You are on page 1of 292

‫فقه العبادات‬

‫الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه‬


‫الله‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫المقدمة‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده الله فل مضل له ‪ ،‬ومن‬
‫يضلل فل هادي له ‪ ،‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك له ‪،‬‬
‫وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى آله‬
‫وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما ً كثيرا ً ‪.‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫ع هذا الكتاب ) فقه العبادات( طبعات كثيرة منذ‬ ‫فقد طب ِ َ‬
‫ً‬
‫عام ‪1416‬هـ واعتنى بطبعته الولى ‪ -‬مشكورا ‪ -‬فضيلة الستاذ‬
‫الدكتور عبد الله بن محمد بن أحمد الطيار ‪ -‬فجزاه الله خيرًا‪.-‬‬
‫وإنفاذا ً للقواعد والضوابط والتوجيهات التي قّررها فضيلة‬
‫الشيخ محمد بن صالح العثيمين ‪ -‬رحمه الله تعالى ‪ -‬لخراج‬
‫مؤلفاته وإعدادها للنشر تمت ‪ -‬ولله الحمد ‪ -‬في هذه النسخة‬
‫مراجعة محتوى الكتاب على أصولها المسموعة والمسجلة التي‬
‫أعدها وقدم أسئلتها الشيخ سليمان بن محمد الشبانة‪ -‬رحمه الله‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫وبناء عليه فإن هذه الطبعة هي النسخة المعتمدة للكتاب ‪.‬‬
‫نسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا ً لوجه الكريم‬
‫نافعا ً لعباده ‪ ،‬وأن يجزي فضيلة شيخنا المؤلف عن السلم‬
‫والمسلمين خير الجزاء ‪ ،‬ويسكنه فسيح جناته إنه سميع قريب ‪،‬‬
‫والحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد‬
‫وعلى آله وأصحابه أجمعين ‪.‬‬

‫اللجنة العلمية‬
‫في مؤسسة الشيخ محمد بن صالح العثمين الخيرية‬
‫‪5/3/1425‬هـ‬
‫فتاوى العقيدة‬
‫التوحيد والعتقاد‬

‫من خلق البشر‬


‫الغاية ِ‬
‫خلق البشر؟‬
‫من َ‬
‫السؤال )‪ : (1‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هي الغاية ِ‬
‫الجواب ‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم ‪ ،‬الحمد لله رب العالمين ‪،‬‬
‫وأصلي وأسلم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين ‪ ،‬أما‬
‫بعد ‪ :‬فإنه قبل أن أجيب على هذا السؤال ‪ ،‬أحب أن أنبه على‬
‫قاعدة عامة فيما يخلقه الله عز وجل ‪ ،‬وفيما يشرعه ‪ ،‬وهذه‬
‫م(‬
‫كي ُ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫ح ِ‬ ‫و ال ْ َ‬
‫عِلي ُ‬ ‫ه َ‬‫و ُ‬‫القاعدة مأخوذة من قوله تبارك وتعالى ‪َ ) :‬‬
‫كيمًا()الحزاب‪، (1 :‬‬ ‫ح ِ‬‫عِليما ً َ‬
‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫)التحريم‪ ، (2 :‬وقوله ‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫وغيرهما من اليات الكثيرة الدالة على إثبات الحكمة لله عز‬
‫وجل ‪ ،‬فيما يخلقه ‪ ،‬وفيما يشرعه ‪ ،‬أي في أحكامه الكونية‬
‫والشرعية ‪ ،‬فإنه ما من شيء يخلقه الله عز وجل إل وله حكمة ‪،‬‬
‫وسواء كان ذلك في إيجاده أو إعدامه ‪ ،‬وما من شيء يشرعه الله‬
‫سبحانه وتعالى إل لحكمة ‪ ،‬سواء كان ذلك في إيجابه ‪ ،‬أو‬
‫تحريمه ‪ ،‬أو إباحته‪.‬‬

‫لكن هذه الحكم التي يتضمنها حكمه الكوني والشرعي ‪ ،‬قد تكون‬
‫معلومة لنا ‪ ،‬وقد تكون مجهولة ‪ ،‬وقد تكون معلومة لبعض الناس‬
‫دون بعض ‪ ،‬حسب ما يأتيهم الله سبحانه وتعالى من العلم والفهم‬
‫إذا تقرر هذا فإننا نقول ‪ :‬إن الله سبحانه وتعالى خلق الجن‬
‫والنس لحكمة عظيمة ‪ ،‬وغاية حميدة‪ ،‬وهي عبادته تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫س إ ِّل‬‫واْل ِن ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬‫ق ُ‬‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬
‫و َ‬
‫كما قال الله سبحانه وتعالى ‪َ ) :‬‬
‫خل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قَناك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما َ‬
‫م أن ّ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ن( )الذاريات‪ ،(56:‬وقال تعالى ‪) :‬أ َ‬
‫ف َ‬ ‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬
‫ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن( )المؤمنون‪ ، (115:‬وقال تعالى ‪:‬‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫م إ ِل َي َْنا ل ت ُْر َ‬
‫وأن ّك ُ ْ‬ ‫عَبثا ً َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ى( )القيامة‪ ،(36:‬إلى غير ذلك من‬ ‫سد ً‬‫ك ُ‬‫ن ي ُت َْر َ‬‫نأ ْ‬ ‫ب اْلن ْ َ‬
‫سا ُ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫)أي َ ْ‬
‫اليات الدالة على أن لله تعالى حكمة بالغة في خلق الجن والنس‬
‫‪ ،‬وهي عبادته‪.‬‬

‫والعبادة هي التذلل لله عز وجل ‪ ،‬محبة ‪ ،‬وتعظيما ً بفعل أوامره ‪،‬‬


‫واجتناب نواهيه ‪ ،‬على الوجه الذي جاءت به شرائعه ‪ ،‬قال الله‬
‫ُ‬
‫حن َ َ‬
‫فاءَ ()البينة‪:‬‬ ‫ن ُ‬
‫دي َ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ه ال ّ‬ ‫صي َ‬
‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َ ْ‬
‫عب ُ ُ‬ ‫ما أ ِ‬
‫و َ‬
‫تعالى ) َ‬
‫‪ (5‬فهذه هي الحكمة من خلق الجن والنس ‪ ،‬وعلى هذا فمن تمرد‬
‫على ربه ‪ ،‬واستكبر عن عبادته ‪ ،‬فإنه يكون نابذا ً لهذه الحكمة التي‬
‫خلق العباد من أجلها ‪ ،‬وفعله يشهد بأن الله سبحانه وتعالى خلق‬
‫الخلق عبثا ً وسدى ‪ ،‬وهو وإن لم يصرح بذلك ‪ ،‬لكن هذا مقتضى‬
‫تمرده واستكباره عن طاعة ربه‪.‬‬

‫السؤال)‪ :(2‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن هل للعبادة مفهوم يمكن أن‬


‫نعرفه ‪ ،‬وهل لها مفهوم عام ‪ ،‬ومفهوم خاص ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم مفهومها العام كما أشرت إليه آنفا ً ‪ ،‬بأنها التذلل‬
‫لله عز وجل محبة وتعظيما ً ‪ ،‬بفعل أوامره واجتناب نواهيه ‪ ،‬على‬
‫الوجه الذي جاءت به شرائعه ‪ ،‬هذا المفهوم العام‪.‬‬

‫والمفهوم الخاص ‪ -‬أعني تفصيلها ‪ -‬قال شيخ السلم ابن تيمية‪:‬‬


‫هي " اسم جامع لكل ما يجبه الله ويرضاه من القوال والعمال‬
‫الباطنة والظاهرة ‪ ،‬كالخوف ‪ ،‬والخشية ‪ ،‬والتوكل ‪ ،‬والصلة ‪،‬‬
‫والزكاة ‪ ،‬والصيام ‪ ،‬وغير ذلك من شرائع السلم"‪.‬‬

‫ثم إن كنت تقصد بمعنى المفهوم الخاص والعام ما ذكره بعض‬


‫العلماء من أن العبادة إما عبادة كونية ‪ ،‬أو عبادة شرعية ‪ ،‬بمعنى‬
‫أن النسان قد يكون متذلل ً لله سبحانه وتعالى تذلل كونيا وتذلل ً‬
‫شرعيًا‪ ،‬فالعبادة الكونية عامة ‪ ،‬تشمل المؤمن والكافر ‪ ،‬والبر‬
‫ض إ ِّل آِتي‬ ‫ْ َ‬ ‫ن كُ ّ‬
‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫ما َ‬
‫س َ‬
‫في ال ّ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫والفاجر‪ ،‬لقوله تعالى ‪) :‬إ ِ ْ‬
‫عْبدًا( )مريم‪ ، (93:‬فكل ما في السموات والرض فهو‬ ‫ن َ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫الّر ْ‬
‫خاضع لله سبحانه وتعالى كونا ً ‪ ،‬ل يمكن أبدا ً أن يضاد الله ‪ ،‬أو‬
‫يعارضه فيما أراد ‪ -‬سبحانه وتعالى ‪ -‬بالرادة الكونية‪.‬‬
‫وأما العبادة الخاصة ‪ :‬وهي العبادة الشرعية ‪ ،‬وهل التذلل لله‬
‫تعالى شرعًا‪ ،‬فهذه خاصة بالمؤمنين بالله سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫القائمين بأمره ثم إن منها ما هو خاص أخص ‪ ،‬وخاص فوق ذلك ‪.‬‬

‫فالخاص الخص كعبادة الرسل عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬مثل قوله‬


‫ه ()الفرقان‪،(1 :‬‬ ‫د ِ‬‫عب ْ ِ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ن َ‬ ‫قا َ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬‫ذي ن َّز َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫تعالى ‪) :‬ت ََباَر َ‬
‫دَنا()البقرة‪، (23 :‬‬
‫عب ْ ِ‬‫عَلى َ‬ ‫ما ن َّزل َْنا َ‬‫م ّ‬ ‫ب ِ‬ ‫في َري ْ ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫وإ ِ ْ‬
‫وقوله ) َ‬
‫ب( )ص‪ ،(45:‬وغير‬ ‫قو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫وي َ ْ‬‫حاقَ َ‬‫س َ‬‫وإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫هي َ‬ ‫عَبادََنا إ ِب َْرا ِ‬‫واذْك ُْر ِ‬ ‫وقوله ‪َ ) :‬‬
‫ذلك من وصف الرسل عليهم الصلة والسلم بالعبودية‪.‬‬

‫السؤال )‪ :(3‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل يثاب من اختصوا بالعبادة‬


‫الكونية عن هذه العبادة الشرعية؟‬
‫الجواب ‪ :‬هؤلء ل يثابون عليها ‪ ،‬لنهم خاضعون لله تعالى شاؤوا‬
‫أم أبوا فالنسان يمرض ‪ ،‬ويفقر ‪ ،‬ويفقد محبوبه ‪ ،‬من غير أن‬
‫يكون مريدا ً لذلك ‪ ،‬بل هو كاره لذلك ‪ ،‬لكن هذا خضوع لله عز وجل‬
‫خضوعا ً كونيا ً‬

‫أول واجب على العبيد‬


‫السؤال )‪ : (4‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو أول واجب على الخلق؟‬
‫الجواب‪ :‬أول واجب على الخلق ‪ ،‬هو أول ما يدعى الخلق إليه ‪،‬‬
‫وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى‬
‫اليمن ‪ ،‬فقال "إنك تأتي قوما ً أهل كتاب ‪ ،‬فليكن أول ما تدعوهم‬
‫إليه شهادة أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأن محمد رسول الله")‪ ،(1‬فهذا أول‬
‫وجب على العباد ‪ ،‬أن يوحدوا الله عز وجل ‪ ،‬وأن يشهدوا لرسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم بالرسالة ‪ ،‬وبتوحيد الله سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫والشهادة لرسوله صلى الله عليه وسلم بالرسالة ‪ ،‬يتحقق‬
‫الخلص والمتابعة اللذان هما شرط لقبول كل عبادة ‪.‬‬
‫فهذا هو أول ما يجب على العباد ‪ ،‬أن يوحدوا الله ‪ ،‬ويشهدوا‬
‫لرسله صلى الله عليهم وسلم بالرسالة ‪ ،‬فشهادة أن ل إله إل‬
‫الله تتضمن التوحيد كله‪.‬‬

‫علقة الشهادة بأنواع التوحيد‬


‫السؤال )‪ : (5‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن هل تشمل الشهادة أنواع‬
‫التوحيد؟‬
‫الجواب ‪ :‬هي تشمل أنواع التوحيد كلها ‪ ،‬إما بالتضمن وإما‬
‫باللتزام ‪ ،‬وذلك أن قول القائل ‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬يتبادر‬
‫إلى المفهوم ‪ ،‬أن المراد بها توحيد العبادة ‪ ،‬وتوحيد العبادة الذي‬
‫يسمى توحيد اللوهية مستلزم بل متضمن لتوحيد الربوبية ‪ ،‬لن‬
‫كل من عبد لله وحده فإنه لن يعبده حتى يكون مقرا له بالربوبية ‪،‬‬
‫وكذلك متضمن لتوحيد السماء والصفات ‪ ،‬لن النسان ل يعبد إل‬
‫من علم أنه مستحق للعبادة ‪ ،‬لما له من السماء والصفات ‪ ،‬ولهذا‬
‫غِني‬‫ول ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫صُر َ‬
‫ول ي ُب ْ ِ‬
‫ع َ‬
‫م ُ‬
‫س َ‬‫ما ل ي َ ْ‬
‫عب ُدُ َ‬
‫م تَ ْ‬
‫ت لِ َ‬
‫قال إبراهيم لبيه ‪َ ) :‬يا أب َ ِ‬
‫شْيئًا()مريم‪ ،(42 :‬فتوحيد العبادة ‪ ،‬وهو توحيد اللوهية ‪،‬‬ ‫ك َ‬‫عن ْ َ‬
‫َ‬
‫متضمن لتوحيد الربوبية والسماء والصفات ‪.‬‬

‫معنى التوحيد‬
‫السؤال )‪ : (6‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما معنى التوحيد ؟‬
‫الجواب ‪ :‬التوحيد مصدر وحد يوحد‪ ،‬أي جعل الشيء وحدا ً ‪ ،‬وهذا ل‬
‫يتحقق إل بنفي وإثبات ‪ ،‬نفي الحكم عما سوى الموحد ‪ ،‬وإثباته‬
‫له فمثل ً نقول ‪ :‬إنه ل يتم للنسان التوحيد ‪ ،‬حتى يشهد أن ل إله‬
‫إل الله ‪ ،‬فينفي اللوهية عما سوى الله ‪ ،‬ويثبتها لله وحده ‪ ،‬وذلك‬
‫أن النفي المحض تعطيل محض ‪ ،‬والثبات المحض ل يمنع مشاركة‬
‫الغير في الحكم ‪ ،‬فلو قلت مثل ً ‪ :‬فلن قائم ‪ ،‬فهنا أثبت له القيام‬
‫‪ ،‬لكنك لم توحده به لنه من الجائز أن يشركه غيره في هذا القيام‬
‫‪ ،‬ولو قلت ‪ :‬ل قائم ‪ ،‬فقد نفيت نفيا ً محضا ‪ ،‬ولم تثبت القيام‬
‫لحد فإذا قلت ‪ :‬ل قائم إل زيد أو ‪ :‬ل قائم إل فلن ‪ ،‬فحينئذ تكون‬
‫وحدت فلنا ً بالقيام ‪ ،‬حيث نفيت القيام عمن سواه ‪ ،‬وهذا هو‬
‫تحقيق التوحيد في الواقع ‪ ،‬أي أن التوحيد ل يكون توحيدا ً حتى‬
‫يتضمن نفيا ً وإثباتا ً ‪.‬‬

‫السؤال )‪ : (7‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي أنواع التوحيد على سبيل‬


‫الجمال؟‬
‫الجواب ‪ :‬أنواع التوحيد حسب ما ذكره أهل العلم ثلثة ‪:‬‬

‫توحيد الربوبية ‪ ،‬وتوحيد اللوهيية ‪ ،‬وتوحيد السماء والصفات ‪،‬‬


‫وعلموا ذلك بالتتبع والستقراء ‪ ،‬والنظر في اليات والحاديث ‪،‬‬
‫فوجدوا أن التوحيد ل يخرج عن هذه النواع الثلثة ‪ ،‬فنوعوا‬
‫التوحيد إلى ثلثة أنواع ‪.‬‬
‫أنواع التوحيد‬
‫السؤال )‪ : (8‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي أنواع التوحيد مع‬
‫التوضيح والمثلة لذلك ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أنواع التوحيد بالنسبة لله عز وجل ‪ ،‬تدخل كلها في‬
‫تعريف عام ‪ ،‬وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما يخص به ‪ ،‬وهي‬
‫ثلثة أنواع ‪:‬‬

‫توحيد الربوبية ‪ :‬وهو إفراد الله تعالى بالخلق ‪ ،‬والملك ‪ ،‬والتدبير ‪،‬‬
‫ه ْ‬
‫ل‬ ‫فالله تعالى وحده هو الخالق ‪ ،‬ل خالق سواه قال الله تعالى ) َ‬
‫ض ل إ َِله إل هو(‬ ‫ْ َ‬ ‫غي ُْر الل ّ ِ‬
‫والْر ِ‬ ‫ء َ‬
‫ما ِ‬
‫س َ‬‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬‫قك ُ ْ‬ ‫ه ي َْرُز ُ‬ ‫ق َ‬ ‫خال ِ ٍ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫خل ُ ُ‬
‫ق‬ ‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫)فاطر‪ ،(3 :‬وقال تعالى مبينا ً بطلن آلهة الكفار )أ َ َ‬
‫ف َ‬
‫ن( )النحل‪ ،(17:‬فالله تعالى وحده هو‬ ‫فل ت َذَك ُّرو َ‬ ‫ق أَ َ‬
‫خل ُ ُ‬
‫ن ل يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫كَ َ‬
‫الخالق ‪ ،‬خلق كل شيء فقدره تقديرا ً ‪ ،‬وخلقه يشمل ما يقع من‬
‫مفعولته ‪ ،‬وما يقع من مفعولت خلقه أيضا ً ‪ ،‬ولهذا كان من تمام‬
‫اليمان بالقدر أن تؤمن بأن الله تعالى خالق لفعال العباد ‪ ،‬كما‬
‫ن( )الصافات‪. (96:‬‬ ‫مُلو َ‬‫ع َ‬
‫ما ت َ ْ‬‫و َ‬‫م َ‬ ‫قك ُ ْ‬‫خل َ َ‬
‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫ووجه ذلك ‪ :‬أن فعل العبد من صفاته ‪ ،‬والعبد مخلوق لله ‪ ،‬وخالق‬
‫الشيء خالق لصفاته‪.‬‬

‫ووجه آخر ‪ :‬أن فعل العبد حاصل بإرادة جازمة وقدرة تامة ‪،‬‬
‫والرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل ‪ ،‬وخالق السبب‬
‫التام خالق للمسبب ‪ ،‬فإذا قلت ‪ :‬كيف نقول إنه تعالى منفرد‬
‫بالخلق ‪ ،‬مع أن الخلق قد يثبت لغير الله ‪ ،‬كما يدل عليه قول الله‬
‫ن()المؤمنون‪ ،(14 :‬وقول‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ك الل ّ َ‬
‫فت ََباَر َ‬
‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫قي َ‬
‫خال ِ ِ‬ ‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫هأ ْ‬‫ُ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم في المصورين ‪ " :‬يقال لهم أحيوا ما‬
‫خلقتم )‪ ، (2‬فالجواب على ذلك ‪ :‬أن غير الله تعالى ل يخلق كخلق‬
‫الله ‪ ،‬فل يمكنه إيجاد معدوم ‪ ،‬ول إحياء ميت ‪ ،‬وإنما خلق غير الله‬
‫سبحانه وتعالى يكون بالتغيير ‪ ،‬وتحويل الشيء من صفة إلى‬
‫أخرى ‪ ،‬وهو مخلوق لله عز وجل ‪ ،‬فالمصور مثل ً إذا صور صورة‬
‫فإنه لم يحدث شيئا ً ‪ ،‬غاية ما هنالك أنه حول شيئا ً إلى شيء ‪ ،‬كما‬
‫يحول الطين إلى صورة طير ‪ ،‬أو إلى صورة جمل ‪ ،‬وكما يحول‬
‫بالتلوين الرقعة البيضاء إلى صورة ملونة ‪ ،‬والمداد كله من خلق‬
‫الله عز وجل ‪ ،‬والورقة البيضاء أيضا ً من خلق الله عز وجل ‪ ،‬فهذا‬
‫هو الفرق بين إثبات الخلق بالنسبة لله عز وجل ‪ ،‬وإثبات الخلق‬
‫بالنسبة إلى المخلوق ‪ ،‬وعلى هذا فيكون الله تعالى منفردا ً‬
‫بالخلق الذي يختص به ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬من توحيد الربوبية ‪ :‬إفراد الله تعالى بالملك ‪ ،‬فالله تعالى‬
‫و‬
‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ك َ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫د ِ‬ ‫ذي ب ِي َ ِ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫وحده هو المالك ‪ ،‬كما قال تعالى ‪) :‬ت ََباَر َ‬
‫ه‬
‫د ِ‬ ‫ن ب ِي َ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ديٌر( )الملك‪ ، (1:‬وقال تعالى ‪ُ ) :‬‬ ‫ق ِ‬‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬
‫ه( )المؤمنون‪، (88:‬‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫جاُر َ‬
‫ول ي ُ َ‬
‫جيُر َ‬
‫و يُ ِ‬
‫ه َ‬‫و ُ‬
‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫كو ُ‬ ‫مل َ ُ‬ ‫َ‬
‫فالمالك الملك المطلق العام الشامل هو الله سبحانه وتعالى‬
‫وحده ‪ ،‬ونسبة الملك إلى غيره نسبة إضافية ‪ ،‬فقد أثبت الله‬
‫َ‬
‫ه(‬‫ح ُ‬ ‫فات ِ َ‬ ‫م َ‬
‫م َ‬ ‫مل َك ْت ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫تعالى لغيره الملك ‪ ،‬كما في قوله تعالى ) أ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مل َك َ ْ‬
‫ت‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫وا ِ‬‫عَلى أْز َ‬ ‫)النور‪ ، (61 :‬وقوله تعالى ‪) :‬إ ِّل َ‬
‫م ()المؤمنون‪ ،(6 :‬وما أشبه ذلك من النصوص الدالة على‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫مان ُ ُ‬‫أي ْ َ‬
‫أن لغير الله تعالى ملكا ً ‪ ،‬لكن هذا الملك ليس كملك الله عز‬
‫وجل ‪ ،‬فهو ملك قاصر ‪ ،‬وملك مقيد ‪ ،‬ملك قاصر ل يشمل ‪،‬‬
‫فالبيت الذي لزيد ل يملكه عمرو ‪ ،‬والبيت الذي لعمرو ل يملكه زيد‬
‫‪ ،‬ثم هذا الملك مقيد ‪ ،‬بحث ل يتصرف النسان فيما ملك إل على‬
‫الوجه الذي أذن الله فيه ‪ ،‬ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫َ‬
‫وال َك ُ ُ‬
‫م‬ ‫م َ‬ ‫هاءَ أ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫س َ‬‫ؤُتوا ال ّ‬ ‫ول ت ُ ْ‬ ‫عن إضاعة المال ‪ .‬وقال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫)‪(3‬‬

‫قَياما ً ()النساء‪ ،(5:‬وهذا دليل على أن ملك‬ ‫م ِ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬‫ج َ‬‫ال ِّتي َ‬
‫النسان ملك قاصر ‪ ،‬وملك مقيد‪ ،‬بخلف ملك الله سبحانه وتعالى‬
‫فهو ملك عام شامل ‪ ،‬وملك مطلق ‪ ،‬يفعل الله سبحانه وتعالى ما‬
‫يشاء ‪ ،‬ول يسأل عما يفعل وهم يسألون ‪.‬‬

‫الركن الثالث من أركان توحيد الربوبية‪ :‬أن الله تعالى منفرد‬


‫بالتدبير ‪ ،‬فهو سبحانه وتعالى الذي يدبر الخلق ‪ ،‬يدبر أمر‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مُر‬‫واْل ْ‬
‫ق َ‬‫خل ْ ُ‬
‫ه ال ْ َ‬
‫السموات والرض كما قال الله تعالى ‪ ) :‬أل ل َ ُ‬
‫ن()العراف‪ ،(54 :‬وهذا التدبير تدبير‬ ‫عال َ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬
‫ه َر ّ‬ ‫ت ََباَر َ‬
‫شامل ‪ ،‬ل يحول دونه شيء ‪ ،‬ول يعارضه شيء ‪ ،‬والتدبير الذي‬
‫يكون لبعض المخلوقات ‪ ،‬كتدبير النسان أمواله ‪ ،‬وغلمانه ‪،‬‬
‫وخدمه ‪ ،‬وما أشبه ذلك ‪ ،‬هو تدبير ضيق محدود‪ ،‬ومقيد غير‬
‫مطلق ‪ ،‬فظهر بذلك صحة قولنا ‪ :‬إن توحيد الربوبية هو إفراد الله‬
‫تعالى بالخلق ‪ ،‬والملك‪ ،‬والتدبير ‪ ،‬فهذا هو توحيد الربوبية‪.‬‬

‫أما النوع الثاني ‪ :‬فهو توحيد اللوهية‪ ،‬وهو إفراد الله سبحانه‬
‫وتعالى بالعبادة ‪ ،‬بأن ل يتخذ النسان مع الله أحدا ً يعبده ويتقرب‬
‫إليه ‪ ،‬كما يعبد الله تعالى ويتقرب إليه ‪ ،‬وهذا النوع من التوحيد‬
‫هو الذي ضل فيه المشركون ‪ ،‬الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬واستباح نساءهم وذريتهم وأموالهم وأرضهم وديارهم ‪،‬‬
‫وهو الذي بعثت به الرسل‪ ،‬وأنزلت به الكتب مع أخويه توحيدي‬
‫الربوبية والسماء والصفات ‪ ،‬لكن أكثر ما يعالج الرسل أقوامهم‬
‫على هذا النوع من التوحيد ‪ ،‬وهو توحيد اللوهية ‪ ،‬بحيث ل يصرف‬
‫النسان شيئا ً من العبادة لغير الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬ل لملك‬
‫مقرب ‪ ،‬ول لنبي مرسل ‪ ،‬ول لولي صالح ‪ ،‬ول لي أحد من‬
‫المخلوقين ‪ ،‬لن العبادة ل تصح إل لله عز وجل ‪ ،‬ومن أخل بهذا‬
‫التوحيد فهو مشرك كافر ‪ ،‬وإن أقر بتوحيد الربوبية وبتوحيد‬
‫السماء والصفات ‪ ،‬فلو أن رجل ً من الناس يؤمن بأن الله‬
‫سبحانه وتعالى هو الخالق المالك المدبر لجميع المور ‪ ،‬وأنه‬
‫سبحانه وتعالى المستحق لما يستحقه من السماء والصفات ‪،‬‬
‫لكن يعبد مع الله غيره ‪ ،‬لم ينفعه إقراره بتوحيد الربوبية وبتوحيد‬
‫السماء والصفات ‪ ،‬لو فرض أن رجل ً يقر إقرارا ً كامل ً بتوحيد‬
‫الربوبية والسماء والصفات ‪ ،‬لكن يذهب إلى القبر فيعبد صاحبه ‪،‬‬
‫أو ينذر له قربانا ً يتقرب به إليه ‪ ،‬فإن هذا مشرك كافر ‪ ،‬خالد في‬
‫عل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ه َ‬‫م الل ّ ُ‬
‫حّر َ‬ ‫ف َ‬
‫قد ْ َ‬ ‫ك ِبالل ّ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ر ْ‬‫ش ِ‬‫ن يُ ْ‬
‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫النار ‪ ،‬قال الله تعالى ) إ ِن ّ ُ‬
‫َ‬ ‫ما ِلل ّ‬ ‫ةو ْ‬
‫ر()المائدة‪.(72 :‬‬ ‫صا ٍ‬ ‫ن أن ْ َ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬ ‫و َ‬
‫واهُ الّناُر َ‬
‫مأ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫جن ّ َ َ َ‬
‫ومن المعلوم لكل من قرأ كتاب الله عز وجل ‪ ،‬أن المشركين‬
‫الذين قاتلهم النبي صلى الله عليه وسلم واستحل دماءهم‬
‫وأموالهم ‪ ،‬وسبى ذريتهم ونساءهم ‪ ،‬وغنم أرضهم ‪ ،‬كانوا مقرين‬
‫بأن الله تعالى وحده هو الرب الخالق ‪ ،‬ل يشكون في ذلك ‪ ،‬ولكن‬
‫لما كانوا يعبدون معه غيره ‪ ،‬صاروا بذلك مشركين مباحي الدم‬
‫والمال‪.‬‬
‫أما النوع الثالث من أنواع التوحيد ‪ :‬فهو توحيد السماء‬
‫والصفات ‪ ،‬وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بما سمى به نفسه‬
‫ووصف به نفسه في كتابه أو على لسان رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وذلك بإثبات ما أثبته الله سبحانه وتعالى لنفسه ‪ ،‬من غير‬
‫تحريف ول تعطيل ‪ ،‬ومن غير تكييف ول تمثيل‪ ،‬فلبد من اليمان‬
‫بما سمى الله به نفسه ‪ ،‬ووصف به نفسه ‪ ،‬على وجه الحقيقة ل‬
‫المجاز ‪ ،‬ولكن من غير تكييف ول تمثيل‪.‬‬

‫وهذا النوع من أنواع التوحيد ضلت فيه طوائف من هذه المة من‬
‫أهل القبلة ‪ ،‬الذين ينتسبون إلى السلم على أوجه شتى ‪،‬منهم‬
‫من غل في النفي والتنزيه غلوا يخرج به من السلم ‪ ،‬ومنهم‬
‫متوسط ‪ ،‬ومنهم قريب من أهل السنة ‪ ،‬ولكن طريق السلف في‬
‫هذا النوع من التوحيد ‪ ،‬هو أن يسمى الله عز وجل ويوصف بما‬
‫سمى ووصف به نفسه على وجه الحقيقة ‪ ،‬بل تحريف ‪ ،‬ول‬
‫تعطيل ول تكييف ‪ ،‬ول تمثيل‪.‬‬

‫مثال ذلك ‪ :‬أن الله سبحانه وتعالى سمى نفسه بالحي القيوم ‪،‬‬
‫فيجب علينا أن نؤمن بالحي على أنه اسم من أسماء الله ‪ ،‬ويجب‬
‫علينا أن نؤمن بما تضمنه هذا السم من وصف ‪ ،‬وهي الحياة‬
‫الكاملة التي لم تسبق بعدم ‪ ،‬ول يلحقها فناء ‪ ،‬وسمى الله‬
‫سبحانه وتعالى نفسه بالسميع العليم ‪ ،‬فيجب علينا أن نؤمن‬
‫بالسميع اسما ً من أسماء الله ‪ ،‬وبالسمع صفة من صفاته ‪ ،‬وبأنه‬
‫يسمع ‪ ،‬وهو الحكم ‪ ،‬الذي اقتضاه ذلك السم وتلك الصفة ‪ ،‬فإن‬
‫سميعا ً بل سمع ‪ ،‬أو سمعا ً بل إدراك مسموع ‪ ،‬هذا شيء محال ‪،‬‬
‫وعلى هذا فقس‪.‬‬

‫غل ّ ْ‬
‫ت‬ ‫ة ُ‬ ‫غُلول َ ٌ‬‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫هودُ ي َدُ الل ّ ِ‬ ‫ت ال ْي َ ُ‬ ‫قال َ ِ‬‫و َ‬
‫مثال آخر ‪ :‬قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ء(‬‫شا ُ‬ ‫ف يَ َ‬ ‫ق ك َي ْ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ن ي ُن ْ ِ‬‫سوطََتا ِ‬ ‫مب ْ ُ‬‫داهُ َ‬ ‫قاُلوا ب َ ْ‬
‫ل يَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ول ُ ِ‬
‫عُنوا ب ِ َ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫دي ِ‬
‫أي ْ ِ‬
‫ن( فأثبت‬ ‫سوطََتا ِ‬ ‫مب ْ ُ‬‫داهُ َ‬ ‫ل يَ َ‬‫)المائدة‪ ،(64:‬فهنا قال الله تعالى ‪) :‬ب َ ْ‬
‫لنفسه يدين موصوفتين بالبسط ‪ ،‬وهو العطاء الواسع ‪ ،‬فيجب‬
‫علينا أن نؤمن بأن لله تعالى يدين اثنتين مبسوطتين بالعطاء‬
‫والنعم ‪ ،‬ولكن يجب علينا أل نحاول ‪ ،‬ل بقلوبنا وتصوراتنا ول‬
‫بألسنتنا أن نكيف تلك اليدين ‪ ،‬ول نمثلهما بأيدي المخلوقين ‪ ،‬لن‬
‫ع‬
‫مي ُ‬ ‫س ِ‬
‫و ال ّ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬
‫يء ٌ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ه َ‬ ‫س كَ ِ‬
‫مث ْل ِ ِ‬ ‫الله سبحانه وتعالى يقول ) ل َي ْ َ‬
‫ي‬
‫م َرب ّ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫صيُر()الشورى‪ (11 :‬ويقول الله تعالى ‪ُ ) :‬‬ ‫ال ْب َ ِ‬
‫غير ال ْحق َ‬ ‫وال ْب َ ْ‬
‫ن‬‫وأ ْ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ي بِ َ ْ ِ‬ ‫غ َ‬ ‫م َ‬ ‫واْل ِث ْ َ‬‫ن َ‬ ‫ما ب َطَ َ‬ ‫و َ‬
‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫هَر ِ‬ ‫ما ظَ َ‬ ‫ش َ‬‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫طانا ً َ‬
‫ما ل‬ ‫ه َ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫سل ْ َ‬‫ه ُ‬‫ل بِ ِ‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬‫ه َ‬‫كوا ِبالل ّ ِ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫تُ ْ‬
‫س‬‫ما ل َي ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫ن( )العراف‪ ،(33:‬ويقول الله عز وجل ‪َ ) :‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ل أول َئ ِ َ‬‫ُ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫ؤو ً‬
‫ل(‬ ‫س ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ك َ‬ ‫ؤادَ ك ُ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫صَر َ‬‫وال ْب َ َ‬
‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫ه ِ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫لَ َ‬
‫)السراء‪. (36:‬‬

‫فمن مثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين فقد كذب قول الله عز‬
‫صيُر()الشورى‪، (11 :‬‬ ‫ع ال ْب َ ِ‬
‫مي ُ‬
‫س ِ‬‫و ال ّ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫يءٌ َ‬
‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫وجل‪ ) :‬ل َي ْ َ‬
‫س كَ ِ‬
‫َ‬
‫ه اْل ْ‬
‫مَثا َ‬
‫ل( )النحل‪:‬‬ ‫رُبوا ل ِل ّ ِ‬
‫ض ِ‬‫فل ت َ ْ‬ ‫وقد عصى الله تعالى في قوله ‪َ ) :‬‬
‫‪ ، (74‬ومن كيفهما وقال هما على كيفية معينة أيا كانت هذه‬
‫الكيفية فقد قال على الله ما ل يعلم ‪ ،‬وقفا ما ليس له به علم‪.‬‬

‫أهمية توحيد السماء والصفات‬


‫السؤال )‪ : (9‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نريد زيادة تفصيل في القسم‬
‫الخيرة من أقسام التوحيد وهو توحيد السماء والصفات؟‬

‫الجواب ‪ :‬الحقيقة أن هذا النوع من التوحيد وهو توحيد السماء‬


‫والصفات ‪ ،‬ينبغي أن يبسط فيه القول لنه مهم ‪ ،‬ولن المة‬
‫السلمية تفرقت فيه تفرقا ً كثيرا ً ‪ ،‬وهدى الله الذين آمنوا من‬
‫السلف وأتباعهم لما اختلف فيه من الحق بإذنه ‪ ،‬والله يهدي من‬
‫يشاء إلى صراط مستقيم ‪.‬‬

‫تقدم لنا قاعدة في هذا النوع ‪ ،‬وهو أنه يجب علينا أن نثبت ما‬
‫أثبته الله لنفسه ‪ ،‬أو أثبته له رسوله من السماء والصفات ‪ ،‬على‬
‫وجه الحقيقة ‪ ،‬من غير تحريف ول تعطيل ‪ ،‬ول تكييف ول تمثيل ‪،‬‬
‫وذكرنا لهذا أمثلة في أسماء الله عز وجل ‪ ،‬ومثال ً في صفة من‬
‫صفاته وهي صفة اليدين ‪ ،‬وذكرنا أنه يجب فيما يتعلق بالسماء‪،‬‬
‫أن نثبت ما سمى الله به نفسه اسما ً لله ‪ ،‬وأن نثبت ما تضمنه من‬
‫صفة وما تضمنه من حكم ‪ ،‬وهو الثر الذي تقتضيه هذه الصفة ‪،‬‬
‫وذكرنا أنه يجب علينا أن نؤمن بما وصف الله به نفسه من‬
‫الصفات على وجه الحقيقة أيضا ً ‪ ،‬وذكرنا ً مثال ً وهو اليدان ‪ ،‬حيث‬
‫أثبت الله لنفسه يدين اثنتين ‪ ،‬وهما ثابتتان لله على وجه الحقيقة‬
‫‪ ،‬لكن ل يجوز لنا أن نمثل هاتين اليدين بأيدي المخلوقين ‪ ،‬ول أن‬
‫نتصور بقلوبنا أو ننطق بألسنتنا عن كيفية هاتين اليدين ‪ ،‬لن‬
‫و‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫يء ٌ َ‬
‫ش ْ‬ ‫مث ْل ِ ِ‬
‫ه َ‬ ‫التمثيل تكذيب لقول الله عز وجل ‪ ) :‬ل َي ْ َ‬
‫س كَ ِ‬
‫صيُر()الشورى‪ ، (11:‬وعصيان لله ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫فل‬ ‫ع ال ْب َ ِ‬‫مي ُ‬
‫س ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ل( )النحل‪. (74:‬‬ ‫ه اْل ْ‬
‫مَثا َ‬ ‫رُبوا ل ِل ّ ِ‬‫ض ِ‬‫تَ ْ‬
‫وأما التكييف فهو وقوع فيما حرم الله ونهى عنه ‪ ،‬لن الله‬
‫ن‬‫ما ب َطَ َ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫من ْ َ‬‫هَر ِ‬ ‫ما ظَ َ‬ ‫ش َ‬‫ح َ‬ ‫وا ِ‬‫ف َ‬ ‫ي ال ْ َ‬ ‫م َرب ّ َ‬ ‫حّر َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫يقول ‪ُ ) :‬‬
‫طانا ً‬
‫سل ْ َ‬ ‫غير ال ْحق َ‬
‫ه ُ‬ ‫م ي ُن َّز ْ‬
‫ل بِ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬‫ه َ‬ ‫كوا ِبالل ّ ِ‬ ‫ر ُ‬
‫ش ِ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ي بِ َ ْ ِ‬ ‫غ َ‬ ‫وال ْب َ ْ‬
‫والثم َ‬
‫َ‬
‫ما‬‫ف َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫ن( )العراف‪َ ) ،(33:‬‬ ‫مو َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ما ل ت َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ل أول َئ ِ َ‬‫ُ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫ه‬
‫عن ْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ك َ‬
‫كا َ‬ ‫ؤادَ ك ُ ّ‬ ‫ف َ‬ ‫صَر َ‬ ‫وال ْب َ َ‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬
‫س ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫ه ِ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫ل( )السراء‪. (36:‬‬ ‫ؤو ً‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫نزيد مثال ً ثانيا ً في الصفات ‪ ،‬وهو استواء الله على تعالى على‬
‫عرشه ‪ ،‬فإن الله تعالى أثبت لنفسه أنه استوى على عرشه في‬
‫سبعة مواضع من كتابه ‪ ،‬كلها أتت بلفظ " استوى"‪ ،‬وإذا رجعنا‬
‫إلى الستواء في اللغة العربية وجدناه إذا عدي بعلى ل يقتضي إل‬
‫ش‬
‫عْر ِ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬‫الرتفاع والعلو‪ ،‬فيكون معنى قوله تعالى ‪) :‬الّر ْ‬
‫وى( )طـه‪ ، (5:‬وأمثالها من اليات ‪ ،‬معناها عل على عرشه عز‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫وجل علوا خاصا غير العلو العام على جميع الكوان وهذا العلو‬
‫ثابت لله تعالى على وجه الحقيقة ‪ ،‬فهو عال على عرشه علوا‬
‫يليق به عز وجل ل يشبه علو النسان على السرير ‪ ،‬ول علوه على‬
‫ع َ‬
‫ل‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫النعام ول علوه على الفلك ‪ ،‬الذي ذكره الله في قوله ‪َ ) :‬‬
‫ه‬
‫ر ِ‬ ‫هو ِ‬ ‫عَلى ظُ ُ‬ ‫ووا َ‬ ‫ست َ ُ‬
‫ن( )‪) (12‬ل ِت َ ْ‬ ‫ما ت َْرك َُبو َ‬ ‫عام ِ َ‬ ‫واْل َن ْ َ‬‫ك َ‬ ‫فل ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م َ‬‫م ِ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫ذي‬ ‫ن‪ 5‬ال ّ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬‫قوُلوا ُ‬ ‫وت َ ُ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫م َ‬‫وي ْت ُ ْ‬
‫ست َ َ‬‫ذا ا ْ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ة َرب ّك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫م ت َذْك ُُروا ن ِ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ثُ ّ‬
‫ن(‬‫قل ُِبو َ‬ ‫وإ ِّنا إ َِلى َرب َّنا ل َ ُ‬
‫من ْ َ‬ ‫ن( )‪َ ) (13‬‬ ‫رِني َ‬ ‫ق ِ‬‫م ْ‬‫ه ُ‬ ‫ما ك ُّنا ل َ ُ‬ ‫و َ‬‫ذا َ‬ ‫ه َ‬ ‫خَر ل ََنا َ‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫)الزخرف ‪ ،(14-12‬فاستواء المخلوق على شيء ل يمكن أن يماثله‬
‫استواء على عرشه ‪ ،‬لنه الله ‪ ،‬ليس كمثله شيء في جميع نعوته‪.‬‬

‫وقد أخطأ خطأ عظيما ً من قال ‪ :‬إن معنى " استوى على العرش"‬
‫استولى على العرش ‪ ،‬لن هذا تحريف للكلم عن مواضعه‪،‬‬
‫ومخالف لما أجمع عليه الصحابة والتابعون لهم بإحسان ‪،‬‬
‫ومستلزم للوازم باطلة ‪ ،‬ل يمكن للمؤمن أن يتفوه بها بالنسبة‬
‫إلى الله عز جل ‪ ،‬فالقرآن الكريم نزل باللغة العربية بل شك‪ ،‬كما‬
‫ن( )الزخرف‪،(3:‬‬ ‫قُلو َ‬
‫ع ِ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫عَرب ِي ّا ً ل َ َ‬‫قْرآنا ً َ‬‫عل َْناهُ ُ‬‫ج َ‬
‫قال تعالى ‪) :‬إ ِّنا َ‬
‫ن‬ ‫قل ْب ِ َ‬
‫ك ل ِت َ ُ‬ ‫عَلى َ‬ ‫َ‬
‫ح اْل ِ‬ ‫وقال تعالى )ن ََز َ‬
‫م َ‬
‫ن ِ‬‫كو َ‬ ‫ن( )‪َ ) (193‬‬ ‫مي ُ‬ ‫ه الّرو ُ‬ ‫ل بِ ِ‬
‫ن( )الشعراء‪، (195-193:‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ي ُ‬ ‫عَرب ِ ّ‬
‫ن َ‬ ‫سا ٍ‬
‫ن( )‪) (194‬ب ِل ِ َ‬ ‫ري َ‬
‫ذ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫من ْ ِ‬
‫ومقتضى هذه الصيغة " استوى على كذا" في اللغة العربية ‪ :‬العلو‬
‫والستقرار ‪ ،‬بل هو معناها المطابق للفظ‪.‬‬

‫فمعنى " استوى على العرش" أي عل عليه علو خاصا يليق بجلله‬
‫وعظمته ‪ ،‬فإذا فسرناه باستولى فقد حرفنا الكلم عن مواضعه ‪،‬‬
‫حيث أخرجنا هذا المعنى الذي تدل عليه اللغة ‪ -‬لغة القرآن وهو‬
‫العلو إلى معنى الستيلء ‪ ،‬ثم إن السلف والتابعين لهم بإحسان‬
‫مجمعون على هذا المعنى ‪ ،‬إذ لم يأت عنهم حرف واحد في‬
‫تفسيره بخلف ذلك ‪ .‬وإذا جاء اللفظ في القرآن والسنة ولم يرد‬
‫عن السلف ما يخالف ظاهره ‪ ،‬أو لم يرد عن السلف تفسيره بما‬
‫يخالف ظاهره ‪ ،‬فالصل أنهم أبقوه على ظاهره واعتقدوا ما يدل‬
‫عليه ‪ ،‬ولهذا لو قال لنا قائل ‪ :‬هل عندكم لفظ صريح بأن السلف‬
‫فسروا استوى بمنى عل ‪ ،‬قلنا ‪ :‬نعم ورد ذلك عن السلف‪ ،‬وعلى‬
‫فرض أن ل يكون ورد عنهم صريحا ً ‪ ،‬فإن الصل فيما يدل عليه‬
‫اللفظ في القرآن الكريم والسنة والنبوية ‪ ،‬أنه باق على ما‬
‫تقتضيه اللغة العربية من المعنى‪.‬‬

‫أما اللوازم الباطلة التي تلزم على تفسيرنا الستواء بمعنى‬


‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬‫م الل ّ ُ‬
‫ن َرب ّك ُ ُ‬
‫الستيلء ‪ ،‬فإننا إذا تدبرنا قوله تعالى )إ ِ ّ‬
‫في ست ّ َ‬ ‫َ‬
‫ش(‬
‫عْر ِ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬ ‫وى َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ة أّيام ٍ ث ُ ّ‬
‫ما ْ‬ ‫ِ ِ‬ ‫واْلْر َ‬
‫ض ِ‬ ‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫ما َ‬
‫س َ‬
‫ال ّ‬
‫)العراف‪ ،(54:‬وقلنا "استوى" بمعنى "استولى" لزم من ذلك أن‬
‫يكون العرش قبل خلق السموات والرض ليس ملكا ً لله عز وجل ‪،‬‬
‫لنه قال ‪ :‬خلق ثم استوى ‪ ،‬فإذا قلت ‪ :‬أي " ثم استولى" لزم من‬
‫ذلك أن يكون العرش ليس ملكا ً لله سبحانه وتعالى قبل خلق‬
‫السموات والرض ‪ ،‬ول حين خلق السموات والرض ‪ ،‬وأيضا ً يلزم‬
‫منه أن يصح التعبير بقولنا ‪" :‬إن الله استوى على الرض‪ ،‬واستوى‬
‫على أي شيء من مخلوقاته ‪ -‬نقدره أو نقوله ‪ -‬وهذا ل شك أنه‬
‫معنى باطل ل يليق بالله عز وجل ‪ ،‬فتبين بهذا أن تفسير الستواء‬
‫بالستيلء فيه محظوران‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬تحريف الكلم عن مواضعه ‪.‬‬

‫والثاني ‪ :‬أن يتصف الله عز وجل بما ل يليق به‪.‬‬

‫الواجب تجاه كل نوع من أنواع التوحيد‬


‫السؤال )‪ :(10‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو الواجب علينا نحو كل نوع‬
‫منها على حدة؟‬
‫الجواب‪ :‬الواجب علينا أن نعتقد ما يتضمنه كل نوع ‪ ،‬وأن نوحد‬
‫الله عز وجل بما يقتضيه هذا النوع من المعاني ‪.‬‬

‫خطر عبادة غير الله‬


‫السؤال )‪ : (11‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم صرف شيء من أنواع‬
‫العبادة لغير الله سبحانه؟‬
‫الجواب ‪ :‬هذه ربما يفهم الجواب مما سبق آنفا ً حيث قلنا ‪:‬إن‬
‫توحيد العبادة إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة ‪ ،‬بأن ل يتعبد أحد‬
‫لغير الله تعالى بشيء من أنواع العبادة ‪ ،‬ومن المعلوم أن الذبح‬
‫قربة يتقرب به النسان إلى ربه ‪ ،‬لن الله تعالى أمر به في قوله‪:‬‬
‫حْر( )الكوثر‪ ،(2:‬وكل قربة فهي عبادة ‪ ،‬فإذا ذبح‬ ‫وان ْ َ‬ ‫ل ل َِرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫ص ّ‬ ‫) َ‬
‫ف َ‬
‫النسان شيئا ً لغير الله تعظيما ً له ‪ ،‬وتذلل ً ‪ ،‬وتقربا ً إليه كما يتقرب‬
‫بذلك ويعظم ربه عز وجل ‪ ،‬كان مشركا ً بالله سبحانه وتعالى ‪،‬‬
‫وإذا كان مشركا ً فإن الله تعالى قد بين أن المشرك حرم الله عليه‬
‫الجنة وأن مأواه النار‪.‬‬

‫وبناء على ذلك نقول ‪ :‬إن ما يفعله بعض الناس من الذبح للقبور ‪-‬‬
‫قبور الذين يزعمونهم أولياء ‪ -‬شرك مخرج عن الملة ‪ ،‬ونصيحتنا‬
‫لهؤلء ‪ :‬أن يتوبوا إلى الله عز وعجل مما صنعوا ‪ ،‬وإذا تابوا إلى‬
‫الله ‪ ،‬وجعلوا الذبح لله وحده ‪ ،‬كما يجعلون الصلة لله وحده ‪،‬‬
‫والصيام لله وحده ‪ ،‬فإنهم يغفر لهم ما قد سبق ‪ ،‬كما قال الله‬
‫ف(‬‫سل َ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ما َ‬
‫م َ‬ ‫فْر ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫غ َ‬ ‫هوا ي ُ ْ‬
‫ن ي َن ْت َ ُ‬‫فُروا إ ِ ْ‬‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬
‫ق ْ‬‫تعالى‪ُ ) :‬‬
‫)لنفال‪ ،(38:‬بل إن الله سبحانه وتعالى يعطيهم فوق ذلك ‪،‬‬
‫نل‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫فيبدل الله سيئاتهم حسنات‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه إ ِّل‬
‫م الل ّ ُ‬ ‫س ال ِّتي َ‬
‫حّر َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫خَر َ‬‫ه إ َِلها ً آ َ‬‫ع الل ّ ِ‬‫م َ‬‫ن َ‬
‫عو َ‬
‫ي َدْ ُ‬
‫ب‬‫ذا ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ضا َ‬‫ق أ ََثامًا( )ي ُ َ‬‫ك ي َل ْ َ‬‫ل ذَل ِ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ف َ‬‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬‫ن َ‬ ‫ول ي َْزُنو َ‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬‫ِبال ْ َ‬
‫مل ً‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫وآ َ‬‫ب َ‬‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬‫هانًا( )إ ِّل َ‬ ‫م َ‬‫ه ُ‬ ‫في ِ‬‫خل ُدْ ِ‬ ‫وي َ ْ‬
‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬‫و َ‬‫يَ ْ‬
‫حيمًا(‬‫فورا ً َر ِ‬ ‫ُ‬
‫غ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫و َ‬‫ت َ‬ ‫سَنا ٍ‬
‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫سي َّئات ِ ِ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َدّ ُ‬ ‫فأول َئ ِ َ‬ ‫صاِلحا ً َ‬ ‫َ‬
‫)الفرقان‪ .(70-68:‬فنصيحتي لهؤلء الذين يتقربون إلى أصحاب‬
‫القبور بالذبح لهم ‪ ،‬أن يتوبوا إلى الله تعالى من ذلك ‪ ،‬وأن‬
‫يرجعوا إليه ‪ ،‬وأن يبشروا إذا تابوا بالتوبة من الكريم المنان ‪ ،‬فإن‬
‫الله سبحانه وتعالى يفرح بتوبة التائبين ‪.‬‬

‫معنى الشهادتين‬
‫السؤال )‪ : (12‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما معنى الشهادتين ‪ ،‬شهادة‬
‫أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ؟‬
‫الجواب ‪ :‬الشهادتان ‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأن محمدا ً رسول‬
‫الله ‪ ،‬هما مفتاح السلم ‪ ،‬ول يمكن الولوج إلى السلم إل بهما ‪،‬‬
‫ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل حين بعثه إلى‬
‫اليمن أن يكون أول ما يدعوهم إليه ‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله ‪،‬‬
‫وأن محمدا ً رسول الله)‪.(4‬‬

‫فإما الكلمة الولى ‪ :‬وهي شهادة أن ل إله إل الله ‪ ،‬فأن يعترف‬


‫النسان بلسانه وقلبه ‪ ،‬بأنه ل معبود إل الله عز وجل ‪ ،‬لن إله‬
‫بمعنى مألوه ‪ ،‬والتأله ‪ :‬التعبد والمعنى ‪ :‬أنه ل معبود إل الله‬
‫تعالى وحده‪.‬‬

‫وهذا الجملة تشتمل على نفي وإثبات ‪ ،‬فأما النفي ففي قوله "ل‬
‫إله"‪ ،‬وأما الثبات ففي قوله ‪":‬ل إله ‪ ،‬و"الله" بدل من الخبر‬
‫المحذوف خبر "ل" لن التقدير ‪" :‬ل إله حق إل الله"‪ .‬فهو إقرار‬
‫باللسان بعد أن آمن به القلب بأنه ل معبود حق إل الله عز وجل ‪،‬‬
‫وهذا يتضمن إخلص العبادة لله وحده ‪ ،‬ونفي العبادة عما سواه ‪،‬‬
‫وبتقديرنا الخبر بهذه الكلمة "حق"‪ ،‬يتبين الجواب عن الشكال‬
‫الذي )يورده( كثير من الناس وهو كيف تقولون ‪" :‬ل إله إل الله"‬
‫مع أن هناك آلهة تعبد من دون الله ‪ .‬سماها الله آلهة ‪ ،‬وسماها‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫عن ْ ُ‬
‫ت َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫غن َ ْ‬ ‫عابدوها آلهة ‪ .‬فقال الله تبارك وتعالى ‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫َ‬
‫ك(‬‫مُر َرب ّ َ‬
‫جاءَ أ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ء لَ ّ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫دو ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫م ال ِّتي ي َدْ ُ‬
‫عو َ‬ ‫ه ُ‬
‫هت ُ ُ‬
‫آل ِ َ‬
‫خَر()السراء‪:‬‬ ‫ه إ َِلها ً آ َ‬ ‫ع الل ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫ل َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫)هود‪ ،(101:‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫خَر()القصص‪،(88 :‬‬ ‫ه إ َِلها ً آ َ‬ ‫ع الل ّ ِ‬ ‫م َ‬‫ع َ‬‫ول ت َدْ ُ‬ ‫‪ ،(39‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫فكيف يمكن أن نقول "ل إله إل الله"‪ ،‬مع ثبوت اللوهية لغير الله‬
‫عز وجل ‪ ،‬وكيف يمكن أن نثبت اللوهية لغير الله والرسل‬
‫غي ُْرهُ ()العراف‪:‬‬ ‫ه َ‬‫ن إ ِل َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ل َك ُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫عب ُ ُ‬
‫يقولون لقوامهم ‪ ) :‬ا ْ‬
‫من الية ‪.(59‬‬

‫والجواب على هذا الشكال ‪ :‬يتبين بتقدير الخبر في " ل إله إل‬
‫الله" فنقول ‪ :‬هذه اللهة التي تعبد من دون الله هي آلهة ‪ ،‬لكنها‬
‫آلهة باطلة ‪ ،‬ليست آلهة حقة ‪ ،‬وليس لها من حق اللوهية شيء ‪،‬‬
‫هو ال ْحق َ‬ ‫ويدل لذلك قوله تعالى ‪) :‬ذَل ِ َ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ي َدْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ ّ َ‬ ‫ه ُ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ك ب ِأ ّ‬
‫ي ال ْك َِبيُر( )لقمان‪ ،(30:‬ويدل لذلك‬ ‫ل َ‬
‫عل ِ ّ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ه ال َْباطِ ُ َ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مَناةَ الّثال ِث َ َ‬
‫ة‬ ‫و َ‬ ‫عّزى( )‪َ ) (19‬‬ ‫وال ْ ُ‬‫ت َ‬ ‫م الّل َ‬ ‫فَرأي ْت ُ ُ‬ ‫أيضا ً قوله تعالى ‪) :‬أ َ‬
‫ك ِإذا ً ِ‬ ‫ه اْل ُن َْثى( )‪) (21‬ت ِل ْ َ‬ ‫َ‬ ‫اْل ُ ْ‬
‫ة‬
‫م ٌ‬‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ول َ ُ‬ ‫م الذّك َُر َ‬ ‫خَرى( )‪) (20‬أل َك ُ ُ‬
‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل‬ ‫م َ‬ ‫ؤك ُ ْ‬
‫وآَبا ُ‬ ‫م َ‬
‫ضيزى( )‪) (22‬إن هي إّل أ َسماءٌ سميت ُمو َ َ‬
‫ها أن ْت ُ ْ‬ ‫َ ّ ْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ ْ ِ َ ِ‬ ‫ِ َ‬
‫ن ()النجم‪ ،(23-19 :‬وقوله تعالى عن يوسف‬ ‫طا ٍ‬‫سل ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬‫ها ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫ها‬
‫مو َ‬ ‫مي ْت ُ ُ‬ ‫س ّ‬‫ماءً َ‬ ‫س َ‬ ‫ه إ ِّل أ ْ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫عليه الصلة والسلم ‪َ ) :‬‬
‫ن( )يوسف‪ ، (40:‬إذن‬ ‫طا ٍ‬‫سل ْ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ها ِ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫م َ‬ ‫ؤك ُ ْ‬
‫وآَبا ُ‬‫م َ‬ ‫أن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫فمعنى ل إله إل الله أي ل معبود حق إل الله عز وجل ‪ ،‬فأما‬
‫المعبودات سواه ‪ ،‬من الرسول ‪ ،‬أو الملئكة ‪ ،‬أو الولياء ‪ ،‬أو‬
‫الحجار ‪ ،‬أو الشجار ‪ ،‬أو الشمس ‪ ،‬أو القمر ‪ ،‬أو غير ذلك فإن‬
‫ألوهيتها التي يزعمها عابدوها ليست حقيقة ‪ ،‬أي ألوهية باطلة ‪.‬‬
‫بل اللوهية الحق هي ألوهية الله عز وجل ‪.‬‬

‫معنى شهادة أن محمدا ً رسول الله‬


‫السؤال )‪ :(13‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هذا معنى شهادة ل إله إل الله ‪،‬‬
‫فما معنى شهادة أن محمدا ً رسول الله ؟‬

‫الجواب ‪ :‬أما معنى شهادة أن محمدا ً رسول الله ‪ ،‬فهو القرار‬


‫باللسان ‪ ،‬واليمان بالقلب ‪ ،‬بأن محمد بن عبد الله القرشي‬
‫الهاشمي رسول الله عز وجل إلى جميع الخلق ‪ ،‬من الجن والنس‬
‫َ‬
‫ه إ ِل َي ْك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫ل َيا أي ّ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ه إ ِّل ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ت‬‫مي ُ‬ ‫وي ُ ِ‬ ‫حِيي َ‬ ‫و يُ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫ض ل إ ِل َ َ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ميعا ً ال ّ ِ‬ ‫ج ِ‬‫َ‬
‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ه‬
‫مات ِ ِ‬ ‫وك َل ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫ؤ ِ‬‫ذي ي ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ي اْل ّ‬ ‫ه الن ّب ِ ّ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مُنوا ِبالل ّ ِ‬ ‫فآ ِ‬ ‫َ‬
‫ذي‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫ن( )لعراف‪ (158:‬وقال تعالى ‪) :‬ت ََباَر َ‬ ‫دو َ‬ ‫هت َ ُ‬‫م تَ ْ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫عوهُ ل َ َ‬ ‫وات ّب ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ذيرا( )الفرقان‪،(1:‬‬ ‫ً‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫مي َ‬ ‫َ‬
‫عال ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ل ِل َ‬ ‫ُ‬
‫ه ل ِي َكو َ‬ ‫د ِ‬‫عب ْ ِ‬ ‫على َ‬ ‫َ‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ل الفْرقا َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن َّز َ‬
‫ومقتضى هذه الشهادة‪ :‬أن تصدق رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما أخبر ‪ ،‬وأن تمتثل أمره فيما أمر ‪ ،‬وأن تجتنب ما عنه‬
‫نهى وزجر ‪ ،‬وأل تعبد الله إل بما شرع ‪ ،‬ومقتضى هذه الشهادة‬
‫أيضا ً ‪ :‬أل تعتقد أن لرسول الله صلى الله عليه وسلم حقا من‬
‫الربوبية وتصريف الكون ‪ ،‬أو حقا في العبادة‪ ،‬بل هو صلى الله‬
‫عليه وسلم عبد ل يعبد ‪ ،‬ورسول ل يكذب ‪ ،‬ول يملك لنفسه ول‬
‫لغيره شيئا ً من النفع والضر إل ما شاء الله ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪:‬‬
‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫قو ُ‬ ‫ول أ َ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫غي ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ول أ َ ْ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫خَزائ ِ ُ‬ ‫دي َ‬ ‫عن ْ ِ‬‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ل ل أَ ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫) ُ‬
‫َ‬
‫ي( )النعام‪.(50:‬‬ ‫حى إ ِل َ ّ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ع إ ِّل َ‬ ‫ن أت ّب ِ ُ‬ ‫ك إِ ْ‬ ‫مل َ ٌ‬‫إ ِّني َ‬
‫مل ِ ُ‬
‫ك‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬‫فهو عبد مأمور يتبع ما أمر به ‪ ،‬وقال الله تعالى ) ُ‬
‫ل إ ِّني ل أ ْ‬
‫ل إّني ل َن يجيرِني من الل ّ َ‬
‫ن‬‫ول َ ْ‬ ‫حد ٌ َ‬ ‫هأ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ‬ ‫ْ ُ ِ َ‬ ‫ق ْ ِ‬ ‫شدًا( )‪ُ ) (21‬‬ ‫ول َر َ‬ ‫ضّرا ً َ‬ ‫م َ‬ ‫ل َك ُ ْ‬
‫حدًا( )الجـن‪ ،(21،22:‬وقال الله تعالى ‪ُ ) :‬‬ ‫َ‬
‫لل‬ ‫ق ْ‬ ‫مل ْت َ َ‬‫ه ُ‬‫دون ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫جد َ ِ‬ ‫أ ِ‬
‫ب‬ ‫غي ْ َ‬‫م ال ْ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ت أَ ْ‬ ‫و ك ُن ْ ُ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬‫ما َ‬‫ضّرا ً إ ِّل َ‬
‫ول َ‬ ‫فعا ً َ‬ ‫سي ن َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫مل ِ ُ‬
‫ك ل ِن َ ْ‬ ‫أ ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫وم ٍ‬‫ق ْ‬ ‫شيٌر ل ِ َ‬ ‫وب َ ِ‬ ‫ذيٌر َ‬ ‫ن أَنا إ ِّل ن َ ِ‬ ‫سوءُ إ ِ ْ‬‫ي ال ّ‬ ‫سن ِ َ‬
‫م ّ‬ ‫ما َ‬
‫و َ‬
‫ر َ‬‫خي ْ ِ‬‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ست َك ْث َْر ُ‬ ‫َل ْ‬
‫ن( )العراف‪ ،(188:‬فهذا معنى شهادة أن ل إله إل الله ‪،‬‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫يُ ْ‬
‫وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬وبهذا المعنى نعلم أنه ل يستحق العبادة ل‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ول من دونه من المخلوقين ‪،‬‬
‫وأن العبادة ليست إل لله تعالى وحده ‪ ،‬وأن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم حقه أن ننزله المنزلة التي أنزله الله تعالى ‪ ،‬وهو أنه‬
‫عبد الله ورسوله ‪.‬‬

‫الفرق بين العتراف باللسان والقلب‬


‫السؤال )‪ : (14‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن ما الفرق بين العتراف‬
‫باللسان والقلب ‪ ،‬وهل يلزم الجمع بينهما ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم ‪ ،‬الفرق بين العتراف بالقلب واللسان ظاهر ‪ ،‬فإن‬
‫من الناس من يعترف بلسانه دون قلبه كالمنافقين ‪ ،‬فالمنافقون‬
‫ك ل ََر ُ‬
‫سو ُ‬
‫ل‬ ‫هدُ إ ِن ّ َ‬‫ش َ‬ ‫قاُلوا ن َ ْ‬‫ن َ‬
‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ك ال ْ ُ‬
‫مَنا ِ‬ ‫جاءَ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫يقول الله عنهم ‪) :‬إ ِ َ‬
‫م إ ِن ّ َ‬
‫ك‬ ‫عل َ ُ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ه( )المنافقون‪ ،(1:‬لكن قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ن()المنافقون‪ ،(1 :‬هؤلء‬ ‫ن لَ َ‬
‫كاِذُبو َ‬ ‫قي َ‬‫ف ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مَنا ِ‬ ‫هد ُ إ ِ ّ‬‫ش َ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ل ََر ُ‬
‫اعترفوا بألسنتهم دون قلوبهم ‪ ،‬وقد يعترف النسان بقلبه‪ ،‬لكن‬
‫ل ينطق به ‪ ،‬وهذا العتراف ل ينفعه بالنسبة لنا ظاهرا ً ‪ ،‬أما فيما‬
‫بينه وبين الله فالعلم عند الله ‪ ،‬أو فحكمه إلى الله ‪ ،‬لكنه في‬
‫الدنيا ل ينفعه ‪ ،‬ول يحكم بإسلمه مادام ل ينطق بلسانه ‪ ،‬اللهم‬
‫إل أن يكون عاجزا ً عن ذلك ‪ ،‬عجزا ً حسيا أو حكميا ‪ ،‬فقد يعامل بما‬
‫تقتضيه حاله ‪ ،‬فلبد من العتراف بالقلب واللسان ‪.‬‬
‫شبهة وجوابها‬
‫السؤال )‪ :(15‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬الذي جرنا إلى هذا السؤال أن هناك‬
‫فريقا ً من الناس الن إذا دعي أحدهم إلى العبادة قال ‪ :‬إن الله‬
‫رب قلوب ‪ ،‬وهذا أيضا ً الذي نريد التعليق عليه؟‬

‫الجواب ‪ :‬نعم نحن نقول ‪ :‬إن الله رب القلوب واللسن وليس رب‬
‫القلوب فقط ‪ ،‬والقلوب لو صلحت لصلحت الجوارح ‪ ،‬لن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يقول ‪" :‬أل وأن في الجسد مضغة إذا‬
‫صلحت صلح الجسد كله ‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله ‪ ،‬أل وهي‬
‫القلب")‪ ،(5‬وهذا الحديث يبطل كل دعوى يدعيها بعض الناس ‪ ،‬إذا‬
‫نصحته في أمر من المور مما عصى الله به قال لك ‪" :‬التقوى‬
‫هاهنا")‪(6‬ويشير إلى صدره ‪ ،‬وهي كلمة حق أريد بها باطل ‪،‬‬
‫والكلمة قد تكون حقا في مدلولها العام ‪ ،‬لكن يريد بها القائل أو‬
‫قو ُ‬
‫ل‬ ‫سي َ ُ‬‫المتكلم معنى باطل ً ‪ ،‬أل ترى إلى قول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫مَنا ِ‬ ‫حّر ْ‬ ‫ول َ‬ ‫ؤَنا َ‬ ‫ول آَبا ُ‬ ‫شَرك َْنا َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫كوا ل َ ْ‬
‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫()النعام‪ ،(148 :‬فهم قالوا ‪ :‬لو شاء الله ما أشركنا‪ ،‬وصدقوا فيما‬
‫قالوه ‪ ،‬فلو شاء الله ما أشركوا ولكنهم ل يريدون بهذه الكلمة‬
‫حقا ‪ ،‬بل يريدون بها تبرير بقائهم على شركهم ‪ ،‬ورفع العقوبة‬
‫حّتى‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قب ْل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫ك ك َذّ َ‬ ‫عنهم ‪ ،‬ولهذا قال الله تعالى ‪ ) :‬ك َذَل ِ َ‬
‫سَنا ()النعام‪ ،(148 :‬فلم ينفعهم الحتجاج بالقدر حين‬ ‫ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫َ‬
‫قوا ب َأ َ‬
‫أردوا به الستمرار على شركهم ‪ ،‬ورفع اللوم عنهم والعقوبة أما‬
‫الواقع فإنه كما قالوا ‪" :‬لو شاء الله ما أشركوا" كما قال الله‬
‫ن‬‫ع ِ‬‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫وأ َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫ك ل إ ِل َ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬‫ي إ ِل َي ْ َ‬‫ح َ‬ ‫ما ُأو ِ‬ ‫ع َ‬‫تعالى لنبيه ‪) :‬ات ّب ِ ْ‬
‫كوا( )النعام‪(107-106 :‬‬ ‫شَر ُ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ه َ‬‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ن( )‪َ ) (106‬‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫ما‬ ‫ه َ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬‫لكن هناك فرق بين الحالين ‪ ،‬فالله قال لنبيه‪َ ) :‬‬
‫كوا( ليبين أن شركهم واقع بمشيئته ‪ ،‬وأن له حكمة ‪ -‬سبحانه‬ ‫شَر ُ‬ ‫أَ ْ‬
‫وتعالى ‪ -‬في وقوع الشرك منهم ‪ ،‬وليسلي نبيه صلى الله عليه‬
‫وسلم بأن هذا المر الواقع منهم بمشيئته تبارك وتعالى ‪.‬‬

‫فالمهم أن هذا الذي قال حينما نصحته ‪ " :‬التقوى هاهنا"قال‬


‫كلمة حق لكنه أراد بها باطل ً ‪ ،‬فالذي قال ‪ " :‬التقوى هاهنا" هو‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لكن الذي قال "التقوى هاهنا" هو‬
‫الذي قال ‪ :‬أل وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد‬
‫كله" ‪ ،‬فإذا كان في القلب تقوى ‪ ،‬لزم إن يكون في الجوارح‬
‫تقوى ‪ .‬والعمل الظاهر عنوان على العمل الباطن ‪.‬‬
‫مفهوم اليمان‬

‫السؤال)‪ :(16‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هو مفهوم اليمان وأركانه‬


‫بصورة مختصرة؟‬
‫الجواب ‪ :‬اليمان له مفهومان ‪ :‬مفهوم لغوي ‪ ،‬وهو القرار‬
‫بالشيء والتصديق به ‪ ،‬ومفهوم شرعي ‪ ،‬وهو القرار المستلزم‬
‫للقبول والذعان ‪ ،‬فل يكفي في الشرع أن يقر النسان بما يجب‬
‫اليمان به حتى يكون قابل ً ومذعنا ً ‪ ،‬فمثل ً ‪ :‬لو أقر النسان بأن‬
‫محمدا ً رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وعرف أنه رسول الله ‪،‬‬
‫لكن لم يقبل ما جاء به ‪ ،‬ولم يذعن لمره ‪ ،‬فإنه ليس بمؤمن ‪.‬‬
‫ولهذا يوجد من المشركين من اعترفوا ‪ ،‬وأقروا للنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بالرسالة ‪ ،‬لكنهم لم ينقادوا له ولم يذعنوا ‪ ،‬بل بقوا‬
‫على دين قومهم ‪ ،‬فلم ينفعهم هذا القرار المجرد عن القبول‬
‫والذعان ‪ ،‬فاليمان في الشرع أخص من اليمان في اللغة ‪ ،‬وقد‬
‫يكون اليمان في الشرع أعم من اليمان في اللغة ‪ ،‬فالصلة مثل ً‬
‫ع‬
‫ضي َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ل ِي ُ ِ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫من اليمان شرعا ً ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫و َ‬
‫م()البقرة‪ (143 :‬أي صلتكم إلى بيت المقدس ‪ ،‬لكنها في‬ ‫مان َك ُ ْ‬
‫ِإي َ‬
‫اللغة ل تسمى إيمانا ً ‪ ،‬لنها عمل ظاهر ‪ ،‬واليمان في اللغة من‬
‫المور الباطنة‪.‬‬

‫إذن فإذا أردنا أن نعرف اليمان الشرعي نقول فيه ‪ :‬هو القرار‬
‫المستلزم للقبول والذعان ‪ ،‬فإن لم يكن مستلزما ً لذلك فليس‬
‫بإيمان شرعا ً ‪.‬‬

‫علقة هذا المفهوم بحديث جبريل عليه السلم‬


‫السؤال )‪ :(17‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل هذا المفهوم هو المفهوم‬
‫الذي قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل عليه‬
‫السلم حينما سأله عن اليمان؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم لن اليمان بالله وملئكته وكتبه ورسله الحقيقي‬
‫يستلزم القبول والذعان‪ ،‬فمن قال ‪ :‬إنه مؤمن بالله وملئكته‬
‫وكتبه ورسله ‪ ،‬ولكن لم يقبل ولم يذعن ‪ ،‬لم ينفعه هذا القول ‪،‬‬
‫ول اليمان الذي في قلبه أيضا ً ‪ ،‬فلبد أن يقبل ويذعن‪.‬‬

‫السؤال )‪ :(18‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن إذا سئل النسان عن اليمان‬


‫هل يقول هو القرار المستلزم للقبول والذعان ‪ ،‬أو يقول ‪ :‬أن‬
‫تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله ‪ ،‬كما قال الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم؟‬

‫الجواب ‪ :‬نحن نقول إنها القبول والذعان ‪ ،‬وإذا قلنا بهذا وأراد‬
‫السائل أن نفصل نقول ‪ :‬تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله ‪ ،‬ثم‬
‫إن تفصيل اليمان الذي أشرنا إليه يشمل الدين كله‪.‬‬

‫مفهوم اليمان وأركانه‬


‫السؤال )‪ :(19‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نريد أن نتوسع في مفهوم‬
‫اليمان ‪ ،‬وكذلك نريد أن نعرف أركان اليمان ؟‬

‫الجواب ‪ :‬كنا تكلمنا عن التعريف الذي أشرنا إليه والتعريف الذي‬


‫ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل ‪ ،‬التعريف‬
‫الذي أشرنا إليه هو تعريف عام يشمل الدين كله ‪ ،‬وهو القرار‬
‫المستلزم للقبول والذعان ‪ ،‬وهو الذي يتكلم عليه العلماء في‬
‫الصول ‪ ،‬في كتب العقائد ‪ ،‬أما ما جاء في حديث جبريل ‪ ،‬فإنه‬
‫مفهوم خاص لليمان ‪ ،‬لن الرسول صلى الله عليه وسلم سأله‬
‫جبريل عليه السلم عن السلم وبينه له ثم سأله عن اليمان‬
‫الذي هو العقيدة الباطنة ‪.‬‬

‫والسلم هو العمال الظاهرة ‪ ،‬وإل فل يشك أحد أن اعتقاد‬


‫النسان بأنه ل إله إل الله هو من اليمان بل شك ‪ ،‬لكنه لما كان‬
‫قول ً صار من العمال الظاهرة ‪ ،‬التي هي الصلة والزكاة والصوم‬
‫والحج‪ .‬والركان التي بينها الرسول عليه الصلة والسلم ستة كما‬
‫هي معلومة ‪ ،‬قال عليه الصلة والسلم في جوابه لجبريل‪:‬‬
‫"اليمان أن تؤمن بالله ‪ ،‬وملئكته ‪ ،‬وكتبه ‪ ،‬ورسله ‪ ،‬واليوم‬
‫الخر ‪ ،‬وتؤمن بالقدر خيره وشره")‪ ،(7‬ونتكلم على هذه الركان‬
‫الستة لهميتها ‪:‬‬

‫أما اليمان بالله ‪ :‬فإنه يتضمن أربعة أمور ‪ :‬اليمان بوجوده ‪،‬‬
‫واليمان بربويته ‪ ،‬واليمان بألوهيته ‪ ،‬واليمان بأسمائه وصفاته ‪.‬‬

‫أما اليمان بوجوده ‪ :‬فهو القرار التام بأن الله سبحانه وتعالى‬
‫موجود ‪ ،‬ولم يفه أحد بإنكار وجود الله عز وجل إل على سبيل‬
‫المكابرة ‪ ،‬وإل فإن كل عاقل ل يمكنه أن يدعي بأن هذا الكون‬
‫خلق أو جاء صدفة‪ ،‬أو جاء من غير موجد ‪ ،‬لن هذا ممتنع باتفاق‬
‫العقلء ‪ ،‬فاليمان بوجوده أو بعبارة أصح وجود الله عز وجل دلت‬
‫عليه جميع الدلة ‪ ،‬العقلية ‪ ،‬والفطرية ‪ ،‬والحسية ‪ ،‬والشرعية ‪،‬‬
‫هذه الشياء الربعة كلها دلت على وجود الله عز وجل ‪.‬‬

‫أما الدليل العقلي ‪ :‬فإننا نشاهد هذا الكون في وجوده ‪ ،‬وفيما‬


‫يحدث فيه من أمور ل يمكن أن يقدر عليها أحد من المخلوقين ‪،‬‬
‫وجود هذا الكون ‪ ،‬السموات والرض وما فيهما‪ ،‬من النجوم ‪،‬‬
‫والجبال ‪ ،‬والنهار ‪ ،‬والشجار ‪ ،‬والناطق ‪ ،‬والبهيم ‪ ،‬وغير ذلك ‪،‬‬
‫من أين حصل هذا الوجود؟ هل حصل هذا صدفة؟ أو حصل بغير‬
‫موجد؟ أو أن هذا الوجود أوجد نفسه؟ هذه ثلثة احتمالت ل يقبل‬
‫العقل شيئا ً رابعًا‪ ،‬وكلها باطلة إل الحتمال الرابع ‪ ،‬الذي هو الحق‬
‫‪.‬‬

‫فأما كونها وجدت صدفة فهذا أمر ينكره العقل وينكره الواقع ‪،‬‬
‫لن مثل هذه المخلوقات العظيمة ل يمكنك أنت أن توجدها هكذا‬
‫صدفة ‪ ،‬كل أثر لبد له من مؤثر وكون هذه المخلوقات العظيمة‬
‫بهذا النظام البديع المتناسق ‪ ،‬الذي ل يتعارض ‪ ،‬ول يتصادم ‪ ،‬ل‬
‫يمكن أن يكون صدفة ‪ ،‬لن الغالب فيما وقع صدفة ‪ ،‬أن تكون‬
‫تغيراته غير منتظمة ‪ ،‬لنه كله صدفة‪.‬‬

‫وأما كون هذا الوجود أوجد نفسه ‪ ،‬فظاهر الستحالة أيضا ً ‪ ،‬لن‬
‫هذا الوجود قبل أن يوجد ليس بشيء ‪ ،‬بل هو عدم ‪ ،‬والعدم ل‬
‫يمكن أن يوجد معدوما ً ‪.‬‬
‫وأما كونه وجد من غير موجد فهو بمعنى قولنا إنه وجد صدفة ‪،‬‬
‫وهذا كما سبق مستحيل‪.‬‬

‫بقي أن نقول ‪ :‬إنه وجد بموجد وهو الله عز وجل ‪ ،‬كما قال الله‬
‫َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫خال ِ ُ‬ ‫شي ٍ َ‬ ‫ن َ‬ ‫خل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ن( )‪) (35‬أ ْ‬
‫قو َ‬ ‫ه ُ‬
‫م ُ‬
‫ءأ ْ‬ ‫ر َ ْ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫م ْ‬‫قوا ِ‬ ‫م ُ‬ ‫تعالى ‪) :‬أ ْ‬
‫َ‬
‫ن( )الطور‪ ،(36-35:‬إذا فهذا‬ ‫قُنو َ‬‫ل ل ُيو ِ‬‫ض بَ ْ‬ ‫واْلْر َ‬ ‫ت َ‬
‫وا ِ‬ ‫ما َ‬
‫س َ‬ ‫خل َ ُ‬
‫قوا ال ّ‬ ‫َ‬
‫الكون دل عقل ً على وجود الله عز وجل ‪.‬‬

‫وأما دللة الفطرة ‪ :‬على وجود الله فأظهر من أن تحتاج إلى دليل‬
‫‪ ،‬لن النسان بفطرته يؤمن بربه‪ ،‬قال النبي عليه الصلة والسلم‬
‫‪" :‬كل مولود يولد على الفطرة ‪ ،‬فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو‬
‫يمجسانه")‪ ،(8‬ولهذا لو وقع على أي إنسان في الدنيا شيء بغتة‬
‫وهذا الشيء مهلك له ‪ ،‬لكان يقول بلسانه من غير أن يشعر ‪ :‬يا‬
‫الله ‪ ،‬أو يا رب ‪ ،‬أو ما أشبه ذلك ‪ ،‬مما يدل على أن الغريزة‬
‫الفطرية جبلت على اليمان بوجود الله عز وجل ‪.‬‬

‫وأما دللة الحس على وجود الله ‪ ،‬فما أكثر ما نسمع من إجابة‬
‫الله تعالى للدعاء ‪ ،‬ومن إجابة الدعاء للنسان نفسه ‪ ،‬كم من‬
‫إنسان دعا الله وقال ‪ :‬يا رب ‪ ،‬فرأى الجابة نصب عينه ‪ ،‬ففي‬
‫القرآن أمثلة كثيرة من هذا مثل قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ه‬
‫دى َرب ّ ُ‬ ‫ب إ ِذْ َنا َ‬ ‫وأّيو َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ضر َ‬ ‫َ‬
‫جب َْنا ل َ ُ‬
‫ه‬ ‫ست َ َ‬
‫فا ْ‬ ‫ن( )‪َ ) (83:‬‬
‫مي َ‬
‫ح ِ‬
‫م الّرا ِ‬
‫ح ُ‬
‫ت أْر َ‬
‫وأن ْ َ‬
‫ي ال ّ ّ َ‬ ‫سن ِ َ‬
‫م ّ‬‫أّني َ‬
‫ضّر ()النبياء‪ ،(84-83 :‬وفي السنة أمثلة كثيرة‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬
‫ه ِ‬
‫ما ب ِ ِ‬
‫فَنا َ‬‫ش ْ‬‫فك َ َ‬
‫َ‬
‫أيضا ً ‪ ،‬ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬دخل‬
‫رجل يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله هلكت الموال ‪ ،‬وانقطعت السبل ‪ ،‬فادع الله يغيثنا ‪،‬‬
‫فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال ‪" :‬اللهم أغثنا ‪،‬‬
‫اللهم أغثنا ‪ ،‬الله أغثنا"‪ ،‬وكانت السماء صحوا ليس فيها شيء من‬
‫السحاب ‪ ،‬فما نزل النبي صلى الله عليه وسلم من على منبره إل‬
‫والمطر يتحادر من لحيته عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وبقي المطر‬
‫أسبوعا ً كامل ً حتى دخل رجل من الجمعة الثانية ‪،‬فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله تهدم البناء ‪ ،‬وغرق المال ‪ ،‬فادع الله أن يمسكها عنا ‪ .‬فرفع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يديه ‪ ،‬وجعل يقول ‪" :‬اللهم حوالينا‬
‫ول علينا")‪ (9‬ويشير بيده فما يشير إلى ناحية إل انفرجت بإذن الله‬
‫‪ ،‬فخرج الناس يمشون في الشمس ‪ .‬وكم من دعاء دعا به‬
‫النسان ربه فوجد الجابة ‪ ،‬وهذا دليل حسي على وجود الله عز‬
‫وجل‪.‬‬

‫أما الدليل الشرعي ‪ :‬فأكثر من أن يحصر ‪ ،‬كل القرآن ‪ ،‬وكل ما‬


‫ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من الحاديث الحكمية‬
‫والخبرية ‪ ،‬فإنه دال على وجود الله عز وجل ‪ ،‬كما قال الله تعالى‬
‫ر‬ ‫د َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫عن ْ ِ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬
‫كا َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫في القرآن العظيم ‪) :‬أ َ َ‬
‫فل ي َت َدَب ُّرو َ‬
‫خِتلفا ً ك َِثيرًا( )النساء‪ ، (82:‬هذا أحد ما يتضمنه‬ ‫ها ْ‬
‫في ِ‬
‫دوا ِ‬
‫ج ُ‬ ‫ه لَ َ‬
‫و َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫اليمان بالله وهو اليمان بوجوده ‪.‬‬

‫أما اليمان بربويته ‪ ،‬وألوهيته ‪ ،‬وأسمائه وصفاته ‪ ،‬فقد سبق‬


‫القول المفصل فيها ‪ ،‬حين تكلمنا على أنواع التوحيد الثلثة ‪.‬‬

‫كيف نرد على الدهريين‬


‫السؤال )‪ :(20‬لكن نجد الدهريين مثل ً وهم كثير الن وهم من‬
‫العقلء ‪ ،‬لنهم يفكرون وينتجون ‪ ،‬لكنهم يجمعون على عدم‬
‫وجود الله عز وجل ‪ ،‬فكيف يرد على مثل هؤلء؟‬
‫الجواب ‪ :‬أول ً ‪ :‬أريد أن أعلق على قولك أنهم عقلء ‪ ،‬فإن أردت‬
‫بالعقل عقل إدراك فنعم هم عقلء يدركون ويفهمون ‪ ،‬وإن أردت‬
‫بذلك عقل الرشد ‪ ،‬فليسوا بعقلء ‪ ،‬ولهذا وصف الله الكفار بأهم‬
‫صم بكم عمي فهم ل يعلقون ‪ ،‬لكنهم عقلء عقل إدراك ‪ ،‬تقوم‬
‫به الحجة عليهم ‪ ،‬وهم إذا قالوا ذلك ‪ ،‬فإنما يقولون هذا مكابرة‬
‫في الواقع ‪ ،‬وإل فهم يعلمون أن الباب المنصوب ل يمكن أن‬
‫يصنع نفسه‪ ،‬ول يمكن أن ينصب نفسه ‪ ،‬يعرفون أن هذا الباب‬
‫لبد له من نجار‪ ،‬أو حداد أقامه ‪ ،‬ولبد له من بناء ركبه ‪ ،‬بل‬
‫يعلمون أن الطعام الذي يأكلونه ‪ ،‬والماء الذي يشربونه ‪ ،‬لبد له‬
‫من مستخرج ‪ ،‬ولبد له من زارع ‪ ،‬وهم يعلمون أيضا ً أنه ليس‬
‫بإمكان أي أحد من الناس أن يكون هذا الزرع ‪ ،‬أو ينبت هذه الحبة‬
‫‪ ،‬حتى تكون زرعا ً له ساق وثمر ‪.‬‬
‫فهم يعلمون ذلك ‪ ،‬ويعلمون أن هذا ليس مما يقدر عليه البشر ‪،‬‬
‫ولكنهم يكابرون ‪ ،‬والمكابر ل فائدة من محاجته ‪ ،‬ول يمكن أن‬
‫يقبل أبدا ً مهما كان ‪ ،‬لو تقول له ‪ :‬هذه الشمس وهي أمامه ما‬
‫قبل ‪ ،‬فمثل هؤلء تكون المجادلة معهم مضيعة وقت ‪ ،‬وتكون‬
‫دعوتهم كما قال بعض أهل العلم بالمجالدة ل بالمجادلة‪.‬‬

‫اليمان وأركانه‬
‫السؤال )‪ :(21‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬بقي معنا أن نحدد أركان‬
‫اليمان ؟‬
‫الجواب ‪ :‬اليمان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أن تؤمن‬
‫بالله ‪ ،‬وملئكته ‪ "…،‬تكلمنا عن اليمان بالله ‪ ،‬أما اليمان بالملئكة‬
‫وهم عالم الغيب خلقهم الله عز وجل من نور ‪ ،‬وجعلهم طوع‬
‫ن( )النبياء‪ ) ، (20:‬ل‬ ‫فت ُُرو َ‬ ‫هاَر ل ي َ ْ‬ ‫والن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّي ْ َ‬ ‫حو َ‬ ‫سب ّ ُ‬‫أمره )ي ُ َ‬
‫َ‬
‫ن()التحريم‪ ،(6:‬وهم‬ ‫مُرو َ‬ ‫ؤ َ‬‫ما ي ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫عُلو َ‬ ‫ف َ‬ ‫وي َ ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫مَر ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫صو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫على أصناف متعددة ‪ ،‬في أعمالهم ‪ ،‬ووظائفهم ‪ ،‬ومراتبهم ‪،‬‬
‫فجبريل عليه الصلة والسلم موكل بالوحي ‪ ،‬ينزل بوحي الله‬
‫ح‬
‫ه الّرو ُ‬ ‫تعالى على رسل الله ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪) :‬ن ََز َ‬
‫ل بِ ِ‬
‫ن‬
‫سا ٍ‬‫ن( )‪) (194‬ب ِل ِ َ‬ ‫ري َ‬
‫ذ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫من ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ك ل ِت َ ُ‬ ‫قل ْب ِ َ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ن( )‪َ ) (193‬‬ ‫مي ُ‬ ‫اْل َ ِ‬
‫ح‬
‫ه ُرو ُ‬ ‫ل ن َّزل َ ُ‬
‫ق ْ‬‫ن( )الشعراء‪ ،(195-193:‬وقال تعالى ‪ُ ) :‬‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ي ُ‬ ‫عَرب ِ ّ‬ ‫َ‬
‫ق ()النحل‪ :‬من الية ‪ ،(102‬وقد رآه النبي‬ ‫ح ّ‬ ‫ك ِبال ْ َ‬ ‫ن َرب ّ َ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫قد ُ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫صلى الله عليه وسلم على صورته التي خلق عليها مرتين ‪ ،‬رآه‬
‫مرة على صورته له ستمائة جناح قد سد الفق)‪ .(10‬وميكائيل أحد‬
‫الملئكة العظام ‪ ،‬وقد وكله الله عز وجل بالقطر والنبات ‪ ،‬القطر‬
‫‪ :‬المطر ‪ ،‬والنبات ‪ :‬نبات الرض من المطر ‪ .‬وإسرافيل من‬
‫الملئكة العظام ‪ ،‬وقد وكله الله عز وجل بالنفخ في الصور ‪ ،‬وهو‬
‫أيضا ً أحد حملة العرش العظيم ‪ ،‬وهؤلء الثلثة كان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يذكرهم في استفتاح صلة الليل ‪ ،‬يقول صلى‬
‫الله عليه وسلم في استفتاح صلة الليل‪" :‬اللهم رب جبرائيل‬
‫وميكائيل وإسرافيل ‪ ،‬فاطر السموات والرض ‪ ،‬عالم الغيب‬
‫والشهادة ‪ ،‬أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ‪ ،‬أهدني‬
‫لما اختلف فيه من الحق بإذنك إنك تهدي من تشاء إلى صراط‬
‫مستقيم)‪.(11‬‬

‫وذكر هؤلء الثلثة لن كل واحد منهم موكل بما يتضمن الحياة ‪،‬‬
‫والبعث من النوم يعتبر حياة ‪ ،‬فهؤلء الثلثة هم أفضل الملئكة‬
‫فيما نعلم ‪ ،‬ومنهم ملك الموت الموكل بقبض أرواح الحياء ‪،‬‬
‫ومنهم ملكان موكلن بالنسان يحفظان أعماله ‪ ،‬عن اليمين وعن‬
‫الشمال قعيد ‪ ،‬ومنهم ملئكة موكلون بتتبع حلق الذكر ‪ ،‬ومن أراد‬
‫المزيد من ذلك فليراجع ما كتبه أهل العلم في هذا‪.‬‬

‫اليمان بالملئكة‬
‫السؤال )‪ :(22‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل بقي شيء يتعلق باليمان‬
‫بالملئكة تريدون أن تتحدثوا عنه أم ننتقل إلى بقية الركان؟‬
‫الجواب ‪ :‬بقي من الركن الثاني وهو اليمان بالملئكة أن اليمان‬
‫بالملئكة عليهم الصلة والسلم يكون إجمال ً ويكون تفصيل ً ‪ ،‬فما‬
‫علمناه بعينه وجب علينا أن نؤمن به بعينه ونفصل ‪ ،‬نقول ‪ :‬نؤمن‬
‫بالله ‪ ،‬نؤمن بجبريل ‪ ،‬وميكائيل ‪ ،‬وإسرافيل ‪ ،‬وملك الموت ‪،‬‬
‫ومالك خازن النار ‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ .‬وما لم نعلمه بعينه فإننا نؤمن‬
‫به إجمال ً ‪ ،‬فنؤمن بالملئكة على سبيل العموم ‪ ،‬والملئكة عدد‬
‫كبير ل يحصيهم إل الله عز وجل ‪ ،‬قال النبي عليه الصلة والسلم‬
‫"البيت المعمور الذي في السماء السابعة يدخله كل يوم سبعون‬
‫ألف ملك ‪ ،‬إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم")‪ ، (12‬وأخبر‬
‫عليه الصلة والسلم أنه ‪ " :‬ما من موضع أربع أصابع في السماء‬
‫إل وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد")‪ ، (13‬ولكننا ل نعلم‬
‫أعيانهم ووظائفهم وأعمالهم إل ما جاء به الشرع ‪ ،‬فما جاء به‬
‫الشرع على وجه التفصيل ‪ ،‬من أحوالهم وأعمالهم ووظائفهم ‪،‬‬
‫وجب علينا أن نؤمن به على سبيل التفصيل ‪ ،‬وما لم يأت على‬
‫سبيل التفصيل ‪ ،‬فإننا نؤمن به إجمال ً ‪.‬‬

‫وهؤلء الملئكة الذين لهم من القدرة والقوة ما ليس للبشر من‬


‫آيات الله عز وجل ‪ ،‬فيكون في اليمان بهم إيمان بالله سبحانه‬
‫وتعالى وبقدرته العظيمة ‪ ،‬وعلينا أن نحب هؤلء الملئكة ‪ ،‬لنهم‬
‫مؤمنون ‪ ،‬ولنهم قائمون بأمر الله عز وجل ‪ ،‬ومن كان عدوا لحد‬
‫ملئ ِك َت ِ ِ‬
‫ه‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫وا ً ل ِل ّ ِ‬
‫عد ُ ّ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫منهم ‪ ،‬فإنه كافر ‪ ،‬كما قال الله تعالى ) َ‬
‫ن( )البقرة‪، (98:‬‬ ‫ري َ‬ ‫ف ِ‬ ‫كا ِ‬‫و ل ِل ْ َ‬‫عد ُ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬‫ل َ‬ ‫كا َ‬ ‫مي َ‬ ‫و ِ‬‫ل َ‬ ‫ري َ‬‫جب ْ ِ‬
‫و ِ‬‫ه َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫وُر ُ‬ ‫َ‬
‫قل ْب ِكَ‬
‫عَلى َ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫ه ن َّزل ُ‬ ‫َ‬
‫ل فإ ِن ّ ُ‬ ‫ري َ‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫ً‬
‫وا ل ِ ِ‬ ‫عد ُ ّ‬‫ن َ‬ ‫َ‬
‫ن كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫وقال تعالى ‪) :‬ق ْ‬
‫ه( )البقرة‪ ،(97:‬فالمهم أن هؤلء‬ ‫ن ي َدَي ْ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬‫دقا ً ل ِ َ‬‫ص ّ‬
‫م َ‬ ‫ه ُ‬‫ن الل ّ ِ‬ ‫ب ِإ ِذْ ِ‬
‫الملئكة عليهم الصلة والسلم علينا أن نحبهم ‪ ،‬لنهم عباد لله‬
‫تعالى ‪ ،‬قائمون بأمره ‪ ،‬وأن ل نعادي أحدا ً منهم ‪.‬‬

‫اليمان بالكتب‬
‫السؤال )‪ :(23‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬بقي الركن الثالث من أركان‬
‫اليمان ؟‬
‫الجواب ‪ :‬الركن الثالث هو اليمان بكتب الله عز وجل ‪ ،‬كتب الله‬
‫التي أنزلها على رسله عليهم الصلة والسلم ‪ ،‬فإن ظاهر القرآن‬
‫يدل على أنه ما من رسول إل وأنزل الله معه كتابا ً ‪ ،‬كما قال‬
‫قد أ َرسل َْنا رسل ََنا بال ْبيَنات َ‬
‫ن‬ ‫وال ْ ِ‬
‫ميَزا َ‬ ‫ب َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ه ُ‬
‫ع ُ‬ ‫وأن َْزل َْنا َ‬
‫م َ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ َ ّ‬ ‫ُ ُ‬ ‫تعالى ‪) :‬ل َ َ ْ ْ َ‬
‫س‬
‫ن الّنا ُ‬ ‫كا َ‬‫ط( )الحديد‪ ،(25:‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِبال ْ ِ‬ ‫م الّنا ُ‬ ‫قو َ‬ ‫ل ِي َ ُ‬
‫م‬
‫ه ُ‬ ‫ع ُ‬‫م َ‬‫ل َ‬ ‫وأ َن َْز َ‬
‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫ذ ِ‬
‫من ْ ِ‬‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ري َ‬ ‫مب َ ّ‬
‫ش ِ‬ ‫ن ُ‬
‫ه الن ّب ِّيي َ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫فب َ َ‬‫حدَةً َ‬ ‫وا ِ‬‫ة َ‬‫م ً‬‫أ ّ‬
‫ُ‬
‫ه ()البقرة‪:‬‬ ‫في ِ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬‫ما ا ْ‬‫في َ‬‫س ِ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م ب َي ْ َ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫ق ل ِي َ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬‫ال ْك َِتا َ‬
‫‪. (213‬‬

‫وهذه الكتب طريق اليمان بها أن نؤمن بها إجمال ً ‪ ،‬وما علمناه‬
‫بعينه نؤمن به بعينه ‪ ،‬فالتوارة والنجيل والزبور وصحف إبراهيم‬
‫وموسى والقرآن الكريم ‪ ،‬هذه معلومة لنا بعينها‪ ،‬فنؤمن بها‬
‫بعينها وما عدا ذلك نؤمن به إجمال ً ‪ ،‬لن الله ل يكلف نفسا ً إل‬
‫وسعها ‪ ،‬ولكن كيف نؤمن بهذه الكتب ؟ نقول ‪ :‬ما صح نقله منها‬
‫إلينا من الخبار وجب علينا تصديقه بكل حال ‪ ،‬لنه من عند الله ‪،‬‬
‫وأما أحكامه ‪ ،‬أي ما تضمنته هذه الكتب من الحكام ‪ ،‬فل يلزمنا‬
‫العمل إل بما جاء في القرآن الكريم ‪ ،‬وأما ما نقل إلينا منها ولم‬
‫نعلم صحته ‪ ،‬فإننا نتوقف فيه حتى يتبين لنا صحته ‪ ،‬لن هذه‬
‫الكتب دخلها التحريف ‪ ،‬والتبديل ‪ ،‬والتغير والزيادة والنقص ‪.‬‬
‫اليمان بالرسل‬
‫السؤال )‪ : (24‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هذا بالنسبة للركن الثالث ‪،‬‬
‫فما قولكم في الركن الرابع الذي هو اليمان بالرسل ؟‬
‫الجواب ‪ :‬اليمان بالرسل عليهم الصلة والسلم يكون بأن نؤمن‬
‫بأن الله سبحانه وتعالى أرسل إلى البشر رسل ً منهم ‪ ،‬يتلون‬
‫عليهم آيات الله ويزكونهم ‪ ،‬وأن هؤلء الرسل أولهم نوح عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬وأخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأما قبل‬
‫نوح فلم يبعث رسول ‪ ،‬وبهذا نعلم خطأ المؤرخين الذين قالوا ‪:‬‬
‫إن إدريس عليه الصلة والسلم كان قبل نوح ‪ ،‬لن الله سبحانه‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ح‬‫حي َْنا إ ِلى ُنو ٍ‬
‫و َ‬‫ما أ ْ‬‫ك كَ َ‬ ‫و َ‬‫وتعالى يقول في كتابه‪) :‬إ ِّنا أ ْ‬
‫ه()النساء‪ ،(163 :‬وفي الحديث الصحيح في قصة‬ ‫د ِ‬‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬‫م ْ‬‫ن ِ‬‫والن ّب ِّيي َ‬
‫َ‬
‫الشفاعة ‪ :‬أن الناس يأتون إلى نوح فيقولون له ‪ :‬أنت أول رسول‬
‫أرسله الله إلى أهل الرض)‪ ،(14‬فل رسول قبل نوح ‪ ،‬ول رسول‬
‫مدٌ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫ن ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫بعد محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لقول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ َ‬
‫ن()الحزاب‪:‬‬ ‫م الن ّب ِّيي َ‬‫خات َ َ‬‫و َ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬‫سو َ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫جال ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ر َ‬‫ن ِ‬‫م ْ‬‫د ِ‬‫ح ٍ‬
‫أَبا أ َ‬
‫‪.(40‬‬

‫فأما نزول عيسى ابن مريم في آخر الزمان فإنه ل ينزل على أنه‬
‫رسول مجدد ‪ ،‬بل ينزل على أنه حاكم بشريعة محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬لن الواجب على عيسى وعلى غيره من النبياء‬
‫وإ ِ ْ‬
‫ذ‬ ‫اليمان بمحمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫م‬‫جاءَك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ة ثُ ّ‬ ‫م ٍ‬‫حك ْ َ‬ ‫و ِ‬
‫ب َ‬ ‫ن ك َِتا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُك ُ ْ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫ميَثاقَ الن ّب ِّيي َ‬ ‫ه ِ‬ ‫خذَ الل ّ ُ‬ ‫أَ َ‬
‫م‬‫خذْت ُ ْ‬‫وأ َ َ‬‫م َ‬ ‫قَرْرت ُ ْ‬ ‫ل أ َأ َ ْ‬‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫صُرن ّ ُ‬ ‫ول َت َن ْ ُ‬ ‫ه َ‬‫ن بِ ِ‬ ‫من ُ ّ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ل َت ُ ْ‬ ‫عك ُ ْ‬‫م َ‬
‫ما َ‬ ‫صدّقٌ ل ِ َ‬‫م َ‬ ‫ل ُ‬ ‫سو ٌ‬ ‫َر ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قاُلوا أ ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫وأَنا َ‬ ‫دوا َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ش َ‬‫فا ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫قَرْرَنا َ‬ ‫ري َ‬ ‫ص ِ‬
‫م إِ ْ‬‫عَلى ذَل ِك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن( )آل عمران‪ .(81:‬وهذا الرسول المصدق لما معهم هو‬ ‫دي َ‬ ‫ه ِ‬‫شا ِ‬‫ال ّ‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كما صح ذلك عن ابن عباس وغيره ‪،‬‬
‫فالمهم أن نؤمن بالرسل على هذا الوجه ‪ ،‬بأن أولهم نوح‬
‫وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكيفية اليمان بهم ‪:‬أن ما‬
‫جاء من أخبارهم وصح عنهم نؤمن به ونصدق ‪ ،‬لنه من عند الله‬
‫عز وجل ‪ ،‬وأما الحكام فل يلزمنا أتباع شيء منها ‪ ،‬إل ما جاء به‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم وما اقتضته شريعته‪.‬‬

‫أما بالنسبة لعيان هؤلء الرسل ‪ ،‬فمن سماه الله لنا ‪ ،‬أو سماه‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وجب علينا اليمان به بعينه ‪ ،‬وما‬
‫لم يسم فإننا نؤمن به على سبيل الجمال ‪ ،‬كما قلنا ذلك في‬
‫الكتب وفي الملئكة‪.‬‬
‫اليمان باليوم الخر‬
‫السؤال )‪ :(25‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬كيف يكون اليمان بالركن‬
‫الخامس وهو اليوم الخر؟‬
‫الجواب ‪ :‬اليمان باليوم الخر يعني اليمان بقيام الساعة ‪،‬‬
‫وسمي يوما ً آخر ‪ ،‬لنه ليس بعده يوم ‪ ،‬فإن النسان كان عدما ً ‪،‬‬
‫ثم وجد في بطن أمه ‪ ،‬ثم وجد في الدنيا ‪ ،‬ثم ينتقل إلى البرزخ‪،‬‬
‫عَلى‬‫ل أ ََتى َ‬‫ه ْ‬
‫ثم يوم القيامة ‪ ،‬فهذه أحوال خمس للنسان ‪َ ) ،‬‬
‫كورًا( )النسان‪ ،(1:‬هذه‬ ‫شْيئا ً َ‬
‫مذْ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ر لَ ْ‬
‫م ي َك ُ ْ‬ ‫ه ِ‬‫ن الدّ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬‫حي ٌ‬ ‫النسان ِ‬
‫الحال الولى أنه ليس شيئا ً مذكورا ً ‪ ،‬ثم وجد في بطن أمه ‪،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫شْيئا()النحل‪:‬‬ ‫ن َ‬ ‫عل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫هات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬
‫نأ ّ‬ ‫طو ِ‬ ‫ن بُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬‫جك ُ ْ‬‫خَر َ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫خرج) َ‬
‫‪ ،(78‬ثم يكدح في هذه الدنيا ويعمل ‪ ،‬ثم ينتقل إلى الخرة في‬
‫برزخ بين الدنيا وقيام الساعة ‪ ،‬فاليمان باليوم الخر يدخل فيه‪-‬‬
‫كما قال شيخ السلم ابن تيمية في العقيدة الواسطية ‪ -‬اليمان‬
‫بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت ‪،‬‬
‫فيؤمن النسان بفتنة القبر ‪ ،‬ونعيم القبر وعذابه‪ ،‬ويؤمن بقيام‬
‫الساعة ‪ ،‬بالنفخ في الصور ‪ ،‬بالحساب ‪ ،‬بالميزان ‪ ،‬بالحوض‬
‫المورود ‪ ،‬بكل ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬إما في‬
‫كتاب الله ‪ ،‬أو في سنة الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬مما يكون‬
‫بعد الموت‪.‬‬

‫ويحسن أن نتكلم عن فتنة القبر ‪ ،‬وهي أن الميت إذا دفن أتاه‬


‫ملكان فيسألنه عن ربه ودينه ونبيه ‪ ،‬فأما المؤمن فيثبته الله‬
‫تعالى بالقول الثابت ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ربي الله ‪ ،‬وديني السلم ‪ ،‬ونبي‬
‫محمد ‪ ،‬وأما غير المؤمن فإنه يقول ‪ :‬هاه هاه‪ ،‬ل أدري ‪ ،‬سمعت‬
‫الناس يقولون شيئا ً فقلته‪ ،‬ثم بعد هذه الفتنة إما نعيم وإما عذاب‬
‫إلى يوم القيامة ‪ ،‬فمن كان من غير المسلمين ‪ ،‬فهو في عذاب‬
‫إلى يوم القيامة ‪ ،‬ومن كان من عصاة المؤمنين ‪ ،‬فإنه قد يعذب‬
‫في قبره لمدة يعلمها الله عز وجل ‪ ،‬ثم يرفع عنه العذاب ‪ ،‬وهذا‬
‫العذاب أو النعيم يكون في الصل على الروح ‪ ،‬ولكن قد يتألم‬
‫البدن به ‪ ،‬كما أن العذاب في الدنيا يكون على البدن ‪ ،‬وقد تتألم‬
‫النفس فيه ففي الدنيا مثل ً الضرب يقع على البدن ‪ ،‬واللم يقع‬
‫على البدن ‪ ،‬والنفس قد تتأثر بذلك ‪ ،‬فتحزن وتغتم ‪ ،‬أما في‬
‫القبر فالمر بالعكس ‪ ،‬العذاب أو النعيم يكون على الروح ‪ ،‬لكن‬
‫البدن ل شك أنه يحصل له شيء من هذا العذاب أو النعيم ‪ ،‬إما‬
‫بالفرح بالنعيم ‪ ،‬وإما باللم بالحزن بسبب العذاب‪.‬‬

‫أما إذا قامت الساعة ‪ ،‬وهي القيامة الكبرى فإن الناس يقومون‬
‫من قبورهم لرب العالمين حفاة عراة غرل ً ‪ ،‬حفاة ‪ :‬ليس عليهم‬
‫ما يقي أقدامهم من نعال أو خفاف أو غيرها ‪ .‬عراة ‪ :‬ليس على‬
‫أبدانهم ما يكسوها ‪ .‬غرل ً ‪ :‬أي غير مختونين ‪ ،‬فتعود الجلدة التي‬
‫قطعت في الختان في الدنيا ‪ ،‬ليخرج النسان من قبره تاما ً ل‬
‫ل َ ْ‬ ‫ْ َ‬
‫عيدُهُ (‬
‫ق نُ ِ‬
‫خل ٍ‬ ‫و َ‬ ‫نقص فيه ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪ ) :‬ك َ َ‬
‫ما ب َدَأَنا أ ّ‬
‫)النبياء‪ ،(104 :‬ثم يكون الحساب على ما جاء في كتاب الله وسنة‬
‫رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم النهاية إما إلى جنة وإما إلى نار‬
‫‪ ،‬فمن دخل الجنة فهو مخلد فيها أبد البدين‪ ،‬ومن دخل النار فإن‬
‫كان من العصاة ‪ ،‬فإنه يخرج منها بعد أن يعذب بما يستحق‪ ،‬إن لم‬
‫تنله الشفاعة أو رحمة الله عز وجل ‪ ،‬ولكنه ل يخلد فيها ‪ ،‬وأما‬
‫الكافر فإنه يخلد فيها أبد البدين‪.‬‬

‫اليمان بالقدر‬
‫السؤال )‪ :(26‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬بقي اليمان بالقدر نريد أن‬
‫تحدثنا عنه أثابكم الله؟‬
‫الجواب ‪ :‬اليمان بالقدر هو أحد أركان اليمان الستة التي بينها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سأله عن اليمان ‪،‬‬
‫واليمان بالقدر أمر هام جدا ً ‪ ،‬وقد تنازع الناس في القدر من‬
‫زمن بعيد ‪ ،‬حتى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬كان الناس‬
‫يتنازعون فيه ويتمارون فيه ‪ ،‬وإلى يومنا هذا والناس كذلك‬
‫يتنازعون فيه ‪ ،‬ولكن الحق فيه ولله الحمد واضح بين ‪ ،‬ل يحتاج‬
‫إلى نزاع ومراء‪ ،‬فاليمان بالقدر ‪ :‬أن تؤمن بأن الله سبحانه‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫خل َ َ‬
‫ق كُ ّ‬ ‫و َ‬
‫وتعالى قد قدر كل شيء ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ديرًا()الفرقان‪ ،(2 :‬وهذا التقدير الذي قدره الله عز‬ ‫قدَّرهُ ت َ ْ‬
‫ق ِ‬ ‫ف َ‬
‫َ‬
‫وجل تابع لحكمته ‪ ،‬وما تقتضيه هذه الحكمة من غايات حميدة ‪،‬‬
‫وعواقب نافعة للعباد في معاشهم ومعادهم‪.‬‬

‫ويدور اليمان بالقدر على اليمان بأمور أربعة‪:‬‬

‫أحدها ‪ :‬العلم ‪ ،‬وذلك أن تؤمن إيمانا ً كامل ً بأن الله سبحانه وتعالى‬
‫قد أحاط بكل شيء علما ً ‪ ،‬أحاط بكل شيء مما مضى ‪ ،‬ومما هو‬
‫حاضر ‪ ،‬ومما هو مستقبل ‪ ،‬سواء كان لك مما يتعلق بأفعاله عز‬
‫وجل ‪ ،‬أو بأفعال عباده ‪ ،‬فهو محيط بها جملة وتفصيل ‪ ،‬بعلمه‬
‫الذي هو موصوف به أزل ً وأبدا ً ‪ ،‬وأدلة هذه المرتبة كثيرة في‬
‫عل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫فى َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫القرآن والسنة ‪ ،‬قال الله تبارك وتعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ء( )آل عمران‪ ، (5:‬وقال الله‬ ‫ما ِ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬
‫س َ‬‫في ال ّ‬ ‫ول ِ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫يء ٌ ِ‬ ‫ش ْ‬
‫في ال ْب َّر‬ ‫ما ِ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬‫وي َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ها إ ِّل ُ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬ ‫ب ل يَ ْ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ح ال ْ َ‬ ‫فات ِ ُ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْدَهُ َ‬ ‫و ِ‬ ‫تعالى ‪َ ):‬‬
‫َ‬ ‫ما ِ ْ‬
‫ض‬
‫ت الْر ِ‬ ‫في ظُل ُ َ‬ ‫ة ِ‬ ‫حب ّ ٍ‬
‫ول َ‬ ‫ها َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ة إ ِّل ي َ ْ‬ ‫ق ٍ‬‫وَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫س ُ‬‫ما ت َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ر َ‬ ‫وال ْب َ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن( )النعام‪ ،(59:‬وقال‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫مِبي ٍ‬ ‫ب ُ‬ ‫في ك َِتا ٍ‬ ‫س إ ِل ِ‬ ‫ول َياب ِ ٍ‬ ‫ب َ‬ ‫ول َرط ٍ‬ ‫َ‬
‫ه ( )ق‪:‬‬ ‫س ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫ه نَ ْ‬‫س بِ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫س ِ‬ ‫و ْ‬ ‫ما ت ُ َ‬‫م َ‬ ‫عل ُ‬ ‫َ‬ ‫ون َ ْ‬‫قَنا النسان َ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ول َ‬‫َ‬ ‫تعالى ‪َ ):‬‬
‫م()البقرة‪، (283 :‬إلى‬ ‫عِلي ٌ‬
‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ه بِ َ‬‫والل ّ ُ‬ ‫‪ ،(16‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫غير ذلك من اليات الدالة على علم الله سبحانه وتعالى في كل‬
‫شيء جملة وتفصي ً‬
‫ل‪.‬‬

‫وهذه المرتبة من اليمان بالقدر ‪ ،‬من أنكرها فهو كافر ‪ ،‬لنه‬


‫مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين ‪ ،‬وطاعن في كمال الله عز‬
‫وجل ‪ ،‬لن ضد العلم إما الجهل وإما النسيان ‪ ،‬وكلهما عيب ‪ ،‬وقد‬
‫قال الله تعالى عن موسى عليه الصلة والسلم حين سأله‬
‫قرون ا ْ ُ‬
‫عن ْدَ‬
‫ها ِ‬ ‫عل ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫لوَلى( )‪َ ) (51‬‬
‫قا َ‬ ‫ل ال ْ ُ ُ ِ‬
‫ما َبا ُ‬ ‫ل َ‬
‫ف َ‬ ‫فرعون ‪َ ) :‬‬
‫قا َ‬
‫سى( )طـه‪،(52-51:‬فهو ل‬ ‫ول ي َن ْ َ‬
‫ل َرّبي َ‬ ‫ض ّ‬‫ب ل يَ ِ‬‫في ك َِتا ٍ‬
‫َرّبي ِ‬
‫يضل ‪ ،‬أي ل يجهل شيئا ً مستقبل ً ‪ ،‬ول ينسى شيئا ً ماضيا ً سبحانه‬
‫وتعالى‪.‬‬

‫أما المرتبة الثانية ‪ :‬فهي اليمان بأن الله تعالى كتب مقادير كل‬
‫شيء إلى أن تقوم الساعة ‪ ،‬فإن الله عز وجل لما خلق القلم قال‬
‫له ‪ :‬اكتب ‪ ،‬قال ‪ :‬ربي ‪ ،‬وماذا أكتب؟ قال ‪ :‬أكتب ما هو كائن)‪.(15‬‬
‫فجرى في تلك الساعة ما هو كائن إلى يوم القيامة ‪ ،‬جملة‬
‫وتفصيل‪ ،‬فكتب الله عز وجل في اللوح المحفوظ مقادير كل‬
‫شيء‪.‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ّ‬ ‫عل َ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫وقد دل على هذه المرتبة والتي قبلها قوله تعالى ‪) :‬أل َ ْ‬
‫عَلى‬ ‫ْ َ‬
‫ك َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ب إِ ّ‬
‫في ك َِتا ٍ‬‫ك ِ‬‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ض إِ ّ‬‫والْر ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ما ِ‬
‫س َ‬
‫في ال ّ‬‫ما ِ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ب (‪ ،‬أي ‪ :‬معلومة‬ ‫في ك َِتا ٍ‬‫ك ِ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬‫سيٌر( )الحج‪ ،(70:‬فقال‪ ):‬إ ِ ّ‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫عَلى‬ ‫ك َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ب( وهو اللوح المحفوظ )إ ِ ّ‬ ‫في ك َِتا ٍ‬ ‫عند الله عز وجل ) ِ‬
‫سيٌر( ثم هذه الكتابة تكون أيضا ً مفصلة أحيانا ً فإن الجنين‬ ‫ه يَ ِ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫في بكن أمه إذا مضى عليه أربعة أشهر ‪ ،‬يبعث إليه ملك فيؤمر‬
‫بأربع كلمات ‪ ،‬بكتب رزقه ‪ ،‬وأجله‪ ،‬وعمله ‪ ،‬وشقي أم سعيد ‪ ،‬كما‬
‫ثبت ذلك في الصحيح من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه‬
‫‪ ،‬عن النبي صلى الله عليه وسلم)‪.(16‬‬

‫ويكتب أيضا ً في ليلة القدر ما يكون في تلك السنة ‪ ،‬كما قال الله‬
‫فَرقُ‬‫ها ي ُ ْ‬
‫في َ‬
‫ن( )‪ِ ) (3‬‬
‫ري َ‬‫ذ ِ‬ ‫ة إ ِّنا ك ُّنا ُ‬
‫من ْ ِ‬ ‫مَباَرك َ ٍ‬‫ة ُ‬‫في ل َي ْل َ ٍ‬ ‫تعالى )إ ِّنا أ َن َْزل َْناهُ ِ‬
‫َ‬ ‫كُ ّ َ‬
‫ن( )الدخان‪-3:‬‬ ‫سِلي َ‬
‫مْر ِ‬ ‫دَنا إ ِّنا ك ُّنا ُ‬
‫عن ْ ِ‬
‫ن ِ‬‫م ْ‬‫مرا ً ِ‬ ‫م( )‪) (4‬أ ْ‬ ‫كي ٍ‬ ‫ح ِ‬
‫ر َ‬ ‫م ٍ‬
‫لأ ْ‬
‫‪. (5‬‬

‫أما المرتبة الثالثة ‪ :‬فاليمان بأن كل ما في الكون ‪ ،‬فإنه بمشيئة‬


‫الله ‪ ،‬فكل ما في الكون فهو حادث بمشيئة الله عز وجل ‪ ،‬سواء‬
‫كان ذلك مما يفعله هو عز وجل ‪ ،‬أو مما يفعله الناس ‪ ،‬أو بعبارة‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ع ُ‬ ‫ف َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫أعم مما يفعله المخلوق ‪ ،‬قال الله تبارك وتعالى ‪َ ) :‬‬
‫شاءَ ل َهداك ُ َ‬
‫ن(‬ ‫عي َ‬ ‫م ِ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ء()إبراهيم‪ (27 :‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫شا ُ‬‫ما ي َ َ‬ ‫َ‬
‫ُ‬
‫دة(‬ ‫ح َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫سأ ّ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ك لَ َ‬ ‫شاءَ َرب ّ َ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬‫)النحل‪ ، (9 :‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ت بِ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫)هود‪ ،(118:‬وقال تعالى ‪) :‬إن ي َ ْ‬
‫د(‬ ‫دي ٍ‬ ‫ج ِ‬ ‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫وي َأ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هب ْك ُ ْ‬ ‫شأ ي ُذْ ِ‬ ‫ِ ْ َ‬
‫)فاطر‪ ، (16:‬إلى غير ذلك من النصوص الكثيرة الدالة على أن‬
‫فعله عز وجل واقع بمشيئته وكذلك أفعال الخلق واقعة بمشيئته ‪،‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫د ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قت َت َ َ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫كما قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫و ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫نآ َ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫فوا َ‬ ‫خت َل َ ُ‬‫نا ْ‬ ‫ت َ َ‬
‫ولك ِ ِ‬ ‫م ال ْب َي َّنا ُ‬
‫ه ُ‬‫جاءَت ْ ُ‬‫ما َ‬ ‫د َ‬ ‫ع ِ‬ ‫بَ ْ‬
‫د( )البقرة‪:‬‬ ‫ري ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ف َ‬‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ول َك ِ ّ‬ ‫قت َت َُلوا َ‬ ‫ما ا ْ‬
‫ه َ‬ ‫شاءَ الل ّ ُ‬ ‫و َ‬‫ول َ ْ‬
‫فَر َ‬ ‫كَ َ‬
‫‪ ، (253‬وهذا النص صريح بأن أفعال العبد قد شاءها الله عز وجل‪،‬‬
‫ولو شاء الله أن ل يفعل لم يفعل ‪.‬‬
‫أما المرتبة الرابعة في اليمان بالقدر‪ ،‬فهي اليمان بأن الله‬
‫تعالى خالق كل شيء ‪ ،‬فالله عز وجل هو الخالق ‪ ،‬وما سواه‬
‫مخلوق ‪ ،‬فكل شيء الله تعالى خالقه ‪ ،‬فالمخلوقات مخلوقة لله‬
‫عز وجل ‪ ،‬وما يصدر منها من أفعال وأقوال ‪ ،‬مخلوق لله عز وجل‬
‫أيضا ً ‪ ،‬لن أفعال النسان وأقواله من صفاته ‪ ،‬فإذا كان النسان‬
‫مخلوقًا‪ ،‬كانت الصفات أيضا ً مخلوقة لله عز وجل ‪ ،‬ويدل لذلك‬
‫ن( )الصافات‪ ،(96:‬فنص‬ ‫مُلو َ‬
‫ع َ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫و َ‬
‫م َ‬ ‫خل َ َ‬
‫قك ُ ْ‬ ‫ه َ‬‫والل ّ ُ‬
‫قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ما‬
‫و َ‬
‫الله تعالى على خلق النسان ‪ ،‬وعلى خلق عمله ‪ ،‬قال ) َ‬
‫ن( وقد اختلف الناس في "ما" هنا ‪ :‬هل هي مصدرية أو‬ ‫مُلو َ‬
‫ع َ‬
‫تَ ْ‬
‫موصولة؟ وعلى كل تقدير فإنها تدل على أن عمل النسان‬
‫مخلوق لله عز وجل‪.‬‬

‫هذه أربع مراتب ل يتم اليمان بالقدر إل باليمان بها ‪ ،‬ونعيدها‬


‫فنقول ‪ :‬أن تؤمن بأن الله تعالى عليم بكل شيء جملة وتفصي ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء‬
‫‪ .‬ثالثا ً ‪ :‬أن تؤمن بأن كل حادث ‪ ،‬فهو بمشيئة الله عز وجل ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء‪.‬‬

‫ثم اعلم أن اليمان بالقدر ل ينافي فعل السباب ‪ ،‬بل إن فعل‬


‫السباب مما أمر به الشرع ‪ ،‬وهو حاصل بالقدر ‪ ،‬لن السباب تنتج‬
‫عنها مسبباتها ‪ ،‬ولهذا لما توجه أمير المؤمنين عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه إلى الشام‪ ،‬ذكر له في أثناء الطريق أنه قد وقع‬
‫فيها الطاعون ‪ ،‬فاستشار الصحابة رضي الله عنهم ‪ ،‬هل يستمر‬
‫ويمضي في سيره‪ ،‬أو يرجع إلى المدينة ؟ فاختلف الناس عليه ‪،‬‬
‫ثم استقر رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة ‪ ،‬ولما عزم على ذلك‬
‫‪ ،‬جاءه أبو عبيدة عامر بن الجراح ‪ ،‬وكان عمر رضي الله عنه يجله‬
‫ويقدره ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أمير المؤمنين ‪ ،‬كيف ترجع إلى المدينة ‪،‬‬
‫أفرارا ً من قدر الله؟ قال رضي الله عنه ‪ :‬نفر من قدر الله إلى‬
‫قدر الله ‪.‬‬
‫وبعد ذلك جاء عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه وكان غائبا ً‬
‫في حاجة له ‪ ،‬فحدثهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عن‬
‫الطاعون ‪ " :‬إذا سمعتم به في أرض فل تقدموا عليه")‪. (17‬‬
‫الحاصل قول عمر رضي الله عنه‪ :‬نفر من قدر الله إلى قدر الله ‪،‬‬
‫فهذا يدل على أن اتخاذ السباب من قدر الله عز وجل ‪ ،‬ونحن‬
‫نعلم أن الرجل لو قال ‪ :‬أنا سأؤمن بقدر الله ‪ ،‬وسيرزقني الله‬
‫ولدا ً بدون زوجة ‪ ،‬ولو قال هذا لعد من المجانين ‪ ،‬كما لو قال ‪ :‬أنا‬
‫أؤمن بقدر الله ولن أسعى في طلب الرزق ‪ ،‬ولم يتخذ أي سبب‬
‫للرزق ‪ ،‬لعد ذلك من السفه‪.‬‬

‫فاليمان بالقدر إذن ل ينافي السباب الشرعية أو الحسية‬


‫الصحيحة ‪ ،‬أما السباب الوهمية التي يدعي أصحابها أنها أسباب‬
‫وليست كذلك ‪ ،‬فهذه ل عبرة بها ‪ ،‬ول يلتفت إليها‪.‬‬

‫ثم اعلم أنه يرد على اليمان بالقدر إشكال وليس بإشكال في‬
‫الواقع ‪ ،‬وهو أن يقول قائل‪ :‬إذا كان فعلي من قدر الله عز وجل‬
‫فكيف أعاقب على المعصية وهي من تقدير الله عز وجل ؟‬

‫والجواب على ذلك أن يقال ‪ :‬ل حجة لك على المعصية بقدر الله ‪،‬‬
‫لن الله عز وجل لم يجبرك على هذه المعصية ‪ ،‬وأنت حين تقدم‬
‫عليها لم يكن لديك العلم بأنها مقدرة عليك ‪ ،‬لن النسان ل يعلم‬
‫بالمقدور إل بعد وقوع الشيء ‪ ،‬فلماذا لم تقدر قبل أن تفعل‬
‫المعصية‪ ،‬أن الله قدر لك الطاعة ‪ ،‬فتقوم بطاعته ‪ ،‬وكما أنك في‬
‫أمورك الدنيوية تسعى لما ترى أنه خير ‪ ،‬وتهرب مما ترى أنه شر‪،‬‬
‫فلماذا ل تعامل نفسك هذه المعاملة في عمل الخرة ‪ ،‬أنا ل‬
‫أعتقد أن أحدا ً يقال له ‪ :‬إن لمكة طريقين ‪ :‬أحدهما ‪ :‬طريق‬
‫مأمون ميسر ‪ ،‬والثاني ‪ :‬طريق مخوف صعب ‪ ،‬ل أعتقد أن أحدا ً‬
‫يسلك الطريق المخوف الصعب ‪ ،‬ويقول ‪ :‬إن هذا قد قدر لي ‪ ،‬بل‬
‫سوف يسلك الطريق المأمون الميسر ‪ ،‬ول فرق بين هذا وبين أن‬
‫يقال لك ‪ :‬إن للجنة طريقا ً وللنار طريقا ً ‪ ،‬فإنك إذا سلكت طريق‬
‫النار ‪ ،‬فأنت كالذي سلك طريق مكة المخوف الوعر ‪ ،‬وأنت بنفسك‬
‫تنتقد هذا الرجل الذي سلك الطريق المخوف الوعر ‪ ،‬فلماذا‬
‫ترضى لنفسك أن تسلك طريق الجحيم ‪ ،‬وتدع طريق النعيم ‪ ،‬ولو‬
‫كان للنسان حجة بالقدر على فعل المعصية ‪ ،‬لم تنتف هذه‬
‫ن‬
‫ري َ‬
‫ش ِ‬ ‫سل ً ُ‬
‫مب َ ّ‬ ‫الحجة بإرسال الرسل وقد قال الله تعالى ‪ُ) :‬ر ُ‬
‫سل( )النساء‪:‬‬ ‫عدَ الّر ُ‬
‫ة بَ ْ‬
‫ج ٌ‬
‫ح ّ‬ ‫عَلى الل ّ ِ‬
‫ه ُ‬ ‫س َ‬
‫ن ِللّنا ِ‬ ‫ن ل ِئ َّل ي َ ُ‬
‫كو َ‬ ‫ري َ‬
‫ذ ِ‬
‫من ْ ِ‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫‪.(165‬‬
‫زيادة اليمان ونقصانه‬
‫السؤال )‪ :(27‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل اليمان يزيد وينقص ؟ ونود‬
‫أن نعرف بأي شيء تحصل الزيادة ‪ ،‬وبأي شيء يحصل‬
‫النقصان؟‬
‫الجواب ‪ :‬هناك كلمة بقيت في اليمان بالقدر يسيرة‪ ،‬وهي أن‬
‫اليمان بالقدر له ثمرات جليلة على سير النسان وعلى قلبه ‪،‬‬
‫لنك إذا آمنت بأن كل شيء بقضاء الله وقدره‪ ،‬فإنك عند السراء‬
‫تشكر الله عز وجل ‪ ،‬ول تعجب بنفسك ول ترى أن هذا المر حصل‬
‫منك بحولك وقوتك ‪ ،‬ولكنك تؤمن بأن هذا سبب إذا كنت قد فعلت‬
‫السبب الذي نلت به ما يسرك ‪ ،‬وأن الفضل كله بيد الله عز وجل ‪،‬‬
‫فتزداد بذلك شكرا ً لنعمة الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬ويحملك هذا على‬
‫أن تقوم بطاعة الله على حسب ما أمرك به ‪ ،‬وأل ترى لنفسك‬
‫فضل ً على ربك ‪ ،‬بل ترى المنة لله سبحانه وتعلى عليك ‪ ،‬قال الله‬
‫َ‬ ‫عل َي َ َ‬
‫ل‬
‫م بَ ِ‬‫مك ُ ْ‬
‫سل َ‬ ‫عل َ ّ‬
‫ي إِ ْ‬ ‫مّنوا َ‬‫ل ل تَ ُ‬ ‫ق ْ‬‫موا ُ‬ ‫سل َ ُ‬‫نأ ْ‬ ‫كأ ْ‬ ‫ن َ ْ‬‫مّنو َ‬ ‫تعالى ‪) :‬ي َ ُ‬
‫َ‬
‫ن( )الحجرات‪:‬‬ ‫قي َ‬‫صاِد ِ‬
‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ن إِ ْ‬
‫ما ِ‬
‫لي َ‬‫م لِ ْ ِ‬ ‫داك ُ ْ‬
‫ه َ‬
‫ن َ‬‫مأ ْ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ّ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه يَ ُ‬
‫‪ ،(17‬كما أنك إذا أصابتك الضراء فإنك تؤمن بالله عز وجل‬
‫وتستسلم ‪ ،‬ول تندم على ذلك ‪ ،‬ول يلحقك الحسرة ‪ ،‬ألم تر إلى‬
‫قول النبي عليه الصلة والسلم ‪ " :‬المؤمن القوي خير وأحب إلى‬
‫الله من المؤمن الضعيف ‪ ،‬احرص على ما ينفعك ‪ ،‬واستعن بالله‬
‫ول تعجز ‪ ،‬وإن أصابك شيء فل تقل ‪ :‬لو أني فعلت كان كذا‬
‫وكذا ‪ ،‬ولكن قل ‪ :‬قدر الله وما شاء فعل ‪ ،‬فإن لو تفتح عمل‬
‫الشيطان")‪.(18‬‬

‫فاليمان بالقدر فيه راحة النفس والقلب ‪ ،‬وعدم الحزن على ما‬
‫ب‬ ‫َ‬
‫صا َ‬ ‫ما أ َ‬ ‫فات ‪ ،‬وعدم الغم والهم لما يستقبل ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫م إ ِّل ِ‬ ‫في أ َن ْ ُ‬ ‫ْ َ‬
‫ن‬
‫لأ ْ‬ ‫قب ْ ِ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ب ِ‬
‫في ك َِتا ٍ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫ف ِ‬ ‫ول ِ‬ ‫ض َ‬ ‫في الْر ِ‬ ‫ة ِ‬ ‫صيب َ ٍ‬ ‫م ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫فات َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما َ‬ ‫عَلى َ‬‫وا َ‬ ‫سيٌر( )‪) (22‬ل ِك َْيل ت َأ َ‬
‫س ْ‬ ‫ه يَ ِ‬‫عَلى الل ّ ِ‬ ‫ك َ‬‫ن ذَل ِ َ‬ ‫ها إ ِ ّ‬‫ن َب َْرأ َ‬
‫م( )الحديد ‪ ، (23-22‬والذي ل يؤمن بالقدر ل‬ ‫ما آَتاك ُ ْ‬
‫حوا ب ِ َ‬ ‫فَر ُ‬‫ول ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫شك أنه سوف يتضجر عند المصائب ويندم‪ ،‬ويفتح له الشيطان كل‬
‫باب ‪ ،‬وأنه سوف يفرح ويبطر ويغتر فيما إذا أصابته السراء‪ ،‬ولكن‬
‫اليمان بالقدر يمنع هذا كله‪.‬‬

‫أما بالنسبة لزيادة اليمان ونقصانه ‪ ،‬فإن اليمان عند أهل السنة‬
‫والجماعة هو القرار بالقلب ‪ ،‬والنطق باللسان ‪ ،‬والعمل بالجوارح‬
‫‪ ،‬فهو يتضمن هذه المور الثلثة‪ ،‬إقرار بالقلب ‪ ،‬ونطق باللسان ‪،‬‬
‫وعمل بالجوارح ‪ ،‬وإذا كان كذلك ‪ ،‬فإنه سوف يزيد وينقص ‪ ،‬وذلك‬
‫لن القرار بالقلب يتفاضل ‪ ،‬فليس القرار بالخبر كالقرار‬
‫بالمعاينة ‪ ،‬وليس القرار بخبر الرجل كالقرار بخبر الرجلين ‪،‬‬
‫وهكذا‪.‬‬

‫حِيي‬ ‫رِني ك َي ْ َ‬ ‫َ‬


‫ف تُ ْ‬ ‫بأ ِ‬ ‫ولهذا قال إبراهيم عليه الصلة والسلم ‪َ ) :‬ر ّ‬
‫قل ِْبي()البقرة‪:‬‬ ‫قا َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ن ل ِي َطْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫ل ب ََلى َ‬ ‫ن َ‬
‫قا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ول َ ْ‬
‫م تُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫لأ َ‬ ‫وَتى َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫م ْ‬
‫‪ ،(260‬فاليمان يزيد من حيث القرار إقرار القلب وطمأنينته‬
‫وسكونه‪ ،‬والنسان يجد ذلك من نفسه ‪ ،‬فعندما يحضر مجلس‬
‫ذكر ‪ ،‬فيه موعظة وذكر للجنة والنار ‪ ،‬يزداد إيمانا ً حتى كأنه‬
‫يشاهد ذلك رأي عين ‪ ،‬وعندما تكون الغفلة ‪ ،‬ويقوم من هذا‬
‫المجلس ‪ ،‬يخف هذا اليقين في قلبه‪.‬‬

‫كذلك يزداد اليمان من حيث القول ‪ ،‬فإن من ذكر الله عز وجل‬


‫عشر مرات ‪ ،‬ليس كمن ذكر الله مائة مرة ‪ ،‬فالثاني أزيد بكثير‪.‬‬

‫وكذلك أيضا ً من أتى بالعبادة على وجه كامل ‪ ،‬يكون إيمانه أزيد‬
‫ممن أتى بها على وجه ناقص ‪ ،‬وكذلك العمل ‪ ،‬فإن النسان إذا‬
‫عمل عمل ً بجوارحه أكثر من الخر‪ ،‬صار الثاني أزيد إيمانا ً من‬
‫الناقص ‪ ،‬وقد جاء ذلك في الكتاب والسنة ‪ ،‬أعني إثبات الزيادة‬
‫ما‬ ‫و َ‬
‫والنقصان جاء في الكتاب والسنة ‪ ،‬قال الله تبارك وتعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ة ل ِل ّ ِ‬ ‫فت ْن َ ً‬ ‫م إ ِّل ِ‬ ‫ه ْ‬‫عدّت َ ُ‬ ‫عل َْنا ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫ملئ ِك َ ً‬ ‫ر إ ِّل َ‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬‫عل َْنا أ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫مانًا(‬ ‫ُ‬
‫مُنوا ِإي َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫دادَ ال ّ ِ‬ ‫وي َْز َ‬
‫ب َ‬ ‫ن أوُتوا ال ْك َِتا َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ق َ‬ ‫ست َي ْ ِ‬ ‫فُروا ل ِي َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫سوَرةٌ َ‬ ‫ت ُ‬ ‫زل َ ْ‬ ‫ما أن ْ ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫)المدثر‪ ،(31:‬وقال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫هذه إيمانا ً َ َ‬ ‫قو ُ َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫و ُ‬ ‫مانا ً َ‬ ‫م ِإي َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فَزادَت ْ ُ‬‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫فأ ّ‬ ‫ه َ ِ ِ ِ َ‬ ‫م َزادَت ْ ُ‬ ‫ل أي ّك ُ ْ‬ ‫يَ ُ‬
‫جسا ً‬ ‫في ُ ُ‬ ‫َ‬
‫ر ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫فَزادَت ْ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫قلوب ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬‫ما ال ّ ِ‬ ‫وأ ّ‬ ‫ن( )‪َ ) (124‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ست َب ْ ِ‬
‫يَ ْ‬
‫ن( )التوبة‪ ،(125-124:‬وفي‬ ‫فُرو َ‬ ‫كا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬‫ماُتوا َ‬ ‫و َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ر ْ‬ ‫إ َِلى ِ‬
‫الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬ما رأيت‬
‫من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن")‪،(19‬‬
‫فاليمان إذن يزيد وينقص ‪ ،‬لكن ما سبب زيادة اليمان ونقصانه؟‬

‫أما أسباب زيادة اليمان فمنها ‪:‬‬

‫السبب الول ‪ :‬معرفة الله تعالى بأسمائه وصفاته ‪ ،‬فإن النسان‬


‫كلما ازداد معرفة بالله وبأسمائه وصفاته أزداد إيمانا ً بل شك ‪،‬‬
‫ولهذا تجد أهل العلم الذين يعلمون من أسماء الله وصفاته ما ل‬
‫يعلمه غيرهم تجدهم أقوى إيمانا ً من الخرين من هذا الوجه‪.‬‬

