You are on page 1of 38

‫الفصل األول‬

‫مدخل إىل االتصال اإلنساني‬


‫الدكتور ‪ /‬أمحد بن سيف الدين تركستاني‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫متهيد‬
‫اهلدف العام للفصل األول ‪:‬‬
‫يهدف هذا الفصل إىل شرح مفاهيم االتصال اإلنساني للطالب املتدرب‪،‬‬
‫تقرب إىل أذهان الطالب عملية االتصال من شرح‬
‫وتوضيح املسائل العامة اليت ِّ‬
‫عناصره ومكوناته و أنواعه ومناذجه وخصائصه وأغراضه‪ .‬كما يهدف إىل‬
‫توضيح بعض املفاهيم املغلوطة عنه‪ ،‬وكيفية الوصول إىل الكفاءة يف االتصال‬
‫قدر اإلمكان‪.‬‬
‫املهارات املكتسبة من تدريس الفصل األول‪:‬‬
‫يتوقع بنهاية هذا الفصل أن يكون الطالب قادراً على‪:‬‬
‫فهم عملية االتصال وكيف تتم ؟‬ ‫·‬
‫التفريق بني أنواع االتصال املختلفة‪.‬‬ ‫·‬
‫إدراك خصائص االتصال اإلنساني‪.‬‬ ‫·‬
‫معرفة أغراض االتصال اإلنساني‪.‬‬ ‫·‬
‫ادارك املفاهيم املغلوطة‪.‬‬ ‫·‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫أوال‪ :‬تعريف االتصال وطبيعته‬
‫‪Defining Communication and its Nature‬‬

‫االتصال (‪ )communication‬شيء نقوم به يف كل زمان ومكان نلتقي فيه‬


‫بأشخاص‪ ،‬أو نريد أن نوصل معلومة أو فكرة أو أمراً إليهم‪ .‬إنه من أكثر‬
‫األنشطة اليت يقوم بها اإلنسان يف حياته‪ ،‬وبطبيعة احلال أكثر من تناوله‬
‫للطعام والشراب‪ .‬وحيدث االتصال بني الصغار والكبار واألصدقاء واألعداء‬
‫والرجال والنساء مع بعضهم البعض ومع غريهم من البشر‪.‬‬
‫فما هو االتصال ؟ ميكننا ‪ -‬باختصار ‪ -‬أن نقول إنه عملية إنشاء املعاني‬
‫ومشاركة اآلخرين فيها من خالل استخدام الرموز‪ .‬وحيدث االتصال عندما‬
‫يقوم الشخص بإرسال أو استقبال املعلومات واألفكار واملشاعر مع اآلخرين‪.‬‬
‫وهذا األمر ال يشمل اللغة املنطوقة أو املكتوبة فحسب‪ ،‬ولكنه يشمل كذلك‬
‫لغة اجلسد‪ ،‬وأسلوب الشخص يف طريقة تعبريه لآلخرين‪.‬‬
‫ً‬
‫صديقا لك مل تره منذ مدة‪ ،‬فإذا هو يقابلك بابتسامة‬ ‫ميكنك أن تتخيل‬
‫عريضة ويبدؤك بالتحية‪ ،‬ثم يسألك عن سبب زيادة وزنك‪ ،‬وعن سبب انقطاعك‬
‫عن االتصال به فتجيبه مع نظرات منك‪ ،‬وختربه بأن وزنه هو اآلخر قد زاد منذ‬
‫أن رأيته آخر مرة‪ .‬فتتبادالن الضحك وتدعوه للعشاء يف اليوم التالي مع بعض‬
‫أصدقائكما‪.‬‬
‫ثم ختيل حالة أخرى حيث يكون أحد اآلباء بصحبة ابنته الصغرية يف أحد‬
‫األسواق‪ ،‬وعند مرورهما أمام حمل لأللعاب تسحب الطفلة يد أبيها للدخول إىل‬
‫احملل لشراء لعبة رأتها يف واجهة احملل‪ .‬ينظر األب البنته نظرة استغراب ويشري‬
‫هلا بأنه مستعجل لشراء ما جاء من أجله‪ ،‬ويعزز قراره بعدم الشراء بسحب يدها‬
‫قدما دون توقف‪ ،‬مما جيعلها تنخرط يف البكاء‪ .‬كل هذا حصل دون‬ ‫ً‬ ‫للمضي‬
‫أن ينطق أي منهما بكلمة واحدة‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ولك بعد هذا أن تتخيل ما حصل يف إحدى احملاضرات العامة من نقاش‬


‫بني احملاضر وشخص من احلضور مل يتفق مع ما طرحه احملاضر من اآلراء‬
‫ً‬
‫أصواتا‬ ‫والتوجهات ‪ ...‬قاطع الشخص احملاضر أكثر من مرة‪ ،‬وكان يصدر‬
‫مزعجة‪ ،‬ويبدى تذمراً مما يطرح احملاضر مما اضطر احملاضر إىل أن يطلب من‬
‫رجال األمن املوجودين يف القاعة إخراج هذا الشخص املزعج‪.‬‬

‫ً‬
‫مجيعا يف عملية اتصال (‪communication‬‬ ‫األشخاص السبعة السابقون اخنرطوا‬
‫بغض النظر عن مراكزهم االجتماعية وأعمارهم وتوافقهم أو‬ ‫‪)process‬‬
‫اختالفهم مع بعضهم البعض‪.‬‬
‫إن تبادل املعلومات ولغة اجلسد وإبداء املشاعر جيعل البشر ‪ -‬عند اتصاهلم‬
‫‪ -‬ينخرطون يف مجلة من األنشطة ‪:‬‬
‫‪ -1‬نشاط املخ حيث يتعني على املتحدث أو املعرب عن نفسه أن يتذكر ماذا‬
‫قال له الشخص اآلخر أو عرب له عنه‪،‬‬
‫‪ -2‬نشاط نفسي إذ يتعني على كل متصل أن يفهم معاني الكلمات أو‬
‫اإلمياءات وفهم نفسه ونفسيات اآلخرين‪،‬‬
‫‪ -3‬نشاط اجتماعي حيث إن جمرد تبادل املعلومات حيدث يف بيئة‬
‫اجتماعية‪،‬‬
‫‪ -4‬نشاط ثقايف ألن هناك لغة تستعمل يف تبادل املعلومات‪ ،‬واللغة عنصر‬
‫مهم من عناصر الثقافة‪.‬‬
‫ً‬
‫لغويا (كلمة‬ ‫وتبدأ عملية االتصال حينما يقرر شخص ما أن يستخدم رمزاً‬

‫أو إمياءة أو إشارة أو أي شيء يعطى تفسرياً من أصحاب هذه اللغة) إلثارة ٍ‬
‫معان‬
‫معينة لدى شخص أو أشخاص آخرين‪ .‬ونقصد باملعاني أي استجابات داخلية‬
‫خاصة بالشخص من صور ذهنية أو تفسريات أو مشاعر أو مفاهيم كاليت‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫تثريها فينا الكلمات اليت نعرف دالالتها‪ .‬وتكتمل عملية االتصال حينما تتوافق‬
‫تلك االستجابات الداخلية للمعاني املوجودة لدى مستقبل (الرسالة) إىل حد ما‬
‫مع الذي قام باالتصال (منشئ الرسالة)‪.‬‬
‫ولعلنا بهذا الشرح قد وصلنا إىل بداية التعرف على مكونات االتصال‪ ،‬اليت‬
‫يعرضها القسم التالي ‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫ثانيا ‪ :‬عناصر االتصال ومكوناته‬
‫‪Communication Elements and Components‬‬

‫من األمور املهمة لفهم االتصال أنه عملية مستمرة‪ ،‬فالناس ال يفكرون‬
‫فيما كانوا يتصلون بشأنه بعد انتهائه فحسب‪ ،‬بل إنهم يفكرون حال القيام‬
‫باالتصال كذلك‪ .‬فهناك الكلمات واملالبس والبيئة (املكان واجلو النفسي )‬
‫الذي يتم فيه االتصال‪ ،‬وهذه مهمة بالنسبة للمرسل واملستقبل‪ .‬كما أن عملية‬
‫االتصال تتطور وتتغري بشكل ال ميكن أن تتوقع معه ما سيحدث يف اخلطوة‬
‫التالية‪ .‬فاالتصال إذن عملية ديناميكية (نشطة ومتحركة) حتى وإن كانت‬
‫جمرد قراءة يف صحيفة أو استماع إىل املذياع أو مشاهدة للتلفاز‪ .‬كل حالة‬
‫اتصال ‪ -‬مهما كانت فريدة ‪ -‬ال بد أن تشتمل على العناصر اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬املرسل أو القائم باالتصال أو الطرف األول يف االتصال‪.‬‬
‫‪ -2‬الرسالة‪.‬‬
‫‪ -3‬التشويش على الرسالة‪.‬‬
‫‪ -4‬القناة أو الوسيلة‪.‬‬
‫‪ -5‬املستقبل أو الطرف اآلخر يف االتصال‪.‬‬
‫‪ -6‬رجع الصدى أو التغذية الراجعة‪.‬‬
‫‪ -7‬بيئة االتصال أو السياق الذي يتم فيه االتصال‪.‬‬
‫ً‬
‫كال من هذه العناصر على النحو التالي‪:‬‬ ‫وميكن لنا أن نشرح‬
‫‪ )1‬املتصل أو القائم باالتصال أو املرسل (‪:)Sender‬‬
‫شخصا واحداً أو أكثر ممن يقوم بهذا‬
‫ً‬ ‫هو منشئ الرسالة‪ ،‬قد يكون‬
‫األمر يف الوقت نفسه‪ ،‬كما أن املرسل قد يتحول إىل مستقبل والعكس‬
‫كما حيصل يف حالة التقاء الطالب مع األستاذ‪ .‬قد يبدأ األستاذ بإرسال‬
‫رسالة كإلقاء السالم على الطالب ولكن سرعان ما يتحول الطالب‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫لفظيا أو بإشارة منه‪ ( .‬و بهذا يقوم املرسل‬ ‫إىل مرسل فريد على الرسالة‬
‫بتقمص أربعة أدوار يف عملية االتصال‪ :‬يقرر املعنى الذي يريد إيصاله‬
‫ويرمز املعنى يف رسالة (يضع يف كلمات أو إشارات‬
‫إىل الطرف اآلخر‪َّ ،‬‬
‫تسمى رموزاً)‪ ،‬ويرسل الرسالة‪ ،‬ويتصور ويتفاعل مع استجابة املستقبل‬
‫هلذه الرسالة)‪.‬‬
‫وبطبيعة احلال فإن القائمني باالتصال ّ‬
‫يوظفون مهاراتهم االتصالية‬
‫ومعرفتهم ومواقفهم وخلفياتهم االجتماعية والثقافية اليت متيزهم عن‬
‫غريهم‪ .‬وهلذا ختتلف قدرات كل متصل يف استخدام الرموز (اللغة‬
‫اللفظية وغري اللفظية) عن املتصلني اآلخرين‪.‬‬
‫الرتميز ( ‪:) Encoding‬حينما يقرر املرسل ما يريد من رسالته كمجرد نقل‬
‫خرب أو أمر‪ ،‬أو إبراز تأثره بهذا اخلرب أو حنو ذلك فإن عليه أن يضع املعنى‬
‫املراد يف شكل رموز (فيرتجم املعنى بكلمات وأفكار وآراء وأصوات‬
‫وتعبريات جسدية) تؤلف مجيعها الرسالة اليت يرسلها إىل الطرف اآلخر‪.‬‬
‫‪ )2‬الرسالة ( ‪: ) Messag‬‬
‫الرسالة هي‪ :‬جمموع الكلمات والقواعد اللغوية واألفكار‪ ،‬والشكل‬
‫الظاهر للمتصل‪ ،‬وحركات اجلسم والصوت‪ ،‬وجوانب الشخصية اليت‬
‫تربز للطرف اآلخر‪ ،‬كما أنها تشمل االنطباع والذي يعطيه اإلنسان عن‬
‫نفسه ( واثق‪ ،‬خائف‪ ،‬مرتدد‪ ... ،‬اخل) وأسلوبه يف التعبري ‪.‬‬
‫يرسل للطرف اآلخر ليستثري عنده‬ ‫ً‬
‫دافعا َ‬ ‫وتشكل الرسالة يف جمملها‬
‫استجابة معينة بنا ًء على طبيعة الرسالة وكيفية استقباهلا‪ .‬وتتشكل‬
‫ً‬
‫أيضا بطبيعة التشويش الذي حيصل هلا والبيئة اليت تتم فيها‪.‬‬ ‫الرسالة‬
‫مقطب اجلبني فإن الرسالة‬‫فإذا قال األب البنه‪ :‬اذهب إىل حيث تريد وهو ِّ‬
‫ال تعين بالضرورة املوافقة على الذهاب‪ ،‬ولكنها رمبا تعين التهديد أو‬
‫عدم الرضا عن الذهاب‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫وباملناسبة فإن كل رسالة فريدة يف ذاتها‪ .‬فالرسالة الواحدة إذا ما أعيد‬


