Professional Documents
Culture Documents
إن النقد من مهمات مسيرة الحياة البشرية ،ذلك لن النقص هو صفة كل
إنسان بدون استثناء ،وكل إنسان يقر بالنقص ويعترف به ،إذاً مادام أن
النقص موجود ،فل بد من انتقاد هذا النقص حتى يستقيم ويكتمل ،وقد تكلم
الشيخ حفظه ال في هذا الدرس عن النقد ،وبين معناه ،وبين لماذا نخاف من
النقد مع أن طبيعتنا طبيعة بشرية تحتاج إلى النقد البناء دائماً وأبداً ،وإذا
غاب النقد البناء ،فإن الحياة بطبيعة الحال لن تستقيم ولن تسير على المنهج
الصحيح لن كل إنسان سيعمل ما يراه هو دون أن يرى أي خطأ أو عيب
في عمله ،وتحدث الشيخ عن مسألة التأصيل الشرعي للنقد ،وذكر الدلة
على ذلك ،وموقف الناس من النقد على اختلف مراتبهم ومنازلهم ،ثم
تحدث عن أنواع النقد وأنه ينقسم إلىعام وخاص ،ونقد الذات ونقد الغير ،ثم
تطرق إلى صور النقد المذموم منها :الذي يستهدف حياة النسان الخاصة
وفقدان العدل والنصاف وغيرها.
إن الحمد ل ،نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ،ونعوذ بال من شرور
أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ،من يهده ال فل مُضل له ،ومن يضلل فل هادي
له ،وأشهد أن ل إله إل ال وحده ل شريك له ،وأشهد أن محمداً عبده
ورسوله ،صلى ال عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيراً يَا أَيّهَا الّذِينَ
لّ خَبِيرٌ بِمَا َتعْ َملُونَ
نا َ
لّ إِ ّ
ت لِغَدٍ وَا ّتقُوا ا َ
آمَنُوا ا ّتقُوا الَّ َولْتَ ْنظُرْ َنفْسٌ مَا قَدّ َم ْ
[الحشر .]18:أما بعد :هذا هو الدرس الخامس والربعون من سلسلة
الدروس العلمية العامة ،وهذه ليلة الثنين ( )12جمادي الولى لعام (
1412هـ) .أيها الحبة الكرام ،حديثي إليكم هذه الليلة عنوانه( :لماذا نخاف
من النقد)؟ ......
المسلمون والنقد
أمر ثالث :إننا -أيها الحبة -نملك تراثاً إسلمياً عظيماً ،بل نملك -قبل هذا
التراث السلمي العظيم من تاريخ المة -تاريخ الرسول عليه الصلة
والسلم ،وتاريخ الصحابة رضي ال عنهم ،وتاريخ الخلفاء المؤمنين
الصادقين ،وتاريخ العلماء العاملين الداعين إلى ال على بصيرة .قبل هذا
نملك منهجاً إلهياً ربانياً ،وضح لنا كيف نتعرف على الخطأ في أنفسنا وفي
غيرنا ،وكيف نقوم بتصحيح هذا الخطأ ،سواء كان هذا خطأنا نحن أم كان
خطأ الخرين -كما سوف تأتي الشارة إلى شيء من ذلك -والمؤسف جداً
أن هذا المنهج الذي هو في أصله منهج إسلمي ينبثق من هذا القرآن
الكريم ،ومن سنة النبي صلى ال عليه وسلم ،أن الغرب أفاد من هذا المنهج
على القل في الناحية الدنيوية ،فأرسوا قواعد النقد بين الحاكم والمحكوم،
ووضعوا أسسه وضوابطه ،سواء في المجال العلمي ،أم في المجال
العلمي ،أم في المجال السياسي أم غيرها ،بحيث أصبح كل فرد منهم يعرف
كيف ينتقد ،وكيف يوجه ،وكيف يشارك برأيه في كل قضية صغرت أم
كبرت ،جلت أم عظمت ،فأصبح كل إنسان منهم يحس أنه يشارك مشاركة
فعالة في إدارة دفة المجتمع ،وفي تصحيح الخطاء ،وفي توجيه الناس،
أفادوا من المنهج السلمي من الناحية الدنيوية ،أما المسلمون ،فإن كثيراً
من المنتسبين إلى السلم أقرب ما يكونون -وأقولها مهما كانت ثقيلة على
لساني -أقرب ما يكونون إلى سلوك المنهج الفرعوني ،الذي يقول :مَا أُرِيكُمْ
ل الرّشَادِ [غافر ]29:ومن الصعب جداً على إِلّ مَا أَرَى َومَا أَهْدِي ُك ْم إِلّ سَبِي َ
كثير من الناس اليوم ،ممن ينتسبون إلى هذا الدين أياً كانوا ،سواء كانوا من
أصحاب النفوذ والسلطان ،أم كانوا من العلماء ،أم كانوا من الدعاة ،أم كانوا
من عامة الناس ،فمن أصعب المور على الواحد منهم أن يصغي أذنه لتقبل
نقداً أو ملحظة ،فضلً عن أن يوافق على ذلك أو يسعى إلى تصحيحه.
العتراف بالنقص والتقصير
وهناك نقطة أخرى ،أننا نجد لدى بعض الناس على كافة المستويات بدون
ل بالنقص أو التقصير ،فليس غريباً أنك تجد إنساناً ما استثناء ،اعترافاً مجم ً
سواء أكان عالماً ،أم حاكماً ،أم داعية ،أم تاجراً أم أي شيء آخر ،قد تجد أن
من السهل أن يقول هذا النسان :أنا بشر ،أو نحن لسنا بمعصومين ،أو قد
يقول :نحن جميعاً عرضة للخطأ لكنه يقف عند حد هذا العتراف المجمل
الغامض المبهم ،فل ينتقل من هذا الكلم العام إلى تشخيص الخطاء،
وتحديد هذه الخطاء وما هي؟ والعتراف بها ،وهذه الخطاء ونوعياتها
ع أحد لك - وعيناتها ،ومن ثم السعي إلى التصحيح ،نعم ،نحن نقول :لم يدّ ِ
ع لك أحد أنك نبي أو رسول ل -أنك ملك ،حتى تقول :أنا بشر ،ولم يد ِ مث ً
حتى تقول :إنك لست بمعصوم ،كل الناس يعرفون أنك بشر ،وأنك إنسان،
وأنك لست بمعصوم ،وأنك عرضة للخطأ ،وكل إنسان يعترف بهذا ،بل
ربما أقول :إن كثيراً من الناس -وهم بصدد تجاهل الخطاء ،والدفاع عنها،
ومحاولة إظهارها ،وإلباسها بثوب الصواب -تجد أنهم يبتدئون حديثهم
بقولهم :لسنا معصومين ،نحن بشر يخطئ ونصيب ،نحن عرضة ،نحن
كذا ،نحن كذا ،ثم بعد ذلك ينتقل إلى محاولة فلسفة الخطاء ،وتحويلها إلى
نوع من الصواب؟ وبناءً عليه نقول :هذا العتراف الغامض المبهم بأنك
بشر ،أو لست بمعصوم ،أو عرضة للخطأ ،هذا العتراف ل يسمن ول
يغني من جوع ،ول ينفعنا في قليل ول في كثير.
