Professional Documents
Culture Documents
1
(النسخة المعدة للطبعة الثانية)
1427/06/04
[]1
شــــكــــر
[]2
3
أن من قضى بثقافة قضائية من دون ضمير فهو في النار،
ومن قضى بضمير من دون ثقافة قضائية فهو أيضا في النار.
[]3
4
هذا الحديث المرفوع وتفسيره الموقوف لتؤمن به الدولة العربية ،ولو آمنت به لقامت الحكم
الدستوري ،فأنشأت السلطة النيابية وعززت استقلل القضاء ،فصار سلطة مستقلة ،وفصلت بين
السلطات الثلث ،ودعمت المجتمع الهلي المدني،لكي يجد القضاء على استقلله دعما شعبيا ،فيمنع
الناس من ظلم الملوك.
هذا هو الشق الثاني من العقيدة السلمية ،السمو المدني الذي همشه الفقهاء وعلماء العقيدة،
ولو أعطوه واحدا في المئة من جهودهم في نفسير أحاديث وآيات الصفات ،أو بيان أحكام الطهارة من
النجاسة ،لما أصبحنا اليوم غثاءا كغثاء السيل:
حفظت شيئا وغابت عنك أشياء فقل لمن يدعي في الدين معرفة
لم لم يقّدر فقهنا الشائع شطر السلم المدني حق قدره،ولم يلحظوا أن تضييع القيم المدنية
كالمانة والحكم ،يفضي إلى ضياع الصلة،كما أشار الحديث الصحيح"أول ما تفقدون من دينكم الحكم،
وآخر ما تفقدون منه الصلة"
[]5
المقالة الثانية:
تعريف استقلل القضاء
أ-المفهوم والمصطلح:
يقصد باستقلل القضاء أن يكون محققا كل ما يضمن حقوق الناس ،من قواعد
المباديء العادلة ،في حقوق النسان والمتهم ،وما يلزم لتحقيق العدالة من إجراءات وآليات
وهياكل.
المقصود بالستقلل ،أن تكون هناك ضمانات لعدالة القوانين والقواعد القضائية،
وضمانات لنزاهة التطبيق.
أما وضع هذه ضمانات العدالة والنزاهة تحت مصطلح (الستقلل) ،ففيه إشارة إلى أن
أبرز مظاهر العدوان على عدالة القضاء وأخطرها ،هو تدخلت السلطين المستبدين
وأهواؤهم.
وعندما ينادى بالقضاء المستقل؛ فإن المعنى اليجابي الساسي هو استقلله عن
الحكومة ،فلكي يكون القضاء عادل ،لبد أن يكون مستقل الشخصية ،فل تستبد الحكومة ،في
5
تعيين قضاته ،فتعين من داهنها ،وترقّي من باع ضميره وحكم لها عند الخلف ،وتعزل من
عرفه الناس بالنصاف و بقوة الشخصية.
وأن يستقل القضاء في ميزانيته المالية وكوادره الدارية ،فيقدر ماليته بنفسه ،ول
تكون نفقاته شحيحة ،تقلل من فعاليته ،وأن تعاقب أي جهة من السلطة التنفيذية ،تحاول
مجرد محاولة أن تؤثر على قراراته ،وأن تكون للقضاة حريتهم في التجمع والنشر ،والتعبير
عن موقف القضاء تجاه أي قضية ،وأن يكون من حق القاضي رفض ونقض أي قانون أو
أمر يخالف العدالة ،مهما كانت منزلة مصدره.
وأن ل سجن سجين إل بحكم قضائي ،وأن يشرف على السجون فيخرج من السجن
كل متهم ل حكم عليه ،و أن يضمن القضاء مواصفات للسجون تليق بالكرامة النسانية ،وأن
تنفذ أحكامه في وقت قياسي ،وأن يكون قادرا على أن يلزم السلطة التنفيذية ،بتنفيذ كل حكم
يصدره ،وأن يضمن التنفيذ السريع ،كأن يقوم هو نفسه بالتنفيذ.
وبعبارة أخرى ركز على جعل استقلل القضاء عنوان العدالة ،لن أي قضاء ل يستقل
عن الدولة ،ل يضمن أن يكون عادلً .وهذه المعايير ضمنتها الدول الحديثة هذا المصطلح،
حتى صار مصطلحا عالميا عابرا القارات،كالديمقراطية وحقوق النسان وحقوق المتهم.
إذن يقصد باستقلل القضاء "أن ل يخضع القضاة في ممارساتهم لعملهم ،لسلطان أي
جهة أخرى وأن يكون عملهم خالصا لقرار الحق والعدل ،.....،ويقتضي ذلك الحيلولة دون
تدخل أي جهة مهما كانت طبيعتها ووظيفتها ،لتوجهه وجهة أخرى ،أو لتعرقل مسيرته ،أو
لتعرض عن أحكامه ،كما يقتضي أن يحاط القضاة بسياج من الضمانات ،يقيهم كل تجاوز أو
اعتداء من شأنه أن يخدش مبدأ العدالة ،التي لتنمو إل في حوض الستقلل (معالم استقلل
القضاء في الشريعة:عمار التهامي .مجلة البحوث الفقهية ربيع الول 1417هـ ص.):227:
وإذن فإن الدعوة إلى استقلل القضاء ،ل تعني أن يكون القضاة أسيادا على المة ،
بل خدما لها ،كما عبرت إحدى المحاكم الكندية " القضاة خادمون للشعب ،وليسوا أسيادا
عليه " .وهذا يعني أن استقلل القضاء ،ل يعنى أن تكون أيديهم مطلقة ،بل هو استقلل
6
تصحبه المسئولية ،ويصحبه مبدأ المحاسبة (استقلل القضاء في العالم العربي.ناثان
ج.براون وعادل عمر شريف. ) 15 :
ويتضح من ذالك أن مفهوم استقلل القضاء مفهوم محوري ،تدور حوله قيم وهياكل
في مداره ،وأنه ليعنى ما يفهم أول وهلة:أن يكون القاضي حر التصرف من دون ضوابط
والحكم على أي بلد بمدى استقلل قضائه يعتمد على درجتين:
الولى :إعلن نظريات الحقوق والجراءات العملية لتنفيذها ،نصوصا في الدستور ،أو
في نظام القضاء.
الدرجة الثانية :مدى تطبيقها.
بعبارة أخرى يقصد باستقلل القضاء مجموعة من المبادئ والنظريات ،والجراءات
والهياكل التي تعزز مستوى العدالة ،تتوزع في حقلين
الول( :المضمون) :وهو حفظ الحقوق الفردية والجماعية،كحقوق المواطنين
السياسية ،وقوامه عدالة القواعد القضائية ،ووضوحها وتحديدها وتوحيدها وشمولها.
الثاني :الهياكل والجراءات والتفريعات ،التي تضمن تنفيذ المضمون.
[]6
7
قضاء منظم ،بطريقة تضمن هذه الحقوق ،وإيصالها إلى أصحابها بقطع النظر عن أي
اعتبار وأي ضغوط ( .غازي الغرايري ،استقلل القضاء في تونس. )10:
والحكم على أي بلد بمدى استقلل قضائه يعتمد على درجتين:
الولى :إعلن نظريات الحقوق والجراءات العملية لتنفيذها ،نصوصا في الدستور ،أو
في نظام القضاء.
الدرجة الثانية :مدى تطبيقه.
ومن أجل ذلك لبد من أسلوب قياسي ،يحدد معاني هذه المصطلحات ( انظر :
جانسون )200 :مبني على علقة القضاء بالقتصاد والمجتمع والثقافة والتاريخ ،لبد من
منهج عملي يعتمد على أبحاث علم الجتماع ،لستقاء أدلة وأقيسة ،عبر دراسات مسحية
تجريبية تشمل. :
فحص سجلت الدعاوي من أجل فهم دوافع الخصوم .
جودة التسبيب القضائي .
معدلت التبرنة .
تنفيذ الحكام .
تحليل الميزانية .
دراسات مسحية .
استفتاء الرأي العام ( انظر جانسون . )201 :
ول مجرد تطبيق أنماط قضائية تصلح لمجتمع قديم بسيط ،على مجتمع حديث تعقدت
فيه المور ،لبد فيه أن "تحدث للناس -كما قال عمر بن عبد العزيز -أقضية ،بمقدار ما
أحدثوا من الفجور" .ليس الفجور فحسب ،بل كثرة المشكلت والتعقيدات ،التي اتسمت بها
المجتمعات الحديثة والقتصاد.
ل في مصلحة العدالة أم ل ،بل هي
إن المسألة ليست هل كان تدخل وزير العدل مث ً
أنه يجب سد جميع المنافذ التي تسمح باحتمالت تدخل وزير العدل ،حتى ولو كان تدخله أو
تدخل السلطة التنفيذية أصوب ،لنها أن أصابت مرة لم تصب المرة الخرى ،لن صوابها
8
ذاتي ،وليس منهجيا .وإذا كان القضاة يحتاجون إلى تدخل السلطة التنفيذية(ورعايتها) من
أجل تحقيق العدالة ، ،فإن ذلك خلل في القضاء ينبغي تحديده وعلجه:
هل الخلل في عدالة نظريات الحقوق؟ .
هل هو بسبب أن الموارد المالية في المحاكم ضعيفة؟.
هل سلب القضاء شخصيته المعنوية ،بحيث ل يستطيع أن يحقق العدالة.
هل إجراءات المحاكم وهياكلها سليمة .
وإذن ينبغي إصلح القضاء من الداخل ل من الخارج
[]7
ج-التعريف بالعناصر:
المعايير العشرون لستقلل القضاء:
لقد أصبح لستقلل في العصر الحديث معايير دولية ،يقاس بها القضاء في كل دولة،
وبحسب تطبيق هذه المعايير ،يحكم على القضاء في بلد ما بنجاحه الكبير أو القليل في تعزيز
استقلل القضاء ،وبحسب إخلله بهذه المعايير ،يحكم بفشل السلطة التنفيذية أو إخفاقها عن
تحقيق الستقلل.
وهذه المعايير منها ما يتصل بنظرية (الحقوق) أي العدالة ومنها ما يتصل بإجراءات
إحقاق الحقوق (أي النزاهة) ،ومنها ما يتصل بالهياكل المقامة ،وحيث إنه من الصعب إعطاء
تعريف محدد لستقلل القضاء لختلف الثقافات وأنظمة الحكم ،صار من المناسب إعداد
معايير عالمية تناسب جميع النظم السياسية والقضائية في العالم (شريف وبراون .)3 :
وقد صادقت المم المتحدة؛ على عدد من الوثائق ،في حقوق النسان ،وحقوق المتهم،
وحقوق اللجئين ،ومنع الجريمة ومعاملة المجرمين ،وعلى المبادئ الساسية لستقلل
القضاء ) سنة 1985م(هاشم مناع :المعان في حقوق النسان :ملحق المجلد الثاني) ،وهذه
المبادئ في الجملة-لبالجملة ،-من ما أقره السلم قبل أربعة عشر قرنا من تنادي المم
إليه ،ويمكن بلورة العناصر الساسية فيها ،في نيف وعشرين نقطة تجسد استقلل القضاء،
9
سنعرضها نقطة نقطة ،ثم نبين أن أغلبها من مقاصد الشريعة في القضاء أو من وسائل
المقاصد ،التي لتتم المقاصد من دونها.
[]8
المقالة الثالثة
القضاء في العالم العربي:
أ-ل ضمانة لعدالة القضاء ول نزاهته دون استقلله عن
الحكومة:
لم تترسخ أعراف استقلل القضاء ،في العالم العربي ،ولم تتحدد معاييره ،ل في
الثقافة القضائية ،ول في الثقافة الجتماعية.
و تظن كثير من الحكومات المستبدة ،ولسيما في العالم العربي ،أن استقلل القضاء
يعرض النظام السياسي إلى مخاطر أمنية ،وهو شعور مرتفع المؤشر في العالم العربي ،
ولذلك فإن العتبارات البوليسية ؛ كثيرا ما تعيق الحكومات العربية ،عن اللتزام ،تعزيز
باستقلل القضاء.
ولكن تجربة الدول الوروبية ،دلت على العكس ،أي أن استقلل القضاء يسهم
مساهمة فعالة في تحقيق الستقرار السياسي ،على المدى القصير والبعيد (استقلل القضاء
في العالم العربي :عادل عمر شريف وناثان ج.براون : 2 :بحوث مؤتمر العدالة الثاني.
القاهرة) .
العدل والشورى أساس الحكم ،وهذا الساس يقوم على عمودين اثنين:أولهما:وجود
مجلس نواب منتخب ،وثانيها والقضاء المستقل .هما أساسا العدل والشورى ،وإن الدولة
العربية أحوج من غيرها إلى تعزيز الساسين معا،استقلل القضاء،والسلطة النيابية ،لن
الدول التي لم تمارس الحكم الشوري كما قال عبد الرزاق السنهوري "في أمس الحاجة إلى
رقابة القضاء ،لن السلطة التنفيذية فيها أقوى السلطات ..والدواء الناجح ..إصلح السلطة
القضائية وتعزيز دورها ،فهي أقرب السلطات إلى الصلح ،أعضاؤها بطبيعتهم أشربوا
10
حب العدل ،واحترام القانون ..ولن ُيقّدر لمبدأ المشروعية قيام أو استمرار ،إذا لم يوجد
بجانبه قضاء قوي حر نزيه مستقل يدفع عنه العتداء ،ويمنع عنه الطغيان " ( انظر حمودة
الهيتار :استقلل القضاء في اليمن . )1 :
إن أكثر البلدان العربية تعلن مبادئ الحقوق ،ولكن أكثرها يحتاج إلى أن ينتقل من
مرحلة العلن إلى مرحلة بناء المؤسسات ( انظر الشريف وبراون . )17 :بأن تبدي
السلطة التنفيذية التزاما بمعاملة القضاء ،بصفته سلطة مساوية شريكة .بل أيضا إنه بعيد
عن الستيعاب النظري (استقلل القضاء في تونس غازي الغرايري )1 :
كثير من البلدان العربية ،ل تنطبق عليه المعايير الدولية ول السلمية لستقلل
القضاء ،والفجوة واسعة بين القانون المعلن في النصوص ،والواقع المطبق على الناس،
حتى في حالة إصدار أنظمة لستقلل القضاء ،لن النظمة لن تكون فعالة إل بشرطين:
الشرط الول توعية موظفي السلطة التنفيذية بما للناس من حقوق ،لكي لتغتالها.
الشرط الثاني :توعية الجمهور بحقوقه ،لكي يطالب بها ،و لكي ليتنازل عنها أيضا.
وأيضا لن يكون للنظم النظرية أثر يذكر مالم ترفق بتوعية العاملين في الجهاز
بإجراءات الستقلل ،وما لم يع الجمهور الجراءات الدستورية المقررة ،لنيل حقوقه .إذن
عندما يدعو الناس إلى استقلل القضاء ،فإن هنا يعني حماية المواطنين العزل أمام التنين
العربي ،الذي يتخذ من القضاء له سلحا.
[]9
12
السامية ،وعلى تحديد مواد القضاء وتوحيدها وتدوينها ،وإشاعتها بين الناس ،وعلى قيام
القضاء بالشراف على دور التوقيف و السجون.
واستقلل القضاء ليس بتقرير قواعده نظريا النظرية ،بل لبد من ضمانات إجرائية
لتنفيذ مبدأ الستقلل .وليس هذا فحسب بل ضمانات أخرى هيكلية ،لتطبيقه عمليا ،كي ل
يكون حبرا على ورق.
من دون ذلك لن يصلح حال القضاء ،وستظل السلطة القضائية مستقلة شكل ،لكنها في
واقع المر مكبلة بالقيود الظاهرة و الباطنة .وهذا ل يكون إل بتوافر ضمانات لتنفيذ مبدأ
الفصل بين السلطات الثلث ،قبل ضمانات مبدأ استقلل السلطة القضائية ،بذلك يكون
الستقلل التطبيق فعليا حقيقيا ول نظريا.
وعلى كل حال فإن استقلل القضاء ،ليس امتيازا للقضاة ،إنما معناه العمق أنه حق
من حقوق النسان(شحاته ،)7:عامة والمتهم خاصة .أي أن القضاء عندما يكون مستقل؛
فإنه أعظم حام لحقوق النسان العزل ،أمام قوة الدولة المدججة بالسلح.
[]10
13
وبذالك يبدو الترابط بين نظرية حقوق النسان ونظرية استقلل القضاء ،بصفتهما
جزأين في تركيب بنيوي ،فالقضاء هو ضامن حقوق النسان ،وإذا لم تكن حقوق النسان
مدونة معلومة ،ولم يكن الساس القانوني لكل مسألة قضائية محددا معلوما ،فحدث عن
الجور والظلم ول حرج.
الدولة العربية المعاصرة تعلن في أنظمتها ،استقلل القضاء ،ولكن هل يكون استقلل
القضاء مجرد إعلن في ديباجة مرسوم أو قرار؟ ،وهل يمكن أن ينهض مفهوم استقلل
القضاء ،دون ضمانات إجرائية ،تجسد استقلل القضاء ،تسد أبواب تدخلت الحكومة؟.
[]11
المقالة الرابعة
هل يصح وصف أي نظام حكم بأنه
إسلمي
إذا كان غير شوري
أ-أهم إخفاق في التراث العباسي كان في نظرية
الحقوق:
هناك فرق كبير بين أن نقول عن فرد إنه مسلم ،وبين أن نقول عن نظام حكم إنه
إسلمي .فالشخص المسلم هو من قام بشعائر السلم ،ول سيما أركان السلم الخمسة
وأركان اليمان الستة.
أما نظام الحكم السلمي،فهو الذي يطبق أركان الحكم السلمي العشرة أيضا،وأهمها
العدل والشورى والدعوة إلى الخير والمعروف والنهي عن المنكر ،والتعاون على البر
والتقوى وجهاد الطغيان الداخلي سلما وجهاد العدوان الخارجي حربا.
عندما ونقول عن أركان إسلم الحكم عشرة من باب التقريب ل الحصر ،لن تحديد
العدد ليس بمقصود-كما أن الرسول صلى ال عليه وسلم عندما قال أركان السلم خمسة-
14
إنما قصد التقريب ل الحصر .وعند تفصيل الركان؛ ل تستحق دولة أن توصف بالسلم إل
بما ليقل عن عشرة شروط من أهمها:
الول :أن المة المسلمة هي المخولة بتطبيق الشريعة ،لالمراء والفقهاء(كما نص
ابن تيمية).
الثاني :أن المة أدرى مصالحها ،وهي ولية أمر نفسها ،وتتعرف على مصالحها من
خلل من تقدمهم –هي -من عرفائها ،وأهل الرأي والخبرة فيها.
الثالث :أن للمة القوامة على حكامها.
الرابع :ليس الحاكم إل وكيل ،تعينه وتعزله بإرادتها.
الخامس:القاضي في محكمته-ليس وكيل عن الحاكم -بل وكيل عن المة.
السادس :أن يلتزم كل من الحاكم والقاضي بالعدل ،وتراقب المة تصرفاتهما.
السابع :أن ليصدر الحاكم في أي أمر من شئون المة ،ول سيما الشئون الكبرى ،إل
عن مشورة المة.
وهذه المور هي مضمون مصطلح :البيعة على كتاب ال وسنة رسوله صلى ال عليه
وسلم .ومن أجل ذلك نص الفقهاء كابن عطية؛على أن شرطي البيعة هما:العدل
والشورى.لمزيد من التدليل والتفصيا انظر للكاتب :العدل والحرية :جناحان حلق بهما
السلم :مبحث أصول العقيد :الفرق بين منظومة أركان إسلم الفراد الخمسة ،ومنظومة
أركان إسلم الدولة والمجتمع-أيضا -الخمسة).
وكل هذه الركان تقوم على محور الشورى ،فحبث تكون الشورى قطبا تدور حولها
الركان الخرى ،وبقدر ما يصيب محور الشورى من عطل ،تعاني الدوارات في مداره من
شتى العلل.
ولذلك عبر في اليات والحاديث عن اختلل شروط إسلمية القضاء والحكم بالكفر،
على أن كفر اللحاد غير مقصود في اليات والحاديث ،في مثل قول ال تعالى"ومن لم يحكم
بما أنزل ال فؤلئك هم الكافرون"،وقوله صلى ال عليه وسلم"ل ترجعوا بعدي كفار يضرب
بعضكم رقاب بعض" .ومن ذلك وصف الرشوة بالكفر‘ في ما رواه التابعي مسروق عن ابن
15
مسعود –موقوفا"-من رد عن مسلم مظلمة فأهدى له عليها ،قليلً أو كثيرا ،فهو السحت .
فقلت :يا أبا عبد الرحمن ،ما كنا نرى السحت إل الرشوة في الحكم ،قال :ذلك كفر".وقول
النبي صلى ال عليه وسلم"سباب المسلم فسوق ،وقتاله كفر"
وإنما المقصود-في مثل هذه النصوص -تشبيه الحرب الهلية والظلم والستبداد ،بكفر
اللحاد ،تنبيها على فداحتها وشناعتها ،ووجوب قيام الناس جميعا ،خفافا وثقال بالجهاد
السلمي لمحاربتها .ولعل عبارة نظام حكم كسروي أو قيصري ،أقرب للتعبير عن شناعة
المعاصي السياسية ،من دون إيحاء بكفر اللحاد .ولعل من مراعاة أفهام الناس أن لنركز
على هذا الوصف ،لن كثيرا من الناس يفهمون منه كفر اللحاد ،المخرج من الملة،
ويضعونه في مفهوم الجاهلية ،وهذا يجر الغافلين والجاهلين بالمعاني الثانوية للجاهلية
والكفر في القرآن والسنة ،الذين يتصورونهما كل ما وردا بمعنى الشرك الكبر،وكفر
اللحاد،موغلين في تكفير المسلمين واستحلل دماء البرياء.
من أجل ذلك عندما نتحدث عن مفهوم الحكم في السلم ،ينبغي أن نفرز بين صريح
التنزيل والتطبيق الراشدي وبين اختلل التأويل والتطبيق ،ففي عصور الحكم الجبري
والعضوض ،انحرف الناس عن هدي الشريعة ،ولكن من ماحافظ على بعض حقوق الناس في
ظلل الحكم الجبري والعضوض؛ أن التشريع لم يكن للسلطة التنفيذية ،بل كان للقرآن
والسنة ،فقد ظل الناس في نزاعاتهم العائلية والجتماعية والتجارية ،يحتكمون إلى الشرعة
المطهرة.
ومع أن السلطين وإن كانت لهم مخالفات صريحة ،في مجال القضاء ول سيما
السياسي ،لم يستطيعوا أن يشرعوا،في القانون المكتوب ،إل شيئا قليل ،ظل أيضا مثار
خلف ،كسلطة الحاكم المطلقة ،وكون إحياء الرض الموات ل يكون إل بإذنه ،فلم تصبح
بدعا راسخة ،على شكل قواعد قضائية(أسس قانونية)منسوبة إلى الشريعة ،بل نظر إليها
على أنها ممارسات جور.
16
مع كل ما حصل " ،لم يبلغ بهم [أي الحكام الجائرون] إلى ابتداع قواعد فضائية
مخالفة للشريعة" ( كامل .)22 :أي اعتبارها من ما أمرت به الشريعة ،ولكن جهود الفقهاء
والعلماء لم تستطع مقاومة سيل الظلم الجارف ،بل إنها لم تستطع الخلص من مناخه.
ولكن أهم إخفاق الفكر السلمي القديم في صياغته العباسية ،هو مجال الفقه
السياسي والقانون الدستوري ،فقد قرأ عديد من الكتاب من فقهاء ومفسرين ومؤرخين
وأدباء؛ القرآن الكريم والحديث الشريف ،وتاريخ الراشدين ،دون خلفية معرفية في علوم
الجتماع ،ولسيما علم الجتماع السياسي.
وتأثروا بمناخ الستبداد الكسروي العباسي ،الذي هو شر من تنين هوبز ،فأنشأوا فكرا
سياسيا ،يزاوج بين (الصحراوية) العربية ،و (الكسروية) الفارسية ،ولم يكن هذا خاصا
بالمسالمين ،ول بعلماء السلطين ،بل شمل أيضا المعارضين ،وهذا يدل على أنه خلل بنيوي
منهجي ،فقد رسخ الفقه السياسي القديم نظرية الستبداد الفردي كما ذكر زيد بن الوزير في
كتاب"الفردية" ،فلم ينج من براثنها؛ حتى محمد عبده والفغاني؛ اللذين أشادا بالمستبد العادل.
واختصرالجميع الصلح بصلح الحاكم والعالم وهمشوا دورالشعب وقدموا أساليب
توافقية للمشكلت ،فأعطوا الحكام سلطة مطلقة ،واعتبروا الشورى غير ملزمة ،وقد أشاعوا
أقوال تمجد الحكام ،كأقوال الفضيل بن عياض ،أو البربهاري ونحوهما،وثبتوا هذا النحراف
في كتب العقيدة ،فاصبح تصحيحه صعبا ،يعرض من قاربه إلى تهم الجهل والبدع.
[]12
ب-الغفلة عن أن الطار الدستوري إنماهو ضمانات
وهياكل للمفهوم الشوري للحكم
ولما نادى المنادون بالدستور في عهد استعمار بريطانيا مصر؛ كان مفهوم الدستور
تطبيق العلمانية ،بذلك نفهم كلمة حسن البنا في زمن المناداة بالدستور ،عندما أجاب :القرآن
دستورنا ،وهي كلمات حق خشي فيها الدعاة آنذاك الزمن ،أن الستعمار البريطاني يريد أن
يفرض على المسلمين دستورا يعتبر العلمانية عقيدة كما فعل أتاتورك في تركيا.
17
ولكن الكلمة ليست صحيحة إذا أطلق اللفظ عن مناسبة المقام ،لن الدستور ليبيح
شيئا ول يحرمه ،إنما الناس من خلله يطبقون شريعتهم ،الوربيين كانوا يفعلون هذه
المعاصي قبل الدستور ،وأنهم يفعلونها لنها هي العراف المستقرة في نظامهم الجتماعي،
فكانت لحملة هؤلء على الدستور،سبب خاص ،وغفل من بعدهم عن المقام.
ولكنه لم يكن يريد أن القرآن دستور(بالمعنى الحقيقي للدستور) فالدستور أساس نظام
الحكومة ،أيا كانت ،وعندما تصاغ كلمته بعيدا عن مناسبتها تكون :القرآن والسنة وتطبيقهما
النبوي والراشدي (أساس) دستورنا.
إن القواعد القطعية في كل تواريخ المم؛ هي أن العدل أساس الحكم ،وأنه ل أمن
مندون عدل ،وأنه ليمكن ضمان أي عدل من دون رسوخ النظام الشوري في المجتمع ،الذي
يؤكد سلطة المجتمع وسيادته على الحكومة،
من أجل ذلك فإنه ينبغي قبل أن ننادي بتطبيق الشريعة ،أو نقول السلم هو الحل ،أن
ندرك أن أمثال هذه النظريات ليست من السلم أول ،ولن تكون الحل ،بل ستكون المعضل،
إذ ليمكن بناء نظرية الستقلل على هذا التراث ،الذي أخل بمفهوم التعاقد
الجتماعي(البيعة) ،بين المجتمع والدولة.
إذ ل يمكن تحقيق عدالة قضائية؛ إل في ظلل نظرية للحقوق عادلة تقرر ما للناس
أفرادا وجماعات ومجتمعات ،من حقوق ثقافية واقتصادية وسياسية ومدنية ،قررها السلم
وطبقها المسلمون في العهد النبوي والراشدي قبل ألف عام من قيام الثورة الفرنسية.
و ل يمكن تحقيق عدالة قضائية؛ إل في ظلل نظرية تقرر أن دور الحاكم إنماهو اتخاذ
الجراءات المناسبة لحفظ هذه الحقوق التي قررتها الشريعة ،على أن ليحتكر وسائل تطبيق
الشريعة ،في أمور الناس العادية بوصفه وصيا ،وإنما بوصفه وكيل ونائبا عن الناس ،وأن
يكون تحديد مصالح الناس-في مالم يتقرر في الشريعة-إنما يكون بمشورتهم ،فهم عبر
ممثليهم أدرى بما يصلح أحوالهم.
ول يمكن حفظ حقوق الناس هذا فضل عن تحقق كون ولي المر وكيل إذا صار من
حقه إصدار اجتهاد في مسائل خلفية ،وتشريع أنظمة ،يلزم الناس بها ،لن تقرير مصالح
18
للناس؛ إنما يجب أن يكون في السلم من سلطة تمثل إرادة الناس،أي مجلس النواب( أهل
الرأي والحل والعقد) ،وهم الهيكل الذي تنطبق عليه مواصفات (أولي المر)-حسب تفسير
عدد من التابعين-الذين اعتبروا مناط إرادة المة ومرآة إجماعها ،وأهل الرأي فيها؛ هم
القادرون على استنباط الصواب ،فأولئك هم المفوضون بتقرير أمورها ،على القرآن
والسنة(كما في آيتي سورة النساء) ،ول يسمح موضوع المقال ،بالستطراد في هذا المجال .
فكيف يكون ولي المر وحده فحسب أدرى بمصلحة المة من فقهائها وخبرائها
وتكنوقراطها؟ .إنه إذا اعتبر وحده أدرى بالمصلحة ،فذالك يحتوى على مخالفة صريحة
لقطعيات الشريعة ،التي خاطبت المة مباشرة ،واشترطت في الحاكم أن يكون شوريا وقررت
أن الدرى هم أهل الرأي والخبرة ،كل حسب اختصاصه.
[]13
ج -تضخيم حقوق الئمة وتقزيم حقوق المة:
يجب أن نعترف ليس لدينا إدراك عميق لعلقة العدل بالشورى ،منذ بداية تدوين
الحديث ،أجل ذلك شاعت الحاديث الضعيفة والموضوعة التي تقدس الحاكم كحديث "السلطان
ظل ال في أرضه ،من أكرمه أكرمه ال ،ومن أهانه أهانه ال" وحديث":لتسبوا السلطان فإنه
فيء ال في أرضه" .وحديث"من أراد أن ينصح لذي سلطان؛ فل يبده علنية ،ولكن ليأخذ
بيده،فيخلوا به ،فإن قبل فذاك ،وإن ل كان قد أدى الذي عليه".
ثم جاءوا وأسقطوا مناسبات الحاديث الصحيحة ،وتحت قاعدة العبرة بعموم اللفظ
لبخصوص السبب ،عمموا الحاديث الصحيحةالمقيدة والمخصصة ،فأوقعوا الناس في
إشكالت التأويل ،كقوله صلى ال عليه وسلم"":أعطوهم –أي الحكام -مالهم وسلوا ال الذي
لكم"" ،وحديث ""أطع المير ولو ضرب ظهرك وسلب مالك" ،فهذان الحديثان خاصان بما إذا
أصدر القاضي العادل حكما في حق خاص ،وأراد المير تنفيذ قضاء القاضي ،وتعميم
ظاهرهما غير صحيح قطعا ،لنه يخالف قطعيات الشريعة التي أمرت بإقامة العدالة ،كقوله
تعالى" والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون" ،وقوله تعالى"إن ال يأمر بالعدل والحسان"،
وقوله صلى ال عليه وسلم"إنما الطاعة بالمعروف".
19
من أجل ذلك انتهكت مبادئ العدل والمساواة والكرامة والتعددية والحرية،عبر أروقة
المحاكم ،بإشاعة بعض التنظيرات وفي غالب التطبيقات وأكبر من ذلك ما رآه بعض الفقهاء
من أنه ليجوز إحياء الرض الموات ،إل بإذن المام ،مخالفين بذلك صريح الحديث"من أحيا
أرضا ميتة فهي له" ،والحديث صريح العموم وقد استغل أئمة الجور مثل هذه الراء في
السيطرة على القتصاد ،فوزعوا أراضي المة على المحاسيب والقارب والفاسدين
والمداهنين.
[]14
المقالة الخامسة
تصفية أنماط القضاء الثراثي
والحداثي في مصفاة صريح الشريعة
وصحيح علوم النسان والطبيعة
أ-العقبة الكئود:
تصطدم محاولت بناء الدولة العربية السلمية الحديثة ،ولسيما النظام
القضائي؛ بجذور الفكر القضائي ،المصوغ في العصور العباسية ،الذي استقر في متون
التراث وما بعدها ،لن مبدأ استقلل القضاء المرتبط حتما بمسئوليته؛ ل يمكن أن يتبلور
بصورة فعالة ،ما لم يكن مؤسسيا.
وتلك العقبة التي لن يقتحمها أي إصلح قضائي يستند إلى مرجعية إسلمية ،ما لم
يفرز صفاء المرجعية السلمية الصيلة ،التي هي نصوص القرآن والسنة الصريحة الدللة
والتطبيقات النبوية ،التي جسدت استقلل القضاء ومسئوليته وعدالته وحياده ونزاهته
وشفافيته ،عن ما شابها من بعض الراء و الليات والنماط التي تكرست في ظلل الحكم
الجبري الجائر و كأنها من مقاصد الشريعة أو من وسائلها المعتبرة وتنوقلت عبر الجيال،
وهي التي ل تتسق مع حقل الحكم الشوري الراشدي.
20
وتصفيتها أيضا من التطبيقات في الهياكل والجراءات ،التي تختلف حسب
الحتياجات،من ما احتوته المدونات التراثية الفقهية ،التي حرصت على تجسيد مبدأ
الستقلل ،كان المسلمون حريين بإسلم النموذج الراشدي ،بإقامة أعراف استقلل القضاء.
ولكن الثقافة الصحراوية والكسروية لم تساعد على بلورة هذا المبدأ وتفعيله ،فكرا وهياكل
وإجراءات .ولم تستطع-أيضا -أن تبلور في أساس القضاء المطبق نظرية حقوق الفراد
والجماعات والمة ،بصورة وافية التساق في تجسيد مبدأ العدل السلمي.
ول بد من تجديد بناء ثقافة حقوق النسان و المتهم أولً ،و تجديد بناء ضمانات
عدالة القضاء و نزاهته ثانيا ،لكي يكتشف المسلمون المغرمون بمعايير العدالة الغربية؛ أن
السلم أرسى أغلب المعايير التي اتخذتها الهيئات الدولية ،في مجال حقوق الفراد
والجماعة ،قبل أربعة عشر قرنا ،وإن أخل بها التراث الموي والعباسي.
وعلى أقل تقدير يمكن أن يقال :إن طبيعة الدولة الحديثة ووظائفها تعقدت وتكاثرت ،و
أن الحكام تتغير ،لتناسب الحوال المستجدة؛ لسيما و الحكام المشار إليها؛ إنما هي في
الجراءات و الهياكل و الضمانات ،وليست في جوهر نظرية الحقوق.
ولكي يصبح القضاء في أي بلد عربي أو إسلمي ،إسلميا مستقل ،ينبغي إعادة
التأسيس في فقه المقاصد على الكتاب والسنة نصا ،والحقل النبوي والراشدي تطبيقا ،ثم
إعادة بناء النظريات والفروع والليات والهياكل ،مع الستفادة من تجارب المم الخرى التي
أقامت ميزان العدالة ،وتمرست بفهوم الدولة الحديثة الشورية في فقه الوسائل.:
وأصل فقه المقاصد هو المدونات الفقهية الحقوقية والقضائية ،على أن يتم الفرز
الكافي بين مستويات الفقه السلمي الربعة:
أ-قطعيات الشريعة التي جاءت في صريح الكتاب والسنة)،التي يجب لها التسليم ،من
دون تعليل ول تفسير ،استجابة لقوله تعالى"وما كان لمؤمن ول مؤمنة؛ إذا قضى ال
ورسوله أمرا؛ أن يكون لهم الخيرة في أمرهم."....
ب-الجتهادات الفقهية الصحيحة التفريع المتسقة البناء على كليات الشريعة
ومقاصدها ،الصالحة لكل زمان ومكان ،من مادليله صريح ليحتمل التأويل ،وليس فيه خلف
21
معتبر ،ول سيما في عهد الخلفاء الراشدين ،من ما هو من ثوابت الشريعة ،ويعد معيارا
توزن به الشياء،كقول أبي بكر"القوي فيكم عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق ،والضعيف
فيكم عندي قوي حتى آخذله الحق" وكضمان علي بن أبي طاب التعددية المذهبية والمعارضة
السلمية للخوارج.
ج-الجتهادات الفقهية في مفهوم (العدالة) التي يظن أنها قواعد معيارية ،وهي أخطاء
ل تتسق مع كليات الشريعة ،أو لتتسق مع مقاصدها ،كنظريات قمع المخالفين في الرأي
وتفسيقهم ،وتسمية من ل يخالف نصا قطعي الدللة والورود مبتدعا أو من أهل البدع ،وقتل
الزنديق ،وتعذيب المتهم ،واشتراط إحياء الرض الموات؛ بإذن الدولة ،ول سيما الجائرة.
