You are on page 1of 256

‫‪1‬‬

‫زاد المعاد‬
‫في هدي خير‬
‫العباد‬
‫للمام العلمة شيخ السلم‬
‫محمد بن أبى بكر الزرعى‬
‫ابن قيم الجوزية‬

‫الجزء الثاني‬
‫‪2‬‬

‫فصل‬
‫في َهْديه صلى ال عليه وسلم في الصدقة والزكاة‬

‫صِرِفها ‪ .‬وقد‬
‫ب عليه‪ ،‬وَم ْ‬
‫ج ُ‬
‫ن َت ِ‬
‫ل َهْدى في وقتها‪ ،‬وقْدِرها‪ ،‬وِنصابها‪َ ،‬وَم ْ‬
‫َهْدُيه في الزكاة‪ ،‬أكم ُ‬
‫طهرًة للمال‬
‫ل سبحانه وتعالى ُ‬
‫ب الموال‪ ،‬ومصلحة المساكين‪ ،‬وجعلها ا ّ‬
‫راعى فيها مصلحَة أربا ِ‬
‫ظه عليه‬
‫ولصاحبه‪ ،‬وقّيد النعمة بها على الغنياء‪ ،‬فما زالت النعمُة بالمال على َمن أّدى زكاَته‪ ،‬بل يحف ُ‬
‫حصنًا له‪ ،‬وحارسًا له ‪.‬‬
‫سورًا عليه‪ ،‬و ِ‬
‫ت‪ ،‬ويجعُلها ُ‬
‫وُينميه له‪ ،‬ويدفُع عنه بها الفا ِ‬
‫ثم إنه جعلها فى أربعة أصناف من المال‪ :‬وهى أكثُر الموال َدَورانًا بين الخلق‪،‬‬
‫وحاجُتهم إليها ضرورية ‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬الزرع والثمار ‪.‬‬
‫الثانى‪ :‬بهيمُة النعام‪ :‬البل‪ ،‬والبقر‪ ،‬والغنم ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الجوهران الّلذان بهما ِقوام العالم‪ ،‬وهما الذهب والفضة ‪.‬‬
‫ل التجارة على اختلف أنواعها ‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬أموا ُ‬
‫حْول الزروع والثمار عند كماِلها واستوائها‪ ،‬وهذا‬
‫ل عام‪ ،‬وجعل َ‬
‫ثم إنه أوجبها َمّرًة ك ّ‬
‫ضّر بأرباب الموال‪ ،‬ووجوُبها فى العمر مرة مما‬
‫ل جمعة ي ُ‬
‫ل شهر أو ُك ّ‬
‫ل ما يكون‪ ،‬إذ وجوُبها ك ّ‬
‫أعد ُ‬
‫ل عام مرة ‪.‬‬
‫ل ِمن وجوبها ُك ّ‬
‫يضّر بالمساكين‪ ،‬فلم يكن أعد َ‬
‫ت بين مقادير الواجب بحسب سعى أرباب الموال فى تحصيلها‪،‬‬
‫ثم إنه فاَو َ‬
‫ل من الموال‪ ،‬وهو‬
‫صً‬‫خمس فيما صادفه النسان مجموعًا مح ّ‬
‫وسهولِة ذلك‪ ،‬ومشقته‪ ،‬فأوجب ال ُ‬
‫س متى ظفر به ‪.‬‬
‫خم َ‬
‫ل‪ ،‬بل أوجب فيه ال ُ‬
‫حْو ً‬
‫الّركاز ‪ .‬ولم يعتبر له َ‬
‫ق ذلك‪ ،‬وذلك فى الثمار‬
‫وأوجب نصفه وهو الُعشر فيما كانت مشقُة تحصيله وتعبه وُكلفته فو َ‬
‫ل سقيها ِمن عنده بل ُكلفة من العبد‪ ،‬ول‬
‫والزروع التى ُيباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها‪ ،‬ويتوّلى ا ّ‬
‫ب‪.‬‬
‫شراء ماٍء‪ ،‬ول إثارة بئٍر ودول ٍ‬
‫ضح وغيرها ‪.‬‬
‫وأوجب ِنصف الُعشر‪ ،‬فيما تولى العبد سقَيه بالُكلفة‪ ،‬والّدوالى‪ ،‬والنوا ِ‬
‫‪3‬‬

‫ل ِمن رب‬
‫وأوجب ِنصف ذلك‪ ،‬وهو ربُع الُعشر‪ ،‬فيما كان الّنماء فيه موقوفًا على عمل متص ٍ‬
‫ب أن ُكلفة هذا أعظم من‬
‫المال‪ ،‬بالضرب فى الرض تارة‪ ،‬وبالدارة تارة‪ ،‬وبالتربص تارة‪ ،‬ول ري َ‬
‫ُكلفة الزرع والثمار‪ ،‬وأيضًا فإن نمو الزرع والثمار أظهُر وأكثر من نمو التجارة‪ ،‬فكان واجُبها أكثَر‬
‫من واجب التجارة‪ ،‬وظهوُر النمو فيما ُيسقى بالسماء والنهار‪ ،‬أكثُر مما ُيسقى بالدوالى والنواضح‪،‬‬
‫ل مجموعًا‪ ،‬كالكنز‪ ،‬أكثر وأظهر من الجميع ‪.‬‬
‫وظهورُه فيما وجد محص ً‬
‫صبًا‬
‫ل‪ ،‬جعل للمال الذى تحتمله المواساة ُن ُ‬
‫ل مال وإن ق ّ‬
‫ثم إنه لما كان ل يحتمل المواساَة ك ّ‬
‫ق مائتى‬
‫ف بأرباب الموال‪ ،‬وتقع موِقعها من المساكين‪ ،‬فجعل للَوِر ِ‬
‫ح ُ‬
‫جِ‬‫مقّدرًة المواساة فيها‪ ،‬ل ُت ْ‬
‫ب والثمار خمسَة أوسق‪ ،‬وهى خمسة أحمال من أحمال إبل‬
‫ل‪ ،‬وللحبو ِ‬
‫درهم‪ ،‬وللذهب عشرين مثقا ً‬
‫العرب‪ ،‬وللغنم أربعين شاة‪ ،‬وللبقر ثلثين بقرة‪ ،‬وللبل خمسًا‪ ،‬لكن لما كان ِنصابها ل يحتمل المواساة‬
‫من جنسها‪ ،‬أوجب فيها شاة ‪ .‬فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمسًا وعشرين‪ ،‬احتمل‬
‫نصاُبها واحدًا منها‪ ،‬فكان هو الواجب ‪.‬‬
‫ن هذا الواجب فى الزيادة والنقصان‪ ،‬بحسب كثرة البل وقّلِتها من ابن‬
‫سّ‬‫ثم إنه لما َقّدَر ِ‬
‫عة‪،‬‬
‫جَذ َ‬
‫جَذعُ وال َ‬
‫حّقة‪ ،‬وفوَقه ال َ‬
‫ق وال ِ‬
‫حّ‬‫ن َلُبون‪ ،‬وبنت َلبون‪ ،‬وفوقه ال ِ‬
‫َمخاض‪ ،‬وبنت َمخاض‪ ،‬وفوقه اب ُ‬
‫ن إلى ُمنتهاه‪ ،‬فحينئٍذ جعل زيادة عدد الواجب فى مقابلة‬
‫سُ‬‫سن إلى أن يصل ال ّ‬
‫ل‪ ،‬زاد ال ّ‬
‫وكلما كُثرت الب ُ‬
‫زيادة عدد المال ‪.‬‬
‫ف بها‪ ،‬ويكفى المساكين‪،‬‬
‫ح ُ‬
‫فاقتضت حكمته أن جعل فى الموال َقْدرًا يحتمل المواساة‪ ،‬ول ُيج ِ‬
‫جون معه إلى شئ‪ ،‬ففرض فى أموال الغنياء ما يكفى الفقراء‪ ،‬فوقع الظلُم من الطائفتين‪،‬‬
‫ول يحتا ُ‬
‫ي يمنُع ما وجب عليه‪ ،‬والخذ يأخذ ما ل يستحقه‪ ،‬فتوّلد من بين الطائفتين ضرٌر عظيم على‬
‫الغن ّ‬
‫المساكين وفاقٌة شديدة‪ ،‬أوجبت لهم أنواع الحيل واللحاف فى المسألة‪.‬‬
‫ن من‬
‫صنفا ِ‬
‫سَم الصدقة بنفسه‪ ،‬وجّزأها ثمانيَة أجزاء‪ ،‬يجمُعها ِ‬
‫ب سبحانه توّلى َق ْ‬
‫والر ّ‬
‫الناس‪ ،‬أحدهما‪َ :‬من يأخذ لحاجة‪ ،‬فيأخذ بحسب شدة الحاجة‪ ،‬وضعفها‪ ،‬وكثرِتها‪ ،‬وِقّلتها‪ ،‬وهم الفقراُء‬
‫والمساكين‪ ،‬وفى الرقاب‪ ،‬وابن السبيل ‪ .‬والثانى‪َ :‬من يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها‪ ،‬والمؤّلفُة‬
‫خُذ محتاجًا‪ ،‬ول فيه‬
‫ل‪ ،‬فإن لم يكن ال ِ‬
‫ت الَبْين‪ ،‬والُغزاُة فى سبيل ا ّ‬
‫قلوُبهم‪ ،‬والغاِرمون لصلح ذا ِ‬
‫منفعة للمسلمين‪ ،‬فل سهم له فى الزكاة ‪.‬‬
‫‪4‬‬

‫فصل‬
‫فى َمن هو أهل لخذ الزكاة‬
‫ل عليه وسلم إذا علم من الرجل أنه ِمن أهل الزكاة‪ ،‬أعطاه‪ ،‬وإن سأله‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫سب‪.‬‬
‫ظ فيها ِلغنى ول ِلقوى مكت ِ‬
‫ف حاله‪ ،‬أعطاه بعد أن يخبره أنه ل ح ّ‬
‫أحٌد من أهل الزكاة ولم َيْعِر ْ‬
‫وكان يأخذها من أهلها‪ ،‬ويضُعها فى حقها ‪.‬‬
‫ل عنهم‬
‫ق الزكاة على المستحقين الذين فى بلد المال‪ ،‬وما فض َ‬
‫وكان من َهْديه‪ ،‬تفري ُ‬
‫سعاته إلى البوادى‪ ،‬ولم يكن يبعُثهم إلى‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬ولذلك كان يبعث ُ‬
‫حِمَلت إليه‪ ،‬ففّرقها هو صلى ا ّ‬
‫ُ‬
‫الُقرى‪ ،‬بل أمر معاذ بن جبل أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن‪ ،‬وُيعطيها فقراءهم‪ ،‬ولم يأمره‬
‫بحملها إليه ‪.‬‬
‫سعاته إل إلى أهل الموال الظاهرة ِمن المواشى‬
‫ولم يكن من َهْديه أن يبعث ُ‬
‫ص على أرباب النخيل تمَر نخيلهم‪ ،‬وينظر كم يجئ منه‬
‫ص فيخُر ُ‬
‫ث الخاِر َ‬
‫والزروع والثمار‪ ،‬وكان يبع ُ‬
‫ث أو الّربَع‪ ،‬فل يخرصه‬
‫ع لهم الثل َ‬
‫ص أن يد َ‬
‫ب عليهم من الزكاة بقدره‪ ،‬وكان يأمر الخَاِر َ‬
‫س ُ‬
‫حِ‬‫سقًا‪َ ،‬في ْ‬
‫َو ْ‬
‫ص لكى ُتحصى الزكاُة قبل أن تؤكل الثماُر‬
‫ل ِمن النوائب‪ ،‬وكان هذا الخر ُ‬
‫عليهم لما يعُرو النخي َ‬
‫ص إلى َمن‬
‫صَرَم‪ ،‬وليتصّرف فيها أربابها بما شاؤوا‪ ،‬ويضمنوا قدَر الزكاة‪ ،‬ولذلك كان يبعث الخاِر َ‬
‫وُت ْ‬
‫ث إليهم‬
‫ساقاه من أهل خيبر وزارعه‪ ،‬فيخُرص عليهم الثماَر والزروع‪ ،‬وُيضّمُنهم شطًرها‪ ،‬وكان يبع ُ‬
‫ل لقد جئتكم من عند أح ّ‬
‫ب‬ ‫ت؟‪ ،‬وا ِّ‬
‫سح َ‬
‫ل‪ُ :‬تطعمونى ال ّ‬
‫شوه‪ ،‬فقال عبد ا ّ‬
‫ل بن َرواحة‪ ،‬فأرادوا أن َير ُ‬
‫عبد ا ّ‬
‫حّبى إياه‪ ،‬أن‬
‫عّدِتكم ِمن الِقردِة والخنازير‪ ،‬ول يحِمُلنى ُبغضى لكم و ُ‬
‫ى من ِ‬
‫ض إل ّ‬
‫ى‪ ،‬ولنُتم أبغ ُ‬
‫الناس إل ّ‬
‫ت والرض‪.‬‬
‫ل أعدل عليكم‪ ،‬فقالوا‪ :‬بهذا قامت السموا ُ‬
‫ولم يكن من َهْديه أخُذ الزكاة من الخيل‪ ،‬والرقيق‪ ،‬ول البغال‪ ،‬ول‬
‫الحمير‪ ،‬ول الخضروات ول المباطخ والمقاتى والفواكه التى ل ُتكال ول ُتّدخر إل العنب والّرطب‬
‫فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملة ولم ُيفّرق بين ما يبس منه وما لم ييبس‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى زكاة العسل وما ورد فيه‬
‫‪5‬‬

‫ل عليه وسلم فى العسل‪ ،‬فروى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب‪،‬‬


‫واختلف عنه صلى ا ّ‬
‫شور نحل‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بع ُ‬
‫ل أحد بنى ُمْتعان إلى رسول ا ّ‬
‫عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬قال‪ :‬جاء هل ٌ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ذلك الوادى‪،‬‬
‫سَلَبة((‪ ،‬فحمى له رسول ا ّ‬
‫ى واديًا ُيقال له )) َ‬
‫له‪ ،‬وكان سأله أن َيحم َ‬
‫ن ابن وهب يسأُله عن ذلك‪ ،‬فكتب عمر‪ :‬إن‬
‫ل عنه‪ ،‬كتب إليه سفيا ُ‬
‫ن الخطاب رضى ا ّ‬
‫عَمُر اب ُ‬
‫ى ُ‬
‫فلما َوِل َ‬
‫شور َنحله‪ ،‬فاحِم له ))سََلَبة((‪ ،‬وإل‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِمن ع ُ‬
‫أّدى إليك ما كان ُيؤّدى إلى رسول ا ّ‬
‫شاء‪.‬‬
‫ن َي َ‬
‫ث يأكُله َم ْ‬
‫فإنما هو ُذباب غي ٍ‬
‫ب ِقربة((‪.‬‬
‫ن ُكل عشر ِقَر ٍ‬
‫وفى رواية فى هذا الحديث‪ِ)) :‬م ْ‬
‫سل‬
‫خَذ ِمن الَع َ‬
‫وروى ابن ماجه فى سننه من حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬أنه أ َ‬
‫شَر‪.‬‬
‫الُع ْ‬
‫ل ‪ .‬قال‪:‬‬
‫ل ؛ إن لى نح ً‬
‫وفى مسند المام أحمد‪ ،‬عن أبى سّيارة المتعى‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫حِمها لى‪ ،‬فحماها لى ‪.‬‬
‫ل؛ا ْ‬
‫ت‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫))َأّد الُعشَْر(( ‪ .‬قل ُ‬
‫حّرٍر عن الزهرى‪ ،‬عن أبى سلمة‪ ،‬عن أبى هريرة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل بن ُم َ‬
‫وروى عبد الرزاق‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫شُر ‪.‬‬
‫ل الُع ْ‬
‫سِ‬‫ن الَع َ‬
‫خَذ ِم َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إلى أهل اليمن‪ ،‬أن ُيؤ َ‬
‫لا ّ‬
‫كتب رسو ُ‬
‫قال الشافعى‪ :‬أخبرنا أنس بن عياض‪ ،‬عن الحارث بن عبد الرحمن بن أبى ذباب‪ ،‬عن أبيه‪،‬‬
‫ت‪ :‬يا رسول‬
‫ت ثم قل ُ‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬فأسلم ُ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ت على رسول ا ّ‬
‫عن سعد بن أبى ُذبابذ قال‪ :‬قِدم ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واستعملنى‬
‫لا ّ‬
‫ل ؛ اجعل لقومى من أموالهم ما أسلموا عليه‪ ،‬ففعل رسو ُ‬
‫ا ّ‬
‫سراِة‪ ،‬قال‪ :‬فكّلمتُ‬
‫ل عنهما ‪ .‬قال‪ :‬وكان سعد من أهل ال ّ‬
‫عَمُر رضى ا ّ‬
‫عليهم‪ ،‬ثم استعملنى أبو بكر‪ ،‬ثم ُ‬
‫ت‪ :‬الُعشَر‪،‬‬
‫قومى فى العسل ‪ .‬فقلت لهم‪ :‬فيه زكاة‪ ،‬فإنه ل خير فى ثمرة ل تزّكى ‪ .‬فقالوا‪ :‬كم ترى؟ قل ُ‬
‫ضُه عمر‪ ،‬ثم‬
‫ل عنه‪ ،‬فأخبرُته بما كان ‪ .‬قال‪ :‬فقب َ‬
‫ت عمر بن الخطاب رضى ا ّ‬
‫فأخذت منهم الُعشَر‪ ،‬فلقي ُ‬
‫جعل ثمنه فى صدقات المسلمين ‪ .‬ورواه المام أحمد‪ ،‬ولفظه للشافعى ‪.‬‬
‫ل العلم فى هذه الحاديث وحكمها‪ ،‬فقال البخارى‪ :‬ليس فى زكاة العسل شئ‬
‫واختلف أه ُ‬
‫ح عن النبى صلى ال عليه وسلم فى هذا الباب كثيُر شئ ‪ .‬وقال ابن‬
‫صّ‬‫يصح‪ ،‬وقال الترمذى‪ :‬ل َي ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ول إجماع‪ ،‬فل‬
‫المنذر‪ :‬ليس فى وجوب صدقة العسل حديث يثبت عن رسول ا ّ‬
‫‪6‬‬

‫ث فى أن فى العسل الُعشَر ضعيف‪ ،‬وفى أنه ل يؤخذ منه الُعشر‬


‫زكاة فيه‪ ،‬وقال الشافعى‪ :‬الحدي ُ‬
‫ضعيف إل عن عمر ابن عبد العزيز‪.‬‬
‫ث الوجوب كّلها معلولة‪ ،‬أما حديث ابن عمر‪ ،‬فهو من رواية صدقة بن عبد‬
‫قال هؤلء‪ :‬وأحادي ُ‬
‫ل بن موسى بن يسار‪ ،‬عن نافع عنه‪ ،‬وصدقة‪ ،‬ضّعفه المام أحمد‪ ،‬ويحيى بن معين‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وقال‬
‫ا ّ‬
‫البخارى‪ :‬هو عن نافع‪ ،‬عن النبى صلى ال عليه وسلم مرسل‪ ،‬وقال النسائى صدقة ليس بشىء‪ ،‬وهذا‬
‫حديث منكر‪.‬‬
‫وأما حديث أبى سّيارة المتعى‪ ،‬فهو من رواية سليمان بن موسى عنه‪ ،‬قال البخارى‪ :‬سليمان بن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫موسى لم يدرك أحدًا من أصحاب رسول ا ّ‬
‫وأما حديث عمرو بن شعيب الخر‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم أخذ من العسل الُعشر‪ ،‬ففيه‬
‫أسامة بن زيد بن أسلم يرويه عن عمرو‪ ،‬وهو ضعيف عندهم‪ ،‬قال ابن معين‪ :‬بنو زيد ثلثُتهم ليسوا‬
‫بشىء‪ ،‬وقال الترمذى‪ :‬ليس فى ولد زيد بن أسلم ثقة ‪.‬‬
‫ل ابن‬
‫وأما حديث الزهرى‪ ،‬عن أبى سلمة‪ ،‬عن أبى هريرة‪ :‬فما أظهر دللته لو سلم من عبد ا ّ‬
‫ل بن محّرر متروك الحديث‪ ،‬وليس فى‬
‫محّرر راويه عن الزهرى‪ ،‬قال البخارى فى حديثه هذا‪ :‬عبد ا ّ‬
‫زكاة العسل شىء يصح‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فقال البيهقى‪ :‬رواه الصلت بن محمد‪ ،‬عن أنس بن عياض‪ ،‬عن‬
‫وأما حديث الشافعى رحمه ا ّ‬
‫ل‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن سعد بن أبى ذباب‪ ،‬وكذلك رواه صفوان‬
‫الحارث بن أبى ذباب‪ ،‬عن منير بن عبد ا ّ‬
‫ل والد منير‪ ،‬عن سعد بن أبى ذباب‪ ،‬لم‬
‫ابن عيسى‪ ،‬عن الحارث بن أبى ذباب ‪ .‬قال البخارى‪ :‬عبد ا ّ‬
‫يصح حديثه‪ ،‬وقال على بن المدينى‪ :‬منير هذا ل نعرفه إل فى هذا الحديث‪ ،‬كذا قال لى ‪ .‬قال الشافعى‪:‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لم يأمره بأخذ الصدقة من‬
‫وسعد بن أبى ذباب‪ ،‬يحكى ما يدل على أن رسول ا ّ‬
‫سَنن‬
‫العسل‪ ،‬وإنما هو شىء رآه فتطوع له به أهله ‪ .‬قال الشافعى‪ :‬واختيارى أن ل ُيؤخذ منه‪ ،‬لن ال ُ‬
‫والثار ثابتة فيما ُيؤخذ منه‪ ،‬وليست ثابتة فيه فكأنه عفو‪.‬‬
‫ى رضى‬
‫حسين بن زيد‪ ،‬عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عل ّ‬
‫وقد روى يحيى بن آدم‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬قال‪ :‬ليس فى العسل زكاٌة‪.‬‬
‫ا ّ‬
‫‪7‬‬

‫قال يحيى‪ :‬وسئل حسن بن صالح عن العسل؟ فلم ير فيه شيئًا ‪ .‬وذكر عن معاذ أنه لم يأخذ من‬
‫حميدى‪ :‬حدثنا سفيان‪ ،‬حدثنا إبراهيم بن ميسرة‪ ،‬عن طاووس‪ ،‬عن معاذ بن جبل‪،‬‬
‫العسل شيئًا ‪ .‬قال ال ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بشىء ‪.‬‬
‫أنه أتى بوقص البقر والعسل‪ ،‬فقال معاذ‪ :‬كلهما لم يأمرنى فيه رسول ا ّ‬
‫ب من عمر بن عبد‬
‫ل بن أبى بكر‪ ،‬قال‪ :‬جاءنا كتا ٌ‬
‫وقال الشافعى‪ :‬أخبرنا مالك‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ل إلى أبى وهو بِمَنى‪ ،‬أن ل يأخذ من الخيل ول من العسل صدقة‪ .‬وإلى هذا ذهب‬
‫العزيز رحمه ا ّ‬
‫مالك‪ ،‬والشافعى ‪.‬‬
‫وذهب أحمد‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وجماعة‪ ،‬إلى أن فى العسل زكاة‪ ،‬ورأوا أن هذه الثار ُيَقّوى‬
‫سِئل أبو حاتم‬
‫ضُد بمسندها ‪ .‬وقد ُ‬
‫سُلها ُيع َ‬
‫طرقها‪ ،‬ومر َ‬
‫جها‪ ،‬واختلفت ُ‬
‫ضها بعضًا‪ ،‬وقد تعددت مخار ُ‬
‫بع ُ‬
‫ل والد منير‪ ،‬عن سعد بن أبى ذباب‪ ،‬يصح حديثه؟ قال‪ :‬نعم ‪ .‬قال هؤلء‪ :‬ولنه‬
‫الرازى‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫يتولد من َنَور الشجر والزهر‪ ،‬وُيكال وُيّدخر‪ ،‬فوجبت فيه الزكاة كالحبوب والثمار ‪ .‬قالوا‪ :‬والكلفة فى‬
‫خذ من أرض الُعشر‪،‬‬
‫أخذه دون الكلفة فى الزرع والثمار‪ ،‬ثم قال أبو حنيفة‪ :‬إنما يجب فيه الُعشر إذا ُأ ِ‬
‫خذ من أرض الخراج‪ ،‬لم يجب فيه شئ عنده‪ ،‬لن أرض الخراج قد وجب على مالكها الخرا ُ‬
‫ج‬ ‫فإن ُأ ِ‬
‫لجل ثمارها وزرعها‪ ،‬فلم يجب فيها حق آخر لجلها‪ ،‬وأرض الُعشر لم يجب فى ذمته حق عنها‪،‬‬
‫ق فيما يكون منها ‪.‬‬
‫فلذلك وجب الح ّ‬
‫عشرية كانت‬
‫خَذ ِمن ملكه أو موات‪ُ ،‬‬
‫وسّوى المام أحمد بين الرضين فى ذلك‪ ،‬وأوجبه فيما ُأ ِ‬
‫الرض أو خراجية ‪.‬‬
‫جبون له‪ :‬هل له نصاب أم ل؟ على قولين ‪ .‬أحدهما‪ :‬أنه يجب فى قليله وكثير‪،‬‬
‫ثم اختلف المو ِ‬
‫وهذا قول أبى حنيفة رحمه ال ‪ ،‬والثانى ‪ :‬أن له نصابًا معينًا ‪ ،‬ثم اختلف فى قدره ‪ ،‬فقال أبو يوسف ‪:‬‬
‫هو عشرة أرطال‬
‫ل بالعراقى ‪ .‬وقال أحمد ‪ :‬نصابه‬
‫وقال محمد بن الحسن ‪ :‬هو خمسة أفراق ‪ ،‬والفرق ستة وثلثون رط ً‬
‫ل ‪ ،‬والثانى ‪ :‬أنه‬
‫عشرة أفراق ‪ ،‬ثم اختلف أصحابه فى الفرق ‪ ،‬على ثلثة أقوال أحدها ‪ :‬أنه ستون رط ً‬
‫ل‪.‬‬
‫ستة وثلثون رط ً‬
‫ل ‪ ،‬وهو ظاهر كلم المام أحمد ‪ ،‬وال أعلم‪.‬‬
‫والثالث ستة عشر رط ً‬
‫فصل‬
‫‪8‬‬

‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا جاءه الرجل بالزكاة‪ ،‬دعا له فتارة يقول ‪ )) :‬اللهم بارك فيه وفى‬
‫أبله (( ‪ .‬وتارة يقول )) اللهم صل عليه (( ‪ .‬ولم يكن من هديه أخذ كرائم الموال فى الزكاة بل وسط‬
‫المال ‪ ،‬ولهذا نهى معاذُا عن ذلك‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى نهى المتصدق أن يشترى صدقته‬
‫ى صدقته‪ ،‬وكان ُيبيح للغنى أن يأكل من‬
‫ل عليه وسلم ينهى المتصّدق أن يشتر َ‬
‫وكان صلى ا ّ‬
‫ق به على َبريَرَة وقال‪ُ)) :‬هَو‬
‫صّد َ‬
‫ل عليه وسلم ِمن لحم ُت ُ‬
‫الصدقة إذا أهداها إليه الفقير‪ ،‬وأكل صلى ا ّ‬
‫صَدَقٌة ولنا ِمْنَها َهِدية((‪.‬‬
‫عَلْيَها َ‬
‫َ‬
‫ت البل‪ ،‬فأمر عبد الّ‬
‫وكان أحيانًا يستدين لمصالح المسلمين على الصدقة‪ ،‬كما جّهز جيشًا َفَنِفَد ِ‬
‫سُمها فى آذانها ‪.‬‬
‫صَدَقِة بيده‪ ،‬وكان َي ِ‬
‫سُم إبل ال ّ‬
‫بن عمرو أن يأخذ من قلئص الصدقة‪ ،‬وكان َي ِ‬
‫ل عنه‬
‫وكان إذا عراه أمر‪ ،‬استسلف الصدقة من أربابها‪ ،‬كما استسلف من العباس رضى ا ّ‬
‫صدقة عامين‪.‬‬
‫فصل‬

‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى زكاة الفطر‬


‫صِغيٍر وَكِبيِر‪َ ،‬ذَكٍر‬
‫ن َ‬
‫ن َيُموُنُه ِم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على المسلم‪ ،‬وعلى َم ْ‬
‫لا ّ‬
‫فرضها رسو ُ‬
‫ب‪.‬‬
‫ن َزِبي ٍ‬
‫صاعًا ِم ْ‬
‫ط‪َ ،‬أْو َ‬
‫ن َأِق ٍ‬
‫صاعًا ِم ْ‬
‫شِعيٍر‪َ ،‬أْو َ‬
‫ن َ‬
‫صاعًا ِم ْ‬
‫ن َتْمٍر‪َ ،‬أْو َ‬
‫صاعًا ِم ْ‬
‫عْبٍد‪َ ،‬‬
‫حّر َو َ‬
‫َوُأْنَثى‪ُ ،‬‬
‫وروى عنه‪ :‬أو صاعًا من دقيق‪ ،‬وروى عنه‪ :‬نصف صاع من ُبّر‪.‬‬
‫والمعروف‪ :‬أن عمر بن الخطاب جعل نصف صاع من ُبّر مكان الصاع من هذه الشياء‪،‬‬
‫ذكره أبو داود ‪.‬‬
‫وفى ))الصحيحين(( أن معاوية هو الذى َقّوم ذلك‪ ،‬وفيه عن النبى صلى ال عليه وسلم آثار‬
‫مرسلة‪ ،‬ومسندة‪ُ ،‬يقّوى بعضها بعضًا ‪.‬‬
‫صعير عن أبيه قال‪ :‬قال رسول الّ‬
‫ل بن أبى ُ‬
‫ل بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد ا ّ‬
‫فمنها‪ :‬حديث عبد ا ّ‬
‫ل اْثَنْين(( رواه المام أحمد وأبو داود ‪.‬‬
‫ن ُبّر أْو َقْمح على ُك ّ‬
‫ع ِم ْ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪)) :‬صا ٌ‬
‫‪9‬‬

‫وقال عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم بعث مناديًا فى ِفجاج‬
‫ن‬
‫ن ِم ْ‬
‫صِغيٍر َأْو َكِبيٍر‪ُ ،‬مّدا ِ‬
‫عْبٍد‪َ ،‬‬
‫حّر َأْو َ‬
‫سِلم‪َ ،‬ذَكٍر أو ُأْنَثى‪ُ ،‬‬
‫ل ُم ْ‬
‫جَبٌة على ُك ّ‬
‫طِر َوا ِ‬
‫صَدَقة الِف ْ‬
‫ن َ‬
‫لإّ‬
‫َمّكة‪َ)) :‬أ َ‬
‫طعام(( قال الترمذى‪ :‬حديث حسن غريب ‪.‬‬
‫ن َ‬
‫صاعًا ِم ْ‬
‫سَواُه َ‬
‫ح َأْو ِ‬
‫َقْم ٍ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫ل عنهما‪َ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫وروى الدارقطنى من حديث ابن عمر رضى ا ّ‬
‫طٍة‪ .‬وفيه سليمان بن موسى‪ ،‬وّثقه بعضهم‬
‫حْن َ‬
‫ن ِ‬
‫ع ِم ْ‬
‫صا ٍ‬
‫ف َ‬
‫ص ِ‬
‫طِر ِبِن ْ‬
‫حْزٍم فى َزَكاِة الِف ْ‬
‫ن َ‬
‫عْمرو ْب َ‬
‫أَمَر َ‬
‫وتكلم فيه بعضهم ‪.‬‬
‫جوا‬
‫خِر ُ‬
‫ن على منبر البصرة‪ ،‬فقال‪َ :‬أ ْ‬
‫ن عباس فى آخر رمضا َ‬
‫ن الَبصرى‪ :‬خطب اب ُ‬
‫قال الحس ُ‬
‫خَواِنُكم َفَعّلُموُهم‬
‫ن َأْهلِ الَمِديَنِة؟ ُقوُموا إَلى إ ْ‬
‫ن َهُهنا ِم ْ‬
‫ل‪َ :‬م ْ‬
‫س َلْم َيْعَلُموا ‪َ .‬فَقا َ‬
‫ن الّنا َ‬
‫صْوِمُكْم‪ ،‬فكَأ ّ‬
‫صَدَقَة َ‬
‫َ‬
‫شِعيٍر‪َ ،‬أْو‬
‫عًا ِمن َتْمٍر‪َ ،‬أْو َ‬
‫صَدَقَة صا َ‬
‫ل عليه وسلم َهِذِه ال ّ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ض َر ُ‬
‫ن‪َ ،‬فر َ‬
‫ل َيْعَلُمو َ‬
‫فإّنُهْم َ‬
‫ىا ّ‬
‫ل‬ ‫ضَ‬
‫ى َر ِ‬
‫عل ّ‬
‫صِغيٍر َأْو َكِبيٍر‪ ،‬فلما َقِدَم َ‬
‫ك‪َ ،‬ذَكٍر َأْو ُأْنَثى‪َ ،‬‬
‫حّر‪ ،‬أو ممُلو ٍ‬
‫ل ُ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ح َ‬
‫ن َقْم ٍ‬
‫ع ِم ْ‬
‫صا ٍ‬
‫ف َ‬
‫ص َ‬
‫ِن ْ‬
‫شىٍء(( ‪ .‬رواه أبو داود‬
‫ل َ‬
‫ن ُك ّ‬
‫صاعًا ِم ْ‬
‫جَعْلُتُموُه َ‬
‫عَلْيُكم‪َ ،‬فَلْو َ‬
‫ل َ‬
‫سَع ا ُّ‬
‫ل‪َ :‬قْد َأْو َ‬
‫سْعِر َقا َ‬
‫ص ال ّ‬
‫خ َ‬
‫عْنُه َرأى ُر ْ‬
‫َ‬
‫غْيِره‬
‫ن ُبّر َو َ‬
‫صاعًا ِم ْ‬
‫جَعُلوها َ‬
‫سُعوا‪ ،‬ا ْ‬
‫عَلْيُكم‪َ ،‬فأْو ِ‬
‫ل َ‬
‫سَع ا ُّ‬
‫ى‪َ :‬أَما إذ َأْو َ‬
‫عل ّ‬
‫وهذا لفظه‪ ،‬والنسائى وعنده فقال َ‬
‫ل أحمد فى الكّفارات‪ ،‬أن الواج َ‬
‫ب‬ ‫ل ‪ُ :‬يقّوى هذا المذهب ويقول‪ :‬هو قياس قو ِ‬
‫‪ .‬وكان شيخنا رحمه ا ّ‬
‫ف الواجب من غيره ‪.‬‬
‫فيها من الُبّر نص ُ‬
‫فصل‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى وقت إخراج هذه الصدقة‬
‫ل صلة العيد‪ ،‬وفى السنن عنه‪ :‬أنه‬
‫ل عليه وسلم إخراج هذه الصدقة قب َ‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫ت((‪.‬‬
‫صَدقا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫صَدَقٌة ِم َ‬
‫ى َ‬
‫صلة َفِه َ‬
‫ن َأّداها َبْعَد ال ّ‬
‫صلة‪َ ،‬فِهى َزَكاٌة َمْقُبوَلة‪ ،‬وَم ْ‬
‫ل ال ّ‬
‫ن أّداها َقْب َ‬
‫قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫طِر َأ ْ‬
‫ن‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم ِبَزَكاِة الِف ْ‬
‫لا ّ‬
‫سو ُ‬
‫وفى ))الصحيحين((‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬أَمَر َر ُ‬
‫صلة ‪.‬‬
‫س إلى ال ّ‬
‫ج الّنا ِ‬
‫خُرو ِ‬
‫ُتؤّدى َقْبلَ ُ‬
‫ت بالفراغ ِمن‬
‫ومقتضى هذين الحديثين‪ :‬أنه ل يجوُز تأخيُرها عن صلة العيد‪ ،‬وأنها تفو ُ‬
‫ل بهما‪،‬‬
‫الصلة‪ ،‬وهذا هو الصواب‪ ،‬فإنه ل ُمعاِرض لهذين الحديثين ول ناسخ‪ ،‬ول إجماع يدفع القو َ‬
‫لضحية على صلة المام‪ ،‬ل على وقتها‪ ،‬وأن َمن‬
‫با ُ‬
‫خنا ُيقّوى ذلك وينصُره‪ ،‬ونظيُره ترتي ُ‬
‫وكان شي ُ‬
‫‪10‬‬

