You are on page 1of 111

‫محاكمة دعاة العدل والشورى(الدستور السلمي) في السعودية‬

‫ملحقات الدفاع(‪)5-3‬‬

‫أ‪ -‬المستقبل السياسي للسعودية‬


‫ب‪-‬السلم والدستور‬
‫ج‪-‬الصلح الدستوري‬
‫(ملحقات دفاع الدكتور متروك الفالح)‬
‫‪23/3/1427‬هـ(‪21/4/2006‬م)‬

‫[البحث الول]‪:‬‬
‫المستقبل السياسي للسعودية‬
‫( في ضوء أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪2001‬م)‬
‫الصلح في وجه النهيار و‪ /‬أو التقسيم***‬

‫** أ‪ .‬د ‪ .‬متروك الفالح‬


‫أستاذ السياسة المقارنة و العلقات الدولية‬
‫قسم العلوم السياسية‪ -‬كلية العلوم الدارية‬
‫جامعة الملك سعود – الرياض‪-‬السعودية‬
‫‪ - 31‬مارس – ‪2002‬م‬
‫بسم ال الرحمن الرحيم‬
‫*** إن هذه الورقة و بما ورد فيها من أفكار و مشاهد مستقبلية تفتح المشروع‬
‫والسئلة ذات الصلة بالدولة والمجتمع في السعودية تحديدا ولربما في البلد العربية الخرى‬
‫قياسا ‪ ( -‬بالقدر الذي يمس و يفسر الحالة السعودية و مستقبلها فأنة لربما يقترب‬
‫زيادة أو نقصا من ذلك القدر الذي يمس و يفسر الحالة العربية لمعظم الدول العربية أن لم‬
‫يكن كلها و خاصة تلك الدول التي تتعرض لتحديات داخلية مترافقة مع ضغوطا خارجية )‪-‬‬
‫على الخرين المناصرين والمناهضين وسواء من أهل الثقافة أو الفكر أو أهل القرار وقواه‬
‫وذلك للتعامل معها وبالطريقة التي قد تصل بهم إلى الجوبة و أبوابها و أدواتها التطبيقية‬
‫أو لربما لفتح مزيد من السئلة و البحث في النماذج الصلحية ‪.‬‬

‫بسم ل الحمن الرحيم‬

‫المستقبل السياسي للسعودية‬


‫( في ضوء أحداث ‪ 11‬سبتمبر ‪2001‬م)‬
‫الصلح في وجه النهيار و ‪ /‬أو التقسيم**‬
‫**أ‪ .‬د‪ / .‬متروك الفالح‬
‫أستاذ السياسة المقارنة و العلقات الدولية‬
‫قسم العلوم السياسية‪ -‬كلية العلوم الدارية‬
‫جامعة الملك سعود – الرياض‪-‬السعودية‬
‫‪ - 31‬مارس – ‪2002‬م‬
‫العلقات السعودية الغربية وبالذات بطرفها المريكي كانت تتسم بشكل عام بالتميّز‬
‫طوال العقود الخمسة الماضية وحتى بداية اللفية الثالثة الميلدية ‪ .‬غير ان ذلك التميّزلم يكن‬
‫‪،‬بالضرورة على وتيرة واحدة إذ شهدت العلقات الغربية _السعودية ‪ ,‬ومنها المريكية‬
‫تحديدا‪ ,‬حالة من التوتر وعدم التساق وخاصة في الفترة لما بعد ‪ 1995/1996‬حيث‬
‫تفجيرات الرياض والخبر ضد القوات المريكية والتي أسست و أرخأت لبداية تقلق شعبي من‬
‫الوجود المريكي وكذلك عدم ارتياح رسمي من التدخل في الشؤون الداخلية و خاصة في‬
‫إطار التحقيقات في تلك الحداث (‪ . )1‬تلك الحالة العامة من العلقات السعودية _ المريكية‬
‫والتي كانت على ما يبدو متميّزة ‪ ,‬وان لم تخلو من توتر كما أسلفنا ‪ ,‬بدأت تتبدد على نحو‬
‫لم يكن مسبوقا من قبل و ذلك بعد الهجمات المميتة في واشنطن ونيويورك وبنسلفاينا في‬
‫الحادي عشر من سبتمبر عام ‪2001‬م ‪.‬‬

‫ذلك الحدث وتوابعه في سياق ما سمي "الحملة ضد الرهاب "بما في ذلك الحرب ضد‬
‫أفغانستان ‪ -‬ولربما مستقبل‪ ،‬ضد دول عربية أو إسلمية وكل ذلك يشير إلى ان المسلمين‬
‫ومنهم العرب تحديدا هم المستهدفون بدرجة واضحة من كل تلك الحملة واتجاهاتها‪ -‬فتح‬
‫ملف العلقات الغربية العربية ومنها السعودية‪ -‬المريكية تحديدا على مصراعيه باتجاه إعادة‬
‫صياغتها أو تغييرها وعلى نحو بدا أنة يؤسس لزمة ذات مخاطر على البلد العربية عموما‬
‫ومنها الدولة والمجتمع في السعودية تحديدا ‪ .‬تلك المخاطر تبدو هذه المرة مخاطر حقيقية‬
‫وجدية وبالتالي تتطلب في المقابل معالجة حقيقية وجدية ولكن على أسس وصيغ جديدة‬
‫لتتواكب وتتعامل مع مرحلة جديدة ومختلفة تماما عن سابقتها ‪.‬‬

‫إن ما يهمنا في هذه الورقة ليس معالجة العلقات ‪ ,‬المريكية السعودية بذاتها وإنما‬
‫ملحظتها في سياق ارتباطها بأحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام ‪2001‬م والحملة‬
‫المريكية على ما سمي "الرهاب " وانعكاس ذلك على أو ارتباطه في المسألة الداخلية في‬
‫السعودية أل وهي علقة الدولة بالمجتمع وما يرتبط بذلك بما يمكن تسميته بالمستقبل‬
‫السياسي للسعودية‪ .‬ولكي نصل إلى هذه وتلك الغاية لبد من ملحظة ما يمكن تسميته‬
‫بالزمة في العلقات المريكية السعودية وعناصرها ومدى صلة ذلك كله بمعادلة الدولة‬
‫والمجتمع في السعودية وما هي المعالجات لها إن وجدت ؟ وهل تلك المعالجة تمثل معالجة‬
‫سليمة وشافية ؟ أم أنها تحتاج إلى معالجات بديلة اكثر ملئمة مع تلك التحديات والتطورات‬
‫وذلك من اجل المكانية والستمرارية والبقاء للدولة والمجتمع على حد سواء ‪ .‬من هنا فأن‬
‫المشاهد للزمة الداخلية وفي سباق الزمة الخارجية واحتمالتها المفتوحة تحتاج الى تحديد‬
‫بما في ذلك المشاهد التي تمثل مخاطر حقيقية وكذلك المشاهد البديلة للخروج من الزمة‬
‫على الصعيد الداخلي ‪.‬‬

‫أول‪ :‬في الحملة المريكية على السعودية‬


‫وأحداث الحادي عشر من سبتمبر ‪2001‬م ‪.‬‬

‫هجمات الحادي عشر من سبتمبر ‪2001‬م والتي أسست لولى حروب القرن الواحد‬
‫والعشرين ‪ - ,‬وما انطوت علية من مزاعم أمريكية بأن منفذيها هم في اغلبهم من السعودية‬
‫حيث أشير آلي خمسة عشر شخصا سعوديا من بين تسعة عشر متهما بتلك العمليات‬
‫الهجومية – ولدت توجهات وانتقادات حادة من قوى ونخب إعلمية وفكرية وسياسية ذات‬
‫صلة قوية بمراكز صنع القرار في الوليات المتحدة المريكية ضد الدولة السعودية إلي درجة‬
‫التعريض بشخصيات سعودية رسمية كانت خلل العقد المنصرم وحتى تلك الهجمات تحظى‬
‫بقبول واحترام كبيرين داخل الدارة المريكية وقواها السياسية (‪ . )2‬تلك الحملة المريكية‬
‫وبصلة بعناصر قيادية رسمية وخاصة في السلطة التشريعية ‪،‬بدأت متواضعة في البداية‬
‫ولكنها أخذت تكسب زخما وقوة مع مرور الوقت وخاصة قبيل الحرب المريكية على‬
‫أفغانستان وما بعدها (‪. )3‬ان تلك الحملة المناهضة للسعودية والتي أسست لزمة في العلقة‬
‫مع السعودية دولة ومجتمعا وكذلك كشفت عن تراكم أزمة بين الدولة والمجتمع في السعودية‬
‫– وتلك الخيرة حرصت القيادة السعودية وخاصة بقيادة المير عبداللة على محاولة احتوائها‬
‫–تمحورت حول عدة عناصر ومنها‪:‬‬
‫(أ) الزعم المريكي بتورط سعوديين في الهجمات آنفة الذكر مما فتح باب أسئلة‬
‫أمريكية جديدة حول التفريخ السعودي للتطرف و "الرهاب" لعناصر مجتمعية ذات توجهات‬
‫إسلمية تحديدا ولكن بالشارة آلي كونها محفوفة بسياسات حكومية رسمية ‪.‬‬
‫(ب) ثم لحقا المطالبة المريكية بالمراقبة المالية وتجميد بعض الحسابات والرصدة‬
‫التابعة لمجموعات إسلمية بما فيها بعض الجمعيات الخيرية والمطالبة بتعديل مناهج التعليم‬
‫في سياقها السلمي والتي تزعم أطراف أمريكية بأنها تحض وتحرض على التطرف‬
‫والكراهية والعداء للخر وخاصة للغرب ‪.‬‬
‫(ج) ومع اقتراب الحرب المريكية وعدوانها على أفغانستان بحجة مكافحة "الرهاب‬
‫السلمي"كانت الدارة تطالب بمزيد من التعاون السعودي الرسمي في السياق العسكري‬
‫وخاصة استخدام قاعدة الخرج كمركز للتحكم والسيطرة والقيادة للعمليات الحربية ضد‬
‫أفغانستان ‪.‬‬
‫(د) ترافق ذلك كله وتردد سعودي رسمي تجاه مسألة الرقابة المالية ومسالة الزج‬
‫بأسماء السعوديين في الهجمات دونما تقديم دليل وكذلك الحرج من مسألة التعاون العسكري‬
‫العلني وخاصة السماح باستخدام قاعدة الخرج مما ولد ردود فعل عنيفة من قبل القوى‬
‫العلمية والسياسة المريكية تجاه الدولة السعودية وكذلك المصرية واتهامهما بأنهما تلعبان‬
‫أدوارا مزدوجة في التعامل مع حرب أمريكا على "الرهاب" (‪. )4‬‬
‫(ه) ترافق ذلك كله مع حالة شعبية في السعودية غير مسبوقة من المناهضة للسياسات‬
‫المريكية تجاه مزاعمها وكذلك مطالبها الرقابية المالية وتعديل المناهج وكذلك السخط الشعبي‬
‫من الحرب المريكية على أفغانستان باعتبار تلك الحرب كما نظر لها شعبيا ودعمت من‬
‫علماء إسلميين محليين ومن البلد العربية السلمية (‪ )5‬على أنها حرب صليبية ضد‬
‫السلم والمسلمين وفي القلب منهم العرب ‪.‬‬
‫(و) ومما زاد من السخط الشعبي أن معظم المعتقلين والمحتجزين داخل أمريكا من باب‬
‫الشبهة وتحت ما سمي باستراتيجية البعثرة ‪ )Disruptive Strategy (6‬داخل الوليات‬
‫المتحدة هم من العرب بما فيهم السعوديين وكذلك ما لحق "بالعرب الفغان" والمجازر التي‬
‫ارتكبت ضدهم من قبل القوات المريكية وقوى التحالف الشمالي الفغاني وتوابعها لحقا بما‬
‫في ذلك مسألة السرى العرب والمعاملة المشينة وغير النسانية التي تلقوها على أيدي‬
‫المريكيين سواء في أفغانستان أو في معتقل "جوانتنامو" في كوبا لحقا ‪.‬‬
‫(ز) ووصل المر بالحملة المريكية على السعودية في منتصف يناير عام ‪2002‬م بقيام‬
‫عناصر من الدارة المريكية (كارل ليفن مثل ) بالتلويح تهديدا بإعادة النظر بالتواجد‬
‫العسكري المريكي في السعودية أو بسحب قواتها استنادا إلى تلميحات بأن تلك الخطوة‬
‫مرتبطة بوجود رغبة سعودية غير محددة المصدر والتي لم تدم أو تصمد طويل أمام‬
‫تصريحات سعودية رسمية أو أمريكية علنية بعكس ذلك (‪ .)7‬إضافة إلى ذلك كله وفي‬
‫سياقه ومنذ البداية وحتى ألن كانت هناك تصريحات عن وتلميحات الى وتهديدات بمسألة‬
‫الستبداد والفساد السياسي للنظام في السعودية والدعوات الى الحاجة إلى إيجاد صيغ اكثر‬
‫ملئمة تأخذ بحسبانها حقوق النسان والمشاركة والحريات وان بشكل تدريجي وتلك الشارات‬
‫بدأت منذ خطاب بوش أمام الجمعية العامة للمم المتحدة في ‪17/11/2001‬م وفي كتابات‬
‫وتعليقات وانتقادات إعلميين ومفكرين ودبلوماسيين (‪. )8‬‬

‫ثانيا‪ :‬الحملة المريكية على " الرهاب "‬


‫و السعودية ‪ :‬جذور الزمة الداخلية‬

‫الموقف الرسمي السعودي من أحداث ‪2001-9-11‬م وما بعدها ‪،‬بدا أنة ‪ -‬ورغم‬
‫ادانتة تلك العمليات وتوظيف بعض التخريجات الدينية من بعض علماء الدولة (‪ )9‬يميل إلى‬
‫التردد وخاصة في مسألة قبول الزج بأسماء سعوديين وكذلك تجاه التعاون المني والعسكري‬
‫وكذلك المالي الرقابي (‪ . )10‬ورغم ان السعودية من الناحية الرسمية كانت تعلن تعاونها‬
‫وموقفها ضد الرهاب (‪ ، )11‬إل أنها كانت تشعر بالحرج من مسألة الموافقة علنا على‬
‫استخدام قاعدة الخرج وكذلك من التوجهات الشعبية الداخلية المعادية للوليات المتحدة‬
‫وخاصة بعد بداية العمليات الحربية ضد أفغانستان وحكومة طالبان مما جعلها ‪،‬وتحت ضغط‬
‫إعلمي أمريكي متزايد ‪،‬إلى ان تقوم بالطلب من أئمة المساجد بوقف دعاء القنوت فجرا‬
‫ومغربا ضد الوليات المتحدة والمساند لحركة طالبان بالنصر (‪.)12‬‬

‫في المقابل كانت التوجهات الشعبية تزداد حدة وعداء للوليات المتحدة المريكية منذ‬
‫بداية الحداث (‪11‬سبتمبر ‪ )2001‬حيث كان الملحظ ان هناك نوع من البتهاج (‪ )13‬بما‬
‫حدث في أمريكا وضدها وذلك تشفيا بما يرى للعناصر و الفئات الشعبية وشرائحها المتنوعة‬
‫في السعودية بأن ذلك يشكل ردا على أمريكا وسياساتها المناهضة للعرب والمسلمين وخاصة‬
‫في فلسطين والعراق وأماكن أخرى ‪ .‬تلك المواقف الشعبية أخذت بالزيادة المطردة ضد‬
‫الوليات المتحدة من اغلب الفئات الشعبية بما في ذلك الشرائح اللبرالية وخاصة مع بداية‬
‫العمليات الحربية ضد أفغانستان وأحداثها المتعاقبة وكذلك في سياق الحملة المريكية على‬
‫السعودية وأيضا في سياق التوجهات المريكية – الداعمة لحكومة وسياسات الكيان‬
‫الصهيوني في عملياتها التدميرية ضد الشعب الفلسطيني ومقدرا ته وممتلكاته ومقدسا ته –‬
‫والتي أخذت بالتزايد إلى درجة إدراج حركات المقاومة الفلسطينية وخاصة حركة حماس‬
‫والجهاد ضمن قائمة الرهاب المريكي عندما بدا لها(أمريكا) أنها تتجه آلي حسم المور في‬
‫أفغانستان مكافأة للعدو و إذلل للعرب على وجه الخصوص ‪ .‬الموقف الرسمي السعودي‬
‫بدأ يستفيد من الحملة المريكية المتزايدة على السعودية و ذلك بتوظيفها و ذلك للحاطة‬
‫بالمسألة الداخلية وفي محاولة لردم الفجوة بينها وبين التوجه الشعبي والذي بدأ ولول مرة‬
‫بأنة بالفعل يتخذ مواقف متعارضة مع التوجهات الرسمية وخاصة فيما يتعلق بالموقف من‬
‫أحداث سبتمبر والتعاون مع أمريكا في مسالة مكافحة ما سمي "بالحملة على الرهاب"وكذلك‬
‫في سياقها "المسألة الفغانية " بما هي حرب على بلد مسلم خاصة في سياق التوجه‬
‫السلمي المدعوم من بعض القيادات العلمية السلمية المحلية والعربية المناهضة للتعاون‬
‫مع الجنبي والتحالف مع الكفار والمشركين ضد العرب والمسلمين (‪ . )14‬القيادة‬
‫السعودية وخاصة توجهات المير ‪ /‬عبد ال (ولي العهد) ‪ ،‬بدأت تتعامل مع الحملة المريكية‬
‫على أنها حملة ضد المسلمين و عقيدتهم (‪ , )15‬وكذلك مرتبطة بحملة صهيونية ذات‬
‫صلة بالجماعات الصهيونية الضاغطة (اللوبي الصهيوني) في واشنطن والبلد الغربية ضد‬
‫مواقف المملكة من القضية الفلسطينية والشارة إلى أن السعودية قد وصلت آلي طريق‬
‫مسدود مع الدارة المريكية في مسألة موقفها من وتحيزها مع الكيان الصهيوني في معالجة‬
‫القضية الفلسطينية ‪ .‬وفي محاولة للحاطة بالمسالة الداخلية عن طريق بوابة الحملة‬
‫المريكية والبعد الصهيوني فيها ‪،‬قام المير عبداللة بالجتماع ‪،‬وعلى مراحل‪ ،‬بعدد من الفئات‬
‫والشرائح وبعض القوى السعودية من أساتذة الجامعات والمعلمين والتجار والمشايخ‬
‫والعسكريين وذلك في محاولة لكسب تلك المجموعات من الحملة السعودية المناهضة للحملة‬
‫المريكية وفي محاولة للتأكيد على الوحدة الوطنية وأهميتها للتعامل مع انعكاسات تلك الزمة‬
‫وتوابعها على الوضاع الداخلية (‪.)16‬‬

‫وبتوافق ولربما تناغم مع تلك الحملة السعودية المناهضة للحملة المريكية عليها بدا‬
‫ان السلطات السعودية تتيح لعناصر من الشعب السعودي ذات توجهات متباينة و بعضها غير‬
‫متسق مع الخط الرسمي للدولة للتحدث علنا في إطار الزمة ورؤيتها لها وخاصة من خلل‬
‫الدوات والقنوات العلمية العربية وبالذات الفضائية منها وبدرجة اكبر قناة الجزيرة‬
‫الفضائية (قطر) (‪ . )17‬في المقابل ‪ ،‬بدا ان السلطات السعودية وهي تواجه التحدي المريكي‬
‫وخاصة مع حسم المور في أفغانستان لصالح أمريكا –تتجه إلى محاولة التخفيف من الضغط‬
‫المريكي عليها وذلك من خلل التناغم معها وذلك بقبول المزاعم المريكية بتورط سعوديين‬
‫في الهجمات السبتمبرية على أمريكا (‪ , )18‬وكذلك بالتعامل مع الساحة المريكية مباشرة‬
‫من خلل القلم المريكية الزائرة أو المستكتبة من خلل شركتي التصالت والعلقات العامة‬
‫داخل الوليات المتحدة المريكية(‪ .)19‬وكذلك من خلل العناصر القيادية السعودية في سياق‬
‫الوفد السعودي الكبير لجتماعات "منتدى دافوس" في أوائل فبراير ‪ 2002‬حيث رأس الوفد‬
‫رئيس الستخبارات السعودية (المير نواف بن عبد العزيز )ورافقة عدد من المراء والذين‬
‫أدلى بعضهم بتصريحات أجرى مقابلت تلفزيونية داخل أمريكا محاولين على ما يبدو التأكيد‬
‫على الدور التعاوني للسعودية في الماضي وفي الحاضر المستمر وفي القادم المحتمل (‪.)20‬‬
‫ويلحظ مع ذلك كل ‪ ,‬ان تلك الردود السعودية على الحملة المريكية انتهت إلى الدفاع عن‬
‫علقات السعودية مع أمريكا والتعامل مع تلك العناصر العلمية المريكية الموصوفة‬
‫بالمعادية للمملكة ( مثل ‪ ,‬نيويورك تايمز وال واشنطن بوست تحديدا )والمتحيّزة‬
‫للصهيونية ‪،‬وصول آلي تقديم مبادرة " التطبيع الكامل مقابل النسحاب الشامل لسرائيل من‬
‫الراضي العربية المحتلة منذ ‪ "1967‬رغم ما جرى عليها لحقا من تعديلت باتجاه " السلم‬
‫الشامل مقابل النسحاب الكامل " نتيجة للردود العربية تجاهها ‪ ,‬ثم إقرارها على صيغة اكثر‬
‫توازنا عربيا بالجماع في مؤتمر القمة العربية في بيروت ‪-28-27‬مارس‪2002-‬م (‪.)21‬‬

‫تلك المعالجة السعودية الرسمية اللزمة على الصعيد الداخلي ل يبدو أنها طرقت‬
‫العناصر الساسية للزمة وجل مافعلتة أنها لمست بعض منها ملمسة غلب عليها الشكلية‬
‫وغلبت البعد الخارجي (المريكي والغربي وتوابعه ) على‬ ‫والمعالجة النية (‪)Add-hoc‬‬
‫البعد الداخلي المجتمعي المتصل بمسألة العلقة بين الدولة والمجتمع ‪ .‬وبينما بدا أن السلطات‬
‫السعودية تشعر بالرتياح آلي عدم تطور أحداث داخلية تتسم بالعنف وبالحدية‪ -‬باستثناء‬
‫أحداث بدا أنها عارضة ( مثل التفجير الذي وقع في الخبر ‪ ،‬وكذلك محاولة التعرض لبعض‬
‫الجانب في الرياض ) وكذلك الدعية (القنوت)في صلوات الفجر والمغرب ضد الكفار‬
‫والمشركين وتلك أوقفتها السلطات السعودية عنوة لمن لم يتوقف طوعا ‪ ,‬وكذلك بالرتياح‬
‫الرسمي السعودي إلى ما بدا انه نهاية للمسألة الفغانية بإنهاء حركة طالبان وتدمير القاعدة‬
‫وعناصرها بدرجة كبيرة –و أن كانت هذه و تلك مسألتين لزالتا فيهما نظر (‪ , )22‬مما‬
‫خفف من الغليان الداخلي والذي ترافق مع العمليات الحربية المريكية ضد أفغانستان والذي‬
‫انعكس بدرجة واضحة على أحاديث ومناقشات كثير من الفئات والشرائح الشعبية وما اتصل‬
‫بتقلقل الرأي العام المحلي بما في ذلك التوجه نحو الدعاء غير المحدد (الدعاء بالنصر‬
‫للمجاهدين من كل مكان دون تحديد أفغانستان ) عندما اصبح الدعاء الصريح ممنوعا ‪ .‬و‬
‫بالقدر الذي بدا للسلطات السعودية أنها تحسم أمرها بمزيد من التعاون والتساق مع الغرب‬
‫وأمريكا تحديدا بما في ذلك ما يبدو أن له صلة بطرح المبادرة "التطبيع الكامل مقابل‬
‫النسحاب الكامل " ‪ ,‬رغم ما جرى عليه من تعديل أقرته قمة و بيان بيروت لحقا ‪ ,‬مضطرة‬
‫أو مقتنعة بذلك ‪ ,‬فقد بدا للمجتمع و فئاته أن ذلك الخيار تم على حساب مشاعره وتوجهاته‬
‫ود ونما أن يكون له الصوت المسموع في تلك السياسات والتوجهات مما زاد في سعة الفجوة‬
‫بين الدولة والمجتمع وعكس بدورة تراكم جذور أزمة في العلقة كانت تتشكل منذ عقد‬
‫ونيف ولكن تلك الحداث أفصحت عن مظاهرها ‪ .‬و بالقدر الذي أخطأت فيه الوليات المتحدة‬
‫المريكية في معالجتها لحداث ‪ 11‬سبتمبر باتباع استراتيجية " إرهابية " خارجية ودون‬
‫اللتفاف( مراجعة) حول سياساتها الخارجية والداخلية التي ولدتها ‪ ,‬فان السعودية هي‬
‫الخرى ‪ ,‬و بمراهنتها على الخارج وعلى الوقت لتجاوز المسألة الداخلية ‪ ,‬جازفت في‬
‫عدم التنبه آلي مسألة الزمة الداخلية وجذورها ومعالجتها معالجة حقيقية تنطلق من رؤية‬
‫صحيحة للخلل في العلقة بين الدولة والمجتمع ومن ثم تصويبها بشكل صلب يؤسس لمرحلة‬
‫قادمة ‪.‬‬

‫رغم ان تفاعلت الدولة والمجتمع في السعودية وفي سياق الزمة ‪ ,‬من حيث كونها‬
‫تفاعلت كانت تميل آلي ان تكون غير متسقة وغير متوازنة ومتوازية وإنما بدرجة واضحة‬
‫تبدو اكثر متعارضة أو متفارقة ‪ ,‬بدأت تخف مع مرور الوقت وما بدا انه يتوافق مع حسم‬
‫المور عسكريا في أفغانستان ‪ ،‬إل أن الزمة الداخلية والعلقة بين الدولة والمجتمع ل يبدو‬
‫أنها طرقت على الطلق وما تم فيها كان معالجة وقتية ظرفية ذات اتجاه واحد يركز على‬
‫التعبئة العلمية الرسمية ولكن بالنهاية التوافق مع الخارج ‪ .‬ليس هناك على ‪ ,‬ما يبدو ‪,‬‬
‫رغبة أو رؤية في النظر بان تلك الحداث و توابعها ذات " منبع و مكّون داخلي " بحيث‬
‫تحلل على مستوى العلقة بين الدولة والمجتمع وبالبحث مع القوى الجتماعية على حلول‬
‫لها‪ .‬وكما كانت أزمة الخليج الثانية ‪ ،‬فأن المعالجة للزمة الداخلية المتصلة بأحداث‬
‫‪11‬سبتمبر كانت المراهنة على الوقت مرة أخرى وان الداخل ليس هو المشكلة وإنما الخارج‬
‫والخارج فقط‪.‬‬

‫وحيث المر كذلك من حيث ان جذور الزمة في العلقة بين الدولة والمجتمع وكونها‬
‫لم تعالج البتة ‪ ،‬فان المسألة لزالت مفتوحة الحتمالت والبدائل والتي قد تحمل معها نذر‬
‫غير محمودة ‪ .‬ويبدو ان المشكلة في التحليل النهائي ترتبط بدرجة اكثر تحديدا بان هناك‬
‫أول سوء تقدير أو تصور خاطئ لهداف الحملة المريكية على السعودية وحصرها ببعدها‬
‫الصهيوني –أو هكذا قيل – والمسألة الدينية أو التعليمية ‪ .‬وثانيا أن هناك تجاوزا للمسألة‬
‫الداخلية ذاتها والتركيز على البعد الخارجي لها وذلك في سياق التصور الخاطئ وعدم‬
‫معالجة الشأن الداخلي معالجة تبدو فعلية وجدية وذات جرأة بما يعني ويتضمن الملئمة مع‬
‫متطلبات التكيّف للنظام السياسي في إطار المحافظة على استمراره واستقراره ولكن‬
‫بصيغ أخرى مستحدثة‪.‬‬

‫ثالثا‪ :‬الدولة والمجتمع والغرب ‪ :‬في البدائل والحتمالت‬

‫في الحملة المريكية على السعودية‬


‫ومشروع التقسيم‬

‫بداية يمكن التساّؤل هل يمكن حصر الحملة المريكية على السعودية في مسألة اللوبي‬
‫الصهيوني والموقف العدائي من المواقف السعودية تجاه المسألة الفلسطينية ؟ للجابة على‬
‫ذلك يمكن القول بداية أن ذلك قد يكون جزئيا صحيحا ولكنة ليس الهم والبرز في الرؤية‬
‫المريكية من وراء تلك الحملة وعناصرها ‪ .‬ما هو مطلوب أمريكيا هو أول ‪ ،‬أن الدولة‬
‫والسلطة السعودية على مستوى القرار السياسي يجب أن ل تتردد بل ويجب أن لتفكر بذلك‬
‫طالما أن الوليات المتحدة ترى أنها هي التي توفر الحماية والمن للدولة والنظام وبالتالي‬
‫فان التردد أو الحرج بذاته لم يكن مقبول على الطلق خاصة وان ذلك قد يعني أن التحالف‬
‫"الرهاب " سيتعرض للتشكيك والهتزاز وهو ما لم تكن الدارة المريكية‬ ‫في الحرب ضد‬
‫ترغب فيه ول العناصر التي‬
‫تقود تلك الحملة – ومن هنا كان التردد الظاهري للسعودية يمثل جرأة غير مقبولة من‬
‫دولة – هي مدينة ‪ ,‬في الرؤية المريكية ‪ ,‬في وضعها المني تحديدا (‪ )23‬وتوابعه بما في‬
‫ذلك القتصادي والنفطي للدولة والقوة المريكية ‪ .‬وثانيا وهذا يمثل النقطة الهم والبرز ‪،‬أن‬
‫المخطط المريكي اصل في الحرب التي اعلنتها ضد أفغانستان وفي سياق ما أسمتة الحرب‬
‫ضد "الرهاب" يتجاوز أفغانستان إلى الحاطة الكونية وبنقاط مركزية منها ذات صلة بالبعاد‬
‫الستراتيجية للنفط والغاز في دائرة محورها يمتد من أسيا الوسطى شرقا وحتى منطقة‬
‫الخليج العربي غربا ‪ .‬ومن هنا فأن الحاجة ستكون لحقة باتجاه إعادة صياغة الخرائط‬
‫للمنطقة العربية تحديدا وبالتالي فأن العودة لها ستكون أمر قائما تتطلبه تلك المهمة خاصة‬
‫وان المشروع المريكي هذا للمنطقة وبتوافق مع المشروع الصهيوني لها لم يتم بعد ‪.‬‬
‫وإضافة إلى ذلك ثالثا ‪ ,‬فأن صورة الشعب السعودي وفئاته بدأت تتهاوى في الرؤية‬
‫المريكية وخاصة في سياق ما سمي بالتفريخ "للرهاب " بشرا وعقيدة (الوهابية ) وتمويل‬
‫خاصة إذا ما قبلنا فكرة أن الذين قاموا بعمليات الحادي عشر من سبتمبر عام ‪2001‬م هم في‬
‫غالبيتهم من السعوديين ‪ .‬إضافة إلى ذلك وفي صلبة فأن النظام السياسي السعودي بما‬
‫هو الحاضن لتلك التوجهات اصبح هو الخر يمثل ‪ ,‬في الرؤية المريكية ‪ ,‬عبئا ل‬
‫رصيدا وبالتالي فأن السعودية (دولة ومجتمعا) أصبحت مستهدفة في إطار المشروع‬
‫المريكي للحاطة الكونية و المتلقي مع المشروع الصهيوني بالمنطقة والذي لم ينجز يعد‬
‫وبالتالي يحتاج آلي تعويم ضمن إتمام المشروع المريكي ذاته ‪ .‬هذا الستهداف للمنطقة‬
‫العربية وبما هو تلقي بين المشروعين المريكي والصهيوني يؤكده وزير‬
‫الخارجيةالمريكي كولن باول إذ ‪ ,‬يقول ‪ ,‬في خطابه أمام جامعة لويزفيل في ‪-11-19‬‬
‫‪2001‬م‪ ,‬ان " الرؤية المريكية لمنطقة الشرق الوسط ستكون بعيدة المنال ما لم تكن‬
‫إسرائيل و جيرانها في حالة سلم ‪. )24( " ....‬‬

‫إن الوصول إلى هذه النقطة من تعويم المشروع الصهيوني في المنطقة بإقامة‬
‫المشروع الشرق الوسطي في إطاره القتصادي والمتداخل مع المشروع المريكي للسيطرة‬
‫على منطقة الغاز والنفط (السيطرة هنا قد تكون للحتياج الذاتي أو للتحكم بالعالم من خلل‬
‫التحكم بالموارد النفطية ) والممتدة من شرق أفغانستان وبحر قزوين وحتى منطقة الخليج‬
‫العربي (‪ )25‬يتطلب بشكل أساسي أن تتواصل الحرب المريكية على " الرهاب" بما في ذلك‬
‫إزالة المعوقات القائمة في المنطقة وهي الحالة العراقية ومن ثم السورية ‪ .‬ولكن قبل‬
‫الوصول إلى هذه الغاية ل بد من البدء من " الحلقات أل ضعف " في المنطقة العربية ( والتي‬
‫قبلها أو معها قد تكون الدراة المريكية مشغولة في احتواء أو تصفية ما تسميه " الرهاب "‬
‫و "إرهاب القاعدة " في حلقاته أل ضعف على المستوى العالمي من الفلبين إلى جو رجيا‬
‫وهكذا ‪ )....‬لتنفيذ المخطط الستراتيجي للمنطقة والعالم ‪ .‬وبالتالي ستكون البداية الصومال‬
‫واليمن بدرجة احتمالية كبيرة ( والتي بوادرها بالفعل قد بدأت في الصومال حيث تضيق‬
‫الخناق على السواحل الصومالية بالساطيل الغربية المريكية واللمانية تحديدا بحجة منع‬
‫عناصر القاعدة وكذلك محاصرة المؤسسات التصالية والمصرفية لشركة البركات بحجة‬
‫علقتها بالتحويلت المالية للقاعدة ‪ ،‬وكذلك ما يجري في اليمن منذ يناير ‪2002‬م حيث‬
‫القوات اليمنية وبدعم أمريكي تطارد ما تسمية عناصر ذات صلة بالقاعدة مع تأكيد أمريكي‬
‫بلسان بوش بأن أمريكا تعمل على منع ان يتحول اليمن إلى أفغانستان أخرى للقاعدة وهو ما‬
‫رحبت به القيادة اليمنية (‪ )26‬و ذلك كله للحاطة الجيوبوليتكية بالصومال و‪ /‬أو بالنفط‬
‫اليمني في تلك المعادلة المريكية الكونية وان تشكل ( الصومال و اليمن ) خلفية لمنطقة‬
‫الجزيرة العربية ‪ -‬بما فيها و بدرجة أساسية منها منطقة الخليج العربي ‪ -‬وكذلك‬
‫لمحورها في أسيا الوسطى (بحر قز وين وأفغانستان حاليا)‪.‬‬

‫ومع إخضاع تلك الحلقات أل ضعف ‪ ,‬فعندها ولربما معها أو بعدها سيكون العراق‬
‫هو المستهدف للحاقه هو الخر بالمنظومة المريكية في إطار مشروعها الكوني وذلك من‬
‫خلل إقامة نظام حكم موالي لها كما هي الحالة الفغانية وتحت ذرائع ومسوغات تتراوح بين‬
‫التفتيش عن أسلحة الدمار الشامل وحقوق النسان ‪....‬الخ ‪ .‬أن الدائرة النفطية وعناصر‬
‫الطاقة الممتدة من روسيا ومرورا ببحر قز وين وأفغانستان وإيران والخليج العربي بما في‬
‫ذلك العراق تمثل الدائرة الكبر والهم للحياة القتصادية العالمية المستقبلية ‪ .‬و العراق ‪,‬‬
‫إضافة إلى كونه مع الحالة السورية والفلسطينية يمثل عائقا للمشروع الصهيوني أصل ‪,‬‬
‫يمتلك بذاته احتياطيا هائل من تلك الموارد ‪ ,‬لذلك يبدو أن الهدف المريكي ‪ ،‬هو اختطاف‬
‫هذا البلد ووضع اليد على موارده النفطية والحاقة تماما بالدائرة النفطية للنفوذ المريكي (‬
‫‪ .)27‬علية فان الوليات المريكية كانت منذ البداية ومع مرور الوقت تخطط للوصول إلى‬
‫استهداف العراق تحت ذرائع " محور الشر" و"أسلحة الدمار الشامل" و بتنسيق متناغم بين‬
‫كل من" بوش " و " بلير " و رغم ما يتعرض له الخير من ضغوط داخلية ‪-‬بما في ذلك‬
‫عناصر متزايدة من حزبه ‪ -‬بعدم النسياق التلقائي وراء مخطط الول لضرب العراق (‬
‫‪.)28‬‬

‫من هنا فان المطلوب أن تكون السعودية وقرارها السياسي في نفس التجاه ‪ ،‬بداية ‪،‬‬
‫وكذلك فأن الخوف كل الخوف هو أن الحملة المريكية على السعودية ليست فقط حملة‬
‫صهيونية كما تراها السعودية وقياداتها وبعض من عناصرها العلمية ‪ ,‬وإنما هي أيضا‬
‫وبدرجة اكبر واخطر الضغط على السعودية لكي تحصل منها أمريكا على ما يمكن تسميته‬
‫"السترضاء" ‪ Appeasement‬السعودي تجاه العملية القادمة بضرب العراق ‪ .‬تلك المسألة‬
‫"مسألة استرضاء" السعودية نحو المسألة العراقية بدا أنها في مراحلها التحضيرية الولى‬
‫تقترب من تحقيق بعض من ثمارها حيث ؛ أول أن تصريحات رئيس الستخبارات السعودي‬
‫السابق (المير تركي الفيصل ) ومقابلته مع وسائل العلم المريكي تشير إلى أن السعودية‬
‫سوف تتعاون مع أمريكا تجاه إسقاط النظام العراقي وان شدد على أن يكون ذلك من الداخل (‬
‫‪ .)29‬وثانيا ان طرح المبادرة السعودية ‪ -‬في إطار " التطبيع الكامل مقابل النسحاب‬
‫الكامل " ورغم ما جرى عليها من ردود فعل واتجاهات بتعديلها وهو حدث بالفعل في مؤتمر‬
‫القمة العربية في بيروت (‪-28-27‬مارس ‪ ،2002‬بيروت ) وكذلك رغم احتمال ربطها‬
‫بالمسالة السياسية الداخلية من حيث محاولة التأكيد على تراتب السلطة و النفوذ – في هذا‬
‫الوقت وعلى مابدات أول مرة علية فأنها تمثل لربما محاولة من قبل بعض القوى والتي قد‬
‫تقف وراء الدفع بها إلى التعامل مع البعد الخارجي في سياق الحملة المريكية أو الصهيونية‬
‫أو أنها تمهد للتطبيع القادم المحتمل ‪ .‬ومهما يكن من أمر حول مستهدفات و نوايا تلك‬
‫الداخلية أو الخارجية ‪ ،‬فان قبول ضرب العراق‪ -‬أو أي‬ ‫المبادرة وضر وفها و منابعها‬
‫بلد عربي أخر‪ -‬والمساهمة في تغيير النظام بغض النظر عن طبيعة النظام و الموقف‬
‫منه ‪ ،‬سيكون بذاته سابقة خطيرة وورقة ترفعها الدول الغربية وبالذات المريكية في وجهة‬
‫أي نظام عربي بما في ذلك حلفاءها في المستقبل ومنهم السعودية تحديدا ‪ .‬و من هنا فان‬
‫المصالحة العربية التي تمت في أثناء مؤتمر القمة العربية في بيروت ( ‪-28-27‬مارس‪-‬‬
‫‪2002‬م ) و خاصة بين السعودية و العراق و إلى حد ما بين العراق و الكويت والجماع‬
‫العربي في القمة و قراراته على الرفض القاطع لضرب العراق أو أي بلد عربي أخر ‪,‬‬
‫يشكل أحد المداخل الساسية لسد تلك الثغرة ( ضرب العراق و الملف العراقي و الحالة‬
‫العراقية الكويتية ) في وجه المخطط المريكي المحتمل للمشرق العربي ومنه ما يتصل‬
‫باحتمال التعرض للسعودية لحقا ‪ .‬و لذلك فان الخطوة التي اقدم عليها كل من المير عبد‬
‫ال و عزت إبراهيم تستحق الشادة ‪ ,‬إذ أنها تمثل الخطوة الهم و الساس في الطريق‬
‫الصحيح و الذي يحتاج إلى مزيد من تلك الخطوات للبناء عليها للوصول آلي تطبيع‬
‫العلقات العربية – العربية و منها و بدرجة أساسية السعودية‪ -‬العراقية و كذلك الكويتية‪-‬‬
‫العراقية ‪.‬‬

‫إذا تمت تلك العملية – عملية ضرب العراق ‪ ( -‬وهو ما نتمنى أن تكون القمة‬
‫العربية و قراراتها في بيان بيروت وفي إطارها المصالحة السعودية – العراقية و كذلك‬
‫الكويتية ‪ ,‬قد أسست لرضية تحول دون حدوثه و أن لزال هناك بعض المخاطر و كذلك‬
‫البدائل التي قد تستغلها أمريكا لتنفيذ العملية مستقبل ) و في سياقه أو ( معه أو قبله‬
‫الصومال و الذي ل يبدو يثير شجون و هموم العرب على نحو كاف ) وإسقاط النظام العراقي‬
‫تحت أي حجة وهي ستكون سابقة خطيرة ‪ ,‬كما أشرنا آنفا ‪ ,‬وقد تكون السلح الذي‬
‫يشهر بوجه الحلفاء الحاليين مستقبل ‪ - ،‬فان النقطة القادمة والبرز في إتمام المشروع‬
‫المريكي من الهيمنة على المنطقة وبما يتضمن تعويم المشروع الصهيوني ثم العودة إلى‬
‫استهداف الخليج والسعودية تحديدا ستكون سوريا هي المستهدفة ثانيا (بعد العراق )إذ‬
‫ستكون محاصرة من جميع الجهات بقوى إما معادية كما هي إسرائيل وتركيا أو أنها تقع في‬
‫النفوذ المريكي كما هي الردن والعراق –البديل إذا تم ‪ ,‬أو ضعيفة وهي الحالة اللبنانية ‪.‬‬
‫عندها سيمكن إخضاع سوريا طوعا أو كرها ؛ أما طوعا فيتم الضغط عليها بتوقيع اتفاقية‬
‫تسوية مع إسرائيل كما هي اتفاقيات التسوية مع الردن ‪1994‬ومصر ‪ .1979‬وأما كرها فأن‬
‫المر ليس هو الخر مستبعدا وما لئحة الخيار النووي إل تمهيدا لذلك الخيار وأحتمالتة‬
‫رغم أن المر سيكون اسهل من ذلك بكثير إذا ما تم تحييد المسألة العراقية أصل (في حالة‬
‫ضرب العراق وتغيير النظام وإقامة نظام موالي )‪ .‬إن خيار اللئحة النووية المريكية والذي‬
‫سربته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز "قبل فترة و رغم انه فيما ورد أصل في التقرير‬
‫يستهدف سبعة دول هي الصين وروسيا وكوريا الشمالية والعراق وسوريا وإيران وليبيا إل‬
‫انه من الواضح فأن استهداف الصين وروسيا بقنابل نووية صغيرة أمر ل يمكن القبول أو‬
‫التصديق به ذلك أن اللعب بنار نووية وان كانت صغيرة مع دولة نووية أمر ل يمكن التحكم‬
‫به وبالتالي فانه خيار ل يمكن إل أن يكون لدول غير نووية أصل وخاصة الدول العربية‬
‫المعنية ومنها تحديدا سوريا كما هي العراق ولربما ليبيا ثم لحقا المسألة اليرانية وحتى‬
‫باكستان والتي عدم إدراجها اسمها في تلك القائمة يثير علمات استفهام واستغراب في‬
‫الوقت ذاته (‪ .)30‬فوق هذا و ذاك فان ذلك التلويح باللئحة النووية والخيار النووي‬
‫المحدود وهو يستهدف دول عربية (سوريا العراق ليبيا ) ‪ ,‬قد يراد به دول عربية أخرى‬
‫كما هي مصر والسعودية تحديدا للحصول على السترضاء لكي يتم إخضاع تلك الدول العربية‬
‫ومنها سوريا –هنا‪ -‬عنوة أن لم يكن طوعا ‪.‬‬
‫وإذا ما تم إخضاع سوريا عنوة أو طوعا وفي إطار الحاطة الكونية المريكية‬
‫لها‬ ‫والمشروع المريكي الصهيوني للمنطقة فان تسوية القضية الفلسطينية أو تصفية‬
‫سيكون أمرا ممكنا و ان كان ل يخلو من صعوبات ليست بالمر السهل ‪ .‬وفي سياق محاولة‬
‫تصفية القضية الفلسطينية يلحظ أن الدارة المريكية و في ضوء عدم رضاها على نتائج‬
‫و بيان بيروت و خاصة فيما يخص الجماع العربي ‪ ,‬بما فيه الموقف‬ ‫القمة العربية‬
‫السعودي و الكويتي ‪ ,‬الرافض لضرب العراق وبدرجة اكبر المصالحة السعودية و‬
‫الكويتية مع العراق جعلها ( الدارة المريكية ) تتأمر مع شار ون للطاحة بعرفات‬
‫وتدمير السلطة الفلسطينية بعدوانها الهمجي منذ صباح اليوم التالي لنتهاء مؤتمر القمة‬
‫العربية في بيروت و ذلك للحصول منه على تنازلت تحت الضغط وكذلك معاقبة للعرب‬
‫الخرين و تعويضا لربما لتلك الخسارة المريكية في المسألة العراقية ‪ .‬لذلك ليس‬
‫مستغربا أن توجه الدارة المريكية و على لسان وزير خارجيتها " كولن باول " في‬
‫تصريحاته الصحفية ( ‪2002-3-29‬م) ‪ ,‬و بشكل اكثر وضوحا وفجاجة على لسان الرئيس‬
‫المريكي " بوش " نفسه ‪ ,‬في تصريحاته ( ‪2002-3-31‬م )‪ ,‬التهام لعرفات و تحميلة‬
‫مسؤولية العدوان الصهيوني الذي يجري منذ ‪2002-3-29‬م ‪ ,‬وتبدي في المقابل‬
‫تعاطفها مع شار ون و إسرائيل وان من حقها الدفاع عن نفسها ‪.‬‬
‫غير أن النقطة الهم انه وفي سياق ذلك المشهد الخضاعي ( إذا تم إخضاع‬
‫سوريا بعد إخضاع العراق و هي حالت و أوضاع نتمنى أن تكون القمة العربية الخيرة‬
‫في بيروت ‪ ,‬مارس ‪2002‬م‪ ,‬و قياداتها قد وضعت قيدا قويا و مسافة بعيدة للوصول أليها‬
‫و تحقيقها ) أوفي ثناياه ستكون المهمة المريكية التالية هي إعادة إدماج العناصر مع‬
‫بعضها البعض وخاصة إدماج منطقة الخليج العربي ودولة بما فيه السعودية تحديدا في ذلك‬
‫التوجه وتلك الصياغة ‪ .‬وإذا ما تمت تلك المشاهد اعتمادا على فكرة تكسير " الحلقات أل‬
‫ضعف " أول ‪ ,‬فعندها ستكون مصر والردن ولربما لبنان وكذلك العراق خارج المعادلة‬
‫وبالتالي ستكون السعودية هي المستهدفة وفي وضع ل تستطيع فيه أن تقاوم ذلك الدماج ‪.‬‬
‫ان ذلك الستهداف المريكي للسعودية وبتناغم مع الرؤية الصهيونية يعني ببساطة شديدة‬
‫ان تقبل دول الخليج العربي وعلى رأسها وفي المقدمة منها السعودية مسألة التطبيع مع‬
‫الكيان الصهيوني ( والذي يبدو ان السعودية في طرحها مبادرتها الخيرة تحاول لربما إما‬
‫التمهيد له أن لم تكن تحاول التخفيف من الحملة المريكية "استرضاء " والنتيجة النهائية في‬
‫الحالتين في حالة عدم التحصين الداخلي و العربي على أية حال واحدة ) وإحياء فكرة‬
‫الشرق أوسطية وبالتالي تعويم المشروع الصهيوني مندمجا مع المشروع المريكي ‪ .‬إننا‬
‫أمام عودة إلى الصول والساسيات للحملة المريكية على " الرهاب " والسعودية باعتبار‬
‫ان الخيرة ( السعودية في الرؤية الغربية و المريكية تحديدا ) هي " المركز للرهاب "‬
‫وهي " المشكلة " وهي " الخطر " على الغرب عموما وعلى الوليات المتحدة خصوصا‬
‫وبالتالي فان إعادة هيكلة السعودية أو تفكيكها هي المهمة الساس المؤجلة في بداية الحملة‬
‫لضرورات إتمام المشروع المريكي في سياق الحاطة الكونية وضمن تكتيك إنجاز المهام‬
‫مرحليا طبقا " للحلقات أل ضعف " ولكنها المهمة الساس ألنا جزة في نهاية مطاف "‬
‫الحلقات الضعف " ‪.‬‬