د-الجتهادات الفقهية ،في مفهوم النزاهة والكفاية (فكرا وإجراءات وهياكل) التي
تتناسب مع بعض المكنة والزمنة ،ول تصلح لكل زمان ومكان ،ككون القضاء في المسجد،
وكونه من دون أجرة ،وكنظرية التفويض ،وديوان المظالم ،ونظام الحسبة.
وفي فقه الوسائل لبد من الخذ بما صح بناؤه وصلح تركيبه على الوقائع المعاصرة،
من الفقه الجتهادي .من ما صح وصلح من المخزون المتراكم عبر الجيال من الفقه
السلمي ،الذي استفاد منه الغرب في حداثته القانونية ،بأخذ ما صح بناؤه وقياسه،كشروط
ضوابط كفاية القاضي،والتركيز على ورع القضاة ،وغيرها كثير جدا وهو الغالب .إن الفقه
طوال تلك العصور ،صار مخزونا كبيرا لنواع من الجتهادات القضائية ،يمكن أن يستفاد
منها اليوم بعد تنظيمها وترتيبها.
ولكن ينبغي نبذ مال ينسجم مع نصوص الشريعة وروحها ،من المعايير والقواعد
القضائية التي وجدت أزمنة النحدار والنحسار ،كنظرية جواز تعذيب المتهم ،وقبول إقرار
التعذيب ،وما ل يناسب عصرنا الحاضر من من الجراءات والهياكل،كصيغة ديوان (المظالم)
في الدولة العباسية.
وفي فقه الوسائل لبد من أخذ ما ينسجم مع الشريعة ،من النظريات والقواعد القضائية
والجراءات والهياكل ،التي أصبحت من المعايير الدولية ،وهي في الغالب من وسائل تحقيق
المقصود الشرعي ،كإجراءات استقلل القضاء وتوزيع سلطة الدولة على ثلثة محاور
22
والفصل بين السلطات الثلث ،وتحديد الساس القانوني(القاعدة القضائية) ونظريات الحقوق
التي تنسجم مع نظريات الشريعة السلمية .ونبذ الثقافة القانونية الجنبية التي ل تنسجم مع
السلم ،سواء في نظريات الحقوق ،أو هياكلها وإجراءاتها ،وهو القليل ،كتساهلها في
المور الخلقية كالزنا والشذوذ الجنسي والقمار ،وإباحة شرب الخمر ونظام المحلفين.
[]15
ب-تفكيك جذور الستبداد الكامنة في التراث العباسي:
ونحن اليوم بحاجة إلى الستفادة من التراث والتأسيس على مافيه من أفكار و قواعد
صلبة ،بفرز هذه الفكار والقواعد الصلية ،المبنية على الكتاب والسنة ،عن القواعد والفكار
الدخيلة ،التي لحقت بالفكر القضائي ،خلل رحلة مروره الطويلة ،بالزمنة والمكنة.
لكي يتسنى لنا أن نقدم السلم القضائي ،سابقا ما في الشرائع الدولية المعاصرة ،من
عدالة مبادئ ،طمست عبر الزمن ،بسبب توقف عدالة الجراءات أو ضعفها ،أو فكان ذلك
سببا لدخول القوانين غير السلمية إلى الدول السلمية ،ولكي ل نضع السلم خصيما
للقوانين العالمية العادلة مثل (قانون بلنتير لفصل السلطات) ول للمعاهدات التي أجمعت
عليها الشرائع الدولية ،كالمحكمة الجنائية الدولية ،و(معاهدة روما)وميثاق القضاء العالمي،
وميثاق حقوق النسان.
ولكي يتبين خطأ الذين يرفضون المعايير الدولية لستقلل القضاء ولحقوق النسان
عامة ،والمتهم والموقوف والسجين خاصة ،تحت شعار الخصوصية ،وأنهم يقدمون وجهات
نظر ،أقل ما نقول فيها أنها غير مسلم لها ،وأنها حسب عبارة ابن حجر في غير هذا السياق
من باب (تشريع ما ليس بشرع).
ولن تستطيع أي محاولة إسلمية لتأسيس مفهوم الدولة الحديثة أن تنجح ،ما لم تحقق
استقلل القضاء ،ولن يتحقق استقلل القضاء ما لم تتجاوز الدولة الخلل الدستوري ،تفكك
الجذور الفكرية التي تأسس عليها الستبداد ،وهي كامنة في جذور الفكر الفقهي والقضائي،
الذي صيغ في ظروف الختلل قبل ألف عام.
23
[]16
-6
أ-وهم شائع :الستقلل يقلل المسئولية؟:
مصطلح استقلل القضاء يتعرض لسوء الفهم ،لنه يحتوي على بعض الغموض ،إذ
يتوهم كثيرون من الذين لم يحيطوا علما بمفهومه؛ أن الستقلل يقلل من مسئولية القضاء ،
ويجعله طليقا من دون ضوابط العدالة ،عندما يكون القاضي حرا من أي سلطة مساءلة .وهذا
فهم خاطئ ،فالقاعدة الذهبية هي أنه كلما كان القضاء أكثر استقللً ،صار أكثر مسئولية.
نعم إذا كان استقلل القضاء من دون ضوابط أو بضوابط هشة؛ يمكن أن يكون على
حساب المسئولية( ،كما في إيطاليا) ،ولسيما إذا أدى إلى الخلل بضمانات الكفاية المهنية،
أو التساهل في التأديب ( انظر:إدوين ريكوش:استقلل القضاء في أوربا دليل ،)63 :أو كان
القضاء يحكم من دون قواعد محددة موحدة مدونة معلومة للجمهور(،كما في القضاء
السعودي) أو كان يحكم بنظرية للحقوق؛ تهمش ما للمجتمع أفرادا وجماعات؛ من حقوق
مدنية وثقافية واجتماعية وسياسية(كما في القضاء في الدول العربية المستبدة).
ليست العلقة بين مفهوم الستقلل والمسئولية ضدية ،بل ول جدلية ،ولكن العلقة
تكاملية بل تراتبية أحيانا ،وسيظل الجدل قائما بين (الستقلل ) و ( المسئولية ) ،من
المفترض أن يكون القضاء مستقلً عن السلطة النيابية ،وفي نفس الوقت أيضا مسئولً
أمامها وأمام الجمهور عن أحكامه أيضا.
الستقلل يعني تحرير القضاء من أي سيطرة سابقة على أحكامه ،أما المسئولية فهي
أن توجد آليات تستطيع الهيئة القضائية من خللها أن تظهر جهة مستقلة ،بأن تفسر أفعالها
بعد اتخاذها ،وبأن تكون أفعالها واضحة علنية ،لن زيادة الشفافية هي مفتاح الستقلل
والمسئولية معا (مجموعة من القانونيين:الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي
تعزز استقلل القضاء :دليل استقلل القضاء .)50 :
24
[]17
ب-متى يكون الستقلل مظنة التفريط ومتى يضمن
العدل:
يكون الستقلل خطيرا في حالت عديدة،عندما يتجرد مفهوم الستقلل من الشفافية،
أو المساءلة والتأديب ،وعندما تكون القاعدة القضائية(الساس القانوني) التي يطبق القضاة
الوقائع عليها غير محددة ،و عندما يضعف تأهيل القضاة للبت في القضايا التجارية
والقتصادية و السياسية والمالية والدولية المعقدة أو المهمة .إذ يؤدي استقللهم إلى ضعف
إحساسهم بالمسئولية واستبدادهم ،فيصبحون في دور أسياد المجتمع ،ويغفلون أن دور
القضاء في كل مكان هو خدمة العدالة ،أي خدمة الجمهور .
إن استقلل القضاء مفهوم منضبط بمعايير محددة ،وكل أمثال هذه السلبيات؛ مخلة
بمفهوم استقلل القضاء نفسه ،من أجل ذلك فإن أي ضعف في استقلل القضاء؛ يعرض
القضاء للتفكير بأسلوب السلطة التنفيذية ،بحيث يصدر أحكاما يتحرى فيها أن ل تكون
موضع مؤاخذة من السلطة ،أو موضع عدم تنفيذ (جنيفر روندر:استقلل القضاء في أفريقيا:
دليل . )55إن المسئولية تجاه المؤسسة القضائية ،قد تكون وسيلة للتدخل في الستقلل
الفردي ،ولذلك يجب تحديد المسئولية ،وأن تعرف مسئولية المؤسسة تجاه الجمهور
(انظر:لين هامر جرن:الستقلل والمسئولية:الدليل .)167 :
ويمكن التفرقة بين المسئولية والستقلل ،من خلل التوقيت .فالستقلل يعني قدرة
القاضي على الستقلل ،وعدم خضوعه للضغوط الخارجية قبل إصدار الحكم ،وتجرده للقيام
بالواجب القضائي .أما المسئولية فهي مسألة لحقة .
ومن عوامل النسجام بين عنصري الستقلل والمسئولية ،أن يفسر القضاء ويبرر كل
أعماله إدارية ووظيفية ،ويبرز النتائج التي توصل إليها " ،من أجل ثبات انطباق الوقائع على
الساس القانوني المطبق وذلك يعني التفاق قبل التطبيق على المعايير ،وذلك يشير إلى
أهمية تحديد القواعد القضائية المطبقة" (لين هامر جرن:الستقلل والمسئولية دليل .)162 :
25
وهكذا فإن المسئولية ،تضع حدودا نظرية لحرية القضاء ،ولكن هذه الحدود ،ل تهدد
الستقلل ،لن الستقلل غير الكافي يأخذ الهيئة القضائية ،بعيدا عن القرارات المنطبقة على
القانون ،والمسئولية تقتضي أن تقوم الهيئة القضائية ،بتبرير أفعالها ببيان أنها تنطبق على
القواعد القضائية.
[]18
ج-المسئولية والستقلل ،يتعاونان على ضمان العدالة:
وبهذا التنسيق فإن المسئولية تقوى من الستقلل ،والستقلل يقوى من المسئولية،
مهما كان التوتر الظاهري بينهما.
لن الحاجة إلى تسبيب الحكام؛ تحمل القضاء على التحرر من أن يقول " أجبرني
الرئيس على فعل ذلك " لنه مطالب بتبرير منطقي لحكامه.
لكن الستقلل ل يكفي إذا استشرى الفساد وصار هو المشكلة ،إذ يجب التعامل مع
ثلثة أبعاد :المسئولية والستقلل وفعالية القواعد القضائية( .لين هارمر .الستقلل
والمسئولية:دليل .)163 :
إن المسئولية ينظر إليها على أنها وسيلة لمواجهة الفساد داخل القضاء ،غير أن
العلقة أكثر تعقيدا ،إذا كان الفساد هو السبب الوحيد .
من مصادر الخلط ،استخدام مصطلح الشفافية ،وسيلة مهذبة للشارة إلى الموضوعات
المتعلقة بالفساد ،لن الشفافية تعد جزءا كبيرا من المسئولية ،لكنها عنصر واحد من عناصر
مواجهة الفساد (لين هامر جرن:الستقلل والمسئولية دليل.)163:
وعلى كل حال فإن السلطة القضائية مسئولة عن أفعالها ،كأي سلطة أخرى تنفيذية أو
نيابية (جنيفر وندر:استقلل القضاء في أفريقيا دليل )64 :فل سلطة من دون مسئولية ،ول
مسئولية من دون سلطة مستقلة ،فالمزيد من الستقلل يتطلب المزيد من المسئولية،
فالمسئولية تدعم الستقلل (لين هامر جرن:الستقلل والمسئولية دليل .)169 :إذن هناك
علقة حتمية بين المسئولية واستقلل القضاء (خالد القباني :استقلل القضاء في لبنان :
.)1
26
وفي المجتمعات الشورية يتوقع الجمهور أن يقوم المسئولون بتفسير منطقي لفعالهم ،
فلم تعد الجمهور تصدق كلمهم بناء على الثقة الشخصية ،ولم يعد يقبل التصرفات
الستبدادية من أي سلطة نيابية أو قضائية أو تنفيذية (لين هامر جرن:الستقلل والمسئولية
دليل.)164:
[]19
27
إذا لم يستقل القضاء فلن يكون محايدا ،بل سيصبح حتما رمزا للقهر والستبداد،
ويصبح دوره حماية ملك الراضي وبارونات المال الفاسدين ،ويصبح أداة من أدوات
إرهاب الدولة ،فيصبح للدولة إضافة إلى الرهاب البوليسي والعلمي؛ إرهاب قضائي أيضا
.
هذا هو دور القضاء في كثير من دول العالم المستبدة (استقلل القضاء في تونس
غازي الغرايري غازي .)1 :ورغم النص على استقلل القضاء في الدساتير؛ في كثير من
الدول العربية والسلمية؛ فإنه ل يلقى الحترام اللزم من السلطة التفيذية ول من النيابية (
انظر :استقلل القضاء في الردن :تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية في استقلل القضاء.
فاروق الكيلني. )2 :
من أجل ذلك صار المطالبة باستقلل القضاء ،مدرجا في جدول الصلح الوطني في
العالم كله ،كالمطالبة بإنشاء السلطة النيابية إنهما التوأم الذي لتصلح أمة بدونه :السلطة
النيابية واستقلل القضاء ،إنهما الوليد التوأم الذي يحبل به المجتمع الهلي المدني .من أجل
ذلك أصبحت المناداة به؛ أهم وأخطر المواضيع المطروحة في ساحة النقاش القانوني ،ومن
أجل ذلك تصبح ثقافة المجتمع الهلي المدني؛ أهم أسلحة الصلح وأساسها الفولذي.
[]20
ب -الستقلل الشخصي ل يكاد يجدي إل في حضن
استقلل مؤسسي
ومن أجل تحقيق العدالة؛ انتبه كثير من دعاة الصلح السياسي إلى ضماناتها ،فأدركوا
أن أهم ضماناتها هو التركيز على استقلل (نظام) القضاء ،ل على صلح (الشخاص)
وورعهم ..إذ ل ينحصر استقلل القضاء بكون القاضي ورعا عادل نزيها في شخصه.
من المناسب هنا التمييز بين مصطلحين :استقلل النظام القضائي ،واستقلل القاضي،
فاستقلل القاضي عنصر من عناصر استقلل القضاء،ومسألة خاصة ،واستقلل النظام مسألة
عامة"ولبد أن يتوافر هذان[أي استقلل القضاة واستقلل القضاء]؛ في كل قضاء إسلمي
28
ناحج "(عبد العزيز بن حسن آل الشيخ:لمحات من تاريخ القضاء .)141:وإن ل صار ادعاء
تطبيق الشريعة والحكم بما أنزل ال من دون برهان.
ينبغي أن يضمن استقلل القضاء ،استقلل القاضي ،كما نص المجلس الدستوري
اللبناني في قرار رقم 5وتاريخ 27/6/2000م " إن استقلل القضاء ل يستقيم إذا لم يتأمن
استقلل القاضي ،بتوفير الضمانات اللزمة التي تحقق هذا الستقلل ،ومن ضمنها حق
الدفاع الذي يتمتع بالقيمة الدستورية ،وعدم إقفال باب المراجعة أمامه ،عندما يتعرض
لتدابير تأديبية " (استقلل القضاء في لبنان:تنظيم واستقلل السلطة القضائية .خالد القباني
القباني . ) 21 :
حق المراجعة وحق الدفاع من الحقوق الدستورية .فالقاضي هو روح القانون ،
القانون إنما هو نص ميت ،ولكن القاضي المستقل هو الذي يبعث في النص الحياة .ولكن
لن ينجح استقلل القضاء؛ إل بأن يكون استقلله مؤسسيا ،أي أن ل يكون استقللً شخصيا
فحسب ،مبعثه ورع القاضي الشخصي ،فهذا الستقلل على أهميته ليكفي ،من دون استقلل
مؤسسي .فالقضاء المستقل مؤسسيا-وحده -يستطيع أن يردع المجرمين والمعتدين ،بل
يستطيع أن يردع أي قاض يحاول الفساد.
[]21
ج-بمدى استقلل القضاء تقاس عدالة النظم السياسية
والجتماعية والقتصادية:
استقلل القضاء :هو أهم المقاييس اليوم ،لمدى تحرر النظم السياسية والقضائية من
( الهوى ) ( انظر استقلل القضاء في تونس غازي الغرايري :غازي العرايري ) 1 :هو
قلب القضاء السليم ،وهو الساس لكل مجتمع شوري ،يعتمد على سيادة القانون العادل.
عندما سئل (رينيه كاسان) عن السمة الرئيسية للنظم الشورية في بلد ما أجاب" :إنها
استقلل القضاء".
يشير استقلل القضاء إلى قدرة القضاة على إصدار الحكام في النزاعات والجنايات
بنزاهة ،بغض النظر عن ما يفضلونه (أي أهوائهم) ،سواء كان الهوى حقيقيا أم محتملً.
29
استقلل القضاء يضمن حماية الفراد والجماعات ،من تعسف الدولة ،وأهم ما يثبت
الستقلل هو وقوف القضاة في سبيل حماية حقوق الفراد والجماعات ،في وجه المعارضة
القوية (حكومية أو أهلية) (ميراجو راري:استقلل القضاء في الوليات المتحدة المريكية:
دليل تعزيز القضاء .)143:
إن القضاء المستقل القادر على مواكبة التغير ،يمثل دار أمان ،إنه يدعم الثقة بالدولة
ومؤسساتها ،وخصوصا على مستوى القتصاد والستثمار ،ويمثل قاعدة صلبة لستقرار
النظام السياسي والنظام الجتماعي والقتصادي ،فالمن القضائي صمام المان الساسي
لي دولة ( القباني .) 2 :
إن الحضارات التي عرفها النسان في هذا الكون ،ما علت مبانيها الشامخة إل على
أساس العدل ،و ما بادت إل لما انهار الساس :العدالة ،التي أثبتت دوما قدسيتها ( جادي
عبدالكريم ،استقلل القضاء في الجزائر .) 1 :
العدل اعتبرته المم أساس الملك ،وأساس الستقرار ،وأساس التنمية وأساس
الحضارة ( أحمد السراج .استقلل القضاء في المملكة المغربية .) 2 :وهذا هو سبب قوة
الدول الوربية ،الذي لمح إليه الحديث الشريف"ل تقوم الساعة؛ إل والروم أكثر أهل
الرض" ،حسب تفسير الصحابي عمرو بن العاص ،عندما قال :أما إنهم أسرع الناس إفاقة
بعد كبوة .وأحنى الناس على الضعيف والمسكين وأمنع الناس من ظلم الملوك ،ولم يحصل
للروم مثل هذا الستقرار رغم أنهم غير مسلمين ،إل لنهم عرفوا ما شروط إقامة الخلفة
النسانية وشروط عمارة الرض.
العدل هو الميزان الذي وضعه ال للخلق ،ونصبه لسيادة الحق ،فهو أساس عمران
البلد ،ولذلك قيل:العدل أساس الملك ،فهو سرحياة المم وعزتها ،كما قال الشاعر:
العدل روح به تحيا البلد كما
هلكها دائما بالظلم مقرون
والقضاء هيكل ،ل يعمر إل إذا سكنته روح العدالة ،التي اعتبرتها المم أساس الملك،
وأساس الستقرار ،وأساس التنمية وأساس الحضارة
30
وسيادة القضاء على الفراد والجماعات والدولة هو الشطر الثاني من أساسي
العدل(الشطر الول :السلطة النيابية) ،أي (كما قرر الدستور المصري) تخضع الدولة للقانون،
ول يمكن أن تخضع الدولة للقانون ،إل بـ " استقلل القضاء وحصانته ،لحماية الحقوق
والحريات " ( محمد كامل عبيد :حق المواطن العربي في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي . )2 :
فهو يحمي الحريات ويصون الممتلكات ،ويقي من التعدي على حقوق الفراد
والجماعات ،وهو ملجأ كل مظلوم ،وملذ كل طالب حق( ،أحمد السراج:استقلل القضاء في
المملكة المغربية.) 2 :
[]22
31
العربي .ناثان ج .براون وعادل عمر شريف ، ) 2 :فتواجده وسيلة فعالة عملية ،لمحاربة
الفقر والتفقير ،عبر تعزيز العدالة القتصادية والجتماعية .
إن المفهوم الحقيقي للتنمية هو أن أساسها تنمية النسان ،مهما كانت جوانبها
القتصادية والجتماعية والسياسية والثقافية ،ومؤداها تحسين قدرات الناس وخياراتهم
وآفاقهم ،كي يمارسوا حقوقهم الساسية ،ول يمكن إذن وجود تنمية صحيحة من دون
قضاء مستقل ،يحافظ على حقوق الناس ،ويرفع عنهم المظالم ،ويضمن حرياتهم .
و من دون استقلل القضاء؛ يصعب استمرار الصلح القتصادي والسياسي ،إذ ل
يمكن تجنب الساءة إلى حقوق النسان ،ولسيما حقوق الفقراء والقليات والمهمشين
والمحرومين والضعاف .ول يمكن مكافحة التطرف والعنف أيضا ( .استقلل القضاء من
منظور عالمي.كيث هندرسون هندرسون . )8:
ول يمكن حماية حقوق الملكية وتسوية النزاعات ،ولسيما إذا كانت الدولة طرفا فيها .
[]24
ج-ل ضمان لشروط إسلم الدولة؛ كالعدل والكرامة
والتعددية والمساواة دون قضاء مستقل:
تعتمـد حما ية حقوق النسـان فـي جزء منهـا ،على وجود سلطة قضائ ية قو ية عادلة
مستقلة .ولذلك من الطبيعي اعتبار استقلل القضاء حقا من حقوق النسان ،فالقضاة ينبغي
أن يتمتعوا باستقللهم ،ليس من أجل أنفسهم ،وإنما من أجل المجتمع الذي يخدمونه أو ًل .
وثانيا :القضاة أيضا جزء من آلية تضع العاملين في الدولة موضع المسئولية
والمحاسبة ،وهذا يجعل وظيفتهم التمسك بالنضباط العام ،وتصحيح تصرفات السلطات .
ومن المستحيل تحقيق هاتين المهمتين دون استقلل حقيقي للقضاء ( عادل عمر
الشريف وناثان .ج :براون استقلل القضاء في العالم العربي . ) 2 :
فهو يحمي المواطنين من أن تعصف أهواء السلطة التنفيذية بحقوقهم وحرياتهم
السامية ،وليس هناك أقدر من القضاء المستقل؛ على تبصير الحكام بأخطائهم ،وردهم إلى
جادة المشروعية .
32
وفي أوقات الكفاح تكون أخطاؤهم فادحة ،وفي أوقات الهزيمة تكون مرة ،وإذا كانت
الهزيمة عارا ،فإن الغفلة عن تبصير الحكام بأخطائهم أشد خزيا .
وليس هناك حارس لحقوق المواطنين وحرياتهم ،ضد طغيان السلطة التنفيذية ومراكز
القوى أقوى من القضاء.
وليس هناك ما هو أقوى من سلح القضاء ،في الحد من ثقافة الفساد و السمسرة
والرشوة .والعبث بالمال العام ومصالح المة.
وأخيرا فليس هناك ما هو أقوى من سلطة القضاء في حراسة الدستور ومبادئه ،التي
يطؤها الحكام المستبدون بأخفافهم كل يوم .ولذلك صار استقلل القضاء مقياسا عالميا ،
يقاس به مدى ثقة الشعوب بحكامها ،ومدى الحفاظ على حقوق الناس وحرياتهم ،بل من
أجل ذلك صار تعزيز استقلل القضاء علمة على تعزيز مبادئ حقوق النسان ،لن القضاء
الحر المستقل؛ هو الملذ الخير لحفظ حقوق النسان ،وإنصاف من انتهكت حقوقه ،برفع
الغبن ،ومحاسبة المسئولين عن خرق العدالة ،وتعويض الضحايا ،ومعالجة الخلل.
من دون استقلل القضاء؛ ل يمكن أن يكون المجتمع شوريا ،ول يمكن حماية حريات
الناس شخصية وسياسية ومدنية وثقافية ،كحرية الكلم والجتماع.
[]25
د-وللستقلل مسطرة يقاس بها
إن من السهل على الناس ،النشغال بالتعريفات والعبارات الرنانة ،مثل قضاء
مستقل ،سيادة القانون ،دولة المؤسسات وتطبيق الشريعة (انظر :إطار برنامج استقلل
القضاء:أريك جانسون جانسون )200:ولكن ليس للعلن المبادئ جدوى؛ ما لم ينتصب
جهاز هيكلي قضاء منظم ،بطريقة تضمن هذه الحقوق ،وتضمن إيصالها إلى أصحابها،
بقطع النظر عن أي اعتبار وأي ضغوط( .غازي الغرايري ،استقلل القضاء في تونس.)10:
ومن أجل ذلك لبد من أسلوب قياسي ،يحدد معاني هذه المصطلحات (انظر:جانسون :
)200مبني على علقة القضاء بالقتصاد والمجتمع والثقافة والتاريخ ،لبد من مسطرة
33
تعتمد على أبحاث علم الجتماع ،لستقاء أدلة وأقيسة ،عبر دراسات مسحية تجريبية تشمل:
.
-1فحص سجلت الدعاوي من أجل فهم دوافع الخصوم .
-2جودة التسبيب القضائي .
-3معدلت التبرنة .
-4تنفيذ الحكام .
-5تحليل الميزانية .
-6دراسات مسحية .
-7استفتاء الرأي العام ( انظر جانسون . )201 :
ول يكون ذلك بمجرد تطبيق أنماط قضائية تصلح لمجتمع قديم بسيط ،على مجتمع
حديث تعقدت فيه المور ،إذ لبد أن "تحدث للناس -كما قال عمر بن عبد العزيز -أقضية،
بمقدار ما أحدثوا من الفجور" .ليس الفجور فحسب ،بل كثرة المشكلت والتعقيدات ،التي
اتسمت بها المجتمعات الحديثة والقتصاد.
عندما يتدخل وزير العدل مثلً ،ما المشكلة؟ ليست المشكلة هل كان تدخله في
مصلحة العدالة أم ل ،بل المشكلة أنه تدخل .يجب أن ل يتدخل أصل؛ يجب سد جميع
المنافذ التي تسمح باحتمالت التدخل ،حتى ولو كان تدخل السلطة التنفيذية أصوب ،يجب أن
ل تحتاج القانون إلى تدخله،لنها أن أصابت مرة لم تصب المرة الخرى ،لن صوابها
ذاتي ،وليس منهجيا .وإذا كان القضاة ل يحققون العدالة ،ويحتاجون إلى تدخل السلطة
التنفيذية ،فإن ذلك خلل في القضاء ينبغي تحديده وعلجه:
-1هل هو في عدالة نظريات الحقوق ،أي أن القضاء نزيه ولكنه يطبق قواعد
غير عادلة.
-2هل الموارد المالية في المحاكم ضعيفة؟.
-3هل سلبت شخصية القضاء المعنوية ،بحيث ل يستطيع تحقيق العدالة.
-4هل إجراءات المحاكم وهياكلها سليمة .
34
[]26
35
-2لكل فرد الحق في حرية الفكر والضمير ،ولكل فرد الحق في حرية التعبير حرية
البحث عن المعلومات والفكار ،ونقلها مشافهة وكتابة وطباعة ،في قالب فني أو غيره ،ل
يحد من هذه الحريات إل ما حدده النظام من الجراءات التي تستوجبها السلمة العامة أو
النظام العام أو الصحة العامة ،أو الخلق العامة ،أو حقوق الخرين وحرياتهم الساسية .
-3وضع برامج تعلم الناس بحقوقهم وواجباتهم.
-4لكل فرد مقيم ضمن دولة أن يختار مكان أقامته ،وله حرية النتقال والتجول.
-5ل يجوز حرمان أحد بشكل تعسفي من حق الدخول إلى بلده .
-6جميع الناس متساوون أمام القضاء والقانون ،ول يجوز التمييز بسبب الجنس أو
الصل أو المنشأ أو المذهب أو المنزلة الجتماعية أو الوظيفية.
-7لكل الباء حرية في تعليم أبنائهم وفق معتقداتهم الخاصة.
-8منع كل دعاية من أجل الحرب أو الكراهية الدينية القومية أو العنصرية ،أو التمييز
أو العنف .
-9حق الجميع في المشاركة في الحياة العامة ،وفي الجتماع و التجمع السلمي،
وتشكيل النقابات والنضمام إليها ،والتعبير عن رأيهم السياسي ،عبر الكلمة والتجمع
السلمي ،إضرابا واعتصاما وتظاهرا.
-10ضمان حقوق القليات دينية أو عنصرية أو لغوية ،ول يجوز منعها من الشتراك
مع الخرين في التمتع بثقافتها أو ديانتها أو لغتها.
-11لكل مواطن ذكرا أو أنثى التمنع في المساواة بكافة الحقوق ،التي يكتسبها-ذاتيا-
بكونه مواطنا ،حقوقا ثقافية واجتماعية واقتصادية ومدنية وسياسية.
-12حق النسان في توفير عمل ،وإن لم يتوافر كفالة العاطل حتى يتوافر له عمل
مناسب.
-13حق النسان في توفير سكن مناسب.
-14حقه في الرعاية الصحية.
-15إخضاع الذين يخلون بحقوق النسان للمحاسبة.
36
-16حق العاجزين عن العمل ،في دخل مناسب يفي باحتياجهم ،في حالت الشيخوخة
والمرض والترمل واليتم.
-17حق الناس في إنشاء مؤسسات تعليمية وصحية،كالمدارس والجامعات
والمستشفيات ،بإشراف الدولة.
-18حق الناس في إنشاء هيئات ثقافية وإعلمية ،كالصحف والقنوات العلمية،
بصفتها سلطة أهلية ،يمارسها المجتمع الهلي ،بحرية واستقلل ،من أجل خدمة المة .ول
يجوز إنذار هذه الهيئات إل بأمر قضائي ،فضل عن تخويفها إداريا.
-19حظر أي نوع من أنواع الرقابة ،على المواطنين أفرادا أو جماعات .أو على
مقتنياتهم ومراسلتهم واجتماعاتهم إل بناء على أوامر قضائية.
-20يجب أن يكون التعيين في الوظائف العامة ،على أساس الكفاية.
-21تلتزم الدولة بالخدمات التعليمية الساسية (ومزيد من التفصيل والتأصيل؛ في
كتابي حقوق النسان في السلم بين الحكم الشوري والجبري).
[]27
ب-أهم إخفاق في التراث العباسي كان في نظرية
الحقوق:
عندما يتحدث عديد من علماء الشريعة وفقنا ال وإياهم ،عن تطبيق الشريعة؛ يغفلون
تطبيق الشريعة سياسيا و إداريا ،فيتبادر إلى أذهانهم أن تطبيق الشريعة ،مركز على عقوبات
الفراد الزاجرة عن المنكرات ،وتتبادر إلى أذهانهم الجنايات الفردية وعقوباتها ،بإقامة
الحدود على أفراد المجتمع عبر القضاء .ول يكادون يطبقونها على السلطان ،ومراكز القوى
في الدولة ،ويهملون أو يشتركون في مصادرة الدولة ،حقوق المواطنين ،ولسيما العدل
والحرية ول سيما الساسية ،التي هي أم الحقوق ،فيقطعون أوصال المفهوم الكلي الشامل
المؤسسي،ويقدمون ذلك باسم تطبيق الشريعة.
سرى الداء في عيون القضاء السلمي على مر العصور ،فاحول وعشي ،ثم
فأصبح أعور ،وصار تطبيق الشريعة يسمح بالمتناقضات ،أي أن تعالج النتائج وتترك
37
البواعث ،فيقام الحد على أهل الفواحش ،ويتغاضى عن فاتحي أبوابها ،ويقام الحد على من
يسرق الطعام ،ويتغاضى عن أسباب انتشار الفقر ،كالحتكار وتبديد أموال المة وسوء
الدارة،التي هو من أسباب غلء المعيشة ،وانتشار البطالة والفقر.
ويحدق القاضي عينيه باحثا عن من يسرق بعض النقود من الخزينة في ستر الظلم،
ويتغاضى عن من يسرقون مال المة العام في وضح النهار ،ويقام الحد على من يشرب
الخمر والمخدرات ،ويتغاضى عن دوافع الهروب إلى المسكرات ،كالتوتر والقلق والكبت
السياسي والثقافي والجتماعي.
ويقام حد الحرابة على من يقتل الفرد ،ويترك (المراء) الذين يقتلون اللوف ،قتل
معنويا هادئا،عبر مضاعفات مرض الخضوع ،أو في حروب الهواء ،ويقام الحد على قاتلى
الجساد ،ويترك قتلة الفضيلة والحرية السامية ،الذين يحولون الحرار إلى عبيد ،من الذين
طغوا في البلد ،فأكثروا فيها الفساد.
لماذا كل هذه المفارقات؟ لن في مسألة الستبداد عند هؤلء الفقهاء ثلثة أقوال:
جوازه وحرمته ،واستحبابه (نظرية المستبد العادل) ،وما دام السلطان ظل ال في أرضه كما
زعم الكذابون ،فالخذ بالستحباب أولى ،ونتيجة هذا الصراط المعوج هي قول الشاعر:
جريمة ل تغتفر قتل امرئ في غابة
مسألة فيها نظر وقتل شعب آمن
وبذلك أصبح تطبيق الشريعة ،مقصورا على الجنايات الفردية وعقوباتها ،وهذا مخالف
لماعرف في سنن ال المكتوبة من صريح التنزيل ،وسننه المشاهدة في المجتمعات ،من
أسس سلمة المجتمعات ،ومن تصور أن حقائق الشريعة؛ تخالف ما فطر ال عليه البشر من
طبيعة ،فقد جهل إحدى الحقيقتين.
[]28
ج-تشريع القمع الديني والسياسي:
38
إن في تراثنا القضائي العباسي الصحراوي آراء وأفكار ،مخالفة أحكام الشريعة ،وهي
عدوان صارخ على حقوق النسان ،التي كفلتها الشريعة .من أهمها تقنين القمع الجتماعي
والسياسي،عبر قانون ديني.
و آراء وأفكار ،تخالف أحكام الشريعة فتنتهك العدالة الجتماعية؛ حينما تجعل امتلك
الرض للسكنى أو الزراعة؛ بيد ولي أمر جائر ،ذي سلطة مطلقة،فتمنع إحياء الرض الموات
إل بإذنه.
و آراء وأفكار ،تخالف أحكام الشريعة ،كتقرير قاعدة قمع أهل البدع ،وقتل دعاتهم ،بل
واعتبار معارضي السلطان خوارج مبتدعين يجب قمعهم وقتلهم ،مخالفة سنن الخلفاء
الراشدين ،ولسيما علي بن أبي طالب مع الخوارج..
وكتقرير جواز قتل الزنديق وقمعه ،من دون ملحظة أن المقصود بالقتل ،إنماهم دعاة
الكفر والفجور،أهل الشوكة ،الذين يفارقون الجماعة ،وأن قتل الزنديق مخالف الثابت من
تطبيق المصطفى عليه السلم على المنافقين.
وفوق هذا وذاك ذاك أجازت قتل الزنديق التائب أيضا ،وكأنهم لم يقرأوا صريح التنزيل
قول ال تبارك وتعالى"ياعبادي الذين أسرفوا على أنفسهم! لتقنطوا إن ال يغفر الذنوب
جميعا ،إنه هو الغفور الرحيم".
وهي و آراء وأفكار ،تخالف أحكام الشريعة فتخل بنظرية حرية التعبير والتجمع
والنشر ،فتعتبر نقد السلطة التنفيذية فتنة لتحمد عقباها ،وترى أن نقد المام ومعارضته
الرأي خروجا ،وتقول:الخروج على المام بالكلم ،كالخروج عليه بالحسام ،إنه العدام إذن.
أما التجمع والعتصام والمظاهرات والضراب ،فحدث عن قوانين الحجاج ودراكون ول
حرج.
وإذا أمعنا النظر في مثل هذه الفكار ،وجدنا أنها تشرع الظلم وانتهاك الحقوق التي
قررها السلم ،وبذلك قد تصبح لفتة تطبيق الشريعة؛نوعا من أنواع الرهاب والقمع
القضائي ،ويصبح القضاء سلحا من أسلحة الرهاب الرسمي.
39
ضاقت النظرات المشوشة ،التي كرسها المقلدون وفقهاء السلطين ولم ينج من
تأثيراتها بعض المحققين كابن القيم ،لنها صارت شبه مسلمات توارثها التيار السائد ،أكثر
الفقهاء وعلماء العقيدة العباسيون(ولنركز على المويين ،لن الفقهاء المويين لم يرسخوا
تلك المنظومة ،إنما فعل ذلك العباسيون) بالحرية التي وسعها ال على عباده ،ول سيما حرية
الرأي والتعبير ،فما اعتبره الخليفة الراشدي-كعلي بن أبي طالب -حقا سياسيا
للجماعات(كالخوارج)؛ عدوه فتنة ،فقال أحد ساجعي السلطان":الخروج على المام بالكلم،
كالخروج عليه بالحسام" ،وعدوا بعض الفرق من أهل القبلة كفارا ،فكثر الغلو في التكفير
والتبديع ،وياليتهم أجروا عليهم أحكام الكفار أهل الذمة.