‫ل صلة المام‪ ،‬لم تكن ذبيحته ُأضحيًة بل شاة لحم ‪ .‬وهذا أيضًا هو الصواب فى المسألة‬
‫ذبح قب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى الموضعين ‪.‬‬
‫ى رسول ا ّ‬
‫الخرى‪ ،‬وهذا َهْد ُ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى تخصيص المساكين بها‬
‫سمها على‬
‫ص المساكين بهذه الصدقة‪ ،‬ولم يكن يق ِ‬
‫ل عليه وسلم تخصي ُ‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫ن بعدهم‪ ،‬بل أحُد‬
‫الصناف الثمانية قبضًة قبضًة‪ ،‬ول أمر بذلك‪ ،‬ول فعله أحٌد من أصحابه‪ ،‬ول َم ْ‬
‫ح من القول بوجوب‬
‫ل أرج ُ‬
‫جها إل على المساكين خاصة‪ ،‬وهذا القو ُ‬
‫القولين عندنا‪ :‬أنه ل يجوُز إخرا ُ‬
‫قسمتها على الصناف الثمانية ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى صدقة التطوع‬
‫ل عليه وسلم أعظَم الناس صدقًة بما ملكت يُده‪ ،‬وكان ل يستكِثر شيئًا أعطاه ِّ‬
‫ل‬ ‫كان صلى ا ّ‬
‫ل كان أو كثيرًا‪ ،‬وكان عطاؤه عطاء‬
‫تعالى‪ ،‬ول يستِقّله‪ ،‬وكان ل يسأُله أحٌد شيئًا عنده إل أعطاه‪ ،‬قلي ً‬
‫حه بما يعطيه أعظَم من‬
‫سروُره وفر ُ‬
‫ب شىٍء إليه‪ ،‬وكان ُ‬
‫ف الفقر‪ ،‬وكان العطاُء والصدقُة أح ّ‬
‫ن ل يخا ُ‬
‫َم ْ‬
‫خِذ بما يأخذه‪ ،‬وكان أجوَد الناس بالخير‪ ،‬يمينه كالّريح المرسلة ‪.‬‬
‫سرور ال ِ‬
‫وكان إذا عرض له ُمحتاج‪ ،‬آثره على نفسه‪ ،‬تارًة بطعامه‪ ،‬وتارًة بلباسه ‪.‬‬
‫وكان ُينّوع فى أصناف عطائه وصدقته‪ ،‬فتارًة بالهبة‪ ،‬وتارًة بالصدقة‪ ،‬وتارًة بالهدية‪ ،‬وتارًة‬
‫سلعة جميعًا‪ ،‬كما فعل ببعير جابر وتارة كان يقترض الشئ‪،‬‬
‫بشراِء الشىء ثم ُيعطى البائع الثمن وال ّ‬
‫فيرد أكثر منه‪ ،‬وأفضل وأكبر‪ ،‬ويشترى الشىء‪ ،‬فيعطى أكثر من ثمنه‪ ،‬ويقبل الهدّية وُيكافىُء عليها‬
‫بأكثر منها أو بأضعافها‪ ،‬تلطّـفًا وتنّوعًا فى ضروب الصدقة والحسان بكل ممكن‪ ،‬وكانت صدُقته‬
‫ض عليها‪ ،‬ويدعو إليها‬
‫ج ما عنده‪ ،‬ويأُمُر بالصدقة‪ ،‬ويح ّ‬
‫خِر ُ‬
‫وإحساُنه بما يملُكه‪ ،‬وبحاله‪ ،‬وبقوله‪ ،‬فُي ْ‬
‫حبه‪ ،‬ورأى‬
‫طه وصَ ِ‬
‫ن خال َ‬
‫ل الشحيح‪ ،‬دعاه حاُله إلى البذل والعطاء‪ ،‬وكان َم ْ‬
‫بحاله وقوله‪ ،‬فإذا رآه البخي ُ‬
‫ك نفسه من السماحة والّندى ‪.‬‬
‫َهْدَيه ل يمِل ُ‬
‫ل عليه وسلم يدعو إلى الحسان والصدقِة والمعروف‪ ،‬ولذلك كان صلى الّ‬
‫وكان َهْديه صلى ا ّ‬
‫ل المعروف تأثيرًا‬
‫ح الخلق صدرًا‪ ،‬وَأطَيبهم نفسًا‪ ،‬وأنعَمهم قلبًا ‪ .‬فإن ِللصدقة َوِفع ِ‬
‫عليه وسلم أشر َ‬
‫‪11‬‬

‫ل بِه من شرح صدره بالنبوة والرسالة‪،‬‬


‫صه ا ّ‬
‫عجيبًا فى شرح الصدر‪ ،‬وانضاف ذلك إلى ما خ ّ‬
‫ظ الشيطان منه ‪.‬‬
‫وخصائصها وتوابعها‪ ،‬وشرح صدره حسًا وإخراج ح ّ‬
‫فصل‬

‫فى أسباب شرح الصدور وحصولها على الكمال له صلى ال عليه وسلم‬
‫ح صدر‬
‫ن انشرا ُ‬
‫فأعظم أسباب شرح الصدر‪ :‬التوحيُد وعلى حسب كماله‪ ،‬وقوته‪ ،‬وزيادته يكو ُ‬
‫ن َرّبه{ ]الزمر‪ . [22 :‬وقال‬
‫عَلى ُنوٍر ّم ْ‬
‫سلِم َفُهَو َ‬
‫صْدَرُه ِلل ْ‬
‫ل َ‬
‫ح ا ُّ‬
‫شَر َ‬
‫ل تعالى‪َ} :‬أَفَمن َ‬
‫صاحبه ‪ .‬قال ا ّ‬
‫حَرجًا‬
‫ضـّيًقا َ‬
‫صْدَرُه َ‬
‫ل َ‬
‫جَع ْ‬
‫ضّلُه َي ْ‬
‫لِم‪َ ،‬وَمن ُيِرْد َأن ُي ِ‬
‫سَ‬‫صْدَرُه ِلل ْ‬
‫ح َ‬
‫شَر ْ‬
‫ل َأن َيْهِدَيُه َي ْ‬
‫ن ُيِرِد ا ُّ‬
‫تعالى‪َ } :‬فَم ْ‬
‫سَماِء{ ]النعام‪.[125 :‬‬
‫صّعُد ِفى ال ّ‬
‫َكَأّنَما َي ّ‬
‫صدِر‬
‫ق ال ّ‬
‫ب ضي ِ‬
‫ضلل ِمن أعظم أسبا ِ‬
‫ك وال ّ‬
‫شر ُ‬
‫ب شرح الصدر‪ ،‬وال ّ‬
‫فالُهدى والتوحيُد ِمن أعظم أسبا ِ‬
‫سعه‪،‬‬
‫ح الصدر وُيو ّ‬
‫ل فى قلب العبد‪ ،‬وهو نوُر اليمان‪ ،‬فإنه يشَر ُ‬
‫جه‪ ،‬ومنها‪ :‬النوُر الذى يقِذُفه ا ّ‬
‫وانحرا ِ‬
‫ن وأصعبه ‪.‬‬
‫ج‪ ،‬وصار فى أضيق سج ٍ‬
‫حِر َ‬
‫قوَ‬
‫ب ‪ .‬فإذا ُفِقَد هذا النور من قلب العبد‪ ،‬ضا َ‬
‫ح القل َ‬
‫وُيْفِر ُ‬
‫ب‪،‬‬
‫خلَ النور القل َ‬
‫وقد روى الترمذى فى جامعه عن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه قال‪)) :‬إذا َد َ‬
‫عْ‬
‫ن‬‫جاِفى َ‬
‫خُلوِد‪ ،‬والَت َ‬
‫ل؟ قال‪)) :‬الَناَبُة إلى داِر ال ُ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫ك َيا ر ُ‬
‫لَمُة َذِل َ‬
‫عَ‬‫ح(( ‪ .‬قالوا‪ :‬وما َ‬
‫ح وانشر َ‬
‫سَ‬‫اْنَف َ‬
‫ل ُنزوله(( ‪ .‬فُيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا‬
‫ت َقْب َ‬
‫سِتْعداُد للَمْو ِ‬
‫َداِر الُغُروِر‪ ،‬وال ْ‬
‫ح الصدر‪ ،‬وهذه ُتضّيقه ‪.‬‬
‫سية‪ ،‬هذه تشر ُ‬
‫حّ‬‫سى‪ ،‬والظلمُة ال ِ‬
‫حّ‬‫النور‪ ،‬وكذلك النوُر ال ِ‬
‫ضيق‬
‫ل يورثه ال ّ‬
‫سعه حتى يكون َأوسَع من الدنيا‪ ،‬والجه ُ‬
‫ومنها‪ :‬العلم‪ ،‬فإنه يشرح الصدر‪ ،‬ويو ّ‬
‫علم‪ ،‬بل للعلم‬
‫صر والحبس‪ ،‬فكلما اّتسع علُم العبد‪ ،‬انشرح صدره واتسع‪ ،‬وليس هذا لكل ِ‬
‫ح ْ‬
‫وال َ‬
‫ح الناس صدرًا‪ ،‬وأوسعهم‬
‫الموروث عن الرسول صلى ال عليه وسلم وهو العلُم النافع‪ ،‬فأهُله أشر ُ‬
‫سنهم أخلقًا‪ ،‬وأطيُبهم عيشًا ‪.‬‬
‫قلوبًا‪ ،‬وأح ُ‬
‫ل عليه‪ ،‬والتنّعم بعبادته‪ ،‬فل‬
‫ل القلب‪ ،‬والقبا ُ‬
‫ل سبحانه وتعالى‪ ،‬ومحبُته بك ّ‬
‫ومنها‪ :‬النابة إلى ا ّ‬
‫ت فى الجنة فى مثل هذه الحالة‪ ،‬فإنى‬
‫ل أحيانًا‪ :‬إن كن ُ‬
‫ح لصدر العبد من ذلك ‪ .‬حتى إنه ليقو ُ‬
‫شىء أشر ُ‬
‫ب النفس‪ ،‬ونعيم القلب‪ ،‬ل يعرفه‬
‫ب فى انشراح الصدر‪ ،‬وطي ِ‬
‫إذًا فى عيش طيب ‪ .‬وللمحبة تأثيٌر عجي ٌ‬
‫‪12‬‬

‫ح‪ ،‬ول َيضيق إل عند‬


‫ح وأشر َ‬
‫حس به‪ ،‬وكّلما كانت المحّبة أقوى وأشّد‪ ،‬كان الصدُر أفس َ‬
‫إل َمن له ِ‬
‫حّمى روحه ‪.‬‬
‫طالين الفاِرغين من هذا الشأن‪ ،‬فرؤيُتهم َقَذى عينه‪ ،‬ومخالطتهم ُ‬
‫رؤية الب ّ‬
‫ق القلب بغيره‪ ،‬والغفلُة عن‬
‫ل تعالى‪ ،‬وتعّل ُ‬
‫ض عن ا ّ‬
‫ن أعظم َأسباب ضيق الصدر‪ :‬العرا ُ‬
‫وِم ْ‬
‫ن قلُبه فى محبة ذلك الغير‪ ،‬فما فى‬
‫جَ‬‫سِ‬
‫ب به‪ ،‬و ُ‬
‫عّذ َ‬
‫ل ُ‬
‫ب شيئًا غيَر ا ّ‬
‫ِذكره‪ ،‬ومحبُة سواه‪ ،‬فإن َمن أح ّ‬
‫ل‪ ،‬ول أنكد عيشًا‪ ،‬ول أتعب قلبًا‪ ،‬فهما محبتان‪ :‬محبة هى جنة الدنيا‪،‬‬
‫الرض أشقى منه‪ ،‬ول أكسف با ً‬
‫غذاؤها‪ ،‬ودواُؤها‪ ،‬بل حياُتها وُقّرُة عينها‪ ،‬وهى محبُة ا ّ‬
‫ل‬ ‫وسرور النفس‪ ،‬ولذُة القلب‪ ،‬ونعيم الروح‪ ،‬و ِ‬
‫ب قوى الميل‪ ،‬والرادة‪ ،‬والمحبة كّلها إليه ‪.‬‬
‫ل القلب‪ ،‬وانجذا ُ‬
‫وحَده بُك ّ‬
‫ب اللم والنكد‬
‫ق الصدر‪ ،‬وهى سب ُ‬
‫ضي ُ‬
‫ن القلب‪ ،‬و ِ‬
‫جُ‬‫سْ‬
‫ومحبٌة هى عذاب الروح‪ ،‬وغّم النفس‪ ،‬و ِ‬
‫والعناء‪ ،‬وهى محبة ما سواه سبحانه ‪.‬‬
‫ل موطن‪ ،‬فللِذْكر تأثير عجيب فى‬
‫ل حال‪ ،‬وفى ُك ّ‬
‫ومن أسباب شرح الصدر دواُم ِذكره على ُك ّ‬
‫ضيقه وحبسه وعذابه ‪.‬‬
‫انشراح الصدر‪ ،‬ونعيم القلب‪ ،‬وللغفلة تأثيٌر عجيب فى ِ‬
‫خْلق ونفُعهم بما يمكنه من المال‪ ،‬والجاِه‪ ،‬والنفع بالبدن‪ ،‬وأنواع‬
‫ن إلى ال َ‬
‫ومنها‪ :‬الحسا ُ‬
‫ل الذى ليس فيه‬
‫ح الناس صدرًا‪ ،‬وأطيُبهم نفسًا‪ ،‬وأنعُمهم قلبًا‪ ،‬والبخي ُ‬
‫ن أشر ُ‬
‫الحسان‪ ،‬فإن الكريم المحس َ‬
‫ل صلى ال‬
‫س صدرًا‪ ،‬وأنكُدهم عيشًا‪ ،‬وأعظُمهم هّمًا وغّمًا ‪ .‬وقد ضرب رسول ا ّ‬
‫ق النا ِ‬
‫إحسان أضي ُ‬
‫حِديٍد‪ُ ،‬كّلَما َهّم‬
‫ن َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫جّنَتا ِ‬
‫عَلْيِهَما ُ‬
‫ن َ‬
‫جَلْي ِ‬
‫ل للبخيل والمتصّدق‪ ،‬كَمَثل َر ُ‬
‫عليه وسلم فى الصحيح مث ً‬
‫صَدَقِة‪،‬‬
‫خيلُ ِبال ّ‬
‫ى أَثَرُه‪ ،‬وُكّلَما َهّم الَب ِ‬
‫جّر ِثَياِبُه َوُيعِْف َ‬
‫حّتى َي ُ‬
‫ت‪َ ،‬‬
‫ط ْ‬
‫سَ‬‫عَلْيِه َواْنَب َ‬
‫ت َ‬
‫سَع ْ‬
‫صَدَقٍة‪ ،‬اّت َ‬
‫ق ِب َ‬
‫صّد ُ‬
‫الُمَت َ‬
‫ح صدر المؤمن المتصّدق‪ ،‬وانفساح قلبه‪،‬‬
‫شرا ِ‬
‫ل ان ِ‬
‫عَلْيِه ‪ .‬فهذا َمَث ُ‬
‫سْع َ‬
‫حْلَقٍة َمَكاَنَها‪َ ،‬وَلْم َتّت ِ‬
‫ت ُكلّ َ‬
‫َلِزَم ْ‬
‫ق صدر البخيل وانحصاِر قلبه ‪.‬‬
‫ضي ِ‬
‫ل ِ‬
‫ومث ُ‬
‫ن‪ :‬أضيق‬
‫سُع القلب‪ ،‬والجبا ُ‬
‫ومنها‪ :‬الشجاعة‪ ،‬فإن الشجاع منشرح الصدر‪ ،‬واسع البطان‪ ،‬مّت ِ‬
‫ن جنس ما للحيوان‬
‫الناس صدرًا‪ ،‬وأحصُرهم قلبًا‪ ،‬ل فرحة له ول سرور‪ ،‬ول لّذة له‪ ،‬ول نعيم إل م ْ‬
‫جها‪ ،‬فمحّرٌم على كل جبان‪ ،‬كما هو محّرم عِلى‬
‫البهيمى‪ ،‬وأما سرور الروح‪ ،‬ولّذُتها‪ ،‬ونعيُمها‪ ،‬وابتها ُ‬
‫ل به وبأسمائه تعالى وصفاته‪،‬‬
‫ل عن ِذكره‪ ،‬جاه ٍ‬
‫ل سبحانه‪ ،‬غاف ٍ‬
‫ل ُمعِرض عن ا ّ‬
‫ل‪ ،‬وعلى ُك ّ‬
‫كل بخي ٍ‬
‫ب بغيره ‪ .‬وإن هذا النعيم والسرور‪ ،‬يصير فى القبر رياضًا وجنة‪ ،‬وذلك الضي ُ‬
‫ق‬ ‫وِدينه‪ ،‬متعلق القل ِ‬
‫ب فى القبر عذابًا وسجنًا ‪ .‬فحال العبد فى القبر ‪ .‬كحال القلب فى الصدر‪ ،‬نعيمًا وعذابًا‬
‫والحصر‪ ،‬ينقل ُ‬
‫‪13‬‬

‫ض‬
‫وسجنًا وانطلقًا‪ ،‬ول عبرَة بانشراح صدر هذا لعارض‪ ،‬ول بضيق صدِر هذا لعارض‪ ،‬فإن العواِر َ‬
‫صفة التى قامت بالقلب ُتوجب انشراحه وحبسه‪ ،‬فهى‬
‫ل على ال ّ‬
‫ل بزوال أسبابها‪ ،‬وإنما المعّو ُ‬
‫تزو ُ‬
‫ل المستعان ‪.‬‬
‫الميزان ‪ ..‬وا ّ‬
‫ب من الصفات المذمومة التى ُتوجب ضيقه وعذابه‪،‬‬
‫ل الَقْل ِ‬
‫غِ‬‫ج َد َ‬
‫ومنها بل من أعظمها‪ :‬إخرا ُ‬
‫ج تلك‬
‫ح صدره‪ ،‬ولم ُيخِر ْ‬
‫ل بينه وبين حصول الُبرء‪ ،‬فإن النسان إذا أتى السباب التى تشر ُ‬
‫وتحو ُ‬
‫ظ ِمن انشراح صدره بطائل‪ ،‬وغايته أن يكون له مادتان تعتِوَرا ِ‬
‫ن‬ ‫ف المذمومة من قلبه‪ ،‬لم يح َ‬
‫الوصا َ‬
‫على قلبه‪ ،‬وهو للمادة الغالبة عليه منهما ‪.‬‬
‫ل النظر‪ ،‬والكلم‪ ،‬والستماع‪ ،‬والمخالطِة‪ ،‬والكل‪ ،‬والنوم‪ ،‬فإن هذه الفضو َ‬
‫ل‬ ‫ك فضو ِ‬
‫ومنها‪ :‬تر ُ‬
‫ب عذا ِ‬
‫ب‬ ‫ب بها‪ ،‬بل غاِل ُ‬
‫صُره‪ ،‬وتحِبسه‪ ،‬وتضّيقُه‪ ،‬ويتعّذ ُ‬
‫ل آلمًا وغمومًا‪ ،‬وهمومًا فى القلب‪ ،‬تح ُ‬
‫تستحي ُ‬
‫ق صَدر َمن ضرب فى كل آفٍة من هذه الفات بسهم‪ ،‬وما‬
‫ل ما أضي ُ‬
‫الدنيا والخرة منها‪ ،‬فل إله إل ا ُّ‬
‫ن ضرب فى كل‬
‫ش َم ْ‬
‫ل‪ ،‬ما أنعَم عي َ‬
‫شه‪ ،‬وما أسوأ حاله‪ ،‬وما أشّد حصَر قلبه‪ ،‬ول إله إل ا ّ‬
‫أنَكَد عي َ‬
‫خصلٍة من تلك الخصال المحمودة بسهم‪ ،‬وكانت همّته دائرًة عليها‪ ،‬حائمًة حولها‪ ،‬فلهذا نصيب وافر‬
‫َ‬
‫لْبَراَر َلِفى َنِعيم{ ]النفطار‪ [13 :‬ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى‪ } :‬وإ ّ‬
‫ن‬ ‫نا َ‬
‫ن قوله تعالى‪} :‬إ ّ‬
‫ِم ْ‬
‫ل تبارك وتعالى ‪.‬‬
‫ب متفاوتة ل ُيحصيها إل ا ّ‬
‫حيٍم { ]النفطار‪ [14 :‬وبينهما مرات ُ‬
‫جِ‬‫جاَر َلِفى َ‬
‫الُف ّ‬
‫صل بها‬
‫ل صفة يح ُ‬
‫ل الخلق فى ك ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان أكم َ‬
‫لا ّ‬
‫والمقصود‪ :‬أن رسو َ‬
‫ل الخلق فى هذا الشرح والحياة‪،‬‬
‫ع القلب‪ ،‬وُقّرُة العين‪ ،‬وحياُة الروح‪ ،‬فهو أكم ُ‬
‫ح الصدر‪ ،‬واّتسا ُ‬
‫انشرا ُ‬
‫ل الخلق متابعة له‪ ،‬أكمُلهم انشراحًا ولّذة وُقّرة‬
‫ى‪ ،‬وأكم ُ‬
‫سّ‬
‫حّ‬‫ص به من الشرح ال ِ‬
‫خ ّ‬
‫وُقّرِة العين مع ما ُ‬
‫ل العبد من انشراح صدره وُقّرة عينه‪ ،‬ولّذة روحه ما ينال‪ ،‬فهو صلى‬
‫عين‪ ،‬وعلى حسب متابعته ينا ُ‬
‫ل عليه وسلم فى ُذروة الكمال ِمن شرح الصدر‪ ،‬ورفع الِذْكر‪ ،‬ووضع الِوْزر‪ ،‬ولتباعه من ذلك‬
‫ا ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫ل المستعا ُ‬
‫بحسب نصيبهم من اّتباعه ‪ ..‬وا ّ‬
‫عه عنهم‪ ،‬وإعزازه لهم‪ ،‬ونصِره‬
‫ل لهم‪ ،‬وعصمِته إياهم‪ ،‬ودفا ِ‬
‫ب من حفظ ا ّ‬
‫وهكذا لتباعه نصي ٌ‬
‫ل ‪ .‬وَمن وجد غير‬
‫ل ومستكِثر‪ ،‬فَمن وجد خيرًا‪ ،‬فليحمد ا ّ‬
‫لهم‪ ،‬بحسب نصيبهم من المتابعة‪ ،‬فمستِق ّ‬
‫ن إل نفسه‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬فل يلوم ّ‬
‫فصل‬
‫‪14‬‬

‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الصيام‬


‫ل قوتها‬
‫ت‪ ،‬وِفطاَمها عن المألوفات‪ ،‬وتعدي َ‬
‫س عن الشهوا ِ‬
‫س النف ِ‬
‫لما كان المقصوُد ِمن الصيام حب َ‬
‫الشهوانية‪ ،‬لتستِعّد لطلب ما فيه غايُة سعادتها ونعيمها‪ ،‬وقبول ما تزكو به مما فيه حياُتها البدية‪،‬‬
‫سْورِتها‪ ،‬وُيذّكرها بحال الكباِد الجائعِة من المساكين‪ ،‬وتضيق‬
‫حّدِتها و َ‬
‫ع والظمأ ِمن ِ‬
‫سر الجو ُ‬
‫ويك ِ‬
‫ن من العبد بتضييق مجارى الطعام والشراب‪ ،‬وُتحبس ُقوى العضاء عن استرسالها‬
‫مجارى الشيطا ِ‬
‫جُم‬
‫ل قوٍة عن جماحه‪ ،‬وُتل َ‬
‫ل عضٍو منها وُك ّ‬
‫ن ُك ّ‬
‫لحكم الطبيعة فيما يضّرها فى معاشها ومعادها‪ ،‬وُيسّك ُ‬
‫ب العالمين ِمن بين‬
‫جّنُة المحاربين‪ ،‬ورياضة البرار والمقّربين‪ ،‬وهو لر ّ‬
‫بلجامه‪ ،‬فهو لجاُم المتقين‪ ،‬و ُ‬
‫ك شهوَته وطعاَمه وشراَبه من أجل معبوده‪ ،‬فهو‬
‫ل شيئًا‪ ،‬وإنما يتر ُ‬
‫سائر العمال‪ ،‬فإن الصائم ل يفع ُ‬
‫طِلُع عليِه‬
‫سّر بين العبد وربه ل َي ّ‬
‫ل ومرضاته‪ ،‬وهو ِ‬
‫ك محبوبات النفس وتلّذذاتها إيثارًا لمحبة ا ّ‬
‫تر ُ‬
‫ك طعاَمه وشراَبه وشهوَته‬
‫ك المفطرات الظاهرة‪ ،‬وأما كوُنه تر َ‬
‫ن منه على تر ِ‬
‫طِلُعو َ‬
‫سواه‪ ،‬والعباُد قد َي ّ‬
‫طِلُع عليه َبشٌر‪ ،‬وذلك حقيقُة الصوم ‪.‬‬
‫من أجل معبوده‪ ،‬فهو أمٌر ل َي ّ‬
‫حميتها عن التخليط‬
‫وللصوم تأثيٌر عجيب فى حفظ الجوارح الظاهرة‪ ،‬والقوى الباطنة‪ ،‬و ِ‬
‫الجالب لها المواد الفاسدة التى إذا استولت عليها أفسدتها‪ ،‬واستفراغ المواد الرديئة المانعة لها من‬
‫صحتها‪ ،‬فالصوُم يحفظ على القلب والجوارح صحتها‪ ،‬وُيعيد إليها ما استلبته منها أيدى الشهوات‪ ،‬فهو‬
‫ن‬
‫عَلى اّلِذي َ‬
‫ب َ‬
‫صياُم َكَما ُكِت َ‬
‫عَلْيُكُم ال ّ‬
‫ب َ‬
‫ن آَمُنوا ُكِت َ‬
‫ن على التقوى كما قال تعالى‪} :‬يَأّيها اّلِذي َ‬
‫من أكبر العو ِ‬
‫ن{ ]البقرة‪.[183 :‬‬
‫ن َقْبِلُكم َلَعّلُكْم َتّتُقو َ‬
‫ِم ْ‬
‫شهوُة النكاح‪ ،‬ول‬
‫ت عليه َ‬
‫ن اشتّد ْ‬
‫جّنة(( ‪ .‬وأَمَر َم ِ‬
‫صْوُم ُ‬
‫وقال النبى صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ال ّ‬
‫جاَء هذه الشهوة ‪.‬‬
‫صـيام‪ ،‬وجعله و َ‬
‫ُقدرة َله عليه بال ّ‬
‫طِر المستقيمة‪ ،‬شرعه‬
‫ح الصوِم لـّما كانت مشهودًة بالعقول السليمِة‪ ،‬والِف َ‬
‫والمقصود‪ :‬أن مصال َ‬
‫جّنًة ‪.‬‬
‫حميًة لهم و ُ‬
‫ل لعباده رحمة بهم‪ ،‬وإحسانًا إليهم‪ ،‬و ِ‬
‫ا ُّ‬
‫ل الَهْدى‪ ،‬وأعظَم تحصيل للمقصود‪ ،‬وأسهَله على‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فيه أَكم َ‬
‫وكان َهْدى رسول ا ّ‬
‫النفوس ‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫ضه إلى‬
‫خر فر ُ‬
‫س عن مألوفاِتها وشهواِتها ِمن أشق المور وأصعبها‪ ،‬تأ ّ‬
‫طُم النفو ِ‬
‫ولما كان َف ْ‬
‫ن‪َ ،‬فُنقَِلت إليه‬
‫س على التوحيد والصلة‪ ،‬وَأِلَفت أواِمَر القرآ ِ‬
‫ت النفو ُ‬
‫طَن ِ‬
‫وسط السلم بعد الهجرة‪ ،‬لما تو ّ‬
‫بالتدريج ‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وقد‬
‫وكان فرضه فى السنة الثانية من الهجرة‪ ،‬فتوّفى رسول ا ّ‬
‫ل يوم مسكينًا‪ ،‬ثم ُنِق َ‬
‫ل‬ ‫ل على وجه التخيير بينه وبين أن ُيطِعم عن ُك ّ‬
‫ض أو ً‬
‫صاَم ِتسع رمضانات‪ ،‬وُفِر َ‬
‫ِمن ذلك التخيير إلى تحّتم الصوِم‪ ،‬وجعل الطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم ُيطيقا الصياَم‪ ،‬فإنهما‬
‫خص للمريض والمساِفر أن ُيفطرا ويقضيا‪ ،‬وِللحاِمل‬
‫ل يوم مسكينًا‪ ،‬ور ّ‬
‫طران وُيطعمان عن ُك ّ‬
‫ُيف ِ‬
‫ك‪ ،‬فإن خافتا على ولديهما‪ ،‬زادتا مع القضاء إطعام ِمسكين ِلُك ّ‬
‫ل‬ ‫ضِع إذا خافتا على أنفسهما َكَذِل َ‬
‫واْلُمر ِ‬
‫جِبر بإطعام المسكين كفطر الصحيح‬
‫صحة‪ ،‬ف ُ‬
‫يوم‪ ،‬فإن فطرهما لم يكن ِلخوف مرض‪ ،‬وإنما كان مع ال ّ‬
‫فى أّول السلم ‪.‬‬
‫ب ثلث‪ ،‬إحداها‪ :‬إيجاُبه بوصف التخيير ‪.‬‬
‫وكان للصوم ُرَت ٌ‬
‫ب إلى الليلة‬
‫حُرَم عليه الطعاُم والشرا ُ‬
‫طَعَم َ‬
‫والثانية تحّتمه‪ ،‬لكن كان الصائُم إذا نام قبل أن َي ْ‬
‫ع إلى يوم القيامة ‪.‬‬
‫سخ ذلك بالرتبة الثالثة‪ ،‬وهى التى استقر عليها الشر ُ‬
‫القابلة‪ ،‬فُن ِ‬
‫فصل‬
‫ل عليه‬
‫ل عليه وسلم فى شهر رمضان‪ ،‬الكثاُر من أنواع العبادات‪ ،‬فكان جبري ُ‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫الصلة والسلم ُيدارسه القرآن فى رمضان‪ ،‬وكان إذا لقيه جبريل أجوَد بالخير من الريح المرسلة‪،‬‬
‫وكان أجوَد الناس‪ ،‬وأجود ما يكون فى رمضان‪ُ ،‬يْكِثُر فيه ِمن الصدقة والحسان‪ ،‬وتلوة القرآن‪،‬‬
‫والصلة‪ ،‬والّذكِر‪ ،‬والعتكاف ‪.‬‬
‫ص غيَره به من الشهور‪ ،‬حتى إنه كان لُيواصل فيه‬
‫خ ّ‬
‫ن من العبادة بما ل َي ُ‬
‫ص رمضا َ‬
‫خ ّ‬
‫وكان َي ُ‬
‫أحيانًا ِلُيَوّفَر ساعات َليِلِه ونهاِره على العبادة‪ ،‬وكان ينهى أصحاَبه عن الوصال‪ ،‬فيقولون له إّنك‬
‫طِعُمنى َوَيسِْقينى((‪.‬‬
‫عْنَد َرّبى ُي ْ‬
‫ل ِ‬
‫ظّ‬‫ت وفى رواية‪ :‬إّنى َأ َ‬
‫ت َكَهْيَئِتُكم إّنى َأِبي ُ‬
‫س ُ‬
‫ُتواصل‪ ،‬فيقول‪َ)) :‬ل ْ‬
‫ن على قولين‪:‬‬
‫س فى هذا الطعام والشراب المذكوَرْي ِ‬
‫وقد اختلف النا ُ‬
‫ب للعُدول عنها ‪.‬‬
‫ج َ‬
‫سى للفم‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذه حقيقُة اللفظ‪ ،‬ول ُمو ِ‬
‫حّ‬
‫أحدهما‪ :‬أنه طعاٌم وشراب ِ‬
‫‪16‬‬