‫إرساهلا مرة أخرى أو مرات فإنها ستتغري يف كل مرة ألنه ال ميكن ألي‬
‫رسالة أن يعاد إرساهلا أو استقباهلا بطريقة متطابقة على اإلطالق‪.‬‬
‫‪ )3‬التشويش على الرسالة ( ‪: ) Noise or Interference‬‬
‫كل ما يغري املعنى املراد من أي رسالة يسمى تشويشا عليها‪ .‬وقد يكون‬
‫خارجيا ً‬
‫ماديا كأصوات أبواق السيارات أو صوت املذياع‬ ‫ً‬ ‫مصدر التشويش‬
‫املرتفع‪ .‬وهذا املصدر موجود بدرجة ما يف كل بيئة اتصالية‪ ،‬فرائحة‬
‫املكان غري املرحية‪ ،‬أو درجة حرارة اجلو‪ ،‬أو رائحة العطر الفواحة‪ ،‬أو‬
‫األمور امللفتة للنظر يف املتحدث كرائحة إبطيه أو تعثر كلماته أو درجة‬
‫سرعة حديثة‪ ،‬أو مالبسه األنيقة جداً‪ ،‬أو شكله اخلارجي كلها مصادر‬
‫خارجية للتشويش على الرسالة‪.‬‬
‫ كما أن هناك مصدراً آخر للتشويش هو املصدر الداخلي والنفسي‪،‬‬
‫فاألفكار اليت تدور يف رأس املتحدث تؤثر بال شك يف استقبال أو إرسال‬
‫الرسالة‪ ،‬وكذلك فإن التحدث بصوت منخفض جداً أو مرتفع جداً قد‬
‫نفسيا ً‬
‫بالغا على املستمع‪ .‬واألمر قد ال يقتصر على جمرد‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫تشويشا‬ ‫حيدث‬
‫التشويش‪ ،‬بل قد يؤدي إىل تشويه الرسالة وسوء فهمها‪.‬‬
‫ وبذلك فإن التشويش هو كل ما يشوش أو يشوه وضوح الرسالة ودقتها‬
‫ومعناها وفهمها وتذكرها‪.‬‬
‫‪ )4‬الوسيلة أو القناة احلاملة للرسالة (‪: )Channel or Medium‬‬
‫الوسيلة هي الطريق الذي متر من خالله الرسالة بني املرسل واملستقبل‪.‬‬
‫والقنوات الطبيعية لنقل الرسائل هي موجات الضوء والصوت اليت متكننا‬
‫من رؤية اآلخرين ومساعهم‪.‬‬
‫ولكن هناك وسائل عدة يستخدمها الناس يف نقل رسائلهم كالكتب‬
‫والصحف واجملالت واألفالم والبث اإلذاعي والتلفازي واألشرطة السمعية‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫والبصرية والصور واهلواتف واحلواسيب اآللية وغريها‪.‬‬


‫ وميكننا نقل رسائلنا واستقباهلا من خالل الشم واللمس والذوق‪.‬‬
‫وقد نأخذ احلواس اخلمس على أنها مسلمات متاحة لكل منا‪ .‬ولكن‬
‫ميكننا ختيل وضعنا لو كنا ال نستطيع شم رائحة العود الزكية وال‬
‫الطعام الشهي الذي يقدم لنا‪ ،‬أو ال نستطيع اإلحساس مبا يوفره لنا ملس‬
‫األشياء ومعرفة درجة نعومتها أو حرارتها ‪ ...‬إخل‪.‬‬
‫‪ )5‬املستقبل أو الطرف اآلخر يف االتصال‪: )Receiver( .‬‬
‫يقوم املستقبل بتحليل الرسائل وتفسريها وذلك برتمجتها إىل معان معينة‪.‬‬
‫وقد يكون املستقبل فرداً أو مجاعة أو حتى منظمة كربى‪ .‬واملستقبل‬
‫‪ -‬كما سبق التوضيح ‪ -‬قد يتحول إىل مرسل ومستقبل يف آن واحد؛ ذلك‬
‫أن مهمة املستقبل تتلخص يف ثالثة أمور‪ :‬استقبال الرسالة‪ ،‬وفك رموز‬
‫الرسالة وحتويلها إىل معان واالستجابة للرسالة‪ .‬وهنا ال بد من شرح معنى‬
‫فك الرموز يف الرسائل من قبل املستقبلني هلا‪.‬‬
‫فك الرتميز ( ‪ : ) Decoding‬سبقت اإلشارة إىل أن الرسالة تتضمن رموزاً‬
‫لفظية أو غري لفظية الستثارة معينة لدى املستقبل‪ ،‬ومبا أن الرسائل ال‬
‫دائما بطريقة واحدة لدى كل املستقبلني فإن كل‬ ‫ً‬ ‫ميكن تفسريها‬
‫مستقبل سيقوم مبعاجلة الرسالة يف ذهنه ويقارنها بالرسائل والتجارب‬
‫السابقة ليكتشف ماذا تعنى له‪ً .‬‬
‫وتبعا خللفية املستقبل وجتاربه فإن تلك‬
‫الرموز إذا مل يصاحبها توافق مع خربات املرسل أو صاحبه التحيز فإن‬
‫تفسري الرسالة قد يأتي بغري النتائج املرغوبة‪.‬‬
‫‪ )6‬رجع الصدى أو التغذية الراجعة (‪ : )Feedback‬‬
‫رجع الصدى هو عنصر آخر مهم من عناصر االتصال ويتمثل يف االستجابة‬
‫اليت يرسلها املستقبل إىل املصدر‪ .‬وتتأكد أهمية رجع الصدى يف إفادة‬
‫املرسل عما إذا كانت الرسالة قد وصلت وفهمت كما أرادها هو‪ .‬وإلعطاء‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫املعاني الصحيحة بدقة فإن على املرسل أن يصحح الرسائل غري املناسبة‬
‫وسوء الفهم لدى املستقبل وأن يعيد إرسال ما مل يصل من الرسائل إليه‪.‬‬
‫إن رجع الصدى عملية آنية تتم من خالل إرسال املستقبل استجابات (رجع‬
‫صدى) جلعل املرسل يعرف أثر رسالته ومدى وصول املعنى املطلوب منها‬
‫إىل املستقبل‪ .‬وهذا يعطينا قدر ًة على التكيف مع بيئة االتصال والتعرف‬
‫على أنفسنا أكثر حينما نرسل رسائل إىل اآلخرين مما جيعل االتصال‬
‫حبق عملية مشرتكة بني املرسل واملستقبل‪ .‬وكلما زادت االستجابات‬
‫(رجع الصدى أو التغذية الراجعة) كان ذلك أدعى لتعزيز املعلومات يف‬
‫الرسالة‪.‬‬
‫‪ )7‬بيئة االتصال والسياق الذي يتم فيه‬
‫(‪)Communicational Environment and Context‬‬
‫يعنى هذا اجلو العام املتمثل يف احمليط النفسي واملادي الذي حيدث فيه‬
‫االتصال‪ .‬وتشمل البيئة املواقف واملشاعر والتصورات والعالقات بني‬
‫املتصلني وكذلك خصائص املكان مثل سعته‪ ،‬وألوانه‪ ،‬وترتيبه‪ ،‬ودرجة‬
‫احلرارة فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫فمثال‬ ‫وال شك يف أن بيئة االتصال تؤثر على طبيعة االتصال ومدى جودته‪.‬‬
‫حيتاج إلقاء درس علمي إىل بيئة هادئة مناسبة وليس إىل بيئة صاخبة‬
‫مزعجة‪.‬‬
‫كما أن السياق الذي يتم فيه االتصال (هل اتصالنا باآلخرين رمسي أو‬
‫عادي‪ ،‬هل هو ثنائي أو يف جمموعة صغرية أو كبرية ‪ ...‬إخل ) يتطلب‬
‫منا حتديد ما نقول وما نفعل‪ .‬فاحلديث مع الوالدين خيتلف عن احلديث‬
‫واالتصال مع الزمالء أو مع الغرباء‪ ... ،‬وهكذا‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬أنواع االتصال‬
‫‪Communication Types‬‬