و كان لبد أن يترجم الفقه الجتماعي ،إلى قانون قضائي يجرم حرية الكلمة والتعبير،
والتجمع والتعددية الثقافية والجتماعية ،فصار القضاة وهم ل يشعرون،أسلحة قمع لحقوق
النسان ،قمعا سياسيا واجتماعيا وفكريا وتمييزا طائفيا ،تحت لفتة تطبيق الشريعة.
[]29
د -هضم حقوق المرأة:
شاعت آراء قمع وتمييز ضد المرأة كثيرة ،تنال من حقوق المرأة التي كفلتها
الشريعة ،وقد أغرم عديد من القضاة بالقوال الضعيفة ،التي تجاري الثقافة السائدة التي
تظلم الفئات الضعيفة ،وأظهر نموذج لذلك عضل المرأة عن الزواج من الكفي المناسبن ثم
الضرار بها عند الزواج ،بمنعها من مالم تشترنفسها من الزوج.
حين تلزم المرأة-بكرا أو ثيبا ذات أولد -بأن تفتدي نفسها باكثر من المهر ،من
ظالم حولها من بكر إلى ثيب ذات أولد ،وهم يأخذون ما أثر عن عثمان رضي ال عنه،
تاركين حديث الحديقة الذي نص في بعض رواياته على رفض الزيادة ،عندما قال الرسول
صلى ال عليه وسلم"أما الزيادة فل"(انظر نيل الوطار :الشوكاني ،)6/265:ول يسلم لهم
القياس في البيئات ،التي إذا طلقت فيها البكر بعد أن صارت ثيبا ،فكأنماازداد عمرها عشر
سنين ،فهو قياس مع الفارق ،وكل قياس مع الفارق فهو باطل ،ول يتسع المقام ول يتسع
40
المقام هنا لبسط مافصلته في كتاب (حقوق النسان في السلم) ،من إخلل العلماء
والحكام بحقوق النسان.
[]30
42
-16عند القبض على المتهم؛ يجب أن تسلم الجهة البوليسية القابضة ،أحد أقارب
المتهم كتابيا ،مايثبت أنها قبضت على المتهم ،منعا لحالت الختفاء القسري ،وغياب
المسئولية.
-17الفراج سواء أكان بحكم محكمة أم من دونه ،يسقط العقوبة ،ل يجوز محاكمة
أحد أو معاقبته مرة ثانية ،عن جريمة سبق أن نال حكما نهائيا عنها ،أو أفرج عنه.
-18إخضاع الذين يخلون بحقوق المتهم للمحاسبة.
[]31
ب -أهم إخلل فقهي قضائي بحقوق المتهم:
تجويز التعذيب::
عندما نتحدث عن حقوق المتهم في السلم ،ينبغي أن نفرقّ بين صريح التنزيل
والتطبيق النبوي والراشدي القويم؛ وبين اختلل نظرية الحقوق ،في عصور الحكم الجبري
العضوض ،الذي انحرف فيه الناس عن هدي الشريعة ،ينبغي تنقية التراث القضائي من هذه
النحرافات ،التي فجرت إلى التفريط بحقوق المتهم خاصة والنسان عامة ،عندما امتطى
بعض الفقهاء مطية (المصالح المرسلة) الذلول ،وهي قاعدة رجراجة ،توسع فيها بعض
المالكية ،وأسيء تطبقها كثيرا ،فأدت إلى ما وصفه ابن حجر في غير هذا السياق بـ"تشريع
ما ليس بشرع" ،بررت بعض النظريات المجانبة العدالة.
إنه منتهى الغرابة ،أن نجد عديدا من فقهاء العصر العباسي؛ يخلون بما طبق النبي
والخلفاء الراشدون ،من حقوق للمتهم كثيرة.
وقد تأسست نظرية تعذيب المتهم في الفقه العباسي ،وقال بها عديد من الفقهاء ،على
مالهم من فضل وإخلص ،لنها من الخطاء التي عمت بها البلوى ،فأباح بعضهم ولسيما
المتأخرون؛ تعذيب المتهمين ،وانتهاك حقوق المتهم بتشريع التعذيب ،فقد أجازه التيار
الفقهي والقضائي السائد ،كمالك والماوردي وابن القيم(انظر الطرق الحكمية )143:وابن
تيمية(الفتاوى.)65/406:
43
ما السبب؟ بدون التعذيب-حسب تعبير ابن القيم عن فكرتهم"-تضيع الحقوق ،ويتجرأ
أهل الفجور على الفساد ،وتصبح الشريعة قاصرة ل تقوم بمصالح العباد"(الطرق الحكمية:
.)78
من أجل ذلك ل غرابة أن نجد بعض الفقهاء والقضاة المعاصرين يعيدون إنتاج نظرية
التعذيب ،إذ نجد لبعض القضاة السعوديين دفاعا عنها ،وتشكيكا في نظرية براءة المتهم حتى
تثبت إدانته .يقول القاضي بمحكمة التمييز بمكة عبدال بن منيع" :فلو قلنا ببراءة المتهم
حتى تثبت إدانته؛...لكان حبس المتهم ومسه بالعذاب عند التحقيق معه؛ ضربا من الظلم
والطغيان" (انظر :نظرية براءة المتهم حتى تثبت إدانته.بحث .ضمن كتاب المتهم وحقوقه في
الشريعة السلمية1/274:وانظر أيضا :مدى صلحية القرائن في إدانة المتهم :للقاضي في
محكمة التمييز بمكة عبد ال البسام أيضا في نفس الكتاب 341 /1:وما بعدها).
ولو أن القضاة الذين أجازوا التعذيب؛ وضعوا له ضوابط محددة ،وإجراءات
موحدة،وأشرفوا على تقديره وتنفيذه ،لقلنا ،إنهم اجتهدوا فأخطأوا.
ولكنهم خاطئون –ل مخطئون فحسب -عندما تركوا التقدير والتنفيذ للجهزة
البوليسية ،وهي في الغالب أجهزة قمعية ،ل تعرف حدود ما أنزل من عدل ورحمة ،ول يمكن
التأكد من عدالتها ومعرفتها الحكم الشرعي ،وفيها أناس تعودوا على القسوة والغلظة ،ول
يتوقع منهم التقيد بالحد المتعارف عليه حقوقيا ،ول يؤمن أن يمارسوا البشاعة والشناعة.
وليت هؤلء القضاة أشرفوا على السجون كما كان القضاة العباسيون يفعلون ،كما
ذكر ابن فرحون في التبصرة ،ولكنهم أخطأوا مرة ثالثة أخرى ،فمن دون إشراف حقيقي على
السجون؛ يصبح المتهم كالميت بين يدي الغاسل.
[]32
ج-قبول اعترافات التعذيب :
وهم أيضا قرروا قبول اعتراف مسلوب الرادة أو الختيار ،على أن التعذيب يفقد
النسان عقله ووعيه ،الذي هو شرط التكليف ،وهذا يسمح بتلفيق أي تهمة على أي متهم
44
في سراديب السجون ،وقد قال شريح القاضي" :القيد كره والسجن كره" وقرر ذلك الفقهاء
فالعتداد باعتراف الكراه باطل شرعا.
وفي ظلل هذه الثقافة وفوق هذا وذاك؛ ل يستطيع القاضي حماية السجناء إذا قالوا:
إن اعترافاتنا تحت التعذيب ،بل أكثر إجراء يستطيعه هو أن ل يصادق على اعترافاتهم،
وعندما يعاد المتهمون إلى السجون ،يهددون بأنهم إن أنكروا سيعاد التحقيق معهم،
وسيعذبون حتى يعترفوا ،ول يدرك أغلب القضاة أن هذه المور مخلة بالعتراف ،ول
يستطيع من أدرك إل إن يصادق عليها.
وقد يدافع بعض الناس عن هؤلء القضاة زاعما أن الظلم إنما هو من رجال البوليس
ل رجال القضاء .ترى إذن كيف ل يتجمعوا ويعلنوا موقفهم .وهم بين أمرين إما من نمط
الساكت عن الحق ،وهو (شيطان أخرس) ،وإما من أهل الغفلة الذين ل يدركون أن التهديد
بالتعذيب( فضل عن التعذيب) ،يخل بالعتراف وأن الحبس النفرادي أكثر من شهر ،في
ظروف ل تضمن فيها المعاملة النسانية ،أقسى من بعض ألوان التعذيب ول ينبؤك مثل
خبير.
إنها ثلث دواه:
-تشريع التعذيب.
-وتركه من دون إشراف قضائي.
-وقبول العترافات الصادرة تحت التعذيب.
في ظلل هذه الثقافة القضائية؛ يمكن انتهاك حقوق المتهم ،كتعذيب المتهم تحت شعار
فساد المجتمع وكثرة المجرمين ،وكونهم لن يعترفوا طوعا .ويصادق على اعترافات ناتجة
عن سلب الرادة أو الختيار ،في سلوك ظاهره تطبيق الشريعة ،وباطنه توجيه طعنة نجلء،
في قلب شريعة العدالة.
إن النصوص الصريحة والتطبيقات النبوية؛ قررت أن هدف العدالة ليس الوصول إلى
الحقيقة فحسب-كما يبدو لبعض الناس ،-بل يجب أن يكون الوصول إليها عبر الوسائل
المشروعة ،فلو اتهم عشرة أشخاص بسرقة مال ،ثم عذبوا جميعا ،فاعترف أحدهم ،فإن
45
الحقيقة ظهرت ،فكيف يباح تعذيب المتهمين التسعة ،من أجل الوصول إلي واحد إذن،
مادامت القرائن قوية ،يقول الغافلون عن تأمل النتائج :نعم.
ونقول لهم إذن :وتعذيب التسعة على حساب من؟ .نعم الحقيقة أمر مشروع ،ولكن
القاعدة الفقهية-كما نص علماء الصول -تقول:يجب أن يكون وسيلة المقصد المشروع
مشروعة(انظر القواعد الفقهية:د/يعقوب الباحسين).
إن السلم أعطى في تطبيقاته النبوية والراشدية للمتهم حقوقا ،لم يبلغ شأوها
القوانين الوربية الحديثة،ول يتسع المقام هنا لبسط ما فصلته في كتاب (حقوق المتهم في
السلم) ،من إخلل العلماء والحكام بحقوق المتهم في السلم.
[]33
د-ترك التحقيق لجهزة البوليس من دون رقابة قضائية:
ول يجوز في الشريعة أن تنفرد الجهات المنية بالتحقيق مع المتهمين في القضايا
إدارية فضل عن الجنائية عن التي تعتبرها السلطة التنفيذية( سيادية) ،وأغلبها من ما أباحه
الشرع المطهر ،بل أوجبه من حرية الرأي والختلف.فالتحقيق جزء من القضاء الطبيعي،
وأي تحقيق يقوم به شخص غير مؤهل قضائيا ،في شخصه أو في ارتباطه بجهازالقضاء
العام ،يعتبر جورا.
ول بد للقضاء الشرعي من أن يتأكد من سلمة الجراءات التي تتخذها السلطة
التنفيذية على المتهمين ،في القبض والعتقال ،ويتأكد من ظروف حياة السجناء في
السجون ،ويتأكد من سلمة العتراف من الكراه الذي يسلب الرادة أو الختيار أو هما معا،
وأن تكون له سلطة تخوله مناقشة ما يمكن أن يخل بالعتراف الشرعي ،وأن يكون له سلطة
في بحث دعاوى تظلم المتهمين بدون من هذه السلطة من دون إذنها ،ولبد له من أن تكون
له آلية يتابع بها السلطة التنفيذية ،في تنفيذ أحكامه ،ولبد له أن يحدد مدة العتقال من دون
محاكمة.
[]34
هـ-العقوبة على الشبهة:
46
في ظلل هذه الثقافة الجبرية الجائرة ،ل يصبح المتهم-المحبوس -بريئا حتى تثبت
عليه جريمة ،ول يكتفى بسجنه قبل إحالته إلى القضاء(،وهي مدة قد تصل إلى ستة أشهر)
ويعتبر ذلك عقوبة على الشبهة ،بل يعاقب المتهم بالشبهة ،يقول القاضي بمحكمة التمييز
بمكة عبدال بن منيع" :فلو قلنا ببراءة المتهم حتى تثبت إدانته؛ لتعين علينا طرح قرائن
التهام...،ولضطررنا إلى تعطيل الكثير من روافد الثبات ،من قرائن وأحوال وملبسات،
ولكان حبس المتهم ومسه بالعذاب عند التحقيق معه؛ ضربا من الظلم والطغيان"(انظر :نظرية
براءة المتهم حتى تثبت إدانته.بحث .ضمن كتاب المتهم وحقوقه في الشريعة السلمية:
1/274وانظر أيضا :مدى صلحية القرائن في إدانة المتهم :للقاضي في محكمة التمييز بمكة
عبد ال البسام أيضا في نفس الكتاب 341 /1:وما بعدها) .من أجل ذلك ل يكاد ينجو من
براثن الظلم ،فهو إن لم تثبت عليه التهمة ،عوقب على مجرد التهمة.
[]35
47
فالشريعة فرضت العدل ونصت على أن ال أنزل الكتب وارسل الرسل لقامة ميزان
العدالة ،كما في قوله تعالى"لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ،وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ،ليقوم
الناس بالقسط ،وانزلنا الحديد فيه باس شديد ومنافع للناس ،وليعلم ال من ينصره بالغيب،
إن ال لقوي عزيز"(الحديد.)25:
فالشريعة جعلت إقامة العدل فريضة كبرى ،وأصبح تحقيق هذه الفريضة ليتمكن منه
إل بالشورى ،ومن أجل ذلك نص الفقهاء على مضمون عبارة البيعة على الكتاب والسنة:
إلتزام العدل وشورى أهل الرأي والخبرة والعقل من عرفاء المة.
ل يمكن ضمان العدل في أي حكم استبدادي ،ليمكن فشو الظلم في أي نظام شوري،
تلك خلصة تاريخ المم والحضارات.
[]36
ب-لمن الحكم لولي المر أم للمة:
السلطة للمة في تحقيق مقاصد الشريعة ،كما نص ابن تيمية"المة هي الحافظة
للشرع"(.انظر لمزيد من التفصيل :البرهان بقوامة المة على السلطان).
فمن سبلور رأي المة ويجسد إجماعها؟ ،إنهم أهل السلطة النيابية المنتخبون-
بالمصطلح السياسي اليوم ،-وهم (أولو المر) الذين أوجب ال طاعتهم ،بعد كتابه والسنة
النبوية في آيتي الطاعة والرد في سورة النساء ،-لنهم أول أهل العلم والرأي والعقل
والخبرة،كما وصفتهم تفسيرات بعض التابعين (كعكرمة ومجاهد) .ولنهم ثانيا هم
المتبوعون(كما وصفهم القرطبي وابن تيمية وابن القيم) .وهم ثالثا الذين جعلهم ال مرجعية
المة(،كما في تفسير الفخر الرازي والنيسابوري ،وصاحب المنار وشيخه).
وهم إذن الذين تنطبق صفات أهل الحل والعقد ،وأهل الحل والعقد ،هم بهيكل الحكم
الدستوري السلطة النيابية ،التي تمثل مرجعية المة ،ول يتسع المجل لبسط الدلئل الشرعية،
على أن النتخاب من وسائل تحقيق المقاصد الشرعية ،التي ل يتسع المجال الن لبسط
ماذكره الكاتب في كتاب(الستبداد هو المشكل والشورى هي الحل) ،فطوال تاريخ السلم لم
يكن الخوف على السلم من الشعوب ،لن الشعوب بالدعاة ترجع إلى ال وتتذكر ،وإنما
48
الخوف من السلطة المطلقة،التي تسكرها خمر السلطة ،وقد أثبت تاريخنا السلمي أنها
مفسدة مطلقة.
في تاريخنا بعد صدر السلم؛ لم يكن لدى الناس إدراك كاف ،بأن اجتماع السلطة
النيابية(الحل والعقد) والقضائية والتنفيذية في قبضة واحدة؛ يعني انعدام حرية الفراد
والجماعات ،وسيطرة الستبداد الذي هو مطية كل فساد،وضياع حقوق العباد ،مهما كان
لولي المر من الصلح والسداد (انظر السلطة القضائية في السلم:شوكت عليان ،)87:لن
المة هي المكلفة بتطبيق الشريعة ،وهكذا جاء الخطاب القرآني ،فالخطاب لم يقل :ياأيها
الحكام طبقوا الشريعة على النام ،ولم يقل :ياأيها الفقهاء والعلماء بل قال :يأيها الذين
آمنوا.
[]37
ج-طاعة المة الحاكم واجبة إذا أطاع (أولي المر:الرأي)
عرفاء المة
ولكن التراث الفقهي العباسي الصحراوي؛ رسخت فيه معضلة سياسية كبرى :أن
مفهوم سلطة المة الذي تبلور في القرآن الكريم ،جرى تجييره للحاكم والفقهاء ،ودعم
التجيير بمصطلح (ولي المر أدرى بالمصلحة) ،فأمسك ولي المر بقبضته أعنة السلطات
كافة ،وصار أيضا هو القاضي الصيل.
جمع ولي المر بين السلطات ،واعتبر أعرف بتحري مصالح المة من غيره ،وصاغوا
هذا المبدأ في عبارة جاهزة" :ولي المر أدرى بالمصلحة" ،إذا لم يخالف نصوص الشريعة،
بيد أن القاعدة السلمية هي "صحة تصرف الحاكم مرتبطة بقيامه بأعباء الوكالة عن المة
ل عليها.
بناء على القاعدة العباسية صار من صلحيات أولياء المور؛ أن يصدروا من القوانين
والوامر ما يرونه مناسبا،من دون ضابط موضوعي يحدد مصلحة المة ،وضابط فقهي يحدد
الحكم الشرعي المعتبر ،ومن واجب القضاة وغيرهم أن ينفذوا هذه النظمة ،مادامت تستند
إلى رأي فقهي ،دون مناقشة ضعف الرأي وجودته ،ومناسبته لما يجد من النوازل ،ومادام
49
ولي المر أدرى بالمصلحة ،فل حاجة إذن إلى مجلس نيابي ،لن المجلس النيابي لن يكون
أدرى من ولي المر بمصالح المة.
إن هذه النظرية من إفراز التفكير ااستبدادي ،الذي تجسد في اختلل منظومة الحقوق،
بتضخيم حقوق (المير) وتقزيم حقوق المواطنين ،وذلك ينطوي على إخلل صريح ،بمفهوم
الحكم الشوري ،لنه يخل بشروط مبدأ البيعة(التعاقد الجتماعي) الذي يحدد علقات المجتمع
أفرادا وجماعات بالدولة ،وأي تطبيق للشريعة ل ينبثق من المفهوم الشوري للحكم؛ إنما هو
حكم بغير ما أنزل ال .لنه ل يمكن تطبيق الشريعة إل في إطار مفهوم الحكم الشوري.
لعل من المور المهمة أن يقال :إنه ل يمكن استقلل القضاء ،من دون دستور ينشأ
عبر استفتاء شعبي ،ويكون فيه مجلس لهل الرأي والحل والعقد منتخبا من جميع الناس
رجال و نساءا ،لضمان إصدار أنظمة ل تخالف روح الشريعة في العدل وتحري المصالح
العامة ،وثوابتها القطعية ،ولتنظر في مدي مشروعية ما تتبناه السلطة التنفيذية من قوانين
وأنظمة ،من حيث أصل المشروعية أول ،ومن حيث استجابة النظمة لمصالح الناس ثانيا.
وقد برهن تاريخنا السلمي على أن سر الفساد؛ هو هيمنة ولي المر على أزمة
السلطات ،فحين هيمن تخلخلت مقطورة القيادة :شورى المجتمع الهلي المدني ،اختلت نظرية
الحقوق اجتماعية وسياسية وثقافية ومدنية واقتصادية ،فجسد القضاء هذا الختلل.
إذن ل ينبغي للناس اليوم أن يبرروا الجمع بين السلطات إسلميا ،فالسلمية هي اتخاذ
الجراءات والليات والهياكل التي تحول دون تمركز الدارة السياسية في كف واحدة .حقق
الستقلل ،فما أدى إلى الهدف -وهو العدل والشورى -من الوسائل والليات والجراءات
والهياكل المباحة فهو من الشريعة ،كما قال ابن القيم وابن عقيل ،في غير هذا السياق.
[]38
د -من دون مجلس نواب منتخب؛ يصبح القضاء سهما في
قوس المستبد
إن سبب ما تعانيه أي أمة من تخلف ،يرجع أساسه الول إلى تعدي السلطة التنفيذية
على السلطتين القضائية والنيابية ،ول تتقدم أي أمة حتى يشعر الحاكم ووالمجتمع معا ،بأن
50
العدالة ليست عطاء ول هبة من الحكام .بل هي حق تعاقدي .ومن أجل ذلك جاء مصطلح
استقلل القضاء عن السلطتين لتنفيذية والنيابية ،لكي ل تنفرد السلطة التنفيذية ،فتفرط
بحقوق الناس أو تنتهكها لن السلطة المطلقة ،مفسدة مطلقة كما قال منتسيكو.
وهذا يفضى بالقضاء إلى أن يصبح تلقائيا من وسائل إرهاب الدولة ،ثم إحكام سيطرتها
على المجتمع ،كما في أوربا الشيوعية والشتراكية ،وستكون قيمة الولء ل الكفاية هي
أساس تولية القضاة (استقلل القضاء في أفريقيا جنيفر وندر جيفر وندر دليل.)55 :
استقلل القضاء-تفريع وإجراء لمفهوم الحكم الشورى :الذي يتم فيه الفصل بين
السلطات الثلث وقيام سلطة نيابية ،هذه المور بعبارة وجيزة هي الوسيلة الوحيدة لتحقيق
العدل ،والبعد عن الهوى ،في الدولة الحديثة ،فمبدأ الستقلل من .والعدل له وسائل جربتها
المم القديمة والحديثة ،فلم تجد أنجع من إذن مفهوم الحكم الدستوري :الفصل بين السلطات
الثلث وقيام سلطة نيابية ،فهو الحكم بالحق ،وهو نقيض اتباع الهوى هذا هو المبدأ.
إن مفهوم استقلل القضاء يحتاج إلى إيمان عميق به ،في مقدار اليمان بالروح
الشورية ،أي أنه ل يتم كما قال جمس ماو إل إذا وافقت الحكومة على أن تستقي من أغلبية
الشعب؛ كل قوتها بشكل مباشر أو غير مباشر ( ،انظر ميراجو راري وراسل ديلر :استقلل
القضاء في أمريكا دليل .)143 :
هناك علمتان للحكومة العادلة:القضاء المستقل ،ومجلس النواب .بيد أه ليصان
استقلل القضاء مالم يكن ثمة مجلس نواب قوي.
[]39
52
وفي عصر الراشدين كان مبدأ استقلل القضاء موجودا وحاضرا ،فقد مورس مقتضاه،
حيث كان القاضي مستقلً عن الدولة ،ولذلك استطاع القضاة أن يحكموا على الخليفة،
واستطاعوا أن يرفضوا أوامره التي ل تتماشى مع اجتهاداتهم ،واحترم الخليفة الراشدي
(كعمر بن الخطاب) أقضية القضاة ،ورفض نقض ما حكموا به مع أن حكمهم يخالف
اجتهاده ،كما وقع من عمر بن الخطاب .ورفض خازن المال عبد ال بن مسعود ،أن تكون
لولة القاليم سلطة على بيت المال ،ورد أوامر خليفة راشدي كعثمان ،لنها تخالف وجهة
نظره في اختصاصه ،واستقال من وظيفته.
ولعل هذا يكفي في الدللة على أن مبدأ تقسيم السلطة عامة واستقلل القضاء خاصة
مفهوم وهدي إسلمي ،فما معنى حق القاضي أن يرفض بل أن ينقض كل قرار أو أمر أو
قانون يرى في اجتهاده أنه يخالف الشريعة ،مع أن مصدره خليفة راشدي؟ ،ما معنى هذا
والخليفة الراشدي قد جمع أعلى المواصفات في ركني القضاء :الكفاية المسلكية :العدالة
والكفاية المهنية :الفقه والقدرة الفائقة على الجتهاد؟ إن معناه :رفض ونقض كل ما يخالف
دستور المة ،وهذا يدل على وجوب استقلل القضاء الشرعي عن السلطة التنفيذية ،استقلله
عن (الخليفة) أيا إذا كان منتخبا ،فمابالك به إذا كان السلطان متغلبا .ولكن هذا المبدأ لم
يترسخ هيكليا ،لكي يصبح عرفا قضائيا ،في الزمنة التالية ،لقصر عهد الخلفة الراشدة،
وانقلب المويين السريع على الحكم الشوري.
ثم إن الدولة السلمية عندما تعاظمت وكبرت ،لم يتفاعل مبدأ تقسيم السلطات عامة،
ول استقلل القضاء خاصة ،بسبب الستبداد السياسي ،فحدد إطار القضاء بالمور الخاصة
بين الناس ،ولم يستطع القضاة أن يحاسبوا الحاكم على ما يستأثر به من مناصب ،أو يسرقه
من أموال المة ،أو يفرط فيه من حقوق ،أو يرتكبه من مظالم ،أو يمارسه من جبر وقمع مع
أن ذلك من ما نصت عليه أسس دستور المة :الكتاب والسنة ،لم يقدروا على حمله على
تطبيق الدستور ،ول محاسبته على مخالفته الدستور ،في القرارات والوامر التي يصدر ،ولم
يستطيعوا أن يحكموا في القضايا السياسية والبوليسية والعسكرية ،فصار تطبيق القضاء
تطبيقا منقوصا.
53
[]40
ب-ل ضمانة للعدالة إل باستقلل القضاء:
من أجل ذلك فإن الخذ بالوسائل الحديثة التي ابتكرتها دول متقدمة ،ووفرت قدرا
كبيرا من العدالة ،إنما هو من ما دلت عليه الشريعة ،وليس من المصالح المطلقة من اللغاء
والعتبار ،التي لم يدلل عليها الشرع بنفي ول إثبات ،بل هو من المصالح التي دل على
أصلها الشرع.
دل الشرع على أن السلطة للمة ل للحاكم ،وعلى وجوب التزام الحاكم بطاعة أهل
الحل والعقد ،وعلى عدالة القضاء ،وهذه مباديء ل يمكن تطبيقها-في الدولة الكبيرة-إل
بتوزيع السلطة ،إذن الشرع نص على المبادئ ،فدل-بذلك-على مشروعية وسائلها كتوزيع
السلطة ،لن التوزيع هو وسيلة تحقيق هذه المبادئ.
لقد دل –بذلك-على استقلل القضاء ،لنه ل يضمن تجنب الهوى إل بهذه الوسائل-،ل
سيما عندما يكون السلطان متغلبا غير مجتهد -وال بين أن الهوى هو سبب الفساد ،وذم
ال الهوى في كتابة مرارا ،والهوى ضد النصاف والعدل ،والسداد ،واستقلل القضاء هو
سلمته من الهوى ،وكل الوسائل التي تؤدي إلى سد الثغرات ،التي يدخل منها الهوى،
وتضمن الحكم بالقواعد الشرعية مشروعة .تماما كمسائل التعليم وهياكله فهناك هياكل
للتعليم ،كالمدارس والفصول والكتب والمدرسين والدارة المدرسية ،وهناك هياكل للقضاء،
هذه الهياكل من الجراءات والنظريات ،التي ل يمكن تنفيذ مبدأ العدالة ومبدأ التعليم من
دونها.
الوسائل لها حكم الغايات وجوبا وإباحة،فإذا كان المقصود واجبا ،فوسائله واجبة ،كما
قرر الصوليون ،مالم تكن الوسائل محرمة( ،كما قرر الصوليون)مثل تحريم تعذيب
المتهم،الذي يعتبر وسيلة مرفوضة ،وإن أدى إلى مقصود شرعي واجب ،وهو معرفة
المجرم.
ومن الوسائل التي ليضمن الحكم الشوري بغيرها (النظام الدستوري) ،الذي يقوم
على توزيع السلطة ،والفصل بين السلطات ،واستقلل القضاء ،هذه وسائل واجبة ،لن العدل
54
ل يتحقق في الدولة الحديثة إل بها ،لسيما ومؤهلت القضاء والنتخاب لم تتوافر في حاكم
طوال التاريخ إل نادرا ،أي ما نسبته أكثر من %99من الحكام ،والنادر ل تنشا من أجله
أحكام.
وقد أدركت الدول الحديثة حتى في أدغال أفريقية ،ملكية وجمهورية ،أن ل استقلل
للقضاء إل بالفصل بين السلطات ،لذلك نص الملك محمد الخامس في خطاب العرش ،على
استقلل السلطة القضائية ،بعد يومين من عودته من المنفى سنة 1955م ،قبل وضع
الدستور (استقلل القضاء في المغرب أحمد السراج السراج.)5:
هذا يعني كما نص الدستور اللبناني (قانون المحاكمات المدنية رقم 90الصادر في
16/9/1983م أن "القضاء سلطة مستقلة تجاه السلطات الخرى ،في تحقيق الدعاوى والحكم
فيها ،ول يحد منها أي قيد ل ينص عليه الدستور (استقلل القضاء في لبنان:تنظيم واستقلل
السلطة القضائية .خالد القباني القباني.)18:
استقرت المعايير الدولية؛ على أن القضاء يعتبر سلطة تابعة ،ما لم يكن هناك فصل
د ستوري وا ضح ب ين ال سلطات الثلث( ،جي فر وندر :ب حث ا ستقلل القضاء في أفريق يا :في
كتاب دليل تعزيز استقلل القضاء.)64 :
والدليـل على ذلك لوحـظ فـي بعـض دول أوربـا الشتراكيـة ،إذ إن القضاة يصـدرون
الحكام في الدعاوى ،بناء على تعليمات يتلقون ها من م سئولي الحكو مة عبر الها تف ،و قد
شاعت هذه الظاهرة حتى أطلق عليها مصطلح "عدالة الهاتف" (إدوين ريكوش.بحث.استقلل
القضاء فـي أوربـا.كتاب دليـل )65 :وكلمـا زادت سـيطرة السـلطة التنفيذيـة على القضاء أو
القوى المتنفذة كالتجار والعيان على السـلطة ازداد فقدانـه اسـتقلله ،ولذلك لم تفلح جهود
بعض دول أمريكا اللتينية في مكافحة الجريمة والمخدرات (انظر مارجريت بوبكن استقلل
القضاء في أمريكا اللتينية دليل .)109 :
ل يمكن في أي حكم مستبد أن يستقل القضاء؛ النموذج العباسي للحكم هو بلغة حديثة
هو النموذج الفاشي ،الذي تصبح فيه سيطرة السلطة التنفيذية هي القاعدة ،ويمسي القضاء
55
هيئة تابعة( ،نظر مارجريت بوبكن دليل . )109 :أو هو بلغة باستعارة قديمة عربية تراثية
النموذج الكسروي.
في الدول التي لم يتمتع باستقلل مؤسسي عن السلطة التنفيذية حقيقي تشيع لوحظ
أن القضاء فيها ل يمكن حماية المواطنين من التعسف ،مضايقة وأذى وسجنا وتعذيبا
واغتيال (انظر مارجريت بوبكن دليل . )110 :
في مثل هذه النماذج يخفق القضاء في مجالين :
الول حماية الفراد من تعسف الدولة.
الثاني إخضاع الجناة للعدالة.
فيصبح تعرض البرياء للتعسف وإفلت المجرمين من العقوبة أحد أهم آليات خلق
الرهاب والحفاظ عليه (مارجريت بوبكن دليل )110 :وفي ظلل النظمة الفاشية والرأسية
للهيئات القضائية( ،كما في أمريكا اللتينية) ،يمكن أن يظهر عدد من القضاة يحافظون على
استقللهم ،يحاولون أن يقفوا ضد تعسف الدولة رغم ضراوتها ،ولكن هؤلء عدد قليل ،ويتم
التخلص منهم بأساليب خفية ،عبر النقل أو الترقية أو التهميش (مارجريت بوبكن دليل :
.)110
[]41
ج-الفرق بين عبارتي :القضاة مستقلون والقضاء سلطة
مستقلة:
هناك فرق بين أن يقال القضاة مستقلون ل سلطان لحد عليهم( ،كمافي كثير من
أنظمة الحكم العربية) وأن يقال:القضاء سلطة مستقلة (كما في النظم الوربية) فعبارة:
القضاء سلطة مستقلة ،أقوى من عبارة:القضاة مستقلون ،لن التعبير بأن القضاء سلطة
مستقلة يؤكد أن القضاء ليس إدارة أو جهازا تابعا (استقلل القضاء في اليمن حمود الهيتار:
.)5ولن القول بأن القضاة مستقلون ،يتجه إلى القاضي بصفته شخصا مفردا ،بينما النص
على أن القضاء سلطة ينص على نظام القضاء " ،فالختلف هنا ليس مجرد اختلف في
الصياغة ،بل هو تباين جوهري" (انظر استقلل القضاء في تونس غازي الغرايري.)5 :
56
فالسياق الول غير صريح باستقلل النظام وإنما هو مستنتج ،وفي الثاني النص صريح
مباشر.
[]42
د-استقلل القضاء مبدأ دستوري:
لكي يكون للقضاء استقلل حقيقي ،لبد من تجسيد مبدأ سيادة الشعب على الحكومة،
من خلل فروع ووسائل ،تضمن تنفيذ هذا المبدأ ،وهذا يستدعي أن تتضمن مواد الدستور،
توصيفا لوظائف السلطة القضائية ومسئولياتها ،إذ ل يمكن استقلل القضاء إل في نسق بنية
دستورية ،لذا فالخلل في دولنا العربية بنيوي ،لن مبدأ استقلل القضاء مبدأً دستوري ،ل
يمكن تأسيسه إل على قاعدة :سيادة الشعب على الحكومة
بهذا التصور تمتنع السلطات الخرى من مراقبة قرارات القضاء ،أو توجيه المر إليه
أو الحلول محله في فصل النزاعات التي تدخل في اختصاصه ،وهذا ما لحظه المجلس
الدستوري الفرنسي ( القباني.)20 :
وبذلك أصبح استقلل القضاء ،معيارا من معايير دولة القانون والمؤسسات،
ولذلك تنص قوانين القضاء المستقل على حماية القاضي من التدخلت و الوساطات ،على
أن من أغرى أو استعطف قاضيا ،كتابة كان أو مشافهة ،لمصلحة أحد المتداعيين أو ضده
فضل عن من خوفه عوقب بالغرامة ،كما في قانون العقوبات اللبناني ( المادة )419 :
( القباني .)22 :
إن سبب ما تعانيه أي أمة من تخلف ،يرجع أساسه الول إلى تعدي السلطة التنفيذية
على السلطتين القضائية والنيابية ،ول تتقدم أي أمة حتى يشعر الحاكم والمجتمع معا ،بأن
العدالة ليست عطاء ول هبة من الحكام .بل هي حق تعاقدي .ومن أجل ذلك جاء مصطلح
استقلل القضاء عن السلطتين لتنفيذية والنيابية- ،عنوانا للعدل والنزاهة ،-لن أخطر ما
يحيق بعدل القضاء ،هو أن تسيطرالسلطة التنفيذية على القضاء ،فتفرط بحقوق الناس أو
تنتهكها ،لن السلطة المطلقة ،مفسدة مطلقة كما قال منتسيكو.
57
[]43
59
وتحولت المساجد من خيام للتجمع الهلي المدني ،إلى أطراف سلطانية رسمية ،تنتج
خطابا تربويا إعلميا ،يحث على طاعة السلطان ،والصبر على جوره ،ويؤجل المحاسبة إلى
الدار الخرة ،ويركز على شق السلم الروحي ،في الذكر والدعاء والصوم والصلة والحج،
و يهمل شقه المدني ،فأصبحت المساجد ،جزءا من السلطة الحكومية ،فاشترطوا إذن
السلطان ،حتى في الستغاثة ودعاء القنوت ،وتحديد مسجد لصلة الجمعة ،وأكثروا من ربط
أمور كثيرة بأمره ،فساعدوا حكم الجبر والجور العضوض-وهم ل يشعرون-على اغتيال
المجتمع الهلي مدنيا وغير مدني.