‫ض على قلبه ِمن لذة مناجاته‪ ،‬وُقرِة‬


‫ل به من معارفه‪ ،‬وما َيفي ُ‬
‫الثانى‪ :‬أن المراَد به ما ُيغّذيه ا ّ‬
‫ل التى هى غذاُء القلوب‪ ،‬ونعيُم‬
‫ق إليه‪ ،‬وتوابع ذلك من الحوا ِ‬
‫عينه بُقربه‪ ،‬وتنّعِمه بحبه‪ ،‬والشو ِ‬
‫س والّروح والقلب بما هو أعظُم غذاء وأجوُده وأنفعه‪ ،‬وقد يقوى‬
‫الرواح‪ ،‬وقرُة العين‪ ،‬وبهجُة النفو ِ‬
‫غذاء الجسام مدًة من الزمان‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫ى عن ِ‬
‫هذا الغذاء حتى ُيْغن َ‬
‫ن الـّزاِد‬
‫عــ ِ‬
‫ب َوُتْلِهيَهـا َ‬
‫شــَرا ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫عِ‬‫َ‬ ‫شَغُلَهــا‬
‫ك َت ْ‬
‫ن ِذْكـــرا َ‬
‫حاِديثُ ِمـ ْ‬
‫َلها أ َ‬
‫حــاِدى‬
‫عقاِبَهــا َ‬
‫حِديِثك فـى أ ْ‬
‫ن َ‬
‫َوِم ْ‬ ‫ضـىُء ِبـــِه‬
‫سَت ِ‬
‫ك ُنــوٌر َت ْ‬
‫جِهـ َ‬
‫َلها ِبَو ْ‬
‫عْنــَد ميعاد‬
‫حيــا ِ‬
‫ح الُقــدوِم َفَت ْ‬
‫َرْو ُ‬ ‫سْيِر أْوعـــَدَها‬
‫ل ال ّ‬
‫ت ِمن َكل ِ‬
‫شـَك ْ‬
‫إذا َ‬
‫وَمن له أدنى تجربٍة وشوق‪ ،‬يعلم استغناء الجسم بغذاء القلب والروح عن كثير من الِغذاء‬
‫ن الظافَر بمطلوبه الذى قد قّرت عيُنه بمحبوبه‪ ،‬وتنّعم بقربه‪،‬‬
‫الحيوانى‪ ،‬ول سيما المسروَر الفرحا َ‬
‫ن بأمره‪،‬‬
‫والّرضى عنه‪ ،‬وألطاف محبوبه وهداياه‪ ،‬وتحفه تصل إليه ُكلّ وقت‪ ،‬ومحبوُبه حفى به‪ ،‬معت ٍ‬
‫غذاء لهذا المحب فكيف بالحبيب الذى‬
‫س فى هذا أعظُم ِ‬
‫ُمكِرٌم له غايَة الكرام مع المحبة التامة له‪ ،‬أفلي َ‬
‫ك‬
‫حبّ بحُبه‪ ،‬وَمَل َ‬
‫ب الُم ِ‬
‫ل‪ ،‬ول أعظُم إحسانًا إذا امتل قل ُ‬
‫ل‪ ،‬ول أكم ُ‬
‫ل منه‪ ،‬ول أعظم‪ ،‬ول أجم ُ‬
‫ل شئ أج ّ‬
‫حبّ‬
‫حّبه جميَع أجزاء قلبه وجوارحه‪ ،‬وتمّكن حّبه منه أعظَم تمّكن‪ ،‬وهذا حاُله مع حبيبه‪ ،‬أفليس هذا الُم ِ‬
‫سِقينى(( ‪ .‬ولو كان‬
‫طِعُمنى وَي ْ‬
‫عْنَد َرّبى ُي ْ‬
‫ل ِ‬
‫ظّ‬‫ل ونهارًا؟ ولهذا قال‪)) :‬إّنى َأ َ‬
‫عند حبيبه ُيطعُمه وَيسقيه لي ً‬
‫ل‪ ،‬وأيضًا فلو كان ذلك فى الليل‪ ،‬لم‬
‫ل عن كونه مواص ً‬
‫ذلك طعامًا وشرابًا للفم‪ ،‬لما كان صائمًا فض ً‬
‫ل(( ‪ .‬ولم يقل‪َ)) :‬لسْ ُ‬
‫ت‬ ‫ت أواص ُ‬
‫س ُ‬
‫ل‪َ)) :‬ل ْ‬
‫صُ‬‫ل‪ ،‬ولقال لصحابه إذ َقاُلوا له‪ :‬إّنك ُتوا ِ‬
‫يكن ُمواصِ ً‬
‫َكَهْيَئِتُكم((‪ ،‬بل أقّرهم على نسبة الوصال إليه‪ ،‬وقطع اللحاق بينه وبينهم فى ذلك‪ ،‬بما بّينه من الفارق‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم واصل فى‬
‫لا ّ‬
‫ل بن عمر‪ ،‬أن رسو َ‬
‫كما فى صحيح مسلم‪ ،‬من حديث عبد ا ّ‬
‫سَقى((‪.‬‬
‫طَعُم وُأ ْ‬
‫ت ِمْثَلُكم إّنى ُأ ْ‬
‫س ُ‬
‫ل‪ ،‬فقال‪)) :‬إّنى َل ْ‬
‫صُ‬‫س‪ ،‬فنهاهم‪ ،‬فقيل له‪ :‬أنت ُتوا ِ‬
‫ل النا ُ‬
‫رمضان‪ ،‬فواص َ‬
‫صال‪ ،‬فقالوا‪ :‬إنك‬
‫ن الِو َ‬
‫عِ‬‫ل صلى ال عليه وسلم َ‬
‫لا ّ‬
‫وسياق البخارى لهذا الحديث‪ :‬نهى رسو ُ‬
‫سَقى(( ‪.‬‬
‫طَعُم َوُأ ْ‬
‫ت ِمْثَلُكم إّنى ُأ ْ‬
‫س ُ‬
‫ل ‪ .‬قال‪)) :‬إنى َل ْ‬
‫صُ‬‫ُتوا ِ‬
‫صال‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن الِو َ‬
‫وفى ))الصحيحين(( من حديث أبى هريرة‪ :‬نهى رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬وَأّيُكم‬
‫لا ّ‬
‫صل‪ ،‬فقال رسو ُ‬
‫ل ُتوا ِ‬
‫لا ّ‬
‫ك يا رسو َ‬
‫فقال رجل من المسلمين‪ :‬إن َ‬
‫سِقينى((‪.‬‬
‫طِعُمنى َرّبى َوَي ْ‬
‫ت ُي ْ‬
‫ِمْثلى‪ ،‬إّنى َأبي ُ‬
‫‪17‬‬

‫ل بهم‬
‫صال‪ ،‬فأبوا أن ينتهوا‪ ،‬واص َ‬
‫وأيضًا‪ :‬فإن النبى صلى ال عليه وسلم لما نهاهم عن الِو َ‬
‫عِ‬
‫ن‬ ‫ن َيْنَتُهوا َ‬
‫ن َأَبْوا َأ ْ‬
‫خَر الِهلل‪ ،‬لِزْدّتكم(( ‪ .‬كالُمنّكل لهم حي َ‬
‫يومًا‪ ،‬ثم يومًا‪ ،‬ثم رأوا الهلل فقال‪)) :‬لو َتَأ ّ‬
‫صال ‪.‬‬
‫الِو َ‬
‫ستَُ ِمْثَلُكْم أو‬
‫ع الُمَتَعّمُقون َتَعّمَقهم‪ ،‬إّنى َل ْ‬
‫ل َيَد ُ‬
‫صا ً‬
‫صْلنا ِو َ‬
‫شْهُر لَوا َ‬
‫وفى لفظ آخر‪)) :‬لو ُمّد لنا ال ّ‬
‫ل‪،‬‬
‫صً‬‫سِقينى(( فأخبر أنه ُيطَعم وُيسَقى‪ ،‬مع كونه ُموا ِ‬
‫طِعُمنى رّبى وَي ْ‬
‫ل ُي ْ‬
‫ظّ‬‫سُتم ِمْثلى فإّنى َأ َ‬
‫قال‪ :‬إّنُكم َل ْ‬
‫ل‪ ،‬ول تعجيزًا‪ ،‬بل ول‬
‫جزًا لهم فلو كان يأكل ويشرب‪ ،‬لما كان ذلك تنكي ً‬
‫ل بهم‪ ،‬مع ّ‬
‫وقد فعل فعلهم منّك ً‬
‫ل واضح ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وهذا بحمد ا ّ‬
‫صا ً‬
‫ِو َ‬
‫حر‪ ،‬وفى‬
‫سَ‬‫لمة‪ ،‬وأِذن فيه إلى ال ّ‬
‫صال رحمة ل ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن الِو َ‬
‫وقد نهى رسول ا ّ‬
‫صلوا‬
‫ى صلى ال عليه وسلم يقول‪)) :‬ل ُتوا ِ‬
‫سِمَع النب ّ‬
‫صحيح البخارى‪ ،‬عن أبى سعيد الخدرى‪ ،‬أنه َ‬
‫حر(( ‪.‬‬
‫سَ‬‫صل إلى ال ّ‬
‫صل َفْلُيَوا ِ‬
‫ن ُيوا ِ‬
‫َفَأّيُكم أراد أ ْ‬
‫صال جائز أو محّرم أو مكروه؟ قيل‪ :‬اختلف‬
‫حكُم هذه المسألة‪ ،‬وهل الِو َ‬
‫فإن قيل‪ :‬فما ُ‬
‫س فى هذه المسألة على ثلثة أقوال‪:‬‬
‫النا ُ‬
‫سَلف‪ ،‬وكان ابن‬
‫ل بن الزبير وغيره من ال َ‬
‫أحدها‪ :‬أنه جائز إن َقَدَر عليه‪ ،‬وهو مروى عن عبد ا ّ‬
‫حجِة أرباب هذا القول‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم واصل بالصحابة مع‬
‫ن ُ‬
‫صل اليام‪ ،‬وِم ْ‬
‫الزبير ُيوا ِ‬
‫صال وقال‪:‬‬
‫صال‪ ،‬كما فى ))الصحيحين(( من حديث أبى هريرة‪ ،‬أنه نهى عن الِو َ‬
‫نهيه لهم عن الِو َ‬
‫ل ِبِهْم يومًا‪ ،‬ثم يومًا‪ ،‬فهذا ِوصاله بهم بعد نهيه عن‬
‫صَ‬‫ت َكَهْيَئِتُكم(( فلما َأَبْوا أن َيْنَتُهوا‪ ،‬وا َ‬
‫))إّنى لس ُ‬
‫الِوصال‪ ،‬ولو كان النهى للتحريم‪ ،‬لما َأَبْوا أن ينتهوا‪ ،‬ولما أقّرهم عليه بعد ذلك ‪ .‬قالوا‪ :‬فلما فعُلوه بعد‬
‫ف عنهم‪ ،‬وقد قالت عائشُة‪ :‬نهى رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫عِلَم أنه أراد الرحمة بهم‪ ،‬والتخفي َ‬
‫نهيه وهو يعَلم وُيِقّرهم‪ُ ،‬‬
‫صلى ال عليه وسلم عن الِوصال رحمة لهم متفق عليه ‪.‬‬
‫وقالت طائفة أخرى‪ :‬ل يجوز الِوصال‪ ،‬منهم‪ :‬مالك‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬والشافعى‪ ،‬والثورى‪ ،‬رحمهم‬
‫ن عبد البر وقد حكاه عنهم‪ :‬إنهم لم ُيجيزوه لحد ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬قال اب ُ‬
‫ا ّ‬
‫ص على كراهته‪ ،‬واختلف أصحاُبه‪ ،‬هل هى كراهة تحريم أو‬
‫ل ن ّ‬
‫قلت‪ :‬الشافعى رحمه ا ّ‬
‫ى يقتضى التحريم‬
‫تنزيه؟ على وجهين‪ ،‬واحتج المحّرمون بنهى النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قالوا‪ :‬والنه ُ‬
‫‪ .‬قالوا‪ :‬وقول عائشة‪)) :‬رحمة لهم(( ل يمنع أن يكون للتحريم‪ ،‬بل ُيؤكده‪ ،‬فإن ِمن رحمته بهم أن‬
‫‪18‬‬

‫حْميٌة وصيانٌة ‪ .‬قالوا‪ :‬وأما ُمواصلُته بهم بعد نهيه‪ ،‬فلم‬


‫حّرمه عليهم‪ ،‬بل سائُر مناهيه للمة رحمٌة و ِ‬
‫ل‪ ،‬فاحتمل منهم الِوصال بعد نهيه لجل مصلحة‬
‫يكن تقريرًا لهم‪ ،‬كيف وقد نهاهم‪ ،‬ولكن تقريعًا وتنكي ً‬
‫حكمة فى نهيهم عنه بظهور المفسدة التى نهاهم لجلها‪ ،‬فإذا ظهرت‬
‫ن ال ِ‬
‫النهى فى تأكيد زجرهم‪ ،‬وبيا ِ‬
‫حكمُة النهى عنه‪ ،‬كان ذلك أدعى إلى قبولهم‪ ،‬وترِكهم له‪ ،‬فإنهم إذا ظهر‬
‫لهم مفسدُة الِوصال‪ ،‬وظهرت ِ‬
‫ح ِمن وظائف الّدين من‬
‫سوا منه الملل فى العبادة والتقصير فيما هو أهّم وأرج ُ‬
‫لهم ما فى الِوصال‪ ،‬وأح ّ‬
‫ع الشديُد ُينافى‬
‫ن بحقوقها الظاهرة والباطنة‪ ،‬والجو ُ‬
‫ل‪ ،‬والخشوع فى فرائضه‪ ،‬والتيا ِ‬
‫القوِة فى أمر ا ّ‬
‫حكمُة النهى عن الِوصال والمفسدُة التى فيه لهم ُدوَنه صلى ا ّ‬
‫ل‬ ‫ل بين العبد وبينه‪ ،‬تبّين لهم ِ‬
‫ذلك‪ ،‬ويحو ُ‬
‫عليه وسلم ‪ .‬قالوا‪ :‬وليس إقراُره لهم على الِوصال لهذه المصلحة الراجحة بأعظَم ِمن إقرار العرابى‬
‫على البول فى المسجد لمصلحة التأليف‪ ،‬ولئل ُيَنّفَر عن السلم‪ ،‬ول بأعظم من إقراره المسئ فى‬
‫ل‪ ،‬بل‬
‫ل عليه وسلم أنها ليست بصلة‪ ،‬وأن فاعلها غيُر مص ّ‬
‫صلته على الصلة التى أخبرهم صلى ا ّ‬
‫هى صلٌة باطلة فى ِدينه فأقّره عليها لمصلحة تعليمه وقبوله بعد الفراغ‪ ،‬فإنه أبلُغ فى التعليم والتعّلم‪،‬‬
‫طْعُتم‪ ،‬وإذا َنَهْيُتكم عن شئ‬
‫سَت َ‬
‫ل عليه وسلم‪)) :‬إذا أَمْرُتكم بَأْمٍر‪ ،‬فْأتوا ِمْنه ما ا ْ‬
‫قالوا‪ :‬وقد قال صلى ا ّ‬
‫جَتِنُبوه((‪.‬‬
‫فا ْ‬
‫س ُ‬
‫ت‬ ‫ل على أن الِوصال ِمن خصائصه ‪ .‬فقال‪)) :‬إّنى َل ْ‬
‫قالوا‪ :‬وقد ُذِكَر فى الحديث ما َيُد ّ‬
‫َكَهْيَئِتُكم(( ولو كان مباحًا لهم‪ ،‬لم يكن من خصائصه ‪.‬‬
‫ل عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫قالوا‪ :‬وفى ))الصحيحين(( من حديث عمر بن الخطاب رضى ا ّ‬
‫طر‬
‫س فَقَْد َأْف َ‬
‫شْم ُ‬
‫غَربت ال ّ‬
‫ن َهُهنا‪َ ،‬و َ‬
‫ن َهُهنا‪ ،‬وَأْدَبَر الّنَهاُر مِ ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ل الّلْي ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪)) :‬إذا َأْقَب َ‬
‫صاِئم(( ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫ل بن أبى َأوفى‪ .‬قالوا‪ :‬فجعله مفطرًا حكمًا بدخول‬
‫وفى ))الصحيحين(( نحوه من حديث عبد ا ّ‬
‫وقت الفطر وإن لم يفطر‪ ،‬وذلك ُيحيل الِوصال شرعًا ‪.‬‬
‫خْير ما‬
‫ل ُأّمتى َب َ‬
‫طرة أو ل َتزا ُ‬
‫ل ُأّمتى على الِف ْ‬
‫ل عليه وسلم ‪)) :‬ل َتزا ُ‬
‫قالوا‪ :‬وقد قال صلى ا ّ‬
‫طر(( ‪.‬‬
‫جُلوا الِف ْ‬
‫عّ‬‫َ‬
‫ن الَيُهوَد‬
‫طَر‪ ،‬إ ّ‬
‫س الِف ْ‬
‫ل الّنا ُ‬
‫جَ‬‫عّ‬
‫ظاِهرًا َما َ‬
‫ن َ‬
‫ل الّدي ُ‬
‫وفى السنن عن أبى هريرة عنه‪)) :‬ل َيَزا ُ‬
‫ن(( ‪.‬‬
‫خُرو َ‬
‫صاَرى ُيؤ ّ‬
‫والّن َ‬
‫‪19‬‬

‫طرًا(( ‪ .‬وهذا يقتضى‬


‫جُلُهْم ِف ْ‬
‫عَ‬‫ى َأ ْ‬
‫عَباِدى إل ّ‬
‫ب ِ‬
‫ح ّ‬
‫ل‪َ)) :‬أ َ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫وفى السنن عنه‪ ،‬قال‪ :‬قال ا ُّ‬
‫ت العبادة أن تكو َ‬
‫ن‬ ‫ل درجا ِ‬
‫كراهة تأخير الِفطر‪ ،‬فكيف ترُكه‪ ،‬وإذا كان مكروهًا‪ ،‬لم يكن عبادة‪ ،‬فإن أق ّ‬
‫حبة ‪.‬‬
‫ُمست َ‬
‫حر‪ ،‬وهذا هو المحفوظ‬
‫سَ‬‫حر إلى ّ‬
‫سَ‬
‫ل القوال‪ :‬أن الِوصال يجوز من ّ‬
‫والقول الثالث وهوأعد ُ‬
‫خدرى‪ ،‬عن النبى صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫عن أحمد‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬لحديث أبى سعيد ال ُ‬
‫ل الِوصال‬
‫حر(( ‪ .‬رواه البخاري وهو أعد ُ‬
‫سَ‬‫صل فليواصل إلى ال ّ‬
‫ن ُيوا ِ‬
‫))ل ُتواصلوا فَأّيكم أراد أ ْ‬
‫خر‪ ،‬فالصائم له فى اليوم والليلة أكلة‪،‬‬
‫وأسهُله عِلى الصائم‪ ،‬وهو فى الحقيقة بمنزلة عشائه إل أنه تأ ّ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫حر‪ ،‬كان قد نقلها من أول الليل إلى آخره ‪ ..‬وا ّ‬
‫سَ‬‫فإذا أكلها فى ال ّ‬
‫فصل‬
‫فى أنه صلى ال عليه وسلم لم يكن يدخل فى صوم رمضان إل برؤية محققة أو بشهادة شاهد واحد‬
‫خل فى صوم رمضان إل ُبرؤيٍة محّققة‪ ،‬أو‬
‫ل عليه وسلم أن ل يد ُ‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫بشهادة شاهٍد واحد‪ ،‬كما صام بشهادة ابن عمر‪ ،‬وصام مرة بشهادة أعرابى‪ ،‬واعتمد على خبرهما‪ ،‬ولم‬
‫ظ الشهادة ‪ .‬فإن كان ذلك إخبارًا‪ ،‬فقد اكتفى فى رمضان بخبر الواحد‪ ،‬وإن كان شهادة‪ ،‬فلم‬
‫ُيكّلْفهما لف َ‬
‫عَدة شعبان ثلثين يومًا ‪.‬‬
‫ظ الشهادة‪ ،‬فإن لم تكن رؤيٌة‪ ،‬ول شهادٌة‪ ،‬أكمل ِ‬
‫ُيكّلف الشاهَد لف َ‬
‫عّدة شعبان ثلثين يومًا‪ ،‬ثم‬
‫وكان إذا حال ليلَة الثلثين دون منظره غيٌم أو سحاب‪ ،‬أكمل ِ‬
‫غّم‪ ،‬وكان‬
‫عدة شعبان ثلثين إذا ُ‬
‫صامه ‪ .‬ولم يكن يصوم يوَم الغمام‪ ،‬ول أمَر به‪ ،‬بل أمر بأن ُتكّمل ِ‬
‫عَلْيُكم فاْقُدُروا له((‪ ،‬فإن القدر‪ :‬هو‬
‫غّم َ‬
‫ن ُ‬
‫ض هذا قوله‪)) :‬فإ ْ‬
‫يفعل كذلك‪ ،‬فهذا فعله‪ ،‬وهذا أمُره‪ ،‬ول ُيَناِق ُ‬
‫عّدة الشهر‬
‫ل ِ‬
‫ب المقّدر‪ ،‬والمراد به الكمال كما قال‪)) :‬فَأْكِمُلوا الِعّدة(( والمراد بالكمال‪ ،‬إكما ُ‬
‫حسا ُ‬
‫ال ِ‬
‫شعبان(( ‪ .‬وقال‪)) :‬ل‬
‫عّدة َ‬
‫غّم‪ ،‬كما قال فى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى‪)) :‬فَأْكِمُلوا ِ‬
‫الذى ُ‬
‫عّدته‪،‬‬
‫غّم عليكم فأكِْملوا الِعّدة(( والذى أمر بإكمال ِ‬
‫حّتى َتَرْوه‪ ،‬فإن ُ‬
‫طُروا َ‬
‫حّتى َتروُه‪ ،‬ول ُتْف ِ‬
‫صوموا َ‬
‫َت ُ‬
‫سَعٌة‬
‫شْهُر ِت ْ‬
‫ح من هذا قوله‪)) :‬ال ّ‬
‫هو الشهُر الذى يغم‪ ،‬وهو عند صيامه وعند الفطر منه‪ ،‬وأصر ُ‬
‫غّم عليكم فَأْكِمُلوا الِعّدة((‪ ،‬وهذا راجع إلى أول الشهر بلفظه‬
‫ن ُ‬
‫حَّْتى َتَروه‪ ،‬فإ ْ‬
‫صوُموا َ‬
‫شرون‪ ،‬فل َت ُ‬
‫عْ‬‫وِ‬
‫ل عليه من جهة المعنى ‪ .‬وقال‪:‬‬
‫ظه‪ ،‬واعتباُر ما د ّ‬
‫ل عليه لف ُ‬
‫وإلى آخره بمعناه‪ ،‬فل يجوز إلغاء ما د ّ‬
‫غّم عليكم َفُعّدوا َثلثين(( ‪.‬‬
‫ن ُ‬
‫شرون‪ ،‬فإ ْ‬
‫عْ‬‫سَعٌة و ِ‬
‫شْهُر ِت ْ‬
‫شْهُر َثلثون‪ ،‬وال ّ‬
‫))ال ّ‬
‫‪20‬‬

‫غَماَمٌة‬
‫ت َدوَنه َ‬
‫حاَل ْ‬
‫طروا ِلُرؤيِتِه‪ ،‬فإن َ‬
‫صوُموا ِلٌرْوَيِتِه‪ ،‬وَأْف ِ‬
‫ن‪ُ ،‬‬
‫ضا َ‬
‫ل َرَم َ‬
‫صوُموا َقْب َ‬
‫وقال‪)) :‬ل َت ُ‬
‫فأْكِمُلوا ثلثين(( ‪.‬‬
‫ل‪َ ،‬أْو‬
‫لَ‬
‫حّتى َتَرُوا الِه َ‬
‫صوُموا َ‬
‫حّتى تَرُوا الِهلل‪ ،‬أْو ُتْكِملوا الِعّدة‪ُ ،‬ثّم ُ‬
‫شْهَر َ‬
‫وقال‪)) :‬ل َتقّدموا ال ّ‬
‫ُتْكِملوا الِعّدة((‪.‬‬
‫ل عنها‪:‬‬
‫وقالت عائشة رضى ا ّ‬
‫صوُم‬
‫ن غيره‪ ،‬ثم َي ُ‬
‫ظ ِم ْ‬
‫حّف ُ‬
‫ل َيَت َ‬
‫ن َما َ‬
‫شْعَبا ِ‬
‫ل َ‬
‫ن ِهل ِ‬
‫ظ ِم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يتحّف ُ‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو ُ‬
‫))كا َ‬
‫صام(َ( صححه الدارقطنى وابن حبان ‪.‬‬
‫ن َيْومًا‪ُ ،‬ثّم َ‬
‫ن َثلثي َ‬
‫شْعَبا َ‬
‫عّد َ‬
‫عَلْيِه‪َ ،‬‬
‫غّم َ‬
‫ِلُرؤَيِتِه‪ ،‬فإن ُ‬
‫عَلْيُكم‪ ،‬فاْقُدُروا َثلثين(( ‪.‬‬
‫غّم َ‬
‫ن ُ‬
‫طروا ِلُرْؤيِته‪ ،‬فإ ْ‬
‫صوُموا لُرْؤيِته‪ ،‬وَأْف ِ‬
‫وقال‪ُ )) :‬‬
‫عَلْيُكم‪ ،‬فاْقُدُروا َلُه(( ‪.‬‬
‫غمى َ‬
‫ن ُأ ْ‬
‫حّتى َتَرْوه‪ ،‬فإ ْ‬
‫طُروا َ‬
‫حّتى َتَرْوه‪ ،‬ول ُتْف ِ‬
‫صوُموا َ‬
‫وقال‪)) :‬ل َت ُ‬
‫ضان ِبَيوٍم‪َ ،‬أْو َيْوَمْين‪ ،‬إ ّ‬
‫ل‬ ‫ى َرَم َ‬
‫ن َيَد ْ‬
‫ضان(( ‪ .‬وفى لفظ‪)) :‬ل َتَقّدُموا َبْي َ‬
‫وقال‪)) :‬ل َتَقّدُموا َرَم َ‬
‫صْمُه(( ‪.‬‬
‫صَيامًا َفْلَي ُ‬
‫صوَم ِ‬
‫ل كان َي ُ‬
‫جً‬‫َر ُ‬
‫صوُموا َقْب َ‬
‫ل‬ ‫ث ابن عباس يرفعه‪)) :‬ل َت ُ‬
‫ل فى هذا النهى‪ ،‬حدي ُ‬
‫والدليل على أن يوَم الغمام داخ ٌ‬
‫ن(( ذكره ابن حبان‬
‫ت ُدوَنُه غََماَمٌة‪ ،‬فَأْكِمُلوا َثلِثي َ‬
‫حاَل ْ‬
‫طُروا ِلُرْؤَيِتِه‪ ،‬فإن َ‬
‫صوُموا ِلُرْؤَيِتِه‪ ،‬وَأْف ِ‬
‫َرَمضان‪ُ ،‬‬
‫فى صحيحه‪.‬‬
‫ل رمضان ‪.‬‬
‫ل ثلثين صوٌم َقْب َ‬
‫فهذا صريح فى أن صوَم يوم الغمام ِمن غير ُرؤية‪ ،‬ول إكما ِ‬
‫ل‪َ ،‬أْو‬
‫حّتى َتَرُوا الِهل َ‬
‫طُروا َ‬
‫ل‪َ ،‬أْو ُتْكِمُلوا الِعّدة‪ ،‬ول ُتْف ِ‬
‫ن َتَرُوا الِهل َ‬
‫ل َأ ْ‬
‫شْهَر إ ّ‬
‫وقال‪)) :‬ل َتَقّدُموا ال ّ‬
‫ُتْكِمُلوا الِعّدَة(( ‪.‬‬
‫حاب‪َ ،‬فَأْكِمُلوا الِعّدة َثلثين‪،‬‬
‫سَ‬
‫ل َبْيَنُكم َوَبْيَنُه َ‬
‫حا َ‬
‫ن َ‬
‫طُروا ِلُرْؤَيِتِه‪ ،‬فإ ْ‬
‫صوُموا ِلُرْؤَيِتِه‪ ،‬وَأْف ِ‬
‫وقال‪ُ )) :‬‬
‫ل(( ‪.‬‬
‫سِتْقَبا ً‬
‫شْهَر ا ْ‬
‫سَتْقِبُلوا ال ّ‬
‫ول َت ْ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫قال الترمذى‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬ ‫@‬
‫صوُموا‬
‫سماك‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس يرفعه)) ُ‬
‫وفى النسائى‪ :‬من حديث يونس‪ ،‬عن ِ‬
‫صوُموا َقْبَله َيْومًا‪ ،‬فإن‬
‫صوُموا‪ ،‬ول َت ُ‬
‫عَلْيُكم‪َ ،‬فُعّدوا َثلثين َيْومًا‪ُ ،‬ثّم ُ‬
‫غّم َ‬
‫ن ُ‬
‫طُروا ِلُرْؤَيِتِه‪ ،‬فإ ْ‬
‫ِلُرْؤَيِتِه‪ ،‬وَأْف ِ‬
‫شْعَبان(( ‪.‬‬
‫عّدَة َ‬
‫ب‪َ ،‬فَأْكِمُلوا الِعّدة ِ‬
‫حا ٌ‬
‫سَ‬‫حال َبْيَنُكم وبينه َ‬
‫َ‬
‫‪21‬‬

‫س فى رؤية هلل رمضان‪ ،‬فقال‬


‫وقال سماك‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬تمارى النا ُ‬
‫ضهم‪ :‬اليوَم ‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬غدًا ‪ .‬فجاء أعرابى إلى النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فذكر أّنه رآه‪ ،‬فقال‬
‫بع ُ‬
‫ل((؟ قال‪ :‬نعم ‪ .‬فأَمر النب ّ‬
‫ى‬ ‫لا ّ‬
‫حّمدًا َرسو ْ‬
‫ن ُم َ‬
‫ل‪ ،‬وَأ ّ‬
‫لا ّ‬
‫ن ل إله إ ّ‬
‫شَهُد َأ ْ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬أَت ْ‬
‫النب ّ‬
‫طُروا ِلُرْؤَيِته‪،‬‬
‫صوُموا ِلُرْؤَيِتِه‪ ،‬وَأْف ِ‬
‫صوُموا ‪ .‬ثم قال‪ُ )) :‬‬
‫س‪ُ :‬‬
‫ل‪َ ،‬فَناَدى فى الّنا ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم بل ً‬
‫صوُموا َقْبَله َيْومًا((‪.‬‬
‫صوُموا‪ ،‬ول َت ُ‬
‫عَلْيُكم َفُعّدوا َثلثين َيْومًا‪ُ ،‬ثّم ُ‬
‫غّم َ‬
‫ن ُ‬
‫فإ ْ‬
‫ضها فى ))الصحيحين(( وبعضها فى صحيح ابن حبان‪،‬‬
‫وكل هذه الحاديث صحيحٌة‪ ،‬فبع ُ‬
‫ح فى صحة الستدلل بمجموعها‪ ،‬وتفسير‬
‫ضها بما ل يقَد ُ‬
‫ل بع ُ‬
‫عّ‬‫والحاكم‪ ،‬وغيرهما‪ ،‬وإن كان قد ُأ ِ‬
‫ضها بعضًا‪ ،‬والمراد منها متفق عليه ‪.‬‬
‫ق بع ُ‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬واعتبار بعضها ببعض‪ ،‬وكلها ُيصّد ُ‬
‫عَمُر بن الخطاب‪ ،‬وعل ّ‬
‫ى‬ ‫ل عليه وسلم‪ ،‬فكيف خالفه ُ‬
‫فإن قيل‪ :‬فإذا كان هذا َهْدَيه صلى ا ّ‬
‫س بن مالك‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬ومعاوية‪ ،‬وعمرو بن العاص‪ ،‬والحكمُ‬
‫ل بن عمر‪ ،‬وأن ُ‬
‫ن أبى طالب‪ ،‬وعبُد ا ّ‬
‫بُ‬
‫ل‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وطاووس‪ ،‬وأبو‬
‫بن أيوب الغفارى‪ ،‬وعائشُة وأسماء ابنتا أبى بكر‪ ،‬وخالفه سالُم بن عبد ا ّ‬
‫ل المزنى‪ ،‬وكيف خالفه إماُم‬
‫خير‪ ،‬وميمون بن ِمهران‪ ،‬وبكر بن عبد ا ّ‬
‫شّ‬‫عثمان الّنْهدى‪ ،‬ومطّرف بن ال ّ‬
‫ن حنبل‪ ،‬ونحن ُنوجدكم أقوال هؤلء مسندة؟‬
‫سـّنة‪ ،‬أحمُد اب ُ‬
‫ل الحديث وال ّ‬
‫أه ِ‬
‫ل عنه‪ ،‬فقال الوليد بن مسلم ‪ :‬أخبرنا ثوبان‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫فأما عمر بن الخطاب رضى ا ّ‬
‫مكحول‪ ،‬أن عمر بن الخطاب كان يصوم إذا كانت السماء فى تلك الليلة مغيمة ويقول‪ :‬ليس َهَذا‬
‫بالتقّدم‪ ،‬ولكّنه التحّرى ‪.‬‬
‫ل عنه‪ ،‬فقال الشافعى‪ :‬أخبرنا عبد العزيز بن محمد الّدراوردى‪،‬‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫وأما الرواية عن عل ّ‬
‫ى بن أبى طالب قال‪:‬‬
‫ل بن عمرو بن عثمان‪ ،‬عن أمه فاطمة بنت حسين‪ ،‬أن عل ّ‬
‫عن محمد بن عبد ا ّ‬
‫طَر يومًا من رمضان ‪.‬‬
‫ى من أن ُأْف ِ‬
‫ب إل ّ‬
‫لن أصوَم يومًا من شعبان‪ ،‬أح ّ‬
‫وأما الرواية عن ابن عمر‪ :‬ففى كتاب عبد الرزاق‪ :‬أخبرنا معمر‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن ابن عمر‬
‫ح صائمًا‪ ،‬وإن لم يكن سحاب‪ ،‬أصبح مفطرًا‪.‬‬
‫ب أصب َ‬
‫قال‪ :‬كان إذا كان سحا ٌ‬
‫صوُموا‪ ،‬وإذا‬
‫وفى ))الصحيحين(( عنه‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬إذا َرَأْيُتُموه‪َ ،‬ف ُ‬
‫ل بإسناد صحيح‪ ،‬عن نافع‬
‫عَلْيُكم فاْقُدُروا له(( ‪ .‬زاد المام أحمد رحمه ا ّ‬
‫غّم َ‬
‫ن ُ‬
‫طُروا‪ ،‬وإ ْ‬
‫َرَأْيُتُموه َفَأْف ِ‬
‫ث َمن ينظُر‪ ،‬فإن رأى‪ ،‬فذاك‪ ،‬وإن لم‬
‫ل إذا مضى من شعبان تسعة وعشرون يومًا‪َ ،‬يْبَع ُ‬
‫قال‪ :‬كان عبد ا ّ‬
‫‪22‬‬