‫في حالة ممانعة السعودية لذلك التوجه في حلقاته النهائية وهو التطبيع ‪ ،‬فأن المر‬
‫سيكون بالتلويح بأمر أخر اكبر واكثر خطورة مما يتوقعه الكثيرون ؛ انه مشهد التقسيم‬
‫والتفتيت للدولة والمجتمع في السعودية ولربما في منطقة الجزيرة العربية كلها وإعادة رسم‬
‫خرائطها على نحو أخر ‪.‬‬
‫إن فكرة مشهد التقسيم والتي لتبدو في عناصرها جديدة (‪ , )31‬تقوم في توجهاتها‬
‫ومرتكزاتها الجديدة ‪ ،‬والتي حاولنا منذ عدة سنوات خلت الشارة لها ولفت أنظار المعنيين‬
‫في البلد العربية (‪ ، )32‬على إمكانية استغلل معطيين‬ ‫من صناع قرار و مثقفين‬
‫أساسيين هما‪ :‬النفط والسلم (الماكن المقدسة) ‪.‬إن النفط موجود بدرجة أساسية بالمشرق‬
‫العربي من العراق شمال و مرورا بالسعودية ومنطقة الخليج العربي جنوبا ‪ .‬وإما الماكن‬
‫المقدسة (السلم) فانه في الجزء الغربي من المشرق العربي من الحجاز (المنطقة الغربية)‬
‫في غرب السعودية بدرجة كبيرة و حتى فلسطين ( القدس ) شمال ‪ .‬و بقدر ما يتعلق المر‬
‫بالخليج العربي عموما و السعودية بدرجة اكبر خصوصا ‪ ,‬فان مشروع التقسيم سيكون‬
‫في مشهده الحتمالي على النحو التالي‪ :‬إقامة مناطق أو دويلت عازلة أول‪ :‬في المنطقة‬
‫الشرقية وما يتصل بها من مناطق بترولية خاصة بامتداد الربع الخالي ( و لربما تربط‬
‫بالشرق العربي من جنوب شرق الجزيرة و حتى العراق شمال في مرحلة من المراحل )‬
‫وحتى مشارف وادي ألد واسر‪ . ،‬ثانيا‪ :‬في الحجاز دولة إسلمية مفتوحة للجميع لداء‬
‫المشاعر السلمية وهذا الخيار الخير و بما قد تفعله أمريكا لقناع أو إكراه بعض من‬
‫المسلمين و ‪ /‬أو دولهم لربما قد يجد صدى عند بعض المسلمين من الناحية السلمية‬
‫ولربما سيكون مرحب به من قبل بعض الدول على القل ‪ .‬و قد تسند تلك التوجهات بمدينة "‬
‫القدس " مدّولة لكل الديان بما في ذلك السلم و بحلول مفروضة على العرب و‬
‫الفلسطينيين ان أمكن ذلك ‪ .‬ثالثا‪ :‬أما المناطق الشمالية والوسطى والجنوبية فأنها تترك‬
‫لقدرها تتطاير أو تتذرذر وبالشكل الذي تريده أو يراد لها أما على شكل إمارات أو محميات أو‬
‫على شكل ملحق لكيانات أخرى ‪ .‬عندها سيكون الجميع خاسر دولة ومجتمع ومناطق بما في‬
‫ذلك الوضعية العربية وتلك حالة ل أحد يرغب بحدوثها ولكن الرغبة شيء والعمل على‬
‫تفعيلها بممانعة جادة شيء آخر ‪.‬‬

‫ولعل السؤال الكثر أهمية في ذلك السياق ‪ ،‬هو هل هذا المشهد التقسيمي واحتمال‬
‫حدوثه أمر ممكن أم ل؟ إن الجابة عليه باليقين أمرا ليس ممكنا ولكن القتراب منه أمرا قد‬
‫ل يكون عسيرا ‪ .‬ان ذلك احتمال قد يحدث و قد ل يحدث و لكن كل المؤشرات والدلئل‬
‫تشدد على ان الوليات المتحدة المريكية لن تترك السعودية في مرحلة ما قادمة على ما‬
‫كانت عليه وان إعادة هيكلة السعودية سيكون أمرا قادما ل محالة وان كان مؤجل للمرحلة‬
‫النية وهي النتهاء من " الحلقات الضعف " ) ‪ .‬وبينما كان هناك من يصرح بان هناك‬
‫توافق أمني استخباراتي أمريكي – روسي للتخلص من الحالة العراقية و اليرانية أول ثم‬
‫التفرغ للمهمة الهم في النهاية في الجزيرة العربية و تحديدا في السعودية و" الرهاب‬
‫السعودي " حتى و أن تطلب ذلك التخلص من أنظمة الحكم القائمة و هو ما أشير آلي‬
‫ضرورته في النهاية ‪ ,‬فان هناك من طرح فكرة إقامة سياج حول المنطقة الشرقية من‬
‫‪. )Fencing Eastern Province‬‬ ‫السعودية ‪(33‬‬

‫و في سياق تلك المكانية و ذلك المشهد على أية حال ‪ ,‬ليتركز المر على بعض‬
‫من تصورها في سياق مشروطياتها ‪ :‬انطلقا من تلك التلميحات و التصريحات ‪ ,‬ماذا لو‬
‫قررت الوليات المتحدة وأعلنت خطوط الطول وأجزاء من العرض ‪ ( -‬بدل من خطوط‬
‫العرض كما هي الحالة العراقية )‪ -‬لشرق الدهناء وغرب الحجاز ‪ ،‬فمن الذي سيمنع الوليات‬
‫المتحدة المريكية من تنفيذ ذلك؟ هناك من ل يصدق أو لربما ل يريد ان يصدق بان ذلك قد‬
‫يكون ممكنا باعتبار ان ذلك وفي سياق المسالة النفطية السعودية والستقرار السياسي في‬
‫المنطقة لن يكون في مصلحة هذا الخيار ‪ .‬ولكن في المقابل يمكن القول انه ورغم ان‬
‫مصلحة الوليات المتحدة المريكية هي في الستقرار السياسي للمنطقة في إطار المسالة‬
‫البترولية و هي ما تراهن عليها عناصر و أطراف عربية و غربية واهمة أو متوهمة أن‬
‫أمريكا سوف تتركها و شأنها علي ما كانت علية ‪ ,‬فان هناك أيضا من يرى و من‬
‫عناصر متنفذة في الغرب وفي الوليات المتحدة المريكية تحديدا ‪( -‬و خاصة في سياق‬
‫الفكرة المهيمنة بان ترك " الحالة السعودية "على ما كانت علية أمر ل يمكن القبول به و‬
‫يجب معالجتها معالجة جذرية و إلى البد ) ‪ -‬انه من الممكن و في المصلحة المريكية‬
‫تنفيذ ذلك المشروع التقسيمي وان ذلك أمر ممكن وفي إطار صياغة التقسيمات الصغيرة‬
‫والضامنة للمسالة البترولية ‪ .‬أو ليس الوليات المتحدة المريكية هي القوة‪ -‬على الرض‬
‫الضامنة حاليا لتلك المسالة البترولية ؟‬

‫يجب أن نقول أن المسالة ليست في تهويلها ول في تضخيمها ول في القول بان تلك‬


‫المكانيات لن تلقى مقاومة أو ممانعة محلية أو إقليمية أو حتى دولية ولكن أيضا نشدد على‬
‫أن القول بان ذلك أول ‪:‬احتمال ومشهد مستقبلي ويمكن إذا ما تمت لحظة الحسم باتجاه‬
‫السعودية والخليج العربي وفي سياق الدماج في المشروع المريكي والمتناغم مع المشروع‬
‫الصهيوني عندها لن تكون المسالة تخيّلية وعند هذه اللحظة لربما تلتقي الرؤية الصهيونية‬
‫بالحملة المريكية على السعودية تحديدا كما يتصورها الرسميون السعوديون حاليا ‪ .‬أما‬
‫لماذا المكانية لتحقيق مشروع التقسيم فالمر يرتبط أساسا بعدة عناصر منها ما هو خارجي‬
‫مرتبط بدوافع القوى الكبرى وحلفاءها بالسيطرة على المنطقة وكذلك بالقوى القليمية‬
‫وخاصة في سياق العلقات العربية العربية و طبيعة عناصر و مكونات القوة العربية و‬
‫فاعليتها وعدم متانتها أو تمتينها ‪ ,‬ومنها ما هو داخلي يرتبط بالوضاع الداخلية تحديدا‪.‬‬

‫ورغم أهمية العناصر الخارجية والتي قد نتعرض لبعض منها لحقا ‪ ،‬فان ما يهمنا‬
‫هو البعد والعناصر الداخلية في إمكانية تحقيق مشروع التقسيم ‪ .‬و نود التأكيد بداية على‬
‫ان ذلك المشهد وعوامله العربية و الداخلية تحديدا بالقدر الذي يمس و يفسر الحالة‬
‫السعودية و مستقبلها فانه لربما يقترب زيادة أو نقصا من ذلك القدر الذي يمس و يفسر‬
‫الحالة العربية لمعظم الدول العربية ان لم يكن كلها و خاصة تلك الدول التي تتعرض‬
‫لتحديات داخلية مترافقة مع ضغوطا خارجية ‪.‬‬

‫بناء عليه فان ما هو داخلي يتصل و يمس مسا جوهريا مسالة أزمة الدولة‬
‫والمجتمع أو العلقة بين الدولة والمجتمع على ضوء عدم قدرة أو رغبة تكيّف النظام‬
‫السياسي أو القائمين عليه وما يرتبط بذلك من مقومات ل نجاح المشروع التقسيمي وخاصة‬
‫في سياق ضعف أو هشاشة ما يتصل بمسألة " الندماج " وغموض فكرة المواطنة وغياب‬
‫الشعور بالمسؤوليات لدى الفراد والجماعات في البلد وذلك لن سياسات الدولة اتسمت بعدم‬
‫التوازن من حيث التنمية وتوزيع مخرجاتها وذلك لغياب أصلً الشراك المتوازن في‬
‫المسؤوليات في إنتاج تلك السياسات المتوازنة المطلوبة ‪ .‬وتتداخل تلك المور مع تزايد‬
‫تلك المشاكل القتصادية والفساد المالي والداري في سياق استشراء المصلحة الخاصة‬
‫وعلى حساب المصلحة العامة أو بفقدانها أصل ‪ ،‬وكذلك مترافقة والبطالة وتزايد السكان مع‬
‫عدم وجود قوانين ومؤسسات لمواجهة تلك التحديات (‪.)34‬‬

‫إن كانت تلك تحديات حقيقية ‪ ،‬فمن الذي يمنع الوليات المتحدة إذا ما أعلنت أن‬
‫شرق الدهناء من شمال الخليج آلي جنوبه ‪ ،‬على سبيل المثال منطقة محظورة على التجاوز‬
‫؟من الذي سوف يحارب الوليات المتحدة المريكية ؟ هل أبناء تلك الدول لديهم الحساس‬
‫بتلك المسؤولية و يتوافرون على القدرة والتعبئة المطلوبة ؟ إن المواطنين في بلدان الخليج‬
‫العربي و منهم أبناء السعودية ‪ ،‬لربما ل يقلون عن أقرانهم الخرين في العالم في‬
‫رغبتهم في الدفاع عن بلدهم ‪ .‬ولكن لكي يحصل ذلك فلبد من مقومات وتلك المقومات ل‬
‫يبدو متوفرة ؛ إذ أن المواطن العادي ل يعرف بشكل عام استخدام المسدس فكيف بمقاتلة‬
‫دولة كبرى وتحدي قرارها ؟ ألم تستطيع أمريكا أن تفرض مناطق عازلة في شمال وجنوب‬
‫العراق وعلى بلد هو العراق وهو يعتبر أقوى بكثير من السعودية مثل ؟ وفوق هذا وذاك إننا‬
‫أمام مناطق ومجموعات لم تتولد لديها فكرة " الدمج " و "المواطنة " وبسبب من السياسات‬
‫التنموية غير المتوازنة والقائمين عليها ‪ .‬إنها مناطق ومجموعات تبدو معزولة أكثر عن‬
‫بعضها البعض و لدرجة أن كثيرا من الهالي ‪ ,‬أفرادا و جماعات ل يعرفون و لم يزوروا‬
‫تلك المناطق أو مدنها على الطلق ‪ ,‬بل أن هناك من لحظ و باستغراب و تساّؤل عن أن‬
‫أبناء البلد يعرفون مدنا عربية و أجنبية اكثر بكثير من معرفتهم لمدن و مناطق بلدهم و‬
‫بالتالي فهو يرى الحاجة ماسة إلى التواصل الجتماعي و الثقافي (‪ . )35‬وإذا ما تم‬
‫تواصل بينها فان ذلك لبعض ضرورات العمل أو المرور ‪ .‬وحتى المدن الرئيسية والتي‬
‫تستقطب معظم سكان البلد ( وهي الرياض ومكة وجدة والدمام والخبر ) ‪ ,‬فأنها ورغم إنها‬
‫تستقطب مجموعات من مناطق مختلفة وتبدو ظاهريا أكثر اندماجا أو دمجا من الناحية‬
‫الشكلية ‪ ,‬إل أن واقعها الجتماعي يشير إلى أنها مجتمعات مسكونة بتقاسمات مجموعات‬
‫غير مندمجة ‪ .‬ورغم ان الموروثات الجتماعية قد تكون مسؤولة إلى حد ما عن تلك‬
‫الوضعية إل إن السياسات التنموية غير المتوازنة بين المناطق والمجموعات وحتى في المدن‬
‫وأطرافها والرؤية الستراتيجية للقائمين عليها بما هي منظومة ناظمة ضاغطة قد تكون‬
‫بدرجة اكبر مسؤولة عن تواصلها وبالتالي بالتعاضد مع عوامل سالبة لبيئة و بنية نظام‬
‫تتسم بالجمود ‪ ,‬تقفان وراء تكّون البنية – التحتية النقسامية ومن ثم البذرة التي قد‬
‫تسهل عملية مشروع التقسيم في حالة الصرار على تنفيذه وفي غياب مشروع الصلح‬
‫واستمرار مشهد النهيار وهو ما نعالجه و نفصل فيه تاليا ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :2-‬في طبيعة الزمة الداخلية‬


‫ومشهد (بديل) النهيار‬

‫ان طبيعة الزمة الداخلية ليست عارضة كما بدأت وتبدو للوهلة الولى أوانها متصلة‬
‫فقط في سياق الموقف من السياسات المريكية ذات الصلة بالحملة على الرهاب والمشكلة‬
‫الفغانية في سياقها ‪ .‬إن تلك الحداث منذ الحادي عشر من سبتمبر ‪2001‬م وصاعدا وحتى‬
‫هذه اللحظة ‪ --‬ولربما تتصاعد مستقبل على ضوء التقدم على مسار المشروع المريكي‬
‫في إطار " الحلقات الضعف " وبالذات ما يخص المنطقة العربية – هي بعض منها أو‬
‫مظاهرها وقواها المحفزة ‪ .‬إن طبيعة الزمة تتصل بالعلقة بين الدولة والمجتمع على خلفية‬
‫عدة محاور منها محور " الشرعية ومصادرها " ومحور " التنمية والعدالة " و "الدماج "‬
‫ومسألة "الفساد " المالي و الداري ومحور " المن والعلقة بالجنبي " ومحور "‬
‫الجديدة وصناعة القرار والميدان السياسي‬ ‫المشاركة السياسية " و ما يتصل بالتكوينات‬
‫و نطاقه عموما ‪ .‬كل هذه المحاور تتصل أساسا وبدرجة كبيرة بمسألة " بناء الدولة " وما‬
‫يتصل بذلك من مسألة قدرة الدول والنظمة السياسية ونخبها على التحول أو التكيّف مع‬
‫التحديات الداخلية والخارجية ‪ .‬ان واقع الدولة السعودية من حيث النظام وقدراته وامكانياتة‬
‫الحالية هو الذي يقبع وراء الزمة الداخلية أو انعكاسات الزمة الخارجية (العلقات السعودية‬
‫– الغربية ومنها المريكية وحملتها تحديدا) ‪.‬‬
‫ان العلقة بين الدولة والمجتمع في السعودية كانت بداية وفي بداية التأسيس علقة‬
‫تقوم على فكرة " المساهمة والمشاركة " بين الفاعليات والتكوينات الجتماعية آنذاك سواء‬
‫كانت حضرية ‪ /‬قروية أو قبلية أو مناطقية من جهة وبين السلطة السياسية ممثلة بالملك عبد‬
‫العزيز آنذاك والذي مثل الزعامة التاريخية ونال شرعيتها ‪ .‬تلك المعادلة وصياغتها كانت‬
‫ترتكز على عملية التوازن بين السلطة وتلك القوى وكأنها عقد اجتماعي غير مكتوب يترك‬
‫القرار السياسي وصناعته للملك والسرة الحاكمة (المحدودة آنذاك) ولكنة في نفس الوقت‬
‫يترك مجال للتوازن مع تلك القوى من حيث فكرة " المساهمة والمشاركة " على الطريقة الخلد‬
‫ونية (‪.)36‬‬
‫تلك الصيغة يبدو أنها وخلل العقود الخمسة الماضية عبرت عن تلك المرحلة وقواها‬
‫الجتماعية ‪ ،‬غير ان التحولت في طبيعة القوى الجتماعية والمتصلة بالتحولت المادية‬
‫والتحديثية ذات الصلة بآثار مداخيل النفط بدأت وكأنها تتغير من طرف واحد إل وهو تشكل‬
‫و تّكون قوى جديدة بتطلعاتها ورغباتها ( رغم ما لحقها هي الخرى من تأكل أو فساد أو‬
‫انحرافات نتيجة تعطل قدراتها أو تعطيلها بسبب جمود الطرف المقابل والبعاد الجتماعية‬
‫المتداخلة معه ) ‪ ،‬بينما الطرف الخر وهو المجال السياسي ولمن الحق في المشاركة فيه‬
‫بقي كما هو دون تغير يذكر عدا لمسات تجميلية شكلية ( النظام السياسي –ومجلس الشورى‬
‫–والمناطق ) وهذه الخيرة لم تكن تتوافق وتغيرات العلقة الجديدة المتكّونة ‪ .‬وخلل تلك‬
‫الفترة السابقة بدا أن المعالجة المالية للمور تأخذ الحيز الكبر من عملية تعديل الختلل في‬
‫العلقة علما بان ذلك أيضا تركز على فكرة الحتواء التوظيفي وبعض المشاريع والبنى‬
‫الساسية غير المتكاملة أصل وبشكل عام وغير المتوازنة تحديدا وبشكل خاص على مستوى‬
‫أو بين المناطق والمجموعات ‪.‬‬

‫ومع أزمة الخليج التالية ‪ 1990/1991‬وتوابعها بدأت السئلة المجتمعية في البروز ‪،‬‬
‫وخاصة من قبل القوى و الفئات و العناصر الجديدة وسواء كانت لبرالية أو إسلمية وحتى‬
‫التقليدية ‪ ،‬عن المن والعلقة مع الجنبي وكذلك إدارة موارد الدولة وتوازنها والحاجة إلى‬
‫مؤسسات سياسية وقانونية عصرية ‪ .‬ومع ان تلك الزمة كانت فرصة ثمينة لتكيّف النظام‬
‫السياسي بصياغة اكثر استجابة مع تطلعات القوى الجديدة واستمرار تقدم المجتمع ككل‬
‫واستقراره ‪ ،‬إل أن المراهنة على الوقت كانت لها الولوية ‪ .‬ومع تزايد النكشاف المني‬
‫المتصل في العلقة مع الوليات المتحدة وفي سياق المسألة العراقية وتواصلها وخاصة منذ‬
‫‪ 1995‬فصاعدا ‪ ،‬بدا أن هناك توجه تقلل من فئات اجتماعية وصل بها المر إلى قضية‬
‫التفجيرات في ‪ 1995/1996‬م ‪ .‬تلك التفجيرات ورغم إعدام بعض مرتكبيها وخاصة منفذي‬
‫عملية ‪ ،1995‬بدأت تؤسس لموقف شعبي معاد للوجود المريكي في الخليج وفي السعودية‬
‫تحديدا ‪ .‬ورغم ان السلطة السعودية نفسها بدأت هي الخرى تقلل من تأثيرات ذلك الوجود‬
‫ومسألة التدخلت في الشؤون الداخلية ( مسألة التحقيقات في التفجيرات وخاصة تفجير الخبر‬
‫‪1996‬م و الذي لم تكن التحقيقات في إطاره قد انتهت حتى أحداث الحادي عشر من سبتمبر‬
‫‪2001‬م ) وكذلك رغم التفاق الناتج عن تلك التفجيرات بين السعودية والوليات المتحدة‬
‫المريكية على إعادة نشر القوات المريكية وتجميعها في منطقة الخرج تحديدا إل أن تلك‬
‫المعالجات لم تكن لتكفي ردم الفجوة الداخلية بين رغبات وتطلعات الفئات والقوى الشعبية‬
‫وبين رؤية النظام وضروراته أو خياراته للتعامل مع تلك القضية ‪.‬‬

‫إن الحل المني لتلك المسائل وخاصة العدامات للعناصر المعارضة والمتصلة‬
‫بالتفجيرات لم يحل المشكلة بل أن المسألة أخذت بالتطور وخاصة بعد ‪ 1996‬ثم لحقا بعد‬
‫أحداث ‪ 1998‬بضرب العراق والسودان وأفغانستان ثم انفجار النتفاضة ضد الحتلل‬
‫الصهيوني منذ ‪ 28‬سبتمبر ‪2000‬م وما رافق ذلك كله من بعض التقلقلت على صعيد بعض‬
‫الحداث الجتماعية كا لمظاهرات التي حدثت في الجوف والى حد ما في جدة والرياض‬
‫والدمام ( وان كانت الخيرات قليلة في حجمها ) وكذلك اختطاف الطائرة إلى بغداد ‪ .‬كل ذلك‬
‫‪ -‬مع استمرار النتفاضة الفلسطينية ضد الحتلل و الحملة الوحشية الصهيونية‬
‫المتواصلة ‪ ،‬وصلة ذلك كله بالسياسات المريكية الداعمة للكيان الصهيوني بدون حدود ‪،‬‬
‫‪ -‬أدى ‪ ,‬بالتعاضد مع التراجع القتصادي و قلة فرص العمل و تزايد البطالة وصلة ذلك‬
‫بموارد الدولة و إدارتها ‪ ,‬إلى تكوّن و تعزز بيئة تتنامى فيها أسئلة مجتمعية مفتوحة عن‬
‫تلك الوضاع وكذلك إلى تزايد العناصر المعارضة للوجود المريكي ولسياساتها في المنطقة‬
‫والمنحازة للكيان الصهيوني ‪ .‬ثم وفي أعقاب أحداث الحادي عشر من سبتمبر واتهام‬
‫السعوديين بالهجمات ‪ ،‬بدأ أن المر يتعلق بمسألة أساسية لم يفكر فيها كثيرا إل وهي أن‬
‫هناك مجموعات سعودية تجاوزت مجموعة ال ‪ 1995‬عددا وعدة وتخطيطا ومتجاوزة ‪ ،‬فوق‬
‫ذلك الدولة السعودية من حيث إعطاء النتماء والولء السياسي لمجموعة ومركز غير الدولة‬
‫وهذه الخيرة ل تعترف بها بل و تناصبها العداء ‪ .‬وإذا افترضنا أن هؤلء الخمسة عشر‬
‫مهاجما بالفعل سعوديون – كما يبدو أن السلطات السعودية أقرت به مؤخرا كما سبق‬
‫الشارة أليه – وكذلك ما بدا من تفاقم الزمة الفغانية و ما بعدها من أعداد متزايدة متعاطفة‬
‫مع تلك المجموعة من تنظيم القاعدة وزعيمها أسامة بن لدن فأن المر يعني فيما يعنيه ‪،‬‬
‫ول يقتصر فقط علية ‪ ،‬أن الدولة السعودية من حيث هي " سلطة ومركز " سياسي تعاني‬
‫بالفعل من ما يمكن تسميته ب" أزمة الشرعية " ‪ .‬أن الفتراق الشعبي مع الحكومة السعودية‬
‫في إطار سياساتها الخارجية والمستند على اختللت في السياسة الداخلية خاصة في سياق‬
‫انغلق الفق السياسي واختللت في التنمية وعدم توازنها خاصة بين المناطق إضافة آلي‬
‫مشاكل اقتصادية عامة ذات صلة بإدارة الموارد بشكل عام ‪ ،‬قد اصبح واضحا جدا في ثنايا‬
‫أزمة أحداث سبتمبر ‪2001‬ومابعدها ‪.‬‬

‫إن الشرعية لي نظام سياسي غالبا ما تأتي من رضاء وقبول الناس لذلك النظام‬
‫وسياساته ومخرجاته ‪ .‬ومصادر الشرعية عادة ما ترتكز إلى عدة عناصر منها الزعامة‬
‫التاريخية العقيدة الدين (اليديولوجيا) والهوية وكذلك النجازات التنموية وتوفير الحماية‬
‫والمن وبشكل عام قدرة النظام على التعامل والتكيّف مع الحتياجات الشعبية والتحديات بكافة‬
‫تجلياتها ‪ .‬وحيث ان الزعامة التاريخية ( الملك عبد العزيز ) للدولة السعودية لم تعد هي‬
‫الماثلة و القائمة في المرحلة الحالية و ذلك بانقضاء مهامها أصل مع بداية تكوين الدولة ‪،‬‬
‫وكذلك مع تغليب المصالح السياسية على مسألة العقيدة والدين والهوية وخاصة بالنسياق‬
‫وراء العلقات الدولية وبالذات الغربية والمريكية تحديدا ‪ ،‬وكذلك حيث أن الدولة منذ ‪1990‬‬
‫فصاعدا بدأت وبشكل مكثف تعتمد على الحماية الجنبية والمريكية تحديدا وبالتالي عدم‬
‫قدرتها أو لربما رغبتها في توفير الحماية الذاتية ‪ ،‬ومع تنامي عجز الدولة في أداء متطلبات‬
‫التنمية وتوازنها بين كافة المناطق والمجموعات وعلى أسس تحقق العدالة والكرامة‬
‫والرفاهية للجميع وبشكل متوازن ‪ ،‬وكذلك مع تزايد البطالة والتي سوف تتفاقم مع تزايد‬
‫السكان ‪ ،‬ومع انعدام الشفافية والمكاشفة تجاه تلك القضايا والمسائل ‪ ،‬فان أزمة الشرعية‬
‫للدولة السعودية لم تعد منطقة غير واضحة ‪ .‬وبغياب النظمة والقوانين المؤسساتية وإلتي‬
‫توازن بين تلك الحاجات وتحقق الرضا والتوازن والستقرار ‪ ،‬ومع سيطرة قوى ونخب مغلقة‬
‫ذات إمتدادات عائلية (عدد من العائلت والسر )ومناطقية بعينها (وعدد من قرى أو مدن‬
‫من تلك المناطق وليس بالضرورة كلها ) على صياغة السياسيات التنموية وتوزيعات‬
‫مخرجاتها وعلى نحو يأخذ في حسبانها مصالحها هي بدرجة أساسية أو امتداداتها‬
‫المناطقية إلي حد ما ‪ ،‬فأن الفساد والمحسوبية أصبحت هي الخرى مستشرية في الدولة‬
‫والمجتمع على حد سواء ‪ .‬وبموازاة ذلك كله ‪ ،‬أصبحت المصلحة الخاصة والخاصة جدا هي‬
‫معيار العمل وعلى حساب المصلحة العامة وخاصة في مرافق الدولة ومؤسساتها ‪ .‬كل ذلك‬
‫أدى إلى انحرافات من قبل فئات اجتماعية متنامية سواء على مستوى الفراد أو المجموعات‬
‫أو المناطق وتلك النحرافات بدأت تأخذ أشكال متعددة بما في ذلك النحرافات الخلقية‬
‫والمادية وكذلك النحرافات في الولءات السياسية وتجاوز الدولة ‪ .‬وحيث ان الفراد‬
‫والمجموعات الشعبية ليست مشركة في العملية السياسية على نحو واضح ومحدود بحيث‬
‫تدخل في عملية صناعة القرار وإنتاج السياسات المطلوبة وتتحمل مسؤولياتها ‪،‬فأنها لن‬
‫تكون بمنأى عن تلك النحرافات وبالذات السياسية منها بما في ذلك التطرف والنزوع للعنف‬
‫ضد الدولة وسلطتها وسياساتها وارتباطاتها الخارجية ومنابعها الداخلية ‪ .‬وبالتالي فان‬
‫الزمة الداخلية ‪ ,‬ان لم يتم تداركها على نحو يقترب مما سوف نفصل فيه تاليا ‪ ,‬سوف‬
‫تتفاقم مع الوقت ولربما تعجل بنمو بذرة النهيار وبروز مشهدة ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :3-‬الحاطة بالزمة‬


‫الداخلية و الخارجية‪:‬‬
‫بديل الصلح‬

‫إن جوهر الزمة بين الدولة والمجتمع يرتبط كما أسلفنا بانغلق الفق والنطاق‬
‫السياسي للنظام في وجه القوى والفئات الجتماعية والشعبية وما ولدته تلك الحالة من‬
‫افتراق بين الطرفين ‪ .‬ان معالجة الزمة الداخلية ل تتم من خلل المعالجة لبعدها الخارجي‬
‫مع الغرب بمزيد من التساق معه وهو ما يعمق ذلك الفتراق و يزيد أزمة الشرعية للنظام‬
‫تعقيدا‪ ،‬وليس عن طريق الحلول المنية والقسرية ومحاولة المراهنة على الوقت بمعالجات‬
‫وقتية وظرفية ‪ .‬ان معالجة الزمة الخارجية وكذلك الزمة الداخلية تتجه جوهريا إلى‬
‫الحاطة بمسألة ذلك الفتراق و ما يتطلبه بالفعل من التجاه إلى إصلح الدولة وإعادة‬
‫بنائها بصياغة جديدة للبعاد السياسية والقتصادية والجتماعية والثقافية والعلمية‪.‬‬

‫إن نظريات التنمية السياسية بكافة تياراتها وتشعباتها (مدخل بناء الدولة القومية‪،‬‬
‫ومدخل معضلة الخيارات ومسألة التحديث والستقرار السياسي ومدخل قوة وضعف الدولة)‬
‫تؤكد جميعها ‪ ,‬و برغم الملحظات عليها ‪ ,‬ان قدرة النظام السياسي لي دولة على‬
‫الستمرار والبقاء والرتقاء بالمجتمع ومقدرا ته ‪ ،‬تقوم على قدرة ذلك النظام والدولة على‬
‫التكيّف مع التحديات الداخلية والخارجية وضروراتها ‪ .‬كل ذلك مرهون بمرحلة من المراحل‬
‫بقدرة ورغبة النخب الحاكمة على المضي في ذلك التجاه وليس الوقوف عند فكرة اللحظة‬
‫التاريخية لتولد ذلك النظام باعتبار أنها وصياغاتها فكرة خالدة أو يجب إن تستمر كذلك ‪.‬‬

‫ان إدارة البلد وعلى الطريقة التقليدية حتى وان استندت إلى تكنوقراطية و‬
‫بيروقراطية تبدو حديثة‪ -‬لم تعد تتناسب والتغيرات المجتمعية المحلية وكذلك المعطيات‬
‫الدولية والقليمية المحيطة ‪ .‬كانت تلك الدارة مناسبة لربما لفترة ما قبل نهاية الثمانينيات‬
‫من القرن الماضي أما ومنذ العقد الخير للقرن الماضي وبدرجة اكبر منذ دخولنا اللفية‬
‫الثالثة فان تلك الدارة ليست فقط غير مناسبة بل ان استمرارها يشكل عبئا وتكلفة باهظة‬
‫ليس على القائمين عليها فقط وإنما على البلد دولة ومجتمع ‪ .‬ورغم ما يقال عن ديموقراطية‬
‫الصحراء لتلك الدارة ومجالسها فان تلك لم تعد تمثل الطار المناسب و كذلك فان مرتادوها‬
‫هم في الغالب من كبار السن وليس من الجيال الجديدة والذين قد ل يجدون فيها الخلص ‪.‬‬
‫ورغم الجانب النساني في تلك المجالس بان يقابل أعلى قيادي في البلد مواطنيه (وبعض‬
‫منهم بشكل دوري كما هي الحال مع سمو ولي العهد المير عبد ال) فان المر ل يخلو من‬
‫آثار سلبية في الوقت ذاته ‪ ،‬ذلك أن عدد من الذين يرتادون تلك المجالس غالبا هم من كبار‬
‫السن والشيوخ والذين يأتون من أماكن بعيدة للبحث عن حلول لمشاكلهم والتي لو وجدت‬
‫الليات والجراءات والمؤسسات المركزية والمحلية ذات الصلحيات والطر القانونية‪ ،‬لما‬
‫كان لهذه المعاناة ان تحدث وتستمر ‪ .‬أضف إلى ذلك حقيقة بشرية و هي عدم إمكانية و‬
‫قدرة ان تستطيع القيادة ‪ ,‬أي قيادة مهما أوتيت من قدرات و رغبات في ذلك التجاه (رغم‬
‫احتمال وجود مستوى عال من الرغبة في ذلك)ان تحل مشاكل أفراد المجتمع وفئاته بهذه‬
‫الطريقة والتي أيضا ‪ ,‬إن وجدت ‪ ,‬قد تبقى أسيرة للحاجب والوسيط والذي يتحكم بمن‬
‫يدخل ومن ل يدخل ثم بعد ذلك للشارح والمنفذ والمتابع وكلها حلقات يصعب التحكم بكفاءاتها‬
‫وبالتالي إضعاف تلك الخير عموما لدرجة أنها تولد نقيضها من حيث عدم قدرتها على‬
‫الستجابة لتلك الحاجة الجتماعية العامة و بالتالي تصبح فعليا غير ملئمة ‪.‬‬

‫ولحل الزمة الداخلية في السعودية ‪ -‬و لربما في البلدان العربية الخرى المماثلة‬
‫قياسا ‪ -‬وبما هي علقة بين الدولة والمجتمع فان المخرج هو بديل الصلح والذي يتطلب‬
‫التفهم و إمعان النظر فيه من قبل المعنيين ببقاء الدولة والمجتمع على حد سواء ‪ .‬وحيث ان‬
‫بديل الصلح يتطلب إصلح بنية الدولة وإعادة صياغة العلقة بين الدولة والمجتمع على‬
‫أساس تكيّف قدرات النظام في المجال السياسي والقتصادي والجتماعي ‪ ،‬فان الليات بحاجه‬
‫إلى تحديد الخطوط العامة للصلحات المطلوبة في تلك المجالت ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :1-3-‬في المجال السياسي‬

‫يجب النطلق من فكرة جوهرية وهي النطلق من المواطن نفسه و إعادة العتبار‬
‫أليه و الثقة فيه بحيث يكون الساس و الجوهر هو إشراك المواطن في الحكم بمعنى إدخال‬
‫المواطن آلي دائرة الحكم وصناعة القرار بدل من يكون خارجها كما هو حاليا‪ .‬تلك تقتضي‬
‫معالجة مسالة المشاركة السياسية وهذا يتطلب إيجاد صياغة حقيقية لفصل السلطات‬
‫(التشريعية‪،‬والتنفيذية‪،‬والقضائية) منطلقة من قيام نظام دولة ملكية دستورية بحكومة رئاسية‬
‫وهذا يعني وبما يضمن بقاء و استمرار الملك على قمة هرم الدولة وهو ما يعني أو لربما‬
‫التأكيد على بقاء السرة السعودية باعتبارها القوة العلى في هرم قيادة وإدارة هذه الدولة ‪.‬‬
‫وهذا يعني أو لربما إمكانية كون الملك ستكون له سلطات سياسية أصيلة واضحة تعطيه‬
‫الحق الدستوري عن طريق"الرادة الملكية"في تكليف تشكيل الحكومة أو إقالتها إذا لم‬
‫تنسجم مع السلطة التشريعية والقيام بمهامها "أي برنامجها الحكومي" بحيث تكون الحكومة‬
‫أصل مسؤولة أمام السلطة التشريعية بحيث يمكن للخيرة من التصويت على الحكومة بالثقة‬
‫من عدمها وبمحاسبة الوزراء وكذلك المساّءلة القانونية ومناقشة الميزانية والمصادقة عليها‬
‫أو رفضها ‪ .‬وأما من يكون الملك وهو رئيس هذه الدولة فهذا أمر يترك " للسرة السعودية "‬
‫وقد يكون من المناسب ان يقوم" مجلس السرة " ‪ -‬والذي يفترض ان يتشكل بّالية ترضى‬
‫الغلبية منها أو أنها تتوافق عليها‪ -‬بعملية اختيار الملك‪ .‬وتلك العناصر السابقة واللحقة‬
‫يجب ان ينص عليها دستور محدد النصوص وبموافقة شعبية عليه"استفتاء شعبي " ثم‬
‫يربط ذلك الدستور للمراجعة سواء بالتعديل أو الضافة أو الحذف فيه بالسلطة التشريعية‬
‫باعتبارها صاحبة الصلحية في تلك المور ‪.‬‬

‫وتلك السلطة التشريعية والتي تأتى عن طريق آلية النتخابات هي المؤسسة التي يتم‬
‫من خللها إشراك المواطن في الحكم وصناعة القرار ‪ .‬والسلطة التشريعية تلك يمكن ان‬
‫تتكون من مجلسين بحيث يمكن إدخال القوى الجتماعية الجديدة والشعبية وكذلك إيجاد‬
‫التوازن مع القوى الجتماعية التقليدية والعيان والمشايخ وبعض القليات والعلماء ‪ .‬ولتمام‬
‫تلك العملية فان مجلس الشورى الحالي يتطلب التطوير إلي سلطة تشريعية أصيلة وتحويلة‬
‫إلي مجلسين ؛ ‪ ،‬مجلس شورى منتخب للشعب و آخر للعيان ‪ .‬ويمكن للخير أن يتم‬
‫اختيار أعضاءه بالتعيين بحيث يضمن دخول تلك القوى التقليدية ومن في حكمها من اجل‬
‫الموازنة وكذلك للحاطة بالمسألة الجتماعية ‪.‬‬

‫وفي سياق تطوير مجلس شورى منتخب لربما هناك من يثير مسالة التخوف أو‬
‫التخويف من البعاد القبلية والطائفية وكذلك الشارة آلي عدم وعي الشعب في تلك التجاهات‬
‫‪ .‬وتلك حجة ليست قوية إذ أن بعض البلدان العربية (لبنان – الردن‪ -‬الكويت‪ -‬اليمن‪)-‬‬
‫وكذلك الفريقية وحتى في الهند ومناطق أخرى أتاحت المجال للنتخابات رغم التنوع القبلي‬
‫أو الطائفي والعرقي ولم تتعطل العملية السياسية ‪ .‬فوق هذا ‪ ،‬فإننا نزعم أن القبيلة ‪,‬‬
‫كمؤسسة ناضمة مهيمنة على و محركة لمن ينتمون أليها ‪ ,‬في السعودية قد ضعفت‬
‫وضعفت بدرجة كبيرة ‪ .‬وهذه الوضعية تنسحب على كافة القبائل في السعودية وان كانت‬
‫بنسب متفاوتة إذ هي بالشمال اضعف منها في الجنوب والوسطى‪ .‬و بغض النظر عن‬
‫الفوارق تلك و أسبابها (ولعل هذه النقطة الخيرة بما هي ظاهرة تحتاج إلى إعمال النظر و‬
‫الدراسة المعمقة لها ) فان فاعلية القبيلة في السعودية لم تعد واضحة إل في مسالة‬
‫النتساب الجتماعي وحل بعض المشاكل مثل الديات وتلك الخيرة ليست أساسا مسالة سلبية‬
‫بل إنها قد تكون إضافة في إطار بعض التكوينات للمجتمع الهلي ‪.‬‬

‫ومهما يكن من أمر فان فاعلية القبيلة من حيث حركتها السياسية ومدى تحكم شيخها‬
‫في تلك الحركة لم تعد محسوسة تماما ‪ .‬كذلك فان القبيلة من حيث هي بنية ذات نظام سياسي‬
‫واجتماعي وقانوني "عرف" و ديناميكية في إطار الحمى "القليم" والغزو باعتبار الخير أحد‬
‫وسائل الحياة والعيش لم تعد قائمة أبدا ذلك أن الدولة أصبحت ليست فقط المنافسة بل‬
‫المهيمنة خاصة وان الخيرة هي المتحكمة بالموارد بكافة عناصرها ‪ .‬إضافة آلي ذلك فان‬
‫النتخابات ومسالة البعد الجتماعي منها إنما تحتاج إلى مزيد من الولوج باعتبار أن تلك‬
‫تجربة تحتاج آلي المساهمة في إنضاجها ‪ .‬ان ذلك يتطلب البدء فيها وليس النتظار لنه‬
‫ليس هناك نقطة نهائية للقول بالوصول عندها ‪ .‬أضف آلي ذلك كله أن تلك المخاوف يمكن‬
‫تحييدها عن طريق أليه إيجاد المجلسين لكي تعطى الفرص المتوازنة لتلك القوى التقليدية‬
‫مع القوى الخرى وذلك من خلل مجلس "شورى" العيان وعن طريق التعيين لنسبة ما من‬
‫أعضاءه أن كان ذلك ضروريا و خاصة في المراحل الولى من العملية السياسية بصيغتها‬
‫الصلحية ‪ .‬إضافة آلي ذلك كله فان هناك من يرى وبناء على ملحظة التجارب العالمية‬
‫تاريخيا وحاضرا بان التركيب القبلي أو الطائفي لم يكن عائقا تجاه التحول آلي المشاركة‬
‫السياسية النتخابية ذلك أن التوازنات القبلية بحد ذاتها و هي في سياق الندية والمساواة‬
‫ستعمل على موازنة بعضها البعض وبالتالي قد تكون دعامة قوية ضد الطغيان والستبداد‬
‫ذاته (‪. )37‬‬

‫إضافة آلي السلطة التشريعية بشقيها (شورى الشعب والخر للعيان) فان الحكومة‬
‫(السلطة التنفيذية ) يجب أن تشكل دائما بناء على اتجاهات النتخابات في السلطة التشريعية‬
‫ويكلف الملك الشخصية سواء أحد المراء أو أحد أبناء الشعب ويفضل الخير وذلك بما يعفي‬
‫السرة من مسؤوليات وتبعات إخفاق الحكومة وأدائها التي تشكل الحكومة من المجموعات أو‬
‫القوى أو الكتل الكثر وزنا (عدد المقاعد ) داخل السلطة التشريعية لمجلس الشورى المنتخب‬
‫‪ .‬ويغض النظر عن من يرأس الحكومة فان تشكيل الحكومة يجب أن يربط ببرنامج محدد‬
‫ومسؤولية قانونية أمام مجلس شورى الشعب و العيان بحيث يمكن التصويت على الحكومة‬
‫وبرنامجها بالثقة أو سحبها ومساءلة الوزراء ومحاسبتهم وكذلك مناقشة الميزانية والموافقة‬
‫عليها أو رفضها‪ .‬وفي حالة تشكيل أي حكومة سواء في أعقاب النتخابات التشريعية أو في‬
‫حالة إحلل حكومة بدل أخرى نتيجة التصويت والخيرة يجب أن تقدم استقالتها أمام الملك‬
‫فان ذلك يستند آلي صدور إرادة ملكية وبخطوط عامة للبرنامج الحكومي والذي يتحدد لحقا‬
‫بشكل تفصيلي لقراره من السلطة التشريعية ‪ .‬ويمكن التأكيد على أن يحتل بعض المناصب‬
‫الوزارية عدد من أفراد السرة السعودية وخاصة بعض الوزارات السيادية ( مثل الداخلية‬
‫والدفاع والخارجية ) وعلى نحو متعارف عليه والى فترة تشعر فيها السرة بنوع من‬
‫الطمئنان بان الصلح ل يستهدف القصاء وإنما يستهدف التطوير وتمتين العلقة بين الدولة‬
‫والمجتمع بحيث يكون الخير جزء ومركب أساسي من أساسيات النطاق السياسي واتخاذ‬
‫القرارات ومصدر مشروعيتها ‪ .‬وفي حالة التوجه آلي هذا البديل الصلحي فانه على‬
‫مستوى برنامج الحكومة‪ ،‬فان مكافحة الفساد بكافة أشكاله وتجليا ته ‪ --,‬باعتبار أن‬
‫الفساد أصبح سرطانا يشمل الجميع ول يستثني أحدا تقريبا وخاصة في البعاد المالية‬
‫والدارية والمحسوبية وكذلك التأكيد على تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة ‪--‬‬
‫‪ ,‬يجب أن تحظى بأولوية قصوى لي حكومة بهذا التجاه ‪.‬‬

‫ارتباطا ببديل الصلح في بعدة السياسي والذي يرتكز على فكرة قيام نظام ملكي‬
‫دستوري رئاسي وهو ما يعني تنمية سياسية مطلوبة للتكيّف مع التحديات الخارجية والداخلية‬
‫فان قيام نظام وسلطة قضائية مستقلة يعتبر من مكونات ذلك البديل وأركانه الساسية ‪.‬‬
‫إن هذا يعني فيما يعنيه قيام وإيجاد نظام قانوني دستوري يحدد تلك السلطات‬
‫والختصاصات وعلقاتها وبما يؤكد على سيادة القانون والذي يتمحور حول النسان وكرامته‬
‫وحقوق الفراد وحرياتهم الساسية في مقابل الواجبات الملقاة عليهم ‪ .‬ولكي يصار آلي هذا‬
‫النظام القضائي فيمكن الدمج بين المصادر التشريعية السلمية باعتبارها المصادر الساسية‬
‫ولها الولوية وبين المصادر القانونية النسانية و تلك الخيرة أصبحت ضرورات الحياة‬
‫تحتاجها ول تقوم بدونها ول تتعارض بالمطلق مع الولى ‪.‬‬

