You are on page 1of 81

‫‪1‬‬

‫المعـلم الول‬

‫المعلم الول‬
‫(صلى الله عليه وسلم )‬

‫تأليف‬
‫فؤاد بن عبدالعزيز الشلهوب‬

‫المد ل الذي علم بالقلم ‪ ،‬علم النسان ما ل يعلم ‪ ،‬والصلة والسلم على العلم الول – صلى ال‬
‫عليه وعلى آله وصحبه وسلم ‪. -‬‬
‫أما بعد ‪ ...‬هذا كتاب حوى جلة نافعة من أخبار الصطفى صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أثناء تعليمه‬
‫لمته أمر دينهم وما يستقيم به أمرهم ‪ ،‬ولقد رأيت خلل مارست للتعليم ومطالعت لسنن الصطفى صلوات‬
‫ال وسلمه عليه أن هناك كما هائلً من القوال والفعال النبوية تفيد الدرس بالدرجة الول ‪ ،‬فاستعنت بال‬
‫ف جع ما ييسره ل الباري جل وعل ‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫المعـلم الول‬

‫ف أمر التربية والتعليم ‪ ،‬ولكن حسب‬ ‫ث أنن ل أحط – خلل جعي وبثي – بكل ما ورد عن النب‬
‫أن قد جعت ما إذا وقف الناظر عليه رأى ما يبهج قلبه ويكفيه ويشفيه – بإذن ال ‪ . -‬ولقد تطرق بعض‬
‫العلماء قديا إل هذا أو قريبا منفه ‪ ،‬كابفن عبفد الب فف جامفع بيان العلم وفضله ‪ ،‬وابفن مفلح فف الداب‬
‫الشرع ية ‪ ،‬والغزال ف إحياء علوم الد ين ‪ ،‬وغي هم ولكن هم ل يق صروا كتب هم وبوث هم على أفعال ال نب‬
‫وأقواله ف التربية والتعليم بلك كانوا يشدون أقوال الصحابة والتابعي والعلماء الجلء وغيهم ‪ ،‬وهم أيضا‬
‫– رح هم ال – كانوا يتو سعون ف ذلك فيدخلون ف كتبهم هذه كل ما يتعلق بالعلم والتعل يم ‪ ،‬ك ما ي تبي‬
‫للناظر ف كتبهم ‪ .‬ولعلك بعد أن تطالع كتابنا هذا يتبي لك ما قلناه آنفا ‪.‬‬
‫ويدر بنا الشارة إل أن هناك رسائل وبوثا معاصرة قيمة ومفيدة ‪ ،‬وهي قريبة من هذا السلك الذي‬
‫اتذته ف عمل هذه الرسالة ‪.‬‬
‫فعسى ال أن يرزقنا الخلص ف القول والعمل وأن ينفعنا وينفع السلمي به ‪ .‬وال الوفق ‪ ،‬ول حول‬
‫لنا ول قوة إل به ‪ .‬وصلى ال وسلم وبارك على نبينا وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيا ‪ .‬والمد ل رب‬
‫العالي ‪.‬‬

‫كتبه ‪ :‬فؤاد الشلهوب‬


‫الرياض ‪ :‬ص ‪ .‬ب ‪8810‬‬
‫الرمز البيدي ‪11492 :‬‬
‫‪3‬‬
‫المعـلم الول‬

‫مدخــل‬

‫مهنة التعليم ل تساويها مهنة ف الفضل والرفعة ‪ ،‬ووظيفة العلم من أشرف الوظائف وأعلها ‪ .‬وكلما‬
‫كانفت الادة العلميفة أشرف وأنففع ‪ ،‬ارتففع صفاحبها شرفا ورفعفة ً ‪ ،‬وأشرف العلوم على الطلق العلوم‬
‫الشرعية ‪ ،‬ث العلوم الخرى كل بسبه ‪ .‬والعلم إذا أخلص عمله ل ‪ ،‬ون بتعليمه نفع الناس ‪ ،‬وتعليمهم الي‬
‫ف الديث الصحيح ‪ " :‬إنا العمال بالنيات " ‪ .‬ولعل حديث أب أمامة رضي ال عنه يبي‬ ‫‪ ،‬لقول النب‬
‫‪ " :‬إن ال وملئكته وأهل السموات والرض حت النملة‬ ‫لنا فضل تعليم الي ‪ .‬يقول ‪ :‬قال رسول ال‬
‫ف جحرها وحت الوت ف البحر ليصلون على معلم الناس الي "‪. 1‬‬
‫ومهمة العلم ل تقتصر على طرح الادة العلمية على طلبه فقط ‪ ،‬بل هي مهمة عسية وشاقة – وهي‬
‫ي سية على من ي سرها ل عل يه – ف هي تتطلب من العلم صبا ‪ ،‬وأما نة ‪ ،‬ون صحا ‪ ،‬ورعا ية ل ن ت ته ‪ ،‬ولو‬
‫عددنا ما الذي ينبغي توفره ف العلم لطال بنا القام‪ . 2‬وقبل أن ندخل ف فصول هذا الكتاب أحب أن أنوه إل‬
‫وأقواله ‪ ،‬م ستندا ل ف ا ستنباط‬ ‫م سألة تو ضح مق صود هذا الكتاب ‪ ،‬و هو أن ن جعلت من أفعال ال نب‬
‫أ سوة ح سنة ( ل قد كان ل كم ف‬ ‫صفات العلم ‪ ،‬وطرق التدر يس الختل فة ‪ ،‬وذلك لن ل نا ف ر سول ال‬
‫‪ -‬العلم الول الذي علم ور ب صحابته فكانوا خ ي طلب ل ي‬ ‫ر سول ال أ سوة ح سنة )‪ ، 3‬ول نه ‪-‬‬
‫معلم ‪.‬‬
‫( كما أرسلنا فيكم رسول منكم يتلوا عليكم إياتنا ويزكيكم ويعلمكم الكتاب والكمة ويعلمكم‬
‫ما ل تكونوا تعلمون )‪. 4‬‬
‫ولعلك ب عد تطالع كتاب نا هذا يت ب لك أن ما ادعاه منظروا الترب ية والتعل يم من إحداث طرق وأ ساليب‬
‫سبقهم‬ ‫متنو عة ‪ ،‬ف الترب ية والتعل يم ل يس ب ستقيم ل م ول م سلم به على كل حال ‪ ،‬بل إن العلم الول‬
‫بذلك بأربعة عشر قرنا ‪ .‬وال الوفق ‪.‬‬

‫رواه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ‪ ( .‬المختصر ص ‪. )42‬‬ ‫‪1‬‬

‫سيأتي تفصيل ذلك ‪ ،‬ولذلك أعرضت عن ذكره ههنا ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الحزاب ‪ ،‬الية ‪. 21 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة البقرة ‪ ،‬الية ‪. 151 :‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪4‬‬
‫المعـلم الول‬

‫القسم الول‬

‫صــفات ينبغــي توفرهــا فــ العلم‬


‫‪-1‬إخلص العلم ل ‪.‬‬
‫‪-2‬صدق العلم ‪.‬‬
‫‪-3‬مطابقة القول العمل ‪.‬‬
‫‪-4‬العدل والساواة ‪.‬‬
‫‪-5‬التحلي بالخلق الفاضلة والميدة ‪.‬‬
‫‪-6‬تواضع العلم ‪.‬‬
‫‪-7‬شجاعة العلم ‪.‬‬
‫‪-8‬مزاح العلم مع تلميذه ‪.‬‬
‫‪-9‬الصب واحتمال الغضب ‪.‬‬
‫‪-10‬تنب الكلم الفاحش البذيء‬
‫‪-11‬استشارة العلم لغيه ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫المعـلم الول‬

‫] ‪ [ 1‬إخلص العلم ل‬
‫أمر عظيم غفل عنه كثي من العلمي والربي ‪ ،‬أل وهو تأسيس وغرس مبدأ إخلص العلم والعمل ل ‪.‬‬
‫وهو أمر ل يفطن له لبعد فئام من الناس عن النهج الربان ‪ .‬ولعمر ال كم من علوم مفيدة وأعمال جليلة للمة‬
‫‪ ،‬ل يستفد أصحابا منها شيئا وذهبت أدراج الرياح وكانت هبا ًء منثورا ‪ .‬وذلك لن أصحابا ل يلصوا ف‬
‫علوم هم وأعمال م ‪ ،‬ول يعلو ها ف سبيل ال ‪ ،‬ول ي كن ه هم ن فع إخوان م ال سلمي بذه العلوم والعارف‬
‫والعمال ‪ ،‬إنا كانت أغراضهم نيل منصب أو جاه ونو ذلك ‪ ،‬ولذلك استحقت أن تكون هباءً منثورا ‪ ،‬أي‬
‫نعم قد ينتفع أولئك بعلومهم ومعارفهم ف الدنيا ‪ ،‬من مدح وثناء ونو ذلك ولكن ذلك عاقبته إل زوال ولعل‬
‫الديث الذي رواه أبو هريرة يسد ذلك العن ‪:‬‬
‫" ‪ ..‬ورجـل تعلم العلم ‪،‬‬ ‫‪-1‬عفن أب هريرة – رضفي ال عنفه – قال ‪ :‬قال النفب‬
‫وقرأ القرآن ‪ ،‬فأت به ‪ ،‬فعرفه نعمه ‪ ،‬فعرفها فقال ‪ :‬ما عملت فيها ‪ ،‬قال تعلمت‬
‫العلم وعلم ته وقرأت ف يك القرآن ‪ ،‬قال كذ بت ‪ ،‬وك نك تعل مت العلم ليقال ‪:‬‬
‫عال ‪ ،‬وقرأت القرآن ليقال قارئ ف قد ق يل ‪ ،‬ث أ مر به ف سحب على وج هه ح ت‬
‫ألقي ف النار ‪ ..‬الديث "‪ . 1‬ولذا كان حري بالربي والعلمي أن يغرسوا ف نفوس‬
‫ناشئتهم إخلص العلم والعمل ل ‪ ،‬وابتغاء الجر والثواب من ال ‪ ،‬ث إن حصل بعد‬
‫ذلك مدح وثناء من الناس فذلك فضل من ال ونعمة والمد ل ‪ .‬قال ابن رجب ‪:‬‬
‫فأمفا إذا عمفل العمفل ل خالصفا ‪ ،‬ثف ألقفى ال له الثناء السفن فف قلوب الؤمنيف‬
‫بذلك ‪ ،‬ففرح بف ضل ال ورحته ‪ ،‬واستبشر بذلك ‪ ،‬ل يضره ذلك ‪ .‬و ف هذا العن‬
‫أنه سئل عن الرجل يعمل العمل ل من الي يمده‬ ‫جاء حديث أب ذر ‪ ،‬عن النب‬
‫الناس عليه فقال ‪ " :‬تلك عاجل بشرى الؤمن " أخرجه مسلم ‪ .‬أهف ‪ .‬ومدار ذلك‬
‫كله على النية ‪ ،‬والنية ملها الصدور وال سبحانه وتعال ل تفى عليه خافية ( قل‬
‫إن تفوا ما ف صدوركم أو تبدوه يعلمه ال )‪ 2‬فمن كانت نيته ل خالصة فليبشر‬
‫بقبلو عمله ‪ ،‬وأجر من ال ومئوبة ‪.‬‬
‫قول " إنا العمال‬ ‫‪ -2‬عن عمر بن الطاب رضي ال عنه قال ‪ :‬سعت رسول ال‬
‫بالنيات ‪ ،‬وإن ا ل كل امرئ ما نوى ‪ ،‬ف من كا نت هجر ته إل ال ور سوله فهجر ته‬

‫أخرجه مسلم في كتاب المارة ‪ ،‬والنسائي في الجهاد ‪ ،‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ ،‬والترمذي في الزهد ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة آل عمران الية ‪29 :‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪6‬‬
‫المعـلم الول‬

‫إل ال ورسوله ‪ ،‬ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها ‪ ،‬فهجرته إل‬
‫‪1‬‬
‫ما هاجر إليه "‬

‫الخلصة ‪:‬‬
‫العلم أن يغرس ف نفوس طلبه حقيقة الخلص ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫وعلى العلم استصحاب تلك القيقة ف بدايات العمال ‪ ،‬والتذكي با دائما ‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬

‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫] ‪ [2‬صدق العلم‬
‫إن الصدق تاج على رأس العلم ‪ ،‬إذا فقده فقد ثقة الناس بعلمه ‪ ،‬وبا يليه عليهم من معلومات ‪ .‬لن‬
‫الطالب ف الغالب يتقبل من معلمه كل ما يقوله ‪ ،‬فإذا بان للطلب كذب معلمهم ف بعض المور ‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ينعكس عليه مباشرة ‪ ،‬ويؤدي إل سقوطه من أعي طلبه ‪.‬‬
‫والصدق منجاة للعبد ف الدنيا والخرة ‪ ،‬وقد أثن ال على الصادقي ‪ ،‬ورغب الؤمني أن يكونوا من‬
‫أهله بقوله ‪ ( :‬يأيهـا الذيـن أمنوا اتقوا ال وكونوا مـع الصـادقي )‪ ، 2‬وأرشفد العلم الول إل أن الصفدق‬
‫يهدي إل النة بقوله ‪:‬‬
‫‪ ( -1‬إن ال صدق يهدي إل الب ‪ ،‬وإن الب يهدي إل ال نة ‪ ،‬وإن الر جل لي صدق ويت حى ال صدق ح ت‬
‫يكتـب عنـد ال صـديقا ‪ ،‬وإن الكذب يهدي إل الفجور ‪ ،‬وإن الفجور يهدي إل النار ‪ ،‬وإن الرجـل‬
‫كان‬ ‫ليكذب ويتحرى الكذب ح ت يك تب ع ند ال كذابا )‪ 3‬وع ند تأ مل ال سية النبو ية ‪ ،‬ن د أن نبيكم‬
‫يسمى بالصادق المي ‪ ،‬ول يعهد منه كفار مكة كذبة واحدة ‪ .‬ولا بعث وظهر أمره ‪ ،‬عاداه سادات قريش‬
‫وأعيانم ‪ ،‬ل لكذبه عليهم ‪ ،‬ولكن استكبارا وتبا ‪ ،‬وخوفا من سقوط هيبتهم وجاههم ومقامهم بي القبائل‬
‫بالصدق أثرا كبيا ف دخول كثي من الناس‬ ‫‪ ،‬وقد صرح بقيقة ذلك بعض أعيانم ‪ .‬ولقد كان ل تصافه‬
‫لول وهلة قال ‪ :‬لا رأيت وجهه عرفت أن‬ ‫ف دين ال ‪ ،‬ورحم ال ذلك الصحاب‪ 4‬الذي عندما رأى النب‬
‫وجهه ليس بوجه كذاب !!‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة التوبة ‪ ،‬الية ‪119 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫هو عبد ال بن سلم رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة‪ /‬والدارمي في كتاب الصلة ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪7‬‬
‫المعـلم الول‬

‫‪5‬و صدق العلم يد عو التعلم إل الث قة به وب ا يقول ‪ ،‬ويك سبه احترام العلم ي ‪ ،‬وير فع من شأ نه ف عمله ‪،‬‬
‫ويتم ثل صدق العلم ف م ستلزمات ال سئولية اللقاة على عات قه ‪ ،‬وال ت من ها ن قل العر فة ب ا في ها من حقائق‬
‫ومعلومات للجيال ‪ ،‬فإن ل يكفن العلم متحليا بالصفدق فإنفه سفينقل لمف علما ناقصفا ومبتورا ‪ ،‬وحقائق‬
‫ومعلومات مغايرة للصورة الت يب أن ينقلها ‪ ،‬وإذا تعود التلميذ على قبول هذا السلوك السيء من العلم فإنه‬
‫ربا يستحسن هذا العمل حت يصبح ملزما له ‪ ،‬وهو أمر خطي على الجتمع أ هف ‪.‬‬
‫وإل يك أي ها العلم مثا ًل يبي أ ثر الكذب على الطلب ‪ .‬يقول الش يخ ممد ج يل زي نو ‪ :‬حدث أن سأل أ حد‬
‫الطلب معلمه مستنكرا تدخي أحد العلمي ‪ ،‬فأجاب العلم مدافعا عن زميله ‪ ،‬بأن سبب تدخينه هو نصيحة‬
‫ال طبيب له ‪ ،‬وح ي خرج التلم يذ من ال صف قال ‪ :‬إن العلم يكذب علي نا ‪ ( .‬قال م مد ج يل ) وحبذا لو‬
‫صدق العلم ف إجابته ‪ ،‬وبي خطأ زميله ‪ ،‬بأن التدخي حرام ‪ ،‬لنه مضر بالسم ‪ ،‬مؤذ للجار ‪ ،‬متلف للمال‬
‫‪ ،‬فلو فعل ذلك لكسب ثقة الطلب وحبهم ‪ ،‬ويستطيع أن يقول هذا العلم إل طلبه ‪ :‬إن هذا العلم فرد من‬
‫الناس تري عليه العراض البشرية ‪ ،‬فهو يصيب ويطئ ‪.2 ..‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫الصدق ناة للمعلم ف الدنيا والخرة ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪)2‬الكذب على الطلب ‪ ،‬عائق عن التلقي ‪ ،‬وفاقد للثقة ‪.‬‬
‫(‪)3‬الكذب أثره يتعدى إل الجتمع ‪ ،‬ول يقتصر على منتحله ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫] ‪ [3‬مطابقة القول العمل‬
‫قال تعال ‪ (:‬يأيها الذين أمنوا ل تقولون ما ل تفعلون ‪ ،‬كب مقتا عند ال أن تقولوا ما ل تفعلون ) ‪.3‬‬
‫أي ‪ :‬ل تقولون الي ‪ ،‬وتثون عليه ‪ ،‬وربا تدحتم به ‪ ،‬وأنتم ل تفعلونه ‪ .‬وتنهون عن الشر ‪ ،‬وربا نزهتم‬
‫أنفسكم عنه ‪ ،‬وأنتم متلوثن متصفون به ‪ .‬فهل تليق بالؤمني ‪ ،‬هذه الالة الذميمة ؟ أم من أكب القت عند ال‬
‫‪ ،‬أن يقول العبد ما ل يفعل ؟ ‪ .‬ولذا ينبغي للمر بالي أن يكون أول الناس مبادرة إليه ‪ ،‬والناهي عن الشر ‪،‬‬
‫أن يكون أبعفد الناس عنفه ‪ ،‬قال تعال ‪ ( :‬أتأمرون الناس بالب وتنسـون أنفسـكم وأنتـم تتلون الكتاب أفل‬
‫تعقلون ) ‪ .‬وقال شعيب عليه السلم ‪ ( :‬وما أريد أن أخالفكم إل ما أناكم عنه ) أهـ‪. 4‬‬

‫كان يأ مر الناس بال ي و هو أول من يأت يه ‪ ،‬وكان ينها هم عن ال شر و هو أول من يتن به‬ ‫ور سولنا‬
‫ويبتعد عنه ‪ ،‬وهذا من كمال خلقه عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ول عجب فقد كان خلقه القرآن ‪ .‬ومطاقة القول‬
‫من هنا يبدأ النقل من كتاب إعداد المعلم ‪ /‬د‪ .‬عبد ال عبد الحميد محمود ‪. 157 ، 156 .‬‬ ‫‪5‬‬

‫نداء إلى المربين ص ‪. 14‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة الصف ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ‪ .‬للشيخ عبد الرحمن بن سعدي (‪. ) 366 ،7/365‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪8‬‬
‫المعـلم الول‬

‫الع مل ‪ ،‬أ سرع ف ال ستجابة من مرد القول بفرده ‪ ،‬ي تبي ل نا ذلك من خلل عرض هذا الدث الذي و قع‬
‫‪ ،‬وال سلمي م عه ف ق صة الديب ية ‪ .‬فعند ما صال الشركون ال سلمي على شروط معي نة ومن ها أن‬ ‫لل نب‬
‫يرجع السلمون من عامهم هذا عن مكة ويجوا ف عامهم القبل ‪ .‬قال ابن القيم ‪:‬‬
‫‪ " :‬قوموا فانروا ‪ ،‬ث احلقوا " فوال ما قام منهم‬ ‫‪1‬فلما فرغ من قضية الكتاب ‪ ،‬قال رسول ال‬
‫رجل واحد حت قال ذلك ثلث مرات ‪ ،‬فلما ل يقم منهم أحد‪ ، 2‬دخل على أم سلمة ‪ ،‬فذكر لا ما لقي‬
‫م نه الناس ‪ ،‬فقالت أم سلمة ‪ :‬يا ر سول ال ‪ :‬أت ب ذلك ؟ اخرج ث ل تكلم أحدا من هم كل مة ح ت تن حر‬
‫بدنك ‪ ،‬وتدعو حالقك فيحلقك ‪ ،‬فقام ‪ ،‬فخرج ‪ ،‬فلم يكلم أحدا منهم حت فعل ذلك ‪ :‬نر بدنه ‪ ،‬ودعا‬
‫حالقه فحلقه ‪ ،‬فلما رأى الناس ذلك ‪ ،‬قاموا فنحروا ‪ ،‬وجعل بعضهم يلق بعضا ‪.‬‬

‫‪ ،‬ول كن ل ا رأوا أ نه بادر إل ذلك‬ ‫و ها يت ضح ل نا جليا ك يف أن ال صحابة تأخروا عن تنف يذ قوله‬


‫قبلهم ‪ ،‬تبعوه ول يتخلف منهم أحد ‪.‬‬
‫والعلم هو أحوج الناس إل التزام ذلك النهج ف واقع حياته ‪ ،‬لنه قدوة يتذى ‪ ،‬وطلبه يأخذون عنه‬
‫الخلق ‪ ،‬والدب ‪ ،‬والعلم ولع مر ال أي فائدة تر جى من معلم ين قض قوله عمله !‪ . 3‬ث إن التنا قض الذي‬
‫يشاهده الطالب من قبل معلمه يوقعه ف حية عظيمة ‪ ،‬وكأن بذلك الطالب الحتار وهو يسأل نفسه ‪ :‬لقد‬
‫احترت ف أمري ‪ ،‬ماذا أفعل ‪ ،‬هل أصدق قوله ‪ ،‬أم فعله الذي يناقض قوله ؟ ‪ ،‬فهو يقول لنا ‪ :‬الكذب عادة‬
‫سيئة مذمومة وعاقبتها إل السران ‪ ،‬ث نسمعه بعد ذلك مرارا يكذب علينا ! ‪.‬‬
‫من أ جل ذلك كان الن هي الشد يد ف قوله تعال ‪ ( :‬كب مقتا ع ند ال أن تقولوا ما ل تفعلون ) ‪.‬‬
‫فالواجفب على الربيف والعلميف أن يتقوا ال فف فلذات الكباد ‪ ،‬فهفم أمانفة فف أعناقهفم ‪ ،‬فليحرصفوا على‬
‫تعليمهفم مفا ينفعهفم ‪ ،‬ومطابقفة أقوالمف لعمالمف ‪ ،‬لن فف ذلك ترسفيخا للعلم الذي تعلموه مفن معلميهفم‬
‫ومربيهم ‪.‬‬
‫قال الغزال‪ : 4‬الوظيففة الثامنفة ‪ :‬أن يكون العلم عاملً بعلمـه فل يكذب قوله فعله لن العلم يدرك‬
‫بالب صائر والع مل يدرك بالب صار وأرباب الب صار أك ثر ‪ .‬فإذا خالف الع مل العلم م نع الر شد و كل من‬
‫تناول شيئا وقال للناس ل تتناولوه فإنفه سفم مهلك سفخر الناس بفه واتمفه وزاد حرصفهم على مفا نوا عنفه‬

‫من هنا يبدأ النقل من زاد المعاد (‪. )3/295‬‬ ‫‪1‬‬

‫البته ‪ ،‬وقد تكلم ابن القيم في زاد المعاد (‪ )3/307،308‬على سبب تأخر الصحابة‬ ‫ل ينبغي لحد أن يتأخر عن امتثال أمر رسول ال‬ ‫‪2‬‬

‫رضوان ال عليهم ‪ ،‬عن امتثال أمر النبي في حادثة الحديبية ‪ ،‬فراجعه إن شئت ففيه فوائد ‪.‬‬
‫يخبرني طالب في إحدى المدارس المتوسطة ‪ :‬أن لديهم مدرس لمادة الدين ‪ ،‬وهو يتصف بثلث خصال مذمومة ‪ ،‬الولى ‪ :‬حليق ‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫والثانية ‪ :‬مسبل ‪ ،‬والثالثة ‪ :‬يتعاطى الدخان !! قلت ‪ :‬إنا ل وإنا إليه راجعون ‪ ،‬أي علم يؤخذ عن هذا !!‬
‫إحياء علوم الدين ‪ )1/97( .‬ط ‪ .‬دار الحديث ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪9‬‬
‫المعـلم الول‬

‫فيقولون لول أنه أطيب الشياء وألذها لا كان يستأثر به ‪ .‬ومثل العلم الرشد من السترشدين مثل النقش من‬
‫الطي والظل من العود فكيف ينتقش الطي با ل نقش فيه ومت استوى الظل والعود أعوج ؟‬
‫‪10‬‬
‫المعـلم الول‬

‫قال أبو السود الدؤل‪: 1‬‬

‫يـــا أيهـــا الرجـــل المعلمـــُ غيرهـــَ‬

‫هل لنفســــــــك كان ذا التعليمــــــــُ‬

‫ل تنـــــه عـــــن خلق وتأتيـــــَ مثلَه‬

‫ـــــُ‬
‫ـــــَ عظيمـ‬
‫ـــــك إذا فعلتـ‬
‫عارٌ عليـ‬

‫ـــا‬
‫ـــن غيهـ‬
‫ـــا عـ‬
‫ـــك فانههـ‬
‫وابدأ بنفسـ‬

‫فإذا انتهــــت عنــــه فأنــــت حكيمــــُ‬

‫فهناك تُقبـــــــل إن وعظـــــــت ويُقتدى‬

‫ـــــُ‬
‫ـــــع التعليمـ‬
‫ـــــك وينفـ‬
‫بالقول منـ‬

‫تصــــفُ الدواءَ لذي الســــقام الضنــــا‬

‫ـــقيمُ‬
‫ـــت سـ‬
‫ـــه وأنـ‬
‫ـــح بـ‬
‫ـــا يصـ‬
‫كيمـ‬

‫وأراك تلقـــــــح بالرشاد عقولنـــــــا‬

‫نصــــحا وأنــــت مــــن الرشادِ عديمــــُ‬


‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬الالة الذميمة الت يتحلى با من خالف قوله عمله ‪ ،‬وكفى بقوله تعال ‪ ( :‬كب مقتا عند ال‬
‫أن تقولوا ما ل تفعلون ) فإنه فيه عظة وعبة لن عقل ‪.‬‬
‫(‪)2‬إن مالفة القول للعمل توقع الطالب ف حية ‪ ،‬وتعله ل يستقر على حال ‪.‬‬
‫(‪)3‬عظم الهمة اللقاة على العلمي والربي ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬

‫مختصر جامع بيان العلم وفضله ‪ .‬لبن عبد البر ‪ .‬اختصره الشيخ أحمد بن عمر المحمصاني البيروتي ‪ .‬ص ‪. 167‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪11‬‬
‫المعـلم الول‬

‫] ‪ [4‬العدل والساواة ‪.‬‬


‫قال تعال ‪ (:‬إن ال يأ مر بالعدل والح سان وإيتآي ذي القر ب وين هى عن الفحشاء والن كر والب غي لعل كم‬
‫تذكرون )‪ 1‬وقال تعال ‪ ( :‬وأمرت لعدل بينكم )‪ . 2‬وقال تعال ‪ ( :‬ول يرمنكم شنئان قوم على أل تعدلوا‬
‫اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا ال إن ال خبي ب ا تعملون )‪ . 3‬وقال تعال ‪ ( :‬وإذا قل تم فأعدلوا ولو كان‬
‫ذا قر ب )‪ . . 4‬ففى الية الول يأمر ال بالعدل ويوج به على العباد فالعدل الذي أمر ال به ‪ ،‬يش مل العدل ف‬
‫ح قه ‪ ،‬و ف حق عبادة ‪ ..‬ويعا مل اللق بالعدل التام فيؤدى كل وا ِل ‪ ،‬ما عل يه ‪ ،‬ت ت ولي ته ‪ ،‬سواء ف ذلك‬
‫ولية المامة الكبى ‪ ،‬وولية القضاء ‪ ،‬ونواب الليفة ‪ ،‬ونواب القاضي ‪ .‬أ هف‪ 5‬وقس على ذلك الولية الت‬
‫بأن يعدل بي أهل‬ ‫تكون للمعلم على تلميذه فإن له ولية على طلبه بسبها ‪ .‬وف الية الثانية أمر ال رسوله‬
‫الكتاب ‪ ،‬وأن ل تكون هذه العداوة مانعة من العدل ف الحكام ‪ ،‬وكذلك الية الثالثة تث على إقامة العدل مع‬
‫العداء ‪ ،‬أل ترى إل قوله ‪ ( :‬ول يرمنكم شنئان قوم ) أي ل يملنكم بغضكم لم على أل تعدلوا ‪ .‬ث أخب‬
‫تعال ف ختام ال ية أن تق يق العدل وإقا مة الق سط ولو كان مع العدو فإ نه سبب ف كمال التقوى ‪ .‬و ف قوله‬
‫تعال ( هفو أقرب للتقوى ) أي كلمفا حرصفتم على العدل واجتهدتف فف العمفل بفه ‪ ،‬كان ذلك أقرب لتقوى‬
‫قلوبكم فإن ت العدل كملت التقوى ‪ .‬أهف‪ . 6‬وف الية الرابعة أمر ال سبحانه بالعدل مع القريب والبعيد ‪ .‬قال‬
‫ابن كثي ‪ :‬وقوله ‪ ( :‬وإذا قلتم فأعدلوا ولو كان ذا قرب ) كقوله ‪ ( :‬يأيها الذين أمنوا كونوا قوامي بالقسط‬
‫شهداء ل ولو على أنف سكم أو الوالد ين والقرب ي إن ي كن غنيا أو فقيا فال أول ب ما فل تتبعوا الوى أن‬
‫تعدلوا وإن تلو أو تعرضوا فإن ال كان با تعملون خبيا ) وكذا ال ت تشبه ها ف سورة الن ساء يأ مر ال تعال‬
‫بالعدل ف الفعال والقال على القريب والبعيد وال تعال يأمر بالعدل لكل أحد ف كل وقت وف كل كل حال ‪.‬‬
‫أهف‪. 7‬‬
‫فمما سبق يتبي أن القيام بالقسط والعدل بي الناس ‪ ،‬شأنه عظيم ‪ ،‬ولذلك جاءت اليات ف بيان أمره‬
‫يضرب أروع المثلة ف تقيقه للعدل بي أفراد أمته ‪ .‬انظر للحديث الذي ترويه‬ ‫والتعظيم من شأنه ‪ .‬ورسولنا‬
‫أم الؤمني عائشة – رضى ال عنها –‬
‫؟ فقالوا ‪:‬‬ ‫‪ -1‬قالت ‪ :‬إن قريش أههم شأن الرأة الخزومية الت سرقت ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬ومن يكلم فيها رسول ال‬

‫سورة النحل ‪ ،‬الية ‪. 90 :‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة الشورى ‪ ،‬الية ‪. 90 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة المائدة الية ‪. 8 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة النعام الية ‪. 152 :‬‬ ‫‪4‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ‪ ) 4/232 ( .‬بتصرف يسير ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر السابق (‪)2/259‬‬ ‫‪6‬‬

‫تفسير القرآن العظيم ( ‪. ) 2/190‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪12‬‬
‫المعـلم الول‬

‫؟ فكلمه أسامة ‪ ،‬فقال ‪ :‬رسول ال " أشفع ف حد من‬ ‫ومن يترئ عليه إل أسامة بن زيد ‪ ،‬حب رسول ال‬
‫حدود ال ؟ " ث قام فاختطب ‪ ،‬ث قال ‪ " :‬إنا أهلك الذين قبلكم أنم كانوا ‪ ،‬إذا سرق فيهم الشريف تركوه ‪،‬‬
‫وإذا سرق في هم الضع يف أقاموا عل يه ال د ‪ ،‬وا ي وال ! لو أن فاط مة ب نت م مد سرقت لقط عت يد ها "‪ 1‬ال‬
‫أكب ! انظر إل من بلغ الذروة ف تقيق العدالة (لو أن فاطمة بنت ممد سرقت لقطعت يدها ) وحاشاها أن تفعل‬
‫ذلك‬
‫‪ -2‬عن النعمان بن بش ي قال ‪ :‬تصدق على أ ب ببعض ماله ‪ .‬فقالت أمي عمرة ب نت رواحة ‪ :‬ل أرضى ح ت‬
‫‪ " :‬أفعلت هذا‬ ‫ليشهده على صفدقت ‪ .‬فقال له رسفول ال‬ ‫فانطلق أبف إل النفب‬ ‫تشهفد رسفول ال‬
‫بولدكم كلهم ؟ " قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪ ":‬اتقوا ال واعدلوا ف أولدكم " ‪ .‬فرجع أب فرد تلك الصدقة‪ . 2‬وجاء ف‬
‫رواية أخرى ‪ " :‬فل تشهدن إذا ‪ .‬فإن ل أشهد على جور " ‪.3‬‬
‫والعلمون ‪ ،‬يتعرضون لوا قف كثية من ق بل طلب م ‪ ،‬سواء ف توز يع الهام والواجبات إن كا نت هناك‬
‫أعمال تتاج إل مشاركات جاعيفة أو تفضيفل بعضهفم دون بعفض ونوف ذلك ‪ .‬ويتأكفد العدل عنفد وضفع‬
‫العلمات ور صد الدرجات ‪ ،‬فل مال لحاباة أ حد ‪ ،‬أو تفض يل أ حد على أ حد سواء لقراب ته أو معرف ته أو لي‬
‫أمر كان ‪ ،‬فإن هذا من الظلم الذي ل يرضاه ال وصاحبه متوعد بالعقوبة ‪.‬‬
‫إن اختلل هذا اليزان عند العلم ‪ ،‬أي وجود التميز بي الطلب ‪ ،‬كفيل بان يلق التوتر وعدم النسجام‬
‫والعداوة والبغضاء بي الطلب ‪ ،‬وكفيل بأن يعل هناك هوة واسعة بي العلم وطلبه الخرين الذين بي طلبه‬
‫لكي يشيع الخاء والحبة بينهم ‪.‬‬
‫أي ها العلم ‪ :‬إن كا نت لك عل قة قر ب أو صداقة مع أ حد طل بك ‪ ،‬فلت كن بعيدة عن م سمع ومرأى‬
‫الطلب الخرين ‪.‬‬
‫روى عن ماهد قال ‪ ( :‬العلم إذا ل يعدل كتب من الظلمة ) ‪...‬‬
‫ويروى عفن ال سن البصفري قوله ‪ ( :‬إذا قوطـع العلم على الجـر فلم يعدل بينهـم – أي الطلب –‬
‫كتب من الظلمة )‪. 4‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬عظم شأن العدل ‪ ،‬حيث أمر ال به وأوجبه مع القريب والبعيد ‪ ،‬ومع العدو أيضا‬
‫(‪)2‬أهية تقيق العدل والساواة بي الطلب ‪ ،‬لا فيه من إشاعة الحبة والودة بينهم ‪.‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الهبة ‪ /‬ومسلم في كتاب الهبات ‪ .‬واللفظ له ‪ /‬وأحمد في مسند الكوفيين والنسائي في النحل ‪ /‬وأبو داود في‬ ‫‪2‬‬

‫البيوع ‪ /‬وابن ماجة في الحكام ‪ /‬ومالك في القضية ‪.‬‬


‫مسلم بشرح النووي كتاب الهبات ( حديث رقم ‪. )1623‬‬ ‫‪3‬‬

‫النقل من كتاب إعداد المعلم ‪ .‬د ‪ /‬عبد ال عبد الحميد محمود ‪ .‬ص ‪. 238‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪13‬‬
‫المعـلم الول‬

‫(‪)3‬يتأكد العدل ويتعي ‪ ،‬عند وضع العلمات ورصد الدرجات ‪.‬‬


‫(‪)4‬الرص على إبقاء علقات القرابة أو الصداقة ‪ ،‬بعيدة عن مسمع ومرأى الطلب الخرين ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬

‫] ‪ [5‬التحلي بالخلق الفاضلة والميدة ‪.‬‬


‫ل شك أن الكلمة الطي بة والعبارة ال سنة تفعل أثرها ف النفوس ‪ ،‬وتؤلف القلوب ‪ ،‬وتذهب الضغائن‬
‫والحقاد من ال صدور ‪ ،‬وكذلك الت عبيات ال ت تظ هر على و جه العلم تدث مردودا إيابيا أو سلبيا لدى‬
‫الطالب ‪ ،‬وذلك لن انب ساط الو جه وطلق ته م ا تأ نس به الن فس وترتاح إل يه ‪ .‬وأ ما عبوس الو جه وتقط يب‬
‫الاجبي فهو ما تنفر منه النفس وتنكره ‪.‬‬
‫كان أطيب الناس روحا ونفسا ‪ ،‬وكان أعظمهم خلقا ( وإنك لعلى خلق عظيم )‪ 1‬ول‬ ‫والرسول‬
‫ل سحا لينا رءوفا بأم ته ( لقد جاء كم ر سول من أنف سكم عز يز‬
‫ي كن فظا غليظا حاد الطباع بل كان سه ً‬
‫عليه ما عنتم حريص عليكم بالؤمني رءوف رحيم )‪ 2‬وقال تعال ‪ ( :‬فبما رحة من ال لنت لم ولو كنت‬
‫فظا غليظ القلب ل نفضوا من حولك )‪. 3‬‬
‫‪ -1‬فعن عطاء بن يسار قال ‪ ( :‬لقيت عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬أخبن عن صفة‬
‫ف التوراة ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬أ جل ‪ ،‬وال إ نه لو صوف ف التوراة بب عض صفته ف القرآن ‪ ( :‬يا أي ها‬ ‫ر سول ال‬
‫النب إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ًونذيرا ) وحرزا للميي ‪ ،‬أنت عبدي ورسول سيتك التوكل ‪ ،‬ليس بفظ‬
‫ول غليظ ‪ ،‬ولسخاب ف السواق ‪ ،‬ول يدفع السيئة بالسيئة ‪ ،‬ولكن يعفو ويصفح ‪ ،‬ولن يقبض ال حت‬
‫يقيم به اللة العوجاء ‪ ،‬بأن يقولوا ‪ ( :‬ل إله إل ال ) ويفتح به أعينا عميا وآذانا صما ‪ ،‬وقلوبا غلفا )‪ 4‬تلكم‬
‫‪ ،‬خلق عظ يم ‪ ،‬وبالؤمن ي رءوف رح يم ‪ ،‬ل يس ب فظ ول غل يظ القلب ‪ ...‬إل‬ ‫كا نت ب عض صفات ال نب‬
‫وتلك صفات كا نت من لوازم الدعوة إذ أن الدعو ين يتاجون إل من ير فق ب م ن ويعلم هم أمور دين هم ‪،‬‬
‫ففي هم الا هل وفي هم ال صغي وفي هم ال كبي ‪ ،‬و كل أولئك يلزم هم ر فق ‪ ،‬وخلق ‪ ،‬وحلم ‪ ،‬وأناة ‪ ،‬ول طف ‪،‬‬
‫وح سن ت صرف وإل انفضوا وغضبوا ول يتبعوا الدى م ن جاء به ‪ .‬ول قد ضرب ر سولنا الكر ي – بأ ب هو‬
‫‪ -‬أروع المثلة ف حسن اللق ‪ ،‬كيف ل وربنا عز وجل هو الذي امتدحه بذلك ( وإنك لعلى‬ ‫وأمي ‪-‬‬

‫سورة القلم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة التوبة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة آل عمران الية ‪. 159 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه البخاري في البيوع ‪ ،‬وتفسير القرآن ‪ /‬وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪14‬‬
‫المعـلم الول‬

‫خلق عظ يم ) وكا نت عائشة أم الؤمني رضي ال عنها تقول ‪ ( :‬كان خلقه القرآن )‪ . 1‬وتعال مع نا لنرى‬
‫ذلك الوقف الذي يرويه أنس بن مالك ‪:‬‬
‫‪ ،‬وعل يه برد نرا ن غل يظ الاش ية ‪ ،‬فأد كه أعرا ب فجبذه بردائه جبذة‬ ‫‪-2‬قال ‪ ( :‬ك نت أم شي مع ال نب‬
‫شديدة ‪ ،‬حت نظرت إل صفحة عاتق رسول ال قد أثرت با حاشية البد من شدة جبذته ‪ ،‬قال ‪ :‬ياممد ‪،‬‬
‫ث ضحك ث أمر له بعطاء )‪. 2‬‬ ‫مر ل من مال ال الذي عندك ‪ ،‬فالتفت رسول ال‬

‫‪ ،‬كان ف مقدوره أن يؤدب ذلك العرا ب على صنيعه ‪،‬‬ ‫ما أع ظم ذلك اللق الرف يع الذي امتاز به ال نب‬
‫‪ ،‬كيف يفعل ذلك وهو الذي قال ‪:‬‬ ‫ولكن ل تكن تلك من شيم ول أخلق العلم الول‬
‫( من ك ظم غيظا و هو يقدر أن ينفذه دعاه ال على رءوس اللئق يوم القيا مة ‪ ،‬ح ت ييه ف أي الور‬
‫العي شاء )‪. 3‬‬

‫‪ ،‬ف التحلي بالخلق الفاضلة والدب الرفيع ‪،‬‬ ‫والربون والعلمون حري بم أن يترسوا خطى العلم الول‬
‫وهي من أنع الوسائل ف التعليم والتربية ‪ ،‬حيث إن الطالب ف الغالب يتأثر وتلق بأخلق معلمه ويتقبل منه‬
‫أكثر من غيه ‪ ،‬فإذا كان العلم يتحلى بأخلق حيدة أثر ذلك على طلبه إيابا ‪ ،‬وعملت ف نفوسهم ما ل‬
‫" مامن شيء ف اليزان أثقل من حسن اللق‬ ‫تعمله عشرات النصائح والدروس ‪ ،‬ومن هنا نفهم سر قوله‬
‫"‪ 4‬وقوله ‪ " :‬إن الر جل ليدرك ب سن خل قه درجات قائم الل يل ‪ ،‬و صائم النهار "‪ 5‬لن ح سن اللق سجية‬
‫تعمل عمل السحر ف أسر القلوب ‪ ،‬واستمالة النفوس ‪ ،‬وإشاعة الحبة بي أفراد الجتمع ‪ .‬والعلمون هم أول‬
‫الناس بذلك ! ‪.‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬الخلق صفة حيدة ينبغي للمعلم أن يتحلى با ‪ ،‬ويث طلبه على التخلق با ‪.‬‬
‫(‪)2‬الكل مة الطي بة ‪ ،‬والبشا شة وطل قة الو جه ‪ ،‬من ال سباب ال ت تز يل الا جز النف سي ب ي العلم‬
‫وتلميذه ‪.‬‬
‫(‪)3‬اللم والناة ‪ ،‬وانشراح صدر الرب ‪ ،‬ف مقابل جهل الطالب ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬

‫رواه المام أحمد في باقي مسند النصار ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه أحمد وابن ماجه ‪ ،‬والترمذي وقال هذا حديث غريب ‪ ،‬وأبو داود برقم (‪ )4777-3997‬وقال اللباني ‪ :‬حسن ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أخرجه أبو داود ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬وصححه ابن حبان ‪ ،‬ورواه الترمذي وقال ‪ :‬هذا حديث غريب من هذا الوجه ‪ .‬قال اللباني إسناده صحيح‬ ‫‪4‬‬

‫( السلسلة الصحيحة = ‪. )2/563‬‬


‫أخرجه أبو داود ‪ ،‬وابن حبان ‪ ،‬والحاكم ‪ ،‬وقال الحاكم ‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي ‪ .‬قلت ‪ :‬أي اللباني – وهو كما قال‬ ‫‪5‬‬

‫( السلسلة الصحيحة ‪. )2/437‬‬


‫‪15‬‬
‫المعـلم الول‬

‫] ‪ [6‬تواضع العلم‬
‫التوا ضع خلق ح يد ‪ ،‬يض في على صاحبة إجل ًل ومها بة ‪ ،‬و من ظن أن التوا ضع خلق مرذول ينب غي‬
‫تنبه وترك التخلق به فقد أخطأ وأبعد النجعة ‪ ،‬وحسبك بإمام التقياء مثلً‪ - - 1‬والتواضع وإن كان من‬
‫لوازمه الذل ‪ ،‬فهو إن كان ف جانب ال فما ألذه من ذل وما أطيبه ‪ ،‬لن العبود ية ل تتحقق ول تكمل إل‬
‫بالذل ل والنكسار بي يديه ‪ ،‬وأما الذل الذي يكون ف جانب الخلوقي فهو ف حق الؤمني خاصة ‪ ،‬قال‬
‫تعال ‪ ( :‬أذلة على الؤمن ي أعزة على الكافر ين )‪ 2‬ف هم للمؤمن ي أذلة ‪ ،‬من مبت هم ل م ‪ ،‬ون صحهم ل م ‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ولينهم ‪ ،‬ورفهم ‪ ،‬ورأفتهم ‪ ،‬ورحتهم بم وسهولة جانبهم ‪ ،‬وقرب الشيء الذي يطلب منهم ‪..‬‬
‫والعلم ف أمس الاجة إل التخلق بذا اللق العظيم ‪ ،‬لا فيه من تقيق القتداء بسيد الرسلي ‪ ،‬ولا فيه من‬
‫نفع عظيم للمتعلمي ‪.‬‬
‫(و) إذا كان الن سان ال سلم يتاج إل التوا ضع للنجاح ف علق ته مع ال ث مع الجت مع فإن حا جة‬
‫العلم إل التوا ضع أ شد وأقوى ‪ ،‬لن عمله العل مي والتعلي مي والتوجي هي يقت ضي الت صال بالتعلم ي والقرب‬
‫من هم ح ت ل يدوا حرجا ف سؤاله ومناقش ته والبوح له ب ا ف نفو سهم ‪ ،‬لن النفوس ل ت ستريح لت كب أو‬
‫‪4‬‬
‫متجب أو مغتر بعمله ‪ .‬أهف‬
‫‪:‬‬ ‫وإليك بعض المثلة من تواضعه‬

‫‪ " :‬إن ال أوحى إل أن تواضعوا حت ل يفخر أحد على أحد ‪ ،‬ول يبغي أحد على‬ ‫‪-1‬قال رسول ال‬
‫أحد "‪. 5‬‬
‫‪ ،‬فتنطلق به حيث شاءت‬ ‫‪-2‬وعن أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬إن المة من أماء الدينة لتأخذ بيد النب‬
‫‪6‬‬
‫‪.‬‬

‫قال ‪ " :‬ما بعث ال نبيا إل رعى الغنم " قال أصحابه ‪:‬‬ ‫‪-3‬وعن أب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬عن النب‬
‫وأنت ؟ فقال ‪ " :‬نعم كنت أرعاها على قراريط لهل مكة "‪. 7‬‬

‫سوف ترى أمثلة لذلك بعد عدة سطور ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫سورة المائدة الية ‪. 54 :‬‬ ‫‪2‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن بتفسير كلم المنان ‪ .‬عبد الرحمن السعدي (‪. )2/308‬‬ ‫‪3‬‬

‫إعداد المعلم ‪ .‬د ‪ /‬عبد ال عبد الحميد محمود ‪ .‬ص ‪.181‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه مسلم ‪ ،‬في كتاب الجنة وصفة نعيمها ‪ /‬وأبو داود في الدب ‪ /‬وابن ماجه في الزهد ‪..‬‬ ‫‪5‬‬

‫رواه البخاري ‪ .‬تعليقا وقد وصله أحمد (‪ )214 ، 3/119‬وأبو داود (‪ )4818‬من هذا الوجه ‪ ..‬ذكر ذلك اللباني في حاشيته على الشمائل‬ ‫‪6‬‬

‫المحمدية ص ‪. 176‬‬
‫رواه البخاري ‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪16‬‬
‫المعـلم الول‬

‫قال ‪ :‬لو دعيت إل كراع أو ذراع لجبت ‪ ،‬ولو أهدي إل ذراع أو كراع لقبلت "‪. 8‬‬ ‫‪-4‬وعنه عن النب‬

‫يوم الفتفح فأخذتفه الرعدة ‪ ،‬فقال النفب‬ ‫ل كلم رسفول ال‬


‫‪-5‬وعفن قيفس بفن مسفعود أن رج ً‬
‫‪2‬‬
‫‪ " :‬هون عليك فإنا أنا ابن امرأة من قريش تأكل القديد " !‬
‫ويبلغ التواضع ذروته عند فتح مكة ‪:‬‬
‫لي ضع رأ سه تواضعا ل ح ي‬ ‫‪ -6‬يقول ا بن إ سحاق ‪ :‬فحدث ن ع بد ال بن أ ب ب كر ‪ ... :‬إن ر سول ال‬
‫رأى ما أكرمه ال به من الفتح ‪ ،‬حت إن عثنونه ليكاد يس واسطة الرحل‪ 3‬وقال الافظ البيهقي ‪ ..‬عن أنس‬
‫يوم الفتح وذقنه على راحلته متخشعا‪ . 4‬أرأيتم تواضعا أعظم من ذلك ؟ قائد يظفر‬ ‫قال ‪ :‬دخل رسول ال‬
‫بصومه الذين أخرجوه من بلده ‪ ،‬وقاتلوه ‪ ،‬وسبوه ‪ ، ..‬ث يظفر بم ويدخل معقلهم دخول الفاتي ‪ ،‬ومع‬
‫ذلك يطأطىء رأسه عند انتصاره على عدوه تواضعا ل وشكرا فما أعظمه من قائد ‪ ،‬وما أجله من مربِ!!‬
‫والتواضع يضاد التكب ‪ ،‬وهي خصلة ذميمة ل تعود على صاحبها بالنفع ‪.‬‬
‫ومن آثار التكب الذي يصيب بعض العلمي ف الجتمعات السلمية ‪:‬‬
‫‪-1‬جحوده للحق وعدم الضوع له ‪.‬‬
‫‪-2‬الغرور با لديه من علم مع أنه قليل ‪.‬‬
‫‪-3‬ترك طلب العلم لظنه أنه قد علم وفهم كل شيء ‪.‬‬
‫‪ . ..‬ث إن العلم التكب ل يستطيع أن يصل إل أهداف التعليم ‪ ،‬ول يكنه تكبه من أن يعرف ما تقق منها‬
‫ل نه بع يد عن مال طة طل به ‪ ،‬والد نو من هم ح ت ي ستطيع أن يعرف مشكلت م و ما يعوق بلوغ هم الهداف‬
‫التربو ية الر سومة ‪ ,‬و ما يتا جه من مراج عة للطري قة وترت يب العلومات وتب سيطها و ما إل ذلك ‪ .‬ك ما أن‬
‫الطلب ل يرتاحون إل العلم التكفب التغطرس فل يصفدقونه مشاعرهفم وأحاسفيسهم ومفا يواجهونفه مفن‬
‫صعوبات ‪ ،‬ما يعل الفائدة الت يصلون عليها من مثل هذا العلم قليلة جدا ‪ .‬أ هف‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)0‬أثر التواضع ليس قصرا على العلم ‪ ،‬بل يتعداه إل الطلب ‪ ،‬ويؤثر فيهم إيابا ‪.‬‬
‫(‪)1‬التواضع سبب ف إزالة الواجز بي العلم وتلميذه ‪.‬‬
‫(‪)2‬التكب سبب لنفور الطلب من معلمهم ‪ ،‬والعراض عن تلقي العلم منه ‪.‬‬

‫رواه البخاري ‪ .‬والكراع ‪ :‬من الدابة ما بين الركبتين إلى الساق ( نقلً من رياض الصالحين ‪ .‬ط‪.‬دار عالم الكتب ص ‪. )228‬‬ ‫‪8‬‬

‫عزاه محقق البداية والنهاية إلى دلئل البيهقي ‪ ،‬انظر البداية والنهاية (ج ‪ )533-4‬دار احياء التراث العربي ط ‪1408‬هـ وهو عند ابن‬ ‫‪2‬‬

‫ماجه في كتاب الطعمة ‪.‬‬


‫سيرة ابن هشام ‪. )4/405( .‬‬ ‫‪3‬‬

‫عزاء محقق البداية إلى دلئل البيهقي ‪)5/68( :‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪17‬‬
‫المعـلم الول‬

‫(‪)3‬بقدار ما يكون الطالب قريبا من معلمه ‪ ،‬يتحصل الطالب على العلم بشكل أفضل ‪ ،‬والتواضع‬
‫يققه ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫] ‪ [7‬شجاعة العلم‬
‫ل عن العلم !‬ ‫قد ي ستغرب الكثيون هذا العنوان ‪ ،‬و قد يقول قائل ‪ :‬ما د خل الشجا عة بالتعل يم ‪ ،‬فض ً‬
‫نقول ‪ :‬الشجا عة ال ت نر مي إلي ها ‪ ،‬هي الشجا عة الدب ية ك ما يلو للكثي ين أن ي سميها بذا ال سم ‪ ،‬ول‬
‫مشاحة ف الصطلح ‪ ،‬فأما الشجا عة الت يذهب الذ هن إليها عندما نسمع هذه الكلمة لول وهلة ‪ ،‬فلقد‬
‫كان نبيكم صلوات ال وسلمه عليه ‪ ،‬أشجع الناس ‪ ،‬حت إن بعض الصحابة رضوان ال عليهم كانوا يتمون‬
‫ويلوذون به إذا اشتدت ر حى الرب لشجاع ته عل يه ال صلة وال سلم‪ . 1‬وأ ما الشجا عة الق صودة ه نا ‪ ،‬ف هي‬
‫شجاعة الكلمة ‪ ،‬والعتراف بالطأ والقصور البشري ‪ ،‬وهذا ل يكاد يسلم منه أحد ‪ ،‬أما التدليس ‪ ،‬والب ‪،‬‬
‫والراوغة فليست أمرا ممودا ‪ ،‬ويسن بالعلم أن ينأى عنه ‪ .‬ولعل الصورة تتضح بعد تأمل المثلة ‪.‬‬
‫الدينة ‪ ،‬وهم يأبرون النخل ‪ .‬يقولون يلقحون النخل ‪ .‬فقال‬ ‫‪-1‬عن أب رافع بن خديج قال ‪ :‬قدم النب‬
‫‪2‬‬
‫‪ ( :‬ما تصنعون ؟ ) قالوا ‪ :‬كنا نصنعه ‪ .‬قال ‪ ( :‬لعلكم لو ل تفعلوا كان خيا لكم ) فتركوه ‪ .‬فنفضت‬
‫أو فنقصت ‪ .‬قال فذكروا ذلك له فقال ‪ " :‬إن ا أ نا ب شر إذا أمرت كم بشيء من دين كم فخذوا به ‪ .‬وإذا‬
‫أمر تك بش يء من رأي ‪ .‬فإن ا أ نا ب شر " و ف ب عض الروايات قال ‪ " :‬أن تم أعلم بأمور دنيا كم "‪ . 3‬من‬
‫‪ ،‬وأنه يضع للحوال الت تعتري البشر من النسيان والطأ وغي‬ ‫سياق الديث يتضح لنا بشرية النب‬
‫ذلك ‪ .‬أما ف مقام التشريع فل يوز عليه ذلك ‪ ،‬نعم قد يصل منه نسيانا ف مقام التشريع لكي يشرع‬
‫لل مة ‪ ،‬ك ما سلم من ركعت ي ف صلة رباع ية ‪ ،‬فل ما أ خب بذلك قام وأ تى بالبا قي و سجد سجدتي‬
‫بي أنه بشر وأن رأيه ف المور الدنيوية‬ ‫للسهو ‪ ،‬ومل بسط ذلك ف كتب الصول ‪ .‬الاصل أن النب‬
‫ال ت ل يس في ها تشر يع قد ي صيب و قد ي طئ ‪ .‬قال النووي ‪ ( :‬قوله ) ‪ ( :‬أن تم أعلم بأمور دنيا كم ) قال‬
‫ورآه‬ ‫من رأ يي أي ف أ مر الدن يا ومعايش ها ل على التشر يع ‪ .‬فأ ما ما قاله باجتهاده‬ ‫العلماء ‪ :‬قوله‬
‫شرعا ي ب الع مل به ول يس من أبار الن خل من هذا النوع بل من النوع الذكور قبله ‪ 4..‬ولو أن نا أعد نا‬

‫روى المام أحمد في مسنده ‪ ،‬في مسند العشرة المبشرين بالجنة ‪ ،‬عن على رضي ال عنه قال ‪ :‬كنا إذا احمر البأس ولقى القوم القوم‬ ‫‪1‬‬

‫فما يكون منا أحد أدنى من القوم منه ‪.‬‬ ‫اتقينا برسول ال‬

‫فنفضت ‪ :‬معناه أسقطت ثمرها ‪ .‬مسلم بشرح النووي (ح ‪. )2362‬‬ ‫‪2‬‬

‫مسلم بشرح النووي (ح ‪) 2363 ، 2362‬‬ ‫‪3‬‬

‫‪ ،‬إذا كان من باب التشريع ‪ ،‬أو من باب‬ ‫ل في بيان التفريق بين قوله‬
‫المصدر السابق ‪ .‬وتلحظ أننا خرجنا عن مسارنا وتوسعنا قلي ً‬ ‫‪4‬‬

‫الرأي في المور الدنيوية ‪ ،‬وذلك للحاجة إلى معرفته ‪ ،‬وحتى ل يحصل الخلط فيه ‪. .‬‬
‫‪18‬‬
‫المعـلم الول‬

‫‪ ،‬حاول أن يد لنفسه العذر عندما رأى‬ ‫النظر إل سياق الديث مرة أخرى ‪ ،‬فإننا ل ند فيه أن النب‬
‫هذا الرأي – وحاشاه ذلك – بل اعترف ببشريته ‪ ،‬وأن هذه الحكام ترى على البشر ‪ .‬وتعالوا بنا لننظر‬
‫لنرى كيف ترسوا خطى نبيهم عليه أفضل الصلة والتسليم فمن ذلك ‪:‬‬ ‫إل صحابة رسول ال‬

‫ث قال ‪ :‬أيها الناس ما إكثركم ف‬ ‫‪ -2‬ما رواه مسروق قال ‪ :‬ركب عمر بن الطاب منب رسول ال‬
‫وأصحابه والصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم ‪ .‬فما دون ذلك ‪.‬‬ ‫صدق النساء وقد كان رسول ال‬
‫ولو كان الكثار ف ذلك تقوى ع ند ال أو كرا مة ل ت سبقوهم إلي ها ‪ .‬فلعر فن ما زاد ر جل ف صداق‬
‫امرأة على أربعمائة درهم ‪ .‬قال ‪ :‬ث نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت ‪ :‬يا أمي الؤمني نيت الناس أن‬
‫يزيدوا ف م هر الن ساء على أربعمائة در هم ‪ ،‬قال ‪ :‬ن عم فقالت أ ما سعت ال يقول ‪ ( :‬وءاتي تم إحدا هن‬
‫قنطارا ) ال ية قال ‪ :‬فقال الل هم غفرا ‪ ،‬كل الناس أف قه من ع مر ‪ .‬ث ر جع فر كب ال نب فقال ‪ :‬أي ها‬
‫الناس إن كنت نيتكم أن تزيدوا النساء ف صدقاتن على أربعمائة درهم فمن شاء أن يعطي من ماله‬
‫ما أحب‪. 1‬‬
‫‪ -3‬عن ممد بن كعب القرظي قال ‪ :‬سأل رجل عليا بن أب طالب عن مسألة فقال فيها ‪ ،‬فقال الرجل ‪:‬‬
‫ليس كذلك يا أمي الؤمني ‪ ،‬ولكن كذا كذا ‪ ،‬فقال علي رضي ال عنه ‪ :‬أصبت وأخطأت وفوق كل‬
‫‪ ،‬يضربون أروع المثلة ف الشجاعة ‪ ،‬والنصاف ‪ ،‬ولو‬ ‫ذي علم عليم‪ 2‬ال أكب انظر إل تلمذة ممد‬
‫كان على ح ساب الن فس ‪ ،‬وهذا وال ليز يد الرء عزا ورف عة ‪ ،‬ول ين قص من قدره شيئا ‪ ،‬و من ظن غ ي‬
‫ذلك ف قد حاد عن جادة ال صواب ‪ .‬والعلم ب كم وظيف ته وبشري ته ‪ ،‬معرض ل ثل هذه الوا قف ‪ ،‬ف يا ترى‬
‫ماذا يقول العلم إذا أخطأ ف مسألة ما وعارضه با أحد طلبه ‪ ،‬ث بان له الصواب ‪ ،‬فهل يبادر إل شكر‬
‫الطالب والعتراف بالطأ ؟ أم أنه يراوغ ‪ ،‬ويقلب الكلم بعضه على بعض ‪ ،‬حت يبهن لم صحة قوله ؟‬
‫أترك لك الواب !‬
‫‪3‬‬
‫يقول ابن عبد الب ‪ :‬من بركة العلم وآدابه النصاف فيه ‪ ،‬ومن ل ينصف ل يفهم ‪ ،‬ول يفهم ‪.‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)4‬إتصاف العلم بالشجاعة ‪ ،‬مطلب لكل معلم ‪.‬‬
‫(‪)5‬العتراف بالطأ ‪ ،‬ليس فيه تنقيص لصاحب الطأ ‪ ،‬بل هو رفعه له ‪ ،‬ودليل على شجاعته ‪.‬‬
‫(‪)6‬العتراف بالطأ معناه إصلح الطأ ‪ ،‬وعكسه الستمرار عليه والعناد فيه ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫ساقه الحافظ ابن كثير في تفسيره من طريق أبي يعلى بسنده ثم قال ابن كثير في آخره ‪ .‬قال أبو يعلى ‪ :‬وأظنه قال ‪ :‬فمن طابت نفسه‬ ‫‪1‬‬

‫فليفعل إسناده جيد قوي ‪ ( .‬تفسير ابن كثير ‪ .‬الية ‪ 20‬من سورة النساء ) ‪.‬‬
‫مختصر جامع بيان العلم وفضله ‪ .‬لبن عبد البر ( ص ‪. )120‬‬ ‫‪2‬‬

‫مختصر جامع بيان العلم وفضله ‪( .‬ص ‪. )119‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪19‬‬
‫المعـلم الول‬

‫]‪[ 8‬مزاح العلم مع تلميذه ‪:‬‬


‫من العلوم أن الواد العلم ية تتم يز بالفاف ف مادت ا ‪ ،‬و هي ت ستلزم حضورا عقليا وقلبيا ‪ ،‬فت جد‬
‫الطالب يشحذ حواسه كلها لستيعاب الادة العلمية الطروحة ‪ ،‬ومهما يتميز به العلم من حسن ف الداء ‪،‬‬
‫وجودة ف الطرح ‪ ،‬فإن ع قل التلم يذ له قدرة مدودة ف ا ستقبال العلومات ‪ ،‬ولذا كان حري بالعلم أن‬
‫يدخل الطرفة بي ثنايا الدروس العلمية لكي يطرد السآمة واللل الذي قد ييم على أجواء الفصل من جراء‬
‫تتابع عرض الواد العلمية ‪.‬‬
‫و من فوائد بث الطر فة ب ي ثنا يا الدرس من ح ي ل خر ‪ :‬أن ا تطرد ال سآمة واللل ‪ ،‬ومن ها أن ا تر يح‬
‫ل من عناء التابعة الدقيقة للمعلم ‪ ،‬ومنها أنا تفيد العلم أيضا ف أخذ قسط من الراحة ‪ ،‬ومنها‬ ‫الذهن قلي ً‬
‫أنا تشحذ الذهن وتعطيه جرعة جديدة لواصلة استقبال العلومات ‪ ،‬ومنها أنا تغي جو الفصل الذي خيم‬
‫عليه الفاف ‪ ..‬إل غي ذلك ‪.‬‬
‫والزاح ‪ :‬بك سر ال يم النب ساط مع الغ ي من غ ي تنق يص أو تق ي له‪ 1‬يقول النووي ‪ :‬اعلم أن الزاح‬
‫النهي عنه هو الذي فيه إفراط ويداوم عليه فإنه يورث الضحك وقسوة القلب ويشغل عن ذكر ال والفكر‬
‫ف مهمات الد ين ‪ ،‬ويؤول ف كث ي من الوقات إل اليذاء ‪ ،‬ويورث الحقاد ‪ ،‬وي سقط الها بة والوقار ‪.‬‬
‫يفعله على الندرة ‪ ،‬لصلحة تطييب نفس‬ ‫فأما ما سلم من هذه المور فهو الباح الذي كان رسول ال‬
‫الخاطب ومؤانسته ‪ ،‬وهو سنة مستحبة ‪ ،‬فاعلم هذا فإنه ما يعظم الحتياج إليه اهف‪. 2‬‬
‫وأصفحابه وهفو أن تزح ول‬ ‫وقال الغزال فـ الحياء ‪ :‬إن قدرت على مفا قدر عليفه رسفول ال‬
‫تقول إل حقا ول تؤذي قلبا ول تفرط ف يه وتقت صر عل يه أحيانا على الندور فل حرج عل يك ف يه ‪ ،‬ول كن‬
‫‪3‬‬
‫‪..‬‬ ‫من الغلط العظيم أن يتخذ النسان الزاح حرفة يواظب عليها ويفرط فيه ث يتمسك بفعل الرسول‬

‫ف مداعبته لهله ‪ ،‬ومزاحه مع أصحابه ‪ ،‬وسوف نتخي منها – إن‬ ‫ولقد وردت أخبار عن النب‬
‫شاء ال – ما يكفي ويشفي ‪:‬‬
‫‪ -1‬عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قالوا ‪ :‬يا ر سول ال ! إ نك تداعب نا ‪ .‬قال ‪ " :‬ن عم ‪ ،‬غ ي أ ن ل‬
‫أقول إل حقا "‪. 4‬‬

‫هدية من البادية‬ ‫ل من أهل البادية كان اسه زاهرا وكان يهدي إل النب‬
‫‪-2‬وعن أنس بن مالك أن رج ً‬
‫يبه‬ ‫‪ " :‬إن زاهرا باديتنا ونن حاضروه " ‪ .‬وكان‬ ‫إذا أراد أن يرج ‪ ،‬فقال النب‬ ‫‪ ،‬فيجهزه النب‬
‫قطوف من الشمائل المحمدية ‪ .‬ص ‪ ( 93‬قال محمد جميل زينو ‪ :‬ذكره الزغبي محقق الشمائل المحمدية ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫تحفة الحوذي بشرح جامع الترمذي ‪ .‬للمباركفوري ‪ .‬باب البر والصلة ‪ .‬رقم ‪. 56‬‬ ‫‪2‬‬

‫إحياء علوم الدين (‪)3/203‬‬ ‫‪3‬‬

‫مختصر الشمائل المحمدية ‪ .‬وقال عنه اللباني ( صحيح ) ص ‪. 126‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪20‬‬
‫المعـلم الول‬

‫و هو يبيع متا عه ‪ ،‬فاحتض نه من خل فه و هو ل يب صره ‪ ،‬فقال ‪ :‬من‬ ‫‪ ،‬وكان رجلً دميما فأتاه ال نب‬
‫حي عرفه ‪ ،‬فجعل‬ ‫فجعل ل يألو ما ألصق ظهره بصدر النب‬ ‫هذا ؟ أرسلن ‪.‬فالتفت ‪ ،‬فعرف النب‬
‫‪":‬‬ ‫يقول ‪ " :‬من يشتري هذا العبد ؟ " فقال ‪ :‬يا رسول ال إذا تدن كاسدا ‪ .‬فقال النب‬ ‫النب‬
‫لكن عند ال لست بكاسد " أو قال ‪ " :‬أنت عند ال غال "‪. 1‬‬
‫فقال ‪ " :‬إن حاملك على ولد ناقة " ! فقال ‪:‬‬ ‫‪-3‬وعن أنس بن مالك أن رجلً استحمل‪ 2‬رسول ال‬
‫‪ " :‬وهل تلد البل إل النوق ؟ "‪. 3‬‬ ‫يارسول ال ما أصنع بولد الناقة ؟ فقال‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬الثر الياب الذي يدثه الزاح ف تلطيف جو الدراسة ‪ ،‬وقطع اللل الذي يعتري الطلب ‪.‬‬
‫(‪)2‬مراعاة عدم الكثار منه ‪ ،‬كي ل يرج الدرس عن مساره ‪ ,‬وتضيع الفائدة الرجوة منه ‪.‬‬
‫(‪)3‬الكثار من الزاح ‪ ،‬يزيل اليبة والوقار ‪.‬‬
‫(‪)4‬الزاح ل يكون إل حقا أي صدقا‬
‫(‪)5‬عدم إيذاء أو إهانة أحد التلميذ بالزاح ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [9‬الصب واحتمال الغضب ‪:‬‬
‫ال صب ل غة بع ن ال نع والب س‪ ، 4‬و هي منلة رفي عة ل ينال ا إل ذوو ال مم العال ية ‪ ،‬والنفوس الزك ية ‪.‬‬
‫والغ ضب هو ثورة ف الن فس ‪ ،‬يف قد في ها الغا ضب اتزا نه ‪ ،‬وتنقلب الواز ين عنده ‪ ،‬فل يكاد ي يز ب ي ال ق‬
‫‪ ،‬فإنه ل‬ ‫والباطل ‪ ،‬وهي خصلة غي ممودة ‪ ،‬إل ما كان منها غضبا ل ‪ ،‬وهو ما كان يتصف به الرسول‬
‫يكن يغضب لنفسه ول ينتصر لا قط ‪ ،‬إنا كان يغضب إذا انتهكت حرمات ال ‪.‬‬
‫وو جه تعلق ذلك بالتعل يم ‪ :‬أن العلم يتعا مل مع أفراد يتلفون ف الطباع ‪ ،‬والفكار ‪ ،‬فمن هم ال يد ‪،‬‬
‫ومنهم الضعيف ‪ ،‬هذا بالضافة إل انشغال العلم بعمليات التحضي ‪ ،‬والتصحيح ‪ ،‬والتدريس التواصل أغلب‬
‫فترات اليوم الدراسي ‪ ،‬مع ما يتبع ذلك من تمل لشاكل الطلب التكررة ‪ ،‬إل غي ذلك من الهام النوطة‬
‫بالعلم ‪ .‬فكل المور السالفة الذكر وغيها ‪ ،‬تستلزم من العلم صبا وتملً ‪ ،‬وهذا الصب ليس سهل النال ‪،‬‬
‫بل إنه يتاج إل طول مارسة من العلم حت يعتاد ذلك ويألفه ‪ .‬وفقدان الصب يوقع العلم ف حرج شديد ‪،‬‬
‫خصفوصا إذا كان ذلك أثناء مارسفته للتعليفم ‪ ،‬فإن العلم يواجفه عقليات متفاوتفة فف الدراك والتصفور ‪،‬‬

‫مختصر الشمائل المحمدية ‪ .‬وقال عنه اللباني ( صحيح ) ص ‪. 127‬‬ ‫‪1‬‬

‫أي طلب منه أن يحمله على دابة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫مختصر الشمائل المحمدية ‪ .‬وقال عنه اللباني ( صحيح ) ص ‪. 126‬‬ ‫‪3‬‬

‫عدة الصابرين ‪ .‬لبن القيم الجوزيةص ‪. 21‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪21‬‬
‫المعـلم الول‬

‫والستجابة ‪ ،‬إل غي ذلك ‪ .‬فقد يظل العلم يلقي درسه لدة ساعة متواصلة‪ ،‬ث يفاجأ بقول أحد طلبه بأنه ل‬
‫يف هم هذا الدرس كله ‪ ،‬أو قد يتعرض العلم إل أ سئلة تاف هة أو ف غ ي مل ها ‪ ،‬أو قد يفا جأ العلم أثناء إلقائه‬
‫بأن أحد طلبه نائم أو يبتسم ‪ ..‬ال ‪ .‬بل إن من أشدها وقعا وأثرا على العلم وهو ما إذا تعرض العلم لكلمة‬
‫نابية من أحد طلبه ‪ ،‬وليس ذلك بستغرب لختلفهم ف الطباع ‪ ،‬والدراك ونو ذلك ‪.‬‬
‫إن احتواء الغ ضب وال سيطرة عل يه ‪ ،‬عل مة قوة للمعلم ‪ ،‬ولي ست عل مة ض عف ‪ ،‬خ صوصا إذا كان‬
‫بقوله ‪ " :‬ليس الشديد بالصرعة‪ ، 1‬إنا الشديد‬ ‫ذلك العلم قادرا على إنفاذ ما يريد ‪ ،‬أخب بذلك الرسول‬
‫وقوله فإ نه – بأ ب وأ مي – كان أملك الناس‬ ‫الذي يلك نف سه ع ند الغضب‪ " 2‬وي سد ذلك ف عل ال نب‬
‫لغضبه ‪.‬‬
‫‪ ،‬عل يه رداء نرا ن غل يظ شد يد الاش ية ‪،‬‬ ‫‪ -1‬عن أ نس بن مالك قال ‪ :‬ك نت أم شي مع ر سول ال‬
‫وقد أثرت با حاشية‬ ‫فأدر كه أعراب ‪ .‬فجبذه بردائه جبذة شديدة ‪ .‬نظرت إل صفحة عنق رسول ال‬
‫الرداء من شدة جبذ ته ‪ .‬ث قال ‪ :‬يا م مد ! مر ل من مال ال الذي عندك ‪ .‬فالت فت إل يه ر سول ال‬
‫فضحـك ثـ أمـر بعطاء‪ . 3‬علق النووي على هذا الديـث بقوله ‪ :‬فيفه احتمال الاهليف والعراض عفن‬
‫مقابلتهم ‪ ،‬ودفع السيئة بالسنة‪ 4‬قلت ‪ :‬ولشك أنه مهما بلغ من أمر الطالب ما بلغ ‪ ،‬فهو دون فعل ذلك‬
‫العراب بكثي !! ‪.‬‬
‫قسما ‪ .‬فقال رجل ‪ :‬إنا لقسمة‬ ‫‪ -2‬عن عبد ال بن مسعود – رضي ال عنه – قال ‪ :‬قسم رسول ال‬
‫فساررته ‪ .‬فغضب من ذلك غضبا شديدا واحر وجهه حت تنيت أن‬ ‫ما أريد با وجه ال ‪ :‬فأتيت النب‬
‫ل أذكره له ‪ .‬قال ‪ :‬ث قال ‪ " :‬قد أوذي موسى بأكثر من هذا فصب "‪. 5‬‬
‫ولك أن تسأل عن أثر الغضب على الرء ف جسمه ‪ ،‬ولسانه ‪ ،‬وأعضائه ‪ ،‬وقلبه ‪ .‬يقول صاحب الحياء‪: 6‬‬
‫ومفن أثار هذا الغضفب فف الظاهفر تغيف اللون وشدة الرعدة فف الطراف وخروج الفعال عفن الترتيفب‬
‫والنظام واضطراب الركة والكلم ‪ ،‬حت يظهر الزبد على الشداق وتمر الحداق وتنقلب الناخر وتستحيل‬
‫اللقة ‪ ،‬ولو رأى الغضبان ف حالة غضبه قبح صورته لسكن غضبه حياء من قبح صورته ‪ ،‬واستحالة خلقته ‪..‬‬
‫وأما أثره ف اللسان فانطلقه بالشتم والفحش من الكلم الذي يستحي منه ذو العقل ويستحي منه قائله عند‬
‫فتور الغضب ‪ ،‬وذلك مع تبط النظم واضطراب اللفظ ‪ .‬وأما أثره على العضاء فالضرب والتهجم والتمزيق‬
‫قال النووي في رياض الصالحين (ص ‪( : )42‬والصرعة) بضم الصاد وفتح الراء ‪ ،‬وأصله عند العرب من يصرع الناس كثيرا ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري في الدب وفي مواقع من صحيحه ‪ /‬مسلم في الزكاة ‪ /‬أحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬ابن ماجة في اللباس ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫مسلم بشرح النووي ‪ :‬حديث ‪. 1057‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه البخاري في الدب ‪ .‬وفي مواقع من صحيحه ‪ /‬مسلم في الزكاة ‪ /‬أحمد في مسند المكثرين من الصحابة ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫إحياء علوم الدين ‪ :‬لبي حامد الغزالي ( ‪ )263 ،3/262‬بتصرف يسير ‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪22‬‬
‫المعـلم الول‬

‫والقتل والرح عند التمكن من غي مبالة ‪ ..‬وأما أثره ف القلب مع الغضوب عليه فالقد والسد وإضمار‬
‫السوء والشماتة بالساءات والزن بالسرور ‪ ..‬أهف ‪.‬‬
‫وعلج ذلك يكون بالعلج الربا ن والنبوي ‪ :‬أ ما العلج الربا ن ف قد أث ن ال سبحانه وتعال على الذ ين‬
‫يكظمون غيظ هم ول يس ذلك ف قط بل مع الع فو عن الناس ‪ .‬قال تعال ‪ ( :‬والكاظم ي الغ يظ والعاف ي عن‬
‫الناس وال يب الحسني )‪ . 1‬وأما العلج النبوي فقد عال النب الغضب بعدة طرق ‪.‬‬
‫(‪)1‬أن يقول الغاضب أعوذ بال من الشيطان الرجيم‪. 2‬‬
‫(‪)2‬أن يسكت الغاضب ول يتكلم ‪ ،‬حت ل يتمادى به الغضب فيقع ف الحذور‪. 3‬‬
‫(‪)3‬إذا كان الغاضب قائما فليجس ‪ ،‬وإن ل ينطفئ غضبه فليضطجع ‪.‬‬
‫(‪)4‬أن يتوضأ الغاضب وضوءه للصلة ‪ ،‬فإن الغضب يطفأ بالاء‪. 4‬‬
‫قال علي بن ثابت‪: 5‬‬
‫العقـــــل آفتـــــه العجاب والغضـــــب‬

‫والمال آفتـــــه التبذيـــــر والنهـــــب‬


‫وقال أبو العتاهية‪: 6‬‬
‫ولم أر فــــي العداء حيــــن خــــبرتهم‬

‫ـــب‬
‫ـــن الغضـ‬
‫ـــل المرء أعدى مـ‬
‫عدوا لعقـ‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬الصب عامل قوي ف ناح العلم ‪.‬‬
‫(‪)2‬الغضب ثورة ف النفس ‪ ،‬واختلل ف الوازين وضعف ف التمييز ‪ ،‬وعواقبه وخيمة ‪.‬‬
‫(‪)3‬براعة العلم تكمن ف كيفية امتصاص غضبه عند حدوثه والسيطرة على أعصابه ‪.‬‬
‫(‪)4‬التدرج ‪ ،‬وطول الران يكسبان العلم ‪ ،‬قوة ومنعة ‪.‬‬
‫(‪)5‬البادرة بعلج الغضب عند حدوثه ‪ ،‬وأفضله على الطلق العلج الربان النبوي ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬

‫سورة آل عمران‬ ‫‪1‬‬

‫البخاري ‪ 5764‬ترقيم د ‪ .‬البغا ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫أحمد ‪ 2552‬ترقيم إحياء التراث ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أحمد ‪ 17524‬ترقيم إحياء التراث ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫التمهيد ‪ .‬لبن عبد البر (‪)7/250‬‬ ‫‪5‬‬

‫المصدر السابق ‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪23‬‬
‫المعـلم الول‬

‫]‪ [10‬تنب الكلم الفاحش البذىء ‪:‬‬


‫الفحش ف القول ‪ ،‬والسباب ‪ ،‬والسخرية من الخرين ‪ ،‬خصال مقوتة ‪ ،‬تلفظها النفوس ‪ ،‬وتشمئز‬
‫من ها الطباع ‪ ،‬وتنأى عن ها النفوس الكري ة ‪ .‬والعلم يفترض ف يه أ نه قدوة يقت فى أثره ‪ ،‬وي سلك سبيله ‪ .‬فإن‬
‫ات صف العلم بب عض هذه ال صال ف هي نقي صة وأي نقي صة ‪ ،‬وإن اجتم عت ف معلم ف هي طا مة كبى ‪ ،‬لن‬
‫الطالب يتأ ثر بعل مه سلبا وايابا ‪ ،‬فإذا كان هذا حال معل مه ‪ ،‬فماذا نر جو من الطالب ؟! ‪ .‬وفائدة القول أن‬
‫اللعن ‪ ،‬والفحش ‪ ،‬والسخرية ‪ ،‬تستلزم تنقيص الخرين ‪ ،‬وتقتل فيهم روحهم العنوية ‪ ،‬وتفسد عليهم فطرهم‬
‫وأل سنتهم ‪ ،‬وتو غر صدور بعض هم على ب عض ‪ . .‬إل غ ي ذلك ‪ .‬هذا إل جا نب – و هو ال هم – أن ا أمور‬
‫مرفوضة شرعا وصاحبها متوعد بالعقوبة ‪.‬‬
‫بيان ذلك ‪ :‬أ‪ -‬السخرية ‪:‬‬
‫‪ -1‬قال تعال ‪ ( :‬يأيها الذين ءامنوا ل يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيا منهم ول نساء من نساء‬
‫عسى أن يكن خيا منهن ول تلمزوا أنفسكم ‪ ،‬ول تنابزوا باللقاب بئس السم الفسوق بعد اليان ومن‬
‫ل يتب فأولئك هم الظالون )‪ 1‬وقوله ‪ ( :‬ل يسخر قوم من قوم ) بكل كلم ‪ ،‬وقول وفعل دال على إعجاب‬
‫الساخر بنفسه ‪ .‬وعسى أن يكون السخور به خيا من الساخر ‪ ،‬وهو الغالب والوقع ‪ .‬فإن السخرية ‪ ،‬ل تقع‬
‫إل من قلب متلئ من م ساويء الخلق ‪ ،‬مت حل ب كل خلق ذم يم ‪ ،‬مت خل من كل خلق كر ي ن ولذا قال‬
‫‪ " :‬يسب امرىء من الشر ‪ ،‬أن يقر أخاه السلم "‪. 2‬‬ ‫النب‬
‫ب – اللعن والسباب ‪:‬‬
‫‪ " :‬سباب ال سلم ف سوق وقتاله ك فر "‪ 3‬و ف هذا‬ ‫‪ -1‬عن ع بد ال بن م سعود قال ‪ :‬قال ر سول ال‬
‫‪4‬‬
‫الديث تعظيم حق السلم والكم على من سبه بغي حق بالفسق ‪...‬‬
‫فاحشا ول لعانا ول سبابا ‪ ،‬كان يقول لحد نا ع ند‬ ‫‪ -2‬عن أ نس بن مالك قال ‪ ( :‬ل ي كن ر سول ال‬
‫العتبة ‪ :‬ماله ترب جبينه )‪. 5‬‬
‫‪ -3‬عن أب الدرداء قال ‪ :‬قال النب ‪ " :‬إن اللعاني ل يكونون شهداء ول شفعاء يوم القيام "‪ 6‬وحسبك بذا‬
‫ففيه غنية عن كثي من الثار الت وردت ف هذا الباب ‪ ،‬وفيه كفاية لن أعطاه ال ففما وعقلً ‪.‬‬
‫ت ‪ -‬الفحش البذيء ‪:‬‬

‫سورة الحجرات ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫تيسر الكريم الرحمن ‪ ..‬عبد الرحمن السعدي (‪) 7/135‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري في كتاب اليمان ‪ /‬ومسلم في اليمان ‪ /‬أحمد في مسند المكثرين من الصحابة والترمذي في اليمان ‪ /‬والنسائي في تحريم‬ ‫‪3‬‬

‫الدم ‪.‬‬
‫فتح الباري ‪ /‬كتاب اليمان (حديث ‪. 1/135 )48‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الدب ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫البخاري ( الدب المفرد ) وصححه اللباني برقم ‪ /340/316‬مسلم في البر والصلة ‪ /‬أحمد في مسند القبائل ‪ /‬أبو داوود في الدب ‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫‪24‬‬
‫المعـلم الول‬