‫ب أو َقَتر أصبح‬
‫ب ول قتر‪ ،‬أصبح مفطرًا‪ ،‬وإن حال دون منظره سحا ٌ‬
‫ل دون منظره سحا ٌ‬
‫حْ‬‫َير‪ ،‬ولم َي ُ‬
‫صائمًا ‪.‬‬
‫ل عنه‪ :‬فقال المام أحمد‪ :‬حدثنا إسماعيل بن إبراهيم‪ ،‬حدثنا‬
‫وأما الرواية عن أنس رضى ا ّ‬
‫س من الناس‪ ،‬فأتينا أن َ‬
‫س‬ ‫ت الِهلل إما الظهَر‪ ،‬وِإما قريبًا منه‪ ،‬فأفطر نا ٌ‬
‫يحيى بن أبى إسحاق قال‪ :‬رأي ُ‬
‫ك‪ ،‬فأخبرناه برؤية الهلل وبإفطار َمن أفطر‪ ،‬فقال‪ :‬هذا اليوم يكمل لى أحد وثلثون يومًا‪ ،‬وذلك‬
‫بن ماِل ٍ‬
‫ت وأنا‬
‫ف عليه‪ ،‬فصم ُ‬
‫ت الخل َ‬
‫ل صيام الناس‪ :‬إنى صائم غدًا‪ ،‬فكره ُ‬
‫ى قب َ‬
‫لن الحكم بن أيوب‪ ،‬أرسل إل ّ‬
‫ُمِتّم يومى هذا إلى الليل ‪.‬‬
‫وأما الرواية عن معاوية‪ ،‬فقال أحمد‪ :‬حدثنا المغيرة‪ ،‬حدثنا سعيد بن عبد العزيز‪ ،‬قال‪ :‬حدثنى‬
‫صوَم يومًا ِم ْ‬
‫ن‬ ‫حْلَبس‪ ،‬أن معاوية ابن أبى سفيان كان يقول‪ :‬لن َأ ُ‬
‫مكحول‪ ،‬ويونس بن ميسرة بن َ‬
‫ن رمضان ‪.‬‬
‫طَر يومًا ِم ْ‬
‫ى من أن ُأْف ِ‬
‫ب إل ّ‬
‫ن‪ ،‬أح ّ‬
‫شعبا َ‬
‫وأما الروايُة عن عمرو بن العاص ‪ .‬فقال أحمد‪ :‬حدثنا زيُد بن الحباب‪ ،‬أخبرنا ابن لهيعة‪ ،‬عن‬
‫وأما‬ ‫شك فيه من رمضان‬
‫ل بن ُهَبْيَرَة‪ ،‬عن عمرو بن العاص‪ ،‬أنه كان يصوُم اليوَم الذى ُي َ‬
‫عبد ا ّ‬
‫الرواية عن أبى ُهريرة‪ ،‬فقال‪ :‬حدثنا عبُد الرحمن بن مهدى‪ ،‬حدثنا معاويُة بن صالح‪ ،‬عن أبى مريم‬
‫ى من أن‬
‫ن بيوم‪ ،‬أحبّ إل ّ‬
‫ضا َ‬
‫صْوِم َرَم َ‬
‫جل فى َ‬
‫ت أبا ُهريرة يقول‪ :‬لن أتع ّ‬
‫مولى أبى ُهريرة قال‪ :‬سمع ُ‬
‫خرت فاَتنى ‪.‬‬
‫ت لم َيُفْتنى‪ ،‬وإذا تأ ّ‬
‫جْل ُ‬
‫أتأخر‪ ،‬لنى إذا َتَع ّ‬
‫ل عنها‪ ،‬فقال سعيُد بن منصور‪ :‬حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن‬
‫وأما الرواية عن عائشة رضى ا ّ‬
‫صوم‬
‫خمير‪ ،‬عن الرسول الذى أتى عائشة فى اليوم الذى ُيشك فيِه من رمضان قال‪ :‬قالت عائشة‪ :‬لن َأ ُ‬
‫ُ‬
‫ن‪.‬‬
‫ضا َ‬
‫ن َرَم َ‬
‫طَر يومًا ِم ْ‬
‫ن ُأْف ِ‬
‫ى ِمن َأ ْ‬
‫ب إل ّ‬
‫ن‪ ،‬أح ّ‬
‫شْعَبا َ‬
‫َيْومًا ِمن َ‬
‫ل عنهما‪ ،‬فقال سعيد أيضًا‪ :‬حدثنا يعقوب بن عبد‬
‫وأما الرواية عن أسماء بنت أبى بكر رضى ا ّ‬
‫ل رمضان إل كانت أسماُء‬
‫غّم هل ُ‬
‫الرحمن‪ ،‬عن هشام بن عروة‪ ،‬عن فاطمة بنت المنذر قالت‪ :‬ما ُ‬
‫متقّدمًة بيوم‪ ،‬وتأُمُر بتقّدمه ‪.‬‬
‫وقال أحمد‪ :‬حدثنا روح بن عبادة‪ ،‬عن حماد بن سلمة‪ ،‬عن هشام بن عروة‪ ،‬عن فاطمة‪ ،‬عن‬
‫أسماء‪ ،‬أنها كانت تصوُم اليوم الذى ُيشك فيه من رمضان ‪.‬‬
‫وكل ما ذكرناه عن أحمد‪ ،‬فمن مسائل الفضل بن زياد عنه ‪.‬‬
‫‪23‬‬

‫عّلة‪ ،‬أصبح صائمًا‪ ،‬وإن لم يكن فى السماء‬


‫وقال فى رواية الثرم‪ :‬إذا كان فى السماء سحابٌة أو ِ‬
‫ل‪ ،‬والمروزى‪ ،‬والفضل بن زياد‪ ،‬وغيرهم ‪.‬‬
‫عّلة‪ ،‬أصبح مفطرًا‪ ،‬وكذلك نقل عنه ابناه صالح‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ِ‬
‫فالجواب من وجوه ‪.‬‬
‫أحدها‪ :‬أن ُيقال‪ :‬ليس فيما ذكرُتم عن الصحابة أثٌر صالح صريح فى وجوب صومه حتى يكون‬
‫ل عنهم صوُمه احتياطًا‪ ،‬وقد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإنما غايةُ المنقو ِ‬
‫فعُلهم مخالفًا لَهْدى رسول ا ّ‬
‫س تبٌع‬
‫صّرح أنس بأنه إنما صامه كراهًة للخلف على المراء‪ ،‬ولهذا قال المام أحمد فى رواية‪ :‬النا ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِمن فعله‬
‫ص التى حكيناها عن رسول ا ّ‬
‫للمام فى صومه وإفطاره‪ ،‬والنصو ُ‬
‫ن أفطره‪ ،‬أخذ بالجواز‪،‬‬
‫ل على تحريمه‪َ ،‬فَم ْ‬
‫ل على أنه ل يجب صوُم يوم الغمام‪ ،‬ول تُد ّ‬
‫وقوله‪ ،‬إنما تُد ّ‬
‫ن صامه‪ ،‬أخذ بالحتياط ‪.‬‬
‫وَم ْ‬
‫ح وأصرحُ‬
‫صومه‪ ،‬وأص ُ‬
‫ضهم ل ي ُ‬
‫ضهم يصوُمه كما حكيُتم‪ ،‬وكان بع ُ‬
‫الثانى‪ :‬أن الصحابة كان بع ُ‬
‫ل بن عمر‪ ،‬قال ابن عبد البر‪ :‬وإلى قوله ذهب طاووس اليمانى‪ ،‬وأحمد‬
‫َمن ُروى عنه صوُمه‪ :‬عبد ا ّ‬
‫ل ذلك عن عائشة وأسماء ابنتى أبى بكر‪ ،‬ول أعلم أحدًا ذهب مذهب ابن عمر‬
‫بن حنبل‪ ،‬وُروى مث ُ‬
‫ى بن أبى طالب‪ ،‬وابن‬
‫عَمُر بنُ الخطاب‪ ،‬وعل ُ‬
‫ك‪ُ ،‬‬
‫شِ‬
‫غيرهم‪ ،‬قال‪ :‬وممن ُروى عنه كراهُة صوِم يوِم ال ّ‬
‫ل عنهم ‪.‬‬
‫مسعود‪ ،‬وحذيفة‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وأبو هريرة‪ ،‬وأنس بن مالك رضى ا ّ‬
‫ى‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعمار‪ ،‬وحذيفة‪ ،‬وابن مسعود‪ ،‬المنع من صيام آخر يوم من‬
‫قلت‪ :‬المنقول عن عل ّ‬
‫سم ‪.‬‬
‫صى َأبا الَقا ِ‬
‫ع َ‬
‫ك ِفيِه َفَقْد َ‬
‫شّ‬
‫صاَم الَيْوَم اّلِذى ُي َ‬
‫ن َ‬
‫شعبان تطوعًا‪ ،‬وهو الذى قال فيه عمار ‪َ :‬م ْ‬
‫ع‪،‬‬
‫ضه وإل فهو تطو ٌ‬
‫فأما صوُم يوم الغيم احتياطًا على أنه إن كان من رمضان‪ ،‬فهو فر ُ‬
‫ن عمر‪ ،‬وعائشة‪ ،‬هذا مع رواية‬
‫ل عن الصحابة‪ ،‬يقتضى جوازه‪ ،‬وهو الذى كان يفعُله اب ُ‬
‫فالمنُقو ُ‬
‫ل شعبان‪ ،‬عّد ثلثين يومًا ثم صام‪ ،‬وقد ُرّد‬
‫غّم هل ُ‬
‫عائشة‪ :‬أن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان إذا ُ‬
‫حديُثها هذا‪ ،‬بأنه لو كان صحيحًِا‪ ،‬لما خالفته‪ ،‬وجعل صيامها عِّلًة فى الحديث‪ ،‬وليس المُر كذلك‪ ،‬فإنها‬
‫لم ُتوجب صيامه‪ ،‬وإنما صامته احتياطًا‪ ،‬وفهمت من فعل النبى صلى ال عليه وسلم وأمره أن الصياَم‬
‫ن عمر‪ ،‬أنه ل يجوز ‪.‬‬
‫ب حتى تكُمل الِعّدة‪ ،‬ولم تفهم هى ول اب ُ‬
‫ل يج ُ‬
‫ث والثار‪ ،‬ويدل عليه ما رواه معمر‪ ،‬عن‬
‫وهذا أعدل القوال فى المسألة‪ ،‬وبه تجتِمع الحادي ُ‬
‫أيوب‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم قال لهلل رمضان‪)) :‬إذا رأيُتُموه‬
‫‪24‬‬

‫غّم عليكم‪ ،‬فاْقُدُروا له ثلثين يومًا(( ‪ .‬ورواه ابن أبى رّواد‪ ،‬عن‬
‫ن ُ‬
‫صوموا‪ ،‬وإذا رأيُتُموه فأفطروا‪ ،‬فإ ْ‬
‫ف ُ‬
‫غّم عليكم‪ ،‬فأْكِمُلوا الِعّدة َثلثين(( ‪.‬‬
‫ن ُ‬
‫نافع عنه‪)) :‬فإ ْ‬
‫ل عن نافع عنه‪)) :‬فاْقُدُروا َله(( ‪ .‬فدل على أن ابن عمر‪ ،‬لم يفهم من الحدي ِ‬
‫ث‬ ‫وقال مالك وعبيد ا ّ‬
‫وجوب إكمال الثلثين‪ ،‬بل جوازه‪ ،‬فإنه إذا صام يوَم الثلثين‪ ،‬فقد أخذ بأحد الجائزين احتياطًا‪ ،‬ويدل‬
‫ل عنه‪ ،‬لو َفِهم من قوله صلى ال عليه وسلم‪)) :‬اْقُدُروا له تسعًا وعشرين‪ ،‬ثم‬
‫على ذلك‪ ،‬أنه رضى ا ّ‬
‫صُر على صومه‬
‫صوُموا(( كما يقوُله الموجبون لصومه‪ ،‬لكان يأمر بذلك أهَله وغيرهم‪ ،‬ولم يكن يقت ِ‬
‫ُ‬
‫فى خاصة نفسه‪ ،‬ول يأمر به‪ ،‬ولبّين أن ذلك هو الواجب على الناس‪.‬‬
‫صوُموا‬
‫ل عليه وسلم‪)) :‬ل َت ُ‬
‫ج بقوله صلى ا ّ‬
‫ل عنه‪ ،‬ل ُيصومه ويحت ّ‬
‫وكان ابن عباس رضى ا ّ‬
‫عَلْيُكم‪ ،‬فَأْكِمُلوا الِعّدَة ثلثين(( ‪.‬‬
‫غّم َ‬
‫ن ُ‬
‫حّتى َتَرْوُه‪ ،‬فإ ْ‬
‫طُروا َ‬
‫ل‪ ،‬ول ُتْف ِ‬
‫لَ‬‫حّتى َتَرُوا الِه َ‬
‫َ‬
‫سرًا لحديث ابن عمر‪،‬‬
‫وذكر مالك فى موطئه هذا بعد أن ذكر حديث ابن عمر‪ ،‬كأنه جعله مف ّ‬
‫وقوله‪)) :‬فاْقُدُروا َله(( ‪.‬‬
‫ل صلى ال‬
‫ت ممن يتقدم الشهر بيوم أو يومين‪ ،‬وقد قال رسول ا ّ‬
‫وكان ابن عباس يقول‪ :‬عجب ُ‬
‫ن(( كأنه ُينِكُر على ابن عمر ‪.‬‬
‫ل َيْوَمْي ِ‬
‫ن ِبَيْوٍم َو َ‬
‫ضا َ‬
‫عليه وسلم‪)) :‬ل َتَقّدُموا َرَم َ‬
‫وكذلك كان هذان الصاحبان المامان‪ ،‬أحدهما يميل إلى التشديد‪ ،‬والخر إلى‬
‫ل بن عمر‪ :‬كان يأخذ من التشديدات بأشياء ل ُيوافقه عليها‬
‫الترخيص‪ ،‬وذلك فى غير مسألة ‪ .‬وعبد ا ّ‬
‫سح رأسه‪ ،‬أفرَد ُأذنيه‬
‫ى من ذلك‪ ،‬وكان إذا م َ‬
‫عِم َ‬
‫ل داخل عينيه فى الوضوء حتى َ‬
‫سُ‬‫الصحابة‪ ،‬فكان يغ ِ‬
‫بماٍء جديد‪ ،‬وكان يمنُع ِمن دخول الحّمام‪ ،‬وكان إذا دخله‪ ،‬اغتسل منه‪ ،‬وابن عباس‪ :‬كان يدخل الحّمام‪،‬‬
‫وكان ابن عمر يتيمم بضربتين‪ :‬ضربٍة للوجه‪ ،‬وضربٍة لليدين إلى المرفقين‪ ،‬ول يقتصر على ضربة‬
‫ن عمر‬
‫واحدة‪ ،‬ول على الكّفين‪ ،‬وكان ابن عباس ُيخالفه‪ ،‬ويقول‪ :‬التيمم ضربة للوجه والكّفين‪ ،‬وكان اب ُ‬
‫ن عباس‬
‫يتوضأ من ُقبلة امرأته‪ ،‬وُيفتى بذلك‪ ،‬وكان إذا قّبل أولده‪ ،‬تمضمض‪ ،‬ثّم صّلى‪ ،‬وكان اب ُ‬
‫ت ريحانًا ‪.‬‬
‫شَمْم ُ‬
‫يقول‪ :‬ما أبالى قّبلُتها أو َ‬
‫ن عليه صلًة وهو فى أخرى أن ُيتّمها ثم ُيصلى الصلة التى ذكرها‪ ،‬ثم‬
‫وكان يأمر َمن ذكر أ ّ‬
‫صلى فى ذلك حديثًا مرفوعًا فى مسنده والصواب‪:‬‬
‫ُيعيد الصلة التى كان فيها‪ ،‬وروى أبو يعلى الَمْو ِ‬
‫ى عن ابن عمر مرفوعًا ول يصح‪ ،‬قال‪ :‬وقد رو َ‬
‫ى‬ ‫أنه موقوف على ابن عمر ‪ .‬قال البيهقى‪ :‬وقد رو َ‬
‫‪25‬‬

‫ل بن عمر كان يسُلك طريق الّتشديد‬


‫عن ابن عباس مرفوعًا‪ ،‬ول يصح ‪ .‬والمقصود‪ :‬أن عبد ا ّ‬
‫والحتياط ‪ .‬وقد روى معمر‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن نافع عنه‪ ،‬أنه كان إذا أدرك مع المام ركعة أضاف‬
‫إليها أخرى‪ ،‬فإذا فرغ من صلته‪ ،‬سجد سجدتى السهو‪ ،‬قال الزهرى‪ :‬ول أعلم أحدًا فعله غيره‪.‬‬
‫ب الشفع ‪.‬‬
‫ب الركعة‪ ،‬وإنما محّله عقي َ‬
‫صل له ِمن الجلوس عقي َ‬
‫ن هذا السجود ِلَما ح َ‬
‫قلت‪ :‬وكأ ّ‬
‫صوُموا هذا اليوم على سبيل الوجوب‪ ،‬أنهم قاُلوا‪ :‬لن‬
‫ويدل على أن الصحابة لم ي ُ‬
‫ب إلينا من أن ُنفطر يومًا من رمضان‪ ،‬ولو كان هذا اليوُم من رمضان حتمًا‬
‫صوَم يومًا من شعبان‪ ،‬أح ّ‬
‫َن ُ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫عندهم‪ ،‬لقاُلوا‪ :‬هذا اليوم من رمضان‪ ،‬فل يجوز لنا فطره ‪ .‬وا ّ‬
‫ويدل على انهم إنما صاموه استحبابًا وتحّريًا‪ ،‬ما ُروى عنهم من فطره بيانًا للجواز‪ ،‬فهذا ابن‬
‫عمر قد قال حنبل فى مسائله‪ :‬حدثنا أحمد بن حنبل‪ ،‬حدثنا وكيع‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬عن عبد العزيز بن حكيم‬
‫ك فيه ‪.‬‬
‫شّ‬
‫ت اليوَم اّلذى ُي َ‬
‫لْفطر ُ‬
‫ت السنة ُكّلها َ‬
‫ت ابن عمر يقول‪ :‬لو صم ُ‬
‫الحضرمى قال‪ :‬سمع ُ‬
‫حميٍد قال‪ :‬أخبرنا عبد العزيز بن حكيم قال‪:‬‬
‫ن ُ‬
‫قال حنبل‪ :‬وحدثنا أحمد بن حنبل‪ ،‬حدثنا عبيدة ب ُ‬
‫صوُموا مع‬
‫ف‪ُ ،‬‬
‫ف‪ُ ،‬أ ّ‬
‫ن حتىل يفوتنا منه شئ؟ َفَقال‪ُ :‬أ ّ‬
‫ق قبل رمضا َ‬
‫سِب ُ‬
‫ن عمر ‪ .‬قالوا‪َ :‬ن ْ‬
‫سألوا اب َ‬
‫ن الشهَر منكم أحٌد‪ ،‬وصح عنه صلى ال عليه‬
‫عَمَر‪ ،‬أنه قال‪ :‬ل يتقّدَم ّ‬
‫ن ُ‬
‫الجماعة‪ ،‬فقد صح عن اب ِ‬
‫ن يومًا(( ‪.‬‬
‫عَلْيُكم‪َ ،‬فُعّدوا َثلِثي َ‬
‫غّم َ‬
‫طُروا ِلُرْؤَيِتِه‪ ،‬فإنْ ُ‬
‫ل‪ ،‬وأْف ِ‬
‫صوُموا ِلُرؤية الِهل ِ‬
‫وسلم ‪ .‬أنه قال‪ُ )) :‬‬
‫صوُموا لرؤيته‪ ،‬وإذا‬
‫ل عنه‪ :‬إذا رأيتم الِهلل‪ ،‬ف ُ‬
‫ىا ّ‬
‫ى بن أبى طالب رض َ‬
‫وكذلك قال عل ّ‬
‫غّم عليكم‪ ،‬فأْكِمُلوا الِعّدة ‪.‬‬
‫طروا‪ ،‬فإن ُ‬
‫رأيُتُموه‪ ،‬فأف ِ‬
‫غّم عليكم‪ ،‬فُعّدوا ثلثين يومًا ‪.‬‬
‫ن ُ‬
‫ل عنه‪ :‬فإ ْ‬
‫وقال ابن مسعود رضى ا ّ‬
‫فهذه الثار إن ُقّدَر أنها معاِرضة لتلك الثار التى ُرويت عنهم فى الصوم‪ ،‬فهذه أولى لموافقتها‬
‫ض بينها‪ ،‬فههنا طريقتان من الجمع‪ ،‬إحداهما‪:‬‬
‫النصوص المرفوعة لفظًا ومعنى‪ ،‬وإن ُقّدَر أنها ل تَعاُر َ‬
‫حملها على غيِر صورة الغمام‪ ،‬أو على الغمام فى آخر الشهر كما فعله الموجبون للصوم ‪.‬‬
‫ل آثاِر الصوم عنهم على التحّرى والحتياط استحبابًا ل وجوبًا‪ ،‬وهذه الثاُر‬
‫والثانية‪ :‬حم ُ‬
‫ب إلى موافقة النصوص‪ ،‬وقواعِد الشرع‪ ،‬وفيها السلمُة‬
‫صريحة فى نفى الوجوب‪ ،‬وهذه الطريقة أقر ُ‬
‫ل أحدهما يوم شك‪ ،‬والثانى يوَم يقين‪ ،‬مع حصو ِ‬
‫ل‬ ‫ك‪ ،‬فُيجع ُ‬
‫شِ‬
‫من التفريق بين يومين متساويين فى ال ّ‬
‫‪26‬‬

‫ف بما‬
‫ف العبد اعتقاد كونه من رمضان قطعًا‪ ،‬مع شّكه هل هو منه‪ ،‬أم ل؟ تكلي ٌ‬
‫الشك فيه قطعًا‪ ،‬وتكلي ُ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫ق بين المتماثلين‪ ،‬وا ّ‬
‫ل ُيطاق‪ ،‬وتفري ٌ‬
‫فصل فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى قبول شهادة الرؤية‬
‫صْوِم بشهادِة الرجل الواحد المسلم‪،‬‬
‫ل عليه وسلم أمُر الناس بال ّ‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫جهم منه بشهادة اثنين وكان من َهْديه إذا شهد الشاهدان برؤية الهلل بعد خروج وقت العيد‪ ،‬أن‬
‫وخرو ِ‬
‫طَر‪ ،‬ويأمَرهم بالِفطر‪ ،‬وُيصّلى العيد من الغد فى وقتها‪.‬‬
‫ُيْف ِ‬
‫ب فى‬
‫غ ُ‬
‫خُره‪ ،‬وُير ّ‬
‫سحور ويؤ ّ‬
‫ث على ال ّ‬
‫ح ّ‬
‫حُر‪ ،‬وي ُ‬
‫ض عليه‪ ،‬ويتس ّ‬
‫ل الفطر‪ ،‬ويح ّ‬
‫جُ‬‫وكان ُيع ّ‬
‫تأخيره ‪.‬‬
‫ض على الفطر بالتمر‪ ،‬فإن لم يجد‪ ،‬فعلى الماء‪ ،‬هذا من كمال شفقته‬
‫وكان يح ّ‬
‫خُلّو المعَدة‪ ،‬أدعى إلى قبوله‪ ،‬وانتفاع الُقوى‬
‫حهم‪ ،‬فإن إعطاء الطبيعة الشئ الحلو مع ُ‬
‫على ُأمته وُنص ِ‬
‫ت‪،‬‬
‫به‪ ،‬ول سيما القوَة الباصرَة‪ ،‬فإنها تقوى به‪ ،‬وحلوُة المدينة التمُر‪ ،‬ومرباهم عليه‪ ،‬وهو عندهم قو ٌ‬
‫ع يبس ‪ .‬فإذا رطبت بالماء‪ ،‬كمل‬
‫صْوم نو ُ‬
‫صل لها بال ّ‬
‫طُبه فاكهة ‪ .‬وأما الماء‪ ،‬فإن الَكِبَد يح ُ‬
‫وُأْدٌم‪ ،‬وُر َ‬
‫عها بالغذاء بعده‪ ،‬ولهذا كان الولى بالظمآن الجائع‪ ،‬أن يبدأ قبل الكل بشرب قليل من الماء‪ ،‬ثم‬
‫انتفا ُ‬
‫طّباُء‬
‫ل بعده‪ ،‬هذا مع ما فى التمر والماء من الخاصية التى لها تأثير فى صلح القلب ل يعلُمها إل َأ ِ‬
‫يأُك َ‬
‫القلوب ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الفطر‬
‫طُره على رطبات إن وجدها‪ ،‬فإن لم‬
‫ى‪ ،‬وكان ِف ْ‬
‫طر قبل أن ُيصّل َ‬
‫ل عليه وسلم ُيْف ِ‬
‫وكان صلى ا ّ‬
‫ت من ماٍء‪.‬‬
‫يجدها‪ ،‬فعلى تمرات‪ ،‬فإن لم يجد‪ ،‬فعلى حسوا ٍ‬
‫عند فطره‪)) :‬الّلُهّم َلك صمت‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬أنه كان يقول ِ‬
‫وُيذكر عنه صلى ا ّ‬
‫وعلي رزقك أفطرت((‬
‫ت((ذكره أبو داود عن معاذ بن‬
‫طْر ُ‬
‫ك أْف َ‬
‫عَلى ِرْزِق َ‬
‫توَ‬
‫صْم ُ‬
‫ك ُ‬
‫وروي عنه أيضًا‪ ،‬أنه كان يقول‪)) :‬الّلُهّم َل َ‬
‫زهرة‪ ،‬أنه بلغه‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم كان يقول ذلك‪.‬‬
‫‪27‬‬

‫جُر إن شاء ا ّ‬
‫ل‬ ‫ت ال ْ‬
‫ق‪ ،‬وَثَب َ‬
‫ت الُعرو ُ‬
‫ظَمُأ‪ ،‬واْبَتّل ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫وروى عنه‪ ،‬أنه كان يقول‪ ،‬إذا أفطر‪َ)) :‬ذَه َ‬
‫تعالى(( ذكره أبو داود من حديث الحسين بن واقد‪ ،‬عن مروان بن سالم المقفع‪ ،‬عن ابن عمر‪.‬‬
‫عَوًة ما ُتَرّد(( ‪ .‬رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫طِره َد ْ‬
‫عْنَد ِف ْ‬
‫صائم ِ‬
‫ل عليه وسلم‪)) :‬إن لل ّ‬
‫وُيذكر عنه صلى ا ّ‬
‫طَر‬
‫ن ههنا‪َ ،‬فقَْد َأْف َ‬
‫ن َهاهنا‪ ،‬وَأْدَبَر الّنَهاُر ِم ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ل الّلْي ُ‬
‫وصح عنه أنه قال‪)) :‬إذا َأْقَب َ‬
‫ت ِفطره‪ ،‬كأصبح وأمسى‪ ،‬ونهى‬
‫سَر بَأنه قد أفطر حكمًا‪ ،‬وإن لم ينوه‪ ،‬وبأنه قد دخل وق ُ‬
‫صاِئُم((‪ .‬وُف ّ‬
‫ال ّ‬
‫سباب‪ ،‬فأمره أن يقول لمن ساّبه‪)) :‬إّنى صائم((‪،‬‬
‫ب ال ّ‬
‫سباب وجوا ِ‬
‫خب وال ّ‬
‫صَ‬‫الصاِئم عن الّرَفث‪ ،‬وال ّ‬
‫فقيل‪ :‬يقوله بلسانه وهو أظهُر‪ ،‬وقيل‪ :‬بقلبه تذكيرًا لنفسه بالصوم‪ ،‬وقيل‪ :‬يقوله فى الفرض بلسانه‪ ،‬وفى‬
‫التطوع فى نفسه‪ ،‬لنه أبعد عن الرياء ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى الصوم فى السفر‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى رمضان‪ ،‬فصام وأفطر‪ ،‬وخّيَر الصحابة بين‬
‫وسافر رسول ا ّ‬
‫المرين ‪.‬‬
‫ضر‬
‫ح َ‬
‫ل هذا فى ال َ‬
‫ن عدوهم ِليتقّوْوا على قتاِلِه فلو اتفق مث ُ‬
‫وكان يأمرهم بالفطر إذا َدَنْوا ِم ْ‬
‫ل‪ :‬أن لهم ذلك وهو‬
‫حُهما دلي ً‬
‫وكان فى الفطر ُقوة لهم على لقاء عدّوهم‪ ،‬فهل لهم الفطر؟ فيه قولن‪ ،‬أص ّ‬
‫ب أن الِفطر لذلك‬
‫اختياُر ابن تيمية‪ ،‬وبه أفتى العساكر السلمية لّما َلُقوا العدّو بظاهر دمشق‪ ،‬ول ري َ‬
‫أولى ِمن الفطر لمجرد السفر‪ ،‬بل إباحُة الفطر للمسافر تنبيٌه على إباحته فى هذه الحالة‪ ،‬فإنها أح ّ‬
‫ق‬
‫ص بالمسافر‪ ،‬والقوة هنا له وللمسلمين‪ ،‬ولن مشقة الجهاد أعظُم ِمن‬
‫بجوازه‪ ،‬لن القوة هناك تخت ّ‬
‫مشقة السفر‪ ،‬ولن المصلحة الحاصَلة بالفطر للمجاهد أعظُم من المصلحة بفطر المسافر‪ ،‬ولن ا ّ‬
‫ل‬
‫ن ُقّوٍة{ ]النفال‪ .[60 :‬والِفطُر عند اللقاء‪ ،‬من أعظم أسباب‬
‫طْعُتم ّم ْ‬
‫سَت َ‬
‫عّدوا َلُهم ّما ا ْ‬
‫تعالى قال‪} :‬وَأ ِ‬
‫القوة ‪.‬‬
‫ل به مقصوده‪ ،‬إل بما‬
‫سَر القوة‪ ،‬بالرمى وهو ل َيِتّم ول يحص ُ‬
‫والنبى صلى ال عليه وسلم قد ف ّ‬
‫ُيقوى ويعين عليه من الفطر والغذاء‪ ،‬ولن النبى صلى ال عليه وسلم قال للصحابة لما دنوا من‬
‫خَر َفَقال‪:‬‬
‫لآ َ‬
‫صًة‪ُ ،‬ثّم َنَزُلوا َمْنِز ً‬
‫خ َ‬
‫طر َأْقَوى َلُكم(( ‪ .‬وكانت ُر ْ‬
‫عُدّوُكم‪ ،‬والِف ْ‬
‫ن َ‬
‫عدوهم‪)) :‬إّنُكْم َقْد َدَنْوُتْم ِم ْ‬
‫ت عزمًة فأفطرنا‪ ،‬فعّلل بدنوهم من عدوهم‬
‫طُروا(( َفَكاَن ْ‬
‫طُر َأْقَوى َلُكم‪َ ،‬فَأْف ِ‬
‫عُدّوُكم‪ ،‬والِف ْ‬
‫حو َ‬
‫صّب ُ‬
‫))إّنُكم ُم َ‬
‫‪28‬‬

‫ل بنفسه‪ ،‬ولم‬
‫ب آخُر غير السفر‪ ،‬والسفُر مستِق ٌ‬
‫واحتياجهم إلى القوة التى يلَقْون بها العدّو‪ ،‬وهذا سب ٌ‬
‫يذكره فى تعليله‪ ،‬ول أشار إليه‪ ،‬فالتعليل به اعتبارًا لما ألغاه الشارع فى هذا الفطر الخاص‪ ،‬وإلغاُء‬
‫وصف القوة التى ُيقاَوم بها العدو‪ ،‬واعتباُر السفر المجرد إلغاٌء لما اعتبره الشارع وعّلل به ‪.‬‬
‫حكمته‪ ،‬يقتضى أن الفطر لجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر‪،‬‬
‫وبالجملة ‪ ..‬فتنبيُه الشارع و ِ‬
‫فكيف وقد أشار إلى الِعّلة‪ ،‬ونّبه عليها‪ ،‬وصّرح بحكمها‪ ،‬وعزم عليهم بأن يفطروا لجلها ‪ .‬ويدل عليه‪،‬‬
‫ل رسول الّ‬
‫ن عمر يقول‪ :‬قا َ‬
‫ت اب َ‬
‫ما رواه عيسى بن يونس‪ ،‬عن شعبة‪ ،‬عن عمرو بن دينار قال‪ :‬سمع ُ‬
‫طُروا(( تابعه سعيد بن الربيع‪ ،‬عن‬
‫ل َفَأْف ِ‬
‫ح َمّكة‪)) :‬إّنه َيْوُم ِقَتا ٍ‬
‫ل عليه وسلم لصحابه َيْوَم َفْت ِ‬
‫صلى ا ّ‬
‫شعبة‪ ،‬فعّلل بالقتال‪ ،‬ورتب عليه المر بالفطر بحرف الفاء‪ ،‬وكل أحد يفهُم من هذا اللفظ أن الفطر‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول فى الفطر‪:‬‬
‫لا ّ‬
‫لجل القتال‪ ،‬وأما إذا تجّرد السفُر عن الجهاد‪ ،‬فكان رسو ُ‬
‫جَناح عليه ‪.‬‬
‫ب أن يصوم‪ ،‬فل ُ‬
‫ل‪ ،‬فَمن أخذ بها‪ ،‬فحسن‪ ،‬وَمن أح ّ‬
‫نا ّ‬
‫خصٌَة ِم َ‬
‫هى ُر ْ‬
‫فصل‬
‫جّلها كان فى رمضان‪.‬‬
‫فى أن أعظم ]الغزوات[ وأ َ‬
‫غَزاة بدٍر‪،‬‬
‫ت وأجّلها فى َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى رمضان فى أعظم الغزوا ِ‬
‫لا ّ‬
‫وسافر رسو ُ‬
‫غَزاة الفتح ‪.‬‬
‫وفى َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى رمضان غزوتين‪َ :‬يْوَم‬
‫لا ّ‬
‫قال عمر بن الخطاب‪)) :‬غزْوَنا مع رسو ِ‬
‫طْرَنا فيِهَما((‪.‬‬
‫ح‪َ ،‬فَأْف َ‬
‫َبْدٍر‪ ،‬والفَْت َ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ت مع رسو ِ‬
‫وأما ما رواه الدارقطنى وغيُره‪ ،‬عن عائشة قالت‪ :‬خرج ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وصمت‪ ،‬وقصر وأتممت ‪ .‬فغلط‪،‬‬
‫عمرة فى رمضان فأفطر رسول ا ّ‬
‫وسلم فى ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫إما عليها وهو الظهر‪ ،‬أو منها وأصابها فيه ما أصاب ابن عمر فى قوله‪ :‬اعتمر رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إل‬
‫لا ّ‬
‫ل أبا عبد الرحمن‪ ،‬ما اعتمَر رسو ُ‬
‫عليه وسلم فى رجب فقالت‪ :‬يرحم ا ُّ‬
‫عَمُرُه ُكّلها فى ذى الَقْعَدِة‪ ،‬وما اعتمر فى رمضان‬
‫ط‪ .‬وكذلك أيضًا ُ‬
‫وهو معه‪ ،‬وما اعتمر فى رجب ق ّ‬
‫ط‪.‬‬
‫قّ‬
‫فصل‬
‫لم يكن من َهْديه صلى ال عليه وسلم تقدير المسافة التى يفطر فيها الصائم بحد‬
‫‪29‬‬