‫وفي سياق تلك المسالة وتحقيقها فان هناك حاجة ماسة آلي إعادة هيكلية وتأهيل‬
‫الطاقم القضائي كامل بحيث يجمع بين متطلبات الشريعة وضرورات القوانين العالمية وان‬
‫يكون لدى القاضي إلمام قانوني فقهي إسلمي وعالمي مقارن ‪ .‬وفي هذا السياق يؤكد على‬
‫مساهمة كافة العلماء والمشايخ من كافة المدارس والمذاهب السلمية في تلك المؤسسات‬
‫القضائية وبما يعني النفتاح على المذاهب الفقهية الخرى وان ل يكون حكرا على فئة أو‬
‫مدرسة فقهية بعينه ‪.‬‬

‫وينطبق هذا على التوجه بالنفتاح الديني على كافة التجاهات العامة بحيث يمكن‬
‫للمواطنين من مختلف المدارس والمذاهب الفقهية المساهمة في المسالة الدينية وشعائرها بما‬
‫في ذلك مهام الدعوة والرشاد وكذلك المر بالمعروف والنهي عن المنكر وكذلك في إمامة‬
‫الصلوات و خاصة في قائمة أئمة وخطباء المساجد وبالذات الجمع ‪ .‬إن تلك الصلحات‬
‫القضائية و الدينية ذات الصلة في سياق بديل الصلح وخاصة وجود نظام قضائي دستوري‬
‫متطور ومنفتح هو أيضا أصبح من متطلبات التوجهات العالمية وخاصة فيما يتعلق بتسهيل‬
‫انضمام المملكة آلي منظمة التجارة العالمية والتي تشترط أساسا حدوث إصلحات جوهرية‬
‫في تلك البعاد وبما يضمن الحقوق والممتلكات للمستثمرين ويسهل من مهمتهم ‪ ،‬قبل قبول‬
‫النضمام ‪.‬‬

‫ثالثا‪ :2-3-‬في المجال القتصادي‬

‫ورغم أن هذا مرهون بعمل الحكومة وبرنامجها الحكومي لفترة عملها فان التأكيد هنا‬
‫يكون على التشديد على مسالة التعامل مع قضية التنمية القتصادية وأبعادها كافة بما يحقق‬
‫العدالة الجتماعية والرفاهية والتقدم والكرامة للجميع أفرادا وجماعات ومناطق وهذا يتطلب‬
‫أن تعاد صياغة أولويات التنمية والخدمات المتصلة بها(تعليميا‪-‬اجتماعيا‪-‬صحيا‪-‬مائيا‪-‬‬
‫زراعيا‪..........‬الخ) بحيث يكون هناك توزيع عادل ومتوازن للموارد وان تتاح الفرصة‬
‫الكاملة والمتساوية لبناء البلد ومناطقها للحصول على تلك الخدمات والحاجات من خلل ؛‬
‫أول‪ ،‬توزيعها على المناطق وليس حصرها في مناطق أو مدن منها بعينها والذي يعني ‪ ,‬في‬
‫حالة استمرار انحرافها كما هي عليه ألن ‪ ,‬هو مزيد من التشوهات القتصادية والجتماعية‬
‫وبما يزيد من الهجرات من مدن ومناطق بعينها وبما يراكم مشاكل ومتطلبات ل تستطيع معها‬
‫تلك المدن أصل ول أجهزتها سواء خدماتية أو أمنية على السيطرة عليها ‪.‬وثانيا إشراك‬
‫المواطن على مستوى الدولة المركزية و على مستوى المناطق والمحافظات والمراكز بعملية‬
‫صياغة السياسات التنموية ومخرجاتها وتقويمها ‪ .‬وفي هذا السياق فان وجود لمركزية في‬
‫مسائل المالية والصلحيات في اتخاذ القرارات على مستوى المناطق قد يكون هو الخيار‬
‫الفضل مع توفير قدر كاف من الموارد المالية للمناطق حسب احتياجاتها التنموية حتى تصل‬
‫آلي درجة معقولة من التوازن مع المناطق الخرى ثم تصبح المسالة لحقا حسب الحتياجات‬
‫النسبية لكل منطقة ‪.‬‬
‫إن الختللت التنموية بين المناطق وخاصة التدني في مستوياتها في المناطق‬
‫الجنوبية والشمالية هو الذي يفسر آلي حد ما نزوع بعض الفراد والجماعات من تلك‬
‫المناطق آلي العنف أو تجاوز الدولة وهذا الربط بدأت تلحظه حتى المصادر الغربية ‪ .‬ورغم‬
‫ان الدولة وقياداتها وخاصة بتوجيهات المير عبداللة تحاول منذ أكثر من سنتين توجيه‬
‫الهتمام آلي تلك المناطق وبالذات الجنوبية على اثر انتشار حمى الوادي المتصدع (‪, )38‬‬
‫وبدرجة اقل الشمالية ‪ ،‬فان المور لزالت تسير ببطء ‪ .‬إن حالة نزوع الفراد آلي العنف‬
‫نتيجة الفقر والفقار والختللت القتصادية ل يجب أن ينظر أليها في بعد التظلم الفردي‬
‫للفقر والفقاروتلك حالة وان كانت عامة (‪ ,)39‬إل أنها وفي سياق الربط بالتظلم الجماعي أو‬
‫المناطقي –قد تكون هي المحرك لذلك النزوع العنفي حتى وان كان بعض الفراد المنخرطين‬
‫فيه من موسري الحال ‪ .‬وفي سياق المعالجة القتصادية فان معالجة البطالة والتوظيف‬
‫والديون وتطوير إدارة موارد الدولة يجب أن تحظى بأولوية قصوى لحكومة الصلح ‪.‬‬

‫ثالثا‪ : 3-3-‬في المجال الجتماعي ‪:‬‬

‫وفي المجال الجتماعي هناك حاجة ماسة لتطوير قوى ومكونات المجتمع الهلي في‬
‫كافة الفضاءات والشغالت الجتماعية وان لتربط بتشكيلت رسمية أو قيود وبما يعني‬
‫ويضمن إنهاء الوصاية الفوقية على تلك التكوينات (الجمعيات) الجتماعية بحيث يمكنها القيام‬
‫بمهام واد وار أصبحت الحاجة أليها في هذا العصر وفي سياق تقديم خدماتها في كافة‬
‫المجالت التنموية المعنوية والمادية لكثير من الفراد والمجموعات –ضرورة من ضرورات‬
‫الحياة والعيش المشترك خاصة مع تراجع قدرات الدولة في تقديم تلك الخدمات ومع تزايد‬
‫الدوار والمهام للقطاعات الخاصة الهلية في كافة الدول وبما يتماشى واتجاهات العولمة‬
‫وتحدياتها ‪ .‬إن ذلك التطوير والتفعيل لمكونات المجتمع الهلي في كافة الفضاءات والشغالت‬
‫الجتماعية يعني فيما يعنيه وبدرجة جوهرية تفعيل جمعيات أهلية مستقلة للنسان في مجال‬
‫الحقوق والحريات وكذلك البيئة والصحة والستهلك آلي جانب وجود جمعيات رسمية أو‬
‫حكومية ‪.‬إن إعلن الحكومة السعودية منذ أكثر من سنتين عن تشكيل جمعيات حقوق‬
‫إنسان أهلية ورسمية خطوة في الطريق الصحيح والتي يجب أن يؤكد عليها مرة أخرى ولكن‬
‫بشكل يتطلب فكرة اكتساب المشروعية الهلية والقانونية وذلك بان يشرع لها ‪ ,‬من قبل "‬
‫السلطة التشريعية " المتكونة في سياق بديل الصلح ‪ ,‬وبما يحدد مهامها أو ضوابط عملها‬
‫انطلقا من صدور "تشريع" أو قانون لتلك الجمعيات وقوى المجتمع الهلي ‪ .‬وفي سياق‬
‫الصلح الجتماعي‪ ,‬يجب التأكيد على مراجعة جدية و حقيقية ل وضاع و أدوار المرأة‬
‫في العملية التنموية بكافة أبعادها وكذلك في البعاد الخرى ذات الصلة من العملية‬
‫الصلحية‬

‫ثالثا‪ : 4-3-‬في المجال التعليمي‬


‫والثقافي والعلمي‬

‫إضافة آلي ما تقدم من عناصر " بديل إعلن " فان على الحكومة وبرنامجها‬
‫الحكومي ‪ ،‬إعادة هيكلة التعليم والنفتاح على التعليم الحديث ووسائطه وتقنياته والطر‬
‫الفكرية من السلمية آلي العالمية ذات الوجوه النسانية مع التأكيد على الهوية العربية‬
‫السلمية في هذا التوجه‪ .‬وفي سبيل المضي قدما في تحقيق هذا التوجه ‪ ،‬فان المر أيضا‬
‫يتطلب ويحتاج آلي إعادة تأهيل شبه شامل لكافة الكوادر التعليمية وخاصة في مستويات‬
‫التعليم مادون الجامعي وحتى البتدائي بحيث تكون الكفاءة واللتزام بأخلقيات العمل والعلم‬
‫هي الساس للعمل في المجال التعليمي والتربوي ‪ .‬إن على الحكومة في سياق برنامجها‬
‫الحكومي المتصل بالعملية الصلحية التربوية العمل على تفعيل كافة القطاعات النتاجية‬
‫بما يتوافق مع ان تكون الدورة التعليمية ذات مخرجات متنوعة وعصرية تدخل في كافة‬
‫العمليات النتاجية و ليس كما هي ألن دورة مقفلة يعاد إنتاجها لمتصاص بعض من‬
‫البطالة و التي تدور في حلقة مفرغة بتركيزها على استيعاب مخرجات الدورة التعليمية في‬
‫القطاع التعليمي نفسه ( العمل كمدرسين أو مدرسات ) أو في الوظائف الحكومية و التي‬
‫يبدو أنها تجاوزت درجة التشبع آلي التخمة المفرطة و التي وصلت آلي عدم القدرة على‬
‫المضي في تلك العملية الستيعابية و التي ستنعكس سلبا بإعادة إنتاج البطالة مرة أخرى ‪.‬‬
‫طبعا هناك مخرجات متنوعة بعض الشيء في الدورة التعليمية في حلقاتها العليا ‪ ,‬و لكن‬
‫يلحظ انه و باستثناء بعض من التخصصات ‪ ,‬خاصة العلوم الطبية ‪ ,‬فان معظم الخريجين و‬
‫الخريجات من كافة التخصصات من الجامعات يبحثون عن عمل في القطاع التعليمي‬
‫( التدريس ) أو في الجهزة الحكومية ‪ .‬إضافة آلي ذلك هناك حاجة ماسة للتوسع في‬
‫القطاع التعليمي الجامعي و التطبيقي الرسمي و الصلح مع التأكيد على رفع القيود على‬
‫مثل تلك التوجهات و التركيز بدرجة اكبر على المناطق الخرى والتي لزالت تعاني من‬
‫نقص في المجال التعليمي و خاصة الجامعي منه ‪.‬‬

‫ولعل الخطوة الخيرة ( المر الملكي في ‪2002-3-24‬م ) التي أقدمت عليها القيادة‬
‫السعودية بدمج الرئاسة العامة لتعليم البنات بوزارة المعارف خطوة تمثل محاولة للتعامل‬
‫مع معضلة التعليم و إعادة هيكلته في سياق النفصام الذي كان قائما بين المؤسسات‬
‫التعليمية للبنين و للبنات و ما يتصل بالزدواجية غير المبررة في المجالت الدارية و‬
‫المالية و المنهجية ‪ .‬ان كانت تلك الخطوة تستهدف إعادة هيكلة التعليم بحيث يحقق قدرا‬
‫عاليا من تمتين مستويات التعليم وجودة عالية ل دارة الموارد في تلك المجالت ‪ ,‬فان‬
‫ذلك يعتبر خطوة في الطريق الصحيح لكنها تحتاج إلى التعزيز في السياقات التعليمية‬
‫الصلحية الخرى ‪ .‬و ان كانت تلك الخطوة تستهدف التمهيد لتعديلت في المنهجيات‬
‫للتعامل مع الضغوط الخارجية الغربية و المريكية تحديدا فان ذلك ل يبدو ينظر إلى إعادة‬
‫لمعالجة الزمة الداخلية ‪.‬‬ ‫هيكلة التعليم باعتبارها أحد متطلبات بديل الصلح‬

‫وفي السياق الثقافي العام فيجب أن يكون هناك انفتاح ومكاشفة وشفافية مع‬
‫النخب الفكرية والمثقفة والمتعلمة في البلد بحيث تكون الخيرة قادرة على المساهمة في بناء‬
‫الدولة والمجتمع والمة وان تتجاوز القيود المفروضة عليها في سبيل تلك المساهمات سواء‬
‫على مستوى الداخل أم الخارج وفية وفي درجة هامة النطاق العربي ‪ .‬وفي سياق المسالة‬
‫الثقافية ومساهمة المثقفين فانه من المثير للملحظة ان هناك شبة انعدام للمؤتمرات‬
‫والندوات عن القضايا الملحة داخليا (‪ .)40‬وإذا وجدت فإنها وفي سياقها الرسمي ‪ ,‬غالبا ما‬
‫تفتقر آلي الهامش المطلوب للرأي الخر ‪ .‬وأما بالنسبة لمشاركات المثقفين والمفكرين في‬
‫النشاطات الخارجية وخاصة في المنطقة العربية فإنها تخضع لقيود صارمة وتتطلب الحصول‬
‫على موافقات رسمية والتي غالبا ما تتأخر أو تأتي بالرفض ‪ .‬ولعلة من المفارقات العجيبة أن‬
‫هذا البلد يحتضن طاقات وكوادر متعلمة مثقفة لربما قل نظيرها في كثير من البلدان العربية‬
‫وذلك في كافة التخصصات ولكنها ولعدم قيامها بمهامها وتعطيل فاعلتها أدى بها آلي غيابها‬
‫بل آلي تراجع في إمكاناتها ومخزونها المعرفي والثقافي مع مرور الوقت ‪ .‬ولعلة من المثير‬
‫للملحظة وغريب المور أن تجد عناصر في البلد ممن يشيرون آلي مواقف المثقفين‬
‫والمفكرين الخرين وهم عادة من العرب اوالجانب باعتبارها مواقف سلبية تجاه السعودية‬
‫وان تلك المواقف تمثل نوع من الحسد أو الحقد ‪...‬الخ ‪ .‬ان تلك المسالة وان صحت جزئيا‬
‫ليست صحيحة على الجملة وان ما فيها من صحة مردها ‪ ،‬أيضا ‪ ،‬عدم إتاحة الفرصة‬
‫للمثقفين من البلد للقيام بمسؤولياتهم من حيث المساهمة والمشاركة والحوار مع أولئك‬
‫المثقفين وبالتالي تبديد الصورة النمطية عن النسان والدولة والمجتمع في السعودية ان‬
‫وجدت ‪.‬‬

‫وفي الجانب الثقافي العلمي ‪ ،‬فيجب ان تكون هناك مكاشفة وشفافية تجاه الرأي‬
‫العام وبالتالي انفتاح الصحافة وتوسيع ان لم يكن إطلق هامش الحرية لديها بحيث تتسع‬
‫للرأي والرأي الخر وان تكون أحد وسائل وأدوات أطر إتاحة المعلومات وطرح ومناقشة‬
‫القضايا الملحة محليا وعربيا ودوليا في كافة المجالت ‪ ،‬خاصة وان المر لم يعد يحتمل في‬
‫ضوء وجود بدائل وقنوات ومساحات وساحات للمناقشات والحوار وتبادل المعلومات‬
‫وإيصالها للمواطنين من العلم العالمي والقليمي والعربي ووسائل التصال الحديث المتصل‬
‫بشبكة المعلومات العالمية النترنت وفضائياتها غير المحدودة وكذلك القنوات الفضائية ‪...‬الخ‬
‫‪.‬‬

‫إن إلقاء نظرة على العلم المحلي سواء المرئي أو المكتوب وخاصة واقع الصحافة‬
‫السعودية يبين أنها تعيد إنتاج نفسها في كل منطقة بحيث انك لتحد من الفوارق إل ما تعلق‬
‫بمحليات المناطق تحديدا ‪ ،‬أما الخطوط العامة السياسية والقتصادية والجتماعية والثقافية‬
‫والمتصلة بالشان العام المحلي فان قراءة صحيفة واحدة تكفيك عناء الطلع على البقية‪.‬‬

‫ولعل الكثر وضوحا في كل ذلك هو انعدام الرأي الخر انعداما يكاد يكون كامل –‬
‫رغم وجود أقلم ومواهب وكوادر تمتلك مقومات التحليل والنقد والتقويم والتعامل مع الفكار‬
‫الجديدة والمستجدة – وذلك بسبب من معوقات العمل وخاصة انعدام أو الضيق الشديد لهامش‬
‫الحريات ‪ .‬ان ذلك يؤدي آلي حجب أو تغييب تلك المكانات والعناصر الثقافية والمعرفية‬
‫وأصحابها ويضطر بعض منها آلي النفاق السياسي والرؤية الحاديه شديدة – النغلق‬
‫وبالتالي يفسح المجال فقط و فقط لؤلئك من الكتاب والذين ل يرون غضاضة في التماهي‬
‫مع تلك التوجهات والمساهمة في استدامتها على نحو قد يساهم جهلً أو عمدا في تواصل‬
‫إمكانية بروز مشهد النهيار‪.‬‬

‫ان الرأي الخر سواء على مستوى الثقافة والمثقفين والمفكرين في نطاق الندوات‬
‫والمؤتمرات والمساهمة فيها أم على مستوى العلم المقروء والمكتوب وفي المسموع يجب‬
‫ان يعطي الفرصة والضمانات المشروعة بأن يؤدي دوره منظور أليه ليس على انه هدام أو‬
‫معارضه هدامة كما هو شائع في عقول من هم ينتسبون آلي الحقول والقوالب والحقب‬
‫الماضية ‪ ,‬وإنما يجب إن ينظر أليه على انه رأي مختلف يقدم قراءة مختلفة ولربما يشكل‬
‫على هذا النحو ‪ ,‬وحسب مقولة وليم زارتمان دعامة للحكم(‪ )41‬أكثر من أولئك الذين ل‬
‫يستطيعون إل إن يقدموا القالب والرؤية أل حادية و والواحدة والتي تتماشى مع ما يعتقدون‬
‫انه الخط العام المقبول ‪ .‬ان الختلف في الراي والنقد هو الذي يبين السلبيات ويطرح‬
‫والخيارات ؛ واما الرأي الواحد المماشي (الذي ل يستطيع طرح مناقشة إل قضايا ومشاكل‬
‫الخارج بما فيها مشاكل البلدان العربية من حيث حقوق النسان ومشاكل القليات والستبداد‬
‫السياسي والخفاق والقتصادي ‪ ,‬ولكنه ليريد أو ليقدر أن يتعامل مع تلك القضايا على‬
‫مستوى الداخل ) ‪ ,‬فانه وان كان يرى بأم عينيه المخاطر والحفر والمزالق فانه إما‬
‫ليستطيع أو ليريد إن يقول ذلك ‪,‬انه دائما راكبا للسفينه العمومية وزاعما الولء لها‬
‫محرضا على استعداء الرأي الخر على طريقه كسب مزيد من الود والترقي ‪.‬‬

‫لعل من المثير للملحظة والستغراب أن آلرأي لخر في مستواه القصي محارب كما‬
‫تمثلها بشكل صارخ حالة ما تعرض له مؤخرا الشاعر عبدالمحسن المسلم من مساّءلة‬
‫واعتقال في السجن بسبب قصيدة " المفسدون في أل رض " و التي ينتقد فيها بعض القضاة‬
‫و نشرها في صحيفة " المدينة " في ‪2002-3-10‬م ‪ ,‬و كذلك اقالة رئيس تحريرالصحيفة‬
‫نفسها ( محمد مختار الفال ) بسبب نشرة لتك القصيدة( ‪ .)42‬أن تلك المعالجات القاسية‬
‫للرأي أل خر ‪ ,‬و هي ليست حالت معزولة على اية حال ‪ ,‬تعيد دوامة السياسات المنية و‬
‫التي ل تزيد المور إل تعقيدا ‪ ,‬بل انها تساهم بانتاج دوامة التطرف و تزيد من اتساع‬
‫دائرة المعترضين على الدولة و سياساتها و بما ينعكس سلبا على علقة الدولة بالمجتمع و‬
‫يفاقم من ازمتها بدل من حلها ‪ .‬ان مثل تلك الحادثة و مثيلتها و التي ل تبدو معزولة و‬
‫محدودة ‪ ,‬تثير الستغراب حقا ‪ ,‬ذلك ان هناك عناصر في اجهزة الدولة تساهم بجهل أم‬
‫بوعي في خلق أل عداء للدولة و تلك مفارقة يجب ان يعاد النظر فيها لنها ل تزيد‬
‫الزمة الداخلية إل تفاقما ‪.‬‬

‫و لعل أل كثر غرابة و اثارة للملحظة في سياق التعامل مع الرأي أل خر أنه‬


‫ليس فقط محارب و مغيب بل و إنما فوق هذا و ذاك منكر عليه صمته و ابتعاده عن‬
‫الساحة العلمية والثقافية في إطار قياساتها وقوالبها وحدودها القائمة ‪ ،‬وقد يصل المر إلى‬
‫ابعد من ذلك بان يثار صراحة أو تلميحا إلى فكرة تخوين أولئك الصامتين وإثارة الشكوك‬
‫حول وطنيتهم ‪ .‬ان تلك الحالة والوضعية الثقافية سواء على مستوى الثقافة العامة أم على‬
‫مستوى أل علم وبما هي وضعية متدنية أو مفقرة وشديدة الضيق بالرأى أل خر عكست هي‬
‫الخرى جانب من ازمة الدولة والمجتمع في السعودية على محور الثقافة والمثقفين ‪.‬‬

‫و مع تلك الزمة الثقافية بانسداد أل فق الثقافي أمام المثقفين والمفكرين – ( إذ ل‬


‫ندوات ولمناقشات ولحوارات وقليل جدا من معارض الكتب والفعاليات الثقافية حتى في‬
‫الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والتي وصلت آلي حالة يمكن توصيفها بانها تمثل‬
‫مدارس ثانوية كبيرة لاكثر ول اقل) ‪ -‬فقد افضى ذلك كله إلى أن ترى أعدادا متزايدة من‬
‫المثقفين والمفكرين من السعودية يطرقون الساحات العربية ( بيروت والقاهرة والبحرين ‪،‬‬
‫ودبي والدار البيضاء ) بحثا عن الفكرة والكتاب ومعارضها وندواتها والكتابة في وسائلها‬
‫والثقافية والعلمية وحتى العيش فيها لما تتيحة بعض منها من بيئة اجتماعية وثقافية‬
‫وسياسية ذات هوامش للحريات أو سع وار حب من تلك البيئة التي ترعرعوا فيها والتي‬
‫بدأوا يشعرون بالغتراب معها ‪ .‬و مع تلك البئية الطاردة ‪ ,‬فانك أمام موسم دائم "لهجرة‬
‫الطيب صالح للشمال " ‪ ,‬ونضيف عليها بعض من حلقاتها الجديدة الخليجية والمغربية ‪.‬‬

‫وحتى تلك الهجرة و طرق ساحاتها الثقافبة العربية محفوفة ببعض المخاطر اذ‬
‫لتخلو من توترات ازمة الدولة والمجتمع في سياقها الثقافي ‪ ،‬ذلك ان أعدادا من المثقفين‬
‫يتعرضون بين الحين والخر لمضايقات لتخلو من غرابة ومفارقة في نفس الوقت ‪ .‬فاما‬
‫الغرابة فيها فان من يمارسها هم عناصر واطر لعلقة لهم بالثقافة ولربما يتجاوزون بها‬
‫حتى النظمة واطرها واصحاب الشأن بها ؛ واما المفارقة فيها فان تلك المضايقات بما هي‬
‫تجاوزات تصادر الحقوق والبداع تساهم بقصد اوبجهالة بتعميق الزمة بين الدولة والمثقفين‬
‫وذلك من خلل ممارسة الكبت والحرمان والقهر وبما يعني التفنن بخلق وتزايد العناصر‬
‫المعادية و المعارضة للدولة ‪.‬‬

‫إن استمرار تلك الوضعية الجامدة و المجمدة على ما يبدو في وجه أصحاب القلم و‬
‫الرأي في سياق المعلومة و أل علم و الثقافة و الرأي أل خر داخليا من جهة و بين‬
‫انفتاح آفاق غير محدودة للمعلومة و أطرها من أطراف خارجية من جهة أخرى ل يؤدي إل‬
‫آلي مزيد من ابتعاد كثير من المواطنين ‪ ,‬و خاصة المثقفين و المفكرين و أصحاب الرأي‬
‫و القلم ‪ ,‬عن الدولة و اطرها و سياساتها باعتبارها متفارقة معهم على نحو يخلق و‬
‫يعمق و يعزز الفصام و القطيعة بل رجعة بين الطرفين ‪ .‬ان تفعيل الطر الثقافية‬
‫ومكوناتها سواء على مستوى الثقافة العامة و المنتديات والجامعات أم على مستوى العلم‬
‫وبما يضمن هامش قانوني واسع لتفاعل الراء دون مضايقة على بعض منها ودونما تجريم‬
‫أو منع سيكون أحد الدعامات الساسية لمشروع وبديل الصلح‪.‬‬

‫ثالثا‪ : 5-3-‬بديل الصلح‬


‫والمجال الخارجي‬

‫إن السياسات في المجال الخارجي وخاصة في إطار المجالت المنية والعسكرية‬


‫والعلقات مع الخارج الغربي منها والعربي تحتاج آلي مراجعة وإعادة نظر ‪ .‬وفي السياق‬
‫الدفاعي والمني والعسكري للدولة فان المسالة ببساطة تحتاج آلي العتماد على القوة الذاتية‬
‫من أبناء البلد والذين ل تنقصهم الرغبة في القيام بمهام حفظ الدولة والمجتمع إذا ما أتيحت‬
‫لهم الرضية الملئمة ‪.‬‬
‫وتأسيسا على ذلك فان الحاجة أصبحت ماسة آلي إعادة النظر بتواجد القوات الجنبية‬
‫الغربية والمريكية تحديدا ويجب ان يكون الهدف هو التخلص منها وان بشكل تدريجي و‬
‫مرحلي ‪ .‬ان إحدى أزمات الدولة – المجتمع هي أزمة الشرعية المتصلة بالعتماد على‬
‫الحماية الجنبية وتلك مسائل تقلق أبناء البلد إذ يشعرون بفقدان الكرامة النسانية ‪ ،‬إضافة‬
‫آلي فقدان سيادة الدولة أو تقييدها بدرجة كبيرة ‪ .‬وفي هذا السياق فانه وفي سبيل الوصول‬
‫آلي نهاية لتلك الحماية الجنبية المريكية فيجب التنبيه إلى أن ذلك ل يتطلب بالضرورة‬
‫المواجهة مع الغرب وأمريكا تحديدا وإنما إيجاد آليات وصيّغ للوصول النهائي أليها وخلل‬
‫فترة تتراوح بين خمس آلي سبع سنوات كحد أقصى ‪.‬‬

‫ويتطلب ذلك العمل الجاد على تقوية علقات الدولة مع كافة الدول الخرى شرقية‬
‫كانت أم غربية وعلى نحو متنوع ومتوازن بما يحقق أيضا تنويع العلقات القتصادية وكذلك‬
‫تنويع مصادر السلحة وكذلك العمل على تطوير صناعة أسلحة محلية أو عربية في هذا‬
‫التجاه للخروج من مسالة العتماد على السلح والمصدر الواحد ‪ .‬وقد يكون من المناسب‬
‫أيضا تطوير قوة عربية خليجية للعتماد عليها ‪.‬‬
‫ولضمان هذا التوجه فان مرتكز العلقات الخارجية سيكون إعطاء أهمية حاسمة‬
‫للدائرة العربية والخروج من ملف الزمات العربية وبدون عقد أو النتظار حتى يقرر الخر‬
‫(الغرب) ‪ .‬لذلك فان الحاجة ماسة لعادة النظر بالمسالة والحالة العراقية الكويتية على نحو‬
‫يقفل هذا الباب نهائيا وبما ينقذ كافة البلدان العربية وشعوبها من التورط في عمليات ل‬
‫تستهدف في النهاية سوى العرب بمن فيهم الذات ‪ .‬ان ضرب العراق واستهداف النظام فيه‬
‫وإسقاطه وبغض النظر عن التفاق أو الختلف معه قد يكون البوابة الواسعة التي يدخل‬
‫منها الغرب و الوليات المتحدة تحديدا والورقة السابقة ‪ --‬التاريخية التي ترفقها ضد‬
‫الدول العربية الواحدة تلو الخرى كما حاولنا ان نبين مخاطر ذلك سابقا ‪ .‬ان على السعودية‬
‫ومصر وسوريا العمل على إقناع الدول العربية الخرى من خلل القمة العربية القادمة أو‬
‫التفاق فيما بينها على القل على عدم التعاون مع الوليات المتحدة في ذلك التوجه والعمل‬
‫على إنهاء الملف العراقي و الحالة العراقية الكويتية بشكل نهائي ولمصلحة كل الطراف و‬
‫المة العربية عموما وذلك بالنطلق من حكم شرعي إسلمي طبقا وتطبيقا للية الكريمة ‪:‬‬
‫(( وان طائفتان من المؤمنين أقتتلوا فاصلحوا بينهما ‪ ,‬فان بغت إحداهما على الخرى‬
‫فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر ال ‪ ,‬فان فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل و اقسطوا ان‬
‫ال يحب المقسطين <‪ >9‬إنما المؤمنون اخوة فأصلحوا بين أخويكم و أتقوا ال لعلكم‬
‫ترحمون <‪ >10‬سورة الحجرات )) ‪ .‬أن المصالحات التي تمت في أثناء مؤتمر القمة العربية‬
‫في بيروت و قراراتها التي صدرت وهي تتصل بالتجاه نحو إغلق الملف العراقي تعتبر‬
‫أمور مهمة و مشجعة و تستحق الثناء و التقدير ‪ .‬أن الحاجة أصبحت ماسة ألن آلي البناء‬
‫على تلك التجاهات بخطوات تعزيزية اكبر و أهم للوصول آلي تطبيع كامل للعلقات العربية‬
‫العربية و كذلك التنبه آلي بعض المنافذ العالقة و التي قد تستغلها أمريكا في توتير الجواء‬
‫العربية من جديد و استخدام بعض المواقع و القواعد العسكرية العربية الخرى و التي‬
‫تعمل أمريكا على ما يبدو تجهيزها ( حيث التوجه المريكي بنقل أجهزة إلكترونية و حاسبات‬
‫لسل ح الجو المريكي آلي قطر و هو ما يعني نقل مقر سل ح الجو و قيادة العمليات‬
‫التشغلية هناك ) كمنطلق لشن الضربة على العراق ‪ .‬لذلك فان على الدول العربية الرئيسية‬
‫و منها السعودية مصر و سوريا مساعدة تلك الدول العربية الصغيرة و الوقوف معها ‪،‬‬
‫مثل قطر ‪ ,‬و التي قد تتعرض مستقبل للضغط عليها لتمام المشروع المريكي بضرب‬
‫العراق و بالتالي فتح مشاريع التفتيت و التقسيم و خاصة في الشرق العربي و منه الخليج و‬
‫السعودية في مقدمته ‪.‬‬

‫وفي السياق العربي فان الحاجة تدعو آلي تطوير الطر العربية وتفعيلها بما في ذلك‬
‫مجلس التعاون الخليجي باتجاه كيان فيدرالي وكذلك مؤسسة القمة العربية والجامعة العربية‬
‫للوصول آلي ميثاق ومبادئ يمكن أن تؤطر بفعالية للعمل العربي المشترك والخروج من‬
‫ملف الزمات بما في ذلك أيجاد آلية للتصويت في مؤسسة القمة العربية تأخذ بالغلبية‬
‫المطلقة أو أغلبية الثلثين في اتخاذ القرارات بحيث تكون ملزمة للجميع بمن فيهم‬
‫المعارضون طالما هم أقلية ‪ .‬وفي هذا السياق يجب التركيز على تفعيل المحاور القتصادية‬
‫والثقافية ومناطق التجارة الحرة والمساهمة في قيام مؤسساتها إنهاء دعم وتفعيل ماهوقائم‬
‫منها ‪ .‬ان تلك التوجهات بما فيها التوافق والتفاق مع العناصر والطراف العربية المعنية‬
‫على إدارة الصراع العربي الصهيوني إدارة تكفل الحقوق الشرعية و المشروعة للشعب‬
‫الفلسطيني بما في ذلك الوصول آلي إقامة دولة مستقلة عاصمتها القدس مع التأكيد على‬
‫حق العودة للجئين و بما تتضمنه تلك الدارة من دعم شامل للنتفاضة وحمايتها حتى‬
‫الوصول إلى تلك الغايات – سيكسب الدولة شرعية محلية وعربية وإسلمية‪.‬‬

‫رابعا ‪ :‬معوقات بديل الصلح‬


‫ومحفزاتة‬
‫أن تلك العناصر والتي فصلنا في بعضها ‪ ،‬تشكل في شموليتها مشروعا يبدو هائل‬
‫وثقيل ولربما من الصعب تحقيقه في كلياته وفي أن واحد ‪ .‬ومع ذلك فأننا وان كنا ل نقلل‬
‫من أهمية المصاعب التي قد تواجه وبالتأكيد ستواجهه ‪ ,‬فأننا نرى في الوقت ذاته أن تنفيذ‬
‫العناصر الساسية من بديل الصلح أمر جوهري لنقاذ البلد سلطة ومجتمع وآل فان مشهد‬
‫النهيار سيكون البديل –المكانية ‪ .‬ومشهد النهيار هو استمرار الوضاع كما هي علية‬
‫اعتقادا من القائمين على اتخاذ القرار بان الزمة تم تجاوزها من خلل المعالجات الظرفية‬
‫والمؤقتة ذات الصبغة المهدئة والمسكنة والتي ترافقت لربما وحالة سكون ظاهرية لكنها قد‬
‫تكون حالة خادعة ذلك بان تلك المعالجة لم تكن معالجة فقط شكلية وإنما كأنها وأصحابها ل‬
‫تعترف إنها ل تريد أن تعترف بوجود أزمة بالفعل في العلقة بين الدولة والمجتمع والتي‬
‫وصلت إلى حالة يمكن وصفها بأنها شجرة وصلت آلي شيخوختها قبل أوانها بفعل النخر الذي‬
‫بدا يسري فيها من الفروع إلي الجذع و العكس صحيح وأنها فقط مرحلة أخرى لربما لن‬
‫تطول لكي تأتى بعض من الرياح ( أزمة أخرى ) لتودي بها لكي يتأكد مشهد النهيار ‪.‬‬

‫هذا المشهد بالنهيار يمكن تجاوزه فعليا ببديل الصلح وكذلك قطع مشهد التقسيم أو‬
‫التفتيت إذا وصل المر آلية قبل مشهد النهيار وهذا الخير سيكون الحافز والعامل الحاسم‬
‫في مسالة التسريع والتسهيل بتنفيذ مشهد التقسيم ‪ .‬ويجب التشديد هنا ان طرح ومناقشة‬
‫بديل الصلح إنما يعكس توجهات ونقاشات عامة وخاصة ودعوات فردية ضمن مقابلت و‬
‫منابر أطر إعلمية متنوعة (‪ . )43‬في هذا الصدد ولربما حتى بين أفراد السرة السعودية‬
‫المالكة وخاصة دعوات المير الوليد بن طلل والذي دعى آلي أيجاد نوع من النتخابات‬
‫لمجلس الشورى وان قصرت في مراحلها الولى على الرجال دون النساء قياسا بالتجربة‬
‫الكويتية وكذلك دعوات والدة المير طلل بن عبد العزيز والذي كان ول يزال في كثير من‬
‫مقابلته وتصريحاته يدعو آلي تطوير وإصلح تلك المؤسسات السياسية في السعودية ‪ .‬ومما‬
‫قاله الوليد بن طلل ‪ ،‬في دعوته للديمقراطية في السعودية ‪30/11/2001‬م في حوار مع‬
‫صحيفة " نيويورك تايمز" ‪ ,‬انه لمعالجة عدم الرضى الداخلي خصوصا بعد التطورات‬
‫الخيرة فانه (" إذا سمح للناس الحديث بحرية ومشاركة بقدر اكبر في العملية السياسية‬
‫فسيكون بالمكان احتواءهم وجعلهم جزء من العملية " ) ‪ ,‬وقال انه كلما تمت عملية‬
‫انتخابات مجلس الشورى بسرعة كلما كان افضل للمملكة ‪ .‬وقال انه يفضل إلغاء المخصصات‬
‫الملكية السنوية والتي قال أنها تصل آلي ‪ 180,000‬دولر أمريكي وذكر بأنة وهو يطرح‬
‫تلك الفكار فانه يساهم في النقاشات داخل السرة حول فكرة النتقال آلي ديمقراطية محدودة‬
‫والتي تطرح علنا فيما بين أفرادها وان لم تطرح علنا إعلميا ‪ .‬وذكر في النهاية ان السرة‬
‫لزالت بصدد دراسة ان تقول (نعم)أو(ل) (‪. )44‬‬

‫و رغم ان الوليد لم يكشف مواقف أفراد السرة المالكة تجاه تلك الديمقراطية‬
‫المحدودة ‪ ,‬إل انه يبدو أن هناك عناصر من السرة المالكة ‪ ،‬وان لم يكن بالمكان‬
‫حصرها ‪ ,‬أما أنها تشاطر هذا التوجه ‪ ,‬أو أنها ل تمانع من سلوكه ‪ .‬ويبدو ان تلك‬
‫العناصر والتي يصعب حصرها أو تحديد أعدادها تنطلق من مواقفها هذا من فكرة ان توسيع‬
‫دائرة المشاركة السياسية في صنع القرارليمس فقط البعاد الشعبية وإنما يمسها هي كذلك ؛‬
‫إذ أنها وعناصر أخرى داخل السرة تشكل حلقات بعيدة أهمية مبعدة عن مراكز القرار‬
‫وبالتالي عن دائرة ومقتسمات والثروة و ‪ /‬أهمية النفوذ ‪ .‬وكذلك يبدو ان لهذه العناصر‬
‫مصلحة في توسيع دائرة المشاركة انطلقا من مصالح ( المصالح ليست بالضرورة مادية وقد‬
‫تكون معنوية أهمية ذات صلة بالمكانة والنفوذ) لها تبدو غير محققة في ظل الوضع الراهن‬
‫حتى وان حصلت على بعض المتيازات الهامشية بالمقارنة بالمتيازات الضخمة للحلقات‬
‫ومراكز القوة الساسية ‪ .‬والبعض الخر منها ينطلق من إدراك ووعي بان المور أخذت‬
‫بالفعل بالتغيير في إطار علقة الدولة بالمجتمع ومكونات الخير و قواه ‪ ،‬وان افضل‬
‫طريقة لتماسك البلد بما هو دولة ومجتمع هو التنازل عن بعض الشياء مقابل الحتفاظ‬
‫بالشياء الخرى أو ببعضها على القل‪.‬‬

‫ومع ذلك فان هذه العناصر المنفتحة على التغيير و ولوج الصلح ‪ ،‬ل يبدو أنها‬
‫مسموعة في صوتها أوانها كما هي العناصر الشعبية مغيّبة أو غير قادرة على البوح‬
‫والمخاطبة والدفع بهذا التوجه ‪ ,‬ولربما تشعر بالضغوط والقوة الممارسة عليها ضد هذا‬
‫التوجه ‪ .‬في هذا السياق يلحظ ان المير طلل والذي يبدو اكثر الصوات داخل السرة‬
‫ارتفاعا في إطار التوجه الصلحي ‪ ،‬هو الخر يشعر بتلك القيود ولربما بعض من معاناتها‬
‫عندما يقول في حلقة ضمن برنامج بل حدود (قناة الجزيرة الفضائية‪ /‬قطر) والتي خصصت‬
‫لردود الفعل على حلقات شهادته على العصر ‪ ,‬وذلك في ‪6/12/2000‬م انه بعد هذا اللقاء‬
‫فانه ل يريد أن يتكلم عن الشان العام وذلك لنه ‪ :‬ألن عرف ‪...‬؟ ان هناك ثلثة أشخاص‬
‫مصرح لهم بمثل هذا الحديث وهم الملك فهد والمير عبداللة والمير سلطان (‪ .)45‬ورغم أن‬
‫أحداث الحادي عشر من سبتمبر ‪2001‬م وتوابعها وصلة ذلك بما سمي الحملة المريكية على‬
‫الرهاب وعلى السعودية ‪ ،‬قد أتاحت حديثا آخر للمير طلل ‪ ،‬إل انه و في مقابلة في برنامج‬
‫بل حدود – مرة أخرى (قناة الجزيرة الفضائية‪ /‬قطر) (في ‪2002 /23/1‬م) لم يشأ الخوض‬
‫بالشأن العام الداخلي وركز جل همة على معالجة الزمة من طرفيها الخارجي (المريكي‬
‫تحديدا) عارضا فكرة استخدام ضغط المجتمع المدني العربي ومن خلل شركة للعلقات العامة‬
‫تؤمن الدخول آلي الساحة المريكية ‪ ،‬علما بان المير طلل يعلم بان مؤسسات المجتمع‬
‫المدني العربي ليست موجودة في عدد من البلدان العربية و منها بالذات السعودية ‪,‬‬
‫وبالتالي فان الصلح ل يكون من الخارج بل من الداخل بما في ذلك تفعيل ذلك التوجه(تنشيط‬
‫عمل مؤسسات المجتمع المدني أو الهلي كما نفضل تسميته ) داخليا وأول وقبل كل شيء (‬
‫‪. )46‬‬

‫وحيث تلك هي التوجهات داخل السرة وخاصة في إطار عدم الفصاح عن مدى حجم‬
‫وعدد الصوات تجاه دعوات الصلح وكذلك عدم خروجها إلى العلن من أصوات عناصر‬
‫واضحة ‪ ،‬إضافة إلى أن المسالة كانت ل تزال تدور في إطار دراسة هل نقول " نعم " أم "‬
‫ل لفكرة "الديموقراطية المحدودة " وخاصة الوصول إلى سلطة تشريعية منتخبة ‪ ،‬وكذلك‬
‫مع حالة السكون وما تعكسه من شعور بهدوء الوضاع ‪ ،‬فان ذلك كله يشير إلى ان هنالك ما‬
‫يبدو انه معوّق بنيّوي ضد الصلح والديموقراطية المحدودة في ثنايا أطر العائلة المالكة‬
‫وحلقاتها‪.‬‬

‫وعليه ‪ ,‬فان المر يبدو انه وفي ثنايا تلك الحلقات من العائلة‪ ،‬فان معوق كبير‬
‫للصلح والديموقراطية يبدو مرتبط بعناصر من السرة والتي تسودها وتطغى عليها رؤية‬
‫أو عقلية مغرقة بالماضوية ؛ تلك هي "عقلية ملكية الجميع " ‪ ,‬بمعنى ان البلد ومن فيه‬
‫بشر وارض وموارد ومؤسسات ومخرجات هي ملك خاص في قبضة اليد والتي لها الحق‬
‫دون غيرها بالتصرف بما تشاء و كيفما تشاء ومتى تشاء‪ .‬تلك العقلية بالملكية الخاصة‬
‫للجميع تستند إلى وتنطلق من مقولة أخرى اكثر ضيقا في رؤيتها إل وهي أن إقامة الكيان‬
‫والدولة السعودية إنما تمت(بالقوة وبحد السيف) وان من يريد اخذ شيء فليستخدم نفس‬
‫السلوب والداء‪ ،‬أن كان يستطيع طبعا ‪ .‬وتلك مقولة خطيرة ل من حيث التلويح بالقوة ول‬
‫باستعداء الخرين بالولوج لها باعتبار ان الصلح باب مقفل ‪ .‬فوق هذا وذاك فان تلك‬
‫العقلية تنسى أو تتناسى أن تلك القوة التي كانت وراء تكوين الدولة السعودية ( في السياق‬
‫الداخلي فقط مع عدم إغفال أهمية العامل والقوى الخارجية في ذلك) لم تكن إل من القوى‬
‫المجتمعية والشعبية آنذاك سواء الحضرية منها "القروية والفلحية" في بداية النواة الولى‬
‫للتكوين أم من القوى القبلية (رغم التصادم مع بعضها لحقا عندما قامت شوكة الدولة)‬
‫وكذلك دور بعض العائلت في المدن والرياف والتي تحالفت مع الملك عبد العزيز وسهلت‬
‫تلك المهمة بدرجة كبيرة في القصيم وحائل والحساء والحجاز وعسير والجوف في مرحلة‬
‫التمدد والتوحيد ‪ .‬لذلك تميزت المرحلة الولى لقيام الدولة السعودية " بالمشاركة والمساهمة‬
‫" لتلك القوى أو من يمثلونها في مقابل الستقرار وإنهاء حالة الصراع الهلية البينية المتعددة‬
‫والمتواصلة قبل ذلك ‪.‬‬

‫وفي إطار ذلك التوازن كانت تلك " العقلية بالملكية " لربما مقبولة قي الفترة‬
‫الماضية‪ ,‬فترة التكوين وحتى لربما نهاية السبعينيات وأوائل الثمانينيات من القرن العشرين ‪,‬‬
‫أما في المرحلة الحالية وخاصة منذ أزمة الخليج الثانية ‪ 1990‬فصاعدا ومع التحولت في‬
‫تركيبة المجتمع وقواه ‪ -‬والمتصلة بحركة التحديث منذ نهاية عقد الخمسينيات من القرن‬
‫العشرين فصاعدا وكذلك مع التطورات المحلية والقليمية والدولية بما في ذلك ثورة‬
‫المعلومات والتصالت ‪ ، -‬فان تلك العقلية ورؤيتها ليست فقط غير صالحة للمرحلة بل أنها‬
‫ستكون عبئا على الجميع "دولة ومجتمع" بمن فيهم أصحاب وعناصر تلك الرؤية والعقلية ‪.‬‬