وغاب عنهم مفهوم سلطة المة المتقرر في الذكر الحكيم ،فانطوت أهم قنوات المجتمع
الهلي المدني ،وهي قنوات التي ل يضمن استقلل القضاء من دونها
[]45
ج -التجمعات الهلية ول سيما المدنية تجسد سلطة المة
في دعم القضاء:
-1الدعم الشعبي من ضمانات العدالة:
إن استقلل القضاء ل يأتي بقرار فوقي من السلطة ،لن السلطة التي تعطي الحقوق
يمكن أن تسلبها مادمت تعتبرها هبات وعطايا ،والقضاء ليس نصوصا وقواعد عادلة في
إضبارات فحسب ، ،وليس قضاة أكفياء في ثقافتهم ،نزهاء في تصرفهم العام والخاص
فحسب ،لن يتوافر نظام عادل ول قاض نزيه ،من دون سور شعبي.
إنه ل يمكن أن يتحقق للقضاء استقلل ،من دون دعم شعبي ،فقوة القضاء ليست
بنصوصه أو من داخله فحسب ،بل ول من القضاة أيضا ،فهي إذن من خارجه أولً ،لن
القضاة الذين ل يجدون جمهورا يحميهم عندما يتعرضون لضغوط السلطة التنفيذية ،لن
يستطيعوا أن يستقلوا ،كما قال ال تعالى ((ولول رهطك لرجمناك)) ،والقضاة الذين ((ل
يجدون على الخير أعوانا))؛ ل يتوقع أن يقاوموا الضغوط الخارجية ،ولسيما ضغوط السلطة
التنفيذية ،و ل يستطيعون أن يكونوا مستقلين ،مادام يسهل عزلهم ونقلهم ،ولو استقل
بعضهم لكان مصيره مصير قاضي قم:
60
أيها القاضي بقم ××× قد عزلناك فقم
لول المجتمع الهلي ما استطاع القاضي العز بن عبد السلم أن يحكم بالعدل في وسط
جور حكام المماليك في مصر ،لن المماليك ضاقوا بعدله ذرعا ،فعزلوه لن عزل القاضي
سهل في ظلل النظم المستبدة ،فحمل القاضي متاعه وأزمع المسير إلى الشام ،فقام المجتمع
الهلي بمسيرة كبرى خلفه ،وقال نهاجر كما هاجر القاضي،من أجل ذلك تراجع السلطان عن
عزله.
ويؤكد دور المجتمع الهلي المدني استقلل القضاء أيضا القاضي المريكي في المحكمة
العليا (وليام رينكوريت) إذ يذكر أن العدالة بالغة الهمية ،بحيث ينبغي أن ل يكون الحفاظ
عليها خاصا بالقضاة والمحامين ،بل على الشعب أن يسهم فيها أيضا (ستيفن جولب:
مساهمات المجتمع المدني في استقلل القضاء ستيفن جولب.)178 :
وكلما كان المجتمع الهلي المدني قويا؛ تعزز استقلل القضاء ،وكلما ضعف المجتمع
الهلي المدني ضعف استقلله ،وكلما ضعف القضاء أسهم في وأد المجتمع الهلي المدني،
بتجريم دعاة الصلح فهناك علقة تجاذبيه ،ففي مصر استطاع القضاء أن يصدر أحكاما
سياسية رغم أنف السلطة التنفيذية ،فكل الحزاب المصرية صدرت بأحكام قضائية ،وكل
الصحف المصرية صدرت أيضا بأحكام قضائية.
بل أن المجتمع الهلي ولو كان غير مدني ،له أثر في الحد من تسلط الدارة
السياسية ،فللقبلية في اليمن دور في الحد من تسلط الحكومة ،وللطائفية في لبنان أيضا دور
مشابه.
[]46
د -كيف يستطيع القضاء أن يظفر بدعم الجمهور؟:
ليس القضاء خدمات عامة للجمهور فحسب ،ولكنه أيضا قوة سياسية،أو قوة عامة،
مطلوب منه أن يوازن بين هاتين الوظيفتين المزدوجتين ،وهذا يفرض عليه شروط
المسؤولية القضائية (لين هارمر .الستقلل والمسئولية:دليل.)169:
61
ومن أجل ذلك فإنه لبد من حوار مستمر بين سلطة القضاء والمجتمع الذي تخدمه،
وعندما يكشف الحوار عن خلفات أساسية ،ينبغي التفاوض ،لتمتين العلقة (لين هارمر.
الستقلل والمسئولية:دليل.)167:
فل يكفي أن يطمئن القاضي إلى عدله ،مقويا العلقة مع رؤسائه ،بل ل بد من أن
يعرف صدى أحكامه في الجمهور ،لن الجمهور هو سند العدالة المهاب.
[]47
هـ-دور المجتمع الهلي في كشف الفساد:
وهذا وذاك يؤكد دور المجتمع الهلي عامة والمدني خاصة في الصلح ،وقد يكون
أثره غير مباشر ،ولكنه فعال من خلل أشكال عديدة:
-1مراقبة أداء القضاء :وفكرة مراقبة أداء القضاة ،قد تجابه باعتراضات (كما تم فى
الهند) غير أنها تعزز استقلل القضاء ،عندما تدعمها القيادات (ستيفن .)185فهي تجسد
ضغطا مشروعا لتحقيق الشفافية والنزاهة ،إذ ل يوجد علنا من يعارض تدابير الصلح،
ولكن التجاهل والتنفيذ البطيء يجعلها معطلة أو شبه معطلة ،ومن أجل ذلك يتأكد دور
المجتمع الهلي المدني ،بما فيه من باحثين ومحاميين ،وصحفيين وأكاديميين ( ستيفن
جولب.)179 :
-2كشف الفساد :ففي الفليبين أصبحت الخلقيات القضائية (ستيفن )178:والفساد؛
أهم المجالت التي يعمل فيها مركز الفليبين للتحقيقات الصحفية (ستيفن.)183:
-3قوة المجتمع المدني تمثل قوة مضادة للقوى التي تهدد استقلل القضاء،كتكتلت
المجتمع الهلي (غير المدني) عائليا وإقليميا وطائفيا وعنصريا ،التي تشيع فيها المحاباة
والنفوذ الشخصي ،وهذا المجتمع المدني يكشف العنصرية إقليمية وطائفية وعائلية ،كما في
الفلبين عندما أعد مركز التحقيقات الصحفية في الفليبين مقالت عن المناصب المشكوك فيها
التي حصل عليها أقارب كبير القضاة (ستيفن.)184 :
-4القيام بمبادرات الصلح ،فالجهزة الخاملة التي يرين عليها التقليد والفساد ،عادة
ل تكون قادرة على إصلح نفسها بنفسها ،وتحتاج إلى مبادرات من خارج أسوارها.
62
-5تدريب العاملين في قطاع هيئات العدالة كالقضاء والشرطة (ستيفن)188:
-6وقف التمييز غير المشروع الذي يمارس ضد الفئات المستضعفة ،كالمرأة
والطبقات الدنى في السلم الجتماعي ،كما فعل مركز العدالة الجتماعية في الهند (ستيفن
جولب.)181:
[]48
و-جمعيات المحامين.
وجمعيات المحامين من أهم تكتلت المجتمع الهلي المدني ،الفعالة في دعم العدالة.
للمحامين الفاسدين دور في النيل من استقلل القضاء أحيانا ،عندما ينبرون مدافعين
عن الوضع الفاسد ،وحين يقدمون الرشاوى ،ويعرضون أشكا ًل من العلقات غير اللئقة،
ويقيمون علقات صداقة مع مسئولين تنفيذيين ،ويضغطون على القضاة المستقلين ،ويتهمون
القاضي المحايد بالتحيز ،عندما يخسرون قضاياهم أمامه (الجراءات المؤسسية والنظمة
المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل .)36 :
لكن دورهم الطبيعي هو دعم استقلل القضاء ،كما لكن المحامين المصلحين اليقظين
يسهمون في تعزيز استقلل القضاء ،فبإمكانهم ،أن يقيموا دعاوى أمام المحاكم العادية،
للطعن في المحاكم العسكرية والستثنائية ،لثبات عدم دستوريتها (استقلل القضاء في
أفريقيا جنيفر وندر :دليل .)56:بل من الممكن أن يصبح المحامون قادة حركات إصلح
سياسي وحقوقي.
ومشاركة نقابة المحامين في تعيين القضاة؛ تحد من قيام تحالف بين السلطة التنفيذية
والنيابية والقضائية ،وترفع من مستوى اختيار المرشحين ،وتحد من شعور القضاة بالجميل
نحو الدولة (استقلل القضاء في أفريقيا جنيفر وندر :دليل.)57:
إذا استطاع المحامون من خلل نقاباتهم أن يعملوا بحرية ،بعيدا عن الرهاب القضائي،
صار لهم دور فعال في إصلح القضاء (لين هارمر .الستقلل والمسئولية :الدليل.)169:
[]49
د-العلم :
63
و دور العلميين مزدوج كدور المحامين ،فهو إما أن يرفع من مستوى استقلل
القضاء ،بالكشف عن الفساد ،وإما أن يسهم في تقليل ثقة الجمهور بالقضاء العادل (استقلل
القضاء في أوربا إدوين ريكوش:دليل)81:
و تؤدى جهود العلميين المصلحين إلى تعزيز إصلح القضاء؛ إذا كانوا على قدر
كاف من الثقافة والعلم ،وكانت لهم معرفة قانونية في ما يخوضون فيه ،ولسيما إذا تعاون
القضاة معهم ،بتقديم معلومة قضائية موضوعية (استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش:
دليل.)80:
وتثقيف الجمهور بالمور القضائية،مهم لتعزيز دعمه القضاء والتعويض عن نقص
الشفافية الرسمي ،وتساعد التحقيقات الصحفية في قمع الفساد وكشفه .من أجل ذلك جاء في
إحدى توصيات البنك الدولي" :إن المجتمع المدني والعلم؛ هما أكثر العوامل أهمية ،في
القضاء على الفساد في المؤسسات العامة ،حيث إنه ل يمكن السيطرة على الفساد ،عندما ل
يتهاون تجاهه المواطنون "(ستيفن جولب بحث مساهمات المجتمع المدني في استقلل
القضاء .دليل تعزيز القضاء .)178:
[]48
هـ-جماعات حقوق النسان:
ومن المهم أن يتواجد ناشطو حقوق النسان في قاعات المحاكم،لن لهم أثرا يخفف
الضغوط الخارجية على القضاة ،و لسيما في القضايا السياسية .ويعد مشروع مراقبة
المحكمة الذي نفذته مؤسسة هلسنكي لحقوق النسان نموذجا جيدا (استقلل القضاء في
أوربا إدوين ريكوش :دليل.)80:
[]49
65
-2الشراف على العمليات النتخابية ،وعلى سير النتخابات إلى حين العلن عنها،
وصحتها ،ويفصل في الطعون المتعلقة بها (جادي عبد الكريم.)4 :
-3حق القاضي في رفض أي أمر إداري ،أو قاعدة أو قانون إذا كان مخالفا أحكام
الدستور السلمي ،وثبت في النزاع المحكمة الدستورية.
[]50
ب-من يحسم النزاع السلطان أم محكمة العدل العليا؟:
عندما يثور نزاع في تحديد مصالح المة ،فمن الحكم؟
صيغت قاعدة عباسية شائعة ،ليس لها من الشريعة مستند أيضا :تقول :إن اجتهاد
المير أو الخليفة يحسم التنازع ،في كل أمر خلفي بين الفقهاء فضل عن غيرهم .فاجتهاد
إمام الدولة حكم نهائي.
وكلم الفقهاء الذين يقولون إن رأي إمام الدولة رأيه يحسم النزاع غير صحيح ،حتى
لو توفرت في الحاكم شروط الكفاية ،المطلوبة للقضاء ،وكان منتخبا لمتغلبا.
من أجل ذلك نبه بعض الفقهاء الحرار الوعاة؛ إلى خلل هذه النظرية .فقرروا أنه ل
يجوز للسلطان في الشرع أن يلزم الناس باجتهاده ،كما ذكر كالمام ابن تيمية والقرافي،
(انظر فتاوى ابن تيمية ،240-3/238:والحكام للقرافي.)114-110:
كان لدى أحرار الفقهاء وعي بأن رأي السلطان ،ل يلزم في مسائل الخلف ،ولكنهم
لم يفصلوا هذا المبدأ ،ولم يضعوا له وسائل ضامنة ،فلم يقولوا بأنه يلزم الرجوع إلى من
يمثلون رأيا مستقل في المة ،حسب ما استنبطه الفخر الرازي والنيسابوري في تفسيرهما،
وتابعهما عليه محمد عبده ومحمد رشيد رضا من قوله تعالى" :فإن تنازعتم في شيء فردوه
إلى ال والرسول" (النساء.)59:
ولو فصلوه لقالوا:إن الجهة المخولة بالفصل بين السلطان وأحد المواطنين أو بين
السلطان والمجتمع عندما يختلفان،؛ هي مجلس أهلي من الفقهاء المستقلين ،يجسدون
مفهوم أهل الحل والعقد في أمور القضاء .هذا الجراء وسيلة من وسائل تطبيق الشريعة،
يضمن أن تكون القوانين التي يعمل بها القضاء ودوائر الدولة الخرى عادلة نزيهة.
66
هذا المبدأ وسيلته اليوم تسمى محكمة العدل الدستورية العليا ،التي من وظائفها أيضا
مراقبة تصرفات السلطتين التنفيذية والنيابية كافة ،كان الخلل في النظمة الجرائية،
العباسية ولم يكن في مبادئ السلم إذن.
وثمة خلل آخر في مقولة:حكم الحاكم نهائي يحسم التنازع والخلف .لن الحاكم الذي
يمكن أن تنطبق عليه هذه القاعدة هو القاضي(الذي له مواصفات كفاية محددة في الشريعة)ل
السلطان ،والنزاع الذي ينتهي وينحسم بحكم القاضي ،هو خلف الخصومة في حق خاص،
بين شخصين مدع ومدعى عليه،كل منهما يدافع عن مصلحته الخاصة ،بين يدي قاض.
وليس نزاعا في حق عام بين طرفين أحدهما السلطة التنفيذية،والخر مجموعة من
المختصين والخبراء أو هيئة لها ،ولكل الطرفين وجهة نظر في تحديد المصلحة العامة،
فكيف إذن يكون للسلطة التنفيذية حق الفصل في النزاع ،وتلزم الناس باجتهادها ،وتجعله
قانونا ملزما ،والنزاع قائم بينها وبين جهة تمثل المجتمع الهلي المدني أو سلطة أخرى
كالقضاء.
ما قاله الفقهاء الوعاة الحرار كابن تيمية هو"ل يجوز للمام أن يلزم الناس برأيه".
هو الصواب البديهي ،ولكن السؤال المقلق :كيف نجد في القضاء والفقهاء من يرفض هذه
البديهيات؟ .وإذا كان القضاة يرون أن وجهة نظر السلطان هي الفيصل الذي يحسم الخلف،
في كل مسألة فيها قولن أو عدة أقوال؛فلن يكون للقضاة سلطة دستورية على النظمة،
بالمتناع عن تطبيق النظمة ،التي تخالف مبدأ العدل ،فضل عن أن يكون لهم سلطة في
إلغائها ،ولن يكون القاضي راغبا في ذلك ،إذا كان يعتقد أن الشريعة سلبته هذا الختصاص
ومنحته السلطان .
ومن المعروف أن أغلب المور التي تقوم عليها حياة الناس المدنية(بخلف الروحية)؛
من منطقة المتغيرات( ،ماعدا ما حددته الشريعة من الحدود المفصلة) التي وضع السلم
مبادئها ،وترك تفصيلتها ،ولكن نصوص هذه محدودة محصورة.
67
وبذلك ندرك مدى سعة حجم المنطقة ،التي أباحت فيها بعض القوال الفقهية
المتهاونة للسلطان ،أن يلزم المجتمع فيها باجتهاده .وبذلك بررت أيضا قيام السلطة
التنفيذية؛ بدور المحكمة الدستورية العليا ،كما بررت قيامها بدور السلطة النيابية.
كيف يكون رأي السلطان هو الفيصل؛ إذا كان النزاع في أمور المال والدارة والتربية،
وإذا كان السلطان سيختار من الراء ما يخالف مقاصد الشريعة ،في حفظ الملة والمة
والدولة ،كما في مسألة إحياء الرض الموات ،فيؤثر مذهب المالكية الذي يقول أن للسلطان
أن يمنع الحياء إل بأذنه ،ويرفض رأي الحنابلة ،الذين يعتمدون الحديث الصحيح :من أحيا
أرضا ميتة فهي له .ثم يصدر هذا السلطان نظاما لتوزيع أراضي المسلمين ،من دون
ضوابطها الشرعية كافية ،وعند التطبيق يوزع لبابها على قرابته ومحاسيبهم.
[]51
ج -وظائف المحكمة العليافي الدول الشورية:
من أجل ذلك اكتشفت الدولة العادلة ,أن توزيع سلطات الدولة ,من وسائل التحقيق
العدالة في النظمة (القوانين) فأنشأت ما يسمى محكمة العدل العليا (الدستورية) وهي من
وسائل توزيع السلطة ومنع الستبداد ،لنها توفر جوا للمراجعة القضائية ،وتزيد من سلطة
القضاء نفسه ،في تقييم تصرفات السلطة التنفيذية والنيابية وتقويمها ،مستلهمة في ذلك
مبادئ الدستور وحقوق النسان .
وأهم وظائف محكمة العدل العليا (الدستورية) خمس:
الولى:دستورية القوانين :لنها هي الفيصل في الدعاوى و الدفوع المتعلقة بعدم
دستورية القوانين واللوائح والنظمة والوامر والقرارات ،وينبغي أن يكون من حق
المحكمة الدستورية؛ أن تبادر إلى إلغاء أي قانون يتعارض مع الدستور ،من دون أن
تنتظر مبادرات الفراد من غيرها ،بل تبادر بنفسها (استقلل القضاء في أوربا إدوين
ريكوشدليل ،)77 :إن هذا الجراء يجعل قرارات السلطة التنفيذية خاضعة للمراجعة،
ويشطب المبدأ السائد :على القضاة أن ينفذوا النظمة ل أن ينتقدوها" (استقلل القضاء
في أوربا إدوين ريكوش:دليل .. )79 :
68
الثانية:الفصل في تنازع الختصاصات بين جهات القضاء نفسه ،وما بينه وبين
الجهات الخرى في الدولة.
الثالثة :البت في الطعون المتعلقة بالنتخابات الرئاسية النيابية .
الرابعة :الفصل في الحكام النهائية ،في القضايا المدنية والتجارية والجنائية،
والحوال الشخصية والمنازعات الدارية والدعاوى التأديبية .
الخامسة :محاكمة المسئولين الكبار كرئيس الوزراء ونوابه والوزراء ونوابهم كما
نص الدستور اليمني ( المادة ( )153استقلل القضاء في اليمن حمود الهيتار. )4 :
[]52
من أجل ذلك فإنه ليس من الفقه؛ محاربة هياكل الحكم الدستوري عامة ،كالفصل
المرن بين السلطات وتوكيل محام ،وفصل قضاء التحقيق والدعاء العام عن قضاء الحكم،
وإنشاء محكمة (دستورية) عدل شرعية عليا.
ومحاربة هذه الهياكل والجراءات تحت شعار الدفاع عن الشريعة ،إنما هي غفلة عن
الشريعة والعدالة معا ،امتطاها الغافلون عن تمييز مبادئ العدل السلمي ،والجراءات
والهياكل التي ناسبت العصور القديمة ،فأساءوا إلى الدين ،عندما أسهموا في الحفاظ على
هياكل وإجراءات نشر الظلم والجحاف باسم تطبيق الشريعة ،فقدموا السلم غطاء ظهيرا
للدكتاتورية والستبداد وأكل أموال الشعوب ،فتركوا فراغا في ميدان القضاء ،وكان تخلفنا
القضائي فرصة لدخول العلمنة والفرنجة والمبريالية ،التي من اتخذت العدالة والحرية
جناحين حلقت بهما بين الناس ،فنشرت العدل والقسطاس ،وجعلت ذلك مركبة لفساد أخلق
المة وطمس هويتها .
69
[]53
70
إن صلح القضاء في العصور المواضي وما يذكر من نوادر استقلل القضاة ،أمام
الكبراء والوجهاء ،كان نتاج صلح أشخاص القضاة ل صلح نظام القضاء ،صلحا شخصيا
فرديا لصلح مؤسسات ،لن نظام القضاء الشرعي ،ل يمكن أن يكون عادل؛ إل إذا طبق في
إطار ضمانات توفير العدالة الجتماعية ،والعدالة الجتماعية والسياسية ل يمكن ضمانها؛ من
دون توزيع مهام إدارة الدولة ،ومن دونها تكون العدالة والنزاهة ،من دون ضمانات صارمة،
وتبقي مسألة ضمير،ولكن معيارموضوعي عادل ،خير من ألف ضمير قاض نزيه .
كان الخليفة الراشدي هو الذي يعين القضاة والولة ،وقد جرت من بعده حكومات الجبر
و الجور على ذلك ،وسلم الفقهاء بقياسها على الخليفة الراشد ،ولم يلحظوا الفوارق مابين
الخليفة الراشدي ومن بعده من الخلفاء ،وأهمها أن الراشدي في صفاته الشخصية والعلمية
نموذجي ،وأنه مستوف مؤهلت القضاء وزيادة ،وأنه مفوض شعبيا ،لنه منتخب ،وأنه في
بداية نشوء الدولة ،في مجتمع بسيط ،وأنه في مجتمع لم تتكاثر فيه قضايا الناس ،ولم يكثر
التنازع وتفش الخيانة ،ولم تكثر مشاغل الخليفة ،ولم تتوسع الدولة .فقياس الحكومة
السلمية الحديثة على الحكومة الراشدية ،إنما هو قياس مع الفارق ،وكل قياس مع الفارق
فهو باطل ،أما قياس حكام بني أمية وبني العباس ،على الحكومة الراشدية ،فل يأتي فيه
قياس ول نقاش:
أيها المنكح الثريا سهيل × عمرك ال كيف يلتقيان
هي شامية إذا ما استقلت × وسهيل إذا استقل يمان
[]54
ب -انفراد السلطة القضائية بتعيين قضاة المحاكم.
إن السلطة التنفيذية هي مصدر التدخل الرئيسي في عمل القضاة ،ففي كثير من
الحيان يكون التعيين مسيسا ،وعندما تعين السلطة التنفيذية القضاة ،فمعنى ذلك أن القضاء
ليس بمنجاة من سيطرتها.
71
ول يتعزز استقلل القضاء ما لم تنقل سلطة تعيين قضاة المحاكم ،من السلطة التنفيذية
إلى المجالس القضائية(انظر:استقلل القضاء في أمريكا اللتينية :مار جريت بوبكن دليل :
.)115
ول بد من الشفافية في التعيين والتشكيل ،كما قيل " إن شفافية الجراءات التي تتبع
في تشكيل أي مجلس أوهيئة؛ هي أهم من التشكيل المجلس نفسه (الجراءات المؤسسية
والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل .) 26 :
وسبيل ضمان ذلك أن تعتمد على معايير موضوعية ،كالقدمية والكفاءة ،والقدرة على
اتخاذ القرار السليم ،والسلوك المهني داخل قاعة المحكمة (الجراءات المؤسسية والنظمة
المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل.)29 :
و الشفافية من وسائل ضمان النزاهة في تعيين القضاة ،بأن يكون التعيين عبر
المسابقة ،وفي إيطاليا وأوروبا كلها يتم تعيين القضاة ،على أساس مسابقات تنافسية،
مفتوحة لجميع خريجي القانون ،ذوي الوضع الخلقي الجيد (استقلل القضاء في إيطاليا:
جويب دي فيديريكو دليل.)95 :
وبعض الدول تلتزم بالتدرج القضائي ،وتعتبره إجباريا ( كما في بولندا) (استقلل
القضاء في أوربا إدوين ريكوشا:دليل. )67:
ولكن الجراءات البيروقراطية تخلق فرصا لتدخل السلطة التنفيذية (استقلل القضاء
في أوربا إدوين ريكوشدليل .)67 :إن سرية إجراءات الختيار والتعيين وغموضها ،من
-على كل حال -عوائق استقلل القضاة.
وقد لوحظ في عديد من الدول أن السلطة التنفيذية ،من خلل سيطرتها على ترقي
القضاة ،تخل باستقلل القضاء( ،كما في أوكرانيا) (استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش.
دليل.)67 :
وفي عديد من الدول (كإيطاليا) ينص الدستور على أن القرارات الخاصة بقضاة
المحاكم وقضاة الدعاء ،من اختصاص مجلس القضاء ،منذ التعيين حتى التقاعد ،ترقية وتقل
72
وتأديبا وعزل (استقلل القضاء في إيطاليا :جويب دي فيديريكو استقلل القضاء في
إيطاليا:جويب دي فيديريكو دليل.)94 :
على أن حرية الهيئة القضائية في اختيار أعضائها ،ليست من دون عيوب ،ولذلك
يصبح إشراك أكثر من جهة أضمن للستقلل ،كأساتذة القانون في الجامعات ونقابة
المحامين ،ومجالس الدولة الخرى ،وهذا ل يعني انتفاء مصالح تلك الشرائح ،ول يغني عن
التأكيد على القدرات ،ول الشفافية والنفتاح ،وضرورة إطلع الجمهور ومشاركته (لين
هارمر .الستقلل والمسئولية دليل.)165 :
وإذا كان تعيين قضاة محاكم الدرجات العليا ،يهدد استقللهم بسيطرة السلطة النيابية
أو التنفيذية؛ فإن قضاة محاكم الدرجات الدنيا أكثر تهديدا ،لسيما إذا كان ترقيهم يعتمد على
رؤسائهم ،بحيث يحتمل أن يدين القضاة بالولء لمن اختاروهم .فالمشاكل التي يعاني منها
استقلل القضاء ترتبط أحيانا بسيطرة قضاة محاكم الدرجات العليا على الدنيا ،والقضاة
كغيرهم من البشر؛ قد يشعرون بضرورة اللتزام بعلقة طيبة ،مع الجهة التي تعينهم أو تملك
إقالتهم ،ول يمكن تحقيق استقلل حقيقي ،مع قضاة يخافون رئيسهم ،ويتعلق نظرهم برغباته
(استقلل القضاء في أمريكا اللتينية:مار جريت بوبكن.)118 :
من أجل ذلك انتقلت معظم الدول ،إلى إجراءات تعيين تتسم بالشفافية ،تشارك فيها
قطاعات عديدة (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية :مار جريت بوبكن دليل.)115 :
وهذا يجعل من الشفافية أسلوبا ضروريا لتعزيز استقلل القضاء .بإعلن أسماء
المرشحين ،حتى يمكن التقدم بأي اعتراضات على ترشحيهم أو تعليقات ،وفي عديد من دول
أمريكا اللتينية يقوم مجلس القضاء بترشيح قضاة محاكم الدرجة الولى ،وتقوم بتعيينهم
المحكمة العليا( ،استقلل القضاء في أمريكا اللتينية :مار جريت بوبكن دليل .)115 :
[]55
ج -اشتراك السلطات الثلث في تعيين قضاة المحاكم
العليا:
73
عندما يقوم رئيس الدولة بترشيح قضاة المحكمة العليا وتعيينهم ،فذلك يعنى أن
التعيين مسيّس (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية:مار جريت بوبكن دليل .)117 :
وكل تعيين مسّيس ،يفتقد الشفافية ويخضع للتحكم .من أجل ذلك تتأكد أهمية
الشفافية ،ولذلك قيل" :إن شفافية الجراءات التي تتبع في أي تشكيل أي مجلس أو هيئة؛ هي
أهم من التشكيل المجلس نفسه" (دليل الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز
استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين.)26 :
والقضاء الداري نموذج ،فإذا كانت السلطة التنفيذية هي مرجعيته،ل يمكن أن يكون
محايدا في النزاعات؛ التي تكون الدولة خصما فيها ،لن السلطة التنفيذية ل يفترض فيها أن
تكون خصما شريفا ،ول يضمن أن ل تستخدم نفوذها في عدم تنفيذ الحكام ،في مثل أحكام
التجنيس أو قرارات المنع من السفر ،أو طلبات التعويض (انظر استقلل القضاء في
البحرين .زينات المنصوري زينات.)16:
ويجب أن يكون لتوصيات هيئات الترشيح وزن كبير ،وأن تكون سلطة التعيين مقيدة
بالختبار من المرشحين (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل
القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل .)26 :وينبغي أن يتأكد القاضي والناس أيضا أنه إنما
يعين بناء على كفايته ،ل على علقاته (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز
استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل.)28 :
وتطبقا لهذا المبدأ درجت عديد من الدولة الشورية؛ على اشتراك السلطات الثلث في
تعين كبار القضاة ،فتقوم محكمة العدل العليا أو مجلس القضاة أو السلطة التنفيذية بترشيح
قضاة المحكمة العليا ،ثم تقوم السلطة النيابية بتعيينهم ،وتقوم السلطة النيابية أيضا بالموافقة
على أعضاء المجلس العلى للقضاء المحكمة العليا( ،استقلل القضاء في الوليات المتحدة
المريكية :ميراجو راري وراسل ويلر:دليل .)141 :
في بعض البلدان كالوليات المتحدة تشترك جهات في تعيين قضاة المحاكم العليا .إذ
يرشحهم الرئيس أول ،ويوصى مجلس الشيوخ ويوافق ثانيا ،وتصادق عليهم السلطة النيابية
بالغلبية ثالثا ،قضاة المحاكم العليا ،والقضاة الفدراليون يعتبرون أكثر القضاة استقلل في
74
العالم (استقلل القضاء في الوليات المتحدة المريكية :ميراجو راري وراسل ويلر:دليل :
)149
ولكن يلحظ المنتقدون أن الرئيس يضع قائمة بالمرشحين كلها من أعضاء حزبه
السياسي ،فهم مظنة مراعاة صالح الحزب على المنصة .إذن من المؤكد أن ثمة علقة بين
عضويتهم الحزبية وميولهم القضائية( ،استقلل القضاء في الوليات المتحدة
المريكية:ميراجو راري وراسل ويلر:دليل . )149 :
وهناك وسيلة أخرى من ضمانات النزاهة؛ هي أن يشارك المحامون أيضا في الختيار،
وبهذا يكون القرار جماعيا ،وأقرب إلى النصاف ،وبذلك يضمن قيام القاضي بإصدار الحكام،
بناء على مواد القانون ،وينسد احتمال أن يسعى إلى مرضاة من عينوه (استقلل القضاء في
أفريقيا جنيفر وندر دليل.)56 :
ولـ(المجر) تجربة نموذجية ،إذ فيها يتم انتخاب رئيس المحكمة العليا ،بثلثي أصوات
البرلمان ،بناء على ترشيح رئيس الدولة (استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش دليل :
.) 67
وقد تتعدد وسائل المشاركة وأنماطها ،وعلى كل حال فإن تضمن عدم انفراد السلطة
التنفيذية بالتعيين ،وتسهم في تقليل فرص تدخل السلطة التنفيذية في القضاء ،لن تدخلتها-
في النهاية -تجعل مجلس القضاء تابعا السلطة التنفيذية (انظر زينات المنصوري 4 :و .)6
لن انفرادها بالتعيين يعطيها سلطة مركزية على السلطة القضائية ،وتظهر في التعيين
والترقية ،والنظام المركزي يقع تحت خطورة الستبداد (زينات .)8 :
ومن أجل ذلك اتجهت عديد من الحكومات الشورية إلى إشراك أكثر من جهة في
التعيين ،وقد كانت المجر من أنجح النماذج ،حيث إن المتقدمين لمناصب قضائية ،يعينهم
رؤساء المحاكم القليمية ،ويقوم رئيس الدولة بترشيح رئيس المحكمة العليا ،ويتم انتخابه،
بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز
استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل استقلل القضاء ونزاهته.)23 :
بعبارة أخرى تقسم عملية تعيين رؤساء القضاء بين السلطات الثلث:
75
-سلطة ترشح(،التعين الولي).
-و سلطة توافق على الترشيح (التزكية).
وسلطة تصادق (التعيين النهائي) .فتشارك سلطات الدولة الثلث في تعيين أعضاء
المجالس القضائية ،على أن يكون للسلطة القضائية نصيب السد في التعيين على جميع
المناصب القضائية الهامة ،ويجب أن يكون دور السلطة التنفيذية ثانويا (استقلل القضاء في
فرنسا:لويس أوكوان :دليل . )89 :
وفي ذلك تحقيق للتعددية السياسية ،وحد من المؤثرات السلبية الخارجية.
[]56
د-طبيعة التشكيل(المجلس العلى للقضاء نموذجا):
-أول :ينبغي أن تتوازع السلطات الثلث التشكيل ،وذلك من أجل ضمان فاعلية كوابح
المؤثرات الخارجية على القضاة ،وللحد من سيطرة المحكمة العليا ،على باقي أعضاء الهيئة
القضائية (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة
من القانونيين:دليل.)24 :
فما طبيعة التشكيل؟
من أجل ضمان النزاهة أيضا ،يتم تشكيل المجلس العلى للقضاء كما يلي:
-1أعضاء معينون بحكم المنصب ،كرئيس محكمة التمييز ورئيس هيئة التفتيش
القضائي.
-2أعضاء معينون بحكم تمثيلهم ،ممثلين عن مجلس النواب.
-3أعضاء من داخل الهيئة القضائية ،أعضاء قضاة محاكم ما بين 20و ،7ينتخبهم
زملؤهم في إيطاليا وفرنسا وأسبانيا والبرتغال.وفي فرنسا هم خمسة من القضاة الواقفين
(قضاة الدعاء) ،وخمسة من القضاة الجالسين (قضاة المحاكم) (استقلل القضاء في
فرنسا:لويس أوكوان:دليل . )84 :وفي (إيطاليا) ينص الدستور على أن يكون ثلثا أعضاء
المجلس العلى من قضاة المحاكم والدعاء ،وينتخب مجلس النواب الثلث الخر من أساتذة
القانون (في الجامعات) والمحامين ذوي الكفاية المهنية ،التي ل تقل عن 15سنة .وفي
76
(إيطاليا) أيضا ينتخب قضاة المراكز الدنى ،قضاة المراكز العلى ((استقلل القضاء في
إيطاليا:جويب دي فيديريكودليل 94 :و .)95
( -4ما بين 7و 10عشرة) ،أعضاء من خارج الهيئة القضائية أستاذة قانون
جامعيون ،أو محامون ينتخبهم مجلس النواب (كما في ايطاليا وأسبانيا والبرتغال) باعتبارهم
ممثلين عن قطاعات المجتمع الهلي ،وجرت العادة(كما في لبنان وإيطاليا) على أن يكونوا
منّ من أمضى مابين خمس عشرة سنة وعشرين سنة ،في المحاماة أو تدريس القانون في
الجامعة.
ثانيا -ومع هذا ل يضمن استقلل أعضاء المجالس ،كأعضاء محكمة العدل العليا عن
الجهة التي عينتهم ،إذا جددت لهم فترة ثانية ،ول يضمن عدم استبدادهم (في ما لو عينوا
طوال الحياة) إل بأمرين:
الول :تحديد مدة وليتهم مابين أربع سنوات إلى عشر.
الثاني :كونها غير قابلة للختصار ول للتجديد( انظرالقباني ، )16 :لكي يضمن عدم
تأثرهم بمن يملكون قرار التجديد لهم(،انظراستقلل القضاء في إيطاليا:جويب دي فيديريكو
دليل.)94 :
[]57
77
ثانيهما :أن ل نخلط بين المبادئ السلمية وظروف التطبيق والتطبيقات المرحلية،
فهي اجتهادات قد تكون صالحة لحين من الزمان ،أو المكان.
وأهم عيوب الجتهاد القضائي في صياغته العباسية ،أنه اعتبر (المام)؛ هو القاضي
الصيل ،فكل قاض يعينه السلطان-إذن -إنما هو وكيل ،كما قال الشيخ عبد العزيز بن عبد
ال بن حسن "القضاء في السلم ولية من الوليات...و ...هي مسئولية واختصاص ولي
أمر المسلمين -أساسا -يفوضها إلى من يراه أهل لذلك ،فينيبه عنه وكالة ... ،لتوسع رقعة
الدولة ،وكثرة واجباته ،من ما يدفعه إلى طريقة التفويض والتوكيل ،بمعنى قيام ولي المر
بتفويض بعض صلحياته في هذه الولية أو تلك،إلى من يراه أهل لذلك" (لمحات حول
القضاء" .)25-24:فالقضاء إذن ولية يمارسها القضاة ،وكالة عن -المام الكبر ،-فهم
بهذا التصور وكلؤه ونوابه وممثلوه ،في ممارسة القضاء ،و يترتب على هذه النظرية
جملة آثار ،وأحكام مهمة ،منها:
" -1جواز إعفاء القاضي أو عزله ،من قبل ولي المر متى شاء( .لمحات.)25:
-2وكذلك جواز اعتزال القاضي عمله ،وعزل نفسه من هذه الولية ،متى شاء ،لن
من أحكام الوكالة جواز فسخها من قبل أحد طرفيها :الوكيل والموكل.
