Professional Documents
Culture Documents
منصف الرزوقي
الهداء
إل روح نبيل البكات وفيصل بركات شهيدي الرية ونباسنا ف العركة ضد التعذيب
تقدي
د .هيثم مناع
هل يكن الديث عن "الستقلل الثان" ف عال تزقت حدوده بالقمار الصناعية وألغى أخطبوط الشركات التعددة النسيات فيه أي
معن جدي للحماية القتصادية وأصبحت التشريعات الحلية فيه موضوع مناقشات عامة أو شبه عامة ف لنة حقوق النسان التابعة للمم التحدة
،بل أكثر من ذلك ،عن الستقلل الثان
هذا هو السؤال الشروع الذي يطرحه القارئ على نفسه قبل أن يفتح دفت الكتاب .ولن تتأخر الجابة ،فالصديق منصف الروزوقي ينطلق من
تشخيص النكبات الت عاشتها الدولة العربية "الستقلة" ووضع هذه الدولة العيان ،أي التبعي ،ف الارطة العالية اليوم ليحدد بالضبط ما آل إليه
مفهوم الستقلل ضمن معطيات وضعها الداخلي ،أي تركيب سلطات قامت بدون وعلى حساب متمعاتـ (ها).
ولكن من الساخر الديث عن مفهوم قدي للستقلل أو عن أشكال تقليدية للتحرر الوطن ،فقد انتهى الزمن الذي تعتب الدولة فيه نفسها
الوصي الوحد على وسائل العرفة والعلم ف الجتمع الوسائل التقنية الديثة لفهوم الرقابة الداخلية ،ول تعد شرور الستقلل حبيسة الكان
والزمان وقد تاوزت الكوارث البيئية أشباه حدود لشباه دويلت .
إ ّن العولة Mondialisationتمل معها كل مآسي اللبلة البية La libéralisation sauvageللقتصاد ،بكلمة أخرى ،
أمركة القتصاد على الصعيد العالي مع تنصب دكتاتورية المباطوريات العلمية والتساع الائل للفجوة بي عال التخمة وعال الوع .
وبنفس الوقت ،تسمح الكتشافات التقنية بإمكانية دمقرطة عالية للمعرفة وضرورة النضال على الصعيد العالي لنقاذ البشر ،أفرادا وشعوبا
وجاعات من أشكال الستعباد الديدة ,إ ّل أن هذا النضال العالي الضروري ،ويعكس أسواق البورصة التنصبة من فوق ،ل يكن أن يكون
مديا إل إذا انطلق من تت ،أي من التكوينات الجتماعية الصغر .من هنا تنتصب حقوق النسان ،نظريا على القل ،بوصفها التعبي الول
للدفاع الذات ف مواجهة الستعباد الدول العال والستبداد الحلي الاص .
لقد كان للختزال الوطن ف الدولة آثاره الكارثية العروفة ،وأصبحت إعادة العتبار للمواطنة ،أي للحق الفردي والماعة ف الشاركة
الكاملة ف بناء الاضر والستقبل مسرب ل بد للخروج من الستنقع .وما "الستقلل الثان " ف تليل منصف إل ف هذه الصلة الدلية بي
القوق والديقراطية باعتبارها وفق تعريفه ،جزءا من هذه القوق ،أي ف الصلة الدلية بي القوق والريات السياسية من جهة والقوق
الجتماعية والقتصادية والثقافية والدنية الت تقرها الشرعية الدولية لقوق النسان كضمانة ضرورة للديقراطية بعلتا ونقاط ضعفها
فالسس الديقراطية للمؤلف تنطلق من تفكيك وإشهار عيوب النوذج العروف وخصائصه ف طموح الكتشاف الماعي لمارسات أرقى.
ولكن هل بالمكان الديث عن الديقراطية دون إجراء عملية تشريح للستبداد ؟ لقد أصبح من الضروري استكمال ماولة الكواكب ف ناية
القرن الاضي بدراسات نقدية للتجارب الستبدادية ف القرن العشرين ،المر الذي يتطلب تناول أمثلة عيانية .فإن كان فقه استقلل القضاء
يشكل الرجع الول لدمقرطة السلطة القضائية ،فإن أوجاع الستبداد تعتب أول مؤشر لا يب شجبه أو على القل تنب فعله واستعراض
منصف للتجربة الت عاشها وعان من مثالبها ل ينقص من عمق وشولية ملحظاته ،فل يسعنا إل أن نقول للقارئ العرب" :حسبك فقط أن تغي
السم ،أو ليست هذه قصتك أنت
يشكل النتقال إل الديقراطية ،مقوماتا وسياج حايتها التجسد ف "أول وفاق عالي على الشروط الدنيا الت ل بد من تواجدها حت ل تنتهك
كرامة النسان ،أي حقوق النسان " (ص ، ) 59موضوع السجال النظري والسياسي الرئيسي ف الكتاب ،فإن كان من الصعب العثور على
شاعر واحد يتغن بالستبداد ،فليس من الغريب بتاتا وجود أكثر من عشرين كتاب للنيل من هذه البدعة الغريبة السماة بالديقراطية .وأكثر
من ذلك ليس هناك ف التصور والتعريف والطريق لذه الكلمة الت يرفض الشاعر الصري جورج حني أن تنتج عن أي نص مكتوب ،باعتبارها
" أنا ل تكن قد أضحت قبل دخولا ف القواني الكتوبة أسلوبا وإرادة وجود ،شكل للخلق العامة متجسدة ف السلك الماعي ،فإنّها ل تثل
أكثر من عملية خداع من قبل السلطة " .فللسف ،تولت هذه الكلمة إل مرتع للشعبية السريعة وستارة تغطي التاريخ التسلطي للفراد
والحزاب والكومات.
إل أن هذه الكلمة بكل ما تمل أو حلت تبقى بالنسبة لنصف الطبيب كالدواء الذي يمل العلج مع التأثيات الانبية غي الرغوب فيها.
ويعكس عشاق العموميات ،يدخل الكاتب ف التعاريف الجرائية والؤسساتية بنهج يذكرنا بالكتابات الت سبقت الثورة الفرنسية ،وشكلت
بشكل أو بآخر ،منهلها الثقاف وياطر بتفاصيل متعددة ف استنطاق إياب نقدي للنموذج الغرب دون أن ينسى تذكي القارئ بأن "ل نب ف
العلم يكون خات العلماء ،ول فرض لقيقة ما بحاكم التنفتيش ول تكفي لن خالف الرأي وشذ عن الماعة " (ص .)23
وعب النص ،يكتشف القارئ العرب الؤمن بقوق القليات القومية والديقراطي البصر للبعد الجتماعي للكلمة والجدد الصرّ على الهية
اليوية للممارسة.
ويتركنا الكتاب عطشى عب تساؤلت عديدة يستحثها فينا ،ولنكتفي هنا بتناول اثني منها :
الول ،على صعيد التناول البنيوي لركان النظام الديقراطي الغرب ،وهنا نتوقف عند مفهوم السلطة الضادة contre pouvoir
باعتباره أحد الضمانات الامة للحريات الساسية وحقوق النسان .فمهما كانت طبيعة الدولة والكومة ،فان الفضاء غي الكومي الكامل
الستقلل عن الؤسسات الدولنية شرط واجب الوجوب لضبط ومراقبة هذه الؤسسات تركيبا ووظيفة .فالسلطة بطبيعتها مفسدة ( بفتح وكسر
السي كلها) ،ولذا صادرت باستمرار ومنذ التجربتي اليونانية والفينيقية القديتي للنوذج التمثيلي كلمت الدنية والشعبية .ومن هنا حرمت
قبل اقتراحه مفهوم "النظمات الدنية الشعبية " من حق الوجود .لقد تلقينا أول ضربات العصى من بوليس ينل من سيارة كتب عليها "الشرطة
ف خدمة الشعب " وشهدنا أحكام إعدام تصدر عن مالس "الشعب " والصرار على تسمية النظمات غي الكومية برأينا موضوع ل يقبل
النقاش ،لكي ينع السم نفسه من أي مال للخلط عند القاصي والدان وهو يلك دللة تعبيية وزمانية إضافية خاصة ف عصر ينقنا فيه
أخطبوط الدولة الستبدادية الديثة ويلوح ف آفاقه سيف النموذج التوتاليتاري (الشمول).
ثان هذه التساؤلت ف العلقة البنيوية بي الحلي والدول ،بي القومي والعالي ،بالعنيي الياب والسلب .فقد خلق التضامن بي الديقراطيي
ونشطاء حقوق النسان هامشا جديدا للنضال الحلي يتصدى للستبداد ويعزز الثقة بالتغيي ف ظروف مدودية الدينامية الداخلية للمجتمعات ،
المر الذي أعطى نتائج هامة ف انيار أكثر من أنوذج تسلطي وجل بالمكان ماكمة كل تشريع استبدادي ملي من فوق عال الدود .ولكن
النظام الال العالي قائم على السيطرة والركزة الت توجه رؤوس الموال تاه القواعد القتصادية القوى ف عملية دائمة لنتاج التفاوت
القتصادي الائل بي مكونات الجتمع نفسه والجتمعات البشرية الختلفة .المر الذي يتطلب إصلح النظام النقدي الدول وفرملة عالية اللبلة
البية للقتصاد .هذا من جهة ،ومن جهة ثانية ،ل تعط هيمنة الدول النتصرة ف الرب العالية الثانية وحسب ميثاق المم التحدة ومواثيق
الشرعة الدولية لقوق النسان (ويشكل أساسي العلن العالي لقوق النسان والعهد الاص بالقوق الدنية والسياسية والعهد الاص
بالقوق القتصادية والجتماعية والثقافية) وإنّما أيضا الواقف النتقائية للدول الكبى والشكال الختلفة لنهجية القوة وعنتريات السيطر ،
فيما يضع مصداقية المم التحدة على الحك ويضع أيضا وللسف ،أرقى منتجاتا ف قفص ملس المن الصاب برض اليمنة .إن الصراع بي
القوة والعدالة على الصعيد الدول ل يتجزأ عن معركة دمقرطة الجتمعات ووعي هذه الدمقرطة .وإل فسنجد أنفسنا ،وف أحسن الحوال،
أمام جوع راغبة ببادئ حقوق النسان متعطشة للديقراطية تفرض عليها ثقافة العنف من هوليود ونج العيارين والكيلي من واشنطن وينخفض
مستوى معيشتها من بورصة نيويورك وتلقي با على قمامة السوق العالية .
حت اليوم ،حرم غالبية جهور القراءة ف الشرق من إنتاج قلم صريح ونج ناقد وباحث نزيه نشر معظم إنتاجه ف تونس .
إن الرغبة الكامنة عند منصف الرزوقي ف نقل حلبة الصراع والوار الفكريي إل عال الريات والقوق ،ل يكن تقديرها إل بوضع هذا
الكتاب على مشرحة التقييم باعتباره مرجعا هاما من مراجع هاجسنا الشترك ف وقف عملية تدنيس الوعي .
باريس ف 16ماي 1996
مقدمة
كيف يكن أن نعيش استقللنا ف زمن عولة القتصاد ؟ كيف يكن أن تافظ الدول على استقللا وهي تقمع مواطنيها ؟ وإل أي مدى يكن
لذا الستقلل أن يافظ على فعاليته وحيويته ف مواجهة إكراهات عال اليوم التزايدة ؟ ث هل يمل الستقلل العن نفسه الذي سخر له آباؤنا
حياتم ؟ إنّها أسئلة قلما تطرح لننا اعتبنا أن الستقلل أمر بديهي ومن تصيل الاصل .
إنه لخفاق مريع بالنسبة لبائنا وأجدادنا الذين كان الستقلل الدف الرئيسي لنضالتم ومنتهى آمالم ف التحرر والكرامة ،لقد استطاعوا
بفضل تضحياتم أن يفرضوا تقيقه ،ليتضح بعد عشرية واحدة من سيادة النخب الوطنية أنه ما زال للنضال بقية , ،أننا حققنا الزء الضروري
من معادلة التحرر ،وبقي أن نقق الزء الكاف.
لنعرّف الستقلل بأنه :قدرة اتاذ القرار الوطن وتنفيذه ،دون ضغط أو إكراه من قبل أي قوة خارجية .وذلك لتحقيق جلة من النافع
الشروعة للمجموعة الوطنية الت تتل رقعة معينة من الرض .
واليوم ،تطرح جلة من السئلة الطية حول هذا الستقلل :
فهل تققت حقا أحلم أبناء الوطن ف التحكم ف كل القضايا الت تمهم ؟ وهل حقا نأخذ قراراتنا دون ضغط أو إكراه من الارج ؟ بل وهل
لفهوم الستقلل من معن ؟ وهل الستقلل مشروع قابل أصل للتحقق ؟
لنتوقف الن عند وضعية الدولة العاصرة أيا كان نظامها وموقعها ،وأيا كانت قوتا الداخلية والارجية .
هي مبدئيا مستقلة ،أي قادرة على اتاذ قراراتا دون ضغط أو إكراه وف كل اليادين ،لذلك يكون من العبث الديث عن السيادة والستقلل
بدون هذه الاصية .
ماذا الن عن الواقع العاش ؟
تشهد اليوم كل دولة " مستقلة" ضغطا متصاعدا على كل صلحياتا من قبل قوى خارجية ل يعد لحد قدرة التصدي لا ،لنا افرازة الثورة
التكنولوجية الت غيت كل العطيات القدية ،وقلبت الوضاع رأسا على عقب .
لقد قيّدت قدرة الدولة الستقلة بصفة ل يسبق لا مثيل ف خسة مبادين أساسية :
1ـ أصبح الحتكار العلمي واليدلوجي للدولة أثرا بعد عي .ول يعد لا أي قدرة على فرض مصال ثقافتها ،ول أيضا ثقافة مصالها ،
يستوي ف هذا الفقراء والغنياء والضعفاء والقوياء ،ولو بنسب متلفة .فأمريكا تعان من الغزو الثقاف كما تعان منه فرنسا أو زائي .
2ـ حدّت قواني التبادل التجاري ،بصفة مهولة ،من قدرة الدولة على اتاذ القرارات "الستقلة" .وأصبحت الركة الوجاء لرساميل ضخمة
ل يتحكم فيها أي مركز معلوم ول منطق عادل ،باستثناء منطق الربح الن الذي أصبح عامل من عوامل تديد اقتصاديات أقوى الدول
واستقرارها.
3ـ قيدت العاهدات الدولية ف كل اليادين قدرة الدول على القرار التشريعي الستقل .وأصبحت ،على سبيل الثال ،منظمات حقوق
النسان الدولية تتدخل بصفة طبيعية ومتزايدة ف تشاريع الدول ،وف كيفية تطبيقها للمعاهدات ،فارضة على الميع فكرة ثورية تتمثل ف أن
الواطن ف هذا البلد أو ذاك ليس "ملكا" للدولة تتصرف فيه كما تشاء باسم "السيادة الوطنية" وإنّما هو إنسان عهد إليها بالسهر على حقوقه ،
وعليها أن تتحمل مسؤولياتا كاملة ف اتاهه أمام الجموعة الدولية ،وأن تاسب على كل خروقاتا باسم مفهوم أعلى من مفهوم السيادة الوطنية،
إنه "التضامن النسان " (الذي يتعارض ف القيقة مع مفهوم السيادة ،كما هو معمول به اليوم ،والتمثل ف :السيادة الكومية ،أي السيادة
الزبية ،أي السيادة الفردية ).
4ـ يكن للدولة "الستقلة " أن ترس حدودها من دخول التسللي .لكن من أين لا أن ترس ساءها من تسلل السحب النووية القادمة من
تشرنوبيل ،أو أن ترس برها من التسمم والنفايات الكيماوية وقد ألقيت ف البحر.
إن الشكالية البيئية هي اليوم ن أهم التحديات الت يواجهها استقلل ل تعد تعترف به تاما منظمة كالسلم الخضر .وبذا انتفت عن الدولة
ليس فقط شرعية التحكم ف مواطنيها إل بشروط ،وإنّما انتفت عنها قدرة التحكم ف الرض نفسها .فحريتها هنا مقيّدة أيضا بملة من القواني
والقيم الت تستمد شرعيتها من فوق القيم القدية ومن خارجها.
5ـ ل يعد اليوم بإمكان أي دولة أن تعتب أمنها قضية داخلية ،فهي إشكالية مشتركة تتداخل فيها العديد من العوامل الارجية .ومن ثة ترى
الدولة العاصرة مضطرة للتخلي عن جزء هام من سيادتا ف إطار تالفات ومعاهدات ل قبل لا بتجاوزها أو العيش بدونا.
الثابت اليوم أن "النيف " الذي تعرفه الدولة ف مستوى طاقتها على القرار الستقل وف هذه اليادين المسة هو بصدد التزايد .وأنه من المكن
أن نصل قريبا إل درجة الصفر فيه بالنسبة لعدد كبي من الدول الت ستقل من جديد تت الماية القنّعة لخطبوط اقتصادي ـ سياسي متعدد
الوجوه والراكز.
ما الذي تقدر عليه الدولة العاصرة ف مثل هذه الال الت يصعب التكهن بانتهائها لنّها وليدة التطور وليست ظرفا عابرا ؟
إن أقصى ما يكن تأمينه اليوم ،ف إطار عال وحّدته التكنولوجيا وجزأته اليديولوجيا ،وبالنسبة ليكل هو نفسه ف تطور دائم وقد يكون إل
زوال ،هو الشاركة ف عملية صنع القواني والؤسسات والسياسات الت تلق وتوزع الثروات والت تتعامل مع الشاكل اليكلية والظرفية
للشعوب والتجمعات القارية والبشرية ككل ،وكذلك القدرة على الوقوف ف وجه كل ما ينتج عن هذه السياسات الشتركة من إضرار بالقوق
الشروعة للشعب .
معن هذا أن استقلل الدولة ل يعد يتمثل ف قدرة الستقلل بالقرار الاص لفرض النافع ،وإنّما بقدرة استغلل القرار العام للحصول على
أقصى قدر مكن من الصال أي القدرة على التفاعل مع الضغط العام التبادل من موقع :أؤثّر بقدر ما أتأثر ،وآخذ بقدر ما أعطي.
من البديهي أن الدولة القوية وحدها هي القادرة اليوم على مثل هذا التأقلم ،وأن درجة استقللا هي درجة تأثيها ،ومن ث نفهم أن الستقلل
بالنسبة للدول الضعيفة هو بصفة متزايدة صدفة فارغة.
ل نستغرب أن تكون السلطة القيقية لبعض الكومات العربية والفريقية ف تقرير مصي الشعوب الت تكمها ،ل تتجاوز سلطة صغار رؤساء
البلديات داخل دولا ف حل مشاكل منظوريها .
لكن ،من أين تأت قوة التأثي ،أو درجة الستقلل .
هي بداهة متعددة السباب والشروط ،لكن من أهها دون جدال :حيوية الجتمعات الت تثلها ،وسخاء عطائها من الادة والقيم والتنظيم
والعلوم .
كل هذه المور مرتبطة أوثق الرتباط بنظامها السياسي أي بدرجة فعالية النظام وحيويته وقدرته على إطلق العنان للقوة اللّقة ،أي مرتبطة
بالنظام الديقراطي وحده ل غي.
والقاعدة ف هذا ،أنه بقدر ما ينجح شعب ما ف وضع نظام سياسي ناجع ،بقدر ما يوفر قواه الت تضيع هدرا ف الصراعات الدموية ،وبقدر ما
يستطيع إطلق العنان للطاقات اللقة ف كل اليادين ،بقدر ما يكون مستقل.
ل غرابة أن تكون هذه القاعدة أهم ركائز أقوى الجتمعات الديقراطية ،حت وإن ل تكن كل الجتمعات الديقراطية قوية .لن الديقراطية هي
شرط ضروري ،لكن غي كاف وحده ليستطيع هذا الشعب أو ذاك أن يؤثر بقدر ما يتأثر ،أو يعطي بقدر ما يأخذ ،أو تكون له القوة الكافية
للتصدي لي مظلمة تلحق به.
ف القابل ،تد دول تعمق تبعيتها يوما بعد يوم ،بسبب غرقها ف حرب أهلية صامتة أو صارخة ،وعجزها عن استنفار كل قواها الجتماعية
للدخول ف شبكة العلقات النسانية العامة بأقصى قدر مكن من الساواة مع الشعوب الخرى.
يتماشى هذا العجز الارجي مع تكبيل هائل لطاقاتا الداخلية ،ومع دفع ثن رهيب للعنف من أجل إبقاء وضعية تاوزها الزمان .
أليس من سخرية بالقدار أن يكون آباؤنا قد ناضلوا من أجل دولة هي اليوم بصدد تعميق تبعيتنا ،وإهدار طاقاتنا باعتماد التنظيم الرمي الولئي
وعجزها عن الدخول ف تنظيمات وحدوية هي اليوم إحدى ضروريات الستقلل الثان ؟
إن انتظار الوحدة العربية من النظمة العربية الالية كانتظار الطر من ساء ل سحب فيها .فالنظام التمحور حول الشخص الواحد والزب
الواحد ل يتصور الوحدة إل كامتداد لنفوذ هذا الشخص أو الزب .وهو المر الذي يواجهه طموح شبيه وف اتاه معاكس .وهكذا تشلّ طبيعة
النظام الستبدادي كل إمكانية للتجمعات القليمية الواسعة الت ل تفرضها اللغة والثقافة والتاريخ فحسب ،وإنما أيضا ضرورات الستقبل .
إن أوروبا ل تدخل عملية التوحيد إل بعد انيار النظمة الفاشية والنازية واستتباب الديقراطية ،ما سح بالتقارب والتوحيد التدريي بي متلف
دولا .ذلك لن تداول الشخاص يلغي عامل الشخصانية ،كما أن التنافس السياسي حول شت البامج يكّن الشروع الوحدوي من الظهور
وفرض نفسه ،لا يتوي من منافع بديهية.
لكن ،يتضح اليوم للجميع أن الستقلل الول كان استقلل الدولة ول يكن استقلل الشعب ،وأن استقلل الشعب هو الضامن الوحد
لدخولنا سوق الشبكة العلقاتية كأطراف مسؤولي ،ل كمتسولي .
وللستقلل الثان طريق واحد ل غي :الديقراطية .
***
ل يسع الرء أمام ما يلحق الديقراطية من أذى ف كل قطر عرب ،وما تعرضت له ف الزائر من فضيحة تسبّبت ف حام الدم الال ،وما يتهددها
من أخطار ،إل أن يتساءل :
هل حكم علينا نن العرب أل نعرف من الديقراطية إل ما عرفه الائع الفلس من لذيذ الشواء ،أي شيئا من العبي الذي يمله الواء القريب ،
فل يزيده ذلك إل جوعا ونقمة على إفلسه ؟
نن نتابع ،بفضل التكنولوجيا الديثة وف عقر ديارنا على شاشات تلفزات البلدان الغربية ،كل تفاصيل صراعاتم السياسية السلمية والعلنية ،
ونعيش معهم انتخاباتم التشريعية والرئاسية لظة بلحظة ،لعنصر التشويق والثارة ف كل انتخابات فعلية ،وكأننا نتابع مباراة رياضية .كما
نقرأ ،عندما يسمح لنا قراءة ما يكتبون ،عن سطوة قضائهم وهو يتابع أخطبوط الرشوة ويستأصله من كل مكان سلطت عليه صحافة حرة
أضواءها الكاشفة .نعيش هذا "التعبي" الل شعوري مقارنة بواقعنا الزري ،وبعقلية :العي بصية واليد قصية.
إن أزمة الديقراطية ف الوطن العرب اليوم ل تتعلق بغيابا الأساوي ،بقدر ما تتعلق بالتزييف والتشويه والتحريف الذي لقها وهي ل توجد بعد.
لقد أدت السياسة "الاهرة" لدعي الديقراطية إل خلط الوراق وتعميم البلبلة وإشاعة الفوضى ف الفاهيم .وعمقت احترازات شباب غي متعود
على ألعيب السياسة وحيل السياسيي تاه منظومة فكرية وسياسية ،تدعي سلطة ل ديقراطية امتلكها والدفاع عنها.
وما زاد الطي بلة ذلك الدور الدمر الذي لعبته حرب الليج عندما رسخت ف أذهان شبابنا صورة الديقراطية وحقوق النسان مقرونة بسياسة
الرب والقوة والكاييل التفاوتة والعجرفة الغربية.
يصبح التوضيح ضروريا لبديهيات أصابا التشويش التعمد أحيانا ،وغي القصود حينا آخر ،وذلك بقصد ترسيخ الدعائم الفكرية للستقلل
الثان .كما يكون هذا التوضيح ضروريا أيضا ف إطار ما تعرفه المة من تصاعد الد الدين :فكرا وسياسة .إذ ل بد من نقاش معمق حول طبيعة
البديل الذي سيخلف ف القرن القبل هذه النظمة الستبدادية القدية ،والت ل خيار أمامها إل أن تصبح أنظمة إسلمية أو أنظمة ديقراطية.
لقد استطاعت الديقراطية طيلة هذا القرن أن تضع حدّا لياة أنظمة النازية والفاشية ف أوروبا الغربية والنوبية ،وأن تد ّك قلع الستبداد
الشيوعي ف روسيا وأوروبا الشرقية ،وأن تتغلغل بعمق ف آسيا وف إفريقيا .لكن بقي العرب مرة أخرى خارج هذه الركة التاريية ،ل يدخلون
تربة ف بلد من بلدانم إل لتنتهي بكارثة أو بتخريب أو بردّة ترجعهم إل عادات مستأصلة ،قدية ومهيكلة.
وتأت ضرورة التفسي فل تزيد الطي إل بلة .فمن متحدث عن عدم نضج العرب للديقراطية ،أو عن عدم جدارتم با ،إل القائل بوجود تنافر
بيولوجي ـ ثقاف يعلهم غي مؤهلي "بطبيعتهم " لمارسة الديقراطية ...ال.
إن قيمة هذا التفسي الشائع ل تكمن ف موضوعيته أو ف ذاتيته ،بقدر ما تكمن ف دللته على عمق الزمة النفسية الت ولّدها الستبداد .
إذا كان من الواضح أن الديقراطية ليست قدرا متوما بالنسبة للعرب ولغيهم ،فإنه من الثابت أيضا أن القول بعدم جدارة المة وعدم قدرتا
على تقيقها ،موقف ساذج وسطحي ،ل وظيفة له إل تبير ما ل مبر له .أي إضفاء شرعية مزيفة على تكبيل أمة بأكملها .
من القولت الت يب دوما التذكي با ما كتبه الفي توفلر " :إن الديقراطية ليست فقط ضرورة أخلقية ،وإنما بالساس ضرورة تقنية " فل
جدال أنه توجد اليوم علقة بي الفاعلية ف إنتاج الادة والعرفة والقيم ،وبالتال ف إنتاج القوة ،وبي طبيعة التنظيم السياسي .ومن هذا النظار ،
فإن الشعوب العربية تتسابق مع الشعوب الديقراطية ،وف الرجل قد اسه " :التنظيم الستبدادي " .هذا القيد الذي سيعيق كل أشكال تقدمها
ورقيها إن ل يرفع .
إن دور الثقف الديقراطي اليوم ،وأمام أزمة النظمة العربية ليس ف النتصار لذه اليديولوجيا أو تلك ،وإنا ف التنبيه الدائم إل أن إشكالية
النظمة والبدائل ليست ف كونا تعتمد هذه الرجعية دون غيها ،بل لنا أنظمة أو بدائل مبنية على قواعد غي فعالة وتتعارض اليوم مع متطلبات
تسيي الجتمعات العصرية ،وهي متطلبات تنبع ،بشكل أو بآخر ،من الديقراطية .