‫إضافة إلى تلك العقلية المهيمنة والمنتمية إلى الماضي ولكنها فاعلة في الحاضر ولو‬
‫إلى حين ‪ ،‬فان هناك عقبة بنيوية أخرى لربما تصل إلى ان تكون متساوية مع ان لم تكن‬
‫اكبر من عقبة" عقلية الملكية" وبالتالي ستكون الكثر فاعلية ضد بديل الصلح ‪ .‬تتمثل تلك‬
‫العقبة الخرى بالقوى المتنفذة في أجهزة الدولة ومؤسساتها "البيروقراطية" وخاصة في‬
‫مستوياتها العليا وأيضا حول عدد من العناصر القيادية في الدولة ‪ .‬هذه القوى المتنفذه هي‬
‫ذات امتدادات مناطقية محددة وترتبط بعائلت بعينها من مدن أو قرى محدودة من تلك‬
‫المناطق المحدودة رغم أنها ليست بالضرورة ممثلة لها أو لهلها على الجملة ‪.‬‬
‫تلك العائلت وأبنائها وامتداداتها بدأت تسيطر على المناصب الرئيسية في القطاعات‬
‫المهمة من الدولة وتستحوذ بالتالي على نفوذ لربما يتجاوز كثيرا من أفراد السرة المالكة ‪,‬‬
‫بل أن أعدادا من الخيرة لربما ل يجدون مفرا من التعامل مع تلك السر وعن طريقها‬
‫للوصول إلى دائرة القرار في مدخل ته أو مخرجاته‪ .‬تلك القوى المتنفذة والمرتبطة بعائلت‬
‫بعينها وذات امتدادات بقرى أو مدن من مناطق بعينها وان كانت ل تمثلها بالضرورة ‪ ،‬أخذت‬
‫تستحوذ على النفوذ ورسم السياسات وتوزيع المناصب داخل الهياكل الحكومية وبالتالي‬
‫أصبحت هي وبشكل متعاضد هي التي تعد وترسم وتنفذ سياسات الدولة وخاصة الداخلية منها‬
‫‪ .‬من هنا يمكن ملحظة ان السياسات التنموية لم تكن متوازنة بين المناطق و اشغالتها‬
‫الجتماعية ‪ .‬لذلك فان ما يتضح من تلك التجاهات هو انه رغم ان " السرة السعودية" ل‬
‫زالت بيدها القرار النهائي لتلك السياسات إل أن من يقوم بالفعل بإدارة البلد هي تلك القوى‬
‫من العائلت المتنفذة ‪.‬‬

‫أن تلك القوى المتنفذة هي ما يمكن ان يطلق عليه" الحرس القديم‪-‬الجديد" ‪ .‬أما كونه‬
‫قديما فليس المقصود به هو انه من القوى القديمة من الناحية الزمنية وإنما لنه يمثل‬
‫العتراض على الجديد "الصلح" ؛ و أما كونه جديدا فالمقصود به ليس لنه يمثل التكوينات‬
‫الجتماعية الجديدة بالضرورة ‪ ،‬وإنما لنه في مرحلة ما وهي السبعينيات من القرن‬
‫العشرين كان قد اخذ يحل وبشكل تدريجي محل النخبة السابقة والتي كانت تنتمي آلي‬
‫عائلت من منطقة أخرى بعينها التي كانت لها الهيمنة في بيروقراطية الدولة أنذراك ‪ .‬تلك‬
‫القوى المتنفذة هي التي تنعم بمكتسبات الدولة وخدماتها من مالية وخدماتية ومعنوية بما في‬
‫ذلك وبدرجة مهمة مسالة النفوذ والمكانة ‪ ،‬باعتبار أن النفوذ ذاته جالب للخيرات والملذات‬
‫كما يقول بذلك ابن خلدون (‪ .)47‬إنها تحصل على مرتبات ومخصصات عالية ‪ ،‬وتحصل على‬
‫تعليم عالي ولربما خاص ‪ ،‬وتحصل على خدمات صحية عالية حكومية وخاصة و لربما‬
‫على حساب الدولة ونفقاتها و كذلك تحصل في مناطق سكنها على خدمات بلدية ل يمكن‬
‫أن تجدها في أي من الحياء الخر غير المشغولة بتلك الفئات وعناصرها ‪ .‬لذلك فان تلك‬
‫الفئات والعائلت وقواها المتصلة بها لن تكون مع الصلح بل إنما ستكون العائق الكبر‬
‫لربما في هذا التجاه‪.‬‬
‫من هنا فان استمرار تلك العقبة ذات الصلة بالقوى المتنفذه والمتعاضدة والمتحالفة‬
‫ل منهما أو كلهما ‪,‬سيشكل العامل الحاسم والمحوري في‬
‫مع العقبة الولى عمدا أو جه ً‬
‫تواصل عملية النخر في ظل تواصل عقبة أخرى هي الفساد بكافة تجليا ته وبالذات المالية‬
‫والداريه والمحسوبيه واستشراء المصلحة الخاصة على حساب المصلحة العامة وفي غياب‬
‫القانون والمحاسبة ‪ .‬وبالتالي ستكون تلك العقبات وخاصة الولى والثانية المسؤولة عن‬
‫تعويم بديل النهيار و‪ /‬أو الوصول بالبلد إلى مشروع التقسيم والتفتيت ‪.‬‬

‫وحيث المر كذلك ‪ ,‬فان بديل الصلح المطروح ينبه إلى ضرورة اللتفاف آلي‬
‫خطورة تلك العقبات وبالتالي معالجتها معالجة تفضي إلى إيقاف مخاطرها تلك‪ .‬وعليه في‬
‫هذا السياق فان الحاجة ماسة إلى معالجه المعضلة المتمثلة بتلك القوى المتنفذة و وقوفها‬
‫ضد العملية الصلحية وما تمثله تلك العقبات و مواقفها من بقاء الوضاع كما هي ‪.‬‬
‫وتلك الخيرة تمثل البيئة التي تترعرع و تنمو فيها بذرة النهيار ولربما تمهد في تنامي‬
‫فرص مشهد التفتيت خاصة و أن الغرب و تحديدا الوليات المتحدة عازمة جازمة هذه‬
‫المرة على أما أل تترك السعودية على ما كانت علية و أما ذلك فقط يحتاج آلي النتهاء‬
‫من الولويات في سياق مشروعها الكوني وتسلسل حلقاته ‪.‬‬

‫والمعالجة تلك وأمرها ل يجب أن يفهم منهما بأن ما هو مطلوب هو استبدال تلك‬
‫العناصر بعناصر اكثر طيبة ونظافة ونزاهة لتقويم الداء الحكومي والذي بدا أن القيادة‬
‫بدأت تلحظ قصورا واضحا فيه وتحذر من أثاره على المواطنين ‪ ,‬و ذلك أمر محمود بذاته‬
‫‪ ,‬كما فعل و نبه أليه المير عبد ال ولي العهد وخاصة مؤخرا (‪ , )48‬وإنما الكثر‬
‫أهمية في المعالجة يتركز على الحاطة بجوهر المشكلة ‪.‬‬

‫إن المعالجة لها والوصول أليها ل يتم فقط بالرجال الكفاء وان كان ذلك مهم‬
‫و ل يقلل من شأنه في ذاته ‪ ,‬وإنما بوجود مؤسسات واليات ذات صلة بالتكيّف السياسي‬
‫للنظام وأبعاده الخرى بحيث تتكون آليات ومؤسسات تستطيع القيام بمهام المسؤولية‬
‫والمحاسبة القانونية تجاه تلك العناصر والممارسات أي كان مصدرها وبغض النظر عن‬
‫أصاحبها وذلك ضمن إطار قانوني ودستوري يعتمد على إشراك المواطن في دائرة الحكم ول‬
‫يقصيه أو يستثنيه كما هو قائم حاليا ‪ .‬إن الثقة في المواطن و إعادة العتبار أليه في كل‬
‫تلك الحلقات هو الذي يؤسس إلى إقامة علقة متوازنة بين الدولة والمجتمع والتي تستطيع‬
‫بالتكيّف للنظام طبقا للتجاهات وظروفها أن تصمد أمام التحديات داخلية كانت أم خارجية‪,‬‬
‫خاصة و إن القادم منها وبالذات المريكي منها على وجه التحديد ‪ -‬و في سياق توجهاتها‬
‫المستقبلية للمنطقة و هي تشدد على إن الحالة السعودية يجب أن ل تبقى كما كانت حتى‬
‫ولو تتطلب ذلك تفكيكا لها أو إعادة هيكلة على نحو ما ‪ -‬هو اكبر مما يتصوره البعض ‪.‬‬
‫إن الخوف كل الخوف إن تستمر عقلية التوهم بان الخطر زال و إن الزمة انقشعت و إن‬
‫الوضاع و أطرافها ساكنة هادئة و بالتالي ل ضرورة لمعالجة أو لصلح ‪.‬‬

‫إن النتظار مطولً عند فكرة الصلح أو التردد تجاهها قد يكلف البلد (الدولة‬
‫والمجتمع) ثمنا باهضا قد يصل إلى فناءه وبالتالي يجب عدم النتظار حتى تفرض المور من‬
‫الخارج بهذا التجاه أو ذاك ‪ .‬أليس الجدى والكثر كرامة ولربما استحقاقا للتقدير إن‬
‫تأتي الصلحات من وعي و رغبة وقدرة وجرأه للنخب الحاكمة ؟ إن المل معقود على انه‬
‫هناك عناصر من النخب المسؤولة من لديهم بالفعل من العقلنية والحكمة والرشاد ما‬
‫يؤسس لمثل هذه التوجهات الصلحية‪ .‬إن المر بدرجة كبيرة يرتبط بوجود رؤية‬
‫تقوم على فكرة " المساهمة و‬ ‫لمشروع دولة بحيث أنها ل تقصي و ل تستثني و إنما‬
‫المشاركة " للجميع أفرادا و جماعات و مناطق و بصيّغ و آليات و مؤسسات عصرية‬
‫تصون الحقوق و تحفظ الكرامة و تحقق العدالة و الرخاء و التقدم ‪.‬‬

‫في النهاية نقول إن هذه الورقة ‪ ,‬وبما تضمنته من أفكار انطلقت من تصورات و‬
‫متابعات أكاديمية موضوعية و أيمانا بالمكاشفة المصارحة للمساهمة في إنقاذ البلد والمة ‪,‬‬
‫ل تدعي إن صيغة الصلح المقدمة ‪,‬هي الصيغة الوحيدة أو الكاملة‪ .‬إن هناك بالتأكيد طاقات‬
‫وقدرات في أبناء هذا البلد وأبناء البلد العربية عموما والذين إذا ما أتيحت لهم الفرصة‬
‫فانهم بل شك سيعملون على صياغة مشروع وعقد(مثياق إجماعي جديد) لبلدانهم و أمتهم ‪.‬‬
‫إن كل ما تسعى أليه الورقة هو أنها تريد أن تلفت إلى المخاطر والتحديات ومنها الداخلية‬
‫بدرجة اكبر وكذلك الخارجية ذات الصلة على بنيان وتماسك الدولة والمجتمع و المة في‬
‫الحاضر و المستقبل ‪ .‬وثانيا فإنها وبتلك الفكار تفتح المشروع والسئلة ذات الصلة بالدولة‬
‫والمجتمع في السعودية تحديدا ولربما في البلد العربية الخرى قياسا على الخرين‬
‫المناصرين والمناهضين وسواء من أهل الثقافة أو الفكر أو أهل القرار وقواه وذلك للتعامل‬
‫معها وبالطريقة التي قد تصل بهم إلى الجوبة و أبوابها التطبيقية أو لربما لفتح مزيد من‬
‫السئلة و البحث في النماذج الصلحية ‪.‬‬

‫[البحث الثاني‪:‬‬
‫السلم والدستور]‬
‫السلم والدستور‪:‬ـ‬
‫الدستور ‪ :‬هــو الليات العصرية المؤسسية للحتساب على السلطات فيما بينها‬
‫لقامــة حــياة مدنية اســلمية عــادلة شوروية‬

‫من أكثر القضايا ذات الحساسية هي قضية الصلحات الدستورية في‬


‫السعودية‪ ,‬وعلى وجه التحديد ‪ ،‬قضية مدى تعارض أم توافق الدستور مع الشريعه السلميه‬
‫" القرآن والسنة " ‪ .‬ففي بلد عربي مسلم مثل السعودية بني مجتمعها وسلطانها على ثقافة‬
‫اسلمية محددة ‪ ،‬تولد لدى عامتها ونخبها السياسية والثقافية والدينية تصورا‪ .‬قد يكون‬
‫متعمدا أو تغطية ‪ ،‬خاصة من قبل النخب السياسية والدينية ‪ ،‬أو قد يكون جهلً من عامة‬
‫الناس ومثقفيهم ‪ ،‬بأن دستورنا ودستور البلد هو " القرأن والسنة " وإن أي حديث عن‬
‫دستور للبلد أو المطالبة بالدستور يعني احلل دستور بديل ينافي " القرآن والسنة " ‪،‬‬
‫وبالتالي فإن ذلك يعني في ما يعني إن تلك مفاهيم واطروحات علمانية ‪ ،‬بمعنى انها تهدف‬
‫إلى فصل الدين في الحكام الشرعية عن الحياة العامة ‪ ،‬أي خروجا عن المجتمع وثقافته‬
‫وعلى الدولة وسلطانها ‪ .‬فهل هذا التصور أو سوء الفهم صحيح أم ل من الناحية‬
‫الموضوعية لمفهوم الدستور والعلقة الصحيحة مع السلم ؟ ‪.‬‬
‫بداية نقول إننا بهذا الحديث ل نهدف إلى تقديم تأصيل نظري في الفقه‬
‫السياسي السلمي‪ ,‬وإنما طرح بعض الفكار للمساهمة في إزالة اللبس في مسألة العلقة بين‬
‫الدستور و " القرآن والسنة " ‪ ،‬وثانيا نتوجه بشكل أساسي للنخب الدينية‪ ,‬والتي غالبا ما‬
‫يكون لديها فهم خاطئى عن ‪ ,‬التعارض بين الدستور والسلم " القرآن والسنة " ‪ ,‬وذلك‬
‫لنوضح عدم صحة ذلك التصور ‪ .‬وثالثا سيكون هذا الحديث ردا على النخب الدينية‬
‫والسياسيه ‪ ،‬والتي تدرك في تصورها ‪ ،‬التعارض ليس صحيحا‪ ،‬وإنما تهدف إلى التدليس‬
‫على الناس وعامتهم لستخدام الدين سلحا ضد الصلح والتقدم ودعاته ‪ ،‬من أجل إبقاء‬
‫الوضاع على ما هي ‪ ،‬خدمة لمصلحة استمرار نفوذها واستبدادها ‪.‬‬
‫بداية ‪ ،‬لننطلق من الجانب النظري وبالذات فيما ورد في " القرآن والسنة "‬
‫ونسأل ‪ :‬هل السلم مع الظلم أم ضده ؟‪ .‬هل السلم مع العدل أم ضده وهل السلم مع‬
‫الستبداد والطغيان أم ضدهما ؟ هل السلم مع الحرية أم العبودية "غير العبودية ل " ؟ هل‬
‫السلم مع المساواة وكرامة النسان أم ضدهما ؟ ‪ .‬لعل أهم قضية أرسل الرسل بها لتبليغها‬
‫للناس والعمل بها هي ‪ ،‬اقامة العدل " القسط " قال ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬لقد ارسلنا رسلنا‬
‫بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط " ( آية ‪ 25‬من سورة الحديد ) ‪.‬‬
‫ويقول ال سبحانه وتعالى مخاطبا المؤمنين ‪ ،‬ومطالبتهم باقامة العدل ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا‬
‫كونوا قوامين بالقسط شهداء ل ولو على أنفسكم أو القربين ‪ :‬فل تتبعوا الهوى أن تعدلوا‬
‫" ( آية ‪ 135‬من سورة النساء ) ‪ .‬ويقول ال تعالى مطالبا الناس " المؤمنين " بالعدل حتى‬
‫مع الخصوم ‪ " :‬يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين ل شهداء بالقسط ول يحرمنكم شنئان قوم‬
‫على أل تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا ال إن ال خبير بما تعملون" ( آية ‪ 8‬سورة‬
‫المائدة ) ‪.‬‬
‫القسط بمعنى العدل الوارد في اليات ‪ ،‬ليس المقصود به فقط ما يتعلق‬
‫بالتقاضي والتخاصم في مسائل الحقوق ‪ ،‬وإنما هو اضافة إلى ذلك يشمل اقامة التوازن العادل‬
‫في كافة المجالت الجتماعية والقتصادية وغيرها من مناحي الحياه الروحيه والمدنيه ‪ ،‬في‬
‫سياق إقامة حياة مدنية اسلمية ‪ .‬نظام مدني اسلمي ينسجم مع الحاضر المتطور انطلقا من‬
‫قاعده صلحيه السلم لكل زمان متوازنة ومستقرة قابلة للتطور والتقدم ‪.‬‬
‫وعن الموقف ضد الظلم أو الفسق أو البطر أو الترف وهي امور تعني غياب‬
‫العدل وانتشار المفاسد ‪ ،‬يقول ال سبحانه وتعالى ‪ ،‬رابطا بين الظلم والهلك ‪ ،‬فيقول‪" :‬‬
‫وتلك القرى اهلكناهم لما ظلموا وجعلنا لمهلكهم موعدا " ( الية ‪ 59‬من سورة الكهف ) ‪.‬‬
‫ويقول ال تعالى في نفس التجاه ‪ " :‬وما كنا مهلكي القرى إل وأهلها ظالمون " ( الية ‪59‬‬
‫من سورة القصص ) ‪ .‬وعن الربط بين البطر واهدار المال العام وسوء الدارة وبالتالي‬
‫تدهور الحياة ‪ ،‬يقول ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬ضرب ال مثلً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها‬
‫رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم ال فأذاقها ال لباس الجوع والخوف بما كانوا‬
‫يصنعون " ( الية ‪ 112‬من سورة النحل ) ‪ .‬وفي الربط بين الترف والفسق والهلك يقول ال‬
‫تعالى ‪ " :‬وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها‬
‫تدميرا " ( الية ‪ 16‬من سورة السراء ) ‪.‬‬
‫والظلم هنا ليس محصورا فقط بمسألة الكفر وعدم اليمان ‪ ،‬وهو ما يشمله ‪،‬‬
‫وإنما يتجاوز ذلك إلى عدم وجود الحياة الصالحة ‪ ،‬وحسن الدارة ‪ ،‬والعمال الصالحة ‪ ،‬بما‬
‫في ذلك غياب العدل وانتشار المفاسد ‪ .‬لذلك فإن ال سبحانه وتعالى قد أهلك قوم " لوط "‬
‫ليس لكفرهم وحده ‪ ،‬وإنما لفسادهم الخلقي ‪ ،‬وتجاوزهم في ممارساتهم الحياتية ‪ ،‬الحياة‬
‫الكريمة الصالحة مع العلقات الزوجية مع النساء ‪ ،‬المستقيمة مع الفطرة ‪ ,‬إلى العلقات‬
‫الجنسية الشاذة مع الرجال ‪ .‬لذلك يقول ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬ولوطا إذ قال لقومه إنكم‬
‫لتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين " ( آية ‪ " . )28‬إنكم لتأتون الرجال‬
‫وتقطعون السبيل وتأتون في ناديكم المنكر ‪( " ...‬أية ‪ " .) 29‬ولما جاء ت رسلنا ابراهيم‬
‫بالبشرى قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية إن أهلها كانوا ظالمين " ( الية ‪ " . )31‬إنا‬
‫منزلون على أهل هذه القرية رجسا من السماء بما كانوا يفسقون " ( الية ‪ 34‬واليات‬
‫لسورة العنكبوت ) ‪.‬‬
‫وفي الموقف من الطغيان باعتباره مفضيا إلى الفساد والستعباد ‪ ،‬فأن ال‬
‫أهلك فرعون وقومه لما طغى ‪ ،‬فقال ال تعالى مخاطبا موسى أولً ‪ " :‬اذهب إلى فرعون إنه‬
‫طغى " ( آية ‪ ، )24‬ثم مخاطبا موسى وهارون سويا " اذهبا إلى فرعون إنه طغى " ( ‪43‬‬
‫اليات من سورة طه)‪ .‬واستعبد فرعون الناس واستبد بهم ‪ ،‬واستخف قومه وأطاعوه ‪،‬‬
‫ولذلك يقول ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬ونادى فرعون قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه‬
‫النهار تجري من تحتي افل تبصرون " ( الية ‪ 51‬الزخرف ) ‪ .‬وحيث أن قومه لم ينكروا‬
‫عليه هذا الزعم وقبلوا بالذل فاستخفهم ‪ ،‬فأطاعوه ‪ ،‬وفي ذلك يقول ال تعالى ‪ " :‬فاستخف‬
‫قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين " ( الية ‪ " . ) 54‬فلما اسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم‬
‫جميعا " ( آية ‪ 55‬الزخرف)‪ .‬وفي الربط أيضا بين الطغيان المفضي للفساد فالعذاب ‪ ،‬يقول‬
‫ال تعالى في الشارة إلى أقوام عاد وثمود وفرعون ‪ ،‬فيقول سبحانه وتعالى ‪ " :‬الذين طغوا‬
‫في البلد * فأكثروا فيها الفساد * فصب عليهم ربكم سوط عذاب " ‪ 13-11 ( .‬اليات من‬
‫سورة الفجر ) ‪.‬‬
‫وفي التأكيد على المساواة ‪ ،‬وإن أصل البشر واحد ‪ ،‬مع ملحظة فكرة‬
‫التنوع والختلف لقامة العلقات الجتماعية ‪ ،‬وإن الفروقات بينهم فيما يخص العلقة مع ال‬
‫هي في " التقوى " قال ال تعالى ‪ " :‬يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا‬
‫وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند ال أتقاكم إن ال عليم خبير" ( آية ‪ 13‬سورة الحجرات ) ‪.‬‬
‫ويقول ال تعالى ‪ " :‬هو الذي خلقكم من نفس واحدة وجعل منها زوجها ليسكن إليها ‪(" ...‬آيه‬
‫‪ 189‬سورة العراف ) ‪ .‬إضافة إلى ذلك فقد أكد القرآن على الكرامة النسانية " بني آدم " ‪،‬‬
‫حيث قال تعالى ‪ ":‬ولقد كرمنا بني ادم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات‬
‫وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلً " (آيه ‪ 270‬السراء) ‪ .‬وهذه المساواة ‪ ،‬في الصل‬
‫بين الناس ‪ ،‬ل تلغي فكرة التفاضل والتراتب في الحياة والعلقات الجتماعية ‪ ،‬وفي ذلك‬
‫يقول ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬اهم يقسمون رحمة ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة‬
‫الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمة ربك خير مما‬
‫يجمعون " ( ‪ 32‬الزخرف ) ‪ .‬و"السخريا" الوارده هنا ل تعني تحول البعض الى عبيد وسخره‬
‫وانما الفكره ترتبط بالتفاوت بين الناس في قدراتهم وامكاناتهم وطبائع نفوسهم وبالتالي‬
‫احتياجاتهم لبعضهم البعض في تقديم الحاجات والخدمات وتلك مما يؤسس لقامه حياه مدنيه‬
‫(دوله) وفي السياق نفسه تفاضل الناس بالرزق ‪ ،‬يقول ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬وال فضل‬
‫بعضكم على بعضكم في الرزق ‪ 71 ( " ....‬النحل ) ‪ .‬والمساواة في الصل بين البشر ‪ ،‬ل‬
‫تلغي أيضا التمايز بين الرجال والنساء نتيجة الختلف في تكوينهم الفسيولوجي والنفسي‬
‫ولذلك ترتب عليه اختلف في بعض الحقوق والواجبات‪ ,‬كما أشار إلى ذلك القرآن في قضايا‬
‫الرث والشهادة والطلق ‪.‬‬
‫وفي الحرية ‪ ،‬يؤكد القرآن على آفاق واسعة من الختيار والتصرف ‪،‬‬
‫المربوط بالمسؤولية في الثواب والعقاب الدنيوي والخروي ‪ ،‬بما في ذلك حرية اليمان وفي‬
‫ذلك يقول ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬ولو شاء ربك لمن من في الرض كلهم جميعا أفأنت تكره‬
‫الناس حتى يكونوا مؤمنين " ( ‪ 99‬يونس ) ‪ ،‬ويقول ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬ل إكراه في الدين‬
‫قد تبين الرشد من الغي ‪ 256 ( " ....‬البقرة ) ويقول سبحانه وتعالى ‪ " :‬وهديناه النجدين‬
‫"(‪ 10‬البلد ) ‪ .‬وكذلك يقول ال سبحانه وتعالى ‪ " :‬لست عليهم بمسيطر " ( آية ‪ 22‬الغاشية )‬
‫‪ .‬وفي سياق الحرية بما هي ضد الستعباد ‪ ،‬ومع التحرر من العبودية ‪ ،‬في غير ال ‪ ،‬فإن‬
‫ال أرسل موسى عليه السلم إلى فرعون ‪ ،‬في جزء من رسالته ‪ ،‬بمطالبة فرعون أن يخلي‬
‫سبيل بني اسرائيل من الذلل والعبودية والقهر ‪ ،‬فقال سبحانه وتعالى ‪ " :‬اذهبا إلى فرعون‬
‫إنه طغى " ( آية ‪ 43‬من سورة طه) ‪ " ...‬فاتياة فقول إنا رسول ربك فأرسل معنا بني‬
‫اسرائيل ول تعذبهم ‪ ( " ...‬آية ‪ 47‬طه ) ‪.‬‬
‫وفي سياق الحرية بما هي التحرر من العبودية والرق فقد تعامل معها‬
‫القرآن‪ ،‬با لحث على التخلص تدريجيا ‪ ,‬باعتبارها كانت ضمن الواقع الجتماعي في بداية‬
‫الرسالة ‪ .‬يقول سبحانه وتعالى ‪ " :‬ل يؤخذكم ال باللغو في إيمانكم ول يؤاخذكم بما عقدتم‬
‫اليمن فكفارته‪ ....‬أو تحرير رقبة‪ ( " ....‬آية ‪ 89‬المائدة ) ‪ ،‬ويقول ال تعالى أيضا ‪ " :‬وما‬
‫كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إل خطئأ ومن قتل مؤمنا خطئأ فتحرير رقبة مؤمنة ‪ ....‬فإن كان‬
‫من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة مؤمنة‪ ...‬وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق ‪...‬‬
‫وتحرير رقبة مؤمنة ‪ ( ....‬الية ‪ 92‬سورة النساء )‬
‫وفي هذه المعاني للحرية الجسدية والنفسية ‪ ،‬كانت مقولة عمر بن الخطاب‬
‫الشهيرة ‪ ،‬في معرض مسآءلة ابن عمرو بن العاص ‪ ،‬والذي أشتكاه أحد أقباط مصر إلى‬
‫الخليفة عمر ‪ ،‬حيث قال " متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا " ‪ .‬وإذا كانت‬
‫حرية التعبير لم تذكر مباشرة في القرآن الكريم ‪ ،‬إل إن حرية العتقاد والرأي‪ ,‬آنفة الذكر‪,‬‬
‫وكذلك ما ورد من آيات بالحث على التفكير والتأمل العقلي "أفل تعقلون" ‪ " ...‬إفل تتفكرون‬
‫" ‪ " ...‬وكذلك ما ورد في آية " وأمرهم شورى بينهم" ( آية ‪ 38‬سورة الشورى ) ‪ ،‬تتطلب‬
‫بيئة لطرح الراء وتنوعها والحق في قولها للوصول إلى الرأي المجتمع عليه ‪ .‬وفي حديث‬
‫رسول ال (ص) كما ورد في صحيح مسلم ‪ " :‬من سكت عن الحق فهو شيطان أخرس " ‪،‬‬
‫وكذلك قوله صلى ال عليه وسلم ‪ " :‬أفضل الجهاد قول كلمة حق أو( عدل) أمام سلطان‬
‫جائر ‪ " ,‬إشارة واضحة إلى الحق والحض على المجاهرة بالرأي وبالحق ‪ ،‬وهو ما يرقى‬
‫إلى أن تصبح حق و حرية الرأي والتعبير واجب طرحه طالما تتعلق بالحقوق ‪.‬‬
‫ورغم أن القرآن والسنة اشتمل كل منهما ‪ ،‬أيضا على منظومة من الحقوق‬
‫والواجبات والقيم في العلقات الجتماعية والقتصادية ‪ ،‬لم نشا التطرق لها ‪ ،‬مثل قضايا‬
‫الزكاة والرث والموقف من العدوان والعلقة مع الخر ‪ ،‬ومحاربة الفساد المالي والرشوة‬
‫والتجسس والعلقة مع الخر ‪ ، " ...‬إل أن التركيز كان على السس والقضايا والمبادئ‬
‫الكبرى لقامة حياة مدنية اسلمية ‪ ،‬وأهمها التشديد على إقامة العدل ومحاربة الظلم‬
‫والفساد في كافة المجالت والحقوق المادية والمعنوية وكذلك على التركيز على أصل‬
‫المساواة المنسجمة على مسألة التفاضل والتمايز الطبيعي ‪ ،‬وكذلك الحرية في وجه‬
‫الستبداد والطغيان بكافة أشكاله ومجالته وكذلك حرية ومشيئة التصرف بما في ذلك حرية‬
‫اليمان وكذلك ابداء الراء والتشاور حولها ‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن القرآن والسنة في أغلب الحيان لم يحدد الليات والهياكل‬
‫والجراءات ‪ ،‬باستثناء الشورى ‪ ،‬والتي طبقها الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬والتزم بها‬
‫الخلفاء الراشدون والخليفة عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬لذلك امكن ضمان العدل إلى حد كبير في‬
‫أزمانهم ‪ ،‬لقامة الحياة المدنية السلمية ‪ ،‬لتحقيق تلك المقاصد والمبادئ ‪ .‬إذا ترك القرآن‬
‫والسنة تلك الليات ‪ ،‬باستثناء الشورى التي لم ترسخ آلياتها بسبب قصر فترة الخلفه‬
‫الراشده ‪ ،‬والتي تم اقصائها بتجاهلها ‪ ,‬أو بتهميشها بالقول بعدم الزاميتها وذلك من قبل‬
‫الحكام والسلطين والمراء وفقهائهم ‪ ،‬بما في ذلك عدم تحديد آلية وكيفية انتقال السلطة "‬
‫الخلفة " وكذلك لم يتطرق القرآن ول السنة إلى النظمة والساليب الدارية والتنظيمية في‬
‫قضايا الجتماع والقتصاد والدارة والعلقات فيها ‪ .‬وما دام المبدأ موجودا‪ ,‬فان ترك‬
‫وسائله ناتج عن تقصير المسلمين ‪,‬على أن هذا الترك وعدم التحديد ‪ ،‬ليس عيبا بذاته ‪ ،‬بل‬
‫مقصودا هدفه إنسجام السلم مع متطلبات وتطورات العصور ذلك أنه مما حسب للسلم‬
‫بصلحيته للزمان والمكان ‪ ،‬وذلك بأن ترك للناس الذين هم أعلم بأمور دنياهم كما جاء في‬
‫الحديث الشريف تقرير تلك الليات والهياكل والتنظيمات والنظمة في كافة المجالت لقامة‬
‫حياة مدنية إسلمية حسب مقتضيات ظروفهم الجتماعية والقتصادية والثقافية والسياسية ‪،‬‬
‫بحيث يصار إلى إيجاد الوسائل والليات المناسبةوالمتوازيه مع تطور الحوال‪.‬‬
‫كان لدى الفقهاء وعي بأن للحكومه الشرعيه شرطان ؛ العدل والشورى وهذا ما‬
‫تحقق في فترة الخلفة الراشدة وإلى حد ما في عهد عمر بن عبد العزيز ‪ ،‬والذي وصف‬
‫بأنه راشد لنه " عدل وشاور " ‪ ،‬هي الستثناء في الدولة العربية السلمية " الخلفة "‬
‫والتي تم فيها إقامة العدل بسبب أنه ربط بآلية الشورى المرتبطة والنابعه من إرادة المجتمع‬
‫" المسلمين والمة " آنذاك خاصة وإن طريقة وآلية تسلم الخليفة الول أبو بكر رضي ال‬
‫عنه كانت مسنودة إلى اللية المؤسسية الشورية وهي " سقيفة بني ساعدة " ‪ ،‬تلك‬
‫المؤسسة والتي للسف لم تتطور كمؤسسة انتخابية لنتقال السلطة بحيث تعبر عن إرادة‬
‫شعبية " مجتمع وأمة " ‪.‬‬
‫مع اقصاء الشورى عن السلطة في قيامها وانتقالها ‪ ،‬اصبحت مسألة العدل‬
‫غير مربوطة بآلية يمكن أن يضمن تحققها في آفاقها ‪ .‬عندما اسست السلطة الوراثية تم‬
‫اقصاء الشورى فحدث الخلل ‪ ،‬الستبداد على حساب العدل والشورى والحرية ‪ .‬كانت في‬
‫الدولة السلمية ‪ ،‬منذ الخلفة الموية ‪ ،‬باستثناء عهد عمر بن عبد العزيز‪ ,‬كما أسلفنا ‪،‬وهي‬
‫السبب الساسي لما شهده التاريخ السلمي من توالي ثورات على الستئثار بالسلطه والثروه‬
‫والقرار طوال قرون اتسمت بأنعدام الستقرار ونجم عنها تشظي الدوله لدويلت‪ .‬وحتى وقتنا‬
‫الحاضر تقريبا ‪ ،‬وخاصة في عدد من البلد العربية ‪ ،‬كانت هناك ثلثة آليات لدارة الدولة‬
‫والعلقات الجتماعية بكافة أبعادها ‪.‬‬

‫‪ )1‬وجود حاكم أو خليفة أو سلطان أو أمير يأمل أن يكون‬


‫ومن هنا كان اقصاء الشورى في عملية اختيار‬ ‫عادلً ؟ حتى لو كان مستبدا ‪،‬‬
‫وانتقال السلطة وإدارتها‪ .‬تم حصر السلطة والسياسة في اشخاص بعينهم ‪ ،‬وبالتالي اعطائهم‬
‫الحق دون غيرهم ‪ ،‬ومن هنا كانت شمولية السلطة مشفوعة بفكرة ونظرية طاعة " ولي‬
‫المر " ‪ .‬وشمولية سلطاته وعدم الفصل بينهم ‪ ،‬بررت عن طريق قياس ذلك على حال‬
‫الخلفاء الراشدين ‪ ،‬باعتبار أنهم يجمعون بين سلطة القيادة وسلطة القضاء في أحيان‬
‫متكررة‪ .‬ومع ذلك فإن كان صحيحا بالنسبة لعدد من الخلفاء الراشدين ‪ ،‬ومن في صفتهم وهم‬
‫محدودون على أية حال ‪ ،‬فإن نقاء وتقوى ونزاهة أولئك الخلفاء ‪ ،‬وقربهم من عهد رسول‬
‫ال ومن بداية الدولة ‪ ،‬وكذلك عدم تعقيداتها في معظم المجالت ‪ ،‬فقد مكنهم ذلك الجمع بين‬
‫السلطات ولكن في نفس الوقت كانوا ملتزمين بآلية الشورى ‪ .‬أما غيرهم ‪ ،‬وهو القياس مع‬
‫الفارق بدرجة كبيرة ‪ ،‬فإنهم أولً ل يتحلون بصفات أولئك الخلفاء ولم يتمسكوا بها ‪ ،‬ثانيا ‪،‬‬
‫آلية الشورى لتضمن إقامة العدل والحياة المدنية السلمية المتوازنة وحيث أن السياسة بقت‬
‫فقط " الرئاسة " والمارة‪ ,‬فإن المير أصبح هو كل شئ ‪ ،‬وأما بقية الناس فليست سوى‬
‫رعايا ل شأن لها بالسياسةوخاصه في ظل وتبرير ذلك فقهيا ‪ ,‬ثم استخدام مفاهيم في سياق‬
‫فقه التغلب والضرورة بنيت على أحاديث عن الرسول (صلىال عليه وسلم) ‪ ،‬لتطور أيضا‬
‫فكرة وشمولية الحكام والسلطين والمراء إلى آخره ‪ .‬في ضوء تلك الخلفية من اقصاء‬
‫الشورى وبعده المجتمعي إرادة " المجتمع ـ المة " والتي كانت نواته المغيبة هي مؤسسة "‬
‫سقيفة بني ساعدة " ‪ ،‬فإن فكرة الصراع والتنافس والتعاون بين الفراد والجماعات ‪ ،‬وكذلك‬
‫فكرة المساهمة والمشاركة في إدارة الشئون العامة في الدولة السلمية ‪ ،‬لم تؤخذ على‬
‫محمل الجد ‪ ،‬بل نظر إليها على أنها محاولة لغتصاب السلطة ‪ .‬من هنا ‪ ،‬كانت حالة من‬
‫عدم الستقرار في الدول السلمية ‪ ،‬حيث التصفيات ومحاولة النتقام والتغلب على السلطة ‪،‬‬
‫على حساب آلية ‪ ,‬سلمية لدارة الصراع والتنافس والتعاون على توزيع الموارد و إقامة‬
‫العدل ‪ ,‬وبالتالي على حساب إرادة وسلطة المجتمع والمة ‪ ،‬والتي لم تتطور ولم تتاح لها‬
‫فرصة التطور رغم وجود بذور امكاناتها ‪ .‬إذا ‪ ،‬مع اقصاء آلية الشورى المسئولة أو المناط‬
‫بها ‪ ,‬ضبط العدل ومنع الستبداد ومع استبعاد مركزها الجماعي في الدارة ( المة‬
‫‪1‬‬
‫والمجتمع ) المتمثل في نواة مؤسسة "سقيفة بني ساعدة " وحصر السلطة بوكل الوالي *‬
‫والذي يجمع السلطات كلها بيده ‪,‬مبعدا نفسه عن المحاسبه والشموليه الوارده في الحديث‬
‫الشريف وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ‪ ,‬وأما الشعب والمجتمع فهم الرعيه فما عليهم‬
‫إل أن يتبعوا ما يريده الراعي"الولي" ‪ .‬تطور الستبداد وغياب العدل في ظل ثقافة أساسها لم‬
‫تكن مدنية ‪ ،‬جمعت بين البطش والقسوه ‪ .‬من هنا أصبحت الدولة هي السلطان والخليفة‬
‫والمير ‪ ...‬الخ ولكنها " الدولة‪ -‬الفـرد " ‪.‬‬
‫وللسف فأن الكتابات الحديثه في الفقه السياسي لم يتغلغل اجتماعيا ولم‬
‫يتيح لها التطبيق الفعال وكذلك حتى الفكر السياسي العربي الحديث ‪ ،‬و المهتم بقضايا الدولة‬
‫‪ ،‬لم يعطى فكرة الدولة والمؤسسات المدنية كثير أهتمام ‪ ،‬ولم يتبنها إل منذ وقت قريب‬
‫جدا ‪ ،‬ول زال هناك من يفكر بنفس الطريقة القديمة ‪ ،‬في تبرير وجود"الدولة ـ الفرد "‬
‫وكذلك " الفرد ـ البطل" " والمحرر" " العادل ـ المستبد " وغيرها من مسميات تبجيليه‬
‫خادعه ‪ .‬من هنا فإن ثقافة الحياة المدنية وآليات الدولة المعاصرة باعتبارها مؤسسات‬
‫ل بل إن هناك مع السف من ل زال يؤصل‬
‫وليست افرادا ‪ ,‬أهملت واغفلت عمدا أو جه ً‬
‫للستبداد والطغيان بالتشديد على شمولية سلطة الحاكم في الدولة السلمية وعدم الفصل بين‬
‫السلطات ‪.‬‬
‫‪ )2‬اللية الخرى والتي كانت ول زالت مستمرة في كثير من البلدان العربية‬
‫والسلمية هي وجود " قاض أو قضاة " يتميزون بالنزاهة والمانة والصدق وعن طريقهم‬
‫يتم تطبيق العدل وخاصة في نقاط التقاضي والتخاصم بين الناس ‪ .‬كان القاضي أو القضاة‬
‫في السابق وفي فترات الدولة السلمية غير الحديثة ‪ ،‬وبتلك المواصفات ولعدم تعقيدات‬
‫الحياة يمكن أن يحققوا قدرا مقبولً من العدل ولكن في ظروف الدولة الحديثة وتكاثر سكانها‬
‫وتنوع وتضارب مصالحها والحتياجات ‪ ،‬فإن هذه الليات بالتأكيد لن تكون كافية ‪ ،‬وستكون‬
‫قاصرة عن تحقيق مقاصد الشريعة السلمية ‪ ،‬وخاصة لن تحقق القدر اليسير من العدل ‪.‬‬
‫لذلك بدأ أنه مع تزايد الستبداد لدى " الدولة ـ الفرد" ‪ ،‬فإن استقلل القضاة ـ ليس من‬
‫‪ * 1‬ابعد نفسه عن المحاسبة والشمولية الواردة في الحديث الشريف وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته ‪ ،‬وأما الشعب والمجتمع فهم الرعية فما عليهم إل‬
‫أن يتبعوا ما يريده الراعي " الوالي " ‪.‬‬
‫حيث القضاة انفسهم فقط وإنما بوجود معايير وآليات تمنع تدخل الحاكم " السلطة التنفيذية "‬
‫واجهزتها بشئون القضاة كسلطة قضائية وكمؤسسة ‪ .‬وطبقا لنظرية ولي المر ‪ ،‬فإن الحاكم‬
‫‪ .‬كما هي مطبقة في بعض من البلد العربية ومنها السعودية على وجه التحديد ‪ ،‬يعتبر هو‬
‫القاضي الول وما القضاة إل وكلء ينوبون عنه ‪ ،‬وبالتالي فإن الحاكم ـ الملك يستطيع في‬
‫العقوبات التعزيرية رفض الحكام وطلب تغييرها ‪ ،‬هذا فضلً عن عدم وجود مدونة لحكام‬
‫وعقوبات التعزير معروفة وواضحة " محددة وموحدة ومعلنة"‬

‫‪ )3‬آليات الحتساب على السلطة " المر بالمعروف والنهي‬


‫عن المنكر "‬
‫لنبدأ أولً بأدلة من القرآن والسنة على الحتساب على السلطة أو السلطات‬
‫والمر وبالمعروف أو النهي عن المنكر ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬الدلة من القرأن الكريم ‪:‬‬
‫‪ )1‬قال تعالى " ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن‬
‫المنكر وأولئك هم المفلحون " ( ‪ 104‬سورة آل عمران ) ‪ .‬ويلحظ في هذه الية الكريمة ان‬
‫المر لم يقتصر فقط على المر بالمعروف والنهي عن المنكر ‪ ،‬على العموم ‪ ،‬وإنما قدم لها‬
‫بالدعوة إلى الخير وتلك يمكن الستدلل فيها على القيام بكل العمال الخيرة بما في ذلك‬
‫مسألة تقديم القتراحات والراء والفكار الصلحية لخير المجتمع وتقدمه ‪.‬‬
‫‪ )2‬وقال ال تعالى " كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن‬
‫المنكر ( ‪ 110‬آل عمران ) ‪ .‬ويلحظ في هذه الية الكريمة إن القيام في المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر حق متاح لي فرد في المجتمع وليس فقط كوظيفة لفئة محددة كما هي‬
‫الية الولى ‪.‬‬
‫‪ )1‬قال ال تعالى " والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف‬
‫وينهون عن المنكر " ( آية ‪ 71‬التوبة ) ‪.‬‬
‫‪ )2‬قال تعالى " فلما نسوا ما ذكروا به انجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين‬
‫ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون " ( آية ‪ 165‬سورة العراف) ‪ .‬وفي الية الكريمة فإن‬
‫الذين ينهون عن السوء فهم أولئك الذين ينكرونه وبالتالي نجاهم ال فسلموا ‪ ،‬وأما الذين‬
‫ظلموا منهم ‪ ،‬فهم أولئك الذين فسقوا " ايمانا أو سلوكا " وأيضا الذين سكتوا ولم ينهوا عن‬
‫الظلم والفسق فعذبوا عذابا شديدا ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الدلة من السنة على الحتساب على السلطة " السلطات " المـر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر ‪:‬‬
‫‪ )1‬عن أبي سعيد الخدري رضي ال عنه قال سمعت رسول ال صلى ال عليه وسلم‬
‫يقول ‪ :‬من رأى منكم منكرا فليغيره بيده ‪ ،‬فإن لم يستطع فبلسانه ‪ ،‬فإن لم يستطع فبقلبه ‪،‬‬
‫‪2‬‬
‫وذلك أضعف اليمان " رواه مسلم ‪.‬‬
‫ويلحظ في هذا الحديث أن حق النكار واجب على كل فرد وكل حسب طاقته ‪،‬‬
‫ولذلك فإنه بالنسبة " لدعاة الصلح الدستوري والمجتمع الهلي المدني" فإن الوسيلة هي‬
‫الكلمة والراء والمقترحات والتعبير عنها " باللسان " لن ذلك مما يقع في قدرتهم وامكاناتهم‬
‫المعرفية والقدرة على التعبير عنها بالرأي كتابة أو خطابة ‪ ....‬الـخ ‪.‬‬
‫‪ )2‬عن ابن مسعود رضي ال عنه أن الرسول صلى ال عليه وسلم قال ‪ " :‬ما من نبي‬
‫بعثه ال في أمة قبلي إل كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ‪،‬‬
‫ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما ل يفعلون ‪ ،‬ويفعلون ما ل يأمرون ‪ ،‬ومن جاهدهم‬
‫بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ‪ ،‬وليس وراء‬
‫‪3‬‬
‫ذلك من اليمان حبة خردل " رواه مسلم ‪.‬‬
‫ويلحظ في الحديث اعله ان الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ ,‬يجعل من‬
‫الحتساب ‪ ,‬بكافه وسائله ‪ ,‬بما في ذلك الحتساب عن طريق الكلمه " اللسان" ‪ ,‬جهادا‬
‫ومجاهدة‪.‬‬

‫والمقصود من وتعرفون وتنكرون ‪ ،‬أي تعرفون افعالهم الموافقة للشريعة‬


‫وتنكرون بعضها لمخالفتها لها ‪ .‬وأما المقصود بقول " من رضي وتابع أي من رضي بفعلهم‬
‫‪4‬‬
‫وافقهم عليه فهو العاصي ‪.‬‬
‫‪ )3‬وعن عدم تناهي بني اسرائيل عن المنكر كما وردت في (اليات ‪ 78‬ـ ‪.. 81‬‬
‫المائدة ) ‪ ،‬وإن علمائهم أخذوا يجالسونهم ول ينكرون عليهم ‪ ...‬قال الرسول صلى ال‬
‫عليه وسلم في حديث عن ابن مسعود رضي ال عنه ‪ ،‬محذرا المسلمين أن يكونوا مثل أولئك‬
‫‪ 2‬المصدر " رياض الصالحين ‪ ..‬حققه شعيب الرناؤوط " بيروت " مؤسسة الرسالة طبعة ‪3/1422‬هـ ـ ‪ 2001‬م ص ‪. 93‬‬
‫‪ 3‬المصدر نفسه ‪94 – 93‬‬
‫‪ 4‬المصدر نفسه ص ‪94‬‬
‫من بني اسرائيل ‪ " ،‬كل" وال لتأمرون بالمعروف ‪ ،‬ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يدي‬
‫الظالم ولتأطرنه عن الحق أطرا ‪ ،‬ولتقصرنه على الحق قصرا أو ليضربن ال بقلوب بعضكم‬
‫على بعض ثم ليلعنكم كما لعنهم رواه داوود والترمزي ‪ )4 5‬وعن حذيفة رضي ال عنه عن‬
‫النبي (ص) ‪ " :‬والذي نفسي بيده لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ‪ ،‬أو ليوشكن ال أن‬
‫‪6‬‬
‫يبعث عليكم عقابا منه ‪ ،‬ثم تدعونه فل يستجاب لكم " رواه الترمذي ‪.‬‬
‫‪ )5‬عن أبي بكر الصديق رضي ال عنه قال ‪ ،‬سمعت رسول ال يقول ‪ " :‬إن الناس إذا‬
‫رأوا الظالم فلم يأخذوا على يده أوشك أن يعميهم ال بعقاب منه" رواه أبو داوود والترمذي‬
‫والمقصود بأن يأخذوا على يده ‪ ،‬أن يمنعوه من الظلم باليد او باللسان أو بالقلب‬ ‫‪7‬‬
‫والنسائي‬
‫‪8‬‬
‫‪.‬‬
‫في سياق الحتساب على السلطة ‪ ،‬بما هي امر بالمعروف ونهي عن المنكر‪,‬‬
‫بما في ذلك القيام بالنصيحة والدعوة إلى الخير متوجها في تحقيق ذلك إلى السلطة والمجتمع‬
‫والشعب ( المه )‪ ،‬وهو ما قد يشمل القاء الخطب والمحاضرات والندوات في مختلف المنابر‬
‫العامة وبما يشمل طرح الراء والرؤى في قضايا الصلح وتوعية الناس في أمورهم‬
‫ومصالحهم ‪ ،‬فهناك حديث الرسول (ص) يقول فيه ‪ " :‬الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال ‪ " :‬ل‬
‫‪9‬‬
‫ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين وعامتهم " ‪.‬‬
‫وكلمة النصيحة هنا كلمة جامعة ‪ ،‬تعنى بأمور الدين الروحيه والمدنيه " قولً‬
‫وعملً " وبالنسبة لعامة الناس فالنصيحة تشمل ارشادهم لمصالحهم في دنياهم وآخرتهم ‪ ،‬بما‬
‫في ذلك دفع المضار عنهم ‪ ،‬وجلب المنافع لهم ‪ ،‬والذب عن أموالهم ‪ ،‬وغير ذلك من أحوالهم‬
‫‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫بالقول والفعل‬
‫والنصيحة بهذا المعنى الواردة بالحديث ‪ ،‬تعني أولً إنها وهي تتوجه ليس‬
‫فقط للحكام‪ ,‬وإنما لعامة الناس فإنها ل يمكن أن تكون سرية بل علنية ‪ ،‬وحق للناس على‬
‫من لديهم المعروفة والمكانية في تقديم النصيحة في أمور حياتهم ‪ ،‬ومنها بدرجة أساسية‬
‫الدفاع عن قضايا العدل ومحاربة الظلم والفساد وما ينتهك حرياتهم وحقوقهم المادية‬