اعتبار النقد جريمة عند بعض ا لناس
ل لماذا الحديث عن هذا الموضوع بالذات؟ لعله ليس بغريب على أو ً
أسماعكم ،الحديث عن التخلف المطبق في العالم السلمي من أقصاه إلى
أقصاه ،سواء من الناحية العلمية ،أو من الناحية الدعوية ،أو من الناحية
الجتماعية ،أو من الناحية السياسية على المستوى الفردي وعلى المستوى
الجماعي فإننا نعلم جميعاً وهذا مما ل يحتاج إلى إعادة أو تكرار أن
المسلمين يعيشون اليوم أحط عصورهم ،وأردأ أيامهم ،ولعله ليس من قبيل
المبالغة أن نقول :إنه لم تمر بالمة السلمية منذ بعث ال نبيه محمدًا صلى
ال عليه وسلم ،وقامت دولة السلم في المدينة ،وعبر حقب التاريخ في
عصوره ،مثل هذه اليام الكالحة المظلمة ،التي استحكمت فيها غربة الدين،
وأطبق العداء بفكيهم على المسلمين ،فهم يعيشون في تخلف مريع ل يعلمه
إل ال .ومع ذلك كله ،ومع أن التخلف في عالم السلم شامل لكل مجالت
الحياة دون استثناء ،إل أننا نجد من المسلمين عموماً ،مقتاً وبغضاً وكراهية
لي لون من ألوان النقد ،أو المراجعة أو التصحيح بل إنك تجد المسلمين
اليوم أفراداً وجماعات وأمماً ودولً ،يعتبرون النقد في كثير من الحيان
جريمة ،فيجرمون المنتقد ويعتبرونه -كما يعبر بعضهم -خارجاً عن
القانون ،أو أنه مشكك في المكتسبات التي حققتها هذه المة ،أو هذه الفئة ،أو
تلك الجماعة ،أو تلك الدولة ،أو أنه يسعى إلى زعزعة أمن البلد والمجتمع
واستقراره ،أو أنه يحمل أهدافاً سياسية ،وهو يعبر عنها من خلل النقد
والتصحيح والمراجعة ،ولذلك نجد أن الدول تصنف الذين ينتقدون أو
يصححون أو يراجعون ،أو -بأسلوب آخر -تصنف الذين يأمرون
بالمعروف وينهون عن المنكر ،أنهم ضمن الخصوم .وكذلك أقول :مع
السف إن كثيراً من الجماعات السلمية قد تعتبر من ينتقدونها هم أعداء
لها ،بل ربما تعتبرهم أحياناً أعداءً للسلم ذاته ،أما الفراد فغالبنا يعتبر من
ينتقده ،أو يستدرك عليه أو يصحح خطأ وقع فيه ،يعتبره عدوًا له ،أو حاقداً
عليه .هذه نقطة.
ما المقصود بالنقد ،لماذا نخاف من النقد؟
فالمعنى الول في النقد ،الذي هو :تمييز الطيب من الخبيث ،والحسن من
القبيح ،والصالح من الطالح ،والزيف من الحقيقي ،هذا المعنى هو الذي
ينطبق على المفهوم الشرعي للنقد ،فالنقد في الشرع يعني :معرفة الخطأ
والصواب ،ويعني :الثناء على الخير ومدحه وذم الشر ونقده ،سواءً كان هذا
الخير أو الشر في شخص ،أم في كتاب ،أم في عمل ،أم في هيئة ،أم في
دولة ،أم في جماعة ،أم في أمة ،أم في غير ذلك ،وهذا هو المعروف لدى
أهل العلم واليمان ،أفراداً وجماعات ،خاصة لدى أهل القرون الولى
المفضلة ،فإن الغالب على نقدهم أنهم كانوا ينتقدون لبيان الحق والمر به،
وبيان المنكر والنهي عنه ،وهذا هو المعروف من سيرتهم وأقوالهم رضي
ال تعالى عنهم.
أما المعني الثاني في النقد ،الذي هو :الثلب والثلم والعيب والتجريح ،فهذا
هو الغالب على هذا الزمان ،الذين يعتبرون النقد -كما أسلفتُ -صورة من
صورة العداوة والحقد والبغضاء ،والتشهير والتأليب على الشخص المنقود،
أو على الجهة المنقودة ،ولذلك ل يقبلون النقد؛ لنهم يعتبرونه نوعاً من
التنقص ،وكذلك هم ل ينتقدون إنساناً إل إذا أبغضوه وحاربوه ومقتوه فهم
ينتقدونه؛ لنهم يسعون إلى إسقاطه فهم ل يسعون إلى معرفة الحق من
الباطل والخطأ من الصواب والخير من الشر ،بل همهم جمع المثالب على
فلن وعلن ،أو على الجهة الفلنية وحشد المعايب .ولذلك قال النبي صلى
ال عليه وسلم ،في الحديث الذي رواه مسلم عن أبي الدرداء{ :اللعنون ل
يكونون شهداء ول شفعاء يوم القيامة} فاللعان هو الذي ل يعرف الناس إل
موضع العيب ،كل ما ذكر عنده شخص عابه فإن ذكر عنده شخص بعبادة،
قال :نعم عابد ،ولكنه ليس بعالم ،والعبادة بل علم تضر أكثر مما تنفع ،فإن
ذكر عنده شخص بعلم ،قال :نعم هو عالم ،ولكن المشكلة في النية ،إنما
العمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى ،فإن ذكر عنده شخص بجهاد قال:
ورب قتيل بين الصفين ال أعلم بنيته ،فإن ذكر عنده شخص بالنفاق في
حسْرَةً [النفال ]36:وهكذا كلما علَيْهِ ْم َ
سبيل ال ،قال :فَسَيُ ْن ِفقُونَهَا ثُمّ تَكُونُ َ
ذكر عنده شخص بمحمدة أو مدح أو ثناء ،بحث عن عيب ويلصقه به،
وكأنه ل يسره إل ذكر الناس عنده بالشر والسوء هذا الموجود على غالب
الناس اليوم .وهذا يشبه القصة التي رواها البخاري ومسلم في صحيحيهما،
في قصة سعد بن أبي وقاص رضي ال عنه وأرضاه وفيها عبرة ،فإن أهل
الكوفة شكوا سعداً إلى عمر بن الخطاب رضي ال عنه ،فأرسل عمر إليه
فجاءه ،فقال له :يا أبا إسحاق ،لقد شكوك في كل شيء حتى قالوا :ل يحسن
يصلي -حتى الصلة قالوا :ل يعرف كيف يصلي -فقال سعد رضي ال عنه
وأرضاه :أما وال يا أمير المؤمنين ،إني ل آلو أن أصلي بهم ،كما رأيت
رسول ال صلى ال عليه وسلم يصلي بنا ،أطيل في الوليين ،وأخف أو
أحذف في الخريين ،فقال له عمر بن الخطاب رضي ال عنه وأرضاه :هذا
هو الظن بك يا أبا إسحاق -هذا ظني بك ،-لكن عمر رضي ال عنه
وأرضاه ،لم يكتف بمجرد قناعته الشخصية بـسعد بن أبي وقاص؛ لنه أمام
شكوى من الشعب ،من المواطنين ،فل بد أن يتثبت من هذه الشكوى بروح