‫يتحدد نوع االتصال بناء على عدد األشخاص الذين يشرتكون فيه‪ً .‬‬
‫وتبعا لذلك‬
‫فإن هناك مخسة أنواع من االتصال‪ :‬االتصال الذاتي ‪ -‬واالتصال الشخصي ‪-‬‬
‫واالتصال اجلمعي ‪ -‬واالتصال اجلماهريي‪ -‬واالتصال بني الثقافات‪ .‬وسنشرحها‬
‫فيما يلي‪:‬‬
‫‪ )1‬االتصال الذاتي (‪: )Intrapersonal Communication‬‬
‫هذا النوع من االتصال حيدث لكل منا حينما نتحدث مع أنفسنا‪ .‬ويتعلق‬
‫هذا باألفكار واملشاعر واملظهر العام ـ كما نراه وحنس به ـ يف ذواتنا‪ .‬ومبا أن‬
‫االتصال يرتكز يف داخل اإلنسان وحده‪ ،‬فإنه هو املرسل واملستقبل يف الوقت‬
‫نفسه‪ .‬وتتكون الرسالة من األفكار واملشاعر‪ ،‬كما أن وسيلة االتصال هي‬
‫املخ الذي يرتجم األفكار واملشاعر ويفسرها‪ ،‬وهو نفسه الذي يصدر رجع‬
‫الصدى عندما يقلّب املرء األفكار واملشاعر فيقبل بعضها ويرفض البعض‬
‫اآلخر أو يستبدهلا بغريها‪.‬‬
‫ً‬
‫منزعجا‬ ‫ً‬
‫مطمئنا أو‬ ‫ويتأثر االتصال الذاتي باالتصال مع اآلخرين حيث يبدو املرء‬
‫من عالقاته باآلخرين حسب حسن هذه العالقات أو سوءها‪ .‬ويرتجم هذا من‬
‫خالل االتصال الذاتي بالتفكري فيما حدث من حلظات سعيدة أو مشكالت‬
‫نتج عنها خصام أو توتر يف العالقة مع اآلخرين‪.‬‬
‫‪ )2‬االتصال الشخصي (‪: )Interpersonal Communication‬‬
‫حيدث االتصال الشخصي حينما يتصل اثنان أو أكثر مع بعضهم البعض‬
‫عادة يف جو غري رمسي‪ ،‬لتبادل املعلومات وحلل املشكالت ولتحديد التصورات‬
‫عن النفس واآلخرين‪ .‬ويشمل االتصال الشخصي نوعني رئيسني هما‪ :‬االتصال‬
‫الثنائي واالتصال يف جمموعات صغرية‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫عادة احملادثة بني شخصني كما حيصل‬ ‫(‪)dyadic‬‬ ‫ويشمل االتصال الثنائي‬
‫بني األصدقاء‪ .‬و يف هذا اإلطار يرسل ويستقبل كل من االثنني رسائل من‬
‫خالل اللغة اللفظية واللغة غري اللفظية معتمداً على الصوت والرؤية يف نقل هذه‬
‫الرسائل‪ .‬وهنا يتحقق للمتصل أكرب قدر من التفاعل ورجع الصدى‪ ،‬كما يقل‬
‫التشويش نظراً ملعرفة كل طرف منهما بظروف االتصال ولديه الفرصة للتأكد‬
‫من وصول الرسالة وفهمها كما يريد‪.‬‬
‫ويف االتصال من خالل اجملموعات الصغرية اليت ال تتعدى أفراداً قالئل تتحقق‬
‫للمشارك فرصة االتصال والتفاعل مع أعضاء اجملموعة‪ .‬ونظراً لوجود جمموعة‬
‫من املرسلني واملستقبلني يف آن واحد‪ ،‬فإن عملية االتصال تصبح أكثر تعقيداً‬
‫من االتصال الثنائي‪ ،‬كما تزيد فرصة االرتباك وعدم الوضوح وزيادة التشويش‬
‫على الرسائل‪.‬‬
‫‪ )3‬االتصال اجلمعي (‪: )Group Communication‬‬
‫يف االتصال اجلمعي تنتقل الرسالة من شخص واحد (متحدث) إىل عدد من‬
‫األفراد يستمعون‪ ،‬وهو ما نسميه باحملاضرة أو احلديث العام أو اخلطبة أو‬
‫الكلمة العامة‪ .‬وحيدث هذا عادة من خالل احملاضرات الدينية أو التوجيهية‬
‫أو التجمعات اجلماهريية أو املظاهرات السياسية وكلمات الرتحيب والتأبني‪،‬‬
‫واحلديث يف األماكن العامة إىل عدد قليل أو كثري من الناس‪.‬‬
‫وعادة ما يتميز االتصـال اجلمعي بالصبغة الرمسية وااللتزام بقواعـد اللغة‬
‫ً‬
‫غالبا للمستمعني أن يقاطعوا املتحـدث‪ ،‬وإمنا‬ ‫ووضوح الصـوت‪ .‬وال ميكن‬
‫ميكنهم التعبري عن موافقتهم أو عـدم موافقتهم ( بالتصفيق أو هز الرأس‪ ،‬أو‬
‫باملقابل باإلعراض عنه أو إصدار أصوات تعرب عن عدم الرضا عن حديثه )‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ )4‬االتصال اجلماهريي (‪: )Mass Media Communication‬‬


‫حيدث االتصال اجلماهريي من خالل الوسائل اإللكرتونية كاإلذاعة والتلفاز‬
‫واألفالم واألشرطة املسموعة واإلنرتنت والصحف واجملالت والكتب‪ .‬وتشمل‬
‫وسائل االتصال اجلماهريي كذلك وسائط االتصال املتعددة كاألقراص‬
‫املضغوطة واألقراص املرئية وحنوها‪ .‬وهذا يعين أن الرسالة يقصد بها الوصول‬
‫إىل عدد غري حمدود من الناس‪ .‬ورغم كثرة استخدامنا لوسائل االتصال‬
‫اجلماهريي إال أن فرص التفاعل بني املرسل واملستقبل قليلة أو منعدمة يف أكثر‬
‫األحيان‪.‬‬
‫ولقد مكنت الوسائل اإللكرتونية احلديثة‪ ،‬مثل آالت التصوير الرقمية ووسائل‬
‫الربيد اإللكرتوني واهلاتف املرئي وحنوها‪ ،‬التواصل بني الناس على نطاق واسع‬
‫وموصلة بني الثقافات املختلفة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫متجاوزة احلدود اجلغرافية والسياسية‬
‫‪ )5‬االتصال الثقايف (‪: )Intercultural Communication‬‬
‫الثقافة هي جمموع القيم والعادات والرموز اللفظية وغري اللفظية اليت يشرتك‬
‫فيها مجع من الناس‪ .‬وتتفاوت الثقافات فيما بينها يف هذه القيم والعادات والرموز‬
‫حسب تاريخ الشعوب وأوضاعها االجتماعية واالقتصادية والسياسية‪ ،‬كما أن‬
‫الثقافة الواحدة قد يكون بها أكثر من ثقافة صغرى‪ .‬يشرتك العرب ً‬
‫مثال يف‬
‫ثقافة واحدة واسعة‪ ،‬ولكن كل بلد عربي له ثقافة مميزة‪ ،‬كما أن كل بلد‬
‫قد يكون به أكثر من ثقافة صغرى تتميز بها عن بقية الثقافات املوجودة يف‬
‫ذلك البلد‪ ،‬وذلك رغم اشرتاك هذه الثقافات يف أمور جامعة ووجود اختالفات‬
‫تكرب أو تصغر بينها‪.‬‬
‫وحيدث االتصال الثقايف حينما يتصل شخص أو أكثر من ثقافة معينة‬
‫بشخص أو أكثر من ثقافة أخرى‪ .‬وحينئذ البد أن يعي املتصل اختالف العادات‬
‫والقيم واألعراف وطرق التصرف املناسب‪ .‬وإذا غاب هذا الوعي‪ ،‬فإنه سينتج‬
‫عن االتصال قدر من سوء الفهم‪ .‬على سبيل املثال‪ ،‬لو أنك سرت يف مكان عام‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫ممسكا بيد صديقك فسيظن الغربيون أنكما‬ ‫يف الواليات املتحدة األمريكية‬
‫من اجلنس الثالث بينما ال يرى الناس يف امللكة العربية السعودية ذلك ً‬
‫عيبا‪ ،‬بل‬
‫هو عالمة على محيمية الصلة بينكما‪.‬‬
‫وميثل الشكل التالي أنواع االتصال األربعة األوىل ( الذاتي والشخصي‬
‫واجلمعي واجلماهريي )‪ .‬أما االتصال الثقايف فإنه قد يأتي على أي ٍّمن هذه‬
‫األنواع‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫الذات‬

‫االت�صال الذاتي‬

‫ال�شخ�ص أ�‬ ‫ال�شخ�ص أ�‬


‫االت�صال ال�شخ�صي (الثنائي )‬

‫ال�شخ�ص ب‬ ‫ال�شخ�ص أ�‬

‫ال�شخ�ص د‬ ‫ال�شخ�ص ج‬
‫االت�صال ال�شخ�صي (يف جمموعات �صغرية )‬

‫املتحدث‬

‫فرد‬ ‫فرد‬ ‫فرد‬

‫فرد‬ ‫فرد‬
‫االت�صال اجلمعي‬
‫الر�سالة الفردية‬
‫الر�سالة الثنائية‬

‫شكل (‪ : )1‬منوذج أنواع االتصال األساس‬


‫امل�صدر‪ ( :‬يرجع �إليه من كتابكم امل�صور لعدم وجود �صورة غالف الكتاب )‬
‫‪( Basic Principles of Communication 1, P. 17 : ( Part‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫رابعا‪ :‬مناذج االتصال‬
‫‪Communication Models‬‬