‫ح عْنُه‬
‫حّد‪ ،‬ول ص ّ‬
‫ل عليه وسلم تقديُر المسافِة التى يفطر فيها الصاِئُم ب َ‬
‫ولم يكن من َهْديه صلى ا ّ‬
‫عْ‬
‫ن‬‫غُبوا َ‬
‫ل لمن صاَم‪ :‬قد َر ِ‬
‫سَفِر ثلثِة أميال‪ ،‬وقا َ‬
‫ك شئ ‪ .‬وقد أفطر ِدحيُة بن خليفة الَكْلِبى فى َ‬
‫فى َذِل َ‬
‫حّمٍد صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫َهْدى ُم َ‬
‫طُرون ِمن غير اعتبار مجاوزِة الُبيوت‪،‬‬
‫سفر‪ُ ،‬يف ِ‬
‫وكان الصحابة حين ُينشئون ال ّ‬
‫ت مع أبى َبصرة‬
‫جْبٍر‪ :‬رِكْب ُ‬
‫عبيد بن َ‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬كما قال ُ‬
‫سـّنته وَهْدُيه صلى ا ّ‬
‫وُيخبرون أن ذلك ّ‬
‫جاِوِز‬
‫ن‪ ،‬فلم ُي َ‬
‫ضا َ‬
‫ط فى َرَم َ‬
‫طا ِ‬
‫سَ‬‫ل صلى ال عليه وسلم فى سفينٍة من الُف ْ‬
‫لا ّ‬
‫الغفارى صاحب رسو ِ‬
‫سـّنِة‬
‫ت؟ قال أبو بصرة‪ :‬أترغب عن ّ‬
‫ت ترى البيو َ‬
‫ت‪ :‬ألس َ‬
‫ب‪ ،‬قل ُ‬
‫سْفَرة ‪ .‬قال‪ :‬اقتِر ْ‬
‫عا بال ّ‬
‫حّتى َد َ‬
‫ت َ‬
‫الُبُيو َ‬
‫صرَة من الُفسطاط‬
‫ت مع أبى َب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم؟ رواه أبو داود وأحمد‪ .‬ولفظ أحمد‪ :‬ركب ُ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ِ‬
‫ت‪ ،‬ثم دعانى إلى الِغذاء وذلك فى‬
‫سفرته‪ ،‬فُقّرَب ْ‬
‫ساها‪ ،‬أمر ب ُ‬
‫إلى السكندرية فى سفينة‪ ،‬فلما َدَنْوَنا ِمن َمْر َ‬
‫ل صلى‬
‫سـّنة رسول ا ّ‬
‫ب عن ّ‬
‫ل ما تغّيبت عنا مناِزُلنا بعُد؟ قال‪ :‬أترغ ُ‬
‫صَرة‪ ،‬وا ّ‬
‫ت‪ :‬يا أبا َب ْ‬
‫رمضان ‪ .‬فقل ُ‬
‫ن حتى بلغنا ‪.‬‬
‫طِري َ‬
‫ل ُمف ِ‬
‫ت‪ :‬ل ‪ .‬قال‪َ :‬فُكل ‪ .‬قال‪ :‬فلم َنَز ُ‬
‫ال عليه وسلم؟ فقل ُ‬
‫حَلُته‪،‬‬
‫حَلتْ له را ِ‬
‫ن مالك فى رمضان وهو ُيريد سفرًا‪ ،‬وقد ُر ِ‬
‫سبَ‬
‫ت أن َ‬
‫وقال محمد بن كعب ‪ :‬أتي ُ‬
‫ب‪ .‬قال الترمذى‪ :‬حديث‬
‫سـّنة‪ ،‬ثم َرِك َ‬
‫سـّنة؟ قال‪ّ :‬‬
‫ت له‪ّ :‬‬
‫ب السفر‪ ،‬فدعا بطعاٍم فأكل‪ ،‬فقل ُ‬
‫س ِثيا َ‬
‫وقد َلِب َ‬
‫حسن‪ ،‬وقال الدارقطنى فيه‪ :‬فَأكل وقد تقارب غروب الشمس ‪.‬‬
‫وهذه الثار صريحة فى أن َمن أنشأ السفر فى أثناء يوم من رمضان فله الفطر فيه‪.‬‬
‫فصل‬
‫جنبًا وتقبيل الزوجة للصائم‬
‫فى الصوم ُ‬
‫ل بعد الفجر‬
‫سُ‬‫ب من أهله‪ ،‬فيغت ِ‬
‫جن ٌ‬
‫ل عليه وسلم أن ُيدركه الفجر وهو ُ‬
‫وكان ِمن َهْديه صلى ا ّ‬
‫ويصوم‪.‬‬
‫ل بعض أزواجه وهو صائم فى رمضان وشّبه ُقبلة الصاِئم بالمضمضة بالماء‪.‬‬
‫وكان ُيقّب ُ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان‬
‫صَدع بن يحيى‪ ،‬عن عائشة‪ ،‬أن النب ّ‬
‫وأما ما رواه أبو داود عن ِم ْ‬
‫صَدع هذا‪ ،‬وهو‬
‫ضعفه طائفة بِم ْ‬
‫ف فيه‪ ،‬ف ّ‬
‫ساَنها‪ .‬فهذا الحديث‪ ،‬قد اخُتِل َ‬
‫ص ِل َ‬
‫صاِئم‪ ،‬وَيُم ّ‬
‫ُيقّبُلها وهو َ‬
‫سنه طائفة‪ ،‬وقالوا‪ :‬هو ثقة صدوق‪ ،‬روى له‬
‫مختَلف فيه‪ ،‬قال السعدى‪ :‬زائغ جائر عن الطريق‪ ،‬وح ّ‬
‫مسلم فى ))صحيحه(( وفى إسناده محمد بن دينار الطاحى البصرى‪ ،‬مختلف فيه أيضًا‪ ،‬قال يحيى‪:‬‬
‫‪30‬‬

‫ضعيف‪ ،‬وفى رواية عنه‪ ،‬ليس به بأس‪ ،‬وقال غيره‪ :‬صدوق‪ ،‬وقال ابن عدى‪ :‬قوله‪)) :‬ويمص‬
‫لسانها((‪ ،‬ل يقوله إل محمد بن دينار‪ ،‬وهو الذى رواه‪ ،‬وفى إسناده أيضًا سعد بن أوس‪ ،‬مختلف فيه‬
‫أيضًا‪ ،‬قال يحيى‪ :‬بصرى ضعيف‪ ،‬وقال غيره‪ :‬ثقة‪ ،‬وذكره ابن حبان فى الثقات‪.‬‬
‫وأما الحديث الذى رواه أحمد‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬عن ميمونة مولة النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫ى صلى ال عليه وسلم عن رجل قّبل امرأته وهما صائمان‪ ،‬فقال‪)) :‬قد أفطر(( فل يصح عن‬
‫ل النب ّ‬
‫سِئ َ‬
‫ُ‬
‫ضّنى رواه عن ميمونة‪ ،‬وهى بنت سعد‪ ،‬قال‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وفيه أبو يزيد ال ّ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ث منكر‪ ،‬وأبو‬
‫الدارقطنى‪ :‬ليس بمعروف‪ ،‬ول يثبت هذا‪ ،‬وقال البخارى‪ :‬هذا ل ُأحّدث به‪ ،‬هذا حدي ٌ‬
‫يزيد رجل مجهول‪.‬‬
‫ق بين الشاب والشيخ‪ ،‬ولم يجئ من وجه يثبت‪،‬‬
‫ل عليه وسلم التفري ُ‬
‫ح عنه صلى ا ّ‬
‫صّ‬‫ول َي ِ‬
‫وأجوُد ما فيه‪ ،‬حديث أبى داود عن نصر بن على‪ ،‬عن أبى أحمد الزبيرى‪ :‬حدثنا إسرائيل‪ ،‬عن أبى‬
‫صاِئم‪،‬‬
‫ل سأل النبى صلى ال عليه وسلم عن المباشرة لل ّ‬
‫العنبس‪ ،‬عن الغّر‪ ،‬عن أبى ُهريرة‪ ،‬أن رج ً‬
‫خ‪ ،‬وإذا الذى نهاه شاب‪ .‬وإسرائيل وإن كان‬
‫شْي ٌ‬
‫ص له َ‬
‫خ َ‬
‫ص له‪ ،‬وأتاه آخُر فسأله فنهاه‪ ،‬فإَذا الذى ر ّ‬
‫خ َ‬
‫فر ّ‬
‫البخارى ومسلم قد احتجا به وبقية الستة فِعّلة هذا الحديث أن بينه وبين الغّر فيه أبا العنبس العدوى‬
‫الكوفى‪ ،‬واسمه الحارث بن عبيد‪ ،‬سكتوا عنه‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى إسقاط القضاء عمن أكل أو شرب ناسيًا‬
‫ل سبحانه‬
‫ل وشِرب ناسيًا‪ ،‬وأن ا ّ‬
‫ط القضاِء عمن أك َ‬
‫ل عليه وسلم ‪ :‬إسقا ُ‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫طُر بما فعله‪ ،‬وهذا‬
‫طُر به‪ ،‬فإنما ُيْف ِ‬
‫ب ُيضاف إليه‪َ ،‬فَيْف ِ‬
‫ل والشر ُ‬
‫هو الذى أطعمه وسقاه‪ ،‬فليس هذا الك ُ‬
‫ف بفعل النائم‪ ،‬ول بفعل الناسى ‪.‬‬
‫شربه فى نومه‪ ،‬إذ ل تكلي َ‬
‫بمنزلة أكِلِه و ُ‬
‫فصل‬
‫فى الشياء التى يفطر بها الصائم‬
‫حجامة‬
‫ب‪ ،‬وال ِ‬
‫ل‪ ،‬والشر ُ‬
‫صاِئُم‪ :‬الك ُ‬
‫طُر به ال ّ‬
‫ل عليه وسلم‪ :‬أن الذى ُيْف ِ‬
‫والذى صح عنه صلى ا ّ‬
‫ح عنه فى‬
‫خلف ول َيصِ ّ‬
‫شرب‪ ،‬ل ُيعرف فيه ِ‬
‫ع مفطر كالكل وال ّ‬
‫جما َ‬
‫والقئ‪ ،‬والقرآن دال على أن ال ِ‬
‫الُكحل شئ ‪.‬‬
‫‪31‬‬

‫وصح عنه أنه كان يستاك وهو صائم‪.‬‬


‫صاِئٌم‪.‬‬
‫سِه َوُهَو َ‬
‫عَلى َرْأ ِ‬
‫ب الَماَء َ‬
‫ص ّ‬
‫وذكر المام أحمد عنه‪ ،‬أنه كان َي ُ‬
‫صّ‬
‫ح‬ ‫صاِئَم ِمن الُمبالغِة فى الستنشاق‪ ،‬ول َي ِ‬
‫وكان يتمضمض‪ ،‬ويستنشق وهو صائم‪ ،‬ومنع ال ّ‬
‫جَم وهو صائم‪ ،‬قاله المام أحمد‪ ،‬وقد رواه البخارى فى ))صحيحه(( قال أحمد‪ :‬حدثنا‬
‫عنه أنه احت َ‬
‫ث سعيد‪ ،‬عن‬
‫حجامة فى الصيام‪ ،‬يعنى حدي َ‬
‫ث ِمْقسم فى ال ِ‬
‫يحيى بن سعيد قال‪ :‬لم يسمع الحكُم حدي َ‬
‫حِرٌم((‪.‬‬
‫صاِئٌم ُم ْ‬
‫الحكم‪ ،‬عن ِمْقسم‪ ،‬عن ابن عباس‪)) ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬احتجم وُهَو َ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ت أحمد عن حديث حبيب بن الشهيد‪ ،‬عن ميمون بن ِمهران‪ ،‬عن ابن عباس‪،‬‬
‫قال مهنا‪ :‬وسأل ُ‬ ‫@‬
‫حِرٌم ‪ .‬فقال‪ :‬ليس بصحيح‪ ،‬قد أنكره يحيى بن سعيد‬
‫أن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬احتجم وهو صائم ُم ْ‬
‫ث ميمون بن مهران عن ابن عباس نحو خمسة عشر حديثًا ‪.‬‬
‫النصارى‪ ،‬إنما كانت أحادي ُ‬
‫ت أحمد عن حديث‬
‫ث‪ ،‬فضّعفه‪ ،‬وقال مهنا‪ :‬سأل ُ‬
‫ل ذكر هذا الحدي َ‬
‫ت أبا عبد ا ّ‬
‫وقال الثرم‪ :‬سمع ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫َقبيصة‪ ،‬عن سفيان‪ ،‬عن حماد‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬عن ابن عباس‪ :‬احتجم رسو ُ‬
‫حِرمًا ‪ .‬فقال‪ :‬هو خطأ ِمن ِقَبل َقبيصة‪ ،‬وسألت يحيى عن قبيصة بن عقبة‪ ،‬فقال‪ :‬رجل‬
‫وسلم صائمًا ُم ْ‬
‫صدق‪ ،‬والحديث الذى يحّدث به عن سفيان‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬خطأ من ِقَبله ‪ .‬قال أحمد‪ :‬فى كتاب‬
‫ل أن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬احتجم وهو محرم‪ ،‬ول يذكر فيه‬
‫الشجعى عن سعيد بن جبير مرس ً‬
‫صائمًا ‪.‬‬
‫ن عّباس‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم احتجم وهو صائم‬
‫ت أحمد عن حديث اب ِ‬
‫قال مهنا‪ :‬وسأل ُ‬
‫محرم؟ فقال‪ :‬ليس فيه ))صائم(( إنما هو ))محرم(( ذكره سفيان‪ ،‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن طاووس‪،‬‬
‫حِرٌم‪ ،‬ورواه عبد الرزاق‪ ،‬عن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على رأسه وُهَو ُم ْ‬
‫لا ّ‬
‫عن ابن عباس‪ :‬احتجم رسو ُ‬
‫خثيم‪ ،‬عن سعيد بن جبير‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬احتجم النبى صلى ال عليه وسلم وهو‬
‫معمر‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫محرم ‪ .‬وروح‪ ،‬عن زكريا بن إسحاق‪ ،‬عن عمرو بن دينار‪ ،‬عن عطاء وطاووس‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬أن‬
‫النبى صلى ال عليه وسلم احتجم وهو محرم ‪ .‬وهؤلء أصحاب ابن عباس‪ ،‬ل يذكرون ))صائمًا((‪.‬‬
‫‪32‬‬

‫ل‪ ،‬حدثنا وكيع‪ ،‬عن ياسين الزيات‪ ،‬عن رجل‪ ،‬عن أنس‪ ،‬أن النبى‬
‫وقال حنبل‪ :‬حدثنا أبو عبد ا ّ‬
‫ل‪:‬‬
‫جوُم(( ‪ .‬قال أبو عبد ا ّ‬
‫حُ‬‫جُم والَم ْ‬
‫حا ِ‬
‫طَر ال َ‬
‫صلى ال عليه وسلم احتجم فى رمضان بعد ما قال‪َ)) :‬أْف َ‬
‫الرجل‪ :‬أراه ُأبان بن أبى عياش‪ ،‬يعنى ول ُيحتج به‪.‬‬
‫ل ‪ :‬روى محمد بن معاوية النيسابورى‪ ،‬عن أبى عوانة‪ ،‬عن‬
‫وقال الثرم‪ :‬قلت لبى عبد ا ّ‬
‫سدى‪ ،‬عن‬
‫سدى‪ ،‬عن أنس‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬احتجم وهو صائم‪ ،‬فأنكر هذا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫جُم والمحجوُم(( غيُر حديث ثابت ‪.‬‬
‫ن هذا ‪ .‬قال أحمد‪ :‬وفى قوله‪)) :‬أفطر الحا ِ‬
‫ب ِم ْ‬
‫ج َ‬
‫أنس‪ ،‬قلت‪ :‬نعم َفَع ِ‬
‫وقال إسحاق‪ :‬قد ثبت هذا ِمن خمسة أوجه عن النبى صلى ال عليه وسلم ‪ .‬والمقصود‪ ،‬أنه لم يصح‬
‫عنه صلى ال عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم‪ ،‬ول صح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أّول النهار‬
‫ول آخره‪ ،‬بل قد روى عنه خلُفه ‪.‬‬
‫ك((‪ ،‬رواه ابن ماجه من حديث مجالد وفيه‬
‫سوا ُ‬
‫صاِئِم ال ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫صا ِ‬
‫خ َ‬
‫خْيِر ِ‬
‫ن َ‬
‫وُيذكر عنه‪ِ)) :‬م ْ‬
‫ضعف‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى حكم الكحل للصائم‬

‫ل عليه وسلم‪ ،‬أنه اكتحل وهو صائم‪ ،‬وُروى عنه‪ ،‬أنه خرج عليهم فى‬
‫وروى عنه صلى ا ّ‬
‫صاِئم(( ول‬
‫ح‪ ،‬وروى عنه أنه قال فى الثمد‪ِ)) :‬لَيّتِقِه ال ّ‬
‫صّ‬‫رمضان وعيناه مملوءتان من الْثِمِد‪ ،‬ول َي ِ‬
‫يصح ‪ .‬قال أبو داود‪ :‬قال لى يحيى ابن معين ‪ :‬هو حديث منكر ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى صيام التطوع‬
‫صوُم‪ ،‬وما استكمل‬
‫طُر حّتى ُيقال‪ :‬ل َي ُ‬
‫طُر‪ ،‬وُيْف ِ‬
‫صوم حتى ُيقال‪ :‬ل ُيْف ِ‬
‫ل عليه وسلم َي ُ‬
‫كان صلى ا ّ‬
‫صوم فى شعبان‪.‬‬
‫صياَم شهر غيَر رمضان‪ ،‬وما كان يصوُم فى شهر أكثر مما َي ُ‬
‫ِ‬
‫صوَم ِمنه ‪.‬‬
‫ولم يكن يخُرج عنه شهر حتى َي ُ‬
‫صياَمه‪،‬‬
‫ط‪ ،‬ول استحب ِ‬
‫ض الناس‪ ،‬ول صام رجبًا ق ّ‬
‫صِم الّثلَثة الشهر سردًا كما يفعُله بع ُ‬
‫ولم َي ُ‬
‫بل ُروى عنه النهى عن صيامه‪ ،‬ذكره ابن ماجه‪.‬‬
‫‪33‬‬

‫صيام يوم الثنين والخميس‪.‬‬


‫وكان يتحّرى ِ‬
‫طُر َأّياَم الِبيض فى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))ل ُيْف ِ‬
‫لا ّ‬
‫ل عنه‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ن عباس رضى ا ّ‬
‫وقال اب ُ‬
‫ض على صيامها‪.‬‬
‫ضر(( _ذكره النسائى_ وكان يح ّ‬
‫ح َ‬
‫سَفٍر ول َ‬
‫َ‬
‫غّرِة ك ّ‬
‫ل‬ ‫ن ُ‬
‫صوُم ِم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))َي ُ‬
‫لا ّ‬
‫ل عنه‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ن مسعود رضى ا ّ‬
‫وقال اب ُ‬
‫شهر ثلثة أيام(( ‪ .‬ذكره أبو داود والنسائى‪.‬‬
‫ى الشهر صامها((‪ .‬ذكره مسلم‪ ،‬ول تناقض بين هذه‬
‫وقالت عائشة‪)) :‬لم يكن ُيبالى ِمن أ ّ‬
‫الثار ‪.‬‬
‫ف فيه‪ ،‬فقالت عائشة‪)) :‬ما رأيته صائمًا فى العشر‬
‫خُتِل َ‬
‫جِة‪ ،‬فقد ا ْ‬
‫حّ‬
‫وأما صياُم عشِر ذى ال ِ‬
‫قط ((‪.‬ذكره مسلم‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ :‬صياُم يوِم عاشوراِء‪،‬‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو ُ‬
‫عُه ّ‬
‫وقالت حفصُة‪ )):‬أربٌع لم يكن َيَد ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫والعشُر‪ ،‬وثلثُة أياٍم من كل شهر‪ ،‬وركعتا الفجر((‪ .‬ذكره المام أحمد رحمه ا ّ‬
‫وذكر المام أحمد عن بعض أزواج النبى صلى ال عليه وسلم أنه ))كان َيصوم تسَع ذى‬
‫صوُم عاشوراء‪ ،‬وثلثَة أياٍم من الشهر‪ ،‬أو الثنين من الشهر‪ ،‬والخميس((‪ ،‬وفى لفظ‪:‬‬
‫حجة‪ ،‬وَي ُ‬
‫ال ِ‬
‫ت مقّدم على النافى إن صح ‪.‬‬
‫الخميسين‪ .‬والمثِب ُ‬
‫صَياَم الّدْهِر((‪.‬‬
‫ل ِ‬
‫ن َيْعِد ُ‬
‫ضا َ‬
‫صياُمَها َمَع َرَم َ‬
‫وأما صياُم ستة أيام من شّوال‪ ،‬فصح عنه أنه قال‪ِ )) :‬‬
‫وأما صياُم يوم عاشوراء‪ ،‬فإنه كان يتحّرى صوَمه على ساِئر الّيام‪ ،‬ولما َقِدَم المدينة‪،‬‬
‫ق بُموسى ِمْنُكم(( ‪ .‬فصامه‪ ،‬وأَمر بصيامه‪ ،‬وذلك قب َ‬
‫ل‬ ‫حّ‬‫ن َأ َ‬
‫حُ‬‫ظُمه‪ ،‬فقال‪َ)) :‬ن ْ‬
‫وجد اليهوَد تصوُمه وُتع ّ‬
‫شاَء َتَرَكه((‪.‬‬
‫ن َ‬
‫صاَمُه وَم ْ‬
‫شاَء َ‬
‫ن َ‬
‫ض رمضان‪ ،‬قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫فرض رمضان‪ ،‬فلما ُفِر َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ض الناس هذا وقال‪ :‬إنما َقِدَم رسول ا ّ‬
‫وقد استشكل بع ُ‬
‫صّيامًا يوَم‬
‫ل ابن عباس‪ :‬إنه قدم المدينة‪ ،‬فوجد اليهود ُ‬
‫المدينة فى شهر ربيع الول‪ ،‬فكيف يقو ُ‬
‫عاشوراء؟وفيه إشكال آخر‪ ،‬وهو أنه قد ثبت فى الصحيحين من حديث عائشة‪ ،‬أنها قالت‪ :‬كانت ُقريشُ‬
‫صوُمه‪ ،‬فلما هاجر إلى المدينة‪ ،‬صامه‪،‬‬
‫تصوُم يوم عاشوراء فى الجاهلية‪ ،‬وكان عليه الصلُة والسلُم ي ُ‬
‫شاَء َترَكه((‪.‬‬
‫ن َ‬
‫صاَمُه َوَم ْ‬
‫شاَء َ‬
‫ن َ‬
‫ن قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ض شهُر رمضا َ‬
‫وأمَر بصيامه‪ ،‬فلما ُفِر َ‬
‫‪34‬‬

‫وإشكال آخر‪ ،‬وهو ما ثبت فى الصحيحين أن الشعث بن قيس دخل على‬


‫شوراء؟‬
‫س اليوُم يوَم عا ُ‬
‫ن إلى الغََداِء ‪ .‬فقال‪َ :‬أَو َلْي َ‬
‫ل بن مسعود وهو يتغّدى فقال‪ :‬يا أبا محمد ؛ اْد ُ‬
‫عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫شوراء؟ قال‪ :‬وما هو؟ قال‪ :‬إنما ُهوَ يوٌم كان رسو ُ‬
‫فقال‪ :‬وهل تدرى ما َيْوُم عا ُ‬
‫ن تركه‪.‬وقد روى مسلم فى صحيحه عن ابن‬
‫ضا ُ‬
‫ن‪ ،‬فلما نزل َرَم َ‬
‫ضا ُ‬
‫ل َرَم َ‬
‫صوُمه قبل أن َيْنِز َ‬
‫وسلم َي ُ‬
‫شوراء وَأَمَر ِبصياِمه‪َ ،‬قاُلوا‪ :‬يا رسو َ‬
‫ل‬ ‫ن صام َيْوَم عا ُ‬
‫حي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِ‬
‫لا ّ‬
‫عباس‪ ،‬أن رسو َ‬
‫ن‬
‫ن الَعاُم الُمْقِبل إ ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬إذا كا َ‬
‫لا ّ‬
‫ظُمه اليهوُد والّنصارى‪ ،‬فقال رسو ُ‬
‫ل ؛ إّنُه يوٌم ُتع ّ‬
‫ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪.‬فهذا فيه‬
‫لا ّ‬
‫سع(( ‪ .‬فلم يأت العاُم المقبل حّتى توّفى رسو ُ‬
‫ل صُْمَنا الَيْوَم الّتا ِ‬
‫شاَء ا ّ‬
‫َ‬
‫أن صوَمه والَمر بصيامه قبل وفاته بعام‪ ،‬وحديُثه المتقّدُم فيه أن ذلك كان عنَد َمْقَدِمه المدينة‪ ،‬ثم إن‬
‫ث ابن عباس المذكور‪ ،‬ول ُيمكن‬
‫ن‪ ،‬وهذا ُيخالفه حدي ُ‬
‫ك ِبرمضا َ‬
‫ابن مسعود أخبر أن يوَم عاشوراء ُتِر َ‬
‫ضه‪ ،‬لنه لم ُيفرض‪ ،‬لما ثبت فى الصحيحين‬
‫ك فر ُ‬
‫أن ُيقال‪ُ :‬تِر َ‬
‫شوراء‪،‬‬
‫عا ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪)) :‬هذا َيْوُم َ‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫عن معاوية بن أبى سفيان‪ ،‬سمع ُ‬
‫طر((‪ .‬ومعاوية إنما سمع هذا‬
‫شاَء َفْلُيْف ِ‬
‫ن َ‬
‫صْم‪ ،‬وَم ْ‬
‫شاَء‪َ ،‬فْلَي ُ‬
‫صاِئٌم‪ ،‬فَمن َ‬
‫صياَمه‪ ،‬وَأنا َ‬
‫ل عليكم ِ‬
‫ولم َيْكُتبِ ا ّ‬
‫بعد الفتح قطعًا ‪.‬‬
‫ل بن عباس‪ ،‬أنه لما قيل‬
‫وإشكال آخر‪ :‬وهو أن مسلمًا روى فى صحيحه عن عبد ا ّ‬
‫ت إلى َقاِبل‪،‬‬
‫ن َبقي ُ‬
‫ظُمه اليهوُد والنصارى قال‪)) :‬إ ْ‬
‫ن هذا اليوَم ُتع ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ :‬إ ّ‬
‫ِلرسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ثم روى مسلم فى‬
‫لا ّ‬
‫ل حتى ُتوّفى رسو ُ‬
‫ت العاُم القاِب ُ‬
‫سَع(( فلم يأ ِ‬
‫ن الّتا ِ‬
‫صوَم ّ‬
‫ل ُ‬
‫ت له‪:‬‬
‫سد رداءه فى زمزم‪ ،‬فقل ُ‬
‫ت إلى ابن عباس وهو متو ّ‬
‫صحيحه عن الحكم بن العرج قال‪ :‬انتهي ُ‬
‫ت‪:‬‬
‫صاِئمًا ُقْل ُ‬
‫سِع َ‬
‫ت ِهلل الُمحّرم‪ ،‬فاعُدْد‪ ،‬وأصبح َيْوَم الّتا ِ‬
‫أخبرنى عن صوم عاشوراء ‪ .‬فقال‪)):‬إذا َرَأْي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يصومه؟ قال‪ :‬نعم ((‪.‬‬
‫َهَكَذا كان رسول ا ّ‬
‫وإشكال آخر‪ :‬وهو أن صوَمه إن كان واجبًا مفروضًَا فى أول السلم‪ ،‬فلم‬
‫ت النيِة له من الليل وإن لم يكن فرضًا‪ ،‬فكيف أمَر بإتمام المساك َم ْ‬
‫ن‬ ‫يأمرهم بقضائه‪ ،‬وقد فات تبيي ُ‬
‫صوَم‬
‫طِعَم فيه أن ي ُ‬
‫كان أكل؟ كما فى المسند والسنن من وجوه متعددة‪ ،‬أنه عليه السلم‪ ،‬أمر َمن كان َ‬
‫ن‪ُ ،‬تِر َ‬
‫ك‬ ‫ض رمضا ُ‬
‫ن مسعود‪ :‬فلما ُفِر َ‬
‫ل اب ِ‬
‫ح قو ُ‬
‫صّ‬‫َبقّيَة َيْوِمه‪ .‬وهذا إنما يكون فى الواجب‪ ،‬وكيف َي ِ‬
‫عاشوراء‪ ،‬واستحبابه لم يترك؟‬
‫‪35‬‬

‫وإشكال آخر‪ :‬وهو أن ابن عباس جعل يوم عاشوراء يوَم التاسع‪ ،‬وأخبر‬
‫صوُموا‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬وهو الذى روى عن النبى صلى ال عليه وسلم‪ُ )) :‬‬
‫أن هكذا كان يصوُمه صلى ا ّ‬
‫صوُموا َيْومًا َقْبَلُه َأْو َيْومًا َبْعَدُه(( ذكره أحمد‪ .‬وهو الذى روى‪:‬‬
‫خاِلُفوا اليهوَد‪ُ ،‬‬
‫شوَراء‪ ،‬و َ‬
‫عا ُ‬
‫َيْوَم َ‬
‫شر(( ذكره الترمذى‪.‬‬
‫شوَراء َيْوَم الَعا ِ‬
‫عا ُ‬
‫صْوِم َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ب َ‬
‫))أمرنا رسول ا ّ‬
‫ل وتأييِده وتوفيقه‪:‬‬
‫فالجواب عن هذه الشكالت بعون ا ّ‬

‫صومون يوَم عاشوراء‪ ،‬فليس فيه أن يوَم‬


‫ل الول‪ :‬وهو أّنه لما َقِدَم المدينة‪ ،‬وجدهم ي ُ‬
‫أما الشكا ُ‬
‫قدوِمه وجَدهم يصوُمونه‪ ،‬فإنه إنما َقِدَم يوَم الثنين فى ربيع الول ثانى عشرة‪ ،‬ولكن أول علمه بذلك‬
‫ب أهل‬
‫بوقوع القصة فى العام الثانى الذى كان بعد قدومه المدينة‪ ،‬ولم يكن وهو بمكة‪ ،‬هذا إن كان حسا ُ‬
‫ن اليوُم الذى نجى‬
‫ل بالكلية‪ ،‬ويكو ُ‬
‫الكتاب فى صومه بالشهر الهللية‪ ،‬وإن كان بالشمسية‪ ،‬زال الشكا ُ‬
‫ل الكتاب بالشهور الشمسية‪ ،‬فوافق ذلك‬
‫ل فيه موسى هو يوم عاشوراء من أول المحّرم‪ ،‬فضبطه أه ُ‬
‫ا ّ‬
‫ل الكتاب إنما هو بحساب سير‬
‫مقَدم النبى صلى ال عليه وسلم المدينة فى ربيع الول‪ ،‬وصوُم أه ِ‬
‫جهم‪ ،‬وجميع ما ُتعتبر له الشهر من‬
‫حّ‬‫شهر الهللى‪ ،‬وكذلك َ‬
‫الشمس‪ ،‬وصوُم المسلمين إنما هو بال ّ‬
‫سى ِمْنُكم((‪ ،‬فظهر حكُم هذه‬
‫ق ِبُمو َ‬
‫حّ‬‫ن َأ َ‬
‫حُ‬‫ب‪ ،‬فقال النبى صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬ن ْ‬
‫ح ّ‬
‫واجب أو ُمست َ‬
‫الولوية فى تعظيم هذا اليوم وفى تعيينه‪ ،‬وهم أخطؤوا تعيينه لدورانه فى السنة الشمسية‪ ،‬كما أخطأ‬
‫النصارى فى تعيين صومهم بأن جعلوه فى فصل من السنة تختِلف فيه الشهر ‪.‬‬
‫وأما الشكال الثانى‪ :‬وهو أن قريشًا كانت تصوُم عاشوراء فى الجاهلية‪ ،‬وكان رسول‬
‫سون الكعبة فيه‪،‬‬
‫ظم هذا اليوم‪ ،‬وكانوا يك ُ‬
‫ب أن قريشًا كانت ُتع ّ‬
‫صوُمه‪ ،‬فل ري َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ي ُ‬
‫ا ّ‬
‫شَر المحّرم‪ ،‬فلما َقِدَم النبى‬
‫وصومه من تمام تعظيمه‪ ،‬ولكن إنما كانوا يعّدون بالهلة‪ ،‬فكان عندهم عا ِ‬
‫ظمون ذلك اليوم ويصومونه‪ ،‬فسألهم عنه‪ ،‬فقالوا‪ :‬هو اليوُم‬
‫صلى ال عليه وسلم المدينة‪ ،‬وجدهم ُيع ّ‬
‫ل عليه وسلم‪:‬‬
‫ل فيه موسى وقوَمه من فرعون‪ ،‬فقال صلى ا ّ‬
‫جى ا ّ‬
‫الذى ن ّ‬
‫ق منكم بموسى((‪ ،‬فصامه وأمر بصيامه تقريرًا لتعظيمه وتأكيدًا‪ ،‬وأخبر صلى ا ّ‬
‫ل‬ ‫))نحن أح ّ‬
‫ق أن نقتدى به من‬
‫ل‪ ،‬كنا أح ّ‬
‫شكرًا ّ‬
‫ق بموسى من اليهود‪ ،‬فإذا صامه موسى ُ‬
‫عليه وسلم أّنه وُأّمَته أح ّ‬
‫عَنا ‪.‬‬
‫شْر ُ‬
‫خاِلْفُه َ‬
‫ع َلَنا َما َلْم ُي َ‬
‫شْر ٌ‬
‫ن َقْبَلَنا َ‬
‫ع َم ْ‬
‫شْر ُ‬
‫اليهود‪ ،‬ل سيما إذا قلنا‪َ :‬‬
‫‪36‬‬

