You are on page 1of 70

‫الستقلل الثان‬

‫نو الدولة العربية الديقراطية الديثة‬

‫منصف الرزوقي‬

‫الهداء‬

‫إل روح نبيل البكات وفيصل بركات شهيدي الرية ونباسنا ف العركة ضد التعذيب‬
‫تقدي‬
‫د‪ .‬هيثم مناع‬
‫هل يكن الديث عن "الستقلل الثان" ف عال تزقت حدوده بالقمار الصناعية وألغى أخطبوط الشركات التعددة النسيات فيه أي‬
‫معن جدي للحماية القتصادية وأصبحت التشريعات الحلية فيه موضوع مناقشات عامة أو شبه عامة ف لنة حقوق النسان التابعة للمم التحدة‬
‫‪ ،‬بل أكثر من ذلك‪ ،‬عن الستقلل الثان‬
‫هذا هو السؤال الشروع الذي يطرحه القارئ على نفسه قبل أن يفتح دفت الكتاب ‪ .‬ولن تتأخر الجابة ‪ ،‬فالصديق منصف الروزوقي ينطلق من‬
‫تشخيص النكبات الت عاشتها الدولة العربية "الستقلة" ووضع هذه الدولة العيان ‪ ،‬أي التبعي ‪ ،‬ف الارطة العالية اليوم ليحدد بالضبط ما آل إليه‬
‫مفهوم الستقلل ضمن معطيات وضعها الداخلي ‪ ،‬أي تركيب سلطات قامت بدون وعلى حساب متمعاتـ (ها)‪.‬‬
‫ولكن من الساخر الديث عن مفهوم قدي للستقلل أو عن أشكال تقليدية للتحرر الوطن ‪ ،‬فقد انتهى الزمن الذي تعتب الدولة فيه نفسها‬
‫الوصي الوحد على وسائل العرفة والعلم ف الجتمع الوسائل التقنية الديثة لفهوم الرقابة الداخلية ‪ ،‬ول تعد شرور الستقلل حبيسة الكان‬
‫والزمان وقد تاوزت الكوارث البيئية أشباه حدود لشباه دويلت ‪.‬‬
‫إ ّن العولة ‪ Mondialisation‬تمل معها كل مآسي اللبلة البية ‪ La libéralisation sauvage‬للقتصاد ‪ ،‬بكلمة أخرى ‪،‬‬
‫أمركة القتصاد على الصعيد العالي مع تنصب دكتاتورية المباطوريات العلمية والتساع الائل للفجوة بي عال التخمة وعال الوع ‪.‬‬
‫وبنفس الوقت ‪ ،‬تسمح الكتشافات التقنية بإمكانية دمقرطة عالية للمعرفة وضرورة النضال على الصعيد العالي لنقاذ البشر ‪ ،‬أفرادا وشعوبا‬
‫وجاعات من أشكال الستعباد الديدة ‪ ,‬إ ّل أن هذا النضال العالي الضروري ‪ ،‬ويعكس أسواق البورصة التنصبة من فوق ‪ ،‬ل يكن أن يكون‬
‫مديا إل إذا انطلق من تت ‪ ،‬أي من التكوينات الجتماعية الصغر‪ .‬من هنا تنتصب حقوق النسان‪ ،‬نظريا على القل‪ ،‬بوصفها التعبي الول‬
‫للدفاع الذات ف مواجهة الستعباد الدول العال والستبداد الحلي الاص ‪.‬‬
‫لقد كان للختزال الوطن ف الدولة آثاره الكارثية العروفة ‪ ،‬وأصبحت إعادة العتبار للمواطنة ‪ ،‬أي للحق الفردي والماعة ف الشاركة‬
‫الكاملة ف بناء الاضر والستقبل مسرب ل بد للخروج من الستنقع ‪ .‬وما "الستقلل الثان " ف تليل منصف إل ف هذه الصلة الدلية بي‬
‫القوق والديقراطية باعتبارها وفق تعريفه ‪ ،‬جزءا من هذه القوق‪ ،‬أي ف الصلة الدلية بي القوق والريات السياسية من جهة والقوق‬
‫الجتماعية والقتصادية والثقافية والدنية الت تقرها الشرعية الدولية لقوق النسان كضمانة ضرورة للديقراطية بعلتا ونقاط ضعفها‬
‫فالسس الديقراطية للمؤلف تنطلق من تفكيك وإشهار عيوب النوذج العروف وخصائصه ف طموح الكتشاف الماعي لمارسات أرقى‪.‬‬
‫ولكن هل بالمكان الديث عن الديقراطية دون إجراء عملية تشريح للستبداد ؟ لقد أصبح من الضروري استكمال ماولة الكواكب ف ناية‬
‫القرن الاضي بدراسات نقدية للتجارب الستبدادية ف القرن العشرين‪ ،‬المر الذي يتطلب تناول أمثلة عيانية ‪ .‬فإن كان فقه استقلل القضاء‬
‫يشكل الرجع الول لدمقرطة السلطة القضائية ‪ ،‬فإن أوجاع الستبداد تعتب أول مؤشر لا يب شجبه أو على القل تنب فعله واستعراض‬
‫منصف للتجربة الت عاشها وعان من مثالبها ل ينقص من عمق وشولية ملحظاته‪ ،‬فل يسعنا إل أن نقول للقارئ العرب‪" :‬حسبك فقط أن تغي‬
‫السم ‪ ،‬أو ليست هذه قصتك أنت‬
‫يشكل النتقال إل الديقراطية ‪ ،‬مقوماتا وسياج حايتها التجسد ف "أول وفاق عالي على الشروط الدنيا الت ل بد من تواجدها حت ل تنتهك‬
‫كرامة النسان ‪ ،‬أي حقوق النسان " (ص ‪ ، ) 59‬موضوع السجال النظري والسياسي الرئيسي ف الكتاب ‪ ،‬فإن كان من الصعب العثور على‬
‫شاعر واحد يتغن بالستبداد ‪ ،‬فليس من الغريب بتاتا وجود أكثر من عشرين كتاب للنيل من هذه البدعة الغريبة السماة بالديقراطية ‪ .‬وأكثر‬
‫من ذلك ليس هناك ف التصور والتعريف والطريق لذه الكلمة الت يرفض الشاعر الصري جورج حني أن تنتج عن أي نص مكتوب ‪ ،‬باعتبارها‬
‫" أنا ل تكن قد أضحت قبل دخولا ف القواني الكتوبة أسلوبا وإرادة وجود ‪ ،‬شكل للخلق العامة متجسدة ف السلك الماعي‪ ،‬فإنّها ل تثل‬
‫أكثر من عملية خداع من قبل السلطة " ‪ .‬فللسف ‪ ،‬تولت هذه الكلمة إل مرتع للشعبية السريعة وستارة تغطي التاريخ التسلطي للفراد‬
‫والحزاب والكومات‪.‬‬
‫إل أن هذه الكلمة بكل ما تمل أو حلت تبقى بالنسبة لنصف الطبيب كالدواء الذي يمل العلج مع التأثيات الانبية غي الرغوب فيها‪.‬‬
‫ويعكس عشاق العموميات ‪ ،‬يدخل الكاتب ف التعاريف الجرائية والؤسساتية بنهج يذكرنا بالكتابات الت سبقت الثورة الفرنسية ‪ ،‬وشكلت‬
‫بشكل أو بآخر‪ ،‬منهلها الثقاف وياطر بتفاصيل متعددة ف استنطاق إياب نقدي للنموذج الغرب دون أن ينسى تذكي القارئ بأن "ل نب ف‬
‫العلم يكون خات العلماء‪ ،‬ول فرض لقيقة ما بحاكم التنفتيش ول تكفي لن خالف الرأي وشذ عن الماعة " (ص ‪.)23‬‬
‫وعب النص ‪ ،‬يكتشف القارئ العرب الؤمن بقوق القليات القومية والديقراطي البصر للبعد الجتماعي للكلمة والجدد الصرّ على الهية‬
‫اليوية للممارسة‪.‬‬
‫ويتركنا الكتاب عطشى عب تساؤلت عديدة يستحثها فينا ‪ ،‬ولنكتفي هنا بتناول اثني منها ‪:‬‬
‫الول ‪ ،‬على صعيد التناول البنيوي لركان النظام الديقراطي الغرب ‪ ،‬وهنا نتوقف عند مفهوم السلطة الضادة ‪contre pouvoir‬‬
‫باعتباره أحد الضمانات الامة للحريات الساسية وحقوق النسان‪ .‬فمهما كانت طبيعة الدولة والكومة ‪ ،‬فان الفضاء غي الكومي الكامل‬
‫الستقلل عن الؤسسات الدولنية شرط واجب الوجوب لضبط ومراقبة هذه الؤسسات تركيبا ووظيفة‪ .‬فالسلطة بطبيعتها مفسدة ( بفتح وكسر‬
‫السي كلها) ‪ ،‬ولذا صادرت باستمرار ومنذ التجربتي اليونانية والفينيقية القديتي للنوذج التمثيلي كلمت الدنية والشعبية‪ .‬ومن هنا حرمت‬
‫قبل اقتراحه مفهوم "النظمات الدنية الشعبية " من حق الوجود ‪ .‬لقد تلقينا أول ضربات العصى من بوليس ينل من سيارة كتب عليها "الشرطة‬
‫ف خدمة الشعب " وشهدنا أحكام إعدام تصدر عن مالس "الشعب " والصرار على تسمية النظمات غي الكومية برأينا موضوع ل يقبل‬
‫النقاش ‪ ،‬لكي ينع السم نفسه من أي مال للخلط عند القاصي والدان وهو يلك دللة تعبيية وزمانية إضافية خاصة ف عصر ينقنا فيه‬
‫أخطبوط الدولة الستبدادية الديثة ويلوح ف آفاقه سيف النموذج التوتاليتاري (الشمول)‪.‬‬
‫ثان هذه التساؤلت ف العلقة البنيوية بي الحلي والدول ‪ ،‬بي القومي والعالي ‪ ،‬بالعنيي الياب والسلب ‪ .‬فقد خلق التضامن بي الديقراطيي‬
‫ونشطاء حقوق النسان هامشا جديدا للنضال الحلي يتصدى للستبداد ويعزز الثقة بالتغيي ف ظروف مدودية الدينامية الداخلية للمجتمعات ‪،‬‬
‫المر الذي أعطى نتائج هامة ف انيار أكثر من أنوذج تسلطي وجل بالمكان ماكمة كل تشريع استبدادي ملي من فوق عال الدود‪ .‬ولكن‬
‫النظام الال العالي قائم على السيطرة والركزة الت توجه رؤوس الموال تاه القواعد القتصادية القوى ف عملية دائمة لنتاج التفاوت‬
‫القتصادي الائل بي مكونات الجتمع نفسه والجتمعات البشرية الختلفة‪ .‬المر الذي يتطلب إصلح النظام النقدي الدول وفرملة عالية اللبلة‬
‫البية للقتصاد‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية‪ ،‬ل تعط هيمنة الدول النتصرة ف الرب العالية الثانية وحسب ميثاق المم التحدة ومواثيق‬
‫الشرعة الدولية لقوق النسان (ويشكل أساسي العلن العالي لقوق النسان والعهد الاص بالقوق الدنية والسياسية والعهد الاص‬
‫بالقوق القتصادية والجتماعية والثقافية) وإنّما أيضا الواقف النتقائية للدول الكبى والشكال الختلفة لنهجية القوة وعنتريات السيطر ‪،‬‬
‫فيما يضع مصداقية المم التحدة على الحك ويضع أيضا وللسف ‪ ،‬أرقى منتجاتا ف قفص ملس المن الصاب برض اليمنة ‪ .‬إن الصراع بي‬
‫القوة والعدالة على الصعيد الدول ل يتجزأ عن معركة دمقرطة الجتمعات ووعي هذه الدمقرطة‪ .‬وإل فسنجد أنفسنا ‪ ،‬وف أحسن الحوال‪،‬‬
‫أمام جوع راغبة ببادئ حقوق النسان متعطشة للديقراطية تفرض عليها ثقافة العنف من هوليود ونج العيارين والكيلي من واشنطن وينخفض‬
‫مستوى معيشتها من بورصة نيويورك وتلقي با على قمامة السوق العالية ‪.‬‬
‫حت اليوم ‪ ،‬حرم غالبية جهور القراءة ف الشرق من إنتاج قلم صريح ونج ناقد وباحث نزيه نشر معظم إنتاجه ف تونس ‪.‬‬
‫إن الرغبة الكامنة عند منصف الرزوقي ف نقل حلبة الصراع والوار الفكريي إل عال الريات والقوق ‪ ،‬ل يكن تقديرها إل بوضع هذا‬
‫الكتاب على مشرحة التقييم باعتباره مرجعا هاما من مراجع هاجسنا الشترك ف وقف عملية تدنيس الوعي ‪.‬‬
‫باريس ف ‪ 16‬ماي ‪1996‬‬
‫مقدمة‬
‫كيف يكن أن نعيش استقللنا ف زمن عولة القتصاد ؟ كيف يكن أن تافظ الدول على استقللا وهي تقمع مواطنيها ؟ وإل أي مدى يكن‬
‫لذا الستقلل أن يافظ على فعاليته وحيويته ف مواجهة إكراهات عال اليوم التزايدة ؟ ث هل يمل الستقلل العن نفسه الذي سخر له آباؤنا‬
‫حياتم ؟ إنّها أسئلة قلما تطرح لننا اعتبنا أن الستقلل أمر بديهي ومن تصيل الاصل ‪.‬‬
‫إنه لخفاق مريع بالنسبة لبائنا وأجدادنا الذين كان الستقلل الدف الرئيسي لنضالتم ومنتهى آمالم ف التحرر والكرامة‪ ،‬لقد استطاعوا‬
‫بفضل تضحياتم أن يفرضوا تقيقه ‪ ،‬ليتضح بعد عشرية واحدة من سيادة النخب الوطنية أنه ما زال للنضال بقية ‪, ،‬أننا حققنا الزء الضروري‬
‫من معادلة التحرر ‪ ،‬وبقي أن نقق الزء الكاف‪.‬‬
‫لنعرّف الستقلل بأنه ‪ :‬قدرة اتاذ القرار الوطن وتنفيذه ‪ ،‬دون ضغط أو إكراه من قبل أي قوة خارجية‪ .‬وذلك لتحقيق جلة من النافع‬
‫الشروعة للمجموعة الوطنية الت تتل رقعة معينة من الرض ‪.‬‬
‫واليوم ‪ ،‬تطرح جلة من السئلة الطية حول هذا الستقلل ‪:‬‬
‫فهل تققت حقا أحلم أبناء الوطن ف التحكم ف كل القضايا الت تمهم ؟ وهل حقا نأخذ قراراتنا دون ضغط أو إكراه من الارج ؟ بل وهل‬
‫لفهوم الستقلل من معن ؟ وهل الستقلل مشروع قابل أصل للتحقق ؟‬
‫لنتوقف الن عند وضعية الدولة العاصرة أيا كان نظامها وموقعها ‪ ،‬وأيا كانت قوتا الداخلية والارجية ‪.‬‬
‫هي مبدئيا مستقلة ‪ ،‬أي قادرة على اتاذ قراراتا دون ضغط أو إكراه وف كل اليادين ‪ ،‬لذلك يكون من العبث الديث عن السيادة والستقلل‬
‫بدون هذه الاصية ‪.‬‬
‫ماذا الن عن الواقع العاش ؟‬
‫تشهد اليوم كل دولة " مستقلة" ضغطا متصاعدا على كل صلحياتا من قبل قوى خارجية ل يعد لحد قدرة التصدي لا ‪ ،‬لنا افرازة الثورة‬
‫التكنولوجية الت غيت كل العطيات القدية ‪ ،‬وقلبت الوضاع رأسا على عقب ‪.‬‬
‫لقد قيّدت قدرة الدولة الستقلة بصفة ل يسبق لا مثيل ف خسة مبادين أساسية ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ أصبح الحتكار العلمي واليدلوجي للدولة أثرا بعد عي ‪ .‬ول يعد لا أي قدرة على فرض مصال ثقافتها ‪ ،‬ول أيضا ثقافة مصالها ‪،‬‬
‫يستوي ف هذا الفقراء والغنياء والضعفاء والقوياء ‪ ،‬ولو بنسب متلفة‪ .‬فأمريكا تعان من الغزو الثقاف كما تعان منه فرنسا أو زائي ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ حدّت قواني التبادل التجاري ‪ ،‬بصفة مهولة ‪ ،‬من قدرة الدولة على اتاذ القرارات "الستقلة" ‪ .‬وأصبحت الركة الوجاء لرساميل ضخمة‬
‫ل يتحكم فيها أي مركز معلوم ول منطق عادل ‪ ،‬باستثناء منطق الربح الن الذي أصبح عامل من عوامل تديد اقتصاديات أقوى الدول‬
‫واستقرارها‪.‬‬
‫‪ 3‬ـ قيدت العاهدات الدولية ف كل اليادين قدرة الدول على القرار التشريعي الستقل ‪ .‬وأصبحت ‪ ،‬على سبيل الثال ‪ ،‬منظمات حقوق‬
‫النسان الدولية تتدخل بصفة طبيعية ومتزايدة ف تشاريع الدول ‪ ،‬وف كيفية تطبيقها للمعاهدات ‪ ،‬فارضة على الميع فكرة ثورية تتمثل ف أن‬
‫الواطن ف هذا البلد أو ذاك ليس "ملكا" للدولة تتصرف فيه كما تشاء باسم "السيادة الوطنية" وإنّما هو إنسان عهد إليها بالسهر على حقوقه ‪،‬‬
‫وعليها أن تتحمل مسؤولياتا كاملة ف اتاهه أمام الجموعة الدولية‪ ،‬وأن تاسب على كل خروقاتا باسم مفهوم أعلى من مفهوم السيادة الوطنية‪،‬‬
‫إنه "التضامن النسان " (الذي يتعارض ف القيقة مع مفهوم السيادة ‪ ،‬كما هو معمول به اليوم ‪ ،‬والتمثل ف ‪ :‬السيادة الكومية ‪ ،‬أي السيادة‬
‫الزبية ‪ ،‬أي السيادة الفردية )‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ يكن للدولة "الستقلة " أن ترس حدودها من دخول التسللي ‪ .‬لكن من أين لا أن ترس ساءها من تسلل السحب النووية القادمة من‬
‫تشرنوبيل ‪ ،‬أو أن ترس برها من التسمم والنفايات الكيماوية وقد ألقيت ف البحر‪.‬‬
‫إن الشكالية البيئية هي اليوم ن أهم التحديات الت يواجهها استقلل ل تعد تعترف به تاما منظمة كالسلم الخضر ‪ .‬وبذا انتفت عن الدولة‬
‫ليس فقط شرعية التحكم ف مواطنيها إل بشروط ‪ ،‬وإن‍ّما انتفت عنها قدرة التحكم ف الرض نفسها ‪ .‬فحريتها هنا مقيّدة أيضا بملة من القواني‬
‫والقيم الت تستمد شرعيتها من فوق القيم القدية ومن خارجها‪.‬‬
‫‪ 5‬ـ ل يعد اليوم بإمكان أي دولة أن تعتب أمنها قضية داخلية‪ ،‬فهي إشكالية مشتركة تتداخل فيها العديد من العوامل الارجية ‪ .‬ومن ثة ترى‬
‫الدولة العاصرة مضطرة للتخلي عن جزء هام من سيادتا ف إطار تالفات ومعاهدات ل قبل لا بتجاوزها أو العيش بدونا‪.‬‬
‫الثابت اليوم أن "النيف " الذي تعرفه الدولة ف مستوى طاقتها على القرار الستقل وف هذه اليادين المسة هو بصدد التزايد ‪ .‬وأنه من المكن‬
‫أن نصل قريبا إل درجة الصفر فيه بالنسبة لعدد كبي من الدول الت ستقل من جديد تت الماية القنّعة لخطبوط اقتصادي ـ سياسي متعدد‬
‫الوجوه والراكز‪.‬‬
‫ما الذي تقدر عليه الدولة العاصرة ف مثل هذه الال الت يصعب التكهن بانتهائها لنّها وليدة التطور وليست ظرفا عابرا ؟‬
‫إن أقصى ما يكن تأمينه اليوم ‪ ،‬ف إطار عال وحّدته التكنولوجيا وجزأته اليديولوجيا ‪ ،‬وبالنسبة ليكل هو نفسه ف تطور دائم وقد يكون إل‬
‫زوال ‪ ،‬هو الشاركة ف عملية صنع القواني والؤسسات والسياسات الت تلق وتوزع الثروات والت تتعامل مع الشاكل اليكلية والظرفية‬
‫للشعوب والتجمعات القارية والبشرية ككل ‪ ،‬وكذلك القدرة على الوقوف ف وجه كل ما ينتج عن هذه السياسات الشتركة من إضرار بالقوق‬
‫الشروعة للشعب ‪.‬‬
‫معن هذا أن استقلل الدولة ل يعد يتمثل ف قدرة الستقلل بالقرار الاص لفرض النافع ‪ ،‬وإنّما بقدرة استغلل القرار العام للحصول على‬
‫أقصى قدر مكن من الصال أي القدرة على التفاعل مع الضغط العام التبادل من موقع ‪ :‬أؤثّر بقدر ما أتأثر ‪ ،‬وآخذ بقدر ما أعطي‪.‬‬
‫من البديهي أن الدولة القوية وحدها هي القادرة اليوم على مثل هذا التأقلم‪ ،‬وأن درجة استقللا هي درجة تأثيها‪ ،‬ومن ث نفهم أن الستقلل‬
‫بالنسبة للدول الضعيفة هو بصفة متزايدة صدفة فارغة‪.‬‬
‫ل نستغرب أن تكون السلطة القيقية لبعض الكومات العربية والفريقية ف تقرير مصي الشعوب الت تكمها ‪ ،‬ل تتجاوز سلطة صغار رؤساء‬
‫البلديات داخل دولا ف حل مشاكل منظوريها ‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬من أين تأت قوة التأثي ‪ ،‬أو درجة الستقلل ‪.‬‬
‫هي بداهة متعددة السباب والشروط ‪ ،‬لكن من أهها دون جدال ‪ :‬حيوية الجتمعات الت تثلها‪ ،‬وسخاء عطائها من الادة والقيم والتنظيم‬
‫والعلوم ‪.‬‬
‫كل هذه المور مرتبطة أوثق الرتباط بنظامها السياسي أي بدرجة فعالية النظام وحيويته وقدرته على إطلق العنان للقوة اللّقة‪ ،‬أي مرتبطة‬
‫بالنظام الديقراطي وحده ل غي‪.‬‬
‫والقاعدة ف هذا‪ ،‬أنه بقدر ما ينجح شعب ما ف وضع نظام سياسي ناجع ‪ ،‬بقدر ما يوفر قواه الت تضيع هدرا ف الصراعات الدموية ‪ ،‬وبقدر ما‬
‫يستطيع إطلق العنان للطاقات اللقة ف كل اليادين ‪ ،‬بقدر ما يكون مستقل‪.‬‬
‫ل غرابة أن تكون هذه القاعدة أهم ركائز أقوى الجتمعات الديقراطية ‪ ،‬حت وإن ل تكن كل الجتمعات الديقراطية قوية ‪ .‬لن الديقراطية هي‬
‫شرط ضروري ‪ ،‬لكن غي كاف وحده ليستطيع هذا الشعب أو ذاك أن يؤثر بقدر ما يتأثر‪ ،‬أو يعطي بقدر ما يأخذ ‪ ،‬أو تكون له القوة الكافية‬
‫للتصدي لي مظلمة تلحق به‪.‬‬
‫ف القابل ‪ ،‬تد دول تعمق تبعيتها يوما بعد يوم‪ ،‬بسبب غرقها ف حرب أهلية صامتة أو صارخة‪ ،‬وعجزها عن استنفار كل قواها الجتماعية‬
‫للدخول ف شبكة العلقات النسانية العامة بأقصى قدر مكن من الساواة مع الشعوب الخرى‪.‬‬
‫يتماشى هذا العجز الارجي مع تكبيل هائل لطاقاتا الداخلية ‪ ،‬ومع دفع ثن رهيب للعنف من أجل إبقاء وضعية تاوزها الزمان ‪.‬‬
‫أليس من سخرية بالقدار أن يكون آباؤنا قد ناضلوا من أجل دولة هي اليوم بصدد تعميق تبعيتنا‪ ،‬وإهدار طاقاتنا باعتماد التنظيم الرمي الولئي‬
‫وعجزها عن الدخول ف تنظيمات وحدوية هي اليوم إحدى ضروريات الستقلل الثان ؟‬
‫إن انتظار الوحدة العربية من النظمة العربية الالية كانتظار الطر من ساء ل سحب فيها‪ .‬فالنظام التمحور حول الشخص الواحد والزب‬
‫الواحد ل يتصور الوحدة إل كامتداد لنفوذ هذا الشخص أو الزب‪ .‬وهو المر الذي يواجهه طموح شبيه وف اتاه معاكس ‪ .‬وهكذا تشلّ طبيعة‬
‫النظام الستبدادي كل إمكانية للتجمعات القليمية الواسعة الت ل تفرضها اللغة والثقافة والتاريخ فحسب ‪ ،‬وإن‍ما أيضا ضرورات الستقبل ‪.‬‬
‫إن أوروبا ل تدخل عملية التوحيد إل بعد انيار النظمة الفاشية والنازية واستتباب الديقراطية ‪ ،‬ما سح بالتقارب والتوحيد التدريي بي متلف‬
‫دولا‪ .‬ذلك لن تداول الشخاص يلغي عامل الشخصانية‪ ،‬كما أن التنافس السياسي حول شت البامج يكّن الشروع الوحدوي من الظهور‬
‫وفرض نفسه ‪ ،‬لا يتوي من منافع بديهية‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬يتضح اليوم للجميع أن الستقلل الول كان استقلل الدولة ول يكن استقلل الشعب ‪ ،‬وأن استقلل الشعب هو الضامن الوحد‬
‫لدخولنا سوق الشبكة العلقاتية كأطراف مسؤولي ‪ ،‬ل كمتسولي ‪.‬‬
‫وللستقلل الثان طريق واحد ل غي ‪ :‬الديقراطية ‪.‬‬
‫***‬
‫ل يسع الرء أمام ما يلحق الديقراطية من أذى ف كل قطر عرب ‪ ،‬وما تعرضت له ف الزائر من فضيحة تسبّبت ف حام الدم الال ‪ ،‬وما يتهددها‬
‫من أخطار ‪ ،‬إل أن يتساءل ‪:‬‬
‫هل حكم علينا نن العرب أل نعرف من الديقراطية إل ما عرفه الائع الفلس من لذيذ الشواء ‪ ،‬أي شيئا من العبي الذي يمله الواء القريب ‪،‬‬
‫فل يزيده ذلك إل جوعا ونقمة على إفلسه ؟‬
‫نن نتابع ‪ ،‬بفضل التكنولوجيا الديثة وف عقر ديارنا على شاشات تلفزات البلدان الغربية‪ ،‬كل تفاصيل صراعاتم السياسية السلمية والعلنية ‪،‬‬
‫ونعيش معهم انتخاباتم التشريعية والرئاسية لظة بلحظة‪ ،‬لعنصر التشويق والثارة ف كل انتخابات فعلية ‪ ،‬وكأننا نتابع مباراة رياضية ‪ .‬كما‬
‫نقرأ ‪ ،‬عندما يسمح لنا قراءة ما يكتبون ‪ ،‬عن سطوة قضائهم وهو يتابع أخطبوط الرشوة ويستأصله من كل مكان سلطت عليه صحافة حرة‬
‫أضواءها الكاشفة‪ .‬نعيش هذا "التعبي" الل شعوري مقارنة بواقعنا الزري ‪ ،‬وبعقلية ‪ :‬العي بصية واليد قصية‪.‬‬
‫إن أزمة الديقراطية ف الوطن العرب اليوم ل تتعلق بغيابا الأساوي ‪ ،‬بقدر ما تتعلق بالتزييف والتشويه والتحريف الذي لقها وهي ل توجد بعد‪.‬‬
‫لقد أدت السياسة "الاهرة" لدعي الديقراطية إل خلط الوراق وتعميم البلبلة وإشاعة الفوضى ف الفاهيم ‪ .‬وعمقت احترازات شباب غي متعود‬
‫على ألعيب السياسة وحيل السياسيي تاه منظومة فكرية وسياسية‪ ،‬تدعي سلطة ل ديقراطية امتلكها والدفاع عنها‪.‬‬
‫وما زاد الطي بلة ذلك الدور الدمر الذي لعبته حرب الليج عندما رسخت ف أذهان شبابنا صورة الديقراطية وحقوق النسان مقرونة بسياسة‬
‫الرب والقوة والكاييل التفاوتة والعجرفة الغربية‪.‬‬
‫يصبح التوضيح ضروريا لبديهيات أصابا التشويش التعمد أحيانا ‪ ،‬وغي القصود حينا آخر‪ ،‬وذلك بقصد ترسيخ الدعائم الفكرية للستقلل‬
‫الثان‪ .‬كما يكون هذا التوضيح ضروريا أيضا ف إطار ما تعرفه المة من تصاعد الد الدين‪ :‬فكرا وسياسة‪ .‬إذ ل بد من نقاش معمق حول طبيعة‬
‫البديل الذي سيخلف ف القرن القبل هذه النظمة الستبدادية القدية ‪ ،‬والت ل خيار أمامها إل أن تصبح أنظمة إسلمية أو أنظمة ديقراطية‪.‬‬
‫لقد استطاعت الديقراطية طيلة هذا القرن أن تضع حدّا لياة أنظمة النازية والفاشية ف أوروبا الغربية والنوبية ‪ ،‬وأن تد ّك قلع الستبداد‬
‫الشيوعي ف روسيا وأوروبا الشرقية ‪ ،‬وأن تتغلغل بعمق ف آسيا وف إفريقيا ‪ .‬لكن بقي العرب مرة أخرى خارج هذه الركة التاريية‪ ،‬ل يدخلون‬
‫تربة ف بلد من بلدانم إل لتنتهي بكارثة أو بتخريب أو بردّة ترجعهم إل عادات مستأصلة ‪ ،‬قدية ومهيكلة‪.‬‬
‫وتأت ضرورة التفسي فل تزيد الطي إل بلة‪ .‬فمن متحدث عن عدم نضج العرب للديقراطية‪ ،‬أو عن عدم جدارتم با ‪ ،‬إل القائل بوجود تنافر‬
‫بيولوجي ـ ثقاف يعلهم غي مؤهلي "بطبيعتهم " لمارسة الديقراطية ‪ ...‬ال‪.‬‬
‫إن قيمة هذا التفسي الشائع ل تكمن ف موضوعيته أو ف ذاتيته‪ ،‬بقدر ما تكمن ف دللته على عمق الزمة النفسية الت ولّدها الستبداد ‪.‬‬
‫إذا كان من الواضح أن الديقراطية ليست قدرا متوما بالنسبة للعرب ولغيهم ‪ ،‬فإنه من الثابت أيضا أن القول بعدم جدارة المة وعدم قدرتا‬
‫على تقيقها‪ ،‬موقف ساذج وسطحي ‪ ،‬ل وظيفة له إل تبير ما ل مبر له‪ .‬أي إضفاء شرعية مزيفة على تكبيل أمة بأكملها ‪.‬‬
‫من القولت الت يب دوما التذكي با ما كتبه الفي توفلر ‪" :‬إن الديقراطية ليست فقط ضرورة أخلقية ‪ ،‬وإن‍ما بالساس ضرورة تقنية " فل‬
‫جدال أنه توجد اليوم علقة بي الفاعلية ف إنتاج الادة والعرفة والقيم ‪ ،‬وبالتال ف إنتاج القوة ‪ ،‬وبي طبيعة التنظيم السياسي‪ .‬ومن هذا النظار ‪،‬‬
‫فإن الشعوب العربية تتسابق مع الشعوب الديقراطية ‪ ،‬وف الرجل قد اسه ‪" :‬التنظيم الستبدادي " ‪ .‬هذا القيد الذي سيعيق كل أشكال تقدمها‬
‫ورقيها إن ل يرفع ‪.‬‬
‫إن دور الثقف الديقراطي اليوم ‪ ،‬وأمام أزمة النظمة العربية ليس ف النتصار لذه اليديولوجيا أو تلك ‪ ،‬وإنا ف التنبيه الدائم إل أن إشكالية‬
‫النظمة والبدائل ليست ف كونا تعتمد هذه الرجعية دون غيها‪ ،‬بل لنا أنظمة أو بدائل مبنية على قواعد غي فعالة وتتعارض اليوم مع متطلبات‬
‫تسيي الجتمعات العصرية‪ ،‬وهي متطلبات تنبع ‪ ،‬بشكل أو بآخر ‪ ،‬من الديقراطية ‪.‬‬
‫إن أكب خطر يتهددنا اليوم هو استبدال نظم استبدادية ذا مرجعية علمانية ‪ ،‬أو قومية ‪ ،‬أو اشتراكية ‪ ،‬بنظم استبدادية ذا مرجعية دينية ‪ ،‬لنك‬
‫لن تغي شيئا إذا ألبست نفس النسان ثوبا زاهيا أو ثوبا أسود ‪ ،‬ما دامت التصرفات الساسية متشابة‪.‬‬
‫يبدو اليوم أنه قدّر لذه المة أن تراوح مكانا أو أن تتقهقر ‪ ،‬لن التقدم ل يعد ذلك القدر التمي الذي آمنا به ف الستينات ‪ ،‬طالا ل يتضح‬
‫للجميع بأن أصل الداء ليس ف الرجعية أو اليديولوجيا ول يكن أن يكون ف مطلب العدل الذي تنطلق منه كل إيديولوجيا ‪ ،‬وإنا هو ف‬
‫الليات الت توضع لحاولة تقيقه‪.‬‬
‫وقد يكون من الضروري ومنذ البداية أن نركز على أن للديقراطية العديد من السلبيات ‪ ،‬وأنا ليست الوصفة السحرية الت ستمكننا من حل‬
‫كل مشاكل المة‪.‬‬
‫يكفي أن نذكّر هنا بالهرجان النتخاب ف أمريكا ‪ ،‬وبالعلقة الوطيدة الت ربطتها مع الافيا الت ترعرعت ف كنفها ف روسيا ‪ ،‬وبعجزها عن‬
‫إحلل متطلبات العدالة الجتماعية ف بريطانيا وأمريكا ‪ ،‬وبضعف التمثيلية حت ف أعرق البلانات ‪ ،‬وبعزوف الناخبي التصاعد عن الشاركة ف‬
‫لعبة سياسية يتّضح يوما بعد يوم أنا مغشوشة ‪ ،‬ال‪ ...‬ول نتكلم عن التحريف والتزييف والستعمال الجحف الذي تعرفه الديقراطية ف عالنا‬
‫العرب ‪.‬‬
‫إن الديقراطية نفسها ف أزمة إل أن هذه الزمة ليست بجم الستبداد فالديقراطية تستطيع أن تبأ من مساوئ الديقراطية بزيد من الديقراطية‬
‫‪ ،‬إل أن الستبداد ل يستطيع إل أن ينتحر بزيد من الستبداد ‪.‬‬
‫تبقى الديقراطية ‪ ،‬على علتا ومساوئها ‪ ،‬أخف الضررين ‪ .‬وكما يقول رجل ل نبه نن العرب ‪ ،‬وهو تشرشل‪ ،‬إنا " أسوأ نظام باستثناء كل‬
‫النظمة الخرى" ‪ .‬ففي الديقراطية آليات متلفة وعلى رأسها حرية الرأي وحق التنظم ‪ ،‬اللذين يضمنهما القانون الديقراطي من أجل إفساح‬
‫الجال لتصحيح السار وإعادة النظر باستمرار ف مدى صلحية البامج العتمدة ‪ ،‬وناح تنفيذها ‪.‬‬
‫من الطأ الفادح ‪ ،‬كما أسفلت ‪ ،‬أن نتصور أنا ليست قدرنا‪ .‬كما نرتكب خطأ ماثل إن بقينا ننتظر القدر الحتوم أو يود با علينا‪ .‬فهي حالة‬
‫للنظام السياسي نلقها وتلقنا ‪ ،‬ندافع عنها أو ل ندافع ‪ ،‬نطورها أو نقتلها ‪.‬‬
‫هناك حقا العديد من العوامل اليابية الت تعلنا ف انسجام مع تيار الدمقرطة القوي‪ .‬ونن ل ننساق وراء هذا التيار بفعل العدوي والتقليد‬
‫والنافسة الت يفرضها علينا الغرب الديقراطي ‪ ،‬وإنا نريد الستفادة أساسا من تطور الوسائل التقنية الت ف غيابا تكون دولة الستبداد عاجزة‬
‫عن مواكبة تطور الراء والفكار والتغييات الجتماعية والثقافية والقتصادية الت تمل قطاعات متلفة ومتزايدة من الجتمع نو مزيد من الوعي‬
‫والقوة والطالبة بزء من السلطة‪.‬‬
‫إل أن هذه القوى على أهيتها ل يكن إل أن تتفاعل مع قوى مضادة أساسها استماتة الالة الستبدادية من أجل الدفاع عن موقعها ‪ ،‬خاصة مع‬
‫ظهور البدائل الدينية الغرية ‪ ،‬الت يبدو أنا ل تستوعب أن ما تاربه اليوم هو أفرازة حتمية للمرجعية الت ل تناقش ‪ ،‬أي الزب الواحد‬
‫والشخص الواحد والرأي الواحد‪.‬‬
‫تفرض علينا خطورة النكبة الت تر با المة أن نتوجه للبّ الشكالية ‪ ،‬وهي قدية قدم عجزنا عن وضع آليات متطورة وقابلة للتطوير أيضا ‪.‬‬
‫ونن بطبيعة الال ‪ ،‬ف إطار صيورة مترنة ‪ ،‬قد نصل أو ل نصل إل ما نرتيه‪.‬‬
‫هذا ال صراع الطو يل الر ير الذي عا شه جيل نا م ثل ف بناء النظام الديقرا طي و ف ت سي ال صناف الوجودة ‪ ،‬و هو ما أ سيه بال ستقلل الثا ن ‪.‬‬
‫فشتّان ب ي ا ستقلل الدولة الذي حق قه آباؤ نا وأجداد نا ‪ ،‬فا ستول على مناف عه ش خص وجهاز‪ ،‬وب ي ال ستقلل الثا ن ‪ ،‬ا ستقلل الن سان الذي‬
‫سينقل الكرامة من الطاب الهترىء التآكل إل الواقع والمارسة‪.‬‬
‫الستقلل الثان إذن هو مشروع هذا اليل ومن سيليه‪.‬‬
‫وللستقلل الثان بالضرورة مؤسسات تدمه‪.‬‬
‫وللستقلل الثان بالضرورة فكر يبلور مفاهيمه ويرسم لطواته الطريق الصعب الطويل ‪.‬‬
‫يقول "التوسر " إن الصراعات الفكرية هي صراعات سياسية ف النظرية ‪ ،‬والعارك السياسية تربح أو تسر أول وقبل كل شيء داخل الدمغة "‪،‬‬
‫ومن ث تأت ضرورة احتلل الواقع الفكرية عب إياد وإيصال فكر ديقراطي ‪ ،‬حت يأت النظام الديقراطي فيما بعد ل كنبتة غربية مزروعة ف‬
‫أرض قاحلة وإنّما كشجرة باسقة متجذرة‪.‬‬
‫إن أمرا كهذا لن يكون سهل ‪ ،‬فالديقراطية اليوم شعار مبتذل يعان ف وطننا العرب من أصوله الغربية وصداقاته الشبوهة واستعماله الجحف من‬
‫قبل كل النظمة الستبدادية ‪ ،‬ومن استخفاف اغلب التاهات اليديولوجية ‪ ،‬ومن تصاعد الطاب الدين ‪ ،‬ومن الهتراء الذي يلحق كل‬
‫مصطلح يساء استعماله بكثرة‪ .‬ل بد إذن من فكر ياول إخراج الفهوم من الضبابيات والعموميات للتركيز على خصائصه وجزئياته العملية ‪ ،‬ل‬
‫بد من إظهار تباينه مع الليبالية الت تلصق به ظلما وعدوانا ‪ ،‬هذه الليبالية الت تدد اليوم طبقات النوب وشعوبه بالتفقي والتهميش‪.‬‬
‫يب كذلك التصدي للموقف الرخيص الذي يرفض الديقراطية لصدرها الغرب ‪ ،‬وهو موقف ل يقل غباء عن رفض النسولي لنا غربية الصنع‬
‫‪.‬‬
‫كما علينا ‪ ،‬ف هذا الصدد ‪ ،‬أل نتغاضى عن استراتيجية بعض الدول الغربية الت ترى أن تصدير الديقراطية هو تصدير الليبالية ‪ ،‬وأن‬
‫الديقراطية ليست إل التغطية اليديولوجية لضرورة فتح السواق للتحكّم ف العال ‪.‬‬
‫إنه على العكس من هذا ‪ ،‬يب أن ينبن الوعي على ضرورة التفريق بينهما ‪ ،‬وعلى حقنا ف اختيار ما تراه مناسبا لصالنا بغض النظر عن الصدر‬
‫‪.‬‬
‫من الضروري أيضا تذير وتعريب هذا الفهوم وربطه بنضالتنا التاريية ‪ ،‬وما أكثرها‪ ،‬وذلك لعطاء مفهوم "الشورى" كل حظوظه ‪ ،‬ولينتصر ف‬
‫هذا العصر بعد أن هزم طوال تارينا ‪.‬‬
‫لقد جعلت النظمة العربية من النتخابات الشكل العصري للبيعة القدية‪ ،‬والال أنه يب أن نعل منها الوجه الديث لطلب الشورى الذي هو‬
‫مطلب المة منذ سقيفة بن ساعدة ‪.‬‬
‫والهم من هذا كله أنه يتحتم علينا أن نوضح وأن نقنع كل أصحاب هذه اليديولوجيات أو تلك أنم مقدمون على تكرار نفس الهازل ونفس‬
‫الآسي إن ل يقتنعوا بأن الشروع التحرري يب أن يركز على الليات قبل أن يركز على الرجعية والشخاص ‪ ،‬وأن هذه الليات لن تكون ف‬
‫هذا العصر إل آليات الديقراطية ‪ .‬إن هذا الفكر هو إحدى أهم دعائم دولة الستقلل الثان وأول ضرورياتا ‪.‬‬
‫هذه بعض آراء " الستقلل الثان " نناضل من أجل تقيقها ‪ .‬ونن أعلم الناس بأن رحلة اللف ميل تبدأ دائما بطوة‪.‬‬
‫الفصل ال و ل‬
‫فاتورة الستبداد‬

