَاءٍ َفَأحْيَا بِهِس
ن السّمَاءِ سخّرِ بَيْ َ سحَابِ الْ ُم َ
لرْضَ بَعْدَ مَوْ ِتهَا وَ َبثّ فِيهَا ِمنْ ُكلّ دَابّةٍ وَ َتصْرِيفِ الرّيَاحِ وَال ّ
16
ت ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ)) [البقرة]164 : وَلَرْضِ ليَا ٍ
وقوله تعالى(( :المسر ِتلْكَس آيَاتُس الْكِتَابِس وَالّذِي أُن ِزلَ ِإلَيْكَس مِنْس رَبّكَس الحسق َولَكِنّ أَكْثَرَ
علَى الْعَرْشِس النّاسِس لَ يُؤْمِنُونَس ( )1الُّ الّذِي َرفَعَس السّسمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَ َمدٍ تَرَوْنَهَا ُثمّ اسْستَوَى َ
جلٍ مُس سَمّى يُ َدبّرُ الَمْرَ ُيفَص ّسلُ اليَات ِس لَ َعلّكُم سْ ِبِلقَاءِ لِ َ
وَس َسخّرَ الشّمْس سَ وَالْقَمَرَ ُكلّ َيجْرِي َ
ل فِيهَا رَوَاسِسيَ َوأَنْهَارًا وَمِنْس ُكلّ الثّمَرَاتِس رَبّكُمْس تُوقِنُونَس ( )2وَهُ َو الّذِي مَدّ الَرْضَس َوجَ َع َ
ل النّهَا َر إِنّ فِي َذلِكَس ليَاتٍس ِلقَوْمٍس يَ َتفَكّرُونَس ( )3وَفِي جَ َعلَ فِيهَا زَ ْوجَيْنِس اثْنَيْنِس يُغْشِي اللّ ْي َ
سقَى ن أَعْنَا بٍ وَزَ ْر عٌ وَ َنخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُ ْ ض ِقطَ عٌ مُ َتجَاوِرَا تٌ َوجَنّا تٌ ِم ْ الَرْ ِ
ل إِنّ فِي َذلِكَس ليَاتٍس ِلقَوْمٍس يَ ْع ِقلُونسَ)) ()4 علَى بَعْضٍس فِي الُ ُك ِ ضلُ بَ ْعضَهَا َ بِمَاءٍ وَاحِدٍ َوُنفَ ّ
[الرعد]
س ْبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمّا يُشْرِكُونَ()1يُنَ ّزلُ جلُوهُ ُ ومنها قوله تعالى(( :أَتَى أَمْ ُر الِّ فَل َتسْتَ ْع ِ
ل ِإلَ َه إِل أَنَا فَا ّتقُونِي ( ن أَنذِرُوا أَنّ هُ َعلَى َم نْ َيشَاءُ ِم نْ عِبَادِ ِه أَ ْ ن أَمْرِ هِ َالْمَلئِكَةَ بِالرّو حِ مِ ْ
ط َف ٍة َفإِذَا خلَقَس الِنسسَانَ مِنْس نُ ْ خلَقَس السّسمَاوَاتِ وَالرْضَس بِالحسق تَعَالَى عَمّاس يُشْرِكُونَس (َ )3 َ )2
فءٌ وَمَنَافِعُس وَمِنْهَا َتأْ ُكلُونسَ(َ )5ولَكُمْس فِيهَا خَلقَهَا لَكُمْس فِيهَا دِ ْ هُ َو خَصسِيمٌ مُبِينٌس ()4وَالنْعَامَس َ
ل حِينَس تُرِيحُونَس َوحِينَس تَسْس َرحُونَ ()6وَ َتحْ ِملُ أَ ْثقَالَكُمْس ِإلَى َبلَ ٍد لَمْس تَكُونُوا بَالِغِيهِس إِلّ بِشِقّ جَمَا ٌ
خلُقُ مَا ل س إِنّ رَبّكُ ْم لَ َرءُوفٌ َرحِيمٌ ()7وَالْخَ ْيلَ وَالْبِغَالَ وَا ْلحَمِي َر لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَ َي ْ النفُ ِ
علَى الِّ قَصْ ُد السّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ َولَوْ شَا َء لَهَدَاكُ ْم َأجْمَعِينَ(ُ )9ه َو الّذِي أَن َزلَ تَ ْعلَمُونَ ()8وَ َ
ت لَكُمْ بِ ِه الزّرْعَ وَالزّيْتُونَ شجَ ٌر فِيهِ ُتسِيمُونَ ( )10يُنْ ِب ُ مِنْ السّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِ ْنهُ شَرَابٌ وَمِ ْنهُ َ
سخّ َر لَكُ ْم اللّ ْيلَ لعْنَابَ وَ ِمنْ ُكلّ الثّمَرَاتِ ِإنّ فِي َذلِكَ ل َي ًة ِلقَوْمٍ يَ َتفَكّرُونَ ( )11وَ َ وَال ّنخِيلَ وَا َ
سخّرَاتٌ ِبأَمْرِ ِه إِنّ فِي َذِلكَ ليَاتٍ ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ ()12وَمَا وَالنّهَارَ وَالشّمْسَ وَالْقَمَرَ وَال ّنجُومُ ُم َ
ذَ َرَأ لَكُمْس فِي الرْضِس ُمخْ َتلِفًا َألْوَانُهُس إِنّ فِي َذلِكَس ليَ ًة ِلقَوْمٍس يَذّكّرُونَس ()13وَهُ َو الّذِي سَسخّرَ
حلْيَةً َتلْبَس سُونَهَا وَتَس ْس َتخْرِجُوا مِنْه ُس حِلْ َيةً الْبَحْ َر لِ َتأْ ُكلُوا مِنْه ُس َلحْمًا طَ ِريّا س َوتَس سْ َتخْ ِرجُوا مِنْه ُس ِ
ضلِه سِ َولَ َعلّكُمسْ تَشْكُرُون سَ (َ )14وَألْقَى فِي َتلْبَسسُونَهَا وَتَرَى الفلك مَوَاخِ َر فِيهسِ َولِتَبْتَغُوا مِن ْس َف ْ
ي أَنْس تَمِيدَ بِكُمْس َوأَنْهَارًا وَسُسبُل لّ َعلّكُمْس تَهْ َتدُونَس ()15وَعَلمَاتٍس وَبِال ّنجْمِس هُمْس لَرْضِس رَوَاسِس َ
ق أَفل تَذَكّرُونَ ([ )))17النحل] خلُ ُخلُقُ كَمَنْ ل َي ْ يَهْتَدُونَ(َ )16أفَمَنْ َي ْ
وقوله تعالى(( :وَالُّ أَن َزلَ مِنْس السّسمَاءِ مَاءً َفَأحْيَا بِهِس لرْضَس بَ ْعدَ مَوْتِهَا إِنّ فِي َذلِكَس
ن فَرْثٍ وَ َدمٍ سقِيكُمْ مِمّا فِي ُبطُو ِنهِ ِمنْ بَ ْي ِ ليَ ًة ِلقَوْمٍ يَسْمَعُونَ(َ )65وإِنّ لَكُ ْم فِي الَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُ ْ
لَبَنًا خَالِ صًا سَائِغًا لِلشّارِبِي نَ( )66وَمِ نْ ثَمَرَا تِ ال ّنخِيلِ وَالعْنَا بِ َتّتخِذُو نَ مِ ْن هُ سَكَرًا وَرِ ْزقًا
حلِ أَنْس ا ّتخِذِي مِنْس الْجِبَالِ حَسَسنًا إِنّ فِي َذلِكَس ليَ ًة ِلقَوْمٍس يَ ْع ِقلُونَس (َ )67وأَوْحَى رَبّكَس ِإلَى ال ّن ْ
ل الثّمَرَاتِس فَاسْسلُكِي سُسُبلَ رَبّكِس ذُلل شجَرِ َومِمّاس يَعْ ِرشُونَس ( )68ثُمّ ُكلِي مِنْس ُك ّ بُيُوتًا وَمِنْس ال ّ
س إِنّ فِي َذلِكَ ليَ ًة ِلقَوْمٍ يَ َتفَكّرُونَ ( شفَاءٌ لِلنّا ِ ف َألْوَانُ ُه فِيهِ َِيخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ ُمخْ َتلِ ٌ
شيْئًا إِنّ علْمٍس َ ل الْعُمُرِ لِكَيْس ل يَ ْعلَمَس بَ ْعدَ ِ خَلقَكُمْس ُثمّ يَتَ َوفّاكُمْس وَمِنْكُمْس مَنْس يُرَ ّد ِإلَى أَرْ َذ ِ
)69وَالُّ َ
علِي ٌم قَدِيرٌ ([ )))70النحل] الَّ َ
وقوله تعالىَ(( :أ َفلَم سْ يَس سِيرُوا فِي الَْرْض ِس فَتَكُون َس لَهُم ْس ُقلُوبسٌ يَ ْع ِقلُون سَ بِهَا أَوْ آذَانسٌ
يَسْمَعُونَ بِهَا َفإِنّهَا ل تَ ْعمَى الَ ْبصَارُ َولَكِنْ تَ ْعمَى الْ ُقلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ ( [)46الحج]
ن السّمَاءِ مَا ًء فَ ُيحْيِ بِهِ ق خَ ْوفًا َوطَمَعًا وَيُنَ ّزلُ ِم ْ ن آيَاتِهِ يُرِيكُ ْم الْبَرْ َوقوله تعالى(( :وَ ِم ْ
ت ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ ([ )24الروم] ن فِي َذِلكَ ليَا ٍ الرْضَ بَعْدَ َموْتِهَا ِإ ّ
17
ت إيمانكُ مْ مِ نْ شُرَكَاءَ ل لَكُ مْ مِ نْ مَا َملَكَ ْ ن أَ ْنفُ سِكُمْ َه ْ
وقوله تعالى(( :ضَرَ بَ لَكُ مْ مَثل مِ ْ
صلُ اليَاتِ ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ فِي مَا رَ َزقْنَاكُ ْم َفأَنْتُ ْم فِيهِ سَوَاءٌ َتخَافُونَ ُهمْ َكخِيفَتِكُمْ أَن ُفسَكُمْ كَ َذلِكَ ُنفَ ّ
([ )28الروم]
خ ْلقِكُمْس وَمَا َيُبثّ وقوله تعالى(( :إِنّ فِي السّسمَاوَاتِ وَالَرْضِس ليَاتٍس ِللْمُؤْمِنِينسَ(َ )3وفِي َ
ن ال سّمَاءِ ِم نْ رِزْ قٍ ف اللّ ْيلِ وَالنّهَارِ وَمَا أَن َزلَ الُّ ِم ْ ت ِلقَوْ مٍ يُوقِنُو نَ()4وَاخْتِلَ ِ مِ نْ دَابّ ٍة آيَا ٌ
ف الرّيَاحِ آيَاتٌ ِلقَوْمٍ يَ ْع ِقلُونَ ([ )5الجاثية] َفأَحْيَا بِهِ الَرْضَ َبعْدَ مَوْتِهَا وَ َتصْرِي ِ
ن الْكِتَابَ َأفَل تَ ْع ِقلُونَ ن أَنفُسَكُمْ َوأَنْتُمْ تَ ْتلُو َ
ن النّاسَ بِالْبِرّ وَتَنسَوْ َ وقوله تعالى(( :أَ َتأْمُرُو َ
([ )44البقرة]
وقوله تعالى(( :إِنّا أَن َزلْنَا ُه قُرْآنًا عَرَبِيّا لَ َعلّكُمْ تَ ْع ِقلُونَ ([ )2يوسف]
وقوله تعالىَ(( :لقَ ْد أَن َزلْنَا ِإلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُ ُك ْم َأفَلَ تَ ْع ِقلُونَ([ )10النبياء]
وقوله تعالى(( :وَ ُه َو الّذِي ُيحْيِس وَيُمِيتُس َولَهُس اخْتِلَفُس اللّ ْيلِ وَالنّهَارِ َأفَلَ تَ ْع ِقلُونَس ()80
[المؤمنون]
طفْلً عَلقَةٍ ُثمّ ُيخْ ِرجُكُمْ ِ طفَةٍ ُثمّ ِمنْ َ خَلقَكُمْ ِمنْ تُرَابٍ ثُمّ مِنْ نُ ْ وقوله تعالى(( :هُ َو الّذِي َ
ن قَ ْبلُ َولِتَ ْبلُغُوا َأجَل ُمسَمّى َولَ َعلّكُمْ شيُوخًا وَ ِمنْكُمْ مَنْ يُ َت َوفّى مِ ْ ثُمّ لِتَ ْبلُغُوا أَشُدّكُمْ ثُمّ لِتَكُونُوا ُ
تَ ْع ِقلُونَ ([ )67غافر]
علَمُوا أَنّ الَّ ُيحْيسِ الَرْضسَ بَعْدَ َموْتِهَا قَدْ بَيّنّاس لَكُمسْ اليَاتِس لَ َعلّكُمسْ وقوله تعالى(( :ا ْ
تَ ْع ِقلُونَ ([ )17الحديد]
وبهذا يعلم إجرام قادة الباطسل وجنايتهسم على أنفسسهم وعلى غيرهسم ،وتمسسكهم بتقليسد
الباء والمتبوعيسن الذيسن عطلوا نعمسة ال عليهم بتلك العقول ،ليميزوا بهسا الحسق ويتبعوه،
ويعرفوا بهسا الباطسل ويجتنبوه ،فحرموا أنفسسهم وأتباعهسم مسن هدى ال الذي ل ُيحْرمسه إل
مسن ل عقسل له ،بسل عطلوا بذلك كسل المنافسذ المحسسوسة ،كالسسمع والبصسر التسي تعرض
على عقولهسم مسا تسسمع ومسا تبصسر مسن آيات ال فسي أنفسسهم وفسي الكون الكسبير ،وأنزلوا
أنفسهم منزلة أحط من منزلة الحيوان!
علَيْهِس آبَاءَنَا أَ َولَوْ ل الُّ قَالُوا َبلْ نَتّبِعُس مَا َألْفَيْنَا َ ل لَهُمْس اتّبِعُوا مَا أَن َز َ
قال تعالىَ (( :وإِذَا قِي َ
ن آبَاؤُهُمْ لَ يَ ْع ِقلُونَ شَيْئًا وَلَ يَهْتَدُونَ ([ )170البقرة] كَا َ
وقال تعالى(( :وَ َم َثلُ الّذِينَس َكفَرُوا َكمَ َثلِ الّذِي َينْعِقُس بِمَا لَ يَسْسمَعُ إل دُعَاءً وَنِدَاءً صُسمّ
ي فَهُمْ لَ يَ ْع ِقلُونَ([ )171البقرة] بُكْمٌ عُ ْم ٌ
لّ الصّ ّم الْبُكْ ُم الّذِينَ ل يَ ْع ِقلُونَ([ )22النفال] وقال تعالى(( :إِنّ شَ ّر الدّوَابّ عِ ْن َد ا ِ
َوَلقَدْ ذَ َرأْنَا ِلجَهَنّمَس كَثِيرًا مِنْس ا ْلجِنّ وَالِْنسِس لَهُمْس ُقلُوبٌس ل َي ْفقَهُونَس بِهَا َولَهُمْس أَعْيُنٌس ل
ضلّ أُ ْولَئِ كَ هُ ْم الْغَا ِفلُو نَ( يُبْ صِرُونَ بِهَا َولَهُ مْ آذَا نٌ ل َي سْمَعُونَ بِهَا أُ ْولَئِ كَ كَالنْعَا مِ َبلْ هُ ْم َأ َ
[ )179العراف]
ن ِإلَيْكَ َأ َفأَنْتَ ُتسْمِ ُع الصّمّ َولَوْ كَانُوا لَ يَ ْع ِقلُونَ ()42 وقال تعالى(( :وَ ِمنْهُمْ مَنْ َيسْتَمِعُو َ
[يونس]
ن ال سّمَاءِ مَا ًء َفأَحْيَا بِ هِ لرْ ضَ مِ نْ بَعْدِ َموْتِهَا سَألْتَهُمْ مَ نْ نَ ّزلَ ِم ْ
وقال تعالىَ (( :ولَ ِئ نْ َ
ل أَكْثَرُهُمْ ل يَ ْع ِقلُونَ ([ )63العنكبوت] ل ا ْلحَمْدُ لِّ َب ْ ن الُّ ُق ْ لَ َيقُولُ ّ
وقال تعالى(( :ل ُيقَا ِتلُونَكُ ْم جَمِيعًا إِل فِي قُرًى ُمحَصّنَ ٍة أَوْ ِمنْ وَرَا ِء جُدُرٍ َبأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ
18
شَدِيدٌ َتحْسَبُهُ ْم جَمِيعًا َو ُقلُوبُهُمْ شَتّى َذِلكَ ِبأَنّهُ ْم قَوْمٌ ل يَ ْع ِقلُونَ([ )14الحشر]
ولمسسا كانسست العقول والفطسسر السسسليمة ،ترفسسض الباطسسل لفسسساده ومجافاتسسه للحجسسج
والبراهين التي تسند الحق وتظاهره ،لجأ أهل الباطل إلى إسناده وتأييده بالقوة والكراه
والتضليل والستخفاف.
وقسسد دلت على ذلك أدلة كثيرة ،ل تخفسسى على مسسن تأملهسسا فسسي جميسسع حقسسب التاريسسخ
الممتدة منسسذ أوجسسد ال الخليقسسة إلى يومنسسا هذا ،وسسستبقى كذلك إلى قيام السسساعة .كمسسا دلت
على ذلك سسسسير قادة الباطسسسل وأسسسساليبهم ،منسسسذ أن خلق ال آدم السسسسلم وابتله بقائد قادة
الباطل :إبليس لعنه ال.
وبهذا يظهسر السسبب الذي جعسل أهسل الحسق وأهسل الباطسل يتسسابقون إلى العقول :أهسل
الحسسق بحقهسسم ،وأهسسل الباطسسل بباطلهسسم ،لن مسسن سسسبق إلى العقول بمسسا عنده ملك زمام
أصحابها ،وقادهم إلى غايته بوسائله المتاحة واستثمرها وحظي بنتائجها ،ومن كان أكثر
سسسبقا إلى العقول كان-فسسي الغالب-أكثسسر أنصسسارا وأعوانسسا ،فإن كثسسر أهسسل الحسسق وقويسست
شوكتهسم ،أقاموا الحسق فسي الرض ونشروه وحموه مسن اعتداء أهسل الباطسل عليسه ،وإن
كثر أهل الباطل وقويت شوكتهم ،أقاموا الباطل في الرض ونشروه وحموه وحاربوا به
وبأعوانسه الحسق ،وأحاطوا باطلهسم ِبجُدُرٍ مسن الحواجسز الحسسية والمعنويسة ضسد هجمات
الحق عليه ودحضه وكشف عواره للناس.
19
أسباب تأليف هذا الكتاب
لتأليف هذا الكتاب ثلثة أسباب:
السسبب الول :مسا حكاه القرآن الكريسم ،مسن الصسراع الذي دار بيسن أهسل الحسق مسن
النبياء والرسل وأتباعهم ،وبين أهل الباطل من المم السابقة.
إن المتأمسل فسي ذلك الصسراع يجسد أن أهسل الحسق يسسابقون أهسل الباطسل إلى عقول
الناس بما عندهم من الحق ،ويسابقونهم إلى تفريغ تلك العقول من الباطل الذي تمكن من
الوصول إليها ،ويسابقونهم إلى حمايتها من أن يصل إليها باطل جديد.
وأن أهسسل الباطسسل-كذلك-يسسسابقون أهسسل الحسسق إلى عقول الناس بمسسا عندهسسم مسسن
الباطل ،ويسابقونهم إلى تثبيت ما استقر منه في تلك العقول ،ويسابقونهم إلى حمايتها من
الحق الذي لم يصل إليها بعد.
وفي قصص النبياء مع أممهم بيان واضح لهذه المعاني ،كما سيأتي في فصول
الكتاب.
و في سيرة الرسول صلى ال عليه وسلم وما قام به من تبليغ رسالة ال ،وموقف
قادة الباطسسل مسسن ذلك التبليسسغ أمثلة كثيرة على هذه المعانسسي لمسسن تأملهسسا .وكذلك تاريسسخ
أصسحابه رضسي ال عنهسم ومسا قاموا بسه مسن دعوة إلى ال وجهاد فسي سسبيله ،وكسل مسن
تبعهم على ذلك من أهل الحق ،ومواقف طغاة الباطل منهم في جميع العصور.
السسبب الثانسي :مسا حصسل فسي هذا العصسر مسن الوسسائل الكثيرة المؤثرة للسسباق إلى
العقول ،ومسن اهتمام أهسل الباطسل باختراع كثيسر منهسا واسستغللها فسي سسبقهم بباطلهسم إلى
عقول الناس ،وتفريغ تلك العقول من الحق الذي وصل إليها وحمايتها من أن يصل إليها
الحسق ،وتفريسط أهسل الحسق وتقصسيرهم الشديديسن فسي اسستغلل تلك الوسسائل للسسبق بحقهسم
إلى تلك العقول ،وتفريغها من الباطل الذي وصل إليها وحمايتها مما لم يصل إليها منه.
السسسبب الثالث :خطاب وجهسسه إلي عميسسد شؤون الطلب فسسي الجامعسسة السسسلمية
بالمدينسسة المنورة ،طلب منسسي فيسسه إلقاء محاضرة فسسي قاعسسة المحاضرات الكسسبرى فسسي
الموسسم الثقافسي المعتاد كسل عام ،وطلب ذكسر عنوان المحاضرة ،فلبيست الطلب ،وذكرت
له هذا العنوان( :السسباق إلى العقول-الغايات-الوسسائل والنتائج)-[ .وقسد بعسث إلى بخطاب
الموافقسسة على العنوان المذكور برقسسم )19 /413 /10( ::وتاريسسخ23/4/1413( :هسسس.)-
وألقيسست المحاضرة بتاريسسخ10/5/1413 :هسسس-بعسسد صسسلة المغرب حضرهسسا كثيسسر مسسن
أعضاء هيئة التدريسسس والطلب بالجامعسسة .وكانسست المحاضرة ل تزيسسد عسسن أربعيسسن
صسفحة بخسط اليسد .وهاهسي اليوم كتاب بيسن يدي القارئ يزيسد عسن أربعمائة صسفحة ،وذلك
من فضل ال وعونه].
20
غايات أهل الحق
لهسل الحسق غايات يسسابقون بهسا أهسل الباطسل ،لبلغ تلك الغايات إلى عقول الناس
لتستقر فيها وتؤمن بها ،وتصبح بذلك عقول حق.
ولهل الباطل غايات يسابقون بها أهل الحق لبلغها إلى عقول الناس لتستقر فيها
وتستسلم لها ،وتصبح بذلك عقول باطل.
غاية أهل الحق العليا في السباق إلى العقول.
هنالك غاية عليا لهل الحق تتفرع عنها كل الغايات التي يسابقون بها أهل الباطل
إلى العقول ،وهذه الغاية هي :رضا ال سبحانه وتعالى.
فهم-أي أهل الحق-يتحرون هذه الغاية العليا الشاملة لكل الغايات .أليس ال تعالى هو
الحق؟ أليسوا يسابقون بالحق ومن أجل الحق؟ فماذا يريدون غير رضا الحق؟
فهذا نسبي ال موسسى عليسه السسلم يقول ال تعالى عنسه(( :ومسا أعجلك عسن قومسك يسا
موسى ،قال هم أولء على أثري وعجلت إليك ربي لترضى))[ .طه]84-83 :
وقال تعالى عسسن سسسليمان بسسن داود عليهمسسا السسسلم(( :وقال رب أوزعنسسي أن أشكسسر
نعمتسك التسي أنعمست عليّس وعلى والدي وأن أعمسل صسالحا ترضاه وأدخلنسي برحمتسك فسي
عبادك الصالحين[ .))..النمل]19 :
وختسم تعالى حواره مسع عيسسى عليسه السسلم بقوله(( :هذا يوم ينفسع الصسادقين صسدقهم
لهسم جنات تجري مسن تحتهسا النهار خالديسن فيهسا أبدا رضسي ال عنهسم ورضوا عنسه ذلك
الفوز العظيم))[ .المائدة]119 :
وقال تعالى(( :ومسسسسسسن الناس مسسسسسسن يشري نفسسسسسسسه ابتغاء مرضاة ال وال رؤوف
بالعباد))[.البقرة]207 :
وقال تعالى(( :ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة ال وتثبيتا من أنفسهم كمثل
جنسة بربوة أصسابها وابسل فآتست أكلهسا ضعفيسن فإن لم يصسبها وابسل فطسل وال بمسا تعملون
بصير))[.البقرة]265 :
وقال تعالى عن أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم من المهاجرين والنصار
ومسن اتبعهسم بإحسسان(( :والسسابقون الولون مسن المهاجريسن والنصسار والذيسن اتبعوهسم
بإحسان رضي ال عنهم ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجري تحتها النهار خالدين فيها
أبدا ،ذلك الفوز العظيم))[.التوبة]100 :
وقال تعالى عنهسم(( :محمسد رسسول ال والذيسن معسه أشداء على الكفار رحماء بينهسم
تراهم ركعا سجدا يبتغون فضل من ال ورضوانا)) [الفتح]29 :
وقال عسن أهسل بيعسة الشجرة منهسم(( :لقسد رضسي ال عسن المؤمنيسن إذ يبايعونسك تحست
الشجرة)) [الفتح]18 :
وقال تعالى بعد أن ذكر ما زين للناس من متاع الحياة الدنيا(( :قل أؤنبئكم بخير من
ذلكسم للذيسن اتقوا عنسد ربهسم جنات عدن تجري مسن تحتهسا النهار خالديسن فيهسا وأزواج
مهرة ورضوان من ال وال بصير بالعباد)) [آل عمران]15 :
21
وقال تعالى(( :أفمن اتبع رضوان ال كمن باء بسخط من ال)) [آل عمران]162 :
وقال تعالى(( :فانقلبوا بنعمسة مسن ال وفضسل لم يمسسسهم سسوء واتبعوا رضوان ال))
[آل عمران]174 :
وقال تعالى عن حزبه(( :رضي ال عنهم ورضوا عنه أولئك حزب ال أل إن حزب
ال هم المفلحون[ ))...المجادلة]22 :
وقال تعالى(( :يسسسا أيهسسسا الذيسسسن آمنوا ل تتخذوا عدوي وعدوكسسسم أولياء تلقون إليهسسسم
بالمودة وقسد كفروا بمسا جاءكسم مسن الحسق يخرجون الرسسول وإياكسم ،أن تؤمنوا بال ربكسم
إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي)) [الممتحنة]1 :
وقال تعالى(( :ل خيسسر فسسي كثيسسر مسسن نجواهسسم إل مسسن أمسسر بصسسدقة أو معروف أو
إصسسلح بيسسن الناس ومسسن يفعسسل ذلك ابتغاء مرضاة ال فسسسوف نؤتيسسه أجرا عظيمسسا))
[النساء]114 :
وقال تعالى(( :يهدي به ال من اتبع رضوانه سبل السلم)) [المائدة]16 :
فأهسسل الحسسق يرجون مسسن كسسل أعمالهسسم الصسسالحة رضسسا ال سسسبحانه وتعالى ويتبعون
رضوانه ،ورضاه تعالى هو غاية كل غاية ،وهو تعالى ل يرضى إل عن أهل الحق.
ومن أجل أن رضا ال تعالى هو غاية أهل الحق ،يأتي خطاب ال تعالى لهم-بعد أن
يسسكنهم جنتسه ويعطيهسم فيهسا مسا ل عيسن رأت ول أذن سسمعت ول خطسر على قلب بشسر-
مخسبرا لهسم بإحلله هذه الغايسة العظيمة عليهسم ،كمسا فسي حديسث أبسي سسعيد الخدري رضسي
ال عنسه أن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم قال( :إن ال يقول لهسل الجنسة :يسا أهسل الجنسة،
فيقولون :لبيسك ربنسا وسسعديك والخيسر فسي يديسك ،فيقول :هسل رضيتسم؟ فيقولون :ومسا لنسا ل
نرضسى يسا رب فقسد أعطيتنسا مسا لم تعسط أحدا مسن خلقسك؟ فيقول :أل أعطيكسم أفضسل مسن
ذلك؟ فيقولون :يسسا رب وأي شيسسء أفضسسل مسسن ذلك؟ فيقول :أحسسل عليكسسم رضوانسسي ،فل
أسخط عليكم بعده أبدا[ ).صحيح مسلم (])4/1276
فهذا الحديث يفسر أن رضوان ال عن عباده هو غاية الغايات ،لنه أفضل ما يعطى
أهل الجنة التي ل يدخلها إل من رضي ال تعالى عنه.
22
حصول رضا النفس وطمأنينتها في الدنيا لمن
رضي الله عنه.
ويجسب أن يعلم أن هذه الغايسة –رضسا ال-التسي جعلهسا أهسل الحسق نصسب أعينهسم-بسل
جعلوهسا أم الغايات-للسسباق إلى العقول بالحسق هسي التسي يتحقسق بهسا الطمئنان والسسعادة
والرضا لمن حققها ،ويدل على ذلك أمران:
المسر الول :نصسوص الكتاب والسسنة ،مسا ذكسر هنسا منهسا ومسا لم يذكسر ،وبخاصسةٍ
قوله تعالى(( :رضي ال عنهم ورضوا عنه [.))..المجادلة 22 :والبينة]8 :
وإن صسساحب هذه الغايسسة ليجسسد الرضسسا فسسي نفسسسه والطمأنينسسة والسسسعادة فسسي أشسسد
الظروف امتحانسسا وابتلء ،يتضسسح ذلك بتأمسسل قوله تعالى-مخاطبسسا نسسبيه صسسلى ال عليسسه
وسسلم ،ويدخسل فيسه مسن اقتدى بسه مسن أمتسه(( :-فاصسبر على مسا يقولون وسسبح بحمسد ربسك
قبسسسل طلوع الشمسسسس وقبسسسل غروبهسسسا ومسسسن آناء الليسسسل فسسسسبح وأطراف النهار لعلك
ترضسى))[.طسه ]13 :وفسي معنسى ذلك قوله تعالى(( :أل بذكسر تطمئن القلوب))[ .الرعسد:
]28
المر الثاني :شهادة الواقع فما من أحد سعى للوصول إلى هذه الغاية-سواء كان
فردا أو أسسرة أو أمسة-إل وجسد فسي نفسسه الرضسا الطمأنينسة والسسعادة ،وإن الذيسن ينأون
بأنفسسهم عسن هذه الغايسة ليحرمون أنفسسهم مسن الرضسا والطمأنينسة والسسعادة ،مسع كدهسم
واجتهادهم في الحصول على الرضا والطمأنينة والسعادة ،عن غير هذه السبيل العظيم.
وبهذا يعلم أن أهسل الحسق عندمسا يسسابقون بالحسق إلى عقول الناس إنمسا يبتغون للناس
الوصسول إلى هذه الغايسة ليتحقسق لهسم الرضسا والطمئنان والسسعادة ،إذ كلمسا كثسر أهسل هذه
الغاية زادت في الرض هذه المعاني التي ينشدها كل الناس.
وإذا كان رضا ال هو الغاية العليا الشاملة لكل غايات أهل الحق من سباقهم إلى
العقول ،فمسا الغايات التسي تتفرع عسن هذه الغايسة وتعتسبر وسسائل لتحقيقهسا-وإن كانست كسل
واحدة منهسسسا غايسسسة بذاتهسسسا-؟[ كون بعسسسض الغايات تعتسسسبر وسسسسائل لغايات أخرى أمسسسر
معروف].
23
الغايات المتفرعة عن الغاية العليا:
من أهم الغايات المتفرعة عن تلك الغاية ما يأتي:
أول :تبليغ رسالت ال إلى الناس.
ثانيا :إقامة الحجة على الخلق.
ثالثا :إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
رابعا :تحقيق توحيد ال في الرض.
خامسا :غرس اليمان بالغيب في النفوس.
سادسا :تحكيم شرع ال في حياة الناس.
سابعا :تثبيت الولء ل ولرسوله وللمؤمنين والبراء من الكافرين.
ثامنا :غرس الخلق الفاضلة ومطاردة الخلق الفاسدة.
تاسعا :طلب العزة من ال وحده..
عاشرا :القيام بالخلفة في الرض على أساس هدى ال.
27
أمثلة لحياة القوم-المتحضريححن-فححي بعححض
المجالت:
المجال الول :الحياة اليمانية:
قلت فسي آخسر الحلقسة السسابقة ،إجابسة على تسساؤلت قسد تدور فسي ذهسن القارئ :كيسف
يكون النسان المتحضر في هذا العصر في ظلمات ،يحتاج إلى من يخرجه من الظلمات
إلى النور؟ :والجابسة عسن هذا السسؤال تطول ،ولكسن تعال معسي أيهسا القارئ! لنتأمسل قليل
فسي أحوال الناس فسي هذا العصسر الذي وصسف السسؤال قدرا ضئيل مسن تقدمسه المادي،
لنرى إن كان أولئك الناس الذين هذه صفتهم في ظلمات محتاجين إلى من يخرجهم منها
إلى نور أو ل؟!
إن المتأمسل فسي الحياة اليمانيسة لولئك المتحضريسن يجدهسم يؤمنون بكسل شيسء مادي
يدخسسل فسسي نطاق علمهسسم الدنيوي الظاهسسر ،وكثيسسر منهسسم ل يؤمنون اليمان الحسسق ،وهسسو
اليمان بالغيب ،ومنه اليمان بالخالق الله المعبود.
فالذين يسمون بأهل الكتاب ،من يدعي منهم أنه يؤمن بال ل يؤمن به في الحقيقة،
وإنما يؤمن بآلهة متعددة :ال ،البن ،روح القدس ،ويسمون الثلثة إلها واحدا ،مما جعل
بعض الطفال في مدارس الغرب يتساءلون :كيف يكون الثلثة ،واحدا ونحن ندرس في
الرياضيات أن ضرب الثلثة في واحد يساوي ثلثة؟! فل يجدون من القسس والرهبان
جوابسسا ،فينصسسرفون عسسن الديسسن إلى اللحاد ،ولهذا تجسسد كثيرا ممسسن يسسسمون بالنصسسارى
ملحدين ل يؤمنون بإله.
وتجسد دول كسبيرة قامست فسي الرض على اللحاد الصسريح الذي ينكسر وجود الخالق-
أصسسل-مسسع أن كسسل ذرة فسسي الكون تصسسرخ فسسي وجوههسسم وتحتسسج وتثبسست أن ال الخالق
موجود ،بل وتدل على أنه المعبود الحق سبحانه وتعالى.
وإن العقل الذي ل يقر صاحبه بذلك إنما يشهد عليه بأنه أحط من أحقر الحيوانات.
وتجسد وثنييسن قسد ملئوا جوانسب كثيرة مسن الرض يقدسسون كسل مخلوق ويعبدونسه مسن
دون ال ،كالبقسر والنار والشجسر والحيوان والنهسر ،بسل حتسى الفرج ،وتجسد كبار فلسسفتهم
يعيشون مسسع الكلب والقطسسط والدجاج ،فسسي الغابات يعبدون غيسسر ال ،ويُعبَدون هسسم مسسن
دون ال.
وكنت أظن أن هؤلء الوثنيين مثل وثنيي العرب الذين كانوا يعبدون الوثان لتقربهم
إلى ال ،ولكنسي وجدتهسم ينكرون إنكارا شديدا أن يكون هناك رب خلق هذا الكون ،وهسم
فسسي ذلك كالشيوعييسسن الملحديسسن ول يختلفون عنهسسم إل بأنهسسم يعبدون المخلوقات عبادة
صريحة واضحة.
بسل إنسك لتجسد جمهرة مسن المسسلمين يعبدون القبور ويطوفون بهسا ويتمسسحون بترابهسا
ويدعون أهلها من دون ال!
وتجسسد كثيرا مسسن أبناء المسسسلمين ملحديسسن ل يؤمنون بال ورسسسوله واليوم الخسسر،
متبعين في ذلك ماركس ولينين وغيرهما.
28
نعم انهارت الدول اللحادية ولكن اللحاد ما زال موجودا.
والذي ل يؤمسن بال ل يؤمسن بالغيسب الذي جاءت بسه الرسسل ونزلت بسه الكتسب ،فل
يؤمسن بوحسي ول رسسالة ول كتسب-وآخسر تلك الكتسب والمهيمسن عليهسا القرآن الكريسم،-ول
برزخ ول بعسسسث ول حشسسسر ول حسسسساب ول صسسسراط ول ميزان ول جنسسسة ول نار ول
ملئكة ،ل شيء غير عالم الشهود.
فهسسسل ترى أمثال هؤلء الذي هذه حياتهسسسم فسسسي مجال اليمان يعيشون فسسسي نور أو
ظلمات؟!
وفقد اليان بالغيب يكفي وحده للدللة على أن صاحبه ف ظلمات ،وكل خي مفقود هو أثر لفقد هذا
الجال.
33
إن العلن العالمي لحقوق النسان أقرته المم المتحدة ،بعد انتهاء الحرب العالمية
الثانيسسة التسسي دمرت العالم فسسي مشارق الرض ومغاربهسسا ،بسسسبب الطماع السسستعمارية
الغربية "المتحضرة!" وقد سبقتها الحرب العالمية الولى.
وهذا العلن يؤكسسسد على احترام حريات الشعوب والجماعات والفراد دون تمييسسسز
(بسسبب العنصسر أو اللون أو الجنسس أو اللغسة أو الديسن أو الرأي السسياسي أو أي رأي
آخسر ،أو الصسل الوطنسي أو الجتماعسي أو الثروة أو الميلد أو أي وضسع آخسر ،دون أي
تفرقة بين الرجال والنساء.)..
وكان صدور هذا العلن سنة 1948م أي أن المدة التي مضت لصدور هذا القانون
53سنة فقط ،وقد مضى على نزول القرآن الكريم أكثر من 1422هس .والقرآن والسنة
والفقه السلمي المستنبط منهما قد تضمنت من حقوق النسان ما لم يخطر ببال أحد من
الناس ،بالتفصسيل الوارد فسي السسلم ،ليسس فسي الكليات فقسط وإنمسا فسي أدق الجزيئات،
ابتداء مسسن وجود الجنيسسن فسسي بطسسن أمسسه إلى أن يوافيسسه الجسسل الفرد والسسسرة والشعسسب
والدولة ،وليسس المقام مقام اسستعراض لذلك ،ل لكلياتسه ول لجزيئاتسه ،وقسد كتسب بعسض
علماء العصسسر فسسي هذا الموضوع [أي فسسي حقوق النسسسان ،ومنهسسم الدكتور علي عبسسد
الواحسد وافسي والشيسخ محمسد الغزالي وغيرهسم ].وهسو مفتوح للكتابسة فيسه والمقارنسة التسي
تخجسسل تلك المواد غيسسر الوافيسسة فسسي العلن العالمسسي لحقوق النسسسان ،بتفاصسسيل حقوق
النسان الواردة في السلم.
يضاف إلى ذلك أن حقوق النسسسان المفصسسلة الربانيسسة التسسي ل يعتريهسسا النقسسص قسسد
طبقست فترة طويلة مسن الزمسن ،فأسسعدت العالم الذي اسستظل بظلهسا :مسسلمه وكافره ،ول
تزال تنتظر من يطبقها بصدق لتنعم المم بها كذلك.
ولكن ما مدى تطبيق الدول المتحضرة لحقوق النسان التي أقرتها وتعاقدت عليها؟
إن نظرة خاطفسسة إلى تصسسرفات الدول المتحضرة! فسسي هذا المجال تظهسسر للناظسسر
المور التية:
المر الول :أن الجنس البيض الغربي ،ل يرى أي جنس آخر يقترب من مرتبته،
وأنه هو وحده الذي يجب أن يسود ،يتضح هذا عمليا ،فصاحب اللون السود مكث فترة
مسسن الزمسسن بعسسد إعلن حقوق النسسسان ،ل يحسسق له أن يختلط بالبيسسض فسسي المدارس
والجامعات والفنادق والمطاعسم ،ولم َيخِفْس هذا التمييسز إل بعسد كفاح مريسر مسن السسود فسي
أمريكسا ،وإذا مسا وصسل السود إلى وظيفسة حاكسم المدينة بسبب كثرة أنصساره مسن السسود،
أخذت أجهزة العلم تمن على السود بما وصلوا إليه ،وقبل سنوات فازت امرأة سوداء
فسي النتخابات النيابيسة لتكون عضوا فسي الكونجرس المريكسي ،فأحدثست أجهزة العلم
ضجسة كسبيرة لتمسن على تلك المرأة السسوداء التسي هسي أول امرأة سسوداء تدخسل البرلمان
المريكي.
وقبسل سسنوات رشسح القسس السسود "جاكسسون" نفسسه فسي أول المسر ،ليكون رئيسسا
للوليات المتحدة المريكية ،ولكنه شعر من أول وهلة أنه ل يساوي صفرا على اليسار
فانسحب مبكرا.
ول زال حسي "هارلم" فسي نيويورك سسبة فسي جسبين الغرب ،وهسو حسي يسسكنه السسود
34
الذيسسسن يراهسسسم الزائر كأنهسسسم فسسسي كوكسسسب غيسسسر كوكسسسب الرض ،مسسسن البؤس والشقاء
والحرمان ،ويجوز أن يكونوا هسسم غيسسر طامحيسسن إلى مسسستوى معيشسسي أفضسسل ،ولكسسن
الهمال المتعمسد مسن قبسل الحاكسم البيسض ،له دور كسبير فسي ذلك الشقاء ،وهسم على بعسد
أمتار من مبنى هيئة المم المتحدة ومجلس المن الراعي لحقوق النسان!
وفسي الدول الوربيسة "المتحضرة!" تفرقسة واضحسة بيسن النسسان المسسلم والنسسان
اليهودي ،فالمجموعة الصغيرة من اليهود معترف بدينها في البلدان وتنال كامل الحقوق
التي ينالها أهل البلد نفسه ،والعدد الهائل من المسلمين ل تعترف أكثر تلك الدول بدينهم
السلمي ولذلك حرم المسلمون من الحقوق التي حصلت عليها الطوائف اليهودية!
بل إن الهجمة الشرسة على المسلمين الن في بعض الدول الوربية تنذر بالخطر،
فالقتسسل والغتيال اللذان يتعرض لهمسسا المسسسلمون فسسي بعسسض الدول الوربيسسة-كفرنسسسا
وألمانيسا-وكذلك العتداء على بعسض المراكسز السسلمية والمسساجد ،على مرأى ومسسمع
من الحكومات الوربية ،يدل على أن حقوق النسان المسلم في أوربا غير مرغوب في
حمايتها ،والحملت العنصرية تتصاعد ضد المسلمين كل يوم.
هذا على مستوى كل دولة على حدة.
فإذا نظرنا بعد ذلك إلى حقوق النسان في خارج الدول المتحضرة ،رأينا من التحيز
والتفرقسة بيسن إنسسان وآخسر وشعسب وآخسر وجماعسة وأخرى ،مسا يكذب دعوى الغربييسن
بأنهم حماة حقوق النسان.
35
ومعنسى هذا أن أمريكسا وحزبهسا يفرضون على المسسلمين فرضسا ويكرهونهسم إكراهسا،
أن يعتقدوا أن حقوق النسسان-المبنيسة على الكفسر بشريعسة ال وكتابسه وسسنة رسسوله-هسي
الحسق الذي يجسب اليمان بسه وتطسبيقه ،وأن يعتقدوا أن شريعسة ال التسي جاء بهسا القرآن
والسنة باطل ،ل يجوز أن تكون أساسا لنظمتهم وحكمهم.
والدولة التي تطبق بعض أحكام الشريعة السلمية ،يسلطون عليها وسائل إعلمهم
ومنظماتهسم الرسسمية وغيسر الرسسمية ،فتوصسف بأنهسا دولة وحشيسة وإرهابيسة ومنتهكسة
لحقوق النسسان !....فأيسن تطسبيقهم لمادة حقوق النسسان التسي تنسص على حريسة العتقاد؟
لمسا ذا ل يتركون المسسلمين-وهسم أهسل الديسن الحسق الذي لم يبسق ديسن فسي الرض محتفظسا
بمرجعسه اللهسي الصسادق غيره-أحرارا فسي اعتقادهسم وإيمانهسم و تطسبيق أحكام قرآنهسم
وسسنتهم وشريعتهسم ونظامهسم الذي يختارونسه؟ أليسس هذا إكراهسا لدول وشعوب؟!! أليسس
إكراه الدول والشعوب أشد من إكراه الفراد؟؟!!
37
دعاة الديمقراطيممممممة يحرمون النسممممممان مممممممن
الديمقراطية!
وحدث عن حقوق النسان المسلم السياسية والديمقراطية ول حرج.
لو تتبعست أجهزة إعلم الغرب وأحصسيت منهسا يومسا واحدا كلمسة الديمقراطيسة وحدهسا
لملتَ بها كراريس.
إن الديمقراطيسسة أحسسد المحاور الرئيسسسة التسسي يدندن حولهسسا الغرب المتحضسسر ،ويلح
على دول مسا يسسمى بالعالم الثالث على أن تطبسق المنهسج الديمقراطسي الذي أسساسه إعطاء
الشعوب حرية اختيار حكامها.
ويحترم الغرب المتحضسسسر فوز أي حزب يختار فسسسي النتخابات-حتسسسى ولو كانسسست
مزورة مسع انتقاده للتزويسر-ولكسن الغرب المتحضسر يحظسر حظرا باتسا ،بأسساليبه الخاصسة
وصسسسلته بحكام الشعوب السسسسلمية النابذيسسسن لشرع ال ،قيام سَس أي حزب على أسسسساس
السسلم ،وإذا مسا سسبق السسيف العذل فقامست جماعسة إسسلمية واختارهسا الشعسب ،حاربوا
تلك الديمقراطيسسة التسسي أهلت الجماعسسة المسسسلمة إلى أن تكون هسسي الحاكمسسة ،وفسسسروا
الديمقراطيسسة التسسي ينادون بهسسا بأنهسسا ليسسست الديمقراطيسسة التسسي تكون وسسسيلة لوصسسول
الصسسسسوليين إلى الحكسسسسم ،لن وصسسسسول الصسسسسوليين إلى الحكسسسسم يعود بالنقسسسسض على
الديمقراطية ،وأوعزوا إلى أذنابهم بحماية الديمقراطية الصيلة ،بالجيش وأجهزة المن
وفتسح المعتقلت والسسجون لمسن اختارهسم الشعسب[ول يخفسى مسا قام بسه تلميسذ أتاتورك
العسسكريون والمدنيون التراك بضغسط حماة الديمقراطيسة وحقوق النسسان مسن محاربسة
حزب الرفاه السلمي الذي وصل إلى الحكم عن طريق النتخابات الديمقراطية ].
الشعسب مسسلم اختار مسن يحكمسه بالسسلم ،فأيسن وضعتسم حسق هذا الشعسب فسي حريسة
اختياره لحكامه يا دعاة حقوق النسان؟!
لقسد اتخسذ الغرب المتحضسر لفتسة حقوق النسسان والديمقراطيسة والحريسة وغيرهسا،
سلحا لحماية حقوق النسان الغربي أو من له مصلحة في حمايته.
وإذا كانسست أمريكسسا هسسي الدولة التسسي تقود الغرب فسسي هذه الفترة ،وتدعسسي أنهسسا دولة
حقوق النسسسان ،فإن بعسسض قادتهسسا يصسسرحون بأن مصسسالحهم هسسي التسسي تحدد مواقفهسسم،
فبمقدار المصلحة يكون الموقف.
قال الرئيسسس السسسبق للوليات المتحدة المريكيسسة ريتشارد نكسسسون( :وأول واجسسب
علينسسا أن نفعله هسسو أن نفرق بيسسن مصسسالحنا الحيويسسة ،ومصسسالحنا الحسسساسة ،ومصسسالحنا
الهامشيسسة ،ول توجسسد دولة فسسي العالم تسسستطيع أن تدافسسع عسن جميسسع هذه المصسسالح طوال
الوقت....
وتكون المصسسسلحة حيويسسسة إذا كان فقدانهسسسا يهدد أمسسسن الوليات المتحدة ،فاسسسستمرار
استقلل أوربا الغربية واليابان وكندا والمكسيك ودول الخليج مسألة حيوية لمن بلدنا.
وكذلك لدينسا مصسلحة حيويسة فسي أن ل تحصسل الدول المتخلفسة على السسلح الذري،
وليس للوليات المتحدة الخيار إل القوة المسلحة لتمنع تهديد مصالحها.
والمصسلحة الحسساسة هسي التسي تشكسل تهديدا مباشرا لحدى النقاط الحيويسة ...ولذلك
38
تعتبر أمريكا الوسطى وكوريا من المصالح الحساسة للوليات المتحدة ،ومن الممكن أن
تلجسسأ الوليات المتحدة أحيانسسا فسسي معالجسسة المصسسالح الحسسساسة ،وكأنهسسا مصسسالح حيويسسة
وكنوع من الستراتيجية الدفاعية.
أمسا المصسالح الهامشيسة فهسي المور التسي لو سسيطرت عليهسا قوى معاديسة فإنهسا تشكسل
تهديدا غير قريب لمصلحة حيوية أو مصلحة حساسة.
وعلى سبيل المثال فإننا ل نحب أن تحتل إحدى الدول المعادية دولة مالي ،ولكننا ل
نعتقسد أن احتلل مالي سسوف يكون له تأثيسر على مصسالح الوليات المتحدة المهمسة ،ومسن
هذا فل نفكر في استعمال القوة العسكرية لرد هذا العتداء.
إن اسستراتيجيتنا المنيسة يجسب أن تقيّمس كسل مسا يمكسن عمله ،طبقسا لمسستوى الهميسة
لمصالحنا وإمكاناتنا وما نواجه من أخطار.
فعلى سسسبيل المثال ل نرسسسل الوحدة 82 :المحمولة جوا للدفاع عسسن إحدى مصسسالحنا
الهامشية في موريتانيا ،ولكننا نفعل ذلك بدون تردد للدفاع عن مصلحتنا في الخليج )...1
[ كتاب الفرصة السانحة .ترجمة أحمد صدقي .دار الهلل ].وقد فعلوا!.
من هذا النص تعرف السبب في عدم التدخل في البوسنة والهرسك ،لن هذا التدخل
ليس لمريكا فيه مصلحة ل حيوية ول حساسة ول هامشية ،لن المظلوم مسلم والظالم
نصسراني .اللهسم إل أن يقال :إن لهسا مصسلحة هامشيسة ،وهسي أن سسكوتها عسن هذا الظلم
يشوه سسسمعتها أمام العالم الذي تعلن له أنهسسا حاميسسة حقوق النسسسان ،ولهذا تسسستنكر فسسي
أجهزة إعلمهسسا هذا الظلم وتهدد-كذبسسا وزورا-صسسربيا ،وتحسسث على إغاثسسة المسسسلمين،
فمصسسلحة الغرب هسسي السسساس-[ .تدخلت أمريكسسا وأوربسسا عسسن بجيوشهسسا فسسي البوسسسنة
والهرسسسك ،بعسسد أن قتسسل مئات اللف مسسن المسسسلمين وشردوا مسسن ديارهسسم ،واغتصسسبت
غالبَس أراضيسه الصسرب ،ول زال الصسرب يحظرون على المسسلمين عودتهسم إلى مدنهسم
وقراهسم التسي تسم التفاق على عودتهسم إليهسا بموجسب اتفاقيسة "دايتون" أمام سسمع وبصسر
أوربا وأمريكا].
هذه هسي يسا أخسي إشارة عابرة إلى صسورة مجال تطسبيق حقوق النسسان ،فهسل ترى
أمثال هؤلء المتحضرين الذي هذه صفتهم يعيشون في نور أو في ظلم؟!
ولو أطلقت لليراع الزمام لطال في هذا الباب ،ليظهر للجاهل أن العالم المتحضر!-
المتخلف في ميزان ال ومنهجه الرباني-يعيش في ظلمات ،وأنه في أمس الضرورة إلى
أهسل الحسق ليخرجوه مسن الظلمات إلى النور .وإخراج الناس مسن الظلمات إحدى غايات
أهل الحق التي يسابقون بها أهل الباطل إلى العقول.
واكتفسى بهذه المجالت الخمسسة ،للتدليسل على أن العالم المتحضسر محروم مسن النور
الربانسي تحيسط بسه الظلمات الشيطانيسة مسن كسل جانسب ،وأنسه يجسب على أهسل الحسق السسعي
الجاد لخراجه من الظلمات إلى النور.
وكمسسا أن الكفسسر كله ظلمات ،فإن السسسلم كله نور ،قال تعالى(( :أوَمسسن كان ميتسسا
فأحييناه وجعلنسا له نورا يمشسي بسه فسي الناس كمسن مثله فسي الظلمات ليسس بخارج منهسا
كذلك زين للكافرين ما كانوا يعملون))[النعام]122 :
1
39
وقد قارن القرآن الكريم بين ذوي العقول التي صاغها النور الرباني وأشرقت عليها
أنوار وحيسه ،وبيسن ذوي العقول المظلمسة التسي أحاطست بهسا الظلمات مسن كسل جانسب ،فقال
ال تعالى فسي الفريقيسن(( :ال نور السسماوات والرض مثسل نوره كمشكاة فيهسا مصسباح،
المصسباح فسي زجاجسة ،الزجاجسة كأنهسا كوكسب دري ،يوقسد مسن شجرة مباركسة ،زيتونسة ل
شرقيسة ول غربيسة ،يكاد زيتهسا يضسئ ولو لم تمسسسه نار ،نور على نور ،يهدي ال لنوره
مسسن يشاء ،ويضرب ال المثال للناس وال بكسسل شيسسء عليسسم)) إلى أن قال جسسل وعل:
((والذيسن كفروا أعمالهسم كسسراب بقيعسة يحسسبه الظمآن ماء حتسى إذا جاءه لم يجده شيئا
ووجد ال عنده فوفاه حسابه وال سريع الحساب ..أو كظلمات في بحر لجيّ يغشاه موج
مسن فوقسه موج ،مسن فوقسه سسحاب ظلمات بعضهسا فوق بعسض إذا أخرج يده لم يكسد يراهسا
ومن لم يجعل ال له نورا فما له من نور)) [.النور]40 ،35 :
40
أكرمكم عند ال أتقاكم))[.الحجرات]13 :
51
رسوله بالحق الذي يعطي كل ذي حق حقه [.وليس في جهاد قادة الباطل الذين يحاربون
الدعاة إلى ال،له وتبليغ الناس رسالة ال وصدهم عن سماع البلغ المبين ،ومنعهم عن
الدخول فسي ديسن ال بعسد أن يتسبين لهسم أنسه الحسق ،ليسس فسي ذلك اعتداء على أولئك القادة،
بل فيه إخراج للبشر من ظلمات الكفر إلى نور اليمان ،وإنقاذ لهم من النار إلى الدخول
في جنات النعيم] ...
فالمؤمنون يتعاونون على البر والتقوى وينصسسر قويهسسم ضعيفهسسم(( :إِنّمَا الْمُؤْمِنُون سَ
ِإخْوَةٌ))[.الحجرات( ]10 :المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) [.اللؤلؤ والمرجان
فيمسا اتفسق عليسه الشيخان( :ص 703 :رقسم ].)1670 :ويقيمون العدل فيمسا بينهسم وفيمسا
بينهسم وبيسن عدوهسم ،كمسا مضسى فسي مثسل قوله تعالى(( :ول يجرمنكسم شنآن قوم على أل
تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى))[.المائدة]8 :
60
له سسسسسابقا 4فظهرت القسسسسبيلة بقوة جبارة وفعالة ،وسسسسسيطرت المحسسسسسوبية على الدوائر
الحكومية ،ونهبت الموال العامة والخاصة ،وعمّت الفوضى ربوع البلد.
هذه الظواهسسسر السسسسلبية مهدت الطريسسسق إلى ظهور ديكتاتور ينفرد بحكسسسم البلد ل
يشاركه أحد في اتخاذ القرارات ،كما أن السلطات كلها أصبحت في قبضته وتمكن من
التخلص مسن المسسؤولين الذيسن كانوا يتقاسسمون معسه الحكسم ،وعيسن بدل منهسم شخصسيات
انتهازية ل تعارضه في أبسط المور.
هذا الخلل الذي أصساب النظام وفّر مناخسا ملئمسا لتنشيسط القبليسة ،كمسا أعطسى فرصسة
ثمينسة لصسيادي القبليسة والمسستفيدين منهسا ،فزرعوا الفتسن والشكوك بيسن القبائل ،وكسسبوا
مراكز حكومية رفيعة في الدوائر الحكومية ،وأداروا ظهورهم للمصلحة العامة.
ظهرت شخصسسيات كثيرة فسسي قمسسة سسسلم الحكسسم ،ل يهمهسسا التاريسسخ ومسسا يسسسجله مسسن
تصرفاتهم ،فركزوا نفوذهم على الكسب غير المشروع"...
هذا النسص مسن مقال اللواء عمسر الحاج ،وهسو وزيسر الدفاع الصسومالي السسابق الذي
كان مشاركا في الحكم ،وقد جرت العادة أن التاريخ الذي يكتب في عهد الطغاة وينشر،
يكون غالبا في صفهم مدحا وثناء بالكذب والبهتان ،وأن التاريخ الذي يكتب بعد ذهابهم
قسد يكون صسادقا وقسد يكون مبالغسا فسي ذمهسم ونسسبة السسوء إليهسم ،ولكننسا نعرف أن هذا
الكاتب لم يذكر إل قطرة من بحار تاريخ الزعيم الصومالي وكذبه السياسي المدمر.
كمسا أنسه لم يذكسر مسا يتعلق بمحاربتسه السسلم وعلماء السسلم الذيسن أحرق مجموعسة
منهسسم[راجسسع مجلة المجتمسسع الكويتيسسة .عدد (15/11/1395 )234هسسس28 .-ينايسسر سسسنة
1975م ص 6 :ومسسا بعدهسسا ].بسسسبب معارضتهسسم لقانون أصسسدره يسسساوي بيسسن المرأة
والرجل في الرث الذي فرق ال فيه بينهما في نص كتابه.
والمسة التسي تحارب عقيدتهسا ودينهسا وشريعتهسا ويحرق علماؤهسا ،ثسم ل تحرك سساكنا
فسي ردع المعتدي الثسم ،ل بسد أن تصسل فسي النهايسة إلى هذه المأسساة التسي يقول ال فيهسا
وفسسي أمثالهسسا(( :واتقوا فتنسسة ل تصسسيبن الذيسسن ظلموا منكسسم خاصسسة واعلموا أن ال شديسسد
العقاب))[.النفال]25 :
ومسن هنسا نعلم أن أهسل الحسق الصسادقين يسسعدون البشريسة بحقهسم وصسدقهم ،وأن أهسل
الباطل الكاذبين يشقون البشرية بباطلهم وكذبهم.
ولعسل المسة السسلمية تتنبسه لخطسر كذب قادتهسا الذيسن يحاربون السسلم ،وكذبهسم
السسياسي المدمسر الذي تجنسد لترويجسه كسل طاقات الدولة ،حتسى ينطلي عليهسا ويسستمر فسي
تضليلها فترة طويلة ،ول تشعر بآثاره المدمرة إل بعد أن يفوت الوان وتتحطم الشعوب
اقتصسساديا وسسسياسيا وأمنيسسا وخلقيسسا وعسسسكريا ،حتسسى يصسسبح اسسستعمارها مسسن قبسسل أعداء
السسلم الذيسن يوفرون لهسا لقمسة العيسش وشيئا مسن المسن النسسبي ،أحسب إليهسا مسن بقائهسا
تحست مطارق الخوف والجوع والسسلب والنهسب والقتسل والتشريسد [كمسا هسو حاصسل الن
فسي الصسومال الذي سسيطرت عليسه القوات المريكيسة تحست مظلة مجلس المسن والغاثسة
النسسانية مسستترة بتأييسد حلفائهسا الذيسن شاركوهسا بقوات رمزيسة شبيهسة بالمحلل فسي فقسه
-4هذا إذا أحسن الظن بمن الصل فيهم الكذب فيقال :خططوا بأن يقضوا على الفساد ،أما إذا جرينا على الصل فهو أن أصل
التخطيط كان الهدف منه الفساد المذكور وإن زعم صاحبه أنه أراد الصلح.