‫قال ‪ " :‬ليس الؤمن بالطعان ‪ ،‬ول اللعان ‪ ،‬ول الفا حش ‪ ،‬ول‬ ‫‪ -1‬عن ع بد ال بن م سعود ‪ ،‬عن ال نب‬
‫البذيء‪. 2" 1‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬هذه الصال الذميمة ‪ ،‬تتعدى آثارها إل الغي ‪ ،‬فتؤثر فيه ‪.‬‬
‫(‪)2‬ال سخرية في ها تنق يص للم سخور به وإزدراء له ‪ ،‬وهذا جالب للعداوة والبغضاء ‪ ،‬فك يف إن كان هذا‬
‫دأب العلم ؟‬
‫(‪)3‬اللعن خلق ذميم وصاحبه متوعد بالعقوبة إن ل يتب ‪.‬‬
‫(‪)4‬القول الفاحش ينبئ عن سوء الطوية وفساد النية ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [11‬استشارة العلم لغيه ‪:‬‬
‫ل أو مرجا ‪ .‬فقد يصعب‬ ‫تواجه العلم مسائل مشكلة ‪ ،‬وقضايا معقدة ‪ ،‬يتار معها العلم ‪ ،‬ول يد لا ح ً‬
‫ل أو تفسيا ‪.‬‬‫على العلم ف بعض الحيان فهم مسألة ما ‪ ،‬أو قد يطرح عليه سؤال من أحد طلبه ول يد له ح ً‬
‫ومن جهة أخرى قد يد العلم نفسه أمام مشكلة عند أحد طلبه أو بعضهم وتتاج من العلم أن يفصل فيها ‪،‬‬
‫وي ل إشكال ا ‪ .‬وه نا قد ي سلك العلم عدة م سالك فمن ها ‪ :‬أن يت هد ف إياد حل ل ا ‪ ،‬أو يعتذر عن ها وهذا‬
‫ل للطالب لن مشكل ته ل ت ل ب عد ‪.‬‬ ‫ح سن بالن سبة إل العلم ل نه ل ي ص في ها بغ ي علم وإن كان ذلك مشك ً‬
‫ومنها أن يوض فيها بغي علم فهذا مذموم وهو يفسد أكثر ما يصلح ‪ ،‬ومنها أن يبحث عن حلها إما عن طريق‬
‫الطال عة والب حث ‪ ،‬وإ ما عن طر يق طلب ال ستشارة و هو مق صودنا ‪ .‬وال ستشارة مأخوذة من قول العرب ‪:‬‬
‫شرت الدابة وشورتا إذا علمت خبها ‪ ،‬وقيل من قولم ‪ :‬شرت العسل إذا أخذته من موضعه ‪ .‬أ هف‪. 3‬‬
‫قال تعال ‪ ( :‬وشاور هم ف ال مر )‪ 4‬يقول ا بن سعدي ع ند هذه ال ية ‪ :‬أي ف المور ال ت تتاج إل‬
‫استشارة ‪ ،‬ونظر وفكر ‪ ،‬فإن ف الستشارة من الفوائد والصال الدينية والدنيوية ‪ ،‬مال يكن حصره ‪ ..‬ومنها‬
‫‪ :‬أن ف الستشارة ‪ ،‬تنور الفكار ‪ ،‬بسبب إعمالا فيما وضعت له ‪ ،‬فصار ف ذلك زيادة للعقول ‪ .‬ومنها ما‬
‫تنتجفه السفتشارة ‪ ،‬مفن الرأي الصفيب ‪ ،‬فإن الشاور ل يكاد يطفئ فف فعله ‪ .‬وإن أخطفأ ‪ ،‬أو ل يتفم له‬
‫ل وأعزر هم علما وأفضل هم‬
‫– و هو أك مل الناس عق ً‬ ‫مطلوب ‪ ،‬فل يس بلوم ‪ .‬فإذا كان ال يقول لر سوله‬

‫الطعان ‪ :‬الوقاع في أعراض الناس بالذم والغيبة ‪ ( ،‬اللعان ) اللعن خلف النصر ‪ ،‬أي الملعون ل ينصره ال فيطرده ويبعده ‪ ،‬فلعن المؤمن أي‬ ‫‪1‬‬

‫طرده وإبعاده عن الجنة في أول أمره ‪ .‬و(الفاحش ) هو الذي يتسرع لسانه بالفحش ول يريد أن ينطق به ‪ ..‬قال ‪ :‬وكذا الفحش بالفعال قال الحافظ ‪:‬‬
‫هو الزيادة على الحد في الكلم السيء ‪ ،‬فمن تعدى بزيادة القبح في القول والعمل فهو فاحش ‪( .‬البذئ) قال الجوهري ‪ :‬هو التكلم بكلم ل ينفع ‪،‬‬
‫وقال القاري ‪ :‬هو الذي ل حياء له ( النقل من كتاب فضل ال الصمد في توضيح الدب المفرد لفضل ال الجيلني ‪)411 ،1/409‬‬
‫البخاري ( الدب المفرد ) وصححه اللباني برقم ‪ . 237/312‬وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة ‪ /‬والترمذي في البر والصلة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتح القدير ‪ .‬محمد بن على الشوكاني ‪. ) 1/439 ( .‬‬ ‫‪3‬‬

‫سورة آل عمران الية ‪. 159 :‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪25‬‬
‫المعـلم الول‬

‫رأيا –‬
‫( وشاورهم ف المر ) فكيف بغيه‪. 1‬‬

‫‪ " :‬أ ما إن ال ور سوله‬ ‫عن ا بن عباس قال ‪ :‬ل ا نزلت ‪ ( :‬وشاور هم ف ال مر ) قال ر سول ال‬
‫لغنيان عنها ولكن ال جعلها رحة لمت ‪ ،‬فمن استشار منهم ل يعدم رشدا ‪ ،‬ومن تركها ل يعدم غيا "‪. 2‬‬
‫فأنت ترى ف هذا الديث ‪ ،‬كيف كانت الشورة سببا ف القرب من إصابة الق ‪ ،‬ما ف تركها من‬
‫مقاربة الطأ والوقوع فيه ‪ ،‬فحري بكل معلم أن يسأل ويشاور من هو أعلم منه فيما أشكل عليه ‪ ،‬ليحصل له‬
‫بذلك مقاربة الصواب وإصابة الق ‪ ،‬وليبتعد عن الترفع ‪ ،‬والنفة ‪ ،‬وتعاظم النفس من سؤال غيه وطلب رأيه‬
‫أول الناس به ! ‪.‬‬ ‫ومشورته ‪ ،‬فإن ذلك ترفع ف غي مله ‪ ،‬ولو كان ذلك ممودا لكان النب‬
‫فعليك أيها العلم أن تسأل عما أشكل عليك فهمه ‪ ،‬أو تعسر عليه حله ‪ ،‬ول تقل إن هذا توين من‬
‫شأن ‪ ،‬أو نقص من قدري ‪ .‬ل ‪ .‬بل هو دليل على كمال العقل ورجاحته ‪.‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬الشورة معي للمعلم فيما يشكل عليه من السائل والقضايا الت ترد عليه ‪.‬‬
‫(‪)2‬طلب ال ستشارة من الغ ي لي ست دليلً على نقص ف الرت بة أو ف العلم ‪ ،‬بل هو دل يل على رجاحة‬
‫العقل ورزانته ‪.‬‬
‫(‪)3‬ف الشورة القرب من الق ‪ ،‬وف تركها البعد عنه ‪.‬‬

‫تفسير ابن سعدي ( ‪. ) 1/445‬‬ ‫‪1‬‬

‫ذكره الشوكاني في تفسيره وصدره بقوله ‪ :‬قال السيوطي بسند حسن عن ابن عباس ‪ .‬ثم ساق الحديث ‪ ( .‬فتح القدير ‪,) 441 ، 1/440‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪26‬‬
‫المعـلم الول‬

‫القسم الثان‬

‫( مهمات وواجبات العلم )‬

‫‪-1‬غرس العقيدة الصحيحة وتقوية اليان من خلل التعليم ‪.‬‬


‫‪-2‬إسداء النصيحة للمتعلم ‪.‬‬
‫‪-3‬الرفق بالتعلم وتعليمه بالسلوب السن ‪.‬‬
‫‪-4‬إلقاء السلم على التعلم قبل الدرس وبعده ‪.‬‬
‫‪-5‬استخدام العقوبات أثناء التعليم ‪.‬‬
‫‪-6‬تقدي الكافآت للمتعلم ‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫المعـلم الول‬

‫]‪ [1‬غرس العقيدة الصحيحة وتقوية اليان خلل التعليم ‪:‬‬


‫قليل من العلمي الذين يتفطنون إل هذه الطريقة ‪ ،‬وهي تتلخص ف ترسيخ العقيدة ف نفوس الطلب ‪،‬‬
‫عند تعليمهم مواد العلوم الطبيعية ‪ ،‬والواد ( الغرافية ) والفلكية ‪ ،‬ونوها وقبل أن نورد خب العلم الول ‪-‬‬
‫‪ ،‬تعال لنتأ مل ونتدبر كلم ال عز و جل ‪ .‬قال ال تعال ‪ ( :‬و من ءاي ته أ نك ترى الرض خاش عة فإذا‬
‫أنزلنا عليها الاء اهتزت وربت إن الذي أحياها لحي الوتى إنه على كل شئ قدير )‪ 1‬أي ( ترى الرض‬
‫خاش عة ) ل نبات في ها ( فإذا أنزل نا علي ها الاء ) أي ال طر ( اهتزت ) أي تر كت بالنبات ( ور بت )‪ 2‬ث ‪:‬‬
‫أنبتت من كل زوج بيج فحي با العباد والبلد ‪ ( .‬إن الذي أحياها ) بعد موتا وهودها ( لحي الوتى ) من‬
‫قبور هم إل يوم بعث هم ‪ ،‬فنشور هم ( إ نه على كل شئ قد ير ) فك ما ل تع جز قدر ته عن إحياء الرض ب عد‬
‫موتا ‪ ،‬ل تعجز عن إحياء الوتى ‪ .‬أ هف‪ . 3‬فيا ليت العلمي يسنون الربط بي الظواهر الطبيعية وبي أمور‬
‫العقيدة‪ 4‬كما جاء ف الية السابقة ‪ ،‬حيث بي ال سبحانه وتعال حال الرض اليتة الت ل تطر ‪ ،‬من الفاف‬
‫وموت النبات فيها ‪ ،‬وأثر الاء عليها إذا جاءها وغمرها من ظهور الياة عليها وترك النبات فيها ‪ ،‬ث بي ال‬
‫سبحانه لعباده أن هذا الحياء الذي يشاهده العباد له نظي يوم القيامة وهو إحياء الوتى ‪ ،‬كما جاء ف التفسي‬
‫ال سابق قوله ‪ :‬فك ما ل تع جز قدر ته عن إحياء الرض ب عد موت ا ‪ ،‬ل تع جز عن إحياء الو تى ‪ .‬و ف هذا رد‬
‫شاف على منكري البعث ‪ .‬ومثله لو أراد العلم أن يتكلم عن البال فيحسن به أن يذكر فائدتا ‪ ،‬والكمة‬
‫من إياد ها و هو ت ثبيت الرض ومنع ها من الضطراب ‪ ،‬ث يذ كر قوله تعال ‪ ( :‬أل ن عل الرض مهادا ‪،‬‬
‫‪6‬‬
‫والبال أوتادا )‪ 5‬وقوله ‪ ( :‬والرض ب عد ذلك دحا ها ‪ ،‬أخرج من ها ماء ها ومرعا ها ‪ ،‬والبال أر ساها )‬
‫وقوله ‪ ( :‬أفل ينظرون إل البل كيف خلقت ‪ ،‬وإل السماء كيف رفعت ‪ ،‬وإل البال كيف نصبت )‪. 7‬‬
‫والقرآن الكري مليء بذكر مثل ذلك وفيما ذكرنا غنية لن عقل ‪ .‬ولعلنا نعرج على سنة الصطفى ‪،‬‬
‫لنرى كيف كان النب يرسخ العقيدة عند صحبه رضوان ال عليهم ‪.‬‬
‫" ل عدوى ول صفر ول ها مة " ‪ .‬فقال أعرا ب ‪:‬‬ ‫ف عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ال نب‬
‫يا رسول ال ‪ ،‬فما بال البل تكون ف الرمل كأنا الظباء فيخالطها البعي الجرب فيجربا ؟ فقال رسول ال‬

‫سورة النعام ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫ربت ‪ :‬أي انتفخت وزادت قال أبو السعود في تفسيره ‪ :‬أي تحركت بالنبات ‪ ،‬لن النبات إذا دنا أن يظهر ‪ ،‬ارتفعت له الرض ‪ ،‬وانتفخت ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫ثم تصدعت عن النبات ‪.‬‬


‫تيسير الكريم الرحمن ‪ .‬لبن سعدي ‪ .‬سورة النعام الية ‪. 39 :‬‬ ‫‪3‬‬

‫يجب التنبه إلى مسألة هامة وهي أنه ل يلزم منا أن نستدل بلك ظاهرة من ظواهر العلم أو جزئية معينة ‪ ،‬بدليل من الكتاب والسنة ‪ ،‬ول‬ ‫‪4‬‬

‫أن نلوي أعناق النصوص أو نتكلف ذلك ‪ ،‬فالقرآن الكريم أنزل ليتلى ويتدبر ويعمل به ‪ ،‬والسنة لتطبق ويعمل بها ‪ ،‬ولكن إن جاء أحد منهما‬
‫مصرحا بذكر شيء من الظواهر قبلناه وأثبتناه ول نتكلفه ‪.‬‬
‫سورة النبأ ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫سورة النازعات ‪.‬‬ ‫‪6‬‬

‫سورة الغاشية ‪.‬‬ ‫‪7‬‬


‫‪28‬‬
‫المعـلم الول‬

‫‪ " :‬فمن أعدى الول " ؟‪. 1‬‬


‫قال الافظ ابن حجر قوله ‪ ( :‬فيجربا ) وهو بناء على ما كانوا يعتقدون من العدوى ‪ ،‬أي يكون سببا‬
‫لوقوع الرب با ‪ ،‬وهذا من أوهام الهال ‪ ،‬كانوا يعتقدون أن الر يض إذا د خل ف الصحاء أمرضهم فن في‬
‫بقوله ‪ :‬فمن أعدى الول ؟‬ ‫الشارع ذلك وأبطله ‪ ،‬فلما أورد العراب الشبهة رد عليه‬
‫وقال بعد قوله ‪ ( :‬فمن أعدى الول ؟ ) وهو جواب ف غاية البلغة والرشاقة ‪ .‬وحاصله من أين جاء‬
‫الرب للذي أعد بزعمهم ؟ فإن أجيب من بغي آخر لزم التسلسل أو سبب آخر فليفصح به ‪ ،‬فإن أجيب بأن‬
‫الذي فعله ف الول هو الذي فعله ف الثان ثبت الدعى ‪ ،‬وهو أن الذي فعل بالميع ذلك هو الالق القادر‬
‫على كل شيء وهو ال سبحانه وتعال‪. 3. 2‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬إن غرس العقيدة عن طريق عرض العلوم غي علوم الشريعة ‪ ،‬وسيلة نافعة جدا ف ربط السلم بدينه ف‬
‫كل مالت الياة ‪.‬‬
‫(‪)2‬إن هذه الطريقفة ‪ ،‬تؤدي إل تقويفة اليان لدى الطلب عموما ‪ ،‬فتنشفئ لنفا جيلً قويا فف معتقده ‪،‬‬
‫وثيق الصلة بربه ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [2‬إسداء النصيحة للمتعلم ‪:‬‬
‫ي طئ العلم عند ما ي ظن أن علق ته بالطالب ‪ ،‬تقت صر على تو صيل العلومات ف قط ‪ .‬والقي قة أن هناك‬
‫أمرا ل يقل أهية عن التحصيل ‪ ،‬أل وهو النصح والتوجيه للطالب ‪ .‬فالعلم موجه ‪ ،‬ومرب ‪ ،‬وناصح ‪ ،‬وأب ‪.‬‬
‫ولو أن نا قار نا ب ي عدد ال ساعات ال ت يعيش ها الطالب مع معل مه و هي قد ت صل إل خ س أو ست‬
‫ساعات يوميا ‪ ،‬لوجدنا أنا أكثر من عدد الساعات الت يلتزمها مع والديه ‪ ،‬وهو معلوم عند الكل ‪ .‬وإذا كان‬
‫المر كذلك ‪ ،‬فإن العلم يرى من الحوال والتصرفات الت تصدر من الطالب قد تفى – بل إنا تفى فعلً‬
‫على والديفه ‪ ،‬ولذا كان حري بفك أيهفا العلم أن تبذل مفا فف وسفعك ‪ ،‬لصفلح العوج ‪ ،‬وتقويف الائل ‪،‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتح الباري ( ‪) 10/252‬‬ ‫‪2‬‬

‫ينبغي أن نشير هنا إلى أمر هام وهو أن السباب ل تؤثر بنفسها فالمؤثر هو ال ‪ ،‬ولكننا نتجنب السباب التي تكون سببا للبلء ‪ ..‬وفي‬ ‫‪3‬‬

‫هذا المعنى يقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في شرحه لكتاب التوحيد (‪ )2/82‬قال ‪ :‬وهذا النفي في هذه المور الربعة ( وهي قوله‬

‫في الحديث " ول عدوى ول طيرة ول هامة ول صفر " ) ليس نفيا للوجود ‪ ،‬لنها موجودة ‪ ،‬ولكنه نفي للتأثير ‪ ،‬فالمؤثر هو ال ‪ ،‬فما‬
‫كان سببا معلوما فهو سبب صحيح ‪ ،‬وما كان منها سببا موهوما فهو سبب باطل ‪ ،‬ويكون نفيا لتأثيره بنفسه ولسببه ‪ .‬فقوله ‪ " :‬ل عدوى "‬

‫‪ " :‬ل يورد ممرض على مصح " أي ‪ :‬ل يورد صاحب البل المريضة على صاحب البل الصحيحة‬ ‫العدوى موجودة ‪ ،‬ويدل لوجودها قوله‬
‫‪ ،‬لئل تنتقل العدوى ‪ .‬أهـ ‪.‬‬
‫‪29‬‬
‫المعـلم الول‬

‫وتذيب الخلق ‪ ،‬وتصحيح الفكار ‪ . .‬وجاع ذلك كله ‪ ،‬بذل النصيحة ‪ .‬والنصيحة ‪ :‬هي كلمة يعب با‬
‫عن جلة هي إرادة الي للمنصوح له‪. 1‬‬
‫وبذل النصيحة مطلب شرعي ‪ ،‬قبل أن يكون تعليميا تربويا ‪.‬‬
‫قال ‪ " :‬الد ين الن صيحة " قل نا ‪ :‬ل ن ؟ قال ‪ " :‬ل‬ ‫‪ -1‬عن ت يم بن أوس الداري ر ضي ال ع نه أن ال نب‬
‫ولكتابه ولرسوله ولئمة السلمي وعامتهم "‪. 2‬‬
‫يقول الافظ ابن حجر ‪ :‬والنصيحة لعامة السلمي الشفقة عليهم ‪ ،‬والسعي فيما يعود بالنفع عليهم ‪،‬‬
‫وتعليمهم ما ينفعهم ‪ ،‬وكف وجوه الذى عنهم ‪ ،‬وأن يب لم ما يب لنفسه ‪ ،‬ويكره لم ما يكره لنفسه ‪.3‬‬
‫ول شلك أن الطلب من عامة السلمي ‪.‬‬
‫على إقامة الصلة ‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬والنصح‬ ‫‪ -2‬وعن جرير بن ع بد ال البجلي قال ‪ :‬بايعت ر سول ال‬
‫‪4‬‬
‫لكل مسلم ‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫قال ‪ " :‬ل يؤمن أحد كم ح ت ي ب لخيه ما يب لنف سه "‬ ‫‪ -3‬و عن أنس ر ضي ال ع نه ‪ ،‬عن ال نب‬
‫والنقول ف هذا الباب كثية وحسبنا با ذكرنا ‪.‬‬
‫يقول ابن رجب ‪ :‬ومن أنواع نصحهم بدفع الذى والكروه عنهم ‪ ،‬إيثار فقيهم ‪ ،‬وتعليم جاهلهم ‪ ،‬ورد من‬
‫زاغ منهم عن الق ف قول أو عمل ‪ ،‬بالتلطف ف ردهم إل الق ‪ ،‬والرفق بم ف المر بالعروف والنهي عن‬
‫الن كر ‪ ،‬ومب تة إزالة ف سادهم ‪ 6..‬ث إ نه من التع ي على العلم ‪ ،‬أن يبذل ن صيحته إل طل به سرا إن كا نت‬
‫خاصة بفرد معي ‪ ،‬لن ذلك أبلغ ف قبول النصيحة ‪ ،‬وأسرع للستجابة ‪ ،‬أما إن كانت علنية فهو توبيخ ف‬
‫قالب ن صح! يقول ا بن ر جب ‪ :‬كان ال سلف إذا أرادوا ن صيحة أ حد وعظوه سرا ‪ ،‬ح ت قال بعض هم ‪ :‬من‬
‫وعظ أخاه في ما بينه وبينه ‪ ،‬فهي نصيحة ‪ ،‬ومن وع ظه على رؤوس الناس ‪ ،‬فإن ا وبه ‪ 7.‬و من النصح الذي‬
‫يتعيف على معلم بذله تاه طلبفه ‪ ،‬هفو تصفحيح ( كراس الواجبات الدرسفية )‪ 8‬بأمانفة وإخلص ‪ ،‬ومراعاة‬

‫قاله الخطابي ( جامع العلوم والحكم لبن رجب ( ‪. )1/148‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه مسلم في كتاب اليمان ‪ /‬وأحمد في مسند الشاميين ‪ /‬وأبو داود في الدب ‪ /‬والنسائي في البيعة ‪ /‬وذكره البخاري تعليقا في صحيحه‬ ‫‪2‬‬

‫في كتاب اليمان ‪.‬‬


‫فتح الباري ( ‪( ) 167 ،1/166‬ح ‪. )57‬‬ ‫‪3‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫متفق عليه ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫جامع العلوم والحكم (‪. )1/151‬‬ ‫‪6‬‬

‫المصدر السابق (‪. )1/153‬‬ ‫‪7‬‬

‫ذكرت الدنى تنبيها على العلى ‪.‬‬ ‫‪8‬‬


‫‪30‬‬
‫المعـلم الول‬

‫قال ‪ " :‬ل يؤمن أحدكم‬ ‫الخطاء النحوية والملئية ونوها ‪ .‬وباب النصح واسع ولكن يضبطه قول النب‬
‫‪1‬‬
‫حت يب لخيه ما يب لنفسه "‬
‫أيهفا العلم ‪ :‬قدم إليفك الب ثرة فؤاده ‪ ،‬وفلذة كبده ‪ ،‬فهفي عندك أمانفة ‪ .‬فماذا عملت فيهفا ؟ هفل‬
‫رعيتها وأديت حق المانة ؟ أم ماذا ؟‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬النصح والتوجيه ‪ ،‬ل يقل أهية عن التعليم ‪ ،‬فلتعط حظها من الهتمام ‪.‬‬
‫(‪)2‬النصيحة مطلب شرعي ‪ ،‬قبل أن تكون مطلبا تربويا تعليميا ‪.‬‬
‫(‪)3‬توجيه الطالب وجهة سليمة ‪ ،‬وأمره با يصلحه ‪ ،‬وتقويه إذا مال عن الطريق الستقيم ‪ ..‬وغي هذه‬
‫المور ‪ ،‬كلها من واجبات العلم ‪.‬‬
‫(‪)4‬تقدي النصيحة سرا سبب ف القبول ‪ ،‬وسرعة الستجابة ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [3‬الرفق بالتعلم وتعليمه بالسلوب السن ‪:‬‬
‫يرا عي نف سياتم وأحوال م ‪ ،‬ك يف ل و هو الذي قال ‪" :‬‬ ‫أر فق الناس للناس ‪ ،‬وكان‬ ‫ل قد كان‬
‫إن الرفق ل يكون ف شيء إل زانه ول ينع من شيء إل شانه "‪ 2‬وقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إن ال عز‬
‫و جل ي ب الر فق ف ال مر كله "‪ 3‬والر فق هو ‪ :‬ل ي الا نب بالقول والف عل ‪ ،‬وال خذ بال سهل ‪ ،‬و هو ضد‬
‫العنف‪ . 4‬والنفس البشرية تيل إل الرفق ولي الانب وطيب الكلم وتأنس به ‪ ،‬وتنفر من الفوة والغلظة ‪.‬‬
‫ولذا كان حري بالعلمي والربي أن يعوا هذا الانب ويطبقوه على تلميذهم وطلبم ‪.‬‬
‫والشدة على التعلم ي مضرة بم‪ 5‬وذلك أن إرهاف ال د بالتعل يم م ضر بالتعلم سيما ف أ صاغر الولد‬
‫لنه من سوء اللكة ومن كان مرباه بالعسف والقهر من التعلمي أو الماليك أو الدم سطا به القهر وضيق‬
‫عن النفس ف إنبساطها وذهب بنشاطها ودعاه إل الكسل وحل على الكذب والبث وهو التظاهر بغي ما ف‬
‫ضميه خوفا من انبساط اليدي بالقهر عليه وعلمه الكر والديعة ‪. 6..‬‬
‫أروع المثلة وأعل ها ف ح سن تعلي مه ورف قه ب صحابته رضوان ال علي هم ‪،‬‬ ‫ولد ضرب الر سول‬
‫فمنها ‪:‬‬

‫تقدم تخريجه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه مسلم في كتاب البر ‪ /‬وأحمد في باقي مسند النصار‪ /‬وأبو داود في الدب ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الدب ‪ /‬مسلم في السلم ‪ /‬أحمد في مسند باقي النصار ‪ /‬الترمذي في الستئذان والدب ‪ /‬ابن ماجه في الدب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫فتح الباري ( ‪. ) 10/6024‬‬ ‫‪4‬‬

‫عنوان فصل عقده ابن خلدون في مقدمته ‪ .‬وهو الفصل الثاني والثلثون من الباب الخامس ‪ .‬من الكتاب الول ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫مقدمة ابن خلدون ص ‪. 540‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪31‬‬
‫المعـلم الول‬

‫‪ ،‬إذ جاء أعراب ‪ ،‬فقام يبول ف‬ ‫عن أنس رضي ال عنه قال ‪ :‬بينما نن ف السجد مع رسول ال‬
‫‪ " :‬ل تزرموه‪ ، 2‬دعوه " فتركوه حت‬ ‫‪ :‬مه مه ‪ .1‬فقال رسول ال‬ ‫السجد ‪ .‬فقال أصحاب رسول ال‬
‫دعاه ‪ ،‬فقال له ‪ " :‬إن هذه ال ساجد ل ت صلح لش يء من هذا البول والقذر ‪ ،‬إن ا‬ ‫بال ‪ ،‬ث أن ر سول ال‬
‫ل من القوم ‪ ،‬فجاء بدلو‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬وأمر رج ً‬ ‫هي لذكر اله والصلة ‪ ،‬وقراءة القرآن " أو كما قال رسول ال‬
‫من ماء فسنه‪ 3‬عليه ‪ .‬رواه مسلم ‪ .‬وعند أحد وابن ماجه زيادة وهي ‪ :‬قال ‪ :‬يقول العراب بعد أن فقه ‪ :‬فقام‬
‫إل بأب هو وأمي فلم يسب ول يؤنب ول يضرب ‪.‬‬ ‫النب‬

‫بالعراب وحسن تعليمه له ‪ ،‬وذلك لن العراب كان يهل ذلك‬ ‫ففي هذا الديث بيان لرفق النب‬
‫ول يوبه ‪ ،‬بل دعاه وعلمه برفق المر الذي يهله ‪.‬‬ ‫الكم بطبيعة الال ولذا السبب ل يعنفه النب‬
‫ولقد صور العراب ذلك الوقف بعد أن فقه ‪ ،‬بقوله ‪ :‬بأب هو وأمي فلم يسب ول يؤنب ول يضرب ‪.‬‬
‫به ‪ ،‬وحسن تعليمه له ‪.‬‬ ‫وف هذا القول دليل على تأثر العراب برفق النب‬
‫قال الافظ ابن حجر بعد حديث أنس ‪ :‬وفيه الرفق بالاهل وتعليمه ما يلزمه من غي تعنيف إذا ل يكن‬
‫وحسن خلقه ‪ .‬أهف‪. 4‬‬ ‫ذلك منه عنادا ‪ ،‬ولسيما إن كان من يتاج إل استئلفه ‪ .‬وفيه رأفة النب‬

‫إذ عطس رجل من القوم‬ ‫‪-3‬وعن معاوية بن الكم السلمي قال ‪ :‬بينما أنا أصلي مع رسول ال‬
‫فقلت ‪ :‬يرحك ال ‪ .‬فرمان القوم بأبصارهم ‪ ،‬فقلت واثكل أمياه ‪ ،‬ما شأنكم تنظرون إل ؟ فجعلوا‬
‫فبأب هو وأمي ما‬ ‫يضربون بأيديهم على أفخاذهم ‪ ،‬فلما رأيتهم يصمتونن لكن سكت فلما صلى‬
‫رأ يت معلما قبله ول بعده أح سن تعليما م نه فوال ما كهرن‪ ، 5‬ول ضرب ن ‪ ،‬ول شتمن‪ 6‬قال ‪" :‬‬
‫إن هذه الصلة‪ ،‬ل يصلح فيها شيء من كلم الناس ‪ ،‬إنا هو التسبيح والتكبي وقراءة القرآن " ‪ ،‬أو‬
‫ك ما قال ر سول ال ‪ ( ..‬ث قال معاو ية ف تام الد يث ) ‪ ..‬قال ‪ :‬وكا نت ل جار ية تر عى غنما ل‬
‫قبل أحد والوانية‪ 7‬فاطلعت ذات يوم فإذا الذيب قد ذ هب بشاة من غنمها ‪ ،‬وأنا رجل من بن آدم‬
‫آسف كما يأسفون ‪ ،‬لكن صككتها صكة ‪ ،‬فأتيت رسول ال فعظم ذلك علي قلت ‪ :‬يا رسول ال‬
‫أفل أعتقها ؟ قال ‪ :‬ائتن با ‪ ،‬فأتيته با ‪ ،‬فقال لا ‪ :‬أين ال ؟ قالت ‪ :‬ف السماء ‪ ،‬قال ‪ :‬من أنا ؟ قالت‬

‫مه مه ‪ :‬أي اكفف ‪ ،‬والتكرير للتأكيد وزيادة التهديد ‪ ( .‬حاشية المشكاة ‪. )1/153‬‬ ‫‪1‬‬

‫ل تزرموه ‪ :‬أي ل تقطعوا عليه بوله فيضره ‪ ،‬أو تنتشر النجاسة في المسجد بعد أن تكون بمحل واحد ( حاشية المشكاة ‪. )1/153‬‬ ‫‪2‬‬

‫فسنه ‪ :‬بالسين المهملة وتشديد النون ‪ ،‬أي فصبه ‪ ( .‬حاشية المشكاة ‪. )1/154‬‬ ‫‪3‬‬

‫فتح الباري ‪. 1/388‬‬ ‫‪4‬‬

‫كهرني ‪ :‬أي ما انتهرني ‪ ،‬والكهر النتهار قاله أبو عبيد ‪ .‬وفي النهاية يقال كهره إذا زجره واستقبله بوجه عبوس ( عون المعبود ‪.)3/926‬‬ ‫‪5‬‬

‫ول شتمني ‪ :‬في رواية أبي داود ( ول سبني ) ‪ :‬أراد نفي أواع الزجر والعنف وإثبات كمال الحسان واللطف ‪ ( .‬عون المعبود ‪.)3/926‬‬ ‫‪6‬‬

‫قبل أحد والجوانية ‪ :‬موضع بقرب أحد شمالي المدينة ( عون المعبود ‪. ) 3/926‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪32‬‬
‫المعـلم الول‬

‫‪ :‬أنت رسول ال ‪ ،‬قال أعتقها فإنا مؤمنة "‪. 1‬‬


‫من عظيم اللق الذي شهد‬ ‫قال النووي ف شرحه لذا الديث ‪ :‬فيه بيان ما كان عليه رسول ال‬
‫ف الر فق بالا هل وح سن‬ ‫ال تعال له به ورف قه بالا هل ورأف ته بأم ته وشفق ته علي هم وف يه التخلق بل قه‬
‫تعليمه واللطف به وتقريب الصواب إل فهمه ‪ .‬أهف ‪.‬‬
‫ث إنك لك أن تقارن بي الوقفي السابقي الذين وقعا لعاوية بن الكم رضي ال عنه ‪ ،‬وكيف عامل‬
‫معاوية ف كل الوقفي ‪.‬‬ ‫الرسول‬

‫ول يوب ه ‪ .‬ل نه كان جاهلً والدل يل على ذلك ‪ ،‬الد يث‬ ‫ف في الاد ثة الول ‪ :‬ل يعن فه الر سول‬
‫الذي أخرجه البخاري‪ 2‬وأبو داود من رواية عطاء بن يسار عن معاوية بن الكم السلمي قال ‪ :‬لا قدمت على‬
‫علمت أمورا من أمور السلم ‪ ،‬فكان فيما علمت أن قال ل ‪ :‬إذا عطست فاحد ال ‪ ،‬وإذا‬ ‫رسول ال ‪،‬‬
‫عطس العاطس فحمد ال فقل ‪ :‬يرحك ال ‪ .‬قال ‪ :‬فبينا أن قائم مع رسول ال ف الصلة ‪ .. ،‬الديث )‬
‫بنقيض ذلك ‪ ،‬حيث أنكر ذلك الفعل على معاوية ويؤخذ هذا‬ ‫وف الادثة الثانية ‪ :‬عامله الرسول‬
‫من قوله ‪( :‬فعظم ذلك علي ) ‪.‬‬
‫هذا الفعل من معاوية وهو ضرب الارية‪ ،‬يتمل وجهان وقد يتمل أكثر من ذلك ‪:‬‬ ‫وإنكار الرسول‬
‫الول ‪ :‬وهو أن معاوية ل يعد جاهلً حيث أمضى فترة ف السلم وعلم شرائعه وآدابه ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬وهو أن هذا الصنيع من معاوية ليس من المور الت تهل عادة ‪ ،‬فالرفق والحسان إل الناس‬
‫من المور الركوزة ف الفطر وليست من باب العلم الكتسب ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫ل‪.‬‬
‫(‪)1‬الرفق بالطالب يتأكد عندما يكون جاه ً‬
‫(‪)2‬تقدير الطأ الذي يقع من الطالب ‪ ،‬وهل هو من الطأ الذي يعذر بهله ‪ ،‬أم ل ‪ .‬وذلك يرجع إل‬
‫تقدير العلم ‪.‬‬
‫(‪)3‬معالة الطأ الذي يقع من الطالب الاهل كما حدث ذلك ف قصة العراب الذي بال ف السجد ‪،‬‬
‫ل من أصحابه أن يزيل أثر النجاسة‬
‫صحابته أن يقطعوا عليه بوله لئل يتضرر ‪ ،‬ث أمر رج ً‬ ‫حيث نى النب‬
‫وعل مه ما الذي ينب غي عل يه فعله وتر كه ف‬ ‫بالاء ‪ ،‬ث د عا العرا ب وأ خبه بطئه ‪ ،‬ث دعاه الر سول‬
‫الصلة ‪.‬‬

‫مسلم في كتاب المساجد ‪ .‬واللفظ له ‪ /‬وأبو داود في كتاب الصلة وصححه اللباني ‪ /‬والنسائي في كتاب السهو ‪ /‬وأحمد في باقي مسند‬ ‫‪1‬‬

‫المكثرين ‪ /‬ومالك في العتق والولء ‪.‬‬


‫البخاري ‪ .‬في خلق أفعال العباد ‪ 67‬وجزء القراءة خلف المام (‪ ، )68‬وأبو داود كتاب الصلة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪33‬‬
‫المعـلم الول‬

‫(‪)4‬أمفا الطفأ الذي ل يعذر بهله ‪ ،‬فعلى الربف أو العلم أن ينكفر ذلك الطفأ أو الفعفل الذي بدر مفن‬
‫الطالب ‪ ،‬كما جاء ف قول الصحاب ( فعظم ذلك علي ) ‪ ،‬ث إن على الرب بعد ذلك أن يسعى ف إصلح‬
‫لعاو ية عندما أراد أن‬ ‫ذلك الطأ ومساعدة الطالب ف إصلح خطئه ‪ ،‬وذلك يتجلى ف إقرار الرسول‬
‫يعتق الارية ‪ ،‬حيث قال له ‪ ( :‬أعتقها فأنا مؤمنة ) ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [4‬عدم التصريح بالساء أثناء التوبيخ‬
‫غالبا ما يكون التوب يخ له أ ثر ف ن فس الو بخ ‪ ،‬ويع ظم هذا ال ثر إن كان التوب يخ بضور جا عة من‬
‫كانت له طريقة فريدة من نوعها ف معالة الخطاء الظاهرة الت‬ ‫الناس ‪ ،‬فإنه حينئذ يتضاعف ‪ .‬والنب‬
‫تدث من صحابته ‪ ،‬إذ إن الغاية من تشهيه عليه الصلة والسلم بالطأ ليس التشفي من الخطئ ‪ ،‬بل هو‬
‫مشهورة ‪:‬‬ ‫تذير من الوقوع ف الطأ ‪ ،‬وذم للخطأ نفسه ‪ .‬وقصة الثلثة الذين تقالوا عبادة الرسول‬

‫عن عمله‬ ‫سألوا أزواج النب‬ ‫‪-1‬عن أنس بن مالك رضي ال عنه قال ‪ ( :‬عن نفرا من أصحاب النب‬
‫ف ال سر ؟ فقال بعض هم ‪ :‬ل أتزوج الن ساء ‪ .‬وقال بعض هم ل آ كل الل حم ‪ .‬وقال بعض هم ‪ :‬ل أنام على‬
‫فراش ‪ .‬فحمفد ال وأثنف عليه‪ 1‬فقال ‪ " :‬مابال أقوام قالوا كذا وكذا ؟ لكنف أصفلي وأنام ‪.‬وأصفوم وأفطفر‬
‫وأتزوج النساء ‪ .‬فمن رغب عن سنت فليس من " )‪. 2‬‬
‫‪ :‬ما بال أقوام ‪ ،‬ف هو ل ي صرح بأ سائهم وإن كان ب عض ال صحابة يعرفون م و مع ذلك‬ ‫تأ مل قوله‬
‫ل يصرح بأسائهم لن الغرض – كما قلنا سابقا – ليس هو التشهي بالخطئ أو بصاحب الفعل‬ ‫فالنب‬
‫الذموم ‪ ،‬وإنا هو بيان ذلك الفعل الذموم أو القول الذموم والتحذير منه ‪ .‬قال النووي عند قوله ‪ ( :‬أن النب‬
‫ف‬ ‫حد ل تعال وأثن عليه فقال ‪ " :‬ما بال أقوام قالوا كذا وكذا " ) هو موافق للمعروف من خطبه‬
‫فإن القصود من‬ ‫مثل هذا أنه إذا كره شيئا فخطب له ذكر كراهيته ول يعي فاعله ‪ ،‬وهذا من عظيم خلقه‬
‫ذلك الش خص وج يع الاضر ين وغي هم م ن يبل غه ذلك ول ي صل توب يخ صاحبه على الل‪ . 3‬وإل يك ق صة‬
‫أخرى يرويها أبو حيد الساعدي ‪:‬‬
‫ل من بن أ سد يقال له ابن اللتبية على صدقة فلما قدم قال ‪ :‬هذا لكم وهذا‬
‫رج ً‬ ‫‪ -2‬قال ‪ :‬استعمل النب‬
‫على النب فحمد ال وأثن عليه ‪ ،‬ث قال ‪ " :‬ما بال العامل نبعثه فيأت فيقول ‪ :‬هذا‬ ‫أهدي ل ‪ :‬فقام النب‬

‫أي ‪ :‬بعد أن علم بمقالتهم ‪ ،‬صعد على المنبر وخطب بالناس ‪ ،‬وهذا جاء مصرحا به في روايات أخرى لهذا الحديث ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه البخاري في كتاب النكاح ‪ /‬ومسلم في النكاح واللفظ له ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬والنسائي في النكاح ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫مسلم بشرح النووي ‪ :‬كتاب النكاح ‪ /‬حديث رقم (‪. )1401‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪34‬‬
‫المعـلم الول‬

‫لك وهذا ل ‪ ،‬فهل جلس ف بيت أبيه وأمه فينظر أيهدى إليه أم ل ؟ ‪ " ..‬الديث‪. 1‬‬
‫عن اسه مع أن كثيا‬ ‫‪ :‬ما بال العامل نبعثه ‪ ،‬حيث ل يفصح الرسول‬ ‫وف هذه الواقعة ‪ ،‬قوله‬
‫بقوله ‪ :‬ما بال العا مل نبع ثه ‪ ،‬ول كن ل ا كان الق صد هو‬ ‫من ال صحابة يعلمون هذا الذي عناه الر سول‬
‫التحذير من الفعل الذموم وبيان ضرره وسوء عاقبته حت ل يقع ف الخرون ‪ ،‬شهر بالفعل دون الفاعل ‪ ،‬إذ‬
‫ليس هناك مصلحة ترجى من ذكر اسم الفاعل ‪ .‬وحول هذا الديث وهذا العن يشي ابن حجر بقوله ‪ :‬وفيه‬
‫‪2‬‬
‫أن من رأى متأولً أخطأ ف تأويل يضر من أخذ به أن يشهر القول للناس ويبي خطأه ليحذر من الغترار به‬
‫والعلمون كذلك يب أن تكون طريقتهم ف علج الخطاء الت تقع من الطلب ‪ ،‬عن طريق التشهي‬
‫بالطأ وذمه وبيان سوء عاقبته ‪ ،‬والتحذير منه ‪ ،‬مع عدم التصريح باسم الخطئ خصوصا إذا كان الطأ عن‬
‫غ ي تع مد من الطالب نف سه ‪ ،‬ل كي ل ي ستغلها ضعاف النفوس ف تقيه ورم يه بالنقائص ‪ ،‬ول كي ل يو جد‬
‫حالة من الكراهية والبغضاء بي العلم والطالب ‪ ،‬أما إن كان الخطئ متعمدا عالا فهذه حالة يقدرها العلم ‪،‬‬
‫هل يشهر به أمام الخرين لردعه عما هو فيه – مع ملحظة ترد النفس من قصد التشفي والنتصار لا ‪ -‬؟‬
‫أم يستعمل أساليب أخرى لعلج هذه الالة ؟ وهذه كما قلت سابقا ‪ ،‬راجعة إل تقدير العلم ‪ .‬وعموما فإن‬
‫طريقة التعريض بالطأ دون التصريح باسم صاحبه مهمة ليست بيسية ‪ ،‬إذ فيها تكمن براعة العلم ف علج‬
‫الطأ دون التعرض لكرامة الطالب‪ . 3‬وهي من دقائق صناعة التعليم أن يزجر التعلم عن سوء الخلق بطريق‬
‫التعر يض ما أم كن ول ي صرح ‪ .‬وبطر يق الرح ة ل بطر يق التوب يخ فإن الت صريح يه تك حجاب اليئة ويورث‬
‫الرأة على الجوم باللف ويهيج الرص على الصرار ‪ .‬أ هف ‪.‬‬
‫الخلصة ‪:‬‬
‫(‪)1‬ليس القصد من إعلن الطأ التشهي بالخطىء ‪ ،‬بل هو تذير وبيان لسوء الفعل أو القول ‪ ،‬لكي ل‬
‫يغتر به ‪.‬‬
‫(‪)2‬عدم التصريح بالسم أثناء بيان الطأ ‪ ،‬وإن كان الخطئ معلوما عند البعض ‪.‬‬
‫(‪)3‬إذا كان الخطئ عامدا عالا ‪ ،‬فللمعلم أن يتهد ف إياد السبيل القوم ف معالة وتأديب الخطئ ‪.‬‬
‫(‪)4‬براعة العلم تكمن ف كيفية علج الطأ ‪ ،‬دون التصريح باسم الخطئ ‪. .‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [5‬إلقاء السلم على التعلم قبل الدرس وبعده‬
‫‪ ،‬وهي سنة السلم ‪ ،‬وقد ورد ف فضلها‬ ‫يغفل كثي من العلمي عن سنة عظيمة من سنن الصطفى‬