إن أكب خطر يتهددنا اليوم هو استبدال نظم استبدادية ذا مرجعية علمانية ،أو قومية ،أو اشتراكية ،بنظم استبدادية ذا مرجعية دينية ،لنك
لن تغي شيئا إذا ألبست نفس النسان ثوبا زاهيا أو ثوبا أسود ،ما دامت التصرفات الساسية متشابة.
يبدو اليوم أنه قدّر لذه المة أن تراوح مكانا أو أن تتقهقر ،لن التقدم ل يعد ذلك القدر التمي الذي آمنا به ف الستينات ،طالا ل يتضح
للجميع بأن أصل الداء ليس ف الرجعية أو اليديولوجيا ول يكن أن يكون ف مطلب العدل الذي تنطلق منه كل إيديولوجيا ،وإنا هو ف
الليات الت توضع لحاولة تقيقه.
وقد يكون من الضروري ومنذ البداية أن نركز على أن للديقراطية العديد من السلبيات ،وأنا ليست الوصفة السحرية الت ستمكننا من حل
كل مشاكل المة.
يكفي أن نذكّر هنا بالهرجان النتخاب ف أمريكا ،وبالعلقة الوطيدة الت ربطتها مع الافيا الت ترعرعت ف كنفها ف روسيا ،وبعجزها عن
إحلل متطلبات العدالة الجتماعية ف بريطانيا وأمريكا ،وبضعف التمثيلية حت ف أعرق البلانات ،وبعزوف الناخبي التصاعد عن الشاركة ف
لعبة سياسية يتّضح يوما بعد يوم أنا مغشوشة ،ال ...ول نتكلم عن التحريف والتزييف والستعمال الجحف الذي تعرفه الديقراطية ف عالنا
العرب .
إن الديقراطية نفسها ف أزمة إل أن هذه الزمة ليست بجم الستبداد فالديقراطية تستطيع أن تبأ من مساوئ الديقراطية بزيد من الديقراطية
،إل أن الستبداد ل يستطيع إل أن ينتحر بزيد من الستبداد .
تبقى الديقراطية ،على علتا ومساوئها ،أخف الضررين .وكما يقول رجل ل نبه نن العرب ،وهو تشرشل ،إنا " أسوأ نظام باستثناء كل
النظمة الخرى" .ففي الديقراطية آليات متلفة وعلى رأسها حرية الرأي وحق التنظم ،اللذين يضمنهما القانون الديقراطي من أجل إفساح
الجال لتصحيح السار وإعادة النظر باستمرار ف مدى صلحية البامج العتمدة ،وناح تنفيذها .
من الطأ الفادح ،كما أسفلت ،أن نتصور أنا ليست قدرنا .كما نرتكب خطأ ماثل إن بقينا ننتظر القدر الحتوم أو يود با علينا .فهي حالة
للنظام السياسي نلقها وتلقنا ،ندافع عنها أو ل ندافع ،نطورها أو نقتلها .
هناك حقا العديد من العوامل اليابية الت تعلنا ف انسجام مع تيار الدمقرطة القوي .ونن ل ننساق وراء هذا التيار بفعل العدوي والتقليد
والنافسة الت يفرضها علينا الغرب الديقراطي ،وإنا نريد الستفادة أساسا من تطور الوسائل التقنية الت ف غيابا تكون دولة الستبداد عاجزة
عن مواكبة تطور الراء والفكار والتغييات الجتماعية والثقافية والقتصادية الت تمل قطاعات متلفة ومتزايدة من الجتمع نو مزيد من الوعي
والقوة والطالبة بزء من السلطة.
إل أن هذه القوى على أهيتها ل يكن إل أن تتفاعل مع قوى مضادة أساسها استماتة الالة الستبدادية من أجل الدفاع عن موقعها ،خاصة مع
ظهور البدائل الدينية الغرية ،الت يبدو أنا ل تستوعب أن ما تاربه اليوم هو أفرازة حتمية للمرجعية الت ل تناقش ،أي الزب الواحد
والشخص الواحد والرأي الواحد.
تفرض علينا خطورة النكبة الت تر با المة أن نتوجه للبّ الشكالية ،وهي قدية قدم عجزنا عن وضع آليات متطورة وقابلة للتطوير أيضا .
ونن بطبيعة الال ،ف إطار صيورة مترنة ،قد نصل أو ل نصل إل ما نرتيه.
هذا ال صراع الطو يل الر ير الذي عا شه جيل نا م ثل ف بناء النظام الديقرا طي و ف ت سي ال صناف الوجودة ،و هو ما أ سيه بال ستقلل الثا ن .
فشتّان ب ي ا ستقلل الدولة الذي حق قه آباؤ نا وأجداد نا ،فا ستول على مناف عه ش خص وجهاز ،وب ي ال ستقلل الثا ن ،ا ستقلل الن سان الذي
سينقل الكرامة من الطاب الهترىء التآكل إل الواقع والمارسة.
الستقلل الثان إذن هو مشروع هذا اليل ومن سيليه.
وللستقلل الثان بالضرورة مؤسسات تدمه.
وللستقلل الثان بالضرورة فكر يبلور مفاهيمه ويرسم لطواته الطريق الصعب الطويل .
يقول "التوسر " إن الصراعات الفكرية هي صراعات سياسية ف النظرية ،والعارك السياسية تربح أو تسر أول وقبل كل شيء داخل الدمغة "،
ومن ث تأت ضرورة احتلل الواقع الفكرية عب إياد وإيصال فكر ديقراطي ،حت يأت النظام الديقراطي فيما بعد ل كنبتة غربية مزروعة ف
أرض قاحلة وإنّما كشجرة باسقة متجذرة.
إن أمرا كهذا لن يكون سهل ،فالديقراطية اليوم شعار مبتذل يعان ف وطننا العرب من أصوله الغربية وصداقاته الشبوهة واستعماله الجحف من
قبل كل النظمة الستبدادية ،ومن استخفاف اغلب التاهات اليديولوجية ،ومن تصاعد الطاب الدين ،ومن الهتراء الذي يلحق كل
مصطلح يساء استعماله بكثرة .ل بد إذن من فكر ياول إخراج الفهوم من الضبابيات والعموميات للتركيز على خصائصه وجزئياته العملية ،ل
بد من إظهار تباينه مع الليبالية الت تلصق به ظلما وعدوانا ،هذه الليبالية الت تدد اليوم طبقات النوب وشعوبه بالتفقي والتهميش.
يب كذلك التصدي للموقف الرخيص الذي يرفض الديقراطية لصدرها الغرب ،وهو موقف ل يقل غباء عن رفض النسولي لنا غربية الصنع
.
كما علينا ،ف هذا الصدد ،أل نتغاضى عن استراتيجية بعض الدول الغربية الت ترى أن تصدير الديقراطية هو تصدير الليبالية ،وأن
الديقراطية ليست إل التغطية اليديولوجية لضرورة فتح السواق للتحكّم ف العال .
إنه على العكس من هذا ،يب أن ينبن الوعي على ضرورة التفريق بينهما ،وعلى حقنا ف اختيار ما تراه مناسبا لصالنا بغض النظر عن الصدر
.
من الضروري أيضا تذير وتعريب هذا الفهوم وربطه بنضالتنا التاريية ،وما أكثرها ،وذلك لعطاء مفهوم "الشورى" كل حظوظه ،ولينتصر ف
هذا العصر بعد أن هزم طوال تارينا .
لقد جعلت النظمة العربية من النتخابات الشكل العصري للبيعة القدية ،والال أنه يب أن نعل منها الوجه الديث لطلب الشورى الذي هو
مطلب المة منذ سقيفة بن ساعدة .
والهم من هذا كله أنه يتحتم علينا أن نوضح وأن نقنع كل أصحاب هذه اليديولوجيات أو تلك أنم مقدمون على تكرار نفس الهازل ونفس
الآسي إن ل يقتنعوا بأن الشروع التحرري يب أن يركز على الليات قبل أن يركز على الرجعية والشخاص ،وأن هذه الليات لن تكون ف
هذا العصر إل آليات الديقراطية .إن هذا الفكر هو إحدى أهم دعائم دولة الستقلل الثان وأول ضرورياتا .
هذه بعض آراء " الستقلل الثان " نناضل من أجل تقيقها .ونن أعلم الناس بأن رحلة اللف ميل تبدأ دائما بطوة.
الفصل ال و ل
فاتورة الستبداد
با أن القانون هو اليط الفي الذي ينظّم علقات الشخاص والؤسسات ،وبا أن العلقات مريضة ومرضية ،فل غرابة أن يكون القانون ،هو
الخر ،إحدى ضحايا الدولة الستبدادية.
إن الظاهر الدالّة على الكانة اللطبيعية للقانون ف إطار دولة الستبداد ل تصى.
و من ترتّبات هذه الالة ما يعرف فـ كـل الجتمعات العرب ية مـن تردي العلقات الجتماع ية ،نظرا للتفا ضل الذي تد ثه "الواسـطة " ،و هي
مؤسسي ضرورية وقاهرة ف الجتمع الستبدادي تعمل على تطويق القانون والصول إما على المتياز وإما على الق الذي ل يؤخذ إل با.
بداهة ،ل جدوى للحكم العياري ،بأن نستنكر أو نندد أو نفسر هذه الالة باصية ورائية بيولوجية فينا تعلنا وإل البد مموعة متخلفة ،فهذا
طرح يب استنكاره والتنديد به لنه يغطي القيقة بتعلّت واهية.
فهذا العر ب الذي يبدأ تعامله " التخلف " مع القانون م نذ انطل قه من مطار "أورل" إل بلده ،هو نف سه العر ب "النض بط " مع قانون الجت مع
الفرنسي .
نتجاوز هذا إذن ،لنلقي السؤال التال :
ما هو مغزى هذا التصرف الذي يكون عليه النسان العرب تاه القانون ؟ وما هي الظروف الوضوعية الت تدفع الناس إل مثل هذه التصرفات ،
والت نتحمل جيعا مسئوليتها ؟
إن عل قة بذه اله ية والتعق يد ل ي كن أن تكون أحاد ية ال صدر ،بل هي نتي جة تفا عل العد يد من ال سباب والتراكمات التاري ية والقت صادية
والجتماع ية وال سياسية .إل أ نه من الضروري الترك يز على ماور ثل ثة قد تكون مدخل لف هم هذه الظاهرة وتغيي ها ،إن ا تتم ثل ف :الوروث
والندرة والدولة ـ الطرف .
إن ظاهرة " الواسطة " أي تطويق القانون للحصول على امتيازات من طرف حفظة القانون أنفسهم ـ ليست خاصة بالوطن العرب دائما ،بل
هي ظاهرة اجتماعية وإنسانية عامة ،ل يفيد فيه احتجاج أخلقي ،كما ل تلغ نائيا ف أكثر الجتمعات تقدما ،ناهيك عن الجتمعات الشتراكية
سابقا الت قننتها ف إطار ظاهرة النومكلتورا .
وهكذا ،كل ما تزايدت ندرة اليات الاد ية ف مت مع ما ،لع جز أو ق صور نائي ف آلة النتاج ،احتدت ال صراعات دا خل الجت مع من أ جل
الصول على هذا النـزر القليل من النتوج الماعي واستعملت متلف الوسائل الشرعية والل شرعية للفوز بالقدر القصى منه ،والغلبة ف هذا
التنافس تكون عادة للقوى.
تنظر إل الفرنسيي وهم يصعدون بكامل النظام حافلة النقل العمومي ،وتعجب وتتعجب ،لكن ل ننسى أن كل واحد منهم يعرف ف قرارة نفسه
أنه سيجد له مكانا ،ولو وقوفا ،وأنه سيصل ف الوقت إل عمله.
خذ هؤلء الفرن سيي "الؤدّب ي " وضع هم مثل ف "الورد ية" ينتظرون ساعات طويلة حافلة مكت ظة ف سوف يتدافعون بالنا كب بن فس الفو ضى
والغلطة الت نتسابق با إل احتلل مكان ف الافلة.
وبرور الوقت يصبح هذا التصرف ل شعوريا ،لذلك ترى الغاربة عموما يتدافعون بالناكب عند ركون الطائرات ذات الماكن الحجوزة !
قس على نفس النوال كل مالت الياة الخرى الت تعل "تطويق القانون " تقنية من تقنيات الياة ومن أجل البقاء على قيدها.
ل شك أيضا أننا اليوم ف مرحلة غدت فيها القوان ي الت حكمتنا قرونا طويلة ،إ ما لغية وإ ما ف تناقض موضوعي مع العطيات الديدة ال ت
أصبحت تكتسب وزنا وثباتا يكّنانا من فرض قواني أخرى .
فمثل نن ل زلنا نعان من مظاهر العلقة الولئية الت ظننا أنا انقرضت ،لكنها ف القيقة ل تزال سارية الفعول ،ف الوقت الذي ل تكتسب فيه
الديقراطية امتدادا تارييا وقوة تعل قوانينها متأصلة ومتجذرة.
معن هذا أن علقة النسان العرب بالقانون تعكس أيضا تزقه بي الثابت والتحول ،وهي حية ستتواصل إل أن يصبح التحول ثابتا .
تاري يا ،ل تن جح أي دولة ف توز يع ثار التنم ية ب صفة عادلة ،لن الدولة كا نت ،على امتداد تاري ها الطو يل ،الهاز الذي يكّن من توز يع
الندرة لصال شخص أو جهة أو عرق إل ...
ولن الدولة الستبدادية هي دولة بدائية ف جوهرها وإن أحاطت نفسها بكل مظاهر العاصرة وبريقها .فقد رضيت أن تكون ف هذه الرحلة من
تاري ها حار سة لقوان ي مطعون في ها :سياسيا (وذلك ب نع العار ضة) ،اقت صاديا (بال ستقلل) ،وثقاف يا (بتر سيخ إيديولوج ية ت مي م صالها ) ،
لذلك فهي ترق القواني العادلة الت تسنها هي بنفسها .
إننا ل نعرف أي دولة تدّعي ،من جهة ،حاية القانون ،ث تعطي للمواطن الثل ف تطاولا عليه .والسيد ليس الذي يعطي الوامر ،وإنّما الذي
يعطي الثل .
يشاهد الواطن القموع الدولة وهي ترق الدستور وقانون النتخابات وقانون الساواة بي الواطني (بحاباة أبناء العم وأعضاء الزب ومتساكن
الهة )...وشعارها :افعلوا ما أقول ،ول تفعلوا ما أفعل .
ومن البديهي أن دولة كهذه ل يكن أن ترسخ القانون ،وإنا تفصمه إل قسمي :الكتوب منه والعمول به .وف إطار تول حضاري سريع ،ل
غرابة أن يصل الواطن ـ الذي يعان مرارة الندرة ـ إل درجة الستخفاف بالقانون الذي تكون الدولة هي أول من ترقه ،رغم ادعائها السهر
على احترامه .كما ل غرابة أيضا أن يواجهنا سيل من التصرفات والواقف الغربية من طرف بعض الواطني ،كأن يتصور بعضهم إمكانية التدخل
لطلق سراح سجي حق عام أو تعطيل حكم قضائي … إنا الذروة ف الستهزاء بقداسة القانون وانيار صورته وانتهاء دوره
***
--------------------------------------------------
الفصل الثالث
الليــات
الدعامات
يقول ادجار موران " :ل بد من العتراف بفشل ثورة القرن العشرين ،لكن تاريخ النسانية متواصل".
كيف ل نشاطر موران هذا التشخيص القاسي ،ومظاهر فشل الثورة واضح للعيان ،وتتجلى كأحسن ما يكون التجلي ف ثلث :
لقد تنبأت ف القرن الاضي نظريات التحرر بانيار الرأسالية العالية ،إل أن هذه الخية ل تزال على اليوم ف أوج سيطرتا ،رغم ما تعانيه
النسانية من نتائج سلبية خطية ،كتفّشي البطالة ،والفوارق بي الطبقات والشعوب ...إل .
تخضت حركات التحرر ف العال الشتراكي (سابقا) والثالث (دائما) عن بناء دول عسكرية أو بيوقراطية ،حققت للشعوب القموعة من طرف
الستعمار والرأسالية بعض النازات السياسية ،لكنها سجنتها داخل أنظمة تطيء لكن ل ياسب فيها إل من ندد بالطأ .
وهكذا رأينا رومانيا تزداد فقرا ف ظل آل شاوشسكو ،وانتصاب الكم الوراثي عند آل كيم ايل سونج ف كوريا ،وتظاهر العمال الكاثوليك
" أفيون الشعب " لتقاوم حزبا عميل مدعوما من الارج ضد حزب شيوعي يقوده العسكر .كما رأينا أمة كاملة ف أفغانستان تتوحد باسم
يريد أن يقودها إل النة بالسلسل .هذا ،بالضافة إل ناح ثورة دينية ف اقتلع شاه إيران الذي فشلت ف مواجهته كل حركات اليسار.
تاوى خطاب الداثة ف البلدان العربية والسلمية ،فظهر قصور النظرية وسطحيتها وتكذيب الواقع لا .وأصبح جلة من البتذلت الت يرددها
تلميذ الثانوي البتدئ والسياسي التخلف واليديولوجي التعصب وهو ف حالة انفصام متقدمة .وبانيار مصداقية خطاب الداثة ،برز إل
الوجود الطاب السلفي واحتل الساحة ،فأصبح خطابا للتحرر التقدمي ،واتذ له موقع الدفاع عن النفس أمام فكر فرضت عليه العودة إل
إشكاليات الثلثينات .
إن انتشار الطاب السلفي ،بختلف أشكاله ،ظاهرة عالية .فهناك الصولية السلمية والصولية الندوسية ...وكلها تتعامل بنفس العقلية
وتقترح نفس اللول لنفس الشاكل .
تتعلق هذه الشاكل الت تس كل شعوب العال ،بالخطار الت تدد الوية ،وباتساع الوة بي الطبقات والشعوب ،وبانتشار العنف الدن
والسياسي ،وبفشل كل اليديولوجيات .ما تسبب ف "ردة الفعل " الت نشهدها اليوم لدى الطاب الدين ف تعامله مع الواقع .وهي ردة فعل
ساعدت على بلورة ما نسميه بـ "فكر الردة" الذي توهم بأن التقوقع على الدين والعرق والوطن سيشكل الخرج والهرب .
وف القابل هل يكن أن تكون الديقراطية وها جديدا وسرابا خادعا تتعلق به بكل أهدابنا وجوارحنا ،لنكتشف ف يوم ما ،كما اكتشف الروس
،أنا هدية مسمومة ،وأنا قد تكون جزءا من الل ولكنها ليست بالضرورة الل الرجو ؟
إن القاعدة الت يضع لا كل الكون ،وقد سيتها قانون هيقليط/لوتسه ،هي أيضا أن الشيء ل يوجد إل بنقضيه .وأن من طبيعة هذا الشيء،
سواء أكان من الادة الية أو العدنية ،أم من الفكر أو التنظيم ،أن ير ف البدء برحلة النشأة ،ث يتطور ،ث يهرم ،لينتهي به المر ف الخي إل
الوت والفناء .ومن ث ،يتضح لكل من يؤمن بإيديولوجية وتنظيم ،ولكل من يسعفه الظ يوما ا بوضع نظام سياسي ،أن يكلف نفسه ،قبل أي
مبادرة ،بالرد على سؤال بسيط :
باذا يوت هذا الفكر ،أو هذه اليديولوجية ،أو هذا النظام ؟
إن موت النظمة واليديولوجيات والدول أمر حتمي حتمية موت الكائنات البيولوجية ،وحتمية موت الكواكب والنجوم .ولكن يكمن الفرق
فقط ف الدة الزمنية الت تتطلبها العملية .فل غرابة إذن أن يكون الوت قدر النظام الديقراطي حت ف البلدان الت نظنّها اليوم راسخة القدم ف
تقاليده .
من منا كان قادرا ف الثلثينات على تصور انقلب روسيا إل دولة رأسالية تنخر فيها الافيا ف ناية هذا القرن ؟ وهل يكون هذا أكثر استحالة من
احتمال تفكك الوليات التحدة إل دول عنصرية ،ف القرن القبل ؟
حقا يصعب التنبؤ بأمر كهذا ،بل وربا كان مستحيل نظرا لتعدد وتعقد الظواهر ذات الصلة بذه القضية ،ونظرا للظهور الفاجئ أو الختفاء غي
التوقع للف معطى ومعطى .لكننا نستطيع القول بأن أول بلد مهدد اليوم بالعودة إل شكل أو آخر من الستبداد هو نفس البلد الذي يريد
تصدير قيم الديقراطية ،وبسط حايته على أنظمتها ومناضلتها خارج حدوده .
ويكمن أصل الطر بالساس ف تعايش آليتي متناقضتي داخل الجتمع :فمن جهة ،يوجد الهاز السياسي الذي ينظم الرب الرمزية ،ومن
جهة أخرى هناك الهاز القتصادي الذي يعمق الفوارق الجتماعية ،ويهمش ويفقّر قطاعات متزايدة من الشعب .وهكذا يساهم من حيث
يدري أو ل ،ف إمكانية العودة إل الرب الدموية .وهنا ،يق لنا أن نتساءل :هب حقّا ل تبدأ بعد هذه الرب ،إذا اعتبنا أن جزءا كبيا من
العنف هو عنف له جذوره القتصادية والسياسية.
إن انتشار ظاهرة اليليشيات العسكرية (وكان ظهورها ف لبنان أول بوادر الروج من الرب الرمزية إل الرب الدموية) ،مع انتشار السلح
والهتراء التزايد للجهزة السياسية نفسها ،لي علمات خطر متعاظم.
وف هذا الطار الذي تشكّل فيه الفاجأة العنصر الدائم للتاريخ ،هل ستتمكن الشعوب العربية ،أو بعضها على القل ،من بناء ديقراطيات راقية
وطويلة العمر ،إما مباشرة بعد النيار التمي لنظمة الستقلل الول ،أو بعد جولة استبدادية دينية ربا تطور أو تقصر ؟
وهل من حسن حظنا أو من سوءه أننا ل نب إل حد الن ول دولة ديقراطية واحدة ،وأن هناك تربة ضخمة لشعوب الوار تت التصرف
والطلب ،ما يوفر إمكانية بناء ديقراطية متقدمة وطويلة العمر ؟
من البديهي أنه ل يكن إلغاء قانون "هيقليط/لوتسه" ،ولكن من الثابت أننا نستطيع أن نبن مؤسسات كما نبن بيوتا تدوم أطول وقت مكن
إذا اعتبنا تطور تقنيات البناء وتارب الخرى.
وقد يبدو من العبث طرح السؤال التال :كيف توت الديقراطية قبل أن ترى النور ف بلدنا ؟ إل أن هذا السؤال ـ على غرابته ـ يكّن من
فهم أعمق للديقراطية ومشاكلها ،ناهيك عن صبغته الت ستظهر عاجل أو آجل.
لنتعامل إذن مع الوضوع بذهاب وإياب دائمتي من النظرية إل الواقع ،ومن التجربة إل السلبيات ،ومن الوجود إل النشود ،لنستخرج
الطوط العريضة لديقراطية طويلة العمر ،يب أن نزرعها من اليوم ف أوطاننا إن أردنا أن يكون لنا نصيب من الستقبل .
يكن للديقراطية بطبيعة الال أن تهض أو أن تولد ميتة أو توأد وهي ف خطواتا الول .وهذا يدث إذا ل تتوفر العقلية الديقراطية وروحها ،
أو إذا كان ضغط الشاكل يعل المثلي الجتماعيي يفضلون الرب الدموية على الرب الرمزية لعتقاد ساذج بأنا تتصر الطريق على العال
الفضل ،والال أنا ل تسبب إل إراقة الدماء وإضاعة الوقت والفرص .
أما إذا توفرت شروط بناء آليات الديقراطية (التمثلة ف :العقلية الديقراطية وروحها ،والجاع على الدف) ،فل يكن أن يأت الوت إل نتيجة
دبيب الرم والعجز داخل هذه الليات ،مثلما يأت الوت إل الي بسبب عطب ف القلب أو بروز سرطان ف الثانة ،أو نتيجة الوهن التزايد
والتناسق للرئتي والكبد والكليتي ،بقطع النظر عن إرادة الياة واتباع كل قواعد المية .
فلو تعنا ف عمل آليات الديقراطية الغربية الت تبدو اليوم أكثر الليات تقدما ،لتمكنا من تشخيص جلة من المراض الت يكن أن تكون
السبب الباشر أو غي الباشر ف عودة الستبداد إل أعرق الديقراطيات .
إن النظام الديقراطي بناء ممول على أربعة أركان ،إن انار ركن تصدع البناء ،وإن أصاب الوهن أكثر من ركن انار كل النظام ،هذه
الركان هي :القضاء الستقل ،والصراع العلمي ،والشاركة ،والتجدد السلمي للسلطة.
***
ـ تنظيم الحرب السلميـة 1
كانت الوامر الت تنطلق من قمة دولة الستقلل الول إل قاعدته من نوع " :اعملوا ،فسيى الزعيم أعمالكم "...
وقد انار الرم على رأس صاحبه ،من أوروبا الشرقية إل جل بلدان العال الثالث ،لنه كان موضوعا على ذبابته ل على قاعدته .والقانون هو
القانون :فأي دولة تبن على هذا الساس ،تكون معدة للتلف لا يفرزه المر من استقالة جاعية ومن ترد .والستقالة الماعية ل حل لا إل
بالتجنّد الماعي داخل التنظيمات الت تبلور إرادة التطوع والشاركة ف الياة العامة .
ل يعد من الضروري اليوم أن نؤكد على أهية هذه التنظيمات الت تشهد تطورا انفجاريا ف كل الجتمعات الديقراطية أو الت ترزح تت
الستبداد .وهو تطور تاول الدولة ـ عبثا ـ الد منه أو توجهه وعرقلته.
إن هذه التنظيمات الدنية هي التعبي الكثر دللة ووضوحا على التغييات الجتماعية العميقة الت يستطيع الستبداد تعطيلها ،لكنه ل يستطع
إلغاءها .وإنه لن الفارقات أن تسمى هذه التنظيمات " :النظمات غي الكومية" فهو كتعريف الرأة بأنا الكائن غي الذكري .وهكذا تعكس
التسمية آخر مظاهر سيطرة الدولة .فتكون أول بوادر التحرر أن نرفض هذه التسمية ،ونعتب أن الدولة نفسها هي " :النظمة الدنية الكومية "
أما غيها من التنظيمات فيه " :النظمات الدنية الشعبية".
إنا تعبي عن إرادة الشخاص وحاجتهم الاسة للتحرر من وضعية القاصر والحكوم والعاجز والسلب والحدود ،وتوقهم للمشاركة ف نت
الصي الماعي ولو على مستوى متواضع وف ميدان معي .وهي دللة على إرادة الجتمع لتجنيد كل طاقاته الجمدة لواجهة تعدد الشاكل
وتعقدها .كما أنا إقرار الميع بعجز الدولة عن حل كل الشاكل ومواجهة كل البهات .
ولن هذه التنظيمات الدنية والشعبية شهادة على قصور الدولة ومدوديتها ،إذ تنتزع منها بعض السلطة ،نرى أن ادعاءات الدولة الستبدادية
منافية لذلك ،وبعيدة كل البعد عن عقليتها ومفاهيمها .
فل غرابة إذن أن تاول الدولة الستبدادية فرض وصايتها على تلك الظاهرة الدنية بالحتواء والتعطيل وسن القواني الضيّقة .
