You are on page 1of 4

‫البنوك السلمية ‪ ..

‬بين السس والممارسات‬


‫أصبحت البنوك السلمية منافسا قويا للبنوك التقليدية في‬
‫العالمين العربي والسلمي‪ ،‬إلى الحد الذي جعل الخيرة تقوم‬
‫بإنشاء فروع للمعاملت السلمية‪ .‬ومع اشتداد المنافسة‪ ،‬برزت‬
‫ول البنوك التقليدية إلى بنوك‬‫في السنوات الخيرة ظاهرة تح ّ‬
‫تتعامل وفق أحكام الشريعة السلمية‪.‬‬
‫فما هي دوافع هذا التحول؟‪ ..‬وهل هي دينية أم اقتصادية؟‪ ..‬وما‬
‫هي متطلبات هذا التحول؟‪ ..‬وهل هناك إقبال على التعامل مع‬
‫البنوك السلمية؟‪ ..‬وكيف تتعامل البنوك السلمية مع مخاطر‬
‫الئتمان؟‪ ..‬وما هي المعوقات التي تحد من تطورها وانطلقها؟‬

‫من التقليدي إلى السلمي‬


‫ول عدد من البنوك التقليدية إلى بنوك‬ ‫يرى بعض المراقبين أن تح ّ‬
‫إسلمية في السنوات القليلة الماضية مستمد من مبدأ التوبة‬
‫والتوقف عن الخدمات المالية والمصرفية المخالفة لحكام‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬وبخاصة الفوائد "الربا في أدبيات القتصاد‬
‫حرمة التعامل‬‫السلمي"‪ ،‬وزيادة أعداد العملء الذين يرون ُ‬
‫بفوائد البنوك التقليدية‪ ،‬وتحولهم إلى البنوك السلمية‪.‬‬
‫ويرى آخرون أن دوافع هذا التحول لها أبعاد ربحية وتجارية بحتة‪،‬‬
‫نتيجة النجاحات الملحوظة للبنوك السلمية‪ ،‬وارتفاع معدلت‬
‫الربحية وعوائد عمليات التمويل مقارنة بعوائد التمويل التقليدي‪.‬‬
‫إضافة لسباب فنية‪ ،‬منها رغبة البنوك التقليدية في القيام‬
‫بعمليات الستثمار بدل من العمل في مجال الوساطة المالية‬
‫"القراض والقتراض"‪ ،‬والحصول على فائدة محددة أو ما يسمى‬
‫بـ"المتاجرة بالديون"‪ .‬في حين أن العمليات المصرفية للبنوك‬
‫السلمية تمتد إلى نشاط الستثمار المباشر لنفسها أو للغير‪،‬‬
‫بجانب الوساطة المالية‪ ،‬أي أنها "بنوك شاملة"‪.‬‬

‫جزئي أم كلي‬
‫وتأخذ ظاهرة تحول البنوك التقليدية إلى إسلمية أحد أسلوبين‬
‫رئيسيين‪ ،‬الول‪ :‬هو التحول الكلي‪ ،‬ويعني قيام البنك باللتزام‬
‫في جميع عملياته المالية بأحكام الشريعة السلمية بشكل كامل‪.‬‬
‫وفي هذه الحالة‪ ،‬يختلف نمط العمال تماما عن أعمال البنوك‬
‫التقليدية‪ ،‬فيتعامل وفقا لمبدأ المشاركة في المخاطر والتركيز‬
‫على تمويل المشروعات والصول والسلع والخدمات‪ ،‬بدل من‬
‫التعامل في القروض النقدية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬هو التحول بشكل جزئي‪ ،‬بأن ينشأ البنك التقليدي فرعا‬
‫أو أكثر للمعاملت السلمية‪ ،‬ويكتفي البنك ـ بالضافة إلى أعماله‬
‫التقليدية ـ بطرح بعض صيغ التمويل والستثمار السلمية‪.‬‬