‫‪ 5‬المصدر نفسه ص ‪95‬‬


‫‪ 6‬المصدر نفسه ‪95‬‬
‫‪ 7‬المصدر نفسه ص ‪97‬‬
‫‪ 8‬المصدر نفسه ص ‪ ، 97‬هامش ‪. 1 #‬‬
‫‪ 9‬صحيح مسلم يشرح النووي " بيروت " ‪ :‬دار ابن حزم ‪ ،‬ط ‪ 14231‬هـ ـ ‪ 2002‬م ص ‪163-161‬‬
‫‪ 10‬المصدر نفسه ص ‪162‬‬
‫والمعنوية ‪ ،‬في كافة المجالت ‪ ،‬بما في ذلك المجالت السياسية والقتصادية والجتماعية‬
‫والثقافية ‪ ،‬وتوعيتهم لها بكل وسيلة سلمية ممكنة ‪.‬‬
‫تلك الدلة من القرآن والسنة على الحتساب على السلطة بالمر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر‪ .‬ونود أن نشير إلى ان الحتساب على السلطة من باب المر بالمعروف‬
‫والنهي عن المنكر ‪ ،‬ويركز على المر بالمعروف السياسي والنهي عن المنكر السياسي ‪،‬‬
‫وأهم أمر بالمعروف السياسي ‪ ،‬هو اقامة العدل والمر به ‪ ،‬والدعوة إليه كتابة أو خطابة أو‬
‫تقديم رؤى ‪ ،‬ولتحقيق ذلك ‪ ،‬بما في ذلك ما يتعلق بالوسائل والليات والهياكل والطرق‬
‫والساليب السياسية الحديثة لتحقيق ذلك ‪ .‬وأما النهي عن المنكر السياسي فإنه يشمل أيضا‬
‫النقد ‪ ،‬ومحاربة الفساد والظلم والمظالم والمحسوبية وتبيان ذلك للسلطة وعامة الناس بكل‬
‫طريقة ووسيلة سلميه ممكنة ‪ .‬ورغم إن الدلة القرآنية والسنن النبوية الشريفة تقدم تلك‬
‫المكانية للحتساب على السلطة لصالح الفراد والجماعة وفي سبيل اقامة حياة اسلمية‬
‫عادلة شورية ‪ ،‬إل إن الممارسة بهذه المكانية كانت أو ًل تـتـم فـي ‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬إما على شكل فردي يحاذر السلطة ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬أو على شكل هيئة ولكنها خاضعة للدولة أو السلطان ‪ ،‬وبالتالي غير مستقلة‬
‫تلك الهيئة على أمور الحتساب الخلقي والداب والسلوك السلمية وهذا‬ ‫وعادة تركز‬
‫أمر هام ‪ ,‬كما هو حال المر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية ‪ ،‬ولكنها لم تكن‬
‫تمارس الحتساب السياسي " المر بالمعروف ‪ ،‬المر بالعدل والنهي عن المنكر ‪ ،‬عن الظلم "‬
‫‪ .‬بل فوق ذلك فإن تاريخ الدولة السلمية في قديمها وحديثها ‪ ،‬كما هي حالة السعودية‬
‫وبعض البلدان العربية ‪ ،‬ل تسمح بالحتساب عليها ‪ ،‬من قبل الفراد من أهل العلم والرأي‬
‫والخبرة والختصاص في كافة المجالت‪ ,‬والذين يمتلكون القدرة المعرفية والتحليلية لتقديم‬
‫الرؤى والمقترحات والصلحات ‪ ،‬من خلل الهياكل والليات المحايدة ‪ ،‬والتي في حالة تبنيها‬
‫يمكن أن تساهم في ضمان اقامة العدل ومحاصرة الظلم والفساد وإقامة حياة مدنية اسلمية‬
‫شورية عادلة ‪ .‬وعادة ما تنظر مثل هذه الدول للحتساب الفردي عليها بحساسية مفرطة ‪،‬‬
‫وغالبا ما تحاول تقييده ومحاصرته واتهام من يقوم به بالتحريض والفتنة ‪ ،‬رغم إن أراء‬
‫بعض الفقهاء تشدد على إن الحتساب على السلطة في المجال السياسي ل يحتاج إلى اذن‬
‫وموافقة منها ‪ ،‬كما قال في ذلك عديد من الفقهاء كابن تيمية وابو حامد الغزالي وغيرهم ‪،‬‬
‫لن القيام بالحتساب حق للفرد والجماعة ‪ ،‬بل إنه يتجاوز الحق إلى كونه واجبا لمن لديه‬
‫قدرة ‪ ،‬ولذلك فإن القيام به تجاه الستبداد والسلطة الجائرة اعتبر على إنه يوازي الجهاد‬
‫حيث إن في ممارسته " اثمان ومشقة " يمكن للمحتسب والمصلح أن يدفعها بأي لحظة ‪.‬‬
‫إذن الحتساب الفردي غير مسموح به من قبل السلطات والدول ‪ ،‬وخاصة في‬
‫عدد من الدول العربية ‪ ،‬وإذا قبلت به فتقبله على مضض وتحاول أن يكون في أضيق الحدود‬
‫( وغير علني ‪ ...‬سري ‪ ...‬النصيحة والمناصحة سرا ) ‪ ،‬وذلك للتحكم واغفال المجتمع‬
‫وعامتهم ‪ ،‬رغم ما لهم من حق على المحتسبين بالنصح لهم وتوعيتهم كما مر بنا في‬
‫الحديث السابق‪.‬‬
‫واذا كان الحتساب على السلطة فرديا وغير مسموح به من تلك الدول ‪ ،‬فإنها في‬
‫المقابل ‪ ،‬سوف تشعر بقلق أكبر من الحتساب الجماعي " المجتمعي‪ -‬المؤسسي " على‬
‫السلطة ‪ .‬ولضمان عدم حدوث الحتساب المجتمعي المؤسسي عليها ‪ ،‬قامت معظم الدول‬
‫العربية ‪ ,‬أ كانت تقول أنها تطبيق الشريعة السلمية أم ل ‪ ،‬ولضمان عدم حدوث الحتساب‬
‫المجتمعي المؤسسي عليها ‪ ،‬بشكل كبير ومنهجي وخاصة بعضها ‪ ،‬بمنع أي إمكانية لقيام‬
‫تكوينات المجتمع الهلي المدني " الجمعيات والتحادات والنقابات" المهنية والقتصادية‬
‫والجتماعية والثقافية والعلمية والسياسية اوبالهيمنه عليها وتحويلها الى مؤسسات شكليه‪.‬‬
‫وفي حالة قيامها أو وجودها‪ ,‬فإن تلك الدول والسلطات تعمل على عدم فعاليتها الحتسابية "‬
‫المر والنهي عن المنكر" وخاصة في المجال السياسي في قضايا الحقوق والحريات‬
‫والمصالح والعدالة في كافة مجالتها ‪ ،‬وكل حسب مجاله واهتماماته وتتم عادة عدم‬
‫الفعاليات لتلك التكوينات الهلية المجتمعية ‪ ،‬من خلل محاولة تلك الدول السيطرة عليها‬
‫باختراقها أو التضييق عليها ‪.‬‬
‫بموازاة ذلك عملت عديد من الدول العربية ‪ ،‬بوعي أو بجهل بتدمير التكوينات‬
‫الجتماعية الهلية التقليدية ( السر والعشائر والطوائف ‪ ...‬الخ) ‪ .‬نتج عن هذه وتلك‬
‫نتيجتان متلزمتان ‪ :‬الولى ‪ ،‬من خلل غياب الرقابة والمحاسبة سواء أكانت مؤسساتيا على‬
‫مستوى تركيب السلطة نفسها "عدم وجود فصل السلطات والرقابة فيما بينها " أم على‬
‫مستوى الحتساب الفردي أو المجتمعي المؤسسي ‪ ،‬مدعوما دعما واضحا في استقلل‬
‫القضاء ‪ ،‬أصبحنا أمام دول عربية ‪ ،‬ومنها من يقول إنها تطبق السلم وإن دستورها القرآن‬
‫والسنة ‪ ،‬وفيها الستبداد " النفراد بالسلطة" والسلطة المطلقة والستئثار بها هو السائد‬
‫المهيمن ‪ ،‬فاستشراء الظلم والمظالم ‪ ،‬بما في ذلك الفساد المالي والداري وسيطرة نخب من‬
‫عائلت متحالفة مع السلطة أفرغت قضايا التنمية وتوزيع الموارد لمصلحتها ونفوذها ‪،‬‬
‫وانتهكت الحقوق‪ ,‬والحريات تم مصادرتها‪ ,‬فضاعت الكرامة النسانية للمواطنين ‪ ،‬وقل‬
‫الهتمام بالمصلحة العامة ‪ ،‬وتناقص النتماء والولء ‪ ،‬فاصبحنا أمام دول هشة غير قادرة‬
‫على مسايرة ومواجهة التحديات الداخلية والمخاطر الخارجية مما يجعلها تعرض مجتمعاتها‬
‫لشد أحتمالت الخطر إل وهو التفتيت ومشاريع التقسيم ومشاريع اعادة صياغة خرائط‬
‫واخضاع المنطقة بما ينطوي على تلك من مخاطر حقيقية ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬كان ول زال اندلع الصراع الجتماعي والحرب الهلية والعنف ‪ ،‬في عدد من‬
‫الدول العربية ‪ ،‬نتيجة متلزمة للستبداد وغياب المشاركة الشعبية تماما مثلما كان في‬
‫الدولتين المويه والعباسيه ‪ ،‬عن طريق إقصاء آلية الشورى الملزمة والمنتخبة دوريا‬
‫وبتفويض من المجتمع (المه) ‪ ،‬وبالتالي خلل أو غياب العدل في كافة المناحي والمجالت ‪.‬‬
‫ولذلك فإن انخراط اعداد متزايدة من الشباب في العنف ‪ ،‬كان نتيجة طبيعية ولربما حتمية‬
‫للستبداد السياسي ‪ ،‬مع غياب المشاركة وآلياتها ‪ ،‬وكذلك عدم وجود اطر وتكوينات‬
‫مؤسسات المجتمع الهلية والمدنية ‪ ،‬لكي يتيح لهؤلء الشباب النخراط فيها والفصاح عن‬
‫رغباتهم وآرائهم ورؤاهم ومطالبهم وإمكانية ايجاد أطر تقدم لهم التوجه والقيادة والمشاركة‬
‫والمل في حياة أفضل ‪.‬‬
‫ولكي نضمن تحقيق العدل والقضاء على الستبداد ‪ ،‬فإننا بحاجة إلى آليات‬
‫وهياكل وإجراءات تتضمن عناصر أساسية من خللها يمكن أن نصل إلى انتظار الوسائل‬
‫المناسبه للتحقيق المثل لمقاصد الشريعة السلمية والتي لم تعد الوسائل والدوات السابقة‬
‫الماضية كافية أو قادرة على تحقيقها وضمان تطبيقها وتلك الوسائل والليات والهياكل‬
‫والجراءات والعناصر التي يمكن أن تحقق لنا العدل وتقضي على الستبداد وتضمن حقوق‬
‫الناس وحرياتهم يوفرها ويتضمنها " الدستور "‪.‬‬
‫والدستور بهذا المعنى " ليس كفرا ول إيمانا " ‪ ،‬بل هو آليات وهياكل واجراءات‬
‫وعناصر محايدة لقامة حياة مدنية اسلمية( أو سواها حسب المرجعيه) ‪ ،‬وهنا المرجعية‬
‫السلمية " القرآن والسنة"‪ .‬وقبل أن ندخل في تفصيل عام عن هياكل وآليات الدستور ‪،‬‬
‫نقول إن الدستور يمكن أن يقاس على تنظيمات وأنظمة وآليات وهياكل ‪ ،‬تستخدمها الدول‬
‫للمساعدة في تسيير بعض شئون الحياة ‪ ،‬ومنها على سبيل المثال وليس الحصر نظام المرور‬
‫‪ .‬ونظام المرور يتكون من عناصر تتعلق بالقيادة للسيارات ‪ ،‬والشارة الضوئية التلقائية ‪،‬‬
‫وكميرات المراقبة ‪ ،‬وأجهزة رصد السرعات " الرادار " والشبكات اللكترونية إضافة إلى‬
‫نظام العقوبات والجزاءات للمخالفات ‪ .....‬الخ ‪ .‬وفي السعودية ‪ ،‬وقبل أكثر من خمسين عام‬
‫أو حولها ‪ ،‬لم يكن هناك نظام مرور ‪ ،‬ول مسارات ول طرق معبدة ول رقابة على السير ‪.‬‬
‫ومع الوقت اصبحت الحاجة ملحة لستخدام تلك المنظومة من عناصر نظام المرور ‪ ،‬وهذه‬
‫لم تكن أصلً موجودة في البلد العربية أو السلمية ‪ ،‬وإنما تطورت في الغرب ‪ ،‬كنتيجة‬
‫طبيعة لتطور مجتمعاتها وتقنياتها ‪ ،‬بما في ذلك السيارات والليات والنقل والحاجة إلى‬
‫تنظيمها ‪ .‬فهل نظام المرور " حرام أم حلل " ؟ وهل نظام المرور " إيمان أو كفر " ؟ وإذ‬
‫لم يرد في القرآن والسنة فهل يعني إن أي نظام أو تنظيم حياتي يأتي من تجارب الخرين‬
‫والحضارة النسانية ‪ ،‬يعتبر مخالفا للقرآن والسنة والدستور ؟ ‪.‬‬
‫والدستور في جوهره آليات وهياكل واجراءات وعناصر ‪ ،‬تضمن العدل ‪،‬‬
‫وتقضي على أو تحد من الستبداد ‪ ،‬وصولً الى إن الدستور ما هو في النهاية إل " السلطة‬
‫المقيدة " " الحكومة المقيدة" ( أ والملتزمة) بذلك ‪ ،‬من خلل الممارسة وتطبيق تلك الليات‬
‫والهياكل ‪ ،‬مسنوداَ ذلك بدعم شعبي يصوت عليه ‪ ،‬بحيث يكون المجتمع ـ الشعب " المة‬
‫وارادتها " المر بإعتبار السلطه للمه في تحقيق مقاصد الشريعه ‪ ,‬فهي أي المه المخوله‬
‫بتقرير مصالحها وأتخاذ الوسائل المناسبه لتحقيق مقاصد الشريعه والتي تتجلى من خلل‬
‫النتخابات العامة الدورية النزيهة للمواطنين مع ضمان حرية التصويت ‪ .‬والدستور من حيث‬
‫هو آليات وهياكل وعناصر يتكون ببساطة من العناصر والهياكل التية ‪:‬‬
‫اقرار الدولة بالحقوق والحريات الساسية ‪.‬‬
‫فصل السلطات وآليات الرقابة والمحاسبة ‪ .‬أ – السلطة التنفيذية ب‪ -‬السلطة النيابية‬
‫( الشورى المنتخبة الملزمة) ‪.‬ج‪ -‬السلطة القضائية ‪.‬‬
‫‪ )3‬ضمان وتعزيز استقلل القضاء " تعزيز استقلل القضاء( السلطة القضائية عن‬
‫طريق وجود معايير معترف بها دوليا تقبلها الدولة وتأخذ بها ) ‪.‬‬
‫‪ )4‬السماح بتكوينات المجتمع الهلي المدني من جمعيات واتحادات ونقابات بالتشكل‬
‫والعمل والمحافظة على مصالح المنتمين لها والقيام بحماية الحقوق والحريات والرقابة في‬
‫الشئون العامة والحتساب على السلطات وعلى التكوينات الجتماعية الخرى ‪.‬‬
‫‪ ،‬فإن المهم في تلك الليات والهياكل هو‬ ‫‪11‬‬
‫وبدون الدخول في التفاصيل‬
‫أن نصل بالفعل إلى " السلطة المقيدة " وذلك عن طريق ‪:‬‬
‫آلية فصل السلطات وآلية الرقابة والمحاسبة أو يمكن تسميتها في السلم " التراقب‬
‫والتحاسب المؤسساتي في السلم للسلطات على بعضها البعض وفيما بينها " ‪ .‬إن كل سلطة‬
‫من تلك السلطات الثلث لها اختصاصها وصلحياتها في آداء وظائفها ومهامها ‪ " :‬السلطة‬
‫التنفيذية " أو الحكومة ‪ ،‬تختص أساسا بالتنفيذ ورسم السياسات العامة وتصريف أمور إدارة‬
‫الشئون العامة والخارجة عن طريق الجهزة الحكوميه ‪ -‬الوزارات وفروعها ‪ ،‬وما تسمى "‬
‫الدارة العامة " أو البيروقراطية ؛ السلطة النيابية المنتخبة شعبيا ودوريا يتولد لها من تلك‬
‫النتخابات التفويض الشعبي ومشروعية ممارسة سلطتها نيابة عن المجتمع ـ الشعب أو‬
‫المة‪ ,‬ومهمة هذه السلطة النيابية هو اصدار القوانين والقرارات وسنها طبقا لحكام الدستور‬
‫ومرجعيته في مصادر الحكام ؛ والسلطة القضائية تقوم بتطبيق الحكام المنصوص عليها‬
‫دستوريا والمؤسسة على مرجعيات محددة في مصادر الحكام ‪ ،‬وكذلك بالبث بمشروعية‬
‫وشرعية القرارات الصادرة من السلطات الخرى ‪ ،‬وذلك عن طريق وجود محكمة دستورية‬
‫عليا (شرعية ) ‪ ،‬بالفصل في المنازعات بين الفراد والطراف بما يحفظ ويصون الحقوق‬
‫وعلى قدم المساواة ‪.‬‬
‫اضافة إلى ذلك ‪ ،‬وهذا هو المهم أيضا ‪ ،‬فإن تلك السلطات ورغم أنها‬
‫تقوم في أداة وظائف واختصاصات كل في مجالها ‪ ،‬إل أن كل منها ‪ ،‬مناط بها ‪ ،‬طبقاُ‬
‫للدستور ‪ ،‬القيام بمراقبة عمل السلطات الخرى وإمكانية التدخل للحد من تجاوز الصلحيات‬
‫والمخولة دستوريا وعدم إساءة استخدام السلطة وهذه هي آليه ووظيفه يمكن تسميتها‬
‫بالتراقب والتحاسب ‪ .‬فالسلطة النيابية " ممثلة للشعب والمجتمع " تراقب أعمال وسياسات‬
‫الحكومة وتحتاج الحكومة والسلطة التنفيذية إلى اقرار وموافقة السلطة النيابية على كثير من‬
‫أعمالها ؛ فالميزانية العامة للدولة وصرفها تحتاج إلى موافقة من السلطة النيابية ‪ ،‬وكذلك‬
‫تعيين الوزراء ومسائلتهم عن أعمالهم وأيضا المصادقة أو رفض توقيع التفاقات الدولية‬
‫وخاصة المنية والعسكرية ‪ ...‬الخ ‪ .‬والسلطة القضائية عن طريق المحكمة الدستورية العليا‬
‫الشرعية تراقب أعمال وقرارات كل من السلطات التنفيذية والنيابية ‪ ،‬فإذا وجدت أن تلك‬
‫القرارات تتعارض مع الدستور وأحكامه ‪ ،‬بما في ذلك عدم انتهاك حقوق وحريات المواطنين‬

‫‪11‬‬
‫للمزيد في التفصيلت أنظر الجزء الخاص بالدستور ‪.‬‬
‫الساسية فإنها تصدر أحكاما ملزمة تجاه السلطة المخالفة ‪ ،‬بالغاء تلك القرارات أو القرار ‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك ‪ ،‬تكون مؤسسات المجتمع الهلي المدني وتكويناته المختلفة ‪ ،‬والتي يضمن‬
‫الدستور قيامها وعملها واستقلليتها ‪ ،‬بالرقابة المؤسسية المجتمعية على السلطات ‪ ،‬وهو‬
‫ما يمثل " آلية الحتساب على السلطة " اسلميا ولكن بطريقة مؤسسية وليست فردية‬
‫وبكافة المجالت ذات الصلة بالعدل والحقوق والحريات والمصالح الخاصة والعامة وضد‬
‫الفساد والمظالم ‪ ...‬الخ ‪ ،‬وكذلك تقوم مؤسسات المجتمع الهلي المدني بالحتساب على‬
‫بعضها البعض للحفاظ على الحقوق والمصالح والتوازن في سياق المصلحة العامة ‪.‬‬
‫هناك عدة نقاط تحتاج إلى توضيح فيما يتعلق بتلك الليات الدستورية وعدم‬
‫تناقضها مع القرآن والسنة ‪ .‬الولى تتعلق بمسألة الحقوق والحريات العامة للمواطنين "‬
‫حقوق النسان " وكذلك بمصادر الحكام ذات الصلة بالدستور أو بالحقوق أو بعمل السلطة‬
‫النيابية ‪ .‬فنقول أن المرجعية ذات الولوية في كل ذلك هي الحكام القطعية الواردة في القرآن‬
‫والسنة فيما يتعلق بالحقوق والحريات ‪ ،‬ومصادر أحكام الدستور لعمل السلطات ‪ .‬إضافة إلى‬
‫ذلك فإن الحقوق والحريات الساسية التي تقرها السلطة النيابية المتصلة بالمواثيق الدولية‬
‫المنسجمة مع السلم وغير المتعارضة تعتبر جزءا من تلك المنظومة الحقوقية ‪ .‬الثانية ‪:‬‬
‫تتعلق بآلية فصل السلطات وخاصة فيما يتعلق بالسلطة النيابية فهذه في بعدها السلمي‬
‫والقرآني وسنة النبي وسيرة الخلفاء الراشدين هي " الشورى الملزمة " والمنتخبة شعبيا‬
‫ودوريا في المجتمع ‪ .‬وأما من المؤهل لذلك التمثيل " تمثيل الناس والمجتمع " " في تلك‬
‫السلطة ـ الشورى الملزمة " فهم من يطلق عليهم أهل الحل والعقد من أهل الرأي والخبرة‬
‫والعلم والختصاص في كافة المجالت الحياتية بما في ذلك أهل الختصاص في الشريعة‬
‫السلمية ‪ ،‬وأولئك وهؤلء جميعا هم من يطلق عليهم القرآن " أولي المر " والذي تنطبق‬
‫عليهم الية الكريمة التالية قال ال تعالى ‪ " :‬وإذا جاؤهم امر من المن أو الخوف أذاعوا‬
‫به ‪ ،‬ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي المر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ‪ ،‬ولو ل فضل‬
‫ال عليكم ورحمته لتبعتم الشيطان إل قليلً " ( الية ‪ 83‬من سورة النساء ) ‪" .‬أولوا المر"‬
‫في الية السابقة هم ‪ ،‬كما قال بذلك ‪ ،‬النووي في شرح صحيح ومسلم ‪ ،‬أهل العلم‬
‫‪ ،‬ويقول بذلك أيضا الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ‪ ،‬حيث‬ ‫‪12‬‬
‫والمعروفة والرأي ‪.‬‬

‫‪ 12‬عن رأي النووي في ذلك انظر صحيح ومسلم ‪ ،‬بشرح النووي " بيروت " دار بن حزم ط ‪1423 ، 11‬هـ ‪ 2002‬م ص ‪. 1427‬‬
‫يقول " أولي المر" المقصود بهم ‪ ،‬أهل الرأي والعلم والنصح والرزانة الذين يعرفون المور ‪.‬‬
‫‪13‬‬

‫والثالثة تتعلق بمؤسسات المجتمع الهلي المدني وهذه تمثل الجمعيات‬


‫والتحادات والنقابات في المجالت المهنية القتصادية والجتماعية والثقافية والسياسية ‪...‬‬
‫الخ ‪ .‬والمهم هنا إن هذه اللية تسمح للمجتمع والجماعات والفراد المنتمين لها بالحتساب‬
‫على السلطات بطريقة " مؤسسية سلمية ومشروعة" ‪ ،‬وفي سياق المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر ‪ ،‬في الشئون العامة ‪ ،‬وما يتصل بالعدل باعتباره من أهم وأولويات المر‬
‫بالمعروف ‪ ،‬والنهي عن النظم والفساد باعتباره من أهم أولويات النكار السياسي ‪ .‬إذن‬
‫تصبح هذه اللية بالحتساب على السلطة ‪ ،‬هي اللية المؤسسية " المجتمعية " للفراد‬
‫والجماعات المنخرطين بها ‪ ،‬للقيام بالحتساب على السلطة ‪ ،‬وفيما بين تلك المؤسسات‬
‫الهلية المدنية ‪ ،‬وبطريقة سلمية دستورية مشروعة ‪ ،‬وبما يحقق أيضا آليات وأطر اجتماعية‬
‫بانخراط المواطنين من ابناء المجتمع بما في ذلك الشباب منهم في تلك التكوينات ‪ ،‬مما‬
‫يساهم في الحد من العنف واتجاهاته ‪ ،‬مع تكامل ذلك مع الحد من الستبداد ‪ ،‬عن طريق‬
‫آلية فصل السلطات ودخول المواطن العملية السياسية ‪ ،‬وأن يكون جزءا أساسيا منها وبحق‬
‫وضمان دستور مصوت عليه شعبيا يؤكد على " إرادة المه و المجتمع في تحقيق مصالحه‬
‫المشروعه في الشريعه " باعتبارها منبـع الولية و مناط الحكم ومرجعيته ‪ ،‬ويشكل أساسا‬
‫المشاركة الشعبية بآلية الشورى الملزمة ( السلطة النيابية المنتخبة ) ‪.‬‬
‫فإذا كان الدستور بهذه الليات يصل بنا إلى ضمان تحقيق العدالة في‬
‫آلية الشورى الملزمة ‪ ،‬ضمن آليات فصل السلطات والقيام بالرقابة والمحاسبة والتراقب‬
‫والمحاسبه بين السلطات وعلى بعضها البعض ‪ ،‬وضمن آلية استقلل القضاء ‪ ،‬وكذلك آلية‬
‫المجتمع المدني في الحتساب على السلطات من خلل المر بالمعروف والنهي المنكر ‪ ،‬ويحد‬
‫عن طريقها من الستبداد ويصون الحقوق والحريات العامة ‪ ،‬والكرامة النسانية ‪ ،‬اسنادا إلى‬
‫مرجعية إسلمية بالحكام ‪ ،‬حيث أن " أحكام الشريعة السلمية " تمثل المصادر الولى وذات‬
‫الولية في التطبيق كلما كان هناك نصوصا قطعية عليها‪ ,‬فهل الدستور بديل " القرآن والسنة‬
‫" أم هو التطبيق المثل للشريعة السلمية وتحقيق مقاصدها؟ في تحقيق وضمان العدل ومنع‬
‫الستبداد ‪ ،‬وإقامة حياة مدنية اسلمية عادلة ‪ ،‬تؤسس لخير المواطن والمواطنين من أبناء‬

‫‪ 13‬وعن رأي الشيخ السعدي أنظر ‪ ،‬الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي ‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تيسير كلم المنان ‪ " ،‬بيروت " ‪ :‬مؤسسة الرسالة ط ‪1‬‬
‫ـ ‪1423‬هـ ـ ‪ 2002‬م ‪.‬‬
‫المجتمع والمة ‪ ،‬بما يعمل على نموهم وتقدمهم ‪ ،‬وإمكانية أن يتنافسوا فعليا مع المم‬
‫الخرى في المساهمة في الحضارة النسانية ‪ ،‬ولربما تقديم نموذج للتقدم والحياة وفي سياق‬
‫روحي ومدني متوازن ‪ .‬وباختصار نقول إنه ل عدل من دون شورى ‪ ،‬ول شورى من دون‬
‫الزام ‪ ،‬ول إلزام من دون محاسبة ومراقبة واحتساب ‪ ،‬ول محاسبة او مراقبة أو احتساب من‬
‫دون دستور ‪.‬‬
‫الدول والمجتمعات الحديثة أصبحت معقدة في شئونها العامة والخاصة وفي‬
‫كافة مجالتها القتصادية والجتماعية والسكانية والثقافية والقيم والمعتقدات السياسية ‪...‬‬
‫الخ ‪ ،‬بحيث تطلب ادارتها على نحو فعال لتحقيق العدل والحياة الصالحة ومقاومة الظلم‬
‫والفساد وتجلياتها إمكانات وآليات جديدة ‪ .‬والدستور هو الليات والهياكل الحديثة التي تقدم‬
‫هذه المكانيات ‪ .‬والوسائل القديمة لتحقيق مقاصد الشريعة السلمية ‪ ،‬لم تعد في ضوء مثل‬
‫هذه التعقيدات كافية أو قادرة على أن تحقق تلك المقاصد ‪ .‬من هنا فإن الحاجة ماسة إلى‬
‫الستفادة من الهياكل والليات الدستورية التي تحقق ما عجزت عنه تلك الوسائل والليات‬
‫القديمة ‪ .‬والدستور بمرجعية اسلمية اساسية وتطبيق آلياته يعيد اللية " الشورى الملزمة "‬
‫‪ ،‬السلطة النيابية ‪ ،‬فاعليتها وروحها في سياق الدستور السلمي ‪ .‬واذا كان الدستور يحقق‬
‫العدل (القسط) الذي أمر ال الناس ليقوموا به ‪ ,‬فأنه يعتبر من الدين‪ ,‬ذلك ان ابن القيم‬
‫الجوزيه في تفسيره لليه (‪ 25‬من سورة الحديد)‪ .‬يقول "‪...‬فأي طريق أستخرج بها العدل‬
‫والقسط فهي من الدين ليست مخالفه له‪ ,‬فل يقال إن السياسه العادله مخالفه لما نطق به‬
‫‪14‬‬
‫الشرع بل موافقه لما جاء به ‪ ,‬بل هي جزء من اجزائه "‬
‫وكما اشرنا سابقا إلى مثال نظام المرور وأهميته في تسيير المسألة‬
‫المرورية ‪ ،‬وما يتعلق بها وأخذه من قبل تجارب وحضارة الخرين ‪ ،‬فإن تجربة الدولة‬
‫السلمية الولى في أيام الخلفة الراشدة أيضا قد مرت بتجربة مشابهة ‪ ،‬من حيث‬
‫استيرادها لمفاهيم وآليات " الدواوين " او ما يمكن تسميته " بنظام الدارة " ‪ ،‬ولم يكن ذلك‬
‫يمثل تعارضا مع القرآن والسنة ‪ ،‬رغم إنه نظام استخدم من حضارة أخرى وتلك الحضارة‬
‫كانت كافرة ‪ .‬إن حسن الدارة والنظم والليات في حياة مدنية متطورة قد تجعل أمما كافرة‬
‫أكثر عدلً من أمم ودول مسلمة ‪ ،‬وكذلك أقدر على مقومات القوة والنتصار وهذا ما نراه هذه‬

‫‪ 14‬العلمة شمس الدين أبي عبد ال ‪ ،‬محمد بن القيم الجوزية ‪ ،‬الطرق الحكمية ‪ ،‬قدم له وشرحه وخرج أحاديثه ‪ ،‬زهير شفيق الكبي (بيروت) ‪ :‬دار إحياء‬
‫العلوم ط ‪1423 1‬هـ ‪2002 /‬م ص ‪. 25‬‬
‫اليام من قبل تلك الدول والمم ‪ ،‬وليس غريبا أن ينصر ال الفئة الكافرة على الفئة المؤمنة‬
‫نتيجة امتلك اسباب القوة والدارة والتعامل مع معطياتها‬
‫انطلقا من ذلك التصور للعلقة السليمة بين الدستور والسلم " القرآن والسنة‬
‫" ثم صياغة خطاب " نداء إلى القيادة والشعب معا ‪ :‬الصلح الدستور أولً " ‪ ،‬والذي قدم‬
‫إلى القيادة السعودية بعد منتصف الشهر الخير من العام ‪ 2003‬م ‪ ،‬وذلك على بناء صيغة‬
‫اسلمية وعلى مرجعية اسلمية ولذلك فقد كان من بين الموقعين عليه ‪ ،‬والذين بلغوا اجمالً‬
‫مائة وستة عشر شخصا من أبرز النخب المعرفية والثقافية والشرعية والمهنية السعودية ـ‬
‫أكثر من خمسة وعشرين من أساتذة عقيدة وتربية اسلمية وقضاة ودعاة ومنهم رموز‬
‫وفعاليات اسلمية معروفة ‪.‬‬
‫وتمشيا مع مشروعية الحتساب على السلطة ‪ ،‬في سياق المر بالمعروف والنهي‬
‫عن المنكر في المجال السياسي ‪ ،‬فإن دعاة الصلح الدستوري السلمي والمجتمع الهلي‬
‫المدني قدموا وطرحوا تلك الرؤى الصلحية الدستورية للقيادة والشعب انطلقا من أنها تمثل‬
‫دعوة للخير والصلح لقامة حياة مدنية اسلمية شورية عادله‪ ،‬وعملً بقول الرسول (صلى‬
‫ال عليه وسلم) ‪ ":‬الدين النصيحة قلنا لمن ؟ قال ‪ " :‬ل ولكتابه ولرسوله ولئمة المسلمين‬
‫وعامتهم ‪ .‬وهذه دعوة إصلحية دستورية سلمية وأما تطبيقها وتنفيذها فيعود إلى الفعاليات‬
‫الجتماعية وإلى تفهم وإدراك القيادة لغتنام الفرصة واعتبارها من ضرورات النتقال إلى‬
‫حياة مدنية اسلمية شوروية عادلة ‪ ،‬تنفي مع قيامها مسببات العنف والحتقانات واحتمالت‬
‫الصراع الجتماعي المفتوح ومشاريع التفتيت والتقسيم أو العاقة او التبعية والستعباد للبلد‬
‫والمجتمع والمنطقة عموما ‪.‬‬
‫الصلح الدستوري " في السعودية " القضايا والسئلة الساسية‬
‫الملكية الدستورية ‪ :‬إقصاء أم إعادة تأسيس‬

‫قبل سنتين عندما كتبت عن المستقبل السياسي للسعودية في ضوء أحداث‬


‫الحادي عشر من سبتمبر ‪ 2001‬م ‪ ،‬طرحت فكرة إن المشهد المنقذ في وجه احتمالت مشاهد‬
‫النهيار او التقسيم للبلد‪ ,‬هو ولوج الصلح الشامل وعن طريق البدء في الصلح السياسي‬
‫وعندما تداعى دعاة الصلح والمجتمع الهلي‬ ‫‪15‬‬
‫أو ًل وتبني اعلن " الملكية الدستورية "‬