‫ميكننا وصف عملية االتصال باستخدام النماذج اليت تصور كيفية حدوث‬
‫هذه العملية‪ .‬والنموذج عبارة عن مبسط لعملية االتصال يعرض على هيئة رسم أو‬
‫شكل يبني عناصر االتصال وتسلسلها والعالقة بينها‪ .‬والنماذج ذات فائدة كربى‬
‫ألنها تصور املوضوع املطروح بطريقة مرتبة توضح أبعاده بشكل مبسط‪.‬‬
‫ويف هذا اإلطار سنجد أن الباحثني قد طوروا ثالثة مناذج رئيسة هي على‬
‫النحو اآلتي‪:‬‬
‫أ) النموذج اخلطي أو أحادي االجتاه (‪: )Linear Model‬‬
‫قبل قرابة ستني ً‬
‫عاما نظر الباحثون إىل االتصال على أنه أمر يفعله شخص‬
‫لشخص آخر‪ .‬وبهذا يشبه االتصال إعطاء حقنة يف اجلسد‪ :‬حيث يقوم املرسل‬
‫بوضع أفكاره ومشاعره يف رسالة‪ ،‬ثم حيقنها من خالل وسيلة معينة (حديث‪،‬‬
‫رسم‪ ،‬كتابة ‪ ...‬إخل) إىل مستقبل يقوم بنقل رموزها بطريقة تشبه ما أراده‬
‫املرسل‪ .‬وإذا ما قدر للرسالة أن متضي من غري (تشويش) يف خط واحد مستقيم‬
‫فإنه قد كتب هلا النجاح‪.‬‬
‫قد يبدو هذا النموذج يسرياً‪ ،‬ولكنه البداية لفهم عملية االتصال‪ .‬وميكننا‬
‫رؤية هذا النموذج من خالل الشكل التالي‪:‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫القناة‬ ‫القناة‬
‫امل�ستقبل‬ ‫الر�سالة‬ ‫املر�سل‬
‫الو�سيلة‬ ‫الو�سيلة‬

‫فك‬ ‫لرتميز‬
‫الرتميز‬

‫الت�شوي�ش‬ ‫الت�شوي�ش‬ ‫الت�شوي�ش‬ ‫الت�شوي�ش‬

‫شكل ‪ 2‬منوذج االتصال أحادي االجتاه‬

‫ً‬
‫رجال أو امرأة‪ ،‬واملستقبل قد يكون أحدهما‪ .‬وحينما يبدأ‬ ‫املرسل قد يكون‬
‫باالتصال خيتار رموزاً معينة ( لغة لفظية مثل عبارة السالم عليكم‪ ،‬أو لغة غري‬
‫ً‬
‫مجيعا‪ ،‬إضافة إىل ابتسامة‬ ‫لفظية مثل اإلشارة باليد للتحية‪ ،‬وقد يكون بهما‬
‫من الوجه )‪ .‬هذه الرموز متثل الرسالة اليت ترسل للمستقبل الذي عليه أن يفك‬
‫ً‬
‫تشويشا قد‬ ‫رموز الرسالة (حيللها ويفهمها) ليتحقق االتصال‪ .‬الحظ أن هناك‬
‫حيدث للرسالة‪ ،‬وهذا التشويش يشمل أموراً خارجية كأصوات لعب األوالد أو‬
‫مكيف اهلواء أو رائحة الدخان يف مكان مزدحم‪ .‬هذا التشويش سيؤثر على‬
‫الرسالة بكل تأكيد‪ .‬ويشمل التشويش أموراً نفسية لكل من املرسل واملستقبل‬
‫حبسب حاله من الرضا أو الغضب أو املوقع االجتماعي الذي يفسر الرسالة على‬
‫أنها من أعلى إىل أسفل أو العكس‪ ،‬وهكذا‪ .‬ومن أنواع التشويش التشويش‬
‫العضوي الذي يعين أن هناك عوامل بيولوجية تؤثر على الرسالة‪ ،‬مثل ضعف‬
‫السمع أو املرض أو التعب البدني‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫املصدر بتصرف يسري ‪Adler, Ronald B. and Lawrence B. Rosenfeld and Neil Towne. Interplay: the Process of ) :‬‬
‫‪.Interpersonal Communication. Sixth Edition. Harcourt Brace College Publishers. 1995,. P. 9‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ب) النموذج التبادلي ( أو ثنائي االجتاه ) ( } ‪Interactive { Dual‬‬


‫‪)Model‬‬
‫النموذج ذو االجتاه الواحد لتفسري عملية االتصال سهل الفهم إال أنه ال يعكس‬
‫العملية االتصالية بدقة‪ .‬فمن ناحية ال ميكن القول بأن االتصال يسري يف اجتاه‬
‫واحد (من املرسل إىل املستقبل)؛ إذ يسهل علينا أن نرى أن معظم حاالت االتصال‬
‫‪ -‬خاصة يف االتصال بني شخصني أو جمموعة صغرية من الناس ‪ -‬تسري يف‬
‫اجتاهني‪ .‬لقد كان النموذج السابق (ذو االجتاه الواحد) يتجاهل رجع الصدى‬
‫ورد الفعل من املستقبل جتاه ما يستقبله من رسائل‪ ،‬ثم يقوم بإرسال رسائل‪،‬‬
‫وهكذا يتحول من مستقبل إىل مرسل ثم إىل مستقبل يف وقت قصري جداً‪ ،‬بل‬
‫حتى يف الوقت نفسه‪ .‬ميكن لنا أن نتصور كيف يتفاعل شخص مع خرب عن‬
‫زواج أحد أصدقائه‪ ،‬حيث يتفاعل املستقبل مع اخلرب‪ ،‬وتظهر أسارير الفرح على‬
‫وجهه حتى قبل إمتام اخلرب‪ ،‬ثم يرسل رسالة لفظية مستفسراً عن وقت الزواج‪،‬‬
‫ً‬
‫سريعا أنه كان ليلة البارحة‪ ،‬فيتحول الفرح إىل نوع من العتاب‬ ‫فيأتيه اجلواب‬
‫ً‬
‫مرسال‬ ‫على عدم معرفته‪ ،‬وهكذا تتداخل الرسائل‪ ،‬ويصبح كل من الطرفني‬
‫ً‬
‫ومستقبال يف آن واحد‪ .‬بل حتى خالل استقبال الرسالة يقوم كل منا بتفسري‬
‫الرسالة والتفكري بشأنها‪ ،‬وهذا ما يفسر اختالف التفسريات للرسالة الواحدة‬
‫بني الناس‪ .‬‬
‫ومن ناحية أخرى يفرتض منوذج االجتاه الواحد أن كل رسالة جيري ترميزها‬
‫وفك رموزها‪ ،‬وأن هذه عملية جتري بوعي وعن قصد‪ .‬ولكن الواقع أن ً‬
‫كال من‬
‫املرسل واملستقبل قد يرسالن رسائل دون وعي منهما‪ ،‬فال يعيان ما يصدر عنهما‬
‫من رموز غري لفظية كتعبريات الوجه واإلشارات ودرجة الصوت وحنوها‪ ،‬وقد‬
‫يفوتهما فك الرموز (التفسري) للرسائل اليت يرسلها املتحدث أو القائم باالتصال‪.‬‬
‫ومن هنا يكون من املناسب إبدال مسألة الرتميز وفك الرموز بالسلوك االتصالي‬
‫الذي يشمل األفعال القصدية وغري القصدية لالتصال‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫الر�سالة‬

‫ال�سلوك‬ ‫ال�سلوك‬
‫ال�شخ�ص ( أ� )‬ ‫اال�صلي‬ ‫ال�شخ�ص ( أ� )‬
‫اال�صلي‬

‫الر�سالة‬

‫الت�شوي�ش‬ ‫الت�شوي�ش‬ ‫الت�شوي�ش‬

‫شكل ‪ 3-‬منوذج االتصال التبادلي (يف اجتاهني)‬

‫يف هذا النموذج يقوم كل من الطرفني (الشخص أ والشخص ب) باإلرسال‬


‫واالستقبال للرسائل‪ .‬ولقد عربنا عن قيامهما بالرتميز وفك الرموز بالسلوك‬
‫االتصالي حيث يرسل الرسائل بقصد أو بدون قصد‪ ،‬ويفسر الرسائل ويفك‬
‫رموزها وهو غري منتبه هلا‪ ,‬ويف كال احلالني جند أن التشويش يصاحب مرحلة‬
‫إرسال الرسائل واستقباهلا مما يؤثر على كفاءة االتصال وفعاليته‪.‬‬

‫املصدر بتصرف يسري‪Adler, Ronald B. and Lawrence B. Rosenfeld and Neil Towne, Interplay: the Process of :‬‬
‫‪.Interpersonal Communication. Harcourt Brace College Publishers. 1995, Sixth Edition. P. 11‬‬
‫و كـذلك‪Dimbleby, Richard and Graeme Burton. More Than Words: An Introduction to :‬‬
‫‪.Communication. Routledge: New York, 1998. P. 34‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ج) منوذج االتصال التفاعلي (‪: )Interactive Model‬‬


‫ً‬
‫كال من النموذجني‬ ‫نظراً ألن عملية االتصال معقدة أكثر مما نتصور فإن‬
‫يقصر عن التفسري الكامل هلذه‬
‫السابقني (ذي االجتاه الواحد وذي االجتاهني) ُ‬
‫العملية‪ .‬فاالتصال يعتمد على البيئة اليت يتم فيها سواء كانت بيئة مادية أو‬
‫اجتماعية أو ثقافية‪ .‬كما أنه يعتمد على العوامل النفسية والذاتية لكل من‬
‫طريف االتصال‪.‬‬
‫وحياول منوذج االتصال التفاعلي أن يشمل كافة عناصر االتصال الفاعلة‬
‫كبيئة االتصال‪ ،‬ورجع الصدى‪ ،‬وما سبق االتصال‪ ،‬وما جاء بعده من سلوك‬
‫اتصالي أو غريه‪ .‬و هذه طبيعة العالقات االجتماعية‪ ،‬حيث إنها ال تنتهي‪ ،‬بل‬
‫ينبين بعضها على بعض‪ ،‬فمدح أبيك لك على عمل قمت به هو نتاج أمور أخرى‬
‫ً‬
‫صحيحا‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫قمت بها وموقف إجيابي منك‪ ،‬وقد يكون العكس‬
‫الطبيعة التفاعلية لالتصال تشرح لنا طبيعة التأثري املتبادل الذي حيدث عندما‬
‫نتفاعل مع بعضنا البعض‪ ،‬ألن االتصال ليس ما يفعله شخص لشخص ولكنه‬
‫ما يفعله شخص مع شخص‪ ،‬فاالتصال يعتمد على العالقة مع الطرف اآلخر‪،‬‬
‫وكلما كان الطرف اآلخر أكثر مهارة يف االتصال كانت فرص النجاح فيه‬
‫أكرب‪.‬‬
‫ويشرح النموذج التالي هذه الطبيعة التفاعلية لالتصال اليت تشمل التبادل بني‬
‫طريف االتصال والبيئة االتصالية‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫الر�سالة‬
‫الرتميز‬ ‫الرتميز‬
‫القناة‬