‫البخاري في كتاب الحكام ‪ /‬مسلم في المارة ‪ /‬أحمد في باقي مسند النصار ‪ /‬أبو داود في الخراج والمارة والفيء ‪ /‬والدارمي في الزكاة‬ ‫‪1‬‬

‫فتح الباري ‪ .‬كتاب الحكام (‪ )13/179‬باب هدايا العمال غلول ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫من هنا يبدأ النقل من إحياء علوم الدين ‪. )1/95( .‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪35‬‬
‫المعـلم الول‬

‫آثار كثية ‪ .‬والعجب أن يعدل العلمون عن السلم الشروع وهو سنة إل غيها من التحيات ‪ ،‬ول بأس أن‬
‫يصبح بالي ‪ ،‬أو يسي بالي ولكن يكون ذلك بعد السلم ‪ ،‬أما أن تكون هذه التحيات ونوها هي العتمد‬
‫ف كل حال فل ‪ .‬ث إنه قد يدث من بعض العلمي أمرا مالفا للشرع وهو جعل الطلب يقومون له عند‬
‫ميئه لم ‪ ( 1.‬وقد وقع فيه كثي من العلمي – سامهم ال – تأثرا بالعادات والتقاليد ‪ ،‬وهو تثل الطلبة قياما‬
‫لعلمهفم زاعميف أن هذا مفن الدب الطلوب ‪ ،‬وأنفه رمفز لتوقيف العلم وتبجيله ‪ ،‬وقفد أخطأوا ‪ ،‬فل يسفمى‬
‫خلف الشرع أدبا إل ف قاموس العرضي عن شرع ال ‪ ،‬ذلك أن ‪:‬‬
‫‪ ،‬وكانوا إذا‬ ‫‪ -1‬أنس بن مالك رضي ال عنه قال ‪ ( :‬ما كان شخص أحب إليهم من رسول ال‬
‫رأوه ل يقوموا له ‪ ،‬لا يعلمون من كراهيته لذلك ) ‪.2‬‬

‫‪ " :‬من أحب أن يتمثل له الناس قياما فليتبوأ مقعده من النار "‪ 3‬أهـ ‪.‬‬ ‫‪ -2‬وقال الرسول‬

‫صحابته إل ذلك‬ ‫وبذل السلم أجر وغنيمة يستفيد منه السلم ف تكثي حسناته ‪ ،‬ولذا رغب النب‬
‫وحثهم عليه ‪:‬‬
‫‪ -3‬قال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إذا لقي أحدكم أخاه فليسلم عليه ‪ ،‬فإن حالت بينهما شجرة ‪ ،‬أو‬
‫جدار ‪ ،‬أو حجر ث لقيه ‪ ،‬فليسلم عليه "‪. 4‬‬
‫وإلقاء السلم سبب ف إشاعة الحبة بي الفراد والماعات ‪ ،‬والعلم يتاج إل ذلك من باب أول ‪.‬‬
‫‪ " :‬ل تدخلوا النة حت تؤمنوا ‪ ،‬ول تؤمنوا حت تابوا ‪ ،‬أو ل أدلكم على شيء‬ ‫‪ -4‬قال رسول ال‬
‫إذا فعلتموه تاببتم ؟ أفشوا السلم بينكم "‪. 5‬‬
‫والح بة إذا شا عت ب ي العلم وطل به ‪ ،‬كان ذلك عل مة على قبول العلم الذي يب ثه ذلك العلم ‪ ،‬لن‬
‫النفس بطبعها تيل إل الشيء الذي تبه وتواه ‪ ،‬وهذا شيء متعارف عليه ‪.‬‬
‫بقي ثة أمر آخر ل يطر ببال الكثيين ‪ ،‬وهو أن يسلم العلم على طلبه ‪ ،‬عند إرادة النصراف من الدرس ‪:‬‬
‫‪ " :‬إذا انتهفى أحدكفم إل ملسفة فليلم ‪ ،‬فإن بدا له أن يلس فليجلس ‪ ،‬ثف إذا قام‬ ‫‪ -5‬قال النفب‬
‫‪6‬‬
‫فليسلم ‪ ،‬فليست الول بأحق من الخرة "‬

‫من هنا يبدأ النقل من كتاب نداء إلى المربين والمربيات ‪ .‬إعداد محمد بن جميل زينو ص ‪. 17‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه الترمذي في كتاب الدب وقال ‪ :‬هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫أحمد في مسند الشاميين ‪ /‬أبو داود في الدب ‪ /‬الترمذي في الدب ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أورده صاحب المشكاة وقال ‪ :‬رواه أبو داود ‪ .‬وقال اللباني ‪ :‬بإسنادين أحدهما صحيح ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه مسلم في كتاب اليمان ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬والترمذي في الستئذان والدب ‪ /‬وأبو داود في الدب وابن ماجه في‬ ‫‪5‬‬

‫المقدمة ‪.‬‬
‫قال التبريزي في المشكاة ‪ .‬رواه الترمذي وأبو داود ‪ ( .‬وقال عنه الترمذي حسن ‪ ،‬وحسنه اللباني أيضا ) ورواه أيضا أحمد في باقي‬ ‫‪6‬‬

‫مسند المكثرين ‪.‬‬


‫‪36‬‬
‫المعـلم الول‬

‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬البداءة بالسلم عند لقاء الطالب ‪.‬‬
‫(‪)2‬السلم سبب ف جلب الغفرة ‪ ،‬وتكثي السنات ‪.‬‬
‫(‪)3‬السلم سبب ف إشاعة الحبة بي العلم وطلبه ‪.‬‬
‫(‪)4‬إلقاء السلم عد الدخول على الطلب ‪ ،‬وعند النصراف ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [6‬استخدام العقوبات أثناء التعليم‬
‫يتفق العلمون ف وجوب معاقبة الخطئ وردعه عند تكرار خطئه ‪ ،‬ولكنهم يتلفون ف مسألة العقاب‬
‫البدنف للتلميفذ ‪ ،‬فالانعون يقولون ‪ :‬إن هذا السفلوب غيف مدف ‪ ،‬ويؤدي إل حدوث أمراض نفسفية لدى‬
‫الطالب ‪ ،‬وت عل الطالب يتخوف من العلم لد ن سبب ‪ ،‬وكذلك هذا ال سلوب يد عو الطالب إل الكذب‬
‫للفرار من عقاب العلم ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ولذا نرى عدم السماح للمعلم بعاقبته بدنيا مطلقا ‪.‬‬
‫والفر يق ال خر الؤيدون يقولون ‪ :‬إن إلغاء العقاب البد ن بتاتا له عوا قب وخي مة ‪ ،‬من ها أن الطالب ل‬
‫يأبفه للمعلم ‪ ،‬ول يضفع له اعتبارا ‪ ،‬وبالتال لن يلقفي اهتماما للعلم أي ( للمادة الدراسفية ) ‪ ،‬وعمليفة إلغاء‬
‫العقاب البدن ينشئ لنا جيلً مستهترا بالقيم والثل والعلم ‪.‬‬
‫والتحقيق أن يقال ‪ :‬أنه ل بد من التفصيل ف هذه السألة ‪ ،‬وأن نتناولا من جوانب عدة ‪ .‬أولً ‪ :‬إلقاء‬
‫الضرب بالكلية مرفوض ‪ ،‬وإطلق العنان للمعلم بالضرب ف كل الحوال مرفوض أيضا ‪ ،‬ومستندنا ف جواز‬
‫الضرب هو قول ال نب ‪ " :‬مروا ال صب بال صلة و هم أبناء سبع سني ‪ ،‬واضربو هم علي ها و هم أبناء ع شر ‪،‬‬
‫وفرقوا بين هم ف الضا جع "‪ . 1‬قال العلق مي ‪ :‬إن ا أ مر بالضرب لع شر ل نه حد يتح مل ف يه الضرب غالبا ‪،‬‬
‫والراد بالضرب ضربا غي مبح وأن يتقي الوجه ف الضرب ‪ .‬انتهى‪ . 2‬فهذا الديث صريح ف جواز ضرب‬
‫من بلغ ع شر سني تأديبا له ‪ .‬ثانيا ‪ :‬الضرب للتأد يب فقط ‪ :‬ول يس للنتقام والتشفي ‪ ،‬ولذلك ي طئ بعض‬
‫العلمي عندما يضرب أحد طلبه ضربا شديدا مبحا لطأ وقع فيه ‪ ،‬فيظن العلم أنه يؤدبه ‪ ،‬وف القيقة أنه‬
‫ينتصر لنفسه ! يقول ممد جيل زينو ‪ :3‬ولقد رأيت بعض العلمي يرفسون بأرجلهم ونعالم ‪ ،‬وربا أصاب‬
‫ل خطيا أودى بياة الطالب ‪ .‬اهف ‪ .‬وهل هذا إل بدافع الغضب والنتصار للنفس وحظوظها‬
‫ذلك الرفس م ً‬
‫‪ " :‬إذا ضرب أحد كم فلي تق الو جه "‪ 4‬وذلك لن الو جه هو‬ ‫‪ .‬ثالثا ‪ :‬اتقاء ضرب الو جه ‪ :‬قال الر سول‬
‫أشرف العضاء ف ج سم الن سان ‪ ،‬و هو مكان التكر ي ‪ ،‬فالضرب على الو جه يب عث على الكراه ية و حب‬
‫رواه أحمد في مسند المكثرين من الصحابة وأبو داود في كتاب الصلة ‪ .‬وقال اللباني ‪ :‬حسن صحيح أهـ ‪ .‬وقال المنذري ‪ :‬والحديث‬ ‫‪1‬‬

‫أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح "‬


‫عون المعبود ‪ .‬شرح سنن أبي داود ( كتاب الصلة باب ‪. ) 25‬‬ ‫‪2‬‬

‫نداء إلى المربين والمربيات ص ‪. 90‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه أبو داود في كتاب الحدود ‪ .‬وصححه اللباني ‪ ،‬ورواه أيضا أحمد في باقي مسند المكثرين ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪37‬‬
‫المعـلم الول‬

‫النتقام ‪ .‬رابعا ‪ :‬هناك عقوبات أخرى تسبق الضرب ‪ :‬أورد الشيخ ممد جيل زينو‪ 1‬بعض العقوبات التربوية‬
‫الفيدة نأخذ منها على سبيل الختصار ‪:‬‬
‫(‪)1‬النصح والرشاد ( لن البعض تؤثر فيه الكلمة والتوجيه ) ‪.‬‬
‫(‪)2‬التعبيس ( أي تعبيس الوجه وتقطيب الاجبي للتعبي عن الستياء ) ‪.‬‬
‫(‪)3‬الزجر‬
‫(‪)4‬العراض ( العراض عن طلبه أو عن أحدهم حت يرجع عن خطئه ) ‪.‬‬
‫(‪)5‬التوبيخ ‪.‬‬
‫(‪)6‬جلوس القرفصاء ( أو إيقاف الطالب مع رفع يديه ونو ذلك ) ‪.‬‬
‫(‪ ()7‬تكليف الطالب بواجبات منلية ونو ذلك )‬
‫‪2‬‬
‫(‪)8‬تعليق العصي ‪ .. :‬لديث " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت فإنه آدب لم "‬
‫(‪ ()9‬الرحلة الخية ) الضرب الفيف ‪.‬‬
‫وبعد فإن على العلم أن يتدرج ف استعمال العقوبات ‪ ،‬ول يلجأ للضرب لول زلة يقع فيها الطالب ‪،‬‬
‫بل عليه أن يستعمل الكمة ف استخدام السلوب المثل لعالة الطأ كما بيناه سابقا ‪ .‬ث إن ل يد بدا من‬
‫الضرب ‪ ،‬فليضرب ولكن بالشروط السالفة الذكر ‪ .‬ول عبة بقول ‪ ،‬ول حجة لن أنكر الضرب مطلقا ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬التدرج ف معاقبة الخطئ ‪ ،‬وعدم اللجوء إل الضرب إل ف الالت القصوى ‪.‬‬
‫(‪)2‬عدم القسوة ف الضرب ‪ ،‬واتقاء الوجه ‪.‬‬
‫(‪)3‬القصد من الضرب هو التأديب ‪ ،‬وليس لطفاء نار الغضب ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [7‬تقدي الكافآت للمتعلم‬
‫الكافآت بأنواعها لا فعل عجيب ف أسر القلوب ‪ ،‬وتديد النشاط ‪ ،‬وكسر طوق المول ‪ ،‬وباعث‬
‫على ال ستزادة من العلم ‪ ،‬إل غ ي ذلك من الثار ال ت تدث ها الكافآت وعلى العلم أن يو جد هذا ال سلوب‬
‫كلما وجد فتورا بي طلبه ‪ ،‬أو رأى مصلحة ف تقديها ‪ .‬وتتلف الكافآت اختلفا متباينا ‪ ،‬ولكنها تشترك‬
‫ف الثر الذي تدثه مع اختلف ف مقدار هذا الثر ‪ .‬وإليك بعضا منها ‪:‬‬
‫(أ) الكافآت الاد ية ‪ :‬و هي أقوى الكافآت والوا فز تأثيا على التعلم وإثارةً له ‪ ،‬لن في ها مع ن زائدا على‬
‫حيازة الكافأة الاد ية ‪ ،‬و هو التفوق على القران ‪ ،‬ور ضى العلم ع نه ‪ ،‬وح صوله على الثناء ال سن من ق بل‬
‫‪.‬‬ ‫معلميه ‪ .‬ولقد فعل ذلك رسول ال‬
‫نداء إلى المربين والمربيات ص ‪ .93‬وما بين المعكوفتين زيادة بيان مني ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ص ‪ 97‬وقال ‪ :‬الشيخ محمد ‪ :‬حسنه اللباني في صحيح الجامع ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪38‬‬
‫المعـلم الول‬

‫يصف عبد ال وعبيد ال وكثيا من بن العباس ث‬ ‫‪ -1‬فعن عبد ال بن الارث قال ‪ :‬كان رسول ال‬
‫‪1‬‬
‫يقول ‪ " :‬من سبق إل فله كذا وكذا " قال ‪ :‬فيستبقون إليه فيقعون على ظهره وصدره فيقبلهم ويلزمهم ‪.‬‬
‫( ب ) الكافأة بالدعاء ‪ :‬و هو الدعاء للطالب بالب كة واليف والتوف يق ونوه ‪ .‬وهذا ال سلوب عز يز ونادر‬
‫وجوده بي العلمي ‪ ،‬ول أدري أهو رغبة عنه أم جهل به ؟ ‪ .‬فإن كان رغبة عنه فلقد فعله خي البشر‬
‫وإن كان جهلً به فهاك علمه ‪:‬‬
‫د خل اللء فوض عت له وضوءا ‪ .‬قال ‪ :‬من و ضع هذا ؟‬ ‫‪ -1‬عن ا بن عباس ر ضي ال عنه ما أن ال نب‬
‫فأخب ‪ ،‬فقال ‪ " :‬اللهم فقه ف الدين "‪ 2‬قال الافظ ابن حجر ‪ :‬قال التيمي ‪ :‬فيه استحباب الكافأة بالدعاء‬
‫‪ .‬وقال ابن الني ‪ :‬مناسبة الدعاء لبن عباس بالتفقه على وضعه الاء من جهة انه تردد بي ثلثة أمور ‪ :‬إما أن‬
‫يدخل إليه بالاء إل اللء ‪ ،‬أو يضعه على الباب ليتناوله من قرب ‪ ،‬أول يفعل شيئا ‪ ،‬فرأى الثان أوفق ‪ ،‬لن‬
‫ف الول تعرضا للطلع ‪ ،‬والثالث ي ستدعي مش قة ف طلب الاء ‪ ،‬والثا ن أ سهلها ‪ ،‬فعله يدل على ذكائه ‪،‬‬
‫فناسب أن يدعى له بالتفقه ف الدين ليحصل به النفع ‪.3‬‬
‫(ت ) الكافأة بالثناء السـن ( الدح ) ‪ :‬وهفو قولك للطالب أحسفنت ‪ ،‬متاز ‪ ،‬ونوه ‪ ..‬وهذا السفلوب‬
‫يزرع فف التعلم الثقفة بعلمفه ‪ ،‬ويثف غيه لنيفل هذا السفتحسان مفن العلم ‪ ،‬ويبعفث فف الطالب الشعور‬
‫بالرتياح لا يبذله من جهد ف التعلم ومثاله ‪:‬‬
‫‪ " :‬يا أبا النذر! أتدري أي آية من كتاب ال معك أعظم ؟ "‬ ‫‪ -1‬عن أب بن كعب قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫قال قلت ‪ :‬ال ور سوله أعلم ‪ .‬قال‪ " :‬يا أ با النذر ! أتدري آ ية من كتاب ال م عك أع ظم ؟ " قال قلت ‪:‬‬
‫( ال ل إله إل هو ال ي القيوم ) قال ‪ :‬فضرب ف صدري وقال ‪ " :‬وال ! ليه نك العلم أ با النذر "‪ 4‬قال‬
‫النووي ‪ :‬ف يه منق بة عظي مة ل ب ‪ ،‬ودل يل على كثرة عل مه ‪ ،‬وف يه تبج يل العال فضلء أ صحابه وتكنيت هم ‪،‬‬
‫وجواز مدح النسان ف وجهه إذا كان فيه مصلحة ول يف عليه إعجاب ونوه لكمال نفسه ورسوخه ف‬
‫التقوى‪ . 5‬قلت ومن الصلحة ما تقدم آنفا ‪.‬‬
‫وهفو بالبطحاء ‪ .‬فقال‬ ‫‪ -2‬عفن أبف موسفى الشعري رضفي ال عنفه قال ‪ :‬قدمفت على رسفول ال‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬أحسفنت ‪..‬‬ ‫أحججفت ؟ ‪ .‬قلت نعفم ‪ .‬قال ‪ :‬باف أهللت ‪ .‬قلت ‪ :‬لبيفك بإهلل كإهلل النفب‬

‫رواه المام أحمد في مسند بني هاشم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫اخرجه البخاري في كتاب الوضوء وفي كتاب العلم ( اللهم علمه الكتاب ) ‪ /‬ومسلم في فضائل الصحابة ‪ /‬وأحمد في مسند بني هاشم ‪/‬‬ ‫‪2‬‬

‫الترمذي في لمناقب ‪ /‬وابن ماجه في المقدمة ‪.‬‬


‫فتح الباري ‪. )1/259( :‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه مسلم في كتاب صلة المسافرين وقصرها ‪ /‬وأبو داود في الصلة ‪ /‬ومالك في النداء للصلة ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫مسلم بشرح النووي ‪ .‬باب فضل سورة الكهف وآية الكرسي ‪ ( .‬حديث ‪. )810 :‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪39‬‬
‫المعـلم الول‬
‫‪1‬‬
‫الديث ‪.‬‬
‫يقول ممد بن جيل زينو ‪ :2‬على العلم الناجح أن يثن على الطالب إذا رأى منه أي بادرة حسنة ف سلوكه ‪،‬‬
‫أو ف اجتهاده ‪ ،‬فيقول للطالب الذي أحسن الواب ‪ :‬أحسنت ‪ ،‬بارك ال فيك ‪ ،‬أو نعم الطالب فلن ‪ ،‬فمثل‬
‫هذه الكلمات اللطي فة تش جع الطالب وتقوي رو حه العنو ية ‪ ،‬وتترك ف نف سه أح سن ال ثر ‪ ،‬م ا يعله ي ب‬
‫معلمه ومدرسته ويتفتح ذهنه للتدريس ‪ ،‬ويكون ف نفس الوقت مشجعا لرفاقه أن يقتدوا به ف أدبه وسلوكه‬
‫‪3‬‬
‫واجتهاده لينالوا الثناء والتشجيع من معلمهم ‪ ..‬أهف‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬الكافآت لا أثر فعال ف دفع التعلمي وتفيزهم على طلب العلم ‪.‬‬
‫(‪)2‬يب أن تكون الوافز والكافآت وسيلة ل غاية ‪.‬‬
‫(‪)3‬الكافأة بالدعاء أمر ممود ‪ ،‬وكلما كان الدعاء مناسبا للفعل كان أفضل ‪.‬‬
‫(‪)4‬مكافأة الطالب بالثناء عليه ‪ ،‬أسلوب حسن ‪ ،‬ودافع جيد للستزادة من العلم ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الحج ‪ /‬ومسلم في الحج ‪ /‬وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة ‪ /‬والنسائي في مناسك الحج ‪ /‬والدارمي في‬ ‫‪1‬‬

‫المناسك ‪.‬‬
‫نداء إلى المربين والمربيات ص ‪.83‬‬ ‫‪2‬‬

‫هناك مكافآت أخرى لم نذكرها في كلمنا عن المكافآت ‪ ،‬وذلك لنها خلف منهجنا الذي سرنا عليه ‪ ،‬وهو الستدلل بلك خلق أو وسيلة في‬ ‫‪3‬‬

‫التعليم بخبر عن رسول ال ومن هذه المكافآت ما ذكرها محمد جميل زينو في كتاب نداء إلى المربين والمربيات ( وما بين المكوفتين مني ) ‪:‬‬
‫أ – لوحة الشرف ‪ ( :‬أي يوضع أسم المتفوق ونحوه في هذه اللوحة ) ‪ .‬ب – توصية أهل الطالب ‪ ( :‬وذلك بمراسلة أهله وذكر محاسنه‬
‫وتقدمه في دراسته ونحو ذلك ) ( ونزيد ‪ :‬ت – خطابات الشكر ‪ :‬وهو تزويد الطالب بخطابات الشكر ويعلن عنه في مدرسته ويوضع في‬
‫ملفه ونحو ذلك ) ‪.‬‬
‫‪40‬‬
‫المعـلم الول‬

‫القسم الثالث ‪ ( :‬طرق وأساليب التعليم )‬


‫‪-1‬تيئة التعلم لستقبال العلم ‪.‬‬
‫‪-2‬التصال السمعي والبصري بي العلم والتعلم ‪.‬‬
‫‪-3‬السلوب العملي ف التعبي ‪.‬‬
‫‪-4‬عرض الادة العلمية بأسلوب يناسب عقل الطالب وفهمه ‪.‬‬
‫‪-5‬أسلوب الحاورة والقناع العقلي ‪.‬‬
‫‪-6‬التعليم عن طريق القصص ‪.‬‬
‫‪-7‬ضرب المثال أثناء التعليم ‪.‬‬
‫‪-8‬أسلوب التشويق ف التعليم ‪.‬‬
‫‪-9‬استخدامات الياءات ف التعليم ‪.‬‬
‫‪-10‬استخدام الرسومات للتوضيح والبيان ‪.‬‬
‫‪-11‬توضيح السائل الهمة عن طرق التعليل ‪.‬‬
‫‪-12‬ترك استخراج الواب للمتعلم ‪.‬‬
‫‪-13‬استخدام التكرار ف التعليم ‪.‬‬
‫‪-14‬استخدام أسلوب التقسيم ف التعليم ‪.‬‬
‫‪-15‬استخدام أسلوب الستفهام ف التعليم ‪.‬‬
‫‪-16‬طرح بعض السائل العلمية البهمة لختبار قدرة الطالب العقلية‪.‬‬
‫‪-17‬حث العلم طلبه على طرح السئلة ‪.‬‬
‫‪-18‬تقييم السائل من خلل سؤاله وإجابته با يناسب حاله ‪.‬‬
‫‪-19‬التعليق على إجابات التعلم ‪.‬‬
‫‪-20‬قول العلم ل أدري لا ل يدري جزء من العلم ‪.‬‬
‫‪41‬‬
‫المعـلم الول‬

‫]‪ [1‬تيئة التعلم لستقبال العلم‬


‫ل يتلف اثنان أن إعراض الطالب وانشغاله عفن معلمفه لي سفبب كان ‪ ،‬صفارف له عفن تلقفي العلم ‪،‬‬
‫وسبب ينعه من فهم كلم معلمه ‪ .‬وإقبال الطالب بكليته على معلمه عامل هام ف تصيل العلم وفهمه على طريق‬
‫صحيح ‪ .‬ولذا ي ستحب للمعلم أن يل فت أنظار طل به إل يه ب ي الفي نة والفي نة ‪ ،‬وله – أي العلم – أن ي ستخدم‬
‫أساليب عدة وطرائق متنوعة ف جذب طلبه إليه ‪ ،‬نقتصر على ثلث منها تاركي لك البحث عن غيها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أ سلوب ال ستنصات ‪ :‬و هو طلب ال سكوت وال ستماع من التعلم ي ‪ ،‬وهذا أ سلوب مبا شر ي ستخدم‬
‫غالبا ق بل البدء ف إلقاء الدرس ‪ ،‬وع ند تعذر الساليب الخرى غي الباشرة ‪ .‬يوضح ذلك حديث جر ير بن‬
‫عبد ال البجلي ‪:‬‬
‫قال له فف حجـة الوداع ‪ :‬ا ستنصت الناسـ‪ 1‬فقال ‪ " :‬ل ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكفم‬ ‫إن النفب‬
‫رقاب بعض "‪ 2‬يقول الافظ ابن حجر ‪ :‬وذلك أن الطبة الذكورة كانت ف حجة الوداع والمع كثي جدا‬
‫‪ ،‬وكان اجتماع هم لر مي المار وغ ي ذلك من أمور ال ج ‪ ، ...‬فل ما خطب هم ليعلم هم نا سب أن يأمر هم‬
‫لن يطلب‬ ‫بالنصات‪ . 3‬ولو أعدت النظر ف الديث وف كلم الافظ لتبي لك الاجة الت دعت النب‬
‫من الصحاب أن يستنصت الناس ‪ ،‬ففي الج يكثر الناس ويكونون منهمكي ف أداء مناسكهم ولذا كان من‬
‫ويعلم هم أمور دين هم و هم على هذه الال ‪ ،‬فنا سب أن يأ مر جر ير بن ع بد ال‬ ‫التعذر أن ي طب ال نب‬
‫البجلي رضي ال عنه باستنصات الناس ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أ سلوب النداء ( طري قة مباشرة ) ‪ :‬وهذه الطري قة ت ستخدم ف نداء التعلم ي ق بل بدء الدرس ‪ ،‬و قد‬
‫تستخدم ف أثنائه ‪ ،‬وهذا السلوب يكثر استعماله من قبل العلمي ‪ .‬ومثاله ‪:‬‬
‫ال نب وكان آ خر ملس جل سه متعطفا ملح فة على‬ ‫‪ -1‬عن أ بن عباس ر ضي ال عنه ما قال ‪ :‬صعد ال نب‬
‫منكبيه قد عصب رأسه بعصابة دسة ‪ ،‬فحمد ال وأثن عليه ث قال ‪ :‬أيها الناس إل ‪ .‬فثابوا إليه ‪ .‬ث قال ‪ :‬أما‬
‫فاستطاع أن يضر‬ ‫‪-‬‬ ‫بعد فإن هذا الي من النصار يقلون ويكثر الناس ‪ .‬فمن ول شيئا من أمة ممد –‬
‫" أي ها الناس إل "‬ ‫ف يه أحدا فليق بل من م سنهم ‪ ،‬ويتجاوز عن م سيئهم ‪ 4.‬ونل حظ ف هذا الد يث قوله‬
‫وأمره ل م بالجتماع والن صات ل ا سيلقي علي هم ‪ .‬وقوله ‪ " :‬فثابوا إل يه " أي اجتمعوا ‪.‬‬ ‫و هو نداء م نه‬

‫أي أطلب منهم النصات ليسمعوا الخطبة ‪ ( .‬فتح الباري – ‪. )12/202‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه البخاري في كتاب العلم ‪ /‬ومسلم في اليمان ‪ /‬وأحمد في مسند الكوفيين ‪ /‬والنسائي في تحريم الدم ‪ /‬وابن ماجة في الفتن ‪/‬‬ ‫‪2‬‬

‫والدارمي في المناسك ‪.‬‬


‫فتح الباري ‪ /‬كتاب العلم ‪ /‬باب النصات للعلماء ‪ .‬حديث رقم ‪. )1/262 ( . 121‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الجمعة ‪ /‬وأحمد في مسند بني هاشم‬ ‫‪4‬‬


‫‪42‬‬
‫المعـلم الول‬

‫و(ثاب) الناس (أي) اجتمعوا وجاءوا‪. 1‬‬


‫ت – أسلوب الث على الستماع والنصات ( طريقة غي مباشرة ) ‪:‬‬
‫وهذا أسلوب جيل ف جذب النفوس وحثها على الستماع لن النفس البشرية ف الغالب تنفر من العبارات‬
‫ال ت تكون على هيئة ال مر واللزام ‪ ،‬ولذا كان من النا سب أن يع مد العلم إل طرق غ ي مباشرة ف جذب‬
‫‪ -‬أروع المثلة ف بيان‬ ‫واستدعاء الواس ‪ ،‬لكي يصل التلقي بنفس طيبة ‪ .‬وقد ضرب لنا العلم الول ‪-‬‬
‫هذه الطريقة ‪:‬‬
‫‪ " :‬خذوا عن ‪ ،‬خذوا عن ‪ .‬قد جعل ال‬ ‫‪ -1‬عن عبادة بن الصامت رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫‪3‬‬
‫ل ‪ 2.‬البكر بالبكر ‪ .‬جلد مائة ونفي سنة والثيب بالثيب ‪ ،‬جلد مائة والرجم "‬
‫لن سبي ً‬
‫ولك أن تتأ مل قوله ‪ " :‬خذوا ع ن ‪ ،‬خذوا ع ن " و ما ف يه من عنصر الذب ‪ ،‬وش حذ الن فس ‪ ،‬وترغيب ها ف‬
‫الستماع إل هذا الشيء الراد بثه وإرساله ‪ .‬وأيضا فيه ميزة أخرى وهو التكرار – وسوف يأت بيانه ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬تيئة الطالب لستقبال العلومات ‪ ،‬قد تكون بأسلوب مباشر وقد تكون غي مباشرة ‪.‬‬
‫(‪)2‬طريقة طلب السكوت من الطلب من أقوى الوسائل ف جذب النتباه ‪.‬‬
‫(‪)3‬للمعلم أن ي ستخدم أ سلوب النداء البا شر ‪ ،‬كقولك ( يا طلب انتبهوا ) أو ( يا طالب انت به ) ون و‬
‫ذلك ‪.‬‬
‫(‪)4‬أسلوب النداء الباشر قد يكون ف بداية الدرس ‪ ،‬وقد يكون ف أثنائه ‪.‬‬
‫(‪)5‬الطريقة غي الباشرة تتاج إل براعة من العلم ‪ ،‬وهي قد تكون ف بداية الدرس وف أثنائه ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [2‬التصال السمعي والبصري بي العلم والتعلم‬
‫إن أ سلوب اللقاء أثناء ا لتعل يم ‪ ،‬أو أ سلوب عرض الادة العلم ية – الشرح – على التعلم ي ‪ ،‬هو‬
‫الوسيلة القوى ف التصال بي العلم وتلميذه ‪ ،‬أي أن صوت العلم له خاصية التصال أكثر من غيها ‪ .‬وقد‬
‫يعترض معترض بقوله ‪ :‬ماذا تقولون ف التصال النظري بي العلم والتلميذ ؟ ‪ .‬الواب عن ذلك من وجوه ‪:‬‬
‫أو ًل ‪ :‬إن كل الت صال ال سمعي والب صري إذا أح سن ا ستخدامهما متمع ي كان ل ما أ ثر فعال ف إي صال‬

‫مختار الصحاح ‪ .‬مادة ( ثوب ) (ص ‪. )62‬‬ ‫‪1‬‬

‫إشارة إلى قوله تعالى ‪ ( :‬فأمسكوهن في البيوت حتى يتوفاهن الموت أو يجعل ال لهن سبيلً ) ‪ .‬كانت المرأة إذا زنت تمسك في البيوت‬ ‫‪2‬‬

‫وتحبس حتى يتوفاها الموت ‪ ،‬أو يجعل ال لها سبيلً ‪ .‬ثم أوحى ال إلى نبيه وبين له هذا السبيل الذي جاء في الية ‪ .‬وهو الحديث الذي‬
‫بين أيدينا ‪.‬‬
‫رواه مسلم في كتاب الحدود ‪ /‬وأحمد في باقي مسند النصار ‪ /‬والترمذي في الحدود ‪ /‬وأبو داود الحدود وابن ماجه في الحدود ‪/‬‬ ‫‪3‬‬

‫والدارمي في الحدود ‪.‬‬


‫‪43‬‬
‫المعـلم الول‬

‫العلومة بشكل أفضل ما لو كانت إحداها معزولة عن الخرى ‪ .‬ثانيا ‪ :‬إن التصال البصري قد يتخلف ف‬
‫ج يع أوقات التعل يم ‪ ،‬كأن يكون التعلم كفيفا ‪ ،‬أو ف ب عض أوقات التعل يم إذا كان الطالب ف حالة شرود‬
‫وذهول أو انشغال بع مل ما عن الدرس ‪ ،‬أ ما الت صال ال سمعي ف هو يتخلف ف حالة واحدة إذا كان التعلم‬
‫أبكم ‪ .‬ولذلك قلنا إن التصال السمعي هو الوسيلة القوى ف إيصال العلومات إل الطالب ‪ .‬وهذا التصال‬
‫– أي السمعي والبصري – يساعد الدرب على ضبط الفصل وإدارته ‪ ،‬وف القابل فهو يفيد الطالب ف حفظ‬
‫العلومات وصيانتها عن النسيان ‪ .‬وسوف نستعرض هنا بعض أنواع التصال السمعي والبصري الت تساعد‬
‫العلم – أثناء الشرح – ف أداء مهم ته التربو ية والتعليم ية على الو جه الك مل ‪ ،‬آخذ ين ذلك من سنة العلم‬
‫الول صلى ال عليه وعلى آهل وصحبه وسلم تسليما كثيا ‪.‬‬
‫أولً ‪ :‬التصال السمعي ‪ :‬منها ‪:‬‬
‫أ‪ -‬طريقة الكلم ( السرد – الشرح ) ‪:‬‬
‫ي سرد ك سردكم هذا ‪ ،‬ولك نه كان يتكلم‬ ‫عن عائ شة ر ضي ال عن ها قالت ‪ ( :‬ما كان ر سول ال‬
‫يسرد ‪ ) ..‬بضم الراء من السرد‬ ‫بكلم بي فصل ‪ ،‬يفظه من جلس إليه )‪ 1‬قولا ‪ ( :‬ما كان رسول ال‬
‫يتا بع الد يث ا ستعجالً‬ ‫و هو التيان بالكلم على الولء وال ستعجال ف يه ‪ ..‬والع ن ل ي كن ر سول ال‬
‫‪2‬‬
‫بعضه إثر بعض لئل يلتبس على الستمع ‪ ..‬وقوله ‪ ( :‬فصل ) أي بي ظاهر يكون بي أجزائه فصل ‪.‬‬
‫إن عرض الادة العلمية بسرعة يسبب إرباكا لدى الطالب ‪ ،‬ويشتت ذهنه ‪ ،‬ويرمه النتفاع بكثي من‬
‫الفوائد والسائل الت قد تر سريعا ول يتصيدها الذهن ‪ ،‬وهذه الطريقة يقع فيها كثي من العلمي ‪ ،‬وذا وجب‬
‫التنبيه ل ا ‪ .‬وع كس ذلك البطء الشد يد ال مل ‪ ،‬الذي يبعث على ال سترخاء والنوم ‪ ،‬ويولد الضجر وال سآمة‬
‫لدى الطالب ‪.‬‬
‫والطر يق الم ثل ‪ ،‬هو الفصل بي الكلمات ‪ ،‬ح يث يف صل بي الكل مة وأخت ها فل تتدا خل الكلمات‬
‫والروف لكفي ل تشكفل وتصفعب على الطالب ‪ ،‬وكذلك التوسفط فف السفرد فل هفو بالسفريع الفرط ول‬
‫البطيء الخل ‪.‬‬
‫ب‪ -‬عدم التشدق ف الكلم وتكلف السجع ‪:‬‬
‫التشدق ‪ :‬هو التوسع ف الكلم من غي احتياط واحتراز ‪ ،‬وقيل التشدق التكلف ف الكلم فيلوي به‬
‫شدق يه ‪ ،‬والشدق جا نب الفم‪ . 3‬وتكلف الكلم ‪ ،‬والتيان بغرائ به ‪ ،‬والبال غة ف إخراج حرو فه ‪ ،‬أ مر مذموم‬

‫الشمائل المحمدية ‪ .‬للترمذي ‪ .‬تحقيق اللباني ‪ .‬وقال الترمذي حديث حسن صحيح ‪ .‬وحسن اللباني إسناده ‪..‬‬ ‫‪1‬‬

‫وعند البخاري في المناقب وفيه ‪ ( :‬كان يحدث حديثا لو عده العاد لحصاه ) وهو عند مسلم في فضائل الصحابة ‪ /‬وأحمد في باقي مسند‬
‫النصار ‪ /‬والترمذي في المناقب ‪ /‬وأب داود في العلم ‪.‬‬
‫تحفة الحوذي ‪ /‬أبواب المناقب ‪ /‬باب ‪ . 39‬بتصرف يسير ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫عون المعبود ( كتاب الدب ‪ /‬باب ‪ 95‬باب ما جاء في التشدق في الكلم ) ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪44‬‬
‫المعـلم الول‬

‫شرعا ‪ ،‬ومرفوض عقلً ‪ ،‬لن مفن كانفت هذه صففته لبفد وأن يرى فف نفسفه التعاظفم على الغيف وازدراء‬
‫الخر ين لكون م أ قل م نه بل غة وف صاحة ‪ .‬ول عل حد يث جابر ر ضي ال ع نه ‪ ،‬وحد يث ع بد ال بن عمرو‬
‫يغنيان عن كثي من الكلم ف هذا الباب ‪:‬‬
‫قال ‪ " :‬إن من أحب كم إل ‪ ،‬وأقرب كم م ن مل سا يوم‬ ‫‪ -1‬عن جابر ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬قال ر سول ال‬
‫القيامة ‪ ،‬أحاسنكم أخلقا ‪ .‬وإن أبغطكم إل ‪ ،‬وأبعدكم من يوم القيامة ‪ ،‬الثرثارون والتشدقون والتفيهقون‬
‫‪1‬‬
‫" قالوا ‪ :‬يا رسول ال قد علمنا الثرثارون والتشدقون فما التفيهقون ؟ قال ‪ ( :‬التكبون )‬
‫" إن ل يب غض البل يغ من الرجال الذي‬ ‫عن ع بد ال بن عمرو ر ضي ال عنه ما قال ‪ :‬قال ر سول ال‬
‫‪2‬‬
‫يتخلل بلسانه كما تتخلل الباقرة بلسانا "‪.‬‬
‫يقول الغزال ف الحياء ‪ :‬التقعر ف الكلم بالتشدق وتكلف السجع والفصاحة والتصنع فيه بالتشبيبات‬
‫والقدمات و ما جرى به عادة التفا صحي الدع ي للخطا بة ‪ .‬و كل ذلك من الت صنع الذموم و من التكلف‬
‫قال ‪ :‬بل ينب غي أن يقت صر ف كل ش يء على مق صوده ‪:‬‬ ‫المقوت ‪ ..‬ث ب عد أن ساق أخبارا عن ال نب‬
‫ومق صود الكلم التفه يم للغرض و ما وراء ذلك من ت صنع مذموم ‪ .‬ول يد خل ف هذه ت سي ألفاظ الطا بة‬
‫والتذكي من غي إفراط وإغراب‪. 3‬‬
‫قلت ‪ :‬هذا إذا كان التكلم م ن ي سن التحدث بالعرب ية ول كن بلي نا بقوم فرطوا ف لغت هم ‪ ،‬فادخلوا‬
‫عليها ما ليس فيها كقول بعضهم ( أوكي ‪ ، ) ok /‬و(يس‪ ) yes/‬ونو ذلك ‪ ،‬فل لغتهم نصروا ‪ ،‬ول لغة‬
‫عدهم دفعوا ! ‪.‬‬
‫ت – رفع الصوت ( أو تغيي نبات الصوت ) بالتعليم ‪:‬‬
‫ف سفرة سافرناها ‪ ،‬فأدركنا وقد أرهقتنا الصلة ونن‬ ‫‪ -1‬عن عبد ال بن عمرو قال ‪ :‬تلف عنا النب‬
‫نتو ضأ ‪ ،‬فجعل نا ن سح على أرجل نا ‪ ،‬فنادى بأعلى صوته ‪ ( :‬و يل للعقاب من النار ) مرت ي أو ثلثا‪ 4‬هذا‬
‫الديث بوب عليه البخاري ف صحيحة بقوله ‪ :‬باب من رفع صوته بالعلم ‪ .‬قال الافظ ‪ :‬واستدل الصنف‬
‫على جواز رفع الصوت بالعلم بقوله ‪ ( :‬فنادى بأعلى صوته ) وإنا يتم الستدلل بذلك حيث تدعو الاجة‬
‫إل يه لب عد أو كثرة ج ع أو غ ي ذلك ‪ ،‬ويل حق بذلك ما إذا كا نت موع ظة ك ما ث بت ذلك ف حد يث جابر‬