المحايدة ،والعدل ،والنصاف ،ويعتبر أن سعداً طرف وخصم ،وأن أهل
الكوفة طرف وخصم آخر ،فيرسل عمر رضي ال عنه لجنة لتقصي
الحقائق ،وتذهب هذه اللجنة ل لتسأل أعيان البلد أو خواصهم ،الذين يفترض
أن المير قد يدنيهم إليه ،وقد يكسب رضاهم بأي وسيلة وبأي ثمن! ل بل
تذهب هذه اللجنة ،لتقف في المساجد والسواق ،ويقولون لهل المساجد:
ماذا تقولون في أميركم سعد بن أبي وقاص رضي ال عنه؟ فكلما ذكروه في
مسجد أثنوا عليه خيراً ،حتى جاءوا إلى مسجد من مساجد بني عبس ،فقالوا:
ما تقولون في أميركم سعد بن أبي وقاص؟ فسكتوا وأثنوا خيراً فقال رجل،
يقال له :أسامة بن قتادة :أما إذ سألتنا فوال إن أميرنا سعد بن أبي وقاص ل
يعدل في القضية ،ول يحكم بالسوية ،ول يسير بالسرية وصفه بالجبن،
والظلم ،والحيف ،وعدم النصاف والعياذ بال ،فغضب سعد بن أبي وقاص
من ذلك أشد الغضب؛ لنه يعلم أن هذا الرجل كاذب ،فقال[[ :اللهم إن كان
هذا قام رياءً وسمعة وكذباً ،فإني أسألك ثلثاً :اللهم أطل عمره ،وأطل فقره،
ت هذا الرجل وعرضه للفتن]] يقول أحد رواة الحديث :فأنا وال قد رأي ُ
شيخاً كبيراً قد عمي ،وهو يقف في السواق يتعرض للجواري يغازلهن
ويغمزهن ،وقد سقط حاجباه على عينيه من الكبر ،وهو يقول :شيخ كبير
مفتون أصابته دعوة سعد ،فأنت تلحظ هاهنا ،كيف أن هذا الرجل لم يعرف
لـسعد بن أبي وقاص ،أنه صاحب رسول ال صلى ال عليه وسلم ،ول
بلءه وجهاده في السلم ،ول أنه من أهل الجنة ،ول شيئاً من ذلك ،إنما
ذكر مثالبه ومعايبه التي هي -في الواقع -كذب وافتراء ،وإل فإن سعداً
بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب ،ول شك أن النقد بهذا المعنى
محرم ،لنه نوع من الغيبة ،وال عز وجل يقول :وَل يَغْ َتبْ بَ ْعضُكُمْ بَعْضاً
[الحجرات .]12:وفي صحيح مسلم ،أن النبي صلى ال عليه وسلم سئل ما
الغيبة؟ فقال{ :ذكرك أخاك بما يكره .قال :يا رسول ال أرأيت إن كان في
أخي ما أقول؟ قال :إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته ،وإن لم يكن فيه ما تقول
فقد بهته} .وقد ذكر القرطبي رحمه ال ،إجماع العلماء على أن الغيبة من
كبائر الذنوب ،فهي إما أن تكون غيبة بهذا العتبار ،وذلك كالذين يبحثون
عن عيوب الناس ومثالبهم ،ويفترض أن هذه العيوب والمثالب موجودة
فيهم ،فيتكلمون بهم في المجالس ويغتابونهم ،ويقعون في أعراضهم،
ويبتغون للبرآءِ العيب ،فهي غيبة حينئ ٍذ فإن كانوا أبرياء مما وصفوهم به
فهو بهتان وظلم ،وال سبحانه وتعالى ل يهدي القوم الظالمين ،يقول عز
وجل في الحديث القدسي الذي رواه مسلم عن أبي ذر أن النبي صلى ال
عليه وسلم قال :قال ال تعالى{ :يا عبادي ،إني حرمت الظلم على نفسي
وجعلته بينكم محرماً ،فل تظالموا} ل يظلم بعضكم بعضاً ،وليس دافع
هؤلء بكل حال الصلح ،ل .ول تصحيح الخطاء وإنما دافعهم الحسد
والبغي والحقد والظلم ،وما من ذنب أجدر أن يعجل ال تعالى له العقوبة في
الدنيا -مع ما يدخره لصاحبه في الدار الخرة -من البغي وقطيعة الرحم،
كما صح بذلك الحديث عن رسول ال صلى ال عليه وسلم .صحيح أن هناك
حالت قد يجوز للنسان فيها أن يغتاب ،والقاعدة العامة والضابط العام في
مثل هذه الحالت ،هي ما إذا كانت مصلحة الغيبة أعظم من مفسدتها،
راجحة على مفسدتها ،وذلك لن الغيبة مفسدة ظاهرة في إيذاء النسان الذي
اغتبته ،إيذاءه وظلمه ،والحط من قدره فهذه ،مفسدة ظاهرة ،ولذلك حرم ال
تعالى الغيبة .لكن إذا كان في الغيبة مصلحة أعظم من ذلك ،فحينئذٍ تجوز
الغيبة ،وقد ذكر العلماء ست حالت ،بل ذكر بعضهم تسع حالت ،قالوا :إنه
يجوز فيها أن ينال من الشخص بعينه وبذاته؛ لن مصلحة الغيبة حينئذٍ
راجحة ظاهرة ،وذلك كالتحذير من الفساق والتحذير من المنافقين ،والتحذير
من أهل البدع وغير ذلك.
معاني النقد
محاسبة النفس
كذلك مما يدخل في باب النقد :محاسبة النفس .فإن النسان قد ينتقد نفسه
دون أن يحتاج إلى غيره ،وكذلك الجماعة قد تنتقد نفسها ،بل الدولة من
الدول ،قد تنتقد نفسها ،وتجعل هناك مؤسسات وأجهزة ،مهمتها المتابعة،
والمراقبة والمراجعة ،والتصحيح والتعديل ،على سبيل الحقيقة ل على سبيل
التغطية أو التورية أو التسكيت.كل ،فإننا قد نجد في كثير من الدول ،أنها قد
تضع مؤسسات للشراف ،أو التفتيش أو المراجعة ،لكن تكون مهمة هذه
الشياء مهمةً شكلية ،فإن الدولة في السلم تجعل هناك مؤسسات وأجهزة،
مهمتها مهمة نـزيهة نظيفة حرة مستقلة ،تقوم بالمراجعة والتصحيح على
الكبير والصغير والمأمور والمير ،دون أن تجد في ذلك حرجاً أو غرابةً،
بل هذا هو عين الكمال وعين القوة وعين الصواب .موقف السلف من
محاسبة أنفسهم :إذًا الفرد والجماعة والدولة والمة ،كلها تراقب نفسها،
ولذلك قال عمر رضي ال عنه -كما في سنن الترمذي -قال[ :حاسبوا
أنفسكم قبل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا ،فإنه أهون عليكم في
الحساب غداً عند ال عز وجل ،أن تحاسبوا أنفسكم اليوم ،وتهيئوا للعرض
الكبر َيوْمَئِذٍ تُعْ َرضُونَ ل َتخْفَى مِنْكُ ْم خَافِيَةٌ [الحاقة ]]]18:والحديث أيضًا
رواه ابن أبي الدنيا في كتابه محاسبة النفس والزراء عليها .كذلك حنظلة
بن الربيع السيدي كما في صحيح مسلم جاء إلى أبي بكر رضي ال عنه