ولن هذه الركة تثل ترجة لتغييات "جيولوجية" تس ف العمق تركيبة الجتمع ،فإن التعرض لا بالنع والتضييق يكون كمحاولة التعرض
لنتشار العلم مثل .وهذا يعن ،بصفة أشل الدخول ف معركة خطوط خلفية .
إن دور الدولة الديقراطية هو استعمال هذا التيار ل التعرض له ،أي وضع كل إمكانياتا لتسهيل خلق وإحياء النظمات السياسية والقتصادية
والثقافية والتآزرية والرياضية ...إل ،وحايتها وتعهدها بالرعاية والتشجيع .
ومن نافلة القول أن ليس للقانون أي يقيّد حقّا ضمّن بك ّل وضوح ف الفصل العشرين للعلن .وأن كل التراتيب الدارية الوضوعية يب أل
يكون لا هدف آخر غي تكي الغلبية من ترجة هذا الق إل واقع .
إن من أهم الصعوبات النظرية والعملية الت تواجهها الديقراطية أن يكون كل حق من حقوق النسان هو السم الخر من واجبات النسان ،
وأن مارسة هذا الق /الواجب ل يكن أن تكون مطلقة ،منفلتة من كل الضوابط .لكن وضع أي ضابط يكن أن ينلق بسرعة ـ خاصة ف عالنا
العرب ـ على شكل مقنّع من التقييد الل شرعي للحق لصال شكل مقنّع من الستبداد .
إن الروج من هذه الفارقة ل يكون إل باعتماد مبدأ يمي من الطوباوية من جهة ،ومن أي انزلق من جهة أخرى .يتمثل هذا البدأ ف أن مارسة
الق /الواجب ينبغي أن تتوقف عند حدود إما نقضها للحق /الواجب نفسه أو نقضها بق/واجب آخر من حقوق وواجبات النسان .
ل جدال أن الديقراطية عندما تكون سياسية مضة ،وتعمل دون النتباه إل أدي الرض ،فستصبح مرد عملية توسيع للمنافع والصال لفائدة
النخب ،وبالتال فهي ل تفعل سوى تعميق الوة بي طبقات الشعب .فهذه طبقة تتمتع بالثلجة والصحة ث برية الرأي ...إل ،وهذه ل تعرف
إل الرض والرمان والهل واستبداد صغار الوظفي ...ال .
ول جدال أيضا أن الديقراطية قبل أن تكون تقنيات للحكم ،هي تكي كل فرد داخل الجتمع من الساهة من موقع السؤولية ف تطوير متمعه
.
فل معن للديقراطية إذا انعدمت القوق القتصادية والجتماعية الت تدم مصال الغلبية .وهو ما جعل الشرّع العالي يصر على الربط بي
الثلثي :القوق الفردية ،القوق السياسية ،القوق القتصادية ،وعلى اعتبارها وحدة ل تتجزأ .وهو ذات السبب الذي يدفعنا للكتابة حت
يكف أصحاب التفكي الولوي عن إضاعة وقت الشعب بقولم إن القوق هي دوما "اقتصادية -سياسية-فردية ".
إن هذا الوقف ينطلق من العتراف بأن إنسانية النسان ل تتحقق إل بالريات الثلث :
ـ تتلخص الول ف التحرر من الفقر والرض .وهو ما ل يكون إل بالنتاج الادي والتنعم بثماره .
ـ أما الثانية فتتمثل ف التحرر من ظلم الياكل القمعية والطفولية .وهذا ل يكون إل بالنتاج القيمي والتنظيمي ،والتنعم بتسهيلته.
ـ وتعن الثالثة :التحرر من الهل والعتراف ،وهو ما ل يكون إل بالشاركة ف اللق والبداع الفن والفلسفي والعلمي .
صحيح أن هناك علقة بديهية بي الديقراطية (كحرية رأي وتعبي وتنظّم وصراع وتنافس سلمي بي قوى النتاج القيمي والتنظيمي ) ،وبي
السوق (كحرية إنتاج الادة وتنافس على بيعها للمواطن الستهلك ).
وصحيح أيضا أ ن الدكتاتورية الت أجدبت النتاج الفكري والتنظيمي والقيمي ،أجدبت كذلك النتاج الادي ،فكانت سببا ف انتشار الفقر
الماعي ..إذ يرجع ذلك إل السباب البديهية التية :
إن دولة الستقلل الول تعل الثروة جزءا من أوراق الضغط السياسية ،تنحها وتنعها وفق مصالها ،ل وفق مصال القتصاد ومتطلباته.
فيترب الناس على عقلية التواكل والغش ،وتغيب فيهم الفاعلية والقدرة على النتاج.
يبذّر النظام الستبدادي ثروات الجتمع ،سواء أكان ذلك مقابل تكلفة قوى السهر على حايته ،أو عب الدعم الادي لبامه الدعائية .لكن ل
يستطيع أي مواطن تقييم الدوى القتصادية لذه النفقات ،أو تويلها لدمة الصال العمومية للمجتمع ،كقطاعات الصحة والتعليم والسكن ..
تتعامل بيوقراطية الدولة مع وسائل النتاج وكأنا البقرة اللوب الت يب امتصاصها .فتمل دواليبها بأبناء الال والعم ،فإذا بالعامل القتصادي
يتراجع أمام العامل السياسي ،وتفقد النجاعة
ولن المور مترابطة بي بعضها البعض ،فإنه من الطبيعي أن تغيب النافسة الشريفة ف مستوى السوق ،مثلما غابت ف مستوى البنية السياسية.
لقد انتشرت البضاعة الادية الغشوشة ،الت يعسر أن تغزو سوقا خارجية ،مثلما انتشرت البضاعة العنوية الغشوشة الت يفرضها النظام
الستبدادي .
وهكذا نرى أن كل هذه الليات تتداخل فيما بينها لتعطّل قوى النتاج ،فيتزايد الفقر والتخلف وبؤس البائسي .
لكن ل أحد يستطيع اليوم أن ينكر وجود هذه الظاهرة ،خاصة وأننا أصبحنا نرى القوة العظمى وقلعة الشتراكية (سابقا) تستجدي غذاءها من
البلدان المبيالية ،بعد أن كانت مدنا مهددة بالجاعة .وهذا راجع ل مالة إل العمل التخريب الذي تسببت فيه هذه الليات الرهيبة بعد أن
دمرت اقتصاديات شعوب بأكملها .
إن أكب خطأ ارتكب ف حق هذه المة بعد الستقلل الول هو أننا أمنا القتصاد ( أي أننا أسلمنا قيادة الجتمع وخياته للبيوقراطية )
وخوصصنا الدولة (أي أسلمنا قيادها لرجل وبطانة) بينما كان الل ول يزال أن نوصص القتصاد وأن ناصر عيوب هذه الوصصة بتأميم
الدولة ،أي بعلها ملك الميع وف خدمة الميع .
تضرنا هنا ضرورة التفريق الواعي بي "الليبالية" كفلسفة ومارسة مبنية على حق البادرة الفردية ف اليدان القتصادي ،وبي "الديقراطية"
كفلسفة ومارسة لقوق أوسع وأشل ..فاللط بي الفهومي شائع ومقصود ،والذر منه اليوم من أوكد الضروريات لتطور الديقراطية ،بل
ولبقائها أيضا .
صحيح أن الديقراطية ل تبن ابتداء من السطوح وإنا انطلقا من سطح الرض .فعلى سبيل الثال ،أدت عملية بسيطة ـ كتسريح النقل ف
تونس سنة 1986ـ إل تغيي الجتمع التونسي ف اتاه الديقراطية ،أكثر ما غيته التعددية السياسية الشكلية ،وصحافة ل يقرأها إل 3
%من الواطني .وفجأة انفجر عدد الشاحنات الصغية ،حت أصبحت علمة ميزة لصوصية واقعنا اليومي .فهي تتل الرصفة والطرقات ،
وتدها ف أفقر القرى وأبعد الماكن .وصاحب هذه العملية ارتفاع هائل ف تبادل السلع والنتوجات وسيولتها .
لقد أصبح آلف الناس ف وضع يكنهم من تبادل العمل والشاركة فيه .فالقاعدة تقول :إنه بقدر ما تتحرر البادرة ف اليدان القتصادي
والجتماعي ،بقدر ما تزداد الثروة الماعية ..لكن يتسبّب ذلك ،للسف ،ف تناقص العدالة الجتماعية.
وف القابل ،بقيت الزائر باحتكارها الصامد لـ "متلكات الشعب " ،عاجزة عن توفي أبسط السلع ف نقط ماورة للعاصمة .وذلك لتعلقها
وأيانا بالهاز البيوقراطي ،ثقيل التوزيع .
لقد أظهرت تربة قرن من الزمان ،وما ل يقل عن خسي دولة ف العال ،أن ما يسمى باللكية العامة لوسائل النتاج ل تعن ف القيقة إل :
-أن ل أحد يلكن هذه الوسائل ،من حيث "الشعور " بلكيتها ،ومن ث " بسؤولية" تعهد هذه اللكية .
-أن بيوقراطية الدولة الستبدادية تتصرف ف وسائل النتاج كملك حبس راجع لصلحتها الاصة .ومن ث ،كان شعار الهاز الاكم ف الزائر
أو التاد السوفيات :ل أحد يلك ،ل أحد يسأل ،والبيوقراطية تنتفع .
تبدأ إذن عملية "تأميم أملك الشعب " بتسوية الفقر ،إل أن تشيع البيوقراطية الساهرة على الوقف الشتراكي .فتظهر طبقة النومنكلتورا
ويبقى الشعب يعلك شعارات " :عملية الشتراكية" وحتمية انتصار البيوليتاريا " ومسؤولية أعداء حكم العمال والفلحي ف انعدام الب " ...
ال .
ولا تصل النظمة إل هاوية الفلس يرج أحدها بالدبابات لسحق الشباب ،ويسارع آخر إل إعلن البيويستريكا ،ويبقى آخرون مشدوهي
أمام تكذيب الواقع لحلمهم ،يسبّون الكون لنه ل يترم النظرية كما سنها العلم الول أو تلميذه النجيب .
يتضح اليوم أن من أهم أسس الديقراطية البادرة القتصادية الجتماعية .
وبا أن النسان وحدة إنتاج وخلق ،والنتاج يكن أن يكون ماديا ،قيميا ،معلوماتيا ،تنظيميا وجاليا ،تأت الدولة الستبدادية فتقول :أنا أفكر
بدلكم ،لن أعرف ما هو الفكر الذي يب تداوله ف السوق ،والفكر الذي يب أن نرّمه ..أنا أختار لكم القيم لن أعرفكم بالقيم والخلق،
وما عليكم إل أن تفعلوا ما أقول ،ول تفعلوا ما أفعل ...أنا أنتج عوضا عنكم ،لن أعرف ما هو النتاج الصال ل ولكم ...
أما دور الديقراطية فهو تسهيل إنتاج الادة والقيم والعلومات ،ث تنظيم هذا النتاج ،حت ل تعم الفوضى فتصبح النعمة نقمة.
ويتخذ التنظيم عدة أشكال بسب أهدافه :فشكل خاص إذا كانت الغاية الحتواء والتحكم ،وآخر إذا كان الدف الدماج والتناغم ،عب
تظافر الهود تظافر جوقة الوسيقى تت إمرة قائد أوركسترا بارع .
لكن ،علينا أن ننتبه إل بعض ترتّبات هذا الوقف إذ يب أن ل نقف عند (ويل للمصلي ).
ولنذكّر دوما بترابط كل حقوق النسان واستعصائها على الفصل .وببديهية أخرى :فإن حرية البادرة ل تعن البتة حرية الستغلل .
وإذا كانت آليات الديقراطية السياسية نفسها خطرا على النسان ـ إن ل تقيّم ببعضها البعض ،وإن ل تكن عي الثقافة ساهرة حذرة ل تنام ـ
فما بالك بالليبالية التحررة من كل قيد ،ونن نعن هنا آليات السوق العمياء ؟
فهل يعقل أن تسلّع الصحة ،أو أن يعل من التعليم بضاعة ل يستهلكها إل القادر على اشترائها
وهل يعقل ف متمع ديقراطي أن توجد أصناف متلفة للصحة ،وأصناف متلفة للتعليم ...ولكل حسب إمكاناته ؟
طبعا ل ،لنه سيكون منافيا تاما للحقوق القتصادية والجتماعية الت نص العلن أنا :حق أي إنسان .ول يشر ف "أي " من هذه النصوص
على نوع من التفاضل والتمييز.
إن ترك آليات السوق العمياء تتحكم ف الجتمع لن يعن شيئا آخر غي خلق متمعي متفاوتي :أحدها ينعم بطلق الثراء ،وآخر يقتات من
فتات الائدة ،أمل ف أنه كلما تزايدت وتراكمت الطباق على هذه الائدة ،كلما تزايد نصيبه من الفتات .
إن النتباه واجب ،والذر ضروري .
فإيديولوجية السوق ل ولن تكون الرهم السحري لشاكلنا القتصادية .
ويكن القول إنه إذا كانت الشيوعية ف الاضي ألد أعداء الديقراطية ،فإن ألد أعدائها اليوم هي الليبالية.
تتغذى الرب الدموية أساسا بترتبات الظلم الجتماعي ،لكن ل يكن للديقراطية أن تنجح ف أداء مهمتها إل بقدر ما تستطيع تفيف منابع
هذا الظلم .
إنه من عجيب الفارقات أن نرى أعرق ديقراطية ف العال تكم بريطانيا .ذلك البلد الوروب الكثر تفاوتا من الناحية الطبقية .أما الديقراطية
المريكية فتسيّرها طبقة سياسية ،نسبة الليونيات بالدولر فيها خسون مرة نسبتها ف العموم .وهي تسود أمة تعد أربعي مليون نسمة ل
يتمتعون بالضمان الجتماعي .
إن الستنتاج النطقي لذا هو أن النظامي البيطان والمريكي الذين يقدّمان على أنما الشكل الكتمل للديقراطية ،ها ف الواقع شكلن
ناقصان مبتوران للديقراطية .لنما حققا شرطا واحدا فقط من شرطي إخاد الرب الدنية.
فل نستغرب إذن أن تكوم بريطانيا وخاصة امريكا من أعنف الديقراطيات ف العال الغرب بالقارنة ببلدان أوروبا الشمالية الت نحت ف التحكم
ف الليبالية ،وف فرض توزيع أعدل للثروة الماعية.
لقد أظهرت تربة البلدان الغربية با فيه الكفاية أن حرية الرأي والتنظّم والنتخاب ل توصل بالضرورة مثلي الغلبية القهورة إل سدّة الكم ،
لن للرستقراطيات الالية والعلمية والعائلية قدرة فائقة على استعمال آليات الديقراطية وأجهزتا من أجل مواصلة هيمنتها .وهذا ما يدعونا إل
ضرورة مراجعة الليات نفسها حت ل تكون التمثيلية الصورية قناعا وغلفا لشكال أذكى وأرقى من الستبداد .
لذلك ن يتأكد أن العدالة الجتماعية هي شرط رئيسي لتابعة الرب الرمزية والتخلي عن شهوة العنف .وبالتال فإن كل ما من شأنه أن يغذي
الفروقات الطبقية ـ مثل الليبالية الوجاء ـ إنا يعدّ لعودة الشهوة إل الدم .
لكن كيف ننتقل من الفهوم الفضفاض للعدالة الجتماعية ،الت ل يادل ف شرعيتها أحد ،إل السياسات الكفيلة بترجتها ولو جزئيا ف حيز
الواقع ؟
إن العدالة الجتماعية ليست هي تلك "الصدفة " الجتماعية ،وبا هي إشكالية تتعلق بكيفية توزيع الثروة الماعية وتصرف الدولة ف الموال
العامة ،أي ف كيفية جعها وإنفاقها .
لقد بذّرت الدولة الستبدادية العربية أموال طائلة ف تسلح عدي الدوى ،وف النفاق على مؤسساتا القمعية ،وف تسيي دواليبها البيوقراطية
الثقيلة ،وف إرضاء نرجسية السلطة .
أما الموال غي العائدة من ثروة ل تساهم ف خلقها كالبترول ،فتأت أساسا من جيوب الطبقة التوسطة ،ف شكل ضرائب ل تدفعها الطبقات
الوسرة الت هربت أموال طائلة إل الارج .وهكذا تطالب طبقة اجتماعية ضئيلة نسبيا ،بدفع النفقات العامة لفقر القطاعات وأغناها .
ل جدال أيضا أن العدالة الجتماعية تعن إعادة النظر جذريا ف كل هذه النفط ،حت ل ترّ ب الموال ،ولكي ينقص العبء الضرائب على
الطبقة التوسطة فتتحمل الطبقة الوسرة نصيبها العادل منه .ويساهم الد من الصاريف الخصصة للجهاز البوليسي ،ف توظيف هذه الموال
لصلحة العامل الرئيسي الذي يهل الجتمع ف أمان حقيقي .
وهو ما يعن أيضا أن القولة الشائعة ،والاصة بعدم التدخل ف دواليب القتصاد لماية ضعفاء الدخل من الضاربة والسمسرة والطرد التعسفي ،
إن هذه الـمقولة مردودة على أصحابا .لن دور الدولة الديقراطية ليس تسهيل الربح وفائض القيمة ف إطار اقتصادوية وقحة أصبحت هدفا
ف حد ذاتا ،وإنا دورها هو تقيق شرطي الدف الذي وجدت من أجله لوضع حد للحرب الزمنة .
لقد انار الطاب الثوري الاركسي بانيار كل النظمة الت انبتت عليه ،ول يبق من هذا الطاب إل فشل مريع وأيتام يتشدقون بقولة :
"ماركس ل يكن ماركسيا " ،أو "لقد أساء الناس فهمه وتطبيقه " ...ال .
لكن أنصار إيديولوجيا السوق ينسون بسرعة أن الطاب الاركسي جاء نتيجة الظلم واليف ،وأن الظلم الكب الذي يكن أن تولده آليات
السوق سيفرز بالضرورة خطابا ثوريا احتجاجيا آخر طال الزمان أو قصر ،سواء أكان ذلك على صعيد العال أو القارات ،أو داخل الوطان
الصغية .
أخطأت الاركسية اللينينية ل ف بثها عن العدل ،وإنا ف اعتقادها بأن دكتاتورية البوليتاريا طريقه .
أما القاعدة الت ندعو إليها لتفادي هذا الطر ،فتتخلص فيما يلي :نعم لطلق حريات اللق والبداع لكل النتجي وخاصة للصغار منهم
والضعفاء.
نعم لترك الليات القتصادية تتحرك وفق قوانينها ،لكن ل لنسحاب الدولة وتلشي دورها الذي ل يبقى منه ف آخر الطاف سوى :سحب
الصحة والتعليم والدمات الجتماعية من ميدان السوق ومنطقه .
وحت يسود السلم الجتماعي ،ل بد للديقراطية من متابعة أهداف الركة القتصادية بتهى اليقظة حت ل يصبح السوق حجة للثراء السريع
واللمشروع ،ولكي تعل حدّا للفروقات والهوية الائلة الت يكن أن تشكل منطلق مغامرات استبدادية بائسة لن تزيد الطي إل بلة .وعلج
ذلك ل يكون إل بفرض سياسية جبائية عادلة وفعالة .
الديمقراطية ضد نفسها
تطرح هنا مدّدا الشكالية الضخمة التعلقة بق بعض التنظيمات السياسية الطية على الديقراطية ف العمل القانون .وهي إشكالية نظرية
وجدت منذ القدم ،ودارت حول العضلة العروفة ب " :إعطاء الرية لعداء الرية " ،إذ ل زلنا نتذكر حت اليوم كيف وقع تسليم الديقراطية
اللانية لدولة برمتها يقودها حزب استبدادي ،كلف العال حربا رهيبة مدمرة .
فنحن نعايش ف كل البلدان العربية هذه الشكالية الت اتذت لا أحد الشكال وأفضعها ف الزائر .فمن جهة ،تقدمت حركة البهة السلمية
بطاب مزدوج ،كانت تتعال منه أحيانا نبة مطلبية وحقوقية صادقة ،وأحيانا كانت تلعن الديقراطية وتتهكم عليها .ومن جهة أخرى قبل
الديقراطيون ،باسم الديقراطية ،إجهاض أول تربة ديقراطية ،والحتماء بالنظام الستبدادي الذي جر البلد إل أخطر أزمة عرفتها ف تاريها
الديث .
فما وقع ف ألانيا ف الثلثينات من هذا العقد ،وما يكن أن يقع ف كل مكان ف الستقبل ،من استعمال الستبداديي للديقراطيي من أجل
الوصول على الكم ث النقلب عليها ،كل ذلك يطرح نوعي من الشكاليات :تتعلق الول باليار الديقراطي نفسه ،والثانية بطبيعة الليات
الت توصل إل سدة الكم .
من نافلة القول إن الديقراطية ل يكن أن تقبل بتسليم عنقها إل جلديها عن طواعية واختيار ،فهم كل حي سواء أكان من عال البيولوجيا أم من
عال الفكر ،مواصلة الياة .وهو ل يرضى القتل عن طيب خاطر ،ول ينتحر إل اضطرابا إذا انسدت كل الفاق .
لكن من البديهي أيضا أنا ل تستطيع أن تتنكر لقوماتا الساسية وأن تنفي نفسها بنفسها ،وإل كان ذلك نوعا آخر من النتحار .
وحت تكون الديقراطية انتقال حقيقيا من العنف إل الرمز ،ل بد أن تقع الرب بي "أعداء " حقيقيي ،وإل بقيت أطراف هامة خارج قواعد
اللعبة ،أي تت راية الدم.
إن حيلة بعض النظمة ف اختيار الصدقاء وشبه العداء لنحهم حف التنظم ،وإخراج العداء القيقيي من ساحة اللعبة ،لو ف الواقع ضرب
للهدف الساس من الديقراطية .
تشبه اللعبة السياسية ف مثل هذه الالت مباراة كرة القدم ،الت تكون نتائجها معروفة مسبقا ويكون التسابق فيها مرد افتعال لعركة اتّفق من
البداية على أنا لن تقع .
لذلك ،فل تكون الديقراطية إل بتنظيم العداء القيقيي الذين تفصلهم خيارات وقناعات عميقة .وذلك لنم وحدهم القادرون على الختبار
القيقي بي إراقة الدم والدموع ،أو إراقة الب والريق .
ف هذا الستوى من الطرح ن وبعد القرار بذه البديهية ،نرى أن ل بد من حسم التناقض الوجود بي :ضرورة الدفاع عن النفس ن وضرورة
الوفاء للمهمة الديقراطية .ونظرا لن الق ل وجود له ف الطلق ،وأن الرية نفسها ت ّد بدود ،وأن هناك ضوابط قانونية للقانون نفسه ،فل
غرابة إذن أن يضبط حق التنظم ككل القوق .ول مال لضبطه ف الديقراطية إل بعامل واحد هو قبول أو عدم قبول قواعد اللعبة من قبل
الفرقاء السياسيي .
تشبه اللعبة الديقراطية مباراة رياضية بي فريقي من اللعبي .فمن قواعدها أنه ل يق لحد الفريقي أن يفرض من سيزاحه على الفوز ،وأن
ليس له أيضا الق ف اختيار الكم ،لكن له أن يرفض اللعب والنسحاب من الباراة إذا ل يترم الفريق النافس قواعد اللعبة .ومن العروف
أيضا أن منظمي كأس البطولة ل يقبلون على ساحة اللعب إل من رضي اللتزام بقواعد اللعبة ..فكذلك أيضا بالنسبة للعملية الديقراطية الت ل
تقبل إل من رضي أن يلعب الباراة الجتماعية والسياسية باحترام القواعد الربعة للديقراطية الت هي :الق ف الرأي الخالف ،وف التنظم ،
والتجدد السلمي للسلطة ،واستقلل القضاء.
لكن ،هناك من يعترض على هذا التصور بأنه يتمل إقصاء جزء من القبائل التحاربة الت ل تلعب إل بالدم ،إما لعجزها عن النتقال إل مستوى
الرمز ،أو لنا ل تثق بفاعلية هذا النتقال .ونن نرى بأن هذا صحيح ،وهو ف ذات الوقت أمر طبيعي .
لنتذكر أن قانون هياقليط/لوتسه بنص على أن الشياء ل توجد إل بنقيضها ،ومن ثن فإن اختيار متمع ما للحرب الرمزية ل يلغي أبدا
احتمال وجود الرب الدموية .بل أقصى ما يكن فعله هو تميشها وتقليصها وتجيمها والرمي با على توم الساحة الرئيسية من اللعب .لقد
عرفت كل الجتمعات الديقراطية أو ربا سنعرف حركات عنيفة تواصل العمل بقواعد اللعبة البدائية.
تدافع الديقراطية عن نفسها من جهة بلب أكب عدد مكن من الفرقاء الجتماعيي للحرب الرمزية ،وجعلهم يتظافرون للدفاع عن خيار يقق
النعمة الول ،أي :المان الماعي .ومن جهة أخرى ،تراها مضطربة لواجهة الرب الدموية إن رقعت على أرضها ،بالعنف الفروض عليها.
مع العمل أنا لن تنجح ف تميش الفعل الدموي إل بالقتصاد الشديد ف رد الفعل ،واحترام مبادئها ،ومراقبة تعامل أجهزتا المنية مع الخطار
الت تددها ،وأيضا ببذل الهد التواصل للقضاء على أسباب رفض الرب الرمزية ،والت من أهها :وجود بؤر ظلم طبقي وجهوي ل تستطع
أو ل تسن معالتها ،ووجود حالة من اليأس والبؤس العميقي اللذين يفسران ترد التمردين ،إذ نادرا ما يكون هذا التمرد نتيجة حق وجنون
وحب حقيقي للعنف والغامرة.
لذلك فإن الفيصل الاسم ف العتراف بق التنظم ل يكن أن يتوقف على اليارات اليديولوجية أو الرجعية الفكرية لذا الفريق أو ذاك ،ول
على مقدار قرب أي طرف من الطراف أو ولئه للسلطة الاكمة ـ كما هو معمول به اليوم ـ وإنا يتوقف على مبدأ قبول أو عدم قبول
اللعبة الديقراطية .أما القانون فيجب أن يكون صريا ف العتراف بق الوجود والعمل الشرعي لكل التنظيمات الت تقبل العمل وفق أهداف
الديقراطية وآلياتا .كما يق له أن يزيح كل التنظيمات الخرى ،وذلك بواجهتها فكريا وسياسيا ،وأمنيا إن تطلب المر ذلك .
بصريح العبارة ،ل بد للديقراطية العربية أن تقبل قانونيا بوجود تنظيمات سياسية إسلمية إذا قبلت قواعد اللعبة الديقراطية .وأن ترفض كل
التنظيمات الل ديقراطية سواء أكانت إسلمية أو غي إسلمية ،خاصة بعد اتضاح الصفة الستبدادية الت تنطوي عليها اليديولوجيات
والحزاب القومية واليسارية .
يتواصل النقاش ويتفرع إل إشكاليات تقنية ،إذ كيف يكن أن نتأكد أن هذا التنظيم الذي يدعي قبول الديقراطية لن يكون السبب ف اغتيالا
إذا وصل إل سدة الكم ؟ ومثالنا على ذلك دوما :الزب النازي ف السابق ،والطر الصول ف الاضر والستقبل ،سواء أكان ذلك ف
الزائر أو ف غيها .وحيث أن الثالية ليست بالضرورة ضربا من ضروب السذاجة ،فإنه من الطبيعي أن تطالب الديقراطية بأكب قدر مكن من
الضمانات .مع العلم أنه ليس من السهل أن نكم على النوايا الصرح با ،ول من العدل أن نكم على النوايا الت يتهم با هذا الفريق أو ذاك .
