You are on page 1of 1

‫العولمة و التحديات الراهنة‬

‫العولمة في اللغة تعني ببساطة جعل الشيء عالمي النتشار في مداه أو تطبيقه‪ .‬وهي أيضًا العملية التي تقوم من خللها المؤسسات‪ ،‬سواء‬
‫‪ globalization‬التجارية أو غير التجارية‪ ،‬بتطوير تأثير عالمي أو ببدء العمل في نطاق عالمي‪ .‬شء‪ .‬ول يجب الخلط بين العولمة كترجمة لكلمة‬
‫فإن العولمة عملية اقتصادية في المقام الول‪ ،‬ثم ‪ internationalization.‬النجليزية‪ ،‬وبين "التدويل" أو "جعل الشيء دوليًا" كترجمة لكلمة‬
‫سياسية‪ ،‬ويتبع ذلك الجوانب الجتماعية والثقافية وهكذا‪ .‬أما جعل الشيء دوليًا فقد يعني غالبًا جعل الشيء مناسبًا أو مفهومًا أو في المتناول لمختلف‬
‫دول العالم‬

‫أيضًا العولمة عملية تحكم وسيطرة ووضع قوانين وروابط‪ ،‬مع إزاحة أسوار وحواجز محددة بين الدول وبعضها البعض؛ وواضح من هذا المعنى أنها‬
‫‪.‬عملية لها مميزات وعيوب‪ .‬أما جعل الشيء دوليًا فهو مجهود في الغالب إيجابي صرف‪ ،‬يعمل على تيسير الروابط والسبل بين الدول المختلفة‬

‫العولمة قد تكون تغيرًا اجتماعيًا‪ ،‬وهو زيادة الترابط بين المجتمعات وعناصرها بسبب ازدياد التبادل الثقافي ‪ ،‬فالتطور الهائل في المواصلت‬
‫والتصالت وتقنياتهما الذي ارتبط بالتبادل الثقافي والقتصادي كان له دورًا أساسيًا في نشأتها‪ .‬والمصطلح يستخدم للشارة إلى شتى المجالت‬
‫‪:‬الجتماعية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬القتصادية‪ ،‬وتستخدم العولمة للشارة إلى‬
‫‪:‬تكوين القرية العالمية‬
‫أي تحول العالم إلى ما يشبه القرية لتقارب الصلت بين الجزاء المختلفة من العالم مع ازدياد سهولة انتقال الفراد‪ ،‬التفاهم المتبادل والصداقة بين‬
‫‪"".‬سكان الرض‬
‫‪:‬العولمة القتصادية‬
‫‪.‬ازدياد الحرية القتصادية وقوة العلقات بين أصحاب المصالح الصناعية في بقاع الرض المختلفة‬
‫التأثير السلبي للشركات الربحية متعددة الجنسيات‬
‫أي استخدام الساليب القانونية المعقدة والقتصادية من الوزن الثقيل لمراوغة القوانين والمقاييس المحلية وذلك للستغلل المجحف للقوى العاملة‬
‫‪.‬والقدرة الخدماتية لمناطق متفاوتة في التطور مما يؤدي إلى استنزاف أحد الطراف )الدول( في مقابل الستفادة والربحية لهذه الشركات‬
‫والعولمة تتداخل مع مفهوم التدويل ويستخدم المصطلحان للشارة إلى الخر أحيانا‪ ،‬ولكن البعض يفضل استخدام مصطلح العولمة للشارة إلى تلشي‬
‫‪.‬الحدود بين الدول وقلة اهميتها‬

‫وبسبب تلك الختلفات في المعنى‪ ،‬وكون العولمة سلحًا ذا حدين‪ ،‬أو عملية لها مميزات عظيمة وعيوب خطيرة في نفس الوقت‪ ،‬أصبحت العولمة‬
‫موضوعًا خلفيًا ومثيرًا للجدل في شتى أنحاء العالم؛ أيضًا زادت الفكار الخاطئة وانتشر التشوش عن الموضوع‪ .‬وبسبب عيوب النسان خاصة قلة‬
‫‪:‬العتدال‪ ،‬انقسم معظم الناس في العالم إلى قسمين‬