‫إنما العاجز من يستبدّ‬


‫لننا قمعنا طاقاتنا النسانية البّارة ومنعنا التأطي القانون لنشاطنا ‪ ،‬انار عطاؤنا ف الفكر والقيم والادة والتنظيم ‪ ...‬فوقعنا ‪ ،‬ف القرن الاضي ‪،‬‬
‫ف براثن استعمار المم اللقة ‪ ،‬البدعة والرة ‪.‬‬
‫وكان هذا الستعمار تتويج تلّفنا وثن سوء تنظيمنا ول يكن سببا فيه ‪ .‬بل يكن القول إن هذا الستعمار كان بداية انطلق تددتا لنه شكّل‬
‫التحدي الكب الذي كان علينا أن نواجهه أو أن نندثر تاما ‪ ،‬أمّة وأفرادا ‪.‬‬
‫قاوم هذا الستعمار آباؤنا وأجدادنا وقدموا ما قدموا من التضحيات‪ ،‬واعتقدوا بنوع من السذاجة أن الستقلل سيكون مرادفا لـ "الرية‬
‫للجميع " والكرامة للجميع " والتقدم للجميع " ‪ .‬ول يطر ببالم لظة ‪ ،‬وهم يبذلون الغال والنفيس ‪ ،‬أنم سيوصفون بأنم "غبار من الفراد "‬
‫وأن بطولتم ذهبت مع الريح ‪ ،‬وأن تضحياتم السيمة ستقب ‪،‬أو تاريهم سيزيف ‪ ،‬وأن الدولة الستبدادية الت تولدت من دمهم ستستول‬
‫بسرعة على آمالم وآلمهم‪ ،‬وأن منطق النّ والتبجح والتهكّم هو الذي سيسود‪ .‬إنه لن يطلب منهم سوى أن يوكلوا إل البعض بهمة التفكي‬
‫والقرار والتقييم بدل عنهم ‪ ،‬وأن يقتصر دورهم ف إطار دولة الستقلل على دور الرعية ‪ ،‬وأن يقنعوا بديكور العلم العصري وديكور‬
‫الصحافة العصرية وديكور النتخابات العصرية وديكور الؤسسات العصرية ‪ ،‬والال أن كل دواليب دولة الستقلل هي دواليب الطغيان‬
‫الشرقي الت ولّدت أسباب النيار فأسباب الستعمار‪.‬‬
‫إذا كان الستبداد ف جوهره هو ذلك الذي عرّفه الكواكب وأدانه‪ ،‬فقد اكتسى بالنسبة لعرب هذا القرن ‪ ،‬خاصة بعد إعلن الستقلل وولدة‬
‫الدولة الوطنية ‪ ،‬شكل جديدا تسد ف ثلث "مؤسسات " هي عماد وجوده وبقائه‪ ،‬وهي تص ‪ :‬عبادة الشخصية ‪ ،‬وسيطرة البطانة ( الزبية أو‬
‫العقائدية و‪/‬أو العشائرية) ‪ ،‬وفرض الرأي الواحد بالعنف الساخن أو البارد ‪.‬‬
‫إن هذه الؤسسات الثلث هي آليات كل النظمة الستبدادية ‪ ،‬سواء أكانت فاشية أو شيوعية أو قومية أو دينية‪ .‬وهي تكوّن اليكل العظمي‬
‫الذي ل يتلف من نظام على آخر ‪ ،‬والت تعل الختلفات اليديولوجية أمورا ثانوية وأحيانا مرّد مظاهر ‪ ،‬القصد منها التضليل والتمويه ‪.‬‬
‫فهذا ما يعلنا نركّز على أ ّن اللف الوهري القيقي ل يكن أن ينبن على طبيعة اليديولوجية أو الشخاص وإنّما على طبيعة الليات الت من‬
‫أهها ‪ :‬الشكل العاصر لوثنية موغلة ف القدم ‪ ،‬أو بعبارة أخرى ‪ :‬تأليه الزعيم‪.‬‬
‫إ ّن هذا التأليه ـ رغم ك ّل تطوّر القنعة الت يتّخذها ـ هو ف آن واحد علمة على الراوحة ف مكان متلف من تطوّر السلطة ‪ ،‬ودليل على‬
‫فساد العلقة بي الاكم والحكوم‪ .‬فالدولة ف هذا الطار ضعيفة إل أقصى حدّ ‪ ،‬لنا مرّدة إفرازة لرادة الزعيم ‪ .‬أمّا الواطنة العصرية فهي‬
‫فكرة ل تتبلور بعد‪.‬‬
‫وف عبادة الشخصية‪ ،‬يقول إيليا أبو ماضي ‪:‬‬
‫وطافوا به من كل ناحية زمر‬ ‫من الرمر السنون صاغوا مثاله‬
‫فقلت أل يفن كما فن الثر‬ ‫وقالوا ‪ :‬صنعناه لتخليد رسـه‬
‫فقلت ‪ :‬إذن من يعرف الفضل للحجر‬ ‫وقالوا ‪ :‬نصبّناه اعترافا بفضلـه‬
‫فقلت لم ‪ :‬هل كان أسخى من الطـر‬ ‫ن كان يسخو بـاله‬
‫وقالوا ‪ :‬غ ّ‬
‫بالكم استغن وقوّتكم ظفــر‬ ‫وقلت ‪ :‬غنّيا أم قوّيا فإنّـــه‬
‫كما خلتم ‪ ،‬لكنه النفع والضـــرر‬ ‫قلم يتعشّقكم ول هتــم بـه‬
‫ولكن لضعف ف نفوسكم استتــر‬ ‫ول ترفعوا التمثال للبأس والنــدى‬
‫ولستم تبون القوي إذا اندحـــر‬ ‫فلستم تبّون الغنـ ّي إذا افتقـــر‬
‫إذا ل يكن ف الروض فء ول ثـر‬ ‫رأيتكم ل تعرجــون بروضـــة‬
‫ول تقتنون اليل إل علـى سفــر‬ ‫ول تعلقون الشاة إل لتسمنـــوا‬
‫ول تطئوا ف الس والسمع والبصـر‬ ‫إذا كان حب الفضل للفضل شأنكم‬
‫ول تنصبوا التمثال للشمس والقمــر‬ ‫فما بالكم ل تكرموا الليل والضحـى‬
‫ل جدال أن هذه العبادة القية هي من بقايا الذهنية القدية ومن تدد صورها‪ .‬وهي أيضا من ملفات الصبغة البدائية العميقة اللزمة لدولة‬
‫الستبداد ‪ ،‬لن النسان يكن أن يعب التاريخ بنفس الفكر والروح ‪ ،‬فيقدر على تغيي الظروف من حوله ‪ ،‬دون أن يستجيب هو نفسه لي تغيّر‬
‫ذات ‪.‬‬
‫ل تكمن إشكالية عبادة الشخصية ف شرعية أو جدية إرضاء نرجسية شخص وضعته الصدفة أو الضرورة على رأس الجموعة الوطنية ‪ ،‬لن‬
‫النرجسية مطلب ونقطة الضعف ف كل واحد منا‪.‬‬
‫الطر ف هذا أن إشباعها ( كإشباع حريق شعاره ‪ :‬هل من مزيد؟ ) ل يكون إل على حسبا كل فرد من أفراد الشعب ‪ .‬إن وجودنا موزعة بصفة‬
‫عادلة على الميع تنفي عنه حقه هو ل غي ف الزعامة وتفرّده با ‪ ،‬أما وجودها عند البعض فإنه يعن تديدا مباشرا لصدارته وتيزه ‪.‬‬
‫توزّع الفضلية إذن بصفة إجبارية هرميا كما توزّع الثروة والسلطة ‪ ،‬فهي ف أوجها ف مستوى القمة ‪ ،‬ث تتضاءل نو القاعدة ‪ ،‬فل يصل منها‬
‫إل النر القليل للرّعاع والسوقة الت يب أن تسهم ف عبوديتها بالعتقاد بأن ما تنعم به هو فضل ومنّة من الزعيم الفذ الذي جادت به السماء‪.‬‬
‫إن التعظيم الضمن وحت التأليه القنّع واللزم لعبادة الشخصية هو إذن بصفة آلية تقي وتصغي الناس الذين يستمد منهم القائد الفذ شرعيته ‪،‬‬
‫بل هي مبنية بالساس على هذا التحقي الضمن ‪.‬‬
‫تعكس مقولة عدم نضجنا للديقراطية ‪ ،‬الت طالا برر با الستبداديون دوام الالة الستبدادية ‪ ،‬التصور الدون للمواطن وللشعب الذي حكم‬
‫عليه أن يبقى دوما ف مرحلة طفولية‪.‬‬
‫لقد لعبت صورة عمر بن الطاب (أو بنسبة أقل ‪ ،‬صورة عمر بن عبد العزيز) دورا هامّا ف تشويش اليال الماعي العرب ‪ ،‬حيث شكلت‬
‫مقياسا مستبطنا عند الاكم والحكوم ساهم ف إشاعة فكرة "الستبد العادل "‪.‬‬
‫يكن خطر الصورة ف ملقاتا لاجة عميقة متجذرة عند النسان ـ الطفل ‪ :‬خذ حريت ومسئوليت وأعطن عدل‪ ،‬واحن من الستبد الظال ‪.‬‬
‫من هنا ‪ ،‬يتأتى التجدد الدوري للمأساة‪.‬‬
‫يتتابع المثلون على خشبة مسرح التاريخ باسم الستبداد العادل ‪ ،‬أشخاصا وأحزابا وعقائد ‪ ،‬بسن نية وبسوء نية‪ ،‬يتعجلون التاريخ ‪ ،‬يريدون‬
‫كسر الواقع الوضوعية بالعنف ‪ ،‬يبحثون على أقصر الطرق على الدينة الفاضلة بالستبداد‪ ،‬فيتباعد العدل تباعد السراب‪.‬‬
‫لقد كان عمر صارما حازما شديدا ‪ ،‬لكنه ل يكن مستبدا إذ ل يتوفر فيه أي شرط من شروط الستبداد الثلثة ‪ :‬فقد حكم بالقانون الماعي‬
‫وطبّقه على نفسه وأهله بنفس الصرامة الت كان يطبقها على الغي‪ ،‬ول يعل من الثناء عليه وحده ركنا من أركان اللقة‪.‬‬
‫إن تلطيف الستبداد رهي طبع الشخص ‪ ،‬ول يكن للشعوب خاصة ف هذا العصر أن تسلم قيادها لرهان خطي على خصائص الشخص نفسه‪،‬‬
‫ف حي أن القاعدة تقول ‪ :‬إن الستبدّ ل يكون عادل‪ .‬كما أن العدل ل ير إل عب الستبداد‪.‬‬
‫لننتبه إل توفر عنصرين هامي ف الفكر الستبدادي على حد الن ‪ ،‬ولا يكن تسميته بالعقل البدائي‪ ،‬أي ‪ :‬عبادة الشخصية ورفض الواقع ‪.‬‬
‫لكتشاف العنصر الثان ‪ ،‬يكفي أن نفتح أي جريدة عربية ‪ ،‬إذ هي العرض الدائم والتكرر لقدم خصائص هذا الفكر‪ .‬إن العناوين الضخمة‬
‫والتحاليل الضحلة واللهجة العنترية لذه الصحافة‪ ،‬تبدو من أبرز مظاهر فكر يلط دوما بي الواقع واليال ‪ ،‬فكر يثب مباشرة من الرغبة إل‬
‫تقيقه ف اليال‪ ،‬منكرا الواقع بتعقيده وحركيته واستعصائه على التطويع‪.‬‬
‫إنه فكر ف آخر الطاف بغي حاجة إل هذا الواقع ‪ ،‬فهو يستطيع أن يقق ما طاب له من لذة ف عاله الوهي‪ .‬وهو بالطبع ليس كذبا وإنّما شيء‬
‫أخطر من هذا بكثي ‪ ،‬إنه نكوص وتقهقر إل عال طفول سحري تتحقق فيه الحلم ‪ ،‬وتكون ف الكلمة بديلة عن الفعل ‪.‬‬
‫نفهم عنف ردة الفعل عندما يأت الفكر الناضج ليزعج مدخّن الفيون ‪ ،‬قاطعا عليهم لذتم ‪ ،‬متسبّبا لم ف آلم اليقاظ وآلم اليقظة‪.‬‬
‫ل شك أن أطروحات عدة ستكتب ف الستقبل عندما سنخرج من العال السحري إل العال الواقعي ‪ ،‬وأن قواني الصحافة السحرية ومواضيعها‬
‫وأساليبها ستقيّم بدقة‪.‬‬
‫الثابت من الن أن الستبداد هو الفكر البدائي ف ميدان السياسة‪ ،‬بثوابته وأهدافه وآلياته العروفة‪.‬‬
‫إن الشرط الثان لوجود الستبداد هو سيطرة هيكل أقلية يقوم بطقوس العبادة ‪ ،‬ويكم وصاية الشخص الؤلّه على الطفال غي الناضجي الذين‬
‫كلف نفسه حايتهم من أعدائهم ومن أنفسهم ‪.‬‬
‫ل شك أن أسباب فشل أنظمة التحرر النسب أو الكلي ف العال الثالث والشتراكي معقدة ومتشابكة‪ ،‬لكن من الثابت أن دكتاتورية الزب‬
‫الواحد على الجتمع كانت من أهها‪ ،‬لن الزب الواحد يفرق ما يدعي توحيده‪ ،‬ويبط ما يدعي تنيده‪ ،‬ويستنف ما يدعي خدمته ويستعبد ما‬
‫يدعي تريره‪.‬‬
‫إن الزب اللينين هو النموذج الواضح أو البهم للحزب الواحد ‪ ،‬ينيا كان أو يساريا‪ .‬وهو ذلك التنظيم الذي ينصّب نفسه وصيا على‬
‫الماهي‪ ،‬كما تقول روزا لوكسمبورج‪ :‬لتنصّب اللّجنة الركزية نفسها وصية على الزب ‪ ،‬إل أن ينصّب الخ المي العام نفسه وصيا على‬
‫الميع‪ .‬وبذا تكتمل عملية النصب على الماهي الت تصبح آنذاك وقود التاريخ ل قائده ‪ ،‬كما تدعي النظرية العصومة والعصماء‪.‬‬
‫يكتمل اليكل الستبدادي بآليات فرض الرأي الواحد‪ .‬فالدولة ل تاول فقط إفراغ الشخص والجتمع من الكرامة وإنّما تصادر الذكاء وتاصر‬
‫الخيلة وتنع التفكي الستقل‪.‬‬
‫إن السبب الظاهر لذا التوجه الغريزي هو تقيق النسجام داخل الجموعة التباينة وتفادي اللجاج والصام وما ينجّر عنهما‪ ،‬إل أن الدافع‬
‫القيقي له يكمن ف منع ظهور أخطر سؤال حول ‪ :‬ما هي حالة السابات ؟‬
‫فالرأي الر هو ‪ ،‬بداهة ‪ ،‬تقييم وماسبة‪.‬‬
‫تضع الدولة الستبدادية نفسها من البداية خارج إطار كل ماسبة ‪ .‬وسوف تكون هذه الرادة سر قوتا‪ ،‬أي مصدر عنفوانيتها وف نفس الوقت‬
‫القتل والهلك ‪ .‬ذلك لنا بنع حرية الرأي ‪ ،‬تنع عن نفسها كل آليات تصحيح الطأ‪ .‬والدول ‪ ،‬ككل الكائنات الية‪ ،‬توت من تكاثر الخطاء‬
‫والعجز عن الصلح ف الوقت الناسب‪.‬‬
‫إن لبّ الستبداد هو مصادرة كل الفضيلة لصال فرد ‪ ،‬وفرض وصاية الزء على الكل‪ ،‬وتري الحاسبة‪ .‬ومن ثة فهو خيار يتصدى بكل قوة‬
‫لاجيات فردية وجاعية‪ ،‬كحاجة كل الناس إل أن يعترف لم بنرجسيتهم وخاصة حاجة كل الجموعات للمشاركة ف حياة الجتمع على قدم‬
‫الساواة‪ ،‬والاجة أيضا إل تقييم سلمي ومقبول لن يكمهم ‪.‬‬
‫ل غرابة أن يتطلب إبقاء وضع شاذ كهذا‪ ،‬قدرا كبيا ومتواصل من كل أشكال العنف ‪.‬‬
‫لقد دفعت الشعوب العربية مثل كل الشعوب الت ابتليت بصيبة دولة الستبداد ثنا باهظا ‪ ،‬سواء أكان ذلك إبان عملية التنمية أو طوال فترة‬
‫الشباب والشيخوخة‪ ،‬أو خاصة وهي تعال سكرات الوت ‪.‬‬
‫تبدو الساوئ والعيوب غي قابلة للحتمال ‪ ،‬ول يفلح ف إخفائها ما تدّعيه هذه الدولة من إنازات وهية كالسلم والجاع والوحدة الوطنية‬
‫الليئة شروخا ميفة‪.‬‬
‫يأت العنف والعنف الضاد‪ ،‬طال الزمان أو قصر‪.‬‬
‫كتب سولنتسي الكثي عن عنف دولة الستبداد الشيوعي‪ .‬وكتبت هانا أرندت عن فظاعة العنف النازي ف الحتشدات ‪ .‬ولنظمة العفو الدولية‬
‫ملدات تتحدث عن العنف الستبدادي المارس ف كل بلدان النوب ‪.‬‬
‫كما وصف عبد الرحن منيف ف كتابه "شرق التوسط " بعضا عن عنف الدولة الستبدادية العربية‪ ،‬والشهادات بالئات ‪.‬‬
‫ذلك الساء والشمس على وشك الختفاء وراء جبال الشمال الغرب ‪ ،‬تقدم الطفال الثلثة بباقة الزهور يضعونا على قب متواضع ف مقبة ريفية‬
‫متواضعة ‪ ،‬ث انطلقوا يلعبون تاركي الكهول يتجمعون بشوع حول القب‪ .‬إنم يصرون منذ سنوات‪ ،‬رغم تناقص عددهم من سنة إل أخرى‪،‬‬
‫على الجيء ف كل يوم ثامن من شهر مايو إل هذا الكان للترحم على روح الشاب الذي قضى نبه ف مثل هذا اليوم تت التعذيب ‪ .‬وخطر‬
‫ببال يومئذ أنه واحد من الئات من كل الحزاب والرجعيات ‪ ،‬ذهبوا ضحايا أخطر ما ف الستبداد ‪ ،‬وقلت يومها إن دور جيلنا ‪ :‬القضاء النهائي‬
‫على هذه الفظاعة ‪ ،‬وإن مثل هذا اليوم يب أن يكون مستقبل ‪" :‬اليوم الوطن ضد التعذيب " بغض النظر عن أي استعمال حزب ضيق لروح‬
‫الشهيد نبيل بركات ‪.‬‬
‫تتحدث كل الشهادات عن "مازر الروح" أو زنزانات التعذيب الت تقب فيها أرواح الضحايا وأرواح اللدين على ح ّد سواء‪.‬‬
‫إن هذه اللم ليست إل النقطة القصوى للعذاب العادي ‪ ،‬اليومي الألوف ‪ ،‬الذي يتخبّط فيه الناس إناء الليل وأطراف النهار‪.‬‬
‫هي الراية المراء اللطخة بدم البرياء والثوار ‪ ،‬والت ترفرف على كل قلع الستبداد‪.‬‬
‫من الصعب جدّا أن نقيّم ثن الستبداد ‪ ،‬إل أننا نعلم بالسليقة أن له تكلفة إنسانية باهظة ‪ ،‬سواء أتعلق المر بالعدامات أو التعذيب أو‬
‫الحاكمات الصورية أو العتقالت أو شت أصناف "العنف اللّي "من تعنيف وإرهاب وعجرفة وإذلل للغلبية الساحقة الت أخرسها الوف ‪.‬‬
‫الثابت أن هذا العنف كان ضروريا للدولة لنا بصدد مقاومة مطامح عميقة للمجتمع ‪ ،‬لكنه ل يكن أبدا ضروريا ل للضحايا ول للشعب ‪ ،‬هذا‬
‫الذي تدّعي الدولة الستبدادية أنا تثّله وتميه‬
‫والثابت أيضا أن فاتورة الدم والدموع هذه هي نقطة التمفصل الذري بي الستبداد والديقراطية‪.‬‬
‫إن الطبيعة البدائية العنفوانية لدولة الستبداد ل تكمن ف شراسة العنف وفظاعته ‪ ،‬بقدر ما تكمن ف إفساد وتعفي كل القيم والؤسسات‬
‫الضرورية لي متمع إنسان ‪ ،‬خاصة ف هذا العصر‪.‬‬
‫والن ‪ ،‬لنتوقف قليل عند أهم الضحايا ‪.‬‬
‫***‬

‫ـ تمزيق الذات‬ ‫‪1‬‬


‫نن اليوم ضحية ظاهرة ميفة تتمثل ف التمييز العنصري الذات الذي ل تدينه اللوائح ول تنل ضده الظاهرات‪.‬‬
‫إن احتقار النسان العرب لنفسه هو اليوم خاصية تطبع علقاتنا ف كثي من الجالت‪ .‬فالعمل والنضباط والهارة والشجاعة والوفاء والرجولة‬
‫والكرم والريية والنبل ‪ ...‬قيم وخصائص ل نلصقها ببضعنا البعض إل للتندر والسخرية فالعرب يدها عند كل الناس باستثناء بن جلدته ‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬هل صحيح أننا بالبشاعة الت يصورنا با التمييز العنصري الذات ؟ هل نن فعل جبناء‪ ،‬منافقون ‪ ،‬انتهازيون ‪ ،‬ل كلمة لنا ول شرف ‪،‬‬
‫نغش ف كل عمل نقدمه‪ ..‬إل آخر العزوفة ؟‬
‫إننا ل ننتبه با فيه الكفاية للعلقة الوجودة بي النظام الستبدادي واستشراء تصرفات معينة تنخر الجتمع العرب‪ ،‬كالب والوف والتملق والرياء‬
‫والكذب والنفاق والحسوبية واحتقار الذات والساسية الفرطة والغضب الكتوم الؤهل للنفجار العنيف إذا ما توفرت الظروف ‪.‬‬
‫من البديهي أن النسان ل يلق شيطانا ول ملكا‪ ،‬وإنا خلق بملة من الواقف والتصرفات المكنة والحتلمة الت تكنه من مواجهة واقع صعب‬
‫ومعقد‪ .‬ولو استطعنا جرد كل الواقف والتصرفات المكنة للنا كتابا بجم دليل الاتف يكون عنوانه " الطبيعة البشرية "‪.‬‬
‫فنحن ننتقي من هذا الدليل جلة مددة من الواقف والتصرفات ـ سواء أصنّفت كأخلقية أم غي أخلقية ـ وذلك قصد التفاعل مع التحديات‬
‫الت نواجهها‪.‬‬
‫ف الواقع ‪ ،‬نن ل ننتقيها بقدر ما تنتقي الغلبية الالة الوضوعية التقدمة على وجود الفراد‪ .‬وهي حالة ل يشاركوا ف صنعها وإنا ورثوها عن‬
‫تاريخ آبائهم وأجدادهم ‪ ،‬أو خلقت لم بتخطيط وإرادة‪.‬‬
‫نعرّف "الالة " بأنا جلة القواعد والتصرفات والواقف الت أوجدتا مصال وظروف وخيارات سابقة متقدمة على دخول الشخص ساحة اللعبة‪.‬‬
‫نقل عن أحد وزراء بورقيبة السابقي قوله ‪ :‬ف أول اجتماع لجلس الوزراء بعد الصول على الستقلل ‪ ،‬كان أول موضوع طرح للبحث ‪:‬‬
‫هيكلة جهاز المن ‪ ،‬وأدل كل واحد منا بدلوه‪.‬‬
‫''دافعت عن تصوّري لرجل أمن على طريقة الشرطي البيطان الذي يبه الناس ويترمونه‪ ،‬لا يقدمه من عون ف كل لظة‪.‬‬
‫كشّر الرجل عن أنيابه وشرب الطاولة بقبضته ‪:‬‬
‫ماذا ؟ مبة ؟ احترام ؟ هاها ‪ ...‬رجل المن الثال هو الذي يشاه الشعب ويرهبه‪''.‬‬
‫ولن وزيرنا المام خلّط بي دولتي ‪ ،‬فقد استقال بسرعة وهاجر ونى فينا خيار الدولة البورقيبية ‪ :‬الوف والشعور بالذنب‪.‬‬
‫هكذا خلق بورقيبة حالة اصطفت تصرفات ومواقف ‪ ،‬وألغت أخرى‪.‬‬
‫إن دولة الستقلل الوّل مبنية بالساس على فرضية أو الزء لظلم ف النسان هو الزء الرئيسي منه ‪ ،‬ث تأت تقنيات التعامل معه بالتخويف‬
‫والصرامة حت ل تدم صرح الدولة ب "الفوضوية الببرية "‪.‬‬
‫من هذا النظار يعتب النسان أساسا شحنة متفجرة من الغرائز الت يب احتواؤها ومراقبتها‪.‬‬
‫إن هذه الفكرة ليست بالضرورة خاطئة ‪ ،‬لن ف النسان ما توجده وما تلقه حالة الستبداد ‪ ،‬ولكنها أيضا ليست بالضرورة مصيبة لن النسان‬
‫غي هذا ‪ ،‬وإنا هو أكثر من هذا بكثي‪.‬‬
‫تأت الديقراطية للمراهنة على النصف النيّر من النسان ‪ .‬وتأت أيضا لتدفع بذا التفاؤل التواضع قدما إل المام‪ ،‬أي أنا تلق بالضرورة حالة‬
‫أخرى ترفع من مستوى تصرفات معينة ‪ ،‬وتفض بالضرورة من اللتجاء إل تصرفات معهودة‪.‬‬
‫تلعب هذه "الالة " (أي أساسا طبيعة النظام السياسي) دور الصفّاة لتبلور عند الشخاص هذه الصائص وتقمع أخرى ‪ ،‬لتشجع هنا وتبط هناك‬
‫‪ ،‬وبالتال فإن تغيي "الالة " هو العامل الكثر خطورة عند تغيي التصرفات والواقف لدى الشخاص ‪.‬‬
‫من البديهي أن حالة النظام الستبدادي ل تفرز ‪ ،‬بل ل تشجع ول تبلور نفس الواقف والتصرفات الت تفرزها وتشجعها وتبلورها حالة النظام‬
‫الديقراطي ‪ .‬ففي هذا النظام تبر الطاعة والستكانة والرياء واليان بعدم نضجنا للديقراطية كتقنيات فعالة لطمس حقوق الغلبية ‪ ،‬وذلك قصد‬
‫البقاء على قيد الياة وتقيق ما يكن تقيقه من الغايات‪ .‬كما تارب هذه الالة الشجاعة والصراحة والتحرر الفكري كقيم غي مرغوب فيها بل‬
‫وخطية على توا صلها ‪ .‬وخل فا لذا ‪ ،‬ف هي ترى أن الديقراط ية عن صر أ ساسي ف بروز وتطور وانتشار ق يم الن قد والتفك ي والتقي يم والشار كة‬
‫والتألق والنافسة اللقة بي الشخاص والتنظيمات ‪.‬‬
‫إن النضال من أجل الخلق ل يكمن ف حشو الشخاص بالكلم الجوف عن الخلق ف ظل حالة ل تسمح لم بالعيش أخلقيا‪ ،‬وإنا ف خلق‬
‫الالة الت تكّن من جعل الخلق عنصرا طبيعيا ف معركة الياة‪.‬‬
‫ومعلوم أن هذه الالة هي عمل جاعي واع ومبمج ‪ ،‬للق ظروف موضوعية أساسية لتطور أحسن ما ف النسان‪.‬‬
‫إن أكب كارثة يولدها النظام الستبدادي هو اصطفاؤه لتعس الناس ‪ ،‬ولسوأ ما ف النسان ‪ .‬وهو ما تسبب ف ذلك اللل الجتماعي الدائم‬
‫والهيكل الذي ولّد طوال تارينا هذه الثورات التتابعة والت لن تنتهي إن ل نضع حدّا لنظام كلّف المة الكثي ‪ ،‬وهو من أهم السباب ف تردي‬
‫وضعها الال نو التخلف والتبعية‪.‬‬
‫إن أهم ما طبع البورقيبية ( أي الشكل التونسي لدولة الستبداد العربية) هو الغش والتزييف ف كلّ شيء ‪ .‬ف "المّة التونسية " مفهوم مزيف‪،‬‬
‫اصطنع اصطناعا لناهضة مفهوم "المة العربية " أو المة السلمية" ‪ .‬والوحدة الوطنية " مفهوم مغشوش لنه كان يغطّي أبشع مظاهر الهوية‬
‫ال ت عرفت ها تو نس و"التار يخ الوط ن " سلسلة من ال سخ والتشو يه والتزي يف ‪ .‬و"العلم الر سي " ضرب من ضروب الداع الو قع وال فج ‪.‬‬
‫و"الحتفالت الرسية " مبنية على جلب الناس رغم أنفهم ‪ .‬والجتماعات بالطر والناضلي مكتظة بأعوان البلدية الالسي ف صب أيوب بانتظار‬
‫انتهاء الطاب التوجيهي الزيف ‪.‬‬
‫وف الخي ‪ ،‬تأت الطامّة الكبى ‪ ،‬أي تزييف إرادة الشعب كل خس سنوات ‪ ،‬ف منتهى الصلفة والوقاحة والتحدي‪.‬‬
‫ل غرابة أن تؤدّي البورقيبية إل ردود أفعال متلفة ‪ ،‬وإل ظهور مشاعر عنفوانية عدوانية مكبوتة نتيجة اعتمادها عقلية ‪" :‬حلل علينا ‪ ،‬حرام‬
‫عليكم "‪.‬‬
‫وما يزيد الطي بلة أن هذا القرف يتغذى برافد الحباط ‪ .‬فطيلة أكثر من ثلثي سنة والشعب عاجز ‪ ،‬رغم تعدد النتفاضات ‪ ،‬عن فرض إعلم‬
‫نزيه وانتخابات حرة وإدارة فعالة وقضاء مستقل ال ‪ ...‬أي فرض الصراحة والخلص كقيم معترف با قول وعمل ‪.‬‬
‫إن هذه النتخابات ف الواقع ليست إل إخراجا عصريا لعملية استلل البيعة وفرضها ‪ ،‬كما كان يدث ذلك على الدوام ‪.‬‬
‫فالواطن يعي أنا ف شكلها استخفاف بذكائه ‪ ،‬وف مضمونا استخفاف بقوقه‪ ،‬لكنه ل يستطيع الواجهة ‪ ،‬وأحيانا ترّم عليه حت القاطعة ‪،‬‬
‫فينمّي هذا ازدراءه لنفسه ونقمته على السلطة الت تستخف به إل هذا الد‪.‬‬
‫إن هذه السلسلة من النتخابات الزورة كانت بثابة صفات تي النسان ف كرامته وتؤجج كل مرة احتقاره لنفسه ‪ ،‬وهو احتقار ل يد منه‬
‫البعض مرجا إل بالعنف الدوري الذي عرفته شوارعنا طيلة الثمانينات ‪.‬‬
‫ل شك أن أز مة ال صورة ال ت يمل ها العر ب عن نف سه أع قد من هذا وأن ا لي ست أحاد ية ال سبب ‪ .‬ف هي تتغذى من القار نة الدائ مة مع شعوب‬
‫روضت دولا‪ .‬وهي تتغذى أيضا من النرجسية الرضية للزعيم اللهم الذي استول على كل الصفات ول يترك فضل ل "غبار الفراد "‪.‬‬
‫ك ما أن ا تتغذى من و هم الا ضي الذي جعل نا م نه وا حة خيال ية سادت ف كل الفضائل ‪ .‬وإن ن لت ساءل ‪ :‬كم وا حد م نا يق بل الجاز فة بقو قه‬
‫الالية ‪ ،‬على هشاشتها لو أعطي اليار ليعيش ف ذلك الاضي السعيد ؟‬
‫إ نه الدمار الذي يل حق ال صورة والذي يكون ع نف الدولة البارد أو ال ساخن أ هم سبب ف يه ‪ ،‬ويع تب من أ هم ترتبات ال ستبداد وآثاره بال غة‬
‫الطورة ‪.‬‬
‫ك ما تؤدي هذه الالة إل ضرب آله النتاج ف صميم م صداقيتها ‪ .‬فالثورة ال ت ت صدّر لي ست بالضرورة فائض الثروة النتجّة ‪ ،‬وهذه الخية ل‬
‫يلقها إل الطلب الداخلي الدعوم بالثقة ف النتاج الوطن‪ .‬وأين نن من هذا ‪ ،‬ونن ل نستهلك النتاج الحلي إل من باب ‪ :‬مكره أخاك ل بطل‬
‫؟ أضف إل هذا غياب أفق اللم الماعي الذي يصهر الشعب والمة ف بوتقة واحدة‪ .‬وهكذا ‪ ،‬يتفشى شعور الحباط الماعي‪ ،‬فيكون الاصل‬
‫‪ :‬ذاتا جاعية مهشمة ‪ ،‬ذاتا هشمها الستبداد ‪.‬‬
‫***‬
‫‪ 2‬ـ دولة القانونين‬

‫با أن القانون هو اليط الفي الذي ينظّم علقات الشخاص والؤسسات‪ ،‬وبا أن العلقات مريضة ومرضية ‪ ،‬فل غرابة أن يكون القانون ‪ ،‬هو‬
‫الخر ‪ ،‬إحدى ضحايا الدولة الستبدادية‪.‬‬
‫إن الظاهر الدالّة على الكانة اللطبيعية للقانون ف إطار دولة الستبداد ل تصى‪.‬‬
‫و من ترتّبات هذه الالة ما يعرف فـ كـل الجتمعات العرب ية مـن تردي العلقات الجتماع ية ‪ ،‬نظرا للتفا ضل الذي تد ثه "الواسـطة " ‪ ،‬و هي‬
‫مؤسسي ضرورية وقاهرة ف الجتمع الستبدادي تعمل على تطويق القانون والصول إما على المتياز وإما على الق الذي ل يؤخذ إل با‪.‬‬
‫بداهة ‪ ،‬ل جدوى للحكم العياري ‪ ،‬بأن نستنكر أو نندد أو نفسر هذه الالة باصية ورائية بيولوجية فينا تعلنا وإل البد مموعة متخلفة ‪ ،‬فهذا‬
‫طرح يب استنكاره والتنديد به لنه يغطي القيقة بتعلّت واهية‪.‬‬
‫فهذا العر ب الذي يبدأ تعامله " التخلف " مع القانون م نذ انطل قه من مطار "أورل" إل بلده ‪ ،‬هو نف سه العر ب "النض بط " مع قانون الجت مع‬
‫الفرنسي ‪.‬‬
‫نتجاوز هذا إذن ‪ ،‬لنلقي السؤال التال ‪:‬‬
‫ما هو مغزى هذا التصرف الذي يكون عليه النسان العرب تاه القانون ؟ وما هي الظروف الوضوعية الت تدفع الناس إل مثل هذه التصرفات ‪،‬‬
‫والت نتحمل جيعا مسئوليتها ؟‬
‫إن عل قة بذه اله ية والتعق يد ل ي كن أن تكون أحاد ية ال صدر ‪ ،‬بل هي نتي جة تفا عل العد يد من ال سباب والتراكمات التاري ية والقت صادية‬
‫والجتماع ية وال سياسية‪ .‬إل أ نه من الضروري الترك يز على ماور ثل ثة قد تكون مدخل لف هم هذه الظاهرة وتغيي ها ‪ ،‬إن ا تتم ثل ف ‪ :‬الوروث‬
‫والندرة والدولة ـ الطرف ‪.‬‬
‫إن ظاهرة " الواسطة " أي تطويق القانون للحصول على امتيازات من طرف حفظة القانون أنفسهم ـ ليست خاصة بالوطن العرب دائما ‪ ،‬بل‬
‫هي ظاهرة اجتماعية وإنسانية عامة ‪ ،‬ل يفيد فيه احتجاج أخلقي ‪ ،‬كما ل تلغ نائيا ف أكثر الجتمعات تقدما ‪ ،‬ناهيك عن الجتمعات الشتراكية‬
‫سابقا الت قننتها ف إطار ظاهرة النومكلتورا ‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬كل ما تزايدت ندرة اليات الاد ية ف مت مع ما‪ ،‬لع جز أو ق صور نائي ف آلة النتاج ‪ ،‬احتدت ال صراعات دا خل الجت مع من أ جل‬
‫الصول على هذا النـزر القليل من النتوج الماعي واستعملت متلف الوسائل الشرعية والل شرعية للفوز بالقدر القصى منه ‪ ،‬والغلبة ف هذا‬
‫التنافس تكون عادة للقوى‪.‬‬
‫تنظر إل الفرنسيي وهم يصعدون بكامل النظام حافلة النقل العمومي‪ ،‬وتعجب وتتعجب ‪ ،‬لكن ل ننسى أن كل واحد منهم يعرف ف قرارة نفسه‬
‫أنه سيجد له مكانا ‪ ،‬ولو وقوفا ‪ ،‬وأنه سيصل ف الوقت إل عمله‪.‬‬
‫خذ هؤلء الفرن سيي "الؤد‍ّب ي " وضع هم مثل ف "الورد ية" ينتظرون ساعات طويلة حافلة مكت ظة ف سوف يتدافعون بالنا كب بن فس الفو ضى‬
‫والغلطة الت نتسابق با إل احتلل مكان ف الافلة‪.‬‬
‫وبرور الوقت يصبح هذا التصرف ل شعوريا ‪ ،‬لذلك ترى الغاربة عموما يتدافعون بالناكب عند ركون الطائرات ذات الماكن الحجوزة !‬
‫قس على نفس النوال كل مالت الياة الخرى الت تعل "تطويق القانون " تقنية من تقنيات الياة ومن أجل البقاء على قيدها‪.‬‬
‫ل شك أيضا أننا اليوم ف مرحلة غدت فيها القوان ي الت حكمتنا قرونا طويلة ‪ ،‬إ ما لغية وإ ما ف تناقض موضوعي مع العطيات الديدة ال ت‬
‫أصبحت تكتسب وزنا وثباتا يكّنانا من فرض قواني أخرى ‪.‬‬
‫فمثل نن ل زلنا نعان من مظاهر العلقة الولئية الت ظننا أنا انقرضت ‪ ،‬لكنها ف القيقة ل تزال سارية الفعول ‪ ،‬ف الوقت الذي ل تكتسب فيه‬
‫الديقراطية امتدادا تارييا وقوة تعل قوانينها متأصلة ومتجذرة‪.‬‬
‫معن هذا أن علقة النسان العرب بالقانون تعكس أيضا تزقه بي الثابت والتحول ‪ ،‬وهي حية ستتواصل إل أن يصبح التحول ثابتا ‪.‬‬
‫تاري يا ‪ ،‬ل تن جح أي دولة ف توز يع ثار التنم ية ب صفة عادلة ‪ ،‬لن الدولة كا نت ‪ ،‬على امتداد تاري ها الطو يل ‪ ،‬الهاز الذي يكّن من توز يع‬
‫الندرة لصال شخص أو جهة أو عرق إل ‪...‬‬
‫ولن الدولة الستبدادية هي دولة بدائية ف جوهرها وإن أحاطت نفسها بكل مظاهر العاصرة وبريقها‪ .‬فقد رضيت أن تكون ف هذه الرحلة من‬
‫تاري ها حار سة لقوان ي مطعون في ها ‪ :‬سياسيا (وذلك ب نع العار ضة) ‪ ،‬اقت صاديا (بال ستقلل)‪ ،‬وثقاف يا (بتر سيخ إيديولوج ية ت مي م صالها ) ‪،‬‬
‫لذلك فهي ترق القواني العادلة الت تسنها هي بنفسها ‪.‬‬
‫إننا ل نعرف أي دولة تدّعي ‪ ،‬من جهة ‪ ،‬حاية القانون ‪ ،‬ث تعطي للمواطن الثل ف تطاولا عليه‪ .‬والسيد ليس الذي يعطي الوامر ‪ ،‬وإنّما الذي‬
‫يعطي الثل ‪.‬‬
‫يشاهد الواطن القموع الدولة وهي ترق الدستور وقانون النتخابات وقانون الساواة بي الواطني (بحاباة أبناء العم وأعضاء الزب ومتساكن‬
‫الهة ‪ )...‬وشعارها ‪ :‬افعلوا ما أقول ‪ ،‬ول تفعلوا ما أفعل ‪.‬‬
‫ومن البديهي أن دولة كهذه ل يكن أن ترسخ القانون ‪ ،‬وإنا تفصمه إل قسمي ‪ :‬الكتوب منه والعمول به‪ .‬وف إطار تول حضاري سريع ‪ ،‬ل‬
‫غرابة أن يصل الواطن ـ الذي يعان مرارة الندرة ـ إل درجة الستخفاف بالقانون الذي تكون الدولة هي أول من ترقه ‪ ،‬رغم ادعائها السهر‬
‫على احترامه‪ .‬كما ل غرابة أيضا أن يواجهنا سيل من التصرفات والواقف الغربية من طرف بعض الواطني ‪ ،‬كأن يتصور بعضهم إمكانية التدخل‬
‫لطلق سراح سجي حق عام أو تعطيل حكم قضائي … إنا الذروة ف الستهزاء بقداسة القانون وانيار صورته وانتهاء دوره‬
‫***‬
‫‪--------------------------------------------------‬‬