أصل ولو لم يكذبِ والشك في ذي الكذبِ
61
النكاح!]
62
الضرر الخامس :إهدار الحقوق بشهادة الزور.
ومسن الثار المترتبسة على الكذب شهادة الزور ،وشهادة الزور تزهسق بهسا الرواح،
وتنتهك بها العراض ،وتغتصب بها الموال ،وتستحل بها الفروج ،ويزكى بها الفساق،
ويفسسق بهسا العدول ،ويفقسد بهسا الكفسء مكانسه الذي يسستحقه لتنتفسع بسه فيسه المسة ،ويوضسع
الخائن بها في مكان تقتضي الضرورة أن يكون فيه المين.
وقسد شرع ال الشهادة مسن أجسل توثيسق الحسق ،والذي يوثسق الحسق بشهادتسه هسو العدل،
أما شاهد الزور فإنه يضيع الحق بدل من حفظه.
قال تعالى(( :وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة ل))[.الطلق]2 :
ونفى عن أهل الحق-وهم المؤمنون به-صفة شهادة الزور ،فقال تعالى(( :والذين ل
يشهدون الزور ))[.الفرقان]72 :
وأمرهسم-أي أهل الحق-أن يشهدوا بالحق فسي كل حال ،ولو كانت الشهادة تؤدي إلى
أخذ صاحب الحق حقه منهم ،كما قال تعالى(( :يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط
شهداء ل ولو على أنفسكم أو الوالدين والقربين))[.النساء]35 :
من هم منها
الضرر السادس :اتهام الكاذب بعيوبه َ
براء.
كما قال تعالى في مثل هذا(( :ومن يكسب خطيئة أو إثما ثم يرم به بريئا فقد احتمل
بهتانا وإثما مبينا))[ .النساء]112 :
وقسد ذكسر المفسسرون أن هذه اليسة نزلت فسي طعمسة بسن أبيرق الذي سسرق سسلحا،
فشكاه صسساحب السسسلح إلى رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم ،فألقسسى السسسارق السسسلح
المسسروق فسي بيست رجسل برئ ،ليسبرئ نفسسه ويحمسل البريسء إثمسه ،وعندمسا وجسد السسلح
في بيت الرجل البريء ثبتت-في الظاهر-براءة السارق ،فأنزل ال هذه الية وآيات قبلها
منها قوله تعالى(( :إنا أنزلنا إليك الكتاب لتحكم بين الناس بما أراك ال ول تكن للخائنين
خصيما)) [.النساء ،105 :وراجع تفسير هذه اليات في كتاب تفسير القرآن العظيم لبن
كثير].
ومسا أكثسر مسا يرتكسب ناس مثسل هذه الخطيئة! ويسبرؤن أنفسسهم ممسا ارتكبوه ويلطخون
به البريئين.
وبنظرة فسسسي وسسسسائل العلم فسسسي هذا العصسسسر ،يرى المرء العجسسسب العجاب مسسسن
التهامات الكاذبسة مسن فرد لخسر ،ومسن جماعسة أو حزب لجماعسة أو حزب آخسر ،ومسن
دولة لدولة أخرى ،وكثيرا مسا يكون المتّهِم غارقسا فسي العيوب والنقائص التسي اتهسم بهسا
غيره.
والسبب في ذلك هو التصاف بصفة الكذب التي تلزم أهل الباطل غالبا ،وفقد صفة
الصدق التي تلزم أهل الحق.
63
ثالثا :العدل.
والعدل من أسس صفات أهل الحق ،وهو مطلوب ضرورة في الحياة عند كل المم،
ول تستقيم الحياة بدونه ،والمم كلها مسلمها وكافرها تعلم أنه ضرورة لحياتها ،لن كل
فرد وكسل أسسرة وكسل أمسة تحرص على أن ل يمسسها غيرهسا بالظلم ،بسل تحسب أن ينصسفها
المتعامل معها ،لكن الذين ل يؤمنون بال ول باليوم الخر وشريعة ال العادلة-وهم أهل
الباطسسسل-يحرصسسسون على أن يعاملهسسسم الناس بالعدل ،والغالب أنهسسسم إذا قدروا على ظلم
غيرهسسم-مسسن غيسسر أن ينالهسسم ضرر-ل يتورعون عسسن الظلم ،لنهسسم ل يخشون جزاء ول
عقابا إل إذا نالهم القانون والقضاء وما يسمى بأجهزة المن-في الدنيا-فإذا أمنوا من ذلك
كله ،فالصل عندهم الثرة وظلم الغير ،لنهم أهل باطل.
والذي ل يحسسب الظلم ويلزمسسه العدل مسسع القريسسب والبعيسسد والصسسديق والعدو ،هسسو
المؤمن بال وبرسوله صلى ال عليه وسلم واليوم الخر الذي يلتزم بشريعة ال وحكمه
وينفذهما ،وهؤلء هم أهل الحق ،لن الحق تعالى أمرهم بالعدل ونهاهم عن الظلم ،وهم
يطمعون في ثوابه على طاعته ويخافون من عقابه على معصيته ،ويعلمون أن إيمانهم ل
يكمسل إل إذا أحبوا لغيرهسم مسا يحبون لنفسسهم مسن الخيسر ،وقسد يصسل بهسم إيمانهسم إلى
التنازل عسن بعسض حقوقهسم الخاصسة ،إذا كان التنازل عنهسا مشروعسا ،ولكنهسم يحرصسون
على إيفاء الناس حقوقهم بدون نقصان.
وقد أكسد ال تعالى لعباده أنسه يأمر بالعدل والحسسان وينهسي عمسا يناقضهمسا مسن الظلم
والفسساد والمنكسر ،فقال تعالى(( :إن ال يأمسر بالعدل والحسسان وإيتاء ذي القربسى وينهسي
عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون))[.النحل]90 :
وقسد نهسى ال رسسوله عسن اتباع أهواء أهسل الكتاب الذيسن تفرقوا مسن بعسد مسا جاءهسم
العلم ،وأمره أن يعلن للناس إيمانسه بمسا أنزل ال ،وأنسه أمسر بالعدل بينهسم ،كمسا قال تعالى:
((فلذلك فادع واسستقم كمسا أمرت ول تتبسع أهواءهسم وقسل آمنست بمسا أنزل ال مسن كتاب،
وأمرت لعدل بينكسم ال ربنسا وربكسم لنسا أعمالنسا ولكسم أعمالكسم ل حجسة بيننسا وبينكسم ال
يجمع بيننا وإليه المصير))[.الشورى]15 :
وأمسر ال تعالى عباده المؤمنيسن-كمسا أمسر نسبيه-بالعدل ولو كان على أنفسسهم ونهاهسم
عن اتباع الهوى-كما نهى نبيه-كما قال تعالى(( :يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط
شهداء ل ولو على أنفسكم أو الوالدين والقربين إن يكن غنيا أو فقيرا فال أولى بهما فل
تتبعوا الهوى أن تعدلوا وإن تلووا أو تعرضوا فإن ال كان بمسا تعملون خسبيرا))[.النسساء:
]135
فالهوى كثيرا مسا يغري النسسان بالظلم وترك العدل ،إمسا لجسر مصسلحة لصساحبه أو
لقريسسب أو صسسديق ،وإمسسا لنزال ضرر بعدو بغيسسض .والحسسق سسسبحانه وتعالى أراد أن
يسستأصل هذا الهوى الظالم فسي كل المريسن :محاباة القريسب ،بسل والنفسس ،كمسا مضسى،
وبغسسض العدو أو الخصسسم ،فقال تعالى(( :يسسا أيهسسا الذيسسن آمنوا كونوا قواميسسن ل شهداء
بالقسسط ول يجرمنكسم شنآن قوم على أن ل تعدلوا اعدلوا هسو أقرب للتقوى واتقوا ال إن
ال خبير بما تعملون))[.المائدة]8 :
64
إنسه قمسة مسا تحتاج إليسه المم فسي كسل زمان :أن ينصسف القادر خصسمه ولو على نفسه
أو أقربائه وأن يعدل مع أشدّ أعدائه.
وقد يرى أعداء الحق أن هذا من المثاليات قد تدور بالخيال ولكن تطبيقها في الواقع
بعيسد المنال ،وهذا الرأي صسحيح بالنظسر إلى الوضاع التسي يعيسش الناس فيهسا بعيدا عسن
منهسسج الحسسق وتطسسبيقه :منهسسج ال الذي أنزله فسسي كتابسسه ودعسسا إليسسه عباده ،وقسسد اسسستجاب
لدعوته الرعيل الول من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم فطبقوه تطبيقا تندب
البشرية اليوم حظها التعيس لفقده ،وتبعهم على ذلك أهل الحق ول زال منهم من يتمسك
بسسه-وإن كانوا قلة فسسي هذا الزمان-ولو عاد المسسسلمون إلى ذلك المنهسسج مسسن جديسسد ،لرأت
المسم فسي الرض مسا تتمناه مسن العدل الذي أمسر ال بسه على وجسه العموم ،وأمسر بسه فسي
الحكسسم كمسسا قال تعالى(( :إن ال يأمركسسم أن تؤدوا المانات إلى أهلهسسا وإذا حكمتسسم بيسسن
الناس أن تحكموا بالعدل إن ال نعمّا يعظكم به إن ال كان سميعا بصيرا))[.النساء]58 :
وأمسر بسه فسي الشهادة كمسا قال تعالى(( :يسا أيهسا الذيسن آمنوا شهادة بينكسم إذا حضسر
أحدكم الموت حين الوصية اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم))[.المائدة]106 :
وأمسر بسه فسي الصسلح بيسن الناس ،بحيسث ل يكون فسي الصسلح ظلم لحسد المتخاصسمين،
بسسبب ضعفسه وقوة خصسمه أو لغيسر ذلك ،كمسا قال تعالى(( :وإن طائفتان مسن المؤمنيسن
اقتتلوا فأصسلحوا بينهمسا فإن بغست إحداهمسا على الخرى فقاتلوا التسي تبغسي حتسى تفسئ إلى
أمر ال فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن ال يحب المقسطين))[.الحجرات:
]9
وأمسر بسه فسي التعامسل السسري ،فقال تعالى(( :فانكحوا مسا طاب لكسم مسن النسساء مثنسى
وثلث ورباع فإن خفتسسسسم أل تعدلوا فواحدة أو مسسسسا ملكسسسست إيمانكسسسسم ذلك أدنسسسسى أن ل
تعولوا))[.النساء :؟]
وكسل الحقوق التسي أمسر ال بهسا ،وكسل المظالم التسي نهسى ال عنهسا ،إنمسا تتحقسق بالعدل
الذي هو ملزم لهل الحق بحسب نصيبهم منه.
وصسح عسن :رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم ،أنسه قال" :إن المقسسطين عنسد ال على
منابر من نور"[ .مسلم )3/1458( :رقم الحديث].1827 :
وقسد ربسى رسسوله ال صسلى ال عليسه وسسلم أصسحابه-وكسل رسسول سسبقه كذلك-على
العدل ،حتى اعترف لهم بذلك أعداؤهم من أهل الكتاب كما في حديث ابن عباس رضي
ال عنهمسسا ،قال :افتتسسح رسسسول ال صسسلى ال عليسسه وسسسلم خيسسبر ،واشترط أن له الرض
وكسل صسفراء وبيضاء [يعنسي الذهسب والفضسة] .قال أهسل خيسبر :نحسن أعلم بالرض منكسم
فأعطناها على أن لكم نصف الثمرة ،ولنا نصف ،فزعم أنه أعطاهم على ذلك ،فلما كان
حين يصرم النخل [يقطع] بعث إليهم عبد ال بن رواحة ،فحرز عليهم النخل ،وهو الذي
يسسميه أهسل المدينسة الخرص ،فقال :فسي ذِه كذا وكذا ،قالوا أكثرت علينسا يسا ابسن رواحسة،
فقال :فأنا أَلي[أي أتولى] حزر النخل وأعطيكم نصف الذي قلت .قالوا :هذا الحق (و) به
تقوم السماء والرض قد رضينا أن نأخذه بالذي قلت" [أبو داود واللفظ له ( )3/698وابن
ماجة ( )582/ 1وهو صحيح.].
وعسن سسليمان بسن يسسار أن رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم كان يبعسث عبسد ال بسن
65
رواحة إلى خيبر ،فيخرص بينه وبين يهود خيبر ،قال :فجمعوا له حليا من حلي نسائهم،
فقالوا له :هذا لك [يعني رشوة] وخفف عنا وتجاوز في القسم ،فقال عبد ال بن رواحة:
(يسا معشسر اليهود! وال إنكسم لمسن أبغسض خلق ال إليّس ومسا ذاك بحاملي على أن أحيسف
عليكم ،فأما ما عرضتم عل يّ من الرشوة فإنها سحت ،وإنا ل نأكلها) .فقالوا :بهذا قامت
السماوات والرض [الموطأ ( )270 /4والحديث مرسل وهو يفيد شيئا مما جرى بين ابن
رواحة واليهود.].
وقال شيخ السلم ابن تيمية رحمه ال:
(وأمور الناس تستقيم مع العدل الذي فيه الشتراك في أنواع الثم ،أكثر مما تستقيم
مسع الظلم فسي الحقوق وإن لم تشترك فسي إثسم ،ولهذا قيسل :إن ال يقيسم الدولة العادلة وإن
كانت كافرة ،ول يقيم الظالمة وإن كانت مسلمة ،ويقال :الدنيا تدوم مع العدل والكفر ول
تدوم مسع الظلم والسسلم ،وقسد قال النسبي صسلى ال عليسه وسسلم" :ليسس ذنسب أسسرع عقوبسة
مسن البغسي وقطيعسة الرحسم" .فالباغسي يصسرع فسي الدنيسا وإن كان مغفورا له مرحومسا فسي
الخرة ،وذلك أن العدل نظام كسسل شسسئ ،فإذا أقيسسم أمسسر الدنيسسا بعدل قامسست ،وإن لم يكسسن
لصاحبها في الخرة من خلق ،ومتى لم تقم بعد ل لم تقم وإن كان لصاحبها من اليمان
ما يجزى به في الخرة [)...مجموع الفتاوى].)28146( :
وإن الذي يتأمل أحوال العالم اليوم ،يدرك المآسي التي نزلت به بسبب فقد العدل أو
قلتسسه التسسي تقترب مسسن العدم ،فل نجسسد ضعيفسسا ينصسسفه القوي-إل مسسا شاء ال-مسسن الفراد
والجماعات والدول ،ولو أردنا أن نضرب أمثلة لذلك لطال بنا المقام.
ويكفسسي أن تقعسسد قليل أمام شاشسسة التلفاز ،لترى ماذا يفعسسل اليهود بأطفال فلسسسطين
وشيوخهسسسا ونسسسسائها مسسسن قهسسسر وإذلل وقتسسسل وتشريسسسد وسسسسجن واعتقال وهدم منازل
بالصواريخ على من فيها.
وأن ترى نصارى الصرب وهم يفعلون بالمسلمين في البوسنة والهرسك ،أعظم مما
فعله اليهود ،وذلك فسي وسسط قارة الحريسة والعدل والمسساواة [وفسي هذه اليام-مسن سسنة
1417ه1996--م-يكشف عن مقابر جماعية للف المسلمين الذين قتلهم الصرب عندما
احتلوا مدنهم وقراهم].
والعالم كله يمور بالفتسسن والمصسسائب بسسسبب الظلم وفقسسد العدل ،وهيئة المسسم المتحدة
ومنظماتها ومجلسها المسمى بمجلس المن ،تتصرف فيها دولة واحدة استبدت بالمر،
تحرك تلك الهيئة ومنظماتهسسا ودول العالم كله كمسسا تريسسد ،فإذا رأت أن لهسسا مصسسلحة مسسن
التدخسل فسي أي حدث يقسع فسي العالم أجلبست بخيلهسا ورجلهسا وحشدت كسل الدول لتحقيسق
مآربهسا ولو أهلكست بذلك الحرث والنسسل مدعيسة أنهسا تنصسف المظلوم مسن ظالمسه ،وإذا
رأت أن عدم التدخسل مسن مصسلحتها أحجمست عسن التدخسل فسي الحدث وروضست غيرهسا
على الحجام بأسلوب ماكر مخادع ،أو بتهديد شديد ظالم.
وكيسف يرجسى مسن هيئة المسم المتحدة خيسر لضعيسف وهسي تصسدر قراراتهسا بالجماع
ل تلك القرارات دولةٌ واحدة عند التنفيذ؟! أو الغلبية ،فَتُعَطّل ُك ّ
بسل أيسن العدل والنصساف فيمسا يسسمى مجلس المسن وقسد احتشدت بجواره جميسع دول
العالم ،ومسع ذلك تسستطيع دولة مسن خمسس دول تعطيسل أي قرار يصسدره [الدول التسي لهسا
66
مندوبون دائمون ،ولها حق نقض أي قرار يتخذه المجلس مجتمعة أو كل دولة على حدة
هسي :أمريكسا وفرنسسا ،وبريطانيسا ،والصسين ،وروسسيا ،ولكسن أمريكسا فسي الوقست الحاضسر
تقود المجلس وغيره مسن منظمات الهيئة لنفرادهسا بالهيمنسة الدوليسة ،ومسع زعمهسا أنهسا
دولة ديمقراطية ،فإن استبدادها الدولي ل حدود له إل مصالحها وعجزها.].
وبهذا يعلم أن العدل-وهسو صسفة ملزمسة لهسل الحسق-هسو الذي يثبست الحسق ويطرد
الباطسسل ،وأن الظلم-وهسسو ملزم لهسسل الباطسسل-هسسو الذي تشقسسى بسسه البشريسسة على مدار
التاريخ.
وإذا شئت أن تعرف أنموذجسسسا للظلم الغاشسسسم ،وبخاصسسسة على المسسسسلمين مسسسن أعلى
مسسسؤول فسسي هيئة المسسم المتحدة ،فاقرأ عسسن مواقسسف أمينهسسا العام العربسسي النصسسراني
المصسري بطرس غالي[ ،عندمسا كان أمينسا عامسا للمسم المتحدة]مسن قضيسة المسسلمين فسي
البوسنة والهرسك وإصراره على عدم تدخل المم المتحدة لحماية هؤلء المسلمين الذين
يتعرضون لبشع اعتداء من قبل إخوانه الصرب النصارى [مجلة المجتمع الكويتية عدد
1002ص .].22
69
نماذج للرحمة التي يتصف بها أهل الحق.
ويكفي أن نذكر ثلثة نماذج :اثنان منهما لنبيين وثالث لحد المؤمنين.
النموذج الول :نبي الله نوح عليه السلم.
وهسو أول رسسول بعثسه ال تعالى للناس فسي عهده رحمسة لهسم ،فمكسث يدعسو قومسه ألف
سنة إل خمسين عاما ،وهم يجادلونه بالباطل ويسخرون منه ويحاولون إدخال اليأس إلى
قلبه ،وهو يمضي في طريقه صابرا محتسبا رحيما بهم شفيقا عليهم ،منوعا أساليبه في
دعوتهسم ،يدعوهسم فسي الليسل والنهار ،وفسي السسر والجهسر ،مرغبسا لهسم إذا اتبعوه ،بالعيسش
الحسسسن فسسي الدنيسسا ،والنعيسسم المقيسسم فسسي الخرة ،ومهددا إذا عصسسوه ،بالهلك فسسي الدنيسسا
والعذاب فسسسي الخرة ،والقوم ل يزدادون إل عنادا واسسسستكبارا ،حتسسسى يأتسسسي أمسسسر ال،
فيضطر إلى أن يتعلم النجارة لصنع سفينة ينجو فيها بنفسه ومن آمن معه بأمر من ربه،
ويرى فلذة كبده وهو يغرق مع أعداء ال.
وقد صورت اليات القرآنية قصته تصويرا مفصل دقيقا فلنذكر بعض اليات بدون
تعليق فل كلم يمكن أن يؤدي معانيها مثلها:
((ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه فلبث فيهم ألف سنة إل خمسين عاما فأخذهم الطوفان
وهم ظالمون))[.العنكبوت]14 :
((بسسم ال الرحمسن الرحيسم ،إنسا أرسسلنا نوحسا إلى قومسه أن أنذر قومسك مسن قبسل أن
يأتيهسم عذاب أليسم ،قال يسا قوم إنسي لكسم نذيسر مسبين ،أن اعبدوا ال واتقوه وأطيعون ،يغفسر
لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل ال إذا جاء ل يؤخر لو كنتم تعلمون،
قال رب إنسي دعوت قومسي ليل ونهارا ،فلم يزدهسم دعائي إل فرارا ،وإنسي كلمسا دعوتهسم
لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ،ثم
إني دعوتهم جهارا ،ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا ،فقلت استغفروا ربكم إنه
كان غفارا ،يرسسل السسماء عليكسم مدرارا ،ويمددكسم بأموال وبنيسن ويجعسل جنات ويجعسل
لكسم أنهارا ،مسا لكسم ل ترجون ل وقارا ،وقسد خلقكسم أطوارا ،ألم تروا كيسف خلق ال سسبع
سماوات طباقا ،وجعل القمر فيهن نورا ،وجعل الشمس سراجا ،وال أنبتكم من الرض
نباتسا ،ثسم يعيدكسم فيهسا ويخرجكسم إخراجسا ،وال جعسل لكسم الرض بسساطا ،لتسسلكوا منهسا
سسسبل فجاجسسا ،قال نوح رب إنهسسم عصسسوني واتبعوا مسسن لم يزده ماله وولده إل خسسسارا،
ومكروا مكرا كبارا ،وقالوا ل تذرن آلهتكسسم ول تذرن ودا ول سسسواعا ول يغوث ويعوق
ونسسرا ،وقسد أضلوا كثيرا ،ول تزد الظالميسن إل ضلل ،ممسا خطيئاتهسم أغرقوا فأدخلوا
نارا فلم يجدوا لهسسسسم مسسسسن دون ال أنصسسسسارا ،وقال نوح رب ل تذر على الرض مسسسسن
الكافريسسن ديارا ،إنسسك إن تذرهسسم يضلوا عبادك ول يلدوا إل فاجرا كفارا ،رب اغفسسر لي
ولوالدي ولمسسسسن دخسسسسل بيتسسسسي مؤمنسسسسا وللمؤمنيسسسسن والمؤمنات ول تزد الظالميسسسسن إل
تبارا))[.سورة نوح]
((كذبست قبلهسم قوم نوح فكذبوا عبدنسا وقالوا مجنون وازدجسر ،فدعسا ربسه أنسي مغلوب
فانتصر ،ففتحنا أبواب السماء بماءٍ منهمر ،وفجرنا الرض عيونا فالتقى الماء على أمر
قسسد قدر ،وحملناه على ذات ألواح ودسسسر ،تجري بأعيننسسا جزاء لمسسن كان كفسسر ،ولقسسد
70
تركناها آية فهل من مدكر))[ .القمر]15-9 :
ل الَّ إِنّي َأخَا فُ سلْنَا نُوحًا ِإلَى قَوْ ِم ِه إِنّي لَكُ مْ نَذِيرٌ ُمبِي نٌ()25أَ نْ لَ تَعْبُدُوا إِ ّ (( َوَلقَ ْد أَرْ َ
ل الْمَلَُ الّذِينَس َكفَرُوا مِنْس قَوْمِهِس مَا نَرَاكَس إِلّ َبشَرًا مِ ْثلَنَا وَمَا علَيْكُمْس عَذَابَس يَوْمٍس َألِيمسٍ(َ )26فقَا َ َ
ضلٍ َبلْ نَظُنّكُمْس علَيْنَا مِنْس َف ْ ل الّذِينَس هُمْس أَرَا ِذلُنَا بَادِيَس ال ّرأْيِس وَمَا نَرَى لَكُمْس َ نَرَاكَس اتّبَعَكَس إِ ّ
عنْدِهسِ علَى بَيّنَةٍ مِنسْ رَبّيس َوءَاتَانِي َرحْمَةً مِنسْ ِ كَاذِبِينسَ( )27قَالَ يَا قَوْمِس أَ َرأَيْتُم ْس إِنسْ كُنْتسُ َ
ن َأجْرِ يَ ل إِ ْ علَيْ هِ مَا ً
سَألُكُمْ َ
ل أَ ْ
علَيْكُ ْم أَ ُنلْزِمُكُمُوهَا َوأَنْتُ ْم لَهَا كَارِهُو نَ()28وَيَا قَ ْو مِ َ فَعُمّيَ تْ َ
علَى الِّ وَمَا أَنَا بِطَارِ ِد الّذِينَس ءَامَنُوا إِنّهُمْس مُلَقُو رَبّهِمْس َولَكِنّيس أَرَاكُمْس قَوْمًا َتجْ َهلُونسَ( إِلّ َ
ل َأقُولُ لَكُمْس عِنْدِي )29وَيَا قَوْمِس مَنْس يَنْصُسرُنِي مِنَس الِّ إِنْس طَرَدُْتهُمْس َأفَلَ َتذَكّرُونسَ( )30وَ َ
ل ِللّذِينَس تَ ْزدَرِي أَعْيُنُكُمْس لَنْس ُيؤْتِيَهُمُس ل َأقُو ُ ل إِنّيس َملَكٌس وَ َ ل َأقُو ُعلَمُس الْغَيْبَس وَ َ
ل أَ ْخَزَائِنُس الِّ وَ َ
علَمُس بِمَا فِي أَ ْنفُسِسهِ ْم إِنّيس إِذًا لَمِنَس الظّالِمِينسَ()31قَالُوا يَا نُوحُس قَ ْد جَا َدلْتَنَا الُّ خَيْرًا الُّ أَ ْ
ل إِنّمَا َيأْتِيكُمْس بِهِس الُّ إِنْس شَاءَ ن ال صّا ِدقِينَ()32قَا َ َفأَكْثَرْ تَ جِدَالَنَا َفأْتِنَا بِمَا تَ ِعدُنَا إِ نْ كُنْتَس مِ َ
ن الُّ يُرِي ُد أَ نْ ح لَكُ ْم ِإ نْ كَا َ
ن أَنْ صَ َت أَ ْن أَرَدْ ُ صحِي إِ ْ وَمَا أَنْتُ مْ بِمُ ْعجِزِي نَ()33وَلَ يَ ْنفَعُكُ مْ نُ ْ
ن افْتَرَيْتُ ُه فَ َعلَيّ ِإجْرَامِي َوأَنَا ن افْتَرَا ُه ُقلْ إِ ِيُغْوِيَكُ مْ هُوَ رَبّ ُك مْ َوِإلَيْ هِ تُ ْرجَعُو نَ()34أَ مْ َيقُولُو َ
بَرِيءٌ مِمّاس ُتجْرِمُونسَ(َ )35وأُوحِيَس ِإلَى نُوحٍس أَنّهُس لَنْس يُؤْمِنَس مِنْس قَوْمِكَس إِلّ مَنْس قَ ْد ءَامَنَس فَلَ
ظلَمُوا عيُنِنَا وَ َوحْيِنَا وَلَ ُتخَاطِبْنِي فِي الّذِي نَ َ تَبْتَئِ سْ بِمَا كَانُوا َيفْ َعلُو نَ()36وَا صْنَ ِع ا ْل ُفلْ كَ ِبأَ ْ
علَيْهسِ مَلٌَ مِن ْس قَوْمِهسِ سَسخِرُوا مِنْهُس قَالَ إِنسْ إِنّهُمسْ مُغْ َرقُونسَ()37وَيَصسْنَعُ ا ْل ُفلْكسَ َو ُكلّمَا مَرّ َ
سخَرُونَ(َ )38ف سَوْفَ تَ ْعلَمُو نَ مَ نْ َيأْتِي هِ عَذَا بٌ ُيخْزِي هِ سخَرُ مِ ْنكُ مْ كَمَا تَ ْسخَرُوا مِنّا َفإِنّا نَ ْ تَ ْ
ل فِيهَا مِن سْ ُكلّ علَيْه سِ عَذَاب سٌ ُمقِيم سٌ()39حَتّى س إِذَا جَا َء أَمْرُنَا َوفَارَ التّنّو ُر ُقلْنَا احْ ِم ْ حلّ َ وَ َي ِ
ل َقلِيلٌ( علَيْه ِس ا ْلقَ ْولُ وَمَن ْس ءَامَن سَ وَمَا ءَامَن سَ مَعَه ُس إِ ّ زَ ْوجَيْن ِس اثْنَيْن سِ َوأَ ْهلَك سَ إِلّ مَن سْ س سَ َبقَ َ
َ )40وقَالَ ارْكَبُوا فِيهَا بِسْس ِم الِّ َمجْرَاهَا وَمُرْسسَاهَا إِنّ رَبّيس لَ َغفُورٌ َرحِيمسٌ()41وَهِيَس َتجْرِي
بِهِمْس فِي مَوْجٍس كَا ْلجِبَالِ َونَادَى نُوحٌس ابْنَهُس وَكَانَس فِي مَعْ ِزلٍ يَابُنَيّ ارْكَبْس مَعَنَا وَلَ تَكُنْس مَعَس
ن أَمْرِ الِّ إِلّ ن الْمَا ِء قَالَ لَ عَاصِ َم الْيَوْمَ ِم ْ الْكَافِرِينَ( )42قَالَ سَآوِي ِإلَى جَ َبلٍ َيعْصِمُنِي مِ َ
ض ا ْبلَعِي مَا َءكِ َويَا سَمَاءُ ن الْمُغْ َرقِينَ(َ )43وقِيلَ يَاأَرْ ُ ج فَكَانَ ِم َمَنْ َرحِمَ َوحَالَ َبيْنَهُمَا الْمَوْ ُ
علَى الْجُودِيّ َوقِيلَ ُبعْدًا ِللْقَوْمِس الظّالِمِينسَ( َأ ْقلِعِي َوغِيضَس الْمَاءُ َو ُقضِيسَ الَْمْرُ وَاس ْستَ َوتْ َ
ت َأحْكَمُ ا ْلحَاكِمِينَ( ك الْحَقّ َوأَنْ َ عدَ َن أَ ْهلِي َوإِنّ وَ ْ )44وَنَادَى نُوحٌ رَبّ ُه َفقَالَ َربّ ِإنّ ابْنِي مِ ْ
علْ ٌم إِنّي
س لَكَ ِبهِ ِ سَألْنِ مَا لَيْ َح فَلَ تَ ْ ن أَ ْهلِكَ إِنّهُ عَ َملٌ غَيْرُ صَالِ ٍ )45قَالَ يا نوح إِنّ ُه لَيْسَ مِ ْ
علْمٌس أَعِظُكَس أَنْس تَكُونَس مِنَس ا ْلجَاهِلِينسَ()46قَالَ َربّ إِنّيس أَعُوذُ بِكَس أَنْس أَسْسَأَلكَ مَا لَيْسَس لِي بِهِس ِ
َوإِلّ تَ ْغفِ ْر لِي وَتَ ْرحَمْنِي أَكُن ْس مِنَس ا ْلخَاسِسرِينَ()47قِيلَ يَانُوحُس اهْبِط ْس بِسَسلَمٍ مِنّاس وَبَرَكَاتسٍ
عذَابٌس َألِيمسٌ(ِ )48تلْكَس مِنْس أَنْبَاءِ علَى أُمَمٍس مِمّنْس مَعَكَس َوأُمَمٌس سَسُنمَتّعُهُمْ ثُمّ يَمَسّسهُمْ مِنّاس َ علَيْكَس وَ َ َ
ن قَ ْبلِ هَذَا فَاصْبِ ْر إِنّ الْعَاقِبَ َة ِللْمُ ّتقِينَ( ل قَوْمُكَ ِم ْ الْغَيْبِ نُوحِيهَا ِإلَيْكَ مَا كُنْتَ تَ ْعلَمُهَا أَنْتَ وَ َ
[)49سورة هود]
هذا هسو النموذج الول ،وهسو أول رسسول بعثسه ال إلى الناس ليخرجهسم مسن الظلمات
إلى النور ،وهسو نوح عليسه السسلم ولول مسا رزقسه ال مسن رحمسة وشفقسة وصسبر ،لمسا قدر
أن يستمر في دعوة قومه الذين وقفوا منه هذه المواقف تلك المدة الطويلة المديدةَ (( :وَلقَدْ
ل خَمْسسِينَ عَامًا َفَأخَذَهُمُس الطّوفَانسُ وَهُمسْ أَرْسَسلْنَا نُوحًا ِإلَى قَوْمِهِس َفلَبِثَس فِيهِم ْس َألْفسَ سسَ َن ٍة إِ ّ
ظَالِمُونَ([)14العنكبوت] وقصص النبياء عليهم السلم-غير نوح-شبيهة بقصته
71
النموذج الثانمي :محممد رسمول الله صملى الله عليمه
وسلم.
وهسو الذي ختسم بسه جميسع الرسسل ،وختسم بكتابسه ودينسه المفصسل الكامسل جميسع الكتسب
والديان رحمة من ال للعالمين.
فقد بعثه صلى ال عليه وسلم في وقت أظلمت فيه الفاق بالشرك والوثنية والجهل،
وانطمسسست معالم الرسسسالت ،وكلف تبليسسغ هذا الديسسن إلى قومسسه القربيسسن ،ثسسم عشيرتسسه
المحيطيسن بسه ،ثسم العرب أجمعيسن ،ثسم أمسم الرض وعظماءهسا مسن المراء والسسلطين،
ولقسي صسلى ال عليسه وسسلم مسا لقيسه إخوانسه المرسسلون ،مسن أقوامهسم الضاليسن مسن الذى
والمتحان ،والصد عن سبيل ال واتباع سبيل الشيطان ،وأوذي معه صحبه الكرام الذين
أقام ال بهم دين السلم.
دعا صلى ال عليه وسسلم سرا وعلنسا ،وعرض دعوته على الغنسي والفقيسر ،والقوي
والضعيسف ،وهجسر بلده مكسة هسو وصسحبه عندمسا سسد المشركون أمام دعوتسه البواب،
وكانت أحب البلد إلى ال.
واصل دعوته في المدينة ،وهجم عليه المشركون من كل حدب وصوب ،فجاهد في
ال حق جهاده مدافعا عن دين ال ،وقائما بدعوة ال ،وسالت دماؤه الزكية وجرح جسمه
الطاهسر وكسسرت أسسنانه النظيفسة ،وقتسل كثيسر مسن أصسحابه ،مسستشهدين فسي سساح الجهاد
التسي اشترك معهسم فيهسا الملئكسة المقربون ،حتسى نصسر ال دينسه وأعلى كلمتسه وكان ذلك
كله امتثال لمر ربه ،ورحمة بعباد ال ليخرجهم من الظلمات إلى النور.
ولنقرأ كذلك بعسض اليات فسي معاناتسه صسلى ال عليسه وسسلم ،وكيسف وقسف قومسه
المشركون واليهود والنصسارى ،مسن الحسق الذي جاء بسه ،وكيسف صسبر ومضسى مشفقسسا
عليهم رحيما بهم.
قال تعالى (( :وَهُ َو الُّ فِي السسماوات وَفِي الَْرْضِس يَ ْعلَمُس سِسرّكُمْ َوجَهْرَكُمْس وَيَ ْعلَمُس مَا
تَكْسِسبُونَ()3وَمَا َتأْتِيهِمْس مِنْس ءَايَةٍ مِنْس ءَايَاتِس رَبّهِمْس إِلّ كَانُوا عَنْهَا ُمعْ ِرضِينسَ(َ )4فقَدْ كَذّبُوا
بِالْحَقّ لَمّاس جَاءَهُمْس فَسَسوْفَ َيأْتِيهِمْس أَنْبَاءُ مَا كَانُوا بِهِس يَسْستَهْزِئُونَ(َ)5ألَمْس يَرَوْا كَمْس أَ ْهلَكْنَا مِنْس
علَيْ ِه مْ مِدْرَارًا َوجَ َعلْنَا
سلْنَا ال سّمَاءَ َ
ن لَكُ مْ َوأَرْ َن قَرْ نٍ مَكّنّاهُ ْم فِي الَْرْ ضِ مَا لَ مْ نُمَكّ ْ قَ ْبلِهِ مْ ِم ْ
شأْنَا مِنْ بَعْدِهِ ْم قَرْنًا ءَاخَرِينَ(َ )6ولَوْ نَ ّزلْنَا الَْنْهَارَ َتجْرِي ِمنْ َتحْتِهِ ْم َفأَ ْهلَكْنَاهُمْ بِذُنُوبِ ِهمْ َوأَ ْن َ
سحْرٌ مُبِينٌ(َ )7وقَالُوا س َفلَمَسُوهُ ِبأَيْدِيهِ ْم َلقَالَ الّذِينَ َكفَرُوا إِنْ َهذَا إِلّ ِ علَيْكَ كِتَابًا فِي قِرْطَا ٍ َ
علَيْهسِ َملَكسٌ َولَ ْو أَنْ َزلْنَا َملَكًا َل ُقضِيسَ الَْمْرُ ثُمّ لَ يُنْظَرُونسَ(َ )8ولَ ْو جَ َعلْنَاهسُ َملَكًا ل أُنْ ِزلَ َلَوْ َ
علَيْهِمْس مَا َيلْبِسسُونَ(َ )9وَلقَدِ اسْستُهْزِئَ بِرُسُسلٍ مِنْس قَ ْبلِكَس َفحَاقَس بِالّذِينَس َلجَعَلْنَاهُس َرجُلً َوَللَبَسْسنَا َ
سَسخِرُوا ِمنْهُمْس مَا كَانُوا بِهِس يَسْستَهْزِئُونَ(ُ )10قلْ سسِيرُوا فِي الَْرْضِس ثُمّ ا ْنظُرُوا كَيْفَس كَانَس
علَى َنفْسِس ِه ال ّرحْمَةَ ل لِمَنْس مَا فِي السسماوات وَالَْرْضِس ُقلْ لِِّ كَتَبَس َ عَاقِبَ ُة الْمُكَذّبِينسَ(ُ )11ق ْ
لَ َيجْمَعَنّكُمْس ِإلَى يَوْمِس ا ْلقِيَامَةِ لَ َريْبَس فِيهِا الّذِينَس خَسِسرُوا أَ ْنفُسَسهُ ْم فَهُمْس لَ يُؤْمِنُونسَ(َ )12ولَهُس مَا
ن فِي اللّ ْيلِ وَالنّهَارِ وَهُوَ السّسمِي ُع الْ َعلِيمسُ(ُ )13قلْ َأغَيْ َر الِّ أَ ّتخِذُ َولِيّاس فَاطِرِ السسماوات سَسكَ َ
ل إِنّيس أُمِرْتُس أَنْس أَكُونَس أَ ّولَ مَنْس أَسْسلَمَ َولَ تَكُونَنّ مِنَس وَالَْرْضِس وَ ُهوَ يُطْعِمُس وَلَ يُطْعَمُس ُق ْ
72
عذَابَس يَوْمٍس عَظِيمسٍ()15مَنْس يُصْسرَفْ عَنْهُس ل إِنّيس َأخَافُس إِنْس عَصَسْيتُ رَبّيس َ الْمُشْرِكِينسَ(ُ )14ق ْ
ك الُّ ِبضُ ّر فَلَ كَاشِفَس لَهُس إِلّ هُوَ سَ يَوْمَئِ ٍذ َفقَدْ َرحِمَهُس َو َذلِكَس الْفَوْ ُز الْمُبِينسُ(َ )16وإِنْس يَمْسَس ْ
عبَادِهسسِ وَ ُه َو الْحَكِيمسسُيءٍ َقدِيرٌ()17وَهُ َو ا ْلقَاهِرُ فَوْقسسَ ِ علَى ُكلّ شَ ْ سكَ ِبخَيْ ٍر فَهُوَ َ َوإِنسسْ يَمْسسسَ ْ
ي ٍء أَكْبَرُ شَهَادَ ًة ُقلِ الُّ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْس َوأُوحِيَس ِإلَيّ هَذَا ا ْلقُرْءَانُس ل أَيّ شَ ْ الْخَبِيرُ(ُ )18ق ْ
ل أَشْ َه ُد ُقلْ إِنّمَا هُ َو ِإلَهٌسلُِنْذِرَكُمْس بِهِس وَمَنْس َبلَغَس أَئِنّكُمْس لَتَشْهَدُونَس أَنّ مَعَس الِّ ءَالِهَ ًة ُأخْرَى ُقلْ َ
وَاحِدٌ َوإِنّنِي بَرِيءٌ مِمّا س تُشْرِكُون سَ( )19الّذِين َس ءَاتَيْنَاهُم ُس الْكِتَاب سَ يَعْ ِرفُونَه سُ كَمَا يَعْ ِرفُون سَ
علَى الِّ َكذِبًا أَوْ ن افْتَرَى َ ظلَ مُ مِمّ ِ
ن َأ ْخ سِرُوا أَ ْنفُ سَهُ ْم فَهُ مْ لَ يُؤْمِنُو نَ()20وَمَ ْ ن َ أَبْنَاءَهُ ُم الّذِي َ
ل ِللّذِينَس َأشْرَكُوا أَيْنَس كَذّبَس بِآيَاتِهِس إِنّهُس لَ ُي ْفلِحُس الظّالِمُونسَ()21وَيَوْمَس َنحْشُرُهُمْس جَمِيعًا ثُمّ َنقُو ُ
ل أَن ْس قَالُوا وَالِّ رَبّنَا مَا كُنّاس عمُونسَ()22ثُمّ لَمسْ تَكُن ْس فِتْنَتُهُم ْس إِ ّ شُرَكَاؤُكُمُس الّذِينسَ كُنْتُمسْ تَزْ ُ
ضلّ عَنْهُمْس مَا كَانُوا َيفْتَرُونسَ( )24وَمِنْهُمْس علَى أَ ْنفُسِس ِهمْ َو َمُشْرِكِينسَ()23انْظُرْ كَيْفَس َكذَبُوا َ
ل ءَايَةٍ
علَى ُقلُوبِهِ ْم أَكِنّ ًة أَ نْ َي ْفقَهُو هُ َوفِي ءَاذَانِهِ مْ َوقْرًا َوإِ نْ يَرَوْا ُك ّ
مَ نْ َي سْتَمِ ُع ِإلَيْ كَ َوجَ َعلْنَا َ
ل أَسسَاطِيرُ الَْ ّولِينسَ( لَ يُؤْمِنُوا بِهَا حَتّىس إِذَا جَاءُوكَس ُيجَا ِدلُونَكَس َيقُولُ الّذِينَس َكفَرُوا إِنْس َهذَا إِ ّ
[)))25النعام]
وقال تعالى(( :ولقسد صسرفنا للناس فسي هذا القرآن مسن كسل مثسل فأبسى أكثسر الناس إل
كفورا ،وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الرض ينبوعا ،أو تكون لك جنة من نخيل
وعنسب فتفجسر النهار خللهسا تفجيرا ،أو تسسقط السسماء كمسا زعمست علينسا كسسفا أو تأتسي
بال والملئكة قبيل ،أو يكون لك بيت من زخرف أو ترقى في السماء ولن نؤمن لرقيك
حتى تنزل علينا كتابا نقرأه قل سبحان ربي هل كنت إل بشرا رسول))[.السراء-89 :
]93
ومسع هذه المواقسف الجاسسية العنيدة التسي كان يقفهسا قومسه المشركون منسه ،كان يحزن
لحالهم ويتحسر ويهتم بأمرهم ،رحمة بهم وإشفاقا على ما سيلقونه من مصير سيئ في
الدنيسسا والخرة ،كمسسا قال تعالى له مسسسليا ومصسسبرا(( :واصسسبر ومسسا صسسبرك إل بال ول
تحزن عليهم ول تك في ضيق مما يمكرون))[.النحل]127 :
وقال تعالى(( :ول تحزن عليهم ول تكن في ضيق مما يمكرون))[.النحل]70 :
وقال تعالى(( :فلعلك باخسسسسسع نفسسسسسسك على آثارهسسسسسم إن لم يؤمنوا بهذا الحديسسسسسث
أسفا))[.الكهف]6 :
هكذا كان صسلى ال عليسه وسسلم يحزن لحال أمتسه الذيسن لم يسستجيبوا لدعوتسه ،مشفقسا
عليهم راغبا في هدايتهم برغم عدائهم وحربهم له ولدينه.
وكان صلى ال عليه وسلم أشد رحمة وشفقة على من آمن به من أصحابه ،كما قال
تعالى(( :لقسد جاءكسم رسسول مسن أنفسسكم عزيسز عليسه مسا عنتسم حريسص عليكسم بالمؤمنيسن
رؤوف رحيم))[.التوبة128 :والعنت المشقة]
وقال تعالى(( :واعلموا أن فيكسسسم رسسسسول ال لو يطيعكسسسم فسسسي كثيسسسر مسسسن المسسسر
لعنتم))[.الحجرات]7 :
وقال تعالى(( :محمسسسسد رسسسسسول ال والذيسسسسن آمنوا معسسسسه أشداء على الكفار رحماء
بينهم))[.الفتح]29 :
وقسد ضرب لرحمتسه وشفقتسه على أمتسه ،مثل برجلٍ اسستوقد نارا فلمسا أضاءت جعسل
73
الفراش والدواب تقسع فسي النار والرجسل يحاول منعهسا وحجزهسا عسن النار ،وهسي تأبسى إل
الوقوع فيها.
كمسسا فسسي حديسسث أبسسي هريرة رضسسي ال عنسسه ،قال :قال رسسسول ال صسسلى ال عليسسه
وسسلم( :إنمسا مثلي ومثسل أمتسي كمثسل رجسل اسستوقد نارا ،فجعلت الدواب والفراش يقعسن
فيسه ،فأنسا آخسذ بحجزكسم ،وأنتسم تقحمون فيسه )..وفسي لفسظ( :مثلي كمثسل رجسل اسستوقد نارا،
فلمسسا أضاءت مسسا حولهسسا جعسسل الفراش وهذه الدواب التسسي فسسي النار يقعسسن فيهسسا ،وجعسسل
يحجزهن ويغلبنه فيتقحمن فيها ،قال :فذلكم مثلي ومثلكم ،أنا أخذ بحجزكم عن النار هلم
عسن النار ،هلم عسن النار ،فتغلبونسي تقحمون فيهسا[ )..مسسلم ( ،)4/1789والتقحسم القدام
والوقوع في المور الشاقة من غير تثبت ،والحجز جمع حجزة وهي معقد الزار.] .
والذي يدرس سسيرة الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم ،ومسا قام بسه مسن الدعوة إلى ال
بيسن المشركيسن وحرصسه الشديسد على هدايتهسم ،وسسيرته صسلى ال عليسه وسسلم مسع أهله
وخَدَ مه وأصحابه ،يرى رحمته شاخصة في تلك السيرة العطرة ،تتحرك بحركة رسول
ال صلى ال عليه وسلم ،وتتحدث بلسانه.
وعلى تلك الرحمسسة ربسسى أصسسحابه فكانوا يتسسسابقون إلى نفسسع المحتاجيسسن ونصسسرة
الضعفاء.
ويكفسي لمعرفسة رحمسة أبسي بكسر الصسديق رضسي ال عنسه برعيتسه ،بيانسه السسياسي بعسد
بيعتسه الذي أولى فيسه مسن يسستحق الرحمسة اهتمامسه ،حيسث خصسه بنسسبة كسبيرة مسن معانسي
ذلك البيان نصسا ،فكان ممسا قاله فسي ذلك البيان":والضعيسف فيكسم قوي عندي حتسى أزيسح
عليسه حقسه إن شاء ال ،والقوي فيكسم ضعيسف عندي حتسى آخسذ الحسق منسه إن شاء ال"..
[تاريخ الخلفاء ،للمام السيوطي ص ]69
وكان-وهو خليفة رسول ال صلى ال عليه وسلم-ووزيره عمر بن الخطاب رضي
ال عنهمسسا ،يتسسسابقان دون أن يعلم أحدهمسسا بالخسسر لخدمسسة عجوز كسسبيرة السسسن ،وكان
الخليفة يسبق وزيره إليها [نفس المرجع :ص .]80
مظاهر العتداء.؟؟؟
وللعتداء مظاهر:
81
المظهر الثامن :الذى ،بكل أنواعه.
وهو يشمل مظاهر القسوة المذكورة سابقا وغيرها.
وأذى أهسل الباطسسل يشمسسل المخلوقات كلهسا :النسسسان-وغيره-سسواء كان مسن أهسل
الحسق أو مسن أهسل الباطسل ،فصساحب الباطسل القوي يؤذي الضعيسف سسواء كان مسن أهسل
الحق أو من أهل الباطل ،ولكن إيذاءه أهل الحق له الولوية عنده ،وسنقتصر عليه ههنا
بذكر بعض اليات القرآنية التي نصت على الذى.
قال تعالى-مخاطبسا عباده المؤمنيسن مصسبرا لهسم ،مبينسا لهسم ،أنهسم ل بسد أن يتعرض
لهم أعداء الحق من أهل الباطل ،من اليهود والنصارى والمشركين سواء ،بالذى الذي
يحتاجون معه إلى الصبر والتقوى في ثباتهم على الحق:
((لتبلون فسي أموالكسم وأنفسسكم ولتسسمعن مسن الذيسن أوتوا الكتاب مسن قبلكسم ومسن
الذيسسن أشركوا أذى كثيرا ،وإن تصسسبروا وتتقوا فإن ذلك مسسن عزم المور))[آل عمران:
]186
وقال تعالى-مسسليا رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم ومواسسيا له على مسا كان يلقاه مسن
أذى قومه المشركين ،بما لقيه قبله إخوانه المرسلون من أقوامهم((-ولقد ُكذّبت رسل من
قبلك فصسسبروا على مسسا كذبوا وأوذوا حتسسى أتاهسسم نصسسر ال ول مبدل لكلمات ال ولقسسد
جاءك من نبأ المرسلين)) [النعام]34 :
وقال تعالى لرسسوله صسلى ال عليسه وسسلم(( :وَل تُطِعِس الْكَافِرِينَس وَالْمُنَافِقِينَس وَدَعْس
علَى الِّ وَ َكفَى بِالِّ وَكِيل))[الحزاب]48 :
أَذَاهُمْ وَتَوَ ّكلْ َ
كان يمكن الكتفاء بذكر أن أهل الباطل أعداء الحق قد نزعت الرحمة من قلوبهم،
لنهسم قسد تكسبروا وتجسبروا وطغوا لبعدهسم عسن ال وعدم السستجابة لرسسله ،ولذلك هسم ل
يدعون شيئا مسن أنواع الذى إل أنزلوه بالضعيسف ،وبخاصسة إذا كان هذا الضعيسف مسن
أهسل الحسق ،كان يكفسي ذكسر ذلك والسستدلل بآيسة أو آيتيسن بدون سسوق المظاهسر الثمانيسة
المذكورة الدالة على قسوتهم وعدم رحمتهم.
ولكن أردت من سوق هذه المظاهر التنبيه إلى شيء-وليس كل شيء-من قاموس
الشسر والفتنسة الذي يزاوله أعداء الحسق ،مسن أهسل الباطسل ضسد أهسل الحسق مسن النسبياء
والرسسسل عليهسسم الصسسلة والسسسلم وأتباعهسسم ،ليفتنوهسسم عسسن دينهسسم بكسسل صسسنوف الذى،
وليصدوا الناس عن الستجابة لدعوتهم بغاية القسوة والشدة.
ولو أنسا عدنسا إلى التاريسخ لضرب أمثلة تندرج تحست هذا القاموس وتزيسد عليسه لمسا
اتسع المقام لذلك.
ولهذا نحاول أن ننبه على الواقع وما يجري فيه من وبال على العالم كله ،من قبل
الطغاة والفراعنسة مسن أهسل الباطسل ،وبخاصسة على أهسل الحسق مسن الدعاة الذيسن امتلت
قلوبهسم رحمسة ورأفسة ،فأجهدوا أنفسسهم واقتحموا العقبات لبلغ الخيسر إلى أهسل الباطسل،
ليسسسعدوا بهذا الخيسسر فسسي الدنيسسا والخرة ،ولكسسن أهسسل الباطسسل وجهوا إليهسسم سسسهام العداء
والحرب بقسوة بالغة فأنزلوا بهم كل أنواع الذى والمحن.
82
نماذج من قساة القلوب في عصر حقوق النسان!
ل نريد-كما سبق-تتبع قسوة الطغاة ووحشيتهم التي يعاملون بها الضعيف من قديم
الزمان ،بسبب فقد قلوبهم الرحمة والرأفة ،والستشهاد على ذلك بحوادث التاريخ ،سواء
أكان ذلك صسسادرا مسسن أهسسل الكتاب ،مسسن اليهود و النصسسارى ،أو الوثنييسسن مسسن مجوس
وغيرهسم مسن الهندوس والبوذييسن ،وسسواء عاملوا بتلك القسسوة والوحشيسة دعاة الحسق مسن
النسسبياء والرسسسل واتباعهسسم ،أو عاملوا بهسسا أبناء جنسسسهم مسسن الكفار ،فإن ذلك-لو أردنسسا
تتبعه-من الصعوبة بمكان.
والذي يرغسب فسي الطلع على نماذج مسن قسسوة أي أمسة مسن تلك المسم فإنسه واجسد
في كتب التاريخ القديمة والحديثة ما يغنيه ،فهذه الرسالة ليست معنية بذلك ،وحسبها أن
تشير بسبابتها إلى المكتبات العامة والخاصة ،والمكتبات التجارية لمن عنده تلك الرغبة.
ولكنها-أي هذه الرسالة-معنية بذكر نماذج تثبت بها دعواها ،وهي أن صفات أهل
الباطل الذين يسابقون بباطلهم أهل الحق إلى العقول ،هي على نقيض صفات أهل الحق،
فإذا كان أهسل الحسق يتصسفون بالرحمسة بالخلق ،ورحمتهسم بهسم تحملهسم على إبلغ الحسق
إلى عقولهم ،فإن أهل الباطل يتصفون بالقسوة والغلظة ،ولعدم رحمتهم بالخلق يحاولون
أن يسبقوا أهل الحق بإبلغ باطلهم إلى عقول الناس ،ويتخذون لذلك كل الوسائل القاسية
الغليظة الخالية من الرحمة لذلك السباق.
ولمسا كانست النماذج المعاصسرة ،أقرب إلى ذهسن القارئ لنسه يراهسا ويسسمع عنهسا،
ويعيش في زمن أحداثها ،فإن الستشهاد بها أقرب إلى إقامة الحجة بها.
وسنعرض هنا خمسة نماذج من قساة القلوب الذين نزعت الرحمة من قلوبهم:
النموذج الول :قساة القلوب من اليهود.
النموذج الثاني :قساة النصارى.
النموذج الثالث :قساة الوثنيين.
النموذج الرابع :قساة الملحدين.
النموذج الخامس :قساة المنافقين.
النموذج الول قساة اليهود.
إن المة التي تكذب قادة دعاة الحق-النبياء والرسل-وتقتلهم ،وهم يتوجهون إليها
بدعوتهسا إلى الدخول فسي رحمسة ال بهسا فسي الدنيسا والخرة ،هسي أمسة بلغست أقصسى حسد
القسوة والغلظة ،وإذا نزعت الرحمة من قلوبها في معاملتها لنبيائها ورسلها ،فما الذي
يتوقع منها في معاملتها لغيرهم؟ وبخاصة إذا كانوا أعداءها ،وبالخص إذا كان أعداؤها
هم المسلمين الذين حسدوا رسولهم ورسالته في أول مجيئها ،وحاولوا القضاء عليها في
مهدها بقتل نبيها غيلة ،وتأليب قوى الشر في الجزيرة العربية على حملتها ،بعد نقضهم
العهود والمواثيق التي كانت بينهم وبين الرسول صلى ال عليه وسلم.
فهاهسسسم اليوم يغتصسسسبون بلد المسسسسلمين-بمعاونسسسة النصسسسارى-ويقتلون أبناءهسسسم،
ويسسجنونهم ،ويعذبونهسم بأقسسى أنواع التعذيسب ،ويخرجونهسم مسن ديارهسم ،ويهدمون على
رؤوسسهم منازلهسم ،ويدنسسون مقدسسا تهسم-ومنهسا قبلة المسسلمين الولى ومسسرى رسسولهم
83
صلى ال عليه وسلم.-
وقسد اغتصسبوا أرض فلسسطين سسنة 1948م وأخذوا يعيثون فسسادا فسي البلد والعباد،
ولست بمحاول تتبع معاملتهم القاسية لهل البلد من ذلك التاريخ ،وإنما أذكر أمثلة قليلة
مسسن تلك المعاملة قريبسسة العهسسد ،قرأهسسا الناس فسسي الصسسحف والمجلت ،وشاهدوهسسا فسسي
التلفاز وسسسمعوها فسسي الذاعسسة ،وأكثسسر مسسا تذكسسر ذلك مفصسسل وسسسائل العلم الجنبيسسة
المواليسسة والمؤيدة لليهود :الوربيسسة والمريكيسسة [هذا كان قبسسل وجود بعسسض الفضائيات
العربيسسة التسسي أصسسبحت تنقسسل مجازر اليهود للفلسسسطينيين سسساعة بسسساعة ،وفسسي مواقسسع
النترنت خير شاهد على ذلك] وشهادة الهل على الهل أقوى حجة من غيرها-ومع أن
هذه الشارة كافيسة لمسن يعيسش فسي هذه اليام على الكوكسب الرضسي ،لن مظاهسر قسسوة
اليهود تعتسبر بدهيسة عندهسم ،ويكفسي أن يُذكّرُوا بهسا للدللة على فقسد اليهود الرحمسة فسي
قلوبهسسم ،أقول مسسع أن ذلك كاف فل بسسد مسسن ضرب أمثلة لتكون أكثسسر تذكيسسر للحاضسسر
ومرجعا للجيال القادمة.
وسأقتصر على بعض المثلة بذكرها من مرجع واحد وهو( :النتفاضة المباركة،
وقائع وأبعاد)[للكاتب غسان حمدان].
فقد ذكر في الفصل الثالث من الكتاب-وعنوانه الجراءات السرائيلية الرهابية:-
العناوين التية:
سياسة القبضة الحديدية .العتقالت العشوائية.
مبدأ رابيسن [كان وزيرا للدفاع ،ثسم أصسبح رئيسسا للوزراء ،وقسد اغتاله بنسو جلدتسه
احتجاجسسا على مسسا ظهسسر لهسسم مسسن تقارب مسسع الشرطسسة الفلسسسطينية] فسسي تكسسسير العظام.
تعطيل الخدمات الصحية.
العقاب الجماعي .انتهاك حرمة المقدسات السلمية.
اشتراك المستوطنين في القمع. الحرب القتصادية.
محاولة كسر الضراب التجاري .دفن الحياء.
العتداء على المؤسسات التعليمية .هدم ونسف المنازل.
قنابل الغاز السامة .أجهزة عسكرية متطورة.
إبعاد المواطنين خارج فلسطين .الحرب النفسية.
التعتيم العلمي.
وسسأقتطف بعسض الجمسل ممسا فصسل المؤلف ،بعسد ذكره هذه البنود قال( :لم يترك
جنود الجيسش السسرائيلي أسسلوبا للتنكيسل بالمواطنيسن إل وتسسابقوا على تنفيذه ،حتسى وإن
أثار إرهابهسسم العالم-إلى أن قال :-وحول السسساليب القمعيسسة والجراءات التسسي اعترف
المجرم شاميسر[كان رئيسسا للوزراء] بأن الجنود كلفوا بتنفيذهسا ،فإنهسا تحتاج إلى مجلدات
كبيرة ،ويكفي أن نورد أبرز هذه الساليب مدعمة ببعض الشواهد ،على سبيل المثال ،ل
الحصر:
-1اقتحام المنازل بعسسد فرض حظسسر التجول ،وتحطيسسم الثاث وزجاج النوافسسذ،
والعبسسسث بمحتويات المنزل ...بالضافسسسة إلى العتداء على الموجوديسسسن فيهسسسا ...رجال
ونساء ...كبارا في السن أو صغارا...