‫‪ 15‬متروك الفالح " المستقبل السياسي للسعودية في ضوء ‪ 11/9/2001‬م الصلح في وجه النهيار أو التقسيم‪ .‬موجودة على النترنت على موقع صحيفة‬
‫الشعب المصرية ويمكن الوصول إليها عن طريق موقع ‪. GOOGLE‬‬
‫المدني الى فكرة الصلح الدستوري السلمي كانت مذكرة وخطاب " نداء للقيادة والشعب معا‬
‫‪ :‬الصلح الدستوري أولً " والتي وقعها أكثر ‪ 116‬شخصا من النخب المثقفة والكاديمية بما‬
‫في ذلك أساتذة بارزين في العلم الشرعي في عدة جامعات سعودية ‪ ،‬دعاة وقضاة وكذلك‬
‫اعلميين ورجال أعمال ‪ ،‬وقدمت إلى القيادة السعودية بعد منتصف شهر ديسمبر ‪ 2003‬م ‪.‬‬
‫وقد طالبت تلك المذكرة باصلحات سياسية شاملة تنطلق من المطالبة بالدستور ومن اعلن‬
‫الملكية الدستورية ‪ ،‬وكان هناك آلية مقترحة لتشكيل هيئة وطنية مستقلة ‪ ،‬من أهل الرأي‬
‫والخبرة والعلم في الفقه الدستوري والعلوم الجتماعية الخرى وكذلك أهل العلم الشرعي ‪،‬‬
‫لكي يعدوا مسودة عناصر الدستور ‪ ،‬لعرضها بشكلها النهائي على الشعب للتصويت عليها ‪،‬‬
‫لكي تشكل عقد اجتماعي لعلقة قانونية ملزمة بين المجتمع والسلطة ‪ ،‬تتحدد بها الحقوق‬
‫والواجبات وآليات الرقابة والمحاسبة على السلطات فيما بينها ‪ ,‬ويبدأ بتطبيق الصلح‬
‫الدستوري في غضون ثلثة سنوات ‪.‬‬
‫وإذا كان المر كذلك ‪ ،‬فهل يعني تبني الدستور وبالذات الملكية الدستورية‬
‫أنه يهدف إلى إقصاء العائلة المالكة " السرة السعودية " عن الحكم ؟ لكي " تملك ول تحكم "‬
‫وتكون كالسرة المالكة البريطانية ‪ ،‬باعتبار إن بريطانيا ذات " ملكية دستورية " مجرد رمزية‬
‫شرفية ‪ .‬هناك من المسئولين من طرح هذه التساؤلت مباشرة على بعض من دعاة الصلح‬
‫الدستوري السلمي والمجتمع الهلي المدني ‪ .‬وقال أنتم تريدون ملكية دستورية ‪ ،‬يعني‬
‫تريدوننا " نملك ول نحكم"‪ .‬كذلك طرح آخرون من بعض الكتاب أطروحات قريبة من هذا‬
‫وبعضهم هاجم مطلب الملكية الدستورية على إنه حرق للمراحل‪ .‬هل هذه التساؤلت تنطلق‬
‫من مخاوف مشروعة أم من محاولة لحباط الصلح ؟ سؤال مفتوح ‪ ،‬ولكن جدلً هل هذه‬
‫التساؤلت صحيحة أم ل ؟ بداية نقول أن هذه التساؤلت والمخاوف ليست صحيحة البتة‪،‬‬
‫وسبق إن قلنا ذلك‪ ،‬ولكن نعيد بعض النقاط للتأكيد عليها ولتوضيح فكرة الملكية الدستورية‬
‫وإنها ل تعني البتة إقصاء " آل سعود عن الحكم "‪ .‬في مذكرة " الصلح الدستوري أولً "‬
‫كانت العناصر الدستورية التي حددت ‪:‬‬
‫‪ )1‬اقرار الحقوق والحريات العامة والساسية التي أقرتها الشريعة السلمية‬
‫والمواثيق الدولية والتي التزمت بها الدولة السعودية بما في ذلك حق التعبير والرأي‬
‫والجتماع والمشاركة الشعبية في اتخاذ القرارات ( إدارة الشئون العامة )‪.‬‬
‫‪ )2‬فصل السلطات وانتخاب سلطة نيابية " مجلس شورى ملزم " انتخابا شعبيا مباشرة‬
‫من أهل الرأي والخبرة والعلم والختصاصات ‪ ،‬فهم الذين تنطبق عليهم " أولي المر " وإنهم‬
‫أهل الحل والعقد ‪ .‬وهذه السلطة النيابية " مجلس شورى ملزم " المنتخبة شعبيا ودوريا تتمتع‬
‫بسلطات رقابية ومحاسبة على السلطات الخرى وخاصة السلطة التنفيذية‪ ،‬بمعنى رقابة‬
‫أعمال وسياسات الحكومة " الوزارة "‪ ،‬على أن تكون لها امكانية القدرة على المسائلة بما في‬
‫ذلك مسائلة الوزراء عن أعمالهم وكذلك مراقبة المال العام والميزانية‪.‬‬
‫‪ )3‬وفي سياق فصل السلطات‪ ،‬مسألة تعزيز استقلل القضاء وذلك ليؤدي دوره في‬
‫إقامة العدل عن طريق التقاضي والتخاصم دون أن تخضع لضغوط وتأثيرات من السلطات‬
‫الخرى وخاصة السلطة التنفيذية مما يدخل في العدالة القضائية‪ .‬واستقلل القضاء الذي يراد‬
‫الوصول إليه هو ليس استقلل القضاة أنفسهم وإن كان هذا مطلوبا وإنما استقلل القضاء‬
‫كاستقلل " مؤسساتي " وهذا يتطلب معايير دولية على الدولة أن تضمنها للسلطة القضائية‬
‫في حدود الصلحيات الدستورية لها‪.‬‬
‫‪ )4‬وفي سياق الحقوق والحريات العامة‪ ،‬السماح بتكوينات المجتمع الهلي المدني‬
‫بالتشكيل والقيام من قبل الفراد والجماعات في المجتمع على أسس مهنية في المجالت‬
‫القتصادية والجتماعية والثقافية وفي مرحلة لحقة قد تكون السياسية مستقلة‪ ،‬والهدف من‬
‫هذه الجمعيات الهلية والمدنية أن ترعى مصالحها وحقوقها وما يتعلق بالحتساب المؤسسي‬
‫على السلطة في سياق المر بالمعروف والنهي عن المنكر كل في مجاله وفي المجال العام‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك فإن هذه التكوينات الجتماعية الهلية المدنية تقوم بدور هام وهي إنها تساهم‬
‫في انخراط الفراد والمواطنين وخاصة الشباب في تلك الطر الجتماعية‪ ،‬مما يتيح لها أن‬
‫تفصح عن رغباتها ومطالبها وإيجاد منافذ لها في التعبير وطرح الراء والمشاركة‬
‫الجتماعية بطريقة سلمية‪ ،‬تبعدهم عن النحرافات والتجاهات ووسائل العنف‪ ،‬والتي قد تكون‬
‫الوسيلة المتاحة في غياب تلك المؤسسات الهلية المدنية‪.‬‬
‫هذا الدستور بهذه العناصر والليات للرقابة والمحاسبة فيما بينها والحتساب‬
‫عليها‪ ،‬يصوت عليه شعبيا بأن تتم صياغته من هيئة وطنية مستقلة من أهل العلم والرأي‬
‫والختصاصات في كافة المجالت بما في ذلك الفقه الدستوري والشريعة السلمية لكي يؤصل‬
‫على الســلم‪.‬‬
‫إذا تم التصويت عليه‪ ،‬يكون لدينا " عقد اجتماعي جديد "‪ ،‬يقنن العلقة الملزمة‬
‫بين السلطة والمجتمع‪ ،‬الشعب‪ ،‬المة‪ ،‬بحيث تحدد الحقوق والواجبات والحريات‪ ،‬وكذلك‬
‫يصبح المواطن جزءا أصيل داخل العملية السياسية وليس خارجا عنها عن طريق ممارسة‬
‫حق الترشيح أو التصويت لنتخاب ممثلي الشعب في السلطة النيابية"مجلس شورى منتخب‬
‫ملزم "‪ ،‬وبالتالي يحقق حقه وحريته في المشاركة الشعبية وفي اتخاذ ورسم السياسات‬
‫والرقابة عليها‪ .‬وتكون المرجعية في هذه المشاركة وللرقابة وللسلطة النيابية " الشورى‬
‫الملزمة " هي مرجعية شعبية‪" " ،‬سلطه المه في تحقيق مقاصد الشريعه "‪ ،‬وتتحقق دائما‬
‫بالنتخابات الدورية وهذه " المرجعية الشعبية " هي التي تعطي السلطة النيابية مجلس‬
‫الشورى الملزم‪ ،‬الحق في ممارسة اتخاذ القرارات والقوانين والنظمة‪ ،‬ولكن مصادر أحكام‬
‫تلك القرارات والنظمة في بلد اسلمي مثل السعودية‪ ،‬مثلً‪ ،‬تبنى على أولوية النصوص‬
‫القطعية في الكتاب والسنة " الشريعة السلمية في حالة وجودها "‪ .‬ومع تحقيق قدر كبير من‬
‫استقلل القضاء أيضا وكذلك قيام وعمل تكوينات المجتمع الهلي المدني لتمام عملية‬
‫المحاسبة والرقابة والحتساب على السلطات‪ ,‬بما في ذلك على السلطة النيابية نفسها "‬
‫مجلس الشورى المنتخب الملزم "‪ ،‬نكون بالفعل وصلنا إلى دولة وحكومة دستورية حيث‬
‫تكون سلطتها مقيدة عن طريق الرقابة والحتساب‪.‬‬
‫عند الوصول إلى ذلك‪ ،‬نستطيع أن نضمن مزيدًا من العدل بكافة أشكاله‬
‫ومجالته في القتصاد والجتماع والحقوق والتخاصم والتقاضي والدارة‪ ...‬الخ‪ ،‬والذي أمر‬
‫ال به وأنزل البينات على رسله ليقوم الناس به‪ .‬عندها نستطيع أن نقضي على الفساد‬
‫ونحارب الظلم والجور والرشوة والفساد المالي والداري وهدر المال العام والختللت‬
‫القتصادية في التنمية وسوء توزيع الثروة والموارد على المواطن والمناطق‪ ،‬وكذلك‬
‫الختللت الجتماعية والثقافية والفكرية والتعليمية والطغيان والستبداد‪ ،‬عندها يمكن اصلح‬
‫التعليم‪ ،‬وإصلح الثقافة والقتصاد‪ .‬أما قبلها وبدون الصلح السياسي القائم على " الدستور "‬
‫فإننا ل نستطيع‪ ،‬بل فوق ذلك لندرك إننا نخادع أنفسنا و أننا سوف نصل إلى انهيار عاجلٍ‬
‫أم آجلٍ‪.‬‬
‫نختصر القول عن لماذا الدستور‪ ،‬فنقول‪ :‬إن ل عدل بكافة المجالت بدون شورى‬
‫ول شورى ملزمة دون أن تكون منتخبة شعبيا ودوريا وبسلطات رقابية ومحاسبة على المال‬
‫وسياسات الحكومة " السلطة التنفيذية "‪ " ,‬الوزارة " ول سلطات رقابية ومحاسبية بدون‬
‫دستور مصوت عليه شعبيا ومتضمنا لتلك العناصر وتلتزم الدولة به باعتباره عقدا اجتماعيا‬
‫ل يجوز ابدا الخلل به‪.‬‬
‫في المقابل فإن النظام الساسي للحكم ‪1412‬هـ ـ ‪1992‬م في المملكة‪ ,‬ينص‬
‫على أن الملك‪ ,‬هو الذي تنتقل إليه السلطة‪ ،‬بالوراثة‪ ،‬ومن أبناء وأحفاد الملك عبد العزيز آل‬
‫سعود‪ .‬وهو ما يعني ان ليس بوسع الغالبية من آل سعود أن تتبوأ هذا المنصب ويحرمها‬
‫الحق في هذا رغم إنها من السرة‪ - ,‬هو مرجع كل السلطات‪ ،‬السلطة التنفيذية وما يسمى‬
‫بالسلطة التنظيمية " السلطة التشريعية في الدول الخرى " والسلطة القضائية وهو الذي يعين‬
‫ولي العهد‪ .‬إذ نحن أمام أولى المر على أنه سلطة مطلقة كاملة مهيمنة على كل شئ بما في‬
‫ذلك السلطة القضائية " المحاكم " حيث إن الملك من خلل نظرية " ولي المر " هو القاضي‬
‫الول والساس وما القضاة المعينين سواء وكلء او نواب عنه‪ .‬ولذلك في قضايا " التعزير"‬
‫ومنها القضايا السياسية والمنية والتي ليس فيها نصوص قطعية‪ ،‬فإن الملك " ولي المر " له‬
‫الحق في عدم قبول الحكم ورده ورفضه وطلب تغييره‪ ،‬أما بالتشديد أو التخفيف‪ .‬وإذا أضفنا‬
‫إلى ذلك مشكلة تأثير وضغوط السلطة " ولي المر على السلطة القضائية "‪ ،‬رغم القول إنها‬
‫مستقلة طبقا للنظام الساسي للحكم‪ ،‬وإن ل سلطات عليها سوى الشريعة السلمية‪ ،‬وكذلك‬
‫عدم وجود معايير محددة واضحة لستقلل القضاء كمؤسسة وليس كأفراد‪ ،‬فإن هناك خلل‬
‫كبير في إقامة العدل على مستوى التقاضي والتخاصم‪ ،‬وخاصة عندما تكون الدولة هي‬
‫الخصم المدعي تجاه المتهمين في قضايا سياسية‪ ,‬فما بالك على مستوى عمل السلطة‬
‫التنفيذية والتي تجمع في عملها‪ ،‬أعمال السلطة التشريعية أو التنظيمية‪ .‬في الوقت نفسه‬
‫الملك هو رئيسها ( رئيس مجلس الوزراء ) وهو المرجع لها‪ ،‬وهو الذي يصدر معظم‬
‫القرارات إما بمراسيم أو بقرارات من مجلس الوزراء‪ ،‬ورئيسه وهو الملك أو من ينوب عنه‪،‬‬
‫والسلطة القضائية بوضعها الحالي وضمن صلحياتها ل سلطات لها على السلطة التنفيذية‬
‫والتشريعية " مجلس الوزراء "‪ ،‬وأما مجلس الشورى " المعين " فهو بالنظام الساسي للحكم‬
‫وكذلك نظامه الساسي أصلً ل يتمتع بسلطات أو صلحيات رقابية ول في إصدار قرارات‬
‫ملزمة تجاه الحكومة " مجلس الوزراء" باعتبارها سلطة تشريعية وتنفيذية‪ ،‬لها أن تأخذ‬
‫بتوصيات مجلس الشورى او ترفضها‪ ،‬وللملك وحده الحق في أن يفصل في المسألة‪ ،‬علما‬
‫بأنه رئيس مجلس الوزراء‪ ،‬وفي موازاة ذلك عدم وجود جمعيات اهلية مدنية تقوم بالحتساب‬
‫على السلطة لمصالحها وحقوقها وللمصلحة العامة‪ .‬إذا نحن أمام " سلطة مطلقة " في النظام‬
‫الساسي للحكم الحالي‪ ،‬يتمتع بها الملك‪ ،‬ول توجد آليات للمحاسبة والرقابة‪ ،‬وحتى ديوان‬
‫المظالم‪ ،‬هذا ديوان أو جهاز وإن كان يسمح نظامه بشكوى الموظفين الحكوميين لجهزتهم‬
‫الحكومية‪ ،‬إل أنه جهاز أصلً غير مستقل وبالتالي ل يوجد آلية للرقابة والمحاسبة المطلوبة‪.‬‬
‫بناءً على ما تقدم‪ ،‬هل النظام الساسي للحكم يعتبر دستوريا؟ الجواب‪ ،‬بالتأكيد‬
‫ل‪ ،‬ذلك لن النظام الساسي للحكم أولً‪ ,‬ل يتضمن الليات والهياكل والعناصر الدستورية التي‬
‫تضمن اقامة العدل من خلل وجود آليات المحاسبة والرقابة على السلطة التنفيذية " الحكومة‬
‫" من قبل سلطة ذات مرجعية شعبية " الشورى المنتخبة الملزمة " وثانيا‪ ،‬إضافة إلى عدم‬
‫اكتمال العناصر الخرى من حيث الحقوق والحريات العامة والساسية للناس وعدم وجود آلية‬
‫ملزمة بها وكذلك خلل في استقلل القضاء لذلك فإن النقطة الهم هي أن أي نظام للحكم لكي‬
‫يصبح دستور أو دستوريا ل بد أن يحظى بموافقة شعبية عن طريق التصويت ليصبح‬
‫الشعب وإرادته هي التي تقررمصالحه ‪,‬ويصبح دور الحاكم تنفيذيا‪ ،‬وليس أي مرجعية أخرى‬
‫على أن تكون ممارسة الدولة " الحكومة " تدل بوضوح على التزامها بالحقوق والحريات‪،‬‬
‫والرقابة والمحاسبة عليها من قبل السلطات الخرى او بالحتساب عليها من قبل المجتمع‪،‬‬
‫عبر هياكل ومؤسسات المجتمع الهلي المدني الجمعيات والتحادات والروابط‪...‬الخ‪.‬‬
‫إذ نحن أمام نظام للحكم ليس دستوريا على الطلق‪ ،‬بل ومن خلل الجمع بين‬
‫السلطات الثلثة‪ ،‬فإنه يؤسس لنظام الحكم الفردي بالسلطات الشمولية " سلطات مطلقة "‪،‬‬
‫دون رقابة أو محاسبة ل من السلطات ول من المجتمع ول حتى مـن السرة نفسها‪.‬‬
‫إذ نحن أمام حكم ملكي ذو سلطة مطلقة‪ ,‬وهذه بدورها تولد أنظمة استبداديه‬
‫تسلطيه في الجهزة والمؤسسات الحكومية‪ ،‬ولذلك يستشري الفساد والمحسوبية وعدم‬
‫المبالة وهدر المصلحة العامة‪ ،‬وذلك لغياب أيضا آليات المحاسبة‪ ,‬والرقابة‪ ,‬ويصبح الخلل‬
‫في كافة المجالت متغلغلً إلى درجة يصعب السيطرة عليه‪ ,‬بل أيضا في ظل غياب آليات‬
‫المحاسبة والرقابة‪ ،‬تصبح عملية السيطرة أمرا مستحيلً‪ ،‬ولذلك ليس غريبا أن تؤدي تلك‬
‫الختللت إلي تنامي روح عدم النتماء للوطن وغياب الشعور بالوحدة الوطنية وكذلك تنامي‬
‫بذور العنف‪ ,‬واحتمالت مفتوحة من الصراع الجتماعي ليست بعـيدة‪.‬‬
‫وهـذه الشكالية وتداعياتها‪ ،‬ليست عيبا لصيقا " بالملكية المطلقة " فقط وإنما‬
‫هي أيضا عيبا ومشكلة حتى في النظمة العربية المسماة " جمهورية " طالما هي ايضا أنظمة‬
‫سلطوية استبدادية‪ ،‬حتى وأن كانت تزعم بوجود دساتير‪ ،‬ولكنها دساتير ل تقيد سلطات‬
‫الحكومات ول تعبر عـن إرادة شـعبية‪.‬‬
‫إذن فنحن في السعودية أمام نظام حكم ملكي وملكية " ذات السلطات المطلقة "‪،‬‬
‫بمعنى غير دستورية‪ .‬في المقابل فإن الخذ بالدستور‪ ,‬من حيث إننا نصل بالفعل إلى سلطة "‬
‫غير مطلقة " يعني أننا سنصل إلى الملكية الدستورية‪ ،‬فما الذي يحدث بالنسبة للسعودية في‬
‫هذه الحاله؟ هل ذلك يلغي العائلة ( أو بعضا منها لنه ليس لكلها الحق في ذلك من خلل‬
‫النظام الساسي للحكم حيث يقتصر ذلك على أولئك البناء والحفاد من أبناء الملك عبد العزيز‬
‫فقط )‪ ،‬من الحكم ؟ أم ماذا؟‪.‬‬
‫الذي يحدث من تبني " الملكية الدستورية " هو إعادة تأسيس وتجديد للدولة‬
‫ومشروعيتها على أسس جديدة تقوم على " عقد اجتماعي " بحيث نكون أمام صياغة جديدة‬
‫تسير العملية السياسية واتخاذ القرارات‪ ،‬يكون المواطن فيها جزءا أصيلً‪ ،‬عن طريق‬
‫المشاركة الشعبية عبر جمعيات المجتمع الهلي المدني عامة‪ ,‬وعبر مجلس النواب المنتخب‬
‫في السلطة النيابية و خاصة المجالس الثانوية و البلدية‪ ,‬والمناطقيه وبذلك يصبح المجتمع‬
‫هو الدرى بمصالحة وله السلطة العليا في تحقيق مقاصد الشريعة‪.‬‬
‫إذن تبني " الملكية الدستورية " يعني إعلن ميلد وقيام " الدولة السعودية‬
‫إذ صح التعبير‪ ،‬باعتبارها دولة ذات حكومة دستورية‪ ،‬مما يجعلها شورية‬ ‫‪16‬‬
‫الرابعـة "‬
‫عادلة ذات شرعية جديدة‪ ،‬تقوم على التعاقد أو العقد الجتماعي الملزم للطرفين بين المجتمع‬
‫والسرة " آل سعــود "‪ ،‬بحيث يصبح المجتمع عن طريق من يمثلونه " سلطة نيابية ـ‬
‫مجلس شورى ـ منتخب ملـزم " شريكا ومشاركا في الحكم وليس بديلً عن السرة أو‬
‫مقصيا لها‪ .‬هذه الصيغة الجديدة للدولة السعودية الدستورية " الشوروية العادلة " وعن طريق‬
‫ذلك العقد الجتماعي " الدستور " تمكن السرة " آل سعود من الستمرار والتواصل لعقود بل‬
‫لقرون مفتوحة‪ ،‬ضمن تلك الصيغة التشاركية مع المجتمع‪.‬‬
‫إذن الذي يحدث في تبني ملكية دستورية في السعودية هو إنه بدلً من نظام‬
‫حكم ملكي" بسلطات مطلقة " فإننا نصبح أمام نظام حكم ملكي " بحكومة أو سلطة مقيدة "‪ .‬هل‬
‫يفقد الملك أو السرة حكمها؟ أو أن تحكم؟ طبعا هذا ليس صحيحا‪ ،‬الذي يحدث هو أن الملك‬
‫ل يزال يتمتع بالسلطات قد تكون واسعة ولكنها ليست شاملة أو شمولية أو مطلقة‪ ،‬كما كانت‬

‫‪ 16‬فكرة قيام " الدولة السعودية الرابعة " المؤسسه على الدستور‪ ،‬هي في الساس للدكتور ـ عبد ال الحامد‪.‬‬
‫في السابق‪ ،‬وذلك لدخال البعد الشعبي في المشاركة في صناعة القرار والسياسات والرقابة‬
‫والمحاسبة‪ .‬إن الملك يبقى ضمن عناصر أخرى من السرة له القيادة العليا في الدولة‪ ،‬وهو‬
‫المسئول الول عن الدولة ويعين الوزارات ويقيلها ويجري عليها التعديلت لمقتضيات‬
‫الضرورة والمصلحة العامة وهو القائد العلى للقوات المسلحة‪ ،‬وهو المسئول عن السياسة‬
‫العامة للدولة‪ .‬ولكن هذه السياسة العامة للدولة باعتبار إن التي تعدها الحكومة " الوزارة "‬
‫تخضع للرقابة والمحاسبة من قبل "سلطة نيابية مجلس شورى ملزم " يمثل الشعب‪ .‬إذن‬
‫بالقدر الذي تم التنازل عنه‪ ،‬هو القدر الذي أتاح للشعب والمواطن الحق بالمشاركة وصنع‬
‫السياسات وأعمال الرقابة والمحاسبة‪ .‬إذ هو تنازل في سياق تعاقد اجتماعي عن جزء من‬
‫السلطة وبقيت أجزاء واســعة منها‪.‬‬
‫وإذا كان هذا ل يوضح الصورة بمعنى أن تبني الملكية الدستورية في السعودية ل‬
‫يعني اقصاء السرة الحاكمة من الحكم‪ ،‬فإن لدينا تجربة كل من الردن والبحرين‪ ،‬فكل من‬
‫الدولتين تبنت الملكية الدستورية وخاصة في تطبيقاتها الجديدة‪ ،‬في الردن منذ ‪1989‬م وفي‬
‫البحرين منذ ‪ 2002‬م‪ .‬فهل تطبيق الملكية الدستورية في كل من البلدين ازاح السرتين‬
‫المالكتين عن الحكم ؟ الجواب طبعا معروف‪ ،‬ملك الردن وملك البحرين ل زال يتمتعان‬
‫بسلطات دستورية واسعة وكل ما حدث إنهما قبل مشاركة الشعب والدخول في آلية المحاسبه‬
‫والرقابة المجتمعية على أعمال الحكومة‪ ,‬وإما مكانتهما والسرة فقد زادت شعبيا وتاييدا‬
‫والتفافا أكبر عن ذي قبل‪ .‬فلماذا إذن ل نقيس على هذه التجربة العربية في الملكية‬
‫الدستورية؟ ولماذا نقيس على نموذج الملكية الدستورية البريطانية أو الوروبية؟ هذه‬
‫النماذج الوروبية وبالذات البريطانية لها أكثر من قرنين من الزمن حتى وصلت إلى ملكية‬
‫دستورية رمزية بالنسبة للسرة المالكة‪ .‬الذين يقيسون على الملكية الدستورية الوروبية‬
‫وبالذات البريطانية‪ ،‬والذين يقولون إن تبني الملكية الدستورية يعني حرق للمراحل‪ ،‬هؤلء‬
‫إما يريدون ايجاد مخاوف لدى السرة السعودية‪ ،‬أو أن تتخذ ذريعة لضرب مطالب الصلح‬
‫الدستوري‪ ،‬أو أنهم يقدمون المبررات والمسوغات لتلك التوجهات وذلك لتداخل مصالحهم‬
‫ونفوذهم ومحاولة استدامة الوضاع‪ ،‬بكل ما يعني ذلك وما تحمله من مخاطر تواصل مشاهد‬
‫النهيار وتزايد حالت الحتقانات واتجاهات العنف‪ .‬لذلك فإنهم يتحملون كل مسئولية تترتب‬
‫على الخلل بمستقبل هــذا البلد والمجتمع‪.‬‬
‫نقطة قبل الخيرة‪ ،‬بالنسبة للحديث عن الملكية الدستورية وماذا يترتب عليها‬
‫في حالة تبنيها انطلقا من الموافقة على دستور مكتوب مصوت عليه شعبيا‪ ،‬بما يعني إنه‬
‫يمثل " تعاقد اجتماعي ملزم " بين السرة المالكة والمجتمع‪ ،‬أي لتأسيس دولة دستورية‬
‫شوروية عادلة يمكن أن يطلق عليها " الدولة السعودية الرابعة " تلك النقطة تتعلق بأن ذلك‬
‫التبني للملكية الدستورية ل يعني فقط ايجاد حل لمسالة العدل والحقوق العامة للمجتمع‪،‬‬
‫وإنهاء الحتقانات والختللت وإيجاد حياة مدنية اسلمية شوروية عادلة متقدمة‪ ،‬وإنما أيضا‬
‫يساهم في حل دستوري داخل السرة المالكة نفسها‪ ،‬بحيث تقلل من الختلفات والتنازع على‬
‫المناصب ووليه العهد وغيرها‪ ،‬حسم هذا المر يجب أن يضمن في ذلك الدستور والذي‬
‫يصوت عليه شعبيا بحيث تكون هناك شرعية دستورية شعبية مسبقة ومحددة تقضي على‬
‫احتمالت الصراع والتنافس وتجعل هناك آلية دستورية مسبقة تطمئن السرة المالكة نفسها‬
‫وكذلك المجتمع نفسه بأن ل تتفجر الوضاع يوما ما‪.‬‬
‫ختاما نقول إذن من هو المستهدف من تبني الملكية الدستورية في‬
‫السعودية؟ هل هو القضاء على الجور والظلم و الفساد وضياع الحقوق والثروات وكرامة‬
‫النسان ؟ أم هو اقصاء آل سعود عن الحكم ؟ إن تبني " الملكية الدستورية " في سياق‬
‫الصلح الدستوري يستهدف انقاذ البلد مجتمعا وسلطة من أجل حياة مدنية اسلمية شوروية‬
‫عادلة تقيم وتصون العدل والحقوق والكرامة النسانية‪ .‬إنما نخشاه ويخشاه دعاة الصلح‬
‫الدستوري والمجتمع الهلي المدني‪ ،‬إن أي تأخير وعرقلة لقيام ملكية دستورية في السعودية‬
‫في الوقت الراهن‪ ،‬قد يجعل منها مطلبا غير معروض أصلً في المستقبل‪ ،‬بل قد يكون‬
‫مرفوضا من قبل قوى العتراض خارج السلطة حتى لو أن السلطة عرضت أو قبلت به في‬
‫وقت لحق حينئذٍ تكون الفرصة قد ذهبت ولربما بدون رجعة‪ .‬فهل هناك من عاقل رشيد‬
‫يبصر ويسمع ويبادر باتخاذ الخطوة التاريخية برؤية واضحة للمستقبل‪ ،‬ويطلق قيام الدولة‬
‫السعودية الرابعة الدستورية الشوروية العادلة قبل فوات الوان‪.‬‬
‫الصلح الدستوري أول‪ :‬في السعوديـة‬
‫القضايا والسئلة الساسية‬
‫الدستور المكونات الجوهـر والــروح‬
‫في البلد العربيه تثار قضيه ان لديها دستور‪ ,‬او ان دستورها هو القرآن‬
‫والسنه‪ ,‬كما في السعوديه تحديدا‪ ,‬وان نظامها الساسي يقوم ويؤسس على ذلك ‪ ،‬بل ان‬
‫الدوله في قيامها ومشروعها أسست على ذلك‪ ,‬وبالتالي فإن هناك في السلطة أو خارجها ‪,‬‬
‫من يثير فكره أن طرح الصلح السياسي وخاصة الصلح الدستوري بالتركيز على فكره‬
‫"الدستور" ل يأتي بجديد ‪ ,‬أو إنه لحاجه اليه باعتبار ان السلم والشريعه السلميه ( القرآن‬
‫و السنه ) هي دستور الدولة والمجتمع ‪ .‬فهل هذه المقوله‪ ،‬قناعه أم تشكيكا لغايه ضرب‬
‫مشروع الصلح الدستورى هي مقوله يعتد بها ام ل ؟ واذا كانت هناك دساتير في بعض‬
‫الدول العربيه لماذا ليست لها الروح الفاعله ؟‬
‫بداية وقبل الجابه على هذه التساؤلت لبد من تحديد المقصود بالدستور‪ .‬ذلك‬
‫ان هذه الكلمة غير مفهومه ليس فقط لدى عامه الناس‪ ,‬بل حتى من النخب الثقافيه والفكرية‬
‫والدينية‪ ,‬بل وحتى السياسيه ‪ ،‬ورغم إن هذه الكلمة لربما تسمعها تلك الفئات وترددها‬
‫وخاصة خلل العقد الخير المنصرم وبالذات خلل السنوات الخيره الماضية إل أن الكثير‬
‫منهم بمن فيهم بعض النخب المثقفه لتعي المعاني والدللت الساسيه السياسيه والحقوقيه‬
‫لها ‪ .‬من هنا فان الحاجة ماسه إلى إعطاء تصور محدد عن ما هو المقصود "بالدستور" حيث‬
‫ورد في الرؤى الصلحية وخاصة في وثيقة "الرؤية" لحاضر الوطن ومستقبله" وبشكل أكثر‬
‫تحديدا‪ ،‬في وثيقة "الصلح الدستوري أول" والذي قدمت إلى القيادة السعودية في منتصف‬
‫الشهر الخير من العام ‪2003‬م وانتشرت على نطاق واسع حيث وقعها أكثر من ‪116#‬‬
‫شخصية من أبناء الوطن من مثقفين وعلماء وأساتذة جامعات وقضاة ورجال أعمال ومهتمين‬
‫بالشأن العام ونشطاء في مجال الدعوة إلى المجتمع الهلي المدني (‪ .)1‬الوثيقة آنفة الذكر‪,‬‬
‫تطالب بإصلح سياسي اقتصادي واجتماعي وثقافي شامل في السعودية يقوم على المطالبة‬
‫بالدستور‪ ,‬وإعلن الملكية الدستورية ‪ ,‬في سياق مبادرة إصلحية من منظومة متكاملة من‬
‫العناصر الصلحية الدستورية‪ ،‬على أن يصوت على ذلك الدستور وعناصره ‪ ,‬والذي يفترض‬
‫أن يصاغ بعناصره وبنوده من خلل هيئة وطنية مستقلة من بين أهل الخبرة والختصاص في‬
‫كافة العلوم وخاصة الفقه الدستوري والشريعة‪.‬‬
‫ما هو الدستور؟ وما هي عناصره الساسية‪ ،‬ولماذا الدستور وأهميته في‬
‫الصلح الشامل والسياسي خاصة في السعودية ؟ وما هي روح الدستور؟‬
‫هناك فهم سائد قديم في الفقه الدستوري بأن الدستور هو مجموعه أحكام‬
‫وقواعد تحدد نظام الحكم (وشكله وطريقة انتقال السلطة) والسلطات واختصاصاتها وعلقاتها‬
‫ببعض ‪ ،‬والوظائف القتصادية والمدنية والجتماعية والثقافية التي تقوم بها الدولة ‪ ،‬وكذلك‬
‫حقوق وواجبات المواطن‪ .‬ورغم أن هذا جزء من فهم الدستور إل أن هذا الفهم ل يبين‬
‫جوهر وروح الدستور والفهم السليم له‪ ،‬وهذا ما سوف نوضحه تاليا‪.‬‬

‫إذا كنت في جزيرة ما ‪ ،‬وأنت سلطانها المر الناهي المتحكم بكل شيء على‬
‫سكانها ‪ ,‬فإن هؤلء السكان يعتبرون رعايا وأقرب إلى العبيد ‪ ،‬ذلك ان سلطة مطلقة ل يحدها‬
‫حد‪ ,‬ول يقيدها قيد‪ ،‬وبالتالي فإن العدل والعدالة تصبح مفقودة وكذلك الحرية والحقوق‬
‫بالنسبة الى سكان تلك الجزيرة‪ .‬وحيث السلطة المطلقة هي مفسدة مطلقة‪ ،‬فل بد من وضع‬
‫قيد عليها يمكن الناس من حقوقهم وحرياتهم ‪ ,‬وكذلك من آفاق مجتمع العدل والمواطنة‬
‫والعدالة الجتماعية(توزيع الثروة) ‪ .‬من هنا فإن الدستور هو‪ ,‬بهذا المعنى‪ ,‬يعني أن السلطة‬
‫(في أي بلد كان ) هي " سلطة مقيدة"‪ ,‬وهذا يعني أن الرئيس أو المير او الملك وهو رئيس‬
‫السلطة التنفيذية أو رئيس الدولة بشكل أساسي – يجب أن تقيد سلطاته‪ ,‬لكي تمنع مسألة‬
‫الستبداد "(النفراد) بالسلطات واحتكارها " وبالتالي الحد من القمع ضد المواطنين وحقوقهم‬
‫وحرياتهم وكذلك ضمان "العدالة والعدل"‪.‬‬
‫إذن الدستور هو في المعاني السياسية والحقوقية هو السلطة أو "الحكومة‬
‫المقيدة"‪ .‬وكل حكومة ملتزمة بذلك بالممارسة وليس بالنصوص تكون حكومة دستورية ‪.‬‬
‫ولكن كيف يتم ضمان ذلك ‪ ،‬بأن تكون السلطة مقيدة ؟ ضمان ذلك يتم أولً عن طريق آلية‬
‫فصل السلطات وآليه المراقبة والمحاسبه(التراقب والتحاسب بين السلطات) ‪.‬‬
‫السلطات في أي دولة تتكون بشكل أساسي من ثلث سلطات لكل منها مجالها‬
‫واختصاصها ‪ ,‬السلطة التنفيذية ‪ ،‬السلطة النيابية "التشريعية" ‪ ،‬والسلطة القضائية ‪ .‬وبالتالي‬
‫فإن السلطة المطلقة تقيد عن طريق آلية فصل السلطات ‪ ،‬وذلك بأن ل يكون الرئيس أو‬
‫المير أو الملك جامع بين السلطات الثلث‪ ,‬وإنما يقتصر سلطانه على "السلطة التنفيذية" ‪,‬‬
‫فيما السلطة النيابية "التشريعية" يقوم بها نواب أو ممثلون منتخبون انتخابا مباشرا من‬
‫الشعب ‪ ,‬بحيث أن عملية النتخاب والتمثيل تقدم التفويض والشرعية للسلطة النيابية‬
‫"التشريعية" للقيام بمهام اتخاذ القرارات وإصدار القوانين في كافة المجالت ‪ ,‬وذلك وفقا‬
‫لمصادر وأحكام الدستور‪ ,‬والذي في السلم يشكل القرآن والسنة المصادر الساسية له ‪ ,‬و‬
‫التي لها الولوية في العتماد والستناد إليها في سن القوانين والتشريعات والتنظيمات وذلك‬
‫بالنسجام مع تلك الحكام القطعية الواردة في القرآن والسنه‪ .‬إضافة إلى سلطه نيابيه (مجلس‬
‫شورى منتخب)انتخابا شعبيا على فترات دوريه كل أربع سنوات إلى خمس‪ ,‬مثل هناك أيضا‬
‫انتخابات مباشره ودوريه لمجلس الحكم المحلي والبلدية على مستوى المناطق والوليات‬
‫الداريه ‪ .‬في موازاة ذلك تكون السلطة القضائية (المحاكم ) ذات استقلليه عن تدخلت‬
‫السلطه التنفيذيه او النيابيه ‪ ،‬وتحتاج تلك الستقلليه لكي يشاراليها بالبنان إلى توفر معايير‬
‫استقلل القضاء ومنها قرار نظريه الحقوق الساسيه للمواطنين ومدونه معلنه محدده لحكام‬
‫التعزير‪ ,‬استقلل مالي للقضاة ‪ ,‬عدم تدخل السلطه التنفيذيه بالحكام ‪ ,‬اشراف السلطه‬
‫القضائيه على تنفيذ الحكام ‪ ,‬اشراف السلطه القضائيه على السجون والمعتقلين والمتهمين ‪,‬‬
‫توحيد المحاكم ‪ ,‬وجود محكمه عليا دستوريه شرعيه للفصل في القرارات ومدى مشروعيتها‬
‫ودستوريتها ‪ , )2(.‬وان تكون تلك العناصر منصوصا عليها في الدستور وكذلك مطبقه فعليا‬
‫بالممارسه‪.‬‬
‫واستقلل القضاء المقصود به هنا ‪ ،‬ليس نزاهه واستقلل القضاة انفسهم ‪،‬فذلك‬
‫وان كان امرا مطلوبا ومحمودا ‪ ,‬فان المقصود باستقلل القضاء وتعزيزه هو استقلل‬
‫مؤسساتي (القضاء كمؤسسه وليس كقضاة) ‪ .‬ومع ذلك فان استقلل القضاء ل يعني عدم‬
‫امكانيه محاسبه القضاة في حاله التعسف او ارتكاب أخطاء ‪ ،‬بل ان ذلك لبد من وجود آليه‬
‫للمحاسبه عن طريق محاكم قضائيه خاصه ‪ ,‬مثل باشراف من المحكمه العليا الدستوريه‬
‫الشرعيه ‪.‬‬
‫ان آليه فصل السلطات تلك تتضمن امكانيه وآليه موازيه لها وهي الرقابه‬
‫والمحاسبه بين السلطات وتجاه بعضها البعض ‪ .‬فالمحكمه العليا الدستوريه الشرعيه وهي‬
‫جزء من السلطه القضائيه يمكنها ان تلغي قررات وقوانين وتشريعات "السلطه النيابيه "‬
‫"التشريعيه " ‪ ,‬اذا وجدت بنفسها ‪ ,‬أوجهة ما رفعت اليها ‪ ,‬بان تلك القوانين والقرارات‬
‫مخالفه لحكام الدستور‪ ,‬اواحكام مصادره الساسيه ‪ ,‬مثل اذا تعارضت مع احكام الشريعه‬
‫السلميه (آلقران والسنه ) ‪.‬‬
‫ايضا في التوازي ‪ ,‬تستطيع السلطه النيابيه (التشريعيه ) ان تخضع السلطه‬
‫التنفيذيه او احد مسؤليها "الوزراء مثل" للمحاسبه ‪ ,‬وكذلك مراجعه ميزانيه الدوله والمال‬
‫العام والمصادقه عليها ‪ ،‬وكذلك على التعيينات ‪ ،‬وكذلك بالموافقه اوعدم الموافقه السياسيه‬
‫الخارجيه أوبعضها مثل على التفاقيات الدوليه ‪ ,‬وخاصه منها المنيه والعسكريه والقتصاديه‬
‫والثقافيه ‪.....‬الخ ‪ ,‬وايضا الموافقه على تشكيل الحكومه او حجب الثقه‪ ،‬عنها ‪ ،‬كما هي في‬
‫بعض نماذج الحكومات او الدول ‪ .‬في المقابل تستطيع السلطه التنفيذيه ورئيسها تحديدا‪ ,‬ملكا‬
‫او رئيسا أو أميرا ‪ ,‬من تقديم مشروعات وقوانين لربما تقرها السلطة النيابية عن طريق‬
‫مناصريها ‪ ,‬او حق العتراض على قوانين تصدرها السلطه النيابيه في غضون فتره محدده ‪,‬‬
‫وكذلك اصدار بعض القوانين والقرارات من قبل السلطة التنفيذية في فترات محدودة‬
‫وكذك في بعض الدول الدستورية ‪,‬‬ ‫(الجازات للضرورات ) ‪ ,‬مع طلب تصديقها لحقا‪,‬‬
‫تستطيع السلطه التنفيذيه أورئيسها حل السلطة النيابية والدعوة إلى انتخابات جديدة تعاد فيها‬
‫تشكيل السلطه النيابيه لربما وفق توجهات السلطه التنفيذيه‪.‬‬
‫ما الذي تعنيه أو تحققه آليه فصل السلطات المنبثقه عن الدستور ؟‬
‫إنها تحقق التي‪:‬‬
‫(‪ )1‬محاصرة الستبداد وتقييده والوصول الى السلطه أوالحكومه المقيدة ‪ ,‬وبالتالي‬
‫إزالة القمع والقهر او الحد منهما الى اكبر درجه ممكنه ‪ ,‬عن طريق السلطه النيابيه‪,‬‬
‫الشورى المنتخبه والملزمه ‪ ,‬شعبيا ودوريا (فترات محدده ) ‪ ,‬وكذلك انتخابات مباشره‬
‫ودوريه لمجالس الحكم المحلي والبلديات لتصبح المشاركه الشعبيه امرا واقعا ويصبح‬
‫المواطن جزء من العمليه السياسيه ومساهما فاعل في اتخاذ القرارات ‪ ,‬على مستوى هياكل‬
‫السلطه المركزيه (السلطه النيابيه ) أو(مجلس الشورى المنتخب الملزم) ‪ ,‬او على مستوى‬
‫السلطات المحليه مجالس الحكم المحلي والبلديات ‪ ,‬وهنا يجمع بين حريه وحق المشاركه‬
‫وتحمل المسؤلية على مثل القرارات والسياسات المتخذه ‪ ,‬وهو ما يعني ويساهم في نفس‬
‫الوقت بالغاء او تقليص الستبداد ‪ ،‬ويقيد السلطه المطلقه ‪ ,‬وفي مقابل ذلك يتم تحقيق‬
‫الحقوق والحريات ويزداد هامشها ‪.‬‬
‫‪ )2‬اضافه الى ذلك فان المشاركه الشعبيه المباشره تلك ‪ ,‬سواء بالنتخابات ‪,‬‬
‫أو بالتصويت ‪ ,‬او بالدخول للمجلس ‪ ,‬بما يعنيه من تفويض شعبي للسلطه النيابيه (الشورى‬
‫المنتخبه الملزمه ) وباعتبار ان الشعب مصدر السلطات ‪ ،‬فان مسأله وقضيه العدل والعداله‬
‫الجتماعيه من توزيع الثروه والمال والفرص المتكافئه والمساواه القانونيه والمواطنه ‪,‬‬
‫والتنميه بما يحقق تقدم كرامه النسان والمواطن ‪ ,‬في كافه المجالت دون تمييز في كافه‬
‫المناطق ‪ ,‬تصبح هي النتيجه المطلوبه الثانيه (العداله ) بعد أو مع الحرية ‪.‬‬
‫‪ )3‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فان استقلل القضاء وتأكيده ‪ ,‬عن طريق تلك اللية‬
‫الدستوريه سيضمن حقوق المواطن ‪ ,‬سواء فيما بينهم أو اتجاه الدوله ‪ ,‬وكذلك ضمان‬
‫مسألة المساواة والعدالة بين المواطنين في التقاضي والترافع وتطبيق الحكام ‪.‬‬
‫اضافه الى تحقيق العداله والحريه ‪ ,‬من خلل آليه فصل السلطات والمراقبه ‪,‬‬
‫وبالتالي الوصول الى فكره "السلطه المقيده " ‪ ,‬والتي تعبر عن المعاني الساسيه والكبرى‬
‫للمفهوم الحديث للدستور‪ ,‬فان عناصر ومحاور أي (دستور ) لبد ان يتضمن اساسا القرار‬
‫بالحقوق والحريات الساسيه والعامه (حقوق النسان ) للمواطن ‪ ,‬باعتبارها منظومه متكامله‬
‫من الحقوق والحريات اللصيقه بالمكونات والفطره النسانيه وايضا في اساس العلقات‬
‫الجتماعيه ‪ .‬وتلك الحقوق والحريات الساسيه العامه ابرزها السلم في القرآن والسنه‬
‫وكذلك في الممارسات السلميه ‪ ,‬مثل "الحريه" وخاصه بعض رموزها وخلفاءها ‪ ,‬كمقوله‬
‫لعمر بن الخطاب "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا" ‪ .‬تلك الفكره التي للسف‬
‫لم تتبلور ال مع الطرح الفلسفي الوروبي وخاصه مع مقولت ( العقد الجتماعي ) للمفكر‬
‫الفرنسي جان جاك رسو‪ ,‬كذلك فان المواثيق الدوليه كالميثاق الدولي لحقوق النسان‬
‫الصادرعن المم المتحده ‪1948‬وكذلك العهديين الدوليين عن الحقوق المدنيه والسياسيه‬
‫والقتصاديه والجتماعيه والثقافيه ‪...‬الخ ‪ ,‬قد اقرتها اغلب الدول بما فيها الدول العربيه‬
‫ومنها السعوديه ‪ ،‬رغم بعض التحفظات على ما ورد فيها ‪.‬‬
‫ومن اهم الحقوق والحريات اضافه الى الحقوق الساسيه في العيش والتملك‬
‫والعمل ‪ ،‬فان هناك حقوق سياسيه ومدنيه ‪ ,‬من أهمها حريه الراي والتعبير والمشاركه في‬
‫اداره الشوؤن العامه وحق انشاء الجمعيات و النقابات والتحادات والنضمام لها ‪ ,‬وكذلك‬
‫الحق في حريه الشتراك في الجتماعات والجمعيات السلميه (‪.)3‬‬
‫تلك الحقوق والحريات ‪ ,‬وخاصه الساسيه منها ‪ ,‬هي احدى مكونات وهيكل‬
‫الدستور ‪ ,‬والذي لبد ان تقره الدول نظريا وممارسه ‪ ,‬وبموافقه شعبيه عليه ‪ ،‬لكي يكون‬
‫ضمن العناصر والليات والضمانات‪ ,‬لكي يمكن لليه الفصل بين السلطات والمراقبه‬
‫والمحاسبه (التراقب والتحاسب)‪ .‬ان تصل بقصبتي العداله والحريه الى افاقها والقياس عليها‬
‫‪ ,‬خاصه فيما يتعلق بمسأله قيام القضاء بمهامه ومن خلل استقلله و(معايير استقلل‬
‫القضاء) ‪ ,‬و لتطبيق الحكام ذات الصله بالحقوق والحريات وضمانها قضائيا وبالتالي‬
‫الوصول الى فكره الدستور باعتبارها "السلطه المقيده " فعل ل قول‪.‬‬
‫في هذا السياق وبالمقارنه ‪ ،‬فان كثير من الدول العربيه تقر في دساتيرها اوفي‬
‫نظامها الساسي للحكم ‪ ,‬السعوديه مثل ‪ ,‬عدد من الحقوق والحريات ‪ ،‬ولكن تلك الحقوق‬
‫والحريات اول‪ ,‬تعتبر قاصره من حيث عدم اشتمالها لحقوق وحريات اساسيه خاصه في‬
‫المجال السياسي والمدني ‪ ،‬وثانيا ‪ ,‬فان الممارسه في الحياه العمليه ل تسندها ولتشير الى‬
‫التزامها بتلك الحقوق والحريات ‪ ,‬فضل عن عدم اكتمالها اصل‪ .‬والسبب يعود إلى أن تلك‬
‫الدول تفتقر إلى الليه الدستوريه الحقيقيه وللفصل والمراقبه والمحاسبه بين السلطات‬
‫وبالتالي الحد من السلطه ‪ ،‬وذلك لنها أصل صادره بدون تفويض شعبي وبدون وجود آليات‬
‫للرقابه الشعبيه ( ارادة الشعب باعتبارها المرجعيه للسلطات ‪ ،‬وليس الفرد اوالحزب اوالعائله‬
‫سواء كان ملكا او رئيسا أو أميرا ) ‪.‬‬
‫ومن هنا فان هذه الدول ‪ ,‬التي تزعم بانها تحافظ على الحقوق والحريات‬
‫وتصونها في انظمه كلها او دساتيرها (شكلية) ‪ ,‬إنما هي ل تخادع فقط شعوبها وانما تخادع‬
‫العالم ‪ ،‬اذا ان الشعب ‪ ,‬والعالم يعرف ‪ ,‬ان حقوقه مهدوره وحقوقه مصادره‪ ,‬والممارسه خير‬
‫برهان ‪ ,‬في العتقالت والممارسات القمعيه ‪ ,‬ضد الحقوق في التعبير او الجتماع او حتى‬
‫السفر ‪ ,‬وهي ابسط الحقوق المصادره ‪ ،‬او ليس مثل هذه الممارسات القمعيه الصارخه ضد‬
‫دعاه الصلح والمشاريع الصلحيه داخليا وخارجيا وفي تناقض مفضوح مع اطروحات‬
‫الصلحات العربيه الرسميه سواء على مستوى الدول او جامعه الدول العربيه دليل صارخ‬
‫على الستبداد والقمع وبالتالي عدم الدستورية‪.‬‬
‫وضمن عناصر ومكونات الدستور لكي يكون الدستور هو الترجمه الفعليه‬
‫"للسلطه المقيده" ‪ ,‬فانه وفي سياق اقرار الحقوق والحريات الساسيه والعامه (السياسيه‬
‫والقتصاديه ‪.....‬الخ )‪ ,‬فان على الدوله (أي دوله ) لكي يمكن وصفها بانها دوله‬
‫دستوريه ‪ ،‬ان تقبل وتضمن قيام وضمان عمل تكوينات المجتمع الهلي المدني‪.‬‬
‫ومفهوم المجتمع الهلي المدني هو ببساطه شديده يتكون من ‪:‬‬
‫(‪ )1‬تكوينات وهياكل مدنيه واهليه (عامه وخاصه )‬
‫(‪)2‬منظومه من القيم (التسامح والحوار ‪ -‬التعدد‪ ،‬نبذ العنف ) في التعامل والعلقات‬
‫والتنافس السلمي‬
‫(‪)3‬ارتباطه بالبيئه والهيكل الدستورى‬
‫(‪)4‬الوظائف والغراض والدوار (ومنها حمايه المصالح وتطويرها ‪ ,‬الحتساب على‬
‫السلطات وفيما بين المكونات الهليه ‪ ,‬والفصاح عن الرغبات والراء‪).......‬‬
‫والتكوينات والهياكل هي كل النواع من الطر (الجمعيات) الجتماعيه والثقافيه‬
‫والقتصاديه والمهنيه وفي احيانا حتى السياسيه وكذلك الخيريه والمنتديات والنوادي‪.....‬الخ‬
‫‪ ,‬والتي يقوم مجموعه من الفراد في مجتمع ما بتشكيلها للقيام بتحقيق اهداف اواغراض‬
‫خاصه اوعامه ‪ ،‬وتكون منسجمه مع الدستور ‪ .‬وتلك التشكيلت او التكوينات هي ‪:‬‬
‫(‪)1‬الجمعيات والتحادات والنقابات المهنيه النتماء اليها بالمهنه مثل جمعيه‬
‫المزارعين‪ ,‬جمعيه التجار‪ ،‬جمعيه المحامين ‪،‬جمعيه الطباء ‪....‬نقابات واتحادات العمال ‪،‬‬
‫واتحادات الطلب ‪....,‬الخ‪ .‬والنتماء لهذه التكوينات والجمعيات هو اساسا انتماء طوعي‬
‫واختياري ‪ ,‬وتقوم في عملها وأدائها لوظائفها وكذلك في العلقة مع الخرين والتعامل معهم‬
‫على منظومه قيميه معينه ولكن اهمها السلميه‪ , ,‬ونبذ العنف‪ ،‬وقبول الخر‪ ،‬والتعدديه‬
‫والحوار‪ ،‬والتسامح والتنافس السلمي‪ ,‬والتعاون وان تكون مستقلة عن السلطة‪ .‬ويدخل في‬
‫هذه التكوينات ‪ ,‬ايضا‪,‬الجمعيات الخيريه والمنتديات والنوادي الثقافيه والرياضيه‬
‫‪..........‬الخ‬
‫(‪)2‬القوى السياسه ومنها الحزاب السياسيه ‪ ،‬وهذه التكوينات هناك خلف بين علماء‬
‫السياسه والجتماع على احتسابها من ضمن مكونات المجتمع الهلي المدني ‪ ,‬ففريق يرى‬
‫باضافتها ‪ ,‬وفريق يرى بعدم اضافتها ‪ ,‬باعتبار ان هناك تداخل بينها وبين السلطه ‪ ,‬بخلف‬
‫الجمعيات المهنيه والتي تبدو منفصله عن السلطه السياسيه‪.‬‬
‫(‪ )3‬التكوينات والطر الجتماعيه التقليديه (غير المهنيه)‪ ,‬والتي تقوم على الرابطه‬
‫بين من ينتمون لها ليس على اساس المهنه ‪ ,‬وانما على روابط اساسيه كالدم والعرق والدين‬
‫والطائفه (مثل بعض العا ئلت او السر او العشائر او القبائل ‪ ،‬المناطق اوالطوائف‬
‫المذهبيه ‪ ،‬باعتبار ان النتماء هنا ليس اختياري وانما اجباري )‪.‬وهناك خلف ايضا بين‬
‫علماء السياسه والجتماع السياسي على اعتبار هذه التكوينات من مكونات المجتمع المدني ‪،‬‬
‫والغالب على كثير من العلماء هو استبعاد تلك التكوينات من النتماء الى المجتمع المدني ‪،‬‬
‫باعتبار أنها تفتقر إلى القيم المدنية ‪ ،‬مثل التسامح‪ ،‬وقبول التعدد‪ ،‬والحوار ‪ ،‬والتشديد على‬
‫الندية والصراع أكثر من التعاون‪....‬إلخ‪ .‬ولكن يذهب بعض علماء الدين والجتماع ‪ ،‬ونحن‬
‫منهم إلى فكرة اضافة تلك المكونات التقليدية إلى المجتمع المدني‪ ،‬خاصة وان ممارسات كثير‬
‫منها في البلدان العربية والجنبية(مثل لبنان‪" ،‬الطوائف"‪ ،‬واليمن ‪ ،‬وعمان‪ ،‬والردن ‪،‬‬
‫والسودان‪ ،‬والهند) ‪.......‬الخ ‪.‬تبين أنها غير معادية للديمقراطية والتنافس السلمي ‪ ،‬وأن‬
‫"الندية" البارزة لديها وفيما بينها ليست بذاتها سيئة ‪ ,‬وإنما قد تكون أحد عوامل التوازن‬
‫ومنع الستبداد من قبل كل منهما أو تجاه بعضهم البعض (‪ .)5‬ولذلك كنا من ذلك التوجه ‪،‬‬
‫خاصة مع شيوع وانتشار تلك التكوينات التقليدية (الهلية) في البلدان العربية وفاعليتها‬
‫الكثر مقارنة وموازنة بالمكونات المدنية الحديثة في البلدان العربية والتي ل زالت تعاني من‬
‫أسباب عدم الفعالية والتي يعود جزء كبير منها إلى بنية وطبيعة الدولة العربية التسلطية ‪,‬‬
‫حيث اختراقها لتلك التكوينات وبالتالي عدم استقلليتها ‪ ،‬كما هو واضح مثل بالنسبة لعدد‬
‫من الدول العربية ‪ ,‬وكذلك بسبب سياستها التنموية غير المتوازنه بين المراكز والطراف ‪,‬‬
‫بين المدن والرياف‪ ,‬مما ولد حاله متواصله من تداخل الرياف بالمدن بل وتحول المدن الى‬
‫مجمعات سكانيه متريفه (‪ )6‬نتيجه ذلك التداخل ‪ .‬ومع فكره قبول النخراط بالعمليه‬
‫الديمقراطيه من قبل التكوينات التقليد يه والهليه كما بينتها تجارب بعض البلدان العربيه‬
‫وخاصه في لبنان واليمن وكذلك ‪ ،‬الهند فاننا واخرون نرى اعتبار تلك التكوينات الهليه‬
‫التقليديه جزء من تكوينات المجتمع المدني ولذلك اطلق الدكتور‪/‬عبدال الحامد‪,‬ا احد ابرز‬
‫الباحثين والمهتمين بالشان العام والصلح الدستوري ‪ ,‬مفهوم ‪ ،‬المجتمع الهلي المدني ‪،‬‬
‫كمخرج ومفهوم جامع (‪. )7‬‬
‫" المجتمع الهلي المدني آليه للحتساب المؤسسي على السلطة وفيما بين مكـوناته"‬
‫على ان النقطة الهم المناطه بتكوينات المجتمع الهلي المدني ‪ ،‬ليس بذاتها‬
‫وهياكلها وانما بما تقدمه من اهداف واغراض ووظائف وخاصه في المجال العام‪ .‬بعض‬
‫التكوينات المدنيه الهليه ‪ ،‬تقوم لتحقيق وظائف خاصه للمتسببين لها وذلك بالحفاظ على‬
‫مصالحهم وتنميتها وتطويرها سواء تجاه الدوله (السلطه )او المجتمع (التكوينات الخرى ) ‪.‬‬
‫في المقابل فأن البعض يقوم بوظائف عامه ومن ذلك مثل ‪ ،‬جمعيات حقوق النسان وجمعيات‬
‫البيئه وحمايه المستهلك ودعاه المجتمع المدني في فترات التكوين والمطالبه ‪......‬الخ ‪.‬‬
‫وهناك البعض من التكوينات تجمع بين الغايات الخاصه والعامه ‪ ,‬مثل اتحاد العمال فهو يقوم‬
‫بدور حمايه مصالح اعضاءه ‪ ,‬ولكنه في نفس الوقت ‪ ,‬اذا يتعلق المر بالسلطه والجور‬
‫والعمل ‪ ,‬فقد يقوم بالعلن عن مظاهرات سلميه احتجاجية ‪ ,‬وهولء وأولئك من التكوينات‬
‫التي تجمع بين الخاص والعام ‪ ,‬وكذلك حتى الخاصه ‪ ,‬عندما تتوازن مع الخرين اوالسلطه‬
‫‪ ,‬ويقومون بدور وآليات الرقابه والمحاسبة المجتمعيه المؤسسيه على السلطات وتجاه‬
‫المكونات الجتماعيه الخرى ‪ ,‬وبالتالي فان تلك التكوينات الجتماعيه المدنية والهليه تضيف‬
‫ابعادا اضافيه وفعليه الى آليات الحتساب الحديثه على السلطه ‪ ,‬وذلك بالمر بالمعروف‬
‫السياسي والنهي عن المنكر السياسي في قضايا العداله والحقوق والحريات والمصالح ‪.‬‬
‫وهذه تناسب الطريقة السلمية بالحتساب على السلطات وفيما بين المكونات الهليه نفسها‬
‫وبآليات حديثه تتحقق من خللها مقاصد هامه وعديده من مقاصد الشريعه ‪ ,‬كل في مجاله‬
‫ولكن بشكل مؤسسي لحساب الفراد والجماعات المنتمين لها ‪ ,‬وبالتالي تسهم فعليا في‬
‫الوصول الى "السلطه او الحكومه المقيده" فعليا ‪ ,‬بما يحقق العداله ويصون الحقوق والحريات‬
‫العامه الساسيه ‪ ,‬وبالتالي ينهي ويحاصر الستبداد والقمع والظلم والمفاسد ‪ ،‬ويجد بالتالي‬
‫المواطن نفسه في مجتمع ودوله تكفل له الكرامه والمساواه النسانيه والفرص المتكافئه في‬
‫التقدم والرقي في حدود وآليات قانونيه واضحه (دستور) ‪.‬‬
‫اضافه الى ذلك فان وجود تلك التكوينات والتشكيلت الجتماعيه الهليه‬
‫والمدنيه ولضمان استقلليه عملها ‪ ،‬فان وظيفه هامه جدا ‪ ,‬تقدمها تلك التكوينات الجتماعيه‬
‫الهليةالمدنية ‪ ،‬اضافه الى آليات أحتسابها على السلطات وفيما بين المكونات الهليه الخرى‬
‫‪ ،‬فانها اذا تقوم على نبذ العنف وتؤمن بالحوار والوسائل السلميه وقبول الخر والتعدديه‬
‫والتسامح ‪ ،‬فانها تتيح لعضاء المجتمع افرادا او جماعات النضواء تحت تلك الطر وبالتالي‬
‫تقوم بدور الموجه والمدرب وقيادة المواطنين وخاصةالشباب نحو التوجهات السلمية‬
‫والفصاح عن رغباتهم من خلل تلك القنوات ‪ ,‬وبالتالي المساهمة على نحو جذري في‬
‫القضاء على اتجاهات العنف‪ ,‬والتي تبدو تتزايد مع غياب الطر الجتماعية المدنية الحديثة‬
‫أو الهلية القديمة – كما نلحظ ما تمر به بعض البلدان العربية من عنف في الجزائر‬
‫والسعودية وهذا مرتبط في جزء هام منه بغياب تلك الهياكل (مكونات وعمل المجتمع الهلي‬
‫المدني المستقله)‪.‬‬
‫تلك العناصر والمحاور الساسية للدستور‪ ,‬والتي تشكل آليات وهياكل‬
‫واجراءات تجعل من السلطة بالفعل" سلطة مقيدة" والحكومة حكومة دستورية بالفعل ‪ .‬عندها‬
‫يمكن من خلل تلك الليات وخاصة آليات الفصل والتراقب والتحاسب على السلطات وفيما‬
‫بينها ‪ ,‬وكذلك بالحتساب من قبل التكوينات الجتماعية ‪ ،‬المجتمع الهلي المدني على‬
‫السلطات ‪ ,‬وكذلك فيما بينها ‪ ,‬تحقيق وضمان العدالة والحرية ‪ .‬على أن " روح الدستور" هو‬
‫أن تتولد تلك العناصر الدستورية من خلل عقد اجتماعي مصوت عليه شعبيا ‪ ,‬بحيث‬
‫تكون"إرادة الشعب أوالمه هي مصدر سلطة الحكم" وأن تتجلى تلك الرادة من خلل‬
‫النتخابات الدورية النزيهة سواء على مستوى السلطة النيابية المركزية (الشورى المنتخبة‬
‫الملزمة ) ‪ ,‬أم على مستوى الحكم المحلي والبلديات ‪ ,‬وذلك ضمن قانون انتخابي يقوم‬
‫علىالقتراع العام والرأي الحر للمواطنين وعلى قدم المساواة ‪ .‬إذن روح الدستور والذي‬
‫يجعله فاعل في الممارسة وليس فقط في النصوص هو العلقة الجديدة القانونيه الملزمه ‪,‬‬
‫بين السلطة والمجتمع من خلل "العقد الجتماعي " ‪ ,‬والذي يمثل الدستور‪ ,‬وتكون أرادةالمه‬
‫اوالشعب هي مصدرسلطة الحكم ويكون المواطن‪ ,‬فعل ل قول ‪ ,‬جزءا من العملية السياسية‬
‫وجزءا من السلطة‪ ،‬وخاصة في السلطة النيابية "الشورى المنتخبة الملزمة"‪ ,‬على مستوى‬
‫المركز أو المجالس المحلية ‪ ,‬ذلك من خلل المشاركة الفعلية في الممارسة السياسية في‬
‫العملية النتخابية‪ ,‬ترشيحا أو تصويتا أو تمثيل ‪ ,‬في تلك المجالس التي تمثل الرادة‬
‫المجتمعية ذات اللة الرقابية والمحاسبة على أعمال الحكومة وسياساتها ‪.‬‬
‫إضافه الى ذلك فإن "إرادة المه الشعب" باعتبارها منبع الوليه ومصدر سلطة‬
‫الحكم ‪ ,‬تجعل أيضا من خلل النتخاب الدوري إن المواطن نفسه وخاصة الذي أصبح جزء‬
‫من العمل السياسي داخل السلطات النيابية أو المجالس المحلية ‪ ،‬هو نفسه أيضا عرضه‬
‫للمحاسبة والمسآءلة ‪ ,‬وإلى التغيير وعدم الدوام في المنصب ‪ ,‬وبالتالي تكون المصلحة‬
‫العامة دائما مقدمة ‪ ,‬وفي حالة الخلل بها فإن هناك آلية المحاكمات والحتسابات والمحاسبة‬
‫‪....‬إلخ ‪ .‬هذا هو الفهم الصحيح للدستور ‪ ،‬باعتبار انه "السلطة اوالحكومه ذات السلطه‬
‫المقيدة" ضمانا لمنع الستبداد‪ ,‬وتحقيقا للعدالة والحريات والمشاركة الشعبية ‪ ,‬المتصلة‬
‫بإرادة المجتمع ‪ ,‬باعتبارها مصدرالسلطات ومرجعيتها العليا ‪.‬‬
‫ورغم أن التحديد أعله لماهية وروح الدستور تقترب من جوهره ‪ ,‬فإن الدول‬
‫الدستورية تختلف من حيث الحدود القصوى والدنيا لحالة الممارسة الدستورية ‪ ,‬وخاصة‬
‫"السلطة اوالحكومه المقيدة" ولذلك تجد نماذج متنوعه من ‪ ,‬مثل‪,‬الملكيات الدستوريه والتي‬
‫تترواح بين الحد القصى والحد الدنى من تقييد الحكومه فيها ‪ ,‬غير أن الحد الدنى الذي ل‬
‫بد أن يدركه المواطنون هو وجود المشاركة الشعبية في القرارات والسياسات ‪ ,‬عن طريق‬
‫انتخاب سلطة نيابية "مجلس شورى منتخب ملزم" انتخابا حرا مباشرا ودوريا ‪ ,‬له صلحيات‬
‫وسلطات رقابية على السلطة التنفيذية و الحكومة وكذلك وجود حد معقول من "استقلل‬
‫القضاء " بما في ذلك وجود محكمة عليا دستورية ‪ ,‬والسماح بحرية التعبير والرأي بما في‬
‫ذلك حرية الصحافة والعلم والنشر ‪ ،‬وكذلك السماح بتكوينات المجتمع الهلي المدني‪,‬‬
‫ووجود ضمانات لستقللية عملها ‪.‬‬
‫من هنا كانت الدعوة والمطالبة بالدستور " الصلح الدستوري" باعتباره‬
‫الركيزة والساس الذي يبني عليه أي إصلح شامل في السعودية ‪ ,‬لتحقيق غاياته في ضمان‬
‫العدالة والحرية والكرامة للمواطن والمجتمع والسلطة على حد سواء‪.‬‬
‫نقطة أخيرة ل بد من الشارة إليها سريعا وهذه تتصل بمن يصوغ ويعد‬
‫الدستور؟ جرت العادة في الدول التي تريد أن تتبنى حياة سياسية دستورية حقيقية أن‬
‫تتكون هيئة وطنيه مستقلة من أهل الرأي والخبرة والعلم في كافة الختصاصات ‪ ,‬بما في‬
‫ذلك الفقه الدستوري ( والشريعة السلمية في البلد العربية والسلمية ) ‪ ,‬لصياغة بنود‬
‫وعناصر وآليات الدستور المشار إلى أهم عناصرها السابقة مع تفصيلتها وفي شكل ابواب‬
‫ومواد ‪ ،‬ثم عند النتهاء من تلك الصياغة تقوم الحكومة " الدولة " بعرض ذلك الدستور‬
‫المقترح على الشعب للتصويت عليه ‪ ,‬وقد تكون صيغة التصويت بنعم أول ‪ .‬ومتى صوتت‬
‫الغالبية بنعم فيعتبر عقدا إجتماعيا جديدا ملزما للطرفين ‪ ,‬السلطة والمجتمع ‪ ,‬ونافذا‪,‬‬
‫وتتحدد بعدها مرحلة التنفيذ وآلياتها‪ ,‬خاصة فيما يتعلق باجراء النتخابات العامة السلطة‬
‫النيابية ( الشورى الملزمة ) والمحلية والبلدية ‪ ,‬مع وجود قانون انتخابي مبني على احصاء‬
‫سكاني حديث ‪ .‬ويناط بالسلطة النيابية لحقا حق تعديل أو الغاء الدستور جزئيا أو كليا وطبقا‬
‫للية تصويت واضحة مثل غالبية الثلثين ‪ .‬ويناط بالمحكمة الدستورية العليا المراجعة‬
‫الدستورية ‪ ،‬بمعنى البت فيما هو دستوري أو متعارض مع الدستور من القرارات والقوانين‬
‫التي تسنها السلطة النيابية أو غيرها في حالت استثنائية ‪.‬‬
‫من أجل ذلك ‪ ،‬طالب دعاة الصلح الدستوري والمجتمع الهلي المدني في‬
‫السعودية بتشكيل مؤتمر وطني للحوار الغاية منه هو الوصول ‪ ,‬بالحوار بين التيارات مع‬
‫الحكومة إلى تشكيل تلك الهيئة الوطنية المستقلة لصياغة الدستور‪ .‬لذلك لم يكن الهدف من‬
‫ذلك المطلب الصلحي هوإقامة مركز وطني للحوار كما تبنته الدولة ‪ ,‬مهيمنة عليه دون ان‬
‫تكون طرفا فيه ‪ ,‬و إنما كان الهدف هو الوصول إلى تلك الهيئة لصياغة الدستور من أجل‬
‫البدء بتطبيقات الصلحات الدستورية في فتره لحقه معقوله ‪.‬‬
‫الهوامش ‪:‬‬
‫(‪ )1‬في التفصيلت والسماء الموقعه على الوثيقه انظر ‪ ":‬ندا الى القياده والشعب‬
‫"الصلح الدستوري اول"ا ‪2003|12| 16‬م ‪.‬‬ ‫معا"‬
‫(‪ )2‬من معايير استقلل القضاء ‪ :‬اقرار نظريه الحقوق الساسيه للمواطنين و مدونه‬
‫معلنه محدده لحكام التعزير ‪ ،‬استقلل مالي للقضاة ‪ ،‬عدم تدخل السلطه التنفيذيه بالحكام ‪،‬‬
‫اشراف السلطه القضائيه على تنفيذ الحكام ‪ ،‬اشراف السلطه القضائيه على السجون‬
‫والمعتقلين والمتهمين ‪ ،‬توحيد المحاكم ‪ ،‬وجود محكمه عليا دستوريه شرعيه للفصل في‬
‫القرارات ومدى مشروعيتها ودستوريتها ‪ .‬في تفاصيل ذلك انظر ابو بلل ‪ ،‬عبدال الحامد‪,‬‬
‫المعايير الدوليه لستقلل القضاء في بوتقه الشريعه السلميه ‪ ,‬في طريقه للنشر‪ ,‬من الدار‬
‫العربيه للعلوم‪ ,‬وكذلك عبدال الحامد ‪ ,‬استقلل القضاء السعودي‪ :‬عوائقه وكيفيه تعزيزه ‪,‬‬
‫بحث معدل ‪ ,‬ومقدم في الساس الى مؤتمر العداله الثاني ‪ ,‬المنعقد في القاهره في الفتره ‪:‬‬
‫‪/24-22‬فبراير ‪2003/‬م‬
‫(‪ )3‬عن تفصيلت الحقوق والحريات للنسان في كافه المجالت وخاصه في مجال‬
‫الحقوق السياسيه ‪ ،‬يمكن الطلع عليها من موقع المم المتحده على النترنت ولنظره موجزه‬
‫عامه لميثاق حقوق النسان الصادر في ‪1948‬انظر "العلن العالمي لحقوق النسان"‬
‫‪........1948‬قرار‪ 217 #‬في ‪.10/12/1948‬‬
‫(‪ )4‬هناك ندوات ودراسات عن المجتمع المدني في البلد والوطن العربي ‪ ،‬لعل اهمها‬
‫ندوه المجتمع المدني في الوطن العربي ( بيروت مركز دراسات الوحده العربيه ‪1992‬م )‬
‫عزمي بشاره ‪ ،‬المجتمع المدني (بيروت ‪ ،‬مركز دراسات الوحده العربيه) احمد صبيحي‬
‫شكري ‪ ،‬المجتمع المدني ‪ ،‬متروك الفالح ‪،‬المجتمع والدوله والد يمقراطيه ‪ ،‬دراسه مقارنه‬
‫اشكاليه المجتمع المدني في ضوء تريف المدن (بيروت ‪ :‬مركز دراسات الوحده العربيه‬
‫‪2002‬م ) ‪ .‬أبو بلل ‪/‬عبدال الحامد ‪ ,‬المجتمع الهلي المدني‪2003 ,‬م‬
‫(‪ )5‬عن تريف المدن وعلقه ذلك بالمجتمع المدني انظر ‪ ،‬متروك الفالح المجتمع‬
‫والدولة والديمقراطية ‪.‬‬
‫(‪ )6‬اضافه الى دراستنا متروك الفالح ‪ ،‬المجتمع والدوله والديمقراطيه في البلدان‬
‫العربيه ‪ ،‬مصدر سابق انظر ايليا حريق ‪ ،‬العرب والتراث والديمقراطيه ‪ ،‬المستقبل العربي‬
‫عدد ‪. #‬بنابر ‪2002‬م ‪.‬‬
‫(‪)7‬ابو بلل ‪ ,‬عبدال الحامد المجتمع الهلي المدني ‪2003‬م ‪.‬‬