‫السبب الثاني ‪ :‬النظر في آيات الله الكونية والشرعية ‪ ،‬فإن‬


‫النسان كلما نظر إلى اليات الكونية التي هي المخلوقات‪-‬‬
‫السموات والرض والنسان والبهيمة وغير ذلك ‪ -‬ازداد إيمانا ً ‪،‬‬
‫ْ َ‬
‫في‬ ‫و ِ‬
‫ن( )‪َ ) (20:‬‬
‫قِني َ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫مو ِ‬ ‫ض آَيا ٌ‬
‫في الْر ِ‬‫و ِ‬
‫قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن( )الذريات ‪ ، (21-20‬واليات الدالة على هذا‬ ‫صُرو َ‬ ‫م أَ َ‬
‫فل ت ُب ْ ِ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ف ِ‬
‫كثيرة ‪ ،‬أعني اليات الدالة على أن النسان بتدبره وتأمله في هذا‬
‫الكون يزداد إيمانا ً ‪.‬‬

‫السبب الثالث ‪ :‬كثرة الطاعات ‪ ،‬فالنسان كلما كثرت طاعاته‬


‫ازداد بذلك إيمانا ً ‪ ،‬سواء كانت هذه الطاعات من الطاعات القولية‬
‫أو الفعلية ‪ ،‬فالذكر يزيد اليمان كمية وكيفية ‪ ،‬والصلة والصوم‬
‫والحج تزيد اليمان أيضا ً كمية وكيفية‪.‬‬

‫أما أسباب النقصان فإنها على العكس من ذلك ‪ :‬فالجهل بأسماء‬


‫الله وصفاته يوجب نقص اليمان ‪ ،‬لن النسان إذا لم يعرف‬
‫أسماء الله وصفاته ينقصه العلم بهذه السماء والصفات التي تزيد‬
‫في اليمان‪.‬‬

‫السبب الثاني ‪ :‬العراض عن التفكر في آيات الله الكونية‬


‫والشرعية ‪ ،‬فإن هذا يسبب نقص اليمان ‪ ،‬أو على القل ركوده‬
‫وعدم نموه‪.‬‬

‫الثالث ‪ :‬فعل المعصية ‪ ،‬فإن للمعصية آثارا ً عظيمة على القلب ‪،‬‬
‫وعلى اليمان ‪ ،‬ولهذا قال النبي عليه الصلة والسلم ‪ " :‬ل يزني‬
‫الزاني حين يزني وهو مؤمن")‪.(20‬‬
‫الرابع ‪ :‬ترك الطاعة‪ ،‬فإن ترك الطاعة سبب لنقص اليمان ‪ ،‬لكن‬
‫إن كانت الطاعة واجبة وتركها بل عذر ‪ ،‬فهو نقص يلم عليه‬
‫ويعاقب ‪ ،‬وإن كانت الطاعة غير واجبة ‪ ،‬أو واجبة لكن تركها‬
‫لعذر ‪ ،‬فإنه نقص ل يلم عليه ‪ ،‬ولهذا جعل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم النساء ناقصات عقل ودين ‪ ،‬وعلل نقصان دينها بأنها إذا‬
‫حاضت لم تصل ولم تصم ‪ ،‬مع أنها ل تلم على ترك الصلة‬
‫والصيام في حال الحيض ‪ ،‬بل هي مأمورة بذلك ‪ ،‬لكن لما فاتها‬
‫الفعل الذي يقوم به الرجل ‪ ،‬صارت ناقصة عن الرجل من هذا‬
‫الوجه‪.‬‬

‫السؤال )‪ :(28‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬بالنسبة لزيادة اليمان‬


‫ونقصانه هناك من يرى أن اليمان ل يزيد ول ينقص ‪ ،‬وأن‬
‫المعصية تذهب اليمان كله ويكفر النسان ‪ ،‬كيف يرد على‬
‫هؤلء؟‬
‫الجواب ‪ :‬نرد على هؤلء بما أشرنا إليه من قبل بالنصوص من‬
‫الكتاب والسنة ‪ ،‬وكذلك بالواقع ‪ ،‬فإننا نقول لهم ‪ :‬أنتم الن لو‬
‫أتاكم مخبر وقال ‪ :‬إن فلنا ً قدم البلد اليوم ‪ ،‬وهذا المخبر عندكم‬
‫ثقة ‪ ،‬يكون لديكم اليمان بأنه قدم ‪ ،‬فإذا جاء رجل آخر وأخبركم‬
‫بذلك ‪ ،‬أفل يزداد إيمانكم به؟ سيقولون ‪ :‬بلى يزداد إيماننا بذلك ‪،‬‬
‫فإذا رأيتم هذا الرجل القادم رأي العين ‪ ،‬ازددتم يقينا ً أكثر ‪ ،‬وهذا‬
‫أمر ل يمتري فيه أحد ‪ ،‬ثم نقول ‪ :‬مادمنا أدخلنا القوال والعمال‬
‫في مسمى اليمان ‪ ،‬فإن اختلف القوال والعمال بالزيادة‬
‫والنقص أمر معلوم ل ينكر ‪ ،‬فيكون في هذا دليل واضح على أن‬
‫اليمان يزيد وينقص‪.‬‬

‫إنكار أن اليمان يزيد وينقص‬


‫السؤال )‪ : (29‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن ما حكم عدم القرار‬
‫بزيادة اليمان ونقصانه؟‬
‫الجواب ‪ :‬هذا يرجع إلى حال المنكر ‪ ،‬إن كان أنكر ذلك تكذيبا ً‬
‫وجحدًا‪ ،‬فهو كافر لتكذيبه وجحده لما جاء به القرآن ‪ ،‬وإن كان‬
‫تأويل ً فإن التأويل له درجات ‪ ،‬قد يصل إلى الكفر وقد ل يصل‪،‬‬
‫فالنسان الذي يقول ‪ :‬أنا ل أقول ‪ :‬إن اليمان يزيد وينقص متأول ً‬
‫‪ ،‬فإنه على حسب تأويله‪.‬‬

‫صفة الحكم بغير ما أنزل الله‬


‫السؤال )‪ : (30‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي صفة الحكم بغير ما‬
‫أنزل الله؟‬
‫الجواب ‪ :‬الحكم بغير ما أنزل الله ينقسم إلى قسمين ‪:‬‬

‫القسم الول ‪ :‬أن يبطل حكم الله ليحل محله حكم آخر طاغوتي ‪،‬‬
‫بحيث يلغي الحكم بالشريعة بين الناس ‪ ،‬ويجعل بدله حكم آخر من‬
‫وضع البشر‪ ،‬كالذين ينحون الحكام الشرعية في المعاملة بين‬
‫الناس ‪ ،‬ويحلون محلها القوانين الوضعية ‪ ،‬فهذا ل شك أنه‬
‫استبدال بشريعة الله سبحانه وتعالى غيرها ‪ ،‬وهو كفر مخرج عن‬
‫الملة‪ ،‬لن هذا جعل نفسه بمنزلة الخالق ‪ ،‬حيث شرع لعباد الله ما‬
‫لم يأذن به الله ‪ ،‬بل ما خالف حكم الله عز وجل ‪ ،‬وجعله هو الحكم‬
‫الفاصل بين الخلق ‪ ،‬وقد سمى الله تعالى ذلك شركا ً في قوله‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه(‬‫ه الل ّ ُ‬
‫ن بِ ِ‬ ‫ما ل َ ْ‬
‫م ي َأذَ ْ‬ ‫ن َ‬
‫دي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬
‫م ِ‬ ‫عوا ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫شَر ُ‬ ‫شَر َ‬
‫كاءُ َ‬ ‫م ُ‬ ‫م لَ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫تعالى ‪) :‬أ ْ‬
‫)الشورى‪. (21 :‬‬

‫القسم الثاني ‪ :‬أن تبقى أحكام الله عز جل على ما هي عليه ‪،‬‬


‫وتكون السلطة لها ‪ ،‬ويكون الحكم منوطا ً بها ‪ ،‬ولكن يأتي حاكم‬
‫من الحكام فيحكم بغير ما تقتضيه هذه الحكام ‪ ،‬يحكم بغير ما‬
‫أنزل الله ‪ ،‬فهذا له ثلث حالت‪:‬‬

‫الحال الولى ‪ :‬أن يحكم بما يخالف شريعة الله معتقدا ً أن ذلك‬
‫أفضل من حكم الله وأنفع لعباد الله ‪ ،‬أو معتقدا ً أنه مماثل لحكم‬
‫الله عز وجل ‪ ،‬أو يعتقد أنه يجوز له الحكم بغير ما أنزل الله ‪،‬‬
‫فهذا كفر ‪ ،‬يخرج به الحاكم من الملة‪ ،‬لنه لم يرض بحكم الله عز‬
‫وجل ‪ ،‬ولم يجعل الله حكما ً بين عباده‪.‬‬
‫الحال الثانية‪ :‬أن يحكم بغير ما أنزل الله معتقدا ً أن حكم الله‬
‫تعالى هو الفضل والنفع لعباده ‪ ،‬لكنه خرج عنه ‪ ،‬وهو يشعر بأنه‬
‫عاص لله عز وجل إنما يريد الجور والظلم للمحكوم عليه ‪ ،‬لما بينه‬
‫وبينه من عداوة ‪ ،‬فهو يحكم بغير ما أنزل الله ل كراهة لحكم الله‬
‫ول استبدل ً به ‪ ،‬ول اعتقادا ً بأنه ‪ -‬أي الحكم الذي حكم به ‪ -‬أفضل‬
‫من حكم الله أو مساو له ‪ ،‬أو أنه يجوز الحكم به ‪ ،‬لكن من أجل‬
‫الضرار بالمحكوم عليه حكم بغير ما أنزل الله ‪ ،‬ففي هذه الحال‬
‫ل نقول ‪ :‬إن هذا الحاكم كافر ‪ ،‬بل نقول ‪ :‬إنه ظالم معتد جائر‪.‬‬

‫الحال الثالثة ‪ :‬أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أن حكم الله‬
‫تعالى هو الفضل والنفع لعباد الله ‪ ،‬وأنه بحكمه هذا عاص لله عز‬
‫وجل ‪ ،‬لكنه حكم لهوى في نفسه ‪ ،‬لمصلحة تعود له أو للمحكوم‬
‫له ‪ ،‬فهذا فسق وخروج عن طاعة الله عز وجل ‪ ،‬وعلى هذه‬
‫م‬‫ن لَ ْ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬‫الحوال الثلث يتنزل قول الله تعالى في ثلث آيات ) َ‬
‫ن()المائدة‪ (44:‬وهذا ينزل‬ ‫فُرو َ‬ ‫كا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬
‫ه َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬‫يَ ْ‬
‫م‬‫ه ُ‬
‫ك ُ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬‫ه َ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫م بِ َ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫على الحال الولى ‪َ ) ،‬‬
‫حك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م يَ ْ‬‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫ن()المائدة‪ (45 :‬ينزل على الحال الثانية‪َ ) ،‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن()المائدة‪ (47 :‬ينزل على‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬‫فُأول َئ ِ َ‬
‫ه َ‬‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أ َن َْز َ‬ ‫بِ َ‬
‫الحال الثالثة‪.‬‬

‫وهذه المسألة من أخطر ما يكون في عصرنا هذا ‪ ،‬فإن من الناس‬


‫من أولع وأعجب بأنظمة غير المسلمين ‪ ،‬حتى شغف بها ‪ ،‬وربما‬
‫قدمها على حكم الله ورسوله ‪ ،‬ولم يعلم أن حكم الله ورسوله‬
‫ماض إلى يوم القيامة ‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه وسلم بعث إلى‬
‫الخلق عامة إلى يوم القيامة‪ ،‬والذي بعثه سبحانه وتعالى عالم‬
‫بأحوال العباد إلى يوم القيامة ‪ ،‬فل يمكن أن يشرع لعباده إل ما‬
‫هو نافع لهم في أمور دينهم ودنياهم إلى يوم القيامة ‪ ،‬فمن زعم‬
‫أو توهم أن غير حكم الله تعالى في عصرنا أنفع لعباد الله من‬
‫الحكام التي ظهر شرعها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫فقد ضل ضلل ً مبينا ً ‪ ،‬فعليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إلى‬
‫رشده ‪ ،‬وأن يفكر في أمره ‪.‬‬
‫الفرق بين الظالم والفاسق‬
‫السؤال )‪ : (31‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ذكرتم في الظالم والفاسق‬
‫أشياء متقاربة أو يمكن أن تكون متداخلة ‪ ،‬وهي أن الظالم‬
‫يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعلم أن حكم الله أفضل لكنه‬
‫يريد أن يتشفى من أحد فيطبق حكما ً على شخص ما جاء عن‬
‫الله ‪ ،‬والفاسق يحكم وهو يعلم بحكم الله ‪ ،‬ويعلم أنه هو‬
‫الحكم السديد ‪ ،‬لكنه لمصلحته أو هوى في نفسه‪ ،‬أو ليوافق‬
‫هوى لغيره يحكم بغير ما أنزل الله ‪ ،‬فما الفرق بينهما؟‬
‫الجواب ‪ :‬الفرق بينهما أن الذي نصفه بأنه ظالم حكم لطلب‬
‫العدوان على المحكوم عليه ‪ ،‬وإن لم يكن له فيه مصلحة ‪ ،‬ولم‬
‫ينظر إطلقا ً إلى مصلحة المحكوم له ‪ ،‬لكن أهم شيء عنده هو‬
‫الجور والظلم بالنسبة لهذا المحكوم عليه ‪،‬أما الخر فهو نظر‬
‫لمصلحة المحكوم له ‪ ،‬ولم يكن يشعر في نفسه أن يظلم ذلك‬
‫الرجل المحكوم عليه ‪ ،‬ولهذا ل يفرق في المحكوم عليه بأن يكون‬
‫فلنا ً أو فلنا ً ‪ ،‬لنه إنما يريد مصلحة المحكوم له‪ ،‬أو يريد أن يجر‬
‫إلى نفسه هو منفعة أو ما أشبه ذلك ‪ ،‬فهذا هو الفرق بينهما‪.‬‬

‫حقيقة الكهانة‬
‫السؤال )‪ :(32‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي الكهانة؟‬
‫الجواب ‪ :‬الكهانة فعالة مأخوذة من الكهن ‪ ،‬وهو التخرص والتماس‬
‫الحقيقة بأمور ل أساس لها ‪ ،‬وكانت في الجاهلية صنعة لقوام‬
‫تتصل بهم الشياطين وتسترق السمع من السماء ‪ ،‬وتحدثهم به ‪ .‬ثم‬
‫يأخذون الكلمة التي سمعوها بل الكلمة التي نقلت إليهم من‬
‫السماء بواسطة هؤلء الشياطين ‪ ،‬ويضيفون إليها ما يضيفون من‬
‫القول ‪ ،‬ثم يحدثون بها الناس ‪ ،‬فإذا وقع الشيء مطابقا ً لما قالوا ‪،‬‬
‫اغتر بهم الناس ‪ ،‬واتخذوهم مرجعا ً في الحكم بينهم ‪ ،‬وفي استنتاج‬
‫ما يكون في المستقبل‪.‬‬
‫ولهذا نقول ‪ :‬الكاهن هو الذي يخبر عن المغيبات في المستقبل ‪،‬‬
‫والذي يأتي إلى الكاهن ينقسم إلى ثلثة أقسام ‪:‬‬

‫القسم الول ‪ :‬أن يأتي إلى الكاهن فيسأله من غير أن يصدقه ‪،‬‬
‫فهذا محرم ‪ ،‬وعقوبة فاعله أل تقبل له صلة أربعين يوما ً ‪ ،‬كما‬
‫ثبت ذلك في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪" :‬‬
‫من أتى عرافا فسأله لم تقبل له صلة أربعين يوما ً أو أربعين‬
‫ليلة")‪. (21‬‬

‫القسم ‪ :‬الثاني ‪ :‬أن يأتي إلى الكاهن فيسأله ويصدقه بما أخبر به‬
‫‪ ،‬فهذا كفر بالله عز وجل ‪ ،‬لنه صدقة في دعوى علم الغيب ‪،‬‬
‫وتصديق البشر في دعوى علم الغيب تكذيب لقول الله تعالى ‪:‬‬
‫ْ َ‬
‫ما‬
‫و َ‬ ‫ب إ ِّل الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ض ال ْ َ‬
‫غي ْ َ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫ما َ‬
‫س َ‬
‫في ال ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬‫عل َ ُ‬
‫ل ل يَ ْ‬‫ق ْ‬‫) ُ‬
‫َ‬
‫ن( )النمل‪ ،(65:‬وتكذيب خبر الله ورسوله كفر‬ ‫عُثو َ‬
‫ن ي ُب ْ َ‬‫ن أّيا َ‬ ‫عُرو َ‬
‫ش ُ‬‫يَ ْ‬
‫‪ ،‬ولهذا جاء في الحديث الصحيح ‪ " :‬من أتى كاهنا ً فصدقه بما‬
‫يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم")‪.(22‬‬

‫القسم الثالث ‪ :‬أن يأتي للكاهن فيسأله ‪ ،‬ليبين حاله للناس وأن‬
‫ما يفعله كهانة وتمويه وتضليل ‪ ،‬فهذا ل بأس به ‪ ،‬ودليل ذلك أن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أتى بابن صياد أو أتاه ابن صياد‬
‫فأضمر له النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ً في نفسه ‪ ،‬فسأله ‪-‬‬
‫أي النبي صلى الله عليه وسلم ‪ -‬ماذا خبأ له ‪ ،‬فقال ‪ :‬الدخ ‪ ،‬يريد‬
‫الدخان ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬اخسا ‪ ،‬فلن تعدو‬
‫قدرك" )‪. (23‬‬

‫هذه أحوال من يأتي إلى الكهان ‪ ،‬وهي ثلثة ‪ ،‬أن يأتي فيسأله‬
‫بدون أن يصدقه ‪ ،‬وبدون أن‪ ،‬يقصد امتحانه وبيان حاله ‪ ،‬فهذا‬
‫محرم ‪ ،‬وعقوبة فاعله أل تقبل له صلة أربعين ليلة‪ .‬الثانية ‪ :‬أن‬
‫يسأله فيصدقه ‪ ،‬وهذا كفر بالله عز وجل ‪ ،‬يجب على النسان أن‬
‫يتوب منه ‪ ،‬ويرجع إلى الله عز وجل ‪ ،‬وإل مات على الكفر ‪،‬‬
‫والحالة الثالثة ‪ :‬أن يأتيه فيسأله ليمتحنه ‪ ،‬ويبين حاله للناس ‪،‬‬
‫فهذا ل بأس به‪.‬‬

‫حكم مرتادي الكهان‬


‫السؤال )‪ : (33‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬حبذا أيضا ً لو عرفنا أحوال‬
‫الناس الذين يرتادون الكهنة والكهان ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أحوالهم ثلثة ‪:‬‬

‫الحال الولى ‪ :‬أن يأتي إلى الكاهن فيسأله بدون أن يصدقه ‪ ،‬ول‬
‫يقصد بذلك بيان حاله فهذا آثم ‪ ،‬وعقوبته أل تقبل له صلة أربعين‬
‫يومًا‪.‬‬

‫الحال الثانية ‪ :‬أن يأتيه فيسأله ويصدقه وهذا كافر ‪ ،‬لن مكذب‬
‫ض ال ْ َ‬ ‫ْ َ‬
‫ب‬
‫غي ْ َ‬ ‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬
‫وا ِ‬
‫ما َ‬
‫س َ‬
‫في ال ّ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫عل َ ُ‬
‫م َ‬ ‫ل ل يَ ْ‬ ‫لقول الله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ق ْ‬
‫ه()النمل‪.(65:‬‬‫إ ِّل الل ّ ُ‬
‫الحال الثالثة ‪ :‬أن يأتي إليه فيسأله ليمتحنه ‪ ،‬ويبين حاله للناس‬
‫ودجله وافتراءه ‪ ،‬وقلنا ‪ :‬إن هذا ل بأس به ‪ ،‬ومن المعلوم أن‬
‫الشيء الذي يكون مباحا ً إذا أفضى إلى محظور فإنه يكون‬
‫محظورا ً ‪ ،‬فلو قدر أنه في هذه الحال الثالثة التي أتى إليه فيها‬
‫ليمتحنه ويبين حاله أن يغتر به من يغتر من الناس ‪ ،‬فإنه في هذه‬
‫الحال ل يفعل ول يأتي إليه ولو لهذا القصد الصحيح ‪ ،‬لن القاعدة‬
‫أن ما أفضى إلى محظور فهو محظور‪.‬‬

‫التنجيم وحكمه‬
‫السؤال )‪ : (34‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نريد أن نعرف التنجيم وحكمه؟‬
‫الجواب ‪ :‬التنجيم مأخوذ من النجم‪ ،‬وهو الستدلل بالحوال‬
‫الفلكية على الحوادث الرضية ‪ ،‬بمعنى أن يربط المنجم ما يقع‬
‫في الرض أو ما سيقع في الرض بالنجوم ‪ ،‬بحركتها وطلوعها‬
‫وغروبها واقترانها وافتراقها وما أشبه ذلك ‪ ،‬والتنجيم نوع من‬
‫السحر وهو محرم ‪ ،‬لنه مبني على أوهام ل حقيقة لها ‪ ،‬فل‬
‫علقة لما يحدث بالرض بما يحدث في السماء ‪ ،‬ولهذا لما كان من‬
‫عقيدة أهل الجاهلية أن الشمس والقمر ل يكسفان إل لموت‬
‫أحد ‪ ،‬أي لموت عظيم ‪ ،‬فكسفت الشمس في عهد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬فقال الناس كسفت الشمس لموت إبراهيم ‪ ،‬فخطب‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم الناس حين صلى للكسوف ‪ ،‬وقال ‪" :‬‬
‫إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله ل ينكسفان لموت أحد ول‬
‫لحياته")‪ ، (24‬فأبطل النبي صلى الله عليه وسلم ارتباط الحوادث‬
‫الرضية بالحوال الفلكية‪ ،‬وهو كذلك ‪ ،‬وكما أنه ‪ -‬أي التنجيم ‪-‬‬
‫بهذا المعنى نوع من السحر ‪ ،‬فهو أيضا ً سبب للوهام والنفعالت‬
‫النفسية التي ليس لها حقيقة ول أصل ‪ ،‬فيوقع النسان في‬
‫أوهام وتشاؤمات ومتاهات ل نهاية لها‪.‬‬

‫هناك نوع آخر من التنجيم ‪ :‬وهو أن النسان يستدل بطلوع النجوم‬


‫على الوقات والزمنة والفصول ‪ ،‬فهذا ل بأس به ول حرج فيه ‪،‬‬
‫مثل أن يقول ‪ :‬إنه إذا دخل النجم الفلني فإنه يكون قد دخل‬
‫موسوم المطار‪ ،‬أو قد دخل وقت نضوج الثمار ‪ ،‬أو ما أشبه ذلك ‪،‬‬
‫فهذا ل بأس به ول حرج فيه‪.‬‬

‫السؤال )‪ : (35‬فضيلة الشيخ يعني أن هذا يكون من باب‬


‫استقراء السنن الكونية؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم هذا كما نقول إذا زالت الشمس فقد دخل وقت‬
‫الظهر ‪ ،‬وإذا غربت دخل وقت المغرب ‪ ،‬وما أشبه ذلك ‪.‬‬

‫علقة التنجيم بالكهانة‬


‫السؤال )‪ :(36‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن هل هناك علقة بين‬
‫التنجيم والكهانة؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم ‪ ،‬العلقة بينهما هي أن الكل مبني على الوهم‬
‫والدجل ‪ ،‬وأكل أموال الناس بالباطل ‪ ،‬وإدخال الهموم والغموم‬
‫عليهم‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫أيهما أخطر؟‬
‫السؤال )‪ :(37‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن أيهما أخطر على‬
‫المسلمين؟‬
‫الجواب ‪ :‬هذا ينبني على شيوع هذا المر بين الناس‪ ،‬فقد يكون‬
‫في بعض البلد ل أثر للتنجيم عندهم إطلقا ً ‪ ،‬ول يهتمون به ‪ ،‬ول‬
‫يصدقون به ‪ ،‬ولكن الكهانة منتشرة عندهم فتكون أخطر‪.‬‬

‫وقد يكون المر بالعكس ‪ ،‬لكن من حيث واقع الكهانة والتنجيم‬


‫فإن الكهانة أخطر وأعظم‪.‬‬

‫حقيقة السحر‬
‫السؤال )‪ :(38‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ذكرتم في حديثكم عن التنجيم‬
‫أنه نوع من السحر فما هو السحر؟‬
‫الجواب ‪ :‬السحر كما قال العلماء ‪ :‬هو عبارة عن كل ما لطف‬
‫وخفي سببه ‪ ،‬بحيث يكون له تأثير خفي ل يطلع عليه الناس ‪،‬‬
‫وهو بهذا المعنى يشمل التنجيم والكهانة ‪ ،‬بل إنه يشمل التأثير‬
‫بالبيان والفصاحة ‪ ،‬كما قال النبي عليه الصلة والسلم ‪" :‬إن من‬
‫البيان لسحرا")‪ ،(25‬فكل شيء يكون له أثر لكنه ليس شيئا ً معلوما ً ‪-‬‬
‫أي ذلك المؤثر فإنه نوع من السحر‪.‬‬

‫السؤال )‪ :(39‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن ما المقصود باللطافة في‬


‫قولكم‪ :‬السحر كل ما لطف وخفي سببه؟‬

‫الجواب ‪ :‬اللطافة معناها الشيء الخفي اللطيف ‪ ،‬وضده الشيء‬


‫الجليل الكبير البين فمثل ً هذا الساحر يعمل عمل ً يستجلب ود‬
‫المسحور ‪ ،‬حتى يتعلق بع تعلقا ً عظيمًا‪ ،‬أو يستجلب نفرته منه ‪،‬‬
‫حتى يبغضه بغضا ً عظيما ً ‪ .‬مع أن هذا الذي سحر وحصلت له‬
‫المحبة العظيمة أو النفرة العظمة ل يعرف هذا الشيء ويخفي‬
‫عليه سببه‪.‬‬

‫حكم السحر وتعلمه‬


‫السؤال )‪ :(40‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم السحر وما حكم تعلمه؟‬
‫الجواب ‪ :‬تعلم السحر محرم ‪ ،‬بل هو كفر إذا كانت وسيلته‬
‫ما ت َت ُْلوا‬
‫عوا َ‬
‫وات ّب َ ُ‬
‫الستعانة بالشياطين‪ ،‬قال الله تبارك وتعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن‬‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ول َك ِ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ما ُ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ما َ‬ ‫سل َي ْ َ‬ ‫ك ُ‬ ‫مل ْ ِ‬ ‫عَلى ُ‬ ‫ن َ‬ ‫طي ُ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫عَلى ال ْ َ َ‬ ‫ُ‬
‫ت‬
‫هاُرو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ب َِباب ِ َ‬ ‫ملك َي ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ز َ‬ ‫ما أن ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫حَر َ‬ ‫س ْ‬ ‫س ال ّ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫فُروا ي ُ َ‬ ‫كَ َ‬
‫َ‬
‫فْر‬‫فل ت َك ْ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫فت ْن َ ٌ‬‫ن ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ما ن َ ْ‬ ‫قول إ ِن ّ َ‬ ‫حّتى ي َ ُ‬ ‫د َ‬ ‫ح ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫عل ّ َ‬‫ما ي ُ َ‬ ‫و َ‬ ‫ت َ‬ ‫ماُرو َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ضاّري َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ِ‬ ‫وَز ْ‬ ‫ء َ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ه ب َي ْ َ‬‫ن بِ ِ‬ ‫ُ‬
‫ما ي ُفّرقو َ‬ ‫َ‬ ‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ّ‬
‫عل ُ‬ ‫في َت َ َ‬ ‫َ‬
‫ول َ َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ق ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ع ُ‬‫ف ُ‬ ‫ول ي َن ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضّر ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫عل ّ ُ‬ ‫وي َت َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫د إ ِّل ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫ح ٍ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫بِ ِ‬
‫ق ( )البقرة‪،(102:‬‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫خَر ِ‬ ‫في اْل ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫شت ََراهُ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫موا ل َ َ‬ ‫عل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫فتعلم هذا النوع من السحر‪ ،‬وهو الذي يكون بواسطة الستعانة‬
‫بالشياطين كفر ‪ ،‬واستعماله أيضا ً كفر وظلم وعدوان على‬
‫الخلق ‪ ،‬ولهذا يقتل الساحر ‪ ،‬إما ردة‪ ،‬وإما حدا ً ‪ ،‬فإن كان سحره‬
‫على وجه يكفر به ‪ ،‬فإنه يقتل قتل ردة وكفر‪ ،‬وإن كان سحره ل‬
‫يصل إلى درجة الكفر فإنه يقتل حدا ً ‪ ،‬دفعا ً لشره وأذاه عن‬
‫المسلمين‪.‬‬

‫هل السحر حقيقة؟‬


‫السؤال )‪ :(41‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل السحر حقيقة أم أنه تخيل‬
‫أو تخيلت على الناس؟‬
‫الجواب ‪ :‬السحر حقيقة ول شك‪ ،‬وهو مؤثر حقيقة‪ .‬لكن كونه‬
‫يقلب الشيء أو يحرك الساكن‪ ،‬أو يسكن المتحرك‪ ،‬هذا خيال‬
‫وليس حقيقة‪ .‬وانظر إلى قول الله تبارك وتعالى في قصة‬
‫ن‬ ‫حُروا أ َ ْ‬
‫عي ُ َ‬ ‫س َ‬‫السحرة في آل فرعون ‪ ،‬يقول الله عز وجل‪َ ) :‬‬
‫م()العراف‪ ،(116 :‬كيف‬ ‫ظي ٍ‬‫ع ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ح ٍ‬‫س ْ‬ ‫ءوا ب ِ ِ‬ ‫جا ُ‬
‫و َ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫هُبو ُ‬
‫ست َْر َ‬
‫وا ْ‬
‫س َ‬
‫الّنا ِ‬
‫سحروا أعين الناس ؟ سحروا أعين الناس حتى صار الناس‬
‫ينظرون إلى هذه الحبال والعصي كأنها ثعابين تمشي‪ ،‬كما قال‬
‫َ‬
‫عى(‬ ‫س َ‬‫ها ت َ ْ‬‫م أن ّ َ‬ ‫ه ْ‬
‫ر ِ‬
‫ح ِ‬
‫س ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬‫ه ِ‬‫ل إ ِل َي ْ ِ‬‫خي ّ ُ‬‫الله تعالى في سورة طه‪ ) :‬ي ُ َ‬
‫)طـه‪ ،(66 :‬فالسحر باعتبار تأثيره في قلب الشياء ‪ ،‬وتحريك‬
‫الساكن ‪ ،‬أو تسكين متحرك ‪ ،‬هذا ليس له أثر ‪ ،‬لكن في كونه‬
‫يسحر أو يؤثر على المسحور ‪ ،‬حتى يرى الساكن متحركا ً‬
‫والمتحرك ساكنا ً ‪ ،‬هذا أثره ظاهر جدا ً ‪ ،‬إذا فله حقيقة ‪ ،‬ولهذا‬
‫يؤثر على بدن المسحور وعقله وحواسه ‪ ،‬وربما يهلكه‪.‬‬
‫علقة الكهانة بالسحر‬
‫السؤال )‪ :(42‬فضيلة الشيخ‪ ،‬تحدثتم عن الكهانة وعرفتم‬
‫الكاهن ‪ ،‬وعرفتم أيضا ً السحر‪ ،‬لكن هل هناك علقة بين‬
‫الكهانة والسحر؟‬
‫الجواب ‪ :‬كما قلنا من قبل ‪ :‬إن الكاهن يؤثر في الناس بما يدجل‬
‫به عليهم من الخبارات عن الشياء المستقبلية ‪ ،‬وكذلك الساحر‬
‫يؤثر في عقول الناس وتفكيرهم وأبدانهم ‪ ،‬حتى يتوهم المسحور‬
‫أشياء ليس لها حقيقة‪.‬‬

‫هل سحر النبي صلى الله عليه وسلم‬

‫السؤال )‪ :(43‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬جاء عن رسول الله صلى الله‬


‫عليه وسلم أنه سحر‪ ،‬فنريد أن تتحدثوا لنا عما سحر به النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم؟ وأيضا ً هل حصول السحر للنبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ينافي مقام النبوة؟‬
‫الجواب ‪ :‬ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم سحر)‪ ،(26‬لكن هذا السحر لم يؤثر عليه من الناحية‬
‫التشريعية أو الوحي‪ ،‬إنما غاية ما هنالك أنه وصل إلى درجة يخيل‬
‫إليه أنه فعل الشيء ولم يكن فعله في أهله ‪ ،‬وهذا السحر الذي‬
‫وضع له كان من يهودي يقال له لبيد بن العصم ‪ ،‬وضعه له ولكن‬
‫الله سبحانه وتعالى أنجاه منه ‪ ،‬حتى جاءه الوحي بذلك ‪ .‬وعوذ‬
‫ل أَ ُ‬
‫عوذُ‬ ‫ق(‪ُ ) ،‬‬
‫ق ْ‬ ‫ب ال ْ َ َ‬
‫فل ِ‬ ‫ل أَ ُ‬
‫عوذُ ب َِر ّ‬ ‫بالمعوذتين عليه الصلة والسلم ) ُ‬
‫ق ْ‬
‫س( ‪.‬‬
‫ب الّنا ِ‬
‫ب َِر ّ‬
‫ول يؤثر هذا السحر على مقام النبوة ‪ ،‬لنه لم يؤثر في تصرف‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فيما يتعلق بالوحي والعبادات كما‬
‫أسلفنا ‪ ،‬وقد أنكر بعض الناس أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫سحر‪ ،‬بحجة أن هذا القول يستلزم تصديق الكافرين ‪ ،‬بل تصديق‬
‫حورًا()السراء‪:‬‬
‫س ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن إ ِّل َر ُ‬
‫جل ً َ‬ ‫عو َ‬
‫ن ت َت ّب ِ ُ‬
‫الظالمين الذين قالوا ‪ ) :‬إ ِ ْ‬
‫‪ ،(47‬ولكن هذا ل شك أنه ل يستلزم موافقة هؤلء الظالمين بما‬
‫وصفوا به النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لن أولئك يدعون أن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم مسحور فيما يتكلم به من الوحي ‪،‬‬
‫وأن ما جاء به هذيان كهذيان المسحور‪ ،‬وأما السحر الذي وقع‬
‫للرسول عليه الصلة والسلم فلم يؤثر عليه في شيء من‬
‫الوحي‪ ،‬ول في شيء من العبادات ‪ ،‬ول يجوز لنا أن نكذب الخبار‬
‫الصحيحة بسوء فهمنا للنصوص‪.‬‬

‫حقيقة اللحاد‬
‫السؤال )‪ :(44‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو اللحاد في أسماء الله‬
‫وصفاته؟‬
‫الجواب ‪ :‬اللحاد في الصل أي في اللغة العربية ‪ :‬هو الميل ‪،‬‬
‫ن‬
‫سا ٌ‬ ‫ه َ‬
‫ذا ل ِ َ‬ ‫و َ‬
‫ي َ‬
‫م ّ‬
‫ج ِ‬ ‫ه أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫ن إ ِل َي ْ ِ‬
‫دو َ‬ ‫ذي ي ُل ْ ِ‬
‫ح ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫سا ُ‬
‫ومنه قوله تعالى ‪ ) :‬ل ِ َ‬
‫ن()النحل‪ ،(103 :‬ومنه اللحد في القبر ‪ ،‬فإنه سمي‬ ‫مِبي ٌ‬
‫ي ُ‬
‫عَرب ِ ّ‬
‫َ‬
‫لحدا ً لميله إلى جانب منه ‪ .‬ول يعرف اللحاد إل بمعرفة‬
‫الستقامة‪ ،‬لنه كما قيل ‪ :‬بضدها تتبين الشياء‪ ،‬فالستقامة في‬
‫باب أسماء الله وصفاته‪ :‬أن نجري هذه السماء والصفات على‬
‫حقيقتها اللئقة بالله عز وجل ‪ ،‬من غير تحريف ول تعطيل ول‬
‫تكييف ول تمثيل‪ ،‬كما مر علينا في القاعدة التي يمشي عليها‬
‫أهل السنة والجماعة في هذا الباب ‪ ،‬فإذا عرفنا الستقامة في‬
‫هذا الباب فإن خلف الستقامة هو اللحاد‪ ،‬وقد ذكر أهل العلم‬
‫لللحاد في أسماء الله تعالى أنواعا ً يجمعها أن نقول ‪ :‬هو الميل‬
‫بها عما يجب اعتقاده فيها‪.‬‬

‫فالنوع الول ‪ :‬أن ينكر شيء منها أو مما دلت عليه من الصفات ‪،‬‬
‫مثل أن ينكر اسم الرحمن من أسماء الله كما فعل أهل الجاهلية ‪،‬‬
‫أو تثبت السماء ولكن ينكر ما تضمنته من الصفات ‪ ،‬كما يقول‬
‫بعض المبتدعة‪ " :‬إن الله تعالى رحيم بل رحمة ‪ ،‬وسميع بل سمع ‪،‬‬
‫وبصير بل بصر" وهكذا‪.‬‬

‫النوع الثاني ‪ :‬أن يسمي الله تعالى بما لم يسم به نفسه ‪ ،‬ووجه‬
‫كونه إلحادا ً أن أسماء الله سبحانه وتعالى توقيفية‪ ،‬فل يحل لحد‬
‫أن يسمي الله تعالى باسم لم يسم به نفسه ‪ ،‬لن هذا من القول‬
‫على الله بل علم ‪ ،‬ومن العدوان على الله عز وجل أيضا ً ‪ ،‬ومن‬
‫العدوان في حق الله عز وجل ‪ ،‬وذلك كما صنع الفلسفة فسموا‬
‫الله بالعلة الفاعلة ‪ ،‬وكما صنع النصارى فسموا الله تعالى باسم‬
‫الب ونحو ذلك ‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬أن يعتقد أن هذه السماء دالة على أوصاف تماثل‬
‫أوصاف المخلوقين ‪ ،‬فيجعلها دالة على التمثيل‪ .‬ووجه كونه إلحادا ً‬
‫‪ :‬أن من اعتقد بأن أسماء الله سبحانه وتعالى دالة على تمثيل‬
‫الله بخلقه فقد جعل كلم الله وكلم رسوله صلى الله عليه وسلم‬
‫دال ً على الكفر ‪ ،‬لن تمثيل الله بخلقه كفر‪ ،‬لكونه تكذيبا ً لقوله‬
‫صيُر()الشورى‪،(11 :‬‬ ‫ع ال ْب َ ِ‬
‫مي ُ‬
‫س ِ‬
‫و ال ّ‬
‫ه َ‬
‫و ُ‬
‫يء ٌ َ‬‫ش ْ‬‫ه َ‬ ‫س كَ ِ‬
‫مث ْل ِ ِ‬ ‫تعالى ‪ ) :‬ل َي ْ َ‬
‫مي ًّا()مريم‪ ، (65 :‬قال نعيم بن حماد‬ ‫س ِ‬‫ه َ‬‫م لَ ُ‬ ‫عل َ ُ‬
‫ل تَ ْ‬‫ه ْ‬
‫ولقوله ‪َ ) :‬‬
‫الخزاعي شيخ البخاري ‪ -‬رحمهم الله " من شبه الله بخلقه فقد‬
‫كفر ‪ ،‬ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر ‪ ،‬وليس فيما‬
‫سمى الله ووصف به نفسه تشبيه"‪.‬‬

‫النوع الرابع‪ :‬أن يشتق من أسماء الله تعالى أسماء للصنام ‪،‬‬
‫كاشتقاق اللت من الله‪ ،‬والعزى من العزيز ‪ ،‬ومناة من المنان ‪،‬‬
‫ووجه كونه إلحادا ً أن أسماء الله عز وجل خاصة به ‪ ،‬فل يجوز أن‬
‫تنقل المعاني الدالة عليها هذه السماء إلى أحد المخلوقين ‪،‬‬
‫ليعطى من العبادة ما ل يستحقه إل الله عز وجل ‪ ،‬هذه أنواع‬
‫اللحاد في أسماء الله سبحانه وتعالى ‪.‬‬
‫أنواع الشرك‬
‫السؤال )‪ :(45‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي أنواع الشرك؟‬
‫الجواب ‪ :‬سبق لنا فيما تقدم أن التوحيد يتضمن إثباتا ً ونفيا ً ‪ ،‬وأن‬
‫القتصار فيه على النفي تعطيل ‪ ،‬والقتصار فيه على الثبات ل‬
‫يمنع المشاركة ‪ ،‬فلهذا لبد من التوحيد من نفي وإثبات ‪ ،‬فمن لم‬
‫يثبت الحق لله عز وجل على هذا الوجه‪ ،‬فقد أشرك به‪.‬‬

‫والشرك نوعان‪ :‬شرك أكبر مخرج عن الملة ‪ ،‬وشرك دون ذلك ‪،‬‬
‫فالشرك الكبر‪ :‬كل شرك أطلقه الشارع ‪ ،‬وهو متضمن لخروج‬
‫النسان من دينه‪ ،‬مثل أن يصرف شيئا ً من أنواع العبادة لغير الله‬
‫عز وجل‪ ،‬كأن يصلي لغير الله ‪ ،‬أو يصوم لغير الله ‪ ،‬أو يذبح لغير‬
‫الله ‪ ،‬وكذلك من الشرك الكبر أن يدعو غير الله عز وجل ‪ ،‬مثل‬
‫أن يدعو صاحب القبر ‪ ،‬أو يدعو غائبا ً ليغيثه من أمر ل يقدر عليه‬
‫إل الله عز وجل ‪ ،‬وأنواع الشرك معلومة فيما كتبه أهل العلم‪.‬‬

‫وأما النوع الثاني‪ :‬فهو الشرك الصغر ‪ ،‬وهو كل عمل قولي أو‬
‫فعلي أطلق الشارع عليه وصف الشرك ولكنه ل يخرج من الملة‬
‫مثل الحلف بغير الله ‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪:‬‬
‫"من حلف بغير الله كفر أو أشرك")‪ ،(27‬فالحالف بغير الله الذي ل‬
‫يعتقد أن لغير الله تعالى من العظمة ما يماثل عظمة الله ‪،‬‬
‫نقول ‪ :‬إنه مشرك شركا ً أصغر ‪ ،‬سواء كان هذا المحلوف به‬
‫معظما ً من البشر أم غير معظم فل يجوز الحلف بالنبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ول برئيس أو وزير ول يجوز الحلف بالكعبة ‪ ،‬ول‬
‫يجوز الحلف بجبريل وميكائيل وما أشبه ذلك ‪ ،‬لن هذا شرك ‪،‬‬
‫لكنه شرك أصغر ‪ ،‬ل يخرج من الملة ‪.‬‬

‫ومن أنواع الشرك الصغر ‪ :‬الرياء اليسير ‪ ،‬مثل أن يقوم النسان‬


‫يصلي لله عز وجل ‪ ،‬ولكنه يزين صلته لنه يعلم أن أحدا ً من‬
‫الناس يراه فيزين صلته من أجل مراءاة الناس ‪ ،‬فهذا مشرك‬
‫شركا ً أصغر ‪ ،‬لنه فعل العبادة لله لكن أدخل عليها هذا التزيين‬
‫مراءاة للخلق‪ .‬وكذلك لو أنفق ماله في شيء يتقرب به إلى الله‪،‬‬
‫لكنه أراد أن يمدحه الناس بذلك ‪ ،‬فإن هذا مشرك شركا ً أصغر‪.‬‬
‫وأنواع الشرك الصغر أيضا ً كثيرة معلومة في كتب أهل العلم‪.‬‬

‫تعريف أنواع الشرك‬


‫السؤال )‪ :(46‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬عرفنا أنواع الشرك لكن هل‬
‫هناك تعريف محدد لكل نوع منها؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم‪ ،‬ذكرنا أن الشرك الصغر كل ما أطلق عليه الشارع‬
‫اسم الشرك‪ ،‬أو وصف الشرك ‪ ،‬ولكنه ل يخرج من الملة ‪ ،‬وأن‬
‫الشرك الكبر كل ما أطلق الشارع عليه اسم الشرك أو وصف‬
‫الشرك وهو مخرج من الملة‪.‬‬

‫هل يسمى ترك العبادة شركًا؟‬


‫السؤال )‪ :(47‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ورد فيما رواه مسلم قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم "إن بين الرجل وبين الشرك الكفر ترك‬
‫الصلة")‪ (28‬هل ترك العبادة يكون شركًا؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم هو شرك من حيث المعنى العام‪ ،‬لن تارك الصلة‬
‫تهاونا ً إنما تركها لهواه‪ ،‬فقدم هواه على طاعة الله عز وجل ‪،‬‬
‫ن‬ ‫فكان مشركا ً بهذا العتبار ‪ ،‬كما قال الله عز وجل ‪) :‬أ َ َ َ‬
‫م ِ‬
‫ت َ‬‫فَرأي ْ َ‬
‫عل ْم ٍ ()الجاثـية‪ ،(23 :‬فكل من اتبع‬ ‫عَلى ِ‬
‫ه َ‬‫ه الل ّ ُ‬ ‫وأ َ َ‬
‫ضل ّ ُ‬ ‫واهُ َ‬
‫ه َ‬
‫ه َ‬ ‫خذَ إ ِل َ َ‬
‫ه ُ‬ ‫ات ّ َ‬
‫هواه مقدما ً له على طاعة الله عز وجل ‪ ،‬فإن فعله هذا نوع من‬
‫الشرك ‪ ،‬وإن كان الشرك بالمعنى الخص ل يشمل الترك‪.‬‬

‫حقيقة دين السلم‬


‫السؤال )‪ :(48‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو دين السلم؟‬
‫الجواب ‪ :‬السلم بالمعنى العام ‪ :‬هو التعبد لله تعالى بما شرعه‬
‫من العبادات التي جاءت بها رسله ‪ ،‬منذ أن تعبد الله تعالى عباده‬
‫بشرعه إلى أن تقوم الساعة‪ ،‬فيشمل ما جاء به نوح عليه الصلة‬
‫والسلم من الهدى والحق ‪ ،‬ويشمل ما جاء به إبراهيم عليه الصلة‬
‫والسلم إمام الحنفاء ‪ ،‬وما جاء به موسى وعيسى ‪ ،‬كما قال الله‬
‫تبارك وتعالى ‪ ،‬أو كما ذكر الله تعالى ذلك في آيات كثيرة ‪ ،‬تدل‬
‫على أن الشرائع السابقة كلها إسلم لله عز وجل ‪.‬‬

‫ولكنه بالمعنى الخاص ‪ :‬يختص بما بعث به النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬لن ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم نسخ جميع‬
‫الديان السابقة ‪ ،‬فصار من اتبعه مسلما ً ‪ ،‬ومن خالفه ليس‬
‫بمسلم ‪ ،‬لنه لم يستسلم لله ‪ ،‬بل استسلم لهواه ‪ .‬فاليهود‬
‫مسلمون في زمن موسى عليه الصلة والسلم ‪ ،‬والنصارى‬
‫مسلمون في زمن عيسى عليه الصلة والسلم ‪ ،‬وأما بعد أن بعث‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فكفروا به فليسوا بمسلمين ‪ ،‬ولهذا‬
‫ل يجوز لحد أن يعتقد أن دين اليهود والنصارى الذي يدينون به‬
‫اليوم دين صحيح مقبول عند الله ‪ ،‬مساو لدين السلم ‪ ،‬بل من‬
‫اعتقد ذلك فهو كافر خارج عن دين السلم ‪ ،‬لن الله عز وجل‬
‫ه السلم()آل عمران‪ ،(19 :‬ويقول‪:‬‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬
‫ن ِ‬
‫دي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫يقول ‪):‬إ ِ ّ‬
‫ه( )آل عمران‪.(85:‬‬ ‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫فل َ ْ‬
‫ن يُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫غي َْر السلم ِدينا ً َ‬ ‫غ َ‬‫ن ي َب ْت َ ِ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬
‫) َ‬
‫وهذا السلم الذي أشار الله إليه هو السلم الذي امتن الله به‬
‫م‬ ‫على محمد صلى الله عليه وسلم وأمته‪ ،‬لقوله تعالى ‪ ) :‬ال ْي َ ْ‬
‫و َ‬
‫أ َك ْمل ْت ل َك ُم دين َك ُم َ‬
‫م السلم‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬
‫وَر ِ‬
‫مِتي َ‬‫ع َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م نِ ْ‬ ‫ت َ‬
‫م ُ‬
‫م ْ‬
‫وأت ْ َ‬
‫ْ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ ُ‬
‫ِدينا ً ()المائدة‪ ، (3 :‬وهذا نص صريح في أن من سوى هذه المة‬
‫بعد أن بعث محمد صلى الله عليه وسلم ليسوا على السلم ‪،‬‬
‫وعلى هذا فما يدينون الله به ل يقبل منهم ‪ ،‬ول ينفعهم يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬ول يحل لنا أن نعتبره دينا ً قائما ً قويما ً ‪ ،‬ولهذا يخطئ‬
‫خطأ كبيرا من يصف اليهود والنصارى بأنهم إخوة لنا أو يقول ‪:‬‬
‫إن أديانهم اليوم قائمة ‪ ،‬لما أسلفناه آنفًا‪.‬‬

‫وإذا قلنا ‪ :‬إن السلم هو التعبد لله سبحانه وتعالى بما شرع ‪،‬‬
‫شمل ذلك الستسلم له ظاهرا ً وباطنًا‪ ،‬فيشمل الدين كله عقيدة‬
‫وعمل ً وقول ً ‪ ،‬أما إذا قرن السلم باليمان ‪ ،‬فإن السلم يكون‬
‫بمعنى العمال الظاهرة ‪ ،‬من نطق اللسان وعمل الجوارح ‪،‬‬
‫واليمان العمال الباطنة ‪ ،‬من العقيدة وأعمال القلوب ‪ ،‬ويدل‬
‫ل لَ ْ‬
‫م‬ ‫ق ْ‬‫مّنا ُ‬‫بآ َ‬ ‫عَرا ُ‬ ‫ت اْل َ ْ‬ ‫قال َ ِ‬‫على هذا التفريق قوله تبارك وتعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫م(‬‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫في ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ما ُ‬‫لي َ‬ ‫لا ِْ‬‫خ ِ‬ ‫ول َ ّ‬
‫ما ي َدْ ُ‬ ‫مَنا َ‬‫سل َ ْ‬
‫قوُلوا أ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫مُنوا َ‬ ‫ؤ ِ‬‫تُ ْ‬
‫ن‬ ‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫)الحجرات‪ ،(14 :‬وقوله تعالى في قصة لوط ‪َ ) :‬‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫جَنا َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫فأ ْ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ها َ‬
‫غي َْر ب َي ْ ٍ‬ ‫في َ‬‫جدَْنا ِ‬‫و َ‬ ‫ما َ‬‫ف َ‬ ‫ن( )‪َ ) (35‬‬ ‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫ها ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ن( )الذاريات‪.(36-35:‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫فإنه فرق هنا بين المؤمنين والمسلمين ‪ ،‬لن البيت الذي كان في‬
‫القرية بيت إسلمي في ظاهره ‪ ،‬إذ إنه يشمل امرأة لوط التي‬
‫خانته وهي كافرة‪ .‬وأما من أخرج منها ونجا فإنهم المؤمنون حقا‪،‬‬
‫الذين دخل اليمان في قلوبهم ‪ ،‬ويدل لذلك أي للفرق بين‬
‫اليمان والسلم عند اجتماعهما ‪ ،‬حديث عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنه ‪ ،‬وفيه أن جبريل سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن‬
‫السلم واليمان ‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم‪" :‬‬
‫السلم أن تشهد أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ‪ ،‬وتقيم‬
‫الصلة ‪ ،‬وتؤتي الزكاة ‪ ،‬وتصوم رمضان ‪ ،‬وتحج البيت"‪ ،‬وقال في‬
‫اليمان ‪ " :‬أن تؤمن بالله وملئكته وكتبه ورسله واليوم الخر‬
‫وبالقدر خيره وشره")‪ ،(29‬فالحاصل أن السلم عند الطلق يشمل‬
‫الدين كله ‪ ،‬ويدخل فيه اليمان ‪ ،‬وأنه إذا قرن مع اليمان فسر‬
‫بالعمال الظاهرة من أقوال اللسان وأعمال الجوارح ‪ ،‬وفسر‬
‫اليمان بالعمال الباطنة من اعتقادات القلوب وأعمالها‪.‬‬

‫السؤال )‪ :(49‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬إذن هل نفهم من ذلك أن لدينا‬


‫تعريفا ً للسلم بالمعنى العام وتعريفا ً له بالمعنى الخاص ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم لدينا تعريف للسلم بالمعنى العام ‪ ،‬وتعريف له‬
‫بالمعنى الخاص إذا اقترن باليمان وهو ما جاء في حديث الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم وفي التين اللتين ذكرتا آنفًا‪.‬‬

‫الطاغوت وأنواعه‬
‫السؤال )‪ : (50‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو الطاغوت‪،‬وما هي‬
‫اشتقاقاته؟‬
‫الجواب ‪ :‬الطاغوت مشتق من الطغيان ‪ ،‬والطغيان مجاوزة الحد‪،‬‬
‫ة(‬
‫ري َ ِ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫جا ِ‬ ‫مل َْناك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫غا ال ْ َ‬
‫ماءُ َ‬ ‫ما طَ َ‬
‫ومنه قوله تعالى ‪) :‬إ ِّنا ل َ ّ‬
‫)الحاقة‪ ، (11:‬يعني لما زاد عن الحد المعتاد حملناكم في‬
‫الجارية ‪ ،‬يعني في السفينة ‪ ،‬وأحسن ما قيل في تعريفه ما ذكره‬
‫ابن القيم رحمه الله "أنه‪ -‬أي الطاغوت‪ -‬كل ما تجاوز به العبد حده‬
‫‪ ،‬من معبود أو متبوع أو مطاع"‪.‬‬

‫فالصنام التي تعبد من دون الله طواغيت‪ ،‬والعلماء ‪ -‬علماء‬


‫السوء‪ -‬الذين يدعون إلى الضلل من الطواغيت أيضا ً ‪ ،‬الذي‬
‫يدعون إلى البدع ‪ ،‬وإلى تحليل ما حرم الله‪ ،‬أو تحريم ما أحل الله‬
‫‪ ،‬أو يزينون لولة المور الخروج عن شريعة السلم بنظم‬
‫يستوردونها مخالفة لنظام الدين السلمي لن هؤلء تجاوزوا‬
‫حدهم‪ ،‬فإن حد العالم أن يكون متبعا ً لما جاء به النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬لن العلماء حقيقة هم ورثة النبياء‪ ،‬يرثونهم في‬
‫أمتهم علما ً وعمل ً وأخلقا ً ودعوة وتعليما ً ‪ ،‬فإذا تجاوزوا هذا‬
‫الحد ‪ ،‬وصاروا يزينون للحكام الخروج عن شريعة السلم بمثل‬
‫هذه النظم فهم طواغيت ‪ ،‬لنهم تجاوزوا ما كان يجب عليهم أن‬
‫يكونوا عليه من متابعة الشريعة‪.‬‬

‫وأما المطاع في قوله رحمه الله" أو مطاع"‪ ،‬فيريد بهم المراء‬


‫الذين يطاعون شرعا ً أو قدرًا‪ ،‬فالمراء يطاعون شرعا ً إذا أمروا‬
‫بما ل يخالف أمر الله ورسوله‪ ،‬فهم يطاعون هنا شرعا ً ‪ ،‬كما‬
‫يطاعون قدرًا‪ ،‬فإن الواجب على الرعية إذا أمر ولي المر بأمر ل‬
‫يخالف أمر الله الواجب عليهم السمع والطاعة ‪ ،‬وطاعتهم لولة‬
‫المور في هذه الحال ‪ ،‬وبهذا القيد طاعة لله عز وجل ‪ ،‬ولهذا‬
‫ينبغي أن نلحظ حين ننفذ ما أمرت به الدولة مما تجب طاعتها‬
‫فيه ‪ ،‬أن نلحظ أننا بذلك نتعبد لله تعالى ونتقرب إليه حتى يكون‬
‫تنفيذنا لهذا المر قربة إلى الله عز وجل ‪ ،‬وإنما ينبغي لنا أن‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫عوا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫طي ُ‬
‫مُنوا أ ِ‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫نلحظ ذلك ‪ ،‬لن الله يقول‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫ل ُ‬ ‫َ‬
‫م ()النساء‪.(59 :‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ر ِ‬ ‫وأوِلي اْل ْ‬
‫م ِ‬ ‫سو َ َ‬
‫عوا الّر ُ‬
‫طي ُ‬
‫وأ ِ‬‫َ‬
‫وأما طاعة المراء قدرا ً فإن المراء إذا كانوا أقوياء في سلطتهم‪،‬‬
‫إن الناس يطيعونهم بقوة السلطان‪ ،‬وإن لم يكن بوازع اليمان‬
‫لن طاعة ولي المر قد تكون بوازع اليمان‪ ،‬وهذه هي الطاعة‬
‫النافعة لهم أي لولة المور ‪ ،‬والنافعة للناس أيضًا‪ ،‬وقد تكون‬
‫طاعة ولة المور برادع السلطان‪ ،‬بحيث يكون السلطان قويا‬
‫يخشى الناس منه ويهابونه‪ ،‬لنه ينكل بمن خالف أمره‪ ،‬ولهذا‬
‫نقول ‪ :‬إن الناس مع حكامهم في هذه المسألة ينقسمون إلى‬
‫أقسام ‪:‬‬

‫فتارة ‪ :‬يقوى الوازع اليماني والرادع السلطاني ‪ ،‬وهذه أكمل‬


‫المراتب وأعلها ‪ ،‬وتارة يضعف الوازع اليماني والرادع السلطاني‬
‫‪ ،‬وهذه أدنى المراتب وأخطرها على المجتمع ‪ ،‬على حكامه وعلى‬
‫محكوميه‪ ،‬لنه إذا ضعف الوازع اليماني والرادع السلطاني ‪،‬‬
‫صارت الفوضى الفكرية والخلقية والعملية‪ .‬المرتبة الثالثة‪ :‬أن‬
‫يقوى الوازع اليماني ويضعف الرادع السلطاني‪ ،‬وهذه مرتبة‬
‫وسطى ‪ ،‬ينظر فيها أيها أكمل مما إذا قوي الرادع السلطاني‬
‫وضعف الوازع اليماني‪ ،‬فإنه في المظهر إذا قوي الرادع‬
‫السلطاني يكون أصلح للمة‪ ،‬لكن المة إذا اختفت قوة السلطان‬
‫فل تسأل عن حالها ‪ ،‬وسوء عملها ‪ ،‬لن الوازع اليماني ضعيف‪،‬‬
‫أما إذا قوي الوازع اليماني وضعف السلطاني فقد يكون المظهر‬
‫أدنى من المظهر في المرتبة الخرى‪ ،‬لكنه فيما بين النسان‬
‫وبين ربه إذا اختفى الرادع السلطاني يكون أصلح‪.‬‬

‫على كل حال هذه مراتب أربع ‪ :‬قوة اليمان والسلطان وضعف‬


‫اليمان والسلطان ‪ ،‬وقوة اليمان وضعف السلطان وضعف‬
‫اليمان وقوة السلطان‪.‬‬

‫فالمهم أننا نقول ‪ :‬أنه ينبغي لنا عند تنفيذ أوامر السلطان أن‬
‫نعتقد أننا بذلك نقترب به إلى الله عز وجل ‪ ،‬وإنما قال ابن‬
‫القيم ‪ " :‬إن الطاغوت ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع‬
‫أو مطاع‪ ،‬لن المير أو ولي المر الذي يطاع قد يأمر بما يخالف‬
‫أمر الله ورسوله‪ ،‬فإذا أمر بما يخالف أمر الله ورسوله فإنه ل‬
‫سمع له ول طاعة ‪ ،‬ول يجوز لنا أن نطيعه في معصية الله سبحانه‬
‫وتعالى ‪ ،‬لن الله تعالى جعل طاعتهم تابعة أو جعل طاعتهم تابعة‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫لطاعة الله ورسوله كما يفهم من سياق الية‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫ل ُ‬ ‫أ َطيعوا الل ّه َ‬
‫م ()النساء‪،(59 :‬‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫ر ِ‬ ‫وأوِلي اْل ْ‬
‫م ِ‬ ‫سو َ َ‬
‫عوا الّر ُ‬
‫طي ُ‬
‫وأ ِ‬
‫َ َ‬ ‫ِ ُ‬
‫ولم يقل ‪ :‬وأطيعوا أولى المر‪ ،‬فدل هذا على أن طاعتهم غير‬
‫مستقلة‪ ،‬بل هي تابعة لطاعة الله ورسوله‪ ،‬وقد ثبت عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن الطاعة بالمعروف أو في المعروف ‪ ،‬أي‬
‫فيما أقره الشرع ‪ ،‬وأما ما أنكره فل يجوز أن يطاع فيه أي‬
‫مخلوق ‪ ،‬حتى لو كان الوالد أو الوالدة يأمرانك بمعصية الله ‪ ،‬فإنه‬
‫ل يحل لك أن تطيعهما ‪ ،‬لن طاعة الله مقدمة على كل طاعة‪،‬‬
‫فإذا أطاع النسان أميره أو ولي أمره في معصية الله فقد تجاوز‬
‫به حده‪.‬‬

‫عقيدة المسلمين في عيسى‬

‫السؤال )‪ :(51‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هي عقيدة المسلمين في‬


‫عيسى ابن مريم عليه السلم؟ وما حكم القول بقتله وصلبه‪.‬‬
‫الجواب ‪ :‬عقيدة المسلمين في عيسى ابن مريم عليه الصلة‬
‫والسلم‪ ،‬أنه أحد الرسل الكرام‪ ،‬بل أحد الخمسة الذين هم أولو‬
‫العزم ‪ ،‬وهم ‪ :‬محمد ‪ ،‬وإبراهيم ‪ ،‬وموسى‪ ،‬وعيسى ‪ ،‬ونوح عليهم‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬ذكرهم الله تعالى في موضعين من كتابه فقال‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ك َ‬ ‫من ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ميَثا َ‬
‫ق ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ن الن ّب ِّيي َ‬ ‫م َ‬ ‫خذَْنا ِ‬ ‫وإ ِذْ أ َ َ‬
‫في سورة الحزاب ‪َ ) :‬‬
‫ميَثاقا ً‬ ‫َ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬ ‫خذَْنا ِ‬ ‫وأ َ‬ ‫م َ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬‫م َ‬‫هي َ‬ ‫وإ ِب َْرا ِ‬‫ح َ‬ ‫ُنو ٍ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ع ل َك ُ ْ‬ ‫شَر َ‬ ‫غِليظًا( )الحزاب‪ ،(7:‬وقال في سورة الشورى‪َ ) :‬‬ ‫َ‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫هي َ‬ ‫ه إ ِب َْرا ِ‬‫صي َْنا ب ِ ِ‬ ‫و ّ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫و َ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫وال ّ ِ‬‫ه ُنوحا ً َ‬ ‫صى ب ِ ِ‬ ‫و ّ‬ ‫ما َ‬‫ن َ‬ ‫دي ِ‬‫ال ّ‬
‫ه( )الشورى‪:‬‬ ‫فّر ُ‬ ‫ول ت َت َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫في ِ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫دي َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬‫نأ ِ‬‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬ ‫و ِ‬ ‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬ ‫َ‬
‫‪.(13‬‬

‫وأن عيسى عليه الصلة والسلم بشر من بني آدم مخلوق من أم‬
‫بل أب ‪ ،‬وأنه عبد الله ورسوله ‪ ،‬فهو عبد ل يعبد ‪ ،‬ورسول ل يكذب‬
‫‪ ،‬وأنه ليس له من خصائص الربوبية شيء‪ ،‬بل هو كما قال الله‬
‫َ‬
‫ل(‬ ‫عل َْناهُ َ‬
‫مث َل ً ل ِب َِني إ ِ ْ‬
‫سرائي َ‬ ‫ج َ‬
‫و َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫مَنا َ‬
‫ع ْ‬ ‫و إ ِّل َ‬
‫عب ْدٌ أن ْ َ‬ ‫ه َ‬
‫ن ُ‬
‫تعالى ‪) :‬إ ِ ْ‬
‫)الزخرف‪.(59:‬‬
‫وأنه عليه الصلة والسلم لم يأمر قومه بأن يتخذوه وأمه إلهين‬
‫َ‬
‫ه َرّبي‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫عب ُ ُ‬‫نا ْ‬ ‫من دون الله ‪ ،‬وإنما قال لهم ما أمره الله به ) أ ِ‬
‫م()المائدة‪ ،(117 :‬وأنه أي عيسى عليه الصلة والسلم خلق‬ ‫وَرب ّك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫عن ْ َ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫بكلمة الله عز وجل ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ن( )آل عمران‪:‬‬ ‫كو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ه كُ ْ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫ن ت َُرا ٍ‬ ‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل آد َ َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫ه كَ َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫‪ ، (59‬وأنه ليس بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم رسول ‪،‬‬
‫سرائي َ‬
‫ل‬ ‫م َيا ب َِني إ ِ ْ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ُ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫قا َ‬ ‫وإ ِذْ َ‬
‫كما قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫شرا ً‬ ‫مب َ ّ‬‫و ُ‬
‫ة َ‬ ‫وَرا ِ‬ ‫ن الت ّ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ي ِ‬‫ن ي َدَ ّ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬‫دقا ً ل ِ َ‬ ‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫م ُ‬‫ه إ ِل َي ْك ُ ْ‬‫ل الل ّ ِ‬ ‫سو ُ‬ ‫إ ِّني َر ُ‬
‫قاُلوا َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه َ‬
‫ذا‬ ‫ت َ‬ ‫م ِبال ْب َي َّنا ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫جاءَ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫فل َ ّ‬‫مدُ َ‬ ‫ح َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫م ُ‬‫س ُ‬‫دي ا ْ‬ ‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ي َأِتي ِ‬ ‫سو ٍ‬ ‫ب َِر ُ‬
‫ن( )الصف‪.(6:‬‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫حٌر ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ِ‬
‫ول يتم إيمان أحد حتى يؤمن بأن عيسى عبد الله ورسوله وأنه‬
‫مبرأ ومنزه عما وصفه به اليهود ‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬إنه ابن بغي ‪ ،‬وأنه‬
‫نشأ من زنا والعياذ بالله‪ ،‬وقد برأه الله تعالى من ذلك ‪ ،‬كما أنهم‬
‫أي المسلمين يتبرؤون من طريق النصارى‪ ،‬الذين ضلوا في فهم‬
‫الحقيقة بالنسبة إلى عيسى ابن مريم‪ ،‬حيث اتخذوه وأمه إلهين‬
‫من دون الله ‪ ،‬وقال بعضهم‪" :‬إنه ابن الله"‪ ،‬وقال بعضهم ‪" :‬إن‬
‫الله ثالث ثلثة"‪.‬‬

‫أما فيما يتعلق بقتله وصلبه فإن الله سبحانه وتعالى قد نفى أن‬
‫ما‬
‫و َ‬ ‫يكون قتل أو صلب نفيا ً صريحا ً قاطعًا‪ ،‬فقال عز وجل ‪َ ) :‬‬
‫ش ّ‬
‫ك‬ ‫في َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫في ِ‬ ‫فوا ِ‬ ‫خت َل َ ُ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫وإ ِ ّ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ه لَ ُ‬ ‫شب ّ َ‬‫ن ُ‬ ‫ول َك ِ ْ‬‫صل َُبوهُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬‫قت َُلوهُ َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫قينًا( )‪) (157‬ب َ ْ‬ ‫قت َُلوهُ ي َ ِ‬
‫ما َ‬ ‫و َ‬‫ن َ‬ ‫ع الظّ ّ‬ ‫عل ْم ٍ إ ِّل ات َّبا َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫ه ْ‬‫ما ل َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫ل‬‫ه ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬
‫وإ ِ ْ‬‫كيمًا( )‪َ ) (158‬‬ ‫ح ِ‬‫زيزا ً َ‬ ‫ع ِ‬‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫و َ‬‫ه َ‬ ‫ه إ ِل َي ْ ِ‬‫ه الل ّ ُ‬‫ع ُ‬
‫ف َ‬‫َر َ‬
‫هيدًا(‬‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫كو ُ‬ ‫ة يَ ُ‬
‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬
‫وي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫وت ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫قب ْ َ‬‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫من َ ّ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ب إ ِّل ل َي ُ ْ‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫)النساء‪.(159-157:‬‬

‫فمن اعتقد أن عيسى ابن مريم عليه الصلة والسلم قتل وصلب‬
‫فقد كذب القرآن‪ ،‬ومن كذب القرآن فقد كفر ‪ ،‬فنحن نؤمن بأن‬
‫عيسى عليه الصلة والسلم لم يقتل ولم يصلب‪ ،‬ولكننا نقول ‪:‬‬
‫إن اليهود باؤوا بإثم القتل والصلب ‪ ،‬حيث زعموا أنهم قتلوا‬
‫المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وهم لم يقتلوه حقيقة‪ ،‬بل‬
‫قتلوا من شبه لهم ‪ ،‬حيث ألقى الله شبهه على واحد منهم‬
‫فقتلوه وصلبوه‪ ،‬وقالوا‪ :‬إنا قتلنا المسيح ابن مريم رسول الله ‪،‬‬
‫فاليهود باؤوا بإثم القتل بإقرارهم على أنفسهم‪ ،‬وإثم الصلب‪،‬‬
‫والمسيح عيسى ابن مريم برأه الله تعالى من ذلك وحفظه ورفعه‬
‫سبحانه وتعالى عنده إلى السماء‪ ،‬وسوف ينزل في آخر الزمان‬
‫إلى الرض‪ ،‬فيحكم بشريعة النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم‬
‫يموت في الرض ‪ ،‬ويدفن فيها ‪ ،‬ويخرج منها كما يخرج منها سائر‬
‫ها‬
‫من ْ َ‬‫و ِ‬
‫م َ‬ ‫عيدُك ُ ْ‬ ‫ها ن ُ ِ‬‫في َ‬‫و ِ‬‫م َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫قَناك ُ ْ‬ ‫ها َ‬
‫من ْ َ‬
‫بني آدم ‪ ،‬لقول الله تعالى ‪ِ ) :‬‬
‫ها‬ ‫في َ‬ ‫و ِ‬
‫ن َ‬ ‫و َ‬
‫حي َ ْ‬ ‫ها ت َ ْ‬‫في َ‬‫ل ِ‬‫قا َ‬ ‫خَرى( )طـه‪ (55:‬وقوله‪َ ) :‬‬ ‫م َتاَرةً أ ُ ْ‬‫جك ُ ْ‬
‫ر ُ‬
‫خ ِ‬
‫نُ ْ‬
‫ن( )العراف‪. (25:‬‬ ‫جو َ‬
‫خَر ُ‬
‫ها ت ُ ْ‬‫من ْ َ‬
‫و ِ‬
‫ن َ‬‫موُتو َ‬ ‫تَ ُ‬

‫افتراق المة‬
‫السؤال )‪ :(52‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬إلى كم افترقت المة السلمية‬
‫بعد نبيها محمد صلى الله عليه وسلم؟‬
‫الجواب ‪ :‬أخبر النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه أن‬
‫اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة ‪ ،‬والنصارى افترقوا‬
‫على اثنتين وسبعين فرقة ‪ ،‬وأن هذه المة ستفترق على ثلث‬
‫وسبعين فرقة‪ ،‬وهذه الفرق كلها في النار إل واحدة‪ ،‬وهي من‬
‫)‬
‫كان على مثل ما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه‬
‫‪ ،(30‬وهذه الفرقة هي الفرقة الناجية ‪ ،‬التي نجت في الدنيا من‬
‫البدع ‪ ،‬وتنجو في الخرة من النار ‪ ،‬وهي الطائفة المنصورة إلى‬
‫قيام الساعة ‪ ،‬التي ل تزال ظاهرة قائمة بأمر الله عز وجل ‪.‬‬

‫وهذه الفرق الثلث والسبعون ‪ ،‬التي واحدة منها على الحق ‪،‬‬
‫والباقي على الباطل‪ ،‬حاول بعض الناس أن يعددها ‪ ،‬وشعب أهل‬
‫البدع إلى خمس شعب‪ ،‬وجعل من كل شعبة فروعًا‪ ،‬ليصلوا إلى‬
‫هذا الحد‪ ،‬وإلى هذا العدد الذي عينه النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ورأى بعض الناس أن الولى الكف عن التعداد‪ ،‬لن هذه الفرق‬
‫ليست وحدها هي التي ضلت ‪ ،‬بل قد ضل أناس ضلل ً أكثر مما‬
‫كانت عليه من قبل‪ ،‬وحدثت بعد أن حصرت هذه الفرق باثنتين‬
‫وسبعين فرقة ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬إن هذا العدد ل ينتهي ول يمكن العلم‬
‫بانتهائه إل في آخر الوقت ‪ ،‬في آخر الزمان عند قيام الساعة‪.‬‬
‫فالولى أن نجمل ما أجمله النبي صلى الله عليه وسلم ونقول إن‬
‫هذه المة ستفترق على ثلث وسبعين فرقة‪ ،‬كلها في النار إل‬
‫واحدة ‪ ،‬ثم نقول ‪ :‬كل من خالف ما كان عليه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم وأصحابه فهو داخل في هذه الفرق ‪ ،‬وقد يكون‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم قد أشار إلى أصول لم نعلم منها‬
‫الن إل ما يبلغ العشرة ‪ ،‬وقد يكون أشار إلى أصول تتضمن‬
‫فروعًا‪ ،‬كما ذهب إليه بعض الناس‪ ،‬فالعلم عند الله عز وجل ‪.‬‬

‫خصائص الفرقة الناجية‬


‫السؤال )‪ :(53‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هي أبرز خصائص الفرقة‬
‫الناجية؟‬
‫الجواب ‪ :‬أبرز خصائص الفرقة الناجية هي التمسك بما كان عليه‬
‫النبي عليه الصلة والسلم في العقيدة ‪ ،‬والعبادة ‪ ،‬والخلق‪،‬‬
‫والمعاملة ‪ ،‬هذه المور الربعة تجد الفرقة الناجية بارزة فيها ‪.‬‬

‫ففي العقيدة‪ :‬تجدها متمسكة بما دل عليه الكتاب الله وسنة‬


‫رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬من التوحيد الخالص في ربوبية الله‬
‫وألوهيته‪ ،‬وأسمائه وصفاته‪.‬‬

‫وفي العبادات ‪ :‬تجد هذه الفرقة متميزة في تمسكها التام‬


‫وتطبيقها لما كان النبي عليه الصلة السلم عليه في العبادات ‪،‬‬
‫في أجناسها ‪ ،‬وصفاتها ‪ ،‬وأقدارها ‪ ،‬وأزمنتها ‪ ،‬وأمكنتها ‪،‬‬
‫وأسبابها ‪ ،‬فل تجد عندهم ابتداعا ً في دين الله ‪ ،‬بل هم متأدبون‬
‫غاية التأدب مع الله ورسوله ‪ ،‬ل يتقدمون بين يدي الله ورسوله ‪،‬‬
‫في إدخال شيء من العبادات لم يأذن به الله عز وجل‪.‬‬

‫تجدهم أيضا ً في الخلق متميزين عن غيرهم بحسن الخلق ‪،‬‬


‫بمحبة الخير للمسلمين‪ ،‬بانشراح الصدر ‪ ،‬بطلقة الوجه‪ ،‬بحسن‬
‫المنطق‪ ،‬إلى غير ذلك من مكارم الخلق ومحاسنها‪.‬‬

‫وفي المعاملت تجدهم يعاملو الناس بالصدق والبيان اللذين أشار‬


‫إليهما النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ‪ " :‬البيعان بالخيار ما‬
‫لم يتفرقا ‪ ،‬فإن صدقا وبينا‪ ،‬بورك لهما في بيعهما ‪ ،‬وإذا كذبا‬
‫وكتما ‪ ،‬محقت بركة بيعهما")‪ ،(31‬فهذه الميزة والعلمة لهل السنة‬
‫والجماعة ‪ ،‬للفرقة الناجية التي كانت على ما كان عليه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫تأثير نقص بعض الخصائص‬


‫السؤال )‪ : (54‬فضيلة الشيخ‪ ،‬لكن هل يلزم توافر أو تكامل‬
‫هذه الخصائص في المور الربعة وهي ‪ :‬العقيدة ‪ ،‬والعبادة ‪،‬‬
‫والخلق‪ ،‬والمعاملت ‪ ،‬دون نقص؟ وهل إذا نقص منها شيء‬
‫يخرج النسان بذلك من الفرقة الناجية أم أن النقص ل يخرجه‬
‫من ذلك؟‬
‫الجواب ‪ :‬النقص من هذه ل يخرج النسان عن كونه من الفرقة‬
‫مُلوا ()النعام‪:‬‬
‫ع ِ‬
‫ما َ‬
‫م ّ‬
‫ت ِ‬
‫جا ٌ‬ ‫ول ِك ُ ّ‬
‫ل دََر َ‬ ‫الناجية‪ ،‬لكن كما قال تعالى‪َ ) :‬‬
‫‪ ، (132‬ربما الخلل في جانب التوحيد‪ ،‬أو جانب البدع‪ ،‬يخرج‬
‫النسان عن هذه الفرقة الناجية ‪ ،‬مثل أن يدخل في عباداته أو‬
‫يكون الخلل بالخلص‪ ،‬وكذلك في البدع‪ ،‬لكن في مسألة الخلق‬
‫والمعاملت‪ ،‬فالخلل بها ل يخرج النسان من هذه الفرقة الناجية‬
‫وإن كان آثما ً على إخلله بذلك‪.‬‬

‫السؤال )‪ :(55‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل هناك إضافة حول خصائص‬


‫هذه الفرقة الناجية؟‬
‫الجواب ‪ :‬الحقيقة أنه ليس هناك من إضافة ‪ ،‬لن الصول الربعة‬
‫التي ذكرناها واضحة وكافية ‪ ،‬لكن قد نحتاج إلى تفصيل في‬
‫مسألة الخلق ‪ ،‬فإن من أهم ما يكون من الخلق ‪ :‬اجتماع الكلمة‬
‫‪ ،‬والتفاق على الحق الذي أوصانا الله به سبحانه وتعالى في‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫و َ‬‫ذي أ ْ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ه ُنوحا ً َ‬ ‫صى ب ِ ِ‬‫و ّ‬‫ما َ‬
‫ن َ‬ ‫دي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫م َ‬‫م ِ‬‫ع ل َك ُ ْ‬‫شَر َ‬ ‫قوله ‪َ ) :‬‬
‫ول‬ ‫ن َ‬ ‫دي َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬‫ن أَ ِ‬ ‫َ‬
‫سى أ ْ‬ ‫عي َ‬
‫و ِ‬‫سى َ‬ ‫مو َ‬ ‫و ُ‬
‫م َ‬‫هي َ‬
‫ه إ ِب َْرا ِ‬‫صي َْنا ب ِ ِ‬
‫و ّ‬‫ما َ‬‫و َ‬ ‫َ‬
‫ه ()الشورى‪.(13 :‬‬ ‫في ِ‬‫قوا ِ‬ ‫فّر ُ‬
‫ت َت َ َ‬
‫وأخبر أن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ً أن محمدا ً صلى الله‬
‫قوا‬‫فّر ُ‬
‫ن َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عليه وسلم بريء منهم ‪ ،‬فقال الله عز وجل ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ء ()النعام‪، (159 :‬فاتفاق‬ ‫ي ٍ‬ ‫في َ‬
‫ش ْ‬ ‫م ِ‬
‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫شَيعا ً ل َ ْ‬
‫س َ‬ ‫و َ‬
‫كاُنوا ِ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫ِدين َ ُ‬
‫الكلمة وائتلف القلوب من أبرز خصائص الفرقة الناجية أهل‬
‫السنة والجماعة ‪ ،‬فهم أعني الفرقة الناجية إذا حصل بينهم خلف‬
‫ناشئ عن اجتهاد في المور الجتهادية ‪ ،‬ل يحمل بعضهم على‬
‫بعض حقدا ً ول عداوة ول بغضاء ‪ ،‬بل يعتقدون أنهم إخوة ‪ ،‬حتى‬
‫وإن حصل بينهم هذا الخلف ‪ ،‬حتى إن يصلى الواحد منهم خلف‬
‫الشخص‪ ،‬يعتقد المأموم أنه ليس على وضوء‪ ،‬ويعتقد المام أنه‬
‫على وضوء ‪ ،‬مثل أن يصلي الواحد منهم خلف شخص أكل لحم‬
‫إبل‪ ،‬وهذا المام يعتقد أنه ل ينقض الوضوء ‪ ،‬والمأموم يعتقد أنه‬
‫ينقض الوضوء فيرى أن الصلة خلف ذلك المام صحيحة‪ ،‬وإن كان‬
‫هو لو صلها بنفسه لرأى أن صلته غير صحيحة‪،‬كل هذا لنهم‬
‫يرون أن الخلف الناشئ عن اجتهاد فيما يسوغ فيه الجتهاد ليس‬
‫في الحقيقة بخلف‪ ،‬لن كل من المختلفين قد تبع ما يجب عليهما‬
‫إتباعه من الدليل الذي ل يجوز له العدول عنه‪ ،‬فهم يرون أن‬
‫أخاهم إذا خالفهم في عمل ما إتباعا ً للدليل ‪ ،‬هو في الحقيقة قد‬
‫وافقهم ‪ ،‬لنهم هم يدعون إلى إتباع الدليل أينما كان ‪ ،‬فإذا‬
‫خالفهم موافقة للدليل عنده‪ ،‬فهو في الحقيقة قد وافقهم‪،‬لنه‬
‫تمشى على ما يدعون إليه ‪ ،‬ويهدفون إليه‪ ،‬من تحكيم كتاب الله‬
‫وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫ول يخفى على كثير من أهل العلم ‪ ،‬ما حصل من الخلف بين‬
‫الصحابة في مثل هذه المور ‪ ،‬حتى في عهد نبيهم صلى الله عليه‬
‫وسلم ولم يعنف أحدا ً منهم ‪ ،‬فإنه عليه الصلة والسلم لما رجع‬
‫من غزوة الحزاب‪ ،‬وجاءه جبريل ‪ ،‬وأشار إليه أن يخرج إلى بني‬
‫قريظة الذين نقضوا العهد‪ ،‬ندب النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أصحابه فقال‪" :‬ل يصلين أحد منكم العصر إل في بني قريظة" ‪.‬‬
‫)‪(32‬‬

‫فخرجوا من المدينة إلى بني قريظة‪ ،‬وأرهقتهم صلة العصر ‪،‬‬


‫فمنهم من أخر صلة العصر حتى وصل إلى بني قريظة بعد خروج‬
‫الوقت‪ ،‬ولم يصل إل بعد غروب الشمس ‪ ،‬لن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪" :‬ل يصلين أحد العصر إل في بني‬
‫قريظة"ومنهم من صلى الصلة لوقتها ‪ ،‬وقال ‪ :‬إن الرسول صلى‬
‫الله عليه وسلم أراد منا المبادرة للخروج ‪ ،‬ولم يرد منا أن نؤخر‬
‫الصلة عن وقتها ‪ ،‬وهؤلء هم المصيبون‪ ،‬لكن مع ذلك لم يعنف‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم واحدة من الطائفتين ‪ ،‬ولم يحمل كل‬
‫واحد على الخر عداوة أو بغضاء بسبب اختلفهم في فهم هذا‬
‫النص‪.‬‬

‫لذلك أرى أن الواجب على المسلمين الذين ينتسبون إلى السنة‬


‫أن يكونوا أمة واحدة‪ ،‬وأل يحصل بينهم تحزب ‪ ،‬هذا ينتمي إلى‬
‫طائفة ما ‪ ،‬والخر ينتمي إلى طائفة أخرى ‪ ،‬والثالث إلى طائفة‬
‫ثالثة وهكذا‪ ،‬بحيث يتناحرون فيما بينهم بأسنة اللسن‪ ،‬ويتعادون‬
‫ويتباغضون من أجل اختلف يسوغ فيه الجتهاد ‪ ،‬ول حاجة إلى أن‬
‫أنص على طائفة بعينها‪ ،‬ولكن العاقل يفهم ويتبين له المر ‪،‬‬
‫فأرى أنه يجب على أهل السنة والجماعة أن يتحدوا حتى وإن‬
‫اختلفوا فيما يختلفون فيه مما تقتضيه النصوص حسب أفهامهم‪،‬‬
‫فإن هذا أمر فيه سعة ولله الحمد‪ ،‬والمهم ائتلف القلوب ‪ ،‬واتحاد‬
‫الكلمة ‪ ،‬ول ريب أن أعداء المسلمين يحبون من المسلمين أن‬
‫يتفرقوا ‪ ،‬سواء كانوا أعداء يصرحون بالعداوة أو أعداء يتظاهرون‬
‫بالولية للمسلمين أو للسلم ‪ ،‬وهم ليسوا كذلك ‪ ،‬فالواجب أن‬
‫نتميز بهذه الميزة التي هي ميزة الطائفة الناجية وهي التفاق‬
‫على كلمة واحدة‪.‬‬

‫التوسل الصحيح والتوسل الباطل‬


‫السؤال )‪ :(56‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو التوسل الصحيح‬
‫والتوسل الباطل؟‬
‫الجواب ‪ :‬التوسل ‪ :‬مصدر توسل يتوسل ‪ ،‬إذا اتخذ وسيلة توصله‬
‫إلى مقصوده ‪ ،‬فأصله‪ :‬طلب الوصول إلى الغاية المقصودة‪،‬‬
‫وينقسم إلى قسمين‪:‬‬

‫قسم صحيح ‪ :‬وهو التوسل بالوسيلة الصحيحة الموصلة إلى‬


‫المطلوب‪.‬‬
‫وقسم غير صحيح ‪ :‬وهو التوسل بوسيلة ل توصل إلى المقصود‪.‬‬

‫فأما الول ‪ :‬وهو التوسل بالوسيلة الموصلة إلى المقصود‪:‬‬

‫فإنه أنواع‪ :‬منها ‪ :‬التوسل بأسماء الله وصفاته ‪ ،‬سواء كان ذلك‬
‫على سبيل العموم أو على سبيل الخصوص ‪ ،‬مثاله على سبيل‬
‫العموم ‪ :‬ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في‬
‫دعاء الهم والغم ‪ :‬قال " اللهم إني عبدك‪ ،‬ابن عبدك ‪ ،‬ابن أمتك ‪،‬‬
‫ناصيتي بيدك ‪ ،‬ماض في حكمك ‪ ،‬عدل في قضاؤك ‪ ،‬أسألك اللهم‬
‫بكل اسم هو لك سميت به نفسك ‪ ،‬أو أنزلته في كتابك ‪ ،‬أو علمته‬
‫أحدا ً من خلقك ‪ ،‬أو استأثرت به في علم الغيب عندك ‪ ،‬أن تجعل‬
‫القرآن العظيم ربيع قلبي‪ ، (33)"..‬إلى آخره‪ ،‬فهنا توسل بأسماء‬
‫الله على سبيل العموم ‪ ،‬وذلك في قوله ‪ " :‬أسألك بكل اسم هو‬
‫لك سميت به نفسك"‪.‬‬

‫أما الخصوص ‪ :‬فأن يتوسل باسم خاص ‪ ،‬لحاجة خاصة تناسب هذا‬
‫السم ‪ ،‬مثل ما جاء في حديث أبي بكر رضي الله عنه ‪ ،‬حيث طلب‬
‫من النبي صلى الله عليه وسلم دعاء يدعو به في صلته ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫" قل اللهم إني ظلمت نفسي ظلما ً كبيرا ً ‪ ،‬ول يغفر الذنوب إل‬
‫أنت ‪ ،‬فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني ‪ ،‬إنك أنت الغفور‬
‫الرحيم")‪ ،(34‬فطلب المغفرة والرحمة ‪ ،‬وتوسل إلى الله تعالى‬
‫باسمين من أسمائه مناسبين للمطلوب ‪ ،‬فقال "إنك أنت الغفور‬
‫ول ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫الرحيم" وهذا النوع من التوسل داخل في قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ماءُ ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ها ()العراف‪ ،(180 :‬فإن الدعاء هنا‬ ‫عوهُ ب ِ َ‬ ‫سَنى َ‬
‫فادْ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫اْل ْ‬
‫س َ‬
‫يشمل دعاء المسألة ‪ ،‬ودعاء العبادة‪.‬‬

‫أما التوسل إلى الله تعالى بصفاته ‪ ،‬فهو أيضا ً كالتوسل بأسمائه ‪،‬‬
‫يكون عاما ً وخاصا ‪ ،‬أما العام فأن تقول ‪ :‬اللهم إني أسألك‬
‫بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا ‪ ،‬ثم تذكر مطلوبك ‪ ،‬وإما الخاص‬
‫فأن تتوسل إلى الله تعالى بصفة معينة خاصة لمطلوب خاص ‪،‬‬
‫مثل ما جاء في الحديث‪ " :‬اللهم بعلمك الغيب ‪ ،‬وقدرتك على‬
‫الخلق ‪ ،‬أحيني إذا علمت الحياة خيرا ً لي ‪ ،‬وتوفني إذا علمت‬
‫الوفاة خيرا ً لي")‪ ،(35‬فهنا توسل إلى الله تعالى بصفة العلم‬
‫والقدرة " بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق"‪ ..‬هذا نوع‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬أن يتوسل النسان إلى الله عز وجل ‪ ،‬باليمان به‬
‫وبرسوله فيقول ‪:‬اللهم إني آمنت بك وبرسولك ‪ ،‬فاغفر لي أو‬
‫فوقفني أو يقول " اللهم بإيماني بك وبرسولك أسألك كذا وكذا"‪،‬‬
‫ْ َ‬
‫ف الل ّي ْ ِ‬
‫ل‬ ‫خِتل ِ‬ ‫وا ْ‬‫ض َ‬‫والْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬‫س َ‬‫ق ال ّ‬ ‫في َ ْ‬
‫خل ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ومنه قوله تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫قَياما ً‬ ‫َ‬ ‫والن ّهار َليا ٍ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ن ي َذْك ُُرو َ‬‫ذي َ‬ ‫ب( )‪) (190:‬ال ّ ِ‬ ‫ت ِلوِلي اْلل َْبا ِ‬ ‫َ ِ‬ ‫َ‬
‫م ()آل عمران ‪ (191‬إلى قوله ‪َ) :‬رب َّنا إ ِن َّنا‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬
‫جُنوب ِ ِ‬‫على ُ‬ ‫و َ‬ ‫عودا َ‬ ‫وق ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫فْر لَنا‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مّنا َرب َّنا فاغ ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫م فآ َ‬ ‫مُنوا ب َِرب ّك ْ‬ ‫نآ ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ما ِ‬‫لي َ‬ ‫مَناِديا ي َُناِدي ل ِ ِ‬ ‫عَنا ُ‬ ‫م ْ‬‫س ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ر( )آل عمران‪-190:‬‬ ‫ع اْلب َْرا ِ‬ ‫م َ‬‫فَنا َ‬‫و ّ‬ ‫سي َّئات َِنا َ‬
‫وت َ َ‬ ‫عّنا َ‬‫فْر َ‬ ‫وك َ ّ‬‫ذُُنوب ََنا َ‬
‫‪ ، (193‬فتوسلوا إلى الله تعالى باليمان به ‪ ،‬أن يغفر لهم الذنوب‬
‫‪ ،‬ويكفر عنهم السيئات ويتوفاهم مع البرار‪.‬‬

‫النوع الثالث‪ :‬أن يتوسل إلى الله سبحانه وتعالى بالعمل الصالح ‪،‬‬
‫ومنه قصة النفر الثلثة الذين آووا إلى غار ليبيتوا فيه ‪ ،‬فانطبق‬
‫عليهم الغار‪ ،‬انطبق عليهم بصخرة ل يستطيعون زحزحتها ‪،‬‬
‫فتوسل كل منهم إلى الله بعمل صالح فعله‪ ،‬أحدهم توسل إلى‬
‫الله تعالى ببره بوالديه‪ ،‬والثاني بعفته التامة‪ ،‬والثالث بوفائه‬
‫لجيره‪ ،‬قال ‪:‬كل منهم اللهم إن كنت فعلت ذلك من أجلك فأفرج‬
‫عنا ما نحن فيه ‪ ،‬فانفرجت الصخرة)‪ ،(36‬فهذا توسل إلى الله عز‬
‫وجل بالعمل الصالح ‪.‬‬

‫النوع الرابع ‪ :‬أن يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله ‪ ،‬يعني أن‬
‫الداعي يتوسل إلى الله تعالى بذكر حاله وما هو عليه من الحاجة ‪،‬‬
‫َ‬
‫ت إ ِل َ ّ‬
‫ي‬ ‫ما أن َْزل ْ َ‬‫ب إ ِّني ل ِ َ‬ ‫ومنه قول موسى عليه الصلة والسلم‪َ ) :‬ر ّ‬
‫قيٌر()القصص‪ ، (24 :‬فهو بذلك يتوسل إلى الله بذكر‬ ‫ف ِ‬‫ر َ‬‫خي ْ ٍ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫حاله أن ينزل إليه الخير ‪ ،‬ويقرب من ذلك قول زكريا عليه الصلة‬
‫شْيبا ً‬ ‫ْ‬
‫س َ‬ ‫ل الّرأ ُ‬ ‫ع َ‬ ‫وا ْ‬
‫شت َ َ‬ ‫مّني َ‬ ‫عظْ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ه َ‬
‫و َ‬
‫ب إ ِّني َ‬‫ل َر ّ‬‫قا َ‬ ‫والسلم ‪َ ) :‬‬
‫قي ًّا( )مريم‪ ،(4:‬فهذه أنواع من التوسل‬ ‫َ‬
‫ب َ‬
‫ش ِ‬ ‫ك َر ّ‬‫عائ ِ َ‬ ‫م أك ُ ْ‬
‫ن ب ِدُ َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫َ‬
‫كلها جائزة ‪ ،‬لنها أسباب صالحة لحصول المقصود بالتوسل بها‪.‬‬

‫نوع خامس من التوسل‬


‫السؤال )‪ :(57‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل هناك أنواع أخرى من‬
‫التوسل غير أنواع التوسل الربعة التي ذكرتموها؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم ‪ ،‬هناك توسل زائد عن الربعة السابقة ‪ ،‬وهو‬
‫التوسل إلى الله عز وجل بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته ‪،‬‬
‫فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يسألون النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أن يدعو الله لهم بدعاء عام وبدعاء خاص ‪ ،‬ففي الصحيحين‬
‫من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه ‪ ،‬أن رجل ً دخل يوم الجمعة‬
‫والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫هلكت الموال ‪ ،‬وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا ‪ ،‬فرفع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم يديه وقال ‪ " :‬اللهم أغثنا" ثلث مرات‪ ،‬فما‬
‫نزل صلى الله عليه وسلم من منبره إل والمطر يتحادر من لحيته‪،‬‬
‫وبقي المطر أسبوعا ً كامل ً ‪ ،‬وفي الجمعة الخرى جاء ذلك الرجل‬
‫أو غيره ‪ ،‬والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله ‪ ،‬غرق المال ‪ ،‬وتهدم البناء ‪ ،‬فادع الله تعالى أن يمسكها‬
‫عنا ‪ ،‬فرفع النبي صلى الله عليه وسلم يديه وقال " اللهم حوالينا‬
‫ول علينا" فما يشير إلى ناحية من السماء إل انفرجت ‪ ،‬حتى خرج‬
‫الناس يمشون في الشمس)‪ ،(37‬وهناك عدة وقائع سأل الصحابة‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو الله لهم على وجه‬
‫الخصوص ‪.‬‬

‫فمن ذلك ‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أن في أمته‬
‫سبعين ألفا ً يدخلون الجنة بغير حساب ول عذاب ‪ ،‬وهم الذين ل‬
‫يسترقون ‪ ،‬ول يكتوون ‪ ،‬ول يتطيرون ‪ ،‬وعلى ربهم يتوكلون ‪،‬‬
‫قام عكاشة بن محصن فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أدع الله أن يجعلني‬
‫منهم ‪ ،‬فقال ‪" :‬أنت منهم")‪.(38‬‬

‫فهذا أيضا ً من التوسل الجائز ‪ ،‬أن يطلب النسان من شخص أن‬


‫يدعو الله تعالى له ‪ ،‬إذا كان هذا الشخص مرجو الجابة ‪ ،‬إل أن‬
‫الذي ينبغي على هذا السائل الذي سأل الشخص أن يدعو له أن‬
‫يريد بذلك منفعة نفسه ومنفعة أخيه الذي طلب منه الدعاء‪ ،‬حتى‬
‫ل يتمحض السؤال لنفسه خاصة ‪ ،‬لنك إذا أردت نفع أخيك ونفع‬
‫نفسك ‪ ،‬صار في هذا إحسان له ‪ ،‬فإن النسان إذا دعا لخيه بظهر‬
‫الغيب‪ ،‬قال الملك ‪ :‬آمين ولك بمثله ‪ ،‬وكذلك إذا دعا له أخوه ‪،‬‬
‫فإنه يكون من المحسنين بهذا الدعاء ‪ ،‬والله يحب المحسنين‪.‬‬

‫التوسل الباطل وأقسامه‬


‫السؤال )‪ :(58‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬بعد أن عرفنا التوسل الصحيح‬
‫وأقسامه ‪ ،‬لبد لنا من معرفة التوسل الباطل ‪ ،‬وهل له‬
‫أقسام أيضًا؟‬
‫الجواب ‪ :‬التوسل الباطل أن يتوسل النسان إلى الله تعالى بما‬
‫لم يكن وسيلة ‪ ،‬أي بما لم يثبت في الشرع أنه وسيلة ‪ ،‬لن‬
‫التوسل بمثل ذلك من اللغو والباطل والمخالف للمعقول‬
‫والمنقول ‪ ،‬ومن ذلك أن يتوسل النسان إلى الله عز وجل بدعاء‬
‫ميت ‪ ،‬يطلب من هذا الميت أن يدعو الله له ‪ ،‬فإن هذا ليس‬
‫وسيلة شرعية صحيحة ‪ ،‬بل هو سفه من النسان أن يطلب من‬
‫هذا الميت أن يدعو الله له ‪ ،‬لن الميت إذا مات انقطع عمله ‪ ،‬ول‬
‫يمكن أن يدعو لحد ‪ ،‬حتى النبي صلى الله عليه وسلم ل يمكن أن‬
‫يدعو لحد بعد موته عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ولهذا لم يتوسل‬
‫الصحابة رضي الله عنهم إلى الله بطلب الدعاء من رسوله صلى‬
‫الله عليه وسلم بعد موته ‪ ،‬فإن الناس لما أصابهم الجدب في عهد‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ‪ :‬اللهم إن كنا نتوسل إليك‬
‫بنبينا صلى الله عليه وسلم فتسقينا‪ ،‬وإنا نتوسل إليك بعم نبينا‬
‫فاسقنا ‪ ،‬فقام العباس رضي الله عنه فدعا الله عز وجل)‪ ، (39‬ولو‬
‫كان طلب الدعاء من الميت سائغا ً ووسيلة صحيحة ‪ ،‬لكان عمر‬
‫ومن معه من الصحابة يطلبون ذلك من رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬لن إجابة دعائه أقرب من إجابة دعاء العباس بن عبد‬
‫المطلب رضي الله عنه‪.‬‬

‫فالمهم أن التوسل إلى الله تعالى بطلب الدعاء من الميت توسل‬


‫باطل ل يحل ول يجوز‪.‬‬

‫ومن التوسل الذي ليس بصحيح ‪ :‬أن يتوسل النسان إلى الله بجاه‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فيقول ‪ :‬اللهم إني أسألك بجاه نبيك‬
‫كذا وكذا ‪ ،‬وذلك أن جاه الرسول عليه الصلة والسلم ليس مفيدا ً‬
‫بالنسبة إليك ‪ ،‬لنه ل يفيد إل الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬أما‬
‫بالنسبة لك فليس بمفيد حتى تتوسل إلى الله تعالى به ‪،‬‬
‫والتوسل كما قلنا اتخاذ الوسيلة الصالحة التي تثمر ‪ ،‬فما فائدتك‬
‫أنت من كون الرسول عليه الصلة والسلم له جاه عند الله؟ وإذا‬
‫أردت أن تتوسل إلى الله على وجه صحيح ‪ ،‬فقل ‪ :‬اللهم إني‬
‫أسألك بإيماني برسولك ‪ ،‬أو بالمحبة لرسولك أو ما أشبه ذلك ‪،‬‬
‫فإن هذا من الوسيلة الصحيحة النافعة‪.‬‬

‫الشفاعة المثبتة والشفاعة المنفية‬


‫السؤال )‪ :(59‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي الشفاعة المثبتة‬
‫والشفاعة المنفية؟‬
‫الجواب ‪ :‬الشفاعة مأخوذة من الشفع ‪ ،‬وهو ضد الوتر ‪ ،‬وهو جعل‬
‫الوتر شفعًا‪ ،‬مثل أن نجعل الواحد اثنين ‪ ،‬والثلثة أربعة وما‬
‫أشبهها ‪ ،‬هذا من حيث اشتقاقها في اللغة‪.‬‬

‫أما معناها فهي ‪ :‬التوسط للغير بجلب منفعة أو دفع مضرة ‪ ،‬يعني‬
‫أن يقوم الشافع بين المشفوع إليه والمشفوع له واسطة ‪،‬‬
‫ليجلب منفعة إلى المشفوع له ‪ ،‬أو يدفع عنه مضرة‪.‬‬

‫والشفاعة نوعان ‪ :‬شفاعة ثابتة وصحيحة ‪ ،‬وشفاعة باطلة ل تنفع‬


‫أصحابها ‪.‬‬

‫أما الشفاعة الثابتة الصحيحة ‪ :‬فهي التي أثبتها الله تعالى في‬
‫كتابه ‪ ،‬وأثبتها رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول تكون إل لهل‬
‫التوحيد والخلص ‪ ،‬لن أبا هريرة رضي الله عنه قال ‪ :‬يا رسول‬
‫الله من أسعد الناس بشفاعتك ؟ قال ‪ ":‬من قال ل إله إل الله‬
‫)‪(40‬‬
‫خالصا ً من قلبه"‬

‫وهذه الشفاعة لها شروط ثلثة ‪ :‬الشرط الول ‪ :‬رضا الله عن‬
‫الشافع ‪ .‬والشرط الثاني ‪ :‬رضا الله عن المشفوع له ‪ .‬والشرط‬
‫الثالث ‪ :‬إذن الله تعالى للشافع أن يشفع ‪ .‬وهذه الشروط‬
‫غِني‬‫ت ل تُ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬‫في ال ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫مل َ ٍ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫وك َ ْ‬ ‫مجموعة في قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ْ‬ ‫شيئا ً إّل من بع َ‬
‫ضى( )لنجم‪:‬‬ ‫وي َْر َ‬ ‫شاءُ َ‬ ‫ن يَ َ‬‫م ْ‬ ‫ه لِ َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫ن ي َأذَ َ‬ ‫دأ ْ‬ ‫ِ ْ َ ْ ِ‬ ‫ِ‬ ‫م َ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫عت ُ ُ‬
‫فا َ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫عن ْدَهُ إ ِّل‬‫ع ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ش َ‬‫ذي ي َ ْ‬ ‫ذا ال ّ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪ ،(26‬ومفصلة في قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ع‬ ‫ذ ل ت َن ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫مئ ِ ٍ‬‫و َ‬‫ه()البقرة‪ :‬من الية ‪ ،(255‬وفي قوله تعالى ‪) :‬ي َ ْ‬ ‫ب ِإ ِذْن ِ ِ‬
‫َ‬
‫ل( )طـه‪، (109:‬‬ ‫و ً‬
‫ق ْ‬‫ه َ‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ض َ‬ ‫وَر ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫ن لَ ُ‬
‫ن أِذ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة إ ِّل َ‬‫ع ُ‬‫فا َ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ّ‬
‫ضى()النبياء‪ ،(28 :‬فلبد من‬ ‫ن اْرت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن إ ِّل ل ِ َ‬‫عو َ‬ ‫ش َ‬
‫ف ُ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫وقوله ‪َ ) :‬‬
‫هذه الشروط حتى تتحقق الشفاعة‪.‬‬

‫وبناء على ذلك نعرف النوع الثاني‪ ،‬وهي الشفاعة الباطلة التي‬
‫ل تنفع أصحابها‪ ،‬وهي ما يدعيه المشركون من شفاعة آلهتهم‬
‫لهم عند الله عز وجل ‪ ،‬فإن هذه الشفاعة ل تنفعهم كما قال الله‬
‫ن( )المدثر‪ ،(48:‬وذلك لن‬‫عي َ‬
‫ف ِ‬ ‫ة ال ّ‬
‫شا ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫ش َ‬
‫فا َ‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫ع ُ‬ ‫ما ت َن ْ َ‬
‫ف ُ‬ ‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫الله تعالى ل يرضي لهؤلء المشركين شركهم ‪ ،‬ول يمكن أن يأذن‬
‫بالشفاعة لهم ‪ ،‬لنه ل شفاعة إل لمن ارتضاه الله عز وجل ‪،‬‬
‫والله عز وجل ل يرضى لعباده الكفر ‪ ،‬ول يحب الفساد‪ ،‬فتعلق‬
‫المشركين بآلهتهم التي يعبدونها ويقولون هؤلء شفعاؤنا عند‬
‫الله ‪ ،‬تعلق باطل غير نافع ‪ ،‬بل هذا ل يزيدهم من الله تعالى إل‬
‫بعدًا‪.‬‬

‫ثم إن الشفاعة الثابتة النافعة‪ ،‬ذكر العلماء رحمهم الله أنها‬


‫تنقسم إلى قسمين‪ :‬عامة وخاصة ‪ ،‬ومعنى العموم ‪ :‬أن الله‬
‫سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من عباده الصالحين أن يشفعوا‬
‫لمن أذن الله لهم بالشفاعة فيهم ‪ .‬والخاصة ‪ :‬التي تختص بالنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأعظمها ‪ :‬الشفاعة العظمى التي تكون‬
‫يوم القيامة ‪ ،‬حين يلحق الناس من الغم والكرب مال يطيقون‪،‬‬
‫فيطلبون من يشفع لهم إلى الله عز وجل أن يريحهم من هذا‬
‫الموقف العظيم‪ ،‬فيذهبون إلى آدم‪ ،‬ثم إلى نوح ‪ ،‬ثم إلى‬
‫إبراهيم ‪ ،‬ثم إلى موسى ‪ ،‬ثم إلى عيسى‪ ،‬وكلهم ل يشفع ‪ ،‬حتى‬
‫تنتهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فيقوم ويشفع عند الله‬
‫عز وجل أن يخلص عباده من هذا الموقف العظيم ‪ ،‬فيجيب الله‬
‫دعاءه ويقبل شفاعته ‪ ،‬وهذا من المقام المحمود الذي وعده الله‬
‫َ‬ ‫ة لَ َ‬
‫فل َ ً‬
‫ن‬
‫سى أ ْ‬ ‫ع َ‬
‫ك َ‬ ‫ه َنا ِ‬
‫جد ْ ب ِ ِ‬
‫ه ّ‬
‫فت َ َ‬ ‫ن الل ّي ْ ِ‬
‫ل َ‬ ‫م َ‬
‫و ِ‬
‫تعالى به في قوله ‪َ ) :‬‬
‫مودًا( )السراء‪. (79:‬‬ ‫ح ُ‬ ‫قاما ً َ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك َرب ّ َ‬
‫ك َ‬ ‫عث َ َ‬
‫ي َب ْ َ‬
‫ومن الشفاعة الخاصة بالرسول صلى الله عليه وسلم ‪ :‬شفاعته‬
‫في أهل الجنة أن يدخلوا الجنة‪ ،‬فإن أهل الجنة إذا عبروا الصراط‬
‫وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار ‪ ،‬فتمحص قلوبهم بعضهم من‬
‫بعض ‪ ،‬حتى يهذبوا وينقوا ‪ ،‬ثم يؤذن لهم في دخول الجنة ‪ ،‬ولكن‬
‫ل يدخلونها إل بعد شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم إلى الله‬
‫عز وجل أن يدخلوا الجنة ‪ ،‬فتفتح أبواب الجنة بشفاعة النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم‪.‬‬

‫وأما الشفاعة العامة له ولغيره من عباد الله الصالحين ‪ ،‬فهي أن‬


‫يشفع في أهل النار من المؤمنين ‪ -‬أي من عصاة المؤمنين ‪-‬‬
‫الذين ل يستحقون الخلود في النار يشفع فيهم أن يخرجوا من‬
‫النار ‪ ،‬وهذه الشفاعة ثابتة له ولغيره من النبيين والشهداء‬
‫والصالحين ‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫عقيدة السلف في القرآن الكريم‬


‫السؤال )‪ :(60‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي عقيد السلف في‬
‫القرآن الكريم؟‬
‫الجواب ‪ :‬عقيدة السلف في القرآن الكريم كعقيدتهم في سائر‬
‫صفات الله تعالى وأسمائه ‪ ،‬وهي عقيدة مبنية على ما دل عليه‬
‫كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬وكلنا يعلم أن الله‬
‫سبحانه وتعالى وصف القرآن الكريم بأنه كلمه ‪ ،‬وأنه منزل من‬
‫ك َ َ‬ ‫َ‬
‫جْرهُ‬
‫فأ ِ‬ ‫جاَر َ‬ ‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫كي َ‬ ‫ر ِ‬‫ش ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬‫م َ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫عنده ‪ ،‬فقال جل وعل‪َ ) :‬‬
‫ْ‬ ‫م أ َب ْل ِ ْ‬
‫ه( )التوبة‪ ،(6:‬والمراد بل ريب‬ ‫من َ ُ‬‫مأ َ‬ ‫ه َ‬ ‫غ ُ‬ ‫م الل ّ ِ‬
‫ه ثُ ّ‬ ‫ع َ‬
‫كل َ‬ ‫م َ‬
‫س َ‬
‫حّتى ي َ ْ‬‫َ‬
‫ن‬
‫قْرآ َ‬‫ذا ال ْ ُ‬‫ه َ‬‫ن َ‬‫بكلم الله هنا ‪ :‬القرآن الكريم‪ ،‬وقال تعالى ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫عَلى بِني إسرائي َ َ‬
‫ن( )النمل‪،(76:‬‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫ه يَ ْ‬‫في ِ‬‫م ِ‬ ‫ه ْ‬
‫ذي ُ‬ ‫ل أك ْث ََر ال ّ ِ‬ ‫ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫ص َ‬ ‫ق ّ‬‫يَ ُ‬
‫فالقرآن كلم الله تعالى لفظا ً ومعنى ‪ ،‬تكلم به حقيقة‪ ،‬وألقاه‬
‫إلى جبريل المين ‪ ،‬ثم نزل به جبريل على قلب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ليكون من المنذرين بلسان عربي مبين ‪ ،‬ويعتقد‬
‫السلف أن القرآن منزل نزله الله عز وجل على محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم منجما ً في ثلث وعشرين سنة ‪ ،‬حسب ما تقتضيه‬
‫حكمة الله عز وجل ‪.‬‬

‫ثم إن نزوله يكون ابتدائيا ً ويكون سببيًا‪ ،‬بمعنى أن بعضه ينزل‬


‫لسبب معين اقتضى نزوله ‪ ،‬وبعضه ينزل بغير سبب ‪ ،‬وبعضه ينزل‬
‫في حكاية حال مضت للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ‪،‬‬
‫وبعضه ينزل في أحكام شرعية ابتدائية‪ ،‬على حسب ما ذكره أهل‬
‫العلم في هذا الباب ‪ ،‬ثم إن السلف يقولون ‪ :‬إن القرآن من عند‬
‫ء‪ ،‬وإليه يعود في آخر الزمان ‪ ،‬هذا هو قول‬ ‫الله عز وجل ابتدا ً‬
‫السلف في القرآن الكريم‪.‬‬

‫ول يخفى علينا جميعا ً أن الله تعالى وصف القرآن الكريم بأوصاف‬
‫عظيمة ‪ ،‬وصفه بأنه حكيم ‪ ،‬وبأنه كريم ‪ ،‬وبأنه عظيم ‪ ،‬وبأنه مجيد‬
‫‪ ،‬وهذه الوصاف التي وصف الله بها كلمه ‪ ،‬تكون لمن تمسك‬
‫بهذا الكتاب‪ ،‬وعمل به ظاهرا ً وباطنا ً ‪ ،‬فإن الله تعالى يجعل له من‬
‫المجد ‪ ،‬والعظمة‪ ،‬والحكمة ‪ ،‬والعزة ‪ ،‬والسلطان ‪ ،‬ما ل يكون لم‬
‫يتمسك بكتاب الله عز وجل‪ ،‬ولهذا أدعو من هذا المنبر جميع‬
‫المسلمين‪ ،‬حكاما ً ومحكومين‪ ،‬علماء وعامة‪ ،‬أدعوهم إلى التمسك‬
‫بكتاب الله عز وجل ظاهرا ً وباطنا ً ‪ ،‬حتى ينالوا رضا الله‪ ،‬وتكون‬
‫لهم العزة‪ ،‬والسعادة‪ ،‬والمجد‪ ،‬والظهور في مشارق الرض‬
‫ومغاربها‪.‬‬
‫أبرز أحكام التلوة‬
‫السؤال )‪ :(61‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هي أبرز أحكام التلوة؟‬
‫الجواب ‪ :‬الذي ينبغي لتالي القرآن أن يكون على طهر من‬
‫الحدثين الصغر والكبر‪ ،‬ول يجوز له أن يقرأن القرآن وعليه حدث‬
‫أكبر‪ ،‬فالجنب مثل ُ ل يقرأ القرآن حتى يغتسل‪ ،‬لن السنة وردت‬
‫بالمنع منه في حال الجنابة ‪ ،‬أما الحائض فقد اختلف أهل العلم‬
‫هل يجوز لها أن تقرأ القرآن؟‬

‫اختلفوا في ذلك على قولين ‪ :‬فمنهم من قال ‪ :‬إنه يجوز أن تقرأ‬


‫القرآن ‪ ،‬لنه ليس في منعها من القرآن سنة صريحة ‪ ،‬والصل‬
‫براءة الذمة وعدم اللزام ‪ ،‬كما أن الصل أيضا ً عدم المنع ‪ ،‬ويرى‬
‫بعض أهل العلم أنه ل يجوز لها أن تقرأ القرآن وهي حائض ‪ ،‬لنها‬
‫ممن يلزمها الغسل‪ ،‬فهي كالجنب ‪ ،‬ولنه روي عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في ذلك أحاديث تدل على المنع‪ ،‬والذي أرى في‬
‫هذه المسألة أنها ل تقرأ القرآن إذا كان غرضها بذلك مجرد‬
‫التلوة ‪ ،‬أما إذا كانت تريد أن تقرأ القرآن لحاجة ‪ ،‬تخشى نسيانه‬
‫مثل ُ ‪ ،‬أو تقرئه أبناءها أو بناتها أو الطالبات إن كانت مدرسة ‪ ،‬أو‬
‫تكون طالبة تريد أن تقرأه لسماع المدرسة ‪ ،‬فإن هذا ل بأس به‬
‫للحاجة ‪ ،‬وكذلك ل بأس أن تقرأ اليات التي تكون وردا ً كآية‬
‫الكرسي‪ ،‬لن هذا حاجة ‪ ،‬فيكون هذا القول الذي أراه أقرب إلى‬
‫الصواب مبنيا على حاجة المرأة الحائض‪ ،‬إن احتاجت للتلوة فلها‬
‫أن تقرأ القرآن ‪ ،‬وإن لم تحتج فل تقرأ القرآن‪.‬‬

‫كذلك ينبغي لقارئ القرآن أن يكون مستحضرا ً في قلبه ما تدل‬


‫عليه كلمات القرآن العظيم من المعاني الجليلة ‪ ،‬سواء كانت هذه‬
‫اليات تتضمن الخبار والقصص أو الحكام‪ ،‬لن الله سبحانه‬
‫مَباَر ٌ‬
‫ك ل ِي َدّب ُّروا‬ ‫ب أ َن َْزل َْناهُ إ ِل َي ْ َ‬
‫ك ُ‬ ‫وتعالى أنزل القرآن لهذه الحكمة)ك َِتا ٌ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ص‪. (29:‬‬ ‫ب( ) ّ‬‫ول ِي َت َذَك َّر أوُلو اْلل َْبا ِ‬
‫ه َ‬
‫آَيات ِ ِ‬
‫والنسان يجد الفرق العظيم إذا تل القرآن وقلبه غافل‪ ،‬وإذا تل‬
‫القرآن وقلبه حاضر يتدبر ما يقول ‪ ،‬يجد الفرق العظيم بين هذه‬
‫الحال والحال الخرى‪ ،‬ويجد أنه ينتفع أكثر إذا قرأ القرآن بتدبر‬
‫وتفكر‪ ،‬فإن ذلك يؤثر في قلبه قوة اليمان والتصديق‪ ،‬وقوة‬
‫النقياد والذعان للحكام التي يتضمنها كتاب الله عز وجل ‪.‬‬

‫وأما ما ينبغي أن تكون التلوة عليه ‪ :‬فينبغي أن تكون التلوة‬


‫تلوة هادئة ‪ ،‬ليس فيها سرعة تسقط بعض الحروف‪ ،‬أو تخفى بها‬
‫الكلمات ‪ ،‬بل يقرأ القرآن بتمهل وترسل‪ ،‬ول بأس بالعجلة أحيانا ً ‪،‬‬
‫بشرط أل يسقط الحروف أو شيئا ً منها‪ ،‬أو يدغم مال يجوز إدغامه‬
‫أو ما أشبه ذلك‪.‬‬

‫السؤال )‪ :(62‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم التلوة لروح الميت؟‬


‫الجواب ‪ :‬التلوة لروح الميت ‪ ،‬يعني أن يقرأ القارئ القرآن وهو‬
‫يريد أن يكون ثوابه لميت من المسلمين‪ ،‬فقد اختلف العلماء في‬
‫هذه المسألة‪ ،‬فمنهم من يرى أن ذلك غير مشروع‪ ،‬وأن الميت ل‬
‫ينتفع به‪ ،‬أي ل ينتفع بالقرآن في هذه الحال‪ ،‬ومنهم من يرى أنه‬
‫ينتفع بذلك ‪ ،‬وأنه يجوز للنسان أن يقرأ القرآن بنية أنه لفلن أو‬
‫لفلنة من المسلمين‪ ،‬سواء كان قريبا ً له أم غير قريب له ‪ ،‬وهذا‬
‫هو الرجح‪ ،‬لنه ورد في جنس العبادات جواز صرفها للميت ‪ ،‬كما‬
‫في حديث سعد بن عبادة رضي الله عنه ‪ ،‬حين تصدق بمخرافه ‪-‬‬
‫أي ببستانه ‪-‬لمه)‪ ،(41‬وكما في قصة الرجل الذي قال للنبي عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ :‬إن أمي افتلتت نفسها ‪ ،‬وأظنها لو تكلمت‬
‫لتصدقت‪ ،‬أفأتصدق عنها؟ قال ‪" :‬نعم")‪.(42‬‬

‫وهذه قضايا أعيان‪ ،‬تدل على أن صرف جنس العبادات لحد من‬
‫المسلمين جائز ‪ ،‬وهو كذلك ‪ ،‬ولكن أفضل من هذا أن يدعو‬
‫للميت‪ ،‬وأن يجعل العمال الصالحة لنفسه‪ ،‬لن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال ‪ " :‬إذا مات النسان انقطع عمله إل من ثلثة‪ :‬إل‬
‫من صدقة جارية ‪ ،‬أو علم ينتفع به ‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له")‪ ،(43‬ولم‬
‫يقل ‪ :‬أو ولد صالح يتلو له ‪ ،‬أو يصلي له ‪ ،‬أو يصوم له ‪ ،‬أو يتصدق‬
‫عنه ‪ ،‬بل قال ‪ :‬أو ولد صالح يدعو له ‪ ،‬والسياق في سياق العمل‬
‫فدل ذلك على أن الفضل أن يدعو النسان للميت‪ .‬ل أن يجعل له‬
‫شيئا ً من العمال الصالحة ‪ ،‬والنسان محتاج إلى العمل الصالح ‪،‬‬
‫أن يجد ثوابه مدخرا ً له عند الله عز وجل‪.‬‬
‫أما ما يفعل بعض الناس من التلوة للميت بعد موته بأجرة ‪ ،‬مثل‬
‫أن يحضر قارئا ً يقرأ القرآن بأجرة‪ ،‬ليكون ثوابه للميت‪ ،‬فإن هذا‬
‫بدعة‪ ،‬ول يصل إلى الميت ثوابه‪ ،‬لن هذا القارئ إنما قرأ من أجل‬
‫الدنيا ‪ ،‬ومن أتى بعبادة من أجل الدنيا ‪ ،‬فإنه ل حظ له منها في‬
‫حَياةَ الدّن َْيا‬ ‫ريدُ ال ْ َ‬‫ن يُ ِ‬ ‫كا َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬‫الخرة ‪ ،‬كما قال الله تبارك وتعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن( )‪(15‬‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬‫ها ل ي ُب ْ َ‬ ‫في َ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬
‫ها َ‬ ‫في َ‬
‫م ِ‬ ‫مال َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ع َ‬‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ّ َ‬
‫ف إ ِلي ْ ِ‬ ‫ها ن ُ َ‬ ‫زين َت َ َ‬
‫و ِ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫في َ‬ ‫عوا ِ‬‫صن َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫حب ِط َ‬ ‫و َ‬
‫ة إ ِل الّناُر َ‬ ‫خَر ِ‬‫في ال ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫سل ُ‬ ‫ن لي ْ َ‬ ‫ذي َ‬
‫)أولئ ِك ال ِ‬
‫ن( )هود‪ (16-15:‬وإني بهذه المناسبة أوجه‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َ‬‫وَباطِ ٌ‬ ‫َ‬
‫نصيحة إلى إخواني الذين يعتادون مثل هذا العمل ‪ ،‬أن يحفظوا‬
‫أموالهم لنفسهم أو لورثة الميت ‪ ،‬وأن يعلموا أن هذا العمل‬
‫بدعة في ذاته‪ ،‬وأن الميت ل يصل إليه ثوابه‪ ،‬لن القارئ الذي‬
‫ليس له نية في قراءته إل أخذ الجرة‪ ،‬ليس له ثواب عند الله عز‬
‫وجل ‪ ،‬وحينئذ يكون أخذ الموال ولم ينتفع الميت بذلك‪.‬‬

‫قراءة الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم‬


‫السؤال )‪ :(63‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بالنسبة للذين يوصون أن تقرأ‬
‫الفاتحة لروح النبي صلى الله عليه وسلم أو له عند قبر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم؟‬
‫الجواب ‪ :‬هذه الوصية ل يلزم تنفيذها ‪ ،‬لنها وصية بأمر غير‬
‫مشروع ‪ ،‬فالنبي صلى الله عليه وسلم ل يشرع لحد أن يعبد‬
‫الله ‪ ،‬ثم يجعل ثواب العبادة للرسول صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لن‬
‫هذا لو كان مشروعا ً لكان أسبق الناس إليه الصحابة رضي الله‬
‫عنهم ‪ ،‬ولن النبي صلى الله عليه وسلم ل يحتاج لمثل هذا ‪ ،‬فإنه‬
‫ما من إنسان يعمل عمل ً صالحا ً إل كان للنبي صلى الله عليه‬
‫وسلم مثل أجره‪ ،‬لنه هو الذي دل عليه ‪ " ،‬والدال على الخير‬
‫كفاعله")‪ ،(44‬فهذا يكون من العبث ‪ ،‬ومن البدعة التي لم ترد عن‬
‫السلف الصالح رضي الله عنهم‪ ،‬وكذلك لو قال ‪ :‬تقرأ الفاتحة عند‬
‫قبر النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬لي‪ ،‬فإنه ل يلزم الوفاء بهذه‬
‫الوصية‪ ،‬لن تخصيص مكان بعبادة معينة لم يرد بها الشرع من‬
‫البدع ‪ ،‬كما هو معلوم في البحث عن ذكر المتابعة للرسول عليه‬
‫الصلة والسلم ‪ ،‬وأنه ل تحقق المتابعة حتى توافق العبادة‬
‫الشريعة في أمور ستة ‪ :‬في سببها ‪ ،‬وجنسها ‪ ،‬وقدرها ‪،‬‬
‫وكيفيتها‪ ،‬وزمانها ‪ ،‬ومكانها‪.‬‬

‫‪----------------------------‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب أخذ الصدقة من الغنياء ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(1‬‬

‫‪ ،(1496‬ومسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب المر باليمان بالله تعالى ورسوله‪،‬‬


‫رقم )‪.(19‬‬
‫)‪(2‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب التجارة فيما يكره لبسه للرجال‬
‫والنساء ‪ ،‬رقم )‪ ، (2105‬ومسلم ‪ ،‬كتاب اللباس ‪ ،‬باب ل تدخل الملئكة‬
‫بيتا ً فيه كلب ول صورة رقم )‪.(2107‬‬
‫س‬ ‫)‪ (3‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب قول الله ‪ ) :‬ل ي َ‬
‫ن الّنا َ‬
‫سألو َ‬
‫َ ْ‬
‫حافًا( رقم )‪ ،(1477‬ومسلم ‪ ،‬كتاب القضية ‪ ،‬باب النهي عن كثرة‬ ‫إ ِل ْ َ‬
‫المسائل من غير حاجة رقم )‪.(1715‬‬
‫تقدم تخريجه صفحة )‪(14‬‬ ‫)‪(4‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب فضل من استبرأ لدينه ‪ ،‬رقم )‪،(52‬‬ ‫)‪(5‬‬

‫ومسلم كتاب المساقاة ‪ ،‬باب أخذ الحلل وترك الشبهات‪ ،‬رقم )‪.(1599‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب البر والصلة ‪ ،‬باب تحريم ظلم المسلم وخذله ‪ ،‬رقم‬ ‫)‪(6‬‬

‫)‪.(2564‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب بيان اليمان والسلم والحسان ‪،‬‬ ‫)‪(7‬‬

‫رقم )‪.(8‬‬
‫أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب إذا أسلم الصبي فمات ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(8‬‬

‫‪ ،(1358‬ومسلم ‪ ،‬كتاب القدر ‪ ،‬باب معنى ‪ :‬كل مولود يولد على‬


‫الفطرة ‪ ،‬رقم )‪.(2658‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬رقم )‪ ،(1014‬ومسلم ‪ ،‬كتاب صلة الستسقاء ‪ ،‬باب‬ ‫)‪(9‬‬

‫الدعاء في الستسقاء ‪ ،‬رقم )‪.(897‬‬


‫)‪ (10‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب بدء الخلق ‪ ،‬باب إذا قال أحدكم آمين والملئكة‬
‫في السماء ‪ ،‬رقم )‪ ،(3234 ،3232‬ومسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب في ذكر‬
‫سدرة المنتهى ‪ ،‬رقم )‪.(173‬‬
‫)‪ (11‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب صلة المسافرين ‪ ،‬باب الدعاء في صلة الليل‬
‫وقيامه ‪ ،‬رقم )‪.(770‬‬
‫)‪ (12‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب بدء الخلق ‪ ،‬باب ذكر الملئكة صلوات الله عليهم ‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(3207‬ومسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب السراء برسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬رقم )‪.(164‬‬
‫)‪ (13‬أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب الزهد ‪ ،‬باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ " :‬لو تعلمون ما أعلم ‪ ، "..‬رقم )‪ ،(2312‬وأحمد في المسند )‪، (5/173‬‬
‫وابن ماجه ‪ ،‬كتاب الزهد ‪ ،‬باب الحزن والبكاء ‪ ،‬رقم )‪ ،(4190‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حديث حسن غريب‪.‬‬
‫سل َْنا ُنوحا ً‬ ‫)‪ (14‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب أحاديث النبياء ‪ ،‬باب قول الله )ول َ َ َ‬
‫قدْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫مه(‪ ،‬رقم )‪ ،(3340‬ومسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب أدنى أهل الجنة‬ ‫و ِ‬ ‫إ َِلى َ‬
‫ق ْ‬
‫منزلة فيها رقم )‪.(194‬‬
‫)‪ (15‬أخرجه أحمد في المسند )‪ ،(5/317‬والترمذي ‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(2155‬وقال ‪ :‬غريب ‪ .‬وأبو داود ‪ ،‬كتاب السنة ‪ ،‬باب في القدر‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(4700‬‬
‫)‪ (16‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب بدء الخلق ‪ ،‬باب ذكر الملئكة صلوات الله عليهم ‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(3208‬ومسلم ‪ ،‬كتاب القدر ‪ ،‬باب كيفية الخلق الدمي في بطن‬
‫أمه ‪ ،‬رقم )‪.(2643‬‬

‫)‪ (17‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الطب ‪ ،‬باب ما يذكر في الطاعون ‪ ،‬رقم )‬


‫‪ .(5729‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الطب ‪ ،‬باب الطاعون والطيرة‪ ،...‬رقم )‪.(2219‬‬
‫)‪ (18‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب القدر ‪ ،‬باب المر بالقوة وترك العجز ‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(2664‬‬
‫)‪ (19‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الحيض ‪ ،‬باب ترك الحائض الصوم ‪ ،‬رقم )‪، (304‬‬
‫ومسلم كتاب اليمان ‪ ،‬باب نقصان اليمان بنقصان الطاعات ‪ ،‬رقم )‪،79‬‬
‫‪.(80‬‬
‫مُر‬ ‫ما ال ْ َ‬
‫خ ْ‬ ‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الشربة ‪ ،‬باب قول الله تعالى ‪ ) :‬إ ِن ّ َ‬
‫)‪(20‬‬

‫سُر ()‪ ،(5578‬ومسلم كتاب اليمان ‪ ،‬باب بيان أنه ل يدخل الجنة إل‬ ‫وال ْ َ‬
‫مي ْ ِ‬ ‫َ‬
‫المؤمنون رقم )‪.(57‬‬
‫)‪ (21‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الطب ‪ ،‬باب تحريم الكهانة وإتيان الكهان ‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(2230‬‬
‫)‪ (22‬أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب ما جاء في كراهية إتيان الحائض ‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(135‬وابن ماجه ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب النهي عن إتيان الحائض ‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(639‬وصححه العلمة أحمد شاكر في حاشيته على سنن الترمذي‬
‫)‪.(1/244‬‬
‫)‪ (23‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الدب ‪ ،‬باب قول الرجل للرجل اخسا ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(6173‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الفتن ‪ ،‬باب ذكر ابن صياد ‪ ،‬رقم )‪(2925‬‬
‫)‪ (24‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الكسوف ‪ ،‬باب الصلة في كسوف الشمس ‪ ،‬رقم‬
‫)‪ ،(1043 ،1042 ،1041 ،1040‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الكسوف ‪ ،‬باب صلة‬
‫الكسوف ‪ ،‬رقم )‪901‬م(‪.‬‬
‫)‪ (25‬أخرجه البخاري كتاب النكاح ‪ ،‬باب الخطبة‪ ،‬رقم )‪ ،(5146‬ومسلم ‪ ،‬كتاب‬
‫الجمعة ‪ ،‬باب تخفيف الصلة والخطبة ‪ ،‬رقم)‪.(869‬‬
‫)‪ (26‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب بدء الخلق ‪ ،‬باب صفة إبليس وجنوده ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(3268‬ومسلم كتاب الطب ‪ ،‬باب السحر ‪ ،‬رقم )‪.(2189‬‬
‫)‪ (27‬أخرجه الترمذي كتاب النذور واليمان ‪ ،‬باب ما جاء أن من حلف بغير الله‬
‫فقد أشرك ‪ ،‬رقم )‪ ،(1535‬وأحمد في المسند)‪.(2/69‬‬
‫)‪ (28‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب بيان إطلق اسم الكفر على من ترك‬
‫الصلة رقم )‪.(82‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(36‬‬ ‫)‪(29‬‬

‫)‪ (30‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب السنة ‪ ،‬باب شرح السنة ‪ ،‬رقم )‪ ،(4596‬والترمذي‬
‫‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب ما جاء في افتراق هذه المة رقم )‪،(2641 ،2640‬‬
‫وابن ماجه‪ ،‬كتاب الفتن ‪ ،‬باب افتراق المم ‪ ،‬رقم )‪،(3992 ،3991‬‬
‫وأحمد في المسند )‪ (2/332‬وهو في صحيح الجامع رقم )‪.(1083‬‬
‫)‪ (31‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب البيعان بالخيار ما لم يتفرقا ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(2110‬ومسلم ‪ ،‬كتاب البيوع‪ ،‬باب الصدق في البيع والبيان‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(1532‬‬
‫)‪ (32‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب المغازي ‪ ،‬باب مرجع النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫من الحزاب‪ ،‬رقم )‪ ،(4119‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الجهاد‪ ،‬باب من لزمه أمر‬
‫فدخل عليه أمر آخر ‪ ،‬رقم )‪ ،(1770‬والذي في مسلم "الظهر" بدل‬
‫"العصر"‪.‬‬
‫أخرجه أحمد في المسند )‪(1/391‬‬ ‫)‪(33‬‬

‫)‪ (34‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الذان ‪ ،‬باب الدعاء قبل السلم ‪ ،‬رقم )‪،(834‬‬
‫ومسلم كتاب الذكر والدعاء ‪ ،‬باب استحباب خفض الصوت بالذكر ‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(2705‬‬
‫)‪ (35‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب المرضى ‪ ،‬باب تمني المريض الموت ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(5671‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء ‪ ،‬باب كراهية تمني الموت لضر‬
‫نزل به ‪ ،‬رقم )‪ (2680‬بدون ذكر أوله وأخرجه كامل ً النسائي‪ ،‬كتاب‬
‫السهو‪ ،‬باب نوع آخر‪ ،‬رقم )‪ ،(1305‬وأحمد )‪(4/264‬‬
‫)‪ (36‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الجارة ‪ ،‬باب من استأجر أجيرا ً فترك أجره ‪ ،‬رقم‬
‫)‪ ،(2272‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الذكر والدعاء ‪ ،‬باب قصة أصحاب الغار الثلثة ‪،‬‬
‫رقم )‪.(2743‬‬
‫)‪ (37‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الستسقاء ‪ ،‬باب الدعاء إذا كثر المطر ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(1021‬ومسلم‪ ،‬كتاب صلة الستسقاء ‪ ،‬باب الدعاء في الستسقاء‪،‬‬
‫رقم )‪.(897‬‬
‫)‪ (38‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الطب ‪ ،‬باب من اكتوى أو كوى غيره ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(5705‬ومسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب الدليل على دخول طوائف من‬
‫المسلمين الجنة بغير حساب ‪ ،‬رقم )‪.(220‬‬
‫)‪ (39‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الستسقاء ‪ ،‬باب سؤال الناس المام الستسقاء‬
‫إذا قحطوا رقم )‪.(1010‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب العلم ‪ ،‬باب الحرص على الحديث ‪ ،‬رقم )‪.(99‬‬ ‫)‪(40‬‬

‫)‪ (41‬أخرجه مالك في الموطأ )‪ (2/760‬كتاب القضية‪ ،‬والنسائي ‪ ،‬كتاب‬


‫الوصايا ‪ ،‬باب فضل الصدقة عن الميت ‪ ،‬رقم )‪.(3655‬‬
‫)‪ (42‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب موت الفجأة البغتة ‪ ،‬رقم )‪،(1388‬‬
‫ومسلم كتاب الزكاة ‪ ،‬باب وصول ثواب الصدقة عن الميت إليه‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(1004‬‬
‫)‪ (43‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الوصية ‪ ،‬باب ما يحلق النسان من الثواب بعد‬
‫وفاته ‪ ،‬رقم )‪.(1631‬‬
‫)‪ (44‬كما قال النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب‬
‫ما جاء الدال على الخير كفاعله‪ ،‬رقم )‪ ،(2670‬وفي مسلم ‪" :‬من دل‬
‫على خير فله مثل أجر فاعله"‪ ،‬كتاب المارة ‪ ،‬باب فضل إعانة الغازي‬
‫في سبيل الله بمركوب وغيره‪ ،‬رقم )‪.(1893‬‬
‫فتـاوى الطهارة‬
‫حقيقة الطهارة‬
‫السؤال)‪ :(64‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي الطهارة؟‬
‫الجواب ‪ :‬الطهارة معناها‪ :‬النظافة والنزاهة ‪ ،‬وهي في الشرع‬
‫على نوعين ‪ :‬طهارة معنوية‪ ،‬وطهارة حسية‪ ،‬أما الطهارة‬
‫المعنوية‪ :‬فهي طهارة القلوب من الشرك والبدع في عبادة الله ‪،‬‬
‫ومن الغل‪ ،‬والحقد‪ ،‬والحسد‪ ،‬والبغضاء ‪ ،‬والكراهة ‪ ،‬وما أشبه ذلك‬
‫في معاملة عباد الله الذين ل يستحقون هذا ‪.‬‬
‫ً‬
‫أما الطهارة الحسية‪ :‬فهي طهارة البدن ‪ ،‬وهي أيضا نوعان‪ :‬إزالة‬
‫وصف يمنع من الصلة ونحوها مما تشترط له الطهارة وإزالة‬
‫الخبث‪.‬‬
‫نتكلم أول ً عن الطهارة المعنوية ‪ :‬وهي طهارة القلب من الشرك‬
‫والبدع فيما يتعلق بحقوق الله عز وجل ‪ ،‬وهذا هو أعظم‬
‫الطهارتين ‪ ،‬ولهذا تنبني عليه جميع العبادات ‪ ،‬فل تصح أي عبادة‬
‫من شخص ملوث قلبه بالشرك ‪ ،‬ول تصح أي بدعة يتقرب بها‬
‫النسان إلى الله عز وجل ‪ ،‬وهي مما لم يشرعه الله عز وجل ‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫م إ ِّل أن ّ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف َ‬
‫قات ُ ُ‬ ‫م نَ َ‬ ‫ه ْ‬
‫من ْ ُ‬
‫ل ِ‬ ‫ن تُ ْ‬
‫قب َ َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫ع ُ‬
‫من َ َ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬‫قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه ()التوبة‪ ،(54 :‬وقال النبي صلى الله عليه‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وب َِر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فُروا ِبالل ّ ِ‬ ‫كَ َ‬
‫وسلم ‪ " :‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد" ‪.‬‬
‫)‪(45‬‬