‫قال النووي في رياض الصالحين ص ‪ : 233‬رواه الترمذي وقال حديث حسن ‪ .‬ثم قال ‪ ( :‬الثرثار )‪ :‬هو كثير الكلم تكلفا‪ ( .‬والمتشدق )‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫المتطاول على الناس بكلمه ‪ ،‬ويتكلم بملء الفم فيه تفاصحا وتعظيما لكلمه ‪ ( ،‬والمتفيهق ) أصله من الفهق ‪ ،‬وهو المتلء ‪ ،‬وهو الذي‬
‫يمل فمه بالكلم ‪ ،‬ويتوسع فيه ‪ ،‬ويغرب به تكبرا وارتفاعا ‪ ،‬وإظهارا للفضيلة على غيره ‪.‬‬
‫رواه المام أحمد في مسند المكثرين من الصحابة ‪ /‬وأبو داود في الدب ‪ /‬والترمذي في الدب ‪ .‬وصحح اللباني رواية أبي دواد ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫والباقرة أي البقرة ‪ :‬وخص البقرة لن جميع البهائم تأخذ النبات بأسنانها وهي تجمع بلسانها ‪ .‬قاله في عون المعبود‪/‬كتاب الدب ‪ /‬باب ‪95‬‬
‫إحياء علوم الدين (‪. )3/193‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه البخاري في كتاب العلم ‪ /‬ومسلم في الطهارة ‪ /‬وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة ‪ /‬وأبو داود في الطهارة ‪ /‬والنسائي في‬ ‫‪4‬‬

‫الطهارة ‪.‬‬
‫‪45‬‬
‫المعـلم الول‬

‫‪1‬‬
‫إذا خطب وذكر الساعة اشتد غضبه وعل صوته ‪ ..‬الديث ) أخرجه مسلم ‪.‬‬ ‫( كان النب‬
‫يستفاد ما سبق من رفع الصوت أثناء التعليم ‪ ،‬ف بيان السائل الهمة جدا الت تستلزم جذب انتباه‬
‫السامعي ‪ ،‬لكي تطرد الغفلة والشرود عن أذهانم وتيئتهم لا سيلقى إليهم ‪ ،‬وكذلك يستفاد من رفع الصوت‬
‫ل أثناء الشرح ‪ ،‬إذا أراد العلم أن‬
‫ف النكار ك ما جاء ف الد يث التقدم ‪ ،‬و قد يستفاد من رفع الصوت قلي ً‬
‫ينبه فردا أو أفرادا معيني من الطلب ‪ ،‬ول يرد أن يقطع حديثه ‪.‬‬
‫ث – استمرار ا لعلم ف اللقاء وعدم قطعه ‪:‬‬
‫يلجفأ بعفض الطلب إل أيقاف شرح العلم لتوضيفح نقطفة غامضفة ‪ ،‬أو إعادة لشرح مضفى ‪ ،‬وقفد‬
‫ي ستجيب العلم لذا الطلب و قد ل ي ستجيب ‪ ،‬و ف ا ستجابة العلم عدة ماذ ير ‪ .‬أولً ‪ :‬تقد ي رغ بة طالب‬
‫واحد أو اثني على حساب مموعة كبية وهي الغلبية ‪ .‬ثانيا ‪ :‬قطع الديث بعضه عن بعض وكان حقه أن‬
‫يكون مت صلً ‪ .‬ثالثا ‪:‬التشو يش عل أذهان الطلب بذا الق طع الطارئ ‪ .‬رابعا ‪ :‬التشو يش على العلم نف سه‬
‫وقطع تسلسل أفكاره ‪ .‬ومستندنا ف ذلك ما رواه البخاري ف صحيحه قال ‪:‬‬
‫ف ملس يدث القوم جاءه أعراب فقال ‪ :‬مت الساعة‬ ‫‪ -1‬عن أب هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬بينما النب‬
‫يدث ‪ .‬فقال بعض القوم ‪ :‬سع ما قال فكره ما قال ‪ ،‬وقال بعضهم ‪ :‬بل ل يسمع‬ ‫؟ فمضى رسول ال‬
‫‪ .‬حت إذا قضى حديثه قال ‪ :‬أين أراه السائل عن الساعة ؟ قال ها أنا يا رسول ال ‪ .‬قال ‪ " :‬فإذا ضيعت‬
‫المانة فانتظر الساعة "‪. 2‬‬
‫أجاب على سؤال السائل بعد فراغه من‬ ‫تأمل هذا الديث يتضح لك ما قلناه آنفا ‪ ،‬وفيه زيادة أن الرسول‬
‫حديثه ‪ ،‬ونستنبط من هذا عدم قطع الديث التصل‪ ، 3‬وإجابة السائل بعد الفراغ من الديث التصل ‪.‬‬
‫ج‪ -‬السكوت أثناء اللقاء ( الشرح )‬
‫ل فمنهـا ‪ :‬أناف تذب انتباه الطلب ‪،‬‬
‫للسفكوت أثناء شرح العلم فوائد يسفن بنفا الوقوف عندهفا قلي ً‬
‫فكون العلم يتكلم ف موضوع معي ث يسكت فجأة فإن هذا وبل شك يستلزم انتباها من الستمع ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫أنا تسمح بتراد نفس العلم وأخذ قسط قليل من الراحة ومنها ‪ :‬أنا تعطي العلم فرصة لترتيب أفكاره وهي‬
‫عملية ذهنية ل تستغرق سوى ثوان معدودة ‪ .‬ولعل الديث الت يقرب ما قلناه آنفا ‪:‬‬
‫قال ‪ " :‬أي شهر هذا ؟ قلنا ال ورسوله أعلم ‪ .‬فسكت حت‬ ‫عن أب بكرة رضي ال عنه عن النب‬
‫ظن نا أ نه سيسميه بغ ي ا سه ‪ ،‬قال ‪ :‬أل يس ذا ال جة ؟ قل نا ‪ :‬بلى ‪ ،‬قال ‪ :‬فأي بلد هذا ؟ قل نا ‪ :‬ال ور سوله‬

‫ذكره الحافظ في الفتح ( ‪ ) 1/173‬وهو عند المام أحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬وأبي داود في الخراج والمارة والفيء ‪ /‬والنسائي في‬ ‫‪1‬‬

‫صلة العيدين ‪ /‬وابن ماجه في المقدمة ‪ /‬والدارمي في المقدمة ‪.‬‬


‫رواه البخاري في كتاب العلم ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫أحد طلب الثانوية يقول ‪ :‬مدرسنا اضطر لقطع حديثه مرتين من أجل أن يجيب على رسالة ( ل سلكية ) جاءته عبر جهاز " الجوال " !!؟‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪46‬‬
‫المعـلم الول‬

‫أعلم ف سكت ح ت ظن نا أ نه سيسميه بغ ي ا سه ‪ ،‬قال ‪ :‬فأي يوم هذا ؟ قل نا ‪ :‬ال ور سوله أعلم ‪ .‬ف سكت‬
‫ح ت ظن نا أ نه سيسميه بغ ي ا سه ‪ .‬قال ‪ :‬أل يس يوم الن حر ؟ قل نا بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فإن دماء كم وأموال كم – قال‬
‫ممد وأحسبه قال ‪ :‬وأعراضكم – عليكم حرام ‪ ،‬كحرمة يومكم هذا ‪ ،‬ف بلدكم هذا ‪ ،‬ف شهركم هذا ‪..‬‬
‫‪1‬‬
‫الديث "‬
‫ف العلم أن‬
‫فأ نت ترى أ ثر هذا ال سكوت على ال صحابة ‪ ،‬وك يف جذب حواسفهم وانتباههفم ‪ ،‬ولك أيه ا‬
‫تستخدم هذه الطريقة أثناء شرحك ‪ ،‬بعد كل نقطة رئيسة للفصل بي النقاط ‪ ،‬وللتهيؤ لشرح النقطة الت تليها‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬التصال البصري ‪ :‬منه ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إدامة التصال النظري بي العلم والتعلم ‪:‬‬
‫إن الحافظة على التصال النظري بي العلم وتلميذه ‪ ،‬مفيد جدا للمعلم وللمتعلم ‪ .‬فالعلم يبقي طلبه‬
‫ت ت سيطرته من خلل متابع ته ل م بنظره ‪ ،‬و من ث يل حظ الغا فل فينب هه ‪ ،‬والنا عس فيوق ظه ‪ ،‬والتل عب‬
‫فيزجره ‪ ..‬إل ‪ .‬ولذا كان حري بالعلم أن يوزع نظره على عموم طلبفه حتف يعتقفد كفل طالب أنفه العنف‬
‫بالكلم ‪ ،‬ول يغفل عن طلبه أثناء الشرح ‪ ،‬فإن بعض العلمي يصوب بصره على جهة معينة أثناء تدريسه ‪،‬‬
‫وهذا خ طأ يؤدي إل فقدا نه ال سيطرة على طل به ‪ ،‬و من ث يع طي الطالب الفر صة بالتشا غل عن ال ستماع‬
‫ل عن طل به لتح صل التاب عة اليدة من‬ ‫والن صات للدرس ‪ .‬وي ستحب أن يكون مكان العلم مرتفعا ولو قلي ً‬
‫قبله ‪ ،‬ولكي يتسن لكل طالب متابعة معلمه دون عناء أو مضايقة من حوله ‪ .‬وأما التعلم فمن خلل رؤيته‬
‫ال ستمرة وإدام ته لنظره لعل مه ‪ ،‬ي صل له ف هم أقوى ل ا يطرح ويقال ف الدرس ‪ ،‬لن اشتراك حا ستي وه ا‬
‫السمع والبصر أقوى ف التلقي من القتصار على واحدة ‪ .‬ولنا أن نلمس السبب من جعل النب عاليا ‪ .‬ولقد‬
‫بارتفاع ثلث درجات وهي كافية جدا ف تبادل النظر بي الطيب والصلي ‪ ..‬يوضح ذلك ‪:‬‬ ‫كان منبة‬

‫يطب الناس يوم المعة فقال ‪ :‬أصليت‬ ‫‪ -1‬عن جابر بن عبد ال رضي ال عنه قال ‪ ( :‬جاء رجل والنب‬
‫‪2‬‬
‫يافلن ؟ قال ‪ :‬ل ‪ .‬قال قم فاركع )‬
‫‪3‬‬
‫جلس ذات يوم على النب وجلسنا حوله)‬ ‫‪ -2‬وعن أب سعيد الدري رضي ال عنه قال ‪ (:‬إن النب‬
‫واللوس حول الطيب يقتضي النظر إليه ‪ ،‬وكذا اللوس حول العلم يقتضي النظر إليه ‪ .‬وهذا الديث أورده‬
‫البخاري ف صحيحه وعقد عليه بابا بقوله ‪ :‬باب (يستقبل المام القوم ‪ ،‬واستقبال الناس المام إذا خطب)‬
‫قال الا فظ ا بن ح جر معلقا ‪ :‬و من حك مة ا ستقبالم للمام الته يؤ ل سماع كل مه و سلوك الدب م عه ف‬

‫رواه البخاري في المغازي ‪ /‬ومسلم في القسامة والمحاربين والقصاص ‪ /‬وأحمد في مسند البصرين ‪ /‬وابن ماجه في المقدمة ‪ /‬والدارمي‬ ‫‪1‬‬

‫في المناسك ‪.‬‬


‫رواه البخاري في كتاب الجمعة ‪ /‬ومسلم في الجمعة ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬والترمذي في الجمعة ‪ /‬وأبو داود في الصلة ‪/‬‬ ‫‪2‬‬

‫والنسائي في الجمعة ‪ /‬وابن ماجه في إقامة الصلة والسنة فيها ‪ /‬والدارمي في الصلة ‪.‬‬
‫رواه البخاري في كتاب الجمعة ‪ /‬ومسلم في الزكاة ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬والنسائي في الزكاة وابن ماجه في الفتن ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪47‬‬
‫المعـلم الول‬

‫ا ستماع كل مه ‪ ،‬فإذا ا ستقبله بوج هه وأق بل عل يه ب سده وبقل به وحضور ذه نه كان أد عى لتف هم موعظ ته‬
‫‪1‬‬
‫ومافقته فيما شرع له القيام لجله ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬استخدام تعابي الوجه ‪:‬‬
‫يغفل كثي من العلمي عن توظيف هذه الطريقة ف التعليم ‪ ،‬بل إنك ل تكاد تد من يعمل با ‪ ،‬إما‬
‫لهله با أو لغفلته عنها ‪ .‬وهذه الطريقة تغن العلم عن النكار باللسان ‪ ،‬أو ترديد عبارات الرضا والرتياح‬
‫تاه عمل معي أو قول معي ‪ ،‬وهذه الطريقة نافعة جدا مع فئة معينة من الناس ‪ ،‬فإن هناك من تؤثر فيه النظرة‬
‫الادة ‪ ،‬وهي كافية ف زجرة وردعه ‪ ،‬وهناك من تؤثر فيه البتسامة والبشاشة أكثر ما لو قلت له ‪ :‬أحسنت‬
‫أو هذا ج يد هكذا دون مشار كة تعاب ي الو جه ال ت تدل على الرتياح والر ضا ‪ .‬وهناك من ل يؤ ثر ف يه ذلك‬
‫كان يعرض الغضب ف وجهه ‪.‬‬ ‫كله ‪ ،‬فيعامل كل بسبه ‪ .‬ونبينا‬

‫وف البيت قرام فيه صور‪ .‬فتلون وجهه ‪ ،‬ث‬ ‫‪ -1‬قالت عائشة – رضي ال عنها – دخل على رسول ال‬
‫‪2‬‬
‫‪ " :‬من أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يصورن هذه الصور "‬ ‫تناول الستر فهتكه ‪ .‬وقالت قال النب‬

‫رأى نامة ف القبلة فشق ذلك عليه حت رؤي ف وجهه ‪ ،‬فقام‬ ‫‪ -2‬ويروي أنس رضي ال عنه أن النب‬
‫فحكها بيده فقال ‪ " :‬إن أحدكم إذا قام ف صلته فإنه يناجي ربه – أو إن ربه بينه وبي القبلة – فل يبزقن‬
‫أحدكم قبل قبلته ‪ ،‬ولكن عن يساره أو تت قدمه " ث أخذ طرف ردائه فبصق فيه ‪ ،‬ث رد بعضه على بعض‬
‫فقال ‪ " :‬أو يف عل هكذا "‪ 3‬و ف قوله ‪ ( :‬ح ت رؤي ف وج هه ) يقول الا فظ ‪ 4:‬أي شو هد ف وج هه أ ثر‬
‫الش قة ‪ ،‬وللن سائي ( فغ ضب ح ت اح ر وج هه ) وللم صنف ‪ ( ..‬فتغ يظ على أ هل ال سجد ) أه ف ‪ .‬فهذه‬
‫اللفاظ كل ها تدل على أن هذا الغ ضب أحدث ع ند ال صحابة علما جازما بأن هذا الف عل الذي غ ضب م نه‬
‫ول يزد على ذلك ‪ ،‬لكان كافيا ف النكار والردع ‪ ،‬ولك نه عل يه‬ ‫منكرا ‪ ،‬ولو سكت ال نب‬ ‫الر سول‬
‫الصلة والسلم بي سبب الغضب لنه ف مقام التبليغ والتعليم ‪ ..‬وال أعلم ‪.‬‬
‫أما التبسم ‪:‬‬
‫منذ أسلمت ول رآن إل تبسم ف وجهي‪ 5‬ول‬ ‫‪ -3‬فيقول جرير بن عبد ال البجلي ‪ :‬ما حجبن النب‬
‫يفى أثر ذلك البتسام على جرير بن عبد ال رضي ال عنه وأرضاه ‪.‬‬
‫فتح الباري ‪ /‬حديث ‪. ) 2/467(921‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الدب ‪ /‬ومسلم في الحيض ‪ /‬وأحمد في باقي مسند النصار ‪ /‬وأبو داود في الطهارة ‪ /‬والترمذي في الطهارة ‪/‬‬ ‫‪2‬‬

‫والنسائي في الطهارة ‪ /‬وابن ماجه في اللباس ‪ /‬ومالك في الطهارة ‪ /‬والدارمي في الطهارة‪.‬‬


‫رواه البخاري في كتاب الصلة ‪ /‬ومسلم في الصلة ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬والنسائي في الطهارة وأبو داود في الصلة ‪/‬‬ ‫‪3‬‬

‫والدارمي في الصلة ‪.‬‬


‫فتح الباري ‪ .‬كتاب الصلة ‪ .‬حديث رقم (‪. )405‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الدب ‪ /‬ومسلم في فضائل الصحابة ‪ /‬وأحمد في مسند الكوفيين ‪ /‬والترمذي في المناقب ‪ /‬وابن ماجه في المقدمة‬ ‫‪5‬‬

‫‪ /‬وأبو داود في الجهاد ‪.‬‬


‫‪48‬‬
‫المعـلم الول‬

‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪ )1‬مراعاة القصد ف الكلم _ أثناء الشرح – والترسل فيه ‪ ،‬والتوسط ‪ ،‬ل سريع مفرط ‪ ،‬ول بطيء مل‬
‫(‪)2‬الغاية من التوسط ف الكلم وعد السرد السريع ‪ ،‬هو ضمان وصول العلومات إل ذهن الطالب بعيدا‬
‫عن الثارة والتشويش ‪.‬‬
‫(‪)3‬تكلف الكلم خصلة ذميمة شرعا وحسا وعقلً ‪.‬‬
‫(‪)4‬تكلف الكلم والتيان بغرائبه ‪ ،‬يوجب النفرة بي العلم والتعلم ‪.‬‬
‫(‪)5‬رفع الصوت أثناء التعليم ‪ ،‬وسيلة جيدة ف جذب انتباه السامعي وف النكار ‪.‬‬
‫(‪)6‬قطع الشرح يسبب إرباكا للطلب ‪ ،‬ويفسد على العلم تسلسل أفكاره ورط بعضها ببعض ‪.‬‬
‫(‪)7‬على العلم أن يطلب من طلبه أن يؤخروا أسئلتهم إل أن يفرغ من الشرح ‪.‬‬
‫(‪)8‬السكوت أثناء الشرح له فوائد منها ‪ :‬جذب انتباه الطلب ‪ ،‬وتراد نفس العلم ‪ ،‬وترتيب الفكار ‪.‬‬
‫(‪)9‬تبادل النظر بي العلم والتعلم ‪ ،‬عامل هام ف سيطرة العلم على طلبه ‪ ،‬وف فهم التعلم لا يلقى إليه‬
‫من مسائل وعلوم ‪.‬‬
‫(‪)10‬توظيف تعابي الوجه ف التعليم ‪ ،‬يساعد العلم ف تقيق أغراضه ‪.‬‬
‫(‪)11‬مراعاة اختلف الطلب ‪ ،‬ومقدار تأثرهفم بذه النفعالت ‪ ،‬فإن بعضهفم ل تدي معفه مثفل هذه‬
‫التعابي الظاهرة ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [3‬السلوب العملي ف التعليم‬
‫ل شك أن عرض الادة وتقدي ها عن طر يق اللقاء ‪ ،‬و سيلة جيدة ف التح صيل والتعلم ‪ ،‬ول كن هذه‬
‫الوسيلة تبلغ ذروتا إذا أنضاف إليها وسيلة أخرى ‪ ،‬وهي السلوب العملي ‪ ،‬فإذا اشترك السلوب النظري مع‬
‫ال سلوب العملي ف آن وا حد أثناء التعل يم ‪ ،‬كان ذلك عاملً قويا ف تر سيخ العلومات ف ذ هن الطالب ‪،‬‬
‫ومث بت ل ا من الن سيان ‪ .‬والسلوب العملي قد يكون من ج هة العلم ‪ ،‬و قد يكون من ج هة التعلم ‪ ،‬أي أن‬
‫الفعل قد يكون من العلم ‪ ،‬وقد يكون من التعلم ‪ ،‬وإليك بسطا لكل منهما ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬السلوب العملي من قبل العلم ‪:‬‬
‫صلى عليها‬ ‫على النب ) قال ‪ ( .. :‬ث رأيت رسول ال‬ ‫‪ -1‬حديث سهل بن سعد ( وفيه صلة النب‬
‫وكب وهو عليها ‪ ،‬ث ركع وهو عليها ‪ ،‬ث نزل القهقرى ‪ ،‬فسجد ف أصل النب ‪ ،‬ث عاد ‪ ،‬فلما فرغ أقبل‬
‫‪1‬‬
‫على الناس فقال ‪ :‬أيها الناس ‪ :‬إنا صنعت هذا لتأتوا ب ولتعلموا صلت )‬

‫رواه البخاري في كتاب الجمعة ‪ /‬ومسلم في المساجد ومواضع الصلة ‪ /‬وأحمد في باقي مسند النصار ‪ /‬وأبو داود في الصلة ‪ /‬والنسائي‬ ‫‪1‬‬

‫في المساجد ‪ /‬وابن ماجة في إقامة الصلة والسنة فيها ‪ /‬والدارمي في الصلة ‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫المعـلم الول‬

‫رأي نامة ف القبلة فشق ذلك عليه حت رؤي ف وجهه ‪ ،‬فقام فحكه‬ ‫‪ -2‬عن أنس رضي ال عنه أن النب‬
‫بيده فقال ‪ " :‬إن أحدكم إذا قام ف صلته فإنه يناجي ربه – أو إن ربه بينه وبي القبلة – فل يبزقن أحدكم‬
‫قبل قبلته ‪ ،‬ولكن عن يساره أو تت قدمه " ث أخذ طرف ردائه فبصق فيه ‪ ،‬ث رد بعضه على بعض فقال ‪:‬‬
‫( أو يف عل هكذا )‪ 1‬قال الا فظ ع ند قوله ‪ ( :‬ث أ خذ طرف ردائه ‪ ..‬ال ) ف يه البيان بالف عل ليكون أو قع ف‬
‫نفس السامع ‪.2‬‬
‫‪ -3‬ومثله الديث الذي رواه البخاري ‪ ،‬وفيه أن عثمان بن عفان رضي ال عنه توضأ ث قال ‪ :‬قال رسول ال‬
‫( من توضأ نو وضوئي هذا ‪ ،‬ث صلى ركعتي ل يدث فيهما نفسه ‪ ،‬غفر له ما تقدم من ذنبه )‪ 3‬قال‬
‫ابن حجر ‪ :‬وف الديث التعليم بالفعل لكونه أبلغ وأضبط للمتعلم‪ 4‬ومثله قوله عليه الصلة والسلم ف الج‬
‫( خذوا ع ن منا سككم ) والمثلة كثية ف هذا الباب ‪ ،‬وفي ما سبق غن ية عن الطالة ‪ .‬فعلى العلم أن يعت ن‬
‫بذا السلوب فإنه ناجع ومفيد ‪ .‬وزيادة على ما مضى فإن هذا السلوب يتصر السافة على العلم ف ضرب‬
‫ل – ويسفتهلك وقتا طويلً فف‬‫المثلة ‪ ،‬ويوففر الوقفت والهفد ‪ ،‬فبد ًل مفن أن يفظهفم صففة الوضوء – مث ً‬
‫تعليم هم ‪ ،‬يكف يه أن ي ض الاء ويطب قه عمليا أمام هم ث يعل هم يفعلون ذلك عمليا بت طبيق ما شاهدوه من‬
‫معلمهم على أنفسهم ‪ .‬وكذلك المر ف تعليم الصلة ونوها ‪.‬‬
‫وعلى العلم أن يتذكر أن استخدام السلوب العملي ف التعليم ل يتأتى لكل مادة علمية ‪ ،‬ولكن عليه أن يبذل‬
‫جهده ف استخدام هذا السلوب أثناء أداءه لهمته التعليمية ‪ ،‬فإنه مرب ومفيد ف حفظ العلومات واستدامتها‬
‫ف الذهن ‪.‬‬
‫ب ‪ -‬السلوب العملي من قبل التعلم ‪:‬‬
‫دخل السجد فدخل رجل فصلى ‪ ،‬ث جاء فسلم على النب‬ ‫‪ -1‬عن أب هريرة رضي ال عنه ( أن النب‬
‫عليه السلم قال ‪ :‬ارجع فصل فإنك ل تصل ‪ ،‬فرجع الرجل فصلى كما كان صلى ‪ .‬ث جاء‬ ‫‪ ،‬فرد النب‬
‫( وعليك السلم ) ث قال ‪ :‬ارجع فصل فإنك ل تصل ) حت فعل‬ ‫إل النب فسلم عليه ‪ .‬فقال رسول ال‬
‫ذلك ثلث مرات ‪ .‬فقال الرجل ‪ :‬والذي بعثك بالق ! ما أحسن غي هذا ‪ .‬علمن ‪ .‬قال ‪ ( :‬إذا قمت إل‬
‫الصلة فكب ‪ .‬ث اقرأ ما تيسر معك من القرآن ‪ .‬ث اركع حت تطمئن راكعا ‪ .‬ث ارفع حت تعتدل قائما ‪ .‬ث‬
‫اسجد حت تطمئن ساجدا ‪ .‬ث ارفع حت تطمئن جالسا ‪ .‬ث افعل ذلك ف صلتك كلها )‪ 5‬فهذا الديث فيه‬
‫تقدم تخريجه ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتح الباري ‪ .‬كتاب الصلة ‪ .‬باب حك البراق باليد في المسجد ‪ .1/606 ( .‬ح ‪. ) 405‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الوضور ‪ /‬ومسلم في الطهارة ‪ /‬وأحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة ‪ /‬وأبو داود في الطهارة ‪ /‬والنسائي في‬ ‫‪3‬‬

‫الطهارة ‪ /‬وابن ماجة في الطهارة وسننها ‪ /‬والدارمي في الطهارة ‪.‬‬


‫فتح الباري ‪ .‬كتاب الوضوء ‪ .‬باب الضوء ثلثا ثلثا ‪. ) 313 ( .‬‬ ‫‪4‬‬

‫هذا حديث مشهور ومعروف عند أهل العلم ‪ ،‬بحديث المسيء صلته ‪ .‬رواه البخاري في كتاب الذان ‪ /‬ومسلم في الصلة ‪ /‬وأحمد في‬ ‫‪5‬‬

‫باقي مسند المكثرين ‪ /‬والترمذي في الصلة والنسائي في الفتتاح ‪ /‬وأبو داود في الصلة ‪ /‬وابن ماجه في إقامة الصلة والسنة فيها ‪.‬‬
‫‪50‬‬
‫المعـلم الول‬

‫‪ ،‬لذلك الذي أساء ف صلته ول يسن فيها ‪ ،‬بأسلوب عملي يعل التعلم يكتشف الطأ‬ ‫تعليم الرسول‬
‫‪ ،‬لذلك الصلي ثلث مرات ‪ ،‬لعله يكتشف سبب أمر النب‬ ‫الذي وقع فيه بنفسه ‪ ،‬وذلك يتبي من رد النب‬
‫عن تعلي مه أولً ح ت افت قر ال‬ ‫له بإعادة ال صلة ‪ .‬يقول القا ضي عياض ‪ :‬فإن ق يل ل سكت ال نب‬
‫الراج عة كرة ب عد أخرى ‪ ،‬قل نا لن الر جل ل ا ل ي ستكشف الال مغترا ب ا عنده سكت عن تعليمه زجرا له‬
‫وإرشادا إل أ نه ينبغي له أن ي ستكشف ما ا ستبهم عليه ‪ ،‬فل ما طلب ك شف الال بينه بسن القال ‪ ..‬وقال‬
‫ابن دقيق العيد ‪ :‬ل شك ف زيادة قبول التعلم لا يلقى إليه بعد تكرار فعله واستجماع نفسه وتوجه سؤاله‬
‫مصلحة مانعة من وجود البادرة إل التعليم ل سيما مع عدم الوف‪ 1‬وقال النووي ‪ :‬وإنا ل يعلمه أو ًل ليكون‬
‫أبلغ ف تعريفه وتعريف غيه بصفة الصلة الجزئة‪. 2‬‬
‫عن وقت صلة الفجر ‪ ،‬فقال ‪ :‬صلها معنا غدا ‪ ،‬فصلها‬ ‫‪ -2‬عن أنس بن مالك ‪ ،‬أن رجلً سأل النب‬
‫بغلس ‪ ،‬فلما كان اليوم الثان أخر حت أسفر ‪ ،‬ث قال ‪ :‬أين السائل عن وقت الصلة ؟ فقال الرجل ‪:‬‬ ‫النب‬
‫‪ :‬أليس قد حضرتا معنا أمس واليوم ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فما بينهما وقت " ‪.3‬‬ ‫أنا يانب ال فقال النب‬
‫‪ " :‬ليس الب‬ ‫قال ابن عبدالب‪ . 4‬وقد يكون البيان بالفعل أثبت أحيانا فيما فيه عمل من القول ‪ ،‬وقد قال‬
‫كالعاينة " ‪.5‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪ )1‬المع بي السلوب النظري والسلوب العملي ف التعليم ‪ ،‬من الوسائل النافعة ف التربية والتعليم ‪.‬‬
‫(‪)2‬هذه الطريقة تتصر الطريق على العلم ‪ ،‬وتوفر الوقت والهد ‪.‬‬
‫(‪)3‬إشراك الطلب ف التطبيق العملي ‪ ،‬لكي تتم الفائدة ‪.‬‬
‫(‪)4‬على العلم أن ي عل طل به يكتشفون ال طأ بأنف سهم ‪ ،‬كأن يع يد العلم كرا سة الواجبات إل الطالب‬
‫بدون تصحيح لكي يعيد النظر فيها ويكتشف الطأ بنفسه ‪.‬‬
‫(‪)5‬مارسة الشيء وتطبيقه ‪ ،‬عامل قوي ف حفظ العلومة وصيانتها عن النسيان ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [4‬عرض الادة العلمية بأسلوب يناسب عقل الطالب وفهمه‬
‫عون المعبود ‪ .‬شرح سنن أبي داود ‪ .‬أبي الطيب محمد شمس الحق عظيم آبادي ‪ ( .‬كتاب الصلة ‪ /‬باب ‪. ) 146‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتح الباري ‪ -12/328 ( .‬حديث رقم ‪. ) 793‬‬ ‫‪2‬‬

‫ذكره ابن عبد البار بسنده في التمهيد (‪ .4/332‬حديث سادس وعشرون لزيد بن أسلم ) وقال محققه في الحاشية ‪ :‬أخرجه البزار بسند‬ ‫‪3‬‬

‫صحيح ‪ ،‬وأخرجه الطبراني في الكبير والوسط من حديث عبد الرحمن بن يزيد بن حارث بسند حسن ‪ ،‬ومن حديث زيد بن حارثة عند أبي‬
‫يعلى والطبراني ‪.‬‬
‫في التمهيد (‪. ) 4/334‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه المام أحمد في مسند بني هاشم ‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪51‬‬
‫المعـلم الول‬

‫تتلف العقول والدارك ‪ ،‬من شخص لخر ‪ ،‬ومن جاعة لخرى ‪ ،‬وذلك أمر بي وواضح ‪ ،‬ويدلك على‬
‫ذلك أن الطلب ف الفصل الواحد يتلفون ف سرعة الستجابة لسئلة الطروحة ‪ ،‬وف الفهم ‪ ،‬ولعل حديث أب‬
‫سعيد الدري الروي ف الصحيحي وغيها يلي لنا المر ‪ :‬عن أب سعيد الدري رضي ال عنه قال ‪ :‬إن رسول‬
‫جلس على النب فقال ‪ :‬عبد خيه ال بي أن يؤتيه زهرة الياة الدنيا وبي ما عنده ‪ ،‬فاختار ما عنده ‪ .‬فبكى‬ ‫ال‬
‫هو الخي ‪ ،‬وكان أبوبكر هو أعلمنا به ‪ ..‬الديث‬ ‫أبوبكر فقال ‪ :‬فديناك بآبائنا وأمهاتنا ‪ .‬قال فكان رسول ال‬
‫هو الع بد الخ ي فب كى حزنا على فرا قه وانقطاع‬ ‫‪ .‬قال النووي ‪ :‬وكان أبوب كر ر ضي ال ع نه علم أن ال نب‬
‫‪1‬‬
‫إن عبدا وأبمه لينظر فهم أهل العرفة ونباهة أصحاب الذق ‪ .‬أهف‬ ‫الوحي وغيه من الي دائما ‪ ،‬وإنا قال‬
‫‪ .‬وقال شيخ السلم ابن تيمية ‪ :‬نعم ‪ .‬كان أبوبكر الصديق رضي ال عنه أقرب الناس إل رسول ال ‪ ،‬وأولهم به‬
‫‪ ،‬وأعلم هم براده ل ا ي سألونه ع نه فكان ال نب يتكلم بالكلم العر ب الذي يفه مه ال صحابة ر ضي ال عن هم ويزداد‬
‫‪2‬‬
‫الصديق بفهم أخر يوافق ما فهمهوه ‪ ،‬ويزيد عليهم ول يالفه ‪ .‬أهف‬
‫ث إن القدرة على إيصال العلومات إل ذهن الطالب ‪ ،‬تتلف قوة وضعفا من ووسيلة لخرى ‪ ،‬ومن هذه‬
‫الوسائل ‪ ،‬طريقة الشرح ‪ ،‬شرح الادة الراد تدريسها ‪ ،‬وهذه الطريقة تعد من أفضل الطرق ف الفصاح والكشف‬
‫عن مراد العلم ‪ ،‬ولذا كان من ال هم جدا أن يعرف العلم م ستوى طل به العقلي ‪ ،‬لن ذلك ي ساعد على تد يد‬
‫أسلوبه ف عرض الواد العلمية ‪ ،‬وتلخيصها با يوفق عقولم ومداركهم ‪ .‬ويوضح ذلك الثار التالية ‪:‬‬
‫عن الدر أمن البيت هو ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قلت ‪ :‬فما‬ ‫عن عائشة رضي ال عنها قال ‪ ( :‬سألت النب‬
‫لم ل يدخلوه ف البيت ؟ قال ‪ :‬إن قومك قصرت بم النفقة ‪ .‬قلت ‪ :‬فما شأن بابه مرتفعا ؟ قال ‪ :‬فعل ذلك‬
‫قو مك ليدخلوا من شاءوا وينعوا من شاءوا ‪ ،‬ولول أن قو مك حد يث عهد هم بالاهل ية فأخاف أن تن كر‬
‫ترك بناء الكعبة على أساسها الذي‬ ‫قلوبم أن أدخل الدر ف البيت وأن ألصق بابه ف الرض )‪ 3‬فالنب‬
‫بناها عليه إبراهيم عليه السلم ‪ ،‬من أجل المن من الوقوع ف الفسدة ‪ ،‬والفسدة هي ‪ 0 :‬أن قريشا كانت‬
‫أن يظنوا لجل قرب عهدهم بالسلم أنه غي بناءها لينفرد بالفخر عليهم ف‬ ‫تعظم أمر الكعبة جدا فخشي‬
‫أمرا عظيما كهذا ‪ ،‬خش ية أن تق صر أفهام هم عن إدراك ال مر‬ ‫ذلك )‪ 4‬فان ظر رعاك ال ك يف ترك ال نب‬
‫‪:‬‬ ‫على وجهه ‪ .‬ولكي نزيد المر وضوحا ‪ ،‬هاك مثالي من تلميذ ممد‬
‫الول ‪ :‬مارواه البخاري ف صحيحه عن على بن أ ب طالب ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬حدثوا الناس ب ا‬
‫مسلم بشرح النووي ‪ .‬كتاب فضائل الصحابة ‪ .‬حديث رقم (‪. )2382‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفتاوى لشيخ السلم ابن تيمية ‪. ) 11/78 ( .‬‬ ‫‪2‬‬

‫البخاري ‪ :‬كتاب الحج ‪ .‬وبوب البخاري على هذا الحديث في كتاب العلم بقوله ‪ :‬باب ‪ .‬من ترك بعض الختيار مخافة أن يقصر فهم بعض‬ ‫‪3‬‬

‫الناس عنه فيقعوا في أشد منه ‪ / .‬وهو عند مسلم في الحج‪ /‬وأحمد في باقي مسند النصار ‪ /‬والترمذي في الحج‪ /‬والنسائي في مناسك‬
‫الحج‪ /‬وأبي داود في المناسك ‪ /‬وابن ماجه في المناسك ‪ /‬ومالك في الحج ‪ /‬والدارمي في المناسك ‪.‬‬
‫فتح الباري (‪)1/271‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪52‬‬
‫المعـلم الول‬

‫يعرفون ‪ ،‬أتبون أن يكذب ال ورسوله ؟‪. 2 1‬‬


‫والثان ‪ :‬ما رواه مسلم ‪ ،‬عن عبد ال بن مسعود قال ‪ ( :‬ما أنت مدثا قوما حديثا ل تبلغه عقولم إل‬
‫كان لبعضهم فتنة ) فهذان الثران يوضحان لنا أثر ماطبة الناس بالحاديث الت ل تتملها عقولم ‪ ،‬حت ولو‬
‫فإنه لا كانت عقولم تقصر عن فهمها‬ ‫كانت تلك الحاديث الحدث با صحيحة ثابتة عن رسول ال‬
‫وإدراك حقائقها جاء النهي عن ذلك لكي ل يدث لم فتنة ‪ .‬والعلمون لم نصيب من ذلك ‪ ،‬وعليهم عبء‬
‫كبي ‪ ،‬إذ إن على العلم أن يت هد ف تب سيط ال سائل ‪ ،‬و صياغة اللفاظ بعبارات واض حة مفهو مة تنا سب‬
‫مستوى طلبه ‪ ،‬كي ل يقعوا ف حية من أمرهم ‪ ،‬ولكي ل يصعب العلم عليهم ‪.‬‬
‫قال الغزال ف الحياء ‪ :‬الوظيفة السادسة ‪ :‬أن يقتصر بالتعلم على قدر فهمه فل يلقى مال يبلغه عقله‬
‫حيث قال ‪ ( :‬نن معشر النبياء أمرنا أن ننل الناس‬ ‫فينفره أو يبط عليه عقله اقتداء ف ذلك بسيد البشر‬
‫‪4‬‬
‫منازلم ونكلمهم على قدر عقولم )‪ 3‬فليبث إليه القيقة إذا علم أنه يستقل بفهمها ‪..‬‬
‫وروى الاكم ف تاريخ بإسناده عن أب قدامة عن النضر بن شيل قال سئل الليل عن مسألة فأبطأ‬
‫الواب فيها قال فقلت ما ف هذه السألة كل هذا النظر ‪ ،‬قال ‪ :‬فرغت من ال سألة وجواب ا ولك ن أريد أن‬
‫أجيبك جوابا يكون أسرع إل فهمك ‪ ،‬قال أبو بدامة فحدثت به أبا عبيد فسر به ‪ .‬وف تاريخ عبد ال بن‬
‫جعفر السرخسي أب ممد الفقيه أخبن ممد بن حامد حدثنا عبدال بن أحد سعت الربيع سعت الشافعي‬
‫يقول ‪ :‬لو أن ممد بن السن كان يكلم نا على قدر عقله ما فهمنا ع نه ولك نه كان يكلمنا على قدر عقول نا‬
‫فنفهمه‪. 5‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬اختلف عقول وأفهام الطلب من شخص لخر ‪ ،‬ومن جاعة لخرى ‪.‬‬
‫(‪)2‬برا عة العلم تك من ف قدر ته على إي صال العلو مة للطالب ك ما ينب غي ‪ ،‬ولي ست ف ح شد الن صوص‬
‫والدلة ‪ ،‬وكثرة السائل ‪.‬‬
‫(‪)3‬تقدير الستوى العقلي للطلب ‪ ،‬ومن ث تعليمهم وتدريسهم على هذا الساس ‪.‬‬
‫ل‪.‬‬ ‫(‪)4‬أن تكليف عقل الطالب ما ل يتمله ‪ ،‬وتميله فوق طاقته ‪ ،‬ل يزيد الطالب إل حية وجه ً‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬

‫قال الحفظ ‪ :‬وزاد آدم بن إياس في كتاب العلم له عن عبد ال بن داود عن معروف في آخره (ودعوا ما ينكرون ) أي يشتبه عليهم فهمه‬ ‫‪1‬‬

‫فتح الباري ‪ .‬كتاب العلم (‪. )1/272‬‬ ‫‪2‬‬

‫قال العراقي ‪ :‬رويناه في جزء من حديث أبي بكر بن الشخير من حديث ابن عمر أخصر منه وعند أبي داود من حديث عائشة أنزلوا‬ ‫‪3‬‬

‫الناس منازلهم أهـ ‪ .‬والكلم يطول حول هذا الحديث ‪ .‬تجده في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين ‪ .‬استخراج أبي عبد ال محمود بن محمد‬
‫الحداد ( ‪ ) 1/166‬ط‪ .‬دار العاصمة ‪.‬‬
‫إحياء علوم الدين ‪ )1/96( .‬ط دار الحديث ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫الداب الشرعية ‪ .‬لبن مفلح ‪ )2/165( .‬ط مكتبة الرياض ‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪53‬‬
‫المعـلم الول‬