[ولكن] لتعلق مصالح الناس بالقضاء ،وعدم اقتصار العلقة بين الوكيل والموكل؛ فقد
كره الفقهاء[أي لم يحرموا] ..إقدام ولي المر على عزل القاضي دون مبرر أو موجب
شرعي ،كما كرهوا استعفاء القاضي أو اعتزاله دون المبرر الشرعي ،فقالوا بجواز ذلك
شرعا مع كراهته" (لمحات.)25:
ل يمكن ضمان عدالة القضاء ونزاهته؛ بناء على هذه النظرية ،مادام القضاة مجرد
وكلء عن ولي المر ،يجوز لولي المر عزلهم كما جازت له توليتهم .وما دام عزلهم من
دون مبرر؛ إنما هو مجرد أمر مكروه ،وليس من كبائر الذنوب ،لنه إخلل بضوابط عدالة
القضاء ،وهو في النهاية إخلل عظيم بالدستور .في ظل هذه النظرية؛ ل يمكن أن يكون
للقضاة أمن ول حماية حصانة.
78
ومفهوم الوكالة ينسى أن استقلل القضاء ،ليس امتيازا للقضاة ،وأن معناه العمق
أنه حق من حقوق النسان(شحاته ،)7:أي أن القضاء عندما يكون مستقل؛ فإنه أعظم حام
لحقوق النسان العزل ،أمام قوة الدولة المدججة بالسلح.
وما الذي يضمن العدالة ،إذا فرط بها السلطان ،وجعل القضاء في خدمة القمع والظلم؟.
وحتى لو كان السلطان متميزا في مؤهلت القضاء ،فليس القضاة له بوكلء ،إنما هم
وكلء المة في إقامة القسطاس ،كما قرر الفقهاء في أحكام الوكالة ،فالقضاة مفوضون من
قبل المة ،ولو كان القضاة وكلء عن السلطان ،ل نعزلوا بموته ،كما ينعزل أي وكيل عند
وفاة موكله.
وإنما يعينهم المام –ل بصفة ذلك مبدأ -بل بصفة ذلك وسيلة (إجراءا) ضروريا ،لن
المة ل تمارس سلطتها مباشرة ،إنما تمارسها بالواسطة ،ومن أجل ذلك فإن فكرة توزيع
السلطات أحرى بالعدالة ،وإنما يعين القضاة بضوابط تضمن العدالة ،ول يجوز للسلطان
عزلهم إل بإجراءات تكفل عدم انتهاك مالهم من حصانة.
وصيانة حقوق القضاة ليست حقا من حقوقهم الوظيفية والطبيعية فحسب ،بل حق من
حقوق المواطنين ،لن القاضي هو حارس حقوق النسان ،وإذا لم يتمتع هو نفسه بحقوقه
في الحصانة ،فلن يستطيع أن يدافع عن حقوق الناس.
[]58
ب -نموذج هذه النظرية حكاية قاضي قم:
ماذا يحدث في ظلل ثقافة تحدد مركز القاضي بأنه وكيل ،عن السلطان الذي
هو/القاضي الصيل ،وفي ظلل عدم حصانة القاضي من التعسف في العزل والنقل والحرمان،
وكون السلطان بصلحيات مطلقة؟.
أول ضحايا هذه الثقافة هم القضاة ،أول من تضيع حقوقه هم القضاة
كيف يمكن أن تتوافر للقضاة مثل حصانة ،حين تصبح حصانتهم مثل حصانة قاضي
مدينة قم ،ذلك القاضي العباسي ،الذي عزله السلطان لسبب -كما يقولون -بلغي ،إذ يقال
إن السلطان أراد أن يرحب بقاضي مدينة (قم) اليرانية شعرا ،في أحد المجالس فقال:
79
أيها القاضي بـ(قم)
وحار المير فلم يجد قافية للبيت تناسب كلمة( قم) فقال:
قد عزلناك فقم
فقام القاضي وهو يجر رداءه مناديا :وال ما عزلني إل السجع.
فإذا ضاعت حقوق القضاة فإن حقوق الناس أضيع ،وذلك يفتح المجال لخلل كبير
بالحقوق الساسية للمواطنين ،ثقافية واقتصادية واجتماعية وسياسية.
لن القضاة ليس لهم حصانة ضد العزل التعسفي ،مادام للخليفة حق توليهم القضاة
وعزلهم ونقلهم.
وقد يقال إن الخلفاء الراشدين كأبي بكر وعمر وعلي عينوا وعزلوا ونقلوا وهذا
صحيح ،ولكن فعله الراشدون كان هدفهم استقلل القضاء وتعزيز نزاهته،فما قاموا به –
وسيلة -لضمان العدل ،وعندما فعله غيرهم كان هدفهم الغالب الخلل بالمبدأ نفسه وتبعية
القضاء ،وتسخيره للهواء والتقليل من حياده.
نعم ربما تدخل أبو بكر وعمر ،ولكن حصانة القاضي لم تمسس ،واستقلله لم يخدش.
الستقلل هدف مقدس .ولكن عمر بن الخطاب حقق الهدف بأسلوب شخصي،فمن كان في
مؤهلت أبي بكر وعمر ،فليقس نفسه على وسائلهما ،ولكن السلوب الشخصي ليس هو
القاعدة ،لنه مرتبط بمدى مؤهلت الشخص في العدالة والكفاية ,وتحقيق الهدف بأسلوب
مؤسسي إذن هو القاعدة.
[]59
ج -ولية القضاة حتى سن التقاعد أم طيلة الحياة؟
عندما تكون إقالة القاضي مسألة سهلة ،تضعف ضمانات العدالة والنزاهة .إذ يكون
أكثر عرضة للخضوع للضغوط (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل
القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل .)28 :إن تأمين الولية القضائية مهم في استقلل
القضاء ،بأن ل يقال القاضي أثناء مدة توليه ،إل لخرق مهم مهني أو مسلكي أخلقي يثبت
بالدليل القاطع.
80
والقاضي عند اقتراب انقضاء مدة وليته؛ أكثر عرضة للخضوع للمؤثرات والضغوط
من جانب من بأيديهم مستقبل وظيفته .بل إن القضاة الذين يتطلعون لوظيفة أرقى ،قد
يطوعون أداءهم وأحكامهم تبعا لهذه الظروف ،حتى في غياب أي ضغط خارجي (الجراءات
المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل:
.)31
من أجل ذلك ،صار من ضمانات النزاهة؛ أن تكون ولية القضاء مدى الحياة ،وقد
أصبح هذا الجراء هو السمة الساسية في دول أوروبا الوسطى والشرقية( ،الجراءات
المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل:
)31وفي أمريكيا أيضا يتمتع القضاة بالولية مدى الحياة (استقلل القضاء في الوليات
المتحدة المريكية:ميراجو راري وراسل ويلر:دليل . )144 :
ولكن إذا لم يحدد سن التقاعد ،وصار القاضي يعمل طول الحياة ،هناك محذوران:
-الول :هو أن يضعف أداء القاضي ،فتسهل السيطرة على آرائه ،عندما يهدم ،ومن
الحرج أن يقال.
-الثاني :أن الولية مدى الحياة تسمح بالتقليل من شعور القاضي بالمسئولية ،وتسمح
بحماية القضاة الذين يخلون بالداء.
من أجل هذا وذاك صار الفضل تحديد سن معينة للتقاعد ،عند الستين أو السبعين
(الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من
القانونيين :دليل .)31:كما في إيطاليا والمغرب ،فسن التقاعد الجباري في (إيطاليا) 72سنة
(استقلل القضاء في إيطاليا:جويب دي فيديريكو دليل .)96:وفي المغرب ستون سنة ،كغيرهم
من ذوي الوظائف العمومية.
ولكن التمديد ل يخلو من مشكلت ،لن القاضي عند اقتراب انقضاء مدة وليته؛ أكثر
عرضة للخضوع للمؤثرات والضغوط ،من جانب من بأيديهم مستقبل وظيفته ،وعندما يهرم
القاضي ،يضعف أداؤه ،فتسهل السيطرة على آرائه ،وتعيين القاضي حتى سن التقاعد وكون
81
المدة غير قابلة للتمديد ،ل يحوجه إلى كسب أي تأييد من أي قوة سياسية أو غيرها (انظر:
استقلل القضاء في فرنسا:لويس أوكوان :دليل.)84 :
ولذلك يقترح القاضي السراج تثبيت سن التقاعد بست وستين سنة غير قابلة للتمديد (
السراج ،)24وسواء أكان السن 60أو 66أو 70سنة ،فإن التحديد ومنع التمديد أضمن
للنزاهة.
[]60
82
ولذلك صار من علمات استقلل القضاء؛ حماية القاضي بالنص على أنه ل يجوز نقل
أي قاض أو حتى ترقيته دون موافقته ،لن نقل الترقي من دون رغبته تشوبه شائبة إبعاده،
أو كونه ردود أفعال سياسية على أحكامه (استقلل القضاء في فرنسا:لويس أوكوان دليل :
.)87
[]61
ب-المناصب العليا مرة واحدة ول تجدد؟:
والمدد القابلة للتجديد مجال للخلل بالستقلل ،لن ولء القاضي يحتمل أن يكون لمن
يملكون التجديد له؛ سيكون أكثر من ولئه لمن عينوه (الجراءات المؤسسية والنظمة
المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل .)51 :
يلحظ عديد من الخبراء أن قيام قضاة الدرجة الثانية؛ بانتخاب قضاة الدرجة الولى،
يحمي القضاء من تدخل السلطة ،ولكنه قد يبقي جماعة ذات اتجاه متحفظ ،ول يسمح
بالتجديد ،لن قضاة المحاكم العليا ،يميلون إلى اختيار القضاة الذين يشاركونهم الرأي (دليل
استقلل القضاء في أمريكا اللتينية :مار جريت بوبكن ،)115:ومن هنا مالت بعض الدول
إلى تحديد مدة أعضاء المجلس العلى ،بأربع سنوات ،ل تجدد مرة أخرى.
[]62
ج-موضوعية التأديب والقالة:
إن الفساد ظاهرة اجتماعية ،فصلح القضاة وفسادهم ،ليس منعز ًل عن صلح
المجتمع ،وإن كان القضاة أحرى بالصلح ،ولكن الفساد إذا عم لم يستثن القضاة ،من أجل
ذلك يلحظ في بلدان اشتراكية عديدة (كسلوفاكيا) ،أن الفساد أكثر انتشارا بين الطباء
والقضاة ،و أن قضاة التحقيق والنيابة أكثر فسادا من قضاة المحاكم العامة (كما في بلغاريا)
(استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوشدليل.)72:
والفساد يخلق قنوات متعددة من التدخلت والمؤثرات.
هناك علقة بين احترام الذات والستقلل والنزاهة في اتخاذ القرار ،وإن كانت غير
واضحة (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من
83
القانونيين :دليل )41 :والقضاة الذين ل يشعرون بالكرامة مهنيا ،أقل قدرة على مقاومة
الفساد ،ومقاومة الضغوط الخارجية.
من أجل ذلك صار من ضمانات عدالة القضاء ونزاهته؛ محاسبة القضاة المخلين
بواجباتهم .فالتأديب جيد في معاقبة القضاة الذين ليسوا على دراية كافية بتفاصيل السلوك
المخل بالخلق القضائي (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل
القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل.)41:
وتطبيق إجراءات التأديب بشكل صحيح؛ ينقي المؤسسة القضائية من المتهاونين ،وهذا
أمر بديهي.
وأيضا وهذا أمر مهم ،يحمى كرامة القضاة المتهمين جزافا ،من قبل الذين يخسرون
قضاياهم ،ولسيما المحامون و النافذون.
ولكن هناك من هذا الخير شر ينبغي الحتراز منه ،وهو أن الليات التأديبية ،التي
تتخذ لقمع الفساد ،من الممكن أن يساء استغللها ،لغراض سياسية (استقلل القضاء في
أوربا إدوين ريكوشدليل )72:أو لنشر الفساد نفسه.
و-عند تقييم أداء القضاة-هنا بضع مسائل:
-أولها:إن القضاة من أكثر الناس عرضة لذم الناس ،من محامين وخصوم .ومن
الضروري حماية القضاة ،من الهجوم التافه والظالم ،و من التشهير بهم من جانب خصوم
غير راضين ،يسعون إلى استغلل نظام التأديب ،بديلً عن إجراءات الستئناف أو وسيلة
للنتقام (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية:مار جريت بوبكن :دليل126:
-ثانيتها:لن القضاة عرضة للتهام لسباب سياسية ،وقد يكون السبب في التأديب؛
معاقبة القضاة الذين يصدرون أحكاما معاكسة لراء رؤسائهم (الجراءات المؤسسية
والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل )29:أو لمعاقبة
القضاة المستقلين ،كما سبق ذكره بأن النقل والترقي دون موافقة القاضي أيضا يعتبر إجراءا
تأديبيا ،يهدف إلى المحافظة على السيطرة الهيكلية (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية:مار
جريت بوبكندليل .)124:وقد يستخدم عقابا للقضاة المستقلين أكثر من ما يريد رؤساؤهم
84
وزملؤهم (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة
من القانونيين:دليل.)41:
-ثالثتها:من مخاطر التقييم أن يكون مكافأة للذين يتوافقون مع الثقافة السائدة ،
وعقابا للذين ل يتوافقون معها ويظهرون مستقلين (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية:مار
جريت بوبكندليل.)126:إن استقلل قضاة محاكم الدرجة الولى مهدد في ظل سيطرة قضاة
محاكم الدرجات العلى ،حيث إن النظام قد يكافئ الذين يطبقون الحكام التي ترضى عنها
محكمة الستئناف ،ويطبقون المعايير التي ستطبقها المحكمة سواء كانوا يعتبرونها هي
التفسير الصحيح في دعوى معينة أم ل.
على أن حق الستئناف حماية للطراف ،وليس وسيلة للسيطرة الهرمية الهيكلية داخل
الهيئة القضائية (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية:مار جريت بوبكندليل )133:في ظل
ضوابط محددة ،يمكن تحقيق التوازن بين حق القضاة في الشعور بالمان والترقي
الوظيفي ،وترسيخ الولية القضائية ،فى المسائل المتعلقة بالسيطرة الدستورية(استقلل
القضاء في أمريكا اللتينية:مار جريت بوبكن:دليل.)136:
[]63
85
بالمجلس العلى للقضاء (السراج ،)23وكذلك النتداب أيضا ،وأن ل تكون لوزارة العدل
سلطة فيه ،إذ إن تدخل وزارة العدل في إجراءات التأديب ينال من استقلل القضاء.
-3وجود معايير (مبادئ) محددة للتأديب والقالة.
-4وجود (وسائل) ضمانات إجرائية (استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش:دليل:
.)78
-5ينبغي أن يكون بعض أعضاء لجنة التأديب من قضاة المحكمة العليا ،وبعضهم من
مجلس القضاة ،وبعضهم من المجلس النيابي ،وبعضهم من المحامين (استقلل القضاء في
أمريكا اللتينية:مار جريت بوبكندليل.)125:
-6يبد أنه من ما يقلل من اللجوء إلى إجراءات التأديب ،أن يكون هناك تقييم دوري
فعال لكل القضاة.
-7أن تكون جهات التقييم والتفتيش غير جهات التأديب ،كأن يكون التقييم من مجلس
القضاء العلى ،على أن يوصي المحكمة العليا ،بوقف أو إقالة القضاة الذين يثبت أن أداءهم
غير مرضى ،فيكون للمحكمة العليا سلطة إجراءات التأديب ،ويكون لمجلس القضاء العلى
سلطة التقييم( ،استقلل القضاء في أمريكا اللتينية :مار جريت بوبكندليل.)125:
من أجل أن يكون التأديب موضوعيا ،ينبغي أن ل تستبد به جهة واحدة ،فإذا كان ذلك
للسلطة النيابية أو التنفيذية تداخلت العوامل السياسية والهواء ،و إذا استبدت الهيئة
القضائية؛ أمكن معاقبة المستقلين الذين ل يرضى عنهم رؤساؤهم ،ولبد من ضمانات في
التأديب والحماية معا( انظر استقلل القضاء في الوليات المتحدة المريكية:ميراجو راري
وراسل ويلر :دليل .)147:
في (سلوفاكيا) نقلت إجراءات عزل القاضي من البرلمان إلى الرئيس ،بصفته مسئولً
منتخبا أقل تحزبا (استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش دليل )71 :وفي الدول التي ل
يكون فيها انتخاب؛ من الطبيعي أن تكون القالة ورفع الحصانة ،من مجلس منتخب ،أو من
هيئة معينة من مجلس النواب.
86
-8ازدياد شفافية الجراءات يوفر حماية للقضاة ،الذين قد تطحنهم عربة الجماع
المؤسسي (لين هارمر .الستقلل والمسئولية دليل.)167:
-9ومن الضروري لحماية القضاء أن يحصر النظام الحالت التي يجوز فيها عزل
القاضي ،وأن يحدد إجراءات ملزمة لها ،وأن ل تعطى أي جهة سلطة القياس عليها ،وأن
يكفل له حق التظلم والطعن (زينات.)10:
إن عدم قابلية القضاة للعزل مبدأ دستوري وقانوني ،والعزل استثناء ،والستثناء ينبغي
أن يكون محددا مقيدا ،في حالت جوازه ،وحالت إجراءاته معا (زينات.)10:
[]64
87
وبهذا المعيار يتجلى مبدأ اعتبار القضاء سلطة مستقلة ،على قدم المساواة مع
السلطتين التنفيذية والنيابية ،وذلك أمر يقيني محتوم ،يستند إلى المفهوم الدستوري للحكم،
وليس قضية قابلة للجدال والجتهاد( ،انظر استقلل القضاء في مصر :حق المواطن العربي
في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي .محمد كامل عبيد.)7 :
ومقتضى ذلك أنه ل يجوز للسلطة التنفيذية ول النيابية ،أن تعدل قواعد الختصاص،
إل في إطار استقلل القضاء ،إن أي محكمة خارج نطاق السلطة القضائية؛ – تعتبر غير
شرعية ،لنه ل يمكن الطمئنان إلى حيادها ،ولو طبقت القواعد القضائية التي يطبقها
القضاء المستقل (كامـل.)7 :
[]65
ب-مساوئ المحاكم الستثنائية :
فالمحاكم الستثنائية تخل بمبدأ المساواة أمام القانون ول عبرة بالمبررات ،التي تزعم
أنها ضرورية من أجل تنظيم العدالة (انظر:كامل )10:ولها مساوئ فظيعة منها:
-1اللتجاء إلى المحاكم الستثنائية ،من سمات النظم الدكتاتورية ،مهما أظهرت
الدولة أنها لحسن سير العدالة .حين تحل الشرعية الثورية ،محل الشرعية القانونية
الدستورية ،ويصبح مجلس الثورة مثابة جهاز رقابة ووصاية على مجلس النواب ،عندها
يصبح القضاء بصرف النظر عن نصوصه ،خاضعا من حيث تطبيقه لمجلس قيادة الثورة,
فهي المرجع والموجه ،وتكون قرارات قيادة الثورة غير خاضعة لي رقابة قضائية ،بل
تصدر أحكاما قضائية تخالف الدستور (استقلل القضاء في العراق :النظام القضائي في
العراق .عبد الحسين شعبان /شعبان .)4-3 :وهذه الشرعية الثورية هي ما أودى بالقضاء
العراقي في عهد صدام حسين ،بعد أن كان في عهد الملكية يعد من أفضل القضية نزاهة
وكفاءةً ،بعد القضاء المصري (شعبان.)12:
88
-2إنما تؤثر الدولة المستبدة القضاء الستثنائي ،بحثا عن قضاء مستكين( ،غازي
الغرايري) سواءا كانت الستكانة في السس القانونية ،التي تصنعها وفق هواها ،أم في
الشخاص الذين تختارهم وفق هواها ،أم في الوقائع التي تكيفها حسب أغراضها.
-3وهو نموذج للزدواجية في القانون ،حيث يصبح في الدولة قانونان تطبق الدولة
منهما ما يدعم استبدادها أو ظلمها.
ومن أوضح نماذج القضاء الستثنائي القضاء العشائري في العراق ،ومع أن العراق
أصدر القانون الساسي (الدستور) مبكرا عام 1925م .ونص على مبدأ استقلل القضاء
(وشموله ووحدته) ،فقد صدر قانون دعاوى العشائر ،الذي تم تفعيله ،لغراض سياسية،
إبان الحرب العراقية اليرانية منذ عام 1980م ،فصار لرؤساء العشائر سلطة قانونية من
أجل كسب رضاهم ،وضرب المجتمع الهلي المدني ،بالمجتمع الهلي البدوي ،وصار لقانون
العشائر صفة قضائية ،وأعدم بموجبه عديد من المسئولين العراقيين ،وبد ًل من أن تخضع
العشيرة لمنطق الدولة ومنطق القانون الدستوري ،خضعت الدولة لمنطق العشيرة
(عبدالحسين شعبان :القضاء في العراق .)3:فحلت الشرعية العشائرية البدوية محل
الشرعية القانونية الدستورية الطبيعية المدنية.
-4والستثناء مهما تلطفوا في تسميته هو الظلم بعينه .لنه خروج على القواعد
العامة الموضوعية ،لن الهيئات الستثنائية ،كما وصفها الكواكبي من طبائع الستبداد
والستثناء ل يعرف حدا ول قاعدة.
-5مهما كانت المبررات كنشوب حرب أو تفاقم أزمة ،أو قيام طوارئ ،فكل هذه
المبررات ،ل يمكن أن تنفي أن القضاء الستثنائي من عوامل ذهاب هيبة القضاء ،وقدسيته،
واهتزاز الثقة به.
-6تتسم المحاكم الستثنائية بالستعجال والختصار ،وتسرع إصدار قراراتها ,وهي
غير محددة ،ول متوافقة مع قواعد القضاء ،وتخل بحق الدفاع ،وتجهض ضمانات
المتقاضين ،وسلطات القضاة فيها تتيح لهم الخروج على قواعد الجراءات.
89
-7ومن سمات المحاكم الستثنائية و لسيما العسكرية ،سهولة أحكام القاسية،
العدام والشغال الشاقة المؤبدة.
-8ومن علمات الظلم في المحاكم الستثنائية ،أن ينص على عدم جواز الطعن في
أحكامها ،لن هذا النص غير دستوري (استقلل القضاء في مصر :حق المواطن العربي في
اللجوء إلى قاضيه الطبيعي.محمد كامل عبيد . )25 :و هي أعظم ظلم من سمات حكم
الستبداد ،كون أحكامها ل تقبل الطعن أمام أي مرجع آخر عدا أحكام العدام التي تستوجب
مصادقة رئيس الدولة (استقلل القضاء في العراق:النظام القضائي في العراق.عبد الحسين
شعبان /شعبان .)15
-9ومن سمات المحاكم الستثنائية كون التنفيذ فوريا.
-10على أن من عيوبها أيضا أنها تخل بمبدأ علنية المحكمة ،وهو أهم إجراء يتيح
للجمهور مراقبة العدالة ،فتنظر الدعاوى سرا في غرف مغلقة ،وهذا ينافي مبدأ علنية
الخصومة ،ووجوب حضور الجمهور ،وهو مبدأ إسلمي أكده الفقه القضائي في السلم
(انظر تبصرة الحكام لبن فرحون) ,وهو مبدأ أقرته أيضا الدساتير (استقلل القضاء في
الردن :تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية في استقلل القضاء .فاروق الكيلني.)19:
[]66
ج-القضاء الستثنائي ومعايير استقلل القضاء:
ومبدأ القاضي الطبيعي يكمل مبدأ الستقلل ومبدأ حياده والمبادئ الثلثة :الستقلل
والحياد والقاضي الطبيعي يكمل بعضها بعضا ،فانتزاع الدعوى من يد القاضي الطبيعي،
وجعلها من اختصاص قاض آخر ،يعتبر تدخل ،يعتبر تدخل ،لن القاضي الطبيعي ،هو
القاضي الصيل صاحب الولية في الدعوى (كامل )6 :وكل جهة تنشئها السلطة التنفيذية
للفصل في الدعاوى ،ل يمكن اعتبارها من المحاكم ،ول تعد قضاءا طبيعيا (كامل )6 :
وقد حمل القانونيون والقضاة ودعاة حقوق النسان ،على ظاهرة انتشار القضاء
الستثنائي ،فوصفه هيثم مناع المتحدث باسم لجنة حقوق النسان العربي في أوروبا ،بأنه
خليا سرطانية في جسم القضاة" (القضاء في سورية . )1:
90
والدخول في "المحاكم الستثنائية عدوان صارخ على استقلل القاضي وحريته
وحياده واستقلله.
ولذلك ينادي بعض الفقهاء بضرورة تأديب أي قاض طبيعي يدخل في تشكيل هيئة
استثنائية ،لن تصرفه المشين إهدار للدستور ،وإخلل بالمساواة ،وإهدار لكرامة القضاء
والقضاة ،قبل أن يكون إهدارا لحقوق المتنازعين والمهتمين ،لن القاضي يقوم بانتهاك
صريح.ويقوم بهذه الجريمة عن عمد وإصرار.
وفي هذا تأكيد على اعتبار القضاء سلطة مستقلة بالولية القضائية كاملة ،وانفرادها
بالفصل في المنازعات والخصومات ،وإنشاء محاكم الستثنائية اعتداء على السلطة
القضائية كامل ) 4 :وانتقاص من وليتها العامة ،وإخلل بمبدأ المساواة ،لما في الخاص
من اختلف المساطر والجراءات (السراج.)12 :
ولن القضاء الستثنائي مخل باستقلل القضاء نصت كثير من دساتير الدول المتقدمة،
على أنه ل يجوز للمجلس النيابي ،فضلً عن السلطة التنفيذية ،إنشاء محاكم عسكرية ،على
أن الدول التي أقرته حصرت المحاكم العسكرية بوقت الحرب ،وحصرتها بمحاكمة
العسكريين ،فل يحال إليها مدني ،وجعلت تبعيتها لوزير العدل كما في ألمانيا والكويت
(استقلل القضاء في مصر :حق المواطن العربي في اللجوء إلى قاضيه الطبيعي.محمد كامل
عبيد.)3:
من أجل ذلك أصدر المؤتمر العالمي لستقلل العدالة ،المنعقد في كندا سنة 1983م،
العلن العالمي لستقلل العدالة ،ونصت المادة الثانية على حظر إنشاء المحاكم الستثنائية
(كامل.)4 :
ولذلك ينبغي النص في الدستور؛ على حظر المحاكم الستثنائية والخاصة ،حتى تتحقق
الولية الكاملة للقضاء العادي (كامل . )25 :
كما نص الدستور اليمني الصادر 1994م (المادة )149على أن "تتولى المحاكم الفصل
في جميع المنازعات والجرائم" ونص في المادة ( )150على أنه "ليجوز إنشاء محاكم
91
استثنائية بأي حال من الحوال" (استقلل القضاء في اليمن حمود الهيتار.)3 :كما فعل
الدستور السويسري أيضا (شعبان .)6 :
إن إنشاء المحاكم الستثنائية ؛ إنما هو هروب من القضائي الطبيعي ،وهذا انتهاك
لمبدأ العدالة ،وهو بدعة تخالف أحكام الشريعة كما يقول الدكتور محمد كامل عبيد .)21
[]67
د-الفرق بين القضاء الستثنائي والخاص:
وهناك فرق بين القضاء الستثنائي والقضاء الخاص ،فالمحاكم الستثنائية هي التي ل
تخضع لقانون القضاء العام ،أو ل تخضع لشراف القضاء ،أو ل تتوافر في قضاتها شروط
تعيين القضاة ،كمحاكم أمن الدولة-،في عديد من الدول العربية -ومحاكم أمن الثورة،
والمحاكم العسكرية ،والمحاكم البوليسية .واللجان التجارية والمصرفية والمالية الخ.
أما القضاء الخاص ،فيمكن أن توجد فيه محاكم خاصة ،عسكرية ونحوها،بشروط
ثلثة:
-أن يكون تأهيلهم المهني والعدلي كقضاة المحاكم العامة.
-أن يكون القضاة في المحاكم (العسكرية مثلً) من ملك القضاة العادي.
-أن ينحصر الشراف عليه وتعيينهم وعزلهم؛ بمجلس القضاء العلى (انظر استقلل
القضاء في لبنان:تنظيم واستقلل السلطة القضائية .خالد القباني قباني ،)12 :شأنهم في ذلك
شأن محكمة المطبوعات أو المحاكم العقارية أو المستعجلة.
[]68
92
أ-سبب ازورار الفقهاء الحرار عن القضاء:
الحياد والنزاهة هي مقتضى مفهوم المساواة ،في كل قانون قضاء عادل ،فجميع الناس
أمام شريعة ال سواء ،فل فاضل أمام منصة القضاء ول مفضول ،ول محاباة قوي على
ضعيف ،ول لغني على فقير ول لشريف النسب على مغمور ،ول لحاكم على مرءوس .هذه
الحقيقة أعلنها السلم قبل قرون من ظهور مصطلح (القاضي الطبيعي) الذي عرف في
أوربة منذ عام 1215م ،فقال الرسول صلى ال عليه وسلم "إنما أهلك من قبلكم أنهم إذا
سرق فيهم الشريف تركوه ،وإذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد ،و وال لو أن فاطمة بنت
محمد سرقت لقطعت يدها" (رواه مسلم) ،كما قال أبو بكر أيضا "أل إن أقواكم عندي الضعيف
حتى آخذ له الحق ،وأضعفكم عندي القوي حتى آخذ منه الحق (تاريخ بن الثير )2/151 :
نقل عن كامل.)15 :
وقد تحاكم عدد من الخلفاء الراشدين إلى قضاتهم فحكم عليهم قضاتهم ،فقد حكم شريح
القاضي على عمر بن الخطاب ،فلم يغضب منه عمر ،بل وله قضاء الكوفة قائلً "وهل
القضاء إل هذا ،سر يا شريح إلى الكوفة فقد وليتك قضاءها" وخاصم علي يهوديا إلى شريح،
فحكم شريح على علي .وحكم القاضي أبو يوسف على الخليفة المهدي ،ورد القاضي ابن
عين الدولة شهادة السلطان الكامل أيوب عندما شهد في خصومة ،لن السلطان يقيم مجالس
المجون (انظر كامل.)20 :
وظهرت في تاريخنا السلمي ظاهرة فرار الفقهاء من القضاء لما تغولت الدولة،
وانتهكت القضاء ،تدخلت في شئونه .ولكن مع كل ما حصل" ،لم يبلغ بهم (أي المراء) إلى
ابتداع محاكم قضائية استثنائية ،مخالفة للشريعة (كامل.)22 :
ولذلك اعتذر كثير من الفقهاء عن ولية القضاء في العهدين الموي والعباسي ،كأبي
حنيفة وصاحبه محمد بن الحسن،وسفيان الثوري .وقد يكون ذلك منهم ورعا شخصيا خوفا
من عدم قدرتهم الشخصية على العدل ،ولكن هذا مستبعد ،لن عديدا من الشخصيات التي
رفضت كانت ذات كفاية قضائية ،ولن قمة الورع الشخصي خدمة الملة والمة.
93
لسيما وقد قرر الفقهاء كالغزالي أن القضاء أفضل من الجهاد(فارس )19:وقرروا أن
الكفء يجب إلزامه إن رفض (فارس.)19:
ولكن سبب فرارهم أنهم يرون السلطة التنفيذية –إن لم تتدخل في مابين يدي
القضاء-تستثني القضايا من القضاء ،فهي ل تحيل إلى القضاء المسائل السياسية والعسكرية
والمالية ،التي فيها نزاع بين الحكومة وأشخاص أو هيئات ،داخل الدارة الحكومية أو
خارجها ،فضل عن قضايا المعارضة السياسية.
وأوضح مثل لذلك قضية (الزندقة) وهي أوضح دليل على التحكم والهوى ،فعندما نشط
المهدي وابنه الرشيد ،للقضاء ،على تيارات الزندقة ،لم ينتدب القضاة لمحاكمة المتهمين
محاكمات علنية مستقلة عادلة ،بل قام بمحاكمتهم بنفسه ،أو عبر وكيله "صاحب الزنادقة".
ولكن في ماعدا أقوال متفرقة للفقهاء كابن تيمية ،ل نجد للفقهاء فكرا على قدر من
الصلبة والوضوح والكثرة والشيوع ،يرفض هذه المزاولت المخلة بعدالة الشريعة .إن مثل
وظيفة (صاحب الزنادقة) ،فضل عن ما عداها تعتبر من القضاء الستثنائي.
وإنشاء المحاكم الستثنائية؛ إنما هو هروب من القضائي الطبيعي ،وهذا انتهاك لمبدأ
العدالة ،وهو بدعة تخالف أحكام الشريعة (كما يقول الدكتور محمد كامل عبيد .)21
[]69
ب -إذا كان القاضي للسلطان وكيل ،أشرعت أبواب
التدخلت:
من أهم ضمانات عدالة القضاء ونزاهته كف يد السلطة التنفيذية عن التدخل في شئون
القضاء .وأن يحاسب أي مسئول من السلطة التنفيذية ،يثبت أنه حاول التأثير على القضاة،
ول يكفي أن يتقرر ذلك نظاما ،بل لبد من التطبيق الفعال له كما أوصى مؤتمر العدالة العربي
الول.
لكن هذا المبدأ ل يمكن بناؤه على النظرية الفقهية الكسروية السائدة؛ التي تقول:
إن (السلطان)؛ هو القاضي الصيل ،وإنما قاضي المحكمة الذي يعينه السلطان وكيل،
والقول بان "القضاء ولية يمارسها القضاة ،وكالة عن [السلطان] ،وأنهم وكلؤه ونوابه
94
وممثلوه ،في ممارسة القضاء ،يترتب عليه جملة آثار مهمة ،منها (انظر لمحات":)25:جواز
ممارسة [السلطان] القضاء متى أراد؛ مع وجود القضاة المفوضين بذلك وغيابهم ،دون لجوء
إلى عزلهم ،لن [السلطان] بذلك التفويض لم يتنازل عن حقه وواجبه للقضاة ،وإنما وكلهم
وأنابهم عنه ،والمعلوم والثابت شرعا أن للموكل في عقود الوكالة أن يمارس جميع ما فوض
وكلءه به متى شاء ،مع استمرار عقد الوكالة ،وسريان أحكامها" (لمحات .)25:
هذه القاعدة ليست من هدي الشريعة ،ول من هدي الطبيعة ،إنما هي من النوابت
السفنجية الرخوة ،التي تنبت في كهوف القمع السياسي ،وهي تحريف ما أنزل ال به من
سلطان .ولم يقل بها فقيه يعتد به .فقد كان القضاة خلل التاريخ السلمي نموذجا للنزاهة
والعدل ،والحكام لم يستطيعوا التدخل السافر في شئون القضاء ،إنما كانوا ل يحيلون بعض
القضايا السياسية والمالية والدارية إلى القضاء.
من أجل ذلك ينبغي وضع إجراءات كافية ولسيما في القضاء الداري ،الذي من
وظائفه حسم النزاعات بين الحكومة والفراد ،تكفل حياده واستقلله .وضابط ذلك أن ل تكون
الحكومة (مرجعية) للقضاء الداري .لن كل قضاء تكون السلطة التنفيذية هي مرجعيته،ل
يمكن أن يكون محايدا؛ في النزاعات التي الدولة خصيم مكين فيها ،لن السلطة التنفيذية ل
يتوقع أن تكون خصما شريفا ،ول يضمن أن ل تستخدم نفوذها في التأثير على قرارات
القضاء الداري أو ل يضمن تنفيذها أوامره ،في مثل أحكام التجنيس والمنع من السفر ،أو
طلبات التعويض (استقلل القضاء في البحرين .زينات المنصوري.)16:
[]70
=20المعيار الثاني عشر :هيئة
التحقيق والدعاء العام تتبع القضاء
أو يشرف عليها:
أ -التحقيق عمل من أعمال القضاء:
قرر الفقهاء أن التحقيق نوع من أنواع القضاء ،ومعنى ذلك أمران:
95
-الول:أن تكون للمحقق الصفات المهنية والمسلكية ،المشترطة في القاضي (الكفاية
والعدالة).
-الثاني :أن يكون محصنا من التعسف في العزل والنقل والترقية ،أي أنه مرجعيته هي
المؤسسة العامة للقضاء.
ولكن لم تكن العادة مطردة في التحقيق ،في نظام القضاء الموي والعباسي ،ففي
قضايا الفراد كان القضاة يتولون ذلك ،وفي القضايا الكبيرة والسياسية والدارية؛ كان الولة
الخلفاء يتولون ذلك.
