You are on page 1of 2

‫البيئة في الرؤية السلمية‬

‫على الرغم من غياب الذكر المباشر لمفهوم البيئة في الصول‬


‫السلمية‪ ،‬يجد الباحث المدقق أن مفهوم الستخلف للنسان هو خير رابط‬
‫بين النسان وبيئته‪ .‬يرتكز مفهوم الستخلف على قيام النسان بتحقيق‬
‫العمران في الرض‪ ،‬مستعيًنا بالمسخرات الممنوحة له‪ -‬الكائنات الحية‬
‫دا بالسنن اللهية في إدارة هذه العلقة‬
‫والعناصر غير الحية‪ -‬مسترش ً‬
‫المشتركة‪ ،‬وهناك العديد من اليات الدالة على مدى الترابط بين النسان‬
‫‪.‬والكون‬
‫‪:‬السلم وعلقة الوفاق بين النسان والبيئة‬
‫إن خالق كل من النسان والبيئة في الصل واحد وهو "ال سبحانه"‪" :‬الذي أحسن كل شيء خلقه وبدأ خلق النسان من‬
‫عا وكرًها" )الرعد‪15:‬‬ ‫‪).‬طين" )السجدة‪ (7:‬وغايتهما واحدة وهي العبادة‪" :‬ول يسجد من في السموات والرض طو ً‬
‫والكائن البشري غير منفصل عن البيئة؛ فهو عنصر مميز من عناصرها ‪-‬المسخرة له‪ -‬ومكون فريد من مكوناتها‪ ،‬يقف فيها‬
‫غا متطوًرا يسيطر على جهاز ناٍم للنطق؛ وعلى ضوء كل ذلك إذا فإن علقة‬ ‫ل جمجمة كبيرة تحوي دما ً‬ ‫منتصب القامة‪ ،‬حام ً‬
‫النسان ببيئته الطبيعية ل تتحول إلى سيطرة بمسيطر عليه أو علقة مالك بمملوك‪ ،‬إنما علقة أمين استؤمن عليها بكل ما‬
‫يعنيه من وفاق وانسجام وتكامل معها‪ ،‬وبكل ما يترتب عليه من سلوك يفترض أن النسان بفضل طاقاته الخلقة‪ ،‬ومن خلل‬
‫تفاعله مع البيئة سيواجه أحداث وتغييرات مستمرة لكل منها تغييرات يجب أن تمكث في إطار الحدود التي فرضتها السنن‬
‫الطبيعية والخصوصيات البيولوجية والعقلية الثابتة للفطرة البشرية‪ ،‬لن هذه السبيل هو الكفيل وحده للستمرار في التمتع‬
‫‪.‬بالخيرات الطبيعية عبر الزمان والمكان‬
‫ومن ثم ضمان البقاء والستمرار للجنس البشري بمختلف أجياله الحاضرة والمقبلة‪ ،‬ولن هذا المنهج أضحت في إطاره‬
‫المانة جزًءا من المؤتمن فهو القدر بذلك على تجاوز ما رسخته حضارة الصراع والسيطرة فيما بين النسان وبيئته‪ ،‬وما‬
‫‪.‬أفرزته من اضطراب وحيرة وخوف‬
‫ولهذا نرى أن السلم يحرص ويحث على حماية البيئة فحمايتها تعد اللسبيل القوم للحفاظ على النسان‪ ،‬والخطوة الولى‬
‫في هذا السياق تمثلت في دعوة السلم إلى عدم السراف ومن ثم استنزاف الموارد الطبيعية وتبديدها‪" :‬كلوا واشربوا من‬
‫رزق ال ول تعثوا في الرض مفسدين" )البقرة‪" ،(60 :‬ول تطيعوا أمر المسرفين* الذين يفسدون في الرض ول‬