‫ماذا الن عن السلح الستعمل؟‬


‫هو أساسا الكلمة ‪ ،‬أي الرأي الخالف ‪.‬‬
‫تتضح طبيعة الكلمة ‪ ،‬كبديل عن السلح ‪ ،‬ف قدرتا على إلاق الذى بالصم ‪ ،‬أي جرحه ف معتقداته وادعاءاته ‪ ،‬وف النيل منه والتعويض به ‪.‬‬
‫فمن الكلمات ما تصفع ‪ ،‬ومنها ما تصيب النسان ف الصميم ‪ .‬فل غرابة إذن أل يقبل الستبداد بأن يكون الرأي الخالف سلحا بديل ‪ ،‬وأن‬
‫يضيق الكثيون به ذرعا حت داخل النظام الديقراطي نفسه ‪ .‬إل أن أفضلية الكلمة بالنسبة لشفرة السكي ل نناقش لن البارزة باللغة ل تريق‬
‫الدم ‪ ،‬خلفا للتراشق بالقنابل ‪.‬‬
‫ت ثل عمل ية التداول على ال سلطة ال ت ل تدث ف النظام ال ستبدادي إل بإرا قة لدم ‪ ،‬ذروة هذه الرب ال سلمية الدائ مة وال ت تش كل لب ها ‪.‬‬
‫فالتداول هنا حرب ضروس يقع بي فرق وقبائل متناحرة يقودها طموحون ‪.‬‬
‫تصطفّ القبائل التحاربة لفض اللفات الستحكمة بينها‪ ،‬فتستهدف أن يرز فريق منها أو أكثر النصر الذي يتمثل هنا ف القتل الرمزي للسلطان‬
‫وزمرته ‪ ،‬وأخرجهم من السلطة ل بد السيف وإنا ند ورقة القتراع ‪.‬‬
‫إن انتقال الجتمع من الفعل السدي إل الرمز ‪ ،‬ومن حرب الدم إل حرب الكلمة عب الديقراطية‪ ،‬هو الطريق الوحيد لكي يوفر الجتمع على‬
‫نفسه الرب الهلية الدموية ‪ .‬معن هذا أن الديقراطية هي بديل عن العنف وأن العنف هو بديل الديقراطية‪.‬‬
‫إن ما حدث ف الزائر هو أصدق دليل على أن رفض اللعبة الرزية ل يؤدي إل إل فتح الجال للحرب ‪ ،‬وأن فترات الدوء النسبية الت يفرضها‬
‫الستبداد ليست إل هدنة بي معركتي ‪.‬‬
‫وما ل شك فيه أن الديقراطية وحدها ل تكفي لل إشكالية العنف الدن طالا ل تتوفر العدالة الجتماعية بصفة موازية‪ ،‬فتساهم بدورها الساسي‬
‫ـ يلق بؤر تولد جرائم القـ العام ‪ ،‬وتهـد لشتـ أشكال التمرد‬
‫ـ يتعمـق الظلم الجتماعـي ويتوسـع ‪ ،‬بقدر م ا‬
‫فـ العمليـة الديقراطيـة ‪ .‬فبقدر م ا‬
‫السياسي ‪.‬إن إقناع كل الطرف بدخول الرب الرمزية ليس أمرا سهل‪ .‬وقد تدخل فيها بعض القوى التصارعة ف الوقت الذي ترج منها أخرى‬
‫‪ ،‬لقناعتها بأن تلك الرب غي مدية‪ ،‬وأن الرب الفعلية أقصر الطرق لل مشاكلها‪ .‬وبالتال فإن الديقراطية ل تيا إل بقدر ما تستطيع إدماج‬
‫أكـب عدد مكـن مـن الطراف الجتماع ية حول هدف حقـن الدم ‪ ،‬والبحـث عـن وسـائل رمزيـة لتصـريف الع نف و حل الشاكـل التـ تثيهـا‬
‫اللمساواة‪ .‬لكنها ل تنجح ف هذه الهمة إل بقدر ما تد من انتشار بؤر الرفض واليأس الت يزرعها الظلم ف جسم الجتمع ‪.‬‬
‫***‬
‫ـ قبول التعددية ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫من ترتّبات تسارع حركة التاريخ أن الرء أصبح يعايش ف حياته صعود اليديولوجيات ث أفولا وتتابعها‪ .‬وهو أمر ل يكن معهودا ف السابق‪،‬‬
‫ح يث كا نت الجيال تع يش مدة قرون ف ظل إيديولوج ية قارّة (أي ف الوا قع ‪ :‬بال غة الب طء ف التغي ي )‪ ،‬ل كن قانون الكون ل يعرف شيئا ا سه‬
‫المود لي من مكوناته سواء أكانت من عال الفكر أو من عال الادة‪.‬‬
‫وقد عايش جيلي صعود نم الاركسية ف الستينات‪ .‬وأذكر أنه ل يكن بإمكان أحد أن يأخذ أدن موقف فكري أو سياسي بدون التموقع إما مع‬
‫الارك سية أو ضد ها‪ .‬ث أ سلمت الل حى ف الام عة ب عد طول التمر كس‪ .‬وعش نا ف ال سبعينات ن فس الظاهرة‪ ،‬فكان مور ها هذه الرة ‪ :‬التو جه‬
‫السلمي الصول ‪.‬‬
‫وف بداية الثمانينات ظهرت " حقوق النسان" ‪ ،‬فكان ل شرف معايشة تطورها ف بلدنا وف العال ‪.‬‬
‫إل أننا كثيا ما نسمع حديثا عن الديقراطية وحقوق النسان يقع فيه خلط بينهما ف غي مله‪ .‬فالديقراطية جزء من حقوق النسان ‪ .‬وهي على‬
‫وجه التحديد ‪ ،‬جلة القوق السياسية الت ضمنتها الفصول ‪ 21,20,19,18‬من العلن العالي لقوق النسان ‪.‬‬
‫فما يشكل جوهر الديقراطية الذي بدونه ل يتحقق النتقال من الفعل السدي إل الرمزي ‪ ،‬هو العتراف للخر بملة من القوق النسانية ‪،‬‬
‫والت منها القوق السياسية‪.‬‬
‫معن هذا أن الديقراطية ل يكن إل أن تعترف بالخر‪ ،‬وأن له جلة من القوق غي قابلة للتصرف‪ .‬وهي ل تستطيع أن توقف اعترافها بالخر ف‬
‫هذا اليدان السياسي فحسب ‪ ،‬وإنا يب أن يشمل العتراف كل القوق ‪ ،‬سواء منها الفردية أو القتصادية ‪ /‬الجتماعية‪ .‬لذلك يوز الشك ف‬
‫مدى ديقراط ية النظ مة ال ت ل تكترث بالقوق القت صادية والجتماع ية ‪ ،‬بل قد ي صح أن ن سميها بالنظمة الليبال ية أك ثر من اعتبار ها أنظ مة‬
‫ديقراطية ‪.‬‬
‫وحيث أن الديقراطية هي الزء التنظيمي والسياسي من "العتراف الكبي " الذي ل يتحقق بدونه سلم ول أمان ‪ ،‬فإنه ل بد من التوقف عند‬
‫حقوق النسان ‪ ،‬تلك الرجعية الضرورية لفهم الروح الديقراطية ‪.‬‬
‫إن القراءة التشبّعة للعلن تظهر أن القوق السياسية ـ الت تصلح أن تكون معيارا ف منتهى الياز والدقة عن مدى ديقراطية أي جهة ـ لا‬
‫ف الوا قع ن فس قي مة القوق الن سانية الخرى‪ .‬وهذه صياغة جديدة ف ميدان ال سياسة لطلب قد ي قدم الن سانية ‪ ،‬أو و هو مطلب الكرا مة‬
‫والعدالة ‪.‬‬
‫إن أصعب شيء ف هذه القضية هو كيفية إقناع كثي من العقائديي أن حقوق النسان ليست نقضا لا آمنوا به ف سعيهم الدؤوب لتحقيق كرامة‬
‫الن سان والجمو عة البشر ية‪ ،‬وإن ا هي حر كة جاءت لتعم يق النضال وتو سيع قاعد ته ف مواج هة تعدد الخفاقات ‪ .‬ك ما أن ا حل قة من سلسلة‬
‫سـتتواصل بعدهـا‪ .‬إناـ الشكـل الديـث لشروع قديـ‪ ،‬ولسـوف تظهـر حركات أخرى لترجةـ هذه الرادة الزليـة إذا فشلت حركـة " حقوق‬
‫النسان" وأصبحت هي نفسها غطاءا جديدا للستبداد التجدد ‪.‬‬
‫ومن بعض حوار الصم مع أناس هم أنفسهم ضحايا الستبداد ‪ ،‬وهم ف الن نفسه ضمان تواصله وتشبيبه ‪ ،‬قال أحدهم ‪ " :‬نن ل نؤمن بقوق‬
‫النسان‪ ،‬لنه بدعة غربية تتناف ف أصولا وفروعها مع شريعتنا السمحاء‪ ،‬أضف إل هذا (لحظ التناقض الول) أننا بغي حاجة إليها ‪ ،‬لن ديننا‬
‫وتراثنا ما يغنينا عن هذه الفكار الستوردة‪ ،‬ففقيه كل القوق النسانية الت يكن أن تطر على البال ‪ ،‬مع الفاظ على حقوق الجموعة‪ .‬فنكون‬
‫قد ضربنا عصفورين بجر‪.‬‬
‫أما ما يدعيه العلن من "عالية" فمحض افتراء‪ ،‬وإنا هي " الركزية الغربية" توهنا بعاليتها‪ ،‬لا تتوفر عليه من قوة الال والسلح‪ .‬وقديا وصف‬
‫ابن خلدون "ولع النهزمي بتقليد النتصرين وتقمص عاداتم‪."...‬‬
‫وصفّق جزء كبي من القاعة الكتظة ذلك اليوم ف كلية القوق بسوسة للطالب المام ‪ ،‬الذي عاد إل قواعده الصولية سالا ‪...‬‬
‫إنّ التحدي الول الذي يواجهه الطاب الصول الدين هو أن يبقى ف ميدان حقوق النسان دونيا‪ ،‬ناقصا‪ ،‬مبتورا‪ ،‬يتخبّط ف قيم ل تتجدد بعد ‪،‬‬
‫ل تثوّر ‪ ،‬ول تعصرن‪ ،‬ل تواكب أطور متطلبات النسان والنسانية‪.‬‬
‫والتحدّي الثا ن " أن ينعزل ‪ ،‬أو بالحرى أن ياول عزل نف سه عن هذا ال ضم الائل من الحداث والثورات التكنولوج ية ال ت تعرك الشعوب‬
‫والثقافات ‪ ،‬وتزجها رغم أنفها لتستخرج منها أناطا وأشكال جديدة‪.‬‬
‫والعزلة بطبيعة الال مستحيلة ‪ ،‬والحافظة على خصوصية دونية مسؤولية جسيمة‪ .‬والتحدي القيقي تثل ‪ ،‬وسيبقى‪ ،‬ف قدرتنا على أن نؤثر بقدر‬
‫ما نتأثر ‪ ،‬وف أن نقن العالية بأكب قدر مكن من عطائنا التميز‪ .‬لن العالية الت تفرض نفسها يوما بعد يوم ستصيغها الصوصيات التطورة ‪،‬‬
‫والغازيّة اللقة ‪ ،‬سواء أكانت غربية أو آسيوية‪ .‬أما الصوصية الغلقة الحافظة على جوهرها ‪ ،‬وعلى قيم دنيا فإنا ستتأثر حتما ‪ ،‬لكن دون أن‬
‫تؤثر ف شيء هام‪.‬‬
‫وقال الخر ‪" :‬نن ل نؤمن إل بقوق المة ‪ :‬حقها ف الوحدة ‪ ،‬ف المن العسكري‪ ،‬ف سلمة أرضها‪ ،‬ف بناء دولتها الواحدة ‪ ،‬وما عدا هذا‬
‫تعتيم وتويه‪.‬فما موقفك يا ترى من الونة الذين يتعاملون مع سلطات الحتلل الصهيون‪ ،‬أل يوز تعذيبهم لرغامهم على الدلء بعلومات عن‬
‫تعاملهم مع العدو ؟ وما موقفك من هؤلء العداء أنفسهم ؟ ألم حقوق فوق أرضنا السليبة ؟ وماذا عن جنوب إفريقيا ؟ هل يور باسم حقوق‬
‫النسان تركهم يتصون عرق مليي السود وصفّق جزء كبي من القاعة الكتظة ذلك اليوم ف كلية القوق بسوسة للطالب المام ‪ ،‬الذي عاد إل‬
‫قواعده القومية سالا‪.‬‬
‫قلت ‪" :‬سيناها مرحلة استقلل الشعوب تاوزا ‪ ،‬لنا كانت ف الواقع مرحلة استقلل الدول ‪ .‬ونن نؤمن بضرورة تكن كل شعب من تقرير‬
‫م صيه ‪ ،‬دون ض غط أو إكراه من طرف أي ش عب آ خر ‪ ،‬وإن تطلب ذلك الدفاع عن الن فس بال سلم‪ .‬لذلك ن ن بالضرورة وطنيون ‪ ،‬نا ضل‬
‫آباؤنا وأجدادنا من أجل حرمة الوطن واستقلله‪ .‬كما نؤمن أيضا بأن هذه الوطان الصغية مطالبة بالنصهار ف تمعات بشرية تتجاوزها ‪ ،‬لن‬
‫قدر النسانية ف التوحد ‪ ،‬وبالتال فإننا نعتب أن الدولة القليمية شكل مؤقت وزائل من أشكال التنظيم‪.‬‬
‫لكننا نلفت انتباهكم على أمر غفلتم عنه ‪ :‬ذلك أن الرية الوطنية كل ل يتجزأ ‪ ،‬ل نطلبها لنفسنا ونرفضها للخرين ‪ .‬لذلك أطالب بصفت‬
‫عرب وعروب بق تقرير الصي ‪ ،‬بل وبق النفصال للقليات الدينية والعرقية والقومية الت تطلب ذلك بحض إرادتا ‪ ،‬وف إطار حرية التعبي عن‬
‫آمالا ‪."...‬‬
‫و كم شعرت بالزي والعار‪ ،‬يوم جل ست و سط عا صفة رمل ية ت صطك ل ا ال سنان ‪ ،‬على أرض الض فة الي سرى لن هر ال سنغال ‪ ،‬و سط عشرات‬
‫اللجئي الوريتانيي الذين أطردوا من بلدهم ل لشيء إل لنم زنوج ‪ ،‬ل عرب ‪.‬‬
‫وأضفت ‪" :‬أما التضارب الفتعل بي حرية الشعب وحرية النسان ‪ ،‬فكلمة حق أريد با باطل‪ ...‬لن الشعب كما نعلم مكون من عدد من الناس‬
‫‪ ،‬فأي حرية لش عب ينع عنه حق التعبي ‪ ،‬وحق التنظيم السلمي‪ ،‬وحق ماسبة حكّامه! ؟ وأي حرية لش عب ل خيار له إل التمرد أو الستقالة‬
‫الماعية تت راية كرباج ‪ ،‬القائد اللهم ؟‬
‫إن الستقلل الول كان حقا عملية مربة للدول‪ ،‬للنظمة ‪ ،‬للزعامات ‪ ،‬للبيوقراطيات الاكمة‪ .‬وكان الشعب الجة والذريعة ‪ ،‬ال بّر والغطاء‬
‫‪ .‬ث اكتشف الناس ـ خاصة ف بعض الدول العربية الستقلة ـ أنم يضعون إل دكتاتوريات دموية رهيبة ‪ ،‬أين منها القمع الستعماري الذي ل‬
‫يصل ـ حت ف أوج هيمنته ـ إل بعض ما حققته هذه النظمة ‪ ،‬الت تصف نفسها بالوطنية والتقدمية والوحدوية ‪ !...‬؟‬
‫كفى خلطا ‪ ،‬فقد تفتحت أعيننا ‪ .‬لذلك نريد متابعة مسية التحرر الت افتتحها الجداد ضد الطغاة الجانب‪ .‬نريد أن نواصلها نن ‪ ،‬لنجعل من‬
‫الستقلل الثان تتمة لكل هذه النضالت ‪.‬‬
‫وقال آ خر ‪" :‬ن ن ل نؤ من بقوق الن سان لن ا بد عة بورجواز ية ‪ ،‬تتنا ف ف أ صولا وفروع ها مع دكتاتور ية البوليتار يا‪ .‬هذه العقيدة تنادي ب ا‬
‫البورجوازية الصغرى ‪ ،‬التمسحة بأعتاب المبيالية الكمبادورية ‪ .‬فالعمال والفلحون الذين يعانون أبشع أنواع الستغلل الادي ‪ ،‬باجة إل‬
‫الريات القيقية الت تضمنها الشتراكية العلمية‪ ،‬با توفر لم من عمل ومسكن وحقوق صحية‪."...‬‬
‫وصفّق جزء كبي من القاعة الكتظة ذلك اليوم ف كلية القوق بسوسة للطالب المام الذي عاد إل قواعده سالا‪.‬‬
‫قلت ‪" :‬تتكلم سـحريا‪ ،‬وكأن الشيوعيـة ل تنهار بعـد ‪ ،‬وكأن ألانيـا الشرقيـة وبولونيـا والجـر وتشيكوسـلوفاكيا ل تلـ على التقاعـد الحزاب‬
‫الشيوعيـة فـ أول انتخابات حرة ‪ .‬وكأن التاد السـوفيات ل ينفجـر بعـد ‪ ،‬ول يتضـح عمـق فشـل النموذج اللبانـ فـ تقيـق كرامـة الشعوب‬
‫الصغية‪ ،‬ول تقمع مظاهرات الشباب ف بيكي الذي شيد تثال للشيوعية فحطمته الدبابات الرجعية !"‪.‬‬
‫تش عر وأنت تاور بعضهم إل أي در جة هم ناقمون على الشعوب‪ ،‬على الوا قع ‪ ،‬على الب شر عا مة ‪ ،‬لن م كذبوا و سفهوا المال والحلم ال ت‬
‫أتت با "النظرية القدسة" ‪ .‬هؤلء الناس كتب عنهم "قاليلي" منذ قرون قائل ‪ :‬إنم يفضلون تغيي ما بسماء الطبيعة‪ ،‬حت ل يضطروا إل تغيي‬
‫حرف من حروف أرسطو"‪ .‬يداوون آلمهم بمل من نوع ‪" :‬ما أجل الاركسية وما أقبح الاركسيي "‪.‬‬
‫للمخل صي من هم نقول ‪ :‬غلّف تم الا جة الق صوى للكرا مة بطالب هي ف القي قة شرع ية وعمل ية ‪ ،‬كال ق ف الع مل والتعل يم والغذاء وال صحة‬
‫والثقافة والترفيه ‪ ،‬لكن كان ذلك برداء الدكتاتورية‪ ،‬فجاءت النتيجة كما رأيتم ‪ :‬شعوب بأكملها وبكل طبقاتا تلفظكم لفظا ‪.‬‬
‫فما السبب ؟‬
‫‪-‬لن الدكتاتورية إن عدلت ‪ ،‬وقلما تعدل ‪ ،‬لن تقوم إل بتوزيع مزيد من الفقر الماعي ‪ .‬والشعوب‪،‬هذه الكائنات النانية ‪ ،‬تريد أن تقق‬
‫الثروة والرخاء ‪ ،‬ولو بثمن التفاوت ‪.‬‬
‫‪-‬لن القوق كأصابع اليد الواحدة‪ ،‬والرء ل يقبل أن يضحي بالسبابة من أجل البام‪ ..‬ولقد قلتم ‪ :‬نضحي يالريات الفردية والماعية ليتمتع‬
‫الناس بالريات القيقيـة التـ تقيهـم اسـتبداد الوع والعرى والهـل والرض‪ .‬لكـن اتضـح بالكاشـف أن هذا اليار أدى إل اسـتبداد الزب‬
‫الواحد والشرطة السرية وصغار الكتبة وكبار الطغاة‪ .‬فاستحالت حت اللقمة نفسها من جراء هذا النظام الذي نا ‪ ،‬كسرطان جاعي ‪ ،‬التواكل‬
‫والكسل وشت مظاهر الستقالة الماعية‬
‫فإن أردت أن تكونوا نزهاء مع أنفسكم‪ ،‬فقد آن الوان لستخلص العب ‪ :‬إن الريات ‪ ،‬كما ورد ف العلن العالي لقوق النسان ‪ ،‬وحدة ل‬
‫تتجزأ ‪ .‬وبالركات الفرديـة والسـياسية تكون الريات القتصـادية والجتماعيـة ‪ ،‬التـ باـ تتعمـق الريات الفرديـة ‪ ،‬وتدعـم تبعـا للحريات‬
‫السياسية‪ ..‬وهكذا‪.‬‬
‫أما وقد دفعتم الشعوب معكم ثنا باهظا لنظرية ترى بأن "نضحي بالقوق لضمان لقمة العيش " والال أن القوق هي الت تضمن هذه اللقمة‪،‬‬
‫فلم ببق لكم إل إعادة صياغة كل الشعارات ‪ .‬فهل لكم ف شعار كهذا‪ ،‬من الن فصاعدا ؟‬
‫الدخل إل الدينة الفاضلة‪ ..‬ل يكون إل عب " ديقراطية" البوليتاريا ‪.‬‬
‫ويب قى على خطاب حقوق الن سان أن يوا جه تديات أخرى ‪ .‬إذ تحور هذا الطاب لعدة سنوات وعقود ‪ ،‬حول القوق الفرد ية وال سياسية ‪،‬‬
‫وذلك لسببي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ النتهاكات الصارخة لذه القوق ‪ ،‬من طرف النظمة الستبدادية‪ ،‬سواء منها الاركسية أو الت تعتمد نظريات أخرى ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ يرجع العامل الثان إل طبيعة تلك الشرائح الجتماعية الت واجهت هذا الستبداد ‪ ،‬معتمدة على مبادئ حقوق النسان‪ .‬هي نب مثقفة‬
‫استطاعت تقيق قدر معقول من القوق القتصادية والجتماعية لنفسها ‪ ،‬ث توجهت بعد ذلك إل الطالبة بالقوق الفردية والسياسية ‪ ،‬متناسية‬
‫أحيانا أن "العلن العالي " ل بفضل بي الجالت الثلثة للحريات ‪ ،‬بل يعتبها مترابطة بينها ‪.‬‬
‫إن حقوق النسان هي ‪ ،‬ف جوهرها ‪ ،‬أول وفاق عالي من نوعه على الشروط الدنيا ‪ ،‬الت ل بد من تواجدها حت ل تنتهك كرامة النسان ‪.‬‬
‫مع العلم أن هذه "الكرامة" ليست حصيلة "القوق" ‪ ،‬وإنا القوق هي حصيلة الكرامة‪ .‬فهي سابقة ومتقدمة على كل القوق ‪ ،‬كما أنا موجودة‬
‫‪ ،‬بقطع النظر هل تواجدت القوق أم ل ‪ ،‬مثلها ف ذلك كاستمرار وجود الشمس ‪ ،‬سواء أحجبتها السحب أم ل ‪.‬‬
‫وهذا يعن أن القوق السياسية الت نسميها ديقراطية ‪ ،‬تثل التصور العاصر والكثر نضجا وتقدما ‪ ،‬لنوعية الليات السياسية الت تكّن أحسن‬
‫من غيها من بلورة خاصية الكرامة الفردية والماعية‪.‬‬
‫إن مأساة الستبداد أنه يتعرض للقيمة النسانية الول (الكرامة) ‪ ،‬وللحاجة الول (ال سّلم) وللخاصية الول (إرادة الشاركة) ‪ ،‬حت وإن ادّعى‬
‫كعادته خدمة كل الهداف‪.‬‬
‫تكذّب اللح ظة الوضوع ية لوضع ية الفرد والما عة هذا الدعاء ‪ ،‬وتظ هر ك يف ت صطفى الالة ال ستبدادية الذل كت صرف ‪ ،‬والذل كمو قف ‪،‬‬
‫والذل كوسيلة للعيش والتمعش ‪ ،‬وحت الذل كقيمة‪.‬‬
‫وهو ما ل يعن بالطبع أن اليديولوجيات والعقائد ل تبحث عن الكرامة‪ ،‬لكن اعترافها بـ "بالخر" مدود ومنقوص ‪ ،‬خاصة وأنا تتوي على‬
‫بذور واستعدادات للتهيكل ف أشكال استبدادية ‪ ،‬تقلب الشروع إل نقيضه‪.‬‬
‫إن الديقراطية ف شكلها العاصر ليست نظاما سياسيا بقدر ما هي الزء السياسي من أشل وأعمق اعتراف بكرامة النسان ‪ ،‬هذا العتراف الذي‬
‫تطّى حواجز العرق والدين والنس واللغة والطبقة‪.‬‬
‫إنا ثورة قيمية ترتكز على ثورة أخرى ل تقلّ عنها خطورة‪ ،‬بدونا تكون سطحية أو ناقصة‪.‬‬
‫***‬
‫ـ العقليـة العلمية‬ ‫‪3‬‬
‫قد يبدو من التج ن على القي قة واللفاظ أن نقول إن العلم " ب طبيعته" ديقرا طي ‪ ،‬وأن الديقراط ية ل تترعرع إل و سط تر بة أخ صبتها عقل ية‬
‫علمية ‪ ،‬ومع ذلك فإن لذا الرأي ما يدعمه ويعززه‪.‬‬
‫نن ندور ف حلقة مفرغة منذ أربعة عشر قرنا ‪ ،‬لننا نلك عقل معقول (من عقل الشيء أي منعه عن الركة) ‪ .‬وهو معقول أساسا بالانع الدين‬
‫السياسي‪ ،‬والثان هو الوجه الخر للول‪.‬‬
‫وإذا اعتبنا أن العلم ليس التقنية وأنه ‪ :‬شت أصناف العرفة الرتكزة على استعمال العقل ‪ ،‬فمن البديهي أن شرعية التفكي ‪ ،‬سواء أوافق العهود‬
‫أم خالفه‪ ،‬هي الحرك الفي الذي يكّن من استكشاف ميدان ما بقدر ما تقلّ قدرة الجتمع على إنتاج العرفة‪.‬‬
‫لنذهب إل أبعد من هذه الفكرة البديهية‪.‬‬
‫رأينا أن الرب الرمزية هي حرب لغة بالساس‪ ،‬إنا تبادل صارخ متشنج وأحيانا عدوان وعنفوان للكلم ‪ .‬وله أن يكون ذلك طالا ل يتجاوز‬
‫الط الحر ‪ ،‬أي الرور إل العنف السدي‪.‬‬
‫وعلى الديقراطي أن كون ‪ ،‬بداهة ‪ ،‬قادرا على الستماع إل رأي الصم أي إل نقده الذي يتمل أن يكون جارحا أو حت ظالا‪ ،‬كما يكن أن‬
‫يكون بنّاء أي ضا‪ .‬وقدرة الديقرا طي تك من ه نا ف مواجه ته بال جة ل بالع نف‪ .‬فل ي ق له أن يفرض صوته وي سكت ال صوات الخرى ‪ ،‬وإن‬
‫اعتبها نشازا ‪.‬‬
‫أليس هذا ما يقع بالضبط ف "التفكي العلمي " ؟‬
‫ل شيء أشق ‪ ،‬عند البتدئ ف ميدان البحث العلمي‪ ،‬من ضرورة بلورة الفرضية ‪ ،‬نظرا لهيتها فالعلم ليس وصفا للشياء بقدر ما هو تفسي‬
‫لا‪ .‬ومن ث فهو مطالب بالرد على سؤال مدد‪ .‬أما الفرق بي الفكر العلمي والل علمي فهو أن الول يقبل أن يكون ردّه معارضا لتصور عام‪ ،‬أو‬
‫لصال معينة أو لفكار قدية‪ ...‬ف حي أن الثان يرفض ذلك رفضا كليا ‪.‬‬
‫وف الفكر العلمي ‪ ،‬يكن أن يكون الرد على السؤال بـ ‪ ( :‬أ ) أو ( ب)‪.‬‬
‫أما ف الفكر الل علمي‪ ،‬الرد على السؤال بـ (ب) غي وارد‪ ،‬وقد يترتب عنه ما ل يمد عقباه‬
‫إن الفرضية ف الفكر العلمي هي إجابة مسبقة على سؤال مطروح ‪ ،‬لكنها إجابة مؤقتة يقع قبولا أو رفضها بعد التثبت من صحتها‪ .‬والهم من‬
‫هذا أن قبولا أو رفضها ل يضع لنطق سلطوي ‪.‬‬
‫فل نب ف العلم ‪ ،‬يكون خات العلماء ول فرض لقيقة ما بحاكم التفتيش كما ل تكفي لن خالف الرأي العام وشذ عن الماعة‪.‬‬
‫فأنا أستطيع أن أختلق ما شئت من التفا سي ‪ ،‬ل كن عل يّ أن أث بت أو أبر هن صلح فرضيت ‪ .‬أ ما ف الف كر الل علمي فل مال لتقدي التفا سي‬
‫القنعة‪ ،‬بل "اللزام " هو كل ما يستطيع أن يفرض به الفكر الل علمي ‪ ،‬أي الفكر الستبدادي ‪" ،‬حقائقه" هذه ‪.‬‬
‫كيف يكن البت ف صحة الفرضية ؟‬
‫و ف العلم ‪ ،‬ت ستعمل عدة و سائل ح سب الشكال ية وموضوع ها ‪ :‬فالتجر يب ف العلوم الطبيع ية‪ ،‬والقياس والقار نة ب ي مموعت ي ف ال طب‪،‬‬
‫والتحليل والستجواب والحصاء ف العلوم النسانية ال ‪ ...‬أي هي دوما مقارعة الرأي بالرأي‪ ،‬والرأي يكم الواقع ‪.‬‬
‫إن التت بع لتطور أي مفهوم عل مي يوا جه بالتغ ي الدائم إن ل ي كن بالتنا قض والتضارب والتكذ يب الذا ت‪ .‬لذا ال سبب ‪ ،‬تع تب القائق التطورة‬
‫"علمية" ‪ ،‬إذ أن النسان العال هو ذلك الاهل الواعي بهله‪ ،‬أما الاهل فهو ذلك العال الغتر بعلمه‪.‬‬
‫والغر يب إذن ‪ ،‬هو ذلك اللط الذي ي قع ف يه الناس ب ي العلم والقي قة الكتملة‪ .‬وير جع ال سبب ف ذلك إل ما ل يلحظو نه من فاعل ية‪ ،‬غ ي‬
‫واعي أنا فاعلية متطورة ‪ ،‬لنا تراجع نفسها دوما من السن إل السن ‪ .‬فهذه الرونة هي الت نقلتنا من الطائرات الروحية الشبية ف بداية‬
‫القرن إل قاذفات الصواريخ نو الريخ ‪.‬‬
‫إن تطور معارفنا ف مالت التقنية والنهجية ‪ ،‬وتزايد عدد الباحثي ‪ ،‬وتعقّد الشكاليات وتغييها‪ ،‬هي نفسها الت تعل النتيجة العلمية عكس ما‬
‫يظنه التعلمنون ‪ ،‬فهي ‪ ،‬خلفا للتصور الاهل ‪ ،‬ليست مرادفة للثبات والدوام والدقة ‪ ،‬وليست مرادفة للحقيقة ‪ ،‬بل هي على عكسها ناقصة ن‬
‫مبتورة ‪ ،‬متطورة ‪ ،‬متناقضة ‪ ،‬متضاربة‪.‬‬
‫إن ال ستبداد ال سياسي هو ل ر يب أه مّ إفرازات الف كر ال ستبدادي الذي ير فض الرأي ال خر وياول إخاد صوته ويرت كز على مفهوم كليا ن‬
‫ص به دون غيه‪ .‬والعكس بالعكس ‪ ،‬إذ ل يكن أن يكون الرء ديقراطيا ما ل يضف إل قناعاته خصائص الفكر‬
‫للحقيقة كمعطى ثابت مكتمل خ ّ‬
‫العلمي وأساسا خاصية "النسبية" وما ل يتعلم قبول الرأي الخالف والتفاعل معه من منطلق بعيد تاما عن استعمال وسائل القوة وأساليبها‪.‬‬
‫وقد يتج البعض على هذا الرأي بأن دول استبدادية رعت العلم وطورته ‪ .‬والقيقة أن التحرر كل ل يتجزأ‪ .‬ومن ث ‪ ،‬تد الدولة الستبدادية‬
‫نفسها ‪ ،‬إن عاجل أو آجل ‪ ،‬ف مواجهة مع طرق تفكي خطية ودخيلة عليها ‪.‬‬
‫هذا ما حدث مثل ف التاد ال سوفيات سابقا عند ما حاول النظام أن يتعرض للبيولوج يا وأن يلق عل ما خاصا به‪ ،‬ال مر الذي ت سبب ف ظهور‬
‫فضي حة مشهورة عر فت بقض ية لي سنكو‪ ،‬وت سبب ب صفة خا صة ف انيار هذا ال قل من العلوم لدة طويلة ‪ .‬هذا بالضا فة على أن انتشار الف كر‬
‫العلمي ‪ ،‬أي فكر التحرر والنقد والراجعة ‪ ،‬هو الذي ضرب الفكر اليديولوجي للسلطة ف الصميم وعرّاه كفكر بدائي سحري ل يفرض نفسه‬
‫إل بالقوّة ‪.‬‬
‫لقد كان ساخاروف عدوا للستبداد ‪ ،‬ل لنه كان مناضل من أجل حقوق النسان فحسب ‪ ،‬ولكن لنه كان أيضا رجل علم ‪.‬‬
‫إن العقل الطلق من عقاله هو إذن دعامة الستقلل الثان‪ .‬لكن لاذا ؟‬
‫لن الوظيفة الول للعقل هي التقييم ‪.‬‬
‫أما إذا حرّم التقييم الفكري ـ أي ترر العقل ـ لسبب أو آخر ‪ ،‬فستكون خاتة السلسلة ‪ :‬استبداد الزعيم واستبداد الوظف واستبداد الشرطي‬
‫والسياسي‪...‬‬
‫وكما رأينا‪ ،‬الستبداد هو عمل الفكر البدائي ف ميدان السياسة‪ ،‬نرى أيضا أن "الفكر العلمي" هو سياسة التحرر الفكري ف ميدان العرفة‪.‬‬
‫يتضح إذن أن الديقراط ية هي ف الو قع إحدى شروط التح قق‪ ،‬ونتاج عمل ية التحرر ف الف كر ق بل أن تتبلور هذه الخية ف آليات ا التحررة ف‬
‫ميدان السياسة‪.‬‬
‫تضرنا هنا ضرورة التفريق بي الرية والتحرر‪.‬‬
‫فممّا ل شك فيه أن الرية مفهوم غي جدي‪ ،‬فهو ل يصف شيئا موجودا ول يدعم طموحا شرعيا ول ينبئ بشروع قابل للتحقق‪,‬‬
‫كما أنه ل يصف شيئا موجودا ‪ ،‬لنه ل يعرف ف الكون شيئا يتحرك خارج حدود الزمان والكان وضوابط متلف القواني ‪ ،‬وعراقيل ل عد لا‬
‫ول حصر ‪ .‬أما تلّص روسو بقوله ‪ :‬إن الرية هي الضوع للقانون ـ أي لا يد من الرية ـ فإنه ل ينقذ الفهوم وإنا يعمق مشاكله‪ .‬فأنت إن‬
‫خضعت للقانون أو تردت عليه‪ ،‬تعترف بأن الرية يب أن تعرّف بنقيضها ‪ ،‬وأنا ل توجد إل مدودة أي غي حرة‪ .‬كذلك ل يدعم الفهوم أي‬
‫طموح شرعي ‪ ،‬لن الرية هي ف الواقع حلم مطلق السلطة‪ .‬ومطلق السلطة هو مطلق الطر على الذات والعال‪.‬‬
‫وأخيا ل معن للحرية كمشروع قابل للتحقيق ‪ ،‬ل لنا غي مكنة وغي مرغوب فيها‪ ،‬وإنا لن تستطيع الحافظة على ذاتا طويل بوجب قانون‬
‫هيقليط‪ /‬لوتسه الذي يسن أن الشيء ل يوجد إل بنقيضه‪ ،‬وأنه متحرك متغي ل يثبت على شكل أو حالة‪.‬‬
‫إن الفكرة النطقية الوحيدة الت يكن أن تنقذ الصطلح إذا أصبحت مرادفة له هي ‪" :‬قدرة الختيار " ‪ .‬مع العلم أن هذه الخية ليست خاصية‬
‫يتاز با النسان وحده‪ .‬فخلفا للجماد‪ ،‬نلحظ أن كل كائن حي حر ‪ ،‬ل يشعر أنه مدفوع أو مذوب أو متحرك أو خامد أو ساكن بفعل قوي‬
‫فيزيائية عمياء ل مرد لا ‪ .‬بل يشعر أنه يستطيع أن يذهب يينا أو يسارا ف البحث عن غذائه وأن له أن يرب فيخطئ أو ينجح ‪ ،‬كثمن يستحقه‬
‫لختياره هذا الطريق أو ذاك‪.‬‬
‫والختلف الوحيد بي الحياء ف هذه القضية يكمن ف اتساع هامش الختيار أو ضيقه‪ .‬لكنه ل يثل "حالة" نعيشها ‪ ،‬وإنا "فعل" تفرضه الياة‪.‬‬
‫وهو ما سيمكننا من النتقال إل تصور أكثر فاعلية " للحرية"‪.‬‬
‫وف مواجهة هذا الفهوم غي الدي للحرية‪ ،‬نكتشف خصوبة مفهوم التحرر وأهيته‪ .‬إذ نن هنا نتعامل مع الواقع والوجود والديناميكي والمكن‬
‫والضروري والشرعي‪.‬‬
‫ـ لسـنا فـ مواجهـة "حالة" وإنّمـا ننـ أمام حركـة مبنيـة على اليار الدائم وتمـل ترتّباتـه ‪ .‬تدّم وتتجاوز العوائق الذاتيـة (الوف) والعوائق‬
‫إنن ا‬
‫الوضوع ية (ال هل ) والقوالب الفكر ية الامدة والقوان ي الظال ة والشكال اليات ية القدي ة‪ ،‬وال سلطات اللشرع ية‪ ،‬لتب ن على النقاض أشكال‬
‫وحالت وقواني أكثر تلؤما مع حاجيات النسان‪ .‬وهي‪ ،‬نظرا لتجدد العوائق والدود ‪ ،‬حركة ل ناية لا ول أمل ف أن تملنا إل مطة نائية‬
‫أسها ‪ :‬الرية‪.‬‬
‫إن التحرر فـ القيقـة ليـس إل ظاهرة تدد الياة‪ .‬وقوة التحرر تعكـس حيويـة الياة وقدرتاـ على التواصـل ‪ ،‬عـب التجدد والتأقلم والتطور‬
‫والتحسن والبء من كل المراض الت تلحقنا‪.‬‬
‫وهذا يعن أن مرك الديقراطية هو ذلك الستعداد الذهب الذي يبتلور أساسا ف العلم ‪ ،‬أي ف قدرة النعتاق من ك ّل الشكال التحجرة التكلسة‬
‫لبناء أناطا أرقى على أنقاضها‪ .‬وأن الديقراطية لن تكون إل حيث وجد هذا التحرر الفكري‪ ،‬الذي سيجد له أكثر من ميدان يثبت فيه فاعليته ف‬
‫مواجهة فكر الستبداد‪.‬‬
‫***‬