وكان الولة يمارسون التعذيب البشع ،ل بحثا عن الحقيقة فحسب ،بل نكال ،وفي
ماعدا أقوال متفرقة للفقهاء كالغزالي ،ل نجد للفقهاء فكرا على قدر من الصلبة والوضوح
والكثرة والشيوع ،يرفض هذه الممارسات المخلة بعدالة الشريعة.
[]71
ب-استقلل قضاة التحقيق عن الحكومة في الدول
الدستورية:
ولن التحقيق قضاء ،فقد راعت الدول الدستورية أن يكون قضاة التحقيق والدعاء
مستقلين ،ولضمان الستقلل ينبغي أن تكون النيابة العامة أو هيئة التحقيق والدعاء العام)،
جزءا من الهيئة القضائية؟ ،لن المحققين قضاة ،ولذلك يسمون في فرنسا بـ(القضاة
الواقفين) وقضاة المحاكم بـ(القضاة الجالسين) (استقلل القضاء في فرنسا:لويس أوكوان:
دليل.)83 :
وحيث إن القضاة الواقفين جزء من هيئة القضاء ،في فرنسا؛ صار من الممكن انتقال
القضاة الواقفين إلى مناصب القضاة الجالسين ،و انتقال الجالسين إلى مناصب الواقفين
(استقلل القضاء في فرنسا:لويس أوكوان :دليل.)89:
وفي إيطاليا يتمتع أعضاء الدعاء بضمانات الستقلل ،التي يتمتع بها قضاة المحاكم
(استقلل القضاء في إيطاليا :جويب دي فيديريكو دليل.)93 :
وقد اهتمت بعض الدول العربية بهذه الضمانات .ففي الجزائر يكون القضاة الواقفون،
بأهلية القضاة الجالسين (استقلل القضاء في الجزائر جادي عبد الكريم جادى .)4
96
ونص نظام القضاء اليمني (في مادته )149على أن النيابة العامة هيئة من هيئات
القضاء ،وعلى أنه ل يجوز لي جهة وبأية صورة التدخل في القضايا ،أو في شأن من
شئون العدالة ،وأن هذا التدخل جريمة يعاقب عليها القانون ،ول تسقط الدعوة فيها بالتقادم.
ونص قانون السلطة القضائية البحريني (المادة )2الصادر سنة 2002م على أن "يتم
تشكيل النيابة العامة ،بصفتها إحدى أدوات وأجهزة السلطة القضائية" (زينات المنصوري.
استقلل القضاء في البحرين).
[]72
97
الثانية :سجن العقوبة :بأن يسجن المرء تنفيذا لعقوبة أصدرها القضاء ،وهذا قرار
يصدره-أيضا-قضاة ،ولكنهم قضاة المحكمة ،فالسجين-إذن -بين يدي القضاء ،إما في
مرحلة (استجلء أمر أو في مرحلة تنفيذ العقوبة) ،وكل المرحلتين يقوم بها القضاة.
[]73
ب-ضمانات إشراف القضاء على السجون:
ولذلك يرى عديد من القضاة والمحامين وأساتذة القانون "إلحاق إدارة السجون" بوزارة
العدل ،لن ذلك إجراء جواهري ،يكرس سلطة قضائية فعلية مستقلة للقاضي ،ويكرس
ضمانات للمتهمين والمعاقبين ،عند التطبيق.
وبذلك أيضا وهو أمر مهم -يكون عند القضاة إدراك عملي لبعاد أحكامهم ،كي ل
يكون القاضي مجرد حلقة في سلسلة تديرها هيئات ل تعطي أحكامه البعاد المناسبة لها.
فتحول السجون إلى مفارخ للجريمة والتمرد ،والحقد والتوتر( .انظر استقلل القضاء في
تونس غازي الغرايري .)13 :ولكي يدرك القضاة عندما يحكمون بالسجن ما طبيعة السجن،
وإجراءاته ومدى التناسب بين الجريمة والعقوبة.
ولذلك وجدت في بعض النظم القضائية؛ وظيفة (قاضي العقوبات) ،ومدار اختصاصها
السجين الذي صدرت عليه أحكام عقابية ،كما في القضاء التونسي الصادر (سنة 2000م)
(غازي الغرايري .)13 :
[]74
=22المعيار الرابع عشر:أن ينفذ
القضاء أحكامه بنفسه (بتعيين قاض
تنفيذي في كل محكمة):
أ-الفرق بين الفتوى والقضاء:
98
عرف الفقهاء القضاء من خلل تفريقهم بين الفتوى والقضاء ،أن القضاء يتفق مع
الفتوى ،في أن كل منهما يقوم ببيان الحكم الشرعي .ولكن القضاء يزيد على الفتوى بأنه
ملزم ،فللقضاء إذن ركنان:
-الول بيان الحكم الشرعي
--الثاني :اللزام به ،فتعريفات القضاء جميعا مؤداها أن القضاء هو إلزام
وتنفيذ (انظر:الفروق للقرافي و تبصرة الحكام لبن عابدين).
إذ إن من أهم مظاهر امتلك القضاة سلطة فعلية ،أن ل تكون مهمتهم النطق بالحكام
فحسب ،إن القضاء قد يصدر أحكاما ضد السلطة التنفيذية ،أو أحكاما على درجة كبيرة من
الهمية ،كحجز الممتلكات ،ومصادرة الصول والرهن العقاري ،والسجن والخراج من
السجن ،والذن بالسفر والمنع من السفر ،وكذلك الحكم بعدم دستورية قانون ،أو مطالبة
الدولة عامة ،أو الحكومة خاصة بتعويضات مالية.
وتمرد السلطة التنفيذية ،في الذعان لحكام القضاة الصادرة ضدها في مثل هذه
القضايا ،مؤشر على ضعف ضمانات نزاهة القضاء فضل عن عدالته (انظر الجراءات
المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل:
.)49
وفشل المحاكم في فرض اللتزام بأحكامها ،يحبط أيضا عزائم القضاة عن اتخاذ
القرارات الصعبة تحت مبرر :ما فائدة اكتساب العداء ،إذا لم يمكن تنفيذ الحكام؟
(الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من
القانونيين :دليل.)49 :
من أجل ذلك ل يمكن القول باستقلل أي قضاء ،إذا كانت أحكامه ل تنفذ (استقلل
القضاء في الجزائر .جادي عبد الكريم .)7 :وإذا كان الشعور بالحرمان والظلم والضطهاد
يتولد من عدم العتراف بالحق ،فإن الحق الذي يعترف به نظريا ول ينفذ ،يولد التمرد
الجتماعي والسياسي ،و يجسد عجز سلطة القضاء الفدح (جادى.)7:
99
إن عدم تنفيذ الحكام أو سوء تنفيذها ؛ ظاهرة معروفة في كل النظمة القضائية
الفاسدة ،وليس هناك ما هو أسوأ من كون أحكام القضاء حبرا على ورق(استقلل القضاء في
تونس غازي الغرايريغازي الغرايري . )12 :
[]75
ب -كيف يضمن القضاء تنفيذ أحكامه:
ولضمان تنفيذ أحكام القضاة أسلوبان:
-السلوب الدنى :أن يترك القضاء التنفيذ للسلطة التنفيذية ،ولكن يتابع مراحل تنفيذها
أحكامه ،من خلل إنشاء مكتب للمتابعة في كل محكمة ،يرأسه (قاض متابع).
-السلوب العلى :أن تقوم المحكمة بتنفيذ الحكم مباشرة ،بإنشاء مكتب يرأسه قاض
تنفيذي في كل محكمة ،ويدير القاضي مجموعة من الكتبة والجنود ،لضمان التنفيذ ،وقد
درجت على ذلك دول دستورية عديدة.
وفي بعض البلدان العربية ،يتم تنفيذ أحكام القضاء ،على يدي القضاة ،كما في
المغرب (استقلل القضاء في المغرب أحمد السراج /السراج ,)8 :وفي لبنان (الذي تأسي
بالقضاء الفرنسي) فقد نصت المادة 827من قانون أصول المحاكمات المدنية ،على أن تنشأ
دائرة للتنفيذ ،يرأسها القاضي المنفرد ،في المنطقة التابعة لها ،وتتولى دائرة التنفيذ الشراف
على تنفيذ القرارات والحكام والوامر الصادرة من المحاكم على اختلف أنواعها ،وتتألف
دائرة التنفيذ من رئيس هو قاض منفرد ،يعاونه مأمور أو أكثر ،من المساعدين القضائيين
(استقلل القضاء في لبنان :تنظيم واستقلل السلطة القضائية .خالد القباني.)3 :
[]76
100
إن معرفة الساس القانوني للحكم في أي قضية؛ مسالة ل غنى عنها في أي قضاء
عادل ،لن ذلك من عوامل نجاح القضاء ،في تحقيق العدالة والنزاهة والشفافية والمساواة
معا.
ففي مبدأ العدل من الممكن أن يعتبر عمل ما ،أخلقيا في قانون ،وغير أخلقي في
قانون آخر ،فشرب الخمر عمل غير أخلقي في القانون السلمي ،ولكنه أخلقي في القوانين
غير السلمية.
وفي مبدأ المساواة؛ ينبغي أن تكون العقوبة محددة ،والحكام على تلك الجريمة
متشابهة ،فشرب الخمر جريمة في الدستور السلمي ،ولكن ليس من العدل و ل المنطق
القضائي إصدار أحكام متباينة في القضايا المتشابهة ،وذلك مخل بالمساواة ،ومخل أيضا
بالشفافية ،ويعطى انطباعا باختلل النزاهة .إن تعددية القوانين واضطرابها ،يعقد الجهود
التي تبذل في سبيل استقلل القضاء( .استقلل القضاء في أفريقيا جنيفر وندر :دليل .)54:
وإذا كان من الضروري أن يتساوى الناس أمام القضاء ،ل فرق بين فاضل ومفضول،
فإنه من الضروري أن تتساوى القواعد القضائية أمام الناس ،ل فرق بين قاض بارع وآخر
غير بارع ،إذا تجانست القضايا ،بأن تكون هناك مسطرة واحدة تقاس بها المور ،فل يمتر
أحد القضايا بباعه وآخر بذراعه.
تساوى الناس أمام القضاء ،وتساوى القواعد القضائية أمام الناس ،كل الوجهين
ضروري لتحقيق المساواة.
إن المساواة أمام القانون؛ شرط إسلمي وإنساني لتحقيق العدالة ،والمساواة ولها
وجهان:
أولهما :أن يتساوى القوي والضعيف أمام القضاء.
ثانيهما :أن تتساوى القواعد القضائية أمام الناس ،بأن تكون المسطرة التي تقاس بها
الشياء واحدة ،وكل المرين ضروري لتحقيق المساواة فضل عن النزاهة.
ول يمكن استقلل القضاء ،إذا لم يوجد أساس قانوني محدد أمام القاضي ،لكي يتركز
دوره على التطبيق المحايد الصحيح هناك أمران في القضاء:
101
-القاعدة القضائية أولً:
-وتطبيق الوقائع على القاعدة ثانيا.
ول يمكن ضمان هذا المبدأ إل إذا انحصر دور القاضي في تطبيق القاعدة ،ما لم يجد
القاضي أن القاعدة تخالف الدستور ،فيكون دوره المتناع عن تطبيقها والمطالبة بإلغائها
(لين هارمر :الستقلل والمسئولية :بحث :دليل تعزيز استقلل القضاء.)164 :
[]77
ب-معايير تحديد قواعد القضاء:
إذن من ضمانات استقلل القضاء ،قوة العلقة بين الساس القضائي المطبق والوقائع
المنطبقة ،ول يكون إل بشروط أربعة:
-1أن تكون القاعدة واضحة ،أي محددة موحدة مدونة معلومة للناس.
-2أن تكون الوقائع منطبقة.
ومن ثم ينبغي أن يكون دور القاضي تطبيق القواعد على الوقائع ثم الحكم ،لن دوره
هو تطبيق القاعدة القضائية ل إنشاؤها ،ودور هيئة الستئناف هو التأكد من انطباق القواعد
على الوقائع.
-3أن يكون الحكم معللً مفسرا ومسببا (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية:
مارجريت بوبكن :انظر ،)128 ،113أي تسبيب الحكام وكتابتها ،وأن تكون الكتابة مفصلة.
-4أن يطلع الجمهور على الحكم.
وتحديد القاعدة القضائية ،يدعم ثقة الجمهور بحياد القضاة ،فل يكفي أن يكون القضاة
محايدين عادلين نزهاء من وجهة نظرهم ،بل ينبغي أن يشهد الجمهور أنهم محايدون
عادلون نزهاء ،ول يكون ذلك إذا كانت القواعد مبهمة ،ولذلك فإن من ما يخل بالشفافية عدم
تحديد القاعدة القضائية.
[]78
ج-تحديد الساس القانوني معيار للعدالة فكيف أهمله
القضاء العباسي:
102
ل يمكن التأكد من نزاهة القضاء،التي هي من سبل تعزيز إجراءات استقلل القضاء،
الذي لبد منه لتطبيق مبدأ العدالة ،إل بوضوح الساس (القاعدة) القضائي ،وللوضوح أربعة
شروط :أن تكون القاعدة محددة موحدة مدونة منشورة للجمهور
فإذا لم تتوافر الشروط الربعة لم تنضبط المسطرة القضائية ،ولذلك اعتبر تحديد
الساس القانوني ،الذي يطبق على الوقائع من المعايير الدولية ،التي تقاس بها عدالة
القضاء ونزاهته واستقلله (انظر :جنيفر وندر :بحث :استقلل القضاء في أفريقيا :دليل
تعزيز استقلل القضاء.)54 :
[]79
د -عشر فوائد لتحديد قواعد القضاء:
-الولى :الصل في وظيفة القاضي أن ينحصر دوره في تطبيق القانون (الساس
القضائي) ،ل أن ينشئه ،ومن أجل ذلك يجب لتحقيق العدالة أن يكون أمام القاضي نص محدد
معتمد ،لكي ينحصر دوره على التطبيق المحايد للقاعدة ،وعندما ل تحدد القاعدة ،تكون
وظيفة القاضي مزدوجة في كثير من الحوال :فهو يجتهد مرة أولى مرجحا بين اختلفات
الراء ،من أجل التوصل إلى القاعدة القضائية ،ثم يجتهد كرة أخرى ،محاول تطبيق القاعدة
التي اختارها على الوقائع ،وقد يخطئ في القاعدة فيخطئ تلقائيا في الحكم.
-الثانية :الصل في القضاء أن يصدر أحكاما متشابهة ،في القضايا المتجانسة
والمتشابهة ،ل أن يحكم القضاة في القضايا المتطابقة والمتماثلة بأحكام غير متجانسة،
وأحيانا متناقضة ،وفي محكمة واحدة ،وأحيانا من قاض واحد ،ول ريب أن الحكام المتباينة
في القضايا المتشابهة ،تعطي انطباعا بالخلل بنزاهة القضاء وعدالته.
إن مبدأ الشفافية في القضاء ،يقتضي أن يصدر القاضي حكما مقنعا ،ول يقنع إل إذا
التزم بتسبيب الحكم وتعليله ،وبذلك يسلك القاضي طريقا معبدا ،ليتطلب منه أكثر من
التطبيق المحايد ،وعدم تحديد القاعدة وتوحيدها وتدوينها؛ يفقد القاضي القدرة على إصدار
حكم مبرر مسبب ،إذ إنه يمكن أن يتواجد في محكمة واحدة حكمان غير متجانسين ،بتسبيبات
متفاوته ،وهذا يجعل مسالة التسبيب تفتقد المنطقية وذلك مخل بالشفافية.
103
لبد من أن يفسر القاضي سبب اختلفه في أي حكم ،عن أحكام أصدرها آخرون ،في
قضايا مشابهة (استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش:دليل.)78:
-الثالثة :إن تحديد القواعد القضائية يقدم أكبر إسهام في تقليل القضايا التي تصل إلى
المحاكم ،إذ إن عدم دراية المتنازعين بالقواعد يجعل كل منهما ل يعرف مركزه القانوني،
أمام مفاجآت غير محسوبة ،وتحديد القواعد القضائية ،يوفر على المتقاضين والقضاة؛ شيئا
كثيرا من عناء الخصومات ،لنه يساعد على تسوية كثير من القضايا ،بعيدا عن المحاكم.
وتحديد الساس القانوني ،يقدم أكبر مساهمة في تقليل القضايا ،التي تعرض على المحاكم ،إذ
إن الطراف المتنازعة؛ ستكون على دراية بالحكام المتوقعة.
أما إذا كانت القاعدة القضائية غامضة أو غير متوقعة ،فإن القضاء يصبح ميدانا ذا
ألغام ،يدخله المدعي والمدعى عليه من دون خارطة ،فربما انفجر بهما أو بأحدهما لغم ،لم
يتوقع موقعه.
-الرابعة :ترك تحدد قواعد القضاء يسيء إلى الستقرار القتصادي ،من أجل ذلك
لجأت بعض الشركات الجنبية (في المملكة العربية السعودية) ،إلى ما سمته بـ"التأمين ضد
أحكام الشريعة السلمية" ،وتقصد التأمين ضد (القضاء السعودي) لنها تدخل ميدانا ذا ألغام،
وليس معها خارطة تهتدي بها ،فربما انفجر بها لغم وهي ل تحتسب ،لنها ل تستطيع أن
تتنبأ بالقاعدة التي يجتهد القاضي في تقنينها قبل تطبيقها .إن ازدواجية أحكام القضاء ،لها
علقة بتعدد القواعد القضائية ،وهي تسيء إلى الستقرار القتصادي والجتماعي.
-الخامسة :ترك تحديد الساس القانوني؛ يفتح الباب لتدخلت السلطة التنفيذية،
ولسيما في القضايا السياسية ،سواء أكان مبعثها الجتهاد إطلق العنان للقاضي في
السعودية ،أو كان مبعثها هوى الدولة في إقامة محاكم استثنائية ،أم حفاظها على أعراف
بدوية عشائرية (كما في العراق).
ل من
وتحديد القاعدة القضائية يحد أيضا من حشرات الفساد الرشوة ،إذ إن ك ً
أطراف الدعوى والقاضي ،يعرفون أن أي أحكام غير عادية ستلحظ (لين هارمر.
الستقلل والمسئولية:دليل .)166 :وغموض القاعدة القضائية ،يوفر مدخل تتسرب منه
حشرات الفساد والمحسوبية والرشوة.
104
إذ من ما يعرض القاضي للهوى؛ أن يكون أمامه عدد من القواعد القضائية ،يختار
إحداها بناء على رأيه.
وهو يتيح الفرصة للتدخلت والضغوط الخارجية و لسيما السلطة التنفيذية والقوى
الهلية و أولويات المصالح ،كالتجار والمحامين ،ومن الممكن أن تؤدي إلى خضوعه أو
تساهله في القضية.
و لسيما إذا كانت هذه الجهات تعرف أن بإمكانه اختيار قاعدة يحكم بها من عدة
قواعد ،وأنه ليس مضطرا إلى تسبيب منطقي أمام الخرين ،منبثق من قاعدة قضائية محددة
موحدة مدونة منضبطة ،والنسان مهما تحرى الموضوعية ،معرض للمؤثرات الذاتية ،فقد
يميل القاضي لختيار رأي ضعيف ،من القوال الكثيرة من أجل الذعان الواعي أو غير
الواعي للضغوط ،عندما تكون تقاس العدالة بالذراع؛ يمكن تعدد أطوال الذرع ،ويصبح كل
الذارعين على صواب ،ولكن عندما تقاس بمسطرة ،محددة العلئم يصبح الصواب واحدا.
إن السمة الساسية لعديد من الهيئات القضائية غير المستقلة ،التي تعمل في ظل
أنظمة مستبدة ،أنها تستطيع أن تصدر أحكاما ظاهرها العدالة ،لنها مقنعة في التعليل
والتدليل ،ولكن من دون نزاهة ،لنها من دون شفافية ،لنها من دون تحديد الساس
القانوني(انظر:الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء:
مجموعة من القانونيين:دليل.)48:
-السادسة :إن وضوح القواعد القضائية أيضا يزيد في ثقة الجمهور بالقضاء ،عندما
يجدون وضوحا في القواعد ،وإجراءات طبيعية في تطبيقها على الوقائع
ماذا يقع عندما تصدر أحكام متعارضة في قضايا ووقائع متجانسة أو متطابقة؛ تفتح
تساؤلت الجمهور :لماذا تتشابه القضايا وتختلف الحكام؟ فتضعف ثقة الجمهور في عدالة
القضاء ،لنهم ينتظرون من القضاء وضوحا في أساس الحكم ،وإجراءات طبيعية في تطبيق
القواعد على الوقائع.
105
وليس المقصود من الشفافية ،أنه يجب أن يخضع القضاة لرغبات الجمهور ،ولكن
المقصود أن يشعر الناس أنهم أمام أحكام معلومة معقولة غير متناقضة ،لن هذا هو أساس
احترام المحاكم وهيبتها ،فعدم تحديد القاعدة مضر بشفافية القضاء.
إن دعم الجمهور للقضاء أمر ضروري ،ول يكفي أن يكون القاضي عادل من وجهة
نظره ،بل ينبغي أن تكون المسطرة التي يطبقها على الوقائع واحدة ،لكي يقتنع الجمهور
بنزاهته ،إذا فتقد الناس الثقة في القاضي ،أسهم القاضي في بناء سور عزلته عن الناس
وهو ل يشعر ،لن القضاة إذا افتقدوا ثقة الجمهور افتقدوا دعم المجتمع المدني وتجمعاته
الهلية ،في مواجهة تدخلت السلطة التنفيذية.
وعدم تحديد القاعدة مضر بنزاهة القضاء ،فهو يجعل الخصوم الخاسرين قادرين
على التشكيك بحياد القاضي ،ويسمح باتهامه إن صدقا وإن كذبا ،بأن اجتهاده اتبع هواه،
وقد حفل تاريخ القضاء في العصر العباسي؛ بقصص وحكايات ،حول تأثر اجتهاد القاضي
بهواه عند اجتهاده.
السابعة :إن تحديد قواعد القضاء؛يساعد على السلسة في بت القضايا ،من دون
تأخير ،لن عدم تحديد القواعد القضائية وتدوينها وتوحيدها ؛ يربك محاكم النقض و
الستئناف ،التي ينحصر عملها عادة في التأكد من انطباق الوقائع على القواعد ،فتصبح
بين أمرين إما تصحيح اجتهاد القاضي وإما رفضه ،وهذا وذاك يحتاجان إلى تسبيب،
ويخرج عن وظيفة محاكم الستئناف ،ويؤدي إلى مشكلت ل ضرورة لها.
وإذا انحصر دور القاضي في تطبيق أساس الحكم ل اختياره؛ ارتاحت المحاكم
العليا كمحكمة الستئناف من أن يكون دورها مزدوجا مضاعفا ،بين تصحيح اجتهاد
القاضي في اختيار القاعدة ،وتصحيح اجتهاده في تطبيق الواقعة.
و إذا انحصر دور القاضي في تطبيق الوقائع على القاعدة؛ ارتاح من أن يضع نصب
عينه كيف يقنع هيئة الستئناف بحكمه ،وارتاحت هيئة الستئناف من أن يكون دورها
مزدوجا بين تصحيح اجتهاد القاضي في اختيار القاعدة ،ثم تصحيح اجتهاده في تطبيق
الواقعة .لن القاضي قد يتنازل عن اجتهاده ،مادام يعرف أن محكمة الستئناف لها رأي آخر،
106
وأنها لن تمرر رأيه ،أو أن قبولها رأيه يحتاج إلى مناضلة ومراجعة ،وقد يغري القاضي
الخصوم بالصلح ،من أجل أن يتجنب الصطدام مع هيئة الستئناف ،و لسيما إذا كان
الخصوم يريدون الحكم في وقت قياسي.
وعدم تحديد القواعد يسهم في بطء المحاكمات ،لن القاضي ينفق وقتا في تقليب
المراجع ،من أجل اختيار القاعدة ،التي يريد تطبيقها ،ويسأل زملءه الخرين ،ويبحث عن
السوابق القضائية .ول جرم أن من علمات استقلل القضاء أن يصدر الحكام في وقت
قياسي.
ومن المعروف عند خبراء القضاء أن تأخر البت في القضايا ،يفوت على المتقاضين
نيل حقوقهم في وقتها ،وقد يصرفهم تأخر البت عن المقاضاة أصل ،فتضيع حقوقهم ،وذلك
هو الظلم الخفي ،ولذلك ذكر الرسول صلى ال عليه وسلم؛ أن من علمات العدل ،أن يصل
صاحب الحق إلى حقه غير متعتع.
الثامنة :إن حرية القاضي في اختيار القاعدة القضائية؛ تعرضه للنزعة الفردية
والستبداد بالرأي ،وهم مظنة فقدان الشفافية ،وهي أمر له علقة بثقافة الستبداد ،إن لم
تكن لونا من ألوانه .والقضاة هم في الواقع يقومون بخدمة المة ،وليسوا أسيادا عليها.
وهذه الصفة تضعف جانب المسطرة الموضوعية،بحيث يقال :كل له رأيه وكل له اجتهاد،
وهذا مزلق يجعل قضايا الناس في سجال غير منضبط.
التاسعة :وحرية القاضي في حالت نقص الخبرة أو نقص العلم بالشريعة (عدم
توافر القدرة على الجتهاد) تؤدي إلى الخطأ في اختيار القاعدة ،فيخطئ القاضي خطأ
مركبا ،يخطئ في اختيار القاعدة ثم يخطئ في تطبيق الوقائع الواقعة على القاعدة،
فيخطئ في الحكم.إن من المعلوم أن القضاة غير المتمكنين من استخراج القاعدة القضائية
العدل؛ أكثر عرضة للتأثر بالضغوط الخارجية ،وأكثر تبعية لغيرهم في تطبيق الوقائع
على القواعد ،وذلك مخل باستقلل القضاء.
[]80
107
=24المساطر تضبط انفلت اجتهاد
الضمائر
وهذا هو روح الشريعة:
أ-أيهما أضمن للعدالة رأي الفقيه مالك أم الديب ابن
المقفع:
ولكن تراثنا القضائي السائد ،بعد العهد الراشد؛ أطلق عنان القضاة في الجتهاد،
فأعطاهم حرية واسعة في اختيار القواعد القضائية ،التي يطبقون عليها الوقائع ،فصار
القاضي يحدد الساس القانوني (القاعدة القضائية) أول ،ثم يطبق الواقعة ثانيا.
ثار النقاش في تحديد الساس القضائي ،الذي ينبغي أن تطبق عليه الوقائع ،في
مطلع العصر العباسي ،فنادى ابن المقفع بأن يحدد الساس القضائي الذي يحكم به القاضي،
ويوحد ويدون ،وهي فكرة وجيهة صحيحة ،لن ترك ذلك يعني فوضى القضاء .وابن المقفع
لم يقل بشيء جديد ،فمنذ زمن حمواربي عرف العراقيون القانون القضائي المحدد الموحد
المدون .ولكن الفقهاء رفضوا توحيد قوانين القضاء وتدوينها وتوحيدها ،كما في موقف
المام مالك بن أنس رحمنا ال وإياه،
والذين رفضوا رأي ابن المقفع؛ ليس لديهم دليل يسلم من القدح.
ولذلك فإن الفقهاء في الندلس –وهم مالكيون -ألزموا القضاة برأي قاضي القضاة،
لكي ل ينفلت زمام الجتهاد ،ولكي ل يدخل السلطان ومعه الكبراء والمقربون،على ضعاف
الضمائر من القضاة ،من باب حرية الجتهاد ،للظفر بما يريدون.
ويمكن تعليل موقفهم بأحد احتمالين أوبهما معا:
الول :أن الحكم العباسي والموي كان قمعيا ظالما ،ولعل الفقهاء خشوا أن يكون
تحديد القواعد القضائية ،مدخل لترسيخ ثقافة الفساد ،عبر إنشاء قواعد قضائية ظالمة،
تستمد مشروعيتها من تحريف النصوص الدينية.
وكان الفقهاء الذين رفضوا تقييد القضاة بين محذورين :اجتهاد القضاة ،وتدخل
الولة ،فوجدوا أن إطلق الحرية للقاضي في الجتهاد ،أخف ضررا من تحديد مواد قضائية،
108
يستطيع الولة أن يشرعوا من خللها البدع السلطانية ،ول سيما في نزاعات العقار الثابت
والمنقول والجنايات.
الثاني :بيد أن السبب الذي استقر على التذرع به الفقهاء ،في إطلق حرية القاضي،
هو القياس على ما فعل الخلفاء الراشدون وقضاتهم ،فرأوا أن من هدي السنة النبوية
والراشدية؛ أن ل يقيد القاضي بلئحة تحدد القواعد ،وأنكروا أيضا أن يحكم القاضي وفق
مذهب معين ،بل أطلقوا له العنان ،ورأوا أن السلطان إذا عين القضاة وشرط عليهم أن
يقضوا على مذهب كذا وكذا؛ فإن شرط السلطان باطل ،وتوليته القضاة صحيحة ،كما ذكر
الماوردي وأبو يعلى في كتابي الحكام) (وانظر :ابن قدامه في المغني )14/91 :وابن تيمية
في مجموع الفتاوى.)31/73:
[]81
ب -توأم انتهاك العدالة:
تقرير الولة المصالح و تحديد القضاة القواعد:
110
-3والصدر الول كان في بداية مرحلة تأسيس نظام قضائي ،لم تكن لهياكله أنماط
راسخة في العراف،ولم تكن كل السس القانونية(القواعد القضائية) محددة موحدة مدونة
معلومة للجميع ،فكان قضاة الصدر الول ،يرجعون إلى القرآن ثم السنة ،ثم إلى قضاء من
سبقهم من القضاة العادلين ،ثم يجتهدون ،ولم تكن القواعد المعلومة قد استقرت ،ولم تكن
الجتهادات أو السوابق القضائية قد انتشرت ،ولم يكن الفقه القضائي مرتبا منضدا في
مدونات ولوائح.
-4كانت القضايا محدودة ،في مجتمع بسيط قليل السكان ،وتتمتع الغلبية فيه بروح
النصاف ،وعدم التعدي والظلم ،ولم تتعقد فيه المشكلت وتتكاثر ،بتكاثر الناس ،وكثرة بغي
بعضهم على بعض ،وفشو الكذب وضعف المانة.
-5ولو افترضنا أن الصل في القضاء أن يجتهد كل قاض في استخراج الساس
القضائي ،لكانت الفروق بين قاضي صدر السلم وقضاة العصور التالية؛ تستدعي تحديد
الساس القضائي ،في مسائل النزاع والجنايات معا ،والقضاة بعد العصر الراشد ،كالحكام بعد
العصر الراشد؛ كلهم نتاج حقل اجتماعي غير راشد ،فكيف يمنحون صلحيات قاض راشدي
متميز ،وهم غير متميزين..
إن التركيز على اجتهاد القاضي يقوم على نظرة مثالية ،وكأن القاضي شخص ل يتأثر
بالمناخ الجتماعي؛ إنها نظرة غير واقعية ،فالقاضي يتأثر استقلله ونزاهته ،بمدى صلح
البيئة وفسادها ،وليس نبتة معزولة في بيت محمي من بيوت الزراعة .و ل داعي إذن لوضع
شروط وقواعد ل تناسب عامة القضاة ،والنادر-كما يقول أهل الصول-ل حكم له .من أجل
ذلك ل يصح القياس عل الخلفاء الراشدين في ترك التحديد.
-6ثم إنه ليس من المتوقع أن يملك كل القضاة صفات الجتهاد ،إذ إن من المعلوم أن
القضاة غير المتمكنين من استخراج القاعدة القضائية العدل؛ أكثر عرضة للتأثر بالضغوط
الخارجية ،وأكثر تبعية لغيرهم في تطبيق الوقائع على القواعد ،وذلك مخل بعدالة القضاء
ونزاهته.
[]83
111
د-تراكم الموبقات السبع في نمط القضاء العباسي:
هل من العدل أن تكون الموبقات السبع للحق ،في قضاء يدعي الحكم بما أنزل ال
من عدل:
-الولى:السلطان هو القاضي الصيل ،وإنما القاضي وكيل.
-الثانية:الصل أن يكون القضاة على نمط قاض راشدي،
-الثالثة :ثم يجتهدون من دون معالم ويعطون حرية الجتهاد في قواعد القضاء
-الرابعة:يعطون قاعدة التعزير الفضفاضة التي تتراوح بين ضربة بالسيف أو
ضربة بالسوط ،وأغلبهم ل يملكون مواصفات القاضي الراشدي.
– الخامسة:ثم يجتهدون وثقافتهم في حقوق النسان وحقوق المتهم .أغلبها
صحراوي كسروي.
-السادسة :ويجيزون تعذيب المتهم ،ويأخذون بالعترافات المنتزعة تحت التعذيب.
-السابع :ويحاكمون المتهمين في محاكم سرية.
إن القوانين والنظمة أصل لم توضع؛ إل لتقليل العتماد على الضمير ،معيارا
للحكم على الشياء.
هذه مفاسد حقيقة أكبر من منافع الجتهاد ،ولمعيار عادل ،خير من ألف ضمير قاض
نزيه ،وأي نظام تكون مفاسده أكثر من منافعه؛ يعتبر غير عملي أي غير صالح .لن الحكام
في الشريعة على الغلب الشائع ،ل على القليل النادر ،فهي ل توضع للخصوص بل للعموم،
والمصالح والمفاسد مبناها على الغلبية ،كما بين الشاطبي في الموافقات وهذا واضح حتى
في تشريع الرخص ،فمن السنة للمسافر أن يجمع ويقصر ،وأن يمسح على الخفين ثلثة أيام
وأن يفطر .مراعاة للعموم بيد أن عددا من الناس ل يجدون مشقة في الصوم ،فضل عن
إتمام الصلة وأدائها في وقتها .لكن قاعدة رخصة المسافر شرعت لمراعاة عموم الناس.
والخليفة الراشدي يختلف عن من بعده من خلفاء القمع والظلم ،الذين جورهم أكثر من
عدلهم ،فهو أول في قمة العدالة والمانة والستقامة ،وهو ثانيا حاكم منتخب وهو ثالثا فقيه
112
مجتهد وهو رابعا شوري ملتزم بالشورى ،وهو خامسا في مجتمع راشد ،يحوطه المجتمع
الهلي المدني-على بساطته -بالمراقبة والمحاسبة.
وقاضي الصدر الول كان يملك عدة الجتهاد فعل ،ولم يكن كالقضاة في العصور
التالية ،الذين يفترض أنهم مجتهدون ،ولكن الشواهد لم تثبت ذلك إن لم تثبت العكس.
[]84
113
لن تدخل السلطة التنفيذية في القضاء له أساليب عديدة ،منها تشريع أسس قضائية
ينفذها القضاة وهم ل يشعرون،كاشتراط إذن السلطان بإحياء الرض الموات .ومنها
التأثيرات غير المباشرة ،كتعذيب السلطة التنفيذية المتهم حتى يعترف ،ثم سوقه إلى القاضي
ليحكم عليه .ومنها أن السلطين أخرجوا التهم السياسية والمالية والدارية من القضاء جملة
وتفصيل ،وشكلوا لها محاكم استثنائية ،كما فعل المهدي في حركة الزندقة ،كما أنهم تدخلوا
عبر العزل والنقل والترقية في أمور القضاء .فكان الفقهاء المتأخرون في استمرارهم على
هذه الطريقة ،يفرون من مشكل إلى معضل.
ولو تدخل السلطان في إنشاء قواعد قضائية جائرة ،لكانت القواعد واضحة أمام
الجمهور ،ولكان من المحتمل أن يقاومها الجمهور ،لنها من ما يخل بإسلمية الدولة،
ويعرضها لتهم التكفير أوالتبديع على أقل احتمال.
ومن ثم فقد أسهم ترك تحديد القواعد القضائية؛ في ضعف ضمانات استقلل القضاء،
لن الستقلل ليقل منزلة عن الجتهاد ،بل هو أصعب من الجتهاد ،وفي ظل عدم حصانة
القضاة من التعسف في العزل والنقل ،ليمكن سد منافذ الهوى ،فقد يلجا القاضي لختيار رأي
ضعيف ،من القوال الكثيرة من أجل الذعان للضغوط ،أو يجره الهوى إلى السقوط ،سواء
أكان السقوط بوعي وقصد ،أو بغفلة وسهو .ويبرر ذلك بأنه اختار رأي بعض العلماء،
ويحشد لرأيه من الدلة ما يقنع نظريا.
ولذلك نماذج ففي قضية تملك الراضي للسكن والزراعة ،لبد له من تنظيم الدولة،
وهذا مارعاه المالكية ،عندما اشترطوا أن يكون إحياء الرض الموات بإذن المام ،وانتبه
الحنابلة إلى أن المام إذا كان مستبدا جائرا ،احتجن أراضي المة ،وتصرف فيها ،تصرفات
ظاهرها التنظيم والعدالة ،وحقيقتها الظلم والستئثار.