‫]‪ [5‬أسلوب الحاورة والقناع العقلي‬


‫تتلف عقول الناس ومدارك هم من ح يث الف هم ‪ ،‬و سرعة ال ستجابة ‪ .‬ويتلف الناس أيضا من ح يث‬
‫‪1‬‬
‫النقياد والتسليم لشرع ال أمره ونيه ‪ ،‬فمنهم من ل يقنع بالدليل إل إذا ظهرت له الكمة من ذلك التشريع‬
‫‪ ،‬ومنهم من يكفيه الدليل ويقف عنده ‪.‬‬
‫والتلميذ عموما فيهم من ذلك الشيء الكثي ‪ ،‬فمنهم من ل ترضيه بعض القواعد والسس الت اصطلح‬
‫عليها العلماء ‪2‬إل إذا تبي له وجه الكمة من ذلك ‪ .‬ومنهم من ل يصل له الفهم الكامل إل بعد أن تتصر‬
‫له هذه القاعدة أو هذه السألة ‪ ،‬وتعرضها عليه بأسلوب الوار والقناع ‪ .‬ولعلنا نلي ما سبق با يلحق ‪:‬‬
‫فقال ‪ :‬يار سول ال ائذن ل بالز نا ‪،‬‬ ‫‪ -1‬أخرج المام أح د عن أ ب أما مة قال ‪ :‬إن شابا أ تى ال نب‬
‫فأق بل القوم عل يه فزجروه وقالوا ‪ :‬مه مه!‪ 3‬فقال ‪ :‬اد نه ‪ ،‬فد نا م نه قريبا قال ‪ :‬فجلس ‪ ،‬قال ‪ :‬أت به ل مك ؟‬
‫قال ‪ :‬ل وال جعلنـ فداءك ‪ ،‬قال ‪ :‬ول الناس يبونـه لمهاتمـ ‪ ،‬قال ‪ :‬أفتحبـه لبنتـك ؟ قال ‪ :‬ل وال‬
‫جعلن فداءك ‪ ،‬قال ‪ :‬ول الناس يبونه لبناتم ‪ ،‬قال ‪ :‬أفتحبه لختك ؟ قال ‪ :‬ل وال جعلن فداءك ‪ ،‬قال‬
‫‪ :‬ول الناس يبونه لخواتم ‪ ،‬قال أفتحبه لعمتك ؟ قال ل وال جعلن ال فداءك ‪ ،‬قال ‪ :‬ول الناس يبونه‬
‫لعماتم ‪ ،‬قال ‪ :‬أفتحبه لالتك ؟ قال ‪ :‬ل وال جعلن ال فداءك ‪ ،‬قال ‪ :‬ول الناس يبونه لالتم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فوضع يده عليه وقال ‪ :‬اللهم اغفر ذنبه وطهر قلبه وحصن فرجه فلم يكن بعد ذلك الفت يلتفت إل شيء ‪.4‬‬
‫‪ ،‬وحسن تعليمه وتعامله ف هذا الوقف ‪ .‬فهذا شاب يعلم‬ ‫ففي هذا الديث نلمس عظمة الرسول‬
‫ماذا يعن ( الزنا ) ولذلك قال يا رسول ال ائذن ل بالزنا! ول يفى موقف الصحابة وغيتم الشديدة على‬
‫ل يعا مل ذلك الشاب بالز جر ك ما ف عل ال صحابة‬ ‫د ين ال ر ضي ال عن هم وأرضا هم ‪ ،‬ول كن الر سول‬
‫لن‬ ‫رضوان ال علي هم ‪ ،‬ول قال له إن ال حرم الز نا ور تب على ذلك وعيدا شديدا ‪ ،‬كل ذلك ل يفعله‬
‫هذه المور مستقرة لدى الشاب ومعلومة لديه ‪ .‬إذا ‪ ،‬كان العلج النبوي بالحاورة والقناع العقلي هو أنح‬
‫وسيلة لثل هذه الالة ‪ ،‬فتأمل هذه الوسيلة ف التعليم يتبي لك عظمة العلم الول‬

‫وصاحب هذا يخشى عليه الفتنة في دينه ‪ ،‬لننا تعبدنا ال بالسمع والطاعة ‪ ،‬ومن صفات المؤمنين أنهم يقولون ‪ :‬ربنا إننا سمعنا وأطعنا‬ ‫‪1‬‬

‫ولو لم تظهر لهم حكمة التشريع من ذلك المر أو النهي ‪ .‬ولكن تلمس الحكمة من التشريع مع التسليم والنقياد للدليل ‪ ،‬أسكن للنفس وأهدأ‬
‫للبال ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫والحقيقـة أن القواعـد والسـس العلميـة ليـس مسـلما بهـا على الطلق ‪ ،‬والدليـل هـو ظهور بعـض المكتشفات والختراعات الحديثـة ‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫والنظريات التي قد تنقض قاعدة ثابتة من أصلها ولكن يندر أن يوجد تلميذ في مرحلة معينة من الدراسة ويستدرك قاعدة ثابتة اتفق عليها‬
‫علماء كثيرون ‪.‬‬
‫في مختار الصحاح ( ص ‪ : )290‬مه ‪ :‬مبني على السكون اسم لفعل المر ومعناه اكفف فإن وصلت نونت فقلت مه مه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أخر جه المام أح مد في با قي م سند الن صار وقال اللبا ني في ال سلسلة ال صحيحة ( ‪ : )1/645‬وهذا سنده صحيح رجاله كل هم ثقات رجال‬ ‫‪4‬‬

‫الصحيح ‪.‬‬
‫‪54‬‬
‫المعـلم الول‬

‫فقال يا رسول ال‬ ‫ل أتى النب‬


‫‪ -2‬أورد البخاري ف صحيحه‪ 1‬عن أب هريرة رضي ال عنه أن رج ً‬
‫ولد ل غلم أسود ‪ ،‬فقال هل لك من إبل ؟ قال نعم ‪ ،‬قال ما ألوانا ؟ قال حر‪ 2‬قال ‪ :‬هل فيها من أورق ؟‬
‫قال نعم ‪ ،‬قال فأن‪3‬ى ذلك ؟ قال نزعه عرق‪ 4‬قال ‪ :‬فلعل ابنك هذا نزعه ‪.‬‬
‫ل مستفتيا مستنكرا أن يأتيه ولد أسود على خلف لونه ولون أمه ‪،‬‬
‫فهذا الرجل أو العراب‪ 5‬جاء سائ ً‬
‫بأسلوب عقلي‪ 6‬سهل وميسور ‪ ،‬وحاوره وضرب له مثا ًل من بعض ما يلكه هذا العراب‬ ‫فبي له الرسول‬
‫ليكون أقرب إل فهمه ‪ ،‬حيث سأله عن إبله وهل يأت منها ما هو مالف لبويه ف الشكل والصفة ‪ ،‬فقال‬
‫وقرره‬ ‫أن ذلك حا صل ف الب شر أيضا ‪ .‬فان ظر رعاك ال ك يف حاوره ال نب‬ ‫ن عم ‪ :‬عندئذ أ خبه ال نب‬
‫أن هذا ابنه ‪ ،‬وهذا بد ذاته كاف ‪،‬‬ ‫بأسلوب عقلي بسيط وواضح ‪ .‬ولقد كان من المكن أن يبه النب‬
‫حال العراب وجهله ‪ ،‬أراد أن يبي‬ ‫لنه ل ينطق عن الوى إن هو إل وحي يوحى ‪ ،‬ولكن لا علم الرسول‬
‫أراد بذا التقر ير أن يكون ذلك حكما عاما لذلك‬ ‫له ال مر ح ت تطمئن نف سه ويرتاح فؤاده ‪ ،‬ول عل ال نب‬
‫العراب ولن خلفه‪ 7‬وال أعلم ‪.‬‬
‫فقالت إن أ مي نذرت أن ت ج فما تت ق بل أن ت ج ‪،‬‬ ‫‪ -3‬عن ا بن عباس أن امرأة جاءت إل ال نب‬
‫أفأحج عنها ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬حجي عنها ‪ ،‬أرأيت لو كان على أمك دين أكنت قاضيته ؟ قالت ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فاقضوا الذي له ‪ :‬فإن ال أحق بالقضاء ‪.8‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬استخدام السلوب العقلي ف القناع وسيلة جيدة تضمن وصول العلومة إل ذهن السامع ‪ ،‬على ما‬
‫أراده التحدث ‪.‬‬
‫(‪)2‬مراعاة البساطة ف الحاورة العقلية ‪ ،‬وإشراك التلميذ ف الحاورة لكي يصل التفاعل ‪.‬‬

‫في كتاب الطلق ‪ /‬ومسلم في اللعان ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬الترمذي في الولء والهبه ‪ /‬والنسائي في الطلق ‪ /‬وأبو دادود‬ ‫‪1‬‬

‫في الطلق ‪ /‬وابن ماجه في النكاح ‪.‬‬


‫قال الحافظ ابن حجر وعند الدارقطني ( قال رمك ) والرمك البيض إلى حمرة ( الفتح ‪) 9/352‬‬ ‫‪2‬‬

‫قوله ‪ ( :‬فأني ذلك ) أي من أين أتاها اللون الذي خالفها ‪ ،‬هل هو بسبب فحل من غير لونها طرأ عليها أو لمر آخر ؟ ( الفتح ‪) 9/353‬‬ ‫‪3‬‬

‫قال النووي ‪ :‬والمراد بالعرق هنا الصل من النسب تشبيها بعرق الثمرة ‪ ..‬ومعنى نزعه أشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه ‪ ،‬وأصل النزع‬ ‫‪4‬‬

‫الجذب فإنه جذبه إليه لشبهه ‪ ،‬يقال منه نزع الولد لبيه وإلى أبيه ونزعه أبوه ونزعه إليه ( صحيح مسلم بشرح النووي حديث ‪)1500‬‬
‫ساق البخاري في كتاب العتصام بالسنة ‪ ..‬عن أبي هريرة أن أعرابيا ‪ ..‬الحديث ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫يستدل الفقهاء بهذا الحديث وغيره على إثبات القياس والرد على من أنكره ‪ .‬أنظر فتح الباري كتاب العتصام (حديث ‪.)7314‬‬ ‫‪6‬‬

‫هذه القصة ترشد كل من جاء ولد تختلف أوصافه عن أوصاف والديه ‪ ،‬بأن ل يتعجل ويصدر حكما على زوجه بالزنا ‪ ،‬بل عليه أن يحسن‬ ‫‪7‬‬

‫الظن ‪ ،‬والصل البراءة إل بينة وال أعلم ‪.‬‬


‫رواه البخاري في كتاب الحج ‪ /‬وأحمد في مسند بني هاشم ‪ /‬والنسائي في مناسك الحج ‪ /‬والدارمي في النذور واليمان ‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫‪55‬‬
‫المعـلم الول‬

‫(‪)3‬تقر يب ( الحاورة العقل ية ) إل أد ن ش يء م كن أن ي سه أو يعقله التلم يذ ‪ ،‬كق صة العرا ب الذي‬


‫مثالً من أقرب الشياء إليه وهي إبله ‪.‬‬ ‫جاءه ولد أسود ‪ ،‬فضرب له الرسول‬
‫(‪)4‬مراعاة حال السامع ‪ ،‬وهل هو من تؤثر فيه الدلة العقلية أم ل ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [6‬التعليم عن طريق القصص‬
‫القصة لا قدرة عظيمة ف جذب النفوس ‪ ،‬وحشد الواس كلها للقاص ‪ .‬وذلك لن القصة بطبعها مببة‬
‫إل النفس البشرية ‪ ،‬لا فيها من ذكر أخبار الاضي ‪ ،‬وذكر الوقائع ‪ ،‬والنوادر وغي ذلك ‪ ،‬أضف إل ذلك أن‬
‫الق صة من شأن ا أن ا تعلق بالذ هن ول تكاد تن سى وهذا أ مر وا ضح للعيان يعل مه كل أ حد ‪ .‬ولذا ف قد اعت ن‬
‫القرآن الكر ي بذ كر الق صص ف القرآن ل ا في ها من ت سلية الن فس ‪ ،‬وتقو ية العزائم ‪ ،‬وأ خذ ال عب والتعاظ‬
‫ومعرفة أخبار الاضي ‪ ،‬وحفظ الحداث ‪.‬‬
‫وغيهفا كثيف ‪ ،‬والقرآن الكريف ل يعرض هذه القصفص لجرد التسفلية فقفط ‪ ،‬ل ‪ .‬بفل إن التأمفل لذه‬
‫القصص يد بي طياتا وبي ثناياها تقرير مسائل التوحيد ‪ ،‬وكذلك بيان حكم ال الباهرة وسننه ف عباده الت‬
‫ل تتبدل ول تتغي ‪ ،‬وقد يوجد ف بعض منها بيان أحكام فقهية كقوله تعال ف قصة يوسف ( ولن جاء به‬
‫حل بعي وأنا به زعيم ) والحكام الفقهية الت نأخذها من هذه الية ها ‪ :‬العالة والكفالة‪ 1‬وقوله تعال ‪:‬‬
‫( ولن جاء به حل بعي ) أي ‪ :‬أجرة له على وجدانه ‪ .‬وقوله ‪ ( :‬وأنا به زعيم ) أي ‪ :‬كفيل ‪ ،‬وهذا بقوله‬
‫‪2‬‬
‫التفقد ‪.‬‬
‫ف من هذا يعلم أن الق صص ل ا دور كبي ف تعل يم الناس وتربيت هم ‪ ،‬ول قد كان ر سولنا عل يه ال صلة‬
‫والسلم يقص على صحابته رضوان ال عليهم القصص ليثبتهم وليعلمهم وليبيهم إل غي ذلك من العان فمن‬
‫ذلك ‪:‬‬
‫يشكو أذى قريش وكان ذلك ف أول الدعوة بكة ‪.‬‬ ‫‪ -1‬أن خبابا رضي ال عنه جاء إل رسول ال‬
‫‪ ،‬وهو متوسد ببده له ف ظل الكعبة فقلنا أل تسنصر‬ ‫يقول خباب رضي ال عنه ‪ :‬شكونا إل رسول ال‬
‫ل نا ‪ ،‬أل تد عو ل نا ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬ل قد كان من قبل كم يؤ خذ الر جل فيح فر له ف الرض فيج عل في ها فيجاء‬
‫بالنشار فيوضع على رأسه فيجعل نصفي ويشط بأمشاط من الديد ما دون لمه وعظمه ‪ ،‬فما يصده‬
‫ذلك عن دينه ‪ ،‬وال ليتمن هذا المر حت يسي الراكب من صنعاء إل حضرموت ل ياف ال والذئب‬
‫‪3‬‬
‫على غنمه ‪ ،‬ولكنكم تستعجلون )‬
‫الجعالة ‪ :‬قال ابن فارس ‪ :‬الجعل والجعالة والجعيلة ‪ ،‬ما يعطاه النسان على أمر يفعله ‪ ( .‬الروض المربع ‪ ، )5/494‬و( الكفالة ) هي‬ ‫‪1‬‬

‫التزام رشيد إحضار من عليه حق مالي لربه ‪( .‬الروض المربع ‪. )5/108‬‬


‫تيسير الكريم الرحمن ‪ . .‬عبد الرحمن بن سعدي ‪ -‬رحمه ال ‪) 4/46 ( -‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري في المناقب ‪ /‬وأحمد في مسند البصريين ‪ /‬وأبو داود في الجهاد ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪56‬‬
‫المعـلم الول‬

‫فيها من الكم والعب ل يعلمها إل من أعطاها حقها من التأمل ‪،‬‬ ‫فهذه القصة الت ساقها الرسول‬
‫ففيها أن البتلء بالتعذيب وغيه لهل التوحيد سنة ماضية ‪ ،‬وفيها ثبات من كان قبلنا على الق ل يصده عن‬
‫دينه شيء ولو كان الثمن حياته ‪ ،‬وفيها إخبار بالغيب عندما أخب عن ظهور هذا الدين ‪ ،‬وفيها بيان فضيلة‬
‫الصب وذم الستعجال بقوله ‪ ( :‬ولكنكم تستعجلون ) ‪.‬‬
‫والق صص ف ال سنة كثية ولول الطالة ل سقت بعضا من ها ول كن أكت في بإشارات إلي ها ‪ ،‬فمن ها ق صة‬
‫الثل ثة (الع مى ‪ ،‬والبرص ‪ ،‬والقرع ) الذ ين أتا هم اللك ‪ .‬وق صة الثل ثة الذ ين لئوا إل الغار فانطب قت‬
‫عليهم الصخرة ‪ .‬وقصة نب ال موسى عليه السلم مع الضر ‪ ،‬وغيها كثي ‪.‬‬
‫وعلى العلم ‪ ..‬أن ل يكون ه ه سرد الق صص ف قط ‪ ،‬بل عل يه بيان موا ضع ال عب من ها ‪ ،‬وبيان الفوائد‬
‫الستنبطة من القصة ‪ ،‬وبيان الحكام الواردة فيها إن كان فيها أحكام ‪ ..‬إل ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬القصص تألفها النفوس ‪ ،‬ولا تأثي عجيب ف جذب انتباه السامع وحفظ أحداث القصة بسرعة ‪.‬‬
‫(‪)2‬القصة ل توضع للتسلية الجردة فقط بل للعتبار والتعاظ والتعلم ‪.‬‬
‫(‪)3‬القصص لا أثرها البالغ ف التأثي على سلوكيات الطلب ‪ ،‬خصوصا إذا كانت القصة واقعية وتعال‬
‫قضايا هامة ‪.‬‬
‫(‪)4‬القصة وسيلة قوية للتعليم فيجب العتناء با ‪ ،‬وإعطاؤها قدرا كبيا من الهتمام ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫‪1‬‬
‫]‪ [7‬ضرب المثال أثناء التعليم‬
‫يتاج العلم والرب إل وسيلة تقرب السألة العقدة أو العضلة إل الذهان ‪ ،‬أو توضح الفكرة الصعبة ‪.‬‬
‫وبأ سلوب آ خر فإن العلم قد تواج هه ب عض ال صعوبات ف إي صال العلومات إل ذ هن ال سامع ‪ ،‬فيحتاج إل‬
‫و سيلة أخرى م ساعدة تلف هذا الشكال ‪ ،‬وتف تح الجال أمام ذهفن الطالب فيتعلم ال سألة الصفعبة ب سهولة‬
‫ويسر‪.‬‬
‫والثل لغة ‪ :‬صيغة الثل وما يشتق منها تفيد التصوير والتوضيح ‪ ،‬والظهور والضور والتأثي ‪ .‬فالثل هو‬
‫الشيء الضروب المثل به الذي تتضح به العان وهو صفة الشيء أيضا ‪. 2‬‬
‫والقرآن الكر ي حا فل بذ كر المثال ‪ ،‬و هي كثية جدا ‪ :‬ف من ذلك قوله تعال ‪ ( :‬أل تر ك يف ضرب ال‬
‫ل كل مة طي بة كشجرة طي بة أ صلها ثا بت وفرع ها ف ال سماء تؤ ت أكل ها كل ح ي بإذن رب ا ويضرب ال‬
‫مث ً‬

‫انظر تحفة الحوذي بشرح سنن الترمذي (‪. )8/123‬‬ ‫عقد الترمذي في سننه أبوابا خاصة بالمثال التي وردت عن رسول ال‬ ‫‪1‬‬

‫المثال في القرآن الكريم ‪ .‬لبن القيم الجوزية ‪ .‬ص ‪ 28‬تحقيق سعيد محمد نمر الخطيب ( ط‪.‬دار المعرفة ) والكلم من قول المحقق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪57‬‬
‫المعـلم الول‬
‫‪1‬‬
‫المثال للناس لعلهم يتذكرون ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الرض مالا من قرار )‬
‫عن ا بن عباس ف قوله ‪( :‬أل تر ك يف ضرب ال مثلً كل مة طي بة كشجرة طي بة ) ( يع ن بالشجرة‬
‫الطيبة الؤمن ويعن بالصل الثابت ف الرض والفرع ف السماء يكون الؤمن يعمل ف الرض ‪ ،‬ويتكلم فيبلغ‬
‫‪2‬‬
‫قوله وعمله السماء وهو ف الرض )‬
‫و ف قوله تعال ف ال ية ال سابقة ( ويضرب ال المثال للناس لعل هم يتذكرون ) يقول الشوكا ن ‪ :‬و ف‬
‫ضرب المثال زيادة تذك ي وتفه يم وت صوير للمعان‪3‬ي ‪ .‬ويقول ا بن سعدي ‪ :‬فإن ف ضرب المثال ‪ ،‬تقريبا‬
‫للمعانف العقولة ‪ ،‬مفن المثال الحسفوسة ‪ ،‬ويتفبي العنف الذي أراده ال ‪ ،‬غايفة البيان ‪ ،‬ويتضفح ‪ ،‬غايفة‬
‫الوضوح ‪ ،‬وهذا من رحته ‪ ،‬وحسن تعليمه ‪ .‬فلله أت المد وأكمله وأعمه ‪ 4.‬ويقول أبو بكر الزائري ‪ :‬بعد‬
‫‪5‬‬
‫هذه الية ‪ ،‬من هداية اليات ‪ :‬استحسان ضرب المثال لتقريب العان إل الذهان ‪.‬‬
‫ما ف المثال من قدرة على‬ ‫‪ ،‬كان يضرب المثال كثيا ف أحاديثه وأقواله ‪ ،‬لعلمه‬ ‫والعلم الول‬
‫تقريب العن وبيان القصود ‪ ،‬فمن ذلك ‪:‬‬
‫قال ‪ ( :‬م ثل الؤ من الذي يقرأ‬ ‫‪ -1‬ما جاء ف ال صحيحي من حد يث أ ب مو سى الشعري عن ال نب‬
‫القرآن كمثل الترجة طعمها طيب وريها طيب ‪ ،‬مثل الؤمن الذي ل يقرأ القرآن كمثل التمرة طعمها‬
‫طيب ول ريح لا ‪ ،‬ومثل النافق الذي يقرأ القرآن كمثل الريانة ريها طيب وطعمها مر ‪ ،‬ومثل النافق‬
‫الذي ل يقرأ القرآن كمثل النظلة ليس لا ريح وطعمها مر ) فانظر أخي البارك إل هذا التفصيل ما أروعه‬
‫‪ ،‬ث تأمل أثر التمثيل ف بيان حقيقة الؤمن والنافق الذي يقرأ القرآن والذي ل يقرأ القرآن ‪.‬‬
‫ل صراطا مستقيما وعلى جنبت‬
‫قال ‪:‬ضرب ال مث ً‬ ‫‪ -2‬عن النواس بن سعان النصاري عن رسول ال‬
‫الصراط سوران فيهما أبواب مفتحة وعلى البواب ستور مرخاة ‪ ،‬وعلى باب الصراط داع يقول ‪ :‬أيها الناس‬
‫ادخلوا ال صراط جيعا ول تنفرجوا ‪ ،‬وداع يد عو من جوف ال صراط ‪ ،‬فإذا أراد يف تح شيئا من تلك البواب‬
‫قال ‪ :‬ويك ل تفتحه فإنك إن تفتحه تلجه ‪ .‬والصراط السلم والسوران حدود ال تعال ‪ ،‬والبواب الفتحة‬
‫مارم ال تعال وذلك الداعي على رأس الصراط كتاب ال عز وجل والداعي فوق الصراط واعظ ال ف قلب‬
‫كل مسلم ‪.6‬‬
‫قال ‪ ( :‬إن مثلي ومثل النبياء من قبلي كمثل رجل بن‬ ‫‪ -3‬عن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول ال‬

‫سورة إبراهيم‬ ‫‪1‬‬

‫المثال في القرآن الكريم ‪ .‬لبن القيم الجوزية ص ‪. 232‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتح القدير (‪. )3/121‬‬ ‫‪3‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن (‪. )4/139‬‬ ‫‪4‬‬

‫أيسر التفاسير (‪. )2/481‬‬ ‫‪5‬‬

‫رواه المام أحمد في مسند الشاميين واللفظ له ‪ /‬والترمذي في المثال‬ ‫‪6‬‬


‫‪58‬‬
‫المعـلم الول‬

‫بيتا فأحسـنه وأجله ‪ ،‬إل موضـع لبنـة مـن زاويـة ‪ ،‬فجعـل الناس يطوفون بـه ويعجبون له ويقولون ‪ :‬هل‬
‫وضعت هذه اللبنة ؟ قال ‪ :‬فأنا اللبنة ‪ ،‬وأنا خات النبيي )‪ 1‬قال ابن حجر ‪ :‬فكأنه شبه النبياء وما بعثوا به‬
‫من إرشاد الناس ببيت أسست قواعده ورفع بنيانه وبقي منه موضع به يتم صلح ذلك البيت ‪ ..‬ث قال ‪ :‬وف‬
‫على سائر ال نبيي ‪ ،‬وأن ال خ تم به الر سلي ‪،‬‬ ‫الد يث ضرب ال المثال للتقر يب للفهام وف ضل ال نب‬
‫‪2‬‬
‫وأكمل به شرائع الدين ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬ضرب المثال وسيلة جيدة ف تقريب العان والفكار‬
‫(‪)2‬يل جأ العلم لضرب ال ثل عند ما ت صعب م سألة ما على الذهان ‪ ،‬فيع مد إل ال ثل لتب سيطها وتقريب ها‬
‫للفهم ‪.‬‬
‫(‪)3‬يتو قف مدى الفائدة من ضرب الثال على برا عة العلم ف ت صوير الثال ل كي يطا بق الفكرة ال ت ير يد‬
‫إيضاحها ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [8‬أسلوب التشويق ف التعليم‬
‫أ سلوب التشو يق ‪ :‬هو أ سلوب أو طري قة من الطرق تب عث على إيقاظ ال مم ‪،‬وإذكاء النفوس ‪ ،‬إذ إن‬
‫النفس البشرية تتطلع إل استكشاف كل جديد ‪ ،‬بل إن إثارة التعلم وتشويقه ‪ ،‬تعله يبحث ويستقصي بلهف‬
‫شد يد ‪ ،‬ورغ بة شديدة ‪ ،‬ف معر فة ذلك الش يء الشوق ‪ .‬يو ضح ذلك الد يث الذي يرو يه أ بو سعيد العلي‬
‫رضي ال عنه ‪:‬‬
‫فلم أجبه ‪ ،‬فقلت ‪ :‬يا رسول ال إن كنت أصلي ‪،‬‬ ‫‪ -1‬قال ‪ ( :‬كنت أصلي ف السجد فدعان رسول ال‬
‫فقال ‪ :‬أل يقل ال ‪ ( :‬استجيبوا ل وللرسول إذا دعاكم لا يييكم ) ؟ ث قال ل ‪ :‬لعلمنك سورة هي أعظم‬
‫السور ف القرآن قبل أن ترج من السجد ث أخذ بيدي ‪ ،‬فلما أراد أن يرج قلت له ‪ :‬أل تقل لعلمنك سورة‬
‫هي أعظم سورة ف القرآن ؟ قال ‪ ( :‬المد ل رب العالي ) هي السبع الثان والقرآن العظيم الذي أوتيته ‪ .3‬ف‬
‫هذا الديث يظهر لنا جليا شوق ذلك الصحاب إل معرفة أعظم سورة ف القرآن ‪ ،‬حيث أنه ل يصب ول يهل‬
‫الرسول حت يرج بل بادره بقوله ‪ :‬أل تقل لعلمنك سورة هي أعظم سورة ف القرآن ؟ ) ‪.‬‬
‫‪ ( :‬احشدوا ( أي اجتمعوا )‬ ‫‪ -2‬ومثله الد يث الذي ع ند م سلم ‪ ،‬عن أ ب هريرة قال ‪ :‬قال ر سول ال‬

‫رواه البخاري في كتاب المناقب ‪ /‬ومسلم في الفضائل ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫فتح الباري ‪ /‬كتاب المناقب ‪ /‬حديث رقم ‪.3535‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن ‪ /‬وأحمد في مسند المكيين ‪ /‬والنسائي في الفتتاح وأبو داود في الصلة ‪ /‬وابن ماجة في الدب ‪/‬‬ ‫‪3‬‬

‫والدارمي في الصلة ‪.‬‬


‫‪59‬‬
‫المعـلم الول‬

‫فقرأ ‪ :‬قل هو ال أحد ‪ .‬ث دخل‬ ‫فأن سأقرأ عليكم ثلث القرآن ) فحشد من حشد ‪ .‬ث خرج نب ال‬
‫فقال ‪:‬‬ ‫فقال ‪ :‬بعضنا لبعض ‪ :‬إن أرى هذا خب جاءه من السماء ‪ .‬فذاك الذي أدخله ‪ .‬ث خرج نب ال‬
‫وفعله ‪،‬‬ ‫( إن قلت لكم ‪ :‬سأقرأ عليكم ثلث القرآن ‪ .‬أل إنا تعدل ثلث القرآن )‪ . 1‬أل إن قول الرسول‬
‫ففي هذه القصة فوائد منها دللة واضحة على فضل‬ ‫كان له أثر كبي ف تشوقهم ‪ ،‬لسماع ثلث القرآن منه‬
‫‪ ،‬ومن ها أن قوله‬ ‫قراءة سورة الخلص ‪ ،‬ومن ها تل هف ال صحابة ل سماع ثلث القرآن من ف ر سول ال‬
‫( احشدوا ) ث دخوله وخروجه مرة أخرى يلزم منه رسوخ هذه القصة بأحداثها عند الصحابة وحفظهم لا ‪.‬‬
‫فقال ‪ ( :‬يطلع عليكم الن رجل من‬ ‫‪ -3‬روى المام أحد ‪ :‬عن أنس قال ‪ :‬كنا جلوسا مع رسول ال‬
‫أهل النة ) فطلع رجل من النصار تنطف ليته من وضوئه قد علق نعليه بيده الشمال فلما كان الغد قال‬
‫مثل مقالته‬ ‫رسول ال مثل ذلك فطلع الرجل مثل الرة الول ‪ ،‬فلما كان اليوم الثالث قال رسول ال‬
‫تب عه ع بد ال بن عمرو بن العاص‬ ‫أيضا فطلع ذلك الر جل على م ثل حاله الول ‪ ،‬فل ما قام ر سول ال‬
‫فقال ‪ :‬إن ل حيت أب فأقسمت أن ل أدخل عليه ثلثا فإن رأيت أن تؤوين إليك حت تضي فعلت قال ‪:‬‬
‫( نعم ) قال أنس فكان عبد ال يدث أنه بات معه تلك الليال الثلث فلم يره يقوم من الليل شيئا غي أنه إذا‬
‫تعار‪ 2‬وتقلب على فراشه ذكر ال وكب حت يقوم لصلة الفجر قال عبد ال غي أن ل أسعه يقول إل خيا ‪،‬‬
‫فلما مضت الليال الثلث وكدت أحتقر عمله قلت يا عبد ل ل يكن بين وبي أب غضب ول هجرة ولكن‬
‫يقول لك ثلث مرات ( يطلع علي كم الن ر جل من أ هل ال نة ) فطل عت أ نت ف‬ ‫سعت ر سول ال‬
‫الثلث الرات فأردت أن آوي إليك لنظر ما عملك فأقتدي به فلم أرك تعمل كبي عمل فما الذي بلغ بك‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬هو ما رأيت ‪ ،‬فلما وليت دعان فقال ‪ :‬ما هو إل ما رأيت غي أن ل أجد ف‬ ‫ما قاله رسول ال‬
‫نفسي لحد من السلمي غشا ول أحسد أحدا على خي أعطاه ال إياه ‪ .‬قال عبد ال فهذه الت بلغت بك‬
‫وهي الت ل تطاق‪. 3‬‬
‫وفف هذه القصفة كان الداففع الذي حدا بعبفد ال بفن عمرو بفن العاص إل أن يقول مفا يقول لذلك‬

‫رواه مسلم في كتاب صلة المسافرين وقصرهم ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬والترمذي في فضائل ‪ /‬القرآن وابن ماجه في الدب ‪/‬‬ ‫‪1‬‬

‫قال ‪ ( :‬أيعجز أحدكم أن يقرأ في ليلة ثلث‬ ‫والدارمي في فضائل القرآن ‪ .‬وعند مسلم أيضا ( برقم ‪ ) 811‬عن أبي الدرداء عن النبي‬
‫القرآن ؟ قالوا ‪ :‬وكيف يقرأ ثلث القرآن قال ‪ ( :‬قل هو ال أحد تعدل ثلث القرآن ) ‪.‬‬
‫تعار ‪ :‬بتشديد الراء ‪ :‬هب من النوم مع كلم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬تمطيء النهاية لبن الثير ‪( ،‬عرر) ‪ ( .‬نقلً من التمهيد لبن عبد البر (‪)6/122‬‬ ‫‪2‬‬

‫حاشية ‪) 2‬‬
‫رواه المام أحمد في باقي مسند المكثرين قال ابن كثير ( ‪ ) 338 ،4/337‬ورواه النسائي ‪ .‬في اليوم والليلة عن سويد بن نصر عن أبن‬ ‫‪3‬‬

‫المبارك عن معمر به ‪ .‬وهذا إسناد صحيح على شرط الصحيحين لكن رواه عقيل وغيره عن الزهري عن رجل عن أنس فال أعلم ‪ .‬وكذلك‬
‫رواه ابن عبد البر بسنده انظر التمهيد ( ‪. ) 122 ، 6/121‬‬
‫‪60‬‬
‫المعـلم الول‬

‫يقول ثلث مرات ‪ 0 :‬يطلع عليكم الن رجل‬ ‫الصحاب ‪ ،‬لكي يعلم السبب الذي من أجله كان الرسول‬
‫من أهل النة ) ‪ ،‬و ل يفى ما ف هذه القصة من أسلوب إثارة وتشويق وهو بي ظاهر ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬إن استخدام أسلوب التشويق والثارة ‪ ،‬من أقوى الدوافع على التعلم والبحث والستقصاء ‪.‬‬
‫‪1‬‬

‫(‪)2‬يب أن يضع العلم ف اعتباره ‪ ،‬أن العبارات الستخدمة ف هذا السلوب ‪ ،‬يب أن تؤدي إل معن تواه‬
‫‪ ( :‬لعلمنك أعظم سورة ف القرآن قبل أن ترج من السجد ) ‪ ،‬وقوله ‪( :‬‬ ‫وتستشرف إليه النفس ‪ .‬كقوله‬
‫احشدوا فإن سأقرأ عليكم ثلث القرآن ) وقوله ‪ ( :‬يطلع عليكم الن رجل من أهل النة ) ثلث مرات ‪.‬‬
‫(‪)3‬كلما كان أسلوب التشويق قويا ‪ ،‬كلما كانت الدوافع أقوى ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [8‬استخدام الياءات ( حركات اليدين والرأس ) ف التعليم‬
‫ل ينففك العلم بال مفن الحوال عفن إياءات اليديفن والرأس ‪ ،‬أثناء مارسفته للتعليفم ‪ ،‬فهفي ملزمفة‬
‫للمتحدث أيا كان نوع الديث ‪ .‬ولكن هل من سبيل إل توظيف هذه الركات والياءات لصال التعليم ؟‬
‫الواب ‪ .‬نعم ‪ .‬وإن سألتن كيف ذلك ؟ قلت لك ‪ :‬تابع معي السطور التالية ‪:‬‬
‫إن عي التلميذ تتابع حركات العلم وسكناته ‪ ،‬ولذلك فهو يتأثر بالنفعالت الت يدثها العلم ‪ ،‬إذا فهو‬
‫يتأثر بركة اليدين والرأس ‪ .‬والعلم قد يستفيد من هذه الركات والشارات ف أمور عدة ‪:‬‬
‫أحد ها ‪ :‬زيادة بيان وإيضاح وتأك يد على الكلم ‪ :‬نأ خذ هذه من حد يث جابر ر ضي ال ع نه ‪ ،‬ف‬
‫وفيه ‪:‬‬ ‫سياق حجة النب‬

‫أ مر أ صحابه ‪ ،‬أن ل ن ل ي سق الدي أن ي ل من إحرا مه ب عد طوا فه ب ي ال صف والروة‬ ‫‪ -1‬أن الر سول‬


‫ويعل ها عمرة وقال ‪ ( :‬لو أ ن ا ستقبلت من أمري ما ا ستدبرت ل أ سق الدي ‪ .‬وجعلت ها عمرة ‪ .‬ف من كان‬
‫منكم ليس معه هدي فليحل ‪ .‬وليجعلها عمرة ) فقام سراقة بن مالك بن جشم فقال ‪ :‬يا رسول ال ! ألعامنا‬
‫أصابعه واحدة ف الخرى ‪ .‬وقال ‪ ( :‬دخلت العمرة ف الج )‪ 2‬مرتي‬ ‫هذا أم لبد ؟ فشبك رسول ال‬

‫من أساليب التشويق التي يستطيع المدرس تقديمها لطلبه ‪ ،‬هي تقسيم الفصل إلى مجموعتين أو فريقين ثم يقوم بطرح السئلة على‬ ‫‪1‬‬

‫الفريقين ويعطي درجات معينه على الجابات الصحيحة ‪ .‬ول شك أن هذه الطريقة ونحوها تدفع الطلب إلى التعلم لن فيها تشويقا وإثارة ‪.‬‬
‫وقس على ذلك ‪.‬‬

‫أصابعه واحدة في الخرى وقال ‪ :‬دخلت العمرة في الحج ) يقول النووي ‪ :‬واختلف العلماء في معناه‬ ‫في قوله ‪ ( :‬فشبك رسول ال‬ ‫‪2‬‬

‫على أقوال أصحها به قال جمهورهم معناه أن العمرة يجوز فعلها في أشهر الحج إلى بوم القيامة ‪ ،‬والمقصود به بيان إبطال ما كانت‬
‫الجاهلية تزعمه من امتناع العمرة في أشهر الحج ‪ ( .‬مسلم بشرح النووي ‪ .‬كتاب الحج ‪ .‬حديث ‪. )1216‬‬
‫‪61‬‬
‫المعـلم الول‬

‫ش بك ب ي أ صابعه ل يبي ويؤ كد على أن هذا ال كم‬ ‫( ل بل ل بد ال بد )‪ 1‬وو جه الدللة ه نا أن الر سول‬
‫مستمر للبد ‪ ،‬ول يفى ما ف هذه الركة من معان قوية ‪ ،‬تزيد الكلم تأكيدا ‪ ،‬وقوة إل قوة ‪.‬‬
‫ذكر يوم المعة فقال ‪ ( :‬فيه ساعة ل يوافقها عبد مسلم‬ ‫‪ -2‬عن أب هريرة رضي ال عنه أن رسول ال‬
‫وهو قائم يصلي ي سأل ال تعال شيئا إل أعطاه إياه ) وأشار بيده يقلل ها ( يزهدها )‪ 2‬وبتأمل هذا الديث ‪،‬‬
‫‪ ،‬وهو أن هذه الساعة أمرها يسي ف مقابل نيل‬ ‫أفادت معن جديدً زائدا على كلمه‬ ‫يتبي أن إشارته‬
‫أمر عظيم ‪ ،‬وهذا من فضل ال على عباده ‪ .‬قال الزين بن الني ‪ :‬الشارة لتقليلها هو للترغيب فيها والض‬
‫عليها ليسارة وقتها وغزارة فضلها‪. 3‬‬
‫ثاني ها ‪ :‬جذب النتباه وتر سيخ ب عض العا ن ف الذ هن ‪ :‬نل مس ذلك من الد يث ال سابق الذي ساقه‬
‫بالناس ف نرة يوم عرفة ‪ ،‬حيث بي لم ف‬ ‫جابر بن عبد ال رضي ال عنه ‪ ،‬وذلك عندما خطب النب‬
‫هذه الطبة أمورا كثية وعظيمة ‪ ،‬ث بعد أن بلغهم قال لم ‪:‬‬
‫‪ ( -1‬وأنتم تسألون عن ‪ .‬فما أنتم قائلون ؟ ) قالوا ‪ :‬نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت ‪ .‬فقال ‪ :‬بإصبعه‬
‫ال سبابة ‪ ،‬يرفع ها إل ال سماء وينكتها‪ 4‬إل الناس ( الل هم ! اش هد ‪ .‬الل هم ! اش هد ) ثلث مرات‪ 5‬ف في ر فع‬
‫ل صبعه إل ال سماء ث الشارة به إلي هم ‪ ،‬جذب لنظار الناس لذا ال مر الام والط ي و هو مقام‬ ‫الر سول‬
‫الشهادة على التبليغ‪. 6‬‬
‫‪ -2‬ذكر أبو العالية الباء ‪ ..‬تأخي ابن زياد الصلة ذكر ذلك لعبد ال بن الصامت فعض على شفتيه فضرب‬
‫ك ما‬ ‫فخدي وقال سألت أ با ذر ك ما سألتن فضرب فخذي ك ما ضر بت فخذك وقال سألت ر سول ال‬
‫سألتن فضرب فخذي كما ضربت فخذك وقال ‪ ( :‬صل الصلة لوقتها فإن أدركت الصلة معهم فصل ول‬
‫ت قل أ ن قد صليت فل أ صلي ) قال ف شرح م سلم ‪ :‬قوله فضرب فخذي أي للت نبيه وج ع الذ هن على ما‬

‫‪.‬‬ ‫‪ .‬أورده مسلم في كتاب الحج ‪ /‬باب حجة النبي‬ ‫حديث جابر الطويل في سياق حجة النبي‬ ‫‪1‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الجمعية ( والزيادة التي بين المعقوفتين هي عند المصنف في كتاب الدعوات ) ‪ /‬ومسلم في الجمعة ‪ /‬وأحمد في‬ ‫‪2‬‬

‫باقي مسند المكثرين ‪ /‬والترمذي في الجمعة ‪ /‬والنسائي في الجمعة ‪ /‬وأبو داود في الجمعة ‪ /‬وابن ماجه في إقامة الصلة والسنة فيها ‪/‬‬
‫ومالك في النداء للصلة ‪ /‬والدارمي في الصلة ‪.‬‬
‫فتح الباري ( كتاب الجمعة ح ‪) 935‬‬ ‫‪3‬‬

‫ورد في سنن أبي داود ( وينكبها ) بالباء الموحدة ‪ ،‬وكذلك ( وينكتها ) بالتاء المثناة ‪ .‬ومعنى ( ينكبها ) إي يقلبها ويردها على الناس‬ ‫‪4‬‬

‫مشيرا إليهم ‪ .‬ومعنى ( وينكتها ) أي يشير بها إلى الناس كالذي يضرب بها الرض ( عون المعبود ‪ .‬كتاب المناسك ‪ .‬باب ‪5/264 ( . 57‬‬
‫بتصرف يسير ) ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫مسلم ‪ .‬كتاب الحج ‪ .‬باب حج النبي‬ ‫‪5‬‬

‫لصبعه إلى السماء ‪ ،‬بيان جلي إلى أن ال سبحانه وتعالى في العلو ‪ ،‬وأنه منزه عن تخبيطات وأوهام الفلسفة ‪،‬‬ ‫وفي رفعه‬ ‫‪6‬‬

‫والتحادية والحلولية ومن نحى نحوهم ‪ .‬ولكنه سبحانه يهدي من يشاء بفضله ‪ ،‬ويضل من يشاء بعدله ‪ ،‬فلله الحمد والفضل والمنة ‪.‬‬
‫‪62‬‬
‫المعـلم الول‬