‫ل صلى ال عليه‬
‫فإن قيل‪ :‬من أين لكم أن موسى صامه؟ قلنا‪ :‬ثبت فى الصحيحين أن رسول ا ّ‬
‫ل فيه موسى وقومه‪ ،‬وأغرق فيه فرعون وقومه‪ ،‬فصامه‬
‫جى ا ّ‬
‫وسلم لما سألهم عنه‪ ،‬فقالوا‪ :‬يوم عظيم ن ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫ل‪ ،‬فنحن نصومه‪ ،‬فقال رسول ا ّ‬
‫موسى شكرًا ّ‬
‫صياِمه‪ ،‬فلما أقّرهم على ذلك‪ ،‬ولم ُيكذبهم‪،‬‬
‫صاَمُه‪ ،‬وَأمر ب ِ‬
‫سى ِمْنُكم((‪َ .‬ف َ‬
‫ق َوَأْوَلى ِبُمو َ‬
‫حّ‬‫ن َأ َ‬
‫حُ‬‫))َفَن ْ‬
‫ل‪ ،‬فانضّم هذا القدُر إلى التعظيم الذى كان له قبل الهجرة‪ ،‬فازداد تأكيدًا‬
‫عِلَم أن موسى صامه شكرًا ّ‬
‫ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مناديًا ُينادى فى المصار بصومه‪ ،‬وإمساك َمن كان أكل‪،‬‬
‫حتى بعث رسول ا ّ‬
‫والظاهر‪ :‬أنه حّتم ذلك عليهم‪ ،‬وأوجبه كما سيأتى تقريره ‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كان يصوُم َيْوَم عاشوراء‬
‫وأما الشكال الثالث‪ :‬وهو أن رسول ا ّ‬
‫ض رمضان تركه‪ ،‬فهذا ل ُيمكن التخّلص منه إل بأن‬
‫ض رمضان‪ ،‬فلما نزل فر ُ‬
‫قبل أن ينِزل َفر ُ‬
‫ك وجوب صومه ل استحبابه‪ ،‬ويتعين هذا ول‬
‫صيامه كان فرضًا قبل رمضان‪ ،‬وحينئذ فيكون المترو ُ‬
‫ت إلى َقاِبل‬
‫ش ُ‬
‫عْ‬‫ُبد‪ ،‬لنه عليه السلم قال قبل وفاته بعام وقد قيل له إن اليهود يصومونه ‪)) :‬لِئن ِ‬
‫صوُموا َيْومًا َقْبَلُه أو َيْومًا َبْعَدُه((‪ ،‬أى‪ :‬معه‪ ،‬ول‬
‫سَع(( أى‪ :‬معه‪ ،‬وقال‪)) :‬خاِلفوا اليهوَد َو ُ‬
‫ن الّتا ِ‬
‫صوَم ّ‬
‫ل ُ‬
‫َ‬
‫ل الكتاب فيما لم يؤمر فيه‬
‫ريب أن هذا كان فى آخر المر‪ ،‬وأما فى أول المر‪ ،‬فكان ُيحب موافقة أه ِ‬
‫بشئ‪ ،‬فُعِلم أن استحبابه لم ُيترك ‪.‬‬
‫ل بترك استحبابه‪ ،‬فلم يبق‬
‫ويلزم َمن قال‪ :‬إن صوَمه لم يكن واجبًا أحُد المرين‪ ،‬إما أن يقو َ‬
‫ب صومه‪،‬‬
‫ل عنه برأيه‪ ،‬وخفى عليه استحبا ُ‬
‫ل بن مسعود رضى ا ّ‬
‫حبًا‪ ،‬أو يقول‪ :‬هذا قاله عبد ا ّ‬
‫ُمست َ‬
‫وهذا بعيد‪ ،‬فإن النبى صلى ال عليه وسلم حّثهم على صيامه‪ ،‬وأخبر أن صومه ُيكّفر السنة الماضية‪،‬‬
‫صيامه إلى حين وفاته‪ ،‬ولم ُيْرَو عنه حرف واحد بالنهى عنه وكراهة صومه‪،‬‬
‫واستمر الصحابُة على ِ‬
‫ك وجوُبه ل استحبابه ‪.‬‬
‫فُعِلَم أن الذى ُتِر َ‬
‫فإن قيل‪ :‬حديث معاوية المتفق على صحته صريح فى عدم فرضيته‪ ،‬وأنه لم ُيفرض قط‪،‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن حديث معاوية صريح فى نفى استمرار وجوبه‪ ،‬وأنه الن غيُر واجب‪ ،‬ول ينفى وجوبًا‬
‫ل لم يكتْبه علينا ‪.‬‬
‫خ وجوُبه‪ :‬إن ا ّ‬
‫سَ‬‫متقدمًا منسوخًا‪ ،‬فإنه ل يمتِنُع أن يقال لما كان واجبًا‪ ،‬وُن ِ‬
‫وجواب ثان‪ :‬أن غايته أن يكون النفى عامًا فى الزمان الماضى والحاضر‪ ،‬فُيخص بأدلة‬
‫الوجوب فى الماضى‪ ،‬وترك النفى فى استمرار الوجوب ‪.‬‬
‫‪37‬‬

‫ضه ووجوُبه مستفادًا من‬


‫ل عليه وسلم‪ ،‬إنما نفى أن يكون فر ُ‬
‫وجواب ثالث‪ :‬وهو أنه صلى ا ّ‬
‫ل لم يكتبه علينا((‪ ،‬وهذا ل ينفى الوجوب بغير ذلك‪ ،‬فإن‬
‫ل على هذا قوله‪)) :‬إن ا ّ‬
‫جهة القرآن‪ ،‬ويد ّ‬
‫صَياُم{‬
‫عَلْيُكُم ال ّ‬
‫ب َ‬
‫ل على عباده‪ ،‬هو ما أخبرهم بأنه كتبه عليهم‪ ،‬كقوله تعالى‪ُ}:‬كِت َ‬
‫الواجب الذى كتبه ا ّ‬
‫ل فى هذا المكتوب‬
‫ل عليه وسلم أن صوَم يوم عاشوراء لم يكن داخ ً‬
‫]البقرة‪ ،[183 :‬فأخبر صلى ا ّ‬
‫ن المر‬
‫ض بين هذا‪ ،‬وبي َ‬
‫ل علينا‪ ،‬فل تناق َ‬
‫ل علينا دفعًا لتوهم َمن يتوهم أنه داخل فيما كتبه ا ّ‬
‫الذى كتبه ا ّ‬
‫ضح هذا أن معاوية إنما سمع هذا منه بعد‬
‫ق بصيامه الذى صار منسوخًا بهذا الصيام المكتوب‪ ،‬يو ّ‬
‫الساب ِ‬
‫فتح مكة‪ ،‬واستقرار فرض رمضان‪ ،‬ونسخ وجوب عاشوراء به‪ ،‬والذين شهدوا أمره بصيامه‪ ،‬والنداء‬
‫شِهُدوا ذلك قبل فرض رمضان عند مقَدِمه المدينة‪ ،‬وفرض رمضان كان‬
‫بذلك‪ ،‬وبالمساك لمن أكل‪َ ،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وقد صام تسَع رمضانات‪ ،‬فَمن‬
‫لا ّ‬
‫فى السنة الثانية من الهجرة‪َ ،‬فُتوفى رسو ُ‬
‫ض رمضان‪ ،‬وَمن شهد الخبار عن عدم فرضه‪ ،‬شِهده فى‬
‫شهد المر بصيامه‪ ،‬شهده قبل نزول فر ِ‬
‫ث الباب واضطربت ‪.‬‬
‫ك‪ ،‬تناقضت أحادي ُ‬
‫آخر المر بعد فرض رمضان‪ ،‬وإن لم ُيسلك هذا المسل ُ‬
‫ن َلْم ُيِبّي ِ‬
‫ت‬ ‫صياَم ِلَم ْ‬
‫ت النية من الليل وقد قال‪)) :‬ل ِ‬
‫ل تبيي ُ‬
‫صْ‬‫فإن قيل‪ :‬فكيف يكون فرضًا ولم يح ُ‬
‫ف فيه‪ :‬هل هو ِمن كلم النبى صلى ال عليه‬
‫ن الّلْيل((؟ فالجواب‪ :‬أن هذا الحديث مختل ٌ‬
‫صياَم ِم َ‬
‫ال ّ‬
‫ن بن‬
‫ث حفصة‪ :‬فأوقفه عليها معمٌر‪ ،‬والزهرى‪ ،‬وسفيا ُ‬
‫ل حفصَة وعائشة؟ فَأما حدي ُ‬
‫ن قو ِ‬
‫وسلم‪ ،‬أو ِم ْ‬
‫ث يقولون‪ :‬الموقو ُ‬
‫ف‬ ‫ل الحدي ِ‬
‫ضهم وأكثر أه ِ‬
‫س بن يزيد اليلى‪ ،‬عن الزهرى‪ ،‬ورفعه بع ُ‬
‫عيينة‪ ،‬ويون ُ‬
‫ُ‬
‫ح‪ ،‬ومنهم َمن ُيصحح رفَعه لثقة‬
‫ح‪ ،‬قال الترمذى ‪ :‬وقد رواه نافع عن ابن عمر قوَله‪ ،‬وهو أص ّ‬
‫أص ّ‬
‫رافعه وعدالته‪ ،‬وحديث عائشة أيضًا‪ :‬روى مرفوعًا وموقوفًا‪ ،‬واختلف فى تصحيح رفعه ‪ .‬فإن لم‬
‫يثبت رفُعه‪ ،‬فل كلم‪ ،‬وإن ثبت رفُعه‪ ،‬فمعلوٌم أن هذا إنما قاله بعد فرض رمضان‪ ،‬وذلك متأخر عن‬
‫ت‪ ،‬وليس نسخًا لحكم ثابت بخطاب‪،‬‬
‫المر بصيام يوِم عاشوراء‪ ،‬وذلك تجديُد حكم واجب وهو التبيي ُ‬
‫ل‪،‬‬
‫فإجزاء صيام يوِم عاشوراء بنية من النهار‪ ،‬كان قبل فرض رمضان‪ ،‬وقبل فرض التبييت ِمن اللي ِ‬
‫ب صوِمه برمضان‪ ،‬وتجدد وجوب التبييت‪ ،‬فهذه طريقة ‪.‬‬
‫جو ُ‬
‫خ َو ُ‬
‫سَ‬‫ثّم ُن ِ‬
‫وطريقة ثانية هى طريقُة أصحاب أبى حنيفة‪ :‬أن وجوب صيام يوم عاشوراء تضّمن أمرين‪:‬‬
‫ن الواجب بواجب آخر‪ ،‬فبقى حكم‬
‫سخ تعيي ُ‬
‫ب صوِم ذلك اليوم وإجزاء صوِمه بنية من النهار‪ ،‬ثم ُن ِ‬
‫وجو َ‬
‫الجزاء بنيٍة من النهار غير منسوخ ‪.‬‬
‫‪38‬‬

‫عِلَم من النهار‪ ،‬وحينئذ فلم‬


‫وطريقة ثالثة‪ :‬وهى أن الواجب تابع للعلم‪ ،‬ووجوب عاشوراء إنما ُ‬
‫ت ممكنًا‪ ،‬فالنيُة وجبت وقت تجّدِد الوجوب والعلم به‪ ،‬وإل كان تكليفًا بما ل ُيطاق وهو ممتنع‬
‫يكن التبيي ُ‬
‫‪ .‬قاُلوا‪ :‬وعلى هذا إذا قامت البينُة بالرؤية فى أثناء النهار ‪ .‬أجزأ صومه بنية مقاِرنة للعلم بالوجوب‪،‬‬
‫ح الطرق‪ ،‬وأقرُبها إلى موافقة‬
‫وأصُله صوُم يوِم عاشوراء‪ ،‬وهذه طريقة شيخنا‪ ،‬وهى كما تراها أص ّ‬
‫ث‪ ،‬ويجتِمُع شمُلها الذى ُيظن تفرقه‪ ،‬وُيتخلص من دعوى‬
‫ل الحادي ُ‬
‫ُأصول الشرع وقواعده‪ ،‬وعليها َتُد ّ‬
‫النسخ بغير ضرورة‪ ،‬وغير هذه الطريقة ل ُبّد فيه من مخالفة قاعدة ِمن قواعد الشرع‪ ،‬أو مخالفة‬
‫ى صلى ال عليه وسلم لم يأمر أهل ُقباء بإعادة الصلة التى صّلوا بعضها‬
‫بعض الثار ‪ .‬وإذا كان النب ّ‬
‫ض الصوم‪ ،‬أو لم‬
‫ب فر ِ‬
‫ب التحول‪ ،‬فكذلك َمن لم يبلغه وجو ُ‬
‫إلى الِقْبلة المنسوخة إذ لم يبُلغهم وجو ُ‬
‫ب التبييت‬
‫ب‪ ،‬إذ وجو ُ‬
‫ج َ‬
‫ت الوا ِ‬
‫يتمكن ِمن العلم بسبب وجوبه‪ ،‬لم ُيؤمر بالقضاء‪ ،‬ول ُيقال‪ :‬إنه ترك التبيي َ‬
‫تابع للعلم بوجوب المبّيت‪ ،‬وهذا فى غاية الظهور ‪.‬‬
‫ح ِمن طريقة َمن يقول‪ :‬كان عاشوراء فرضًا‪ ،‬وكان ُيجزئ‬
‫ب أن هذه الطريقَة أص ّ‬
‫ول ري َ‬
‫ت متعلقاُته‪ ،‬ومن متعلقاته إجزاء صياِمه بنية من‬
‫خ ْ‬
‫سَ‬
‫خ الحكُم بوجوبه‪ ،‬فُن ِ‬
‫سَ‬‫صياُمه بنية من النهار‪ ،‬ثم ُن ِ‬
‫النهار‪ ،‬لن متعلقاته تابعة له‪ ،‬وإذا زال المتبوع‪ ،‬زالت توابُعه وتعلقاُته‪ ،‬فإن إجزاء الصوم الواجب بنية‬
‫ص هذا اليوم‪ ،‬بل من متعّلقات الصوِم الواجب‪ ،‬والصوُم الواجب‬
‫من النهار لم يكن من متعلقات خصو ِ‬
‫ل‪ ،‬وإنما زال تعيينه‪ ،‬فُنِقل من محل إلى محل‪ ،‬والجزاء بنيٍة من النهار وعدِمه من توابع أصل‬
‫لم َيُز ْ‬
‫الصوم ل تعيينه ‪.‬‬
‫ح ِمن طريقة َمن يقول‪ :‬إن صوم يوم عاشوراء لم يكن واجبًا قط‪ ،‬لنه قد ثبت المُر به‪،‬‬
‫وأص ّ‬
‫ل هذا ظاهر‪ ،‬قوى فى‬
‫وتأكيُد المر بالنداء العام‪ ،‬وزيادة تأكيده بالمر لمن كان أكل بالمساك‪ ،‬وك ّ‬
‫ك عاشوراء ‪ .‬ومعلوم أن استحبابه لم ُيترك‬
‫ض رمضان ُتِر َ‬
‫الوجوب‪ ،‬ويقول ابن مسعود‪ :‬إنه لما ُفِر َ‬
‫ك وجوبه‪ ،‬فهذه خمس طرق للناس فى ذلك ‪ .‬والّ‬
‫بالدلة التى تقّدمت وغيرها‪ ،‬فيتعين أن يكون المترو ُ‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫ت إلى َقاِبلٍ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬لِئن َبِقي ُ‬
‫وأما الشكال الرابع‪ :‬وهو أن رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫سَع((‪ ،‬وأنه توفى قبل العام المقبل‪ ،‬وقول ابن عباس ‪ :‬إن رسول ا ّ‬
‫ن الّتا ِ‬
‫صوَم ّ‬
‫ل ُ‬
‫َ‬
‫ح عنه هذا وهذا‪ ،‬ول تنافى بينهما‪ ،‬إذ من الممكن‬
‫كان يصوم التاسع‪ ،‬فابن عباس روى هذا وهذا‪ ،‬وص ّ‬
‫‪39‬‬

‫ن عباس أخبر عن فعله مستندًا‬


‫سَع‪ ،‬ويخبر أنه إن بقى إلى العام القابل صامه‪ ،‬أو يكون اب ُ‬
‫أن يصوَم التا ِ‬
‫ح الخبارعن ذلك مقيدًا‪ ،‬أى‪ :‬كذلك كان يفعل لو بقى‪ ،‬ومطلقًا إذا‬
‫صّ‬‫إلى ما عزم عليه‪ ،‬ووعد به‪ ،‬وي ِ‬
‫علم الحال‪ ،‬وعلى كل واحد من الحتمالين‪ ،‬فل تنافى بين الخبرين ‪.‬‬
‫وأما الشكال الخامس‪ :‬فقد تقّدم جوابه بما فيه كفاية ‪.‬‬
‫وأما الشكال السادس‪ :‬وهو قول ابن عباس‪ :‬اعُدْد وأصبح يوم التاسع صائمًا ‪ .‬فَمن تأمل‬
‫ل الشكال‪ ،‬وسعُة علم ابن عباس‪ ،‬فإنه لم يجعل عاشوراء هو‬
‫مجموع روايات ابن عباس‪ ،‬تبّين له زوا ُ‬
‫صِم اليوم التاسع‪ ،‬واكتفى بمعرفة السائل أن يوم عاشوراء هو اليوُم‬
‫اليوَم التاسع‪ ،‬بل قال للسائل‪ُ :‬‬
‫س كّلهم يوَم عاشوراء‪ ،‬فأرشد السائل إلى صيام التاسع معه‪ ،‬وأخبر أن رسول الّ‬
‫العاشر الذى يعّده النا ُ‬
‫ل فعله‬
‫حْم ُ‬
‫لْولى‪ ،‬وإما أن يكون َ‬
‫ل ذلك هو ا َ‬
‫صلى ال عليه وسلم كان يصوُمه كذلك ‪ .‬فإما أن يكون ِفع ُ‬
‫صوُموا يومًا قبله‬
‫ل على ذلك أنه هو الذى روى‪ُ )) :‬‬
‫على المر به‪ ،‬وعزمه عليه فى المستقبل‪ ،‬ويد ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بصيام عاشوراء يوم العاشر ‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫ويومًا بعده((‪ ،‬وهو الذى روى‪ :‬أمرنا رسو ُ‬
‫ضها بعضًا ‪.‬‬
‫ضها بعضًا‪ ،‬وُيؤّيد بع ُ‬
‫ق بع ُ‬
‫وكل هذه الثار عنه‪ُ ،‬يصّد ُ‬
‫فمراتب صومه ثلثة‪ :‬أكمُلها‪ :‬أن ُيصام قبله يوٌم وبعده يوٌم‪ ،‬ويلى ذلك أن ُيصام التاسع‬
‫والعاشر‪ ،‬وعليه أكثُر الحاديث‪ ،‬ويلى ذلك إفراُد العاشر وحده بالصوم ‪.‬‬
‫وأما إفراد التاسع‪ ،‬فمن نقص فهم الثار‪ ،‬وعدِم تتبع ألفاظها وطرقها‪ ،‬وهو بعيد من اللغة‬
‫ل الموفق للصواب ‪.‬‬
‫والشرع‪ ،‬وا ّ‬
‫ض أهل العلم مسلكًا آخر فقال‪ :‬قد ظهر أن القصَد مخالفُة أهل الكتاب فى هذه‬
‫وقد سلك بع ُ‬
‫ل العاشر إلى التاسع‪ ،‬أو بصياِمهما معًا ‪.‬‬
‫ل بأحد أمرين‪ :‬إما بنق ِ‬
‫العبادة مع التيان بها‪ ،‬وذلك يحص ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫سع((‪ :‬يحتِمل المرين ‪ .‬فتوفى رسول ا ّ‬
‫صمنا التا ِ‬
‫ل ُ‬
‫وقوله‪)) :‬إذا كان العاُم المقب ُ‬
‫ب إن شاء‬
‫ط صياَم اليومين معًا‪ ،‬والطريقة التى ذكرناها‪ ،‬أصو ُ‬
‫قبل أن يتبّين لنا مراُده‪ ،‬فكان الحتيا ُ‬
‫صوُموا َيْومًا‬
‫ل‪ ،‬لن قوله فى حديث أحمد‪)) :‬خاِلفوا الًَيُهوَد‪ُ ،‬‬
‫ث ابن عباس عليها تد ّ‬
‫ل‪ ،‬ومجموع أحادي ِ‬
‫ا ّ‬
‫صياِم عاشوراء يوم العاشر(( يبين صحة‬
‫َقْبَلُه َأْو َيْومًا َبْعَدُه((‪ ،‬وقوله فى حديث الترمذى‪ُ)):‬أِمْرَنا ِب ِ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫الطريقة التى سلكناها ‪ .‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫‪40‬‬

‫سـّنة صيامه لغير الحاج‬


‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى إفطار يوم عرفة بعرفة‪ ،‬و ُ‬
‫ل عليه وسلم ‪ :‬إفطاُر َيْوِم عرفة بعرفة‪ ،‬ثبت عنه ذلك فى‬
‫وكان ِمن َهْديه صلى ا ّ‬
‫الصحيحين ‪.‬‬
‫عَرَفَة ِبَعَرَفَة(( رواه عنه أهل السنن‪.‬‬
‫صْوِم َيْوِم َ‬
‫ن َ‬
‫عْ‬‫وروى عنه أنه))نهى َ‬
‫ضيَة والَباِقيَة(( ذكره مسلم ‪.‬‬
‫وصح عنه أن))صياِمه ُيكّفُر السنة الما ِ‬
‫حكٍم ‪.‬‬
‫عّدُة ِ‬
‫وقد ُذكر ِلفطره بعرفة ِ‬
‫منها‪ :‬أنه أقوى على الدعاء ‪.‬‬
‫ل فى فرض الصوم‪ ،‬فكيف بنفله ‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن الِفطَر فى السفر أفض ُ‬
‫صـوم‪ ،‬فأحب أن يرى النا ُ‬
‫س‬ ‫ومنها‪ :‬أن ذلك اليوَم كان يوَم الجمعة‪ ،‬وقد َنهى عن إفراده بال ّ‬
‫فطره فيه تأكيدًا لنهيه عن تخصيصه بالصوم‪ ،‬وإن كان صوُمه لكونه َيْوَم عرفة ل يوم جمعة‪ ،‬وكان‬
‫ل يسُلك مسلكًا آخر‪ ،‬وهو أنه يوُم عيد لهل عرفة لجتماعهم فيه‪ ،‬كاجتماع الناس يوم‬
‫شيخنا رحمه ا ّ‬
‫ص بمن بعرفة دون أهل الفاق ‪ .‬قال‪ :‬وقد أشار النبى صلى ال عليه وسلم‬
‫العيد‪ ،‬وهذا الجتماع يخت ّ‬
‫سلِم((‪.‬‬
‫ل ال ْ‬
‫عيُدَنا َأهْ َ‬
‫حِر‪ ،‬وأّيام ِمَنى‪ِ ،‬‬
‫عَرَفَة‪َ ،‬وَيْوُم الّن ْ‬
‫ل السنن‪َ)) :‬يْوُم َ‬
‫إلى هذا فى الحديث الذى رواه أه ُ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫ومعلوم‪ :‬أن كونه عيدًا‪ ،‬هو لهل ذلك الجمع‪ ،‬لجتماعهم فيه ‪ .‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫فى حكم صوم السبت والحد والجمعة‬
‫صُد بذلك مخالفة اليهود‬
‫ت والحد كثيرًا‪ ،‬يق ِ‬
‫ل عليه وسلم ‪ :‬كان يصوُم السب َ‬
‫وقد ُروى أنه صلى ا ّ‬
‫والنصارى كما فى المسند‪ ،‬وسنن النسائى‪ ،‬عن ُكريب مولى ابن عباس قال‪ :‬أرسلنى ابنُ عباس رض َ‬
‫ى‬
‫ى صلى‬
‫ى الّياِم َكانَ النب ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم إلى أّم سلمة أسألها؟ أ ّ‬
‫س من أصحاب النب ّ‬
‫ل عنه‪ ،‬ونا ٌ‬
‫ا ّ‬
‫ب َأ ْ‬
‫ن‬ ‫ح ّ‬
‫شِرِكين‪َ ،‬فَأنا ُأ ِ‬
‫عيٌد للُم ْ‬
‫صيامًا؟ قالت‪ :‬يوُم السبت والحد‪ ،‬ويقول‪)) :‬إّنُهَما ِ‬
‫ال عليه وسلم أكَثرها ِ‬
‫خاِلَفُهم(( ‪.‬‬
‫ُأ َ‬
‫ى بن أبى طالب‪ ،‬وقد اسُتْنِكَر‬
‫وفى صحة هذا الحديث نظر‪ ،‬فإنه من رواية محمد بن عمر بن عل ّ‬
‫ل بن‬
‫ض حديثه ‪ .‬وقد قال عبد الحق فى ))أحكامه(( من حديث ابن جريج‪ ،‬عن عباس بن عبد ا ّ‬
‫بع ُ‬
‫عباس‪ ،‬عن عّمه الفضل‪ :‬زار النبى صلى ال عليه وسلم عباسًا فى بادية لنا ‪ .‬ثم قال‪ :‬إسناده ضعيف ‪.‬‬
‫‪41‬‬

‫قال ابن القطان‪ :‬هو كما ذكر ضعيف‪ ،‬ول ُيعرف حال محمد بن عمر‪ ،‬وذكر حديثه هذا عن أم سلمة‬
‫فى صيام يوم السبت والحد‪ ،‬وقال‪ :‬سكت عنه عبد الحق مصححًا له‪ ،‬ومحمد بن عمر هذا‪ ،‬ل ُيعرف‬
‫سنًا ‪ .‬وا ّ‬
‫ل‬ ‫ل بن محمد بن عمر‪ ،‬ول ُيعرف أيضًا حاله‪ ،‬فالحديث أراه ح َ‬
‫حاله‪ ،‬ويرويه عنه ابنه عبد ا ّ‬
‫أعلم ‪.‬‬
‫صّماء‪ ،‬أن النبى‬
‫سلمى‪ ،‬عن أخته ال ّ‬
‫ل بن ُبسر ال ّ‬
‫وقد روى المام أحمد وأبو داود‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ل ِلحاَء‬
‫حُدُكم إ ّ‬
‫جد َأ َ‬
‫ن َلْم َي ِ‬
‫ض عليكم‪ ،‬فإ ْ‬
‫ل فيما افُتِر َ‬
‫تإ ّ‬
‫سْب ِ‬
‫صوُموا َيْوم ال ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬ل َت ُ‬
‫ضْغه(( ‪.‬‬
‫جَرٍة َفْلَيْم َ‬
‫شَ‬
‫عوَد َ‬
‫عَنَبٍة َأْو ُ‬
‫ِ‬
‫ل بن‬
‫ل‪ :‬هذا كذب‪ ،‬يريد حديث عبد ا ّ‬
‫فاختلف الناس فى هذين الحديثين ‪ .‬فقال مالك رحمه ا ّ‬
‫ُبسر‪ ،‬ذكره عنه أبو داود‪ ،‬قال الترمذى‪ :‬هو حديث حسن‪ ،‬وقال أبو داود‪ :‬هذا الحديث منسوخ‪ ،‬وقال‬
‫طِرب‪ ،‬وقال جماعة من أهل العلم‪ :‬ل تعاُرض بينه وبين حديث أّم سلمة‪ ،‬فإن‬
‫النسائى‪ :‬هو حديث مض َ‬
‫النهى عن صومه إنما هو عن إفراده‪ ،‬وعلى ذلك ترجم أبو داود‪ ،‬فقال‪ :‬باب النهى أن ُيخص يوَم‬
‫صيامه‪ ،‬إنما هو مع يوم الحد ‪ .‬قالوا‬
‫ث ِ‬
‫السبت بالصوم‪ ،‬وحدي ُ‬
‫‪ :‬ونظيُر هذا أنه نهى عن إفراد َيْوِم الجمعة بالصوم‪ ،‬إل أن َيصوَم يومًا قبله أو يومًا بعده‪،‬‬
‫ع تعظيم له‪ ،‬فهو موافقة لهل الكتاب فى‬
‫وبهذا يزول الشكال الذى ظنه َمن قال‪ :‬إن صومه نو ُ‬
‫تعظيمه‪ ،‬وإن تضمن مخالفتهم فى صومه‪ ،‬فإن التعظيم إنما يكون إذا ُأِفرَد بالصوم‪ ،‬ول ريب أن‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫الحديث لم يجئ بإفراده‪ ،‬وأما إذا صامه مع غيره‪ ،‬لم يكن فيه تعظيٌم ‪ .‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫لم يكن من َهْديه صلى ال عليه وسلم سرد الصوم وصيام الدهر‬
‫صاَم‬
‫ن َ‬
‫ل عليه وسلم سرُد الصوم وصيام الدهر‪ ،‬بل قد قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ولم يكن من َهْديه صلى ا ّ‬
‫ن صاَم الياَم المحّرمة‪ ،‬فإنه ذكر ذلك جوابًا لمن قال‪:‬‬
‫صاَم ول َأْفطر(( ‪ .‬وليس مراُده بهذا َم ْ‬
‫الّدْهَر ل َ‬
‫صاَم الّدْهر؟ ول ُيقال فى جواب من فعل المحّرم‪ :‬ل صاَم ول َأْفطر‪ ،‬فإن هذا ُيؤذن بأنه‬
‫ن َ‬
‫ت َم ْ‬
‫أرأي َ‬
‫ل عليه ِمن الصيام‪،‬‬
‫طُره وصوُمه ل ُيَثاب عليه‪ ،‬ول ُيعاَقب‪ ،‬وليس كذلك َمنْ فعل ما حّرم ا ّ‬
‫سواٌء ِف ْ‬
‫فليس هذا جوابًا مطابقًا للسؤال عن المحّرم من الصوم‪ ،‬وأيضًا فإن هذا عند َمن استحب صوم الدهر قد‬
‫‪42‬‬

‫فعل مستحبًا وحرامًا‪ ،‬وهو عندهم قد صام بالنسبة إلى أيام الستحباب‪ ،‬وارتكب محّرمًا بالنسبة إلى‬
‫طر(( فتنزيل قوله على ذلك غلط ظاهر ‪.‬‬
‫صاَم ول َأْف َ‬
‫ل منهما ل ُيقال‪)) :‬ل َ‬
‫أيام التحريم‪ ،‬وفى ك ّ‬
‫وأيضًا فإن أيام التحريم مستثناٌة بالشرع‪ ،‬غيُر قابلة للصوم شرعًا‪ ،‬فهى بمنزلة الليل شرعًا‪،‬‬
‫وبمنزلة أّياِم الحيض‪ ،‬فلم يكن الصحابُة ِليسألوه عن صومها‪ ،‬وقد علموا عدم قبولها للصوم‪ ،‬ولم يكن‬
‫طر((‪ ،‬فإن هذا ليس فيه بيان للتحريم ‪.‬‬
‫صام ول َأْف َ‬
‫ِلُيجيبهم لو لم يعلموا التحريم بقوله‪)) :‬ل َ‬
‫ل‪.‬‬
‫ب إلى ا ّ‬
‫ل من صوم الدهر‪ ،‬وأح ّ‬
‫فَهْدُيه الذى ل شك فيه‪ ،‬أن صياَم يوم‪ ،‬وِفطَر يوٍم أفض ُ‬
‫ب إلى الّ‬
‫وسرد صيام الدهر مكروه‪ ،‬فإنه لو لم يكن مكروهًا‪ ،‬لزم أحُد ثلثة أمور ممتنعة‪ :‬أن يكون أح ّ‬
‫ح ّ‬
‫ب‬ ‫ن َأ َ‬
‫من صوم يوم وفطر يوم‪ ،‬وأفضل منه‪ ،‬لنه زيادة عمل‪ ،‬وهذا مردود بالحديث الصحيح‪)) :‬إ ّ‬
‫صياُم داُوَد((‪ ،‬وإنه ل أفضل منه‪ ،‬وإما أن يكون مساويًا له فى الفضل وهو ممتنع‬
‫ل ِ‬
‫صيام إلى ا ِّ‬
‫ال ّ‬
‫ب فيه‪ ،‬ول كراهة‪ ،‬وهذا ممتنع‪ ،‬إذ ليس هذا‬
‫ى الطرفين ل استحبا َ‬
‫أيضًا‪ ،‬وإما أن يكون مباحًا متساو َ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫ن العبادات‪ ،‬بل إما أن تكون راجحًة‪ ،‬أو مرجوحة ‪ ..‬وا ّ‬
‫شأ َ‬
‫شّوال‪،‬‬
‫ن َ‬
‫سّتَة أّياٍم ِم ْ‬
‫ن‪ ،‬وَأْتَبَعُه ِ‬
‫ضا َ‬
‫صاَم َرَم َ‬
‫ن َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫فإن قيل‪ :‬فقد قال النب ّ‬
‫صْوَم الّدهِْر((‪ ،‬وذلك‬
‫ل َ‬
‫ك َيْعِد ُ‬
‫ن ذِل َ‬
‫صاَم الّدْهَر(( ‪ .‬وقال فيمن صام ثلثة أيام من كل شهر‪)) :‬إ ّ‬
‫َفكَأّنَما َ‬
‫ل به‪ ،‬وأنه أمٌر مطلوب‪ ،‬وثواُبه أكثُر من ثواب الصائمين‪،‬‬
‫عِد َ‬
‫ل مما ُ‬
‫ن صوم الدهر أفض ُ‬
‫يدل على أ ّ‬
‫ن صام هذا الصيام ‪.‬‬
‫شّبه به َم ْ‬
‫حتى ُ‬
‫ل عن استحبابه‪ ،‬وإنما يقتضى‬
‫س هذا التشبيه فى المر المقّدر‪ ،‬ل يقتضى جوازه فض ً‬
‫قيل‪ :‬نف ُ‬
‫حبًا‪ ،‬والدليل عليه‪ِ ،‬من نفس الحديث‪ ،‬فإنه جعل صيام ثلثِة أياٍم من كل‬
‫التشبيه به فى ثوابه لو كان مست َ‬
‫ب َمن صام ثلثمائة‬
‫صل له ثوا ُ‬
‫شهر بمنزلة صياِم الدهر‪ ،‬إذ الحسنُة بعشر أمثالها‪ ،‬وهذا يقتضى أن يح ُ‬
‫ل هذا الثواب على تقدير مشروعية‬
‫ن المراَد به حصو ُ‬
‫وستين يومًا‪ ،‬ومعلوم أن هذا حراٌم قطعًا‪َ ،‬فُعِلَم أ ّ‬
‫ل مع صيام رمضان‬
‫صيام ثلثمائة وستين يومًا‪ ،‬وكذلك قوُله فى صيام ستِة أيام من شوّال‪ ،‬إنه َيْعِد ُ‬
‫شُر َأْمَثاِلَها{ ]النعام‪ ،[160 :‬فهذا صياُم ستة وثلثين يومًا‪،‬‬
‫عْ‬‫سَنِة َفَلُه َ‬
‫حَ‬‫جاَء ِبال َ‬
‫ن َ‬
‫السنة‪ ،‬ثم قرأ‪َ} :‬م ْ‬
‫ل المشّبه‬
‫ل هذا فيما يمتنع فع ُ‬
‫ئ مث ُ‬
‫صيام ثلثمائة وستين يومًا‪ ،‬وهو غيُر جائز بالتفاق‪ ،‬بل قد يج ُ‬
‫تعِدل ِ‬
‫ل‪ ،‬وإنما شّبه به َمن فعل ذلك على تقدير إمكانه‪ ،‬كقوله لمن سأله عن عمل يعِدل‬
‫به عادة‪ ،‬بل يستحي ُ‬
‫طَر((؟ ومعلوم أن هذا‬
‫صوَم ول ُتْف ِ‬
‫الجهاد‪)) :‬هل تستطيع إذا خرج المجاهُد أن تقوَم ول َتْفُتر‪ ،‬وأن َت ُ‬
‫‪43‬‬