من أجل ذلك فإن من سد ذرائع الجور؛ أن يحدد أساس القانون ،الذي يطبقه القاضي،
فاجتهادات القضاة ليست بمعزل ضمائرهم ،وضمائرهم ليست مقطوعة الصلة بأهوائهم ،ولبد
من أن تطل الذاتية ،مهما تحروا الموضوعية.،
[]85
114
ب -لكي ل يمتد مطاط التعزير
من ضربة بالسوط إلى ضربة بالسيف:
فالعدل إذن ليس في ضمير القاضي ،بل هو في نص القانون ،والدليل على ذلك قوله
تعالى"وأن احكم بينهم بما أنزل ال إليك ولتتبع أهواءهم ،واحذرهم أن يفتنوك عن بعض
ما أنزل ال إليك" ،ففي قوله"بماأنزل ال إليك" دليل على أن الحكم في نص القانون ،الذي
أنزله ال ،وأنه ليس فيه قولن ،يختار القاضي منهما ما يراه.
وفي قوله"واحذرهم أن يفتنوك" وفي قوله"ول تتبع أهواءهم" دليل على خطورة
اجتهاد القاضي في أساس القانون ،هذا نص صحيح ،قد ليكون صريح الدللة
(المنطوقة)عند بعض الفقهاء ،ولكن عبر دليل استقراء المعنوي ،وعبر مقاصدالشريعة
الكلية ،نجده صريحا في تحديد قواعد القضاء ،ويشهد له واقع التطبيق بصراحته.
ومن نماذج الجتهاد ،الذي هو مظنة الهوى،قاعدة إحياء الرض الموات ،الواردة
قوله صلى ال عليه وسلم"من أحيا أرضا ميتتة فهي له" ،فقد يجتهد قاض فيأخذ برأي
المالكية( ،وهو حنبلي)،غافل عن مقاصد الشريعة ،وهو إذن قد جعل ضميره هو الحكم،
والضمير لمعيارية له ،وليس مقياس الشياء ،لن ضميره يتأثر قطعا بهواه.
كما ترك الفقهاء للقاضي تحديد أساس القانون أول ،تركوا له تحديد وسعة عقوبة
التعزير ثانيا أي (العقوبات غير المقدرة في نصوص الشريعة) ،التي تتسع للجنح الصغيرة
والجرائم الخطيرة معا ،فتتراوح العقوبة فبها بين ضربة سوط وضربة سيف ،على أن بلوغ
التعزير مرتبة الحدود أو العدام؛ مخالف قول الرسول صلى ال عليه وسلم "من بلغ حدا من
غير حد فقد ظلم وبغى" ،وقوله صلى ال عليه وسلم في ما أخرجه البخاري "ل يحل فوق
عشر جلدات ،إل في حد من حدود ال" ،والقول بنسخ الحديث غير مسلم به ،لكن بعض
الفقهاء أجاز أن يتعدى التعزير الحدود ،وعلى ذلك جرت القضية في يعض الدول والمذاهب.
[]86
ج-التفريط بالحقوق عامة والسياسية خاصة:
أكبر انتهاك للحقوق السياسية للمواطنين ،يكمن في ترك تحديد قواعد القضاء ،ذلك
أن معيار العدالة في كل دولة ،وهو قدرة القضاء على أن ينصف الفراد الذين تجور
115
عليهم الدولة ،وفي نمط القضاء العباسي؛ يصبح القضاء وهو في الصل حامي الشعب،
أحد فكي كماشة انتهاك الحقوق :البوليس والقضاء.
فتنفتح أبواب النتهاكات الفظيعة في مجال حقوق النسان ،في ظلل نظرية(عدم تحديد
القاعدة القضائية وتوحيدها وتدوينها ،وكون القاضي في منزلة الوكيل عن عامة والمتهم
خاصة القاضي الصيل)،
إذا أضيف إليها قاعدة التعزير الفضفاضة؛ فتحت أبواب الظلم على مصراعيها ،و
لسيما في القضاء السياسي.
ولن تحتاج في ظللهما السلطة التنفيذية إلى محاكم استثنائية ،عسكرية ول بوليسية،
للسباب التالية:
-1ففي ظلل السماح للقاضي بإنشاء(الساس القانوني) القاعدة القضائية ،يحتمل أن
يعتمد رأيا جائرا أو مقصرا في مفهوم العدالة ،فيعتبر حقوق الناس التي أقرتها الشريعة من
الفتن والبدع والخلل بالمن ،والخروج على المام ،مادام الخلل بالمن وإثارة الفتنة ،من
دون مسطرة ذات علمات موضوعية بارزة محددة.
-2قد يكون القاضي متأثرا بثقافة القمع والقسوة ،التي شاعت في عصورنا القديمة،
وكان عنوانها:العصا لمن عصى،حتى حكم الفقهاء بها أيضا على أنفسهم ،عندما قرروا أنه
يجوز للسلطة أن تجبر الفقيه على القضاء إذا لزمت الحاجة إليه ،كما روي عن مالك بن
أنس أنه يجوز للسلطة أن تجبر الكفيّ العدل على القضاء ،إذا تعينت الحاجة إليه ،فإن امتنع
يضرب أو يسجن (فارس:استقلل القضاء .)27:
-3وقد يتأثر بضغوط السلطة التنفيذية ،التي قد تجند من فقهائها من يقول:معارضة
المام بالكلم ،كالمعارضة بالحسام ،فيصدر القضاة عقوبات على الخروج بالكلم ،تقارب
عقوبات الخروج بالحسام ،بل على المر بالمعروف والنهي عن المنكر السياسي ،وعلى ما
أقره السلم من حرية الرأي والتعبير والجتماع والتجمع ،فيعاقب الناس على أمور يدور
حكمها في الشريعة ،بين الوجوب والستحباب والباحة ،وعند ما نقول للحرية :وداعا ،علينا
أن نقول لها :وعلى العدل بلغي السلم.
116
-4أنه يسمح للسلطة التنفيذية بالعتراض على حكم القضاة ،بأن تطلب منهم زيادة
العقوبة ،حتى ينفذ ما تراه ،مادام أي قاض ،إنما هو وكيل عن (السلطان) الذي هو القاضي
الصيل.
-5وما دام مبدأ التعزير كالمطاط ،يسمح بأن تتراوح العقوبة بين ضربة بالسوط
وضربة بالسيف.
- -6مادام من حق القاضي أن يختار أي رأي فقهي ،مهما كان هذا الرأي مرجوحا.
عند ذلك يتاح للسلطان قمع الناصحين ،وتصفية المعارضين سرا وعلنية ،واستخدام
توقيعات القضاة،شعارا مفرغا من العدالة.
وفي ظل هذه الثقافة؛ ل يمكن بناء ضمانات لحقوق النسان التي ضمنها السلم
للعباد ،مدنية واجتماعية وثقافية وسياسية ،هذا يجعل القضاء سلحا يهدمها ،و لسيما
الحقوق السياسية ،كحقهم في التفكير والتعبير والنشر ،ويسمح بأن يصبح سوطا مسلّطا،
فوق رؤوس دعاة الصلح السلمي.
وإذا طبقت هذه القواعد على دعاة حقوق النسان ودعاة المجتمع المدني ،ونحوهم من
المرين بالمعروف السياسي ،المحتسبين ضد (المظالم السلطانية) في تهم الجرائم السياسية،
تبين ما في عبارة (قضاء شرعي/عباسي) من معنى يمكن الكناية عنه بقول المتنبي:
××× فيك الخصام وأنت الخصم والحكم يا أعدل الناس إل في معاملتي
فالقضاء ضامن حقوق النسان ،وملذ كل مضطهد ومظلوم ،فإذا كان من دون مواد
محددة موحدة مدونة ،سمح بأن يصبح القضاة -وهم يشعرون أو ل يشعرون -أسلحة قمع
قضائي ،لحقوق النسان في السلم المقررة في الشريعة السلمية والمعايير الدولية ،فيصير
العائذ بظلل القضاء؛ من رمضاء ظلم القوياء ،كما قال الشاعر:
والمستجير بعمرو عند كربته ××× كالمستجير من الرمضاء بالنار
[]87
117
=26المعيار السادس عشر:
علنية المحاكمة عامة والسياسية
خاصة:
أ-النبي صلى الله عليه وسلم رسخ معيار العلنية:
إن علنية المحاكمة من أهم وسائل ضمان عدالة القضاء ونزاهته ،إن لم تكن أهمها،
إنها تأمين مهم لستقلل القضاء ،ووسيلة فعالة لتقوية روح المسئولية ،وتحول دون توفر
فرص تدخل الحكومة ،ودون سيطرة العلى على الدنى ،وتدعم ثقة الجمهور.
لقد سبق السلم النظم الدستورية الحديثة؛ إلى تقرير هذا المبدأ ،فقد كان النبي صلى
ال عليه وسلم ،يقضي بين الناس في المسجد .وقد علل الفقهاء قضاء النبي صلى ال عليه
وسلم والخلفاء الراشدين في المسجد ،بأن المسجد "أقرب على الناس في شهودهم" وحرصا
على شهادة الناس وحضورهم ،فثمة إدراك لهمية حضور الجمهور .من أجل ذلك قال مالك
والحنفية والحنابلة :إن المسجد أنسب مكان يقضي فيه القاضي.
وتأكيا لهمية علنية المحاكمة ،ورفضا لكل مسارب القضاء السري؛أحرق عمر بن
الخطاب ،دار أمير الكوفة أبي موسى الشعري ،لما جعلها أبوموسى مكانا للقضاء ،من أجل
ذلك اشترطوا الفقهاء في مكان القضاء:
-أن يكون في مجمع الناس.
-وأن يسهل على الناس الحضور والشهود.
واشترطوا في أي مكان يقضى فيه كالدار والمكتب شرطين:
-أن تفتح البواب.
-وأن ل يكون عند البواب حجاب (انظر تبصرة الحكام لبن فرحون).
وحضور الجمهور جلسات القضاء ،له علقة بتسهيل الرقابة الشعبية على القضاة
والمراء ،وقد يغفل بعض الناس عن أن نزاهة القضاء وعدالته ،ل يمكن أن تضمن من دون
رقابة الشعب.
118
ورقابة الشعب على القضاء والقضاة مبدأ دستوري ،لم يغفله السلم.لن المة في
السلم ،هي المكلفة بحفظ الشرع ،ل القضاة والفقهاء والمراء ،كما قال ابن تيمية "المة
هي الحافظة الشرع".
وتفريعا على هذا المبدأ جاء قوله صلى ال عليه وسلم "الناس شهود ال في أرضه"،
ولكي يشهدوا ينبغي أن يحضروا.
من أجل ذلك كانت العلنية إحدى سمات القضاء السلمي عبر العصور ،فقد كان
القضاء يتم في المساجد ،ولم يعرف القضاء السلمي طوال العصور الغرف المغلقة ول
المحاكمات السرية.
[]88
ب-العلنية أهم وسائل استقلل القضاء
وهذا المبدأ يمكن إجراؤه في الدولة السلمية الدستورية ،باشتراط فتح أبواب
المحاكمات ،لحضور أربعة أصناف من الناس:
-المحامين.
-ودعاة حقوق النسان.
-والعلميين.
-والمهتمين بالشأن العام.
-وبإعلن المحاكمات بوسائل العلم.
من دون هذا الوسيلة لن تكون أي محاكمات عادلة ،وأي محاكمة سرية ولسيما إذا كانت
سياسية ،فإنما هي باطلة ،لن العلنية تسلط الضوء على ما يحتمل حدوثه في الكواليس، ،
ف\ذا أقام القضاء محاكمة سرية ،فقد صار دوره التدليس ،على ما يحتمل أن يمارسه
السجانون في زنازين البوليس ،وإذا أقام محاكمة علنية كشف ما في الزوايا من خفايا
ل تكاد تتحقق النزاهة إل في محاكمة علنية ،ذات إجراءات محددة ،ونصت المواثيق
الدولية على علنية المحاكم ،وعلى السماح للعامة بالطلع على القواعد القضائية وقرارات
119
المحاكم التي هي نتيجة تطبيق الوقائع على القواعد ومعلوماتها ،من ما يدل على فاعلية
القضاء ويعزز احترامه.
فجلسات القضاء ل يجوز أن تكون سرية ،ومفهوم العلنية يقتضي حضور المواطنين،
جلسات المحاكم ،ومتابعة ما يدور في الجلسة ،بل ومراقبته،ول يجوز للقاضي منع أي
شخص من الحضور ،إل في حالت محددة محصورة ،كبعض القضايا الزوجية ،أو لمتلء
القاعة ،أو خوفا من حدوث انتقام ،يقوم به أهل المدعي ضد المدعى عليه في القاعة،أي
ينبغي أن تكون العلنية هي القاعدة ،وأن تكون السرية هي الشذوذ المبرر المحدد المحصور.
والمداولت بين القضاة سرية .أما جلسة النطق بالحكام فيجب أن تكون علنية على كل
حال ،ولكن عند النشر يمكن حذف أسماء المتنازعين والمحكوم عليهم والقضاة.
إن مبدأ العلنية أهم معيار يقاس به استقلل القضاء ،من خلل الرقابة الشعبية .
وأسلوب العلنية فعال في تعزيز استقلل القضاء ،عندما يتيح القاضي للطرفين فرص
الدعاء والرد ،ثم يصدر أحكامه-أيضا -في جلسات علنية ،بناء على أدلة تقدم بصورة
قانونية ،أثناء إجراءات الدعوى ،ويسعى إلى تبرير وتسبيب مقنع للساس القانوني ،الذي
أصدر الحكم بناء عليه (دليل.)134:
فالعلنية تحد من الضغوط ،وتحفز القاضي إلى إقناع من يقرأ الحكم.،وهي أيضا تعري
القضاة الفاسدين ،المذعنين لوامر وزارة الداخلية ،وتحمى العادلين من ضغوط الحكومة،
وتكشف للناس مدى حياد الحكومة،وذلك يحد من ضغوط الحكومة على القضاء أيضا .وهذه
الجراءات من ما يعزز العدل ،كما قال الشاعر:
يلقاك دون الخير من ستر الستر دون الفاحشات ول
[]89
[]90
121
ب -ومن ملمح الشفافية
-1إعلن القضاة دخلهم :إعلن القضاة ممتلكاتهم والمزايا المالية التي يحصلون
عليها ،ويعتقد أن هذه الوسيلة فعالة في إحباط الفساد ،وسوء استغلل الموال العامة .على
الرغم من اعتراض القضاة على انتهاك خصوصيتهم ،وكشف أحوالهم المالية (الجراءات
المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل:
،)46فإن هذا السلوب وجيه لنه يسد ذرائع الفساد.
وإعلن القضاة عن دخلهم وممتلكاتهم والمزايا المالية التي يحصلون عليها فعال في
إحباط الفساد ،وسوء استغلل الموال العامة .على الرغم من اعتراض القضاة على انتهاك
خصوصيتهم ،وكشف أحوالهم المالية فإن هذا السلوب من باب سد ذرائع الفساد ،ولذلك قال
الرسول صلى ال عليه وسلم" :رحم ال امرءا كف الغيبة عن نفسه.
-2تأكد العامة من حياد القضاة:إذ ل يكفى أن يكون القضاة محايدين ونزهاء
وعادلين ،ومن وجهة نظرهم ،أو من وجهة نظر السلطة القضائية ،بل ينبغي أن يعتبرهم
العامة محايدين ،ولن تعتبرهم العامة محايدين ،إل عندما تراهم يمارسون حقوقهم في حربة
التعبير والتفكير والجتماع ،وتراهم يطبقون الوقائع ،على أسس قضائية محددة ،تحفظ كرامة
مناصبهم ،فالناس شهود ال في أرضه ،كما قال الرسول صلى ال عليه وسلم.
-3علقة الشفافية بالمساءلة :عنصر الشفافية يدعم مبدأ المساءلة في الختيار
والتعيين والترقي والجزاءات ،بالضافة إلى القضايا المتعلقة بمدة البقاء في المنصب
والخلقيات ،ونشر القرارات ،وإطلع العامة على المعلومات.
-4إعلن القضاء بطلن قرار أو قانون :إن من ما يعزز سمعة القضاء واحترام
الجمهور له ،قدرة القضاة على إعلن عدم دستورية بعض القوانين وأعمال السلطة
التنفيذية ،ورفضهم الوامر أو القوانين المخلة بالعدالة (الجراءات المؤسسية والنظمة
المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل.)47 :
-5التفسير المقنع لكل تصرف قضائي :إن المسئولية تتصل بالشفافية ،فالمسئولية
يتركز مفهومها على طلب تفسير إجراءات تمت بالفعل ،ويجب أن يكون لهذا الطلب وحده
122
القدرة على التأثير في السلوك القضائي .المسئولية القضائية مثل مسئولية أي مؤسسه
عامة ،وهى جزء من الحوار بين المؤسسة والمجتمع الذي تخدمه ،وعندما تكون هناك
خلفات أساسية ،تبدأ الجهود التفاوضية لتصحيح العلقة.
-6توزيع القضايا على القضاة:ينبغي أن تكون إحالة القضايا على القضاة ذات طابع
قضائي محض ،طابع موضوعي ،ل صلة له بنوع الحكم المتوقع من قاض دون آخر ،وأن ل
يكون للحالة طابع سياسي في القضايا السياسية (استقلل القضاء في العالم العربي .ناثان
ج .براون وعادل عمر شريف انظر الشريف ،وبراون.)11 :
وقد لوحظ في التطبيق السائد في أوربا الشرقية ،مخاطر غيبة الشفافية حين يستطيع
رئيس المحكمة؛ توزيع القضايا على القضاة ،من دون معيار الشفافية فيؤثر ذلك على النزاهة
و يوفر سبل الفساد ،ويعزز سيطرة المنصب العلى على الدنى ،ويتيح فرص تدخّل السلطة
التنفيذية ،فتستطيع أن تؤثر على الحكام في القضايا السياسية ،عن طريق التفاهم مع رئيس
المحكمة لحالة بعض القضايا إلى قضاة يوافقون هواها .وأخطر ما يكون ذلك في القضايا
التي فيها نزاع بين الدولة والفراد و لسيما قضايا الموقوفين.
[]91
123
لن من شروط القضاء العادل؛ أن ينال صاحب الحق حقه وهو غير متعتع كما في
الحديث الشريف "إن ال ل تقدس أمة ل ينال فيها الضعيف حقه إل وهومتعتع" ،وتطبيق هذا
المبدأ يقتضي سرعة قياسية في فصل القضايا ،ومحاسبة المقصرين ،ونصوص الفقهاء في
ذلك كثيرة.
ومن إجراءات تطبيق هذا المبدأ ،أن الفقه القضائي نص على وجوب تقديم النظر في
دعاوى المرفوعة من النساء ،على القضايا المرفوعة من الرجال (فارس ،)62:ونص على
تقديم النظر في القضايا التي يقدمها الطارئ المسافر على دعاوي الساكن في البلد ،كما قال
عمر بن الخطاب"قدم الغريب ،فإنك إذا لم ترفع له رأسا؛ ذهب حقه وضاع"(فارس.)62:
وحظروا تأخير الشهود من دون عذر.
[]92
ب( -السرعة القياسية في إصرار الحكم) :
من أجل ذلك يتفق الخبراء على استحالة فصل عدالة القضاء ونزاهته ،عن السرعة
القياسية في فصل الدعاوى ،فالهيئة التي تصدر أحكاما عادلة ،ولكنها تتأخر عن الوقت
المناسب في فصل الدعوى ،ل تكتسب مصداقية ومن ثم وجب ربط مفهوم تحقيق العدالة بعدم
تأخير البت في الدعوى (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل
القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل.)48:
إن إعلن مبادئ العدالة ل يكفى ،لن تنفيذ المبادئ يحتاج إلى أساليب إجرائية فعالة
وهذه أمور لها علقة بالمالية والعمالة والموظفين والعلقات مع السلطة التنفيذية ،والعلقة
العامة مع الجمهور والتخطيط الستراتيجي (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي
تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل .)48:
من أجل ذلك صار من معايير استقلل القضاء ،أن تنهى الجراءات القضائية في وقت
قياسي ،إن الدعاوى التي تستمر سنين عديدة ،قد تكون لها أسباب إدارية ،كقلة القضاة ،أو
قلة الخدمات الدارية ،في الموظفين ،أو الروتين والبيروقراطية ،أو شح النفقات أو عدم
وجود معايير للعدالة ،أو عدم الدقة في الختصاص ،وكلها مؤشر من مؤشرات ضعف
استقلل القضاء (انظر استقلل القضاء في إيطاليا :جويب دي فيدير يكو :دليل.)102 :
[]93
124
ج-إجراءات تسريع البت في المحاكمات:
تبين من البحاث التطبيقية التي أجريت ،في بعض البلدان كالوليات المتحدة المريكية
وأستراليا ،وبريطانيا وسنغافورة؛ أنه يمكن تسريع البت في الدعاوى ،إذا اتخذت إجراءات
على درجة عالية من الكفاءة ،لدارة عملية التقاضي بفعالية.
ولضمان سرعة البت في القضايا؛ اعتبر من ضمانات عدالة القضاء ما يلي:
أولً :قياس النجاز :إذ تحتاج المحاكم إلى قياس إحصاء يحدد أربعة عناصر:
-1المدة التي استغرقتها الدعوى حتى الفصل فيها .
-2مقارنة عدد الدعاوى المقامة ،بالدعاوى التي فصل فيها .
-3تحاشي تراكم الدعاوى .
-4انتظام الجلسات (دور إدارة المحاكم في تعزيز استقلل القضاء :وليام ديفيس:
دليل .)175 :بأن يضع كل قاض جدولً لتقديم المستندات والجلسات ،ول يسمح بالتأخير إل
لسباب معقولة.
وينبغي أن يكون هناك إحصاء نصف سنوي بين عدد الدعاوى المقامة ،وعدد القضايا
التي فصل فيها ،وكيفية الفصل .ومقارنة هذه البيانات بمعايير موضوعية ،إذ ل ينبغي أن
يمضي أكثر من ستة أشهر ،بين إقامة دعوى مدنية كبيرة والفصل فيها (استقلل القضاء في
الوليات المتحدة المريكية :ميراجو راري وراسل ويلر :دليل.)155 :
ثانيا :المتابعة :وينبغي أن تكون هناك متابعة كل ستة أشهر ،لسؤال القضاة عن
القضايا التي لم يفصلوا فيها ،لتبرير عدم الفصل ،وذلك يشجع القضاة على الفصل في
الدعاوى بسرعة مناسبة ،كما في التجربة المريكية ،عندما قام الكونجرس عام 1990م؛
بتوجيه المكتب الداري للمحاكم المريكية بمتابعة إنجاز القضايا (استقلل القضاء في
الوليات المتحدة المريكية :ميراجو راري وراسل ويلر :دليل.)156 :
ثالثا :زرع الحساس بالمسئولية :وحتى يقوم القضاة بهذه الجراءات؛ ينبغي وضع
برامج ،لزرع الحساس بالمسئولية ،تجاه الوقت الذي تستغرقه إجراءات الدعاوي ،وقد يجابه
هذا التجاه بمعارضة قوية من المحامين أو المتقاضين ،وأحيانا من القضاة أنفسهم
(دورإدارة المحاكم في تعزيز استقلل القضاء :وليام ديفيس :دليل.)174 :
125
[]94
[]96
كيف تكون السلطة القضائية مستقلة عن هيمنة السلطة التنفيذية ،عندما تقوم الحكومة
بتحديد مصروفات القضاء؟ ،أل يمكن أن يكون قيام السلطة التنفيذية بالنفقة على القضاء،
مدخل من مداخل التأثير عليه؟ .من جانب آخر إذا انشغل بها القضاة بأمور القضاء المالية
والدارية وشئون الموظفين ،قل إبداعهم القضائي؟ .مالحل؟ من هنا جاء دور وزارة العدل
الخدماتي في الدولة الحديثة.
لم يكن هذا السؤال مطروحا في العهود السلمية الغابرة ،فقد كان القضاء بسيطا
وكانت مشاكل الناس محدودة ،ومصروفات القضاء غير مكلفة .من أجل ذلك ليس في تراثنا
ما يجيب على هذه السئلة .ثم إن التراث الذي جعل تعيبين القضاة بيد السلطان؛ ليس متوقعا
منه أن ينتبه إلى مثل ذلك .لكن هذه السئلة عانت منها الدول المتقدمة وابتكرت وسائل،
أسهمت في تعزيز العدالة ،وكل ما أٍسهم-من الوسائل -في ترسيخ العدل؛ ولم يخالف قاعة
127
شرعية أخرى ،ولم يكن بنفسه محذور ،فهو من تطبيق الشريعة ،كماقرر ابن عقيل الحنبلي
وابن القيم وغيرهما في نحو هذا السياق.
وأدركت الدول الدستورية؛ أن من المهم توفير نفقات كافية لمرفق القضاء ،لن ذلك
يقويه ،ومن المهم على كل حال توزيع الحتياجات المالية بشكل عادل ،فل تغدق على
المحاكم العليا الموارد ،فتكون في مباني فخمة ،بينما المحاكم البتدائية (الولى) في مباني
مستأجرة ،ليس لديها ما يكفى من المستلزمات المكتبية ،لن ذلك يدل على إدارة سيئة
للموارد (لين هارمر .الستقلل والمسئولية :جانسون.)194 :
القضاء الذي ل يملك موارد كافية يتعوق استقلله ،لن ذلك يؤدي إلى ظروف عمل
غير ملئمة ،فضعف الموارد يؤثر على عدد القضاة والموظفين والخدمات.
والموارد تحتاج إلى إدارة وموظفين وكتبة ،فكيف يستطيع القضاء أن يتفرغ لمهامه
القضائية ،إذا انشغل بها؟ أل يترك لوزارة العدل القيام بتجهيز كل ما يلزم القضاء من
احتياج؟.
[]97
128
وقد وجدت الدول غير الشورية،في البلدان النامية ،أن هذا النظام أقرب إلى حداثة
تمرسها بالحكم ،وفي هذا النموذج يكون لوزير العدل صلحيات قضائية كالترقية والتأديب و
التوقيف والتقييم (السراج .)7:فصارت السلطة التنفيذية؛ تطل برأسها ،كما في المغرب
العربي (استقلل القضاء في المغرب أحمد السراج السراج .)6 :
و هذا يخل بمبدأ الستقلل ،لنه يجعل السلطة التنفيذية ،تمارس مهام السلطة القضائية
(السراج ،)8:ول يكفل التزام كل سلطة من السلطات الدستورية الثلث حدود اختصاصها
المقرر في الدستور ،واحترام توزيع الختصاصات من قبل الدستور ،وعدم طغيان سلطة على
صلحيات سلطة أخرى (استقلل القضاء في لبنان :تنظيم واستقلل السلطة القضائية .خالد
القباني.)18 :
* -في أوربا القارية يكون وزير العدل مسئولً رسميا أمام مجلس النواب عن عمل
النظام القضائي ،ويكل الدستور لوزير العدل (كما في إيطاليا) ،المهمات التالية:
-1تنظيم الخدمات وضمان عملها.
-2تحريك إجراءات (التأديب)ضد القضاة.
-3إعداد ميزانية القضاء.
-4نظام السجون وإدارتها .
-5تعيين معظم العاملين الداريين غير القضاة في المحاكم وفى هيئة الدعاء (استقلل
القضاء في إيطاليا :جويب دي فيديريكو :دليل .)103:
وتعتبر وزارة العدل في أوربا الغربية جزءا من آليات المراقبة والتوازن ،لضمان
الكفاءة والمسئولية والحماية ،ضد أخطار تكتلت الجماعات القضائية ،التي يتم تعيينها
بالساليب البيروقراطية؛ وإنما جعلت لوزارة العدل هذه المهمات لكي ل تؤدي التكتلت إلى
تقليص ضمان توافر المؤهلت المهنية.
لكن دور وزارة العدل ،قد يخل بالعدالة؛ إذ أحيانا تظهر بعض الشكاوى (كما في
فرنسا) من أن الدور الذي تقوم به وزارة العدل ،يعرض استقلل القضاء للخطر (استقلل
القضاء في إيطاليا :جويب دي فيديريكو :دليل.)105 :
129
فقيام وزارة العدل بذلك مدخل من مداخل تحكم السلطة التنفيذية في ميزانية القضاء،
يؤثر على مدى وفائه باحتياجه( ،الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز
استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل .)24:وعندما تتحكم وزارة العدل في ميزانية
المحاكم ،تزداد فرص السيطرة الدارة على الهيئة القضائية.
لذلك لجأت بعض الدول (كالمجر) إلى أساليب تحد من ذلك ،حين يقوم رئيس المجلس
العلى للقضاء؛ برفع الميزانية المالية مباشرة إلى السلطة التنفيذية ،ثم يصادق عليها مجلس
النواب ،وعند التعديل يجب أن تشير الحكومة إلى القتراح الصلي ،وتبرر أي تغيير يجرى
(استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش :دليل .)75:
وفي بعض الدول كـ(بولندا) تسيطر وزارة العدل ،على ميزانية المحاكم العادية ،ماعدا
المحاكم الثلث :المحكمة العليا والمحكمة الدارية العليا ،والمحكمة الدستورية ،فتقدم المحاكم
ميزانيتها إلى وزير المالية أول ،ثم إلى مجلس النواب ثانيا .متخطية وزارة العدل (استقلل
القضاء في أوربا إدوين ريكوش:دليل .)75:
إن عدم استقلل القضاء إداريا ،يسهم في اعتبار القضاء مجرد امتداد للسلطة
التنفيذية ،كما في كينيا (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل
القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل ،)34 :وهي ظاهرة في غالب البلد العربية.
[]98
ج -تزايد التجاه إلى الستقلل التام:
وفيه يقوم القضاء بإدارة نفسه بنفسه أول ،ويتحكم في تحديد ميزانيته المالية وشؤونه
الدارية ثانيا ،فتستقل السلطة القضائية بإدارة شئونها المالية والدارية .وهو النموذج
المفضل في عديد من الدول المتقدمة كالوليات المتحدة ودول أوربا الغربية.
والتجاه المتزايد الن؛ هو لنقل مسئوليات الدارة والمالية أو أغلبها ،بعيدا عن وزارة
العدل (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من
القانونيين:دليل .)33:
130
وهناك اعتقاد في العديد من الدول ،بأن الدور الذي تقوم به وزارة العدل ،تهديد حقيقي
أو محتمل لستقلل القضاء.
وهناك اعتقاد بين القضاة أن جميع المناصب التنفيذية داخل الوزارة ،يجب أن تظل في
أيديهم ،لكي يضمنوا أن وزارة العدل ؛ لن تتخذ إجراءات تضر باستقلل القضاء (استقلل
القضاء في إيطاليا:جويب دي فيديريكو:دليل.)103 :
لن النظام الذي يجعل لوزير العدل تحريك إجراءات التأديب ،يخشى منه أن يعاقب
القضاة على مضمون أحكامهم القضائية ،ككونهم أكثر استقل ًل عن رؤسائهم (استقلل
القضاء في إيطاليا :جويب دي فيديريكو دليل .)106 :
لن تفرد القضاء بمسئوليات إدارة نفسه؛ يعزز من استقلل القضاة ،فدول (الكمنولث)
كانت تحمل رئيس المحكمة؛ كل المسئوليات الدارية والمالية ،وقد ساعدها على الستقلل.
كما أن عدم استقلل القضاء إداريا ،أسهم في اعتبار القضاء امتدادا للسلطة التنفيذية،
كما في (كينيا) (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء:
مجموعة من القانونيين :دليل.)34:
والتجاه الن نحو زيادة استقلل القضاء ماليا وإداريا ،من أجل أن يدير شئونه
{المالية والدارية} بنفسه ،ويدعم هذا التجاه إلى حد كبير ،زيادة الطلب من أجل تحسين
الجراءات في أنظمة العدالة.
من أجل ذلك واتجهت إلى الستقلل التام دول أوربية عديدة كإيطاليا وأسبانيا وعدد من
دول أمريكية اللتينية ،وتطالب به جمعية القضاة الفرنسيين .ويؤكد القادة القضائيون في
عديد من دول الكمنولث البريطانية وكندا أنه السلوب الفضل (دورإدارة المحاكم في تعزيز
استقلل القضاء :وليام ديفيس :دليل .)171-170:
التجاه السائد المتزايد الن ،هو نقل مسؤوليات الدارة والمالية أو أغلبها ،بعيدا عن
وزارة العدل (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء:
مجموعة من القانونيين :دليل.)33 :
[]99
131
د-شروط نجاح الستقلل التام:
ل جرم أن القضاء المستقل ماليا وإداريا ،هو النموذج الفضل،
لكن استقلل القضاء بالمور المالية والدارية؛ يحتاج إلى إدارة فعالة وأنظمة فعالة،
وتطبيقات عملية ،وقيادة سليمة وقدرة في السلطة القضائية على تفسير وتبرير احتياجاتها،
للجهات الحكومية الخرى ،وللجمهور الذي يطالبها بالمردود .ومن العادة أن ل يكون للقضاة
خلفية إدارية.
وإذا عجز القضاء عن إدارة المور الدارية والمالية ،انفتحت أبواب التدخل عليه كما
حصل في إقليم الباسك في كندا ،الذي ضعفت فيه مهارة المحاكم الدارية (دور إدارة المحاكم
في تعزيز استقلل القضاء :وليام ديفيس دليل ،)177 :فنقلت إدارة الموال فيه إلى السلطة
التنفيذية ،ولذلك فإن استقلل السلطة القضائية؛ يرتبط بمدى مهارتها في إدارة نفسها (انظر:
دورإدارة المحاكم في تعزيز استقلل القضاء :وليام ديفيس :دليل .)77
ولكنه ل ينجح إل في ظروف عمل ممتازة ،يمكن شرحها في ما يلي:
-1إن ضم الشئون المالية والدارية ،ل يعنى بأي حال من الحوال أن ينفق القضاة
الجزء الهم من وقتهم في المور الدارية ،إذ يعتبر الوقت الذي ينفقونه في التعامل مع
المسائل الدارية وقتا مهمشا أيضا .وليس من المناسب أن ينفق القاضي %50من وقته في
الشئون الدارية ،كما هو الحال في بعض الدول النامية كالرجنتين وباكستان.
و من أجل ذلك لبد من منصب المدير الداري لكل محكمة ،لمساعدة المحكمة في تنفيذ
مسؤولياتها ،وهذا من المناصب المكملة والضرورية للوظائف القضائية ،حيث لكي يخصص
المدير المحترف كل وقته من أجل المهام التالية:
أ -تنفيذ سياسات وإجراءات المحكمة.
ب -الرد على طلبات الجمهور الدارية.
ج -وضع الميزانيات.
د -إدارة السجلت والمشتريات.
هـ -تنظيم المساحة.
132
و -تطبيق التقنية الحديثة (دور إدارة المحاكم في تعزيز استقلل القضاء :وليام
ديفيس:دليل.)176:
-2التدريب الداري :فالستقلل التام يتطلب تدريبا للقضاة على فهم طبيعة العمال
الدارية والمالية ،كي ل ينشغلوا بالمور الدارية عن واجبهم القضائي ،والقضاة في هذه
الحالة كرؤساء الجامعات وعمداء كلياتها ورؤساء أقسامها؛ ينبغي أن تكون لهم مهارة
إدارية ،من دون أن يكون ذلك على حساب وظيفتهم الكاديمية ،وما فيها من تدريس
ومحاضرات وكتابة أبحاث.
-3يتطلب استقلل القضاء أيضا بشئونه الدارية؛ تحسينات تدعم مبدأ الشفافية
والقياسية ،وتسد منافذ الفساد والهمال .ومن المهم أن تحتفظ كل محكمة بالسجلت ،بشكل
يعتمد عليه ويسهل التعامل معه ،وتتطلب إدارة السجلت تعميما متكاملً ،لجراءات استلم
المستندات وتخزينها ،والتخلص من مال يلزم منها .إن سلمة التعامل مع السجلت تجعل
المتقاضين والجمهور ،يعتمدون على القضاء ويثقون به .وسلمة ملفات الدعوى تعتبر ذات
أهمية قصوى ،حيث يبقى فيه كل تاريخ الدعوى ،وسجل الدلة.