وهو حزين يبكي ،وقال :يا أبا بكر نافق حنظلة -أنا منافق .-قال :وما ذاك؟
قال :أكون عند رسول ال صلى ال عليه وسلم على حال ،فإذا ذهبنا منه
عافسنا الولد والزواج والضيعات ،ونسينا كثيراً .إذاً :هو انتقد نفسه
وحاسبها ،حتى اتهم نفسه بالنفاق ،وقال أبو بكر :وال إن كلنا كذلك ،وجاءوا
إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم ،فقال{ :لو تكونون على كل حال كما
تكونون عندي ،لصافحتكم الملئكة على فرشكم وفي طرقكم ،ولكن يا
حنظلة ساعة وساعة} .إذن النسان أول ما ينتقد ينتقد نفسه ،وكذلك الفئة
والجماعة ،والطائفة والمة والدولة ،تنتقد نفسها قبل أن تترك فرصة
لينتقدها الخرون ،أو تترك فرصة لستفحال الخطاء والمراض والفات
والمنكرات ،بحيث يصعب بعد ذلك تصحيحها أو استدراكها .ورضي ال
عن سلف هذه المة الكرام ،كيف كانوا في صدق عبوديتهم ل عز وجل،
وخالص إيمانهم وحرارة تقواهم وصفاء قلوبهم ،ومع ذلك كله لم يكن هناك
أحدٌ أكثر منهم محاسبةً لنفسهم ،وإننا نجد اليوم من الناس من يكون والغاً
في المعاصي والفسوق ،ومع ذلك لو أُنكر عليه أو صُحح ،لقال :أنا .أما هم
فمع صيام النهار ،وقيام الليل ،وصدق التعبد ،وحرارة التقوى ،مع ذلك،
اسمع ماذا يقول مطرف بن عبد ال رضي ال عنه وهو من عباد السلف
وزهادهم في يوم عرفة ،يقول[[ :اللهم ل ترد هذا الجمع كله من أجلي]]-
رأى الحجاج وما هم فيه من البكاء والبتهال ،فأنحى على نفسه ،وخشي أن
يُرد الحجاج بسببه هو -فقال[[ :اللهم ل ترد هذا الجمع كله من أجلي]]
ومثله بكر بن عبد ال المزني ،يقول[[ :لما نظرت إلى أهل عرفات ظننت
أن ال غفر لهم لول أني كنت فيهم]] .يونس بن عبيد رحمه ال ،يقول:
[[وال إني لعد مائة خصلةٍ من خصال الخير ما أعلم في نفسي واحدةً
منها]] فليس عندهم كبرياء ،ول غطرسة ،ول غرور ،وما فيهم أحد يقول:
أنا أنا .يقول ابن أبي مليكة[[ :لقد أدركت ثلثين من أصحاب محمد صلى
ال عليه وسلم ،ما فيهم واحد إل يخاف النفاق على نفسه ،وما منهم أحد
يقول :إن إيمانه كإيمان جبريل وميكائيل وإسرافيل]] .هؤلء أصحاب محمد
صلى ال عليه وسلم ،وهؤلء هم التابعون لهم بإحسان .هذا محمد بن واسع
يقول -وقد مدحه الناس وأثنوا عليه وهو مريض -قال[[ :وما يغني عني ما
يقوله الناس ،إذا أُخذ بيدي ورجلي وذهب بي إلى النار]] .إذاً مدح الناس
وثناؤهم والضجيج العلمي ،حول فلن من العلماء أو فلن من
المسئولين ،أو مدح الناس لفلن؛ لنه مشهور أو معروف ،هذا ل يغني عنه
شيئاً إذا كان ما بينه وبين ال غير مستقيم ،وإذا كان ما بينه وبين ال حسن
فل يضره أن يكون الناس بخلف ذلك .وليت الذي بيني وبينك عامر وبيني
وبين العالمين خراب إذا صح منك الود فالكل هين وكل الذي فوق التراب
تراب فوائد محاسبة النفس سراً وعلنية :وقد يحاسب النسان نفسه سراً
بينه وبين نفسه ،فيعاتبها ويوبخها ،وهذا ل شك أنه أبعد عن الرياء ،وهو
يدعو النسان إلى أن يتواضع ويعترف بالخطأ ،ويراجع نفسه أولً بأول،
وقد يحاسبها علنية وعلى مل من الناس ،وعلى مرأى ومسمع منهم ،وهذا
له إيجابية ومنافع كثيرة ،منها :الفائدة الولى :أنه يعترف بهذا الخطأ لئل
يُتابع عليه ،وذلك إذا كان خطأ مشهوراً معروفاً متداولً عند الناس ،فيعلن
أنه رجع عنه أو تاب منه؛ لئل يتابعه الناس عليه ،كأن يكون صاحب بدعة
تاب منها ،فيقول للناس :من كان يعرفني فقد عرفني ،ومن لم يعرفني فأنا
فلن بن فلن ،كنت أقول كذا وكذا والن تبت منه مثل ما قاله أبو الحسن
الشعري في خطبته المعروفة .الفائدة الثانية :والعتراف علنية أيضاً من
فوائده :أنه يعود الخرين على ذلك .فإن الناس يحن بعضهم إلى بعض،
ويقلد بعضهم بعضاً ،فإذا كان العالم أو الحاكم أو الداعية ،عود الناس أنه
يعترف بالخطأ علنية وأمامهم ،يقول :قلت كذا وهذا خطأ ،وفعلت كذا وهذا
خطأ وأنا أتوب ،فإن الناس حينئذٍ يتعودون على أن يعترفوا هم أيضاً
ل بأول .الفائدة الثالثة :من
بأخطائهم ،ويرجعوا عنها ،ويحاولوا تصحيحها أو ً
العتراف العلني :أنه يقطع الطريق على خصومك؛ لنهم قد يأخذوا هذه
الخطاء ويشنعون بها عليك ،فإذا اعترفت بها علنية قطعت الطريق
عليهم .الفائدة الرابعة :أنه يضع النسان في مكانه الطبيعي ،فل يكون هناك
تعصب لفلن من الناس ،فإننا نجد -مثلً -من الطلب من يتعصب لعالم من
العلماء ،لماذا؟ لنه ل يعرف إل الصواب من أقواله .لكن لو أن هذا العالم
قال :أنا أخطأت في كذا وكذا .عرف الناس حينئذٍ أنه ينبغي أل يتعصبوا،
وأن يأخذوا أقواله باعتدال ودراسة ومقارنة ول يغلوا فيه أو يفرطوا .وكذلك
الحال بالنسبة لغيره ،مثلً :المتنفذ أو المسئول ،إذا كان يعترف بخطئه
ويتراجع عنه ،فإنه بذلك يشجع الناس على أن يوافوه ويواصلوه بالخطأ
ويناصحوه ،كلما رأوا عليه شيئاً يحتاج إلى مناصحة.
المر بالمعروف والنهي والمنكر
النصيحة
المر الول :النصيحة فإن النقد هو نوع في حقيقة المر من النصيحة ،وقد
علَى الّذِينَ ل
علَى الْمَ ْرضَى وَل َ
علَى الضّ َعفَاءِ وَل َقال ال عز وجل :لَيْسَ َ
صحُوا لِّ وَرَسُوِلهِ [التوبة ]91:فذكر النصيحة ن حَ َرجٌ إِذَا َن َ
َيجِدُونَ مَا يُ ْن ِفقُو َ
ل تعالى ،ولرسوله صلى ال عليه وسلم ،ومن ذلك النصيحة للمؤمنين.