‫يصلحون" )الشعراء‪ (152-151:‬وكذلك بقية العناصر الطبيعية من ماء وهواء اللذين أولهما السلم عناية كبرى‪ ،‬وسر‬
‫ذلك كونهما عنصرين أساسيين يتوقف عليهما وجود النسان والنبات والحيوان واستمرار حياتهم "وجعلنا من الماء كل‬
‫‪).‬شيء حي" )النبياء‪" (30 :‬وال أنزل من السماء ماًء فأحيا به الرض بعد موتها" )النحل‪65:‬‬
‫وإلى جانب القرآن الكريم فإن الرسول صلى ال عليه وسلم حث بدوره على حماية البيئة ومكوناتها‪ ،‬وليس أدل على ذلك من‬
‫وصاياه التي أوصى بها جيشه في غزوة مؤتة وهو يتأهب للرحيل‪" :‬ل تقتلن امرأة‪ ،‬ول صغيًرا رضيًعا‪ ،‬ول كبيًرا فانًيا‪ ،‬ول‬
‫ل‪ ،‬ول تقلعن شجًرا‪ ،‬ل تهدموا بيوًتا" )صحيح مسلم كتاب الجهاد( هذا في الحرب ومن باب أولى في السلم‪ ،‬حيث‬ ‫تحرقن نخ ً‬
‫تزخر السنة النبوية بالدعوات المتكررة للحفاظ على البيئة؛ ومن ثم الحد من أثر الظواهر الطبيعية مثل‪ :‬النجراف والتصحر‬
‫سا إل كان له صدقة" )صحيح‬ ‫والجفاف؛ وفي هذا الطار يقول الرسول الكريم صلى ال عليه وسلم "ما من مسلم يغرس غر ً‬
‫‪).‬مسلم كتاب المساقاة ج ‪ 3‬ص ‪1188‬‬
‫فآنئذ ل يملك المسلم إل أن ينخرط بصفة كلية ونشيطة في عملية الغراسة والتشجير‪ .‬ينبغي أن يكون ذلك منه بصفة متواصلة‬
‫إلى آخر رمق في حياته يعمل دائما بالحكمة القائلة‪" :‬غرسوا فأكلنا ونغرس فيأكلون" ول يغيب عن ذهن المسلم ذلك الحديث‬
‫سوُل‬‫ك َقاَل‪َ :‬قاَل َر ُ‬
‫ن َماِل ٍ‬
‫س ْب ِ‬
‫ن َأَن ِ‬
‫عْ‬‫ن َزْيٍد َ‬
‫شاِم ْب ِ‬
‫الشريف الذي دعا إلى الغراسة دائما …حتى ولو كانت الساعة تقوم؛ عن ِه َ‬
‫سَها " ‪...‬إنه منتهى المل وتواصل العمل بدون‬ ‫سيَلٌة َفْلَيْغِر ْ‬
‫حِدُكُم اْلِقَياَمُة َوِفى َيِدِه َف ِ‬
‫عَلى َأ َ‬
‫ت َ‬
‫ن َقاَم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ِ " :‬إ ْ‬ ‫ا ِّ‬
‫‪.‬كلل‬
‫ضا حديث رسول ال صلى ال عليه وسلم عن عبد ال بن عمرو أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مر بسعد وهو‬ ‫وورد أي ً‬
‫يتوضأ فقال‪" :‬ما هذا السرف؟" فقال‪" :‬أفي الوضوء إسراف؟" قال نعم وإن كنت على نهر جاٍر" )سنن ابن ماجه ج ‪ 1‬ص‬
‫‪147).‬‬
‫وانسجاًما مع هذه التوجه فقد سار أصحاب رسول ال صلى ال عليه وسلم وعلى رأسهم أبو بكر الصديق رضي ال عنه‬
‫ل ول تحرقوه ول تقطعوا شجرة مثمرة‪ ،‬ول تذبحوا شاة ول بعيًرا‬
‫على نفس الدرب حيث قال في هذا السياق‪" :‬ل تعقروا نخ ً‬
‫‪" http://www.islamonline.net/iol-arabic/dowalia/mafaheem-13aa.asp‬إل لمأكلة‬

You might also like