‫وعلى هذا ‪ ،‬فالمشرك بالله شركا ً أكبر ل تقبل عبادته وإن صلى‬
‫وإن صام وزكى وحج ‪ ،‬فمن كان يدعو غير الله عز وجل‪ ،‬أو يعبد‬
‫غير الله فإن عبادته لله عز وجل غير مقبولة ‪ ،‬حتى وإن كان يتعبد‬
‫لله تعالى عبادة يخلص فيها لله ‪ ،‬ما دام قد أشرك بالله شركا ً أكبر‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬
‫ولهذا وصف الله عز وجل المشركين بأنهم نجس ‪ ،‬فقال تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫م‬
‫حَرا َ‬‫جدَ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬‫قَرُبوا ال ْ َ‬ ‫فل ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬
‫ش ِ‬‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫) أي ّ َ‬
‫ذا ()التوبة‪ ،(28 :‬ونفى النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ه َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ِ‬‫عا ِ‬
‫عدَ َ‬ ‫بَ ْ‬
‫النجاسة عن المؤمن ‪ ،‬فقال صلى الله عليه وسلم "إن لمؤمن ل‬
‫ينجس")‪ ،(46‬وهذا هو الذي ينبغي للمؤمن أن يعتني به عناية كبيرة‬
‫ليطهر قلبه منه‪.‬‬
‫كذلك أيضا ً يطهر قلبه من الغل والحقد والحسد والبغضاء‬
‫والكراهة للمؤمنين‪ ،‬لن هذه كلها صفات ذميمة ليست من خلق‬
‫المؤمن‪ ،‬فالمؤمن أخو المؤمن ‪ ،‬ل يكرهه ول يعتدي عليه ‪ ،‬ول‬
‫يحسده‪ ،‬بل يتمنى الخير لخيه كما يتمنى الخير لنفسه ‪ ،‬حتى إن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم نفى اليمان عمن ل يحب لخيه ما‬
‫يحب لنفسه ‪ ،‬فقال عليه الصلة والسلم ‪ " :‬ل يؤمن أحدكم حتى‬
‫يحب لخيه ما يحب لنفسه")‪ ،(47‬ونرى كثيرا ً من الناس أهل خير‬
‫وعبادة وتقوى وزهد ‪ ،‬ويكثرون التردد إلى المساجد ‪ ،‬ليعمروها‬
‫بالقراءة والذكر والصلة ‪ ،‬لكن يكون لديهم حقد على بعض‬
‫إخوانهم المسلمين ‪ ،‬أو حسد لمن أنعم الله عليه بنعمة‪ ،‬وهذا يخل‬
‫كثيرا ً فيما يسلكونه من عبادة الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬فعلى كل منا‬
‫أن يطهر قلبه من هذه الدناس بالنسبة لخوانه المسلمين‪.‬‬
‫أما الطهارة الحسية‪ :‬فهي كما قلت نوعان ‪ :‬إزالة وصف يمنع من‬
‫الصلة ونحوها مما تشترط له الطهارة‪ ،‬وإزالة خبث‪.‬‬
‫فأما إزالة الوصف ‪ :‬فهي رفع الحدث الصغر والكبر‪ ،‬بغسل‬
‫العضاء الربعة في الحدث الصغر ‪ ،‬وغسل جميع البدن في‬
‫الحدث الكبر‪ ،‬إما بالماء لمن قدر عليه ‪ ،‬وإما بالتيمم لمن لم يقدر‬
‫َ‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫على الماء ‪ ،‬وفي هذا أنزل الله تعالى قوله‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫هك ُم َ‬
‫ق‬‫ف ِ‬ ‫مَرا ِ‬ ‫م إ َِلى ال ْ َ‬ ‫دي َك ُ ْ‬ ‫وأي ْ ِ‬ ‫جو َ ْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫سُلوا ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫فا ْ‬ ‫ة َ‬ ‫صل ِ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ق ْ‬‫ذا ُ‬ ‫إِ َ‬
‫َ‬
‫هُروا‬ ‫فاطّ ّ‬ ‫جُنبا ً َ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫عب َ َي ْ ِ‬ ‫م إ َِلى ال ْك َ ْ‬ ‫جل َك ُ ْ‬ ‫وأْر ُ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ؤو ِ‬ ‫حوا ب ُِر ُ‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫و‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫طأ ْ‬ ‫غائ ِ ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫من ْك ْ‬ ‫حد ٌ ِ‬ ‫جاءَ أ َ‬ ‫و َ‬ ‫رأ ْ‬ ‫ف ٍ‬ ‫على َ‬ ‫و َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫م َ‬ ‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫حوا‬ ‫س‬
‫ْ َ ُ‬ ‫م‬ ‫َ‬
‫فا‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫يب‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ط‬ ‫ً‬ ‫ا‬ ‫عيد‬ ‫ِ‬ ‫ص‬
‫َ‬ ‫موا‬ ‫َ ّ ُ‬‫م‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ف‬‫َ‬ ‫ً‬ ‫ء‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫دوا‬ ‫ِ ُ‬ ‫ج‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫َ‬ ‫ء‬ ‫سا‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬
‫َ ْ ُ‬ ‫ت‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ل‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ولك ِ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫حَر ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫علي ْك ْ‬ ‫عل َ‬ ‫ج َ‬ ‫ه ل ِي َ ْ‬ ‫ريدُ الل ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ديك ْ‬ ‫وأي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هك ْ‬ ‫جو ِ‬ ‫و ُ‬ ‫بِ ُ‬
‫ن( )المائدة‪.(6:‬‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬
‫علك ْ‬ ‫ّ‬ ‫مل َ‬‫َ‬ ‫علي ْك ْ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫مت َ ُ‬ ‫ع َ‬‫م نِ ْ‬ ‫ول ِي ُت ِ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫هَرك ْ‬ ‫َ‬
‫ريدُ ل ِي ُط ّ‬ ‫يُ ِ‬
‫أما النوع الثاني ‪ :‬فهو الطهارة من الخبث ‪ ،‬أي من النجاسة ‪،‬‬
‫وهي كل عين أوجب الشرع على العباد أن يتنزهوا منها ويتطهروا‬
‫منها‪ ،‬كالبول والغائط ونحوهما مما دلت السنة بل مما دلت‬
‫الشريعة على نجاسته ‪ ،‬ولهذا قال الفقهاء رحمهم الله ‪ :‬الطهارة‬
‫إما عن حدث وإما عن خبث‪ ،‬ويدل لهذا النوع أعني الطهارة من‬
‫الخبث ما رواه أهل السنن أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى‬
‫بأصحابه ذات يوم فخلع نعليه ‪ ،‬فخلع الناس نعالهم ‪ ،‬فلما أنصرف‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم سألهم أي سأل الصحابة‪ :-‬لماذا خلعوا‬
‫نعالهم؟ فقالوا‪ :‬رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا ‪ ،‬فقال صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ :‬إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذى")‪،(48‬‬
‫يعني قذرا ً ‪ ،‬فهذا هو الكلم على لفظ الطهارة ‪.‬‬

‫الصل في التطهير‬
‫السؤال )‪ :(65‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو الصل في التطهير؟‬
‫الجواب ‪ :‬أما الطهارة من الحدث فالصل فيها الماء ‪ ،‬ول طهارة‬
‫إل بالماء‪ ،‬سواء كان الماء نقيا ً أم متغيرا ً بشيء طاهر ‪ ،‬لن القول‬
‫الراجح أن الماء إذا تغير بشيء طاهر وهو باق على أسم الماء‪ ،‬أنه‬
‫ل تزول طهوريته ‪ ،‬بل هو طهور ‪ ،‬طاهر في نفسه ‪ ،‬مطهر لغيره‪.‬‬
‫فإن لم يوجد الماء‪ ،‬أو خيف الضرر باستعماله ‪ ،‬فإنه يعدل عنه إلى‬
‫التيمم بضرب الرض بالكفين ‪ ،‬ثم مسح الوجه بهما‪ ،‬ومسح‬
‫بعضهما ببعض ‪ ،‬هذا بالنسبة للطهارة من الحدث ‪ ،‬أما الطهارة‬
‫من الخبث فإن أي مزيل يزيل ذلك الخبث من ماء أو غيره‪ ،‬تحصل‬
‫به الطهارة ‪ ،‬وذلك لن الطهارة من الخبث يقصد بها إزالة تلك‬
‫العين الخبيثة بأي مزيل ‪ ،‬فإذا زالت هذه العين الخبيثة بماء أو‬
‫بنزين أو غيره من السائلت أو الجامدات على وجه تمام‪ ،‬فإن هذا‬
‫يكون تطهيرا ً لها‪ ،‬وبهذا نعرف الفرق بين ما يحصل به التطهير‬
‫في باب الخبث ‪ ،‬وبين ما يحصل به التطهير في باب الحدث‪.‬‬

‫البدل عن الصل في التطهير‬


‫السؤال )‪ :(66‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو البدل عن هذا الصل الذي هو‬
‫الماء؟‬
‫الجواب ‪ :‬البدل عن هذا الصل هو التراب ‪ ،‬إذا تعذر استعمال الماء‬
‫لعدمه أو التضرر باستعماله ‪ ،‬فإنه يعدل عن ذلك إلى التراب ‪ ،‬أي‬
‫إلى التيمم‪ ،‬بأن يضرب النسان يديه على الرض ‪ ،‬ثم يمسح بهما‬
‫وجهه ‪ ،‬ويمسح بعضهما ببعض ‪ ،‬لكن هذا خاص في الطهارة من‬
‫الحدث ‪ ،‬أما طهارة الخبث فليس فيها تيمم ‪ ،‬سواء كان على‬
‫البدن‪ ،‬أو على الثوب ‪ ،‬أو على البقعة‪ ،‬لن المقصود من التطهر‬
‫من الخبث إزالة هذه العين الخبيثة ‪ ،‬وليس التعبد فيها شرطا ً ‪،‬‬
‫ولهذا لو زالت هذه العين الخبيثة بغير قصد من النسان طهر‬
‫المحل‪ .‬فلو نزل المطر على مكان نجس‪ ،‬أو على ثوب نجس ‪،‬‬
‫وزالت النجاسة بما نزل من المطر ‪ ،‬فإن المحل يطهر بذلك ‪ ،‬وإن‬
‫كان النسان ليس عنده علم بهذا ‪ ،‬بخلف طهارة الحدث‪ ،‬فإنها‬
‫عبادة يتقرب بها النسان إلى الله عز وجل ‪ ،‬فلبد فيها من النية‬
‫والقصد‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(67‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬إذن لو كان على النسان‬
‫نجاسة ‪ ،‬ول يستطيع إزالتها ‪ ،‬فإنه ل يتيمم عنها؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم ‪ ،‬إذا كان على النسان نجاسة وهو ل يستطيع‬
‫إزالتها فإنه يصلي بحسب حاله لكن يخففها ما أمكن بالحك وما‬
‫أشبه ذلك ‪ ،‬وإذا كانت مثل ُ في ثوب يمكنه خلعه ويستتر بغيره ‪،‬‬
‫وجب عليه أن يخلعه ويستتر بغيره‪.‬‬
‫صفة الوضوء‬
‫السؤال )‪ :(68‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي صفة الوضوء ؟‬
‫الجواب ‪ :‬صفة الوضوء الشرعي على وجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬صفة واجبة ل يصح الوضوء إل بها ‪ ،‬وهي المذكورة‬
‫َ‬
‫ة‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬
‫صل ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ذا ُ‬
‫ق ْ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫في قوله تعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫هك ُم َ‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫حوا ب ُِر ُ‬
‫ؤو ِ‬ ‫س ُ‬
‫م َ‬ ‫وا ْ‬‫ق َ‬
‫ف ِ‬ ‫م إ َِلى ال ْ َ‬
‫مَرا ِ‬ ‫دي َك ُ ْ‬
‫وأي ْ ِ‬ ‫جو َ ْ َ‬ ‫سُلوا ُ‬
‫و ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫فا ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫ن ()المائدة‪ ،(6 :‬فهي غسل الوجه مرة‬ ‫م إ َِلى ال ْك َ ْ‬
‫عب َي ْ ِ‬ ‫جل َك ُ ْ‬‫وأْر ُ‬ ‫َ‬
‫واحدة ‪ ،‬ومنه أي غسل الوجه المضمضة والستنشاق‪ ،‬وغسل‬
‫اليدين إلى المرافق من أطراف الصابع إلى المرافق مرة واحدة‪،‬‬
‫ومسح الرأس مرة واحدة ‪ ،‬ومنه أي من الرأس الذنان وغسل‬
‫الرجلين إلى الكعبين مرة واحدة ‪ ،‬هذه هي الصفة الواجبة التي‬
‫لبد منها‪.‬‬
‫أما الوجه الثاني من صفة الوضوء‪ :‬فهي الصفة المستحبة‬
‫ونسوقها الن بمعونة الله ‪ ،‬فهي أن يسمي النسان عند وضوئه ‪،‬‬
‫ويغسل كفيه ثلث مرات ‪ ،‬ثم يتمضمض ويستنشق ثلث مرات‬
‫بثلث غرفات ‪ ،‬ثم يغسل وجهه ثلثا ً ‪ ،‬ثم يغسل يديه إلى‬
‫المرفقين ثلثا ً ثلثا ً ‪ ،‬يبدأ باليمنى ثم باليسرى ‪ ،‬ثم يمسح رأسه‬
‫مرة واحدة ‪ ،‬يبدأ بمقدمه حتى يصل إلى مؤخره ‪ ،‬ثم يرجع حتى‬
‫يصل إلى مقدمه‪ ،‬ثم يمسح أذنيه‪ ،‬فيدخل سبابته في صماخيهما‪،‬‬
‫ويمسح بإبهامه ظاهرهما ‪ ،‬ثم يغسل رجليه إلى الكعبين ثلثا ً‬
‫ثلثا ً ‪ ،‬يبدأ باليمنى ثم باليسرى‪ ،‬ثم يقول بعد ذلك أشهد أن ل إله‬
‫إل الله وحده ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪ ،‬اللهم‬
‫اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين ‪ ،‬فإنه إذا فعل ذلك‬
‫فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء ‪ .‬هكذا صح‬
‫)‬
‫الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم قاله عمر رضي الله عنه‬
‫‪.(49‬‬
‫السؤال )‪ :(69‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن بالنسبة للذنين ‪ ،‬هل يلزم‬
‫أخذ ماء خاص لهما أم مع الرأس ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل يلزم أخذ ماء جديد للذنين‪ ،‬بل ول يستحب ‪ ،‬لن جميع‬
‫الواصفين لوضوء النبي صلى الله عليه وسلم لم يذكروا أنه كان‬
‫يأخذ ماء جديدا ً لذنيه ‪ ،‬فالفضل أن يمسح أذنيه ببقية البلل الذي‬
‫بقي بعد مسح رأسه‪.‬‬

‫نواقض الوضوء‬
‫السؤالن )‪ :( 71-70‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي نواقض الوضوء ؟‬
‫الجواب ‪ :‬قبل أن نذكر نواقض الوضوء ‪ ،‬أحب أن أنبه إلى مسألة‬
‫تخفى على كثير من الناس ‪ ،‬وهي أن بعض الناس يظنون أن‬
‫الستنجاء أو الستجمار من فروض الوضوء‪ ،‬فتجدهم يسألون‬
‫كثيرا ً عن الرجل ينقض الوضوء في أول النهار ‪ ،‬ثم يؤذن أذان‬
‫الظهر وهو لم ينقض وضوءه بعد ‪ ،‬وهو لم يتوضأ حين نقض‬
‫وضوءه أول ً ‪ ،‬فيقول ‪ :‬إذا أذن الظهر هل أغسل فرجي مرة ثانية‬
‫أو ل فنقول ‪ :‬ل تغسل فرجك‪ ،‬لن غسل الفرج إنما هو لتطهيره‬
‫من النجاسة عند البول أو الغائط‪ ،‬فإذا لم يحصل ذلك بعد التطهير‬
‫الول ‪ ،‬فإنه ل يطهر ‪ ،‬وحينئذ نعرف أنه ل علقة بين الستنجاء‬
‫الذي هو غسل الفرج مما تلوث به من النجاسة ‪ ،‬وبين الوضوء‪،‬‬
‫وهذه مسألة أحب أن يتنبه لها ‪.‬‬
‫أما ما يتعلق بنواقض الوضوء ‪ :‬وهي مفسداته ومبطلته‪ ،‬فنذكر‬
‫منها ‪ :‬الغائط ‪ ،‬والبول ‪ ،‬والريح ‪ ،‬والنوم ‪ ،‬وأكل لحم الجزور ‪.‬‬
‫فأما الغائط والبول والنوم فقد دل عليها حديث صفوان بن عسال‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬قال ‪ :‬أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ :‬أل‬
‫ننزع خفافنا إذا كنا سفرا ً ثلثة أيام ولياليهن إل من جنابة ‪ ،‬ولكن‬
‫من غائط وبول ونوم")‪ ،(50‬وهذا تؤيده الية الكريمة في الغائط‬
‫َ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ح ٌ‬ ‫جاءَ أ َ‬ ‫و َ‬‫رأ ْ‬ ‫س َ ٍ‬ ‫عَلى َ‬‫و َ‬‫ضى أ ْ‬ ‫مْر َ‬‫م َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫حيث قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫عيدا ً‬ ‫َ‬
‫ص ِ‬‫موا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ماءً َ‬
‫فت َي َ ّ‬ ‫دوا َ‬
‫ج ُ‬ ‫فل َ ْ‬
‫م تَ ِ‬ ‫ساءَ َ‬‫م الن ّ َ‬ ‫ست ُ ُ‬‫م ْ‬ ‫ول َ‬ ‫طأ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫غائ ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬‫من ْك ُ ْ‬‫ِ‬
‫م ( )النساء‪.(43:‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ً‬
‫طّيبا َ‬ ‫َ‬
‫ديك ْ‬ ‫وأي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هك ْ‬ ‫جو ِ‬‫و ُ‬ ‫حوا ب ِ ُ‬‫س ُ‬ ‫م َ‬‫فا ْ‬
‫وأما الريح ‪ :‬فلما جاء في حديث عبد الله بن زيد وأبي هريرة‬
‫رضي الله عنهما ‪ ،‬فيمن أشكل عليه أخرج منه شيء أم ل؟ قال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬ل ينصرف أول يخرجن من المسجد‬
‫حتى يسمع صوتا ً أو يجد ريحًا")‪ ،(51‬وهذا دليل على أن الريح ناقض‬
‫للوضوء فهذه أربعة أشياء ‪ :‬البول‪ ،‬والغائط ‪ ،‬والريح ‪ ،‬والنوم‪.‬‬
‫ولكن النوم ل ينقض الوضوء إل إذا كان عميقا ً ‪ ،‬بحيث يستغرق‬
‫النائم فيه‪ ،‬فل يعلم عن نفسه لو خرج منه شيء ‪ ،‬لن النوم‬
‫مظنة الحدث‪ ،‬وليس حدثا ً في نفسه‪ ،‬فإذا نعس النسان في‬
‫صلته أو خارج صلته ‪ ،‬ولكنه يعي نفسه لو أحدث لحس بذلك ‪،‬‬
‫فإنه ل ينتقض وضوءه ولو طال نعاسه ‪ ،‬ولو كان متكئا ً أو مستندا ً‬
‫أو مضطجعًا‪ ،‬لن المدار ليس على الهيئة‪ ،‬ولكن المدار على‬
‫الحساس واليقظة ‪ ،‬فإذا كان هذا الناعس يحس بنفسه لو‬
‫أحدث ‪ ،‬فإن وضوءه باق ولو كان متكئا أو مستندا ً أو مضطجعا ً ‪،‬‬
‫وما أشبه ذلك‪.‬‬
‫وأما الخامس من نواقض الوضوء ‪ :‬فهو أكل لحم البل ‪ :‬لن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم صح عنه أنه سئل ‪ :‬نتوضأ من لحوم البل؟‬
‫)‬
‫قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وسئل عن الوضوء من لحم الغنم ؟ قال " إن شئت"‬
‫‪ ، (52‬فإجابته بنعم في لحم البل ‪ ،‬وبأن شئت في لحم الغنم ‪،‬‬
‫دليل على أن الوضوء من لحم البل ليس راجعا ً إلى مشيئته‪ ،‬بل‬
‫هو أمر مفروض عليه ‪ ،‬ولو لم يكن مفروضا ً لكان راجعا ً إلى‬
‫المشيئة ‪ ،‬وثبت عنه صلى الله عليه وسلم "إنه أمره بالوضوء من‬
‫لحم البل")‪ ،(53‬وعلى هذا فإذا أكل النسان لحم إبل انتقض‬
‫وضوءه ‪ ،‬سواء كان الكل كثيرا ً أم قليل ً ‪ ،‬وسواء كان اللحم نيئا ً أو‬
‫مطبوخا ً ‪ ،‬وسواء كان اللحم من اللحم الحمر الهبر أو من‬
‫المعاء ‪ ،‬أو من الكرش ‪ ،‬أو من الكبد ‪ ،‬أو من القلب ‪ ،‬أو من أي‬
‫شيء كان من أجزاء البدن‪ ،‬لن الحديث عام لم يفرق بين لحم‬
‫وآخر‪ ،‬والعموم في لحم البل كالعموم في لحم الخنزير‪ ،‬حين قال‬
‫ر ()المائدة‪:‬‬ ‫زي ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫خن ْ ِ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ح ُ‬ ‫م َ‬
‫والدّ ُ‬
‫ة َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫مي ْت َ ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬
‫ت َ‬
‫م ْ‬
‫حّر َ‬
‫الله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫‪ ،(3‬فإن لحم الخنزير هنا يشمل كل أجزاء بدنه ‪ ،‬وهكذا لحم البل‬
‫الذي سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الوضوء منه ‪ ،‬يشمل‬
‫جميع أجزاء البدن ‪ ،‬وليس في الشريعة السلمية جسد واحد‬
‫تختلف أحكامه‪ ،‬فيكون جزء منه له حكم وجزء منه له حكم آخر ‪،‬‬
‫بل الجسم كله تتفق أجزاؤه في الحكم ‪ ،‬ول سيما على القول بأن‬
‫نقض الوضوء بلحم البل علته معلومة لنا ‪ ،‬وليس تعبدا ً محضًا‪.‬‬
‫وعلى هذا فمن أكل لحم إبل من أي جزء من أجزاء البدن وهو‬
‫على وضوء ‪ ،‬وجب عليه أن يجدد وضوءه ‪ ،‬ثم اعلم أن النسان إذا‬
‫كان على وضوء ‪ ،‬ثم شك في وجود الناقض ‪ ،‬بأن شك هل خرج‬
‫منه بول أو ريح ‪ ،‬أو شك في اللحم الذي أكله ‪ ،‬هل هو لحم إبل أو‬
‫لحم غنم ‪ ،‬فإنه ل وضوء عليه ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫سئل عن الرجل‪ ،‬يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلة فقال‪ " :‬ل‬
‫ينصرف حتى يسمع صوتا ً أو يجد ريحًا")‪ ،(54‬يعني حتى يتيقن ذلك ‪،‬‬
‫ويدركه بحواسه إدراكا ً معلوما ً ل شبهة فيه ‪ ،‬ولن الصل بقاء‬
‫الشيء على ما كان عليه حتى نعلم زواله ‪ ،‬فالصل أن الوضوء‬
‫باق حتى نعلم زواله وانتقاضه‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(72‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ولكن بالنسبة للنوم هل هناك‬
‫فرق بين نوم الليل ونوم النهار؟‬
‫الجواب ‪ :‬ليس هناك فرق بين نوم الليل والنهار ‪ ،‬لن العلة‬
‫واحدة وهي زوال الحساس ‪ ،‬وكون النسان ل يحس بنفسه لو‬
‫خرج منه شيء ‪.‬‬

‫موجبات الغسل‬
‫السؤال )‪ :(73‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي موجبات الغسل ؟ وما‬
‫صفته ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أما صفة الغسل فعلى وجهين ‪ :‬صفة واجبة وهي أن‬
‫يعم بدنه كله بالماء ‪ ،‬ومن ذلك المضمضة والستنشاق‪ ،‬فإذا عمم‬
‫بدنه بالماء على أي وجه كان ‪ ،‬فقد ارتفع عنه الحدث الكبر ‪،‬‬
‫والوجه الثاني ‪ :‬صفة كاملة ‪ ،‬وهي أن يغتسل كما اغتسل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬فإذا اغتسل من الجنابة ‪ ،‬فإنه يغسل‬
‫كفيه ‪ ،‬ثم يغسل فرجه‪ ،‬وما تلوث من الجنابة‪ ،‬ثم يتوضأ وضوءا ً‬
‫ل‪ ،‬على صفة ما ذكرنا في الوضوء ‪ ،‬ثم يغسل رأسه بالماء ثلثا ً‬ ‫كام ً‬
‫تروية‪ ،‬ثم يغسل بقية بدنه‪ ،‬هذه صفة الغسل‪.‬‬
‫أما موجبات الغسل فمنها ‪ :‬إنزال المني بشهوة يقظة أو مناما ً‬
‫لكنه في المنام يجب عليه الغسل وإن لم يحس بالشهوة ‪ ،‬لن‬
‫النائم قد يحتلم ول يحس بنفسه ‪ ،‬فإذا خرج منه المني بشهوة‬
‫وجب عليه الغسل بكل حال‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬الجماع ‪ ،‬فإذا جامع الرجل زوجته وجب عليه الغسل‪،‬‬
‫والجماع يكون بأن يولج الحشفة في فرجها ‪ ،‬فإذا أولج الحشفة‬
‫في فرجها فعليه الغسل‪ ،‬لقول النبي صلى عليه وسلم عن‬
‫الول ‪ " :‬الماء من الماء")‪ ، (55‬يعني أن الغسل يجب من النزال ‪،‬‬
‫وقوله عن الثاني ‪ " :‬إذا جلس بين شعبها الربع ثم جهدها ‪ ،‬فقد‬
‫وجب الغسل وإن لم ينزل")‪. (56‬‬
‫وهذه المسألة أعني الجماع بدون إنزال يخفى حكمها على كثير‬
‫من الناس‪ ،‬حتى إن بعض الناس تمضي عليه السابيع أو الشهور ‪،‬‬
‫وهو يجامع زوجته بدون إنزال ول يغتسل جهل ً منه‪ ،‬وهذا أمر له‬
‫خطورته ‪ ،‬فالواجب على النسان أن يعلم حدود ما أنزل الله على‬
‫رسوله‪ ،‬فإن النسان إذا جامع زوجته وإن لم ينزل ‪ ،‬وجب الغسل‬
‫عليه وعليها ‪ ،‬للحديث الذي أشرنا إليه آنفًا‪.‬‬
‫ومن موجبات الغسل‪ :‬خروج دم الحيض والنفاس ‪ ،‬فإن المرأة إذا‬
‫حاضت ثم طهرت ‪ ،‬وجب عليها الغسل ‪ ،‬لقول الله تعالى ‪:‬‬
‫ن َ‬
‫فإ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫حّتى ي َطْ ُ‬
‫هْر َ‬ ‫ن َ‬‫ه ّ‬ ‫ول ت َ ْ‬
‫قَرُبو ُ‬ ‫ض َ‬‫حي ِ‬ ‫م ِ‬‫في ال ْ َ‬ ‫ساءَ ِ‬‫زُلوا الن ّ َ‬
‫عت َ ِ‬
‫فا ْ‬ ‫) َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه ()البقرة‪.(222 :‬‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫مَرك ُ ُ‬
‫ثأ َ‬ ‫حي ْ ُ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬‫ن ِ‬‫ه ّ‬‫فأُتو ُ‬ ‫ن َ‬‫هْر َ‬ ‫ت َطَ ّ‬
‫ولمر النبي صلى الله عليه وسلم المستحاضة إذا جلست قدر‬
‫حيضها أن تغتسل )‪(57‬والنفساء مثلها ‪ ،‬فيجب عليها أن تغتسل‪.‬‬
‫وصفة الغسل من الحيض والنفاس كصفة الغسل من الجنابة‪ ،‬إل‬
‫أن بعض أهل العلم استحب في غسل الحائض ‪ ،‬أن تغتسل‬
‫بالسدر‪ ،‬لن ذلك أبلغ في نظافتها وتطهيرها‪.‬‬
‫وذكر بعض العلماء أيضا ً من موجبات الغسل ‪ :‬الموت‪ ،‬مستدلين‬
‫بقول النبي صلى الله عليه وسلم للنساء اللتي كن يغسلن ابنته‪:‬‬
‫" اغسلنها ثلثا ً ‪ ،‬أو خمسا ً ‪ ،‬أو سبعا ً ‪ ،‬أو أكثر من ذلك إن رأيتن‬
‫ذلك")‪ ، (58‬وقوله صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته‬
‫راحلته بعرفة وهو محرم ‪" :‬اغسلوه بماء وسدر‪ ،‬وكفنوه في‬
‫ثوبين")‪ ،(59‬فقالوا ‪ :‬إن الموت موجب للغسل ‪ ،‬ولكن الوجوب هنا‬
‫يتعلق بالحي ‪ ،‬لن الميت انقطع تكليفه بموته‪.‬‬
‫ومعنى يتعلق بالحي ‪ ،‬أن الحي هو الذي يوجه إليه المر بأن يغسل‬
‫الميت‪ ،‬فالميت هو الذي يغسل‪ ،‬والحي هو الذي يغسله‪ ،‬فعلى‬
‫الحياء أن يقوموا بما وجب عليهم من تغسيل موتاهم ‪ ،‬لمر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بذلك‪.‬‬

‫حكم المسح على الخفين وشروطه‬


‫السؤال )‪ :(74‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو حكم المسح على الخفين‬
‫وشروط ذلك؟‬
‫الجواب ‪ :‬المسح على الخفين مما تواترت به السنة عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ ،‬كما قيل ‪:‬‬
‫ومن بنى لله بيتا ً واحتسب‬ ‫مما تواتر حديث من كذب‬
‫ومسح خفين وهذي بعض‬ ‫ورؤية شفاعة والحـوض‬
‫َ‬
‫دي َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫وأي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫هك ُ ْ‬ ‫جو َ‬ ‫و ُ‬ ‫سُلوا ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫فا ْ‬ ‫بل دل عليه القرآن في قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ؤوسك ُم َ‬
‫ن ()المائدة‪:‬‬ ‫عب َي ْ ِ‬ ‫م إ َِلى ال ْك َ ْ‬‫جل َك ُ ْ‬
‫وأْر ُ‬
‫ِ ْ َ‬ ‫حوا ب ُِر ُ‬ ‫س ُ‬
‫م َ‬
‫وا ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ِ‬ ‫إ َِلى ال ْ َ‬
‫مَرا ِ‬
‫‪ ،(6‬على قراءة الجر‪ ،‬وهي قراءة صحيحة سبعية ‪ ،‬ووجه ذلك أن‬
‫قوله ‪َ ) :‬‬
‫م(‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ؤو ِ‬ ‫م( ‪ ،‬بالجر ‪ ،‬معطوف على قوله) ب ُِر ُ‬ ‫جل َك ُ ْ‬
‫وأْر ُ‬
‫َ‬
‫حوا( وعلى هذا‬ ‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫م( قوله )ا ْ‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ؤو ِ‬ ‫والعامل في قوله ) ب ُِر ُ‬
‫فيكون المعنى‪ " :‬امسحوا برؤوسكم وامسحوا بأرجلكم"‪ ،‬ومن‬
‫المعلوم أن المسح مناقض للغسل‪ ،‬فل يمكن أن نقول ‪ :‬إن الية‬
‫دالة على وجوب الغسل الدال عليه قراءة النصب ) َ‬
‫م( ‪،‬‬ ‫جل َك ُ ْ‬‫وأْر ُ‬ ‫َ‬
‫ووجوب المسح في حال واحدة‪ ،‬بل تتنزل الية على حالين ‪،‬‬
‫والسنة بينت هاتين الحالين ‪ ،‬فبينت أن الغسل يكون للرجلين إذا‬
‫كانتا مكشوفتين ‪ ،‬وأن المسح يكون لهما إذا كانتا مستورتين‬
‫بالجوارب والخفين ‪ ،‬وهذا الستدلل ظاهر لمن تأمله‪.‬‬
‫على كل حال ‪ ،‬المسح على الخفين وعلى الجوارب وهي ما‬
‫يسمى بالشراب ثابت ثبوتا ً ل مجال للشك فيه ‪ ،‬ولهذا قال المام‬
‫أحمد‪ :‬ليس في قلبي من المسح شيء ‪ ،‬يعني ليس عندي فيه‬
‫شك بوجه من الوجوه ‪ ،‬ولكن لبد من شروط لهذا المسح‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن يلبسهما على طهارة ‪ ،‬ودليله ‪ :‬حديث المغيرة‬
‫بن شعبة رضي الله عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬كنت مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في سفر فتوضأ ‪ ،‬فأهويت لنزع خفيه‪ ،‬فقال ‪" :‬دعهما‬
‫فإني أدخلتهما طاهرتين")‪ (60‬ومسح عليها‪ ،‬فإن لبسهما على غير‬
‫طهارة وجب عليه أن يخلعهما عند الوضوء ليغسل قدميه‪ ،‬لن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم علل عدم خلعهما عند الوضوء ومسح‬
‫عليهما ‪ ،‬علله بأنه لبسهما على طهارة ‪" :‬أدخلتهما طاهرتين"‪.‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬أن يكون ذلك في المدة المحددة شرعا ً ‪ ،‬وهي‬
‫يوم وليلة للمقيم ‪ ،‬وثلثة أيام بلياليها للمسافر ‪ ،‬وتبتدئ هذه‬
‫المدة من أول مرة مسح بعد الحدث إلى آخر المدة فكل مدة‬
‫مضت قبل المسح فهي غير محسوبة على النسان ‪ ،‬حتى لو بقي‬
‫يومين أو ثلثة على الطهارة التي لبس فيها الخفين أو الجوارب‪،‬‬
‫فإن هذه المدة ل تحسب‪ ،‬ل يحسب له إل من ابتداء المسح أول‬
‫مرة إلى أن تنتهي المدة‪ ،‬وهي يوم وليلة للمقيم‪ ،‬وثلثة أيام‬
‫للمسافر ‪ ،‬كما ذكرناها آنفًا‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬رجل لبس الخفين أو الجوارب حين توضأ لصلة الفجر‬
‫من يوم الحد ‪ ،‬وبقي على طهارته إلى أن صلى العشاء ‪ ،‬ثم نام‪،‬‬
‫ولما استيقظ لصلة الفجر يوم الثنين مسح عليهما ‪ ،‬فتبتدئ‬
‫المدة من مسحه لصلة الفجر يوم الثنين ‪ ،‬لن هذا أول مرة مسح‬
‫بعد حدثه ‪ ،‬وتنتهي بانتهاء المدة التي ذكرناها آنفًا‪.‬‬
‫الشرط الثالث ‪ :‬أن يكون ذلك في الحدث الصغر ل في الجنابة ‪،‬‬
‫فإن كان في الجنابة فإنه ل مسح ‪ ،‬بل يجب عليه أن يخلع الخفين‬
‫ويغسل جميع بدنه‪ ،‬لحديث صفوان بن عسال رضي الله عنه قال ‪:‬‬
‫" أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كنا سفرا ً أل ننزع‬
‫خفافنا ثلثة أيام ولياليهن إل من جنابة ‪ ،‬ولكن من غائط وبول‬
‫ونوم")‪ ،(61‬وثبت في صحيح مسلم من حديث علي رضي الله عنه ‪،‬‬
‫أن النبي صلى الله عليه وسلم وقت المسح " يوم وليلة للمقيم‪،‬‬
‫وثلثة أيام للمسافر")‪.(62‬‬
‫فهذه الشروط الثلثة لبد منها لجواز المسح على الخفين ‪،‬‬
‫وهناك شروط أخرى اختلف فيها أهل العلم ‪ ،‬ولكن القاعدة التي‬
‫تبنى عليها الحكام ‪ :‬أن الصل براءة الذمة من كل ما يقال من‬
‫شرط أو موجب أو مانع‪ ،‬حتى يقوم عليه الدليل‪.‬‬

‫شروط الممسوح عليه‬


‫السؤال )‪ :(75‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن هل هناك شروط تتعلق‬
‫بالممسوح عليه من خف وجورب؟‬
‫الجواب ‪ :‬ليس فيه شروط ‪ ،‬اللهم إل أن يكون طاهرا ً ‪ ،‬فإنه إذا‬
‫كان نجسا ً ل يمسح عليه ‪ ،‬فلو اتخذ النسان خفا من جلد نجس ‪،‬‬
‫كجلد الكلب والسباع ‪ ،‬فإنه ل يجوز المسح عليه ‪ ،‬لنه نجس ‪،‬‬
‫والنجاسة ل يجوز حملها في الصلة ‪ ،‬ولن النجس ل يزد مسحه‬
‫إل تلويثًا‪.‬‬
‫حكم المسح على الجوارب‬
‫السؤال )‪ :(76‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم المسح على الجورب أو‬
‫الخف المخروق أو الجورب الخفيف؟‬
‫الجواب ‪ :‬القول الراجح أنه يجوز المسح على ذلك ‪ ،‬أي على‬
‫الجورب المخرق ‪ ،‬والجورب الخفيف الذي ترى من ورائه البشرة ‪،‬‬
‫لنه ليس المقصود من جواز المسح على الجورب ونحوه أن يكون‬
‫ساترا ً ‪ ،‬فإن الرجل ليست عورة يجب سترها ‪ ،‬وإنما المقصود‬
‫الرخصة على المكلف ‪ ،‬والتسهيل عليه ‪ ،‬بحيث ل نلزمه بخلع هذا‬
‫الجورب أو الخف عند الوضوء ‪ ،‬بل نقول ‪ :‬يكفيك أن تمسح عليه ‪،‬‬
‫هذه هي العلة التي من أجلها شرع المسح على الخفين ‪ ،‬وهذه‬
‫العلة كما ترى يستوي فيها الخف أو الجورب المخرق ‪ ،‬والسليم‪،‬‬
‫والخفيف ‪ ،‬والثقيل‪.‬‬

‫هل موجبات الغسل من نواقض الوضوء؟‬


‫السؤال )‪ :(77‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل موجبات الغسل تعد من‬
‫نواقض الوضوء أم ل؟‬
‫الجواب ‪ :‬المشهور عند فقهائنا رحمهم الله ‪ :‬أن كل ما أوجب‬
‫غسل ً أوجب وضوءا ً إل الموت ‪ ،‬وبناء على ذلك فإنه لبد لمن‬
‫اغتسل من موجبات الغسل أن ينوي الوضوء‪ ،‬فإما أن يتوضأ وإما‬
‫أن يكفي الغسل بالنيتين‪ ،‬وذهب شيخ السلم رحمه الله إلى أن‬
‫نية الغتسال من الحدث الكبر تغني عن نية الوضوء لن الله عز‬
‫سُلوا‬ ‫َ‬
‫غ ِ‬ ‫فا ْ‬‫ة َ‬ ‫م إ َِلى ال ّ‬
‫صل ِ‬ ‫مت ُ ْ‬‫ق ْ‬ ‫ذا ُ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫وجل قال ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫م إ َِلى‬ ‫ؤوسك ُم َ‬ ‫هك ُم َ‬
‫جل َك ُ ْ‬
‫وأْر ُ‬‫ِ ْ َ‬ ‫حوا ب ُِر ُ‬ ‫س ُ‬‫م َ‬ ‫وا ْ‬‫ق َ‬ ‫ف ِ‬ ‫م إ َِلى ال ْ َ‬
‫مَرا ِ‬ ‫دي َك ُ ْ‬
‫وأي ْ ِ‬‫جو َ ْ َ‬ ‫و ُ‬ ‫ُ‬
‫ضى…‪ (..‬إلى آخره‬ ‫مْر َ‬‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫هُروا َ‬ ‫ّ‬
‫فاط ّ‬ ‫ً‬
‫جُنبا َ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫ن كن ْت ُ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫عب َي ْ ِ‬
‫الك ْ‬
‫)المائدة‪ ، (6:‬فلم يذكر الله تعالى في حال الجنابة إل الطهار‬
‫يعني التطهر ‪ ،‬ولم يذكر الوضوء ‪ ،‬ولن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال للرجل حين أعطاه الماء ليغتسل قال ‪ " :‬أذهب‬
‫فافرغه عليك")‪ ،(63‬ولم يذكر له الوضوء أخرجه البخاري من حديث‬
‫عمران بن حصين في حديث طويل‪.‬‬
‫وما ذهب إليه شيخ السلم ابن تيمية أقرب إلى الصواب ‪ ،‬وهي‬
‫أن من عليه حدث أكبر إذا نوى الكبر ‪ ،‬فإنه يجزئ عن الصغر‪.‬‬
‫وبناء على هذا فإن موجبات الغسل منفردة عن نواقض الوضوء ‪.‬‬

‫الحكام المتعلقة بالجنابة‬


‫السؤال )‪ :(78‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ذكرتم من موجبات الغسل‬
‫الجنابة ‪ ،‬فما هي الحكام المتعلقة بالجنابة؟‬
‫الجواب ‪ :‬الحكام المتعلقة بالجنابة هي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬أن الجنب تحرم عليه الصلة ‪ ،‬فرضها ‪ ،‬ونفلها ‪ ،‬حتى صلة‬
‫الجنازة ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬يحرم عليه الطواف بالبيت‬
‫ثالثا ً ‪ :‬يحرم عليه مس المصحف‬
‫رابعا ً ‪ :‬يحرم عليه المكث في المسجد إل بوضوء‬
‫خامسًا‪ :‬يحرم عليه قراءة القرآن حتى يغتسل‬
‫هذه هي أحكام خمسة تتعلق بمن عليه جنابة ‪.‬‬

‫تأثير الشك في الطهارة‬


‫السؤال )‪ :(79‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬أيضا ً مما يتعلق بالطهارة الشك‬
‫فيها ‪ ،‬فما هو الشك في الطهارة ‪ ،‬ومتى يكون مؤثرًا؟‬
‫الجواب ‪ :‬الشك في الطهارة نوعان ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬شك في وجودها بعد تحقق الحدث‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬شك في زوالها بعد تحقق الطهارة‬
‫أما الول ‪ :‬وهو الشك في وجودها بعد تحقق الحدث‪ ،‬فأن يشك‬
‫النسان هل توضأ أم لم يتوضأ‪ ،‬وهو يعتقد أنه أحدث لكن يشك‬
‫هل توضأ أم ل ‪ ،‬ففي هذه الحال نقول ‪ :‬ابن على الصل ‪ ،‬وهو‬
‫أنك لم تتوضأ‪ ،‬ويجب عليك الوضوء ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬رجل شك عند أذان الظهر هل توضأ بعد نقض وضوئه‬
‫في الضحى أم لم يتوضأ‪ ،‬يعني أنه نقض الوضوء في الساعة‬
‫العاشرة مثل ً ‪ ،‬ثم عند أذان الظهر شك ‪ ،‬هل توضأ حين نقض‬
‫وضوءه أم ل ‪ ،‬فنقول له ‪ :‬ابن على الصل ‪ ،‬وهو أنك لم تتوضأ ‪،‬‬
‫ويجب عليك أن تتوضأ‪.‬‬
‫أما النوع الثاني ‪ :‬وهو الشك في انتقاض الطهارة بعد وجودها ‪،‬‬
‫فإننا نقول أيضًا‪ :‬ابن على الصل ‪ ،‬ول تعتبر نفسك ناقضا ً‬
‫للوضوء‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬رجل توضأ في الساعة العاشرة ‪ ،‬فلما حان وقت الظهر‬
‫شك ‪ ،‬هل انقض وضوءه أم ل ‪ ،‬فنقول له ‪ :‬إنك على وضوئك‪ ،‬ول‬
‫يلزمك الوضوء حينئذ‪ ،‬وذلك لن الصل بقاء ما كان على ما كان‬
‫عليه ‪ ،‬ويشهد لهذا الصل قول النبي صلى الله عليه وسلم فيمن‬
‫وجد في بطنه شيئا ً فأشكل عليه ‪ :‬أخرج منه شيء أم ل ؟ " ل‬
‫يخرجن من المسجد حتى يسمع صوتا ً أو يجد ريحًا")‪.(64‬‬
‫وأما الشك في فعل أو الشك في أجزاء الطهارة ‪ ،‬مثل أن يشك‬
‫النسان هل غسل وجهه في وضوئه أم ل ‪ ،‬وهل غسل يديه أم‬
‫ل ‪ ،‬وما أشبه ذلك ‪ ،‬فهذا ل يخلو من أحوال أربعة ‪:‬‬
‫الحال الولى ‪ :‬أن يكون مجرد وهم طرأ على قلبه أنه ‪ :‬هل غسل‬
‫يديه أم لم يغسلهما ‪ ،‬وهما ً ليس له مرجح ‪ ،‬ول تساوى عنده‬
‫المران ‪ ،‬بل هو مجرد شيء خطر في قلبه ‪ ،‬لهذا ل يهتم به ‪ ،‬ول‬
‫يلتفت إليه‪.‬‬
‫الحال الثانية ‪ :‬أن يكون كثير الشكوك ‪ ،‬كلما توضأ شك ‪ ،‬إذا كان‬
‫الن يغسل قدميه شك هل مسح رأسه أم ل؟ هل مسح أذنيه أم‬
‫ل؟ هل غسل يديه أم ل؟ فهو كثير الشكوك ‪ ،‬هذا أيضا ً ل يلتفت‬
‫إلى الشك ول يهتم به‪.‬‬
‫أما الحال الثالثة ‪ :‬أن يقع الشك بعد فراغه من الوضوء فإذا فرغ‬
‫من وضوئه شك ‪ ،‬هل غسل يديه أم ل ؟ أو هل مسح رأسه‪ ،‬أو هل‬
‫مسح أذنيه ‪ ،‬فهذا أيضا ً ل يلتفت إليه ‪ ،‬إل إذا تيقن أنه لم يغسل‬
‫ذلك العضو المشكوك فيه ‪ ،‬فيبني على يقينه‪.‬‬
‫هذه ثلث حالت ل يلتفت إليها في الشك‪ .‬الحال الولى ‪ :‬الوهم ‪.‬‬
‫الحال الثانية ‪ :‬أن يكون كثير الشكوك‪ ،‬الحال الثالثة‪ :‬أن يكون‬
‫الشك بعد الفراغ من العبادة‪ ،‬أي بعد فراغ الوضوء‪.‬‬
‫ً‬
‫أما الحال الرابعة ‪ :‬فهي أن يكون الشك شكا حقيقيا‪ ،‬وليس كثير‬
‫الشكوك ‪ ،‬وحصل قبل أن يفرغ من العبادة ‪ ،‬ففي هذه الحال‬
‫يجب عليه أن يبني على اليقين وهو العدم ‪ ،‬أي أنه لم يغسل ذلك‬
‫العضو الذي شك فيه ‪ ،‬فيرجع إليه ويغسله وما بعده‪ ،‬مثاله ‪ :‬لو‬
‫شك وهو يمسح رأسه ‪ ،‬هل تمضمض واستنشق أم ل ‪ ،‬وهو ليس‬
‫كثير الشكوك ‪ ،‬وهو شك حقيقي ليس وهما ً ‪ ،‬نقول له الن ‪:‬‬
‫ارجع فتمضمض واستنشق‪ ،‬ثم اغسل يديك‪ ،‬ثم امسح رأسك‬
‫وإنما أوجبنا عليه غسل اليدين مع أنه غسلهما من أجل الترتيب‬
‫لن الترتيب بين أعضاء الوضوء واجب ‪ ،‬كما ذكر الله تعالى ذلك‬
‫مرتبا ً ‪ ،‬وقال النبي عليه الصلة والسلم حين أقبل على الصفا ‪" :‬‬
‫ابدأ بما بدأ الله به")‪ ،(65‬هذا هو حال الشك في الطهارة ‪.‬‬

‫أنواع النجاسات الحكمية ومفهومها‬


‫السؤال )‪ :(80‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي النجاسات الحكمية من‬
‫حيث المفهوم والنواع؟‬
‫الجواب ‪ :‬النجاسات الحكمية هي النجاسة الواردة على محل‬
‫طاهر ‪ ،‬فهذه يجب علينا أن نغسلها ‪ ،‬وأن ننظف المحل الطاهر‬
‫منها ‪ ،‬فيما إذا كان المر يقتضي الطهارة ‪ ،‬وكيفية تطهيرها‪ ،‬أو‬
‫تطهير ما أصابته النجاسة تختلف بحسب الموضع‪ ،‬فإذا كانت‬
‫النجاسة على الرض ‪ ،‬فإنه يكتفي بصب الماء عليها بعد إزالة‬
‫عينها إن كانت ذات جرم لن النبي صلى الله عليه وسلم قال‬
‫للصحابة حين بال الرجل في طائفة المسجد‪ -‬أي في جانب منه‬
‫قال لهم "دعوه ‪ ،‬وهريقوا على بوله سجل ً من ماء")‪ ،(66‬فإذا كانت‬
‫ل‪ ،‬ثم‬‫النجاسة على الرض‪ ،‬فإن كانت ذات جرم أزلنا جرمها أو ً‬
‫صببنا الماء عليها مرة واحدة ويكفي‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬إذا كانت النجاسة على غير الرض ‪ ،‬وهي نجاسة كلب ‪ ،‬فإنه‬
‫لبد لتطهيرها من سبع غسلت‪ ،‬إحداها بالتراب‪ ،‬لقول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ " :‬إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا ً‬
‫إحداهن بالتراب")‪.(67‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬إذا كانت النجاسة على غير الرض ‪ ،‬وليست نجاسة كلب‪،‬‬
‫فإن القول الراجح أنها تطهر بزوالها على أي حال كان سواء‬
‫زالت بأول غسلة ‪ ،‬أو بالغسلة الثانية‪ ،‬أو الثالثة‪ ،‬أو الرابعة ‪ ،‬أو‬
‫الخامسة ‪ ،‬المهم متى زالت عين النجاسة فإنها تطهر ‪ ،‬لكن إذا‬
‫كانت النجاسة بول غلم صغير لم يأكل الطعام‪ ،‬فإنه يكفي أن‬
‫تغمر بالماء الذي يستوعب المحل النجس‪ ،‬وهو ما يعرف عند‬
‫العلماء بالنضح‪ ،‬ول يحتاج إلى غسل ودلك ‪ ،‬لن نجاسة بول الغلم‬
‫الصغير الذي لم يأكل الطعام نجاسة مخففة‪.‬‬

‫الحكام المتعلقة بالحيض والنفاس‬


‫السؤال )‪ :(81‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي الحكام المتعلقة‬
‫بالحيض والنفاس؟‬
‫الجواب ‪ :‬الحيض قال أهل العلم ‪ :‬إنه دم طبيعة وجبلة يعتاد‬
‫النثى إذا صلحت للحمل في أيام معلومة‪ .‬وقالوا ‪ :‬إن الله عز‬
‫وجل خلقه لغذاء الولد في بطن الم‪ ،‬ولهذا إذا حملت المرأة‬
‫انقطع عنها الحيض غالبًا‪ ،‬ثم إن هذا الحيض الطبيعي إذا أصاب‬
‫المرأة تعلق به أحكام كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬تحريم الصلة والصيام ‪ ،‬لقول‬
‫)‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم " أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم"‬
‫‪ ، (68‬فل يحل للمرأة أن تصوم ول أن تصلي وهي حائض ‪ ،‬فإن‬
‫فعلت فهي آثمة‪ ،‬وصومها وصلتها مردودان عليها‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬يحرم عليها الطواف بالبيت ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قال لعائشة حين حاضت‪ " :‬افعلي ما يفعل الحاج غير أل‬
‫تطوفي بالبيت")‪ ، (69‬ولما ذكر له أن صفية بنت حيي قد حاضت‪،‬‬
‫قال ‪ " :‬أحابستنا هي؟" لنه ظن أنها لم تطف طواف الفاضة‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬إنها قد أفاضت ‪ ،‬فقال ‪" :‬اخرجوا")‪ ،(70‬ومن هذا الحديث‬
‫نستفيد أن المرأة إذا طافت طواف الفاضة وهو طواف الحج ‪ ،‬ثم‬
‫أتاها الحيض بعد ذلك‪ ،‬فإن نسكها يتم ‪ ،‬حتى لو حاضت بعد طواف‬
‫الفاضة وقبل السعي ‪ ،‬فإن نسكها يتم‪ ،‬لن السعي يصح من‬
‫المرأة الحائض‪.‬‬
‫ونستفيد أيضا ً من هذا الحديث أن طواف الوداع يسقط عن المرأة‬
‫الحائض ‪ ،‬كما جاء ذلك صريحا ً في حديث عبد الله بن عباس رضي‬
‫الله عنهما قال ‪ :‬أمر الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت إل أنه‬
‫خفف عن الحائض")‪.(71‬‬
‫يحرم على الحائض أيضا ً الجماع‪ ،‬فل يحل للرجل أن يجامع زوجته‬
‫و‬
‫ه َ‬‫ل ُ‬ ‫ق ْ‬‫ض ُ‬ ‫حي ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ك َ‬‫سَألون َ َ‬ ‫وي َ ْ‬‫وهي حائض‪ ،‬لقول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ذا‬‫فإ ِ َ‬‫ن َ‬ ‫حّتى ي َطْ ُ‬
‫هْر َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫قَرُبو ُ‬ ‫ول ت َ ْ‬‫ض َ‬ ‫حي ِ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ساءَ ِ‬‫زُلوا الن ّ َ‬ ‫ِ‬ ‫عت َ‬
‫فا ْ‬ ‫ى َ‬ ‫أذ ً‬
‫هن من حي ُ َ‬ ‫ت َطَهرن َ ْ‬
‫ه( )البقرة‪ ،(222:‬والية‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫مَرك ُ ُ‬‫ثأ َ‬ ‫فأُتو ُ ّ ِ ْ َ ْ‬ ‫ّ ْ َ‬
‫الكريمة تفيد أنه يحرم على النسان أن يطأ زوجته وهي حائض ‪،‬‬
‫ن(‬‫هْر َ‬ ‫ذا ت َطَ ّ‬ ‫وأنها إذا طهرت ل يطأها أيضا ً حتى تغتسل لقوله ‪َ ) :‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫يعني اغتسلن ‪ ،‬فإن الطهار بمعنى الغتسال ‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬
‫هُروا ()المائدة‪. (6 :‬‬ ‫فاطّ ّ‬‫جُنبا ً َ‬
‫م ُ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬‫وإ ِ ْ‬
‫) َ‬
‫ولكن يجوز للنسان أن يباشر زوجته وهي حائض ‪ ،‬وأن يستمتع‬
‫منها بما دون الفرج ‪ ،‬وهذا يخفف من حدة الشهوة بالنسبة‬
‫للنسان الذي ل يستطيع الصبر عن أهله مدة أيام الحيض ‪ ،‬فإنه‬
‫يتمكن من الستمتاع بها فيما عدا الوطء في الفرج‪ ،‬أما الوطء‬
‫في الدبر فهو حرام بكل حال‪ ،‬سواء كانت امرأته حائضا ً أم غير‬
‫حائض‪.‬‬
‫ومن الحكام التي تترب على الحيض ‪ :‬أن المرأة إذا طهرت في‬
‫وقت الصلة فإنه يجب عليها أن تبادر بالغتسال لتصلي الصلة‬
‫قبل خروج وقتها‪ ،‬فإذا طهرت مثل ً بعد طلوع الفجر وقبل طلوع‬
‫الشمس‪ ،‬وجب عليها أن تغتسل ‪ ،‬حتى تصلي صلة الفجر في‬
‫وقتها‪ ،‬وبعض الناس يتهاون في هذا المر ‪ ،‬فتجدها تطهر في‬
‫الوقت ‪ ،‬ولكن تسوف ول سيما في أيام الشتاء ‪ ،‬تسوف وتتهاون‬
‫حتى يخرج الوقت ‪ ،‬وهذا حرام عليها و يحل لها ‪ ،‬بل الواجب ‪ :‬أن‬
‫تغتسل لتصلي الصلة في وقتها‪.‬‬
‫وأوقات الصلوات معلومة لعامة الناس ‪ :‬وهي في الفجر من‬
‫طلوع الفجر حتى تطلع الشمس ‪ ،‬وفي وقت الظهر من زوال‬
‫الشمس إلى أن يصير ظل كل شيء مثله يعني طوله وفي العصر‬
‫من هذا الوقت إلى أن تصفر الشمس ‪ ،‬وهذا وقت الختيار‪ ،‬وإلى‬
‫أن تغرب وهذا وقت الضرورة‪ ،‬وفي المغرب من غروب الشمس‬
‫إلى مغرب الشمس الحمر ‪ ،‬وفي العشاء من مغرب الشفق‬
‫الحمر إلى منتصف الليل‪ ،‬وما بعد منتصف الليل فهو وقت ل‬
‫تصلى فيه العشاء لن وقتها قد خرج‪ ،‬إل إذا كان النسان قد نام‬
‫أو نسي‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول ‪ :‬من نام عن‬
‫صلته أو نسيها فليصلها إذا ذكرها")‪.(72‬‬
‫وليعلم أن الصل في الدم الذي يصيب المرأة إذا كانت في سن‬
‫الحيض أن يكون حيضا ً ‪ ،‬حتى يأتي ما يخرجه عن هذا الصل ‪،‬‬
‫والذي يخرجه عن هذا الصل‪ ،‬أن نعلم أن هذا الدم خرج من عرق‬
‫وليس دم الطبيعة‪ ،‬مثل أن يكون ذلك إثر عملية أجرتها المرأة‪ ،‬أو‬
‫يكون هذا الشيء لروعة أصابتها‪ ،‬أو نحو هذا من السباب التي‬
‫توجب خروج الدم غير الطبيعي ‪ ،‬فإنها في هذه الحال ل تعتبر هذا‬
‫الدم دم حيض ‪ ،‬وكذلك إذا أطبق عليها الدم وكثر حتى استغرق‬
‫أكثر المدة من الشهر‪ ،‬فإنها في هذه الحال تكون مستحاضة ‪،‬‬
‫وترجع إلى عادتها التي كانت عليها قبل حصول هذه الستحاضة ‪،‬‬
‫فتجلس مدة عادتها ثم تغتسل وتصلي ‪ ،‬ولو كان الدم يجري‪.‬‬
‫ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس ‪ :‬أنه ل يجوز للرجل أن يطلق‬
‫المرأة وهي حائض ‪ ،‬فإن فعل فهو آثم وعليه أن يردها إلى‬
‫عصمته ‪ ،‬حتى يطلقها وهي طاهر طهرا ً لم يجامعها فيه ‪ ،‬لنه‬
‫ثبت في الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما‬
‫أنه طلق امرأته وهي حائض ‪ ،‬فذكر عمر ذلك لرسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم فتغيظ منه رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وقال ‪ " :‬مره فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا ً أو حام ً‬
‫ل")‪.(73‬‬
‫وكثير من الناس نسأل الله لنا ولهم الهداية يتسرعون في هذا‬
‫المر‪ ،‬فيطلق زوجته وهي حائض ‪ ،‬أو يطلقها في طهر جامعها‬
‫فيه ‪ ،‬قبل أن يتبين حملها ‪ ،‬وكل هذا حرام يجب على المرء أن‬
‫يتوب إلى الله منه ‪ ،‬وأن يعيد امرأته التي طلقها على هذه الحال‪.‬‬
‫ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس‪ :‬أن المرأة النفساء إذا‬
‫طهرت قبل أربعين يومًا‪ ،‬فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلي‬
‫وتصوم إذا كان ذلك في رمضان ‪ ،‬لنها إذا طهرت ولو في أثناء‬
‫الربعين صار لها حكم الطاهرات ‪ ،‬حتى بالنسبة للجماع‪ ،‬فإنه‬
‫يجوز لزوجها أن يجامعها وإن لم تتم أربعين ‪ ،‬لنه إذا جازت لها‬
‫الصلة جاز الوطء من باب أولى ‪.‬‬
‫ً‬
‫ومما يتعلق بأحكام الحيض والنفاس ‪ :‬كما أشرنا إليه سابقا وجوب‬
‫الغسل على الحائض والنفساء إذا طهرتا من الحيض والنفاس ‪،‬‬
‫وأحكام الحيض والنفاس كثيرة جدا ً ‪ ،‬ونقتصر منها على هذا القدر‬
‫ولعل فيه كفاية إن شاء الله تعالى‪.‬‬
‫المرأة إذا لم ينزل منها دم‬
‫السؤال )‪ :(82‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بالنسبة للمرأة إذا طهرت من‬
‫النفاس أو إذا لم ينزل منها الدم فهل تعتبر نفساء؟‬
‫الجواب ‪ :‬إذا لم ينزل منها دم في حال النفاس ‪ ،‬فإنها ليست‬
‫نفساء ‪ ،‬ول يلزمها شيء‪ ،‬ل يلزمها غسل ‪ ،‬ول يحرم عليها صلة‬
‫ول صيام‪.‬‬

‫حكم أخذ حبوب منع الحيض أثناء الحج‬


‫السؤال )‪ :(83‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل يجوز للمرأة أن تأخذ ما‬
‫يمنع عنها الحيض أثناء حجها حتى تتمكن من أداء الحج ‪،‬‬
‫كالحبوب المانعة للحمل أو أي نوع من أنواع ما يتطبب به؟‬
‫الجواب ‪ :‬الصل في هذا الجواز ‪ ،‬وأنه يجوز للمرأة أن تأخذ ما‬
‫يمنع الحيض إذا كان ذلك بإذن زوجها ‪ ،‬ولكن بلغني عن بعض‬
‫الطباء أن هذه الحبوب المانعة من نزل الحيض ضارة جدا ً على‬
‫المرأة ‪،‬ضارة للرحم والعصاب والدم وغير ذلك‪ ،‬حتى قال لي‬
‫بعضهم ‪ :‬إنه إذا استعملتها امرأة بكر فإنه يكون موجبا ً للعقم ‪،‬‬
‫فتكون هذه المرأة عقيمة‪ ،‬وهذا خطر عظيم ‪ ،‬وما قاله بعض‬
‫الطباء ليس ببعيد ‪ ،‬لن الدم أعني دم الحيض دم طبيعة ‪ ،‬فإذا‬
‫حاول النسان أن يمنعه بهذه العقاقير ‪ ،‬فقد حاول مخالفة‬
‫الطبيعة ‪ ،‬ول شك أن مخالفة الطبيعة مضر على البدن ‪ ،‬لنه‬
‫يقتضي أن ينحبس هذا الدم عن وقت خروجه الذي كان من طبيعة‬
‫المرأة‪ ،‬لهذا أنصح جميع نسائنا في هذه المسألة بأن يدعن هذه‬
‫الحبوب في رمضان وفي غير رمضان‪.‬‬
‫لكن في مسألة الحج والعمرة‪ ،‬ربما تدعو الحاجة أو الضرورة إلى‬
‫استعمال هذه الحبوب وهو استعمال مؤقت ‪ ،‬وربما ل تعود المرأة‬
‫إليه مدى عمرها‪ ،‬فمثل هذا أرجو أل يكون فيه بأس ول ضرر‪.‬‬

‫إذا ثبت ضرر الحبوب فما حكمها؟‬


‫السؤال )‪ :(84‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن إذا ثبت ضررها فما‬
‫حكمها؟‬
‫الجواب ‪ :‬إذا ثبت ضررها فمعلوم أن كل ما تحقق ضرره فإنه ل‬
‫قت ُُلوا‬
‫ول ت َ ْ‬
‫يجوز للنسان أن يتناوله‪ ،‬لن الله عز وجل يقول ) َ‬
‫حيمًا()النساء‪ ، (29:‬وقد استدل عمرو‬ ‫ن ب ِك ُ ْ‬
‫م َر ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬
‫بن العاص بهذه الية ‪ ،‬حين قال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬
‫"أصليت بأصحابك وأنت جنب" وكان رضي الله عنه قد أجنب في‬
‫ليلة باردة ‪ ،‬فتيمم وصلى بأصحابه ‪ ،‬فلما قال له النبي عليه‬
‫الصلة والسلم ‪" :‬أصليت بأصحابك وأنت جنب" قال‪ :‬يا رسول‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫قت ُُلوا أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ول ت َ ْ‬
‫الله‪ ،‬ذكرت قول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫حيمًا( فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم أو ضحك ‪ ،‬وأقره‬ ‫ب ِك ُ ْ‬
‫م َر ِ‬
‫‪ .‬وهذا يدل على أن كل ما يكون فيه ضرر على بدن‬ ‫)‪(74‬‬
‫على هذا‬
‫النسان ‪ ،‬فإنه ل يجوز له أن يتناوله‪.‬‬

‫‪-----------------------------‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب القضية ‪ ،‬باب نقض الحكام الباطلة ورد محدثات‬ ‫)‪(45‬‬

‫المور ‪ ،‬رقم )‪.(1718‬‬


‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الغسل ‪ ،‬باب عرق الجنب وأن المؤمن ل ينجس ‪،‬‬ ‫)‪(46‬‬

‫رقم )‪ ،(283‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحيض‪ ،‬باب الدليل على أن المسلم ل‬


‫ينجس ‪ ،‬رقم )‪.(371‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب من اليمان أن يحب لخيه ما يحب‬ ‫)‪(47‬‬

‫لنفسه ‪ ،‬رقم )‪ ،(13‬ومسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب نفي اليمان عمن ل‬


‫يحب لخيه وجاره ما يحب لنفسه‪ ،‬رقم )‪.(45‬‬
‫أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب الصلة في النعل‪ ،‬رقم )‪،(650‬‬ ‫)‪(48‬‬

‫وأحمد في المسند)‪.(3/411‬‬
‫حديث‪" :‬من توضأ فأحسن الوضوء ثم قال ‪ :‬أشهد أن ل إله إل الله وحده‬ ‫)‪(49‬‬

‫ل شريك له ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪ ،‬اللهم اجعلني من التوابين‬


‫واجعلني من المتطهرين‪ .‬فتحت له ثمانية أبواب الجنة يدخل أيها شاء"‪.‬‬
‫أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب في المسح على الخفين ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(50‬‬

‫‪ ،(96‬والنسائي ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب التوقيت في المسح على الخفين‬


‫للمسافر ‪ ،‬رقم )‪ ،(127‬وابن ماجه ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب الوضوء من‬
‫النوم ‪ ،‬رقم )‪ ،(478‬وأحمد في "المسند" )‪ (240 ،4/239‬وقال الترمذي ‪:‬‬
‫حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪(1‬أخرجه الترمذي كتاب الطهارة ‪ ،‬باب فبما بقال بعد الوضوء‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(55‬وقال الترمذي ‪ :‬وهذا حديث في إسناده اضطراب ول يصح عن‬
‫النبي صلي الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫في هذا الباب كبير شيء ‪.‬اهـ‪.‬وانظر بحث الشيخ أحمد شاكر حول هذا‬
‫الحديث في الحاشية )‪.(83-1/78‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الوضوء ‪ ،‬باب ل يتوضأ من الشك حتى يستيقن ‪،‬‬ ‫)‪(51‬‬

‫رقم )‪ ،(137‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الحيض‪ ،‬باب الدليل على أن من تيقن‬


‫الطهارة ‪ ،‬ثم شك في الحدث‪ ،‬رقم )‪.(361‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الحيض ‪ ،‬باب الوضوء من لحوم البل ‪ ،‬رقم )‪.(360‬‬ ‫)‪(52‬‬

‫أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب الوضوء من لحوم البل ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(53‬‬

‫‪ ،(184‬والترمذي ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب ما جاء في الوضوء من لحوم‬


‫البل ‪ ،‬رقم )‪ ،(81‬وأحمد في المسند )‪ (4/288‬وصححه اللباني في‬
‫الرواء )‪.(1/152‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(58‬‬ ‫)‪(54‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الحيض ‪ ،‬باب إنما الماء من الماء رقم )‪.(343‬‬ ‫)‪(55‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الغسل ‪ ،‬باب إذا التقى الختانان ‪ ،‬رقم )‪(291‬‬ ‫)‪(56‬‬

‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الحيض ‪ ،‬باب نسخ الماء من الماء ووجوب الغسل بالتقاء‬
‫الختانين ‪ ،‬رقم )‪.(348‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الحيض ‪ ،‬باب المستحاضة وغسلها وصلتها‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(57‬‬

‫‪.(334‬‬
‫أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب غسل الميت ووضوئه بالماء ‪ ،‬رقم‬ ‫)‪(58‬‬

‫‪ ،(1253‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب في غسل الميت ‪ ،‬رقم )‪.(939‬‬


‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب الكفن في ثوبين ‪ ،‬رقم )‪،(1265‬‬ ‫)‪(59‬‬

‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الحج ‪ ،‬باب ما يفعل بالمحرم إذا مات ‪ ،‬رقم )‪.(1206‬‬
‫أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الوضوء ‪ ،‬باب إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان ‪ ،‬رقم‬ ‫)‪(60‬‬

‫)‪ ،(206‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب المسح على الخفين‪ ،‬رقم )‪.(274‬‬
‫تقدم تخريجه ص)‪.(57‬‬ ‫)‪(61‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب التوقيت في المسح على الخفين ‪،‬‬ ‫)‪(62‬‬

‫رقم )‪.(276‬‬
‫جزء من حديث طويل أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب التيمم ‪ ،‬باب الصعيد الطيب‬ ‫)‪(63‬‬

‫وضوء المسلم ‪ ،‬رقم )‪.(344‬‬


‫تقدم تخريجه ص)‪(58‬‬ ‫)‪(64‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الحج ‪ ،‬باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(65‬‬

‫‪ ،(1218‬وهو جزء من حديث جابر العظيم في وصف حجة النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪.‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب صب الماء على البول في المسجد‪،‬‬ ‫)‪(66‬‬

‫رقم )‪.(220‬‬
‫الحديث متفق عليه بدون قوله‪" :‬إحداهن بالتراب"‪ .‬أخرجه البخاري رقم )‬ ‫)‪(67‬‬

‫‪ (172‬كتاب الوضوء‪ ،‬باب إذا شرب الكلب في إناء أحدكم‪ ،‬رقم )‪.(172‬‬
‫ولفظه " إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا"‪ .‬ومسلم‪ ،‬كتاب‬
‫الطهارة ‪ ،‬باب حكم ولوغ الكلب ‪ ،‬رقم (‪ ،(279‬وفيه "أولهن بالتراب"‪.‬أما‬
‫رواية إحداهن بالتراب فأخرجها النسائي في السنن الكبرى )‪.(1/78‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الحيض ‪ ،‬باب ترك الحائض الصوم ‪ ،‬رقم )‪.(304‬‬ ‫)‪(68‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الحيض ‪ ،‬بلب تقضي الحائض المناسك كلها إل‬ ‫)‪(69‬‬

‫الطواف بالبيت ‪ ،‬رقم )‪ ،(305‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب بيان وجوه‬


‫الحرام ‪ ،‬رقم )‪.(1211‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الحج ‪ ،‬باب الزيارة يوم النحر ‪ ،‬رقم )‪،(1733‬‬ ‫)‪(70‬‬

‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الحج ‪ ،‬باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض ‪،‬‬
‫رقم )‪1211‬م(‪.‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الحج ‪ ،‬باب طواف الوداع ‪ ،‬رقم )‪ ،(1755‬ومسلم ‪،‬‬ ‫)‪(71‬‬

‫كتاب الحج‪ ،‬باب وجوب طواف الوداع وسقوطه عن الحائض ‪ ،‬رقم )‬


‫‪.(1328‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب مواقيت الصلة ‪ ،‬باب من نسي صلة فليصل إذا‬ ‫)‪(72‬‬

‫ذكر ‪ ،‬رقم )‪ ،(597‬ومسلم ‪ ،‬كتاب المساجد ‪ ،‬باب قضاء الصلة الفائتة ‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(684‬واللفظ له‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الطلق ‪ ،‬باب تحريم طلق الحائض بغير رضاها ‪،‬‬ ‫)‪(73‬‬

‫رقم )‪.(1471‬‬
‫أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب إذا خاف الجنب البرد أيتيمم ‪ ،‬رقم‬ ‫)‪(74‬‬

‫)‪.(334‬‬
‫فتاوى الصلة‬
‫حكم الصلة وأهميتها‬
‫السؤال )‪ :(85‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم الصلة؟ وما أهميتها؟‬
‫الجواب ‪ :‬الصلة من آكد أركان السلم بل هي الركن الثاني بعد‬
‫الشهادتين ‪ ،‬وهي آكد أعمال الجوارح ‪ ،‬وهي عمود السلم ‪ ،‬كما‬
‫ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪" :‬عموده‬
‫الصلة")‪ ، (75‬يعني السلم ‪ ،‬وقد فرضها الله عز وجل على نبيه‬
‫محمد صلى الله عليه وسلم في أعلى مكان وصل إليه البشر‪،‬‬
‫وفي أفضل ليلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم وبدون واسطة‬
‫أحد‪ ،‬وفرضها الله عز وجل على رسوله محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم خمسين مرة في اليوم والليلة‪ ،‬ولكن الله سبحانه وتعالى‬
‫خفف على عباده‪ ،‬حتى صارت خمسا ً بالفعل وخمسين في‬
‫الميزان‪ ،‬وهذا يدل على أهميتها‪ ،‬ومحبة الله لها ‪ ،‬وأنها جديرة بأن‬
‫يصرف النسان شيئا ً كثيرا ً من وقته فيها‪ ،‬ولهذا دل على‬
‫فرضيتها‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وإجماع المسلمين‪.‬‬
‫ة‬
‫صل َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ذا اطْ ْ‬ ‫ففي الكتاب‪ :‬يقول الله عز وجل ) َ‬
‫فإ ِ َ‬
‫موا ال ّ‬‫قي ُ‬
‫فأ ِ‬ ‫مأن َن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫قوتًا( )النساء‪ ،(103:‬معنى‬ ‫و ُ‬ ‫ن ك َِتابا ً َ‬
‫م ْ‬ ‫مِني َ‬
‫ؤ ِ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫صلةَ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ن ال ّ‬
‫إِ ّ‬
‫ً‬
‫كتابا‪ :‬أي مكتوبا ‪ ،‬أي مفروضا‪ ،‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن ‪" :‬أعلمهم أن الله افترض‬
‫عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة")‪ ، (76‬وأجمع المسلمون‬
‫على فرضيتها ولهذا قال العلماء رحمهم الله‪ :‬إن النسان إذا جحد‬
‫فرض الصلوات الخمس ‪ ،‬أو فرض واحدة منها فهو كافر مرتد عن‬
‫السلم ‪ ،‬يباح دمه وماله ‪،‬إل أن يتوب إلى الله عز وجل‪ ،‬ما لم‬
‫يكن حديث عهد بإسلم ‪ ،‬ل يعرف عن شعائر السلم شيئا ً ‪ ،‬فإنه‬
‫يعذر بجهله في هذه الحال ‪ ،‬ثم يعرف فإن أصر بعد علمه بوجوبها‬
‫على إنكار فرضيتها فهو كافر‪.‬‬
‫إذا فالصلة من أفرض الفرائض في دين السلم‪.‬‬

‫على من تجب الصلة‬


‫السؤال )‪ :(86‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬على من تجب الصلة؟‬
‫الجواب ‪ :‬تجب على كل مسلم بالغ عاقل ‪ ،‬من ذكر أو أنثى ‪.‬‬
‫فالمسلم ‪ :‬ضده الكافر‪ ،‬فإن الكافر ل تجب عليه الصلة ‪ ،‬بمعنى‬
‫أنه ل يلزم بأدائها حال كفره‪ ،‬ول بقضائها إذا أسلم ‪ ،‬لكنه يعاقب‬
‫َ‬
‫ن( )‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬‫عليها يوم القيامة ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪) :‬إ ِّل أ ْ‬
‫سل َك َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ما َ‬ ‫ن( )‪َ ) (41‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬
‫ج ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن( )‪َ ) (40‬‬ ‫ساءَُلو َ‬ ‫ت ي َت َ َ‬
‫جّنا ٍ‬
‫في َ‬ ‫‪ِ ) (39‬‬
‫م‬ ‫ع ُ‬ ‫ْ‬
‫ك ن ُط ِ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫َ‬
‫ول ْ‬ ‫ن( )‪َ ) (43‬‬ ‫صلي َ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫ْ‬
‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬‫م نَ ُ‬ ‫َ‬
‫قالوا ل ْ‬ ‫ُ‬ ‫قَر( )‪َ ) (42‬‬ ‫س َ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ب‬‫وك ُّنا ن ُك َذّ ُ‬ ‫ن( )‪َ ) (45‬‬ ‫ضي َ‬ ‫خائ ِ ِ‬ ‫ع ال ْ َ‬
‫م َ‬‫ض َ‬‫خو ُ‬ ‫وك ُّنا ن َ ُ‬‫ن( )‪َ ) (44‬‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬
‫م ْ‬‫ال ْ ِ‬
‫ن( يدل‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ن( )المدثر‪، (46-39:‬فقولهم ‪) :‬ل َ ْ‬ ‫دي ِ‬
‫وم ِ ال ّ‬
‫ب ِي َ ْ‬
‫على أنهم عوقبوا على ترك الصلة‪.‬‬
‫وأما البالغ‪ :‬فهو الذي حصل له واحدة من علمات البلوغ ‪ ،‬وهي‬
‫ثلث بالنسبة للرجل‪ ،‬وأربع بالنسبة للمرأة‪ .‬إحداها ‪ :‬تمام خمس‬
‫عشرة سنة ‪ .‬والثانية ‪ :‬إنزال المني بلذة يقظة كان أم منامًا‪.‬‬
‫والثالثة ‪ :‬إنبات العانة ‪ ،‬وهي الشعر الخشن حول القبل‪ .‬هذه‬
‫الثلث العلمات تكون للرجال والنساء‪ ،‬وتزيد المرأة علمة رابعة ‪:‬‬
‫وهي الحيض‪ ،‬فإن الحيض من علمات البلوغ‪.‬‬
‫وأما العاقل‪ :‬فضده المجنون الذي ل عقل له ‪ ،‬ومنه الرجل الكبير‬
‫أو المرأة الكبيرة إذا بلغ به الكبر إلى حد فقد التمييز‪ ،‬فإنه ل تجب‬
‫عليه الصلة حينئذ لعدم وجود العقل في حقه‪.‬‬
‫وأما الحيض والنفاس ‪ :‬فهو مانع من وجوب الصلة ‪ ،‬فإذا وجد‬
‫الحيض والنفاس فإن الصلة ل تجب‪.‬‬

‫حكم تارك الصلة‬


‫السؤال )‪ :(87‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬عرفنا حكم الصلة وعلى من‬
‫تجب ‪ ،‬فما حكم ترك الصلة ؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجواب ‪ :‬حكم ترك الصلة ‪ ،‬أن تارك الصلة كافر كفرا مخرجا عن‬
‫الملة ‪ ،‬وذلك بدللة الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وأقوال الصحابة ‪ ،‬والنظر‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫موا‬ ‫َ‬
‫وأ َ‬ ‫أما الكتاب‪ :‬ففي قوله تعالى عن المشركين ‪َ ) :‬‬
‫قا ُ‬ ‫ن َتاُبوا َ‬ ‫فإ ِ ْ‬
‫وم ٍ‬ ‫ق ْ‬ ‫ت لِ َ‬ ‫ل اْليا ِ‬ ‫ص ُ‬‫ف ّ‬ ‫ون ُ َ‬‫ن َ‬‫دي ِ‬‫في ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫وان ُك ُ ْ‬
‫خ َ‬ ‫كاةَ َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫وا الّز َ‬
‫وآت َ ُ‬
‫صلةَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ن( )التوبة‪ ، (11:‬وجه الدللة من هذه الية الكريمة ‪ ،‬أن الله‬ ‫عل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫يَ ْ‬
‫اشترط لثبوت الخوة بين هؤلء المشركين ‪ ،‬وبين المؤمنين ثلثة‬
‫شروط ‪ :‬التوبة من الشرك ‪ ،‬وإقام الصلة وإيتاء الزكاة فإذا تخلف‬
‫أحد هذه الثلثة لم يكونوا إخوة لنا في الدين ‪ ،‬ول تنتفي الخوة‬
‫في الدين إل بالكفر المخرج عن الملة‪ ،‬فإن المعاصي مهما‬
‫عظمت إذا لم تصل إلى حد الكفر ل تخرج عن الخوة في الدين ‪،‬‬
‫أل ترى إلى قوله تعالى في آية القصاص‪ ،‬فيمن قتل أخاه عمدا ً ‪،‬‬
‫ف‬‫عُرو ِ‬ ‫م ْ‬‫ع ِبال ْ َ‬
‫فات َّبا ٌ‬ ‫يء ٌ َ‬
‫ش ْ‬ ‫ه َ‬‫خي ِ‬‫ن أَ ِ‬
‫م ْ‬
‫ه ِ‬‫ي لَ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ع ِ‬‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫قال عز وجل ‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫ن ()البقرة‪ ،(178 :‬فجعل الله تعالى القاتل أخا ً‬ ‫َ‬
‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ه ب ِإ ِ ْ‬‫داءٌ إ ِل َي ْ ِ‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬
‫للمقتول ‪ ،‬مع أن قتل المؤمن عمدا ً من أعظم الكبائر‪ ،‬ثم أل ترى‬
‫قت َت َُلوا َ َ‬
‫حوا‬ ‫صل ِ ُ‬‫فأ ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫مِني َ‬‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫فَتا ِ‬ ‫ن َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫إلى قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫حّتى‬ ‫غي َ‬ ‫قات ُِلوا ال ِّتي ت َب ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫خَرى َ‬ ‫ُ‬
‫عَلى اْل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ما َ‬
‫ه َ‬‫دا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ت إِ ْ‬ ‫غ ْ‬ ‫ن بَ َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ه َ‬
‫ب َي ْن َ ُ‬
‫سطوا‬ ‫ُ‬ ‫وأ ْ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت َ‬ ‫ن َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق ِ‬ ‫ل َ‬ ‫عد ْ ِ‬
‫ما ِبال َ‬ ‫ه َ‬
‫حوا ب َي ْن َ ُ‬ ‫صل ِ ُ‬
‫فأ ْ‬ ‫فاءَ ْ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ر الل ِ‬ ‫م ِ‬ ‫فيءَ إ ِلى أ ْ‬ ‫تَ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫حوا ب َي ْ َ‬ ‫صل ِ ُ‬ ‫فأ ْ‬ ‫وة ٌ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن إِ ْ‬
‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫ن( )‪) (9‬إ ِن ّ َ‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫إِ ّ‬
‫م ()الحجرات‪ ،(10-9 :‬فجعل الله الطائفة الثالثة المصلحة‬ ‫ُ‬
‫وي ْك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫أَ َ‬
‫اخوة للطائفتين المقتتلتين ‪ ،‬مع أن قتال المؤمن من أعظم‬
‫الذنوب ‪ ،‬وهذا يدل على أن الخوة في الدين ل تنتفي بالمعاصي‬
‫أبدا ً إل ما كان كفرًا‪.‬‬
‫وشرح الية المذكورة ‪ :‬أنهم إن بقوا على الشرك فكفرهم‬
‫ظاهر ‪ ،‬وإن آمنوا ولم يصلوا فكفرهم أيضا ً ظاهر معلوم من‬
‫صلةَ (أي تابوا من الشرك ‪،‬‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قا ُ‬ ‫وأ َ َ‬
‫ن َتاُبوا َ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫الجملة الشرطية) َ‬
‫وأقاموا الصلة ‪ ،‬وآتوا الزكاة‪ ،‬إل أن مسألة الزكاة فيها خلف بين‬
‫أهل العلم‪ ،‬هل يكفر النسان إذا تركها أو ل يكفر ‪ ،‬وفيه عن أحمد‬
‫روايتان‪.‬‬
‫لكن الذي تقتضيه وتدل عليه السنة ‪ :‬أن تارك الزكاة ل يكفر‪،‬‬
‫ويدل لذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬ما من صاحب ذهب ول فضة ل يؤدي منها‬
‫حقها ‪ ،‬إل إذا كان يوم القيامة ‪ ،‬صفحت له صفائح من نار ‪،‬‬
‫فأحمي عليها في نار جهنم ‪ ،‬فيكوى به جنبه وجبينه وظهره ‪،‬‬
‫كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ‪ ،‬حتى‬
‫يقضى بين العباد‪ ،‬فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار")‪، (77‬‬
‫فإن هذا الحديث يدل على أنه ل يكفر بمنع الزكاة إذ لو كفر لم‬
‫يكن له سبيل إلى الجنة‪ ،‬وعلى هذا فتكون الزكاة خارجة من هذا‬
‫الحكم بمقتضى دللة السنة‪.‬‬
‫أما الدليل من السنة على كفر تارك الصلة ‪ ،‬فقوله صلى الله‬
‫عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث جابر رضي الله عنه‪" :‬بين‬
‫الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلة")‪ ،(78‬ووجه الدللة من‬
‫الحديث ‪ :‬أنه جعل هناك فاصل ً بين اليمان والكفر وهو الصلة ‪،‬‬
‫وهو واضح في أنه ل إيمان لمن لم يصل‪ ،‬لن هذا هو مقتضى‬
‫الحد‪ ،‬إذ إن الحد يفصل بين المحدودين‪ .‬وقوله "بين الرجل وبين‬
‫الشرك والكفر"ولم يقل بين الرجل وبين كفر منكرا ً ‪ ،‬والكفر إذا‬
‫دخلت عليه"أل" كان المراد به الكفر الحقيقي‪ ،‬بخلف ما إذا كان‬
‫منكرا ً ‪ ،‬كما في قوله صلى الله عليه وسلم ‪" :‬اثنتان في الناس‬
‫هما بهم كفر‪ :‬الطعن في النسب ‪ ،‬والنياحة على الميت")‪ ،(79‬فإن‬
‫هذا ل يقتضي الخروج من السلم ‪ ،‬لنه قال ‪" :‬هما بهم كفر"‬
‫يعني هاتين الخصلتين‪.‬‬
‫أما أقوال الصحابة رضي الله عنهم ‪ ،‬فقد قال عبد الله بن شقيق‬
‫رحمه الله " كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ل يرون شيئا ً‬
‫من العمال تركه كفر غير الصلة")‪ ، (80‬وقد نقل إجماعهم إسحاق‬
‫بن راهويه رحمه الله على أن تارك الصلة كافر‪.‬‬
‫وأما المعنى فنقول ‪ :‬كل إنسان عرف الصلة وقدرها وعناية‬
‫الشريعة بها ‪ ،‬ثم يدعها بدون عذر‪ ،‬وليس له حجة أمام الله عز جل‬
‫‪ ،‬فإن ذلك دليل واضح على أنه ليس في قلبه من اليمان شيء ‪،‬‬
‫إذ لو كان في قلبه من اليمان شيء ما ترك هذه الصلة‬
‫العظيمة ‪ ،‬التي دلت النصوص على العناية بها وأهميتها‪ ،‬والشياء‬
‫تعرف بآثارها ‪ ،‬فلو كان في قلبه أدنى مثقال من إيمان لم‬
‫يحافظ على ترك هذه الصلة مع أهميتها وعظمها‪.‬‬
‫وبهذا تكون الدلة السمعية والنظرية دالة على أن تارك الصلة‬
‫كافر كفرا ً مخرجا ً عن الملة ‪ ،‬وتكون مقتضية للحذر من هذا العمل‬
‫الشنيع ‪ ،‬الذي تهاون به اليوم كثير من الناس ‪ .‬ولكن باب التوبة‬
‫خل ْ ٌ‬
‫ف‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫د ِ‬ ‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خل َ َ‬ ‫ف َ‬‫مفتوح ولله الحمد كما قال تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫غي ًّا( )‪) (59‬إ ِّل َ‬ ‫ن َ‬ ‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ف ي َل ْ َ‬‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ت َ‬ ‫وا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عوا ال ّ‬
‫ش َ‬ ‫وات ّب َ ُ‬‫صلةَ َ‬ ‫عوا ال ّ‬ ‫ضا ُ‬ ‫أَ َ‬
‫شْيئًا( )‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫ول ي ُظْل َ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫خُلو َ‬ ‫ك ي َدْ ُ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬‫صاِلحا ً َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬‫و َ‬‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫وآ َ‬ ‫ب َ‬ ‫َتا َ‬
‫ه‬
‫عد ُ ُ‬‫و ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب إ ِن ّ ُ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫عَبادَهُ ِبال ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ُ‬
‫ح َ‬ ‫عدَ الّر ْ‬ ‫و َ‬‫ن ال ِّتي َ‬ ‫عد ْ ٍ‬‫ت َ‬ ‫جّنا ِ‬ ‫‪َ )(60‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ها‬‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ق ُ‬‫رْز ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ول ُ‬ ‫سلما َ‬ ‫غوا إ ِل َ‬ ‫ها ل ْ‬ ‫في َ‬‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫م ُ‬‫س َ‬ ‫مأت ِي ًّا( )‪) (61‬ل ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫شي ًّا( )مريم‪. (62-59:‬‬ ‫ِ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ة‬ ‫ر‬‫بُ َ‬‫ْ‬ ‫ك‬
‫فنسأل الله أن يهدينا وإخواننا المسلمين للقيام بطاعته على‬
‫الوجه الذي يرضيه عنا‪.‬‬

‫الحكام المترتبة على ترك الصلة‬


‫السؤال )‪ : (88‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما الذي يترتب على الحكم‬
‫بالكفر على تارك الصلة؟‬
‫الجواب ‪ :‬يترتب على ترك الصلة المؤدي إلى الكفر ‪ ،‬يترتب عليه‬
‫ما يترتب على أي مرتد آخر بسبب يقتضي الردة ‪ ،‬والذي يترتب‬
‫على ذلك أحكام دنيوية وأحكام أخروية ‪.‬‬
‫فمن الحكام الدنيوية‪ :‬أنه ل يحل أن يزوج لن الكافر ل يحل أن‬
‫َ‬
‫م‬‫جاءَك ُ ُ‬‫ذا َ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫يزوج بمسلمة‪ ،‬لقول الله تعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ن‬‫فإ ِ ْ‬‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫مان ِ ِ‬‫م ب ِِإي َ‬ ‫عل َ ُ‬‫ه أَ ْ‬
‫ن الل ّ ُ‬
‫ه ّ‬‫حُنو ُ‬‫مت َ ِ‬ ‫ت َ‬
‫فا ْ‬ ‫جَرا ٍ‬ ‫ها ِ‬ ‫م َ‬
‫ت ُ‬ ‫مَنا ُ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫ول‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ل لَ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ه ّ‬ ‫رل ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ن إ َِلى ال ْك ُ ّ‬ ‫ه ّ‬‫عو ُ‬‫ج ُ‬
‫فل ت َْر ِ‬ ‫ت َ‬‫مَنا ٍ‬
‫ؤ ِ‬‫م ْ‬‫ن ُ‬ ‫ه ّ‬ ‫مو ُ‬ ‫مت ُ ُ‬‫عل ِ ْ‬‫َ‬
‫حوا‬ ‫ول ت َن ْك ِ ُ‬‫ن( )الممتحنة‪ ، (10:‬ولقوله تعالى‪َ ) :‬‬ ‫ه ّ‬‫ن لَ ُ‬‫حّلو َ‬ ‫م يَ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ‬
‫ن ()البقرة‪ ، (221 :‬ومن عقد لشخص على‬ ‫م ّ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫حّتى ي ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ر َ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ابنته المسلمة ‪ ،‬وهذا الشخص ل يصلي فإن النكاح باطل‪ ،‬ول تحل‬
‫به المرأة لهذا الرجل ‪ ،‬ول يستبيح منها ما يستبيح الرجل من‬
‫ن عليه بالتوبة فلبد‬ ‫امرأته ‪ ،‬لنها محرمة عليه ‪ ،‬فإن هداه الله وم ّ‬
‫من إعادة العقد‪.‬‬
‫الحكم الثاني ‪ :‬سقوط وليته ‪ ،‬فل يكون وليا على بناته ‪ ،‬وعلى‬
‫قريباته ‪ ،‬فل يزوج أحدا ً منهن لنه ل ولية لكافر على مسلم ‪.‬‬
‫الحكم الثالث ‪ :‬سقوط حقه من الحضانة ‪ ،‬فل يكون له حق في‬
‫حضانة أولده‪ ،‬لنه ل حضانة لكافر على مسلم ‪ ،‬فلن يجعل الله‬
‫للكافرين على المؤمنين سبيل‪.‬‬
‫كاه من الحيوان ‪ ،‬فذبيحته التي يذبحها‬ ‫الحكم الرابع ‪ :‬تحريم ما ذ ّ‬
‫حرام‪ ،‬لن من شرط حل الذبيحة‪ ،‬أن يكون الذابح مسلما ً أو كتابيا ً‬
‫وهو اليهودي والنصراني‪ ،‬والمرتد ليس من هؤلء‪ ،‬فذبيحته حرام ‪.‬‬
‫الحكم الخامس ‪ :‬أنه ل يحل له دخول مكة وحرمها‪ ،‬لقوله تعالى ‪:‬‬
‫َ‬
‫د‬
‫ج َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرُبوا ال ْ َ‬
‫فل ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫مُنوا إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫)َيا أي ّ َ‬
‫كن‬ ‫ذا( )التوبة‪ ،(28:‬وعليه فل يحل لحد أن يم ّ‬ ‫ه َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ِ‬ ‫عا ِ‬ ‫عدَ َ‬ ‫م بَ ْ‬ ‫حَرا َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫من ل يصلي من دخول مكة وحرمها لهذه الية التي ذكرناها‪.‬‬
‫فن ‪ ،‬ول‬ ‫غسل‪ ،‬ول يك ّ‬ ‫وأما الحكام الخروية فمنها‪ :‬أنه إذا مات ل ي ّ‬
‫يصلى عليه‪ ،‬ول يدفن في مقابر المسلمين ‪ ،‬لنه ليس منهم ‪،‬‬
‫وإنما يخرج به إلى مكان منفرد فيدفن لئل يتأذى الناس برائحته‪،‬‬
‫أو يتأذى أهله بمشاهدته‪ ،‬ول يحل لحد أن يدعو بالرحمة لمن مات‬
‫ي‬ ‫ن ِللن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫من أقاربه وهو يعلم أنه ل يصلي ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫قْرَبى ِ‬ ‫كاُنوا ُأوِلي ُ‬ ‫و َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫ن َ‬‫كي َ‬‫ر ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ل ِل ْ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬
‫َ‬
‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫م( )التوبة‪ ، (113:‬ول يقولن‬ ‫حي‬ ‫ج‬ ‫ب ال ْ‬ ‫حا‬ ‫ص‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫د‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ ُ ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫بَ‬
‫قائل‪ :‬إن الله عز جل يقول ‪" :‬أن يستغفروا للمشركين" وتارك‬
‫الصلة ليس بمشرك‪ ،‬لننا نقول ‪ :‬إن ظاهر حديث جابر ‪ " :‬بين‬
‫الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلة")‪ (81‬أن ترك الصلة نوع‬
‫د‬
‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫من الشرك‪ ،‬ثم ‪،‬نقول ‪ :‬إن الله تعالى علل ذلك بقوله ‪ِ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م( ‪ ،‬وتارك الصلة قد تبين‬ ‫حي ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫حا ُ‬ ‫ص َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫َ‬
‫بمقتضى الدلة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وأقوال الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬والمعنى الصحيح‪ ،‬قد‬
‫تبين لنا أنه من أصحاب الجحيم‪.‬‬
‫فالعلة هي هي ‪ ،‬والحكم إذا ثبت بعلة شمل كل ما تؤثر فيه هذه‬
‫العلة‪.‬‬
‫ومن الحكام الخروية التي تترب على ترك الصلة ‪ :‬أنه إذا كان‬
‫ي بن خلف‬ ‫حشر مع فرعون ‪ ،‬وهامان ‪ ،‬وقارون ‪ ،‬وأب ّ‬ ‫يوم القيامة ُ‬
‫‪ -‬أئمة الكفر ‪ -‬والمحشور مع هؤلء مآله مآلهم وهو النار والعياذ‬
‫بالله‪.‬‬
‫فليحذر النسان من ترك الصلة ‪ ،‬وليخف رّبه ‪ ،‬وليؤد المانة التي‬
‫مله الله إياها في نفسه ‪ ،‬فإن لنفسه عليه حقا‪.‬‬ ‫ح ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫قد يقول قائل ‪ :‬إن قولكم بأنه يكفر كفرا مخرجا عن الملة‪،‬‬
‫معارض بقول من قال من أهل العلم‪ :‬إنه كفر دون كفر ‪ ،‬وإنه ل‬
‫يخرج به من السلم ‪ ،‬ويحمل الحاديث الواردة في ذلك على من‬
‫تركها جحودا ً ‪ ،‬ل من تركها تهاونًا‪.‬‬
‫وجوابنا عن ذلك أن نقول ‪ :‬إن المسألة ل شك مسألة خلفية ‪،‬‬
‫َ‬
‫ه إ ِلى‬ ‫م ُ‬‫حك ْ ُ‬ ‫ء َ‬
‫ف ُ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫في ِ‬ ‫م ِ‬
‫فت ُ ْ‬‫خت َل َ ْ‬
‫ما ا ْ‬ ‫و َ‬
‫ولكن الله عز وجل يقول‪َ ) :‬‬
‫ء‬
‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫عت ُ ْ‬ ‫ن ت ََناَز ْ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ه()الشورى‪ ،(10 :‬ويقول عز وجل ‪َ ) :‬‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ر ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫خ ِ‬‫وم ِ اْل ِ‬ ‫وال ْي َ ْ‬ ‫ه َ‬‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م تُ ْ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ل إِ ْ‬
‫سو ِ‬
‫والّر ُ‬
‫ه َ‬‫دوهُ إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫فُر ّ‬ ‫َ‬
‫ل()النساء‪.(59 :‬‬ ‫وي ً‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن ت َأ ِ‬‫س ُ‬
‫ح َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫خي ٌْر َ‬ ‫َ‬
‫وإذا رددنا هذه المسألة إلى الله ورسوله ‪ ،‬تبين لنا أن الحكم‬
‫مرتب على الترك ل على الجحود‪ ،‬وقد ذكرنا ذلك في سؤال‬
‫سابق‪.‬‬
‫ثم إننا نقول ‪ :‬هل أحد من الناس يزعم أنه أعلم من النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم في أحكام الله عز وجل؟ وهل أحد يدعي أنه أنصح‬
‫من رسول الله صلى الله عليه وسلم للخلق؟ وهل أحد يزعم أنه‬
‫أفصح من الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ينطق به؟ وهل أحد‬
‫يزعم أنه أعلم من النبي صلى الله عليه وسلم فيما يريده؟ كل‬
‫هذه الوصاف أو كل هذه المور الربعة ل يمكن لحد أن يدعيها‪،‬‬
‫فإذا كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وهو أعلم الخلق‬
‫بشريعة الله ‪ ،‬وأنصح الخلق لعباد الله ‪ ،‬وأفصح الخلق فيما ينطق‬
‫به ‪ ،‬وأعلم الخلق بما يقول ‪ ،‬يقول‪ " :‬العهد الذي بيننا وبينهم‬
‫الصلة فمن تركها فقد كفر")‪ ،(82‬ويقول ‪ " :‬بين الرجل وبين‬
‫الشرك والكفر ترك الصلة")‪ ، (83‬فأي بيان أوضح من هذا في أن‬
‫الحكم معّلق بالترك ‪ ،‬ثم نقول لمن زعم أن المراد من تركها‬
‫جاحدا ً لها ‪ :‬إنك حرفت النص من وجهين ‪:‬‬
‫الوجه الول ‪ :‬أنك ألغيت الوصف الذي رتب عليه الحكم وهو‬
‫الترك‪.‬‬
‫الوجه الثاني ‪ :‬أنك جعلت وصفا يتعلق به الحكم ل يدل عليه اللفظ‬ ‫ً‬
‫وهو الجحد‪ ،‬فأين الجحد في قول الرسول عليه الصلة والسلم ‪:‬‬
‫" فمن تركها فقد كفر"؟‬
‫ثم إننا نقول ‪ :‬إذا جحد النسان فرض الصلة فهو كافر وإن‬
‫صلى ‪ ،‬فهل تقول أنت ‪ :‬إنه إذا جحدها وصلى لم يكن كافرًا؟‬
‫سيقول ‪ :‬ل ‪ ،‬إذا جحدها ‪ -‬أي جحد وجوبها فهو كافر وإن صلى ‪،‬‬
‫فنقول‪ :‬إذا ً خالفت الحديث ‪ ،‬فالحديث يقول ‪" :‬فمن تركها"‪ ،‬وأنت‬
‫قلت ‪ :‬إن الحديث المراد به من تركها جاحدا ً لها ‪ ،‬والكفر مرتب‬
‫على زعمك على من تركها جاحدا ً ‪ ،‬ل من جحدها بدون ترك ‪ ،‬وأنت‬
‫ل تقول بهذا ‪ ،‬فعلى قولك يكون من جحدها بدون ترك يكون‬
‫مسلمًا!! فتبين بهذا واّتضح‪ ،‬أن القول الصواب أن من تركها‬
‫متهاونا ً متكاسل ً فهو كافر‪ ،‬أما من جحدها فهو كافر سواء صلى‬
‫أم لم يصل‪.‬‬
‫وما أشبه هذه الدعوى ‪ -‬أعني دعوى أن المراد من تركها جحدا ً‬
‫لوجوبها ما أشبهها بما نقل عن المام أحمد في قوله تعالى ‪:‬‬
‫ب الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫ض َ‬ ‫و َ‬
‫غ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫خاِلدا ً ِ‬
‫في َ‬ ‫م َ‬
‫هن ّ ُ‬
‫ج َ‬
‫ؤه ُ َ‬‫جَزا ُ‬ ‫مدا ً َ‬
‫ف َ‬ ‫ع ّ‬ ‫منا ً ُ‬
‫مت َ َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫ل ُ‬‫قت ُ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫) َ‬
‫ظيمًا( )النساء‪ ،(93:‬روي عن المام‬ ‫ذابا ً َ‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ه َ‬ ‫عد ّ ل َ ُ‬‫وأ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ول َ َ‬
‫عن َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬‫َ‬
‫أحمد أن بعض الناس يقول ‪ :‬إن المراد من قتل مؤمنا ً مستحل ً‬
‫لقتله‪ ،‬فتعجب المام أحمد من هذا ‪ ،‬وقال ‪:‬إنه إذا استحل قتله‬
‫فإنه كافر سواء قتله أم لم يقتله ‪ ،‬والية علقت الحكم بالقتل ‪،‬‬
‫وهذا نظير مسألتنا فيمن ترك الصلة ‪ ،‬ونحن إذا قلنا بكفر تارك‬
‫الصلة ‪ ،‬فإننا نبرأ إلى الله عز وجل ‪ ،‬أن نقول عليه ما ل يدل‬
‫عليه كلمه ‪ ،‬أو كلم رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ونرى أن‬
‫القول بالتكفير كالقول باليجاب والتحريم‪ ،‬ل يتلقى إل من جهة‬
‫الشرع ‪ ،‬وإن الجرأة على القول بالتكفير كالجرأة على القول‬
‫باليجاب فيما لم يجب‪ ،‬وبالتحريم فيما لم يحرم ‪ ،‬لن الكل أمره‬
‫إلى الله عز وجل ‪ ،‬التحليل والتحريم واليجاب والبراءة والتكفير‬
‫وعدم التكفير ‪ ،‬كلها أمرها إلى الله عز وجل ‪ ،‬فعلى المرء أن‬
‫يقول بما يقتضيه كلم الله وكلم رسوله صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫ول يلحظ أي اعتبار يخالف ذلك‪.‬‬

‫شروط الصلة‬
‫السؤال )‪ :(89‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي شروط الصلة ؟ وماذا‬
‫يترتب عليها؟‬
‫الجواب ‪ :‬شروط الصلة ‪ :‬ما يتوقف عليه صحة الصلة ‪ ،‬لن‬
‫ن إ ِّل‬‫ل ي َن ْظُُرو َ‬
‫ه ْ‬ ‫الشرط في اللغة‪ :‬العلمة‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫ها( )محمد‪ ،(18:‬أي‬ ‫شَراطُ َ‬ ‫جاءَ أ َ ْ‬‫قد ْ َ‬‫ف َ‬
‫ة َ‬ ‫غت َ ً‬‫م بَ ْ‬
‫ه ْ‬
‫ْ‬
‫ن ت َأت ِي َ ُ‬
‫ةأ ْ‬
‫ع َ َ‬
‫سا َ‬
‫ال ّ‬
‫علماتها ‪ ،‬والشرط في الشرع ‪ ،‬في اصطلح أهل الصول‪ :‬ما‬
‫يلزم من عدمه العدم‪ ،‬ول يلزم من وجوده الوجود‪.‬‬
‫ن‬‫وشروط الصلة عدة‪ ،‬أهمها ‪ :‬الوقت ‪ ،‬كما قال الله تعالى ‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫قوتًا()النساء‪ ،(103 :‬ولهذا‬ ‫و ُ‬ ‫ن ك َِتابا ً َ‬
‫م ْ‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫كان َ ْ‬‫صلةَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫يسقط كثير من الواجبات مراعاة للوقت ‪ ،‬وينبغي بل يجب على‬
‫النسان أن يحافظ على أن تكون الصلة في وقتها ‪ ،‬وأوقات‬
‫الصلة ذكرها الله تعالى مجملة في كتابه ‪ ،‬وذكرها النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم مفصلة في سنته‪.‬‬
‫َ‬
‫ك‬‫صلةَ ل ِدُُلو ِ‬ ‫قم ِ ال ّ‬ ‫أما في الكتاب العزيز ‪ ،‬فقال الله تعالى ‪) :‬أ ِ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ر َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ر إِ ّ‬ ‫ج ِ‬
‫ف ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫قْرآ َ‬‫و ُ‬
‫ل َ‬‫ق الل ّي ْ ِ‬ ‫س إ َِلى َ‬ ‫ال ّ‬
‫س ِ‬ ‫غ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬
‫س( أي زوالها‪.‬‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬‫ك ال ّ‬ ‫هودًا( )السراء‪ (78:‬فقوله تعالى )ل ِدُُلو ِ‬ ‫ش ُ‬‫م ْ‬
‫َ‬
‫ل( أي انتصاف الليل ‪ ،‬لن أقوى غسق في‬ ‫ّ‬
‫ق اللي ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫س ِ‬ ‫وقوله )إ ِلى غ َ‬
‫الليل نصفه‪ ،‬وهذا الوقت من نصف النهار إلى نصف الليل يشتمل‬
‫على أوقات أربع صلوات‪ :‬الظهر‪ ،‬والعصر ‪ ،‬والمغرب‪ ،‬والعشاء‪.‬‬
‫وهذه الوقات كلها متتالية‪ ،‬ليس بينها فاصل ‪ ،‬فوقت الظهر ‪ :‬من‬
‫زوال الشمس إلى أن يصير ظل الشيء كطوله‪ ،‬ووقت العصر‪:‬‬
‫من هذا الوقت إلى اصفرار الشمس‪ :‬الوقت الختياري‪ ،‬وإلى‬
‫غروب الشمس ‪ :‬الوقت الضطراري ‪ ،‬ووقت المغرب‪ :‬من غروب‬
‫الشمس إلى مغرب الشفق‪ ،‬وهو الحمرة التي تكون في الفق بعد‬
‫غروب الشمس ‪ ،‬ووقت العشاء ‪ :‬من هذا الوقت إلى منتصف‬
‫الليل‪.‬هذه هي الوقات الربعة المتصلة بعضها ببعض ‪ .‬وأما من‬
‫نصف الليل إلى طلوع الفجر‪ ،‬فليس وقتا ً لصلة فريضة ‪ .‬ووقت‬
‫صلة الفجر‪ :‬من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ‪ ،‬ولهذا فصله‬
‫ل( ثم‬ ‫ق الل ّي ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫غ َ‬ ‫س إ َِلى َ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫الله تعالى عما قبله فقال)ل ِدُُلو ِ‬
‫هودًا( ‪ ،‬والسنة جاءت‬ ‫ش ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن َ‬ ‫كا َ‬‫ر َ‬ ‫ج ِ‬‫ف ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ن ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ر إِ ّ‬ ‫ج ِ‬
‫ف ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫و ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫قال ‪َ ) :‬‬
‫مبينة لهذا على ما وصفته آنفا‪ً.‬‬
‫هذه الوقات التي فرضها الله على عباده ‪ ،‬ل يجوز للنسان أن‬
‫يقدم الصلة عن وقتها‪ ،‬ول يجوز أن يؤخرها عن وقتها‪ ،‬فإن‬
‫قدمها عن وقتها ‪ ،‬ولو بقدر تكبيرة الحرام لم تصح‪ ،‬لنه يجب أن‬
‫تكون الصلة في نفس الوقت ‪ ،‬لن الوقت ظرف ‪ ،‬فلبد أن يكون‬
‫المظروف داخله‪.‬‬
‫ومن أخر الصلة عن وقتها ‪ ،‬فإن كان لعذر من نوم أو نسيان أو‬
‫نحوه ‪ ،‬فإنه يصليها إذا زال ذلك العذر‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪" :‬من نام عن صلة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها‪ ،‬ل كفارة‬
‫ري(‬‫ذك ْ ِ‬
‫صلةَ ل ِ ِ‬ ‫قم ِ ال ّ‬ ‫وأ َ ِ‬
‫‪ ،‬ثم تلى قول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫)‪(84‬‬
‫لها إل ذلك"‬
‫)طـه‪ ، (14 :‬وإن لم يكن له عذر فإن صلته ل تصح ‪ ،‬ولو صلى‬
‫ألف مرة‪ ،‬فإذا ترك النسان الصلة فلم يصلها في وقتها ‪ ،‬فإنها‬
‫ل تنفعه ‪ ،‬ول تبرأ بها ذمته إذا كان تركه إياها لغير عذر‪ ،‬ولو صلها‬
‫آلف المرات‪ ،‬دليل ذلك قوله صلى الله عليه وسلم‪" :‬من عمل‬
‫عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد")‪.(85‬‬
‫ومن ترك الصلة حتى خرج وقتها لغير عذر ‪ ،‬فقد صلها على غير‬
‫أمر الله ورسوله ‪ ،‬فتكون مردودة عليه‪.‬‬
‫لكن من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ‪ ،‬أن وسع لهم فيما إذا‬
‫كان لهم عذر يشق عليهم أن يصلوا الصلة في وقتها‪ ،‬رخص لهم‬
‫في الجمع بين الظهر والعصر‪ ،‬أو بين المغرب والعشاء‪ ،‬فإذا شق‬
‫على النسان أن يصلي كل صلة في وقتها من الصلتين‬
‫المجموعتين ‪ ،‬فإنه يجوز أن يجمع بينهما‪ ،‬إما جمع تقديم‪ ،‬وإما‬
‫د‬
‫ري ُ‬‫جمع تأخير‪ ،‬على حسب ما يتيسر له ‪ ،‬لقول الله تعالى ‪ ) :‬ي ُ ِ‬
‫سَر ()البقرة‪ ،(185 :‬وثبت في‬ ‫ع ْ‬‫م ال ْ ُ‬
‫ريدُ ب ِك ُ ُ‬‫ول ي ُ ِ‬‫سَر َ‬‫م ال ْي ُ ْ‬
‫ه ب ِك ُ ُ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫صحيح مسلم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما ‪ ،‬أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم جمع في المدينة بين الظهر والعصر ‪ ،‬وبين‬
‫المغرب والعشاء ‪ ،‬من غير خوف ول مطر‪ ،‬فسئل ابن عباس عن‬
‫ذلك ‪ ،‬يعني لم صنع الرسول صلى الله عليه وسلم هذا؟ قال ‪:‬‬
‫أراد أل يحرج أمته)‪ ،(86‬ففي هذا دليل على أن النسان إذا لحقته‬
‫مشقة في ترك الجمع بين الظهر والعصر‪ ،‬أو بين المغرب‬
‫والعشاء‪ ،‬فإنه يجوز له أن يجمع بينها‪.‬‬
‫والوقت أهم الشروط ‪ ،‬ولهذا كان الوقت شرطا ً وسببًا‪.‬‬
‫ذوا‬‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫من الشروط أيضا ً ‪ :‬ستر العورة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ) :‬يا ب َِني آدَ َ‬
‫فوا( )العراف‪، (31:‬‬ ‫ر ُ‬
‫س ِ‬
‫ول ت ُ ْ‬
‫شَرُبوا َ‬‫وا ْ‬ ‫وك ُُلوا َ‬ ‫د َ‬‫ج ٍ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬
‫ل َ‬ ‫عن ْدَ ك ُ ّ‬
‫م ِ‬ ‫زين َت َك ُ ْ‬
‫ِ‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم لجابر بن عبد الله في الثوب ‪" :‬‬
‫فإن كان واسعا ً فالتحف به‪ ،‬وإن كان ضيقا ً فاتزر به")‪ .(87‬وقال‬
‫صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة ‪ " :‬ل يصلي أحدكم في‬
‫الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء")‪ ،(88‬وهذا يدل على أنه‬
‫يجب على النسان أن يكون مستترا ً في حال الصلة ‪ ،‬وقد نقل‬
‫ابن عبد البر رحمه الله إجماع العلماء على ذلك ‪ ،‬وأن من صلى‬
‫عريانا ً مع قدرته على السترة ‪ ،‬فإن صلته ل تصح‪.‬‬
‫وفي هذا المجال قسم العلماء رحمهم الله العورة إلى ثلثة‬
‫أقسام ‪ :‬مخففة‪ ،‬ومغلظة‪ ،‬ومتوسطة‪ ،‬فالمغلظة‪ :‬عورة المرأة‬
‫الحرة البالغة‪ ،‬قالوا ‪ :‬إن جميع بدنها عورة في الصلة ‪ ،‬إل وجهها‪،‬‬
‫واختلفوا في الكفين والقدمين ‪ .‬والمخففة‪ :‬عورة الذكر من سبع‬
‫سنين إلى عشر سنين فإن عورته الفرجان القبل والدبر فل يجب‬
‫عليه أن يستر فخذه‪ ،‬لنه صغير‪ .‬والمتوسطة‪ :‬ما عدا ذلك ‪ ،‬قالوا ‪:‬‬
‫فالواجب فيها ‪ :‬ستر ما بين السرة والركبة ‪ ،‬فيدخل في ذلك ‪:‬‬
‫الرجل البالغ عشرا ً فما فوق ‪ ،‬ويدخل في ذلك المرأة التي لم‬
‫تبلغ ‪ ،‬ويدخل في ذلك الم المملوكة‪ ،‬ومع هذا فإننا نقول ‪:‬‬
‫المشروع في حق كل إنسان ‪ ،‬أن يأخذ زينته عند كل صلة‪ ،‬وأن‬
‫يلبس اللباس الكامل‪ ،‬لكن لو فرض أنه كان هناك خرق في ثوبه‬
‫على ما يكون داخل ً ضمن العورة‪ ،‬فإنه حينئذ يناقش فيه‪ :‬هل تصح‬
‫صلته أو ل تصح؟ ‪ ،‬ثم إن المرأة إذا كان حولها رجال غير محارم‪،‬‬
‫فإنه يجب عليها أن تستر وجهها ولو في الصلة ‪ ،‬لن المرأة ل‬
‫يجوز لها كشف وجهها عند غير محارمها‪.‬‬

‫توضيح‬
‫السؤال )‪: (90‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬قبل أن نخرج من الشرط الثاني ‪،‬‬
‫قلتم إذا كان فيه خرق يناقش فيه ‪ ،‬كيف يناقش فيه؟‬
‫الجواب ‪ :‬إذا كان فيه خرق فإنه يناقش فيه‪ ،‬إذ إنه يفرق بين‬
‫اليسير والكثير ‪ ،‬ويفرق بين ما كان على حذاء العورة المغلظة‬
‫كالفرجين ‪ ،‬وما كان متطرفا ً ‪ ،‬كالذي يكون في طرف الفخذ وما‬
‫أشبه ذلك ‪ ،‬أو يكون في الظهر من فوق الليتين أو في البطن‬
‫ظه من‬‫من دون السرة وفوق السوأة‪ ،‬المهم أن كل مكان له ح ّ‬
‫تغليظ العورة‪.‬‬
‫ً‬
‫ولعل هذا السؤال أيضا يجرنا إلى التنبيه على مسألة يفعلها بعض‬
‫الناس في أيام الصيف‪ ،‬حيث يلبس سراويل قصيرة‪ ،‬ثم يلبس‬
‫فوقها ثوبا ً شفافا ً يصف البشرة ويصلي‪ ،‬فهذا ل تصح صلته لن‬
‫السراويل القصيرة التي ل تصل إلى الركبة أو بعبارة أصح التي ل‬
‫تستر ما بين السرة والركبة ‪ ،‬إذا لبس فوقها ثوبا ً خفيفا ً يصف‬
‫البشرة‪ ،‬فإنه لم يكن ساترا ً لعورته التي يجب عليه أن يسترها في‬
‫الصلة ‪ .‬ومعنى قولنا " يصف البشرة"‪ :‬أي يبين من ورائه لون‬
‫الجلد‪ ،‬هل هو أحمر أو أسود أو بين ذلك ‪ ،‬وليس المعنى أن يبين‬
‫حجم الجلد‪ ،‬فإن هذا ل يضر ‪ ،‬وإن كان كلما كان أثخن فهو‬
‫أفضل ‪ ،‬لكنه ل يضر ‪ ،‬لنه ليس بشفاف ترى من ورائه البشرة‪.‬‬
‫فمثل ً يوجد ثياب إذا كان تحتها سراويل تعرف الفرق بين حد‬
‫السروال من بقية الجلد لكن ل يتبين لك لون الجلد‪ ،‬فهذا تصح‬
‫الصلة معه‪ ،‬لكن كما قلنا كلما كان أثخن فهو أفضل‪.‬‬
‫ومن شروط الصلة أيضا ً ‪ :‬الطهارة ‪ ،‬وهي نوعان ‪ :‬طهارة من‬
‫الحدث ‪ ،‬وطهارة من النجس‪.‬‬
‫ل‪ :‬الطهارة من الحدث‪:‬‬‫أو ً‬
‫والحدث نوعان ‪ :‬حدث أكبر ‪ ،‬وهو ما يوجب الغسل ‪ ،‬وحدث أصغر ‪،‬‬
‫وهو ما يوجب الوضوء ‪.‬وقد سبق لنا ذكر الغسل والوضوء‬
‫وأسبابهما‪ ،‬وهي نواقض الوضوء‪ ،‬وموجبات الغسل‪ ،‬فل حاجة إلى‬
‫إعادة ذلك مرة أخرى ‪.‬‬
‫لكن الذي يهمنا هنا‪ ،‬أن نبين أن الطهارة من الحدث شرط ‪ ،‬وهو‬
‫من باب الوامر التي يطلب فعلها ل التي يطلب اجتنابها ‪،‬‬
‫والقاعدة المعروفة عند أهل العلم ‪ :‬أن ترك المأمور ل يعذر فيه‬
‫بالنسيان والجهل‪ ،‬وبناء على ذلك ‪ :‬فلو أن أحدا ً من الناس صلى‬
‫بغير وضوء ناسيا ً ‪ ،‬فإنه يجب عليه أن يعيد صلته بعد أن يتوضأ‪،‬‬
‫لنه أخل بشرط إيجابي مأمور بفعله‪ ،‬وصلته بغير وضوء ناسيا ً‬
‫ْ‬
‫خطَأَنا(‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ليس فيها إثم لقوله تعالى ‪َ ) :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫سيَنا أ ْ‬ ‫خذَْنا إ ِ ْ‬
‫ن نَ ِ‬ ‫ؤا ِ‬
‫)البقرة‪ ،(286 :‬لكنها صلة غير صحيحة‪ ،‬فل تبرأ بها الذمة‪ ،‬فيكون‬
‫مطالبا ً بها‪.‬‬
‫ول فرق في هذا بين أن يكون النسان منفردا ً ‪ ،‬أو مأموما ً ‪ ،‬أو‬
‫إماما ً ‪ ،‬فكل من صلى بغير وضوء ‪ ،‬أو بغير غسل من حدث أكبر‬
‫ناسيا ً ‪ ،‬فإنه يجب عليه إعادة الصلة متى ذكر‪ ،‬حتى وإن كان إماما ً‬
‫‪ ،‬إل أنه إذا كان إماما ً ‪ ،‬وذكر في أثناء الصلة فإنه ينصرف ‪ ،‬ويأمر‬
‫من خلفه أن يتم الصلة ‪ ،‬فيقول لحدهم ‪ :‬تقدم أتم الصلة بهم ‪،‬‬
‫فإن لم يفعل أي لم يعين من يتم الصلة بهم قدموا واحدا ً منهم‬
‫فأتم‪ ،‬فإن لم يفعلوا أتم كل واحد على نفسه‪ ،‬ول يلزمهم أن‬
‫يستأنفوا الصلة من جديد‪ ،‬ول أن يعيدوا الصلة لو لم يعلموا إل‬
‫بعد ذلك ‪ ،‬لنه معذورون حيث إنهم ل يعلمون حال إمامهم ‪،‬‬
‫وكذلك لو صلى بغير وضوء جاهل ً ‪ ،‬فلو قدم إليه طعام وفيه لحم‬
‫إبل‪ ،‬وأكل من لحم البل ‪ ،‬وهو ل يدري أنه لحم إبل ‪ ،‬ثم قام‬
‫فصلى ‪ ،‬ثم علم بعد ذلك ‪ ،‬فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد صلته‬
‫ول إثم عليه حين صلى ‪ ،‬وقد انتقض وضوءه وهو ل يدري‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬ ‫بانتقاضه‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ) :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫خطأَنا(‬ ‫سيَنا أ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫خذَْنا إ ِ ْ‬ ‫ؤا ِ‬
‫)البقرة‪.(286 :‬‬

‫حكم صلة المام بغير وضوء ناسيا ً‬


‫السؤال )‪ :(91‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نحب أن نسأل إذا لم يعلم‬
‫المام أن وضوءه منتقض إل بعد انتهاء الصلة ‪ ،‬فهل يلزمه‬
‫العادة هو والمأمومون أم ل؟‬
‫الجواب ‪ :‬حكم ذلك أن المام يجب عليه إعادة الصلة ‪ ،‬وأما‬
‫المأمومون فل تجب عليهم إعادة الصلة ‪ ،‬وهم في الجر قد نالوا‬
‫أجر الجماعة‪ ،‬لنهم صلوا جماعة ‪ ،‬فيكبت لهم الجر‪ ،‬ول يخفى‬
‫أيضا ً أننا إذا قلنا ‪ :‬إنه إذا صلى بغير وضوء أو بغير غسل من‬
‫الجنابة ‪ ،‬أنه إذا كان معذورا ً ل يتمكن من استعمال الماء ‪ ،‬فإنه‬
‫يتيمم بدل ً عنه ‪ ،‬فالتيمم عند تعذر استعمال الماء يقوم مقام‬
‫الماء ‪ ،‬فإذا قدر أن هذا الرجل لم يجد الماء ‪ ،‬وتيمم وصلى ‪،‬‬
‫فصلته صحيحة‪ ،‬ولو بقي أشهرا ً ليس عنده ماء أو لو بقي أشهرا ً‬
‫مريضا ً ل يستطيع أن يستعمل الماء‪ ،‬فإن صلته بالتيمم صحيحة‪،‬‬
‫فالتيمم يقوم مقام الماء عند تعذر استعماله ‪ ،‬وإذا قلنا ‪ :‬إنه‬
‫يقوم مقامه عند تعذر استعماله ‪ ،‬فإنه إذا تطهر بالتيمم ‪ ،‬بقي‬
‫على طهارته حتى تنتقض الطهارة ‪ ،‬حتى لو خرج الوقت ‪ ،‬وهو‬
‫على تيممه‪ ،‬فإنه ل يلزمه إعادة التيمم للصلة الثانية‪ ،‬لن التيمم‬
‫مطهر ‪ ،‬كما قال الله تعالى في آية المائدة لما ذكر التيمم قال ‪) :‬‬
‫م‬
‫ول ِي ُت ِ ّ‬
‫م َ‬ ‫ريدُ ل ِي ُطَ ّ‬
‫هَرك ُ ْ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫ج َ‬‫حَر ٍ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫ع َ‬
‫ل َ‬ ‫ج َ‬
‫ه ل ِي َ ْ‬‫ريدُ الل ّ ُ‬‫ما ي ُ ِ‬‫َ‬
‫م()المائدة‪ ، (6 :‬وقال النبي عليه الصلة والسلم ‪":‬‬ ‫ُ‬
‫علي ْك ْ‬‫َ‬ ‫ه َ‬
‫مت َ ُ‬‫ع َ‬
‫نِ ْ‬
‫ً )‪(89‬‬ ‫ً‬
‫‪.‬‬ ‫جعلت لي الرض مسجدا وطهورا"‬

‫حكم ائتمام المتوضئ بالمتيمم‬


‫السؤال )‪ :(92‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬أيضا ً ربما يستفسر‪ :‬هل يجوز‬
‫أن يؤم متيمم متوضئًا؟‬
‫الجواب ‪ :‬نقول ‪ :‬نعم ‪ ،‬يجوز أن يكون المتيمم إماما ً للمتوضئ ‪،‬‬
‫لن كل منهما قد صلى بطهارة مأذون فيها ‪.‬‬
‫ثانيا ً الطهارة من النجاسة‪:‬‬
‫أما الشق الثاني‪ :‬الطهارة من النجاسة ومواضعها ثلثة ‪ :‬البدن ‪،‬‬
‫والثوب‪ ،‬والبقعة ‪ ،‬فلبد أن يتنزه النسان عن النجاسة في بدنه ‪،‬‬
‫وثوبه‪ ،‬وبقعته‪ ،‬ودليل ذلك في البدن‪ :‬أن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم مّر بقبرين فقال ‪ " :‬إنهما ليعذبان‪ ،‬وما يعذبان في كبير ‪،‬‬
‫أما أحدهما فكان ل يستتر من البول")‪.(90‬‬
‫وكذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم المرأة الحائض إذا أصاب‬
‫الحيض ثوبها ‪ ،‬أن تغسله ثم تصلي فيه")‪ . (91‬ففيه دليل على‬
‫وجوب تطهير الثوب من النجاسة‪ ،‬وقد ثبت عن النبي عليه الصلة‬
‫والسلم أنه أتي بصبي لم يأكل الطعام ‪ ،‬فوضعه في حجره فبال‬
‫عليه ‪ ،‬فدعا بإناء من ماء فأتبعه إياه)‪. (92‬‬
‫وأما البقعة ‪ :‬ففي حديث أنس رضي الله عنه أن رجل ً أعرابيا ً جاء‬
‫فبال في طائفة المسجد أي في جانب منه فأمر النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أن يراق على بوله ذنوب من ماء)‪. (93‬‬
‫إذن ‪ :‬فلبد أن يتجنب النسان النجاسة ‪ ،‬في بدنه وثوبه وبقعته‬
‫التي يصلي عليها‪.‬‬
‫فإن صلى وبدنه نجس أي قد أصابته نجاسة لم يغسلها أو ثوبه‬
‫نجس ‪ ،‬أو بقعته نجسة ‪ ،‬ولكنه لم يعلم بهذه النجاسة ‪ ،‬أو علم بها‬
‫ثم نسي أن يغسلها‪ ،‬حتى تمت صلته ‪ ،‬فإن صلته صحيحة‪ ،‬ول‬
‫يلزمه أن يعيد ودليل ذلك‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى‬
‫بأصحابه ذات يوم ‪ ،‬فخلع نعليه ‪ ،‬فخلع الناس نعالهم ‪ ،‬فلما‬
‫أنصرف النبي صلى الله عليه وسلم سألهم عن سبب خلع نعالهم‬
‫فقالوا‪ :‬رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا‪ ،‬فقال‪ " :‬إن جبريل‬
‫أتاني ‪ ،‬فأخبرني أن فيهما قذرًا")‪. (94‬‬
‫ولو كانت الصلة تبطل لستصحاب النجاسة حال الجهل لستأنف‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم الصلة ‪ ،‬فإن النسان لو ذكر أنه لم‬
‫يتوضأ في أثناء صلته ‪ ،‬وجب عليه أن ينصرف ويتوضأ ‪ ،‬إذن‬
‫اجتناب النجاسة في البدن ‪ ،‬والثوب ‪ ،‬والبقعة شرط لصحة‬
‫ً‬
‫الصلة ‪ ،‬لكن إذا لم يتجنب النسان النجاسة جاهل ً أو ناسيا وصلى‬
‫‪ ،‬فإن صلته صحيحة‪ ،‬سواء علم بها قبل الصلة ثم نسي أن‬
‫يغسلها ‪ ،‬أو لم يعلم بها إل بعد الصلة ‪.‬‬
‫فإن قلت ‪ :‬ما الفرق بين هذا وبين ما إذا صلى بغير وضوء ناسيا ً‬
‫أو جاهل ً ‪ ،‬حيث أمرنا من صلى بغير وضوء جاهل ً أو ناسيا ً‬
‫بالعادة ‪ ،‬ولم نأمر هذا الذي صلى بالنجاسة ناسيا ً أو جاهل ً‬
‫بالعادة؟‬
‫قلنا ‪ :‬الفرق بينهما أن الوضوء أو الغسل من باب فعل المأمور ‪،‬‬
‫وأما اجتناب النجاسة فهو من باب ترك المحظور ‪ ،‬وفعل المأمور‬
‫ل يعذر فيه بالجهل والنسيان ‪ ،‬بخلف ترك المحظور‪.‬‬
‫د‬
‫ق ْ‬‫ومن شروط الصلة ‪ :‬استقبال القبلة ‪ ،‬لقول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه َ‬
‫ك‬ ‫ج َ‬‫و ْ‬ ‫ل َ‬ ‫و ّ‬
‫ف َ‬‫ها َ‬‫ضا َ‬ ‫قب ْل َ ً‬
‫ة ت َْر َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ول ّي َن ّ َ‬‫فل َن ُ َ‬‫ء َ‬‫ما ِ‬ ‫س َ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ك ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ْ‬‫ب َ‬ ‫قل ّ َ‬‫ن ََرى ت َ َ‬
‫شطَْر ُ‬
‫ه(‬ ‫م َ‬ ‫هك ُ ْ‬
‫جو َ‬ ‫و ُ‬‫وّلوا ُ‬ ‫ف َ‬‫م َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫ث َ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫حَرام ِ َ‬ ‫د ال ْ َ‬‫ج ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شطَْر ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫)البقرة‪ ،(144:‬فاستقبال القبلة شرط لصحة الصلة ‪ ،‬فمن صلى‬
‫إلى غير القبلة ‪ ،‬فصلته باطلة غير صحيحة ‪ ،‬ل مبرئة لذمته إل‬
‫في أحوال أربعة‪:‬‬
‫الحال الولى ‪ :‬إذا كان عاجزا عن استقبال القبلة‪ ،‬مثل أن يكون‬ ‫ً‬
‫مريضا ً ‪ ،‬وجهه إلى غير القبلة ‪ ،‬ول يتمكن من النصراف إلى‬
‫القبلة‪ ،‬فإن صلته تصح على أي جهة كان ‪ ،‬لقول الله تعالى ‪:‬‬
‫م ()التغابن‪، (16 :‬وهذا الرجل ل يستطيع‬ ‫عت ُ ْ‬‫ست َطَ ْ‬‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫فات ّ ُ‬
‫) َ‬
‫أن يتحول إلي القبلة ‪ ،‬ل بنفسه ول بغيره‪.‬‬
‫الحال الثانية‪ -:‬إذا كان خائفا ً من عدو أو كان هاربا ً واتجاهه إلى‬
‫غير القبلة‪ ،‬ففي هذه الحال يسقط عنه استقبال القبلة‪ ،‬لقول‬
‫و ُرك َْبانا ً ()البقرة‪ (239 :‬ومعلوم‬ ‫َ‬
‫جال ً أ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ف ِ‬‫م َ‬ ‫خ ْ‬
‫فت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫فإ ِ ْ‬‫الله تعالي‪َ ) :‬‬
‫أن الخائف قد يكون اتجاهه إلى القبلة ‪ ،‬وقد يكون اتجاهه إلى‬
‫غير القبلة‪ ،‬فإذا رخص الله له في الصلة راجل ً أو راكبًا‪ ،‬فمقتضى‬
‫ذلك أن يرخص له في التجاه إلى غير القبلة‪ ،‬إذا كان يخاف على‬
‫نفسه إذا اتجه إلى القبلة‪.‬‬
‫الحال الثالثة ‪ :‬إذا كان في سفر وأراد أن يصلي النافلة ‪ ،‬فإنه‬
‫يصلي حيث كان اتجاه سيره ‪ ،‬ثبت ذلك عن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أنه كان يصلي في السفر حيث كان وجهه‪ ،‬إل أنه ل يصلي‬
‫المكتوبة ‪ ،‬ففي النافلة يصلي المسافر حيث كان وجهه ‪ ،‬بخلف‬
‫الفريضة ‪ ،‬فإن الفريضة يجب عليه أن يستقبل القبلة فيها في‬
‫السفر‪.‬‬
‫الحال الرابعة ‪ :‬إذا كان قد اشتبهت عليه القبلة ‪ ،‬فل يدري أي‬
‫الجهات تكون القبلة‪ ،‬ففي هذه الحال يتحرى بقدر ما يستطيع‬
‫ويتجه حيث غلب على ظنه أن تلك الجهة هي القبلة ‪ ،‬ول إعادة‬
‫عليه لو تبين له فيما بعد أنه صلى إلى غير القبلة‪.‬‬
‫وقد يقول قائل ‪ :‬إن هذه الحالة ل وجه لستثنائها‪ ،‬لننا نلزمه أن‬
‫يصلي إلى الجهة التي يغلب على ظنه أنها القبلة ‪ ،‬ول يضره إذا‬
‫لم يوافق القبلة‪ ،‬لن هذا منتهى قدرته واستطاعته‪ ،‬وقد قال الله‬
‫ها ()البقرة‪ ، (286 :‬وقال‬‫ع َ‬
‫س َ‬ ‫فسا ً إ ِّل ُ‬
‫و ْ‬ ‫ف الل ّ ُ‬
‫ه نَ ْ‬ ‫تعالى ‪) :‬ل ي ُك َل ّ ُ‬
‫م ()التغابن‪. (16 :‬‬ ‫ست َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫فات ّ ُ‬
‫تعالى ) َ‬