‫الفصل الثالث‬
‫الليــات‬
‫الدعامات‬
‫يقول ادجار موران ‪" :‬ل بد من العتراف بفشل ثورة القرن العشرين ‪ ،‬لكن تاريخ النسانية متواصل"‪.‬‬
‫كيف ل نشاطر موران هذا التشخيص القاسي ‪ ،‬ومظاهر فشل الثورة واضح للعيان‪ ،‬وتتجلى كأحسن ما يكون التجلي ف ثلث ‪:‬‬
‫لقد تنبأت ف القرن الاضي نظريات التحرر بانيار الرأسالية العالية‪ ،‬إل أن هذه الخية ل تزال على اليوم ف أوج سيطرتا ‪ ،‬رغم ما تعانيه‬
‫النسانية من نتائج سلبية خطية‪ ،‬كتفّشي البطالة ‪ ،‬والفوارق بي الطبقات والشعوب‪ ...‬إل ‪.‬‬
‫تخضت حركات التحرر ف العال الشتراكي (سابقا) والثالث (دائما) عن بناء دول عسكرية أو بيوقراطية‪ ،‬حققت للشعوب القموعة من طرف‬
‫الستعمار والرأسالية بعض النازات السياسية‪ ،‬لكنها سجنتها داخل أنظمة تطيء لكن ل ياسب فيها إل من ندد بالطأ ‪.‬‬
‫وهكذا رأينا رومانيا تزداد فقرا ف ظل آل شاوشسكو‪ ،‬وانتصاب الكم الوراثي عند آل كيم ايل سونج ف كوريا ‪ ،‬وتظاهر العمال الكاثوليك‬
‫" أفيون الشعب " لتقاوم حزبا عميل مدعوما من الارج‬ ‫ضد حزب شيوعي يقوده العسكر‪ .‬كما رأينا أمة كاملة ف أفغانستان تتوحد باسم‬
‫يريد أن يقودها إل النة بالسلسل‪ .‬هذا ‪ ،‬بالضافة إل ناح ثورة دينية ف اقتلع شاه إيران الذي فشلت ف مواجهته كل حركات اليسار‪.‬‬
‫تاوى خطاب الداثة ف البلدان العربية والسلمية‪ ،‬فظهر قصور النظرية وسطحيتها وتكذيب الواقع لا‪ .‬وأصبح جلة من البتذلت الت يرددها‬
‫تلميذ الثانوي البتدئ والسياسي التخلف واليديولوجي التعصب وهو ف حالة انفصام متقدمة ‪ .‬وبانيار مصداقية خطاب الداثة ‪ ،‬برز إل‬
‫الوجود الطاب السلفي واحتل الساحة‪ ،‬فأصبح خطابا للتحرر التقدمي‪ ،‬واتذ له موقع الدفاع عن النفس أمام فكر فرضت عليه العودة إل‬
‫إشكاليات الثلثينات ‪.‬‬
‫إن انتشار الطاب السلفي ‪ ،‬بختلف أشكاله‪ ،‬ظاهرة عالية‪ .‬فهناك الصولية السلمية والصولية الندوسية‪ ...‬وكلها تتعامل بنفس العقلية‬
‫وتقترح نفس اللول لنفس الشاكل ‪.‬‬
‫تتعلق هذه الشاكل الت تس كل شعوب العال ‪ ،‬بالخطار الت تدد الوية‪ ،‬وباتساع الوة بي الطبقات والشعوب‪ ،‬وبانتشار العنف الدن‬
‫والسياسي‪ ،‬وبفشل كل اليديولوجيات ‪ .‬ما تسبب ف "ردة الفعل " الت نشهدها اليوم لدى الطاب الدين ف تعامله مع الواقع ‪ .‬وهي ردة فعل‬
‫ساعدت على بلورة ما نسميه بـ "فكر الردة" الذي توهم بأن التقوقع على الدين والعرق والوطن سيشكل الخرج والهرب ‪.‬‬
‫وف القابل هل يكن أن تكون الديقراطية وها جديدا وسرابا خادعا تتعلق به بكل أهدابنا وجوارحنا ‪ ،‬لنكتشف ف يوم ما‪ ،‬كما اكتشف الروس‬
‫‪ ،‬أنا هدية مسمومة‪ ،‬وأنا قد تكون جزءا من الل ولكنها ليست بالضرورة الل الرجو ؟‬
‫إن القاعدة الت يضع لا كل الكون ‪ ،‬وقد سيتها قانون هيقليط‪/‬لوتسه ‪ ،‬هي أيضا أن الشيء ل يوجد إل بنقضيه ‪ .‬وأن من طبيعة هذا الشيء‪،‬‬
‫سواء أكان من الادة الية أو العدنية‪ ،‬أم من الفكر أو التنظيم ‪ ،‬أن ير ف البدء برحلة النشأة‪ ،‬ث يتطور ‪ ،‬ث يهرم ‪ ،‬لينتهي به المر ف الخي إل‬
‫الوت والفناء‪ .‬ومن ث ‪ ،‬يتضح لكل من يؤمن بإيديولوجية وتنظيم ‪ ،‬ولكل من يسعفه الظ يوما ا بوضع نظام سياسي ‪ ،‬أن يكلف نفسه ‪ ،‬قبل أي‬
‫مبادرة ‪ ،‬بالرد على سؤال بسيط ‪:‬‬
‫باذا يوت هذا الفكر ‪ ،‬أو هذه اليديولوجية ‪ ،‬أو هذا النظام ؟‬
‫إن موت النظمة واليديولوجيات والدول أمر حتمي حتمية موت الكائنات البيولوجية ‪ ،‬وحتمية موت الكواكب والنجوم ‪ .‬ولكن يكمن الفرق‬
‫فقط ف الدة الزمنية الت تتطلبها العملية‪ .‬فل غرابة إذن أن يكون الوت قدر النظام الديقراطي حت ف البلدان الت نظنّها اليوم راسخة القدم ف‬
‫تقاليده ‪.‬‬
‫من منا كان قادرا ف الثلثينات على تصور انقلب روسيا إل دولة رأسالية تنخر فيها الافيا ف ناية هذا القرن ؟ وهل يكون هذا أكثر استحالة من‬
‫احتمال تفكك الوليات التحدة إل دول عنصرية‪ ،‬ف القرن القبل ؟‬
‫حقا يصعب التنبؤ بأمر كهذا ‪ ،‬بل وربا كان مستحيل نظرا لتعدد وتعقد الظواهر ذات الصلة بذه القضية‪ ،‬ونظرا للظهور الفاجئ أو الختفاء غي‬
‫التوقع للف معطى ومعطى‪ .‬لكننا نستطيع القول بأن أول بلد مهدد اليوم بالعودة إل شكل أو آخر من الستبداد هو نفس البلد الذي يريد‬
‫تصدير قيم الديقراطية ‪ ،‬وبسط حايته على أنظمتها ومناضلتها خارج حدوده ‪.‬‬
‫ويكمن أصل الطر بالساس ف تعايش آليتي متناقضتي داخل الجتمع ‪ :‬فمن جهة ‪ ،‬يوجد الهاز السياسي الذي ينظم الرب الرمزية ‪ ،‬ومن‬
‫جهة أخرى هناك الهاز القتصادي الذي يعمق الفوارق الجتماعية ‪ ،‬ويهمش ويفقّر قطاعات متزايدة من الشعب ‪ .‬وهكذا يساهم من حيث‬
‫يدري أو ل ‪ ،‬ف إمكانية العودة إل الرب الدموية‪ .‬وهنا‪ ،‬يق لنا أن نتساءل ‪ :‬هب حقّا ل تبدأ بعد هذه الرب ‪ ،‬إذا اعتبنا أن جزءا كبيا من‬
‫العنف هو عنف له جذوره القتصادية والسياسية‪.‬‬
‫إن انتشار ظاهرة اليليشيات العسكرية (وكان ظهورها ف لبنان أول بوادر الروج من الرب الرمزية إل الرب الدموية) ‪ ،‬مع انتشار السلح‬
‫والهتراء التزايد للجهزة السياسية نفسها ‪ ،‬لي علمات خطر متعاظم‪.‬‬
‫وف هذا الطار الذي تشكّل فيه الفاجأة العنصر الدائم للتاريخ ‪ ،‬هل ستتمكن الشعوب العربية ‪ ،‬أو بعضها على القل ‪ ،‬من بناء ديقراطيات راقية‬
‫وطويلة العمر‪ ،‬إما مباشرة بعد النيار التمي لنظمة الستقلل الول ‪ ،‬أو بعد جولة استبدادية دينية ربا تطور أو تقصر ؟‬
‫وهل من حسن حظنا أو من سوءه أننا ل نب إل حد الن ول دولة ديقراطية واحدة ‪ ،‬وأن هناك تربة ضخمة لشعوب الوار تت التصرف‬
‫والطلب ‪ ،‬ما يوفر إمكانية بناء ديقراطية متقدمة وطويلة العمر ؟‬
‫من البديهي أنه ل يكن إلغاء قانون "هيقليط‪/‬لوتسه" ‪ ،‬ولكن من الثابت أننا نستطيع أن نبن مؤسسات كما نبن بيوتا تدوم أطول وقت مكن‬
‫إذا اعتبنا تطور تقنيات البناء وتارب الخرى‪.‬‬
‫وقد يبدو من العبث طرح السؤال التال ‪ :‬كيف توت الديقراطية قبل أن ترى النور ف بلدنا ؟ إل أن هذا السؤال ـ على غرابته ـ يكّن من‬
‫فهم أعمق للديقراطية ومشاكلها ‪ ،‬ناهيك عن صبغته الت ستظهر عاجل أو آجل‪.‬‬
‫لنتعامل إذن مع الوضوع بذهاب وإياب دائمتي من النظرية إل الواقع ‪ ،‬ومن التجربة إل السلبيات ‪ ،‬ومن الوجود إل النشود ‪ ،‬لنستخرج‬
‫الطوط العريضة لديقراطية طويلة العمر ‪ ،‬يب أن نزرعها من اليوم ف أوطاننا إن أردنا أن يكون لنا نصيب من الستقبل ‪.‬‬
‫يكن للديقراطية بطبيعة الال أن تهض أو أن تولد ميتة أو توأد وهي ف خطواتا الول‪ .‬وهذا يدث إذا ل تتوفر العقلية الديقراطية وروحها ‪،‬‬
‫أو إذا كان ضغط الشاكل يعل المثلي الجتماعيي يفضلون الرب الدموية على الرب الرمزية لعتقاد ساذج بأنا تتصر الطريق على العال‬
‫الفضل ‪ ،‬والال أنا ل تسبب إل إراقة الدماء وإضاعة الوقت والفرص ‪.‬‬
‫أما إذا توفرت شروط بناء آليات الديقراطية (التمثلة ف ‪ :‬العقلية الديقراطية وروحها ‪ ،‬والجاع على الدف)‪ ،‬فل يكن أن يأت الوت إل نتيجة‬
‫دبيب الرم والعجز داخل هذه الليات ‪ ،‬مثلما يأت الوت إل الي بسبب عطب ف القلب أو بروز سرطان ف الثانة ‪ ،‬أو نتيجة الوهن التزايد‬
‫والتناسق للرئتي والكبد والكليتي ‪ ،‬بقطع النظر عن إرادة الياة واتباع كل قواعد المية ‪.‬‬
‫فلو تعنا ف عمل آليات الديقراطية الغربية الت تبدو اليوم أكثر الليات تقدما ‪ ،‬لتمكنا من تشخيص جلة من المراض الت يكن أن تكون‬
‫السبب الباشر أو غي الباشر ف عودة الستبداد إل أعرق الديقراطيات ‪.‬‬
‫إن النظام الديقراطي بناء ممول على أربعة أركان ‪ ،‬إن انار ركن تصدع البناء ‪ ،‬وإن أصاب الوهن أكثر من ركن انار كل النظام ‪ ،‬هذه‬
‫الركان هي ‪ :‬القضاء الستقل ‪ ،‬والصراع العلمي ‪ ،‬والشاركة ‪ ،‬والتجدد السلمي للسلطة‪.‬‬
‫***‬
‫ـ تنظيم الحرب السلميـة‬ ‫‪1‬‬
‫كانت الوامر الت تنطلق من قمة دولة الستقلل الول إل قاعدته من نوع ‪" :‬اعملوا‪ ،‬فسيى الزعيم أعمالكم ‪"...‬‬
‫وقد انار الرم على رأس صاحبه‪ ،‬من أوروبا الشرقية إل جل بلدان العال الثالث ‪ ،‬لنه كان موضوعا على ذبابته ل على قاعدته ‪ .‬والقانون هو‬
‫القانون ‪ :‬فأي دولة تبن على هذا الساس ‪ ،‬تكون معدة للتلف لا يفرزه المر من استقالة جاعية ومن ترد ‪ .‬والستقالة الماعية ل حل لا إل‬
‫بالتجنّد الماعي داخل التنظيمات الت تبلور إرادة التطوع والشاركة ف الياة العامة ‪.‬‬
‫ل يعد من الضروري اليوم أن نؤكد على أهية هذه التنظيمات الت تشهد تطورا انفجاريا ف كل الجتمعات الديقراطية أو الت ترزح تت‬
‫الستبداد ‪ .‬وهو تطور تاول الدولة ـ عبثا ـ الد منه أو توجهه وعرقلته‪.‬‬
‫إن هذه التنظيمات الدنية هي التعبي الكثر دللة ووضوحا على التغييات الجتماعية العميقة الت يستطيع الستبداد تعطيلها ‪ ،‬لكنه ل يستطع‬
‫إلغاءها ‪ .‬وإنه لن الفارقات أن تسمى هذه التنظيمات ‪" :‬النظمات غي الكومية" فهو كتعريف الرأة بأنا الكائن غي الذكري ‪ .‬وهكذا تعكس‬
‫التسمية آخر مظاهر سيطرة الدولة ‪ .‬فتكون أول بوادر التحرر أن نرفض هذه التسمية ‪ ،‬ونعتب أن الدولة نفسها هي ‪" :‬النظمة الدنية الكومية "‬
‫أما غيها من التنظيمات فيه ‪" :‬النظمات الدنية الشعبية"‪.‬‬
‫إنا تعبي عن إرادة الشخاص وحاجتهم الاسة للتحرر من وضعية القاصر والحكوم والعاجز والسلب والحدود ‪ ،‬وتوقهم للمشاركة ف نت‬
‫الصي الماعي ولو على مستوى متواضع وف ميدان معي ‪ .‬وهي دللة على إرادة الجتمع لتجنيد كل طاقاته الجمدة لواجهة تعدد الشاكل‬
‫وتعقدها ‪ .‬كما أنا إقرار الميع بعجز الدولة عن حل كل الشاكل ومواجهة كل البهات ‪.‬‬
‫ولن هذه التنظيمات الدنية والشعبية شهادة على قصور الدولة ومدوديتها ‪ ،‬إذ تنتزع منها بعض السلطة ‪ ،‬نرى أن ادعاءات الدولة الستبدادية‬
‫منافية لذلك ‪ ،‬وبعيدة كل البعد عن عقليتها ومفاهيمها ‪.‬‬
‫فل غرابة إذن أن تاول الدولة الستبدادية فرض وصايتها على تلك الظاهرة الدنية بالحتواء والتعطيل وسن القواني الضيّقة ‪.‬‬
‫ولن هذه الركة تثل ترجة لتغييات "جيولوجية" تس ف العمق تركيبة الجتمع ‪ ،‬فإن التعرض لا بالنع والتضييق يكون كمحاولة التعرض‬
‫لنتشار العلم مثل ‪ .‬وهذا يعن ‪ ،‬بصفة أشل الدخول ف معركة خطوط خلفية ‪.‬‬
‫إن دور الدولة الديقراطية هو استعمال هذا التيار ل التعرض له ‪ ،‬أي وضع كل إمكانياتا لتسهيل خلق وإحياء النظمات السياسية والقتصادية‬
‫والثقافية والتآزرية والرياضية ‪ ...‬إل ‪ ،‬وحايتها وتعهدها بالرعاية والتشجيع ‪.‬‬
‫ومن نافلة القول أن ليس للقانون أي يقيّد حقّا ضمّن بك ّل وضوح ف الفصل العشرين للعلن ‪ .‬وأن كل التراتيب الدارية الوضوعية يب أل‬
‫يكون لا هدف آخر غي تكي الغلبية من ترجة هذا الق إل واقع ‪.‬‬
‫إن من أهم الصعوبات النظرية والعملية الت تواجهها الديقراطية أن يكون كل حق من حقوق النسان هو السم الخر من واجبات النسان ‪،‬‬
‫وأن مارسة هذا الق ‪/‬الواجب ل يكن أن تكون مطلقة ‪ ،‬منفلتة من كل الضوابط‪ .‬لكن وضع أي ضابط يكن أن ينلق بسرعة ـ خاصة ف عالنا‬
‫العرب ـ على شكل مقنّع من التقييد الل شرعي للحق لصال شكل مقنّع من الستبداد ‪.‬‬
‫إن الروج من هذه الفارقة ل يكون إل باعتماد مبدأ يمي من الطوباوية من جهة ‪ ،‬ومن أي انزلق من جهة أخرى‪ .‬يتمثل هذا البدأ ف أن مارسة‬
‫الق ‪/‬الواجب ينبغي أن تتوقف عند حدود إما نقضها للحق ‪/‬الواجب نفسه أو نقضها بق‪/‬واجب آخر من حقوق وواجبات النسان ‪.‬‬
‫ل جدال أن الديقراطية عندما تكون سياسية مضة ‪ ،‬وتعمل دون النتباه إل أدي الرض ‪ ،‬فستصبح مرد عملية توسيع للمنافع والصال لفائدة‬
‫النخب‪ ،‬وبالتال فهي ل تفعل سوى تعميق الوة بي طبقات الشعب ‪ .‬فهذه طبقة تتمتع بالثلجة والصحة ث برية الرأي ‪ ...‬إل ‪ ،‬وهذه ل تعرف‬
‫إل الرض والرمان والهل واستبداد صغار الوظفي ‪ ...‬ال ‪.‬‬
‫ول جدال أيضا أن الديقراطية قبل أن تكون تقنيات للحكم ‪ ،‬هي تكي كل فرد داخل الجتمع من الساهة من موقع السؤولية ف تطوير متمعه‬
‫‪.‬‬
‫فل معن للديقراطية إذا انعدمت القوق القتصادية والجتماعية الت تدم مصال الغلبية‪ .‬وهو ما جعل الشرّع العالي يصر على الربط بي‬
‫الثلثي ‪ :‬القوق الفردية ‪ ،‬القوق السياسية ‪ ،‬القوق القتصادية ‪ ،‬وعلى اعتبارها وحدة ل تتجزأ‪ .‬وهو ذات السبب الذي يدفعنا للكتابة حت‬
‫يكف أصحاب التفكي الولوي عن إضاعة وقت الشعب بقولم إن القوق هي دوما "اقتصادية‪ -‬سياسية‪-‬فردية "‪.‬‬
‫إن هذا الوقف ينطلق من العتراف بأن إنسانية النسان ل تتحقق إل بالريات الثلث ‪:‬‬
‫ـ تتلخص الول ف التحرر من الفقر والرض ‪ .‬وهو ما ل يكون إل بالنتاج الادي والتنعم بثماره ‪.‬‬
‫ـ أما الثانية فتتمثل ف التحرر من ظلم الياكل القمعية والطفولية‪ .‬وهذا ل يكون إل بالنتاج القيمي والتنظيمي‪ ،‬والتنعم بتسهيلته‪.‬‬
‫ـ وتعن الثالثة ‪ :‬التحرر من الهل والعتراف ‪ ،‬وهو ما ل يكون إل بالشاركة ف اللق والبداع الفن والفلسفي والعلمي ‪.‬‬
‫صحيح أن هناك علقة بديهية بي الديقراطية (كحرية رأي وتعبي وتنظّم وصراع وتنافس سلمي بي قوى النتاج القيمي والتنظيمي ) ‪ ،‬وبي‬
‫السوق (كحرية إنتاج الادة وتنافس على بيعها للمواطن الستهلك )‪.‬‬
‫وصحيح أيضا أ ن الدكتاتورية الت أجدبت النتاج الفكري والتنظيمي والقيمي ‪ ،‬أجدبت كذلك النتاج الادي ‪ ،‬فكانت سببا ف انتشار الفقر‬
‫الماعي‪ ..‬إذ يرجع ذلك إل السباب البديهية التية ‪:‬‬
‫إن دولة الستقلل الول تعل الثروة جزءا من أوراق الضغط السياسية ‪ ،‬تنحها وتنعها وفق مصالها ‪ ،‬ل وفق مصال القتصاد ومتطلباته‪.‬‬
‫فيترب الناس على عقلية التواكل والغش ‪ ،‬وتغيب فيهم الفاعلية والقدرة على النتاج‪.‬‬
‫يبذّر النظام الستبدادي ثروات الجتمع ‪ ،‬سواء أكان ذلك مقابل تكلفة قوى السهر على حايته‪ ،‬أو عب الدعم الادي لبامه الدعائية‪ .‬لكن ل‬
‫يستطيع أي مواطن تقييم الدوى القتصادية لذه النفقات ‪ ،‬أو تويلها لدمة الصال العمومية للمجتمع ‪ ،‬كقطاعات الصحة والتعليم والسكن ‪..‬‬
‫تتعامل بيوقراطية الدولة مع وسائل النتاج وكأنا البقرة اللوب الت يب امتصاصها‪ .‬فتمل دواليبها بأبناء الال والعم ‪ ،‬فإذا بالعامل القتصادي‬
‫يتراجع أمام العامل السياسي‪ ،‬وتفقد النجاعة‬
‫ولن المور مترابطة بي بعضها البعض ‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن تغيب النافسة الشريفة ف مستوى السوق ‪ ،‬مثلما غابت ف مستوى البنية السياسية‪.‬‬
‫لقد انتشرت البضاعة الادية الغشوشة ‪ ،‬الت يعسر أن تغزو سوقا خارجية ‪ ،‬مثلما انتشرت البضاعة العنوية الغشوشة الت يفرضها النظام‬
‫الستبدادي ‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن كل هذه الليات تتداخل فيما بينها لتعطّل قوى النتاج ‪ ،‬فيتزايد الفقر والتخلف وبؤس البائسي ‪.‬‬
‫لكن ل أحد يستطيع اليوم أن ينكر وجود هذه الظاهرة ‪ ،‬خاصة وأننا أصبحنا نرى القوة العظمى وقلعة الشتراكية (سابقا) تستجدي غذاءها من‬
‫البلدان المبيالية ‪ ،‬بعد أن كانت مدنا مهددة بالجاعة ‪ .‬وهذا راجع ل مالة إل العمل التخريب الذي تسببت فيه هذه الليات الرهيبة بعد أن‬
‫دمرت اقتصاديات شعوب بأكملها ‪.‬‬
‫إن أكب خطأ ارتكب ف حق هذه المة بعد الستقلل الول هو أننا أمنا القتصاد ( أي أننا أسلمنا قيادة الجتمع وخياته للبيوقراطية )‬
‫وخوصصنا الدولة (أي أسلمنا قيادها لرجل وبطانة) بينما كان الل ول يزال أن نوصص القتصاد وأن ناصر عيوب هذه الوصصة بتأميم‬
‫الدولة ‪ ،‬أي بعلها ملك الميع وف خدمة الميع ‪.‬‬
‫تضرنا هنا ضرورة التفريق الواعي بي "الليبالية" كفلسفة ومارسة مبنية على حق البادرة الفردية ف اليدان القتصادي ‪ ،‬وبي "الديقراطية"‬
‫كفلسفة ومارسة لقوق أوسع وأشل‪ ..‬فاللط بي الفهومي شائع ومقصود‪ ،‬والذر منه اليوم من أوكد الضروريات لتطور الديقراطية ‪ ،‬بل‬
‫ولبقائها أيضا ‪.‬‬
‫صحيح أن الديقراطية ل تبن ابتداء من السطوح وإنا انطلقا من سطح الرض ‪ .‬فعلى سبيل الثال ‪ ،‬أدت عملية بسيطة ـ كتسريح النقل ف‬
‫تونس سنة ‪ 1986‬ـ إل تغيي الجتمع التونسي ف اتاه الديقراطية‪ ،‬أكثر ما غيته التعددية السياسية الشكلية ‪ ،‬وصحافة ل يقرأها إل ‪3‬‬
‫‪ %‬من الواطني ‪.‬وفجأة انفجر عدد الشاحنات الصغية ‪ ،‬حت أصبحت علمة ميزة لصوصية واقعنا اليومي ‪ .‬فهي تتل الرصفة والطرقات ‪،‬‬
‫وتدها ف أفقر القرى وأبعد الماكن ‪ .‬وصاحب هذه العملية ارتفاع هائل ف تبادل السلع والنتوجات وسيولتها ‪.‬‬
‫لقد أصبح آلف الناس ف وضع يكنهم من تبادل العمل والشاركة فيه‪ .‬فالقاعدة تقول ‪ :‬إنه بقدر ما تتحرر البادرة ف اليدان القتصادي‬
‫والجتماعي ‪ ،‬بقدر ما تزداد الثروة الماعية‪ ..‬لكن يتسبّب ذلك ‪ ،‬للسف ‪ ،‬ف تناقص العدالة الجتماعية‪.‬‬
‫وف القابل ‪ ،‬بقيت الزائر باحتكارها الصامد لـ "متلكات الشعب "‪ ،‬عاجزة عن توفي أبسط السلع ف نقط ماورة للعاصمة‪ .‬وذلك لتعلقها‬
‫وأيانا بالهاز البيوقراطي ‪ ،‬ثقيل التوزيع ‪.‬‬
‫لقد أظهرت تربة قرن من الزمان ‪ ،‬وما ل يقل عن خسي دولة ف العال‪ ،‬أن ما يسمى باللكية العامة لوسائل النتاج ل تعن ف القيقة إل ‪:‬‬
‫‪-‬أن ل أحد يلكن هذه الوسائل ‪ ،‬من حيث "الشعور " بلكيتها ‪ ،‬ومن ث " بسؤولية" تعهد هذه اللكية ‪.‬‬
‫‪-‬أن بيوقراطية الدولة الستبدادية تتصرف ف وسائل النتاج كملك حبس راجع لصلحتها الاصة‪ .‬ومن ث ‪ ،‬كان شعار الهاز الاكم ف الزائر‬
‫أو التاد السوفيات ‪ :‬ل أحد يلك ‪ ،‬ل أحد يسأل ‪ ،‬والبيوقراطية تنتفع ‪.‬‬
‫تبدأ إذن عملية "تأميم أملك الشعب " بتسوية الفقر ‪ ،‬إل أن تشيع البيوقراطية الساهرة على الوقف الشتراكي ‪ .‬فتظهر طبقة النومنكلتورا‬
‫ويبقى الشعب يعلك شعارات ‪" :‬عملية الشتراكية" وحتمية انتصار البيوليتاريا " ومسؤولية أعداء حكم العمال والفلحي ف انعدام الب " ‪...‬‬
‫ال ‪.‬‬
‫ولا تصل النظمة إل هاوية الفلس يرج أحدها بالدبابات لسحق الشباب ‪ ،‬ويسارع آخر إل إعلن البيويستريكا ‪ ،‬ويبقى آخرون مشدوهي‬
‫أمام تكذيب الواقع لحلمهم ‪ ،‬يسبّون الكون لنه ل يترم النظرية كما سنها العلم الول أو تلميذه النجيب ‪.‬‬
‫يتضح اليوم أن من أهم أسس الديقراطية البادرة القتصادية الجتماعية ‪.‬‬
‫وبا أن النسان وحدة إنتاج وخلق ‪ ،‬والنتاج يكن أن يكون ماديا ‪ ،‬قيميا ‪ ،‬معلوماتيا ‪ ،‬تنظيميا وجاليا ‪ ،‬تأت الدولة الستبدادية فتقول ‪ :‬أنا أفكر‬
‫بدلكم‪ ،‬لن أعرف ما هو الفكر الذي يب تداوله ف السوق ‪ ،‬والفكر الذي يب أن نرّمه ‪ ..‬أنا أختار لكم القيم لن أعرفكم بالقيم والخلق‪،‬‬
‫وما عليكم إل أن تفعلوا ما أقول ‪ ،‬ول تفعلوا ما أفعل ‪ ...‬أنا أنتج عوضا عنكم ‪ ،‬لن أعرف ما هو النتاج الصال ل ولكم ‪...‬‬
‫أما دور الديقراطية فهو تسهيل إنتاج الادة والقيم والعلومات ‪ ،‬ث تنظيم هذا النتاج ‪ ،‬حت ل تعم الفوضى فتصبح النعمة نقمة‪.‬‬
‫ويتخذ التنظيم عدة أشكال بسب أهدافه ‪ :‬فشكل خاص إذا كانت الغاية الحتواء والتحكم ‪ ،‬وآخر إذا كان الدف الدماج والتناغم ‪ ،‬عب‬
‫تظافر الهود تظافر جوقة الوسيقى تت إمرة قائد أوركسترا بارع ‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬علينا أن ننتبه إل بعض ترتّبات هذا الوقف إذ يب أن ل نقف عند (ويل للمصلي )‪.‬‬
‫ولنذكّر دوما بترابط كل حقوق النسان واستعصائها على الفصل ‪ .‬وببديهية أخرى ‪ :‬فإن حرية البادرة ل تعن البتة حرية الستغلل ‪.‬‬
‫وإذا كانت آليات الديقراطية السياسية نفسها خطرا على النسان ـ إن ل تقيّم ببعضها البعض ‪ ،‬وإن ل تكن عي الثقافة ساهرة حذرة ل تنام ـ‬
‫فما بالك بالليبالية التحررة من كل قيد ‪ ،‬ونن نعن هنا آليات السوق العمياء ؟‬
‫فهل يعقل أن تسلّع الصحة ‪ ،‬أو أن يعل من التعليم بضاعة ل يستهلكها إل القادر على اشترائها‬
‫وهل يعقل ف متمع ديقراطي أن توجد أصناف متلفة للصحة ‪ ،‬وأصناف متلفة للتعليم ‪ ...‬ولكل حسب إمكاناته ؟‬
‫طبعا ل ‪ ،‬لنه سيكون منافيا تاما للحقوق القتصادية والجتماعية الت نص العلن أنا ‪ :‬حق أي إنسان ‪ .‬ول يشر ف "أي " من هذه النصوص‬
‫على نوع من التفاضل والتمييز‪.‬‬
‫إن ترك آليات السوق العمياء تتحكم ف الجتمع لن يعن شيئا آخر غي خلق متمعي متفاوتي ‪ :‬أحدها ينعم بطلق الثراء ‪ ،‬وآخر يقتات من‬
‫فتات الائدة ‪ ،‬أمل ف أنه كلما تزايدت وتراكمت الطباق على هذه الائدة ‪ ،‬كلما تزايد نصيبه من الفتات ‪.‬‬
‫إن النتباه واجب ‪ ،‬والذر ضروري ‪.‬‬
‫فإيديولوجية السوق ل ولن تكون الرهم السحري لشاكلنا القتصادية ‪.‬‬
‫ويكن القول إنه إذا كانت الشيوعية ف الاضي ألد أعداء الديقراطية ‪ ،‬فإن ألد أعدائها اليوم هي الليبالية‪.‬‬
‫تتغذى الرب الدموية أساسا بترتبات الظلم الجتماعي ‪ ،‬لكن ل يكن للديقراطية أن تنجح ف أداء مهمتها إل بقدر ما تستطيع تفيف منابع‬
‫هذا الظلم ‪.‬‬
‫إنه من عجيب الفارقات أن نرى أعرق ديقراطية ف العال تكم بريطانيا ‪ .‬ذلك البلد الوروب الكثر تفاوتا من الناحية الطبقية ‪ .‬أما الديقراطية‬
‫المريكية فتسيّرها طبقة سياسية ‪ ،‬نسبة الليونيات بالدولر فيها خسون مرة نسبتها ف العموم ‪ .‬وهي تسود أمة تعد أربعي مليون نسمة ل‬
‫يتمتعون بالضمان الجتماعي ‪.‬‬
‫إن الستنتاج النطقي لذا هو أن النظامي البيطان والمريكي الذين يقدّمان على أنما الشكل الكتمل للديقراطية ‪ ،‬ها ف الواقع شكلن‬
‫ناقصان مبتوران للديقراطية ‪ .‬لنما حققا شرطا واحدا فقط من شرطي إخاد الرب الدنية‪.‬‬
‫فل نستغرب إذن أن تكوم بريطانيا وخاصة امريكا من أعنف الديقراطيات ف العال الغرب بالقارنة ببلدان أوروبا الشمالية الت نحت ف التحكم‬
‫ف الليبالية ‪ ،‬وف فرض توزيع أعدل للثروة الماعية‪.‬‬
‫لقد أظهرت تربة البلدان الغربية با فيه الكفاية أن حرية الرأي والتنظّم والنتخاب ل توصل بالضرورة مثلي الغلبية القهورة إل سدّة الكم ‪،‬‬
‫لن للرستقراطيات الالية والعلمية والعائلية قدرة فائقة على استعمال آليات الديقراطية وأجهزتا من أجل مواصلة هيمنتها ‪ .‬وهذا ما يدعونا إل‬
‫ضرورة مراجعة الليات نفسها حت ل تكون التمثيلية الصورية قناعا وغلفا لشكال أذكى وأرقى من الستبداد ‪.‬‬
‫لذلك ن يتأكد أن العدالة الجتماعية هي شرط رئيسي لتابعة الرب الرمزية والتخلي عن شهوة العنف ‪ .‬وبالتال فإن كل ما من شأنه أن يغذي‬
‫الفروقات الطبقية ـ مثل الليبالية الوجاء ـ إنا يعدّ لعودة الشهوة إل الدم ‪.‬‬
‫لكن كيف ننتقل من الفهوم الفضفاض للعدالة الجتماعية ‪ ،‬الت ل يادل ف شرعيتها أحد ‪ ،‬إل السياسات الكفيلة بترجتها ولو جزئيا ف حيز‬
‫الواقع ؟‬
‫إن العدالة الجتماعية ليست هي تلك "الصدفة " الجتماعية ‪ ،‬وبا هي إشكالية تتعلق بكيفية توزيع الثروة الماعية وتصرف الدولة ف الموال‬
‫العامة ‪ ،‬أي ف كيفية جعها وإنفاقها ‪.‬‬
‫لقد بذّرت الدولة الستبدادية العربية أموال طائلة ف تسلح عدي الدوى‪ ،‬وف النفاق على مؤسساتا القمعية‪ ،‬وف تسيي دواليبها البيوقراطية‬
‫الثقيلة ‪ ،‬وف إرضاء نرجسية السلطة ‪.‬‬
‫أما الموال غي العائدة من ثروة ل تساهم ف خلقها كالبترول ‪ ،‬فتأت أساسا من جيوب الطبقة التوسطة ‪،‬ف شكل ضرائب ل تدفعها الطبقات‬
‫الوسرة الت هربت أموال طائلة إل الارج ‪ .‬وهكذا تطالب طبقة اجتماعية ضئيلة نسبيا ‪ ،‬بدفع النفقات العامة لفقر القطاعات وأغناها ‪.‬‬
‫ل جدال أيضا أن العدالة الجتماعية تعن إعادة النظر جذريا ف كل هذه النفط ‪ ،‬حت ل ترّ ب الموال ‪ ،‬ولكي ينقص العبء الضرائب على‬
‫الطبقة التوسطة فتتحمل الطبقة الوسرة نصيبها العادل منه‪ .‬ويساهم الد من الصاريف الخصصة للجهاز البوليسي ‪ ،‬ف توظيف هذه الموال‬
‫لصلحة العامل الرئيسي الذي يهل الجتمع ف أمان حقيقي ‪.‬‬
‫وهو ما يعن أيضا أن القولة الشائعة ‪ ،‬والاصة بعدم التدخل ف دواليب القتصاد لماية ضعفاء الدخل من الضاربة والسمسرة والطرد التعسفي ‪،‬‬
‫إن هذه الـمقولة مردودة على أصحابا ‪ .‬لن دور الدولة الديقراطية ليس تسهيل الربح وفائض القيمة ف إطار اقتصادوية وقحة أصبحت هدفا‬
‫ف حد ذاتا ‪ ،‬وإنا دورها هو تقيق شرطي الدف الذي وجدت من أجله لوضع حد للحرب الزمنة ‪.‬‬
‫لقد انار الطاب الثوري الاركسي بانيار كل النظمة الت انبتت عليه ‪ ،‬ول يبق من هذا الطاب إل فشل مريع وأيتام يتشدقون بقولة ‪:‬‬
‫"ماركس ل يكن ماركسيا " ‪ ،‬أو "لقد أساء الناس فهمه وتطبيقه " ‪ ...‬ال ‪.‬‬
‫لكن أنصار إيديولوجيا السوق ينسون بسرعة أن الطاب الاركسي جاء نتيجة الظلم واليف ‪ ،‬وأن الظلم الكب الذي يكن أن تولده آليات‬
‫السوق سيفرز بالضرورة خطابا ثوريا احتجاجيا آخر طال الزمان أو قصر ‪ ،‬سواء أكان ذلك على صعيد العال أو القارات ‪ ،‬أو داخل الوطان‬
‫الصغية ‪.‬‬
‫أخطأت الاركسية اللينينية ل ف بثها عن العدل ‪ ،‬وإنا ف اعتقادها بأن دكتاتورية البوليتاريا طريقه ‪.‬‬
‫أما القاعدة الت ندعو إليها لتفادي هذا الطر ‪ ،‬فتتخلص فيما يلي ‪ :‬نعم لطلق حريات اللق والبداع لكل النتجي وخاصة للصغار منهم‬
‫والضعفاء‪.‬‬
‫نعم لترك الليات القتصادية تتحرك وفق قوانينها ‪ ،‬لكن ل لنسحاب الدولة وتلشي دورها الذي ل يبقى منه ف آخر الطاف سوى ‪ :‬سحب‬
‫الصحة والتعليم والدمات الجتماعية من ميدان السوق ومنطقه ‪.‬‬
‫وحت يسود السلم الجتماعي ‪ ،‬ل بد للديقراطية من متابعة أهداف الركة القتصادية بتهى اليقظة حت ل يصبح السوق حجة للثراء السريع‬
‫واللمشروع ‪ ،‬ولكي تعل حدّا للفروقات والهوية الائلة الت يكن أن تشكل منطلق مغامرات استبدادية بائسة لن تزيد الطي إل بلة ‪ .‬وعلج‬
‫ذلك ل يكون إل بفرض سياسية جبائية عادلة وفعالة ‪.‬‬
‫الديمقراطية ضد نفسها‬
‫تطرح هنا مدّدا الشكالية الضخمة التعلقة بق بعض التنظيمات السياسية الطية على الديقراطية ف العمل القانون ‪ .‬وهي إشكالية نظرية‬
‫وجدت منذ القدم ‪ ،‬ودارت حول العضلة العروفة ب ‪" :‬إعطاء الرية لعداء الرية " ‪ ،‬إذ ل زلنا نتذكر حت اليوم كيف وقع تسليم الديقراطية‬
‫اللانية لدولة برمتها يقودها حزب استبدادي ‪ ،‬كلف العال حربا رهيبة مدمرة ‪.‬‬
‫فنحن نعايش ف كل البلدان العربية هذه الشكالية الت اتذت لا أحد الشكال وأفضعها ف الزائر‪ .‬فمن جهة‪ ،‬تقدمت حركة البهة السلمية‬
‫بطاب مزدوج ‪ ،‬كانت تتعال منه أحيانا نبة مطلبية وحقوقية صادقة ‪ ،‬وأحيانا كانت تلعن الديقراطية وتتهكم عليها ‪ .‬ومن جهة أخرى قبل‬
‫الديقراطيون ‪ ،‬باسم الديقراطية ‪ ،‬إجهاض أول تربة ديقراطية ‪ ،‬والحتماء بالنظام الستبدادي الذي جر البلد إل أخطر أزمة عرفتها ف تاريها‬
‫الديث ‪.‬‬
‫فما وقع ف ألانيا ف الثلثينات من هذا العقد ‪ ،‬وما يكن أن يقع ف كل مكان ف الستقبل ‪ ،‬من استعمال الستبداديي للديقراطيي من أجل‬
‫الوصول على الكم ث النقلب عليها ‪ ،‬كل ذلك يطرح نوعي من الشكاليات ‪ :‬تتعلق الول باليار الديقراطي نفسه ‪ ،‬والثانية بطبيعة الليات‬
‫الت توصل إل سدة الكم ‪.‬‬
‫من نافلة القول إن الديقراطية ل يكن أن تقبل بتسليم عنقها إل جلديها عن طواعية واختيار ‪ ،‬فهم كل حي سواء أكان من عال البيولوجيا أم من‬
‫عال الفكر ‪ ،‬مواصلة الياة‪ .‬وهو ل يرضى القتل عن طيب خاطر ‪ ،‬ول ينتحر إل اضطرابا إذا انسدت كل الفاق ‪.‬‬
‫لكن من البديهي أيضا أنا ل تستطيع أن تتنكر لقوماتا الساسية وأن تنفي نفسها بنفسها ‪ ،‬وإل كان ذلك نوعا آخر من النتحار ‪.‬‬
‫وحت تكون الديقراطية انتقال حقيقيا من العنف إل الرمز ‪ ،‬ل بد أن تقع الرب بي "أعداء " حقيقيي ‪ ،‬وإل بقيت أطراف هامة خارج قواعد‬
‫اللعبة ‪ ،‬أي تت راية الدم‪.‬‬
‫إن حيلة بعض النظمة ف اختيار الصدقاء وشبه العداء لنحهم حف التنظم ‪ ،‬وإخراج العداء القيقيي من ساحة اللعبة ‪ ،‬لو ف الواقع ضرب‬
‫للهدف الساس من الديقراطية ‪.‬‬
‫تشبه اللعبة السياسية ف مثل هذه الالت مباراة كرة القدم ‪ ،‬الت تكون نتائجها معروفة مسبقا ويكون التسابق فيها مرد افتعال لعركة اتّفق من‬
‫البداية على أنا لن تقع ‪.‬‬
‫لذلك ‪ ،‬فل تكون الديقراطية إل بتنظيم العداء القيقيي الذين تفصلهم خيارات وقناعات عميقة ‪ .‬وذلك لنم وحدهم القادرون على الختبار‬
‫القيقي بي إراقة الدم والدموع ‪ ،‬أو إراقة الب والريق ‪.‬‬
‫ف هذا الستوى من الطرح ن وبعد القرار بذه البديهية‪ ،‬نرى أن ل بد من حسم التناقض الوجود بي ‪ :‬ضرورة الدفاع عن النفس ن وضرورة‬
‫الوفاء للمهمة الديقراطية ‪ .‬ونظرا لن الق ل وجود له ف الطلق ‪ ،‬وأن الرية نفسها ت ّد بدود ‪ ،‬وأن هناك ضوابط قانونية للقانون نفسه ‪ ،‬فل‬
‫غرابة إذن أن يضبط حق التنظم ككل القوق ‪ .‬ول مال لضبطه ف الديقراطية إل بعامل واحد هو قبول أو عدم قبول قواعد اللعبة من قبل‬
‫الفرقاء السياسيي ‪.‬‬
‫تشبه اللعبة الديقراطية مباراة رياضية بي فريقي من اللعبي ‪ .‬فمن قواعدها أنه ل يق لحد الفريقي أن يفرض من سيزاحه على الفوز ‪ ،‬وأن‬
‫ليس له أيضا الق ف اختيار الكم ‪ ،‬لكن له أن يرفض اللعب والنسحاب من الباراة إذا ل يترم الفريق النافس قواعد اللعبة‪ .‬ومن العروف‬
‫أيضا أن منظمي كأس البطولة ل يقبلون على ساحة اللعب إل من رضي اللتزام بقواعد اللعبة ‪ ..‬فكذلك أيضا بالنسبة للعملية الديقراطية الت ل‬
‫تقبل إل من رضي أن يلعب الباراة الجتماعية والسياسية باحترام القواعد الربعة للديقراطية الت هي ‪ :‬الق ف الرأي الخالف ‪ ،‬وف التنظم ‪،‬‬
‫والتجدد السلمي للسلطة ‪ ،‬واستقلل القضاء‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬هناك من يعترض على هذا التصور بأنه يتمل إقصاء جزء من القبائل التحاربة الت ل تلعب إل بالدم ‪ ،‬إما لعجزها عن النتقال إل مستوى‬
‫الرمز ‪ ،‬أو لنا ل تثق بفاعلية هذا النتقال ‪ .‬ونن نرى بأن هذا صحيح ‪ ،‬وهو ف ذات الوقت أمر طبيعي ‪.‬‬
‫لنتذكر أن قانون هياقليط‪/‬لوتسه بنص على أن الشياء ل توجد إل بنقيضها ‪ ،‬ومن ثن فإن اختيار متمع ما للحرب الرمزية ل يلغي أبدا‬
‫احتمال وجود الرب الدموية ‪ .‬بل أقصى ما يكن فعله هو تميشها وتقليصها وتجيمها والرمي با على توم الساحة الرئيسية من اللعب ‪ .‬لقد‬
‫عرفت كل الجتمعات الديقراطية أو ربا سنعرف حركات عنيفة تواصل العمل بقواعد اللعبة البدائية‪.‬‬
‫تدافع الديقراطية عن نفسها من جهة بلب أكب عدد مكن من الفرقاء الجتماعيي للحرب الرمزية ‪ ،‬وجعلهم يتظافرون للدفاع عن خيار يقق‬
‫النعمة الول ‪ ،‬أي ‪ :‬المان الماعي‪ .‬ومن جهة أخرى ‪ ،‬تراها مضطربة لواجهة الرب الدموية إن رقعت على أرضها ‪ ،‬بالعنف الفروض عليها‪.‬‬
‫مع العمل أنا لن تنجح ف تميش الفعل الدموي إل بالقتصاد الشديد ف رد الفعل ‪ ،‬واحترام مبادئها ‪ ،‬ومراقبة تعامل أجهزتا المنية مع الخطار‬
‫الت تددها ‪ ،‬وأيضا ببذل الهد التواصل للقضاء على أسباب رفض الرب الرمزية ‪ ،‬والت من أهها ‪ :‬وجود بؤر ظلم طبقي وجهوي ل تستطع‬
‫أو ل تسن معالتها ‪ ،‬ووجود حالة من اليأس والبؤس العميقي اللذين يفسران ترد التمردين ‪ ،‬إذ نادرا ما يكون هذا التمرد نتيجة حق وجنون‬
‫وحب حقيقي للعنف والغامرة‪.‬‬
‫لذلك فإن الفيصل الاسم ف العتراف بق التنظم ل يكن أن يتوقف على اليارات اليديولوجية أو الرجعية الفكرية لذا الفريق أو ذاك ‪ ،‬ول‬
‫على مقدار قرب أي طرف من الطراف أو ولئه للسلطة الاكمة ـ كما هو معمول به اليوم ـ وإنا يتوقف على مبدأ قبول أو عدم قبول‬
‫اللعبة الديقراطية ‪ .‬أما القانون فيجب أن يكون صريا ف العتراف بق الوجود والعمل الشرعي لكل التنظيمات الت تقبل العمل وفق أهداف‬
‫الديقراطية وآلياتا‪ .‬كما يق له أن يزيح كل التنظيمات الخرى ‪ ،‬وذلك بواجهتها فكريا وسياسيا ‪ ،‬وأمنيا إن تطلب المر ذلك ‪.‬‬
‫بصريح العبارة ‪ ،‬ل بد للديقراطية العربية أن تقبل قانونيا بوجود تنظيمات سياسية إسلمية إذا قبلت قواعد اللعبة الديقراطية ‪ .‬وأن ترفض كل‬
‫التنظيمات الل ديقراطية سواء أكانت إسلمية أو غي إسلمية ‪ ،‬خاصة بعد اتضاح الصفة الستبدادية الت تنطوي عليها اليديولوجيات‬
‫والحزاب القومية واليسارية ‪.‬‬
‫يتواصل النقاش ويتفرع إل إشكاليات تقنية ‪ ،‬إذ كيف يكن أن نتأكد أن هذا التنظيم الذي يدعي قبول الديقراطية لن يكون السبب ف اغتيالا‬
‫إذا وصل إل سدة الكم ؟ ومثالنا على ذلك دوما ‪ :‬الزب النازي ف السابق ‪ ،‬والطر الصول ف الاضر والستقبل ‪ ،‬سواء أكان ذلك ف‬
‫الزائر أو ف غيها ‪ .‬وحيث أن الثالية ليست بالضرورة ضربا من ضروب السذاجة ‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن تطالب الديقراطية بأكب قدر مكن من‬
‫الضمانات ‪ .‬مع العلم أنه ليس من السهل أن نكم على النوايا الصرح با ‪ ،‬ول من العدل أن نكم على النوايا الت يتهم با هذا الفريق أو ذاك ‪.‬‬
‫إن أول الضمانات الت يب أن تكون واضحة صرية ف الدستور هي أن يلزم كل تنظيم سياسي بالعتراف بالركان الربعة للديقراطية ‪ ،‬وأن‬
‫يدوّن هذا العتراف ف وثيقته التأسيسية‪ .‬كما ل يوز لحد الحتجاج برجعيته الاصة أو بقدسات لرفض حرية الرأي وحرية التنظيم‬
‫واستقلل القضاء والتداول السلمي على السلطة ‪.‬‬
‫إل أن هناك ضمانة أهم من هذا التقرير ‪ ،‬تتمثل ف ضرورة فرض قانون الديقراطية داخل التنظيم نفسه‪ .‬فكل حزب استبدادي التنظيم ف‬
‫داخله ‪ ،‬مؤهل لغتيال الديقراطية عاجل أو آجل إن استلم السلطة ‪ ،‬ولو ادعى غي ذلك ‪ .‬من ث‪ ،‬فإن إحدى مهام الحكمة الدستورية أن‬
‫تراقب التنظيمات السياسية‪ .‬ومن حق الدولة الديقراطية كأي مؤسسة اجتماعية أخرى ‪ ،‬رفع شكوى ضد كل تنظيم سياسي ينحرف باتاه‬
‫عبادة الشخصية داخله ن ويطرد الخالفي ف الرأي‪ ،‬أو يدعم أي شكل من أشكال العنف الدموي ويدعو له ‪ ،‬أو ل يقوم ف داخله بالنتخابات‬
‫النيهة الشفافة الدورية الت تكّن من التداول السلمي على السؤولية‪ .‬فمن البديهي أن فاقد الشيء ل يعطيه ‪ ،‬وأن الديقراطية ل تتحقق‬
‫بالشكال الستبدادية ‪ ،‬وأن ما يقع داخل الزب هو نذير با سيقع داخل الدولة إذا وصل هذا الزب إل السلطة‪.‬‬
‫لكننا ل نستطيع بالطبع إعادة كتابة التاريخ ‪ ،‬فلو كان هذا البدأ معمول به ف الثلثينات ف ألانيا لكان أمام الزب النازي خيار آخر غي‬
‫الستيلء على السلطة بالنقلب ‪ ،‬أو بالبقاء على هامش الديقراطية ياربا وتاربه‪ .‬وهو وضع أشرف ف كلت الالتي وأقل فظاعة من تسليم‬
‫الديقراطية عنقها للعدو ‪ ،‬أو تسليم مقاليد أمة بكاملها إل دكتاتورية منونة‪.‬‬
‫إن دور الدولة إذن هو تكي كل الفرقاء من التنظّم ‪ .‬أما دور الحكمة الدستورية ‪ ،‬فهو متابعة حالة الديقراطية داخلها ‪.‬‬
‫***‬
‫تطرح فيما بعد إشكالية أخرى ‪ ،‬تتمثل بالساس ف رفع مردود كل القوى الجتماعية ‪ ،‬لتساهم ف عملية أنسنة الجتمع ‪.‬‬
‫لذلك ‪ ،‬يكن للدولة الديقراطية أن تلق مثل جهازا تنسيقيا بي كبى النظّمات لتصبح مصدرا للقتراحات ‪ ،‬خاصة التعلقة منها بالقواني النظمة‬
‫للحياة الجتماعية‪ .‬فأهل مكة أدرى بشعابا ‪ ،‬ومثل هذه النظمات الت تتعامل مع الشاكل اليومية للمجتمع ‪ ،‬تكون أقدر من غيها على معرفة‬
‫القواني العيقة لتطور الجتمع ‪ ،‬والقواني النع لتفادي الشاكل ‪.‬‬
‫لنذكّر هنا بأن التطور النفجاري لنظمات الجتمع الدن ‪ ،‬قد قلب رأسا على عقب مفهوم العمل السياسي ‪ .‬فقد نقله من العام إل الزئي ‪ ،‬أي‬
‫من ضبابيات "تقيق العدالة الجتماعية " إل واقع آلف التنظيمات الصغية الختصة الت تعمل على تقيق هذا الدف ونقله من النظري إل‬
‫العملي ومن القمة إل القاعدة‪ ،‬ومن الكومي إل الجتماعي ومن الجل إل العاجل ‪.‬‬
‫ل جدال أن الجتمع سيبقى دوما باجة إل منظمات سياسية عامة متصة ف اليارات الكبى وف الرجعية اليديولوجية ‪ ..‬لكنه لن يستطيع‬
‫الكتفاء با وحدها ‪ ،‬كما ل يكن أن تعوّض النظمات الدنية الختصة الخرى‪ ،‬أو أن تتويها ‪ ،‬لن حاجيات الجتمع هي الت أفرزتا ‪ ،‬وبا أن‬
‫كل هذه النظمات سياسية الصبغة بالساس ‪ ،‬أي أن لا دورا ف نت معال الجتمع ‪ ،‬فمن الطبيعي أن تولا الدولة الديقراطية ‪.‬‬
‫فمثل ‪ ،‬من الضروري أن يكون البلغ الرصود لتمويلها جزءا من ميزانية الدولة ‪ ،‬يقره البلان سنويا ‪ .‬ول بد أن يدير هذا الصندوق ملس‬
‫النظمات الدنية وليس الكومية ‪ .‬كما ل بد أن يكون التمويل جزئيا حت ل ينمي عقلية التكال والتواكل وأن يعطى لدعم برامج مضبوطة‪ ،‬ول‬
‫يسمح باستعماله ف دعم بيوقراطية الؤسسة عامة أو متصة على عدم الساواة ‪ ،‬وأن ل يعتب أبدا ف منح الساعدة عامل الولء للحكومة‪.‬‬
‫إن الفضائح التكررة ف الغرب نتيجة استشراء الفساد ‪ ،‬خاصة ف الؤسسات السياسية ‪ ،‬تفرض العمل بشعار مشابه لا قيل عن الصحة من أنه ‪:‬‬
‫إذا ل يكن للديقراطية ثن ‪ ،‬فإن لا تكلفة‪.‬‬
‫فل بدّ إذن للمجتمع بصفة عامة وللدولة بصفة خاصة أن تدفع تكلفة الديقراطية ف شكل تويل كلي أو جزئي لعمل الؤسسات ‪ ،‬على أن يعتب‬
‫هذا التمويل حقا شرعيا وقانونيا ل يهدف إل تقييد استقللية تلك النظمات ‪ ،‬وإنا يهدف إل دعمها ‪.‬‬
‫ول بد أيضا من تسهيل التعامل بي النظمات الدنية الختصة ‪ ،‬وذلك مثل بإحالة جزء من البيوقراطية الوروثة عن النظام السابق إل هذه‬
‫النظمات الت أثبتت أنا تستطيع توظيف طاقات وكفاءات كانت ف السابق شبه ميتة ‪.‬‬
‫إن إشكالية التمويل ف البلدان الغربية مطروحة بالساس ف حق الحزاب السياسية ( أي النظمات الدنية التخصصة ف توجيه السياسة العامة‬
‫للبلد ) ‪ .‬وذلك مثل بإحالة جزء من البيوقراطية الوروثة عن النظام السابق إل هذه النظمات الت أثبتت أنا تستطيع توظيف طاقات وكفاءات‬
‫كانت ف السابق شبه ميتة‪.‬‬
‫إن إشكالية التمويل ف البلدان الغربية مطروحة بالساس ف حق الحزاب السياسية ( أي النظمات الدنية التخصصة ف توجيه السياسية العامة‬
‫للبلد ) ‪ .‬وذلك حت ل تصبح ملب القط بي أيدي الرستقراطيات القتصادية ذات الصال الضخمة ‪ ،‬والت تشتري نفوذا مقبل أو حاضرا ‪،‬‬
‫مقابل ما تغدقه من نعم على منظمات متاجة ‪ ،‬لكن المر يتجاوز هذه القضية بالذات ‪.‬‬
‫إن إحداث هيكل كـ "ملس النظمات الختصة " ‪ ،‬تعطي له صلحية عرض مقترحات القواني على البلان ‪ ،‬لن شأنه أن يدعم العمل التشريعي‬
‫ويعطيه ناعة هائلة ‪ ،‬ناهيك عن قدرة هذا الجلس ف تقييم الؤسسات الخرى للديقراطية ‪.‬‬
‫ف هذا الصدد ‪ ،‬نذكر بأهية العقلية التقيمية ‪.‬‬
‫فحت ف إطار الديقراطيات التقدمة يقع التقييم بصفة هوجاء تكشف عن وجود الروح العنفوانية وتساهم ف التنفيس عنها لكن بكثي من‬
‫السلبيات ‪ .‬فمما ل شك فيه أن النقاش الاد التبادل بي متلف الفرقاء ‪ ،‬والذي يصل حد السباب والتجن إبان العارك النتخابية ‪ ،‬هو نوع من‬
‫التقييم التوحش ‪ .‬ف حي أنه بإمكان النظمات الدنية الختصة أن تكون أداة الدولة الديقراطية للتقييم الادئ العقلن والتواصل ‪ .‬فهي أدرى‬
‫من الفرقاء السياسيي بالنتائج اللموسة للسياسات التبعة‪ .‬ول يعن هذا أن ليس للدولة أن تقيّم دوما أجهزتا وبرامها ‪ ،‬وكذلك المر بالنسبة‬
‫للقضاء والعلم ‪ ،‬وإنا أن يكون تقييم الجلس التقييم الارجي الصاحب والكمل للتقييم الداخلي لكل هذه الؤسسات ‪ .‬وذلك حت تصبح‬
‫النجاعة هي الاجس الول لكل من يعمل ‪.‬‬
‫إن التقييم هو مصطلح الصطلحات ف دولة الستقلل الثان ‪ ،‬وشعاره قوله تعال ‪( :‬فمن يعمل مثقال ذرة خيا يره ‪ ،‬ومن يعمل مثقال ذرة شرا‬
‫يره ) ‪.‬‬
‫لقد أصبحت تقنية التقييم معروفة با فيه الكفاية ‪ ،‬وشائعة الستعمال ف ميادين فنية عديدة كالصحة والقتصاد‪ .‬لذلك يكننا الستفادة من‬
‫مبادئها ومنهجيتها ف كل الؤسسات واليادين ‪ ،‬على النحو التال ‪:‬‬
‫‪-‬أن تدّد الهداف جاعيا بي القاعدة العريضة للمؤسسي ‪ ،‬وأجهزة أخذ القرار وتنفيذه ‪.‬‬
‫‪-‬أن توضع لكل فرد حقوقه وواجباته ف إطار الشفافية الطلقة ‪.‬‬
‫‪-‬أن تدد مؤشرات التقييم ‪ ،‬وهي تتعلق أساسا بالنتائج ووسائل العمل ‪ ،‬ث بدور الساهرين على تنفيذ البامج‪.‬‬
‫‪-‬تعطي الؤسسة لنفسها حق تغيي وسائل عملها ‪ ،‬إضافة إل حقها ف تداول السؤولي عليها‪.‬‬
‫‪-‬تطلب الؤسسة تقييما خارجا عن هياكلها ‪ ،‬فيحق ليكل القضاء أن يقيّم الؤسسة الصحفية ‪ ،‬والعكس بالعكس‪.‬‬
‫‪-‬تستعمل نتائج التقييم الدوري لجراء إصلحات متواصلة وتعديل مسار الؤسسة ‪ ،‬سواء أكانت سياسية أم اقتصادية أم تعليمية‪.‬وكل هذه‬
‫العمليات تستوجب ‪ ،‬بداهة ‪ ،‬الشفافية والوضوح ‪ ،‬أي إعلما فعال ‪.‬‬
‫***‬
‫ـ الصراع العلمي‬ ‫‪2‬‬