وقال النبي صلى ال عليه وسلم ،فيما رواه مسلم عن أبي هريرة في حق
المسلم على المسلم ،قال{ :وإذا استنصحك فانصحه} وفي الحديث الثالث،
وهو صحيح أيضا{ :إن ال يرضى لكم ثلثاً ...وذكر منها :أن تناصحوا من
وله ال أمركم} والحديث المشهور حديث تميم بن أوس ،أن النبي صلى ال
عليه وسلم قال{ :الدين النصيحة -ثلثاً -قلنا :لمن يا رسول ال؟ قال :ل
ولرسوله ولكتابه ولئمة المسلمين وعامتهم} بل إن النبي صلى ال عليه
وسلم قال ،في الحديث الذي رواه أبو داود بسند حسن ،كما يقول الحافظ ابن
حجر في بلوغ المرام ،يقول{ :المؤمن مرآة أخيه المؤمن} فانظر كيف أن
النبي صلى ال عليه وسلم شبه المؤمن بالمرآة ،إذا وقف أمامها النسان
رأى صورته الحقيقية ،بما فيها من حسنات وما فيها من عيوب؟! فإننا
نعرف أن المرآة تعكس صورة الشخص بحسنها وقبيحها ،وحلوها ومرها،
وجيدها ورديئها؛ وذلك لن النسان ربما ل يستطيع أن يعرف نفسه ،ول
يرى نفسه جيداً ،إل من خلل رؤيته لنفسه في أخيه المسلم الذي هو مرآة
له .فالعين تبصر فيها ما دنا ونأى ول ترى نفسها إل بمرآةِ
وإذا غاب هذا المعنى عن الحاكم في بعض الظروف وفي بعض الحوال،
وهيمنت النظم الستبدادية والنظم الدكتاتورية المتسلطة ،التي تكتم أنفاس
المسلمين ،وتمنعهم من أن يقولوا كلمة الحق ،وتحول بينهم وبين النطق بها،
وتمنعهم من المر بالمعروف والنهي عن المنكر ،أو تمنعهم من النصيحة،
أو تمنعهم من النقد الهادف البناء ،لنها ل تريد نبش التاريخ ،ول كشف
الحقائق ،ول مصارحة الشعوب بالمور وأبعادها وخلفياتها ومجرياتها ،إذا
غاب هذا عن الحكام في حقبة من حقب التاريخ ،أو في رقعة من الواقع
الموجود اليوم ،فإن هذا لم يكن ليغيب عن العلماء والدعاة ،بل كان العلماء
والدعاة ينصحون بعضهم بعضاً ،وينصحون عامة المسلمين ،بل وينصحون
حكام المسلمين ،وإن لقوا في ذلك ما لقوا .ولو ذهبت أذكر لكم مواقف من
نصيحة العلماء بعضهم لبعض ،أو للمسلمين من العامة ،أو للحكام سراً
وعلنية ،سوا ًء من خلل المخاطبة ،أو الخطبة ،أو الكتاب؛ لطال بي المقام،
وأحيلكم على كتاب واحد فقط ،وهو كتاب :السلم بين العلماء والحكام
للشيخ عبد العزيز البدري ،ففيه من ذلك شيء كثير .أما اليوم فنقول -وبكل
أسف :-إن عيوب المة السلمية اليوم ،ليست محصورة في طبقة معينة،
ل نخدع أنفسنا ،ليس العيب اليوم في الحاكم ،وليس العيب في العالِم ،أو في
الداعية ،ل .العيب اليوم موجود في الجميع بدون استثناء ،من القمة إلى
الهرم عند الجميع ،فداء التسلط والدكتاتورية -كما أسلفت -وكتم النفاس
وسلب الحريات ،ليس موجودًا في الحاكم فقط ،وهو موجود في الحاكم،
ولكنه أيضاً ،موجود عند كثير من العلماء والدعاة والمجتهدين ،من حيث
يشعرون أو ل يشعرون ،فتجد أن المعلم -مثلً -يستثقل أن يصحح الطالب
له خطأً ،وقد يضطرب إذا صحح الطالب له خطأً في مجلس من مجالس
درسه .وتجد الداعية يستغرب ويستثقل أن يصحح أحد التباع عليه شيئاً
وقع فيه ،ول يعطيه من الحرية إل هامشًا صغيراً جداً ،هو نفسه الهامش
الذي تعطيه الحكومات لبعض الشعوب .فمثلً قد يُسمح في بعض البلد
للنسان بأن ينتقد عمل البلدية ،فيقول :الشارع الفلني مائل والشارع
الفلني معتدل والشارع الفلني نظيف والشارع الفلني غير نظيف -مثلً -
والبيت الفلني يحتاج إلى هدم ،والبيت الفلني ل يحتاج ،والمكان الفلني
وقع في خطأ ،وما أشبه ذلك -من الهامش الصغير الذي قد يرضي بعض
السذج والبسطاء والمغفلين .وكذلك قد يعطي الداعية أو العالم أحياناً ،من
حوله هامشاً صغيراً من الحرية يخدعهم به عن ضرورة النقد البناء العميق
الصحيح ،وضرورة المراجعة.
الشمئزاز من النقد
ولذلك أقول :إن المة اليوم ما زالت تعتبر النقد نوعاً من الستفزاز ،أو حط
المكانة ،أو مخالفة المألوف ،لم يتعود الناس على هذا ،لم تتعود آذانهم عليه،
ولهذا صاروا يشمئزون منه ،يستغربونه ،يعتبرونه شيئاً عظيماً .يا أخي!
كل الدنيا هكذا ،هل كتب على المسلمين فقط أن يظلوا في مثل هذه المور،
ليس لديهم قدرة على تصحيح أخطائهم ،ول على اكتشافها؟! هل كتب علينا
أن نظل نواجه هذه الخطاء ،وهي تتراكم وتزداد يوماً بعد يوم؟! ونحن إن
نصحنا رأينا أن هذا فيه ما فيه ،وتجد أن الواحد منا ل يفعل شيئاً ،لكنه لو
سمع إنساناً ينصح لقال :يا أخي ،لماذا لم تفعل كذا؟ لماذا لم تأت النصيحة
بالطريقة الفلنية؟ يا أخي! افعل أنت ما تقتنع أنه صحيح؛ لن المسئولية
مسئولية الجميع ،وليست مسئولية فرد معين أو فئة معينة ،وكأن الكثيرين
ظنوا أن الدين لم يأت بهذه المور ،أو أنهم غير مكلفين ،أو غير محاسبين
على مثل هذه الشياء ،وكأنهم نسوا أن الصحابة رضي ال عنهم كان
بعضهم يستدرك على بعض ،وبعضهم يصحح لبعض ،علنيةً إذا كان المر
يقتضي العلن ،وسراً إذا كان المر يقتضي السرار .لشك أن النقد
يحتاج أحياناً إلى سرية فإذا كان النسان مستتر بذنب فل تفضحه على
المل ،بل بينك وبينه ،لكن إذا كان الخطأ معلناً على رءوس الشهاد ،فإن
النبي صلى ال عليه وسلم جيء بإنسان ميت ،فأثنى الناس عليه شراً ،فقال
النبي صلى ال عليه وسلم{ :وجبت وجبت ،وسمعه الصحابة فقالوا :وما
وجبت؟ فقال :وجبت له النار ،أنتم شهود ال في أرضه} لم يمنعه عليه
الصلة والسلم ،ما دام أن المر مشهور تداوله الناس وتناقلوه فيما بينهم،
والمجتمع كله يتحدث عن هذه الخطاء ،فل تقل :ل تتكلم فيها ول تشهرها
ل وكل الناس يعرفونها .خذ -مثلً -أجهزة ول تنشرها .هي معروفة أص ً
العلم التلفاز ،قلما بيت إل وفيه تلفاز ،يقف أمام هذا الجهاز الكبير
والصغير ،والرجل والمرأة على حد سواء ،ابتليت به كثير من البيوت مع
السف الشديد ،حتى إنك قد تدخل بيوت أناس صالحين ،بل ربما يكون ممن
يشار إليهم بالبنان ،وفيها هذا البلء ،ومع ذلك لو أن إنسانًا قام في خطبة أو
مناسبة أو في محاضرة ،وتكلم عن برنامج يذاع في التلفاز وانتقده ،لقال
بعض الحضور :يا أخي ،ليس من الضرورة نشر هذا الكلم ،ليس فيه
مصلحة ،يا سبحان ال! أين نحن؟! في أي عالم نعيش؟!! أليس هذا البرنامج
الذي ينتقده فلن عُرض على مليين المشاهدين ،أقول :مليين في حين أن
الذين سمعوا هذه الخطبة ألوف أو مئات أحياناً ،فلماذا نعتبر أن هذا الخطأ
الذي شاهده مليين ،أو سمعه مليين أو علم به مليين ،نعتبر أن الحديث
عنه مع عشرات أو مئات أو ألوف ،أنه نوع من التشهير؟! أو أنه غير
مناسب؟! السبب في ذلك أن المة لم تتعود على النقد الصحيح ،ولذلك
صارت تعتبر أن النقد -كما قلت سابقاً -نوع من الستفزاز ،أو من التشهير،
أو من إثارة الفتنة في بعض الحيان وهذه كلها مفاهيم خاطئة .وقبل قليل
ذكرت لك أن الصحابة يصحح بعضهم لبعض علنية ،دون حساسية ول
حرج ،ومن بعدهم كلهم كانوا كذلك ،وإذا كان الخطأ ظاهراً مشهوراً ،فل
معنى لنكاره سراً ،فإن الناس يقولون :أين العلماء؟! أين الدعاة؟! أين
الخطباء؟! أين المصلحون؟! والخطاء تقع صباح مساء ،وهم ساكتون عنها
ل يحركون ساكناً ،وما يدري الناس أنك قلت لفلن أو علن ،أو كتبت أو
رفعت سماعة الهاتف ،وخاصةً إذا تكررت هذه المور ،ولم تزل تفعل
الطريقة التي تعجبك ،لكن إذا ظل المر موجوداً ،على أقل تقدير حتى
يعذرك الناس ،ويعرفوا أنك بذلت ما تستطيع ،وأعذرت إلى ال ،وحتى
تحذر الناس من هذا المر وتبين لهم خطورته وعواقبه.