‫بقية شروط الصلة‬


‫السؤال )‪ :(93‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نريد أن نستكمل معكم بقية‬
‫شروط الصلة ‪ ،‬وقد ذكرتم منها ‪ :‬الوقت‪ ،‬وستر العورة ‪،‬‬
‫والطهارة ‪ ،‬واستقبال القبلة؟‬
‫الجواب ‪ :‬سبق أن تكلمنا على شرط استقبال القبلة لصحة الصلة‬
‫‪ ،‬وذكرنا أنه يستثنى من ذلك أحوال أربع ‪ ،‬وأن الحالة الرابعة‬
‫وهي ما إذا اشتبهت القبلة على النسان قد يناقش فيها ‪ .‬وعلى‬
‫كل حال فإننا نقول ‪ :‬سواء جعلناها مما يستثنى ‪ ،‬أو مما ل‬
‫يستثنى ‪ ،‬فإن النسان فيها يجب عليه أن يتقي الله ما استطاع ‪،‬‬
‫وأن يتحرى الصواب فيعمل به ولكن هاهنا مسألة وهي أنه يجب‬
‫أن نعرف ‪ ،‬أن استقبال القبلة يكون إما إلى عين القبلة وهي‬
‫الكعبة ‪ ،‬وإما إلى جهتها ‪ ،‬فإن كان النسان قريبا ً من الكعبة يمكنه‬
‫مشاهدتها ‪ ،‬ففرض أن يستقبل عين الكعبة ‪ ،‬لنها هي الصل ‪،‬‬
‫وأما إذا كان بعيدا ً ل يمكنه مشاهدة الكعبة‪ ،‬فإن الواجب عليه أن‬
‫يستقبل الجهة ‪ ،‬وكلما بعد النسان عن مكة ‪ ،‬كانت الجهة في‬
‫حقه أوسع لن الدائرة كلما تباعدت اتسعت ‪ ،‬ولهذا قال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم‪ " :‬ما بين المشرق والمغرب قبلة")‪ ،(95‬هذا‬
‫بالنسبة لهل المدينة ‪ ،‬وذكر أهل العلم رحمهم الله أن النحراف‬
‫اليسير في الجهة ل يضر ‪ ،‬والجهات معروف أنها أربع ‪ :‬الشمال ‪،‬‬
‫والجنوب ‪ ،‬والشرق ‪ ،‬والغرب ‪ ،‬فإذا كان النسان عن الكعبة شرقا ً‬
‫أو غربا ً ‪ ،‬كانت القبلة في حقه ما بين الشمال والجنوب ‪ ،‬وإذا كان‬
‫عن الكعبة شمال ً أو جنوبا ً ‪ ،‬صارت القبلة في حقه ما بين الشرق‬
‫والغرب ‪ ،‬لن الواجب استقبال الجهة‪.‬‬
‫نعم لو فرض أن النسان كان شرقا ً عن مكة واستقبل الشمال‪،‬‬
‫فإن ذلك ل يصح ‪ ،‬لنه جعل الجهة على يساره ‪ ،‬وكذلك لو استقبل‬
‫الجنوب ‪ ،‬فإن ذلك ل يصح لنه جعل القبلة عن يمينه‪ ،‬وكذلك لو‬
‫كان من أهل الشمال واستقبل الغرب‪ ،‬فإن صلته ل تصح ‪ ،‬لنه‬
‫جعل القبلة عن يساره ‪ ،‬ولو استقبل الشرق ‪ ،‬فإن ذلك ل يصح‬
‫أيضًا‪ ،‬لنه جعل القبلة عن يمينه‪.‬‬
‫وقد يسر الله سبحانه وتعالى لعباده في هذا الوقت وسائل تبين‬
‫القبلة بدقة وهي مجربة ‪ ،‬فينبغي للنسان أن يصطحب هذه‬
‫الوسائل معه في السفر‪ ،‬لنها تدله على القبلة إذا كان في حال‬
‫ل يتمكن معها من معرفة القبلة ‪ .‬وكذلك ينبغي لمن أراد إنشاء‬
‫مسجد ‪ ،‬أن يتبع ما تقتضيه هذه الوسائل المجربة والتي عرف‬
‫صوابها‪.‬‬
‫ً‬
‫من شروط الصلة أيضا ‪ " :‬النية" ‪ ،‬والنية محلها القلب ‪ ،‬واشتراط‬
‫النية إنما يذكر من أجل التعيين أو التخصيص ‪ ،‬أما من حيث‬
‫الطلق‪ ،‬فإنه ل يمكن لحد عاقل مختار‪ ،‬أن يقوم فيتوضأ ‪ ،‬ثم‬
‫يذهب ويصلي‪ ،‬ل يمكن أن يفعل ذلك وقد نوى للصلة ‪ ،‬لكن‬
‫الكلم على التعين فالتعيين لبد منه في النية‪ ،‬فينوي الظهر‬
‫ظهرًا‪ ،‬والعصر عصرا ً ‪ ،‬والمغرب مغربا ً ‪ ،‬والعشاء عشاء‪ ،‬والفجر‬
‫فجرا ً ‪ ،‬لبد من ذلك ‪ ،‬ول يكفي نية الصلة المطلقة ‪ ،‬لن نية‬
‫الصلة المطلقة أعم من نية الصلة المعينة ‪ ،‬والعم ل يقضي‬
‫على الخص ‪ ،‬فمن نوى العم لم يكن ناويا ً للخص ومن نوى‬
‫الخص كان ناويا ً للعم لدخوله به‪.‬‬
‫ولهذا نقول ‪ :‬إذا انتقل النسان من مطلق إلى معين ‪ ،‬أو من‬
‫معين إلى معين لم يصح ما انتقل إليه ‪ ،‬وأما ما انتقل منه فإن‬
‫كان من مطلق إلى معين تبطل نية الطلق‪ ،‬وإن كان من معين‬
‫إلى معين بطل الول والثاني ‪ ،‬وهذا القول المجمل أبينه في‬
‫المثلة ‪:‬‬
‫رجل أخذ يصلي ناويا ً نفل ً مطلقًا‪ ،‬ثم أراد أن يقلب النية في أثناء‬
‫الصلة إلى نفل معين ‪ ،‬أراد أن يجعل هذا النفل المطلق راتبة‪،‬‬
‫فهنا نقول ‪ :‬ل ينفع ذلك ‪ ،‬لن الراتبة لبد أن تكون منوية من قبل‬
‫تكبيرة الحرام ‪ ،‬وإل لم تكن راتبة ‪ ،‬لن الجزء الول الذي خل من‬
‫نية الراتبة ‪ ،‬صار بغير نية الراتبة‪ ،‬لكن لو كان يصلي راتبة ‪ ،‬ثم‬
‫نواها نفل ً مطلقا ً ‪ ،‬وألغى نية التعيين صح ذلك ‪ ،‬وذلك لن الصلة‬
‫المعينة تضمين نية التعيين ونية الطلق‪ ،‬فإذا ألغى نية التعيين‬
‫بقيت نية الطلق‪.‬‬
‫مثال آخر ‪ :‬رجل دخل يصلي بنية العصر ‪ ،‬ثم ذكر في أثناء‬
‫الصلة ‪ ،‬أنه لم يصل الظهر‪ ،‬فحول نية العصر إلى الظهر‪ ،‬فهنا ل‬
‫تصح ‪ ،‬ل صلة الظهر ‪ ،‬ول صلة العصر ‪ ،‬أما صلة العصر فل‬
‫تصح ‪ ،‬لنه قطعها ‪ ،‬وأما صلة الظهر فل تصح ‪ ،‬لنه لم ينوها من‬
‫أولها‪ ،‬لكن إذا كان جاهل ً ‪ ،‬صارت هذه الصلة في حقه نفل ً ‪ ،‬لنه‬
‫لما ألغى التعيين ‪ ،‬بقي الطلق‪.‬‬
‫والخلصة‪ :‬أني أقول ‪ :‬إن النية المطلقة في العبادات ل أظن أحدا ً‬
‫ل ينويها أبدا ً ‪ ،‬إذ ما من شخص يقول فيفعل إل وقد نوى ‪ ،‬لكن‬
‫الذي لبد منه هو نية التعيين والتخصيص‪.‬‬
‫كذلك أيضا ً مما يدخل في النية‪ :‬نية المامة بعد أن كان منفردا ‪ ،‬أو‬
‫ً‬
‫الئتمام بعد أن كان منفردا ً ‪ ،‬وهذا فيه خلف بين العلماء‪،‬‬
‫والصحيح أنه ل بأس به ‪ ،‬فنية المامة بعد أن كان منفردا ً ‪ ،‬مثل أن‬
‫يشرع النسان في الصلة وهو منفرد ‪ ،‬ثم يأتي رجل آخر يدخل‬
‫معه‪ ،‬ليصيرا جماعة فل بأس بذلك ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم قام يصلي من الليل‪ ،‬وكان ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫نائما ً ‪ ،‬ثم قام ابن عباس فتوضأ ودخل مع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم‪ ،‬وأقره النبي صلى الله عليه وسلم )‪ ،(96‬والصل أن ما ثبت‬
‫في النفل ثبت في الفرض إل بدليل‪.‬‬
‫فلو شرع النسان يصلي وحده ‪ ،‬ثم جاء آخر فدخل معه فجعله‬
‫إماما ً له فل بأس‪ ،‬ويكون الول إماما ً والثاني مأمومًا‪ ،‬وكذلك‬
‫بالعكس‪ ،‬لو أن أحدا ً شرع في الصلة منفردا ً ‪ ،‬ثم جاء جماعة ‪،‬‬
‫فصلوا جماعة ‪ ،‬فانضم إليهم ‪ ،‬فقد انتقل من انفراد إلى ائتمام ‪،‬‬
‫وهذا أيضا ً ل بأس به‪ ،‬لن النتقال هنا ليس إبطال ً للنية الولى‪،‬‬
‫ولكنه انتقال من وصف إلى وصف فل حرج فيه‪.‬‬
‫هذه من أهم الشروط التي ينبغي الكلم عليها ‪ ،‬وهناك شروط‬
‫أخر كالسلم ‪ ،‬والتمييز ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬لكن هذه شروط في كل عبادة‬
‫‪.‬‬

‫صفة الصلة‬
‫السؤال )‪ :(94‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي صفة الصلة المفروضة؟‬
‫الجواب ‪ :‬إن معرفة صفة الصلة كمعرفة صفة غيرها من‬
‫العبادات من أهم ما يكون ‪ ،‬وذلك لن العبادة ل تتم إل بالخلص‬
‫لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬والمتابعة لرسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ل تكون إل بمعرفة طريقة عبادة‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم حتى يتبعه النسان فيها‪ ،‬فمعرفة‬
‫صفة الصلة مهمة جدا ً ‪ ،‬وإني أحث نفسي وإخواني المسلمين‬
‫على أن يتلقوا صفة النبي من الكتب الصحيحة‪ ،‬من كتب الحديث‬
‫المعتبرة ‪ ،‬حتى يقيموها على حسب ما أقامها النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم الذي هو قدوتنا وإمامنا وأسوتنا صلوات الله وسلمه‬
‫عليه‪ ،‬وجعلنا من أتباعه بإخلص ‪ ،‬وها نحن نذكرها ‪ ،‬سائلين الله‬
‫سبحانه وتعالى أن يوفقنا للصواب‪ ،‬فنقول ‪:‬‬
‫فصفة الصلة أن يقوم النسان بشروطها السابقة التي تسبق‬
‫عليها كالطهارة من الحدث والخبث‪ ،‬واستقبال القبلة وغيرها من‬
‫الشروط‪ ،‬لن شروط الصلة تتقدم عليها ‪ ،‬ثم يكبر ‪ ،‬فقول ‪ :‬الله‬
‫أكبر ‪ ،‬رافعا ً يديه إلى حذو منكبيه‪ ،‬أو إلى فروع أذنيه‪ ،‬ثم يضع‬
‫يديه اليمنى على ذراعه اليسرى على صدره‪ ،‬ثم يستفتح بما ورد‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم من الستفتاح‪ ،‬يستفتح بأي نوع‬
‫ورد ‪ ،‬إما بقول " اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين‬
‫المشرق والمغرب‪ ،‬اللهم نقني من خطاياي كما ينقى الثوب‬
‫البيض من الدنس‪ ،‬اللهم اغسلني من خطاياي بالماء والثلج‬
‫والبرد)‪ (97‬أو بقول " سبحانك اللهم وبحمدك ‪ ،‬تبارك اسمك وتعالى‬
‫جدك ‪ ،‬ول إله غيرك")‪ ،(98‬أو بغيرهما مما ورد عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫ثم يقول ‪:‬أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ‪ ،‬بسم الله الرحمن‬
‫د‬
‫م ُ‬ ‫ح ْ‬‫الرحيم‪ ،‬ثم يقرأ الفاتحة ‪ ،‬ويقف على كل آية منها فيقول ‪):‬ال ْ َ‬
‫ن( )‪:‬‬ ‫دي ِ‬‫وم ِ ال ّ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫مال ِ ِ‬‫م( )‪َ ) (3‬‬ ‫حي ِ‬ ‫ن الّر ِ‬ ‫م ِ‬
‫ح َ‬‫ن( )‪) (2‬الّر ْ‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬‫ب ال ْ َ‬ ‫ه َر ّ‬‫ل ِل ّ ِ‬
‫م( )‪(6‬‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ط ال ْ ُ‬‫صَرا َ‬ ‫دَنا ال ّ‬ ‫ه ِ‬‫ن( )‪) (5‬ا ْ‬ ‫عي ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫وإ ِّيا َ‬
‫ك نَ ْ‬ ‫عب ُدُ َ‬‫ك نَ ْ‬ ‫‪) (4‬إ ِّيا َ‬
‫َ‬
‫ن( )‬ ‫ضاّلي َ‬ ‫ول ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫ضو ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫م ْ‬‫ر ال ْ َ‬ ‫م َ‬
‫غي ْ ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫ت َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ع ْ‬
‫ن أن ْ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ط ال ّ ِ‬ ‫صَرا َ‬ ‫) ِ‬
‫‪ (7‬ثم يقرأ ما تيسر من القرآن ‪ ،‬والفضل أن يقرأ سورة تامة‬
‫تكون في الفجر من طوال المفصل‪ ،‬وفي المغرب من قصاره‬
‫غالبًا‪ ،‬وفي الباقي من أوساطه‪.‬‬
‫ثم يرفع يديه مكبرا ً في الركوع فيقول ‪ :‬الله أكبر ‪ ،‬ويضع يديه‬
‫مفرجتي الصابع على ركبتيه ‪ ،‬ويمد ظهره متسويا ً مع رأسه‪ ،‬ل‬
‫يرفع رأسه ول يصوبه ويقول ‪ :‬سبحان ربي العظيم ‪ ،‬يكررها ثلثا ً‬
‫وهو أدنى الكمال ‪ ،‬وإن زاد فل بأس ‪.‬‬
‫ثم يرفع رأسه قائل ً ‪ :‬سمع الله لمن حمده ‪ ،‬ويرفع يديه كذلك كما‬
‫رفعهما عند تكبيرة الحرام ‪ ،‬وعند الركوع‪ ،‬ثم يقول بعد قيامه ‪:‬‬
‫ربنا ولك الحمد ‪ ،‬حمدا ً كثيرا ً طيبا ً مباركا ً فيه‪ ،‬ملء السموات‬
‫وملء الرض وملء ما بينهما ‪ ،‬وملء ما شئت من شيء بعد ‪ ،‬ثم‬
‫يسجد مكبرا ً ‪ ،‬ول يرفع يديه حال السجود ‪ ،‬ول يرفع يديه إذا هوى‬
‫إلى السجود‪ .‬قال ابن عمر رضي الله عنهما ‪ :‬وكان ل يفعل ذلك ‪-‬‬
‫يعني الرفع ‪ -‬في السجود ويسجد على ركبتيه ‪ ،‬ثم يديه‪ ،‬ثم جبهته‬
‫وأنفه‪ ،‬يسجد على أعضاء سبعة ‪ :‬الجبهة والنف ‪ ،‬وهما عضو‬
‫واحد‪ ،‬والكفين ‪ ،‬والركبتين‪ ،‬وأطراف القدمين ‪ ،‬ويجافي عضديه‬
‫عن جنبيه‪ ،‬ويرفع ظهره ول يمده ‪ ،‬ويجعل يديه حذاء وجهه ‪ ،‬أو‬
‫حذاء منكبيه‪ ،‬مضمومتي الصابع ‪ ،‬مبسوطة ‪ ،‬ورؤوس الصابع نحو‬
‫القبلة ‪ ،‬فيقول ‪ :‬سبحان ربي العلى ‪ ،‬أدنى الكمال ثلث ‪ ،‬ويزيد‬
‫ما شاء ‪ ،‬ولكن يغلب في السجود جانب الدعاء ‪ ،‬لقول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬أما الركوع فعظموا فيه الرب‪ ،‬وأما السجود‬
‫فاجتهدوا من الدعاء ‪ ،‬فقمن أن يستجاب لكم)‪.(99‬‬
‫ثم يرفع من السجود مكبرا ً ‪ ،‬ول يرفع يديه‪ ،‬ويجلس مفترشا ً رجله‬
‫اليسرى ‪ ،‬ناصبا ً رجله اليمنى ‪ ،‬ويضع يديه على فخذيه أو على‬
‫أعلى ركبتيه ‪ ،‬وتكون اليمنى مضمومة الصابع الثلثة ‪ :‬الخنصر ‪،‬‬
‫والبنصر‪ ،‬والبهام ‪ ،‬وإن شاء حلق البهام مع الوسطى‪ ،‬وأما‬
‫السبابة فتبقى مفتوحة‪ ،‬ويحركها عند الدعاء ‪ ،‬ويقول ‪ :‬رب اغفر‬
‫لي ‪ ،‬وارحمني ‪ ،‬وأجبرني ‪ ،‬وعافني وارزقني‪ .‬وكلما دعا حرك‬
‫أصبعه نحو السماء‪ ،‬إشارة إلى علو المدعو‪ ،‬أما اليد اليسرى ‪،‬‬
‫فإنها تبقى على الرجل اليسرى ‪ ،‬على الفخذ ‪ ،‬أو على طرف‬
‫الركبة ‪ ،‬مبسوطة ‪ ،‬مضمومة أصابعها ‪ ،‬متجها ً بها إلى القبلة ‪ ،‬ثم‬
‫يسجد السجدة الثانية كالولى فيما يقال وما يفعل‪.‬‬
‫ثم يرفع من السجود إلى القيام مكبرًا‪ ،‬ول يرفع يديه عند هذا‬
‫القيام ‪ ،‬لن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫حديث صحيح‪ ،‬ثم يقرأ الفاتحة وما تيسر لكن تكون قراءته دون‬
‫القراءة في الركعة الولى ‪ ،‬ويصلي الركعة الثانية كما صلها في‬
‫الركعة الولى ‪.‬‬
‫ثم يجلس للتشهد ‪ ،‬وجلوسه للتشهد كجلوسه للدعاء بين‬
‫السجدتين ‪ ،‬أي يفترش رجله اليسرى وينصب اليمنى ‪ ،‬ويضع يده‬
‫اليمنى على رجله اليمنى ‪ ،‬ويده اليسرى على رجله اليسرى ‪،‬‬
‫على صفة ما سبق في الجلوس بين السجدتين ‪ ،‬ويقرأ التشهد‪" :‬‬
‫التحيات لله ‪ ،‬والصلوات والطيبات ‪ ،‬السلم عليك أيها النبي‬
‫ورحمة الله وبركاته‪،‬السلم علينا وعلى عباد الله الصالحين ‪،‬‬
‫أشهد أن ل إله إل الله‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله"‬
‫ثم إن كان ي ثنائية كالفجر والنوافل ‪ ،‬فإنه يكمل التشهد ‪،‬‬
‫فيستمر فيه "اللهم صل على محمد وعلى آل محمد ‪ ،‬كما صليت‬
‫على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد‪ ،‬اللهم بارك على‬
‫محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم‬
‫إنك حميد مجيد‪ ،‬أعوذ بالله من عذاب جهنم ‪ ،‬ومن عذاب القبر ‪،‬‬
‫ومن فتنة المحيا والممات ‪ ،‬ومن فتنة المسيح الدجال"‪ ،‬ثم إن‬
‫أحب أطال في الدعاء ‪ ،‬ما شاء ‪ ،‬ثم يسلم عن يمينه ‪ " :‬السلم‬
‫عليكم ورحمة الله " وعن يساره ‪" :‬السلم عليكم ورحمة الله"‪.‬‬
‫أما إذا كان في ثلثة أو رباعية ‪ ،‬فإنه بعد أن يقول في‬
‫التشهد‪":‬أشهد أن ل إله إل الله ‪ ،‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله"‬
‫يقوم ‪ ،‬فيصلي ما بقي من صلته مقتصرا ً على قراءة الفاتحة ‪،‬‬
‫أما عن الركوع والسجود ‪ ،‬فكما سبق في الركعتين الوليين ‪ ،‬ثم‬
‫يجلس للتشهد الثاني ‪ ،‬وهو التشهد الخير ‪ ،‬لكن يكون جلوسه‬
‫توركًا‪.‬‬
‫والتورك له ثلث صفات ‪ :‬إما أن ينصب رجله اليمنى ‪ ،‬ويخرج‬
‫اليسرى من تحت ساقها ‪ ،‬وإما أن يفرش الرجل اليمنى والرجل‬
‫اليسرى من تحت ساقها ‪ ،‬أي من تحت ساق اليمنى ‪ ،‬وإما أن‬
‫يفرش اليمنى ويدخل اليسرى بين ساق اليمنى وفخذها‪ ،‬كل ذلك‬
‫ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ثم إذا أكمل التشهد سلم‬
‫عن يمينه وعن يساره كما سبق‪.‬‬
‫هذه هي صفة الصلة والواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم‪،‬‬
‫فليجتهد النسان باتباعها ما استطاع ‪ ،‬لن ذلك أكمل في عبادته ‪،‬‬
‫وأقوى في إيمانه وأشد في اتباعه لرسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬

‫وضع الرجلين أثناء القيام في الصلة‬


‫السؤال ‪ :(95) :‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ذكرتم‪ -‬جزاكم الله خيرا ً ‪-‬‬
‫بالتفصيل وضع اليدي في القيام وفي الركوع ‪ ،‬وكذلك في‬
‫السجود‪ ،‬وكذلك في الجلسة بين السجدتين‪ ،‬لكننا لم نسمع‬
‫شيئا ً عن وضع الرجلين ‪ ،‬ونحن نشاهد الن كثيرا ً من الناس‬
‫يفرج ما بين رجليه‪ ،‬فيتسع ما بين مناكب المصلين‪ .‬فما‬
‫الصحيح في ذلك؟‬
‫الجواب ‪ :‬وضع الرجلين في حال القيام طبيعي ‪ ،‬بمعنى أنه ل‬
‫يدني بعضهما من بعض ‪ ،‬ول يباعد ما بينهما ‪ ،‬كما روي ذلك عن‬
‫ابن عمر رضي الله عنهما ‪ ،‬ذكره في شرح السنة أنه كان رضي‬
‫الله عنهما ل يباعد بين رجليه ول يقارب بينهما‪ ،‬هذا في حال‬
‫القيام وفي حال الركوع ‪.‬‬
‫أما في حال الجلوس فقد عرفناه فيما سبق ‪ ،‬وأما في حال‬
‫السجود فالفضل أن يلصق إحدى القدمين بالخرى ‪ ،‬وأل يفرق‬
‫بينهما ‪ ،‬كما يدل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬حين‬
‫وقعت يدها على قدمي النبي صلى الله عليه وسلم منصوبتين‬
‫وهو ساجد)‪ ،(100‬ومعلوم أن اليد الواحدة ل تقع على قدمين‬
‫منصوبتين إل وبعضها قد ضم إلى بعض ‪ ،‬وكذلك جاء صريحا ً في‬
‫صحيح ابن خزيمة رحمه الله أنه يلصق إحدى القدمين بالخرى‬
‫في حال السجود)‪.(101‬‬
‫وقبل أن ننتهي من صفة الصلة نود أن نبين أنه ينبغي للنسان‬
‫إذا فرغ من صلته أن يذكر الله عز وجل بما ورد عن النبي صلى‬
‫م‬
‫ضي ْت ُ ُ‬ ‫ذا َ‬
‫ق َ‬ ‫الله عليه وسلم ‪ ،‬لن الله تعالى أمر بذلك في قوله ‪َ ) :‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫م ()النساء‪، (103 :‬‬ ‫عَلى ُ‬
‫جُنوب ِك ُ ْ‬ ‫عودا ً َ‬
‫و َ‬ ‫ق ُ‬ ‫قَياما ً َ‬
‫و ُ‬ ‫فاذْك ُُروا الل ّ َ‬
‫ه ِ‬ ‫صلةَ َ‬
‫ال ّ‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أن يستغفر النسان ثلث مرات ‪ :‬أستغفر الله ‪،‬‬
‫أستغفر الله ‪ ،‬أستغفر الله ‪ ،‬ويقول ‪ :‬اللهم أنت السلم ‪ ،‬ومنك‬
‫السلم تباركت يا ذا الجلل والكرام ‪ ،‬ثم يذكر الله عز وجل بما‬
‫ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم يسبح الله ثلثا ً وثلثين ‪،‬‬
‫ويكبر ثلثا ً وثلثين ‪ ،‬ويحمد ثلثا ً وثلثين ‪ ،‬إن شاء قالها كل واحدة‬
‫على حدة‪ ،‬وإن شاء قالها جميعا ً ‪ ،‬أي أنه إن شاء قال ‪ :‬سبحان‬
‫الله والحمد لله والله أكبر ثلثا ً وثلثين ‪ ،‬وإن شاء قال ‪ :‬سبحان‬
‫الله ‪ ،‬سبحان الله ‪ ،‬سبحان الله ‪ ،‬ثلثا ً وثلثين ‪ ،‬ثم ‪ :‬الحمد لله ‪،‬‬
‫ثلثا ً وثلثين‪ ،‬ثم ‪ :‬الله أكبر ثلثا ً وثلثا ً ‪ ،‬كل ذلك جائز‪ ،‬بل وتجوز‬
‫أيضا ً صفة أخرى ‪ :‬أن يسبح عشرا ً ‪ ،‬ويكبر عشرا ً ‪ ،‬ويحمد عشرا ً ‪،‬‬
‫وتجوز صفة رابعة‪ :‬أن يقول ‪ :‬سبحان الله ‪،‬والحمد لله ‪ ،‬ول إله إل‬
‫الله ‪،‬والله أكبر خمسا ً وعشرين مرة ‪ ،‬فتتم مائة ‪.‬‬
‫والمهم أن كل ما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم من الذكار‬
‫بعد الصلة فليقله‪ ،‬إما على سبيل البدل ‪ ،‬أو على سبيل الجمع ‪،‬‬
‫لن بعض الذكار يذكر بعضها بدل ً عن بعض ‪ ،‬وبعض الذكار يذكر‬
‫بعضها مع بعض فتكون مجموعة ‪ ،‬فليحرص النسان على ذلك‬
‫ه ()البقرة‪، (198 :‬‬ ‫فاذْك ُُروا الل ّ َ‬
‫امتثال ً لمر الله تعالى في قوله ‪َ ) :‬‬
‫وأتباعا ً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وإذا كان في المسجد فإن الفضل أن يجهر بهذا الذكر‪ ،‬كما ثبت‬
‫ذلك في صحيح البخاري‪ ،‬من حديث ابن عباس رضي الله عنهما‬
‫قال ‪ :‬كان رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة‬
‫على عهد النبي صلى الله عليه وسلم)‪ . (102‬فيسن للمصلين أن‬
‫يرفعوا أصواتهم بهذا الذكر اقتداء بالصحابة في عهد رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بل اقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫لنه كان يرفع صوته بذلك‪ ،‬كما قال ابن عباس ‪ :‬ما كنا نعرف‬
‫انقضاء صلة النبي صلى الله عليه وسلم إل بالتكبير)‪ ،(103‬وقول‬
‫بعض أهل العلم ‪ :‬أنه يسن السرار بهذا الذكر ‪ ،‬وأن جهر النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم كان للتعليم ‪ ،‬فيه نظر ‪ ،‬فإن الصل فيما‬
‫فعله الرسول عليه الصلة والسلم أن يكون مشروعا ً في أصله‬
‫ووصفه ‪ ،‬ومن المعلوم أنه لو لم يكن وصفه وهو رفع الصوت به‬
‫مشروعا ً ‪ ،‬لكان يكفي ما علمه النبي صلى الله عليه وسلم أمته‬
‫فإنه قد علمهم هذا الذكر بقوله ‪ ،‬فل حاجة إلى أن يعلمهم برفع‬
‫الصوت ‪ ،‬ثم إنه لو كان المقصود التعليم لكان التعليم يحصل بمرة‬
‫أو مرتين ‪ ،‬ول يحافظ عليه الرسول عليه الصلة والسلم ‪ ،‬كلما‬
‫سلم رفع صوته بالذكر‪.‬‬

‫أركان الصلة‬
‫السؤال )‪ :(96‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي أركان الصلة ؟‬
‫الجواب ‪ :‬صفة الصلة التي ذكرناها آنفا ً تشتمل على أركان‬
‫الصلة وواجباتها وسننها ‪ ،‬وأهل العلم رحمهم الله ذكروا أن ما‬
‫يقع في هذه الصلة ‪ ،‬أو أن ما يكون من هذه الصفة ينقسم إلى‬
‫أركان وواجبات وسنن ‪ ،‬على اتفاق فيما بينهم في بعض الركان‬
‫والواجبات ‪ ،‬وخلف فيما بينهم في بعضها ‪ ،‬فنذكر مثل ً من‬
‫الركان‪:‬‬
‫الول ‪ :‬القيام مع القدرة ‪ :‬وهذا ركن في الفرض خاصة ‪ ،‬لقوله‬
‫موا ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫قو ُ‬‫و ُ‬
‫طى َ‬ ‫س َ‬‫و ْ‬ ‫ة ال ْ ُ‬
‫صل ِ‬
‫وال ّ‬
‫ت َ‬ ‫صل َ َ‬
‫وا ِ‬ ‫عَلى ال ّ‬ ‫ف ُ‬
‫ظوا َ‬ ‫حا ِ‬
‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن( )البقرة‪ ، (238:‬وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمران‬ ‫َ‬
‫قان ِِتي َ‬
‫بن الحصين ‪ " :‬صل قائما ً ‪ ،‬فإن لم تستطع فقاعدًا‪ ،‬فإن لم‬
‫تستطع فعلى جنب")‪.(104‬‬
‫الثاني من الركان ‪ :‬تكبيرة الحرام ‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم للمسيء في صلته‪ " :‬إذا قمت إلى الصلة فأسبغ الوضوء ‪،‬‬
‫ثم استقبل القبلة فكبر")‪ .(105‬ولبد أن يقول ‪ :‬الله أكبر ‪ ،‬فل‬
‫يجزئ أن يقول ‪ :‬الله أجل ‪ ،‬أو الله أعظم ‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ .‬وينبغي‬
‫أن يعلم أنه ل يصح أن يقول ‪ :‬الله أكبر بمد الهمزة‪ ،‬لنها تنقلب‬
‫حينئذ استفهامًا‪ ،‬ول أن يقول ‪ :‬الله أكبار بمد الباء ‪ ،‬لنها حينئذ‬
‫تكون جمعا ً للكبر‪ ،‬والك ََبر هو الطبل‪ ،‬فأكبار كأسباب جمع سبب‪،‬‬
‫وأكبار جمع كبر ‪ ،‬هكذا قال أهل العلم فل يجوز أن يمد النسان‬
‫الباء ‪ ،‬لنها تنقلب بلفظها إلى جمع كبر ‪ ،‬وأما ما يقوله بعض‬
‫الناس ‪ :‬الله وكبر فيجعل الهمزة واوًا‪ ،‬فهذا له مساغ في اللغة‬
‫العربية ‪ ،‬فل تبطل به الصلة ‪.‬‬
‫الركن الثالث ‪ :‬قراءة الفاتحة‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه وسلم‪:‬‬
‫ل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب")‪ ،(106‬ولكن إذا كان ل يعرفها‬
‫فإنه يلزمه أن يتعلمها ‪ ،‬فإن لم يتمكن من تعلمها ‪ ،‬قرأ ما يقوم‬
‫مقامها من القرآن إن كان يعلمه ‪ ،‬وإل سبح وحمد الله وهّلل‪.‬‬
‫َ‬
‫عوا‬‫مُنوا اْرك َ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الركن الرابع ‪ :‬الركوع ‪ :‬لقوله تعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫دوا ()الحج‪ ،(77 :‬ولقول البني صلى الله عليه وسلم للرجل‬ ‫ج ُ‬‫س ُ‬
‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫الذي أساء في صلته ولم يصلها على وجه التمام‪ " :‬ثم اركع حتى‬
‫تطمئن راكعًا" *‪.‬‬
‫الركن الخامس ‪ :‬الرفع من الركوع ‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم للمسيء في صلته ‪" :‬ثم ارفع حتى تطمئن قائمًا")‪. (107‬‬
‫َ‬
‫مُنوا‬‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الركن السادس ‪ :‬السجود ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫دوا ()الحج‪ :‬من الية‪ (77‬ولقول النبي صلى الله عليه‬ ‫ج ُ‬
‫س ُ‬
‫وا ْ‬ ‫اْرك َ ُ‬
‫عوا َ‬
‫وسلم للمسيء في صلته ‪" :‬ثم اسجد حتى تطمئن ساجدا ً)‪. (108‬‬
‫الركن السابع‪ :‬الجلوس بين السجدتين‪ ،‬لقول الرسول صلى الله‬
‫ً)‬
‫عليه وسلم للمسيء في صلته ‪ " :‬ثم ارفع حتى تطمئن جالسا‬
‫‪.(109‬‬
‫الركن الثامن ‪ :‬السجود الثاني ‪ ،‬لنه لبد في كل ركعة من‬
‫سجودين لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمسيء في صلته ‪:‬‬
‫" ثم اسجد حتى تطمئن ساجدًا")‪ (110‬بعد أن ذكر قوله ‪ " :‬ثم ارفع‬
‫حتى تطمئن جالسًا"‪.‬‬
‫أما الركن التاسع ‪ :‬فهو التشهد الخير ‪ ،‬لقول ابن مسعود رضي‬
‫الله عنه ‪ :‬كنا نقوم قبل أن يفرض علينا التشهد ‪،‬فدل هذا على‬
‫أن التشهد فرض‪.‬‬
‫الركن العاشر ‪ :‬وهو الصلة على النبي صلى الله عليه وسلم في‬
‫التشهد الخير‪ ،‬هذا المشهور من مذهب المام أحمد‪.‬‬
‫الركن الحادي عشر ‪ :‬الترتيب بين الركان ‪ :‬القيام ‪ ،‬ثم الركوع ‪،‬‬
‫ثم الرفع منه‪ ،‬ثم السجود ‪ ،‬ثم الجلوس بين السجدتين ‪ ،‬ثم‬
‫السجود ‪ ،‬فلو بدأ بالسجود قبل الركوع لم تصح صلته‪ ،‬لنه أخل‬
‫بالترتيب‪.‬‬
‫الثالث عشر ‪ :‬الطمأنينة في الركان ‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم للمسيء في صلته ‪" :‬ثم اركع حتى تطمئن"‪ ،‬ثم ارفع حتى‬
‫تطمئن "‪" ،‬ثم اسجد حتى تطمئن"‪.‬‬
‫والطمأنينة‪ :‬أن يسكن النسان في الركن حتى يرجع كل فقال‬
‫إلى موضعه ‪ ،‬قال العلماء ‪ :‬وهي السكون وإن قل ‪ ،‬فمن لم‬
‫يطمئن في صلته فل صلة له ولو صلى ألف مرة‪.‬‬
‫وبهذا نعرف خطأ ما نشاهده من كثير من المصلين من كونهم ل‬
‫يطمئنون ول سيما في القيام بعد الركوع ‪ ،‬والجلوس بين‬
‫السجدتين ‪ ،‬فإنك تراهم قبل أن يعتدل النسان قائما ً إذا هو‬
‫ساجد وقبل أن يعتدل جالسا ً إذا هو ساجد ‪ ،‬وهذا خطأ عظيم ‪،‬‬
‫فلو صلى النسان على هذا الوصف ألف صلة لم تقبل منه ‪ ،‬لن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي كان يخل بالطمأنينة‪،‬‬
‫فجاء فسلم على النبي صلى الله عليه وسلم قال له النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬ارجع فصل فإن لم تصل")‪ ، (111‬وهذا يدل على‬
‫أن من صلى صلة أخل فيها بشيء من أركانها أو واجباتها على‬
‫وجه أعم ‪ ،‬فإنه ل صلة له ‪ ،‬بل ولو كان جاهل ً في مسألة‬
‫الركان ‪ ،‬فإنه ل صلة له ‪.‬‬
‫والركن الخير وهو الرابع عشر‪ :‬التسليم ‪ ،‬بأن يقول في منتهى‬
‫صلته ‪ :‬السلم عليكم ورحمة الله ‪ ،‬السلم عليكم ورحمة الله ‪،‬‬
‫والصحيح أن التسليمتين كلتاهما ركن ‪ ،‬وأنه ل يجوز أن يخل‬
‫بواحدة منهما ‪ ،‬ل في الفرض ول في النفل ‪ ،‬وذهب بعض أهل‬
‫العلم إلى أن الركن التسليمة الولى فقط في الفرض والنافلة ‪،‬‬
‫وذهب آخرون إلى أن الركن التسليمة الولى فقط في النافلة‬
‫دون الفريضة ‪ ،‬فلبد فيها من التسليمتين ‪ ،‬لكن الحوط أن يسلم‬
‫النسان التسليمتين كلتيهما ‪ ،‬هذه هي الركان‪.‬‬

‫حكم من ترك ركنا من أركان الصلة‬


‫السؤال )‪ :(97‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم من ترك ركنا ً من هذه‬
‫الركان؟‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫الجواب ‪ :‬إذا ترك ركنا من هذه الركان متعمدا فصلته باطلة ‪،‬‬
‫تبطل بمجرد تركه ‪ ،‬أما إذا كان ناسيا ً فإنه يعود إليه ‪ ،‬فلو نسي‬
‫أن يركع ‪ ،‬ثم سجد حين أكمل قراءته ‪ ،‬ثم ذكر وهو ساجد أنه لم‬
‫يركع ‪ ،‬فإنه يجب عليه أن يقوم فيركع ثم يكمل صلته ‪ ،‬ويجب‬
‫عليه أن يرجع للركن الذي تركه ما لم يصل إلى مكانه من الركعة‬
‫الثانية‪ ،‬فإن وصل إلى مكانه من الركعة الثانية قامت الركعة‬
‫الثانية مقام الركعة التي تركه منها‪.‬‬
‫فلو أنه لم يركع ‪ ،‬ثم سجد ‪ ،‬جلس بين السجدتين ‪ ،‬وسجد الثانية ‪،‬‬
‫ثم ذكر ‪ ،‬فإنه يجب عليه أن يقوم فيركع ‪ ،‬ثم يستمر فيكمل صلته‬
‫‪ ،‬أما لو لم يذكر أنه ركع إل بعد أن وصل إلى موضع الركوع من‬
‫الركعة التالية‪ ،‬فإن هذه الركعة الثانية تقوم مقام الركعة التي‬
‫ترك ركوعها‪.‬‬
‫وهكذا لو نسي النسان السجدة الثانية ‪ ،‬ثم قام من السجدة‬
‫الولى ‪ ،‬ولما قرأ ذكر أنه لم يسجد السجدة الثانية ‪ ،‬ولم يجلس‬
‫أيضا ً بين السجدتين فيجب عليه حينئذ أن يرجع ويجلس بين‬
‫السجدتين ‪ ،‬ثم يسجد السجدة الثانية ‪ ،‬ثم يكمل صلته ‪ ،‬بل لو لم‬
‫يذكر أنه ترك السجدة الثانية والجلوس بين السجدتين إل بعد أن‬
‫ركع ‪ ،‬فإنه يجب عليه أن ينزل ‪ ،‬ويجلس ‪ ،‬ويسجد ‪ ،‬ثم يستمر في‬
‫صلته ‪ ،‬أما لو لم يذكر أنه ترك السجود الثاني من الركعة الولى‬
‫إل بعد أن جلس بين السجدتين في الركعة الثانية ‪ ،‬فإن الركعة‬
‫الثانية تقوم مقام الولى ‪ ،‬وتكون هي ركعته الولى‪.‬‬
‫وفي كل هذه الحوال ‪ ،‬أو في كل هذه الصور التي ذكرناها ‪ ،‬يجب‬
‫عليه أن يسجد سجود السهو ‪ ،‬لما حصل من الزيادة في الصلة‬
‫بهذه الفعال ‪ ،‬ويكون سجوده بعد السلم ‪ ،‬لن سجود السهو إذا‬
‫كان سببه الزيادة فإن محله بعد السلم ‪ ،‬كما تدل على ذلك سنة‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫إذا شك المصلي في أنه ترك ركنا ً‬


‫السؤال )‪ :(98‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هذا بالنسبة لمن تأكد لديه أنه‬
‫ترك ركنا ً من الركان‪ ،‬لكن لو شك في تركه ماذا يفعل؟‬
‫الجواب ‪ :‬إذا شك في تركه ‪ ،‬فهو ل يخلو من ثلث حالت ‪:‬‬
‫إما أن يكون هذا الشك وهما ً ل حقيقة له ‪ ،‬فهذا ل يؤثر عليه ‪،‬‬
‫يستمر في صلته ول كأنه حصل له هذا الشك ‪ ،‬وإما أن يكون هذا‬
‫الشك كثيرا ً معه‪ ،‬كما يوجد في كثير من الموسوسين ‪ ،‬نسأل الله‬
‫لنا ولهم العافية ‪ ،‬فل يلتفت إليه أيضا ً ‪ ،‬بل يستمر في صلته حتى‬
‫لو خرج من صلته وهو يرى أنه مقصر فيها فليفعل ول يهمنه ذلك‬
‫‪ ،‬وإما أن يكون شكه بعد الفراغ من الصلة ‪ ،‬فكذلك أيضا ً ل يتلفت‬
‫إليه ول يهتم به ‪ ،‬ما لم يتيقن أنه ترك‪.‬‬
‫أما إذا كان الشك في أثناء الصلة ‪ ،‬فإن العلماء يقولون ‪ :‬من شك‬
‫في ترك ركن فكتركه‪ ،‬فإذا كان الشك في أثناء الصلة ‪ ،‬وكان‬
‫شكا ً حقيقيًا‪ ،‬ليس وهما ً ول وسواسا ً فلو أنه سجد وفي أثناء‬
‫سجوده شك هل ركع أو لم يركع ‪ ،‬فإنا نقول له ‪ :‬قم فاركع ‪ ،‬لن‬
‫الصل عدم الركوع ‪ ،‬إل إذا غلب على ظنه أنه ركع ‪ ،‬فإن الصحيح‬
‫أنه إذا غلب على ظنه أنه ركع ‪ ،‬فإنه يعتد بهذا الظن الغالب ‪،‬‬
‫ولكن يسجد للسهو بعد السلم‪.‬‬
‫وسجود السهو في الحقيقة أم مهم ‪ ،‬ينبغي للنسان أن يعرفه‪،‬‬
‫ول سيما الئمة ‪ ،‬وقد كان كثير منهم يجهل ذلك ‪ ،‬وهو أمر ل‬
‫ينبغي من مثلهم ‪ ،‬بل الواجب على المؤمن أن يعرف حدود ما‬
‫أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫مأموم يدخل مع المام وينسى كم صلى‬


‫السؤال )‪ :(99‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بعض الناس يأتي بعد إقامة‬
‫الصلة ‪ ،‬ويدخل مع المام ‪ ،‬وينسى عدد الركعات التي فاتته ‪،‬‬
‫ثم يقتدي بمن في جانبه ممن دخل الصلة معه فما حكم‬
‫ذلك؟‬
‫الجواب ‪ :‬هذا يقع كثيرا ً كما قلت ‪ ،‬يدخل اثنان مع المام ‪ ،‬ثم‬
‫ينسى أحدهما كم صلى ‪ ،‬أو كم أدرك مع إمامه ‪ ،‬فيقتدي بالشخص‬
‫الذي إلى جنبه ‪ ،‬فنقول‪ :‬ل بأس أن يقتدي بالشخص الذي إلى‬
‫جنبه ‪ ،‬إذا لم يكن عنده ظن يخالفه أو يقين يخالفه‪ ،‬لن هذا رجوع‬
‫إلى ما يغلب على ظنه ‪ ،‬والرجوع إلى ما يغلب على ظنه في باب‬
‫العبادات ل بأس به على القول الراجح‪.‬‬

‫واجبات الصلة‬
‫السؤال )‪ :(100‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬عرفنا صفة الصلة وأركانها‪،‬‬
‫ونود أن نعرف ما هي واجبات الصلة؟‬
‫الجواب ‪ :‬واجبات الصلة ‪ :‬هي القوال أو الفعال التي إذا تركها‬
‫النسان عمدا ً بطلت صلته‪ ،‬وإن تركها سهوا ً فإنه يجبرها بسجود‬
‫السهو ‪ ،‬فمنها التكبيرات سوى تكبيرة الحرام‪ ،‬فإنها من واجبات‬
‫الصلة ‪ ،‬أما تكبيرة الحرام فإنها ركن من أركان الصلة ‪ ،‬ل تنعقد‬
‫الصلة إل بها ‪ ،‬ويستثنى من هذه التكبيرات ‪ :‬تكبيرة الركوع ‪ ،‬إذا‬
‫أتى المأموم والمام راكع‪ ،‬فإنه يكبر تكبيرة الحرام قائما ً‬
‫منتصبا ً ‪ ،‬فإذا أهوى إلى الركوع ‪ ،‬فإن التكبير في حقه سنة ‪ ،‬هكذا‬
‫قرره الفقهاء رحمهم الله‪.‬‬
‫ومن الواجبات ‪ :‬التسبيح في الركوع والسجود‪ ،‬ففي الركوع ‪:‬‬
‫سبحان الله ربي العظيم ‪ ،‬وفي السجود ‪ :‬سبحان ربي العلى ‪.‬‬
‫ومن الواجبات ‪ :‬التشهد الول وجلسته‪.‬‬
‫ومن الواجبات أيضًا‪ :‬التسميع والتحميد ‪ ،‬أي قول ‪ :‬سمع الله لمن‬
‫حمده عند الرفع من الركوع ‪ ،‬وقول ‪ :‬ربنا ولك الحمد بعد القيام‬
‫من الركوع للمام والمنفرد‪.‬‬
‫أما المأموم فإنه يقول ‪ :‬ربنا ولك الحمد ‪ ،‬حين رفعه من الركوع ‪.‬‬
‫هذه الواجبات إذا تركها النسان متعمدا ً بطلت صلته ‪ ،‬وإن تركها‬
‫سهوا ً فصلته صحيحة ‪ ،‬ويجبرها سجود السهو‪ ،‬لحديث عبد الله بن‬
‫بحينة رضي الله عنه‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم قام من‬
‫الركعتين فلم يجلس في صلة الظهر ‪ ،‬فلما قضى الصلة وانتظر‬
‫الناس التسليمة ‪ ،‬سجد سجدتين ثم سلم)‪. (112‬‬

‫سنن الصلة‬
‫لسؤال )‪ :(101‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬مادمنا عرفنا واجبات الصلة ‪،‬‬
‫نود أن نعرف أيضا ً شيئا ً من سنن الصلة؟‬
‫الجواب ‪ :‬إذا عرف النسان أركان الصلة وواجباتها ‪ ،‬فكل ما‬
‫عداها فهو سنن ‪ ،‬فمن ذلك ‪ :‬الزيادة على الواحدة في تسبيح‬
‫الركوع والسجود‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬صفة الجلوس في الصلة ‪ ،‬فإنه يجلس مفترشا ً في‬
‫جميع جلسات الصلة ‪ ،‬والفتراش‪ :‬أن يجلس على رجله اليسرى ‪،‬‬
‫وينصب رجله اليمنى ‪ -‬أي القدم ‪ -‬إل في الجلسة الثانية في‬
‫الصلة ذات التشهدين ‪ ،‬فإنه يجلس متوركا ً ‪ ،‬والتورك ‪ :‬أن ينصب‬
‫قدمه اليمنى ‪ ،‬ويخرج رجله اليسرى من تحت الساق من يمينه‪.‬‬
‫ومن السنن في الصلة ‪ :‬أن يرفع النسان يديه إلى حذو منكبيه‪،‬‬
‫أول إلى فروع أذنيه عند تكبيرة الحرام ‪ ،‬وعند الركوع ‪ ،‬وعند‬
‫الرفع منه ‪ ،‬وعند القيام من التشهد الول ‪ ،‬والسنن كثيرة يعرفها‬
‫من تتبع كتب الفقهاء في هذا‪.‬‬

‫سجود السهو موجباته ومواضعه‬


‫السؤال )‪ :(102‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نود أن نعرف أيضا ً سجود السهو‬
‫في الصلة من حيث موجباته ومواضعه؟‬
‫الجواب ‪ :‬سجود السهو في الصلة أسبابه في الجملة ثلثة ‪:‬‬
‫الزيادة ‪ ،‬والنقص ‪ ،‬والشك‪.‬‬
‫فالزيادة ‪ :‬مثل أن يزيد النسان ركوعا ً ‪ ،‬أو سجودا ً ‪ ،‬أو قياما ً ‪ ،‬أو‬
‫قعودا ً ‪.‬‬
‫والنقص ‪ :‬مثل أن ينقص النسان ركنا ً ‪ ،‬أو ينقص واجبا ً من‬
‫وجبات الصلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫والشك ‪ :‬أن يتردد كم صلى ثلثا أم أربعا مثل ً ‪.‬‬
‫أما الزيادة ‪ :‬فإن النسان إذا زاد في الصلة ركوعا ً ‪ ،‬أو سجودا ً ‪،‬‬
‫أو قياما ً ‪ ،‬أو قعودا ً متعمدا ً بطلت صلته ‪ ،‬لنه إذا زاد متعمدا ً فقد‬
‫أتى بالصلة على غير الوجه الذي أمر به الله ورسوله ‪ ،‬وقد قال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو‬
‫رد")‪. (113‬‬
‫أما إذا زاد ذلك ناسيا ً ‪ ،‬فإن صلته ل تبطل ‪ ،‬ولكنه يسجد للسهو‬
‫بعد السلم ‪ ،‬ودليل ذلك ‪ :‬حديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ،‬حين‬
‫سلم النبي صلى الله عليه وسلم من ركعتين في إحدى صلته ‪،‬‬
‫إما الظهر وإما العصر‪ ،‬فلما ذكروه ‪ ،‬أتى صلى الله عليه وسلم بما‬
‫بقي من صلته وسلم ‪ ،‬ثم سجد سجدتين بعدما سلم)‪ ،(114‬ولحديث‬
‫ابن مسعود رضي الله عنه‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم صّلى‬
‫بهم الظهر خمسًا‪ ،‬فلما انصرف قيل له ‪ :‬أزيد في الصلة؟ قال ‪:‬‬
‫"وما ذاك؟" قالوا ‪ :‬صليت خمسا ً ‪ ،‬فثنى رجليه ‪ ،‬واستقبل القبلة ‪،‬‬
‫وسجد سجدتين)‪.(115‬‬
‫أما النقص ‪ :‬فإن نقص النسان ركنا ً من أركان الصلة ‪ ،‬فل يخلو‪،‬‬
‫إما أن يذكره قبل أن يصل إلى موضعه من الركعة الثانية ‪ ،‬فحينئذ‬
‫يلزمه أن يرجع فيأتي بالركن وبما بعده ‪ ،‬وإما أل يذكره حتى يصل‬
‫إلى موضعه من الركعة الثانية ‪ ،‬وحينئذ تكون الركعة الثانية بدل ً‬
‫عن الذي تركه منها‪ ،‬فيأتي بدلها ‪ ،‬أي بدل الذي تركها منها‬
‫بركعة ‪ ،‬وفي هاتين الحالين يسجد بعد السلم‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬رجل قام حين سجد السجدة الولى من الركعة‬
‫الولى‪ ،‬ولم يجلس ‪ ،‬ولم يسجد للسجدة الثانية‪ ،‬ولما شرع في‬
‫القراءة‪ ،‬ذكر أنه لم يسجد ولم يجلس بين السجدتين ‪ ،‬فحينئذ‬
‫يرجع ويجلس بين السجدتين‪ ،‬ثم يسجد ‪ ،‬ثم يقوم فيأتي بما بقي‬
‫من صلته ‪ ،‬ويسجد للسهو بعد السلم‪.‬‬
‫ومثال من لم يذكره إل بعد وصوله إلى محله من الركعة الثانية ‪،‬‬
‫أنه قام من السجدة الولى في الركعة الولى ‪ ،‬ولم يسجد‬
‫السجدة الثانية ‪ ،‬ولم يجلس بينها وبين الولى ولكنه لم يذكر إل‬
‫حين جلس بين السجدتين من الركعة الثانية ‪ ،‬ففي هذه الحال‬
‫تكون الركعة الثانية هي الركعة الولى ‪ ،‬ويزيد ركعة في صلته ‪،‬‬
‫ويسلم ثم يسجد للسهو‪.‬‬
‫أما نقص الواجب ‪ :‬فإذا أنقص واجبا ً وانتقل من موضعه إلى‬
‫الموضع الذي يليه‪ ،‬مثل أن لو نسي قول " سبحان ربي العلى"‬
‫ولم يذكر إل بعد أن رفع من السجود ‪ ،‬فهذا قد ترك واجبا ً من‬
‫واجبات الصلة سهوًا‪ ،‬فيمضي في صلته ويسجد للسهو قبل‬
‫السلم ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم لما ترك التشهد الول ‪،‬‬
‫مضى في صلته ‪ ،‬ولم يرجع ‪ ،‬وسجد للسهو قبل السلم)‪. (116‬‬
‫أما الشك ‪ :‬فإن الشك هو التردد بين الزيادة والنقص‪ ،‬بأن يتردد‬
‫المصلي هل صلى ثلثا ً أم أربعًا‪ ،‬وهذا ل يخلو من حالين ‪ :‬إما أن‬
‫يترجح عنده أحد الطرفين الزيادة أو النقص ‪ ،‬فيبني على ما ترجح‬
‫عنده ‪ ،‬ويتم عليه ‪ ،‬ويسجد للسهو بعد السلم ‪ ،‬وإما أل يترجح‬
‫عنده أحد المرين ‪ ،‬فيبني على اليقين وهو القل ‪ ،‬فيتم عليه ‪،‬‬
‫ويسجد للسهو قبل السلم‪.‬‬
‫مثال ذلك‪ :‬رجل صلى الظهر‪ ،‬ثم شك هل هو الن في الركعة‬
‫الثالثة أو الرابعة‪ ،‬وترجح عنده أنها الثالثة‪ ،‬فيأتي بركعة ‪ ،‬ثم‬
‫يسلم ‪ ،‬ثم يسجد للسهو ‪ ،‬ومثال ما يستوي فيه المران ‪ :‬رجل‬
‫يصلي الظهر ‪ ،‬فشك هل هذه الركعة الثالثة أو الرابعة ‪ ،‬ولم‬
‫يترجح عنده أنها الثالثة أو الرابعة‪ ،‬فيبني على اليقين وهو القل ‪،‬‬
‫فيجعلها الثالثة‪ ،‬ثم يأتي بركعة ‪ ،‬ويسجد للسهو قبل أن يسلم ‪.‬‬
‫وبهذا تبين أن سجود السهو يكون قبل السلم ‪ ،‬فيما إذا ترك‬
‫واجبا ً من الواجبات‪ ،‬أو إذا شك في عدد الركعات ولم يترجح عنده‬
‫أحد الطرفين ‪ ،‬وأنه يكون بعد السلم ‪ ،‬فيما إذا زاد في صلته أو‬
‫شك وترجح عنده أحد الطرفين‪.‬‬

‫حكم السلم بعد سجود السهو‬


‫السؤال )‪ :(103‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن إذا كان سجود السهو بعد‬
‫الصلة هل يلزم أيضا ً سلم؟‬
‫الجواب ‪ :‬إذا كان السجود بعد السلم ‪ ،‬فإنه يجب له السلم‬
‫فيسجد سجدتين ثم يسلم‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(104‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬وهل يجب له التشهد‪.‬‬
‫الجواب ‪ :‬في هذا خلف بين العلماء ‪ ،‬والراجح أنه ل يجب له‬
‫التشهد‪.‬‬

‫مبطلت الصلة‬
‫السؤال )‪ :(105‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي مبطلت الصلة ولو‬
‫على سبيل الجمال؟‬
‫الجواب ‪ :‬مبطلت الصلة تدور على شيئين ‪ :‬إما ترك ما يجب‬
‫فيها ‪ ،‬أو فعل ما يحرم فيها‪.‬‬
‫ً‬
‫فأما ترك ما يجب ‪ :‬فمثل أن يترك النسان ركنا من أركان الصلة‬
‫متعمدا ً ‪ ،‬أو شرطا ً من شروطها متعمدا ً ‪ ،‬أو واجبا ً من واجباتها‬
‫متعمدا ً ‪.‬‬
‫مثال ترك الركن ‪ :‬أن يترك الركوع متعمدا ً ‪.‬‬
‫ومثال ترك الشرط ‪ :‬أن ينحرف عن القبلة في أثناء الصلة‬
‫متعمدًا‪.‬‬
‫ومثال ترك الواجب ‪ :‬أن يترك التشهد الول متعمدا ً ‪ ،‬فإذا ترك أي‬
‫واجب من واجبات الصلة متعمدا ً فصلته بطالة‪ ،‬سواء سمي ذلك‬
‫الواجب شرطا ً أم ركنا ً أم واجبًا‪.‬‬
‫الشيء الثاني مما يدور عليه بطلن الصلة ‪ :‬فعل المحرم فيها ‪،‬‬
‫كأن يحدث في صلته ‪ ،‬أو يتكلم بكلم الدميين ‪ ،‬أو يضحك ‪ ،‬أو ما‬
‫أشبه ذلك من الشياء التي هي حرام في أثناء الصلة ‪ ،‬يفعلها‬
‫متعمدا ً ‪ ،‬فإن صلته تبطل في هذه الحال‪.‬‬

‫حكم صلة الجماعة‬


‫السؤال )‪ :(106‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬تحدثنا عن الصلة ‪ ،‬وحكمها ‪،‬‬
‫وشروطها ‪ ،‬وكذلك الركان ‪ ،‬والواجبات ‪ ،‬وأيضا ً عن السجود‬
‫للسهو لها ‪ ،‬ونود أن نسأل ونركز على حكم صلة الجماعة؟‬
‫الجواب ‪ :‬صلة الجماعة اتفق العلماء على أنها من أجل الطاعات‬
‫وأوكدها وأفضلها ‪ ،‬وقد أشار الله تعالى إليها في كتابه وأمر بها‬
‫م‬‫ه ْ‬
‫في ِ‬ ‫ذا ك ُن ْ َ‬
‫ت ِ‬ ‫وإ ِ َ‬
‫حتى في صلة الخوف ‪ ،‬فقال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫ول ْي َأ ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫فل ْت َ ُ‬ ‫فأ َ َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫حت َ ُ‬ ‫سل ِ َ‬
‫ذوا أ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ع َ‬‫م َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ة ِ‬ ‫ف ٌ‬ ‫طائ ِ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫صلةَ َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ت لَ ُ‬‫م َ‬ ‫ق ْ‬ ‫َ‬
‫صّلوا‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫م يُ َ‬‫خَرى ل َ ْ‬‫ةأ ْ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت َ‬
‫طائ ِ َ‬ ‫ول ْت َأ ِ‬‫م َ‬ ‫وَرائ ِك ُ ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫فل ْي َ ُ‬
‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬‫س َ‬‫ذا َ‬ ‫فإ ِ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ول ْي َأ ُ‬
‫م( )النساء‪. (102:‬‬ ‫ه ْ‬‫حت َ ُ‬
‫سل ِ َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫حذَْر ُ‬‫ذوا ِ‬ ‫خ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫ع َ‬ ‫صّلوا َ‬
‫م َ‬ ‫فل ْي ُ َ‬ ‫َ‬
‫وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الحاديث العدد‬
‫الكثير الدال على وجوب الصلة مع الجماعة ‪ ،‬مثل قوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪" :‬لقد هممت أن آمر بالصلة فتقام ‪ ،‬ثم آمر رجل ً‬
‫فيصلي بالناس ‪ ،‬ثم أنطلق برجال معهم حزم من حطب إلى قوم‬
‫ل يشهدون الصلة‪ ،‬فأحرق عليهم بيوتهم بالنار")‪ ، (117‬وكقوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬من سمع النداء فلم يأته فل صلة له إل‬
‫من عذر")‪ ، (118‬وكقوله صلى الله عليه وسلم للرجل العمى الذي‬
‫طلب منه أن يرخص له في الصلة في بيته ‪" :‬أتسمع النداء ؟"‬
‫فقال ‪ :‬نعم قال ‪ " :‬فأجب")‪ .(119‬وقال ابن مسعود رضي الله‬
‫عنه ‪ :‬لقد رأيتنا وما يتخلف عنها ‪ -‬أي عن صلة الجماعة ‪ -‬إل‬
‫منافق معلوم النفاق ‪ ،‬أو مريض ‪ ،‬ولقد كان الرجل يؤتى به يهادى‬
‫بين الرجلين حتى يقام في الصف)‪ .(120‬والنظر الصحيح يقتضي‬
‫وجوبها ‪ ،‬فإن المة السلمية أمة واحدة ‪ ،‬ول يتحقق كمال الوحدة‬
‫إل بكونها تجتمع على عباداتها ‪ ،‬وأجل العبادات وأفضلها‬
‫وأوكدها ‪ :‬الصلة ‪ ،‬فكان من الواجب على المة السلمية أن‬
‫تجتمع على هذه الصلة‪.‬‬
‫وقد اختلف العلماء رحمهم الله بعد اتفاقهم على أنها من أوكد‬
‫العبادات وأجل الطاعات ‪ ،‬اختلفوا ‪ :‬هل هي شرط لصحة الصلة ‪،‬‬
‫أو أن الصلة تصح بدونها مع الثم ‪ ،‬مع خلفات أخرى ‪ ،‬والصحيح‬
‫أنها واجب للصلة ‪ ،‬وليست شرطا ً في صحتها‪ ،‬لكن من تركها فهو‬
‫آثم ‪ ،‬إل أن يكون له عذر شرعي ‪ ،‬ودليل كونها ليست شرطا ً‬
‫لصحة الصلة هو أن الرسول عليه الصلة والسلم فضل صلة‬
‫الجماعة على صلة الفذ‪ ،‬وتفضيل صلة الجماعة على صلة الفذ‬
‫يدل على أن في صلة الفذ فضل ً ‪ ،‬وذلك ل يكون إل إذا كانت‬
‫صحيحة‪.‬‬
‫وعلى كل حال فيجب على كل مسلم ذكر بالغ أن يشهد صلة‬
‫الجماعة ‪ ،‬سواء كان ذلك في السفر أم في الحضر‪.‬‬

‫علقة المأموم بإمامه‬


‫السؤال )‪ :(107‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬مادمنا عرفنا حكم صلة‬
‫الجماعة‪ ،‬فما هي علقة المأموم بإمامه‬
‫الجواب ‪ :‬أما علقة المأموم بإمامه‪ ،‬فإنها علقة متابعة ‪ ،‬ولهذا‬
‫قال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنما جعل المام ليؤتم به ‪،‬‬
‫فإذا كبر فكبروا ‪ ،‬ول تكبروا حتى يكبر ‪ ،‬وإذا ركع فاركعوا ‪ ،‬ول‬
‫تركعوا حتى يركع ‪ ،‬وإذا قال ‪ :‬سمع الله لمن حمده فقولوا ‪:‬‬
‫اللهم ربنا ولك الحمد ‪ ،‬وإذا سجد فاسجدوا ‪ ،‬ول تسجدوا حتى‬
‫يسجد ‪ ،‬وإذا صلى قائما ً فصلوا قياما ً ‪ ،‬وإذا صلى قاعدا ً ‪ ،‬فصلوا‬
‫قعودا ً أجمعون")‪.(121‬‬
‫ومقام المأموم مع إمامه في هذه الناحية يتنوع إلى أربع‬
‫مقامات ‪ :‬متابعة ‪ ،‬وموافقة‪ ،‬مسابقة ‪ ،‬وتأخر‪.‬‬
‫فأما المتابعة‪ :‬فأن يأتي النسان بأفعال الصلة بعد إمامه مباشرة‪،‬‬
‫إذا ركع ركع بدون تأخر ‪ ،‬وإذا سجد سجد بدون تأخر‪ ،‬وهكذا في‬
‫بقية أفعال الصلة‪.‬‬
‫وأما الموافقة ‪ :‬فأن يفعل هذه الفعال مع إمامه‪ ،‬يركع مع‬
‫ركوعه‪ ،‬ويسجد مع سجوده ‪ ،‬ويقوم مع قيامه ‪ ،‬ويقعد مع قعوده‪.‬‬
‫وأما المسابقة ‪ :‬فأن يتقدم إمامه في هذه الفعال ‪ ،‬فيركع قبله‪،‬‬
‫ويسجد قبله‪ ،‬ويقوم قبله ‪ ،‬ويقعد قبله‪.‬‬
‫وأما التأخر ‪ :‬فأن يتوانى في متابعة المام‪ ،‬فإذا ركع المام ‪ ،‬بقي‬
‫واقفا ً يقرأ الفاتحة‪ ،‬وإذا سجد بقي قائما ً يحمد وهكذا ‪ ،‬وكل هذه‬
‫المقامات مذمومة إل مقام المتابعة‪.‬‬
‫فالموافق لمامه مخالف لقول الرسول عليه الصلة والسلم ‪" :‬‬
‫ل تكبروا حتى يكبر المام ‪ ،‬ول تركعوا حتى يركع")‪.(122‬‬
‫والسابق له واقع في التحذير الشديد الذي حذر منه النبي عليه‬
‫الصلة والسلم في قوله ‪ " :‬أما يخشى الذي يرفع رأسه قبل‬
‫المام أن يحول الله رأسه رأس حمار‪ ،‬أو يجعل الله صورته صورة‬
‫حمار")‪.(123‬‬
‫والمتخلف ‪ :‬لم يحقق المتابعة ‪ ،‬لن قول الرسول عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ " :‬إذا كبر المام فكبروا ‪ ،‬وإذا ركع فاركعوا" جملة‬
‫شرطية تقتضي أن يقع المشروط فور وجود الشرط ‪ ،‬وأل يتأخر‬
‫عنه ‪ ،‬فهو منهي عنه‪.‬‬
‫فالمسابقة ‪ :‬حرام‪ .‬والموافقة ‪ :‬قيل ‪ :‬إنها مكروهة‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنها‬
‫حرام ‪ .‬والتأخر ‪ :‬أقل أحواله الكراهة‪ .‬أما المتابعة فهي المر الذي‬
‫أمر به النبي صلى الله عليه وسلم‪.‬‬

‫أشد حالت مخالفة المام‬


‫السؤال )‪ :(108‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن أي الحالت الثلث أشد‪:‬‬
‫المسابقة ‪ ،‬أم الموافقة أم التخلف عنه؟‬
‫الجواب ‪ :‬المسابقة أشدها ‪ ،‬لنه ورد فيها الوعيد الذي سمعت‪،‬‬
‫ولن القول الراجح أن النسان إذا سبق إمامه‪ ،‬بطلت صلته ‪،‬‬
‫سواء سبقه إلى الركن أو بالركن‪ ،‬لنه إذا سبق إمامه فقد فعل‬
‫فعل ً محرما ً في الصلة‪.‬‬
‫والقاعدة الشرعية ‪ :‬أن من فعل فعل ً محرما ً في العبادة‪ ،‬فإن‬
‫العبادة تبطل به‪.‬‬

‫صلة التطوع ) فضلها ‪ -‬أنواعها(‬


‫السؤال )‪ :(109‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نود أن تحدثونا عن صلة‬
‫التطوع من حيث الفضل والنواع؟‬
‫الجواب ‪ :‬من رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده‪ ،‬أن جعل لكل نوع‬
‫من أنواع الفريضة تطوعا ً يشبهه ‪ ،‬فالصلة لها تطوع يشبهها من‬
‫الصلوات ‪ ،‬والزكاة لها تطوع يشبهها من الصدقات ‪ ،‬والصيام له‬
‫تطوع يشبهه من الصيام ‪ ،‬وكذلك الحج‪ ،‬وهذا من رحمة الله‬
‫سبحانه وتعالى بعباده ليزدادوا ثوابا ً وقربا ً من الله تعالى ‪،‬‬
‫وليرقعوا الخلل الحاصل في الفرائض ‪ ،‬فإن النوافل تكمل بها‬
‫الفرائض يوم القيامة‪ .‬فمن التطوع في الصلة ‪ :‬الرواتب التابعة‬
‫للصلوات المفروضة ‪ ،‬وهي أربع ركعات قبل الظهر بسلمين ‪،‬‬
‫وتكون بعد دخول وقت صلة الظهر ‪ ،‬ول تكون قبل دخول وقت‬
‫الصلة ‪ ،‬وركعتان بعدها ‪ ،‬فهذه ست ركعات ‪ ،‬كلها راتبة للظهر‪،‬‬
‫أما العصر فليس لها راتبة ‪ ،‬أما المغرب فلها راتبة ركعتان بعدها‪،‬‬
‫وركعتان بعد العشاء ‪ ،‬وركعتان قبل الفجر ‪ ،‬وتختص الركعتان قبل‬
‫الفجر ‪ ،‬بأن الفضل أن يصليهما النسان خفيفتين‪ ،‬وأن يقرأ‬
‫ن( )الكافرون‪ (1:‬في الركعة الولى ‪،‬‬ ‫ها ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬ ‫فيهما بـ ) ُ‬
‫فُرو َ‬ ‫كا ِ‬ ‫ل َيا أي ّ َ‬
‫َ‬
‫د( )الخلص‪ (1:‬في الركعة الثانية ‪ ،‬أو بقوله‬ ‫ح ٌ‬ ‫هأ َ‬‫و الل ّ ُ‬ ‫ه َ‬‫ل ُ‬ ‫و) ُ‬
‫ق ْ‬
‫ل إ ِلي َْنا ( الية ‪ ،‬في سورة البقرة‬ ‫َ‬ ‫ز َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ما أ َن ْ ِ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫مّنا ِبالل ِ‬ ‫قولوا آ َ‬
‫ء‬
‫وا ٍ‬
‫س َ‬
‫ة َ‬ ‫وا إ َِلى ك َل ِ َ‬
‫م ٍ‬ ‫عال َ ْ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬
‫ب تَ َ‬ ‫ه َ‬‫ل َيا أ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫في الركعة الولى ‪ ،‬و ) ُ‬
‫م ()آل عمران‪ (64 :‬الية في سورة آل عمران في‬ ‫وب َي ْن َك ُ ْ‬
‫ب َي ْن ََنا َ‬
‫الركعة الثانية ‪ ،‬وبأنها ‪ -‬أي راتبة الفجر ‪-‬تصلى في الحضر‬
‫والسفر ‪ ،‬وبأن فيها فضل ً عظيما ً ‪ ،‬قال فيه النبي عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ " :‬ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها")‪. (124‬‬
‫ومن النوافل في الصلوات ‪ :‬الوتر ‪ ،‬وهو من آكد النوافل ‪ ،‬حتى‬
‫قال بعض العلماء بوجوبه ‪ ،‬وقال فيه المام أحمد رحمه الله ‪ :‬من‬
‫ترك الوتر فهو رجل سوء ل ينبغي أن تقبل له شهادة ‪ .‬وتختم به‬
‫صلة الليل ‪ ،‬فمن خاف أل يقوم من آخر الليل أوتر قبل أن ينام ‪،‬‬
‫ومن طمع أن يقوم آخر الليل ‪ ،‬فليوتر آخر الليل بعد إنهاء‬
‫تطوعه‪ ،‬قال النبي عليه الصلة والسلم ‪ " :‬اجعلوا آخر صلتكم‬
‫بالليل وترًا")‪ ، (125‬وأقله ركعة واحدة ‪ ،‬وأكثره إحدى عشر ركعة ‪،‬‬
‫وأدنى الكمال ‪ :‬ثلث ركعات ‪ ،‬فإن أوتر بثلث فهو بالخيار ‪ ،‬إن‬
‫شاء سردها سردا ً بتشهد واحد ‪ ،‬وإن شاء سلم من ركعتين ‪ ،‬ثم‬
‫أوتر بواحدة ثم صلى واحدة‪ ،‬وإن أوتر بخمس سردها جميعا ً‬
‫بتشهد واحد وسلم واحد ‪ ،‬وإن أوتر بسبع فكذلك‪ ،‬يسردها جميعا ً‬
‫بتشهد وحد وسلم واحد ‪ ،‬وإن أوتر بتسع فإنه يسردها ‪ ،‬ويجلس‬
‫في الثامنة ويتشهد‪ ،‬ثم يقوم فيأتي بالتاسعة ويسلم ‪ ،‬فيكون‬
‫فيها تشهدان وسلم واحد‪ ،‬وإن أوتر بإحدى عشرة ركعة ‪ ،‬فإنه‬
‫يسلم من ركعتين ويأتي بالحادية عشرة وحدها‪.‬‬
‫وإذا نسى الوتر ‪ ،‬أو نام عنه ‪ ،‬فإنه يقضيه من النهار‪ ،‬لكن‬
‫مشفوعا ً ‪ ،‬ل وترا ً ‪ ،‬فإذا كان من عادته أن يوتر بثلث ‪ ،‬صلى‬
‫أربعا ً ‪ ،‬وإن كان من عادته أن يوتر بخمس ‪ ،‬صلى ستا ً وهكذا ‪ ،‬لنه‬
‫ثبت في الصحيح ‪" ،‬أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا‬
‫)‬
‫غلبه نوم أو وجع عن قيام الليل‪ ،‬صلى بالنهار ثنتي عشرة ركعة"‬
‫‪.(126‬‬

‫الفرق في الحكام بين الفرض والنافلة‬


‫السؤال )‪ :(110‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل هناك فرق بين صلة‬
‫الفرض والنافلة؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم هناك فوارق بين صلتي الفرض والنافلة ‪ ،‬من‬
‫أوضحها ‪ :‬أن النافلة تصح في السفر على الراحلة‪ ،‬ولو بدون‬
‫ضرورة ‪ ،‬فإذا كان النسان في سفر ‪ ،‬وأحب أن يتنفل وهو على‬
‫راحلته ‪ ،‬سواء كانت الراحلة السيارة‪ ،‬أم طيارة ‪ ،‬أم بعيرًا‪ ،‬أم غير‬
‫ذلك ‪ ،‬فإنه يصلي النافلة على راحلته متجها ً حيث يكون وجهه‪،‬‬
‫يومئ بالركوع والسجود‪ ،‬لنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫أنه كان يفعل ذلك)‪.(127‬‬
‫ومن الفروق بين الفريضة والنافلة ‪ :‬أن النسان إذا شرع في‬
‫الفريضة حرم أن يخرج منها إل لضرورة قصوى‪ ،‬وأما النافلة‬
‫فيجوز أن يخرج منها لغرض صحيح‪ ،‬وإن كان بغير غرض فإنه ل‬
‫يأثم إذا خرج منها ولكنه يكره كما ذكر ذلك أهل العلم‪.‬‬
‫ومن الفروق ‪ :‬أن الفريضة يأثم النسان بتركها ‪ ،‬وأما النافلة فل‪.‬‬
‫ومن الفروق ‪ :‬أن الفريضة تشرع لها صلة الجماعة ‪ ،‬وأما النافلة‬
‫فل تشرع ‪ ،‬إل في صلوات معينة ‪ ،‬كالستسقاء‪ ،‬وصلة الكسوف‬
‫على القول بأنها سنة‪ ،‬ول بأس أن يصليها النسان ‪ -‬أي النافلة ‪-‬‬
‫أحيانا ً جماعة‪ ،‬كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ببعض‬
‫أصحابه جماعة في بعض الليالي‪ ،‬فقد صلى معه مرة ابن عباس ‪،‬‬
‫ومرة حذيفة ‪ ،‬ومرة ابن مسعود‪.‬‬
‫وأما في رمضان ‪ ،‬فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه أقام‬
‫بهم ثلث ليال ثم تأخر خوفا ً من أن تفرض على الناس)‪ ، (128‬وهذا‬
‫يدل على أن صلة الجماعة في قيام رمضان سنة ‪ ،‬لن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم فعلها ‪ ،‬ولكن تركها خوفا ً من أن تفرض‪،‬‬
‫وهذا مأمون بعد وفاته صلى الله عليه وسلم‪.‬‬
‫‪----------------------------------------------‬‬

‫أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب ما جاء في حرمة الصلة ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(75‬‬

‫‪ ،(2616‬وقال ‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬


‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب وجوب الزكاة ‪ ،‬رقم )‪،(1395‬‬ ‫)‪(76‬‬

‫ومسلم‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب المر باليمان بالله تعالى ورسوله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬رقم )‪.(19‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب إثم مانع الزكاة ‪ ،‬رقم )‪.(987‬‬ ‫)‪(77‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب بيان إطلق اسم الكفر على من ترك‬ ‫)‪(78‬‬

‫الصلة ‪ ،‬رقم )‪.(82‬‬


‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب إطلق اسم الكفر على الطعن في‬ ‫)‪(79‬‬

‫النسب والنياحة على الميت ‪ ،‬رقم )‪.(67‬‬


‫أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب ما جاء في ترك الصلة ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(80‬‬

‫‪ ،(2622‬قال اللباني‪ :‬وإسناده صحيح ‪ .‬ووصله الحاكم)‪ ،(1/8‬عن عبد الله‬


‫بن شقيق عن أبي هريرة قال ‪ :‬فذكره ‪ .‬وقال صحيح على شرطهما ‪،‬‬
‫وقال الذهبي ‪ :‬إسناده صحيح‪ .‬اهـ ‪ .‬انظر ‪" :‬المشكاة" )‪.(1/183‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(147‬‬ ‫)‪(81‬‬

‫أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب ما جاء في ترك الصلة ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(82‬‬

‫‪ ،(2621‬والنسائي ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب الحكم في تارك الصلة ‪ ،‬رقم )‬


‫‪ ،(463‬وأحمد في " المسند" )‪ ،(5/546‬والحاكم في " المستدرك" )‪(1/7‬‬
‫وقال ‪ :‬صحيح السناد ‪ .‬ووافقه الذهبي‪ ،‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح‬
‫غريب‪.‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(147‬‬ ‫)‪(83‬‬

‫تقدم تخريجه ص )‪.(137‬‬ ‫)‪(84‬‬

‫تقدم تخريجه ص )‪.(111‬‬ ‫)‪(85‬‬

‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب صلة المسافرين وقصرها ‪ ،‬باب الجمع بين‬ ‫)‪(86‬‬

‫الصلتين في الحضر‪ ،‬رقم )‪705‬م(‪.‬‬


‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الوضوء ‪ ،‬باب إذا كان الثوب ضيقًا‪ ،‬رقم )‪.(361‬‬ ‫)‪(87‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب إذا صلى في الثوب الواحد ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(88‬‬

‫‪ ،(359‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب الصلة في ثوب واحد‪ ،‬رقم )‪.(516‬‬


‫)‪ (89‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬‬
‫جعلت لي الرض مسجدا ً وطهورًا" رقم )‪ ،(438‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد‬
‫ومواضع الصلة ‪ ،‬رقم )‪.(521‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الوضوء ‪ ،‬باب من الكبائر أل يستتر من بوله ‪ ،‬رقم‬ ‫)‪(90‬‬

‫)‪ ،(218 ،216‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب الدليل على نجاسة البول‬
‫ووجوب الستبراء منه‪ ،‬رقم )‪.(292‬‬
‫أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب المرأة تغسل ثوبها الذي تلبسه في‬ ‫)‪(91‬‬

‫حيضها ‪ ،‬رقم )‪.(365‬‬


‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الوضوء ‪ ،‬باب بول الصبيان ‪ ،‬رقم )‪،(222‬‬ ‫)‪(92‬‬

‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الطهارة ‪ ،‬باب حكم بول الطفل الرضيع وكيفية غسله‪،‬‬
‫رقم )‪.(287 ،286‬‬
‫تقدم تخرجيه ص )‪.(133‬‬ ‫)‪(93‬‬

‫تقدم تخريجه ص )‪.(114‬‬ ‫)‪(94‬‬

‫أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب ما جاء أن ما بين المشرق والمغرب‬ ‫)‪(95‬‬

‫قبلة ‪ ،‬رقم )‪ ،(344‬وابن ماجه ‪ ،‬كتاب إقامة الصلة ‪ ،‬باب القبلة ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(1011‬وقال الترمذي ‪ :‬حسن صحيح ‪ ،‬وأخرجه الحاكم في المستدرك )‬
‫‪ (1/205‬وقال ‪ :‬صحيح على شرط الشيخين ‪ ،‬ووافقه الذهبي‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الوضوء ‪ ،‬باب التخفيف في الوضوء ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(96‬‬

‫‪(138‬ومسلم ‪ ،‬كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب الدعاء في صلة الليل‬


‫وقيامه‪ ،‬رقم )‪.(763‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الذان ‪ ،‬باب ما يقول بعد التكبير ‪ ،‬رقم )‪،(744‬‬ ‫)‪(97‬‬

‫ومسلم ‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصلة‪ ،‬باب ما يقال بعد تكبيرة الحرام‬
‫‪ ،‬رقم )‪.(598‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب حجة من قال ‪ :‬ل يجهر بالبسملة‪ ،‬رقم‬ ‫)‪(98‬‬

‫)‪.(399‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب النهي عن قراءة القرآن في الركوع‬ ‫)‪99‬‬

‫والسجود ‪ ،‬رقم )‪.(479‬‬


‫)‪ (100‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب ما يقال في الركوع والسجود‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(486‬‬
‫)‪ (101‬صحيح ابن خزيمة ‪ (1/328‬رقم )‪ (654‬كتاب الصلة ‪ ،‬ولفظه‪ :‬قالت‬
‫عائشة رضي الله عنها ‪" :‬فقدت رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وكان‬
‫معي على فراشي ‪ ،‬فوجدته ساجدا ً راصا ً عقبيه ‪ ،‬مستقبل ً بأطراف‬
‫أصابعه القبلة ‪ "..‬الحديث‬
‫)‪ (102‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الذان ‪ ،‬باب الذكر بعد الصلة ‪ ،‬رقم )‪،(841‬‬
‫ومسلم كتاب المساجد ‪ ،‬باب الذكر بعد الصلة ‪ ،‬رقم )‪(583‬‬
‫)‪ (103‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الذان ‪ ،‬باب الذكر بعد الصلة ‪ ،‬رقم )‪،(842‬‬
‫ومسلم كتاب المساجد ومواضع الصلة ‪ ،‬باب الذكر بعد الصلة ‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(583‬‬
‫)‪ (104‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب تقصير الصلة ‪ ،‬باب إذا لم يطق قاعدا ً صلى على‬
‫جنب ‪ ،‬رقم )‪.(1117‬‬
‫)‪ (105‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب اليمان والنذور ‪ ،‬باب إذا حنث ناسيا ً في اليمان‬
‫رقم )‪ ،(6667‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب وجوب قراءة الفاتحة في كل‬
‫ركعة ‪ ،‬رقم )‪.(397‬‬
‫)‪ (106‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الذان ‪ ،‬باب وجوب قراءة الفاتحة للمام‬
‫والمأموم ‪ ،‬رقم )‪ ،(756‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب وجوب قراءة‬
‫الفاتحة في كل ركعة ‪ ،‬رقم )‪.(394‬‬
‫* أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الذان‪ ،‬باب وجوب قراءة الفاتحة للمام والمأموم‬
‫رقم )‪ (757‬ومسلم كتاب الصلة‪ ،‬باب وجوب قراءة الفاتحة في كل‬
‫ركعة‪ ،‬رقم )‪.(397‬‬
‫الحديث السابق نفسه‪.‬‬ ‫)‪(107‬‬

‫الحديث السابق نفسه‪.‬‬ ‫)‪(108‬‬

‫الحديث السابق نفسه‪.‬‬ ‫)‪(109‬‬

‫الحديث السابق نفسه‪.‬‬ ‫)‪(110‬‬

‫الحديث السابق نفسه‪.‬‬ ‫)‪(111‬‬

‫)‪ (112‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب السهو ‪ ،‬باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي‬
‫الفريضة ‪ ،‬رقم )‪،(1225 ،1224‬ومسلم ‪ ،‬كتاب المساجد ‪ ،‬باب السهو في‬
‫الصلة والسجود له ‪ ،‬رقم )‪.(570‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(111‬‬ ‫)‪(113‬‬

‫)‪ (114‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب السهو ‪ ،‬باب إذا سلم في ركعتين أو في ثلث‬
‫سجد سجدتين ‪ ،‬رقم )‪ ،(1227‬ومسلم ‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب السهو في‬
‫الصلة والسجود له ‪ ،‬رقم )‪.(573‬‬
‫)‪ (115‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب السهو ‪ ،‬باب إذا صلى خمسا ً ‪ ،‬رقم )‪،(1226‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬كتاب المساجد‪ ،‬باب السهو في الصلة والسجود له ‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(572‬‬
‫)‪ (116‬أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب ما جاء في المام ينهض في‬
‫الركعتين ناسيا ً ‪ ،‬رقم )‪ ،(364‬وصححه العلمة أحمد شاكر في حاشيته‬
‫على الترمذي )‪.(1/199‬‬
‫)‪ (117‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الذان ‪ ،‬باب وجوب صلة الجماعة ‪ ،‬رقم )‪،(644‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬كتاب المساجد ‪ ،‬باب فضل صلة الجماعة ‪ ،‬رقم )‪,(651‬‬
‫)‪ (118‬أخرجه ابن ماجه‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب التغليظ في التخلف عن الجماعة‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(793‬وهو في صحيح الجامع رقم )‪.(6300‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب المساجد ‪ ،‬باب يجب إتيان المسجد على من سمع‬ ‫)‪119‬‬

‫النداء ‪ ،‬رقم )‪.(653‬‬


‫)‪ (120‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب المساجد ‪ ،‬باب صلة الجماعة من سنن الهدى ‪،‬‬
‫رقم )‪.(654‬‬
‫)‪ (121‬أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب إمامة من يصلي بقوم وقد صلى تلك‬
‫الصلة رقم )‪.(603‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(96‬‬ ‫)‪(122‬‬

‫)‪ (123‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الذان ‪ ،‬باب إثم من رفع رأسه قبل المام‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(691‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب النهي عن سبق المام بركوع أو‬
‫سجود ونحوهما ‪ ،‬رقم )‪.(427‬‬
‫)‪ (124‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب صلة المسافرين ‪ ،‬باب استحباب ركعتي سنة‬
‫الفجر‪ ،‬رقم )‪.(725‬‬
‫)‪ (125‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الوتر ‪ ،‬باب ليجعل آخر صلته وترا ً ‪ ،‬رقم )‪،(998‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب صلة الليل مثنى مثنى‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(751‬‬
‫)‪ (126‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب صلة المسافرين ‪ ،‬باب جامع صلة الليل ومن نام‬
‫عنه أو مرض ‪ ،‬رقم )‪.(746‬‬
‫)‪ (127‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الوتر ‪ ،‬باب الوتر في السفر‪ ،‬رقم )‪،(1000‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬كتاب صلة المسافرين ‪ ،‬باب جواز صلة النافلة على الداب في‬
‫السفر حيث توجهت ‪ ،‬رقم )‪.(700‬‬
‫)‪ (128‬أخرجه البخاري‪ ،‬كاب صلة التراويح ‪ ،‬باب فضل من قام رمضان ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(2012‬ومسلم‪ ،‬كتاب صلة المسافرين ‪ ،‬باب الترغيب في قيام رمضان‬
‫وهو التراويح‪ ،‬رقم )‪.(761‬‬
‫فتاوى الزكاة‬
‫المقصود بالزكاة لغة وشرعا ً‬
‫السؤال )‪ :(111‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما المقصود بالزكاة في اللغة‪،‬‬
‫وفي الشرع؟ وما العلقة بين المفهومين؟‬
‫الجواب ‪ :‬الزكاة في اللغة ‪ :‬الزيادة والنماء‪ ،‬فكل شيء زاد عددا ً ‪،‬‬
‫أو نما حجما ً فإنه يقال ‪ :‬زكا‪ .‬فيقال ‪ :‬زكا الزرع ‪ ،‬إذا نما وطال‪.‬‬
‫وأما في الشرع ‪ :‬فهي التعبد لله تعالى بإخراج قدر واجب شرعا ً‬
‫في أموال مخصومة لطائفة أو جهة مخصوصة‪.‬‬
‫والعلقة بين المعنى اللغوي والمعنى الشرعي‪ ،‬أن الزكاة وإن‬
‫كان ظاهرها النقص‪ ،‬نقص كمية المال ‪ ،‬لكن آثارها زيادة المال‪،‬‬
‫زيادة المال بركة ‪ ،‬وزيادة المال كمية‪ ،‬فإن النسان قد يفتح الله‬
‫له من أبواب الرزق ما ل يخطر على باله إذا قام بما أوجب الله‬
‫في‬ ‫و ِ‬‫ربا ً ل ِي َْرب ُ َ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫و َ‬‫عليه في ماله ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ه‬
‫ج َ‬‫و ْ‬‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ة تُ ِ‬‫كا ٍ‬‫ن َز َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ما آت َي ْت ُ ْ‬ ‫و َ‬
‫ه َ‬ ‫عن ْدَ الل ّ ِ‬‫فل ي َْرُبو ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ُالّنا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫أ ْ‬
‫ما‬‫و َ‬‫ن( )الروم‪ ،(39:‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫فو َ‬ ‫ع ُ‬‫ض ِ‬‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬‫ه ُ‬‫ك ُ‬‫فأول َئ ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ن()سـبأ‪، (39 :‬‬ ‫قي َ‬ ‫ز ِ‬‫خي ُْر الّرا ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬
‫ه َ‬ ‫خل ِ ُ‬
‫ف ُ‬ ‫و يُ ْ‬‫ه َ‬ ‫ء َ‬
‫ف ُ‬ ‫ي ٍ‬
‫ش ْ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ف ْ‬
‫قت ُ ْ‬ ‫أ َن ْ َ‬
‫يخلفه ‪ :‬أي يأتي بخلفه وبدله‪.‬‬
‫)‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬ما نقصت صدقة من مال"‬
‫‪ .(129‬وهذا أمر مشاهد ‪ ،‬فإن الموفقين لداء ما يجب عليهم في‬
‫أموالهم يجدون بركة فيما ينفقونه‪ ،‬وبركة فيما يبقى عندهم ‪،‬‬
‫وربما يفتح الله لهم أبواب رزق يشاهدونها رأي العين ‪ ،‬بسبب‬
‫إنفاقهم أموالهم في سبيل الله ‪.‬‬
‫ولهذا كانت الزكاة في الشرع ملقية للزكاة في اللغة من حيث‬
‫النماء والزيادة‪.‬‬
‫ثم إن في الزكاة أيضا ً زيادة أخرى ‪ ،‬وهي زيادة اليمان في قلب‬
‫صاحبها‪ ،‬فإن الزكاة من العمال الصالحة‪ ،‬والعمال الصالحة تزيد‬
‫في إيمان الرجل ‪ ،‬لن مذهب أهل السنة والجماعة أن العمال‬
‫الصالحة من اليمان ‪ ،‬وأن اليمان يزداد بزيادتها ‪ ،‬وينقص‬
‫بنقصها‪ ،‬وهي أيضا ً تزيد النسان في خلقه ‪ ،‬فإنها بذل وعطاء‪،‬‬
‫والبذل والعطاء يدل على الكرم والسخاء‪ ،‬والكرم والسخاء ل شك‬
‫أنه خلق فاضل كريم ‪ ،‬بل إن له آثارا ً بالغة في انشراح الصدر‪،‬‬
‫ونور القلب ‪ ،‬وراحته‪ ،‬ومن أراد أن يطلع على ذلك فليجرب‬
‫النفاق ‪ ،‬يجد الثار الحميدة التي تحصل له بهذا النفاق‪ ،‬ول سيما‬
‫فيما إذا كان النفاق واجبا ً مؤكدا ً كالزكاة‪ ،‬فإن الزكاة أحد أركان‬
‫السلم ومبانيه العظام‪ ،‬وهي التي تأتي كثيرا ً مقرونة بالصلة‬
‫التي هي عمود السلم ‪ ،‬وهي في الحقيقة محك تبين كون‬
‫النسان محبا لما عند الله عز وجل ‪ ،‬لن المال محبوب إلى‬
‫النفوس ‪ ،‬وبذل المحبوب ل يمكن أن يكون إل من أجل محبوب‬
‫يؤمن به النسان وبحصوله‪ ،‬ويكون هذا المحبوب أيضا ً أحب مما‬
‫بذله‪.‬‬
‫ومصالح الزكاة‪ ،‬وزيادة اليمان بها ‪ ،‬وزيادة العمال ‪ ،‬وغير ذلك‬
‫أمر معلوم ‪ ،‬يحصل بالتأمل فيه أكثر مما ذكرنا الن‪.‬‬

‫آثار الزكاة على المجتمع والقتصاد‬


‫السؤال )‪ :(112‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ذكرتم تعريف الزكاة أو مفهوم‬
‫الزكاة اللغوي والشرعي‪ ،‬والعلقة بينهما ‪ ،‬ثم تحدثتم أيضا ً‬
‫عن الثار التي تنعكس على الفرد‪ ،‬لكن أيضا ً مادمنا عرفنا‬
‫الثار التي تنعكس على الفرد‪ ،‬فما هي الثار التي تنعكس‬
‫على المجتمع‪ ،‬وعلى القتصاد السلمي أيضًا؟‬
‫الجواب‪ :‬آثار الزكاة على المجتمع وعلى القتصاد السلمي‬
‫ظاهرة أيضًا‪ ،‬فإن فيها من مواساة الفقراء والقيام بمصالح‬
‫العامة ما هو معلوم ظاهر من مصارف هذه الزكاة ‪ ،‬فإن الله‬
‫ت‬
‫قا ُ‬‫صد َ َ‬
‫ما ال ّ‬ ‫سبحانه وتعالى قال في مصارف هذه الزكاة‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫في‬ ‫و ِ‬‫م َ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ة ُ‬ ‫ف ِ‬‫ؤل ّ َ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫م َ‬ ‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ن َ‬
‫مِلي َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫كي ِ‬
‫سا ِ‬‫م َ‬‫وال ْ َ‬‫ء َ‬ ‫ف َ‬
‫قَرا ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫ل( )التوبة‪. (60:‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫واب ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬‫سِبي ِ‬‫في َ‬ ‫و ِ‬
‫ن َ‬‫مي َ‬‫ر ِ‬
‫غا ِ‬‫وال ْ َ‬
‫ب َ‬ ‫قا ِ‬‫الّر َ‬
‫وهؤلء الصناف الثمانية منهم من يأخذها لدفع حاجته ‪ ،‬ومنهم‬
‫من يأخذها لحاجة المسلمين إليه‪ ،‬فالفقراء والمساكين‬
‫والغارمون لنفسهم‪ ،‬هؤلء يأخذون لحاجتهم‪ ،‬وكذلك ابن السبيل‬
‫والرقاب‪ ،‬ومنهم من يأخذ لحاجة الناس إليه‪ ،‬كالغارم لصلح ذات‬
‫البين ‪ ،‬والعاملين عليها والمجاهدين في سبيل الله‪.‬‬
‫فإذا عرفنا أن توزيع الزكاة على هذه الصناف يحصل بها دفع‬
‫الحاجة الخاصة لمن يعطاها ‪ ،‬ويحصل بها دفع الحاجة العامة‬
‫للمسلمين‪ ،‬عرفنا مدى نفعها للمجتمع‪.‬‬
‫وفي القتصاد تتوزع الثروات بين الغنياء والفقراء ‪ ،‬بحيث يؤخذ‬
‫من أموال الغنياء هذا القدر ليصرف إلى الفقراء‪ ،‬ففيه توزيع‬
‫للثروة حتى ل يحدث التضخم من جانب والبؤس والفقر من جانب‬
‫آخر‪.‬‬
‫وفيها أيضا من صلح المجتمع ‪ :‬ائتلف القلوب ‪ ،‬فإن الفقراء إذا‬ ‫ً‬
‫رأوا من الغنياء أنهم يمدونهم بالمال‪ ،‬ويتصدقون عليهم بهذه‬
‫الزكاة التي ل يجدون فيها منة عليهم ‪ ،‬لنها مفروضة عليهم من‬
‫قبل الله ‪ ،‬فإنهم بل شك يحبون الغنياء ويألفونهم ويرجون ما‬
‫أمرهم الله به من النفاق والبذل‪ ،‬بخلف ما إذا شح الغنياء‬
‫بالزكاة وبخلوا بها واستأثروا بالمال ‪ ،‬فإن ذلك قد يولد العداوة‬
‫والضغينة في قلوب الفقراء ‪ ،‬ويشير إلى هذا ختم اليات الكريمة‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬
‫ة ِ‬
‫ض ً‬
‫ري َ‬ ‫التي فيها بيان مصارف الزكاة بقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ف ِ‬
‫م()التوبة‪.(60 :‬‬
‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬
‫عِلي ٌ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫َ‬

‫شروط وجوب الزكاة‬


‫السؤال )‪ :(113‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬حبذا لو عرفنا شروط وجوب‬
‫الزكاة ؟‬
‫الجواب ‪ :‬شروط وجوب الزكاة ‪ :‬السلم‪ ،‬والحرية ‪ ،‬وملك النصاب‬
‫‪ ،‬واستقراره‪ ،‬ومضي الحول ‪ ،‬إل في المعشرات ‪.‬‬
‫فأما السلم ‪ :‬فإن الكافر ل تجب عليه الزكاة ‪ ،‬ول تقبل منه لو‬
‫م‬ ‫قب َ َ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫من َ َ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫دفعها باسم الزكاة‪ ،‬لقول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬‫و ُ‬‫صلةَ إ ِّل َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ول ي َأُتو َ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وب َِر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فُروا ِبالل ّ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م إ ِّل أن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫قات ُ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ َ‬
‫ن( )التوبة‪(54:‬الية ‪.‬‬ ‫هو َ‬ ‫ر ُ‬
‫كا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬‫ن إ ِّل َ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول ي ُن ْ ِ‬ ‫ساَلى َ‬ ‫كُ َ‬
‫ولكن ليس معنى قولنا إنها ل تجب على الكافر ول تصح منه ول‬
‫تقبل منه‪ ،‬أنه معفى عنها في الخرة ‪ ،‬بل إنه يعاقب عليها ‪،‬‬
‫َ‬
‫ب‬
‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫ة( )‪) (38‬إ ِّل أ ْ‬ ‫هين َ ٌ‬ ‫ت َر ِ‬ ‫سب َ ْ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫س بِ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫لقوله تعالى ‪) :‬ك ُ ّ‬
‫ن( )‪(41‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن( )‪َ ) (40‬‬ ‫ساءَُلو َ‬ ‫ت ي َت َ َ‬ ‫جّنا ٍ‬‫في َ‬ ‫ن( )‪ِ ) (39‬‬ ‫مي ِ‬‫ال ْي َ ِ‬
‫ول َ ْ‬
‫م‬ ‫ن( )‪َ ) (43‬‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ك ِ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫قاُلوا ل َ ْ‬ ‫قَر( )‪َ ) (42‬‬ ‫س َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫سل َك َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫) َ‬
‫وكّنا‬ ‫ُ‬ ‫ن( )‪َ ) (45‬‬ ‫ضي َ‬ ‫خائ ِ ِ‬ ‫ْ‬
‫ع ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ض َ‬ ‫خو ُ‬ ‫وكّنا ن َ ُ‬‫ُ‬ ‫ن( )‪َ ) (44‬‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫م ال ِ‬ ‫ع ُ‬ ‫ْ‬
‫ن َك ن ُط ِ‬ ‫ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن( )المدثر‪ ، (47-38‬وهذا‬ ‫قي ُ‬ ‫حّتى أَتاَنا الي َ ِ‬ ‫ن( )‪َ ) (46‬‬ ‫دي ِ‬ ‫وم ِ ال ّ‬ ‫ب ب ِي َ ْ‬ ‫ن ُك َذّ ُ‬
‫يدل على أن الكفار يعذبون على إخللهم بفروع السلم ‪ ،‬وهو‬
‫كذلك‪.‬‬
‫وأما الحرية ‪ :‬فلن المملوك ل مال له ‪ ،‬إذ إن ماله لسيده‪ ،‬لقول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم "من باع عبدا ً له مال ‪ ،‬فماله لبائعه إل‬
‫أن يشترط المبتاع")‪ .(130‬فهو إذن غير مالك للمال حتى تجب عليه‬
‫الزكاة‪ ،‬وإذا قدر أنه أي العبد ملك بالتمليك‪ ،‬فإن ملكه في النهاية‬
‫يعود إلى سيده‪ ،‬لن سيده له أن يأخذ ما بيده‪ ،‬وعلى هذا ففي‬
‫ملكه نقص ‪ ،‬ليس مستقرا ً استقرار أملك الحرار‪.‬‬
‫وأما ملك النصاب‪ :‬فمعناه أن يكون عند النسان مال يبلغ النصاب‬
‫الذي قدره الشرع ‪ ،‬وهو يختلف باختلف الموال ‪ ،‬فإذا لم يكن‬
‫عند النسان نصاب فإنه ل زكاة عليه ‪ ،‬لن ماله قليل ل يحتمل‬
‫المواساة ‪ ،‬والنصاب يختلف باختلف الموال‪ ،‬ففي المواشي‬
‫النصبة فيها مقدرة ابتداء وانتهاء ‪ ،‬وفي غيرها النصبة مقدرة‬
‫فيها ابتداء وما زاد فبحسابه‪.‬‬
‫وأما مضي الحول ‪ :‬فلن إيجاب الزكاة في أقل من الحول يستلزم‬
‫الجحاف بالغنياء ‪ ،‬وإيجابها فيما فوق الحول يستلزم الضرر في‬
‫حق الفقراء‪ ،‬فكان من حكمة الشرع أن يقدر لها زمنا ً معينا ً تجب‬
‫فيه وهو الحول ‪ ،‬وفي ربط ذلك بالحول توازن بين حق الغنياء‬
‫وحق أهل الزكاة ‪ ،‬وعلى هذا فلو مات النسان مثل ً أو تلف المال‬
‫قبل تمام الحول سقطت الزكاة‪ ،‬إل أنه يستثنى من تمام الحول‬
‫ثلثة أشياء ‪ :‬ربح التجارة ‪ ،‬ونتاج السائمة ‪ ،‬والمعشرات‪.‬‬
‫أما ربح التجارة ‪ :‬فإن حوله حول أصله ‪ ،‬وأما نتاج السائمة ‪ :‬فحول‬
‫النتاج حول المهات‪ ،‬وأما المعشرات فحولها تحصيلها أي وقت‬
‫تحصيلها مثال ذلك في الربح ‪ :‬أن يشتري النسان سلعة بعشرة‬
‫آلف ريال‪ ،‬ثم قبل تمام حول الزكاة بشهر تزيد هذه السلعة أو‬
‫تربح نصف الثمن الذي اشتراها به ‪ ،‬فيجب عليه زكاة رأس مال‬
‫وزكاة ربح وإن لم يتم للربح حول ‪ ،‬لنه فرع ‪ ،‬والفرع يتبع‬
‫الصل ‪.‬‬
‫وأما النتاج ‪ :‬فمثل أن يكون عند النسان من البهائم نصاب ‪ ،‬ثم‬
‫في أثناء الحول يتوالد هذا النصاب حتى يبلغ نصابين ‪ ،‬فيجب عليه‬
‫الزكاة للنصاب الذي حصل بالنتاج وإن لم يتم عليه الحول ‪ ،‬لن‬
‫النتاج فرع فيتبع الصل‪.‬‬
‫وأما المعشرات ‪ :‬فحولها حين أخذها مثل الحبوب والثمار‪ ،‬فإن‬
‫الثمار في النخل مثل ً ل يتم عليه الحول حتى يجذّ ‪ ،‬فتجب الزكاة‬
‫عند جذه‪ ،‬وكذلك الزرع يزرع ويحصد قبل أن يتم عليه الحول ‪،‬‬
‫م‬
‫و َ‬
‫ه يَ ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ق ُ‬ ‫وآُتوا َ‬
‫فتجب عليه الزكاة عند حصاده‪ ،‬لقول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه ()النعام‪.(141 :‬‬
‫صاِد ِ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫فهذه الشياء الثلثة تستثنى من قولنا إنه يشترط لوجوب الزكاة‬
‫تمام الحول‪.‬‬

‫مال المملوك هل يعفى من الزكاة‬


‫السؤال )‪ :(114‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ذكرتم من شروط وجوب‬
‫الزكاة وعددتم منها أن يكون مالك المال حرا ً ‪ ،‬وتحدثتم عن‬
‫مال المملوك وأن المملوك ل يؤدي أو ل يجب عليه زكاة ‪ ،‬لن‬
‫المال مال مالكه ‪ ،‬لكن ‪ :‬هل يعفى المال من التزكية أم يدفع‬
‫المالك من المال؟‬
‫الجواب ‪ :‬زكاة المال الذي عند المملوك على مالكه‪ ،‬لنه هو مالك‬
‫المال كما أسلفنا من قول الرسول عليه الصلة والسلم ‪" :‬من‬
‫باع عبدا ً له مال فماله للذي باعه إل أن يشترط المبتاع")‪، (131‬‬
‫وعلى هذا فتكون الزكاة على مالك المال‪ ،‬وليس على المملوك‬
‫منها شيء ‪ ،‬ول يمكن أن تسقط الزكاة عن هذا المال‪.‬‬

‫الصناف التي تجب فيها الزكاة ومقدار كل نوع‬


‫السؤال )‪ :(115‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي الموال التي تجب‬
‫فيها الزكاة ‪ ،‬ومقدار الزكاة في كل نوع منها؟‬
‫الجواب ‪ :‬الموال التي تجب فيها الزكاة هي ‪:‬‬
‫أول ً ‪ :‬الذهب والفضة ‪ ،‬والزكاة فيهما واجبة بالجماع من حيث‬
‫َ‬
‫ر‬ ‫حَبا ِ‬ ‫ن اْل َ ْ‬ ‫م َ‬‫ن ك َِثيرا ً ِ‬ ‫مُنوا إ ِ ّ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫الجملة ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ن َ‬ ‫دو َ‬ ‫ص ّ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ل َ‬‫س ِبال َْباطِ ِ‬ ‫ل الّنا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ن ل َي َأك ُُلو َ‬ ‫هَبا ِ‬ ‫والّر ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ل الل ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ها ِ‬ ‫قون َ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول ي ُن ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫ض َ‬‫ف ّ‬ ‫ْ‬
‫وال ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الذّ َ‬ ‫ْ‬
‫ن ي َكن ُِزو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫وال ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫ن‬‫ه‬ ‫ج‬ ‫ر‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫مى‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫ي‬ ‫)‬ ‫(‬ ‫‪34‬‬ ‫)‬ ‫م(‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫ب‬ ‫ذا‬‫َ‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫ر‬ ‫ش‬ ‫ّ‬ ‫ب‬‫ف‬‫َ‬
‫ِ َ َ َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ ْ َ ُ ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫َ ْ ْ ِ َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ُ‬
‫م لن ْف ِ‬ ‫َ‬
‫ما كن َْزت ُ ْ‬ ‫هذا َ‬ ‫َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫هوُر ُ‬ ‫ُ‬
‫وظ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُنوب ُ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ُ‬
‫جَبا ُ‬ ‫ها ِ‬ ‫وى ب ِ َ‬ ‫فت ُك ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن( )التوبة‪. (35-34:‬‬ ‫م ت َك ْن ُِزو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫وكنز الذهب والفضة هو أل يخرج النسان ما أوجب الله عليه فيه‬
‫من زكاة أو غيرها‪ ،‬وإن كان ظاهرا ً على سطح الرض‪ ،‬وإذا أخذ‬
‫النسان ما يجب لله فيه من الزكاة وغيرها فهو غير كنز وإن دفن‬
‫في الرض ‪ ،‬ولقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم‬
‫من حديث أبي هريرة ‪ " :‬ما من صاحب ذهب ول فضة ل يؤدي‬
‫منها حقها إل إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار‪،‬‬
‫وأحمي عليها في نار جهنم ‪ ،‬فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره ‪،‬‬
‫كلما بردت أعيدت له‪ ،‬في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة‪،‬‬
‫)‬
‫حتى يقضى بين العباد‪ ،‬فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار‬
‫‪.(132‬‬
‫والزكاة في الذهب والفضة واجبة على أي حال كان ‪ ،‬سواء كانت‬
‫دراهم من الفضة ودنانير من الذهب ‪ ،‬أو كانت تبرا ً أي قطعا ً من‬
‫الذهب أو كانت قطعا ً من الفضة‪ ،‬أو كانت حليا ً يستعمل أو ل‬
‫يستعمل‪ ،‬لعموم الدلة الواردة في ذلك ‪ ،‬ولقول النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في خصوص الحلي حين أتته امرأة معها ابنة لها ‪،‬‬
‫وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب‪ ،‬فقال لها رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬أتؤدين زكاة هذا ؟" قالت ‪ :‬ل ‪ .‬قال ‪" :‬‬
‫أيسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار"‪ .‬فخلعتهما وألقتهما‬
‫إلى النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقالت ‪ :‬هما لله ورسوله)‪.(133‬‬
‫وهذا نص صريح في وجوب الزكاة في الحلي ولو كان ملبوسا ً ‪.‬‬
‫وإنما وجه النبي صلى الله عليه وسلم الخطاب إلى أم البنت لنها‬
‫هي ولية أمرها‪.‬‬
‫وهذه المسألة فيها خلف بين العلماء أعني مسألة الحلي ولكن‬
‫الراجح ما قلناه‪ ،‬لن الحاديث عامة ‪ ،‬والحاديث الخاصة فيها‬
‫جيدة ‪ ،‬بل صححها بعضهم ‪ ،‬ول شك أنها تقوم بها الحجة‪ ،‬لنه‬
‫يشهد بعضها لبعض‪ ،‬والصل وجوب الزكاة في الذهب والفضة‬
‫حتى يقوم دليل على التخصيص‪.‬‬
‫والواجب في الذهب والفضة ربع العشر‪ ،‬أي واحد من أربعين‪،‬‬
‫وطريقة استخراج ذلك أن تقسم ما عندك على أربعين ‪ ،‬فما خرج‬
‫من القسمة فهو الزكاة ‪ ،‬فإذا كان عند النسان أربعون ألفا ً من‬
‫الفضة ‪ ،‬أي أربعون ألف درهم ‪ ،‬فليقسم الربعين على أربعين ‪،‬‬
‫يخرج واحد فهو الزكاة‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك لو كان عنده أربعون دينارا ‪ ،‬أن يقسم الربعين على‬
‫أربعين يخرج واحد أي دينار واحد فهو الواجب ‪ ،‬وعلى هذا فقس‪،‬‬
‫قل المال أو كثر ‪ ،‬بشرط أن يبلغ النصاب‪.‬‬
‫نصاب الذهب خمسة وثمانون جراما ً )‪ (85‬وتساوي عشرة جنيهات‬
‫سعودية ونصف وزيادة قليلة ‪ ،‬يعني خمسة من ثمانية ‪ ،‬فإذا كان‬
‫الذهب تبلغ زنته هذا وجبت فيه الزكاة ‪ ،‬وإن كان دون ذلك لم‬
‫تجب فيه الزكاة ‪.‬‬
‫أما الفضة فنصابها مائة وأربعون مثقال ً ‪ ،‬وهي أيضا ً خمسمائة‬
‫وخمسة وتسعون جراما ً )‪ ،(595‬وتساوي بالدراهم دراهم الفضة‬
‫السعودية ستة وخمسين ريال ً ‪ ،‬أي ما يزن ستة وخمسين ريال ً من‬
‫ريال الفضة السعودية ‪ ،‬فإذا بلغ عند النسان من الفضة ما يزن‬
‫ذلك‪ ،‬فقد وجبت فيه الزكاة ‪ ،‬ومادون هذا ل زكاة فيه‪.‬‬
‫وليعلم أن القول الراجح من أقوال أهل العلم ‪ ،‬أن الذهب ل يضم‬
‫إلى الفضة في تكميل النصاب‪ ،‬لنهما جنسان مختلفان ‪ ،‬وهما‬
‫وإن اتفقا في المنفعة والغرض ‪ ،‬فإن ذلك ل يقتضي ضم أحدهما‬
‫إلى الخر في تكميل النصاب‪ ،‬لن الشارع قدر لكل واحد منهما‬
‫نصابا ً معينا ً يقتضي أل تجب الزكاة فيما دونه ‪ ،‬ولم يأت عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم نص بضم أحدهما إلى الخر ‪ ،‬وكما أن البر ل‬
‫يضم إلى الشعير في تكميل النصاب مع أن مقصودهما واحد‪،‬‬
‫فكذلك الذهب والفضة‪.‬‬
‫وبناء على ذلك ‪ :‬لو كان عند النسان نصف نصاب من الذهب ‪،‬‬
‫ونصف نصاب من الفضة ‪ ،‬لم تجب عليه الزكاة في واحد منهما‪،‬‬
‫لما ذكرنا من أنه ل يضم الذهب إلى الفضة في تكميل النصاب ‪.‬‬
‫ويلحق بالذهب والفضة ما جعل بدل ً عنهما في كونه نقدا ً يتعامل‬
‫به ‪ ،‬كالوراق النقدية المعروفة بين الناس اليوم ‪ ،‬فإذا كان عند‬
‫النسان من هذه الوراق ما تساوي قيمتيه نصابا ً من الذهب أو‬
‫الفضة‪ ،‬فإن الزكاة تجب عليه فيها‪ ،‬لنها نقود وليست عروض‬
‫تجارة‪ ،‬إذ إنها هي قيم الشياء التي تقدر بها ‪ ،‬وهي وسيلة‬
‫التبادل بين الناس ‪ ،‬فكانت كالدنانير والدراهم وليست كعروض‬
‫التجارة كما زعمه بعضهم‪.‬‬
‫وليعلم أن الزكاة في الذهب والفضة واجبة وإن كان النسان قد‬
‫ادخرهما لنفقاته وحاجاته ‪ ،‬فإذا كان عند النسان عشرة آلف‬
‫درهم ‪ ،‬أعدها لشراء بيت يسكنه‪ ،‬فإن الزكاة واجبة فيها ولو بقيت‬
‫سنوات ‪ ،‬وكذلك لو كان قد أعدها ليتزوج بها فإن الزكاة واجبة‬
‫فيها ولو بقيت سنة أو أكثر‪.‬‬
‫المهم أن الزكاة واجبة في عين الذهب والفضة ‪ ،‬فتجب فيهما‬
‫بكل حال ‪ ،‬وما يظنه بعض الناس من أن الدراهم إذا أعدت‬
‫للنفقة ‪ ،‬أو لحاجة الزواج ونحوه ل زكاة فيها ‪ ،‬فإنه ظن خاطئ ل‬
‫أصل له ‪ ،‬ل في الكتاب ‪ ،‬ول في السنة ‪ ،‬ول في أقوال أهل العلم‬
‫‪ ،‬وهذا بخلف العروض ‪ ،‬فإن العروض هي التي يشترط فيها نية‬
‫التجارة ‪ ،‬أما الذهب والفضة فالزكاة في أعيانهما فتجب فيهما‬
‫بكل حال‪.‬‬
‫هذا أحد الموال التي تجب فيها الزكاة ‪ ،‬وهو الذهب والفضة ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬الخارج من الرض من الحبوب والثمار ‪ ،‬لقول الله تعالى‪:‬‬
‫م‬‫جَنا ل َك ُ ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫خَر ْ‬ ‫م ّ‬
‫و ِ‬
‫م َ‬ ‫ما ك َ َ‬
‫سب ْت ُ ْ‬ ‫ن طَي َّبا ِ‬
‫ت َ‬ ‫م ْ‬
‫قوا ِ‬ ‫مُنوا أ َن ْ ِ‬
‫ف ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫)َيا أي ّ َ‬
‫ض ()البقرة‪ ، (267:‬ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪:‬‬ ‫ِ‬ ‫ن اْل َْر‬ ‫م َ‬‫ِ‬
‫)‬
‫" فيما سقت السماء العشر‪ ،‬وفيما سقي بالنضح نصف العشر"‬
‫‪ ،(134‬ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس فيما دون خمسة‬
‫أوسق صدقة")‪ ، (135‬فتجب الزكاة في الخارج من الرض من‬
‫الحبوب والثمار ‪ ،‬من الحبوب ‪ :‬كالبر والذرة ‪ ،‬والرز وغيرها‪.‬‬
‫ومن الثمار ‪ :‬كالنخيل والعناب التي تزبب ويحصل منها الزبيب ‪،‬‬
‫وأما العناب التي ل تزبب ففيها خلف بين العلماء‪ ،‬فمنهم من‬
‫قال ‪ :‬إنه ل زكاة فيها ‪ ،‬لنها ملحقة بالفواكه‪ ،‬في كالبرتقال‬
‫والتفاح ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬إنها تجب فيها الزكاة اعتبارا ً بأصل‬
‫العنب‪ ،‬لن أصل العنب أن يزبب ‪ ،‬فهو شبيه بثمار النخيل‪ ،‬أي‬
‫شبيه بالتمر‪ ،‬والحتياط أن يخرج النسان الزكاة منه ‪ ،‬وأما ما‬
‫ليس بحبوب ول ثمار ‪ ،‬يكال ويدخر ‪ ،‬مثل الفواكه على اختلف‬
‫أنواعها ‪ ،‬والخضروات على اختلف أنواعها‪ ،‬فإنه ل زكاة فيها ولو‬
‫كثرت‪.‬‬
‫ومقدار الزكاة في الحبوب والثمار العشر‪ ،‬أي ‪ :‬عشرة في المائة‬
‫إذا كانت تسقى بل مؤونة‪ ،‬كالذي يشرب بعروقه‪ ،‬لكون الرض‬
‫رطبة ‪ ،‬أو الذي يشرب بالطل ‪ ،‬أو الذي يشرب بالنهار ‪ ،‬أو الذي‬
‫يشرب بالقنوات التي تضرب في الرض ثم ينبع منها الماء‪ ،‬هذا‬
‫كله يجب فيه العشر‪ ،‬لنه ل مؤونة في استخراج الماء الذي يسقى‬
‫به‪ ،‬وأما إذا كان يسقى بمؤونة ‪ ،‬كالذي يسقى بالسواني أو‬
‫بالمكائن أو بالغرافات ‪ ،‬أو ما أشبهها ‪ ،‬فإن الواجب فيه نصف‬
‫العشر ‪ ،‬فأسقط الشارع عنه نصف العشر مراعاة لحاله‪ ،‬ونصف‬
‫العشر خمسة في المائة ‪ ،‬فإذا قدرنا أن هذه المزرعة أنتجت‬
‫خمسة آلف صاع ‪ ،‬كان الواجب فيها إذا كان الزرع يسقى بل‬
‫مؤونة خمسمائة صاع ‪ ،‬وإذا كان يسقى بمؤونة كان الواجب‬
‫مائتين وخمسين صاعا ً ‪ ،‬وعلى هذا فقس‪.‬‬
‫ولكن ل تجب الزكاة في الحبوب والثمار حتى تبلغ نصابًا‪ ،‬والنصاب‬
‫خمسة أوسق‪ ،‬والوسق ستون صاعا ً بصاع النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬فيكون مجموع الصع ثلثمائة صاع بصاع النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فما دون ذلك فل زكاة فيه‪ ،‬لقول النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ " :‬ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة")‪.(136‬‬
‫هذان مالن مما تجب فيهما الزكاة‪.‬‬

‫زكاة الفواكه والخضروات إذا بيعت‬


‫السؤال )‪ :(116‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بالنسبة للفواكه التي ل زكاة‬
‫فيها ‪ ،‬هل إذا باعها النسان وجب عليه الزكاة في قيمتها"؟‪.‬‬
‫الجواب ‪ :‬هذه الفواكه والخضروات ل زكاة فيها ‪ ،‬ولكن النسان‬
‫إذا باعها ‪ ،‬فإن في ثمنها الزكاة إن بقي حتى تم عليه الحول‬
‫وكان من النقدين‪ ،‬الذهب والفضة أو ما جرى مجراهما‪ ،‬أما لو‬
‫باعها بعروض ‪ ،‬مثل أن باعها بسيارات أو بأقمشة أو بأواني ‪،‬‬
‫فإنه ل زكاة فيها أيضا ً ما لم ينو التجارة بما جعله بدل ً ‪ ،‬فإن نوى‬
‫التجارة كانت الزكاة واجبة وجوب زكاة العروض التي سنتكلم عنها‬
‫إن شاء الله تعالى فيما بعد‪.‬‬

‫تابع الصناف التي تجب فيها الزكاة‬


‫ومن الموال الزكوية التي تجب فيها الزكاة ‪ :‬بهيمة النعام ‪ ،‬وهي‬
‫البل والبقر والغنم‪ ،‬ولكن يشترط لوجوب الزكاة فيها شرطان ‪:‬‬
‫الشرط الول ‪ :‬أن تكون معدة للدر والنسل والتسمين‪ ،‬ل للبيع‬
‫والشراء ‪.‬‬
‫والشرط الثاني ‪ :‬أن تكون سائمة الحول أو أكثره‪ ،‬يعني أن تتغذى‬
‫على السوم‪ -‬وهو الرعي ‪ -‬الحول أو أكثره‪.‬‬
‫فإن كانت غير معدة للدر والتسمين ‪ ،‬وإنما هي معدة للتجار‬
‫والتكسب‪ ،‬فهي عروض التجارة ‪ ،‬وسيأتي الكلم عليها إن شاء‬
‫الله تعالى ‪ ،‬وإن كانت معدة للدر والتسمين‪ ،‬ولكنها تعلف فإنها ل‬
‫زكاة فيها ‪ ،‬فلو كان عند الفلح عشرون بعيرا ً أبقاها للتناسل‬
‫وللدر والتسمين وللقنية‪ ،‬فإنها ل زكاة عليها في ذلك مادام‬
‫يعلفها أكثر الحول لحديث أنس بن مالك رضي الله عنه‪ ،‬فيما كتبه‬
‫أبو بكر الصديق رضي الله عنه في فريضة الصدقة التي فرضها‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمر بها رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم قال ‪" :‬في الغنم في سائمتها")‪ .(137‬وفي حديث بهز بن‬
‫حيكم عن أبيه عن جده ‪ " :‬في البل في سائمتها")‪ .(138‬وهذا يدل‬
‫على أن غير السائمة ليس فيها زكاة وهو كذلك ‪.‬‬
‫وأما مقدار الزكاة في البهائم ‪ -‬أي بهيمة النعام ‪ -‬فإنه يختلف ‪،‬‬
‫وذلك لن النصبة في بهيمة النعام مقدرة ابتداء وانتهاء ‪ ،‬ولكل‬
‫قدر منها واجب خاص به ‪ ،‬فمثل ً في الغنم في كل أربعين شاة‬
‫شاة واحدة ‪ ،‬وفي مائة وإحدى وعشرين شاتان ‪ ،‬فما بين الربعين‬
‫إلى مائة وعشرين ليس فيها إل شاة واحدة ‪ ،‬وفي مائتين وواحدة‬
‫ثلث شياه‪ ،‬فما بين مائة وإحدى وعشرين إلى مائتين ليس فيه إل‬
‫شاتان ‪ ،‬ثم في كل مائة شاة ‪ ،‬ففي مائتين وواحدة ثلث شياه‪،‬‬
‫وفي ثلثمائة وواحدة ثلث شياه‪ ،‬وفي أربعمائة أربع شياه‪ ،‬وهلم‬
‫جرا ‪ ،‬ولهذا ل يمكن أن نحدد الواجب في بهيمة النعام ‪ ،‬وذلك‬
‫لختلف النصبة ابتداء وانتهاء ‪ ،‬ومرجع ذلك إلى كتب الحديث‬
‫وأهل الفقه‪.‬‬
‫أما غير السائمة ‪ ،‬كالخيل والحمير والبغال ‪ ،‬فهذه ل زكاة فيها‬
‫ولو كثرت ‪ ،‬ولو سامت‪ ،‬إذا لم تكن للتجارة ‪ ،‬لقول النبي صلى‬
‫)‬
‫الله عليه وسلم ‪" :‬ليس على المسلم في عبده ول فرسه صدقة"‬
‫‪.(139‬‬
‫فلو كان عند النسان مائة فرس يعدها للركوب والجهاد وغير ذلك‬
‫من المصالح ‪ ،‬فإنه ل زكاة عليه فيها ولو كانت تساوي دراهم‬
‫كثيرة‪ .‬إل إن كان يّتجر في الخيل‪ ،‬يبيع ويشتري‪ ،‬ويتكسب ‪،‬‬
‫فعليه فيها زكاة العروض‪ .‬هذه ثلثة أموال تجب فيها الزكاة ‪،‬‬
‫النقدان وهما الذهب والفضة ‪ ،‬والخارج من الرض ‪ ،‬والثالث‬
‫بهيمة النعام‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬عروض التجارة ‪ ،‬وعروض التجارة هي الموال التي عند‬
‫النسان يريد بها التكسب‪ ،‬ول تختص بنوع معين من المال‪ ،‬بل كل‬
‫ما أراد به النسان التكسب من أي نوع كان من المال ففيه الزكاة‬
‫‪ ،‬سواء كان المال عقارا ً ‪ ،‬أو حيوانا ً ‪ ،‬أو مملوكا ً من الدميين ‪ ،‬أو‬
‫سيارات أو أقمشة ‪ ،‬أو أواني ‪ ،‬أو أطياب ‪ ،‬أو غير ذلك ‪ ،‬المهم كل‬
‫ما أعده النسان للتجارة والتكسب ففيه الزكاة ‪ ،‬ودليل ذلك عموم‬
‫َ‬
‫ل‬‫سائ ِ ِ‬ ‫عُلو ٌ‬
‫م( )‪ِ) (24‬لل ّ‬ ‫م ْ‬
‫ق َ‬
‫ح ّ‬
‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫وال ِ ِ‬
‫م َ‬
‫في أ ْ‬
‫ن ِ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫م( )المعارج‪ ، (25-24:‬وقول النبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫حُرو ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫في حديث معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن ‪" :‬أعلمهم أن الله‬
‫افترض عليهم صدقة في أموالهم تؤخذ من أغنيائهم فترد على‬
‫فقرائهم)‪ ، (140‬فالصل في الموال وجوب الزكاة إل ما دل عليه‬
‫الدليل‪ ،‬والقول ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنما‬
‫العمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل امرئ ما نوى")‪.(141‬‬
‫وصاحب العروض إنما نوى قيمة العروض ‪ ،‬ليس له حاجة أو غرض‬
‫في نفس العروض بدليل أنه يشتري السلعة في أول النهار ‪ ،‬فإذا‬
‫ربحت في آخر النهار باعها ‪ ،‬وليس كالنسان المقتني للسلع الذي‬
‫يبقيها عنده سواء زادت أم نقصت‪ ،‬فإذن يكون مراد هذا المالك‬
‫هو القيمة ‪ ،‬وهي الذهب والفضة أو ما جرى مجراهما ‪ ،‬وقد قال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنما العمال بالنيات وإنما لكل‬
‫امرئ ما نوى"‪.‬‬
‫ولننا لو قلنا بعدم وجوب الزكاة في العروض لسقطت الزكاة عن‬
‫كثير من أموال التجار‪ ،‬لن غالب أموال التجار التي يتجرون بها‬
‫إنما هي عروض التجارة‪.‬‬
‫هذه أربعة أنواع من المال تجب فيها الزكاة ‪ ،‬واختلف العلماء في‬
‫العسل‪ ،‬هل تجب فيه الزكاة أو ل تجب ؟ فمنهم من قال ل تجب‬
‫الزكاة فيه ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬إنها تجب ‪ ،‬واستدلوا بأثر عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه ‪ ،‬والمسألة عندي محل توقف ‪ ،‬والعلم عند‬
‫الله‪.‬‬
‫وبناء على ذلك ‪ :‬فإنه ل زكاة على النسان فيما يقتنيه من‬
‫الواني والفرش ‪ ،‬والمعدات ‪ ،‬والسيارات ‪ ،‬والعقارات ‪ ،‬وغيرها ‪،‬‬
‫حتى وإن أعده للجارة ‪ ،‬فلو كان عند النسان عقارات كثيرة‬
‫تساوي قيمتها المليين ‪ ،‬ولكنه ل يتجر بها ‪ ،‬أي ل يبيعها ويشتري‬
‫بدلها للتجارة مثل ُ ‪ ،‬وإنما أعدها للستغلل ‪ ،‬فإنه ل زكاة في هذه‬
‫العقارات ولو كثرت‪ ،‬وإنما الزكاة فيما يحصل منها من أجرة أو‬
‫نماء ‪ ،‬فتجب الزكاة في أجرتها إذا تم عليها الحول من العقد‪ ،‬فإن‬
‫لم يتم عليها الحول فل زكاة فيها ‪ ،‬لن هذه الشياء ‪ -‬ما عدا‬
‫الصناف الربعة السابقة ‪ -‬الصل فيها براءة الذمة حتى يقوم‬
‫دليل على الوجوب ‪ ،‬بل قد دل الدليل على أن الزكاة ل تجب‬
‫فيها ‪ ،‬في قول النبي صلى الله عليه وسلم " ليس على المؤمن‬
‫في عبده ول فرسه صدقة")‪ .(142‬فإنه يدل على أن ما اختصه‬
‫النسان لنفسه من الموال غير الزكوية ليس فيه صدقة ‪ ،‬أي‬
‫ليس فيه زكاة ‪ ،‬والموال التي أعدها النسان للستغلل من‬
‫العقارات وغيرها ل شك أن النسان قد أرادها لنفسه ولم يردها‬
‫لغيره ‪ ،‬لنه ل يبيعها بل يستبقيها للستغلل والنماء‪.‬‬
‫تقدير قيمة الراضي لخراج زكاتها‬
‫السؤال )‪ :(117‬فضيلة الشيخ‪ ،‬لكن بالنسبة للراضي التي‬
‫اشتراها أصحابها‪ ،‬وكسدت في أيديهم نظرا ً لقلة قيمتها ‪،‬‬
‫فهم يقدرونها بتقديرات عالية ‪ ،‬مع أنها ل تساوي إل القليل‬
‫في السوق ‪ ،‬فكيف تزكى هذه الراضي؟‬
‫الجواب ‪ :‬الراضي التي اشتراها أهلها للتجارة كما هو الغالب‬
‫وم‬‫ينتظرون بها الزيادة هذه عروض تجارة ‪ ،‬وعروض التجارة تق ّ‬
‫عند حول الزكاة بما تساوي ‪ ،‬ثم يخرج ربع الشعر منها ‪ ،‬لن‬
‫العبرة بقيمتها ‪ ،‬وقيمتها من الذهب والفضة‪ ،‬والذهب والفضة‬
‫زكاتهما ربع العشر‪ ،‬ول فرق بين أن تكون قيمة هذه الراضي‬
‫تساوي قيمة ما اشتريت به أو ل ‪ ،‬فإذا قدرنا أن رجل ً اشترى أرضا ً‬
‫بمائة ألف وكانت عند الحول تساوي مائتي ألف‪ ،‬فإنه يجب عليه‬
‫أن يزكي عن المائتين جميعا ً ‪ ،‬وإذا كان المر بالعكس ‪ ،‬اشترها‬
‫بمائة ألف وكانت عند تمام الحول تساوي خمسين ألفا ً فقط ‪،‬‬
‫فإنه ل يجب عليه أن يزكي إل عن خمسين ألفا ً ‪ ،‬لن العبرة‬
‫بقيمتها عند وجوب الزكاة‪.‬‬
‫فإن شك النسان ل يدري‪ :‬هل تزيد قيمتها عما اشتراها به أو‬
‫تنقص ‪ ،‬أو هي هي ‪ ،‬فالصل عدم الزيادة وعدم النقص ‪ ،‬فيقومها‬
‫بثمنها الذي اشتراها به ‪ ،‬فإذا قدرنا أن هذه الرض التي اشتراها‬
‫بمائة ألف تساوي عند تمام الحول إن طلبت مائة وعشرين ‪،‬‬
‫وتساوي إن جلبت ثمانين ألفا ً ‪ ،‬وهو متردد ‪ ،‬نقول ‪ :‬قومها بما‬
‫اشتريتها به ‪ ،‬لن الصل عدم الزيادة والنقص‪ ،‬ولكن يشكل على‬
‫كثير من الناس اليوم أن عندهم أراضي كسدت في أيديهم ‪ ،‬ول‬
‫تساوي شيئا ً ‪ ،‬بل إنهم يعرضونها للبيع ول يجدون من يشتريها ‪،‬‬
‫فكيف تزكى هذه الراضي؟ نقول ‪ :‬إن كان عند النسان أموال‬
‫يمكن أن يزكى منها ‪ -‬من الموال التي عنده ‪ -‬أدى زكاتها من‬
‫أمواله التي عنده ‪ ،‬وإن لم يكن عنده إل هذه الراضي الكاسدة‪،‬‬
‫فإن له أن يأخذ ربع عشرها ويوزعها على الفقراء إن كانت في‬
‫مكان يمكن أن ينتفع بها الفقير ويعمرها‪ ،‬وإل فليقيد قيمتها‬
‫وقت وجوب الزكاة ليخرج زكاتها فيما بعد إذا باعها‪.‬‬
‫وتكون هذه الراضي مثل الدين الذي عند شخص فقير ل يستطيع‬
‫الوفاء ‪ ،‬فالزكاة ل تجب عليه إل إذا قبضها ‪ ،‬أي إل إذا قبض الدين‬
‫‪ ،‬والصحيح أنه إذا قبض الدين من مدين معسر‪ ،‬فإنه يزكيه سنة‬
‫واحدة فقط ولو كان قد بقي سنين كثيرة عند الفقير‪ .‬ويمكن أن‬
‫يقال في هذه الراضي التي كسدت ولم يجد من يشتريها ‪ ،‬يمكن‬
‫أن يقال ‪ :‬إنه ل يزكيها إل سنة واحدة ‪ ،‬سنة البيع ‪ ،‬ولكن الحوط‬
‫إذا باعها أن يزكيها لكل ما مضى من السنوات‪ ،‬لن الفرق بينها‬
‫وبين الدين أن هذه ملكه بيده ‪ ،‬والدين في ذمة فقير خربت لكونه‬
‫أعسر‪.‬‬

‫تزكية الديون التي في ذمم الناس‬


‫السؤال )‪ :(118‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬كيف تزكى الديون التي في‬
‫ذمم الناس؟‬
‫الجواب ‪ :‬الديون التي في ذمم الناس ‪ ،‬سواء كانت ثمن مبيع ‪ ،‬أو‬
‫أجرة ‪ ،‬أو قرضا ً ‪ ،‬أو قيمة متلف ‪ ،‬أو أرش جناية‪ ،‬أو غير ذلك مما‬
‫يثبت في الذمة ‪ ،‬تنقسم إلى قسمين ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أن تكون مما ل تجب الزكاة في عينه ‪ ،‬كالعروض ‪ ،‬بأن‬
‫يكون عند النسان لشخص ما مائة صاع من البر أو أكثر ‪ ،‬فهذا‬
‫الدين ل زكاة فيه ‪ ،‬وذلك لن الزروع أو ‪-‬الحبوب ‪-‬ل تجب الزكاة‬
‫في عينها إل لمن زرعها‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬فهي الديون التي تجب الزكاة في عينها كالذهب‬
‫والفضة ‪ ،‬وهذا فيه الزكاة على الدائن ‪ ،‬لنه صاحبه ويملك أخذه‬
‫والبراء منه ‪ ،‬فيزكيه كل سنة ‪ ،‬إن شاء زكاه مع ماله ‪ ،‬وإن شاء‬
‫قيد زكاته وأخرجها إذا قبضه ‪ ،‬فإذا كان عند شخص لخر مائة ألف‬
‫فإن من له المائة يزكيها كل عام ‪ ،‬أو فإن الزكاة تجب على من‬
‫هي له كل عام ‪ .‬لكن هو بالخيار‪ ،‬إما أن يخرج زكاتها مع ماله ‪،‬‬
‫وإما أن ينتظر حتى يقبضها ثم يزكيها لما مضى ‪ ،‬هذا إذا كان‬
‫الدين على موسر باذل ‪ ،‬فإن كان الدين على معسر ‪ ،‬فإن الصحيح‬
‫أن الزكاة ل تجب فيه ‪ ،‬لن صاحبه ل يملك المطالبة به شرعا ً ‪،‬‬
‫ة(‬ ‫سَر ٍ‬‫مي ْ َ‬‫فن َظَِرةٌ إ َِلى َ‬‫ة َ‬
‫سَر ٍ‬
‫ع ْ‬ ‫ن ُ‬
‫ذو ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫وإ ِ ْ‬
‫فإن الله تعالى يقول ‪َ ) :‬‬
‫ً‬
‫)البقرة‪ ، (280 :‬فهو في الحقيقة عاجز شرعا عن ماله ‪ ،‬فل تجب‬
‫عليه الزكاة فيه ‪ ،‬لكن إذا قبضه فإنه يزكيه سنة واحدة فقط وإن‬
‫بقي في ذمة المدين عشر سنوات‪ ،‬لن قبضه إياه يشبه تحصيل‬
‫ما خرج من الرض ‪ ،‬يزكى عند الحصول عليه ‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬ل يزكيه لما مضى ‪ ،‬وإنما يبتدئ به حول ً‬
‫من جديد‪ .‬وما ذكرناه أحوط وأبرأ للذمة ‪ ،‬أنه يزكيه سنة واحدة لما‬
‫مضى ثم يستأنف به حول ً ‪ ،‬والمر في هذا سهل ‪ ،‬وليس من‬
‫الصعب على النسان أن يؤدي ربع العشر من دينه الذي قبضه بعد‬
‫أن أيس منه ‪ ،‬فإن هذا من شكر نعمة الله عليه بتحصيله ‪.‬‬
‫هذا هو القول في زكاة الديون وخلصته ‪ :‬أنها ثلثة أقسام ‪ :‬قسم‬
‫ل زكاة فيه ‪ ،‬وهو ما إذا كان الدين مما ل تجب الزكاة في عينه‪،‬‬
‫مثل أن يكون في ذمة شخص لخر أصواع من البر‪ ،‬أو كيلوات من‬
‫السكر أو الشاي أو ما أشبه ذلك ‪ ،‬فهذا ل زكاة فيه ‪ ،‬فما دام‬
‫الدين مما ل تجب الزكاة في عينه ‪ ،‬فل زكاة فيه ولو كان عنده‬
‫مئات الصواع‪.‬‬
‫والقسم الثاني ‪ :‬الدين الذي تجب الزكاة في عينه ‪ ،‬كالذهب‬
‫والفضة ولكنه على معسر‪ ،‬فهذا ل زكاة فيه إل إذا قبضه ‪ ،‬فإنه‬
‫يزكيه لسنة واحدة ثم يستأنف فيه حول ً ‪ ،‬وقيل ‪ :‬إنه يستأنف فيه‬
‫حول ً على كل حال ‪ ،‬ولكن ما قلناه أولى لما ذكرنا من التعليل‪.‬‬
‫القسم الثالث ‪ :‬ما تجب فيه الزكاة كل عام ‪ ،‬وهو الدين الذي تجب‬
‫فيه الزكاة في عينه ‪ ،‬وهو على موسر باذل ‪ ،‬فهذا فيه الزكاة كل‬
‫عام ‪ ،‬لكن إن شاء صاحب الدين أن يخرج زكاته مع ماله ‪ ،‬وإن شاء‬
‫أخرها حتى يقبضه من المدين ‪.‬‬
‫خرص عروض التجارة‬
‫السؤال )‪ : (119‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل يجوز خرص التجارة أو‬
‫عروض التجارة إذا تعذر إحصاؤها أو شق على التجار؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل يجوز خرصها ‪ ،‬لن الخرص إنما ورد في الثمار‪ ،‬وألحق‬
‫به بعض العلماء الزروع ‪ ،‬وأما الموال فل يمن خرصها ‪ ،‬لنها‬
‫أنواع متعددة‪ ،‬لكن على النسان أن يتحرى ما استطاع ‪ ،‬وأن‬
‫يحتاط لنفسه ‪ ،‬فإذا قدر أن هذه البضاعة تبلغ قيمتها مائة‬
‫ويحتمل أن تكون مائة وعشرين ‪ ،‬فليخرج عن مائة وعشرين إبراء‬
‫لذمته‪.‬‬

‫الزكاة في مال الصغير والمجنون‬


‫السؤال )‪ :(120‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل تجب الزكاة في مال غير‬
‫المكلف ‪ ،‬كالصغير والمجنون؟‬
‫الجواب ‪ :‬هذا فيه خلف بين العلماء ‪ ،‬فمنهم من قال ‪ :‬إن الزكاة‬
‫في مال الصغير والمجنون غير واجبة نظرا ً إلى تغليب التكليف بها‬
‫‪ ،‬ومعلوم أن الصغير والمجنون ليسا من أهل التكليف فل تجب‬
‫الزكاة في مالهما‪.‬‬
‫ومنهم من قال ‪ :‬بل الزكاة واجبة في مالهما‪ ،‬وهو الصحيح نظرا ً‬
‫لن الزكاة من حقوق المال‪ ،‬ل ينظر فيها إلى المالك ‪ ،‬لقول الله‬
‫َ‬
‫م ()التوبة‪ ، (103 :‬فقال‬
‫ه ْ‬ ‫ة ت ُطَ ّ‬
‫هُر ُ‬ ‫صد َ َ‬
‫ق ً‬ ‫م َ‬
‫ه ْ‬
‫وال ِ ِ‬
‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خذ ْ ِ‬ ‫تعالى‪ُ ) :‬‬
‫َ‬
‫م ( ‪ -‬فجعل مناط الحكم أو موضع الوجوب ‪ :‬المال‪.‬‬ ‫ه ْ‬‫وال ِ ِ‬
‫م َ‬‫نأ ْ‬ ‫خذ ْ ِ‬
‫م ْ‬ ‫) ُ‬
‫ولقول النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى‬
‫اليمن ‪ " :‬أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم ‪،‬‬
‫تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم")‪ .(143‬وعلى هذا فتجب‬
‫الزكاة في مال الصبي والمجنون ‪ ،‬ويتولى إخراجها وليهما‪.‬‬