‫ل الفاضل بكل منهما يزيُده‬


‫ممتنع عادة‪ ،‬كامتناع صوم ثلثمائة وستين يومًا شرعًا‪ ،‬وقد شّبه العم َ‬
‫سـّنة الصحيحة‪ ،‬وقد‬
‫ل قيام داود‪ ،‬وهو أفضل ِمن قيام الليل ُكّله بصريح ال ّ‬
‫ن أحب القيام إلى ا ّ‬
‫وضوحًا‪ :‬أ ّ‬
‫صبح فى جماعة‪ ،‬بمن قام الليل كّله ‪ .‬فإن قيل‪ :‬فما تقولون فى حديث‬
‫ن صّلى العشاء الخرة‪ ،‬وال ّ‬
‫مّثل َم ْ‬
‫ض َكّفه(( ‪ .‬وهو فى‬
‫ن هَكَذا‪ ،‬وَقَب َ‬
‫حّتى تكو َ‬
‫جَهّنُم َ‬
‫عَلْيِه َ‬
‫ت َ‬
‫ضّيَق ْ‬
‫صاَم الّدْهَر ُ‬
‫ن َ‬
‫أبى موسى الشعرى‪َ)) :‬م ْ‬
‫مسند أحمد؟‬
‫ت عليه حصرًا له فيها‪ ،‬لتشديده على نفسه‪،‬‬
‫ضّيَق ْ‬
‫قيل‪ :‬قد اخُتِلف فى معنى هذا الحديث ‪ .‬فقيل‪ُ :‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬واعتقاده أن غيَره أفضل منه ‪ .‬وقال‬
‫وحمله عليها‪ ،‬ورغبتِه عن َهْدى رسول ا ّ‬
‫جحت هذه الطائفة هذا التأويل‪ ،‬بأن الصائم لما‬
‫ضّيقت عليه‪ ،‬فل يبقى له فيها موضع‪ ،‬ور ّ‬
‫آخرون‪ :‬بل ُ‬
‫ل عليه النار‪ ،‬فل يبقى له فيها مكان‪ ،‬لنه‬
‫ضّيق على نفسه مسالك الشهوات وطرقها بالصوم‪ ،‬ضّيق ا ّ‬
‫ت عنه‪،‬‬
‫ضّيَق ْ‬
‫جحت الطائفُة الولى تأويلها‪ ،‬بأن قالت‪ :‬لو أراد هذا المعنى‪ ،‬لقال ُ‬
‫ضّيق طرقها عنه‪ ،‬ور ّ‬
‫وأما التضييق عليه‪ ،‬فل يكون إل وهو فيها ‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا التأويل موافق لحاديث كراهة صوم الدهر‪،‬‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫وأن فاعله بمنزلة َمن لم يصم‪ .‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫فى حكم المتطوع فى الصيام إذا أفطر‬
‫ىٌء((؟ فإن قالوا‪ :‬ل ‪ .‬قال‪:‬‬
‫ش ْ‬
‫عْنَدُكم َ‬
‫ل عليه وسلم يدخل على أهله فيقول‪َ)) :‬هلْ ِ‬
‫وكان صلى ا ّ‬
‫طُر بعُد‪،‬‬
‫صاِئم((‪ ،‬فينشئ النية للتطوع من النهار‪ ،‬وكان أحيانًا ينوى صوم التطوع‪ ،‬ثم ُيْف ِ‬
‫))إّنى إذًا َ‬
‫ل عنها بهذا وهذا‪ ،‬فالول‪ :‬فى صحيح مسلم‪ ،‬والثانى‪ :‬فى كتاب النسائى ‪.‬‬
‫أخبرت عنه عائشة رضى ا ّ‬
‫ت أنا وحفصُة صائمتين‪َ ،‬فَعَرض لنا طعاٌم اشتهيناه‪َ ،‬فَأَكْلَنا‬
‫وأما الحديث الذى فى السنن عن عائشة‪ :‬كن ُ‬
‫صُة‪ ،‬وكانت ابَنَة َأِبيها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا رسول‬
‫حْف َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬فَبَدَرْتنى إليه َ‬
‫لا ّ‬
‫ِمنه‪ ،‬فجاء رسو ُ‬
‫ضيا َيْومًا َمَكاَنُه((‪ ،‬فهو حديث‬
‫طَعاٌم اشتهيناه‪َ ،‬فَأَكْلَنا ِمْنه فقال‪)) :‬اْق ِ‬
‫ض لنا َ‬
‫صاِئَمَتْين‪َ ،‬فَعَر َ‬
‫ل ؛ إّنا ُكّنا َ‬
‫ا ّ‬
‫معلول ‪.‬‬
‫ل بن عمر‪ ،‬وزياد بن سعد‪ ،‬وغير واحد من‬
‫قال الترمذى‪ :‬رواه مالك بن أنس‪ ،‬ومعمر‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ل لم يذكروا فيه عن عروة‪ ،‬وهذا أصح ‪ .‬ورواه أبو داود‪،‬‬
‫حّفاظ‪ ،‬عن الزهرى‪ ،‬عن عائشة مرس ً‬
‫ال ُ‬
‫عروة‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة‬
‫ل مولى ُ‬
‫شريح‪ ،‬عن ابن الهاد‪ ،‬عن ُزَمْي ٍ‬
‫حْيَوة بن ُ‬
‫والنسائى‪ ،‬عن َ‬
‫‪44‬‬

‫ل‪ ،‬قال النسائى‪ُ :‬زميل ليس بالمشهور‪ ،‬وقال البخارى‪ :‬ل ُيعرف لُزميل سماع من عروة‪ ،‬ول‬
‫موصو ً‬
‫جة ‪.‬‬
‫حّ‬‫ليزيد بن الهاد من ُزميل‪ ،‬ول تقوم به ال ُ‬
‫طْر‪ ،‬كما دخل‬
‫وكان صلى ال عليه وسلم إذا كان صائمًا ونزل على قوم‪ ،‬أتّم صيامه‪ ،‬ولم ُيْف ِ‬
‫صاِئم(( ‪.‬‬
‫عاِئه‪ ،‬فإّنى َ‬
‫سَقاِئه‪ ،‬وَتْمَرُكم فى ِو َ‬
‫سْمَنُكم فى ِ‬
‫عيدوا َ‬
‫سَليٍم‪ ،‬فأتته بتمر وسمن‪ ،‬فقال‪َ)) :‬أ ِ‬
‫على أم ُ‬
‫ن أّم سَُليم كانت عنده بمنزلة أهل بيته‪ ،‬وقد ثبت عنه فى ))الصحيح((‪ :‬عن أبى هريرة رضى ا ّ‬
‫ل‬ ‫ولك ّ‬
‫صاِئم(( ‪.‬‬
‫ل‪ :‬إّنى َ‬
‫حُدُكم إلى طعام َوُهَو صاِئٌم َفْلَيُق ْ‬
‫ى َأ َ‬
‫عَ‬‫عنه‪)) :‬إذا ُد ِ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ل عنها ترفُعه‬
‫ى عن عائشة رضى ا ّ‬
‫ى‪ ،‬والبيهق ّ‬
‫ن ماجه‪ ،‬والترمذ ّ‬
‫ث الذى رواه اب ُ‬
‫وأما الحدي ُ‬ ‫@‬
‫ل بإْذِنِهْم((‪ ،‬فقال الترمذى‪ :‬هذا الحديث منكر‪ ،‬ل‬
‫طّوعًا إ ّ‬
‫ن َت َ‬
‫صوَم ّ‬
‫ل َي ُ‬
‫عَلى َقْوٍم‪َ ،‬ف َ‬
‫ل َ‬
‫ن َنَز َ‬
‫‪َ)) :‬م ْ‬
‫عروة ‪.‬‬
‫ن ُ‬
‫ث عن ِهشام ب ِ‬
‫نعرف أحدًا من الثقات روى هذا الحدي َ‬
‫فصل‬
‫فى كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم‬
‫ل‪،‬‬
‫ل منه وقو ً‬
‫صوِم ِفع ً‬
‫جْمَعِة بال ّ‬
‫ص يوِم ال ُ‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬كراهُة تخصي ِ‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫جويرية بنت الحارث‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وأبى هريرة‪ ،‬و ُ‬
‫صوم‪ ،‬من حديث جابر بن عبد ا ّ‬
‫ى عن إفراده بال ّ‬
‫فصح النه ّ‬
‫جنادة الزدى وغيرهم‪ ،‬وشرب يوَم الجمعة وهو على المنبر‪ُ ،‬يريهم أنه ل‬
‫ل بن عمرو‪ ،‬و ُ‬
‫وعبد ا ّ‬
‫يصوُم يوَم الجمعة‪ ،‬ذكره المام أحمد‪ ،‬وعلل المنع من صومه بأنه يوُم عيد‪ ،‬فروى المام أحمد‪ ،‬من‬
‫جَعُلوا َيْوَم‬
‫ل َت ْ‬
‫عيٍد‪َ ،‬ف َ‬
‫جْمَعِة َيْوُم ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬يْوُم ال ُ‬
‫حديث أبى هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫صوُموا َقْبَله َأْو َبْعَده(( ‪.‬‬
‫ن َت ُ‬
‫ل َأ ْ‬
‫صياِمُكم إ ّ‬
‫عيِدُكم َيْوَم ِ‬
‫ِ‬
‫فإن قيل‪ :‬فيوُم العيد ل ُيصام مع ما قبله ول بعده ‪ .‬قيل‪ :‬لما كان يوُم الجمعة مشّبهًا بالعيد‪ ،‬أخذ‬
‫ن قد تحّراه‪ ،‬وكان حكُمه حكَم‬
‫من شبهه النهى عن تحّرى صياِمه‪ ،‬فإذا صاَم ما قبله أو ما بعده‪ ،‬لم يُك ْ‬
‫صوم الشهر‪ ،‬أو العشر منه‪ ،‬أو صوم يوٍم‪ ،‬وفطر يوم‪ ،‬أو صوم يوم عرفة وعاشوراء إذا وافق يوَم‬
‫جمعة‪ ،‬فإنه ل ُيكره صوُمه فى شئ من ذلك ‪.‬‬
‫‪45‬‬

‫ل صلى ال عليه‬
‫ل بن مسعود؟ قال ))ما رأيت رسول ا ّ‬
‫فإن قيل‪ :‬فما تصنعون بحديث عبد ا ّ‬
‫جُمَعِة(( رواه أهل السنن‪ .‬قيل‪ :‬نقبله إن كان صحيحًا‪ ،‬ويتعّين حمُله على صومه‬
‫طر فى َيْوِم ال ُ‬
‫وسلم ُيف ِ‬
‫مع ما قبله أو بعده‪ ،‬ونرّده إن لم يصح‪ ،‬فإنه من الغرائب ‪ .‬قال الترمذى‪ :‬هذا حديث حسن غريب ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ل عليه وسلم فى العتكاف‬
‫فى َهْديه صلى ا ّ‬
‫ل‪،‬‬
‫ل تعالى‪ ،‬متوّقفًا على جمعّيته على ا ّ‬
‫ب واستقامُته على طريق سيره إلى ا ّ‬
‫ح القل ِ‬
‫لما كان صل ُ‬
‫ل تعالى‪ ،‬وكان‬
‫ل على ا ّ‬
‫ث القلب ل َيُلّمه إل القبا ُ‬
‫شَع َ‬
‫ل تعالى‪ ،‬فإن َ‬
‫شعثه بإقباله بالكلّية على ا ّ‬
‫َوَلّم َ‬
‫شَعثًا‪،‬‬
‫ل المنام‪ ،‬مما يزيُده َ‬
‫ل الكلم‪ ،‬وفضو ُ‬
‫ل مخالطة النام‪ ،‬وفضو ُ‬
‫ل الطعام والشراب‪ ،‬وُفضو ُ‬
‫ُفضو ُ‬
‫ل تعالى‪ ،‬أو ُيضِعُفه‪ ،‬أو يعوقه وُيوِقفه ‪ .‬اقتضت رحمة‬
‫ل واٍد‪ ،‬ويقطعه عن سيره إلى ا ّ‬
‫شّتُتُه فى ُك ّ‬
‫وُي َ‬
‫غ ِمن القلب‬
‫ب فضولَ الطعام والشراب‪ ،‬ويستفِر ُ‬
‫العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما ُيذِه ُ‬
‫ل تعالى‪ ،‬وشرعه بقدر المصلحة‪ ،‬بحيث ينتفُع به العبد فى‬
‫ت المعّوقة له عن سيره إلى ا ّ‬
‫ط الشهوا ِ‬
‫أخل َ‬
‫دنياه وُأخراه‪ ،‬ول يضّره ول يقطُعه عن مصالحه العاجلة والجلة‪ ،‬وشرع لهم العتكاف الذى‬
‫ع عن الشتغال‬
‫ل تعالى‪ ،‬وجمعّيُته عليه‪ ،‬والخلوُة به‪ ،‬والنقطا ُ‬
‫ب على ا ّ‬
‫ف القل ِ‬
‫حه عكو ُ‬
‫مقصوُده ورو ُ‬
‫ل عليه فى محل هموم القلب‬
‫بالخلق والشتغال به وحده سبحانه‪ ،‬بحيث يصير ِذكره وحبه‪ ،‬والقبا ُ‬
‫ت كّلها بذكره‪ ،‬والتفُكر فى تحصيل‬
‫وخطراته‪ ،‬فيستولى عليه بدَلها‪ ،‬ويصير الهّم ُكّله به‪ ،‬والخطرا ُ‬
‫ل عن ُأنسه بالخلق‪ ،‬فيعده بذلك لنسه به يوم الَوحشة فى‬
‫ل بَد ً‬
‫مراضيه وما ُيقّرب منه‪ ،‬فيصيُر ُأنسه با ّ‬
‫ح به سواه‪ ،‬فهذا مقصود العتكاف العظم ‪.‬‬
‫القبور حين ل أنيس له‪ ،‬ول ما يفر ُ‬
‫شِرع العتكاف فى أفضل أيام الصوم‪ ،‬وهو‬
‫ولما كان هذا المقصود إنما يتّم مع الصوم‪ُ ،‬‬
‫ط‪ ،‬بل قد‬
‫العشر الخير من رمضان‪ ،‬ولم ُينقل عن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه اعتكف مفطرًا َق ّ‬
‫ل سبحانه العتكاف إل مع الصوم‪ ،‬ول فعله رسو ُ‬
‫ل‬ ‫قالت عائشة‪ :‬ل اعتكاف إل بصوم ‪ .‬ولم يذكر ا ُّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إل مع الصوم ‪.‬‬
‫ا ّ‬
‫ط فى العتكاف‪ ،‬وهو الذى‬
‫سَلف‪ :‬أن الصوَم شر ٌ‬
‫فالقول الراجح فى الدليل الذى عليه جمهوُر ال َ‬
‫خ السلم أبو العباس بن تيمية‪.‬‬
‫جحه شي ُ‬
‫كان ُير ّ‬
‫س اللسان عن كل ما ل ينفع فى الخرة ‪.‬‬
‫ع للمة حب ُ‬
‫شِر َ‬
‫وأما الكلُم‪ ،‬فإنه ُ‬
‫‪46‬‬

‫ع لهم من قيام الليل ما هو من أفضل السهر وأحمده عاقبًة‪ ،‬وهو‬


‫شِر َ‬
‫وأما ُفضول المنام‪ ،‬فإنه ُ‬
‫ق عن مصلحة العبد‪ ،‬ومداُر رياضة أربا ِ‬
‫ب‬ ‫ب والبدن‪ ،‬ول َيُعو ُ‬
‫ط الذى ينفع القل َ‬
‫سُ‬‫السهر المتو ّ‬
‫ى‪،‬‬
‫ى المحمد ّ‬
‫ج النبو ّ‬
‫ن سلك فيها الِمنها َ‬
‫ك على هذه الركان الربعة‪ ،‬وأسعُدهم بها َم ْ‬
‫الرياضات والسلو ِ‬
‫ل عليه وسلم فى‬
‫صر تقصير المفّرطين‪ ،‬وقد ذكرنا َهْديه صلى ا ّ‬
‫ف انحراف الغالين‪ ،‬ول ق ّ‬
‫ولم ينحِر ْ‬
‫صيامه وقيامه وكلمه‪ ،‬فلنذكر َهْديه فى اعتكافه ‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وتركه‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ل عليه وسلم يعتِكف العشر الواخر من رمضان‪ ،‬حتى توّفاه ا ّ‬
‫كان صلى ا ّ‬
‫مرة‪ ،‬فقضاه فى شّوال‪.‬‬
‫واعتكف مرة فى العشر الول‪ ،‬ثم الوسط‪ ،‬ثم العشر الخير‪ ،‬يلتمس ليلة القدر‪ ،‬ثم تبّين له أنها‬
‫ل‪.‬‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫فى العشر الخير‪ ،‬فداوم على اعتكافه حتى لحق بربه َ‬
‫ل‪.‬‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫وكان يأمر بخباٍء فُيضرب له فى المسجد يخُلو فيه بربه َ‬
‫ن‪،‬‬
‫ضِرب فأمر أزواجه بأخبيِته ّ‬
‫وكان إذا أراد العتكاف‪ ،‬صّلى الفجر‪ ،‬ثم دخله‪ ،‬فأمر به مرة‪َ ،‬ف ُ‬
‫ض‪ ،‬وترك العتكاف فى شهر‬
‫ضِربت‪ ،‬فلما صّلى الفجر‪ ،‬نظر‪ ،‬فرأى تلك الخبية‪ ،‬فأمر بخبائه َفُقّو َ‬
‫ف ُ‬
‫رمضان حتى اعتكف فى العشر الول من شّوال ‪.‬‬
‫ف كل سنة عشرة أيام‪ ،‬فلما كان فى العام الذى ُقِبض فيه اعتكف عشرين يومًا‪ ،‬وكان‬
‫وكان يعتِك ُ‬
‫ض عليه‬
‫يعارضه جبريل بالقرآن كل سنٍة مرة‪ ،‬فلما كان ذلك العام عارضة به مّرتين‪ ،‬وكان َيْعِر ُ‬
‫القرآن أيضًا فى كل سنة مرة فعرض عليه تلك السنة مَرّتين ‪.‬‬
‫وكان إذا اعتكف‪ ،‬دخل ُقّبته وحَده‪ ،‬وكان ل يدخل بيته فى حال اعتكافه إل لحاجة النسان‪،‬‬
‫جله‪ ،‬وتغسله وهو فى المسجد وهى حائض‪،‬‬
‫ج رأسه من المسجد إلى بيت عائشة‪ ،‬فتر ّ‬
‫خِر ُ‬
‫وكان ُي ْ‬
‫ل‪ ،‬ولم‬
‫ب‪ ،‬قاَم معها َيْقِلُبها‪ ،‬وكان ذلك لي ً‬
‫ف‪ ،‬فإَذا قامت تذه ُ‬
‫ض أزواجه تزوُره وهو معتِك ٌ‬
‫ت بع ُ‬
‫وكاَن ْ‬
‫ضع له‬
‫شه‪ ،‬وو ِ‬
‫ح له فرا ُ‬
‫طِر َ‬
‫ُيباشر امرأة ِمن نسائه وهو معتكف ل ِبُقبَلٍة ول غيرها‪ ،‬وكان إذا اعتكف ُ‬
‫سَألُ‬
‫ج عليه ول َي ْ‬
‫سريُره فى معتكفه‪ ،‬وكان إذا خرج لحاجته‪ ،‬مّر بالمريض وهو على طريقه‪ ،‬فل ُيعّر ُ‬
‫ل لمقصود العتكاف‬
‫ل هذا تحصي ً‬
‫عنه ‪ .‬واعتكف مرة فى قبة ُتركية‪ ،‬وجعل على سدتها حصيرًا‪ ،‬ك ّ‬
‫شرة‪ ،‬ومجلبة للزائرين‪ ،‬وأخذهم بأطراف‬
‫عْ‬‫ضَع ِ‬
‫ل من اتخاذ المعتكف مو ِ‬
‫س ما يفعُله الجها ُ‬
‫وروحه‪ ،‬عك َ‬
‫ل الموفق ‪.‬‬
‫الحاديث بينهم‪ ،‬فهذا لون‪ ،‬والعتكاف النبوى لون ‪ .‬وا ّ‬
‫‪47‬‬

‫فصل‬
‫عَمره‬
‫جه و ُ‬
‫حّ‬‫ل عليه وسلم فى َ‬
‫فى َهْديه صلى ا ّ‬
‫العمرة‬
‫عمرُة‬
‫ن فى ذى القْعدة‪ ،‬الولى‪ُ :‬‬
‫عَمٍر‪ُ ،‬كّلُه ّ‬
‫ل عليه وسلم بعَد الِهجرة أْرَبَع ُ‬
‫اعتمر صلى ا ّ‬
‫حَلقَ‬
‫حديبيِة‪ ،‬و َ‬
‫صّد بال ُ‬
‫ث ُ‬
‫ن حي ُ‬
‫ست‪ ،‬فصّده المشركون عن البيت‪ ،‬فنحَر الُبْد َ‬
‫حدْيِبَية‪ ،‬وهى أولُهن سنَة ِ‬
‫ال ُ‬
‫هو وأصحاُبه رؤوسهم‪ ،‬وحّلوا من إحرامهم‪ ،‬ورجع ِمن عامه إلى المدينة‪.‬‬
‫عمرِته‪،‬‬
‫ج بعد إكمال ُ‬
‫خَر َ‬
‫ضّيِة فى العام المقبل‪ ،‬دخل مكة فأقام بها ثلثًا‪ ،‬ثّم َ‬
‫عْمَرُة الَق ِ‬
‫الثانية‪ُ :‬‬
‫عمرًة مستأَنفة؟ على قولين‬
‫صّد عنها فى العام الماضى‪ ،‬أم ُ‬
‫واخُتِلف‪ :‬هل كانت قضاًء للُعمرة التى ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫للعلماء‪ ،‬وهما روايتان عن المام أحمد‪ :‬إحداُهما‪ :‬أنها قضاء‪ ،‬وهو مذهب أبى حنيفة رحمه ا ّ‬
‫ل‪ ،‬والذين قالوا‪ :‬كانت قضاًء‪ ،‬احتجوا بأنها سميت‬
‫والثانية‪ :‬ليست بقضاء‪ ،‬وهو قول مالك رحمه ا ّ‬
‫ل مكة‬
‫عمرة القضاء‪ ،‬وهذا السم تابع للحكم‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬القضاء هنا‪ ،‬من المقاضاة‪ ،‬لنه قاضى أه َ‬
‫ُ‬
‫صّدوا عن البيت‪،‬‬
‫عمرَة القضّية ‪ .‬قالوا ‪ :‬والذين ُ‬
‫ضاًء ‪ .‬قالوا‪ :‬ولهذا سمّيت ُ‬
‫ضى َق َ‬
‫ن َق َ‬
‫عليها‪ ،‬ل إنه ِم ْ‬
‫عمرة القضية‪ ،‬ولو كانت قضاًء‪ ،‬لم يتخّلف منهم‬
‫كانوا ألفًا وأربعمائة‪ ،‬وهؤلء كّلهم لم يكونوا معه فى ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لم يأُمْر َمن كان معه بالقضاء‪.‬‬
‫ل أصح‪ ،‬لن رسول ا ّ‬
‫أحد‪ ،‬وهذا القو ُ‬
‫ل‪ ،‬سنذكرها عن قريب إن‬
‫جِته‪ ،‬فإنه كان قارنًا لبضعة عشر دلي ً‬
‫حّ‬
‫عمرُته التى قرنها مع َ‬
‫الثالثة‪ُ :‬‬
‫ل‪.‬‬
‫شاء ا ّ‬
‫جْعَراَنِة‬
‫حنين‪ ،‬ثم رجع إلى مكة‪ ،‬فاعتمر ِمن ال ِ‬
‫جْعَراَنِة‪ ،‬لما خرج إلى ُ‬
‫عمرُته من ال ِ‬
‫الرابعة‪ُ :‬‬
‫ل إليها ‪.‬‬
‫داخ ً‬
‫عَمٍر‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َأْرَبَع ُ‬
‫لا ّ‬
‫ن مالك قال‪)) :‬اعتَمر رسو ُ‬
‫ففي الصحيحين عن أنس ب ِ‬
‫حَدْيِبيِة فى ذى الِقْعَدِة‪،‬‬
‫ن ال ُ‬
‫حَدْيبيِة أو َزَم َ‬
‫ن ال ُ‬
‫عْمَرٌة ِم َ‬
‫جِتِه‪ُ :‬‬
‫حّ‬
‫ت َمَع َ‬
‫ل اّلتى كاَن ْ‬
‫ن فى ِذى الِقْعَدِة‪ ،‬إ ّ‬
‫ُكّلُه ّ‬
‫ن فى ذى القْعَدِة‪،‬‬
‫حَنْي ٍ‬
‫غَناِئم ُ‬
‫سَم َ‬
‫ث َق َ‬
‫حْي ُ‬
‫جْعراَنِة َ‬
‫ن ال ِ‬
‫عْمَرٌة ِم َ‬
‫ن الَعاِم الُمْقبل فى ذى الِقْعَدِة‪ ،‬و ُ‬
‫عْمَرٌة ِم َ‬
‫َو ُ‬
‫جِته((‪.‬‬
‫حّ‬
‫عْمَرٌة َمَع َ‬
‫َو ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ض هذا ما فى ))الصحيحين(( عن الّبراء بن عازب قال‪)) :‬اعتمر رسو ُ‬
‫ولم ُيناِق َ‬
‫ج مرتين((‪ ،‬لنه أراد الُعْمرة المفرَدة المستِقّلة التى تّمت‪ ،‬ول ريب أنهما‬
‫وسلم فى ذى القْعَدِة قبل أن يح ّ‬
‫‪48‬‬

‫صّد عنها‪ ،‬وحيل بينه وبين إتمامها‪ ،‬ولذلك‬


‫عمَرة الحديبية ُ‬
‫عمرة الِقران لم تكن مستِقّلٌة‪ ،‬و ُ‬
‫ن‪ ،‬فإن ُ‬
‫اثنتا ِ‬
‫حَدْيِبية‪ ،‬وعمُرَة القضاِء‬
‫عْمَرَة ال ُ‬
‫عَمٍر‪ُ :‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َأْرَبَع ُ‬
‫لا ّ‬
‫ن عباس‪)) :‬اعتمر رسو ُ‬
‫قال اب ُ‬
‫جته((‪ .‬ذكره المام أحمد‪.‬‬
‫حّ‬‫جْعَراَنِة‪ ،‬والراِبعة مع َ‬
‫ن قابل‪ ،‬والثالثة من ال ِ‬
‫ِم ْ‬
‫ن قول عائشة‪،‬‬
‫جته((‪ ،‬وبي َ‬
‫حّ‬‫ول تناقض بين حديث أنس‪)) :‬أنهن فى ذى الِقْعدة‪ ،‬إل التى مع َ‬
‫عْمرة الِقران‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إل فى ذى الِقْعَدة((‪ ،‬لن مبدأ ُ‬
‫وابن عباس‪)):‬لم يعتِمر رسول ا ّ‬
‫حجة مع انقضاء الحج‪ ،‬فعائشة وابن عباس أخبرا عن‬
‫كان فى ذى الِقْعدة‪ ،‬ونهايُتها كان فى ذى ال ِ‬
‫ابتدائها‪ ،‬وأنس أخبر عن انقضائها ‪.‬‬
‫ل بن عمر ))إن النبى صلى ال عليه وسلم اعتمر أربعًا‪ ،‬إحداُهن فى رجب((‪.‬‬
‫فأما قول عبد ا ّ‬
‫ل أبا عبد الرحمن‪ ،‬ما اعتمر‬
‫ل عنه ‪ .‬قالت عائشة لما بلغها ذلك عنه ))يرحم ا ّ‬
‫فوهم منه رضى ا ّ‬
‫ط إل وهو شاهد‪ ،‬وما اعتمر فى رجب قط(( ‪.‬‬
‫عمرًة ق ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى‬
‫ت مع رسول ا ّ‬
‫وأما ما رواه الدارقطنى‪ ،‬عن عائشة قالت‪)) :‬خرج ُ‬
‫صْر َ‬
‫ت‬ ‫ت‪ ،‬وَق َ‬
‫ت وصم ُ‬
‫ت‪ :‬بأبى وُأمى‪ ،‬أفطر َ‬
‫ت‪ ،‬فقل ُ‬
‫صر وأتمم ُ‬
‫ت‪ ،‬وق َ‬
‫صم ُ‬
‫طر و ُ‬
‫عمرة فى رمضان فأف َ‬
‫ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لم‬
‫شُة(( ‪ .‬فهذا الحديث غلط‪ ،‬فإن رسول ا ّ‬
‫عاِئ َ‬
‫ت َيا َ‬
‫سْن ِ‬
‫حَ‬‫ت‪ ،‬فقال‪)) :‬أ ْ‬
‫وأتمم ُ‬
‫ل ُأّم المؤمنين‪ ،‬ما‬
‫حُم ا ّ‬
‫عَمُرُه مضبوطُة العدِد والزمان‪ ،‬ونحن نقول‪ :‬ير َ‬
‫ط‪ ،‬و ُ‬
‫يعتِمْر فى رمضان ق ّ‬
‫ل عنها ))لم يعتِمْر‬
‫ط‪ ،‬وقد قالت عائشُة رضى ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى رمضان ق ّ‬
‫لا ّ‬
‫اعتمر رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إل فى ذى القعدة(( ‪ .‬رواه ابن ماجه وغيره‪.‬‬
‫رسول ا ّ‬
‫عَمَرُه لم َتِزد على أربع‪ ،‬فلو كان قد اعتمر فى رجب‪ ،‬لكانت خمسًا‪ ،‬ولو كان قد‬
‫ول خلف أن ُ‬
‫ضهن فى‬
‫ضهن فى رجب‪ ،‬وبعضهن فى رمضان‪ ،‬وبع ُ‬
‫اعتمر فى رمضان‪ ،‬لكانت ستًا‪ ،‬إل أن ُيقال‪ :‬بع ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬وابن عباس‬
‫ذى الِقْعدة‪ ،‬وهذا لم يقع‪ ،‬وإنما الواقع‪ :‬اعتماُره فى ذى الِقْعدة كما قال أنس رضى ا ّ‬
‫ل عنها‪ ،‬وقد روى أبو داود فى سننه عن عائشة‪)) ،‬أن النبى صلى‬
‫ل عنه‪ ،‬وعائشة رضى ا ّ‬
‫رضى ا ّ‬
‫جْعَراَنِة حين خرج فى‬
‫عمرة ال ِ‬
‫ال عليه وسلم اعتمر فى شّوال(( ‪ .‬وهذا إذا كان محفوظًا فلعّله فى ُ‬
‫شّوال‪ ،‬ولكن إنما أحرم بها فى ذى الِقْعدة ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ل إلى مكة‬
‫عَمر الرسول صلى ال عليه وسلم كلها كانت داخ ً‬
‫فى كون ُ‬
‫‪49‬‬