‫يقوله له‪. 1‬‬


‫ثالثها طلب الختصار ‪ :‬أما طلب الختصار فنأخذه من الديث التفق عليه الذي يرويه ابن عباس بقوله ‪:‬‬
‫‪ :‬أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ‪ :‬على البهة ‪ ،‬وأشار بيده إل النف ‪ ،‬واليدين‬ ‫‪ -1‬قال رسول ال‬
‫والركبت ي ‪ ،‬وأطراف القدم ي ) أل ترى أ نه قال أمرت أن أ سجد على سبعة أع ظم ث قال الب هة وأشار بيده‬
‫إل النف ‪ ،‬فهذا فيه بيان إل أن النف تابع للجبهة ‪ ،‬أي كأنما عضو واحد ‪ ،‬وفيه أيضا اختصار بديع ‪ ،‬إذ‬
‫استغن عن ذكر النف بالشارة إليه ‪ ،‬أل ترى أنه لو ل يشر إل النف لكان يتوجه أن يقال ‪ :‬البهة‬ ‫أنه‬
‫والنف ‪ ،‬فلما استخدمت الشارة على النف مع قوله البهة ‪ ،‬أغن ذلك عن ذكر النف ‪ .‬وال أعلم ‪.‬‬
‫سئل ف حجته فقال ‪ :‬ذبت قبل أن أرمي ‪ ،‬فأومأ بيده‬ ‫‪ -2‬عن أبن عباس ‪ -‬رضي ال عنهما ‪ -‬أن النب‬
‫قال ‪ :‬ول حرج ‪ .‬قال ‪ :‬حل قت ق بل أن أر مي ‪ ،‬فأو مأ بيده قال ‪ :‬ول حرج ‪ .‬قال ‪ :‬حل قت ق بل أن أذ بح‬
‫فأومأ بيده ‪ :‬ول حرج‪. 2‬‬
‫قال ‪ ( :‬يقبض العلم ‪ ،‬ويظهر الهل والفت ‪ ،‬ويكثر‬ ‫‪ -3‬وعن أب هريرة ‪ -‬رضي ال عنه ‪ -‬عن النب‬
‫الرج ) قيل ‪ :‬يا رسول ال وما الرج ؟ فقال ‪ :‬هكذا بيده فحرفها كأنه يريد القتل‪. 3‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬توظيف إياءات اليدين والرأس ف صال التعليم ‪.‬‬
‫(‪)2‬الشارات تف يد العلم ف الخت صار ‪ ،‬أو زيادة تأك يد على الكلم ‪ ،‬أو تر سيخ وتعم يق ب عض المور‬
‫الامة أو جذب انتباه السامع ‪ ،‬أو تساعد العلم ف التعبي عن بعض العان الت قد يتعذر على اللسان التيان‬
‫با ‪ .‬وغيها ‪.‬‬
‫(‪)3‬هناك وظائف كثية متعارف علي ها ‪ ،‬و هي معلو مة ل نا ب كم العادة ‪ ،‬كإشارة طلب ال سكوت ‪ ،‬أو‬
‫النفي ‪ ،‬أو طلب الجيء والنصراف ‪.‬‬
‫(‪)4‬إن ال سراف ف حر كة اليديفن ‪ ،‬مزعجفة للطالب ‪ ،‬ونقيضفه تعط يل هذه الو سيلة يفوت على العلم‬
‫وسائل مساعدة ف إيضاح بعض مواد الشرح ‪ .‬فكل قصد طرف المور ذميم ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [10‬استخدام الرسومات للتوضيح والبيان‬

‫في التنبيه وصراحته في التعليم ‪ )2/87( .‬ط ‪ .‬مكتبة الرياض ‪ /‬وهو‬ ‫ذكره ابن مفلح في الداب الشرعية وقال ‪ ( :‬فصل هدي النبي‬ ‫‪1‬‬

‫عند مسلم في كتاب المساجد ومواضع الصلة ‪ /‬وأحمد في مسند النصار ‪ /‬والترمذي في الصلة ‪ /‬والنسائي في المامة ‪ /‬وأبي داود في‬
‫الصلة ‪ /‬وابن ماجة في إقامة الصلة والسنة فيها ‪ /‬والدارمي في الصلة‪.‬‬
‫ساق البخاري هذا الحديث في كتاب العلم ‪ .‬باب من أجاب الفتيا بإشارة اليد والرأس ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫التخريج السابق ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪63‬‬
‫المعـلم الول‬

‫يتاج العلمون إل وسائل مساعدة ‪ ،‬تساعد العلم ف إيصال العلومات بشكل أفضل وأيسر ‪ ،‬ومن هذه‬
‫الوسائل ( السبورة ) حيث يتمكن العلم من دعم شرحه بالكتابة أو بالرسم على ( السبورة ) ونوها ‪ .‬ولك‬
‫أن تقارن بي معلم يمع بي الشرح والكتابة أو الرسم على( السبورة ) وبي معلم يقتصر على أسلوب اللقاء‬
‫ف قط ‪ .‬قطعا الول أك ثر إيضاحا للمع ن الراد بيا نه ‪ ،‬وأ سرع فهما‪ .‬وهذا أ مر ل يتاج إل تدل يل لثبا ته ‪.‬‬
‫ف بعض حدي ثه برسومات‬ ‫سبق التربية الدي ثة بأربعة عشر قرنا ح يث كان يدعم قوله‬ ‫والعلم الول‬
‫تقرب العن للذهان ‪ ،‬وتعي على الفظ ‪ .‬فمن ذلك ‪:‬‬
‫خطا مربعا ‪ ،‬وخط خطا ف الوسط خارجا منه ‪.،‬‬ ‫‪ -1‬عن ابن مسعود رضي ال عنه قال ‪ :‬خط النب‬
‫و خط خططا صغارا إل هذا الذي ف الو سط من جان به الذي ف الو سط ‪ ،‬فقال ‪ ( :‬هذا الن سان ‪ ،‬وهذا‬
‫أجله ميطا به ‪ -‬أو قد أحاط به ‪ -‬وهذا الذي هو خارج أمله ‪ ،‬وهذه الطط الصغار العراض ‪ ،‬فإن أخطأه‬
‫هذا ‪ ،‬نشه هذا ‪ ،‬وإن أخطأه هذا نشه هذا )‪ 1‬وهذه صورته‪: 2‬‬

‫الجل‬
‫المل‬

‫العراض‬

‫خطا بيده ث قال ‪ ( :‬هذا سبيل ال‬ ‫‪ -2‬و عن ع بد ال بن م سعود ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬خط ر سول ال‬
‫مستقيما ) وخط عن يينه وشاله ث قال ‪ ( :‬هذه السبل ليس منها سبيل إل عليه شيطان يدعو إليه ) ث قرأ‬
‫‪3‬‬
‫( وأن هذا صراطي مستقيما فأتبعوه ول تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله )‬
‫وبعد ‪ .‬فإننا نضيف أمورا أخرى ‪ ،‬وهي ‪ )1( :‬أن يراعي العلم وضوح الادة الكتوبة أو الرسومة ‪ )2 ( .‬أن‬
‫يتأ كد من أن ج يع الطلب يشاهدون الادة الكتو بة أو الر سومة وإزالة ج يع العوائق ال ت ت نع ذلك ‪)3( .‬‬
‫استخدام اللوان وتنويعها لذب النتباه ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)5‬دعم الشرح بالرسومات والكتابة ‪ ،‬يزيد الشرح قوة إل قوة ‪.‬‬
‫رواه البخاري في كتاب الرقاق ‪ /‬وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة ‪ /‬والترمذي في صفة القيامة ‪ /‬وابن ماجه في الزهد والدارمي‬ ‫‪1‬‬

‫في الرقاق ‪.‬‬


‫هذا الرسم كما ورد في رياض الصالحين للنووي (ص ‪ )220‬ط دار عالم الكتب ‪ .‬وانظر فتح الباري ( كتاب الرقاق ‪ -‬ح ‪ -6417‬ج ‪)11‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪.‬‬ ‫حيث أورد الحافظ رسومات مختلفة في بيان صفة هذه الخطوط التي رسمها النبي‬
‫رواه المام أحمد في مسند المثرين من الصحابة ‪ /‬والدارمي في المقدمة ‪ .‬وقال ابن كثير في تفسيره ‪ :‬وكذا رواه الحاكم ‪ ..‬وقال صحيح‬ ‫‪3‬‬

‫ولم يخرجاه ‪ ( .‬النعام ‪. ) 153‬‬


‫‪64‬‬
‫المعـلم الول‬

‫(‪)6‬الرسومات والكتابات مع الشرح ‪ ،‬تساعد ف إيصال العلومة بشكل سريع ‪.‬‬


‫(‪)7‬يب أن تكون الكتابة والرسومات واضحة يراها جيع الطلب ‪ ،‬مع مراعاة إزالة الواجز الت قد تعيق‬
‫رؤية الطلب لا ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬

‫‪1‬‬
‫]‪ [11‬توضيح السائل الهمة عن طريق التعليل‬
‫قد تغلق بعض السائل على الطالب ‪ ،‬ويتار فيها ول يد تفسيا لا أو فكا لرموزها ‪ ،‬وعندئذ يأت دور‬
‫العلم ف بيان ما أش كل على الطالب وأغلق عل يه ‪ .‬و من ذلك ا ستخدام أ سلوب التعل يل ‪ ،‬أي بيان ال سباب‬
‫والعلل الت جعلت هذه السألة أو هذا الكم على هذه الصورة ‪ .‬والتعليل يل رموز السائل الشكلة ‪ ،‬ويدخل‬
‫على النفس الراحة ‪ ،‬ويكسبها الطمأنينة ‪ ،‬هذا بالضافة إل رسوخ السألة ف الذهن وصيانتها عن النسيان ‪،‬‬
‫لن حفظ ما علم علته وسببه أيسر من جهلت علته وسببه ‪ .‬وبالثال يتضح الال ‪:‬‬
‫قال ‪ ( :‬إذا و قع الذباب ف إناء أحد كم فليغم سه كله ث‬ ‫‪ -1‬عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه أن ر سول ال‬
‫الكمة من غمس‬ ‫ليطرحه ‪ ،‬فإن ف إحدى جناحيه داء وف الخر شفاء )‪ 2‬ففي هذا الديث بي النب‬
‫الذبابة جيعها ف الناء أو الشراب ‪ ،‬وعللها بأ‪ ،‬ف أحد جناحي الذبابة داء وف الخر شفاء ‪ .‬ولو أن الديث‬
‫ل ميا ‪ ،‬ولكن لا جاء هذا التعليل بان لنا سبب الغمس والطرح‪. 3‬‬
‫جاء هكذا بدون تعليل منه ‪ ،‬لصبح مشك ً‬
‫‪ :‬أن ينحر إبلً ببوانة‪ 4‬؟ فقال النب ‪:‬‬ ‫‪ -2‬عن ثابت بن الضحاك ‪ ،‬قال ‪ :‬نذر رجل على عهد رسول ال‬
‫( هل كان فيها وثن من أوثان الاهلية يعبد ) ؟ قالوا ‪ :‬ل! قال ‪ ( :‬هل كان فيها عيد من أعيادهم ) ؟ قالوا ‪:‬‬
‫‪5‬‬
‫‪ ( :‬أوف بنذرك ‪ ،‬فإ نه ل وفاء لنذر ف مع صية ال ‪ ،‬ول في ما ل يلك ا بن آدم )‬ ‫ل! قال ر سول ال‬
‫أن عليه نذرا ف مكان يقال له بوانة ‪ ،‬فلما عي ذلك الرجل الكان‬ ‫وهذا الديث فيه أن الرجل سأل النب‬

‫عقد ابن القيم فصلً ساق فيه بعض ما ورد في السنة من تعليل الحكام ‪ .‬فارجع إليه إن شئت ‪ ( .‬أعلم الموقعين ‪1/152‬ط ‪ .‬دار الكتب‬ ‫‪1‬‬

‫العلمية ) ‪.‬‬
‫رواه البخاري في كتاب الطب ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬وأبو داود في الطعمة ‪ /‬وابن ماجة في الطب والدارمي في الطعمة ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫وعند أحمد (‪ )9428‬زيادة ( وإنه يقدم الداء ) ‪ ،‬وعند أبي داود (‪ ( )3844‬وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء فليغمسه كله ) ‪.‬‬
‫رد هذا الحديث طائفة من الناس ‪ -‬ل كثرهم ال ‪ -‬زاعمين أن العقل يحيله ويأباه ‪ ،‬مع أن هذا الحديث ثابت صحيح وهو عند البخاري‬ ‫‪3‬‬

‫وغيره كما ترى ‪ ،‬وقد أجمعت المة على تلقي كتاب البخاري ومسلم بالقبول ‪ ،‬والمة ل تجتمع على ضللة ‪ .‬ومع ذلك رد هذا الحديث‬
‫وغيره من الحاديث بدعوى أن العقل يحيله ‪ .‬فسبحان ال العظيم! كيف تنتكس الفطر فتقدم العقل القاصر على النص الثابت عن نبينا عليه‬
‫أفضل الصلة وأتم التسليم ‪.‬‬
‫بوانة ‪ :‬موضع وراء ينبع ‪ .‬وفي أسفل مكة مكان بهذا السم وليس هو المقصود ‪ .‬قاله اللباني في صحيح أبي داود ‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه أبو داود ‪ /‬كتاب اليمان والنذور ‪ ،‬باب ما يؤمر به من الوفاء بالنذر ‪ .‬وقال اللباني صحيح ‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪65‬‬
‫المعـلم الول‬

‫عن سبب ذلك فسأله هل كان فيها وثن من أوثان الاهلية ‪ ،‬وهل كان فيها عيد من‬ ‫استفسر منه النب‬
‫ف وفائه بنذره‬ ‫أعيادهم ‪ ،‬فلما قالوا ‪ :‬ل ‪ ،‬وانتفى الحذور من أن يكون الكان مكان معصية ‪ ،‬أذن له النب‬
‫‪ ،‬ث علل ذلك بقوله ‪ ( :‬فإ نه ل وفاء لنذر ف مع صية ال ) أي إن نذر الع صية ل يوز إمضاؤه ‪ .‬وأ نت ترى‬
‫ل يعلل ‪ ،‬لسأل سائل ‪ ،‬ما‬ ‫عن ذلك الكان ‪ ،‬فلو أن النب‬ ‫كيف جاء هذا التعليل بيانا لستفسار النب‬
‫عن ذلك الوقع ؟ ولكن لا جاء التعليل وضح القصود وأزال التوهم ‪.‬‬ ‫هو القصود من استفسار النب‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬أسلوب التعليل يوضح ما صعب على الطالب فهمه ‪ ،‬وما أشكل عليه ‪.‬‬
‫(‪)2‬أسلوب التعليل يبعث ف النفس الطمأنينة ‪ ،‬ويقر العن للذهن ‪.‬‬
‫(‪)3‬أسلوب التعليل ‪ ،‬سبب ف رسوخ العلومات ف ذهن الطالب ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [12‬ترك استخراج الواب للمتعلم‬
‫إن ترك العلم الطالب يستخرج الواب بنفسه ‪ ،‬وسيلة نافعة ف إعمال الذهن ‪ ،‬وتريضه على التفكي‬
‫والدلء بالواب ‪ .‬ويكفي هذه الطريقة فائدة ‪ ،‬أنا شحذت الذهن والواس ‪ ،‬وجعلتها تبحث جاهدة للعثور‬
‫على الواب الطلوب ‪ ،‬وهذا ف حد ذاته تقدما ومكسبا ينضاف إل رصيد الطالب ‪ .‬بيان ذلك ‪ ،‬بأن يطرح‬
‫العلم م سألة معي نة ‪ ،‬ث يقرب ا ل م ويترك الواب أو ال كم النهائي ل م ‪ .‬و قد تكون هذه ال سألة الطرو حة‬
‫تستلزم جوابا من الطالب ‪ ،‬وقد ل تستلزم ذلك ولكنها تتطلب إعمالً ذهنيا وشحذا فكريا ‪ .‬وإليك المثلة ‪:‬‬
‫( يصبح على كل سلمي‪ 1‬من ابن آدم صدقة تسليمه على‬ ‫‪ -1‬عن أب ذر رضي ال عنه قال ‪ :‬قال النب‬
‫من لقي صدقة ‪ ،‬وأمره بالعروف صدقه ‪ .‬ونيه عن النكر صدقه ‪ ،‬وإماطة الذى عن الطريق صدقة ‪ ،‬وبضعة‬
‫أهله صدقه‪ ، 2‬ويزئ من ذلك كله ركعتان من الض حي ) ‪ ( ..‬قالوا ‪ :‬يا ر سول ال أحد نا يق ضي شهو ته‬
‫‪3‬‬
‫وتكون له صدقة ؟ قال ‪ :‬أرأيت لو وضعها ف غي حلها أل يكن يأث ؟ )‬
‫ف الديث ‪ ،‬أرأيت لو وضعها ف غي حلها أل يكن يأث ؟ ‪ .‬فالواب وإن كان مسكوتا عنه ‪،‬‬ ‫وقول النب‬
‫فهو إن وضعها ف غي حلها أل يكن يأث ؟ ‪ .‬فالواب وإن كان مسكوتا عنه ‪ ،‬فهو إن وضعها ف حلها فهو‬
‫له صدقة ‪ .‬أليس هذا إعما ًل للذهن ؟‬
‫فقال ‪ :‬إن امرأ ت ولدت غلما‬ ‫‪ -2‬عن أ ب هريرة ر ضي ال ع نه قال ‪ :‬جاء ر جل من ب ن فزارة إل ال نب‬

‫السلمي ‪ :‬أصله عظام الصابع وسائر الكف ثم استعمل في جميع عظام البدن ومفاصله ‪ ..‬قال الخطابي ‪ :‬إن كل عضو ومفصل من بدنه‬ ‫‪1‬‬

‫عليه صدقة ‪ ( .‬عون المعبود ‪. ) 4/117‬‬


‫قوله ‪ ( :‬وبضعة أهل صدقة ) البضع بضم الباء هو الجماع ‪ ،‬والمعنى مباشرته مع أهله ‪ ( .‬عون المعبود ‪. )4/117‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه أبو داود برقم (‪ . )1285‬وقال عنه اللباني صحيح ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪66‬‬
‫المعـلم الول‬

‫‪ ( :‬هل لك من إبل ؟ ) قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال ‪ ( :‬فما ألوانا ؟ ) قال ‪ :‬حر ‪ .‬قال ‪ ( :‬فهل‬ ‫أسود ‪ .‬فقال النب‬
‫فيها من أورق‪ 1‬؟ ) قال ‪ :‬إن فيها أورقا ‪ .‬قال ‪ ( :‬فأن أتاها ذلك ؟ ) قال ‪ :‬عسى أن يكون نزعه عرق ‪ .‬قال‬
‫‪3 2‬‬
‫‪ ( :‬وهذا عسى أن يكون نزعه عرق‬
‫حاوره وقرب إليه السألة حت أجاب السائل بقوله ‪ :‬عسى‬ ‫وعند التأمل لذا الديث نرى كيف أن النب‬
‫أن يكون نزعه عرق ‪ .‬ول شك أن هذه الطريقة تتطلب براعة من العلم ‪ ،‬وحسن اختيار للمسائل الطروحة ‪،‬‬
‫ومراعاة البساطة والسهولة فيها ‪ ،‬وتقريبها للذهن بذكر القرائن والحوال الصاحبة ونو ذلك ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬استخراج الطالب الجابة بنفسه من السألة ‪ ،‬طريقة مفيدة ونافعة ف إعمال الذهن ‪ ،‬وشحذ الفكر ‪.‬‬
‫(‪)2‬قد تستلزم السألة الطروحة إجابة من الطالب ‪ ،‬وقد ل تستلزم ذلك ‪.‬‬
‫(‪)3‬هذه الطريقة تتطلب براعة من العلم ‪ ،‬وحسن اختيار للمثلة ‪.‬‬
‫(‪)4‬كلما كانت السألة الطروحة ‪ ،‬سهلة ‪ -‬ليست من النوع الت تصعب على الذهن ‪ -‬كان ذلك أدعى‬
‫لصول القصود ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [13‬استخدام التكرار ف التعليم‬
‫إن استخدام أسلوب التكرار ف التعليم له فوائد عظيمة النفع منها ‪:‬‬
‫التأكيد على مسألة مهمة ‪ ،‬أو حكم هام ‪ ،‬ومنها تنبيه الغافل ومن به نعاس ونوه ‪ ،‬ومنها حفظ الشيء الكرر‬
‫‪ ،‬قال ابن التي ‪ :‬فيه أن الثلث‬ ‫‪ .‬والقتصار على ثلث مرات ‪ ،‬أمر قد تكر كثيا ف أحاديث الصطفي‬
‫غاية ما يقع به العتذار والبيان ‪ .‬أهف ‪ .‬ومن تأمل ذلك وجده كما قال ‪ .‬وقد يزاد على الثلث للحاجة كما‬
‫قريبا ‪ .‬والتكرار قد يكون ف الكلمات وال مل ‪ ،‬و قد يكون ف ال ساء ‪ ،‬و قد‬ ‫ستراه من قول الر سول‬
‫يكون ف غيها ‪.‬‬
‫فأولً ‪ :‬تكرار الكلمات ‪:‬‬
‫أنه كان إذا تكلم بكلمة أعادها ثلثا حت تفهم عنه ‪،‬‬ ‫‪ -1‬عن أنس بن مالك رضي ال عنه عن النب‬
‫وإذا أتى على قوم فسلم عليهم سلم عليهم ثلثا‪ . 4‬وعند الترمذي من حديث أنس ‪ ( :‬كان رسول ال‬

‫قال النووي في شرحه لمسلم ‪ .‬الورق ‪ :‬هو الذي فيه سواد ليس بصاف ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫قوله ‪ ( :‬لعله نزعه عرق ) أي لعله في أصولك أو في أصول امرأتك من يكون في لونه أسود فأشبهه واجتذبه إليه وأظهر لونه عليه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫قاله المباركفوري ‪ ،‬في شرحه لسنن الترمذي ‪ /‬باب الولء والهبة ‪. ) 6/272 ( .‬‬
‫تقدم تخريجه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه البخاري في كتاب العلم ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬والترمذي في الستئذان والدب ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪67‬‬
‫المعـلم الول‬

‫يعيد الكلمة ثلثا لتعقل عنه )‪. 1‬‬


‫) يكرر الكلم ثلثا إذا اقتضـي القام ذلك لصـعوبة العنـ أو‬ ‫قال الباركفوري‪ : 2‬والراد أنـه كان (‬
‫غرابته أو كثرة السامعي ل دائما فإن تكرير الكلم من غي حاجة لتكريره ليس من البلغة كذا ف شرح‬
‫‪ .‬أهـ‪.‬‬ ‫الشمائل للبيجوري ( وقوله ) ( لتعقل عنه ) بصيغة الجهول أي لتفهم تلك الكلمة عنه‬
‫‪ ( :‬أل أنبئكم بأكب الكبائر‬ ‫‪ -2‬عن عبد الرحن بن أب بكرة عن أبيه رضي ال عنه قال ‪ :‬قال النب‬
‫( ثلثا ) ؟ قالوا ‪ :‬بلى يا ر سول ال ‪ .‬قال ‪ :‬الشراك بال ‪ ،‬وعقوق الوالد ين ‪ -‬وجلس وكان متكئا فقال ‪-‬‬
‫أل وقول الزور ‪ .‬قال ف ما زال يكرر ها ح ت قل نا لي ته سكت‪ 3‬قال الا فظ ع ند قوله ‪ ( :‬ثلثا ) أي قال ل م‬
‫ذلك ثلث مرات ‪ ،‬وكرره تأكيدا لينتبه السامع على إحضار فهمه‪. 4‬‬
‫‪ ،‬عندما قتل الذي قال ل إله إل ال ف إحدى‬ ‫‪ -3‬ومن ذلك أيضا قصة أسامة بن زيد بن حارثة مع النب‬
‫‪ ،‬قال فقال ل ‪ :‬يا أ سامة أقتل ته بعدما قال ل‬ ‫الغزوات متأو ًل ‪ ،‬قال أ سامة ‪ ( ..‬فل ما قدم نا بلغ ذلك ال نب‬
‫إله إل ال ؟ قال قلت ‪ :‬يا ر سول ال إ نه إن ا كان متعوذا ‪ ،‬قال ‪ :‬قتل ته بعد ما قال ل إله إل ال ؟ قال ‪ :‬ف ما‬
‫زال يكررهـا علي حتـ تنيـت أنـ ل أكـن أسـلمت قبـل ذلك اليوم )‪ 5‬قال القرطـب ‪ :‬فف تكريره ذلك‬
‫والعراض عن قبول العذر زجر شديد عن القدام على مثل ذلك ‪ .‬أهف‪. 6‬‬
‫ثانيا ‪ :‬تكرار السم ‪:‬‬
‫‪ -‬ومعاذ ردي فه على الر حل ‪ -‬فقال ‪ :‬يا معاذ بن ج بل ‪ .‬قال ‪ :‬لب يك يا‬ ‫‪ -1‬عن أ نس بن مالك أن ال نب‬
‫ر سول ال و سعديك ‪ .‬قال ‪ :‬يا معاذ ‪ ،‬قال ‪ :‬لب يك يا ر سول ال و سعديك ( ثلثا ) ‪ .‬قال ‪ ( :‬ما من أ حد‬
‫يشهد أن ل إله إل ال وأن ممدا رسول ال صدقا من قلبه إل حرمه ال على النار ) ‪ ،‬قال يا رسول ال أفل‬
‫أخب به الناس فيسبشروا ؟ قال ‪ :‬إذا يتكلوا ‪ .‬وأخب با معاذ عند موته تأثا‪ . 7‬وف هذا الديث نلحظ تكرار‬
‫لعاذ بن ج بل ثلث مرات ‪ ،‬وال سر ف ذلك وال أعلم هو تيئة معاذ لل خب العظ يم الذي‬ ‫منادة الر سول‬
‫سوف يمله ‪ ،‬ويدلك على ذلك قول معاذ ف الد يث أفل أ خب الناس في ستبشروا ؟ فإن ف يه دللة واض حة‬
‫على ع ظم هذا الد يث وجللة قدره ‪ ،‬ل ا ف يه من البشرى العظي مة ‪ .‬ونرج من هذا الد يث ‪ ،‬أن العلم إذا‬
‫أراد أن ي بث خبا هاما ل حد طل به أن يناد يه با سه ثلث مرات ‪ ،‬ث يل قي إل يه ال ب ‪ ،‬و قس على ذلك لو‬
‫الترمذي ‪ .‬تحفة الحوذي ‪ .‬أبواب المناقب ‪ /‬باب ‪. 40‬‬ ‫‪1‬‬

‫المصدر السابق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫( بتصرف من الفتح ‪ .‬كتاب الشهادات ‪،5/309‬‬ ‫وكراهية لما يزعجه ‪ .‬ومحبتهم له‬ ‫في قول الراوي ليته سكت ‪ :‬أي شفقة عليه‬ ‫‪3‬‬

‫‪ / )311‬وهو عند مسلم في اليمان ‪ /‬وأحمد في مسند البصريين‪ /‬والترمذي في البر والصلة ‪.‬‬
‫فتح الباري ‪ .‬كتاب الشهادات (‪. )311 ،5/309‬‬ ‫‪4‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الديات ‪ /‬ومسلم في اليمان ‪ /‬وأحمد في مسند النصار ‪ /‬وأبو داود في الجهاد ‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫فتح الباري ‪ /‬كتاب الديات (‪. )12/203‬‬ ‫‪6‬‬

‫رواه البخاري في كتاب العلم ‪ /‬ومسلم في اليمان ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫‪68‬‬
‫المعـلم الول‬

‫كانوا جاعة فله أن يناديهم بالسم الذي يمعهم ‪ ،‬كأن يقول ‪ :‬يا طلب ( ثلثا ) أو نوا من ذلك ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬التكرار ثلثا غاية ما يصل به البيان ‪ ،‬ولكن قد يزاد فوق الثلث للحاجة ‪.‬‬
‫(‪)2‬التكرار وسيلة ناجعة ف حفظ العلومات ‪ ،‬وف التركيز على النقاط الامة ‪.‬‬
‫(‪)3‬تكرار السم يعل النادي يتهيأ لستقبال الب ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [14‬استخدام أسلوب التقسيم ف التعليم‬
‫هذا أ سلوب عزيز‪ 1‬وجودة ع ند العلم ي وقل يل هم الذ ين ي ستخدمونه أثناء طرح هم لواد هم العلم ية ‪،‬‬
‫وأعن بأسلوب التقسيم ‪ ،‬أن يعمد العلم إل دراسة الادة العلمية الت يراد طرحها على الطلب ‪ ،‬ث يقسمها‬
‫إل أق سام أو مرا تب أو فقرات أو نقاط ‪ -‬سها ما شئت ‪ -‬ث يقوم بطرح ها على الطلب ‪ .‬ول يفى ما ف‬
‫هذه الطريقة من فائدة عظيمة للطالب ‪ ،‬إذ إن ا ت عل الطالب يلم بأطراف الوضوع ‪ ،‬وتعله ي فظ العلومات‬
‫ويستوعبها بشكل سريع ‪ ،‬هذا بالضافة إل صيانة العلومات وحفظها من النسيان ‪ .‬فإذا نسي الطالب معلومة‬
‫منها ث تذكر أن عددها كذا ‪ ،‬أو أقسامها كذا ‪ ،‬كان ذلك معينا ل سترجاع العلومة الفقودة ‪ .‬ولعل الذي‬
‫يطالع الكتب الفقهية ‪ ،‬يرى أنواعا عديدة من التقسيمات ‪ ،‬فهناك شروط ‪ ،‬وواجبات ‪ ،‬وأركان ‪ ،‬ومظورات‬
‫‪ ..‬إل ‪ .‬و كل هذه التق سيمات ل يرد ب ا نص عن الع صوم عل يه ال صلة وال سلم ‪ ،‬وإناف وضع ها العلماء‬
‫والفقهاء ‪ -‬رحهم ال ‪ -‬من أجل تقريب العلم لطالبيه ‪ ،‬وحصر مواده ‪ ،‬وجع متفرقاته ‪ ،‬فيسهل على مريده‬
‫حفظه ومراجعته‪. 2‬‬
‫يفعل مثل ذلك ‪:‬‬ ‫ولقد كان النب‬

‫قال ‪ :‬سبعة يظلهم ال ف ظله يوم ل ظل إل ظله ‪ ،‬المام‬ ‫‪ -1‬عن أب هريرة رضي ال عنه ‪ ،‬عن النب‬
‫العادل ‪ ،‬وشاب نشأ ف عبادة ربه ‪ ،‬ورجل قلبه معلق ف الساجد ‪ ،‬ورجلن تابا ف ال اجتمعا عليه وتفرقا‬
‫عل يه ‪ ،‬ور جل طلب ته أمرأة ذات من صب وجال فقال إ ن أخاف ال ‪ ،‬ور جل ت صدق ب صدقة فأخفا ها ح ت ل‬
‫تعلم شاله ما تنفق يينه ‪ ،‬ورجل ذكر ال خاليا ففاضت عيناه‪. 3‬‬
‫‪ :‬أربع من كن فيه كان منافقا خالصا ‪ ،‬ومن‬ ‫‪ -2‬وعن عبد ال بن عمرو بن العاص رضي ال عنهما قال‬
‫كانت فيه خصلة منهم كانت فيه خصلة من النفاق حت يدعها ‪ ،‬إذا أؤتن خان ‪ ،‬وإذا حدث كذب ‪ ،‬وإذا‬

‫أي نادر‬ ‫‪1‬‬

‫اعتقد البعض أن هذا التقسيم الذي وضعه العلماء والفقهاء من البدع المحدثة في الدين وهذا غلط ‪ ،‬والصواب ما ذكرناه ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الذان ‪ /‬ومسلم في الزكاة ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬والترمذي في الزهد ‪ /‬والنسائي في آداب القضاة ‪/‬‬ ‫‪3‬‬

‫ومالك في الجامع ‪.‬‬


‫‪69‬‬
‫المعـلم الول‬

‫عاهد غدر ‪ ،‬وإذا خاصم فجر‪. 1‬‬


‫كثية جدا ‪ ،‬ولو ذهبنا نستقصي بعضها ‪ ،‬لطال بنا القام ‪ ،‬وفيما ذكرنا غنية‬ ‫والخبار ف ذلك عن النب‬
‫وكفاية ‪.‬‬
‫ل ث يفصل ف ذلك ‪ ،‬ول‬
‫يذكر العدد مم ً‬ ‫‪ ،‬لوجدنا أن النب‬ ‫ث لو دققنا النظر ف حديث النب‬
‫شك أن هذه الطري قة أ شد جذبا للن فس ‪ ،‬وأح سن ترتيبا و سياقا ‪ .‬والعلمون ينب غي علي هم أن ي سلكوا هذا‬
‫السبيل ‪ ،‬إن أرادوا أن ييسروا العلم ويذللوه لطلبم ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬إن أسلوب التقسيم ‪ ،‬معي على حفظ العلومات ‪ ،‬ويصونا من النسيان ‪.‬‬
‫(‪)2‬إن هذه الطريقة تستلزم من العلم دقة ومهارة ‪.‬‬
‫(‪)3‬يفضل عند استخدام هذه الطريقة ‪ ،‬استخدام أسلوب الجال ث التفصيل ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [15‬استخدام أسلوب الستفهام أثناء التعليم‬
‫يتاج العلم ف جذبه لنتباه الطالب إل وسائل متعددة ‪ ،‬وطرق متباينة ‪ ،‬ول بد للمعلم من التنويع بي‬
‫وسائل الذب لكي ل يألف الطالب طريقة معينة فيعتادها ‪ ،‬ث ل تدث لديه أثرا بكم العتياد ‪ .‬ومن وسائل‬
‫الذب الت يتاجها العلم ‪ ،‬هو استخدام أسلوب الستفهام بي يدي الديث ‪ ،‬أو ف منتصف الديث لذب‬
‫انتباه الطالب وحثه على استحضار الذهن ‪ .‬يبي ذلك الديث التفق عليه ‪:‬‬
‫‪ ( :‬أل أنبئكـم بأكـب الكبائر‪ 2‬؟ قلنفا بلى يفا رسفول ال ‪ .‬قال ‪ ( :‬الشراك بال ‪،‬‬ ‫‪ -1‬قال رسفول ال‬
‫وعقوق الوالدين ‪ ..‬الديث ) فف (أل) أداة استفهام للتنبيه ‪ ،‬والتحضيض لضبط ما يقال وفهمه على وجهه‪.3‬‬
‫بن ف حجة الوداع أنه قال ‪ :‬أي يوم هذا ؟ فسكتنا حت ظننا أنه سيسميه سوى اسه‬ ‫‪ -2‬ف خطبة النب‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬أليس يوم النحر؟ قلنا ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فأي شهر هذا ؟ فسكتنا حت ظننا أنه سيسميه بغي اسه ‪ ،‬فقال‬
‫‪ :‬أليس بذي الجة ؟ قلنا ‪ :‬بلى ‪ :‬قال ‪ :‬فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام كحرمة يومكم هذا ‪،‬‬
‫عن الثلثة‪ 5‬وسكوته بعد كل سؤال‬ ‫ف شهركم هذا ‪ ،‬ف بلدكم هذا ‪ ..‬الديث )‪ 4‬قال القرطب ‪ :‬سؤاله‬
‫منها كان ل ستحضار فهومهم ‪ ،‬وليقبلوا عليه بكليتهم ‪ ،‬وليستشعروا عظمة ما يبهم عنه ‪ ،‬ولذلك قال بعد‬

‫رواه البخاري في كتاب اليمان ‪ /‬ومسلم في اليمان ‪ /‬وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة ‪ /‬والترمذي في اليمان ‪ /‬والنسائي في‬ ‫‪1‬‬

‫اليمان وشرائعه ‪ /‬وأبو داود في السنة ‪.‬‬


‫ورد في بعض الروايات أنه قال ذلك ثلثا ( الفتح ‪ :‬كتاب الشهادات حديث رقم ‪ . )2654‬وفي هذه الرواية حصلنا على وسيلتين للتنبيه‬ ‫‪2‬‬

‫وجذب انتباه السامع ‪ ،‬التكرار ‪ ،‬والستفهام ‪.‬‬


‫دراسات في الحديث النبوي ‪ .‬د‪ /‬محمد لقمان العظمي الندوي ‪.‬ص ‪. 192‬‬ ‫‪3‬‬

‫رواه البخاري في كتاب العلم ‪/‬ومسلم في القسامة والمحاربين ‪ /‬وأحمد في مسند البصريين ‪ /‬والدرامي في المناسك ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪70‬‬
‫المعـلم الول‬

‫هذا ‪ :‬فإن دماءكم ‪ ..‬ال ‪ ،‬مبالغة ف تري هذه الشياء ‪ .‬أ هف ‪.‬‬
‫‪ -3‬عن أب هريرة رضي ال عنه أن الناس قالوا يا رسول ال هل نرى ربنا يوم القيامة ؟ فقال رسول ال ‪:‬‬
‫هل تضارون‪ 1‬ف القمر ليلة البدر ؟ قالوا ‪ :‬ل يا رسول ال ‪ ،‬قال ‪ :‬فهل تضارون ف الشمس ليس دونا‬
‫سحاب ؟ قالوا ‪ :‬ل يا رسول ال ‪ ،‬قال فإنكم ترونه كذلك يمع ال الناس يوم القيامة ‪ ،‬فيقول من كان يعبد‬
‫شيئا فليتبعه ‪ ..‬الديث )‪. 2‬‬
‫واللحظ ف المثلة السابقة أن الرسول ل يعي شخصا بعينه ‪ ،‬للجابة على السئلة الطروحة ‪ ،‬بل‬
‫كا نت عبارا ته ب صيغة ال مع غالبا وهذا يفيد نا ف أن العلم ينب غي عل يه أن يطرح ال سؤال أولً ل كي يشترك‬
‫الطلب جبع هم ف إياد جواب لل سؤال الطروح ‪ ،‬ث إ نه من ال ستحسن للمعلم أن يترك وقتا منا سبا ق بل‬
‫الشروع ف ساع إجابة الطالب ‪ ،‬وذلك لن قدرات الطلب العقلية تتلف وتتباين من فرد لخر ‪ ،‬فبعضهم‬
‫سريع استحضاره وبعضهم دون ذلك براحل ‪ .‬وبذا يتبي لك خطأ ما يفعله بعض العلمي من سؤال طلبم‬
‫حسب قائمة معينة من الساء ‪ ،‬أو حسب ترتيبهم ف مقاعد الصف ‪ ،‬لن هذه الطريقة تعل الطلب الخرين‬
‫الذين ل يقع عليهم الختيار ل يتكلفون عناء البحث عن الجابة اكتفاء بتعيي الطالب من قبل معلمهم ‪.‬‬
‫نعم قد يسأل العلم بعض طلبه ف حالت معينة كأن يريد العلم أن يفاجئ طالبا معينا ‪ ،‬ليستخب حاله ‪ ،‬أو‬
‫لينبهه من غفلته ونو ذلك ‪.‬‬
‫سأل ب عض آحاد ال صحابة ف م سائل متفر قة ‪ ،‬وهذا مله ما إذا كان ال نب‬ ‫و قد ورد أن ال نب‬
‫منفردا بذلك الصحاب ‪ ،‬كما جاء ذلك مع معاذ رضي ال عنه ‪:‬‬
‫عن أ نس بن مالك أن ال نب ‪ -‬ومعاذ ردي فه على الر حل ‪ -‬فقال ‪ :‬يا معاذ بن ج بل ‪ .‬قال ‪ :‬لب يك يا‬
‫‪3‬‬
‫رسول ال وسعديك ‪ .‬قال ‪ :‬يا معاذ ‪ .‬قال ‪ :‬لبيك يا رسول ال وسعديك (ثلثا ) ‪ .‬قال ‪ ..‬الديث ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬أسلوب الستفهام ‪ ،‬أسلوب فعال ف جذب انتباه السامع ‪ ،‬وتيئته لا سيلقى عليه ‪.‬‬
‫(‪)2‬قد يكون الستفهام ف أول الديث ‪ ،‬وقد يكون ف أثنائه ‪ ،‬بسب ما تقتضيه الاجة ‪.‬‬
‫(‪)3‬على العلم أن يطرح السؤال على طلبه بشكل عام ث يترك وقتا كافيا ل ستحضار الواب ‪ ،‬ث يعي‬
‫الطالب الذي سوف يقوم بالجابة على السؤال ‪.‬‬

‫( فأي بلد هذا ؟ ) ولهذا يشير‬ ‫في كتاب المغازي للبخاري حديث رقم (‪ )4406‬ذكر الراوي زيادة لم ترد في هذا الحديث وهي قوله‬ ‫‪5‬‬

‫عن الثلثة ‪...‬‬ ‫القرطبي بقوله ‪ :‬سؤاله‬


‫ل تضارون ‪ :‬أي ل يحتاج أن ينظم بعضكم بعضا ‪ ،‬ول تتزاحمون ول يلحقكم ظلم في عدم رؤيتكم ربكم ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه البخاري في كتاب التوحيد ‪ /‬ومسلم في كتاب اليمان ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين والدارمي في الرقاق ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫تقدم تخريجه ‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪71‬‬
‫المعـلم الول‬

‫(‪)4‬عدم تعيي طالب بعينه ‪ ،‬قبل طرح السؤال ‪ ،‬لن ذلك يلغي مشاركة الطلب الخرين الذهنية اكتفاءً‬
‫بتعيي زميلهم ‪.‬‬
‫(‪)5‬للمعلم أن يعي طالبا بعينه قبل طرح السؤال لالت خاصة ‪ ،‬كإرادة العلم معرفة قدرة الطالب على‬
‫الستجابة السريعة ‪ ،‬أو تنبيه طالب من غفلة أو نوم ونوه ‪ ،‬ولكن ل يتخذ العلم هذه عادة له ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [16‬طرح بعض السائل العلمية الهمة لختبار مقدرة الطالب العقلية ‪.‬‬
‫إن طرح بعفض السفائل للختبار على الطلب بشكفل عام ‪ ،‬له فائدة كفبية فف تنميفة الدارك وتقويفة‬
‫الفهام ‪.‬والطري قة الثلى ل ستخدامها ‪ ،‬هي أن يقوم العلم بطرح ال سألة بش كل جاعي ‪ ،‬ث تكون هناك مهلة‬
‫ق صية ل سترجاع العلومات والتفك ي ف ال سألة ‪ ،‬ث ترك جواب ال سألة الطرو حة للطلب ‪ .‬وال سنة حافلة‬
‫بثل هذا النوع من العلم ‪.‬‬
‫قال ‪ ( :‬إن من الشجر شجرة ل يسقط‬ ‫‪ -1‬فعن عبد ال بن دينار عن ابن عمر رضي ال عنه عن النب‬
‫ورقها وإنا مثل السلم ‪ ،‬حدثون ما هي ؟ قال فوقع الناس ف شجر البوادي ‪ .‬قال عبد ال ‪ :‬فوقع ف نفسي‬
‫‪1‬‬
‫أنا النخلة ‪ .‬فاستحييت ث قالوا ‪ :‬حدثنا ما هي يا رسول ال ؟ قال ‪ :‬هي النخلة )‬
‫قال البغوي‪ : 2‬قال المام ‪ :‬فيه دليل على أنه يوز للعال أن يطرح على أصحابه ما يتب به علمهم أهف‬
‫وقال ابن حجر رحه ال ‪ :‬وف هذا الديث من الفوائد ‪ ..‬امتحان العال أذهان الطلبة با يفى مع بيانه‬
‫لم إن ل يفهموه ‪ .. ،‬وفيه التحريض على الفهم ف العلم ‪.3.‬‬
‫وعلى العلم أن يسفن اختيار السفائل التف يطرحهفا على طلبفه ‪ ،‬وكذلك له أن يسفمح بالناقشفة بيف‬
‫الطلب والدلء بالراء أل ترى إل قوله ‪ ( :‬فو قع الناس ف ش جر البوادي ) أن ذلك مش عر بأن الم يع قد‬
‫ذهبوا ف تليل هذه العضلة كل مذهب ‪ .‬قال الافظ ‪ :‬أي ذهبت أفكارهم ف أشجار البادية ‪ ،‬فجعل كل‬
‫منهم يفسرها بنوع من النواع وذهلوا عن النخلة‪. 4‬‬
‫عليهم ‪ ،‬يد أنا قد حفزت همهم ‪ ،‬وبعثتهم على التفكي ف‬ ‫والتأمل ف السألة الت طرحها النب‬
‫لا عجزوا عن حله ‪.‬‬ ‫الل ‪ ،‬وتلهفت أنفسهم لعرفة الواب الصحيح من رسول ال‬
‫أيضا من المور الهمة الت يسن التفطن لا ‪ ،‬أن تكون هذه السائل تؤصل فكرة معينة أو ترسخ مفهوما‬
‫معينا لدى الطلب ‪ .‬ولك أن ت سأل ما و جه الش به ب ي النخلة وب ي السلم ‪ ،‬أو ما هي الفائدة الستفادة من‬
‫رواه البخاري في كتاب العلم ‪ /‬ومسلم في كتاب صفة القيامة والجنة والنار ‪ /‬وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة ‪ /‬والترمذي في‬ ‫‪1‬‬