84
-2قذف قنابسل الغاز السسامة والمسسيلة للدموع داخسل المنازل ...كمسا عمدت قوات
العدو إلى أسلوب جديد للتنكيل باستخدام هذه القنابل ،حيث يقوم الجنود بإطلق عدد من
القنابسل الغازيسة والدخانيسة فسي المنازل ،ثسم يجسبرون المواطنيسن على دخول المنازل تحست
الضرب الشديد.
-3إطلق يد حرس الحدود ...بأعمال تخريب وإهانة..
-4إخراج الرجال والطفال مسسن منازلهسسم وضربهسسم ضربسسا مبرحسسا بالهراوات
وأعقاب البنادق ،ثم ربطهم إلى أعمدة الكهرباء والهاتف والستمرار في ضربهم إلى أن
يفقسد الشخسص المربوط وعيسه ،وعندئذٍ يرش عليسه الماء البارد ويعود الضرب مسن جديسد،
وقد يلجأ الجنود إلى ضرب رأس المعتقل بالحائط والعمود...
-5اسستغلل تأخسر بعسض المواطنيسن فسي الوصسول إلى منازلهسم ليل ،فيقوم الجنود
باعتقالهم وتكسير أطرافهم ...وإلقائهم في أماكن نائية في الطريق...
-6تجميسسع أعداد كسسبيرة مسسن المواطنيسسن ممسسن يتصسسادف مرورهسسم فسسي الشوارع،
وحشرهسم فسي محلت تجاريسة ،بعسد فتحهسا بالقوة ثسم يقوم الجنود بإلقاء قنابسل غاز مسسيل
للدموع...
ويغلقون أبواب المحال والمواطنون بداخلها...
...-7إلقاء الحجارة أو إطلق النار على اللواقسط الزجاجيسة للسسخانات الشمسسية
المنصسوبة على أسسطح المنازل ..وتحطيمهسا ..إطلق النار على خزانات المياه لتفريغهسا
من الماء ،بهدف تعطيش المجاهدين الصامدين ،ووصل المر إلى أن يقوم بعض الجنود
الذيسن يحتلون أسسطح المنازل والمدارس بالتبول داخسل خزانات المياه ..وتحطيسم أسسقف
المنازل المصنوعة من القراميد ،ونتيجة لهذا العمل باتت كثير من السر الفلسطينية في
مخيم جباليا تحت المطر وفي البرد والعراء.
-8ربسط بعسض الشباب إلى مقدمسة سسيارات الجيسب العسسكرية ،التسي تنطلق بسسرعة
ثم تتوقف فجأة ،مما يؤدي إلى قذف الشخص الذي كان موثوقا إلى مقدمة السيارة مسافة
بعيدة عنها ،مما يؤدي إلى إصابتهم بجروح وكسور ورضوض في جميع أنحاء الجسم.
-9اسسستخدام الجيسسش بعسسض المعتقليسسن أو المارة دروعسسا بشريسسة فسسي مواجهسسة
المظاهرات ،وحجارة المجاهدين..
-10إدخال الطارات المشتعلة إلى منازل المواطنين الذين يرفضون إطفاءها مما
يؤدي إلى احتراق المنازل أو أجزاء منها...
-11تجميسع المعتقليسن فسي سسيارة باص ..والعتداء عليهسم بالضرب ،ثسم إلقاؤهسم
واحدا بعد الخر أثناء سير الباص في أماكن مختلفة...
-12إلقاء مواد تموينيسة فاسسدة ،وبخاصسة البسسكويت والشكلتسة فسي مداخسل القرى
والمخيمات-لتقسع-تحست متناول الطفال فسي محاولة لتسسميمهم وقتسل أكسبر عدد ممكسن مسن
أبطال النتفاضة...
-13قتل السرى والمعتقلين.
-14اسستخدام طائرات الهليكوبتسر ..فسي إطلق القنابسل الغازيسة والمسسيلة للدموع،
على جموع المتظاهريسن فسي داخسل القرى والمخيمات عنسد عجسز قوات المشاة والليات
85
فسي اقتحام مناطسق المظاهرات ،كمسا جرى تطويسر عدد مسن هذه الطائرات ،حتسى تتمكسن
من إلقاء كمية كبيرة من الحجارة على المجاهدين ،حيث زودت بمدفع قاذف للحجارة...
كمسا تقوم الطائرات العسسكرية المروحيسة بعمليات إنزال جوي للمظلييسن فسي القرى التسي
يغلق أهلهسا جميسع مداخلهسا فسي وجسه الجنود ..وتسستخدم شبكسة تلقيهسا مسن الطائرة لعتقال
الشباب المجاهد-كما يفعل صيادو السماك في البحر.-
بسسل إن الجنود يحملون المعتقسسل فسسي الطائرة ويرمونسه مسن الجسو فيصسساب بجروح
وكسور خطيرة...
-15النقضاض على من يتم القبض عليهم من الشباب المجاهد بالهراوات والعصي
وأعقاب البنادق ،وعلى جميسع العضاء فسي الجسسد وخاصسة اليديسن والقدميسن ..وهذا هسو
مبدأ إسسسحاق رابيسسن الذي نعسست هذه العمسسل بقوله( :إن هذا السسسلوب أكثسسر فعاليسسة مسسن
العتقالت ،حيسث إن المعتقسل فسي سسجن الفارعسة مثل يمكسث18( ..يومسا)يعود بعدهسا إلى
الشوارع للتظاهسسر وقذف الحجارة ،أمسسا إذا قام الجنود بكسسسر يديسسه فإنسسه لن يتمكسسن مسسن
العودة إلى الشارع قبل شهر ونصف على القل [...وقد شاهد العالم في كل مكان الجنود
اليهود وهم يكسرون عظام الشباب الفلسطيني بالحجارة].
وهكذا يضرب الجنود اليهود كثيرا من الشباب الفلسطيني حتى يموتوا...
-16يضاف إلى ذلك أنواع أخرى مسن التعذيسب الوحشسي الذي يصسعب حصسره،
وقطسسع المواصسسلت والتصسسالت الهاتفيسسة ،ومنسسع إبلغ المواد الغذائيسسة والتموينيسسة إلى
المخيمات ،وقطسسع الخدمات السسساسية ،كالكهرباء والماء وتخفيسسض السسسيولة النقديسسة فسسي
المناطق المحتلة إلى أدنى حد ممكن ،ووقف صرف رواتب المعلمين والمعلمات ،ورفع
الضرائب المرهقسسة ،ومنسسع تصسسدير المنتجات الزراعيسسة لحداث خسسسائر فادحسسة على
الفلسسسسسطينيين ،وإغلق السسسسسواق وإتلف المحاصسسسسيل الزراعيسسسسة ،وإغلق الجامعات
والمدارس ،وتحويسسل بعسسض المدارس إلى ثكنات عسسسكرية وتعطيسسل الخدمات الصسسحية،
ومداهمة المستشفيات والعيادات الصحية.
-17انتهاك حرمات المقدسات السلمية:
-تكثيف الوجود العسكري حول المساجد وإقامة الحواجز في الطرق المؤدية إليها
ومضايقة ..الذاهبين لداء الصلة بتفتيشهم ومصادرة هويا تهم-مع السب والشتم المؤذي
لمشاعرهم.-
-اقتحام المسساجد والعتداء على المصسلين بالضرب بالهراوات وأعقاب البنادق
والركل بالرجل ،ول يستثنى من هذا العتداء أئمة المساجد.
-قطع الكهرباء عن المساجد قبيل موعد صلة الجمعة لمنع الخطباء من التطرق
إلى النتفاضة الجهادية عن طريق مكبرات الصوت..
-اعتقال عدد من علماء السلم وخطباء المساجد.
-قذف قنابسل الغاز داخسل المسساجد أثناء تجمسع المصسلين وإغلق أبواب المسساجد،
وأحيانا إطلق الرصاص على المصلين...
-إغلق عدد من المساجد ومنع المواطنين من أداء الصلة فيها...
-مصادرة مكبرات الصوت الخاصة بالذان...
86
-العتداء على كبار العلماء مثل مفتي القدس ومحاولة إحراق المسجد القصى...
-الذن للعصابات اليهودية بتدنيس المسجد القصى.
-تمزيق جنود اليهود أعدادا كبيرة من المصاحف وسب الدين السلمي...
-18دفن الحياء من شباب الجهاد.
-19هدم ونسف المنازل.
-20إبعاد المواطنيسسن خارج فلسسسطين (إخراجهسسم مسسن أرضهسسم وديارهسسم [)..راجسسع
الكتاب المذكور مسن صسفحة 376 ،327وقسد حاولت أن أسسجل للقارئ صسور مختصسرة
جدا مع شيء من التصرف].
وبمناسسبة ذكسر إبعاد المواطنيسن عسن ديارهسم وأرضهسم ،فإن المناسسب ذكسر حادثسة
حصسسلت هذه اليام ،وهسسي حادثسسة مؤلمسسة أمام سسسمع العالم وبصسسره ،وأمام سسسمع العالم
السلمي وبصره ،وأمام من يسمى بالعالم العربي وبصره.
وخلصتها:
أن شباب الجهاد (المنتميسن إلى منظمسة حماس)اختطفوا جنديسا يهوديسا فسي الرض
التسسي احتلهسسا اليهود سسسنة 1948م وطالبوا بالفراج عسسن زعيمهسسم المقعسسد المحكوم عليسسه
بالسجن الستاذ أحمد ياسين مقابل الفراج عن الجندي اليهودي وحددوا وقتا معينا لدولة
اليهود وإذا لم يفرجوا عسن الزعيسم المسسلم فإنهسم سسيقتلون الجندي اليهودي ،وبعسد مضسي
المدة المحددة بفترة قتلوه ووجدت القوات اليهوديسسة القتيسسل فسسي الضفسسة الغربيسسة مقتول
فطارت طائرتهسسم بعسسد أن حملوا حملة اعتقالت وداهموا المدن والقرى والمنازل وقتلوا
عددا من شباب فلسطين وجرحوهم قبل العثور على جثة القتيل.
أمسا بعسد ذلك فقسد أضاف اليهود إلى قسسوتهم قسسوة أشسد فأخذوا آلفسا مسن منازلهسم
وزجوا بهسم فسي السسجون والمعتقلت واختاروا أربعمائة وخمسسة عشسر مسن خيرة رجال
الدعوة والجهاد مسن ذوي المؤهلت العلميسة مسن حملة الدكتوراه والماجسستير والليسسانس
مسن معلميسن وأطباء ومهندسسين وكتاب وعلماء شريعسة وحملوهسم فسي شاحنات معصسوبي
العيسسن وتعاونسست الحكومسسة اليهوديسسة والمحكمسسة العليسسا اليهوديسسة فأصسسدرت هذه حكمهسسا
القاسسسي الظالم وطرد العدد المذكور ونفذت تلك المحكمسسة اليهوديسسة الظالمسسة هذا الحكسسم
الجائر!
وفسي الحدود بيسن مسا يسسمى بالشريسط المنسي الذي اغتصسبته الدولة اليهوديسة مسن
لبنان وبيسسسن الحدود اللبنانيسسسة ،أنزلوا المظلوميسسسن وأطلقوا فوق رؤوسسسسهم النار ليدخلوا
الراضسي اللبنانيسة ،واسستقبلهم الجنود اللبنانيون بالنار مسن الجهسة اللبنانيسة ،فإذا هسم على
قمسة جبسل تتسساقط عليسه الثلوج وهسم فسي العراء فسي الشتاء القارص ،ل طعام ،ول شراب
ول مأوى ،ول غطاء ول دواء ،وكان ذلك فسسي يوم الخميسسس الموافسسق ل23-مسسن شهسسر
جمادى الخرة سسسنة 1413هسسس17-ديسسسمبر سسسنة 1992م ،وتمكسسن الصسسليب الحمسسر فسسي
اليام الولى مسن مسساعدتهم بعدد مسن الخيام والغطيسة والطعام والماء والدواء ،ثسم تآمسر
اليهود من الجنوب ،والنصارى والعلمانيون من الشمال ،على منع أي مساعدات لهم عن
طريسق أهليهسم أو الصسليب الحمسر ،ل مسن فلسسطين المغتصسبة ،ول مسن لبنان ،بحجسة أن
كسل دولة منهمسا ليسست مسسؤولة عنهسم ،أمسا اليهود فل يريدون العتراف بأن لهسم أي حسق
87
فسسي المسسساعدة التسسي تأتيهسسم مسسن دولتهسسم ،لنهسسم قسسد أبعدوا إلى خارجهسسا ،وأمسسا اللبنانيون
فيريدون أن ل يتحملوا تصسسرفات حكومسسة اليهود ،ويزعمون أن فسسي ذلك ضغطسسا على
اليهود لعادتهسم ،فانقطسع عنهسم كسل شيسء فسي ذلك الجبسل وفشست فسي بعضهسم المراض
وصسورهم المحزنسة تنقسل للعالم كله عسبر التلفاز ،وأصسدر مجلس المسن المريكسي الذي
يُزْعَم له بأنسه تابسع لهيئة المسم المتحدة ،قرارا يديسن الدولة اليهوديسة ويطلب منهسا إعادة
النظسر فسي قرارهسا ،وبعسث النصسراني المتعصسب الحاقسد على السسلم والمسسلمين بطرس
غالي أميسسسن عام هيئة المسسسم المتحدة ،مندوبسسسا عنسسسه إلى دولة اليهود ودولة لبنان للذن
بإسسعاف المظلوميسن ،الذيسن يطلقون عليهسم كلمسة مبعديسن ،ولكسن كلتسا الدولتيسن ردتسه على
عقبه خائبا وهو يوالي ضحكاته في اجتماعاته مع اليهود واللبنانيين وكأنه بعث لحضور
عرس وليس لنقاذ نفوس.
و هاأنسسا أكتسسب هذه الصسسفحات فسسي يوم الثلثاء الموافسسق 5مسسن شهسسر رجسسب سسسنة
1413هسس-وهسم على حالهسم مسن الجوع والعطسش والبرد والمرض وقسد مضست عليهسم اثنتسا
عشرة ليلة على تلك الحال ،والعالم يتفرج والمسلمون يتفرجون والعرب يتفرجون!.
فهل من قسوة فوق هذه القسوة اليهودية ،وهل يمكن أن تكون في قلوب أعداء ال
وأعداء رسله رحمة بعد هذه العمال1؟!
وقسسد اضطرت الدولة اليهوديسسة المُغتَص سِبَة إلى قبول عودتهسسم ،لكثرة الحتجاجات
العالميسة ،وزجست بكثيسر منهسم فسي السسجون بعسد أشهسر مسن البعاد والحرمان مسن أي حسق
يستحقه أي حيوان في الرض!
هؤلء هسسم اليهود وهذا فعلهسسم بذرا ري مسسن آووهسسم وحموهسسم ،وفتحوا لهسسم أبواب
القتصاد والعلم والسياسة والحرية العقدية والعبادية من المسلمين ،عندما كان النصارى
يتتبعونهسم ويضطهدونهسم ،وينزلون بهسم أنواع النكال فيجازون الن أبناء المسسلمين الذيسن
أحسسسنوا إليهسسم كمسسا يجزى سسسنمار[راجسسع كتاب :خطسسر اليهوديسسة العالميسسة على السسسلم
والمسسيحية لعبسد ال التسل لمعرفسة مسا واجهسه اليهود مسن مطاردة وقتسل وتشريسد فسي الدول
الوربية ،وبخاصة بريطانيا وفرنسا وأسبانيا وألمانيا وغيرها كبولندا وإيطاليا ورومانيا
وبلغاريا وسويسرا وهنغاريا ،وفي روسيا أيضا ،كل ذلك بسبب ما عرفه العالم من مكر
اليهود وخبثهسم ومحاولتهسم السسيطرة على غيرهسم واسستعباد الشعوب .ولم يجسد اليهود مسن
يجمعهسم ويرعاهسم ويحسسن إليهسم إل المسسلمون فسي أسسبانيا ثسم فسي البلدان السسلمية فسي
الشرق راجع الكتاب المذكور من ص .120-106دار القلم الطبعة الثانية].
وكان ينبغسسي أن يعتسسبر اليهود بمسسا نالهسسم مسسن عذاب وقسسسوة مسسن عهسسد فرعون إلى
عصسرنا هذا ،ويقدروا صسفة الرحمسة التسي كانوا فسي أمسس الحاجسة إلى مسن يعاملهسم بهسا
فيدربوا أنفسسهم على اكتسسابها-وإن كانست مفقودة فسي قلوبهسم-ولكنهسم لم يعتسبروا ،بسل ل
زالت قلوبهم تقسو وتزداد غلظة كلما زادت قوتهم وسيطرتهم.
كانسست كتابسسة هذه السسسطور قبسسل تسسسع سسسنين .وقسسد اشتدت المحنسسة على إخواننسسا
الفلسسطينيين ،بعسد قيام الحرة الجهاديسة الثانيسة-حركسة القصسى-التسي أشعسل فتيلهسا المجرم
-1هذه الحادثة ل تحتاج إلى ذكر مرجع ،ويكفي أن يعرف القارئ التاريخ ثم يضع يده على أي جريدة أو مجلة في أي بلد وبأي
لغسة ليقرأ تفاصسيل القصسة ،والذي يشاهسد التلفاز ل يحتاج إلى قراءة ،والذي سسيقرأ القصسة فسي المسستقبل يسستطيع البحسث عسن شريسط
فيديو ليرى ما رأينا.
88
شارون ،عندمسسسا دنسسسس بدخوله باحسسسة القصسسسى بحمايسسسة الجيسسسش اليهودي ،بتاريسسسخ
1/7/1421هسس سس 28/9/2000م قبسل أن يكون رئيسسا للوزراء ،وهسو اليوم[بعسد أن أصسبح
رئيسسا للوزراء] يعيسث فسي الرض المباركسة فسسادا ل يخفسى على أهسل الرض جميعسا،
بعون ومدد مسسن الدولة الصسسليبية المعاصسسرة[أمريكسسا] وحلفائهسسا الوربييسسن ،مسسع خذلن
زعماء العالم السسسسلمي ،وبخاصسسسة زعماء العرب للمظلوميسسسن مسسسن أبناء هذا الشعسسسب
المجاهسسد المسسسلم ،وكأن المسسر ل يعنسسي هؤلء الزعماء ،الذيسسن سسسيتفرغ لهسسم اليهود بعسسد
ل يحصل ذلك] وسيقول القضاء على الشعب الفلسطيني وتشريده من أرضه[نرجو ال أ ّ
كب زعيم عندئذ :أكلت يوم أكل الثور البيض!
هؤلء هم اليهود ،فما نصيب النصارى من الرحمة؟!
91
قسوة النصارى ووحشيتهم في هذا العصر.
أمسسا المثلة على قسسساوة قلوب النصسسارى وغلظتهسسم ووحشيتهسسم فسسي هذا العصسسر
وبخاصة على المسلمين ،فالكرة الرضية كلها تشهد بها وتئن من وطئتها ،وساكنو هذا
الكوكسب يقرؤون ذلك ويسسمعونه ويشاهدونسه فسي كسل مكان[ل نريسد الحديسث عسن الفظائع
التسسي أرتكبهسسا النصسسارى فسسي القارات التسسي احتلوهسسا بالكامسسل وقضوا على سسسكانها بدون
رحمة وجعلوا من بقى منهم ذليل مهانا أقل عندهم من رتبة الحيوان ،كما هو الحال في
أمريكسا الشماليسة والجنوبيسة واسستراليا ،ول الحديسث عسن تجارة الرقيسق التسي عمست أقطار
إفريقية وأسهمت فيها كل دول النصارى فهذا أمر يطول (راجع كتاب إفريقيا السلمية
للدكتورة عنايات الطحاوي ص .].)231
فقسسد عاثسست الدول النصسسرانية فسسسادا ،اعتدت فيسسه على مسسا اتفقسست المسسم على وجوب
حفظسسه ،مسسن الضرورات التسسي ل تحيسسى تلك المسسم إل بحفظهسسا ،وهسسي :النفوس والعقول
والنسل والمال-إضافة إلى الدين ومن أمثلة ذلك:
أول :في القارة الفريقية:
فقسسد تداعسست دول أوروبسسا النصسسرانية على البلدان الفريقيسسة ،فسسي شمالهسسا وجنوبهسسا
وشرقهسا وغربهسا ووسسطها ،وتقاسسموها فيمسا بينهسم-على شدة الختلفات السسائدة بينهسم-
وأنزلوا بسكانها من الدمار والهلك ،ما تتورع عنه الوحوش في غاباتها ،قضوا في كل
بلد على زعمائه وقادتسسسه وسسسسفكوا دماء اللف مسسسن أبنائه ،بدون تفرقسسسة بيسسسن الرجال
والنسسساء ،والشيوخ والكهول والشباب والطفال ،وشردوا اللف المؤلفسسة ،وحرموا مسسن
بقسي فسي البلد مسن أقسل حقوق النسسان التسي يتشدق النصسارى بالدعوة إليهسا ،فأذلوا بذلك
سسسكان البلدان الفريقيسسة كلهسسم واسسستعبدوهم ونهبوا خيراتهسسم ،كسسل ذلك باسسسم السسستعمار
والتحرير.
في شمال إفريقيا:
فقسسد نقسسل الميسسر شكيسسب أرسسسلن عسسن بعسسض المراسسسلين الوروبييسسن الذيسسن رافقوا
الجيوش اليطاليسسة عندمسسا اغتصسسبت ليبيسسا شيئا ،يسسسيرا ممسسا ذكره أولئك المراسسسلون
وشاهدوه من أعمال غزاة النصارى الوحشية ،فقال:
(وليسس المسسلمون وحدهسم هسم الذيسن شاهدوا أعمال الطليان وضجوا منهسا ،بسل ثمسة
كثيسر مسن الفرنسج شاهدوهسا وأنكروهسا ،ومسن ذلك المسستر "فرانسسس ماكول" النجليزي
الذي كان مرافقسا للجيسش اليطالي فسي طرابلس عنسد الحتلل وشاهسد تلك الفظائع بعينسه،
فقسسد قال" :أبيسست البقاء مسسع جيسسش ل هسسم له إل ارتكاب جرائم القتسسل ،وإن مسسا رأيتسسه مسسن
المذابسسح ،وترك النسسساء المريضات العربيات وأولدهسسن يعالجون سسسكرات الموت على
قارعسة الطريسق جعلنسي أكتسب للجنرال "كانيفسا" كتابسا شديسد اللهجسة ،قلت له :إنسي أرفسض
البقاء مع جيش ل أعده جيشا ،بل عصابة من قطاع الطرق والقتلة).
(ومسن ذلك شهادة الكاتسب اللمانسي "فون غوتسبرغ" الذي قال " :إنسه لم يفعسل جيسش
بعدوه من أنواع الغدر ما فعله الطليان في طرابلس ،فقد كان الجنرال كانيفا يستهين بكل
92
قانون حربي ،ويأمر بقتل جميع السرى ،سواء أقبض عليهم في الحرب أو في بيوتهم،
وفي سيراكوزه الن كثير من السرى الذين لم يؤسر واحد منهم في الحرب ،وأكثرهم
من الجنود الذين تركوا في مستشفى طرابلس.
وقسسد قبسسض الطليان على ألوف مسسن أهسسل طرابلس فسسي بيوتهسسم ونفوهسسم ،بدون أدنسسى
مسوغ إلى جزر إيطاليا حيث مات أكثرهم من سوء المعاملة.
وأقسر مسا قاله "هرمان رنولوف" المراسسل النمسساوي الحربسي فقسد وجسد فسي الباخرة
التي نقلت جانبا من هؤلء السرى فوصف تلك الحالة ،فقال:
" في الساعة السادسة من مساء كل يوم يكبل هؤلء المرضى بالحديد في اليد اليمنى
والرجل اليسرى ،حقا إن موسيقى هذه السلسل تتفق مع المدنية التي نقلتها إيطاليا إلى
إفريقيسسا ،ل ريسسب أن الطليان قسسد أهانوا كثيرا ،فلم يكسسف أنهسسم أسسسقطوا منزلة أوروبسسا
العسكرية في نظر إفريقيا ،حتى شوهوا اسم النصرانية أمام السلم "ثم قال ":وقد قتل
الطليان فسي غيسر ميدان الحرب كسل عربسي زاد عمره على أربسع عشرة سسنة ،ومنهسم مسن
اكتفوا بنفيه.
وأحرق الطليان فسي 26أكتوبر سسنة 1911م حيسا خلف بنسك رومسا ،بعسد أن ذبحوا
أكثسسر سسسكانه بينهسسم النسسساء والشيوخ والطفال "قال ":ورجوت طبيسسبين عسسسكريين مسسن
أطباء المسستشفى ،أن ينقلوا بعض المرضسى والمصسابين المطروحيسن على الرض تحست
حرارة الشمس فلم يفعل ،فلجأت إلى راهب من كبار جمعية الصليب الحمر ،هو الب
"يوسسسف بافيلكسسو" وعرضسست عليسسه المسسر ،وأخسسبرت شابسسا فرنسسسيا أيضسسا ،لكسسن الب
"بافيلكو" حول نظره عني ونصح الشاب بأن ل يزعج نفسه بشأن عربي في سكرات
الموت ،وقال" :دعه يموت".
قلت (القائل هسو الميسسر أرسسلن)" :ليتأمسسل القارئ أن هذا الذي يقول هذا القول هسو
قسسسيس يزعسسم أنسسه ممثسسل المسسسيح على الرض ،وأنسسه مسسن رجال الصسسليب الحمسسر ،أي
الجمعيسة التسي تزعسم أنهسا تخدم النسسانية بل اسستثناء" ثسم قال هذا المراسسل النمسساوي:
"ورأيت على مسافة قريبة جنديا إيطاليا يرفس جثة عربي برجله ،وصباح اليوم التالي
وجدت الجرحى والمرضى الذين رجوت الراهب من أجلهم قد ماتوا "...ثم قال" :رأينا
طائفسة مسن الجنود تطوف الشوارع مفرغسة رصساص مسسدساتها فسي قلب كسل عربسي تجده
في طريقها ،قد نزع أكثرهم معاطفهم ،ورفعوا أكمام قمصانهم كأنهم جزارون"......
وقال مراسل التايمز يومئذٍ-قلت [القائل هو شكيب أرسلن] :ول يجوز أن ننسى أن
غارة إيطاليسا على طرابلس كانست بالتفاق مسع فرنسسا وإنجلترا ،اسسترضاء ليطاليسا على
إثر تقاسم إنكلترا وفرنسا مصر والمغرب" :-إن قسوة النتقام التي استعملها الطليان في
وقعسة يوم الثنيسن يليسق أن يقال عنهسا إنهسا أعمال قتسل عام ،فقسد فتكوا بكثيسر مسن البرياء،
وستبقى ذكرى هذا النتقام زمنا طويل".
وقال المسي كسيرا مراسل جريدة " إكسليسيور" الباريسية ":ل يخطر ببال أحد ما
رأيناه بأعيننا من مشاهد القتل العام ومن أكوام جثث الشيوخ والنساء والطفال ،يتصاعد
منها الدخان تحت ملبسهم الصوفية كالبخور يحرق أمام مذبح من مذابح النصر الباهر،
ومررت بمائة جثة بجانب حائط قضي عليهم بأشكال مختلفة.
93
ومسا فررت مسن هذا المنظسر حتسى تمثلت أمام عينسي عائلة عربيسة قتلت عسن آخرهسا،
وهسي تسستعد للطعام ،ورأيست طفلة صسغيرة أدخلت رأسسها فسي صسندوق حتسى ل ترى مسا
يحسل بهسا وبأهلهسا .إن اليطالييسن فقدوا عقولهسم وإنسسانيتهم مسن كسل وجسه"[)....حاضسر
العالم السلمي ( )128-264ذكر فيها المير شكيب أرسلن من الفظائع الوحشية التي
قام بهسسا النصسسارى اليطاليون مسسا ل يكاد يصسسدقه العقسسل فراجسسع ذلك إن شئت والتاريسسخ
السلمي (.].)14/24
هذه نصسوص مختزلة لبعسض المراسسلين الوروبييسن عسن وحشيسة النصسارى وقسساوة
قلوبهسم وخلوهسا مسن الرحمسة ،فسي بلد واحسد وهسو ليبيسا ومسن جيسش بلد أوروبسي نصسراني
واحسسد ،هسسو الجيسسش اليطالي برضسسا الدول النصسسرانية الخرى فسسي أوروبسسا ،وهسسو مثال
ينطبق على كل البلدان التي اغتصبها النصارى في إفريقيا-وغيرها.-
والعالم كله يعرف غلظسة النصسارى الفرنسسيين وقسسوتهم ووحشيتهسم التسي عاملوا بهسا
الشعسسب الجزائري الذي قدم مليون شهيسد ،فسسي سسبيل إزاحسسة نيسر أولئك القسساة مسن على
كاهله ،مسع إهانسة مقدسساته والعتداء على مسساجده ،التسي حولوهسا إلى كنائس ودنسسوها
بالشرك بدل مسسسن التوحيسسسد الذي كان يعمرهسسسا[راجسسسع كتاب :السسسستعمار أحقاد وأطماع
للسسستاذ محمسد الغزالي ص .37وراجسسع كذلك التاريسسخ السسلمي 14/229ومسا بعدهسسا
لمحمود شاكر.] .
وحدث عسن قسسوة النصسارى واليهود مجتمعيسن على المسسلمين اجتماعسا مباشرا ،كمسا
حصل من بريطانيا وفرنسا ودولة اليهود على مصر المسلمة ،ول حرج.
واقرأ السسسطور القليلة التيسسة التسسي سسسطرها الشيسسخ محمسسد الغزالي (رحمسسه ال) عسسن
العدوان الثلثي على مصر سنة:
قال" :وإنسسي سسساعة كتابسسة هذه السسسطور أسسستمع إلى روايسسة شاهسسد عيان يصسسف غزو
الحلفاء الثلثسسسة :إنجلترا وفرنسسسسا وإسسسسرائيل لمدينسسسة ,,بور سسسسعيد ،،قال :بذل الهلون
قصسارا هسم فسي رد الجنود الهابطين بالمظلت ،واسستطاعوا مغالبسة الفواج الولى منهم،
بيسد أنهسم بوغتوا بمئات الطائرات ترجسم المدينسة بقذائفهسا الحارقسة ،وكان الفسق مليئا بهذه
السراب المغيرة ،تغدو وتروح ،وهي تفرغ الهلك في كل مكان!
خمسسمائة غارة فسي هذا اليوم الغسبر-كمسا نطقست بذلك بلغات العدو-وانضمست سسفن
السسطول إلى هذا الهجوم ،فأخذت تطلق مدافعهسا على المدينسة اللغبسة ،فرئيست القصسور
والنار تخرج من نوافذها ،ثم ما هي إل لحظات حتى تندك فوق رؤوس ساكنيها.
وسسرى الرعسب إلى الحيوانات التسي تقطسن المدينسة ،فانسسابت تجري فسي شسو راعهسا
على غيسر هدى ،غيسر أن الرصساص المنهمسر ل يدعهسا تصسل إلى مهرب ،فأيسن المهرب
للنسان والحيوان في هذا البلء المحيط؟ ولذلك تجاورت في الميادين والزقة جثة كلب
شارد وإنسسسان بائس… وكانسست الجثسسث المتناثرة كأوراق الشجسسر السسساقطة فسسي فصسسل
الخريف ،تكسو الرض المخضبة فسي منظسر يثير اللوعة وأحيانسا تجد كوما من الموتى
وقع بعضهم على بعض فتتساءل :أُركِموا هكذا بفعل فاعل؟ ...ل كم هي رخيصة دماء
أولئك المسلمين؟![الستعمار أحقاد وأطماع ص ].131 ،130
أمسا مسا فعله السستعمار الفرنسسي ثسم السستعمار النجليزي فسي مصسر فله شأن آخسر
94
وكذلك فسي السسودان [.راجسع شيئا مسن فظائع الفرنسسيين فسي مصسر فسي نفسس الكتاب ص
].169 ،152
في شرق إفريقيا:
ول يختلف ظلم النصسارى الحباش ،وبخاصسة فسي عهسد الطاغيسة هيلسسلسي ،عسن
ظلم النصسارى الوروبييسن للمسسلمين وقسسوتهم ،إل فسي أن ظلم نصسارى الحبشسة وقهرهسم
للمسسلمين مسستمر طويسل لنسه صسادر مسن قسساة قلوب حاكميسن مسن أهسل البلد أنفسسهم ،أمسا
الوروبيون فاغتصسسابهم للبلد طارئ ،ومقاومسسة الطارئ مهمسسا عتسسي وتجسسبر أخسسف مسسن
مقاومسة طاغ أصسيل فسي البلد ،يمكنسه أن ينال عون الظالم الجنسبي الطارئ ،كمسا حصسل
لوحسش الحبشسة الذي أيدتسه جميسع الدول النصسرانية فسي الغرب ،لنزال الضربات القاسسية
على المسلمين قتل وتشريدا وإذلل واعتداء على كل ضرورات الحياة ،هذا مع أن نسبة
المسلمين في البلد تفوق نسبة غيرهم ،ولكن عدوهم ينكر ذلك ويدعي العكس ،وتعدت
قسوتهم حدود الحبشة إلى الوغادين الصومالية.
فكسم قتلوا مسن النفوس وكسم هدموا مسن القرى وكسم شردوا مسن البشسر [اقرأ فسي ذلك
المرجع السابق من ص ].106 ،71
أمسا "إريتريسا" المسسلمة فقسد دمروهسا وأحرقوهسا حرقسا وأبادوا شعبهسا إبادة جماعيسة،
برغم مقاومته الباسلة.
يقول هارون آدم علي " :تمكنست حركسة الكفاح المسسلح للشعسب الريتري فسي الفترة
مسن 1381هسس1386-هسس مسن تصسعيد عملياتهسا الجهاديسة بأسسلوب حرب العصسابات ،حتسى
استطاعت استقطاب الجماهير في الريف الريتري ،وأصبحت عملياتها العسكرية تقض
مضاجسع السستعمار الثيوبسي( ...و) جسن جنون المسبراطور هيلسسلسي ،فأمسر قواتسه
بالزحسف على الريسف الريتري معقسل الثوار برا وجوا للقضاء على اليابسس والخضسر،
دون تمييسز بيسن الثوار والشعسب العزل مسن النسساء والطفال ،بسل أمسر جنوده بإبادة مسا
يصسادفونه مسن المواطنيسن بالرصساص وإضرام النار فسي المنازل ،حيسث عمست البلد فسي
عام 1387هس س سسسلسلة مسسن المجازر البشريسسة مسسا تفوق فسسي قسسسوتها مجازر ديسسر ياسسسين
بفلسطين وشارب بفيل في جنوب إفريقيا ،إذ سقط خلل عدة شهور من القصف الجوي
الثيوبسي أكثسر مسن 60ألف مواطسن ،جلهسم مسن النسساء والطفال والكهول ،ودمرت أكثسر
مسن 1500قريسة ،وقتسل مسا يقارب المليون رأس مسن الثروة الحيوانيسة ،بالضافسة لنتهاك
الحرمات وعمليات النهب والسلب والتدمير التي مارستها قوات الحتلل الثيوبي ضد
الشعسسب الريتري ["...واقرأ كذلك :الفعسسى اليهوديسسة فسسي معاقسسل السسسلم ص ،178
].184
ول زال المسسلمون فسي إريتريسا يعانون عنتسا مسن النصسارى ،وبخاصسة بعسد اسستيلء
الحزب النصسسراني على البلد الن ،بقيادة أسسسياسي أفورقسسي الذي ارتمسسى فسسي أحضان
اليهود وأنزل من الذى والتشريد بالمسلمين ما يندى له الجبين.
ولعل هذه النماذج لقسوة النصارى في شمال إفريقيا وشرقها كافية لليقين بأن هؤلء
الجلف العتاة الذيسسسسسن يزعمون التمدن وحمايسسسسسة حقوق النسسسسسسان و إعمار الرض
95
وتحضير الناس والرتقاء بهم ،قد نزعت الرحمة من قلوبهم.
ول داعسي لزيادة ذكسر نماذج فسي بقيسة بلدان إفريقيسا فسي غربهسا ووسسطها وجنوبهسا،
فالنماذج متقاربسسة ،ولكسسن يضاف إلى أعمال الغاصسسبين الوروبييسسن فسسي غرب إفريقيسسا
ووسسطها ،أنهسم اتخذوا الجنسس البشري بضاعسة مزجاة ،إذ كانوا يصسطادون أهسل البلد
رجال ونساء وصغارا وكبارا بأعداد هائلة ويملئون بهم السفن التي تبحر بهم إلى بلدان
أوروبسسا وأمريكسسا ،ليسسبيعوهم عسسبيدا بأبخسسس الثمان ،حيسسث يسسستعبدهم الجنسسس البيسسض
ويرهقهسسم بالعمال الشاقسسة ،ليجود عليهسسم بلقمسسة العيسسش التسسي يبقون بهسسا أحياء يكدون
ويكدحون فسسي المزارع والمصسسانع ،ويعاملونهسسم معاملة أدنسسى مسسن معاملة الحيوان ،فل
يسساكنونهم ول يؤاكلونهسم ول يشار بونهسم ،ول يسسمحون لهسم أن يلبسسوا مثسل لباسسهم ،ول
يركبوا مركوبسا تهسم ،ول يأذنون لهسم بتلقسي التعليسم مثلهسم ،وعندمسا انفرج المسر قليل أذن
لهم بالتعليم في مدارس خاصة بهم ل يختلطون بالبيض في مدارسهم.
وكان كثيرا من هؤلء الفارقة مسلمين.
ولم تلغ التفرقسة العنصسرية البغيضسة قانونسا إل بعسد كفاح مريسر ومعاناة شديدة مروا
بها.
ول زال الحتقار عمليا موجودا ضد الفارقة في أمريكا ،وكان أول حصن يحتمون
بسه مسن تلك التفرقسة العنصسرية ويكافحون الجنسس البيسض انطلقسا منسه ،هسو السسلم الذي
اعتنقه أليجا محمد من أجل تحرير قومه من ذلك الظلم الغاشم ،وكان فهمه للسلم فهما
منحرفسا ،وبعسد وفاتسه خلفسه ابنسه وارث الديسن الذي بدأ يتفهسم السسلم شيئا فشيئا ،بسسبب
زياراتسه للحرميسن ولقائه العلماء فسي الحجاز واتصساله بالمسسلمين العرب وغيرهسم بسه فسي
أمريكا حتى تخلص من مفاهيم والده الخطيرة للسلم.
وأصسبح هسو وقومسه الن أقرب إلى فهسم السسلم ،وبذلك أصسبحت عندهسم عزة وبدأ
المريكيون يحترمونهم.
التعذيب العام.
عندمسسا يعجسسز الجيسسش عسسن أن ينال مسسن المجاهديسسن ،ينقلب إلى الفلحيسسن المسسساكين
المنيسن فسي بيوتهسم ينتقسم منهسم ،ويشفسي صسدره بتعذيبهسم بالضرب الشديسد بأعقاب البنادق
والهراوات الغليظسة بل شفقسة ول رحمسة ،وبدون تفريسق بيسن الصسغار والكبار والرجال
والنساء ،يسمون هذا العمل عملية تفتيشية ،ويرتكب خللهسا من الفظائع أشكال وألوانا،
وكسل القرى ذاقست فظاعسة التفتيسش ،ويتخلله تخريسب البيوت ونسسفها بالديناميست ،وإتلف
أمتعة الفلحين ومؤنهم ونهب الحلي والموال ،وترويع النساء والطفال ،وقتل المنين
على قارعة الطريق من رجال ونساء وأطفال [الستعمار أحقاد وأطماع .288 ،280
وقد كانت هذه الساليب من النجليز نواة لساليب اليهود في فلسطين الن ،وهاهم
اليوم قسسد نفوا أكثسسر مسسن أربعمائة مسسن خيرة المسسسلمين فسسي فلسسسطين إلى جبسسل فسسي مرج
الزهور فسي فصسل الشتاء القارص بدون طعام ول شراب ول دواء ومسر عليهسم فسي هذا
التعذيب الجماعي أكثر من شهر .راجع ما مضى في هذه القصة].
102
فسي كتابسه دراسسات إسسلمية مسا يلي مسن صسور التعذيسب الوحشسي فقال " :فلندع كاتبسا أخسذ
يحدثنا عن وسائل التعذيب الجهنمية التي سلطت على العنصر السلمي في التركستان
الغربية الخاضعة لروسيا ،والتركستان الشرقية التابعة للصين الشيوعية اسما ،ولروسيا
الشيوعية فعل " إلى أن قال :سيد" :وسنضطر أن نغفل ذكر بعضها-أي صور التعذيب-
هنسا ،لنهسا مسن القذارة بحيسث يخدش ذكرهسا كسل أدب إنسساني ،مكتفيسن بمسا تطيسق الداب
النسانية أن نذكره للناس ...وهذه هي:
-1دق مسامير طويلة في الرأس حتى تصل إلى المخ.
-2إحراق المسجون بعد صب البترول عليه وإشعال النار فيه.
-3جعل المسجون هدفا لرصاص الجنود يتمرنون عليه.
-4حبسس المسسجونين فسي سسجون ل ينفسذ إليهسا هواء ول نور ،وتجويعهسم إلى أن
يموتوا.
-5وضع خوذات معدنية على الرأس وإمرار التيار الكهربائي فيها.
-6ربط الرأس في طرف آلة ميكانيكية وباقي الجسم في ماكينة أخرى ،ثم تدار كل
مسن الماكينتيسن فسي اتجاهات متضادة ،فتعمسل كسل وحدة مقتربسة مسن أختهسا حينسا ومبتعدة
آخر ،حتى يتمدد الجسم الذي بين اللتين ،فإما أن يقر المعذب وإما أن يموت.
-7كي كل عضو من الجسم بقطعة من الحديد مسخنة إلى درجة الحمرار.
-8صب زيت مغلي على جسم المعذب.
-9دق مسمار حديدي أو إبر الجراموفون في الجسم.
-10تسمير الظافر بمسمار حديدي حتى يخرج من الجانب الخر.
-11ربط المسجون على سرير ربطا محكما ثم تركه ليام عديدة.
-12إجبار المسجون على أن ينام عاريا فوق قطعة من الثلج أيام الشتاء.
-13نتف كتل من شعر الرأس بعنف ،مما يسبب اقتلع جزء من جلد الرأس.
-14تمشيط جسم المسجون بأمشاط حديدية حادة.
-15صب المواد الحارقة والكاوية في فم المسجونين وأنوفهم وعيونهم ،بعد ربطهم
ربطا محكما.
-16وضع صخرة على ظهر المسجون ،بعد أن توثق يداه إلى ظهره.
-17ربط يدي المسجون وتعليقه بهما إلى السقف ،وتركه ليلة كاملة أو أكثر.
-18ضرب أجزاء الجسم بعصا فيها مسامير حادة.
-19ضرب الجسسسم بالكرباج حتسسى يدميسسه ،ثسسم يقطسسع الجسسسم إلى قطسسع بالسسسيف أو
بالسكين.
-20إحداث ثقسب فسي الجسسم وإدخال حبسل ذي عقسد واسستعماله بعسد يوميسن كمنشار،
لتقطيع قطع من أطراف الجرح المتآكل.
-21ولكسي يضمنوا أن يظسل المسسجون واقفسا على قدميسه طويل ،يلجئون إلى تسسمير
أذنيه في الجدار.
-22وضع المسجون في برميل مملوء بالماء في فصل الشتاء.
-23خياطة أصابع الرجلين واليدين والرجلين وشبك بعضهما إلى بعض.
103
-24والنسساء حظهسن مثسل هذا العذاب ،أنهسن يعريسن ويضربسن ضربسا مبرحسا على
ثديهن وصدورهن.
أمسا بقيسة تعذيسب النسساء فإننسا نمسسك عنسه ،لن المواقسع التسي اختاروهسا مسن أجسسامهن
والطرق الدنيئة التسي اسستعملوها تجعلنسا نسستحي مسن ذكرهسا وكتابتهسا[دراسسات إسسلمية
الطبعة الرابعة ص .206 ،200
وعندما كتب سيد هذه الصور لم تكن قد طبقت عليه هو في مصر ولكنه رحمه ال
قسسد ذاق فسسي زنزانات المجرميسسن هسسو وإخوانسسه وأخواتسسه شيئا منهسسا قبسسل أن يشنقسسه أعداء
السلم.].
يكفي هذا النموذج لمعرفة ما إذا كانت توجد في قلوب الشيوعيين الروس رحمة!!!.
الشيوعيون في الصين.
ول تقل قسوة الشيوعيين في الصين وغلظتهم على المسلمين-وعلى كل من يخالفهم-
عسسن قسسسوة الشيوعييسسن فسسي التحاد السسسوفيتي السسسابق ،وبخاصسسة فسسي إقليسسم "تركسسستان
الشرقيسسسة" الذي غيروا اسسسسمه إلى "سسسسانكيانج" وبالغوا فسسسي العتداء على أهله ،فقتلوا
علماءهسسم ،وأتلفوا مصسساحفهم وكتبهسسم الدينيسسة ،ومنعوهسسم مسسن أداء شعائرهسسم الدينيسسة،
وأغرقوهم بالمهجرين الشيوعيين من مناطق أخرى ،لتصبح نسبة المسلمين في هذا البلد
المسلم %10بعد أن كانت نسبتهم من قبل أكثر من .%90
104
وقسد ذكسر أن المسسلمين الذيسن تسم قتلهسم مسن سسنة 1950م إلى سسنة 1972م بلغ 360
ألفسسا ،وأن الذيسسن سسسيقوا إلى المعسسسكرات التعذيبيسسة والشغال الشاقسسة بلغ عددهسسم ()500
ألف ،وأن الذيسسن هربوا مسسن ديارهسسم بسسسبب ذلك العدوان بلغ ( )100ألف[-راجسسع محلة
الصلح عدد 219ص 35ومجلة المجتمع الكويتية عدد 967ص ].28
هذه الفظائع ذكرت في بلد واحد من بلدان الصين وهو تركستان الشرقية.
أما على مستوى الصين فالمر أعظم من ذلك ،وقد ذكر لي الشيخ عبد الرحمن بن
إسحاق الصيني الذي زرته في مدرسة التقوى في مدينة تشانجماي في شمال تايلند في
24/11/1409هسسس .أن الشيوعييسسن فسسي الصسسين قتلوا خلل سسست عشرة سسسنة مسسن سسسنة
1950م إلى 1976م عشرة ملييسسن (ول بسسد أن يكون للمسسسلمين حظهسسم الوافسسر مسسن هذا
القتل) ومات بسبب الجوع سبعة مليين.
أمسسا المسسسلمون فقسسد كانسست مسسساجدهم فسسي الصسسين ( )45ألف مسسسجد ،فصسسادرها
الشيوعيون وحولوهسا إلى مصسانع ومسسارح ودور سسينما ،وبنوا فسي محاريبهسا الطاهرة
التسسي كان الئمسسة يتلون فيهسسا كتاب ال ويسسسجدون فيهسسا لربهسسم ،المراحيسسض إهانسسة لهسسا
وللمسسلمين ،وقتلوا كثيرا مسن الئمسة والعلماء ،وقتلوا مسن المسسلمين مسا ل يقسل عسن مليون
شخص.
وكانوا يأمرون العالم المسلم بحمل القاذورات ليسمد بها الرض الزراعية ،ويعلقون
فسسي عنقسسه الكومسسة مسسن تلك القاذورات ،ويقولون له مسسن باب التهكسسم والذلل والسسسخرية
بربه وبدينه :إذا كنت تعبد ال فادعه ليساعدك[...المجلد الخاص بتايلند من سلسلة (في
المشارق والمغارب) مخطوط في مكتبة المؤلف].
وهذه الفظائع هسي التسي علمست ،ومسا لم يعلم أكثسر مسن ذلك بكثيسر ،وبخاصسة إذا علمنسا
أن الشيوعييسن يحيطون بلدانهسم وتصسرفاتهم بمسا يسسترها مسن الكتمان والحجسر العلمسي،
وعدم الذن بتسسرب تلك التصسرفات ،ولكسن ذلك يكفسي لمعرفسة أن الرحمسة قسد نزعست مسن
قلوبهم.
[راجسع على سسبيل المثال مسا نشسر على أحسد مواقسع النترنست على الوصسلة التيسة:
] http://www.islam-online.net/Arabic/news/2001-06/17/Article36.shtml
وفسي هذه اليام يعيسث الشيوعيون ذوو السسماء السسلمية فسي طاجكسستان فسسادا فسي
هذا البلد المسلم ،فقد قتلوا اللف من المسلمين الذين يطالبون بالتمتع بالسلم ،وشردوا
مئات اللف ،وأخافوا المنيسن من أبناء البلد متعاونيسن مسع الشيوعيين مسن ذوي السسماء
السلمية في بلدان أخرى ومع الروس بمساعدات من الغرب وبخاصة أمريكا ،والكفر
ملة واحدة [راجع مجلة المجتمع عدد 25-1038شعبان 1413هس-ص .].22
بسسسل لقسسسد غزت روسسسسيا الجمهوريسسسة الشيشانيسسسة فسسسي 9/7/1415هسسسس-الموافسسسق
11/12/1994م-ودمرت عاصسمتها جسر وزنسي تدميرا كامل ،وقتلت المسسلمين المدنييسن،
ول زالت تواصسل القتسل والتدميسر على مرأى ومسسمع مسن دول الصسليب التسي تدعسي أنهسا
ترعسى حقوق النسسان ،بسل على مرأى ومسسمع مسن حكام الشعوب السسلمية الذيسن ماتست
الحمية في نفوسه على حفظ ضروراتهم التي ل حياة لهم بدونها.
وقسد تكبسد الروس خسسائر فادحسة فسي جمهوريسة الشيشان السسلمية ،وخرجوا منهسا
105
يجرون أذيال الهزيمسة ،كمسا خرجوا مسن أفغانسستان ،وذلك بفضسل ال ثسم بفضسل قوة إيمان
أهلهسا ...ثسم غزت روسسيا الشيشان مرة أخرى فسي سسنة 1420هسس سس 1999م ودمرت البلد
مرة أخرى وعاثست فيسه فسسادا ،ول زالت القوات الروسسية تحتسل هذا البلد المسسلم ،وتقتسل
أهله وتشردهسم وتعتقلهسم ،وموقسف دعاة حقوق النسسان الغربييسن هسو موقفهسم المعروف،
عندمسسا يكون النسسسان مسسسلما ل يحركون سسساكنا ،اللهسسم إل إظهار شيسسء مسسن السسستنكار
البارد ،ليقال عنهسم :إنهسم أنكروا! وليقارن المسسلم موقسف الغرب مسن الشيشان ،وموقفهسم
من تيمور الشرقية التي أجبروا إندونيسيا على التخلي عنها خلل فترة وجيزة!
107
قساة أهل الباطل من المنتسبين السلم!
مرت فترة على المسلمين ضعفت فيه دولتهم ،بل اضمحلت وهوت ،فتأخروا في كل
شؤون الحياة الدينيسسسسسة والقتصسسسسسادية والعلميسسسسسة-علم الشرع وعلم المادة-والسسسسسسياسية
والعسكرية والجتماعية ،وتقدم غير المسلمين في الحضارة المادية ،فأصيب المسلمون
بالهوان وكبر في صدورهم تقدم غيرهم ،وانقسموا قسمين:
القسسسسسم الول :رأى أن تقدم البلدان السسسسسلمية مرهون باتباع خطوات الغرب حذو
القذة بالقذة ،وذلك بتنحيسة الديسن السسلمي عسن أن يكون منهسج حياة للشعوب السسلمية،
والفصسسسل التام بينسسسه وبيسسسن تدبيسسسر شؤونهسسسا ،بحيسسسث يكون الديسسسن أمرا يتعلق بالفراد
بأشخاصسهم فيمسا بينهسم وبيسن ربهسم ،يصسلون ويصسومون ويحجون ويقرؤون القرآن ،دون
أن يتدخسل السسلم فسي الشؤون السسياسية والجتماعيسة والقتصسادية والعسسكرية وغيرهسا
مسسن مناهسسج العلم والتعليسسم وهلم جرا– ...ول يسسستثنون مسسن ذلك إل بعسسض الحوال
الشخصية-وذلك على غرار ما فعله أهل الغرب بالدين النصراني المحرف ،حيث نحوه
عن شؤون الحياة التي وضعت لها الدساتير والقوانين البشرية ،اتقاء التصرفات الكنسية
ورجالهسا الذيسن كانوا يزاولون تدبيسر شؤون الشعوب تدبيرا ظالمسا ،وينسسبون تصسرفاتهم
تلك إلى ال ،ويتلخسسص ذلك كله فيمسسا يقال له" :العلمانيسسة" التسسي تعنسسي فصسسل الديسسن عسسن
الدولة.
وقد أوهم أهل الغرب هذا القسم من أبناء المسلمين ،أن الدين هو سبب التأخر عندما
يتدخسل فسي حياة البشسر ،بدليسل أن الغرب عندمسا فصسل الديسن عسن الدولة تقدم حضاريسا
وأصسسبح يقود العالم،وأنسسه ل يمكسسن للمسسسلمين أن يتقدموا إل إذا فعلوا كمسسا فعسسل الغرب،
ففصلوا الدين السلمي عن الدولة.
وتتلمسسذ أبناء المسسسلمين هؤلء على أسسساتذة الغرب فسسي العلوم المتنوعسسة :النسسسانية
والتطبيقيسة واقتنعوا بتلك الفكرة ،بسسبب جهلهسم بالسسلم الذي جعلهسم يسساوون بينسه وبيسن
الدين النصراني ،ويقفون من دينهم كما وقف أهل الغرب من الدين النصراني ،وبسبب
فقدهسم العلماء الذيسن يجمعون بيسن فقسه النصسوص الواردة فسي القرآن والسسنة الصسحيحة
والمقاصد الشرعية من جهة وبين فقه العصر والواقع من جهة أخرى ،فانطلق هذا القسم
مسسن أبناء المسسسلمين ،وقسسد أحرز شيئا مسسن الثقافسسة التسسي تؤهله لقيادة الشعوب السسسلمية
وإدارتهسا مغرورا بنفسسه وبثقافتسه ،متجاهل أولئك العلماء ،بسل مذل لهسم ضاربسا بآرائهسم
وراء الحائط ،وسسسبب هذا سسسبق غيسسر المسسسلمين الى عقول أبناء المسسسلمين وكسسسبهم فسسي
صفهم.
والقسسم الثانسي :رأى فسي حضارة الغرب الماديسة ومسا رافقهسا أفكارا فاسسدة وأخلقسا
سسيئة وعقائد ملحدة وهجومسا على السسلم وأهله ،فانزوى عسن علوم الغرب كلهسا ،ودعسا
الشعوب إلى مقاطعتها والبعد عنها والكتفاء بما تجود به كتاتيب المعلمين الذين يلقنون
التلميسذ تلوة القرآن الكريسم ،ويعلمونهم بعسض مبادئ الفقسه والتوحيسد والكتابسة وشيئا مسن
الحساب ،فكان نصيب هذا القسم البعد عن ممارسة إدارة شؤون المة والمشاركة فيها،
فاسسستبد القسسم الول بالحكسسم والدارة وغيرهسسا ،وأخسسذ يكبست كسل صسسوت يخالف منهجسه
108
ومسسيرته ،يسسنده فسي ذلك مسا تحست يده مسن إمكانات الدولة فسي الداخسل ومؤازرة الدول
والمؤسسات الغربية في الخارج.
وبعد أن مضت فترة ليست بالقصيرة على هذه الحالة المزرية ،هيأ ال للمسلمين من
صسحا منهسم مسن نومسه ،وتنبسه مسن غفلتسه ،فرأى بنور مسن ال وبصسيرة تلك الهاويسة التسي
تردى فيهسسا المسسسلمون والسسسباب التسسي أدت إلى ذلك التردي ،والواجسسب الذي ل بسسد مسسن
القيام به لنتشال المة السلمية من وهدتها ،إلى قمة مجدها وعزها ،فظهرت دعوات
المفكريسن السسلميين بصسفة فرديسة هنسا وهناك ،ولم يمسض وقست غيسر طويسل نسسبيا حتسى
أثمرت تلك الدعوات ،ونتسسج عنهسسا قيام حركات إسسسلمية تعتمسسد التعليسسم والتربيسسة وبيان
شمول السلم ،وأنه منهج لحياة البشر يجب أن يعود ليحكم حياتهم ،فأزعج ذلك تلميذ
الغرب الذيسسن كان الجسسو قسسد خل لهسسم ،فتربعوا على كراسسسي الحكسسم وأمروا ونهوا دون
منازع لهسم إل مسن أمثالهسم ،كمسا أزعسج ذلك الغرب الذي طسن أن السسلم قسد مات وقسبر،
فاتفسسق السسسيد فسسي الغرب والعبسسد فسسي الشرق ،على القضاء على السسسلم دون هوادة ول
رحمسسة ،فكان أن حصسسل مسسن أعداء السسسلم المنتسسسبين إليسسه مثسسل مسسا حصسسل مسسن أعداء
السلم من اليهود والنصارى والملحدين والوثنيين ،من الهجوم على السلم وتشويهه،
ومحاولة القضاء على دعاتسسسه بالسسسسجون والمعتقلت والتعذيسسسب الوحشسسسي والتشريسسسد،
وانتهاك العراض ومصسادرة الموال والتضييسق عليهسم فسي لقمسة العيسش وإيذاء أسسرهم
وأقربائهسسم وأصسسدقائهم ،وبالقتسسل والغتيالت ،حصسسل ذلك فسسي أغلب بلدان السسسلم فسسي
شمال إفريقيسسا ،وفسسي الصسسومال ،واليمسسن ،والعراق ،وسسسوريا ،وباكسسستان ،وأفغانسسستان،
وإندونيسيا ،وتركيا ،وبنغلدش ،وألبانيا وغيرها.
113
ن الْعِزّةَ لِّ جَمِيعًا)) [النساء]139 : َفإِ ّ
ن الْعِزّةَ لِّ جَمِيعًا هُوَ السّمِي ُع الْ َعلِيمُ)) [يس]65: وقال تعالى((:ول َيحْزُ ْنكَ قَ ْولُهُ ْم إِ ّ
وقال تعالىَ ((:يقُولُونَس لَئِنْس َرجَعْنَا ِإلَى الْمَدِينَ ِة لَ ُيخْ ِرجَنّ الَْعَزّ مِنْهَا ال َذلّ وَلِِّ الْعِزّةُ
ن الْمُنَا ِفقِينَ لَ يَ ْعلَمُونَ))[المنافقون]8 : َولِرَسُوِلهِ َوِللْمُؤْمِنِينَ َولَكِ ّ
صفُون))[الصافات]180 : ب الْعِزّةِ عَمّا َي ِ وقال تعالى((:سُ ْبحَانَ رَ ّبكَ َر ّ
علَيْهِس
ل الِّ صَسلّى اللّهسم َ علّمَنِي رَسسُو ُ
علِيّ َرضِي الّ عَنْهمساَ : وفسي حديسث ا ْلحَسَسنُ بنِس َ
وَسَسلّمَ َكلِمَاتٍس َأقُولُهُنّ فِي قُنُوتِس الْوِتْرِ( :اللّهُمّ اهْدِنِي فِيمَنْس هَدَيْتَس َوعَافِنِي فِيمَنْس عَافَيْتَس
ت إِنّ كَ َت ْقضِي وَلَ ُيقْضَى عطَيْ تَ َوقِنِي شَرّ مَا َقضَيْ َ وَتَ َولّنِي فِيمَ نْ تَ َولّيْ تَ وَبَارِ كْ لِي فِيمَا أَ ْ
علَيْكَ َوإِنّهُ ل َي ِذلّ مَنْ وَالَيْتَ ول يَعِزّ مَنْ عَادَيْتَ تَبَارَكْتَ رَبّنَا وَتَعَالَيْتَ) [سنن أبي داود، َ
رقم]1214 :
فهسو سسبحانه العزيسز ول عزيسز سسواه ،وله العزة وحده ول يملكهسا غيره ،ومسن أراد
العزة فليعبسسد رب العزة وليطلبهسسا منسسه وحده ،ومسسن عبده حسسق عبادتسسه وطلب منسسه العزة
أعزه ،ومن أطاع غيره في معصيته تعالى طالبا العزة من ذلك الغير أذله ال.