‫امل�ستقبل‬ ‫املر�سل‬
‫فك‬ ‫الر�سالة‬ ‫فك‬
‫الرموز‬ ‫الرموز‬
‫القناة‬

‫رجع‬
‫ال�صدى‬

‫شكل ‪ 4-‬منوذج االتصال التفاعلي‬

‫البيئة العامة‬
‫( املادة واالجتماعية والثقافة ) لالتصال‬

‫‪Dimbleby, Richard and Graeme Burton. More Than Word An Introduction to :‬‬
‫‪.Communication. Routledge: New York, 1998. P. 35‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫خامسا‪ :‬خصائص االتصال‬
‫‪Communication Characteristics‬‬

‫االتصال عملية متشابكة العناصر حيث إنها متتلئ بالرموز اللفظية وغري‬
‫اللفظية اليت يتبادهلا املرسل (املرسلون) واملستقبل (املستقبلون) يف ظل اخلربات‬
‫الشخصية و اخللفيات والتصورات والثقافة السائدة لكل متصل‪ .‬وال ميكن أن‬
‫يتطابق تفاعالن (خالل عملية االتصال) تطابقا تاما ألن كل حالة اتصال فريدة‬
‫ومستقلة بذاتها وظروفها وسياقها‪ .‬ولذلك البد من معرفة خصائص االتصال‬
‫اليت تعرب عن ديناميكيته أو حركته النشطة التفاعلية الدائبة‪.‬‬
‫‪ -1‬االتصال عملية مستمرة (‪)continuous process‬‬
‫نظراً ألن االتصال يشتمل على سلسلة من األفعال اليت ليس هلا بداية أو نهاية‬
‫حمددة فإنها دائمة التغري واحلركة‪ .‬ولذلك يستحيل على املرء أن ميسك بأي‬
‫اتصال ويوقفه ويقوم بدراسته‪ ،‬ولو أراد أن يفعل ذلك لتغري االتصال‪ .‬إن االتصال‬
‫متاما كما هو ألنه مبين على عالقات متداخلة بني الناس‬ ‫ً‬ ‫ال ميكن إعادته‬
‫وبيئات االتصال واملهارات واملواقف والتجارب واملشاعر اليت تعزز االتصال يف‬
‫وقت حمدد وبشكل حمدد‪.‬‬
‫ً‬
‫متكامال (‪)complete system‬‬ ‫ً‬
‫نظاما‬ ‫‪ -2‬االتصال يشكل‬
‫ً‬
‫مجيعا حينما تتفاعل مع بعضها‬ ‫يتك ّون االتصال من وحدات متداخلة‪ ،‬وتعمل‬
‫البعض من مرسل ومستقبل ورسائل ورجع صدى وبيئة اتصالية‪ .‬وإذا ما غابت‬
‫بعض العناصر أومل تعمل بشكل جيد فإن االتصال يتعطل أو يصبح بدون التأثري‬
‫املطلوب‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -3‬االتصال تفاعلي وآني ومتغري ‪interactive, timely and ever-( :‬‬


‫‪)changing‬‬
‫االتصال نشاط ينبنى على التفاعل مع اآلخرين حيث يقوم الشخص باإلرسال‬
‫واالستقبال يف الوقت نفسه‪ .‬ال ميكن أن يتصل شخص بآخر ثم ينتظر اآلخر‬
‫حتى وصول الرسالة ثم يقوم بإرسال رسالة إليه أو يستجيب لرسالته‪ .‬إننا عادة‬
‫ً‬
‫فمثال‬ ‫ما نرسل رسائل إىل اآلخرين حتى قبل أن يكتمل إرسال رسائلهم إلينا‪.‬‬
‫حيدثك شخص عن حصول حادث سري لصديق لكما‪ ،‬وإذا بك قبل أن يكمل‬
‫قصة حدوث احلادث تظهر عالمات احلزن عليك‪ ،‬ورمبا نزلت منك دمعة أمل‬
‫وهو مازال مستمراً يف حديثه‪ .‬وبالتالي يستجيب هو لتأثرك فيختصر القصة‪،‬‬
‫وقد يبدأ بتطمينك عليه وأنه خبري‪ .‬وهكذا تتداخل الرسائل وتتفاعل وتتغري‬
‫بسرعة وآنية‪.‬‬
‫ً‬
‫غالبا (‪)mostly irreversible‬‬ ‫‪ -4‬االتصال غري قابل للرتاجع أو التفادي‬
‫إذا ما قدِّر لشخص أن يرغب يف الرتاجع عن االتصال بعد حدوثه‪ ،‬فإنه ال‬
‫ميكنه ذلك‪ .‬قد يستطيع التأسف أو االعتذار أو إصالح ما أفسده االتصال أو‬
‫حتى نسيان االتصال‪ .‬ولكن ال ميكن مسحه أو الظن بأنه مل حيدث‪ .‬هناك‬
‫كتبت‪ ،‬وقبل إرساهلا‬ ‫بعض االستثناءات مما يكون قد أعد لالتصال كرسالة ُ‬
‫َ‬
‫املرسل إليه ميكن إبقاؤها ولكن يف حاالت قليلة وحمدودة‪ .‬ومبا أن االتصال‬ ‫إىل‬
‫ال ميكن الرتاجع عنه‪ ،‬فإنه ينبين على التفاعالت السابقة والتاريخ املشرتك بني‬
‫أطراف االتصال‪ .‬إذا اتصلت بأحد املطاعم عدة مرات للحصول على نوع معني‬
‫ً‬
‫غالبا لن تعيد االتصال للغرض نفسه‪.‬‬ ‫من الطعام ومل جتده‪ ،‬فإنك‬
‫وكما أن الرتاجع عن االتصال غري ممكن غالبا فإنه ال ميكن تفاديه يف‬
‫كثري من احلاالت خاصة يف االتصال الشخصي‪ .‬إذا ما تفادى أحدنا االتصال‬
‫من جانب أصدقائه ‪ -‬مع رغبتهم فيه ‪ -‬فإن ذلك قد يؤدي إىل آثار سلبية على‬
‫هذه الصداقة‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫قصديا وقد ال يكون (‪Intentional or non-‬‬ ‫‪ -5‬االتصال قد يكون‬
‫‪)intentional‬‬
‫هذا يتمثل يف أربع حاالت‪:‬‬
‫‪ -1‬قد يرسل شخص إىل آخر رسالة بقصد ويستقبلها اآلخر بقصد‪ ،‬وبالتالي‬
‫غالبا مؤثراً‪. .‬‬
‫ً‬ ‫فإن االتصال يكون‬
‫‪ -2‬وقد يرسل شخص رسالة بدون قصد آلخر يستقبلها عن قصد كمن‬
‫يتنصت على حمادثة خاصة بني اثنني‪.‬‬
‫‪ -3‬وقد يرسل شخص رسالة عن قصد إىل آخر غري منتبه هلا فال يتفاعل‬
‫معها‪.‬‬
‫‪ -4‬وقد يرسل شخصان رسائل ويستقبالنها دون قصد منهما بذلك‪ ،‬ويتمثل‬
‫هذا بشكل كبري يف الرسائل غري اللفظية كنوع مالبسنا ولونها ومظهرنا‬
‫العام ومالحمنا‪.‬‬
‫‪ -6‬االتصال ذو أبعاد متعددة (‪: )multi-directional‬‬
‫برغم أن اإلنسان يقوم باالتصال بصفه مكثفة ويؤديه بعفوية إال أن االتصال‬
‫له أهداف متعددة ومستويات متباينة من املعاني‪ .‬قد تداعب أحد أصدقائك‬
‫فتقول له‪ « :‬يا أخي احلبيب مل أرك اليوم يف املسجد‪ .‬ال بد أنك أرهقت نفسك‬
‫بالدراسة ليلة البارحة»‪ .‬يف هذه الرسالة أكثر من هدف إذا أنك تريد أن تقول له‬
‫إنك مل تصل مع اجلماعة صالة الفجر‪ ،‬كما أنك لست جمداً يف دراستك وال‬
‫تسهر من أجلها‪ ،‬ولكنك توحي له بأنك حتبه بقولك‪ « :‬يا أخي احلبيب»‪.‬‬
‫كل الرسائل فيها على األقل بعدان من املعاني‪ :‬معنى ظاهر يربز من خالل‬
‫حمتوى الرسالة‪ ،‬ومعنى باطن آخر حتدده طبيعة الصلة بني أطراف االتصال‬
‫كطريقة حديثك والتوكيد على بعض مقاطع الكالم وما يصاحب اللغة‬
‫اللفظية من إمياءات وإشارات‪ .‬فاالتصال يؤدي لنا وظائف متعددة‪ ،‬ونقوم به من‬
‫أجل حتقيق أهداف نسعى إليها‪ ،‬فما هي أهداف االتصال ومدى احلاجة إليه؟‬
‫هذا هو املوضوع التالي‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫سادسا‪ :‬أغراض االتصال‬
‫‪Communication Purposes‬‬

‫حيقق الناس جمموعة من األغراض ويشبعون عدداً من االحتياجات من خالل‬


‫االتصال‪ ،‬إىل جانب أن االتصال بشكل فعال يوفر قدراً من املتعة والرضا عن‬
‫النفس‪ .‬وسواء كان احلديث مع شخص من بلد آخر أو مشاركة يف جمموعة‬
‫نقاش للبحث من حل مشكلة‪ ،‬أو كان حماولة إقناع اآلخرين بعمل شيء معني‬
‫من خالل خطبة مباشرة؛ فإن جناح املرء يف االتصال يشعره بالسعادة واالرتياح‪.‬‬
‫ويتضح من خالل رصد أغراض الناس من االتصال أنها ترتكز حول حتقيق‬
‫الذات واحلاجات الشخصية وبناء العالقات مع اآلخرين‪ .‬وميكننا تقسيم‬
‫اجملاالت الرئيسة ألهداف الناس يف االتصال إىل أربعة جماالت رئيسة‪:‬‬