إن أول الضمانات الت يب أن تكون واضحة صرية ف الدستور هي أن يلزم كل تنظيم سياسي بالعتراف بالركان الربعة للديقراطية ،وأن
يدوّن هذا العتراف ف وثيقته التأسيسية .كما ل يوز لحد الحتجاج برجعيته الاصة أو بقدسات لرفض حرية الرأي وحرية التنظيم
واستقلل القضاء والتداول السلمي على السلطة .
إل أن هناك ضمانة أهم من هذا التقرير ،تتمثل ف ضرورة فرض قانون الديقراطية داخل التنظيم نفسه .فكل حزب استبدادي التنظيم ف
داخله ،مؤهل لغتيال الديقراطية عاجل أو آجل إن استلم السلطة ،ولو ادعى غي ذلك .من ث ،فإن إحدى مهام الحكمة الدستورية أن
تراقب التنظيمات السياسية .ومن حق الدولة الديقراطية كأي مؤسسة اجتماعية أخرى ،رفع شكوى ضد كل تنظيم سياسي ينحرف باتاه
عبادة الشخصية داخله ن ويطرد الخالفي ف الرأي ،أو يدعم أي شكل من أشكال العنف الدموي ويدعو له ،أو ل يقوم ف داخله بالنتخابات
النيهة الشفافة الدورية الت تكّن من التداول السلمي على السؤولية .فمن البديهي أن فاقد الشيء ل يعطيه ،وأن الديقراطية ل تتحقق
بالشكال الستبدادية ،وأن ما يقع داخل الزب هو نذير با سيقع داخل الدولة إذا وصل هذا الزب إل السلطة.
لكننا ل نستطيع بالطبع إعادة كتابة التاريخ ،فلو كان هذا البدأ معمول به ف الثلثينات ف ألانيا لكان أمام الزب النازي خيار آخر غي
الستيلء على السلطة بالنقلب ،أو بالبقاء على هامش الديقراطية ياربا وتاربه .وهو وضع أشرف ف كلت الالتي وأقل فظاعة من تسليم
الديقراطية عنقها للعدو ،أو تسليم مقاليد أمة بكاملها إل دكتاتورية منونة.
إن دور الدولة إذن هو تكي كل الفرقاء من التنظّم .أما دور الحكمة الدستورية ،فهو متابعة حالة الديقراطية داخلها .
***
تطرح فيما بعد إشكالية أخرى ،تتمثل بالساس ف رفع مردود كل القوى الجتماعية ،لتساهم ف عملية أنسنة الجتمع .
لذلك ،يكن للدولة الديقراطية أن تلق مثل جهازا تنسيقيا بي كبى النظّمات لتصبح مصدرا للقتراحات ،خاصة التعلقة منها بالقواني النظمة
للحياة الجتماعية .فأهل مكة أدرى بشعابا ،ومثل هذه النظمات الت تتعامل مع الشاكل اليومية للمجتمع ،تكون أقدر من غيها على معرفة
القواني العيقة لتطور الجتمع ،والقواني النع لتفادي الشاكل .
لنذكّر هنا بأن التطور النفجاري لنظمات الجتمع الدن ،قد قلب رأسا على عقب مفهوم العمل السياسي .فقد نقله من العام إل الزئي ،أي
من ضبابيات "تقيق العدالة الجتماعية " إل واقع آلف التنظيمات الصغية الختصة الت تعمل على تقيق هذا الدف ونقله من النظري إل
العملي ومن القمة إل القاعدة ،ومن الكومي إل الجتماعي ومن الجل إل العاجل .
ل جدال أن الجتمع سيبقى دوما باجة إل منظمات سياسية عامة متصة ف اليارات الكبى وف الرجعية اليديولوجية ..لكنه لن يستطيع
الكتفاء با وحدها ،كما ل يكن أن تعوّض النظمات الدنية الختصة الخرى ،أو أن تتويها ،لن حاجيات الجتمع هي الت أفرزتا ،وبا أن
كل هذه النظمات سياسية الصبغة بالساس ،أي أن لا دورا ف نت معال الجتمع ،فمن الطبيعي أن تولا الدولة الديقراطية .
فمثل ،من الضروري أن يكون البلغ الرصود لتمويلها جزءا من ميزانية الدولة ،يقره البلان سنويا .ول بد أن يدير هذا الصندوق ملس
النظمات الدنية وليس الكومية .كما ل بد أن يكون التمويل جزئيا حت ل ينمي عقلية التكال والتواكل وأن يعطى لدعم برامج مضبوطة ،ول
يسمح باستعماله ف دعم بيوقراطية الؤسسة عامة أو متصة على عدم الساواة ،وأن ل يعتب أبدا ف منح الساعدة عامل الولء للحكومة.
إن الفضائح التكررة ف الغرب نتيجة استشراء الفساد ،خاصة ف الؤسسات السياسية ،تفرض العمل بشعار مشابه لا قيل عن الصحة من أنه :
إذا ل يكن للديقراطية ثن ،فإن لا تكلفة.
فل بدّ إذن للمجتمع بصفة عامة وللدولة بصفة خاصة أن تدفع تكلفة الديقراطية ف شكل تويل كلي أو جزئي لعمل الؤسسات ،على أن يعتب
هذا التمويل حقا شرعيا وقانونيا ل يهدف إل تقييد استقللية تلك النظمات ،وإنا يهدف إل دعمها .
ول بد أيضا من تسهيل التعامل بي النظمات الدنية الختصة ،وذلك مثل بإحالة جزء من البيوقراطية الوروثة عن النظام السابق إل هذه
النظمات الت أثبتت أنا تستطيع توظيف طاقات وكفاءات كانت ف السابق شبه ميتة .
إن إشكالية التمويل ف البلدان الغربية مطروحة بالساس ف حق الحزاب السياسية ( أي النظمات الدنية التخصصة ف توجيه السياسة العامة
للبلد ) .وذلك مثل بإحالة جزء من البيوقراطية الوروثة عن النظام السابق إل هذه النظمات الت أثبتت أنا تستطيع توظيف طاقات وكفاءات
كانت ف السابق شبه ميتة.
إن إشكالية التمويل ف البلدان الغربية مطروحة بالساس ف حق الحزاب السياسية ( أي النظمات الدنية التخصصة ف توجيه السياسية العامة
للبلد ) .وذلك حت ل تصبح ملب القط بي أيدي الرستقراطيات القتصادية ذات الصال الضخمة ،والت تشتري نفوذا مقبل أو حاضرا ،
مقابل ما تغدقه من نعم على منظمات متاجة ،لكن المر يتجاوز هذه القضية بالذات .
إن إحداث هيكل كـ "ملس النظمات الختصة " ،تعطي له صلحية عرض مقترحات القواني على البلان ،لن شأنه أن يدعم العمل التشريعي
ويعطيه ناعة هائلة ،ناهيك عن قدرة هذا الجلس ف تقييم الؤسسات الخرى للديقراطية .
ف هذا الصدد ،نذكر بأهية العقلية التقيمية .
فحت ف إطار الديقراطيات التقدمة يقع التقييم بصفة هوجاء تكشف عن وجود الروح العنفوانية وتساهم ف التنفيس عنها لكن بكثي من
السلبيات .فمما ل شك فيه أن النقاش الاد التبادل بي متلف الفرقاء ،والذي يصل حد السباب والتجن إبان العارك النتخابية ،هو نوع من
التقييم التوحش .ف حي أنه بإمكان النظمات الدنية الختصة أن تكون أداة الدولة الديقراطية للتقييم الادئ العقلن والتواصل .فهي أدرى
من الفرقاء السياسيي بالنتائج اللموسة للسياسات التبعة .ول يعن هذا أن ليس للدولة أن تقيّم دوما أجهزتا وبرامها ،وكذلك المر بالنسبة
للقضاء والعلم ،وإنا أن يكون تقييم الجلس التقييم الارجي الصاحب والكمل للتقييم الداخلي لكل هذه الؤسسات .وذلك حت تصبح
النجاعة هي الاجس الول لكل من يعمل .
إن التقييم هو مصطلح الصطلحات ف دولة الستقلل الثان ،وشعاره قوله تعال ( :فمن يعمل مثقال ذرة خيا يره ،ومن يعمل مثقال ذرة شرا
يره ) .
لقد أصبحت تقنية التقييم معروفة با فيه الكفاية ،وشائعة الستعمال ف ميادين فنية عديدة كالصحة والقتصاد .لذلك يكننا الستفادة من
مبادئها ومنهجيتها ف كل الؤسسات واليادين ،على النحو التال :
-أن تدّد الهداف جاعيا بي القاعدة العريضة للمؤسسي ،وأجهزة أخذ القرار وتنفيذه .
-أن توضع لكل فرد حقوقه وواجباته ف إطار الشفافية الطلقة .
-أن تدد مؤشرات التقييم ،وهي تتعلق أساسا بالنتائج ووسائل العمل ،ث بدور الساهرين على تنفيذ البامج.
-تعطي الؤسسة لنفسها حق تغيي وسائل عملها ،إضافة إل حقها ف تداول السؤولي عليها.
-تطلب الؤسسة تقييما خارجا عن هياكلها ،فيحق ليكل القضاء أن يقيّم الؤسسة الصحفية ،والعكس بالعكس.
-تستعمل نتائج التقييم الدوري لجراء إصلحات متواصلة وتعديل مسار الؤسسة ،سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم تعليمية.وكل هذه
العمليات تستوجب ،بداهة ،الشفافية والوضوح ،أي إعلما فعال .
***
ـ الصراع العلمي 2
العلم هو الطاقة الت تتحرك داخل شرايي كل الجهزة .وهو السلح الوحيد السموح به داخل الرب الرمزية ،ومن هنا تكمن خطورته .
لذلك يب أن كون لكل الفرقاء السياسيي منابر هي ساحات العركة الرمزية الت تفرّغ فيها العنفوانية ،وتتلقح فيها الفكار ،وتتم الحاسبة ،
وتستعرض فيها العضلت والبدائل
فبقدر ما تكون اللعبة واضحة والقواعد مترمة ،بقدر ما يتمكن الجتمع من البتعاد عن العنف السدي ،والعكس صحيح أيضا .
وبالنسبة للعرب ،يطرح موضوع العلم على مستويات ثلثة :
فنحن نعايش العلم الستبدادي ونعرف فلسفته ،أي فكره البدائي وطرقه الت تصب كلها ف خانة واحدة وتدم هدفا واحدا ،وهو بالساس
أمن السلطة .ومن ث ،يكن وصفه ب ـ "المن العلمي " أو "العلم المن ".
كما أنه معول ،ككل الجهزة الخرى ،لحكام الغطاء على فوهة البكان حت ل تبز اللفات والصراعات على السطح ،وحت يوحي الو
باستتباب الستقرار والسلم .
إن ثلثي سنة من التطبيل لشخص بورقيبة ونظامه إل صبيحة الطاحة به ،ل تعل تونسيا واحدا يرك ساكنا للدفاع عنه ،وانقلبت ف نفس
اليوم وف نفس الرائد نفس القلم لتلهج بدح النظام الديد وهجاء ما كانت تدعي عبادته البارحة.
وهو واقع يعايشه جل العرب ،ضمن مفارقة غريبة :فهناك أزمة دائمة ف العلم الستبدادي الحلي نتيجة ل فاعليته ول شعبيته ،بل ونتيجة
دوره ف تسميم أصحابه الذين هم أهم ضحاياه لنه يعمي فيهم البصر والبصية .لكن وف القابل ،ل نقرأ أدن أزمة يشكو منها العلم نفسه
حت ف أحلك ظروف الستبداد .
وتتهد الدولة الستبدادية لنق العلومة والرأي الخالف ،ف حي يتواجد العلم ف كل مكان بفضل الوائيات والصحون القعّرة الت تاول
منعها عبثا ،أو بفضل جهاز بسيط ل مال لصادرته كالراديو ،أو بفضل أقوى الذاعات العربية وهي إذاعة "يقال " أو " بين وبينك " ،وهي
إذاعات تبث على كل الوجات ول يفى عنها خب .
لقد وضع تطور التكنولوجيا الدولة الستبدادية ف ورطة ،كورطة من ياول مصادرة البطاطس لفرض اشتراء بضاعة رديئة من متجر هو ملكه ،
والبطاطس تغمر السوق ،ومزارع البطاطس تيط بالتجر الراقب بالدبابات ،لكن ل مال لنع الناس من التزود با يتاجونه من الصناف اليدة.
إل أن العرب ل يتعاملون فقط مع العلم الستبدادي ،وإنّما هو أيضا كبقية الشعوب مواجه با يوز تسميته باستبداد العلم .والستبداد هنا
ل يتعلق بالضرورة بعبادة الشخصية أو بقمع الرأي الخالف ،وإنّما يترتب عن عمل آليات أخرى.
فـ "الرية العلمية" حسب دولة الستبداد ،تكمن ف مرد الصداع برأي ،أي ف تقييم ل يتأتّ من جهة السلطة ،وهوي "جرية" متأتية من
منع حق الحاسبة .ولكن داخل الدولة الديقراطية أيضا هناك جرائم إعلمية متعددة ،إل أن القانون ل يعاقب عليها ،لنا صعبة التشخيص
والثبات .
قلنا إن الكلمة هي السلح الشرعي الوحيد للمتبارزين السلميي ،ومن ث ل يتحقق الدف الديقراطي إل إذا تاوز الصول على العلومة
ونشرها ( أي نشر متلف وجهات النظر ) مرحلة الق النظري ،ليصبح حقا مارسا .
لقد أصبحت المباطوريات العلمية ف الغرب ـ سواء على مستوى الصحافة أو التلفزة ـ مهيمنة على سوق الرأي ،مثلما تسيطر
إمباطوريات "العلمية" على سوق الاسوب .
ويتزايد اليوم ،أكثر من أي وقت مضى ،تمّع مصادر الب وتوزيعه بي أيد قليلة ،برغم النيار التواصل لقيمة البضاعة العروضة .با يشكل
خطرا عظيما على العمل الديقراطي .إذ أن أسهل ما يكن بيعه ف هذا الجال هو أردأ أصناف البضاعة ،خلفا للميادين القتصادية الخرى .
هذا ،بالضافة إل الخاطر الت يكن أن تنجرّ عن توليد مشاعر القهر والغب بي الشعوب ،والت تتمل أن تكون أول بوادر العودة إل شهوة
العنف ،كما ذكرنا آنفا .
لقد عشنا نن العرب ،خلل حرب الليج هذه السيطرة العلمية بصفة كاريكاتورية ،حيث اتضح للجميع أن العلم الغرب هو أيضا إعلم
موجه وف خدمة سياسة النظمة ،وأنه أحادي الصدر والرؤية ،ومتشبع بقيم شوفينية وطبقية مطمورة .لكن الشعوب الغربية نفسها تعرف
كيفية توجيه الرأي ،وفرض النموذج الفكري الواحد بأساليب ملتوية وأكثر خبثا .
ومن حسن حظ هذه الشعوب ،فإن فيها قوى سياسية عديدة تفرض التعددية ،كأهم سلح فعال ضد احتكار الفكرة وتبليغها .إل أن هذه
التعددية نفسها تبقى حل منقوصا ،إذ تتمكن كثي من الحزاب السياسية على تبليغ صوتا وفكرها إل مئات الليي من الشاهدين والستمعي ..
بينما ل تقدر ناذج سياسية أخرى مالفة على إيصال مواقفها إل إل قلة قليلة منهم.
إن سياسة الدولة الديقراطية ف هذا اليدان الساس ل تكمن ف الدفاع عن سياسة الكومة الديقراطية ،وإنا ف تتبع "النحة العلمية" ،
شريطة أن ل ينلق هذا الفهوم إل سياسة الد من الكلمة ،تت أي ذريعة.
فكل ما يتعارض مع ترير نقل الرأي ،ومع الساواة بي كل الفئات السياسية والفكرية ف نقل متلف آرائها ،لو أمر مالف تاما للديقراطية .
أما تطور المباطوريات الصحفية والتلفزية ف الغرب ،فقد جاء استجابة لطالب السوق العلمية ،أكثر من كونا نتيجة عمل الديقراطية
وحدها .بل غالبا ما كانت عدوا لدودا للديقراطية نفسها .
تشمل "النحة العلمية " أيضا معطى أصعب تديدا ،وذا صلة مباشرة ب "النوعية".
فبمجرد أن تفتح أغلب قنوات التلفزة أو الراديو أو أغلب الرائد حت تغرق ف طوفان من العلومات الجزأة والفككة والتناثرة والتدافعة .
يقرأ الذيع خبا عن كارثة رواندا ،فتداهك صور القتل والوع والعري والغتصاب ،ث ير الذيع إل انتصار فريق كرة القدم مثل بنفس النبة
وكأن للخبين نفس الهية ،بل ومن المكن أن يبدأ بانتصار فريق كرة القدم قبل أن ير مرور الكرام إل تاطل القنابل على مدينة شهيدة .
وتتابع بعدها اللعاب السقيمة ،والسلسلت الابطة الرخيصة للعنف والنس ،ودياغوجية آخر سياسي معروف وهو يوّه حت يكذب بنتهى
الصفاقة
وتاول الصحافة الكتوبة مناقشة العلم الرئي بنفس عقلية التغطية قصية الدى .فل تد ما يغذي الفكر والشعور إل ف بعض البامج الثقافية
تبث ف آخر هزيع من الليل ،أو ف كتب وملت ل يقرأها إل عدد قليل من الناس.
وهكذا يلق العلم صورة مهمشة ومزيفة عن الواقع ،فيزيد من صعوبة العيش ،بدل أن يكون هو ذلك اليط الرفيع الذي يربط بي القلوب
والعقول ،والذي تتسرب عبه تارب البشرية ف إطار سياسة تبادل متساو تنمي الثروة الفكرية لكل الواطني .
إن من صلحيات الدولة أنا تدد مقاييس الودة ف كل بضاعة للستهلك ،وتتشدد خاصة ف تلك الت تستهلك على نطاق واسع ،إل أن
العلم ل يضع لثل هذه الراقبة ،برغم حيوية مادته.
يكمن الطر هنا ف النزلق من مستوى الطلب الشرعي الذي يق لنا الناداة به ،إل مستوى مصادرة الرأي الخالف .لكن هذا النلق الذي
يكن احتواؤه ،ليس أخطر من ترك إعلم أهوج مكوم باجس الربح يدمر الثقافة واللغة والقيم ،ويشيع عن العال صورة مشوهة مسوخة ،
ويعمق التغرب والهل الديد.
وقد تبدو العملية ميؤوسا منها لتعدد مصادر العلم العاصر واستحالة التحكم فيه كما ونوعا ،ولكن الديقراطية ،عب مؤسساتا الدنية ونظام
دولتها ،قادرة على تريك طاقات بشرية هامة نو فرض قواعد دنيا لثل هذه الودة ...وإل فإن النعمة ستصبح نقمة.
إن العلم الغرب الال عنصر من عناصر هدم الديقراطية ،ل ف تركيبته الحتكارية فحسب ،وإنّما ف متواه أيضا.
فهو يعرض خطابا سياسيا مطعونا ف مصداقيته ،حيث يعطي عن الطبقة السياسية صورة سلبية للغاية ...كما أنه يري وراء أخبار العنف ويتمعّش
من مسلسلت العنف أيضا ،وبالتال فهو عنصر مباشر وغي مباشر لعودة الشهوة إل الدم .
يب أن تدفعنا تربة العلم الغرب ،إل التفكي ف البدائل ،وهي على ثلثة أنواع :
ـ ضرورة تدخل الدولة الدائم ف هذا القطاع لوقف احتكاره ،ووضع إمكانياتا الادية حت تصل كل الفكار والواقف والراء بكيفية عادلة
ومتساوية إل كل الناس .
ـ تربية الناشئة بصفة خاصة والواطني بصفة عامة على التعامل النقدي مع الطوفان العلومات ،فمن السذاجة مثل الكتفاء بحاولة منع مسلسل
ت العنف والنس على القناة الوطنية للتلفزة ،وهي تاجنا من كل مكان .أما منع الوائيات العصرية فمعركة خطوط خلفية ل قيمة لا ول
جدوى .بل يكن أن يكون التعامل الصحيح عب تكثيف البامج النقدية والتحليلية حول هذه السلسلت ،وحول نقد الدمغجة ف الطاب
السياسي ،وحول اليديولوجية البهمة للثقافة السائدة ،وحول القوى القيقية الت تلك ف الارج العلم وكيفية استعماله ...إل .
إن دور الدولة هنا هو تربية الستهلك العلمي كما ترب مستعمل السيارة على قانون الطرقات ف الوقت الذي تراقب فيه نوعية السيارات
الستعملة وصلحياتا لستعمال الطريق .
ـ أخيا وليس آخرا ،يب على الدولة أن تستنجد بي ما ف الهنة العلمية ،انطلقا من مبدأ "أهل مكة أدرى بشعابا " وذلك لوضع مقاييس
الودة ف نوع العلومة ،وطريقة تصريفها ،والستعمال الجدى للوسائل الختلفة حت تساهم ف بلورة أحسن ما ف النسان ،بدل الراهنة على
أخس ما فيه .
إن الطرف الساسي والسؤول عن إياد حل لشكالية إعلم ديقراطي هو الجتمع الدن نفسه ،وذلك عب متلف مؤسساته ومسؤولياته الت من
أهها الشاركة ف التفاعل مع الشاكل الماعية وتوفي ذلك لكب عدد مكن من الواطني .
وعلى سلمة هذا الطرف الام ،يتوقف جزء كبي من ناح الركن الثالث الكثر هشاشة وضعفا ف النظام الديقراطي .
***
ـ التجدّد السلمي للسلطات 3
تطر ببالك ،وأنت تتابع النتخابات على شاشة التلفزات الغربية ،مقولة تشرشل حول "أتعس النظمة بغض النظر عن كل ما عداها " .فهذه
الهرجانات النتخابية نفسها تشكل كاريكاتور لفكار جيلة ونن لسنا ف حاجة إل أن نزيد الطي بلّة بتقديها بصفة كاريكاتورية.
لكنها ف القيقة ضرورية لنا تثل الفصل التامي ف الرب الرمزية ،واللحظة الفاصلة الت يقع فيها تصفيف الحاربي ودخولم ساحة الوغى
وقتل "السلطان " القدي واستبداله ب "السلطان " الديد لولة أخرى .وهي كذلك الرحلة الت تصفى فيها السابات والحقاد ،وتتهاطل
خللا الراجات البلغية والصواريخ اللفظية وقنابل الياء والتعريض ،ف إطار استراتيجيات الكر والفرّ ،والحاصرة والجهاز على العدو
وإذاقته مرارة الزية النكراء.
إنا الرحلة الضرورية لفراغ شحنات العنف الماعي عب القنوات الرمزية الت توفر تديد فترة السلم لدة جديدة قد تطول أو قد تقصر .
إل أن سيناريو العركة ل زال يتطلب إعادة نظر عميقة ف كثي من التفاصيل ،وإل طغت السلبيات على النافع.
وهذه السلبيات ل يكن أن تنسينا أبدا أن للنتخابات وظائف متعددة .فبالضافة إل وظيفتها الرئيسية ،تعتب مناسبة ثينة للحتفاء بالسلم
الجتماعية ،وبعلوية القانون وكرامة الواطن الناخب .كما أنا مناسبة أخرى لمارسة التحرر عب تقييم ما مضى والعداد لدفع جديد للمطامح
الماعية.
فالدف إذن من النتخابات هو تنظيم أهم فصول الرب الرمزية ،من أجل استثبات المان .أما أهم ترتّبات العملية فهو تدد السلط التشريعية
والتنفيذية والمعياتية ،أي تشبيبها وتطهيها وعلجها .
والجتمع باجة إل تدد الثقافة ،وتدد الجيال ،وتدد آلة النتاج ،كأهم ضمان للفاعلية والنجاعة ف تسيي شؤون الجموعة .
لكن ،هل تتمكن آلية النتخابات ،حت ف أرقى الديقراطيات الغربية ،من تقيق هذه الوظائف العقدة والتداخلة ،جزئيا أو كلّيا ؟
إن العملية النتخابية ف صبغتها التقنية هي اختيار الرجل أو الرأة الناسبي لتمثيل الشعب وأخذ القرار باسه ومتابعة تنفيذه ،وذلك عب تفويض
واع من ناخب حر مسؤول وقادر على التفريق الصائب بي خيارات متعددة ومتناقضة.
وترتكز العملية النتخابية على جلة من السلمات ،أظهرت تربة العديد من الديقراطيات طوال هذا القرن أنا ليست بديهية ف شيء .ولنبدأ
تقييمها من القمة إل القاعدة .
أما الناخب فمقسم بي قرف مستدي وجهل ل دواء له با يبئ له الستقبل .ويغذي قرفه هذا الفشل الوعود القدية .أما جهله فيتغذى من عدم
معرفته بدى مصداقيته الوعود الت تعرض عليه باستمرار .وهكذا ،يد الناخب نفسه أمام السياسة كالريض أمام الطب .
إن التوجه إل هذا الطبيب دون غيه ،والخذ بذا العلج ل بآخر ،ودفع هذه التكلفة الطلوبة دون احتجاج ،لي سفرة ف ضباب بالنسبة لكل
مريض ،توجهها بعض الشارات البهمة هنا وهناك .فالريض ،إن ل يكن طبيبا منكا وأيا كانت ثقافته ،عاجز عن تقييم فعلي لبة الطبيب
التقنية ونزاهته الخلقية ،وهو مضطر إل تصديق ما يقال عنه وعن العلج.
لكن ما هي الفاعلية القيقية لذا العلج ؟ وما هي آثاره السلبية ؟ وهل أن التكلفة مبالغ فيها أم أنا الثمن العادل مقابل خدمات جيدة ؟
إنا أسئلة قلما يستطيع الطباء أنفسهم الرد عليها ،ومع ذلك يفتعل طل الفرقاء اليان بأن الطبيب فعل طبيب ،والعلج حقّا علج ،والتكلفة
عادلة .ث تأت التجربة الرة لتفضح عدم بديهية البديهيان .
إن خيار الناخب أعقد بكثي من خيار الريض ،لنّه مطالب بالبت ف علج الدارة وعلج القتصاد وعلج الظلم الجتماعي ،ف حي أن زاده
العرف القيقي مقتصر على الشاكل التقنية الت يعرفها بكم عمله أو وضعيته ،والشاكل العامة لحيطه الضيق .أما الستويات العلى فإن عمله
ل يفي حت باجة التشخيص الصحيح للمشاكل ،فما بالك باختيار أنع اللول لا ،وثقافته هنا كثقافة طالب الطب أمام عارضي الدوية
ومثلي الشركات الصيدلية .أي أنه يتار أساسا تت تأثي شكل أو آخر من الشهار .
ماذا الن عن هذه العملية بالذات ،إذ هي مظهر مثي جدا خلل العركة ،وهي كذلك نقطة الضعف الساسية فيها ؟
تتقدم القوائم النتخابية أمام الناخب بقترحاتا لل الشاكل .وتتغلب يوما بعد يوم عقلية البائع ومصاله وفلسفته وتقنياته على كل اعتبار .