‫العلم هو الطاقة الت تتحرك داخل شرايي كل الجهزة‪ .‬وهو السلح الوحيد السموح به داخل الرب الرمزية ‪ ،‬ومن هنا تكمن خطورته ‪.‬‬
‫لذلك يب أن كون لكل الفرقاء السياسيي منابر هي ساحات العركة الرمزية الت تفرّغ فيها العنفوانية ‪ ،‬وتتلقح فيها الفكار ‪ ،‬وتتم الحاسبة ‪،‬‬
‫وتستعرض فيها العضلت والبدائل‬
‫فبقدر ما تكون اللعبة واضحة والقواعد مترمة ‪ ،‬بقدر ما يتمكن الجتمع من البتعاد عن العنف السدي ‪ ،‬والعكس صحيح أيضا ‪.‬‬
‫وبالنسبة للعرب ‪ ،‬يطرح موضوع العلم على مستويات ثلثة ‪:‬‬
‫فنحن نعايش العلم الستبدادي ونعرف فلسفته ‪ ،‬أي فكره البدائي وطرقه الت تصب كلها ف خانة واحدة وتدم هدفا واحدا ‪ ،‬وهو بالساس‬
‫أمن السلطة‪ .‬ومن ث ‪ ،‬يكن وصفه ب ـ "المن العلمي " أو "العلم المن "‪.‬‬
‫كما أنه معول ‪ ،‬ككل الجهزة الخرى ‪ ،‬لحكام الغطاء على فوهة البكان حت ل تبز اللفات والصراعات على السطح ‪ ،‬وحت يوحي الو‬
‫باستتباب الستقرار والسلم ‪.‬‬
‫إن ثلثي سنة من التطبيل لشخص بورقيبة ونظامه إل صبيحة الطاحة به ‪ ،‬ل تعل تونسيا واحدا يرك ساكنا للدفاع عنه ‪ ،‬وانقلبت ف نفس‬
‫اليوم وف نفس الرائد نفس القلم لتلهج بدح النظام الديد وهجاء ما كانت تدعي عبادته البارحة‪.‬‬
‫وهو واقع يعايشه جل العرب ‪ ،‬ضمن مفارقة غريبة ‪ :‬فهناك أزمة دائمة ف العلم الستبدادي الحلي نتيجة ل فاعليته ول شعبيته‪ ،‬بل ونتيجة‬
‫دوره ف تسميم أصحابه الذين هم أهم ضحاياه لنه يعمي فيهم البصر والبصية ‪ .‬لكن وف القابل ‪ ،‬ل نقرأ أدن أزمة يشكو منها العلم نفسه‬
‫حت ف أحلك ظروف الستبداد ‪.‬‬
‫وتتهد الدولة الستبدادية لنق العلومة والرأي الخالف ‪ ،‬ف حي يتواجد العلم ف كل مكان بفضل الوائيات والصحون القعّرة الت تاول‬
‫منعها عبثا ‪ ،‬أو بفضل جهاز بسيط ل مال لصادرته كالراديو ‪ ،‬أو بفضل أقوى الذاعات العربية وهي إذاعة "يقال " أو " بين وبينك " ‪ ،‬وهي‬
‫إذاعات تبث على كل الوجات ول يفى عنها خب ‪.‬‬
‫لقد وضع تطور التكنولوجيا الدولة الستبدادية ف ورطة ‪ ،‬كورطة من ياول مصادرة البطاطس لفرض اشتراء بضاعة رديئة من متجر هو ملكه ‪،‬‬
‫والبطاطس تغمر السوق ‪ ،‬ومزارع البطاطس تيط بالتجر الراقب بالدبابات ‪ ،‬لكن ل مال لنع الناس من التزود با يتاجونه من الصناف اليدة‪.‬‬
‫إل أن العرب ل يتعاملون فقط مع العلم الستبدادي ‪ ،‬وإنّما هو أيضا كبقية الشعوب مواجه با يوز تسميته باستبداد العلم ‪ .‬والستبداد هنا‬
‫ل يتعلق بالضرورة بعبادة الشخصية أو بقمع الرأي الخالف ‪ ،‬وإنّما يترتب عن عمل آليات أخرى‪.‬‬
‫فـ "الرية العلمية" حسب دولة الستبداد ‪ ،‬تكمن ف مرد الصداع برأي ‪ ،‬أي ف تقييم ل يتأتّ من جهة السلطة‪ ،‬وهوي "جرية" متأتية من‬
‫منع حق الحاسبة‪ .‬ولكن داخل الدولة الديقراطية أيضا هناك جرائم إعلمية متعددة‪ ،‬إل أن القانون ل يعاقب عليها ‪ ،‬لنا صعبة التشخيص‬
‫والثبات ‪.‬‬
‫قلنا إن الكلمة هي السلح الشرعي الوحيد للمتبارزين السلميي ‪ ،‬ومن ث ل يتحقق الدف الديقراطي إل إذا تاوز الصول على العلومة‬
‫ونشرها ( أي نشر متلف وجهات النظر ) مرحلة الق النظري ‪ ،‬ليصبح حقا مارسا ‪.‬‬
‫لقد أصبحت المباطوريات العلمية ف الغرب ـ سواء على مستوى الصحافة أو التلفزة ـ مهيمنة على سوق الرأي ‪ ،‬مثلما تسيطر‬
‫إمباطوريات "العلمية" على سوق الاسوب ‪.‬‬
‫ويتزايد اليوم ‪ ،‬أكثر من أي وقت مضى ‪ ،‬تمّع مصادر الب وتوزيعه بي أيد قليلة‪ ،‬برغم النيار التواصل لقيمة البضاعة العروضة‪ .‬با يشكل‬
‫خطرا عظيما على العمل الديقراطي ‪ .‬إذ أن أسهل ما يكن بيعه ف هذا الجال هو أردأ أصناف البضاعة ‪ ،‬خلفا للميادين القتصادية الخرى ‪.‬‬
‫هذا ‪ ،‬بالضافة إل الخاطر الت يكن أن تنجرّ عن توليد مشاعر القهر والغب بي الشعوب ‪ ،‬والت تتمل أن تكون أول بوادر العودة إل شهوة‬
‫العنف ‪ ،‬كما ذكرنا آنفا ‪.‬‬
‫لقد عشنا نن العرب ‪ ،‬خلل حرب الليج هذه السيطرة العلمية بصفة كاريكاتورية ‪ ،‬حيث اتضح للجميع أن العلم الغرب هو أيضا إعلم‬
‫موجه وف خدمة سياسة النظمة ‪ ،‬وأنه أحادي الصدر والرؤية ‪ ،‬ومتشبع بقيم شوفينية وطبقية مطمورة ‪ .‬لكن الشعوب الغربية نفسها تعرف‬
‫كيفية توجيه الرأي ‪ ،‬وفرض النموذج الفكري الواحد بأساليب ملتوية وأكثر خبثا ‪.‬‬
‫ومن حسن حظ هذه الشعوب‪ ،‬فإن فيها قوى سياسية عديدة تفرض التعددية‪ ،‬كأهم سلح فعال ضد احتكار الفكرة وتبليغها ‪ .‬إل أن هذه‬
‫التعددية نفسها تبقى حل منقوصا ‪ ،‬إذ تتمكن كثي من الحزاب السياسية على تبليغ صوتا وفكرها إل مئات الليي من الشاهدين والستمعي ‪..‬‬
‫بينما ل تقدر ناذج سياسية أخرى مالفة على إيصال مواقفها إل إل قلة قليلة منهم‪.‬‬
‫إن سياسة الدولة الديقراطية ف هذا اليدان الساس ل تكمن ف الدفاع عن سياسة الكومة الديقراطية‪ ،‬وإنا ف تتبع "النحة العلمية" ‪،‬‬
‫شريطة أن ل ينلق هذا الفهوم إل سياسة الد من الكلمة ‪ ،‬تت أي ذريعة‪.‬‬
‫فكل ما يتعارض مع ترير نقل الرأي ‪ ،‬ومع الساواة بي كل الفئات السياسية والفكرية ف نقل متلف آرائها ‪ ،‬لو أمر مالف تاما للديقراطية ‪.‬‬
‫أما تطور المباطوريات الصحفية والتلفزية ف الغرب ‪ ،‬فقد جاء استجابة لطالب السوق العلمية ‪ ،‬أكثر من كونا نتيجة عمل الديقراطية‬
‫وحدها ‪ .‬بل غالبا ما كانت عدوا لدودا للديقراطية نفسها ‪.‬‬
‫تشمل "النحة العلمية " أيضا معطى أصعب تديدا ‪ ،‬وذا صلة مباشرة ب "النوعية"‪.‬‬
‫فبمجرد أن تفتح أغلب قنوات التلفزة أو الراديو أو أغلب الرائد حت تغرق ف طوفان من العلومات الجزأة والفككة والتناثرة والتدافعة ‪.‬‬
‫يقرأ الذيع خبا عن كارثة رواندا ‪ ،‬فتداهك صور القتل والوع والعري والغتصاب‪ ،‬ث ير الذيع إل انتصار فريق كرة القدم مثل بنفس النبة‬
‫وكأن للخبين نفس الهية ‪ ،‬بل ومن المكن أن يبدأ بانتصار فريق كرة القدم قبل أن ير مرور الكرام إل تاطل القنابل على مدينة شهيدة ‪.‬‬
‫وتتابع بعدها اللعاب السقيمة ‪ ،‬والسلسلت الابطة الرخيصة للعنف والنس ‪ ،‬ودياغوجية آخر سياسي معروف وهو يوّه حت يكذب بنتهى‬
‫الصفاقة‬
‫وتاول الصحافة الكتوبة مناقشة العلم الرئي بنفس عقلية التغطية قصية الدى ‪ .‬فل تد ما يغذي الفكر والشعور إل ف بعض البامج الثقافية‬
‫تبث ف آخر هزيع من الليل ‪ ،‬أو ف كتب وملت ل يقرأها إل عدد قليل من الناس‪.‬‬
‫وهكذا يلق العلم صورة مهمشة ومزيفة عن الواقع ‪ ،‬فيزيد من صعوبة العيش ‪ ،‬بدل أن يكون هو ذلك اليط الرفيع الذي يربط بي القلوب‬
‫والعقول ‪ ،‬والذي تتسرب عبه تارب البشرية ف إطار سياسة تبادل متساو تنمي الثروة الفكرية لكل الواطني ‪.‬‬
‫إن من صلحيات الدولة أنا تدد مقاييس الودة ف كل بضاعة للستهلك ‪ ،‬وتتشدد خاصة ف تلك الت تستهلك على نطاق واسع ‪ ،‬إل أن‬
‫العلم ل يضع لثل هذه الراقبة ‪ ،‬برغم حيوية مادته‪.‬‬
‫يكمن الطر هنا ف النزلق من مستوى الطلب الشرعي الذي يق لنا الناداة به ‪ ،‬إل مستوى مصادرة الرأي الخالف ‪ .‬لكن هذا النلق الذي‬
‫يكن احتواؤه‪ ،‬ليس أخطر من ترك إعلم أهوج مكوم باجس الربح يدمر الثقافة واللغة والقيم ‪ ،‬ويشيع عن العال صورة مشوهة مسوخة ‪،‬‬
‫ويعمق التغرب والهل الديد‪.‬‬
‫وقد تبدو العملية ميؤوسا منها لتعدد مصادر العلم العاصر واستحالة التحكم فيه كما ونوعا ‪ ،‬ولكن الديقراطية ‪ ،‬عب مؤسساتا الدنية ونظام‬
‫دولتها ‪ ،‬قادرة على تريك طاقات بشرية هامة نو فرض قواعد دنيا لثل هذه الودة‪ ...‬وإل فإن النعمة ستصبح نقمة‪.‬‬
‫إن العلم الغرب الال عنصر من عناصر هدم الديقراطية ‪ ،‬ل ف تركيبته الحتكارية فحسب ‪ ،‬وإنّما ف متواه أيضا‪.‬‬
‫فهو يعرض خطابا سياسيا مطعونا ف مصداقيته ‪ ،‬حيث يعطي عن الطبقة السياسية صورة سلبية للغاية‪ ...‬كما أنه يري وراء أخبار العنف ويتمعّش‬
‫من مسلسلت العنف أيضا ‪ ،‬وبالتال فهو عنصر مباشر وغي مباشر لعودة الشهوة إل الدم ‪.‬‬
‫يب أن تدفعنا تربة العلم الغرب ‪ ،‬إل التفكي ف البدائل ‪ ،‬وهي على ثلثة أنواع ‪:‬‬
‫ـ ضرورة تدخل الدولة الدائم ف هذا القطاع لوقف احتكاره ‪ ،‬ووضع إمكانياتا الادية حت تصل كل الفكار والواقف والراء بكيفية عادلة‬
‫ومتساوية إل كل الناس ‪.‬‬
‫ـ تربية الناشئة بصفة خاصة والواطني بصفة عامة على التعامل النقدي مع الطوفان العلومات ‪ ،‬فمن السذاجة مثل الكتفاء بحاولة منع مسلسل‬
‫ت العنف والنس على القناة الوطنية للتلفزة‪ ،‬وهي تاجنا من كل مكان ‪ .‬أما منع الوائيات العصرية فمعركة خطوط خلفية ل قيمة لا ول‬
‫جدوى‪ .‬بل يكن أن يكون التعامل الصحيح عب تكثيف البامج النقدية والتحليلية حول هذه السلسلت ‪ ،‬وحول نقد الدمغجة ف الطاب‬
‫السياسي ‪ ،‬وحول اليديولوجية البهمة للثقافة السائدة ‪ ،‬وحول القوى القيقية الت تلك ف الارج العلم وكيفية استعماله ‪ ...‬إل ‪.‬‬
‫إن دور الدولة هنا هو تربية الستهلك العلمي كما ترب مستعمل السيارة على قانون الطرقات ف الوقت الذي تراقب فيه نوعية السيارات‬
‫الستعملة وصلحياتا لستعمال الطريق ‪.‬‬
‫ـ أخيا وليس آخرا ‪ ،‬يب على الدولة أن تستنجد بي ما ف الهنة العلمية ‪ ،‬انطلقا من مبدأ "أهل مكة أدرى بشعابا " وذلك لوضع مقاييس‬
‫الودة ف نوع العلومة ‪ ،‬وطريقة تصريفها ‪ ،‬والستعمال الجدى للوسائل الختلفة حت تساهم ف بلورة أحسن ما ف النسان ‪ ،‬بدل الراهنة على‬
‫أخس ما فيه ‪.‬‬
‫إن الطرف الساسي والسؤول عن إياد حل لشكالية إعلم ديقراطي هو الجتمع الدن نفسه ‪ ،‬وذلك عب متلف مؤسساته ومسؤولياته الت من‬
‫أهها الشاركة ف التفاعل مع الشاكل الماعية وتوفي ذلك لكب عدد مكن من الواطني ‪.‬‬
‫وعلى سلمة هذا الطرف الام ‪ ،‬يتوقف جزء كبي من ناح الركن الثالث الكثر هشاشة وضعفا ف النظام الديقراطي ‪.‬‬
‫***‬
‫ـ التجدّد السلمي للسلطات‬ ‫‪3‬‬
‫تطر ببالك ‪ ،‬وأنت تتابع النتخابات على شاشة التلفزات الغربية ‪ ،‬مقولة تشرشل حول "أتعس النظمة بغض النظر عن كل ما عداها "‪ .‬فهذه‬
‫الهرجانات النتخابية نفسها تشكل كاريكاتور لفكار جيلة ونن لسنا ف حاجة إل أن نزيد الطي بلّة بتقديها بصفة كاريكاتورية‪.‬‬
‫لكنها ف القيقة ضرورية لنا تثل الفصل التامي ف الرب الرمزية ‪ ،‬واللحظة الفاصلة الت يقع فيها تصفيف الحاربي ودخولم ساحة الوغى‬
‫وقتل "السلطان " القدي واستبداله ب "السلطان " الديد لولة أخرى ‪ .‬وهي كذلك الرحلة الت تصفى فيها السابات والحقاد ‪ ،‬وتتهاطل‬
‫خللا الراجات البلغية والصواريخ اللفظية وقنابل الياء والتعريض ‪ ،‬ف إطار استراتيجيات الكر والفرّ ‪ ،‬والحاصرة والجهاز على العدو‬
‫وإذاقته مرارة الزية النكراء‪.‬‬
‫إنا الرحلة الضرورية لفراغ شحنات العنف الماعي عب القنوات الرمزية الت توفر تديد فترة السلم لدة جديدة قد تطول أو قد تقصر ‪.‬‬
‫إل أن سيناريو العركة ل زال يتطلب إعادة نظر عميقة ف كثي من التفاصيل ‪ ،‬وإل طغت السلبيات على النافع‪.‬‬
‫وهذه السلبيات ل يكن أن تنسينا أبدا أن للنتخابات وظائف متعددة‪ .‬فبالضافة إل وظيفتها الرئيسية‪ ،‬تعتب مناسبة ثينة للحتفاء بالسلم‬
‫الجتماعية ‪ ،‬وبعلوية القانون وكرامة الواطن الناخب ‪ .‬كما أنا مناسبة أخرى لمارسة التحرر عب تقييم ما مضى والعداد لدفع جديد للمطامح‬
‫الماعية‪.‬‬
‫فالدف إذن من النتخابات هو تنظيم أهم فصول الرب الرمزية ‪ ،‬من أجل استثبات المان ‪.‬أما أهم ترتّبات العملية فهو تدد السلط التشريعية‬
‫والتنفيذية والمعياتية ‪ ،‬أي تشبيبها وتطهيها وعلجها ‪.‬‬
‫والجتمع باجة إل تدد الثقافة‪ ،‬وتدد الجيال ‪ ،‬وتدد آلة النتاج ‪ ،‬كأهم ضمان للفاعلية والنجاعة ف تسيي شؤون الجموعة ‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬هل تتمكن آلية النتخابات ‪ ،‬حت ف أرقى الديقراطيات الغربية ‪ ،‬من تقيق هذه الوظائف العقدة والتداخلة ‪ ،‬جزئيا أو كلّيا ؟‬
‫إن العملية النتخابية ف صبغتها التقنية هي اختيار الرجل أو الرأة الناسبي لتمثيل الشعب وأخذ القرار باسه ومتابعة تنفيذه ‪ ،‬وذلك عب تفويض‬
‫واع من ناخب حر مسؤول وقادر على التفريق الصائب بي خيارات متعددة ومتناقضة‪.‬‬
‫وترتكز العملية النتخابية على جلة من السلمات ‪ ،‬أظهرت تربة العديد من الديقراطيات طوال هذا القرن أنا ليست بديهية ف شيء ‪ .‬ولنبدأ‬
‫تقييمها من القمة إل القاعدة ‪.‬‬
‫أما الناخب فمقسم بي قرف مستدي وجهل ل دواء له با يبئ له الستقبل ‪ .‬ويغذي قرفه هذا الفشل الوعود القدية ‪ .‬أما جهله فيتغذى من عدم‬
‫معرفته بدى مصداقيته الوعود الت تعرض عليه باستمرار ‪ .‬وهكذا ‪ ،‬يد الناخب نفسه أمام السياسة كالريض أمام الطب ‪.‬‬
‫إن التوجه إل هذا الطبيب دون غيه ‪ ،‬والخذ بذا العلج ل بآخر ‪ ،‬ودفع هذه التكلفة الطلوبة دون احتجاج‪ ،‬لي سفرة ف ضباب بالنسبة لكل‬
‫مريض ‪ ،‬توجهها بعض الشارات البهمة هنا وهناك ‪.‬فالريض ‪ ،‬إن ل يكن طبيبا منكا وأيا كانت ثقافته ‪ ،‬عاجز عن تقييم فعلي لبة الطبيب‬
‫التقنية ونزاهته الخلقية ‪ ،‬وهو مضطر إل تصديق ما يقال عنه وعن العلج‪.‬‬
‫لكن ما هي الفاعلية القيقية لذا العلج ؟ وما هي آثاره السلبية ؟ وهل أن التكلفة مبالغ فيها أم أنا الثمن العادل مقابل خدمات جيدة ؟‬
‫إنا أسئلة قلما يستطيع الطباء أنفسهم الرد عليها ‪ ،‬ومع ذلك يفتعل طل الفرقاء اليان بأن الطبيب فعل طبيب‪ ،‬والعلج حقّا علج ‪ ،‬والتكلفة‬
‫عادلة ‪ .‬ث تأت التجربة الرة لتفضح عدم بديهية البديهيان ‪.‬‬
‫إن خيار الناخب أعقد بكثي من خيار الريض ‪ ،‬لنّه مطالب بالبت ف علج الدارة وعلج القتصاد وعلج الظلم الجتماعي‪ ،‬ف حي أن زاده‬
‫العرف القيقي مقتصر على الشاكل التقنية الت يعرفها بكم عمله أو وضعيته ‪ ،‬والشاكل العامة لحيطه الضيق ‪ .‬أما الستويات العلى فإن عمله‬
‫ل يفي حت باجة التشخيص الصحيح للمشاكل ‪ ،‬فما بالك باختيار أنع اللول لا ‪ ،‬وثقافته هنا كثقافة طالب الطب أمام عارضي الدوية‬
‫ومثلي الشركات الصيدلية‪ .‬أي أنه يتار أساسا تت تأثي شكل أو آخر من الشهار ‪.‬‬
‫ماذا الن عن هذه العملية بالذات ‪ ،‬إذ هي مظهر مثي جدا خلل العركة ‪ ،‬وهي كذلك نقطة الضعف الساسية فيها ؟‬
‫تتقدم القوائم النتخابية أمام الناخب بقترحاتا لل الشاكل ‪ .‬وتتغلب يوما بعد يوم عقلية البائع ومصاله وفلسفته وتقنياته على كل اعتبار ‪.‬‬
‫وهكذا رأينا الشهار يتسلل ببث متزايد على ميدان السياسة‪ ،‬ما جعل القضايا الرئيسية للمجتمع تباع للناخب مقابل صوته‪ ،‬كما تباع السيارات‬
‫وصابون الشعر مقابل الال ‪ .‬وأصبح الترشح أحيانا أهم من برنامه ‪ .‬وهو ما حدا بؤلف ف العلوم السياسية‪ ،‬يدعي ‪" :‬داونس" لن يعتب‬
‫الديقراطية "مقايضة اقتصادية" تكون الكومة بوجبها مرد مقابل خدمات ‪ ،‬يبيع سياسات ثنها الطلوب ما يمع من الصوات لواصلة تسيي‬
‫الؤسسة الت يكن أن تكون ‪ :‬فرنسا أو أمريكا أو اليابان ‪...‬‬
‫إن هذا التوجه نو الشهار ‪ ،‬ف إطار منظمة اقتصادوية ‪ ،‬لو من أكب الخطار الت تتهدد الديقراطية‪ .‬فهي تلق حالة تصطفي أردأ الواقف‬
‫والتصرفات ‪ ،‬كالغش والديعة والكذب والدياغوجيا وشت ضروب النصب والحتيال والطعن ف حلول الخر ‪ ،‬ل لشيء إل لنا بضاعة‬
‫الصم‪ .‬والال أن الجتمع بأمس الاجة لتظافر كل الدمغة لل الشاكل العقدة باستمرار وللبت ف كل اللول القترحة ‪ ،‬باعتبارها تعكس ‪،‬‬
‫عادة‪ ،‬جزءا من التعقيد الريع ‪.‬‬
‫إنا لفارقة غريبة أن تتصور إمكانية بناء نظام فاضل بثل هذه الواقف والتصرفات الت تفرضها الالة ‪ ،‬فإذا بالناخب يصبح ضحيتها مثلما هو‬
‫ضحيتها رجل السياسة السكي الذي يفرض عليه بائع مشبوه‪ ،‬ويعاب عليه قيامه الهمة على أحسن وجه‪.‬‬
‫قد تمل تقنيات الشهار الناخب على اختيار أسوأ اللول عن حسن نية أو من طفرة الغضب أو انرارا إل مواقف ساحر خبي ف الدمغجة‪،‬‬
‫مثلما حدث ذلك أكثر من مرة وليس ف ألانيا الثلثينات فقط‪.‬‬
‫هذا علوة عن دور الال ف تضخيم أصوات أو تجيم أخرى ‪ .‬فهذا مليوني أمريكي يستطيع أن يشق له طريقا إل القمة‪ ،‬ل لشيء إل لنه قادر‬
‫على دفع مليي الدولرات لشتراء ساعات ف وسائل العلم‪ .‬ول يستغرب أحد أو يعتب المر تريفا خطيا للديقراطية‪ ،‬الت يفترض فيها‬
‫توفي نفس الفرص لكل الناس ف عرض أفكارهم والدفاع عنها ‪.‬‬
‫ومن مظاهر الدور السلب للعلم الستبد‪ ،‬وأثره ف إناك الديقراطية‪ ،‬ما نشهده من انتشار عمليات سب الراء‪ ،‬الت أصبحت تشكل ضغطا‬
‫معنويا متواصل على الترشح والناخب على حد سواء‪ .‬فتتعدل القوال والفعال حسب آخر تقلبات وشطحات رأي عام مسيّر‪ .‬ومن ث ‪ ،‬تنلق‬
‫الهداف من اختيار أفضل مرشح وأفضل برنامج‪ ..‬على هدف اختيار أفضل استراتيجية للتجاوب مع الهواء التقلبة للمترشحي ‪ ،‬وأحسن رهان‬
‫على أفضل حصان ‪ ،‬بالنسبة للناخبي ‪.‬‬
‫وما يفرض التوجه التجاري ـ الشهاري للحملت النتخابية ‪ ،‬التزايد الطرد ف تكاليفها الستمدة غالبا من "تبعات" كبى الؤسسات‬
‫القتصادية ذات الرامي العروفة‪.‬‬
‫فل غرابة إذن أن يكون مردود هذه العملية ف اختيار الرجل الناسب أو الرأة الناسبة للمكان الناسب ‪ ،‬كمردود اختيار الطباء والراحي على‬
‫مقاييس "حلوة " اللسان والظهر‪ ،‬والشهادات الشبوهة ‪ ،‬والوعود الميلة باكتشاف دواء السيدا مثل أو السرطان ‪..‬‬
‫وهكذا نرى أن آلية النتخاب بذا الشكل أبعد ما تكون عن تقيق هدف التجدد وضخ النجاعة والفاعلية ف شرايي الدولة ‪.‬‬
‫إن من يعتقد بأن ف هذه القارنة شيء من الجحاف ‪ ،‬نطالبه بأن يفكر ف ما يتطلبه اليوم توجيه القتصاد والفلحة والتعليم من خبة وتربة ‪،‬‬
‫ناهيك عما يتطلبه توجيه دولة برمتها من معرفة بالعموميات والزئيات ‪ ،‬باليديولوجية والتاريخ والقتصاد إل ‪ ...‬ث عليه بعد ذلك أن يتصور‬
‫ترتّبات اليارات الوجاء ‪ ،‬والخطاء التقنية وثنها الائل إنسانيا واجتماعيا ‪ ،‬أو دورها ف تعطيل مسار شعب بأكمله ‪ ،‬أو دفعه ف اتاه يتناقض‬
‫مع مصاله القيقية‪.‬‬
‫إل أنه ل يكننا ‪ ،‬رغم كل شيء ‪ ،‬مقارنة هذا الردود بترتبات تكلس النظام الستبدادي وتجره ‪ ،‬ورفضه التطور والتجدد ‪ ،‬واستماتته ف ماولة‬
‫وقف عجلة الزمان ‪ ،‬إل أن يلفظه الجتمع كمن يتخلص من ورم ‪.‬إنه مردود ضعيف ولكن هناك إمكانات كبية لتحسينه ‪ ،‬وبالتال لطالة عمر‬
‫الديقراطية ‪.‬‬
‫لقائل أن يقول إننا نلط بي السياسي والتقن ‪ ،‬لكن هذا العتراض نراه غي مصيب ‪ ،‬لن التقن إن ترك بل توجيه سيفرض سياسة ل تصل إل‬
‫السطح ول يكن تقييمها ‪ .‬ولن السياسي الذي ل يكتسب ثقافة عامة وخبة تقنية واسعة ف ميدان ما ‪ ،‬يكون غي مؤهل لتأطي التقن وحل‬
‫مشاكل متمع معاصر ومتزايد التعقيد‪.‬‬
‫يتزايد إذن قرف الناخب بتزايد وعيه بعمق جهله‪ ،‬وضعف تأثيه على الحداث ‪ ،‬وتصاعد شكه ف طبقة سياسية فقدت كل هيبة نتيجة تظافر‬
‫عوامل الدعاية ‪ ،‬وسطوة قضاء متصاعد الصرامة وباحث عن توسيع رقعة سلطانه على حسابما ‪ ،‬وإعلم خبيث جعل من فساد بعض رجال‬
‫السياسة مادة دسة وبضاعة ل تنفق ‪ ،‬حت وإن كان أغلب رجال السياسة ف منتهى الناهة والتفان ‪.‬‬
‫ل شيء ف الفق يبشر بل هذه الزمة الطية ‪ ،‬فالالة الت خلقت هذه الوضعية صعبة التغيي لنا ارتبطت بعادات مستحكمة ومصال عميقة‬
‫ومتشابكة ‪ .‬بل من المكن أن تتفاقم انتخابا بعد انتخاب ‪ ،‬فل تزيد الديقراطية إل اهتراء علىاهتراء‪.‬‬
‫إن النسحاب التزايد من لعبة مطعون فيها ‪ ،‬من شأنه أن يغذي الستقالة الماعية وتذرّر الجتمع ‪ ،‬والبحث عن اللول العاجلة والصغية‬
‫والقريبة من الناس وهومهم ‪ ،‬مفسحا الجال أكثر فأكثر داخل مؤسسات الديقراطية للمحترفي والنتفعي والتمعشي ‪ ،‬وخارجها لعدو متمرس‬
‫ل ه ّم له إل العودة إل نشوة العنف الباشر بالتعريض والتحريض الدائمي ضد الرب الرمزية وآلياتا ‪.‬‬
‫إل أن الركن الثالث بقي يعان من مرض أخطر وأعمق ‪ ،‬يتعلق بلطه بي الوظائف ‪ ،‬وماولة تأدية وظيفة مستحيلة‪.‬‬
‫وما يشاع عن الديقراطية أنا حكم الغلبية ‪ ،‬وأن مؤسسات أخذ القرار وتنفيذه بيد ممثلي هذه الغلبية‪ .‬وهي فكرة ل أساس لا من الصحة‬
‫منذ قدي الزمان ‪ ،‬فقد كانت الديقراطية الثينية حكم أقلية‪ .‬وكانت الديقراطية الفرنسية على خسي سنة خلت ل تنح حق التصويت لنصف‬
‫الجتمع ‪ ،‬أي للنساء‪ .‬ومن الفارقات العجيبة‪ ،‬تلك الحداث الت رسخت آليات التمثيلية والتداول ‪ .‬لكن النتخابات ‪ ،‬حت ف البلدان الت‬
‫ينح فيها حق التصويت للمجتمع ‪ ،‬ل تعكس إرادة الشعب وإنا إرادة القوائم النتخابية ‪ .‬وقد تكون هذه القوائم مرآة للشعب وقد ل تكون‬
‫وغالبا ما ل تكون‪ .‬لن التنظيمات اليديولوجية الركية والت تثل القلية‪ ،‬تستطيع بالتجنّد الذي تسنه أن تتواجد بكثافة نسبية‪ ،‬مقارنة‬
‫بإمكانيات عموم الشعب الذي تنعه هوم الياة ‪ ،‬أو مستواه العلمي‪ ،‬أو قرفه من السياسة والسياسيي ‪ ،‬من الشاركة ف النتخابات ‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬ترى رئيس جهورية فرنسا منتخبا (ف أحسن الحوال ) من ‪ % 52‬من القوائم النتخابية ‪ ،‬ومعلنا تثيل من ل ينحوه ثقتهم ‪ .‬وكذلك‬
‫ترى رئيس الوليات التحدة منتخبا من طرف ثلثي الواطني من له حق النتخاب ‪ ،‬لكنه يكون مثل للثلث الباقي ‪ ،‬وهكذا ‪...‬‬
‫والمر كذلك بالنسبة للنتخابات التشريعية الت تلغي النظام الغلب ‪ ،‬فينجح بوجبه من تصل على ‪ %50,5‬من الصوات ‪ ،‬ويسقط من‬
‫تصل على ‪ .% 49,5‬أما مثلو قطاعات كبية من الناس ف البلان ‪ ،‬فل تد من يثلهم ‪ .‬ف حي يتسبب النظام النسب الذي يعطي لكل‬
‫الحزاب مقاعد بعدد الصوات الت تصلت عليه ‪ ،‬ف جعل القرار صعبا‪ ،‬وأحيانا ف دكتاتورية القلية‪.‬‬
‫إن المر معهود جدا ف ألانيا الت تعتمد التمثيلية النسبية ‪ ،‬إذ تلعب الحزاب الصغية دورا هاما ف التحالفات وف ترجيح الكفة لصال هذا‬
‫القطب أو ذاك ‪ ،‬خلل مواجهة سياسة تكون فيها القوى شبه متساوية ‪ ،‬فتبتز الطرف الذي تتحالف معه ‪.‬‬
‫ف إطار هذا النظام إذن ‪ ،‬تفرض تثيلية مبالغ فيها لصال القلية ‪ ،‬حيث تنحها سلحا هاما يساعد على تعطيل قرارات الغلبية أو مارسة الضغط‬
‫والبتزاز‪ .‬وهي بذا تعطي الولوية للسياسوية على السياسة‪ ،‬أي تغلّب التكتيك على الستراتيجية ‪ ،‬والتحليل على الذكاء ‪ ،‬والحتراف على‬
‫النضال ‪ ،‬والواقعية على البادئ ‪.‬‬
‫إن هذا الشهد الذي يضخمه إعلم ل يرحم ‪ ،‬ل يزيد الناخب إل شكّا ف عمليات يتضح له أنا فقدت سبب وجودها ‪ ،‬لن هها القيقي ليس‬
‫تثيل الشعب وحل مشاكله ‪ ،‬وإنا تثيل الحزاب وحل مشاكلها ‪.‬‬
‫يب أن ننتهي من هذه الكذوبة الكبى ‪ ،‬فالديقراطية ل تكن أبدا تثيل للغلبية بفهومها العددي البسيط ‪ ،‬وليس هذا هدفها الرئيسي ‪.‬‬
‫إن أحسن وسيلة لتحقيق هذه التمثيلية بالنسبة لن يعتبها جوهر الديقراطية هو اللتجاء إل تقنيات الحصاء وليس إل النتخابات ‪ .‬فأحسن‬
‫برلان مثّل فعليا للشعب هو ذلك الذي ينتقي له علماء الحصاء عينة إحصائية تتار من قوائم الالة الدنية ‪ ،‬حسب تقنيات معروفة يلعب فيها‬
‫الظ دورا هاما لختيار الفراد كأفراد‪ .‬لكنه يعطي ف آخر الطاف صورة دقيقة وصحيحة عن التركيبة العامة للجمهرة الوطنية‪.‬‬
‫وهكذا سنجد ف البلان الرجال والنساء بنسبة متعادلة ـ وهو أمر إياب ـ ومن متلف العمار والهن والهات والستويات الثقافية بنفس‬
‫النسبة الوجودة ف الجتمع ‪ .‬لكن سيعن هذا بالنسبة لنا كعرب ‪ ،‬أن يكون نصف البلانيي أميي ‪ ،‬وأن الغلبية الساحقة ستكون بدون أدن‬
‫خبة سياسية أو جعياتية ‪ .‬وبذا تتم الفارقة الت تضعنا أمام برلان مثل أحسن تثيل ‪ ،‬لكن ل جدوى له ول فاعلية‪.‬‬
‫يتضح أن القضية ف الواقع ليست تثيل الشخاص ‪ ،‬وإنا تثيل الشاكل والصال واليارات الماعية‪ .‬وهذه الخية ل يكن أن تثل ل بالعينة‬
‫الحصائية ول بالنظام النتخاب العمول به اليوم ‪.‬‬
‫لنذهب أبعد من هذا ‪ ،‬ولنفترض أن الياكل النتخبة تثل فعل الشعب ل القوائم النتخابية‪ ،‬فستترجم بالضرورة إرادة الغلبية‪ ،‬الت هي إرادة‬
‫تضع ‪ ،‬كالطقس ‪ ،‬لتقلبات شت‪.‬‬
‫فهل يكن أن تكون هذه الرادة هي حجر الزاوية لي سياسة ديقراطية ؟ وهل يكن مثل أن توضع إرادة السرائيليي فوق حق الفلسطينيي ف‬
‫دولة ووطن ؟ وهل يكن أن تقبل بتنفيذ حكم العدام ف أمريكا لنه إرادة الشعب؟ وهل يب أن نقبل بالعمل بالتعذيب لو كانت تلك إرادة‬
‫أغلب الناس ؟‬
‫بداهة ‪ ،‬هناك حد حت لرادة الغلبية وهذا الد هو مددا " حقوق النسان "‪.‬‬
‫إن الطر ف مثل هذا الوقف يكمن ف النزلق نو النخبوية والتعال على الشعب ‪ .‬أما الطر ف الوقف العاكس فيتمثل ف الدياغوجية الابطة‬
‫الت تتملق أتعس ما ف الشعب لتستبد به عاجل أو آجل ‪ ،‬وهي تقنية كل الحزاب الشعبوية‪.‬‬
‫ونن ل نتفادى هذين الطرين إل باعتبار أن الديقراطية أداة لدمة النسان وتقيق حاجاته ف المان والكرامة والتحرر والعيش الكري ‪ .‬معن‬
‫هذا أنه ف إطار ما قلناه عن انعدام الرية الطلقة لي هيكل أو كائن أو فكرة ‪ ،‬فإن سيادة الغلبية يب أن تبقى رهينة تركها ف إطار‬
‫القوق‪/‬الواجبات الت ضمنها العلن ‪ ،‬وإل أصبحت الديقراطية أداة لنحر الديقراطية والستبداد بالنسان ‪.‬‬
‫وتكمن مأساة كل الشاريع التحررية ف صعوبة النتقال من الرغبة إل تقيقها ومن النظري إل العملي ومن اليديولوجي إل السياسي ‪ .‬ويبقى‬
‫الشروع مهددا من داخله أكثر ما هو مهدد من خارجه ‪،‬وكذلك المر بالنسبة للديقراطية‪.‬‬
‫لذلك تعرض كل هذه العيوب إدخال إصلحات جذرية ف هذا الجال ‪ ،‬وإل أدت إل التقصي ف عمر نظام راق لكنه هش‪ .‬فالشاكل القتصادية‬
‫والجتماعية الت تنتظرنا ‪ ،‬أصبحت بصدد تفاقم ميف قد يعلها غي قابلة للحل ل بالديقراطية ول بالستبداد ‪.‬‬
‫ونن إذا ل نطوقها من البداية بوضع نظام سياسي عادل وفعال ‪ ،‬فإن العلج قد يصل متأخرا ‪ ،‬وقد يكون مفعوله أكثر من متواضع إذا كان هو‬
‫بنفسه متاجا إل علج‪.‬‬
‫إن العرض الوال ليس مرد ترين خيال كالذي يعشقه الثقف النطوي على نفسه ف برجه العاجي والال بالدينة الفاضلة واليديولوجية الق‬
‫والليات الكاملة ‪ ،‬إنا هو على العكس من هذا ‪ :‬مواصلة للنضال ‪.‬‬
‫فإذا كان صحيحا أن كل الحلم ل تتحقق ‪ ،‬فإنه من الثابت أيضا أن كل ما تقق إل حد الن كان نتيجة أحلم ‪ ،‬ومن ث فاللم هو ضرورة‬
‫الرحلة الت تسبق كل تغييات هامة ‪ ،‬وهو أيضا منطلق الركة الت ستخلق الالة الديدة‪.‬‬
‫يب إذن أن ''نلم ''بآليات تطور التجارب الديقراطية ‪ ،‬نظمتها دفّات الكتب لتنقل ف يوم ما وف مكان ما إل دنيا التجريب الفعلي ف عال‬
‫السياسة ‪.‬‬
‫يتلخص دور الليات التطورة الت تعن بوظيفة التجدد والتداول على السلطة ‪ ،‬ف إقحام أكب عدد مكن من الفرقاء ف الرب الرمزية‪ ،‬وف تنظيم‬
‫هذه الرب بصفة تتبلور من خللا الصال وليس العيوب ‪ ،‬وف جعلها تؤدي إل وضع النسان الناسب ف الكان الناسب‪ ،‬أي تقيق أقصى قدر‬
‫مكن من النجاعة ف إدارة دواليب أخذ القرار وتنفيذه‪.‬‬
‫عودة إلى المنطلقات ‪:‬‬
‫يقول الفصل الواحد والعشرين من العلن ‪ " :‬لكل إنسان الق ف الشتراك ف إدارة الشؤون العامة لبلده‪ ،‬إما مباشرة أو بواسطة مثلي يتارون‬
‫اختيارا حرّا ‪ ،‬ولكل إنسان الق الذي لغيه ف تقلّد الوظائف العامة لبلده ‪ .‬إن إرادة الشعب هي مصدر سلطة الكومة ‪ ،‬ويعبّر عن هذه الرادة‬
‫بانتخابات نزيهة دورية على أساس القتراع وعلى قدم الساواة بي الميع أو حسب أي إجراء ماثل يضمن حرية التصويت "‪.‬‬
‫لنركز هنا على أن رفض التمثيلية الزيفة أو النقوصة يب أن ل يعن لظة نفي ضرورة أن ينبع النظام الديقراطي من كل الناس ف إطار مساواة‬
‫كاملة ل تفرق بي رجل وامرأة وفقي وغن وجاهل ومتعلم ‪ ،‬وليس أخطر على الديقراطية من ديقراطية نبوية تكون الشكل القنع للرستقراطية‬
‫الديدة‪.‬‬
‫لننتبه أيضا إل أن كل حق ل يصحبه واجب‪ ،‬كما يقال ‪ ،‬وإنا هو الواجب نفسه‪ .‬فالق والواجب ها وجهان لقطعة نقد واحدة هي " السؤولية "‬
‫‪ ،‬فل مال للفصل بينهما ‪.‬‬
‫ص با نفسي دون الخر‪ ،‬إنا يعن هذا التذكي بأنّن أنتظر‬
‫عندما أقول ‪ :‬من حقي التمتع برية الرأي الخالف ‪ ،‬ل أعن طبعا أنن أطالب بزية أخ ّ‬
‫من كل من يواجهن احترام هذا الق ‪ ،‬وذلك بالضطلع بواجبه ف احترام حقي ف الرأي الخالف بنفس الكيفية‪ .‬وأنا مطالب بعدم التعرض‬
‫للخر عندما يبدي رأيا مالفا ‪ ،‬ومن ث فواجب احترام هذا الق الذي أطالب به لنفسي لذلك يكن كتابة العلن العالي لقوق النسان‬
‫كالعلن العالي لواجبات النسان ‪ ،‬دون أن ننقص منه أو نزيد حرفا ‪.‬‬
‫وعندما نقول " لكل إنسان حق الشاركة ف الياة العامة‪ ،‬فإننا نعن آليا أن من واجبه الشاركة ف هذه الياة العامة ‪.‬‬
‫تتطلب حياة الجتمع أن نبعث بأطفالنا إل الدارس شئنا أم أبينا ‪ ،‬وتتطلب أن ندفع الضرائب للتمتع بالدمات العام’ ‪ ،‬أحببنا أم كرهنا‪.‬‬
‫والشاركة ف الياة العامة ضرورة هي الخرى ‪ ،‬وعلينا أن نتعامل مع الديقراطية وأن نوّلا كما نتعامل مع الدرسة ‪ ،‬أي أن نشارك فيها لنا‬
‫أول وأهم ضمانة لمننا السدي الذي بدونه ل معن لي حق آخر ‪.‬‬
‫نن ل نتصور بالطبع إمكانية فرض عقوبات على من ل يشارك ف الياة الديقراطية ‪ ،‬لكن من وظيفة الدولة الديقراطية ـ ف إطار الدفاع عن‬
‫نفسها وإطالة عمرها ـ تشجيع الشاركة بكل ما يكن من الوسائل ‪ ،‬كتبسيط الترسيم على القوائم النتخابية ‪ ،‬واعتبار بطاقة التعريف هي بطاقة‬
‫الناخب ‪ ،‬وتصيص جزء من البامج العلمية للتربية الدنية القيقية ‪ ...‬ال‪.‬‬
‫كم عدد الناخبي الضربي ف الديقراطيات القدية ‪ ،‬والستعدين للعودة على صناديق القتراع ‪ ،‬لو تغيت قواعد اللعبة ‪ ،‬وما هي شروطهم‬
‫للعودة إل القتراع ؟ وكم منهم آثر توظيف طاقاته ف العمل المعيات ‪ ،‬وهو تعويض هام يقلل من خسارة الضراب لكنه غي مقنع ؟‬
‫إنا أسئلة هامة ل تلق حظها من الدراسة والهتمام من قبل رجال السياسة الذين أنكهم الركض وعرّاهم القضاء‪ ،‬وأفقدهم الشهار الياء‬
‫والنفة‪ ،‬وأنشبت السلطة فيهم مالبها كما تنشب الخدرات مالبها ف الدمني ‪.‬‬
‫لنتقدم بذه الفرضية على أمل أن تثبتها الحداث ‪ ،‬وهي أن أحسن حافز يعل الضراب عن الساهة ف الياة العامة شاذّا وليس القاعدة ‪ ،‬هو أن‬
‫نضع على قدم الساواة الشاركة ف الياة المعياتية ‪ ،‬مساهة وترشحا وانتخابا ‪ ،‬مع الشاركة ف الياة العامة ‪ ،‬وذلك بإحداث التغييات‬
‫الضرورية وتقدي كل التسهيلت المكنة‪.‬‬
‫إن من أهم الوسائل لحاربة الضراب السياسي هي إعادة مركز الثقل ف العارك السلمية على القاعدة ‪ .‬وذلك بأن تكون النتخابات الحلية هي‬
‫أهم العارك السياسية ‪ ،‬وأن تفرز هيئات لا أوسع الصلحيات ف اليدان القتصادي والجتماعي مليا‪ ،‬وأن تنطلق من هذه القاعدة كل قوى‬
‫التجدد‪.‬‬
‫يقترب ف هذا الستوى الناخب من الترشح ‪ ،‬ومن الشاكل الت عليه أن يعالها ‪ .‬لكن دون أن يعن هذا فهما كامل أو إدراكا تاما لكل الفايا‬
‫والعطيات‪ .‬ومن النطقي أن نراهن على أن لعضاء "جعية حقوق النسان " فهما لشكاليات حقوق النسان ووضعها ف البلد ‪ ،‬أعمق من‬
‫فهمهم لشكاليات عامة معقدة ومترابطة ‪ ،‬ومعرفة بالناضلي ف إطارها أدق من معرفتهم بأناس ل يسمعوا أحيانا حت أسائهم قبل الهرجان‬
‫النتخاب ‪.‬‬
‫ول شكل أيضا ف أن فرص الطأ ل تنعدم ف مستوى النتخاب الحلي‪ ،‬لكنها تقلّ أكثر نظرا لعرفة الناس بشاكلهم الاصة ‪ ،‬ومعرفتهم بالناس‬
‫الذين يتقدمون باقتراحات للها ‪.‬‬
‫ومن النطقي أيضا أن تكون النتخابات المعياتية والكومية والحلية مباشرة ومبنية على الترشح الفردي وعلى القوائم الزبية أو الستقلّة‪ ،‬وأن‬
‫ترعاها الدولة الديقراطية وتشجعها ‪ ،‬وأن تراقب الحكمة الدستورية سيها ف أحسن الظروف ‪.‬‬
‫يقول الفصل الواحد والعشرين للعلن إنه يكن التعبي عن إرادة الشعب الت هي مصدر كل سلطة ‪ ،‬بالنتخاب أو حسب أي إجراء ماثل ‪،‬‬
‫شريطة أن يكون نزيها ‪ ،‬دوريا ‪ ،‬عادل ‪ ،‬سريا وحرّا ‪.‬‬
‫فلم يوقف إذن الشرع العالي التعبي عن إرادة الشعب على القتراع الباشر بالغلبية أو النسبية وإنا ترك لنا الباب مفتوحا لنتصور إجراءات‬
‫ماثلة‪ .‬ونن بأمس الاجة إل تصور مثل هذه الجراءات ‪ ،‬لكي ل نستورد استقالة الناخب‪ ،‬وسطوة الشهار‪ ،‬وانيار صورة السياسي والسياسة‪،‬‬
‫ووصول الغنياء والحترفي والهازين إل سدة السلطة‪.‬‬
‫إن القاعدة الت يب أن ل تغيب عن أذهاننا دوما ونن نتخيل النماذج الثالية أن الكر النسان قادر على التلعب بكل الضوابط‪.‬‬
‫إن الهم بالنسبة لنا هو توفي الالة الت تضع أقصى قدر مكن من العراقيل ف وجه الكر وتقلل منه ما أمكن ‪ .‬لن قدر كل الليات أن تفرز‬
‫عيوبا‪ ،‬وأن تسقط عاجل أو آجل‪.‬‬
‫ومن الجراءات المكنة ـ وهذه تصورات نريد با فتح باب النقاش ل إغلقه ـ نظام الترشيح‪/‬التصعيد‪.‬‬
‫فل يوز أن يرشح الرء نفسه لي مسؤولية ‪ ،‬ف مستويات الجهزة الوطنية العليا من برلان ومكمة دستورية ورئاسة الشعب ‪ ،‬وإنا أن يقع‬
‫ترشيحه من قبل دعامت الركن الثالث أي التنظيمات الكومية الحلية‪.‬‬
‫إن التصور المكن للعملية هو أن يضبط القانون الساسي بعد عرضه على الستفتاء ‪ ،‬صلحيات برلان يصص نصف القاعد فيه للحزاب‬
‫السياسية حسب ما تصلت عليه من أصوات ف النتخابات البلدية ‪ ،‬ونصف القاعد فيه للتنظيمات الجتمعية الستقلة فعل عن الحزاب‬
‫السياسية ‪( ،‬بتواجد كل الساسيّات داخلها دون هيمنة لطرف ) ‪ .‬كما يراعي ف توزيع القاعد عنصر التوازن بي النساء والرجال ‪ ،‬والتمثيل‬
‫الهوي والهن ‪.‬‬
‫إن أمرا كهذا من شأنه أن يب الؤسسات السياسية العامة أو الحزاب على إظهار جدارتا وقدرتا على تسيي البلد تقنيا وأخلقيا ‪ ،‬ل بالوعود‬
‫والدمغجة وإنا عب أصعب المتحانات الت تتمثل ف حل الشاكل اليومية على أرض الواقع وعلى مستوى الحياء والقرى والدن ‪.‬‬
‫إن على القانون الساسي أن يكون دقيقا مفصل ‪ ،‬لننا نعلم خطر البادئ الفضفاضة الت تترك لجتهاد الدولة‪ .‬فل بد له من تديد الواصفات‬
‫الطلوبة لدخول هذا البلان ‪ ،‬وهي ‪ ،‬بداهة ‪ ،‬مواصفات سياسة عامة وأخلقية سلوكية وتقنية ‪ ،‬وذلك حت تتلئ مراكز القرار بنخبة البلد‪.‬‬
‫لنتصور الن أن عمليات البيع والشراء الت صاحبت ولدة الدستور الديد قد أقرب منظمة حقوق النسان بعقد واحد ف البلان ‪ .‬عندئذ تتم‬
‫عملية الترشيح ـ التصعيد ف جلسة عادية بنتهى البساطة‪ .‬فيطالب مثل كل عضو ف الؤتر بكتابة اسم من يراه جديرا بتمثيله ف البلان ‪ ،‬ومن‬
‫يتوفر على شروط واضحة ومددة مسبقا كالقدمية ف النضال وقبول الهمة والنشاط ‪ ، ...‬وتوضع القائمة الول للذين تصلوا على أكب عدد‬
‫من الصوات ‪ .‬ولنفرض أن القائمة احتوت على اثني وثلثي اسا‪ .‬تعاد إذن القائمة إل القاعة لشطب نصف الساء وذلك دون صخب أو‬
‫ضوضاء أو حلة انتخابية ‪ ،‬ث تعاد قائمة الفائزين مرة ثانية إل القاعة لشطب النصف ‪ ،‬وهكذا على أن يبقى فائزان فيعهد إليهما الؤتر بإعداد‬
‫برنامج عمل ومقترحات والرد على السئلة‪ .‬ويرّم عليهما ف هذه الفترة كل حلة إشهارية ‪ ،‬بل تعتب عنصرا من العناصر الت يب أن يؤاخذ‬
‫عليها كل مالف ماكر ‪ ،‬وأن تكون سببا قانونيا ف سقوط الترشح ‪ ،‬سواء أمارسها مباشرة أم عهد با ف الفاء إل أصدقائه العزاء لشراء‬
‫الضمائر أو للبحث عن الضمانات ‪.‬‬
‫وف هذه الفترة الت تصص عادة للهرج النتخاب ‪ ،‬يعكف الترشح وشيعته على اللفات والبامج ليتقدم على آخر امتحان أمام القاعة الت تتار‬
‫أخيا ف اقتراع ري مثلها‪.‬‬
‫ل جدال أن برلان مشكّل بذه الكيفية سيتكون ضرورة من خية ما ف الجتمع من رجال ونساء وأنه سيكون جاهزا من أول لظة للعمل ‪،‬‬
‫ناهيك عن استحالة قبوله أو إفرازه للستبداد ‪ ،‬لنه ليس حلبة صراع بي أحزاب تبحث عن السيطرة ‪ .‬فل يستطيع أي حزب سياسي داخله أن‬
‫يفرض هيمنته ‪ ،‬وإنا هو ساحة صراع بي كل مكونات الجتمع القيقية الت تبحث عن حل للمشاكل‪.‬‬
‫إن هذا البلان ل يلغي الرب الرمزية ‪ ،‬بل بالعكس إذ ل مال ف تشكيله لكذوبة كبى وخديعة يعرف من جرب آلياتا خبثها وخفاياها ‪ ،‬أل‬
‫وهي الوفاق الصطنع ‪ .‬ل بد ضرورة من حصول خلفات حادة حول كل الواضيع تقريبا ‪ ،‬وهي خلفات ل يكن السم فيها إل بالحتكام إل‬
‫صندوق القتراع ‪.‬‬
‫إن الترشيح ف أي مستوى من مستويات أخذ القرار يكن أن يشمل أشخاصا مستقلي من خارج الؤسسة حت ل تضيع أي فرصة لستغلل‬
‫الطاقات الت يزخر با الجتمع ‪.‬‬
‫ويبقى الن اختيار ذلك النسان ‪ ،‬ذكرا أو أنثى ‪ ،‬الذي يب أن يسهر على حقوق الشعب بأكمله‪.‬‬
‫فلطالا تصور الكتّاب والفلسفة ‪ ،‬من أفلطون على اليوم ‪ ،‬ناذج عدة للمي العادل ‪ ،‬للملك الفيلسوف ‪ ،‬للزعيم الطلئعي ‪ ...‬فابتلينا ول نزال‬
‫بكل أصناف الفشل ‪.‬‬
‫ترى الناس خلل سطوة الستبداد يطبّلون لقادتم التتابعي ‪ ،‬ويضربون لم الدفوف ‪ ،‬ويولّعون ويولّعون الشموع وهم على قمة الرم ‪،‬‬
‫ليدوسوهم بالقدام يوم يسقطون من ظهر السد ‪ ...‬وهو يوم ل مفر منه ‪.‬‬
‫ها هي كل الشعوب ‪ ،‬حت ف أعرق الديقراطيات ‪ ،‬تتخبط ف نفس العضلة ‪ .‬ما يعن أنه ل يزال أمامنا مال للتجريب قد يستغرق قرونا ‪ ،‬وقد‬
‫ينجح أو ل ينجح ‪ .‬فمن أمة ترتضي لنفسها ملكا بدون سلطة ‪ ،‬إل شعب ل يقبل برئيس لكثر من أربع سنوات تدد مرة واحدة ‪ ،‬إل ثالث‬
‫غارق إل أذنيه ف فضائح سياسية ل تنتهي ‪ ...‬إل ‪.‬‬
‫ولن إشكالية السلطة ومارستها تبدو إشكالية تاريية ليست على وشك الل ‪ ،‬ولن التجارب ما زالت متواصلة ‪ ،‬والل الثال ل زال أمامنا ‪،‬‬
‫فمن الضروري بالنسبة لنا نن العرب أن نغتنم هذه الرحلة النتقالية من تارينا لبلورة تصور آخر للشخص الذي سنضع لسنوات معدودة كبى‬
‫السؤوليات بي يديه‪.‬‬
‫وحت ل نقع ف فخ الطوباوية ‪ ،‬فل بد من التركيز من جديد على الوظيفة وتديدها وتقنينها ‪ ،‬ث نتخيل أحسن الوسائل لشغلها بأفضل الناس ‪.‬‬
‫مع العلم أنه ل أمل يرجى ف أن يكون الختيار دوما هو السلم ‪ ،‬والقانون دوما هو الضمن ‪ ،‬والتقنية دوما هي الحسن ‪.‬‬
‫إن الثال العكسي كان وسيبقى هو ذلك النرجسي الكب ‪ ،‬والقائد اللهم الذي نسميه حاليا رئيس الدولة‪ ،‬لنه فعل رئيس الدولة أي قائد الزب‬
‫الذي استول على مقاليد الدارة ف ماولتها تطويع الشعب والتحكم فيه‪.‬‬
‫ونن نريد أن تكون دولة الستقلل الثان ‪ ،‬دولة مؤسسة‪ ،‬تترم استقلل الؤسسات الخرى المثّلة ليوية الجتمع بنسيه ‪ ،‬وجهاته وطبقاته‬
‫وتياراته الفكرية والسياسية الختلفة‪.‬‬
‫فرئيس الدولة ل يكون قائدا لزب أي لفريق ‪ .‬بل يب فصل أي حزب عن الدولة ‪ ،‬إذ هي ملك للجميع ‪ .‬كما يب فصل الدولة عن‬
‫الؤسسات الدنية‪ ،‬وفصل وظيفة القيادة عن رئاسة الكومة ‪ ،‬أي الدارة‪.‬‬
‫إن أخطر وظيفة ف أي نظام هي الرئاسة ‪ ،‬فل بد إذن من نقاس معمق لكي تعطى للشعب أقوى الضمانات بصوص مارستها‪.‬‬
‫إن اختيار الرئيس انطلقا من عملية الترشيح والتصعيد من قبل البلان أو اختياره مباشرة من قبل الشعب ‪ ،‬تبقى قضية قابلة للنقاش وثانوية نسبيا‬
‫إذا حددت الوظائف بنتهى الوضوح ف مستوى الدستور نفسه ‪ .‬مع العلم أن اختياره من قبل البلان ل ينفي سيادة الشعب ول يشكل تقيا لا‬
‫حيث أن البلان الفرز هو ضمي الشعب وصوته وعينه الساهرة‪ ،‬وبالتال يفترض فيه أن يكون اختياره موضوعيا ودقيقا ‪.‬‬
‫إن مزايا الترشيح ‪ /‬التصعيد ‪ ،‬ف هذا الستوى العال من السؤولية‪ ،‬التركيز على البنامج ل على الشخص ‪ .‬إعطاء نفر قليل من الناس سلطة‬
‫كبى قد ل يسنون استعمالا إذا أصبح الاجس عندهم هو التحالفات السياسوية والدعاية البطنة والملت الدعائية الفية ‪ ...‬إل ‪.‬‬
‫قد يكون الل أن يعهد بعملية اختيار الرئيس للبلان ‪ ،‬على أن تقيّم كل القوى العملية‪ .‬فإن اتضح أنا حادت عن مرماها يكن التراجع فيها عن‬
‫طريق حق الستفتاء الشعب الذي يب أن يضمنه الدستور‪.‬‬
‫يكن أيضا اختيار صيغة وسط ‪ ،‬وذلك كأن ترشح القوى السياسية ـ الجتماعية الكبى عددا من حلة مشعل برامها ‪ ،‬من داخل البلان‬
‫وخارجه ‪ ،‬وهذه القوى السياسية تتكون عادة ف بلداننا من أربع ‪ :‬العائلة السلمية والعائلة القومية والعائلة الليبالية والعائلة الشتراكية‪.‬‬
‫وقد يكون دور البلان الفرز الول ‪ ،‬وذلك يدخل النتخاب الرئاسي خية الناس وخية البامج ث يعطي للشعب حق اليار بعد حلة انتخابية‬
‫هدفها التعريف وليس الشهار ‪.‬‬
‫تكون وظائف الناطق باسم الشعب بالضافة إل الكلسيكية منها ‪ ،‬كتمثيل البلد والسهر على أمنها ومكانتها بي الشعوب ‪ ،‬السهر‬
‫على النظمة التالية‬
‫‪-‬النظام القيمي ‪:‬‬
‫تتمثل مهمته ف متابعة حالة القيم داخل الجتمع ‪ ،‬وذلك بالتشخيص الدائم لالة القوق النسانية الواردة ف العلن ‪ ،‬وأن يكون لكل حق من‬
‫هذه القوق مؤشرات تقيس مدى تقيقه‪ ،‬وتكون مهمتها البحث ف السباب اليكلية التنظيمية ـ السياسية لكل تردّ قيمي ‪ ،‬فتتداركها بالوسائل‬
‫التربوية والعلمية والسياسية ‪ ،‬وبإعطاء الثال وتعقب كل التسببي ف القدرة السيئة داخل جهاز الدولة ‪.‬‬
‫وحت ل تقع هذه الوظيفة ف الاكرثية ‪ ،‬وحت ل تنقلب نقمة على الناس ‪ ،‬يكون التعامل معها بعيدا عن الدمغجة والثارة‪ .‬بل يتوخى منتهى‬
‫الذر ‪ ،‬وييّد علماء الجتماع للتشخيص والتابعة ويقع إشراك كل قطاعات الجتمع ‪ ،‬وتعل التنمية القيمية على شكل برامج سياسية ل تقل‬
‫أهية عن التنمية القتصادية (كالتعاضد والعتماد على النفس والتقان والثابرة ‪ ...‬إال )‪.‬‬
‫‪-‬النظام الداري ‪:‬‬
‫وتتمثل الهمة ف مراجعة القواني للتأكد من تلؤمها مع الواثيق الدولية لقوق النسان وتشجيع ولدة أكب عدد مكن من الؤسسات الدنية‪،‬‬
‫وتويلها والسهر على تطورها ف كنف الشفافية‪ ،‬سواء أكانت أحزابا سياسية أم صحفا أم جعيات خيية‪ ...‬إل ‪ ،‬وتتمثل مهمة رئيس الشعب‬
‫أيضا ف تتبع كل العقد التنظيمية داخل جهاز الدارة ‪ ،‬وذلك للها وخلق لان خاصة للتوفيق بي الدارة والواطن ‪ ،‬ومدها بكل ما تتاجه من‬
‫دعم أدب ومادي ف إطار استقلليتها‪ ،‬وتركيز خط الدفاع الول ف ميدان العدالة ‪ .‬كما من مهمته أيضا التأكد من تقدي كل الؤسسات لهدافها‬
‫السنوية بعيدة الدى‪ ،‬ووجود آليات التقييم داخلها ‪ ،‬وعمل هذه الليات ف كنف القانون والستقلل القيقي ‪.‬‬
‫وللناطق باسم الشعب حق اقتراح أساء الوزراء على مؤسسة البلان ‪ ،‬على أن يترك لذا الجلس مطلق الرية ف تقييمهم ومنحهم الثقة قبل‬
‫انتهاء الهمة وأثناءها وبعدها‪ .‬علما بأن مهمته ليست ف تفضيل هذا على ذاك‪ ،‬بقدر ما أنا ف السهر على العمل السليم لشت آليات التقييم ‪.‬‬
‫‪-‬النظام العلومات ‪:‬‬
‫إن قيمة العلومات بالنسبة لكل الجتمع هي بثابة الدم الذي يري ف شرايي السم‪ .‬لذلك تكون مهمة الناطق باسم الشعب السهر على فاعلية‬
‫مؤسسات خلق العلومات (ومنها ‪ :‬الامعة) ونشرها (عب الصحافة) وتلقينها (ف الدرسة)‪ .‬ويكون ذلك بالسهر على صحة الؤسسات العنية‬
‫بالمر ‪ ،‬وتشخيص المراض الت قد تنخرها إن تركت لالا ‪ ،‬والبحث عن سبل الوقاية والعلج‪.‬‬
‫‪-‬النظام النتاجي ‪:‬‬
‫كما على الناطق باسم الشعب أن يشخص دوما قدرات آلة النتاج ‪ ،‬وأن يفهم حدودها وعيوبا ‪ ،‬وأن يبحث عن اللول اليكلية لزيادة‬
‫فاعليتها‪ .‬إل أنه مطالب ـ كممثل لشعب أغلب قطاعاته تنوء تت ثقل الفقر والرمان ـ بأن يكون العي الساهرة الت ل تنام ف ما يص توزيع‬
‫اليات‪ ،‬وذلك عب ‪ :‬الباية العادلة‪ ،‬وحاية الناطق الفقية الت ل يوفر لا الظ عددا كافيا من أبنائها الذين يتواجدون ف مراكز القرار للدفاع‬
‫عن مصالها ‪.‬‬
‫ما عدا هذا ل يدخل ف اختصاص الناطق باسم الشعب ‪ ،‬وإنا هو من مشمولت حكومة تتحرك داخل ضوابط الدستور ‪ ،‬ولتنفيذ برامج تعاقدية‬
‫تبم بينها وبي امثل الشعب تت إشراف الجلس ‪.‬‬
‫بعبارة أخرى ‪ ،‬إنه الضامن للتوزيع العادل للنتاج ‪ ،‬والضامن لتوفي أحسن الظروف التنظيمية المكنة لكل آلت النتاج سواء أكان معنويا أو‬
‫ماديا ‪ ،‬وهو الضامن أيضا لستقلل الؤسسات وفاعليتها ‪ ،‬والضامن للحريات الفردية والماعية ‪ .‬فهو إذن رجل ‪ ،‬أو امرأة ‪ ،‬تاوز النتماء‬
‫الهوي والزب والعقائدي ‪ ،‬وارتفع إل أعلى مستوى مكن من الشعور بالسؤولية‪.‬‬
‫ومن نافل القول أنه ل يكن بأي حال من الحوال أن يسترجع باليمن ما فقد باليسرى فيكون دكتاتورا وللفصل بينه وبي الدكتاتور يب أن‬
‫تدد صلحياته وأن ل يكون له أي قرار ف موضوع القضاء وأن ل يتعرض ف شيء للحريات وأن يقبل بالنقد العلن والسؤولية وخاصة أن ل‬
‫يبقى ف السلطة اكثر من فترتي نيابيتي لي سبب كان وأن يكون التداول على الوظيفة قاعدة يعتب مراجعتها خيانة عظمى تستأهل تنحيته بجرد‬
‫التفكي فيها بأي تعلة كانت ‪.‬‬
‫إن رفع مستوى فاعلية الكومة الت سيعهد إليها تنفيذ البنامج الذي اختي على أساسه رئيس الشعب من قبل البلان ‪ ،‬والذي سيحاسب عليه‬
‫أعسر حساب ‪ ،‬إن هذا يتطلب تغيي طريقة اختيار السؤولي بصفة جذرية‪.‬‬
‫ومن العروف أن الوزراء الذين تعهد إليهم إدارة قطاعات خطية ف الدولة يتارون أساسا على ولئهم وعادة ل نعرف لم برناما مسبقا‪ .‬هذا ‪،‬‬
‫بالضافة إل أن معدل تواجدهم ف الناصب يعد أقل بكثي ما يتطلبه أحيانا حت الوقت الضروري لفهم ملفات متصاعدة التعقيد ‪.‬‬
‫فالطلوب منهم ـ تقنيا ـ هو العرفة الدقيقة للملفات قبل مباشرة مهامهم ـ وإعطاء الطوط العريضة لبامهم ‪ ،‬من أجل حل مشاكل القطاع‬
‫الذي يطمحون لتسييه‪ .‬مقابل هذا ‪ ،‬تدّد لم الهلة الزمنية ‪ ،‬فتعطى لم المكانات القصوى وتناقش معهم مؤشرات النجاح الت يتعهدون با‬
‫وذلك ليتم ف الفترة الوكلة لم تقييم أعمالم إما بتجديد الثقة وإما بالحالة السريعة على الهنة أو الوظيفة السابقة‪.‬‬
‫بذا يستطيع الجتمع أن يوكل بشيء من الطمئنان مصي مؤسساته التربوية والصحية والقتصادية إل خية ما ف الجتمع من رجال ونساء‪ .‬ل‬
‫كما يدث الن ‪ ،‬حيث يكن أن توكل هذه الليات الضخمة الت تتوقف عليها صحة أو تعليم أو اقتصاد شعب بأكمله ‪ ،‬إل من توفرت فيه‬
‫بعض الشروط ‪ ،‬وإل من ل تتوفر فيه أي منها ‪.‬‬
‫وحت تكون الضمانات بجم الخطار‪ ،‬ل بد من تصور طريقة معينة لختيار السؤولي ‪ .‬فمثل ‪ ،‬توّل الطريقة المريكية لرئيس الشعب اقتراح‬
‫اسم الكلّف وأن يكون للبلان الق ف القرار النهائي بعد الستماع إل البامج التفصيلية من جوانبها السياسية والتقنية ‪ ،‬والتعرف عن كثب‬
‫على الشخاص الذين ستوكل إليهم اللفات الضخمة‪.‬‬
‫إن أمرا كهذا كفيل بأن يدفع مثل الشعب إل اختيار أحسن الناس وأحسن البامج حت ل يابه بالرفض ‪.‬‬
‫لكن ‪ ،‬ل جدال أن آليات كهذه ل يكن أن تلغي تاما أمراض هذا الجال ‪ ،‬إل أنا تستطيع التنقيص منها بصفة ملحوظة ‪ .‬كما علينا أن نأخذ‬
‫دوما بعي العتبار تلك العوامل البشرية الت تفرض نفسها على الياة السياسية‪ ،‬وذلك كانعدام الل الثال ‪ ،‬وقدرة الكر النسان على التحايل‬
‫حت على أصدق القواني وأنع الليات ‪.‬‬
‫ول ننسى أيضا أن لكل سيناريو ثنا وعيوبا ‪ ،‬وأننا نواجه عادة بصعوبات كبى عند توزيع عدد القاعد والبت ف إشكالية تثيلية منظمات متعددة‬
‫تتناحر على تثيل نفس القطاع ‪ .‬كما نواجه أيضا عامل الزمن ‪ ،‬لن إعداد البامج ومناقشتها ف كل الستويات يكن أن يصبح بدوره عامل هاما‬
‫ف إضاعة الوقت والهد ‪ ،‬ما يعل من العودة إل القرار الفردي ‪ ،‬على علته ‪ ،‬إغراء ل يقاوم‪.‬‬
‫إن دور الذكاء الماعي يتمثل ف وضع جدول مفصل لكل الضاعفات السلبية الت يكن أن يولّدها أي خيار صائب أو مبدأ مثال‪ .‬فل بد من‬
‫ترجة اليارات إل قرارات تأخذ بعي العتبار السلبيات التابعة لتلك اليارات ‪ ،‬حت تقلّص ما أمكن منها ولو على حساب الثالية ‪.‬‬
‫فمثل يب أن تدّد مهلة زمنية ل تتجاوز ثلثة شهور ‪ ،‬وتدد كل خس سنوات ‪ ،‬للنظر ف عمليات للترشيح والتصعيد واختيار البامج‬
‫والشخاص ‪ .‬ول يكن مطلقا ‪ ،‬بتعلّة الديقراطية الثالية أو التثبت من الترشحي وبرامهم ‪ ،‬أن تترك قطاعات بدون مسؤولي ‪ ،‬أو أن يكون‬
‫الحور النتخاب عمل مسترسل‪.‬‬
‫إن الدف ما سبق ليس ف إياد حل "نائي " لمراض الركن الثالث ‪ ،‬وإنا التذكي بأن إشكال الكم كإشكال الزراعة ‪ ،‬حيث تتاج إل التطوير‬
‫وتكون مهيأة للستفادة منه ‪ .‬فكذلك الديقراطية ‪ ،‬هي ف القيقة هدف قا ّر أزل‪ ،‬وتقنيات متحولة تكورها التجربة ‪ .‬أما النموذج الغرب فليس‬
‫إل تربة ‪ .‬أما النموذج الغرب فليس إل تربة ‪ ،‬علينا التعلم من أخطائها لتجاوزها ‪ ،‬وليس لتقليدها والزايدة عليها ‪.‬‬
‫لقد آن الوان لنعيد للمخيلة وللجسارة الفكرية دورها ف تقليب كل هذه الناط السائدة للحكم ‪ ،‬كما تقلب البطاطا للتيقن من جودة البضاعة‬
‫وانعدام الغش ولستنباط أصناف جديدة فإذا قبلنا أن تكون للديقراطية اهدافا قارة فإن كل آلياتا قابلة للتحسي وخاصة آلية التمثيل الت‬
‫تشكو من ضعق اساسي خطره الساسي هو أنه الجة الكبى للستبداد وماولة استرجاع الواقع الخسورة ف حرب ستبقى قائمة طالا تنظم‬
‫الدميون ف متمع وهم كما قال التننب ف طبيعتهم‬
‫فإن تد ذا عفة فلعلّة ل يظلم‬ ‫والظلم ف شيم النفوس‬
‫***‬
‫‪.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪ 4‬ـ القضاء العادل‬
‫إن استقلل القضاء بقدر ما هو هدف من أهداف النظام الستبدادي‪ ،‬بقدر ما يعتب حجر الزاوية ف النظام الديقراطي‪ .‬إنه اليوم اللية الول‬
‫لماية الديقراطية ‪ ،‬وتنظيفها دوريا ما يلحق با من أدران ‪ .‬فمن البديهي أن القضاء بقدر ما يكون عادل‪ ،‬أي فعال‪ ،‬أي مستقل عن كل الصال‬
‫والضغوطات الفئوية‪ ،‬بقدر ما تضعف الاجة إل التمرد العنيف ‪.‬‬
‫إن القاعدة الساسية الت يب أن نتعامل با دوما مع كل نظام سياسي ـ والديقراطي ل يشذ عن القاعدة ـ هي أن الالة الت يلقها هذا‬
‫النموذج من النظمة مهما كانت إيابيتها ل تلغي النصف الظلم من النسان ‪ ،‬وأن الفساد سيجد له يوما منفذا ل مالة‪.‬‬
‫لذلك ‪ ،‬يب أن نتخلى عن ذلك الوهم الذي يفترض إمكانية إياد حالة مقنعة ونائية تكتمل فيها الخلق ‪ ،‬فهي ل توجد ف بداية التاريخ ‪ ،‬ولن‬
‫توجد أيضا إل نايته‪.‬‬
‫إن النضال من أجل العدالة والسلم هو قضية كل زمان وكل مكان ‪ .‬وهو قضية كل لظة ‪ ،‬لن الياة هدم وبناء ل يفترقان ‪.‬‬
‫فل غرابة إذن أن يوجد الفساد ف النظام الديقراطي كما يوجد ف النظام الستبدادي طالا أن النسان هو النسان ‪ .‬لذلك يصبح تعقبه ‪ ،‬كأهم‬
‫عنصر من عناصر العودة إل الرب الدموية ‪ ،‬من أوكد مهام الديقراطية بكل مؤسساتا‪.‬‬
‫ومع ذلك ‪ ،‬تكمن أفضلية الديقراطية ف قدرتا على فضح الفساد بواسطة الرأي الر والتنظيم الر ‪ ،‬وأساسا بوجود العدالة الستقلة‪ .‬كما تبز‬
‫أكثر هذه الفضلية ف قدرتا على تتبع الفساد ولو استجار بقمة الدولة ‪ .‬وبديهي أن هذا الفساد هو أخطر النواع لنه سريع الدم والعدوى‪.‬‬
‫إن ما يدث اليوم ف إيطاليا وفرنسا واليابان من ملحقة صارمة للمفسدين ف أهم أجهزة الدولة ليس حجة على الديقراطية ‪ ،‬بل هو على عكس‬
‫ذلك دليل على فاعليتها‪ ،‬لن غايتها غي غاية الدين ‪.‬‬
‫فهي ل تدف إل تغيي طبيعة البشر والقضاء البم على سلبياتم ‪ ،‬وإنا يتمثل دورها ف سن التشريعات وخلق الليات الكفيلة بتطويق سلبيات‬
‫طبيعتهم ‪ ،‬وبلورة إيابيات هذه الطبيعة لظة وأزمة بأزمة ‪.‬‬
‫إن الؤسسة القضائية ف البلدان الديقراطية هي أنع الؤسسات وأقواها ‪ ،‬ولا وضعية "صحية " تسد عليها بالقارنة مع الركان الخرى ‪.‬‬
‫لقد طرحت الفضائح التعددة لرجال السياسة ف الغرب واليابان ومثولم أمام القضاء ‪ ،‬إشكالية جديدة سيت بـ "خطر سلطان القضاء "‪ .‬وتعبّر‬
‫هذه الشكالية عن توف رجال السياسة من أن يصبح القضاء السلطة الول طويلة اليد ‪ ،‬ومن أن يصبح التنفيذي السلطة الراقبة الشكوك ف‬
‫نزاهتها والطعون ف مصداقيتها آليا ‪.‬‬
‫فهم ياولون إخفاء ماوفهم من عدالة مستقلة ل نفوذ لم عليها ‪ ،‬بتعلّة أن سلطان القضاء ل يضع للتقييم الدوري بالنتخابات كما يضع له‬
‫رجال السياسة‪.‬‬
‫يدّعون أيضا أنه سلطان مطلق ل يستقي شرعيته من الرادة التغية التطورة للشعب وإنا يستقيها من ذاته ل غي‪ ،‬وبالتال فهو غي ديقراطي ‪.‬‬
‫إن تعلة كهذه مرفوضة جلة وتفصيل لن استقللية القضاء هي ركيزة من ركائز الديقراطية ‪ ،‬وبالتال فإن كل ترتباتا ديقراطية‪ .‬أما الوف من‬
‫استبداد قضائي فهو الوف من استبداد القضاء بالفسدين الذين وضعوا أنفسهم فوق القانون ‪ ،‬اعتمادا على "علو" مناصبهم‪ .‬صحيح أنه يكن أن‬
‫تصل تاوزات‪ ،‬فالقضاء بشر‪ .‬لكن الضوابط موجودة والقانون مكتوب وعلن‪ .‬هذا‪ ،‬بالضافة إل قدرة تنّد بقية الؤسسات الديقراطية الت‬
‫يكن أن تعيد المور إل نصابا إذا تاوز القضاء دوره‪ .‬وتلك هي أهم منافع ومزايا الفصل الصارم بي السلطات ‪ ،‬الذي يفرضه النظام‬
‫الديقراطي ‪.‬‬
‫ورغم النجاح الباهر الذي حققه استقلل القضاء ف الغرب‪ ،‬فإن هناك إمكانيات نظرية للمضي فيه قدما‪ ،‬خاصة ف مستوى جهاز سريع التعرض‬
‫للفساد‪ ،‬غالبا ما ننسى أنه جزء من الهاز العدل ‪ ،‬إنه جهاز الحاماة ‪.‬‬
‫وهناك تساؤل يفرض نفسه من بي الشكاليات الطروحة ‪ :‬هل يب فك كل ارتباط بي السياسي والعدل‪ ،‬بإلغاء وزارة العدل برمتها مثل ‪،‬‬
‫بدف جعل القضاء خارج أي ضغط ‪ ،‬خاصة من قبل التنفيذي ؟‬
‫أما الرد فيكون بالياب‪ ،‬لن وزارة العدل يب أل تكون أكثر من جهاز إداري موضوع تت ذمة القضاء لتسهيل مهامه‪ .‬وليس للدولة ف النظام‬
‫الديقراطي أي امتياز خاص‪ ،‬ويكنها أن تلتجئ إليه كبقية الؤسسات وفقا لحكام الدستور والقانون ‪ ،‬لتتبع شخص أو هيئة‪.‬‬
‫إن هذا الفصل بي السلطتي التنفيذية والقضائية‪ ،‬هو الذي من شأنه أن يعزز قدرة القضاء على التعامل مع الدولة ودواليبها ومسيّريها أيا كان‬
‫مستواهم ‪ ،‬كمتقاضي عاديي لم نفس حقوق وواجبات كل الناس وكل اليئات ‪.‬‬
‫إن شروط استقللية القضاء معروفة ومربة بكيفية مرضية ف العديد من الدول الديقراطية‪ .‬من أهها ‪ :‬وجود مكمة دستورية للفصل ف دستورية‬
‫القواني ‪ ،‬ويتم اختيار أعضائها بنتهى العناية‪ .‬ومن المكن توسيع صلحيات هذه الحكمة ‪ ،‬من ذلك مثل ‪ :‬التقييم الارجي لفاعلية القضاء‬
‫نفسه‪ ،‬وخاصة لهاز الحاماة الذي قد يلعب دورا ل يستهان به ف "تسليع" العدالة وانتشار الفساد‪ .‬والمثلة على ذلك بليغة ومتعددة‪ ،‬سواء ف‬
‫بلدان العال الثالث أو ف أمريكا خاصة‪ ،‬إذ ل يكن أن توجد سلطة ل تقوم بالتقييم الذات ‪ ،‬ولو كانت السلطة القضائية‪ .‬كذلك ‪ ،‬فل بد من‬
‫توسيع صلحيات ملس القضاء النتخب ليكون العنصر الفاعل للتقييم الداخلي للجهاز وصاحب القرار الوحيد ف النقل والترقيات والحاسبة‬
‫والعقاب ‪.‬‬
‫إن هذا الشكال الرئيسي ‪ ،‬وخاصة بتوفي كل الشروط المكنة لستقلل فعلي وتام للقضاء ‪ ،‬ل يكن أن يفي عنا أهية الشكاليات الخرى ‪.‬‬
‫فالؤسسة القضائية ف متمع ديقراطي زاخر باللفات والصراعات الصغية والكبية العارية والكشوفة‪ ،‬ل يكن إل أن تنوء بالمل الائل‬
‫للقضايا والشاكل ‪.‬‬
‫فهي ل تستطيع أن تتطور بصفة موازية للتطور السريع للملفات ‪ ،‬وإل أصبحت بعبعا بيوقراطيا يلتهم جل موارد الجتمع ‪.‬‬
‫كما ل يكن للمجتمع أن يتركها تتعرض لالة الختناق الت نعرفها ف كل بلدان العال ‪.‬‬
‫إنه لنوع جديد من الظلم ‪ ،‬أن ينتظر متّهم الحاكمة أشهرا وراء القضبان وقد يكون بريئا ‪ .‬وأن تتراكم اللفات ول يد القضاء الوقت الضروري‬
‫لتمحيص مدقق للمشاكل‪.‬‬
‫ل حل هنا أمام نظام قضائي فعال إل الحتماء وراء خط دفاع أول يكسّر الوج التلطم من اللفات التراكمة على عتبات الحاكم ‪.‬‬
‫إن دور خط الدفاع الول ف ميدان الصحة هو الوقاية والتعامل مع الالت الفيفة‪ ،‬ما يكّن الستشفيات الحلية والامعية من التفرغ للتكوين‬
‫والبحث والتعامل مع الشكاليات الصعبة الت تاوزت خط الدفاع الول ‪.‬‬
‫إن تصيص جزء صغي من الوازنة العدلية لثل هذه الستراتيجية قادر على إحداث تغييات هامة ف مستوى الدمات العدلية‪.‬‬
‫إذ يكن مثل للدولة أن تتعاقد مع مكاتب للنصح والستشارة القانونية‪ ،‬يستطيع أن يلتجئ إليها الناس مانا قبل اللتجاء إل الحامي والقضاة‪.‬‬
‫كذلك يكنها أن تدعم أو حت أن تفرض قانونا على كل الؤسسات القتصادية والجتماعية والنقابية والسياسية‪ ..‬وأن يكون بداخلها جهاز‬
‫خاص لفض اللفات بالسن ‪ ،‬وأن يوكل إليها حق اتاذ بعض العقوبات الهنية‪ ،‬كما هو الال بالنسبة لعمادة الطباء ‪ .‬فل بد إذن من توسيع‬
‫وتعميم ما هو موجود بصفة متشمة وجزئية ف بلداننا ‪.‬‬
‫أما بصوص الناعات الدنية‪ ،‬فإنه بإمكان الدولة أن تشجع ماديا ومعنويا على وجود هيئات ف أحياء الدن والقرى ‪ ،‬شريطة أن تكون هذه‬
‫التنظيمات مستقلة فعليا‪ ،‬وأن ل يعهد لا بأي دور سياسي أو أمن ‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬يكن للقانون أن يضبط مولتا الت من أهها ‪ :‬تقدي الشورة القانونية والجتماعية‪ ،‬والتدخل السن لفض اللفات بي الناس ‪ ،‬وذلك‬
‫بتدريب كل من يرى ف نفسه القدرة للعب هذا الدور‪ ،‬كالتقاعدين والعيان والربي ‪ ،‬أو من ترشحهم الجموعة نظرا لسنهم أو لبتم بذه‬
‫الهمة ‪.‬‬
‫فقد يكون من الجدي أن ل نقبل اللتجاء للقضاء إل بعد الرور الجباري أمام هذه اليئات‪ ،‬مع تثقيل الصاريف ضد من يرفض الكم الدن ‪،‬‬
‫ومن تكم عليه الحكمة بأنه ظال ‪.‬‬
‫إن خلق هذه الؤسسات وتشجيعها ماديا ومعنويا وقانونيا على فض اللفات بالسن وعدم اللجوء إل القضاء إل كآخر حل ‪ ،‬لن شأنه أن‬
‫يساهم ف رفع مستوى السؤولية والنضج داخل الجتمع ‪ ،‬ومن ث ترسيخ اعتقاد الميع ف صحة اليار الديقراطي لواجهة اختلف الراء‬
‫والصال ‪.‬‬
‫إن التحديد الفرط الذي يقوم به النظام الستبدادي للسباب الؤدية إل الوقوف أمام الحاكم (كاللف ف الرأي أو الصرار على التنظّم‬
‫السلمي) أو التشدد ف خصوص تعريف بعض النايات البسيطة ‪ ،‬لو من أهم أسباب الكتظاظ الرهيب الذي يعرفه النظام القضائي العرب‬
‫عامة‪.‬إن شرعية حقنا ف أن نلم ‪ ،‬بل وحاجتنا الكيدة لذلك ‪ ،‬ل تتناقض أبدا مع أقصى قدر مكن من الواقعية‪ .‬خاصة إذا اتفقنا على أن هذه‬
‫الخية ليست ف الستسلم إل الزء الظلم من الواقع (وهو عادة مفهوم "الواقعيي لتبير استسلمهم لفظاعة الواقع وتعقيده)‪ ،‬وإنا هو ف‬
‫التعامل بصب إياب مع جزئه الظلم ‪ ،‬وبذق مع جزئه النيّر ‪.‬‬
‫***‬
‫الفصـل الرابــع‬
‫الفاق‬
‫ـ الخطر المتجدد‬ ‫‪1‬‬
‫"إن مستقبلنا ليس مكتوبا ف أي وصية‬
‫الشاعر الفرنسي رون شار‬