‫مصارف الزكاة‬
‫السؤال )‪ :(121‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي المصارف التي يجب‬
‫أن تصرف فيها الزكاة؟‬
‫الجواب ‪ :‬المصارف التي يجب أن تصرف فيها الزكاة ثمانية بينها‬
‫الله تعالى بيانا ً شافيا ً كافيا ً ‪ ،‬وأخبر عز وجل أن ذلك فريضة ‪ ،‬وأنه‬
‫ت‬
‫قا ُ‬ ‫صد َ َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫مبنى على العلم والحكمة‪ ،‬فقال جل ذكره‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫في‬ ‫و ِ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ُ‬
‫قلوب ُ ُ‬ ‫ة ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ؤل ّ َ‬
‫م َ‬‫وال ْ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ن َ‬ ‫مِلي َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫عا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وال ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ل ِل ْ ُ‬
‫كي ِ‬
‫سا ِ‬‫م َ‬ ‫ء َ‬‫قَرا ِ‬
‫ل( )التوبة‪، (60:‬‬ ‫سِبي ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫واب ْ ِ‬‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫و ِ‬
‫ن َ‬‫مي َ‬‫ر ِ‬
‫غا ِ‬‫وال ْ َ‬
‫ب َ‬ ‫قا ِ‬‫الّر َ‬
‫م()التوبة‪(60:‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬
‫م َ‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬
‫ة ِ‬ ‫ض ً‬‫ري َ‬ ‫ف ِ‬‫قال الله تعالى بعد ) َ‬
‫‪.‬‬
‫فهؤلء أصناف أهل الزكاة الذين تدفع إليهم ‪ ،‬وهم ثمانية‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫الفقراء والمساكين‪ :‬وهؤلء يعطون من الزكاة لدفع ضرورتهم‬
‫وحاجتهم‪.‬‬
‫والفرق بين الفقراء والمساكين ‪ :‬أن الفقراء أشد حاجة ‪ ،‬ل يحد‬
‫الواحد منهم ما يكفيه وعائلته لنصف سنة ‪ ،‬والمساكين أعلى حال ً‬
‫من الفقراء ‪ ،‬لنهم يجدون نصف الكفاية فأكثر دون كمال الكفاية‬
‫‪ .‬هؤلء يعطون لحاجتهم ‪ ،‬ولكن كيف نقدر الحاجة؟ قال العلماء ‪:‬‬
‫يعطون لحاجتهم ما يكفيهم وعائلتهم لمدة سنة ‪ ،‬ويحتمل أن‬
‫يعطون ما يكونون به أغنياء‪ ،‬لكن الذين قدروا ذلك بسنة قالوا‪:‬‬
‫لن السنة إذا دارت وجبت الزكاة في الموال ‪ ،‬فكما أن الحول‬
‫هو تقدير الزمن الذي تجب فيه الزكاة ‪ ،‬فكذلك ينبغي أن يكون‬
‫الحول هو تقدير الزمن الذي تدفع فيه حاجة الفقراء والمساكين‬
‫الذين هم أهل الزكاة ‪ .‬وهذا قول حسن جيد ‪ ،‬أي أننا نعطي‬
‫الفقير والمسكين ما يكفيه وعائلته لمدة عام كامل ‪ ،‬سواء‬
‫أعطيناه أعيانا ً من أطعمة وألبسة ‪ ،‬أو أعطيناه نقودا ً يشتري بها‬
‫هو ما يناسبه ‪ ،‬أو أعطيناه صنعة إذا كان يحسن الصنعة ‪ ،‬يعني آلة‬
‫يصنع بها إذا كان يحسن الصنعة ‪ ،‬كخياط ونجار ‪ ،‬وحداد ونحوه ‪،‬‬
‫المهم أن نعطيه ما يكفيه وعائلته لمدة سنة‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬العاملون عليها ‪ :‬أي الذين لهم ولية عليها من قبل ولي‬
‫المر ‪ ،‬ولهذا قال ‪ " :‬والعاملين عليها" ولم يقل ‪ :‬العاملون فيها ‪،‬‬
‫إشارة إلى أن لهم نوع ولية ‪ ،‬وهم جباتها الذين يجبونها من أهلها‬
‫‪ ،‬وقسامها الذين يقسمونها في أهلها ‪ ،‬وكتابها ونحوهم‪ ،‬فهؤلء‬
‫عاملون عليها يعطون من الزكاة‪ ،‬ولكن ‪ :‬كم يعطون؟ ننظر ‪ :‬هم‬
‫عاملون عليها ‪ ،‬فهم مستحقون بوصف العمالة ‪ ،‬ومن استحق‬
‫بوصف أعطي بقدر ذلك الوصف ‪ ،‬وعليه فيعطون من الزكاة بقدر‬
‫عمالتهم فيها ‪ ،‬سواء كانوا أغنياء أم فقراء ‪ ،‬لنهم يأخذون الزكاة‬
‫لعملهم ل لحاجتهم ‪ ،‬وعلى هذا فيعطون ما يقتضيه العمل من‬
‫الزكاة ‪ ،‬فإن قدر أن العاملين عليها فقراء‪ ،‬فإنهم يعطون‬
‫بالعمالة ويعطون بالفقر كذلك ‪ ،‬فيعطون ما يكفيهم لمدة سنة‬
‫لفقرهم ‪.‬‬
‫فهؤلء يأخذون لعمالتهم أيضا ً ‪ ،‬لنهم استحقوا الصدقة أو الزكاة‬
‫بوصفين ‪ :‬العمالة عليها ‪ ،‬والفقر ‪ ،‬فيعطون بكل الوصفين ‪ ،‬ولكن‬
‫إذا أعطيناهم للعمالة فيبقون أغنياء بقدر ما أخذوا من العمالة‪،‬‬
‫فنكمل لهم المؤونة لمدة سنة ‪ ،‬مثال ذلك ‪ :‬إذا قدرنا أنه يكفيهم‬
‫لمدة سنة عشرة آلف ريال ‪ ،‬وأننا إذا أعطيناهم لفقرهم أخذوا‬
‫عشرة آلف ريال ‪ ،‬وأن نصيبهم من العمالة ألفا ريال‪ ،‬فعلى هذا‬
‫نعطيهم ألفي ريال للعمالة ‪ ،‬ونعطيهم ثمانية آلف ريال للفقر‪،‬‬
‫هذا وجه قولنا ‪ :‬يعطون كفايتهم لمدة سنة ‪ ،‬لنهم إذا أخذوا‬
‫بالعمالة صاروا ل يحتاجون إل ما زاد على استحقاقهم العمالة‬
‫لمدة سنة ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬المؤلفة قلوبهم‪ :‬وهم الذين يعطون لتأليفهم على‬
‫السلم ‪ ،‬إما كافر يرجى إسلمه ‪ ،‬وإما مسلم نعطيه لتقوية‬
‫اليمان في قلبه‪ ،‬وإما شرير نعطيه لدفع شره عن المسلمين ‪ ،‬أو‬
‫نحو ذلك ممن يكون في تأليفه مصلحة للمسلمين‪ ،‬ولكن هل‬
‫يشترط في ذلك أن يكون سيدا ً مطاعا ً في قومه حتى يكون في‬
‫تأليفه مصلحة عامة؟ أو يجوز أن يعطى لتأليفه ولو لمصلحة‬
‫شخصية كرجل دخل في السلم حديثا ً يحتاج إلى تأليفه وتقوية‬
‫إيمانه بإعطائه؟‬
‫هذا محل خلف بين العلماء ‪ ،‬والراجح عندي أنه ل بأس أن يعطى‬
‫لتأليفه على السلم بتقوية إيمانه ‪ ،‬وإن كان يعطى بصفة‬
‫ة‬
‫ف ِ‬ ‫ّ‬
‫ؤل َ‬ ‫م َ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫شخصية وليس سيدا ً في قومه لعموم قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫م( ولنه إذا جاز أن نعطي الفقير لحاجته البدنية الجسمية ‪،‬‬ ‫ه ْ‬ ‫قُلوب ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫فإعطاؤنا هذا الضعيف اليمان لتقويه إيمانه من باب أولى ‪ ،‬لن‬
‫تقوية اليمان بالنسبة لشخص أهم من غذاء الجسد‪.‬‬
‫هؤلء الربعة يعطون الزكاة على سبيل التمليك ‪ ،‬ويملكونها ملكا ً‬
‫تاما ً ‪ ،‬حتى لو زال الوصف منهم في أثناء الحول لم يلزمهم رد‬
‫الزكاة بل تبقى حلل ً لهم ‪ ،‬لن الله عبر عن استحقاقهم باللم‪،‬‬
‫ها‬‫عل َي ْ َ‬‫ن َ‬ ‫مِلي َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫عا ِ‬ ‫ن َ‬
‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ء َ‬
‫قَرا ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد َ َ‬
‫قا ُ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫فقال‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫م( )التوبة‪ ، (60:‬فأتى باللم ‪ ،‬وفائدة ذلك أن‬ ‫ه ْ‬‫قُلوب ُ ُ‬
‫ة ُ‬ ‫ف ِ‬‫ؤل ّ َ‬‫م َ‬‫وال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫الفقير لو استغنى في أثناء الحول فإنه ل يلزمه رد الزكاة ‪ ،‬مثل ‪:‬‬
‫لو أعطيناه عشرة آلف لفقره وهي تكفيه لمدة سنة ‪ ،‬ثم إن الله‬
‫تعالى أغناه في أثناء الحول باكتساب مال أو موت قريب له يرثه ‪،‬‬
‫أو ما أشبه ذلك ‪ ،‬فإنه ل يلزمه رد ما بقي من المال الذي أخذه‬
‫من الزكاة لنه ملكه‪.‬‬
‫في‬ ‫و ِ‬ ‫أما الخامس من أهل الزكاة ‪ :‬فهم الرقاب ‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ب( ‪ .‬والرقاب فسرها العلماء بثلثة أشياء ‪ :‬الول ‪ :‬مكاتب‬ ‫الّر َ‬
‫قا ِ‬
‫اشترى نفسه من سيده بدراهم مؤجلة في ذمته ‪ ،‬فيعطى ما‬
‫يوفي به سيده ‪ ،‬والثاني ‪ :‬رقيق مملوك اشتري من الزكاة ليعتق ‪،‬‬
‫والثالث ‪ :‬أسير مسلم أسره الكفار‪ ،‬فيعطى الكفار من الزكاة‬
‫م‬‫لفكهم هذا السير ‪ ،‬ومثله أيضا ً الختطاف ‪ ،‬فلو اختطف المسل َ‬
‫طف‬ ‫أحد من المسلمين أو الكفار فل بأس أن يفدى هذا المخت ِ‬
‫بشيء من الزكاة‪ ،‬لن العلة واحدة وهي فكاك المسلم من السر ‪،‬‬
‫وهذا إذا لم يمكننا أن نرغم المختطف على فكاكه بدون بذل‬
‫طف من المسلمين‪.‬‬ ‫المال‪ ،‬إذا كان المخت ِ‬
‫والصنف السادس من أهل الزكاة ‪ :‬الغارمين ‪ :‬الغارم هو المدين ‪،‬‬
‫وقسم العلماء ‪-‬رحمهم الله ‪ -‬الغرم إلى قسمين ‪ :‬الول ‪ :‬غرم‬
‫لصلح ذات البين ‪ ،‬وغرم لسداد الحاجة‪ ،‬أما الغرم لصلح ذات‬
‫البين فمثلوا له بأن يقع بين قبيلتين تشاحن وتشاجر أو حروب ‪،‬‬
‫فيأتي رجل من أهل الخير والجاه واشرف والسؤدد ويصلح بين‬
‫هاتين القبيلتين بدراهم يتحملها في ذمته‪ ،‬فإننا نعطي هذا الرجل‬
‫المصلح الدراهم التي تحملها من الزكاة ‪ ،‬جزاء له على هذا العمل‬
‫الجليل الذي قام به ‪ ،‬والذي فيه إزالة الشحناء والعداوة بين‬
‫المؤمنين وحقن دماء الناس ‪ ،‬وهذا يعطى سواء كان غنيا ً أم‬
‫فقيرا ً ‪ ،‬لننا لسنا نعطيه لسد حاجته ‪ ،‬ولكننا نعطيه لما قام به من‬
‫المصلحة العامة‪.‬‬
‫أما الثاني فهو الغارم لنفسه ‪ ،‬الذي استدان لنفسه باستقراض‬
‫شيء ليدفعه في حاجته ‪ ،‬أو بشراء شيء يحتاجه ‪ ،‬يشتريه في‬
‫ذمته وليس عنه مال ‪ ،‬فهذا نوفي دينه من الزكاة بشرط أن يكون‬
‫فقيرا ً ولو لم يعلم بذلك ‪ ،‬وعليه فهل الفضل أن نعطي هذا‬
‫المدين من الزكاة ليوفي دينه ؟ أو أن نذهب نحن إلى دائنه‬
‫ً‬
‫ونوفي عنه؟ هذا يختلف‪ ،‬فإن كان هذا الرجل المدين حريصا على‬
‫وفاء دينه وإبراء ذمته ‪ ،‬وهو أمين فيما يعطى لوفاء الدين ‪ ،‬فإننا‬
‫نعطيه هو بنفسه يقضي دينه ‪ ،‬لن هذا استر له وأبعد عن تخجيله‬
‫أمام الناس الذين يطلبونه‪.‬‬
‫أما إذا كان المدين رجل ً مبذرا ً يفسد الموال ‪ ،‬ولو أعطيناه مال ً‬
‫ليقضي دينه ذهب يشتري به أشياء ل ضرورة لها ‪ ،‬فإننا ل نعطيه‬
‫وإنما نذهب نحن إلى دائنه ونقول له ‪ :‬ما دين فلن لك ؟ ثم‬
‫نعطيه هذا الدين أو بعضه ‪ ،‬حسب ما يتيسر ‪.‬‬
‫وهل يقضى منها ‪-‬أي من الزكاة ‪-‬دين على ميت لم يخلف تركة؟‬
‫ذكر ابن عبد البر وأبو عبيدة أنه ل يقضى منها دين على الميت‬
‫بالجماع ‪ ،‬ولكن الواقع أن المسألة فيها خلف ولكن أكثر العلماء‬
‫يقولون ‪ :‬إنه ل يقضى منها دين على ميت‪ ،‬وأن الميت انتقل إلى‬
‫الخرة ول يلحقه من الذل والهوان بالدين الذي عليه ما يلحق‬
‫الحياء‪ ،‬ولن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يقضي ديون‬
‫الموات من الزكاة‪ ،‬بل كان يقضيها عليه الصلة والسلم من‬
‫أموال الفيء حين فتح الله عليه ‪ ،‬وهذا يدل على أنه ل يصح قضاء‬
‫دين الميت من الزكاة ‪ ،‬ويقال ‪ :‬الميت إن كان قد أخذ أموال‬
‫الناس يريد أداءها فإن الله تعالى يؤدي عنه بفضله وكرمه ‪ ،‬وإن‬
‫كان قد أخذها يريد إتلفها فهو الذي جنى على نفسه ‪ ،‬ويبقى‬
‫الدين في ذمته يستوفى يوم القيامة ‪ ،‬وعندي أن هذا أقرب من‬
‫القول بأنه يقضى منها الدين على الميت‪.‬‬
‫وقد يقال ‪ :‬يفرق بين ما إذا كان الحياء يحتاجون إلى الزكاة‪،‬‬
‫لفقر أو غرم أو جهاد أو غير ذلك ‪ ،‬وما إذا كان الحياء ل يحتاجون‬
‫إليها‪ ،‬ففي الحال ل التي يحتاج إليها الحياء يقدم الحياء على‬
‫الموات ‪ ،‬وفي الحال التي ل يحتاج إليها الحياء ل حرج أن‬
‫نقضي ديون الموات الذين ماتوا ولم يخلفوا مال ً ‪ ،‬ولعل هذا قول‬
‫يكون وسطا ً بين القولين‪.‬‬
‫ثم الصنف السابع‪ :‬في سبيل الله ‪ ،‬وسبيل الله هنا المراد بها‬
‫الجهاد في سبيل الله ل غير‪ ،‬ول يصح أن يراد بها جميع سبل‬
‫الخير‪ ،‬لنه لو كان المراد بها جميع سبل الخير لم يكن للحصر‬
‫ن( الية‪ .‬إذ‬
‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ء َ‬
‫قَرا ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد َ َ‬
‫قا ُ‬ ‫ما ال ّ‬
‫فائدة في قوله ‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫يكون الحصر عديم التأثير‪ ،‬فالمراد بسبيل الله هو الجهاد في‬
‫سبيل الله‪ ،‬فيعطى المقاتلون في سبيل الله الذين يظهر من‬
‫حالهم أنهم يقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا ‪ ،‬يعطون من‬
‫الزكاة ما يحتاجون إليه من النفقات والسلحة وغير ذلك ‪ .‬ويجوز‬
‫أن تشترى السلحة لهم من الزكاة ليقاتلوا بها ‪ ،‬ولكن لبد أن‬
‫يكون القتال في سبيل الله‪.‬‬
‫والقتال في سبيل الله بينه الرسول صلى الله عليه وسلم بميزان‬
‫عدل من قسط حين سئل عن الرجل يقاتل حمية‪ ،‬ويقاتل‬
‫شجاعة ‪ ،‬ويقاتل ليرى مكانه‪ ،‬أي ذلك في سبيل الله؟ قال ‪ " :‬من‬
‫قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله")‪ ،(144‬فالرجل‬
‫المقاتل حمية لوطنه أو قوميته أو غير ذلك من أنواع الحميات‬
‫ليس يقاتل في سبيل الله ‪ ،‬فل يستحق ما يستحقه المقاتل في‬
‫سبيل الله ‪ ،‬ل من المور المادية الدنيوية ول من أمور الخرة‪،‬‬
‫والرجل الذي يقاتل شجاعة أي أنه يحب القتال لكونه شجاعا ً ‪،‬‬
‫والمتصف بصفة غالبا ً يحب أن يقوم بها على أي حال كانت ‪ ،‬هو‬
‫أيضا ً ليس يقاتل في سبيل الله ‪ ،‬والمقاتل ليرى مكانه‪ ،‬يقاتل‬
‫رياء وسمعة‪ ،‬ليس من المقاتلين في سبيل الله ‪ ،‬وكل من ل‬
‫يقاتل في سبيل الله فإنه ل يستحق من الزكاة‪ ،‬لن الله تعالى‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه( ‪.‬‬ ‫سِبي ِ‬
‫في َ‬
‫و ِ‬
‫يقول‪َ ) :‬‬
‫والذي يقاتل في سبيل الله هو الذي يقاتل لتكون كلمة الله هي‬
‫العليا‪ ،‬قال أهل العلم‪ :‬ومن سبيل الله ‪ :‬الرجل يتفرغ لطلب‬
‫العلم الشرعي ‪ ،‬فيعطى من الزكاة ما يحتاج إليه من نفقة ‪ ،‬من‬
‫كسوة وطعام وشراب ومسكن وكتب علم يحتاجها‪ ،‬لن العلم‬
‫الشرعي نوع من الجهاد في سبيل الله ‪ ،‬بل قال المام أحمد‬
‫رحمه الله‪ " :‬العلم ل يعدله شيء لمن صحت نيته"‪ .‬فالعلم هو‬
‫أصل الشرع كله‪ ،‬ول شرع إل بعلم‪ ،‬والله سبحانه وتعالى أنزل‬
‫الكتاب ليقوم الناس بالقسط ويتعلموا أحكام شريعته وما يلزم‬
‫من عقيدة وقول وفعل ‪ ،‬أما الجهاد في سبيل الله فنعم ‪ ،‬هو من‬
‫أشرف العمال‪ ،‬بل هو ذروة سنام السلم ‪ ،‬ول شك في فضله‪،‬‬
‫لكن العلم له شأن كبير في السلم‪ ،‬فدخوله في الجهاد في‬
‫سبيل الله دخول واضح ل إشكال فيه‪ ،‬فإذا جاءنا رجل أهل للعلم‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬أنا إن ذهبت اكتسب لنفسي وأهلي لم أتمكن من طلب‬
‫العلم‪ ،‬وإن تفرغت لطلب العلم فإنني أحصل فيه ‪ ،‬ولكن ل أجد ما‬
‫يدفع حاجتي ‪ ،‬فإننا نقول له ‪ :‬تفرغ لطلب العلم ونعطيه ما يدفع‬
‫به حاجته من الزكاة‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬بقي من أصناف أهل الزكاة صنف واحد وهو ابن‬
‫السبيل ‪ ،‬وابن السبيل هو المسافر الذي انقطع به السفر ونفدت‬
‫نفقته ‪ ،‬فإنه يعطى من الزكاة ما يوصله إلى بدله وإن كان في‬
‫بلده غنيا ً ‪ ،‬لنه محتاج ‪ ،‬ول نقول له في هذه الحال‪ :‬يلزمك أن‬
‫تستقرض وتوفي ‪ ،‬لننا في هذه الحال نلزم ذمته دينا ً ‪ ،‬ولكن لو‬
‫اختار هو أن يستقرض ول يأخذ من الزكاة فالمر إليه ‪ ،‬فإذا وجدنا‬
‫شخصا ً مسافرا ً من مكة إلى المدينة ‪ ،‬وفي أثناء السفر ضاعت‬
‫نفقته ولم يبق معه شيء ‪ ،‬وهو غني في المدينة‪ ،‬فإننا نعطيه ما‬
‫يوصله إلى المدينة فقط‪ ،‬لن هذه هي حاجته ‪ ،‬ول نعطيه أكثر‪.‬‬
‫وإذا كنا قد عرفنا أصناف أهل الزكاة الذين تدفع إليهم‪ ،‬فإن ما‬
‫سوى ذلك من المصالح العامة أو الخاصة ل تدفع فيه الزكاة ‪،‬‬
‫وعلى هذا فل تدفع الزكاة في بناء المساجد‪ ،‬ول في إصلح‬
‫الطرق‪ ،‬ول في بناء المكاتب وشبه ذلك ‪ ،‬لن الله عز وجل لما‬
‫ه( ‪ .‬يعني أن هذا‬ ‫ن الل ّ ِ‬‫م َ‬‫ة ِ‬‫ض ً‬
‫ري َ‬ ‫ذكر أصناف أهل الزكاة قال ‪َ ) :‬‬
‫ف ِ‬
‫م( ‪.‬‬
‫كي ٌ‬
‫ح ِ‬
‫م َ‬
‫عِلي ٌ‬
‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬‫التقسيم جاء فريضة من الله عز وجل ‪َ ) :‬‬
‫نقول ‪ :‬هل هؤلء المستحقون يجب أن يعطى كل واحد منها‪،‬‬
‫أي كل صنف‪ ،‬لن الواو تقتضي الجمع؟‬
‫فالجواب ‪ :‬أن ذلك ل يجب ‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن ‪" :‬أعلمهم أن الله افترض‬
‫عليهم صدقة في أموالهم ‪ ،‬تؤخذ من أغنيائهم فترد على‬
‫فقرائهم")‪ . (145‬فلم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم إل صنفا ً‬
‫واحدا ً ‪ ،‬وهذا يدل على أن الية يبين الله تعالى فيها جهة‬
‫الستحقاق ‪ ،‬وليس المراد أنه يجب أن تعمم هذه الصناف‪.‬‬
‫ولكن إذا قيل ‪ :‬أيها أولى أن يصرف فيه الزكاة ؟‬
‫قلنا ‪ :‬إن الولى ما كانت الحاجة إليه أشد‪ ،‬لن كل هؤلء استحقوا‬
‫بوصف‪ ،‬فمن كان أشد إلحاحا ً وحاجة فهو أولى ‪ ،‬والغالب أن‬
‫الشد هم الفقراء والمساكين ‪ ،‬ولهذا بدأ الله تعالى بهم فقال ‪:‬‬
‫ن( ‪.‬‬
‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ء َ‬
‫قَرا ِ‬ ‫ت ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫صد َ َ‬
‫قا ُ‬ ‫ما ال ّ‬
‫)إ ِن ّ َ‬

‫حكم صرف الزكاة للقارب الفقراء‬


‫السؤال )‪ :(122‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم جعل الزكاة في‬
‫القارب المحتاجين؟‬
‫الجواب ‪ :‬الزكاة في القارب الذين لهم من أهلها أولى من أن‬
‫تكون في غير القارب ‪ ،‬لن الصدقة على القارب صدقة وصلة‪،‬‬
‫فإذا كان أخوك ‪ ،‬أو عمك ‪ ،‬أو أبوك‪ ،‬أو أمك من أهل الزكاة‪ ،‬فهم‬
‫أولى بها من غيرهم‪ ،‬لكن إذا كانوا يأخذون الزكاة لحاجتهم‪ ،‬وأنت‬
‫تجب عليك نفقتهم‪ ،‬فإنه ل يجوز أن تعطيهم من الزكاة في هذه‬
‫الحال‪ ،‬لنك إذا أعطيتهم من الزكاة رفدت مالك ووقيته بما تعطيه‬
‫من الزكاة ‪ ،‬فإذا قدرنا أن لك أخا ً فقيرا ً وأنت عندك زكاة ونفقته‬
‫تجب عليك ‪ ،‬فإنه ل يجوز أن تعطيه لفقره‪ ،‬لنك إذا أعطيته‬
‫لفقره رفدت مالك ووقيته بما تعطيه ‪ ،‬إذ لو لم تعطه من الزكاة‬
‫لوجب عليك النفاق عليه‪ ،‬أما لو كان على أخيك هذا دين ل‬
‫يستطيع وفاءه‪ ،‬مثل أن يحصل منه إتلف شيء أو جناية على‬
‫أحد ‪ ،‬ويلزمه مال‪ ،‬ففي هذه الحال يجوز أن تقضي دينه من‬
‫زكاتك ‪ ،‬لنه ل يجب عليك قضاء دينه‪ ،‬وإنما الواجب عليك نفقته‪.‬‬
‫وقاعدة ذلك ‪ :‬أن القارب إذا أعطاهم النسان زكاة ماله لدفع‬
‫حاجتهم وهم ممن تجب عليه نفقتهم ‪ ،‬فإن ذلك ل يصح ‪ ،‬وإن‬
‫أعطاهم لدفع أمر ل يلزمه القيام به ‪ ،‬فإن ذلك جائز ‪ ،‬بل هم أحق‬
‫بذلك من غيرهم‪.‬‬
‫فإن قال قائل ‪ :‬ما دليلك على هذا ؟ قلنا ‪ :‬الدليل عموم الدلة ‪،‬‬
‫ت‬ ‫صد َ َ‬
‫قا ُ‬ ‫ما ال ّ‬
‫بل عموم آية الصدقة التي أشرنا إليها فيما سبق‪) :‬إ ِن ّ َ‬
‫ن( ‪.‬‬
‫كي ِ‬
‫سا ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ء َ‬
‫قَرا ِ‬ ‫ل ِل ْ ُ‬
‫ف َ‬
‫وإنما منعنا إعطائهم فيما إذا كان إعطاؤهم لدفع حاجتهم التي‬
‫يجب عليك دفعها‪ ،‬لن هذا من باب إسقاط الواجب عن النسان‬
‫بالحيلة‪ ،‬والواجب ل يمكن إسقاطه بالحيل‪.‬‬

‫توضيح‬
‫السؤال )‪ :(123‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نريد التمثيل أيضا ً لدفع المال‬
‫للوالد أو الوالدة‪ ،‬فيما ل يجب على النسان ؟‬
‫الجواب ‪ :‬مثال ذلك ‪ :‬اشترى أبوك سيارة بخمسة آلف ريال مثل ً ‪،‬‬
‫واحترقت السيارة فلزمه خمسة آلف ريال ‪ ،‬وأنت ل يلزمك أن‬
‫تدفعها له‪ ،‬لن هذا ليس من النفقة ‪ ،‬فيجوز لك أن تقضي دينه‬
‫هذا من زكاتك ‪ ،‬وكذلك لو لزم أحدا ً من أقاربك الخرين شيء من‬
‫أجل جناية أو إتلف‪ .‬فإنه يجوز لك أن تدفع زكاتك في قضاء هذا‬
‫الشيء‪.‬‬

‫حكم إسقاط الدين عن المدين واعتبار ذلك من الزكاة‬


‫السؤال )‪ :(124‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل يجوز إسقاط الدين عن‬
‫المدين ويكون ذلك من الزكاة؟‬
‫َ‬ ‫الجواب ‪ :‬ل يجوز ذلك ‪ ،‬لن الله تعالى يقول ‪ُ ) :‬‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫وال ِ ِ‬
‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫خذ ْ ِ‬
‫م ْ‬
‫ذ( ‪ ،‬والخذ لبد‬ ‫خ ْ‬
‫م ()التوبة‪ ، (103 :‬فقال تعالى ) ُ‬ ‫ه ْ‬‫هُر ُ‬‫ة ت ُطَ ّ‬
‫ق ً‬ ‫صدَ َ‬‫َ‬
‫أن يكون ببذل من المأخوذ منه ‪ ،‬وقال النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫)‬
‫‪" :‬أعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد"‬
‫‪ ، (146‬فقال "تؤخذ من أغنيائهم فترد"‪،‬فلبد من أخذ ورد ‪،‬‬
‫والسقاط ل يوجد فيه ذلك ‪ ،‬ولن النسان إذا أسقط الدين عن‬
‫زكاة العين التي في يده‪ ،‬فكأنما أخرج الرديء عن الطيب‪ ،‬لن‬
‫قيمة الدين في النفس ليست كقيمة العين‪ ،‬لن العين ملكه وفي‬
‫يده‪ ،‬والدين في ذمة الخرين قد يأتي وقد ل يأتي ‪ ،‬فصار الدين‬
‫دون العين ‪ ،‬وإذا كان دونها فل يصح أن يخرج أي الدين زكاة عنها‬
‫ن‬ ‫ف ُ‬
‫قو َ‬ ‫ه ت ُن ْ ِ‬
‫من ْ ُ‬
‫ث ِ‬‫خِبي َ‬‫موا ال ْ َ‬
‫م ُ‬
‫ول ت َي َ ّ‬
‫لنقصه ‪ ،‬وقد قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ه ()البقرة‪. (267 :‬‬ ‫في ِ‬
‫ضوا ِ‬
‫م ُ‬
‫غ ِ‬ ‫ه إ ِّل أ ْ‬
‫ن تُ ْ‬ ‫ذي ِ‬‫خ ِ‬‫م ِبآ ِ‬
‫ست ُ ْ‬‫ول َ ْ‬‫َ‬
‫ومثال ما سألت عنه ‪ :‬لو كان على النسان عشرة آلف ريال زكاة‬
‫‪ ،‬وهو يطلب رجل ً فقيرا ً عشرة آلف ريال ‪ ،‬فذهب إلى الرجل‬
‫الفقير‪ ،‬وقال ‪ :‬قد أسقطت عنك عشرة آلف ريال وهي زكاتي‬
‫لهذا العام ‪ ،‬قلنا ‪ :‬هذا ل يصح ‪ ،‬لنه ل يصح إسقاط الدين وجعله‬
‫عن زكاة عين ‪ ،‬لما أشرنا إليه آنفا ً ‪ .‬وهذه مسألة يخطئ فيها‬
‫بعض الناس ويتجاوزها جهل ً منهم‪ ،‬وقد قال شيخ السلم رحمه‬
‫الله ‪ :‬إنه ل يجزئ إسقاط الدين عن زكاة العين بل نزاع‪.‬‬

‫دفع الزكاة للفقير المدين بشرط أن يردها للدافع‬


‫السؤال )‪ :(125‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل يجوز دفعها للفقير‬
‫المدين بشرط أن يردها للدافع؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬ل يجوز ‪ ،‬يعني لو كان عندك مدين فقير ‪ ،‬ودفعت‬
‫إليه زكاتك فل بأس ‪ ،‬ول حرج ‪ ،‬حتى لو ردها عليك من بعد فل‬
‫حرج ‪ ،‬لكن إذا اشترطت عليه ذلك ‪ ،‬فل يجوز ‪ ،‬لنك إذا فعلت‬
‫هذا فقد علمنا أنك إنما تريد بهذا العمل أن تسترد مالك الذي في‬
‫ذمة الفقير‪ ،‬والزكاة ل يجوز أن يحابي النسان فيها أحدا ً ل نفسه‬
‫ول غيره‪.‬‬

‫حكم الزكاة في السلم‬


‫السؤال )‪ :(126‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم الزكاة في السلم؟‬
‫الجواب ‪ :‬الزكاة في السلم أحد أركان السلم الخمسة التي بني‬
‫عليها ‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬بني السلم على‬
‫خمس ‪ :‬شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله‪ ،‬وإقام‬
‫الصلة‪ ،‬وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وصوم رمضان ‪ ،‬وحج بيت الله الحرام")‪،(147‬‬
‫وهي فرض بإجماع المسلمين ‪ ،‬فمن أنكر وجوبها فقد كفر ‪ ،‬إل‬
‫أن يكون حديث عهد بالسلم‪ ،‬أو ناشئا ً في بادية بعيدة عن العلم‬
‫وأهله‪ ،‬فيعذر ولكنه يعلم‪ ،‬فإن أصر بعد علمه فقد كفر مرتدًا‪.‬‬
‫وأما من منعها بخل ً وتهاونا ً ففيه خلف بين أهل العلم فمنهم من‬
‫قال ‪ :‬إنه يكفر ‪ ،‬وهي إحدى الروايتين عن المام أحمد ومنهم من‬
‫قال‪ :‬إنه ل يكفر ‪ ،‬وهذا هو الصحيح ‪ ،‬لكنه قد أتى كبيرة‪ ،‬عظيمة‪،‬‬
‫والدليل على أنه ل يكفر حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ذكر عقوبة مانع زكاة الذهب والفضة ثم قال ‪ " :‬حتى‬
‫)‬
‫يقضى بين العباد ‪ ،‬فيرى سبيله إما إلى الجنة ‪ ،‬وإما إلى النار"‬
‫‪ .(148‬وإذا كان يمكن أن يرى سبيل ً له إلى الجنة فإنه ليس بكفار ‪،‬‬
‫لن الكافر ل يمكن أن يرى سبيل ً له إلى الجنة‪.‬‬
‫ولكن على مانعها بخل ً وتهاونا ً من الثم العظيم ما ذكره الله في‬
‫خْيرا ً‬‫و َ‬ ‫ه َ‬‫ه ُ‬ ‫ضل ِ ِ‬‫ف ْ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬‫ما آَتا ُ‬ ‫ن بِ َ‬‫خُلو َ‬ ‫ن ي َب ْ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫سب َ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫قوله‪َ ) :‬‬
‫ول ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫و َ‬‫ه يَ ْ‬‫خُلوا ب ِ ِ‬ ‫ما ب َ ِ‬‫ن َ‬ ‫قو َ‬ ‫و ُ‬‫سي ُطَ ّ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫شّر ل َ ُ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬‫ل ُ‬‫م بَ ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫ه ْ‬
‫مُلو َ‬ ‫َ‬
‫خِبيٌر( )آل عمران‪:‬‬ ‫ن َ‬ ‫ع َ‬‫ما ت َ ْ‬‫ه بِ َ‬‫والل ّ ُ‬‫ض َ‬ ‫والْر ِ‬
‫ت َ ْ‬ ‫وا ِ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ث ال ّ‬ ‫ميَرا ُ‬‫ِ‬
‫ها‬
‫قون َ َ‬ ‫ف ُ‬‫ول ي ُن ْ ِ‬ ‫ة َ‬‫ض َ‬ ‫ف ّ‬ ‫وال ْ ِ‬‫ب َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الذّ َ‬‫ن ي َك ْن ُِزو َ‬‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫‪ ، (180‬وفي قوله ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫في‬ ‫ها ِ‬ ‫علي ْ َ‬‫مى َ‬ ‫ح َ‬‫م يُ ْ‬ ‫و َ‬
‫م()‪) (34‬ي َ ْ‬ ‫ب أِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬‫ع َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شْر ُ‬ ‫ه َ‬
‫فب َ ّ‬ ‫ل الل ّ ِ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ما ك َن َْزت ُ ْ‬
‫م‬ ‫ذا َ‬‫ه َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫هوُر ُ‬ ‫وظُ ُ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬‫جُنوب ُ ُ‬ ‫و ُ‬
‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ها ِ‬ ‫وى ب ِ َ‬ ‫فت ُك ْ َ‬
‫م َ‬ ‫هن ّ َ‬‫ج َ‬‫ر َ‬ ‫َنا ِ‬
‫ن( )التوبة‪ . (35-34:‬فعلى المرء‬ ‫م ت َك ْن ُِزو َ‬ ‫ما ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫قوا َ‬ ‫ذو ُ‬ ‫ف ُ‬‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ِ‬‫لن ْ ُ‬
‫المسلم أن يشكر الله على نعمته عليه بالمال‪ ،‬وأن يؤدي زكاته ‪،‬‬
‫حتى يزيد الله له في ماله بركة ونماء ‪ ،‬والله الموفق‪.‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫)‪ (129‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب البر والصلة ‪ ،‬باب استحباب العفو والتواضع‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(2588‬‬
‫)‪ (130‬أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب الجارة ‪ ،‬باب في العبد يباع وله مال ‪ ،‬رقم )‬
‫‪(3435‬وفي إسناده مجهول وهو الراوي عن جابر رضي الله عنه ‪ ،‬ويشهد‬
‫له بالصحة حديث ابن عمر رضي الله عنه مرفوعًا‪ .." :‬ومن ابتاع عبدا ً‬
‫فماله للذي باعه إل أن يشترط المبتاع"‪ .‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب المساقاة‬
‫‪ ،‬باب الرجل يكون له ممر أو شرب في حائط أو في نخل ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(2379‬ومسلم ‪ ،‬كتاب البيوع ‪ ،‬باب من باع نخل ً عليها ثمر ‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(1543‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(207‬‬ ‫)‪(131‬‬

‫تقدم تخريجه ص )‪.(147‬‬ ‫)‪(132‬‬

‫)‪ (133‬أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب الكنز ما هو وزكاة الحلي ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(1563‬والترمذي ‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب ما جاء في زكاة الحلي‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(637‬والنسائي كتاب الزكاة ‪ ،‬باب زكاة الحلي ‪ ،‬رقم )‪ ،(2479‬والحاكم‬
‫في المستدرك" )‪ (1/390‬وقال ‪ :‬حديث صحيح‪.‬‬
‫)‪ (134‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب العشر فيما يسقى من ماء السماء ‪،‬‬
‫رقم )‪.(1483‬‬
‫)‪ (135‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب زكاة الورق ‪ ،‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪،‬‬
‫باب ما ليس فيما دون خمسة أوسق صدقة‪ ،‬رقم)‪.(979‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(214‬‬ ‫)‪(136‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب زكاة الغنم ‪ ،‬رقم )‪.(1454‬‬ ‫)‪(137‬‬

‫)‪ (138‬أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب زكاة السائمة ‪ ،‬رقم )‪،(1575‬‬
‫والنسائي‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب سقوط الزكاة عن البل إذا كانت رسل ً‬
‫لهلها ولحمولتهم ‪ ،‬رقم )‪.(2449‬‬
‫)‪ (139‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب ليس على المسلم في عبده صدقة ‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(1464‬وسلم ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب ل زكاة على المسلم في عبده‬
‫ول فرسه ‪ ،‬رقم )‪.(982‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(144‬‬ ‫)‪(140‬‬
‫)‪ (141‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب بدء الوحي ‪ ،‬باب كيف كان بدء الوحي إلى رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم رقم )‪ ،(1‬ومسلم ‪ ،‬كتاب المارة ‪ ،‬باب قوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪" :‬إنما العمال بالنيات" ‪ ،‬رقم )‪.(1907‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(108‬‬ ‫)‪(142‬‬

‫تقدم تخريجه ص )‪(108‬‬ ‫)‪(143‬‬

‫)‪ (144‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب العلم ‪ ،‬باب من سأل وهو قائم عالما ً جالسا ً ‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(123‬ومسلم‪ ،‬كتاب الجهاد ‪ ،‬باب من قاتل لتكون كلمة الله هي‬
‫العليا فهو في سبيل الله ‪ ،‬رقم )‪.(1904‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(108‬‬ ‫)‪(145‬‬

‫تقدم تخريجه ص )‪.(108‬‬ ‫)‪(146‬‬

‫)‪ (147‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب دعاؤهم إيمانكم ‪ ،‬رقم )‪ ، (8‬ومسلم‬
‫‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬كتاب بني السلم على خمس‪ ،‬رقم)‪.(16‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(147‬‬ ‫)‪(148‬‬
‫فتاوى الصيام‬
‫المقصود بالصيام لغة وشرعا ً‬
‫السؤال )‪ :(127‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما المقصود بالصيام لغة‬
‫وشرعًا؟‬
‫الجواب ‪ :‬الصيام في اللغة‪ :‬معناه المساك ‪ ،‬ومنه قوله تعالى ‪:‬‬
‫ش َ‬
‫فل َ ْ‬
‫ن‬ ‫وما ً َ‬
‫ص ْ‬
‫ن َ‬
‫م ِ‬
‫ح َ‬
‫ت ِللّر ْ‬ ‫حدا ً َ‬
‫ف ُ‬
‫قوِلي إ ِّني ن َذَْر ُ‬ ‫رأ َ‬‫ن ال ْب َ َ ِ‬
‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫ما ت ََري ِ ّ‬ ‫) َ‬
‫فإ ِ ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫سي ّا()مريم‪ (26 :‬أي نذرت إمساكا للكلم فلن أكلم‬ ‫م إ ِن ْ ِ‬‫و َ‬‫م الي َ ْ‬‫أك َل ّ َ‬
‫اليوم إنسيا ً ‪.‬‬
‫ومنه قول الشاعر ‪:‬‬
‫خيل صيام وخيل غير صائمة تحت العجاج وأخرى تعلك اللجما‬
‫أما في الشرع ‪ :‬فهو التعبد لله تعالى بالمساك عن المفطرات‬
‫من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس ‪.‬‬

‫أقسام الصيام‬
‫السؤال )‪ :(128‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي أقسام الصيام ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ينقسم الصيام إلى قسمين‪:‬‬
‫قسم مفروض‪ :‬والمفروض قد يكون بسبب كصيام الكفارات ‪،‬‬
‫والنذور ‪ ،‬وقد يكون بغير سبب كصيام رمضان‪ ،‬فإنه واجب بأصل‬
‫الشرع‪ ،‬أي ‪ :‬بغير سبب من المكلف‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وأما غير المفروض ‪ :‬فقد يكون معينا ‪ ،‬وقد يكون مطلقا ‪.‬‬
‫فمثال المعين ‪ :‬صوم يوم الثنين والخميس ‪.‬‬
‫ومثال المطلق ‪ :‬صيام أي يوم من أيام السنة‪ ،‬إل أنه قد ورد‬
‫النهي عن تخصيص يوم الجمعة بالصوم‪ ،‬فل يصام يوم الجمعة إل‬
‫أن يصام يوم قبله أو يوم بعده‪ .‬كما ورد في النهي عن صيام‬
‫يومي العيدين الفطر والنحر‪ ،‬وكذلك عن صيام أيام التشريق ‪ ،‬إل‬
‫لمن لم يجد الهدي للقارن والمتمتع ‪ ،‬فإنه يصوم أيام التشريق‬
‫عن اليام الثلثة التي في الحج‪.‬‬

‫حكم صيام رمضان‬


‫السؤال )‪ :(129‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم صيام شهر رمضان؟‬
‫الجواب ‪ :‬صيام شهر رمضان فرض بنص الكتاب والسنة ‪ ،‬وإجماع‬
‫َ‬
‫مُنوا ك ُت ِ َ‬
‫ب‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫المسلمين ‪ ،‬قال الله تبارك وتعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ن( )‬ ‫قو َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬ ‫م لَ َ‬‫قب ْل ِك ُ ْ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬
‫ب َ‬ ‫م كَ َ‬
‫صَيا ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ُ‬
‫م ال ّ‬ ‫َ‬
‫ه ال ْ ُ‬ ‫ُ‬
‫ى‬
‫هد ً‬ ‫ن ُ‬‫قْرآ ُ‬ ‫في ِ‬‫ل ِ‬‫ز َ‬
‫ذي أن ْ ِ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫ضا َ‬ ‫م َ‬‫هُر َر َ‬ ‫ش ْ‬ ‫‪ (183‬إلى قوله ‪َ ) :‬‬
‫هَر‬
‫ش ْ‬‫م ال ّ‬ ‫ُ‬
‫من ْك ُ‬ ‫هدَ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ن َ‬ ‫فْر َ‬ ‫ْ‬
‫وال ُ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬ ‫قا ِ‬ ‫دى َ‬ ‫ه َ‬ ‫م َ‬
‫ت ِ‬
‫وب َي َّنا ٍ‬
‫س َ‬ ‫ِللّنا ِ‬
‫ه( )البقرة‪. (185-183:‬‬ ‫م ُ‬ ‫فل ْي َ ُ‬
‫ص ْ‬ ‫َ‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم " بني السلم على خمس ‪:‬‬
‫شهادة أن ل إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ‪ ،‬وإقام الصلة‬
‫وإيتاء الزكاة ‪ ،‬وصوم رمضان ‪ ،‬وحج بيت الله الحرام")‪ .(149‬وقال‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ " :‬إذا رأيتموه فصوموا")‪.(150‬‬
‫وأجمع المسلمون على أن صيام رمضان فرض ‪ ،‬وأنه أحد أركان‬
‫السلم ‪ ،‬فمن أنكر فرضيته كفر ‪ ،‬إل أن يكون ناشئا ً في بلد‬
‫بعيدة ل تعرف فيها أحكام السلم ‪ ،‬فيعذر بذلك ‪ ،‬ثم إن أصر بعد‬
‫إقامة الحجة عليه كفر‪.‬‬
‫ومن تركه تهاونا ً مع القرار بفرضيته فهو على خطر ‪ ،‬فإن بعض‬
‫أهل العلم يرى أنه كافر مرتد ‪ ،‬ولكن الراجح أنه ليس بكفار مرتد ‪،‬‬
‫بل هو فاسق من الفساق لكنه على خطر عظيم‪.‬‬

‫مكانة الصيام وفضله‬


‫السؤال )‪ :(130‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي مكانة الصيام في‬
‫الدين ‪ ،‬وفضله في العبادة وخاصة في شهر رمضان ؟‬
‫الجواب ‪ :‬مكانة الصيام في السلم أنه أحد أركانه العظيمة التي‬
‫ل يقوم إل بها ‪ ،‬ول يتم إل بها ‪ ،‬وأما فضله في السلم فقد ثبت‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ‪ " :‬من صام رمضان إيمانا ً‬
‫واحتسابا ً غفر له ما تقدم من ذنبه")‪.(151‬‬

‫حكم الفطر في رمضان بدون عذر‬


‫السؤال )‪ :(131‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم الفطر في نهار‬
‫رمضان بدون عذر؟‬
‫الجواب ‪ :‬الفطر في نهار رمضان دون عذر من أكبر الكبائر ‪،‬‬
‫ويكون به النسان فاسقا ً ‪ ،‬ويجب عليه أن يتوب إلى الله ‪ ،‬وأن‬
‫يقضي ذلك اليوم الذي أفطره ‪ ،‬يعني لو أنه صام وفي أثناء اليوم‬
‫أفطر بدون عذر‪ ،‬فعليه أن يقضي ذلك اليوم الذي أفطره‪ ،‬لنه لما‬
‫شرع فيه التزم به ودخل فيه على أنه فرض ‪ ،‬فيلزمه قضاؤه كامل ً‬
‫‪ ،‬أما لو ترك الصوم من الصل متعمدا ً بل عذر الراجح أنه ل يلزمه‬
‫القضاء‪ ،‬لنه لن يستفيد منه شيئا ً ‪ ،‬لنه لن يقبل منه ‪ ،‬فإن‬
‫القاعدة‪ :‬أن كل عبادة مؤقتة بوقت معين‪ ،‬فإنها إذا أخرت عن‬
‫ذلك اليوم المعين بل عذر لن تقبل من صاحبها‪ ،‬لقول النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ " :‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا فهو رد")‪، (152‬‬
‫ولنه من تعدي حدود الله عز وجل ‪ ،‬وتعدي حدود الله تعالى‬
‫د‬
‫دو َ‬
‫ح ُ‬
‫عد ّ ُ‬
‫ن ي َت َ َ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬
‫ظلم ‪ ،‬والظالم ل يقبل منه ‪ ،‬قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن()البقرة‪ ، (229 :‬ولنه لو قدم هذه‬ ‫مو َ‬ ‫م ال ّ‬
‫ظال ِ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫فُأول َئ ِ َ‬
‫ك ُ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ه َ‬
‫العبادة على وقتها أي ‪ :‬فعلها قبل دخول الوقت لم تقبل منه‪،‬‬
‫فكذلك إذا فعلها بعده لن تقبل منه إل أن يكون معذورا ً ‪.‬‬

‫بم يثبت شهر رمضان‬


‫السؤال )‪ :(132‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بماذا يثبت شهر رمضان؟‬
‫الجواب ‪ :‬يثبت دخول شهر رمضان إما برؤية هلله ‪ ،‬وإما بإكمال‬
‫شعبان ثلثين يوما ً ‪ ،‬لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬إذا‬
‫رأيتموه فصوموا ‪ ،‬وإذا رأيتموه فأفطروا ‪ ،‬فإن غم عليكم فأكملوا‬
‫عدة شعبان ثلثين ")‪. (153‬‬

‫حكم رؤية من رأى الهلل وحده‬


‫السؤال )‪ :(133‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم من رأى الهلل وحده‬
‫ولم يصم معه الناس؟‬
‫الجواب ‪ :‬من رأى الهلل وحده يجب عليه أن يبلغ به المحكمة‬
‫الشرعية ويشهد به ‪ ،‬ويثبت دخول شهر رمضان بشهادة الواحد إذا‬
‫ارتضاه القاضي وحكم بشهادته‪ ،‬فإن ردت شهادته فقد قال بعض‬
‫العلماء ‪ :‬إنه يلزمه أن يصوم ‪ ،‬لنه تيقن أنه رأى الهلل‪ ،‬وقد قال‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬صوموا لرؤيته")‪ (154‬وهذا قد رآه‪.‬‬
‫وقال بعض أهل العلم‪ :‬ل يلزم أن يصوم ‪ ،‬لن الصوم يوم يصوم‬
‫الناس والفطر يوم يفطر الناس ‪ ،‬وموافقته للجماعة خير من‬
‫انفراده وشذوذه ‪ ،‬وفصل آخرون فقالوا ‪ :‬يلزمه الصوم سرا ‪،‬‬
‫فيلزمه الصوم ‪ ،‬لنه رأى الهلل ‪ ،‬ويكون سرا ً لئل يظهر مخالفة‬
‫الجماعة‪.‬‬

‫أركان الصيام‬
‫السؤال )‪ :(134‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي أركان الصيام؟‬
‫الجواب ‪ :‬الصيام له ركن واحد ‪ ،‬فهو التعبد لله عز وجل بالمساك‬
‫عن المفطرات من طلوع الفجر إلى غروب الشمس ‪ ،‬والمراد‬
‫بالفجر هنا الفجر الثاني دون الفجر الول ‪ ،‬فيتميز الفجر الثاني‬
‫عن الفجر الول بثلث ميزات‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬أن الفجر الثاني يكون معترضا ً في الفق ‪ ،‬والفجر الول‬
‫يكون مستطيل ً ‪ ،‬أي ممتدا ً من المشرق إلى المغرب ‪ ،‬أما الفجر‬
‫الثاني فهو من الشمال إلى الجنوب‪.‬‬
‫الميزة الثانية ‪ :‬أن الفجر الثاني ل ظلمة بعده ‪ ،‬بل يستمر النور‬
‫في ازدياد حتى تطلع الشمس ‪ ،‬وأما الفجر الول فيظلم بعد أن‬
‫يكون له شعاع‪.‬‬
‫الميزة الثالثة‪ :‬أن الفجر الثاني متصل غيابه بالفق ‪ ،‬وأما الفجر‬
‫الول فبينه وبين الفق ظلمة‪ ،‬والفجر الول ليس له حكم في‬
‫الشرع ‪ ،‬فل تحل به صلة الفجر ول يحل به الطعام على الصائم‬
‫بخلف الفجر الثاني‪.‬‬

‫على من يجب الصيام؟‬


‫السؤال )‪ :(135‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬على من يجب الصيام؟‬
‫الجواب ‪ :‬الصيام يجب أداءً على كل مسلم بالغ عاقل قادر مقيم‬
‫خال من الموانع ‪ ،‬فهذه ستة أوصاف ‪ ،‬مسلم بالغ عاقل قادر‬
‫مقيم خال من الموانع ‪ ،‬فأما الكافر فل يجب عليه الصوم ول‬
‫غيره من العبادات ‪ ،‬ومعنى قولنا ‪ :‬ل يجب عليه الصوم أنه ل يلزم‬
‫به حال كفره‪ ،‬ول يلزمه قضاؤه بعد إسلمه ‪ ،‬لن الكافر ل تقبل‬
‫م‬ ‫قب َ َ‬ ‫ن تُ ْ‬ ‫َ‬
‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫من َ َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫منه العبادة حال كفره ‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬
‫ه ()التوبة‪. (54 :‬‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وب َِر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫فُروا ِبالل ّ ِ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ه ْ‬‫م إ ِّل أن ّ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫قات ُ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫نَ َ‬
‫فُروا‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ول يلزمه قضاء العبادة إذا أسلم‪ ،‬لقوله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫ف ()النفال‪ ، (38 :‬لكنه يعاقب على‬ ‫سل َ َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫فْر ل َ ُ‬ ‫غ َ‬ ‫هوا ي ُ ْ‬ ‫ن ي َن ْت َ ُ‬ ‫إِ ْ‬
‫ما تركه من واجبات حال كفره ‪ ،‬لقوله تعالى عن أصحاب اليمين‬
‫قاُلوا‬ ‫قَر( )‪َ ) (42‬‬ ‫س َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫سل َك َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وهم يتساءلون عن المجرمين‪َ ) :‬‬
‫وك ُّنا‬ ‫ن( )‪َ ) (44‬‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ِ‬‫ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫ْ‬
‫ك ن ُط ِ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ن( )‪َ ) (43‬‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫لَ ْ‬
‫حّتى‬ ‫ن( )‪َ ) (46‬‬ ‫دي ِ‬ ‫وم ِ ال ّ‬ ‫ب ب ِي َ ْ‬ ‫وك ُّنا ن ُك َذّ ُ‬ ‫ن( )‪َ ) (45‬‬ ‫ضي َ‬ ‫خائ ِ ِ‬ ‫ع ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ض َ‬ ‫خو ُ‬ ‫نَ ُ‬
‫ن( )المدثر‪. (47-42:‬‬ ‫قي ُ‬ ‫أ ََتاَنا الي َ ِ‬
‫ْ‬
‫فذكره ترك الصلة وإطعام المسكين من أسباب دخولهم النار‪،‬‬
‫يدل على أن لذلك تأثيرا ً في دخولهم النار ‪ ،‬بل إن الكافر يعاقب‬
‫على كل ما يتمتع به من نعم الله من طعام وشراب ولباس ‪،‬‬
‫ح‬‫جَنا ٌ‬ ‫ت ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬ ‫س َ‬ ‫لقول الله تعالى ‪) :‬ل َي ْ َ‬
‫مُنوا‬ ‫وآ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ات ّ َ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫وآ َ‬ ‫وا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما ات ّ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫موا إ ِ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ما طَ ِ‬ ‫في َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫م ات ّ َ‬
‫ن( )المائدة‪ ، (39:‬فنفي‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫والل ُ‬ ‫سُنوا َ‬ ‫ح َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫وا َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ثُ ّ‬
‫الجناح عن المؤمنين فيما طعموا يدل على ثبوت الجناح على غير‬
‫ة الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫زين َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫حّر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫المؤمنين فيما طعموا ‪ ،‬ولقوله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫في‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ي ل ِل ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن الّرْز ِ‬ ‫م َ‬ ‫ت ِ‬ ‫والطّي َّبا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ج لِ ِ‬ ‫خَر َ‬ ‫ال ِّتي أ َ ْ‬
‫ة( )العراف‪. (32:‬‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ص ً‬ ‫خال ِ َ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ة( يدل‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ة يَ ْ‬ ‫ص ً‬ ‫خال ِ َ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫فقوله ‪) :‬ل ِل ّ ِ‬
‫على أن الحكم في غير المؤمنين يختلف عن الحكم في‬
‫المؤمنين ‪ ،‬ولكن إذا أسلم الكافر في أثناء رمضان لم يلزمه‬
‫القضاء فيما سبق إسلمه‪ ،‬فإذا أسلم ليلة الخامس عشر مثل ً ‪،‬‬
‫فاليام الربعة عشر ل يلزمه قضاؤها ‪ ،‬وإذا أسلم في أثناء اليوم‬
‫لزمه المساك دون القضاء ‪ ،‬فإذا أسلم عند زوال الشمس مثل ً‬
‫قلنا له ‪ :‬أمسك بقية يومك ول يلزمك القضاء‪ ،‬فنأمره بالمساك ‪،‬‬
‫لنه صار من أهل الوجوب ‪ ،‬ول نأمره بالقضاء ‪ ،‬لنه قام بما وجب‬
‫عليه وهو المساك من حين أسلم ‪ ،‬ومن قام بما يجب عليه لم‬
‫يكلف بإعادة العبادة مرة ثانية ‪.‬‬
‫أما العقل فهو الوصف الثاني للوجوب ‪ ،‬العقل هو ما يحصل به‬
‫الميز أي ‪ :‬التمييز بين الشياء ‪ ،‬فإذا لم يكن النسان عاقل ً فإنه ل‬
‫صوم عليه ‪ ،‬كما أنه ل يجب عليه شيء من العبادات سوى الزكاة ‪،‬‬
‫ومن هذا النوع ‪ -‬أي ممن ليس له عقل ‪ -‬أن يبلغ النسان سنا ً‬
‫يسقط معه التمييز ‪ ،‬وهو ما يعرف عند العامة بالهذرات ‪ ،‬فل يلزم‬
‫المهذري صوم ‪ ،‬ول يلزم عنه إطعام ‪ ،‬لنه ليس من أهل الوجوب‪.‬‬
‫أما الوصف الثالث فهو البلوغ‪ ،‬ويحصل البلوغ بواحد من أمور ثلثة‬
‫‪ :‬إما أن يتم للنسان خمس عشرة سنة‪ ،‬أو أن ينبت العانة ‪ ،‬وهي‬
‫الشعر الخشن الذي يكون عند القبل‪ ،‬أو ينزل المني بلذة سواء‬
‫كان ذلك باحتلم أو بيقظة ‪ ،‬وتزيد المرأة أمرا ً رابعا ً وهو الحيض‪،‬‬
‫فإذا حاضت المرأة بلغت ‪ ،‬وعلى هذا فمن تم له خمس عشرة سنة‬
‫من ذكر أو أنثى فقد بلغ‪ ،‬ومن نبتت عانته ولو قبل خمس عشرة‬
‫سنة من ذكر أو أنثى فقد بلغ ‪ ،‬ومن أنزل منيا ً بلذة من ذكر أو‬
‫أنثى ولو قبل خمس عشرة سنة فقد بلغ‪ ،‬ومن حاضت ولو قبل‬
‫خمس عشرة سنة فقد بلغت ‪ ،‬وربما تحيض المرأة وهي بنت عشر‬
‫سنين ‪ ،‬وهنا يجب التنبه لهذه المسألة التي يغفل عنها كثير من‬
‫الناس ‪ ،‬فإن بعض النساء تحيض مبكرا ً ول تدري أنه يلزمها الصوم‬
‫وغيره ومن العبادات التي تتوقف أو التي يتوقف وجوبها على‬
‫البلوغ‪ ،‬لن كثيرا ً من الناس يظنون أن البلوغ إنما يكون بتمام‬
‫خمس عشرة سنة ‪ ،‬وهذا ظن ل أصل له ‪ ،‬فإذا لم يكن النسان‬
‫بالغا ً فإن الصوم ل يجب عليه‪.‬‬
‫ولكن ذكر أهل العلم أن الولي مأمور بأن يأمر موليه الصغير من‬
‫ذكر أو أنثى بالصوم ليعتاده حتى يتمرن عليه ويسهل عليه إذا بلغ‪،‬‬
‫وهذا ما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلونه ‪ ،‬فإنهم كانوا‬
‫يصومون أولدهم الصغار حتى إن الواحد منهم ليبكي فيعطى لعبة‬
‫من العهن يتلهى بها حتى تغرب الشمس)‪. (155‬‬
‫وأما الوصف الرابع فهو أن يكون النسان قادرا ً على الصوم ‪ ،‬أي‬
‫يستطيع أن يصوم بل مشقة ‪ ،‬فإن كان غير قادر فل صوم عليه‪.‬‬
‫ولكن غير القادر ينقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫القسم الول ‪ :‬أن يكون عجزه عن الصوم مستمرا ً دائما ً كالكبير‬
‫والمريض مرضا ً ل يرجى برؤه ‪ ،‬فهذا يطعم عن كل يوم مسكينا ً ‪،‬‬
‫فإذا كان الشهر ثلثين يوما ً أطعم ثلثين مسكينا ً ‪ ،‬وإذا كان الشهر‬
‫تسعة وعشرين يوما ً أطعم تسعة وعشرين مسكينا ً ‪ ،‬وللطعام‬
‫كيفيتان‪:‬‬
‫الكيفية الولى ‪ :‬أن يخرج حبا ً من أرز أو بر ‪ ،‬وقدره ربع صاع‬
‫بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أي خمس صاع بالصاع‬
‫المعروف هنا‪ ،‬ويساوي كيلوين وأربعين جراما ً من بر جيد رزين ‪،‬‬
‫يعني أنك إذا وزنت من البر الرزين الدجن ما يبلغ كيلوين وأربعين‬
‫جراما ً فإن هذا صاع بصاع النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والصاع‬
‫بصاع النبي صلى الله عليه وسلم أربعة أمداد ‪،‬فيكفي لربعة‬
‫مساكين ‪ ،‬ويحسن في هذه الحال أن تجعل معه إذا دفعته للفقير‬
‫شيئا ً يؤدمه من لحم أو غيره حسب ما تقتضي به الحال والعرف‪.‬‬
‫وأما الكيفية الثانية للطعام ‪ :‬فأن يصنع طعاما ً يكفي لثلثين‬
‫فقيرا ً أو تسعة وعشرين فقيرا ً حسب الشهر ويدعوهم إليه كما‬
‫ذكر ذلك عن أنس بن مالك رضي الله عنه حين كبر ‪ ،‬ول يجوز أن‬
‫يطعم شخصا ً واحدا ً مقدار ما يكفي الثلثين أو التسعة وعشرين ‪،‬‬
‫يعني لبد أن يكون عن كل يوم مسكين‪.‬‬
‫أما القسم الثاني من الوصف الرابع فهو العجز الذي يرجى‬
‫زواله ‪ ،‬فهو العجز الطارئ كمرض حدث على النسان في أيام‬
‫الصوم ‪ ،‬وكان يشق عليه أن يصوم ‪ ،‬فنقول له ‪ :‬أفطر وأقض يوما ً‬
‫َ‬
‫ة‬
‫عد ّ ٌ‬ ‫ر َ‬
‫ف ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫عَلى َ‬
‫س َ‬ ‫و َ‬‫ريضا ً أ ْ‬ ‫م ِ‬‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬‫م ْ‬
‫و َ‬‫مكانه‪ ،‬لقول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫خَر ()البقرة‪. (185 :‬‬ ‫ن أ َّيام ٍ أ ُ َ‬
‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫أما الوصف الخامس ‪ :‬أن يكون مقيما ‪ ،‬وضده المسافر‪ ،‬فالمسافر‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬‫وهو الذي فارق وطنه ل يلزمه الصوم ‪ ،‬لقول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫خَر ( ولكن الفضل أن‬ ‫ن أ َّيام ٍ أ ُ َ‬
‫م ْ‬‫عدّةٌ ِ‬ ‫ر َ‬
‫ف ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫عَلى َ‬
‫س َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫ريضا ً أ ْ‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫يصوم إل أن يشق عليه ‪ ،‬فالفضل الفطر‪ ،‬لقول أبي الدرداء‬
‫رضي الله عنه ‪ :‬كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في رمضان‬
‫في يوم شديد الحر وما فينا صائم إل رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬وعبد الله بن رواحه)‪ . (156‬أما إذا شق عليه الصوم فإنه‬
‫يفطر ولبد ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم شكي إليه أن الناس‬
‫قد شق عليهم الصيام فأفطر ‪ ،‬ثم قيل له ‪ :‬إن بعض الناس قد‬
‫صام فقال " أولئك العصاة ‪ ،‬أولئك العصاة")‪.(157‬‬
‫أما الوصف السادس‪ :‬أن يكون خاليا ً من الموانع أي من موانع‬
‫الوجوب‪ ،‬وهذا يختص بالمرأة ‪ ،‬فيشترط في وجوب الصوم عليها‬
‫أداء أل تكون حائضا ً ول نفساء ‪ ،‬فإن كانت حائضا ً أو نفساء فإنه ل‬
‫يجب الصوم ‪ ،‬وإنما تقتضي بدل اليام التي أفطرت‪ ،‬لقول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم مقررا ً ذلك " أليس إذا حاضت لم تصل ولم‬
‫تصم)‪ (158‬فإذا حاضت المرأة فل صوم عليها ‪ ،‬بل تقضي في أيام‬
‫أخر ‪ ،‬وهنا مسألتنا ينبغي التفطن لهما‪:‬‬
‫المسألة الولى ‪ :‬أن بعض النساء تطهر في آخر الليل وتعلم أنها‬
‫طهرت ‪ ،‬ولكنها ل تصوم ذلك اليوم ظنا ً منها أنها إذا لم تغتسل‬
‫فإنه ل يصح صومها ‪ ،‬وليس المر كذلك ‪ ،‬بل صومها يصح وإن لم‬
‫تغتسل إل بعد طلوع الفجر‪.‬‬
‫وأما المسألة الثانية‪ :‬فهي أن بعض النساء تكون صائمة فإذا‬
‫غربت الشمس وأفطرت جاءها الحيض قبل أن تصلي المغرب ‪،‬‬
‫فبعض النساء يقول ‪ :‬إنه إذا أتاها الحيض بعد الفطر وقبل صلة‬
‫المغرب فإن صومها ذاك النهار يفسد‪ ،‬وكذلك بعض النساء يبالغ‬
‫أيضا ً ويقول ‪ :‬إذا جاءها الحيض قبل صلة العشاء فإن صومها ذلك‬
‫اليوم يفسد‪ ،‬وكل هذا ليس بصحيح ‪ .‬المرأة إذا غابت الشمس‬
‫وهي لم تر الحيض خارجا ً فصومها صحيح ‪ ،‬حتى لو خرج بعد‬
‫غروب الشمس بلحظة واحدة‪ ،‬فصومها صحيح‪.‬‬
‫هذه ست أوصاف إذا اجتمعت في النسان وجب عليه صوم‬
‫رمضان أداء‪ ،‬ول يحل له أن يفطر ‪ ،‬فإن تخلف واحد منها فعلى ما‬
‫سمعت‪.‬‬

‫حكم صيام تارك الصلة‬


‫السؤال )‪ :(136‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم صيام تارك الصلة ؟‬
‫الجواب ‪ :‬تارك الصلة صومه ليس بصحيح ول يقبل منه‪ ،‬لن تارك‬
‫وا‬‫وآت َ ُ‬
‫صلةَ َ‬
‫موا ال ّ‬ ‫وأ َ َ‬
‫قا ُ‬ ‫ن َتاُبوا َ‬ ‫الصلة كافر مرتد‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫فإ ِ ْ‬
‫ن ( )التوبة‪ ، (11:‬ولقول النبي صلى الله‬ ‫دي ِ‬
‫في ال ّ‬
‫م ِ‬‫وان ُك ُ ْ‬
‫خ َ‬
‫فإ ِ ْ‬ ‫الّز َ‬
‫كاةَ َ‬
‫عليه وسلم " العهد الذي بيننا وبينهم الصلة ‪ ،‬فمن تركها فقد‬
‫كفر؟)‪ ،(159‬ولقوله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬بين الرجل وبين‬
‫الشرك والكفر ترك الصلة")‪ ، (160‬ولن هذا قول عامة الصحابة إن‬
‫لم يكن إجماعا ً منهم‪.‬‬
‫قال عبد الله بن شقيق رحمه الله ‪ -‬وهو من التابعين المشهورين‬
‫كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ل يرون شيئا ً تركه كفر‬
‫غير الصلة ‪ .‬وعلى هذا فإذا صام النسان وهو ل يصلي فصومه‬
‫مردود غير مقبول ول نافع له عند الله يوم القيامة ‪ ،‬ونحن نقول‬
‫له ‪ :‬صل ثم صم ‪ ،‬أما أن تصوم ول تصلي فصومك مردود عليك ‪،‬‬
‫لن الكافر ل تقبل منه العبادة‪.‬‬

‫حكم من يصلي ويصوم في رمضان فقط؟‬


‫السؤال )‪ :(137‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم من يصوم ويصلي إذا‬
‫جاء رمضان لكن إذا انسلخ رمضان انسلخ من الصلة الصيام؟‬
‫الجواب ‪ :‬الذي يتبين لي من الدلة أن ترك الصلة ل يكون كفرا ً‬
‫إل إذا كان تركا ً مطلقا ً ‪ ،‬وأما من يصلي ويخلي ‪ ،‬فيصلي بعض‬
‫الحيان ويترك بعض الحيان ‪ ،‬الذي يبدو لي من الدلة أنه ل يكفر‬
‫بذلك ‪ ،‬لقوله ‪ " :‬العهد الذي بيننا وبينهم الصلة ‪ ،‬فمن تركها ‪ -‬أي‬
‫الصلة ‪ -‬فقد كفر"‪ ،‬ولقوله‪ " :‬بين الرجل وبين الشرك والكفر‬
‫ترك الصلة" ولكن هذا الرجل الذي ل يصلي ول يصوم إل في‬
‫رمضان أنا في شك من إيمانه لنه لو كان مؤمنا ً حقا لكان يصلي‬
‫في رمضان وفي غيره أما كونه ل يعرف ربه إل في رمضان فأنا‬
‫أشك في إيمانه لكني ل أحكم بكفره بل أتوقف فيه وأمره إلى‬
‫الله عز وجل‪.‬‬
‫حكم من يصوم أياما ً ويفطر أياما ً‬
‫السؤال )‪ :(138‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم من يصوم أياما ً‬
‫ويفطر أخرى؟‬
‫الجواب ‪ :‬جواب هذا السؤال يمكن أن يفهم مما سبق ‪ ،‬وهو أن‬
‫هذا الذي يصوم يوما ً ويدع يوما ً ل يخرج من السلم ‪ ،‬بل يكون‬
‫فاسقا ً لتركه هذه الفريضة العظيمة التي هي أحد أركان السلم‪،‬‬
‫ول يقضي اليام التي أفطرها ‪ ،‬لن قضاءه إياها ل يفيد شيئًا‪،‬‬
‫فإنه ل يصلي بناء على ما أشرنا إليه سابقا ً من أن العبادة الموقتة‬
‫إذا أخرها النسان عن وقتها المحدد بل عذر فإنها ل تقبل منه‪.‬‬

‫قضاء الشهر الفائتة‬


‫السؤال )‪ :(139‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬إذا كان النسان قد ترك أشهرا ً‬
‫من رمضان بعد بلوغه ثم التزم الن ‪ ،‬فهل يلزمه قضاء هذه‬
‫الشهر؟‬
‫الجواب ‪ :‬القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه ل يلزمه قضاء‬
‫هذه الشهر التي تكرها بل عذر ‪ ،‬بناء على ما سبق أن العبادة‬
‫الموقتة إذا أخرها النسان عن وقتها المحدد لها شرعا ً فإنها ل‬
‫تقبل منه‪ ،‬فقضاؤه إياها ل يفيده شيئا ً ‪ ،‬وقد ذكرنا فيما سبق‬
‫دليل ذلك من الكتاب والسنة والقياس‪ ،‬وعلى هذا فإذا كان‬
‫النسان في أول شبابه ل يصلي ول يصوم ثم من الله عليه‬
‫بالهداية وصلى وصام ‪ ،‬فإنه ل يلزمه قضاء ما فاته من صلة‬
‫وصيام ‪ ،‬وكذلك لو كان يصلي ويزكي ولكنه ل يصوم فمن الله‬
‫عليه بالهداية وصار يصوم ‪ ،‬فإنه ل يلزمه قضاء ذلك الصوم بناء‬
‫على ما سبق تقريره ‪ ،‬وهو أن العبادة الموقتة بوقت إذا أخرها‬
‫النسان عن وقتها بل عذر لم تقبل منه‪ ،‬وإذا لم تقبل منه لم‬
‫يفده قضاؤه إياها شيئًا‪.‬‬

‫العذار المبيحة للفطر‬


‫السؤال )‪ :(140‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي العذار المبيحة للفطر‬
‫في شهر رمضان المبارك ؟‬
‫الجواب ‪ :‬العذار المبيحة للفطر سبق الشارة إلى بعضها وهو ‪:‬‬
‫المرض‪ ،‬والسفر ‪ ،‬ومن العذار أن تكون المرأة حامل ً تخاف على‬
‫نفسها أو على جنينها‪ ،‬ومن العذار أيضا ً أن تكون المرأة مرضعا ً‬
‫تخاف إذا صامت على نفسها أو على رضيعها‪ ،‬ومن العذار أيضا ً‬
‫أن يحتاج النسان إلى الفطر لنقاذ معصوم من هلكلة مثل أن‬
‫يجد غريقا ً في البحر أو شخصا ً بين أماكن محيطة به فيها نار‪،‬‬
‫فيحتاج في إنقاذه إلى الفطر ‪ ،‬فله حينئذ أن يفطر ويمتدح ‪،‬‬
‫ومن ذلك أيضا ً إذا احتاج النسان إلى الفطر للتقوي على الجهاد‬
‫في سبيل الله ‪ ،‬فإن ذلك من أسباب إباحة الفطر له ‪ ،‬لن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قال لصحابه في غزوة الفتح ‪ " :‬إنكم‬
‫مصبحوا عدوكم‪ ،‬والفطر أقوى لكم فأفطروا")‪ ، (161‬فإذا وجد‬
‫السبب المبيح للفطر وأفطر النسان به ‪ ،‬فإنه ل يلزمه المساك‬
‫بقية ذلك اليوم‪.‬‬
‫فإذا قدر أن شخصا ً أفطر لنقاذ معصوم من هلكة فإنه يستمر‬
‫مفطرا ً ‪ ،‬لنه أفطر بسبب يبيح له الفطر ‪ ،‬فل يلزمه المساك‬
‫حينئذ ‪ ،‬لكون حرمة ذلك اليوم قد زالت بالسبب المبيح للفطر‪.‬‬
‫ولهذا نقول ‪ :‬القول الراجح في هذه المسألة أن المريض لو برئ‬
‫في أثناء النهار وكان مفطرا ً فإنه ل يلزمه المساك‪ ،‬ولو قدم‬
‫المسافر أثناء النهار إلى بلده وكان مفطرا ً فإنه ل يلزمه المساك‬
‫‪ ،‬ولو طهرت الحائض في أثناء النهار فإنه ل يلزمها المساك ‪ ،‬لن‬
‫هؤلء كلهم أفطروا بسبب مبيح للفطر ‪ ،‬فكان ذلك اليوم في‬
‫حقهم ل حرمة له بإباحة الشرع الفطار فيه ‪ ،‬فل يلزمه المساك‬
‫إذا زال السبب المبيح للفطر‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(141‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن ما الفرق بين هذه الحالة‬
‫لو جاء العلم بدخول رمضان في أثناء النهار؟‬
‫الجواب ‪ :‬الفرق بينهما ظاهر ‪ ،‬لنه إذا قامت البينة في أثناء‬
‫النهار فإنه يلزمه المساك‪ ،‬لنه في أول النهار ‪ ،‬إنما أفطروا‬
‫بالعذر‪ ،‬عذر الجهل ‪ ،‬ولهذا لو كان عالمين بأن هذا اليوم من‬
‫رمضان لزمهم المساك‪ ،‬أما أولئك القوم الخرون الذين أشرنا‬
‫إليهم فهم يعلمون أنه من رمضان ‪ ،‬لكن الفطر مباح لهم ‪ ،‬بينهما‬
‫فرق ظاهر‪.‬‬

‫مفسدات الصوم‬
‫السؤال )‪ :(142‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي مفسدات الصوم؟ وهل‬
‫لها شروط؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم مفسدات الصوم هي المفطرات ‪ ،‬وهي ‪ :‬الجماع ‪،‬‬
‫والكل والشرب‪ ،‬وإنزال المني بشهوة ‪ ،‬وما بمعنى الكل‬
‫والشرب‪ ،‬والقيء عمدا ً ‪ ،‬والحجامة ‪ ،‬وخروج دم الحيض والنفاس ‪،‬‬
‫هذه ثمانية مفطرات‪.‬‬
‫ن‬
‫ه ّ‬
‫شُرو ُ‬ ‫ن َبا ِ‬ ‫فاْل َ‬ ‫أما الكل والشرب والجماع‪ :‬فدليلها قوله تعالى ) َ‬
‫ط‬‫خي ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َك ُ ُ‬
‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬ ‫شَرُبوا َ‬ ‫وا ْ‬‫وك ُُلوا َ‬‫م َ‬‫ه ل َك ُ ْ‬‫ب الل ّ ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬
‫غوا َ‬
‫واب ْت َ ُ‬ ‫َ‬
‫ل(‬ ‫ي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫إ‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ص‬ ‫ال‬ ‫موا‬ ‫ت‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ر‬‫ج‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫د‬‫و‬ ‫س‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫ْ‬ ‫ا‬ ‫ط‬ ‫ي‬‫خ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ْ ِ‬ ‫ّ َ َ ِ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬ ‫ْ ِ ّ‬ ‫ْ َ ِ ِ َ‬ ‫ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ا ْ َ ُ ِ َ‬
‫م‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫ل‬
‫)البقرة‪. (187 :‬‬
‫وأما إنزال المني بشهوة ‪ :‬فدليله قوله تعالى في الحديث‬
‫القدسي‪ " :‬يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجلي")‪.(162‬وإنزال‬
‫المني شهوة ‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬وفي بضع‬
‫أحدكم صدقة" قالوا ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬أيأتي أحدنا شهوته ويكون‬
‫له فيها أجر؟ قال ‪ " :‬أرأيتم لو وضعها في حرام ‪ ،‬أكان عليه فيها‬
‫وزر؟ فكذلك إذا وضعها في حلل كان له أجر")‪ (163‬والذي يوضع‬
‫إنما هو المني الدافق ‪ ،‬ولهذا كان القول الراجح أن المذي ل‬
‫يفسد الصوم حتى وإن كان بشهوة‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬ما كان بمعنى الكل والشرب‪ ،‬وهي البر المغذية التي‬
‫يستغني بها عن الكل والشرب ‪ ،‬لن هذه وإن كانت ليست أكل ً‬
‫ول شربا ً لكنها بمعنى الكل والشرب حيث يستغنى بها عنه‪ ،‬وما‬
‫كان بمعنى الشيء فله حكمه‪ ،‬ولذلك يتوقف بقاء الجسم على‬
‫تناول هذه البر‪ ،‬بمعنى أن الجسم يبقى على هذه البر وإن كان‬
‫ل يتغذى بغيرها ‪ ،‬أما البر التي ل تغذي ول تقوم مقام الكل‬
‫والشرب ‪ ،‬فهذه ل تفطر سواء تناولها النسان في الوريد أو في‬
‫العضلت أو في أي مكان في بدنه‪.‬‬
‫والسادس‪ :‬القيء عمدا ً ‪ ،‬أي ‪ :‬أن يتقيأ النسان ما في بطنه حتى‬
‫يخرج من فمه ‪ ،‬لحديث أبي هريرة رضي الله عنه ‪ ،‬أن الني صلى‬
‫الله عليه وسلم قال ‪ " :‬من استقاء عمدا ً فليقض‪ ،‬ومن ذرعه‬
‫القيء فل قضاء عليه")‪ .(164‬والحكمة في ذلك أنه إذا تقيأ فرغ‬
‫بطنه من الطعام ‪ ،‬واحتاج البدن إلى ما يرد عليه هذا الخلو ‪ ،‬ولهذا‬
‫نقول ‪ :‬إذا كان الصوم فرضا ً فإنه ل يجوز للنسان أن يتقيأ‪ ،‬لنه‬
‫إذا تقيأ ضر نفسه وأفسد صومه الواجب‪.‬‬
‫وأما السابع ‪ :‬وهو خروج دم الحجامة ‪ ،‬فلقول النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم " أفطر الحاجم والمحجوم")‪.(165‬‬
‫وأما خروج دم الحيض والنفاس ‪ ،‬فلقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم")‪ ،(166‬وقد أجمع أهل‬
‫العلم على أن الصوم ل يصح من الحائض ومثلها النفساء‪.‬‬
‫وهذه المفطرات وهي مفسدات الصوم ل تفسده إل بشروط ثلثة‬
‫وهي ‪ :‬العلم ‪ ،‬والذكر ‪ ،‬والقصد‪ ،‬أي أن الصائم ل يفسد صومه‬
‫بهذه المفسدات إل بشروط ثلثة‪:‬‬
‫أن يكون عالما ً بالحكم الشرعي ‪ ،‬وعالما ً بالوقت أي بالحال ‪ ،‬فإن‬
‫كان جاهل ً بالحكم الشرعي أو بالوقت فصيامه صحيح ‪ ،‬لقول الله‬
‫خطَأ َْنا()البقرة‪ ،(286 :‬فقال‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬
‫سيَنا أ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫خذَْنا إ ِ ْ‬‫ؤا ِ‬ ‫تعالى ‪َ ) :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫ح‬
‫جَنا ٌ‬‫م ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫س َ‬ ‫ول َي ْ َ‬‫‪ ،‬ولقوله تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫الله تعالى ‪ " :‬لقد فعلت"‬
‫(‬‫‪167‬‬ ‫)‬
‫ْ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫م()الحزاب‪ ،(5 :‬ولثبوت‬ ‫قُلوب ُك ُ ْ‬‫ت ُ‬ ‫مد َ ْ‬ ‫ع ّ‬
‫ما ت َ َ‬
‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬‫ه َ‬‫م بِ ِ‬‫خطَأت ُ ْ‬ ‫في َ‬
‫ِ‬
‫السنة في ذلك ‪ ،‬ففي الصحيح من حديث عدي بن حاتم رضي الله‬
‫عنه)‪(168‬أنه صام فجعل تحت وسادته عقالين وهما الحبلن اللذان‬
‫تشد بهما يد الجمل ‪ ،‬أحدهما أسود والثاني أبيض ‪ ،‬وجعل يأكل‬
‫ويشرب حتى تبين له البيض من السود ثم أمسك ‪ ،‬فلما أصبح‬
‫غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك ‪ ،‬فبين له‬
‫النبي صلى الله عليه أنه ليس المراد بالخيط البيض والسود في‬
‫الية الخيطين المعروفين ‪ ،‬وإنما المراد بالخيط البيض بياض‬
‫النهار‪ ،‬وبالخيط السود الليل أي ‪ :‬سواده ولم يأمره النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم بقضاء الصوم ‪ ،‬لنه كان جاهل ً بالحكم يظن أن‬
‫هذا هو معنى الية الكريمة‪.‬‬
‫وأما الجهل بالوقت فلحديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها ‪،‬‬
‫وهو في البخاري)‪ ،(169‬قالت ‪ :‬أفطرنا على عهد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في يوم غيم ثم طلعت الشمس ‪ ،‬ولم يأمرهم النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم بالقضاء ‪ ،‬ولو كان القضاء واجبا ً لمرهم به ‪،‬‬
‫ن ن َّزل َْنا‬‫ح ُ‬ ‫ولو أمرهم به لنقل إلى المة ‪ ،‬لقول الله تعالى ‪) :‬إ ِّنا ن َ ْ‬
‫ن( )الحجر‪ ، (9:‬فلما لم ينقل مع توافر‬ ‫ظو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫حا ِ‬ ‫ه لَ َ‬‫وإ ِّنا ل َ ُ‬‫الذّك َْر َ‬
‫الدواعي على نقله ‪ ،‬علم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يأمرهم به ‪ ،‬ولما لم يأمرهم به ‪ -‬أي بالقضاء ‪ -‬علم أنه ليس‬
‫بواجب ‪ ،‬وعلى هذا فلو قام النسان يظن أنه في الليل فأكل أو‬
‫شرب ‪ ،‬ثم تبين له أن أكله وشربه كان بعد طلوع الفجر ‪ ،‬فإنه‬
‫ليس عليه قضاء ‪ ،‬لنه كان جاهل ً ‪.‬‬
‫وأما الشرط الثاني ‪ :‬فهو أن يكون ذاكرا ً ‪ ،‬وضد الذكر النسيان ‪،‬‬
‫فلو أكل أو شرب ناسيا ً فإن صومه صحيح ول قضاء عليه لقول‬
‫خطَأ َْنا()البقرة‪، (286:‬‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬
‫سيَنا أ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫خذَْنا إ ِ ْ‬ ‫ؤا ِ‬‫الله تعالى ‪َ ) :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫‪ ،‬ولحديث أبي هريرة رضي الله‬ ‫)‪(170‬‬
‫فقال الله تعالى ‪" :‬قد فعلت"‬
‫عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ‪ " :‬من نسي وهو‬
‫‪.‬‬ ‫)‪(171‬‬
‫صائم فأكل أو شرب فليتم صومه‪ ،‬فإنما أطعمه الله وسقاه"‬
‫وأما الشرط الثالث وهو القصد ‪ ،‬فهو أن يكون النسان مختارا ً‬
‫لفعل هذا المفطر ‪ ،‬فإن كان غير مختار فإن صومه صحيح ‪ ،‬سواء‬
‫كان مكرها ً أم غير مكره‪ ،‬لقول الله تعالى في المكره على الكفر‪:‬‬
‫ُ‬
‫ن‬‫ما ِ‬ ‫ن ِبا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫مطْ َ‬ ‫ه ُ‬‫قل ْب ُ ُ‬‫و َ‬‫ره َ َ‬ ‫ن أك ْ ِ‬‫م ْ‬ ‫ه إ ِّل َ‬ ‫مان ِ ِ‬‫د ِإي َ‬ ‫ع ِ‬‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬‫فَر ِبالل ّ ِ‬
‫ن كَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫) َ‬
‫ب‬
‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ول َ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ض ٌ‬ ‫غ َ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫ف َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫درا ً َ‬ ‫ص ْ‬ ‫ر َ‬ ‫ف ِ‬‫ح ِبال ْك ُ ْ‬‫شَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫َ‬
‫م( )النحل‪ ، (106:‬فإذا كان الحكم ‪ -‬حكم الكفر ‪ -‬يرتفع‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫بالكراه فما دونه من باب أولى ‪ ،‬وللحديث الذي يروى عن رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ " :‬أن الله رفع عن أمتي الخطأ‬
‫والنسيان وما استكرهوا عليه")‪ ،(172‬وعلى هذا فلو طار إلى أنف‬
‫الصائم غبار ووجد طعمه في حلقه ونزل إلى معدته فإنه ل يفطر‬
‫بذلك ‪ ،‬لنه لم يتقصده‪ ،‬وكذلك لو أكره على الفطر فأفطر دفعا ً‬
‫للكراه فإن صومه صحيح‪ ،‬لنه غير مختار ‪ ،‬كذلك لو احتلم وهو‬
‫نائم ‪ ،‬فإن صومه صحيح ‪ ،‬لن النائم ل قصد له ‪ ،‬وكذلك لو أكره‬
‫الرجل زوجته وهي صائمة فجامعها فإن صومها صحيح ‪ ،‬لنها غير‬
‫مختارة‪ ،‬وهاهنا مسألة يجب التفطن لها ‪ ،‬وهي أن الرجل إذا‬
‫أفطر بالجماع في نهار رمضان ‪ ،‬والصوم واجب عليه ‪ ،‬فإنه يلزم‬
‫حقه أو يترتب على جماعة أمور‪:‬‬
‫الول ‪ :‬إثم ‪.‬‬
‫والثاني ‪ :‬القضاء‪.‬‬
‫والثالث ‪ :‬الكفارة‪.‬‬
‫ً‬
‫ويلزمه المساك بقية يومه‪ ،‬ول فرق بين أن يكون عالما بما يجب‬
‫عليه في هذا الجماع أو جاهل ً ‪ ،‬يعني أن الرجل إذا جامع في صيام‬
‫رمضان والصوم واجب عليه ولكنه ل يدري أن الكفارة تجب عليه‬
‫فإن الكفارة واجبة‪ ،‬لنه تعمد المفسد ‪ ،‬وتعمده مفسد تستلزم‬
‫ترتب الحكام عليه ‪ ،‬بل في حديث أبي هريرة)‪ (173‬أن رجل ً جاء إلى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فقال ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬هلكت ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫" ما أهلكك؟" قال ‪ :‬وقعت على امرأتي في رمضان وأنام صائم ‪،‬‬
‫فأمره النبي صلى الله عليه وسلم بالكفارة مع أن الرجل ل يعلم‬
‫عنها‪.‬‬
‫وفي قولنا ‪ :‬فالصوم واجب عليه ‪ ،‬احتراز مما إذا جامع الصائم‬
‫في رمضان وهو مسافر مثل ً ‪ ،‬فإنه ل تلزمه الكفارة ‪ ،‬مثل أن‬
‫يكون الرجل مسافرا ً بأهله في رمضان وهما صائمان ‪ ،‬ثم يجامع‬
‫أهله ‪ ،‬فإنه ليس عليه كفارة ‪ ،‬وذلك لن المسافر إذا شرع في‬
‫الصيام ل يلزمه إتمامه ‪ ،‬إن شاء أفطر وقضى ‪ ،‬وإن شاء استمر‪.‬‬

‫صيام الصبي‬
‫السؤال )‪ :(143‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هو حكم صيام الصبي الذي‬
‫لم يبلغ ؟‬
‫الجواب ‪ :‬صيام الصبي كما أسلفنا ليس بواجب عليه ‪ ،‬ولكن على‬
‫ولي أمره أن يأمره به ليعتاده ‪ ،‬وهو ‪ -‬أي الصيام ‪ -‬في حق الصبي‬
‫سنة ‪ ،‬له أجر بالصوم‪ ،‬وليس عليه وزر إذا تركه‪.‬‬
‫الذي لم يبلغ ُ‬

‫صيام المجنون‬
‫السؤال )‪ :(144‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم صيام من يعقل زمنا ً‬
‫ويجن زمنا ً آخر ‪ ،‬أو يعقل زمنا ً ويخرف ويهذري زمنا ً آخر؟‬
‫الجواب ‪:‬الحكم يدور مع علته‪ ،‬ففي الوقات التي يكون فيها‬
‫صاحيا ً عاقل ً يجب عليه الصوم ‪ ،‬وفي الوقات التي يكون فيها‬
‫مجنونا ً مهذريا ً ل صوم عليه ‪ ،‬فلو فرض أنه يجن يوما ً ويفيق‬
‫يوما ً ‪ ،‬أو يهذري يوما ً ويصحو يوما ً ‪ ،‬ففي اليوم الذي يصحو فيه‬
‫يلزمه الصوم ‪ ،‬وفي الذي ل يصحو فيه ل يلزمه الصوم‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(145‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن لو حدث له أثناء النهار أن‬
‫كان عاقل ً ثم ذهب عقله؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا جن في أثناء النهار بطل صومه‪ ،‬لنه صار من غير‬
‫أهل العبادة‪ ،‬وكذلك إذا هذرى في أثناء اليوم فإنه ل يلزمه‬
‫إمساكه‪ ،‬ولكنه يلزمه القضاء‪ ،‬وكذلك الذي جن في أثناء النهار‬
‫يلزمه القضاء‪ ،‬لنه في أول النهار كان من أهل الوجوب‪.‬‬

‫صيام يوم الشك‬


‫السؤال )‪ :(146‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم صيام يوم الشك‬
‫خشية أنه من رمضان؟‬
‫الجواب ‪ :‬صيام يوم الشك أقرب القوال فيه أنه حرام ‪ ،‬لقول‬
‫عمار بن ياسر ‪ " :‬من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا‬
‫القاسم صلى الله عليه وسلم"‪ ،‬ولن الصائم في يوم الشك متعد‬
‫لحدود الله عز وجل ‪ ،‬لن حدود الله أن ل يصام رمضان إل برؤيته‬
‫أي برؤية هلله ‪ ،‬أو إكمال شعبان ثلثين يوما ً ‪ ،‬ولهذا قال النبي‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ " :‬ل يتقدمن أحدكم رمضان بصوم يوم أو‬
‫يومين إل أن يكون رجل ً كان يصوم صوما ً فليصمه")‪.(174‬‬
‫ثم إن النسان الذي تحت ولية مسلمة يتبع وليته ‪ ،‬فإذا ثبت عند‬
‫ولي المر دخول الشهر فليصم تبعا ً للمسلمين ‪ ،‬وإذا لم يثبت فل‬
‫يصم ‪ ،‬وقد سبق لنا في أول كتاب الصيام ما إذا رأى النسان‬
‫وحده هلل رمضان هل يصوم أو ل يصوم؟‬

‫صام في بلد ثم انتقل إلى بلد آخر‬


‫السؤال )‪ :(147‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم من صام في بلد‬
‫مسلم ثم انتقل إلى بلد آخر تأخر أهله عن البلد الول ولزم‬
‫من متابعتهم صيام أكثر من ثلثين يوم أو العكس؟‬
‫الجواب ‪ :‬إذا انتقل النسان من بلد إسلمي إلى بلد إسلمي‬
‫وتأخر إفطار البلد الذي انتقل إليه ‪ ،‬فإنه يبقى معهم حتى‬
‫يفطروا ‪ ،‬لن الصوم يوم يصوم الناس ‪ ،‬والفطر يوم يفطر الناس‬
‫‪ ،‬والضحى يوم يضحي الناس ‪ ،‬فهو كما لو سافر إلى بلد تأخر‬
‫فيه غروب الشمس ‪ ،‬فإنه قد يزيد عن اليوم المعتاد ساعتين أو‬
‫ثلثا ً أو أكثر ‪ ،‬ولنه إذا انتقل إلى البلد الثاني فإن الهلل لم ير‬
‫فيه ‪ ،‬وقد أمر النبي عليه الصلة والسلم أن ل نصوم إل لرؤيته‪،‬‬
‫وكذلك قال ‪" :‬أفطروا لرؤيته")‪ ،(175‬وأما العكس مثل أن ينتقل من‬
‫بلد تأخر ثبوت الشهر عنده‪ ،‬إلى بلد تقدم فيه ثبوت الشهر فإنه‬
‫يفطر معهم‪ ،‬ويقضي ما فاته من رمضان ‪ ،‬إن فاته يوم قضي‬
‫يوما ً ‪ ،‬وإن فاته يومان قضي يومين‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(148‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن قد يقول قائل ‪ :‬لماذا‬
‫يؤمر بصيام أكثر من ثلثين يوما ً في الولى ويقضي في‬
‫الثانية ؟‬
‫الجواب ‪ :‬يقضي في الثانية لن الشهر ل يمكن أن ينقص عن‬
‫تسعة وعشرين يوما ً ‪ ،‬ويزيد على الثلثين يوما ً ‪ ،‬لنه لم ير‬
‫الهلل ‪ ،‬وفي الول قلنا له أفطر وإن تم تتم تسعة وعشرين يوما ً‬
‫‪ ،‬لن الهلل رؤي فإذا رؤي لبد من الفطر‪ ،‬يعني يمكن أن تصوم‬
‫يوما ً من شوال ‪ ،‬ولما كنت ناقصا ً عن تسعة وعشرين لزمك أن‬
‫تتم تسعة وعشرين‪ ،‬بخلف الثاني فإنه ل يزال في رمضان ‪ ،‬إذا‬
‫قدمت إلى بلد لم يروا الهلل فأنت في رمضان فكيف تفطر‬
‫فيلزمك البقاء وإذا زاد عليك الشهر فهو كزيادة الساعات في‬
‫اليوم‪.‬‬

‫آداب الصيام‬
‫السؤال )‪ :(149‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي آداب الصيام؟‬
‫الجواب ‪ :‬من آداب الصيام لزوم تقوى الله عز وجل بفعل أوامره‬
‫َ‬
‫عل َي ْك ُ ُ‬
‫م‬ ‫مُنوا ك ُت ِ َ‬
‫ب َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬‫واجتناب نواهيه‪ ،‬لقوله تعالى ‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ن( )البقرة‪:‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬‫عل ّك ُ ْ‬
‫م لَ َ‬
‫قب ْل ِك ُ ْ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ن ِ‬ ‫عَلى ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ما ك ُت ِ َ‬
‫ب َ‬ ‫م كَ َ‬
‫صَيا ُ‬
‫ال ّ‬
‫‪ ، (183‬ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪":‬من لم يدع قول‬
‫الزور والعمل به والجهل ‪ ،‬فليس لله حاجة في أن يدع طعامه‬
‫وشرابه")‪. (176‬‬
‫ومن آداب الصيام ‪ :‬أن يكثر من الصدقة والبر والحسان إلى‬
‫الناس ‪ ،‬ل سيما في رمضان ‪ ،‬فلقد كان رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم أجود الناس ‪ ،‬وكان أجود ما يكون في رمضان حين‬
‫يلقاه جبريل فيدارسه القرآن)‪. (177‬‬
‫ومنها ‪ :‬أن يتجنب ما حرم الله عليه من الكذب والسب والشتم‬
‫والغش والخيانة‪ ،‬والنظر المحرم ‪ ،‬والستماع للشيء المحرم‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك من المحرمات التي يجب على الصائم وغيره أن يتجنبها‪،‬‬
‫ولكنها للصائم أوكد‪.‬‬
‫ومن آداب الصيام ‪ :‬أن يتسحر ‪ ،‬وأن يؤخر السحور ‪ ،‬لقول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ":‬تسحروا فإن في السحور بركة")‪. (178‬‬
‫ومن آدابه أيضا ً ‪ :‬أن يفطر على رطب ‪ ،‬فإن لم يجد فتمر ‪ ،‬فإن‬
‫لم يجد فعلى ماء ‪ ،‬وأن يبادر بالفطر من حين أن يتحقق غروب‬
‫الشمس أو يغلب على ظنه أنها غربت‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬ل يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر)‪.(179‬‬
‫حكم أكل وشرب من شك في طلوع الفجر‬
‫السؤال )‪ :(150‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم أكل وشرب من شك‬
‫في طلوع الفجر؟‬
‫الجواب ‪ :‬يجوز للنسان أن يأكل ويشرب حتى يتبين له الفجر‪،‬‬
‫م‬‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ب الل ّ ُ‬ ‫ما ك َت َ َ‬
‫غوا َ‬‫واب ْت َ ُ‬‫ن َ‬ ‫ه ّ‬‫شُرو ُ‬ ‫ن َبا ِ‬ ‫فاْل َ‬ ‫لقول الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وِد‬‫س َ‬
‫ط ال ْ‬ ‫خي ْ ِ‬‫ن ال َ‬ ‫م َ‬
‫ض ِ‬‫خي ْط الب ْي َ ُ‬ ‫م ال َ‬‫ن لك ُ ُ‬ ‫حّتى ي َت َب َي ّ َ‬‫شَرُبوا َ‬ ‫وا ْ‬ ‫وك ُُلوا َ‬
‫َ‬
‫ل()البقرة‪ ، (187 :‬فما دام لم‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م إ ِلى اللي ْ ِ‬ ‫صَيا َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫م أت ِ ّ‬
‫رث ّ‬ ‫ج ِ‬
‫ن الف ْ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫ً‬
‫يتيقن أن الفجر قد طلع فله الكل ولو كان شاكا حتى يتقين ‪،‬‬
‫بخلف من شكل في غروب الشمس ‪ ،‬فإنه ل يأكل حتى يتيقن‬
‫غروب الشمس أو يغلب على ظنه غروب الشمس‪.‬‬

‫حكم من يأكل أثناء الذان‬


‫السؤال )‪ :(151‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬أيضا ً كثير من الناس يأكل‬
‫أثناء أذان الفجر حتى يكتمل الذان ‪ ،‬فما حكم هذا الكل الذي‬
‫يكون في أثناء الذان؟‬
‫الجواب ‪ :‬حكم هذا الكل الذي يكون في أثناء الذان حسب أذان‬
‫المؤذن ‪ ،‬فإن كان ل يؤذن إل بعد أن يتيقن طلوع الفجر ‪ ،‬فإن‬
‫الواجب المساك من حين أن يؤذن ‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ " :‬كلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم")‪ ، (180‬وإن كان ل‬
‫يتيقن طلوع الفجر ‪ ،‬فالولى أن يمسك إذا أذن ‪ ،‬وله أن يأكل‬
‫حتى يفرغ المؤذن ما دام لم يتيقن ‪ ،‬لن الصل بقاء الليل ‪ ،‬لكن‬
‫الفضل الحتياط ‪ ،‬وأن ل يأكل بعد أذان الفجر‪.‬‬

‫العموم والغوص في الماء للصائم‬


‫السؤال )‪ :(152‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم العوم للصائم أو‬
‫الغوص في الماء؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل بأس أن يغوص الصائم في الماء أو يعوم فيه يسبح‪،‬‬
‫لن ذلك ليس بالمفطرات ‪ ،‬والصل الحل حتى يقوم دليل على‬
‫الكراهة أو على التحريم ‪ ،‬وليس هناك دليل على التحريم ول على‬
‫الكراهة ‪ ،‬وإنما كرهه بعض أهل العلم خوفا ً من أن يدخل إلى‬
‫حلقه شيء وهو ل يشعر به‪.‬‬

‫القطرة والمرهم للصائم‬


‫السؤال )‪ :(153‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم القطرة والمرهم في‬
‫العين؟‬
‫الجواب‪ :‬ل باس للصائم أن يكتحل وأن يقطر في عينه‪ ،‬وأن‬
‫يقطر كذلك في أذنه‪ ،‬حتى وإن وجد طعمه في حلقه‪ ،‬فإنه ل‬
‫يفطر بهذا؛ لنه ليس بأكل ول شرب‪ ،‬ول بمعني الكل والشرب‪،‬‬
‫والدليل إنما جاء في منع الكل والشرب‪ ،‬فل يلحق بهما ما ليس‬
‫في معناهما‪.‬‬
‫وهذا الذي ذكرناه هو اختيار شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله ‪،‬‬
‫وهو الصواب‪.‬‬

‫استعمال فرشة السنان أثناء الذان أو بعده‬


‫السؤال )‪ : (154‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم ضرب السنان‬
‫بالفرشاة والمعجون بعد أذان الفجر أو أثناء الذان؟‬
‫الجواب ‪ :‬أثناء الذان سبق في الكل والشرب‪ ،‬وهو أعظم من‬
‫ضرب الفرشاة‪ ،‬أما بعد الذان‪ ،‬والصلح أن تقول بعد طلوع الفجر‬
‫سواء مباشرة أو في أثناء النهار‪ ،‬فل باس أن ينظف النسان‬
‫أسنانه بالفرشاة والمعجون‪ ،‬لكن نظرا ً لقوة نفوذ المعجون ينبغي‬
‫أل يستعمله النسان في حال الصيام‪ ،‬لنه ينفذ إلى الحلق‬
‫والمعدة من غير أن يشعر به النسان‪ ،‬وليس هناك ضرورة تدعو‬
‫إليه‪ ،‬فليمسك حتى يفطر‪ ،‬ويكون عمله بهذا في الليل ل في‬
‫النهار‪ ،‬لكنه في الصل جائز ول بأس به‪.‬‬

‫حكم التحليل والتبرع بالدم للصائم‬


‫السؤال )‪ :(155‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم التحليل والتبرع بالدم‬
‫للصائم؟‬
‫الجواب‪ :‬التحليل للصائم ل بأس به يعني أخذ عينة من دمه لجل‬
‫الكشف عنها والختبار لها جائز ول بأس به‪ ،‬وأما التبرع بالدم‬
‫فالذي يظهر أن التبرع بالدم يكون كثيرا ً فيعطي حكم الحجامة‪،‬‬
‫ويقال للصائم ‪ :‬ل تتبرع بدمك إل إذا دعت الضرورة إلى ذلك‪ ،‬فل‬
‫بأس بهذا‪ ،‬مثل لو قال الطباء‪ :‬إن هذا الرجل الذي أصابه النزيف‬
‫إن لم نحقنه بالدم الن مات‪ ،‬ووجدوا صائما ً يتبرع بدمه‪ ،‬وقال‬
‫الطباء ‪ :‬لبد من التبرع الن فحينئذ ل بأس للصائم أن يتبرع بدمه‬
‫ويفطر بعد هذا‪ ،‬ويأكل ويشرب بقية يومه؛ لنه أفطر للضرورة‬
‫كإنقاذ الحريق والغريق‪.‬‬

‫استعمال المراهم والمرطبات أثناء الصيام‬


‫السؤال ) ‪ :(156‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هناك بعض الناس من الصوام‬
‫يجد نشوفة في أنفه أو في شفاهه ‪ ،‬فيستعمل بعض المراهم‬
‫أو المرطبات لذلك فما حكمه؟‬
‫الجواب ‪ :‬يجد بعض الصوام نشوفه في أنفه ونشوفه في شفتيه‪،‬‬
‫فل بأس أن يستعمل النسان ما يندي الشفتين والنف من مرهم‪،‬‬
‫أو يبله بالماء بخرقة أو شبه ذلك‪ ،‬ولكن يحترز من أن يصل شيء‬
‫إلى جوفه من هذا الشيء الذي أزال به النشوفة‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(157‬فضيلة الشيخ‪ ،‬لكن لو وصل شيء من غير‬
‫قصد؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا وصل شيء من غير قصد فل شيء عليه كما لو‬
‫تمضمض ووصل شيء إلى جوفه؛ فإنه ل يفطر بها‪.‬‬
‫حقن البر في العضل والوريد للصائم‬
‫السؤال )‪ : (158‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم حقن البر في العضل‬
‫وفي الوريد؟‬
‫الجواب‪ :‬حقن البر في الوريد والعضل والورك ليس فيه بأس‪،‬‬
‫ول يفطر به الصائم؛ لن هذا ليس من المفطرات ول بمعني‬
‫المفطرات‪ ،‬فهو ليس بأكل ول شرب‪ ،‬ول بمعني الكل والشرب‪،‬‬
‫وقد سبق أن قلنا أن ذلك ل يؤثر‪ ،‬وإنما المؤثر حقن المريض بما‬
‫يغني عن الكل والشرب‪.‬‬

‫المبالغة في المضمضة والستنشاق للصائم‬


‫السؤال )‪ : (159‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم المبالغة في‬
‫المضمضة والستنشاق في نهار رمضان للصائم؟‬
‫الجواب‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للقيط بن صبرة‪:‬‬
‫)) أسبغ الوضوء ‪ ،‬وخلل بين الصابع ‪ ،‬وبالغ في الستنشاق إل أن‬
‫تكون صائما ً)‪ ،(187‬وهذا يدل على أن الصائم ل يبالغ في الستنشاق‬
‫‪ ،‬وكذلك ل يبالغ في المضمضة ؛ لن ذلك قد يؤدي إلى نزول الماء‬
‫إلى جوفه‪ ،‬فيفسد به صومه‪ ،‬لكن لو فرض أنه بالغ ودخل جوفه‬
‫دون قصد‪ ،‬فإنه ل يفطر بذلك؛ لن من شروط الفطر كما سبق‬
‫أن يكون الصائم قاصدا ً لفعل ما يحصل به الفطر‪.‬‬

‫شم الطيب للصائم‬


‫السؤال )‪ : (160‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم شم الطيب سواء كان‬
‫من الرذاذ ) البخاخ( أو شم الطيب الذي هو البخور؟‬
‫الجواب‪ :‬شم الطيب ل بأس به سواء كان دهنا ً أم بخورا‪ ،‬لكن إذا‬
‫ً‬
‫كان بخورا ً فإنه ل يستنشق دخانه؛ لن الدخان له جرم ينفذ إلى‬
‫الجوف‪ ،‬فهو جسم يدخل إلى الجوف فيكون مفطرا ً كالماء‬
‫وشبهه‪ ،‬وأما مجرد شمه بدون أن يستنشقه حتى يصل إلى جوفه‬
‫فل بأس به‪.‬‬

‫الفرق بين البخور والقطرة‬


‫السؤال )‪ : (161‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ربما يقال‪ :‬ما الفرق بين‬
‫البخور والقطرة التي تنزل إلى الحلق ويطعم بها؟‬
‫الجواب‪ :‬الفرق بينهما أن الذي يستنشقه قد تعمد أن يدخله إلي‬
‫جوفه‪ ،‬وأما القطرة فلم يقصد أن تصل إلى جوفه‪ ،‬وإنما قصد أن‬
‫يقطر في أنفه فقط‪.‬‬

‫الكل والشرب ناسيا ً‬


‫السؤال )‪ :(162‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم من أكل أو شرب‬
‫ناسيًا؟ وكيف يصنع إذا ذكر أثناء ذلك؟‬
‫الجواب‪ :‬سبق الكلم أن الناسي ل يفسد صومه ولو أكل كثيرا ً‬
‫وشرب كثيرا ً ما دام على نسيانه‪ ،‬فصومه صحيح‪ ،‬لقول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬من نسي وهو صائم فأكل أو شرب‬
‫فليتم صومه‪ ،‬فإنما أطعمه الله وسقاه(()‪ (188‬ولكن يجب من حين‬
‫أن يذكر أن يمتنع عن الكل والشرب حتى لو فرضنا أن الكلة أو‬
‫الشربة في فمه وجب عليه لفظها‪ ،‬لن العذر الذي جعله الشارع‬
‫مانعا ً من التفطير قد زال‪.‬‬

‫ماذا يفعل من رأى صائما ً يأكل؟‬


‫السؤال) ‪ :(163‬فصيلة الشيخ‪ ،‬ينتشر عند كثير من الناس أن‬
‫النسان إذا رأى صائما ً يأكل أل يذكره‪ ،‬فما مدى صحة هذا‬
‫الكلم‪ ،‬وكيف يصنع من يرى صائما ً يأكل؟‬
‫الجواب‪ :‬من رأى صائما ً يأكل فليذكره؛ لن هذا من باب التعاون‬
‫على البر والتقوى‪ ،‬كما لو رأى النسان شخصا ً مصليا ً إلى غير‬
‫القبلة‪ ،‬أو رأى شخصا ً يريد أن يتوضأ بماء نجس وما أشبه ذلك‪،‬‬
‫فإنه يجب عليه تبيين المر له‪ ،‬والصائم وإن كان معذورا ً لنسيانه‬
‫لكن أخوه الذي يعلم بالحال يجب عليه أن يذكره‪ ،‬ولعل هذا يؤخذ‬
‫أيضا ً من قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬إنما أنا بشر مثلكم‬
‫أنسى كما تنسون ‪ ،‬فإذا نسيت فذكروني(()‪ (189‬فإنه إذا كان يذكر‬
‫الناسي في الصلة‪ ،‬فكذلك الناسي في الصوم يذكر‪.‬‬

‫خروج الدم من الصائم‬


‫السؤال )‪ :(164‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم خروج الدم من الصائم‬
‫من فمه أو أنفه أو بقية جسمه؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يضره خروج ذلك‪ ،‬يعني بغير قصد منه‪ ،‬فلو أرعف أنفه‬
‫وخرج منه دم كثير‪ ،‬فإن صومه صحيح ول قضاء عليه‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(165‬فضيلة الشيخ‪ ،‬فإن تسبب في خروج الدم كأن‬
‫يخلع ضرسه مث ً‬
‫ل؟‬
‫الجواب‪ :‬ل حرج عليه أيضًا‪ ،‬لنه لم يخلع ضرسه ليخرج الدم‪ ،‬وإنما‬
‫خلع ضرسه للم فيه‪ ،‬فهو إنما يريد إزالة هذا الضرس‪ ،‬والغالب أن‬
‫الدم الذي يخرج من خلع الضرس دم يسير ل يكون له معنى‬
‫الحجامة ‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(166‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا أفطر في الرض مثل ً ثم‬
‫أقعلت الطائرة وبانت له الشمس فما الحكم؟‬
‫الجواب‪ :‬الحكم أنه ل يلزمه المساك يعني أنه لما غربت الشمس‬
‫تم يومه وأفطر بمقتضى الدليل الشرعي‪ ،‬وما عمله النسان‬
‫بمقتضى الدليل الشرعي فإنه ل يؤمر بإعادته‪.‬‬

‫الجماع في نهار رمضان‪.‬‬


‫السؤال )‪ :(167‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم الجماع في نهار‬
‫رمضان ذاكرا ً أو ناسيًا؟ وما الذي يلزمه؟‬
‫الجواب‪ :‬الجماع في نهار رمضان كغيره من المفطرات ‪ ،‬إن كان‬
‫النسان في سفر ليس عليه في ذلك بأس سواء كان صائما ً أم‬
‫مفطرًا‪ ،‬لكن إذا كان صائما ً وجب عليه قضاء ذلك اليوم‪ ،‬وأما إن‬
‫كان ممن يلزمه الصوم‪ ،‬فإنه إن كان ناسيا ً فل شيء عليه أيضًا‪،‬‬
‫لن جميع المفطرات إذا نسي النسان فأصابها فصومه صحيح‪،‬‬
‫وإن كان ذاكرا ً ترتب على ذلك خمسة أمور‪ :‬الثم ‪ ،‬وفساد صوم‬
‫ذلك اليوم‪،‬ولزوم المساك‪ ،‬ولزوم القضاء والكفارة‪ ،‬والكفارة‬
‫عتق رقبة‪ ،‬فإن لم يجد فصيام شهرين متتابعين‪ ،‬فإن لم يستطع‬
‫فإطعام ستين مسكينًا؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رجل ً‬
‫جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسول الله ‪،‬‬
‫هلكت ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ما أهلكك؟(( قال‪:‬‬
‫وقعت على امرأتي في رمضان وأنا صائم‪ ،‬فذكر له النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم الكفارة عتق رقبة‪،‬فقال إنه ل يجد ‪ ،‬فقال‪ :‬صيام‬
‫شهرين متتابعين‪ ،‬فقال‪ :‬إنه ل يستطيع‪ ،‬فقال‪ :‬إطعام ستين‬
‫مسكينًا‪ ،‬فقال‪ :‬إنه ل يجد‪ ،‬ثم جلس الرجل وأتى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بتمر‪ ،‬فقال له النبي صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬خذ هذا‬
‫فتصدق به(( فقال الرجل‪ :‬أعلى أفقر مني يا رسول الله‪ ،‬فوالله‬
‫ما بين لبتيها أهل بيت أفقر مني‪ ،‬فضحك النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى بدت أنيابه أو نواجذه ثم قال‪ )) :‬أطعمه أهلك(()‪.(190‬‬
‫السؤال )‪ :(168‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا تعدد الجماع في اليوم أو‬
‫في شهر رمضان‪ ،‬فهل تتعدد هذه الكفارة؟‬
‫الجواب‪ :‬المشهور من مذهب المام أحمد أنه إذا تعدد في يوم‬
‫ولم يكفر عن الجماع الول لزمه كفارة واحدة‪ ،‬وإن تعدد في‬
‫يومين لزمه لكل يوم كفارة‪ ،‬لن كل يوم عبادة مستقلة‪.‬‬

‫صيام المسافر‬
‫السؤال) ‪ :(169‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم صيام المسافر إذا شق‬
‫عليه؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا شق عليه الصوم مشقة محتملة فهو مكروه؛ لن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجل ً قد غلب عليه‪ ،‬والناس حوله‬
‫زحام فقال‪ )) :‬ما هذا؟(( قالوا‪ :‬صائم‪ ،‬قال‪ )) :‬ليس من البر‬
‫الصيام في السفر(()‪ ، (191‬وأما إذا شق عليه مشقة شديدة فإن‬
‫الواجب عليه الفطر؛ لن الرسول صلى الله عليه وسلم لما شكا‬
‫إليه الناس أنهم قد شق عليهم الصيام أفطر ثم قيل له‪ :‬إن بعض‬
‫الناس قد صام‪ ،‬فقال‪ )) :‬أولئك العصاة‪ ،‬أولئك العصاة(()‪.(192‬‬
‫وأما من ل يشق عليه الصوم فالفضل أن يصوم اقتداء برسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬حيث كان كما قال أبوالدراء رضي الله‬
‫عنه‪ :‬كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في رمضان في حر‬
‫شديد وما منا صائم إل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعبد الله‬
‫)‪(193‬‬
‫بن رواحة‬
‫السؤال )‪ :(170‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل للفطر في السفر أيام‬
‫معدودة؟‬
‫الجواب‪ :‬ليس له أيام معدودة‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(171‬فضيلة الشيخ‪ ،‬يعني لو كان النسان يريد أن‬
‫يسافر مثل ً أو يبقى في مدينة غير مدينته أكثر من خمسة‬
‫أيام أو ستة أيام؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم له أن يفطر؛ لن الرسول عليه الصلة والسلم لما‬
‫فتح مكة دخلها في رمضان في العشرين منه‪ ،‬ولم يصم بقية‬
‫الشهر كما صح ذلك من حديث ابن عباس رضي الله عنه فيما‬
‫أخرجه البخاري عنه‪ ،‬وبقي بعد ذلك تسعة أيام أو عشرة فبقي‬
‫عليه الصلة والسلم في مكة تسعة عشر يوما ً يقصر الصلة‬
‫ويفطر في رمضان‪.‬‬
‫حكم صيام المعتمر‬
‫السؤال)‪ :(172‬فضيلة الشيخ‪ ،‬كثير من المسلمين يعتمر في‬
‫شهر رمضان المبارك‪ ،‬لكنه يتحرج عن الفطار؛ لنه ذهب‬
‫لعبادة‪ ،‬فما حكم صيام المعتمر في رمضان أثناء بقائه في‬
‫مكة؟‬
‫الجواب‪ :‬حكم صيامه أنه ل بأس به‪ ،‬وقد سبق لنا قبل قليل أن‬
‫المسافر إذا لم يشق عليه الصوم فالفضل أن يصوم‪ ،‬وإن أفطر‬
‫فل حرج عليه‪ ،‬وإذا كان هذا المعتمر يقول‪ :‬إن بقيت صائما ً شق‬
‫ي أداء نسك العمرة‪ ،‬فأنا بين أمرين‪:‬‬
‫عل ّ‬
‫إما أن أؤخر أداء أعمال العمرة إلى ما بعد غروب الشمس وأبقى‬
‫صائمًا‪ ،‬وإما أن أفطر وأؤدي أعمال العمرة حين وصولي إلى مكة‪،‬‬
‫فنقول له‪ :‬الفضل أن تفطر وأن تؤدي أعمال العمرة حين‬
‫وصولك إلى مكة؛ لن هذا ‪ -‬أعني أداء العمرة من حين الوصول‬
‫إلى مكة ‪ -‬هذا هو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫السفر في رمضان من أجل الفطار‬


‫السؤال )‪ :(173‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم السفر في شهر‬
‫رمضان من أجل الفطار؟ وكيف يكون ذلك؟‬
‫الجواب‪ :‬الصيام في الصل واجب على النسان‪ ،‬بل هو فرض‬
‫وركن من أركان السلم كما هو معروف‪ ،‬والشيء الواجب في‬
‫الشرع ل يجوز للنسان أن يفعل حيلة ليسقطه عن نفسه‪ ،‬فمن‬
‫سافر من أجل أن يفطر كان السفر حراما ً عليه‪ ،‬وكان الفطر‬
‫كذلك حراما ً عليه‪ ،‬فيجب عليه أن يتوب إلى الله عز وجل ‪ ،‬وأن‬
‫يرجع عن سفره ويصوم‪ ،‬فإن لم يرجع وجب عليه أن يصوم ولو‬
‫كان مسافرًا‪.‬‬
‫وخلصة الجواب‪ :‬أنه ل يجوز للنسان أن يتحيل على الفطار في‬
‫رمضان بالسفر‪ ،‬لن التحيل على إسقاط الواجب ل يسقط به‪،‬‬
‫كما أن التحيل على المحرم ل يجعله مباحًا‪.‬‬

‫قضاء الفائت من رمضان‬


‫السؤال)‪ :(174‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم قضاء الفائت من‬
‫رمضان‪ ،‬ومتى يكون ذلك؟‬
‫الجواب‪ :‬المبادرة بقضاء رمضان أفضل من التأخير؛ لن النسان‬
‫ل يدري ما يعرض له‪ ،‬كونه يبادر ويقضي ما عليه من دين الصوم‬
‫أحزم وأحرص على الخير‪،‬ولول حديث عائشة رضي الله عنها‬
‫ي الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضيه‬ ‫قالت‪ :‬كان يكون عل ّ‬
‫إل في شعبان)‪ . (194‬لول هذا الحديث لقلنا بوجوب المبادرة‪ ،‬وهذا‬
‫الحديث يدل على أن من عليه شيء من رمضان ل يؤخره إلى‬
‫رمضان التالي وهو كذلك ‪ ،‬فل يجوز لشخص عليه قضاء من‬
‫رمضان أن يؤخره إلى رمضان آخر إل من عذر‪ ،‬كما لو بقي مريضا ً‬
‫ل يستطيع‪ ،‬أو كانت امرأة ترضع ولم تستطع أن تصوم‪ ،‬فل حرج‬
‫عليها أن تؤخر قضاء رمضان الفائت إلى ما بعد رمضان التالي‪.‬‬

‫السؤال )‪ :(175‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هناك بعض المسلمين يعتبرون‬


‫العبادة إذا فاتت أنها تسقط‪ ،‬فإذا فاتت الصلة عن مكانها ل‬
‫تؤدى‪ ،‬وإذا فات رمضان أو فات شيء من رمضان ل‬
‫يصومونه ‪ ،‬فما حكم صيام الفائت من رمضان؟‬
‫الجواب‪ :‬سبق أن ذكرنا قاعدة وهي‪ :‬أن العبادات الموقتة إذا‬
‫أخرجها النسان عن وقتها بغير عذر فإنها ل تصح منه أبدًا‪ ،‬لو‬
‫كررها ألف مرة‪ ،‬وعليه أن يتوب‪ ،‬والتوبة كافية‪ ،‬أما إذا كان ترك‬
‫صيام رمضان لعذر من مرض أو سفر أو غيرهما فعليه القضاء كما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أّيام ٍ‬
‫م ْ‬
‫عدّةٌ ِ‬ ‫ر َ‬
‫ف ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫عَلى َ‬
‫س َ‬ ‫ريضا ً أ ْ‬
‫و َ‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫قال الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫خر()البقرة‪.(185 :‬‬‫أُ َ‬
‫السؤال )‪ :(176‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا أفطر النسان في شهر‬
‫رمضان ثم أتى رمضان الثاني دون عذر في قضاء هذا الفائت‬
‫فهل يلزمه شيء مع الداء؟‬
‫الجواب‪ :‬القول الراجح أنه ل يلزمه إل القضاء فقط‪ ،‬وأنه ل يلزمه‬
‫َ‬
‫عدّةٌ‬ ‫ر َ‬
‫ف ِ‬ ‫ف ٍ‬ ‫عَلى َ‬
‫س َ‬ ‫ريضا ً أ ْ‬
‫و َ‬ ‫م ِ‬
‫ن َ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫الطعام؛ لعموم قوله تعالى‪َ ( :‬‬
‫خر( فذكر الله تعالى عدة من أيام أخر ولم يذكر إطعامًا‪،‬‬ ‫ن أ َّيام ٍ أ ُ َ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫والصل براءة الذمة حتى يقوم دليل يدل على الوجوب‪.‬‬

‫الفرق بين الداء والقضاء في شهر رمضان‬


‫السؤال)‪ :(177‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل هناك فوارق بين الداء‬
‫والقضاء في شهر رمضان؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬بينهما فوارق عظيمة القضاء كما قلت آنفا ً موسع‬
‫إلى رمضان الثاني‪ ،‬والداء مضيق لبد أن يكون في شهر رمضان‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬الداء تجب الكفارة في الجماع فيه‪ ،‬والقضاء ل تجب الكفارة‬
‫في الجماع فيه‪ ،‬ثالثًا‪ :‬الداء إذا أفطر النسان في أثناء النهار بل‬
‫عذر فسد صومه‪ ،‬ولكن يلزمه المساك بقية اليوم احتراما ً للزمن‪،‬‬
‫وأما القضاء فإذا أفطر النسان في أثناء اليوم فسد صومه ولكن‬
‫ل يلزمه المساك؛ لنه ل حرمة للزمن في القضاء‪ ،‬إذ إن القضاء‬
‫واسع في كل اليام‪.‬‬

‫حكم من مات وعليه قضاء من رمضان‬


‫السؤال )‪ :(178‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم من مات وعليه قضاء‬
‫من شهر رمضان؟‬
‫الجواب‪ :‬إن مات وعليه قضاء من رمضان فإنه يصوم عنه وليه‬
‫وهو قريبه أو وارثه‪ ،‬لحديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى‬
‫)‪(195‬‬
‫الله عليه وسلم قال‪ )) :‬من مات وعليه صيام صام عنه وليه((‬
‫فإن لم يصم وليه أطعم عنه عن كل يوم مسكينًا‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(179‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا صام المسلم بعض رمضان‬
‫ثم توفي عن بقيته‪ ،‬فهل يلزم وليه أن يكمل عنه؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يلزم وليه أن يكمل عنه‪ ،‬ول أن يطعم عنه؛ لن الميت‬
‫إذا مات انقطع عمله كما قال النبي عليه الصلة والسلم‪)) :‬إذا‬
‫مات النسان انقطع عمله إل من ثلثة‪ :‬إل من صدقة جارية‪ ،‬أو‬
‫)‪(196‬‬
‫علم ينتفع به‪ ،‬أو ولد صالح يدعو له((‬
‫فعلى هذا إذا مات فإنه ل تقضى عنه ول يطعم عنه‪ ،‬بل حتى لو‬
‫مات في أثناء اليوم فإنه ل يصام عنه ول يطعم عنه‪.‬‬

‫صلة التراويح‬
‫السؤال )‪ :(180‬فضيلة الشيخ‪ ،‬مما يتعبد أو يتقرب به إلى الله‬
‫عز وجل في شهر رمضان التراويح‪ ،‬فما المقصود بالتراويح‬
‫والتهجد؟‬
‫الجواب‪ :‬التراويح‪ :‬القيام‪ ،‬قيام رمضان الذي قال فيه النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ )) :‬من قام رمضان إيمانا ً واحتسابا ً غفر له ما‬
‫تقدم من ذنبه(()‪ ، (197‬وسميت تراويح؛ لن الناس فيما سبق كانوا‬
‫يطيلونها‪ ،‬وكلما صلوا أربع ركعات‪ -‬يعني بتسليمتين ‪ -‬استراحوا‬
‫قليل ً ثم استأنفوا ‪ ،‬وعلى هذا يحمل حديث عائشة رضي الله‬
‫عنها‪ )) :‬كان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي أربعًا‪ ،‬فل تسألن‬
‫عن حسنهن وطولهن‪ ،‬ثم يصلي أربعًا‪ ،‬فل تسأل عن حسنهن‬
‫وطولهن‪ ،‬ثم يصلي ثلثًا(()‪ (198‬فإنها تريد بذلك أنه يصلي أربعا ً‬
‫بتسليمتين ‪ ،‬لكن يفصل بينهما وبين الربع الخريات‪.‬‬
‫وهذه التراويح سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم‪ ،‬ولكنه‬
‫صلى بأصحابه ثلث ليال ثم تأخر‪ ،‬وقال‪ )) :‬إني خشيت أن تفرض‬
‫عليكم(()‪ ، (199‬وينبغي للنسان أن ل يفرط فيها؛ لينال أجر من‬
‫قام رمضان‪ ،‬وهو مغفرة ما تقدم من الذنب‪ ،‬وينبغي أن يحافظ‬
‫عليها مع المام‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم قال‪ )) :‬من قام‬
‫مع المام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة(()‪ (200‬ول يخفى أن‬
‫التراويح التي تفعل الن فيها أخطاء من الئمة ومن غيرهم‪.‬‬

‫أخطاء تقع في صلة التراويح‬


‫السؤال )‪ :(181‬فضيلة الشيخ‪ ،‬نود الشارة إلى بعض الخطاء‬
‫التي تقع في صلة التراويح؟‬
‫الجواب‪ :‬ذكرنا فيما سبق أن هناك أخطاء يقع فيها بعض الئمة‪،‬‬
‫وكذلك أخطاء يقع فيها بعض الناس من غير الئمة‪.‬‬
‫أما أخطاء الئمة‪ :‬فكثير من الئمة يسرع في التراويح إسراعا ً‬
‫عظيما ً بحيث ل يتمكن الناس من الطمأنينة وراءه‪ ،‬ويشق على‬
‫كبار السن والضعفاء والمرضى ونحوهم‪ ،‬وهذا خلف المانة التي‬
‫حملوا إياها‪ ،‬فإن المام مؤتمن يجب عليه أن يفعل ما هو الفضل‬
‫للمأمومين‪ ،‬هو لو كان يصلي وحده لكان حرًا‪ ،‬إن شاء أسرع على‬
‫وجه ل يخل بالطمأنينة ‪ ،‬وإن شاء أبطأ‪ ،‬لكن إذا كان إماما ً يجب‬
‫عليه أن يتبع ما هو الفضل للمأموم‪ ،‬وقد نص أهل العلم على أنه‬
‫يكره للمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل‬
‫ما يسن‪ ،‬فكيف بمن يسرع سرعة تمنعهم أو تمنع بعضهم من‬
‫فعل ما يجب من الطمأنينة والمتابعة‪.‬‬
‫كذلك بعض الئمة يصلي التراويح على صفة الوتر الذي كان‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم يصليها أحيانًا‪ ،‬يوتر بخمس‬
‫يسردها سردا ً ل يجلس إل في آخرها‪ ،‬أو سبعًا‪ ،‬ل يجلس إل في‬
‫آخرها‪ ،‬أو تسعا ً يجلس في الثامنة‪ ،‬ثم يتشهد ‪،‬ثم يقوم ويصلي‬
‫التاسعة‪.‬‬
‫فبعض الئمة يفعل ذلك‪ ،‬وهذا ل أعلمه واردا ً عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حين قام في الناس إمامًا‪ ،‬وإنما كان يفعله في بيته‪،‬‬
‫وهذا الفعل وإن كان له أصل من السنة أن يوتر النسان بخمس‬
‫أو سبع ل يجلس إل في آخرها‪ ،‬أو بتسع يجلس في الثامنة ‪ ،‬ثم‬
‫يتشهد ول يسلم‪ ،‬ثم يقوم فيصلي التاسعة‪ ،‬ويتشهد ويسلم‪ ،‬لكن‬
‫كون المام يفعله في رمضان يشوش على الناس‪ ،‬فيدخل‬
‫النسان على أنه نوى ركعتين‪ ،‬ثم إن بعض الناس قد يحتاج إلى‬
‫الخروج إذا صلى ركعتين أو صلى أربع ركعات وسلم المام‪،‬‬
‫فيخرج بعض الناس يكون عليه حصر من البول أو غيره‪ ،‬فيشق‬
‫عليه أن يسرد به المام خمس ركعات أو سبع ركعات أو تسع‬
‫ركعات‪.‬‬
‫وإذا كان هذا المام يريد أن يبين السنة فإننا نقول له‪ :‬بين السنة‬
‫بقولك‪ ،‬وقل‪ :‬كان الرسول عليه الصلة والسلم يوتر بخمس أو‬
‫بسبع ل يجلس إل في آخرها‪ ،‬أو بتسع ل يجلس إل في الثامنة‪ ،‬ثم‬
‫يتشهد ول يسلم‪ ،‬ثم يصلي التاسعة ‪ ،‬ويتشهد ويسلم‪ ،‬ول تفعل‬
‫هذا مع جماعة يجهلون هذا المر‪ ،‬أو يأتي أناس قد سبقهم بعض‬
‫الصلة فيشكل عليهم أو يشق عليهم‪ ،‬ثم إني إلي الن ل أعلم أن‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم صلى بأصحابه الوتر على هذا الوجه‪،‬‬
‫وإنما كان يصليه في بيته‪.‬‬
‫وأما الخطاء التي تقع من غير الئمة ممن يصلون القيام‪ :‬فهو أن‬
‫بعض الناس تجده يقطع هذه التراويح ‪ ،‬بل يصلي في مسجد‬
‫تسليمة أو تسليمتين‪ ،‬وفي مسجد آخر كذلك‪ ،‬ويضيع عليه وقت‪،‬‬
‫فيفوته الجر العظيم الذي قال فيه الرسول عليه الصلة‬
‫)‬
‫والسلم‪)) :‬من قام مع المام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة((‬
‫‪ (201‬وهذا حرمان عظيم‪.‬‬
‫كذلك أيضا ً بعض المأمومين تجده يخطئ في متابعة المام‬
‫فيسابقه‪ ،‬وقد ثبت عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال‪)) :‬أما‬
‫يخشى الذي يرفع رأسه قبل المام أن يحول الله رأسه رأس‬
‫حمار ‪ ،‬أو يجعل الله صورته صورة حمار(()‪.(202‬‬
‫هل يلزم المحافظة على صلة التراويح في جميع الشهر‬
‫السؤال )‪ :(182‬فضيلة الشيخ‪ :‬هل يلزم المحافظة على صلة‬
‫التراويح في جميع رمضان؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يلزمه أن يحافظ عليها؛ لنها سنة‪ ،‬فإن فعلها فقد‬
‫أثيب‪ ،‬وإن تركها فلن يعاقب ‪ ،‬ولكن يفوته خير كثير كما قلنا‪.‬‬

‫البكاء في صلة التراويح‬


‫السؤال )‪ :(183‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بعض الئمة يبكي بكاء شديدا ً‬
‫وينحب أيضًا‪ ،‬وهناك من يؤاخذه على ذلك ويرى أنه تكلف‪ ،‬فما‬
‫حكم هذا العمل ‪ ،‬وما حكم أيضا ً من يؤاخذ المام على هذا‬
‫العمل؟‬
‫الجواب‪ :‬أما الشيء الذي يأتي بغير تكلف‪ ،‬ويكون بكاء برفق ل‬
‫بشهاق كبير‪ ،‬فهذا ل بأس به‪ ،‬وهو من المور التي تدل على لين‬
‫قلب صاحبها وكمال خشوعه وحضور قلبه‪ ،‬وأما المتكلف فأخشى‬
‫أن يكون هذا البكاء من الرياء الذي يعاقب عليه فاعله ول يثاب‬
‫عليه كما أن بعض الناس تجده في قنوت الوتر يأتي بأدعية طويلة‬
‫بأساليب غريبة لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ويكون‬
‫فيها مشقة على المصلين أو بعضهم‪ ،‬وقد كان الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم يختار من الدعاء أجمعه ويدع ما سوى ذلك ‪ ،‬والذي‬
‫أنصح به إخواننا الئمة أن ل يطيلوا هذا القنوت على هذا الطول‬
‫الذي يشق على الناس‪ ،‬ويأتون فيه بأدعية غريبة مسجوعة‪ ،‬وخير‬
‫الكلم ما قل ودل‪ ،‬وكون النسان يأتي بالشيء على الوجه‬
‫المشروع الذي ل يمل الناس أفضل من كونه يأتي به على وجه‬
‫يمل به الناس‪.‬‬

‫حمل المصحف أثناء قراءة المام‬


‫السؤال )‪ :(184‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بعض المأمومين يحضر مصحفا ً‬
‫في رمضان لمتابعة المام في صلة الليل‪ ،‬وقد يكون المام‬
‫ل يحتاج إلى من يفتح عليه لنه يقرأ من مصحف أيضًا‪ ،‬فما‬
‫حكم ذلك؟‬
‫الجواب‪ :‬الذي نرى أن المأموم ل يحمل المصحف إل للضرورة إلى‬
‫ذلك‪ ،‬مثل أن يقول المام لحد من الناس‪:‬أنا ل أضبط القراءة‬
‫فأريد أن تكون خلفي تتابعني في المصحف‪ ،‬فإذا أخطأت ترد‬
‫على‪ ،‬أما فيما عدا ذلك فإنه أمر ل ينبغي؛ لما فيها من انشغال‬
‫الذهن والعمل الذي ل داعي له‪ ،‬وفوات السنة بوضع اليد اليمنى‬
‫على اليسرى فوق الصدر‪ ،‬فالولى أن ل يفعله النسان إل للحاجة‬
‫كما أشرت إليه‪.‬‬

‫إحياء بعض ليالي العشر دون غيرها‬


‫السؤال )‪ :(185‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بعض الناس يحيون ليلة القدر‬
‫بالصلة والعبادة ول يحيون غيرها في رمضان‪ ،‬فهل هذا‬
‫موافق للصواب؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬ليس موافقا ً للصواب‪ ،‬فإن ليلة القدر تنتقل‪ ،‬فقد‬
‫تكون ليلة سبعة وعشرين‪ ،‬وقد تكون في غير تلك الليلة‪ ،‬كما تدل‬
‫عليه الحاديث الكثيرة في ذلك‪ ،‬فقد ثبت عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أنه ذات عام أري ليلة القدر‪ ،‬فكان ذلك ليلة إحدى‬
‫وعشرين ‪ ،‬ثم إن القيام ل ينبغي أن يخصه النسان بالليلة التي‬
‫يرجو أن تكون هي ليلة القدر‪ ،‬فالجتهاد في العشر الواخر كلها‬
‫من هدي النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬فقد كان إذا دخل العشر‬
‫شد المئزر‪،‬وأيقظ أهله‪ ،‬وأحيا ليله عليه الصلة والسلم‪ ،‬فالذي‬
‫ينبغي للمؤمن الحازم أن يجتهد في هذه اليام العشر في ليال‬
‫هذه اليام العشر كلها حتى ل يفوته الجر‪.‬‬

‫العتكاف‬
‫السؤال )‪ :(186‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما المقصود بالعتكاف وما‬
‫حكمه؟‬
‫الجواب‪ :‬العتكاف هو لزوم النسان مسجدا ً لطاعة الله سبحانه‬
‫وتعالى ؛ لينفرد به عن الناس‪ ،‬ويشتغل بطاعة الله ويتفرغ لذلك‪،‬‬
‫وهو في كل مسجد سواء كان في مسجد يجمع فيه أو في مسجد‬
‫ل يجمع فيه‪ ،‬ولكن الفضل أن يكون في مسجد يجمع فيه حتى ل‬
‫يضطر إلى الخروج لصلة الجمعة‪.‬‬

‫هل للعتكاف أقسام؟‬


‫السؤال )‪ :(187‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل العتكاف له أقسام أم أنه‬
‫قسم واحد؟‬
‫الجواب‪ :‬العتكاف ليس إل قسم واحد كما أسلفنا‪ ،‬لزوم مسجد‬
‫لطاعة الله عز وجل‪ ،‬وقد يكون أحيانا ً بصوم‪ ،‬وقد ل يكون بصوم‪،‬‬
‫وقد اختلف أهل العلم‪ :‬هل يصح العتكاف بدون صوم أو ل يصح‬
‫إل بصوم؟ولكن العتكاف المشروع إنما هو ما كان فيه ليالي‬
‫العشر‪ ،‬عشر رمضان؛ لن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يعتكف هذه العشر رجاء لليلة القدر‪.‬‬
‫هل يجوز العتكاف في غير رمضان؟‬
‫السؤال)‪ :(188‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل العتكاف له زمان محدد‪،‬‬
‫أي أنه يقتصر على رمضان أم يجوز في غير رمضان؟‬
‫الجواب‪ :‬المشروع أن يكون في رمضان فقط؛ لن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم لم يعتكف في غير رمضان‪ ،‬إل ما كان منه في‬
‫شوال حين ترك العتكاف سنة في رمضان‪ ،‬فاعتكف في شوال‪،‬‬
‫ولكن لو اعتكف النسان في غير رمضان لكان هذا جائز‪ ،‬لن عمر‬
‫رضي الله عنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال‪ :‬إني نذرت‬
‫أن أعتكف ليلة أو يوما ً في المسجد الحرام‪ ،‬فقال رسول الله‬
‫)‪(202‬‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬أوف بنذرك((‬