‫[البحث الثالث‪]:‬‬
‫الصلح الدستوري في السعودية‬

‫القضايا والسئلة الساسية‬

‫العنف في السعودية‪ :‬من التفسير إلى الحاطة‬


‫( الصلح الدستوري هو الحل )‬

‫الصلح الدستوري في السعودية‬

‫القضايا والسئلة الساسية‬


‫العنف في السعودية‪ :‬من التفسير إلى الحاطة‬
‫( الصلح الدستوري هو الحل )‬

‫العنف ظاهرة قديمة قدم البشرية‪ ،‬ولكنه مع تغيرات ضخمة في هيكلة وبناء‬
‫المجتمعات وتنوعها وتقاطع أطرافها واحتياجاتها ومصالحها‪ ,‬ومع التقدم التقني بعناصر‬
‫القوى المادية‪ ،‬وكذلك بعناصر نقل المعلومة بالصورة الفورية‪ ،‬أخذ يتزايد أولً في انتشاره‬
‫وفي آثاره وبالتالي ولد قلقا واهتماما متزايدا ومتابعة الناس في كل مكان‪ .‬وإذا كان العنف‬
‫ظاهرة موجودة في كل زمان وفي معظم المجتمعات بدرجة أو بأخرى‪ ،‬فإن الذي يهمنا هو‬
‫ملحظة أن منطقتنا العربية وبلداننا العربية تشهد في معظمها درجات متزايدة من العنف الذي‬
‫وصل في بعضها إلى حالة من الصراع الجتماعي المفتوح " الحرب الهلية "‪ .‬وحيث إن‬
‫السعودية من البلدان العربية التي بدأت تشهد‪ ،‬وخاصة من أحداث سمتبمبر ‪2001‬م فصاعداَ‬
‫وبالذات منذ ‪ 12‬مايو ‪2003‬م‪ ،‬أعمالً متصاعدة من العنف‪ ،‬فإن معالجة الموضوع من حيث‬
‫العلقة بين العنف والصلح وخاصة مدى تأثير الول على مستقبل الخير‪ ،‬من القضايا‬
‫الساسية المتصلة بفكرة ومطالب الصلح الدستوري في السعودية‪.‬‬
‫في مناقشة وتحليل العلقة بين العنف والصلح الدستوري‪ ،‬ننطلق من محطات‬
‫أساسية ذات صلة بالعنف ومنها‪:‬‬
‫أولً‪ :‬تعريف وتحديد مفهوم العنف‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬مناقشة متغيرات العنف " تفسير العنف " في السعوديه‬
‫ثالثا‪ :‬العنف والصلح الدستوري‪.‬‬
‫أولً‪ :‬في مفهوم العنف‪:‬‬
‫أي معالجة لقضية ذات صلة ببعض المفاهيم‪ ,‬تحتاج أن تحدد تلك المفاهيم من‬
‫خلل تعريف يوضح مكوناتها وخصائصها‪ .‬عليه يمكن‪ ،‬من خلل المعرفة في سياق علم‬
‫الجتماع السياسي‪ ،‬تعريف العنف على انه؛‬
‫كل تصرف أو سلوك بشري ينزع إلى استخدام قدر من القوة القسرية ( بما في‬
‫ذلك الكراه والذى الجسدي بما في ذلك الضرب والذى النفسي) وخاصة استخدام السلح‬
‫وتقنيات التعذيب التقليدية والحديثة‪ ,‬غير المشروع أو المخالف " المنتهك لحقوق النسان‬
‫الساسية‪ ,‬التي أقرتها الشرائع السماوية والمواثيق الدولية في التعامل مع أو إدارة العلقات‬
‫النسانية ( بما في ذلك وبدرجة أساسية الختلفات في المجالت الثقافية والجتماعية‬
‫والقتصادية والسياسية ) وبهدف تحقيق غايات في تلك المجالت تتراوح بين الخضاع‬
‫والضغط والتعديل والتهميش (القصاء)‪ ،‬وبين الستئصال والتصفية والتغيير الشامل لتلك‬
‫العلقات وبالذات أطرافها " فواعلها "‪ ,‬وقد يطال أذاه آخرين غير مستهدفين‪ .‬وهذا السلوك‬
‫البشري القسري غير السلمي يحدث بين الفراد أو الجماعات أو السلطات تجاه بعضهم‬
‫البعض داخل مجتمع معين‪ ،‬أو بين مجتمعات معينة وعناصر معينة أو عناصر منها تجاه‬
‫الخرى‪ ،‬ويتولد أساسا من تقاطع أو تداخل أو تضافر عناصر من بيئات في تلك المجتمعات‬
‫صغيرة كانت أم كبيرة رئيسة أو فرعية حبلى بتعقيداتها من اختناقات واختللت في تلك‬
‫المجالت‪ .‬وفي مرحلة لحقة قد يصبح العنف والعنف المضاد مغذيا لتلك البيئات المحفزة‬
‫وربما مدمراًَ لها‪.‬‬
‫بناءا عليه فإن هذا التحديد أو التعريف للعنف يتضمن العناصر والمكونات‬
‫والخصائص التالية الرئيسة الساسية‪:‬‬
‫سلوك بشري مع الخرين ـ أو تجاههم أو بينهم‪.‬‬
‫غير سلمي ( مسلح ـ قسوة ـ تعذيب‪ ...‬الخ )‪.‬‬
‫غير مشروع وهذا يعني أن هناك عنفا مشروعا كمقاومة الحتلل أو الستعمار‪.‬‬
‫مخالف أو منتهك لحقوق النسان الساسية وهذا يعني إن الحق المشروع للدول‬
‫والحكومات في ممارسة العنف من أجل فرض السلم الهلي يجب أل ينتهك حقوق الناس‬
‫الساسية بما في ذلك في وقائع العتقال والسجن وعدم التعذيب والتحقير والكراه النفسي‬
‫للمتهم‪...‬الخ‪.‬‬
‫‪ )5‬مجاله‪ ،‬العلقات النسانية " الثقافية والجتماعية والقتصادية والسياسية "‪.‬‬
‫‪ )6‬أهدافه وغاياته‪ ،‬إلحاق قدر من الذى يترواح بين الخضاع أو الضغط أو التعديل أو‬
‫التهميش وبين الستئصال والتصفية والتغيير الشامل لتلك العلقات وأطرافها البشرية من‬
‫أفراد او جماعات أو سلطات‪ ,‬أو بعضها على القل‪.‬‬
‫‪ )7‬أطرافه‪ ،‬الفراد والجماعات والسلطات " الحكومات " تجاه بعضهم البعض في‬
‫مجتمع بعينه‪ ،‬وبين مجتمعات مختلفة أو بعض عناصرها مع الخرى‪.‬‬
‫‪ ) 8‬ومن خلل أهداف وأطراف العنف فإن هناك أنواعا منه‪ ،‬فهناك العنف السري‬
‫والعنف الثقافي والعنف السياسي والذي قد يأخذ أشكالً متعددة‪ ,‬بما في ذلك الصراع أو العنف‬
‫الجتماعي المفتوح أو الحرب الهلية‪.‬‬
‫‪ ) 9‬إنه ناتج مركب من اختلل واختناقات بيئة مجتمعات تلك الطراف أو بعضها‪ ,‬وفي‬
‫المجالت القتصادية والجتماعية والثقافية والسياسية‪ ,‬أو عوامل داخلية‪ ,‬أو تقاطع أو تداخل‬
‫بين عناصر من بيئات مجتمعات مختلفة "عوامل خارجية"‪.‬‬
‫‪ )10‬إن للعنف تداعيات قد يلحق الذى والضرر على غير مستهدفين أصلً كالبرياء‬
‫الذين ل علقة لهم بالطراف مباشرة‪ .‬وقد يؤدي العنف والعنف المضاد ودورته إلى أن يكون‬
‫منتجاًُ ومغذيا لتلك البيئات المختلة وقد يؤدي إلى دمارها‪.‬‬
‫‪17‬‬
‫ثانيا ‪ :‬في تفسير العنف في السعودية‬
‫البيئة والعوامل الداخلية ‪.‬‬
‫لكل حالة أو ظاهرة عوامل مكونة لها ‪ .‬والعنف كظاهرة اجتماعية هو الخر‬
‫منتج مركب من عوامل متصلة ببيئة داخلية أو بتداخل من عوامل بيئة خارجية ‪ ،‬أو بخليط‬
‫منهما ‪ .‬والعنف الذي عرفناه آنفا هو تعريف مجرد عام ‪ ،‬بمعنى أنه يشمل جميع أنواع العنف‬
‫واطرافها المحتملة وغاياتها المحتملة ‪ .‬ولكننا هنا نريد أن نركز على حالة أو ظاهرة العنف‬
‫التي تجري في السعودية ‪ ،‬وخاصة منذ مايو ‪ 2003‬م فصاعدا ‪ ,‬رغم أن جذورها تمتد في‬
‫بعض العقود إلى الوراء ‪ .‬العنف الذي يجري في السعودية هو من نوع العنف العام أو‬
‫السياسي ‪ ،‬ذلك إن أطرافه " بعض الفئات من المجتمع والسلطة وغاياته تبدو سياسية " ‪،‬‬
‫رغم تداخل الغايات والطراف الخرى وكذلك البيئات المولدة لها ‪.‬‬
‫الخطاب الرسمي ‪ ،‬وكذلك الثقافي والفكري والعلمي الموازي يقدم العنف "‬
‫أو الرهاب " على انه ناتج عن الغلو والتطرف في الفكار وبعض الخطاب الديني‪ ,‬باعتبارها‬
‫أفكارا ضالة ومنحرفة وإنها تعود في جزء كبير منها إلى تأثر أطرافه " بما في ذلك عناصر‬
‫من الخارج‪.‬‬
‫ومع ذلك فإن هناك ملحظة وهي إن الفئات المنخرطة في أعمال العنف والرهاب‬
‫الحالية في أكثرها‪ ,‬هي عناصر شابة ل يتجاوز أعمارهم ال ‪ 25‬عاما‪ ،‬وهو ما يدل على إن‬

‫‪ 17‬عن نظريات العنف وتفسيرها أنظر ‪ ،‬متروك الفالح ‪ ،‬نظريات العنف والثورة ‪ :‬دراسة تنوعية مقارنة " القاهرة " مركز البحوث ـ كلية القتصاد والعلوم‬
‫السياسية جامعة القاهرة ‪ . 1991 ،‬وعن تفصيلت شامله عن دراسات ونظريات وأبحاث العنف ‪ ,‬هناك الدراسه الشامله التاليه‪:‬‬
‫‪Ekkart Zimmerman,Politicol violence , Crises and Revolutions, Theories and Research )Cambridge,‬‬
‫‪)Massachusetts:Schenkman Publishing Co,1983‬‬
‫تلك الفئات والعناصر وليدة وانتاج البيئة السعودية ذاتها‪ ,‬حتى لو ركزنا على مسألة ثقافية‬
‫بعينها وخطاب ثقافي بعينه‪ .‬على أية حال في تعريف العنف ضمن أحد مكوناته كمفهوم‪ ،‬إنه‬
‫منتج أو ناتج مركب من بيئة فيها اختللت واختناقات في المجالت السياسية والقتصادية‬
‫والجتماعية الثقافية‪ ,‬لذلك نقول إنه في سياق العوامل الداخلية فإن البيئة السعودية وانغلقها‬
‫وبتقاطعات وتضافر عواملها هي المولدة للعنف‪ ،‬رغم إن المجال السياسي‪ ،‬في العلقة بين‬
‫الدولة والمجتمع‪ ،‬وفي سياق الممارسات والسياسات الحكومية‪ ،‬تكون الوفر حظا في تولد‬
‫ذلك العنف وهي المسؤولة عنه بدرجة أساسية‪ .‬وسنبين ونفصل ذلك في ما يلي‪:‬‬
‫‪ :‬في المجال الثقافي‪ ،‬يغيب في المدارس والجامعات السعودية سواء كانت دينية أو‬
‫غيرها الحوار والمناقشات‪ .‬و يسود عوضا عنها التلقين والحفظ والتوجيه بدون مناقشة‪ ,‬فل‬
‫رأي أخر‪ ,‬ول تركيز على تطوير وسائل أساليب الفهم‪.‬‬
‫وفي الجانب الثقافي العام (والعلمي الصحافي) تحديدا‪ ,‬فأن هناك رؤية واحدة‬
‫في الغالب تمثل الدولة وسياساتها مع غياب واضح ومتعمد للرأي الخر‪ .‬وفي موازاة ذلك‬
‫هناك كبت وقمع ثقافي وخاصة على مستوى غياب الندوات والمحاضرات و المؤتمرات‬
‫الداخلية‪ ،‬والتضييق على المثقفين في المشاركة في تلك المؤتمرات الموازية خارجيا‪ ,‬بما في‬
‫ذلك المنع من المشاركة في البرامج الفكريه والثقافية والسياسية في القنوات الفضائية‬
‫العربية‪ .‬وكذلك قلة وندرة معارض الكتاب‪ ,‬والتي أصلُ تخضع لدرجة كبيرة من الرقابة‪ ،‬كما‬
‫هي وسائل المعلومات الحديثة مثلُ النترنت‪ ،‬ومواقعها حيث هناك منع وحذف الكثير من‬
‫المواقع وأحيانا قفل ومنع لها‪ ،‬خاصة إذ كان مصدرها أو أصحابها من المثقفين أبناء البلد‪،‬‬
‫هذا فضلً عن غياب مراكز الترفيه‪ .‬من هنا فإننا أمام منهجية مبرمجة من عملية متواصلة‬
‫للتجهيل‪ ،‬تؤدي حتما إلى انغلق الرأي والبصيرة والحوار‪ ,‬وخاصة على مستوى الشباب‬
‫الناشئ للتو‪ .‬لذلك ليس غريبا عليهم التشدد والتطرف وعدم التسامح والجنوح أو النزوع‬
‫باتجاه العنف‪ ,‬وخاصة في ضوء تضافر العوامل الخرى في المجالت الخرى كما سوف‬
‫تتكشف‪ ,‬تاليا‪ ,‬في مناقشات الجزاء المتبقيه من عوامل العنف‪.‬‬
‫ل كبيرا بينهما‪،‬‬
‫‪ )2‬في المجال الجتماعي والقتصادي والنفسي حيث أن هناك تداخ ً‬
‫نلحظ اختللت في السياسات والممارسات الحكومية منها‪ .‬هناك أولً سوء توزيع للثروة‬
‫والموارد في سياق التنمية لتوفير الخدمات والحاجات الساسية للناس في كافة المناطق‬
‫وعلى نحو متوازن‪ .‬ثمة خلل كبير في بعض المناطق والرياف ولحساب بعض المناطق أو‬
‫أجزاء منها‪ ,‬وكذلك بالمراكز " المدن أو أجزاء منها"‪ .‬إذ ليس كل المدن بما فيها المدن‬
‫الرئيسية مثل الرياض أو جدة مثلً تخلو من هذا الخلل حيث ل تتوازن الخدمات في كافة‬
‫أحيائها‪ .‬إضافة إلى ذلك وفي موازاته‪ ،‬هناك هدر للمال العام سواء تعلق المر بإدارة الموال‬
‫العامة خاصة في سياق الميزانية العامة للدولة‪ ،‬أو ما هو خارجها‪ ،‬وهو ما يعني قدرا غير‬
‫قليل من الفساد المالي تحديدا‪ ,‬طالما ل توجد آلية مجتمعية قانوية" دستورية " للرقابة‬
‫والمحاسبة‪ .‬لذلك ليس غريبا مع غياب أو خلل في العدالة الجتماعية أن يكون هناك قدر‬
‫متعاظم من التظلم والتضجر الجتماعي الجماعي والحرمان النسبي ‪Collective Social‬‬
‫لدى قطاعات‬ ‫‪18‬‬
‫‪Injustice & Frustration and relative-deprivation‬‬
‫متزايدة من السكان وخاصة في بعض المناطق ومنها الجنوبية والشمالية وكذلك قرى وأرياف‬
‫المناطق الخرى‪ ،‬إضافة إلى هوامش وأطراف حتى المدن الرئيسية‪ .‬لذلك ليس غريبا أن تجد‬
‫أعدادا من المنخرطين في أعمال العنف " الرهاب " ينحدرون من تلك الجزاء أو الحياء‬
‫الجتماعية أو المناطقية‪ ،‬ومن هنا يلحظ تمركز فئات وعناصر من المطلوبين في أحياء من‬
‫أطراف مدينة الرياض مثل السويدي‪ ،‬النسيم‪ ،‬الشفاء‪ ...‬الخ‪.‬‬
‫عندما نتكلم عن حالة التظلم الجتماعي والجماعي والحرمان النسبي لدى فئات‬
‫وقطاعات من أبناء البلد‪ ,‬وخاصة في بعض المناطق وبعض الجزاء الخرى فإننا ل نتكلم‬
‫بالضرورة عن الفقر والفقار على المستوى الفردي‪ .‬ذلك إن الفراد المنخرطين في العنف قد‬
‫يكونون أغنياء بذاتهم‪ ،‬ولكنهم انطلقا من الحساس بالتهميش والدونيه من قيل الدوله‬
‫وإدراكه أو التفكير فيه بعمق‪ ,‬على مستوى البعد الجماعي لجماعة ما‪ ,‬في منطقة ما فإنهم‬
‫غالباُ ما ينفسون عن ذلك بالتخراط أو النحراف في عمليات العنف أن لم يكن في النحرافات‬
‫الخرى‪ .‬ولعل من المفارقات العجيبة ان الحكومة السعودية وحتى وقت قريب لم تتجاوز‬
‫السنتين تقريبا اعترفت بوجود حالة الفقر داخل المدن الرئيسية بما في ذلك مدينة الرياض‬
‫حيث قام ولي العهد المير عبد ال بزيارة أحد الحياء الفقيرة فيها‪ .‬قبل ذلك لم يكن أحد من‬
‫المسؤولين يعرف عن تلك المسألة بل ل يريد أن يثيرها وذلك لتناقضها الفاضح مع قدرات‬
‫الدولة المالية الهائلة مقابل عدد سكان غير كبير في البلد‪.‬‬

‫‪ 18‬عن التعليم والتضجر الجتماعي والحرمان النسبي وعلقاتها بالعنف انظر ‪،‬‬
‫‪Rebel ) plinceton:Princeton Univ.Press Ted Gurr Why Men‬‬
‫‪) 1970‬‬
‫‪I.K.Feierabend,R.L Feierabend, and Ted R. Gurr )eds.(, Anger, Vielence, and Politics )Englewood Cliffs, N.J. : ,‬‬
‫‪Prentice Hall , inc. 1972(. Why Men‬‬
‫وإذا كانت تلك مفارقة عجيبة‪ ،‬فالعجب أيضا مفارقتان متلزمتان‪ :‬المفارقة الولى‬
‫هي أن العلم السعودي لم يتطرق قبل هذه الزيارة إلى الواقع القتصادي المتردي لفئات‬
‫اجتماعيه من المواطنين وخاصه في سياق حالة وواقع الفقر‪ ,‬وهو أثبات آخر على تبعية‬
‫وعدم استقلليه العلم في تناول المواضيع العامه والتي تدل على تهميش واضح للرأي‬
‫الخر‪ ,‬كما سبق الشاره أليه‪ .‬والمفارقة الثانية‪ ,‬هي أن الحكومة السعودية أقرت قبل وبعد‬
‫زيارة المير عبد ال لذلك الحي الفقير في الرياض استرايجية لمكافحة الفقر في البلد‪ .‬ولكن‬
‫هذه السترايجية خصص لها أو جمع لها مبلغ يتراوح بين مائتين إلى ثلثمائة مليون ر‬
‫سعودي‪ .‬في المقابل ومع اندلع أعمال العنف منذ مايو ‪ 2003‬م خصصت الحكومة لمكافحة‬
‫العنف والرهاب أكثر من ‪ 5‬بليون ر سعودي وذلك في ميزانية عام ‪ 1424‬ـ ‪1425‬هـ‬
‫‪ 2003‬ـ ‪2004‬م‪ .‬وفي كل هذا وذاك يتكشف دور العلم المسيطر عليه بآحادية الرأي‬
‫والتوجه الرسمي‪ ,‬فهو ل يثير القضايا إل بالضوء الخضر ويتوقف مع الضوء وعند الخط‬
‫الحمر‪.‬‬
‫في سياق مسألة مكافحة الفقر ومكافحة العنف أو الرهاب والمبالغ المخصصة‬
‫لها‪ ،‬هناك عدة ملحظات منها‪:‬‬
‫أ) رغم إن أحدا ل ينازع في حاجة المن إلى أموال وموارد تخصص‪ ،‬إل أن المن‬
‫يمكن الوصول إليه بطريقة التنمية المتكاملة المتوازنة لكافة المواطنين والمناطق وبما يعني‬
‫ضمان حاجاتهم المادية الساسية وكرامتهم النسانية في مجال الحقوق والحريات‪ .‬وهذا‬
‫النهج حتى الن لم يتبع بعد‪ ،‬وهل المن هو المنهج الفضل لمعالجة قضية الرهاب والعنف؟‬
‫في ميزانية مكافحة الفقر وما خصص للعام ‪ 2003‬ـ ‪ 2004‬م نحن أمام المعادلة‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪300.000.000‬‬
‫‪1‬‬ ‫=‬ ‫‪1‬‬ ‫=‬ ‫‪5.000.000.00‬‬
‫‪16.6‬عشر ريا ًل يصرف ‪17‬‬
‫للمن‪,‬‬ ‫بمعنى إن هناك ريالً واحدا مخصصا للفقر‪ ,‬مقابل سبعة‬
‫وهذا الخير فقط لميزانية عام واحد بينما الول " الفقر " قد تكون ميزانيته تشمل عدة‬
‫سنوات‪.‬‬
‫ب) في كل ذلك‪ ،‬من يقرر ماذا ومتى وكم تلك الموال ؟ وكيف تصرف وعلى أي‬
‫أساس؟ في النهاية يبقى المواطن يتفرج على لجان تشكل باسمه بمعالجة اوضاعه وحاجاته‬
‫دون ان يكون شريكاُ في عملية صنع تلك السياسات‪ .‬ويبقى المواطن الفقير بشكل خاص‬
‫خارج تلك الدوائر وصناعتها‪ ،‬وقد تصله‪ ,‬تلك الموال وقد ل تصله‪ .‬وعلى أية حال فليس‬
‫هناك ضمان قانوني أو دستوري لتحقيق ذلك‪ .‬ومن ثم ليس غريباُ أن مجموعات من تلك‬
‫المواطنين الفقراء والذين ازدادوا فقرا مع الوقت‪ ،‬قد يشكلون بيئة خصبة للختطاف باتجاه‬
‫العنف وبغض النظر عن المسوغات سواء أكانت دينية أو اقتصادية واعية او جاهلة‪.‬‬
‫‪.)3‬في المجال الجتماعي أيضا هناك تهميش للناس من خلل هدم وتدمير البني‬
‫الجتماعية التقليدية من السر أو العائلت أو العشائر والقبائل… الخ‪ .‬في المقابل لم تعمل‬
‫الحكومة على إيجاد بدائل من بنى وأطر اجتماعية حديثة تستوعب الفراد والفئات الجتماعية‬
‫بحيث يمكن أن ينخرطوا فيها مع الخرين في نشاطات سلمية تدافع عن حقوقهم ومصالحهم‬
‫وتفصح عن رغباتهم تجاه الدولة وفي نفس الوقت تقدم لهم امكانية أن يحددوا آلية للمشاركة‬
‫والمحاسبة والرقابة سواء تعلق المر بهم كمجموعات أو بينهم وبين الدولة " السلطات " او‬
‫ما يسمى بالحتساب على السلطة‪ ,‬وفي ما بينهم من خلل جمعيات واتحادات أهلية مدنية‪ .‬مع‬
‫غياب تلك المؤسسات والجمعيات الحديثة في الوقت الذي تدمر فيه المؤسسات والبنى‬
‫التقليدية‪ ،‬فإن كافة المواطنين والناس عموما أفرادا أو جماعات‪ ،‬وخاصة الشباب ل يجدون‬
‫وسيلة واطارا يعملون من خلله ويفصحون عن رغباتهم ومطالبهم وحقوقهم وبطريقة سليمة‬
‫تجاه الدولة وتجاه بعضهم البعض‪ .‬لذلك ليس غريبا إنه وفي سياق تلك الوضعية من فقدان‬
‫الطر الجتماعية الهلية والمدنية المستقله‪ ،‬وكذلك بالتلزم مع ضعف الدمج بين الجماعات‬
‫والمناطق " الوحدة الوطنية " من خلل سوء إدارة الموارد وكذلك سوء إدارة التنمية‬
‫وتوازناتها "خلل في العدل والعدالة الجتماعية "‪ ،‬فإن هناك قدرا من الضعف في النتماء‬
‫والولء للدولة والسلطة‪ ,‬وهو ما يفسر نزوع أفراد وفئات من المجتمع إلى اعطاء ولئهم‬
‫لقيادات وزعامات خارج البلد كما هي ملحوظة عند أولئك المرتبطين بالقاعدة مثلًُ‪.‬‬
‫‪ )4‬في المجال السياسي تتبدى كل تلك الختللت السابقة وتتمظهر جليا باعتبارها‬
‫امتدادا وانعكاسا لبنية السياسة والدولة وممارساتها‪ .‬ولعل المعضلة الكبرى في كل هذا وذاك‬
‫من اختللت‪ ,‬تعود إلى طغيان " الستبداد " وشموليته لمناحي الحياة‪ ,‬وفي مجالت كثيرة‬
‫حتى أدق تفصيلتها‪ .‬نحن أمام دولة ذات " سلطة مطلقة " ل فصل فيها للسلطات ول وجود‬
‫لمشاركة شعبية من خلل سلطة نيابية لها سلطة رقابية ومحاسبة على السلطة التنفيذية‪ .‬ل‬
‫سلطة قضائية مستقلة عمليا‪ ,‬بأجراءات وهياكل ومعايير‪ ،‬ل وجود لليات وأطر اجتماعية‬
‫للحتساب الجماعي على السلطة وفيما بينها‪ .‬وبالتالي ليس غريبا أن يفتقد العدل لسس‬
‫إقامته‪ ,‬ويختل تحقيق العدالة الجتماعية‪ ,‬وتغيب الحريات وتنتهك‪ ,‬بما في ذلك حرية الرأي‬
‫والتعبير والتجمع المدني السلمي‪ ,‬وتهدر الحقوق‪ ,‬ويستشري الفساد المالي والداري‪ ,‬ويهدر‬
‫المال العام دون حسيب أو رقيب طالما ليس هناك دستور وحكومة دستورية‪.‬‬
‫والسؤال هنا‪ ،‬ما هي العلقة بين قضية الستبداد السياسي والعنف ؟‬
‫يمكن الجابة على هذا السؤال من خلل عدة محاور متصلة بمسألة الستبداد‬
‫وكون الدولة والحكومة " كسلطة " حكومة ذات سلطة مطلقة شمولية‪ ،‬وذلك على النحو‬
‫التالي‪:‬‬
‫أ‪ :‬الستبداد يعني في الوقت ذاته القمع والقهر والقصاء للمجتمع أفراداَ وجماعة‪ .‬إن‬
‫عدم وجود فصل السلطات‪ ،‬يعني إن صناعة القرار محصورة بفئة معينة ومقصورة عليه وأما‬
‫الشعب فإنه خارج السلطة والعملية السياسية وبالذات صناعة القرار‪ .‬إذن هناك اقصاء‬
‫للمواطن من السياسة ومن صناعة القرار‪ ،‬أي إن هناك قرارات تتخذ في مجال السياسة‬
‫الداخلية والخارجية في ظل تهميش لرأي الشعب‪ ,‬المر الذي يعني احتمال وجود قدر من‬
‫العتراض الشعبي على عدد من القرارات‪ ,‬ولكن الحكومة " السلطة " تتصرف دون استشارة‬
‫شعبها‪ .‬ومن ذلك مثلً قرار الذن بدخول القوات المريكية في الراضي السعودية أثناء وبعد‬
‫أزمة الخليج الثانية ‪ 1990‬والتي استمرت حتى الن‪ .‬وكذلك ما يتصل بتواصل ضرب العراق‬
‫ما بين ‪ 1991‬و ‪ 2003‬م في مناطق الحظر وخاصة الجنوبي انطلقا من الراضي السعودية‪،‬‬
‫وكذلك تحالفات الدولة وقراراتها فيما يتعلق بغزو افغانستان ‪2001‬م‪ ،‬والحتلل المريكي‬
‫للعراق مارس ‪2003‬م فصاعدا‪ .‬وينطبق على ذلك قرارات القيادة السعودية " المبادرة للتطبيع‬
‫مع اسرائيل " في مؤتمر قمة بيروت مارس ‪2002‬م‪ .‬هذه القرارات المنفردة بمعزل عن‬
‫الشعب‪ ,‬أثارت ول زالت تثير كثيرا من تحفظ الناس عموما وبعض الفئات خصوصاًُ‪ ,‬بما في‬
‫ذلك المجموعات الدينية والتي ترى حدودا للتعامل مع الجنبي وبعضها يذهب الىعدم جواز‬
‫دخول تلك القوات أرض الجزيرة العربية " السعودية " بلد الحرمين أو التصالح والتطبيع مع‬
‫الكيان الصهيوني‪ ,‬ولذلك فإن عناصر من الشباب "الجهادي" في هذا السياق هم من الذين‬
‫انضموا إلى عناصر القاعدة في العتراض المسلح على الوجود المريكي في السعودية‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك فإن الستبداد يقابله القمع والكبت والقهر في كافة المستويات‬
‫وبالتالي فإن متنفساتها البديلة‪ ،‬هي العنف‪ ،‬وذلك في غياب المتنفسات المدنية السلمية وهي‬
‫المشاركة وإبداء الرأي والتعبير والعتراض السلمي‪ .‬عندما يشارك الشعب من خلل من يثق‬
‫بهم ممن يمثلونه‪ ،‬فإنه هو الذي يتحمل تلك القرارات إذا ما اتخذت؛ ذلك انه ل بد من أن‬
‫يناقشها ويخضعها للمداولة والتعديل ولربما العدول عنها إذا وجد إنها تتعارض والمصلحة‬
‫العليا للوطن‪.‬‬
‫ب‪ :‬في الممارسات الحكومية المنية والمسألة الحقوقية في ظل الستبداد والسلطات‬
‫الشمولية المطلقة‪ ،‬في أي بلد بما في ذلك السعودية‪ ،‬فإن هناك ميلً واضحا لنتهاج سياسات‬
‫أمنية لمعالجة كثير من مظاهر عدم الرضا والعتراض على السياسات الحكومية‪ .‬هذه‬
‫السياسات المنية‪ ،‬تميل إلى عدم وجود ضوابط وأنظمة محددة‪ ,‬إذ ل وجود لدستور مقيد‬
‫للسلطات‪ ،‬وحتى عندما تتبنى الدولة " أنظمة ما " أو عندما تقر الدولة ـ السلطة " الحكومة‬
‫السعودية " بعض المواثيق الدولية‪ ,‬مثلً في مجال حقوق النسان‪ ,‬ومنها حقوق المتهم‪,‬‬
‫فإنها ل تلتزم بها‪ ,‬ومن ثم فأنه ليس غريباُ أن تنتهكها‪ ،‬وذلك لغياب الرقابة والمحاسبة‬
‫الدستورية القانونية الشعبية‪ .‬لقد مارست السلطات المنية وخلل العقود الماضية‪ ،‬منذ‬
‫الستينات من القرن الماضي فصاعدا انتهاكات في مجال حقوق النسان وبالذات في سياق‬
‫حقوق المتهم والمعتقلين‪ ,‬ابتداءا بطريقة العتقالت‪ ,‬ومرورا بأصناف ممارسات التعذيب‪,‬‬
‫والعزل النفرادي الطويل والهانات‪ ,‬والمدة الطويلة للسجن والعتقال دون محاكمات‪,‬‬
‫وانتهاءا بالفصل والطرد من العمال والوظائف الحكومية‪ .‬وتلك الممارسات المنية وخاصة‬
‫في السجون تم تدوينها وكتابة تقارير مفصلة عنها من قبل بعض الذين تعرضوا للسجن‬
‫أنفسهم وقدمت لمسؤولي وزارة الداخلية‪.‬‬
‫إضافة إلى ذلك‪ ,‬فإن العناصر التي انخرطت في الجهاد " الجهاد الفغاني "‬
‫وعادت بعد خروج السوفيت‪ ,‬لم تجد معاملة تليق بهما من الدولة‪ ،‬بل لم تقم الدولة‬
‫باستيعابهم واحتوائهم وانما تم اهمالهم وتهميشهم‪ ,‬رغم أن الحكومة كانت أساسا تدفع بهم‬
‫إلى افغانستان لمقاومة السوفيت هناك‪ .‬وإذا كان هذا أكثر حدوثا في ما قبل صدور وتطبيق‬
‫نظام الجراءات الجزائية منذ مايو ‪ ,2003‬فإنه للسف ل تزال هناك كثير من تلك الممارسات‬
‫والنتهاكات المتواصلة‪ ،‬كما إن معظم ان لم يكن كل المعتقلين أو المتهمين ل يعرفون حقوقهم‬
‫بما في ذلك حقهم في أن يكون لكل منهم محامي (وكيل) للدفاع عنه امام المحكمه وفي أثناء‬
‫التحقيق معه‪ .‬وكيف لهم أن يعرفوا وليس هناك ثقافة حقوقية في البلد وقد ساهمت الدولة‬
‫أصلًُ في غيابها‪ .‬وحتى أولئك المعتقلين الذين يعرفون بعض حقوقهم‪ ,‬مثل حقهم في‬
‫المحامي‪ ,‬فأنهم في الغالب يحرمون من هذا الحق أوأن تماطل الجهزه المنيه في تحقيقه‪ ,‬أو‬
‫تعطيله وعرقله فاعليته اذا ماتم‪ .‬ولعله من المفارقات ان هذه الممارسات الحكوميه المنيه‬
‫المنتهكه لحقوق النسان ‪ ,‬تمارس بينما تعلن الدوله ممثله بوزاره الداخليه تطبيق نظام‬
‫الجراءات الجزائيه الذي يتضمن نصوصا ومواد تمنع تلك الممارسات ‪ ,‬ذلك في تعارض‬
‫صارخ مع ما وقعت عليه المملكه من اتفاقيات دوليه تمنع تلك الممارسات وخاصه اتفاقيه‬
‫مناهضه التعذيب التي وقعتها السعوديه في عام ‪1997‬م‪ .‬وإذا كانت تلك النتهاكات تطال في‬
‫الصل أي مواطن‪ ،‬فإنها تركز على فئات من المواطنين وبالذات الفئات والعناصر " الجهادية‬
‫"‪ .‬وبالتالي فإن الممارسات المنية التي تمثل انتهاكات لحقوق ولكرامة النسان‪ ،‬داخل‬
‫السجن وفي القصاء خارج السجون‪ ،‬جعلت من هؤلء الفراد أو المؤيدين لهم ينزعون على‬
‫نحو متزايد باتجاه العنف والنخراط فيه‪ .‬طبعا هذا التحليل ل يعفي أهل العنف من تحمل‬
‫ممارساتهم‪ ،‬ول يعني بأي حال من الحوال إن ليس لهم دور ومسؤولية في تواصل العنف‪.‬‬
‫ج ‪ :‬السلطة القضائية والحكام والتعزيرية المفتوحة في موازاة الممارسات المنية‬
‫القمعية داخل وخارج السجون‪ ،‬ودون ضوابط وقانون ومحاسبة‪ ،‬فإنه أيضا وفي سياق‬
‫الستبداد والسلطة المطلقة‪ ،‬وعدم وجود فصل السلطات وآلية الرقابة والمحاسبة على بعضها‬
‫البعض وبالذات من السلطة القضائية تجاه السلطة التنفيذية والنيابية ‪ ،‬فإن السلطة القضائية‬
‫نفسها تعاني من اشكالية كبرى تتصل بمسألة عدم تمكينها من ممارسه استقللها عن‬
‫السلطة التنفيذية‪ .‬وفي غياب مدونة واضحة وفعلية ومحددة لحكام وعقوبات التعزير‪ ،‬وبشكل‬
‫عام في سياق غياب معايير دولية واجراءات وهياكل تعزز من استقلل السلطة القضائية‬
‫كمؤسسة وتضمنها‪ ،‬بما في ذلك عدم علنية وشفافيه المحاكم وجلساتها السرية‪ ,‬ووجود‬
‫محكمة دستورية عليا للبت في شرعية و مشروعية القرارات والنظمة‪...‬إلخ‪ ,‬رغم أن نظام‬
‫الجراءات الجزائية المطبق منذ مايو ‪ 2003‬فصاعدا يجيز ذلك‪ ،‬فإن القضاء خاصه في‬
‫القضايا التعزيريه (ومنها على وجه التحديد القضايا السياسيه والمتصله بالشأن العام ) قد‬
‫يصدر أحكاما قاسية و طويلة المد في حالت بعينها تصل إلى درجة العدام‪ .‬من هنا فإن‬
‫الحكام القاسيه و‪ /‬أو التعسفية التي صدرت ول زالت تصدر بتأثيرات وتدخلت من الحاكم‬
‫ضد المعتقلين وخاصة المنخرطين في نشاطات " جهادية " أو في الشأن العام قد ولدت عند‬
‫أولئك العناصر وخاصة الفئات الولى إحساسا بالتهميش والقصاء من الدولة وعزز لديهم‬
‫تصور أنه ليس هناك طريق سوى سلوك طريق العنف تحت أي مبرر أو مسوغ‪.‬‬
‫‪) 2‬البيئة والعوامل الخارجية والعنف في السعودية‪:‬‬
‫البيئة الخارجية وعواملها وصلتها بالعنف في السعودية ترتبط أساسا ببعدي‬
‫السياسات المريكية في المنطقة العربية وكذلك بالعلقات السعودية المريكية وما تتصل بهما‬
‫من تداخل‪ ،‬بما في ذلك ما يمكن تسميته بالتحالف السعودي المريكي أو التبعية السعودية‬
‫للوليات المتحدة المريكية من منظور مختلف‪ ،‬وتداخل كل من هاذين البعدين في البعد‬
‫الداخلي‪ ،‬في العلقة بين الدولة والمجتمع وعلى محور بنية الدولة والسلطة فيهما‪:‬‬
‫‪)1‬مرحلة ما قبل عام ‪ 2001‬م ‪ :‬يمكن القول دون تفصيل إن هناك عدة عناصر ولدت‬
‫تلك البيئة وتداخلها مع البيئة السعودية وعواملها وكان لها أثر واضح في اندلع العنف بداية‬
‫ثم تطوره وتصاعده في المرحلة الثالثة من تلك العناصر وهي ذات صلة قوية بالعلقات‬
‫السعودية المريكية وبالسياسات المريكية في المنطقة ‪:‬‬
‫أ‪ .‬مع أزمة الخليج الثانية ‪1991-1990‬ودخول القوات المريكية للراضي السعودية‬
‫واستخدامها للراضي السعودية في الحرب على العراق ‪ 1991‬م ‪ ,‬ثم لحقا ما بين ‪1991‬‬
‫وحتى ‪ 2003‬بالضربات الجوية وفي تطبيق منطقتي الحظر الجوي وبالذات في جنوب العراق‬
‫‪ ,‬وكذلك في تطبيق " الحصار " القاتل على الشعب العراقي ‪ .‬كل ذلك تم بموافقة أو بغض‬
‫النظر من السلطات السعودية ‪ ,‬ولكن دون موافقة شعبية ‪ ،‬بل كان هناك عدم رضا وخاصة‬
‫بعد انتهاء العمليات العسكرية في ‪1991‬م ‪ ،‬واستمرار القوات والطائرات المريكية باستخدام‬
‫القواعد العسكرية والضربات الجوية ضد العراق ‪ ,‬وتطبيق الحصار على العراق ‪ .‬ذلك‬
‫الحصار الذي دام أكثر من اثني عشر عاما وقتل فيه مئات اللف من الطفال والنساء‬
‫والشيوخ كان محل استياء شعبي واضح حيث أخوانهم واشقاءهم في العراق يقتلون‬
‫ويحاصرون دون ذنب ‪ ،‬بل في محاولة لخضاع العراق والمنطقة وبمساهمة عربية بما فيها‬
‫مساهمة من بلدانهم ودولهم تجاه العمليات المريكية في العراق ‪.‬‬
‫ب‪ .‬في الوقت نفسه كانت السياسات المريكية تدعم اسرائيل دبلوماسيا وعسكريا‬
‫وماليا وتقنيا ‪ .‬وتلك السياسات تدعم ممارسات من نوع مصادرة الحقوق الفلسطينية ‪ ,‬من‬
‫خلل مصادرة الراضي‪ ,‬وقتل الفلسطينيين وهدم المنازل وقلع وقطع الشجار و كلها كانت‬
‫محل غضب متزايد من الشعوب العربية بما في ذلك الشعب السعودي ‪ .‬هذا الغضب ايضا بدأ‬
‫يتزايد مع محاولة السياسات المريكية سواء في العراق اوعبر دعم اسرائيل المتواصل ‪،‬‬
‫اخضاع المنطقة ‪ ,‬وعن طريق اتفاقيات التسويه سواء تعلق بأوسلو أو بدول عربيه و مزيد‬
‫من الترتيبات القتصادية " مشروع الشرق أوسطية وشمال أفريقيا " منذ ‪ 1994‬فصاعدا‪,‬‬
‫والذي رغم انه توقف عام ‪ , 1996‬كان ينظر إليه على إنه امتداد لمشروع شمعون بيرز "‬
‫الشرق الوسط الجديد " والذي طرح منذ أوائل التسعينات من القرن العشرين وبعد ضرب‬
‫وتدمير القوة العراقية وارتكز على أربعة أسس أو قوى كلها تبدأ بحرف أل فور أم ‪MS 4 :‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫أولً ‪ :‬السوق ( المنطقة العربيه ) ‪MARKET‬‬
‫المال الخليجي " العربي " ‪MONEY‬‬
‫العقل اليهودي ‪MIND‬‬
‫واليد العامله البشرية العربيه ‪MEN‬‬