أهمية النقد
النقد أيها الخوة ،مطلب إنساني لمواجهة النحرافات والخطاء ،التي تتسلل
إلى حياة المم والشعوب ،والفراد والجماعات ،وغياب النقد معناه -بل
شك -تراكم الخطاء وتماديها ،حتى يستحيل التصحيح بعد ذلك...... .
كما أن من جوانب أهمية النقد ،أنه يجلي للنسان وللمة والجماعة والدولة
صفة نفسها وصورتها ،فهو مرآة حقيقية ل زيف فيها ول زيادة ول نقصان،
وربما ل يستطيع الكثير من الناس أن يعرفوا عيوب أنفسهم ،وذلك لن
النسان يمارس عيبه أحياناً بشكل طبيعي ،وربما يعتقده أحياناً صواباً ل
يري أنه خطأ ،فكم من إنسان يقع في الخطأ وهو يظن أنه صواب ،فيحتاج
إلى من يبصره بهذا الخطأ ،ويقول له :أخطأت ،والصواب كذا وكذا .وقل
مثل ذلك بالنسبة للدول والجماعات والمم ،فهي تحتاج دائماً وأبدًا إلى أفراد
من غير صانعي القرار ،يستدركون ويصححون وإل غرقت السفينة ،فالذي
اتخذ القرار بهذا المر هو اتخذه باجتهاد ،فيرى أنه صواب ،وليس
بالضرورة أن يكون اتخذه عن غدر أو فجور ،أو سبق إصرار .وبناءً على
هذا فمن الصعب أن يصحح النسان لنفسه ،لكن الخرين قد يملكون
التصحيح ،وقد يكون لديهم وجهات نظر تستحق التقدير وتستحق الحترام.
إذاً النقد هو :الكشف الطبي المتواصل ،الذي يكتشف الخطر أو المرض
بسرعة ،وبالتالي يبادر إلى العلج قبل أن يتمادى المرض ،ويصل إلى
مرحلة الخطر أو فقدان المل في العلج ،ولذلك لبد من النقد .والنقد أيضاً
أيها الخوة مشاركة حقيقية منك أنت في عملية الصلح ،بحيث يصبح كل
فرد في المجتمع له دوره وله مجاله ،ول يغدو الناس مجرد قطعان تساق
إلى حتفها ،وهي ل تشعر ول تعي .إن النقد احتفاظ بإنسانية النسان ،حيث
يُقال له :يا فلن ،تأمل وانظر واعمل وأعمل عقلك ،وراجع ما تعرفه أنت
من نصوص الشرع ،ونصوص الكتاب والسنة ،وإذا وجدت أمراً ل يليق
من الناحية الشرعية ،أو العقلية ،أو من ناحية المصلحة ،فإياك أن تسكت
على هذا الخطأ ،وعليك أن تُبلغ ،ولتعلم أنك إن سكت على هذا الخطأ ،فأنت
شريك في الثم .أو بمعنىً آخر :أنت شريك في جريمة السكوت على هذا
الخطأ ،والساكت عن الحق شيطان أخرس .لقد صنع السلم رجالً كان
أقلهم يرى أنه قوي في تغيير المنكر وإنكاره ،وفي إقرار الحق والمر به.
وأضرب لكم مثلً متناقضاً يدلكم على الفرق البعيد بيننا الن ،وبين الجيال
الولى :بلل بن رباح رضي ال عنه كان عبداً أسود حبشياً في مكة ،ليس
له قيمة ،يباع بالدرهم والدينار ،فلما أسلم نُفخت فيه روح العزة والكرامة،
والقوة والرجولة ،فشعر أنه هو شخصياً ممن يقومون بتثبيت دعائم السلم،
والدعوة إليه ،والصبر والمقاومة ،ولذلك كان يُعذب بـمكة ،ويوضع في حرّ
الرمضاء ،وهو يقول[[ :أحد أحد ،أحد أحد]] حتى في بعض كتب السيرة،
أنه كان يقول[[ :وال لو أعلم كلمة هي أغيظ لكم من هذه لقلتها]] فوقف في
وجه الطواغيت والظالمين والمتسلطين ،والذين يفتتنون الناس عن دينهم،
وصبر حتى فرج ال تعالى عنه ،ولم يقل :أنا عبد مسكين ،كيف أقف أمام
أبي جهل وأبي لهب وعتبة وشيبة وفلن وفلن ،من عليا القوم وزعمائهم
ورؤسائهم .وقف بصبره وإيمانه ،وأن قلبه ل سبيل لهم إليه ،فكان يقول:
أحد أحد ،حتى مر به ورقة بن نوفل ،وكان يقول" :نعم يا بلل أحد أحد،
وال لئن قتلتموه لتخذن قبره حناناً" كما جاء في بعض الروايات إن
صحت .هذا بلل نموذج للمسلم الول .لكن خذ نموذجاً للمسلم المعاصر،
هل تدري أن الستعمار كان يستخدم المسلمين في احتلل بلد المسلمين،
فـفرنسا -مثلً -كانت تستخدم المسلمين في سوريا وفي الجزائر في مقاومة
المسلمين ،وضرب المسلمين ،وفي تدعيم مكانتها في تلك البلد مع السف
الشديد ،بل إنك تجد أن التعذيب والضطهاد ،والقتل ،والبتزاز ،وألوان
وصنوف الذى ،التي لقيها الدعاة والعلماء والمجاهدون في العديد من بلد
السلم ،أنها ما كانت تتم على أيدي يهود ول نصارى ،إنما كانت تتم على
أيدي أناس يحملون أسماء محمد وأحمد وعلي وصالح ،وفلن وفلن من
السماء السلمية ،وقد تجد أحياناً من بينهم من يكون مصلياً ،أو صائماً ،أو
غير ذلك ،وليس بغريب أن الداة التي يستخدمها الطغاة في كل زمان
ومكان ،في ملحقة المسلمين والدعاة وطلبة العلم ،ومحاربتهم ،وكتم
أنفاسهم ،والتجسس عليهم ،وإيذائهم في أنفسهم وفي بيوتهم وفي أرزاقهم،
وفي وظائفهم ،وفي أعمالهم ،ومتابعة ماذا يقولون ،وماذا يفعلون ،وبمن
يجتمعون ،وكيف يجتمعون ،ومتى يفترقون ....إلخ .إن هؤلء أناس قد
يكونون من رواد المساجد أحياناً ،وقد يكونون من المصلين ،أو ممن
يحضرون الحلقات العلمية والدروس لهذا الغرض أو ذاك ،ورُبما ترامى
إلى مسامع بعضكم تلك القصيدة الشهيرة ،قصيدة الشاعر :هاشم الرفاعي،
التي كان يتحدث فيها عن صورة السجن والسجان ،وما هي صفته ،فكان
يقول :والصمت يقطعه رنين سلسلٍ عبثت بهن أصابع السجان ما بين آونة
تمر وأختها يرنو إلي بمقلتي شيطان من كوة بالباب يرقب صيده ويعود في
أمن إلى الدوران أنا ل أحس بأي حقد نحوه ماذا جنى فتمسه أضغاني
ويخاطب أباه فيقول :هو طيب الخلق مثلك يا أبي لم يبد في ظمأ إلى
العدوان فلربما وهو المروّع سحنة لو كان مثلي شاعراً لرثاني أو عاد من
يدري إلى أولده يوماً تذكر صورتي فبكاني لكنه إن نام عني لحظةً ذاق
ل مرارة الحرمان إذاً هو من المرتزقة هذا المسلم المعاصر ،فقد معنى العيا ُ
انتماءه للسلم ،معنى إحساسه بالولء للمسلمين ،معنى حبه ل وللرسول
وللمؤمنين ،فصار مستعداً أن يذبح دينه على عتبة المصالح الدنيوية ،أو
الوظيفة ،أو المال ،أو الدنيا ،أو على عتبة المرتبات والبدلت والكراميات
وغير ذلك ،وقد يؤذي المسلمين أو يعذبهم ،بل قد يصل الحال إلى قتلهم
-كما قلت لكم -من أجل هذه المصالح الدنيوية ،وكم هو مؤسف أن يلتقي
المسلم مع أخيه المسلم في ميدان القتال ،من أجل هذه الدنيا الفانية التي ل
تستحق شيئاً ،وربما قتل كل منهما على يدي الخر .إذاً تأتي أهمية النقد من
جهة أنه يُعيد للنسان اعتباره ،يعيد للنسان إشعاره بأنه مسلم مكلف،
مطالب بأن يقوم بعملية التصحيح ،والمشاركة في الصلح ،والمصارحة
والنقد والنصيحة ،والمر بالمعروف والنهي عن المنكر من خلل موقعه،
بالسلوب الذي يعجبه والطريقة التي تناسبه .لكن ل يجوز أبداً أن يتخلى،
ويقول المسئول غيري .وما أصيب المسلمون بما أصيبوا به ،إل يوم تخلوا
وصاروا على مثل الحالة التي وصفت لكم.