وهكذا رأينا الشهار يتسلل ببث متزايد على ميدان السياسة ،ما جعل القضايا الرئيسية للمجتمع تباع للناخب مقابل صوته ،كما تباع السيارات
وصابون الشعر مقابل الال .وأصبح الترشح أحيانا أهم من برنامه .وهو ما حدا بؤلف ف العلوم السياسية ،يدعي " :داونس" لن يعتب
الديقراطية "مقايضة اقتصادية" تكون الكومة بوجبها مرد مقابل خدمات ،يبيع سياسات ثنها الطلوب ما يمع من الصوات لواصلة تسيي
الؤسسة الت يكن أن تكون :فرنسا أو أمريكا أو اليابان ...
إن هذا التوجه نو الشهار ،ف إطار منظمة اقتصادوية ،لو من أكب الخطار الت تتهدد الديقراطية .فهي تلق حالة تصطفي أردأ الواقف
والتصرفات ،كالغش والديعة والكذب والدياغوجيا وشت ضروب النصب والحتيال والطعن ف حلول الخر ،ل لشيء إل لنا بضاعة
الصم .والال أن الجتمع بأمس الاجة لتظافر كل الدمغة لل الشاكل العقدة باستمرار وللبت ف كل اللول القترحة ،باعتبارها تعكس ،
عادة ،جزءا من التعقيد الريع .
إنا لفارقة غريبة أن تتصور إمكانية بناء نظام فاضل بثل هذه الواقف والتصرفات الت تفرضها الالة ،فإذا بالناخب يصبح ضحيتها مثلما هو
ضحيتها رجل السياسة السكي الذي يفرض عليه بائع مشبوه ،ويعاب عليه قيامه الهمة على أحسن وجه.
قد تمل تقنيات الشهار الناخب على اختيار أسوأ اللول عن حسن نية أو من طفرة الغضب أو انرارا إل مواقف ساحر خبي ف الدمغجة،
مثلما حدث ذلك أكثر من مرة وليس ف ألانيا الثلثينات فقط.
هذا علوة عن دور الال ف تضخيم أصوات أو تجيم أخرى .فهذا مليوني أمريكي يستطيع أن يشق له طريقا إل القمة ،ل لشيء إل لنه قادر
على دفع مليي الدولرات لشتراء ساعات ف وسائل العلم .ول يستغرب أحد أو يعتب المر تريفا خطيا للديقراطية ،الت يفترض فيها
توفي نفس الفرص لكل الناس ف عرض أفكارهم والدفاع عنها .
ومن مظاهر الدور السلب للعلم الستبد ،وأثره ف إناك الديقراطية ،ما نشهده من انتشار عمليات سب الراء ،الت أصبحت تشكل ضغطا
معنويا متواصل على الترشح والناخب على حد سواء .فتتعدل القوال والفعال حسب آخر تقلبات وشطحات رأي عام مسيّر .ومن ث ،تنلق
الهداف من اختيار أفضل مرشح وأفضل برنامج ..على هدف اختيار أفضل استراتيجية للتجاوب مع الهواء التقلبة للمترشحي ،وأحسن رهان
على أفضل حصان ،بالنسبة للناخبي .
وما يفرض التوجه التجاري ـ الشهاري للحملت النتخابية ،التزايد الطرد ف تكاليفها الستمدة غالبا من "تبعات" كبى الؤسسات
القتصادية ذات الرامي العروفة.
فل غرابة إذن أن يكون مردود هذه العملية ف اختيار الرجل الناسب أو الرأة الناسبة للمكان الناسب ،كمردود اختيار الطباء والراحي على
مقاييس "حلوة " اللسان والظهر ،والشهادات الشبوهة ،والوعود الميلة باكتشاف دواء السيدا مثل أو السرطان ..
وهكذا نرى أن آلية النتخاب بذا الشكل أبعد ما تكون عن تقيق هدف التجدد وضخ النجاعة والفاعلية ف شرايي الدولة .
إن من يعتقد بأن ف هذه القارنة شيء من الجحاف ،نطالبه بأن يفكر ف ما يتطلبه اليوم توجيه القتصاد والفلحة والتعليم من خبة وتربة ،
ناهيك عما يتطلبه توجيه دولة برمتها من معرفة بالعموميات والزئيات ،باليديولوجية والتاريخ والقتصاد إل ...ث عليه بعد ذلك أن يتصور
ترتّبات اليارات الوجاء ،والخطاء التقنية وثنها الائل إنسانيا واجتماعيا ،أو دورها ف تعطيل مسار شعب بأكمله ،أو دفعه ف اتاه يتناقض
مع مصاله القيقية.
إل أنه ل يكننا ،رغم كل شيء ،مقارنة هذا الردود بترتبات تكلس النظام الستبدادي وتجره ،ورفضه التطور والتجدد ،واستماتته ف ماولة
وقف عجلة الزمان ،إل أن يلفظه الجتمع كمن يتخلص من ورم .إنه مردود ضعيف ولكن هناك إمكانات كبية لتحسينه ،وبالتال لطالة عمر
الديقراطية .
لقائل أن يقول إننا نلط بي السياسي والتقن ،لكن هذا العتراض نراه غي مصيب ،لن التقن إن ترك بل توجيه سيفرض سياسة ل تصل إل
السطح ول يكن تقييمها .ولن السياسي الذي ل يكتسب ثقافة عامة وخبة تقنية واسعة ف ميدان ما ،يكون غي مؤهل لتأطي التقن وحل
مشاكل متمع معاصر ومتزايد التعقيد.
يتزايد إذن قرف الناخب بتزايد وعيه بعمق جهله ،وضعف تأثيه على الحداث ،وتصاعد شكه ف طبقة سياسية فقدت كل هيبة نتيجة تظافر
عوامل الدعاية ،وسطوة قضاء متصاعد الصرامة وباحث عن توسيع رقعة سلطانه على حسابما ،وإعلم خبيث جعل من فساد بعض رجال
السياسة مادة دسة وبضاعة ل تنفق ،حت وإن كان أغلب رجال السياسة ف منتهى الناهة والتفان .
ل شيء ف الفق يبشر بل هذه الزمة الطية ،فالالة الت خلقت هذه الوضعية صعبة التغيي لنا ارتبطت بعادات مستحكمة ومصال عميقة
ومتشابكة .بل من المكن أن تتفاقم انتخابا بعد انتخاب ،فل تزيد الديقراطية إل اهتراء علىاهتراء.
إن النسحاب التزايد من لعبة مطعون فيها ،من شأنه أن يغذي الستقالة الماعية وتذرّر الجتمع ،والبحث عن اللول العاجلة والصغية
والقريبة من الناس وهومهم ،مفسحا الجال أكثر فأكثر داخل مؤسسات الديقراطية للمحترفي والنتفعي والتمعشي ،وخارجها لعدو متمرس
ل ه ّم له إل العودة إل نشوة العنف الباشر بالتعريض والتحريض الدائمي ضد الرب الرمزية وآلياتا .
إل أن الركن الثالث بقي يعان من مرض أخطر وأعمق ،يتعلق بلطه بي الوظائف ،وماولة تأدية وظيفة مستحيلة.
وما يشاع عن الديقراطية أنا حكم الغلبية ،وأن مؤسسات أخذ القرار وتنفيذه بيد ممثلي هذه الغلبية .وهي فكرة ل أساس لا من الصحة
منذ قدي الزمان ،فقد كانت الديقراطية الثينية حكم أقلية .وكانت الديقراطية الفرنسية على خسي سنة خلت ل تنح حق التصويت لنصف
الجتمع ،أي للنساء .ومن الفارقات العجيبة ،تلك الحداث الت رسخت آليات التمثيلية والتداول .لكن النتخابات ،حت ف البلدان الت
ينح فيها حق التصويت للمجتمع ،ل تعكس إرادة الشعب وإنا إرادة القوائم النتخابية .وقد تكون هذه القوائم مرآة للشعب وقد ل تكون
وغالبا ما ل تكون .لن التنظيمات اليديولوجية الركية والت تثل القلية ،تستطيع بالتجنّد الذي تسنه أن تتواجد بكثافة نسبية ،مقارنة
بإمكانيات عموم الشعب الذي تنعه هوم الياة ،أو مستواه العلمي ،أو قرفه من السياسة والسياسيي ،من الشاركة ف النتخابات .
وهكذا ،ترى رئيس جهورية فرنسا منتخبا (ف أحسن الحوال ) من % 52من القوائم النتخابية ،ومعلنا تثيل من ل ينحوه ثقتهم .وكذلك
ترى رئيس الوليات التحدة منتخبا من طرف ثلثي الواطني من له حق النتخاب ،لكنه يكون مثل للثلث الباقي ،وهكذا ...
والمر كذلك بالنسبة للنتخابات التشريعية الت تلغي النظام الغلب ،فينجح بوجبه من تصل على %50,5من الصوات ،ويسقط من
تصل على .% 49,5أما مثلو قطاعات كبية من الناس ف البلان ،فل تد من يثلهم .ف حي يتسبب النظام النسب الذي يعطي لكل
الحزاب مقاعد بعدد الصوات الت تصلت عليه ،ف جعل القرار صعبا ،وأحيانا ف دكتاتورية القلية.
إن المر معهود جدا ف ألانيا الت تعتمد التمثيلية النسبية ،إذ تلعب الحزاب الصغية دورا هاما ف التحالفات وف ترجيح الكفة لصال هذا
القطب أو ذاك ،خلل مواجهة سياسة تكون فيها القوى شبه متساوية ،فتبتز الطرف الذي تتحالف معه .
ف إطار هذا النظام إذن ،تفرض تثيلية مبالغ فيها لصال القلية ،حيث تنحها سلحا هاما يساعد على تعطيل قرارات الغلبية أو مارسة الضغط
والبتزاز .وهي بذا تعطي الولوية للسياسوية على السياسة ،أي تغلّب التكتيك على الستراتيجية ،والتحليل على الذكاء ،والحتراف على
النضال ،والواقعية على البادئ .
إن هذا الشهد الذي يضخمه إعلم ل يرحم ،ل يزيد الناخب إل شكّا ف عمليات يتضح له أنا فقدت سبب وجودها ،لن هها القيقي ليس
تثيل الشعب وحل مشاكله ،وإنا تثيل الحزاب وحل مشاكلها .
يب أن ننتهي من هذه الكذوبة الكبى ،فالديقراطية ل تكن أبدا تثيل للغلبية بفهومها العددي البسيط ،وليس هذا هدفها الرئيسي .
إن أحسن وسيلة لتحقيق هذه التمثيلية بالنسبة لن يعتبها جوهر الديقراطية هو اللتجاء إل تقنيات الحصاء وليس إل النتخابات .فأحسن
برلان مثّل فعليا للشعب هو ذلك الذي ينتقي له علماء الحصاء عينة إحصائية تتار من قوائم الالة الدنية ،حسب تقنيات معروفة يلعب فيها
الظ دورا هاما لختيار الفراد كأفراد .لكنه يعطي ف آخر الطاف صورة دقيقة وصحيحة عن التركيبة العامة للجمهرة الوطنية.
وهكذا سنجد ف البلان الرجال والنساء بنسبة متعادلة ـ وهو أمر إياب ـ ومن متلف العمار والهن والهات والستويات الثقافية بنفس
النسبة الوجودة ف الجتمع .لكن سيعن هذا بالنسبة لنا كعرب ،أن يكون نصف البلانيي أميي ،وأن الغلبية الساحقة ستكون بدون أدن
خبة سياسية أو جعياتية .وبذا تتم الفارقة الت تضعنا أمام برلان مثل أحسن تثيل ،لكن ل جدوى له ول فاعلية.
يتضح أن القضية ف الواقع ليست تثيل الشخاص ،وإنا تثيل الشاكل والصال واليارات الماعية .وهذه الخية ل يكن أن تثل ل بالعينة
الحصائية ول بالنظام النتخاب العمول به اليوم .
لنذهب أبعد من هذا ،ولنفترض أن الياكل النتخبة تثل فعل الشعب ل القوائم النتخابية ،فستترجم بالضرورة إرادة الغلبية ،الت هي إرادة
تضع ،كالطقس ،لتقلبات شت.
فهل يكن أن تكون هذه الرادة هي حجر الزاوية لي سياسة ديقراطية ؟ وهل يكن مثل أن توضع إرادة السرائيليي فوق حق الفلسطينيي ف
دولة ووطن ؟ وهل يكن أن تقبل بتنفيذ حكم العدام ف أمريكا لنه إرادة الشعب؟ وهل يب أن نقبل بالعمل بالتعذيب لو كانت تلك إرادة
أغلب الناس ؟
بداهة ،هناك حد حت لرادة الغلبية وهذا الد هو مددا " حقوق النسان ".
إن الطر ف مثل هذا الوقف يكمن ف النزلق نو النخبوية والتعال على الشعب .أما الطر ف الوقف العاكس فيتمثل ف الدياغوجية الابطة
الت تتملق أتعس ما ف الشعب لتستبد به عاجل أو آجل ،وهي تقنية كل الحزاب الشعبوية.
ونن ل نتفادى هذين الطرين إل باعتبار أن الديقراطية أداة لدمة النسان وتقيق حاجاته ف المان والكرامة والتحرر والعيش الكري .معن
هذا أنه ف إطار ما قلناه عن انعدام الرية الطلقة لي هيكل أو كائن أو فكرة ،فإن سيادة الغلبية يب أن تبقى رهينة تركها ف إطار
القوق/الواجبات الت ضمنها العلن ،وإل أصبحت الديقراطية أداة لنحر الديقراطية والستبداد بالنسان .
وتكمن مأساة كل الشاريع التحررية ف صعوبة النتقال من الرغبة إل تقيقها ومن النظري إل العملي ومن اليديولوجي إل السياسي .ويبقى
الشروع مهددا من داخله أكثر ما هو مهدد من خارجه ،وكذلك المر بالنسبة للديقراطية.
لذلك تعرض كل هذه العيوب إدخال إصلحات جذرية ف هذا الجال ،وإل أدت إل التقصي ف عمر نظام راق لكنه هش .فالشاكل القتصادية
والجتماعية الت تنتظرنا ،أصبحت بصدد تفاقم ميف قد يعلها غي قابلة للحل ل بالديقراطية ول بالستبداد .
ونن إذا ل نطوقها من البداية بوضع نظام سياسي عادل وفعال ،فإن العلج قد يصل متأخرا ،وقد يكون مفعوله أكثر من متواضع إذا كان هو
بنفسه متاجا إل علج.
إن العرض الوال ليس مرد ترين خيال كالذي يعشقه الثقف النطوي على نفسه ف برجه العاجي والال بالدينة الفاضلة واليديولوجية الق
والليات الكاملة ،إنا هو على العكس من هذا :مواصلة للنضال .
فإذا كان صحيحا أن كل الحلم ل تتحقق ،فإنه من الثابت أيضا أن كل ما تقق إل حد الن كان نتيجة أحلم ،ومن ث فاللم هو ضرورة
الرحلة الت تسبق كل تغييات هامة ،وهو أيضا منطلق الركة الت ستخلق الالة الديدة.
يب إذن أن ''نلم ''بآليات تطور التجارب الديقراطية ،نظمتها دفّات الكتب لتنقل ف يوم ما وف مكان ما إل دنيا التجريب الفعلي ف عال
السياسة .
يتلخص دور الليات التطورة الت تعن بوظيفة التجدد والتداول على السلطة ،ف إقحام أكب عدد مكن من الفرقاء ف الرب الرمزية ،وف تنظيم
هذه الرب بصفة تتبلور من خللا الصال وليس العيوب ،وف جعلها تؤدي إل وضع النسان الناسب ف الكان الناسب ،أي تقيق أقصى قدر
مكن من النجاعة ف إدارة دواليب أخذ القرار وتنفيذه.
عودة إلى المنطلقات :
يقول الفصل الواحد والعشرين من العلن " :لكل إنسان الق ف الشتراك ف إدارة الشؤون العامة لبلده ،إما مباشرة أو بواسطة مثلي يتارون
اختيارا حرّا ،ولكل إنسان الق الذي لغيه ف تقلّد الوظائف العامة لبلده .إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الكومة ،ويعبّر عن هذه الرادة
بانتخابات نزيهة دورية على أساس القتراع وعلى قدم الساواة بي الميع أو حسب أي إجراء ماثل يضمن حرية التصويت ".
لنركز هنا على أن رفض التمثيلية الزيفة أو النقوصة يب أن ل يعن لظة نفي ضرورة أن ينبع النظام الديقراطي من كل الناس ف إطار مساواة
كاملة ل تفرق بي رجل وامرأة وفقي وغن وجاهل ومتعلم ،وليس أخطر على الديقراطية من ديقراطية نبوية تكون الشكل القنع للرستقراطية
الديدة.
لننتبه أيضا إل أن كل حق ل يصحبه واجب ،كما يقال ،وإنا هو الواجب نفسه .فالق والواجب ها وجهان لقطعة نقد واحدة هي " السؤولية "
،فل مال للفصل بينهما .
ص با نفسي دون الخر ،إنا يعن هذا التذكي بأنّن أنتظر
عندما أقول :من حقي التمتع برية الرأي الخالف ،ل أعن طبعا أنن أطالب بزية أخ ّ
من كل من يواجهن احترام هذا الق ،وذلك بالضطلع بواجبه ف احترام حقي ف الرأي الخالف بنفس الكيفية .وأنا مطالب بعدم التعرض
للخر عندما يبدي رأيا مالفا ،ومن ث فواجب احترام هذا الق الذي أطالب به لنفسي لذلك يكن كتابة العلن العالي لقوق النسان
كالعلن العالي لواجبات النسان ،دون أن ننقص منه أو نزيد حرفا .
وعندما نقول " لكل إنسان حق الشاركة ف الياة العامة ،فإننا نعن آليا أن من واجبه الشاركة ف هذه الياة العامة .
تتطلب حياة الجتمع أن نبعث بأطفالنا إل الدارس شئنا أم أبينا ،وتتطلب أن ندفع الضرائب للتمتع بالدمات العام’ ،أحببنا أم كرهنا.
والشاركة ف الياة العامة ضرورة هي الخرى ،وعلينا أن نتعامل مع الديقراطية وأن نوّلا كما نتعامل مع الدرسة ،أي أن نشارك فيها لنا
أول وأهم ضمانة لمننا السدي الذي بدونه ل معن لي حق آخر .
نن ل نتصور بالطبع إمكانية فرض عقوبات على من ل يشارك ف الياة الديقراطية ،لكن من وظيفة الدولة الديقراطية ـ ف إطار الدفاع عن
نفسها وإطالة عمرها ـ تشجيع الشاركة بكل ما يكن من الوسائل ،كتبسيط الترسيم على القوائم النتخابية ،واعتبار بطاقة التعريف هي بطاقة
الناخب ،وتصيص جزء من البامج العلمية للتربية الدنية القيقية ...ال.
كم عدد الناخبي الضربي ف الديقراطيات القدية ،والستعدين للعودة على صناديق القتراع ،لو تغيت قواعد اللعبة ،وما هي شروطهم
للعودة إل القتراع ؟ وكم منهم آثر توظيف طاقاته ف العمل المعيات ،وهو تعويض هام يقلل من خسارة الضراب لكنه غي مقنع ؟
إنا أسئلة هامة ل تلق حظها من الدراسة والهتمام من قبل رجال السياسة الذين أنكهم الركض وعرّاهم القضاء ،وأفقدهم الشهار الياء
والنفة ،وأنشبت السلطة فيهم مالبها كما تنشب الخدرات مالبها ف الدمني .
لنتقدم بذه الفرضية على أمل أن تثبتها الحداث ،وهي أن أحسن حافز يعل الضراب عن الساهة ف الياة العامة شاذّا وليس القاعدة ،هو أن
نضع على قدم الساواة الشاركة ف الياة المعياتية ،مساهة وترشحا وانتخابا ،مع الشاركة ف الياة العامة ،وذلك بإحداث التغييات
الضرورية وتقدي كل التسهيلت المكنة.
إن من أهم الوسائل لحاربة الضراب السياسي هي إعادة مركز الثقل ف العارك السلمية على القاعدة .وذلك بأن تكون النتخابات الحلية هي
أهم العارك السياسية ،وأن تفرز هيئات لا أوسع الصلحيات ف اليدان القتصادي والجتماعي مليا ،وأن تنطلق من هذه القاعدة كل قوى
التجدد.
يقترب ف هذا الستوى الناخب من الترشح ،ومن الشاكل الت عليه أن يعالها .لكن دون أن يعن هذا فهما كامل أو إدراكا تاما لكل الفايا
والعطيات .ومن النطقي أن نراهن على أن لعضاء "جعية حقوق النسان " فهما لشكاليات حقوق النسان ووضعها ف البلد ،أعمق من
فهمهم لشكاليات عامة معقدة ومترابطة ،ومعرفة بالناضلي ف إطارها أدق من معرفتهم بأناس ل يسمعوا أحيانا حت أسائهم قبل الهرجان
النتخاب .
ول شكل أيضا ف أن فرص الطأ ل تنعدم ف مستوى النتخاب الحلي ،لكنها تقلّ أكثر نظرا لعرفة الناس بشاكلهم الاصة ،ومعرفتهم بالناس
الذين يتقدمون باقتراحات للها .
ومن النطقي أيضا أن تكون النتخابات المعياتية والكومية والحلية مباشرة ومبنية على الترشح الفردي وعلى القوائم الزبية أو الستقلّة ،وأن
ترعاها الدولة الديقراطية وتشجعها ،وأن تراقب الحكمة الدستورية سيها ف أحسن الظروف .
يقول الفصل الواحد والعشرين للعلن إنه يكن التعبي عن إرادة الشعب الت هي مصدر كل سلطة ،بالنتخاب أو حسب أي إجراء ماثل ،
شريطة أن يكون نزيها ،دوريا ،عادل ،سريا وحرّا .
فلم يوقف إذن الشرع العالي التعبي عن إرادة الشعب على القتراع الباشر بالغلبية أو النسبية وإنا ترك لنا الباب مفتوحا لنتصور إجراءات
ماثلة .ونن بأمس الاجة إل تصور مثل هذه الجراءات ،لكي ل نستورد استقالة الناخب ،وسطوة الشهار ،وانيار صورة السياسي والسياسة،
ووصول الغنياء والحترفي والهازين إل سدة السلطة.
إن القاعدة الت يب أن ل تغيب عن أذهاننا دوما ونن نتخيل النماذج الثالية أن الكر النسان قادر على التلعب بكل الضوابط.
إن الهم بالنسبة لنا هو توفي الالة الت تضع أقصى قدر مكن من العراقيل ف وجه الكر وتقلل منه ما أمكن .لن قدر كل الليات أن تفرز
عيوبا ،وأن تسقط عاجل أو آجل.
ومن الجراءات المكنة ـ وهذه تصورات نريد با فتح باب النقاش ل إغلقه ـ نظام الترشيح/التصعيد.
فل يوز أن يرشح الرء نفسه لي مسؤولية ،ف مستويات الجهزة الوطنية العليا من برلان ومكمة دستورية ورئاسة الشعب ،وإنا أن يقع
ترشيحه من قبل دعامت الركن الثالث أي التنظيمات الكومية الحلية.
إن التصور المكن للعملية هو أن يضبط القانون الساسي بعد عرضه على الستفتاء ،صلحيات برلان يصص نصف القاعد فيه للحزاب
السياسية حسب ما تصلت عليه من أصوات ف النتخابات البلدية ،ونصف القاعد فيه للتنظيمات الجتمعية الستقلة فعل عن الحزاب
السياسية ( ،بتواجد كل الساسيّات داخلها دون هيمنة لطرف ) .كما يراعي ف توزيع القاعد عنصر التوازن بي النساء والرجال ،والتمثيل
الهوي والهن .
إن أمرا كهذا من شأنه أن يب الؤسسات السياسية العامة أو الحزاب على إظهار جدارتا وقدرتا على تسيي البلد تقنيا وأخلقيا ،ل بالوعود
والدمغجة وإنا عب أصعب المتحانات الت تتمثل ف حل الشاكل اليومية على أرض الواقع وعلى مستوى الحياء والقرى والدن .
إن على القانون الساسي أن يكون دقيقا مفصل ،لننا نعلم خطر البادئ الفضفاضة الت تترك لجتهاد الدولة .فل بد له من تديد الواصفات
الطلوبة لدخول هذا البلان ،وهي ،بداهة ،مواصفات سياسة عامة وأخلقية سلوكية وتقنية ،وذلك حت تتلئ مراكز القرار بنخبة البلد.
لنتصور الن أن عمليات البيع والشراء الت صاحبت ولدة الدستور الديد قد أقرب منظمة حقوق النسان بعقد واحد ف البلان .عندئذ تتم
عملية الترشيح ـ التصعيد ف جلسة عادية بنتهى البساطة .فيطالب مثل كل عضو ف الؤتر بكتابة اسم من يراه جديرا بتمثيله ف البلان ،ومن
يتوفر على شروط واضحة ومددة مسبقا كالقدمية ف النضال وقبول الهمة والنشاط ، ...وتوضع القائمة الول للذين تصلوا على أكب عدد
من الصوات .ولنفرض أن القائمة احتوت على اثني وثلثي اسا .تعاد إذن القائمة إل القاعة لشطب نصف الساء وذلك دون صخب أو
ضوضاء أو حلة انتخابية ،ث تعاد قائمة الفائزين مرة ثانية إل القاعة لشطب النصف ،وهكذا على أن يبقى فائزان فيعهد إليهما الؤتر بإعداد
برنامج عمل ومقترحات والرد على السئلة .ويرّم عليهما ف هذه الفترة كل حلة إشهارية ،بل تعتب عنصرا من العناصر الت يب أن يؤاخذ
عليها كل مالف ماكر ،وأن تكون سببا قانونيا ف سقوط الترشح ،سواء أمارسها مباشرة أم عهد با ف الفاء إل أصدقائه العزاء لشراء
الضمائر أو للبحث عن الضمانات .
وف هذه الفترة الت تصص عادة للهرج النتخاب ،يعكف الترشح وشيعته على اللفات والبامج ليتقدم على آخر امتحان أمام القاعة الت تتار
أخيا ف اقتراع ري مثلها.
ل جدال أن برلان مشكّل بذه الكيفية سيتكون ضرورة من خية ما ف الجتمع من رجال ونساء وأنه سيكون جاهزا من أول لظة للعمل ،
ناهيك عن استحالة قبوله أو إفرازه للستبداد ،لنه ليس حلبة صراع بي أحزاب تبحث عن السيطرة .فل يستطيع أي حزب سياسي داخله أن
يفرض هيمنته ،وإنا هو ساحة صراع بي كل مكونات الجتمع القيقية الت تبحث عن حل للمشاكل.
إن هذا البلان ل يلغي الرب الرمزية ،بل بالعكس إذ ل مال ف تشكيله لكذوبة كبى وخديعة يعرف من جرب آلياتا خبثها وخفاياها ،أل
وهي الوفاق الصطنع .ل بد ضرورة من حصول خلفات حادة حول كل الواضيع تقريبا ،وهي خلفات ل يكن السم فيها إل بالحتكام إل
صندوق القتراع .
إن الترشيح ف أي مستوى من مستويات أخذ القرار يكن أن يشمل أشخاصا مستقلي من خارج الؤسسة حت ل تضيع أي فرصة لستغلل
الطاقات الت يزخر با الجتمع .
ويبقى الن اختيار ذلك النسان ،ذكرا أو أنثى ،الذي يب أن يسهر على حقوق الشعب بأكمله.
فلطالا تصور الكتّاب والفلسفة ،من أفلطون على اليوم ،ناذج عدة للمي العادل ،للملك الفيلسوف ،للزعيم الطلئعي ...فابتلينا ول نزال
بكل أصناف الفشل .
ترى الناس خلل سطوة الستبداد يطبّلون لقادتم التتابعي ،ويضربون لم الدفوف ،ويولّعون ويولّعون الشموع وهم على قمة الرم ،
ليدوسوهم بالقدام يوم يسقطون من ظهر السد ...وهو يوم ل مفر منه .