‫ويلحظ إن الذي يدير هو العقل اليهودي وله " الهيمنة " ‪ ,‬ومعادلتها على النحو التالي‬
‫‪)NEw Middle East = 4MS (Market +Money + Mind+Man‬‬
‫ومن ثم فقد ولدت السياسات المريكية في المنطقة بما انطوت عليه من هيمنة‬
‫واخضاع وما يترافق عنها من إذلل ومآسي في العراق وفلسطين ‪ ,‬غضباُ عارما لدى‬
‫الشعوب العربية ومنها الشعب في السعودية ‪ ,‬الذي بدأت عناصر فيه ‪ ,‬بما في ذلك عناصر‬
‫متصلة بالقاعدة ‪ ,‬بالقيام بأول عمليات العنف في ‪ 1995‬في الرياض ‪ ,‬ثم بالخبر ‪1996‬م‬
‫ضد التواجد العسكري في السعودية ‪ .‬ثم مع توالي الحداث ما منذ ‪ 1998‬تفجيرات نيروبي‬
‫ودار السلم وما نتج عنها من ضرب افغانستان والسودان في أغسطس سبتمبر ‪1998‬م ‪ ,‬ثم‬
‫الضربات الصاروخية للعراق في ديسمبر ‪1998‬م ‪ ,‬ولمدة ثلثة أيام متواصلة وفي أثناء ايام‬
‫رمضان الولى ‪ ,‬ثم ما تلى ذلك من محاولة غزو العراق بعدها ‪2000-1999‬م وعلى خلفية‬
‫أسلحة الدمار الشامل ‪ ,‬وعودة مفتشي السلحة ‪ ,‬وتفتيش كافة الماكن حتى القصور‬
‫الرئاسية في العراق ‪ ,‬وما ارتبط بتلك الزمة من اهانات للشعب العربي عموما ‪ ,‬بما في ذلك‬
‫أبناء السعودية ‪ ,‬والذين نظروا إلى تلك السياسات المريكية في العراق على أنها ل تمثل‬
‫أهانه للعراقيين فقط وإنما حتى لنفسهم ‪ .‬من هنا بدأت مشاعر من التعاطف في السعودية‬
‫تتكون و تتعاظم مع أسامة بن لدن والقاعدة وافغانستان والعراق والمقاومة الفلسطينية‬
‫بكافة فصائلها ومنها حماس والجهاد ‪ .‬ثم جاءت النتفاضة الفلسطينية في سبتمبر ‪2000‬م‬
‫وعلى خلفية التعسف الصهيوني وتدنيس القدس الشريف والمقدسات ‪ ،‬وما يعقبها من‬
‫عمليات مقاومة فلسطينية ‪ ,‬وارهاب اسرائيلي متواصل ضد البشر والشجر والحجر ‪,‬وكل‬
‫مناحي الحياة ‪ ,‬وفي ضوئها انطلق مزيد من المشاعر المعادية للوليات المتحدة واسرائيل ‪،‬‬
‫في البلد العربية كما انطلقت مظاهرات شعبية منددة بالحتلل السرائيلي بما في ذلك في‬
‫السعودية في كل من الجوف والظهران والقطيف وقليل في الرياض " بنات جامعة الملك‬
‫سعود"‪ ,‬وجده‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة ما بعد ‪ 2001‬م‬
‫إذا كانت مرحلة ما قبل عام ‪ 2001‬م قد هيأت تلك الرضية من المشاعر‬
‫المعادية للسياسات المريكية في المنطقة ‪ ,‬سواء تعلق المر بالعراق او فلسطين‪ ,‬ومن‬
‫خللهما بمحاولة فرض الهيمنة المريكية على المنطقة ‪ ،‬فإن أحداث ‪ 9/2001 / 11‬م ‪,‬‬
‫والتي هي انعكاس لتلك السياسات أو رد عليها ‪ ,‬وما أسفرت عنه من هجمات قاتلة على‬
‫مفاصل القوة المادية القتصادية والمالية المريكية ‪ ,‬هيأت المزيد من السياسات المتشددة‬
‫والعدوانية المريكيه تجاه البلدان العربية والسلمية وذلك على خلفية مشاركة ال ‪ 19‬شخصا‬
‫في تلك الهجمات وهم العرب والكثرية منهم من السعودية تحديدا ‪ .‬من هنا أتت ما سميت "‬
‫الحرب المريكية على الرهاب " ‪ ،‬والمقصود بالرهاب هو" العربي السلمي " وبالذات تلك‬
‫الجماعات " الجهادية "ومن أبرزها عناصر القاعدة ‪ ،‬في كل مكان وبالذات في أفغانستان ‪.‬‬
‫وستكون السعودية ساحة جديدة لتلك الحملة المريكية على ما سمي " بالرهاب " ولكن‬
‫بطريقة مباشرة وعن طريق مزيد من الستجابة الرسمية السعودية للطلبات المريكية في تلك‬
‫السياقات ‪ .‬تلك الحرب المريكية على " الرهاب " كان ينظر لها اسلميا وعربيا وتحديدا "‬
‫شعبيا " على إنها حملة صليبية جديدة ‪ ,‬أو لم يقلها الرئيس المريكي " البن " ‪ ,‬حتى لو قيل‬
‫أنها زلة لسان أو إنه ل يقصد معانيها ودللتها التاريخية ؟‬
‫تلك الحملة المريكية على الرهاب ‪ :‬شملت التالي ‪:‬‬
‫‪ )1‬غزو افغانستان في اكتوبر ‪ , 2001‬واحتللها وتدمير حركة وحكومة طالبان‬
‫وتشتت عناصر القاعدة وترحيل مئات من العرب الفغان إلى معتقل قوانتنامو‪ ,‬وإن لم تستطع‬
‫القضاء أوالقبض على أبرز قياداتها ومنها " أسامة بن لدن والظواهري " ‪.‬‬
‫‪)2‬غزو واحتلل العراق في مارس أبريل ‪ 2003‬وتدمير الدولة العراقية ومؤسساتها‬
‫ونظامها والطاحة بها وعلى مرأى من القيادات العربية وشعوبها ‪.‬‬
‫‪)3‬وما بينها وفي سياقها كانت هناك خطوات في محاصرة التحويلت المالية والتبرعات‬
‫للعناصر والمنظمات الجهادية ‪ ,‬بما في ذلك حركات المقاومة الفلسطينية " حماس والجهاد" ‪,‬‬
‫ومصادرة الرصدة والموال باعتبارها ارهابية ‪ .‬وشملت أيضا الجمعيات الخيرية السلمية‬
‫والعربية ‪ ,‬التي كانت تنشط في المشاريع والغاثة السلمية ‪ ,‬لعدد من البلدان السلمية‬
‫وفي بعض دول القليات ‪ ,‬واعتقال كثير من العرب والمسلمين في أمريكا وفي أروربا ‪ .‬كذلك‬
‫كانت هناك ضغوط في تلك المجالت في معظم البلد العربية وفي قضايا التعليم ومناهجه ‪،‬‬
‫وتبادل المعلومات حول العناصر الناشطة في الجهاد في افغانستان أو الشيشان أو العراق‬
‫أوجنوب شرق آسيا بما في ذلك العناصر في السعودية ‪.‬‬
‫‪)4‬وفي ثنايا تلك الجراءات والحروب العدوانية المريكية كانت الجرائم الصهيونية في‬
‫فلسطين على قدم وساق ‪ ,‬وصلت إلى تدمير البنى التحتية للسلطة الفلسطينية ‪ ,‬وعناصرها‬
‫المنية وحصار رئيسها عرفات ‪ ,‬وفرض تغييرات اجبارية على هيكلة السلطة الفلسطينية ‪.‬‬
‫وقد تم جزء كبير منها أمام الرؤساء والملوك العرب في قمة بيروت مارس ‪ 2002‬والتي‬
‫قدمت السعودية فيها مبادرة " التطبيع مع اسرائيل " ‪ :‬السلم مقابل الرض التي تبنتها القمة‬
‫لتصبح مبادرة عربية ‪ ،‬وكلها كانت استجابه لضغط الدارة المريكية ‪ .‬واستمرت الممارسات‬
‫القمعية الوحشية الصهيونية ضد الهل والراضي والممتلكات في فلسطين وبمباركة أمريكية ‪،‬‬
‫منذ ذلك الوقت ‪ 2002‬وحتى الن( ‪ ) 2004‬م ‪ ,‬ول زالت متواصله ‪ ,‬أمام أنظار حكومات‬
‫الدول العربية ‪ ,‬خاضعة خانعة للخارج ‪ ,‬سيدة متوحشة على الداخل ‪ ,‬وهذا وذاك أصل البلء‬
‫والداء ‪.‬‬
‫وفي سياق ذلك كله ‪ ,‬وما يتصل بالمجتمع في السعودية وعلقاته في السلطة‬
‫‪ ,‬كان المجتمع في قطاعات غير قليلة منه " غاضبا على ما تم في أفغانستان والعراق وخاصة‬
‫استخدام القواعد والراضي السعودية لتنفيذ بعض من أجزاء تلك الحروب والغزوات‬
‫والحتلل ‪ .‬كل ذلك مثل ضربة لكثير من الناس في مشاعرهم تجاه حكومتهم وخضوعها‬
‫للرغبات المريكية ‪ ,‬وبالتالي تولد لديهم مزيد من الشعور لفقدان الدوله لسيادتها‬
‫ومشروعيتها وخاصة من الزاوية الدينية " السلمية " ‪ ,‬إذ كيف تقبل دولة وحكومة تقدم‬
‫نفسها على إنها عربية مسلمة بضرب بلد اسلمي وثم بضرب بلد عربي مجاور ‪ ,‬هذا فضلُ‬
‫عن منع السلطات الدينية في السعودية ‪,‬ممثله في وزارة الوقاف والشئون السلمية أئمة‬
‫المساجد من القيام بدعاء القنوت ضد أمريكا في حربها على كل من أفغانستان والعراق‬
‫والدعوة للفغان والمجاهدين وكذلك للعراقيين بالنصر ضد الغزاة ‪ .‬إضافة إلى ذلك فإن‬
‫الجراءات التي اتخذتها الحكومة السعودية ضد الجمعيات الخيرية والتبرعات المالية وجمعها‬
‫وتوزيعها وبمراقبة مستشارين أمريكيين في البنوك وخاصة ما يتصل بقضايا تتصل" بالجهاد"‬
‫ومنها ما يتعلق بفلسطين ‪ ،‬وكذلك باقفال جمعيات خيرية ‪ ،‬والتعديل في المناهج التعليمية‬
‫حسب الرغبة والمطالب والضغوط المريكية ‪ ،‬وكذلك تنسيق معلوماتي مع الوليات المتحدة‬
‫المريكية بشان عناصر ومواطنين قد يكون لهم صلة بالنشاطات" الجهادية " السابقة ‪،‬‬
‫وصولُ إلى مزيد من التنسيق الستخباراتي في ملحقة ومطاردة تلك العناصر واعتقالها ‪,‬‬
‫وقد تتطور اليام لتكشف وجود قوة مهام مشتركة في هذه التنسيقات ‪ .‬كل ذلك أشعل مزيدا‬
‫من المشاعر الغاضبة لدى قطاعات من المجتمع ضد الوجود المريكي وكذلك ضد تحالفات‬
‫الدولة السعودية أو انصياعها للضغوط المريكية سواء تعلق المر منها بأفغانستان أو العراق‬
‫أو فلسطين بما في ذلك ما يتصل " بمبادرة التطبيع " أو الجراءات التي اتخذتها منذ نهاية‬
‫‪2001‬م فصاعدا في سياق الحملة المريكية على الرهاب ‪ .‬لذلك ينفجر العنف أو" الرهاب"‬
‫بداية في الجوف " بمقتل الدكتور حمد الوردي " في ‪17/2/2003‬م ولكنه يأخذ البدايات‬
‫الحقيقية له بتفجيرات الرياض في ‪ 12‬مايو ‪ 2003‬م وما بعدها ليطال أماكن عديدة في‬
‫الرياض والقصيم والمدينة وجدة ومكة والجوف والرياض ‪ ,‬وبعض هذه المدن تتكرر فيها‬
‫أحداث العنف اوالرهاب أكثر من مره ‪ ,‬ويمتد إلى المراكز النفطية في كل من ينبع ثم الخبر‬
‫وقبلها بضرب دائرة المن السعودية ثم يتجه إلى قتل الفراد الجانب أو اختطافهم وقتلهم‬
‫‪.‬ويبدو إن الهدف من ضرب تلك الماكن الحيوية واختطاف الفراد وقتلهم هو ضرب‬
‫المقومات القتصادية للدولة وعلقتها بالمستثمرين والعاملين الجانب بما في ذلك العاملين في‬
‫قطاعات ذات صلة بالمن أو الجيش أو الحرس الوطني ‪ .‬والهدف هو محاولة الضغط على‬
‫الجانب ودولهم بسحب رعاياهم وبالتالي تحييد الصراع بين السلطة وبين أهل العنف أو‬
‫"الرهاب" ‪,‬وإذا كان المر كذلك فإن السلطات السعودية سوف تقوم وبمساعدة أمريكية ‪,‬‬
‫أقلها معلوماتية ‪ ,‬وإن كان هناك اعلن بعد ضرب دائرة المن ‪ ,‬بتشكيل " قوة مهام مشتركة‬
‫هذه السياسات المنية التعاونية ستفرز وقد تولد مزيدا من التعبئة لعناصر اضافية‬ ‫‪19‬‬
‫"‬
‫وخاصة في سباق النظر إلى تلك القوة المشتركة " قوة المهام المشتركة" على إنها تعطي ‪,‬‬
‫لهل العنف " الرهاب " ‪ ,‬وفي نظر فئات اجتماعية مفترضة ‪ ،‬مشروعية مقاومة الوجود‬
‫‪ 19‬عن قوة المهام المشتركة بين السعودية وأمريكا في مجال مكافحة الرهاب أو العنف انظر إلى البيان الذي وزعته " السفارة السعودية في واشنطن"‬
‫الرياض اعتقلت ‪ 600‬مشتبه " الشرق الوسط عدد‪ 9320 #‬في الجمعة ‪ 4/6/2004 :‬ص ‪4‬‬
‫المريكي في السعودية ‪ ,‬وكذلك ضد تحالف السلطة مع المركيين في هذه الحرب والحملة‬
‫على الرهاب أو العنف ‪ .‬من هنا فإن هناك خوفا من أن دائرة العنف أو العنف المضاد‬
‫وبغض النظر عن مبرراته ومسوغاته ومشروعيته او عدم مشروعيته‪ ،‬ستزداد يوما بعد آخر‬
‫لتصل إلى مرحلة الصراح الجتماعي المفتوح " الحرب الهلية "‪.‬‬
‫وهذا الحتمال الخير يتوقف على أمور منها مدى الدعم المجتمعي للعنف أو‬
‫الرهاب وأهله‪ ,‬وكذلك على مسألة الحلول التي يمكن أن تتبناها الدولة لمواجهة العنف على‬
‫الرهاب وعناصره‪ ،‬وهل ستكون حلولً أمنية فقط‪ ,‬أم تكون هناك حلول سلمية مدنية‬
‫إصلحية‪ .‬قبل الوصول إلى مسألة العلقة بين العنف والصلح نود الشارة سريعاُ إلى مسألة‬
‫الدعم أو التأييد الشعبي للعنف وأهله وعناصره‪ .‬قبل تفجيرات مايو ‪ 2003‬م وفيما يخص‬
‫القاعدة وخاصة أثناء حرب وغزو افغانستان وأيضا في سياق الحرب والغزو المريكي للعراق‬
‫فإن هناك تأييدا ملحوظا من قبل فئات وقطاعات غير قليلة من المجتمع في السعودية للقاعدة‬
‫وزعيمها أسامة بن لدن‪ .‬وهذا التأييد أو الدعم ل يعني بالضرورة إن الناس المتعاطفين‬
‫يقبلون بكل معتقدات وتوجهات القاعدة ورموزها‪ ،‬ولكن التأييد والتعاطف يفسر بأن تلك‬
‫الحركة وقيادتها وعناصرها وخلياها تقوم بأعمال فيها مقاومة للسياسة المريكية‬
‫والصهيونية في المنطقة العربية والسلمية‪ .‬ولذلك ليس غريبا أن يكون هناك أكثر من ‪%70‬‬
‫من الكويتيين يتعاطفون مع القاعدة في سياستها المناهضة للوليات المتحدة المريكية‪ ،‬فكيف‬
‫إذن بالسعوديين والذين أيضا تشير بعض التقارير الستخبارية إلى أن أكثر من ‪ %80‬يؤيدون‬
‫القاعدة في حربها ومقاومتها للسياسات المريكية في المنطقة‪ .‬ولذلك فإننا نتذكر وهذا ما يقع‬
‫في تلك النسبة‪ ،‬إنه أثناء الحرب والغزو المريكي لفغانستان وكذلك ما بين ‪ 2001‬ــ‬
‫‪ 2002‬م كانت صور بن لدن تبث بشكل مكثف بين الجوالت في السعودية‪ .‬طبعاً مع بداية‬
‫انفجارات الرياض في ‪ 12‬مايو ‪ 2003‬فصاعدا‪ ,‬وخاصة مع تضاعف التفجيرات في مجمع‬
‫المحيا بالرياض ثم في دائرة المن‪ ,‬ثم في اختطاف وقتل بعض الغربيين‪ ،‬فإنه من المؤكد إن‬
‫هناك انخفاضا في نسبة التأييد لتلك العناصر الفاعلة في العنف أو الرهاب‪ ,‬وأيضا عدم‬
‫‪20‬‬
‫موافقة أعداد متزايدة من الشعب بقبول بعض من هذه العمال على القل‬

‫‪ 20‬ومع ذلك فإن استغراب عدد من الكتاب العلميين بعدم قيام أئمة المساجد بالقنوت على الرهابيين في السعودية ‪ ،‬يدل على وجود التعاطف ‪ ،‬وكذلك‬
‫مطالبة المير عبد ال بعدم السكوت وخاصة من بعض القيادات الدينية ‪ ،‬ولذلك أصدر عدد منهم بيان في رفضهم للعنف ومنهم د‪ .‬سلمان العودة ‪ ،‬وسفر‬
‫الحوالي وناصر العمر ‪ ...‬الخ أضافة إلى إن وزارة الوقاف أصدرت أمرًا تلزم فيه أئمة المساجد بالقنوت ضد الرهابيين ‪ ،‬في ذلك أنظر " السعودية وزارة‬
‫الشئون السلمية " تلزم المة والخطباء بالقنوت على الرهابيين " الحياة عدد ‪ 15044 #‬في السبت ‪ 5/6/2004‬م ص ‪. 2 , 1‬‬
‫ومع ذلك تبقى البيئة الداخلية كما أشرنا إليها وتقاطعها مع البيئة الخارجية‬
‫وبالذات في سياق الستبداد الداخلي وممارساته الداخلية وكذلك في سياق تقاطعاته مع‬
‫الخارج المريكي‪ ،‬حاسمه في تولد العنف؛ كل ذلك يعني أن تلك البيئة واختللتها هي التي‬
‫تعمل على تفريخ عناصر إضافية لجماعة وعناصر العنف‪ .‬بل إن العتقالت المتزايدة منذ‬
‫سواء في‬ ‫‪21‬‬
‫‪ 2001‬م فصاعدا‪ ,‬وخاصة ما بين ‪ 2003‬و ‪ 2004‬م‪ ,‬والتي تجاوزت اللف‬
‫سياق العتقال‪ ,‬أو التحفظ المؤقت وبما يتضمنه من تجاوزات أمنيه بما في ذلك استمرار‬
‫النتهاكات لحقوق المتهم‪ ,‬تعني أن هناك نسبة من المجتمع وفئاته تشكل مخزونا فيه قدر من‬
‫اللتزام بالنخراط في تلك العمليات " العنف أو الرهاب " وليس فقط التعاطف‪ .‬ذلك المخزون‬
‫يمكن أن يقدر تقريبا مابين ‪ 10‬آلف إلى ‪ 40‬ألفا ممن لديهم " القابلية للنخراط " بالعنف‬
‫‪.‬‬ ‫‪22‬‬
‫وبتلك الجماعات‬
‫ثالثا ‪ :‬في العنف والصلح" الدستوري‬
‫المحور الخير في هذه الورقه يتناول العلقة بين العنف والصلح وهل أهل العنف أو‬
‫ل مشروح إصلحي‪ ،‬وهل المخرج‬
‫الرهاب يطالبون بالصلح الدستوري‪ ،‬وهل لديهم أص ُ‬
‫مـن العنف هـو باتباع السياسات المنية الصارمة أم بمـاذا ؟‬
‫توصلنا في مناقشات وتحليل عوامل " العنف " إلى إن الستبداد هو اصل الداء‬
‫والبلء في البلد‪ ،‬وكذلك منتجاته وفروعه في تلك الختللت في السياسات والممارسات‬
‫الحكومية‪ ,‬في كافة المجالت الثقافية والجتماعية والقتصادية‪ ,‬والسياسية بدرجة أكبر‬
‫وأساسية‪ ,‬وكذلك في تحالفاته وتقاطعاته مع البيئة الخارجية " الوليات المتحدة المريكيـة "‪,‬‬
‫وتجاهل استشارة الشعب وموافقته وبغياب آليات المحاسبة الدستورية‪.‬‬
‫بناء عليه يمكن أختصار متغيرات العنف عن طريق المعادله التالية‪:‬‬
‫" الستبداد "( والممارسات وكذلك في التحالفات الخارجية ) = الجهل و التجهيل ‪+‬‬
‫الفقر والفقار ‪ +‬القمع والكبت والقصاء والتهميش = ( العنف )‪ .‬وهذه المعادلة ل تنفي ول‬
‫تلغي دور أهل العنف في تلك الدائرة من العنف والعنف المضاد‪ .‬ولذلك من مخاطر تواصل‬
‫العنف والعنف المضاد أن يتحول إلى دائرة عبثية تهلك الحرث والنسل‪ ,‬والخضر واليابس‪،‬‬

‫‪ 21‬عن تلك العداد رغم أنها ل تكشف كل الحقيقة أنظر " السفارة السعودية في واشنطن " مصدر سابق ‪.‬‬
‫‪ 22‬يمكن الوصول إلى تلك النسب بطريقة حسابية تقديرية افتراضية على النحو التالي سكان السعودية ‪ 20‬مليون يستبعد منهم الجانب والنساء والطفال‬
‫والشيوخ ‪ 14 = %6 -20‬مليون ال ‪ 14‬مليون – ‪ %50‬نساء = ‪ 7‬مليون ‪ 100÷70×7‬شباب بين عشرين و ‪ 40‬الناتج يساوي ‪ 5‬مليون ‪100÷80×5‬‬
‫تعاطف عام = ‪ 4‬مليون ولنفترض أن ‪ %1‬من هؤلء لديهم القابلية للنخراط ‪ 100÷ 1× 4.000000‬الناتج ‪ 40.000‬شخصاً تقريباً لديهم القابلبية للنخراط‬
‫في العنف ولكن هذا العدد يحتاج إلى توفر معطيات محددة ليصبح حقيقية مؤكدة ‪.‬‬
‫خاصة في احتمالت تحولها إلى حرب أو صراع اجتماعي مفتوح‪ ,‬وهذا أمر وارد في ضوء‪,‬‬
‫أولً استمرار نفس خلل السياسات الرسمية‪ ،‬وكذلك ثانيا‪ ,‬في احتمال فشل الدارة المريكية‬
‫في العراق وكذلك عدم ولوج الصلح الدستوري في السعودية‪.‬‬
‫طبعا أهل العنف ل يطالبون أصلً بالصلح وليس لديهم مشروع إصلحي‪،‬‬
‫ولذلك فإن هناك مسؤلين وكتابا وباحثين يستغربون الربط بين الصلح وبين العنف‪ .‬المشكلة‬
‫في هذا الفهم هي أنهم يعتقدون أن هناك عددا من اهل العنف أذا ماتم قتلهم أواعتقالهم‬
‫فسوف ينتهي المر‪ .‬وهذا يعني إن أولئك ل ينظرون إلى البيئة المولدة والداعمة للعنف أو‬
‫الرهاب وأهله‪ .‬البيئة المولدة كما قلنا هي تلك البيئة السعودية في طبيعتها وانغلقها وبصفة‬
‫أساسية في بيئة الدولة ـ السلطة‪ ،‬في الستبداد والسياسات الحكومية والممارسات المتولدة‬
‫عنه والتي ل زالت لم تتغير‪ ،‬منذ ما بعد ‪ 2001‬م وحتى ‪ 2004‬م حيث تواصل أسس‬
‫ومقومات وعناصر تلك السياسات الحكومية وبنيتها أصلً‪ ،‬أل وهي السلطة المطلقة‬
‫والستبداد‪.‬‬
‫التجاهات الرسمية والسياسات الحكومية ل زالت ترى إن بإمكانها معالجة العنف‬
‫أو الرهاب من خلل سياسة أمنية صارمة يتم عبرها ملحقة ومطاردة وقتل واعتقال أولئك‬
‫العناصرالذين يبدو للجهات الرسميه أن عددهم عدد محدود‪ ،‬وفي سياق تعاون أمني محدود‬
‫ومعلوماتي "سعودي امريكي" وحتى في سياق تشكيل " قوة مهام مشتركة " سعودية أمريكية‪،‬‬
‫أعلنت مؤخرا‪.‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬صدرت مبادرة جديدة تتضمن اصدار "عفو" عن العناصر‬
‫المشاركة أو المرتبطة " بأهل العنف "‪ ,‬والتي لم تتورط في أعمال قتل‪ ،‬ولم يقبض عليهم‪,‬‬
‫حتى الن‪ ,‬إذا سلموا أنفسهم خلل شهر من تاريخ صدور القرار‪ .‬وجاء في خطاب المير عبد‬
‫ال الذي ألقاه نيابة عن الملك فهد بهذا الشأن‪ :‬لذلك فإننا نعلن وللمرة الخيرة بأننا نفتح باب‬
‫العفو والرجوع للحق وتحكيم الشرع الحنيف لكل من خرج عن طريق الحق وارتكب جرما‬
‫باسم الدين وما هو ال الفساد في الرض‪ ،‬ولكل من ينتمي إلى تلك الفئة التي ظلمت نفسها‬
‫ممن لم يقبض عليهم في عمليات الرهاب فرصة الرجوع إلى ال ومراجعة أنفسهم‪ ,‬فمن أقر‬
‫بذلك وقام بتسليم نفسه‪ ،‬طائعا مختارا في فترة أقصاها شهر من تاريخ هذا الخطاب فإنه آمن‬
‫‪23‬‬
‫بأمان ال على نفسه وسيعامل وفق شرع ال فيما يتعلق بحقوق الغير‬

‫‪ 23‬في ‪6/2004/ 23‬م اعلن العفو في تفصيلت الخبر ‪ ،‬أنظر في كلمة ألقاها ولي العهد السعودية تمهل فلوف الفئات الضالة شهراً للرجوع إلى الحق وتحكيم‬
‫الشرع " الشرق الوسط ‪ ،‬عدد ‪ 9340 #‬في الخميس ‪ 24/6/2004‬ص ‪ . 4‬هذا وقد مرت المدة المحددة للعفو ولم يستسلم سوى عدد ل يتجاوز الربعة ‪،‬‬
‫منهم اثنان ‪ ،‬احدهم مقعد والخر تاجر سلح ‪ .‬ولم يستسلم من الساسيين المطلوبين " القائمة المطلوبة " أحد حتى هذه اللحظة ‪ ،‬وقد اعتقل احدهم بعد تجاوز‬
‫مدة العفو وهو الزهراني ‪.‬‬
‫ولنا ملحظات على ماتقدم هي‪:‬‬
‫‪ )1‬بالنسبة للسياسات المنية الصارمة‪ ،‬فإننا ل نعتقد إنها هي الحل‪ ،‬بل لن تكون‬
‫الحل‪ ،‬ذلك إن العنف يولد العنف‪ .‬إضافة إلى ذلك هناك اعتقاد خاطئ لدى بعض المسؤولين‬
‫وغيرهم أن العناصر المنخرطة في أعمال العنف أو الرهاب محدودة العدد يمكن استئصالهم‬
‫بالقاء القبض عليهم أو قتلهم أو بالعتقالت المكثفة‪ .‬وهذه فكرة خاطئة‪ ،‬ذلك إن هؤلء أصلًَ‬
‫إنما تقدمهم البيئة والبيئة لم تتغير بعد‪ .‬ولذلك كما أشرنا سابقا فإن تلك السياسات المنية‬
‫الصارمة ستولد أو تدفع بذلك المخزون من العناصر التي لديها " القابلية " للنخراط فعلً‪.‬‬
‫فوق هذا وذاك فإن مزيدا من التعاون المني السعودي المريكي سواء في سياق تبادل‬
‫المعلومات أو في أطر جديدة بالعلن عن انشاء " قوة مهام مشتركة " لمحاربة الرهاب في‬
‫السعودية يعني مزيدا من صب الزيت على النار‪ ،‬وهذا قد يكون كارثياُ في ضوء خروج أمريكا‬
‫من العراق مهزومة أمام المقاومة العراقية والتي تضم عناصر عربية ولربما سعودية‪ .‬كل‬
‫ذلك قد يوفر مقومات ومسوغات إضافيه لصراع اجتماعي مفتوح محتمل في السعودية ‪.‬‬
‫‪ )2‬بالنسبة إلى العفو‪ ،‬فرغم أنه خطوة جيدة أن فيه قدرا من الغموض وعدم الوضوح‬
‫ذلك إن العفو مشروط وقد يترتب عليه محاكمات وأحكام طويلة المدى‪ .‬والفضل لو ‪ .1‬إنه‬
‫صدر عفوا صريحا بإنهاء القضايا وتعليقها وان تحدد فترة حبس محددة معلنة‪.2 .‬وكذلك‬
‫تمكين من يستسلم منهم من محامين أو وكلء للدفاع عنهم في فترة التحقيق والمحاكمة‪ ,‬وأن‬
‫تكون المحاكمات محاكمات علنية ‪.3‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن تلك الخطوة على كونها خطوة جيدة‪،‬‬
‫ل يمكن أن تفي بالغرض دونما إصلح وإصلح حقيقي ترافق معها‪.‬‬
‫المخرج الصحيح هو إضافة إلى وجود سياسات أمنية معقولة موازية هو (ا)‪:‬‬
‫ولوج الصلح الدستوري الذي يدخل المواطن إلى دائرة السلطة‪ ،‬فيحد من الستبداد‪ ,‬ويقضي‬
‫على الختللت في كافة المجالت‪ ،‬ويؤكد ويصون الحقوق والحريات العامة‪ ,‬من خلل فصل‬
‫السلطات والسلطة النيابية المنتخبة " مجلس شورى ملزم " لها سلطات رقابية ومحاسبية"‪،‬‬
‫يتيح للمواطن الحق في المشاركة في القرارات وصنع السياسات‪.‬‬
‫يضاف إلى ذلك ضرورة ضمان وجود سلطة قضائية مستقلة بتمكينها من خلل‬
‫اجراءات وهياكل ومعايير‪ ,‬لتستطيع المساهمة في توفير العدالة والمساواة والكرامة وحفظ‬
‫الحقوق والحريات للفراد‪ .‬على أن تكون السلطة القضائية مستقلة من خلل تلك المعايير‬
‫والجراءات والهياكل وفي سياق فصل السلطات ذات الصلحيات الرقابية ضمن آلية وهياكل‬
‫الدستور‪ ,‬والذي لكي يصبح له روح لبد أن يصوت عليه شعبيا‪.‬‬
‫هذا الصلح الدستوري‪ ،‬سيولد بيئة جديدة من خللها يمكن امتصاص تلك‬
‫الختللت في كافة المجالت واعادة العتبار للمواطن من خلل اقامة العدل وضمان الحقوق‬
‫والحريات والكرامة والحق في المشاركة والتعبير‪ .‬هذه البيئة الدستورية والتي تعني حكومة‬
‫دستورية ذات سلطات غير مطلقة‪ ،‬وفي سياق محاسبة ومراقبة ومشاركة شعبية على‬
‫مستوى المؤسسات السلطة " خاصة النيابية مجلس الشورى المنتخب الملزم " وعلى مستوى‬
‫المشاركة والمساهمة في تشكيل جمعيات المجتمع الهلي المدني في كافة المجالت ليتاح‬
‫للمواطنين النخراط في تلك الجمعيات والتحادات والفصاح عن رغباتهم وآراءهم‪ .‬إذا وصلنا‬
‫إلى سلطة مقيدة‪ ،‬حكومة دستورية‪ ،‬بإصلح دستوري نستطيع أن نلغي عوامل ومكونات‬
‫ودعائم وحوافز العنف في كافة المجالت‪ .‬بما يتضمنه ذلك تصحيح للعلقة بين الدولة‬
‫والخارج على أسس تنطلق من مصالح الشعب وحقوقه وكرامته‪ ,‬عبر مشاركة المواطن في‬
‫تلك السياسات‪ ,‬بما في ذلك السياسة الخارجية للدولة‪ ,‬وبالتالي إنهاء سلبيات الممارسات‬
‫الحكومية داخليا وسلبيات تحالفها خارجيا باعتبارها (أي السلطه المقيده) ضوابط شعبية "‬
‫إرادة ومشاركة شعبية ورقابة على تلك السياسات "‪ .‬عندها يمكن أن تتولد أولً شرعية جديده‬
‫وصلبه للدولة والسرة‪ ,‬تقوم على " تعاقد " بين المجتمع والسلطة " السرة "‪ ,‬تضمن حقوق‬
‫وحريات المجتمع‪ ,‬وتوفر الفرص للسرة لممارسة الحكم في السلطة بالمشاركة أو الشراكة‬
‫الدستورية مع الشعب أو من يمثله‪ .‬وثانيا في تلك البيئة نستطيع أن نلغي الختللت وأن‬
‫نجفف بطريقة سلمية هادئة مصادر العنف وأسبابه‪ .‬وبالتالي فإنه مع الوقت وتحقق تلك‬
‫الصلحات على الرض‪ ,‬فإنك سوف تجد إن تلك العناصر المنخرطة في العنف بدأت تتقلص‬
‫بشكل كبير‪ ,‬وبدأت تتلشى فعليا‪ ،‬ذلك إن الدعم والمخزون القابل للعطاء ينتهي‪ .‬طبعاُ وفي‬
‫سياق الصلحات الدستورية ل يمنع من اتباع السياسات المنية الموازية‪ ,‬ولكن بطريقة تقلل‬
‫من القصاء والتهميش المباشر‪ ,‬وأنتهاكات حقوق النسان بما في ذلك حقوق المتهم وبنفس‬
‫الوقت التركيز على الحلول الصلحية الدستوريه السلمية لتوفير المن‪ ,‬من خلل ادخال‬
‫المواطن إلى صلب العملية السياسية‪ ,‬لكي يشعر أنه بالفعل جزء من السلطة‪ ,‬وإن السلطة‬
‫جزء منه‪ .‬عندها فقط يمكن لنا أن نخرج من دائرة العنف‪ .‬أما أية طرق غيرها فإنها قد تطيل‬
‫العنف وتزيده وتفجره إلى صراع اجتماعي مفتوح " حرب أهلية "‪ ،‬والتي يخشى في حالة‬
‫اندلعها أن تولد آثارا أكبر على الدولة والمجتمع‪ .‬كما أن الدول الكبرى حينها ومنها الوليات‬
‫المتحدة قد ترفع يدها عن الوضع حتى يثبت‪ .‬وعندها قد تقرر التدخل في الوقت المناسب‪ .‬أن‬
‫التأخر في دخول عملية الصلح الدستورية في الوقت الحاضر‪ ،‬ومع احتمال اندلع " صراع‬
‫اجتماعي مفتوح " سيعقد مهمة الحكومه مستقبلً ويجعلها أكثر صعوبه اذ سوف يعتبر‬
‫عرضها لو تم مستقبلَ أمرا غير مقبول من قوى العتراض والعنف إذ ما أصبح لديها اليد‬
‫الطولى في الساحة‪.‬‬

You might also like