نحن نمارس في كثيرٍ من الحيان هروباً من الخطأ؛ لننا ل نريد النقد ول
نحبه .فمن أساليب الهروب من الخطأ...... :
أن تحيل الخطأ إلى الصدفة وتتجاهل السنن الكونية .فإذا وقعت المة في
خطأ ،هزيمة عسكرية أو اقتصادية أو سياسية أو غير ذلك ،أحالت المة
ذلك على أن هذا صدفة ،أو ظروف الواقع ،ونسينا دورنا نحن في هذا
الخطأ ،ونسينا قول ال تعالى :وَمَا رَ ّبكَ بِظَلّ ٍم ِللْعَبِيدِ [فصلت ]46:ونسينا
قول ال عز وجل في الحديث القدسي { :إني حرمت الظلم على نفسي
س َبتْ أَيْدِي ُكمْ [الشورى:
وجعلته بينكم محرماً } ونسينا قول ال تعالى :فَبِمَا كَ َ
عنْ ِد أَ ْنفُسِكُمْ [آل عمران.]165: ]30ونسينا قول ال عز وجلُ :قلْ ُهوَ مِنْ ِ
هي :الحالة إلى القضاء والقدر .فكثير منا آمن بالقضاء والقدر ،ونحن
نعرف جميعًا أن القضاء والقدر والحتجاج به ،لم يعف أبانا آدم عليه السلم
ن لَمْ تَ ْغفِ ْر لَنَا َوتَ ْرحَمْنَا
ظلَمْنَا أَ ْنفُسَنَا َوإِ ْ
من أنه اعترف بخطئه قَال رَبّنَا َ
ن الْخَاسِرِينَ [العراف ]23:ومع ذلك آدم احتج على موسى عليه لَنَكُونَنّ ِم َ
الصلة والسلم في القضاء والقدر ،وقال{ :أتعيبني أو أتعاتبني على أمر
ي قبل أن يخلقني؟ قال النبي صلى ال عليه وسلم :فحج آدم كتبه ال عل ّ
موسى؛} لكن هذه الحجة ل تعني أنه لم يعترف بالخطأ ،ولم يتب منه ،كل.
لكن الشيء الذي مضى وتاب العبد منه فإن له أن يحتج بما قضاه ال عليه
وقدره.
أنواع النقد
...... .
النقد العام
هو :نقد المظاهر المنحرفة دون تخصيص أي :دون أن تسمي أحداً ،فتقول:
من الناس من يفعل كذا{ ،ما بال أقوام يفعلون كذا} وفي القرآن كثير وَمِنَ
ن النّاسِ مَنْ يَ ْعبُ ُد الَّ النّاسِ َمنْ يُ ْعجِ ُبكَ قَ ْوُل ُه فِي الْحَيَا ِة الدّنْيَا [البقرة ]204:وَمِ َ
لخِرِ [البقرة: ل آمَنّا بِالِّ وَبِالْيَوْمِ ا ْ
ن النّاسِ َمنْ َيقُو ُ
علَى حَرْفٍ [الحج ]11:وَمِ َ َ
]8وكذلك كثير في سورة التوبة وغيرها :ومنهم ،ومنهم ،والمنافقون
والظالمون والفاسقون ،جاء الحديث في القرآن الكريم مستفيض عن هؤلء،
فهذا نقد عام ،نقد المظاهر المنحرفة أو الخطاء دون تشخيصها.
نقد الشخاص
النوع الثاني هو :نقد الشخاص .ولست أعني بالشخاص :الفراد ،فلن أو
علن ،ل،قد يكون الشخص عبارة عن شخص معنوي -كما يقال -دولة ،أو
جماعة ،أو مؤسسة ،وقد يكون فرداً بعينه .فالكثير يهتمون بالول -النقد
العام -ول يهتمون بالنقد الثاني ،ويقولون :ل داعي لذلك .والواقع أنه لبد
من الثنين معاً ،لماذا؟ لنك حين تتكلم عن المظاهر المنحرفة ،فتقول :من
الناس من يفعل كذا ومنهم ،ومنهم .قد يخرج الناس وكل واحد منهم ل يعتقد
أنك قصدته ،ول يدري ول يغير الخطأ؛ لنه يظن أنه غير مقصود ،يخرج
الجميع ،وكل واحد منهم يظن أن المقصود غيره ،ولعلنا نحن الحضور
نموذج في كثير من الحيان لذلك ،قد نخرج ونظن أن المخاطب غيرنا،
ولذلك لبد في كثير من الحيان من النقد التشخيصي المباشر ،دون حاجة
إلى ذكر أسماء ،أو أمور معينة ،إل بقدر الحاجة إلى ذلك .وهذا النقد أقول:
إنه لبد منه؛ لنه أقرب إلى تحصيل المصلحة ،وإزالة الخطأ ،وتحقيق
الصواب .بعض الناس يقول :لماذا ينتقدني فلن؟ لو سمع نقدًا مجملً ،لكنه
ظن أنه مقصود؛ لنه يسمع بحساسية .أولً ما الذي جعلك تظن أن فلناً
يقصدك؟ إل وجود الخطأ عندك .إذاً تنبه لهذا الخطأ ،المر الثاني :أنه كان
يجب أن تقول لو لم ينتقدك لماذا لم ينتقدني؟ لنه كرامة أن يهدي إليك أخوك
المسلم عيباً ،سواء أهداه بطريقة صحيحة أم غير صحيحة ،فالمسلمون
غشَشَه.
نصحة والمنافقون َ
ومن صور النقد المذموم -أيضاً -النقد الذي يستهدف جمع مثالب النسان
وإحصاء أخطائه ،ليشهر بها أو يروجها ،فيكون بعض الناس والعياذ بال
مثل الذباب ،ل يقع إل على العقر وعلى الجرح ،فيجمع عيوب الخرين
ويتكلم بهم في المجالس ،وكأنه ل حسنة لهم قط .هناك حالت يجوز فيها
تناول الوضاع الشخصية ،كما أشرت إلى شيء من ذلك قبل قليل ،وجاء
سؤال عن هذا الموضوع فأقول منها- :فمثلً:-شخص مجاهر بالفسق
والمعصية ،ويسعى إلى إفساد المجتمع ،مثل العلمانيين ،والمنافقين،
والحداثيين ،واليساريين ،وبعض الصحفيين -أقول بعض الصحفيين -الذين
لهم توجهات غير محمودة ،وبعض الناس ذوي النفوذ الذين ثبت تواطؤهم،
واشتراكهم في بعض المؤسسات ،وبعض الجهزة ،وبعض المعاهد التي
تحارب ال ورسوله ،وتقوم بمهمة الضرار في هذا المجتمع ،أو في ذاك،
فهؤلء ينبغي فضحهم ولو بصورة شخصية ،والكلم عنهم بأعيانهم حتى
يحذرهم الناس ويتجنبوهم ،وقد جاء في ذلك أدلة سبق أن ذكرت شيئاً منها.