‫متطلبات التحول‬
‫وتحتاج عملية التحول إلى بنك يقدم خدمات مصرفية وفقا‬
‫لسس الشريعة السلمية لعدة خطوات جوهرية‪ ،‬أهمها تشكيل‬
‫هيئة للفتوى والرقابة الشرعية تقوم بالفتاء الشرعي بشأن كل‬
‫أعمال البنك وعملياته‪ ،‬ويكون لها حق منع أي معاملة تتعارض‬
‫وأحكام الشريعة السلمية‪ .‬ويقوم البنك كذلك بمواءمة نظام‬
‫الحاسب اللي ليعمل وفق الخدمات المصرفية السلمية‪،‬‬
‫وتحضير نماذج الحسابات والعقود حسب أسس الشريعة‬
‫السلمية‪ ،‬بناء على اتفاق يبرم بين البنك وعملئه بعد موافقتهم‪.‬‬
‫ومن الخطوات الرئيسة أيضا‪ ،‬تدريب الموظفين على أساليب‬
‫العمل الجديدة‪ ،‬وقد يلجأ البنك إلى تغيير اسمه إلى اسم آخر‬
‫يعّبر عن هويته الجديدة‪.‬‬
‫ول يمكن تحديد مدة زمنية محددة لسلمة كامل عمليات البنك‬
‫التقليدي‪ ،‬فهي تختلف بالنسبة لكل بنك حسب ظروفه المالية‬
‫وبيئته القانونية‪ ،‬ولكنها تستغرق في العادة مدة ل تقل عن ثلث‬
‫سنوات‪ ،‬نظرا للجراءات الفنية والقانونية التي ل يمكن للبنك‬
‫التقليدي أن يتخطاها إل خلل عدة سنوات‪ ،‬بل إن محاولة‬
‫التحول السريع والمفاجئ قد يترتب عليه انهيار البنك‪.‬‬
‫وقد نص المعيار الشرعي السادس الصادر عن المجلس‬
‫الشرعي بهيئة المحاسبة والمراجعة السلمية على "ضرورة‬
‫الخذ بمبادئ وقواعد السياسة الشرعية في التحول‪ ،‬بما ل يؤدي‬
‫إلى انهيار البنك بالكامل"‪.‬‬

‫بنوك إسلمية في العالم‬


‫وهناك العديد من تجارب التحول بنوعيه الكلي والجزئي في‬
‫منطقة الخليج العربي‪ ،‬وبالخص في المارات والسعودية‬
‫والكويت‪ .‬أما على المستوى الدولي‪ ،‬فقد أصبحت البنوك‬
‫العالمية تسارع لتقديم خدمات مصرفية إسلمية‪ ،‬بل قامت‬
‫بتأسيس فروع إسلمية لها في دول الخليج‪.‬‬
‫وقد أصبحت بريطانيا عاصمة البنوك السلمية‪ ،‬سواء في "لندن"‬
‫أو "برمنجهام"‪ ،‬حيث توجد جالية إسلمية كبيرة‪ .‬وهناك خطط‬
‫لفتح ‪ 12‬فرعا لبنوك إسلمية في المدن البريطانية المختلفة‬
‫خلل العامين المقبلين‪.‬‬
‫وقامت بورصة لندن بإنشاء مؤشر "داو جونز السلمي"‪ ،‬لقياس‬
‫حجم التعاملت على الوراق المالية السلمية "الصكوك"‪ ،‬وهو‬
‫ما يشير إلى زيادة القبال على التعامل المالي وفقا للشريعة‬
‫السلمية في أوروبا‪.‬‬
‫كما أصبحت البنوك السلمية مطلبا متزايدا للمسلمين في‬
‫الوليات المتحدة الميركية‪ ،‬حيث يوجد بنكان إسلميان‪ .‬وأشار‬
‫وزير الخزانة الميركي إلى النمو المتسارع الذي يشهده القطاع‬
‫المالي السلمي في أمريكا‪ ،‬معبرا عن اهتمامه بالتجاوب السريع‬
‫الذي تبديه الدول الوروبية إزاء متطلبات الصناعة المالية‬
‫السلمية‪ ،‬من خلل توفير بيئة العمل المناسبة للمؤسسات‬
‫المالية السلمية في إطار القوانين والتشريعات الوروبية‪ .‬ووعد‬
‫بتسريع وتيرة انتشار البنوك السلمية في الوليات المتحدة‪ ،‬عن‬
‫طريق إزالة جميع المعوقات أمامها‪.‬‬