‫أركان العتكاف وشروطه‬


‫السؤال )‪ :(189‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل للعتكاف شروط محددة أو‬
‫أركان أيضا ً محددة؟‬
‫الجواب‪ :‬العتكاف ركنه كما أسلفت لزوم المسجد لطاعة الله عز‬
‫وجل تعبدا ً له‪ ،‬وتقربا ً إليه‪ ،‬وتفرغا ً لعبادته‪ ،‬وأما شروطه‪ :‬فهي‬
‫شروط بقية العبادات‪ ،‬فمنها‪ :‬السلم‪ ،‬والعقل‪ ،‬ويصح من غير‬
‫البالغ‪ ،‬ويصح من الذكر ومن النثى‪ ،‬ويصح بل صوم ويصح في كل‬
‫مسجد‪.‬‬

‫اعتكاف المرأة‬
‫السؤال )‪ :(190‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا هل يجوز للمرأة أن تعتكف‬
‫في مسجدها‪ ،‬في منزلها؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬المرأة إذا أرادت العتكاف فإنما تعتكف في المسجد‬
‫إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي‪ ،‬وإن كان في ذلك محذور‬
‫شرعي فل تعتكف‪.‬‬

‫ما يستحب في العتكاف وما ل يستحب‬


‫السؤال )‪ :(191‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما الذي يستحب في العتكاف‬
‫وما الذي يكره له أيضًا؟‬
‫الجواب‪ :‬الذي يستحب في العتكاف أن يشتغل النسان بطاعة‬
‫الله عز وجل‪ ،‬من قراءة القرآن‪ ،‬والذكر والصلة وغير ذلك‪ ،‬وأن ل‬
‫يضيع وقته فيما ل فائدة فيه كما يفعله بعض المعتكفين‪ ،‬تجده‬
‫يبقى في المسجد يأتيه الناس في كل وقت يتحدثون إليه‪ ،‬ويقطع‬
‫اعتكافه بل فائدة‪ ،‬وأما التحدث أحيانا ً مع بعض الناس أو بعض‬
‫الهل فل بأس به‪ ،‬لما ثبت في الصحيحين من فعل رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم حين كانت صفية رضي الله عنها تأتي إليه‬
‫فتتحدث عنده ساعة ثم تنقلب إلى بيتها‪.‬‬

‫ما يباح للمعتكف‬


‫السؤال )‪ :(192‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما الذي يباح للمعتكف؟‬
‫الجواب‪ :‬المعتكف كما أسلفنا‪ ،‬يلتزم المسجد للتفرغ لطاعة الله‬
‫عز وجل وعبادته‪ ،‬فينبغي ان يكون أكثر همة اشتغاله بالقربات‬
‫من الذكر وقراءة القرآن وغير ذلك ولكن المعتكف أفعاله تنقسم‬
‫إلى أقسام ‪ :‬قسم مباح‪ ،‬وقسم مشروع ومستحب‪ ،‬وقسم ممنوع‪.‬‬
‫فأما المشروع ‪ :‬فهو أن يشتغل بطاعة الله وعبادته والتقرب إليه؛‬
‫لن هذا لب العتكاف والمقصود منه ‪ ،‬ولذلك قيد بالمساجد‪.‬‬
‫وقسم آخر وهو القسم الممنوع‪ ،‬وهو ما ينافي العتكاف ‪ ،‬مثل‬
‫أن يخرج النسان من المسجد بل عذر؛ أو يبيع ‪ ،‬أو يشتري أو‬
‫يجامع زوجته‪ ،‬ونحو ذلك من الفعال التي تبطل العتكاف‬
‫لمنافاتها لمقصوده‪.‬‬
‫وقسم ثالث جائز مباح‪ ،‬كالتحدث إلى الناس‪ ،‬والسؤال عن‬
‫أحوالهم‪ ،‬وغير ذلك مما أباحه الله تعالى للمعتكف ‪ ،‬ومنه‪ :‬خروجه‬
‫لما لبد له منه‪ ،‬كخروجه لحضار الكل والشرب إذا لم يكن له من‬
‫يحضرهما‪ ،‬وخروجه إلى قضاء الحاجة من بول وغائط‪ ،‬وكذلك‬
‫خروجه لمر مشروع واجب‪ ،‬بل هذا واجب عليه كما لو خرج‬
‫ليغتسل من الجنابة‪.‬‬
‫وأما خروجه لمر مشروع غير واجب فإن اشترطه فل بأس‪ ،‬وإن‬
‫لم يشترطه فل يخرج‪ ،‬وذلك كعيادة المريض وتشييع الجنازة وما‬
‫أشبههما‪ ،‬فله أن يخرج لهذا إن اشترطه‪ ،‬وإذا لم يشترطه فليس‬
‫له أن يخرج‪،‬ولكن إذا مات له قريب‪ ،‬أو صديق وخاف إن لم يخرج‬
‫أن يكون هناك قطيعة رحم أو مفسدة‪ ،‬فإنه يخرج ولو بطل‬
‫اعتكافه‪ ،‬لن العتكاف المستحب ل يلزم المضي فيه‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(193‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل يلتزم المعتكف مكانا ً‬
‫محددا ً في المسجد أو يجوز له التنقل في أنحائه؟‬
‫الجواب‪ :‬يجوز للمعتكف أن يتنقل في أنحاء المسجد من كل جهة‬
‫لعموم قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫د ()البقرة‪(187:‬‬
‫ج ِ‬
‫سا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫عاك ِ ُ‬
‫فو َ‬ ‫م َ‬
‫وأن ْت ُ ْ‬
‫َ‬
‫و))في( للظرفية فتشمل ما لو شغل النسان جميع الظرف‪.‬‬

‫زكاة الفطر‬
‫السؤال ‪ ( 194 ):‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما المقصود بزكاة الفطر ‪،‬‬
‫وهل لها سبب ؟‬
‫الجواب ‪ :‬المقصود بزكاة الفطر ‪ :‬صاع من طعام ‪ ،‬يخرجه‬
‫النسان عند انتهاء رمضان ‪ ،‬وسببها إظهار شكر نعمة الله سبحانه‬
‫وتعالى على العبد بالفطر من رمضان وإكماله ‪ ،‬ولهذا سميت‬
‫صدقة الفطر أو زكاة الفطر لنها تنسب إليه وهذا سببها الشرعي‬
‫‪ ،‬أما سببها الوضعي ‪ ،‬فهو أنه إذا غابت الشمس من ليلة العيد‬
‫وجبت ‪ ،‬فلو ولد للنسان ولد بعد مغيب الشمس ليلة العيد لم‬
‫تلزمه فطرته ‪ ،‬وإنما تستحب ‪ ،‬ولو مات النسان قبل غروب‬
‫الشمس ليلة العيد لم تجب فطرته أيضا ً ؛ لنه مات قبل وجود‬
‫سبب الوجوب ‪ ،‬ولو عقد النسان على امرأة قبل غروب الشمس‬
‫من آخر يوم رمضان لزمته فطرتها على قول كثير من أهل‬
‫العلم ؛ لنها كانت زوجته حين وجد السبب ‪ ،‬فإن عقد له بعد‬
‫غروب الشمس ليلة العيد لم تلزمه فطرتها ‪ ،‬وهذا على القول‬
‫بأن الزوج يلزمه فطرة زوجته وعياله ‪ ،‬وأما إذا قلنا ‪ :‬بأن كل‬
‫إنسان تلزمه الفطرة عن نفسه كما هو ظاهر السنة ‪ ،‬فل يصح‬
‫التبديل في هذه المسألة ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 195‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم زكاة الفطر ؟‬
‫الجواب ‪ :‬زكاة الفطر فريضة ‪ ،‬فرضها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كما قال عبد الله بن عمر رضي الله عنهما ‪ :‬فرض رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر من رمضان صاعا ً من تمر ‪،‬‬
‫أو صاعا من شعير (()‪ ، (203‬فلو أخرج من الدراهم أو من الثياب أو‬
‫من الفرش أو من الواني ‪ ،‬فإنه ل يصح أن يكون فطرة ولو كان‬
‫أغلى من صاع الطعام ‪ ،‬وهذا يعني أنه ل يجوز إخراج قيمتها ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 196‬فضيلة الشيخ على من تجب زكاة الفطر‬
‫وعلى من تستحب ؟‬
‫الجواب ‪ :‬تجب على كل إنسان من المسلمين ذكر كان أم أنثى ‪،‬‬
‫صغيرا ً أم كبيرا ً ‪ ،‬سواء كان صائما ً أم لم يصم كما لو كان مسافرا ً‬
‫ولم يصم ‪ ،‬فإن صدقة الفطر تلزمه ‪ ،‬وأما من تستحب عنه فقد‬
‫ذكر فقهاؤنا رحمهم الله أنه يستحب إخراجها عن الحمل في‬
‫البطن ول يجب ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 197‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم منعها وكيف يعامل‬
‫مانعها ؟‬
‫الجواب ‪ :‬منعها محرم لنه خروج عما فرضه رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم كما سبق في حديث ابن عمر رضي الله عنهما ‪:‬‬
‫)) فرض رسول الله صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر ‪، (( . . .‬‬
‫ومعلوم أن ترك المفروض حرام وفيه الثم والمعصية ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 198‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي مصارف زكاة‬
‫الفطر ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ليس لها إل مصرف واحد فقط وهم الفقراء ‪ ،‬كما في‬
‫حديث ابن عباس رضي الله عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬فرض رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم زكاة الفطر ‪ ،‬طهرة للصائم من اللغو والرفث‬
‫وطعمه للمساكين)‪.(204‬‬
‫السؤال )‪ : ( 199‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل يجوز إعطاؤها للعمال‬
‫من غير المسلمين ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬ل يجوز إعطاؤها إل للفقير من المسلمين فقط ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 200‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم نقلها إلى البلدان‬
‫البعيدة بحجة وجود الفقراء الكثيرين فيها ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نقل صدقة الفطر إلى بلد غير بلد الرجل الذي أخرجها‬
‫إن كان لحاجة بأن لم يكن عنده أحد من الفقراء ‪ ،‬فل بأس به ‪،‬‬
‫وإن كان لغير حاجة بأن وجد في البلد من يتقبلها فإنه ل يجوز ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 201‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم وضعها عند الجار‬
‫حتى يأتي الفقير دون توكيل من الفقير ؟‬
‫الجواب ‪ :‬يجوز للنسان أن يضعها عند جاره ‪ ،‬ويقول ‪ :‬هذه لفلن‬
‫إذا جاء فأعطها إياه ‪ ،‬لكن لبد أن تصل يد الفقير قبل صلة‬
‫العيد ؛ لنه وكيل عن صاحبها ‪ ،‬أما لو كان الجار قد وكله الفقير ‪،‬‬
‫وقال اقبل زكاة الفطر من جارك لي ‪ ،‬فإنه يجوز أن تبقى مع‬
‫الوكيل ولو خرج الناس من صلة العيد ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 202‬فضيلة الشيخ‪ ،‬لو وضعها عند جاره ولم يأت‬
‫من يستحقها قبل العيد وفات وقتها فما الحكم؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا وضعها عند جاره ‪ ،‬فإما أن يكون جاره وكيل ً للفقير‬
‫فإذا وصلت إلي يد جاره فقد وصلت إلي الفقير‪ ،‬وأما إذا كان‬
‫الفقير لم يوكله فإنه يلزم الذي عليه الفطرة أن يدفعها إلي‬
‫أهلها‪ ،‬ولكن إذا تأخرت عن صلة العيد ولم يؤدها فإنها ل تقبل‬
‫منه لنها عبادة مؤقتة بزمن معين‪ ،‬فإذا أخرها لغير عذر فإنها ل‬
‫تقبل منه‪ ،‬أما إذا أخرها لعذر كنسيان أو لعدم وجود الفقراء في‬
‫تلك اللحظة فهذا ل بأس به‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(203‬فضيلة الشيخ‪ ،‬في هذه الحال هل يعيدها إلى‬
‫ماله أو يلزمه إخراجها؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل فرق سواء أعادها إلى ماله أو أبقاها حتى يأتي‬
‫الفطر الثاني‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(204‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما الذي يقوله المسلم إذا رئي‬
‫هلل شوال قبل صلة العيد؟‬
‫الجواب‪ :‬الذي ينبغي للمسلم هو أن يكثر من التكبير والتهليل‬
‫عَلى‬ ‫ول ِت ُك َب ُّروا الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫عدّةَ َ‬‫مُلوا ال ْ ِ‬
‫ول ِت ُك ْ ِ‬
‫والتحميد ‪ ،‬لقول الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن()البقرة‪. (185 :‬‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ول َ َ‬ ‫داك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ه َ‬
‫ما َ‬
‫َ‬
‫السؤال )‪ :(205‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما صفة التكبير والتهليل‬
‫أثابكم الله؟‬
‫الجواب‪ :‬أن نقول‪ :‬الله أكبر‪ ،‬الله أكبر‪ ،‬ل إله إل الله‪.‬والله أكبر‪،‬‬
‫الله أكبر‪ ،‬ولله الحمد‪ .‬أو نقول ‪ :‬الله أكبر‪ ،‬الله أكبر‪ ،‬الله أكبر‪ ، ،‬ل‬
‫إله إل الله ‪ .‬والله أكبر‪ ،‬الله أكبر‪ ،‬الله أكبر‪ ،‬ولله الحمد‪.‬‬
‫‪------------------------‬‬
‫)‪(149‬تقدم تخريجه ص )‪.(118‬‬
‫)‪ (150‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب هل يقال ‪ :‬رمضان أو شهر رمضان ‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(1900‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب وجوب صوم رمضان لرؤية‬
‫الهلل‪ ،‬رقم )‪.(1080‬‬
‫ن واحتسابا ً‬‫)‪ (151‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب من صام رمضان إيما ً‬
‫ونية ‪ ،‬رقم )‪ ،(1901‬ومسلم ‪ ،‬كتاب صلة المسافرين ‪ ،‬باب الترغيب‬
‫في قيام رمضان ‪ ،‬وهو التراويح ‪ ،‬رقم )‪.(760‬‬
‫)‪ (152‬تقدم تخريجه ص )‪.(111‬‬
‫)‪ (153‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلل‬
‫رقم )‪.(1081‬‬
‫)‪ (154‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب قول النبي صلى الله عليه وسلم ‪":‬‬
‫إذا رأيتم الهلل فصوموا‪ ،"...‬رقم )‪ ،(19090‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصيام ‪،‬‬
‫باب وجوب صوم رمضان لرؤية الهلل‪ ،‬رقم )‪.(1081‬‬
‫)‪ (155‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب صوم الصبيان ‪ ،‬رقم )‪،(1960‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب من أكل في عاشوراء فليكف بقية يومه‪،‬‬
‫رقم )‪.(1136‬‬
‫)‪ (156‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬رقم )‪ ،(1945‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام ‪،‬‬
‫باب التخيير في الصوم والفطر في السفر‪ ،‬رقم )‪(1122‬‬
‫)‪ (157‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب جواز الصوم والفطر في شهر رمضان‬
‫للمسافر في غير معصية ‪ ،‬رقم )‪.(1114‬‬
‫)‪ (158‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب الحائض تترك الصوم والصلة ‪ ،‬رقم‬
‫)‪.(1951‬‬
‫)‪ (159‬تقدم تخريجه ص )‪.(152‬‬
‫)‪ (160‬تقدم تخريجه ص )‪.(77‬‬
‫)‪ (161‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب أجر المفطر في السفر إذا تولى‬
‫العمل ‪ ،‬رقم )‪(1120‬‬
‫)‪ (162‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب فضل الصوم ‪ ،‬رقم )‪،(1894‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب فضل الصيام ‪ ،‬رقم )‪(1151‬‬
‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الزكاة ‪ ،‬باب بيان أن اسم الصدقة يقع على كل نوع‬ ‫)‪(163‬‬

‫من المعروف ‪ ،‬رقم )‪.(1006‬‬


‫أخرجه أحمد )‪ ،(2/498‬والترمذي ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب ما جاء فيمن‬ ‫)‪(164‬‬

‫استقاء عمدا ً ‪ ،‬رقم )‪ ،(720‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب ما جاء في‬
‫الصائم يقيء رقم )‪.(1676‬‬
‫أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب في الصائم يحتجم ‪ ،‬رقم )‪،(2367‬‬ ‫)‪(165‬‬

‫والترمذي ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب كراهية الحجامة للصائم ‪ ،‬رقم )‪،(774‬‬


‫وابن ماجه‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب ما جاء في الحجامة للصائم ‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(1679‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(253‬‬ ‫)‪(166‬‬

‫في‬ ‫ما ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ن ت ُب ْ ُ‬‫وإ ِ ْ‬


‫أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب اليمان ‪ ،‬باب بيان قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫)‪(167‬‬

‫فوهُ (‪ ،‬رقم )‪.(126‬‬ ‫خ ُ‬‫م َأو ت ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬


‫حّتى‬ ‫شَرُبوا َ‬ ‫وا ْ‬ ‫وك ُُلوا َ‬
‫أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫)‪(168‬‬

‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ر(‪ ،‬رقم)‪،(1916‬‬ ‫ج ِ‬‫ف ْ‬ ‫م َ‬
‫وِد ِ‬ ‫ط اْل ْ‬
‫س َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫خي ْ ِ‬ ‫م َ‬‫ض ِ‬‫ط اْلب ْي َ ُ‬
‫خي ْ ُ‬‫م ال ْ َ‬‫ن ل َك ُ ُ‬
‫ي َت َب َي ّ َ‬
‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب بيان أن الدخول في الصوم يحصل بطلوع‬
‫الفجر‪ ، ،‬رقم )‪.(1090‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب إذا أفطر في رمضان ثم طلعت‬ ‫)‪(169‬‬

‫الشمس ‪ ،‬رقم )‪(1959‬‬


‫تقدم تخريجه ص )‪.(130‬‬ ‫)‪(170‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب الصائم إذا كان أكل أو شرب ناسيا ً ‪،‬‬ ‫)‪(171‬‬

‫رقم )‪ ،(1933‬ومسلم كتاب الصيام ‪ ،‬باب أكل الناسي وشربه وجماعه‬


‫ل يفطر ‪ ،‬رقم )‪.(1155‬‬
‫أخرجه بن ماجه‪ ،‬كتاب الطلق ‪ ،‬باب طلق المكره والناسي ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(172‬‬

‫‪ ،(2043‬والبيهقي في " السنن" )‪ ،(6/84‬والدار قطني في "السنن" )‬


‫‪.(4/170‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب إذا جامع في رمضان ولم يكن له‬ ‫)‪(173‬‬

‫شيء ‪ ، ..‬رقم )‪ ،(1936‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب تغليظ تحريم‬


‫الجماع في نهار رمضان على الصائم ‪ ،‬رقم )‪.(1111‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب ل يتقدم رمضان بصوم يوم ول‬ ‫)‪(174‬‬

‫يومين ‪ ،‬رقم )‪ ،(1914‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب ل تقدموا رمضان‬


‫بصوم يوم ول يومين ‪ ،‬رقم )‪.(1082‬‬
‫تقدم تخريجه ص )‪.(247‬‬ ‫)‪(175‬‬

‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب من لم يدع قول الزور والعمل به‬ ‫)‪(176‬‬

‫في الصوم‪ ،‬رقم )‪.(1903‬‬


‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب أجود ما كان النبي صلى الله عليه‬ ‫)‪(177‬‬

‫وسلم يكون في رمضان ‪ ،‬رقم )‪ ،(1902‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الفضائل ‪ ،‬باب‬


‫كان النبي صلى الله عليه وسلم أجود الناس بالخير رقم )‪.(2308‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب بركة السحور من غير إيجاب ‪ ،‬رقم )‬ ‫)‪(178‬‬

‫‪ ،(1923‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب فضل السحور ‪ ،‬رقم )‪.(1096‬‬


‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب تعجيل الفطر ‪ ،‬رقم )‪،(1957‬‬ ‫)‪(179‬‬

‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب فضل السحور وتعجيل الفطر‪ ،‬رقم )‬


‫‪.(1098‬‬
‫)‪ (180‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب قول النبي صلى الله عليه وسلم " ل‬
‫يمنعنكم من سحوركم أذان بلل"‪ ،‬رقم )‪(1919،1918‬‬
‫)‪ (187‬أخرجه أبو داود كتاب الطهارة ‪ ،‬باب في الستنثار‪ ،‬رقم )‪،(142‬‬
‫والترمذي ‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب ما جاء في كراهية مبالغة الستنشاق‬
‫للصائم‪ ،‬رقم )‪ ،(788‬والنسائي‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب المبالغة في‬
‫الستنشاق ‪ ،‬رقم )‪ ،(87‬وابن ماجة ‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب المبالغة في‬
‫الستنشاق والستنثار رقم )‪.(406‬‬
‫)‪ (188‬تقدم تخريجه )‪(263‬‬
‫)‪ (189‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب التوجه نحو القبلة حيث كان‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(401‬ومسلم ‪ ،‬وكتاب المساجد ومواضع الصلة‪ ،‬باب السهو في‬
‫الصلة والسجود له‪ ،‬رقم )‪.(572‬‬
‫)‪ (190‬تقدم تخريجه )‪(264‬‬
‫)‪ (191‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصوم ‪ ،‬باب قول النبي صلي الله عليه وسلم‬
‫لمن ظلل عليه واشتد الحر‪ ،..‬رقم) ‪ ،(1946‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب‬
‫جواز الصوم والفطر في شهر رمضان للمسافر في غير معصية‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(1115‬‬
‫)‪ (192‬تقدم تخريجه )‪(253‬‬
‫)‪ (193‬تقدم تخريجه )‪(253‬‬
‫)‪ (194‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب متى يقضي قضاء رمضان؟ رقم )‬
‫‪ ،(1950‬ومسلم‪ ،‬كتاب الصيام ‪ ،‬باب قضاء رمضان في شعبان ‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(1416‬‬
‫)‪ (195‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب من مات وعليه صوم‪ ،‬رقم)‪(1952‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب قضاء الصيام عن الميت‪ ،‬رقم )‪.(1147‬‬
‫)‪ (196‬تقدم تخريجه ص )‪(106‬‬
‫)‪ (197‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب تطوع قيام رمضان من اليمان‪ ،‬رقم‬
‫)‪ ،(37‬ومسلم‪ ،‬كتاب صلة المسافرين وقصرها‪ ،‬باب الترغيب في قيام‬
‫رمضان‪ ،‬رقم )‪.(759‬‬
‫)‪ (198‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب التهجد‪ ،‬باب قيام النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫بالليل في رمضان وغيره‪ ،‬رقم )‪ ،(1147‬ومسلم ‪ ،‬كتاب صلة‬
‫المسافرين وقصرها‪ ،‬باب صلة الليل وعدد ركعات النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في الليل‪ ،‬رقم )‪.(738‬‬
‫)‪ (199‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب التهجد ‪ ،‬باب تحريض النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫على صلة الليل‪ ،‬رقم )‪ ،(1129‬ومسلم‪ ،‬كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب‬
‫الترغيب في قيام رمضان‪ ،‬رقم )‪(761‬‬
‫)‪ (200‬أخرجه الترمذي‪ ،‬كتاب الصوم‪ ،‬باب ما جاء في قيام رمضان‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(806‬والنسائي‪ ،‬كتاب قيام الليل‪ ،‬باب قيام شهر رمضان ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(1605‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الصيام‪ ،‬باب ما جاء في قيام شهر رمضان‪،‬‬
‫رقم )‪.(1327‬‬
‫)‪ (201‬تقدم تخريجه )‪(287‬‬
‫)‪ (202‬تقدم تخريجه)‪(195‬‬
‫أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب العتكاف ‪ ،‬باب من لم ير عليه إذا اعتكف صومًا‪،‬‬ ‫)‪(202‬‬

‫رقم )‪ ،(2042‬ومسلم ‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب نذر الكافر وما يفعل فيه إذا‬
‫أسلم‪ ،‬رقم )‪.(1656‬‬
‫رواه البخاري‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب صدقة الفطر على العبد وغيره من‬ ‫)‪(203‬‬

‫المسلمين‪ ،‬رقم )‪ (1504‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب تقديم الزكاة‬


‫ومنعها‪ ،‬رقم )‪(984‬‬
‫رواه أبو داود‪ ،‬كتاب الزكاة‪ ،‬باب زكاة الفطر‪ ،‬رقم )‪(1609‬‬ ‫)‪(204‬‬
‫فتاوى الحج‬
‫النسك وأنواعه‬
‫السؤال )‪ :(206‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هو النسك وعلى ماذا‬
‫يطلق؟‬
‫الجواب‪ :‬الحمد لله رب العالمين‪ ،‬والصلة والسلم على نبينا‬
‫محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين‪.‬‬
‫النسك‪ُ :‬يطلق ثلثة إطلقات ؛ فتارة ‪ :‬يراد به العبادة عموما‪ً،‬‬
‫وتارة‪ :‬يراد به التقرب إلى الله تعالى بالذبح‪ ،‬وتارة‪ :‬يراد به أفعال‬
‫الحج وأقواله‪.‬‬
‫فالول‪ :‬كقولهم‪ :‬فلن ناسك‪ ،‬أي‪ :‬عابد لله عز وجل‪.‬‬
‫ماِتي‬‫م َ‬‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬
‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ون ُ ُ‬‫صلِتي َ‬ ‫ن َ‬ ‫ل إِ ّ‬‫ق ْ‬ ‫والثاني‪ :‬كقوله تعالى‪ُ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ل‬ ‫و ُ‬‫وأَنا أ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مْر ُ‬‫كأ ِ‬ ‫وب ِذَل ِ َ‬ ‫ك لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ري َ‬ ‫ن( )‪(162‬ل َ‬
‫ش ِ‬ ‫مي َ‬‫عال َ ِ‬
‫ب ال ْ َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫ه َر ّ‬
‫ن( )النعام‪ ،(162/163:‬ويمكن أن يراد بالنسك هنا‪ :‬التعبد‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬
‫م ْ‬‫ال ْ ُ‬
‫‪ ،‬فيكون من المعنى الول‪.‬‬
‫فاذْك ُُروا الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫م َ‬‫سك َك ُ ْ‬‫مَنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضي ْت ُ ْ‬‫ق َ‬‫ذا َ‬‫فإ ِ َ‬‫والثالث‪ :‬كقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫كرا()البقرة‪.(200 :‬‬ ‫شدّ ِذ ْ‬‫و أَ َ‬ ‫ك َذك ْرك ُم آباءَك ُ َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ِ ِ ْ َ‬
‫هذا هو معنى النسك‪ ،‬وهذا الخير هو الذي يخص شعائر الحج‪،‬‬
‫وهو‪ -‬أي النسك المراد به الحج‪ ،‬نوعان‪ :‬نسك العمرة‪ ،‬ونسك الحج‪.‬‬
‫أما نسك العمرة‪ :‬فهو ما اشتمل على هيئتها‪ ،‬من الركان‪،‬‬
‫والواجبات ‪ ،‬والمستحبات‪ ،‬بأن يحرم من الميقات‪ ،‬ويطوف بالبيت‪،‬‬
‫ويسعى بين الصفا والمروة‪ ،‬ويحلق أو يقصر‪.‬‬
‫وأما الحج‪ :‬فهو أن يحرم من الميقات ‪ ،‬أو من مكة إن كان بمكة‪،‬‬
‫ويخرج إلى منى‪ ،‬ثم إلي عرفة‪ ،‬ثم إلى مزدلفة‪ ،‬ثم إلى منى مرة‬
‫ثانية‪ ،‬ويطوف ‪ ،‬ويسعى ‪ ،‬ويكمل أفعال الحج على ما سيذكر إن‬
‫شاء الله تعالى تفصي ً‬
‫ل‪.‬‬

‫حكم الحج‬
‫السؤال )‪ :(207‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هو حكم الحج؟‬
‫الجواب‪ :‬الحج فرض بإجماع المسلمين‪ ،‬أي‪ :‬بالكتاب والسنة‬
‫ول ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫وإجماع المسلمين‪ ،‬وهو أحد أركان السلم‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن كَ َ‬
‫فَر َ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫سِبيل ً َ‬
‫و َ‬ ‫ع إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه َ‬ ‫ست َ َ‬
‫طا َ‬ ‫نا ْ‬
‫م ِ‬ ‫ج ال ْب َي ْ ِ‬
‫ت َ‬ ‫ح ّ‬ ‫س ِ‬ ‫على الّنا ِ‬
‫َ َ‬
‫ن()آل عمران‪ ،(97 :‬وقال النبي صلى الله عليه‬ ‫مي َ‬ ‫عال َ ِ‬
‫ن ال ْ َ‬
‫ع ِ‬
‫ي َ‬
‫غن ِ ّ‬ ‫َ‬
‫وسلم ‪ )) :‬إن الله فرض عليكم الحج فحجوا (()‪ ، (205‬وقال النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم )) بني السلم على خمس ‪ :‬شهادة أن ل‬
‫إله إل الله وأن محمدا ً رسول الله ‪ ،‬وإقام الصلة وإيتاء الزكاة ‪،‬‬
‫وصوم رمضان وحج بيت الله الحرام ()‪.(206‬‬
‫فمن أنكر فرضية الحج ‪ ،‬فهو كافر مرتد عن السلم ‪ ،‬إل أن‬
‫يكون جاهل بذلك ‪ ،‬وهو مما يمكن جهلة به ؛ كحديث عهد بإسلم ‪،‬‬
‫وناشئ في بادية بعيدة ‪ ،‬ل يعرف من أحكام السلم شيئا ‪ ،‬فهذا‬
‫يعذر بجهله ‪ ،‬ويعرف ‪ ،‬ويبين له الحكم ‪ ،‬فإن أصر على إنكاره ‪،‬‬
‫حكم بردته ‪.‬‬
‫وأما من تركه ـ أي ‪ :‬الحج ـ متهاونا مع اعترافه بشرعيته ‪ ،‬فهذا ل‬
‫يكفر ‪ ،‬ولكنه على خطر عظيم ‪ ،‬وقد قال بعض أهل العلم بكفره ‪.‬‬

‫حكم العمرة‬
‫السؤال )‪ : ( 208‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم العمرة ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أما العمرة فقد اختلف العلماء في وجوبها ‪ :‬فمنهم من‬
‫قال ‪ :‬إنها واجبة ومنهم من قال‪ :‬إنها سنة‪ ،‬ومنهم من فرق بين‬
‫المكي وغيره فقال‪ :‬واجبة على غير المكي ‪ ،‬غير واجبة على‬
‫المكي ‪ ،‬والراجح عندي ‪ :‬أنها واجبة على المكي وغيره ‪ ،‬لكن‬
‫وجوبها أدنى من وجوب الحج ؛ لن وجوب الحج فرض مؤكد ؛ لن‬
‫الحج أحد أركان السلم ‪ ،‬بخلف العمرة ‪.‬‬

‫وجوب الحج على الفور ‪ ،‬أم على التراخي ؟‬


‫السؤال )‪ : ( 209‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬وجوب الحج هل هو على‬
‫الفور ‪ ،‬أم على التراخي؟‬
‫الجواب ‪ :‬الصحيح أنه واجب على الفور ‪ ،‬وأنه ل يجوز للنسان‬
‫الذي استطاع أن يحج إلى بيت الله الحرام أن يؤخره ‪ ،‬وهكذا‬
‫جميع الواجبات الشرعية ‪ ،‬إذا لم تقيد بزمن أو سبب ‪ ،‬فإنها واجبة‬
‫على الفور ‪.‬‬

‫شروط وجوب الحج والعمرة‬


‫السؤال )‪ : ( 210‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي شروط وجوب الحج‬
‫والعمرة ؟‬
‫الجواب ‪ :‬شروط وجوب الحج والعمرة خمسة ‪ ،‬مجموعة في قول‬
‫الناظم ‪:‬‬
‫في العمر مرة بل تواني‬ ‫الحج والعمرة واجبـان‬
‫عقل بلوغ قدرة جليــة‬ ‫بشرط إسلم كذا حرية‬
‫فيشترط لوجوبه أول ‪ :‬السلم ‪ ،‬فغير المسلم ل يجب عليه‬
‫الحج ‪ ،‬بل ول يصح منه لو حج ‪ ،‬بل ول يجوز دخوله مكة ؛ لقوله‬
‫د‬
‫ع َ‬
‫م بَ ْ‬ ‫حَرا َ‬ ‫جدَ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قَرُبوا ال ْ َ‬ ‫فل ي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫تعالى ‪ ) :‬إ ِن ّ َ‬
‫ذا()التوبة‪ ،( 28 :‬فل يحل لمن كان كافرا ً بأي سبب كان‬ ‫ه َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬
‫م ِ‬‫عا ِ‬
‫َ‬
‫كفره ‪ ،‬ل يحل له دخول حرم مكة ‪ .‬ولكن يحاسب الكافر على ترك‬
‫الحج وغيره من فروع السلم على القول الراجح من أقوال أهل‬
‫َ‬
‫ت‬
‫جّنا ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن( )‪ِ ) (39‬‬ ‫مي ِ‬ ‫ب ال ْي َ ِ‬‫حا َ‬ ‫ص َ‬‫العلم ‪ ،‬لقوله تعالى ‪) :‬إ ِّل أ ْ‬
‫قَر( )‬ ‫س َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫سل َك َك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن( )‪َ ) (41‬‬ ‫مي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن( )‪َ ) (40‬‬ ‫ساءَُلو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫ن( )‬ ‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ع ُ‬‫ك ن ُطْ ِ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ن( )‪َ ) (43‬‬ ‫صّلي َ‬ ‫م َ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫م نَ ُ‬ ‫قاُلوا ل َ ْ‬ ‫‪َ ) (42‬‬
‫ن( )‬ ‫دي ِ‬ ‫وم ِ ال ّ‬ ‫ب ب ِي َ ْ‬ ‫وك ُّنا ن ُك َذّ ُ‬ ‫ن( )‪َ ) (45‬‬ ‫ضي َ‬ ‫خائ ِ ِ‬ ‫ع ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ض َ‬ ‫خو ُ‬ ‫وك ُّنا ن َ ُ‬ ‫‪َ ) (44‬‬
‫ن( )المدثر‪.( 47 ، 39 :‬‬ ‫َ‬
‫حّتى أَتاَنا ال ْي َ ِ‬
‫قي ُ‬ ‫‪َ ) (46‬‬
‫الشرط الثاني ‪ :‬العقل ؛ فالمجنون ل يجب عليه الحج ‪ ،‬فلو كان‬
‫النسان مجنونا ً من قبل أن يبلغ حتى مات ‪ ،‬فإنه ل يجب عليه‬
‫الحج ولو كان غنيا ً ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬البلوغ ؛ فمن كان دون البلوغ فإن الحج ل يجب عليه ‪،‬‬
‫ولكن لو حج ‪ ،‬فحجه صحيح ‪ ،‬إل أنه ل يجزئه عن فريضة السلم ‪،‬‬
‫لقول النبي صلى الله عليه وسلم للمرأة التي رفعت إليه صبيا ً‬
‫وقالت ‪ :‬ألهذا حج ؟ قال ‪ )) :‬نعم ولك أجر (()‪ ، (207‬لكنه ل يجزئه‬
‫عن فريضة السلم لنه لم يوجه إليه المر بها حتى يجزئه عنها ؛‬
‫إذا ل يتوجه المر إليه إل بعد بلوغه ‪.‬‬
‫وبهذه المناسبة أحب أن أقول ‪ :‬إنه في المواسم التي يكثر فيها‬
‫الزحام ‪ ،‬ويشق فيها الحرام بالصغار ‪ ،‬ومراعاة إتمام مناسكهم ‪،‬‬
‫فالولى أل يحرموا ل بحج ول بعمرة ‪ ،‬أعني هؤلء الصغار ؛ لنه‬
‫يكون فيه مشقة عليهم وعلى أولياء أمورهم ‪ ،‬وربما شغلوهم عن‬
‫إتمام نسكهم ‪ ،‬أي ‪ :‬ربما شغل الولد آباءهم أو أمهاتهم عن‬
‫إتمام نسكهم ‪ ،‬فبقوا في حرج ‪ ،‬وما دام الحج ل يجب عليهم ‪،‬‬
‫فإنهم في سعة من أمرهم ‪.‬‬
‫الرابع ‪ :‬الحرية ؛ فالرقيق المملوك ل يجب عليه الحج ؛ لنه مملوك‬
‫مشغول بسيده ‪ ،‬فهو معذور بترك الحج ‪ ،‬ل يستطيع السبيل إليه ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬القدرة على الحج بالمال والبدن ؛ فإن كان النسان‬
‫قادرا ً بماله دون بدنه ‪ ،‬فإنه ينيب من يحج عنه ؛ لحديث ابن عباس‬
‫رضي الله عنهما ‪ :‬أن امرأة خثعمية سألت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم فقالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إن أبي أدركته فريضة الله على‬
‫عباده في الحج ‪ ،‬شيخا كبير ل يثبت على الراحلة ‪ ،‬أفأحج عنه ؟‬
‫قال )) نعم (( )‪ ،(208‬وذلك في حجة الوداع ففي قولها ‪ :‬أدركته‬
‫فريضة الله على عباده في الحج ‪ ،‬وإقرار النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم إياها على ذلك ‪ ،‬دليل على أن من كان قادرا ً بماله دون‬
‫بدنه ‪ ،‬فإنه يجب عليه أن يقيم من يحج عنه ‪ ،‬أما إن كان قادرا ً‬
‫ببدنه دون ماله ‪ ،‬ول يستطيع الوصول إلى مكة ببدنه ‪ ،‬فإن الحج ل‬
‫يجب عليه ‪.‬‬
‫ومن القدرة ‪ :‬أن تجد المرأة محرما لها ‪ ،‬فإن لم تجد محرما ‪ ،‬فإن‬
‫الحج ل يجب عليها ‪ ،‬لكن اختلف العلماء ‪ :‬هل يجب عليها في هذه‬
‫الحال أن تقيم من يحج عنها أو يعتمر ‪ ،‬أو ل يجب ؟ على قولين‬
‫لهل العلم ؛ بناء على أن وجود المحرم هل هو شرط لوجوب‬
‫الداء ‪ ،‬أو هو شرط للوجوب من أصله ‪ ،‬والمشهور عند الحنابلة‬
‫رحمهم الله ‪ :‬أن المحرم شرط للوجوب ‪ ،‬وأن المرأة التي ل تجد‬
‫محرما ليس عليها حج ول يلزمها أن تقيم من يحج عنها ‪.‬‬
‫فهذه شروط خمسة لوجوب الحج ‪ ،‬أعيدها فأقول ‪ :‬هي السلم ‪،‬‬
‫والعقل ‪ ،‬والبلوغ ‪ ،‬والحرية ‪ ،‬والستطاعة ‪ ،‬وهذه الشروط تشمل‬
‫الحج والعمرة أيضا ‪.‬‬

‫شروط الجزاء في أداء الحج والعمرة‬


‫السؤال )‪ : ( 211‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما دمنا عرفنا شروط‬
‫الوجوب للحج والعمرة ‪ ،‬فما هي شروط الجزاء ؟‬
‫الجواب ‪ :‬شروط الجزاء ‪ :‬السلم ‪ ،‬والبلوغ ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والحرية‬
‫عند بعض أهل العلم ‪ .‬والصواب ‪ :‬أن الحرية ليست شرطا‬
‫للجزاء ‪ ،‬وأن الرقيق لو حج فإن حجه يجزئه إذا كان سيده قد أذن‬
‫له ؛ لن سقوط الوجوب عن العبد ليس لمعنى فيه ‪ ،‬ولكن لوجود‬
‫مانع ‪ ،‬وهو انشغاله بخدمة سيده فإذا أذن له سيده بذلك ‪ ،‬صار‬
‫الحج واجبا عليه ومجزئا منه ‪.‬‬

‫آداب السفر للحج‬


‫السؤال )‪ : ( 212‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬حبذا لو أشرتم ولو بإشارات‬
‫سريعة إلى أبرز آداب السفر إلى الحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬آداب الحج تنقسم إلى قسمين ‪ :‬آداب واجبة ‪ ،‬وآداب‬
‫مستحبة ‪:‬‬
‫فأما الداب الواجبة ‪ :‬فهي أن يقوم النسان بواجبات الحج‬
‫وأركانه ‪ ،‬وأن يتجنب محظورات الحرام الخاصة ‪ ،‬والمحظورات‬
‫العامة ‪ ،‬الممنوعة في الحرام وفي غير الحرام ؛ لقوله تعالى ‪:‬‬
‫ق‬
‫سو َ‬ ‫ول ُ‬
‫ف ُ‬ ‫ث َ‬ ‫فل َر َ‬
‫ف َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ّ‬‫في ِ‬
‫ض ِ‬ ‫ن َ‬
‫فَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬
‫ف َ‬ ‫عُلو َ‬
‫ما ٌ‬ ‫م ْ‬
‫هٌر َ‬‫ش ُ‬ ‫ج أَ ْ‬‫ح ّ‬‫)ال ْ َ‬
‫ج ( ) البقرة ‪. ( 197 :‬‬ ‫في ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ج َ‬‫ول ِ‬ ‫َ‬
‫وأما الداب المستحبة في سفر الحج ‪ :‬فأن يقوم النسان بكل ما‬
‫ينبغي له أن يقوم به ؛ من الكرم بالنفس والمال والجاه ‪ ،‬وخدمة‬
‫إخوانه وتحمل أذاهم ‪ ،‬والكف عن مساوئهم ‪ ،‬والحسان إليهم ‪،‬‬
‫سواء كان ذلك بعد تلبسه بالحرام ‪ ،‬أو قبل تلبسه بالحرام ؛ لن‬
‫هذه آداب عالية فاضلة تطب من كل مؤمن في كل زمان ومكان‬
‫وكذلك الداب المستحبة في نفس فعل العبادة كأن يأتي النسان‬
‫بالحج على الوجه الكمل ‪ ،‬فيحرص على تكميله بفعل مستحباته‬
‫القولية والفعلية ‪ ،‬التي ربما يتسنى لنا الكلم عليها إن شاء الله‬
‫تعالى في أسئلة أخرى ‪.‬‬

‫كيف يستعد المسلم للحج والعمرة‬


‫السؤال ) ‪ : ( 213‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ماذا ينبغي أن يستعد به‬
‫المسلم لحجه سواء كان قبل السفر أو في أثناء السفر ؟‬
‫الجواب ‪ :‬الذي ينبغي أن يستعد به المسلم في حجه وعمرته ‪ ،‬أن‬
‫يتزود بكل ما يمكن أن يحتاج إليه في سفره ‪ ،‬من المال ‪ ،‬والثياب‬
‫‪ ،‬والعتاد ‪ ،‬وغير ذلك ؛ لنه ربما يحتاج إليه في نفسه أو يحتاجه‬
‫أحد من رفقائه ‪ ،‬وأن يتزود كذلك بالتقوى وهي اتخاذ الوقاية من‬
‫عذاب الله ؛ بفعل أوامر الله تعالى ‪ ،‬واجتناب نواهيه ؛ لقول الله‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ن َيا أوِلي اْلل َْبا ِ‬
‫ب(‬ ‫وات ّ ُ‬
‫قو ِ‬ ‫وى َ‬ ‫خي َْر الّزاِد الت ّ ْ‬
‫ق َ‬ ‫ن َ‬ ‫دوا َ‬
‫فإ ِ ّ‬ ‫و ُ‬
‫وت ََز ّ‬
‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫)البقرة‪ . (197 :‬وما أكثر ما نجد من الحاجة في السفار ‪ ،‬حيث‬
‫يحتاج النسان إلى أشياء يظنها بسيطة ‪ ،‬أو يظنها هينة ‪ ،‬فل‬
‫يستصحبها معه في سفره ‪ ،‬فإذا به يحتاج إليها ‪ ،‬أو يحتاج إليها‬
‫أحد من رفقائه ‪ ،‬فليكن النسان حازما ً شهما ً مستعدا ً لما يتوقع‬
‫أن يكون وإن كان بعيدا ‪.‬‬

‫الستعداد بالتقوى‬
‫السؤال) ‪ : ( 214‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن أليس هناك استعداد‬
‫معنوي غير الستعداد المادي ؟‬
‫الجواب ‪ :‬الستعداد المعنوي هو ما أشرت إليه من التقوى ؛ فإن‬
‫التقوى استعداد معنوي ‪ ،‬يستعد بها النسان في قرارة نفسه‬
‫للقاء الله تعالى ولليوم الخر ‪ ،‬فيحرص على أن يقوم بما أوجب‬
‫الله عليه ‪ ،‬ويدع ما حرم الله عليه ‪.‬‬

‫بيان مواقيت الحج الزمانية‬


‫السؤال) ‪ : ( 215‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬بالنسبة للمواقيت ‪ ،‬ما هي‬
‫مواقيت الحج الزمانية ؟‬
‫الجواب ‪ :‬مواقيت الحج الزمانية تبتدئ بدخول شهر شوال ‪،‬‬
‫وتنتهي إما بعشر ذي الحجة ‪ ،‬أي ‪ :‬بيوم العيد ‪ ،‬أو بآخر يوم من‬
‫ج‬
‫ح ّ‬‫شهر ذي الحجة ‪ ،‬وهو القول الراجح ؛ لقول الله تعالى ‪) :‬ال ْ َ‬
‫ت()البقرة‪ ، (197 :‬وأشهر جمع ‪ ،‬والصل في الجمع‬ ‫عُلو َ‬
‫ما ٌ‬ ‫م ْ‬
‫هٌر َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ش ُ‬
‫أن يراد به حقيقته ‪ ،‬ومعنى هذا الزمن ‪ :‬أن الحج يقع في خلل‬
‫هذه الشهر الثلثة ‪ ،‬وليس يفعل في أي يوم منها ؛ فإن الحج له‬
‫أيام معلومة ‪ ،‬إل أن نسك الطواف والسعي إذا قلنا بأن شهر ذي‬
‫الحجة كله وقت للحج ‪ ،‬فإنه يجوز للنسان أن يؤخر طواف‬
‫الفاضة وسعي الحج إلى آخر يوم من شهر ذي الحجة ‪ ،‬ول يجوز‬
‫له أن يؤخرهما عن ذلك ‪ ،‬اللهم إل لعذر ‪ ،‬كما لو نفست المرأة‬
‫قبل طواف الفاضة ‪ ،‬وبقي النفاس عليها حتى خرج ذو الحجة ‪،‬‬
‫فهي إذا معذورة في تأخير طواف الفاضة ‪ .‬هذه هي المواقيت‬
‫الزمنية للحج ‪.‬‬
‫أما العمرة ‪ :‬فليس لها ميقات زمني ‪ ،‬تفعل في أي يوم من أيام‬
‫السنة ‪ ،‬لكنها في رمضان تعدل حجة ‪ ،‬وفي أشهر الحج اعتمر‬
‫النبي عليه الصلة والسلم ‪ ،‬كل عمره في أشهر الحج ‪ ،‬فعمرة‬
‫الحديبية ‪ :‬كانت في ذي القعدة ‪ ،‬وعمرة القضاء كانت في ذي‬
‫القعدة ‪ ،‬وعمرة الجعرانة ‪ :‬كانت في ذي القعدة ‪ ،‬وعمرة الحج ‪:‬‬
‫كانت أيضا مع الحج في ذي القعدة ‪ ،‬وهذا يدل على أن العمرة في‬
‫أشهر الحج لها مزية وفضل ؛ لختيار النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫هذه الشهر لها ‪.‬‬

‫حكم الحرام بالحج قبل دخول مواقيته الزمانية‬


‫السؤال) ‪ : ( 216‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن ما حكم الحرام بالحج‬
‫قبل دخول هذه المواقيت الزمانية ؟‬
‫الجواب ‪ :‬اختلف العلماء رحمهم الله في الحرام بالحج قبل‬
‫دخول أشهر الحج ‪:‬‬
‫فمن العلماء من قال ‪ :‬إن الحرام بالحج قبل أشهره ينعقد ويبقى‬
‫محرما بالحج ؛ إل أنه يكره أن يحرم بالحج قبل دخول أشهره ‪.‬‬
‫ومن العلماء من قال ‪ :‬إن من يحرم بالحج قبل أشهره ‪ ،‬فإنه ل‬
‫ينعقد ‪ ،‬ويكون عمرة ‪ ،‬أي يتحول إلى عمرة ؛ لن العمرة كما قال‬
‫النبي عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬دخلت في الحج (()‪ ، (209‬وسماها‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬الحج الصغر ؛ كما في حديث عمرو‬
‫بن حزم المرسل المشهور)‪ ، (210‬الذي تلقاه الناس بالقبول ‪.‬‬

‫بيان مواقيت الحج المكانية‬


‫السؤال )‪ : ( 217‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬عرفنا مواقيت الحج الزمانية‬
‫‪ ،‬فما هي مواقيت الحج المكانية ؟‬
‫الجواب ‪ :‬المواقيت المكانية خمسة ‪ :‬وهي ذو الحليفة ‪،‬‬
‫والجحفة ‪ ،‬ويلملم ‪ ،‬وقرن المنازل ‪ ،‬وذات عرق ‪.‬‬
‫أما ذو الحليفة ‪ :‬فهي المكان المسمى الن بأبيار علي ‪ ،‬وهي‬
‫قريبة من المدينة ‪ ،‬وتبعد عن مكة بنحو عشر مراحل ‪ ،‬وهي ابعد‬
‫المواقيت عن مكة ‪ ،‬وهي لهل المدينة ‪ ،‬ولمن مر به من غير أهل‬
‫المدينة ‪.‬‬
‫وأما الجحفة ‪ :‬فهي قرية قديمة في طريق أهل الشام إلى مكة ‪،‬‬
‫وبينها وبين مكة نحو ثلث مراحل ‪ ،‬وقد خربت القرية ‪ ،‬وصار‬
‫الناس يحرمون بدل منها من رابغ ‪.‬‬
‫وأما يلملم ‪ :‬فهو جبل أو مكان في طريق أهل اليمن إلى مكة ‪،‬‬
‫ويسمى اليوم ‪ :‬السعدية ‪ ،‬وبينه وبين مكة نحو مرحلتين ‪.‬‬
‫وأما قرن المنازل ‪ :‬فهو جبل في طريق أهل نجد إلى مكة ‪،‬‬
‫يسمى الن ‪ :‬السيل الكبير ‪ ،‬وبينه وبين مكة نحو مرحلتين ‪.‬‬
‫وأما ذات عرق ‪ :‬فهي مكان في طريق أهل العراق إلى مكة ‪،‬‬
‫وبينه وبين مكة نحو مرحلتين أيضا ‪.‬‬
‫فأما الربعة الولى ‪ :‬وهي ذو الحليفة ‪ ،‬والجحفة ‪ ،‬ويلملم ‪ ،‬وقرن‬
‫المنازل ‪ ،‬فقد وقتها النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وأما ذات‬
‫قتها النبي صلى الله عليه وسلم كما رواه أهل‬ ‫عرق ‪ ،‬فقد و ّ‬
‫السنن من حديث عائشة رضي الله عنها ‪ ،‬وصح عن عمر رضي‬
‫الله عنه أنه وقتها لهل الكوفة والبصرة حين جاءوا إليه ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫يا أمير المؤمنين ‪ ،‬إن النبي صلى الله عليه وسلم وقت لهل نجد‬
‫قرنا ً ‪ ،‬وإنها جور عن طريقنا ‪ ،‬فقال عمر رضي الله عنه ‪ :‬انظروا‬
‫إلى حذوها من طريقكم )‪.(211‬‬
‫فعلى كل حال ‪ :‬فإن ثبت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فالمر ظاهر ‪ ،‬وإن لم يثبت ‪ ،‬فإن هذا ثبت بسنة عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬وهو أحد الخلفاء الراشدين المهديين‬
‫الذين أمرنا باتباعهم ‪ ،‬والذي جرت موافقاته لحكم الله عز وجل‬
‫ح عن النبي عليه الصلة‬ ‫في عدة مواضع ‪ ،‬ومنها هذا إذا ص ّ‬
‫والسلم أنه وقتها ‪ ،‬وهو أيضا مقتضى القياس ؛ فإن النسان إذا‬
‫مر بميقات لزمه الحرام منه ‪ ،‬فإذا حاذاه صار كالمار به ‪.‬‬
‫وفي أثر عمر رضي الله عنه فائدة عظيمة في وقتنا هذا ‪ ،‬وهو أن‬
‫النسان إذا كان قادما إلى مكة بالطائرة يريد الحج أو العمرة ‪،‬‬
‫فإنه يلزمه إذا حاذى الميقات من فوقه أن يحرم منه عند‬
‫محاذاته ‪ ،‬ول يحل له تأخير الحرام إلى أن يصل جدة كما يفعله‬
‫كثير من الناس ؛ فإن المحاذاة ل فرق بين أن تكون في البر ‪ ،‬أو‬
‫في الجو ‪ ،‬أو في البحر ؛ ولهذا يحرم أهل البواخر التي تمر من‬
‫طريق البحر فتحاذي يلملم ‪ ،‬أو رابغا ‪ ،‬إذا حاذوا هذين الميقاتين ‪.‬‬
‫حكم الحرام بالحج قبل المواقيت المكانية‬
‫السؤال )‪ : ( 218‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم الحرام بالحج قبل‬
‫هذه المواقيت المكانية ؟‬
‫الجواب ‪ :‬حكم الحرام قبل هذه المواقيت المكانية ‪ :‬أنه مكروه ؛‬
‫لن النبي صلى الله عليه وسلم وقتها ‪ ،‬وكون النسان يحرم قبل‬
‫أن يصل إليها فيه شيء من تقدم حدود الله سبحانه وتعالى ؛‬
‫ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في الصيام ‪ ) :‬ل تقدموا‬
‫)‬
‫رمضان بصوم يوم أو يومين إل رجل كان يصوم صوما فليصمه ((‬
‫‪ ، (212‬وهذا يدل على أنه ينبغي لنا أن نتقيد بما وقته الشرع من‬
‫الحدود الزمانية والمكانية ‪ ،‬ولكنه إذا أحرم قبل أن يصل إليها ‪،‬‬
‫فإن إحرامه ينعقد ‪.‬‬
‫وهنا مسألة أيضا أحب أن أنبه عليها ‪ ،‬وهي أن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم لما وقت هذه المواقيت قال ‪ )) :‬هن لهن ‪ ،‬ولمن أتى‬
‫عليهن من غير أهلهن ‪ ،‬ممن أراد الحج أو العمرة ()‪.(213‬‬
‫فمن كان من أهل نجد فمر بالمدينة فإنه يحرم من )) ذي‬
‫الحليفة (( ‪.‬‬
‫ومن كان من أهل الشام ‪ ،‬ومر بالمدينة ‪ ،‬فإنه يحرم من )) ذي‬
‫الحليفة (( ‪ ،‬ول يحل له أن ينتظر حتى يصل إلى ميقات أهل‬
‫الشام الصلي على القول الراجح ‪ ،‬ومن قولي أهل العلم ‪.‬‬

‫حكم من تجاوز الميقات بدون إحرام‬


‫السؤال )‪ : ( 219‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم من تجاوز الميقات‬
‫بدون إحرام ؟‬
‫الجواب ‪ :‬من تجاوز الميقات بدون إحرام ‪ ،‬فل يخلو من حالين ‪:‬‬
‫إما ان يكون مريدا للحج أو العمرة ‪ ،‬فحينئذ يلزمه أن يرجع إليه‬
‫ليحرم منه بما أراد من النسك ‪ ،‬الحج أو العمرة ‪ ،‬فإن لم يفعل‬
‫فقد ترك واجبا من واجبات النسك ‪ ،‬وعليه عند أهل العلم فدية ‪،‬‬
‫دم يذبحه في مكة ‪ ،‬ويوزعه على الفقراء هناك ‪.‬‬
‫وأما إذا تجاوزه وهو ل يريد الحج ول العمرة ‪ ،‬فإنه ل شيء عليه‬
‫سواء طالت مدة غيابه عن مكة أم قصرت ؛ وذلك لننا لو ألزمناه‬
‫بالحرام من الميقات في منظوره هذا ‪ ،‬لكان الحج يجب عليه أكثر‬
‫من مرة أو العمرة ‪ ،‬وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن‬
‫الحج ل يجب في العمر إل مرة ‪ ،‬وأن ما زاد فهو تطوع ‪ ،‬وهذا هو‬
‫القول الراجح من أقوال أهل العلم فيمن تجاوز الميقات بغير‬
‫إحرام ‪ ،‬أي ‪ :‬أنه إذا كان ل يريد الحج ول العمرة ‪ ،‬فليس عليه‬
‫شيء ‪ ،‬ول يلزمه الحرام من الميقات ‪.‬‬

‫الفرق بين الحرام كواجب والحرام كركن‬


‫السؤال )‪ : ( 220‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما الفرق بين الحرام‬
‫كواجب ‪ ،‬والحرام كركن من أركان الحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬الحرام كواجب معناه ‪ :‬أن يقع الحرام من الميقات ‪،‬‬
‫والحرام كركن معناه أن ينوي النسك ‪.‬‬
‫فمثل إذا نوى النسك بعد مجاوزة الميقات ‪ ،‬مع وجوب الحرام منه‬
‫‪ ،‬فهذا ترك واجبا ‪ ،‬وأتي بالركن وهو الحرام ‪ ،‬وإذا أحرم من‬
‫الميقات ‪ ،‬فقد أتى بالواجب والركن ؛ لن الركن هو نية الدخول‬
‫في النسك ‪ ،‬وأما الواجب فهو أن يكون الحرام من الميقات ‪ ،‬هذا‬
‫هو الفرق بينهما ‪.‬‬

‫حكم التلفظ بالنية عند الحرام‬


‫السؤال )‪ : ( 221‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن نية الدخول في النسك‬
‫هل هي التي يتلفظ بها في التلبية ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬التلبية أن يقول ‪ :‬لبيك عمرة إذا كان في عمرة ‪،‬‬
‫ولبيك حجا إذا كان في حج ‪ ،‬أما النية ‪ :‬فل يجوز التلفظ بها ‪ ،‬فل‬
‫يقول مثل ‪ :‬اللهم إني أريد العمرة ‪ ،‬أو أريد الحج ؛ فهذا لم يرد‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬

‫كيفية إحرام القادم إلى مكة جوا ً‬


‫السؤال )‪ : ( 222‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نود أيضا أن تبينوا لنا كيفية‬
‫إحرام القادم إلى مكة جوا ؟‬
‫الجواب ‪ :‬إحرام القادم إلى مكة جوا هو كما أسلفنا من قبل ‪،‬‬
‫يجب عليه إذا حاذى الميقات أن يحرم ‪ ،‬وعلى هذا فيتأهب أول‬
‫بالغتسال في بيته ‪ ،‬ثم يلبس الحرام قبل أن يصل إلى‬
‫الميقات ‪ ،‬ومن حين أن يصل إلى الميقات ينوي الدخول في‬
‫النسك ‪ ،‬ول يتأخر ؛ لن الطائرة مرها سريع ‪ ،‬فالدقيقة يمكن أن‬
‫تقطع بها مسافات كثيرة ‪ ،‬وهذا أمر يغفل عنه بعض الناس ‪ ،‬تجد‬
‫بعض الناس ل يتأهب ‪ ،‬فإذا أعلن موظف الطائرة بأنهم وصلوا‬
‫الميقات ‪ ،‬ذهب يخلع ثيابه ويلبس ثياب الحرام ‪ ،‬وهذا تقصير‬
‫جدا ‪ ،‬على أن الموظفين في الطائرة فيما يبدو بدأوا ينبهون‬
‫الناس قبل أن يصلوا إلى الميقات بربع ساعة أو نحوها ‪ ،‬وهذا‬
‫عمل يشكرون عليه ؛ لنهم إذا نبهوهم قبل هذه المدة ‪ ،‬جعلوا‬
‫لهم فرصة في تغير ثيابهم وتأهبهم ‪ ،‬ولكن في هذه الحال ‪،‬‬
‫ينبغي بل يجب على من أراد الحرام أن ينتبه للساعة فإذا أعلن‬
‫الموظف موظف الطائرة أنه قد بقى ربع ساعة ‪ ،‬فلينظر إلى‬
‫ساعته ‪ ،‬حتى إذا مضى هذا الجزء الذي هو ربع الساعة أو قبلة‬
‫بدقيقتين أو ثلثة ‪ ،‬لبى بما يريده من النسك ‪.‬‬

‫صفة الحج‬
‫السؤال )‪ : ( 223‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي أركان الحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نحن نذكر هنا صفة الحج على سبيل الجمال والختصار‬
‫فنقول ‪ :‬إذا أراد النسان الحج أو العمرة ‪ ،‬فتوجه إلى مكة في‬
‫أشهر الحج ‪ ،‬فإن الفضل أن يحرم بالعمرة أول ليصير متمتعا ‪،‬‬
‫فيحرم من الميقات بالعمرة ‪ ،‬وعند الحرام يغتسل كما يغتسل‬
‫من الجنابة ‪ ،‬ويتطيب في رأسه ولحيته ‪ ،‬ويلبس ثياب الحرام ‪،‬‬
‫ويحرم عقب صلة فريضة ‪ ،‬إن كان وقتها حاضرا ‪ ،‬أو نافلة ينوي‬
‫بها سنة الوضوء ؛ لنه ليس للحرام نافلة معينة ؛ إذ لم يرد ذلك‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم يلبي فيقول ‪ )) :‬لبيك اللهم‬
‫عمرة ‪ ،‬لبيك اللهم لبيك ‪ ،‬لبيك ل شريك لك لبيك ‪ ،‬إن الحمد‬
‫والنعمة لك والملك ‪ ،‬ل شريك لك (( ‪ ،‬ول يزال يلبي حتى يصل‬
‫إلى مكة‪.‬‬
‫فإذا شرع في الطواف ‪ ،‬قطع التلبية ‪ ،‬فيبدأ بالحجر السود‬
‫يستلمه ويقبله إن تيسر ‪ ،‬وإل أشار إليه ‪ ،‬ويقول ‪ :‬باسم الله‬
‫والله أكبر ‪ ،‬اللهم إيمانا بك ‪ ،‬وتصديقا بكتابك ‪ ،‬ووفاء بعهدك ‪،‬‬
‫واتباعا لسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم يجعل البيت‬
‫عن يساره ويطوف سبعة أشواط ‪ ،‬يبتدئ بالحجر ويختتم به ‪.‬‬
‫وفي هذا الطواف يسن للرجل أن يرمل في الشواط الثلثة‬
‫الولى ؛ بأن يسرع المشي ويقارب الخطا ‪ ،‬وأن يضطبع في جميع‬
‫الطواف ‪ ،‬بأن يخرج كتفه اليمن ‪ ،‬ويجعل طرفي الرداء على‬
‫الكتف اليسر ‪ ،‬فإذا أتم الطواف صلى ركعتين خلف المقام وفي‬
‫طوافه ‪ ،‬وكلما حاذى الحجر السود ‪ ،‬كبر ويقول بينه وبين الركن‬
‫قَنا‬
‫و ِ‬
‫ة َ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬
‫ة َ‬ ‫في اْل ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫و ِ‬
‫ة َ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬
‫في الدّن َْيا َ‬
‫اليماني ‪َ ) :‬رب َّنا آت َِنا ِ‬
‫ر()البقرة‪ ،(201 :‬ويقول في بقية طوافه ما شاء من‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫َ‬
‫ذكر ودعاء ‪.‬‬
‫وليس للطواف دعاء مخصوص لكل شوط ‪ ،‬وعلى هذا فينبغي أن‬
‫يحذر النسان من هذه الكتيبات التي بأيدي كثير من الحجاج ‪،‬‬
‫والتي فيها لكل شوط دعاء مخصوص ؛ فإن هذه بدعة لم يرد عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وقد قال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬كل بدعة ضللة (()‪. (214‬‬
‫ويجب أن ينتبه الطائف إلى أمر يخل به بعض الناس في وقت‬
‫الزحام ‪ ،‬فتجده يدخل من باب الحجر ‪ ،‬ويخرج من الباب الثاني ‪،‬‬
‫فل يطوف بالحجر مع الكعبة ‪ ،‬وهذا خطأ ؛ لن الحجر أكثره من‬
‫الكعبة فمن دخل من باب الحجر وخرج من الباب الثاني ‪ ،‬لم يكن‬
‫قد طاف بالبيت ‪ ،‬فل يصح طوافه ‪.‬‬
‫وبعد الطواف يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم إن تيسر له ‪ ،‬وإل‬
‫ففي أي مكان من المسجد ‪.‬‬
‫ن‬‫م ْ‬‫وة َ ِ‬‫مْر َ‬ ‫ْ‬
‫وال َ‬ ‫فا َ‬ ‫ص َ‬ ‫ن ال ّ‬‫ثم يخرج إلى الصفا ‪ ،‬فإذا دنا منه قرأ ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ه َ‬‫ف بِ ِ‬‫و َ‬ ‫ن ي َطّ ّ‬‫هأ ْ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫ح َ‬‫جَنا َ‬‫فل ُ‬ ‫مَر َ‬ ‫عت َ َ‬
‫وا ْ‬
‫تأ ِ‬ ‫ج ال ْب َي ْ َ‬‫ح ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬‫ه َ‬‫ر الل ّ ِ‬ ‫عائ ِ ِ‬‫ش َ‬ ‫َ‬
‫م( )البقرة‪ ، (158:‬ول يعيد‬ ‫عِلي ٌ‬‫شاك ٌِر َ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫فإ ِ ّ‬‫خْيرا ً َ‬‫ع َ‬‫و َ‬ ‫ن ت َطَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫هذه الية بعد ذلك ‪ ،‬ثم يصعد على الصفا ويستقبل القبلة ‪،‬‬
‫ويرفع يديه ‪ ،‬ويكبر الله ويحمده ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ل إله إل الله وحده ل‬
‫شريك له ‪ ،‬له الملك وله الحمد ‪ ،‬وهو على كل شيء قدير ‪ ،‬ل إله‬
‫إل الله وحده ‪ ،‬أنجز وعده ‪ ،‬ونصر عبده ‪ ،‬وهزم الحزاب وحده ‪ ،‬ثم‬
‫يدعو بعد ذلك ‪ ،‬ثم يعيد الذكر مرة ثانية ثم يدعو ‪ ،‬ثم يعيد الذكر‬
‫مرة ثالثة ‪.‬‬
‫ثم ينزل متجها إلى المروة ‪ ،‬فيمشي إلى العلم الخضر ‪ ،‬أي ‪:‬‬
‫العمود الخضر ‪ ،‬ويسعى من العمود الخضر إلى العمود الثاني‬
‫سعيا شديدا ‪ ،‬أي ‪ :‬يركض ركضا شديدا ‪ ،‬إن تيسر له ولم يتأذ أو‬
‫يؤذ أحدا ‪ ،‬ثم يمشي بعد العلم الثاني إلى المروة مشيا عاديا ‪،‬‬
‫فإذا وصل المروة ‪ ،‬صعد عليها ‪ ،‬واستقبل القبلة ‪ ،‬ورفع يديه ‪،‬‬
‫وقال مثل ما قال على الصفا ؛ فهذا شوط ‪.‬‬
‫ثم يرجع إلى الصفا من المروة ‪ ،‬وهذا هو الشوط الثاني ويقول‬
‫فيه ويفعل كما قال في الشوط الول وفعل ‪.‬‬
‫فإذا أتم سبعة أشواط من الصفا للمروة شوط ‪ ،‬ومن المروة إلى‬
‫الصفا شوط آخر ‪ ،‬إذا أتم سبعة أشواط ‪ ،‬فإنه يقصر شعر رأسه ‪،‬‬
‫ويكون التقصير شامل لجميع الرأس ‪ ،‬بحيث يبدو التقصير واضحا‬
‫في الرأس ‪ ،‬والمرأة تقصر من كل طرف رأسها بقدر أنملة ‪.‬‬
‫ثم يحل من إحرامه حل كامل ‪ ،‬ويتمتع بما أحل الله له من النساء‬
‫والطيب واللباس وغير ذلك‪.‬‬
‫فإذا كان اليوم الثامن من ذي الحجة ‪ ،‬أحرم بالحج ‪ ،‬فاغتسل‬
‫وتطيب ‪ ،‬ولبس ثياب الحرام وخرج إلى منى ‪ ،‬فصلى بها الظهر‬
‫والعصر والمغرب والعشاء والفجر ‪ ،‬خمس صلوات ‪ ،‬يصلى‬
‫الرباعية ركعتين ‪ ،‬وكل صلة في وقتها ‪ ،‬فل جمع في منى ‪ ،‬وإنما‬
‫هو القصر فقط ‪.‬‬
‫فإذا طلعت الشمس يوم عرفة ‪ ،‬سار إلى عرفة ‪ ،‬فنزل بنمرة إن‬
‫تيسر له ‪ ،‬وإل استمر إلى عرفة فينزل بها ‪ ،‬فإذا زالت الشمس ‪،‬‬
‫صلى الظهر والعصر قصرا وجمع تقديم ‪ ،‬ثم يشتغل بعد ذلك بذكر‬
‫الله ودعائه ‪ ،‬وقراءة القرآن ‪ ،‬وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى‬
‫‪ ،‬وليحرص على أن يكون آخر ذلك اليوم ملحا في دعاء الله عز‬
‫وجل ؛ فإنه حري بالجابة ‪.‬‬
‫فإذا غربت الشمس ‪ ،‬انصرف إلى مزدلفة ‪ ،‬فصلى بها المغرب‬
‫والعشاء جمعا وقصرا ‪ ،‬ثم يبقى هناك حتى يصلى الفجر ‪ ،‬ثم‬
‫يدعو الله عز وجل إلى أن يسفر جدا ‪ ،‬ثم يدفع بعد ذلك إلى‬
‫منى ‪ ،‬ويجوز للنسان الذي يشق عليه مزاحمة الناس ‪ ،‬أن ينصرف‬
‫من مزدلفة قبل الفجر ؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم رخص‬
‫لمثله ‪.‬‬
‫فإذا وصل إلى منى ‪ ،‬بادر فرمى جمرة العقبة الولى قبل كل‬
‫شيء بسبع حصيات ‪ ،‬يكبر مع كل حصاة ‪ ،‬ثم ينحر هديه ‪ ،‬ثم يحلق‬
‫رأسه ‪ ،‬وهو أفضل من التقصير ‪ ،‬وإن قصره فل حرج ‪ ،‬والمرأة‬
‫تقصر من أطرافه بقدر أنملة ؛ وحينئذ يحل التحلل الول ‪ ،‬فيباح‬
‫له جميع محظورات الحرام ما عدا النساء ‪.‬‬
‫فينزل بعد أن يتطيب ويلبس ثيابه المعتادة ينزل إلى مكة ‪،‬‬
‫فيطوف طواف الفاضة سبعة أشواط بالبيت ‪ ،‬ويسعى بين الصفا‬
‫والمروة سبعة أشواط ‪ ،‬وهذا الطواف والسعي للحج ‪ ،‬كما أن‬
‫الطواف والسعي الذي حصل منه أول ما قدم للعمرة وبهذا يحل‬
‫من كل شيء حتى من النساء ‪.‬‬
‫ولنقف هنا ننظر ماذا فعل الحاج يوم العيد ؟ فالحاج يوم العيد ‪:‬‬
‫رمى جمرة العقبة ‪ ،‬ثم نحر هديه ‪ ،‬ثم حلق أو قصر ‪ ،‬ثم طاف ‪ ،‬ثم‬
‫سعى ‪ ،‬فهذه خمسة أنساك يفعلها على هذا الترتيب ‪ ،‬فإن قدم‬
‫بعضها على بعض فل حرج ؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم كان‬
‫يسأل يوم العيد عن التقديم والتأخير ‪ ،‬فما سئل عن شيء قدم أو‬
‫أخر يومئذ إل قال ‪ )) :‬افعل ول حرج (()‪، (215‬فإذا نزل من مزدلفة‬
‫إلى مكة‪ ،‬وطاف وسعى‪ ،‬ثم خرج ورمى فل حرج‪ ،‬ولو رمى ثم‬
‫حلق قبل أن ينحر فل حرج‪ ،‬ولو رمى ثم نزل إلى مكة وطاف‬
‫وسعى فل حرج‪ ،‬ولو رمى ونحر وحلق ثم نزل إلى مكة وسعى‬
‫قبل أن يطوف فل حرج‪ ،‬المهم أن تقديم هذه النساك الخمسة‬
‫على بعض ل بأس به‪ ،‬لن الرسول صلى الله عليه وسلم ما سئل‬
‫عن شيء ‪ ،‬قدم ول أخر يومئذ إل قال‪ )) :‬افعل ول حرج((‪ .‬وهذا‬
‫من تيسير الله سبحانه وتعالى ورحمته بعباده ‪.‬‬
‫ويبقى من أفعال الحج بعد ذلك ‪ :‬المبيت في منى ليلة الحادي‬
‫عشر وليلة الثاني عشر ‪ ،‬وليلة الثالث عشر لمن تأخر ؛ لقول الله‬
‫َ‬
‫فل‬‫ن َ‬‫مي ْ ِ‬
‫و َ‬
‫في ي َ ْ‬
‫ل ِ‬‫ج َ‬
‫ع ّ‬
‫ن تَ َ‬
‫م ْ‬ ‫ت َ‬
‫ف َ‬ ‫دا ٍ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ْ‬
‫في أّيام ٍ َ‬ ‫ه ِ‬ ‫واذْك ُُروا الل ّ َ‬ ‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫قى ()البقرة‪، ( 203 :‬‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه لِ َ‬‫علي ْ ِ‬‫م َ‬ ‫فل إ ِث ْ َ‬ ‫خَر َ‬ ‫ن ت َأ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫عل َي ْ ِ‬
‫م َ‬ ‫إ ِث ْ َ‬
‫فيبيت الحاج بمنى ليلة الحادي عشر ‪ ،‬وليلة الثاني عشر ‪ ،‬ويجزئ‬
‫أن يبيت هاتين الليلتين معظم الليل ‪.‬‬
‫فإذا زالت الشمس من اليوم الحادي عشر ‪ ،‬رمى الجمرات‬
‫الثلث ؛ يبدأ بالصغرى وهي الولى التي تعتبر شرقية بالنسبة‬
‫للجمرات الثلث ‪ ،‬فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ‪ ،‬ويكبر مع كل‬
‫حصاة ‪ ،‬ثم يتقدم عن الزحام قليل ‪ ،‬فيقف مستقبل القبلة ‪،‬‬
‫رافعا يديه ‪ ،‬يدعو الله تعالى دعاء طويل ‪ ،‬ثم يتجه إلى الوسطى‬
‫فيرميها بسبع حصيات متعاقبات ‪ ،‬يكبر مع كل حصاة ‪ ،‬ثم يتقدم‬
‫قليل عن الزحام ‪ ،‬ويقف مستقبل القبلة ‪ ،‬رافعا يديه ‪ ،‬يدعو الله‬
‫تعالى دعاء طويل ‪ ،‬ثم يتقدم إلى جمرة العقبة ‪ ،‬فيرميها بسبع‬
‫حصيات متعاقبات ‪ ،‬يكبر مع كل حصاة ‪ ،‬ول يقف عندها ؛ اقتداء‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وفي ليلة الثاني عشر ‪ ،‬يرمي الجمرات الثلث كذلك ‪ ،‬وفي اليوم‬
‫الثالث عشر ـ إن تأخر ـ يرمي الجمرات الثلث كذلك ‪.‬‬
‫ول يجوز للنسان أن يرمي الجمرات الثلث في اليوم الحادي‬
‫عشر والثاني عشر ‪ ،‬والثالث عشر قبل الزوال ؛ لن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم لم يرم إل بعد الزوال ‪ ،‬وقال ‪ )) :‬خذوا عني‬
‫مناسككم (()‪ ، (216‬وكان الصحابة يتحينون الزوال ‪ ،‬فإذا زالت‬
‫الشمس رموا ‪ ،‬ولو كان الرمي قبل الزوال جائزا ً لبينه النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم لمته ‪ ،‬إما بفعله ‪ ،‬أو قوله أو إقراره ‪ ،‬ولما اختار‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم وسط النهار للرمي ‪ ،‬وهو شدة الحر ‪،‬‬
‫دون الرمي في أوله الذي هو أهون على الناس ‪ ،‬علم أن الرمي‬
‫أول النهار ل يجوز ؛ لنه لو كان من شرع الله عز وجل ‪ ،‬لكان هو‬
‫الذي يشرع لعباد الله ؛ لنه اليسر ‪ ،‬والله عز وجل إنما يشرع‬
‫لعباده ما هو اليسر ‪ .‬ولكن يمكنه إذا كان يشق عليه الزحام ‪ ،‬أو‬
‫المضي إلى الجمرات في وسط النهار ‪ ،‬أن يؤخر الرمي إلى الليل‬
‫فإن الليل وقت للرمي‪ ،‬إذ ل دليل على أن الرمي ل يصح ليل ً ؛‬
‫فالنبي صلى الله عليه وسلم وقت أول الرمي ولم يوقت آخره ‪،‬‬
‫والصل فيما جاء مطلقا ‪ ،‬أن يبقى على إطلقه ‪ ،‬حتى يقوم دليل‬
‫على تقييده بسبب أو وقت ‪.‬‬
‫ثم ليحذر الحاج من التهاون في رمي الجمرات ؛ فإن من الناس‬
‫من يتهاون فيها ‪ ،‬حتى يوكل من يرمي عنه وهو قادر على الرمي‬
‫بنفسه ‪ ،‬وهذا ل يجوز ول يجزئ ؛ لن الله تعالى يقول في كتابه ‪:‬‬
‫) َ‬
‫ه()البقرة‪ ، (196 :‬والرمي من أفعال الحج‬ ‫مَرةَ ل ِل ّ ِ‬ ‫ع ْ‬‫وال ْ ُ‬
‫ج َ‬ ‫ح ّ‬ ‫موا ال ْ َ‬ ‫وأت ِ ّ‬ ‫َ‬
‫‪ ،‬فل يجوز الخلل به ‪ ،‬ولن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن‬
‫لضعفة أهله أن يوكلوا من يرمي عنهم ‪ ،‬بل أذن لهم بالذهاب من‬
‫مزدلفة في آخر الليل ‪ ،‬ليرموا بأنفسهم قبل زحمة الناس ‪ ،‬ولن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن للرعاة الذين يغادرون منى‬
‫في إبلهم لم يأذن لهم أن يوكلوا من يرمي عنهم ‪ ،‬بل أذن لهم‬
‫أن يرموا يوما ويدعوا يوما ليرموه في اليوم الثالث ‪ ،‬وكل هذا‬
‫يدل على أهمية رمي الحاج بنفسه ‪ ،‬وأنه ل يجوز له أن يوكل أحدا‬
‫‪ ،‬ولكن عند الضرورة ل بأس بالتوكيل ‪ ،‬كما لو كان الحاج مريضا‬
‫أو كبير ل يمكنه الوصول إلى الجمرات ‪ ،‬أو امرأة حامل تخشى‬
‫على نفسها أو ولدها ‪ ،‬ففي هذه الحال يجوز التوكيل ‪.‬‬
‫ولول أنه ورد عن الصحابة رضي الله عنهم أنهم كانوا يرمون عن‬
‫الصبيان ‪ ،‬لقلنا ‪ :‬إن العاجز يسقط عنه الرمي ؛ لنه واجب عجز‬
‫عنه ‪ ،‬فيسقط عنه لعجزه عنه‪ ،‬ولكن لما ورد جنس التوكيل في‬
‫الرمي عن الصبيان ‪ ،‬فإنه ل مانع من أن يلحق به من يشابههم‬
‫في تعذر الرمي من قبل نفسه ‪.‬‬
‫المهم ‪ :‬أنه يجب علينا أن نعظم شعائر الله ‪ ،‬وأل نتهاون بها ‪،‬‬
‫وأن نفعل ما يمكننا فعله بأنفسنا ؛ لنه عبادة ‪ ،‬كما قال النبي‬
‫عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬إنما جعل الطواف بالبيت وبالصفا‬
‫والمروة ‪ ،‬ورمي الجمار لقامة ذكر الله (()‪. (217‬‬
‫وإذا أتم الحج ‪ ،‬فإنه يخرج من مكة إلى بلده ‪ ،‬حتى يطوف للوداع ؛‬
‫لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال ‪ :‬كان الناس ينفرون من‬
‫ن أحد حتى‬ ‫كل وجه ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ) :‬ل ينفر ّ‬
‫يكون آخر عهده بالبيت (()‪ ،(218‬إل إذا كانت المرأة حائضا أو‬
‫نفساء ‪ ،‬وقد طافت طواف الفاضة ‪ ،‬فإن طواف الوداع يسقط‬
‫عنها ؛ لحديث ابن عباس ‪ )) :‬أمر الناس أن يكون آخر عهدهم‬
‫بالبيت ‪ ،‬إل أنه خفف عن الحائض (()‪ ، (219‬ولن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لما قيل له ‪ :‬أن صفية قد طافت طواف الفاضة ‪،‬‬
‫قال ‪ )) :‬فلتنفر إذن (()‪ ، (220‬وكانت حائضا ‪.‬‬
‫ويجب أن يكون هذا الطواف آخر شيء ‪ ،‬وبه نعرف أن ما يفعله‬
‫بعض الناس ‪ ،‬حيث ينزلون إلى مكة ‪ ،‬فيطوفون طواف الوداع ‪،‬‬
‫ثم يرجعون إلى منى ‪ ،‬فيرمون الجمرات ‪ ،‬ويسافرون من هناك ‪،‬‬
‫فهذا خطأ ‪ ،‬ول يجزئهم طواف الوداع ؛ لن هؤلء لم يجعلوا آخر‬
‫عهدهم بالبيت ‪ ،‬وإنما جعلوا آخر عهدهم بالجمرات ‪.‬‬

‫أركان العمرة‬
‫السؤال) ‪ : ( 224‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي أركان العمرة ‪ ،‬حيث‬
‫إنها في التمتع تسبق الحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬يقول العلماء ‪ :‬أن أركان العمرة ثلثة ‪ :‬الحرام ‪،‬‬
‫والطواف ‪ ،‬والسعي ‪ ،‬وإن واجباتها اثنان ‪ :‬أن يكون الحرام من‬
‫الميقات ‪ ،‬والحلق أو التقصير ‪ .‬وما عدا ذلك فهو سنن ‪.‬‬

‫أركان الحج‬
‫السؤال) ‪ : ( 225‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي أركان الحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أركان الحج ‪ ،‬يقول العلماء إنها أربعة ‪ :‬الحرام‬
‫والوقوف بعرفة ‪ ،‬والطواف ‪ ،‬والسعي ‪.‬‬

‫حكم الخلل بشيء من أركان الحج أو العمرة‬


‫السؤال) ‪ : ( 226‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم الخلل بشيء من‬
‫هذه الركان ؟‬
‫الجواب ‪ :‬الخلل بشيء من هذه الركان ل يتم النسك إل به ‪،‬‬
‫فمن لم يطف بالعمرة مثل ‪ ،‬فإنه يبقى على إحرامه حتى‬
‫يطوف ‪ ،‬ومن لم يسع ‪ ،‬يبقى على إحرامه حتى يسعى ‪ ،‬وكذلك‬
‫نقول في الحج ‪ :‬من لم يأت بأركانه ‪ ،‬فإنه ل يصح حجه ‪ ،‬فمن لم‬
‫يقف بعرفة حتى طلع الفجر يوم النحر ‪ ،‬فقد فاته الحج فل يصح‬
‫حجه ‪ ،‬لكنه يتحلل بعمرة ‪ ،‬فيطوف ‪ ،‬ويسعى ‪ ،‬ويقصر أو يحلق ‪،‬‬
‫وينصرف إلى أهله فإذا كان العام القادم أتى بالحج ‪.‬‬
‫وأما الطواف والسعي إذا فاته في الحج ‪ ،‬فإنه يقضيه ؛ لنه ل آخر‬
‫لوقته ‪ ،‬لكن ل يؤخره عن شهر ذي الحجة إل من عذر ‪.‬‬

‫واجبات الحج‬
‫السؤال )‪ : ( 227‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي واجبات الحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬واجبات الحج ‪ :‬هي أن يكون الحرام من الميقات ‪ ،‬وأن‬
‫يقف بعرفة إلى الغروب ‪ ،‬وأن يبيت بمزدلفة ‪ ،‬وأن يبيت بمنى‬
‫ليلتين بعد العيد ‪ ،‬وأن يرمي الجمرات ‪ ،‬وأن يطوف للوداع ‪.‬‬

‫حكم الخلل بشيء من واجبات الحج أو العمرة‬


‫السؤال )‪ : ( 228‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم الخلل بشيء من‬
‫واجبات الحج أو العمرة ؟‬
‫الجواب ‪ :‬الخلل بشيء منها إن كان النسان متعمدا ‪ ،‬فعليه‬
‫الثم والفدية كما قال أهل العلم ؛ شاة يذبحها ويفرقها في مكة ‪،‬‬
‫وإن كان غير متعمد ‪ ،‬فل إثم عليه ‪ ،‬لكن عليه الفدية ‪ ،‬يذبحها في‬
‫مكة ‪ ،‬ويوزعها على الفقراء ؛ لنه ترك واجبا له بدل ‪ ،‬فلما تعذر‬
‫الصل ‪ ،‬تعين البدل ‪ ،‬وهذا هو قول أهل العلم فيمن ترك واجبا ‪،‬‬
‫أن عليه فدية ‪ ،‬يذبحها في مكة ‪ ،‬ويوزعها على الفقراء ‪.‬‬

‫صفة القرآن‬
‫السؤال )‪ ( 229‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬تحدثتم عن صفة التمتع في‬
‫حديثكم عن صفة الحج ‪ ،‬حبذا أيضا لو تحدثتم عن صفة القران‬
‫؟‬
‫الجواب ‪ :‬التمتع كما ذكرنا ‪ :‬أن يأتي بالعمرة مستقلة ‪ ،‬ويحل‬
‫منها ‪ ،‬ثم يحرم بالحج في عامه ‪ .‬والقران له صورتان ‪:‬‬
‫الصورة الولى ‪ :‬أن يحرم بالعمرة والحج جميعا من الميقات ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬لبيك عمرة وحجا ‪.‬‬
‫والصورة الثانية ‪ :‬أن يحرم بالعمرة أول ثم يدخل الحج عليها قبل‬
‫الشروع في طوافها ‪.‬‬
‫وهناك صورة ثالثة ‪ :‬موضع خلف بين العلماء ‪ ،‬وهي أن يحرم‬
‫بالحج وحده ‪ ،‬ثم يدخل العمرة عليه ‪ ،‬قبل أن يفعل شيئا من‬
‫أفعال الحج ‪ ،‬كالطواف والسعي مثل ‪.‬‬
‫والقارن يبقى على إحرامه ‪ ،‬فإذا قدم مكة يطوف للقدوم ‪،‬‬
‫ويسعى للحج والعمرة ‪ ،‬ويبقى على إحرامه إلى أن يتحلل منه‬
‫يوم العيد ‪ ،‬ويلزمه هدي كهدي المتمتع ‪.‬‬
‫وأما المفرد ‪ :‬فيحرم بالحج مفردا من الميقات ‪ ،‬ويبقى على‬
‫ذلك ‪ ،‬فإذا قدم مكة طاف للقدوم ‪ ،‬وسعى للحج ‪ ،‬ولم يحل إل‬
‫يوم العيد ‪.‬‬
‫فيكون القارن والفرد سواء في الفعال ‪ ،‬ولكنهما يختلفان في‬
‫أن القارن يحصل له عمرة وحج ‪ ، ،‬ويلزمه هدي ‪ ،‬وأما المفرد فل‬
‫يحصل له إل الحج ‪ ،‬ول يلزمه هدي ‪.‬‬

‫حكم العتمار بعد الحج‬


‫السؤال )‪ ( 230‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬عرفنا صفة الحج ‪ ،‬وعرفنا‬
‫التمتع والقران والفراد ‪ ،‬وقلتم في الفراد ‪ :‬إن المسلم‬
‫يأتي بالحج وحده ول يأتي بعمرة معه ‪ ،‬لكننا نرى كثيرا من‬
‫الناس إذا انتهى من الفراد اعتمر ‪ ،‬فما حكم هذا العمل ؟‬
‫الجواب ‪ :‬هذا العمل ل أصل له في السنة ‪ ،‬فلم يكن الصحابة‬
‫رضي الله عنهم مع حرصهم على الخير يأتون بهذه العمرة بعد‬
‫الحج ‪ ،‬وخير الهدي هدي النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه‬
‫الراشدين ‪ ،‬وأصحابه الذين هم خير القرون ‪ ،‬وإنما جاء ذلك في‬
‫قضية معينة قصة عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها ‪ ،‬حيث كانت‬
‫محرمة بعمرة ‪ ،‬ثم حاضت قبل الوصول إلى مكة ‪ ،‬فأمرها النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم أن تحرم بالحج ؛ ليكون نسكها قرانا ‪ ،‬وقال‬
‫)‬
‫لها ‪ )) :‬طوافك بالبيت وبالصفا والمروة يسعك لحجك وعمرتك ((‬
‫‪ ، (221‬فلما انتهى الحج ‪ ،‬ألحت على رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم أن تأتي بعمرة ‪ ،‬بدل من عمرتها التي حولتها إلى قران ‪،‬‬
‫فأذن لها ‪ ،‬وأمر أخاها عبد الرحمن بن عوف أن يخرج بها من‬
‫الحرم إلى الحل ‪ ،‬فخرج بها إلى التنعيم ‪ ،‬وأتت بعمرة ‪ ،‬فإذا‬
‫وجدت صورة كالصورة التي حصلت لعائشة ‪ ،‬وأرادت المرأة أن‬
‫تأتى بعمرة ‪ ،‬فحينئذ نقول ‪ :‬ل حرج أن تأتي المرأة بعمرة ‪ ،‬كما‬
‫فعلت أم المؤمنين عائشة رضي الله صلى الله عليه وسلم عنها‬
‫بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ويدلك على أن هذا أمر ليس مشروع ‪ ،‬أن عبد الرحمن بن أبي بكر‬
‫رضي الله عنه وهو مع أخته لم يحرم بالعمرة ل تفقها من عنده ‪،‬‬
‫ول بإذن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولو كان هذا من‬
‫المور المشروعة ‪ ،‬لكان رضي الله عنه يأتي بالعمرة ؛ لن ذلك‬
‫أمر سهل عليه حيث إنه قد خرج مع أخته ‪.‬‬
‫والمهم ‪ :‬أن ما يفعله بعض الحجاج كما أشرت إليه ليس له أصل‬
‫من السنة ‪.‬‬
‫نعم ‪ :‬لو فرض أن بعض الحجاج يصعب عليه أن يأتي إلى مكة بعد‬
‫مجيئه هذا ‪ ،‬وهو قد أتى بحج مفرد ‪ ،‬فإنه في هذه الحال في‬
‫ضرورة إلى أن يأتي بعد الحج بالعمرة ‪ ،‬ليؤدي واجب العمرة ؛ فإن‬
‫العمرة واجبة على القول الراجح من أقوال أهل العلم ؛ وحينئذ‬
‫يخرج إلى التنعيم ‪ ،‬أو إلى غيره من الحل ‪ ،‬فيحرم منه ‪ ،‬ثم‬
‫يطوف ويسعى ويحلق أو يقصر ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 231‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لكن ما الولى بالنسبة لهذا‬
‫الحاج الذي يعرف أن التيان إلى مكة يصعب عليه ؟‬
‫الجواب ‪ :‬كما قلت لك يأتي بالعمرة بعد الحج ؛ لن هذا ضرورة ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 232‬لكن أليس الولى أن يأتي مثل متمتعا أو‬
‫قارنا ليسلم من المحظور ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم هذا هو الولى ‪ ،‬لكن نحن فرضنا أنه أتى مفردا فيه‬
‫‪.‬‬

‫حكم النتقال من نسك لخر‬


‫السؤال )‪ : ( 233‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم النتقال من نسك‬
‫إلى نسك آخر ؟‬
‫الجواب ‪ :‬النتقال من نسك إلى نسك آخر تقدم في صفة‬
‫القران ‪ ،‬أنه من الممكن أن يحرم النسان أول بعمرة ‪ ،‬ثم يدخل‬
‫الحج عليها قبل الشروع في طوافها ‪ ،‬فيكون انتقل من العمرة‬
‫إلى الجمع بينها وبين الحج ‪ ،‬وكذلك يمكن أن ينتقل من الحج‬
‫المفرد أو من القران ‪ ،‬إلى عمرة ليصير متمتعا ‪ ،‬كما أمر بذلك‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه ‪ ،‬من لم يكن منهم ساق‬
‫الهدي ‪ ،‬فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان قارنا ‪ ،‬وكان قد‬
‫ساق الهدي ‪ ،‬وساقه معه أغنياء الصحابة رضي الله عنهم ‪ ،‬فلما‬
‫طاف وسعى ‪ ،‬أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة ‪ ،‬فانتقلوا‬
‫من الحج المفرد أو المقرون بالعمرة إلى أن يجعلوا ذلك عمرة ‪،‬‬
‫ولكن هذا مشروط بما إذا تحول من حج أو قران إلى عمرة ليصير‬
‫متمتعا ‪ ،‬أما من تحول من قران أو إفراد إلى عمرة ‪ ،‬ليتخلص من‬
‫الحرام ويرجع إلى أهله ‪ ،‬فإن ذلك ل يجوز ‪.‬‬

‫حكم التحول من التمتع إلى الفراد‬


‫السؤال )‪ : ( 234‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل يجوز أن يتحول من‬
‫التمتع إلى الفراد ؟‬
‫الجواب ‪ :‬من التمتع إلى الفراد ل يجوز ول يمكن ‪ ،‬وإنما يجوز أن‬
‫يتحول من الفراد إلى التمتع ‪ ،‬بمعنى أن يكون محرما بالحج‬
‫مفردا ‪ ،‬ثم بعد ذلك يحول إحرامه بالحج إلى عمرة ؛ ليصير‬
‫متمتعا ‪ ،‬وكذلك القارن يجوز أن يحول نيته من القران إلى العمرة‬
‫‪ ،‬ليصير متمتعا ‪ ،‬إل من ساق الهدي في الصورتين ‪ :‬فإنه ل يجوز‬
‫له ذلك ‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه الذين معه‬
‫أن يجعلوا إحرامهم بالحج المفرد أو المقرون بالعمرة ‪ ،‬أن يجعلوه‬
‫عمرة ‪ ،‬ليصيروا متمتعين ‪ ،‬إل من ساق الهدي ‪.‬‬

‫أحكام وضوابط النيابة في الحج‬


‫السؤال )‪ : ( 235‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬لو تحدثنا أيضا عن النيابة‬
‫الكلية في الحج من حيث الحكام والضوابط ؟‬
‫الجواب ‪ :‬النيابة في الحج إن كان النسان قادرا ‪ ،‬فإنها غير‬
‫مشروعة ‪ ،‬أما في الفريضة ‪ ،‬فإنه ل يجوز أن يستنيب النسان‬
‫أحدا عنه ‪ ،‬يؤدي الحج أو العمرة فريضة ؛ لن الفريضة تطلب من‬
‫النسان نفسه أن يؤديها بنفسه ‪.‬‬
‫فإن كان عاجزا عن أداء الفريضة ‪:‬‬
‫فإما أن يكون عجزه طارئا يرجى زواله ‪ ،‬فهذا ينتظر حتى يزول‬
‫عجزه ‪ ،‬ثم يؤدي الفريضة بنفسه ؛ مثل أن يكون في أشهر الحج‬
‫مريضا مرضا طارئا يرجى زواله ‪ ،‬وهو لم يؤد الفريضة ‪ ،‬فإننا‬
‫نقول له ‪ :‬انتظر حتى يعافيك الله وحج ‪ ،‬إن أمكنك في هذه السنة‬
‫فذاك ‪ ،‬وإل ففي السنوات القادمة ‪.‬‬
‫أما إذا كان عجزه عن الحج عجزا ل يرجى زواله ؛ كالكبير‬
‫والمريض مرضا ل يرجى زواله ‪ ،‬فإنه يقيم من يحج ويعتمر عنه ‪،‬‬
‫ودليل ذلك ‪ :‬حديث ابن عباس رضي الله عنهما ؛ أن امرأة من‬
‫خثعم سألت النبي صلى الله عليه وسلم ‪ :‬فقالت ‪ :‬إن أبي أدركته‬
‫فريضة الله على عباده في الحج ‪ ،‬شيخا كبيرا ل يثبت على‬
‫الراحلة ‪ ،‬أفأحج عنه ؟ قال ‪ )) :‬نعم (( )‪.(222‬‬
‫فهذا حكم النيابة في الفرض ‪ ،‬أنه إن كان المستنيب قادرا ‪ ،‬فإن‬
‫ذلك ل يصح ‪ ،‬وإن كان عاجز عجزا ل يرجى زواله ‪ ،‬فإن ذلك يصح ‪،‬‬
‫وإن كان النسان عاجزا عجزا طارئا يرجى زواله ‪ ،‬فإنه ل يصح أن‬
‫يستنيب أحدا ‪ ،‬ولينظر حتى يعافيه الله ‪ ،‬ويؤدي ذلك بنفسه ‪.‬‬
‫أما في النافلة ‪ :‬فإن كان عاجز عجزا ل يرجى زواله ‪ ،‬فقد يقول‬
‫قائل ‪ :‬إنه يصح أن يستنيب من يحج عنه النافلة ‪ ،‬قياسا على‬
‫استنابة من عليه الفريضة ‪ ،‬وقد يقول قائل ‪ :‬أنه ل يصح القياس‬
‫هنا ؛ لن الستنابة في الفريضة استنابة في أمر واجب لبد منه‬
‫بخلف النافلة ؛ فإن النافلة ل تلزم النسان ‪ ،‬فيقال ‪ :‬إن قدر‬
‫عليها ‪ ،‬فعلها بنفسه ‪ ،‬وإن لم يقدر عليها ‪ ،‬فل يستنيب أحدا‬
‫فيها ‪.‬‬
‫ً‬
‫أما إذا كان قادرا على أن يؤدي الحج بنفسه ‪ ،‬فإنه ل يصح أن‬
‫يستنيب غيره في الحج عنه ‪ ،‬على إحدى الروايتين عن المام‬
‫أحمد ‪ ،‬وهي عندي أقرب ؛ لن الحج عبادة يتعبد بها النسان لربه ‪،‬‬
‫فل يليق أن يقول لحد ‪ :‬اذهب فتعبد لله عني ‪ ،‬بل نقول ‪ :‬أدها‬
‫أنت بنفسك ؛ لنه ليس لديك مانع حتى تستنيب من يؤدي هذه‬
‫النافلة عنك ‪ ،‬هذه الستنابة في الحج على وجه الكمال ‪ ،‬يعني‬
‫بمعنى ‪ :‬أنه يصير في كل حج ‪.‬‬

‫شروط النائب في الحج‬


‫السؤال )‪ : ( 236‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما هي شروط النائب في‬
‫الحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬النائب يشترط أن يكون قد أدى الفريضة عن نفسه إن‬
‫كان قد لزمه الحج ؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجل‬
‫يقول ‪ :‬لبيك عن شبرمة ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬من شبرمة ؟ (()‪ (223‬يقوله‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فقال الرجل ‪ :‬أخ لي ‪ ،‬أو قريب‬
‫لي ‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬حججت عن‬
‫نفسك ؟ (( قال ل ‪ ،‬قال ‪ )) :‬حج عن نفسك ‪ ،‬ثم حج عن‬
‫شبرمة (( ‪ ، 1‬ولن النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ )):‬ابدأ‬
‫بنفسك (( ‪ ،‬ولنه ليس من النظر الصحيح أن يؤدي النسان الحج‬
‫عن غيره مع وجوبه عليه ‪ ،‬قال أهل العلم ‪ :‬ولو حج عن غيره مع‬
‫وجوب الحج عليه ‪ ،‬فإن الحج يقع عن نفسه ‪ ،‬أي ‪ :‬عن نفس‬
‫النائب ‪ ،‬ويرد للمستنيب ما أخذه منه من الدراهم والنفقة ‪.‬‬
‫أما بقية الشروط فمعروفة ‪ ،‬وقد تكلمنا عليها من قبل ؛ مثل ‪:‬‬
‫السلم ‪ ،‬والعقل ‪ ،‬والتمييز ‪ ،‬وهي شروط واجبة في كل عبادة ‪.‬‬

‫يأخذ نقودا ً ليحج بها وليس في نيته إل جمع الدراهم‬


‫السؤال )‪ ( 237‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ما حكم من أخذ نقودا ليحج‬
‫عن غيره ‪ ،‬وليس في نيته إل جمع الدراهم ؟‬
‫الجواب ‪ :‬يقول العلماء ‪ :‬إن النسان إذا حج للدنيا لخذ الدراهم ‪،‬‬
‫فإن هذا حرام عليه ‪ ،‬ول يحل له أن ينوى بعمل الخرة شيئا من‬
‫ف‬‫و ّ‬‫ها ن ُ َ‬‫زين َت َ َ‬
‫وُ ِ‬
‫حَياةَ الدّن َْيا َ‬ ‫ريدُ ال ْ َ‬ ‫ن يُ ِ‬‫كا َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬‫الدنيا ؛ لقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬‫ن( )‪) (15‬أول َئ ِ َ‬ ‫سو َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ها ل ي ُب ْ َ‬ ‫في َ‬‫م ِ‬‫ه ْ‬‫و ُ‬
‫ها َ‬ ‫في َ‬‫م ِ‬‫ه ْ‬‫مال َ ُ‬
‫ع َ‬ ‫م أَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬
‫إ ِلي ْ ِ‬
‫ما‬
‫ل َ‬ ‫وَباطِ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬
‫عوا ِ‬ ‫صن َ ُ‬‫ما َ‬ ‫ط َ‬ ‫حب ِ َ‬ ‫ة إ ِّل الّناُر َ‬
‫و َ‬ ‫خَر ِ‬‫في اْل ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫س لَ ُ‬‫ل َي ْ َ‬
‫ن( )هود‪. ( 16 ، 15:‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ :‬من حج ليأخذ ‪ ،‬فليس له في الخرة‬
‫من خلق ‪ ،‬وأما إذا أخذ ليحج ‪ ،‬أو ليستعين به على الحج ‪ ،‬فإن ذلك‬
‫ل بأس به ‪ ،‬ول حرج عليه ‪ ،‬وهنا يجب على النسان أن يحذر من‬
‫أن يأخذ الدراهم للغرض الول ‪ ،‬فإنه يخشى أل يقبل منه وأل‬
‫يجزئ الحج عمن أخذه عنه ‪ ،‬وحينئذ يلزمه أن يعيد النفقة‬
‫والدراهم إلى صاحبها ‪ ،‬إذا قلنا بأن الحج لم يصح ولم يقع عن‬
‫المستنيب ‪ ،‬ولكن يأخذ النسان الدراهم والنفقة ليحج بها عن‬
‫غيره ‪ ،‬ليستعين بها على الحج ‪ ،‬ويجعل نيته في ذلك أن يقضي‬
‫غرض صاحبه ‪ ،‬وأن يتقرب إلى الله تعالى بما يتعبد به في‬
‫المشاعر ‪ ،‬وعند بيت الله ‪.‬‬

‫هل يقع للنائب ثواب في بعض العمال إذا حج عن غيره؟‬


‫السؤال )‪ : ( 238‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬إذا أمن هذا ‪ ،‬هل يمكن أن‬
‫يقع ثواب بعض العمال للنائب ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم ؛ لن النائب ل يلزمه إل أن يقوم بالركان ‪،‬‬
‫والواجبات ‪ ،‬وكذلك المستحبات بالنسبة للنسك ‪ ،‬وأما ما يحصل‬
‫من ذكر ‪ ،‬ودعاء ‪ ،‬فما كان متعلقا بالنسك ‪ ،‬فإنه لصاحب النسك ))‬
‫للمستنيب (( وما كان خارجا عن ذلك ‪ ،‬فإنه لصاحبه )) النائب (( ‪.‬‬
‫معنى النيابة الجزئية في الحج‬
‫السؤال )‪ : ( 239‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬حبذا لو حدثتمونا فضيلتكم‬
‫عن النيابة الجزئية في الحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬النيابة الجزئية في الحج معناها ‪ :‬أن يوكل النسان عنه‬
‫من يقوم ببعض أفعال الحج ‪ ،‬مثل أن يوكل من يطوف عنه ‪ ،‬أو‬
‫يسعى عنه ‪ ،‬أو يقف عنه ‪ ،‬أو يبيت عنه ‪ ،‬أو يرمي عنه ‪ ،‬أو ما‬
‫أشبه ذلك من جزئيات الحج ‪ ،‬والراجح ‪ :‬أنه ل يجوز للنسان أن‬
‫يستنيب من يقوم عنه بشيء من أجزاء الحج أو العمرة ‪ ،‬سواء‬
‫كان ذلك فرضا أو نفل ؛ وذلك لن من خصائص الحج والعمرة ‪ ،‬أن‬
‫النسان إذا أحرم بهما صار فرضا ولو كان ذلك نفل ‪ ،‬أي ‪ :‬لو كان‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ف َ‬‫ت َ‬ ‫ما ٌ‬ ‫عُلو َ‬ ‫م ْ‬‫هٌر َ‬ ‫ش ُ‬ ‫ج أَ ْ‬‫ح ّ‬‫الحج أو العمرة نفل ؛ لقوله تعالى ‪) :‬ال ْ َ‬
‫ج()البقرة‪:‬‬ ‫ح ّ‬‫في ال ْ َ‬ ‫ل ِ‬‫دا َ‬ ‫ج َ‬‫ول ِ‬ ‫سوقَ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول ُ‬ ‫ث َ‬
‫ف َ‬ ‫فل َر َ‬ ‫ج َ‬ ‫ح ّ‬‫ن ال ْ َ‬‫ه ّ‬ ‫في ِ‬ ‫ض ِ‬‫فَر َ‬ ‫َ‬
‫‪. (197‬‬
‫ه‬ ‫ّ‬
‫ول ِل ِ‬
‫وهذه الية نزلت قبل فرض الحج ‪ ،‬أي قبل قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫سِبيل ً ()آل عمران‪، (97 :‬‬ ‫ه َ‬ ‫ع إ ِل َي ْ ِ‬‫طا َ‬ ‫ست َ َ‬‫نا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت َ‬‫ج ال ْب َي ْ ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫س ِ‬ ‫على الّنا ِ‬
‫َ َ‬
‫وهذا يدل على أن تلبس النسان بالحج أو العمرة يجعله فرضا‬
‫عليه ‪.‬‬
‫وكذلك يدل على أنه فرض إذا شرع فيه ؛ قوله تعالى ‪ ) :‬ث ُ ّ‬
‫م‬
‫ق( )الحج‪:‬‬ ‫عِتي ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫فوا ِبال ْب َي ْ ِ‬ ‫و ُ‬ ‫ول ْي َطّ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ذوَر ُ‬‫فوا ن ُ ُ‬ ‫ول ُْيو ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ضوا ت َ َ‬
‫فث َ ُ‬ ‫ل ْي َ ْ‬
‫ق ُ‬
‫‪ ، (29‬وهذا يدل على أن الشروع في الحج يجعله كالمنذور ‪ ،‬وبناء‬
‫على ذلك ‪ :‬فإنه ل يجوز لحد أن يوكل أحدا ً في شيء من جزئيات‬
‫الحج ول أعلم في السنة أن الستنابة في شيء من أجزاء الحج‬
‫قد وقعت إل فيما يروى من كون الصحابة رضي الله عنهم يرمون‬
‫عن الصبيان ‪ ،‬ويدل لهذا أن أم سلمة رضي الله عنها لما أرادت‬
‫الخروج قالت ‪ :‬يا رسول الله ‪ ،‬إني أريد الخروج وأجدني شاكية ‪،‬‬
‫فقال ‪ )) :‬طوفي من وراء الناس وأنت راكبة (()‪ ،(224‬وهذا يدل‬
‫على أنه ل يجوز التوكيل في جزئيات الحج ‪.‬‬

‫قياس التوكيل في الرمي على غيره من مناسك الحج‬


‫السؤال )‪ : ( 240‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬ذكرتم أن التوكيل في‬
‫الجزئية يكون مثل في الطواف أو الرمي أو الوقوف أو ما‬
‫أشبه ذلك ‪ ،‬فهل إذا جاز التوكيل في الرمي مثل يقاس عليه‬
‫بقية أجزاء الحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬نحن قلنا هذا تمثيل على التوكيل في الجزئية ‪،‬‬
‫وليس حكما بأن ذلك مباح ؛ ولهذا قلنا ‪ :‬ل نعلم في السنة أنه ورد‬
‫التوكيل في شيء من الجزئيات ‪ ،‬أو أن أحدا يقوم عن أحد إل في‬
‫الرمي ‪ ،‬وقلنا ‪:‬إن النسان إذا تلبس في الحج أو العمرة ‪ ،‬صار‬
‫فرضا عليه يلزمه هو بنفسه ؛ وعلى هذا فل يجوز التوكيل في أي‬
‫شيء من أجزاء الحج أو العمرة فرضا كانت أم نفل ‪ ،‬إل في‬
‫الرمي ؛ لوروده في حق الصغار ‪ ،‬وكذلك من لم يستطيع الرمي‬
‫بنفسه من الكبار ‪.‬‬
‫السؤال )‪ : ( 241‬فضيلة الشيخ ‪،‬لكن إذا جاز التوكيل في‬
‫الرمي ‪ ،‬هل هناك شروط للنائب والمنيب ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم ‪ ،‬أما المنيب فيشترط أل يستطيع الرمي بنفسه ل‬
‫ليل ول نهارا ‪ ،‬وأما النائب ‪ ،‬فقال الفقهاء رحمهم الله ‪ :‬أنه لبد‬
‫أن يكون ممن حج تلك السنة ‪ ،‬وأن يكون قد رمى عن نفسه‪.‬‬

‫عجز عن إكمال النسك ‪ ،‬فماذا يصنع ؟‬


‫السؤال )‪ : (242‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬إذا عجز الحاج عن إكمال‬
‫النسك فماذا يصنع ؟‬
‫الجواب ‪ :‬إذا عجز الحاج عن إتمام النسك ‪ ،‬فل يخلو من حالين ‪:‬‬
‫إما أن يكون عجزه بصد عدو صده عن البيت ؛ كما جرى للنبي‬
‫صلى الله عليه وسلم حين صده المشركون عام الحديبية ‪ ،‬ففي‬
‫هذه الحال ‪ :‬يحلق بعد أن ينحر هديه ويحل من إحرامه ؛ لقول الله‬
‫ُ‬
‫قوا‬‫حل ِ ُ‬‫ول ت َ ْ‬‫ي َ‬‫هد ْ ِ‬‫ن ال ْ َ‬‫م َ‬
‫سَر ِ‬‫ست َي ْ َ‬‫ما ا ْ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫صْرت ُ ْ‬‫ح ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫فإ ِ ْ‬
‫ه ()البقرة‪ ، (196 :‬وأمر النبي صلى‬ ‫حل ّ ُ‬‫م ِ‬
‫ي َ‬ ‫هد ْ ُ‬ ‫غ ال ْ َ‬‫حّتى ي َب ْل ُ َ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ُر ُ‬
‫ؤو َ‬
‫الله عليه وسلم أصحابه عام الحديبية أن يحلقوا ‪ ،‬ولما تأخروا‬
‫رجاء أن ينسخ الحكم ‪ ،‬أو لسبب آخر غلب عليه الصلة والسلم‬
‫في ذلك ‪ ،‬حتى أشارت عليه إحدى أمهات المؤمنين أن يخرج إليهم‬
‫فيحلق رأسه ‪ ،‬ففعل ‪ ،‬وحينئذ تتابع الناس على حلق رؤوسهم ‪،‬‬
‫والحلل من إحرامهم ‪ ،‬وفي هذه الحال ‪ ،‬ل يلزمه أن يقضي ما‬
‫أحصر عنه ‪ ،‬إل إذا كان لم يؤد الفريضة ‪ ،‬فإنه يلزمه أداء الفريضة‬
‫بالمر الول ‪ ،‬ل قضاء عما أحصر فيه ‪ ،‬هذا إذا كان الحصر بعدو ‪.‬‬
‫أما إذا كان الحصر بغير عدو ‪ ،‬كما لو أحصر بذهاب نفقة أو بمرض‬
‫أشتد به ‪ ،‬فإنه في هذه الحال يحل من إحرامه ‪ ،‬بعد أن ينحر هديا‬
‫ويحلق ‪ ،‬إما قياسا على حصر العدو ‪ ،‬وإما إدخال له في العموم ‪،‬‬
‫ُ‬
‫ي(‬‫هد ْ ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫سَر ِ‬ ‫ست َي ْ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫م َ‬
‫ف َ‬ ‫صْرت ُ ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫وهو قوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫)البقرة‪ :‬من ‪ ، ( 196‬فإن هذا الحصار شامل ‪ ،‬وكون الحصار‬
‫بالعدو هو الذي وقع في عهد النبي عليه الصلة والسلم ‪ ،‬ل يمنع‬
‫أن تتناول الية غيره ‪.‬‬
‫على كل حال ‪ :‬إذا حصر بغير عدو ‪ ،‬من مرض ‪ ،‬أو ذهاب نفقة ‪ ،‬أو‬
‫ما أشبه ذلك ‪ ،‬فالقول الراجح ‪ :‬أنه يحل بهذا الحصار ‪ ،‬بعد أن‬
‫ينحر هديه ويحلق رأسه ‪ ،‬ويلزمه القضاء ‪ ،‬أي ‪ :‬قضاء ما أحصر فيه‬
‫إل إذا كان واجبا بأصل الشرع ‪ ،‬مثل أن يكون لم يؤد الفريضة من‬
‫قبل ‪ ،‬فيلزمه فعل الفريضة بالخطاب الول ‪ ،‬أي ‪ :‬بالمر الول ‪،‬‬
‫ل من حيث إنه قضاء ‪.‬‬
‫هذا إذا لم يكن اشترط في ابتداء إحرامه‪ ،‬أنه )) إن حبسني حابس‬
‫‪ ،‬فمحلي حيث حبستني((‪ ،‬فإن كان قد اشترط في بداية إحرامه‬
‫أنه )) إن حبسني حابس‪ ،‬فمحلي حيث حبستني((‪ ،‬فإنه يحل من‬
‫إحرامه مجانا ً ول شيء عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لضباعة بنت الزبير‪ ،‬وقد أرادت الحج وهي شاكية‪ )) :‬حجي‬
‫واشترطي ‪ ،‬وقولي‪ :‬اللهم ‪ ،‬محلي حيث حبستني(()‪.(225‬‬

‫حكم من توفي أثناء إحرامه بالنسك‬


‫السؤال )‪ :(243‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هذا ما يتعلق بالحاج إذا عجز‬
‫عن النسك‪ ،‬لكن لو توفي الحاج أثناء تلبسه بالنسك ما الحكم؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا توفي الحاج أثناء تلبسه بالنسك‪ ،‬فإن من أهل العلم‬
‫من يقول‪ :‬إذا كان حجه فريضة‪ ،‬فإنه يقضى عنه ما بقي‪ ،‬ومنهم‬
‫من يقول‪ :‬إنه ل يقضى عنه ما بقي‪ ،‬وهذا القول هو القول‬
‫الراجح؛ ودليله حديث ابن عباس رضي الله عنهما في قصة الرجل‬
‫الذي وقصته ناقته وهو واقف بعرفة‪ ،‬فقال النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ )) :‬اغسلوه بماء وسدر‪ ،‬وكفنوه في ثوبيه‪ ،‬ول تخمروا‬
‫رأسه‪ ،‬ول تحنطوه؛ فإنه يبعث يوم القيامة ملبيًا(()‪ (226‬ولم يأمر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم أن يقضي أحد عنه ما بقي من نسكه‪،‬‬
‫ولننا لو قضينا ما بقي من نسكه‪ ،‬لكان هذا النائب الذي قام‬
‫مقامه يحل من إحرامه‪ ،‬وحينئذ ل يبعث الرجل يوم القيامة ملبيا؛ً‬
‫لن نائبه قد حل من الحرام الذي تلبس به بدل ً عنه‪ ،‬وعلى كل‬
‫حال ‪ :‬فالقول الراجح بل شك‪ :‬أن النسان إذا مات أثناء تلبسه‬
‫بالنسك‪ ،‬فإنه ل يقضى عنه‪ ،‬سواء كان ذلك فريضة أم نافلة‪.‬‬
‫السؤال) ‪ :(244‬فضيلة الشيخ‪ ،‬لكن هل يقتصر هذا الحكم‬
‫على الوقت الذي يلبى فيه‪ ،‬يعني‪ :‬قبل رمي جمرة العقبة أم‬
‫يشمل جميع الحج؟‬
‫الجواب‪ :‬يشمل جميع الحج‪ ،‬يعني‪ :‬سواء كان ذلك قبل التحلل‬
‫الول‪ ،‬أم بعد التحلل الول؛ فإنه ل يقضى عنه ما بقي ‪.‬‬

‫صفة الشتراط‬
‫السؤال )‪ :(245‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ذكرتم الشتراط إذا عجز الحاج‬
‫عن إكمال النسك‪ ،‬نود أيضا ً أن نعرف حكم الشتراط‪ ،‬وما هي‬
‫صفته؟‬
‫الجواب‪ :‬نذكر أول ً صفة الشتراط قبل حكمه؛ لن الحكم على‬
‫الشيء فرع عن تصوره‪.‬‬
‫صفة الشتراط‪ :‬أن النسان إذا أراد الحرام يقول‪ :‬إن حبسني‬
‫حابس‪ ،‬فمحلي حيث حبستني‪ ،‬يعني‪ :‬فإنني أحل ‪ ،‬إذا حبسني‬
‫حابس‪ ،‬أي ‪ :‬منعني مانع عن إكمال النسك ‪ ،‬وهذا يشمل أي مانع‬
‫كان؛ لن كلمة حابس‪ ،‬نكرة في سياق الشرط ‪ ،‬فتعم أي حابس‬
‫كان‪ ،‬وفائدة هذا الشتراط‪ :‬أنه لو حصل له حابس يمنعه من‬
‫إكمال النسك‪ ،‬فإنه يحل من نسكه ول شيء عليه‪ ،‬وقد اختلف‬
‫أهل العلم في الشتراط‪.‬‬
‫ً‬
‫فنهم من قال‪ :‬إنه سنة مطلقا‪ ،‬أي‪ :‬أن المحرم ينبغي له أن‬
‫يشترط ‪ ،‬سواء كان في حال خوف أو في حال أمن؛ لما يترتب‬
‫عليه من الفائدة‪ ،‬والنسان ل يدري ما يعرض له‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬إنه ل يسن إل عند الخوف‪ ،‬أما إذا كان النسان‬
‫آمنًا‪ ،‬فإنه ل يشترط‪.‬‬
‫ومنهم من أنكر الشتراط مطلقًا‪.‬‬
‫والصواب‪ :‬القول الوسط‪ ،‬وهو أنه إذا كان النسان خائفا ً من عائق‬
‫يمنعه من إتمام نسكه‪ ،‬سواء كان هذا العائق عاما ً أم خاصًا‪ ،‬فإنه‬
‫يشترط‪ ،‬وإن لم يكن خائفا ً فإنه ل يشترط؛ وبهذا تجتمع الدلة؛‬
‫فإن النبي صلى الله عليه وسلم أحرم ولم يشترط ‪ ،‬وأرشد‬
‫ضباعة بنت الزبير رضي الله عنها إلى أن تشترط)‪ ،(227‬حيث كانت‬
‫شاكية‪ ،‬والشاكي‪ ،‬أي‪ :‬المريض_ خائف من عدم إتمام نسكه‪.‬‬
‫وعلى هذا فنقول‪ :‬إذا كان النسان خائفا ً من طارئ يطرأ‪ ،‬يمنعه‬
‫من إتمام النسك‪ ،‬فليشترط؛ أخذا ً بإرشاد النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ضباعة بنت الزبير‪ ،‬وإن لم يكن خائفًا‪ ،‬فالفضل أل يشترط‪،‬‬
‫اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أحرم بدون شرط‪.‬‬

‫صيغة الشرط‬
‫السؤال )‪ :(246‬فضيلة الشيخ‪ ،‬لكن بالنسبة للمشترط هل‬
‫يلزمه أن يأتي بالصيغة التي وردت عن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬أم يشترط بأي كلم يعبر به عما في نفسه؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يلزمه أن يأتي بالصيغة الواردة؛ لن هذا مما ل يتعبد‬
‫بلفظه‪ ،‬والشيء الذي ل يتعبد بلفظه يكتفى فيه بالمعنى‪.‬‬
‫محظورات الحرام‬
‫السؤال )‪ :(247‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هي محظورات الحرام؟‬
‫الجواب‪ :‬محظورات الحرام هي الممنوعات بسبب الحرام ‪،‬‬
‫يعني‪ :‬المحرمات التي سببها الحرام‪ ،‬وذلك أن المحرمات نوعان‪:‬‬
‫محرمات في حال الحرام وحال الحل؛ وإليها أشار الله تعالى‬
‫في‬‫ل ِ‬‫دا َ‬ ‫ج َ‬ ‫ول ِ‬ ‫سوقَ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ول ُ‬‫ث َ‬ ‫ف َ‬ ‫فل َر َ‬ ‫ج َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫ه ّ‬ ‫في ِ‬ ‫ض ِ‬‫فَر َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬‫بقوله ‪َ ) :‬‬
‫ج()البقرة‪ .(197 :‬كلمة فسوق عامة تشمل ما كان الفسق فيه‬ ‫ح ّ‬‫ال ْ َ‬
‫بسبب الحرام وغيره‪.‬‬
‫ومحرمات خاصة سببها الحرام‪ ،‬إذا تلبس النسان بالحرام ‪،‬‬
‫فإنها تحرم عليه‪ ،‬وتحل له في حال الحل‪.‬‬
‫فمن محظورات الحرام‪ :‬الجماع‪ ،‬وهو أشد المحظورات إثما‪ً،‬‬
‫فل‬ ‫ج َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫ه ّ‬‫في ِ‬
‫ض ِ‬ ‫ن َ‬
‫فَر َ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬ ‫وأعظمها أثرًا‪ ،‬ودليله قوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ج (؛ فإن الرفث هو الجماع‬ ‫ح ّ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ج َ‬‫ول ِ‬ ‫سوقَ َ‬ ‫ف ُ‬‫ول ُ‬ ‫ث َ‬ ‫ف َ‬ ‫َر َ‬
‫ومقدماته‪ ،‬وإذا وقع الجماع قبل التحلل الول في الحج‪ ،‬فإنه‬
‫يترتب عليه أمور خمسة‪:‬‬
‫الول‪ :‬الثم‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬فساد النسك‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬وجوب الستمرار فيه‪.‬‬
‫والرابع‪ :‬وجوب فدية؛ بدنة يذبحها ويفرقها على الفقراء‪.‬‬
‫والخامس‪ :‬وجوب القضاء من العام القادم‪.‬‬
‫وهذه آثار عظيمة تكفي المؤمن في النزجار عنه والبعد عنه‪.‬‬
‫ومن المحظورات أيضًا‪ :‬المباشرة بشهوة‪ ،‬والتقبيل ‪ ،‬والنظر‬
‫بشهوة ‪ ،‬وكل ما كان من مقدمات الجماع؛ لن هذه المقدمات‬
‫تفضي إلى الجماع‪.‬‬
‫ول‬ ‫ومن محظورات الحرام‪ :‬حلق شعر الرأس؛ لقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ه ()البقرة‪ ، (196 :‬وألحق‬ ‫حل ّ ُ‬‫م ِ‬
‫ي َ‬ ‫هد ْ ُ‬ ‫غ ال ْ َ‬
‫حّتى ي َب ْل ُ َ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬‫ؤو َ‬ ‫قوا ُر ُ‬ ‫حل ِ ُ‬ ‫تَ ْ‬
‫ً‬
‫العلماء بحلق الرأس حلق جميع الجسم‪ ،‬وألحقوا به أيضا تقليم‬
‫الظفار وقصها‪.‬‬
‫ومن محظورات الحرام ‪ :‬عقد النكاح؛ لقول النبي صلى الله عليه‬
‫)‪(228‬‬
‫وسلم ‪ )) :‬ل ينكح المحرم ول ينكح ول يخطب((‬
‫ومن محظوراته أيضا ً ‪ :‬الخطبة ‪ ،‬فل يحوز للنسان أن يخطب‬
‫امرأة وهو محرم بحج أو عمرة‪.‬‬
‫ها‬ ‫َ‬
‫ومن محظورات الحرام قتل الصيد‪ ،‬لقول الله تعالى‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫قت ُُلوا الصيد َ‬
‫م()المائدة‪.(95 :‬‬ ‫حُر ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫ّ ْ َ َ‬ ‫مُنوا ل ت َ ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ومن محظوراته أيضًا‪ :‬الطيب بعد عقد الحرام‪ ،‬سواء في البدن‪،‬‬
‫أو في الثوب‪ ،‬أو في المأكول‪ ،‬أو في المشروب؛ فل يحل لمحرم‬
‫استعمال الطيب على أي وجه كان بعد عقد إحرامه‪ ،‬لقول النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في الرجل الذي وقصته ناقته في عرفه‬
‫فمات‪ )) :‬ل تحنطوه(()‪ ، (229‬والحنوط ‪ :‬أطياب تجعل في الميت‬
‫عند تكفينه‪.‬‬
‫فأما أثر الطيب الذي تطيب به عند الحرام‪ ،‬فإنه ل بأس به‪ ،‬ول‬
‫تجب عليه إزالته ؛ لقول عائشة رضي الله عنها‪ :‬كنت أطيب النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لحرامه قبل أن يحرم‪ ،(230‬وقالت ‪ :‬كنت‬
‫أنظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه‬
‫)‪(231‬‬
‫وسلم وهو محرم‬
‫ومن محظورات الحرام أيضًا‪ :‬لبس الرجل القميص‪ ،‬والبرانس‪،‬‬
‫والسروايل‪ ،‬والعمائم ‪ ،‬والخفاف؛ هكذا أجاب النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم حين سئل ‪ :‬ما يلبس المحرم‪ ،‬فقال‪ )) :‬ل يلبس‬
‫القميص ‪ ،‬ول السراويل‪ ،‬ول البرانس‪ ،‬ول العمائم ‪ ،‬ول الخفاف‪،‬‬
‫إل من ل يجد إزارا ً فيلبس السراويل ‪ ،‬ومن لم يجد نعلين فليلبس‬
‫)‪(232‬‬
‫الخفين((‬
‫وما كان بمعنى هذه المحظورات فهو مثلها‪ ،‬فالكوت‪ ،‬والفانيلة‪،‬‬
‫والصدرية‪ ،‬والغترة‪ ،‬والطاقية‪ ،‬والمشلح‪ ،‬كل هذه بمعنى‬
‫المنصوص عليه‪ ،‬فيكون لها حكم المنصوص عليه‪.‬‬
‫وأما لبس الساعة‪ ،‬والخاتم‪ ،‬والكمر‪ ،‬وسماعة الذن‪ ،‬ونظارة العين‬
‫‪ ،‬والكمر الذي تكون فيه الفلوس وما أشبهها فإن ذلك ل يدخل‬
‫في المنهي عنه‪ ،‬ل بالنص ول بالمعنى ؛ وعلى هذا فيجوز للمحرم‬
‫أن يلبس هذه الشياء‪.‬‬
‫وليعلم أن كثيرا ً من العامة‪ ،‬فهموا من قول أهل العلم‪ )) :‬إن‬
‫المحرم ل يلبس المخيط(( ‪ ،‬أن المراد بالمخيط ما فيه خياطة؛‬
‫ولهذا تجدهم يسألون كثيرا ً عن لبس الكمر المخيط‪ ،‬وعن لبس‬
‫الزرار ‪ ،‬أو الرداء المرقع‪ ،‬وعن لبس النعال المخوذة وما أشبه‬
‫ذلك‪ ،‬ظنا ً منهم أن العلماء يريدون بلبس المخيط‪ :‬لبس ما كان‬
‫فيه خياطة‪ ،‬والمر ليس كذلك‪ ،‬وإنما مراد العلماء بذلك‪ :‬ما يلبس‬
‫من الثياب المفصلة على الجسم‪ ،‬على العادة المعروفة‪ ،‬وتأمل‬
‫قول الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ل يلبس القميص ول‬
‫السراويل ‪..‬ألخ(( يتبين لك أن النسان لو تلفف بالقميص بدون‬
‫لبس‪ ،‬فإنه ل حرج عليه‪ ،‬فلو جعل القميص إزارا ً لفه على ما بين‬
‫سرته وركبته‪ ،‬فإنه ل حرج عليه في ذلك؛ لن ذلك ل يعد لبسا ً‬
‫للقميص‪.‬‬
‫ومن المحرمات في الحرام‪ :‬تغطية الرجل رأسه بملصق معتاد‪،‬‬
‫كالطاقية‪ ،‬والعمامة‪ ،‬والغترة‪ ،‬فأما تظليل الرأس بالشمسية ‪ ،‬أو‬
‫سقف السيارة‪ ،‬أو بثوب يرفعه بيديه عن رأسه‪ ،‬فهذا ل بأس به‪،‬‬
‫لن المحرم تغطية الرأس ل تظليله‪ ،‬وقد ثبت عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم من حديث أم حصين رضي الله عنها قالت‪ :‬رأيت النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم راكبًا‪ ،‬وأسامة وبلل أحدهما آخذ بخطام‬
‫ناقته‪ ،‬والثاني رافع ثوبه‪ ،‬أو قالت‪ :‬ثوبا ً يظلله به من الحر‪ ،‬حتى‬
‫رمى جمرة العقبة)‪ (233‬ول يحرم على المحرم أن يحمل عفشه‬
‫على رأسه؛ لن ذلك ل يراد للتغطية ‪ ،‬وإنما المراد به الحمل‪.‬‬
‫ومن محظورات الحرام‪ :‬أن تنتقب المرأة‪ ،‬أي‪ :‬تضع النقاب على‬
‫وجهها‪ ،‬يعني ‪ :‬النقاب لباس الوجه‪ ،‬وقد نهى رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم المرأة أن تنتقب وهي محرمة)‪(234‬؛ فالمشروع‬
‫للمرأة في حال الحرام أن تكشف وجهها‪ ،‬إل إذا كان حولها رجال‬
‫غير محارم لها‪ ،‬فإنه يجب عليها أن تستر الوجه‪ ،‬وفي هذه الحال‪:‬‬
‫ل بأس أن يلصق الساتر بشرتها‪ ،‬ول حرج عليها في ذلك‪.‬‬
‫ومن محظورات الحرام‪ :‬لبس القفازين وهما جوارب اليدين‪،‬‬
‫وهذا يشمل الرجل والمرأة فل تلبس المرأة القفازين في حال‬
‫الحرام‪ ،‬وكذلك الرجل ل يلبس القفازين؛ لنهما لباس‪ ،‬فهما‬
‫كالخفين بالنسبة للرجل‪.‬‬

‫حكم وضع شيء ملصق لرأس المحرم‬


‫السؤال)‪ :(248‬فصيلة الشيخ‪ ،‬قلتم‪ :‬إنه ل يستر المحرم رأسه‬
‫أو ل يضع على رأسه ملصقًا؛ كالغترة والطاقية‪ ،‬هل يشمل‬
‫ذلك أيضا ً وضع قطعة ورق أو كرتون أو بطانية على رأسه؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم يشمل هذا‪ ،‬ولهذا إذا احتاج إلى تظليل رأسه‪،‬‬
‫فليرفع هذا عن رأسه قليل ً ل يباشره‪.‬‬

‫الفرق بين النقاب والبرقع‬


‫السؤال)‪ :(249‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما الفرق بين النقاب والبرقع‬
‫وهل يجوز للمرأة المحرمة أن تلبس البرقع؟‬
‫الجواب‪ :‬البرقع أخص من النقاب؛ لن النقاب خمار معتاد‪ ،‬يتدلى‬
‫من خمار رأسها ‪ ،‬ويفتح لعينيها‪ ،‬أما البرقع فإنه قد فصل للوجه‬
‫خاصة‪ ،‬وغالبا ً يكون فيه من التجميل والنقوش ما ل يكون في‬
‫النقاب‪ ،‬ولذلك فل يجوز أن تلبس المحرمة البرقع؛ لنها إذا منعت‬
‫من النقاب فالبرقع من باب أولى‪.‬‬

‫كيف ستر وجه المحرمة أمام الرجال‬


‫السؤال )‪ :(250‬فضيلة الشيخ ‪ :‬قلتم بوجوب ستر المحرمة‬
‫وجهها إذا حضر الرجال‪ ،‬فهل تستر وجهها بالنقاب أم بشيء‬
‫آخر؟‬
‫الجواب‪ :‬تستره بشيء ليس بنقاب‪ ،‬ول برقع‪ ،‬تغطيه تغطيه‬
‫كاملة‪.‬‬
‫حكم من تلبس ببعض محظورات الحرام‬
‫السؤال )‪ :(251‬فضيلة الشيخ‪ ،‬فصلتم في الجماع كمحظور‬
‫من محظورات الحرام‪ ،‬وذكرتم أنه يترتب عليه خمسة أمور‪،‬‬
‫لكن بقية المحظورات ما ذكرتم لنا حكم من تلبس بشيء‬
‫منها؟‬
‫الجواب‪ :‬نذكر ذلك إن شاء الله‪:‬‬
‫أما الصيد ‪ :‬فقد بين الله سبحانه وتعالى ما يترتب عليه؛ فقال‪:‬‬
‫ه‬‫م بِ ِ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫عم ِ ي َ ْ‬‫ن الن ّ َ‬
‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ما َ‬
‫قت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬
‫جَزاءٌ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مدا ً َ‬‫ع ّ‬‫مت َ َ‬‫م ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ه ِ‬ ‫قت َل َ ُ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬‫) َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫عد ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كي َ‬ ‫سا ِ‬ ‫م َ‬
‫م َ‬ ‫فاَرةٌ طَ َ‬
‫عا ُ‬ ‫و كَ ّ‬ ‫ةأ ْ‬ ‫غ ال ْك َ ْ‬
‫عب َ ِ‬ ‫ديا ً َبال ِ َ‬
‫ه ْ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬‫ل ِ‬ ‫عد ْ ٍ‬‫وا َ‬ ‫ذَ َ‬
‫صَياما ً ()المائدة‪ (95 :‬فإذا كان هذا الصيد مما له مثل من‬ ‫ك ِ‬ ‫ذَل ِ َ‬
‫النعم‪ ،‬أي‪ :‬من البل أو الفقر أو الغنم ‪ ،‬فإنه يذبح مثله في مكة‪،‬‬
‫ويتصدق به على الفقراء‪ ،‬أو يجعل بدل المثل طعاما ً يشترى‬
‫ويوزع على الفقراء ‪ ،‬أو يصوم عن إطعام كل مسكين يومًا‪ ،‬هذا‬
‫إذا كان له مثل‪ ،‬أما إذا كان لم يكن له مثل‪ ،‬فإن العلماء يقولون‪:‬‬
‫يخير بين الطعام والصيام ‪ ،‬فيقوم الصيد بدراهم‪ ،‬ويطعم ما‬
‫يقابل هذه الدراهم الفقراء في مكة‪ ،‬أو يصوم عن إطعام كل‬
‫مسكين يومًا‪ .‬هذا في الصيد‪.‬‬
‫أما في حلق الرأس ‪ :‬فقد بين الله عز وجل أن الواجب فدية من‬
‫صيام أو صدقة أو نسك‪ ،‬وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫أن الصيام ثلثة أيام وأن الصدقة إطعام ستة مساكين لكل‬
‫مسكين نصف صاع‪ ،‬وأن النسك شاة يذبحها‪ ،‬وهذه الشاة توزع‬
‫على الفقراء ‪ ،‬وحلق الرأس حرام إل لمن تأذى بالشعر؛ كما‬
‫سنتعرض له إن شاء الله تعالى‪.‬‬

‫محظورات الحرام ) تتمة(‬


‫السؤال )‪ :(252‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما الذي يجب على من ارتكب‬
‫محظورا ً من هذه المحظورات؟‬
‫الجواب‪ :‬ذكرنا فيما سبق ما يجب في فعل محظورات الحرام‪،‬‬
‫فذكرنا جزاء الصيد‪ ،‬وذكرنا ما يجب في الجماع أيضًا‪ ،‬وذكرنا ما‬
‫يجب بحلق الرأس‪ ،‬وأنه فدية من صيام أو صدقة أو نسك‪ ،‬والصيام‬
‫بينه النبي عليه الصلة والسلم بأنه صيام ثلثة أيام‪ ،‬والصدقة‬
‫بأنها إطعام ستة مساكين‪ ،‬لكل مسكين نصف صاع‪ ،‬والنسك ذبح‬
‫شاة‪ ،‬وهذه الشاة توزع على الفقراء‪ ،‬ول يؤكل منها شيء‪ ،‬لنها‬
‫وجبت جبرانا ً للنسك‪ ،‬حيث انتهك النسان ما حرم عليه فيه‪.‬‬
‫وهذه الفدية تسمى عند أهل العلم فدية الذى؛ لن الله تعالى‬
‫كان من ْك ُم مريضا ً أ َو ب َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫ى ِ‬
‫ه أذ ً‬
‫ْ ِ ِ‬ ‫ْ َ ِ‬ ‫ن َ َ ِ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬‫ذكرها في ذلك؛ حيث قال‪َ ) :‬‬
‫ك()البقرة‪ ،(196:‬قال أهل‬ ‫َ‬ ‫صد َ َ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ْ‬
‫س ٍ‬
‫و نُ ُ‬
‫ةأ ْ‬ ‫ق ٍ‬ ‫و َ‬
‫صَيام ٍ أ ْ‬
‫ن ِ‬
‫م ْ‬
‫ة ِ‬
‫فدْي َ ٌ‬
‫ف ِ‬ ‫س ِ‬
‫َرأ ِ‬
‫العلم‪ :‬وهي واجبة ‪ -‬أعني فدية الذى ‪ -‬واجبة في كل محظور من‬
‫محظورات الحرام‪ ،‬ما عدا الجماع قبل التحلل الول في الحج‪،‬‬
‫وجزاء الصيد؛ لن في الول بدنه‪ ،‬وفي الثاني المثل‪ ،‬أو ما يقوم‬
‫مقامه‪ ،‬فكل المحظورات عندهم ما عدا ما ذكرنا‪ ،‬كل المحظورات‬
‫التي فيها فدية‪ ،‬فديتها فدية الذى ‪ ،‬فدخل في ذلك‪ :‬لبس‬
‫القميص‪ ،‬والسراويل‪ ،‬والبرانس‪ ،‬وما أشبهها ‪ ،‬وتغطية الرأس‬
‫للرجل‪ ،‬وتغطية الوجه للمرأة‪ ،‬والطيب‪ ،‬والمباشرة‪ ،‬وما أشبه‬
‫ذلك‪ ،‬هكذا قال أهل العلم في هذه المحظورات‪.‬‬