ها هي كل الشعوب ،حت ف أعرق الديقراطيات ،تتخبط ف نفس العضلة .ما يعن أنه ل يزال أمامنا مال للتجريب قد يستغرق قرونا ،وقد
ينجح أو ل ينجح .فمن أمة ترتضي لنفسها ملكا بدون سلطة ،إل شعب ل يقبل برئيس لكثر من أربع سنوات تدد مرة واحدة ،إل ثالث
غارق إل أذنيه ف فضائح سياسية ل تنتهي ...إل .
ولن إشكالية السلطة ومارستها تبدو إشكالية تاريية ليست على وشك الل ،ولن التجارب ما زالت متواصلة ،والل الثال ل زال أمامنا ،
فمن الضروري بالنسبة لنا نن العرب أن نغتنم هذه الرحلة النتقالية من تارينا لبلورة تصور آخر للشخص الذي سنضع لسنوات معدودة كبى
السؤوليات بي يديه.
وحت ل نقع ف فخ الطوباوية ،فل بد من التركيز من جديد على الوظيفة وتديدها وتقنينها ،ث نتخيل أحسن الوسائل لشغلها بأفضل الناس .
مع العلم أنه ل أمل يرجى ف أن يكون الختيار دوما هو السلم ،والقانون دوما هو الضمن ،والتقنية دوما هي الحسن .
إن الثال العكسي كان وسيبقى هو ذلك النرجسي الكب ،والقائد اللهم الذي نسميه حاليا رئيس الدولة ،لنه فعل رئيس الدولة أي قائد الزب
الذي استول على مقاليد الدارة ف ماولتها تطويع الشعب والتحكم فيه.
ونن نريد أن تكون دولة الستقلل الثان ،دولة مؤسسة ،تترم استقلل الؤسسات الخرى المثّلة ليوية الجتمع بنسيه ،وجهاته وطبقاته
وتياراته الفكرية والسياسية الختلفة.
فرئيس الدولة ل يكون قائدا لزب أي لفريق .بل يب فصل أي حزب عن الدولة ،إذ هي ملك للجميع .كما يب فصل الدولة عن
الؤسسات الدنية ،وفصل وظيفة القيادة عن رئاسة الكومة ،أي الدارة.
إن أخطر وظيفة ف أي نظام هي الرئاسة ،فل بد إذن من نقاس معمق لكي تعطى للشعب أقوى الضمانات بصوص مارستها.
إن اختيار الرئيس انطلقا من عملية الترشيح والتصعيد من قبل البلان أو اختياره مباشرة من قبل الشعب ،تبقى قضية قابلة للنقاش وثانوية نسبيا
إذا حددت الوظائف بنتهى الوضوح ف مستوى الدستور نفسه .مع العلم أن اختياره من قبل البلان ل ينفي سيادة الشعب ول يشكل تقيا لا
حيث أن البلان الفرز هو ضمي الشعب وصوته وعينه الساهرة ،وبالتال يفترض فيه أن يكون اختياره موضوعيا ودقيقا .
إن مزايا الترشيح /التصعيد ،ف هذا الستوى العال من السؤولية ،التركيز على البنامج ل على الشخص .إعطاء نفر قليل من الناس سلطة
كبى قد ل يسنون استعمالا إذا أصبح الاجس عندهم هو التحالفات السياسوية والدعاية البطنة والملت الدعائية الفية ...إل .
قد يكون الل أن يعهد بعملية اختيار الرئيس للبلان ،على أن تقيّم كل القوى العملية .فإن اتضح أنا حادت عن مرماها يكن التراجع فيها عن
طريق حق الستفتاء الشعب الذي يب أن يضمنه الدستور.
يكن أيضا اختيار صيغة وسط ،وذلك كأن ترشح القوى السياسية ـ الجتماعية الكبى عددا من حلة مشعل برامها ،من داخل البلان
وخارجه ،وهذه القوى السياسية تتكون عادة ف بلداننا من أربع :العائلة السلمية والعائلة القومية والعائلة الليبالية والعائلة الشتراكية.
وقد يكون دور البلان الفرز الول ،وذلك يدخل النتخاب الرئاسي خية الناس وخية البامج ث يعطي للشعب حق اليار بعد حلة انتخابية
هدفها التعريف وليس الشهار .
تكون وظائف الناطق باسم الشعب بالضافة إل الكلسيكية منها ،كتمثيل البلد والسهر على أمنها ومكانتها بي الشعوب ،السهر
على النظمة التالية
-النظام القيمي :
تتمثل مهمته ف متابعة حالة القيم داخل الجتمع ،وذلك بالتشخيص الدائم لالة القوق النسانية الواردة ف العلن ،وأن يكون لكل حق من
هذه القوق مؤشرات تقيس مدى تقيقه ،وتكون مهمتها البحث ف السباب اليكلية التنظيمية ـ السياسية لكل تردّ قيمي ،فتتداركها بالوسائل
التربوية والعلمية والسياسية ،وبإعطاء الثال وتعقب كل التسببي ف القدرة السيئة داخل جهاز الدولة .
وحت ل تقع هذه الوظيفة ف الاكرثية ،وحت ل تنقلب نقمة على الناس ،يكون التعامل معها بعيدا عن الدمغجة والثارة .بل يتوخى منتهى
الذر ،وييّد علماء الجتماع للتشخيص والتابعة ويقع إشراك كل قطاعات الجتمع ،وتعل التنمية القيمية على شكل برامج سياسية ل تقل
أهية عن التنمية القتصادية (كالتعاضد والعتماد على النفس والتقان والثابرة ...إال ).
-النظام الداري :
وتتمثل الهمة ف مراجعة القواني للتأكد من تلؤمها مع الواثيق الدولية لقوق النسان وتشجيع ولدة أكب عدد مكن من الؤسسات الدنية،
وتويلها والسهر على تطورها ف كنف الشفافية ،سواء أكانت أحزابا سياسية أم صحفا أم جعيات خيية ...إل ،وتتمثل مهمة رئيس الشعب
أيضا ف تتبع كل العقد التنظيمية داخل جهاز الدارة ،وذلك للها وخلق لان خاصة للتوفيق بي الدارة والواطن ،ومدها بكل ما تتاجه من
دعم أدب ومادي ف إطار استقلليتها ،وتركيز خط الدفاع الول ف ميدان العدالة .كما من مهمته أيضا التأكد من تقدي كل الؤسسات لهدافها
السنوية بعيدة الدى ،ووجود آليات التقييم داخلها ،وعمل هذه الليات ف كنف القانون والستقلل القيقي .
وللناطق باسم الشعب حق اقتراح أساء الوزراء على مؤسسة البلان ،على أن يترك لذا الجلس مطلق الرية ف تقييمهم ومنحهم الثقة قبل
انتهاء الهمة وأثناءها وبعدها .علما بأن مهمته ليست ف تفضيل هذا على ذاك ،بقدر ما أنا ف السهر على العمل السليم لشت آليات التقييم .
-النظام العلومات :
إن قيمة العلومات بالنسبة لكل الجتمع هي بثابة الدم الذي يري ف شرايي السم .لذلك تكون مهمة الناطق باسم الشعب السهر على فاعلية
مؤسسات خلق العلومات (ومنها :الامعة) ونشرها (عب الصحافة) وتلقينها (ف الدرسة) .ويكون ذلك بالسهر على صحة الؤسسات العنية
بالمر ،وتشخيص المراض الت قد تنخرها إن تركت لالا ،والبحث عن سبل الوقاية والعلج.
-النظام النتاجي :
كما على الناطق باسم الشعب أن يشخص دوما قدرات آلة النتاج ،وأن يفهم حدودها وعيوبا ،وأن يبحث عن اللول اليكلية لزيادة
فاعليتها .إل أنه مطالب ـ كممثل لشعب أغلب قطاعاته تنوء تت ثقل الفقر والرمان ـ بأن يكون العي الساهرة الت ل تنام ف ما يص توزيع
اليات ،وذلك عب :الباية العادلة ،وحاية الناطق الفقية الت ل يوفر لا الظ عددا كافيا من أبنائها الذين يتواجدون ف مراكز القرار للدفاع
عن مصالها .
ما عدا هذا ل يدخل ف اختصاص الناطق باسم الشعب ،وإنا هو من مشمولت حكومة تتحرك داخل ضوابط الدستور ،ولتنفيذ برامج تعاقدية
تبم بينها وبي امثل الشعب تت إشراف الجلس .
بعبارة أخرى ،إنه الضامن للتوزيع العادل للنتاج ،والضامن لتوفي أحسن الظروف التنظيمية المكنة لكل آلت النتاج سواء أكان معنويا أو
ماديا ،وهو الضامن أيضا لستقلل الؤسسات وفاعليتها ،والضامن للحريات الفردية والماعية .فهو إذن رجل ،أو امرأة ،تاوز النتماء
الهوي والزب والعقائدي ،وارتفع إل أعلى مستوى مكن من الشعور بالسؤولية.
ومن نافل القول أنه ل يكن بأي حال من الحوال أن يسترجع باليمن ما فقد باليسرى فيكون دكتاتورا وللفصل بينه وبي الدكتاتور يب أن
تدد صلحياته وأن ل يكون له أي قرار ف موضوع القضاء وأن ل يتعرض ف شيء للحريات وأن يقبل بالنقد العلن والسؤولية وخاصة أن ل
يبقى ف السلطة اكثر من فترتي نيابيتي لي سبب كان وأن يكون التداول على الوظيفة قاعدة يعتب مراجعتها خيانة عظمى تستأهل تنحيته بجرد
التفكي فيها بأي تعلة كانت .
إن رفع مستوى فاعلية الكومة الت سيعهد إليها تنفيذ البنامج الذي اختي على أساسه رئيس الشعب من قبل البلان ،والذي سيحاسب عليه
أعسر حساب ،إن هذا يتطلب تغيي طريقة اختيار السؤولي بصفة جذرية.
ومن العروف أن الوزراء الذين تعهد إليهم إدارة قطاعات خطية ف الدولة يتارون أساسا على ولئهم وعادة ل نعرف لم برناما مسبقا .هذا ،
بالضافة إل أن معدل تواجدهم ف الناصب يعد أقل بكثي ما يتطلبه أحيانا حت الوقت الضروري لفهم ملفات متصاعدة التعقيد .
فالطلوب منهم ـ تقنيا ـ هو العرفة الدقيقة للملفات قبل مباشرة مهامهم ـ وإعطاء الطوط العريضة لبامهم ،من أجل حل مشاكل القطاع
الذي يطمحون لتسييه .مقابل هذا ،تدّد لم الهلة الزمنية ،فتعطى لم المكانات القصوى وتناقش معهم مؤشرات النجاح الت يتعهدون با
وذلك ليتم ف الفترة الوكلة لم تقييم أعمالم إما بتجديد الثقة وإما بالحالة السريعة على الهنة أو الوظيفة السابقة.
بذا يستطيع الجتمع أن يوكل بشيء من الطمئنان مصي مؤسساته التربوية والصحية والقتصادية إل خية ما ف الجتمع من رجال ونساء .ل
كما يدث الن ،حيث يكن أن توكل هذه الليات الضخمة الت تتوقف عليها صحة أو تعليم أو اقتصاد شعب بأكمله ،إل من توفرت فيه
بعض الشروط ،وإل من ل تتوفر فيه أي منها .
وحت تكون الضمانات بجم الخطار ،ل بد من تصور طريقة معينة لختيار السؤولي .فمثل ،توّل الطريقة المريكية لرئيس الشعب اقتراح
اسم الكلّف وأن يكون للبلان الق ف القرار النهائي بعد الستماع إل البامج التفصيلية من جوانبها السياسية والتقنية ،والتعرف عن كثب
على الشخاص الذين ستوكل إليهم اللفات الضخمة.
إن أمرا كهذا كفيل بأن يدفع مثل الشعب إل اختيار أحسن الناس وأحسن البامج حت ل يابه بالرفض .
لكن ،ل جدال أن آليات كهذه ل يكن أن تلغي تاما أمراض هذا الجال ،إل أنا تستطيع التنقيص منها بصفة ملحوظة .كما علينا أن نأخذ
دوما بعي العتبار تلك العوامل البشرية الت تفرض نفسها على الياة السياسية ،وذلك كانعدام الل الثال ،وقدرة الكر النسان على التحايل
حت على أصدق القواني وأنع الليات .
ول ننسى أيضا أن لكل سيناريو ثنا وعيوبا ،وأننا نواجه عادة بصعوبات كبى عند توزيع عدد القاعد والبت ف إشكالية تثيلية منظمات متعددة
تتناحر على تثيل نفس القطاع .كما نواجه أيضا عامل الزمن ،لن إعداد البامج ومناقشتها ف كل الستويات يكن أن يصبح بدوره عامل هاما
ف إضاعة الوقت والهد ،ما يعل من العودة إل القرار الفردي ،على علته ،إغراء ل يقاوم.
إن دور الذكاء الماعي يتمثل ف وضع جدول مفصل لكل الضاعفات السلبية الت يكن أن يولّدها أي خيار صائب أو مبدأ مثال .فل بد من
ترجة اليارات إل قرارات تأخذ بعي العتبار السلبيات التابعة لتلك اليارات ،حت تقلّص ما أمكن منها ولو على حساب الثالية .
فمثل يب أن تدّد مهلة زمنية ل تتجاوز ثلثة شهور ،وتدد كل خس سنوات ،للنظر ف عمليات للترشيح والتصعيد واختيار البامج
والشخاص .ول يكن مطلقا ،بتعلّة الديقراطية الثالية أو التثبت من الترشحي وبرامهم ،أن تترك قطاعات بدون مسؤولي ،أو أن يكون
الحور النتخاب عمل مسترسل.
إن الدف ما سبق ليس ف إياد حل "نائي " لمراض الركن الثالث ،وإنا التذكي بأن إشكال الكم كإشكال الزراعة ،حيث تتاج إل التطوير
وتكون مهيأة للستفادة منه .فكذلك الديقراطية ،هي ف القيقة هدف قا ّر أزل ،وتقنيات متحولة تكورها التجربة .أما النموذج الغرب فليس
إل تربة .أما النموذج الغرب فليس إل تربة ،علينا التعلم من أخطائها لتجاوزها ،وليس لتقليدها والزايدة عليها .
لقد آن الوان لنعيد للمخيلة وللجسارة الفكرية دورها ف تقليب كل هذه الناط السائدة للحكم ،كما تقلب البطاطا للتيقن من جودة البضاعة
وانعدام الغش ولستنباط أصناف جديدة فإذا قبلنا أن تكون للديقراطية اهدافا قارة فإن كل آلياتا قابلة للتحسي وخاصة آلية التمثيل الت
تشكو من ضعق اساسي خطره الساسي هو أنه الجة الكبى للستبداد وماولة استرجاع الواقع الخسورة ف حرب ستبقى قائمة طالا تنظم
الدميون ف متمع وهم كما قال التننب ف طبيعتهم
فإن تد ذا عفة فلعلّة ل يظلم والظلم ف شيم النفوس
***
.
.
4ـ القضاء العادل
إن استقلل القضاء بقدر ما هو هدف من أهداف النظام الستبدادي ،بقدر ما يعتب حجر الزاوية ف النظام الديقراطي .إنه اليوم اللية الول
لماية الديقراطية ،وتنظيفها دوريا ما يلحق با من أدران .فمن البديهي أن القضاء بقدر ما يكون عادل ،أي فعال ،أي مستقل عن كل الصال
والضغوطات الفئوية ،بقدر ما تضعف الاجة إل التمرد العنيف .
إن القاعدة الساسية الت يب أن نتعامل با دوما مع كل نظام سياسي ـ والديقراطي ل يشذ عن القاعدة ـ هي أن الالة الت يلقها هذا
النموذج من النظمة مهما كانت إيابيتها ل تلغي النصف الظلم من النسان ،وأن الفساد سيجد له يوما منفذا ل مالة.
لذلك ،يب أن نتخلى عن ذلك الوهم الذي يفترض إمكانية إياد حالة مقنعة ونائية تكتمل فيها الخلق ،فهي ل توجد ف بداية التاريخ ،ولن
توجد أيضا إل نايته.
إن النضال من أجل العدالة والسلم هو قضية كل زمان وكل مكان .وهو قضية كل لظة ،لن الياة هدم وبناء ل يفترقان .
فل غرابة إذن أن يوجد الفساد ف النظام الديقراطي كما يوجد ف النظام الستبدادي طالا أن النسان هو النسان .لذلك يصبح تعقبه ،كأهم
عنصر من عناصر العودة إل الرب الدموية ،من أوكد مهام الديقراطية بكل مؤسساتا.
ومع ذلك ،تكمن أفضلية الديقراطية ف قدرتا على فضح الفساد بواسطة الرأي الر والتنظيم الر ،وأساسا بوجود العدالة الستقلة .كما تبز
أكثر هذه الفضلية ف قدرتا على تتبع الفساد ولو استجار بقمة الدولة .وبديهي أن هذا الفساد هو أخطر النواع لنه سريع الدم والعدوى.
إن ما يدث اليوم ف إيطاليا وفرنسا واليابان من ملحقة صارمة للمفسدين ف أهم أجهزة الدولة ليس حجة على الديقراطية ،بل هو على عكس
ذلك دليل على فاعليتها ،لن غايتها غي غاية الدين .
فهي ل تدف إل تغيي طبيعة البشر والقضاء البم على سلبياتم ،وإنا يتمثل دورها ف سن التشريعات وخلق الليات الكفيلة بتطويق سلبيات
طبيعتهم ،وبلورة إيابيات هذه الطبيعة لظة وأزمة بأزمة .
إن الؤسسة القضائية ف البلدان الديقراطية هي أنع الؤسسات وأقواها ،ولا وضعية "صحية " تسد عليها بالقارنة مع الركان الخرى .
لقد طرحت الفضائح التعددة لرجال السياسة ف الغرب واليابان ومثولم أمام القضاء ،إشكالية جديدة سيت بـ "خطر سلطان القضاء " .وتعبّر
هذه الشكالية عن توف رجال السياسة من أن يصبح القضاء السلطة الول طويلة اليد ،ومن أن يصبح التنفيذي السلطة الراقبة الشكوك ف
نزاهتها والطعون ف مصداقيتها آليا .
فهم ياولون إخفاء ماوفهم من عدالة مستقلة ل نفوذ لم عليها ،بتعلّة أن سلطان القضاء ل يضع للتقييم الدوري بالنتخابات كما يضع له
رجال السياسة.
يدّعون أيضا أنه سلطان مطلق ل يستقي شرعيته من الرادة التغية التطورة للشعب وإنا يستقيها من ذاته ل غي ،وبالتال فهو غي ديقراطي .
إن تعلة كهذه مرفوضة جلة وتفصيل لن استقللية القضاء هي ركيزة من ركائز الديقراطية ،وبالتال فإن كل ترتباتا ديقراطية .أما الوف من
استبداد قضائي فهو الوف من استبداد القضاء بالفسدين الذين وضعوا أنفسهم فوق القانون ،اعتمادا على "علو" مناصبهم .صحيح أنه يكن أن
تصل تاوزات ،فالقضاء بشر .لكن الضوابط موجودة والقانون مكتوب وعلن .هذا ،بالضافة إل قدرة تنّد بقية الؤسسات الديقراطية الت
يكن أن تعيد المور إل نصابا إذا تاوز القضاء دوره .وتلك هي أهم منافع ومزايا الفصل الصارم بي السلطات ،الذي يفرضه النظام
الديقراطي .
ورغم النجاح الباهر الذي حققه استقلل القضاء ف الغرب ،فإن هناك إمكانيات نظرية للمضي فيه قدما ،خاصة ف مستوى جهاز سريع التعرض
للفساد ،غالبا ما ننسى أنه جزء من الهاز العدل ،إنه جهاز الحاماة .
وهناك تساؤل يفرض نفسه من بي الشكاليات الطروحة :هل يب فك كل ارتباط بي السياسي والعدل ،بإلغاء وزارة العدل برمتها مثل ،
بدف جعل القضاء خارج أي ضغط ،خاصة من قبل التنفيذي ؟
أما الرد فيكون بالياب ،لن وزارة العدل يب أل تكون أكثر من جهاز إداري موضوع تت ذمة القضاء لتسهيل مهامه .وليس للدولة ف النظام
الديقراطي أي امتياز خاص ،ويكنها أن تلتجئ إليه كبقية الؤسسات وفقا لحكام الدستور والقانون ،لتتبع شخص أو هيئة.
إن هذا الفصل بي السلطتي التنفيذية والقضائية ،هو الذي من شأنه أن يعزز قدرة القضاء على التعامل مع الدولة ودواليبها ومسيّريها أيا كان
مستواهم ،كمتقاضي عاديي لم نفس حقوق وواجبات كل الناس وكل اليئات .
إن شروط استقللية القضاء معروفة ومربة بكيفية مرضية ف العديد من الدول الديقراطية .من أهها :وجود مكمة دستورية للفصل ف دستورية
القواني ،ويتم اختيار أعضائها بنتهى العناية .ومن المكن توسيع صلحيات هذه الحكمة ،من ذلك مثل :التقييم الارجي لفاعلية القضاء
نفسه ،وخاصة لهاز الحاماة الذي قد يلعب دورا ل يستهان به ف "تسليع" العدالة وانتشار الفساد .والمثلة على ذلك بليغة ومتعددة ،سواء ف
بلدان العال الثالث أو ف أمريكا خاصة ،إذ ل يكن أن توجد سلطة ل تقوم بالتقييم الذات ،ولو كانت السلطة القضائية .كذلك ،فل بد من
توسيع صلحيات ملس القضاء النتخب ليكون العنصر الفاعل للتقييم الداخلي للجهاز وصاحب القرار الوحيد ف النقل والترقيات والحاسبة
والعقاب .
إن هذا الشكال الرئيسي ،وخاصة بتوفي كل الشروط المكنة لستقلل فعلي وتام للقضاء ،ل يكن أن يفي عنا أهية الشكاليات الخرى .
فالؤسسة القضائية ف متمع ديقراطي زاخر باللفات والصراعات الصغية والكبية العارية والكشوفة ،ل يكن إل أن تنوء بالمل الائل
للقضايا والشاكل .
فهي ل تستطيع أن تتطور بصفة موازية للتطور السريع للملفات ،وإل أصبحت بعبعا بيوقراطيا يلتهم جل موارد الجتمع .
كما ل يكن للمجتمع أن يتركها تتعرض لالة الختناق الت نعرفها ف كل بلدان العال .
إنه لنوع جديد من الظلم ،أن ينتظر متّهم الحاكمة أشهرا وراء القضبان وقد يكون بريئا .وأن تتراكم اللفات ول يد القضاء الوقت الضروري
لتمحيص مدقق للمشاكل.
ل حل هنا أمام نظام قضائي فعال إل الحتماء وراء خط دفاع أول يكسّر الوج التلطم من اللفات التراكمة على عتبات الحاكم .
إن دور خط الدفاع الول ف ميدان الصحة هو الوقاية والتعامل مع الالت الفيفة ،ما يكّن الستشفيات الحلية والامعية من التفرغ للتكوين
والبحث والتعامل مع الشكاليات الصعبة الت تاوزت خط الدفاع الول .
إن تصيص جزء صغي من الوازنة العدلية لثل هذه الستراتيجية قادر على إحداث تغييات هامة ف مستوى الدمات العدلية.
إذ يكن مثل للدولة أن تتعاقد مع مكاتب للنصح والستشارة القانونية ،يستطيع أن يلتجئ إليها الناس مانا قبل اللتجاء إل الحامي والقضاة.
كذلك يكنها أن تدعم أو حت أن تفرض قانونا على كل الؤسسات القتصادية والجتماعية والنقابية والسياسية ..وأن يكون بداخلها جهاز
خاص لفض اللفات بالسن ،وأن يوكل إليها حق اتاذ بعض العقوبات الهنية ،كما هو الال بالنسبة لعمادة الطباء .فل بد إذن من توسيع
وتعميم ما هو موجود بصفة متشمة وجزئية ف بلداننا .
أما بصوص الناعات الدنية ،فإنه بإمكان الدولة أن تشجع ماديا ومعنويا على وجود هيئات ف أحياء الدن والقرى ،شريطة أن تكون هذه
التنظيمات مستقلة فعليا ،وأن ل يعهد لا بأي دور سياسي أو أمن .
وهكذا ،يكن للقانون أن يضبط مولتا الت من أهها :تقدي الشورة القانونية والجتماعية ،والتدخل السن لفض اللفات بي الناس ،وذلك
بتدريب كل من يرى ف نفسه القدرة للعب هذا الدور ،كالتقاعدين والعيان والربي ،أو من ترشحهم الجموعة نظرا لسنهم أو لبتم بذه
الهمة .
فقد يكون من الجدي أن ل نقبل اللتجاء للقضاء إل بعد الرور الجباري أمام هذه اليئات ،مع تثقيل الصاريف ضد من يرفض الكم الدن ،
ومن تكم عليه الحكمة بأنه ظال .
إن خلق هذه الؤسسات وتشجيعها ماديا ومعنويا وقانونيا على فض اللفات بالسن وعدم اللجوء إل القضاء إل كآخر حل ،لن شأنه أن
يساهم ف رفع مستوى السؤولية والنضج داخل الجتمع ،ومن ث ترسيخ اعتقاد الميع ف صحة اليار الديقراطي لواجهة اختلف الراء
والصال .
إن التحديد الفرط الذي يقوم به النظام الستبدادي للسباب الؤدية إل الوقوف أمام الحاكم (كاللف ف الرأي أو الصرار على التنظّم
السلمي) أو التشدد ف خصوص تعريف بعض النايات البسيطة ،لو من أهم أسباب الكتظاظ الرهيب الذي يعرفه النظام القضائي العرب
عامة.إن شرعية حقنا ف أن نلم ،بل وحاجتنا الكيدة لذلك ،ل تتناقض أبدا مع أقصى قدر مكن من الواقعية .خاصة إذا اتفقنا على أن هذه
الخية ليست ف الستسلم إل الزء الظلم من الواقع (وهو عادة مفهوم "الواقعيي لتبير استسلمهم لفظاعة الواقع وتعقيده) ،وإنا هو ف
التعامل بصب إياب مع جزئه الظلم ،وبذق مع جزئه النيّر .
***
الفصـل الرابــع
الفاق
ـ الخطر المتجدد 1
"إن مستقبلنا ليس مكتوبا ف أي وصية
الشاعر الفرنسي رون شار
إن أكب خطر يتهدد العرب اليوم ليس دوام الدولة الستبدادية القدية ـ وهو أمر مستحيل ـ وإنا طول انيارها من جهة ،ومن جهة أخرى
استبدالا بدولة استبدادية شابة ،وذلك لختلف وحيد :كونا دينية الرجع .وهو ما يدفعنا إل التوقف طويل عند هذا الفق الظلم .
لنتفق من الن على أن ليس للديقراطية ول يكن أن يكون لا أي خلف مع الدين بصفة عامة والسلم بصفة خاصة.
تضرنا هنا ذكرى تلك النهجية التعيسة الت انتشرت ف الستينات ،والرامية إل إثبات توافق وهي بي السلم والشتراكية ،عندما كانت
الشتراكية قطب اهتمام الفكرين.
وحت ل نكرر هذا الطأ ،علينا أن ندرك أننا ل ندم الديقراطية بالتقريب القسري والقارنات الجحفة واللط بي متلف مستويات المور،
وإنا يكون ذلك برفع كل اللتباسات واحترام اختلف زوايا النظر ،وف البحث الواعي عن نقط اللتقاء كلما أمكن ذلك لبناء السلم الدن .