‫‪ -1‬األغراض املتعلقة باالستجابة للحاجات الشخصية (‪Self Needs‬‬


‫‪: )Purposes‬‬
‫وتشمل جمموعة من األغراض على النحو اآلتي‪:‬‬
‫أ) البقاء واحلفاظ على احلياة‪)survival( :‬‬
‫مهما كنا يف جمتمع مستقر ينعم بالرخاء االقتصادي فإن حاجتنا إىل‬
‫االتصال تتأكد للحفاظ على أبداننا وأرواحنا‪ .‬إننا نتصل للحصول على‬
‫الطعام واملسكن والدواء (عند احلاجة ) وجتنب األخطار احملدقة بنا‪.‬‬
‫بل لقد أثبتت الدراسات احلديثة أن االتصال مهم لصحة اإلنسان وأن‬
‫سلبا على هذه الصحة‪ .‬فالسجناء ً‬
‫مثال يفعلون املستحيل‬ ‫غيابه يؤثر ً‬
‫للحديث مع النزالء اآلخرين ملشاركتهم والتعرف على أساليب التواؤم‬
‫مع حياة السجن‪ ،‬وكذلك يفعل اجلنود يف احلرب ورجال الشرطة يف‬
‫مواجهاتهم مع اجملرمني وخمالفي القانون‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫إن بناء العالقات الشخصية من خالل االتصال يؤدي إىل احلفاظ على‬
‫صحة حياة اإلنسان‪ ،‬كما أن غياب االتصال يؤدي إىل األمراض البدنية‬
‫والنفسية بفعل الضغط والقلق والوحدة والعزلة االجتماعية‪.‬‬
‫احلاجة إىل األمان والشعور باالطمئنان (‪)sense of security‬‬ ‫ب) ‬
‫مهما كانت حاجة اإلنسان مادية‪ ،‬فإن حاجاته الروحية توازيها إن مل‬
‫يكن أكثر‪ .‬كل إنسان حيتاج إىل الشعور باألمن واالستقرار يف ذاته‬
‫وعلى نفسه‪ .‬إننا نشعر حباجتنا إىل تقدير اآلخرين وأننا مرغوب فينا‬
‫من الناس‪.‬‬
‫وإذا كانت املقولة الشهرية (ليس باخلبز وحده حييا اإلنسان) صحيحة‬
‫فإنها أكثر صحة يف جمال االتصال حيث ال غنى لنا عنه إلبداء‬
‫مشاعرنا وعواطفنا وأفكارنا جتاه اآلخرين ومعرفة ما يرونه فينا وما‬
‫يقولونه عنا‪.‬‬
‫ج) احلاجة إىل اإلقناع ( ‪: )persuasion‬‬
‫إننا نتصل من أجل إقناع اآلخرين حتى يفكروا ويتصرفوا بالطريقة‬
‫اليت نفكر بها ونتصرف‪ .‬نهدف يف أحيان كثرية إىل تغيري آراء الناس‬
‫مثال أحد أصدقائك‬ ‫ومواقفهم وحضهم على قول شيء أو فعله‪ .‬خذ ً‬
‫ً‬
‫مبلغا من املال أو بسفرك معه إىل أحد‬ ‫حينما يريد إقناعك بتسليفه‬
‫لي الذراع‬
‫البلدان‪ .‬ويف االتصال اإلقناعي قد يكون هناك قدر من ِّ‬
‫والضغط للحصول على ما نريد‪ .‬وميكننا رؤية ما يريد أصحاب السلع‬
‫واخلدمات التجارية أن يقنعونا به من خالل اإلعالن والدعاية املستمرة‬
‫ملا يبيعون‪.‬‬
‫د) ممارسة القوة والسيطرة على اآلخرين (‪: )control‬‬
‫رمبا كان هذا الغرض شبيها بالغرض السابق (اإلقناع) إال أنه خيتلف‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫عنه يف أننا نريد إخضاع اآلخرين لسلطتنا حبيث ال يستطيعون فعل‬


‫شيء خمالف‪ .‬وعادة ما يقوم بهذا النوع من االتصال األشخاص الذين‬
‫يتمتعون مبكانة اجتماعية أو معرفة أكثر من اآلخرين أو أن لديهم‬
‫أدوات اتصال ليست لدى غريهم‪ .‬يستطيع إنسان ميلك معلومة مهمة‬
‫ً‬
‫شخصا آخر بإفشاء السر أو نشر املعلومة املؤثرة على حياته‬ ‫أن يبتز‬
‫وأموره‪ ،‬وقد يريد منه ً‬
‫ماال أو خدمة حمددة مقابل عدم نشر املعلومات‬
‫مما يعد ممارسة للقوة والسيطرة عليه‪.‬‬
‫ومتثل الدعاية ( من خالل السيطرة على املعلومات ووسائل اإلعالم)‬
‫ً‬
‫واضحا هلذا النوع من االتصال مثل ما كانت متارسه أملانيا النازية‬ ‫ً‬
‫مثاال‬
‫ً‬
‫سابقا أو ما متارسه الواليات املتحدة أو بريطانيا‬ ‫أو االحتاد السوفييت‬
‫وبعض الدول الغربية اليوم‪.‬‬
‫هـ ) اإلعانة على اختاذ القرار ( ‪: )decision-making‬‬
‫ينخرط بعض املتصلني يف االتصال مع اآلخرين من أجل البحث عن‬
‫القرار املناسب جتاه تبين شيء معني أو سلوك حمدد نفكر يف القيام ‬
‫به‪ .‬ما هي الكلية املناسبة للدراسة ؟ ومن الزوجة املطلوبة للمستقبل ؟‬
‫وما الوظيفة املناسبة ؟ أمثلة ملا ميكن أن يبحث عنه الشخص باتصاله‬
‫مع اآلخرين حيث يعينونه على االختيار األنسب يف هذه اجملاالت‪ .‬ويف‬
‫هذا الصدد نبحث عن املعلومات واآلراء ومواقف اآلخرين وردود أفعاهلم‬
‫وعواقب القرارات اليت ميكن أن نتخذها‪.‬‬
‫و ) احلاجة إىل التوكيد ( ‪:) confirmation‬‬
‫ً‬
‫معينا‪ ،‬ولكننا ال ندري هل نستمر يف تنفيذه أو منيل إىل‬ ‫قد نتخذ قراراً‬
‫الرتاجع والتوقف‪ .‬وهذا يعين أن احلاجة قائمة إىل التوكيد واالستمرار‬
‫أو عدم التوكيد واالنقطاع ‪.‬‬
‫قد تقرر االنضمام إىل قسم الرتبية اخلاصة للدراسة‪ ،‬ولكن واجهتك‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫وجدت أمور ومعلومات مل تكن موجودة أثناء اختاذ القرار‪.‬‬ ‫حتديات َّ‬
‫ولذلك تسعى إىل احلصول على مزيد من املعلومات واآلراء واالستشارات‬
‫يف شأن البقاء يف القسم أو تغيريه من خالل االتصال‪.‬‬
‫‪ -2‬األغراض املتعلقة باجلوانب االجتماعية (‪Social Needs‬‬
‫‪)Purposes‬‬
‫يشتمل هذا اجلزء على جمموعة من األغراض على النحو التالي‪:‬‬
‫أ) التعاون مع اآلخرين (‪: )cooperation‬‬
‫هذا اجملال يتيح لنا االتصال بقصد التعاون مع اآلخرين من خالل‬
‫تكوين جمموعات اجتماعية ننتمي إليها‪ .‬حنن أفراد يف أسر وأعضاء‬
‫يف جمموعة من زمالء العمل أو اهلواية أو اجلوار أو الدارسة ‪ ...‬إخل‪ .‬إن‬
‫االتصال للتعاون وتلبية احتياجاتنا االجتماعية والوظيفية هي من أكثر‬
‫ً‬
‫حدوثا وأهمية‪.‬‬ ‫أهداف االتصال‬
‫ب) احلفاظ على املؤسسات القائمة واجملتمع (‪: )social maintenance‬‬
‫إننا نتصل من أجل احلفاظ على األسرة واحلي والقبيلة والشركة أو‬
‫املؤسسة اليت نعمل بها أو ننتمي إليها‪ .‬وبقدر ما حنافظ على ذواتنا‬
‫ونفسياتنا من الداخل فإننا نسعى (من خالل االتصال) إىل االستفادة‬
‫من الكيانات االجتماعية اليت توجد يف جمتمعاتنا واملؤسسات اليت‬
‫نتعامل معها كاملدارس واجلامعات واملستشفيات واملصارف واألسواق‬
‫وغريها مما حنتاج إليه وحنافظ على بقائه خلدمة أهدافنا املشرتكة‬
‫مع اآلخرين‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ 3‬ـ األغراض املتعلقة باجلوانب االقتصادية (‪Economic Needs‬‬


‫‪: )purposes‬‬
‫ويف هذا اجلانب هناك هدفان حمددان‪:‬‬ ‫ ‬
‫أ) احلصول على املعلومات (‪: )information seeking‬‬
‫حنن نتبادل املعلومات واألخبار مع اآلخرين بشكل دائم وآني‪ .‬إننا نبحث‬
‫عن املعلومة يف كل جانب من جوانب احلياة‪ ،‬ورمبا كان التصنيف‬
‫االقتصادي هلذا الغرض هو من أجل حتقيق املنافع لنا ودفع املضار عنا ‪.‬‬
‫نسأل موظف اخلطوط اجلوية عن موعد إقالع الطائرة‪ ،‬ونستفسر عن‬
‫مكان بيع الطعام اجليد‪ ،‬وهكذا‪ .‬كما أننا نقرأ ونستمع إىل األخبار‬
‫يف الصحافة واإلذاعة ونشاهدها على التلفاز ألننا نريد أن نعرف ماذا‬
‫حيصل من حولنا وما حيدث لغرينا‪.‬‬
‫ب) فهم العامل من حولنا (‪: )understanding our world‬‬
‫إننا نتصل من أجل أن نتلمس موقعنا يف البيئة من حولنا وفهم العامل‬
‫الذي نعيش فيه وكيف سيتفاعل مع أمور أربعة مهمة‪ :‬ما حنمله من‬
‫معتقدات‪ ،‬كيف ننظر إىل أنفسنا‪ ،‬طبيعة عالقاتنا باآلخرين‪ ،‬وما‬
‫ً‬
‫وواقعا‪ .‬وهذه األمور حتدد لنا اخلريطة املادية واالجتماعية‬ ‫نظنه حقيقة‬
‫ملا هو حولنا والعامل الداخلي يف نفوسنا‪ .‬يسأل الطفل الصغري عن مدى‬
‫العالقة األسرية بينه وبني جدته ألمه‪ ،‬فهو إذن يريد فهم هذه الصلة‬
‫والقرابة معها وكيف كانت أمه حلقة الوصل بينه وبني جدته‪ .‬كما‬
‫أننا حناول أن نفهم الطبيعة اجلغرافية للمملكة العربية السعودية‬
‫وسبب اختالف درجات احلرارة يف بعض مناطقها‪ .‬كما أننا نريد أن‬
‫نفهم أمور ديننا وعالقتنا مبا حيدث يف بعض بالد العامل اإلسالمي‬
‫وواجبنا حنوها‪ ،‬أو ملاذا تنصب دولة إسرائيل لنا العداء وتقتل وتدمر‬
‫األفراد واملنازل واملمتلكات يف فلسطني ولبنان وغريها‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -4‬األغراض املتعلقة جبوانب التعبري عن النفس (‪Self Expressio‬‬