‫حكم من ارتكب محظورا ً من المحظورات جاهل ً‬


‫السؤال) ‪ :(253‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم من ارتكب محظورا ً من‬
‫ل؟‬‫هذه المحظورات ناسيا أو جاه ً‬
‫الجواب‪ :‬نقول‪ :‬محظورات الحرام تنقسم إلى أقسام‪ :‬منها‪ :‬مال‬
‫ل‪ ،‬ومثل له العلماء بعقد النكاح والخطبة‪ ،‬خطبة‬ ‫فدية فيه أص ً‬
‫النكاح‪ ،‬قالوا‪ :‬إن هذا ليس فيه فدية‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما فديته فدية الذى‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما فديته بدنة‪.‬‬
‫ومنها ما فديته الجزاء‪.‬‬
‫وكل شيء فيه فدية‪ ،‬فإن فاعله ل يخلو من ثلث حالت‪:‬‬
‫إما أن يفعله عالما ً ذاكرا ً مختارا ً ‪ ،‬وفي هذه الحال يترتب عليه‬
‫الثم‪ ،‬وما يجب فيه من الفدية‪.‬‬
‫وإما أن يفعله متعمدا ً عالما ً مختارًا‪ ،‬لكن لعذر‪ ،‬فهذا ليس عليه‬
‫إثم‪ ،‬ولكن عليه الفدية ‪ ،‬مثل أن يحلق رأسه لذى أو شبهه متعمدا ً‬
‫عالما ً ذاكرًا‪ ،‬فإنه يجب عليه الفدية‪ ،‬ول إثم عليه؛ لنه معذور‪.‬‬
‫ل‪ ،‬أو مكرهًا‪ ،‬فهذا‬ ‫وأما أن يفعل هذه المحظورات ناسيًا‪ ،‬أو جاه ً‬
‫ليس عليه بشيء‪ ،‬ل إثم ول فدية أيا كان المحظور؛ لعموم قوله‬
‫خطَأ َْنا()البقرة‪،(286 :‬‬ ‫و أَ ْ‬ ‫َ‬
‫سيَنا أ ْ‬ ‫ن نَ ِ‬ ‫خذَْنا إ ِ ْ‬ ‫ؤا ِ‬ ‫تعالى‪َ ) :‬رب َّنا ل ت ُ َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت‬
‫مد َ ْ‬
‫ع ّ‬
‫ما ت َ َ‬‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬
‫ه َ‬‫م بِ ِ‬ ‫خطَأت ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫في َ‬ ‫ح ِ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫س َ‬ ‫ول َي ْ َ‬‫وقوله‪َ ) :‬‬
‫م()الحزاب‪ :‬من الية‪ (5‬وقوله تعالى في جزاء الصيد‪:‬‬ ‫قُلوب ُك ُ ْ‬
‫ُ‬
‫عم()المائدة‪:‬‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ما َ‬
‫قت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ ُ‬ ‫جَزاءٌ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫مدا ً َ‬‫ع ّ‬ ‫مت َ َ‬‫م ُ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫قت َل َ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫) َ‬
‫‪ ، (95‬فإذا اشترطت العمدية في جزاء الصيد‪ ،‬مع أن قتل الصيد‬
‫إتلف ‪ ،‬فما عداه من باب أولى‪.‬‬
‫وعلى هذا فنقول‪ :‬إذا فعل أحد شيئا من هذه المحظورات‪ ،‬ناسيا ً‬
‫أو جاهل ً أو مكروها ‪ ،‬فليس عليه شيء ‪ ،‬ل إثم‪ ،‬ول فدية‪ ،‬ول‬
‫ل‪ ،‬ولو كان المحظور جماعًا‪.‬‬‫يفسد نسكه‪ ،‬ول يتعلق به شيء أص ً‬

‫حكم استبدال المحرم لباس الحرام‬


‫السؤال )‪ :(254‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم استبدال المحرم لباس‬
‫الحرام؟‬
‫الجواب‪ :‬تبديل المحرم لباس الحرام بثوب يجوز لبسه في‬
‫الحرام ‪ -‬ل باس بهن سواء فعله لحاجة‪ ،‬أو لضرورة‪ ،‬أو لغير حاجة‬
‫ول ضرورة‪:‬‬
‫فأما فعله للضرورة‪:‬‬
‫فمثل أن يتنجس ثوب الحرام وليس عنده ماء يغسله به‪ ،‬فهنا‬
‫يضطر إلى تبديله بثوب طاهر؛ لنه ل يمكن أن تصح منه صلته إل‬
‫بثياب طاهرة‪.‬‬
‫ومثال الحاجة‪ :‬أن يتسخ ثوب الحرام ‪ ،‬فيحتاج إلى غسل‪ ،‬فله أن‬
‫يخلعه ‪ ،‬ويلبس ثوبا ً آخر مما يجوز لبسه في الحرام‪.‬‬
‫ومثال ما ل حاجة لخلعه ول ضرورة‪ :‬أن يبدو للنسان أن يغير‬
‫لباس الحرام بدون أي سبب‪ ،‬فله ذلك ول حرج عليه‪ ،‬إذا غيره بما‬
‫يجوز لبسه‪.‬‬

‫حكم الغتسال للمحرم‬


‫السؤال )‪ :(255‬فضيلة الشيخ‪ ،‬الترفه ممنوع منه المحرم؟ كتقليم‬
‫الظافر وغيره‪ ،‬لكن هل يجوز للمحرم أن يغتسل من أجل‬
‫النظافة؟‬
‫الجواب‪ :‬المحرم يجوز له أن يغتسل من أجل النظافة؛ لنه ثبت‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اغتسل وهو محرم *)ويجوز‬
‫للمحرم أن يغير ثياب الحرام إلى ثياب أنظف منها أو أجد‪ ،‬ويجوز‬
‫له أيضا ً أن يترفه باستعمال المكيفات ‪ ،‬أو بغيرها من أسباب‬
‫الراحة‪.‬‬
‫وأما قول بعض أهل العلم‪ :‬إنه ل يجوز له أن يقلم أظفاره‪،‬‬
‫وقاسوه على حلق شعر الرأس بجامع الترفه‪ ،‬فهذا أمر ينظر فيه‪،‬‬
‫وليس محل إجماع من أهل العلم‪.‬‬

‫حكم إتلف نبات وشجر مكة‬


‫السؤال )‪ :(256‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بالنسبة للمحرم والنبات الذي‬
‫ينبت في مكة المكرمة‪ ،‬في الحرم‪ ،‬ما حكم قلع هذا النبات‬
‫والتعرض له بشيء من التلف؟‬
‫الجواب‪ :‬النبات والشجر‪ ،‬ل علقة للحرام بهما؛ لن تحريمها ل‬
‫يتعلق بالحرام‪ ،‬وإنما يتعلق بالمكان‪ ،‬أي‪ :‬بالحرم‪ ،‬فما كان داخل‬
‫أميال الحرم‪ ،‬فإنه ل يجوز قطعة ول حشة؛ لن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال في مكة‪ )) :‬إنه ل يختلى خلها‪ ،‬ول يعضد‬
‫شوكها(()‪ (235‬فقطع شجرها وحشيشها ‪ ،‬حرام على المحرم وغيره‬
‫‪ ،‬وأما ما كان خارج الحرم فإنه حلل للمحرم وغير المحرم ‪ ،‬وعلى‬
‫هذا فيجوز للحجاج أن يقطعوا الشجر في عرفة‪ ،‬ول حرج عليهم‬
‫في ذلك‪ ،‬ول يجوز لهم أن يقطعوا الشجر أو الحشيش في‬
‫مزدلفة وفي منى؛ لن مزدلفة ومنى داخل الحرم‪.‬‬
‫ويجوز للحجاج أن يضعوا البساط عل الرض‪ ،‬ولو كان فيها‬
‫أعشاب‪ ،‬إذا لم يقصدوا بذلك إتلف الحشيش الذي تحته؛ لن تلفه‬
‫حينئذ حصل بغير قصد‪ ،‬فهو كما لو مشى النسان في طريقه‬
‫وأصاب حمامة أو شيئا ً من الصيد بغير قصد منه‪ ،‬فإنه ليس عليه‬
‫فيه شيء‪.‬‬

‫زمان ومكان الحرام بالحج‬


‫السؤال )‪ :(257‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا جاء الحاج إلى البيت‪،‬‬
‫وطاف وتحلل من العمرة‪ ،‬ومكث في مكة‪ ،‬فمتى يحرم بالحج‪،‬‬
‫ومن أين يحرم؟‬
‫الجواب‪ :‬يحرم النسان بالحج يوم التروية وهو اليوم الثامن من‬
‫ذي الحجة‪ ،‬من مكانه الذي هو نازل فيه‪ ،‬ويحرم ضحى‪ ،‬ويذهب‬
‫إلى منى‪ ،‬فيصلي بها الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر‪،‬‬
‫كما أسلفنا ذلك في بيان صفة الحج‪.‬‬

‫ل يلزم الطواف أو الحرام من البيت يوم التروية‬


‫السؤال)‪ :(258‬فضيلة الشيخ‪ ،‬لكن هل يلزم المحرم في يوم‬
‫التروية أن يطوف بالبيت‪ ،‬أو يحرم من البيت؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يلزمه أن يطوف باليت‪ ،‬ول أن يحرم من البيت‪ ،‬ول‬
‫يسن له ذلك أيضًا؛ لن الصحابة الذين حلوا من عمرتهم مع النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم احرموا من مكانهم‪ ،‬ولم يأمرهم النبي عليه‬
‫الصلة والسلم أن يذهبوا إلى البيت فيحرموا منه‪ ،‬أو أن يطوفوا‬
‫قبل إحرامهم‪.‬‬
‫حكم من أدرك الوقوف بعرفة متأخرا ً‬
‫السؤال )‪ :(259‬فضيلة الشيخ‪ ،‬عرفنا في صفة الحج أن الحاج‬
‫يخرج من منى في اليوم التاسع من ذي الحجة ضحى‪ ،‬لكن لو‬
‫لم يدرك الوقوف بعرفة إل متأخرا ً فما الحكم؟‬
‫الجواب‪ :‬عرفنا أن النسان في اليوم الثامن يخرج إلى منى ‪،‬‬
‫ويبقي بها إلى صباح اليوم التاسع‪ ،‬ثم يذهب إلى عرفة ‪ ،‬فلو أن‬
‫الحاج لم ينزل في منى اليوم الثامن‪ ،‬وذهب إلى عرفة رأسًا‪،‬‬
‫فهل يصح حجة؟ والجواب على ذلك‪ :‬نعم يصح حجه‪ ،‬بدليل حديث‬
‫عروة بن المضرس رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم حين صلى معه صلة الفجر في مزدلفة‪ ،‬سأله فقال‪ :‬يا‬
‫رسول الله‪ ،‬إني أتعبت نفسي‪ ،‬وأكريت راحلتي‪ ،‬فلم أدع جبل ً إل‬
‫وقفت عنده‪ ،‬فقال النبي عليه الصلة والسلم‪ )) : ،‬من شهد‬
‫صلتنا هذه‪ ،‬ووقف معنا حتى ندفع‪ ،‬وقد وقف قبل ذلك ليل ً أو‬
‫نهارًا‪ ،‬فقد تم حجه وقضى تفثه(()‪ ، (236‬وهذا دليل على أنه ل يجب‬
‫أن يبقي الحاج في مني في اليوم الثامن وليلة التاسع‪،‬وأنه لو‬
‫ذهب إلى عرفة رأسًا‪ ،‬لكان حجه صحيحًا‪ ،‬لكن الفضل أن يبقى‬
‫في منى‪ ،‬من ضحى اليوم الثامن إلى أن تطلع الشمس من يوم‬
‫التاسع‪.‬‬
‫وأما سؤالكم الذي سألتم عنه وهو حكم من ذهب إلى عرفة‬
‫متأخرًا‪ ،‬فنقول‪ :‬إذا ذهب إلى عرفة متأخرًا‪ ،‬ولكنه أدرك الوقوف‬
‫جه صحيح ول شيء عليه‪،‬‬ ‫بها قبل أن يطلع الفجر يوم العيد‪ ،‬فح ّ‬
‫فوقت الوقوف بعرفة ينتهي بطلوع فجر يوم العيد‪.‬‬

‫بداية الوقوف بالمزدلفة ونهايته‬


‫السؤال )‪ : (260‬فضيلة الشيخ‪ ،‬متى يبدأ الوقوف بمزدلفة ‪،‬‬
‫ومتى ينتهي ‪ ،‬وما حكمه أيضًا؟‬
‫الجواب ‪ :‬الوقوف بمزدلفة الذي يعبر عنه أهل العلم بالمبيت‬
‫بالمزدلفة‪ ،‬يبتدئ من انتهاء الوقوف بعرفة‪ ،‬ول يصح قبله‪ ،‬فلو أن‬
‫حاجا ً وصل إلى مزدلفة في أثناء الليل قبل أن يقف بعرفة‪،‬‬
‫فوقف في مزدلفة ثم ذهب إلى عرفة‪ ،‬ووقف بها‪ ،‬ثم نزل من‬
‫عرفة إلى منى‪ ،‬فإن وقوفه بمزدلفة غير معتبر؛ لقول الله تعالى‪:‬‬
‫ر ال ْ َ‬
‫حَرام ِ (‬ ‫ع ِ‬
‫ش َ‬ ‫عن ْدَ ال ْ َ‬
‫م ْ‬ ‫فاذْك ُُروا الل ّ َ‬
‫ه ِ‬ ‫ت َ‬ ‫عَر َ‬
‫فا ٍ‬ ‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫ضت ُ ْ‬ ‫ذا أ َ َ‬
‫ف ْ‬ ‫) َ‬
‫فإ ِ َ‬
‫)البقرة‪ ،(198 :‬فجعل محل الذكر عند المشعر الحرام‪ ،‬أو وقت‬
‫الذكر عند المشعر الحرام‪ ،‬بعد الفاضة من عرفة‪ ،‬فيبتدئ المكث‬
‫في مزدلفة من انتهاء الوقوف بعرفة‪ ،‬ويستمر إلى أن يصلي‬
‫النسان الفجر‪ ،‬ويقف قليل ً إلى أن يسفر جدًا‪ ،‬ثم ينصرف إلى‬
‫منى‪.‬‬
‫ولكن يجوز لمن كان ضعيفا ً ل يستطيع مزاحمة الناس في الرمي‪،‬‬
‫أن يدفع من مزدلفة في آخر الليل‪،‬لن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا في آخر الليل وكانت‬
‫أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها‪ ،‬ترقب غروب القمر‪ ،‬فإذا‬
‫غرب دفعت)‪.(237‬‬
‫وهذا أحسن من التحديد بنصف الليل؛ لنه هو الوارد عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهو الموافق للقواعد ‪ ،‬وذلك أنه ل يجعل‬
‫حكم الكل للنصف‪ ،‬وإنما يجعل حكم الكل للكثر والغلب‪ ،‬وبهذا‬
‫نعرف أن قول من قال من أهل العلم‪ :‬إنه يكفي أن يبقى في‬
‫مزدلفة بمقدار صلة المغرب والعشاء‪ ،‬ولو قبل منتصف الليل‪،‬‬
‫قول مرجوح‪ ،‬وأن الصواب القتداء برسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فيما فعله‪ ،‬وفيما أذن فيه‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(261‬فضيلة الشيخ‪ ،‬متى ينتهي الوقوف بمزدلفة‬
‫بحيث إن الحاج لو أتى ل يعتبر واقفا ً بها؟‬
‫الجواب‪ :‬ظاهر حديث عروة بن المضرس رضي الله عنه الذي قال‬
‫فيه الرسول عليه الصلة والسلم‪ )) :‬من شهد صلتنا هذه‪ ،‬ووقف‬
‫معنا حتى ندفع(()‪ (238‬أن النسان لو جاء مزدلفة بعد طلوع الفجر‪،‬‬
‫وأدرك صلة الفجر بغلس في الوقت الذي صلها فيه رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإنه يجزئه‪ ،‬ومعروف عند الفقهاء رحمهم‬
‫الله أنه لبد أن يدرك جزءا ً من الليل‪ ،‬بحيث يأتي إلى مزدلفة قبل‬
‫طلوع الفجر‪.‬‬

‫حكم المبيت بمني يوم النحر‬


‫السؤال )‪ :(262‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ذكرتم أن من العمال التي‬
‫يقوم بها الحاج يوم النحر المبيت بمني‪ ،‬لكن ما حكم هذا‬
‫المبيت؟‬
‫الجواب‪ :‬المبيت بمنى ذكرنا فيما سبق أنه من واجبات الحج ‪ ،‬وأن‬
‫المعروف عند أهل العلم ‪ ،‬أن من ترك واجبا ً من واجبات الحج‪،‬‬
‫فعليه فدية ذبح شاة‪ ،‬تذبح في مكة وتوزع على فقرائها‪.‬‬

‫حد المبيت في منى‬


‫السؤال )‪ :(263‬فضيلة الشيخ‪ ،‬نرى بعضا ً من الناس يتهاونون‬
‫في المبيت بمنى؛ فيقلون من البقاء فيها‪ ،‬ويذهبون خارجها‬
‫معظم الوقت‪ ،‬ول يأتون إليها إل ساعات محدودة‪ ،‬فما هو‬
‫المقدار الكافي للبقاء في منى أو المبيت في منى؟‬
‫الجواب‪ :‬المشروع للحاج أن يبقى في منى طول الوقت‪ ،‬هكذا‬
‫سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والنسان لم يتغرب عن‬
‫وطنه‪ ،‬ولم يتجشم المشاق إل لداء هذه العبادة العظيمة على‬
‫وفق ما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬لم يأت من‬
‫بلده إلى هذا المكان ليترفه‪ ،‬ويسلك ما هو اليسر‪ ،‬مع مخالفته‬
‫لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فالمشروع في حق الحاج أن‬
‫يبقى في منى ليل ً ونهارًا‪ ،‬ولكن مقتضى قواعد الفقهاء‪،‬‬
‫ومقتضى كلم الفقهاء‪ :‬أن الواجب أن يبقى في منى معظم‬
‫الليل في الليلة الحادية عشرة والثانية عشرة وأما بقية الليل ‪،‬‬
‫والنهار جميعه‪ :‬فليس بواجب عندهم أن يمكث في منى ‪ ،‬ولكن‬
‫ينبغي للنسان أن يتقيد بما جاءت به السنة‪ ،‬وأن يبقى في منى‬
‫ليل ً ونهارًا‪ ،‬والمسألة ما هي إل يومان فقط ‪ ،‬بالضافة إلى يوم‬
‫العيد ‪ ،‬بل يوم ونصف‪ ،‬وزيادة يسيره مع يوم العيد‪.‬‬

‫الداب التي ينبغي مراعاتها في منى‬


‫السؤال )‪ : (264‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هي الداب التي ينبغي أن‬
‫يتحلى بها الحاج أثناء بقائه في منى يوم الحادي عشر‪،‬‬
‫والثاني عشر‪ ،‬والثالث عشر لمن أراد أن يتأخر؟‬
‫الجواب‪ :‬ينبغي للحاج أن ينتهز هذه الفرصة في التعرف على‬
‫أحوال المسلمين‪ ،‬واللتقاء بهم ‪ ،‬وإسداء النصح إليهم‪ ،‬وإرشادهم‬
‫‪ ،‬وبيان الحق المبني على كتاب الله وسنه رسوله صلى الله عليه‬
‫وسلم حتى ينصرف المسلمون من حجهم‪ ،‬وهم قد أدوا هذه‬
‫العبادة‪ ،‬ونهلوا من العلم الشرعي المبني على كتاب الله تعالى‬
‫وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وإذا كان ل يحسن لغة من‬
‫يخاطب‪ ،‬فإنه يجعل بينه وبينهم ترجمانًا‪ ،‬يكون أمينا ً عارفا ً‬
‫باللغتين‪،‬المترجم منها وإليها‪ ،‬عارفا ً بموضوع الكلم الذي يتكلم‬
‫فيه‪ ،‬حتى يترجم عن بصيرة‪ ،‬وفي ثقة وأمانة‪.‬‬
‫وينبغي كذلك في هذه اليام‪ ،‬أن يكون حريصا ً على التحلي‬
‫بمحاسن الخلق والعمال؛ من إعانة المستعين‪ ،‬وإغاثة الملهوف‪،‬‬
‫ودللة الضائع‪ ،‬وغير ذلك مما هو إحسان إلى الخلق؛ فإن الله‬
‫سبحانه وتعالى يقول‪َ ) :‬‬
‫ن(‬ ‫سِني َ‬
‫ح ِ‬‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬‫ن الل ّ َ‬
‫سُنوا إ ِ ّ‬
‫ح ِ‬
‫وأ ْ‬
‫َ‬
‫ل والحسان‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫ْ‬ ‫ل‬‫با‬ ‫ر‬‫م‬ ‫)البقرة‪ (195 :‬ويقول جل وعل‪) :‬إن الل ّه يأ ْ‬
‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ِ‬
‫قْرَبى()النحل‪ ،(90 :‬ولسيما في هذه الماكن‬ ‫ء ِذي ال ْ ُ‬
‫وِإيَتا ِ‬
‫َ‬
‫المفضلة؛ فإن أهل العلم‪ :‬يقولون‪ :‬إن الحسنات تتضاعف في‬
‫الزمان والمكان الفاضل‪.‬‬

‫يستمعون إلى الملهي ويغتابون الناس في منى‬


‫السؤال )‪ :(265‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بعض الناس يقضي هذه اليام‬
‫في مني‪ :‬إما بالستماع إلى الملهي‪ ،‬أو بالتفكه بالحديث في‬
‫أعراض الناس‪ ،‬فما حكم هذا العمل؟‬
‫الجواب‪ :‬هذا العمل محرم في حال الحج وغير الحج؛ فإن الغاني‬
‫المصحوبة بآلت العزف‪ ،‬من الموسيقي ‪ ،‬والعود والرباب وشبهها‬
‫محرمة في كل زمان وفي كل مكان؛ لما ثبت في صحيح البخاري‬
‫من حديث أبي مالك الشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم قال‪ 0) :‬ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر‬
‫والحرير‪ ،‬والخمر‪ ،‬والمعازف (()‪ ،(239‬قال العلماء ‪ :‬والمعازف ‪:‬‬
‫آلت اللهو‪ ،‬ول يستثنى منها إل الدفوف في المناسبات التي أذن‬
‫الشارع باستعمالها فيها‪.‬‬
‫وكذلك التفكه بأعراض الناس‪ ،‬والسخرية بهم ونحو ذلك مما يحدث‬
‫في موسم الحج وغيره‪ ،‬وهو حرام سواء كان في موسم الحج أو‬
‫في غير موسم الحج‪ ،‬وسواء كان في مكة أو في غير مكة؛ لقول‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫سى أ ْ‬ ‫ع َ‬‫وم ٍ َ‬‫ق ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫و ٌ‬
‫ق ْ‬‫خْر َ‬ ‫س َ‬‫مُنوا ل ي َ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫الله تعالى‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫َ‬
‫ول‬‫ن َ‬ ‫ه ّ‬ ‫من ْ ُ‬‫خْيرا ً ِ‬‫ن َ‬ ‫ن ي َك ُ ّ‬ ‫سى أ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ء َ‬ ‫سا ٍ‬‫ن نِ َ‬ ‫م ْ‬‫ساءٌ ِ‬ ‫ول ن ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬‫خْيرا ً ِ‬ ‫كوُنوا َ‬ ‫يَ ُ‬
‫م ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ول ت ََناب َُزوا ِباْلل ْ َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ع َ‬‫سوقُ ب َ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫س ُ‬‫س اِل ْ‬ ‫ب ب ِئ ْ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف َ‬‫مُزوا أن ْ ُ‬ ‫ت َل ْ ِ‬
‫ن( )الحجرات‪(11:‬‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬‫م ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫ب َ‬ ‫م ي َت ُ ْ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬‫ن َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ا ِْ‬
‫لي َ‬

‫الحكمة من رمي‬
‫الجمارالسؤال )‪ :(266‬فضيلة الشيخ‪ ،‬في أيام التشريق ترمى‬
‫الجمار الثلث في يومين أو ثلثة أيام‪ ،‬فما الحكمة من رمي‬
‫هذه الجمار؟‬
‫الجواب‪ :‬الحكمة من رمي هذه الجمار ‪ ،‬بينها رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم في قوله ‪ )) :‬إنما جعل الطواف بالبيت ‪ ،‬وبالصفا‬
‫)‪(240‬‬
‫والمروة‪ ،‬ورمي الجمار؛ لقامة ذكر الله(‬
‫وفي رمي الجمار أيضًا‪ :‬تحقيق لعبادة الله عز وجل ؛ فإن النسان‬
‫يرمي هذه الجمار‪ ،‬وهو ل يعرف حكمة بينة في رميها ‪ ،‬وإنما‬
‫يفعل ذلك تعبدا ً لله وذكرا ً له‪ ،‬وكذلك يرمي هذه الجمرات؛ اتباعا ً‬
‫لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإنه رماها‪ ،‬وقال‪ )) :‬لتأخذوا‬
‫عني مناسككم(()‪.(241‬‬
‫صفة رمي الجمار‬
‫السؤال )‪ :(267‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أيضا ً بالنسبة للجمار‪ ،‬نود أن‬
‫تذكروا لنا صفة رمي الجمار؟‬
‫الجواب‪ :‬الذي ينبغي للحاج إذا ذهب إلى رمي جمرة العقبة أن‬
‫يكون ملبيًا‪ ،‬فإذا شرع في الرمي‪ ،‬قطع التلبية‪ ،‬هذا في رمي‬
‫جمرة العقبة‪ ،‬يوم العيد‪ ،‬أما في رمي الجمرات الثلث‪ ،‬فينبغي أن‬
‫يذهب بسكينة وخضوع وخشوع لله عز وجل ‪ ،‬وإن كبر في مسيره‬
‫فحسن؛ لن أيام التشريق‪ ،‬أيام أكل وشرب وذكر لله عز وجل‪،‬‬
‫ومن ذكر الله تعالى التكبير‪ ،‬فإذا ذهب مكبرًا‪ ،‬فهو حسن؛ لن‬
‫التكبير هنا مطلق‪ ،‬ولكنه ل يعتقد أنه مشروع من أجل الذهاب إلى‬
‫الرمي‪ ،‬إنما يعتقد أنه مشروع مطلقًا‪ ،‬أما ذهابه بخشوع وتعظيم‬
‫لله‪ ،‬فهذا أمر مطلوب‪ ،‬ولهذا يكبر النسان الله عز وجل عند رمي‬
‫كل حصاة‪.‬‬

‫الدعاء عند رمي الجمار‬


‫السؤال )‪ :(268‬فضيلة الشيخ‪ ،‬لكن هل هناك أدعية عند رمي‬
‫الجمرات؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم ذكرنا أنه إذا رمى الجمرة الولى‪ ،‬استقبل القبلة‪،‬‬
‫ورفع يديه ‪ ،‬وقام يدعو دعاء طوي ً‬
‫ل‪ ،‬وكذلك بعد رمي الجمرة‬
‫الوسطي‪ ،‬وأما بعد رمي جمرة العقبة فل يقف‪.‬‬

‫السؤال )‪ :(269‬فضيلة الشيخ‪ ،‬وهل هناك دعاء مخصوص؟‬


‫الجواب‪ :‬ليس هناك دعاء مخصوص فيما أعلم‪.‬‬

‫ل تلزم الطهارة عند رمي الجمار‬


‫السؤال )‪ :(270‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل تلزم الطهارة لرمي‬
‫الجمار؟‬
‫الجواب‪ :‬الطهارة ل تلزم في أي منسك من مناسك الحج‪ ،‬إل‬
‫الطواف بالبيت‪ ،‬فإنه ل يجوز للحائض أن تطوف بالبيت؛ لقول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة‪ )) :‬افعلي كما يفعل الحاج‬
‫غير أن ل تطوفي بالبيت(()‪.(242‬‬
‫حكم غسل حصى الجمار‬
‫السؤال ) ‪ :(271‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم غسل الجمار؟‬
‫الجواب‪ :‬ل يغسل ‪ ،‬بل إذا غسله النسان على سبيل التعبد لله‪،‬‬
‫كان هذا بدعة؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله‪.‬‬
‫حكم من نسي شيئا ً من أشواط الطواف أو السعي‬
‫السؤال )‪ :(272‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما حكم من نسي شيئا من‬
‫أشواط الطواف أو السعي؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا نسي النسان شيئا ً من أشواط الطواف أو السعي‪،‬‬
‫فإن ذكر قريبا ً أتم ما بقي عليه‪ ،‬فلو طاف ستة أشواط بالبيت‪،‬‬
‫ثم انصرف إلى مقام إبراهيم ليصلي ‪ ،‬وفي أثناء انصرافه‪ ،‬ذكر‬
‫أنه لم يطف إل ستة أشواط‪ ،‬فإنه يرجع من الحجر السود‪ ،‬ليأتي‬
‫بالشوط السابع‪ ،‬ول حرج عليه‪.‬‬
‫أما إذا يذكر إل بعد مدة طويلة ‪ :‬فإن كان الطواف طواف نسك‪،‬‬
‫وجب عليه إعادة الطواف من جديد؛ لن طوافه الول لم يصح؛‬
‫لكونه ناقصًا‪ ،‬ول يمكن بناء ما تركه على ما سبق؛ لطول الفصل‬
‫بينهما‪ ،‬فيستأنف الطواف من جديد‪.‬‬
‫وهكذا نقول في السعي‪ :‬إنه إذا نسي شوطا ً من السعي‪ ،‬فإذا ذكر‬
‫قريبًا‪ ،‬أتى بالشوط الذي نسيه‪ ،‬وإن طال الفصل‪ ،‬استأنفه من‬
‫جديد‪.‬‬
‫هذا إذا قلنا‪ :‬إن الموالة في السعي شرط‪ ،‬أما إذا قلنا ‪ :‬إنها‬
‫ليست بشرط‪ -‬كما هو قول بعض أهل العلم‪ -‬فإنه يأتي بما نسي‬
‫ولو طال الفصل‪ .‬ولكن الحوط‪ :‬أن يبدأ بالسعي من جديد إذا‬
‫أطال الفصل؛ لن ظهور كون الموالة شرطا ً أبلغ من عدم كونها‬
‫شرطًا‪.‬‬

‫ماذا يفعل إذا أقيمت الصلة‪ ،‬وهو في الطواف أو السعي‬


‫السؤال )‪ :(273‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا أقيمت الصلة وهو في‬
‫الطواف أو السعي‪ ،‬فماذا يفعل؟‬
‫الجواب‪ :‬إذا أقيمت الصلة وهو في الطواف أو في السعي‪ ،‬فإنه‬
‫يدخل مع الجماعة‪ ،‬وإذا انتهت الصلة‪ ،‬أتم الشوط من حيث وقف‪،‬‬
‫ول يلزمه أن يأتي به من أول الشوط‪ ،‬فإذا قدر أنه أقيمت الصلة‬
‫وهو في منتصف الشوط الثالث من السعي‪ ،‬فليقف مكانه‬
‫ويصلي‪ ،‬ثم إذا سلم المام أتم السعي من مكانه‪ ،‬وإن لم يكن‬
‫حوله أحد يصلي معه في المسعى‪ ،‬فإنه يتقدم ‪ ،‬ويصلي حيث يجد‬
‫من يصافه‪ ،‬فإذا سلم من الصلة‪ ،‬خرج إلى المسعى ‪ ،‬وأتم من‬
‫المكان الذي قطعه منه‪ ،‬ول يلزمه أن يعيد الشوط من ابتدائه‪.‬‬
‫وهكذا نقول في الطواف ‪ :‬لو أقيمت الصلة وأنت بحذاء الحجر‬
‫ل‪ ،‬فإنك تصلي في مكانك فإذا انتهت‬ ‫من الناحية الشمالية مث ً‬
‫الصلة فأتم الشوط من المكان الذي وقفت فيه ‪ ،‬ول حاجة إلى‬
‫أن تعيد الشوط من الحجر السود‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(274‬فصيلة الشيخ‪ ،‬لكن هل يلزمه قطع الطواف‬
‫أو السعي للصلة أو يجوز له؟‬
‫الجواب‪ :‬إن كانت الصلة فريضة‪ ،‬يجب عليه أن يقطع الطواف أو‬
‫السعي ليصلي ؛ لن صلة الجماعة واجبة‪ ،‬وقد رخص للنسان أن‬
‫يقطع سعيه من أجلها‪ ،‬فيكون خروجه من السعي أو الطواف‬
‫خروجا ً مباحًا‪ ،‬ودخوله مع الجماعة‪ ،‬دخول واجبًا‪ ،‬فيجب عليه أن‬
‫يدخل مع الجماعة‪.‬‬
‫أما إذا كانت الصلة نافلة ‪ ،‬كما لو كان ذلك في قيام الليل في‬
‫التراويح في رمضان‪ ،‬فمعروف أنه ل يقطع السعي أو الطواف‬
‫من أجل ذلك‪ ،‬لكن الفضل أن يتحرى ‪ ،‬فيجعل الطواف بعد القيام‬
‫أو قبله‪ ،‬وكذلك السعي ؛ لئل يفوته فضيلة قيام الليل مع‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(275‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا أذن للصلة‪ ،‬وهو يسعى‬
‫بين الصفا والمروة‪ ،‬وهو على غير طهارة‪ ،‬وهذا جائز ‪ ،‬فهل‬
‫يخرج خارج الحرم ليتوضأ‪ ،‬ويرجع ويصلي مع الناس‪ ،‬ويكمل‬
‫سعيه ‪ ،‬أم يبتدئه من جديد؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم لبد أن يخرج إلى الميضأة ويتوضأ ويصلي مع‬
‫الجماعة ‪ ،‬وفي هذه الحال؛ إن كان الفصل طويل ً استأنف السعي‪،‬‬
‫وإن كان قصيرا ً لم يستأنف ‪ ،‬فإذا قدر أن الميضأة قريبة من‬
‫المسعى‪ ،‬ولم يستوعب وقتا ً ‪ ،‬وأنه من حين جاء أقيمت الصلة‪،‬‬
‫فهذا زمن قليل‪ ،‬فليتم السعي‪ ،‬وأما إذا كان الزمن طوي ً‬
‫ل‪ ،‬كأن‬
‫تكون الميضأة بعيدة بحيث يكون الفاصل بين أجزاء السعي فاصل ً‬
‫طويل ً ‪ ،‬فإنه يبدأ السعي من أوله‪.‬‬

‫حكم التمسح بجدران الكعبة وكسوتها‬


‫السؤال )‪ :(276‬فضيلة الشيخ‪ ،‬في أثناء الطواف يشاهد بعض‬
‫الناس يتمسحون بجدار الكعبة‪ ،‬وبكسوتها‪ ،‬وبالمقام‪ ،‬والحجر‪،‬‬
‫فما حكم ذلك العمل؟‬
‫الجواب‪ :‬هذا العمل يفعله الناس‪ ،‬يريدون به التقرب إلى الله عز‬
‫وجل والتعبد له‪ ،‬وكل عمل تريد به التقرب إلى الله والتعبد له‪،‬‬
‫وليس له أصل في الشرع فإنه بدعة‪ ،‬حذر منه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم فقال‪ )) :‬إياكم ومحدثات المور؛ فإن كل بدعة‬
‫ضللة(()‪ ، (243‬ولم يرد عن النبي عليه الصلة والسلم أنه مسح‬
‫سوى الركن اليماني‪ ،‬والحجر السود؛ وعليه‪ :‬فإذا مسح النسان‬
‫أي ركن من أركان الكعبة أو جهة من جهاتها‪ ،‬غير الركن اليماني‬
‫والحجر السود‪ ،‬فإنه يعتبر مبتدعًا‪ ،‬ولما رأى عبد الله بن عباس‬
‫رضي الله عنهما معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه يمسح‬
‫الركنين الشماليين‪ ،‬نهاه ‪ ،‬فقال له معاوية رضي الله عنه‪ :‬ليس‬
‫د‬ ‫شيء من البيت مهجورًا‪ ،‬فقال ابن عباس رضي الله عنهما ‪) :‬ل َ َ‬
‫ق ْ‬
‫في رسول الل ّ ُ‬
‫ة()الحزاب‪ (21:‬وقد رأيت‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬ ‫وة ٌ َ‬‫س َ‬
‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫م ِ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم يمسح الركنين ‪ ،‬يعني ‪ :‬الركن‬
‫اليماني والحجر السود فرجع معاوية رضي الله عنه إلى قول ابن‬
‫في رسول الل ّ ُ‬
‫ة(‬ ‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫وةٌ َ‬
‫س َ‬
‫هأ ْ‬‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬
‫كا َ‬‫قدْ َ‬ ‫عباس لقوله تعالى‪) :‬ل َ َ‬
‫)الحزاب‪.(21 :‬‬
‫ومن باب أولى في البدعة‪ :‬ما يفعله بعض الناس من التمسح‬
‫بمقام إبراهيم ‪ ،‬فإن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫أنه تمسح في أي جهة من جهات المقام‪ .‬وكذلك ما يفعله بعض‬
‫الناس من التمسح بزمزم‪ ،‬والتمسح بأعمدة الرواق‪ ،‬وغير ذلك مما‬
‫لم يرد عن النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬فكله بدعة‪ ،‬وكل بدعة‬
‫ضللة‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(277‬لكن أيضا ً ما حكم الذين يتمسكون بأستار‬
‫الكعبة‪ ،‬ويدعون طوي ً‬
‫ل؟‬
‫الجواب‪ :‬هؤلء أيضا ً عملهم ل أصل له في السنة‪ ،‬وهو بدعة‪،‬‬
‫ينبغي بل يجب على طالب العلم أن يبين لهم هذا‪ ،‬وأنه ليس من‬
‫هدي النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫وأما اللتزام بين الحجر السود وبين الكعبة ‪ :‬فهذا قد ورد عن‬
‫الصحابة رضي الله عنهم فعله‪ ،‬ول بأس به‪ ،‬لكن مع المزاحمة‬
‫والضيق‪ -‬كما يشاهد اليوم‪ -‬ل ينبغي للنسان أن يفعل ما يتأذى به‬
‫أو يؤذي غيره‪ ،‬في أمر ليس من الواجبات‪.‬‬

‫صفة اللتزام‬
‫السؤال )‪ :(278‬فضيلة الشيخ‪ ،‬لكن ما صفة هذا اللتزام هل هو‬
‫تعلق بهذا الجزء من الكعبة الذي بين الحجر السود والبيت‪ ،‬أم أنه‬
‫وقوف ودعاء؟‬
‫الجواب‪ :‬اللتزام‪ :‬وقوف في هذا المكان وإلصاق‪ ،‬يلصق النسان‬
‫يديه وذراعيه ووجهه وخده على هذا الجدار‪.‬‬

‫خصائص ماء زمزم‬


‫السؤال )‪ :(279‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ذكرتم أيضا ً أنه ل يجوز التمسح‬
‫بزمزم‪ ،‬أو بشيء منها‪ ،‬لكن ما هي خصائص ماء زمزم؟‬
‫الجواب‪ :‬من خصائص ماء زمزم‪ :‬أن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫قال ‪ )) :‬ماء زمزم لمن شرب له(()‪ (244‬وأن النسان إذا شربه‬
‫لعطش روي‪ ،‬وإذا شربه لجوع‪ ،‬شبع؛ فهذا من خصائصه‪.‬‬

‫حكم التبرك بآثار مكة والكعبة‬


‫السؤال )‪ : (280‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل من خصائص مكة أو الكعبة‬
‫التبرك بأحجارها أو آثارها؟‬
‫الجواب‪ :‬ل‪ ،‬ليس من خصائص مكة أن يتبرك النسان بأشجارها‪،‬‬
‫أو أحجارها‪ ،‬بل من خصائص مكة‪ :‬أل تعضد أشجارها‪ ،‬ول يحش‬
‫حشيشها؛ لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك‪ ،‬إل الذخر؛‬
‫فإن النبي صلى الله عليه وسلم استثناه)‪ ، (245‬لنه يكون للبيوت‪،‬‬
‫وقيون الحدادين‪ ،‬وكذلك اللحد في القبر؛ فإنه تسد به شقوق‬
‫اللبنات‪ ،‬وعلى هذا فنقول‪ :‬إن حجارة الحرم أو مكة ليس فيها‬
‫شيء يتبرك به‪ ،‬بالتمسح به‪ ،‬أو بنقله إلى البلد‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪.‬‬

‫حكم إطلق اسم جبل الرحمة على الجبل الذي في عرفة‬


‫السؤال)‪ :(281‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أيضا ً يطلق على جبل عرفة‪:‬‬
‫جبل الرحمة ‪ ،‬فما حكم هذه التسمية ‪ ،‬وهل لها أصل؟‬
‫الجواب‪ :‬هذه التسمية ل أعلم لها أصل ً من السنة‪ ،‬أي‪ :‬أن الجبل‬
‫الذي في عرفة‪ ،‬الذي وقف عنده النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫يسمى جبل الرحمة‪ ،‬وإذا لم يكن له أصل من السنة‪ ،‬فإنه ل ينبغي‬
‫أن يطلق عليه ذلك‪ ،‬والذين أطلقوا عليه هذا السم لعلهم لحظوا‬
‫أن هذا الموقف موقف عظيم‪ ،‬تتبين فيه مغفرة الله تعالى‬
‫ورحمته للواقفين في عرفة‪ ،‬فسموه بهذا السم‪ ،‬والولى أل‬
‫يسمى بهذا السم‪ ،‬وليقال‪ :‬جبل عرفه‪ ،‬أو الجبل الذي وقف عنده‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وما أشبه ذلك‪.‬‬

‫حكم زيارة هذا الجبل والصلة عليه‬


‫السؤال )‪ :(282‬فضيلة الشيخ‪ ،‬يلتزم بعض الحجاج زيارة هذا‬
‫الجبل قبل الحج أو بعده‪ ،‬ويصلون في أعله‪ ،‬فما حكم زيارة‬
‫هذا الجبل‪ ،‬وما حكم الصلة فيه؟‬
‫الجواب‪ :‬حكمه كما يعلم من القاعدة الشرعية‪ ،‬بأن كل من تعبد‬
‫لله تعالى بما لم يشرعه الله فهو مبتدع؛ فيعلم من هذا‪ :‬أن قصد‬
‫هذا الجبل للصلة عليه أو عنده والتمسح به‪ ،‬وما أشبه ذلك مما‬
‫يفعله بعض العامة بدعة‪ ،‬ينكر على فاعلها‪ ،‬ويقال له‪ :‬إنه ل‬
‫خصيصة لهذا الجبل‪ ،‬إل أنه يسن أن يقف النسان يوم عرفة عند‬
‫الصخرات كما وقف النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬مع أن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم وقف هناك عند الصخرات‪ ،‬وقال‪ )) :‬وقفت‬
‫هاهنا‪ ،‬وعرفة كلها موقف(()‪ (246‬وبناء على ذلك فل ينبغي أيضا ً أن‬
‫يشق النسان على نفسه في يوم عرفة‪ ،‬ليذهب إلى الجبل ‪،‬‬
‫فربما يضيع عن قومه ‪ ،‬ويتعب بالحر والعطش‪ ،‬ويكون بهذا آثما‪ً،‬‬
‫حيث شق على نفسه في أمر لم يوجبه الله عليه‪.‬‬

‫حكم استقبال الجبل واستدبار الكعبة‬


‫السؤال )‪ : (283‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أيضا ً بخصوص هذا الجبل‪ ،‬كثير‬
‫من الناس في يوم عرفة‪ ،‬يستقبلون الجبل ويستدبرون‬
‫الكعبة‪ ،‬فما حكم هذا العمل‪ ،‬وما حكم رفع اليدي والدعاء له؟‬
‫الجواب‪ :‬المشروع للواقفين بعرفة‪ ،‬حين ينشغلون بالدعاء‬
‫والذكر‪ ،‬أن يتجهوا إلي القبلة‪ ،‬سواء كان الجبل خلفهم أو بين‬
‫أيديهم‪ ،‬وليس استقبال الجبل مقصودا لذاته‪ ،‬وإنما استقبله النبي‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬لنه كان بينه وبين القبلة؛ إذ إن موقف‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم كان شرقي الجبل عند الصخرات ‪،‬‬
‫فكان استقبال النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الجبل غير‬
‫مقصود‪.‬‬
‫وعلى هذا‪ :‬فإذا كان الجبل خلفك إذا استقبلت القبلة فاستقبل‬
‫القبلة‪ ،‬ول يضرك أن يكون الجبل خلفك‪.‬‬
‫وفي هذا المقام‪ -‬أي ‪ :‬مقام الدعاء في عرفة ‪ -‬ينبغي للنسان أن‬
‫يرفع يديه‪ ،‬وأن يبالغ في التضرع إلى الله عز وجل ؛ لن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم كان يدعو وهو رافع يديه‪ ،‬حتى إن خطام‬
‫ناقته لما سقط ‪ ،‬أخذه صلى الله عليه وسلم بيده وهو رافع اليد‬
‫الخرى ‪ ،‬وهذا يدل على استحباب رفع اليدين في هذا الموضع‪،‬‬
‫وقد ورد عن النبي عليه الصلة والسلم أنه قال ‪ )) :‬إن الله حيي‬
‫كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا(()‪.(247‬‬
‫***‬
‫أخطاء تقع في مناسك الحج يجب الحذر منها‬

‫أخطاء تقع في الحرام‬


‫السؤال )‪ :(284‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هناك مواقف يقفها الحجاج‪،‬‬
‫وأمور يفعلونها في الحج‪ ،‬وهذه المواقف والمور يقع فيها‬
‫أخطاء‪ ،‬ولعله من الترتيب أن نبدأ بالحرام وما يقع فيه من‬
‫أخطاء‪ ،‬إذا كان هناك أخطاء ترونها في ذلك؟‬
‫الجواب‪ :‬قبل أن أجيب على هذا السؤال‪ ،‬أحب أن أبين أن كل‬
‫عبادة لبد لقبولها من شرطين‪:‬‬
‫الشرط الول‪ :‬الخلص لله عز وجل‪ ،‬بأن يقصد النسان بعبادته‬
‫التعبد لله تعالى وابتغاء ثوابه ومرضاته‪ :‬فإن هذه هي الحال التي‬
‫كان عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ كما في قوله‬
‫ماءُ‬ ‫عَلى ال ْك ُ ّ‬ ‫ل الل ّه وال ّذين مع َ‬ ‫سو ُ‬
‫ح َ‬ ‫ر ُر َ‬ ‫فا ِ‬ ‫داءُ َ‬ ‫ش ّ‬ ‫هأ ِ‬ ‫ِ َ ِ َ َ َ ُ‬ ‫مدٌ َر ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫تعالى‪ُ ) :‬‬
‫وانا ً ()الفتح‪:‬‬ ‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ضل ً ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ن َ‬ ‫غو َ‬ ‫جدا ً ي َب ْت َ ُ‬ ‫س ّ‬ ‫كعا ً ُ‬ ‫م ُر ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ت ََرا ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ب َي ْن َ ُ‬
‫موا‬ ‫وأ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫قا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه َر ُب ّ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ْ‬ ‫غاءَ َ‬ ‫صب َُروا اب ْت ِ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ِ‬ ‫‪ ، (29‬وقال تعالى‪َ ) :‬‬
‫ة‬‫سن َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ِبال َ‬ ‫ْ‬ ‫وي َدَْرأو َ‬ ‫ة َ‬ ‫علن ِي َ ً‬ ‫و َ‬ ‫سّرا َ‬‫ً‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫قَنا ُ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫م ّ‬ ‫قوا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫وأ َن ْ َ‬ ‫صلةَ َ‬ ‫ال ّ‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫خُلون َ َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫عد ْ ٍ‬ ‫ت َ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫ر( )‪َ ) (22‬‬ ‫دا ِ‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫ع ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ك لَ ُ‬ ‫ة أول َئ ِ َ‬ ‫سي ّئ َ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫خلو َ‬ ‫ة ي َدْ ُ‬ ‫َ‬
‫ملئ ِك ُ‬ ‫وال َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫وذُّرّيات ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ج ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫وأْز َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ن آَبائ ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬ ‫صل َ َ‬ ‫َ‬
‫ر( ) الرعد‬ ‫ّ ِ‬ ‫دا‬ ‫ال‬ ‫بى‬ ‫َ‬ ‫ق‬‫ْ‬ ‫ع‬
‫ُ‬ ‫م‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫ع‬ ‫ن‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫م‬ ‫ت‬ ‫ر‬
‫َ َ ْ ُ ْ‬ ‫ب‬ ‫ص‬ ‫ما‬ ‫ب‬
‫ْ ْ ِ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫م‬ ‫َ ٌ‬ ‫سل‬ ‫()‬ ‫‪23‬‬ ‫)‬ ‫ب(‬ ‫َ ٍ‬ ‫با‬ ‫ل‬ ‫ّ‬ ‫كُ‬
‫ُ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ُ‬ ‫دوا الل ّ َ‬ ‫عب ُ ُ‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َ ْ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫و َ‬ ‫‪ (24 ،22‬ولقوله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ة(‬ ‫م ِ‬ ‫قي ّ َ‬ ‫ن ال َ‬ ‫ْ‬ ‫ك ِدي ُ‬ ‫وذَل ِ َ‬ ‫ؤُتوا الّزكاةَ َ‬ ‫َ‬ ‫وي ُ ْ‬ ‫صلةَ َ‬ ‫موا ال ّ‬ ‫قي ُ‬ ‫وي ُ ِ‬ ‫فاءَ َ‬ ‫حن َ َ‬ ‫ن ُ‬ ‫دي َ‬ ‫ال ّ‬
‫)البينة‪. (5:‬‬
‫ولقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬إنما العمال بالنيات‪،‬‬
‫وإنما لكل امرئ ما نوى؛ فمن كان هجرته إلى الله ورسوله‪،‬‬
‫فهجرته إلى الله ورسوله‪ ،‬ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو‬
‫امرأة يتزوجها‪ ،‬فهجرته إلى ما هاجر إليه(()‪.(248‬‬
‫ولقوله صلى الله عليه وسلم في الحديث القدسي عن الله تعالى‬
‫أنه قال‪ )) :‬أنا أغني الشركاء عن الشرك؛ من عمل عمل ً أشرك‬
‫فيه معي غيري‪ ،‬تركته وشركه(()‪.(249‬‬
‫ولقوله صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه‪:‬‬
‫)‪(250‬‬
‫)) إنك لن تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إل أجرت عليها((‬
‫واليات والحاديث في هذا المعنى كثرة جدًا‪ ،‬كلها تفيد أن أساس‬
‫العمل‪ :‬الخلص لله عز وجل‪.‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وهي‬
‫طي‬ ‫ه َ‬ ‫أيضا ً شرط لصحة العمل؛ لقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫صَرا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫ه ذل ِك ْ‬ ‫َ‬ ‫سِبيل ِ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫ع ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫فّرقَ ب ِك ْ‬ ‫فت َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫عوا ال ّ‬ ‫ول ت َت ّب ِ ُ‬ ‫عوهُ َ‬ ‫فات ّب ِ ُ‬ ‫قيما ً َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫ل إِ ْ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن( )النعام‪ (153:‬ولقوله تعالى‪ُ ) :‬‬ ‫قو َ‬ ‫م ت َت ّ ُ‬ ‫علك ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫هل َ‬ ‫م بِ ِ‬ ‫صاك ْ‬ ‫ُ‬ ‫و ّ‬ ‫َ‬
‫ه‬‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫وال‬ ‫َ ْ َ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫نو‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫ف‬ ‫ِ‬ ‫غ‬‫ْ‬ ‫ي‬
‫ُ َ َ‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫ُ ْ ِ ْ ُ‬ ‫ب‬‫ب‬ ‫ح‬ ‫ي‬ ‫ني‬ ‫ِ‬ ‫عو‬ ‫ِ ُ‬ ‫ب‬ ‫ّ‬ ‫ت‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫ّ َ‬ ‫بو‬ ‫ح‬‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫م‬‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫سولُ‬ ‫م الّر ُ‬ ‫ُ‬
‫ما آَتاك ُ‬ ‫و َ‬ ‫م( )آل عمران‪ (31:‬ولقوله تعالى‪َ ) :‬‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر َر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫َ‬
‫هوا()الحشر‪ (7 :‬ولقول النبي صلى الله‬ ‫فان ْت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هاك ُ ْ‬ ‫ما ن َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ذوهُ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫‪،‬‬ ‫)‪(251‬‬
‫عليه وسلم ‪ )) :‬من عمل عمل ً ليس عليه أمرنا‪ ،‬فهو رد((‬
‫)‬
‫وفي لفظ ‪ )) :‬من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه‪ ،‬فهو رد((‬
‫‪ ،(252‬ولقوله صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬إياكم ومحدثات المور ‪،‬‬
‫فإن كل بدعة ضللة(()‪ ،(253‬واليات والحاديث في هذا المعنى‬
‫كثيرة جدا ً أيضًا‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ :‬فإن كل من تعبد لله تعالى عبادة غير مخلص‬
‫فيها‪ ،‬فإنها باطلة‪ ،‬لفقد الخلص منها ‪ ،‬وكل من تعبد لله تعالى‬
‫بشيء يقصد به التعبد ولم يرد به الشرع‪ ،‬فإن ذلك مردود عليه؛‬
‫لعدم المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وبناء على هذه‬
‫القاعدة العظيمة‪،‬أنه من شرط العبادة أن تكون خالصة لله‬
‫موافقة لشريعته وهي التي اتبع فيها رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ -‬فإن هناك أخطاء يفعلها بعض المسلمين في عباداتهم‪،‬‬
‫وما دمنا نتحدث في موضوع الحج‪ ،‬وما دام السؤال الذي ورد منكم‬
‫يطلب به بيان الخطاء في الحرام‪ ،‬فإني أود أن أبين شيئا ً منها‪.‬‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫ترك الحرام من الميقات‪ :‬فإن بعض الحجاج ول سيما القادمون‬
‫بطريق الجو‪ ،‬يدعون الحرام من الميقات حتى ينزلوا إلى جدة‪،‬‬
‫مع أنهم يمرون به من فوق‪ ،‬وقد وقت النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم المواقيت لهلها‪ ،‬وقال‪ )) :‬هن لهلن ولمن أتى عليهن من‬
‫غير أهلهن(()‪ .(254‬وثبت في صحيح البخاري عن عمر بن الخطاب‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬أنه لما شكا إليه أهل العراق أن قرن المنازل التي‬
‫وقتها رسول الله صلى الله عليه وسلم لهل نجد جور عن‬
‫طريقهم‪ ،‬أي‪ :‬بعيدة ومائلة عن الطريق‪ ،‬قال رضي الله عنه‪:‬‬
‫انظروا إلي حذوها من طريقكم)‪.(255‬‬
‫وهذا يدل على أن محاذاة الميقات كالمرور به‪ ،‬والذي يأتي محاذيا ً‬
‫للميقات من فوق بالطائرة كالمار به‪ ،‬فعليه أن يحرم إذا حاذى‬
‫الميقات‪ ،‬ول يجوز له أن يتعدى الميقات لينزل في جدة ويحرم‬
‫منها‪.‬‬
‫والطريق لتصحيح هذا الخطأ‪ :‬أن يغتسل النسان في بيته أو في‬
‫المطار‪ ،‬ويتأهب في الطائرة بلباس ثوب الحرام‪ ،‬وخلع ثيابه‬
‫المعتادة ‪ ،‬فإذا حاذى الميقات‪ ،‬أحرم منه‪ ،‬فلبى بما يريد أن يحرم‬
‫به من عمرة أو حج‪ ،‬ول يحل له أن يؤخر ذلك إلى جدة‪ ،‬فإن فعل‬
‫فقد أخطأ ‪ ،‬وعليه ‪ -‬عند جمهور أهل العلم ‪ -‬فدية يذبحها في مكة‪،‬‬
‫ويوزعها على الفقراء‪ ،‬لنه ترك واجبا ً من الواجبات‪.‬‬
‫المر الثاني مما يخطئ فيه بعض الناس‪ :‬أن بعض الناس يعتقد أنه‬
‫لبد أن يحرم بالنعلين‪ ،‬وأنه إذا لم يكن النعلن عليه حين الحرام‪،‬‬
‫فإنه ل يجوز له لبسهما وهذا خطأ ؛ فإن الحرام في النعلين ليس‬
‫بواجب ول شرط‪ ،‬فالحرام ينعقد بدون أن يكون عليه النعلن‪ ،‬ول‬
‫يمنع إذا أحرم من غير نعلين‪ ،‬ل يمنع أن يلبسهما فيما بعد‪ ،‬فله‬
‫أن يلبس النعلين فيما بعد‪ ،‬وإن كان لم يحرم بهما‪ .‬ول حرج عليه‬
‫في ذلك‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن بعض الناس يظن أنه لبد أن يحرم بثياب الحرام‪،‬‬
‫وتبقى عليه إلى أن يحل من إحرامه‪ ،‬وأنه ل يحل له تبديل هذه‬
‫الثياب‪ ،‬وهذا خطأ؛ فإن النسان المحرم يجوز له أن يغير ثياب‬
‫الحرام لسبب أو لغير سبب‪ ،‬إذا غيرها إلى شيء يجوز لبسه في‬
‫الحرام‪.‬‬
‫ول فرق في ذلك بين الرجال والنساء‪ ،‬فكل من أحرم بشيء من‬
‫ثياب الحرام وأراد أن يغيره‪ ،‬فله ذلك‪ ،‬لكن أحيانا ً يجب عليه‬
‫تغييره؛ كما لو تنجس بنجاسة ل يمكن غسله إل بخلعه‪ ،‬وأحيانا ً‬
‫يكون تغييره أحسن إذا تلوث تلوثا ً كثيرا ً بغير نجاسة‪ ،‬فينبغي أن‬
‫يغيره إلى ثوب نظيف أو إلى ثوب إحرام نظيف‪ ،‬وتارة يكون المر‬
‫واسعًا‪ ،‬إن شاء غير‪ ،‬وإن شاء بدل‪.‬‬
‫المهم‪ :‬أن هذا العتقاد غير صحيح‪ ،‬وهو أن يعتقد الحاج أنه إذا‬
‫أحرم بثوب‪ ،‬ل يجوز له خلعه حتى يحل من إحرامه‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أن بعض الناس يضطبعون بالحرام من حين الحرام‪ ،‬أي‪:‬‬
‫من حين عقد النية‪ ،‬والضطباع‪ :‬أن يخرج النسان كتفه اليمن؛‬
‫ويجعل طرفي الرداء على كتفه اليسر‪ ،‬فنرى كثيرا ً من الحجاج‪-‬‬
‫إن لم يكن أكثر الحجاج‪ -‬يضطبعون من حين أن يحرموا إلى أن‬
‫يحلو؛ وهذا خطأ؛ لن الضطباع إنما يكون في طواف القدوم‬
‫فقط‪ ،‬ول يكون في السعي ول فيما قبل الطواف‪.‬‬
‫هذه من الخطاء التي يخطئ فيها بعض الحجاج‪ ،‬وتلفي هذا كله‬
‫أن يدعوا هذه الخطاء ‪ ،‬وان يصححوا المسار على حسب ما جاء‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫هناك أيضا ً خطأ زائد على ما قلت‪ :‬وهو اعتقاد بعضهم أنه يجب أن‬
‫يصلي ركعتين في الحرام‪ ،‬وهذا خطأ أيضًا؛ فإنه ل يجب أن يصلي‬
‫النسان ركعتين عند الحرام‪ ،‬بل القول الراجح الذي ذهب إليه أبو‬
‫العباس شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله‪ ،‬أنه ل يسن للحرام‬
‫صلة خاصة‪ ،‬لن ذلك لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم فإذا‬
‫اغتسل النسان ولبس ثياب الحرام‪ ،‬أحرم بدون صلة‪ ،‬إل إذا كان‬
‫وقت صلة مثل أن تكون صلة الفريضة قد حان وقتها أو قرب‬
‫وقتها‪ ،‬وهو يريد أن يمكث في الميقات حتى يصلي‪ ،‬فهنا الفضل‬
‫أن يكون إحرامه بعد الصلة‪ ،‬أما أن يتعمد صلة معينة في الحرام‪،‬‬
‫فإن القول الراجح‪ :‬أنه ليس للحرام صلة تخصه‪ ،‬هذا ما يحضرني‬
‫الن مما يخطئ فيه الناس عند الحرام‪.‬‬

‫أخطاء تقع في الحرام بالحج يوم التروية‬


‫السؤال )‪ :(285‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بالنسبة للحرام يوم التروية‬
‫هل هناك أخطاء يرتكبها الحجاج؟ وما علجها؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬هناك أخطاء في الحرام في الحج يوم التروية ‪،‬‬
‫فمنها ما سبق ذكره من الخطاء عند الحرام بالعمرة‪ ،‬وهو أن‬
‫بعض الناس يعتقد وجوب الركعتين للحرام‪ ،‬وأنه لبد أن تكون‬
‫ثياب الحرام جديدة وأنه لبد أن يحرم بالنعلين‪ ،‬وأنه يضطبع‬
‫بالرداء من حين إحرامه إلى أن يحل‪.‬‬
‫ومن الخطاء في إحرام الحج‪ :‬أن بعض الناس يعتقد أنه يجب أن‬
‫يحرم من المسجد الحرام‪ ،‬فتجده يتكلف ويذهب إلى المسجد‬
‫الحرام ليحرم منه‪ ،‬وهذا ظن خطأ‪ ،‬فإن الحرام من المسجد‬
‫الحرام ل يجب ‪ ،‬بل السنة أن يحرم بالحج من مكانه الذي هو نازل‬
‫فيه؛ لن الصحابة الذين حلوا من إحرام العمرة بأمر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬ثم أحرموا بالحج يوم التروية‪ ،‬لم يأتوا إلى‬
‫المسجد الحرام ليحرموا منه‪ ،‬بل أحرم كل إنسان منهم من‬
‫موضعه‪ ،‬وهذا في عهد النبي عليه الصلة والسلم؛ فيكون هذا هو‬
‫السنة‪ ،‬فالسنة للمحرم بالحج أن يكون إحرامه من المكان الذي هو‬
‫نازل فيه‪ ،‬سواء كان في مكة أو في منى‪ ،‬كما يفعله بعض الناس‬
‫الن حيث يتقدمون إلى منى من أجل حماية المكنة لهم‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضًا‪ :‬أن بعض الحجاج يظن أنه ل يصح أن يحرم‬
‫بثياب الحرام التي أحرم بها في عمرته إل أن يغسلها ‪ ،‬وهذا ظن‬
‫خطأ أيضًا‪ ،‬لن ثياب الحرام ل يشترط أن تكون جديدة أو نظيفة‪،‬‬
‫صحيح أنه كلما كانت أنظف فهو أولى‪ ،‬وأما أنه ل يصح الحرام بها‬
‫لنه أحرم بها في العمرة‪ ،‬فإن هذا ظن ليس بصواب‪ ،‬هذا ما‬
‫يحضرني الن بالنسبة للخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في‬
‫الحرام بالحج‪.‬‬

‫أخطاء تقع في التلبية‬


‫السؤال)‪ :(286‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا انتقلنا من الحرام‪ ،‬فهل‬
‫هناك أخطاء تقع من الحجاج بعد الحرام وما هي؟‬
‫الجواب‪ :‬هناك أخطاء في الواقع تكون بعد الميقات‪ ،‬أو بعد‬
‫الحرام من الميقات إلى الوصول إلى المسجد الحرام‪ ،‬وذلك في‬
‫التلبية؛ فإن المشروع في التلبية‪ :‬أن يرفع النسان صوته بها؛ لن‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم قال ‪ )) :‬أتاني جبريل ‪ ،‬فأمرني أن‬
‫آمر أصحابي أن يرفعوا أصواتهم بالهلل (()‪ ، (256‬يعني بالتلبية ‪،‬‬
‫ونرى أفواج الحجيج تمر بأعداد ضخمة ل نسمع أحدا ً يلبي‪ ،‬فل‬
‫يكون للحج مظهر في ذكر الله عز وجل‪ ،‬بل إنه تمر بك الفواج‬
‫وكأنهم ل ينطقون‪ ،‬والمشروع للرجال أن يرفعوا أصواتهم بقدر‬
‫ما يستطيعون من غير مشقة في التلبية؛ لن الصحابة كانوا‬
‫يفعلون هكذا في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬امتثال ً لمر‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم بذلك؛ كما أشرنا إليه آنفًا‪.‬‬
‫وخطأ آخر في التلبية ‪ :‬أن بعض الحجاج يلبون بصوت جماعي‪،‬‬
‫فيتقدم واحد منهم أو يكون في الوسط أو في الخلف‪ ،‬ويلبي ثم‬
‫يتبعونه بصوت واحد‪ ،‬وهذا لم يرد عن الصحابة رضي الله عنهم‪، ،‬‬
‫بل قال أنس بن مالك‪ :‬كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم _ يعني‬
‫في حجة الوداع‪ -‬فمنا المكبر‪ ،‬ومنا المهلل‪ ،‬ومنا الملبي‪ ،‬وهذا هو‬
‫المشروع للمسلمين؛ أن يلبي كل واحد بنفسه‪ ،‬وأل يكون له تعلق‬
‫بغيره‪.‬‬

‫أخطاء تقع عند دخول الحرم‬


‫السؤال )‪ :(287‬فضيلة الشيخ‪ ،‬بقي علينا أن نعرف‪ -‬أثابكم‬
‫الله‪ -‬الخطاء التي تأتي عند دخول الحرم؟‬
‫الجواب‪ :‬من الخطاء التي تكون من بعض الحجاج عند دخول‬
‫المسجد الحرام‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن بعض الناس يظن أنه لبد أن يدخل الحاج أو المعتمر من‬ ‫أو ً‬
‫باب معين في المسجد الحرام ‪ ،‬فيرى بعض مثل ً أنه لبد أن يدخل‬
‫إذا كان معتمرا ً من الباب الذي يسمى باب العمرة‪ ،‬وأن هذا أمر‬
‫لبد منه أو أمر مشروع‪ ،‬ويرى آخرون أنه لبد أن يدخل من باب‬
‫السلم‪ ،‬وأن الدخول من غيره يكون إثما ً أو مكروهًا‪ ،‬وهذا ل أصل‬
‫له‪ ،‬فللحاج والمعتمر أن يدخل من أي باب كان‪.‬‬
‫وإذا دخل المسجد‪ ،‬فليقدم رجله اليمنى‪ ،‬وليقل ما ورد في‬
‫الدخول لسائر المساجد‪ ،‬فيسلم على النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫ويقول‪ )) :‬اللهم‪ ،‬اغفر لي ذنوبي ‪ ،‬وافتح لي أبواب رحمتك(()‪.(257‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن بعض الناس يبتدع أدعية معينة عند دخول المسجد ورؤية‬
‫البيت‪ ،‬يبتدع أدعية لم ترد عن النبي صلى الله عليه وسلم فيدعو‬
‫الله بها‪ ،‬وهذا من البدع‪ ،‬فإن التعبد لله تعالى بقول أو فعل أو‬
‫اعتقاد لم يكن عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه بدعة‬
‫وضللة‪ ،‬حذر منه رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬يخطئ بعض الناس‪ -‬حتى من غير الحجاج‪ -‬حيث إنهم‬
‫يعتقدون أن تحية المسجد الحرام‪ :‬الطواف‪ ،‬بمعنى أنه يسن لكل‬
‫من دخل المسجد الحرام أن يطوف اعتمادا ً على قول بعض‬
‫الفقهاء في ذلك‪ :‬إن سنة المسجد الحرام الطواف‪ ،‬والواقع أن‬
‫المر ليس كذلك؛ فالمسجد الحرام كغيره من المساجد التي قال‬
‫فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬إذا دخل أحدكم‬
‫المسجد‪ ،‬فليركع ركعتين قبل أن يجلس (()‪ ، (258‬ولكن إذا دخلت‬
‫المسجد الحرام للطواف سواء كان الطواف طواف نسك كطواف‬
‫العمرة والحج‪ ،‬أو كان طواف تطوع كالطوفة في غير النسك ‪،‬‬
‫فإنك يجزئك أن تطوف وإن لم تصل ركعتين‪.‬‬
‫هذا هو معنى قولنا‪ :‬إن المسجد الحرام تحيته الطواف‪ ،‬وعلى هذا‬
‫فإذا دخلت بغير نية الطواف ولكن لنتظار الصلة او لحضور‬
‫مجلس علم أو ما أشبه ذلك‪ ،‬فإن المسجد الحرام كغيره ‪ ،‬يسن‬
‫فيه أن تصلي ركعتين قبل أن تجلس ؛ لمر النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بذلك‪.‬‬
‫هذا الذي يحضرني الن فيما يخطئ فيه الناس عند دخول المسجد‬
‫الحرام‪.‬‬

‫أخطاء تقع في الطواف‬


‫السؤال )‪ :(288‬فضيلة الشيخ‪ ،‬إذا دخل الحاج أو المعتمر أو‬
‫غيرهما الحرم وأراد أن يطوف ‪ ،‬ل شك أنه يقع هناك بعض‬
‫الخطاء ‪ ،‬حبذا لو بينتم هذه الخطاء التي تقع في الطواف؟‬
‫الجواب‪ :‬في الطواف أيضا ً أخطاء كثيرة‪ ،‬تقع من بعض الحجاج أو‬
‫غير الحجاج‪.‬‬
‫فمنها‪ :‬النطق بالنية عند إرادة الطواف‪ ،‬تجد الحاج يقف مستقبل‬
‫الحجر إذا أراد الطواف فيقول‪ :‬اللهم إني نويت أن أطوف سبعة‬
‫أشواط للعمرة‪ ،‬أو اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط للحج‬
‫أو‪ :‬اللهم إني نويت أن أطوف سبعة أشواط تقربا ً إليك‪ ،‬وما‬
‫أشبهها‪.‬‬
‫والتلفظ بالنية بدعة؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفعله‪،‬‬
‫ولم يأمر أمته به‪ ،‬وكل من تعبد لله تعالى بأمر لم يتعبد به رسول‬
‫الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ولم يأمر أمته به‪ ،‬فقد ابتدع في دين‬
‫الله ما ليس منه‪ ،‬فالتلفظ بالنية عند الطواف خطأ وبدعة‪.‬‬
‫وكما أنه خطأ من ناحية الشرع فهو خطأ من ناحية العقل‪ ،‬فما‬
‫الداعي إلى أن تتلفظ بالنية مع أن النية بينك وبين ربك‪ ،‬والله‬
‫سبحانه وتعالى عالم بما في الصدور‪ ،‬وعالم بأنك سوف تطوف‬
‫هذا الطواف‪ ،‬وإذا كان الله سبحانه وتعالى عالما ً بذلك فل حاجة‬
‫أن تظهر هذا لعباد الله‪ ،‬فإن قلت‪ :‬أنا أقوله بلساني ليطابق ما‬
‫في قلبي‪ ،‬قلنا‪ :‬العبادات ل تثبت بالقيسة‪ ،‬والنبي عليه الصلة‬
‫والسلم قد طاف قبلك ولم يتكلم بالنية عند طوافه‪ ،‬والصحابة‬
‫رضي الله عنهم قد طافوا قبلك ولم يتكلموا بالنية عند طوافهم‪،‬‬
‫ول عند غيره من العبادات؛ فهذا خطأ‪.‬‬
‫الخطأ الثاني‪ :‬أن بعض الطائفين يزاحم مزاحمة شديدة عند‬
‫استلم الحجر والركن اليماني‪ ،‬مزاحمة يتأذى بها ويؤذي غيره‪،‬‬
‫مزاحمة قد تكون مع امرأة ‪ ،‬وربما ينزغه من الشيطان نزغ‪،‬‬
‫فتحصل في قلبه شهوة في هذا المقام الضنك‪ ،‬والنسان بشر قد‬
‫تستولي عليه النفس المارة بالسوء‪ ،‬فيقع في هذا المر المنكر‬
‫تحت بيت الله عز وجل‪ ،‬وهذا أمر يكبر ويعظم باعتبار مكانه؛ كما‬
‫أنه فتنة في أي مكان كان‪.‬‬
‫والمزاحمة الشديدة عند استلم الحجر أو الركن اليماني ليست‬
‫بمشروعة ‪ ،‬بل إن تيسر لك بهدوء فذلك المطلوب‪ ،‬وإن لم يتيسر‬
‫فإنك تشير إلى الحجر السود‪.‬‬
‫أما الركن اليماني‪ :‬فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫أشار إليه‪ ،‬ول يمكن قياسه على الحجر السود أعظم منه‪ ،‬والحجر‬
‫السود لن الحجر السود ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه‬
‫أشار إليه)‪.(259‬‬
‫والمزاحمة كما أنها غير مشروعة في هذه الحال‪ ،‬وكما أنه يخشى‬
‫من الفتنة فيما إذا كان الزحام مع امرأة ‪ -‬فهي أيضا ً تحدث‬
‫تشويشا ً في القلب والفكر؛ لن النسان لبد عند المزاحمة من أن‬
‫يسمع كلما ً يكرهه‪ ،‬أو يسمع هو كلما ً يكرهه ويتندم عليه؛ فتجده‬
‫يشعر بامتعاض وغضب على نفسه إذا فارق هذا المحل‪.‬‬
‫والذي ينبغي للطائف أن يكون دائما ً في هدوء وطمأنينة ‪ ،‬من‬
‫أجل أن يستحضر ما هو متلبس به من طاعة الله‪ ،‬فقد قال النبي‬
‫عليه الصلة والسلم‪ )) :‬إنما جعل الطواف بالبيت‪ ،‬وبالصفا‬
‫والمروة‪ ،‬ورمي الجمار‪ ،‬لقامة ذكر الله(()‪.(260‬‬
‫الخطأ الثالث مما يقع في الطواف‪ :‬أن بعض الناس يظنون أن‬
‫الطواف ل يصح بدون تقبيل الحجر‪ ،‬وأن تقبيل الحجر شرط لصحة‬
‫الطواف‪ ،‬ولصحة الحج أيضا ً أو العمرة‪ ،‬وهذا ظن خطأ‪ ،‬وتقبيل‬
‫الحجر سنة‪ ،‬وليست سنة مستقلة أيضًا‪ ،‬بل هي سنة للطائف ‪ ،‬ول‬
‫أعلم أن تقبيل الحجر يسن في غير الطواف‪ ،‬وعلى هذا‪ :‬فإذا كان‬
‫تقبيل الحجر سنة وليس بواجب ول بشرط ‪ ،‬فإن من لم يقبل‬
‫الحجر ل نقول له‪ :‬إن طوافه غير صحيح‪ ،‬أو إن طوافه ناقص‬
‫نقصا ً يأثم به‪ ،‬بل طوافه صحيح‪ ،‬بل نقول‪ :‬إنه إذا كان هناك‬
‫مزاحمة شديدة‪ ،‬فإن الشارة أفضل من الستلم؛ لنه هو العمل‬
‫الذي فعله الرسول عليه الصلة والسلم عند الزحام‪ ،‬ولن‬
‫النسان يتقي به أذى يكون منه لغيره‪ ،‬أو يكون من غيره له‪.‬‬
‫فلو سألنا سائل وقال‪ :‬إن المطاف مزدحم فما ترون ‪ ،‬هل‬
‫الفضل أن أزاحم فاستلم الحجر وأقبله ‪ ،‬أم الفضل أن أشير‬
‫إليه؟‬
‫قلنا‪ :‬الفضل أن تشير إليه؛ لن السنة هكذا جاءت عن رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫الرابع من الخطاء التي يفعلها بعض الطائفين‪ :‬تقبيل الركن‬
‫اليماني‪ ،‬وتقبيل الركن اليماني لم يثبت عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬والعبادة إذا لم تثبت عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم فهي بدعة وليست بقربة ؛ وعلى هذا فل يشرع للنسان أن‬
‫يقبل الركن اليماني؛ لن ذلك لم يثبت عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬وإنما ورد فيه حديث ضعيف ل تقوم به الحجة‪.‬‬
‫وكذلك أيضًا‪ :‬نجد بعض الناس عندما يمسح الحجر السود أو الركن‬
‫اليماني يمسحه بيده اليسرى كالمتهاون به‪ ،‬وهذا خطأ؛ فإن اليد‬
‫اليمنى أشرف من اليد اليسرى‪ ،‬واليد اليسرى ل تقدم إل للذى؛‬
‫كالستنجاء بها‪ ،‬والستجمار بها‪ ،‬والمتخاط بها‪ ،‬وما أشبه ذلك‪،‬‬
‫وأما مواضع التقبيل والحترام‪ ،‬فإنه يكون لليد اليمنى‪.‬‬
‫الخامس من الخطاء التي يرتكبها بعض الطائفين‪ :‬أنهم يظنون‬
‫أن استلم الحجر والركن اليماني للتبرك ل للتعبد‪ ،‬فيتمسحون به‬
‫تبركًا؛ وهذا بل شك خلف ما قصد به؛ فإن المقصود بالتمسح‬
‫بالحجر السود أو بمسحه وتقبيله ‪ :‬تعظيم الله عز وجل؛ ولهذا‬
‫كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استلم الحجر قال ‪ )) :‬الله‬
‫أكبر(( ‪ ،‬إشارة إلى أن المقصود بهذا تعظيم الله عز وجل‪ ،‬وليس‬
‫المقصود التبرك بمسح هذا الحجر‪ ،‬قال أمير المؤمنين عمر بن‬
‫الخطاب رضي الله عنه‪ :‬والله إني لعلم أنك حجر‪ ،‬ل تضر ول‬
‫تنفع‪ ،‬ولول أني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقبلك‪ ،‬ما‬
‫قبلتك)‪ ،(261‬هذا الظن الخاطئ من بعض الناس‪ ،‬وهو أنهم يظنون‬
‫أن المقصود بمسح الركن اليماني والحجر السود التبرك‪ ،‬أدى‬
‫ببعضهم إلى أن يأتي بابنه الصغير فيمسح الركن أو الحجر بيده ثم‬
‫يمسح ابنه الصغير أو طفله بيده التي مسح بها الحجر أو الركن‬
‫اليماني ‪ ،‬وهذا من العتقاد الفاسد الذي يجب أن ينهى عنه ‪ ،‬وأن‬
‫يبين للناس أن مثل هذه الحجار ل تضر ول تنفع ‪ ،‬وأن المقصود‬
‫بمسحها‪ :‬تعظيم الله عز وجل ‪ ،‬وإقامة ذكره ‪ ،‬والقتداء برسوله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫ً‬
‫وننتقل من هذا إلى خطأ يقع أيضا في المدينة المنورة عند حجرة‬
‫قبر النبي صلى الله عليه وسلم ؛ حيث كان بعض العامة‬
‫يتمسحون بالشباك الذي على الحجرة‪ ،‬ويمسحون به بأيديهم‬
‫ووجوههم ورؤوسهم وصدورهم ؛ اعتقادا ً منهم أن في هذا بركة‪،‬‬
‫وكل هذه المور وأمثالها مما ل شرعة فيه‪ ،‬بل هو بدعة ول ينفع‬
‫ل‪ ،‬ولم يطرأ على باله أنه‬ ‫صاحبه بشيء‪ ،‬لكن إن كان صاحبه جاه ً‬
‫من البدع‪ ،‬فيرجى أن يعفى عنه‪ ،‬وإن كان عالما ً أو متهاونا ً لم‬
‫يسأل عن دينه‪ ،‬فإنه يكون آثما ‪ ،‬فالناس في هذه المور التي‬
‫يفعلونها‪ :‬إما جاهل جهل ً مطبقا ً ل يطرأ بباله أن هذا محرم؛ فهذا‬
‫يرجى أن ل يكون عليه شيء‪ ،‬وإما عالم متعمد لَيضل وُيضل‬
‫الناس؛ فهذا آثم بل شك‪ ،‬وعليه إثم من تبعه واقتدى به‪ ،‬وإما‬
‫رجل جاهل ومتهاون في سؤال أهل العلم‪ ،‬فيخشى أن يكون آثما ً‬
‫بتفريطه وعدم سؤاله‪.‬‬

‫أخطاء تقع في الطواف ) تتمة(‬


‫السؤال )‪ : (289‬فضيلة الشيخ‪ ،‬كنا نتحدث عن الخطاء التي‬
‫تقع من الحجاج في الطواف وأخذنا طرفا ً منها‪ ،‬فهل لنا أن‬
‫نسمع البقية؟‬
‫الجواب‪ :‬هناك أخطاء أخرى يفعلها بعض الحجاج في الطواف غير‬
‫التي سبق أن ذكرنا‪:‬‬
‫منها‪ :‬الرمل في جميع الشواط‪ :‬مع أن المشروع أن يكون الرمل‬
‫في الشواط الثلثة الولى فقط؛ لن النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫إنما رمل هو وأصحابه في الشواط الثلثة الولى فقط‪ ،‬وأما‬
‫الربعة الباقية فيمشي على ما هو عليه‪ ،‬على عادته ‪ ،‬وكذلك‬
‫الرمل ل يكون إل للرجال‪ ،‬وفي الطواف أول ما يقدم إلى مكة‪،‬‬
‫سواء كان ذلك طواف قدوم أو طواف عمرة‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضًا‪ :‬أن بعض الناس يخصص كل شوط بدعاء معين‪،‬‬
‫وهذا من البدع التي لم ترد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ول أصحابه‪ ،‬فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يخص كل شوط‬
‫بدعاء‪ ،‬ول أصحابه أيضًا‪ ،‬وغاية ما في ذلك‪ :‬أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يقول بين الركن اليماني والحجر السود‪َ ) :‬رب َّنا آت َِنا‬
‫ر()البقرة‪:‬‬ ‫ب الّنا ِ‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫قَنا َ‬
‫و ِ‬
‫ة َ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬
‫ة َ‬ ‫في اْل ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫و ِ‬
‫ة َ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬
‫في الدّن َْيا َ‬
‫ِ‬
‫‪ ، (201‬وقال عليه الصلة والسلم‪ )) :‬إنما جعل الطواف بالبيت‪،‬‬
‫وبالصفا والمروة‪ ،‬ورمي الجمار‪ ،‬لقامة ذكر الله(()‪.(262‬‬
‫وتزداد هذه البدع خطأ‪ ،‬إذا حمل الطائف كتيبًا‪ ،‬كتب فيه لكل‬
‫شوط دعاء وهو يقرأ هذا الكتيب‪ ،‬ول يدري ماذا يقول؛ إما لكون‬
‫جاهل ً باللغة العربية‪،‬ول يدري ما المعنى‪ ،‬وإما لكونه عربيا ً ينطق‬
‫باللغة العربية ولكنه ل يدرى ما يقول‪ ،‬حتى إننا نسمع بعضهم‬
‫يدعو بأدعية هي في الواقع محرفة تحريفا ً بينًا‪ ،‬من ذلك أننا‬
‫سمعنا من يقول‪ :‬اللهم أغنني بحللك عن حرامك‪ ،‬والصواب‪:‬‬
‫بحللك عن حرامك‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أننا نشاهد بعض الناس يقرأ هذا الكتيب‪ ،‬فإذا انتهى‬
‫دعاء الشوط‪ ،‬وقف ولم يدع في بقية شوطه‪ ،‬وإذا كان المطاف‬
‫خفيفًا‪ ،‬وانتهى الشوط قبل انتهاء الدعاء‪ ،‬قطع الدعاء‪.‬‬
‫ودواء ذلك‪ :‬أن نبين للحجاج‪ ،‬بأن النسان في الطواف يدعو بماء‬
‫شاء‪ ،‬وبما أحب‪ ،‬ويذكر الله تعالى بما شاء ‪ ،‬فإذا بين للناس هذا‬
‫زال الشكال‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضًا‪ ،‬وهو خطأ عظيم جدًا‪ :‬أن بعض الناس يدخل‬
‫في الطواف من باب الحجر‪ ،‬أي‪ :‬المحجر الذي على شمال الكعبة‪،‬‬
‫يدخل من باب الحجر‪ ،‬ويخرج من الباب الثاني في أيام الزحام ‪،‬‬
‫يرى أن هذا أقرب وأسهل؛ وهذا خطأ عظيم؛ لن الذي يفعل ذلك‬
‫فوا ِبال ْب َي ْ ِ‬
‫ت‬ ‫ول ْي َطّ ّ‬
‫و ُ‬ ‫ل يعتبر طائفا ً بالبيت‪ ،‬والله تعالى يقول‪َ ) :‬‬
‫ق()الحج‪ ،(29 :‬والنبي صلى الله عليه وسلم طاف بالبيت من‬ ‫ال ْ َ‬
‫عِتي ِ‬
‫وراء الحجر‪ ،‬فإذا طاف النسان من داخل الحجر ‪ ،‬فإنه يعتبر‬
‫طائفا ً بالبيت‪ ،‬فل يصح طوافه‪ ،‬وهذه مسألة خطيرة‪ ،‬ل سيما إذا‬
‫كان الطواف ركنًا؛ كطواف العمرة‪ ،‬وطواف الفاضة‪.‬‬
‫ودواء ذلك‪ :‬أن نبين للحجاج أنه ل يصح الطواف إل بجميع البيت‪،‬‬
‫ومنه الحجر‪.‬‬
‫وبهذه المناسبة أود أن أبين أن كثيرا ً من الناس يطلقون على هذا‬
‫الحجر اسم ) حجر إسماعيل( والحقيقة ‪ :‬أن إسماعيل ل يعلم به‪،‬‬
‫وأنه ليس حجرا ً له‪ ،‬وإنما هذا الحجر حصل حين قصرت النفقة‬
‫على قريش‪ ،‬حين أرادوا بناء الكعبة‪ ،‬فلم تكف النفقة لبناء الكعبة‬
‫على قواعد إبراهيم‪ ،‬فحطموا منها هذا الجانب‪ ،‬وحجروه بهذا‬
‫الجدار‪ ،‬وسمي حطيما ً وحجرًا‪ ،‬وإل فليس لسماعيل فيه أي علم‬
‫أو أي عمل‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضا‪ :‬أن بعض الناس ل يلتزم بجعل الكعبة عن‬ ‫ً‬
‫يساره ‪ ،‬فتجده يطوف معه نساؤه‪ ،‬ويكون قد وضع يده مع يد‬
‫زميله لحماية النساء‪ ،‬فتجده يطوف والكعبة خلف ظهره‪ ،‬وزميله‬
‫الخر يطوف والكعبة بين يديه ‪ ،‬وهذا خطأ عظيم أيضًا؛ لن أهل‬
‫العلم يقولون‪ :‬من شرط صحة الطواف أن يجعل الكعبة عن‬
‫يساره‪ ،‬فإذا جعلها خلف ظهره‪ ،‬أو جعلها أمامه‪ ،‬أو جعلها عن‬
‫يمينه وعكس الطواف ‪ ،‬فكل هذا طواف ل يصح ‪ ،‬والواجب على‬
‫النسان أن يعتني بهذا المر‪ ،‬وأن يحرص على أن تكون الكعبة عن‬
‫يساره في جميع طوافه‪.‬‬
‫ومن الناس‪ :‬من يتكيف في طوافه حال الزحام‪ ،‬فيجعل الكعبة‬
‫خلف ظهره أو أمامه لبضع خطوات من أجل الزحام‪ ،‬وهذا خطأ‪،‬‬
‫فالواجب على المرء أن يحتاط لدينه‪ ،‬وأن يعرف حدود الله تعالى‬
‫في العبادة قبل أن يتلبس بها‪ ،‬حتى يعبد الله تعالى على بصيره‪،‬‬
‫وإنك لتعجب أن الرجل إذا أراد أن يسافر إلى بلد يجهل طريقها‪،‬‬
‫فإنه ل يسافر إليها حتى يسأل ويبحث عن هذا الطريق‪ ،‬وعن‬
‫الطريق السهل‪ ،‬ليصل إليها براحة وطمأنينة ‪ ،‬وبدون ضياع أو‬
‫ضلل‪ ،‬أما في أمور الدين‪ ،‬فإن كثيرا ً من الناس مع السف يتلبس‬
‫بالعبادة وهو ل يدري حدود الله تعالى فيها‪ ،‬وهذا من القصور ‪ ،‬بل‬
‫من التقصير ‪ ،‬نسأل الله لنا ولخواننا المسلمين الهداية‪ ،‬وأن‬
‫يجعلنا ممن يعلمون حدود ما أنزل الله على رسوله‪.‬‬
‫ومن الخطاء في الطواف أيضًا‪ :‬أن بعض الطائفين يستلم جميع‬
‫أركان الكعبة الربعة‪ :‬الحجر السود‪ ،‬والركن اليماني‪ ،‬والركن‬
‫الشامي‪ ،‬والركن العراقي ‪ ،‬يزعمون أنهم بذلك يعظمون بيت الله‬
‫عز وجل‪ ،‬بل من الناس من يتعلق بأستار الكعبة من جميع‬
‫الجوانب‪ ،‬وهذا أيضا ً من الخطأ‪.‬‬
‫وذلك لن المشروع ‪ :‬استلم الحجر السود وتقبيله إن أمكن ‪ ،‬وإل‬
‫فالشارة إليه‪.‬‬
‫أما الركن اليماني ‪ :‬فالمشروع استلمه بدون تقبيل إن تيسر‪،‬‬
‫وإن لم يتيسر ‪ ،‬فل يشير إليه أيضًا؛ لنه لم يرد عن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫أما استلم الركن العراقي‪ ،‬وهو أول ركن يمر به بعد الحجر‬
‫السود‪ ،‬والشامي‪ ،‬وهو الركن الذي يليه ‪ ،‬فهذا من البدع ‪ ،‬وقد‬
‫أنكر عبد الله بن عباس رضي الله عنهما على معاوية بن أبي‬
‫سفيان رضي الله عنهما استلم جميع الركان ‪ ،‬وقال له‪ :‬لقد‬
‫رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يستلم الركنين اليمانيين ‪،‬‬
‫وقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة‪ ،‬فقال معاوية رضي‬
‫الله عنه‪ :‬صدقت‪ .‬ورجع إلى قول ابن عباس‪ ،‬بعد أن كان رضي‬
‫الله عنه يستلم الركان الربعة ويقول‪ :‬ليس شيء من البيت‬
‫ً)‪(263‬‬
‫مهجورا‬
‫ومن الخطاء في الطواف ‪ :‬رفع الصوت بالدعاء؛ فإن بعض‬
‫الطائفين يرفع صوته بالدعاء رفعا ً مزعجًا‪ ،‬يذهب الخشوع ‪،‬‬
‫ويسقط هيبة البيت‪ ،‬ويشوش على الطائفين‪ ،‬والتشويش على‬
‫الناس في عباداتهم أمر منكر؛ فقد خرج النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم على أصحابه ذات ليلة وهم يقرؤون ويجهرون بالقراءة في‬
‫صلتهم‪ ،‬فأخبرهم عليه الصلة والسلم بأن كل مصل يناجي ربه‪،‬‬
‫ونهاهم أن يجهر بعضهم على بعض في القرآن أو في القراءة‪،‬‬
‫قال‪ )) :‬ل يؤذين بعضكم بعضًا(()‪.(264‬‬
‫ولكن بعض الناس‪ -‬نسأل الله لنا ولهم الهداية ‪ -‬في المطاف‬
‫يدعون ويرفعون أصواتهم بالدعاء‪ ،‬وهذا كما أن فيه المحذورات‬
‫التي ذكرناها‪ ،‬وهي إذهاب الخشوع‪ ،‬وسقوط هيبة البيت‪،‬‬
‫والتشويش على الطائفين؛ فهو مخالف لظاهر قوله تعالى‪:‬‬
‫ن( )العراف‪. (55:‬‬ ‫دي َ‬ ‫عت َ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ح ّ‬
‫ه ل يُ ِ‬ ‫ة إ ِن ّ ُ‬ ‫خ ْ‬
‫في َ ً‬ ‫ضّرعا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫عوا َرب ّك ُ ْ‬
‫م تَ َ‬ ‫)ادْ ُ‬
‫هذه الخطاء التي سقناها في الطواف نرجو الله سبحانه وتعالى‬
‫أن يهدي إخواننا المسلمين لصلحها‪ ،‬حتى يكون طوافهم موافقا ً‬
‫لما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ فإن خير الهدي‬
‫هدي محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وليس الدين يؤخذ بالعاطفة‬
‫والميل‪ ،‬ولكنه يؤخذ بالتلقي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫‪.‬‬
‫ومن الخطاء العظيمة في الطواف‪ :‬أن بعض الناس يبتدئ من‬
‫عند باب الكعبة‪ ،‬ل يبتدئ من الحجر السود‪ ،‬والذي يبتدئ من عند‬
‫باب الكعبة‪ ،‬ويتم طوافه على هذا الساس ‪ ،‬ل يعتبر متما‬
‫ق()الحج‪:‬‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫عِتي ِ‬ ‫فوا ِبال ْب َي ْ ِ‬ ‫ول ْي َطّ ّ‬
‫و ُ‬ ‫للطواف؛ لن الله يقول‪َ ) :‬‬
‫‪،(29‬وقد بدأ النبي صلى الله عليه وسلم من الحجر السود‪ ،‬وقال‬
‫للناس‪ )) :‬لتأخذوا عني مناسككم(()‪ .(265‬وإذا ابتدأ من عند الباب أو‬
‫من دون محاذاة الحجر السود ولو بقليل ‪ ،‬فإن هذا الشوط الول‬
‫الذي ابتدأه يكون لغيًا؛ لنه لم يتم‪ ،‬وعليه أن يأتي ببدله إن ذكر‬
‫قريبًا‪ ،‬وإل فليعد الطواف من أوله‪.‬‬
‫والحكومة السعودية‪ -‬وفقها الله‪ -‬قد وضعت خطا بنيا ينطلق من‬
‫حذاء قلب الحجر السود إلى آخر المطاف‪ ،‬ليكون علمة على‬
‫ابتداء الطواف‪ ،‬والناس من بعد وجود هذا الخط صار خطؤهم في‬
‫ل‪ ،‬لكنه يوجد من بعض الجهال‪ ،‬وعلى كل حال‬ ‫هذه الناحية قلي ً‬
‫فعلى المرء أن ينتبه لهذا الخطأ‪ ،‬لئل يقع في خطر عظيم من‬
‫عدم تمام طوافه‪.‬‬
‫السؤال )‪ (290‬بعض الحجاج إذا جاء إلى هذا الخط الذي وضع‬
‫ل‪ ،‬وحجر على إخوانه أن‬ ‫علمة على ابتداء الطواف‪ ،‬وقف طوي ً‬
‫يستمروا في الطواف‪ ،‬فما حكم الوقوف على هذا الخط‬
‫والدعاء الطويل؟‬
‫الجواب‪ :‬الوقوف عند هذا الخط ل يحتمل وقوفا ً طوي ً‬
‫ل‪ ،‬بل‬
‫يستقبل النسان الحجر ويشير إليه ويكبر ويمشي‪ ،‬وليس هذا‬
‫موقفا ً يطال فيه الوقوف‪ ،‬لكني أرى بعض الناس يقفون ويقولن‪:‬‬
‫نويت أن أطوف لله تعالى سبعة أشواط‪ ،‬طواف العمرة ‪ ،‬أو‬
‫تطوعًا‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬وهذا يرجع إلى الخطأ في النية‪ ،‬وقد‬
‫نبهنا عليه‪ ،‬وأن التكلم بالنية في العبادات بدعة‪ ،‬لم يرد عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ول عن أحد من أصحابه‪ ،‬وأنت تعمل العبادة‬
‫لله سبحانه وتعالى‪ ،‬وهو عالم بنيتك فل يحتاج إلى أن تجهر بها‪.‬‬

‫أخطاء تقع في ركعتي الطواف‬


‫السؤال )‪ :(291‬فضيلة الشيخ‪ ،‬سألنا عن الخطاء التي تقع‬
‫من بعض الحجاج في الحرام‪ ،‬ودخول الحرم‪ ،‬والطواف ‪،‬‬
‫وبقي علينا ركعتا الطواف‪ ،‬هل هناك أخطاء في هاتين‬
‫الركعتين يقع فيها الحجاج ينبغي التنبيه عليها؟‬
‫الجواب‪ :‬بقي علينا أخطاء يقع فيها الحجاج في ركعتي الطواف‬
‫وفي غيرها أيضًا‪،‬فمن الخطاء ‪ :‬أن بعض الناس يظنون أن هاتين‬
‫الركعتين لبد أن تكونا خلف المام وقريبا ً منه أيضا ً ولهذا تجدهم‬
‫يزاحمون زحاما ً شديدًا‪ ،‬يؤذون الطائفين ‪ ،‬وهم ليس لهم حق في‬
‫هذا المكان‪ ،‬لن الطائفين أحق به منهم‪ ،‬ما دام المطاف مزدحمًا؛‬
‫لن الطائفين ليس لهم مكان سوى هذا ‪ ،‬وأما المصلون للركعتين‬
‫بعد الطواف‪ ،‬فلهم مكان آخر‪ ،‬المهم أننا نجد بعض الناس ‪ -‬نسأل‬
‫الله لنا ولهم الهداية ‪ -‬يتحلقون خلف المقام‪ ،‬ويشغلون مكانا ً‬
‫كبيرًا‪ ،‬واسعا ً من أجل رجل واحد أو امرأة واحدة تصلي خلف‬
‫المقام‪ ،‬ويحصل في ذلك من قطع الطواف للطائفين وازدحامهم؛‬
‫لنهم يأتون من مكان واسع‪ ،‬ثم يضيق بهم المكان هنا من أجل‬
‫هذه الحلقة التي تحلق بها هؤلء ‪ ،‬فيحصل بذلك ضنك وضيق‪،‬‬
‫وربما يحصل مضاربة ومشاتمة‪ ،‬وهذا كله إيذاء لعباد الله عز وجل‪،‬‬
‫وتحجر لمكان غيرهم به أولى‪ ،‬وهذا الفعل ل يشك عاقل عرف‬
‫مصادر الشريعة ومواردها أنه محرم‪ ،‬وأنه ل يجوز؛ لما فيه من‬
‫إيذاء المسلمين‪ ،‬وتعريض طواف الطائفين للفساد أحيانًا‪ ،‬لن‬
‫الطائفين أحيانا ً باشتباكهم مع هؤلء ‪ ،‬يجعلون البيت إما خلفهم‬
‫وإما أمامهم ‪ ،‬مما يخل بشرط من شروط الطواف‪ ،‬فالخطأ هنا‬
‫أن بعض الناس يعتقد أنه لبد أن تكون الركعتان خلف المقام‬
‫وقريبا ً منه‪ ،‬والمر ليس كما ظن هؤلء ‪ ،‬فالركعتان تجزئان في‬
‫كل مكان من المسجد‪ ،‬ويمكن للنسان أن يجعل المقام بينه وبين‬
‫البيت‪،‬أي‪ :‬بينه وبين الكعبة ولو كان بعيدا ً منه‪ ،‬ويكون بذلك قد‬
‫حقق السنة‪ ،‬من غير إيذاء للطائفين ول لغيرهم‪.‬‬
‫ومن الخطاء في هاتين الركعتين‪ :‬أن بعض الناس يطولهما‪،‬‬
‫يطيل القراءة فيهما‪ ،‬ويطيل الركوع والسجود‪ ،‬والقيام والقعود‪،‬‬
‫وهذا مخالف للسنة‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخفف‬
‫ن(‬ ‫ها ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ق ْ‬‫هاتين الركعتين‪ ،‬ويقرأ في الولى ‪ُ ) :‬‬
‫فُرو َ‬
‫كا ِ‬ ‫ل َيا أي ّ َ‬
‫َ‬
‫د( )الخلص‪،(1:‬‬ ‫ح ٌ‬
‫هأ َ‬ ‫و الل ّ ُ‬
‫ه َ‬
‫ل ُ‬ ‫)الكافرون‪ (1:‬وفي الثانية‪ُ ) :‬‬
‫ق ْ‬
‫وينصرف من حين أن يسلم ‪ ،‬تشريعا ً للمة‪ ،‬ولئل يحجز المكان‬
‫عمن هو أحق به منه‪ ،‬فإن هذا المكان إنما يكون للذين يصلون‬
‫ركعتين خلفه بعد الطواف‪ ،‬أو للطائفين إن ازدحم المطاف‪ ،‬ولهذا‬
‫يخطئ بعض الناس الذين يطيلون الركعتين خلف المقام‪،‬‬
‫لمخالفتهم السنة‪ ،‬وللتضييق على إخوانهم من الطائفين إذا كان‬
‫الطواف مزدحمًا‪ ،‬ولحتجاز المكان الذي غيرهم أولى به‪ ،‬ممن‬
‫أتموا طوافهم ويريدون أن يصلوا ركعتين خلف المقام‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضا ً في هاتين الركعتين ‪ :‬أن بعض الناس إذا‬
‫ل‪ ،‬والدعاء بعد‬‫أتمهما ‪ ،‬جعل يدعو؛ يرفع يديه‪ ،‬ويدعو دعاء طوي ً‬
‫الركعتين هنا ليس بمشروع؛ لن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫لم يفعله ‪ ،‬ول أرشد أمته إليه‪ ،‬وخير الهدي هدي محمد صلى الله‬
‫عليه وسلم ؛ فل ينبغي للنسان أن يبقى بعد الركعتين ليدعو؛ لن‬
‫ذلك خلف السنة‪،‬ولنه يؤذي الطائفين إذا كان الطواف مزدحمًا‪،‬‬
‫ولنه يحجز مكانا ً غيره أولى به ممن أتموا الطواف وأردوا أن‬
‫يصلوا في هذا المكان‪.‬‬
‫ومن البدع أيضا ً هنا ‪ :‬ما يفعله بعض الناس حيث يقوم عند مقام‬
‫ل‪ ،‬يسمى دعاء المقام‪ ،‬وهذا الدعاء ل‬ ‫إبراهيم ‪ ،‬ويدعو دعاء طوي ً‬
‫أصل له أبدا ً في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فهو من‬
‫البدع التي ينهى عنها‪ ،‬وفيه مع كونه بدعه‪ -‬وكل بدعة ضللة‪ -‬أن‬
‫بعض الناس يمسك كتابا ً فيه هذا الدعاء ‪ ،‬ويبدأ يدعو به بصوت‬
‫مرتفع ويؤمن عليه من خلفه‪ ،‬وهذا بدعة إلى بدعة‪ ،‬وفيه أيضا ً‬
‫تشويش على المصلين حول المقام ‪ ،‬والتشويش على المصلين‬
‫سبق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عنه‪.‬‬
‫وكل هذه الخطاء التي ذكرناها في الركعتين وبعدهما‪ ،‬تصويبها‬
‫أن النسان يتمشى في ذلك على هدي رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ؛ فإن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإذا‬
‫تمشينا عليه‪ ،‬زالت عنا هذه الخطاء كلها‪.‬‬

‫حكم الدعاء بعد النافلة‪ ،‬ومسح الوجه‬


‫السؤال )‪ :(292‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ذكرتم من الخطاء في ركعتي‬
‫الطواف أن يدعو النسان بعد الركعتين‪ ،‬وهناك أيضا ً من يدعو‬
‫طويل ً ثم يمسح وجهه‪ ،‬فهل هذا خاص بركعتي الطواف‪ ،‬أو‬
‫يعم في جميع السنن التي يصليها النسان؟‬
‫الجواب‪ :‬في سؤالك هذا مسألتان‪:‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬مسح الوجه باليدين بعد الدعاء‪.‬‬
‫والمسألة الثانية‪ :‬الدعاء بعد النافلة‪.‬‬
‫أما الولى‪ -‬وهي‪ :‬مسح الوجه باليدين بعد الدعاء ‪ :-‬فإنه وردت‬
‫فيه أحاديث ضعيفة اختلف فيها أهل العلم‪.‬‬
‫فذهب شيخ السلم ابن تيميه رحمه الله ‪ :‬إلى أن هذه الحاديث ل‬
‫تقوم بها حجة؛ لنها ضعيفة مخالفة لظاهر ما ثبت عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وغيرهما؛ فإنه ثبت عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم الدعاء بأحاديث صحيحة‪ ،‬وأنه‬
‫رفع يديه في ذلك‪ ،‬ولم يذكر أنه مسح بهما وجهه‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫أنه لم يفعله؛ لنه لو فعله لتوافرت الدواعي على نقله ونقل‪،‬‬
‫وممن رأى ذلك شيخ السلم ابن تيمية رحمه الله فقال‪ :‬إن مسح‬
‫الوجه باليدين بعد الفراغ من الدعاء بدعة‪.‬‬
‫ومن العلماء‪ :‬من يرى أن هذه الحاديث الضعيفة بمجموعها‬
‫ترتقي إلى درجة الحسن لغيره‪ ،‬أي‪ :‬درجة الحديث الحسن لغيره‪،‬‬
‫ولن الطرق الضعيفة إذا كثرت على وجه ينجبر بعضها ببعض‪،‬‬
‫صارت من قسم الحسن لغيره‪ ،‬ومن هؤلء ابن حجر العسقلني‬
‫في )) بلوغ المرام((‪.‬‬
‫والذي يظهر لي‪ :‬أن الولى عدم المسح‪ ،‬أي‪ :‬عدم مسح الوجه‬
‫باليدين بعد الفراغ من الدعاء‪ ،‬لنه وإن قلنا‪ :‬إن هذا الحديث‬
‫بمجموع طرقه يرتقي إلى درجة الحسن لغيره‪ ،‬فإنه يبقى متنه‬
‫شاذًا‪ ،‬لنه مخالف للظاهر من الحاديث الصحيحة التي وردت‬
‫بكثرة‪ ،‬أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يرفع يديه في الدعاء‪،‬‬
‫ولم يرد أنه مسح بهما وجهه‪.‬‬
‫وعلى كل حال‪ :‬فل أتجاسر على القول بأن ذلك بدعة‪ ،‬ولكني أرى‬
‫أن الفضل أن ل يمسح ‪ ،‬ومن مسح فل ينكر عليه؛ هذا بالنسبة‬
‫للفقرة الولى من سؤالك‪.‬‬
‫أما بالنسبة للثانية ‪ -‬وهي الدعاء بعد النافلة ‪ -‬فإن الدعاء بعد‬
‫النافلة إن اتخذه النسان سنة راتبة‪ ،‬بحيث يعتقد أنه يشرع كلما‬
‫سلم من نافلة أن يدعو‪ ،‬فهذا أخشى أن يكون بدعة؛ لن ذلك لم‬
‫يرد عن النبي عليه الصلة والسلم‪ ،‬فما أكثر ما صلى رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم النفل‪ ،‬ولم يرد عنه أنه صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يدعو بعده‪ ،‬ولو كان هذا من المشروع ‪ ،‬لسنه النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم لمته‪ ،‬إما بقوله أو بفعله أو بإقراره‪.‬‬
‫ثم إنه ينبغي أن يعلم‪ :‬أن النسان ما دام في صلته‪ ،‬فإنه يناجي‬
‫ربه‪ ،‬فكيف يليق بالنسان أن يدع الدعاء في الحال التي يناجي‬
‫فيها ربه‪ ،‬ثم يأخذ في التضرع بعد انصرافه من صلته وانقطاع‬
‫مناجاته لله عز وجل في صلته‪ ،‬فكان الولى والجدر بالنسان أن‬
‫يجعل الدعاء قبل السلم ما دام في الحال التي يناجي فيها ربه‪،‬‬
‫وهذا المعنى أشار إليه شيخ السلم ابن تيمية وهو معنى حسن‬
‫جيد ‪ ،‬فإذا أردت أيها الخ المسلم أن تدعو الله عز وجل فاجعل‬
‫دعاءك قبل السلم ‪ ،‬لن هذا هو الذي أرشد إليه النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في قوله في حديث عبد الله بن مسعود حين ذكر‬
‫التشهد قال‪ )) :‬ثم يتخير من الدعاء ما شاء (()‪ ، (266‬ولنه أليق‬
‫بحال النسان‪ ،‬لما أسلفنا من كونه في حال صلته يناجي ربه‪.‬‬

‫أخطاء تقع في الطريق إلى المسعى‪ ،‬وفي المسعى‬


‫السؤال )‪ : (293‬فضيلة الشيخ‪ ،‬وصلنا في أسئلتنا عن‬
‫الخطاء التي تقع في الحج إلى الخطاء التي تقع في ركعتي‬
‫الطواف‪ ،‬وما يكون فيها أيضا ً من دعاء وإطالة‪ ،‬وما إلى ذلك‪،‬‬
‫الن نريد أن نعرف الخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج أو‬
‫يقعون فيها عند الخروج إلى المسعى ‪ ،‬وفي المسعى ‪ ،‬وفي‬
‫الدعية التي تقال فيه؟‬
‫الجواب‪ :‬أما بالنسبة للخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في‬
‫المسعى فيحضرني منها الخطاء التالية‪:‬‬
‫الول‪ :‬النطق بالنية‪ ،‬فإن بعض الحجاج إذا أقبل على الصفا قال‪:‬‬
‫إني نويت أن أسعى سبعة أشواط لله تعالى‪ ،‬ويعين النسك الذي‬
‫يسعى فيه‪ ،‬يقول ذلك أحيانا ً إذا أقبل على الصفا ‪ ،‬وأحيانا ً إذا‬
‫صعد إلى الصفا‪ ،‬وقد سبق أن النطق بالنية من البدع ؛ لن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينطق بالنية ل سرا ً ول جهرا‪ً،‬‬
‫في رسول الل ّ ُ‬
‫ة‬
‫سن َ ٌ‬
‫ح َ‬
‫وة ٌ َ‬ ‫س َ‬
‫هأ ْ‬‫ِ‬ ‫َ ُ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬
‫كا َ‬ ‫وقد قال الله تعالى‪) :‬ل َ َ‬
‫ه ك َِثيرًا( )الحزاب‪،(21:‬‬ ‫وذَك ََر الل ّ َ‬‫خَر َ‬ ‫م اْل ِ‬
‫و َ‬‫وال ْي َ ْ‬ ‫جو الل ّ َ‬
‫ه َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬
‫لِ َ‬
‫وقال النبي صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬إن خير الحديث كتاب الله ‪،‬‬
‫وخير الهدي هدي محمد ‪ ،‬وشر المور محدثاتها(()‪ (267‬وهذا الخطأ‬
‫يتلفى بأن يقتصر النسان على ما في قلبه من النية‪ ،‬وهو إنما‬
‫ينوي لله عز وجل‪ ،‬والله تعالى عليم بذات الصدور‪.‬‬
‫الخطأ الثاني‪ :‬أن بعض الناس إذا صعد إلى الصفا واستقبل القبلة‬
‫‪ ،‬جعل يرفع يديه ويشير بهما كما يفعل ذلك في تكبيرات الصلة ‪،‬‬
‫صلة الجنازة ‪ ،‬أو عند تكبيرات الحرام والركوع والرفع منه‪ ،‬أو‬
‫القيام من التشهد الول‪ ،‬يرفعها هكذا إلى حذو المنكبين ويشير‪،‬‬
‫وهذا خطأ‪ ،‬فإن الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك‬
‫أنه رفع يديه وجعل يدعو‪ ،‬وهذا يدل على أن رفع اليدين هنا رفع‬
‫دعاء‪ ،‬وليس رفعا ً كرفع التكبير‪ ،‬وعليه فينبغي للنسان إذا صعد‬
‫الصفا أن يتجه إلى القبلة ‪ ،‬ويرفع يديه للدعاء‪ ،‬ويأتي بالذكر‬
‫الوارد عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام‪ ،‬ويدعو كما‬
‫ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫الخطأ الثالث‪ :‬أن بعض الحجاج يمشي بين الصفا والمروة مشيا ً‬
‫واحدًا‪ ،‬مشيه المعتاد‪ ،‬ول يلتفت إلى السعي الشديد بين العلمين‬
‫الخضرين‪ ،‬وهذا خلف السنة‪ ،‬فإن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم كان يسعى سعيا ً شديدا ً في هذا المكان‪ ،‬أعني ‪ :‬في المكان‬
‫الذي بين العلمين الخضرين‪ ،‬وهما إلى الصفا أقرب منهما إلى‬
‫المروة‪ ،‬فالمشروع للنسان إذا وصل إلي العلم الخضر الول‬
‫الذي يلي الصفا‪ :‬أن يسعى سعيا ً شديدا ً بقدر ما يتحمله ‪ ،‬بشرط‬
‫أل يتأذى ول يؤذي أحدا ً بذلك‪ ،‬وهذا إنما يكون حينما يكون‬
‫المسعى خفيفًا‪ ،‬فيسعى بين هذين العلمين ثم يمشي إلى المروة‬
‫مشيه المعتاد ‪ ،‬هذه في السنة‪.‬‬
‫الخطأ الرابع‪ :‬على العكس من ذلك؛ فإن بعض الناس إذا كان‬
‫يسعى تجده يرمل في جميع السعى‪ ،‬من الصفا إلى المروة‪ ،‬ومن‬
‫المروة إلى الصفا ‪ ،‬فيحصل في ذلك مفسدتان أو أكثر‪:‬‬
‫المفسدة الولى‪ :‬مخالفة السنة‪.‬‬
‫والمفسدة الثانية‪ :‬المشقة على نفسه؛ فإن بعض الناس يجد‬
‫مشقة شديدة في هذا العمل؛ لكنه يتحمل بناء على أن ذلك هو‬
‫السنة‪ ،‬فتجده يرمل من الصفا إلى المروة‪ ،‬ومن المروة إلى‬
‫الصفا‪ ،‬وهكذا حتى ينهي سعيه‪.‬‬
‫ً‬
‫ومن الناس‪ :‬من يفعل ذلك ل تحريا للخير‪ ،‬ولكن حبا للعجلة‪،‬‬
‫وإنهاء للسعي بسرعة‪ ،‬وهذا شر مما قبله ؛ لن هذا ينبئ عن تبرم‬
‫النسان بالعبادة‪ ،‬وملله منها‪ ،‬وحبة الفرار منها‪ ،‬والذي ينبغي‬
‫للمسلم أن يكون قلبه مطمئنا‪ ،‬وصدره منشرحا ً بالعبادة ‪ ،‬يحب أن‬
‫يتأنى فيها على الوجه المشروع الذي جاءت به سنة رسول الله‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أما أن يفعلها وكأنه يريد الفرار منها‪،‬‬
‫فهذا دليل على نقص إيمانه ‪ ،‬وعدم اطمئنانه بالعبادة‪.‬‬
‫والمفسدة الثالثة من الرمل في جميع أشواط السعي‪ :‬أنه يؤذي‬
‫ضيقا ً‬ ‫الساعين‪ ،‬فأحيانا ً يصطدم بهم ويؤذيهم‪ ،‬وأحيانا ً يكون م ّ‬
‫عليهم وزاحما ً لهم‪ ،‬فيتأذون بذلك ‪ ،‬فنصيحتي لخواني المسلمين‬
‫في هذا المقام‪ :‬أن يتأسوا برسول الله صلى الله عليه وسلم ؛‬
‫فإن هديه خير الهدي‪ ،‬وأن يمشوا في جميع الشواط إل فيما بين‬
‫العلمين‪ ،‬فإنهم يسعون سعيا ً شديدًا؛ كما ورد عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ما لم يتأذوا بذلك أو يؤذوا غيرهم‪.‬‬
‫ص َ‬
‫فا‬ ‫ن ال ّ‬
‫الخطأ الخامس‪ :‬أن بعض الناس يتلو قوله تعالى‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ه ()البقرة‪ :‬من الية‪ (158‬في كل شوط‪،‬‬ ‫ر الل ّ ِ‬
‫عائ ِ ِ‬ ‫ن َ‬
‫ش َ‬ ‫م ْ‬
‫وة َ ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫مْر َ‬ ‫َ‬
‫كلما أقبل على الصفا‪ ،‬وكلما أقبل على المروة‪ ،‬وهذا خلف‬
‫السنة ؛ فإن السنة الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫في تلوة هذه الية أنه تلها حين دنا من الصفا بعد أن أتم‬
‫الطواف وركعتي الطواف وخرج إلى المسعى ‪ ،‬فلما دنا من‬
‫ر الل ّ ِ‬
‫ه ()ابدأ بما بدأ الله‬ ‫عائ ِ ِ‬ ‫ن َ‬
‫ش َ‬ ‫م ْ‬
‫وة َ ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫مْر َ‬ ‫ص َ‬
‫فا َ‬ ‫ن ال ّ‬‫الصفا قرأ ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫به(()‪ (268‬إشارة منه صلى الله عليه وسلم إلى أنه إنما جاء‬
‫ليسعى ؛ لن هذا من شعائر الله عز وجل‪ ،‬وأنه إنما بدأ من الصفا؛‬
‫لن الله تعالى بدأ به‪ ،‬فتكون تلوة هذه الية مشروعة عند ابتداء‬
‫السعي ‪ ،‬إذا دنا من الصفا وليست مشروعة كلما دنا من الصفا‬
‫في كل شوط ‪ ،‬ول كلما دنا من المروة ‪ ،‬وإذا لم تكن مشروعة فل‬
‫ينبغي للنسان أن يأتي بها إل في الموضع الذي أتى بها فيه‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫الخطأ السادس‪ :‬أن بعض الذين يسعون يخصصون كل شوط بدعاء‬
‫معين‪ ،‬وقد سبق أن هذا من البدع‪ ،‬وأن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم لم يكن يخصص كل شوط بدعاء معين ل في الطواف ول‬
‫في السعي أيضًا‪ ،‬وإذا كان هذا من البدع ‪ ،‬فإن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم قال‪ )) :‬كل بدعة ضللة(()‪.(269‬‬
‫وعليه‪ :‬فاللئق بالمؤمن أن يدع هذه الدعية‪ ،‬وأن يشتغل بالدعاء‬
‫الذي يرغبه ويريده‪ ،‬يدعو بما شاء من خيري الدنيا والخرة‪ ،‬ويذكر‬
‫الله‪ ،‬ويقرأ القرآن‪ ،‬وما أشبه ذلك من القوال المقربة إلى الله‬
‫سبحانه وتعالى؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‪:‬‬
‫)) إنما جعل الطواف بالبيت‪ ،‬وبالصفا والمروة‪ ،‬ورمي الجمار؛‬
‫)‪(270‬‬
‫لقامة ذكر الله((‬
‫ً‬
‫الخطأ السابع‪ :‬الدعاء من كتاب ل يعرف معناه؛ فإن كثيرا من‬
‫الكتب التي يأيدي الحجاج ل يعرف معناها‪ ،‬بالنسبة لحاملها‪،‬‬
‫وكأنهم يقرؤونها تعبدا ً لله تعالى بتلوة ألفاظها؛ لنهم ل يعرفون‬
‫المعنى‪ ،‬ول سيما إذا كانوا غير عالمين باللغة العربية‪ ،‬وهذا من‬
‫الخطأ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء ل تعرف معناه‪.‬‬
‫والمشروع لك‪ :‬أن تدعو الله سبحانه وتعالى بدعاء تعرف معناه‪،‬‬
‫وترجو حصوله من الله عز وجل؛ وعليه‪ :‬فالدعاء بما تريده أنت‪،‬‬
‫بالصيغة التي تريدها ول تخالف الشرع؛ أفضل بكثير من الدعاء‬
‫بهذه الدعية التي ل تعرف معناها‪ ،‬وكيف يمكن لشخص أن يسأل‬
‫الله تعالى شيئا ً وهو ل يدري ماذا يسأله؟! وهل هذا إل من إضاعة‬
‫الوقت والجهل ؟‪ 1‬ولو شئت لقلت ‪ :‬إن هذا من سوء الدب مع‬
‫الله عز جل؛ أن تدعو الله سبحانه وتعالى بأمر ل تدري ما تريد‬
‫منه!!‬
‫الخطأ الثامن‪ :‬البداءة بالمروة؛ فإن بعض الناس يبدأ بالمروة جهل ً‬
‫منه يظن أن المر سواء فيما إذا بدأ من الصفا أو بدأ من المروة ‪،‬‬
‫أو يسوقه تيار الخارجين من المسجد‪ ،‬حتى تكون المروة أقرب‬
‫إليه من الصفا فيبدأ بالمروة جهل ً منه وإذا بدأ الساعي بالمروة ‪،‬‬
‫فإنه يلغي الشوط الول‪ ،‬فلو فرضنا أنه بدأ بالمروة‪ ،‬فأتم سبعة‬
‫أشواط‪ ،‬فإنه ل يصح منها إل ستة‪ ،‬لن الشوط الول يكون لغيًا‪،‬‬
‫وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى وجوب البداءة بالصفا‬
‫)‪(271‬‬
‫حيث قال‪ )) :‬أبدأ بما بدأ الله به((‬
‫الخطأ التاسع‪ :‬أن بعض الناس يعتبر الشوط الواحد من الصفا إلى‬
‫الصفا ‪ ،‬يظن أنه لبد من إتمام دورة كاملة كما يكون في الطواف‬
‫من الحجر إلى الحجر ‪ ،‬فيبدأ من الصفا وينتهي إلى المروة‪،‬‬
‫ويجعل هذا بعض الشوط ل كله‪ ،‬فإذا رجع من المروة إلى الصفا‬
‫اعتبر هذا شوطا ً واحدًا‪ ،‬وعلى هذا فيكون سعيه أربعة عشر‬
‫شوطًا‪ ،‬وهذا أيضا ً خطأ عظيم‪ ،‬وضلل بين؛ فإن رسول الله صلى‬
‫الله عليه وسلم سعى بين الصفا والمروة سبعة أشواط ‪ ،‬لكنه‬
‫ابتدأ بالصفا واختتم بالمروة‪ ،‬وجعل الذهاب من الصفا إلى‬
‫المروة شوطًا‪ ،‬والرجوع من المروة إلى الصفا شوطا ً آخر‪ ،‬وهذا‬
‫الذي يقع من بعض الحجاج إنما يكون جهل ً منهم بالسنة‪ ،‬وتفريطا ً‬
‫منهم في عدم التعلم‪ ،‬وقد أشرنا مرارا ً إلى أنه ينبغي‪ -‬بل يجب‪-‬‬
‫على المسلم إذا أراد أن يفعل عبادة‪ ،‬أن يتعلم حدود ما أنزل الله‬
‫فيها قبل أن يفعلها ‪ ،‬وهذا التعلم من فروض العيان‪ ،‬لنه ل‬
‫يستقيم دين المرء إل به‪ ،‬أعني تعلم حدود ما أنزل الله في عباده‬
‫يريد النسان أن يفعلها‪ ،‬هو من فرض العيان‪ ،‬يجب عليه أن‬
‫يتعلم حدود ما أنزل الله في هذه العبادة؛ ليعبد الله تعالى على‬
‫بصيرة‪.‬‬
‫الخطأ العاشر‪ :‬السعي في غير نسك‪ ،‬يعني أن بعض الناس يتعبد‬
‫لله تعالى بالسعي بين الصفا والمروة في غير نسك‪ ،‬أي‪ :‬في غير‬
‫حج ول عمرة ‪ ،‬يظن أن التطوع بالسعي مشروع كالتطوع‬
‫بالطواف‪ ،‬وهذا أيضا ً خطأ‪ ،‬والذي يدلنا على هذا أنك تجد بعض‬
‫الناس في زمن العمرة‪ -‬أي‪ :‬في غير زمن الحج يسعى بين الصفا‬
‫والمروة بدون أن يكون عليه ثياب الحرام‪ ،‬مما يدل على أنه‬
‫محل‪ ،‬فإذ سألته لماذا تفعل ذلك؟ قال‪ :‬لني أتعبد لله عز وجل‬
‫بالسعي ‪ ،‬كما أتعبد بالطواف‪ ،‬وهذا جهل مركب؛ جهل مركب؛ لنه‬
‫صار جاهل ً بحكم الله‪ ،‬وجاهل ً بحاله‪ ،‬حيث ظن أنه عالم وليس هو‬
‫بعالم‪.‬‬
‫أما إذا كان السعي في زمن الحج بعد الوقوف بعرفة‪ ،‬فيمكن أن‬
‫يسعى النسان وعليه ثيابه المعتادة؛ لنه يتحلل برمي جمرة‬
‫العقبة يوم العيد‪ ،‬وبالحلق أو التقصير ‪ ،‬ثم يلبس ثيابه ويأتي إلى‬
‫مكة ليطوف ويسعى بثيابه المعتادة‪.‬‬
‫على كل حال أقول‪ :‬إن بعض الناس يتعبد لله تعالى بالسعي من‬
‫غير حج ول عمرة‪ ،‬وهذا ل أصل له‪ ،‬بل هو بدعة ‪ ،‬ول يقع غالبا ً إل‬
‫من شخص جاهل‪ ،‬لكنه يعتبر من الخطاء في السعي‪.‬‬
‫الخطأ الحادي عشر‪ :‬التهاون بالسعي على العربة بدون عذر؛ فإن‬
‫بعض الناس يتهاون بذلك‪ ،‬ويسعى على العربة بدون عذر‪ ،‬مع أن‬
‫كثيرا ً من أهل العلم قالوا‪ :‬إن السعي راكبا ً ل يصح إل لعذر‪ ،‬وهذه‬
‫المسألة مسألة خلف بين العلماء‪ ،‬أي‪ :‬أنه هل يشترط في السعي‬
‫أن يكون الساعي ماشيا ً ‪ -‬إل من عذر‪ -‬أو ل يشترط ؟ ولكن‬
‫النسان ينبغي له أن يحتاط لدينه‪ ،‬وأن يسعى ماشيا ً ما دام قادرًا‪،‬‬
‫فإن عجز فل يكلف الله نفسا ً إل وسعًا‪ ،‬وقد قال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لم سلمة حين قالت‪ :‬إني أريد أن أطوف وأجدني‬
‫شاكية‪ .‬قال‪ )) :‬طوفي من وراء الناس وأنت راكبة(()‪ (272‬فأذن لها‬
‫بالركوب في الطواف؛ لنها مريضة ‪ ،‬وهكذا نقول في السعي‪ :‬إن‬
‫النسان إذا كان ل يستطيع أو يشق عليه السعي مشقة تتعبه‪ ،‬فل‬
‫حرج عليه أن يسعى على العربة ‪ ،‬هذا ما يحضرني من الخطاء‬
‫في السعي‪.‬‬

‫صعود المرأة الصفا ومزاحمتها الرجال‬


‫السؤال )‪ :(294‬فضيلة الشيخ‪ ،‬من المعروف أن الصفا ضيق‬
‫والمروة أضيق منه‪ ،‬ومع ذلك نرى النساء يصعدن إلى الصفا‬
‫والمروة ويزاحمن الرجال‪ ،‬فهل من السنة صعود المرأة على‬
‫الصفا؟‬
‫الجواب‪ :‬المعروف عند الفقهاء‪ :‬أنه ل يسن للمرأة أن تصعد‬
‫الصفا والمروة‪ ،‬وإنما تقف عند أصولهما‪ ،‬ثم تنحرف لتأتي ببقية‬
‫الشواط‪ ،‬لكن لعل هؤلء النساء اللتي يشاهدن صاعدات على‬
‫الصفا والمروة يكن مع محارمهن‪ ،‬ول يتسنى لهن مفارقة‬
‫المحارم؛ لنهن يخشين من الضياع ‪ ،‬وإل فإن الولى بالمرأة أل‬
‫تزاحم الرجال في أمر ليس مطلوبا ً منها‪.‬‬

‫صفة السعى بين العلمين الخضرين‬


‫السؤال )‪ : (295‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أيضا ً ذكرتم من الخطاء ترك‬
‫السعي الشديد بين العلمين الخضرين‪ ،‬وذكرتم أنه أقرب إلى‬
‫الصفا‪ ،‬وذكرتم أن السعي يكون في الذهاب من الصفا إلى‬
‫المروة‪ ،‬فهل يلزم أيضا ً السعي الشديد في العودة بين‬
‫العلمين الخضرين من المروة إلى الصفا؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬السعي الشديد ليس بلزم‪ ،‬لكن الفضل أن يسعى‬
‫سعيا ً شديدا ً بين العلمين ‪ ،‬في ذهابه من الصفا إلى المروة‪ ،‬وفي‬
‫رجوعه من المروة إلى الصفا ‪ ،‬لن كل مرة من هذه شوط ‪،‬‬
‫والسعي بين العلمين مشروع في كل الشواط ‪.‬‬

‫هل يقول الساعي‪ )) :‬أبدأ بما بدأ الله به((‬


‫السؤال ))‪ ((296‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أيضا ً ذكرتم أن من الخطاء‬
‫وةَ ‪ (..‬عند‬‫مْر َ‬ ‫وال ْ َ‬‫فا َ‬‫ص َ‬‫ن ال ّ‬‫أن بعض الناس يدعو أو يتلو الية‪) :‬إ ِ ّ‬
‫الصعود إلى الصفا أو المروة كل شوط‪ ،‬وقلتم‪ ،‬إن الرسول‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫وةَ ِ‬
‫مْر َ‬‫وال ْ َ‬ ‫فا َ‬‫ص َ‬‫ن ال ّ‬‫صلى الله عليه وسلم تل أول الية‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ه ()أبدأ بما بدأ الله به(()‪ ، (273‬فهل يقول مثل‬ ‫ر الل ّ ِ‬
‫عائ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ش َ‬
‫الرسول‪ )) :‬أبدأ بما بدأ الله به((‪ ،‬أو يكمل الية؟‬
‫الجواب‪ :‬الوارد عن النبي عليه الصلة والسلم في حديث جابر‬
‫ن‬
‫م ْ‬
‫وة َ ِ‬ ‫وال ْ َ‬
‫مْر َ‬ ‫ص َ‬
‫فا َ‬ ‫ن ال ّ‬
‫قوله ‪ -‬أي‪ :‬جابر‪ -‬فلما دنا من الصفا قرأ ‪) :‬إ ِ ّ‬
‫ه ( فيحتمل أنه قرأ الية كلها‪ ،‬ويحتمل أنه قرأ هذا الجزء‬ ‫ر الل ّ ِ‬
‫عائ ِ ِ‬ ‫َ‬
‫ش َ‬
‫منها‪ ،‬فإن كمل الية فل حرج عليه‪.‬‬
‫ً‬
‫وأما قوله ‪ )) :‬أبدأ بما بدأ الله به(( فيقولها النسان أيضا‪ ،‬اقتداء‬
‫برسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وإشعارا ً لنفسه أنه فعل ذلك‬
‫طاعة لله عز وجل‪ ،‬حيث ذكر الله أنهما من شعائر الله‪ ،‬وبدأ‬
‫بالصفا‪.‬‬

‫واجب المطوفين تجاه الحجاج‬


‫السؤال )‪ :(297‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أيضا ً ذكرتم من الخطاء التي‬
‫تقع في السعي‪ :‬الدعاء من خلل كتاب‪ ،‬فهل ينطبق هذا أيضا ً‬
‫على الذين يطوفون بالناس ويسعون بهم‪ ،‬ويقولون أدعية‬
‫ويرددها الناس خلفهم؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم‪ ،‬هو ينطبق على هؤلء؛ لن هؤلء أيضا ً كانوا قد‬
‫حفظوا هذه الدعية من هذا الكتاب‪ ،‬ولعلك لو ناقشت بعضهم‪ -‬أي‬
‫بعض هؤلء المطوفين‪ -‬لو ناقشته عن معاني ما يقول‪ ،‬لم يكن‬
‫عنده من ذلك خبر‪ ،‬ولكن مع ذلك قد يكون الذين خلفه ل يعلمون‬
‫اللغة العربية‪ ،‬ول يعرفون معنى ما يقول‪ ،‬وإنما يرددونه تقليدا ً‬
‫لصوته فقط‪ ،‬وهذا من الخلل الذي يكون في المطوفين‪.‬‬
‫ولو أن المطوفين ‪ -‬أمسكوا الحجاج الذين يطوفونهم‪ ،‬وعلموهم‬
‫تعليما ً عند كل طواف وعند كل سعي ‪ ،‬فيقولون لهم مثل ً ‪ :‬أنتم‬
‫الن سوف تطوفون‪ ،‬فقولوا كذا‪ ،‬وافعلوا كذا ‪ ،‬وادعوا بما شئتم ‪،‬‬
‫ونحن معكم نرشدكم إن ضللتم ‪ ،‬فهذا طيب‪ ،‬وهو أحسن من أن‬
‫يرفعوا أصواتهم بتلقينهم الدعاء الذي ل يعرفون معناه‪ ،‬والذي قد‬
‫يكون فيه تشويش على الطائفين‪.‬‬
‫وهم إذا قالوا‪ :‬نحن أمامكم ‪ ،‬وأنتم افعلوا كذا‪ ،‬أشيروا مثل ً إلى‬
‫الحجر ‪ ،‬أو استلموه إذا تيسر لكم‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬وقولوا كذا‪،‬‬
‫وكبروا عند محاذاة الحجر السود‪ ،‬وقولوا بينه وبين الركن‬
‫ب‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫قَنا َ‬
‫و ِ‬
‫ة َ‬
‫سن َ ً‬
‫ح َ‬
‫ة َ‬ ‫في اْل ِ‬
‫خَر ِ‬ ‫و ِ‬
‫ة َ‬
‫سن َ ً‬‫ح َ‬‫في الدّن َْيا َ‬
‫اليماني‪َ ) :‬رب َّنا آت َِنا ِ‬
‫ر()البقرة‪ ،(201 :‬إلى غير ذلك من التوجهيات ‪ ،‬لكان هذا أنفع‬ ‫الّنا ِ‬
‫للحاج وأخشع‪ ،‬أما أن يؤتى بالحاج وكأنه ببغاء يقلد بالقول‬
‫والفعل هذا المطوف‪ ،‬ول يدري عن شيء أبدًا‪ ،‬وربما لو قيل له‬
‫بعد ذلك‪ :‬طف‪ .‬ما استطاع أن يطوف‪ ،‬لنه ل يعرف الطواف؛ لنه‬
‫كان يمشي ويردد وراء هذا المطوف‪ ،‬فهذا هو الذي أرى أنه أنفع‬
‫للمطوفين وأنفع للطائفين أيضًا‪.‬‬

‫أخطاء تقع في الحلق والتقصير‬


‫السؤال) ‪ : ( 298‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬بالنسبة للتقصير والحلق‬
‫بعد السعي للعمرة ‪ ،‬أو للحلل من الحج في منى ‪ ،‬هل هناك‬
‫أخطاء ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم ‪ ،‬في الحلق أو التقصير في العمرة يحصل أخطاء ‪.‬‬
‫منها ‪ :‬أن بعض الناس يحلق بعض رأسه حلقا تاما بالموسى ‪،‬‬
‫ويبقي البقية ‪ ،‬وقد شاهدت ذلك بعيني ‪ ،‬فقد شاهدت رجل يسعى‬
‫بين الصفا والمروة ‪ ،‬وقد حلق نصف رأسه تماما ‪ ،‬وأبقى نصفه ‪،‬‬
‫وهو شعر كثيف أيضا بين ‪ ،‬فأمسكت به وقلت له ‪ :‬لماذا صنعت‬
‫هذا ؟ فقال ‪ :‬صنعت هذا ؛ لني أريد أن أعتمر مرتين ‪ ،‬فحلقت‬
‫نصفه للعمرة الولى ‪ ،‬وأبقيت نصفه لعمرتي هذه ‪ ،‬وهذا جهل‬
‫وضلل ؛ لم يقل به أحد من أهل العلم ‪.‬‬
‫ومن الخطأ أيضا ‪ :‬أن بعض الناس إذا أراد أن يتحلل من العمرة ‪،‬‬
‫قصر شعرات قليلة من رأسه ‪ ،‬ومن جهة واحدة ‪ ،‬وهذا خلف‬
‫م‬ ‫ُ‬
‫سك ْ‬ ‫ؤو َ‬‫ن ُر ُ‬ ‫حل ّ ِ‬
‫قي َ‬ ‫م َ‬
‫ظاهر الية الكريمة ؛ فإن الله تعالى يقول ‪ُ ) :‬‬
‫ن()الفتح‪ ، (27 :‬فلبد أن يكون للتقصير أثر بين على‬ ‫ري َ‬
‫ص ِ‬ ‫م َ‬
‫ق ّ‬ ‫و ُ‬
‫َ‬
‫الرأس ‪ ،‬ومن المعلوم أن قص شعره أو شعرتين أو ثلث شعرات‬
‫ل يؤثر ‪ ،‬ول يظهر على المعتمر أنه قصر ‪ ،‬فيكون مخالفا لظاهر‬
‫الية الكريمة ‪.‬‬
‫ودواء هذين الخطأين ‪ :‬أن يحلق جميع الرأس إذا أراد حلقه ‪ ،‬وأن‬
‫يقصر من جميع الرأس إذا أراد تقصيره ‪ ،‬ول يقتصر على شعرة أو‬
‫شعرتين ‪.‬‬
‫ومن الناس ‪ :‬من يخطئ في الحلق أو التقصير خطأ ثالثا ‪ ،‬وذلك‬
‫أنه إذا فرغ من السعي ولم يجد حلقا يحلق عنده أو يقصر ‪ ،‬ذهب‬
‫إلى بيته ‪ ،‬فتحلل ولبس ثيابه ثم حلق أو قصر بعد ذلك ‪ ،‬وهذا خطأ‬
‫عظيم ؛ لن النسان ل يحل من العمرة إل بالحلق أو التقصير ؛‬
‫لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين أمر أصحابه في حجة‬
‫الوداع ‪ ،‬أمر من لم يسق الهدي أن يجعلها عمرة ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫)) فليقصر وليحلل (()‪ ،(274‬وهذا يدل على أنه ل حل إل بعد‬
‫التقصير ‪.‬‬
‫وعلى هذا ‪ :‬فإذا فرغ الحاج من السعي ولم يجد حلقا أو أحدا‬
‫يقصر رأسه ‪ ،‬فليبق على إحرامه حتى يحلق أو يقصر ‪ ،‬ول يحل له‬
‫أن يتحلل قبل ذلك ‪ ،‬فلو قدر أن شخصا فعل هذا جاهل بأن تحلل‬
‫قبل أن يحلق أو يقصر ‪ ،‬ظنا منه أن ذلك جائز ‪ ،‬فإنه ل حرج عليه‬
‫لجهله ‪ ،‬ولكن يجب عليه حين يعلم أن يخلع ثيابه ويلبس ثياب‬
‫الحرام ؛ لنه ل يجوز له التمادي في الحل مع علمه بأنه لم يحل ‪،‬‬
‫ثم إذا حلق أو قصر تحلل ‪.‬‬
‫هذا ما يحضرني الن من الخطاء في الحلق أو التقصير ‪.‬‬