‫اعتراضات‬
‫وتتعرض البنوك السلمية للنتقاد بسبب تركز معظم أعمالها‬
‫على أنشطة المرابحة والمضاربة‪ ،‬التي تعتبر توظيفات قصيرة‬
‫الجل لموال المودعين‪ ،‬في حين أنها بنوك استثمارية في المقام‬
‫الول‪.‬‬
‫كما تواجه البنوك السلمية "مشكلة فنية" بسبب طبيعة الودائع‬
‫التي تستثمرها لصالح المودعين‪ ،‬وهي أنها "قصيرة الجل"‪ .‬في‬
‫حين أن تمويل المشاريع في حاجة إلى موارد "طويلة الجل"‪،‬‬
‫مما ينتج عنه صعوبات كبيرة للتوفيق بين آجال اللتزامات‬
‫واحتياجات التمويل‪ ،‬وهو ما أدى إلى تعرض البنوك السلمية‬
‫للعديد من الزمات‪.‬‬

‫مخاطر العمل‬
‫ويقتضي مبدأ "الغنم والغرم" في الشرعية السلمية أنه عند‬
‫الستثمار والمضاربة يتحمل الشركاء الخسارة كما يستحقون‬
‫الربح‪ ،‬وهو ما يعّرض البنوك السلمية لمخاطر كبيرة ويجعل‬
‫ودائع المستثمرين عرضة للضياع عند وقوع الخسارة‪.‬‬
‫ول بمنطقة الخليج‪ ،‬أن جميع‬ ‫ولكن الملحظ من خلل تجارب التح ّ‬
‫البنوك التقليدية التي تحولت إلى إسلمية استطاعت ـ بأدواتها‬
‫التمويلية القائمة على مبدأ المشاركة في الربح والخسارة ـ أن‬
‫تلبي حاجات المستثمرين والمشروعات الجادة‪ ،‬مقابل أخطار‬
‫متدنية مقارنة بأخطار التمويل التقليدي الذي ل يراعي ظروف‬
‫المستثمر فيما لو تعثر مشروعه لظروف خارجة عن إرادته‪ ،‬وهو‬
‫ما عزز مصداقية البنوك المتحولة ومكنها من تقديم المنتجات‬
‫والخدمات المالية بأنواعها‪.‬‬

‫معوقات‬
‫تتعرض البنوك السلمية إلى معوقات تحد من نموها وتطورها‪،‬‬
‫ومنها سيطرة البنوك التقليدية على النشاط المصرفي في غالبية‬
‫البلد العربية والسلمية‪ ،‬واعتماد معظم المؤسسات القتصادية‬
‫الكبيرة والحكومات على البنوك التقليدية في معاملتها المالية‪.‬‬
‫كما أن القوانين واللوائح المصرفية ل تستمد أحكامها من‬
‫الشريعة السلمية‪ ،‬إضافة إلى ندرة الكوادر الفنية المؤهلة‬
‫للعمل بالبنوك السلمية‪.‬‬
‫وتواجه البنوك السلمية معوقات فنية تؤثر عليها بالسلب‪ ،‬منها‬
‫إلزام البنوك السلمية بالحتفاظ بنسبة من ودائعها لدى البنوك‬
‫المركزية يتم دفع فائدة عنها‪ ،‬وهو ما ل يتفق مع منهجها‪ .‬وكذلك‬
‫ل تستطيع البنوك السلمية القتراض من البنوك المركزية‪ ،‬رغم‬
‫حاجتها لهذا الدعم الذي يتوافر لغيرها من البنوك‪.‬‬

‫مخاطر الئتمان‬
‫وتقدم البنوك السلمية العديد من الخدمات‪ ،‬مثل المشاركة‪،‬‬
‫والمضاربة‪ ،‬والتأجير التمويلي‪ ،‬والوراق المالية السلمية‬
‫للتشغيل قصير الجل‪ ،‬وأوراق الصكوك التي يتم تداولها في‬
‫أسواق الوراق المالية‪.‬‬
‫ولكي تتمكن البنوك السلمية من مواجهة الخطار القتصادية‪،‬‬
‫وبخاصة مخاطر الئتمان‪ ،‬يرى المراقبون ضرورة قيام وكالة‬
‫إسلمية عالمية متخصصة في تقييم المخاطر وإدارتها فيما بين‬
‫البنوك السلمية‪ .‬إضافة إلى توفير مصادر تمويل طويلة الجل‬
‫بدخول أسواق السهم‪ ،‬وتوسيع قاعدة المساهمين وتحديث‬
‫أنظمتها‪ ،‬وتقديم خدمات مالية متطورة‪ ،‬وإعادة هيكلة الشركات‬
‫التابعة‪ ،‬الندماج لمواجهة المنافسة الدولية الشرسة‪.‬‬

‫أحمد الليثي ـ " الجسـر"‬

You might also like