‫إن أكب خطر يتهدد العرب اليوم ليس دوام الدولة الستبدادية القدية ـ وهو أمر مستحيل ـ وإنا طول انيارها من جهة ‪ ،‬ومن جهة أخرى‬
‫استبدالا بدولة استبدادية شابة ‪ ،‬وذلك لختلف وحيد ‪ :‬كونا دينية الرجع ‪ .‬وهو ما يدفعنا إل التوقف طويل عند هذا الفق الظلم ‪.‬‬
‫لنتفق من الن على أن ليس للديقراطية ول يكن أن يكون لا أي خلف مع الدين بصفة عامة والسلم بصفة خاصة‪.‬‬
‫تضرنا هنا ذكرى تلك النهجية التعيسة الت انتشرت ف الستينات ‪ ،‬والرامية إل إثبات توافق وهي بي السلم والشتراكية ‪ ،‬عندما كانت‬
‫الشتراكية قطب اهتمام الفكرين‪.‬‬
‫وحت ل نكرر هذا الطأ ‪ ،‬علينا أن ندرك أننا ل ندم الديقراطية بالتقريب القسري والقارنات الجحفة واللط بي متلف مستويات المور‪،‬‬
‫وإنا يكون ذلك برفع كل اللتباسات واحترام اختلف زوايا النظر ‪ ،‬وف البحث الواعي عن نقط اللتقاء كلما أمكن ذلك لبناء السلم الدن ‪.‬‬
‫كما يكون من الطأ أيضا أن نتعامل مع السلم ككل غامض مبهم عدوان ‪ ،‬مثلما يفعل بعض الديقراطيي العرب الذين أصبحوا اليوم جزءا من‬
‫النظام الستبدادي ‪ ،‬يناصرونه جهرا وسرا بتعلة قدرته على حايتهم من الد الدين‪ .‬وهم بذا كالستجي بالنار من الرمضاء‪.‬‬
‫ويكون من الطأ كذلك عدم النتباه إل الطاقة الستبدادية الخزونة ف الد الدين ‪ ،‬وخطرها الكبي على أمل انعتاقنا وتررنا من الدولة‬
‫الستبدادية أيا كانت مرجعيتها ‪.‬‬
‫وحت ننتبه من السقوط ف اللط التعمد أو اللشعوري بي متلف الشكاليات ‪ ،‬ل بد من التفريق الذري بي عدة مستويات ‪:‬‬
‫‪-‬السلم كمسلمين‬
‫إننا سنجد داخل هذه المهرة الواسعة من الناس كل الواقف والتصرفات المكنة والعروفة لدى عامة السلمي‪ .‬ول شك أننا لو أخذنا جهرة‬
‫بوذية وأخرى مسيحية‪ ،‬واستطعنا قياس الؤشرات النفسية‪ ،‬لكتشفنا فوارق هامة بي كل هذه المهرات‪ .‬أي أننا سنجد نفس نسب الغباء‬
‫والذكاء‪ ،‬الهل والعلم‪ ،‬التفتح والنغلق‪ ،‬اليان الفعلي واليان الثقاف‪ ،‬التقوى والتصنع ‪ ...‬إل ‪.‬‬
‫إن من ترتبات مقولة بديهية مثل ‪" :‬السلم هو السلمون" أننا سنجد بالضرورة داخل المهرة السلمة اختلفات عميقة وصراعات حادة‬
‫وقراءات متعددة ومواقف متباينة لنفس الدين ‪ ،‬وأننا سنتعامل بالضرورة مع بشر لم كل عيوب البشر وكل فضائلهم بنسب متلفة حسب‬
‫الظروف والكان ‪.‬‬
‫سنجد التزمت والديقراطي‪ ،‬مثلما ند النغلق والتفتح ‪ ،‬وصديق العقل وصاحب النقل‪ ..‬إل‪ .‬ف هذا الستوى‪ ،‬يفرض النطق أن ل نلط ‪ ،‬كما‬
‫تفعل وسائل إعلم ل مسؤولية ف الغرب ‪ ،‬بي المهرة السلمية ككل بتعقيدها وثرائها‪ ،‬وبي جزء ل يثل إل إحدى حالتا وأشكالا ومكوناتا‬
‫الطبيعية والقارّة ‪ ،‬وهو من يطلق عنهم ‪" :‬السلميون"‪.‬‬
‫السلم كثقافة‬
‫إذا كان اللد هو وعاء السم ‪ ،‬فإن الثقافة هي وعاء الروح‪ .‬نتفق هنا على أننا ل نعن بالثقافة "الزخرف الفكري للنخبة"‪ ،‬وإنا العادات‬
‫والتقاليد والخلق والفكرة البهمة الت نملها عن العال والت تكوّن دعامة الشخصية الوطنية ‪.‬‬
‫ف هذا الجال أيضا ليس للديقراطية إشكاليات مستعصية على الل مع السلم ‪ ،‬لنا ليست ثقافة بديلة ول مطمح لا ف تنظيم عادات الناس‬
‫وتقاليدهم ومراسم ولدتم وزواجهم ودفنهم وطريقة أكلهم وأخلقياتم الجتماعية وتصور مصيهم بعد الوت ‪ ...‬إل ‪.‬‬
‫ل يعن هذا أن ليس هناك نقط اختلف بينهما ‪ ،‬لن الديقراطية تثل ف القيقة نوعا من اللفيات الفكرية الت قد تدخل ف تناقض مع جزء من‬
‫الثقافة السائدة ‪ ،‬سواء تعلق المر مثل بإطلقية الساواة بي الرأة والرجل‪ ،‬أو ترر الفكر النسان من كل الوانع ‪ ...‬إل‪.‬‬
‫فكيف يكن إذن أن نتناول هذه الشكالية من وجهة نظر الديقراطية باعتبارها دوما خيار السلم واليار السلم ضد العنف ؟‬
‫ل بد من الطالبة هنا بنوع من وقف إطلق النار ‪ ،‬الذي حققه الغربيون بعد معارك مضنية كلّفتهم أحيانا أكثر ما كلفتنا‪.‬‬
‫فأنت لن تد اليوم ف الغرب مفكرا مترما واحدا يهتم بإثبات الدين بالعلم‪ ،‬أو عالا يهتم بهاجة الدين باسم العلم ‪ .‬كما لن تد رجل دين واحد‬
‫على استعداد لثارة أي قضية على شاكلة ما أثاره العال الغرب " غاليلي" فبعد صراع دام أربعة قرون ‪ ،‬انتهى الدل باتفاق الميع على مبدأ‬
‫ملخصه‪" :‬لكم علمكم ول دين ‪ ،‬لكم عقلكم ول نقلي"‪ .‬واتفق على أن العلم علم والدين دين ول مال للخلط بينهما أو لحاولة استيعاب‬
‫ميدان لصال آخر ‪ ،‬كما بالنسبة للمرحلة الت ل نزال نعيشها اليوم ‪.‬‬
‫ولتقدير عمق هذا اللط الذي نارسه ‪ ،‬انظر إل بعض برامج "التثقيف العلمي" للشعب ف التلفزيون ‪ ،‬مثل حصص مصطفى ممود الذي ياول‬
‫من خللا‪ ،‬بصفة متعسفة ومضحكة‪ ،‬إثبات وجود ال وإعجاز القرآن بكل الجج والدلة والباهي الستقاة من بيولوجيا الضفادع أو علم‬
‫الفلك ‪.‬‬
‫ف تونس أثار انتباهي جولت وماضرات (بدون نقاش ) لحدهم وكلها توم حول إثبات نفس الشيء بنفس التفويض والتسخي‪ .‬وكنت أقرأ‬
‫للرجل بعض ما كتب ‪ ،‬فهالن أن ل أجد ذرة علم عند كاتب يقول عن نفسه إنه عال ذرّة‪.‬‬
‫لقد حصل ف القرب وقف إطلق النار بعد أن اتضح للفريقي استعصاء تاوز أمرين ‪.‬‬
‫إن استعمال نتائج العلم لرفض الدين أي لرفض عمق الاجة الدينية وضرورتا عند النسان ‪ ،‬أمر ل معن له‪ .‬فإن أنت منعت التدين عن اليان‬
‫بذا الله بدّله بصنم ‪ ،‬وإن ل يد ما يعبد عبد العلم أو البوليتاريا أو أي شيء آخر‪ ،‬والحتجاج على النيل بأن العال ل يلق ف ستة أيام لكن‬
‫ف لظة واحدة منذ ‪ 15‬مليار سنة كالحتجاج على العاشق بأن عشقه ف غي مله لن البيبة ل تعجب الشخص الحتج ‪.‬‬
‫وف القابل ‪ ،‬تعلّم رجال الدين أن التعرض للعلم باسم نقضه لبعض القائق والوقائع الستقاة من قراءة حرفية للنصوص‪ ،‬عملية خطية لن العلم‬
‫ل يارب على هذا الصعيد ول يهزم ف ميدان الوادث‪ .‬والعملية بغي شأن ‪ ،‬لن مهمة الدين ليست ف أن يقوم مل الفيزياء أو علم الفلك‪ .‬كما‬
‫أنه ل معن لحاولة تدعيم اليان بنهج قوامه الشك والتناقض والتحوير الدائم ‪ ،‬فهذا بثابة إدخال الذئب إل الدجنة ‪.‬‬
‫لكن هناك إشكاليات حقيقية وخصبة مثل ‪ :‬كيف يكن للدين أن يتعامل مع العلم ؟‬
‫والواب ‪ :‬بالهتمام بوانبه السلبية‪ ،‬وما يكن أن ينجرّ عنها من تديد لرية النسان وكرامته‪ ..‬فالعلم ‪ ،‬ككل عمل إنسان ‪ ،‬فيه الي والشر‪،‬‬
‫ومهمة الدين أن يكون دوما العي الساهرة على القيم‪.‬‬
‫وكيف يكن أيضا للعلم أن يتعامل مع الدين ؟‬
‫والواب ‪ :‬بأن يعل منه مادة لتساؤلته الزلية ‪ ،‬حت تكون معرفتنا بالدين أقل سطحية وضحالة من التفسي اليديولوجي أو الستحسان الذات‪.‬‬
‫فمثل يكن الستفادة من العلم ف عمليات تصنيف الديان ومقارنتها‪ ،‬وف دراسة الاجة العقائدية عند النسان‪ ،‬وفهم دورها ف تسهيل الياة‬
‫والوت ‪...‬وهكذا يكن إعطاء صورة عن الدين والديان تكون أقرب إل القيقة والواقع ‪ ،‬مع التقرير بأن ل دخل له البتة ف ماولة نقض‬
‫معتقدات الناس أو تأييدها‪.‬‬
‫يرنا هذا إل طرح الستوى الثالث ‪:‬‬
‫السلم كروحانيات‬
‫ل جدال أن الاجة الدينية ف النسان متأصلة تأصل الاجة النسية‪ .‬وما ل جدال فيه أيضا أنه ليس للديقراطية أي دور ف إرضاء هذه الاجة ‪،‬‬
‫وليس لا أن تعترض عليها أو أن تتار بي متلف الشكال ‪ .‬فهي ل تستطيع إل أن تدعم وأن تمي حق كل الناس وكل الضارات ف التعبي عن‬
‫الاجات القدسية‪.‬‬
‫وما ل شك فيه كذلك أن السلم الذي وصل إل الدرجات العليا من الزهد والتجرد والتصوف غي معن تاما بإشكاليات ل يطرحها إل من بقي‬
‫ف أول درجات السلّم‪ ،‬مثل ‪ :‬رفض الخر والتصدي لقه ف التعبي عن حاجياته بلغة وطقوس وآراء غي الت يعتنقها عامة السلمي ‪.‬‬
‫فقلّما يندرج هذا الرفض ف إطار روحان حق ‪ ،‬نظرا للتقاء جل الديانات على نفس الواقف ف النهاية‪ ،‬بل ل ينم هذا عادة إل على موقف‬
‫عقائدي وسياسي متخلف ‪.‬‬
‫السلم كسياسية‬
‫ل يكن لحد أن ينكر أن السلم هو منذ أربعة عشر قرنا الراية الت ترفعها الثورة ف وجه الظلم‪ ،‬وهو أيضا وبصفة مسترسلة دعامة الدولة‬
‫الستبدادية العربية ‪.‬‬
‫إن قول البعض بأن السلم هو أساسا ترر وثورة ‪ ،‬ومطلب عدل ‪ ...‬إل ‪ ،‬ل ولن يلغي الستعمال الستبدادي الذي بدأ مع ظهور الدولة‬
‫الموية‪ .‬كما ل ننتظر من نصبوا أنفسهم حاة السلم الرسي أن يلغوا تدد استنجاد الظلومي براية السلم للمطالبة بقوقهم ‪ ،‬وخاصة بعد‬
‫انيار أشكال الطالبة الخرى وأساسا الطاب الاركسي ـ اللينين ـ الستالين ‪.‬‬
‫إن تيار الثورة وتيار الستبداد موجودان بصفة دائمة ومتوازية لطبيعة تكوين الجتمع والظروف العسية الت ييا تت ظلها ‪ .‬ومن السذاجة تصور‬
‫إمكانية قضاء تيار على الخر‪ ،‬إذ يتولد الواحد من نقيض الخر ‪ .‬فكم ف تارينا من ثورة ولّدت الستبداد عندما وصلت إل الكم ‪ ،‬وكم من‬
‫استبداد ولّد ثورة أطاحت به ‪.‬ف هذا الستوى ‪ ،‬يقع التصادم بي الشروع الديقراطي ‪ ،‬والسلم السياسي بشقيه ‪ :‬الاكم ‪ ،‬والثائر على حد‬
‫سواء‪.‬‬
‫من نافلة القول إن الديقراطية ف تناقض تام مع النظمة الستبدادية الاكمة باسم الدين ‪ ،‬تناقضها مع سائر النظمة الستبدادية ذات الرجعية‬
‫العلمانية ‪ .‬أما عن تفاعلها مع السلم السياسي الثائر ‪ ،‬فهو حقّا ‪ ،‬خلفا للماركسية‪ ،‬ليست لا قضية ضد الدين ‪ ،‬لكن رفضها التام يتجه نو‬
‫الليات الت يكن أن توضع إذا استلم السلم السياسي الثائر السلطة ‪.‬‬
‫إن أخشى ما يكن أن تشاه الديقراطية ليس استبدال مرجعية بأخرى‪ ،‬وإنا الحتفاظ بنفس الليات والؤسسات بل وإعطاءها نفسا جديدا‪.‬‬
‫حيث أن الصراع ليس مع الرجعية وإنا مع الليات ‪ ،‬فإن الديقراطية ستجد نفسها غالبا ف تناقض جذري مع السلم السياسي الثائر‪ ،‬لنه‬
‫يلط بي الرجعية والليات ‪ ،‬ول ينتبه إل دور هذه الخية وخطورتا ‪.‬‬
‫إن من أتعس مظاهر سخرية القدار بنا أن تنطلق ثورة من مضاعفات مصائب الرأي الواحد والزب الواحد والشخص الواحد ‪ ،‬لتركز بعد ذلك‬
‫نفس السباب الت ولّدتا ‪ ،‬جاهلة ومتجاهلة أن نفس السباب تؤدي دوما إل نفس النتائج‪ .‬فهل تنع الرجعية السلمية النظام السياسي من‬
‫النزلق شيئا فشيئا إل المارسات الت كانت سبب التمرد‪ ،‬رغم شدة الماس وكثرة الوعود والوهام ‪ ،‬وهو المر الذي آلت إليه الرجعية‬
‫العلمانية وتربتها التاريية‪.‬‬
‫إن الطأ الكلسيكي الذي تقع فيه كل النظمة الستبدادية هو اليان بأن هذا الشخص أو هذا الزب أو هذه الرجعية ستضمن الفاعلية‬
‫والسرعة والعدالة دون أن تقع ف الخطاء القاتلة الت وقع فيها السابقون ‪ .‬وهي بذلك كمن يتوهم أ ّن له علقات خاصة مع قوى الغيب‪ ،‬أو أن‬
‫قوى الطبيعة ستغي من مراها الطبيعي لطيب نواياه وصفاء سريرته‪.‬‬
‫إن التأمل ف طبيعة النظام السياسي الحسوب على الرجعية السلمية سواء الوجود قديا كالنظام السعودي‪ ،‬أو الديث كالنظام السودان أو‬
‫اليران ‪ ،‬أو النشود ف العديد من البلدان العربية كالزائر ومصر من قبل بعض التنظيمات السلمية التطرفة ‪ ،‬لواجه بظاهرتي ‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ الصرار على اعتماد الجاب والعقوبات السدية كحجر الزاوية للنظام السياسي ‪ ،‬والال أن دور هذه الجراءات ف حل مشاكل‬
‫الشعب منعدم‪.‬‬
‫إنا ف الواقع مرّد علمات الفصل والقطيعة مع النموذج الديث للحكم ‪ .‬وعلمات النتصار عليه‪.‬إن أي نظام إسلمي يأخذ السلطة يرفع راية‬
‫سيادته على رؤوس النساء‪ .‬لكن علمات القطيعة والنتصار ليست ول يكن أن تكون برناما سياسيا أو بديل عنه ‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ اليان الصادق أو الفتعل بأن تطبيق الشريعة هو أهم أو أعجل عنصر لل مشاكل الجتمع وهو أمر شبيه باليان بأن حل مشكلة التصحّر‬
‫ف غرس شجرة واحدة ومن بلستيك أخضر‪ .‬لكن مشكل الجتمع هو حصيلة ألف عامل وعامل‪ ،‬كتهريب الثروات إل الارج واستشراء الفساد‬
‫والقمع ووضع نظام الولء للشخص أو اليديولوجية ‪ ،‬ووضع الرجل غي الناسب ف الكان غي الناسب ‪ ،‬فكيف يعقل أن ت ّل هذه المراض‬
‫العقّدة بالتركيز على أهية العقوبة الت يب أن تسلط على سارق الرغيف ‪ ،‬أو إشكالية شعر الرأة هل هو عورة أم ل ؟‬
‫تكون الجابة خارج الوضع وعلى هامشه ‪ ،‬بل هي أصل ليست حت إجابة عنه ‪ ،‬لن سؤال كهذا يتطلب ردودا ف منتهى التعقيد على‬
‫مستويات شت ل علقة لا بالفقه‪.‬‬
‫إ ّن التخلص من هذا النقد البديهي بالركون السريع ف التعامل مع القضايا الصيية إل شكل أو آخر من الليبالية أو الشتراكية البيوقراطية‪،‬‬
‫مع الحتفاظ بآليات النظام السابق ‪.‬وهو ما يعرّض هذه النظمة الستبدادية إل الفشل ‪ ،‬طال الزمان أو قصر ‪ .‬فل يشفع لا أنا تتغطى برداء‬
‫السلم ‪ ،‬كما ل تشفع هذه الرجعية للنظمة القومية أو الشتراكية أنا صادرت ثروات الشعب لصالها ‪ ،‬وشوّهت طموحات مشروعة وأحلما‬
‫عظيمة وشعارات براقة‪.‬‬
‫والسؤال هنا ‪ :‬هل يكن التوفيق بي مرجعية إسلمية وآليات الديقراطية ؟‬
‫إن أمرا كهذا مكن وضروري حت ل يكم علينا بدوره استبدادية أخرى قد تطول وقد تقصر وقد تكون أعنف ما عرفنا إل حد الن ‪ .‬ولنا فيما‬
‫حصل ويصل ف السودان عبة ومثال ‪.‬‬
‫بداهة ‪ ،‬ل شيء يرّم ف السلم العمل برية الرأي وحرية التنظم واستقلل القضاء والتداول السلمي على السلطة‪ .‬ول شيء ينع أن تكون‬
‫داخل اللعبة السياسية تنظيمات إسلمية ديقراطية‪.‬‬
‫إل أن الوقف العتمد ف هذه القضية ل يضع بالضرورة إل رأي "علمي" صحيح ‪ ،‬ف مواجهة موقف آخر بدائي وناقص ‪ ،‬إنا هو اختيار سياسي‬
‫يواجهه خيار مناقض ويستطيع كل منهما أن يد له ف الرجعية ما يبر موقفه ‪.‬‬
‫أما على الستوى العملي ‪ ،‬فالمر يتوقف على تطور هذا الصراع الفكري السياسي داخل النظمة السلمية وعلى نتائجه الت ستكون لصال‬
‫الشق الستبدادي إذا أعطت الديقراطية عن نفسها صورة حركة غريبة الصدر والتوجه‪ ،‬منبتّة ومعادية للسلم ‪ ،‬متنكرة لبادئها ومزدوجة‬
‫الطاب‪.‬‬
‫إن اليارات أمام الركة السياسية السلمية قليلة ‪:‬‬
‫فإما أن تاول الستفراد بالجتمع ‪ ،‬فيؤدي با ذلك إل التهميش وبناء نظام استبدادي مؤهل للفشل طال الزمان أو قصر ‪ ،‬بل ربا استعمل كحجة‬
‫ضدها وضد السلم نفسه ‪ ،‬ف إطار عملية اللط القصود الذي هو ف ناية المر جزء من السياسوية العامة‪.‬‬
‫وإما أن تدخل اللعبة الديقراطية ‪ ،‬شأنا ف هذا شأن العائلت الثلث الت أفرزها الواقع العرب (القومية والليبالية والشتراكية) ‪ ،‬لتتفاعل معها‬
‫سلميا ف إطار منافسة نزيهة‪ .‬وهذا هو اليار السلم الذي ندعو كل الفرقاء إل تبنيه ‪.‬يب إذن على كل أيدلوجيا أن تنقذ نفسها ومشروعها ‪،‬‬
‫بل وحت صورتا وسعتها‪ ،‬بإقحام الليات الديقراطية ف فكرها وعملها ‪ .‬وهذا هو أيضا حظ الديقراطية لنا تستطيع عندئذ أن تصب وتتفاعل‬
‫وتدم الشاريع القومية والشتراكية والسلمية الت انتهى با المر ‪ ،‬كمشاريع تررية ‪ ،‬إل "بيوت الشباح " والتعذيب ‪ ،‬لتصبح للسف جزءا‬
‫من مأساة ومعاناة النسان الذي ادعت أنا جاءت لتحريره ‪.‬فالكرة إذن اليوم عند السلميي‪ .‬فهم مطالبون بتوضيح موقفهم من نظام الليات‬
‫الربعة ‪ ،‬والبتّ ف إشكالية ‪" :‬هل يكن البء من الستبداد بالستبداد ؟"‪.‬‬
‫أما الديقراطيون فل يكن أن يرجوا عن مواقف مبدئية ثابتة خلصتها ‪:‬‬
‫إن أتاك البعض ف مستوى دائرة السياسة فقل ‪ :‬السلم غطاء تتلحف به حركة التحرر ‪ ،‬وتتغطى به مارسة الستبداد ف آن واحد‪ .‬تتجاذبه نفس‬
‫القوى التضاربة ف كل مكان ومنذ بداية التاريخ‪ .‬فإن أردت به التعبي عن آلم النسان الستعبد وآماله‪ ،‬فلن نبخل بعون واعتراف وتضامن ‪ .‬وإن‬
‫أردت التستر به على القمع والظلم‪ ،‬فلكم دينكم ول ترري ‪.‬‬
‫وإن أتوك ف مستوى دائرة الثقافة‪ ،‬فقل ‪ :‬هو كالم واللغة والتقاليد ‪ ،‬من مقومات الذات ‪ ،‬وذات ل تكون إل بثل هذه الدعائم وإل بقيت فراغا‬
‫سرمديا ‪ ،‬شأن ف هذا شأن بقية البشر برؤاهم ولغاتم يعبّرن با حسب ما ارتآه لم التاريخ عن إنسانيتهم‪.‬‬
‫وإن أغلظ بعضهم القول يريدون تقريرا بأولوية أمهم على بقية المهات ‪ ،‬فقل ‪ :‬لكم دينكم ول إنسانيت ‪.‬‬
‫وإن أتاك بعضهم متحدثي ف مستوى دائرة السر العظم واللغز الحي‪ ،‬فذكرهم بقولة غاندي ‪" :‬إنا الديان لغات ناقصة ‪ ،‬يستعملها أناس‬
‫ناقصون ف ماولة يائسة للتعبي عن حقيقة كاملة"‪.‬‬
‫وقل أيضا ‪ " :‬هو نافذت أنظر منها إل الطلق ‪ ،‬لكنن ل أخلط بي النافذة وبي جلل ما أطمح لستشفافه وراءها من دللت العظموت "‪..‬‬
‫وإن كشر التزمتون منهم عن أنيابم يريدونك مقرا بسذاجتهم ‪ ،‬فقل ‪" :‬لكم دينكم ول صمت ***‬
‫ول الصعب‬
‫ـ التح ّ‬ ‫‪2‬‬