‫‪ : )Needs‬‬
‫هناك غرض واحد بارز حتت هذا التصنيف وهو أن الناس يقومون باالتصال‬
‫بقصد التعبري عن أمانيهم ورؤيتهم لآلخرين بطريقة مبدعة سواء أكان‬
‫بالكلمات أو بالصور أو األصوات أو أي صيغة أخرى‪ .‬و يشمل هذا كثرياً من‬
‫األعمال الفنية والفنون التعبريية من الشعر والقصص والرواية واخلطابة والرسم‬
‫واألعمال التشكيلية والتمثيلية‪.‬‬
‫كما حيصل التعبري عن الذات بطريقة لبس مالبس معينة والتصرف بشكل‬
‫معني يعرب عن التعلق بشيء أو رأي أو رفضه باملقابل‪ .‬ويظهر ذلك لدى الشباب‬
‫مثال يف وضع قمصان تكتب عليها عبارات معينة أو من خالل تقليد موضة‬ ‫ً‬
‫سائدة يف مكان آخر من العامل‪.‬‬
‫ومن خالل التعبري عن النفس قد حنقق يف اخليال ما نعجز عنه يف الواقع‪،‬‬
‫وقد نعرب عن آمالنا وأمانينا وإحباطاتنا من خالل هذا اجملال االتصالي احليوي‬
‫يف حياة األفراد واجملتمعات واألمم‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫سابعا‪ :‬بعض املفاهيم املغلوطة عن االتصال‬
‫‪Communication Misconceptions‬‬
‫هناك عدد من املفاهيم املغلوطة عن االتصال مما حيول دون النظر جبدية إىل‬
‫كيفية اتصالنا باآلخرين‪ .‬فاإلنسان لديه توجه طبيعي عندما جيد مشكالت‬
‫تتعلق بنفسه (كاالتصال) أن يبحث عن األخطاء لدى اآلخرين دون أن ينظر‬
‫إىل نفسه‪ .‬وعندما يعي الواحد منا بوجود هذه األفكار املغلوطة وأنها حقيقية‬
‫فإن الفرصة كبرية لدراسة االتصال وتطوير مهاراتنا االتصالية وبنائها على‬
‫أسس سليمة‪ .‬واآلن إىل هذه املفاهيم املغلوطة‪:‬‬
‫االتصال سيحل كافة املشكالت (‪communication will solve all‬‬ ‫‪)1‬‬
‫‪)problems‬‬
‫يظن بعض الناس أن االتصال هو احلل السحري لكل املشكالت‪ .‬إن كثرياً‬
‫من رجال األعمال والسياسيني والدعاة واملصلحني واملستشارين وغريهم يظنون‬
‫أن مجع األطراف املتخاصمة ً‬
‫مثال وإنشاء االتصال بينهم سيحل املشكالت‪.‬‬
‫ومثال ذلك مشكلة الصراع اإلسالمي اإلسرائيلي يف فلسطني احملتلة‪ ،‬حيث‬
‫يظن كثري من السياسيني أن مجع األطراف ليجلسوا على طاولة املفاوضات‬
‫ً‬
‫كافيا حللها‪ ،‬أو أنه إذا كان هناك خصام بني‬ ‫ويناقشوا املشكلة سيكون‬
‫زوجني فإن االتصال سوف حيل اإلشكال!‬
‫إن االتصال هو قيام شخص بعملية إثارة فكرة يف ذهن شخص آخر حلل‬
‫مشكلة‪ ،‬وبنا ًء على ذلك فإن جناح هذه العملية أو إجيادها مشكلة أخرى إمنا‬
‫يعتمد على الفكرة نفسها‪ .‬ومثال ذلك أن تقول األم خلادمتها إنها خادمة سيئة ال‬
‫حتسن ترتيب أمور البيت‪ ،‬ويف ظنها أن هذا سيحل مشكلة سوء أداء اخلادمة‪.‬‬
‫ترى هل مت بذلك حل هذه املشكلة أم زادها تعقيداً؟ وهكذا جند أن االتصال‬
‫ً‬
‫سببا يف إجياد مشكالت‬ ‫ً‬
‫دائما‪ ،‬بل قد يكون‬ ‫وحده ليس ً‬
‫حال للمشكالت‬
‫أخرى‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫(‪more communication is‬‬ ‫‪ )2‬الكثري من االتصال أفضل من القليل منه‬


‫‪)better‬‬
‫كلما زاد حديث الشخص نظر إليه الناس على أنه قام بأمر إجيابي‪ .‬الناس‬
‫ينظرون إىل الذين يتحدثون أكثر على أنهم أكثر كفاءة وقدرة على كسب‬
‫اآلخرين وأكثر ً‬
‫جذبا وقوة وقيادة من غريهم‪ .‬ورغم أن الكثري منا قد ال يعرتفون‬
‫بهذا إال أن الدراسات واملالحظات ما تزال تثبت هذا الفهم املغلوط‪ .‬والسبب أن‬
‫الناس قد خيتلط عليهم الكم والكيف يف االتصال‪ .‬مزيد من االتصال السليب‬
‫يعين مزيداً من النتائج السلبية‪ ،‬فاملهم إذن هو حمتوى االتصال وليس كميته‪.‬‬
‫ً‬
‫دائما (‪)communication is always positive‬‬ ‫‪ )3‬االتصال شيء إجيابي‬
‫لو سألت مائة شخص عن قيمة االتصال فسيقول لك ‪ %99‬منهم إنه أمر‬
‫إجيابي‪ ،‬وهذا شيء شائع يف اجملتمعات املعاصرة‪ .‬ال ميكن أن يقال إن االتصال‬
‫إجيابي أو سليب ابتدا ًء‪ .‬إنه جمرد وسيلة للتعبري والتفاهم من أجل مسايرة األوضاع‬
‫واملتغريات يف بيئتنا‪ .‬ميكننا أن نأخذ السكني كمثال ‪ ،‬فهي آلة ووسيلة‪ .‬إنها‬
‫أيضا ميكن أن تكون‬ ‫ً‬ ‫يف يد اجملرم وسيلة للشر قد يستخدمها للقتل‪ ،‬ولكنها‬
‫آلة لتقطيع الطعام إلعداد وجبة شهية‪ .‬الوسيلة هي الوسيلة‪ ،‬ولكن األمر يتعلق‬
‫بطريقة استخدامها سواء لألمور احلسنة أو األمور السيئة‪ ،‬واالتصال جمرد‬
‫وسيلة ال ينبغي أن تأخذ أكثر من حقها من التقدير‪.‬‬
‫‪ )4‬الكلمات اليت نستخدمها حتمل معاني االتصال (‪)words carry meanings‬‬
‫أكرب فهم مغلوط يف االتصال هو أن املعاني هي يف الكلمات فقط‪ .‬إذا فعلنا‬
‫مساو‬
‫ٍ‬ ‫ذلك فسنقلِّل من احتمال جناحنا يف االتصال‪ .‬قول الشيء ال يعين أن ذلك‬
‫لالتصال بشأنه‪ .‬وبالتالي فإننا إذا أرسلنا رسالة لفظية نظن أننا قد محلنا املعنى‬
‫املقصود إىل مستقبل الرسالة‪ .‬إن املعاني ال توجد يف رؤوسنا‪ ،‬ولكن يف رؤوس‬
‫املستقبلني‪ ،‬وأقصى ما نفعله هو استثارة هذه املعاني لديهم‪ .‬قدرتنا على استعمال‬
‫الكلمات املناسبة إىل جانب الرموز غري اللفظية كتعبريات الوجه وحركات‬
‫اجلسم واإلشارات واإلمياءات هو ما مييز االتصال اإلنساني‪ .‬الكلمات ليست‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫هي اليت حتمل املعاني‪ ،‬ولكن الناس هم الذين حيملونها‪ .‬ولذلك جتد الشيء‬
‫الواحد يعين أشياء متعددة بعدد األشخاص الذين يعربون عنه‪.‬‬
‫إن جناح االتصال يعتمد على درجة املعنى املشرتك للرموز اللفظية (الكلمات)‬
‫والرموز غري اللفظية‪ .‬الكلمات املستعملة يف ثقافة معينة قد حتمل معاني‬
‫ً‬
‫متاما لكل الكلمات‬ ‫متقاربة‪ ،‬ولكن ال ميكن أن يتفق اثنان حول معنى واحد‬
‫ألن لكل شخص خلفيته وخرباته اخلاصة‪ .‬وينبغي لدى انتقائنا الكلمات يف‬
‫خطابنا لآلخرين ( وكذلك الرموز غري اللفظية ) أن نركز على معناها عند‬
‫املتلقني‪ ،‬وليس كما نظنه حنن‪.‬‬
‫‪ )5‬االتصال قدرة طبيعية (‪)communication is a natural ability‬‬
‫ً‬
‫طبيعيا « أي‬ ‫من أكثر املفاهيم املغلوطة عن االتصال أنه قدرة تأتي إلينا‬
‫تولد معنا «‪ .‬ويبدو أثر هذا الفهم املغلوط يف ظاهرة ضعف القدرات واملهارات‬
‫عموما‪ .‬ومن عجب أن مدارسنا‬‫ً‬ ‫ً‬
‫خصوصا وأفراد جمتمعنا‬ ‫االتصالية لدى طالبنا‬
‫وجامعاتنا ومراكزنا التدريبية ال تعري ـ يف اجلملة ـ هذا األمر ما يستحق من‬
‫ً‬
‫وأحيانا اخلطابة‬ ‫العناية والتدريب‪ .‬قد حتوي مناهجنا مواد كالتعبري والقراءة‬
‫ً‬
‫غائبا‪ .‬االتصال مهارة ال تولد‬ ‫وفن اإللقاء‪ ،‬ولكن فهم عملية االتصال يبقى أمراً‬
‫تكتسب بالتعلم واملران املستمر متى ما كان لدينا القدرات‬ ‫َ‬ ‫معنا‪ ،‬ولكنها‬
‫األساس لالتصال‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫ثامنا‪ :‬كفاءة االتصال‬
‫‪Communication Proficiency‬‬