كما يكون من الطأ أيضا أن نتعامل مع السلم ككل غامض مبهم عدوان ،مثلما يفعل بعض الديقراطيي العرب الذين أصبحوا اليوم جزءا من
النظام الستبدادي ،يناصرونه جهرا وسرا بتعلة قدرته على حايتهم من الد الدين .وهم بذا كالستجي بالنار من الرمضاء.
ويكون من الطأ كذلك عدم النتباه إل الطاقة الستبدادية الخزونة ف الد الدين ،وخطرها الكبي على أمل انعتاقنا وتررنا من الدولة
الستبدادية أيا كانت مرجعيتها .
وحت ننتبه من السقوط ف اللط التعمد أو اللشعوري بي متلف الشكاليات ،ل بد من التفريق الذري بي عدة مستويات :
-السلم كمسلمين
إننا سنجد داخل هذه المهرة الواسعة من الناس كل الواقف والتصرفات المكنة والعروفة لدى عامة السلمي .ول شك أننا لو أخذنا جهرة
بوذية وأخرى مسيحية ،واستطعنا قياس الؤشرات النفسية ،لكتشفنا فوارق هامة بي كل هذه المهرات .أي أننا سنجد نفس نسب الغباء
والذكاء ،الهل والعلم ،التفتح والنغلق ،اليان الفعلي واليان الثقاف ،التقوى والتصنع ...إل .
إن من ترتبات مقولة بديهية مثل " :السلم هو السلمون" أننا سنجد بالضرورة داخل المهرة السلمة اختلفات عميقة وصراعات حادة
وقراءات متعددة ومواقف متباينة لنفس الدين ،وأننا سنتعامل بالضرورة مع بشر لم كل عيوب البشر وكل فضائلهم بنسب متلفة حسب
الظروف والكان .
سنجد التزمت والديقراطي ،مثلما ند النغلق والتفتح ،وصديق العقل وصاحب النقل ..إل .ف هذا الستوى ،يفرض النطق أن ل نلط ،كما
تفعل وسائل إعلم ل مسؤولية ف الغرب ،بي المهرة السلمية ككل بتعقيدها وثرائها ،وبي جزء ل يثل إل إحدى حالتا وأشكالا ومكوناتا
الطبيعية والقارّة ،وهو من يطلق عنهم " :السلميون".
السلم كثقافة
إذا كان اللد هو وعاء السم ،فإن الثقافة هي وعاء الروح .نتفق هنا على أننا ل نعن بالثقافة "الزخرف الفكري للنخبة" ،وإنا العادات
والتقاليد والخلق والفكرة البهمة الت نملها عن العال والت تكوّن دعامة الشخصية الوطنية .
ف هذا الجال أيضا ليس للديقراطية إشكاليات مستعصية على الل مع السلم ،لنا ليست ثقافة بديلة ول مطمح لا ف تنظيم عادات الناس
وتقاليدهم ومراسم ولدتم وزواجهم ودفنهم وطريقة أكلهم وأخلقياتم الجتماعية وتصور مصيهم بعد الوت ...إل .
ل يعن هذا أن ليس هناك نقط اختلف بينهما ،لن الديقراطية تثل ف القيقة نوعا من اللفيات الفكرية الت قد تدخل ف تناقض مع جزء من
الثقافة السائدة ،سواء تعلق المر مثل بإطلقية الساواة بي الرأة والرجل ،أو ترر الفكر النسان من كل الوانع ...إل.
فكيف يكن إذن أن نتناول هذه الشكالية من وجهة نظر الديقراطية باعتبارها دوما خيار السلم واليار السلم ضد العنف ؟
ل بد من الطالبة هنا بنوع من وقف إطلق النار ،الذي حققه الغربيون بعد معارك مضنية كلّفتهم أحيانا أكثر ما كلفتنا.
فأنت لن تد اليوم ف الغرب مفكرا مترما واحدا يهتم بإثبات الدين بالعلم ،أو عالا يهتم بهاجة الدين باسم العلم .كما لن تد رجل دين واحد
على استعداد لثارة أي قضية على شاكلة ما أثاره العال الغرب " غاليلي" فبعد صراع دام أربعة قرون ،انتهى الدل باتفاق الميع على مبدأ
ملخصه" :لكم علمكم ول دين ،لكم عقلكم ول نقلي" .واتفق على أن العلم علم والدين دين ول مال للخلط بينهما أو لحاولة استيعاب
ميدان لصال آخر ،كما بالنسبة للمرحلة الت ل نزال نعيشها اليوم .
ولتقدير عمق هذا اللط الذي نارسه ،انظر إل بعض برامج "التثقيف العلمي" للشعب ف التلفزيون ،مثل حصص مصطفى ممود الذي ياول
من خللا ،بصفة متعسفة ومضحكة ،إثبات وجود ال وإعجاز القرآن بكل الجج والدلة والباهي الستقاة من بيولوجيا الضفادع أو علم
الفلك .
ف تونس أثار انتباهي جولت وماضرات (بدون نقاش ) لحدهم وكلها توم حول إثبات نفس الشيء بنفس التفويض والتسخي .وكنت أقرأ
للرجل بعض ما كتب ،فهالن أن ل أجد ذرة علم عند كاتب يقول عن نفسه إنه عال ذرّة.
لقد حصل ف القرب وقف إطلق النار بعد أن اتضح للفريقي استعصاء تاوز أمرين .
إن استعمال نتائج العلم لرفض الدين أي لرفض عمق الاجة الدينية وضرورتا عند النسان ،أمر ل معن له .فإن أنت منعت التدين عن اليان
بذا الله بدّله بصنم ،وإن ل يد ما يعبد عبد العلم أو البوليتاريا أو أي شيء آخر ،والحتجاج على النيل بأن العال ل يلق ف ستة أيام لكن
ف لظة واحدة منذ 15مليار سنة كالحتجاج على العاشق بأن عشقه ف غي مله لن البيبة ل تعجب الشخص الحتج .
وف القابل ،تعلّم رجال الدين أن التعرض للعلم باسم نقضه لبعض القائق والوقائع الستقاة من قراءة حرفية للنصوص ،عملية خطية لن العلم
ل يارب على هذا الصعيد ول يهزم ف ميدان الوادث .والعملية بغي شأن ،لن مهمة الدين ليست ف أن يقوم مل الفيزياء أو علم الفلك .كما
أنه ل معن لحاولة تدعيم اليان بنهج قوامه الشك والتناقض والتحوير الدائم ،فهذا بثابة إدخال الذئب إل الدجنة .
لكن هناك إشكاليات حقيقية وخصبة مثل :كيف يكن للدين أن يتعامل مع العلم ؟
والواب :بالهتمام بوانبه السلبية ،وما يكن أن ينجرّ عنها من تديد لرية النسان وكرامته ..فالعلم ،ككل عمل إنسان ،فيه الي والشر،
ومهمة الدين أن يكون دوما العي الساهرة على القيم.
وكيف يكن أيضا للعلم أن يتعامل مع الدين ؟
والواب :بأن يعل منه مادة لتساؤلته الزلية ،حت تكون معرفتنا بالدين أقل سطحية وضحالة من التفسي اليديولوجي أو الستحسان الذات.
فمثل يكن الستفادة من العلم ف عمليات تصنيف الديان ومقارنتها ،وف دراسة الاجة العقائدية عند النسان ،وفهم دورها ف تسهيل الياة
والوت ...وهكذا يكن إعطاء صورة عن الدين والديان تكون أقرب إل القيقة والواقع ،مع التقرير بأن ل دخل له البتة ف ماولة نقض
معتقدات الناس أو تأييدها.
يرنا هذا إل طرح الستوى الثالث :
السلم كروحانيات
ل جدال أن الاجة الدينية ف النسان متأصلة تأصل الاجة النسية .وما ل جدال فيه أيضا أنه ليس للديقراطية أي دور ف إرضاء هذه الاجة ،
وليس لا أن تعترض عليها أو أن تتار بي متلف الشكال .فهي ل تستطيع إل أن تدعم وأن تمي حق كل الناس وكل الضارات ف التعبي عن
الاجات القدسية.
وما ل شك فيه كذلك أن السلم الذي وصل إل الدرجات العليا من الزهد والتجرد والتصوف غي معن تاما بإشكاليات ل يطرحها إل من بقي
ف أول درجات السلّم ،مثل :رفض الخر والتصدي لقه ف التعبي عن حاجياته بلغة وطقوس وآراء غي الت يعتنقها عامة السلمي .
فقلّما يندرج هذا الرفض ف إطار روحان حق ،نظرا للتقاء جل الديانات على نفس الواقف ف النهاية ،بل ل ينم هذا عادة إل على موقف
عقائدي وسياسي متخلف .
السلم كسياسية
ل يكن لحد أن ينكر أن السلم هو منذ أربعة عشر قرنا الراية الت ترفعها الثورة ف وجه الظلم ،وهو أيضا وبصفة مسترسلة دعامة الدولة
الستبدادية العربية .
إن قول البعض بأن السلم هو أساسا ترر وثورة ،ومطلب عدل ...إل ،ل ولن يلغي الستعمال الستبدادي الذي بدأ مع ظهور الدولة
الموية .كما ل ننتظر من نصبوا أنفسهم حاة السلم الرسي أن يلغوا تدد استنجاد الظلومي براية السلم للمطالبة بقوقهم ،وخاصة بعد
انيار أشكال الطالبة الخرى وأساسا الطاب الاركسي ـ اللينين ـ الستالين .
إن تيار الثورة وتيار الستبداد موجودان بصفة دائمة ومتوازية لطبيعة تكوين الجتمع والظروف العسية الت ييا تت ظلها .ومن السذاجة تصور
إمكانية قضاء تيار على الخر ،إذ يتولد الواحد من نقيض الخر .فكم ف تارينا من ثورة ولّدت الستبداد عندما وصلت إل الكم ،وكم من
استبداد ولّد ثورة أطاحت به .ف هذا الستوى ،يقع التصادم بي الشروع الديقراطي ،والسلم السياسي بشقيه :الاكم ،والثائر على حد
سواء.
من نافلة القول إن الديقراطية ف تناقض تام مع النظمة الستبدادية الاكمة باسم الدين ،تناقضها مع سائر النظمة الستبدادية ذات الرجعية
العلمانية .أما عن تفاعلها مع السلم السياسي الثائر ،فهو حقّا ،خلفا للماركسية ،ليست لا قضية ضد الدين ،لكن رفضها التام يتجه نو
الليات الت يكن أن توضع إذا استلم السلم السياسي الثائر السلطة .
إن أخشى ما يكن أن تشاه الديقراطية ليس استبدال مرجعية بأخرى ،وإنا الحتفاظ بنفس الليات والؤسسات بل وإعطاءها نفسا جديدا.
حيث أن الصراع ليس مع الرجعية وإنا مع الليات ،فإن الديقراطية ستجد نفسها غالبا ف تناقض جذري مع السلم السياسي الثائر ،لنه
يلط بي الرجعية والليات ،ول ينتبه إل دور هذه الخية وخطورتا .
إن من أتعس مظاهر سخرية القدار بنا أن تنطلق ثورة من مضاعفات مصائب الرأي الواحد والزب الواحد والشخص الواحد ،لتركز بعد ذلك
نفس السباب الت ولّدتا ،جاهلة ومتجاهلة أن نفس السباب تؤدي دوما إل نفس النتائج .فهل تنع الرجعية السلمية النظام السياسي من
النزلق شيئا فشيئا إل المارسات الت كانت سبب التمرد ،رغم شدة الماس وكثرة الوعود والوهام ،وهو المر الذي آلت إليه الرجعية
العلمانية وتربتها التاريية.
إن الطأ الكلسيكي الذي تقع فيه كل النظمة الستبدادية هو اليان بأن هذا الشخص أو هذا الزب أو هذه الرجعية ستضمن الفاعلية
والسرعة والعدالة دون أن تقع ف الخطاء القاتلة الت وقع فيها السابقون .وهي بذلك كمن يتوهم أ ّن له علقات خاصة مع قوى الغيب ،أو أن
قوى الطبيعة ستغي من مراها الطبيعي لطيب نواياه وصفاء سريرته.
إن التأمل ف طبيعة النظام السياسي الحسوب على الرجعية السلمية سواء الوجود قديا كالنظام السعودي ،أو الديث كالنظام السودان أو
اليران ،أو النشود ف العديد من البلدان العربية كالزائر ومصر من قبل بعض التنظيمات السلمية التطرفة ،لواجه بظاهرتي :
1ـ الصرار على اعتماد الجاب والعقوبات السدية كحجر الزاوية للنظام السياسي ،والال أن دور هذه الجراءات ف حل مشاكل
الشعب منعدم.
إنا ف الواقع مرّد علمات الفصل والقطيعة مع النموذج الديث للحكم .وعلمات النتصار عليه.إن أي نظام إسلمي يأخذ السلطة يرفع راية
سيادته على رؤوس النساء .لكن علمات القطيعة والنتصار ليست ول يكن أن تكون برناما سياسيا أو بديل عنه .
2ـ اليان الصادق أو الفتعل بأن تطبيق الشريعة هو أهم أو أعجل عنصر لل مشاكل الجتمع وهو أمر شبيه باليان بأن حل مشكلة التصحّر
ف غرس شجرة واحدة ومن بلستيك أخضر .لكن مشكل الجتمع هو حصيلة ألف عامل وعامل ،كتهريب الثروات إل الارج واستشراء الفساد
والقمع ووضع نظام الولء للشخص أو اليديولوجية ،ووضع الرجل غي الناسب ف الكان غي الناسب ،فكيف يعقل أن ت ّل هذه المراض
العقّدة بالتركيز على أهية العقوبة الت يب أن تسلط على سارق الرغيف ،أو إشكالية شعر الرأة هل هو عورة أم ل ؟
تكون الجابة خارج الوضع وعلى هامشه ،بل هي أصل ليست حت إجابة عنه ،لن سؤال كهذا يتطلب ردودا ف منتهى التعقيد على
مستويات شت ل علقة لا بالفقه.
إ ّن التخلص من هذا النقد البديهي بالركون السريع ف التعامل مع القضايا الصيية إل شكل أو آخر من الليبالية أو الشتراكية البيوقراطية،
مع الحتفاظ بآليات النظام السابق .وهو ما يعرّض هذه النظمة الستبدادية إل الفشل ،طال الزمان أو قصر .فل يشفع لا أنا تتغطى برداء
السلم ،كما ل تشفع هذه الرجعية للنظمة القومية أو الشتراكية أنا صادرت ثروات الشعب لصالها ،وشوّهت طموحات مشروعة وأحلما
عظيمة وشعارات براقة.
والسؤال هنا :هل يكن التوفيق بي مرجعية إسلمية وآليات الديقراطية ؟
إن أمرا كهذا مكن وضروري حت ل يكم علينا بدوره استبدادية أخرى قد تطول وقد تقصر وقد تكون أعنف ما عرفنا إل حد الن .ولنا فيما
حصل ويصل ف السودان عبة ومثال .
بداهة ،ل شيء يرّم ف السلم العمل برية الرأي وحرية التنظم واستقلل القضاء والتداول السلمي على السلطة .ول شيء ينع أن تكون
داخل اللعبة السياسية تنظيمات إسلمية ديقراطية.
إل أن الوقف العتمد ف هذه القضية ل يضع بالضرورة إل رأي "علمي" صحيح ،ف مواجهة موقف آخر بدائي وناقص ،إنا هو اختيار سياسي
يواجهه خيار مناقض ويستطيع كل منهما أن يد له ف الرجعية ما يبر موقفه .
أما على الستوى العملي ،فالمر يتوقف على تطور هذا الصراع الفكري السياسي داخل النظمة السلمية وعلى نتائجه الت ستكون لصال
الشق الستبدادي إذا أعطت الديقراطية عن نفسها صورة حركة غريبة الصدر والتوجه ،منبتّة ومعادية للسلم ،متنكرة لبادئها ومزدوجة
الطاب.
إن اليارات أمام الركة السياسية السلمية قليلة :
فإما أن تاول الستفراد بالجتمع ،فيؤدي با ذلك إل التهميش وبناء نظام استبدادي مؤهل للفشل طال الزمان أو قصر ،بل ربا استعمل كحجة
ضدها وضد السلم نفسه ،ف إطار عملية اللط القصود الذي هو ف ناية المر جزء من السياسوية العامة.
وإما أن تدخل اللعبة الديقراطية ،شأنا ف هذا شأن العائلت الثلث الت أفرزها الواقع العرب (القومية والليبالية والشتراكية) ،لتتفاعل معها
سلميا ف إطار منافسة نزيهة .وهذا هو اليار السلم الذي ندعو كل الفرقاء إل تبنيه .يب إذن على كل أيدلوجيا أن تنقذ نفسها ومشروعها ،
بل وحت صورتا وسعتها ،بإقحام الليات الديقراطية ف فكرها وعملها .وهذا هو أيضا حظ الديقراطية لنا تستطيع عندئذ أن تصب وتتفاعل
وتدم الشاريع القومية والشتراكية والسلمية الت انتهى با المر ،كمشاريع تررية ،إل "بيوت الشباح " والتعذيب ،لتصبح للسف جزءا
من مأساة ومعاناة النسان الذي ادعت أنا جاءت لتحريره .فالكرة إذن اليوم عند السلميي .فهم مطالبون بتوضيح موقفهم من نظام الليات
الربعة ،والبتّ ف إشكالية " :هل يكن البء من الستبداد بالستبداد ؟".
أما الديقراطيون فل يكن أن يرجوا عن مواقف مبدئية ثابتة خلصتها :
إن أتاك البعض ف مستوى دائرة السياسة فقل :السلم غطاء تتلحف به حركة التحرر ،وتتغطى به مارسة الستبداد ف آن واحد .تتجاذبه نفس
القوى التضاربة ف كل مكان ومنذ بداية التاريخ .فإن أردت به التعبي عن آلم النسان الستعبد وآماله ،فلن نبخل بعون واعتراف وتضامن .وإن
أردت التستر به على القمع والظلم ،فلكم دينكم ول ترري .
وإن أتوك ف مستوى دائرة الثقافة ،فقل :هو كالم واللغة والتقاليد ،من مقومات الذات ،وذات ل تكون إل بثل هذه الدعائم وإل بقيت فراغا
سرمديا ،شأن ف هذا شأن بقية البشر برؤاهم ولغاتم يعبّرن با حسب ما ارتآه لم التاريخ عن إنسانيتهم.
وإن أغلظ بعضهم القول يريدون تقريرا بأولوية أمهم على بقية المهات ،فقل :لكم دينكم ول إنسانيت .
وإن أتاك بعضهم متحدثي ف مستوى دائرة السر العظم واللغز الحي ،فذكرهم بقولة غاندي " :إنا الديان لغات ناقصة ،يستعملها أناس
ناقصون ف ماولة يائسة للتعبي عن حقيقة كاملة".
وقل أيضا " :هو نافذت أنظر منها إل الطلق ،لكنن ل أخلط بي النافذة وبي جلل ما أطمح لستشفافه وراءها من دللت العظموت "..
وإن كشر التزمتون منهم عن أنيابم يريدونك مقرا بسذاجتهم ،فقل " :لكم دينكم ول صمت ***
ول الصعب
ـ التح ّ 2
لقد توفر لدينا اليوم عدد هام من الشروط الوضوعية والضرورية لتحقيق النظام الديقراطي ف واقعنا ،من ذلك تطور الجتمع وارتفاع نسبة
التعليم وتوفر الصادر الختلفة للرأي والعلم ،إضافة إل أهية "العدوى" الديقراطية ،وانتشار مطلب الشاركة ف الياة العامة من خلل بروز
ظاهرة المعيات الدنية الختصة .إل أننا نلقى مع ذلك الكثي من العراقيل اليكلية والظرفية الت تعل النتقال أمرا صعبا.
من أهم هذه العراقيل ف الوطن العرب التبعية الكبى الت يعانيها الجتمع تاه الدولة .فهي تعتب أول مشغل لقطاعات عريضة من الواطني ،
وأول طرف يب إرضاؤه والتعامل معه بذر ،حت ف القطاع الاص وذلك نظرا لقدرتا الطلقة العرقلة والحتواء.
لقد أعطت القدرة القتصادية للدولة الستبدادية ـ خاصة ف البلدان الت أصابا ال بصيبة البترول ـ إمكانية هائلة للضغط الادي بانب
إمكانياتا ف ميدان القمع الباشر.
وتشاء سخرية القدار أن تصبح هذه الدولة اليوم مضطرة إل فتح الجال باطّراد ف وجه البادرة القتصادية ،الفردية منها والماعية ،أي أنا
بصدد تسليم إحدى أهم الوراق الرابة (بالنسبة لا والت كانت تلكها للتحكم ف رقاب الناس.وهذا راجع ل مالة إل أسباب عدة :داخلية
وخارجية ،وإل عجزها الكشوف عن تسديد حاجيات الجتمع التصاعدة.
فهي تستطيع بالتأكيد أن تاطل وتناور ولكنها ل قبل لا اليوم بالتصدي لنتقال اقتصادي واجتماعي يفتكّ منها حريات متزايدة لصال الجزاء
الكونة للمجتمع ويكتسي يوما بعد يوم قوّة الظواهر الطبيعية.
لقد سحت قدرة آلة النتاج للرستقراطيات الخفية ف الغرب بربح الوقت ،إذا استطاعت ،بتوافر عوامل التصنع السريع والستعمار
والمبيالية ،أن توفر للناس الد الدن من الرخاء ف ظل الستفراد بالسلطة القيقة .وقد راهنت كذلك على هذه الظاهرة دكتاتوريات الشرق
القصى الت عملت بقولة " اطعم الشعب يسكت" .
إل أنه رهان خاسر ،فالرستقراطيات الخفية هنا أيضا تنشر الغصن الالسة عليه لكن ف زمن أطول ،لن إرضاء الاجيات الادية يترك للناس
الوقت الكاف للنضال من أجل حاجياتا العنوية ،وأولا الق ف الشاركة ف تقرير الصي.
نذكر مرّة أخرى بأن ليس هناك أي حتمية لنتصار الديقراطية ف الوطن العرب ،لن الستبداد فيه ليس عنصرا طارئا ،دخيل أو عابرا ،بل هو
حصيلة التقاء مواقف وتصرفات تشكل جزءا ل يتجزأ من "الطبيعة البشرية" .وذلك كإرادة الخضاع عند البعض وإرادة الضوع عند البعض
الخر ،مع ما للظروف الذاتية لدى كل شعب مؤثرات :كانتشار الوف من الفوضى ،أو من الفقر ...إل .هذا ،بالضافة إل الظروف
الوضوعية القاهرة :كانرام المن وعجز الناس عن الرتقاء من العنف إل الرمز أو احتداد الزمة القتصادية ...إل.
لذلك فهو كالرض يعود كلما توفرت ظروفه .وما زال أمامه مستقبل زاهر حت ف أعرق البلدان الديقراطية .ذلك لن التاريخ ليس قطارا يملنا
إل مطة اسها " الرية " أو "الشتراكية" أو "الدولة السلمية الفاضلة" بل هو طريق يصعد وينل ،ينطلق كالسهم ث يتوقف ،يتراجع القهقرى
ويدور ف حلقات مفرغة ،وقد يفضي بشعوب وحضارات إل حافة الاوية ث يتقدم ليلقي با ف الفراغ.
إن بناء النظام الديقراطي مغامرة ،والفاظ عليه أطول وقت مكن مغامرة أيضا ،والتمتع به ل يكون إل مكافأة وجزاءا لشعوب استطاعت أن
تفرضه ،وأن تتمسك به وتستفيد منه .إن أقصى ما يكن أن يازف بقوله اليوم هو أن الديقراطية حظوظا ف هذه الرحلة من تطور المة ،وذلك
بفضل تظافر عاملي اهتراء النظمة الستبدادية بالسرعة التزايدة اللحظة ،و"روح العصر" الت تعل من الديقراطية الوجه الخر للحداثة
والكمل للتكنولوجيا العصرية الت تري وراءها دون أن يطر ببالنا أنا مرتبطة أوثق الرتباط بالسس الفكرية والقيمية الت تولّد الديقراطية .
هناك إذن قوى دافعة ف غاية الهية ،تعلنا نشعر بإمكانية تقيق الديقراطية رغم خطر البديل الستبدادي الدين ،وهو اليوم ف أوج غليانه.
لكن هذا التحقيق يبقى رهي نضالت فكرية وسياسية صعبة ،معقدة وخطية ،تص مستويات عدة وجبهات متلفة ،وتتطلب مدة زمنية طويلة
نسبيا .
ث تأت بعدها مرحلة طويلة من التجريب ،إذ الديقراطية ،ككل نبتة باجة إل فترة هامة من العمل ليصلب عودها وتتعمق جذورها وتورق
أغصانا.
كما ل بد للليات الديقراطية من فترة زمنية كافية للتمكن من حسن إدارة اللعبة .فالعلم الذي أصبح حرا ،قد يسيء استعمال "الرية"
والنتخابات الرة قد تأت للسلطة بقوى معادية للديقراطية ،لكن ل مناص من هذا ،فالطفل ،ولو يولد بكل أجهزته ،مضطر للترنح والسقوط
مرات ،قبل أن يسن الشي والري.
وكلما كانت النبتة صالة وغي مزيفة ،وكان متعهدها (أي النخب الفاعلة) حذرا ،تزايدت حظوظها لليتاء بأكل شهي.
لكن ،ل جدال اليوم ف خطورة النكبة الت تعيشها المة ،وف تعقد أبعاد الزمة القيمية ـ السياسية ـ القتصادية الانقة ،الت تنخر الجتمع
العرب وتتسبب ف انيار أحلم جيل الستقلل الول ،وما تبعه من تقيق سريع للتحرر والعدالة والكرامة الفردية والماعية.
إن هذا التعقيد الريع للنكبة ،يفرض علينا أن تكون صادقي مع أنفسنا إل أبعد حدود الصدق .فهو يتنّل ف إطار عال متميز أساسا بانعدام
الستقرار ،وغياب الطريق الواضح ،وبالتغيّر التسارع لصائصه.
كما أن اللول الت تتاجها المة لل مشاكلها ،ل ندها بالضرورة ف وصفة طبية جاهزة ولو تثلت ف الديقراطية نفسها .بل هي موزعة ومشتتة
ف جزئها الوجود .وهي ف أهم مستوياتا ل تزال مهولة.
إن الشكل الذي تواجهه المة ،يشبه فيل السطورة الذي حاول تعريفه ثلث عميان :تسّس كل واحد منهم جزء منه ،فقال الول إنه خرطوم
،ور ّد الثان بل هو ذيل ،وصرح الثالث أنتما مطئان إنه قوائم ضخمة.
كذلك ،فمن طبيعة الفكر اليديولوجي أنه يركز على جزء من الشكل الجتماعي ويضخمه ،ث يول أهية ثانوية لبقية العناصر الكونة للمشكل
.ويغفل هذا الوقف عن طبيعة الشاكل الجتماعية العقدة والترابطة والتعددة ونتائج حركيتها التسارعة.
فتأت الاركسية لتركز على القتصاد ،منكرة دور العقيدة والوية .وتأت العقيدة مركزة على الخلق ،متناسية أن السوق يدمر جلة من القيم
الضرورية للشعب ،والت من أهها :الساواة والعدالة الجتماعية.