‫لقد توفر لدينا اليوم عدد هام من الشروط الوضوعية والضرورية لتحقيق النظام الديقراطي ف واقعنا ‪ ،‬من ذلك تطور الجتمع وارتفاع نسبة‬
‫التعليم وتوفر الصادر الختلفة للرأي والعلم ‪ ،‬إضافة إل أهية "العدوى" الديقراطية‪ ،‬وانتشار مطلب الشاركة ف الياة العامة من خلل بروز‬
‫ظاهرة المعيات الدنية الختصة‪ .‬إل أننا نلقى مع ذلك الكثي من العراقيل اليكلية والظرفية الت تعل النتقال أمرا صعبا‪.‬‬
‫من أهم هذه العراقيل ف الوطن العرب التبعية الكبى الت يعانيها الجتمع تاه الدولة‪ .‬فهي تعتب أول مشغل لقطاعات عريضة من الواطني ‪،‬‬
‫وأول طرف يب إرضاؤه والتعامل معه بذر‪ ،‬حت ف القطاع الاص وذلك نظرا لقدرتا الطلقة العرقلة والحتواء‪.‬‬
‫لقد أعطت القدرة القتصادية للدولة الستبدادية ـ خاصة ف البلدان الت أصابا ال بصيبة البترول ـ إمكانية هائلة للضغط الادي بانب‬
‫إمكانياتا ف ميدان القمع الباشر‪.‬‬
‫وتشاء سخرية القدار أن تصبح هذه الدولة اليوم مضطرة إل فتح الجال باطّراد ف وجه البادرة القتصادية‪ ،‬الفردية منها والماعية‪ ،‬أي أنا‬
‫بصدد تسليم إحدى أهم الوراق الرابة (بالنسبة لا والت كانت تلكها للتحكم ف رقاب الناس‪.‬وهذا راجع ل مالة إل أسباب عدة ‪ :‬داخلية‬
‫وخارجية‪ ،‬وإل عجزها الكشوف عن تسديد حاجيات الجتمع التصاعدة‪.‬‬
‫فهي تستطيع بالتأكيد أن تاطل وتناور ولكنها ل قبل لا اليوم بالتصدي لنتقال اقتصادي واجتماعي يفتكّ منها حريات متزايدة لصال الجزاء‬
‫الكونة للمجتمع ويكتسي يوما بعد يوم قوّة الظواهر الطبيعية‪.‬‬
‫لقد سحت قدرة آلة النتاج للرستقراطيات الخفية ف الغرب بربح الوقت ‪ ،‬إذا استطاعت‪ ،‬بتوافر عوامل التصنع السريع والستعمار‬
‫والمبيالية ‪ ،‬أن توفر للناس الد الدن من الرخاء ف ظل الستفراد بالسلطة القيقة‪ .‬وقد راهنت كذلك على هذه الظاهرة دكتاتوريات الشرق‬
‫القصى الت عملت بقولة " اطعم الشعب يسكت" ‪.‬‬
‫إل أنه رهان خاسر ‪ ،‬فالرستقراطيات الخفية هنا أيضا تنشر الغصن الالسة عليه لكن ف زمن أطول‪ ،‬لن إرضاء الاجيات الادية يترك للناس‬
‫الوقت الكاف للنضال من أجل حاجياتا العنوية‪ ،‬وأولا الق ف الشاركة ف تقرير الصي‪.‬‬
‫نذكر مرّة أخرى بأن ليس هناك أي حتمية لنتصار الديقراطية ف الوطن العرب‪ ،‬لن الستبداد فيه ليس عنصرا طارئا‪ ،‬دخيل أو عابرا‪ ،‬بل هو‬
‫حصيلة التقاء مواقف وتصرفات تشكل جزءا ل يتجزأ من "الطبيعة البشرية"‪ .‬وذلك كإرادة الخضاع عند البعض وإرادة الضوع عند البعض‬
‫الخر‪ ،‬مع ما للظروف الذاتية لدى كل شعب مؤثرات ‪ :‬كانتشار الوف من الفوضى‪ ،‬أو من الفقر ‪ ...‬إل‪ .‬هذا‪ ،‬بالضافة إل الظروف‬
‫الوضوعية القاهرة ‪ :‬كانرام المن وعجز الناس عن الرتقاء من العنف إل الرمز أو احتداد الزمة القتصادية ‪ ...‬إل‪.‬‬
‫لذلك فهو كالرض يعود كلما توفرت ظروفه‪ .‬وما زال أمامه مستقبل زاهر حت ف أعرق البلدان الديقراطية‪ .‬ذلك لن التاريخ ليس قطارا يملنا‬
‫إل مطة اسها " الرية " أو "الشتراكية" أو "الدولة السلمية الفاضلة" بل هو طريق يصعد وينل‪ ،‬ينطلق كالسهم ث يتوقف‪ ،‬يتراجع القهقرى‬
‫ويدور ف حلقات مفرغة‪ ،‬وقد يفضي بشعوب وحضارات إل حافة الاوية ث يتقدم ليلقي با ف الفراغ‪.‬‬
‫إن بناء النظام الديقراطي مغامرة‪ ،‬والفاظ عليه أطول وقت مكن مغامرة أيضا‪ ،‬والتمتع به ل يكون إل مكافأة وجزاءا لشعوب استطاعت أن‬
‫تفرضه‪ ،‬وأن تتمسك به وتستفيد منه‪ .‬إن أقصى ما يكن أن يازف بقوله اليوم هو أن الديقراطية حظوظا ف هذه الرحلة من تطور المة‪ ،‬وذلك‬
‫بفضل تظافر عاملي اهتراء النظمة الستبدادية بالسرعة التزايدة اللحظة ‪ ،‬و"روح العصر" الت تعل من الديقراطية الوجه الخر للحداثة‬
‫والكمل للتكنولوجيا العصرية الت تري وراءها دون أن يطر ببالنا أنا مرتبطة أوثق الرتباط بالسس الفكرية والقيمية الت تولّد الديقراطية ‪.‬‬
‫هناك إذن قوى دافعة ف غاية الهية‪ ،‬تعلنا نشعر بإمكانية تقيق الديقراطية رغم خطر البديل الستبدادي الدين ‪ ،‬وهو اليوم ف أوج غليانه‪.‬‬
‫لكن هذا التحقيق يبقى رهي نضالت فكرية وسياسية صعبة‪ ،‬معقدة وخطية‪ ،‬تص مستويات عدة وجبهات متلفة‪ ،‬وتتطلب مدة زمنية طويلة‬
‫نسبيا ‪.‬‬
‫ث تأت بعدها مرحلة طويلة من التجريب ‪ ،‬إذ الديقراطية ‪ ،‬ككل نبتة باجة إل فترة هامة من العمل ليصلب عودها وتتعمق جذورها وتورق‬
‫أغصانا‪.‬‬
‫كما ل بد للليات الديقراطية من فترة زمنية كافية للتمكن من حسن إدارة اللعبة‪ .‬فالعلم الذي أصبح حرا‪ ،‬قد يسيء استعمال "الرية"‬
‫والنتخابات الرة قد تأت للسلطة بقوى معادية للديقراطية‪ ،‬لكن ل مناص من هذا‪ ،‬فالطفل‪ ،‬ولو يولد بكل أجهزته‪ ،‬مضطر للترنح والسقوط‬
‫مرات‪ ،‬قبل أن يسن الشي والري‪.‬‬
‫وكلما كانت النبتة صالة وغي مزيفة‪ ،‬وكان متعهدها (أي النخب الفاعلة) حذرا‪ ،‬تزايدت حظوظها لليتاء بأكل شهي‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬ل جدال اليوم ف خطورة النكبة الت تعيشها المة‪ ،‬وف تعقد أبعاد الزمة القيمية ـ السياسية ـ القتصادية الانقة‪ ،‬الت تنخر الجتمع‬
‫العرب وتتسبب ف انيار أحلم جيل الستقلل الول ‪ ،‬وما تبعه من تقيق سريع للتحرر والعدالة والكرامة الفردية والماعية‪.‬‬
‫إن هذا التعقيد الريع للنكبة ‪ ،‬يفرض علينا أن تكون صادقي مع أنفسنا إل أبعد حدود الصدق‪ .‬فهو يتنّل ف إطار عال متميز أساسا بانعدام‬
‫الستقرار‪ ،‬وغياب الطريق الواضح ‪ ،‬وبالتغيّر التسارع لصائصه‪.‬‬
‫كما أن اللول الت تتاجها المة لل مشاكلها‪ ،‬ل ندها بالضرورة ف وصفة طبية جاهزة ولو تثلت ف الديقراطية نفسها‪ .‬بل هي موزعة ومشتتة‬
‫ف جزئها الوجود‪ .‬وهي ف أهم مستوياتا ل تزال مهولة‪.‬‬
‫إن الشكل الذي تواجهه المة ‪ ،‬يشبه فيل السطورة الذي حاول تعريفه ثلث عميان ‪ :‬تسّس كل واحد منهم جزء منه‪ ،‬فقال الول إنه خرطوم‬
‫‪ ،‬ور ّد الثان بل هو ذيل ‪ ،‬وصرح الثالث أنتما مطئان إنه قوائم ضخمة‪.‬‬
‫كذلك ‪ ،‬فمن طبيعة الفكر اليديولوجي أنه يركز على جزء من الشكل الجتماعي ويضخمه‪ ،‬ث يول أهية ثانوية لبقية العناصر الكونة للمشكل‬
‫‪ .‬ويغفل هذا الوقف عن طبيعة الشاكل الجتماعية العقدة والترابطة والتعددة ونتائج حركيتها التسارعة‪.‬‬
‫فتأت الاركسية لتركز على القتصاد‪ ،‬منكرة دور العقيدة والوية‪ .‬وتأت العقيدة مركزة على الخلق‪ ،‬متناسية أن السوق يدمر جلة من القيم‬
‫الضرورية للشعب‪ ،‬والت من أهها ‪ :‬الساواة والعدالة الجتماعية‪.‬‬
‫أما الطأ الذي يكن أن يرتكبه الديقراطيون ‪ ،‬فهو أن يتصوروا أن الديقراطية نفسها عقيدة إضافية يب أن يكون لا حزبا‪ .‬فينضاف بذا أعمى‬
‫رابع ليقول ‪ :‬بل الفيل هو الليات الربع ‪ ،‬وهي الل‪ .‬فتكون بدورها متناسية أهية الاجة العقائدية‪ ،‬وعمق التبعية القتصادية‪ ،‬والصراع الشرس‬
‫بي المم ‪ ،‬وتظافر كل هذه العوامل مع تليل وضعية الشعب والمة‪.‬‬
‫إن دور الديقراطية هو إخصاب كل اللول اليديولوجية‪ ،‬وفتحها على بعضها البعض‪ ،‬بواسطة ضمان حرية الرأي‪ .‬وهو وضع يضمن حتما‬
‫التلقح والدماج والستعارة والتوفيق‪ ،‬وأحيانا التلفيق‪ .‬هذا‪ ،‬بالضافة إل أن الديقراطية وحدها هي الت تستطيع تنظيم التداول على السؤولية‪،‬‬
‫من أجل تطبيق متلف اللول أو الصناف الشتقة والمتزجة منها‪ .‬كما أنا القدار على إحلل هدنة الدم حت ل يشكل "صراع اللول" مشكل‬
‫إضافيا لجتمع زاخر بالشاكل‪.‬‬
‫فهي إذن إطار تنظيمي داخل كل حل إيديولوجي ‪ ،‬وبي متلف اللول‪.‬ومت ث‪ ،‬فهي جزء هام من الل‪ ،‬بلف اليديولوجيات عندما تكون ف‬
‫طورها التشنج‪ ،‬فتشكل بذلك جزء هاما من الشكل‬
‫إن الزمة القيمية مثل ‪ ،‬لن تل إل بصالة بي قيم التحرر ف تراثنا العرب والسلمي‪ ،‬وقيم ترر العصر‪ .‬وهذه الصالة هي أهم خدمة يكن أن‬
‫تساهم با حركة إسلمية ديقراطية مستنية‪ ،‬ف عملية التحرر الماعي‪ .‬ففي الدين السلمي مزون ل ينضب من قيم التحرر والتعاضد‬
‫والتكافل‪ ،‬وهي قيم يب أن نعتز با وأن نافظ عليها وأن نواجه با "أخلفيات " الستبداد‪.‬‬
‫كما ل جدال ف أن الزمة التنظيمية ل يكن أن تل إل بآليات ديقراطية‪ .‬لكننا ل ننقلها كما هي‪ ،‬بل نطورها ونسنها ف اتاه تطويق السلبيات‬
‫والضاعفات الحتملة‪ ،‬والت هي حتمية ف كل خيار‪ ،‬مهما كان صائبا وموفقا‪.‬‬
‫أما الزمة القتصادية الت نتخبط فيها‪ ،‬فلن ند لا حل ف التراث ول ف الوصفات العاصرة والاهزة‪ ،‬من ليبالية متوحشة أو اشتراكية‬
‫بيوقراطية‪.‬‬
‫إن اللول ما زالت للكتشاف والتجريب والراجعة والتحسي ‪ .‬وذلك حت نصل إل تقيق بعض العادلت الصعبة ‪ :‬كالتوفيق بي حق البادرة‬
‫والساواة ‪ ،‬بي الفاعلية القتصادية والحافظة على واجب التعاضد الجتماعي‪ ،‬بي تطوير البنية والحافظة على البيئة‪ ،‬بي الخذ والعطاء‬
‫التساويي ‪ ،‬بي الندماج ف القتصاد العالي والحافظة على الد الدن من القدرة على أخذ القرار‪ ..‬إل‪.‬‬
‫إنا حقا تديات ضخمة‪ ،‬ومشاريع ضخمة‪ ،‬وأحلم ضخمة‪ ،‬وصعوبات ضخمة‪ ..‬لكن قدر هذا اليل والجيال القادمة هو مواصلة نضالت‬
‫النسان لتحقيق ذاته وإنسانيته‪.‬‬
‫وهذه النضالت ل يكن أن تنتهي ‪ ،‬ما دامت الياة ومآسيها ل تنته‪.‬‬
‫إن تقيق الستقلل الثان هو مهمتنا ودورنا ف هذه الفترة العصيبة من تاريخ الم’‪ .‬وهو ليس وفاء لنضالت رجال ونساء الستقلل الول‬
‫فحسب ‪ ،‬وإنا هو وفاء لطفالنا وأحفادنا خاصة‪ ،‬أولئك الذين استعرنا منهم هذا الوطن‪ ،‬الذي يتوجب علينا أن نرجعه لم وهو أكثر ما يكون‬
‫عدل ونظاما وأمنا وإنسانية‪.‬‬
‫***‬