لهذا كان من غايات سباق أهل الحق إلى العقول أن يطلب عباد ال العزة من ال ،ل
من سواه.
ل الحسسق إلى العقول ،لتسسبين لنسسا سسسبب الذلة التسسي وإن هذه الغايسسة التسسي يسسسابق بهسسا أه ُ
أنزلها ال بالمسلمين في هذا العصر ،حيث طلبوا العزة من أعداء ال ورسوله من اليهود
والنصارى والمشركين ،ونسوا رب العزة العزيز الحكيم ،فنسيهم العزيز الحكيم!
114
وَالَْرْضِ)) [العراف]96 :
وقال تعالى((:قَالَ اهْ ِبطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَ ْعضُكُ ْم لِبَعْ ضٍ عَدُ ّو َفإِمّا َيأْتِيَنّكُ مْ مِنّي هُدًى فَمَ نِ
شقَى))[طه]123 : ضلّ وَلَ يَ ْ ي فَل َي ِ اتّبَعَ هُدَا َ
وقال تعالىُ (( :قلْنَا اهْ ِبطُوا مِنْهَا جَمِيعًا َفإِمّاس َيأْتِيَنّكُم ْس مِنّيس هُدًى فَمَن ْس تَبِعَس هُدَايَس فَلَ
علَيْهِمْ وَلَ ُهمْ َيحْزَنُونَ)) [البقرة]38 : خَوْفٌ َ
وبيسن تعالى أن مسن أهسم واجبات اسستخلفه للنسسان فسي الرض إقامسة مسن مكنسه ال
فيها دينه تعالى في الرض ،وهو شامل للقيام بحق ال وحق عباده ،فقال تعالى(( :الّذِي نَ
ن الْمُنْكَرِ ض َأقَامُوا الصّلَةَ َوءَاتَوُا الزّكَاةَ َوأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَ َهوْا عَ ِ إِنْ مَكّنّاهُ ْم فِي الَرْ ِ
وَلِّ عَاقِبَةُ الُمُورِ)) [الحج]41 :
ومسسن واجبات الخلفسسة فسسي الرض :عدل الحكام بيسسن الناس ،بأن يحكموا بينهسسم
بالحق ،ول يتبعوا أهواءهم التي تضلهم عن سبيل ال.
ن النّا سِ كما قال تعالى(( :إِنّ الَّ َيأْمُرُكُ ْم أَ نْ تُؤَدّوا الَمَانَا تِ ِإلَى أَ ْهلِهَا َوإِذَا حَكَمْتُ مْ َبيْ َ
ن الَّ كَانَ سَمِيعًا َبصِيرًا)) [النساء]58 : ن الَّ نِ ِعمّا يَ ِعظُكُمْ ِب ِه إِ ّ أَنْ َتحْكُمُوا بِالْعَ ْدلِ إِ ّ
ن النّاسِ بِا ْلحَقّ وَلَ تَتّبِعِ ض فَاحْكُمْ بَيْ َ خلِيفَ ًة فِي الَْ ْر ِ و قال تعالى((:يَا دَا ُو ُد إِنّا جَ َعلْنَاكَ َ
ل الِّ لَهُمْس عَذَابٌس شَدِيدٌ بِمَا نَسسُوا ضلّونَس عَنْس سَسبِي ِ ل الِّ إِنّ الّذِينَس َي ِ ضلّكَس عَنْس سَسبِي ِ الْهَوَى فَ ُي ِ
يَوْ َم ا ْلحِسَاب))[ص]26 :
س أَ نْ ن النّا ِ ت ِإلَى أَ ْهلِهَا َوإِذَا حَكَمْتُ مْ بَيْ َوقال تعالى((:إِنّ الَّ َيأْمُرُكُ ْم أَ نْ تُ َؤدّوا الَْمَانَا ِ
ن الَّ كَانَ سَمِيعًا َبصِيرًا))[النساء]58 : ن الَّ نِعِمّا يَ ِعظُكُمْ بِ ِه ِإ ّ َتحْكُمُوا بِالْعَ ْدلِ إِ ّ
ومن استغل تلك الخيرات معرضا عن هدى ال خارجا عن طاعته ،نال من دنياه ما
كتب ال له ،وعاش في الرض عيشة ضنك ونكد ،ونال في الخرة عقابه في نار جهنم
على ما قدم جزاء وفاقا.
قال تعالى((:هُ َو الّذِي جَ َعلَكُم ْس خَلئِف َس فِي الَْرْض ِس فَمَن سْ َكفَ َر فَ َعلَيْه سِ ُكفْرُه سُ وَلَ يَزِيدُ
ل خَسَارًا)) [فاطر]39 : الْكَافِرِينَ ُكفْرُهُمْ عِنْدَ رَبّهِ ْم إِلّ َمقْتًا وَلَ يَزِي ُد الْكَافِرِينَ ُكفْرُهُ ْم إِ ّ
و قال تعالى((:وَمَنْس أَعْرَضَس عَنْس ذِكْرِي َفإِنّ لَهُس مَعِيشَ ًة ضَنْكًا َو َنحْشُرُهُس َيوْمَس ا ْلقِيَامَةِ
أَعْمَى()124قَالَ رَبّ لِمَس حَشَرْتَنِي أَعْمَى َوقَدْ كُنْتُس بَصسِيرًا()125قَالَ كَ َذلِكَس أَتَتْكَس ءَايَاتُنَا
ن َأسْرَفَ َولَمْ يُؤْ ِمنْ بِآيَاتِ رَبّهِ َولَعَذَابُ فَنَسِيتَهَا وَكَ َذلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى()126وَكَ َذلِكَ َنجْزِي َم ْ
الخِرَةِ َأشَدّ َوأَ ْبقَى)) [طه]127 :
ن قَرْ نٍ مَكّنّاهُ مْ فِي الَْرْ ضِ مَا لَ مْ نُمَكّ نْ ن قَ ْبلِهِ مْ ِم ْ
وقال تعالىَ((:ألَ مْ يَ َروْا َك ْم أَ ْهلَكْنَا مِ ْ
علَيْهِمْس مِدْرَارًا َوجَ َعلْنَا الَنْهَارَ َتجْرِي مِنْس َتحْتِهِمْس َفأَهْلَكْنَاهُمْس ِبذُنُوبِهِمْس لَكُمْس َوأَرْسَسلْنَا السّسمَاءَ َ
شأْنَا مِنْ بَ ْعدِهِ ْم قَرْنًا ءَاخَرِينَ)) [النعام]6 : َوأَنْ َ
فمن أحق بالسباق إلى العقول-إذًا-أهل الحق أم أهل الباطل؟
تلك هي غايات أهل الحق من سباقهم إلى العقول:
-1تبليغ رسالت ال إلى الناس.
-2إقامة الحجة على الخلق.
-3إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
-4تحقيق توحيد ال في الرض.
115
-5غرس اليمان بالغيب في النفوس.
-6تحكيم شرع ال في حياة الناس.
-7تثبيت الولء ل ولرسوله وللمؤمنين والبراء من الكافرين.
-8غرس الخلق الفاضلة ومطاردة الخلق الفاسدة.
-9العتزاز بال واتخاذ وسائل العزة.
-10إقامة الخلفة في الرض على أساس هدى ال.
وبتحقيسق هذه الغايات يتحقسق المقصسد العام مسن التشريسع السسلمي كله ،وهسو "حفسظ
نظام المة واستدامة صلحه بصلح المهيمن عليه ،وهو نوع النسان ويشمل صلحه
صسلح عقله وصسلح عمله ،وصسلح مسا بين يديه مسن موجودات العالم الذي يعيسش فيه"
[انظر كتاب :مقاصد الشريعة لفضيلة العلمة الستاذ محمد الطاهر بن عاشور ص ]63
هذا فسي الدنيسا ،وأمسا فسي الخرة فيتحقسق لمسن اسستجاب للحسق واتبسع هدى ال الذي
تتحقق به هذه الغايات ،رضا ال تعالى وثوابه الجزيل :الجنة التي فيها ما ل عين رأت
ول أذن سمعت ول خطر على قلب بشر.
116
وسائل أهل الحق في السباق إلى العقول .
تمهيد:
إن كسل غايسة يراد الوصسول إلى تحقيقهسا ،ل بسد لهسا مسن وسسائل يُتَوصسّل بهسا إلى ذلك
التحقيسق ،وهذه الوسسائل منهسا مسا هسو سسلمي ،ومنهسا مسا هسو عسسكري حربسي ،وأقصسد
بالوسسائل السسلمية هنسا ،كسل مسا يمكسن إبلغ الحسق بسه إلى العقول ممسا هسو مشروع بدون
قتال ،مسن بيان الحسق بالدعوة والتزكيسة والتعليسم ،ويشمسل ذلك وسسائل نذكسر مسا تيسسر منهسا
إجمال ،ثم نشرع في تفصيلها:
الوسيلة الولى :التربية السرية
الوسيلة الثانية :تلوة كتاب ال على الخلق
الوسيلة الثالثة :الموعظة الحسنة
الوسيلة الرابعة :الجدال بالتي هي أحسن
الوسيلة الخامسة :التعليم
الوسيلة السادسة :العناية باللغة العربية
الوسيلة السابعة :القدوة الحسنة
الوسيلة الثامنة :الفطرة
الوسيلة التاسعة :المساجد
الوسيلة العاشرة :العلم
الوسيلة الحادية عشرة :المؤتمرات والندوات
الوسيلة الثانية عشرة :النوادي
الوسيلة الثالثة عشرة :الرحلت والمخيمات
الوسيلة الربعة عشرة :العلقات الدبلوماسية
الوسيلة الخامسة عشرة :المال
الوسيلة السادسة عشرة :المواقع
الوسيلة السابعة عشرة .الجهاد العسكري.
117
الوسيلة الولى :التربية السرية:
إن أولى وسسسسائل السسسسباق إلى العقول بالحسسسق أو بالباطسسسل ،هسسسي السسسسرة :البوان
والقارب الذيسسن يحيطون بالطفال ويتربسسى هؤلء الطفال فسسي وسسسطهم ،مسسن إخوة لهسسم
كبار ،أو أعمام أو عمات ،أو أخوال أو خالت ،أو أجداد أو جدات…
وإن الم لهسي المفتاح الول لهذا السسباق ،إذ هسي التسي تلزم الطفسل فسي جميسع أطوار
حياته ،منذ خروجه من رحمها صارخا ،إلى أن يبلغ رشده متواضعا أو متكبرا شامخا.
تلزمه ليل ونهارا ،صحيحا ذا فرح أو سقيما ذا ترح ،ضاحكا ساعيا ،أو مقعدا باكيا.
يفتسسح عينيسسه على حركاتهسسا وسسسكناتها ،وهسسي هادئة وقورة ،أو طائشسسة مسسسعورة،
ويصغي بأذنيه لصوتها ،ناطقة بالقول النافع ،أو صارخة بالسب اللذع.
وطفلها يراقبها-كما يراقب غيرها-منذ الصغر ،خازنا في جعبته كل ما تأتي وتذر،
ينبت لحمه من حليب ذرعها ،وتنبت أخلقه من حميد أو ذميم خلقها.
فإن تحلت بالصدق نشأ صريحا صادقا ،وإن أكثرت من الكذب ،أصبح كاذبا منافقا.
ولهذا شرع ال للرجسل الصسالح الحرص على المرأة الصسالحة ،فقال رسسوله الكريسم
صسلى ال عليسه وسسلم :كمسا فسي حديسث أبسي هريرة رضسي ال عنسه( :تنكسح المرأة لربسع
لمالهسسا ولحسسسبها ولجمالهسسا ولدينهسسا فاظفسسر بذات الديسسن تربسست يداك[ ).الحديسسث فسسي
الصحيحين؟؟]
119
الوسيلة الرابعة .الجدال بالتي هي أحسن.
وهسسو مناظرة أهلِ الحسسق أهلَ الباطسسل ،ومخاصسسمتهم بالحجسسج والبراهيسسن التسسي تقيسسم
عليهم الحجة وتظهر الحق وتزيل الشبهة ،وتجعل عقول أهل الباطل مضطرة للتسليم أو
النقطاع عن الجدال ،لنصرة باطلهم الذي دحضه برهان الحق فجعله زاهقا.
وقد أمر ال تعالى رسوله صلى ال عليه وسلم أن يجادل أهل الكتاب بالحسنى ،فقال
تعالى(( :وجادلهم بالتي هي أحسن)) [النحل]125 :
وكان الجدال الذي تقام بسسه الحجسسة على الناس لخضاع عقولهسسم للحسسق ،مسسن وسسسائل
النبياء وأساليبهم في دعوتهم قومهم إلى الحق الذي بعثهم ال تعالى به إليهم.
وكان نبي ال نوح عليه السلم وهو أول رسول بعثه ال إلى أهل الرض كلهم في
زمانسسه ،كثي َر المحاجسسة والمجادلة لقومسسه طول مدة رسسسالته التسسي اسسستغرقت ألف سسنة إل
خمسين عاما ،حتى إن قومه الذين أصروا على التمسك بالباطل ونبذ الحق الذي جاءهم
به ،برموا من جداله وحججه ،وطلبوا منه أن يأتيهم بما كان يتوعدهم به من عذاب ال،
بدل مسن الجدال والمحاجسة بالبراهيسن ،كمسا قال تعالى عنهسم(( :قالوا يسا نوح قسد جادلتنسا
فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين)) [هود.]32 :
فلو كان قوم نوح عندهسم مقدرة على السستمرار فسي جداله عليسه السسلم بمسا يمكسن أن
يسمى حجة أو برهانا ،لما اضطروا إلى مواجهته بهذا السلوب الدال على أن صدورهم
قد ضاقت بجداله ومحاجته.
مه:
أنموذجان لجدال إبراهيم قو َ
وكذلك جاء أبسو النسبياء الثانسي إبراهيسم عليسه السسلم ودعسا قومسه إلى الحسق ،وكانست
وسيلة الجدال والمناظرة بالحجج والبراهين ،من أهم الوسائل التي اتخذها لبلغ الحق
إلى عقول قومه ،فجادلهم حتى أفحمهم ،واضطرهم إلى الستسلم لبراهينه التي لم تقدر
عقولهم على إنكارها ،فلجئوا إلى القوة والتهديد بها ،كما هي عادة الطغاة الذين ل سلح
لهم غير القوة أمام دوامغ الحق العظيمة.
ول بأسس أن نذكر نموذجين من جدال إبراهيم لقومه ،لما لهما من الدللة الواضحة
في هذا المر.
121
الوسيلة الخامسة .التعليم.
وهذه الوسيلة هي أكثر الوسائل تأثيرا وثباتا ورسوخا في السباق إلى العقول ،لنها
تقوم على أسس مدروسة ومناهج هادفة ،ومواد مختارة ،وكتب معدة ،ومعلمين مدربين،
ولن وقسست التعليسسم طويسسل يبدأ فسسي سسسن مبكرة ويسسستمر إلى الممات عنسسد كثيسسر مسسن
المتعلمين ،والسبق بأي مبدأ إلى عقول الناشئين يملك عقولهم و يأسرها أسرا ،ولهذا قال
علَى
الرسسول صسلى ال عليسه وسسلم-كمسا فسي حديسث أبسي هريرة( :-مَا مِنْس َم ْولُودٍ إل يُولَدُ َ
الْفِطْرَ ِة َفأَبَوَاهسسُ يُ َهوّدَانِهسِس أَوْ يُنَصسسّرَانِ ِه أَوْ ُي َمجّسسسَانِهِ كَمَسسا تُنْتَجسُس الْبَهِي َمةُ بَهِي َم ًة جَمْعَاءَ َهلْ
ل أَبُو هُرَيْرَةَ رَضِي اللّهسم عَنْه ((فِطْرَ َة الِّ الّتِي فَطَرَ ن فِيهَا مِنْس جَدْعَاءَ؟ ثُمّ َيقُو ُ ُتحِسسّو َ
علَيْهَا)) ال َيةَ[.الحديث في صحيح البخاري برقم ]1270 :وذلك إنما يكون بالتعليم النّاسَ َ
الدراسي والسري .فإذا راعى أهل الحق أسس التعليم وأحكموها ،كان التعليم من أنجح
وسسائل السسباق إلى العقول بالحسق وتثسبيته فسي تلك العقول :عقول الفراد والسسر والحكام
والمربين في كل الجيال.
أسس التعليم الناجحة في السباق إلى العقول.
الساس الول :وضوح الغايات.
أي غايات أهل الحق في سباقهم إلى العقول ،وهي:
-1تبليغ رسالت ال إلى الناس.
-2إقامة الحجة على الخلق.
-3إخراج الناس من الظلمات إلى النور.
-4تحقيق توحيد ال في الرض.
-5غرس اليمان بالغيب في النفوس.
-6تحكيم شرع ال في حياة الناس.
-7غرس الخلق الفاضلة ومطاردة الخلق الفاسدة.
-8إقامة الخلفة في الرض على أساس هدى ال.
-9العتزاز بال واتخاذ وسائل العزة.
وقسد سسبق الكلم عنهسا ،وهسي-وإن كانست مطلوبسة التحقيسق مسن كسل الوسسائل-تتحقسق
بوسيلة التعليم وتثبت وترسخ أكثر من غيرها من الوسائل الخرى.
122
ما تجب مراعاته في وضع المناهج.
ويجب أن يراعى في وضع المناهج المور التية:
المممر الول :السممبر الشامممل لكممل ممما تحتاج إليممه
المة من العلوم.
وهسسي كسسل العلوم التسسي تمكنهسسا مسسن النهوض والتقدم واعتلء مقعسسد القيادة الربانيسسة
للبشريسة ،وهسو مسا عسبر عنسه القرآن الكريسم بالخليفسة(( :إنسي جاعسل فسي الرض خليفسة))
سواء كانت تلك العلوم من فروض العين ،وهي التي تتعلق بجميع المكلفين ول يكفي أن
يقوم بهسا أحسد عسن آخسر ،كأركان السسلم وأركان اليمان ،أو فروض الكفايسة وهسي التسي
تسسقط عسن بقيسة المسة ،إذا قامست بهسا طائفسة كافيسة عددا وسس ّد حاجسة ،كالعلوم السسياسية،
والقضائيسسسة ،والقتصسسسادية ،والهندسسسسية والطبيسسة ،والصسسسناعية ،والحِرفيسسسة ،والفلكيسسسة،
والعسكرية ،وغيرها.
ثسسم يوضسسع لكسسل علم منهجسسه الخاص بسسه مسسن قبسسل ذوي الكفاءة فيسسه والختصسساص،
ويخصص له من الزمن ما يكفيه.
المممر الثانممي :أن يراعممى فممي وضممع المناهممج ممما
يتناسب مع العصر.
ويشمسل ذلك جميسع المواد والمفردات المطلوب دراسستها ،بحيسث يكون الدارس على
وعسسي وخسسبرة بمسسا يتعلق بالعلم الذي يدرسسسه فسسي واقسسع الحياة ،مسسع المقارنسسة والموازنسسة
والترجيسسح بالحجسسة والبرهان ،ول تكون دراسسسته دراسسسة نظريسسة تلقينيسسة تقليديسسة جامدة،
تجعله إذا خالط الناس واصسسطدم بمسسا عندهسسم مسسن أفكار ونظريات ومبادئ ،كأنسسه بدوي
دعي لحضور مؤتمر تتصارع فيه نظريات الفلسفة والسياسيين والقتصاديين ،مع أن
بعض تلك النظريات تتعلق بتخصصه.
وسأضرب بعض المثلة لتوضيح هذا المعنى:
المثال الول :وجسد فسي هذا العصسر إلحادٌ مادي قوي ينكسر وجود الخالق-فضل عسن
اسسسستحقاقه العبادة واتباع رسسسسله وتحكيسسسم شرعسسسه-قامسسست على أسسسساس هذا اللحاد دول
ووضعسست له فلسسسفات ومناهسسج تعليسسم وإعلم ،واتخذت لنشره والدعوة إليسسه وسسسائل تبدأ
بالعلم وتنتهي بالسلح ،وخدعت به عقول واستجابت له حكومات.
والجديسد فسي هذا اللحاد هسو انتشاره وقيام دول على أسساسه ،وقسد كان فسي الزمان
الماضية مغمورا ل يوجد إل لدى أفراد أو جماعات قليلة ،ل وزن لها بين الناس.
ل الرسسسل على قومهسسم المقريسسن بسسه ،بأن الخالق الذي وكان إقرار المسسم بالخالق دلي َ
أقرت به تلك المم هو وحده الله المعبود الذي يستحق العبادة.
ولهذا لم تكسن الرسسل فسي حاجسة إلى أن يَنْصَسبُوا فسي دعوة أممهسم إلى القرار بوجود
خالق لهذا الكون ،لن ذلك من تحصيل حاصل ومن تبديد الجهد في غير مكانه.
كمسا قال تعالى(( :قسل لمسن الرض ومسن فيهسا إن كنتسم تعلمون ،سسيقولون ل قسل أفل
123
تذكرون ،قل من رب السماوات السبع ورب العرش العظيم ،سيقولون ل قل أفل تتقون،
قل من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ول يجار عليه إن كنتم تعلمون ،سيقولون ل قل
فأنى تسحرون)) [المؤمنون.]89-84 :
وال الخالق العليسم عالم الغيسب والشهادة ،قسد أودع فسي كتابسه مسن الحجسج والبراهيسن
الدالة على وجوده وأنسه رب كسل شسئ ومالكسه ،مسا ل يدع لمنكره منفذا يفسر مسن براهينسه
وحججسه ،سسواء قسل المنكرون أو كثروا ،وحججسه وبراهينسه منتزعسة مسن آياتسه الكونيسة
ب المفتوح وهو الكون كله ،كما قال ومخلوقاته ،فالكتاب المقروء َينْ صِب للجاحدين الكتا َ
تعالى(( :أم خُلقوا مسسن غيسسر شسسئ أم هسسم الخالقون ،أم خلقوا السسسماوات والرض بسسل ل
يوقنون))[الطور]36-35 :
وقال تعالى(( :أ مّنس خلق السسماوات والرض وأنزل لكسم مسن السسماء ماء فأنبتنسا بسه
حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع ال بل هم قوم يعدلون ،أمن جعل
الرض قرارا وجعسل خللهسا أنهارا وجعسل لهسا رواسسي وجعسل بيسن البحريسن حاجزا أإله
مسع ال بسل أكثرهسم ل يعلمون ،أمسن يجيسب المضطسر إذا دعاه ويكشسف السسوء ويجعلكسم
خلفاء الرض أإله مسع ال قليل مسا تذكرون ،أمسن يهديكسم فسي ظلمات البر والبحسر ومسن
يرسسل الرياح بشرا بيسن يدي رحمتسه أإله مسع ال تعالى ال عمسا يشركون ،أمسن يبدأ الخلق
ثسسم يعيده ومسسن يرزقكسسم مسسن السسسماء والرض أإله مسسع ال قسسل هاتوا برهانكسسم إن كنتسسم
صادقين))[النمل.]64-60 :
ومع هذا كله-أي مع كون وجود الخالق الذي كانت المم تعترف به ،وكانت الرسل
تسسستدل بهذا العتراف على وجوب عبادتسسه وحده وعدم الشراك بسسه ،ومسسع وجود كثرة
الحجسسج والبراهيسسن فسسي الكتاب المقروء والكتاب المفتوح ،على وجوده وأنسسه خالق هذا
الكون ،ومع بسط علماء المسلمين في القديم والحديث الكلم عن هذا المعنى ،ومع وجود
دول إلحادية في هذا العصر قامت على إنكار هذا الصل الذي كان بالمس ُمقَرّا به لدى
عامة أمم الكفر ،وأصبح الن محل إنكار-مع هذا كله وجد من ينتسب إلى العلم ويزعم
أنه ل داعي لدخال هذا الصل الذي سماه علماء السلم "توحيد الربوبية" في مباحث
العقيدة لبرازه والدعوة إليه ،لنه هو الدليل على توحيد اللوهية فهو بد هي ،والرسل لم
تكن تدعو أممها إليه!!!
أيعقسسل هذا الكلم؟! إذا أنكسسر مراض القلوب وضعاف النفوس مسسا كان فسسي الصسسل
دليل ،أفل ندعوهسسم إلى القرار بهذا الدليسسل الذي أقرت بسسه المسسم وتظاهرت عليسسه آيات
الكون ومخلوقاتسه كلهسا؟! وإذا أصسبح الدليسل مُنكَرًا ولم نقسم الحجسج على منكريسه ونجعسل
عقولهم تقربه ،فهل هذه مزية لنا؟ وهل نعد متبعين حقا للرسل الذين كانوا يستدلون بهذا
الصل على وحدانية ال وعبادته بل شريك معه؟!
ألم يكسن نسبي ال موسسى عليسه السسلم يعلم أن فرعون كان-فسي الواقسع-مسستيقنا بأن ال
هسو خالق السسماوات والرض ،وأن اليات التسي جاء بهسا موسسى كانست حقسا ،وأن إنكاره
وجحده مسا كان إل مكابرة منسه؟! كمسا قال تعالى(( :فلمسا جاءتهسم آياتنسا مبصسرة قالوا هذا
سسسحر مسسبين ،وجحدوا بهسسا واسسستيقنتها أنفسسسهم ظلمسسا وعلوا فانظسسر كيسسف كان عاقبسسة
المفسدين)) [النمل.]14-13 :
124
ومسع ذلك فإن موسسى عليسه السسلم أقام الحجسة على فرعون عندمسا ادعسى الربوبيسة
وسسخر مسن دعوة موسسى إلى اليمان بربسه ،فقال كمسا ذكسر ال تعالى عنسه(( :قال فرعون
ومسسسسا رب العالميسسسسن)) فأجابسسسسه موسسسسسى بقوله(( .رب السسسسسماوات والرض إن كنتسسسسم
موقنين))[الشعراء.]24-23 :
لقسد خلت مناهسج بعسض المعاهسد والجامعات والمدارس السسلمية ،فسي هذا العصسر
الذي ظهسسر فيسسه هذا اللحاد ،واسسستفحل وانتشسسر عسسن طريسسق التعليسسم والعلم والسسسياسة
والقتصسساد وعلوم النفسسس وعلوم الجتماع ،وعسسن طريسسق الغزو المسسسلح والكراه على
إنكار وجود ال ،خلت تلك المناهسسج مسسن بحوث يتسسسلح بهسسا الطلب ودعاة السسسلم ،فسسي
إقامسسة الحجسسج والبراهيسسن ،على تفاهسسة هذا اللحاد وإزالة مسسا علق بعقول عدد كسسبير مسسن
الناس ،ومنهسم بعسض ذرا ري المسسلمين ،ووقسف كثيسر ممسن تخرجوا فسي تلك المؤسسسات
السلمية عاجزين عن رد شبهات إلحادية كثيرة بثها الملحدون في مناهج التعليم وكتبه
فسي بعسض البلدان السسلمية ،إل مسن اجتهسد مسن أولئك المتخرجيسن اجتهادا ذاتيسا فدرس
بعسض المؤلفات وقرأ بعسض البحوث التسي ألفهسا بعسض الغيوريسن مسن دعاة السسلم ،أو
لزم بعسض هؤلء الدعاة واسستفاد منهسم ،فإنهسم انطلقوا بحجسج وبراهيسن مثسل الصسواريخ
تدمر كل شئ أتت عليه من مبادئ وأفكار وشبهات أولئك الملحدة.
ومع ذلك فقد اجتهد بعض دعاة السلم ،فوضعوا في مناهج بعض المدارس بحوثا
وكتبسا مزودة بأدلة علميسة وحجسج وبراهيسن قويسة فسي هذا المعنسى ،اسستأصلوا بهسا شجرة
اللحاد مسن بلدهسم وقسد كادت تمسد جذورهسا فيهسا ،وكان ذلك تحصسينا لطلبهسا وسسلحا
يهاجمون به أساطين اللحاد في عقر دارهم [كان ذلك في اليمن ،حيث ألف الشيخ عبد
المجيسد الزندانسي كتسب التوحيسد السستة التسي قررت على طلب المتوسسط والثانوي فقضسى
ال بهسسسا على اللحاد فسسسي اليمسسسن وأصسسسبح الطلب اليمنيون الذيسسسن ابتعثوا إلى البلدان
الشيوعيسسة يوجهون أسسسئلة إلى المشرفيسسن عليهسسم مسسن الملحديسسن تفحمهسسم كمسسا ذكسسر ذلك
الزنداني في بعض كتبه.].
المثال الثانسسي :أن أعداء السسسلم قسسد بلغوا شأوا عظيمسسا فسسي هذا العصسسر مسسن القوة
المادية والصناعية ،وأصبح عندهم من السلح ما أخافهم هم أنفسهم من أن يتفجر بينهم
فسسي صسسراعاتهم على زعامسسة العالم ،ومسسا يُطِيسسش عقولهسسم فسسي أن يتقاتلوا بذلك السسسلح
ويدمروا به أنفسهم وبلدانهم وما بنوه من حضارة مادية في مدة طويلة من الزمن.
وهسم متفقون جميعسا على أن عدوهسم الحقيقسي هسو السسلم الذي يخشون أن يولد مسن
أبنائه من يُعلِي ال به رايتَه في الرض ،فينطلق السلم انطلقة ل قبل لهم بإعاقته ،ول
قدرة لكسل السسدود التسي وضعوهسا ول زالوا يضعونهسا فسي طريقسه ،على صسده ومنعسه عسن
النسسياب فسي الرض ،سسابقا بعقيدتسه وأخلقسه ومعاملتسه الشاملة ،إلى عقول الناس التسي
لو وصسل إليهسا صسحيحا غيسر مشوه ،لسسرعت إلى قبوله ورفضست كسل العقائد والمبادئ
والنظمسة التسي تخالفسه والتسي شقيست البشريسة بهسا فسي الرض ،وبخاصسة أنسه مهيسأ ليحسل
محل تلك المبادئ والنظمة التي جربت كلها ففشلت ،والعالم يترقب ما ينقذه مما حل به
من دمار.
وأعداء السسسلم يعلمون أن هذا الديسسن ديسسن عقيدة صسسحيحة وأخلق فاضلة وأنظمسسة
125
سسسامية ،يدعسسو إلى العلم الشامسسل علم الدنيسسا وعلم الخرة ،وأنسسه ديسسن المسسساواة والعدل
والحريسسة والصسسدق ،ويعلمون بأن حضارتهسسم الماديسسة مبنيسسة على عقائد فاسسسدة ،وتحلل
اجتماعسي ،وأنظمسة اقتصسادية مدمرة ،وأنظمسة سسياسية ل قدرة لهسا على الوقوف طويل
أمام سسياسة السسلم ،إذا طبقست فسي الرض ،ديدنهسم العدوان على الضعيسف وظلمسه وهسم
يزعمون أنهسم دعاة سسلم وعدل ،فإذا طبسق السسلم فسي الرض ظهرت عيوب مدنيتهسم
وانكشسف زيسف مسا يلصسقونه بالسسلم مسن مثالب زورا وبهتانسا ،ولذلك فهسم يخافون مسن
السسلم خوفسا شديدا ،ويحيكون للمسة السسلمية كسل المؤامرات ،ويعدون العدة لختلق
الذرائع لشسسن غاراتهسسم العسسسكرية المباشرة على أي دولة إسسسلمية يخشون مسسن تطبيقهسسا
الشريعسسة السسسلمية تطبيقسسا صسسادقا ،وليسسس مجرد دعوى ،أو يخشون مسسن امتلكهسسا قوة
عسسكرية واقتصسادية-وإن كانست علمانيسة-خشيسة مسن أن ترث تلك القوة قيادة مسسلمة تعلي
بها كلمة ال!.
ولهذا دمسر اليهود المفاعسل النووي فسي العراق ،وأغْرَتْس الدول الغربيسة وعلى رأسسها
أمريكسا نظام البعسث العراقسي بغزو الكويست ،مسن أجسل القضاء على مسا يملك مسن قوة ،وقسد
فعلوا ول زالوا يفعلون ،ويهددون جمهورية باكستان السلمية ويحيكون لها المؤامرات
لتدمير ما تملك من قوة نووية ،ول يعترضون على قوة الهند الوثنية النووية ،ويواصلون
دعمهسسم لليهود ولمتلكهسسم مزيدا مسسن القوة النوويسسة ،ول يطيقون أن تملك أي دولة مسسن
الدول السلمية قوة متميزة ولو كانت غير نووية ،كل ذلك من أجل أن يضمنوا تفوقهم
العسكري في كل لحظة ،على جميع الدول في البلدان السلمية ،ويريدون لجميع الدول
فسي الشرق السسلمي أن تكون ضعيفسة فسي سسلحها وجيشهسا واقتصسادها ،مسا عدا الدولة
اليهوديسة التسي احتلت أرض المسسلمين فسي فلسسطين ،فإنهسم يدعمونهسا بكسل وسسائل القوة،
ليسسطروا على بلد المسسلمين واقتصسادهم سسيطرة كاملة ،وليضطروهسم إلى عدم التفكيسر
في إقامة دين ال في الرض بتطبيق شريعته.
ومسسع وضوح هذا العداء السسسافر ضسسد السسسلم والمسسسلمين ،مسسن الدول النصسسرانية
والدولة اليهوديسة وغيرهسم مسن أعداء السسلم ،فإن مناهسج المدارس والمعاهسد والجامعات
فسي أغلب البلدان السسلمية ،قسد أهملت فقسه الجهاد فسي سسبيل ال الذي يوجسب على المسة
السسسلمية أن تعسسد العدة اللزمسسة لرهاب أعداء ال ،حتسسى ل يعتدوا على هذه المسسة،
وحتسى تحطسم المسة السسلمية كسل الطواغيست الذيسن يصسدون الناس عسن الدخول فسي ديسن
ال.
وكذلك أغفلت تلك المناهسسج فسسي أغلب البلدان السسسلمية قاعدة الولء والبراء التسسي
أبدى فيهسا القرآن الكريسم وأعاد ،موضحسا أعداء المسة السسلمية مسن اليهود والنصسارى
والوثنييسن ومكايدهسم التسي ل يكفون عنهسا إلى يوم القيامسة ،بسل إن بعسض الحكومات فسي
بعسض البلدان السسلمية أمرت بحذف مسا كتسب مسن آيات فسي بعسض المقررات الدراسسية
مما يتعلق باليهود والنصارى حتى ل يتنبه التلميذ لهذه القاعدة من فهمهم لتلك اليات،
وقد نبه على ذلك بعض كتاب المسلمين في بعض الصحف العلمانية ،بعنوان[ .فتنة في
الرض وفسسساد كسسبير .الهرام ،القاهريسسة 14/10/1413هسسس6/4/1993-م ص ،9راجسسع
الملف الصحفي الذي تصدره تهامة عدد 362ص 39بتاريخ 1/11/1413هس].
126
المثال الثالث .إذا تأمل المتابع لحركة التدبير العالمي وجدها تعتمد على ثلثة أسس
جوهرية ،وهي :السياسة والقتصاد والقوة العسكرية بكل فروعها.
وقسسد أنشئت لكسسل واحسسد مسسن هذه السسس معاهسسد وكليات ومؤسسسسات ومراكسسز بحسسث
ومراكسز تدريسب ،وخصسصت لهسا ميزانيات هائلة فسي بلدان العالم الغربسي بالذات ،وكذلك
فسسي بلدان العالم الثالث-كمسسا يطلق عليسسه هذه التسسسمية الغربيون احتقارا له وتثبيطسسا مسسن
التفكير في النهوض-ومنه دول العالم السلمي ،وكلها تعتمد على المنهج العلماني إل ما
ندر فسسي بعسسض البلدان السسسلمية ،ولهذا سسسيطرت النظريات السسسياسية والقتصسسادية
العلمانية على العالم بدعم من القوة العسكرية ،وترى المثقفين ورجال الدارة والحكم في
العالم السلمي قد فتنوا بتلك النظريات ورأوا فيها مثال يحتذى وقدوة تتبع-سواء طبقوا
مسا فتنوا بسه أو خالفوه بحسسب أهوائهسم ومصسالحهم ،ولم يلتفتوا إلى مسا فسي مصسادر دينهسم
من قواعد السياسة والقتصاد ،بل وقر في أذهانهم أن الدين السلمي كغيره من الديان
المحرفسسة صسسلة بيسسن العبسسد وربسسه ،ول دخسسل له فسسي حياة البشسسر الداريسسة والسسسياسية
والقتصسادية والعسسكرية وغيرهسا ،ولم يخرج عسن هذه القاعدة التسي سسار عليهسا المثقفون
مسن أبناء المسة السسلمية إل مسن هيسأ ال له السسبيل ،فتربسى تربيسة إسسلمية على أيدي
علماء الدعوة السسلمية ،ودرس كتبهسم ورجسع إلى مصسادر العلوم السسلمية فتفقسه فسي
دين ال وتيقن أن السلم منهج كامل لحياة البشر.
ومسع ذلك ل تجسد فسي العالم السسلمي كله كليسة واحدة للقتصساد السسلمي ،ول كليسة
واحدة للسسياسة الشرعيسة ،بسل ل تجسد فسي كليات القتصساد والعلوم السسياسية والداريسة،
مقارنسة جادة بيسن النظريات القتصسادية والنظريات السسياسية ،وبيسن السسياسة الشرعيسة
والقتصساد السلمي ،بل ممسا يؤسسف له أن المعاهسد والجامعات السلمية لم تعط هذين
العلمين المهمين في السلم-السياسة والقتصاد-ما يستحقانه من العناية والهتمام ،وإن
كانست بعسض الجامعات قسد أنشأت مسا يسسمى بقسسم السسياسة الشرعيسة ،فإن الدراسسة فيهسا
دراسة جامدة تعتمد على مذكرات ونصوص جزئية ل تمت إلى حياة البشرية المعاصرة
بصلة قوية.
وكان الجدى بالجامعات السسسلمية أن تنشسسئ كليات للسسسياسة الشرعيسسة والقتصسساد
السلمي ،وأن توجد أساتذة مؤهلين يجمعون بين الفقه السلمي من مصادره في هذين
المجاليسن ،وبيسن النظريات السسياسية والقتصسادية المشهورة فسي العالم اليوم ،وأن تدرس
موادهسسسا بتوسسسسع ليتخرج فيهسسسا ذوو كفاءات مؤهلون لدارة البلدان السسسسلمية سسسسياسيا
واقتصسساديا ،وليظهسر للعالم مسا فسي هذا الديسن مسن مزايسا يُحَل بهسا كثيسر مسن المشكلت
العويصسسة ،ويقضسسى بهسسا على أزمات مسسستعصية ،وأن وسسسطية هذا الديسسن فسسي السسسياسة
والقتصساد جديرة بالدراسسة والمقارنسة والتطسبيق الذي سسيقضي على مفاسسد الديمقراطيسة
مع اشتماله على ما قد يكون فيها من محاسن ،كما سيقضي على الدكتاتورية والستبداد
مسسع اشتماله على مسسا قسسد يكون فيهمسسا مسسن ضبسسط وعدم تسسسيب ،وسسسيقضي على مفاسسسد
الرأسسمالية الربويسة مسع اشتماله على مسا قسد يكون فيهسا مسن حريسة فرديسة محكومسة ،وعلى
مفاسد الشتراكية مع اشتماله على ما قد يكون فيها من حفظ حق الجماعة بدون اعتداء
على حقوق الفراد.
127
فهل ننتظر من الجامعات السلمية اهتماما ما بذلك؟!
سبب التخصيص.
إن تخصسيص الجامعات السسلمية فسي هذا السسياق ،إنمسا هسو مسن باب مسسايرة الواقسع
الذي فُرِض على المسة السسلمية فرضسا ،بسسبب العلمنسة التسي سسيطرت على الحكومات
فسسي الشعوب السسسلمية ،بعسسد الجهسسل الذي خيسسم على المسسسلمين والسسستعمار الذي كرس
جهوده فسي زيادة جهلهسم بدينهسم ،وبعسد التمزق الذي أصساب المسة السسلمية فسي أعقاب
سقوط ما كان يربطهم ،وهو آخر رمز للخلفة السلمية-في دولة بني عثمان-حيث تم
الفصسل بيسن الديسن والدولة ،وتسم بناء على ذلك الفصسل بيسن مسا سسمي بالجامعات المدنيسة
والجامعات الدينية .وأصبح طلب الجامعات المدنية التي خلت في الغالب من الدارسات
السسسسلمية هسسسم قادة الشعوب السسسسلمية 1والمدبريسسسن لشؤونهسسسا السسسسياسية والداريسسسة
والقتصادية وغيرها ،لن مناهج جامعاتهم أعدت لتؤهلهم لذلك.
أمسا طلب الجامعات الدينيسة ،فقسد وضعست لهسم مناهسج قصسد منهسا حصسر نشاطهسم فسي
المسساجد-أئمسة وخطباء ومؤذنيسن-مقيدا بمسا يأذن لهسم مسن تربسع على كراسسي الحكسم مسن
طلب الجامعات المدنيسة ،وفسي تدريسس المواد الدينيسة حسسب المنهسج الذي تضعسه الزمرة
الحاكمة ،ول زال هذا الفصل مستمرا إلى الن.
وكان الجفاء والنفرة على أشدهمسسا بيسسن أسسساتذة الجامعات المدنيسسة وطلبهسسا ،وبيسسن
أساتذة الجامعات السلمية وطلبها ،حتى أصبحوا-وهم إخوة في بلد إسلمي واحد-كأن
بعضهم أجنبي عن الخر.
ولكسن بحمسد ال وتوفيقسه ثسم بفضسل جهود دعاة السسلم فسي نشسر المعانسي السسلمية
والدعوة إلى الرجوع إلى هذا الدين والتفقه فيه وحمله ،أن أقبل طلب الجامعات المدنية
إلى هذا الديسن وتمسسكوا بسه حتسى فاق كثيسر منهسم فسي اللتزام بسه بعضَس طلب الجامعات
السسلمية ،حتسى ضاقست بذلك صسدور العلمانييسن فسي البلدان السسلمية ،وأسساتذتهم فسي
بلدان الغرب ذرعسا بهذه الظاهرة ،وأصسبحوا يحاربون هذا الصسنف مسن الملتزميسن أكثسر
مسسن حربهسسم للملتزميسسن بالسسسلم مسسن طلب الجامعات السسسلمية ،حتسسى الطلب الذيسسن
درسسوا فسي الجامعات الغربيسة معقسل العلمانيسة ،رجسع كثيسر منهسم وهسم يحملون الدعوة إلى
السلم مع تخصصاتهم المسماة بالمدنية والعسكرية ،فكان فيهم شبه بتربية موسى في
قصر فرعون ،وعلى أهلها تدور الدوائر!
هذا هسو سسبب تخصسيص الجامعات السسلمية ،وإل فالصسل أن تكون الجامعات فسي
البلدان السلمية كلها جامعات إسلمية ،بدون حاجة أن توصف بأنها إسلمية ،على أن
تضسم الجامعسة الواحدة جميسع الكليات والقسسام التخصسصية ،فتكون فسي الجامعسة كليات
الطسسب والهندسسسة والجغرافيسسا والسسسياسة والقتصسساد والشريعسسة واللغسسة وغيرهسسا ،وتكون
الدارسات السلمية مقررة في كل الكليات بالقدر المناسب ،مع ما فيها من تخصصات،
حتسى يكون المتخرجون منهسا كلهسم ذوي كفاءات ومؤهلت متخصسصة ،مع معرفسة القدر
الكافسي مسن العلوم السسلمية ،وبذلك يقضسى على الزدواجيسة الموجودة الن فسي البلدان
-1بل تجاوز المر المدنيين إلى أن تولى أزمّة المور في كثير من بلدان المسلمين العسكر.
128
السلمية.
1
القسم الثالث :ما يتعلق بمصالح الدنيا.
ممسا يرشسد إليسه الوحسي أو العقسل أو التجربسة أو اللغسة ،وهسي العلوم التسي يحتاج إليهسا
المسسسسسلمون وغيرهسسسسم ،وإذا خل منهسسسسا بلد تعرض أهله للهلك أو النحطاط والتأخسسسسر
والضعف.
مثسل علم الطسب والرياضيات والهندسسة بأنواعهسا ،وكذلك المهسن الخرى كالصسناعة
-1الصل في التقسيم أن العلم قسمان :فرض عيسن ،وهسو ما تعلق بذات كسل فرد من أفراد المسسلمين ،بحيسث ل يغني عنسه غيره
في القيام به… وفرض كفاية ،وهو ما لم يتعلق بذات الفراد ،وإنما يتعلق بوجود الفرض نفسه ،بحيث يغني في القيام به عن المة
مسن يقوم بسه عنهسا قيامسا كافيسا ،وهذا الفرض قسسمان :قسسم يتعلق بالمصسالح الدينيسة تعلقسا مباشرا ،كالجهاد فسي سسبيل ال ،والقضاء
والفتوى… وقسم يتعلق بمصالح الدنيا ،كالصناعة والتجارة… وقد فضلت إفراد هذا القسم وجعله ثالثا ،لنه-مع إثم المسلمين بتركه
كالقسسم الذي قبله-مسن المور التسي يشترك المسسلمون وغيرهسم فسي ضرورة القيام بهسا لن حياتهسم ل تقوم بدونهسا .ول مشاحسة فسي
الصطلحات.
129
والزراعة والخياطة والحياكة والخبازة وغيرها ،فهذه العلوم والمهن من فروض الكفاية.
وفرض الكفايسة بقسسميه .الشرعسي والعادي تأثسم المسة كلهسا إذا لم يوجسد مسن يقوم بسه
قياما كافيا.
وكلهمسسا-فرض العيسسن وفرض الكفايسسة بقسسسميه-يثاب فاعله-إذا قصسسد بسسه وجسسه ال-
ويعاقب تاركه القادر عليه .وكلها تدخل تحت الحكام التكليفية الخمسة ،وهي :الواجب
والمندوب والمباح والمحرم والمكروه.
وبهذا يعلم أن المسلم مكلف شرعا بجميع العلوم :الشرعي منها والعادي ،إل أن منها
ما يكون فرض عين ومنها ما يكون فرض كفاية .1
وهذا يدل على ارتباط شؤون الدنيسا بشؤون الديسن ،وأن الفصسل بينهمسا فصسل يعزل
الديسن عسن توجيسه المسة فسي حياتهسا الدينيسة والدنيويسة ،منكسر فسي السسلم ل يجوز إقراره،
وهسو الذي دمسر حياة المسسلمين فسي هذا العصسر ،حيسث صسار لشؤون الدنيسا سسلطة زمنيسة
مستقلة ،ولشؤون الدين زعامات تقيدها سلطة الشؤون المدنية بما تهوى ،ولو ألغي بذلك
تطسبيق السسلم ،اتباعسا لمسا سسار عليسه العلمانيون فسي الغرب مسن إقصساء الديسن النصسراني
الكنسسسي المحرف عسسن التدخسسل فسسي الشؤون الدنيويسسة ،مسسع أن الفرق الكسسبير بيسسن الديسسن
الكنسسي الذي َتحَكّمس فسي حياة الناس باسسم ال ،فأحسل مسا حرم ال وحرم مسا أحسل ال بدون
إذن مسن ال ،وليسس فيسه منهسج صسالح لحياة البشسر الشاملة ،بخلف السسلم الذي لم يدع
شاردة ول واردة فسي حياة البشسر إل شرع لهسا فيسه مسا يحقسق لهسم مصسالحهم ويدفسع عنهسم
المفاسد ،إما بالنصوص الصريحة والظاهرة ،وإما بالستنباط والقياس ،وإما بما وضعه
من مقاصد يندرج تحتها ما ل يحصى من المسائل.
فالصل-إذا-أن يكون التعليم ومناهجه ومدارسه وجامعاته على أساس السلم ،وأن
يكون العلماء الذيسسن يتخرجون مسسن تلك المدارس والجامعات كلهسسم متعاونيسسن-مسسع تنوع
تخصسصاتهم-على إقامسة ديسن ال فسي الرض ،يحكمهسم جميعسا شرع ال ويسسيرون جميعسا
على نهج السلم.
ويظهر من ذلك أن الوضاع الموجودة الن في مؤسسات التعليم ومناهجه ونتائجه،
التي أوجدت فئة علماء دين هم المسؤولون عن الشؤون الدينية في حدود ما يأذن لهم به
الحكام ،وفئة يدعون بالمثقفيسن الذيسن مكنتهسم تخصسصاتهم مسن قيادة المسة غيسر متقيديسن
بشرع ال-إن هذه الوضاع تعتسبر شاذة يجسب السسعي لزالتهسا وإعادة المور إلى أصسلها
كما هو واضح فيما ذكرنا.
ولست بهذا أرى منع جامعات أو كليات أو معاهد متخصصة في بعض العلوم قائمة
بنفسها مستقلة عن غيرها ،ول أوجب أن تكون كل الكليات الشرعية وما تسمى بالمدنية
فسي جامعسة واحدة ،وإن كنست أحبسذ ذلك للقضاء على الوضسع الراهسن الشاذ ،وإنمسا أردت
بهذا أن ل توجسد جامعات يقال لهسا مدنيسة ،وأخرى يقال لهسا دينيسة ،وتكون تلك غيسر مقيسد
طلبهسسا بالسسسلم فسسي وظائفهسسم ،وهذه غيسسر مأذون لطلبهسسا بالشتراك فسسي قيادة المسسة
وإدارة شؤونها على أساس منهج ال ،بل يجب أن يكون الجميع سائرين على هذا النهج
الواجب شرعا ،بل إن العلماء الذين تخصصوا في علم الشريعة هم الذين يحكمون على
-1راجع إحياء علوم الدين ( )1/16للغزالي .ومجموع الفتاوى لبن تيمية (.)80-28/79
130
التصسرفات والنظسم ،مسا هسو مشروع ومسا هسو غيسر مشروع على ضوء فقههسم فسي الديسن
وتصورهم لما يحكمون عليه.
وقسد نسص على ذلك العلماء ،حتسى قال الرازي رحمسه ال[ :والعلماء فسي الحقيقسة هسم
أمراء المراء ،فكان حمل لفظ أولي المر عليهم أولى].1
وقال ابسسن العربسسي رحمسسه ال( :والصسسحيح عندي أنهسسم-يعنسسي أولي المسسر-المراء
والعلماء جميعسا ،أمسا المراء فلن أصسل المسر منهسم والحكسم إليهسم ،وأمسا العلماء فلن
سسؤالهم واجسب متعيسن على الخلق وجوابهسم لزم وامتثال فتواهسم واجسب )...إلى أن قال.
(والمسسر كله يرجسسع إلى العلماء لن المسسر قسسد أفضسسى إلى الجهال وتعيسسن عليهسسم سسسؤال
العلماء.2 )..
وقال ابسن القيسم رحمسه ال( :والتحقيسق أن المراء يطاعون إذا أمروا بمقتضسى العلم،
فطاعتهم تبع لطاعة العلماء ،فإن الطاعة إنما تكون في المعروف وما أوجبه العلم ،فكما
أن طاعة العلماء تبع لطاعة الرسول ،فطاعة المراء تبع لطاعة العلماء.3 )...
ولو أن التعليسسم فسسي البلدان السسسلمية سسسار على هذا النهسسج ،لمسسا سسسبق أهسسل الباطسسل
بباطلهسسم إلى عقول أبناء المسسسلمين ،ولكان السسسبق لعلماء المسسسلمين بالحسسق إلى عقول
هؤلء البناء.
ول زال النسسساء يحضرن المسسساجد ويسسسمعن المواعسسظ فسسي كسسل المسسساجد الكسسبيرة
كالمسسجد الحرام والمسسجد النبوي وغيرهمسا ،وإذا احتاجست المرأة إلى السسؤال عسن أمسر
من أمور دينها فلها أن تسأل العالم ،بل إذا احتاج الرجل أن يسأل المرأة التي عندها علم
يحتاج إليسه فله أن يسسألها ،كسل ذلك فسي حدود الحاجسة والدب السسلمي ل مانسع منسه ،فل
تفريط ول إفراط.
-1مسلم664 :
134
والشمسس والقمسر… ليتصسور الطفسل هذه الدلة تصسورا واضحسا ،فإنسه ل يتصسور ذلك
بمجرد الحفظ والتلقين كما هو معروف.
المثال الثاني :توضيح معنى صفة الوضوء ،وصفة الصلة.
ينبغي كذلك أن يوجد شريط(فيديو) في الفصل الدراسي مشتمل على تينك الصفتين،
بحيث يتصور الطفل صفة الوضوء وصفة الصلة تصورا واضحا ،ويطلب من بعض
الطفال تطبيق ذلك عمليا أمام زملئهم .وهكذا بقية العلوم.
كمسا ينبغسي أن تكون طريقسة المدرس فسي الشرح واليضاح طريقسة الحوار والسسؤال
والجواب ،وليست طريقة اللقاء والملء باستمرار ،لما في الطريقة الولى من إشراك
الطالب وتفاعله مع المدرس والمادة والكتاب ،وما في الطريقة الثانية من غفلته وشروده
وعدم استيعابه وتصوره للمعاني التي ل يدرك غالبها.
وهكذا ينبغسسي أن يراعسسى فسسي تأليسسف الكتسسب وإخراجهسسا ،ليقضسسى بذلك على الشكوى
المتكررة مسن عدم فهسم الطلب ،بسل مسن الملل الذي يصسيبهم فسي أوقات التدريسس ،ومسن
الرغبة في الخروج من المدارس…
المر الرابع :أن تكون الصبغة السلمية شاملة للكتب الدراسية كلها.
يسستوي فسي ذلك مسا يتعلق بالعبادة أو بغيرهسا ،كالمعاملت والحدود والقصساص ،ومسا
يتعلق بعلوم النسان الخرى ،كعلم النفس وعلم الجتماع وعلم السياسة وعلم القتصاد.
ول يجوز أن تكون –العلوم النسانية-نقل محضا لفكار الغربيين ونظرياتهم ،وهذا
ل يمنع من المقارنة وإيضاح ما بها من أخطاء وإبراز تفوق السلم عليها ،فإن الكتاب
والسسنة إنمسا جاءا لصسلح النفسس البشريسة والجماعات والسسر والفراد والدول ،فل بسد
أن يكون الكتاب والسنة وما استنبطه منهما علماء السلم ومقاصد الشريعة السلمية،
هسي مصسدر هذه العلوم ومرجعهسا ،ول يوجسد باب مسن البواب التسي يحتاج إليهسا النسسان
لصلح نفسه وعمارة الرض والقيام بالخلفة فيها ،إل وقد اشتمل عليه الكتاب والسنة
وفصسسله علماء المسسسلمين قديمسسا وحديثسسا ،فسسي كتسسب التفسسسير ،وشروح الحديسسث ،وكتسسب
اليمان "العقائد" والخلق ،وأصسسول العلوم ،مثسسل .أصسسول التفسسسير وأصسسول الحديسسث
وأصول الفقه ،و الفقه ،وغيرها من العلوم.1 ...
ول يمنسسسع ذلك اطلع علماء المسسسسلمين على الفكار والنظريات ة فسسسي تلك العلوم،
ووزنهسا بميزان السسلم ،وبيان مسا فيهسا مسن زيسف للطلب ،حتسى ل تغزو عقولهسم وهسي
خالية غير محصنة فتتمكن منها ،لتقديمها في أساليب مزخرفة.
ول يقتصر هذا المر-وهو صبغة الكتب بالصبغة السلمية-على ما يسمى بالعلوم
النسسانية فحسسب ،بسل إن العلوم الكونيسة كالجغرافيسا والجيولوجيسا وعلم الفلك وعلم الطسب
ونحوهسسا ،ينبغسسي أن تربسسط بالسسسلم مسسن حيسسث إن ال تعالى هسسو خالق هذا الكون وهذا
النسان ،وهو الذي سخر للنسان ما في السماوات والرض ،ومنحه العقل الذي يتفكر
ويتدبر ويسسسستنتج ويزن ويقارن ،والدوات التسسسي بهسسسا يسسسستغل خيرات الرض وبركات
السسماء ،وكلمسا زاد النسسان علمسا بمسا فسي الكون زاد إيمانسه بال خالق الكون وشكره له،
وكثر تواضعه وأدبه مع ربه وقدره حق قدره ،ول يكون كمن صال وجال في استغلل
-1راجع على سبيل المثال :أعلم الموقعين عن رب العالمين.)377 ،4/372( .
135
هذا الكون وما فيه من طاقات ناسيا ربه بل مغرورا بنفسه مدعيا أنه قهر الطبيعة قائل:
{إنما أوتيته على علم عندي}.
وكذلك يجسب أن تتضمسن الكتسب الدراسسية توجيسه الجيال إلى السسبيل المشروع فسي
اسستغلل ثمرات العلوم المدروسسة ،بأن تسستعمل فسي إسسعاد البشسر وأمنهسم واسستقرارهم،
وليس في ظلمهم وتخويفهم واغتصاب حقوقهم ،كما يفعل أعداء السلم اليوم ،فالمسلم
قائد عادل رحيسم كريسم حازم ،ل يسستغل ثمرات العلوم إل فيمسا هسو طاعسة ل وإحسسان إلى
خلقسه ،وإذا مسا قاوم الطغاة الجبابرة وجسا هدهسم وطاردهسم فسي الرض ،فإنمسا يفعسل ذلك
رحمسة بالمسم التسي يظلمهسا هؤلء الطغاة ،ويحولون بينهسا وبيسن التمتسع بالسسعادة التسي منّس
ال بها عليهم ،من حفظ الضرورات التي ل حياة لهم بدونها وحفظ مكملتها.
المر الرابع :أن يجتهد مؤلفو الكتب الدراسية في معرفة قواعد العلوم وأسرارها.
وأعنسسي بذلك العلوم الكونيسسة كالرياضيات ونحوهسسا ،ويجسسب أن يجتهدوا كذلك فسسي
إيصسسسال تلك القواعسسسد والسسسسرار إلى عقول الطلب ،حتسسسى ل تكون حكرا على غيسسسر
المسلمين من أهل الغرب ،هم يصنعون ونحن الذين نستهلك فقط ،فإن ذلك يجعل المة
السسسلمية خاضعسسة لغيرهسسا مسسستعبدة مقلدة غيسسر مبدعسسة ،كمسسا هسسو الحال الن ،إذ يأخسسذ
أعداؤهسسم خيراتهسسم مسسن أنواع المعادن والمواد الخام بأرخسسص الثمان ويصسسنعونها ،ثسسم
يسبيعون الرديسء مسن مصسنوعاتها لهسم بأعلى السسعار ،وبخاصسة السسلح الذي تتعطسل
حركة أي شعب مسلم في وقت شدة الحاجة إليه في أوقات الزمات العسكرية إذا منعت
عنها الدول الغربية قطع الغيار.
المر الخامس :أن يهتم العلماء المسلمون بترجمة الكتب العلمية المفيدة التي يكتبها
الغربيون في العلوم الكونية أو الدارية.
إن الواجب على المسلمين أن يستفيدوا من التجارب البشرية التي يحتاجون إليها ،ما
دامت ل تخالف شيئا من دين ال.
والتجارب البشرية ليست ملكا لحد ،فما من جيل يَخلُف إل بنى نشاطه على تجارب
أجيال تُخلَف .وقسد اجتهسد سسلفنا فسي ترجمسة كثيسر مسن الكتسب العلميسة التسي ألفهسا اليونانيون
وغيرهسم واسستفادوا منهسا وزادوا عليهسا وطبقوا نظرياتهسا فسي تجارب واقعسة ،وهسي التسي
كانسست مصسسدرا لحضارة الغرب الحاليسسة باعترافهسسم ،فلم ل نقتدي بسسسلفنا-فيمسسا نحسسن فسسي
حاجة إليه ول يخالف ديننا-ونسترد بضاعتنا؟!
-1الشورى.7 :
-2الحقاف.12 :
-3النحل.103 .
-4الزخرف.44 :
138
المقصمد الول :أن الديمن السملمي إنمما جاء باللغمة
العربية.