أما الطأ الذي يكن أن يرتكبه الديقراطيون ،فهو أن يتصوروا أن الديقراطية نفسها عقيدة إضافية يب أن يكون لا حزبا .فينضاف بذا أعمى
رابع ليقول :بل الفيل هو الليات الربع ،وهي الل .فتكون بدورها متناسية أهية الاجة العقائدية ،وعمق التبعية القتصادية ،والصراع الشرس
بي المم ،وتظافر كل هذه العوامل مع تليل وضعية الشعب والمة.
إن دور الديقراطية هو إخصاب كل اللول اليديولوجية ،وفتحها على بعضها البعض ،بواسطة ضمان حرية الرأي .وهو وضع يضمن حتما
التلقح والدماج والستعارة والتوفيق ،وأحيانا التلفيق .هذا ،بالضافة إل أن الديقراطية وحدها هي الت تستطيع تنظيم التداول على السؤولية،
من أجل تطبيق متلف اللول أو الصناف الشتقة والمتزجة منها .كما أنا القدار على إحلل هدنة الدم حت ل يشكل "صراع اللول" مشكل
إضافيا لجتمع زاخر بالشاكل.
فهي إذن إطار تنظيمي داخل كل حل إيديولوجي ،وبي متلف اللول.ومت ث ،فهي جزء هام من الل ،بلف اليديولوجيات عندما تكون ف
طورها التشنج ،فتشكل بذلك جزء هاما من الشكل
إن الزمة القيمية مثل ،لن تل إل بصالة بي قيم التحرر ف تراثنا العرب والسلمي ،وقيم ترر العصر .وهذه الصالة هي أهم خدمة يكن أن
تساهم با حركة إسلمية ديقراطية مستنية ،ف عملية التحرر الماعي .ففي الدين السلمي مزون ل ينضب من قيم التحرر والتعاضد
والتكافل ،وهي قيم يب أن نعتز با وأن نافظ عليها وأن نواجه با "أخلفيات " الستبداد.
كما ل جدال ف أن الزمة التنظيمية ل يكن أن تل إل بآليات ديقراطية .لكننا ل ننقلها كما هي ،بل نطورها ونسنها ف اتاه تطويق السلبيات
والضاعفات الحتملة ،والت هي حتمية ف كل خيار ،مهما كان صائبا وموفقا.
أما الزمة القتصادية الت نتخبط فيها ،فلن ند لا حل ف التراث ول ف الوصفات العاصرة والاهزة ،من ليبالية متوحشة أو اشتراكية
بيوقراطية.
إن اللول ما زالت للكتشاف والتجريب والراجعة والتحسي .وذلك حت نصل إل تقيق بعض العادلت الصعبة :كالتوفيق بي حق البادرة
والساواة ،بي الفاعلية القتصادية والحافظة على واجب التعاضد الجتماعي ،بي تطوير البنية والحافظة على البيئة ،بي الخذ والعطاء
التساويي ،بي الندماج ف القتصاد العالي والحافظة على الد الدن من القدرة على أخذ القرار ..إل.
إنا حقا تديات ضخمة ،ومشاريع ضخمة ،وأحلم ضخمة ،وصعوبات ضخمة ..لكن قدر هذا اليل والجيال القادمة هو مواصلة نضالت
النسان لتحقيق ذاته وإنسانيته.
وهذه النضالت ل يكن أن تنتهي ،ما دامت الياة ومآسيها ل تنته.
إن تقيق الستقلل الثان هو مهمتنا ودورنا ف هذه الفترة العصيبة من تاريخ الم’ .وهو ليس وفاء لنضالت رجال ونساء الستقلل الول
فحسب ،وإنا هو وفاء لطفالنا وأحفادنا خاصة ،أولئك الذين استعرنا منهم هذا الوطن ،الذي يتوجب علينا أن نرجعه لم وهو أكثر ما يكون
عدل ونظاما وأمنا وإنسانية.
***
تعتب تونس تارييا من اكثر أقطار الوطن العرب عزوفا عن التغييات الذرية والنقلبات الدموية وميل إل الصلحات الت تطبخ على نار
هادئة واللول الوسطى والوار السترسل بي ألد العداء ويعزى هذا التوجه ف معالة الزمات السياسية إل طبع السكان اليال إل العتدال
وخصائص البلد الغرافية الكونة أساسا من سهول مفتوحة الت تعل خلفا للجزائر كل ثورة سهلة الخاد ناهيك عن الصائص الجتماعية
.الت تتميز با كالتجانس العرقي والدين وهيمنة الطبقات الوسطى عدديا وسياسيا وثقافيا
إن كل هذه القومات للسف هي اليوم تت ضغط شديد أمام عوامل وضع سياسي اقتصادي اجتماعي ل تشهد له تونس مثيل منذ استقللا
.يتمثل أساسا ف تعمق أزمة دولة وأزمة متمع وأزمة علقة بي الثني
يكن القول أن عوامل تفكك الدولة العصرية مفهوما ومارسة قد ذهب اليوم شوطا بعيدا ف تونس نتيجة سياسة السلطة ف العشرية الاضية
.والت دمرت مكتسبات انطلقت ف ناية القرن التاسع عشر وتواصلت طوال هذا القرن
وقد يبدو هذا الرأي مبالغ فيه لن يزور البلد فيى كل مظاهر الدولة بل وحت الدولة القوية من دوران الدواليب البيوقراطية وًاستتباب
المن ً لكن الظاهر ف النظم الستبدادية ل تدع إل أصحابا ومن ليس لم الوقت أو القدرة على النتباه لا يوجد وراءها ومن العروف
حسب القولة الشهية أن ً كل شيء على ما يرام ف الدكتاتورية إل الربع ساعة الخية ً .فإذا سلمنا أن الدولة العصرية هي الهاز الذي يتمتع
بد أدن من اليبة والصداقية والفعالية هدفه الساسي الد من العنف و إدارة شؤون الجموعة الوطنية وفق القانون تكريسا لملة من القيم
الماعية التفق عليها يكن القول أن لشيء من هذا القبيل يوجد ف تونس بل دولة مطعون ف هيبتها وف مصداقيتها وف شرعيها تشتغل
أغلب الوقت خارج إطار القانون وضد القيم الجتمعية و ل تواجه أزمتها اليكلية إل بإجراءات اعتباطية تعمقها يوما بعد يوم وترمي بتونس ف
.ماهل أخطار كبية
ومن سخرية القدار أن تنتصب دولة البوليس الت افتكت السلطة على اثر انقلب سلمي ف - 7.11.87-من دولة الزب الواحد بادعاء
.معالة تفاقم أزمة هذه الدولة فتنتهي ف عشرية واحدة إل الزقاق السدود الذي انتهت إليه الدولة الزبية ف ثلث عقود
ك أن تليل عملية النيار هذه تتطلب دراسات مستفيضة لكنن سأكتفي ف هذه القالة بالشارة إل أهم خصائصها تاركا للمؤرخي تليل
ول ش ّ
.الليات الت جعلت عملية إنقاذ الدولة تتحول سريعا إل عملية إغراق لا
وأول تفسي أن الطبع غلب التطبع فلم تطل فترة الراقبة الذاتية وانتحال الديقراطية لتعود للسطح عقلية البوليس وتقنياته العروفة ف التعامل مع
.القضايا السياسية
ومن بي هذه التقنيات تلك الت تارسها كل الدول ومنها الديقراطية لكنها تبقى ف حدود وج ّد مفية وف خدمة سياسة ليست الساليب
.القذرة إل جزءا منها
لكن النظام التونسي جعل من الشاذة القاعدة والقاعدة الواضحة الت يروم با تقيق أهداف سياسية وهكذا انتشرت بانب المارسات
الكلسيكية الت سارت عليها الدولة الزبية من تعذيب وماكمات جائرة عمليات بالغة الطورة من منظور الرمز والعن فهذه خانات مسوبة
على الدولة ل تتورع ابتداء من التسعينات عن توزيع الشرطة البنوغرافية الزعومة ضد العارضي مثل ممد مزال وعلي العريض وعبد الفتاح
مورو وسهام بن سدرين ث برزت ظاهرة الجمات البالغة القارة ضدهم ف صحف مأجورة تصصت ف الفضائح شلت سعد الدين الزمرل
رئيس الرابطة آنذاك وخيس الشماري وكاتب هذه السطور ث تنامت ظاهرة سرقة سيارات مناضلي حقوق النسان أو تشيمها مثل سيارة عمر
الستيي وجال الدين بيدة وراضية النصراوي ومصطفى بن جعفر وخيس قسيلة وتوفيق بن بريك واخيا سيارت كذلك تعرضت مكتب
راضية النصراوي إل اللع وسرقة اللفات .ث برزت ظاهرة القضايا الكيدية الت يلفقها البوليس والسيناريو هو أن يطلب من البعض عدم
المضاء ف الراكز تطبيقا لكم الراقبة الدارية ث تال الضحية لسباب تتعلق بسوء سلوكه أو للضغط على عائلته على الحاكمة بتهمة امتناعه
عن المضاء ول ينفع قوله أن البوليس هو الذي طلب منه ذلك ويكم عليه بالسجن كما حدث ذلك ف قضيت ممد علي البدوي وعلي بن
.سال الصغي
وهكذا استشرت داخل الجتمع صورة مدمرة للدولة وهي أنا تارس ما جعلت لقاومته وتزامنت هذه الصورة ف الوقت الذي ضج فيه
.الجتمع بالشكوى من استشراء الفساد ف كافة الجهزة وخاصة ف الهاز البوليسي
وثة ظاهرة أخرى ساهت ف ضرب هيبة الدولة وهي الضريبة الفروضة على الناس بصوص تويل صندوق 26-26وف يوم من السنة
يطلب من كل الواطني التطوع الجباري بالتبع لفائدة صندوق إحياء الناطق الفقية لكن المر بالنسبة للبعض ليس سوى وسيلة تلق للسلطة
أو للتهرب من الضرائب الرسية إذ هناك مقايضة غي رسية تعل الدفع للصندوق يعفي أو يسهل التعامل مع الضرائب الرسية أما بالنسبة
للغلبية فهو ضرب من ضروب البتزاز الال تأخذ بوجبه السلطة باليد اليمن من جيب الواطن ف ظل التهديد البطن لتعطي باليد اليسرى
.جزءا ضئيل ما أخذته بأسلوب النّ الهي ف حي يضيع أهم جزء من الال ف الجهول
والطورة ف قضية هذا الصندوق ليست ف ابتزاز الواطني وضرب الورد الساسي للدولة الذي هو الضرائب ول ف الموال الختفية وإنا مدّدا
.ف ضرب صورة الدولة
فالدولة العصرية تبدأ لظة التفريق بي مال الجموعة ومال الاكم وخاصة عندما تعتمد الجموعة الوطنية مبدأ رئيسيا هو ل ضرائب بدون
.قانون يسنه برلان ويسهر على شفافيتها جهاز ماسبة ذا مصداقية
إن هذا الصندوق إضافة إل المارسات السوقية الارجة على القانون أعاد الدولة التونسية إل ما قبل الدولة العصرية الت ظننا أن دستور
1861 .قد أدخلنا إليها
ونفهم الزء الثان من أزمة الدولة أي انيار الصداقية إذا أضفنا إل الصورة السلبية الت أدت إليها هذه التصرفات فراغ العلم الرسي من كل
.قيمة وعزوف الناس عنه وفرارهم إل الفضائيات الجنبية وخاصة قناة الزيرة
إن ما سعته تونس ف مستوى الطاب الرسي طوال التسعينات ليس ما يسمى باللغة الشبية العهودة ف كل نظام دكتاتوري وإنا شيئا آخر
جديدا أدخلته الدولة البوليسية وهو اللغة الضللة .ففي تونس أصبحت الوة بي القول والفعل بي الكلمة ومضمونا غي قابلة لي تسي بفعل
خطاب يتستر بكل مصطلحات الديقراطية وحقوق النسان وقيم العدالة والتسامح لمارسة نقيضها .وهكذا تعلم التونسيون فهم الكلمات
بالعكس فالديقراطية تعن الدكتاتورية وحقوق النسان تعن انتهاك حقوق النسان ودولة القانون تعن دولة الستبداد والتسامح تعن التعصب
.والتعددية الحادية ال
وما زاد ف انيار الصداقية الرب الشرسة الت شنتها الدولة البوليسية ضد انتشار الصحون القعرة الت تكثف وجودها بالرغم من انفها ومراقبة
.الاتف والبيد والنترنت والصحافة…وفشلها الذريع ف هذه الرب
يبقى أن أهم عوامل تفكك الدولة العصرية مفهوما ومارسة هو انتفاء الشرعية عنها فقد كان بإمكان السلطة النبثقة عن انقلب 11-7أن
تستقي شرعيتها من مشروع حضاري مثل إرساء الديقراطية مثلما استقت الدولة الزبية شرعيتها من تقيق الستقلل الول لكنها فضلت
.الركون إل انتخابات مزورة من ألفها إل يائها ول يأخذها أحد ل ف الداخل ول ف الارج على ممل الدّ
وف مثل هذه الالت ل بد لك ّل دولة أن تقايض وجودها غي الشرعي أي غي الستمدّ من الرغبة الواعية الرة للشعب إما بشروع أيدلوجي
مثلما كان المر بالنسبة للشيوعية أو النازية أو بادّعاء التصدّي لعدو خارجي أو داخلي يكن أن تنجرّ عنه ماطر أهم بكثي من وجود دولة غي
".شرعية أو بتحقيق دعائم رخاء اقتصادي يكن به شراء ضمائر البعض وسكوت الغلبية وتييد " التطرفي
ول يوجد اليوم ف تونس أي من هذه العوامل فل أحد يصدق حرفا واحدا من الذر الستمر حول الديقراطية ول وجود لعدو خارجي أو
داخلي خاصة بعد قمع السلميي ورفضهم التواصل الرد بالعنف على الظال الت يتعرضون لا .أما ً العجزة القتصادية ً الت يتغن با النظام
.فإن الفساد والعولة تكفل بضرب صورتا ف الداخل والارج ناهيك عن حقيقتها البالغ فيها كثيا
ويتمثل الزء الثان ف معادلة الوضع السياسي ف طبيعة الجتمع وقدرته على مواجهة الدولة البوليسية وخاصية الجتمع ككل انه ييا منذ عشر
سنوات ف ظ ّل إرهاب الدولة وأنه يتردّد بي سورات العنف الباغتة الت يعب فيها عن غضبه وبي الستكانة والصب على الكروه الذي ل
.يستطيع أن يغيه
وثة شعور عميق داخل الجتمع بالهانة والذلل لضرورة الصمت على فساد ل حدود له ومظال مستشرية تتوجها انتخابات مزيفة تصادر فيها
.سيادة الشعب وكرامته
ومن أخطر مكونات الزمة النفسية للشعب التونسي تيقنه انه عرضة للتعسف وأن حقوقه الت يفترض فيها أنا غي قابلة للتصرف وأنا ممية
بالقانون امتيازات هشّة يدين با دوما لصحاب القرار ولو كانوا من أصغر أنواع الوظفي ول يافظ عليها إل بالتملق والهادنة والنفاق
والغشّ .وقد تسببت الحاكمات السياسية وما ظهر من خللا من خواء مفهوم دولة القانون من كل متوى ،ف استشراء القناعة بأننا نيا ف ظل
.دولة اصبح فيها القانون وسيلة للتشريع للظلم والتغطية عليه
وف هذا الو الشحون تترعرع الرية الت يلحظ الكل تفشيها الطي بالرغم من كثافة قل نظيها ف العال من كل ما يطر على بال أو ل
.يطر من أنواع البوليس
ول أحد يعلم ما هو ارتفاع منسوب الرية وتارة الخدرات وإدمان الكحول والنتحار فكل هذه العطيات معلومات سرية ول يكن البحث
فيها علميا أحيانا يطلب من الباحثي العلميي الكذب على الرقام مثلما حصل مؤخرا عندما طلبت وزارة الصحة من أستاذة ف الطب عدم
.الشاركة ف ندوة طبية حت ل تذيع أرقاما تدل على ارتفاع الدمان على الخدرات
ول يفلح هذا الجتمع ف النعتاق إل على مستوى عدد يصى على الصابع من منظمات مستقلة عن السلطة تتحرك أساسا ف ميدان الدفاع
عن القوق النسانية أما ما عدا ذلك فنسيج من المعيات الرياضية وكلها مراقبة بصفة لصيقة من قبل السلطة الت تفاخر بأن ف تونس 7000
.جعية والال أنه ليس فيها اكثر من عشر جعيات غي حكومية فعل
وإذا قارنا هذا الوضع ببلدان شبيهة حت ف أفريقيا اكتشفنا مدى التصحر الذي أحدثه قانون المعيات بنع كل حيوية اجتماعية وتكبيلها وعقاب
كل من يريد أن ينشط ف أي حقل كان خارج سيطرة سلطة مهووسة بالاجس المن أصبحت اليوم العنصر الول ف شعور التونسيي بقلة المن
والطمئنان .ففي جنوب أفريقيا مثل يوجد 180جعية للدفاع عن حقوق الطفل ول يوجد واحدة ف تونس والعلقة بي المعيات والكومة
على طرف النقيض ما هو عندنا فالدولة ل تكتفي بالسماح للجمعيات بالنشاط بل تتعامل معها من موقع التكامل مفضلة أحيانا تكليف البعض
منها بأنشطة ل تقدر عليها بيوقراطيتها الثقيلة وتولا بدون الساس بالمعية سياسيا أي بدون ماولة التفويض الرخيص الت هي القاعدة ف تعامل
.الدولة الستبدادية مع مؤسسات الجتمع الدن ف بلداننا الوبوءة بالنظام الدكتاتوري
وبانب الروح العنوية الت دمرتا الدكتاتورية فإن الراب الذي لق كل مكتسبات الجتمع أصبح مصدر تديد خطي لستقبل الجيال القبلة
.وقد يتطلب إصلحه جيل بأكمله
فنحن ل ننتبه عادة أن الغرس وجن الثمار صالة أو طالة ف مستوى الشعوب عملية تسب بالعقود ل بالسني كما هو الال على مستوى
الفراد .
ففي تونس نن نن ف سنة ألفي ثار سياسة الستينيات ف مستوى التنظيم العائلي .إن انفاض عدد السجلي ف الدارس البتدائية وتنازل
الضغط على مطالب السكن هي الثمار الت ننيها اليوم من إحدى اليارات الكيمة القليلة للدولة الزبية أي تسي وضعية الرأة والتنظيم
العائلي .كذلك فإن نوعية النخب التعلمة والتكونة أساسا من الكهول هي نتيجة نفس السياسة الرشيدة ف ميدان التعليم الت وضعت ف
.الستينيات
و ابتداء من الثمانيان ضعف مستوى التعليم ث تسارع تدهوره ف التسعينيات بفعل انتشار الفساد وتدهور وضعية رجال ونساء التعليم
وتري النقد والراجعة وتتبع البدعي والتصحر الثقاف ووضع الرجل غي الناسب ف الكان غي الناسب لجرد ولءه للسلطة والسياسة اللغوية
القدية وخاصة دياغوجية النظام الذي اصبح يبحث عن شعبية رخيصة بالزيادة ف نسب النجاح ف الباكلوريا وهكذا أصبحنا نلحظ ف
الامعة دخول أجيال متزايدة الهل ل يكن بأي حال من الحوال خاصة ف ظروف فقر الامعة أن تسمح لتونس باحتلل الكان اللئق با .
وهذه الجيال الضعيفة التكوين علميا وثقافيا والت نشأت ف جو القيم الوبوءة للدكتاتورية هي الت ستقود تونس لزمن طويل .وهذا هو الثر
.السلب الساسي الذي ستبقى تونس تعان منه زمنا طويل بعد زوال الدكتاتورية
وإنا نفس الليات الت خربت القطاعات اليوية الخرى للشعب كالصحة والصحافة والثقافة والنظام البنكي والعدالة وهو ما يعلنا سنعان
لسنوات طويلة من التعامل مع قطاعات ضعيفة الفعالية تتحكم فيها قوى صنعتها الدكتاتورية ل مصلحة لا ف التغيي وستقاوم بشدّة كل
.ماولت الصلح الديقراطي
وبذا يتضح لنا أن عشر سنوات من دكتاتورية دولة البوليس واصلت أربعي سنة من دكتاتورية الدولة الزبية جعلت تونس تشبه حاسوبا أنيق
.الظهر لكن بلفات أفسدها الفيوس
يتضح خاصة حجم التحديات الت ستواجه البديل الديقراطي يوم يكرّسه الشعب فهو مطالب بإصلحات ف مستوى الرمز والعن بعل هيبة
الشعب أهم من هيبة الدولة وهذه اليبة ل يكن أن تأتّى إل من عودة السيادة الفعلية له عب حقه غي القابل للتصرف ف التنظم والرأي واختيار
من يكمه .وعندما يستعيد الشعب حقه ف الصداع برأيه دون إرهاب فإنه سيستعيد ف نفس الوقت جزء من الثقة بالنفس الفقودة وستتحرك
الليات لبئه من عقد النقص والعجز والذنب والحتقار للذات
ويبقى أن أهم عامل من عوامل إعادة بناء الذات الماعية هو إعادة بناء الثقة ف شيء اسه القانون وذلك بإحالة كل القضاة الفاسدين الذين
حكموا بدون نص وحكموا ف نفس القضية اكثر من مرة وأغمضوا عينيهم عن التعذيب إل الحاكم لتقول رأيها ف تصرفاتم .ولن يكفي هذا
بالطبع إذ يب أيضا ماربة الحسوبية ووضع آليات بالغة الدقة والفعالية استئصال فساد متجدد وليست الديقراطية برهم سحري ضدّه وإنا وسيلة
لتتبع ظهوره الستم ّر وجزّه باستمرار كما نفعل مع العشاب الضارة الت ل نستطيع التخلص منها وإنا قصّها بنفس العناد الذي تتوالد به
أما هيبة الدولة فإنا لن تبن إل على قاعدة اخلقة السياسة إل ابعد ح ّد مكن بعد أن رمت با ف الز ابل سياسة الشرائط البنوغرافية وسرقة
.سيارات الناس والعتداء على أرزاقهم وشرفهم من قبل الؤسسة الجعولة لقاومة البنوغرافيا والسرقة والعتداء على الشرف
وهذه بالطبع مهمة جيل بأكمله لن التخريب الذي لق تونس من نظام 11-7لن يكون سهل الصلح لكنه ل خيار لنا يدفعنا ويشد من
.عضدنا مفهومنا للوطنية وثقتنا الطلقة بان النظمة وحدها توت أما الشعوب فخالدة ابد الدهر
***
الـراجـع
رغم هذا النص ليس دراسة أكاديية وإنا كتابة سياسية صهرتا التجربة واللم فإنه ل يتولد من شيء ومن ثة امتنان لكل الؤلفي
الذين لعبوا دورا ف بلورة أفكاره ومن أههم :
1ـ ف الفهم القدي للستقلل وبعض مطات تاريخ النضال الوطن ف تونس ،انظر :
•ممد البيب الولي :الوطن والصمود ،دار الغرب السلمي .تونس 1991
•النوري البودال :الدفاع والستقلل .تونس 1989
•أحد العباسي :الشيخ عبد العزيز الثعالب .تونس 1987
3ـ ف الضريبة الباهظة للستبداد الديث والناتة أساسا عن ثورة متلف مكونات الجتمع الدن ضد الدولة الستبدادية
واحتجاج الدولة الستبدادية لواصلة هيمنتها بضرورة مقاومة خطر التطرف الدين .انظر :
•منظمة العفو الدولية
-التقارير الدولية للسنوات العشر الخية
-الطباء والتعذيب ،بي الشاركة والصمود .مطبوعات منظمة العفو الدولية ـ لندن
•الركز العرب للدراسات العلمية :عدد خاص عن حقوق النسان والريات :شارع طلعت حرب ـ القاهرة.
•النظمة الغربية لقوق النسان من خلل بلغاتا وتصرياتا
-ماي 1988مارس 1991
-ماي 1991دجنب 1992
-ملحظات حول التقرير الكومي ـ أكتوبر 1990
-إصدارات دار النشر الغربية ـ الدار البيضاء 1991
4ـ ف خطورة ظاهرة الفساد الت تسبب ف عنف الستبداد والعنف الضاد للحركات الدينية الت تستمد جزءا هائل من إغرائها لتركيزها
عليها وادعائها القدرة على استئصالا باسم القيم السامية للدين .انظر :
Pierre Pean : l argent noir-corruption et sous developpement Fayard 1988
5ـ ف الفراغ التصاعد للمفهوم القدي للستقلل ف عال متصاعد الرتباط .انظر :
Thierry Henstch : le systeme mondial :rapports internationaux et relations intenationales : nouvelle optique
-Montreal 1984
6ـ ف نظرية حقوق النسان ومفاهيمها الساسية والدل القائم حول مدى تلؤمها مع موروثنا الضاري
•هيجل :مبادىء فلسفة الق .ترجة تيسي شيخ الرض ،منشورات وزارة الثقافة ،دمشق .1948
•د .ممد شريف بسيون ـ د .ممد سعيد الدقاق ـ د .عبد العظيم وزير.
حقوق النسان ـ الجلد الول والثان ـ دار العلم للمليي ـ بيوت 1988
•د .ممد السيد سعيد :حقوق النسان
-الكتب العرب للمعارف بالقاهرة 1995
-السلم وحقوق النسان ص 43 – 13ـ رواق عرب عدد 1
•د .هيثم مناع :
-حقوق النسان ف الثقافة العربية السلمية
-الضحية واللد .
•فاتح سيح عزام :ضمانات القوق الدنية والسياسية ف الدساتي العربية
•بي الدين حسن :حرية الصحافة من منظور حقوق النسان
•د .فيوليت داغر :الطائفية وحقوق النسان ،
إصدارات مركز القاهرة لدراسات حقوق النسان ـ 9رستم ـ القاهرة.
Ben Asayag Miguel : Utopie et libertes : les droits de l homme une ideologie la decouverte 0 Paris
.1988
Ben Achour Vadh : Normes, foi et loi- CERES- Edition -Tunis 1993
7ـ ف إشكاليات الديقراطية النظرية والتحول الديقراطي ف العال الثالث والوطن العرب .انظر
•الطاهر لبيب :علقة الشروع الديقراطي بالجتمع الدن العرب ص 80ـ 104الستقبل العرب عدد ،4
1992ـ منشورات مركز دراسات الوحدة العربية ،بيوت .
•مركز الدراسات السياسية والستراتيجية بالهرام ـ القسم الثان ـ التطور الديقراطي ف العال العرب ـ التقرير
الستراتيجي العرب . 1995
•مسن اليلي :ظاهرة اليسار السلمي ـ تونس 1983
•عبد السلم ياسي :حوار مع الفضلء الديقراطيي .مطبوعات الفق ،الدار البيضاء . 1994
•د .حيدر ابراهيم علي ـ الديقراطية ف السودان :البعد التاريي ،الوضع الراهن وآفاق الستقبل ـ مركز
الدراسات السودانية ـ القاهرة 1993
•مركز دراسات الوحدة العربية ،بيوت
-الجتمع والدولة ف الوطن العرب 1988
-العرب والعال 1988
-مستقبل المة العربية 1988
-التنمية العربية 1989
8ـ ف متلف تارب الدمقرطة ف العال الثالث وناحها التفاوت .انظر :
Larry Diamond/Juan J.Linw/ seymoun Martin Lip Set : comparing experiences with Democracy - Lynne
Rienner Publishers 2000
9ـ ف عيوب الديقراطية البلانية الغربية وأمراضها الطية (والت علجها هو مزيد من الديقراطية وليس ردة
استبدادية أخرى) .انظر :
الفهـرس