‫قسم يشجع الفكرة ويرى فيها كل خير وإيجابية ول يرى عيوبًا على الطلق أو يرى عيوبًا ويقرر بصورة حاسمة أن التغلب عليها كلها يسير؛ ومعظم‬
‫‪.‬هذا القسم من الدول المتطورة والغنية‬
‫‪.‬وقسم يشجب ويعارض الفكرة بتعصب ول يرى فيها إل كل سلبية وشر وجشع وظلم؛ ومعظم هذا القسم من الدول الفقيرة والدول النامية‬
‫أهم ما يمكن قوله في قضية العولمة هي أنها فكرة في حد ذاتها ليست إيجابية وليست سلبية‪ .‬أي أنها ببساطة فكرة‪ ،‬لها تعريفها الخاص‪ ،‬ويمكن‬
‫ل المسلم الذي يدرس العولمة دراسة تفصيلية‪ ،‬قد ينتهي به المر إلى أن يتمنى من قلبه لو‬ ‫استخدامها في الخير أو في الشر‪ .‬ومن دلئل ذلك هو أن مث ً‬
‫اتحدت البلدان السلمية‪ ،‬ثم بدأت المة السلمية المتحدة في تطبيق العولمة‪ ،‬لما سيكون له ذلك من الثر اليجابي على نشر السلم وإفشاء السلم في‬
‫‪...‬العالم‪ .‬ونفس المثال ينطبق على المسيحي المتدين‪ ،‬والصيني الوطني‪ ،‬والمريكي الوطني‪ ،‬وهكذا‬

‫إذن فإن المشكلة أو الخطر ليس في قضية العولمة نفسها كفكرة أو عملية‪ ،‬بل في كيفية تطبيقها وفي عيوب النسان نفسه التي قّلما من استطاع التغلب‬
‫عليها‪ ،‬مثل الطمع أو الجشع وما فيه من ظلم الغير والحب الشديد للمال وحب القوة والتسلط والتحكم‪ ،‬وغيرها من عيوب النسانية التي ل يمكن التغلب‬
‫‪.‬عليها إل بطاعة ال واتباع المنهج الذي وضعه للنسانية‪ ،‬والذي ختم بإرسال محمد رسول ال‪--‬صلى ال عليه وسلم‪--‬والقرآن‬

‫والخوف الرئيسي من تطبيق العولمة اليوم في بداية القرن الحادي والعشرين‪ ،‬قد يكون من أسبابه الرئيسية هو تسلط أمريكا كدولة عظمى في الوقت‬
‫الحالي‪ ،‬على بقية دول العالم‪ ،‬واتباع سياسات ظالمة للغير‪ ،‬وعدم احترام أي من القوانين الدولية‪ .‬ومن هذا المنظور قد نظن أن معارضة العولمة قد‬
‫‪.‬تكون السياسة المثلى إلى أن يأمن الضعيف والفقير في هذا العالم على نفسه وماله ودمه‪ ،‬من الدول القوى والغنى‪--‬خاصة أمريكا في الوقت الحالي‬

‫تواجه العولمة مقاومة قوية جدا في مختلف مناطق العالم وخصوصا في أوروبا والدول النامية‪ .‬إذ أنها قد تؤثر سلبا على إمكانيات نمو اقتصاديات‬
‫محلية في ظل غياب التوازن بين الدول المتقدمة والفقيرة‪ .‬كما يتهمها الكثيرون بأنها تذيب الثقافات المحلية وتجير العالم في خدمة القوي‪ ،‬ويعتبرون أن‬
‫الوليات المتحدة المريكية تهيمن على العالم اقتصاديا من خلل فرض سيطرتها القتصادية والعسكرية من خلل ما يسمى بالعولمة‪ ،‬وبهذا المعنى‬
‫ينتفي القول بأن "العالم تطور ليصبح قرية صغيرة"‪ ،‬ليصبح "العالم تأخر ليصبح إمبراطورية كبيرة"‪--‬في إشارة لتجدد الحلم المبراطوري الذي‬
‫‪.‬عاصرته الحضارة النسانية في عصور سابقة‬

‫ولكن هناك الكثير ممن يدافعون عن العولمة‪ .‬والدول القوى‪--‬خاصة أمريكا‪ ،‬مع المؤسسات العملقة التي تؤثر في اقتصاد العالم كله‪--‬مثل مايكروسوفت‬
‫وهي أيضًا في أمريكا‪ ،‬قد تجبر كل دول العالم‪ ،‬بشركاتها ومؤسساتها المحلية‪ ،‬على الخضوع لقوانين العولمة الجديدة‪ .‬وإن قاومت بعض الدول سياسيًا‪،‬‬
‫فإن الشعوب والمؤسسات والشركات لن تستطيع أن تقاوم اقتصاديًا‪ .‬هذا غير أن العولمة هي عملية ماضية في طريقها بدون توقف بالفعل‪ ،‬إن لم يكن‬
‫سياسيًا‪ ،‬فاقتصاديًا وثقافيًا بطريقة مكثفة‪ .‬ومن كل ذلك قد نستنتج أن شجب ومعارضة الفكرة قد ل تكون الطريقة المثلى للتعامل مع قضية العولمة‪ .‬يجب‬
‫أن تتبع الشعوب والدول والمؤسسات سياسات أخرى من أجل جعل التأثيرات السلبية عليها في الحد الدنى‬

You might also like