كذلك قد يوجد شخص يُخشى أن يغتر الناس به؛ لنه يتظاهر بالخير
والصلح ،وله أهداف ومآرب أخرى ،مثل المبتدع الذي يتستر ببدعته
يخدع بها العامة ،وقد يوري ببعض العبادات ،وبعض المواعظ ،وبعض
المور ،فهذا لبد من ذكره .أيضًا هناك شخص ل ينظر إليه باعتباره فلن،
أو ابن فلن ،بل ينظر إليه بالعتبار العام ،أي أنه صار -هذا الشخص -ملكاً
للمة ،وللتاريخ ،صاحب نفوذ ،وصاحب شخصية علمية ،واجتماعية،
وتاريخية ،فقراراته وآراؤه ومواقفه وشخصيته ،أصبحت منطبعة على
المة كلها ،وذات تأثير قريب وبعيد في الحاضر والمستقبل ،فهؤلء لم
يعودوا أشخاصاً لنفسهم ،بل عادوا ملوكاً للمة وللتاريخ ،فلبد من تناول
هؤلء الشخاص .وما زال العلماء يكتبون عن تراجم هؤلء ،بل عن
غيرهم ،يكتبون عن تراجمهم ويتحدثون عنهم ،وقد يذكرون الحجاج بن
يوسف -مثلً -فيذكرون ما فعله من الجرائم والمنكرات والمظالم ،وربما
تكلموا فيه ،وربما دعوا عليه ،وربما سبوه .وقد يذكرون رجلً بعكس ذلك،
كما يتكلمون عن الرجال الفضلء الكبراء الجلء العادلين ،كـعمر بن
الخطاب ،أو عمر بن عبد العزيز أو غيرهم ،كذلك الشخاص الذي
يجاهرون بجرائمهم -لعلي أشرت إلى شيء من ذلك -مثلً -ماذا عساك أن
تتستر على أديب كبير ،شعره يبين عنه ،ويتكلم عن كل صور الفجور
والفساد والنحلل ،فماذا عساك أن تتستر على مثل هذا النسان أو غيره
ممن يجاهرون بمعاصيهم ،بل ينشرون ألوان فسقهم وخزيهم على المة.
والحمد ل رب العالمين.
من صور النقد المذموم :النقد الذي يستهدف حياة النسان الخاصة،
شخصيته ،أموره الذاتية الخاصة ،التي ل يطلع الناس على جوانبها
وغوامضها ،مثل :فضائح لفلن أو علن ،هذا قد يتم أحياناً باسم الثارة
الصحفية .فقد يتكلمون كثيراً عن الجوانب الشخصية في حياة البعض ،أو
يتعرضون لمور خاصة مما ل يتعلق بحياة المة ،ول يؤثر في مصالحها
وليسو أشخاصاً مشاهير ،بل هم أشخاص مغمورون ،أو في جانب معين.
وليس غريبًا مع ذلك أننا نجد اليوم بعض الصحف تضع حلقات بعنوان "
فضائح " ،وهذه الفضائح تتعرض لحياة أشخاص بأسمائهم ،وقد يكونون
موجودين يعيشون على ظهر الرض ،فتنشر خزيهم وغسيلهم -كما يقال،-
وربما يكون في ذلك أحياناً ،إغراء للخرين بالوقوع في مثل هذه الفضائح
من حيث يشعرون ،أو ل يشعرون .فباسم الثارة الصحفية أحياناً يتم كشف
بعض الجوانب الشخصية من حياة الناس ،التي ل تستفيد المة من
ظهورها ،وأحياناً يتم كشفها باسم التجسس والمخابرة التي حرمها السلم
كما قال ال عز وجل :وَل َتجَسّسُوا [الحجرات ]12:وكما قال النبي صلى
ال عليه وسلم ،في الحديث الصحيح{ :ول تجسسوا} وقد نهى النبي عليه
الصلة والسلم عن تتبع النسان لعورة أخيه المسلم{ ،ومن تتبع عورة
أخيه المسلم تتبع ال عورته ومن تتبع ال عورته فضحه ولو في قعر بيته}.
وكم رأينا ممن همه حفظ الزلت على بعض الشخصيات المرموقة،
بواسطة أجهزة ووسائل ،ثم نشرها وإشاعتها عند الحاجة؛ لغرض أو لخر،
بل رأينا أجهزة متخصصة في صناعة الكاذيب وتلفيق التهم ،وأحياناً دبلجة
الصور والصوات؛ لتشويه صورة عالم أو داعية ،أو زعيم أو خصم ،أياً
كان ،وهذا معروف في طول بلد العالم السلمي وعرضها .وهذا بل شك
ما ل يبيحه السلم بحال.
السئلـة
...... .
شروط النقد
السؤال :يقول :هل للنقد شروط؟ فبعض الناس قد يعرض عليك النقد بطريقة
استفزازية ،وربما يطرحه بطريقة جافة غليظة ،مع إمكان أن يطرحه
بطريقة حسنة تكون أدعى للقبول؟ الجواب :صحيح للنقد شروط ،وسوف
تكون شروط النقد وضوابطه -بإذن ال تعالى -موضوعاً لحد الدروس،
بعنوان ضوابط النقد وشروطه ،ولذلك ل داعي لن أذكر منها شيئا الن.
السؤال :هل يعني كلمك ،أن نقبل النقد من أي شخص وفي أي مكان ،ولو
كان الشخص الناقد كافرًا أو عاصياً ل عز وجل ،ولو كان النقد قد وجه إليه
من باب عادات وتقاليد ومجتمع ذلك الناقد؟ الجواب :كل؛ لن النقد يعني
تصحيح الخطأ ،فإذا وجه الشخص إليك نقداً؛ لنك تخالف عادة موجودة في
مجتمعه هو ،هنا ل يعتبر هذا خطأ؛ فقد يكون هو المخطئ .لكن لو كان النقد
الذي وجهه إليك صحيحاً ،بالمقاييس الشرعية الصحيحة ،فإنه ينبغي عليك
أن تقبل النقد ،مهما كان الشخص المنتقد ،فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها
فهو أحق بها.
كثرة النقد
السؤال :بعض الشخاص عندهم صفات النبوغ وملمح الذكاء ،ول تكاد
ترى الواحد منهم إل نقادًا للناس في مسالكهم وطرقهم ،بحيث أصبح هذا
غالباً عليه ل يستطيع التخلص منه .الجواب :هذا دا ٌء -أيها الحبة -والذي
هذا شأنه ل يفلح أبداً إل أن يتوب فعلى النسان أن ينظر دائمًا إلى الجوانب
المشرقة في حياة الناس وفي شخصياتهم ،ينظر إلى الحسنات ،ل يكون
تركيزه على الجوانب السيئة ،وجوانب النقص ،كلما ذكر شخص بخير
ضاق صدره ،فبحث عن عيب ،وعن ذنب ،ومثلبة ،هذا غير صحيح ينبغي
أن تنظر بتوازن واعتدال ،وتغلب جانب الخير وحسن الظن بالناس ،وكلما
ذكر شخص تثني عليه بالجوانب اليجابية الموجودة فيه .وهذا ل يمنع من
النقد بشروطه وضوابطه الصحيحة ،كما أسلفت .سبحانك اللهم وبحمدك،
نشهد أن ل إله إل أنت ،نستغفرك ونتوب إليك .والحمد ل رب العالمين
وصلى ال وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه
أجمعين.