لقسسد جاء هذا الديسسن-أي ديسسن السسسلم-عسسن طريسسق القرآن الكريسسم والسسسنة النبويسسة،
وكلهمسا باللغسة العربيسة ويتوقسف فهمسه السسليم الكامسل على فهسم اللغسة التسي حملتسه إلى
الناس ،وهسي اللغسة العربيسة ،ول يمكسن أن يَنقُل للناس معانسي ديسن السسلم نقل صسحيحا
ويبينهسسا بيانسسا شافيسسا ،إل مَن كان عنده درايسة تامسسة باللغسسة العربيسسة ،بقواعدهسسا وبلغتهسسا
واشتقاقهسا وغريبهسا وحقيقتهسا ومجسا زهسا وأسساليبها ،لنهسا لسسان هذا الديسن ولسسان كتابسه
ولسسان رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم ،ولسسان أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم.
{وهذا لسسان عربيٌس مسبين} .وقسد كلف ال رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم بيانَس هذا الديسن
للناس ،وقسد فعسل ذلك ،وبيانسه كان بلغتسه التسي نزل بهسا القرآن قال تعالى{ :وأنزلنسا إليسك
الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون} .1
وقال تعالى{ :ومسا أنزلنسا عليسك الكتاب إل لتسبين لهسم الذي اختلفوا فيسه وهدى ورحمسة
لقوم يؤمنون} .2
وقد كلف ال أمة محمد صلى ال عليه وسلم التي آمنت به واتبعته ،تبلي َغ هذا الدين،
وفي طليعة أمته أصحابه الكرام رضي ال عنهم ،كما قال تعالى{ :قل هذه سبيلي أدعو
إلى ال على بصيرة أنا ومن اتبعني} .3
وقد قاموا بنشر هذا الدين وبيانه للناس بلسان عربي مبين.
وترجمة معاني القرآن الكريم لمن ل يفهم اللغة العربية ،ل سبيل إليها إل لمن يجيد
اللغة العربية واللغة المترجم إليها ،فاللغة العربية هي أساس البيان لهذا الدين الذي نزل
بها.
المقصمد الثانمي :أن ممن أهمم وسمائل نشمر السملم
اللغة العربية.
إن علماء السسسلم مأمورون باتخاذ كسسل وسسسيلة مشروعسسة لنشسسر هذا الديسسن وإبلغ
ن تعلمها
معانيه إلى الناس ،ومن أهم وسائل نشره تعليم الناس اللغة العربية التي يتمكن مَ ْ
من فهم هذا الدين فهما صحيحا سريعا.
المقصد الثالث :أن كثيرا من العبادات يجب أداؤها
باللغة العربية.
مثسسل قراءة الفاتحسسة فسسي الصسسلة ،وأذكار الصسسلة كتكسسبيرة الحرام وأذكار الركوع
والسسسجود والتشهسسد ،ونحوهسسا مسن فروض العيسسن التسسي يجسسب على المسسسلم أداؤهسسا باللغسسة
العربية ما استطاع إلى ذلك سبيل ،ليتقرب بها إلى ال تعالى.
-1النحل.44 :
-2النحل.64 :
-3يوسف.108 :
139
المقصممد الرابممع :ل بممد مممن وجود علماء يفقهون
السلم باللغة الغربية.
إنسه ل بسد مسن وجود علماء يجيدون اللغسة العربيسة ،إجادة تجعلهسم قادريسن على فهسم
معانسي القرآن والسسنة وكتسب العلم التسي يحتاج إليهسا المسسلمون ،ليكونوا مرجعسا لهسل كسل
بلد يعلمون الناس معاني القرآن الكريم والسيرة النبوية وغيرها ،فإن وجود علماء باللغة
العربية تحصل بهم الكفاية في ذلك وغيره ،هو فرض كفاية يأثم كل قادر من المة على
عدم إيجادهم ،ويأثم القادرون على تعلم اللغة العربية للقيام بهذا الفرض إذا لم يتعلموها.
المقصممد الخامممس ل بممد مممن وجود قادريممن على
ترجمة معاني السلم.
وهذا المقصسد ل يحصسل إل بوجود علماء يجيدون اللغسة العربيسة ويجيدون لغسة البلد
الذي يريدون دعوة أهله إلى السسسسلم ،ليترجموا لهله معانسسسي القرآن الكريسسسم والسسسسنة
النبويسة ،ومسا يجسب إبلغسه إلى الناس مسن أحكام هذا الديسن ،لن علماء السسلم مأمورون
بالبلغ المبين الذي أصبح من واجبهم بعد وفاة الرسول صلى ال عليه وسلم ،وليس من
السهولة بمكان أن يتعلم كل الناس اللغة العربية.
-1النعام.90 :
142
معسه ،فقال تعالى{ :قسد كانست لكسم حسسنة فسي إبراهيسم والذيسن معسه إذ قالوا لقومهسم إنسا برآء
منكم ومما تعبدون من دون ال} .1
وقال تعالى{ :لقد لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر} .2
وحسث تعالى هذه المسة حثسا مؤكدا على القتداء برسسوله صسلى ال عليسه وسسلم الذي
جمسع كسل قدوة حسسنة سسبقه النسبياء وزاده ال مسن فضله ،فقال تعالى{ :لقسد كان لكسم فسي
رسول ال أسوة حسنة لمن كان يرجو ال واليوم الخر وذكر ال كثيرا} .3
ولقد كانت المة السلمية في ماضي عهدها ،قدوة حسنة في إيمانها وفي عبادتها
ومعاملتهسا وسسلوكها ،وفسي عهودهسا ومواثيقهسا وفسي الخسذ بأسسباب القوة والعزة ،فكان
ذلك سسببا فسي سسرعة وصسول الحسق الذي يحملونسه إلى عقول المسم فسي مشارق الرض
ومغاربها ،فسارع الناس إلى القتداء بهم واتباع دينهم ،حتى ترك أهل الديانات الخرى
دياناتهم ،ووقف رعايا الطغاة ضد طغاتهم إيثارا للحق على الباطل ،ونصرةً لهل الحق
على أهسسل الباطسسل ،فوصسسل السسسلم إلى لشبونسسة وفينسسا وبلغراد وموسسسكو وبلد الصسسين
والفلبين وإندونيسيا وإفريقيا ،بدون قتال في غالب تلك البلدان ،لن القدوة الحسنة تجعل
اتباع الحق سهل ميسرا لرؤيته مطبقا في واقع الحياة ،يطبقه البشر.
وذلك على عكس ما عليه المة السلمية اليوم ،حيث يغلب عليها القدوة السيئة التي
جعلت المسم تنفسر منهسا ومسن دينهسا ،وجعلت أعداء السسلم يسستغلون تلك القدوة السسيئة،
فيبرزونها في مؤتمراتهم وندواتهم ومناهج تعليمهم وإعلمهم وفي كل مناسبة تسنح لهم.
يسسمع الناس أن السسلم يدعسو إلى الصسدق ،ولكنهسم يرون فسي كثيسر مسن المسسلمين
الكذب.
ويسسمعون أن السسلم ديسن القوة والعزة ،ولكنهسم ل يرون فسي المسسلمين ال الضعسف
والذلة.
ويسسمعون أن الديسن السسلمي يدعسو إلى الجماعسة والوحدة وأن المسة السسلمية أمسة
واحدة ،ولكنهم يرون المسلمين متفرقين مختلفين ،يسب بعضهم بعضا ،ويعتدي بعضهم
على بعسض ،ويقتسل بعضهسم بعضسا .ويسسمعون أن السسلم ديسن الرحمسة وأن المسسلمين
رحماء فيمسا بينهسم ،ولكنهسم ل يجدون فسي كثيسر مسن المسسلمين إل القسسوة والعنسف يأكسل
القوي منهسسم الضعيسسف .ويسسسمعون أن السسسلم ديسسن العدل ،ولكنهسسم يرون الظلم بيسسن
المسلمين هو السائد.
ويسسسمعون أن السسسلم يدعسسو إلى الشجاعسسة ،ولكنهسسم يرون المسسسلمين جبناء تضيسسع
حقوقهم وتغتصب بلدهم من قبل عدوهم القليل فيستسلمون له ويخضعون وهم كثر.
فكان ذلك سببا في نفور الناس عن هذا الدين الذي صار أهله قدوة سيئة فيه.
وأقول-إنصسافا للحسق :-إنسه يوجسد فسي المسسلمين مسن هسو قدوة حسسنة ولكسن ليسس على
مستوى المة.
والقدوة الحسسنة عندمسا تكون على مسستوى المسة ،تسبرز معانسي السسلم فسي السسياسة
والحكم والقتصاد والسلوك والنواحي الجتماعية والعسكرية والقوة الصناعية وغيرها.
-1الممتحنة.4 :
-2الممتحنة.6 :
-3الحزاب.21 :
143
أمسا مسا يكون على مسستوى الفراد والسسر وبعسض الجماعات الصسغيرة ،فإنسه قدوة
حسسنة ،ولكنسه محدودة غيسر بارز للعالم الذي ل يطلع إل على مسا تسبرزه وسسائل العلم
وإمكانات الدول.
والذي يراه الناس الن فسي المسسلمين هسو السسراف فسي المحرمات ومحاربسة أغلب
حكوماتهسم للسسلم والدعاة إليسه ،والتأخسر فسي الشؤون الداريسة والقتصسادية ،مسع كثرة
الخيرات فسسي بلدانهسسم وسسسعة أراضيهسسم ،كمسسا يرون تقتيسسل أعدائهسسم لهسسم وإخراجهسسم مسسن
ديارهسم ،وهدم مسساجدهم وانتهاك أعراضهسم ،وهسم سسادرون فسي غيهسم يرقصسون ويغنون
ويمثلون ويتعرون ،يقضسسي فسسي أمورهسسم غيْرُهسسم ،وكأنهسسم غيسسر موجوديسسن على ظهسسر
الرض:
ويقضى المر حين تغيب تيم ول يستأذنون وهم شهود
فأين هي القدوة الحسنة فيهم ،حتى يكونوا من السباقين بالحق إلى العقول ،وعقولهم
مأوى للباطل؟!
147
تفاوت المساجد وأثره في السبق إلى العقول.
وكلمسا كان المسسجد أكثسر فضل واحترامسا فسي نفوس الناس،كان أجدر بأئمسة وخطباء
وعلماء أكثر كفاءة وقدرة على القيام بواجبهم على مستوى ذلك المسجد ،فل يستوي بيت
ال الحرام وغيره مسن المسساجد ،ول المسسجد النبوي وغيره مسن المسساجد الخرى ،وهلم
جرا ...كسسبيت المقدس ثسسم الجامسسع الزهسسر ،والجامسسع الموي ،وجامسسع الزيتونسسة وجامسسع
القيروان ...كمسا ل تسستوي مسساجد الحياء الصسغيرة والجامسع الكسبير فسي أي مدينسة مسن
المدن .ول يسسستوي مسسجد غالب جماعتسه مثقفون ،وآخسسر غالب جماعتسه أميون أو غيسر
مثقفين ،فكل مسجد ينبغي أن يوضع فيه المام والخطيب والعالم المناسب له.
إن المام الكفسء قادر على أن يسسبق إلى العقول بالحسق سسبقا يعجسز أهسل الباطسل عسن
أن يسبقوا بباطلهم إلى عقول جماعة مسجده ،مع تفوق وسائلهم وإمكاناتهم التي غالبا ما
تكون إمكانات دولة بأكملها ،كما هو حال الدول العلمانية.
ذلك أن المام الكفسسء تتفتسسح لصسسوته الذان عبادةً ،كمسسا تتدبر مسسا يقرؤه أو يتكلم بسسه
العقول كذلك تعبدا ،وتليسن لمواعظسه وزواجره القلوبُس التسي يسسرع أهلهسا إلى طاعسة ال
رغبسسا ،وينزجرون عسسن عصسسيان أوامره وترك نواهيسسه رهبسسا ،وبخاصسسة أن المام يتلو
عليهسسم آيات القرآن فسسي الصسسلة الجهريسسة ،فيختار فسسي قراءتسسه مسسن اليات مسسا يناسسسب
القضايا النازلة التي تعرض للمسلمين في مدنهم وأحيائهم وبلدانهم ،فإذا كان المقام مقام
اعتداء مسن أعداء المسسلمين على أحسد أقطارهسم ،أكثسر مسن آيات الجهاد والتعاون والتنسا
صسر ،وإن كان المقام مقام ظلم وقهسر على شعسب مسن الشعوب السسلمية أكثسر مسن قراءة
آيات العدل والمسر بسه ،واليات الناهيسة عسن الظلم والعدوان ،والمبينسة لمصسائر الطغاة،
كفرعون وهامان وجنودهما ،وإذا كان الوقت وقت تفسخ وتحلل أخلقي أكثر من قراءة
اليات التسي تدعسو إلى الخلق الحسسنة وتنهسي عسن الخلق السسيئة ،وإذا كان المقام مقام
محاربسسة لتحكيسسم الشريعسسة السسسلمية أكثسسر مسسن قراءة اليات اليمانيسسة واليات المرة
بتحكيم شرع ال والناهية عن تحكيم الطواغيت ،وإذا كان المقام مقام خلف وشقاق بين
المسسلمين اختار قراءة اليات الداعيسة إلى الوحدة الناهيسة عسن التفرق والتنازع ،وإذا كان
المقام مقام ضعسف الولء ل ولرسسوله وللمؤمنيسن والميسل إلى موالة أعداء ال مسن أهسل
الكتاب أو المشركيسسن أكثسسر مسسن قراءة آيات الولء والبراء ،وإذا كان المقام مقام تفشسسي
المنكرات والسكوت عنها أكثر من قراءة اليات المرة بالمعروف والناهية عن المنكر،
وإذا كان المقام مقام كوارث وزلزل وحروب ومجاعات يحتاج المصسسابون بهسسا إلى مسسد
يسسسسد العون بالمال والطعام والكسسسسساء واليواء أكثسسسسر مسسسسن قراءة آيات التعاون والنفاق
والصسدقة والزكاة ،وهكذا ل يكاد يوجسد باب مسن أبواب الخيسر إل وجسد المام الكفسء مسن
آي القرآن مسا يذكسر به الناس فسي صلتهم للمسسارعة إلى عمسل الخيسر فسي ذلك الباب ،ول
باب من أبواب الشر إل وجد المام الكفء في آي القرآن ما يذكر الناس ويحضهم على
مقاومته ،ويحذرهم من الوقوع فيه.
والمسلمون في أمس الحاجة إلى من يربط أحوالهم وقضاياهم بالقرآن ،وبخاصة في
أوقات الصلة التي يصغون فيها إلى كتاب ال وهو يتلى عليهم في بيوت ال.
148
هذا كله يحصل من مجرد قراءة القرآن في الصلة.
فإذا ما قام المام بعد انتهاء الصلة ،فتل آية أو آيات مناسبة للمقام ،وفسرها تفسيرا
موجزا ،وبيسسن مقصسسدها ،وحرك مشاعسسر المصسسلين بموضوعهسسا ،وأيقسسظ عقولهسسم إلى
تدبرها ،فقد زادهم بذلك نورا على نور.
وإذا حصسل هذا فسي أغلب مسساجد المسسلمين ،فإنسه سسيحدث أثره الطيسب فسي جماعسة
المسسسجد وأسسسرهم وجيرانهسسم ومشار كيهسسم فسسي أعمالهسسم الوظيفيسسة وغيرهسسا ،وسسستصبح
المسساجد مصسادر قوة وفقسه ووحدة وتعاون وطاعسة ،وسستستعصي عقول المسة السسلمية
على محاولت أهل الباطل السبق إليها بباطلهم ،بل سيصبح المسلمون هم السباقين إلى
عقول الناس بحقهم ،وستقضي حركة المسجد على كثير من المشكلت التي يشكو منها
المسسسلمون اليوم شعوبسسا وحكومات ،كتعاطسسي المسسسكرات والمخدرات ،والعتداء على
النفوس والموال والعراض وغيرهسا ،وسستقطع الطريسق على أجهزة العلم الموجهسة
عسن طريسق القمار الصسناعية لفسساد عقول المسسلمين وقلوبهسم ،لن التربيسة الناشئة مسن
المسجد ستكون سدا منيعا في وجه كل فساد.
-1بل يستطيعون شراء عدة إذاعات لتبث على مدى الليل والنهار.
151
العصر بهذه المكانات الهائلة من وسائل العلم التي لم توجد لي أمة من أمم النبياء
السسابقين عندمسا كانست تملك الحسق اللهسي ،كمسا ابتلى هذه المسة بجعسل دينهسا دينسا عالميسا
يجب إبلغه إلى جميع البشر ،ويجب على كل من بلغه هذا الدين أن يؤمن به ،ومن لم
يؤمن به بعد بلوغه فهو من أهل النار.
فإذا لم تسستغل هذه المسة هذه المكانات التسي ابتلهسا ال بهسا لتسسابق بالحسق اللهسي
الباطلَ الشيطانسي إلى عقول الناس ،فإنهسا تسستحق مقست ال تعالى وغضبسه واسستبداله بهسا
غيرها ،لعدم قيامها بوظيفتها التي هيأ ال لها أسباب قيامها بها{ :يا أيها الرسول بلغ ما
أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته} { .1قل هذه سبيلي أدعو إلى ال على
بصيرة أنا ومن اتبعني} .2
سلّما للحق إلى عقول الناس ،تقع وبدهي أن المسؤولية الولى في اتخاذ هذه الوسيلة ُ
على مسسن تولوا أمور المسسسلمين مسسن الملوك والرؤسسساء وأعوانهسسم ،لن إمكانات الشعوب
السسلمية كلهسا بأيديهسم وتحست تصسرفهم ،فالوسسائل الماديسة مسن إذاعسة وتلفاز وصسحف
ومجلت ،كلهسا تحست سسيطرتهم ،ل يذاع شسئ ول يعرض ول يكتسب إل مسا أقروه وأذنوا
به.
وتهيئة الكفاءات البشريسسة بتأهيلهسسا وتدريبهسسا وتوظيفهسسا ،كلهسسا ل توجسسد على الوجسسه
المطلوب ،إل إذا قاموا هسسم بدعمهسسا ،وإذا وجدت فل يختارون منهسسا إل مسسن هسسم عنسسه
راضون ،لعلمهم أنه ل يخرج عن دائرة ما يرسمون له.
والمناهج العلمية والمواد التي تذاع وتعرض وتنشر وتطبع كلها مرهونة بموافقة
رقبائهم عليها.
وإذا كانست بعسض البلدان السسلمية تعطسي مسساحة جيدة للمواد السسلمية-مسع مواد
أخرى ل تنسسسجم معهسسا-فإن أغلب أجهزة العلم فسسي أغلب البلدان السسسلمية الخرى،
تقدم بهسا مواد قليلة جدا عسن السسلم ،ل تخلو مسن تشويسه ظاهسر أو خفسي ،ومسا يعلق منسه
مسسسن الخيسسسر فسسسي أذهان الناس تمحوه المواد الخرى المضادة للسسسسلم ،فسسسي الجوانسسسب
اليمانيسسة والخلقيسسة والحكام المتعلقسسة بالحلل والحرام ،حيسسث إن هذه المواد تنال مسسن
الدعم والتمكين ،ما ل يتاح لجزء قليل جدا من السلم.
وممسسا يزيسسد الطيسسن بلة أن أجهزة العلم محتكرة بيسسد الحكومات فسسي كسسل الشعوب
السسلمية ،وإن وجدت فسي بعضهسا مؤسسسات صسورية ،فإنهسا فسي الواقسع فروع لجهزة
العلم الحكوميسسة ،وهذا بخلف كثيسسر مسسن البلدان الغربيسسة التسسي يجسسد فيهسسا العلم مسسن
الحرية ،ما يجعله يسقط زعماء وحكومات وأحزابا.
لهذا كانست المسسؤولية فسي الشعوب السسلمية تقسع على حكوماتهسا ،لسستغلل وسسائل
سلّما للحق ،ليصل إلى عقول الناس في العالم السلمي وغيره. العلم واتخاذها ُ
وهذا ل يعفسسي العلماء وأهسسل الرأي ،مسسن القيام بواجسسب النصسسح للحكام ومطالبتهسسم
بوضسع مناهسج ذات أهداف ووسسائل لجهزة العلم ،يتحقسق بهسا-مسع تطبيقهسا فعل-سسبقُ
الحق الذي تضمنه السلم إلى عقول المسلمين وغير المسلمين ،ول يكفي وضع أنظمة
-1المائدة.67 :
-2يوسف.108 :
152
ولوائح لجهزة العلم يُنَص فيهسا على مواد دينيسة ل يتحقسق بهسا ذلك السسبق ،أو تكون
أنظمتها نظرية دون تطبيق في واقع المر.
السمماليب العلميممة المطلوبممة لسممبق الحممق إلى
العقول.
ول يشترط فسسي نقسسل الحسسق بأجهزة العلم أن يكون دائمسسا بالسسسلوب المباشسسر،
كالمحاضرات والمواعظ وسرد آيات قرآنية أو أحاديث نبوية ،أو أحكام فقهية وما شابه
ذلك ،بسل يكون بذلك وبغيره مسن السساليب المسستحدثة المؤثرة ،كأفلم الكرتون للطفال،
والقصسسسص والتمثيليات والمسسسسلسلت والمسسسسرح ،والناشيسسسد وغيرهسسسا ،فإن أثسسسر هذه
السساليب فسسي عقول الناس صسسغارا وكبارا ممسا يسسمع ويشاهسد ويقرأ ويرسسسم ،أث ٌر فعال
مشاهسد اسستغله أعداء السسلم فسي سسبقهم بباطلهسم إلى عقول الناس وأصسبح ذريعسة فسي
بلدان المسلمين أنفسهم لذلك الباطل.
وإذا كان علماء المسسلمين يخافون-ولهسم الحسق أن يخافوا-مسن اختلط المشروع بغيسر
المشروع فسسي بعسسض هذه السسساليب ،فإن عليهسسم أن يدرسسسوا كسسل أسسسلوب ومسسا يمكسسن أن
يشتمسسل عليسسه ،مسسن مخالفات شرعيسسة واضحسسة ،ويقرروا مسسا هسسو مشروع ومسسا هسسو غيسسر
مشروع مسسن المواد المعروضسسة ،على أن ل يراعسسى فسسي الذن والترخيسسص المبالغسسة
والتشدد في منع ما ل نص في منعه من الشارع ،وينبغي مراعاة باب المصالح والمفاسد
ومقاصد الشريعة السلمية في ذلك.
وبهذا يتمكسن المسسلمون مسن منافسسة أعداء السسلم فسي وسسيلة هسي مسن أهسم الوسسائل
للسباق إلى العقول.
وممسا يجسب التنسبيه عليسه ،أن المواد التسي تتخسذ وسسيلة العلم لنقلهسا وإبلغهسا إلى
العقول ،ليسسست قاصسسرة على موضوعات دينيسسة معينسسة ،كمسسا قسسد يتبادر إلى الذهان عنسسد
عامسسة الناس ،ومنهسسم العلمانيون الذيسسن يظنون أن هذه الجهزة إذا سسسيطر عليهسسا دعاة
السسسلم وأتباعهسسم سسسيكون مجالهسسا ضيقسسا ،ل يخرج عسسن الوعسسظ والرشاد والدعوة إلى
بعض شعائر السلم ،وتفسير آي من القرآن الكريم أو أحاديث من السنة الشريفة ونحو
ذلك ،بحسسب فهمهسم الضيسق للديسن السسلمي ،وكذلك ظسن بعسض المتدينيسن الذيسن ضاقست
آفاقهسم عسن الفقسه الشامسل للسسلم ومقاصسده وعسن المسساحة الواسسعة للمباحات التسي ترك
السسلم للناس أن يرتعوا فيهسا دون حرج ول إثسم ،فل ينبغسي أن يضيقوا دائرة مسا أباحسه
ال ويبالغوا في منعه ،لن تحريم المباح منهي عنه شرعا كتحليل الحرام...
إن هذا التبادر الحاصسسسسل مسسسسن الطرفيسسسسن غيسسسسر صسسسسحيح ،وإن السسسسلم أشمسسسسل
مما يظنون ،كما أن الصل في الشياء الباحة ،إل ما ورد به نص من الكتاب والسنة،
أو ما يصادم مقصدا من مقاصد الشريعة السلمية.
وإن بعسسض النصسسوص قابلة للجتهاد الصسسادر مسسن أهله ،فالفتوى كمسسا هسسو معروف
تقدر زمانا ومكانا وشخصا...
لذلك فإن مواد أجهزة العلم ،ستكون شاملة للكون والحياة والنسان ،وسيجد فئات
الناس صسسغارا وكبارا ورجال ونسسساء ،وأدباء وفقهاء ومفسسسرين ومحدثيسسن وقصسساصا
153
وكتابسسسسسسا ،وأطباء ومهندسسسسسسسين ورجال فضاء ،وعلماء طبقات الرض ،وسسسسسسسياسيين
واقتصسساديين ،واجتماعييسسن وعلماء نفسسس ،وعسسسكريين ،مجال رحبسسا فسسي هذه الوسسسيلة
ل إلى عقول الناس.
ق الباط َ
وسيكون ذلك كله سللم وجسورا لسبق الح ّ
155
اسممتغلل إمكانات المسمملمين فممي تحقيممق رغبات
أعدائهم.
وممسسا يؤسسسف المؤمن سَ ويحزنسسه أن يرى بعسسض أغنياء المسسة السسسلمية ،يؤسسسسون
قنوات فضائيسة متخصسصة تسستغرق أزمانسا طويلة مسن البسث المباشسر وغيسر المباشسر ،فسي
جوانسب معينسة مسن اللهسو العابسث واللعسب التافسه ،يشغلون بهسا أوقات الشعوب السسلمية
ويفسسدون بهسا أخلقهسم ،مسع علمهسم بجهسل أغلب تلك الشعوب بحقيقسة دينهسا ،وبعسد كثيسر
منهم عن تطبيق هذا الدين.
وكان الجدر بهسسم أن ينافسسسوا بتلك القنوات غيرهسسا مسسن القنوات التسسي أعدت إعدادا
محكمسسا ووجهسست توجيهسسا مقصسسودا للسسسباق إلى عقول المسسسلمين ،لزعزعسسة اليمان فسسي
قلوبهسم وتشكيكهسم فسي ثوابتسه ،وإفسساد أخلقهسم وبسث الفرقسة والعداوة بينهسم ،كان الجدر
بهسم أن ينافسسوا تلك القنوات بتقويسة إيمانهسم بالحجسج والبراهيسن التسي تثبتسه فسي نفوسسهم،
وبغرس الخلق السسسلمية فسسي نفوسسسهم ،وبنشسسر العلم الشامسسل والثقافسسة المفيدة اللذيسسن
يقضيان على الميسة المنتشرة بيسن المسسلمين أو يخففان منهسا ،سسواء كانست الميسة أميسة
القراءة والكتابة ،أو أمية الفقه في الدين ،أو أمية النزواء عن عناصر المعرفة :سياسية
أو اقتصسادية أو إداريسة أو طبيسة ...وباتخاذ الوسسائل والسساليب التسي تجمسع كلمتهسم على
الحق وتحقق بينهم الخوة اليمانية التي تنشأ عنها المحبة والتعاون على البر والتقوى،
كل ذلك يمكن أن يحصل بأساليب وطرق متعددة كما مضى ،وليست عن طريق الوعظ
والتعليم المباشرين فقط ،وإن كان لبد منهما.
وكان بإمكانهسم أن يسستقطبوا الكفاءات السسلمية فسي جميسع التخصسصات العلميسة،
ويدربوا شبابا مسلما على بعض الوسائل والتخصصات التي تدعو الحاجة إليها.
كان الجدر بهم أن يسخروا قنواتهم لمصلحة السلم والمسلمين ،بدل من تسخيرها
فيمسا سسخر له كثيسر مسن القنوات الرسسمية فسي الشعوب السسلمية والدول الجنبيسة ،ممسا
يحقق رغبات أعداء السلم في إيصال الباطل والسبق به إلى عقول أبناء المسلمين!
فهل من آذان تصغي ،ونداء يُسمع ،وعقول تفكر ،وحق يُدعَم!.
مشروع مقارنات إعلمية ميدانية!
إن الذي يتتبسسع وسسسائل العلم التسسي تسسسيطر عليهسسا الحكومات فسسي غالب الشعوب
السلمية ،ليجد غالب موادها (برامجها) تقود المة السلمية إلى المزيد من النحطاط
والتأخسر والبعسد عسن عزتهسا وكرامتهسا ،وإلى إلهائهسا عسن أسسمى الغايات ومعالي المور
التي حققها لها أسلفها الماجد ،والتي يجب عليها أن تسعى إلى تحقيقها واستعادتها.
156
المثال الول :إلهاء الشعوب عممممممن العداد للجهاد
في سبيل الله.
وهسسو مسسن فروض العيسسن الواجبسسة على جميسسع المسسسلمين فسسي كسسل أقطارهسسم فسسي هذا
العصسسر ،الذي احتسسل فيسسه أعداؤهسسم ديارهسسم ،وانتهكوا أعراضهسسم ،ودنسسسوا مقدسسساتهم،
واعتدوا على حقوقهم ،وأصبحوا قادة لهم ،يأمرونهم وينهونهم ،فيسمعون لهم ويطيعون،
وحالوا بينهسسم وبيسسن إعداد القوة الرادعسسة التسسي يدفعون بسسه العدوان عسسن دينهسسم وأنفسسسهم
وأموالهم وأعراضهم...
فترى العدو اليهودي وغيره-كالصسسرب فسسي البوسسسنة وكوسسسوفا-يحشسسد جيشسسه ويعسسد
عدتسه ،ويدرب شعبسه ،رجال ونسساء ،صسغارا وكبارا ،على حمسل السسلح بكسل أنواعسه،
لرهاب المسلمين وإخضاعهم للسيطرة عليهم.
ويرى المرء كيسسف يعامسسل اليهود نسسساء المسسسلمين ضربسسا وركل وسسسحبا ،واعتقال
وسجنا ،كما يرى كيف يكسر اليهود أيدي وأرجل الطفال ،وكيف يصوبون رصاصهم
إلى صسدورهم فيردونهسم قتلى ،وكيسف يطلقون صسواريخهم على بيوتهسم فيدمرونهسا على
رءوسهم!...
ويرى فسي مقابسل ذلك قادة الشعوب السسلمية يشيدون ملعسب الرياضسة ،ويزينون
لشبابهم تضييع غالب أوقاتهم في مزاولتها وتشجيعها ،ويجعلونها غاية حياتهم!
تراهسسم يفرحون ويحتفلون برفسسسة كرة داخسسل شبسسك الهداف ،حتسسى يظسسن مسسن يرى
فرحهسم واحتفالهسم أنهسم قسد فتحوا بكلمسة التوحيسد بلدا إثسر بلد ،وحرروا القدس وأديسس أبابسا
ومانل وموسسسكو ،رافعيسسن رايسسة السسسلم ،مقتديسسن بعمسسر بسسن الخطاب وخالد بسسن الوليسسد،
ومحمد بن القاسم وصلح الدين!...
وتراهسم يبكون ويحزنون إذا هزموا فسي معركسة الكرة ،حتسى يظسن مسن رأى حزنهسم
أنهم هزموا في معركة جهادية ،أو طردوا من "قصر الحمراء" آخر معقل للمسلمين في
الندلس ،وأنهسسسم سسسسيعدون العدة للنقضاض على عدوهسسسم مرة أخرى ،حتسسسى ل تتكرر
المأساة!...
المثال الثانححححي :اليهود والسححححلح النووي
والمسلمون وآلت الطرب!
المسلمون كلهم يعلمون أن اليهود قد صنعوا من السلح الهجومي مال طاقة لهم به
فسي وضعهسم المأسساوي الحالي ،إضافسة إلى مسا يمنحسه أنصسار اليهود لليهود مسن أسسلحة
هجومية فتاكسة مجانا ،مسع التدريب العالي لجند العدو على كسل تلك السلحة ،وأن أسسلحة
المسسسلمين الدفاعيسسة المسسستوردة التسسي يجود عليهسسم بهسسا أنصسسار اليهود بأغلى الثمان،
وبشروط تفرض سيطرتهم على استعمالها ،غير مجدية في الدفاع عن بلدانهم ورعاياهم
وقت الحاجة.
والشسسد مسسن ذلك أن العدو اليهودي قسسد مل ترسسسانته بالسسسلح النووي الذي صسسنعه
بنفسه ،وأعانه على صنعه أنصاره في الغرب!...
157
ومسع هذا إذا نظرت إلى قنوات التلفاز فسي بلدان المسسلمين ،المحليسة منهسا والفضائيسة،
ترى جيوشا من الشعوب السلمية-نساء ورجال ،شبابا وكهول ،يحيون لياليهم-بل قل:
يميتونهسسا-بالرقسسص الفاجسسر ،والغناء الماجسسن ،واتخاذ كسسل وسسسيلة مسسن وسسسائل الفحسسش
والمنكسسر ،وترى عامسسة السسسر والفراد فسسي الشعوب السسسلمية ،قسسد اتجهوا إلى شاشات
التلفاز واتخذوه قبلة لهسم ،يحطمون بمناهجسه أخلقهسم ،ويغفلون عسن مصسالحهم المهدرة،
والمفاسسد النازلة بهسم المدمرة لحياتهسم ،بدل مسن اتجاههسم إلى القبلة ليقتدوا بمسن {تتجافسى
1
جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا}...
تخال بيوتهسم فسي الليسل أسسواقا ،وفسي النهار قبورا ،العدو يعسد العدة لهانتهسم صسباحا
ومساء! يصنع السلح النووي ،وقادتهم هم يشجعونهم على الطرب بآلته وميوعته!
المثال الثالث :السهام في إضعاف القريب وتقوية
البعيد!
المتأمل في أحوال المسلمين اليوم يرثي لها ،حيث يرى كثيرا منهم يقطعون إخوانهم
المسلمين ،ويصلون غير المسلمين!
يتعاونون تعاونا قويا ،مباشرا وغير مباشر ،مع غير المسلمين سياسيا ،واقتصاديا،
وتجاريا ،وثقافيا ،وإعلميا ،وعسكريا ،ورياضيا.
وفي غالب تعاونهم هذا خسارتهم وربح عدوهم.
وكثيرا ما يكون تعاون المسلمين مع غيرهم ضد بعض إخوانهم المسلمين ،والمثلة
على ذلك ل تحصى.
ويقاطسع بعضهسم بعضسا مقاطعسة كاملة ،أو شبيهسة بهسا ،وإذا حصسل بينهسم شيسء مسن
التعاون الذي يضطرون إليسسه اضطرارا ،فهسسو بالنسسسبة إلى تعاونهسسم مسسع غيسسر المسسسلمين
كقطرة ماء عذب سقطت في محيط مالح!
لهذا تجسسد كثيرا مسسن المسسسلمين يسسسهمون بتلك المواقسسف الشاذة ،فسسي تقويسسة البعيسسد،
وإضعاف القريب!
المثال الرابمع :هذا يموت ممن التخممة ،وذلك يموت
من الجوع!
لقد أحضرت القنوات الفضائية للناظر والسامع من المتناقضات ،ما يقتضي العجب.
ومن ذلك ما يشاهده العالم كله من السراف والبذخ في حفلت الفراح والمناسبات
والنوادي والقصور.
إنسسك لو أحصسسيت أثمان ملبسسس الفراح ،وأثمان أدوات الزينسسة ،والمبالغ التسسي تنفسسق
لحضار الطعمسة التسي يرمسى كثيسر منهسا فسي المناسسبات ،وغيسر ذلك ممسا قسد ينفسق فسي
المحرمات ،ل فسي المباحات والمكروهات ،لو أحصسيت ذلك فسي مدينسة واحدة مسن المدن
السسلمية التسي مسن ال على بعسض أهلهسا بالمال والغنسى ،ثسم جلت فسي تلك المدينسة نفسسها
لتتعرف على الفقراء والمحتاجين ،لرأيت هنالك التخمة والترف والسراف ،ورأيت هنا
-1السجدة.16 :
158
الفقر والعوز والحرمان والموت!...
فكيف لو قارنت بين بلد غني وآخر فقير؟!
كيسسف لو رأيسست البدان السسسمينة التسسي ل يسسستطيع أهلهسسا السسسير إل على وسسسائل
المواصسلت ،ول يعيشون إل بالدويسة والعقاقيسر ،ورأيست الطفال والنسساء والشيوخ فسي
ذلك البلد أو في بلد آخر قد يبست جلودهم على عظامهم ،وأنهكتهم المراض لقلة الغذاء
والدواء ،وامتلت الغبراء بجثثهم بسبب الجوع والعطش…!!
159
جوانب يبرز فيها خطر المؤتمرات والندوات.
ويبرز خطر المؤتمرات والندوات في الجوانب التية:
الجانب الول:
أن المؤتمرات والندوات تعقسسد-غالبسسا-فسسي أوقات تشتسسد الحاجسسة إلى عقدهسسا لتحقيسسق
أهداف ومصالح عامة تعود على المة بالخير ،إما لجلب مصالح وإما لدفع مفاسد واقعة
أو متوقعسة ،فهسي-فسي الصسل-وسسيلة بحسث ودراسسة لخطوات التعاون على البر والتقوى،
تعاونسا مبنيسا على تخطيسط ومشاورة ،وليسست مجرد مواعسظ وخطسب حماسسية ،وإن كانست
الخطسب والمواعسظ مسن وسسائل حفسز همسم المؤتمريسن ودفعهسا إلى الجسد والعمسل ،للوصسول
إلى النتائج المرجوة من اجتماعهم.
الجانب الثاني:
أن المشاركيسسسن فسسسي المؤتمرات والندوات ،يكونون فسسسي الغالب مسسسن وجوه المسسسة
وأعيانها وخبرائها ومثقفيها ،وذوي التأثير فيها ،بحسب الهدف الذي عقد له المؤتمر أو
الندوة ،ومن ذوي الختصاص في مجالت المؤتمر وموضوعاته.
الجانب الثالث:
أن المؤتمرات والندوات ،يعسسسسسسد لعقدهسسسسسسا إعدادا مبكرا توضسسسسسسح بسسسسسسه الهداف
والموضوعات ،ويختار لهسا المشاركون ،ويسستكتب المتخصسصون ،وتُكَوّن لذلك العداد
اللجان الْمُنَظّمَة والْمُمَوّلة ،والمشرفسة ،واللجان العلميسة المتخصسصة ،وتختار لهسا عناويسن
البحوث التي تكتب وتقرأ وتمحص من قبل لجان تحكيم متخصصة.
الجانب الرابع:
أن المؤتمريسسسن يعطون الوقسسست الكافسسسي ،لطرح أفكارهسسسم وتوصسسسياتهم ومناقشتهسسسا
مناقشات مستفيضة ،تدون وتسجل ثم تلخص ،فتكون منها خلصة لقرائح عقول صفوة
المتخصصين والمهتمين ،في موضوع المؤتمر أو الندوة.
الجانب الخامس:
أنه يختار في النهاية لجنة من ذوي التخصصات المتنوعة ،للطلع على ما دار في
المؤتمسر مسن أفكار وتوصسيات واقتراحات مسن أفراد ولجان فرعيسة لتصسوغ التوصسيات
صياغة رصينة شاملة قابلة-في الصل-للتنفيذ.
ولهذه الجوانسسسب كلهسسسا أثرهسسسا الفعال فسسسي نجاح المؤتمرات والندوات مسسسن الناحيسسسة
النظرية ،وكذلك من الناحية العلمية.
الجانب السادس:
أن المؤتمريسن يكلفون-غالبسا-لجنسة لمتابعسة قرارات المؤتمسر وتوصسياته حتسى تؤتسي
ثمارها.
ومسن هنسا تظهسر أهميسة المؤتمرات والندوات ،فسي التأثيسر على العقول وسسبق الحسق
إليها.
160
سنة متبعة.
وعقسد المؤتمرات للتشاور وإبداء الراء ومناقشتهسا ،للوصسول إلى نتيجسة ترضسي ال
تعالى سنة متبعة.
فقد كان الرسول صلى ال عليه وسلم يدعو أصحابه ويجمعهم ،ليستشيرهم ويعرف
رأيهسم ويحاورهسم بصسفته ولي أمرهسم ،ثسم يمضسي مسا اتفسق عليسه معهسم ،أو مسا أراه ال أنسه
خيسر ،كمسا حصسل ذلك فسي غزوة بدر 1،وغزوة أحد ،2وغزوة حنيسن ،فسي شأن غنائم أهسل
الطائف وسبيهم .3
وقسد عقسد أصسحاب رسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم أول مؤتمسر لهسم بعسد وفاتسه وقبسل
دفنسسه ،فسسي شأن اختيار خليفسسة له فسسي سسسقيفة بنسسي سسساعدة ،وأتبعوا ذلك بمؤتمسسر أعسسم فسسي
المسجد النبوي في اليوم الثاني ،تمت في كليهما البيعة لبي بكر الصديق رضي ال عنه
.4
ولما مرض أبو بكر رضي ال عنه ،شاور أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
فسسي اسسستخلف عمسسر ،وكتسسب كتابسسا بذلك وقرئ على الناس فسسي المسسسجد ،وأشرف على
الناس وقال( :أترضون بمن استخلفت عليكم.5 )...
ولما طعن عمر رضي ال عنه ،كلف ستة نفر بأن يشاوروا الناس في اختيار خليفة
له ..انتدبوا منهم عبد الرحمن بن عوف يشاور الناس ويشاورونه حتى تمت بيعة عثمان
رضي ال عنه.6
وعقسسد عمسسر بسسن الخطاب رضسسي ال عنسسه مؤتمرا ،فسسي شأن الوباء الذي انتشسسر فسسي
الشام ،توافد عليه في هذا المؤتمر كبار الصحابة وشاورهم في القدوم بمن معه إلى الشام
وعرض كسل فريسق رأيسه ،ثسم أخسذ عمسر بمسا اتضسح له صسوابه الذي أيده-بعسد ذلك-حديسث
رواه عبد الرحمن بن عوف عن النبي صلى ال عليه وسلم .7
وكذلك جمسع أصسحابه رضسي ال عنسه فسي شأن أرض العراق التسي رأى عدم قسسمتها
فسسي الغانميسسن للمصسسلحة العامسسة ،وخالفسسه بعضهسسم ،فأخسسذ يسسستشير ويسسسمع الراء ويدلي
بحججه ،حتى انتهى إلى ما رآه أول ،مع شدة الخلف في ذلك .8
وكسل تلك المؤتمرات كان الهدف منهسا إيصسال الحسق إلى العقول وإقناعهسا بسه بالحجسة
والبرهان.
-1الحجرات.9:
164
:
.
ويجب إقناع المسلمين بوجوب الوقاية من تلك الخطار ،أو دفعها بالوسائل الممكنة
التي يجب أن تتخذ لها.
رابعممما :الدعوة إلى تطمممبيق السممملم فمممي حياة
المسلمين.
الفراد منهم والسر والشعوب والدول وعدم التفريط في شئ منه.
وتكرار العناية بهذه الغايات ،ينبه الحاضرين وغيرهم ممن تبلغهم مناقشات المؤتمر
وبحوثه وتوصياته وقراراته على أهميتها ،وعلى أن الواجب عليهم جعلها من الوليات
التي يجب البدء بها ،فيكون في ذلك وسيلة من وسائل السبق بالحق إلى العقول ،وسوف
ل يعدم المؤتمرون مناسبات في مؤتمراتهم تسوغ لهم طرق هذه الغايات ولو إجمال.
165
وينبغي في المؤتمرات الخاصة إبراز ما يتصل بها من الموضوعات السلمية ،في
إعداد بحوث يتعاون على إعدادهسا ذوو الختصساص فسي العلوم الكونيسة والطبيسة وعلماء
الشريعسة السسلمية ،ويسبرز ذوو الختصساص الحقائق العلميسة ،ويشرح علماء الشريعسة
السسلمية مسا وردت بسه النصسوص مسن الكتاب والسسنة الصسحيحة ،ويسبينون مدى موافقسة
الحقائق العلميسة لمسا تضمنتسه النصسوص ،ليظهسر بذلك معنسى العجاز العلمسي فسي القرآن
والسنة ،كما هو الحال في علم الجنة وأطوار الجنين في القرآن الكريم.
وعندمسسا يكون المؤتمسسر يتعلق بالقوانيسسن والحكام تسسبين الحكام الشرعيسسة ،ومدى
صلحيتها في الماضي والحاضر والمستقبل ،مع سموها وشمولها والنتائج التي تتحقق
بتطبيقها.
وعندمسسسا يتعلق المؤتمسسسر بحقوق النسسسسان تسسسبرز الحقوق النسسسسانية فسسسي السسسسلم،
المنصسوص عليهسا فسي الكتاب والسسنة والمراجسع السسلمية ،وكونهسا قسد طبقست فسي واقسع
الحياة ،ونالت البشريسة مسن تطبيقهسا السسعادة والرخاء ،وحاجسة البشريسة اليوم إليهسا ،مسع
التنسبيه على أنهسا قسد جربست كسل النظسم والمبادئ البشريسة فلم تنسل مسن غالبهسا إل الشقاء تلو
الشقاء.
وعندمسسا يتعلق المؤتمسسر بالمحافظسسة على البيئة تسسبرز النصسسوص الواردة فسسي عمارة
الرض واسسستغلل خيراتهسسا ،وغرس الشجار فيهسسا والمحافظسسة على نظافسسة الظلل بسسل
طهارتهسا وعدم تنجيسسها ،وكذلك الطرق والشوارع وأجسر مسن أزال الذى عسن الطريسق،
وأن ذلك من شعب اليمان ،وكون السلم أمر بالقتصاد في الكل والشرب ،ونهى عن
السراف والتبذير ،حتى إنه أمر بمتابعة ما في الناء من الطعام وأكله ،حتى ل يبقى فيه
شيسء ،ونهسى عسن البول فسي المياه .ونهسى عسن تعاطسي كسل ضار بالنسسان وتناول كسل
خبيث ،ويدخل في ذلك شرب الدخان ونحوه ،مما يلوث باطن النسان وظاهره ،ويلوث
الجواء المحيطة به ،وأمر بنظافة الجسم والثوب والرض وطهارتها ،حتى إن الصلة
ل تصح مع ملمسة نجاسة في ذلك كله.
وهكذا ل يوجسد موضوع مسن الموضوعات التسي تعقسد لهسا المؤتمرات ،إل وللسسلم
فيسه قول ،مسن ذلك الصسناعات بأنواعهسا ،فالسسهم الواحسد يؤجسر عليسه صسانعه والرامسي بسه
ومنبله ،والرفق بالحيوان الذي يغفر ال بسببه لساقي الكلب العطشان ذنوبه.
وهكذا الشؤون الجتماعيسسسة كالعنايسسسة بالسسسسرة والحياة الزوجيسسسة والولد والباء،
والجيران ،وصغار السن وكبار السن والمعوقين والفقراء واللجئين…
وكذلك قضايا المن بمعناه العام الواسع الذي يشمل المة في كل شؤونها ،كما أشار
إلى ذلك سيد قطب رحمه ال في كتابه :السلم العالمي والسلم .1
فيجسب أن ينبسه على أن المحافظسة على البيئة المعنويسة ،وهسي الحرص على الطاعات
والبعد عن الفواحش والمنكرات ،من أهم ما جاءت به الشريعة...
وهو يتلخسص في قوة اليمان والعبادة والعمسل الصسالح ،والتربية السلمية السليمة،
والعمسسل بالحكام الشرعيسسة ،وغرس الخلق السسسلمية ،ثسسم تطسسبيق العقوبات الشرعيسسة
على من لم تُج ِد فيه التربية اليمانية والعبادية والخلقية...
-1وللمؤلف كتاب في هذا المعنى بعنوان :أثر التربية السلمية في أمن المجتمع السلمي.
166
نخلص من هذا كله إلى أنه ل ينبغي أن نفوت أي فرصة تسنح في أي مؤتمر ،دون
أن تكون الدعوة إلى السسسسلم متسسسسللة فيسسسه إلى عقول الناس فسسسي فقرات موضوعاتسسسه
وبحوثه ،ولكن ليس بمجرد الوعظ والحماس وإنما بالساليب العلمية المناسبة للمؤتمر،
حتى تكون المؤتمرات من وسائل السبق إلى العقول بالحق.
مؤتمرات دعوية.
ومن المثلة للمؤتمرات العالمية التي يحتاج إليها المسلمون مؤتمرات الدعوة ،وهي
حاجة عامة شاملة للمسلمين وغير المسلمين في كل أنحاء العالم ،وفي كل الوقات.
ومؤتمرات الدعوة العالميسسة تحتاج قبسسل عقدهسسا إلى دراسسسة جادة وعميقسسة ،مسسن قبسسل
مختصسين يحددون أهدافهسا القريبسة والبعيدة ،ومناهجهسا وأسساليبها ووسسائلها ،ويكتبون فسي
ذلك بحوثسا محددة ،وهذه الدراسسة وحدهسا تحتاج إلى مؤتمسر عالمسي مصسغر يجتمسع فيسه
أفذاذ العلماء والدعاة وزعماء الجماعات السسسلمية ،وعلى ضوئه يحدد المكان والزمان
ويحضسر الشخاص الذيسن ينبغسي أن يُدْعَوا لحضوره وتمويله والموضوعات التسي توزع
على القادرين للكتابة فيها ،واللجان الدارية والتنظيمية والعلمية وغيرها ،حتى إذا ما
اجتمسسسع المؤتمرون وجدوا أمامهسسسم موضوعات عمليسسسة محددة ،تدرس لتنفسسسذ قرارتهسسسا
وتوصسياتها ،ل لتحفسظ فسي ملفات يأكسل عليهسا الدهسر ويشرب كمسا هسو واقسع كثيسر مسن
المؤتمرات التي تعقد الن.
ويجدر بالمؤتمرين أن يبدؤوا في مؤتمراتهم بالوليات من الموضوعات التي يترتب
عليهسا تقدم الدعوة وانتشارهسا وكفاءة الدعاة ،ودعوة الناس إلى مسا يجهلونسه مسن اليمان
والعبادات العينية والمعاملت اليومية ،مثل فقه السرة وبعض أحكام الحلل والحرام.
وكذلك تحذيرهسسم ممسسا يحيسسط بهسسم مسسن المخاطسسر الحاضرة مسسن أعدائهسسم ووجوب
اجتماعهم على الحق والتعاون على البر والتقوى.
ويتلخص ذلك في المور التية:
المر الول :إعداد برامج لتدريب قادة الدعاة تؤهلهم لتخريج دعاة أكفاء.
وهذه البرامسسج تشمسسل التفقسسه فسسي العلوم السسسلمية المتنوعسسة ،مسسن مصسسادرها وفسسي
طليعتهسا الكتاب والسسنة والسسيرة ،وكتسب العقيدة السسلفية السسليمة مسن التعقيدات الكلميسة
والفلسسسفية ،وعلوم التفسسسير وكتبسسه وعلوم الحديسسث وكتبسسه ،وأصسسول الفقسسه وكتبسسه وكتسسب
الخلق ،والثقافسة ،ومعرفسة شبهات العداء كالمسستشرقين والمنصسرين وغيرهسم والرد
عليهسا بالبرهان والحجسة ،وإجادة بعسض اللغات العالميسة أو بعسض اللغات المحليسة حسسب
الحاجسة ،ومعرفسة البيئات والعادات للبلدان التسي تسسند إليهسم شؤون الدعوة فيهسا ،وكذلك
معرفسة أديان أهلهسا مسع مقارنتهسا والسستعداد لكشسف معايبهسا وإظهار محاسسن السسلم،
وكونه هو الدين الحق الذي ل يوجد دين حق سواه.
172
هذا التدريسسب يكون-فسسي الصسسل-لذوي المؤهلت فسسي الدراسسسات السسسلمية ،ولكسسن
ينبغسسي أن يختار عدد مسسن ذوي المؤهلت الخرى كالمهندسسسين والطباء والكهربائييسسن
والبيطرييسسن وغيرهسسم ،مسسن ذوي المهسسن ممسسن عندهسسم ثقافسسة إسسسلمية محدودة وثقافسسة
معاصسرة ،وتعقسد لهسم دورات تدريبيسة فسي العلوم السسلمية السسابقة ،ليأخذوا حظسا كافيسا
منهسا ،ليؤهلهسم لتعليسم الناس فروض العيسن وتوعيتهسم بمسا يجسب أن يعلموه فسي حياتهسم،
ويسسساعدوا المحتاجيسسن إلى علومهسسم مسسن فقراء المسسسلمين وغيرهسسم بالدواء والتعميسسر
والزراعة وتربية الدواجن والماشية وبعض المهن العملية ،كالنجارة والخياطة ونحوها،
ليجمع الدعاة إلى السلم بين بيان السلم والدعوة إليه وبين ترقية الناس المعاشية ،ول
يتركوا هذه الخيرة لغيرهم من المنصرين.
وهؤلء الدعاة بنوعيهم يُدَرّبون-مع دعوتهم عامة الناس-من يرونهم ذوي قدرة على
السستيعاب فسي كسل بلد مسن بلدان المسسلمين أو غيرهسم ،لمناهسج الدعوة ونقلهسا إلى بنسي
قومهم بلسانهم ،لما في ذلك من النتشار السريع للدعوة بكثرة القائمين بها.
ومسن الوسسائل التسي تسسهل تدريسب الدعاة على تنوع مسستوياتهم ،إنشاء معاهسد عليسا
لذوي المؤهلت فسي الدراسسات السسلمية-خاصسة بمناهسج الدعوة وأسساليبها ووسسائلها ،ل
تزيسد مدتهسا عسن سسنتين ول تنقسص عسن سسنة ،يسستقدم لهسا علماء كبار متخصسصون وذوو
خسبرة فسي هذا المجال ،بحيسث تكون الدراسسة قويسة والمواد مختارة مناسسبة-مسع التدريسب
العملي الميداني على مسا يدرسون ،وتقوى عندهسم الجوانسب العبادية ليكونوا قدوة لغيرهم
فيما يدعونهم إليه.
وكذلك تنشسسسسأ معاهسسسسد متوسسسسسطة لذوي الثقافسسسسة السسسسسلمية المحدودة مسسسسن ذوي
الختصاصات الخرى ،يأخذون فيها ما يؤهلهم لمهمتهم الدعوية كما مضى ،وتحدد لهم
المواد التي يحتاجون إليها والمراجع والمدة المناسبة مع تدريبهم العملي.
المسر الثانسي :أن يبدأ الدعاة فسي كسل بلد بالموضوعات الهسم فسي ذلك البلد ،فإذا كان
أهسل البلد يجهلون فروض العيسن ،كأصسول اليمان وقواعسد السسلم التسي تضمنهسا حديسث
جبريسسل المشهور ،والحكام المتعلقسسة بهسسا كصسسفة الصسسلة وأركانهسسا وشروطهسسا ،وأموال
الزكاة ومقاديرهسا ومصسارفها ،وصسيام رمضان ومسا يتعلق بسه مسن واجبات ومفطرات،
ومناسسسك الحسسج ،فإن على الدعاة أن يبدءوا بهذه الفروض بالترتيسسب الذي لقنسسه الرسسسول
صلى ال عليه وسلم لداعية اليمن معاذ بن جبل رضي ال عنه[ :فليكن أول ما تدعوهم
إليسسه شهادة أن ل إله إل ال وأن محمدا رسسسول ال ،فإن هسسم أطاعوك لذلك فأخسسبرهم أن
عليهسسم خمسسس صسسلوات ،فإن هسسم أطاعوك لذلك فأخسسبرهم أن عليهسسم صسسدقة تؤخسسذ مسسن
أغنياءهم فترد على فقرائهم]...
فإن وجدهسم على علم بذلك ويجهلون غيره ،فليعلمهسم مسا يجهلون الهسم فالهسم .مسع
مراعاة نفور النفوس عما تألف والتدرج مع أهلها في ذلك ،كما هي سنة الرسول صلى
ال عليسه وسسلم ،وبخاصسة مسع غيسر المسسلمين أو المسسلمين بالسسم الذيسن يجهلون كسل شسئ
فسي السسلم ،فإن مطالبتهسم دفعسة واحدة بأداء كسل الفرائض واجتناب كسل النواهسي بدون
تدرج حكيم ،قد ينفرهم من السلم كله.
المسسسسر الثالث :أن يتدارس المؤتمرون الموضوعات المهمسسسسة التسسسسي يحتاج إليهسسسسا
173
المسسلمون لتوعيتهسم بهسا فسي أمور دينهسم ودنياهسم وتحصسر عناوينهسا ،ويحصسر العلماء
القادرون على التأليسف والكتابسة فيهسا أو إلقاء محاضرات تسسجل فسي أشرطسة كاسسيت أو
فيديسو ،أو تعقسد ندوات وتسسجل كذلك ويسستنسخ منهسا أعداد كافيسة لنشرهسا وتوزيعهسا على
العالم السسسلمي ،عسسن طريسسق إدارة خاصسسة بنشسسر الدعوة ،وكذلك تطبسسع فسسي رسسسائل
وكتيبات صغيرة بكميات كثيرة بلغات عالمية ومحلية وتوزع على المسلمين.
وليس من الصعب أن تكتب أو تقرأ تلك الموضوعات في الشرطة بلغات المسلمين
المتنوعسسة ،فالبلدان السسسلمية ممتدة فسسي القارتيسسن :السسسيوية والفريقيسسة مسسن مشارق
الرض إلى مغاربهسا ،وقلمسا يوجسد بلد ل يوجسد فيسه طلبسة علم قادرون على الترجمسة أو
التأليسسف أو القراءة ،كمسسا أن المسسسلمين منتشرون فسسي القارات الربسسع الخرى :أوربسسا
وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأستراليا ،بل وفي أطراف العالم كله.
إن أي موضوع مسن الموضوعات التسي تهسم المسسلمين يمكسن أن يصسل إلى المسسلمين
كلهسسم فسسي العالم خلل فترة قصسسيرة جدا بتلك الوسسسائل ،لسسسرعة المواصسسلت الجويسسة
والبحريسة والبريسة ،ولوجود التصسالت التسي تحطسم حواجسز الرقابسة والمنسع ،كالقنوات
الفضائية والفاكسات والنترنت ،وغيرها…
وما أحوج المسلمين اليوم إلى اتخاذ هذه الوسائل ،لبلغ ما يهمهم إلى كل مسلم في
العالم سسواء كان متعلقسا بالشعائر التعبديسة أو الجتماعيسة أو السسياسية أو القتصسادية أو
العسسكرية ،حتسى ينتشسر الوعسي ويشعروا كلهسم أنهسم معنيون بتلك الموضوعات والتعاون
على البر والتقوى فيها.
174
مؤتمرات عملية.
وينبغسسي أن يكون الهدف مسسن عقسسد مؤتمرات العمسسل السسسلمي المقدور عليسسه ،تنفيسسذ
قرارات المؤتمسسسسسسر المعقود وتوصسسسسسسياته ،وليسسسسسسس مجرد الجتماعات وإلقاء البحوث
والمحاضرات والمناقشات الكثيرة التسسي تتمخسسض عسسن قرارات وتوصسسيات كثيرة ،قسسد
تكرر فسي مؤتمرات أخرى بدون تنفيسذ ومتابعسة ،والولى أن تنفسق الموال التسي ترصسد
لمثال هذه المؤتمرات التي ل تنفذ قراراتها ،في نشاطات إسلمية عملية تحتاج إلى تلك
الموال ،كقوافسسل الدعوة ،ومدارس المسسسلمين القائمسسة المحتاجسسة إلى المسسساعدة ،وإنشاء
مدارس جديدة ،وإنشاء مسساجد فسي أماكسن يحتاج إليهسا المسسلمون ،وطبسع كتيبات ورسسائل
ومنشورات تصسسل إلى الناس لتعرفهسسم بالسسسلم وفرائضسسه ،بدل مسسن إنفاق تلك الموال
الطائلة على مؤتمرات غير مجدية وإن كان الهدف منها صحيحا عند من يدعو إليها من
المخلصين.
ولو نفذت قراراتهسا وتوصسياتها لكان فسي ذلك نفسع عظيسم ،ولكسن تنفيذهسا يتوقسف غالبسا
على دعم الحكومات في الشعوب السلمية ،وأكثر حكوماتهم تقف ضد تحكيم شرع ال
وضسد الدعوة إلى تطسبيقه ،ول تأذن بتطسبيق جوهسر السسلم وحقائقسه التسي تنظسم بهسا حياة
المسسلمين ،بسل تحاربهسا وتحسل محلهسا قوانيسن تخالفهسا مخالفسة صسريحة ،فكيسف يرجسى مسن
أمثال تلك الحكومات دعم قرارات المؤتمرات السلمية وتوصياتها وذلك هو شأنها؟!