وقد استدعت الظروف المنية في بعض الدول ،إلى خياطة ملفات الدعاوى ،حتى
تحميها من العبث ،سواء كان العبث تخلصا من مستندات أصلية ،أو تزويرا في المستندات
(دور إدارة المحاكم في تعزيز استقلل القضاء :وليام ديفيس :دليل.)174:
استقلل القضاء إداريا وماليا ،أكثر تحقيقا للعدل،ولذلك اتجهت إليه الدول العربية
الكثر تطبيقا لمبادئ استقلل القضاء كاليمن ،ويعد نظام القضاء اليمني وهو من أكثر أنظمة
القضاء العربية استقل ًل ،وقد نص (المادة )149على أن القضاء سلطة مستقلة قضائيا
وماليا وإداريا (استقلل القضاء في اليمن حمود الهيتار :حمودة .)3:
-4ل ينجح إل في ظروف عمل ممتازة ،لنه يحتاج الى إدارة فعالة وأنظمة فعالة،
وتطبيقات عملية ،وقيادة سليمة وقدرة فى السلطة القضائية على تفسير وتبرير احتياجاتها،
للجهات الحكومية الخرى ،وللجمهور الذي يطالبها بالمردود ،وإذا عجز القضاء عن إدارة
المور الدارية والمالية ،انفتحت أبواب التدخل فهو يتطلب تدريبا للقضاة على فهم طبيعة
133
العمال الدارية والمالية ،كي ل يفضي إلى أن ينشغلوا بالمور الدارية عن واجبهم
القضائي(دور إدارة المحاكم في تعزيز استقلل القضاء :وليام ديفيس :دليل .)77
[]100
134
الشعوب ،كما جاء في الثر (عن الرسول صلى ال عله وسلم)" :كما تكونون يولى عليكم"
فما بالك بالقضاة.
135
ومن الخلل بالصفات المهنية ،أن يركز على معيار الحزبية كما لوحظ في العراق وفي
سورية ،أن أغلبية القضاة إنما هم من البعثيين ،بل ولم يعين قاض إل وهو بعثي منذ سنة
– 1980حتى 2000م (هاشم مناع:استقلل القضاء في سورية.)3 :
ومن الخلل بالصفات المهنية ،أن يركز على معيار المذهبية :وهذه الصفة واضحة في
القضاء السعودي حيث يفضل كون القضاة من أتباع المذهب الحنبلي(عبدال الحامد:استقلل
القضاء في السعودية).
وهذه هي حال القضاء العربي في أغلب البلد .و لذلك فإن السلطة التنفيذية ،التي تعين
القضاة ،لن يكون القضاة بمعزل ممن اتجاهها.
[]101
ب-العلقة بين العدالة و الثقافة القانونية الوافية:
لكي يتمكن القضاة من تطبيق قانون عادل؛ ينبغي أن يكونوا على دراية تامة بأساس
القانون(قواعد القضاء) التي يطبقون ،لنه ل يمكن أن يكون القضاء المستقل عادلً ،إل
بثقافة قانونية حقوقية( ،شعبان:استقلل القضاء في العراق )5:لن القضاة غير المتمكنين
من فقه القانون ،أكثر عرضة للخضوع للضغوط الخارجية .ولكي يتصرفوا باستقللية ،ينبغي
أن ل تكون روح التبعية مسيطرة على ثقافتهم.
ومن أجل ذلك يؤكد خبراء القضاء؛ على ارتباط مفهوم استقلل القضاء بالثقافة
القضائية ،فالقضاة الذين ل يدركون مفهوم الستقلل ومعاييره ،والذين لم يحصلوا على
تدريب ومهارات كافية؛ أكثر عرضة للخضوع للمؤثرات الخارجية.
وقد أكد المشاركون أثر برامج التدريب الجيدة؛ على الخلقيات القضائية ،من خلل
تجربة (جواتيمالً) (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء:
مجموعة من القانونيين :دليل )37 :فالقاضي الذي ينوى أن يتصرف بعدالة ،قد ل يجد
السلوب المناسب ،لتحقيق العدالة ،عندما ل يمتلك الثقافة القانونية الكافية.
136
فالثقافـة القانونيـة تسـاعد القضاء على تحديـد الخيارات الصـحيحة فـي المواقـف غيـر
الواض حة (الجراءات المؤ سسية والنظ مة المؤ سسية ال تي تعزز ا ستقلل القضاء :مجمو عة
من القانونيين :دليل.)38 :
ومن ضمن الثقافة القانونية:
-1مفهوم الدولة الدسـتورية ،التـي تقوم على أن سـلطة الشعـب فـي تحرى مصـالحه،
وأن الحاكم وكيل للمة ل عليها.
-2و مبادئ حقوق النسان والقانون الدولي ،التي أعلن السلم قبل أربعة عشر قرنا
من تنادى الدول الحديثة إليها ،و لسيما مبدأ المساواة.
-3ومن ذلك أن دور السلطة التنفيذية ينحصر في إلغاء العقوبة أو تخفيفها ،في قضايا
الحقوق العامـة ،ل زيادتهـا ،كمـا يحصـل فـي القضاء غيـر المسـتقل ،الذي يع تبر الحاكـم هـو
القا ضي ال صيل ،ويع تبر القضاة وكلء عن الحا كم قد يتلقون توجي ها من ال سلطة التنفيذ ية
بزيادة العقوبة ،أو بتحديدها سلفا(عبدال الحامد:استقلل القضاء في السعودية).
ول يمكن أن يتحقق للقضاء استقلل ،ما لم يكن القضاة على دراية تامة بالمواثيق
الدولية وحقوق النسان ،ومعاييرها الدولية وعلى دراية بكيفية تطبيقها في أحكامهم ،إن
تضمين هذه المعايير في معاهد تعليم القضاة ،يسهم في تعزيز ضمانات الجراءات القضائية،
ويضمن وجود قضاة يتمتعون بالستقلل والنزاهة (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية :مار
جريت بوبكن :دليل.)130 :
إن القضاة قد يحافظون على وسائل غير فعالة ،وهذه العادات تعيق تفتح الذهان ،عن
ضرورة التجديد في الوسائل :الليات والجراءات ،الذي هو طبيعة الحياة ،وذلك من معوقات
استقلل القضاء(استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش :دليل .)75
[]102
ج -التعليم الجامعي والتدريب معلومات ومهارات:
وقد لحظ مقرر المم المتحدة عن استقلل القضاء( ،في تقريره عن جواتيمال) أن
إصلح التعليم القانوني على مستوى الجامعة هو الوسيلة الجود والضمن لرفع مستوى
137
القضاة ،وتحقيق الستقلل والنزاهة (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية :مار جريت بوبكن:
دليل.)130 :
وهناك إجماع بين الخبراء ،على أن التدريب غير الكافي في الجامعة ،هو إحدى
العقبات التي تحد من ضمانات عدالة القضاء ونزاهته ،ول يمكن أن يعوض التدريب أثناء
العمل ،عن التعليم السيء أثناء الجامعة (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي
تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل.)39 :
وفي مسالة المهارات يلحظ أن التدريب المهني الضعيف في كليات الحقوق؛ هو أكبر
العقبات على طريق استقلل القضاء (استقلل القضاء في أمريكا اللتينية:مار جريت بوبكن:
دليل .)130:
لن السلوب النظري والتلقيني ،في التعليم الجامعي ل يمكن أن ينميا المنطق القضائي،
و ل التفكير النقدي .إن أهم مراحل تكوين القضاة والمحامين هي الجامعة ،ومن المهم أن
تقوم كليات الحقوق ،بتدريس أخلقيات الوظائف القانونية ،كالقضاء والمحاماة ،من خلل
التركيز على المهارات التطبيقية والعملية ،والقدرة على التسبيب ،و بذلك يمكن أن يتخرج
القضاة والمحامون الكفأ (استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش :دليل)79 :
إن الوسيلة الكثر فعالية في إصلح القضاء ،ليست داخل أروقة المحاكم ،بل داخل
أروقة الجامعة أول .وسبيل ذلك هو نبث أسلوب التعليم الذي يقوم على التقليد والتلقين ،تلك
الفة التي تستوطن عادة نظام التعليم العربي عامة و القانوني خاصة.
إن إصلح التعليم القانوني على مستوى الجامعة ،أقوى ضامن لستقلل القضاء على
المدى البعيد ،وكل فرص التدريب ل توازى اكتساب أساس سليم من التعليم ،أثناء دراسة
القانون في الجامعة ،ولسيما في مجال المنطق القانوني والتفكير النقدي والبعاد الخلقية
والمهنية (انظر استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش :دليل)81:
إن من ما يعزز استقلل القضاء ،أن يبلغ القضاة مستوى عاليا من الكفاية المهنية ،من
أجل ذلك ينبغي أن ل يكون القضاة أقل من المعلمين ،فالمعلمون لهم معاهد إعداد وتدريب
138
خاصة ،تدرس فيها طرق التعليم ونظرياته ،وعلوم النفس والجتماع والمناهج ،وكذلك
القضاة.
فالقول بأن خريج كلية الحقوق أو الشريعة أو القانون صالح للقضاء قول على
عواهنه ،لبرهان عليه—عندما يطبق على الواقع -فلبد من إيجاد معاهد مختصة بإعداد
وتأهيل القضاة وأعضاء النيابة (انظر حمودة )7 :لن استقلل القضاء ل يقف عند حدود
النصوص الدستورية بل لبد أن يتناول تكوين شخصية القاضي ،بإعداده وتأهيله علميا
وخلقيا ومهنيا( ،القباني.)1 :
[]103
د-التدريب المستمر:
ول يغني كل ذلك عن التدريب للتأهيل المستمر (التدريب أثناء الخدمة) ليكون أوسع
أفقا ،وأكثر انفتاحا على متغيرات العصر ،و اقتدارا على مواكبة تطوراته وتحدياته ،والقاضي
معني أكثر من غيره؛ بالتحولت القتصادية والجتماعية ،التي تجتاح عالم اليوم ،وما
تطرحه التحولت من موضوعات ومنازعات مستجدة معقدة ،يتطلب حلها مؤهلت خاصة،
وربما تحتاج إلى تخصص نوعي في مجالت متعددة (القباني.)3 :
و إن الصفات المهنية تنضج بالتدريب ،وضعف التدريب له نتائج خطيرة ،إذ يدفع
القاضي إلى العتماد على المشرفين عليه ،حيث يتحاشى رفض أحكامهم .والتدريب غير
الكافي ،ينتج شعورا بعدم المان ،فيؤدي إلى الخوف من رقابة الجمهور ،من خلل العلم،
فيحد من البداع (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء:
مجموعة من القانونيين :دليل.)28 :
أن القضاة الذين يحصلون على تدريب ضعيف ،أكثر عرضة للوقوع في الفساد
المجتمعي السائد ،وأكثر عرضة لرضاء السلطة ،و لسيما التنفيذية في مجتمعات تعتبر فيها
معارضة السلطة قضية ل تحمد عقباها (انظر ستيفن جولب :مساهمات المجتمع المدني في
استقلل القضاء ستيفن.)183 :
139
وقد يبدو لبعض الناس أن تدريب القضاة أو تأهيلهم في دورات أو حلقات ،ينطوي على
تقليل من قدرهم ،وهذا توهم لن التدريب ليس مجرد نزهة فكرية ،بل هو تجديد للفعالية
والخبرات ،وقديما أدرك فقهاؤنا أهمية التدريب فقد قال المام :أبو حنيفة" :ل يترك القاضي
على قضائه إل سنة واحدة ،لنه متى استقل بذلك نسى العلم ،فينبغي أن ل يستمر ،فيقول
السلطان للقاضي :ما عزلتك لفساد فيك ،ولكنى أخشى أن تنسى العلم ،فادرس ثم عد إلينا،
لنقلدك ثانيا"(القباني.)3 :
[]104
هـ-أهمية توافر النزاهة والموضوعية:
وهناك صفات مهنية فوق المنصة ،وصفات شخصية مسلكية خارج المنصة ومن
الصفات المهنية أن يكون القاضي محترفا ،وهذا يتطلب خبرة وعلما وتدريبا.
فالصفات المهنية الممتازة ،هي من معايير الداء الممتاز ،وهي شرط لممارسة
القضاء ،وهي فوق ذلك أفضل حماية شخصية ضد التدخلت الخارجية ،التي تشين السلوك
المهني (استقلل القضاء في إيطاليا :جويب دي فيديريكو :دليل.)98 :
إن مناقشة الصفات المهنية ومناقشة المعايير المهنية؛ ينبغي أن تكون بصراحة
وعلنية أن تتسم بالشفافية ،لكي تكون موضوعية ،تعتمد على القدرات وحدها ،من الصعب
تحديد صفات القاضي النزيه العادل.
إن معظم القياسات ،تبين مستوى الذكاء ،والمعرفة بالقانون ،ولكن ثمة صفات مهنية
ومسلكية أهم منها يصعب قياسها ،مثل النزاهة المهنية والرغبة في العمل الشاق ،والستقامة
والتفاني واتخاذ القرار بناء على المداولت (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي
تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل 27 :و استقلل القضاء في أمريكا
اللتينية :مار جريت بوبكن )122ولذلك قيل :العدل قضاة ل شرائع والحكم رجال ل نصوص
(القباني.)32 :
[]105
140
=32المعيار الثاني والعشرون:
تكامل هياكل القضاء:
أ-هياكل القضاء السلمي القديم:
كان الهيكل القضائي في العصور السلمية القديمة يتكون من:
-1القضاء العام:
-2قضاء الحسبة:
ويختص بقضايا النظام العام والداب والجنايات المستعجلة.
-3قضاء المظالم:
وهو يختص بالقضايا الكبيرة ،والنزاعات التي تحتاج إلى مزيد قوة في التنفيذ ،فهو
قضاء مالي وإداري يبت في دعاوى الفراد والجماعات ضد الدولة ،و يقوم بتنفيذ الحكام
التي يعجز عنها القاضي وصاحب الحسبة.
وهذه الهياكل إنما هي اجتهادات رأى السالفون أنها تسد احتياجاتهم ،في ظل نظام
سياسي مستبد جوره أكثر من عدله.
إذن ل ينبغي للناس اليوم أن يبرروا الهياكل القضائية المتوارثة في العصور السوالف،
فالسلمية هي اتخاذ الجراءات والليات والهياكل التي تضمن مبادئ عدالة القضاء
ونزاهته ،التي أقرها السلم ،فما أدى إلى المقصد الشرعي ،من الوسائل والليات
والجراءات والهياكل المباحة فإنما هو من الشريعة ،ولو لم ينطق به الكتاب ،ولم يعمله
النبي صلى ال عليه وسلم ،كما قال ابن القيم وابن عقيل ،في غير هذا السياق.
من أجل ذلك فإن الخذ بالوسائل الحديثة التي جربتها دول متقدمة ،فضمنت بها العدالة
والنزاهة ،إنما هو من ما دلت عليه الشريعة ،هو من المصالح التي دل الشرع على أصلها،
وإن لم يدلل على آلياتها و وسائلها الشرع بنفي ول إثبات من جانب.
فالشرع دل على عدالة القضاء ونزاهته ،وبين أن الهوى هو سبب الفساد ،وذم ال
الهوى في كتابه مرارا ،والهوى ضد النصاف والعدل والسداد ،واستقلل القضاء هو سلمته
141
من الهوى ،وكل الوسائل التي تؤدي إلى سد الثغرات ،التي يدخل منها الهوى ،وتضمن الحكم
بالقواعد الشرعية مشروعة.
تماما كمسائل التعليم وهياكله ،فهناك هياكل للتعليم ،كالمدارس والفصول والكتب
والمدرسين والدارة المدرسية ،وهناك هياكل للقضاء ،هذه الهياكل من الجراءات ،التي ل
يمكن تنفيذ مبدأ العدالة ومبدأ التعليم من دونها.
من أجل ذلك فإنه ليس من الفقه في الشريعة؛ محاربة الهياكل التي تضمن نزاهة
القضاء واستقلله ،كتوزيع سلطة الدولة أثلثا وتوكيل محام ،وفصل قضاء التحقيق والدعاء
العام عن قضاء الحكم ،وإنشاء محكمة عدل دستورية عليا،ووضع محاكم متخصصة بالقضايا
المتكاثرة.
إن محاربة هذه الهياكل والجراءات تحت شعار الدفاع عن الشريعة ،إنما هو ركود
في الفقه وجمود ،وركون إلى التقليد والمألوف ،يصد الذهن عن الوقائع والنوازل المستجدة،
فيعجز عن الجتهاد والتجديد ،ويغلف عجزه بغلف الشريعة ،وليس ذلك من الشريعة ،إنما
هو غفلة عن هدي الشريعة ،امتطاها الغافلون عن تمييز مبادئ العدل السلمي،وهي مقاصد
شرعية ثابته ،ووسائل تحقيقها وهي واجراءات وهياكل متغيرة ،وقد تناسب الدولة الحديثة
اليوم ،وسائل لم تناسب العصور القديمة.
فأساءوا إلى الدين ،عندما أسهموا في الحفاظ على هياكل وإجراءات ،ل تستطيع أن
تسد احتياج الناس ،فاتسم القضاء بالبطء في إصدار الحكام ،والعجز عن الحلول العملية،
والمماطلة في تنفيذ أحكامها.
فأسهم ذلك في نشر الظلم و الجحاف باسم تطبيق الشريعة ،فقدموا السلم ظهيرا
للدكتاتورية والستبداد وأكل أموال الشعوب ،فتركوا فراغا في ميدان القضاء ،وكان فرصة
لدخول العلمنة ،التي نشرت العدل والقسطاس ،و اتخذت العدالة والحرية مركبة لنشر
المبريالية ،والفرنجة والعلمانية ،فزادت هيمنتها على الشعوب.
[]106
ب-الهياكل في النظمة الدستورية:
142
اتجهت الدول الدستورية ،إلى ضمانات إجرائية ،لنزاهة القضاء وعدالته ،بإنشاء
هياكل قضائية ذات وظائف قضائية محددة ،تسد ذرائع المحسوبية والفساد والتدخلت
وتسرع البث في القضايا.
أولً :أهم هياكل القضاء المتكامل في الدولة الحديثة:
-1هياكل القضاء العام:
-2محكمة العدل (الدستورية) العليا :وقد سبق تفصيلها
-3المجلس العلى للقضاء واختصاصه مايلي:
-1تعيين قضاة المحاكم
-2وضع مشروع المناقلت واللحاقات والنتدابات القضائية (استقلل القضاء في
لبنان :تنظيم واستقلل السلطة القضائية .خالد القباني.)9 :
وقد سبق تفصيله
-4القضاء الداري :وقد سبق تفصيله
-5القضاء المالي (ديوان المحاسبة) :يبحث في مراقبة استعمال الموال ،ومدى انطباق
الستعمال على القوانين والنظمة الرسمية الجراء ،وصحة وقانونية معاملتها وحساباتها،
ومحاكمة المسئولين عن مخالفة القوانين والنظمة المتعلقة بها (قباني.)15 :
-6هيئة التحقيق والدعاء العام :ومن علمات ارتباطها بالقضاء؛ أن يمكن نقل
القاضي من قضاء الدعاء إلى قضاء المحاكم ،كما أن من اختصاص المحاكم العادية أن
تنظر في جميع الدعاوى الجزائية ولكن قضاة الحكم (الجالسون) .منفصلون عن قضاة
التحقيق (الواقفون) .وقد سبق شرحها.
-7قضاء التنفيذ :لتنفيذ أحكام المحاكم وقراراتها وأوامرها أو متابعة تنفيذها.
-8هيئة السجون
-9التفتيش القضائي.
143
-10المجلس التأديبي :ويبحث المجلس التأديبي طلبات التأديب ،بناء على إحالة من
هيئة التفتيش القضائي (قباني.) 10 :
144
[]107
145
وقد تقرر في معايير القضاء الدستورية ،أن يكون أجر القاضي وافيا ،إذ الجر الجيد
عنصر هام في استقلل القضاء ،ومن الصعب الحد من الفساد بين القضاة ،إذ كانوا غير
قادرين على تلبية احتياجهم وأسرهم الضروري بل والكمالي ،فزيادة أجور القضاة وسيلة
فعالة ،لتحسين استقلل القضاة (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز
استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين :دليل .)41:إن كفاية دخل القضاة ،أحد العوامل
المهمة في تقوية استقلل القضاء (استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش :دليل.)78:
من أجل ذلك جرت العادة في غالب الدول ولسيما الغربية ،أن يتقاضى القاضي أجرا
أكثر من أنداده في مستوى التعليم ،و أكثر من نظرائه في ظروف العمل ومناطقه (انظر
استقلل القضاء في الوليات المتحدة المريكية :ميراجو راري وراسل ويلر :دليل .)145:
[]108
ب-تساويهم في المكافآت:
وينبغي أن يتساوى القضاة المتماثلون في الرتب ،في سلم الجور والمزايا والمكافآت،
فل يجوز تفضيل النداد على بعض ،بمميزات مالية نقدية ،كالمخصصات والكراميات ،أو
منقولة كالسيارات والهواتف ،أو غير منقولة ،كالراضي السكنية والزراعية .لن تفضيل
بعضهم بالمزايا الخاصة على بعض ،مدخل من مداخل سيطرة الحكومة على القضاء .كما
حدث في البلدان الشيوعية ،كرومانيا وروسيا وأوكرانيا (استقلل القضاء في أوربا إدوين
ريكوش :دليل ،)75 :وفي بعض البلدان العربية كالسعودية (انظر للكاتب :استقلل القضاء
السعودي عوائقه وطرق تعزيزه).
[]109
ج-إعلن القضاة عن دخلهم:
وجرت العادة في الدول الحديثة؛ أن يكشف القضاء عن مواردهم ،تحاشيا لحتمال
وجود تضارب بين مصالحهم الشخصية والمصالح العامة .ويعد العلن عن الدخل شرطا
ضروريا لسد ذرائع الفساد ،وإن لم يرض عنه القضاة (استقلل القضاء في أمريكا
اللتينية:مار جريت بوبكن :دليل.)128 :
146
نعم أكثر فئات المجتمع استقامة ،وأكثرهم ضميرا حيا ،وأكثرهم إنصافا واعتدال،
وهذه الصفات هي التي تؤهلهم للقضاء ،ولكنهم أيضا جزء من المجتمع ،وإفراز له ،ومن
الطبيعي أن يتأثروا بما يدور حولهم من تغيرات في الحياة وفي القيم( ،زينات.)10 :كما
أشرنا سابقا في البعد المسلكي والمهني ،ومن الضروري أن يكونوا أيسر من غيرهم ،ليسهم
الجر الوافي في ضمان النزاهة ،وسد أبواب الهوى والمصالح الخاصة.
[]110
=34المعيار الرابع
والعشرون:توافر جمعيات للقضاة :
أ-القاضي الذي ل يأخذ حقوقه عاجز عن تخليص حقوق
الضعاف من براثين القوياء:
فاقد الشيء ل يعطيه ،ل يستطيع القضاة أن يدافعوا عن حقوق المجتمع سياسية
واقتصادية وثقافية ومدنية إذا لم ينالوا حقوقهم كاملة.
إذا انتهكت الحكومة حقوق القاضي في التفكير والتعبير والجتماع والتجمع وإصدار
المجلت والبحاث .فكيف يتوقع أن يستطيع قاض انتهكت حقوقه؛ انتزاع حقوق المظلومين
من الظالمين ،من أجل ذلك فإن المطالبة المباشرة بحقوق القضاة ،ينبغي أن يتبناها دعاة
إصلح القضاء ،قبل مطالبة القضاة بتعزيز استقلل القضاء ،لن المطالبة-المباشرة -بحقوق
القضاة،هي مطالبة -غير مباشرة-.بحقوق الناس
من أجل ذلك تتبين أهمية حصانة القاضي من التعسف تولية وترقية ونقل وعزل
وأهمية الجر الوافي ،وأهمية كونه قاضيا أصيل ،لتملى عليه وزارات الداخلبة الحكام
القاسية ،ضد من تتوهمهم خصوما لها ،من خلل قاعدتي الخلل بالعدل عامة ،والسياسي
خاصة :ولي المر أدرى بالمصلحة ،وهو القاضي الصيل ،ونحو ذلك من ما سبق تفصيله.
وأهم آلية لحفظ حقوق القضاة ،بل هي العلمة البارزة على تمتع القضاة بهذه
الحقوق ،أن يستطيعوا أن ينشئوا جمعيات قضائية أهلية،ولجمعيات القضاة وظائف عديدة:
-1الدفاع عن المصالح الخاصة بأشخاص القضاة.
147
-2تعزيز الشعور بأهمية المهنة والزمالة واحترام الذات .و وضع المواثيق الخلقية
والدفاع عنها.
-3النهوض بالقضاء من خلل تدعيم جهود التدريب .وتنمية القيادة القضائية والدفاع
عن الصلح (الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء:
مجموعة من القانونيين :دليل.)42 :
-4مشاركة القضاة في الدفاع عن الحقوق العامة للمواطنين.
على الرغم من أن مفهوم المجتمع المدني الهلي كان حاضرا في بدايات صدر
السلم ،وكان المسجد أهم معالمه على مر الجيال،و على الرغم من أن مفهوم النقابات كان
حاضرا في المجتمع العباسي ،وأن تجمعات الفقهاء والقضاة ونحوها كانت موجودة ،لكنها لم
تكن فعالة ،لنها لم يكن أكثر من تجمع آني غير مؤسسي ،بل لعل الفئات المنحرفة
كالعيارين؛ فعّلت هذا المفهوم للفساد؛ أكثر من ما فعلته قوى الصلح والسداد ،ولذلك لم يكن
للقضاة تجمع فعال ،يسهم في دعم القضاء.
[]111
ب-القاضي والسياسة بين المشاركة والتحزب :
وينبغي هنا التفريق بين الموقف السياسي والنتماء لحزب سياسي ،والمعروف في
الدول التي استقرت فيها معايير استقلل القضاء؛ أن النشاط السياسي مسموح به إذا كان
تعبيرا عن موقف ،ولم يصل إلى درجة النتماء إلى حزب سياسي.
من ما يخل باستقلل القضاء ،أن ينتمي القضاة لي حزب سياسي ،من أجل ذلك يحظر
على القضاة النتماء إلى حزب سياسي ،ويعتبر القاضي مستقيلً بقوة القانون بمجرد
انخراطه الحزبي ،كما في الجزائر (استقلل القضاء في الجزائر جادي عبد الكريم.)13 :
وقد اعتبرت بعض الدول (كفرنسا) أن الضراب من ما يخل بجللة القضاء ،فلم توافق
على أن يكون للقضاة حق الضراب (استقلل القضاء في فرنسا:لويس أوكوان :دليل.)87 :
148
ويحظر في دول عربية (كالجزائر) على القاضي كل موقف يكتسي صبغة سياسية،
باعتباره نشاطا ل يتناسب مع استقلل القضاء وجللته (استقلل القضاء في الجزائر جادي
عبد الكريم.)13 :
وتعبير القاضي عن موقف سياسي؛ ل يخلو من سلبيات في البلدان التي لم يرسخ فيها
استقلل القضاء ،إذ إن مواقف القضاة في الغالب ستكون تأييدا للحكومة ،في ما تتخذه من
إجراءات ضد الشعب أو المعارضة ،وهذا يجعل من إعلن مواقفهم ،داعيا إلى إحالة قضايا
سياسية إليهم ،وذلك ينطوي على إخلل كبير بالعدالة.
ومن أجل سد ذرائع الخلل بالعدالة؛ صارت بعض الدول (كالمغرب) تحظر على
القضاة؛ أن يكتبوا إل بإذن وزير العدل ،وفى بعض الدول ،ل يسمح للقاضي أن يشير إلى
صفته عندما يكتب في صحيفة إل بأذن من وزير العدل (السراج.)20:
[]112
د-دور جمعيات القضاة في تعزيز الستقلل:
لكن دور جمعيات القضاة متفق عليه ،على الرغم من أنها-في بعض الدول -جاءت
تكتل للحصول على امتيازات أفضل ،فلم تكن غايتها الصلح المؤسسي إل نادرا ،لكنها كانت
عنصرا أساسيا في الصلح في بلدان أخرى ،من خلل طبيعة اهتماماتها السابقة (الجراءات
المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من القانونيين:دليل:
.)42
فقد كانت جمعيات القضاة في فرنسا؛ إحدى القوة البارزة خلف الصلح القضائي عامة
واستقلل القضاء خاصة (استقلل القضاء في فرنسا:لويس أوكوان:دليل.)90.87:
فإذا لم توجد جمعيات للقضاة ،تصبح المطالبة بها شرطا من شروط إصلح القضاء،
فإنشاء جمعيات قضائية تطوعية ،تمثل مصالح القضاة من الساليب التي يمكن أن يتبعها
المجتمع الهلي المدني ،وتدعم استقلل القضاء( ،استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش:
دليل.)79 :
[]113
149
المراجع
-1الجراءات المؤسسية والنظمة المؤسسية التي تعزز استقلل القضاء :مجموعة من
القانونيين) (:دليل تعزيز استقلل القضاء) .ترجمة ونشر :المؤسسة الدولية لنظمة
النتخابات.بإسهام من برنامج المم المتحدة للنماء .يناير 2003م.
-2الستقلل والمسئولية :لين هامر جرن( :دليل تعزيز استقلل القضاء)
-3استقلل القضاء في الردن :تدخل السلطتين التنفيذية والتشريعية في استقلل
القضاء( .أبحاث مؤتمر العدالة الثاني) /المنعقد في القاهرة 21فبراير24-سنة /2003فاروق
الكيلني.
-3استقلل القضاء في السلم ....شحاته.
-4استقلل القضاء في أفريقيا جنيفر وندر( :دليل تعزيز استقلل القضاء).
-5استقلل القضاء في أمريكا اللتينية:مار جريت بوبكن( :دليل تعزيز استقلل
القضاء).
-6استقلل القضاء في أوربا إدوين ريكوش( :دليل تعزيز استقلل القضاء).
-7استقلل القضاء في إيطاليا:جويب دي فيديريكو(93:دليل تعزيز استقلل القضاء).
-8استقلل القضاء في البحرين .زينات المنصوري (أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
-9استقلل القضاء في تونس غازي الغرايري( .أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
--10استقلل القضاء في الجزائر .جادي عبدالكريم(أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
-11استقلل القضاء السعودي .عوائقه وسبل تعزيزه .د /أبو بلل عبد ال الحامد.
(أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
-12استقلل القضاء في سورية .هاشم مناع( .أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
-13استقلل القضاء في العالم العربي.ناثان ج.براون وعادل عمر شريف(أبحاث
مؤتمر العدالة الثاني).
150
-14استقلل القضاء في العراق:النظام القضائي في العراق.عبد الحسين شعبان(أبحاث
مؤتمر العدالة الثاني).
-15استقلل القضاء في فرنسا:لويس أوكوان(82:دليل تعزيز استقلل القضاء).
-16استقلل القضاء في لبنان:تنظيم واستقلل السلطة القضائية .خالد القباني( .أبحاث
مؤتمر العدالة الثاني).
-17استقلل القضاء في مصر :حق المواطن العربي في اللجوء إلى قاضيه
الطبيعي.محمد كامل عبيد(أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
-18استقلل القضاء في المغرب أحمد السراج( .أبحاث مؤتمر العدالة.
-19استقلل القضاء في الوليات المتحدة المريكية:ميراجو راري وراسل ويلر( :دليل
تعزيز استقلل القضاء).
-20استقلل القضاء في اليمن حمودة الهيتار ( .أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
-21استقلل القضاء من منظور عالمي.كيث هندرسون(أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
-22إطار برنامج استقلل القضاء:أريك جانسون( :دليل تعزيز استقلل القضاء).
-23المعان في حقوق النسان .هيثم مناع.
-24تبصرة الحكام .ابن فرحون.
-25تفسير ابن سعدي...
-26تفسير الفخر الرازي.
-27تفسير القرطبي
-28تفسير المنار.
-29تفسير النيسابوري.
-30جامع الصول .ابن الثير
- -31حقوق النسان في السلم يين العهد الشوري وعهود الستبداد .أبو بلل
الحامد( .لندن1415:هـ).
151
-32حقوق المتهم في السلم بين ظلل الحكم الشوري وعهود الجبر .أبو بلل
الحامد
-33الدستور السلمي منقذ من الستبداد والمبريالية معا .أبو بلل عبد ال الحامد.
-34دور إدارة المحاكم في تعزيز استقلل القضاء :وليام ديفيس( :دليل تعزيز استقلل
القضاء)
-35الطرق الحكمية .ابن القيم.
-36الفروق.القرافي
-37لمحات من تاريخ استقلل القضاء .عبد العزيز آل الشيخ.
-38مجموعة بنود استقلل القضاء.كيث هندرسون( .أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
-39المحكمة الجنائية الدولية نصيرا للمدافعين عن حقوق النسان.إيفيلين سير
مارين( .أبحاث مؤتمر العدالة الثاني).
-40مساهمات المجتمع المدني في استقلل القضاء:استيفن جولب( :دليل تعزيز
استقلل القضاء).
-41معالم استقلل القضاء في الشريعة .عمار التهامي( .مجلة البحوث الفقهية .ربيع
الول 1417هـ).
-42مدى صلحية القرائن في إدانة المتهم .بحث .عبد ال البسام.
- 43المشكل والحل :الستبداد والشورى .أبو بلل الحامد( .دار العلوم العربية.
بيروت 1425هـ (2004م).
-44نظرية براءة المتهم .عبد ال بن منيع .بحث.
الفهرس:
رقم المقالة ...................................................../رقم الفقرة:
=1شــــكــــر]1[........................................................
=2فاتحة ما سبب قوة الروم والفرنج وضعف العرب والمسلمين؟]3[.............
152
=3تعريف استقلل القضاء]5[....................................................:
=4القضاء في العالم العربي]8[ .................................................:
=5هل يصح وصف أي نظام حكم بأنه إسلمي إذا كان غير شوري]11[...............
=6تصفية أنماط القضاء الثراثي والحداثي في مصفاة صريح الشريعة وصحيح علوم
النسان والطبيعة]14[.......................................................
=7العلقة بين استقلل القضاء ومسئوليته]16[...................................
=8/استقلل القضاة حرف واحد من أبجديةاستقلل القضاء]19[...................
:=9/أهمية استقلل القضاء]22[.................................................
:=10/معايير استقلل القضاء الدولية في بوتقة الشريعة السلمية المعيار الول :إقرار
حقوق النسان]30[.........................................................:
=11/المعيار الثاني:حماية حقوق المتهم من انتهاك البوليس]26[................:
=12/المعيار الثالث :ل ضمان لعدل القضاء إل في نظام حكم شورى]35[.........
:=13/المعيار الرابع :لضمان لي نظام حكم شوري بغير هيكل دستوري يوزع
السلطة]39[..................................................................
=14/المعيار الخامس :ل ضمان لحكم دستوري من قيام التجمعات المدنية الهلية بتجسيد
سلطة المة]43[..........................................................
=15/المعيار السادس :رقابة القضاء على السلطة التنفيذية والنيابية :إنشاء (محكمة عدل
عليا) دستورية]49[...............................................................
=16/المعيار السابع :عدم انفراد السلطة التنفيذية بالتعيين والتشكيل]53[........:
=17/المعيار الثامن :حصانة القضاة من التعسف في العزل ]57[.................:
=18/المعيار التاسع :حصانة القضاة من التعسف :تفتيشا وتأديبا و ترقية ونقل [....
]60
=19/المعيار العاشر :شمول القضاء الشرعي جميع أنواع القضايا و إلغاء المحاكم
الستثنائية بوليسية وعسكرية وإدارية واقتصادية]64[...................:
153
:=20/المعيار الحادي عشر :استقلل القضاء في الفصل في القضايا وانعدام التدخلت[.
]68
=21/المعيار الثاني عشر :هيئة التحقيق والدعاء العام تتبع القضاء أو يشرف
عليها]70[........................................................................:
=22/المعيار الثالث عشر :السجون تلحق بوزارة العدل أو يشرف عليها القضاء]72[.. :
=23/المعيار الرابع عشر:أن ينفذ القضاء أحكامه بنفسه (بتعيين قاض تنفيذي في كل
محكمة)]74[...........................................................................
=24/المعيار الخامس عشر :تحديدقواعد القضاء بين الناس (الساس القانوني)[...... :
]76
=25/المساطر تضبط انفلت اجتهاد الضمائر وهذا هو روح الشريعة]80[.......:
=26/قاعدة قضائية تضبط العدالة خير من ألف ضمير قاض نزيه]84[..........:
=27/المعيار السادس عشر:علنية المحاكمة عامة والسياسية خاصة]87[.......:
=28/المعيار السابع عشر :الشفافية]89[.......................................:
=29/المعيار الثامن عشر :سرعة البت في القضايا]91[..........................:
=30/المعيار التاسع عشر :تجنب المركزية]94[..................................:
=31/المعيار العشرون :استقلل القضاء بشؤونه الدارية والمالية]96[...........:
=32/المعيار الحادي والعشرون :وسائل تضمن كفاية القضاة (مهنيا ومسلكيا[........
]100
=33/المعيار الثاني والعشرون :تكامل هياكل القضاء]105[......................:
=34/المعيار الثالث والعشرون :الجر الوافي يصون نزاهة القاضي وكرامته]107[...:
=35/المعيار الرابع والعشرون:توافر جمعيات للقضاة]110[....................:
=36/المراجع]113[..............................................................
154
155