‫مع اقرتاب نهاية هذا الفصل يربز السؤال املهم‪ :‬كيف أستطيع أن أكون‬
‫ً‬
‫متصال بكفاءة وفعالية ؟ ولإلجابة عن هذا السؤال البد أن نفهم أهمية االتصال‬
‫ومكانته يف حياتنا إىل جانب فهم عملية االتصال وأنواعه وخصائصه‪.‬‬
‫الكفاءة يف االتصال من أكرب األمور اليت شغلت الباحثني والعلماء يف جمال‬
‫االتصال‪ .‬وحبق فليس هناك إجابة حمددة‪ ،‬ولكن هناك قدراً ً‬
‫مهما من املعلومات‬
‫عن هذا األمر‪:‬‬
‫أوهلا‪ :‬أن االتصال املاهر يرفع من درجة النجاح والرضا للذي يقوم به‬
‫‪communication will raise level of satisfaction ). (Good‬‬
‫ً‬
‫إجيابا‬ ‫ً‬
‫فمثال وجدت الدراسات أن جناح الطالب يف الدراسة يرتبط‬
‫ً‬
‫انطباعا‬ ‫بقدرتهم على االتصال بكفاءة كما أن املتصل اجليد يرتك‬
‫ً‬
‫حسنا لدى اآلخرين‪.‬‬
‫ثانيها‪ :‬ليس هناك أسلوب واحد مثالي أو فعال لالتصال‪.‬‬
‫(‪)There is no effective way of communication‬‬
‫من واقع خربات الكثريين منا سنجد أن بعض املتصلني الناجحني‬
‫يستعملون النكتة برباعة‪ ،‬كما أن بعضهم جاد بشكل واضح‪ ،‬وأن‬
‫البعض يستخدم الكلمات بكثرة وبصوت مرتفع‪ ،‬بينما يفضل آخرون‬
‫أسلوبا مباشراً يف مقابل‬
‫ً‬ ‫األسلوب اهلادئ املختصر‪ .‬وهناك من يتخذ‬
‫آخرين يفضلون األسلوب الدبلوماسي يف اخلطاب‪.‬‬
‫فهناك حاجة للمرونة يف االتصال الختاذ األسلوب املناسب للحالة‬
‫االتصالية واجلمهور املستهدف‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ثالثها‪ :‬أن الكفاءة تعتمد يف كل مرة على الظرف االتصالي‬


‫(‪)Proficiency of communication depends on context every time‬‬

‫ً‬
‫اختالفا يف األسلوب املناسب من حال إىل حال‪ .‬االتصال‬ ‫ولذلك جتد‬ ‫ ‬
‫اجليد ليس صفة الزمة ثابتة للشخص‪ ،‬ولكنه قدرة على التكيف مع‬
‫الظرف واستخدام األسلوب املناسب مبا يتطلبه احلال‪ .‬وهلذا قد جند‬
‫أشخاصا ذوي كفاءة جيدة يف جماالت حمددة دون جماالت أخرى‪.‬‬‫ً‬
‫وحتى هذا الشخص الكفء يف جمال معني خيتلف أداؤه من حالة إىل‬
‫حالة‪.‬‬
‫رابعها‪ :‬حيدث االتصال الناجح حينما يرضى كافة أطرافه‪.‬‬
‫(‪)Good communication takes place when all sides are satisfied‬‬

‫حينما تقول ما تريد وترتك الطرف اآلخر غري سعيد فإن هذا سيقلل من‬
‫جناحك‪ .‬إذا رفضت ً‬
‫طلبا من صديقك عند تقدمه الستعارة سيارتك‬
‫فإن صديقك سي ُعد ذلك إساءة إليه أو عدم تقدير له‪ ،‬وإن كان هذا‬
‫الرفض سيحقق لك ما تريد‪ .‬إذن هناك بعد اجتماعي متجدد يف‬
‫العالقات االجتماعية يف االتصال يؤثر على مدى كفاءة االتصال عند‬
‫مراعاة هذه العالقات ‪.‬‬
‫وعلى أي حال فال ينبغي أن ننساق وراء النجاح الدائم الذي ال يتخلف حتى ال‬
‫يصيبنا اإلحباط‪ .‬فليست كفاءة االتصال تأتي بالضرورة بالنجاح‪ .‬قد ال ينجح‬
‫أكثر األساليب مهارة يف االتصال بكفاءة‪ ،‬ويكفي املرء أن حياول ‪ -‬بقدر‬
‫ما يستطيع ‪ -‬إرضاء اآلخرين وإشباع رغبتهم يف االتصال كما يرضي نفسه‬
‫ً‬
‫أيضا‪.‬‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫ً‬
‫تاسعا‪ :‬مترينات على االتصال اجليد‬
‫‪Drills on Good communication‬‬

‫يف نهاية هذا الفصل وبعد استعراض مكانة االتصال وعناصره‪ ،‬وأنواعه‪،‬‬
‫وخصائصه وأغراضه‪ ،‬ومناذجه‪ ،‬وكيفية احلصول على الكفاءة فيه‪ ،‬حيسن‬
‫بنا أن ننظر إىل أنفسنا ونتلمس طريقة النجاح يف مهارات االتصال‪ .‬إذا جنحت‬
‫يف االتصال وشعرت بأن الطرف املستقبل قد فهم رسالتك كما أردت فهذا يدل‬
‫على أنك قد ِّ‬
‫وفقت يف االتصال‪ .‬وإذا ما برزت لك مشكالت يف فهم الرسالة‬
‫ً‬
‫مثال فعليك أن تسأل‪:‬‬
‫‪ -1‬ما املشكلة يف حمتوى الرسالة اللفظية وغري اللفظية؟‬
‫‪ -2‬هل كانت الوسيلة املستخدمة هي األفضل؟‬
‫‪ -3‬ماذا عن التشويش‪ :‬هل حصل ؟ وما مصدره ؟‬
‫أكثر الناس لديهم قدر مناسب من مهارات االتصال‪ .‬لقد كنا وما نزال نقوم‬
‫ً‬
‫لفظيا وبغري ألفاظ طوال حياتنا‪ ،‬ورمبا مرت بنا حاالت مل نكن فيها‬ ‫باالتصال‬
‫ً‬
‫مبتدئا يف دراسة االتصال ننصحك بأن تسأل‬ ‫أكفاء يف االتصال‪ .‬وباعتبارك‬
‫نفسك األسئلة األربعة اآلتية‪:‬‬
‫‪ -1‬ما هي املهارات االتصالية اليت أظن أنين أحتاج إليها ؟‬
‫(‪) ? What communication skills do I need‬‬
‫عليك أن تسأل‪ :‬ماذا أريد أن أفعل يف حياتي ؟ وماذا أحتاج من مهارات االتصال‬
‫لكي تساعدني؟ ما هي املهارات اليت تظن أن عملك املستقبلي يتطلبها ؟ هل‬
‫هي اخلطابة أم الكتابة أم إلقاء احملاضرات أم االتصال الشخصي الثنائي أو يف‬
‫اجملموعات الصغرى أم يف جمال اإلعالم اجلماهريي (عرب اإلذاعة أو التلفاز) ؟‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫‪ -2‬ما هي املهارات االتصالية اليت تنقصين ؟‬


‫(‪) ? What communication skills I am not good at‬‬
‫ما هي أصعب املهارات بالنسبة لي ؟ هل هي االتصال الشخصي ؟ االتصال‬
‫اجلمعي؟ أم االتصال اجلماهريي؟ ماذا عن االتصال الثقايف (مع آخرين من ثقافة‬
‫أخرى )‪ :‬هل تظن أنك ال جترؤ على القيام به والنجاح فيه ؟ وماذا عليك أن تفعل‬
‫قبل أن تنجح يف هذه اجملاالت اليت تنقصك؟‬
‫‪ -3‬كيف أتدرب على املهارات االتصالية ؟‬
‫(‪) ?How do I get trained in communication skills‬‬
‫هل هناك مراكز للتدريب؟ أو مواد أخرى يف اجلامعة ميكن أن أسجل فيها‬
‫للحصول على مزيد من التدريب يف الفصل الدراسي ؟‬
‫‪ -4‬ماذا عن اجلدول الزمين املناسب حلصولي على هذه املهارات‬
‫(‪)?What is the appropriate schedule for me to get these skills‬‬
‫ماذا علي أن أفعل لتقدير املدة املعقولة للتدريب ؟ (تذكر أن العادات القدمية‬
‫ً‬
‫مناسبا [ عدة أشهر أو رمبا‬ ‫متوت ببطء‪ ،‬كما أن تعلم مهارات جديدة يأخذ ً‬
‫وقتا‬
‫سنوات ]‪ ،‬وهذا كله يعتمد على رغبتك وسرعة تعلمك)‪ .‬فاألمر كله يتوقف‬
‫على استعدادك ورغبتك وجهدك ووقتك‪ ،‬فكلما كان نصيبك من هذه األمور‬
‫ً‬
‫وسريعا‪ .‬دعاؤنا لك بالتوفيق والسداد‪.‬‬ ‫وفريا كان جناحك املتوقع كبرياً‬
‫مدخل إىل االتصال االنساني‬ ‫الفصل األول‬

‫املراجع‬
References

− Adler, Ronald B. and Lawrence B. Rosenfeld and Neil Towne. Interplay:


the Process of Interpersonal Communication. USA: Harcourt Brace
College Publishers, Sixth Edition, 1995.

− Bethami, A. Dobkin and Roger C. Pace. Communication in a Changing


World . USA: Mc Graw Hill Higher Education, 2006 Edition.

− Dimbleby, Richard and Graeme Burton. More Than Words: An


Introduction to Communication. New York: Routledge, Third
Edition,1998.

− DeFleur, Melvin L. and Everette E. Dennis. Understanding Mass


Communication. USA: Houghton and Mifflin Company, 1981.

− Mc Croskey, James C. and Lawrance R. Wheeless. Introduction to


Human Communication. Bston,USA: Allyn and Bacon,Inc. , 1976.

− Seiler, William J. and Melissa L. Beall. Communication Making


Connection. USA: Pearson Education Inc., Sixth Edition, 2005.

You might also like