‫المثال ‪ /‬والدارمي في المقدمة ‪.‬‬


‫شرح السنة ‪. )1/308( .‬‬ ‫‪2‬‬

‫فتح الباري ((‪)1/176،177‬حديث ‪. )61‬‬ ‫‪3‬‬

‫المصدر السابق ص ‪.176‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪72‬‬
‫المعـلم الول‬

‫هذا السؤال ‪ ،‬يبي ذلك الافظ ابن حجر بقوله ‪ :‬وبركة النخلة موجودة ف جيع أجزائها ‪ ،‬مستمرة ف جيع‬
‫أحوالا ‪ ،‬فمن حي تطلع إل أن تيبس تؤكل أنواعا ‪ ،‬ث بعد ذلك ينتفع بميع أجزائها ‪ ،‬حت النوى ف علف‬
‫الدواب والليف ف البال وغي ذلك ما ل يفى ‪ ،‬وكذلك بركة السلم عامة ف جيع الحوال ‪ ،‬ونفعه مستمر‬
‫له ولغيه حت بعد موته‪. 1‬‬
‫وهذه الطريقة نافعة جدا إذا أحسن استخدامها واستغللا ‪ ،‬فعلى العلم أن يبتعد عن صعاب السائل ‪،‬‬
‫وأن ل يكون هه تعجيز التعلمي وإفحامهم ‪ ،‬بل عليه أن يقرب لم السألة الطروحة عليهم بقرائن الحوال‬
‫وغي ها من الو سائل ‪ ،‬ل كي تكون عونا ل م ف الهتداء إل الواب ال صحيح ‪ ،‬ويدل على ذلك أن الر سول‬
‫عند ما طرح علي هم هذه ال سألة كان ف يد يه جار ‪ ،‬ف في إحدى روايات هذا الد يث ‪ ،‬عن ما هد قال ‪:‬‬
‫‪،‬‬ ‫إل حديثا واحدا قال ‪ :‬ك نا ع ند ال نب‬ ‫صحبت ا بن ع مر إل الدي نة فلم أ سعه يدث عن ر سول ال‬
‫‪،‬‬ ‫فأت بمار فقال ‪ ..‬الديث‪ 2‬فابن عمر رضي ال عنهما فهم الراد عندما رأى المار ف يدي رسول ال‬
‫ول ين عه من الجا بة على ال سؤال إل صغر سنه‪ 3‬قال الا فظ ا بن ح جر ‪ :‬إن الل غز ينب غي له أن ل يبالغ ف‬
‫التعمية بيث ل يعل للملغز بابا يدخل منه ‪ ،‬بل كلما قربه كان أوقع ف نفس سامعه‪. 4‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬أهية هذه الطريقة ف تقوية الفهم ‪ ،‬وتوسيع الدارك ‪.‬‬
‫(‪)2‬الستفادة من هذه السائل ف ترسيخ معان معينة ف الذهان ‪.‬‬
‫(‪)3‬تقريب السألة الطروحة بقرائن وأحوال ‪ ،‬تساعد ف الوصول إل الل ‪.‬‬
‫(‪)4‬بيان الواب الصحيح عند العجز عن التيان بالواب ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [17‬حث العلم طلبه على طرح السئلة ‪.‬‬
‫إن السئلة تز يل كثيا من اللط أو الوهم الذي قد يقع فيه الطالب ‪ ،‬فع ند عرض العلم لادته شرحا ‪،‬‬
‫فإنه ل يتبي له ما إذا كانوا قد فهموا منه مادته كما ينبغي أم ل ‪ .‬وطريق معرفة ذلك يكون بسؤالم عن بعض‬
‫ما ت عرضه ‪ ،‬وأفضل من ذلك أن يبتدئ الطالب بسؤال معلمه عما أشكل عليه ‪ .‬والسؤال يوضح العان الت‬
‫قصر فهم الطالب عن عقلها وتدبرها ‪ ،‬ويرسخ الجابة ف ذهن السائل لكونه هو الذي ابتدر السؤال ‪ ،‬وهو‬
‫مزيل للجهل كما قال عليه الصلة والسلم ‪ ( :‬فإنا شفاء العي السؤال )‪ 5‬والعي بكسر العي وتشديد الياء هو‬
‫فتح الباري ((‪ )1/176‬حديث ‪. )61‬‬ ‫‪1‬‬

‫( فتح الباري ‪ .‬كتاب العلم ‪ .‬باب الفهم في العلم (‪ )1/199‬حديث ‪.))72‬‬ ‫‪2‬‬

‫صرح بان عمر بذلك قال ‪ ( :‬فمنعني أن أتكلم مكان سني ‪ ..‬الحديث ) ورد ذلك عند البزار من طريق موسى بن عقبة عن نافع عن ابن‬ ‫‪3‬‬

‫عمر ‪ ( .‬فتح الباري ‪/1 .‬حديث ‪ ، ) 61‬وعند مسلم قال ‪ ( :‬ورأيت أبا بكر وعمر ل يتكلمان فكرهت أن أتكلم أو أقول شيئا ‪ ..‬الحديث ) وعند‬
‫أحمد قوله ‪ ( . .‬ونظرت فإذا أنا أصغر القوم فسكت ) ‪.‬‬
‫فتح الباري ( ‪/1‬حديث ‪. ) 61‬‬ ‫‪4‬‬

‫هذا جزء من حديث رواه أبو داود في سننه ‪ .‬وحسنه اللباني رقم (‪. )336-325‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪73‬‬
‫المعـلم الول‬

‫التح ي ف الكلم وعدم الض بط ‪ .‬كذا ف ال صحاح ‪ .‬و ف النها ية ول سان العرب ال عي بك سر الع ي ال هل ‪،‬‬
‫والعن أن الهل داء وشفاؤه السؤال والتعلم‪ . 1‬ومن أجل ذلك قلنا إنه يتوجه على العلم أن يث طلبه على‬
‫طرح السئلة عليه ‪ .‬وقد قال بذلك معلمنا الول صلوات ال وسلمه عليه إل يوم الدين ‪:‬‬
‫حت أحفوه بالسألة ‪ .‬فخرج ذات يوم فصعد النب ‪ .‬فقال ‪:‬‬ ‫‪-1‬عن أنس بن مالك أن الناس سألوا النب‬
‫‪2‬‬
‫( سلون ‪ .‬ل تسألون عن شيء إل بينته لكم ) ‪ ..‬الديث‬
‫‪ -2‬عن أب هريرة رضي ال عنه قال ‪ :‬قال رسول ال ‪ :‬سلون فهابوه أن يسألوه ‪ ،‬فجاء رجل فجلس عند‬
‫ركبتيه فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ .‬ما السلم ‪ ..‬الديث )‪. 3‬‬
‫‪ -3‬عن سعيد بن السيب قال ‪ :‬ما كان أحد من الناس يقول سلون غي على بن أب طالب ‪ ..‬وروينا عن‬
‫السن ‪ :‬أنه كان يبتدئ الناس بالعلم ويقول ‪ :‬سلون ‪.4‬‬
‫‪ -4‬عن سعيد بن جبي قال ‪ :‬إ نا لع ند ا بن عباس ف بي ته إذا قال ‪ :‬سلون ‪ .‬قلت ‪ :‬أي أ با عباس جعل ن ال‬
‫فداك ‪ ..‬الديث )‪. 5‬‬
‫ففي الثار التقدمة استحباب قول العلم ( سلون ) ‪ ،‬فإن ف هذا حثا للطلب على طرح السؤال ‪ ،‬وفيه أيضا‬
‫ترئه للطالب الجول على سؤال معلمه ‪ ،‬وفيه استفادة الغي من السؤال الطروح ‪ ،‬وفيه معرفة العلم مقدار‬
‫ت صيل طل به للمادة الشرو حة ‪ .‬وينب غي أن يرا عي العلم ف أ سئلة الطلب ال صادرة من هم ‪ ،‬أن تكون ذات‬
‫فائدة ‪ ،‬ولي ست من باب التعج يز ‪ ،‬أو ال سخرية أو الته كم ‪ ،‬فإن هذه ال سئلة وأمثال ا تطرح ف الرض ول‬
‫كرامة لصاحبها ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬السؤال يزيل غشاوة الهل ‪ ،‬ويصحح العان والفكار ‪.‬‬
‫(‪)2‬ابتدار العلم طلبه وحثهم على طرح السؤال فيه فوائد منها ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬تقييم حال طلبه من حيث الفهم ‪.‬‬
‫ب‪ -‬دفع الطالب الجول وترئته على طرح السؤال ‪.‬‬
‫ت‪ -‬استفادة الطلب الخرين عند ساع الجابة ‪.‬‬
‫ث‪ -‬تقدي العلم لنفسه ‪ ،‬ومراجعته لطريقة عرضه لادته ‪ ،‬عندما يتضح له من خلل السئلة ‪ ،‬عدم‬
‫فهمهم كما ينبغي ‪.‬‬

‫عون المعبود شرح سنن أبي داود (ح ‪)332‬‬ ‫‪1‬‬

‫رواه مسلم برقم (‪ )2359‬في كتاب الفضائل ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه مسلم في كتاب اليمان ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫أورده ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله ‪ ،‬حيث بوب عليه وعلى غيره من الثار بقوله ‪ :‬باب ابتداء العالم جلساءه بالفائدة وقوله‬ ‫‪4‬‬

‫سلوني وحرصهم على أن يؤخذ ما عندهم ‪ ( .‬المختصر ص ‪) 105 ،104‬‬


‫رواه البخاري في كتاب تفسير القرآن ‪ /‬ومسلم في الفضائل ‪ /‬وأحمد في مسند النصار ‪ /‬والترمذي في تفسير القرآن ‪ .‬وانفرد البخاري‬ ‫‪5‬‬

‫بذكر مبادرة ابن عباس بقوله ‪ ( :‬سلوني ) ‪.‬‬


‫‪74‬‬
‫المعـلم الول‬

‫(‪ )3‬رد السئلة التعجيزية ‪ ،‬أو السئلة الساخرة ‪ ،‬وتوبيخ قائلها ‪.‬‬

‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [18‬تقدي السائل من خلل سؤاله ‪ ،‬وإجابته با يناسب حاله‬
‫يتل قى العلمون والربون ‪ ،‬أ سئلة كثية من طلب م وتلميذ هم ون د أن كثيا من العلم ي والرب ي‬
‫يقتصرون ف إجاباتم على مراد السائل فقط ل يتعدونه ‪ .‬والتحقيق أن يقال ‪ :‬إن القتصار على مراد السائل‬
‫ف قط ل ينب غي ف كل الحوال ‪ ،‬بل قد يكون ف ب عض الحيان ما يد عو العلم إل الزيادة على مراد ال سائل‬
‫وتوضيح بعض السائل الت تتعلق بالسؤال ‪ ،‬أو تقرير بعض السائل الهمة والت يكن ربطها بالسؤال ‪ ،‬وذلك‬
‫المر يشتد إذا كان السائل يغلب عليه الهل ‪ .‬وإليك التفاصيل ‪:‬‬
‫أ ‪ -‬معاملة السائل من جهة جهله ‪:‬‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬إنا نركب البحر‬ ‫‪ -1‬عن أب هريرة رضي ال عنه قال ‪ ( :‬سأل رجل رسول ال‬
‫‪ :‬هو الطهور‬ ‫ونمل معنا القليل من الاء فإنا توضأنا به عطشنا ‪ ،‬أفنتوضأ من ماء البحر ‪ .‬فقال رسول ال‬
‫‪1‬‬
‫ماؤه ‪ ،‬الل ميتته ‪).‬‬
‫اشتباه المر على ال سائل ف ماء الب حر أش فق أن يشت به عل يه ح كم ميي ته‬ ‫قال الرافعي ‪ :‬ل ا عرف‬
‫وقد يبتلى به راكب البحر فعقب الواب على سؤاله ببيان حكم اليتة ‪ ..‬وقال ابن العرب ‪ :‬وذلك من ماسن‬
‫الفتوى أن ياء ف الواب بأكثر ما يسأل عنه تتميما للفائدة وإفادة لعلم آخر غي مسئول عنه ‪ ،‬ويتأكد ذلك‬
‫عند ظهور الاجة إل الكم كما هنا لن من توقف ف طهورية ماء البحر فهو عن العلم بل ميتته مع تقدم‬
‫ف بيان حكم جديد لذلك السائل ‪ ،‬لن من سأل‬ ‫تري اليتة أشد توقفا ‪ 2.‬ونن هنا نلمس حكمة الرسول‬
‫عن طهورية ماء البحر وجهل حكمه ‪ ،‬فلئن يهل حكم ميتته من باب أول كما قاله ابن العرب ‪.‬‬
‫‪ -2‬عن أ ب جري الجي مي قال ‪ ( :‬رأ يت رجلً ي صدر الناس عن رأ يه ل يقول شيئا إل صدروا ع نه قلت ‪:‬‬
‫‪ ،‬قلت ‪ :‬عل يك ال سلم يا ر سول ال مرت ي ‪ ،‬قال ‪ :‬ل ت قل عل يك‬ ‫من هذا ؟ قالوا ‪ :‬هذا ر سول ال‬
‫السلم فإن عليك السلم تية اليت‪ 3‬قل السلم عليك ‪ .‬قال قلت ‪ :‬أنت رسول ال ؟ قال ‪ :‬أنا رسول‬

‫رواه المام أحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬والنسائي في المياه ‪ /‬وأبو داود في الطهارة ‪ /‬وابن ماجه في الطهارة وسننها ‪ /‬ومالك في‬ ‫‪1‬‬

‫الطهارة ‪ /‬والدارمي في الطهارة ‪ /‬والترمذي في الطهارة ‪.‬‬


‫تحفة الحوذي ( شرح جامع الترمذي للمباركفوري ) أبواب الطهارة ‪ /‬باب ‪. 52‬‬ ‫‪2‬‬

‫أنه دخل‬ ‫قال الخطابي ‪ :‬هذا يوهم أن السنة في تحية الميت أن يقال له عليك السلم كما يفعله كثير من العامة ‪ ،‬وقد ثبت عن النبي‬ ‫‪3‬‬

‫المقبرة فقال السلم عليكم أهل دار قوم مؤمنين ‪ ،‬فقدم الدعاء على أسم المدعو له كهو في تحية الحياء ‪ ،‬وإنما كان ذلك القول منه إشارة‬
‫إلى ما جرت به العادة منهم في تحية الموات إذا كانوا يقدمون اسم الميت على الدعاء وهو مذكور في أشعارهم كقول الشاعر ‪ :‬عليك سلم‬
‫ال قيس بن عاصم ورحمته إن شاء أن يترحما ‪ .‬وكقول الشماخ ‪ :‬عليك سلم من أمير وباركت ‪ ،‬يد ال في ذلك الديم الممزق ‪ ( .‬عون‬
‫‪75‬‬
‫المعـلم الول‬

‫ال الذي إذا أ صابك ضر فدعو ته ك شف ع نك ‪ ،‬وإن أ صابتك عام سنة فدعو ته أنبت ها لك ‪ ،‬وإذا ك نت‬
‫بأرض قفر أو فلة ( بأرض قفراء أو فلة ) فضلت راحلتك فدعوته ردها عليك ‪ .‬قال قلت ‪ :‬أعهد إل ‪.‬‬
‫قال ل تسب أحدا ‪ ..‬الديث )‪ . 1‬وف هذا الديث يتبي لنا جهل ذلك السائل واضحا بأمور ‪ :‬أولً ف قوله‬
‫ل ) وهذا يدل على أنه لول وهلة يرى الرسول ‪ .‬ثانيا ‪ :‬ف قوله ( عليك السلم ) ‪ ،‬فإن تية‬
‫‪ ( :‬رأيت رج ً‬
‫السلم ل يهلها أحد من الصحابة ‪ .‬لنا من المور التكررة الت تدث ف اليوم الواحد مرات عديدة ‪ ،‬فلما‬
‫‪ ،‬جهله أراد أن يدله على خالقه ويعلمه ‪ ،‬فأرشده أولً إل تصحيح خطئه بقوله ‪ ( :‬ل تقل‬ ‫رأي الرسول‬
‫عليك السلم ‪ ،‬فإن عليك السلم تية اليت ) ث بي له أن كشف الضر ‪ ،‬والستغاثة كلها ل تصرف إل ل ‪.‬‬
‫و ف الد يث لف تة كري ة للم سلم ح يث دل العرا ب على خال قه الذي يلك وحده ال ضر والن فع ‪ ،‬ورب طه به‬
‫‪2‬‬
‫‪ ،‬ورغبه ف اللجوء إليه وطلب العون منه والستغاثة به ف اللمات ‪.‬‬ ‫وحده دونه‬
‫ب ‪ -‬معاملة السائل من جهة ما هو أنفع له ‪:‬‬
‫ل قال ‪ :‬يا رسول ال ‪ ،‬ما يلبس الحرم من الثياب ؟‬
‫‪ -1‬عن عبد ال بن عمر رضي ال عنهما ( أن رج ً‬
‫‪ :‬ل يلبس القمص ول العمائم ول السراويلت ول البانس ول الفاف ‪ ..‬الديث‬ ‫قال رسول ال‬
‫)‪ 3‬قال النووي ‪ :‬قال العلماء هذا من بد يع الكلم وجزله لن مال يل بس منح صر فح صل الت صريح به ‪،‬‬
‫وأ ما اللبوس الائز فغ ي منح صر فقال ‪ :‬ل يلب سك كذا أي ويل بس ما سواه ‪ ..‬وقال ا بن دق يق الع يد ‪:‬‬
‫يستفاد منه أن العتب ف الواب ما يصل منه القصود كيف كان ولو بتغيي أو زيادة ول تشترط الطابقة‬
‫‪.4‬‬
‫‪ -2‬عن قتادة قال ‪ :‬سألوا النب عن الهلة ل جعلت ؟ فأنزل ال ( يسئلونك عن الهلة قل هي مواقيت‬
‫للناس والج ) فجعلها لصوم السلمي وإفطارهم ولناسكهم وحجهم وعدد نسائهم ومل دينهم ‪.5‬‬
‫يقول ابن القيم ‪ :‬فسألوه عن سبب ظهور اللل خفيا ث ل يزال يتزايد فيه النور على التدريج حت يكمل‬
‫ث يأخذ ف النقصان ‪ ،‬فأجابم عن حكمة ذلك من ظهور مواقيت الناس الت با تام مصالهم ف أحوال‬
‫معاشهم ومواقيت أكب عباداتم وهو الج ‪ ،‬وإن كانوا قد سألوا عن السبب فقد أجيبوا با هو أنفع لم‬

‫المعبود ‪ .‬شرح سنن أبي داود ‪ .‬كتاب اللباس ‪ .‬باب ما جاء في إسبال الزار ‪. ) 11/93‬‬
‫رواه أحمد في مسند المكيين ‪ ،‬والترمذي في كتاب الستئذان والدب وقال ‪ :‬حسن صحيح ‪ ،‬وأبو داود في كتاب اللباس وقال اللباني‬ ‫‪1‬‬

‫صحيح ‪.‬‬
‫من قوله ‪ ،‬وفي الحديث لفتة كريمة ‪ ( ..‬نقلً من زاد المعاد حاشية (‪ )2‬ص(‪))2/420‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه البخاري في كتاب الحج ‪ /‬ومسلم في الحج ‪ /‬وأحمد في مسند المكثرين من الصحابة ‪ /‬والنسائي في مناسك الحج والترمذي في الحج‬ ‫‪3‬‬

‫وأبو داود في المناسك ‪ /‬وابن ماجه في المناسك ‪ /‬ومالك في الحج ‪ /‬والدارمي في المناسك ‪.‬‬
‫فتح الباري ( حديث رقم ‪. ) 1542‬‬ ‫‪4‬‬

‫فتح القدير ‪ /‬الشوكاني (‪ )208‬وصدر الحديث بقوله ‪ :‬وأخرج عبد بن حميد وابن جرير عن قتادة ‪ .‬الحديث ‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪76‬‬
‫المعـلم الول‬
‫‪1‬‬
‫ما سألوا عنه وإن كانوا سألوا عن حكمة ذلك فقد أجيبوا عن عي ما سألوا عنه ‪..‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬تقدي حال السائل ‪ ،‬وبيان ما قد يتاجه السائل ‪ ،‬ففي الثال الول من الفقرة الول ‪ :‬كان السائل‬
‫على سؤاله وأردفه بكم‬ ‫جاهلً بكم معي وهو قد يفي على بعض دون بعض ولذلك أجابه الرسول‬
‫آخر يهله السائل وهو متعلق بالسؤال نفسه ‪ ،‬فمن جهل الكم الول فلبد أن يهل الخر ‪ .‬فتأمله ‪ .‬وف‬
‫الثال الثان من الفقرة الثانية ‪ :‬كان سؤال الصحاب يدل على جهله الشديد بأمور السلم حيث أخطأ ف‬
‫بسب حاله ‪ ،‬حيث أجاب‬ ‫السلم وهو أمر ل يكاد يطئه أحد لشيوعه بي الناس ‪ ،‬ولذا عامله الرسول‬
‫على سؤاله ث علمه ودل على خالقه ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قد تكون إجا بة ال سائل بلف ال سؤال ولكن ها أن فع له ف في الثال الول من الفقرة الثان ية ‪ :‬كان‬
‫إل مال يلبس وهو قليل مصور ‪.‬‬ ‫السؤال عن جنس ما يلبس وهو كثي صعب الصر ‪ ،‬فأرشده النب‬
‫و ف الثال الثا ن من الفقرة الثان ية ‪ :‬ف يه سؤالم عن طبي عة اللل وخلق ته ‪ ،‬فأجاب م ب ا هو أنفع ل م من‬
‫الكمة العظيمة ف إياده ‪.‬‬
‫(‪)3‬ليس ذلك التقدي مضطردا ف كل أحوال السائلي ‪ ،‬وإنا هي أمور يقدرها العلمون ‪.‬‬
‫(‪)4‬الستفادة من أسئلة الطلب ف ترسيخ معان معينة ‪ ،‬أو بيان أحكام جديدة ‪ ،‬وغي ذلك ‪.‬‬
‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬
‫]‪ [19‬التعليق على إجابة التعلم‬
‫يتاج العلم إل التعليق على إجابة الطالب بعد توجيه السؤال إليه ‪ ،‬وذلك لن الطالب قد يكون غي‬
‫متأكد من الجابة الت أدل با ‪ ،‬وأيضا فإن الطلب الخرين الذي يستمعون إل إجابة الطالب ف شوق‬
‫لعرفة ما إذا كانت إجابة الطالب صحيحة أم غي ذلك ‪ .‬وعلى العلم أن يعلق على إجابة كل طالب فيستفيد‬
‫الطالب من تصويب العلم له ‪ ،‬ويستفيد الطلب الخرون بعرفة صحة الواب من عدمه ‪.‬‬
‫وعلى العلم أيضا أن يتحرى الدقة ف التصويب والتخطئة ‪ ،‬وأل يسارع بتخطئة الطالب كليا إن كان ف‬
‫إجابته شيء من الصحة ‪ ،‬بل عليه أن يشيد بالصحيح ويوضح الطأ ويبينه ‪ ،‬وينبغي على العلم أن يتار ألفاظ‬
‫التخطئة فل تكون ألفاظا قاسية أو عبارات ساخرة فتصيب الطالب بإحباط وتنعه من القدام على الجابة‬
‫على أسئلة العلم خوفا من لسان العلم السليط وعباراته القاسية ‪ ،‬بل تكون العبارة مطئة للجواب ولكن ف‬
‫قالب تشجيعي ‪ .‬وإليك بيان ذلك ‪:‬‬

‫أعلم الموقعين ( ‪ ، )4/121‬وقد بوب عليه ابن القيم بقوله ‪ ( :‬للمفتي العدول عن السؤال بما هو أنفع ) ‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪77‬‬
‫المعـلم الول‬

‫فقال ‪ :‬إن أرى الليلة – فذكر رؤيا ‪ ،‬فعبها أبو‬ ‫‪ -1‬عن أب هريرة رضي ال عنه أن رجلً أتى رسول ال‬

‫‪ ( :‬أصبت بعضا ‪ ،‬وأخطأت بعضا ) فقال ‪ :‬أقسمت عليك يا رسول ال بأب أنت‬ ‫بكر – فقال النب‬

‫على تعبي أب‬ ‫( ل تقسم )‪ . 1‬وهنا يتبي لنا بلء تعليق النب‬ ‫لتحدثن ‪ ،‬ما الذي أخطأت ‪ ،‬فقال النب‬
‫بكر للرؤيا ‪ ،‬وأخبه بأن بعضها صحيح وبعضها خطأ وهذا عي النصاف أن تذكر ما ف الجابة من صحة‬
‫الطأ ول يوضحه لا‬ ‫أو خطأ ‪ ،‬ث إن على العلم أن يبي الطأ ويوضحه ‪ ،‬وف الثال السابق ل يذكر النب‬
‫يترتب على ذكره من مفاسد كان الول ترك تعبيه‪ 2‬ولكن غرضنا هنا هو بيان تقييم الجابة ف حالة الصحة‬
‫أو الطأ ‪ ،‬أو بينهما ‪.‬‬

‫سورة فبينما أنا ف السجد إذ سعت رجلً يقرأها بلف‬ ‫‪ -2‬عن أب بن كعب قال ‪ :‬أقرأن رسول ال‬

‫‪،‬‬ ‫فقلت ‪ :‬ل تفارقن حت آت رسول ال‬ ‫قراءت ‪ ،‬فقلت من أقرأك هذه السورة ؟ فقال ‪ :‬رسول ال‬
‫فأتيناه فقلت ‪ :‬يا رسول ال إن هذا قد خالف قراءت ف هذه السورة الت علمتن ‪ ،‬قال ‪ :‬اقرأ يا أب ‪،‬‬
‫فقرأت ‪ ،‬فقال ‪ :‬أحسنت ‪ ،‬فقال للخر ‪ :‬اقرأ فقرأ بلف قراءت ‪ ،‬فقال له ‪ :‬أحسنت ‪ ،‬ث قال ‪ :‬يا أب إنه‬
‫أنزل على سبعة أحرف ‪ ،‬كلها شاف ‪ ،‬كاف ‪ ،‬قال ‪ :‬فما اختلج ف صدري شيء من القرآن بعد‪ . 3‬وهنا‬
‫أحسنت لكل منهما لن الصحابيي كليهما قد قرأ قراءة‬ ‫كان التعليق على قراءة أب والصحاب الخر بقوله‬
‫صحيحة ‪ ،‬استوجبت التصحيح ‪ ،‬ولو بعبارة مغايرة لكلمة الصحة‪ 4‬بل يكفي أي عبارة تدل على القصود ‪.‬‬
‫الخلصة‪:‬‬
‫(‪)1‬التعليق على إجابة التعلم ‪ ،‬تفيد الجيب ف تصحيح إجابته ‪ ،‬وتفيد الطلب الخرين ف قبول الجابة‬
‫أو رفضها ‪.‬‬
‫(‪ )2‬قد تكون الجابة صحيحة ‪ ،‬وقد تكون الجابة صحيحة جزئيا ‪ ،‬وقد تكون خطأ ‪ .‬ولكل إجابة ما‬
‫يناسبها من عبارات التعليق ‪.‬‬
‫(‪)3‬الجابة الاطئة يراعى فيها نفسية الطالب وروحه العنوية ‪.‬‬
‫(‪)4‬ل يلزم أن يتقيد العلم بلفظ ( صحيح ‪ ،‬خطأ ) بل أي عبارة تدل على القصود ( كأحسنت ‪ ،‬جيد ‪،‬‬
‫متاز ‪ ،‬تتاج العبارة إل تصحيح أكثر ‪ ،‬الواب غي مكتمل ‪ ..‬ونوه ) ‪.‬‬
‫رواه البخاري في كتاب التعبير ‪ /‬ومسلم في الرؤيا ‪ /‬والترمذي في الرؤيا ‪ /‬وابن ماجه في تعبير الرؤيا ‪ /‬وأبو داود في اليمان والنذور‬ ‫‪1‬‬

‫واللفظ له ‪ .‬والحديث عند أبي داود مختصر جدا ‪ ،‬وتجده عند من ذكرنا بأتم منه ‪ .‬فراجعه ففيه فوائد ‪.‬‬
‫انظر ما ذكره الشراح في المصادر السابقة حول هذا الحديث ‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫رواه مسلم في كتاب صلة المسافرين ‪ /‬وأحمد في مسند النصار ‪ /‬وأبو داود في الصلة ‪ /‬والنسائي في كتاب الفتتاح ‪ /‬وابن عبد البر‬ ‫‪3‬‬

‫( في التمهيد ‪ ) 287 ، 8/286‬واللفظ له ‪.‬‬

‫أحسنت يقتضي التصحيح والتصويب ‪.‬‬ ‫وعند أحمد في مسند النصار بقوله ‪ ( :‬أصبتما ) ‪ ،‬مما يدل على أن قوله‬ ‫‪4‬‬
‫‪78‬‬
‫المعـلم الول‬

‫⊥‪⊥ ⊥ ‬‬

‫]‪ [20‬قول العلم ل أدري لا ل يدري جزء من العلم‬


‫لقد عاب ال على الذين يتكلمون بغي علم ‪ ،‬وذمهم ف كتابه ‪ ،‬وعلى لسان رسوله ‪ .‬وذلك لن‬
‫القائل بل علم ‪ ،‬يضل ول يهدي ‪ ،‬ويفسد ول يصلح ‪ .‬وقول الرء ل أعلم أو ل أدري لا ل يعلم ول يدري ‪،‬‬
‫ليس عيبا ‪ ،‬ول نقصا ف علمه وقدره ‪ ،‬بل هو من تام العلم ‪.‬‬
‫ولا سأل ال رسله يوم القيامة بقوله ‪ ( :‬يوم يمع ال الرسل فيقول ماذا أجبتم قالوا ل علم لنا إنك‬
‫أنت علم الغيوب )‪ 1‬أي ماذا أجابتكم به أمكم ؟ ( قالوا ل علم ) وإنا العلم لك يا ربنا فأنت أعلم منا‬
‫( إنك أنت علم الغيوب ) أي تعلم المور الغائبة والاضرة‪. 2‬‬
‫ولا سأل ال ملئكته بقوله ( وعلم أدم الساء كلها ث عرضهم على اللئكة فقال أنبئون بأساء‬
‫‪4‬‬
‫هؤلء إن كنتم صادقي ‪ ،‬قالوا سبحانك ل علم لنا إل ما علمتنا إنك أنت العليم الكيم )‪ 3‬فلم تستح‬
‫اللئكة من رد علم الجهول إل عاله ‪.‬‬
‫والعلم ساحل ل بر له ‪ ،‬ول ييط به إل من وسع كل شيء علما جل جلله ‪ .‬والبشر ‪ ،‬كل البشر‬
‫بضاعتهم ف العلم قليلة ‪ ،‬قال تعال ‪ ( :‬وما أوتيتم من العلم إل قليلً ) ‪ .‬وإذ ‪ 1‬كان المر كذلك فل حياء‬
‫ول عيب أن يقول العلم أو غيه ل أدري ‪.‬‬
‫يقول الاوردي ف أدبه‪ : 5‬فإذا ل يكن إل الحاطة بالعلم سبيل ‪ ،‬فل عار أن يهل بعضه ‪ ،‬وإذا ل يكن‬
‫ف جهل بعضه عار ‪ ،‬ل يقبح به أن يقول ل أعلم فيما ليس يعلم ‪ .‬أهف ‪ .‬وإنا القبح كل القبح ‪ ،‬أن يوهم‬
‫ويدلس على الناس بكلم خاطئ مغلوط ‪ .‬والطلب وإن دلس عليهم معلمهم بإعطائهم معلومات خاطئة‬
‫ل ‪ ،‬ومن ث تتز صورته لديهم ‪ ،‬ول‬ ‫لينجو من موقف معي ‪ ،‬إل أنم سوف يكتشفون ذلك إن عاجلً أو آج ً‬
‫يثقون بعدها بالعلومات والواد الت يطرحها عليهم ‪.‬‬
‫‪ ،‬كان يقول لا ل يدري ‪ ،‬ل أدري حت يأتيه الوحي بذلك ‪ ،‬ول ينعه أن يقول تلك‬ ‫والعلم الول‬
‫القالة قول حاسد أو منافق! ‪ ،‬فتأمل ذلك وتدبره ‪ ،‬يهون عليك الكثي ‪.‬‬

‫سورة المائدة ‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلم المنان ‪ .‬الشيخ عبد الرحمن بن سعدي ‪) 2/360 ( .‬‬ ‫‪2‬‬

‫سورة البقرة ‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫سئل الشعبي عن مسألة فقال كلما فيه أني ل أحسن الجابة عن هذه المسألة ‪ .‬فقال له أصحابه ‪ :‬قد استحيينا لك مما رأينا منك ‪ .‬فقال ‪:‬‬ ‫‪4‬‬

‫لكن الملئكة المقربين لم تستح حين قالت ‪ ( :‬ل علم لنا إل ما علمتنا ) ‪ ( .‬مختصر جامع بيان العلم وفضله ‪ .‬لبن عبد البر ص ‪)221‬‬
‫أدب الدين والدنبا ص ‪.123‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪79‬‬
‫المعـلم الول‬

‫‪ ( :‬ل تيون على موسى ‪ ،‬فإن الناس يصعقون ‪ ،‬فأكون أو من يفيق ‪ ،‬فإذا موسى باطش بانب‬ ‫‪ -1‬قال‬
‫‪1‬‬
‫العرش ‪ ،‬فل أدري ‪ :‬أكان فيمن صعق فأفاق قبلي ‪ ،‬أو كان من استثن ال )‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول ال أي البقاع خي ؟ قال ‪ :‬ل أدري ‪ .‬فقال‬ ‫‪ -2‬عن ابن عمر قال ‪ ( :‬جاء رجل إل النب‬

‫فقال ‪ :‬يا جبيل أي البقاع خي ؟ قال ‪:‬‬ ‫‪ :‬أي البقاع شر ؟ قال ‪ :‬ل أدري ‪ .‬قال سل ربك ‪ .‬فأتاه جبيل‬
‫ل أدري ‪ ،‬قال ‪ :‬أي البقاع شر ؟ قال ‪ :‬ل أدري ‪ .‬فقال ‪ :‬سل ربك فانتفض جبيل انتفاضة كاد يصعق منها‬
‫‪ ،‬وقال ‪ :‬ما أسأله عن شيء ‪ ،‬فقال ال – عز وجل – لبيل سألك ممد أي البقاع خي ؟ فقلت ‪:‬‬ ‫ممد‬
‫ل أدري وسألك أي البقاع شر ؟ فقلت ‪ :‬ل أدري ‪ .‬فأخبه أن خي البقاع الساجد ‪ ،‬وشر البقاع السواق‬
‫‪.2‬‬
‫‪ ،‬فهذا أبو بكر الصديق رضي‬ ‫فقد ضربوا أروع المثلة ف التأسي بعلمهم‬ ‫أما تلمذة ممد‬
‫ال عنه يقول ‪ :‬أي ساء تظلن ؟ وأي أرض تقلن ؟ إذا قلت ف كتاب ال بغي علم ‪ .‬وهذا ابن سعود رضي‬
‫‪ ( :‬قل ما‬ ‫ال عنه يقول ‪ :‬إن من العلم أن تقول لا ل تعلم ‪ :‬ال أعلم ‪ .‬قال ال تبارك وتعال لنبيه‬
‫أسئلكم عليه من أجر وما أنا من التكلفي ) ‪ ،‬وهذا علي بن أب طالب رضي ال عنه يقول فيما يرويه عنه‬
‫الشعب ‪ :‬إنه خرج عليهم وهو يقول ‪ :‬ما أبردها على الكبد ؟! فقيل له ‪ :‬وما ذلك ؟ قال ‪ :‬أن تقول للشيء ل‬
‫تعلمه ‪ :‬ال أعلم ‪ .‬وهذا ابن عمر رضي ال عنهما يقول فيما يرويه عنه نافع ‪ :‬أنه سئل عما ل يعلم فقال ‪:‬‬
‫ل يعلم فقال ل علم ل به‪ . 3‬والكلم ف ذكر أقاويل الصحابة والسلف يطول ‪ ،‬وفيما ذكر يكفي ويشفي ‪.‬‬
‫قال الراجز ‪:‬‬
‫فإن جهلت ما سئلت عنه‬
‫ول يكن عندك علم منه‬
‫فل تقل فيه بغي فهم‬
‫إن الطأ مزر بأهل العلم‬
‫وقل إذا أعياك ذاك المر‬
‫مال با تسأل عنه خب‬

‫جزء من حديث رواه البخاري في كتاب أحاديث النبياء ‪ /‬ومسلم في الفضائل ‪ /‬وأحمد في باقي مسند المكثرين ‪ /‬الترمذي في تفسير‬ ‫‪1‬‬

‫القرآن ‪ /‬وأبو داود في السنة ‪.‬‬


‫قال محقق مختصر جامع بيان العلم ‪ ..‬ذكره ابن عبد البر في ( جامع بيان العلم وفضله ‪ ، )2/50( .‬وقال محقق إحياء علوم الدين نقلً‬ ‫‪2‬‬

‫عن كتاب تخريج أحاديث الحياء ‪ :‬أخرجه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم وصححه وهو من حديث ابن عمر ‪ .‬ثم قال ‪ :‬وهو حسن ذكره‬
‫اللباني في الصحيحة ‪. 3271 /‬‬
‫النقول السابقة التي عن الصحابة مأخوذه من مختصر جامع بيان العلم وفضله لبن عبد البر ص ‪. 221/223‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪80‬‬
‫المعـلم الول‬

‫فذاك شطر العلم عند العلما‬


‫‪1‬‬
‫كذاك مازالت تقول الكما‬

‫الخلصة‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬القائل بل علم مذموم أبدا ف كتاب ال ‪ ،‬وعلى لسان رسوله‬
‫(‪)2‬القائل بل علم ‪ ،‬يفسد ول يصلح ‪.‬‬
‫(‪)3‬عدم العرفة ليس عيبا ول نقصا ف حق العلم ‪.‬‬
‫(‪)4‬الياء والجل من قول ( ل أدري ) ليس سببا مقنعا ف ترير العلومات الاطئة على الطلب ‪.‬‬
‫(‪)5‬يب على العلم أن يغرس هذا البدأ ف نفوس طلبه ‪ ،‬ويؤكد عليه ‪.‬‬
‫(‪)6‬قول ل أعلم ‪ .‬جزء من العلم ‪ .‬بل قال عنه أبو الدرداء أنه نصف العلم ‪.2‬‬

‫خاتة‬
‫وبعد ‪...‬‬
‫ف التربية والتعليم ‪ ،‬وما تركت أكثر ما ذكرت ‪،‬‬ ‫‪ ..‬فإن ما طالعته آنفا ‪ ،‬جزء يسي من سيته‬
‫وحسب أن مهدت السبيل لك ‪ ،‬ودللتك على ينبوع ل ينضب ‪ ،‬ونر ل يدرى أوله من آخره ‪ ،‬فشمر عن‬
‫ساعد الد واست بن أمرنا بالستنان به ‪ ،‬فهو لعمر ال السوة السنة والسراج الني ‪ .‬وإنه لن الؤسف أن‬
‫يعدل معلمونا عن سنة نبيهم ويطلبوا غيها وهي دونا براحل ‪ .‬ولو تقصينا كثيا من الثار النبوية لرجنا‬
‫بكم هائل من الفوائد التربوية والتعليمية ‪ ،‬ولكن نشكو إل ال ضعف هتنا وقلة علمنا ‪.‬‬
‫أخي العلم ‪ ..‬إن المة تعلق عليك آمالً كبية ‪ ,‬لنا قدمت لك أغلى ما تلك ‪ ،‬قدمت لك ثرة فؤادها‬
‫‪ ،‬وفلذة كبدها ‪ ،‬فماذا ستفعل فيها ‪ ،‬هل سترعاها وتؤدي ما اؤتنت عليه ‪ ،‬أم ماذا ؟‬

‫( كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته ) يغن عن كثي من الكلم ‪ ..‬أل فاتقوا ال ف‬ ‫ولعل قوله‬
‫أولد السلمي ول تغشوهم ‪ ،‬وعلموهم العلم والدب ‪ ،‬وقدموا لم النصيحة ول تبخلوا عنهم بشيء فهم‬
‫عماد الستقبل وعليهم تقوم المة ‪.‬‬
‫وال أعلم ‪ ..‬و صلى ال وبارك على نبي نا م مد وعلى آله و صحبه و سلم ت سليمُا كثيا إل يوم الد ين ‪،‬‬
‫والمد ل رب العالي ف الول والخرة ‪.‬‬
‫مختصر جامع بيان العلم وفضله ل بن عبد البر ص ‪. 224‬‬ ‫‪1‬‬

‫مختصر جامع بيان العلم وفضله ل بن عبد البر ص ‪. 225‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪81‬‬
‫المعـلم الول‬

You might also like