ولو أراد باحث أن يحصي المؤتمرات السلمية التي عقدت في أواخر القرن الرابع
عشسسر الهجري ،وأول القرن الخامسسس عشسسر الهجري ،وبحوثهسسا وتوصسسياتها وقراراتهسسا
ويجمع ذلك كله ،لكون منها مكتبة كبيرة.
ولو أحصى الموال التي أنفقت على تلك المؤتمرات ،للفاها كافية لنشاء مؤسسات
دعويسة وتعليميسة وخيريسة ،المسسلمون فسي أمسس الحاجسة إليهسا ،ولو قوّم نتائجهسا وثمراتهسا
اليجابية لوجدها هزيلة بجانب ما بذل فيها من جهد ووقت ومال.
لذلك يجسسسب على قادة العمسسسل السسسسلمي والمؤسسسسسات السسسسلمية ،أن ل يضيعوا
جهودهسم وأموال المسسلمين ،إل فسي مؤتمرات لهسا غايات عمليسة يمكسن تحقيقهسا أو تحقيسق
غالبهسا ،وأن تكون موضوعاتهسا ذات أولويسة ،وأن يسسبق عقدهسا تخطيسط وتنظيسم يجعلهسا
ذات جدوى.
وإن اجتماعات مصسغرة لقادة العمسل السسلمي وعلمائه ،لبحسث موضوعات الدعوة
السلمية والعمل السلمي ،ودراسة ما يجب اتخاذه من خطوات في ذلك دراسة هادئة
متأنيسة يترتسب عليهسا عمسل مفيسد-ولو قسل-خيسر مسن كثيسر مسن المؤتمرات الجماهيريسة غيسر
المجدية عمليا.
وإذا كان المقصود من تلك المؤتمرات الكثيرة ،هو الوصول إلى معرفة سبل العمل
للسسسلم ،فسسي مجال الدعوة والتعليسسم والتشريسسع والخلق ومكافحسسة الدعوات المضللة
والشبهات التسي يتخذهسا أعداء السسلم للطعسن فيسه ،كالمسستشرقين والمنصسرين وغيرهسم،
فإن عشرات المؤتمرات قسسسد عقدت فسسسي أغلب بلدان المسسسسلمين مسسسن بلد المغرب إلى
إندونيسسيا فسي موضوعات إسسلمية شتسى ،وحضرهسا كبار العلماء والمفكريسن فسي العالم
175
السلمي ،وأدلي كل منهم بدلوه بحثا ونقاشا ونصحا وسجلت كلها في مجلدات وملفات
وأشرطة فيديو وكاسيت ،ويمكن الرجوع إليها وأخذ ما يراد العمل به منها.
وقسسسد اعتدنسسسا مسسسن بعسسسض حكومات الشعوب السسسسلمية الصسسسبر على المؤتمرات
الجماهيرية وبحوثها ومؤتمراتها وتوصياتها ،ولو كانت ل ترضى عنها تلك الحكومات،
لنهسسا تعلم أن حماس المؤتمسسر المعقود ينتهسسي بقراءة قراراتسسه وتوصسسياته التسسي ل ترى
أثرها في الواقع إل ما ندر.
فليتجسسه العاملون للسسسلم إلى الجتماعات والمؤتمرات المصسسغرة ،العمليسسة التسسي
يمكنهسم متابعسة تنفيسذ نتائجهسا ،وليدلوا بدلوهسم فسي بقيسة المؤتمرات مسن باب النصسح وتبليسغ
الحق دون أن تستنفد أوقاتهم وأموالهم فيها.
وإذا مسا أحسسن دعاة السسلم وقادة العمسل السسلمي والمنظمات السسلمية اسستغلل
المؤتمرات بموضوعاتهسا المتنوعسة اسستغلل عمليسا ،فإنهسا سستكون مسن أهسم وسسائلهم إلى
السباق إلى العقول بالحق.
أمسا مسا تسسير عليسه المؤتمرات الن-مسع فائدتهسا المحدودة فسي الدعوة-مسن إنفاق هائل
للموال على عقدهسا ،ومسن أوقات طويلة تبذل لهسا مسن المضيفيسن والمضافيسن ،ثسم تنتهسي
بتوصسسيات وقرارات ،ل تخرج مسسن ملفاتهسسا بعسسد صسسياغتها وتلوتهسسا إلى عالم الواقسسع،
فينبغسي أن يفكسر المسسؤولون عنهسا والدعاة إليهسا وباذلو المال لعقدهسا ،فسي أسسلوب آخسر
للعمل السلمي من تعليم ودعوة وغيرها ،فإن الموال التي تصرف في تلك المؤتمرات
التي تتضمن قراراتها وتوصياتها ،الحث على إنشاء المدارس والمعاهد والمساجد وطبع
الكتسب وتوزيعهسا وإيجاد منسح دراسسية لبناء المسسلمين وإعداد دعاة وضمان نفقاتهسم ،إن
تلك الموال التسي تصسرف فسي تلك المؤتمرات لو جمعست لكفست أو قاربست الكفايسة لبراز
ما تضمنته قراراتها وتوصياتها في عالم الواقع.
ولهذا تجسسسسد كثيرا مسسسسن المفكريسسسسن يتسسسسساءلون عسسسسن الصسسسسرار على عقسسسسد تلك
المؤتمرات ،دون تنفيسذ غالب قراراتهسا وتوصسياتها :هسل أهداف تلك المؤتمرات المعلنسة
هسي الهداف الحقيقيسة وراء عقدهسا ،أو لهسا أهداف أخرى؟! والجواب :أهسل مكسة أدرى
بشعابها!.
176
خطوات استفادة أهل الحق من النوادي:
والخطوات التسي يجسب اتخاذهسا لمحاولة اسستفادة أهسل الحسق مسن تلك النوادي كثيرة،
ومنها ما يأتي:
الخطوة الولى :توجيسه بعسض الشباب المسسلم المثقسف ثقافسة إسسلمية جيدة والمربّى
تربيسة إسسلمية عاليسة ،إلى الدراسسة التسي تؤهلهسم لقيادة نشاطات تلك النوادي الرياضيسة
والثقافيسة والدبيسة والجتماعيسة ،حتسى يكون تأثيرهسم فسي أعضاء النوادي تأثيرا إيجابيسا،
لكونهم في مراكز توجيه فيها.
الخطوة الثانيسسة :السسسعي لتوظيسسف أولئك الشباب المتخصسسص فسسي النوادي المناسسسبة
لتخصسسصاتهم ،حتسسى يكون نشاطهسسم مشروعسسا بمقتضسسى نظمهسسا ،وتكون غايتهسسم غرس
اليمان بهذا الدين في نفوس أعضاء النوادي ،وتثقيفهم ثقافة إسلمية تجعلهم واعين بما
يحيط بهم ،وبكيفية التعامل مع الواقع تعامل هادئا مؤثرا بدون ضجيج ،وبتربيتهم تربية
إسلمية تحقق فيهم معنى العبودية ل تعالى والتحلي بالخلق السلمية العالية ،وتحبب
إليهم التطبيق العملي للسلم في أنفسهم وأسرهم ومجتمعهم.
الخطوة الثالثسسة :ينبغسسي أن يفرز عدد مناسسسب مسسن الشباب السسسلمي المتربسسي على
السلم ،ليكونوا أعضاء في تلك النوادي من أجل التأثير في أعضائها بمعاني السلم.
الخطوة الرابعة :ينبغي أن يخطط أهل الحق لبلغ الحق إلى أعضاء النوادي ،بكل
الطرق والوسسائل المشروعسة المتاحسة ،مسن كتيبات ونشرات وصسحف ومجلت إسسلمية،
وشُ ُرطْ كاسيت أو فيديو لتحقيق أهداف الدعوة السلمية في العضاء.
الخطوة الخامسة :يجب أن يعد أعضاء النوادي لحمل الدعوة السلمية إلى زملئهم
فسي النوادي الخرى ،سسواء كان فسي نفسس بلدانهسم أو فسي البلدان الخرى إسسلمية كانست
تلك البلدان أو غير إسلمية.
وقسد أصسبحت الفرق الرياضيسة وغيرهسا فسي هذا العصسر تجوب العالم كله للشتراك
في المسابقات الدولية ،ولو أن هذه الفرق التي تنفق على تدريبها الموال الكثيرة اعتني
بهسا فسي الثقافسة السسلمية والتربيسة السسلمية الشاملة ،وحببست إليهسا الدعوة السسلمية،
والتزمست بالسسلم فكانسست قدوة حسسنة لغيرهسا ،لكان لهسا أثسر عظيسم فسي نشسر السسلم
وإظهار محاسسسنه ،ولكانسست مسسن أهسسم وسسسائل إبلغ الحسسق والسسسبق بسسه إلى عقول الناس،
وهكذا الفرق الثقافية والجتماعية وغيرها.
الخطوة السسسسادسة :ينبغسسسي أن تهتسسسم الجماعات أو الجمعيات السسسسلمية بإنشاء نواد
شعبيسة متنوعسة ،كتلك النوادي الرسسمية أو شبسه الرسسمية ،وتضسع لهسا الهداف والخطسط
والوسائل الممكنة ،لتؤدي الدور المطلوب الذي قد يصعب تحقيقه في النوادي الرسمية،
وإذا تعذّر إنشاء مثسسل هذه النوادي الشعبيسسة فسسي َمقَارّ-جمسسع مقسسر-معينسسة لسسسباب ماديسسة
وعسسسر فسسي النفقات أو أمنيسسة ،كعدم إذن الجهات الرسسسمية-المحاربسسة للدعوة السسسلمية-
بذلك ،فينبغسي إنشاء نواد مفتوحسة متنقلة فسي الحدائق العامسة أو الملعسب الشعبيسة ،وهسي
السسساحات التسسي توجسسد فسسي الحارات أو فسسي أطراف القرى والمدن تقام عليهسسا المسسسابقات
الرياضية المتنوعة بما أمكن من الدوات والتخطيط.
177
وكثيسسر مسسن الشباب يفعلون ذلك بأنفسسسهم ،ويمكسسن للشباب السسسلمي أن يختلط بهسسم
ويشاركهسم فسي نشاطهسم ،ويتخسذ السساليب والوسسائل المناسسبة لهدايتهسم وتربيتهسم وحفظهسم
مسسن الضياع ،بترتيسسب أوقاتهسسم فسسي هذه النشاطات ،وفسسي المحافظسسة على الصسسلوات فسسي
أوقاتهسا ،وفسي اسستذكار دروسسهم وتحسسين العلقات معهسم حتسى تحصسل الثقسة بهسم وقبول
التوجيه منهم.
فالشباب المشتركون في هذه النشاطات يؤثر بعضهم في بعض أشد من تأثير غيرهم
ت مداخسل خطابهسم فسي كسل نشاط بمسا ممسن ل يشاركهسم فسي النشاطات ،وبخاصسة إذا ُأحْسِسَن ْ
يناسسبه مسن الموضوعات السسلمية ،كالفروسسية وارتباطهسا فسي السسلم بأهدافهسا العليسا،
كإعداد القوة للجهاد في سبيل ال ورفع راية السلم...
الخطوة السابعة :ينبغي أن يبتعد من يريد هداية الشباب في تلك النوادي ،عن الدعوة
إلى الحزبيات الضيقسة التسي تصسدع صسف المسسلمين وتحدث التنازع بينهسم ،وأن يغرسسوا
في نفوسهم-فقط-الولء ل ولرسوله وللمؤمنين ،حرصا على جمع كلمة المسلمين تحت
رايسسة [ل إله إل ال محمسسد رسسسول ال] وعمل بقول ال تعالى{ :واعتصسسموا بحبسسل ال
جميعسسا ول تفرقوا واذكروا نعمسسة ال عليكسسم إذ كنتسسم أعداء فألف بيسسن قلوبكسسم فأصسسبحتم
بنعمته إخوانا 1 .}...وقوله تعالى{ :ول تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم} 2 .وفي تطبيق
هذا المر فائدتان
الفائدة الولى :ما سبق من اجتماع الكلمة واتقاء التنازع.
الفائدة الثانيسة :سسد الباب على دعاوى مسن يضيقون ذرعسا ،بالتمسسك بالسسلم ،حيسث
يحاربون من يتمسك به ،بحجة الدعوة إلى الحزبية.
الوسيلة الثالثة عشرة :الرحلت والمخيمات.
أول :الرحلت.
كثير من الناس يرغبون في ترك منازلهم أو بلدانهم والرحيل عنها لهداف متنوعة،
منهسسا تغييسسر نمسسط حياتهسسم الذي ألفوه فسسي غالب أوقاتهسسم وحصسسل لهسسم منسسه ملل وسسسآمة،
فيحبون أن يمتعوا أنفسسسسهم بالنطلق مسسسن ذلك النمسسسط ،كالتدريسسسس والدراسسسسة للمدرس
والدارس ،والعمال الداريسسة للموظفيسسن فسسي مكاتبهسسم على تنوعهسسا واختصسساصاتها،
والعمال الهندسسسسسسسسية كذلك ،كالمهندس المعماري والمهندس الزراعسسسسسسسي ،والمهندس
الكهربائي ،وغيرها من العمال الكبيرة والصغيرة.
وهذه الرحلت قسد تكون قصسيرة كالجازة السسبوعية ،وقسد تكون متوسسطة كإجازة
نصف السنة ،وقد تكون طويلة كالجازة الصيفية ،وقد ل يكون بعض الناس مقيدا بعمل
معين في مكان معين ولكنه يحب أن يضرب في أرض ال الواسعة...
وأكثر الناس ل هدف لهم إل التمتع العادي والستجمام.
ومنهسا-أي أهداف الرحيسل-الطلع على بعسض المناطسق أو البلدان والتعرف عليهسا
جغرافيسا ،أو اجتماعيسا ومعرفسة عادات أهلهسا ،وسسلوكهم وحضارتهسم ،ونظمهسم الداريسة،
1آل عمران.103 :
-2آل عمران.46 :
178
وحالتهسسم القتصسسادية وسسسلعهم المتوافرة ،وغيسسر ذلك مسسن المعارف المتعلقسسة بأهسسل البلد،
والناس يختلفون في الهتمام بشيء مما ذكر أو أشياء.
ومنها التجارة ومعاملتها ،بيعا أو شراء أو ما يتعلق بهما.
ومنهسا طلب العلم-أي علم كان ممسا يرغسب فيسه الدارس-ومنهسا أداء وظيفسة ُكّلفَهسا مسن
قبسسل دولتسسه ،كالوظائف الدبلوماسسسية ومسسا يتعلق بهسسا ،أو التدرب على أعمال خاصسسة فسسي
دورات محددة.
ومنها قضاء أوطار هابطة ومزاولة أعمال فاسدة ،ل يستطيع المرء الحصول عليها
بحريسسة كاملة فسسي بلده ،كتناول المسسسكرات والمخدرات والولوغ فسسي مسسستنقع الشهوات
والفواحش ،وغير ذلك من الهداف المباحة أو المحرمة.
ولكسن هناك أهدافسا أخرى عليسا يحرص عليهسا المؤمسن التقسي وبخاصسة الراغسب فسي
هداية الناس بمنهج ال ،ومن تلك الهداف:
-1تقويسة المسسافر إيمانسه بسسياحته فسي الرض ونظره فسي الكون وتأمله فيسه وأخسذ
العسبرة منسه ،سسواء مشسى على قدميسه أم اسستقل دابسة ،أم صسعد إلى السسماء فسي طائرة ،أم
ركب سيارة أو قطارا ،أم مخر عباب البحر في سفينة.
فهسو عندمسا يسسيح فسي الرض يرى كسل شسئ فسي الكون كأنسه جديسد :البحار والنهار،
والغابات ،والحيوانات ،والسسسحاب والمطسسر والجبال ،والكواكسسب ،والبشسسر الذيسسن تختلف
ألوانهسم ولغاتهسم وعاداتهسم وغيسر ذلك ،كمسا أن فسي الطلع على آثار الماضيسن-صسالحين
أو طالحيسن-عسبرة لمسن اعتسبر ،فيزداد المعتسبر باعتباره صسلحا ،ويهرب مسن التصساف
بفسساد الفاسدين ،قال تعالى{ :أو لم ينظروا فسي ملكوت السسماوات والرض ومسا خلق ال
1
من شئ.}..
2
وقال تعالى{ :قل انظروا ماذا في السماوات والرض.}..
وقال تعالى{ :فانظر إلى آثار رحمة ال كيف يحي الرض بعد موتها إن ذلك لمحي
3
الموتى وهو على كل شئ قدير.}...
وقال تعالى{ :إن فسي خلق السسماوات والرض واختلف الليسل والنهار والفلك التسي
تجري فسي البحسر بمسا ينفسع الناس ومسا أنزل ال مسن السسماء مسن ماء فأحيسا بسه الرض بعسد
موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والرض
4
ليات لقوم يعقلون.}..
وقال تعالى{ :أفلم يسيروا في الرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون
5
بها ،فإنها ل تعمى البصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور}.
وقال تعالى{ :قسد خلت مسن قبلكسم سسنن فسسيروا فسي الرض فانظروا كيسف كان عاقبسة
6
المكذبين}.
إلى غير ذلك من اليات الكثيرة في هذه المعاني.
-1العراف.185 :
-2يونس.101 :
-3الروم.50 :
-4البقرة.164 :
-5الحج.46 :
-6آل عمران.137 :
179
-2ومن الهداف العليا للراحل والمسافر ،الدعوة إلى ال وبيان الحق للناس والحث
على قبوله ،وبيان الباطسل والحسض على تركسه والبعسد عنسه ،فقسد سسن ال تعالى لملئكتسه
النتقال مسن مواطنهسم فسي السسسماء ،والهبوط منهسسا إلى الرض لتبليسسغ وحيسه إلى رسسله،
وكذلك شرع لرسسله عليهسم السسلم أن يرحلوا مسن أجسل إبلغ الحسق إلى الناس فسي بلدان
نائيسة وتوطيسن الحسق وأهله فيهسا ،كمسا سسافر إبراهيسم عليه السسلم بزوجسه هاجسر إلى مكان
البيست الحرام ،وتركهسا هنالك وولدت ابنسه إسسماعيل عليسه ،ثسم بنسي بعسد ذلك معسه البيست،
فكان ذلك نواة لنبثاق الرسسسالة الخاتمسسة بعسسد ذلك التسسي انطلقسست مسسن هناك ،وهكذا كان
للرسسسول صسسلى ال عليسسه وسسسلم نصسسيب وافسسر فسسي ذلك ،حيسسث كان يؤم أسسسواق الناس
ومخيماتهم بل وقراهم ،مبلغا دعوة ال كما حصل له ذلك مع أهل الطائف ،وهكذا هاجر
هسسو وأصسسحابه إلى المدينسسة ،حيسسث قامسست دولة السسسلم ،وقبسسل ذلك هاجسسر أصسسحابه إلى
الحبشسة ،فرارا بدينهسم ودعوة إليسه ،وقسد بذروا السسلم فسي الحبشسة التسي اسستوطنها قبسل
غيرها من مدن الجزيرة العربية بما فيها المدينة المنورة ،ول زال راسخا فيها إلى اليوم
برغسم كيسد أعدائه له ولهله ،وهكذا انطلق الصسحابة والتابعون فيمسا بعسد بالحسق إلى كسل
أنحاء الرض المعروفسسة آنذاك ،فارتفعسست رايسسة السسسلم ودولتسسه فسسي مشارق الرض
ومغاربها.
-3ومسن الهداف العليسا للراحسل :رفسع رايسة الجهاد فسي سسبيل ال ،لتحطيسم الحواجسز
التسي توضسع للصسد عسن سسبيل ال والدعوة إليسه ،ولدفسع عدوان أعداء السسلم وتحصسين
الثغور منهم.
وقسد بسسطت القول فسي هذا فسي مجلديسن كسبيرين بعنوان :الجهاد فسي سسبيل ال ،حقيقتسه
وغايته ،وسيأتي توضيح كون الجهاد وسيلة من وسائل السباق إلى العقول ،ليس لكراه
الناس على الدخول في السلم وإنما لفتح المجال لبلغ الحق وسماعه.
-4ومسن الهداف العليسا للراحسل ،تفقسد أحوال المسسلمين ،ومسد يسد العون لهسم مسن ذوي
اليسار والغنى ،بإنشاء المساجد والمدارس والمراكز السلمية وغير ذلك مما المسلمون
في أمس الحاجة إليه في كل مكان ،ول سيما القليات منهم في البلدان غير السلمية.
-5ومسن أهسم الرحلت المؤثرة فسي السسباق إلى العقول بالحسق ،الرحلت العباديسة،
كرحلت الحسسج والعمرة مسسن بلدان المسسسلمين القريبسسة والبعيدة ،فإن أجواء هذه الرحلت
مهيأة للخسذ والعطاء ،صسساحب الحسق القادر على إبلغسه يعطسي ،ومرافقسه المحتاج إلى
سماع ذلك الحق يسمع ويأخذ.
-6هذا عدا الرحلت التي ينبغي أن ينظمها أهل الحق للشباب ،لتحقيق إبلغ الحق
إلى عقولهسسم وإقناعهسسم بسسه بالطرق والسسساليب الممكنسسة المناسسسبة ،سسسواء كانسست رحلت
استجمام أو رحلت صيد أو رحلت رياضية ،أو غيرها.
إن هذه الهداف وغيرها من الهداف الحميدة النافعة ،ينبغي أن تبين للمسلمين وأن
يضعوها نصب أعينهم وهم يرحلون من بلدهم ،وإذا تمكن القادرون على السباق بالحق
إلى العقول مسن مرافقسة الراحليسن مسن إخوانهسم وأبنائهسم فسي أسسفارهم ،فعليهسم أن يغتنموا
الفرصة بتطبيق هذه الهداف فيهم عمل.
ولمسا كان الراحسل معرضسا للمغريات والشهوات والتعامسل مسع غيسر أهسل بلده ممسن ل
180
يعرفونه ،و قد يدفعه ذلك إلى عدم الحتراز عن مقارفة بعض الخلل السيئة في غربته،
بخلف بلده الذي يعرفسه فيسه أهله وجيرانسه ومجتمعسه ،ولهسم أخلق وعادات يلتزمون بهسا
ويعدون الخروج عنهسا شاذا عسن ضوابسط حياتهسم ،ولمسا كان الشارع يريسد منسه اللتزام
بضوابط الشريعة في سفره كحضره ،ويزيد على ذلك الكثار من فعل الخير بما في ذلك
الدعوة إلى ال وهدايسسة الضال بإبلغ الحسسق إلى العقول ،فقسسد شرع ال له دعاء يلجسسأ بسسه
إليسه عنسد سفره ،ليحقسق له به كسل تلك الهداف وغيرهسا مسن أعمال الخيسر ،وهسو يبدأ بهذه
العبارة العظيمة التي تعتبر-مع كونها دعاء-توجيها للمسافر ليبني تصرفاته عليها[ :اللهم
إنسا نسسألك فسي سسفرنا هذا البر والتقوى ومسن العمسل مسا ترضسى ]...وتأتسي فسي أثنائه هذه
العبارة الدالة على حرص المسسسسافر على حفسسسظ ال إياه حفظسسسا يجعله هسسسو وأهله ممسسسن
يلزمون البر والتقوى والعمسل بما يرضسي ال[ :اللهم أنست الصاحب في السسفر والخليفة
في الهل]...
ثانيا :المخيمات.
والمخيمات من الوسائل المهمة للسباق إلى العقول ،من الناحتين النظرية والعملية.
لذلك ينبغسسي العنايسسة بهسسا وإقامتهسسا فسسي الوقات والماكسسن المناسسسبة ،فسسي المصسسيفات
والصحارى والشواطئ ،والعداد لها وتنظيمها تنظيما يحقق الهدف من إقامتها ،ويُ َكلّف
العدا َد لهسسا وتنظيمهسسا والشراف عليهسسا ووضسسع برامجهسسا ،ذوو الكفاءة والخسسبرة فيهسسا،
ويُختار لهسا ذوو اختصساصات متنوعسة مسن الجتماعييسن والثقافييسن والرياضييسن والعلماء
الشرعييسن ،وتمل أوقاتهسا كلهسا بالمواد المنظمسة المفيدة غيسر المملة ،بحيسث تكون متنوعسة
ومشوقسة ،مسن مسسابقات ثقافيسة وأدبيسة ورياضيسة ،وتمثيليات ،وأناشيسد ،ودروس علميسة
خفيفسسسة ومحاضرات وحوارات ،ونكات ذات مغزى وهدف ،وفروسسسسية ،وتدريسسسب على
أعمال المخيمات ،كنصسب الخيام وتنظيفهسا وحراسستها وفرشهسا ،ونشاط الجوالة ،وطبسخ
الطعام وإعداد السسّفر ،وشراء مسا يحتاج إليسه المخيسم مسن البلد المجاور وغيسر ذلك ،مسع
الحرص على إقامسسة حلقات قرآنيسسة يتحلق فيهسسا أعضاء المخيسسم ،لقراءة القرآن مجودا،
وإشارة مسن عنده علم فسي الحلقسة إلى بعسض الفوائد والداب القرآنيسة باختصسار ،وكذلك
مدارسسة شسئ مسن السسيرة النبويسة وسسيرة الخلفاء الراشديسن ،وإبراز بعسض المعانسي التسي
تدعم هدف المخيم المقام.
ويتوقف اليجاز والسهاب في هذه المواد على ضيق الوقت وسعته ،فقد يقام المخيم
لمدة شهر أو شهرين ،وقد يقام لمدة أسبوع أو أسبوعين أو يوم أو يومين ،ولكل زمان ما
يناسبه.
ثسسم إنسسه يختلف نشاط المخيسسم باختلف الهدف منسسه ،وباختلف العضاء المشاركيسسن
فيسه ،فقسد يكون الهدف منسه مدارسسة حدث معيسن مسن أحداث المسسلمين الكثيرة والخطيرة،
كقضيسة فلسسطين ،أو قضيسة البوسسنة والهرسسك ،أو الصسومال ،أو إريتريسا ،أو بعسض دول
آسسسيا الوسسسطى ،أو قضيسسة أفغانسسستان ،أو الفلبيسسن أو غيرهسسا مسسن القضايسسا النازلة بالبلدان
السلمية أو بلد واحد منها ،يراد دراسة القضية من حيث الهداف-أهداف المسلمين أو
أهداف أعدائهسم-والسسباب التسي نشأت عنهسا القضيسة والمؤامرات التسي تحاك لهسا ،ومسا
181
يجسسب على المسسسلمين فعله ،وموقسسف المنظمات السسسلمية الرسسسمية والهيئات الشعبيسسة،
والشبهات التسي قسد ترد على بعسض المسسلمين فيهسا ومحاولة دحضهسا وإزالتهسا على ضوء
موقف الشريعة السلمية منها.
وقسد يكون الهدف مسن المخيسم تربيسة أعضائه أو بعضهسم على معانسي إسسلمية معينسة،
كقيام الليسسسل ،والمحافظسسسة على الذكار المطلقسسسة والمقيدة ،والصسسسبر واليثار ،والخوة
السسلمية ،وقسد يكون الهدف منسه التدريسب على الدعوة وأسساليبها وكيفيسة مخاطبسة الناس
بالخطبة أو المحاضرة.
وقسسد يكون الهدف تدريسسب بعسسض العضاء على إجادة العمسسل فسسي بعسسض الوسسسائل
العلميسسسة ،كالصسسسحافة والتصسسسوير الفوتوغرافسسسي والتلفزيونسسسي ،وصسسسحافة الحائط
والملصقات ونحو ذلك ،من فنون العلم ومواده ،كالتمثيلية والمسرحية وإدارة ندوة أو
حوار أو مقابلة.
وقسسد يكون الهدف منسسه التدريسسب على العمال الغاثيسسة ،مسسن جمسسع الموال والمواد
المحتاج إليها للغاثة ،كالدوية والملبس والغطية وغيرها ،ثم التخطيط لبلغها إلى
مسستحقيها بالطرق الظاهرة والخفيسة ،وكذلك التدرب على السسعافات الوليسة التسي تمكسن
من يشترك في أعمال الغاثة من مساعدة المرضى والعجزة والمصابين.
وقسسسد يكون الهدف التدريسسسب على أسسسساليب مكافحسسسة نشاطات التنصسسسير فسسسي العالم
السسسلمي ،بالتعرف على المؤسسسسات النصسسرانية النشطسسة ،ومصسسادر دعمهسسا ،والبلدان
المسسستهدفة للتنصسسير ،والوسسسائل المتخذة فسسي ذلك ،ومسسا يجسسب على المسسسلمين القيام بسسه،
وكيف ُيقْنَع القادرون على مكافحة التنصير بأداء واجبهم فيه ،من أغنياء المة بالتمويل،
ومسسن العلماء الشرعييسسن بالسسسفار إلى تلك البلدان لتبصسسير الناس بالخطسسر التنصسسيري
وأسساليبه الماكرة ،وتعليمهسم عقيدة السسلم وفرائضسه ،والرد على شبهات المنصسرين فسي
تزييسن دينهسم أو الطعسن فسي ديسن السسلم ،وكذلك إقناع بعسض ذوي الختصساصات التسي
يحتاج إليهسسا المسسسلمون المتسسسهدفون بالتنصسسير ،كالطسسب والبيطرة والهندسسسة الزراعيسسة
والكهربيسة ونحوهسا ،لمشاركسة العلماء الشرعييسن فسي مسساعدة المسسلمين المسستهدفين الذي
يغريهم النصارى بالمساعدة في تلك المجالت ،وهكذا يحدد لكل مخيم هدفه ويخطط في
إقامته لتحقيق ذلك الهدف.
إن المخيمات تعتبر مجال خصبا لهل الحق لبلغ حقهم إلى عقول الناس وبخاصة
الشباب ،كمسسا أنهسسا مجال كذلك لزالة الباطسسل مسسن العقول وصسسيانتها منسسه ،إذا مسسا وجسسد
المشرفون الكفاء الذين يقومون عليها.
والمناسسسسبات المسسسسوغة لقامتهسسسا كثيرة ،والمهسسسم اهتبال الفرص والتحلي بالحكمسسسة
والعمسل الهادئ ،والبعسد عسن الشعارات المثيرة التسي تسسبب قطسع الطريسق على الحسق قبسل
وصوله إلى العقول.
188
هذا المجال ،وقسد يترك الواقسف واسستثماراته لهيئة يوثسق بهسا علمسا وأمانسة ووعيسا ومعرفسة
بمقاصد الشريعة السلمية لتنفق منه بحسب ما ترى من المصلحة بعد دراسة وتثبيت.
وإذا رؤي أن مؤسسسة مسا مسن المؤسسسات تسستحق أن يوقسف شسئ على نشاطهسا المفيسد
نفذ ذلك.
وهذا خيسر مسن ترك المور بدون تنظيسم وترتيسب ،وإيجاد شسئ ثابست ينفسق منسه عنسد
الحاجة ،أولى من النفاق العشوائي الذي يكثر بسبب كثرة الطالبين للمساعدة في مواسم
معينة ،قد يوجد من يستحق منهم وقد يوجد من ل يستحق.
ويمكسن التغلب على محاربسة أعداء السسلم للوقاف النافعسة ،باختيار بعسض البلدان
السلمية التي يرجى أن تسلم الوقاف فيها من اعتداء حكوماتها عليها لتستثمر فيها ،أو
بعسض البلدان غيسر السسلمية التسي فيهسا نوع ضمان 1لمثسل ذلك ،وللحيسل الشرعيسة نفعهسا
في هذا الباب.
المسر السسادس :ينبغسي لغنياء المسسلمين عندمسا يسسافرون إلى خارج بلدانهسم سسواء
أكانسست بلدانسسا إسسسلمية أو غيسسر إسسسلمية ،أن يزوروا المراكسسز والمؤسسسسات والمدارس
السلمية ،ويتفقدوها ويعرفوا مدى نشاطها وصلح منهجها-إن كانوا قادرين على ذلك،
وإل أخذوا معلومات عنهسا وعرضوهسا بعسد رجوعهسم على أهسل العلم والخسبرة بالمناهسج،
ليرشدوهسسم إلى صسسلح تلك المناهسسج أو عدم صسسلحها-فإذا كانسست صسسالحة قدموا لهسسا
المساعدة المستطاعة ليستمر نفعها ،وزيارة هذه المؤسسات أولى من الزيارات السياحية
المباحة-بله المكروهة أو المحرمة-ويمكنهم الجمع بين السياحتين المباحة والمندوبة.
ولو أن التجار والغنياء الذيسن يزورون كثيرا مسن البلدان فسي الخارج-أي فسي خارج
بلدانهسم-تفقدوا المراكسز والمدارس والمؤسسسات السسلمية ورأوا نشاطهسا وحاجتهسا إلى
المسساعدة ،لربمسا رقست قلوبهسم وشعروا بأن مسن واجبهسم مسساعدة تلك المؤسسسات والخسذ
بيدهسسا ،وخاصسسة المؤسسسسات الموجودة فسسي البلدان غيسسر السسسلمية التسسي تسسستفيد منهسسا
القليات السلمية.
المسر السسابع :أن كثيرا من أغنياء المسسلمين ل يبذلون المال إل فسي إغاثسة المنكوبيسن
مسن المسسلمين ،إمسا بكوارث طبيعيسة كالفيضانات والزلزل والحروب ،ومسا شابسه ذلك،
حيسسث يرون المنكوبيسسن وقسسد أخسسذ الجوع أو العطسسش أو المرض أو الجراح أو غيرهسسا
تحصدهم حصدا ،فيسرعون إلى إغاثتهم ،وذلك أمر مطلوب بل فرض كفاية تأثم المة
السسلمية إذا لم يوجسد فيهسا مسن يقوم بسه قيامسا كافيسا ،ولكسن أولئك الغنياء يغفلون عسن
مجالت الوقاية من الكوارث والنكبات قبل نزولها.
ومن أمثلة ذلك :أن بعض الشعوب السلمية معرضة للعتداء عليها من قبل بعض
الدول الكافرة ،ويعرف الغنياء المسسسسلمون بمسسسا فيهسسسم بعسسسض الحكام أن تلك الشعوب
السسلمية تحتاج إلى المال الذي يمكنهسا مسن الدفاع عسن نفسسها إذا هجسم عليهسا ذلك العدو،
فل تجسد مسن يمدهسا بالمال المطلوب ،حتسى ينفسذ العدو عدوانسه عليهسا ،ويقضسي على كسل
مؤسسساتها الدينيسة والتعليميسة والقتصسادية وغيرهسا ،فيهدم بيوتهسا ويقتسل رجالهسا ويرمسل
نسساءها وييتسم أطفالهسا الذيسن يشردون فسي العراء جوعسى عطشسى جرحسى مرضسى ،وعنسد
-1وهو أكثر رجاء من كثير من البلدان السلمية!!!.
189
ذلك يبذل الغنياء بعضسا مسن أموالهسم ،لنقاذ حياة بعسض مسن نزلت بهسم النكبسة ،واحتسل
العدو ديارهم ونهب أموالهم وسبى ذراريهم.
ولو أنهسم-الغنياء-جادوا ببعسض أموالهسم تلك قبسل العتداء لكان فسي ذلك وقايسة مسن
العتداء قبل وقوعه ،فهل يعي الغنياء هذا المر؟!
-1فالشخسص أو الجماعسة قسد ترى موقعهسا ضيسق المسساحة ،لكسن المسساحة هسي الرض كلهسا بالنسسبة لكسل المواقسع فسي سسفر أو
حضر.
-2أنظر ص 196من النسخة المخطوطة باليد.؟؟؟
-3راجع كتاب الجهاد في سبيل ال حقيقته وغايته ( )537-1/273للمؤلف.
191
أو رفضه ،وفي نفس الوقت يتخذون كل وسيلة للسباق بالباطل إلى عقول الناس .فإن ال
تعالى شرع لهسل الحسق أن يجاهدوا أولئك الطغاة بالحديسد ،ليتمكسن أهسل الحسق مسن تبليسغ
الحق ،ويتمكن الناس من سماعه.
وقسد دل التاريسخ والقرآن والواقسع ،أنسه ل غنسى لهسل الحسق عسن اتخاذ وسسيلة الجهاد
العسكري ،لصيانة عقول الناس من الكراه على اعتقاد الباطل ،وليتمكن أهل الحق من
1
إبلغ الحق إلى عقول الناس دون إكراه على اعتقاده.
ومسا نشاهده فسي هذا العصسر مسن محاربسة السسلم والدعاة إليسه ،بسل مسن العتداء على
المسسلمين ،لجبارهسم على التخلي عسن دينهسم والدخول فسي الديان الوثنيسة والنصسرانية،
كما هو الحال في الهند والبوسنة والهرسك ،وما يحصل في بعض البلدان السلمية ،من
حكوماتهسا العلمانيسة التسي تُظهِر-ول تخفسي-حربَهسا لدعاة تطسبيق الشريعسة السسلمية ،كسل
ذلك يدل دللة واضحسة أن هذه الوسسيلة هسي أنجسع الوسسائل-بعسد أن أخفقست وسسائل كثيرة
من الوسائل المعنوية في رد أعداء السلم إلى صوابهم-في إتاحة الفرصة للحق ،ليصل
إلى عقول الناس ،ولصيانة تلك العقول من الباطل.
قيسض ال للمسسلمين مسن يقودهسم بالجهاد فسي سسبيل ال لعلء كلمسة ال ،وال غالب
على أمره.
وتحطيسم الحواجسز التسي يضعهسا الطغاة فسي طريسق أهسل الحسق ،لبلغسه إلى عقول
الناس أمسر مشروع ،لن إبلغ الحسق إلى تلك العقول مشروع ول يمكسن أن يصسل إليهسا
إل بتحطيم تلك الحواجز ،وتلك الحواجز هي الطغاة الذين يقفون ضد الحق بالقوة.
وهاهسم أهسل الباطسل اليوم يتذرعون بمسا يدعونسه مسن حقوق النسسان ،ليسسقطوا دول
يزعمون أنهسا تقسف ضسد حقوق النسسان فسي شعوبهسا ،ووصسل المسر بهسم أن يعتسبروا مسن
حقوق النسسان عدم تطسبيق الشريعسة السسلمية فسي أي بلد إسسلمي ،ولو كان غالب أهسل
البلد ينادون بتطسبيق الشريعسة فسي بلدهسم ،بسل ولو أجريست انتخابات حزبيسة تعدديسة باسسم
الديمقراطيسة التسي هسم يزعمون تقديسسها وعدهسا مسن حقوق النسسان فسي الشعوب ،وفاز
دعاة تطسبيق الشريعسة السسلمية فوزا سساحقا ،فإن أعداء السسلم ودعاة حقوق النسسان
ومقدسي الديمقراطية ،يقفون بدون حياء بجانب فئة قليلة من عبيدهم وأذنابهم العلمانيين،
لسحق الغلبية المسلمة من الشعب ،لئل يستقر الحق ويعلو ويزهق الباطل ويزول.
وإذا كان هذا هسو موقسف أهسل الباطسل مسن أجسل حمايتسه وحمايسة العقول مسن نفاذ الحسق
إليهسا ،فإن أهسل الحسق أولى بتحطيسم سسدود أهسل الباطسل-ل لكراه الطغاة المردة أنفسسهم
على اعتقاد الحق ولكن-ليصسال الحق الذي يحملونه إلى الناس ،وليسسمع الناس دعوتهسم
إلى الحق وبيانه ،ثم يقرروا-دون إكراه-اعتقادهم الحق أو عدم اعتقاده.
ولنضرب مثال يقرب هذا المعنى:
حارة شسسسسب فيهسسسسا حريسسسسق ،فجاءت نجدة الطفاء لطفاء الحريسسسسق ،وجاءت نجدة
السسسعاف الطسسبي لنقسسل المصسسابين إلى المسسستشفيات لمعالجتهسسم ،فوجدت النجدتان رجال
مسسسلحين يحيطون بتلك الحارة التسسي أصسسابها الحريسسق ،يمنعون نجدة الطفاء مسسن إطفاء
الحريسق ،ويمنعون نجدة السسعاف الطسبي مسن إسسعاف المصسابين ،ويمنعون أهسل الحارة
-1للجهاد أهداف أخرى فصلت في المرجع السابق (.)116-1/107
192
من الهرب منها لينجوا بأنفسهم من الموت.
أل يجسسب فسسي هذه الحالة على الدولة أن تبعسسث فرقسسا مسسن الشرطسسة أو الجيسسش ،لطرد
المسسلحين الظالميسن الذي يحيطون بالحارة المحروقسة ،لجبار أهلهسا على البقاء فسي لهسب
النار ليحترقوا ،ومنع من يريد إسعافهم من الوصول إليهم لنقاذهم؟!
ل بد أن يكون جواب كل عاقل باليجاب.
وهكذا يجسب أن يزال طغاة الباطسل مسن طريسق الحسق ،ليصسل إلى عقول الناس ،ومسن
طريق الناس ليصل إليهم الحق.
فالباطل أشد خطرا من النار ،والحق أكثر ضرورة من الطفاء والسعاف ،والناس
الذيسن يحجسر عليهسم الطغاة ول يأذنون لهسم بسسماع الحسق وفهمسه ،أعظسم حاجسة إلى إطلق
حريتهم من الذين شب الحريق في منازلهم ،وأهل الحق أجدر بالوصول إلى الناس من
فرق الغاثسة الماديسة لغاثتهسم بالحسق ،وطغاة الباطسل الذيسن يمنعون وصسول الحسق إلى
الناس أولى بالستئصال من مانعي نجدة الطفاء من الحرائق ،ونجدة إسعاف المصابين.
فغايسة مسا يسسببه الحريسق هسو تلف الموال والنفوس فسي الدنيسا ،والموال تعوض والنفوس
لها آجال ل بد منها ،والنفس التي تموت وهي مؤمنة ستنال الثواب الجزيل والفوز الدائم
برضا ال وجنة الخلد.
أمسا البقاء فسي ضلل الكفسر وظلمسا تسه واتباع الباطسل والبقاء فسي ظلماتسه ،فإن نهايتسه
الشقاء والنكد في الدنيا ،والوقوع في سخط ال والعذاب الدائم في نار جهنم والعياذ بال.
193
غايات أهل الباطل في السباق إلى العقول .
كمسا أن لهسل الحسق غايات فسي سسباقهم بالحسق إلى العقول ،فإن لهسل الباطسل-كذلك-
غايات فسي سسباقهم بباطلهسم إلى العقول ،وقسد ل يصسرحون بتلك الغايات ،ولكسن أعمالهسم
وتصرفاتهم تدل على غاياتهم.
ولنذكر أهم غاياتهم تلك إجمال ،ثم نشرع في تفصيلها:
الغاية الولى :التمتع المطلق بكل ما في الحياة الدنيا.
الغاية الثانية :الصد عن سبيل ال.
الغاية الثالثة :تكذيب الرسل.
الغاية الرابعة :الحْوَْل بين الناس وبين إقامة الحجة عليهم.
الغاية الخامسة :إخراج الناس من النور إلى الظلمات.
الغاية السادسة :إحلل الشرك محل التوحيد.
الغاية السابعة :إنكار اليمان بالغيب.
الغاية الثامنة :محاربة الحكم بما أنزل ال.
الغاية التاسعة :محاربة الولء ل ولرسوله وللمؤمنين.
الغاية العاشرة :غرس الخلق الفاسدة في نفوس الناس.
الغاية الحادية عشرة :الفساد في الرض.
194
الغايمة الولى :التمتمع المطلق بكمل مما فمي الحياة
الدنيا.
وكلمسة[ :المطلق] هنسا مقصسودة ،لن أهسل الحسق يتمتعون بكثيسر ممسا يتمتسع بسه أهسل
الباطسل ،مسن مأكسل ومشرب ومنكسح ومسسكن ومركسب ومنصسب وجاه ،وغيسر ذلك ،ولكسن
تمتع أهل الحق بذلك ليس تمتعا مطلقا ،وإنما هو مقيد بما أذن ال فيه وشرعه.
بخلف أهسل الباطسل ،فإنهسم يتمتعون بكسل مسا فسي الرض تمتعسا مطلقسا ،أي خاليسا مسن
كل قيد ،من دين أو خلق ،ودون معارض من رسل أو أنبياء ودعاة خير ،ول يقيدهم إل
قيد واحد فقط ،وهو عدم القدرة على تناول ما يشتهون.
وهذه الغاية ل تتحقق لهم إل إذا كثر أهل الباطل كثرة ،ل تدع مجال لهل الحق في
صسدهم عسن الوصسول إلى غاياتهسم تلك ،ولذلك فهسم يسسعون جاديسن فسي سسباقهم إلى عقول
الناس ،ليكسسبوا أكسبر عدد منهسم ،ليقفوا فسي صسفهم للوصسول إلى غاياتهسم تلك وصسد مسن
يحاول منعهم منها.
وقسد أبرز ال تعالى هذه الغايسة فسي كتابسه ،والواقسع يشهسد بهسا ،قال تعالى{ :والذيسن
كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل النعام والنار مثوى لهم}.1
وقال تعالى{ :ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم المل فسوف يعلمون}.2
وقال تعالى{ :ليكفروا بما آتيناهم وليتمتعوا فسوف يعلمون} .3
وقال تعالى{ :ل يغرنسسك تقلب الذيسسن كفروا فسسي البلد متاع قليسسل ثسسم مأواهسسم جهنسسم
وبئس المهاد}.4
وفسي هذه اليات يهدد ال تعالى الكافريسن الذيسن جعلوا غايتهسم التمتسع بالحياة الدنيسا،
وحرصسوا على تحقيسق هذا التمتسع الذي ألهاهسم عسن عبادة ال وطاعتسه وطاعسة رسسله بمسا
ينتظرهم من جزاء يوم القيامة.
وقال تعالى-:مبينسا نوعسا مسن أنواع هذا التمتسع وهسو العلو فسي الرض{-إن فرعون
عل في الرض وجعل أهلها شيعا يستضعف طائفة منهم يذبح أبناءهم ويستحي نساءهم
إنه كان من المفسدين}.5
وبيسن تعالى شيئا مسن علو فرعون ،فسي قوله تعالى{ :ونادى فرعون فسي قومسه قال يسا
قوم أليس لي ملك مصر وهذه النهار تجري من تحتي أفل تبصرون أم أنا خير من هذا
الذي هسو مهيسن ول يكاد يسبين فلول ألقسى عليسه أسسورة مسن ذهسب أو جاء معسه الملئكسة
مقترنين ،فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين} .6
فغايسة فرعون-وكذلك كسل الفراعنسة-العلو فسي الرض بالملك والمال وكثرة التباع،
ولذلك يحاولون خداع الجماهيسر والشعوب بمظاهسر ملكهسم وضعسف أهسل الحسق والوقوف
ضدهم.
-1محمد.12 :
-2الحجر.3 :
-3العنكبوت.66 :
-4آل عمران.196،197 :
-5القصص.4 :
-6الزخرف.54 ،51 :
195
وقال تعالى عسن فرعون ،أيضسا-وقسد أرسسل إليسه موسسى يدعوه إلى طاعسة ال ،مسع مسا
لدى موسسى مسن آيات دالة على صسدق رسسالته{:-فكذب وعصسى ،ثسم أدبر يسسعى ،فحشسر
فنادى ،فقال أنا ربكم العلى} .1
وقال تعالى-عسن نموذج مسن نماذج التمتسع بالمال والغنسى والترف-فسي قصسة قارون:
علَيْهِمْس َوءَاتَيْنَاهُس مِنَس الْكُنُوزِ مَا إِنّ َمفَاتِحَهُس لَتَنُوءُ {إِنّ قَارُونَس كَانَس مِنْس قَوْمِس مُوسسَى فَبَغَى َ
بِالْعُصْسَب ِة أُولِي ا ْلقُوّ ِة إِ ْذ قَالَ لَهُس قَوْمُهُس لَ َتفْرَحْس إِنّ الَّ لَ ُيحِبّ ا ْلفَ ِرحِينسَ()76وَابْتَغِس فِيمَا
ن الُّ ِإلَيْكَس وَلَ تَبْغِس لخِرَةَ وَلَ تَنْسَس نَصسِي َبكَ مِنَس الدّنْيَا َوَأحْسِسنْ كَمَا أَحْسَس َ ءَاتَاكَس الُّ الدّارَ ا ْ
علْمٍ عندي أولم يَ ْعلَمْ علَى ِ ب الْ ُمفْسِدِينَ()77قَالَ إِنّمَا أُوتِيتُهُ َ ن الَّ لَ ُيحِ ّ ض ِإ ّ
الْفَسَا َد فِي الَْرْ ِ
أَنّ الَّ قَ ْد أَ ْهلَكَس مِنْس قَ ْبلِهِس مِنَس ا ْلقُرُونِس مَنْس ُه َو أَشَدّ مِنْهُس قُوّةً َوأَكْثَ ُر جَمْعًا وَلَ يُسْسَألُ عَنْس
ن ا ْلحَيَا َة الدّنْيَا يا ليت ل الّذِينَ يُرِيدُو َ علَى قَوْ ِم ِه فِي زِينَتِ ِه قَا َ ذُنُوبِ ِه ُم الْمُجْرِمُونَ(َ )78فخَرَجَ َ
2
ن إِنّ ُه لَذُو حَظّ عَظِيمٍ(. })79 ي قَارُو ُ لَنَا مِ ْثلَ مَا أُوتِ َ
وهذا الحتفاء بمسن عندهسم متاع الحياة الدنيسا ،هسو مسن غاياتهسم التسي يريدون تحقيقهسا،
وهسم يعلمون أنهسم ل يُحتَفِي بهسم وهسم على باطسل إل أتباعُهسم مسن أهسل الباطسل ،وأمسا أهسل
الحق فل يعبأ ون بما عندهم من متاع الحياة الدنيا ،ولهذا فإن أهل الباطل يضيقون ذرعا
ل الّذِينَس بأهسل الحسق ،لعدم اغترارهسم بمسا عندهسم ،كمسا قال تعالى فسي هذه القصسةَ { :وقَا َ
ل الصسّابِرُونَ(8 أُوتُوا الْ ِعلْمَس وَ ْيلَكُمْس ثَوَابُس الِّ خَيْ ٌر لِمَنْس ءَامَنَس َوعَ ِملَ صسَاِلحًا وَلَ ُيَلقّاهَا إِ ّ
3
.}0
فالميزان يختلف عنسد هؤلء وأولئك :أهسل الحسسق يزنون الناس ومسسا يملكون باليمان
والعمسل الصسالح والصسبر ،وهسي الصسفات التسي يترتسب عليهسا رضوان ال وثوابسه ،وأهسل
الباطل يزنون الناس بما عندهم من ملك وغنى وشتان شتان.
وممسسا يدل على أن أهسسل الباطسسل يضيقون ذرعسسا بأهسسل الحسسق ونصسسحهم وأمرهسسم
بالمعروف ونهيهسم عسن المنكسر ،ليقيدوا تمتعهسم فسي الحياة الدنيسا بقيود شرع ال :موقسف
قوم شعيسب مسن نصسحه لهسم بالتزام عبادة ال وحده والعدل وترك الظلم والفسساد ،كمسا قال
ن ِإلَ هٍ غَيْرُ هُ وَلَ تَ ْنقُ صُوا ن َأخَاهُ مْ شُعَ ْيبًا قَالَ يا قوم اعْبُدُوا الَّ مَا لَكُ مْ مِ ْ تعالىَ { :وِإلَى مَدْ َي َ
علَيْكُمْ عَذَابَ يَ ْومٍ ُمحِيطٍ()84وَيَا قَ ْو ِم أَ ْوفُوا ن إِنّي أَرَاكُمْ ِبخَيْرٍ َوإِنّي َأخَافُ َ الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَا َ
الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَس بِا ْلقِسْسطِ وَلَ َت ْبخَسسُوا النّاسَس أَشْيَاءَهُمْس وَلَ َتعْثَوْا فِي الَْرْضِس ُمفْسِسدِينَ(
حفِي ظٍ( )86قَالُوا يا شعيب أَ صَلَ ُتكَ علَيْكُ مْ ِب َ
َ )85بقِيّ ُة الِّ خَيْرٌ لَكُ ْم إِ نْ ُكنْتُ مْ ُمؤْمِنِي نَ وَمَا أَنَا َ
حلِي مُ الرّشِيدُ( ت الْ َ
ل فِي أَمْوَالِنَا مَا َنشَاءُ إِنّ كَ لَنْ َ ك أَ نْ نَتْرُ كَ مَا يَعْ ُب ُد ءَابَاؤُنَا أَ ْو َأ نْ َنفْ َع ََتأْمُرُ َ
.4})87
-1الذاريات.38،39 :
-2يس.3 :
-3الذاريات.52،53 :
-4القصص.36 :
-5المائدة.110 :
-6سبأ.43 :
-7النعام.7 :
-8الحجر.6 :
198
الغايممة الرابعممة :ال ْ َ
حوْل بيممن الناس وإقامممة الحجممة
عليهم.
ويحصسل ذلك بإعراض قادة الباطسل عسن سسماع الحسق الذي يأتسي بسه أهله ،وبحسض
غيرهسم على العراض عسن حجسج الحسق وتدبرهسا والصسغاء إليهسا ،بسل وأمرهسم بإحداث
اللغط والضوضاء عندما يدعو أهل الحق إليه ،كما قال تعالى عنهم{ :وقال الذين كفروا
ل تسسمعوا لهذا القرآن والغوا فيسه لعلكسم تغلبون} .1وقال تعالىَ { :وقَالُوا ُقلُوبُنَا فِي أَكِنّةٍ
ب فَاعْ َملْ إِنّنَا عَا ِملُون} .2
حجَا ٌ
ك ِ
مِمّا تَدْعُونَا ِإلَيْهِ َوفِي آذَانِنَا َوقْرٌ وَ ِمنْ بَيْنِنَا وَبَيْ ِن َ
وليس من شرط هذا الحوْل وتحققه أن يصرح أهل الباطل بمثل ما دلت عليه اليتان
المذكورتان ،فيقولوا :ل تسسمعوا كلم الدعاة إلى ال ،أو أن على قلوبنسا أغطيسة ل يصسل
إليها ما يدعون إليه ،بل يتحقق بكل سبيل يؤدي إلى ذلك الحول ،كوضع مناهج تعليمية،
أو برامج إعلمية ،أو نواد ثقافية ،أو رياضة ،أو دور سينما ،أو غيرها مما يلهي الناس
ويشغلهسم عسن سسماع الحسق وحججسه ودلئله ،وهذا السسلوب أشسد تأثيرا فسي الناس مسن
المر الصريح بالعراض عن الحق .3
1فصلت.29 :
-2فصلت.5 :
-3وسيأتي الحديث عن الوسائل في مكانه ،هذا مع العلم أن بعض الغايات قد تكون وسائل الى غيرها من الغايات ،فكون أمرٍ
ما وسيلة أو غاية أمر نسبي.
-4البقرة .257 :وقسسد سسسبق بيان النور والظلمات ،عنسسد الكلم على غايات أهسسل الحسسق ،ومنهسسا :إخراج الناس مسسن الظلمات إلى
النور.
199
إليسسه ،ويظهرون أن الصسسل هسسو الشرك الذي يقوم على تعدد اللهسسة ،مصسسادمة للفطرة
الربانية التي فطر ال الناس عليها ،كما قال تعالى عنهم{ :وعجبوا أن جاءهم منذر منهم
وقال الكافرون هذا ساحر كذاب أجعل اللهة إلها واحدا إن هذا لشيء عجاب} .1
وقال تعالى عن علماء السوء الذين اشتروا الدنيا بالدين{ :فويل للذين يكتبون الكتاب
بأيديهم ثم يقولون هذا من عند ال ليشتروا به ثمنا قليل فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل
لهم مما يكسبون} .2
وقال تعالى{ :اتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون ال والمسيح ابن مريم وما
أمروا إل ليعبدوا إلها واحدا ل إله إل هو سبحانه عما يشركون} .3
وإنمسسا كان اتخاذهسسم إياهسسم أربابسسا مسسن دون ال ،لتباعهسسم فسسي تحليسسل مسسا حرم ال أو
4
تحريم ما أحل ال ،كما وردت بذلك السنة في تفسير الية.
-1النعام.5،7 :
-2السراء.89،93 :
-3هود.87 :
-4النمل.56 :
201
علَيْهِس أَرْحَامُس الُْنْثَيَيْنِس نَبّئُونِي بِ ِعلْمٍسل ءَالذّكَرَيْنِس حَرّمَس أَمِس الُْنْثَيَيْنِس أَمّاس اشْ َت َملَتْس َ الْمَعْزِ اثْنَيْنِس ُق ْ
ل اثْنَيْنِس وَمِنَس الْ َبقَ ِر اثنيسن قسل ءَالذّكَرَيْنِس حَرّمَس أَمِس الُْنْثَيَيْنِس إِنْس كُ ْنتُمْس صسَا ِدقِينَ()143وَمِنَس الِْ ِب ِ
ن افْتَرَى ظلَمُ مِمّ ِ ن أَ ْن أَ مْ كُ ْنتُ مْ شُهَدَا َء إِذْ وَ صّاكُ ُم الُّ بِ َهذَا فَ َم ْ علَ ْي ِه أَ ْرحَا مُ الُْنْثَيَيْ ِ
أَمّا اشْتَ َملَ تْ َ
ل َأجِ ُد فِي علْ ٍم إِنّ الَّ لَ يَهْدِي الْقَوْ َم الظّالِمِي نَ(ُ )144قلْ َ ضلّ النّا سَ بِغَيْرِ ِ علَى الِّ كَذِبًا لِ ُي ِ َ
سفُوحًا أَ ْو َلحْمَ خِنْزِيرٍ ل أَ نْ يَكُو نَ مَيْتَ ًة أَوْ دَمًا َم ْ علَى طَاعِ مٍ يَطْعَ ُم ُه إِ ّ ي ِإلَيّ ُمحَرّمًا َ مَا أُوحِ َ
غفُورٌ َرحِيمٌ( سقًا أُ ِهلّ لِغَيْ ِر الِّ بِ ِه فَمَنِ اضْطُرّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَ عَا ٍد َفإِنّ رَ ّبكَ َ س أَ ْو فِ َْفإِنّهُ ِرجْ ٌ
.1})145
وقال تعالى عسن المنافقيسن-وهسم الذيسن يمثلهسم العلمانيون اليوم ممسن يحاربون الحكسم
بشرع ال ،ويحاربون الدعاة إلى تحكيمسه َ{ :2ألَمْس تَ َر ِإلَى الّذِينَس يَ ْزعُمُونَس أَنّهُمْس ءَامَنُوا بِمَا
أُنْ ِزلَ ِإلَيْكَس وَمَا أُنْ ِزلَ مِنْس قَ ْبلِكَس يُرِيدُونَس أَنْس يَ َتحَاكَمُوا ِإلَى الطّاغُوتِس َوقَ ْد أُمِرُوا أَنْس يَ ْكفُرُوا
ل الُّ َوِإلَى ل لَهُ مْ تَعَالَوْا ِإلَى مَا أَنْ َز َ ن أَ نْ ُيضِلّهُ ْم ضَلَلً بَعِيدًا(َ )60وإِذَا قِي َ بِ هِ وَيُرِيدُ الشّيْطَا ُ
ف إِذَا أَ صَابَتْهُمْ مُ صِي َبةٌ بِمَا قَدّمَ تْ عنْ كَ صُدُودًا()61فَكَيْ َ الرّ سُولِ َرأَيْ تَ الْمُنَا ِفقِي نَ يَ صُدّونَ َ
3
ل ِإحْسَانًا َوتَ ْوفِيقًا(})62 ن أَرَدْنَا إِ ّ لّ إِ ْ حلِفُونَ بِا ِ أَيْدِيهِمْ ثُ ّم جَاءُوكَ َي ْ
-1النساء.27 :
-2النور.19 :
-3النور.21 :
-4النفال.56 :
-5المنافقون1 :
6البخاري .33 :ومسلم.88 :
-7البقرة.12 :
203
وقال تعالى { :ومسن الناس مسن يعجبسك قوله فسي الحياة الدنيسا ويشهسد ال على مسا فسي
قلبسه وهسو ألد الخصسام ،وإذا تولى سسعى فسي الرض ليفسسد فيهسا ويهلك الحرث والنسسل
وال ل يحب الفساد}.8
وبالمقارنسة بيسن غايات أهسل الحسق فسي سسباقهم إلى العقول بحقهسم ،وبيسن غايات أهسل
الباطسل فسي سسباقهم إلى العقول بباطلهسم ،يُعلم مسا يثمره كسل مسن السسباقين فسي حياة الناس
أفرادا وأسرا وأمما ودول.