‫أخطاء تقع في منى‬


‫السؤال )‪ : ( 299‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬نود أيضا أن نعرف الخطاء‬
‫التي تكون في منى ‪ ،‬وفي المبيت فيه ؟‬
‫الجواب ‪ :‬من الخطاء التي تكون في الذهاب إلى منى ‪ :‬ما سبق‬
‫ذكره من الخطأ في التلبية ؛ حيث إن بعض الناس ل يجهر بالتلبية‬
‫مع مشروعية الجهر بها ‪ ،‬فتمر بك أفواج الحجاج ‪ ،‬ول تكاد تسمع‬
‫واحدا ً يلبي ‪ ،‬وهذا خلف السنة ‪ ،‬وخلف ما أمر به النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم أصحابه ‪ ،‬فالسنة للنسان في التلبية أن يجهر بها ‪،‬‬
‫وأن يرفع صوته بذلك ‪ ،‬ما لم يشق عليه ‪ ،‬وليعلم أنه ل يسمعه‬
‫شيء من حجر أو مدر ‪ ،‬إل شهد له يوم القيامة عند الله سبحانه‬
‫وتعالى ‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا ‪ :‬أن بعض الحجاج يذهب رأسا إلى عرفة ول يبيت‬
‫في منى ‪ ،‬وهذا وإن كان جائزا ً ـ لن المبيت في منى قبل يوم‬
‫عرفة ليس بواجب ـ لكن الفضل للنسان أن يتبع السنة التي‬
‫جاءت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بحيث ينزل في منى‬
‫من ضحى اليوم الثامن ‪ ،‬إلى أن تطلع الشمس من اليوم التاسع ؛‬
‫فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم فعل ذلك ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫)) لتأخذوا عني مناسككم (()‪. (275‬‬
‫لكنه لو تقدم إلى عرفة ‪ ،‬ولم يبت في منى ليلة التاسع ‪ ،‬فل حرج‬
‫عليه ؛ لحديث عروة بن المضرس أنه أتى إلى النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم في صلة الفجر بعد العيد في مزدلفة ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا‬
‫رسول الله ‪ ،‬أكللت راحلتي ‪ ،‬وأتعبت نفسي ‪ ،‬فلم أر جبل إل‬
‫وقفت عنده ـ يعني ‪ :‬فهل لي من حج ؟ـ فقال النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ )) :‬من شهد صلتنا هذه ‪ ،‬ووقف معنا حتى ندفع ‪،‬‬
‫وقد وقف قبل ذلك بعرفة ليل أو نهارا ‪ ،‬فقد تم حجه ‪ ،‬وقضى‬
‫تفثه (()‪ . (276‬ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم المبيت في‬
‫منى ليلة التاسع ‪ ،‬وهذا يدل على أنه ليس بواجب ‪.‬‬
‫ومن الخطاء في بقاء الناس في منى في اليوم الثامن ‪ :‬أن بعض‬
‫الناس يقصر ويجمع في منى ‪ ،‬فيجمع الظهر مع العصر ‪،‬‬
‫والمغرب مع العشاء ‪ ،‬وهذا خلف السنة ؛ فإن المشروع للناس‬
‫في منى أن يقصروا الصلة بدون جمع ‪ ،‬هكذا جاءت السنة عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وإن كان الجمع جائزا ؛ لنه‬
‫في سفر ‪ ،‬والمسافر يجوز له الجمع حال وسائرا ‪ ،‬لكن الفضل‬
‫لمن كان حال ونازل من المسافرين ‪ ،‬الفضل أل يجمع إل لسبب ‪،‬‬
‫ول سبب يقتضي الجمع في منى ‪ ،‬ولهذا كان الرسول عليه‬
‫الصلة والسلم ل يجمع في منى ولكن يقصر الصلة الرباعية إلى‬
‫ركعتين في وقتها ‪ ،‬والمغرب ثلثا في وقتها ‪ ،‬والعشاء ركعتين‬
‫في وقتها ‪ ،‬والفجر في وقتها ‪.‬‬
‫هذا ما يحضرني الن فيما يكون من الخطاء في الذهاب إلى منى‬
‫والمكث فيها في اليوم الثامن ‪.‬‬

‫أخطاء تقع في الذهاب إلى عرفة وفي عرفة‬


‫السؤال )‪ : ( 300‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬بالنسبة للخطاء التي يمكن‬
‫أن يقع فيها بعض الحجاج في الخروج إلى عرفة ‪ ،‬والوقوف‬
‫بها ؟‬
‫الجواب ‪ :‬من الخطاء في الذهاب إلى عرفة ‪ :‬أن الحجاج يمرون‬
‫بك ول تسمعهم يلبون ‪ ،‬فل يجهرون بالتلبية في مسيرهم من‬
‫منى إلى عرفة ‪ ،‬وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم‬
‫يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة في يوم العيد)‪. (277‬‬
‫ومن الخطاء العظيمة الخطيرة في الوقوف بعرفة ‪ :‬أن بعض‬
‫الحجاج ينزلون قبل أن يصلوا إلى عرفة ‪ ،‬ويبقون في منزلهم‬
‫حتى تزول الشمس ‪ ،‬ويمكثون هناك إلى أن تغرب الشمس ‪ ،‬ثم‬
‫ينطلقون منه إلى مزدلفة ‪ ،‬وهؤلء الذين وقفوا هذا الموقف‬
‫ليس لهم حج ؛ لقول النبي عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬الحج‬
‫عرفة (()‪ .(278‬فمن لم يقف في عرفة في المكان الذي هو منها ‪،‬‬
‫وفي الزمان الذي عين للوقوف بها ‪ ،‬فإن حجه ل يصح ‪ ،‬للحديث‬
‫الذي أشرنا إليه ‪.‬‬
‫وهذا أمر خطير ‪ ،‬والحكومة السعودية ‪ -‬وفقها الله عز وجل ‪ -‬قد‬
‫جعلت علمات واضحة لحدود عرفة ل تخفى إل على رجل مفّرط‬
‫متهاون ‪ ،‬فالواجب على كل حاج أن يتفقد الحدود حتى يعلم أنه‬
‫وقف في عرفة ل خارجها ‪.‬‬
‫ومن الخطاء في الوقوف بعرفة ‪ :‬أن بعض الناس إذا اشتغلوا‬
‫بالدعاء في آخر النهار ‪ ،‬تجدهم يتجهون إلى الجبل الذي وقف‬
‫عنده رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أن القبلة تكون خلف‬
‫ظهورهم أو عن أيمانهم أو عن شمائلهم ‪ ،‬وهذا أيضا جهل‬
‫وخطأ ؛ فإن المشروع في الدعاء يوم عرفة أن يكون النسان‬
‫مستقبل القبلة ‪ ،‬سواء كان الجبل أمامه أو خلفه ‪ ،‬أو عن يمينه أو‬
‫عن شماله ‪ ،‬وإنما استقبل النبي صلى الله عليه وسلم الجبل ‪،‬‬
‫لن موقفه كان خلف الجبل ‪ ،‬فكان النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫مستقبل القبلة ‪ ،‬وإذا كان الجبل بينه وبين القبلة ‪ ،‬فبالضرورة‬
‫سيكون مستقبل له ‪.‬‬
‫ومن الخطاء التي يرتكبها الحجاج في يوم عرفة ‪ :‬أن بعضهم‬
‫يظن أنه لبد أن يذهب النسان إلى موقف الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم الذي عند الجبل ليقف هناك ‪ ،‬فتجدهم يتجشمون‬
‫المصاعب ‪ ،‬ويركبون المشاق ‪ ،‬حتى يصلوا إلى ذلك المكان ‪،‬‬
‫وربما يكونون مشاة جاهلين بالطرق ؛ فيعطشون ويجوعون إذا لم‬
‫يجدوا ماء وطعاما ‪ ،‬ويضلون ويتيهون في الرض ‪ ،‬ويحصل عليهم‬
‫ضرر عظيم بسبب هذا الظن الخاطئ ‪ ،‬وقد ثبت عن النبي صلى‬
‫)‬
‫الله عليه وسلم أنه قال ‪ )) :‬وقفت هاهنا ‪ ،‬وعرفة كلها موقف ((‬
‫‪ ، (279‬وكأنه صلى الله عليه وسلم يشير إلى أنه ينبغي للنسان أن‬
‫ل يتكلف ليقف في موقف النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬بل يفعل‬
‫ما يتيسر له ؛ فإن عرفة كلها موقف ‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضا حال الوقوف بعرفة ‪ :‬أن بعض الناس يعتقدون‬
‫أن الشجار في عرفة كالشجار في منى ومزدلفة ‪ ،‬أي ‪ :‬أنه ل‬
‫يجوز للنسان أن يقطع منها ورقة أو غصنا أو ما أشبه ذلك ؛‬
‫لنهم يظنون أن قطع الشجر له تعلق بالحرام كالصيد ‪ ،‬وهذا ظن‬
‫خطأ ؛ فإن قطع الشجر ل علقة له بالحرام ‪ ،‬وإنما علقته‬
‫بالمكان ‪ ،‬فما كان داخل حدود الحرم ‪ ،‬أي ‪ :‬داخل الميال من‬
‫الشجار ‪ ،‬فهو محترم ‪ ،‬ل يعضد ول يقطع منه ورق ول أغصان ‪،‬‬
‫وما كان خارجا عن حدود الحرم ‪ ،‬فإنه ل بأس بقطعه ‪ ،‬ولو كان‬
‫النسان محرما ‪.‬‬
‫وعلى هذا ‪ :‬فقطع الشجار في عرفة ل بأس به ‪ ،‬ونعنى بالشجار‬
‫هنا الشجار التي حصلت بغير فعل الحكومة ‪ ،‬وأما الشجار التي‬
‫حصلت بفعل الحكومة ‪ ،‬فإنه ل يجوز قطعها ‪ ،‬ل لنها محترمة‬
‫احترام الشجر في داخل الحرم ‪ ،‬ولكن لنه اعتداء على حق‬
‫الحكومة وعلى حق الحجاج أيضا ؛ لن الحكومة ـ وفقها الله ـ‬
‫غرست أشجارا في عرفة ؛ لتلطيف الجو ‪ ،‬وليستظل بها الناس‬
‫من حر الشمس ‪ ،‬فالعتداء عليها اعتداء على حق الحكومة وعلى‬
‫حق المسلمين عموما ‪.‬‬
‫أخطاء تقع في الوقوف بعرفة )) تتمة ((‬
‫السؤال )‪ : ( 301‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل هناك أخطاء أيضا في‬
‫عرفة يفعلها الحجاج غير ما ذكرتم ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم هناك أخطاء أخرى في الوقوف بعرفة غير ما ذكرنا‬
‫‪.‬‬
‫منها ‪ :‬أن بعض الحجاج يعتقدون أن للجبل الذي وقف عنده النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم قدسية خاصة ؛ ولهذا يذهبون إليه ‪،‬‬
‫ويصعدون ‪ ،‬ويتبركون بأحجاره وترابه ‪ ،‬ويعلقون على أشجاره‬
‫قصاصات الخرق ‪ ،‬وغير ذلك مما هو معروف ‪ ،‬وهذا من البدع ؛‬
‫فإنه ل يشرع صعود الجبل ول الصلة فيه ‪ ،‬ول أن تعلق قصاصات‬
‫الخرق على أشجاره ؛ لن ذلك كله لم يرد عن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬بل فيه شيء من رائحة الوثنية ؛ فإن النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم مر على شجرة للمشركين ينوطون بها أسلحتهم ‪،‬‬
‫فقالوا يا رسول الله ‪ ،‬اجعل لنا ذات أنواط كما لهم ذات أنواط ‪،‬‬
‫فقال النبي صلى الله عليه وسلم )) الله أكبر ‪ ،‬إنها السنن ‪،‬‬
‫لتركبن سنن من كان قبلكم ‪ ،‬قلتم والذي نفسي بيده كما قالت‬
‫ة ()العراف‪:‬‬ ‫ه ٌ‬
‫م آل ِ َ‬ ‫ما ل َ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫ل ل ََنا إ َِلها ً ك َ َ‬
‫ع ْ‬
‫ج َ‬
‫بنو إسرائيل لموسى ‪ ) :‬ا ْ‬
‫‪ ،(280) (138‬وهذا الجبل ليس له قدسية خاصة بل هو كغيره من‬
‫الروابي التي في عرفة ‪ ،‬والسهول التي فيها ‪ ،‬ولكن الرسول‬
‫عليه الصلة والسلم وقف هناك ‪ ،‬فكان المشروع أن يقف‬
‫النسان في موقف الرسول عليه الصلة والسلم إن تيسر له ‪،‬‬
‫وإل فليس بواجب ‪ ،‬ول ينبغي أن يتكلف النسان الذهاب إليه لما‬
‫سبق ‪.‬‬
‫ومن الخطاء في الوقوف بعرفة أيضا ‪ :‬أن بعض الناس يظن أنه‬
‫لبد أن يصلي النسان الظهر والعصر مع المام في المسجد ؛‬
‫ولهذا تجدهم يذهبون إلى ذلك المكان من أماكن بعيدة ليكونوا مع‬
‫المام في المسجد ‪ ،‬فيحصل عليهم من المشقة والذى والتيه ما‬
‫يجعل الحج في حقهم حرجا وضيقا ‪ ،‬ويضّيق بعضهم على بعض ‪،‬‬
‫ويؤذي بعضهم بعضا ‪ ،‬والرسول عليه الصلة والسلم قال في‬
‫الوقوف ‪ )) :‬وقفت هاهنا وعرفة كلها موقف (()‪ ،(281‬وكذلك أيضا‬
‫قال )) جعلت لي الرض مسجدا وطهورا ً (()‪ ،(282‬فإذا صلى‬
‫النسان في خيمته صلة يطمئن فيها بدون أذى عليه ول منة ‪،‬‬
‫وبدون مشقة تلحق الحج بالمور المحرجة ‪ ،‬فإن ذلك خير له‬
‫وأولى ‪.‬‬
‫ومن الخطاء التي يرتكبها الناس في الوقوف بعرفة ‪ :‬أن بعضهم‬
‫يتسلل من عرفة قبل أن تغرب الشمس ‪ ،‬فيدفع منها إلى مزدلفة‬
‫‪ ،‬وهذا خطأ عظيم ‪ ،‬وفيه مشابهة للمشركين الذين كانوا يدفعون‬
‫من عرفة قبل غروب الشمس ‪ ،‬ومخالفة لرسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم الذي لم يدفع من عرفة إل بعد أن غابت الشمس‬
‫)‬
‫وذهبت الصفرة قليل ؛ كما جاء في حديث جابر رضي الله عنه‬
‫‪ ،(283‬وعلى هذا ‪ :‬فإنه يجب على المرء أن يبقى في عرفة داخل‬
‫حدودها حتى تغرب الشمس ؛ لن هذا الوقوف مؤقت بغروب‬
‫الشمس ‪ ،‬فكما أنه ل يجوز للصائم أن يفطر قبل أن تغرب‬
‫الشمس ‪ ،‬فل يجوز للواقف بعرفة أن ينصرف منها قبل أن تغرب‬
‫الشمس ‪.‬‬
‫ومن الخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الوقوف بعرفة ‪:‬‬
‫إضاعة الوقت في غير فائدة ‪ ،‬فتجد الناس من أول النهار إلى آخر‬
‫جزء منه وهم في أحاديث قد تكون بريئة سالمة من الغيبة والقدح‬
‫في أعراض الناس وقد تكون غير برئيه لكونهم يخوضون في‬
‫أعراض الناس ويأكلون لحومهم ‪ ،‬فإن كان الثاني فقد وقعوا في‬
‫محذورين ‪:‬‬
‫أحدهما ‪ :‬أكل لحوم الناس وغيبتهم ‪ ،‬وهذا خلل حتى في‬
‫ث‬ ‫فل َر َ‬
‫ف َ‬ ‫ج َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه ّ‬
‫في ِ‬
‫ض ِ‬ ‫ن َ‬
‫فَر َ‬ ‫م ْ‬ ‫الحرام ؛ لن الله تعالى يقول ‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫حج()البقرة‪. (197 :‬‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫دا َ‬
‫ل ِ‬ ‫ج َ‬
‫ول ِ‬
‫سوقَ َ‬ ‫ول ُ‬
‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫والثاني ‪ :‬إضاعة الوقت ‪.‬‬
‫أما إذا كان الحديث بريئا ل يشتمل على محرم ‪ ،‬ففيه إضاعة‬
‫الوقت ‪ ،‬لكن ل حرج على النسان أن يشغل وقته بالحاديث‬
‫البريئة فيما قبل الزوال ‪ ،‬وأما بعد الزوال وصلة الظهر والعصر ‪:‬‬
‫فإن الولى أن يشتغل بالدعاء والذكر وقراءة القرآن ‪ ،‬وكذلك‬
‫الحاديث النافعة لخوانه إذا مل من القراءة والذكر ‪ ،‬فيتحدث‬
‫إليهم أحاديث نافعة ‪ ،‬في بحث من العلوم الشرعية أو نحو ذلك‬
‫مما يدخل السرور عليهم ‪ ،‬ويفتح لهم باب المل والرجاء لرحمة‬
‫الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬ولكن لينتهز الفرصة في آخر ساعات‬
‫النهار ‪ ،‬فيشتغل بالدعاء ويتجه إلى الله عز وجل متضرعا إليه ‪،‬‬
‫مخبتا منيبا ‪ ،‬طامعا في فضله ‪ ،‬راجيا لرحمته ‪ ،‬ويلح في الدعاء‬
‫ويكثر من الدعاء الوارد في القرآن وفي السنة الصحيحة عن‬
‫رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإن هذا خير الدعية ؛ فإن‬
‫الدعاء في هذه الساعة حري بالجابة ‪.‬‬

‫أخطاء تقع في الطريق إلى مزدلفة‪ ،‬وفي مزدلفة‬


‫السؤال )‪ : ( 302‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬بعد أن عرفنا أهم الخطاء‬
‫التي تقع من الحجاج في عرفة نود أن نعرف أيضا إذا كان‬
‫هناك أخطاء يقع فيها بعض الحجاج في الطريق إلى المزدلفة‬
‫وفي المزدلفة نفسها ؟‬
‫الجواب ‪ :‬تقع أخطاء في النصراف إلى المزدلفة ‪ ،‬منها ما يكون‬
‫في ابتداء النصراف ‪ ،‬وهو ما أشرنا إليه سابقا من انصراف بعض‬
‫الحجاج من عرفة قبل غروب الشمس ‪ ،‬ومنها أنه في دفعهم من‬
‫عرفة إلى المزدلفة تحدث المضايقات بعضهم لبعض ‪ ،‬والسراع‬
‫الشديد حتى يؤدي ذلك أحيانا إلى تصادم السيارات ‪ ،‬وقد دفع‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم من عرفة بسكينة ‪ ،‬وكان عليه الصلة‬
‫والسلم دفع وقد شنق لناقته القصواء الزمام ‪ ،‬حتى إن رأسها‬
‫ليصيب موضع رحله ‪ ،‬وهو يقول بيده الكريمة ‪ )) :‬أيها الناس ‪،‬‬
‫السكينة السكينة (( ‪ ،‬ولكنه صلى الله عليه وسلم مع ذلك إذا أتى‬
‫فجوة أسرع ‪ ،‬وإذا أتى حبل من الحبال)‪ (284‬أرخى لناقته الزمام‬
‫حتى تصعد)‪ ، (285‬فكان عليه الصلة والسلم يراعي الحوال في‬
‫مسيره هذا ‪ ،‬ولكن إذا دار المر بين كون السراع أفضل أو التأني‬
‫‪ ،‬فالتأني أفضل ‪.‬‬
‫ومن الخطاء في مزدلفة والدفع إليها ‪ :‬أن بعض الناس ينزل قبل‬
‫أن يصلوا إلى مزدلفة ‪ ،‬ول سيما المشاة منهم ‪ ،‬يعييهم المشي‬
‫ويتعبهم ‪ ،‬فينزلون قبل أن يصلوا إلى مزدلفة ‪ ،‬ويبقون هنالك‬
‫حتى يصلوا الفجر ثم ينصرفوا منه إلى منى ومن فعل هذا فإنه‬
‫قد فاته المبيت في المزدلفة ‪ ،‬وهذا أمر خطير جدا ‪ ،‬لن المبيت‬
‫بمزدلفة ركن من أركان الحج عند بعض أهل العلم ‪ ،‬وواجب من‬
‫واجباته عند جمهور أهل العلم ‪ ،‬وسنة في قول بعضهم ‪ ،‬ولكن‬
‫الصواب ‪ :‬أنه واجب من واجبات الحج ‪ ،‬وأنه يجب على النسان أن‬
‫يبيت في مزدلفة ‪ ،‬وأل ينصرف إل في الوقت الذي أجاز الشارع‬
‫له فيه النصراف كما سيأتي إن شاء الله تعالى ‪ ،‬المهم ‪ :‬أن بعض‬
‫الناس ينزلون قبل أن يصل إلى مزدلفة ‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضا ‪ :‬أن بعض الناس يصلي المغرب والعشاء في‬
‫الطريق على العادة ‪ ،‬قبل أن يصل إلى مزدلفة ‪ ،‬وهذا خلف‬
‫السنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في أثناء الطريق‬
‫وبال وتوضأ ‪ ،‬قال له أسامة بن زيد وكان رديفه ‪ :‬الصلة يا رسول‬
‫الله قال ‪ )) :‬الصلة أمامك (()‪ ،(286‬وبقي عليه الصلة والسلم ولم‬
‫يصل إل حين وصل إلى مزدلفة ‪ ،‬وكان قد وصلها بعد دخول وقت‬
‫العشاء ؛ فصلى فيها المغرب والعشاء جمع تأخير ‪.‬‬

‫أخطاء تقع في مزدلفة )) تتمة ((‬


‫السؤال )‪ :(303‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل هناك أخطاء أخرى غير ما‬
‫ذكرتم في الطريق إلى مزدلفة والمبيت بها؟‬
‫الجواب‪:‬نعم‪ ،‬هناك أخطاء منها عكس ما ذكرناه في الذين يصلون‬
‫المغرب والعشاء قبل الوصول إلى مزدلفة؛ فإن بعض الناس ل‬
‫يصلي المغرب والعشاء حتى يصل إلى مزدلفة ولو خرج وقت‬
‫صلة العشاء‪ ،‬وهذا ل يجوز وهو حرام من كبائر الذنوب ؛ لن‬
‫تأخير الصلة عن وقتها محرم بمقتضى دللة الكتاب والسنة؛ قال‬
‫قوتًا(‬ ‫و ُ‬
‫م ْ‬ ‫ن ك َِتابا ً َ‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫عَلى ال ْ ُ‬ ‫ت َ‬ ‫صلةَ َ‬
‫كان َ ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫الله تعالى ‪ ) :‬إ ِ ّ‬
‫)النساء‪ (103 :‬وبين النبي صلى الله عليه وسلم هذا الوقت‬
‫ه(‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫م نَ ْ‬‫قدْ ظَل َ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬‫دودَ الل ّ ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫عد ّ ُ‬ ‫ن ي َت َ َ‬ ‫م ْ‬
‫و َ‬‫وحدده‪ ،‬وقال الله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ن()البقرة‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫فأولئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫ه ُ‬‫ك ُ‬ ‫دودَ الل ِ‬ ‫ح ُ‬‫عد ّ ُ‬
‫ن ي َت َ َ‬
‫م ْ‬
‫و َ‬‫)الطلق‪َ ) (1 :‬‬
‫‪.(229‬‬
‫فإذا خشي النسان خروج وقت العشاء قبل أن يصل إلى مزدلفة‪،‬‬
‫فإن الواجب عليه أن يصلي وإن لم يصل إلى مزدلفة‪ ،‬يصلي على‬
‫حسب حاله‪ ،‬إن كان ماشيا ً وقف وصلى الصلة بقيامها وركوعها‬
‫وسجودها‪ ،‬وإن كان راكبا ً ولم يتمكن من النزول‪ ،‬فإنه يصلي ولو‬
‫م(‬ ‫ست َطَ ْ‬
‫عت ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل ّ َ‬ ‫فات ّ ُ‬ ‫كان على ظهر سيارته‪ ،‬لقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫)التغابن‪ :‬من الية‪ ،(16‬وإن كان عدم تمكنه من النزول في هذه‬
‫الحال أمرا ً بعيدًا‪ ،‬لنه بإمكان كل إنسان أن ينزل ويقف على‬
‫جانب الخط من اليمين أو اليسار ويصلي‪.‬‬
‫وعلى كل حال‪ :‬فإنه ل يجوز لحد أن يؤخر صلة المغرب والعشاء‬
‫حتى يخرج وقت صلة العشاء‪ ،‬بحجة أنه يريد أن يطبق السنة‪ ،‬فل‬
‫يصلي إل في مزدلفة؛ فإن تأخيره هذا مخالف للسنة‪ ،‬فإن‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم أخر‪ ،‬لكنه صلى الصلة في وقتها‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضا ً في الوقوف بمزدلفة‪ :‬أن بعض الحجاج يصلون‬
‫الفجر قبل وقته‪ ،‬فتسمع بعضهم يؤذن قبل الوقت بساعة أو‬
‫بأكثر أو بأقل‪ ،‬المهم أنهم يؤذنون قبل الفجر ويصلون‬
‫وينصرفون‪ ،‬وهذا خطأ عظيم؛ فإن الصلة قبل وقتها غير مقبولة‪،‬‬
‫بل محرمة؛ لنها اعتداء على حدود الله عز وجل‪ ،‬فإن الصلة‬
‫مؤقتة بوقت حدد الشرع أوله وآخره‪ ،‬فل يجوز لحد أن يتقدم‬
‫بالصلة قبل دخول وقتها‪ ،‬فيجب على الحاج أن ينتبه لهذه‬
‫المسألة ‪ ،‬وأن ل يصلي الفجر إل بعد أن يتيقن أو يغلب على ظنه‬
‫دخول وقت الفجر ‪ ،‬صحيح أنه ينبغي المبادرة بصلة الفجر ليلة‬
‫المزدلفة ؛ لن الرسول صلى الله عليه وسلم بادر بها‪ ،‬ولكن ل‬
‫يعني ذلك‪ -‬أو ل يقتضي ذلك‪ -‬أن تصلى قبل الوقت‪ ،‬فليحذر الحاج‬
‫من هذا العمل‪.‬‬
‫ومن الخطأ في الوقوف بمزدلفة‪ :‬أن بعض الحجاج يدفعون منها‬
‫قبل أن يمكثوا فيها أدنى مكث‪ ،‬فتجده يمر بها مرورا ً ويستمر ول‬
‫يقف ‪ ،‬ويقول‪ :‬إن المرور كاف‪ ،‬وهذا خطأ عظيم؛ فإن المرور‬
‫غير كاف ‪ ،‬بل السنة تدل على أن الحاج يبقى في مزدلفة حتى‬
‫يصلي الفجر ثم يقف عند المشعر الحرام يدعو الله تعالى حتى‬
‫يسفر جدًا‪ ،‬ثم ينصرف إلى منى‪ ،‬ورخص النبي عليه الصلة‬
‫والسلم للضعفة من أهله أن يدفعوا من مزدلفة بليل)‪ (287‬وكانت‬
‫أسماء بنت أبي بكر ‪ -‬رضي الله عنها ‪ -‬ترقب غروب القمر‪ ،‬فإذا‬
‫غاب القمر دفعت من مزدلفة إلى منى )‪.(288‬‬
‫وهذا ينبغي أن يكون هو الحد الفاصل؛ لنه فعل صحابي‪ ،‬والنبي‬
‫عليه الصلة والسلم أذن للضعفة من أهله أن يدفعوا بليل‪ ،‬ولم‬
‫يبين في هذا الحديث حد هذا الليل‪ ،‬ولكن فعل الصحابي قد يكون‬
‫مبينا ً له ومفسرا ً له‪ ،‬وعليه فالذي ينبغي أن يحدد الدفع للضعفة‬
‫ونحوهم ممن يشق عليهم مزاحمة الناس‪ ،‬ينبغي أن يقيد بذلك‪،‬‬
‫أي‪ :‬بغروب القمر‪ ،‬وغروب القمر في الليلة العاشرة‪ ،‬يكون قطعا ً‬
‫ي ثلثي الليل تقريبًا‪.‬‬
‫بعد منتصف الليل‪ ،‬يكون بمض ّ‬
‫وهذا ما يحضرني الن من الخطاء التي تقع في المبيت بمزدلفة‪.‬‬

‫أخطاء تقع عند الرمي‬


‫السؤال )‪ :(304‬فضيلة الشيخ‪،‬ما هي الخطاء التي يرتكبها‬
‫بعض الحجاج في الرمي ؟‬
‫الجواب ‪ :‬من المعلوم أن الحاج يوم العيد يقدم إلى منى من‬
‫مزدلفة ‪ ،‬وأول ما يبدأ به أن يرمي جمرة العقبة ‪ ،‬والرمي يكون‬
‫بسبع حصيات متعاقبات ‪ ،‬يكبر مع كل حصاة ‪ ،‬كما فعل النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الحكمة من رمي الجمار في قوله ‪ ) :‬إنما جعل الطواف بالبيت ‪،‬‬
‫وبالصفا والمروة ‪ ،‬ورمي الجمار ؛ لقامة ذكر الله (( ‪ ، (289‬هذه‬
‫هي الحكمة من مشروعية رمي الجمرات‪ ،‬والخطأ الذي يرتكبه‬
‫بعض الناس في رمي الجمرات يكون من وجوه متعددة‪:‬‬
‫فمن ذلك‪ :‬أن بعض الناس يظنون أنه ل يصح الرمي إل إذا كانت‬
‫الحصاة من مزدلفة ‪ ،‬ولهذا تجدهم يتعبون كثيرا ً في لقط الحصى‬
‫من مزدلفة‪ ،‬قبل أن يذهبوا إلى منى وهذا ظن خاطئ‪ ،‬فالحصى‬
‫يؤخذ من أي مكان من مزدلفة ‪ ،‬من منى ‪ ،‬من أي مكان كان يؤخذ‬
‫‪ ،‬المقصود أن يكون حصى‪.‬‬
‫ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه التقط الحصى من‬
‫مزدلفة حتى نقول‪ :‬إنه من السنة‪ ،‬إذن فليس من السنة‪ ،‬ول من‬
‫الواجب أن يلتقط النسان الحصى من مزدلفة؛ لن السنة إما‬
‫قول الرسول عليه الصلة والسلم‪ ،‬أو فعله‪ ،‬أو إقراره‪ ،‬وكل هذا‬
‫لم يكن في لفظ الحصى من مزدلفة‪.‬‬
‫ومن الخطأ أيضًا‪ :‬أن بعض الناس إذا لقط الحصى غسله‪ ،‬إما‬
‫احتياطا ً لخوف أن يكون أحد قد بال عليه‪ ،‬وإما تنظيفا ً لهذا‬
‫الحصى‪ ،‬لظنه أن كونه نظيفا ً أفضل‪ ،‬وعلى كل حال‪ :‬فغسل‬
‫حصى الجمرات بدعة؛ لن الرسول صلى الله عليه وسلم لم‬
‫يفعله‪ ،‬والتعبد بشيء لم يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫بدعة‪ ،‬وإذا فعله النسان من غير تعبد كان سفها ً وضياعا ً للوقت‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضًا‪ :‬أن بعض الناس يظنون أن هذه الجمرات‬
‫شياطين‪ ،‬وأنهم يرمون شياطين‪ ،‬فتجد الواحد منهم يأتي بعنف‬
‫شديد وحنق وغيظ‪ ،‬منفعل ً انفعال ً عظيمًا‪ ،‬كأن الشيطان أمامه ‪،‬‬
‫ثم يرمي هذه الجمرات‪ ،‬ويحدث من ذلك مفاسد‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن هذا ظن خاطئ‪ ،‬فإنما نرمي هذه الجمرات إقامة لذكر‬ ‫أو ً‬
‫الله تعالى؛ واتباعا ً لرسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وتحقيقا ً‬
‫للتعبد‪ ،‬فإن النسان إذا عمل طاعة وهو ل يدري فائدتها‪،‬إنما‬
‫يفعلها تعبدا ً لله‪ ،‬كان هذا أدل على كمال ذله وخضوعه لله عز‬
‫وجل‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬مما يترتب على هذا الظن ‪ :‬أن النسان يأتي بانفعال شديد‬
‫وغيظ وحنق وقوة واندفاع‪ ،‬فتجده يؤذي الناس إيذاء عظيمًا‪ ،‬حتى‬
‫كأن الناس أمامه حشرات ل يبالي بهم‪ ،‬ول يسأل عن ضعيفهم ‪،‬‬
‫وإنما يتقدم كأنه جمل هائج‪.‬‬
‫ثالثًا‪ :‬مما يترتب على هذه العقيدة الفاسدة‪ :‬أن النسان ل‬
‫يستحضر أنه يعبد الله عز وجل أو يتعبد لله عز وجل بهذا الرمي‪،‬‬
‫ولذلك يعدل عن الذكر المشروع إلى قول غير مشروع ‪ ،‬فتجده‬
‫يقول حين يرمي‪ :‬اللهم غضبا ً على الشيطان ‪ ،‬ورضا للرحمن‪ ،‬مع‬
‫أن هذا ليس بمشروع عند رمي الجمرة‪ ،‬بل المشروع أن يكبر كما‬
‫فعل النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬أنه بناء على هذه العقيدة الفاسدة تجده يأخذ أحجارا ً كبيرة‬
‫يرمي بها ‪ ،‬بناء على ظنه أنه كلما كان الحجر أكبر كان أشد أثرا ً‬
‫وانتقاما ً من الشيطان‪ ،‬وتجده أيضا ً يرمي بالنعال والخشب وما‬
‫أشبه ذلك مما ل يشرع الرمي به‪ ،‬ولقد شاهدت رجل ً قبل بناء‬
‫الجسور على الجمرات جالسا ً على زبرة الحصى التي رمي بها في‬
‫وسط الحوض‪ ،‬وامرأة معه يضربان العمود بأحذيتهما ‪ ،‬بحنق وشدة‬
‫‪ ،‬وحصى الرامين تصيبهما‪ ،‬ومع ذلك فكأنهما يريان أن هذا في‬
‫سبيل الله‪ ،‬وأنهما يصبران على الذى على هذه الصابة ابتغاء‬
‫وجه الله عز وجل‪.‬‬
‫إذن ‪ :‬إذا قلنا ‪ :‬إن هذا العتقاد اعتقاد فاسد‪ ،‬فما الذي نعتقده‬
‫في رمي الجمرات؟ نعتقد في رمي الجمرات أننا نرمي الجمرات‬
‫تعظيما ً لله عز وجل‪ ،‬وتعبدا ً له‪ ،‬واتباعا ً لسنة رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬

‫أخطاء تقع عند الرمي )) تتمة((‬


‫السؤال )‪ :(305‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ذكرتم شيئا ً من الخطاء التي‬
‫تقع عند الرمي منها‪ :‬الظن بأن الحصى لبد أن تلتقط من‬
‫مزدلفة‪ ،‬وأيضا ً غسل الحصى‪ ،‬وأنه خلف السنة والظن بأن‬
‫الجمرات شياطين‪ ،‬والرمي بالحجار الكبيرة والرمي بالحذية‬
‫والخشب وما شابهها‪ ،‬فهل هناك أخطاء أخرى تقع من بعض‬
‫الحجاج في الرمي ينبغي التنبيه عليها والستفادة من تجنبها؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم ‪ ،‬هناك أخطاء في الرمي يرتكبها بعض الناس ‪ ،‬منها‬
‫ما سبق ‪ ،‬ومنها أن بعض الناس ل يتحقق من رمي الجمرة من‬
‫حيث ترمى ؛ فإن جمرة العقبة ـ كما هو معلوم في العوام‬
‫السابقة ـ كان لها جدار من الخلف ‪ ،‬والناس يأتون إليها من نحو‬
‫هذا الجدار ‪ ،‬فإذا شاهدوا الجدار رموا ‪ ،‬ومعلوم أن الرمي لبد أن‬
‫تقع فيه الحصى في الحوض ‪ ،‬فيرمونها من الناحية الشرقية من‬
‫ناحية الجدار ‪ ،‬ول يقع الحصى في الحوض ؛ لحيلولة الجدار بينهم‬
‫وبين الحوض ‪ ،‬ومن رمى هكذا فإن رميه ل يصح ؛ لن من شرط‬
‫الرمي أن تقع الحصاة في الحوض ‪ ،‬وإذا وقعت الحصاة في‬
‫الحوض ‪ ،‬فقد برئت بهذا الذمة سواء بقيت في الحوض أو‬
‫تدحرجت منه ‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضا في الرمي‪ :‬أن بعض الناس يظن أنه لبد أن‬
‫تصيب الحصاة الشاخص ‪ ،‬أي ‪ :‬العمود ‪ ،‬وهذا ظن خطأ ؛ فإنه ل‬
‫يشترط لصحة الرمي أن تصيب الحصاة هذا العمود ‪ ،‬فإن هذا‬
‫العمود إنما جعل علمة على المرمى الذي تقع فيه الحصى ‪ ،‬فإذا‬
‫وقعت الحصاة في المرمى ‪ ،‬أجزأت سواء أصابت العمود أم لم‬
‫تصبه ‪.‬‬
‫ومن الخطاء العظيمة الفادحة أيضا ‪ :‬أن بعض الناس يتهاون في‬
‫كل من يرمي عنه مع قدرته عليه ‪ ،‬وهذا خطأ عظيم ؛‬ ‫الرمي ‪ ،‬فيو ّ‬
‫وذلك لن رمي الجمرات من شعائر الحج ومناسكه ‪ ،‬وقد قال الله‬
‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ه()البقرة‪ ، (196 :‬وهذا يشمل‬ ‫مَرةَ ل ِل ّ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫ع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫موا ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫وأت ِ ّ‬
‫َ‬
‫إتمام الحج بجميع أجزائه ‪ ،‬فجميع أجزاء الحج يجب على النسان‬
‫أن يقوم بها بنفسه ‪ ،‬وأل يوكل فيها أحدا ‪.‬‬
‫ي‪.‬‬‫يقول بعض الناس ‪ :‬إن الزحام شديد ‪ ،‬وإنه يشق عل ّ‬
‫فنقول له ‪ :‬إذا كان الزحام شديدا أول ما يقدم الناس إلى منى‬
‫من مزدلفة ‪ ،‬فإنه ل يكون شديدا ً في آخر النهار ‪ ،‬ول يكون شديدا‬
‫في الليل ‪ ،‬وإذا فاتك الرمي في النهار فارم في الليل ؛ لن‬
‫الليل وقت للرمي ‪ ،‬وإن كان النهار أفضل ‪ ،‬لكن كون النسان‬
‫يأتي بالرمي في الليل بطمأنينة وهدوء وخشوع أفضل من كونه‬
‫يأتي به في النهار ‪ ،‬وهو ينازع الموت من الزحام والضيق‬
‫والشدة ‪ ،‬وربما يرمي ول تقع الحصاة في المرمى ‪ ،‬المهم أن من‬
‫احتج بالزحام نقول له ‪ :‬إن الله قد وسع المر ‪ ،‬فلك أن ترمي في‬
‫الليل ‪.‬‬
‫يقول بعض الناس ‪ :‬إن المرأة عورة ول يمكنها أن تزاحم الرجال‬
‫في الرمي ‪.‬‬
‫نقول له ‪ :‬إن المرأة ليست عورة ‪ ،‬إنما العورة أن تكشف المرأة‬
‫ما ل يحل لها كشفه أمام الرجال الجانب ‪ ،‬وأما شخصية المرأة‬
‫فليست بعورة ‪ ،‬وإل لقلنا ‪ :‬إن المرأة ل يجوز لها أن تخرج من‬
‫بيتها أبدا ‪ ،‬وهذا خلف دللة الكتاب والسنة ‪ ،‬وخلف ما أجمع عليه‬
‫المسلمون ‪ ،‬صحيح أن المرأة ضعيفة ‪ ،‬وأن المرأة مرادة للرجل ‪،‬‬
‫وأن المرأة محط الفتنة ‪ ،‬ولكن إذا كانت تخشى من شيء في‬
‫الرمي مع الناس ‪ ،‬فلتؤخر الرمي إلى الليل ؛ ولهذا لم يرخص‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم للضعفة من أهله ؛ كسودة بنت زمعة ‪،‬‬
‫وأشباهها ‪ ،‬لم يرخص لهم أن يدعوا الرمي ويوكلوا من يرمي‬
‫عنهم ‪ ،‬مع دعاء الحاجة إلى ذلك ـ لو كان من المور الجائزة ـ بل‬
‫أذن لهم أن يدفعوا من مزدلفة في آخر الليل ليرموا قبل حطمة‬
‫الناس ‪ ،‬وهذا أكبر دليل على أن المرأة ل توكل لكونها امرأة ‪.‬‬
‫نعم ‪ ،‬لو فرض أن النسان عاجز ول يمكنه الرمي بنفسه ‪ ،‬ل في‬
‫النهار ول في الليل ‪ ،‬فهنا يتوجه القول بجواز التوكيل ؛ لنه عاجز‬
‫وقد ورد عن الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ أنهم كانوا يرمون عن‬
‫صبيانهم ؛ لعجز الصبيان عن الرمي ‪ ،‬ولول ورود هذا النص ـ وهو‬
‫رمي الصحابة عن صغارهم ـ لول هذا لقلنا ‪ :‬إن من عجز عن‬
‫الرمي بنفسه ‪ ،‬فإنه يسقط عنه ‪ :‬إما إلى بدل وهو الفدية ‪ ،‬وإما‬
‫إلى غير بدل ؛ وذلك لن العجز عن الواجبات يسقطها ‪ ،‬ول يقوم‬
‫غير المكلف بما يلزم المكلف فيها عند العجز ؛ ولهذا من عجز عن‬
‫أن يصلي قائما مثل ‪ ،‬ل نقول له ‪ :‬وكل من يصلي عنك قائما ‪،‬‬
‫على كل حال ‪ :‬التهاون في هذا المر ـ أعني ‪ :‬التوكيل في رمي‬
‫الجمرات إل من عذر ل يتمكن فيه الحاج من الرمي ـ أمر خطأ‬
‫كبير ؛ لنه تهاون في العبادة ‪ ،‬وتخاذل عن القيام بالواجب ‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضا في الرمي ‪ :‬أن بعض الناس يظنون أن الرمي‬
‫بحصاة من غير مزدلفة ل يجزئ ‪ ،‬حتى إن بعضهم إذا أخذ الحصى‬
‫من مزدلفة ‪ ،‬ثم ضاع منه أو ضاع منه بعضه ‪ ،‬وبقي ما ل يكفي ‪:‬‬
‫ذهب يطلب أحدا معه حصى من مزدلفة ليسلفه إياه ‪ ،‬فتجده‬
‫يقول ‪ :‬أقرضني حصاة من فضلك ‪ .‬وهذا خطأ وجهل ‪ ،‬فإنه كما‬
‫أسلفنا ‪ :‬يجوز الرمي بكل حصاة من أي موضع كانت ‪ ،‬حتى لو‬
‫فرض أن الرجل وقف يرمي الجمرات ‪ ،‬وسقطت الجمرات من يده‬
‫‪ ،‬فله أن يأخذ من الرض من تحت قدمه ‪ ،‬سواء حصاه التي‬
‫سقطت منه أو غيرها ‪ ،‬ول حرج عليه في ذلك ؛ فيأخذ من الرض‬
‫التي تحته وهو يرمي ويرمي بها حتى وإن كان قريبا من الحوض ؛‬
‫لنه ل دليل على أن النسان إذا رمى بحصاة رمي بها ل يجزئه‬
‫الرمي ‪ ،‬ولنه ل يتيقن أن الحصاة التي أخذها من مكانه قد رمي‬
‫بها فقد تكون هذه الحصاة سقطت من شخص آخر وقف في هذا‬
‫المكان ‪ ،‬وقد تكون حصاة رمى بها شخص من بعيد ولم تقع في‬
‫الحوض ‪ ،‬المهم أنك ل تتيقن ‪ ،‬ثم على فرض أنك تيقنت أن هذه‬
‫قد رمي بها ‪ ،‬وتدحرجت من الحوض وخرجت منه ‪ ،‬فإنه ليس‬
‫هناك دليل على أن الحصى الذي رمي به ل يجزئ الرمي به ‪.‬‬
‫ومن الخطأ في رمي الجمرات ‪ :‬أن بعض الناس يعكس الترتيب‬
‫فيها في اليومين الحادي عشر والثاني عشر ؛ فيبدأ بجمرة العقبة‬
‫‪ ،‬ثم بالجمرة الوسطى ‪ ،‬ثم بالجمرة الصغرى الولى ‪ ،‬وهذا‬
‫مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإن النبي صلى الله‬
‫؛‬ ‫)‪(290‬‬
‫عليه وسلم رماها مرتبة ‪ ،‬وقال ‪ )) :‬لتأخذوا عني مناسككم ((‬
‫فيبدأ بالولى ‪ ،‬ثم بالوسطى ‪ ،‬ثم بجمرة العقبة ‪.‬‬
‫فإن رماها منكسة ‪ ،‬وأمكنه أن يتدارك ذلك ‪ ،‬فليتداركه ‪ ،‬فإذا رمى‬
‫العقبة ثم الوسطى ثم الولى ‪ ،‬فإننا نقول ‪ :‬ارجع فارم الوسطى‬
‫ثم العقبة ؛ وذلك لن الوسطى والعقبة وقعتا في غير موضعهما ؛‬
‫لن موضعهما تأخرهما عن الولى ‪ ،‬ففي هذه الحالة نقول ‪:‬‬
‫اذهب فارم الوسطى ثم العقبة ‪.‬‬
‫ولو أنه رمى الولى ثم جمرة العقبة ثم الوسطى ‪ ،‬قلنا له ‪ ،‬ارجع‬
‫فارم جمرة العقبة ؛ لنك رميتها في غير موضعها ‪ ،‬فعليك أن‬
‫تعيدها بعد الجمرة الوسطى ‪.‬‬
‫هذا إذا أمكن أن يتلفى هذا المر ‪ ،‬بأن كان في أيام التشريق ‪،‬‬
‫وسهل عليه تلفيه ‪ ،‬أما لو قدر أنه انقضت أيام الحج ‪ ،‬فإنه ل‬
‫حرج عليه في هذه الحال ؛ لنه ترك الترتيب جاهل ‪ ،‬فسقط عنه‬
‫بجهله ‪ ،‬والرمي للجمرات الثلث قد حصل ‪ ،‬غاية ما فيه اختلف‬
‫الترتيب ‪ ،‬واختلف الترتيب عند الجهل ل يضر ‪ ،‬لكن متى أمكن‬
‫تلفيه بأن علم ذلك في وقته ‪ ،‬فإنه يعيده ‪.‬‬
‫ومن الخطأ أيضا في رمي الجمرات في أيام التشريق ‪ :‬أن بعض‬
‫الناس يرميها قبل الزوال ‪ ،‬وهذا خطأ كبير ؛ لن رميها قبل‬
‫الزوال رمي لها قبل دخول وقتها فل يصح ؛ لقول النبي صلى‬
‫)‬
‫الله عليه وسلم ‪ )) :‬من عمل عمل ليس عليه أمرنا ‪ ،‬فهو رد ((‬
‫‪ ،(291‬وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرمها إل بعد‬
‫زوال الشمس ‪ ،‬وإنما رماها بعد الزوال وقبل صلة الظهر ‪ ،‬مما‬
‫يدل على أنه عليه الصلة والسلم كان يرتقب الزوال ارتقابا‬
‫تاما ‪ ،‬فبادر من حيث أن زالت الشمس قبل أن يصلي الظهر ‪،‬‬
‫ولقول عبد الله بن عمر ‪ :‬كنا نتحين فإذا زالت الشمس رمينا ‪.‬‬
‫ولنه لو كان الرمي جائزا قبل زوال الشمس ‪ ،‬لفعله النبي عليه‬
‫الصلة والسلم ؛ لنه أيسر للمة ‪ ،‬والله عز وجل إنما يشرع‬
‫لعباده ما كان أيسر ‪ ،‬فلو كان مما يتعبد به لله ـ أعني الرمي قبل‬
‫د‬
‫ري ُ‬‫الزوال ـ لشرعه الله سبحانه وتعالى لعباده ؛ لقوله تعالى ‪ ) :‬ي ُ ِ‬
‫سَر ()البقرة‪ ،(185 :‬فلما لم ُيشرع‬ ‫ع ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫ريدُ ب ِك ُ ُ‬ ‫ول ي ُ ِ‬ ‫سَر َ‬ ‫م ال ْي ُ ْ‬‫ه ب ِك ُ ُ‬‫الل ّ ُ‬
‫قبل الزوال ‪ ،‬علم أن ما قبل الزوال ليس وقتا للرمي ‪ ،‬ول فرق‬
‫في ذلك بين اليوم الثاني عشر والحادي عشر والثالث عشر ‪ ،‬كلها‬
‫سواء ‪ ،‬كلها لم يرم فيها النبي صلى الله عليه وسلم إل بعد زوال‬
‫الشمس ‪.‬‬
‫فليحذر المؤمن من التهاون في أمور دينيه ‪ ،‬وليتق الله تعالى ربه‬
‫‪ ،‬فإن من اتقى ربه ‪ ،‬جعل له مخرجا ‪ ،‬ومن اتقى ربه ‪ ،‬جعل له‬
‫قانا ً‬ ‫َ‬
‫فْر َ‬ ‫م ُ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫ع ْ‬
‫ج َ‬ ‫ه يَ ْ‬‫قوا الل ّ َ‬ ‫ن ت َت ّ ُ‬‫مُنوا إ ِ ْ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫من أمره يسر ؛ )َيا أي ّ َ‬
‫م(‬ ‫ظي ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬‫ذو ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫والل ّ ُ‬‫م َ‬‫فْر ل َك ُ ْ‬‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬
‫م َ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫عن ْك ُ ْ‬
‫فْر َ‬ ‫وي ُك َ ّ‬
‫َ‬
‫)النفال‪. (29:‬‬
‫وينبغي للنسان ـ ونحن نتكلم عن وقت الرمي ـ أن يرمي كل يوم‬
‫في يومه ‪ ،‬فيرمي اليوم الحادي عشر في اليوم الحادي عشر ‪،‬‬
‫والثاني عشر في اليوم الثاني عشر ‪ ،‬وجمرة العقبة يوم العيد في‬
‫يوم العيد ‪ ،‬ول يؤخرها إلى آخر يوم ‪ ،‬هذا وإن كان قد رخص فيه‬
‫بعض أهل العلم ‪ ،‬فإن ظاهر السنة المنع منه إل لعذر ‪.‬‬

‫أخطاء تقع عند الرمي )) تتمة ((‬


‫السؤال )‪ : ( 306‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬سألنا عن الخطاء التي تقع‬
‫عند رمي الجمار أو في الرمي ‪ ،‬وذكرتم من هذه الخطاء ‪:‬‬
‫الظن بأن الحصى لبد أن يكون من مزدلفة ‪ ،‬وغسل الحصى ‪،‬‬
‫والظن بأن الجمرات شياطين ‪ ،‬والرمي بالحجار الكبيرة ‪،‬‬
‫والرمي بالحذية والخشب وما إلى ذلك ‪ ،‬وأيضا ‪ :‬الرمي دون‬
‫تحقق وقوع الحصى في الحوض ‪ ،‬والظن بأنه لبد من إصابة‬
‫العمود ‪ ،‬والتهاون أيضا في التوكيل في الرمي مع القدرة ‪،‬‬
‫وعكس الترتيب في الرمي ورمي الجمرات قبل الزوال ‪ ،‬فهل‬
‫هناك أخطاء أيضا غير هذه الخطاء التي ذكرتم ؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم ‪ ،‬هناك أخطاء بقيت من الخطاء التي تقع من بعض‬
‫الحجاج في الرمي ‪ ،‬لكن ورد فيما ذكرتم أن من الخطاء عدم‬
‫تحقق وصول الحصاة في المرمى ‪ ،‬والواقع ‪ :‬أن المقصود هو أن‬
‫بعض الناس يرمي جمرة العقبة من الخلف ‪ ،‬من خلف الجدار ‪،‬‬
‫فيقع الحصى في غير المرمى ؛ لن الجدار يحول بينه وبين‬
‫الحوض ‪ ،‬وتحقق وقوع الحصاة في المرمى ليس بشرط ؛ لنه‬
‫يكفي أن يغلب على الظن أنها وقعت فيه ‪ ،‬فإذا رمى النسان من‬
‫المكان الصحيح وحذف الحصاة ‪ ،‬وهو يغلب على ظنه أنها وقعت‬
‫في المرمى ‪ :‬كفى ؛ لن اليقين في هذه الحال قد يتعذر ‪ ،‬وإذا‬
‫تعذر اليقين ‪ ،‬عمل بغلبة الظن ‪ ،‬ولن الشارع أحال على غلبة‬
‫الظن فيما إذا شك النسان في صلته ‪ :‬كم صلى ‪ ،‬ثلثا أم أربعا ؟‬
‫)‬
‫فقال عليه الصلة والسلم ‪ )) :‬ليتحر الصواب ‪ ،‬ثم ليتم عليه ((‬
‫‪،(292‬وهذا يدل على أن غلبة الظن في أمور العبادة كافية وهذا من‬
‫تيسير الله عز وجل ؛ لن اليقين أحيانا يتعذر ‪.‬‬
‫نرجع الن إلى تكميل الخطاء التي تحضرنا في مسألة الرمي ‪،‬‬
‫أعني رمي الجمرات ‪:‬‬
‫فمنها‪ :‬أن بعض الناس يرمي بحصى أقل مما ورد ‪ ،‬فيرمي بثلث‬
‫أو أربع أو خمس وهذا خلف السنة بل يجب عليه أن يرمي بسبع‬
‫حصيات ؛ كما رمى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬فإنه رمى‬
‫بسبع حصيات بدون نقص ‪ ،‬لكن رخص بعض العلماء في نقص‬
‫حصاة أو حصاتين ؛ لن ذلك وقع من بعض الصحابة رضي الله‬
‫عنهم ‪ ،‬فإذا جاءنا رجل يقول ‪ :‬إنه لم يرم إل بست ناسيا أو جاهل‬
‫‪ ،‬فأننا في هذه الحالة نعذره ونقول ‪ :‬ل شيء عليك ‪ ،‬لورود مثل‬
‫ذلك عن بعض الصحابة رضي الله عنهم ‪ ،‬وإل فالصل أن‬
‫المشروع سبع حصيات ؛ كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪.‬‬
‫ومن الخطأ الذي يرتكبه بعض الحجاج في الرمي ‪ ،‬وهو سهل لكن‬
‫ينبغي أن يتفطن له الحاج ‪ :‬أن كثيرا من الحجاج يهملون الوقوف‬
‫للدعاء بعد الجمرة الولى والوسطى في أيام التشريق ‪ ،‬وقد ثبت‬
‫عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا رمى الجمرة الولى ‪،‬‬
‫انحدر قليل ‪ ،‬ثم استقبل القبلة ‪ ،‬فرفع يديه يدعو الله تعالى دعاء‬
‫طويل ‪ ،‬وإذا رمى الجمرة الوسطى فعل ذلك ‪ ،‬وإذا رمى جمرة‬
‫العقبة ‪ ،‬انصرف ولم يقف ‪ ،‬فينبغي للحاج أن ل يفوت هذه السنة‬
‫على نفسه ‪ ،‬بل يقف ويدعو الله تعالى دعاء طويل إن تيسر له ‪،‬‬
‫وإل فبقدر ما تيسر ‪ ،‬بعد الجمرة الولى والوسطى ‪.‬‬
‫وبهذا نعرف أن في الحج ست وقفات للدعاء ‪ :‬على الصفا وعلى‬
‫المروة ـ وهذا في السعي ـ وفي عرفة ‪ ،‬ومزدلفة ‪ ،‬وبعد الجمرة‬
‫الولى ‪ ،‬وبعد الجمرة الوسطى ‪ .‬فهذه ست وقفات كلها وقفات‬
‫للدعاء في هذه المواطن ‪ ،‬ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪.‬‬
‫ومن الخطاء التي يرتكبها بعض الناس ‪ :‬ما حدثني به من أثق به‬
‫من أن بعض الناس يرمي رميا زائدا عن المشروع ـ إما في العدد ‪،‬‬
‫وإما في النوبات والمرات ؛ فيرمي أكثر من سبع ‪ ،‬ويرمي‬
‫الجمرات في اليوم مرتين أو ثلثا ‪ ،‬وربما يرمي في غير وقت‬
‫الحج ‪ ،‬وهذا كله من الجهل والخطأ ‪ ،‬والواجب على المرء ‪ :‬أن‬
‫يتعبد بما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لينال بذلك‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫حّبو َ‬
‫م تُ ِ‬‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫ق ْ‬‫محبة الله ومغفرته ؛ لقول الله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫م( )آل‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫ه َ‬
‫غ ُ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫م َ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬
‫م ذُُنوب َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬
‫وي َ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫حب ِب ْك ُ ُ‬
‫عوِني ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فات ّب ِ ُ‬
‫عمران‪. (31:‬‬
‫هذا ما يحضرني الن من الخطاء في رمي الجمرات‬

‫أخطاء تقع في المبيت بمنى أيام التشريق‬


‫السؤال )‪ : ( 307‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬كنا قد سألنا عن القامة‬
‫بمنى في اليوم الثامن قبل الخروج إلى عرفة ‪ ،‬وذكرتم‬
‫الخطاء التي تقع فيها ‪ ،‬لكن حبذا أيضا ً لو عرفنا الخطاء‬
‫التي قد تقع من بعض الحجاج في القامة بمنى في أيام‬
‫التشريق ؟‬
‫الجواب ‪ :‬القامة في منى في أيام التشريق يحصل فيها أيضا‬
‫أخطاء من بعض الحجاج ‪ ،‬وأنا أعود إلى مزدلفة ‪ ،‬فإن فيها بعض‬
‫الخطاء التي لم ننبه عليها سابقا ‪:‬‬
‫فمنها ‪ :‬أن بعض الناس في ليلة مزدلفة يحيي الليلة بالقيام‬
‫والقراءة والذكر ‪ ،‬وهذا خلف السنة ؛ فإن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم في تلك الليلة لم يتعبد لله عز وجل بمثل هذا ‪ ،‬بل في‬
‫صحيح مسلم من حديث جابر رضي الله عنه ؛ أن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لما صلى العشاء ‪ ،‬اضطجع حتى طلوع الفجر ‪ ،‬ثم‬
‫صلى الصبح ‪ ،‬وهذا يدل على أن تلك الليلة ليس فيها تهجد أو تعبد‬
‫أو تسبيح أو ذكر أو قرآن ‪.‬‬
‫ومنها ـ أي من الخطاء في مزدلفة ـ أنني سمعت أن بعض الحجاج‬
‫يبقون في مزدلفة حتى تطلع الشمس ويصلون صلة الشروق أو‬
‫الشراق ‪ ،‬ثم ينصرفون بعد ذلك ‪ ،‬وهذا خطأ ؛ لن فيه مخالفة‬
‫لهدي النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وموافقة لهدي المشركين ‪،‬‬
‫فإن النبي صلى الله عليه وسلم دفع من مزدلفة قبل أن تطلع‬
‫الشمس حين أسفر جدا ‪ ،‬والمشركون كانوا ينتظرون حتى تطلع‬
‫الشمس ويقولون ‪ )) :‬أشرق ثبير ‪ ،‬كيما نغير (( ؛ فمن بقى في‬
‫مزدلفة تعبدا لله عز وجل حتى تطلع الشمس ‪ ،‬فقد شابه‬
‫المشركين وخالف سنة سيد المرسلين صلوات الله وسلمه عليه ‪.‬‬
‫أما الخطاء في منى‪ :‬فمنها‪ :‬أن بعض الناس ل يبيتون بها ليلتي‬
‫الحادي عشر والثاني عشر ‪ ،‬بل يبيتون خارج منى من غير عذر‪،‬‬
‫يريدون أن يترفهوا‪ ،‬وأن يشموا الهواء ‪ -‬كما يقولون‪ -‬وهذا جهل‬
‫وضلل‪ ،‬ومخالفة لسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬والنسان‬
‫الذي يريد أن يترفه ل يأتي للحج‪ ،‬فإن بقاءه في بلده اشد ترفها‬
‫وأسلم من تكلف المشاق والنفقات‪.‬‬
‫ومن الشياء التي يخل بها بعض الحجاج في القامة بمنى‪ ،‬بل‬
‫التي يخطئ فيها‪ :‬أن بعضهم ل يهتم بوجود مكان في منى‪ ،‬فتجده‬
‫إذا دخل في الخطوط ووجد ما حول الخطوط ممتلئا ً قال‪ :‬إنه‬
‫ليس في مني مكان‪ ،‬ثم ذهب ونزل في خارج منى‪ ،‬والواجب عليه‬
‫أن يبحث بحثا ً تاما ً فيما حول الخطوط وما كان داخلها‪ ،‬لعله يجد‬
‫مكانا ً يبقى فيه أو يمكث فيه أيام منى؛ لن البقاء في منى‬
‫واجب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬لتأخذوا عني‬
‫مناسككم(()‪ ، (294‬وقد أقام صلى الله عليه وسلم في منى‪،‬‬
‫ورخص للعباس بن عبد المطلب من أجل سقايته أن يبيت في مكة‬
‫)‪(295‬‬
‫ليسقي الحجاج‬
‫ومن الخطاء أيضًا‪ :‬أن بعض الناس إذا بحث ولم يجد مكانا ً في‬
‫منى‪ ،‬نزل إلى مكة أو إلى العزيزية ‪ ،‬وبقي هنالك‪ ،‬والواجب إذا لم‬
‫يجد مكانا ً في منى أن ينزل عند آخر خيمة من خيام الحجاج ليبقى‬
‫الحجيج كلهم في مكان واحد متصل ً بعضه ببعض؛ كما نقول فيما‬
‫لو امتل المسجد بالمصلين ‪ ،‬فإنه يصلي مع الجماعة حيث تتصل‬
‫الصفوف ولو كان خارج المسجد‪.‬‬
‫ومن الخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في القامة بمنى‪ ،‬وهو‬
‫يسير‪ ،‬لكن ينبغي المحافظة عليه‪ :‬أن بعض الناس يبيت في منى‬
‫ولكن إذا كان النهار نزل إلى مكة‪ ،‬ليترفه في الظل الظليل‪،‬‬
‫والمكيفات والمبردات ‪ ،‬ويسلم من حر الشمس ولفح الحر‪ ،‬وهذا‪-‬‬
‫وإن كان جائزا ً على مقتضى قواعد الفقهاء حيث قالوا‪ :‬إنه ل‬
‫يجب إل المبيت‪ -‬فإنه خلف السنة؛ لن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم بقي في منى ليالي وأيامًا‪ ،‬فكان عليه الصلة والسلم‬
‫يمكث في منى ليالي أيام التشريق وأيام التشريق‪ ،‬نعم لو كان‬
‫النسان محتاجا ً إلى ذلك‪ -‬كما لو كان مريضًا‪ ،‬أو كان مرافقا ً‬
‫لمريض‪ -‬فهذا ل بأس به‪ ،‬لن النبي صلى الله عليه وسلم رخص‬
‫للرعاة أن يبيتوا خارج منى‪ ،‬وأن يبقوا في اليام في مراعيهم مع‬
‫)‪(296‬‬
‫إبلهم‬
‫هذا ما يحضرني الن من الخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في‬
‫القامة في منى‪.‬‬

‫أخطاء تقع في الهدي‬


‫السؤال )‪ :(308‬فضيلة الشيخ‪ ،‬تحدثنا عن الخطاء التي يقع‬
‫فيها الحجاج في بعض أعمال الحج‪ ،‬وفي بعض المشاعر أيضًا‪،‬‬
‫بقي علينا أن نعرف إذا كانت هناك أخطاء يقع فيها الحجاج‬
‫بالنسبة للهدي؟‬
‫الجواب‪ :‬نعم يرتكب بعض الحجاج أخطاء في الهدي‪.‬‬
‫منها‪ :‬أن بعض الحجاج يذبح هديا ً ل يجزئ‪ ،‬كأن يذبح هديا ً صغيرا ً لم‬
‫يبلغ السن المعتبر شرعا ً للجزاء‪ ،‬وهو في البل خمس سنوات‪،‬‬
‫وفي البقر سنتان‪،‬وفي المعز سنة‪ ،‬وفي الضأن ستة أشهر‪ ،‬لقول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪ )) :‬ل تذبحوا إل مسنة‪ ،‬إل أن يعسر‬
‫عليكم فتذبحوا جذعة من الضأن(( )‪ (297‬ومن العجب أن بعضهم‬
‫ج‬ ‫ة إ َِلى ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫مَر ِ‬ ‫ع ِبال ْ ُ‬
‫ع ْ‬ ‫مت ّ َ‬‫ن تَ َ‬‫م ْ‬ ‫يفعل ذلك مستدل ً بقوله تعالى‪َ ) :‬‬
‫ف َ‬
‫ي ()البقرة‪ ،(196 :‬ويقول ‪ :‬إن ما تيسر من‬ ‫هد ْ ِ‬‫ن ال ْ َ‬
‫م َ‬‫سَر ِ‬ ‫ست َي ْ َ‬
‫ما ا ْ‬ ‫ف َ‬‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫سَر ِ‬ ‫ست َي ْ َ‬‫ما ا ْ‬ ‫ف َ‬‫الهدي فهو كاف‪ ،‬فنقول له‪ :‬إن الله قال ‪َ ) :‬‬
‫ي ( و ))أل(( هذا لبيان الجنس‪ ،‬فيكون المراد بالهدي‪ :‬الهدي‬ ‫هد ْ ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫المشروع ذبحه‪ ،‬وهو الذي بلغ السن المعتبر شرعًا‪ ،‬وسلم من‬
‫ما‬ ‫ف َ‬ ‫العيوب المانعة من الجزاء شرعًا‪ ،‬ويكون معنى قوله ‪َ ) :‬‬
‫ل‪ ،‬ولهذا قال ‪:‬‬ ‫سَر( أي‪ :‬بالنسبة لوجود النسان ثمنه مث ً‬ ‫ست َي ْ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬
‫م(‬ ‫عت ُ ْ‬
‫ج ْ‬‫ذا َر َ‬ ‫ة إِ َ‬‫ع ٍ‬‫سب ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ج َ‬ ‫ح ّ‬‫في ال ْ َ‬ ‫م َثلث َ ِ‬
‫ة أّيام ٍ ِ‬ ‫صَيا ُ‬ ‫ف ِ‬‫جد ْ َ‬ ‫ن لَ ْ‬
‫م يَ ِ‬ ‫م ْ‬‫ف َ‬ ‫) َ‬
‫)البقرة‪ (196 :‬فتجده يذبح الصغير الذي لم يبلغ السن‪ ،‬ويقول‪:‬‬
‫هذا ما استيسر من الهدي‪ ،‬ثم يرمي به‪ ،‬أو يأكله أو يتصدق به‪،‬‬
‫وهذا ل يجزئ ؛ للحديث الذي أشرنا إليه‪.‬‬
‫ومن الخطاء التي يرتكبها بعض الحجاج في الهدي‪ :‬أنه يذبح هديا ً‬
‫معيبا ً بعيب يمنع من الجزاء‪ ،‬والعيوب المانعة من الجزاء ذكرها‬
‫النبي عليه الصلة والسلم حين تحدث عن الضحية وسئل‪ :‬ماذا‬
‫قى من الضحايا؟ فقال‪ )) :‬أربع(( وأشار بيده عليه الصلة‬ ‫ين ّ‬
‫والسلم‪ )) :‬العوراء البين عورها‪ ،‬والمريضة البين مرضها‪،‬‬
‫‪،‬‬ ‫)‪(298‬‬
‫والعرجاء البين ظلعها‪ ،‬والهزيلة ‪ -‬أو العجفاء‪ -‬التي ل ُتنقي((‬
‫قي ‪ ،‬أي ‪ :‬مخ ‪ ،‬فهذه العيوب الربعة مانعة‬ ‫أي ‪ :‬التي ليس فيها ن ِ ْ‬
‫من الجزاء ‪ ،‬فأي بهيمة يكون فيها شيء من هذه العيوب أو ما‬
‫كان مثلها أو أولى منها ‪ ،‬فإنها ل تجزئ في الضحية ول في‬
‫الهدي الواجب ؛ كهدي التمتع والقران والجبران ‪.‬‬
‫ومن الخطاء التي يرتكبها الحجاج في الهدي ‪ :‬أن بعضهم يذبح‬
‫الهدي ثم يرمي به ‪ ،‬ول يقوم بالواجب الذي أوجب الله عليه في‬
‫قيَر()الحج‪ (28 :‬فقوله‬ ‫س ال ْ َ‬
‫ف ِ‬ ‫موا ال َْبائ ِ َ‬ ‫ع ُ‬‫وأ َطْ ِ‬‫ها َ‬‫من ْ َ‬ ‫فك ُُلوا ِ‬ ‫قوله ‪َ ) :‬‬
‫موا ( أمر لبد من تنفيذه ؛ لنه حق للغير ‪ ،‬أما‬ ‫ع ُ‬‫وأ َطْ ِ‬‫تعالى ‪َ ) :‬‬
‫ها ( فالصحيح أن المر فيه ليس للوجوب ‪ ،‬وأن‬ ‫من ْ َ‬ ‫فك ُُلوا ِ‬ ‫قوله ‪َ ) :‬‬
‫للنسان أن يأكل من هديه ‪ ،‬وله أن ل يأكل ‪ ،‬وقد كان النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم يبعث بالهدي من المدينة إلى مكة ول يأكل منه ‪،‬‬
‫موا ( هذا‬ ‫وأ َطْ ِ‬
‫ع ُ‬ ‫فيذبح في مكة ويوزع ول يأكل منه ؛ لكن قوله‪َ ) :‬‬
‫أمر يتعلق به حق الغير ‪ ،‬فلبد من إيصال هذا الحق إلى مستحقه ‪.‬‬
‫وبعض الناس ـ كما قلت يذبحه ويدعه ؛ فيكون بذلك مخالفا لمر‬
‫الله تبارك وتعالى ‪ ،‬بالضافة إلى أن ذبحه وتركه إضاعة للمال ‪،‬‬
‫وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال )‪، (299‬‬
‫ؤُتوا‬‫ول ت ُ ْ‬ ‫وإضاعة المال من السفه ؛ ولهذا قال الله تعالى ‪َ ) :‬‬
‫قَيامًا()النساء‪. (5 :‬‬ ‫َ‬
‫م ِ‬‫ه ل َك ُ ْ‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ع َ‬‫ج َ‬‫م ال ِّتي َ‬ ‫وال َك ُ ُ‬
‫م َ‬‫هاءَ أ ْ‬ ‫س َ‬
‫ف َ‬ ‫ال ّ‬
‫وهذا الخطأ الذي يقع في هذه المسألة يتعلل بعض الناس بأنه ل‬
‫يجد فقراء يعطيهم ‪ ،‬وأنه يشق عليه حمله ؛ لكثرة الناس والزحام‬
‫والدماء واللحوم في المجازر ‪ ،‬وهذا التعليل ـ وإن كان قد يصح‬
‫في زمن مضى ـ لكنه الن قد تيسر ؛ لن المجازر هذبت‬
‫وأصلحت ‪ ،‬ولن هناك مشروعا افتتح في السنوات الخيرة ‪ ،‬وهو‬
‫أن الحاج يعطي اللجنة المكونة لستقبال دراهم الحجاج ؛ لتشتري‬
‫لهم بذلك الهدي وتذبحه وتوزعه على مستحقه ‪ ،‬فبإمكان الحاج‬
‫أن يتصل بمكاتب هذه اللجنة ‪ ،‬من أجل أن يسلم قيمة الهدي ‪،‬‬
‫ويوكلهم في ذبحه وتفريق لحمه ‪.‬‬
‫ومن الخطاء أيضا ‪ :‬أن بعض الحجاج يذبح الهدي قبل وقت الذبح ‪،‬‬
‫فيذبحه قبل يوم العيد ‪ ،‬وهذا ـ وإن كان قال بعض أهل العلم في‬
‫هدي التمتع والقران ـ فإنه قول ضعيف ؛ لن النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم لم يذبح هديه قبل يوم العيد ‪ ،‬مع أن الحاجة كانت‬
‫داعية إلى ذبحه ‪ ،‬فإنه حين أمر أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ أن‬
‫يحلوا من إحرامهم بالحج ليجعلوه عمرة ويكونوا متمتعين ‪ ،‬وحصل‬
‫منهم شيء من التأخر ‪ ،‬قال ‪ )) :‬لو استقبلت من أمري ما‬
‫استدبرت ما أهديت ‪ ،‬ولول أن معي الهدي لحللت (()‪ ،(300‬فلو كان‬
‫ذبح الهدي جائزا قبل يوم النحر ‪ ،‬لذبحه النبي عليه الصلة‬
‫والسلم ‪ ،‬وحل من إحرامه معهم تطييبا لقلوبهم ‪ ،‬واطمئنانا لهم‬
‫في ذلك ‪ ،‬فلما لم يكن هذا منه صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬علم أن‬
‫ذبح الهدي قبل يوم العيد ل يصح ول يجزئ ‪.‬‬
‫ومن العجب ‪ :‬أنني سمعت من بعض المرافقين لبعض الحملت‬
‫التي تأتي من بلد نائية عن مكة ‪ ،‬أنه قيل لهم ـ أي لهذه الحملت‬
‫ـ ‪ :‬لكم أن تذبحوا هديكم من حين أن تسافروا من بلدكم إلى يوم‬
‫العيد ‪ ،‬واقترح عليهم هذا أن يذبحوا من الهدي بقدر ما يكفيهم‬
‫من اللحم لكل يوم ‪ ،‬وهذا جرأة عظيمة على شرع الله وعلى حق‬
‫عباد الله ‪ ،‬وكأن هذا الذي أفتاهم بهذه الفتوى يريد أن يوفر على‬
‫صاحب هذه الحملة الذي تكفل بالقيام بهذه الحملة ‪ ،‬أن يوفر‬
‫عليه نفقات هذه الحملة ؛ لنهم إذا ذبحوا لكل يوم ما يكفيهم من‬
‫هداياهم ‪ ،‬وفروا عليه اللحم ‪ ،‬فعلى المرء أن يتوب إلى الله عز‬
‫وجل ‪ ،‬وأن ل يتلعب بأحكام الله ‪ ،‬وأن يعلم أن هذه الحكام‬
‫أحكام شرعية ‪ ،‬أراد الله تعالى من عباده أن يتقربوا بها إليه على‬
‫الوجه الذي سنة لهم وشرعه لهم ؛ فل يحل لهم أن يتعدوه إلى ما‬
‫تمليه عليه أهواؤهم ‪.‬‬

‫حكم ذبح الهدي في غير مكة‬


‫السؤال )‪ : ( 309‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هناك بعض الحجاج إذا أراد‬
‫أن يحج ‪ ،‬دفع نقودا ً لبعض المؤسسات الخيرية التي تتولى‬
‫ذبح هديه في أماكن المجاعة في شرق الرض وغربها ‪ ،‬فما‬
‫حكم هذا العمل ‪ ،‬أثابكم الله ؟‬
‫الجواب ‪ :‬أقول ‪ :‬إن هذا عمل خاطئ مخالف لشريعة الله وتغرير‬
‫بعباد الله عز وجل ؛ وذلك أن الهدي محل ذبحه مكة ؛ فإن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم إنما ذبح هديه بمكة ‪ ،‬ولم يذبحه في‬
‫المدينة ‪ ،‬ول في غيرها من البلد السلمية ‪ ،‬والعلماء نصوا على‬
‫هذا وقالوا ‪ :‬إنه يجب أن يذبح هدي التمتع والقران والهدي‬
‫الواجب لترك واجب يجب أن يذبح في مكة ‪ ،‬وقد نص الله على‬
‫ديا ً َبال ِ َ‬
‫غ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫ل ِ‬
‫عد ْ ٍ‬ ‫ه ذَ َ‬
‫وا َ‬ ‫حك ُ ُ‬
‫م بِ ِ‬ ‫ذلك في جزاء الصيد ‪ ،‬فقال ‪ ) :‬ي َ ْ‬
‫ة ()المائدة‪ ، (95 :‬فما قيد في الشرع بأماكن معينة ل يجوز‬ ‫ال ْك َ ْ‬
‫عب َ ِ‬
‫أن ينقل إلى غيرها ‪ ،‬بل يجب أن يكون فيها ‪ ،‬فيجب أن تكون‬
‫الهدايا في مكة ‪ ،‬وتوزع في مكة ‪ ،‬وإن قدر أنه ل يوجد أحد يقبلها‬
‫في مكة وهذا فرض قد يكون محال ً فإنه ل حرج أن تذبح في مكة ‪،‬‬
‫وتنقل لحومها إلى من يحتاجها من بلد المسلمين ‪ ،‬القرب‬
‫فالقرب ‪ ،‬أو الشد حاجة فالشد ‪ ،‬وهذا بالنسبة للهدايا ‪.‬‬

‫حكم ذبح الضحية في غير مكان المضحي‬


‫السؤال )‪ ( 310‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬هل ينطبق هذا الحكم على‬
‫الضحايا أيضَا؟‬
‫الجواب ‪ :‬نعم ينطبق على الضحية ما ينطبق على الهدي ؛ لن‬
‫الضحية المشروع أن تكون في مكان المضحي ؛ فإن الرسول‬
‫صلى الله عليه وسلم ذبح أضحيته في بلده ‪ ،‬وبين أصحابه ‪ ،‬حيث‬
‫كان يخرج بها إلى المصلى فيذبحها هناك ؛ إظهار لشعائر الله عز‬
‫وجل ‪ ،‬والدعوة إلى أن تؤخذ الدراهم من الناس ‪ ،‬وتذبح الضحايا‬
‫في أماكن بعيدة دعوة إلى تحطيم هذه الشعيرة وخفائها على‬
‫المسلمين ؛ لن الناس إذا نقلوا ضحاياهم إلى أماكن أخرى لم‬
‫تظهر الشعائر ـ الضاحي ـ في البلد ‪ ،‬وأظلمت البلد من‬
‫الضاحي ‪ ،‬مع أنها من شعائر الله عز وجل ‪.‬‬
‫ويفوت بذلك ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬مباشرة المضحي لذبح أضحيته بنفسه ؛ فإن هذا هو الفضل‬
‫‪ ،‬والسنة كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ؛ فإنه كان يذبح‬
‫أضحيته بيده عليه الصلة والسلم ‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬يفوت بذلك سنية الكل منها ‪ ،‬فإن النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم أمر بالكل من الضاحي ‪ ،‬كما أمر الله بذلك في قوله ‪:‬‬
‫قيَر()الحج‪ (28 :‬؛ فإن هذا أمر‬ ‫س ال ْ َ‬
‫ف ِ‬ ‫موا ال َْبائ ِ َ‬ ‫وأ َطْ ِ‬
‫ع ُ‬ ‫ها َ‬ ‫فك ُُلوا ِ‬
‫من ْ َ‬ ‫) َ‬
‫بالكل من كل ذبيحة يتقرب بها النسان إلى الله عز وجل ‪ ،‬ولما‬
‫أهدى رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع مائة بدنة‬
‫ذبح منها ثلثا ً وستين بيده الكريمة ‪ ،‬وأعطى عليا رضي الله عنه‬
‫الباقي فوكله في ذبحه ‪ ،‬ووكله أيضا في تفريق اللحم ‪ ،‬إل أنه‬
‫أمر أن يؤخذ من كل بدنة بضعة ـ أي ‪ :‬قطعة من لحم ـ فجعلت‬
‫في قدر ‪ ،‬فطبخت ‪ ،‬فأكل من لحمها وشرب من مرقها)‪ (301‬؛ وهذا‬
‫يدل على تأكد أكل النسان مما أهداه من الذبائح ‪ ،‬وكذلك مما‬
‫ضحى به ‪.‬‬
‫نحن نقول ‪ :‬إنه ل يجوز التوكيل ‪ ،‬أن يوكل النسان من يذبح‬
‫أضحيته ‪ ،‬لكن لبد أن تكون الضحية عنده وفي بيته أو في بلده‬
‫على القل ‪ ،‬يشاهدها ويأكل منها ‪ ،‬وتظهر بها شعائر الدين ‪.‬‬
‫وليعلم أنه ليس المقصود من الضاحي المادة البحته وهي اللحم‬
‫ن‬‫ول َك ِ ْ‬
‫ها َ‬ ‫ما ُ‬
‫ؤ َ‬ ‫ول ِد َ‬
‫ها َ‬
‫م َ‬ ‫ه لُ ُ‬
‫حو ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫فإن الله تعالى يقول ‪) :‬ل َ ْ‬
‫ن ي ََنا َ‬
‫م ()الحج‪ ، (37 :‬والنبي صلى الله عليه وسلم‬ ‫من ْك ُ ْ‬
‫وى ِ‬
‫ق َ‬ ‫ي ََنال ُ ُ‬
‫ه الت ّ ْ‬
‫‪،‬‬ ‫)‪(302‬‬
‫قال فيمن ذبح قبل الصلة ‪ )) :‬فإنما هو لحم قدمه لهله ((‬
‫وقال لبي بردة ‪ )) :‬شاتك شاة لحم (()‪ (303‬ففرق النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم بين الضحية وبين اللحم ‪.‬‬
‫وأيضا ‪ :‬فإن العلماء يقولون ‪ :‬لو تصدق بلحم مائة بعير ‪ ،‬فإنه ل‬
‫يجزئه عن شاة واحدة يضحي بها ؛ وهذا يدل على أن الضحية‬
‫يتقرب إلى الله تعالى بذبحها ‪ ،‬قبل أن ينظر إلى منفعة لحمها ‪.‬‬
‫نصائح تتعلق بالهدي‬
‫السؤال )‪ : ( 311‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬تحدثنا عن الذين يرسلون‬
‫نقودا لبعض البلد السلمية ليذبح هديهم هناك أو أضحيتهم‬
‫هناك ‪ ،‬وذكرتم أن ذلك مخالف لمقاصد الشريعة ‪ ،‬فهل من‬
‫إضافة أو نصيحة تتعلق بهذا الموضوع ؟‬
‫الجواب ‪ :‬المر كما ذكرتم ؛ أن بعض الناس أو بعض المؤسسات‬
‫تطلب من المسلمين أن يسلموا لها قيمة الهدي أو قيمة الضاحي‬
‫ليذبح في بلد متضرر أهلها ومحتاجون إلى الطعام والغذاء ‪،‬‬
‫وذكرنا أن الهدايا لها محل معين وهو مكة المكرمة ‪ ،‬وأنه يجب أن‬
‫يكون الذبح هناك في جزاء الصيد ‪ ،‬وفي هدي التمتع والقران‬
‫وفي الفدية الواجبة لترك الواجب ‪ ،‬وأما الواجبة لفعل محظور ‪:‬‬
‫فإنها تكون حيث وجد ذلك المحظور ‪ ،‬ويجوز أن تكون في الحرم ‪،‬‬
‫أي ‪ :‬في مكة ‪ ،‬وأما دم الحصار ‪ :‬فحيث وجد سببه ‪ ،‬هكذا ذكر‬
‫أهل العلم ‪ ،‬رحمهم الله ‪ ،‬ول يجوز أن تخرج عن مكة وتذبح في‬
‫مكان آخر ‪.‬‬
‫وأما تفريق لحمها ‪ :‬فيكون في مكة إل إذا استغنى أهل مكة ‪،‬‬
‫فيجوز أن تفرق في البلد السلمية ‪ ،‬في أقرب البلد ‪ ،‬هذا‬
‫بالنسبة للهدي‬
‫أما الضاحي ‪ :‬فإنها في بلد المضحين ؛ فإن الرسول صلى الله‬
‫عليه وسلم لم ينقل عنه أنه ضحى إل في محل إقامته في‬
‫المدينة عليه الصلة والسلم ‪ ،‬والفضل أن يباشرها بنفسه ‪ ،‬فإن‬
‫لم يستطع ‪ ،‬فإنه يوكل من يذبحها أمامه ليشهد أضحيته ‪ ،‬وسبق‬
‫لنا ما يحصل من المحظور في نقل الضاحي إلى بلد أخرى ‪.‬‬
‫وإنني بهذه المناسبة أوجه نصيحة إلى إخواني المسلمين ؛‬
‫ليعلموا أنه ليس المقصود من ذبح الهدايا والضاحي مجرد اللحم ؛‬
‫فإن هذا يحصل بشراء النسان لحما كثيرا يوزعه على الفقراء ‪،‬‬
‫لكن المقصود والهم هو التقرب إلى الله تعالى بالذبح ؛ فإن‬
‫التقرب إلى الله تعالى بالذبح من أفضل العمال الصالحة بالذبح ؛‬
‫ماِتي ل ِل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬‫ي َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫م ْ‬‫و َ‬‫كي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ون ُ ُ‬
‫صلِتي َ‬ ‫ن َ‬ ‫ق ْ‬
‫ل إِ ّ‬ ‫كما قال الله تعالى ‪ُ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫و ُ‬
‫ل‬ ‫وأَنا أ ّ‬ ‫ت َ‬ ‫مْر ُ‬‫كأ ِ‬ ‫وب ِذَل ِ َ‬ ‫ك لَ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ري َ‬ ‫ش ِ‬‫ن( )‪ (162‬ل َ‬ ‫مي َ‬‫عال َ ِ‬
‫ب ال ْ َ‬ ‫َر ّ‬
‫ك‬‫ل ل َِرب ّ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫ف َ‬‫ن()النعام ‪ ( 162،163 :‬وقال تعالى ‪َ ) :‬‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ها‬‫ؤ َ‬ ‫ما ُ‬
‫ول ِد َ‬ ‫ها َ‬ ‫م َ‬ ‫حو ُ‬ ‫ه لُ ُ‬ ‫ل الل ّ َ‬ ‫ن ي ََنا َ‬‫حْر( )الكوثر‪ .(2:‬وقال تعالى ‪) :‬ل َ ْ‬ ‫وان ْ َ‬ ‫َ‬
‫م ()الحج‪ ، (37 :‬وكون النسان يدفع دراهم‬ ‫ُ‬
‫من ْك ْ‬
‫وى ِ‬ ‫ه الت ّ ْ‬
‫ق َ‬ ‫ُ‬
‫ن ي ََنال ُ‬ ‫ولك ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لتذبح أضحيته في مكان الحاجة من بلد المسلمين ‪ ،‬يغني عنه أن‬
‫يدفع دراهم ليشترى بها الطعام من هناك ويوزع على الفقراء ‪،‬‬
‫وربما يكون هذا أنفع لهم حيث يشترى ما يليق بحالهم ويلئمهم ‪،‬‬
‫وربما تكون الطعمة هناك أرخص ‪.‬‬
‫فنصيحتي للمسلمين أن يتولوا ذبح ضحاياهم في بلدهم ‪ ،‬وأن‬
‫يأكلوا منها ويطعموا منها ويظهروا شعائر الله تعالى بالتقرب إليه‬
‫بذبحها ‪ ،‬وأن ل ينسوا إخوانهم المسلمين المتضررين في مشارق‬
‫الرض ومغاربها المحتاجين لبذل الموال والمعونات لهم ‪،‬‬
‫فيجمعوا في هذه الحال بين الحسنيين ‪ ،‬بين حسنى ذبح الضاحي‬
‫في بلدهم ‪ ،‬وحسنى نفع إخوانهم المسلمين في بلدهم ‪.‬‬

‫أخطاء تقع في الوداع‬


‫السؤال )‪ : ( 312‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬آخر أعمال الحج الوداع ‪،‬‬
‫فهل هناك أخطاء ترون أن بعض الحجاج يقعون فيها ‪ ،‬ما هي‬
‫هذه الخطاء جزاكم الله خيرا ؟‬
‫الجواب ‪ :‬طواف الوداع يجب أن يكون آخر أعمال الحج ؛ لقول‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم )) ل ينصرف أحد حتى يكون آخر‬
‫عهده بالبيت (()‪ ،(304‬وقال ابن عباس ‪ -‬رضي الله عنهما ‪ : -‬أمر‬
‫)‬
‫الناس أن يكون آخر عهدهم بالبيت ‪ ،‬إل أنه خفف عن الحائض‬
‫‪ . (305‬فالواجب أن يكون الطواف آخر عمل يقوم به النسان من‬
‫أعمال الحج ‪ ،‬والناس يخطئون في طواف الوداع في أمور ‪:‬‬
‫أول ‪ :‬أن بعض الناس ل يجعل الطواف آخر أمره ‪ ،‬بل ينزل إلى‬
‫مكة ‪ ،‬ويطوف طواف الوداع ‪ ،‬وقد بقى عليه رمي الجمرات ‪ ،‬ثم‬
‫يخرج إلى منى فيرمي الجمرات ثم يغادر ‪ ،‬وهذا خطأ ‪ ،‬ول يجزئ‬
‫طواف الوداع في مثل هذه الحال ؛ وذلك لنه لم يكن آخر عهد‬
‫النسان بالبيت الطواف ‪ ،‬بل كان آخر عهده رمي الجمرات ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬ومن الخطأ أيضا في طواف الوداع ‪ :‬أن بعض الناس‬
‫يطوف للوداع ‪ ،‬ويبقي في مكة بعده ‪ ،‬هذا يوجب إلغاء طواف‬
‫الوداع ‪ ،‬وأن يأتي ببدله عند سفره ‪ ،‬نعم لو أقام النسان في مكة‬
‫بعد طواف الوداع لشراء حاجة في طريقه أو لتحميل العفش أو‬
‫ما أشبه ذلك ‪ ،‬فهذا ل باس به ‪.‬‬
‫ومن الخطأ في طواف الوداع ‪ :‬أن بعض الناس إذا طاف للوداع‬
‫وأراد الخروج من المسجد ‪ ،‬رجع القهقري ‪ ،‬أي ‪ :‬رجع على قفاه ‪،‬‬
‫فيزعم أنه يتحاشى بذلك تولية البيت ظهره ‪ ،‬أي ‪ :‬تولية الكعبة‬
‫ظهره ‪ ،‬وهذا بدعة لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫ول أحد من أصحابه ‪ ،‬ورسول الله صلى الله عليه وسلم أشد منا‬
‫تعظيما لله تعالى ولبيته ‪ ،‬ولو كان هذا من تعظيم الله وبيته ‪،‬‬
‫لفعله صلى الله عليه وسلم وحينئذ فإن السنة إذا طاف النسان‬
‫للوداع أن يخرج على وجهه ولو ولى البيت ظهره في هذه الحالة ‪.‬‬
‫ومن الخطأ أيضا ‪ :‬أن بعض الناس إذا طاف للوداع ‪ ،‬ثم انصرف‬
‫ووصل إلى باب المسجد الحرام ‪ ،‬اتجه إلى الكعبة وكأنه يودعها ‪،‬‬
‫فيدعو أو يسلم أو ما أشبه ذلك ‪ ،‬وهذا من البدع أيضا ؛ لن‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله ‪ ،‬ولو كان خيرا لفعله‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم ‪.‬‬
‫هذا ما يحضرني الن ‪.‬‬

‫حكم زيارة المسجد النبوي ‪ ،‬وهل لها تعلق بالحج‬


‫السؤال )‪ : ( 313‬فضيلة الشيخ ‪ ،‬إذن بعد أن عرفنا الشيء‬
‫الكثير عن الحج وأعماله والخطاء التي تقع فيه ‪ ،‬نود أن‬
‫ننتقل مع الخوة الحجاج إلى ما يهمهم في الزيارة ‪ ،‬زيارة‬
‫المسجد النبوي الشريف ‪ ،‬فما حكم زيارة المسجد النبوي ‪،‬‬
‫وهل لها تعلق بالحج ؟‬
‫الجواب ‪ :‬زيارة المسجد النبوي سنة ‪ ،‬لقول النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ) ل تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد ؛ المسجد الحرام ‪،‬‬
‫ومسجدي هذا ‪ ،‬والمسجد القصى (()‪ (306‬فيسافر النسان لزيارة‬
‫المسجد النبوي ؛ لن الصلة فيه خير من ألف صلة فيما عداه إل‬
‫المسجد الحرام)‪ . (307‬ولكنه إذا سافر إلى المدينة فينبغي أن يكون‬
‫قصده الول الصلة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وإذا وصل إلى هناك ‪ ،‬زار قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ‪ ،‬على الوجه‬
‫المشروع في ذلك من غير بدع ول غلو ‪.‬‬
‫وقولك في السؤال ‪ :‬هل له علقة بالحج ؟‬
‫جوابه ‪ :‬أنه ل علقة له بالحج ‪ ،‬وأن زيارة المسجد النبوي‬
‫منفصلة ‪ ،‬والحج والعمرة منفصلن عنه ‪ ،‬لكن أهل العلم رحمهم‬
‫الله يذكرونه في باب الحج ‪ ،‬أو في آخر باب الحج ؛ لن الناس في‬
‫عهد سبق يشق عليهم أن يفردوا الحج والعمرة في سفر وزيارة‬
‫المسجد النبوي في سفر ‪ ،‬فكانوا إذا حجوا واعتمروا ‪ ،‬مروا على‬
‫المدينة لزيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ وإل فل‬
‫علقة بين هذا وهذا ‪.‬‬

‫الداب المشروعة في زيارة المسجد النبوي‬


‫السؤال ) ‪ : (314‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أشرتم إلى زيارة قبر‬
‫الرسول عليه الصلة والسلم إذا وصل المسلم إلى المدينة‬
‫المنورة وأيضا ً قبر صاحبيه‪ ،‬فما الداب المشروعة لزيارة قبر‬
‫الرسول صلى الله عليه وسلم ؟‬
‫الجواب‪ :‬الداب المشروعة‪ :‬أن يزور النسان قبره صلى الله عليه‬
‫وسلم على وجه الدب‪ ،‬وأن يقف أمام قبر رسول الله صلى الله‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬فيسلم عليه فيقول‪ :‬السلم عليك أيها النبي ورحمة‬
‫الله وبركاته ‪ ،‬صلى الله عليك وسلم وبارك‪ ،‬وجزاك عن أمتك خير‬
‫الجزاء‪ ،‬ثم يخطو خطوة ثانية‪ ،‬خطوة عن يمينه؛ ليكون مقابل وجه‬
‫أبي بكر رضي الله عنه‪ ،‬ويقول‪ :‬السلم عليك يا خليفة رسول الله‬
‫ورحمة الله وبركاته‪،‬جزاك الله عن أمة محمد خيرًا‪ ،‬ثم يخطو‬
‫خطوة عن يمينه‪ ،‬ليكون مقابل وجه عمر بن الخطاب رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬فيقول‪ :‬السلم عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته‪،‬‬
‫جزاك الله عن أمة محمد خيرًا‪ ،‬ثم ينصرف ‪ ،‬هذه هي الزيارة‬
‫المشروعة‪.‬‬
‫وأما ما يفعله بعض الناس من التمسح بجدران الحجرة‪ ،‬أو التبرك‬
‫بها‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬فكله من البدع‪ ،‬وأشد من ذلك وأنكر وأعظم‪:‬‬
‫أن يدعو النبي صلى الله عليه وسلم لتفريج الكربات‪ ،‬وحصول‬
‫المرغوبات؛ فإن هذا شرك أكبر مخرج عن الملة‪ ،‬والنبي عليه‬
‫الصلة والسلم ل يملك لنفسه نفعا ً ول ضرا‪ ،‬ول يملك لغيره‬
‫كذلك نفعا ً ول ضرا‪ ،‬ول يعلم الغيب‪ ،‬وهو صلى الله عليه وسلم قد‬
‫مات كما يموت غيره من بني آدم‪ ،‬فهو بشر يحيا كما يحيون‪،‬‬
‫ويموت كما يموتون‪ ،‬وليس له من تدبير الكون شيء أبدًا‪ ،‬قال الله‬
‫َ‬
‫م‬‫ك ل َك ُ ْ‬‫مل ِ ُ‬ ‫ل إ ِّني ل أ ْ‬ ‫ق ْ‬‫تعالى‪ ،‬أي‪ :‬للرسول صلى الله عليه وسلم ‪ُ ) :‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫د‬
‫ج َ‬‫نأ ِ‬ ‫ول َ ْ‬‫حد ٌ َ‬
‫هأ َ‬‫ن الل ّ ِ‬‫م َ‬
‫جيَرِني ِ‬ ‫ل إ ِّني ل َ ْ‬
‫ن يُ ِ‬ ‫شدًا( )‪ُ ) (21‬‬
‫ق ْ‬ ‫ول َر َ‬ ‫ضّرا ً َ‬ ‫َ‬
‫لل‬ ‫ق ْ‬ ‫حدا( )الجن‪ ، (21/22:‬وقال الله تعالى له ‪ُ ) :‬‬ ‫ً‬ ‫ْ‬
‫ملت َ َ‬ ‫ه ُ‬‫دون ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ِ‬
‫ضّرا إل ما شاء الله( )لعراف‪ (188 :‬وقال‬ ‫ً‬ ‫ول َ‬ ‫ً‬ ‫سي ن َ ْ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬‫مل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫فعا َ‬ ‫ف ِ‬ ‫أ ْ‬
‫ول‬‫ب َ‬ ‫م ال ْ َ‬
‫غي ْ َ‬ ‫ول أ َ ْ‬
‫عل َ ُ‬ ‫ه َ‬‫ن الل ّ ِ‬
‫خَزائ ِ ُ‬‫دي َ‬ ‫عن ْ ِ‬
‫م ِ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬‫قو ُ‬‫ل ل أَ ُ‬
‫ق ْ‬ ‫الله له ‪ُ ) :‬‬
‫َ‬ ‫أَ ُ‬
‫ي ()النعام‪.(50 :‬‬ ‫حى إ ِل َ ّ‬ ‫ما ُيو َ‬‫ع إ ِّل َ‬‫ن أت ّب ِ ُ‬ ‫مل َ ٌ‬
‫ك إِ ْ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬
‫م إ ِّني َ‬ ‫قو ُ‬
‫فالرسول صلى الله عليه وسلم بشر محتاج إلى الله عز وجل‪،‬‬
‫وليس به غنى عنه طرفة عين‪،‬ول يملك أن يجلب نفعا ً لحد أو‬
‫يدفع ضررا ً عن أحد‪ ،‬بل هو عبد مربوب مكلف كما يكلف بنو آدم‪،‬‬
‫وإنما يمتاز بما من الله به عليه من الرسالة التي لم تكن لحد‬
‫قبله ولن تكون لحد بعده‪ ،‬وهي الرسالة العظمى التي بعث بها‬
‫إلى سائر الناس إلى يوم القيامة‪.‬‬

‫حكم زيارة البقيع وشهداء أحد‬


‫السؤال )‪ :(315‬فضيلة الشيخ‪ ،‬أيضا ً ما حكم زيارة بعض مقابر‬
‫المدينة؛ كالبقيع ‪ ،‬وشهداء أحد؟‬
‫الجواب‪ :‬زيارة القبور سنة في كل مكان ‪ ،‬ول سيما زيارة البقيع‬
‫التي دفن فيه كثير من الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬ومنهم أمير‬
‫المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه‪ ،‬وقبره هناك معروف‪،‬‬
‫وكذلك يسن أن يخرج إلى أحد ليزور قبور الشهداء هنالك‪ ،‬ومنهم‬
‫حمزة بن عبد المطلب‪ ،‬عم رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫وكذلك ينبغي أن يزور مسجد قباء‪ ،‬يخرج متطهرا ً فيصلي فيه‬
‫ركعتين؛ فإن في ذلك فضل ً عظيمًا‪ ،‬وليس هناك شي يزار في‬
‫المدينة سوى هذه‪ ،‬زيارة المسجد النبوي ‪ ،‬زيارة قبر النبي صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ ،‬زيارة البقيع‪ ،‬زيارة شهداء أحد‪ ،‬زيارة مسجد‬
‫قباء‪ ،‬وما عدا ذلك من المزارات ‪ ،‬فإنه ل أصل له‪.‬‬

‫يجد في قلبه ميل ً إلى طلب الشفاعة من المقبورين فماذا‬


‫يفعل؟‬
‫السؤال )‪ :(316‬فضيلة الشيخ‪ ،‬سألنا عن حكم زيارة بعض‬
‫المقابر في المدينة التي تزار‪ ،‬وذكرتم أن المزارات في‬
‫المدينة خمسة‪ ،‬وقلتم‪ :‬إنه ل يجوز للنسان أن يدعو أصحاب‬
‫هذه المقابر أي دعاء‪ ،‬لكن ما الذي يلزم من وجد في قلبه‬
‫ميل ً إلى طلب الشفاعة من أصحاب هذه القبور ‪ ،‬أو قضاء‬
‫الحوائج أو الشفاء‪ ،‬أو ما إلى ذلك؟‬
‫الجواب‪ :‬الذي يجد في قلبه ميل ً إلى طلب الشفاعة من أصحاب‬
‫القبور‪ ،‬فإن كان أصحاب القبور من أهل الخير‪ ،‬وكان النسان‬
‫يؤمل أن يجعلهم الله شفعاء له يوم القيامة بدون أن يسألهم ذلك‬
‫‪ ،‬ولكنه يرجو أن يكونوا شفعاء له‪ ،‬فهذا ل بأس به؛ فإننا كلنا نرجو‬
‫أن يكون رسول الله صلى الله عليه وسلم شفيعا ً لنا‪ ،‬ولكننا ل‬
‫نقول له‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬اشفع لنا ‪ ،‬بل نسأل الله تعالى أن يجعله‬
‫شفيعا ً لنا‪ ،‬وكذلك أهل الخير الذين يرجى منهم الصلح؛ فإنهم‬
‫يكونون شفعاء يوم القيامة؛ فإن الشفاعة يوم القيامة تنقسم‬
‫إلى قسمين‪:‬‬
‫قسم خاص برسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ل يشركه فيه أحد‪،‬‬
‫وهي الشفاعة العظمى التي يشفع فيها صلى الله عليه وسلم‬
‫للخلق إلى ربهم ليقضي بينهم؛ فإن الناس يوم القيامة ينالهم‬
‫من الكرب والغم ما ل يطيقون‪ ،‬فيقولون ‪ :‬أل تذهبون إلى من‬
‫يشفع لنا عند الله عز وجل ‪ ،‬يعني‪ :‬يريحهم من هذا الموقف‪،‬‬
‫فيأتون إلى آدم‪ ،‬ثم إلى نوح‪ ،‬ثم إلى إبراهيم ثم إلى موسى ‪ ،‬ثم‬
‫إلى عيسى عليهم الصلة والسلم‪ ،‬وكلهم ل يشفع‪ ،‬حتى يأتوا‬
‫إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬وتنتهي الشفاعة إليه‪،‬‬
‫فيشفع عند الله عز وجل أن يقضي سبحانه وتعالى بين عباده ‪،‬‬
‫فيجيء الله عز وجل ويقضي بين عباده‪.‬‬
‫والشفاعة الثانية‪ :‬شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الجنة‬
‫أن يدخلوا الجنة‪.‬‬
‫أما الشفاعة العامة التي تكون للرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫ولغيره من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ‪ ،‬فهذه تكون‬
‫فيمن دخل النار أن يخرج منها؛ فإن عصاة المؤمنين إذا دخلوا‬
‫النار بقدر ذنوبهم ‪ ،‬فإن الله سبحانه وتعالى يأذن لمن شاء من‬
‫عباده من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين أن يشفعوا‬
‫في هؤلء ‪ ،‬بأن يخرجوا من النار‪.‬‬
‫المهم أن النسان إذا رجا الله عز وجل أن يشفع فيه نبيه محمد‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬أو يشفع فيه أحد من الصالحين بدون أن‬
‫يسألهم ذلك‪ ،‬فهذا ل بأس به‪ ،‬وأما أن يسألهم فيقول‪ :‬يا رسول‬
‫الله‪ ،‬اشفع لي‪ ،‬أو يا فلن‪ ،‬اشفع لي‪ ،‬أو ما أشبه ذلك‪ ،‬فهذا ل‬
‫يجوز‪ ،‬بل هو من دعاء غير الله عز وجلن ودعاء غير الله شرك‪.‬‬

‫حكم زيارة المساجد السبعة وغيرها من المزارات‬


‫السؤال )‪ :(317‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ذكرتم أن المواضع التي تزار‬
‫في المدينة خمسة‪ ،‬لكن لم ترد إشارة مثل ً للمساجد السبعة‬
‫أو مسجد الغمامة‪ ،‬أو بعض هذه المزارات التي يزورها بعض‬
‫الحجاج‪ ،‬فما حكم زيارتها؟‬
‫الجواب‪ :‬نحن ذكرنا أنه ل يزار سوى هذه الخمسة التي هي‪:‬‬
‫مسجد النبي صلى الله عليه وسلم ‪،‬وقبره‪ ،‬وقبر صاحبيه‪ ،‬وهذه‬
‫القبور الثلثة في مكان واحد‪ ،‬والبقيع وفيه قبر عثمان رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬وشهداء أحد وفيهم حمزة بن عبد المطلب رضي الله عنه‪،‬‬
‫ومسجد قباء‪ ،‬وما عدا ذلك فإنه ل يزار‪ ،‬وما أشرت إليه من‬
‫المساجد السبعة‪ ،‬أو غيرها مما لم تذكر‪ ،‬فكل هذا ل أصل لزيارته‪،‬‬
‫وزيارته بقصد التعبد لله تعالى بدعة؛ لن ذلك لم يرد عن النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬ول يجوز لحد أن يثبت لزمان أو مكان أو‬
‫عمل‪ ،‬أن فعله أو قصده قربه إل بدليل من الشرع‪.‬‬

‫ما ينبغي لمن وفق لداء الحج؟‬


‫السؤال )‪ :(318‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما الذي ينبغي لمن وفقه الله‬
‫تعالى لتمام نسكه من الحج والعمرة؟ وما الذي ينبغي له بعد‬
‫ذلك؟‬
‫الجواب‪ :‬الذي ينبغي له ولغيره ممن م ّ‬
‫ن الله عليه بعبادة أن يشكر‬
‫الله سبحانه وتعالى على توفيقه لهذه العبادة‪ ،‬وأن يسأل الله‬
‫تعالى قبولها‪ ،‬وأن يعلم أن توفيق الله تعالى إياه لهذه العبادة‬
‫نعمة يستحق سبحانه وتعالى الشكر عليها‪ ،‬فإذا شكر الله‪ ،‬وسأل‬
‫الله القبول‪ ،‬فإنه حري بأن يقبل ؛ لن النسان إذا وفق للدعاء‬
‫فهو حري بالجابة ‪ ،‬وإذا وفق للعبادة فهو حري بالقبول‪ ،‬وليحرص‬
‫غاية الحرص أن يكون بعيدا ً عن العمال السيئة بعد أن من الله‬
‫عليه بمحوها؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول‪ )) :‬الحج‬
‫المبرور ليس له جزاء إل الجنة(()‪ ،(308‬ويقول صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ )) :‬الصلوات الخمس‪ ،‬والجمعة إلى الجمعة ‪ ،‬ورمضان إلى‬
‫رمضان‪ :‬كفارة لما بينهن ‪ ،‬ما اجتنبت الكبائر(()‪ ، (310‬ويقول صلى‬
‫الله عليه وسلم ‪ )) :‬العمرة إلي العمرة كفارة لما بينهما(()‪، (311‬‬
‫وهذه وظيفة كل إنسان يمن الله تعالى عليه بفعل عبادة ‪ ،‬أن‬
‫يشكر الله على ذلك‪ ،‬وأن يسأله القبول‪.‬‬
‫السؤال )‪ :(319‬فضيلة الشيخ‪ ،‬هل هناك علمات يمكن أن‬
‫تظهر على المقبولين في أداء الحج والعمرة؟‬
‫الجواب‪ :‬قد تكون هناك علمات لمن تقبل الله منهم من الحجاج‬
‫والصائمين والمتصدقين والمصلين‪ ،‬وهي انشراح الصدر‪ ،‬وسرور‬
‫القلب‪ ،‬ونور الوجه؛ فإن للطاعات علمات تظهر على بدن‬
‫صاحبها‪ ،‬بل على ظاهره وباطنه أيضًا‪ ،‬وذكر بعض السلف أن من‬
‫علمة قبول الحسنة‪ :‬أن يوفق النسان لحسنة بعدها؛ فإن توفيق‬
‫الله إياه لحسنة بعدها يدل على أن الله عز وجل قبل عمله الول‪،‬‬
‫ومن عليه بعمل آخر يرضى به عنه‪.‬‬

‫الواجب على من عاد إلى بلده تجاه أهله بعد أداء الحج‬
‫السؤال)‪ :(320‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما الذي يجب على المسلم إذا‬
‫انتهى من حجة وسافر عن هذه الماكن المقدسة ما الذي‬
‫يجب عليه تجاه أهله وجماعته ومن يعيش في وسطهم؟‬
‫الجواب‪ :‬هذا الواجب الذي تشير إليه واجب على من حج ومن لم‬
‫يحج‪ ،‬واجب على كل من وله الله تعالى على رعية؛ أن يقوم بحق‬
‫هذه الرعية‪ ،‬وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ‪:‬‬
‫)) الرجل راع في أهله‪ ،‬ومسؤول عن رعيته(()‪ ، (312‬فعليه أن‬
‫يقوم بتعليمهم وتأديبهم‪ ،‬كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬أو كما كان يأمر بذلك الوفود الذين يفدون إليه أن يرجعوا‬
‫إلى أهليهم فيعلموهم ويؤدبوهم‪ ،‬والنسان مسؤول عن أهله يوم‬
‫القيامة‪ ،‬لن الله تعالى وله عليهم وأعطاه الولية ‪ ،‬فهو مسؤول‬
‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عن ذلك يوم القيامة؛ ويدل لهذا قوله تعالى‪َ) :‬يا أي ّ َ‬
‫ة()التحريم‪،(6:‬‬ ‫جاَر ُ‬ ‫وال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫س َ‬
‫ها الّنا ُ‬
‫قودُ َ‬ ‫م َنارا ً َ‬
‫و ُ‬ ‫وأ َ ْ‬
‫هِليك ُ ْ‬ ‫سك ُ ْ‬
‫م َ‬ ‫قوا أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫ُ‬
‫فقرن الله تعالى الهل بالنفس‪ ،‬فكما أن النسان مسؤول عن‬
‫نفسه يجب عليه أن يحرص كل الحرص على ما ينفعها؛ فإنه‬
‫مسؤول عن أهله؛ كذلك يجب عليه أن يحرص كل الحرص على أن‬
‫يجلب لهم ما ينفعهم ويدفع عنهم بقدر ما يستطيع ما يضرهم‪.‬‬

‫آثار الحج على المسلم‬


‫السؤال )‪ :(321‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هي آثار الحج على المسلم؟‬
‫الجواب‪ :‬سبق لنا الشارة إلى شيء منها؛ حيث سألت‪ :‬ما هي‬
‫علمة قبول الحج؟‬
‫فمن آثار الحج‪ :‬أن النسان يرى من نفسه راحة وطمأنينة ‪،‬‬
‫وانشراح صدر‪ ،‬ونور قلب‪.‬‬
‫وكذلك قد يكون من آثار الحج‪ :‬ما يكتسبه النسان من العلم النافع‬
‫الذي يسمعه في المحاضرات وجلسات الدروس في المسجد‬
‫الحرام‪ ،‬وفي المخيمات في منى وعرفة‪.‬‬
‫وكذلك من آثاره‪ :‬أن يزداد النسان معرفة بأحوال العالم السلمي‬
‫‪ ،‬إذا وفق لشخص ثقة يحدثه عن أوطان المسلمين‪.‬‬
‫وكذلك من آثاره‪ :‬غرس المحبة في قلوب المؤمنين بعضهم‬
‫لبعض؛ فإنك ترى النسان في الحج وعليه علمات الهدى والصلح‬
‫فتحبه وتسكن إليه وتألفه‪.‬‬
‫ومن آثار الحج أيضًا‪ :‬أن النسان قد يكتسب أمرا ً ماديا ً بالتكسب‬
‫م‬‫س َ‬ ‫وي َذْك ُُروا ا ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ع لَ ُ‬ ‫ف َ‬‫مَنا ِ‬ ‫دوا َ‬ ‫ه ُ‬‫ش َ‬ ‫بالتجارة وغيرها؛ لقوله تعالى‪) :‬ل ِي َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عام ِ ()الحج‪:‬‬ ‫ة الن ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫هي َ‬ ‫ِ‬ ‫ن بَ‬‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ق ُ‬ ‫ما َرَز َ‬‫عَلى َ‬
‫ت َ‬ ‫عُلو َ‬
‫ما ٍ‬ ‫م ْ‬
‫في أّيام ٍ َ‬ ‫الل ّ ِ‬
‫ه ِ‬
‫عل َيك ُم جَنا َ‬
‫ضل ً‬ ‫غوا َ‬
‫ف ْ‬ ‫ن ت َب ْت َ ُ‬ ‫حأ ْ‬ ‫ٌ‬ ‫س َ ْ ْ ُ‬ ‫من الية‪ ، (28‬ولقوله تعالى‪) :‬ل َي ْ َ‬
‫م ()البقرة‪ :‬من الية‪ ،(198‬وكم من إنسان اكتسب مال ً‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م ْ‬
‫ِ‬
‫ً‬
‫بالتجارة في حجه‪ ،‬شراء وبيعا‪ ،‬وهذا من المنافع التي ذكرها الله‬
‫سبحانه وتعالى‪.‬‬
‫ومن آثار الحج ‪ :‬أن يعود النسان نفسه على الصبر وعلى‬
‫الخشونة والتعب‪ ،‬ل سيما إذا كان رجل ً عاديا ً من غير أولئك الذين‬
‫تكمل لهم الرفاهية في حجهم‪ ،‬فإنه يكتسب بذلك شيئا ً كثيرًا‪،‬‬
‫أعني‪ :‬الذي يكون حجه عاديا ً يكتسب خيرا ً كثيرا ً بتعويد نفسه على‬
‫الصبر والخشونة‪.‬‬

‫نصيحة لمن أدى الحج‬


‫السؤال)‪ :(322‬فضيلة الشيخ‪ ،‬ما هي نصيحتكم لمن أدى‬
‫فريضة الحج؟‬
‫الجواب‪ :‬نصيحتي له‪ :‬أن يتقي الله عز وجل في أداء ما ألزمه الله‬
‫به من العبادات الخرى؛ كالصلة والزكاة‪ ،‬والحج‪ ،‬وبر الوالدين ‪،‬‬
‫وصلة الرحام‪ ،‬والحسان إلى الخلق‪ ،‬وإلى المملوكات من‬
‫البهائم‪ ،‬وغير هذا مما أمر الله به‪ ،‬وجماع ذلك كله‪ :‬قوله تعالى‪:‬‬
‫ء ِذي ال ْ ُ‬ ‫ْ‬
‫ن‬‫ع ِ‬ ‫هى َ‬ ‫وي َن ْ َ‬
‫قْرَبى َ‬ ‫وِإيَتا ِ‬ ‫ل والحسان َ‬ ‫عد ْ ِ‬ ‫مُر ِبال ْ َ‬ ‫ه ي َأ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫)إ ِ ّ‬
‫َ‬
‫فوا‬ ‫و ُ‬‫وأ ْ‬‫ن( )‪َ ) (90‬‬ ‫م ت َذَك ُّرو َ‬ ‫عل ّك ُ ْ‬ ‫م لَ َ‬‫عظُك ُ ْ‬ ‫ي يَ ِ‬ ‫غ ِ‬‫وال ْب َ ْ‬‫ر َ‬ ‫من ْك َ ِ‬ ‫وال ْ ُ‬ ‫ء َ‬ ‫شا ِ‬ ‫ح َ‬‫ف ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫عل ْت ُ ُ‬
‫م‬ ‫ج َ‬‫قد ْ َ‬ ‫و َ‬‫ها َ‬ ‫د َ‬
‫كي ِ‬
‫و ِ‬‫عد َ ت َ ْ‬
‫ن بَ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ضوا اْلي ْ َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ول ت َن ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫هدْت ُ ْ‬ ‫عا َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه إِ َ‬‫د الل ّ ِ‬ ‫ه ِ‬ ‫ع ْ‬‫بِ َ‬
‫ن( )النحل‪. (90/91:‬‬ ‫علو َ‬‫ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫عل ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫فيل ً إ ِ ّ‬ ‫َ‬
‫مك ِ‬ ‫ُ‬
‫علي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫الل َ‬
‫وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين‪.‬‬
‫‪-----------------------------‬‬

‫)‪ (205‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فرض الحج مرة في العمر‪ ،‬رقم )‪(1337‬‬
‫)‪ (206‬تقدم تخريجه)‪(239‬‬
‫)‪ (207‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب صحة حج الصبي وأجر من حج به‪ ،‬رقم )‬
‫‪(1336‬‬
‫)‪ (208‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب وجوب الحج وفضله‪ ،‬رقم )‪(1513‬‬
‫ومسلم كتاب الحج‪ ،‬باب الحج عن العاجز‪ ،‬رقم)‪.(1334‬‬
‫)‪ (209‬جزء من حديث جابر الطويل في وصف حجة النبي صلي الله عليه‬
‫وسلم ‪ ،‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي صلي الله عليه وسلم ‪،‬‬
‫رقم )‪(1218‬‬
‫)‪ (210‬أخرجه الدارقطني في سننه )‪ (2/285‬رقم )‪ ،(222‬والبيهقي في‬
‫)) السنن(( )‪(4/352‬‬
‫)‪ (211‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ذات عرق لهل العراق‪ ،‬رقم )‪(1531‬‬
‫)‪ (212‬تقدم تخريجه ص )‪(266‬‬
‫)‪ (213‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب مهل أهل الشام‪ ،‬رقم )‪،(1526‬‬
‫ومسلم كتاب الحج‪ ،‬باب مواقيت الحج والعمرة‪ ،‬رقم )‪(1181‬‬
‫)‪ (214‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصلة والخطبة‪ ،‬رقم )‪(867‬‬
‫)‪ (215‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج ‪ ،‬باب الفتيا على الدابة عند الجمرة‪ ،‬رقم )‬
‫‪ (1737 ،1736‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب من حلق قبل النحر أو نحر قبل‬
‫الرمي‪ ،‬رقم )‪(1306‬‬
‫)‪ (216‬أخرجه البيهقي في )) السنن الكبرى(( )‪ (5/125‬وأخرجه أحمد في )‪0‬‬
‫مسند الشاميين( ‪ (02/54‬لفظ‪ )) :‬لتأخذوا عني مناسكك(( وأخرجه مسلم‪،‬‬
‫كتاب الحج‪ ،‬باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر راكبًا‪ ،‬رقم )‬
‫‪ (1297‬بلفظ‪ )) :‬لتأخذوا مناسككم(( فإني ل أدري لعلي ل أحج بعد‬
‫حجتي هذه((‬
‫)‪ (217‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب في الرمل‪ ،‬رقم )‪ (1888‬والترمذي‬
‫بنحوه‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما جاء كيف ترمى الجمار‪ ،‬رقم )‪ (902‬وقال ‪:‬‬
‫حسن صحيح‬
‫)‪ (218‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب وجوب طواف الوداع‪ ،‬رقم )‪(1327‬‬
‫)‪ (219‬تقدم تخريجه )‪(135‬‬
‫)‪ (220‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب إذا حاضت المرأة بعد أن أفاضت ‪ ،‬رقم‬
‫)‪ ،(1759-1757‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب وجوب طواف الوداع وسقوطه‬
‫عن الحائض‪ ،‬رقم )‪1211‬م(‪.‬‬
‫)‪ (221‬أخرجه أبو داود ‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب طواف القارن‪ ،‬رقم )‪،(1897‬‬
‫وعند مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها‪ 0) :‬يسعك طوافك‬
‫لحجك وعمرتك(( فأبت ‪ ،‬فبعث بها مع عبد الرحمن إلى التنعيم ‪،‬‬
‫فاعتمرت بعد الحج‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب إحرام النفساء‪..‬وكذا الحائض‪ ،‬رقم )‬
‫‪(1211‬‬
‫)‪ (222‬تقدم تخريجه )‪(308‬‬
‫)‪ (223‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الرجل يحج عن غيره‪،‬رقم )‪،(1811‬‬
‫وابن ماجه‪ ،‬كتاب المناسك ‪ ،‬باب الحج عن الميت‪ ،‬رقم )‪،(2903‬‬
‫والبيهقي )‪.(4/336‬‬
‫)‪ (224‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب طواف النساء مع الرجال ‪ ،‬رقم )‬
‫‪ (1619‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب جواز الطواف على بعير وغيره‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(1276‬‬
‫)‪ (225‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب الكفاء في الدين‪ ،‬رقم )‪(5089‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب جواز اشتراط المحرم التحلل بعذر المرض‬
‫ونحوه‪ ،‬رقم )‪(1207‬‬
‫)‪ (226‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب الكفن في ثوبين‪(1265 ) ،‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما يفعل بالمحرم إذا مات‪ ) ،‬رقم) ‪(1206‬‬
‫)‪ (227‬تقدم تخريجه ) ‪(344‬‬
‫)‪ (228‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب النكاح‪ ،‬باب تحريم نكاح المحرم وكراهة خطبته‪،‬‬
‫رقم ) ‪.(1409‬‬
‫)‪ (229‬تقدم تخريجه )‪(344‬‬
‫‪ (230‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الطيب عند الحرام‪ ،‬رقم )‪، (1539‬‬
‫ومسلم كتاب الحج‪ ،‬باب الطيب للمحرم عند الحرام‪ ،‬رقم )‪(1189‬‬
‫واللفظ له‪.‬‬
‫)‪ (231‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الطيب عند الحرام‪ ،‬رقم )‪،(1538‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الطيب للمحرم عند الحرام‪ ،‬رقم )‪(1190‬‬
‫)‪ (232‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما ل يلبس المحرم من الثياب‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(1542‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما يباح للمحرم بحج أو عمرة وما ل‬
‫يباح‪ ،‬رقم )‪.(1177‬‬
‫)‪ (233‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب استحباب رمي جمرة العقبة يوم النحر‬
‫راكبًا‪ ،‬رقم )‪(1298‬‬
‫)‪ (234‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب جزاء الصيد‪ ،‬باب ما ينهي من الطيب للمحرم‬
‫والمحرمة‪ ،‬رقم )‪(1838‬‬
‫أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب جزاء الصيد ‪ ،‬باب الغتسال للمحرم‪ ،‬رقم )‪(1840‬‬
‫ومسلم ‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب جواز غسل المحرم بدنه ورأسه ‪ ،‬رقم )‪(1205‬‬
‫)‪ (235‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز‪ ،‬باب الذخر والحشيش في القبر‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(1349‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب تحريم مكة وصيدها وخلها وشجرها‪،..‬‬
‫رقم )‪.(1353‬‬
‫)‪ (236‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب الحج ‪ ،‬باب من لم يدرك عرفة‪ ،‬رقم)‪،(1950‬‬
‫والترمذي كتاب الحج‪ ،‬فيمن أدرك بجمع فقد أدرك الحج‪ ،‬رقم)‪،(891‬‬
‫والنسائي ‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فيمن لم يدرك صلة الصبح مع المام‬
‫بالمزدلفة‪ ،‬رقم ) ‪ (3016‬وأحمد في المسند) ‪ ،(4/261،262‬وقال‬
‫الترمذي ‪ :‬حديث صحيح‪.‬‬
‫)‪ (237‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب من قدم ضعفه أهله بليل ‪ ،..‬رقم )‬
‫‪ ،(1679‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب استحباب تقديم دفع الضعفة من النساء‬
‫وغيرهن‪ ،‬رقم )‪.(1291‬‬
‫)‪ (238‬سبق تخريجه )‪(360‬‬
‫)‪ (239‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الشربة ‪ ،‬باب ما جاء فيمن يستحل الخمر‬
‫ويسميه بغير اسمه‪ ،‬رقم )‪(5590‬‬
‫)‪ (240‬سبق تخريجه )‪(327‬‬
‫)‪ (241‬تقدم تخريجه )‪(325‬‬
‫)‪ (242‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب تقضي الحائض المناسك كلها إل‬
‫الطواف بالبيت‪ ،‬رقم )‪ ،(1650‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب بيان وجوه‬
‫الحرام‪ ،‬رقم )‪(1211‬‬
‫)‪ (243‬أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب العلم‪ ،‬باب ما جاء في الخذ بالسنة واجتناب‬
‫البدع‪ ،‬رقم )‪ ،(2676‬وأبو داودد‪ ،‬كتاب السنة‪ ،‬باب في لزوم السنة‪ ،‬رقم‬
‫)‪ ،(4607‬وابن ماجه ‪ ،‬في المقدمة‪ ،‬باب اتباع سنة الخلفاء الراشدين‬
‫المهديين‪ ،‬رقم )‪(42‬وأحمد في )) المسند(( )‪ (4/127،126‬وقال الترمذي‬
‫‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ (244‬أخرجه أحمد في )) المسند(( )‪ ،(3/357،372‬وابن ماجه ‪ ،‬كتاب‬
‫المناسك‪ ،‬باب الشرب من ماء زمزم رقم )‪ ،(3062‬وصحة اللباني كما‬
‫في )) إرواء الغليل(( رقم )‪.(1123‬‬
‫)‪ (245‬اخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الجنائز ‪ ،‬باب الذخر والحشيش في القبر‪ ،‬رقم )‬
‫‪ (1349‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب تحريم مكة وصيدها وخلها وشجرها‪،..‬‬
‫رقم )‪.(1353‬‬
‫)‪ (246‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما جاء أن عرفة كلها موقف‪ ،‬رقم )‬
‫‪(1218‬‬
‫)‪ (247‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب الوتر‪ ،‬باب الدعاء‪ ،‬رقم )‪ ،(1488‬والترمذي ‪ ،‬كتاب‬
‫الدعوات‪ ،‬رقم )‪ ،(3556‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب الدعاء‪ ،‬باب رفع اليدين في‬
‫الدعاء‪ ،‬رقم )‪ ،(3865‬وقال الترمذي‪ :‬حسن غريب‪.‬‬
‫)‪ (248‬تقدم تخريجه ‪219‬‬
‫)‪ (249‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الزهد‪ ،‬باب من أشرك في عمله غير الله رقم )‬
‫‪(2985‬‬
‫)‪ (250‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب اليمان‪ ،‬باب ما جاء أن العمال بالنية والحسبة‪،‬‬
‫رقم )‪ (56‬ومسلم‪ ،‬كتاب الوصية‪ ،‬باب الوصية بالثلث‪ ،‬رقم )‪(1628‬‬
‫)‪ (251‬تقدم تخريجه )‪(111‬‬
‫)‪ (252‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصلح‪ ،‬باب إذا اصطلحوا على صلح جور‪ ،‬رقم )‬
‫‪ (2697‬ومسلم ‪ ،‬كتاب القضية‪ ،‬باب نقض الحكام الباطلة‪ ،‬رقم )‪(1718‬‬
‫)‪ (253‬تقدم تخريجه )‪(372‬‬
‫)‪ (254‬تقدم تخريجه )‪(316‬‬
‫)‪ (255‬تقدم تخريجه )‪(315‬‬
‫)‪ (256‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب كيف التلبية‪ ،‬رقم )‪،(1814‬‬
‫والترمذي ‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما جاء في رفع الصوت بالتلبية‪ ،‬رقم )‪(829‬‬
‫وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ (257‬أخرجه الترمذي ‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب ما جاء ما يقول عند دخول المسجد‪،‬‬
‫رقم ) ‪ ،(314‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب المساجد ‪ ،‬باب الدعاء عند دخول‬
‫المسجد ‪(771) ،‬‬
‫)‪ (258‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصلة ‪ ،‬باب إذا دخل المسلم فليركع ركعتين‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(444‬ومسلم‪ ،‬كتاب صلة المسافرين‪ ،‬باب استحباب تحية المسجد‬
‫بركعتين‪ ،‬رقم )‪(714‬‬
‫)‪ (259‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب من أشار إلى الركن إذا أتى عليه‪ ،‬رقم‬
‫)‪(1612‬‬
‫)‪ (260‬تقدم تخريجه)‪(327‬‬
‫)‪ (261‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما ذكر في الحجر السود‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(1597‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب استحباب تقبيل الحجر السود في‬
‫الطواف‪ ،‬رقم )‪(1270‬‬
‫)‪ (262‬تقدم تخريجه )‪(327‬‬
‫)‪ (263‬أخرجه البخاري‪ ،‬ولفظه‪…)) :‬وكان معاوية يتسلم الركان‪ ،‬فقال له ابن‬
‫عباس رضي الله عنهما‪ :‬إنه ل يستلم هذان الركنان ‪.‬فقال معاوية‪ :‬ليس‬
‫شيء من البيت مهجورًا((‪ .‬وأما الرواية التي ذكرت أن معاوية رضي اله‬
‫عنه رجع إلي قول ابن عبس وقال له‪ :‬صدقت‪ ،‬فقد أخرجها أحمد في‬
‫)) المسند(()‪ (1/217‬وذكرها الحافظ في )) الفتح(( )‪ (3/553‬وعزاها‬
‫لحمد وسكت عليها‪..‬‬
‫)‪ (264‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب التطوع‪ ،‬باب رفع الصوت بالقراءة في صلة‬
‫الليل‪ ،‬رقم )‪ ،(1332‬وأحمد في )) المسند(( )‪.(3/94‬‬
‫)‪ (265‬تقدم تخريجه )‪(325‬‬
‫)‪ (266‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الذان‪ ،‬باب ما يتخير من الدعاء بعد التشهد وليس‬
‫بواجب‪ ،‬رقم )‪ ،(835‬ومسلم كتاب الصلة‪ ،‬باب التشهد في الصلة‪ ،‬رقم‬
‫)‪(402‬‬
‫)‪ (267‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الجمعة‪ ،‬باب تخفيف الصلة والخطبة‪ ،‬رقم )‪(867‬‬
‫)‪ (268‬تقدم تخريجه )‪(132‬‬
‫)‪ (269‬تقدم تخريجه)‪(321‬‬
‫)‪ (270‬تقدم تخريجه )‪(327‬‬
‫)‪ (271‬تقدم تخريجه )‪(132‬‬
‫)‪ (272‬تقدم تخريجه )‪(341‬‬
‫)‪ (273‬تقدم تخريجه )‪(132‬‬
‫)‪ (274‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب من ساق البدن معه‪ ،‬رقم )‪، (1691‬‬
‫ومسلم كتاب الحج‪ ،‬باب وجوب الدم على المتمتع‪ ،..‬رقم )‪(1227‬‬
‫)‪ (275‬تقدم تخريجه)‪(325‬‬
‫)‪ (276‬تقدم تخريجه )‪(360‬‬
‫)‪ (277‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الركوب والرتداف في الحج‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(1544 ،1543‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب استحباب إدامة الحاج التلبية‬
‫حتى يشرع في رمي جمرة العقبة‪ ،‬رقم )‪.(1281‬‬
‫)‪ (278‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب من لم يدرك عرفة‪ ،‬رقم )‪،(1949‬‬
‫والترمذي‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما جاء فيمن أدرك المام بجمع فقد أدرك‬
‫الحج‪ ،‬رقم)‪ ،(899‬والنسائي‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فيمن لم يدرك صلة الصبح‬
‫مع المام بالمزدلفة‪ ،‬رقم )‪ ،(3044‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب )) المناسك(( باب‬
‫من أتى عرفة قبل الفجر ليلة جمع‪ ،‬رقم ‪ ،(3015) ،‬وأحمد في‬
‫)) المسند(( )‪ ،(310، 4/309‬والحاكم في )) المستدرك(( )‪،(1/464‬‬
‫والبيهقي في )) سننه(()‪ ،(5/1116،173‬وقال الترمذي‪ :‬حسن صحيح ‪،‬‬
‫وصححه اللباني في )‪ 0‬الرواء(( رقم )‪(1064‬‬
‫)‪ (279‬تقدم تخريجه)‪(377‬‬
‫)‪ (280‬أخرجه أحمد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬كتاب الفتن‪ ،‬باب ما جاء لتركبن سنن من كان‬
‫قبلكم‪ ،‬رقم )‪(2180‬وقال‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ (281‬تقدم تخريجه)‪(377‬‬
‫)‪ (282‬تقدم تخريجه )‪(162‬‬
‫)‪ (283‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم )‬
‫‪(1218‬‬
‫)‪ (284‬الحبل‪ :‬هو التل اللطيف من الرمل‪.‬‬
‫)‪ (285‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم رقم )‬
‫‪ (1218‬وهو جزء من حديث جابر السابق‪.‬‬
‫)‪ (286‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب النزول بين عرفة وجمع‪ ،‬رقم )‪(1669‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب الفاضة من عرفات إلى مزدلفة‪ ،‬رقم )‪.(1280‬‬
‫)‪ (287‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب من قدم ضعفة أهله بليل‪ ،..‬رقم )‬
‫‪ ،(1676‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب استحباب تقديم دفع الضعفة من‬
‫النساء وغيرهن من مزدلفة إلى مني‪ ،..‬رقم )‪(1295‬‬
‫)‪ (290‬تقدم تخريجه)‪(325‬‬
‫)‪ (291‬تقدم تخريجه)‪(111‬‬
‫)‪ (292‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصلة‪ ،‬باب التوجه نحو ذلك القبلة حيث كان‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(401‬ومسلم‪ ،‬كتاب المساجد ومواضع الصلة‪ ،‬باب السهو في‬
‫الصلة والسجود له‪ ،‬رقم )‪(572‬‬
‫)‪ (294‬تقدم تخريجه )‪(325‬‬
‫)‪ (295‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب سقاية الحاج‪ ،‬رقم )‪ ،(1634‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب الحج‪ ،‬باب وجوب المبيت بمني ليالي أيام التشريق‪ ،‬رقم )‪(1315‬‬
‫)‪ (296‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب في رمي الجمار‪ ،‬رقم )‪،(1975‬‬
‫والترمذي‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب ما جاء في الرخصة للرعاء أن يرموا يوما ً‬
‫ويدعوا يومًا‪ ،‬رقم )‪ ،(955‬والنسائي‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب في رمي الرعاة‪،‬‬
‫رقم )‪ ،(3069 ،3068‬وابن ماجه‪ ،‬كتاب المناسك‪ ،‬باب تأخير رمي الجمار‬
‫من عذر‪ ،‬رقم )‪ ،(3037‬وقال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ (297‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الضاحي‪ ،‬باب سنن الضحية‪ ،‬رقم )‪(1963‬‬
‫)‪ (298‬أخرجه أبو داود‪ ،‬كتاب الضحايا‪ ،‬باب ما يكره من الضحايا‪ ،‬رقم ‪،(02802‬‬
‫والترمذي‪ ،‬كتاب الضاحي‪ ،‬باب ما ل يجوز من الضاحي‪ ،‬رقم )‪،(1497‬‬
‫وابن ماجه‪ ،‬كتاب الضاحي‪ ،‬باب ما يكره أن يضحي به‪ ،‬رقم )‪،(3144‬‬
‫وقال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪.‬‬
‫)‪ (299‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب العتصام ‪ ،‬باب ما يكره من كثرة السؤال‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(7292‬ومسلم‪ ،‬كتاب القضية‪ ،‬باب النهي عن كثرة المسائل من غير‬
‫حاجه‪ ،‬رقم )‪593‬م(‪.‬‬
‫)‪ (300‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب عمرة التنعيم‪ ،‬رقم )‪ ،(1785‬ومسلم‪،‬‬
‫كتاب الحج‪ ،‬باب بيان وجوه الحج‪ ..‬رقم )‪(1216‬‬
‫)‪ (301‬أخرجه مسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(1218‬‬
‫)‪ (302‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الضاحي‪ ،‬باب الذبح بعد الصلة‪ ،‬رقم )‪،(5560‬‬
‫ومسلم‪ ،‬كتاب الضاحي‪ ،‬باب وقتها رقم )‪.(1961‬‬
‫)‪ (303‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الضاحي‪ ،‬باب قول النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫لبي بردة‪ )) :‬ضح بالجذع‪ ((..‬رقم )‪ ،(5556‬ومسلم‪ ،‬كتاب الضاحي‪ ،‬باب‬
‫وقتها‪ ،‬رقم )‪(1961‬‬
‫)‪ (304‬تقدم تخريجه )‪(328‬‬
‫)‪ (305‬تقدم تخريجه )‪(135‬‬
‫)‪ (306‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب فضل الصلة في مسجد مكة والمدينة‪ ،‬باب فضل‬
‫الصلة في مسجد مكة والمدينة‪ ،‬رقم )‪ ،(1189‬ومسلم‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب‬
‫ل تشد الرحال إل إلى ثلثة مساجد‪ ،‬رقم )‪.(1397‬‬
‫)‪ (307‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الصلة في مسجد مكة والمدينة‪،‬باب فضل الصلة‬
‫في مسجد مكة والمدينة ‪ ،‬رقم )‪ ،(11190‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الحج باب فضل‬
‫الصلة في بمسجدي مكة والمدينة‪ ،‬رقم )‪(1394‬‬
‫)‪ (308‬أخرجه البخاري ‪ ،‬كتاب العمرة‪ ،‬باب وجوب العمرة وفضلها‪ ،‬رقم )‬
‫‪ ،(1773‬ومسلم ‪ ،‬كتاب الحج‪ ،‬باب فضل الحج والعمرة ويوم عرفة‪ ،‬رقم )‬
‫‪.(1349‬‬
‫)‪ (310‬أخرجه مسلم ‪ ،‬كتاب الطهارة‪ ،‬باب الصلوات الخمس والجمعة إلي‬
‫الجمعة‪ ،..‬رقم )‪(233‬‬
‫)‪ (311‬تقدم تخريجه في الحديث قبل السابق‪.‬‬
‫)‪ (312‬أخرجه البخاري‪ ،‬كتاب الجمعة في القرى والمدن‪ ،‬رقم )‪ (893‬ومسلم ‪،‬‬
‫كتاب المارة‪ ،‬باب فضيلة المام العادل‪ ،‬رقم )‪(1829‬‬

You might also like