‫ملحق الطبعة اللكترونية‬


‫نشر هذا الكتاب سنة ‪ 1996‬ف بيوت بفضل عون العديد من الصدقاء وعلى رأسهم هيثم مناع وفيوليت داغر وبعض الخوة الذين هربوا‬
‫الخطوطة من تونس وكنت آنذاك مروما من جواز السفر ‪.‬‬
‫وقد استنفر البوليس السياسي قواه لنع دخول الكتاب ووقع استجواب مكتب ف سوسة حول مدى علمه به وأنكر الرجل عن صدق لن الكتاب‬
‫تسرب لتونس ف حقائب البعض ول تدخل منه إل نسخا قليلة واستعصى بطبيعة الال تقيق الدف منه إي دفع النقاش إل المام وإل العمق‬
‫خاصة ف قضية التفكي ف أمراض الديقراطية الغربية وخاصة العنصر التمثيلي وكان أملى ول يزال أن ننتبه من الن للعيوب الكامنة ف الليات‬
‫الديقراطية الغربية حت ل ننقل مسخا مشوها ومريضا فنعرض الديقراطية با هي أهداف إل نكسة مؤكدة والعودة إل النظام الستبدادي بعد‬
‫جولة من الفوضى السياسوية ‪.‬‬
‫أن هذه الشكالية ما زالت مطروحة وأدعو للنقاش العمق حولا ربا للوقت وربا توفيا لردّة نن بغن عنها ‪.‬‬
‫فإن كان صحيحا أن التحول نو الديقراطية ليس حتميا أو آليا فإن كل الؤشرات تدل على أن النظام الستبدادي العرب ف آخر مراحل تطوره‬
‫وانه لن يعب ف جل أقطار الوطن العشرية الول من القرن الديد ول أدل على ذلك من ماولة التأقلم والتفتح الذر كما يارسها النظام ف‬
‫الغرب أو الردن‬
‫أما النظمة الرافضة لسنة التغيي التمي فإنا تتأرجح إمّا بي ستراتيجيا الروب إل المام كما يارسها النظام اللكي ف السعودية أو النظام‬
‫''المهوري'' ف العراق أو ''الماهيي '' ف ليبيا وإمّا ستراتيجيا التزييف والغالطة كما يارسها النظام البوليسي ف تونس بادعاء الديقراطية ‪.‬‬
‫إل أن هذه اليل ل تنطلي على أحد فالنظام الستبدادي فقد إل البد القومات الضرورية لبقائه وهي اليدولوجيا ودعم هذه الطبقة أو تلك‬
‫وتواطؤ الارج ‪.‬‬
‫فل أحد يصدق اليوم حرفا ما تقوله السلطة الستبدادية ول توجد طبقة لا مصلحة ف بقاء نظام سياسي اصبح الفساد خطرا على كل فئات‬
‫الشعب ‪.‬‬
‫أما الارج فقد اصبح يتشكل من رأي عام عالي تثله منظمات الجتمع الدن التصاعدة القوة والنفوذ وهذه أصبحت عنصرا متزايد التأثي ف‬
‫سياسة دولا وكل هذه القوى تدفع نو الدمقرطة ول يعد بإمكان دول غربية متساهلة مع الدكتاتورية التصرف بالرية الت كانت تتلكها ف‬
‫الستينيات والسبعينيات ‪.‬‬
‫وهكذا ل يعد للنظام الستبدادي العرب من حليف سوى أجهزة قمع بدأت هي الخرى تسب للمور حسابا خاصة بعد سقوط مفهوم الفلت‬
‫من العقوبة وظهور الحكمة النائية الدولية ‪.‬‬
‫إن كل هذه الؤشرات غنية بالعان والدللت ‪.‬‬
‫ومنذ فترة صدور الكتاب إل اليوم والزمة السياسية تتفاقم ف تونس فقد تواصل القمع البوليسي للحريات بصفة مكثفة وشل القمع كل‬
‫مكونات الجتمع الدن وانارت بصفة نائية نظرية إرجاء الديقراطية إل حي النتهاء مع الطر السلمي فالنهضة ل تعد تشكل أي تديد‬
‫للسلطة خاصة بعد أن اتضح للجميع أنا ترفض خيار العنف رغم كل الستفزازات لرها إليه وكان ذلك موقفا صائبا منها ‪ ،‬وهو ما فضح‬
‫اليار الدكتاتوري للنظام الذي اشهر الرب على الشخاص والؤسسات الت يشتم منها التعطش للحرية ‪.‬‬
‫لكن سياسته هذه باءت بالفشل فبعد الؤتر الرابع للرابطة التونسية لقوق النسان الذي شهد تدجي الرابطة وخروجي من رئاستها بدا الوضع‬
‫قاتا لكن قوى القاومة الديقراطية جعت صفوفها ف إطار مموعة ضيقة كان ل شرف تنسيقها وامكنها أن تعلن تواصل النضال الديقراطي‬
‫متمثل ف إصدار البيانات ومنها الطالب التعددة بالعفو التشريعي العام ومتابعة ملف التعذيب ومراقبة الحاكمات والتنسيق مع النظمات الدولية‬
‫الهتمة بقوق النسان ‪.‬‬
‫وف العاشر من ديسمب ‪ 1998‬وبناسبة خسينية العلن العالي أشهرت الجموعة عن ولدة الجلس الوطن للحريات وكان ذلك منطلق‬
‫أحداث ل زالت ترتباتا تري إل اليوم ‪.‬‬
‫ونن نعايش يوميا اطراد وتعمق أزمة النظام البوليسي وصعود القاومة الديقراطية وهي نفس الظاهرة الت تعرفها تقريبا أغلب أقطار الوطن ‪.‬‬
‫والثابت اليوم أن عزلة الدكتاتورية داخل تونس وخارجها قد وصلت اوجها إذ فقد النظام كل أمل ف استعادة الصورة النمقة الت جاهد‬
‫لعطائها للعال ف بداية التسعينيات وهو ل يتلف ف شيء عن بقية النظمة الدكتاتورية الباقية الت أفلست على كل الستويات أولا اليدولوجي‬
‫والعلمي ‪.‬‬
‫وبصفة موازية لولدة الجلس رأينا الركة العربية لقوق النسان تتهيكل عب تنظيمات جديدة منها اللجنة العربية لقوق النسان ( الت أبت‬
‫إل تسميت رئيسا لا مع العلم أنن كنت منوعا من السفر واعجز من القيام بأي مهمة على رأسها ) ف الوقت الذي تفرض فيها على الرض‬
‫القوى الديقراطية الصاعدة ف الردن ومصر والغرب وفلسطي والزائر مطالبها ورؤاها على أنظمة مشورة ف الزاوية ‪.‬‬
‫إنه من الطأ أن نقول مثل أن التاد السوفيت قد انار سنة ‪ 1991‬فهو انار ف الواقع ف الستينيات ول يكن ذلك واضحا للعي لن‬
‫النظمة السياسية تنهار مثلما ترمي دعاماتا ف العقول والقلوب قبل أن يتضح ذلك عب الؤسسات والقواني والنظام السياسي العمول به ''على‬
‫السطح '' ‪.‬‬
‫ومن هذا النظور يكن القول أن النظام الستبدادي العرب قد انار ف الزء غي النظور من الواقع السياسي لنه فقد معركة الفكار والقيم وان‬
‫البديل البهم رمى جذوره ف هذا الزء غي النظور أي ف عقول وقلوب العرب التعطشي لنظام سياسي جديد يترم ذكائهم وكرامتهم وطلبهم‬
‫للعدل والتقدّم ‪.‬‬
‫ول بدّ للفكر السياسي العرب ف هذه الفترة النتقالية الرجة أن يضطلع بدوره لطرح البدائل ونقاشها بانتظار أن ينتهي النظام الستبدادي العرب‬
‫كما انتهى النظام الستبدادي ف شرق أوروبا وأمريكا اللتينية ‪.‬‬
‫إن مبدأ قيادة الناس ضرورة وهو من أصعب المور إذ يتطلب أمران ها أقصى العلم والتجربة والنكة و أقصى الخلق من تعقل لكن التجربة‬
‫تظهر العكس أي أن الكم مارسه كل أنواع الجاني والغبياء ورأينا مسؤولية غي عادية يوضع فيها ناس جد عاديون فيفقدون الصواب‬
‫ويتألون مملي عامة الناس أخطار هذيانم‬
‫وهذه معظلة دوخت الفكرين السياسيي أرهقت المم والشعوب ‪.‬‬
‫ومن نافل القول أنه ليس هناك من وصفة سحرية وليس هناك من حالة نوذجية نصل إليها وتغلق إشكالية السلطة حت ولو كانت الديقراطية ف‬
‫شكلها الغرب‬
‫وكل ما ف المر أن هناك رصيد من التجارب يب أن تستعمل وهناك جلة من الحاذير الت يب على كل شعب يريد حاية نفسه من النون‬
‫والغباء ف أعلى مراكز القرار أن يتخذها‬
‫وهناك آليات لتصحيح الطأ التمي والنزلق يب وضعها و هناك تربية على مارسة السلطة‬
‫هناك عمل متواصل لتعديل الشطط والعودة إل التوازن بي الؤسسات الاكمة وبي الاكم والحكوم ‪.‬‬
‫وهذه هي التحديات الطروحة علينا نن العرب اكثر من غينا لن استناف طاقاتنا وتلفنا الهي عن الم التاريية الت ننتمي غليها راجع بالساس‬
‫لعجزنا عن وضع القانون والؤسسات بدل الشخص والشخصانية على أعلى هرم السلطة ‪.‬‬
‫ونن اليوم ف منعرج إياب قد يكننا منذ سقيفة ابن ساعدة ف حل الشكل العويص لتكون السلطة جزءا من الل وليس كما كان المر طوال‬
‫التاريخ جزءا من الشكلة ‪.‬‬
‫فلنواصل النضال على جبهتي السياسية للتعجيل بولدة الدولة الديدة الت رمت جذورها ف العقول والقلوب وتنتظر أن يبز ويصلب عودها‬
‫وتأتينا بثمارها والتفكي العميق لنصون النبتة الديدة ما يتهدّدها من أخطار خارجية وامراض داخلية‬
‫سوسة ف ‪2001-2-12‬‬
‫ملحق ‪2‬‬
‫أزمة الدولة البوليسية في تونس وتحدّيات الصلح‬
‫السياسي‬
‫أحيل الكاتب على التحقيق من أجل هذه المقالة بتهم ثلب النظام العام وثلب القضاء‬
‫وترويج أخبار زائفة وحث الناس على خرق قوانين البلد إضافة إلى تكوين جمعية غير‬
‫معترف بها – المجلس الوطني للحريات –وحكم عليه بسنة سجن في ديسمبر ‪ 2000‬وهو‬
‫الحكم الذي رفض استئنافه طعنا في قضاء فقد ابسط مقومات الستقللية واصبح مجّرد‬
‫‪ .‬من ّ‬
‫فذ للحكام التي يقررها الجهاز البوليسي‬

‫تعتب تونس تارييا من اكثر أقطار الوطن العرب عزوفا عن التغييات الذرية والنقلبات الدموية وميل إل الصلحات الت تطبخ على نار‬
‫هادئة واللول الوسطى والوار السترسل بي ألد العداء ويعزى هذا التوجه ف معالة الزمات السياسية إل طبع السكان اليال إل العتدال‬
‫وخصائص البلد الغرافية الكونة أساسا من سهول مفتوحة الت تعل خلفا للجزائر كل ثورة سهلة الخاد ناهيك عن الصائص الجتماعية‬
‫‪ .‬الت تتميز با كالتجانس العرقي والدين وهيمنة الطبقات الوسطى عدديا وسياسيا وثقافيا‬
‫إن كل هذه القومات للسف هي اليوم تت ضغط شديد أمام عوامل وضع سياسي اقتصادي اجتماعي ل تشهد له تونس مثيل منذ استقللا‬
‫‪.‬يتمثل أساسا ف تعمق أزمة دولة وأزمة متمع وأزمة علقة بي الثني‬
‫يكن القول أن عوامل تفكك الدولة العصرية مفهوما ومارسة قد ذهب اليوم شوطا بعيدا ف تونس نتيجة سياسة السلطة ف العشرية الاضية‬
‫‪ .‬والت دمرت مكتسبات انطلقت ف ناية القرن التاسع عشر وتواصلت طوال هذا القرن‬
‫وقد يبدو هذا الرأي مبالغ فيه لن يزور البلد فيى كل مظاهر الدولة بل وحت الدولة القوية من دوران الدواليب البيوقراطية وًاستتباب‬
‫المن ً لكن الظاهر ف النظم الستبدادية ل تدع إل أصحابا ومن ليس لم الوقت أو القدرة على النتباه لا يوجد وراءها ومن العروف‬
‫حسب القولة الشهية أن ً كل شيء على ما يرام ف الدكتاتورية إل الربع ساعة الخية ً ‪ .‬فإذا سلمنا أن الدولة العصرية هي الهاز الذي يتمتع‬
‫بد أدن من اليبة والصداقية والفعالية هدفه الساسي الد من العنف و إدارة شؤون الجموعة الوطنية وفق القانون تكريسا لملة من القيم‬
‫الماعية التفق عليها يكن القول أن لشيء من هذا القبيل يوجد ف تونس بل دولة مطعون ف هيبتها وف مصداقيتها وف شرعيها تشتغل‬
‫أغلب الوقت خارج إطار القانون وضد القيم الجتمعية و ل تواجه أزمتها اليكلية إل بإجراءات اعتباطية تعمقها يوما بعد يوم وترمي بتونس ف‬
‫‪ .‬ماهل أخطار كبية‬
‫ومن سخرية القدار أن تنتصب دولة البوليس الت افتكت السلطة على اثر انقلب سلمي ف ‪ - 7.11.87-‬من دولة الزب الواحد بادعاء‬
‫‪ .‬معالة تفاقم أزمة هذه الدولة فتنتهي ف عشرية واحدة إل الزقاق السدود الذي انتهت إليه الدولة الزبية ف ثلث عقود‬
‫ك أن تليل عملية النيار هذه تتطلب دراسات مستفيضة لكنن سأكتفي ف هذه القالة بالشارة إل أهم خصائصها تاركا للمؤرخي تليل‬
‫ول ش ّ‬
‫‪ .‬الليات الت جعلت عملية إنقاذ الدولة تتحول سريعا إل عملية إغراق لا‬
‫وأول تفسي أن الطبع غلب التطبع فلم تطل فترة الراقبة الذاتية وانتحال الديقراطية لتعود للسطح عقلية البوليس وتقنياته العروفة ف التعامل مع‬
‫‪ .‬القضايا السياسية‬
‫ومن بي هذه التقنيات تلك الت تارسها كل الدول ومنها الديقراطية لكنها تبقى ف حدود وج ّد مفية وف خدمة سياسة ليست الساليب‬
‫‪ .‬القذرة إل جزءا منها‬
‫لكن النظام التونسي جعل من الشاذة القاعدة والقاعدة الواضحة الت يروم با تقيق أهداف سياسية وهكذا انتشرت بانب المارسات‬
‫الكلسيكية الت سارت عليها الدولة الزبية من تعذيب وماكمات جائرة عمليات بالغة الطورة من منظور الرمز والعن فهذه خانات مسوبة‬
‫على الدولة ل تتورع ابتداء من التسعينات عن توزيع الشرطة البنوغرافية الزعومة ضد العارضي مثل ممد مزال وعلي العريض وعبد الفتاح‬
‫مورو وسهام بن سدرين ث برزت ظاهرة الجمات البالغة القارة ضدهم ف صحف مأجورة تصصت ف الفضائح شلت سعد الدين الزمرل‬
‫رئيس الرابطة آنذاك وخيس الشماري وكاتب هذه السطور ث تنامت ظاهرة سرقة سيارات مناضلي حقوق النسان أو تشيمها مثل سيارة عمر‬
‫الستيي وجال الدين بيدة وراضية النصراوي ومصطفى بن جعفر وخيس قسيلة وتوفيق بن بريك واخيا سيارت كذلك تعرضت مكتب‬
‫راضية النصراوي إل اللع وسرقة اللفات ‪ .‬ث برزت ظاهرة القضايا الكيدية الت يلفقها البوليس والسيناريو هو أن يطلب من البعض عدم‬
‫المضاء ف الراكز تطبيقا لكم الراقبة الدارية ث تال الضحية لسباب تتعلق بسوء سلوكه أو للضغط على عائلته على الحاكمة بتهمة امتناعه‬
‫عن المضاء ول ينفع قوله أن البوليس هو الذي طلب منه ذلك ويكم عليه بالسجن كما حدث ذلك ف قضيت ممد علي البدوي وعلي بن‬
‫‪ .‬سال الصغي‬
‫وهكذا استشرت داخل الجتمع صورة مدمرة للدولة وهي أنا تارس ما جعلت لقاومته وتزامنت هذه الصورة ف الوقت الذي ضج فيه‬
‫‪ .‬الجتمع بالشكوى من استشراء الفساد ف كافة الجهزة وخاصة ف الهاز البوليسي‬
‫وثة ظاهرة أخرى ساهت ف ضرب هيبة الدولة وهي الضريبة الفروضة على الناس بصوص تويل صندوق ‪ 26-26‬وف يوم من السنة‬
‫يطلب من كل الواطني التطوع الجباري بالتبع لفائدة صندوق إحياء الناطق الفقية لكن المر بالنسبة للبعض ليس سوى وسيلة تلق للسلطة‬
‫أو للتهرب من الضرائب الرسية إذ هناك مقايضة غي رسية تعل الدفع للصندوق يعفي أو يسهل التعامل مع الضرائب الرسية أما بالنسبة‬
‫للغلبية فهو ضرب من ضروب البتزاز الال تأخذ بوجبه السلطة باليد اليمن من جيب الواطن ف ظل التهديد البطن لتعطي باليد اليسرى‬
‫‪ .‬جزءا ضئيل ما أخذته بأسلوب النّ الهي ف حي يضيع أهم جزء من الال ف الجهول‬
‫والطورة ف قضية هذا الصندوق ليست ف ابتزاز الواطني وضرب الورد الساسي للدولة الذي هو الضرائب ول ف الموال الختفية وإنا مدّدا‬
‫‪ .‬ف ضرب صورة الدولة‬
‫فالدولة العصرية تبدأ لظة التفريق بي مال الجموعة ومال الاكم وخاصة عندما تعتمد الجموعة الوطنية مبدأ رئيسيا هو ل ضرائب بدون‬
‫‪ .‬قانون يسنه برلان ويسهر على شفافيتها جهاز ماسبة ذا مصداقية‬
‫إن هذا الصندوق إضافة إل المارسات السوقية الارجة على القانون أعاد الدولة التونسية إل ما قبل الدولة العصرية الت ظننا أن دستور‬
‫‪ 1861 .‬قد أدخلنا إليها‬
‫ونفهم الزء الثان من أزمة الدولة أي انيار الصداقية إذا أضفنا إل الصورة السلبية الت أدت إليها هذه التصرفات فراغ العلم الرسي من كل‬
‫‪ .‬قيمة وعزوف الناس عنه وفرارهم إل الفضائيات الجنبية وخاصة قناة الزيرة‬

‫إن ما سعته تونس ف مستوى الطاب الرسي طوال التسعينات ليس ما يسمى باللغة الشبية العهودة ف كل نظام دكتاتوري وإنا شيئا آخر‬
‫جديدا أدخلته الدولة البوليسية وهو اللغة الضللة‪ .‬ففي تونس أصبحت الوة بي القول والفعل بي الكلمة ومضمونا غي قابلة لي تسي بفعل‬
‫خطاب يتستر بكل مصطلحات الديقراطية وحقوق النسان وقيم العدالة والتسامح لمارسة نقيضها ‪ .‬وهكذا تعلم التونسيون فهم الكلمات‬
‫بالعكس فالديقراطية تعن الدكتاتورية وحقوق النسان تعن انتهاك حقوق النسان ودولة القانون تعن دولة الستبداد والتسامح تعن التعصب‬
‫‪ .‬والتعددية الحادية ال‬
‫وما زاد ف انيار الصداقية الرب الشرسة الت شنتها الدولة البوليسية ضد انتشار الصحون القعرة الت تكثف وجودها بالرغم من انفها ومراقبة‬
‫‪ .‬الاتف والبيد والنترنت والصحافة…وفشلها الذريع ف هذه الرب‬
‫يبقى أن أهم عوامل تفكك الدولة العصرية مفهوما ومارسة هو انتفاء الشرعية عنها فقد كان بإمكان السلطة النبثقة عن انقلب ‪ 11-7‬أن‬
‫تستقي شرعيتها من مشروع حضاري مثل إرساء الديقراطية مثلما استقت الدولة الزبية شرعيتها من تقيق الستقلل الول لكنها فضلت‬
‫‪ .‬الركون إل انتخابات مزورة من ألفها إل يائها ول يأخذها أحد ل ف الداخل ول ف الارج على ممل الدّ‬
‫وف مثل هذه الالت ل بد لك ّل دولة أن تقايض وجودها غي الشرعي أي غي الستمدّ من الرغبة الواعية الرة للشعب إما بشروع أيدلوجي‬
‫مثلما كان المر بالنسبة للشيوعية أو النازية أو بادّعاء التصدّي لعدو خارجي أو داخلي يكن أن تنجرّ عنه ماطر أهم بكثي من وجود دولة غي‬
‫‪ ".‬شرعية أو بتحقيق دعائم رخاء اقتصادي يكن به شراء ضمائر البعض وسكوت الغلبية وتييد " التطرفي‬
‫ول يوجد اليوم ف تونس أي من هذه العوامل فل أحد يصدق حرفا واحدا من الذر الستمر حول الديقراطية ول وجود لعدو خارجي أو‬
‫داخلي خاصة بعد قمع السلميي ورفضهم التواصل الرد بالعنف على الظال الت يتعرضون لا ‪ .‬أما ً العجزة القتصادية ً الت يتغن با النظام‬
‫‪ .‬فإن الفساد والعولة تكفل بضرب صورتا ف الداخل والارج ناهيك عن حقيقتها البالغ فيها كثيا‬
‫ويتمثل الزء الثان ف معادلة الوضع السياسي ف طبيعة الجتمع وقدرته على مواجهة الدولة البوليسية وخاصية الجتمع ككل انه ييا منذ عشر‬
‫سنوات ف ظ ّل إرهاب الدولة وأنه يتردّد بي سورات العنف الباغتة الت يعب فيها عن غضبه وبي الستكانة والصب على الكروه الذي ل‬
‫‪ .‬يستطيع أن يغيه‬
‫وثة شعور عميق داخل الجتمع بالهانة والذلل لضرورة الصمت على فساد ل حدود له ومظال مستشرية تتوجها انتخابات مزيفة تصادر فيها‬
‫‪.‬سيادة الشعب وكرامته‬
‫ومن أخطر مكونات الزمة النفسية للشعب التونسي تيقنه انه عرضة للتعسف وأن حقوقه الت يفترض فيها أنا غي قابلة للتصرف وأنا ممية‬
‫بالقانون امتيازات هشّة يدين با دوما لصحاب القرار ولو كانوا من أصغر أنواع الوظفي ول يافظ عليها إل بالتملق والهادنة والنفاق‬
‫والغشّ‪ .‬وقد تسببت الحاكمات السياسية وما ظهر من خللا من خواء مفهوم دولة القانون من كل متوى‪ ،‬ف استشراء القناعة بأننا نيا ف ظل‬
‫‪ .‬دولة اصبح فيها القانون وسيلة للتشريع للظلم والتغطية عليه‬
‫وف هذا الو الشحون تترعرع الرية الت يلحظ الكل تفشيها الطي بالرغم من كثافة قل نظيها ف العال من كل ما يطر على بال أو ل‬
‫‪ .‬يطر من أنواع البوليس‬
‫ول أحد يعلم ما هو ارتفاع منسوب الرية وتارة الخدرات وإدمان الكحول والنتحار فكل هذه العطيات معلومات سرية ول يكن البحث‬
‫فيها علميا أحيانا يطلب من الباحثي العلميي الكذب على الرقام مثلما حصل مؤخرا عندما طلبت وزارة الصحة من أستاذة ف الطب عدم‬
‫‪ .‬الشاركة ف ندوة طبية حت ل تذيع أرقاما تدل على ارتفاع الدمان على الخدرات‬
‫ول يفلح هذا الجتمع ف النعتاق إل على مستوى عدد يصى على الصابع من منظمات مستقلة عن السلطة تتحرك أساسا ف ميدان الدفاع‬
‫عن القوق النسانية أما ما عدا ذلك فنسيج من المعيات الرياضية وكلها مراقبة بصفة لصيقة من قبل السلطة الت تفاخر بأن ف تونس ‪7000‬‬
‫‪ .‬جعية والال أنه ليس فيها اكثر من عشر جعيات غي حكومية فعل‬
‫وإذا قارنا هذا الوضع ببلدان شبيهة حت ف أفريقيا اكتشفنا مدى التصحر الذي أحدثه قانون المعيات بنع كل حيوية اجتماعية وتكبيلها وعقاب‬
‫كل من يريد أن ينشط ف أي حقل كان خارج سيطرة سلطة مهووسة بالاجس المن أصبحت اليوم العنصر الول ف شعور التونسيي بقلة المن‬
‫والطمئنان ‪ .‬ففي جنوب أفريقيا مثل يوجد ‪180‬جعية للدفاع عن حقوق الطفل ول يوجد واحدة ف تونس والعلقة بي المعيات والكومة‬
‫على طرف النقيض ما هو عندنا فالدولة ل تكتفي بالسماح للجمعيات بالنشاط بل تتعامل معها من موقع التكامل مفضلة أحيانا تكليف البعض‬
‫منها بأنشطة ل تقدر عليها بيوقراطيتها الثقيلة وتولا بدون الساس بالمعية سياسيا أي بدون ماولة التفويض الرخيص الت هي القاعدة ف تعامل‬
‫‪ .‬الدولة الستبدادية مع مؤسسات الجتمع الدن ف بلداننا الوبوءة بالنظام الدكتاتوري‬
‫وبانب الروح العنوية الت دمرتا الدكتاتورية فإن الراب الذي لق كل مكتسبات الجتمع أصبح مصدر تديد خطي لستقبل الجيال القبلة‬
‫‪ .‬وقد يتطلب إصلحه جيل بأكمله‬
‫فنحن ل ننتبه عادة أن الغرس وجن الثمار صالة أو طالة ف مستوى الشعوب عملية تسب بالعقود ل بالسني كما هو الال على مستوى‬
‫الفراد ‪.‬‬
‫ففي تونس نن نن ف سنة ألفي ثار سياسة الستينيات ف مستوى التنظيم العائلي ‪ .‬إن انفاض عدد السجلي ف الدارس البتدائية وتنازل‬
‫الضغط على مطالب السكن هي الثمار الت ننيها اليوم من إحدى اليارات الكيمة القليلة للدولة الزبية أي تسي وضعية الرأة والتنظيم‬
‫العائلي ‪ .‬كذلك فإن نوعية النخب التعلمة والتكونة أساسا من الكهول هي نتيجة نفس السياسة الرشيدة ف ميدان التعليم الت وضعت ف‬
‫‪ .‬الستينيات‬
‫و ابتداء من الثمانيان ضعف مستوى التعليم ث تسارع تدهوره ف التسعينيات بفعل انتشار الفساد وتدهور وضعية رجال ونساء التعليم‬
‫وتري النقد والراجعة وتتبع البدعي والتصحر الثقاف ووضع الرجل غي الناسب ف الكان غي الناسب لجرد ولءه للسلطة والسياسة اللغوية‬
‫القدية وخاصة دياغوجية النظام الذي اصبح يبحث عن شعبية رخيصة بالزيادة ف نسب النجاح ف الباكلوريا وهكذا أصبحنا نلحظ ف‬
‫الامعة دخول أجيال متزايدة الهل ل يكن بأي حال من الحوال خاصة ف ظروف فقر الامعة أن تسمح لتونس باحتلل الكان اللئق با ‪.‬‬
‫وهذه الجيال الضعيفة التكوين علميا وثقافيا والت نشأت ف جو القيم الوبوءة للدكتاتورية هي الت ستقود تونس لزمن طويل ‪ .‬وهذا هو الثر‬
‫‪ .‬السلب الساسي الذي ستبقى تونس تعان منه زمنا طويل بعد زوال الدكتاتورية‬
‫وإنا نفس الليات الت خربت القطاعات اليوية الخرى للشعب كالصحة والصحافة والثقافة والنظام البنكي والعدالة وهو ما يعلنا سنعان‬
‫لسنوات طويلة من التعامل مع قطاعات ضعيفة الفعالية تتحكم فيها قوى صنعتها الدكتاتورية ل مصلحة لا ف التغيي وستقاوم بشدّة كل‬
‫‪ .‬ماولت الصلح الديقراطي‬
‫وبذا يتضح لنا أن عشر سنوات من دكتاتورية دولة البوليس واصلت أربعي سنة من دكتاتورية الدولة الزبية جعلت تونس تشبه حاسوبا أنيق‬
‫‪ .‬الظهر لكن بلفات أفسدها الفيوس‬
‫يتضح خاصة حجم التحديات الت ستواجه البديل الديقراطي يوم يكرّسه الشعب فهو مطالب بإصلحات ف مستوى الرمز والعن بعل هيبة‬
‫الشعب أهم من هيبة الدولة وهذه اليبة ل يكن أن تأتّى إل من عودة السيادة الفعلية له عب حقه غي القابل للتصرف ف التنظم والرأي واختيار‬
‫من يكمه ‪ .‬وعندما يستعيد الشعب حقه ف الصداع برأيه دون إرهاب فإنه سيستعيد ف نفس الوقت جزء من الثقة بالنفس الفقودة وستتحرك‬
‫الليات لبئه من عقد النقص والعجز والذنب والحتقار للذات‬
‫ويبقى أن أهم عامل من عوامل إعادة بناء الذات الماعية هو إعادة بناء الثقة ف شيء اسه القانون وذلك بإحالة كل القضاة الفاسدين الذين‬
‫حكموا بدون نص وحكموا ف نفس القضية اكثر من مرة وأغمضوا عينيهم عن التعذيب إل الحاكم لتقول رأيها ف تصرفاتم ‪ .‬ولن يكفي هذا‬
‫بالطبع إذ يب أيضا ماربة الحسوبية ووضع آليات بالغة الدقة والفعالية استئصال فساد متجدد وليست الديقراطية برهم سحري ضدّه وإنا وسيلة‬
‫لتتبع ظهوره الستم ّر وجزّه باستمرار كما نفعل مع العشاب الضارة الت ل نستطيع التخلص منها وإنا قصّها بنفس العناد الذي تتوالد به‬

‫أما هيبة الدولة فإنا لن تبن إل على قاعدة اخلقة السياسة إل ابعد ح ّد مكن بعد أن رمت با ف الز ابل سياسة الشرائط البنوغرافية وسرقة‬
‫‪ .‬سيارات الناس والعتداء على أرزاقهم وشرفهم من قبل الؤسسة الجعولة لقاومة البنوغرافيا والسرقة والعتداء على الشرف‬
‫وهذه بالطبع مهمة جيل بأكمله لن التخريب الذي لق تونس من نظام ‪ 11-7‬لن يكون سهل الصلح لكنه ل خيار لنا يدفعنا ويشد من‬
‫‪ .‬عضدنا مفهومنا للوطنية وثقتنا الطلقة بان النظمة وحدها توت أما الشعوب فخالدة ابد الدهر‬
‫***‬
‫الـراجـع‬
‫رغم هذا النص ليس دراسة أكاديية وإنا كتابة سياسية صهرتا التجربة واللم فإنه ل يتولد من شيء ومن ثة امتنان لكل الؤلفي‬
‫الذين لعبوا دورا ف بلورة أفكاره ومن أههم ‪:‬‬

‫‪ 1‬ـ ف الفهم القدي للستقلل وبعض مطات تاريخ النضال الوطن ف تونس ‪ ،‬انظر ‪:‬‬
‫•ممد البيب الولي ‪ :‬الوطن والصمود‪ ،‬دار الغرب السلمي ‪ .‬تونس ‪1991‬‬
‫•النوري البودال ‪ :‬الدفاع والستقلل ‪ .‬تونس ‪1989‬‬
‫•أحد العباسي ‪ :‬الشيخ عبد العزيز الثعالب‪ .‬تونس ‪1987‬‬

‫‪* Hachemi Jegham : La constitution tunisienne de 1961. Edition Chems-Tunis 1989.‬‬

‫‪ 2‬ـ ف مفهوم الستبداد ـ انظر ‪:‬‬


‫•ممد الويلي ‪ :‬الزعيم السياسي ف اليال السلمي‪ ،‬بي القدس والدنس‪ .‬دار سراس للنشر‬
‫تونس ‪1991‬‬
‫•طيائع الستبداد للكواكب‪,‬‬

‫‪ 3‬ـ ف الضريبة الباهظة للستبداد الديث والناتة أساسا عن ثورة متلف مكونات الجتمع الدن ضد الدولة الستبدادية‬
‫واحتجاج الدولة الستبدادية لواصلة هيمنتها بضرورة مقاومة خطر التطرف الدين‪ .‬انظر ‪:‬‬
‫•منظمة العفو الدولية‬
‫‪-‬التقارير الدولية للسنوات العشر الخية‬
‫‪-‬الطباء والتعذيب ‪ ،‬بي الشاركة والصمود‪ .‬مطبوعات منظمة العفو الدولية ـ لندن‬

‫‪Human Rights Watch World Report 1995‬‬


‫‪Fifth Avenue- New-York NY 485‬‬
‫‪Reporters sans frontiere: Rapport 1995‬‬
‫‪Rue Geoffroy - Marie 75000 Paris 5‬‬

‫•النظمة العربية لقوق النسان‬


‫‪-‬انتهاكات حقوق النسان ف الوطن العرب عدد ‪13‬‬
‫‪-‬التقارير السنوية عن حالة حقوق النسان ف الوطن العرب‬
‫‪-‬الكاريكاتي وحقوق النسان‬
‫‪-‬آفاق الديقراطية ف الوطن العرب ف ضوء التغييات الدولية‬

‫‪-‬النظام الدول وحقوق النسان ف الوطن العرب‬


‫‪-‬العلن العالي لقوق النسان وأحوال الوطن‬
‫إصدارات النظمة العربية ـ القاهرة‪.‬‬
‫*‪Union Interafricaine des droits de l’ homme‬‬
‫‪Les droits de l homme en Afrique : Historique, realites et perspectives – Rapport 1993/1994 -Ougadougou‬‬
‫‪1995‬‬

‫•الركز العرب للدراسات العلمية ‪ :‬عدد خاص عن حقوق النسان والريات ‪ :‬شارع طلعت حرب ـ القاهرة‪.‬‬
‫•النظمة الغربية لقوق النسان من خلل بلغاتا وتصرياتا‬
‫‪-‬ماي ‪ 1988‬مارس ‪1991‬‬
‫‪-‬ماي ‪ 1991‬دجنب ‪1992‬‬
‫‪-‬ملحظات حول التقرير الكومي ـ أكتوبر ‪1990‬‬
‫‪-‬إصدارات دار النشر الغربية ـ الدار البيضاء ‪1991‬‬

‫•النظمة الصرية لقوق النسان‬


‫‪-‬جرية بل عقاب ‪ :‬التعذيب ف مصر‬
‫‪-‬القواني القيدة للحقوق الدنية والسياسية ف التشريع الصري ـ تأليف عبد اللـه خليل ‪1993‬‬
‫‪ 1017‬شارع متحف النيل ـ الروضة ـ القاهرة‪.‬‬

‫•مركز الدراسات والعلومات القانونية لقوق النسان ‪.‬‬


‫دفاعا عن حق تكوين المعيات ـ تأليف أمي سال‬
‫‪ 7‬شارع الجاز ـ روكسي ـ مصر الديدة‪.‬‬
‫•الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق النسان ـ بلغات ‪1995– 1989‬‬

‫‪ 4‬ـ ف خطورة ظاهرة الفساد الت تسبب ف عنف الستبداد والعنف الضاد للحركات الدينية الت تستمد جزءا هائل من إغرائها لتركيزها‬
‫عليها وادعائها القدرة على استئصالا باسم القيم السامية للدين ‪ .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Pierre Pean : l argent noir-corruption et sous developpement Fayard 1988‬‬
‫‪ 5‬ـ ف الفراغ التصاعد للمفهوم القدي للستقلل ف عال متصاعد الرتباط ‪ .‬انظر ‪:‬‬
‫‪Thierry Henstch : le systeme mondial :rapports internationaux et relations intenationales : nouvelle optique‬‬
‫‪-Montreal 1984‬‬

‫‪ 6‬ـ ف نظرية حقوق النسان ومفاهيمها الساسية والدل القائم حول مدى تلؤمها مع موروثنا الضاري‬
‫•هيجل ‪ :‬مبادىء فلسفة الق ‪ .‬ترجة تيسي شيخ الرض ‪ ،‬منشورات وزارة الثقافة ‪ ،‬دمشق ‪.1948‬‬
‫•د‪ .‬ممد شريف بسيون ـ د‪ .‬ممد سعيد الدقاق ـ د‪ .‬عبد العظيم وزير‪.‬‬
‫حقوق النسان ـ الجلد الول والثان ـ دار العلم للمليي ـ بيوت ‪1988‬‬
‫•د‪ .‬ممد السيد سعيد ‪ :‬حقوق النسان‬
‫‪-‬الكتب العرب للمعارف بالقاهرة ‪1995‬‬
‫‪-‬السلم وحقوق النسان ص ‪ 43 – 13‬ـ رواق عرب عدد ‪1‬‬
‫•د‪ .‬هيثم مناع ‪:‬‬
‫‪-‬حقوق النسان ف الثقافة العربية السلمية‬
‫‪-‬الضحية واللد ‪.‬‬
‫•فاتح سيح عزام ‪ :‬ضمانات القوق الدنية والسياسية ف الدساتي العربية‬
‫•بي الدين حسن ‪ :‬حرية الصحافة من منظور حقوق النسان‬
‫•د‪ .‬فيوليت داغر ‪ :‬الطائفية وحقوق النسان ‪،‬‬
‫إصدارات مركز القاهرة لدراسات حقوق النسان ـ ‪ 9‬رستم ـ القاهرة‪.‬‬
‫‪Ben Asayag Miguel : Utopie et libertes : les droits de l homme une ideologie‬‬ ‫‪la decouverte 0 Paris‬‬
‫‪.1988‬‬
‫‪Ben Achour Vadh : Normes, foi et loi- CERES-‬‬ ‫‪Edition -Tunis 1993‬‬

‫‪ 7‬ـ ف إشكاليات الديقراطية النظرية والتحول الديقراطي ف العال الثالث والوطن العرب ‪ .‬انظر‬
‫•الطاهر لبيب ‪ :‬علقة الشروع الديقراطي بالجتمع الدن العرب ص ‪ 80‬ـ ‪ 104‬الستقبل العرب عدد ‪،4‬‬
‫‪ 1992‬ـ منشورات مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيوت ‪.‬‬
‫•مركز الدراسات السياسية والستراتيجية بالهرام ـ القسم الثان ـ التطور الديقراطي ف العال العرب ـ التقرير‬
‫الستراتيجي العرب ‪. 1995‬‬
‫•مسن اليلي ‪ :‬ظاهرة اليسار السلمي ـ تونس ‪1983‬‬
‫•عبد السلم ياسي ‪ :‬حوار مع الفضلء الديقراطيي ‪ .‬مطبوعات الفق ‪ ،‬الدار البيضاء ‪. 1994‬‬
‫•د‪ .‬حيدر ابراهيم علي ـ الديقراطية ف السودان ‪ :‬البعد التاريي ‪ ،‬الوضع الراهن وآفاق الستقبل ـ مركز‬
‫الدراسات السودانية ـ القاهرة ‪1993‬‬
‫•مركز دراسات الوحدة العربية ‪ ،‬بيوت‬
‫‪-‬الجتمع والدولة ف الوطن العرب ‪1988‬‬
‫‪-‬العرب والعال ‪1988‬‬
‫‪-‬مستقبل المة العربية ‪1988‬‬
‫‪-‬التنمية العربية ‪1989‬‬

‫‪ 8‬ـ ف متلف تارب الدمقرطة ف العال الثالث وناحها التفاوت ‪.‬انظر ‪:‬‬

‫‪Larry Diamond/Juan J.Linw/ seymoun Martin Lip Set : comparing experiences with Democracy - Lynne‬‬
‫‪Rienner Publishers 2000‬‬
‫‪ 9‬ـ ف عيوب الديقراطية البلانية الغربية وأمراضها الطية (والت علجها هو مزيد من الديقراطية وليس ردة‬
‫استبدادية أخرى) ‪ .‬انظر ‪:‬‬

‫*‬ ‫‪François de Closets : La grande Manip Seuil 1990‬‬

‫الفهـرس‬

‫الستقلل الثان ـ تقدي‬


‫مقدمـة‬
‫الفصل الول ‪ :‬فاتورة الستبداد‬
‫ـ تزيق الذات‬
‫ـ دولة القانونيي‬
‫ـ العمل الرديء‬
‫ـ العلم القيـد‬
‫الفصل الثان ‪ :‬أسس الديقراطيـة‬
‫ـ الرب الرمزية‬
‫ـ العتراف الكبي‬
‫ـ العقلية التحررية‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬الليات‬
‫ـ الدعامات‬
‫ـ تنظيم الرب السلمية‬
‫ـ الصراع العلمي‬
‫ـ التجدد السلمي للسلطات‬
‫ـ القضاء العادل‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬الفـاق‬
‫ـ الطر التجدد‬
‫ـ التحول الصعب‬
‫الراجع‬

You might also like