فعندمسا يسسبق أهسل الحسق بحقهسم إلى عقول الناس ،تتحقسق فسي الرض غاياتهسم مسن
سعادة وأمن على الدين والنسل والعرض والعقل والنفس والمال ،وهي الضرورات التي
ل حياة على الحقيقة إل بحفظها ،وما يكملها من حاجيات وتكميليات.
وعندما يسبق أهل الباطل بباطلهم إلى عقول الناس تتحقق في الرض غاياتهم ،من
شقاء وخوف ونكسد بضياع تلك الضرورات ومسا يكملهسا ،كمسا هسو حال العالم اليوم الذي
تقدم فيه أهل الباطل بباطلهم ،وتأخر أهل الحق بحقهم.
-8البقرة.203،204 :
204
وسائل أهل الباطل في السباق إلى العقول .
ول بد لهل الباطل من اتخاذ وسائل للسباق بباطلهم إلى العقول ،وهي كثيرة ،نذكر
أهمها إجمال ،ثم نأتي إلى تفصيلها:
الوسيلة الولى :تزيين الباطل وزخرفته
الوسيلة الثانية :الثناء على أهل الباطل وقادته
الوسيلة الثالثة :حشد قادة الباطل من يؤيد باطلهم
الوسيلة الرابعة :تخويف الناس من أهل الحق
الوسيلة الخامسة :إغراء أهل الباطل مؤيديهم بالمناصب والموال
الوسيلة السادسة :وضع قوانين لنصر الباطل ومحاربة الحق
الوسيلة السابعة :جعل التعليم منطلقا لتضليل العقول به
الوسيلة الثامنة :العلم.
الوسيلة التاسعة :إقامة محاكم ظالمة لحماية الباطل وأهله
الوسيلة العاشرة :جعل وسائل الحق منطلقات للباطل
الوسيلة الحادية عشرة :استغلل اختلفات أهل الحق.
205
تمهيد:
اقتضت سنة ال الكونية أن يتصارع أهل الحق وأهل الباطل في هذه الحياة منذ وجد
أبو البشرية آدم عليه السلم ،وعدوه إبليس لعنه ال ،وأن يمتد هذا الصراع في الرض
إلى أن يرث ال الرض ومن عليهسا ،ابتلء منسه تعالى لهسل الحسق بأهسل الباطسل ،ولهسل
الباطسل بأهسل الحسق ،ليزداد الولون إيمانسا بحقهسم ويحملوه عمل وسسلوكا ودعوة وجهادا،
فينالوا نصسسر ال وتمكينسسه لهسسم فسسي الدنيسسا ،ورضاه ودار كرامتسسه فسسي الخرة ،وليزداد
الخرون الذين تكبروا على أمر ال ودعوة أنبيائه تمردا وعتوا ،فينالوا الضنك و الشقاء
والنكسد فسي الدنيسا-وإن تمتعوا بنعسم ال فيهسا كالحيوانات السسائمة-والعذاب الليسم السسرمدي
وسخط ال في الخرة.
1
قال تعالى{ :الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عمل}
2
قال تعالى{ :ونبلوكم بالشر والخير فتنة وإلينا ترجعون}
وقال تعالى{ :فإذا لقيتسم الذيسن كفروا فضرب الرقاب-إلى قوله تعالى-:ذلك ولو يشاء
3
ال لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}
4
وقال تعالى{ :ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم}
5
وقال تعالى{ :وليبلي المؤمنين منه بلء حسنا إن ال سميع عليم}
6
وقال تعالى{ :هنالك ابتلي المؤمنون وزلزلوا زلزال شديدا}
7
وقال تعالى{ :وجعلنا بعضكم لبعض فتنة أتصبرون وكان ربك بصيرا}
وإن الحسق ليحمسل عناصسر قوتسه وبقائه فسي ذاتسه ،وإن الباطسل ليحمسل عناصسر ضعفسه
واضمحلله في ذاته.
أليس الحق نورا ...والباطل ظلمات؟ أليس الحق هدى والباطل ضلل..؟ أليس الحق
عدل والباطسل ظلمسا..؟ أليسس الحسق صسلحا والباطسل فسسادا؟ أليسس الحسق طهارة وتقسى
والباطسل رجسا وفسسقا؟ أليسس الحق إيمانسا وتوحيدا والباطسل شركسا وكفرا وجحودا؟ أليس
الحق رحمة والباطل غلظة وقسوة ووحشية؟ أليس الحق برا والباطل إثما وعدوانا؟
إنه لو ترك الناس على فطرهم التي فطرهم ال عليها ،ل يُكرهون على اعتقاد الحق
ول على اعتقاد الباطسل ،وإنمسا يعرض عليهسم هذا وذاك ،لختاروا الحسق ونبذوا الباطسل،
فالفطر السليمة التي لم تجتلها الشياطين ل تفضل الظلمات على النور ،ول الضلل على
الهدى ،ول العدل على الظلم ،ول الفسسسساد على الصسسسلح ،ول الرجسسسس والفسسسسق على
الطهارة والتقوى ،ول الشرك والكفسسر على اليمان والتوحيسسد ،ول القسسسوة والعنسسف على
الرحمة واللين.
ولكسن كسل مولود يولد على الفطرة ،كمسا ثبست عسن النسبي صسلى ال عليسه وسسلم مسن
-1الملك.2 :
-2النبياء.35 :
-3محمد.4 :
-4محمد.31 :
-5النفال.17 :
-6الحزاب.11 :
-7الفرقان.20 :
206
علَيْهِس وَسَسلّمَ مَا مِنْس ل قَالَ رَسسُولُ الِّ صَسلّى اللّهسم َ حديسث أبسي هريرة ،رضسي ال عنسه[ :قَا َ
ج الْبَهِيمَةُ بَهِي َمةً
علَى الْفِطْرَ ِة َفأَبَوَا هُ يُ َهوّدَانِ هِ وَُينَ صّرَا ِن ِه أَوْ يُ َمجّ سَانِهِ كَمَا تُنْ َت ُمَ ْولُو ٍد إِلّ يُولَدُ َ
ل أَبُو هُرَيْرَةَ َرضِي اللّهم عَنْهم (فِطْرَ َة الِّ الّتِي ن جَدْعَاءَ ثُمّ َيقُو ُ ن فِيهَا ِم ْ جَمْعَاءَ َهلْ ُتحِسّو َ
1
ل ِلخَلْقِس الِّ َذلِكَس الدّينُس ا ْلقَيّمسُ) لهذا كله اقتضست حكمسة ال أن علَيْهَا لَ تَ ْبدِي َ
فَطَ َر النّاسَس َ
يكون لكسل مبدأ مسن يحمله مسن البشسر يعتقدونسه ويعملون بسه ،ويدعون إليسه ويدافعون عنسه
وينصسرونه ،ولو كان ذلك المبدأ هسو الحسق الذي أنزل بسه كتبسه وبعسث بسه رسسله وشرعسه
2
منهجا لكل البشر{ :ذلك ولو يشاء ال لنتصر منهم ولكن ليبلو بعضكم ببعض}.
ومسسن هنسسا وجسسد فسسي الرض معسسسكران :معسسسكر الحسسق ،وهسسم حزب ال ،ومعسسسكر
الباطل ،وهم حزب الشيطان ،وقد سبق الكلم على حزب ال وغاياتهم في السباق بالحق
إلى العقول ووسسسائلهم إلى ذلك ،وكذلك سسسبق الكلم على حزب الشيطان وغاياتهسسم فسسي
السباق بالباطل ،وبقي الكلم على وسائل حزب الشيطان التي يتخذ ها لذلك السباق.
وإذا كانست غايات أهسل الباطسل فسي سسباقهم إلى العقول-تتلخسص فسي الصسد عسن سسبيل
ال ،والتمتسسع المطلق-الذي ل يقيده شرع ال-بمتسسع الحياة الدنيسسا ،وتكذيسسب الرسسسل ومسسا
جاءوا به من وحي ال ،وا ْلحَوْل بين أهل الحق وإقامة الحجة على الناس-لئل يكثر سواد
أهل الحق فتضعف سلطة أهل الباطل-وإخراج الناس من نور اليمان إلى ظلمات الكفر،
والسعي في إحلل الشرك محل التوحيد ،وإنكار اليمان بأصوله وفروعه ،لما يلزم من
غرسه في نفوس الناس من التسليم المطلق ل تعالى ولما جاء به رسوله صلى ال عليه
وسلم ،ونبذ الحكم بما أنزل ال ،والتحاكم إلى الطاغوت ،لما في الحكم بما أنزل ال من
القضاء على فسسسادهم وشرورهسسم ،ولمسسا فسسي تحكيسسم الطاغوت مسسن تحقيسسق مآربهسسم مسسن
العتداء على ضرورات الناس التسسي ل حياة لهسسم مسسستقرة بدونهسسا ،وهسسي الديسسن والنسسسل
والنفسسس والعقسسل والمال-إذا كانسست تلك هسسي غايات أهسسل الباطسسل فسسي سسسباقهم إلى العقول
بباطلهسسم ،فإنهسسم قسسد اتخذوا لتحقيقهسسا كسسل وسسسيلة متاحسسة لهسسم دون تقيسسد بشرع أو قانون،
والغاية عندهم تسوغ الوسيلة.
الوسيلة الولى :تزيين الباطل وزخرفته.
وقد تكون هذه الوسيلة أقدم الوسائل التي اتخذها أهل الباطل للسبق إلى العقول ،بل
ي البشر :آدم وحواء عليهما السلم ،كما قال هي أول وسيلة أضل بها عدو ال إبليس أَبَ َو ْ
تعالى عنه{ :فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءاتهما وقال ما
نهاكمسا ربكمسا عسن هذه الشجرة إل أن تكونسا ملكيسن أو تكونسا مسن الخالديسن وقاسسمهما إنسي
لكما لمن الناصحين فدلهما بغرور} .3
فقد هون-الشيطان-أم َر ال في نفوسهما ،وجعل اللتزام به مؤديا إلى حرمانهما من
العلو والرفعسة والتمتسع الطويسل بالحياة ،وأكسد لهمسا باليمان بأنسه ناصسح لهمسا ل يريسد لهمسا
إل الخيسر ،فكان هسو قدوة أهسل الباطسل فسي تزييسن الباطسل وزخرفتسه والتنفيسر مسن الحسق
والتهوين من شأنه.
-1البخاري :رقم ،1271 :ومسلم.4803 :
-2محمد.4:
-3العراف.20،22 :
207
وقال تعالى حاكيا عزم إبليس على هذا التزيين الماكر ،واستمراره عليه وبذل جهده
في إغواء كل من لم يتحصن بعبودية ال من بني البشر{ :قال رب بما أغويتني لزينن
لهم في الرض ولغوينهم أجمعين إل عبادك منهم المخلصين}.1
وقال تعالى{ :تال لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعمالهم فهو وليهم
2
اليوم ولهم عذاب أليم}.
وبيّن سسبحانه وتعالى أن أهسل الباطسل يقارنون الناس ويزينون لهسم الباطسل ،كمسا قال
تعالى{ :وقيّضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم
3
قد خلت من قبلهم من الجن والنس إنهم كانوا خاسرين}
وهكذا استمر أهل الباطل في كل زمان يزينون الباطل ويزخرفونه ويشوهون الحق
وينفرون منه.
وهانحن في هذا الزمان نشاهد ونسمع ونقرأ من تزيين الباطل والدعوة إليه وتشويه
الحق والتنفير منه ،ما لم يشاهد ويسمع ويقرأ مثله في الزمان الماضية بسبب الوسائل
الكثيرة التي أتيحت في هذا العصر.
فاليهود زينوا كثيرا مسسسن أفكارهسسسم التسسسي يصسسسطادون بهسسسا عقول الناس ،ومسسسن ذلك
الماسونية التي أصبح كثير من أغنياء العالم ومثقفيهم ،بل وبعض حكامهم أعضاء بها،
يدير بهم اليهود مصالحهم في كل البلدان.
والنصارى زينوا نصرانيتهم-مع مخالفتها للفطرة كذلك ،لجعلها الثلثة واحدا والعبد
معبودا من دون ال ،وما فيها من الضللت التي ل تقبلها العقول السليمة-فأضلوا كثيرا
مسن البشسر فسي الرض وبخاصسة الجهال واليتام والمرضسى والمحتاجيسن الذيسن يمدونهسم
بالمال ،ويشترطون عليهم الدخول في دينهم المحرف المزيف!
والوثنيون الذيسن يعبدون مسا ل يحصسى مسن المخلوقات ،مسن شمسس وقمسر وكواكسب
وأشجار وأحجار وحيوانات ونار وغيرهسسا ،زينوا وثنيتهسسم فاتبعهسسا ملييسسن البشسسر فسسي
الرض.
والملحدون زينوا إلحادهسم مسع مخالفتسه للفطرة واتبعسه كثيسر مسن الناس حتسى قامست
عليسه دولة كسبرى عاثست فسي الرض فسسادا أكثسر مسن نصسف قرن ،ثسم تهاوت وتمزقست
وأصسبحت دولهسا تتناحسر فيمسا بينهسا ،بسل أصسبح فسي كسل دولة منهسا أحزاب يتناحرون فيمسا
4
بينهم.
والقوميون زينوا قومياتهم حتى وجدوا من التباع ما أسقطوا به الدين والخلق ،كما
حصل في عهد اليهودي أتاتورك الذي حارب السلم حربا شعواء ،بلغت إلى منع رفع
شعيرة السسلم (الذان) باللغسة العربيسة لغسة السسلم ،وقلده فسي ذلك زعماء فسي البلدان
العربية وغيرها حطموا بالقوميات المنتنة كل مقومات المة السلمية.
والعلمانيون الذيسسن قرروا فصسسل الديسسن عسسن الحياة زينوا ذلك للناس حتسسى أصسسبحت
-1الحجر.39،40 :
-2النحل.63 :
-3فصلت.23 :
-4ول تزال الصسين الشعبيسة تحاول إظهار التمسسك بالشيوعيسة واللحاد ،ولكنهسا فسي طريقهسا إلى القتداء بأختهسا :دولة التحاد
السوفييتي ،طال الوقت أم قصر.
208
غالب دول العالم علمانية تقصي الدين عن الحياة ،بما في ذلك حكام الشعوب السلمية-
إل مسا ندر-وليتهسا أقصست الديسن عسن الحياة فسي أنظمتهسا فقسط وتركست للناس حريتهسم فسي
تطبيق ما يقدرون عليه من السلم ،لو فعلت لكان المر أخف ،ولكنها حاربته وحاربت
دعاته وعلماءه الصادقين.
والمرابون زينوا للناس التعامسسل بالربسسا ،حتسسى أصسسبح هسسو الصسسل فسسي كسسل أنحاء
الرض ،برغسسم مسسا حصسسل منسسه ومسسن ويلت وكوارث على العالم وحوربسست المشاريسسع
القتصسسسسسادية غيسسسسسر الربويسسسسسة ،فلم تأذن غالب حكومات الشعوب السسسسسسلمية بالبنوك
والمصارف السلمية.
وعباد الشهوات زينوا للناس فعسل الفواحسش والمنكرات ،بأسساليب شتسى وبثوا وسسائل
نشرها حتى أصبح عالم الرض من البشر-إل من شاء ال-ل يفكر إل في إشباع غرائزه
بالشهوات من غير تفريق بين حلل وحرام...
وهكذا لم يبق باطل في الرض إل زينه أهله ،بكل وسيلة من الوسائل المتاحة لهم،
ودعوا إليه ،وأوجدوا له أنصارا يكثرون سواده ضد الحق وأهله.
والخلصسسة أنهسسم زينوا للناس الشرك بال والخروج عسسن طاعتسسه وشرعسسه والتعلق
بغيره ،كمسسا زينوا اتباع الهوى والشهوات ،واتخذوا لذلك كافسسة الوسسسائل المتاحسسة للسسسباق
إلى عقول الناس بالباطسل الذي زينوه وزخرفوه ،قلبسا للحقائق وإضلل للعقول وزخرفسة
للباطسل وتنفيرا مسن الحسق .أل ترى كيسف وصسف فرعون شركسه وظلمسه وعلوه وتكسبره
واسستعباده للناس ،والوقوف ضسد رسسول ال موسسى عليسه السسلم ومسا جاء بسه مسن الوحسي
والدعوة إلى التوحيد والعدل والتواضع وغير ذلك من طاعة ال ،وصف كل ذلك بأنه ما
رآه مسن مصسلحة قومسه وهدايتهسم إلى الطريسق الراشسد القويسم؟! كمسا قال تعالى عنسه-وهسو
يقف أمام حجج الرجل المؤمن موقف المهزوم{ :-قال فرعون ما أريكم إل ما أرى وما
أهديكم إل سبيل الرشاد}.1وتزيين الباطل شبيه بالسحر في قلب الحقائق ،كما في حديث
سحْرًاَ ".فقَالَ ن الْبَيَا نِ ِسلّمَ َيقُولُ" :إِنّ ِم َ علَيْ هِ َو َ
صلّى اللّهم َ بُرَيْدَ َة قَالَ :سَمِ ْعتُ َر سُولَ الِّ َ
سلّمَ.
علَيْ هِ َو َ
صَ ْعصَعَةُ بْ نُ صُوحَانَ-وهو أحد رواة الحديث_ :صَدَقَ نَبِيّ الِّ صَلّى اللّهم َ
حبِ حجَجِس مِنْس صسَا ِ علَيْهِس الْحَقّ وَهُ َو َألْحَنُس بِا ْل ُ
جلُ َيكُونُس َ
أَمّاس قَ ْولُهُس إِنّ مِنَس الْبَيَانِس سِسحْرًا فَال ّر ُ
سحَرُ ا ْلقَوْمَ بِبَيَانِ ِه فَ َيذْ َهبُ بِا ْلحَقّ.
2
ق فَ َي ْ
الْحَ ّ
-1الشعراء.226-224 :
-2النعام.83 :
-3النبياء.68 :
-4العنكبوت.24 :
215
{قتسل أصسحاب الخدود ،النار ذات الوقود ،إذ هسم عليهسا قعود ،وهسم على مسا يفعلون على
المؤمنين شهود ،وما نقموا منهم إل أن يؤمنوا بال العزيز الحميد} .1
ولو لم يجسد فرعون جنودا ينصسرون باطله ويحارب بهسم الحسق ،لمسا وصسل إلى ذلك
العلو والتكسبر والجسبروت ،ولهذا قرنسه ال بجنوده فسي السستكبار والعقاب كمسا قال تعالى:
{واسستكبر هسو وجنوده فسي الرض بغيسر الحسق وظنوا أنهسم إلينسا ل يرجعون ...فأخذناه
وجنوده فنبذناهم في اليم فانظر كيف كان عاقبة الظالمين} .2
والذي يتأمسل مسا يحدث اليوم فسي العالم ،مسن قيام جنود طغاة الباطسل بمناصسرته بالقوة
ومحاربة الحق وأهله بالقوة ،يظهر له خطر هذه الفئة على الحق وأهله ،3ولو تخلت هذه
الفئة عن مناصرة الباطل وتركت دعاته ودعاة الحق يتسابقون إلى العقول ،كل يدلي بما
يؤيسد دعوته بالطرق السسلمية ،لمسا وجد أهسل الباطسل لنفسسهم مكانسا يقودون فيسه المة إلى
مهاوي الهلك ،ولهذا ينال جنود الباطسل وطغاتسه عقابهسم مسن الحسق جسل جلله ،كمسا قال
تعالى{ :فأخذناه وجنوده} .4
خامسا :فئة الجواسيس.
تمهيد :التجسس قسمان:
القسم الول:تجسس مشروع.
وهسو أن يقصسد منسه ولي أمسر المسسلمين معرفسة بعسض الصسالحين مسن أفراد رعيتسه،
ليسسند إليهسم وظيفسة مسن الوظائف التسي تتحقسق بهسا مصسالح الرعيسة ،أو يقصسد منسه معرفسة
أهسسل الرّيَسب والجرام ليتجنسسب توليتهسسم على مصسسالح الرعيسسة أو يحمسسي الرعيسسة مسسن
إجرامهم ،أو يقصد منه جمع المعلومات عن العدو الحربي ،لحماية الدولة السلمية من
العدوان ،وإعداد العدة الكافية لهزيمته....
227
مظاهر التمكين للباطل ،ومحاصرة الحق في
وسائل العلم.
ويمكننسا تَبَيّنُس مظاهسر نشسر الباطسل وبثسه والتمكيسن له فسي وسسائل العلم ،ومظاهسر
محاصرة الحق وأهله والحجر على عقول الناس من أن يصل إليها الحق عن طريق تلك
الوسسائل ،يمكننا تبيين ذلك من واقع وسسائل العلم فسي كسل البلدان التي يحارب حكامهسا
الحق وينصرون الباطل.
المظهر الول:إسناد الوظائف العليا إلى من يسند
الباطل.
الوظائف العليسا هسي مراكسز التوجيسه والتخطيسط والمتابعسة ،وهسي ل تسسند إل إلى مسن
عُ ِرفُوا بحسب الباطسل ومناصسرته ومسن أُشْرِبتْس نفوسسهم حسب الفسساد ونشره فسي الرض
وإشاعة الفواحش ووسائلها ،كما عرفوا ببيع نفوسهم بثمن بخس لمن يمنحونهم مناصب
هذه الوسسيلة ،واسستعدادهم الكامسل ليكونوا أبواقسا لهسم يتلمسسون-ولو مسن بعسد-مسا يرضسي
قادتهسسم ،فيسسسخرون وسسسائل العلم كلهسسا لتحقيسسق ذلك الهدف ،مبالغيسسن فسسي قلب الحقائق
وتضليسل الناس ،ليصسبح الحسق عندهسم باطل والباطسل حقسا ،ويترتسب على اختيار هؤلء
الموظفين الكبار الذين هذه بعض صفاتهم ،أن يجمعوا حولهم موظفين من جنسهم وعلى
شاكلتهسسم ،يبالغون فسسي إرضائهسسم كمبالغتهسسم فسسي إرضاء القادة الذيسسن اختاروهسسم ،وبذلك
تصسسبح وسسسائل العلم-فسسي الغالب-مصسسادر تضليسسل وكذب وقلب حقائق ،تطرق عقول
الناس-باسستمرار-بالباطسل وتحول بيسن تلك العقول وبيسن وصسول الحسق إليهسا ،إل مسا ندر
مما فيه مصلحة تعينهم على تثبيت الباطل ،وإزالة الحق ومطاردته.
المظهممر الثانممي :فتممح أبواب هذه الوسممائل لذوي
الفكار الفاسدة.
مسن أبرز هذه المظاهسر :فتسح أبواب هذه الوسسائل كلهسا لذوي الفكار الفاسسدة والعقائد
الكافرة والخلق المنحطسسة ،لنشسسر أفكارهسسم وعقائدهسسم وأخلقهسسم بيسسن الناس ،وإبراز
أصحاب هذه الفكار والعقائد والخلق ،وإطراؤهم إطراء يجعلهم أمام عامة الناس قادة
يُتّبَعون وزعماء يُقتَدَى بهم ،ويثنى على أفكارهم وعقائدهم وأخلقهم ،مع تكرار أفكارهم
واختيار الوقات المناسسسبة لنشرهسسا ،بحيسسث يعرض على أكسسبر قدر مسسن المتلقيسسن وهسسم
مستعدون لستقبال النشر.
وبنظرة عجلى إلى شاشات التلفاز فسسي العالم-ومنسه العالم السسلمي-وبإصسغاء قليسسل
إلى جهاز المذياع ،وبتصسسفح يسسسير فسسي الصسسحف والمجلت ،سسسترى وجوهسسا ،وتسسسمع
أصسسواتا ،وتقرأ صسسفحات ،لمثال أولئك المفسسسدين الذيسسن أفسسسدوا عقول الناس بأفكارهسسم
وعقائدهم ،وجعلوهم َي سْبَحون في بحار منتنة من السلوكيات التي زينوها لهم وساقوهم
إليها سوقا عن طريق وسائل العلم.
إن المفكرين الذين يسيطرون على وسائل العلم بأفكارهم ،هم العلمانيون الذين-ل
228
أقول :إنهسم يفصسسلون الديسن السسلمي عسن الدولة ،ولكسن أقول :إنهسم-يحاربون السسلم
والداعيسسن إليسسه ،وإن المتفلسسسفين الذيسسن يلبسسسون ثياب الفلسسسفة ،ومسسن يسسسمون بالدباء
والشعراء والمثقفيسن الذيسن يشككون فسي الوحسي والرسسالة واليوم الخسر ،ويسسخرون مسن
أحكام السسسلم ،وإن الباحييسسن الذيسسن يسسسمون بالفنانيسسن ،مسسن الذيسسن ينشرون الفاحشسسة،
ويدعون إلى الخلق الفاسسسدة والوقوع فسسي حمأتهسسا ،مسسن ممثليسسن ومسسسرحيين ومغنيسسن
وراقصسين وبهلوانييسن وغيرهسم ،هؤلء كلهسم هسم الذيسن تفتسح لهسم وسسائل العلم أبوابهسا،
وتصسسفهم بالنجوم والرواد والدباء والكتاب ،وهسسم الذيسسن ضلت بهسسم الشعوب السسسلمية
وتحطمت معنوياتها وانحطت أهدافها حتى أصبحت فيما أصبحت فيه من الذلة والهوان
والتبعية.
المظهممر الثالث :نشممر وسممائل الفواحممش وإشاعممة
والمنكرات.
وهذا المظهسسر فسسي غايسسة الوضوح فسسي وسسسائل العلم ،فإن كثيرا ممسسا تنشره تلك
الوسسائل هو من المنكرات والفواحش التسي تغضسب ال ورسوله والمؤمنيسن ،ول ترضي
إل من يحارب ال ورسوله والسلم.
:
وهسي الغنيات التسي تزيسن الفاحشسة صسراحة أو ضمنسا ،بأصسوات نسساء فقدن الحياء
واسستمرأن السسقوط فسي مسستنقع الرذيلة ،فَ َيفْتِنّ بأغنياتهسن المتضمنسة للدعوة إلى المنكسر،
وبأصسسواتهن الخاضعسسة بقول المنكسسر شباب سَ المسسة وشاباتهسسا الذيسسن يجهلون دينهسسم ،ولم
يتربوا عليه التربية التي تقيهم الفسق والعصيان.
وكذلك يفتنّهسم بتكسسرهن وتمايلهسن وبعريهسن الفاضسح المعسد للفتنسة ،يشاهسد ذلك الناس
فسي المسسارح والمراقسص مباشرة ،أو فسي شاشات التلفاز فسي البيوت ،وقسل مثسل ذلك فسي
المغنين من الرجال.
الشاهد الثاني:شغل أوقات الناس بأنواع الرقص.
والرقسسسص يعسسسد إعدادا يجذب إليسسسه كسسسل فئاتهسسسم :الصسسسغار "الطفال" والمراهقيسسسن
والشباب ،الرجال والنساء ،الحضريين والعراب.
إن الذي يتتبع وسائل العلم التي يسيطر عليها أعداء الحق في الشعوب السلمية،
ليهوله مسا يشاهده مسن كثرة الرقسص والراقصسين وشغسل الناس بذلك وإلهائهسم بسه ،هذا مسع
مسسا يصسساحبه مسسن عري فاضسسح ،وبخاصسسة فسسي الفتيات المراهقات ،ومسسن اختلط الشبان
والشابات ،واحتضان بعضهسسم لبعسسض أمام الجماهيسسر المشاهدة فسسي المسسسارح مباشرة أو
229
على شاشات التلفاز.
الشاهممد الثالث :الشادة بأعمال مفسممدي الجيال
المسلمة.
وهسم الذيسن يسسمونهم بالفنانيسن والدباء والمفكريسن(وكثيسر منهسم إباحيون) تخصسص
وسسسائل العلم أوقات طويلة لجراء مقابلت معهسسم ،لبراز تاريخهسسم المليسسء بالفسسساد
الخلقسي والفسساد الجتماعسي والقدوة السسيئة ،وللشادة بأعمالهسم الفنيسة العفنسة وتزيينهسا
ودعوة الناس إلى متابعتهسا والقتداء بأسساطينها العظام ،الذيسن ينتقدون الدعوة إلى العفسة
والطهر وحجاب المرأة ،والبعد عن اختلط الرجال والنساء غير المشروع ،والنهي عن
خلوة الرجسل بالمرأة ،ويدعون إلى تعاطسي كسل مسا يسسهل فعسل المنكرات والفواحسش باسسم
حريسسة المرأة ،وعملهسسا ،والثقسسة فيهسسا ،وباسسسم التنميسسة واسسستغلل الطاقات ،وباسسسم إحياء
التراث الشعسسبي ،والبعسسد عسسن التزمسست والجمود ،وغيسسر ذلك ممسسا يزينون بسسه المنكسسر
ويظهرونه في صورة المعروف ،ويشوهون به المعروف ويظهرونه في صورة المنكر،
وبذلك يقلبون الحق باطل والباطل حقا ،ويضللون عقول الجهال-وما أكثرهم-بدعاياتهم.
الشاهمد الرابمع:نشمر حوادث المنكرات والفواحمش،
وقصص الغرام.
والعلقات المحرمة-أي يشيعون الفاحشة بين الناس-للغراء بها والتحريض عليها،
مع الصور التلفازية أو الفوتوغرافية.
الشاهمممد الخاممممس:الفلم المعدة لنشمممر وسمممائل
الفاحشة.
وقسد تكون تلك الفلم المعدة مكشوفسة فسي نقسل صسورة الفواحسش مباشرة ،فل يؤذن
بنشرهسا فسي أجهزة العلم الرسسمية ،ولكسن يعطسى أهلهسا الذيسن أعدوهسا الضوء الخضسر
لنشرهسا وتداولهسسا بيسن السسر وفسسي ملتقيات خاصسسة مسن أجسسل هدم الخلق وإشاعسة قلة
الحياء ،وقسسد تكون متضمنسسة للدعوة إلى الفاحشسسة بنشسسر وسسسائلها ،كأفلم الغرام والحسسب
التسسي تحرض على الخلوة بالمرأة المتزينسسة المتبرجسسة ،وتعرض مسسا يحصسسل بيسسن المرأة
والرجسل مسن عناق وقبلت ونظرات وتبادل كلمات غراميسة سساقطة ،وهذه الفلم إمسا أن
تنشسر كمسا هسي فسي البلدان التسي وصسل حكامهسا إلى درجسة مسن الوقاحسة وقلة الحياء فسي
محاربسة الفضائل ونشسر الرذائل ،وإمسا أن تحذف منهسا بعسض اللقطات المثيرة خشيسة مسن
انتقاد بعسض الغيوريسن مسن أبناء البلدان التسي ل زال يوجسد فيهسا مسن يقول كلمسة الحسق-
وبخاصسسة إذا طفسسح الكيسسل وبلغ السسسيل الزبسسى ،واللقطات التسسي تحذف فسسي هذه الفلم
يستطيع من يريد مشاهدتها شراء الفلم نفسها من محلت متخصصة في بيعها…
قد يقال :ما صلة هذه المور بالسباق إلى العقول؟
والجواب أن المقصود بالسباق إلى العقول عند أهل الباطل ،هو شغلها بالباطل الذي
يصدها عن الحق ،وهذه المور كلها تؤدي إلى هذا الهدف.
230
فإذا راقبست كثيرا مسن الناس وجدت هذه المور قسد اسستولت عليهسم وشغلتهسم وألهتهسم
فل يفكرون فسي الخيسر والفضيلة-إل مسن هداه ال وتفقسه فسي الديسن واتجسه إلى ال-لن هذه
المور قد وضعت حواجز بينهم وبين الخير والفضيلة والتفكير فيهما
-1وقسد ارتقست بعسض الحكومات فسي الشعوب السسلمية اليوم إلى إقامسة علقات دبلوماسسية مسع اليهود ،بعضهسا باسسم سسفارات،
وبعضها باسم مكاتب ،مع المواقف المتشدد المبنية على التدين اليهودي الذي اتبعته حكومة الليكود بزعامة نيتان ياهو!
-2وقد تم هذا العقد في هذه اليام في أوائل شهر ربيع الول 1417ه.-
235
المظهممر السممادس :تقليممد أجهزة العلم الجنبيممة،
في المصطلحات.
ومن تلك المظاهر تقليد أجهزة العلم التابعة للدول الحاكمة للشعوب السلمية
لجهزة العلم النصرانية واليهودية والشيوعية ،والوثنية في الغرب أو الشرق ،في
إدخال المصطلحات التي ترددها هذه الجهزة الكافرة ضد السلم والمسلمين في
قاموس تلك الجهزة العلمية المقلّدة.
مصطلح الصولية.
ومسسن ذلك مصسسطلح( :الصسسولية )1التسسي تطلق فسسي الغرب على فئة معينسسة مسسن
النصسسارى البروتسسستانت ،الذيسسن يتمسسسكون بظواهسسر نصسسوص محرفسسة تمسسسكا جامدا،
ويحكمون على كل من يخالف ظواهر نصوصهم تلك من النصوص المحرفة أيضا عند
الفئات النصسرانية الخرى بأنهسم على باطسل ،وأن الحسق هسو ظواهسر نصسوصهم المحرفسة
فقط ،ويقفون موقفا متشددا ضد كل من يخالفهم ،ويتسم تشددهم بالعنف.
هذا المعنسى المولود فسي الغرب أطلقسه أعداء السسلم مسن اليهود والنصسارى على كسل
مسن تمسسك بالسسلم تمسسكا صسحيحا ودعسا إليسه ،وهسو-بهذا المعنسى-إطلق ظالم جائر ،ل
أصل له في القاموس السلمي ،بل إن كلمة (أصول) في الشريعة السلمية تطلق على
علم يروض العقسل على البحسث والسستنباط ،انطلقسا مسن قواعسد يندر وجود مثلهسا فسي أي
ديسن أو أي علم عنسد غيسر المسسلمين ،إنسه علم أصسول الفقسه الذي هسو ميزان دقيسق يضبسط
منهسج الفقيسه فسي اسستنباط الحكام ،ويعصسمه مسن الزلل فسي اجتهاده ،يعلم ذلك كله مسن له
إلمام بهذا العلم العظيسسم مسسن المسسسلمين وغيرهسسم ،ولذلك تطلق كلمسسة" :أصسسولي" على
المتخصص في هذا العلم ،وجمعه" :أصوليون" والذي يتقن هذا العلم يصول ويجول في
ميدان الفقسه المسستنبط مسن القرآن والسسنة وهسو متحرر العقسل مسن التقليسد العمسى ،عارف
أيسن يضسع قدمسه آمسن مسن المزا لق التسي يقسع فيهسا مسن يجهسل هذا العلم ،مقدر للمصسالح
الراجحسة والمفاسسد حسق قدرهسا ،ويكفسي مسن أراد الوقوف على حقيقسة ذلك قراءة جزء مسن
المقاصسسد مسسن كتاب "الموافقات" للمام الشاطسسبي رحمسسه ال ،هذا هسسو الصسسولي عنسسد
المسلمين.
وقسد يطلق على العالم المتضلع فسي العقيدة (اليمان) وقسد يسسمى فيلسسوفا-والصسل أن
يسمى حكيما-ومع ذلك أطلق أعداء السلم من اليهود والنصارى وغيرهم كلمة أصولي
أو أصوليين ،على علماء السلم وأتباعهم من المتمسكين بالدين الداعين إليه بالموعظة
والحكمسة والمجادلة بالتسي هسي أحسسن ،كمسا أطلقوا على الدعوة إلى السسلم وتطسبيقه فسي
العالم السسلمي كلمسة "أصسولية" التسي يعلمون أنهسا مصسطلح غربسي ينفسر مسن يسسمعه مسن
أهسل الغرب ،والهدف مسن ذلك تلبيسس السسلم والمسسلمين بثوب لم يفصسل عليهمسا ،وإنمسا
فُص سسّل على مبدأ يجافسسسي السسسسلم ويضاده وعلى فئة بعيدة كسسسل البعسسسد عسسسن الجماعات
-1وتطلق كلمسة أصسولي فسي اللغسة النجليزيسة ( )Juristعلى الضليسع فسي القانون ،والمحامسي ،والقاضسي ،وفيهسا نوع شبسه بكلمسة
أصولي في السلم كما سيأتي ،أما الصولية بالمعنى الظالم الذي يطلق على الجماعات السلمية فهو."ESSENTIALISM" :
236
السسلمية ،وذلك للتنفيسر مسن السسلم والمسسلمين والتخويسف منهمسا والتحريسش عليهمسا
لمحاربتهما.
وقسسد راق هذا المصسسطلح لجهزة العلم العلمانيسسة فسسي البلدان السسسلمية ،فأخذوا
يرددونسه فسي وسسائل إعلمهسم كلهسا فسي كسل مناسسبة وأخذوا يطلقون هذا المصسطلح ظلمسا
وعدوانسسسا على علماء أجلء يسسسستحقون أن يوصسسسفوا بالصسسسوليين حسسسسب المصسسسطلح
السسسلمي السسسابق الذكسسر ،ل بحسسسب هذا المصسسطلح الغربسسي الظالم ،كمسسا أطلقوه على
جماعات أبعد ما تكون عن هذا المعنى.
وعلى سسسبيل المثال نذكسسر حزب الرفاه الذي يرأسسسه المهندس " نجسسم الديسسن أربكان"
والذي له فترة طويلة يزاول السسياسة ويدخسل فسي النتخابات ويفوز بأصسوات تمكنسه مسن
المشاركسة فسي الحكسم ،وقسد يفوز بأصسوات ول يتمكسن بهسا مسن المشاركسة فسي الحكسم وهسو
الغالب ،ولم يصسدر منسه شسئ مسن العتداء على أحسد ،بسل يُعتدى عليسه فسي وسسائل العلم
ويحارَب حربسا شعواء ل يحاربهسا حزب آخسر مسن الحزاب التركيسة المعترف بهسا ،ومسع
ذلك إذا فاز ببعسسض البلديات المهمسسة ارتفعسست الصسسوات المعاديسسة للسسسلم واصسسفة له
بالصولي المتطرف ،مع أن هذا الحزب لشدة اعتداله واعترافه بالقومية التركية وعزمه
على نقل النافع من الحضارة المادية الغربية إلى بلده ،أخذ بعض الكتاب الذي يعترفون
بوجود أصسوليين فسي الجماعات السسلمية بالمفهوم الغربسي السسابق-أخذوا يدافعون عسن
حزب الرفاه ويبرؤ ونه من الصولية المذكورة .1
ومسسن ذلك كلمسسة "التطرف" التسسي تطلق على الفرد المسسسلم الملتزم بدينسسه والمسسر بسسه
الناهي عما نهى عنه ،بل إن كلمة التطرف يطلقونها على الجماعات التي هي أشد بعدا
عن الدخول في المسائل الخلفية بين المسلمين ،مثل جماعة الدعوة والتبليغ التي نشأت
فسسي الهنسسد ،وعليهسسا بعسسض المآخسسذ ،ولكنهسسا تحاول أن ل تتدخسسل فسسي السسسياسة الشرعيسسة
السسسلمية ،ول فسسي الخلفات المذهبيسسة الفقهيسسة أو غيرهسسا ،حرصسسا منهسسا على أن تهدي
الناس-بحسب ما تفهمه من السلم-إلى التمسك بالشعائر العبادية والخلقية والزهد في
الدنيسا ،ومسع ذلك يعتقسل أفرادهسا فسي بعسض البلدان السسلمية ،وهسم كعادتهسم يتعبدون فسي
المسساجد ل يؤذون أحدا ،ويوصسفون بأنهسم متطرفون والعالم كله يعلم أن هذه الجماعسة ل
توجسد جماعسة مثلهسا يمكسن أن توصسف بالهدوء و البعسد عسن كسل مسا يثيسر الناس حتسى إنهسا
كانست-ول زالت-تذهسب إلى البلدان الغربيسة والشيوعيسة وتقيسم فيهسا المؤتمرات الحاشدة،
ولكنها في كثير من البلدان السلمية التي تحكمها الدول العلمانية جماعة متطرفة!.2
ونحن ل ننكر أنه يوجد غلة من بعض الفراد أو بعض الجماعات التي وجدت في
العالم السلمي ،لظروف معروفة من أهم أسبابها الغلو العلماني من طغاة الحكم ،ولكننا
نأبى إقرار أمرين:
المسر الول :إطلق كلمسة أصسولي-بالمفهوم الغربسي-على أي فرد مسسلم أو جماعسة
-1راجسسسع على سسسسبيل المثال عدد ،5599الخميسسسس 16شوال ،ص ،9وعدد 5601الربعاء 18شوال ،ص ،7وعدد ،5602
19شوال ص ،6وعدد 5604السبت 21شوال ص ،7وعدد 23 ،5606شوال ص ،8وعدد 24 ،5607شوال ص ،8كلها في عام
1414ه-من جريدة الشرق الوسط (وقد كون أربكان حكومة مع حزب الطريق القويم بزعامة ..الخ.)...
-2راجع الشرق الوسط عدد ،5609:الخميس 26شوال 1414ه-ص ،4وهذه الجريدة من أشد الجرائد حرصا على إيراد هذه
المصطلحات وعلى نشر مقالت الكتاب الذين يستعملونها للتنفير من السلم ودعاته.
مع أنها تنشر بعض المقالت-أحيانا-تبين الحقيقة في هذا الشأن راجع عدد 5611:السبت 28شوال 1414ه-ص .15
237
إسسلمية مهمسا بلغ تطرفهسا ومهمسا وقفنسا ضسد تطرفهسا ،لن هذا المصسطلح أجنسبي وعندنسا
مصسسسطلحات إسسسسلمية تغنسسسي عنسسسه مثسسسل :الغلة وذوو العنسسسف أو الخوارج ،إذا وجدت
الصفات والشروط التي ل يصح الطلق بدون وجودها.
المسسر الثانسسي :إطلق لفسسظ التطرف على كسسل ملتزم بدينسسه داع إليسسه على الوجسسه
المشروع في الكتاب والسنة ،سواء أكان الملتزم الداعي فردا أو جماعة ،وعلى مسؤولي
وسسسائل العلم فسسي البلدان السسسلمية أن يقلعوا عسسن هذا الجناح العظيسسم ،وإل فليعلموا
أنهسم-إن لم يقلعوا عسن ذلك-قسد أصسبحوا فسي صسف أعداء ال ورسسوله الذيسن يشاقون ال
ورسسسوله ويوالون أعداء ال ورسسسوله ،ويتبعون غيسسر سسسبيل المؤمنيسسن{ :ومسسن يشاقسسق
الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم
وساءت مصيرا} .1
مصطلح الرهاب والرهابي.
ومن ذلك :إطلق لفظ" :إرهابي"-نسبة إلى "إرهاب"-على كل من تمسك بالسلم
ودعا إلى العمل به والحكم بشريعته ،وإلى إعداد المسلمين العدة لقامة هذا الدين وإعلء
كلمة ال في الرض ،وحذر من تآمر أعدائه عليه وعلى أهله.
وقسد انتشسر هذا المصسطلح-أصسل-مسن أجهزة العلم الغريبسة ،وبخاصسة بعسد تفكسك
الدول الشيوعيسة-التحاد السسوفييتي-والهدف مسن ذلك توجيسه قادة الغرب الحرب الشاملة
على السلم والتنفير منه ،والتخويف منه بعد أن رأوه ينتشر بسرعة في معاقل العلمانية
الغربية ،ورأوا بيوت ال تنافس كنائس النصرانية في ديارها ،كما رأوا كثيرا من شباب
المسسسلمين المؤهليسسن فسسي جميسسع التخصسسصات ،وفسسي أنحاء الرض كلهسسا ،يعودون إلى
التمسسسك بدينهسسم بقوة ،ورأوا الشعوب السسسلمية تتطلع إلى تطسسبيق شرع ال ،بدل مسسن
قوانين الغرب التي فرضت عليهم بالقوة.
ويعلم قادة الغرب من الباحثين والسياسيين والعسكريين وغيرهم ،أن مبادئ الرض
كلهسا ،ل قدرة لهسا على مواجهسة هذا الديسن ،مسا بقسي سسليما صسافيا مسن التحريسف والتبديسل،
وما بقي له رجال يحملونه ،إيمانا وعلما وعمل ودعوة وإعدادا وعدة للدفاع عنه وتبليغه
إلى الناس كافة.
وقسسد حاول أعداء هذا الديسسن تحريسسف نصسسوصه وتشويسسه معانيسسه قديمسسا وحديثسسا ،فلم
يفلحوا في ذلك ،لن ال تعالى قد تولى حفظه بنفسه ،وهيأ له من يحميه من علماء المة
جيل بعد جيل.
ولهذا ترى قادة الباطل يبتكرون في كل عصر ما يحاربون به دين ال ،من الوسائل
المعنوية والمادية ،وحربهم له بالوسائل المعنوية أشد على المسلمين من الوسائل المادية.
ذلك أن الوسسائل المعنويسة تشكسك جهلة المسسلمين فسي دينهسم ،وتؤثسر فسي عقول بعسض
-1النساء.115 :
هذا ،ومسع أن رجال العلم المنتسسبين إلى السسلم ل يخجلون مسن ظلمهسم فسي اسستعمال هذه المصسطلحات فسي غيسر محلهسا فقسد
انتقد بعض الكتاب الجانب ذلك في كتاب ألف بعنوان " :انتقام ال" THE REVENGE OF GODويسمى المؤلف :جيل كيبل
ووضح أن كلمتي التطرف والصولية مصطلحات دخيلن على الحركة السلمية ،وأنهما مستمدان من الديانة المسيحية كما ذكرت
ذلك مسسن قبسسل .راجسسع جريدة الشرق الوسسسط-التسسي تبتهسسج بهذه المصسسطلحات الظالمسسة فسسي كسسل أعدادهسسا تقريبسسا-عدد 5626الحسسد
13/11/1414ه-الموافق24/4/1994 :م.
238
الغافلين من المنتسبين إلى العلم ،ممن ل يتنبهون لكيدهم ،كما أن تلك الوسائل تنفر غير
المسلمين من القبال إلى السلم والتعرف على ما فيه من المحاسن ،لينقذوا أنفسهم من
ظلمات الكفر والفسوق والعصيان.
ومن أهم وسائلهم المعنوية التي اجتهدوا في تضليل المسلمين واستغفالهم بها ،وفي
تنفيسسر غيسسر المسسسلمين عسسن التعرف على السسسلم والدخول فيسسه ،مصسسطلحا" :إرهاب
وإرهابسي" اللذيسن تلقاهمسا منهسم كثيسر مسن المسسلمين مسن الكتاب والعلمييسن والسسياسيين،
وغيرهم وأخذوا يطلقونهما على كل فرد أو جماعة أو دولة تدعو إلى تطبيق السلم في
حياة المسسسسسسلمين ،وتنادي بإعداد العدة لجهاد المعتديسسسسسن ،على ضرورات حياة المسسسسسة
السسلمية مسن اليهود والنصسارى والوثنييسن .وأصسبح المرون بالمعروف والنسا هون عسن
المنكسسر مسسن علماء المسسة السسسلمية ودعاتهسسا-الذيسسن يحثون المسسسلمين على إعداد العدة
لرهاب أعدائهم ،والدفاع عن أعراضهم وأوطانهم وأموالهم ،في فلسطين ،وفي كشمير،
وفسي إريتريسا ،وفسي الصسومال ،وفسي الفلبيسن ،وفسي البوسسنة والهرسسك ،وفسي الشيشان...
ومسن يمسد لهسم يسد العون بالمال-إرهابييسن تجسب محاربتهسم والتضييسق عليهسم ،والوقوف
ضدهم في صف أهل الباطل المعتدين على كل حق من حقوق المسلمين.
وغفلوا أو تغافلوا عن نصوص القرآن والسنة ،ومقاصد الشريعة السلمية الرامية
إلى تحقيسق العزة لهذه المسة ،العزة التسي تقيهسا مسن أن يجعسل ال للكافريسن عليهسا سسبيل،
وأن العزة ل تتحقسق لهسم إل بإعداد العدة المسستطاعة التسي ترهسب أولئك العداء ،وتحول
بينهم وبين العدوان على مقدسا تهم وحرما تهم.
وحققوا بذلك مسسسا تمناه أهسسسل الباطسسسل مسسسن تفوقهسسسم على المسسسسلمين فسسسي مجال العلم
والقتصاد والسياسة والعلم والسلح وغيرها ،و من ضعف المسلمين وذلتهم ،ليكونوا
أتباعسا لهسم يصسرفون شؤونهسم كمسا يريدون ،لنهسم قسد سسلبوا هذه المسة سسلح إرهابهسا
عدوهسسا بإعداد العدة ،وأحرزوه لنفسسسهم ،فاختلت الموازيسسن ،وأصسسبح المسسسلمون الذيسسن
شرع ال لهم إرهاب عدوهم أذلة ،وأصبح أعداؤهم من أهل الباطل أعزة عليهم مستقلين
بإعداد العدة التي ترهب المسلمين ،بدل من الصل الذي أراده ال ،وهو :إرهاب أعدائه
الكافريسسن ،وفسسي ذلك إبطال لمسسر ال الشرعسسي ،الذي سسسجله تعالى فسسي كتابسسه الكريسسم:
{ َوأَعِدّوا لَهُم مَسا اس سْ َتطَعْتُمْ مِن ْس قُوّ ةٍ وَمِن سْ ِربَاط ِس ا ْلخَ ْيلِ ترهبون بِه سِ عَد ّو الِس َوعَدُوّكم سْ
ل الِ يُوَفّ ِإلَيْكُ مْ
وَآخَرِي نَ مِ نْ دُونِهِم لَ تَ ْعلَمُو َنهُم الُ يَ ْعلَمُهُم وما تنفقوا مِ نْ شيء ف يِ سَبِي ِ
2
ظلَمُونَ} 1.وطمس لقول الرسول صلى ال عليه وسلم[ :ونصرت بالرعب]. َوأَنْتُمْ لَ ُت ْ
ومعلوم بداهة أن الذي يملك القوة التي يرهب بها عدوه تكون له القيادة في الرض،
وأن الذي ل يملك تلك القوة المرهبسسسة يكون مسسسستضعفا ذليل ،والصسسسل أن تكون العزة
لصاحب الحق ،والذلة لصاحب الباطل!.
فهل يليق بالمنتسبين إلى المة السلمية "أمة الحق" وبخاصة من يعد من المثقفين،
أن يسستخفهم أهسل الباطسل ويجندوهسم لتحقيسق مآربهسم ،فيسستعملوا مرافسق المسسلمين مسن
وسائل العلم وتأليف الكتب ،لعانة أعدائهم عليهم ،وتضليل المسلمين والعبث بعقول
-1النفال.60 :
-2البخاري ،323 :ومسلم.810 :
239
جهالهسم ،بتشويسه المصسطلحات الشرعيسة الواردة فسي القرآن والسسنة ،وجعسل الحسق منهسا
باطل؟!
وليت الذين خدموا أعداء الحق وأنصار الباطل بنشر مصطلحاتهم المشوهة للسلم
والمنفرة منه-كالرهاب والرهابي-اطلعوا على شكوى بعض الغربيين الذين دخلوا في
دين السلم من هجوم قومهم عليهم بتلك المصطلحات الظالمة ،ليخجلوا من مسارعتهم-
متعمدين أو مستغفلين-إلى الوقوف في صف أهل الباطل باستعمال مصطلحاتهم ونشرها
وإطلقها على غير أهلها.
العلوم النظرية.
ومن ذلك :إطلق لفظ (العلوم النظرية) على كافة العلوم السلمية ،حيسث يقال عند
المقارنسة بيسن العلوم السسلمية ،وغيرهسا مسن العلوم الماديسة-التسي هسي مسن فروض الكفايسة
في السلم :-العلوم النظرية والعلوم التطبيقية ،مع أن الدين السلمي كله تطبيق وعمل
فسي حقيقسة المسر ،وقسد تظافرت نصسوص الكتاب والسسنة على أن اليمان الشرعسي يشمسل
3
العتقاد والقول والعمل ،وعلى ذلك جماهير علماء السلم.
-1ولد في عام1931 :م .دكتوراه في القانون ،عمل في وزارة الخارجية اللمانية من سنة 1961م وتولى مناصب في بعثاتها
في عدة بلدان .دخل في السلم سنة 1980م في مدينة بون ،ألف عددا من الكتب ،منها(:نهج فلسفي لتناول السلم) و (دور الفلسفة
السلمية) و (يوميات ألماني مسلم) و (السلم كبديل) وقد شنت أجهزة العلم اللمانية عليه حملة عنيفة بسبب تأليفه هذا الكتاب
الذي يرى فيه أن السلم هو المؤهل لنقاذ المم مما هي فيه من شقاء وضنك .و (السلم عام )2000و (رحلتي إلى مكة).
-2جريدة (أخبار العالم السلمي) التي تصدرها رابطة العالم السلمي في مكة المكرمة .عدد )1625( :صفحة ( )9بتاريخ:
25-19جمادى الولى سنة 1418ه 26-20--أكتوبر سنة 1997م.
-3وهذا المعنى مبسوط في كتب العقيدة وكتب التفسير وشروح الحديث .راجع تعريف اليمان في كتاب( :اليمان هو الساس)
240
وإذا تأمسسل الباحسسث أبواب السسلم-أصسوله وفروعسه-وجسد غالبهسا عمليسسة ،فالطهارة
عمسسل ،والصسسلة عمسسل ،والزكاة عمسسل ،والحسسج عمسسل ،والصسسيام عمسسل ،والجهاد-إعدادا
وتنفيذا-عمل ،والبيع والشراء المشروعان ،والشركات بأنواعها عمل ،والقضاء والحسبة
والمسر بالمعروف والنهسي عسن المنكسر عمسل ،والتعاون على البر والتقوى عمسل ،وهكذا
ما قد يظن الجهال أنه ليس من السلم كالصناعة والزراعة والتطبيب وغيرهما ،وكل
باب من أبواب القتصاد عمل ،والتعليم والعلم والسياسة الشرعية ،كل ذلك عمل.
ويجسسب أن يعلم أن كسسل أعمال المسسسلم-سسسواء منهسسا مسسا كان مسسن العبادات أو مسسن
المعاملت هسي مسن السسلم ،يثاب على فعلهسا أو تركهسا إذا قصسد العبسد بفعلهسا التقرب بهسا
إلى ال ،والدلة متظافرة على ذلك ،وقد بسط العلماء القول فيها.
ويكفسي أن تعلم أن أعمال العبسد كلهسا ل تخرج عسن الحكام التكليفيسة الخمسسة ،وهسي:
الواجب والمندوب والمباح والمحرم والمكروه ،وهي الحكام الشرعية التي بينها علماء
أصول الفقه في كتبهم ،فمن فعل الواجب أو المندوب أو المباح قاصدا بذلك التقرب إلى
ال أثابسسه ال على ذلك ،ومسسن ترك المحرم والمكروه قاصسسدا بسسه وجسسه ال أثابسسه ال على
ذلك ،ومسن فعسل المحرم عاقبسه ال على فعله ،ومسن ترك الواجسب عاقبسه ال على تركسه.
وهذا يدل على أن ذلك كله عبادة ،وهسو عمسل وتطسبيق ...وتقسسيم العلماء أبواب الشريعسة
إلى عقائد وعبادات ومعاملت ،إنما فصدوا به تقريب أبواب هذه الشريعة لطلب العلم،
وإل فكلها دين وكلها إسلم ،وإن اعتبر بعضها أصول وبعضها فروعا....
فكيف يقال بعد هذا كله :إن العلوم السلمية نظرية غير تطبيقية؟!
وإن الذيسسن يطلقون هذا المصسسطلح على علوم السسسلم ل يخلون مسسن إحدى طوائف
ثلث:
طائفة ماكرة من أهل الباطل الذين يتعمدون هذا الطلق ،للتهوين من شأن السلم،
وأنه من المور النظرية التي ل تتوقف حياة المسلمين وتقدمهم على تطبيقها ،وهذا هو
منهج من يسمون بالعلمانيين ،بدليل أنهم يحاربون تطبيق الشريعة السلمية والدعاة إلى
ذلك التطبيق .وإنما تعمدوا هذا الطلق ليغرسوا هذا المعنى-وهو تهوين شأن السلم-
في عقول أبناء المسلمين...
وطائفة جاهلة تلقفت هذا المصطلح من الطائفة السابقة ،وأطلقته دون وعي لمقاصد
أهل الباطل في هذا الطلق.
وطائفسة غافلة ،أي إنهسا أطلقست هذا المصسطلح عسن غفلة-بسسبب التضليسل العلمسي-
وليس عن جهل ،فإذا نبهت على خطر هذا الطلق نبذته وحذرت منه.
للمؤلف.
241
وهسسي التسسي تمسسس حياة الناس ويتوقسسف على إحرازهسسا تقدم الشعوب ،بخلف العلوم
النظرية ،وعلى رأسها العلوم السلمية وما يخدمها.
ويكفسي أن يذكسر المسسلم الحرب الشعواء على مدارس تحفيسظ القرآن الكريسم ،ومعاهسد
الئمة والخطباء والقضاة في بعض البلدان السلمية-ومنها تركيا-
أليس المسلمون في حاجة إلى مفتين وقضاة شرعيين وأئمة وخطباء وأساتذة لتعليم
أبنائهم العلوم السلمية وما يخدمها كاللغة العربية بفروعها ،والحضارة السلمية عبر
التاريخ ....كحاجتهم-بل أشد-إلى أطباء ومهندسين وصناع...؟!
وقل من تنبه لخطر هذا الطلق في وسائل العلم المضللة وحذر منه ،بل أصبح
كثير من الكتاب والدباء والمؤلفين والعلميين يستعملونه ،وصار عند عامة المسلمين
من المسلمات التي ل تناقش .ول شك أن هذا من تخطيط أهل الباطل في سباقهم بباطلهم
إلى عقول أبناء المسلمين.
عبدة الشيطان!
ومن ذلك :مصطلح( :عبدة الشيطان) الذي اهتمت به وسائل العلم في هذه الحقبة
مسسن الزمسسن ،حيسسث أطلق على مسسن سسسموا أنفسسسهم بذلك ،ممسسن ظهروا فسسي بعسسض البلدان
السسلمية والغربيسة .ويوهمون كثيرا مسن الناس-ومنهسم بعسض المسسلمين-أنسه ل يطلق هذا
اللفسسظ إل على أمثال هؤلء ممسسن يصسسرحون بأنهسسم يعبدون الشيطان ،مسسع أن هذا اللفسسظ
يطلق فسسي القرآن وفسسي السسسنة على مسسن اتبسسع سسسبل الشيطان مخالفسسا أمسسر ال وصسسراطه
المستقيم شامل لعدد كبير ممن ينتسبون إلى السلم بأسمائهم ويحاربونه بسلوكهم.
والذي يتتبع بعض اليات القرآنية يتبين له أن كثيرا من المنتسبين إلى السلم الذين
ل يصسرحون بأنهسم مسن عبدة الشيطان ،بسل قسد يسستعيذون منسه ويلعنونسه ،هسم أشسد عبادة
للشيطان ممسن يصسرحون بأنهسم يعبدونسه ،وبخاصسة أولئك الطغاة الذيسن حرموا الشعوب
السسلمية مسن التمتسع بحكسم ال الذي أنزله فسي كتابسه وسسنة رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم،
وأحلوا محله الحكسم بالطاغوت .بسل إن هؤلء هسم السسبب الرئيسس لظهور مسن يصسرحون
بعبادة الشيطان ،لنهسم لو حكموا كتاب ال وسسنة رسسوله صسلى ال عليسه وسسلم فسي حياة
الناس لوجدوا المناخ السسسسلمي الذي يقسسسي المسسسسلمين-وغيرهسسسم-مسسسن اتباع خطوات
الشيطان ،وقضوا بذلك على الوسسسائل الداعيسسة إلى عبادة الشيطان ...ولكنهسسم-مسسع تمجيسسد
وسسائل العلم لهسم-لم يدَعوا خطوة مسن خطوات الشيطان خطوهسا ،ول سسبيل مسن سسبله
إل سلكوها.
طيّبًا وَلَ تَتّبِعُوا خُطُوَاتِ
ض حَلَلً َ وال تعالى يقول{ :يا أيها النّاسُ ُكلُوا مِمّا فِي الَْرْ ِ
1
ن إِنّ ُه لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ()168
الشّيْطَا ِ
خلُوا فِي السّسلْمِ كَافّةً َولَ تَتّبِعُوا خُطُوَاتِس الشّيْطَانِس إِنّهُسويقول{ :يسا أيهسا الّذِينَس آمَنُوا ا ْد ُ
لَكُمْ عَ ُدوّ مُبِينٌ(.2)208
ويقول{ :وَمِنسسْ الَْنْعَامسِس حَمُولَةً َوفَرْشًسا ُكلُوا مِمّاسس رَ َزقَكُمسْس الُّس وَلَ َتتّبِعُوا خُطُوَاتسسِ
-1البقرة
-2البقرة.
242
1
ن إِنّ ُه لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ(.)142 الشّيْطَا ِ
طوَا تِ الشّيْطَا نِ وَمَ نْ يَتّبِ ْع خُطُوَا تِ الشّيْطَا نِ ن آمَنُوا لَ تَتّبِعُوا خُ ُ ويقول{ :يا أيها الّذِي َ
علَيْكُمْس وَ َرحْمَتُهُس مَا زَكَا مِنْكُمْس مِنْس َأحَ ٍد أَبَدًا ل الِّ َ ضُ
ل َف ْ َفإِنّهُس َيأْمُرُ بِا ْل َفحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ َولَوْ َ
2
علِيمٌ(.)21 ن الَّ يُزَكّي َمنْ يَشَاءُ وَالُّ سَمِيعٌ َ َولَكِ ّ
ومسن أعظسم خطوات الشيطان التحاكسم إلى الطاغوت الذي فرضسه الطغاة على الناس
فرضسسا فسسي كسسل شأن مسسن شؤون حياتهسسم ،والقرآن الكريسسم يدل على تكذيسسب مسسن يدعسسي
اليمان وهسو يتحاكسم إلى الطاغوت ،ويدل على أن مسن أطاع غيسر ال فسي تحليسل مسا حرم
أو تحريسسم مسسا أحسسل قسسد عبسسد غيره تعالى .فكيسسف بمسسن شرع للناس تحليسسل مسسا حرم ال أو
تحريم ما أحل ال وفرض ذلك فرضا على الناس ،وفرض عليهم التحاكم إلى الطاغوت
بسطوته وسلطانه.؟!
ح ابْنَس مَرْيَمَس وَمَا قال تعالى{ :اتّخَذُوا َأحْبَارَهُمْس ورهبسا نهسم أَرْبَابًا مِنْس دُونِس الِّ وَالْمَسسِي َ
3
ل ِإلَ َه إِلّ ُهوَ سُ ْبحَانَهُ عَمّا ُيشْرِكُونَ(.)31 أُمِرُوا إِلّ لِيَعْ ُبدُوا ِإلَهًا وَاحِدًا َ
ن قَ ْبلِ كَ ل ِإلَيْ كَ وَمَا أُن ِزلَ مِ ْ
ن أَنّهُ ْم آمَنُوا بِمَا أُن ِز َ
عمُو َ
وقال تعالىَ{ :ألَ مْ تَ َر ِإلَى الّذِي نَ يَزْ ُ
ضلّهُمْس يُرِيدُونَس أَنْس يَ َتحَاكَمُوا ِإلَى الطّاغُوتِس َوقَ ْد أُمِرُوا أَنْس يَ ْكفُرُوا بِهِس وَيُرِيدُ الشّ ْيطَانُس أَنْس ُي ِ
4
ضَلَلً َبعِيدًا (.})60
المظهر السابع :محاصرة كل وسيلة إعلمية تحمل
الحق.
وكمسسا تفتسسح أجهزة العلم البواب لفكار أهسسل الباطسسل الفاسسسدة ،لتصسسل إلى عقول
الناس ،فإنهسسسا تحاصسسسر أفكار أهسسسل الحسسسق مسسسن أن تصسسسل إلى تلك العقول .وذلك باتباع
السلوبين التيين:
السلوب الول :عدم الذن بالمطبوعات التي تتضمن بيان الحق وفضح الباطل.
سواء كانت تلك المطبوعات كتبا أو جرائد ومجلت،أو منشورات ،تمنع طبعا وبيعا
وتوزيعا في داخل الشعوب السلمية التي يحارب حكامها الحق.
السلوب الثاني :استنفار جيش الجمارك لمنع وسائل الحق.
نعسسم يسسستنفر قادة الباطسسل جيشسسا كسسبيرا مسسن الموظفيسسن فسسي إدارات البريسسد والجمارك
الجويسة والبريسة والبحريسة ،لرصسد المطبوعات وشرائط الكاسسيت والفيديسو التسي ترد إلى
الشعوب السسلمية-ولو كانست مسن بلد إسسلمي-وهسي تحمسل الحسق ،فتصسادر وتمنسع مسن
الوصسسول إلى عقول الناس فسسي داخسسل تلك الشعوب ،مسسع تيسسسير دخول الوسسسائل المماثلة
التسسي تحمسسل الباطسسل ،بحيسسث تغرق بهسسا المكتبات التجاريسسة وتكون فسسي متناول الفراد
والسر ،وكذلك تسهل سبل نشر الكتسب والجرائد والمجلت وأشرطة الكاسيت والفيديو
التي تنشر الباطل سواء أكان عقديا أو فكريا أو أخلقيا ،يؤذن بطبعها وبيعها وتوزيعها،
وقسد تتولى إدارات العلم فسي تلك الشعوب السسلمية توزيسع تلك الوسسائل مجانسا إمعانسا
-1النعام.
-2النور
-3التوبة.
-4النساء.
243
في نشر الباطل ومحاصرة الحق.
وتَدعمُس محاصسر َة الحسق والحجسر على العقول منسه ،بمنسع كسل وسسيلة إعلميسة تحمله،
ونشر الباطل وتسهيل كل وسيلة تحمله إلى عقول الناس ،أنظمةٌ إعلمية وأجهزة إدارية
تنفيذيسة ظاهرة وخفيسة تسسهر على تنفيسذ المخطسط الثسم الذي قصسد بسه الحجسر على العقول
من أن يصل إليها الحق ،وفتح البواب للباطل ليستقل بتلك العقول.
بل إن بعض محاربي الحق الداعمين للباطل في بعض البلدان السلمية ،يحاربون
مسن أعلن توبتسه إلى ال مسن العمال التسي تصسرف عقول الناس عسن الحسق إلى الباطسل،
ويمنعون كتبهم ومذكراتهم بسبب توبتهم ،خشية من أن يكثر التائبون إلى ال ويقل رواد
الفتنسة وناشرو الفواحسش والداعون إلى المنكرات ،كمسا قال تعالى{ :وَالُّ يُرِي ُد أَنْس َيتُوبَس
1
ت أَنْ تَمِيلُوا مَيْلً عَظِيمًا (.)27
علَيْكُمْ وَيُرِي ُد الّذِينَ يَتّبِعُونَ الشّهَوَا ِ
َ
وهؤلء الذين يحجرون على العقول من أن يصل إليها الحق في وسائل العلم ،أو
ييسرون السبل لوصول الباطل إلى تلك العقول عن طريق تلك الوسائل ،هم في الحقيقة
أشسسد خطرا على السسسلم والمسسسلمين مسسن قطاع الطرق الذيسسن يخيفون السسسبل ويسسسلبون
الموال ويزهقون الرواح .ذلك أن قطاع الطرق يشعسسر الناس كلهسسم بخطرهسسم والضرر
الذي ينزلونسسه بالناس ،فيتداعسسى لدرء خطرهسسم الخاصسسة والعامسسة ويتعاون على حربهسسم
الحكام والمحكومون ،فل يدوم خطرهسسم بسسل يزول فسسي وقسست قصسسير-نسسسبيا-أمسسا أعداء
السسلم الذيسن يدأبون بالسسباق إلى العقول بإبلغ الباطسل إليهسا وقطسع الطريسق على الحسق
مسسن أن يصسسل إلى تلك العقول ،فإن خطرهسسم ل يظهسسر-فسسي أول وهلة-إل لفئة قليلة مسسن
الناس ،وهسسم المفكرون السسسلميون مسسن ذوي العلم والبصسسيرة ،والحرص على مصسسالح
المة ،وهؤلء يقف لهم أعداء السلم بالمرصاد مكممين أفواههم من أن تصدع بالحق
وتنبه على الخطر ،مكسرين أقلمهم من أن تخط كلمة تحذر الناس من شرهم وفسادهم،
بسسل إنهسسم ُيضَايَقُونهسسم فسسي رزقهسسم ووظائفهسسم وتنقلتهسسم ،وقسسد يزج بهسسم فسسي السسسجون
والمعتقلت ،وينزل بهم من التعذيب والعقاب ما ل يطاق ،وقد يقتلون في سجونهم غيلة
أو يحكسسم عليهسسم بالقتسسل ظلمسسا وعدوانسسا ،ويعلن للناس أنهسسم مجرمون ،والناس ل يعلمون
حقيقسة المسر ،لن عقولهسم قسد ضللتهسا أجهزة العلم التسي هيسئ لهسا أن تصسل إلى تلك
العقول.
ول يعلم غالب الناس بخطسسر هؤلء المفسسسدين للعقول ،إل بعسسد فوات الوان ،بفسسساد
العقول وما يترتب عليه من آثار مدمرة لحياة المة ،وهنا يكمن الخطر العظيم ،كما هو
واقع المة السلمية اليوم.
246
الوسحححيلة التاسحححعة :إقامحححة محاكحححم
ظالمة لحماية الباطل وأهله.
مقومات هذه الوسيلة:
ولهذه الوسيلة مقومات:
247
المقوم الرابممع :حرمان الظلمممة أهممل الحممق مممن
المحاماة العادلة.
وذلك بمنعهم من يتصدى للمحاماة عن أهل الحق المظلومين ،إذا علم منهم الصدق
والوقوف مع أهل الحق ضد الباطل ،وتعيين أهل الباطل محامين موالين لهم ولباطلهم،
معاديسن للحسق وأهله ،ويترتسب على ذلك أن يكون المدعسي والمحامسي والشاهسد والقاضسي
كلهم من المحاربين للحق المؤيدين للباطل ،وبذلك ل يتوقع أن تصدر من هؤلء القضاة
أحكام عادلة ،بل ظالمة آثمة.1
وقد تستيقظ ضمائر بعض القضاة عند المحاكمة وسماع حجج أهل الحق فيحاولون
تخفيسسف الظلم عنهسسم ،وعندئ ٍذ يلجسسأ الحكام المحاربون للسسسلم-وهسسو الحسسق-إلى تكويسسن
محاكسم خاصسة عسسكرية تصسدر أحكامسا متفقسا عليهسا قبسل إجراء المحاكمسة ،ل تسستغرق إل
وقتا قصيرا ينفذ الحكم بعدها مباشرة.
-1ينطبق على هذه مثل يمني يقول :المدعي من أسلم والشاهد من أسلم ،والقاضي من أسلم ،فكيف أسلم؟! وأسلم :اسم قبيلة.
248
لها كل يوم جمعة ،وحرم عليهم فيها الكلم والتشاغل عنها ،وبذلك كانت المساجد أهم
منطلقات الحق في السباق إلى العقول.
249
مسلكان خطيران.
ولكسن أعداء السسلم المحاربيسن له-وهسو الحسق-اسستولوا على هذه المنطلقات وسسلكوا
بشأنها مسلكين خطيرين:
المسلك الول :إبعاد أهل الحق عن السبق به في
المساجد.
نعم لقد أبعد أهل الباطل أهل الحق والدعاة إليه من علماء المة الصادقين عن توجيه
الشعوب السسلمية مسن تلك المسساجد ،بالتعليسم والدعوة والمواعسظ والخطسب ،والتعاون
على البر والتقوى ،والتنسسبيه على المخاطسسر المحيطسسة بالمسسة مسسن داخسسل بلدانهسسم أو مسسن
خارجهسسا ،كسسل ذلك مسسن أجسسل إبقاء الباطسسل الذي اسسستغلوا كسسل الوسسسائل السسسابقة وغيرهسسا
ليصساله إلى عقول الناس ،والحجسر على تلك العقول التسي ملهسا بالباطسل مسن أن يصسل
إليهسسا الحسسق الذي يملكسسه أولئك العلماء والدعاة ،الذيسسن ل يخافون فسسي ال لومسسة لئم ول
يبيعون دينهم بدنيا غيرهم من أهل الباطل.
المسمملك الثانممي :اصممطناع أئمممة وخطباء مواليممن
للباطل.
وهؤلء الئمة والخطباء قسمان:
القسم الول :جاهسل ،وقد يكون حافظسا للقرآن الكريسم أو كثيرا منه وهسو ل يفهم منه
شيئا ،وقسد يكون عاجزا عسن تلوة بعسض آيات القرآن تلوة صسحيحة ،فإذا خطسب الناس
وجدته ذاعي يلوك لسانه غير قادر على نطق جملة من الخطب المنبرية التي يقرأ منها
نطقسا صسحيحا ،وغالب تلك الخطسب يكون مسن الكلم المسسجوع الميست الذي ل يمست إلى
أوضاع المة الحاضرة بصلة.
القسسسم الثانسسي :عندهسسم علم بالقرآن والسسسنة-فسسي الجملة-وعندهسسم مقدرة على تبصسسير
الناس وتعليمهسم وتتبسع الحداث التسي تنزل بهسم ومسا يعانونسه مسن مشكلت ،وبيان أسسبابها
وآثارها ،والمخارج من مضايقها ،ولكنهم-مع قدرتهم تلك-قد باعوا أنفسهم لعداء الحق،
ونصسبوا أنفسسهم أبواقسا لباطلهسم ،وكثيسر منهسم مسن ذوي التقعسر فسي الكلم والتفيهسق فيسه،
تسسمعهم يوم الجمعسة وهسم يجلجلون بأصسوات مرتفعسة فسي مكسبرات الصسوت على منابر
جوامسع كسبيرة فسي غالب البلدان السسلمية مسن شرق الدنيسا إلى غربهسا ،تنقسل خطبهسم فسي
أجهزة العلم-المذياع والتلفاز وتنشرها الصحف والمجلت-الموالية لهل الباطل ،وإذا
أصسغى المصسلون الذيسن ألزمهسم ال حضور تلك الخطسب وسسماعها ،إذا أصسغوا إلى تلك
الخطسسب ،وجدوا أغلبهسسا بعيدة كسسل البعسسد عسسن الموضوعات التسسي تهمهسسم فسسي حياتهسسم
الجتماعيسة والقتصسادية والسسياسية والعسسكرية والتعليميسة والعلميسة وغيرهسا ،أو أنهسا
تؤيسسد الوضاع الفاسسسدة فسسي كسسل تلك المجالت ،وتثنسسي على صسسانعي الفسسساد مسسن أهسسل
الباطل ،وتحرض على أهل الحق وتصفهم بأوصاف منفرة كاذبة جائرة ،كل ذلك يقصد
به تضليل عقول الناس واستغفالها وقلب الحقائق عليها.
250
والجيسد مسن أولئك الخطباء مسن يحاول تنزيسه لسسانه عسن غمسط الحسق والتحريسش على
أهله ،ويخفسف مسن الثناء على الباطسل وأهله ،ولكنسه قسد يبتعسد عسن الحديسث عسن مشكلت
المسة النازلة بهسا ،التسي هسم فسي أمسس الحاجسة إلى بيانهسا توجيههسم لحلهسا والخروج مسن
مضايقها.
فإذا نزلت بالناس مجاعة وفقر-فعم الضرر شعوبهم ما عدا قلة قليلة من ذوي اليسار
والغنسى ،وبخاصسة ذوي النفوذ والمناصسب الذيسن اسستولوا على مرافسق المسة وخيراتهسا
ونهبوهسا بوسسائل وحيسل شتسى فسي أوقات سسابقة ،فأصسبحوا يتنعمون بهسا والناس يموتون
جوعسا-سسمعتَ خطسب أولئك الئمسة تثنسي على الفقسر والصسبر عليسه ،ول تتعرض لترف
المترفين وبذخ الظالمين وتحثهم على البذل والعطاء والتعاون اليثار!.
وإذا هجم العدو على بلد المسلمين فاحتلها وعاث في الرض فسادا ،سمعت أولئك
الخطباء وهم يشنون الغارة في خطبهم على غير الحدث الماثل خطره ،فيسهبون في ذم
بعسض التصسرفات السسيئة التسي يمكسن تأجيلهسا-وإن كانست مهمسة -1وتقديسم مسا هسو أهسم منهسا
وأخطر.
وإذا اسسستحلت الحرمات واغتصسسبت المحصسسنات الغافلت المؤمنات فسسي عقسسر دار
المسسلمين ضربوا عسن ذلك صسفحا ،وسسمعتهم يتحدثون عسن الحيسض وأقسسامه وكثيسر مسن
أحكامسه المعقدة أمام حشود الرجال الذيسن يسستحل حرمسا تهسم أعداؤهسم فسي عقسر دارهسم،
وهم في أمس الحاجة إلى سماع ما يحثهم على الجهاد في سبيل ال بالنفس والموال.
وإن أمثال هؤلء كمثسل طسبيب يرى مريضيسن :أحدهمسا عنده صسداع خفيسف ،والخسر
مصسساب إصسسابات خطيرة برصسساصات قاتلة ،تدعسسو الضرورة إلى السسسراع بمعالجتسسه،
2
فيتركه ويهتم بمعالجة صاحب الصداع !.
وهكذا يجسد المصسلون أنفسسهم أمام خطباء-كأجهزة العلم-يصسفون الظلمسة بالعدل،
والجبناء بالشجاعسسة ،والفسسساق بالطاعسسة ،أو يجدون أنفسسسهم أمام خطباء يتحدثون عسسن
موضوعات بعيدة عن حياتهم ،أو هي من حياتهم ولكنهم يحتاجون إلى الحديث عما هو
أهم وأولى ،فل يجدون ملجأ يلجئون إليه إل أن يهربوا من أولئك الخطباء وخطبهم ،إلى
وضع رؤوسهم على أكفهم ليخلدوا إلى النوم حتى تقام الصلة!
وبهذا جعسل أهسل الباطسل منطلقات الحسق منطلقات لباطلهسم ،تلك المنطلقات التسي قال
ال تعالى فيهسا{ :إنمسا يعمسر مسساجد ال مسن آمسن بال واليوم الخسر ،وأقام الصسلة وآتسى
الزكاة ولم يخسسش إل ال فعسسسى أولئك أن يكونوا مسسن المهتديسسن ،أجعلتسسم سسسقاية الحاج
وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بال واليوم الخر وجاهد في سبيل ال ل يستوون عند
ال وال ل يهدي القوم الظالمين} .3
وقال تعالى{ :فسسي بيوت أذن ال أن ترفسسع ويذكسسر فيهسسا اسسسمه يسسسبح له فيهسسا بالغدو
والصال رجال ل تلهيهم تجارة ول بيع عن ذكر ال وإقام الصلة وإيتاء الزكاة يخافون
-1كالتدخين مثل
-2المقصود من هذا أن بعض أولئك الخطباء ،وكذلك بعض المفتين والوعاظ ،يهملون ما هو ضروري أو أولى بالهتمام لنه
حدث الساعة ،وضرره على المة أشد من غيره ،ويهتمون في نفس الوقت بما يمكن تأجيله أو تناوله بما يحقق معرفته دون إهمال
الضروري أو الهسم ،أي إنهسم يهولون مسا ل يحتاج إلى التهويسل ويهملون مسا هسو مهول فعل ،وليسس المقصسود إهمال الحكام التسي
يحتاج إليها الناس في أي باب من أبواب الشريعة.
-3التوبة.18،19 :
251
يوما تتقلب فيه البصار } .1
وليسس المراد مسن ذكسر ال وتسسبيحه مجرد قول بدون تطسبيق لشرعسه والدعوة إليسه
والمسر بسه والنهسي عسن الصسد عنسه ،فقسد قال تعالى-مبينسا أن الجهاد فسي سسبيل ال هسو ممسا
يدفع ال به العتداء على تلك المساجد التي يذكر فيها اسمه{ :-أذن للذين يقاتلون بأنهم
ظلموا وإن ال على نصسرهم لقديسر ،الذيسن أخرجوا مسن ديارهسم بغيسر حسق إل أن يقولوا
ربنسا ال ولول دفسع ال الناس بعضهسم ببعسض لهدمست صسوامع وبيسع ومسساجد يذكسر فيهسا
اسم ال كثيرا ولينصرن ال من ينصره إن ال لقوي عزيز} .2
وإن الذيسسن يجعلون مسسساجد ال التسسي هسسي-فسسي الصسسل-منطلقات للحسسق ،منطلقات
للباطل ،لمن أحق الناس دخول في قوله تعالى{ :ومن أظلم ممن منع مساجد ال أن يذكر
فيهسا اسسمه وسسعى فسي خرابهسا أولئك مسا كان لهسم أن يدخلوهسا إل خائفيسن لهسم فسي الدنيسا
خزي ولهم في الخر عذاب عظيم} .3
وجعسسل أعداء الحسسق وأنصسسار الباطسسل هذه المسسساجد-التسسي أعدت فسسي الصسسل لتكون
منطلقات للحسق-منطلقات للباطسل هسو نفسس السسيرة التسي سسار عليهسا المنافقون فسي عهسد
الرسسول صلى ال عليه وسسلم ،باتخاذهسم مسسجد الضرار الذي اتخذوه معارضة ومضادة
لمساجد المسلمين ،وفي طليعتها مسجد الرسول صلى ال عليه وسلم ومسجد قباء ،وهم
الذيسن قال ال تعالى فيهسم{ :والذيسن اتخذوا مسسجدا ضرارا وكفرا وتفريقسا بيسن المؤمنيسن
وإرصادا لمن حارب ال ورسوله من قبل وليحلفن إن أردنا إل الحسنى ،وال يشهد إنهم
لكاذبون} .4
والفرق بين من نزلت فيهم الية وبين أعداء الحق في هذا الزمان من وجهين:
الوجسسه الول :أن الذيسسن نزلت فيهسسم اليسسة لم يكونوا حكامسسا للمسسسلمين ،وإنمسسا كانوا
يتآمرون فسي الخفاء ،لن قيادة المسسلمين كانست بيسد الرسسول ال صسلى ال عليسه وسسلم،
ولذلك أمسسر صسسلى ال عليسسه وسسسلم بإحراق ذلك المسسسجد وأراح المسسسلمين شسسر أعدائهسسم
المتآمرين.
أما في هذا الزمان فإن الذين يتخذون مساجد المسلمين ضرارا للسلم والمسلمين،
هم حكام يحاربون ال ورسوله ويفرضون على المسلمين الحكم بغير ما أنزل ال ،وفي
يدهسم القوة والحكسم ،ولذلك تكون السسيطرة على المسساجد لهسم ،ول يؤم الناس فيهسا ويقوم
بالدعوة والتعليسم والخطابسة فيهسا-غالبسا-إل مسن يواليهسم ويضلل عقول الناس أو يخدرهسا
بالباطل ،ول يصدع بالحق الذي يحاربه أولئك الحكام.
الوجسه الثانسي :أن الذيسن نزلت فيهسم اليسة لم يسستطيعوا أن يسسيطروا على أكثسر مسن
مسسسجد واحسسد-وكان ذلك بمؤامرة خفيسسة-لم تدم لهسسم طويل .أمسسا الذيسسن اتخذوا المسسساجد
منطلقات للباطسسسل فسسسي هذا الزمان ،فقسسسد اسسسستطاعوا أن يسسسسيطروا على غالب مسسسساجد
المسسلمين ،وبخاصسة المسساجد الكسبيرة ذات الشأن فسي البلدان السسلمية ،لنهسم هسم قادة
المسسلمين وحكامهسم ،وسسيطرتهم عليهسا مبنيسة على حسق مشروع بقوانيسن وأنظمسة وأجهزة
-1النور.36،37 :
-2الحج.39،40 :
-3البقرة.114 :
-4التوبة.107 :
252
صنعوها لنفسهم ،بحيث تعد تصرفاتهم في تلك المساجد مشروعة وهي الصل ،حسب
تلك القوانين والنظمة ،وتعد تصرفات غيرهم فيها-ولو كانت هي الشرعية في الحقيقة-
خارجة عن القانون والنظام ،يستحق أصحابها العقاب والمساءلة .وبهذا أصبحت مساجد
المسلمين-في الغالب-ينطبق عليها قول الشاعر:
1
حرام على بلبله الدوح حلل للطير من كل جنس
-1ومما يضلل عقول الناس أن أهل الباطل ل يأذنون للعلماء الذين استغلوهم ضد ذلك الخصم في ظرف معين أن يبينوا للناس
مفاسد ذلك الخصم وظلمه عندما ينتهي ظرف الخلف بين أهل الباطل وخصمهم ،بل قد يعاقبون من يذكره بسوء ولو كان حقا.!.
255
نتائج البحث :
تمهيد وتلخيص.
ذلك هسو الحسق ،وهذا هسو الباطسل ،وأولئك هسم أهسل الحسق ،وهؤلء هسم أهسل الباطسل،
وتلك غايات أهل الحق الذي من أجله يسابقون إلى العقول ،وتي وسائلهم التي يتخذونها
لهذا السباق ،وهذه هي غايات أهل الباطل التي من أجلها يسابقون إلى العقول ،وذي هي
وسائلهم التي يسابقون بها لبلغ باطلهم إلى العقول.
وبقسى أن نسبين بعسض النتائج المترتبسة على هذا السسباق الزلي البدي ،لعسل معرفسة
هذه النتائج تحفز أهل الحق على التشمير عن ساعد الجد ،ليسبقوا أهل الباطل بما عندهم
مسسن الحسسق إلى عقول الناس ،أداء للواجسسب الذي كلفهسسم ال إياه ،وإنقاذا للعالم مسسن آثار
الباطسسل الذي جسسد أهله-ول زالوا يجدون-للسسسبق بسسه إلى العقول ،والحجسسر عليهسسا مسسن أن
يصل إليها الحق الذي ل نجاة لهذا العالم في الدارين إل به.
ولعسسل معرفسسة هذه النتائج توقسسظ ضمائر بعسسض أهسسل الباطسسل ،وتنفسسض غباره عسسن
فطرهسسم ،فيعزموا على الوبسسة إلى ال والرجوع إلى الحسسق ،ليكفروا عسسن سسسيئاتهم التسسي
دمروا بها العالم بسبب سباقهم الشديد إلى عقول الناس بباطلهم ،والدخول في صف أهل
الحق ليصبحوا من رواد السباق به إلى العقول بدل من السباق إليها بالباطل ،ولعل كثيرا
مسن سسكان هذا الكوكسب يدركون خطسر تضليسل عقولهسم مسن قبسل أهسل الباطسل ،ومسا ترتسب
على هذا التضليسسل مسسن مصسسائب ومحسسن دمرت العالم ،وحرمتهسسم مسسن الحسسق الذي ينيسسر
العقول ،إذا وصسل إليهسا فيخرجهسا مسن الظلمات إلى النور ،فإذا أدركوا هذا المسر أعملوا
عقولهم ودربوها ،لتقف موازِنَةً بين دعاة الحق ودعاة الباطل ،سَبّاقة إلى استقبال الحق
ورفض الباطل.
يتضح مما سبق أن لكل أمة ،أو جماعة ،أو دولة غايات تسعى للوصول إلى تحقيقها
بالوسائل الممكنة التي ترى في اتخاذها ما يحقق لها تلك الغايات ،وأن من أعظم مجال
تلك الغايات والوسائل ،العقول البشرية التي تحاول كل أمة أو جماعة أو دولة استقطاب
أصسحابها بإقناعهسم بصسحة مبادئهسا أو رجحانهسا ،لمسا تحققسه-فسي زعمهسم-تلك المبادئ مسن
فوائد تعود إلى مسن يلتزم بهسا ويناضسل مسن أجلهسا ،لتكون لهسا الهيمنسة على مسا سسواها مسن
مبادئ.
ولهذا كان السباق إلى العقول بالغايات والوسائل ،دأب كل أمة وشغلها الشاغل.
وإذا تأمسل الباحسث أو الناظسر فسي غايات المتسسابقين إلى العقول ووسسائلهم على مسر
الدهور ،من يوم خلق ال الخلق وإلى أن تقوم الساعة ،وجد المتسا ِبقِين-قسمين:
القسسم الول :هسم أهسل الحسق الذيسن يكون الحسق محور سسباقهم ،ليصساله إلى عقول
البشسر ،ووقايسة تلك العقول مسن أن يصسل إليهسا الباطسل ،أو اجتثاث مسا وصسل منسه إليهسا
وإزالته منها.
والقسم الثاني :هم أهل الباطل الذين يكون الباطل محور سباقهم ،ليصاله إلى عقول
البشسر ،ووقايسة تلك العقول مسن أن يصسل إليهسا الحسق،أو تضليسل العقول التسي وصسل إليهسا
شيء من الحق والتلبيس عليها ،بأن ما وصل إليها باطل أو ل جدوى منه.
256
ولكسل قسسم غاياتسه التسي يسسعى لتحقيقهسا بالسسباق إلى العقول ،ووسسائله التسي يتخذهسا
لذلك.
وبالمقارنسة بيسن غايات أهسل الحسق ووسسائلهم ،وغايات أهسل الباطسل ووسسائلهم تظهسر
النتائج التية:
260
كتابسه هسو المهيمسن على سسائر الكتسب التسي نزلت فحرفست ،وأن رسسوله محمدا صسلى ال
عليسه وسسلم هسو خاتسم النسبياء ل نسبي بعده ،وأن مسن مقتضسى اليمان بسه إتباعسه ،ومسن
مقتضى اليمان بالقرآن تحكيم ما شرع ال فيه ...وأن من اليمان القول باللسان كالنطق
بالشهادتيسن ....ومنسه العمسل بالجوارح كالصسلة المفصسلة صسفتها فسي السسنة النبويسة ....أي
أن اليمان اعتقاد وقول عمل ،وأن هذا العتقاد والقول والعمل ل بد أن يكون موافقا لما
أراده ال ،والذي أراده ل يوجد إل في كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه وسلم.
هذا هسو معنسى اليمان باختصسار شديسد ،1وهسو فسي غايسة الوضوح لمسن تتبسع الكتاب
والسنة وما فهمه علماء المة قديما وحديثا.
ولكسن هذا المعنسى التبسس على كثيسر مسن الناس-أعنسي المسسلمين فضل عسن غيرهسم-
ولهذا ترى بعضهسم يطلق لفسظ "المؤمنيسن" على المسسلمين واليهود والنصسارى ،بناء على
أنهسسم كلهسسم أهسسل كتسسب سسسماوية يؤمنون بال ...مسسع أن القرآن الكريسسم قسسد وصسسف اليهود
والنصسارى بالكفار ووصسفهم بالمشركيسن-وإن كانوا فسي الصسل أهسل كتاب-كمسا وصسفهم
بأنهسم حرفوا كتبهسم وبدلوهسا ،ووصسف القرآن بأنسه مهيمسن على الكتسب التسي سسبقته ،فل
يصسح إطلق اليمان الشرعسي الذي يقبله ال ويثيسب أصسحابه بدخول جنتسه وينجيهسم مسن
عذابسه ،إل على اليمان الذي أراده ال وبينسه فسي كتابسه وسسنة رسسوله ،ول يصسح إطلق
المؤمسن إل على المسسلم الذي اتصسف بذلك اليمان الذي أراده ال ،فليس اليهودي بمؤمن
ول النصسسراني-فضل عسسن غيرهمسسا-بمقتضسسى المصسسطلح السسسلمي بسسل همسسا كافران
مشركان.
وهناك غبسش آخسر عنسد كثيسر مسن المسسلمين فسي معنسى اليمان فاليمان إذا أطلق فسي
الكتاب والسسنة هسو اليمان الذي سسبق التعريسف بسه ،وعلى وجوده بذلك المعنسى تترتسب
آثاره ،فإذا وعسسد ال المؤمنيسسن بالنصسسر-مثل-فالمراد بهسسم المؤمنون المتصسسفون باليمان
الذي أراده ،فقسسسد قال تعالى{ :يسسسا أيهسسسا الذيسسسن آمنوا إن تنصسسسروا ال ينصسسسركم ويثبسسست
2
أقدامكم}
والمسلمون-اليوم-وقد ابتعد غالبهم عن معنى اليمان الذي أراده ال إما بتركه كلية
كحال الملحدين من أبناء المسلمين ،أو بمحاربة كثير مقتضياته كتحكيم شرع ال الذي ل
إيمان بدونه ،أو بالكثار من ارتكاب المعاصي كالزنى وشرب الخمر ،أو بموالة أعداء
ال من اليهود والنصارى والوثنيين والملحدين والمنافقين-ومنهم العلمانيون-
هؤلء الذين يدعون السلم واليمان و جلهم على هذه الصفة يتساءلون :أين نصر
ال الذي وعدنا به على عدونا وقد أصبحوا سادة لنا يأمروننا وينهوننا ،وتفوقوا علينا في
الدارة والصسناعة والسسياسة والقتصساد وغيرهسا؟! ظنسا منهسم أن المؤمنيسن الذيسن أرادهسم
ال هم أمثالهم ،وهذا خطأ فاحش أوقعهم فيه الجهل بالمصطلحات الشرعية الواردة في
الكتاب والسنة.
ولقد تساءل المسلمون من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم الذين كانوا على
نهسج ال مطيعيسن ل ولرسسوله محكميسن شرعسه ،فأدال عليهسم عدوهسم مسن المشركيسن يوم
-1وقد فصلت القول فيه في مجلد مستقل بعنوان ,, :اليمان هو الساس ،،وقد طبع في هذا العام1418 :ه.-
-2محمد.7 :
261
أحد ،بسبب مخالفة وقعت منهم لرسول ال صلى ال عليه وسلم في تلك الغزوة ،ورسول
ال صسلى ال عليسه وسسلم بيسن أظهرهسم ،تسساءلوا :كيسف ينتصسر علينسا المشركون ونحسن
مسلمون نجاهد في سبيل ال؟ فأجابهم ال تعالى أن ذلك إنما كان بسببٍ من عند أنفسهم،
كمسا قال تعالى{ :أو لمسا أصسابتكم مصسيبة قسد أصسبتم مثليهسا قلتسم أنسى هذا قسل هسو مسن عنسد
1
أنفسكم إن ال على كل شيء قدير}
وإذا كانت هذه هي إجابة ال للمسلمين من أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم
وتلك كانت حالهم ،فكيف بنا اليوم وهذه هي حالنا؟!
إن سبب هذا الغبش هو عدم وضوح حقائق المور وسوء تصورها ،لن أهل الحق
قصسّروا فسي السسباق بهسا إلى العقول ،وجسد أهسل الباطسل فسسبقوا إلى تلك العقول بباطلهسم،
فالتبس الحق بالباطل.
2
وقسل مثسل مسا عرفست عن معنسى اليمان فسي المعانسي الخرى كالشهادة التسي يوصسف
بهسا الشيوعسي الملحسد والعلمانسي المحارب لشريعسة ال .والرشسد الذي يوصسف بسه السسفيه.
والصلح الذي يوصف به الفاسد ،وهكذا...
ويتحمسل وزر ذلك كسل قادر على بيان الحسق والباطسل للناس والسسبق بذلك إلى عقول
الناس فلم يفعل ،ومن باب أولى من كان كذلك فلبس الحق بالباطل مشتريا بآيات ال ثمنا
قليل ،كمسا قال تعالى{ :وإذ أخسذ ال ميثاق الذيسن أوتوا الكتاب لتسبيننه للناس ول تكتمونسه
فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنا قليل فبئس ما يشترون} .3
منهجان ونتيجتان:
انبنسى على المفهوم الشرعسي للمسن العنايسة-تعبدا-بالنسسان مسن وقست ولدتسه إلى أن
يلقسى ربسه عنايسة شرعيسة :العنايسة بجسسمه ،والعنايسة بعقله ،والعنايسة بروحسه وعاطفتسه،
-1البخاري934 :
-2وهسو كمسا ترى شامسل لمسن الفرد والسسرة والدولة ،لن كل منهسم عليسه حقوق وله واجبات ،إذا أدى مسا عليسه مسن واجبات،
وأعطي ما له من حقوق تمتعوا جميعا بالمن ونجوا من الخوف.
-3العتداء على العراض-كالزنسا-ليسس جريمسة فسي قوانيسن أكثسر الحكومات فسي الشعوب السسلمية ،إل فسي حالت نادرة ،كأن
تزني المرأة على فراش الزوجية!...
264
ل يأخسذوتوجيهسه تعليمسا وتربيسة وتدريبسا على أن يؤدي إلى غيره مسن الناس حقوقهسم ،وأ ّ
منهم ما لحق له فيه ،وأن يأتي إليهم بما يحب أن يأتوا هم إليه .أي أن يطبق في صلته
بال وبالناس شريعة ال التي ل يتحقق المن بدونها.
فكانست النتيجسة أمسن الناس على دينهسم ،وعقلهسم ،ونفسسهم ،ونسسلهم ،ومالهسم ،بحيسث
يلتزم كسل منهسم بحفسظ ذلك للخريسن كمسا يحفظهسا لنفسسه ،فإن خرج أحسد عسن هذا اللتزام
الذاتسي واعتدى على غيره ردعتسه المسة-عسن طريسق ولي أمرهسا-بالزواجسر الشرعيسة مسن
حسد أو قصساص أو تعزيسر ...وأصسبح كسل واحسد مسن المسة :حاكمسا أو محكومسا ،سسيدا أو
مسودا ،خادما أو مخدوما ،متمتعا بالمن الذي كفله له دين ال.
وانبنسسى على مفهوم المسسن غيسسر الشرعي 1عناي ُة أهله بالوقايسسة مسسن الجرائم التسسي
أثبتوهسسا فسسي قواميسسسهم ،أو العقوبسسة عليهسسا ،وقسسد يكون كثيسسر ممسسا سسسموه جرائم طاعات
وعبادات ومصالح للمة ،وليست جرائم في حقيقة المر.
فكانست النتيجسة جعسل مسا هسو صسلح وبر وإحسسان جريمسة ،وجعسل مسن هسو صسالح
وبار ومحسسن مجرمسا ،وجعسل مسا هسو جريمسة حقيقسة خيرا وبرا وإحسسانا ،وجعسل مسن هسو
مجرم فعل ،صالحا وبارا ومحسناَ .فحَرّموا كثيرا من الواجبات والمندوبات والمباحات،
وأحلوا كثيرا من المحرمات والمكروهات...
المثلة على المفهوم الول تجسسدها أبواب الشريعسة السسلمية التسي تضمنهسا القرآن
والسسسنة ،وعلمتهسسا تطبيقهسسا ،فمسسا طبقسست الشريعسسة فسسي زمان أو مكان إل تمتسسع جيلهمسسا
بالمن ...وفي تاريخ السلم في عصوره المفضلة خير شاهد.
وإننا نرى في زمننا هذا فرقسا شاسعا بين المن في دولة تطبق كثيرا من شرع ال،
2
وأخرى تحارب تلك الشريعة!.
والمثلة على المفهوم الثاني ل تخفى على من يتتبع تاريخ المسلمين الطويل ،فما
ابتعد المسلمون عن السلم ،إل نزل بهم من الخوف وارتفع عنهم من المن ما يناسب
ابتعادهم ،والذي يعيش في عصرنا هذا يرى ذلك عيانا.
فقسد حَرَمَت ْس الدول العلمانيسة المحاربسة لشرع ال رعاياهسا مسن الحكسم بمسا أنزل ال،
وقتلت وسسسجنت وشردت آلف العلماء والدعاة إلى ال ،بسسسبب دعوتهسسم إلى تطسسبيق هذه
الشريعسسة ،وعطلت حسسد الردة الذي يحمسسي كيان المسسة السسسلمية مسسن النهيار ،وعطلت
فريضة الجهاد في سبيل ال ،وهو الدرع الواقي للدعوة إلى ال ،والسد المنيع من اعتداء
أعداء ال على بلدان المسسلمين وأعراضهسم وأموالهسم التسي أصسبح يسسيطر عليهسا أراذل
خلق ال من اليهود ،وفي ذلك اعتداء على إحدى ضرورات الحياة ،وهي دين المة.
وعطلت الحدود ،ومنهسسا حسسد القصسساص ،وفسسي ذلك إهدار لحدى ضرورات الحياة،
وهي النفس...
وأحلت الزنا والوسائل المؤدية إليه ،وحاربت وسائل الوقاية منه كالحجاب ،وعطلت
عقوبة الزنا ،وفي ذلك إهدار لحدى ضرورات الحياة ،وهي النسل والعرض.
وأحلت الخمر الذي يفقد العقول وظيفتها ،وفي ذلك إهدار لحدى ضرورات الحياة،
-1أعني المن الوضعي الذي سبق التعريف به.
-2راجع التشريع الجنائي السلمي ( )716-708 / 2لعبد القادر عودة رحمه ال.
265
وهي العقل.
وبنست اقتصساد المسة على مبادئ تخالف مبادئ القتصساد السسلمي ،ومسن أخطسر
تلك المبادئ المعاملت الربويسسة التسسي حرمهسسا ال وجعسسل متعاطيهسسا محاربسسا له تعالى...
وعطلت حد السرقة ،وفي ذلك إهدار لحدى ضرورات الحياة ،وهي المال.
وإذا كانت النتيجة هي إهدار ضرورات الحياة ،فما بالك بما يخدمها من الحاجيات و
والتكميليات؟!.
لذلك ترى من الفسق والمنكر والعدوان على كل شعائر ال وحقوق عباده في البلدان
السلمية ،ما يثبت لك اعوجاج مفهوم المن لدى قادة الباطل...
-1النفال.8 :
-2يونس.17 :
-3الكهف.52،53 :
-4الشعراء.97،99 :
-5الرحمن.41،43 :
-6القلم.35 :
266
يطلقون هذا المصسطلح اليوم على علماء السسلم ودعاتسه ،الذيسن ينادون بتحكيسم شرع ال
في الشعوب السلمية.
ولمسا كان الحكام الذيسن يحاربون شرع ال يعلمون أن لولئك العلماء والدعاة ،تأثيرا
على نفوس تلك الشعوب ،وأن نتيجسسة هذا التأثيسسر هسسي السسستجابة لدعوة العلماء ونصسسرة
الحق الذين يدعون إليه ،فقد اعتبروا دعاة السلم وحداة الحق مجرمين ،لنهم يريدون-
في زعمهم-قلب أنظمة الحكم الطاغوتية.
لذا سسسلطوا عليهسسم أجهزة إعلمهسسم لتكرر وصسسفهم بالجرام ،وأنشئوا لهسسم محاكسسم
عسسكرية أو مدنيسة طاغوتيسة تعتسبرهم-قبسل إعلن الحكسم عليهسم-مجرميسن ،إجرامسا يرقسى
إلى درجة الخيانة العظمى التي يستحق صاحبها القتل ،وإذا فر العالم الداعية إلى الحق
وإقامسة شرع ال ،إلى بلد يحكمسه طاغوت آخسر تعاون طاغوتسا البلد يسن بناء على اتفاقات
تسسمى تبادل تسسليم المجرميسن ،مسع أن المجرم الحقيقسي هسو أولئك الطغاة الذيسن يحاربون
تطبيق شرع ال ويسومون أولياء ال سوء العذاب باعتبارهم مجرمين.
ولذلك يجسسب على كسسل قادر على بيان الحسسق أن يكون سسسباقا بذلك البيان إلى عقول
الناس ،ليكونوا على بصسسسيرة بحقيقسسسة الجرام والمجرميسسسن ،فل تخدع عقولهسسسم دعايات
الضلل والمضلليسن ،فيسسوء بذلك تصسورهم ويؤيدون بسسببه أهسل الباطسل المجرميسن على
أهل الحق المسلمين.
275
التمزق والتفرق.
ولو سسسلم المسسسلمون مسسن هذا التمزق والتنازع ومسسن شغسسل بعضهسسم نفسسسه ببعسسض،
لجتمعست طاقاتهسم كلهسا لسسبق مسا عندهسم مسن الحسق ،إلى عقول الناس بدل مسن سسبق أهسل
الباطل بباطلهم.
.
ولقد كان هذا السلوك المشين من المسلمين من أهم السباب التي حجبت عقول غير
المسسسلمين عسن البحسث عسن الحسسق واللتفات إليسه ،فكان ذلك فتنسة لغيسر المسسسلمين الذيسن
يصرحون بأن المسلمين لو كان ما عندهم حق قابل للتطبيق ،لطبقوه في مجتمعاتهم قبل
أن يدعوا غيرهسم إليسه ،وهذه هسي القدوة السسيئة التسي تنفسر الناس مسن الحسق الذي يملكسه
المسلمون!
276
النتيجمة الثانيمة عشرة :أثمر العنمف فمي سمبق الحمق
إلى العقول.
إن إصرار أهل الباطل على تثبيته بالقوة ،ترتب عليه رد فعل عرقل سبق أهل الحق
بالحق إلى العقول.
كثيسر مسن دعاة السسلم الذيسن حرصسوا على السسبق بالحسق إلى العقول ،اجتهدوا فسي
سسسباقهم إلى العقول ،أن يصسسلوا إلى هدفهسسم بالتعليسسم والتزكيسسة ،والدعوة إلى ال بالحكمسسة
والموعظة الحسنة ،واتخذوا ما يقدرون عليه من الوسائل البعيدة عن الشدة والعنف.
ولكسن أنصسار الباطسل صسدوا عسن الحسق بأنفسسهم ،وصسدوا عنسه غيرهسم ،واتخذوا كسل
الوسسائل للسسباق إلى الباطسل ،بمسا فسي ذلك وسسائل العنسف ،مسن سسجن وتعذيسب وتشريسد
وتقتيل.
وترتسب على شدة أهسل الباطسل فسي سسباقهم إلى العقول بباطلهسم ،والحجسر على العقول
مسن وصسول الحسق إليهسا ،ردّ فعسل عنيسف مسن قبسل بعسض شباب المسسلمين فقابلوا الشدة
والعنف بمثلهما ،فحملوا السلح ،ضد الحكومات العلمانية التي حاربت تطبيق الشريعة
السسسسلمية فسسسي شعوبهسسسا ،وقاموا باغتيالت أنصسسسار تلك الحكومات مسسسن العسسسسكريين
وغيرهسم ،بسسل بلغ المسسر ببعسسض أولئك الشباب ،أن قتلوا البرياء ،مسسن الطفال والنسسساء
والعُزْل مسن الرجال ،بزعسم أنهسم يأمرون بالمعروف وينهون عسن المنكسر ،وهسو تصسرف
منكسر ل يقره شرع ال ،لن المسر بالمعروف والنهسي عسن المنكسر ،يشترط فيهمسا العلم
بأن هذا معروف يؤمسسر بسسه ،وذاك منكسسر ينهسسى عنسسه،وأن ل يترتسسب على المسسر والنهسسي
مفاسد أعظم.
وكثيسسر مسسن الشباب الذيسسن يتصسسرفون تلك التصسسرفات العنيفسسة ل يتوافسسر فيهسسم هذا
الشرط ،لن الطريقسة التسي سسلكوها فسي أمرهسم ونهيهسم ،ترتبست عليهسا مفاسسد أعظسم مسن
المفاسسسد التسسي زعموا أنهسسم أرادوا إنكارهسسا ،إذ ازداد أهسسل الباطسسل عنادا وإصسسرارا على
محاربسة السسلم ،بسل أعطتهسم تلك التصسرفات مسسوغا لمحاربسة الدعوة السسلمية ،حيسث
كمموا أفواه دعاة الحسق مسن علماء المسسلمين ومفكسر يهسم ،الذيسن لو تمكنوا مسن التصسال
بجماهيسر الشعوب-وبخاصسة شبابهسم-لفقهوهسم فسي الديسن ،ولتمسسك هؤلء الشباب بدينهسم
وطبقوا ما أمكنهم تطبيقه بهدوء ،وبدون استعمال عنف ول شدة ،ولما أطلقوا رصاصهم
على أنصسار الباطسل ،بسل سسيسلكون سسبيل التربيسة على هذا الديسن والدعوة إليسه بالحكمسة
والموعظسة الحسسنة ،حتسى تتمكسن دعوتهسم مسن الوصسول إلى عقول الناس ،فمسن اسستجاب
لها حمدوا ال على هدايته ،ومن أبى فعليه ذنب إبائه.
ولو أن قادة الباطسسل أعطوا دعاة الحسسق مسسن علماء السسسلم ،فرصسسة للدعوة إلى مسسا
عندهسم مسن الحسق بالوسسائل المتاحسة لهسم سسلميا ،لمسا حصسل هذا العنسف الذي قام بسه هذا
الشباب.
فإذا أصسبح أي شعسب مسن الشعوب السسلمية قابل لتطسبيق السسلم بمعناه الشامسل،
واختار أن يحكسم بهذا الديسن ،فهذا هسو مسا يسسعى إليسه دعاة الحسق فسي سسباقهم إلى العقول،
وهذا حق للشعوب السلمية ل يجوز لحد أن يحرمها منه.
277
وإذا تاب أهسل الباطسل مسن باطلهسم واسستجابوا لرغبسة هذه الشعوب ،فطبقوا حكسم ال
فيها ،فإن دعاة الحق الذين اجتهدوا في السبق به إلى العقول سيكونون هم وأتباعهم من
شباب المسة السسلمية ،سسباقين إلى طاعتهسم فسي المعروف ،وأعوانسا وأنصسارا لهسم فسي
تنفيذ شرع ال الحنيف.
وإن تولى أولئك الحكام وأعرضوا عسسسن الحكسسسم بشريعسسسة ال ولم يرضوا حكسسسم ال،
ل الحل والعقد من تلك الشعوب المسلمة ،وسينتقل فليكن الْحَكَم بينهم وبين دعاة الحق أه ُ
الحكم من الطغاة إلى الصالحين عن طريق السلم والختيار دون عنف ول شدة.
ولكن قادة الباطل فتحوا البواب لحزاب الباطل كلهسا ،أن تنشسر باطلهسا وتسابق به
إلى عقول الناس ،وحرمسست على دعاة الحسسق ومفكري السسسلم أن يوصسسلوا الحسسق إلى
عقول الناس ،بالدعوة إلى ال بالحكمسسة والموعظسسة الحسسسنة والتعليسسم والتربيسسة ،وزجوا
بكثير من علماء السلم ودعاة الحق ومفكريه في السجون والمعتقلت ،بل أذاقوهم أشد
العذاب وأزهقوا أرواحهم بدون حق.
وتلفت شباب السلم ليجدوا من يرشدهم ويفقههم في الدين ،من العلماء والمفكرين
تفقيها صحيحا ليس فيه تحريف ول كتمان للحق ،فلم يجدوا-في الغالب-إل موظفين لدى
قادة الباطسل وطغاتسه الذيسن يحاربون شرع ال والدعاة إليسه ،وكثيرا مسا يفتسي بعسض أولئك
العلماء بفتاوى تؤيد أنصار الباطل ،بالحق وبالباطل متبعين في ذلك أساليب متنوعة من
التأويلت الفاسسدة ،ووجدوا-أي الشباب-العلماء والمفكريسن الذيسن يصسدعون بكلمسة الحسق
ويبلغون ديسن ال للناس على حقيقتسه ،فسي السسجون وعلى أعواد المشانسق ،والذي ل زال
في منزله محجور عليه ل يتصل بالناس ول يتصلون به إل نادرا وخفية ،فأخذت أولئك
الشباب سَ الغيرةُ وذهبوا يقلبون الكتسسب القديمسسة والحديثسسة ويقرءون تلك الكتسسب بأنفسسسهم،
وبخاصة آيات القرآن والسنة ،وليس عندهم قواعد التفقه في الدين ،ل من أصول الفقه،
ول مسسن أصسسول الحديسسث ،ول مسسن أصسسول التفسسسير ،ول إلمام بقواعسسد اللغسسة العربيسسة
وأساليبها ،ول اطلع على أقوال علماء المة المعتبرين…
وعندمسا يقرءون النصسوص ،يقرؤونهسا وهسم يبحثون عسن أدلة تؤيسد مسا قسد وقسر فسي
أذهانهم سابقا ،من أن هؤلء الحكام ظلمة ،وأنهم يحاربون دعاة الحق ويحاربون تطبيق
الشريعة ،وأن من يحارب ذلك فهو كافر ،والكافر ل يجوز أن يحكم المسلمين ،بل يجب
الخروج عليسه ،تحقيقسا للمسر بالمعروف والنهسي عسن المنكسر ،وأن مسن يعيسن الكافسر على
كفره فهسسسو مثله ،وأن نصسسسر المظلوم واجسسسب ،وإقامسسسة شرع ال فرض ،فيجدون فسسسي
النصوص التي يقرؤونها من الكتاب والسنة ،ما يؤيد فهمهم في الظاهر ،ول يثقون في
العلماء الذيسن هسم موظفون مسع قادة الباطسل-وليسس كسل عالم توظسف مسع قادة الباطسل مؤيدا
لباطلهسسم-حتسسى يصسسححوا لهسسم بعسسض تصسسوراتهم ،ويسسبينوا لهسسم المصسسالح الراجحسسة مسسن
المرجوحة ،أو المفاسد الراجحة من المرجوحة.
لذلك انطلقوا حامليسن السسلح موجهيسن رصساصهم إلى صسدور كسل متعاون مسع أهسل
الباطسل ،مسن جنود وعلماء وأدباء وغيرهسم ،مسن أهسل البلد أو الجانسب ،فأحدثوا فسي تلك
البلدان فتنة واضطرابا ،وشل بذلك القتصاد وتعطلت المصالح ،بل إنهم قد قتلوا بعض
دعاة الحسق الذيسن يظنون أنهسم يؤيدون قادة الباطسل ،وقسد ينال قتلُهسم النسساءَ ،وهسم يعتقدون
278
أن ذلك كله مشروع لهم حسب فهمهم ،كما فهم بعض الخوارج ذلك في السابق.
هذه التصسسرفات مسسن بعسسض شباب المسسسلمين ،التسسي كان السسسبب السسساسي لوجودهسسا
تصسسرفات قادة الباطسسل الذيسسن كمموا أفواه العلماء والدعاة والمفكريسسن ،كانسست سسسببا فسسي
تشويه السلم والنفور من سماعه أو البحث عن حقائقه ومحاسنه.
واسستغل ذلك أعداء السسلم مسن اليهود والنصسارى والعلمانييسن وأخذوا ينفرون مسن
الجماعات السسسلمية ودعاة السسسلم عامسسة ،فكان ذلك مسسن أهسسم العقبات التسسي بطأت
بالسباق بالحق إلى العقول!
ولذا ينبغي للشباب المسلم الذي يريد رفع راية السلم في الرض ،أن يهتم بالتفقه
في الدين ،ويأخذ الحق ممن وجده من العلماء ،فليس كل العلماء الموظفين في الحكومات
مسن المؤيديسن للباطسل ،بسل يوجسد فيهسم مسن يسبين الحسق فسي حدود طاقتسه ،وعلى هذا الشباب
أن يتجسسه-بعسسد أن يتربسسى ويتعلم على أيدي العلماء-إلى تربيسسة نفسسسه وتربيسسة غيره على
حقائق السسلم ،حتسى تصسبح الشعوب السسلمية قادرة على إيجاد مسن يحكمهسا بالسسلم
إما بالطرق السلمية ،وإما بتنحية من يحارب السلم بأسهل الطرق وأخفها ضررا.
279
وخارجهسسسا ،فقسسسد أعدوا جيشسسسا هجوميسسسا أخافوا بسسسه قادة البلدان السسسسلمية ،وجعلوهسسسم
يستسلمون لهم واحدا بعد الخر.
ولمسسسا كان هدف غالب حكام الشعوب السسسسلمية مسسسن إعداد جيوشهسسسم هسسسو حمايسسسة
كراسيهم ،فقد اقتصروا على إعداد جيوشهم لهذه المهمة ،ولذلك ترى أعداد المسلمين في
البلدان العربيسسة 1وحدهسسا تزيسسد عسسن مائتسسي مليون ،وعدد اليهود قسسد ل يصسسل إلى أربعسسة
مليين ،ومع ذلك ترتعد فرائص كثير من الحكام العرب من الجيش اليهودي الذي أرهبه
وزلزل أقدامه أطفال الحجارة الذين صدقوا ال ما عاهدوا عليه!
وتقتضي القوة الجهادية توفير السلح وما يخدمه ،بحيث يكون عند دعاة الحق من
السسلح مسا يماثسل سسلح قادة الباطسل أو يزيسد فسي الكسم والنوع .ويجسب ان تكون عندهسم
وسسائل تغنيهسم عسن الحاجسة إلى عدوهسم فسي كسل شيسء مسن أنواع السسلح وتوابعسه ،وهذا
يسستلزم إقامسة مصسانع للسسلح بتعاون بيسن قادة الحسق مسن المسسلمين ،كسل يؤدي مسا يملكسه
لقامة تلك المصانع من مال وخبراء وغير ذلك.
وممسا ل شسك فيسه أن صساحب القوة أقدر على سسبق مسن ل قوة عنده إلى العقول ،مسن
حيسث إنسه يمنسع الضعيسف مسن الوصسول بمبدئه إلى عقول الناس بالقوة ،وهسو قادر على
الوصسول بمبدئه إلى العقول بالقوة ،كمسا أنسه قادر على حمايسة عقول الناس مسن وصسول
مبدأ غيره إليها.
ليمس الهدف ممن إعداد القوة الكراه على الدخول فمي
السلم.
وليسس المراد مسن هذه النتيجسة أن يسستعمل أهسل الحسق القوة لكراه الناس على قبول
الحسق الذي عندهسم واعتقاده بدون اختيار منهسم ،وإنمسا المراد اتخاذ قادة الحسق وأتباعهسم
هذه القوة لزالة السسدود التسي تعترض وصسول الحسق إلى عقول الناس ،فإذا وصسل الحسق
بحججه وبراهينه إلى تلك العقول ،فأهلها بالخيار بين أن يستجيبوا لذلك الحق فيقبلوه ،أو
يرفضوه ويتحملوا نتائج رفضهسم التسي منهسا عذاب ال الليسم لهسم ،لرفضهسم الحسق بعسد أن
قامت عليهم الحجة به.
وكذلك يتخذ أهل الحق القوة لوقاية عقول الناس من إكراه أهل الباطل لهلها ،بقبول
باطلهم بدون اقتناع منهم بذلك .2
وصلى ال وسلم وبارك على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه.
4
وسبحانك اللهم وبحمدك ل إله إل أنت نستغفرك ونتوب إليك.
-1التوبة.38،39 :
-2هود.116،117 :
-3محمد.38 :
-4كان الفراغ من كتابة هذا السفر في اليوم الثاني من شهر ربيع الول من عام 1415هس للهجرة في الساعة الثالثة إل عشرين
دقيقة بعد منتصف ليلة الثلثاء في المدينة المنورة في حي الزهري.
وكان الفراغ من تصحيحه الول ،في :اليوم السابع والعشرين من شهر جمادى الولى ،لعام1418 :هس-في نفس الحي.
وكان الفراغ من تصحيحه الثاني في الساعة الثالثة بعد منتصف ليلة الثنين السابع من شهر رمضان المبارك من نفس العام
المذكور.
وكان الفراغ من تصحيحه الثالث وتنسيقه في الكمبيوتر في22/2/1419 :هس في الساعة السابعة من صباح يو الثلثاء .والحمد
ل على توفيقه.
وكان الفراغ مسن تصسحيحه الرابسع فسي السساعة الرابعسة والنصسف عصسرا مسن يوم الخميسس الموافسق للثانسي عشسر مسن شهسر ربيسع
الول من نفس السنة ،في مدينة" :جاكرتا" عاصمة إندونيسيا ،في فندق.)GRAN MELIA(:
282