‫ل كثيٌر من الناس اليوم‪ ،‬وإنما كانت‬


‫حدة خارجًا من مكة كما يفع ُ‬
‫عْمَرٌة وا ِ‬
‫عْمِرِه ُ‬
‫ولم يكن فى ُ‬
‫ل إِلى مكة‪ ،‬وقد أقام بعد الوحى بمكة ثلث عشرة سنة لم ُينقل عنه أنه اعتمر خارجًا‬
‫عَمُرُه ُكّلها داخ ً‬
‫ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫من مكة فى تلك المدة أص ً‬
‫عْمرُة الداخل إلى مكة‪ ،‬ل‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وشرعها‪ ،‬هى ُ‬
‫لا ّ‬
‫فالُعْمرة التى فعلها رسو ُ‬
‫ط إل عائشة وحدها بين‬
‫عْمرُة َمن كان بها فيخُرج إلى الحل ِليعتمَر‪ ،‬ولم يفعل هذا على عهده أحد ق ّ‬
‫ُ‬
‫ج على الُعمرة‪،‬‬
‫سائر َمن كان معه‪ ،‬لنها كانت قد ُأهّلت بالُعمرة فحاضت‪ ،‬فأمرها‪ ،‬فأدخلت الح ّ‬
‫عْمرتها‪ ،‬فوجدت‬
‫ن طوافها بالبيت وبين الصفا والمروة قد وقع عن حجتها و ُ‬
‫وصارت قاِرنة‪ ،‬وأخبرها أ ّ‬
‫ن‪،‬‬
‫ن متمتعات ولم يحضن ولم يقِر ّ‬
‫نكّ‬
‫عْمرة مستقلين‪ ،‬فإنه ّ‬
‫فى نفسها أن َيرجَع صواحباتها بحج و ُ‬
‫جتها‪ ،‬فأمر أخاها أن ُيعِمَرها من التنعيم تطييبًا لقلبها‪ ،‬ولم يعتِمْر هو من‬
‫حّ‬‫وترجُع هى بُعْمرة فى ضمن َ‬
‫جة ول أحد ممن كان معه‪ ،‬وسيأتى مزيد تقرير لهذا وبسط له عن قريب إن شاء ا ّ‬
‫ل‬ ‫التنعيم فى تلك الح ّ‬
‫تعالى ‪.‬‬
‫فصل‬
‫عَمر الرسول صلى ال عليه وسلم كلها كانت فى أشهر الحج‬
‫فى كون ُ‬
‫سوى المرِة الولى‪ ،‬فإنه‬
‫س مرات ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مكة بعد الهجرة خم َ‬
‫دخل رسول ا ّ‬
‫ن ِمن الميقات ل قبله‪ ،‬فأحرم عام‬
‫صّد عن الدخول إليها‪ ،‬أحرم فى أربع ِمنه ّ‬
‫حديبية‪ ،‬و ُ‬
‫وصل إلى ال ُ‬
‫عْمرته‪ ،‬وأقام بها ثلثًا‪ ،‬ثم خرج‪ ،‬ثم دخلها فى‬
‫حليفة‪ ،‬ثم دخلها المرة الثانية‪ ،‬فقضى ُ‬
‫حديبية من ذى ال ُ‬
‫ال ُ‬
‫جعرانة‬
‫حنين‪ ،‬ثم دخلها بُعْمرة من ال ِ‬
‫المرة الثالثة عاَم الفتح فى رمضان بغير إحرام‪ ،‬ثم خرج منها إلى ُ‬
‫ل مكة‬
‫ل أه ُ‬
‫جعرانة ليعتِمر كما يفع ُ‬
‫ل‪ ،‬فلم يخرج من مكة إلى ال ِ‬
‫ل‪ ،‬وخرج لي ً‬
‫ودخلها فى هذه الُعْمرة لي ً‬
‫جعرانة‪،‬‬
‫ل‪ ،‬رجع من فوره إلى ال ِ‬
‫اليوم‪ ،‬وإنما أحرم منها فى حال دخوله إلى مكة‪ ،‬ولما قضى عُْمرته لي ً‬
‫طِ‬
‫ن‬‫جْمٍع ِبَب ْ‬
‫ف حتى جاَمع الطريق ]طريق َ‬
‫سِر َ‬
‫س‪ ،‬خرج من بطن َ‬
‫ت الشم ُ‬
‫فبات بها‪ ،‬فلما أصبح وزال ِ‬
‫سِرف[‪ ،‬ولهذا خفيت هذه الُعمرة على كثير من الناس‪.‬‬
‫َ‬
‫عَمَرُه كّلها كانت فى أشهر الحج‪ ،‬مخالفًة لَهْدى المشركين‪ ،‬فإنهم كانوا‬
‫والمقصود‪ ،‬أن ُ‬
‫جور‪ ،‬وهذا دليل على أن العتمار فى‬
‫يكرهون الُعْمرة فى أشهر الحج‪ ،‬ويقولون‪ :‬هى من أفجر الف ُ‬
‫ل منه فى رجب بل شك ‪.‬‬
‫أشهر الحج أفض ُ‬
‫‪50‬‬

‫وأما المفاضلُة بينه وبين العتمار فى رمضان‪ ،‬فموضع نظر‪ ،‬فقد صح عنه أنه أمر أم َمعِقل‬
‫جة ‪.‬‬
‫حّ‬
‫ل َ‬
‫ن َتْعِد ُ‬
‫ضا َ‬
‫عْمَرةً فى َرَم َ‬
‫ن ُ‬
‫ج معه‪ ،‬أن تعتِمَر فى رمضان‪ ،‬وأخبرها َأ ّ‬
‫لما فاتها الح ُ‬
‫ل لم يكن ِليختار‬
‫نا ّ‬
‫ل البقاع‪ ،‬ولك ّ‬
‫ل الزمان‪ ،‬وأفض ُ‬
‫عْمرة رمضان أفض ُ‬
‫وأيضًا‪ :‬فقد اجتمع فى ُ‬
‫ل أولى الوقات وأحّقها بها‪ ،‬فكانت الُعْمرُة فى أشهر الحج نظيَر‬
‫عَمِرِه إ ّ‬
‫لنبيه صلى ال عليه وسلم فى ُ‬
‫ل تعالى بهذه العبادة‪ ،‬وجعلها وقتًا لها‪ ،‬والعمرُة ح ّ‬
‫ج‬ ‫صها ا ّ‬
‫وقوع الحج فى أشهره‪ ،‬وهذه الشهر قد خ ّ‬
‫ل فيه‪ ،‬فَمن كان عنده‬
‫طها‪ ،‬وهذا مما نستخير ا ّ‬
‫أصغر‪ ،‬فأولى الزمنة بها أشهُر الحج‪ ،‬وذو الِقْعدة أوس ُ‬
‫ل علم‪ ،‬فليرشد إليه ‪.‬‬
‫فض ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان يشتِغل فى رمضان ِمن العبادات بما هو أهّم‬
‫وقد ُيقال‪ :‬إن رسول ا ّ‬
‫خر الُعمرة إلى أشهر الحج‬
‫ن الُعمرة‪ ،‬فأ ّ‬
‫ِمن الُعْمرة‪ ،‬ولم يكن ُيمكنه الجمُع بين تلك العبادات وبي َ‬
‫ن مع ما فى ترك ذلك من الرحمة بُأمته والرأفة‬
‫ووّفر نفسه على تلك العبادات فى رمضا َ‬
‫ق عليها الجمُع بين الُعْمرِة والصوِم‪،‬‬
‫شّ‬‫لمة إلى ذلك‪ ،‬وكان ي ُ‬
‫بهم‪ ،‬فإنه لو اعتمَر فى رمضان‪ ،‬لبادرت ا ُ‬
‫وُربما ل تسمح أكثُر النفوس بالفطر فى هذه العبادة حرصًا على تحصيل الُعْمرة وصوِم رمضان‪،‬‬
‫خرها إلى أشهر الحج‪ ،‬وقد كان يتُرك كثيراً من العمل وهو ُيحب أن يعمله‪ ،‬خشية‬
‫صل المشقُة‪ ،‬فأ ّ‬
‫فتح ُ‬
‫المشقة عليهم ‪.‬‬
‫ن َقْد‬
‫ف َأنْ َأُكو َ‬
‫خا ُ‬
‫ولما دخل البيت‪ ،‬خرج منه حزينًا‪ ،‬فقالت له عائشة فى ذلك؟ فقال‪)) :‬إّنى َأ َ‬
‫سقايتهم‬
‫سقاة زمزم للحاج‪ ،‬فخاف أن ُيْغَلب َأهُلها على ِ‬
‫على ُأّمتى((‪ ،‬وهّم أن ينزل يستسقى مع ُ‬
‫ت َ‬
‫شَقْق ُ‬
‫َ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫بعده ‪ .‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫فى أنه لم ُيحفظ عنه صلى ال عليه وسلم أنه اعتمر فى السنة إل مرة واحدة‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬أنه اعتمر فى السنة إل مّرة واحدة‪ ،‬ولم يعتِمُر فى سنة‬
‫ولم ُيحفظ عنه صلى ا َ‬
‫ض الناس أنه اعتَمَر فى سنة مرتين‪ ،‬واحتج بما رواه أبو داود فى سننه عن عائشة‪،‬‬
‫مرتين‪ ،‬وقد ظن بع ُ‬
‫عْمرة فى شّوال(( ‪.‬‬
‫عْمرة فى ذى الِقْعدة‪ ،‬و ُ‬
‫عْمَرَتين‪ُ :‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬اعتَمَر ُ‬
‫))أن رسول ا ّ‬
‫قالوا‪ :‬وليس المراُد بها ذكَر مجموع ما اعتمر‪ ،‬فإن أنسًا‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وغيرهم قد قالوا‪ :‬إنه‬
‫عَمٍر‪ ،‬فُعِلَم أن ُمراَدها به أنه اعتمر فى سنة مرتين‪ ،‬مرة فى ذى الِقْعدة‪ ،‬ومرة فى شّوال‪،‬‬
‫اعتمر أرَبَع ُ‬
‫‪51‬‬

‫عَمٍر بل ريب‪:‬‬
‫ط‪ ،‬فإنه اعتمَر أربع ُ‬
‫وهذا الحديث وهم‪ ،‬وإن كان محفوظًا عنها‪ ،‬فإن هذا لم يقع ق ّ‬
‫عْمرة القضية‬
‫عمرة الحديبية‪ ،‬ثم لم يعتِمْر إلى العام القابل‪ ،‬فاعتمر ُ‬
‫الُعْمرُة الولى كانت فى ذى الِقْعدة ُ‬
‫فى ذى الِقْعدة‪ ،‬ثم رجع إلى المدينة ولم يخُرج إلى مكة حتى فتحها سنَة ثمان فى رمضان‪ ،‬ولم يعتِمْر‬
‫ل أعداءه‪ ،‬فرجع إلى مكة‪ ،‬وأحرم بُعْمرة‪،‬‬
‫حنين فى ست من شّوال وهَزم ا ّ‬
‫ذلك العام‪ ،‬ثم خرج إلى ُ‬
‫ن عباس‪ ،‬فمتى اعتمر فى شوال؟ ولكن لقى العدّو فى شّوال‪،‬‬
‫وكان ذلك فى ذى الِقْعدة كما قال أنس واب ُ‬
‫جَمْع ذلك العاَم بين‬
‫ل‪ ،‬ولم َي ْ‬
‫عمرته لما فرغ من أمر العدّو فى ذى الِقْعدة لي ً‬
‫وخرج فيه من مكة‪ ،‬وقضى ُ‬
‫ك ول‬
‫ل عليه وسلم وسيرته وأحواله‪ ،‬ل يش ّ‬
‫عناية بأيامه صلى ا ّ‬
‫ن له ِ‬
‫عمرتين‪ ،‬ول َقبَله ول بعَده‪ ،‬وَم ْ‬
‫ُ‬
‫ب فى ذلك ‪.‬‬
‫يرتا ُ‬
‫حّبون الُعْمرة فى السنة ِمرارًا إذا لم ُيثبتوا ذلك عن النبى صلى ال عليه‬
‫فإن قيل‪ :‬فبأى شئ يست ِ‬
‫عمرة واحدة‪،‬‬
‫وسلم؟ قيل‪ :‬قد اخُتِلف فى هذه المسألة‪ ،‬فقال مالك‪ :‬أكره أن يعتِمَر فى السنة أكثَر من ُ‬
‫ن الَمّواز‪ ،‬قال مطّرف‪ :‬ل بأس بالُعمرة فى السنة ِمرارًا‪ ،‬وقال ابن‬
‫وخالفه ُمطّرف من أصحابه واب ُ‬
‫المّواز‪ :‬أرجو أن ل يكون به بأس‪ ،‬وقد اعتمرت عائشُة مّرتين فى شهر‪ ،‬ول أرى أن ُيمنع أحٌد من‬
‫ل بشئ من الطاعات‪ ،‬ول من الزدياد من الخير فى موضع‪ ،‬ولم يأت بالمنع منه نص‪،‬‬
‫التقرب إلى ا ّ‬
‫ل تعالى‪ -‬استثنى خمسة أيام ل ُيعتمر فيها‪ :‬يوم عرفة‪،‬‬
‫وهذا قولُ الجمهور‪ ،‬إل أن أبا حنيفة‪ -‬رحمه ا ّ‬
‫ل تعالى‪ :‬يوَم النحر‪ ،‬وأياَم التشريق خاصة‪،‬‬
‫ويوَم النحر‪ ،‬وأيام التشريق‪ ،‬واستثنى أبو يوسف رحمه ا ّ‬
‫واستثنت الشافعية الباِئت بِمَنى لرمى أيام التشريق ‪ .‬واعتمرت عائشة فى سنة مرتين ‪ .‬فقيل للقاسم‪ :‬لم‬
‫على‬
‫ينكر عليها أحد؟ فقال‪َ :‬أ َ‬
‫سه‪ ،‬خرج فاعتمر ‪.‬‬
‫حّمَم َرْأ َ‬
‫ُأّم المؤمنين؟‪ ،‬وكان أنس إذا َ‬
‫ل عليه وسلم‪:‬‬
‫ل عنه‪ ،‬أنه كان يعتمر فى السنة ِمرارًا‪ ،‬وقد قال صلى ا ّ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫وُيذكر عن عل ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أعمَر عائشة‬
‫))الُعَمَرُة إلى الُعْمَرة َكّفاَرٌة لما َبْيَنُهَما(( ‪ .‬ويكفى فى هذا‪ ،‬أن النب ّ‬
‫من الّتنعيم سوى عمرِتها التى كانت أهّلت بها‪ ،‬وذلك فى عاٍم واحد‪ ،‬ول ُيقال‪ :‬عائشة كانت قد رفضت‬
‫ضها ‪ .‬وقد قال لها النبى‬
‫ح رف ُ‬
‫صُ‬‫الُعْمرة‪ ،‬فهذه التى أهّلت بها من التنعيم قضاء عنها‪ ،‬لن الُعْمرة ل َي ِ‬
‫جميعًا(( ‪.‬‬
‫ت ِمْنهَما َ‬
‫حَلْل ِ‬
‫عْمَرِتك(( وفى لفظ‪َ )) :‬‬
‫ك َو ُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬
‫طَواُفك ِل َ‬
‫ك َ‬
‫سُع ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬ي َ‬
‫‪52‬‬

‫عْمَرَتك‬
‫ل عليه وسلم قال لها‪)) :‬ارُفضى ُ‬
‫فإن قيل‪ :‬قد ثبت فى صحيح البخارى‪ :‬أنه صلى ا ّ‬
‫ج‪،‬‬
‫حّ‬‫ك وامتشطى((‪ ،‬وفى لفظ‪َ)) :‬أِهّلى بال َ‬
‫سِ‬
‫شطى((‪ ،‬وفى لفظ آخر‪)) :‬انُقضى َرأ َ‬
‫ك واْمَت ِ‬
‫سِ‬
‫وانُقضى َرْأ َ‬
‫وَدعى الُعْمَرة((‪ ،‬فهذا صريح فى رفضها من وجهين‪ ،‬أحدهما‪ :‬قوله‪)) :‬ارُفضيها ودعيها((‪ ،‬والثانى‪:‬‬
‫أمره لها بالمتشاط ‪.‬‬
‫جة معها‪،‬‬
‫حّ‬‫قيل‪ :‬معنى قوله‪)) :‬ارُفضيها((‪ :‬اتركى أفعالها والقتصار عليها‪ ،‬وكونى فى َ‬
‫ل الحج‪ ،‬وقوله‪:‬‬
‫جِميعًا((‪ ،‬لما قضت أعما َ‬
‫ت ِمْنُهما َ‬
‫حَلْل ِ‬
‫ن هذا هو المراد بقوله‪َ )) :‬‬
‫ويتعين أن يكو َ‬
‫ض ْ‬
‫ت‬ ‫ك((‪ ،‬فهذا صريح فى أن إحرام الُعْمرة لم ُيرفض‪ ،‬وإنما ُرف َ‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫كوُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬‫ك ِل َ‬
‫طواُف ِ‬
‫ك َ‬
‫سُع ِ‬
‫))َي َ‬
‫جها وعمرُتها‪ ،‬ثم أعمرها من التنعيم تطييبًا‬
‫جها انقضى ح ّ‬
‫أعماُلها والقتصاُر عليها‪ ،‬وأنها بانقضاء ح ّ‬
‫لقلبها‪ ،‬إذ َتأتى بُعْمرة مستِقّلة كصواحباتها‪ ،‬ويوضح ذلك إيضاحًا بّينًا‪ ،‬ما روى مسلم فى ))صحيحه((‪،‬‬
‫جة‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫من حديث الزهرى‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عنها قالت‪ :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫ل صلى‬
‫ل بُعمرة‪ ،‬فأمرنى رسول ا ّ‬
‫لإ ّ‬
‫ت‪ ،‬فلم أزل حائضًا حتى كان يوُم عرفة‪ ،‬ولم ُأِه ّ‬
‫حض ُ‬
‫الوداع‪ ،‬ف ِ‬
‫ت ذلك‪ ،‬حتى إذا‬
‫ل بالحج‪ ،‬وأترك الُعْمرة‪ ،‬قالت‪ :‬ففعل ُ‬
‫ط‪ ،‬وُأِه ّ‬
‫شَ‬‫ض رأسى وامت ِ‬
‫ال عليه وسلم أن أنُق َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عبد الرحمن بن أبى بكر‪ ،‬وأمرنى أن أعتِمَر‬
‫جى‪ ،‬بعث معى رسول ا ّ‬
‫حّ‬‫ت َ‬
‫قضي ُ‬
‫ث فى غاية الصحة والصراحة‪،‬‬
‫ل منها ‪ .‬فهذا حدي ٌ‬
‫ج ولم ُأِه ّ‬
‫عمرتى التى أدركنى الح ّ‬
‫ن ُ‬
‫من التنعيم مكا َ‬
‫ج‪ ،‬فهذا خبُرها عن نفسها‪،‬‬
‫حِرمة حتى أدخلت عليها الح ّ‬
‫عْمرتها‪ ،‬وأنها بقيت ُم ْ‬
‫أنها لم تكن أحّلت من ُ‬
‫ل التوفيق ‪.‬‬
‫ل منهما يوافق الخر‪ ،‬وبا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لها‪ُ ،‬ك ّ‬
‫ل رسول ا ّ‬
‫وذلك قو ُ‬
‫ج المبروُر ليس له‬
‫حّ‬‫ل عليه وسلم‪)) :‬الُعْمرُة إلى الُعْمرِة كّفارٌة لما بينهما‪ ،‬وال َ‬
‫وفى قوله صلى ا ّ‬
‫ل على التفريق بين الحج والُعْمرة فى التكرار‪ ،‬وتنبيٌه على ذلك‪ ،‬إذ لو كانت‬
‫جزاء إل الجنة(( دلي ٌ‬
‫سّوى بينهما ولم ُيفّرق ‪.‬‬
‫العمرُة كالحج‪ ،‬ل ُتفعل فى السنة إل مرة‪ ،‬ل ً‬
‫عَتِمْر فى كل شهر مرة ‪ .‬وروى‬
‫ل عنه‪ ،‬أنه قال‪ :‬ا ْ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫ل‪ ،‬عن عل ّ‬
‫وروى الشافعى رحمه ا ّ‬
‫عَتِمْر‬
‫ل عنه‪)) :‬ا ْ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫سويد بن أبى ناجية‪ ،‬عن أبى جعفر‪ ،‬قال‪ :‬قال عل ّ‬
‫وكيع‪ ،‬عن إسرائيل‪ ،‬عن ُ‬
‫ت مرارًا((‪ .‬وذكر سعيد بن منصور‪ ،‬عن سفيان بن أبى حسين‪ ،‬عن بعض ولد أنس‪،‬‬
‫طْق َ‬
‫ن َأ َ‬
‫شْهِر إ ْ‬
‫فى ال ّ‬
‫عَتمََر ‪.‬‬
‫ج إلى الّتْنِعيِم فا ْ‬
‫خَر َ‬
‫سُه‪َ ،‬‬
‫حّمَم َرْأ ُ‬
‫أن أنسًا كان إذا كان بمكة َف َ‬
‫فصل‬
‫‪53‬‬

‫جته‬
‫حّ‬
‫ل عليه وسلم فى َ‬
‫فى سياق َهْديه صلى ا ّ‬
‫حجة الَوداع‪ ،‬ول خلف‬
‫جةٍ واحدة‪ ،‬وهى َ‬
‫حّ‬
‫سوى َ‬
‫ج بعد هجرته إلى المدينة ِ‬
‫حّ‬‫ل خلف أّنه لم َي ُ‬
‫أنها كانت سنَة عشر ‪.‬‬
‫ل عنه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل رضى ا ّ‬
‫ج قبل الهجرة؟ فروى الترمذى‪ ،‬عن جابر بن عبد ا ّ‬
‫ف‪ :‬هل ح ّ‬
‫واخُتِل َ‬
‫جة بعد ما هاجر معها‬
‫حّ‬‫جَتْين قبل أن ُيهاجر‪ ،‬و َ‬
‫حّ‬‫حجج‪َ ،‬‬
‫ث ِ‬
‫ج النبى صلى ال عليه وسلم ثل َ‬
‫))ح ّ‬
‫ت محمدًا يعنى البخارى عن‬
‫عْمرة(( ‪ .‬قال الترمذى‪ :‬هذا حديث غريب من حديث سفيان ‪ .‬قال‪ :‬وسأل ُ‬
‫ُ‬
‫هذا‪ ،‬فلم يعرفه من حديث الثورى‪ ،‬وفى رواية‪ :‬ل ُيعّد الحديث محفوظًا ‪.‬‬
‫ج من غير تأخير‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم إلى الح ّ‬
‫ض الحج ‪ .‬بادر رسول ا ّ‬
‫ولما نزل فر ُ‬
‫ل{ ]البقرة‪،[196 :‬‬
‫ج َوالُعْمَرَة ِّ‬
‫حّ‬‫خر إلى سنة تسع أو عشر‪ ،‬وأما قوله تعالى‪} :‬وََأِتّموا ال َ‬
‫ض الحج تأ ّ‬
‫فر َ‬
‫ت عام الحديبية‪ ،‬فليس فيها فرضّيُة الحج‪ ،‬وإنما فيها المُر بإتمامه وإتمام‬
‫فإنها وإن نزلت سنَة س ّ‬
‫ن أين لكم تأخير نزول فرضه‬
‫ب البتداء‪ ،‬فإن قيل‪َ :‬فِم ْ‬
‫الُعمرة بعد الشروع فيهما‪ ،‬وذلك ل يقتضى وجو َ‬
‫إلى التاسعة أو العاشرة؟ قيل‪ :‬لن صدر سورِة آل عمران نزل عاَم الوفود‪ ،‬وفيه َقِدم وفُد نجران على‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وصالحهم على أداِء الجزية‪ ،‬والجزية إنما نزلت عاَم تبوك سنة تسع‪،‬‬
‫رسول ا ّ‬
‫ل عليه أن‬
‫وفيها نزل صدُر سورة آل عمران‪ ،‬وناظَر أهل الكتاب‪ ،‬ودعاهم إلى التوحيد والمُباهلة‪ ،‬ويد ّ‬
‫ل تعالى‪} :‬يَأّيَها اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫ل مكة وجدوا فى نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل ا ّ‬
‫أه َ‬
‫عاِمهِْم َهَذا{ ]التوبة‪ ،[28 :‬فأعاضهم ا ّ‬
‫ل‬ ‫حَراَم َبْعَد َ‬
‫جَد ال َ‬
‫سِ‬‫س َفل َيْقَرُبوْا الَم ْ‬
‫ج ٌ‬
‫ن َن َ‬
‫شِرُكو َ‬
‫آَمُنوا إّنما الُم ْ‬
‫صّديق يؤّذن‬
‫ل هذه اليات‪ ،‬والمناداُة بها‪ ،‬إنما كان فى سنة تسع‪ ،‬وبعث ال ّ‬
‫تعالى من ذلك بالجزية‪ ،‬ونزو ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬وهذا الذى ذكرناه قد قاله غير واحد من‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫بذلك فى مكة فى مواسم الحج‪ ،‬وأردفه بعل ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫سَلف‪ ،‬وا ّ‬
‫ال َ‬
‫فصل‬
‫جه النبى صلى ال عليه وسلم‬
‫حّ‬
‫فى وصف َ‬
‫ج أعلم الناس أنه حاج‪ ،‬فتجهزوا للخروج‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على الح ّ‬
‫ولما عزم رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ووافاه فى‬
‫لا ّ‬
‫ج مع رسو ِ‬
‫ن حول المدينة‪َ ،‬فَقِدُموا ُيريدون الح ّ‬
‫معه‪ ،‬وسِمع ذلك َم ْ‬
‫‪54‬‬

‫صون‪ ،‬فكاُنوا ِمن بين يديه‪ ،‬ومن خلفه‪ ،‬وعن يمينه‪ ،‬وعن شماله مّد البصر‪،‬‬
‫ق ل ُيح َ‬
‫الطريق خلئ ُ‬
‫ن ِمن ذى الِقْعدِة بعد أن صّلى الظهَر بها أربعًا‪ ،‬وخطبهم‬
‫ت َبِقي َ‬
‫س ّ‬
‫ج من المدينة نهارًا بعد الظهر ِل ِ‬
‫وخر َ‬
‫خطبًة عّلمهم فيها الحرام وواجباِته وسننه ‪.‬‬
‫قبل ذلك ُ‬
‫جه كان يوم‬
‫ت‪ :‬والظاهر‪ :‬أن خرو َ‬
‫جه يوَم الخميس‪ ،‬قل ُ‬
‫وقال ابن حزم‪ :‬وكان خرو ُ‬
‫ن من ذى القعدة‪،‬‬
‫ت َبِقي َ‬
‫س ّ‬
‫ن حزم على قوله بثلث مقدمات‪ ،‬إحداها‪ :‬أن خروجه كان ِل ِ‬
‫السبت‪ ،‬واحتج اب ُ‬
‫حجة كان يوَم الخميس‪ ،‬والثالثة‪ :‬أن يوم عرفة كان يوَم الجمعة‪ ،‬واحتج على‬
‫والثانية‪ :‬أن استهلل ذى ال ِ‬
‫ست بقين من ذى الِقْعدة‪ ،‬بما روى البخارى من حديث ابن عباس‪:‬‬
‫أن خروجه كان ل ِ‬
‫ن ‪ ((...‬فذكر الحديث‪ ،‬وقال‪:‬وذلك‬
‫ل واّدَه َ‬
‫جَ‬‫ى صلى ال عليه وسلم ِمن المدينة بعد ما َتَر ّ‬
‫))انطلق النب ّ‬
‫لخمس َبقين من ِذى الِقْعدة ‪.‬‬
‫ن عمر على أن َيْوَم عرفة‪ ،‬كان َيْوَم الجمعة‪ ،‬وهو التاسع‪ ،‬واستهلل‬
‫ص اب ُ‬
‫قال ابن حزم‪ :‬وقد ن ّ‬
‫ت َبقين من ذى‬
‫س ّ‬
‫جه ل ِ‬
‫حجة بل شك ليلة الخميس‪ ،‬فآخر ذى الِقْعدة يوم الربعاء‪ ،‬فإذا كان خُرو ُ‬
‫ذى ال ِ‬
‫ل سواه ‪.‬‬
‫ت ليا ٍ‬
‫الِقْعدة‪ ،‬كان يوَم الخميس‪ ،‬إذ الباقى بعده س ّ‬
‫س َبقين وهى‪ :‬يوم السبت‪ ،‬والحد‪،‬‬
‫ح فى أنه خرج ِلخم ّ‬
‫ووجه ما اخترناه‪ ،‬أن الحديث صري ٌ‬
‫والثنين‪ ،‬والثلثاء‪ ،‬والربعاء‪ ،‬فهذه خمس‪ ،‬وعلى قوله‪ :‬يكون خروجه لسبّع بقين ‪ .‬فإن لم َيِعْد يوم‬
‫ست ليال بقين‬
‫جه ل ِ‬
‫ف الحديث ‪ .‬وإن اعتبر الليالى‪ ،‬كان خرو ُ‬
‫ت‪ ،‬وأّيهما كان‪ ،‬فهو خل ُ‬
‫الخروج‪ ،‬كان لس ّ‬
‫ف ما إذا‬
‫ن بقاء خمس من الشهر البتة‪ ،‬بخل ِ‬
‫ح الجمُع بين خروجه يوم الخميس‪ ،‬وبي َ‬
‫صّ‬‫ل لخمس‪ ،‬فل َي ِ‬
‫ل عليه أن النبى صلى ال عليه‬
‫س بل شك‪ ،‬ويد ّ‬
‫ج يوم السبت‪ ،‬فإن الباقى بيوم الخروج خم ٌ‬
‫كان الخرو ُ‬
‫س المحِرُم بالمدينة‪ ،‬والظاهر‪ :‬أن هذا كان‬
‫وسلم ذكر لهم فى خطبته على ِمنبره شأن الحرام‪ ،‬وما يلَب ُ‬
‫ن عمر رضى ا ّ‬
‫ل‬ ‫خطبة‪ ،‬وقد شهد اب ُ‬
‫يوَم الجمعة‪ ،‬لنه لم ُينقل أنه جمعهم‪ ،‬ونادى فيهم لحضور ال ُ‬
‫ل وقت‬
‫ل عليه وسلم أن ُيعّلمهم فى ك ّ‬
‫عنهما هذه الخطبة بالمدينة على منبره ‪ .‬وكان ِمن عادته صلى ا ّ‬
‫جه‪ ،‬والظاهر‪ :‬أنه لم يكن‬
‫ما يحتاجون إليه إذا حضر فعله‪ ،‬فأولى الوقات به الجمعة التى يليها خرو ُ‬
‫ص الناس‬
‫ق‪ ،‬وهو أحر ُ‬
‫ض يوم من غير ضرورة‪ ،‬وقد اجتمع إليه الخل ُ‬
‫ع الجمعة وبينه وبينها بع ُ‬
‫ِليَد َ‬
‫ل أعلم‬
‫ن بل تفويت‪ ،‬وا ّ‬
‫على تعليمهم الّدين‪ ،‬وقد حضر ذلك الجمع العظيم‪ ،‬والجمُع بينه وبين الحج ممك ٌ‬
‫‪.‬‬
‫‪55‬‬

‫ل عنها‪ :‬خرج‬
‫ل عنه‪ ،‬وعائشة رضى ا ّ‬
‫ولما علم أبو محمد بن حزم‪ ،‬أن قول ابن عباس رضى ا ّ‬
‫حليفة كان لخمس‪،‬‬
‫لخمس َبقين من ذى الِقْعدة‪ ،‬ل يلتئُم مع قوله أّوله بأن قال‪ :‬معناه أن اندفاعه من ِذى ال ُ‬
‫حليفة وبين المدينة إل أربعُة أميال فقط‪ ،‬فلم ُتَعْد هذه المرحلة القريبة ِلقّلتها‪ ،‬وبهذا‬
‫قال‪ :‬وليس بين ذى ال ُ‬
‫جه بل‬
‫س بقين لذى الِقْعدة‪ ،‬لكان خرو ُ‬
‫جه من المدينة لخم ٍ‬
‫تأتِلف جميُع الحاديث ‪ .‬قال‪ :‬ولو كان خرو ُ‬
‫شك َيْوَم الجمعة‪ ،‬وهذا خطأ‪ ،‬لن الجمعة لتصّلى أربعًا‪ ،‬وقد ذكر أنس‪ ،‬أنهم صّلوا الظهر معه‬
‫بالمدينة أربعًا ‪ .‬قال‪ :‬ويزيده وضوحًا‪ ،‬ثم ساق من طريق البخارى‪ ،‬حديث كعب بن مالك‪)) :‬قّلما كان‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يخُرج فى سفر إذا خرج‪ ،‬إل يوَم الخميس((‪ ،‬وفى لفظ آخر‪ :‬أن رسول‬
‫لا ّ‬
‫رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان ُيحب أن يخُرج يوَم الخميس‪ ،‬فبطل خروجه يوَم الجمعة لما ذكرنا عن‬
‫ا ّ‬
‫جه يوم السبت‪ ،‬لنه حينئذ يكون خارجًا من المدينة لربٍع َبقين من ذى الِقعدة‪ ،‬وهذا‬
‫أنس‪ ،‬وبطل خرو ُ‬
‫ما لم يقله أحد ‪.‬‬
‫حليفة الليَلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة‪ ،‬فكان يكون‬
‫ح مبيُته بذى ال ُ‬
‫قال‪ :‬وأيضًا قد ص ّ‬
‫طوى ليلَة‬
‫جه يوم السبت‪ ،‬وصح مبيُته بذى ُ‬
‫حليفة يوم الحد‪ ،‬يعنى‪ :‬لو كان خرو ُ‬
‫اندفاعه من ذى ال ُ‬
‫ن مدُة سفره من المدينة‬
‫جة‪ ،‬فعلى هذا تكو ُ‬
‫حّ‬
‫صبح رابعة من ذى ال ِ‬
‫ح عنه أنه دخلها ُ‬
‫دخوله مكة‪ ،‬وص ّ‬
‫إلى مكة سبعَة أيام‪ ،‬لنه كان يكون خارجًا من المدينة لو كان ذلك لربع َبقين ِلذى الِقْعدة‪ ،‬واستوى‬
‫ل ل مزيد‪ ،‬وهذا خطأ‬
‫حجة‪ ،‬وفى استقبال الليلة الرابعة‪ ،‬فتلك سبُع ليا ٍ‬
‫ن من ذى ال ِ‬
‫خَلْو َ‬
‫على مكة لثلث َ‬
‫ت كّلها‪،‬‬
‫ت بقين من ذى الِقْعدة وائتلفت الروايا ُ‬
‫ح أن خروجه كان ِلس ٍ‬
‫بإجماع‪ ،‬وأمٌر لم يقله أحد‪ ،‬فص ّ‬
‫ل‪ ،‬انتهى ‪.‬‬
‫وانتفى التعاُرض عنها بحمد ا ّ‬
‫ل عنها‬
‫ف عنها مع خروجه يوَم السبت‪ ،‬ويزو ُ‬
‫قلت‪ :‬هى متآلفة متوافقة‪ ،‬والتعارض ُمنت ٍ‬
‫جه من المدينِة‬
‫الستكراه الذى أّولها عليه كما ذكرناه ‪ .‬وأما قول أبى محمد بن حزم‪)):‬لو كان خرو ُ‬
‫جه يوَم الجمعة ‪ ((...‬إلى آخره فغيُر لزم‪ ،‬بل يصح أن يخُرج‬
‫س َبقين من ذى الِقْعدة‪ ،‬لكان خرو ُ‬
‫لخم ٍ‬
‫لخمس‪ ،‬ويكون خروجه يوم السبت‪ ،‬والذى غّر أبا محمد أنه رأى الراوى قد حذف التاء من العدد‪،‬‬
‫ج يوم الجمعة‪ ،‬فلو‬
‫وهى إنما ُتحذف من المؤنث‪ ،‬ففهم لخمس ليال بقين‪ ،‬وهذا إنما يكون إذا كان الخرو ُ‬
‫جه يوم الخميس‪ ،‬لم‬
‫ب عليه‪ ،‬فإنه لو كان خرو ُ‬
‫كان يوم السبت‪ ،‬لكان لربع ليال بقين‪ ،‬وهذا بعينه ينقِل ُ‬
‫يكن لخمس ليال بقين‪ ،‬وإنما يكون لست ليال بقين‪ ،‬ولهذا اضطر إلى أن ُيؤّول الخروج المقّيد بالتاريخ‬
‫‪56‬‬

‫حليفة‪ ،‬ول ضرورة له إلى ذلك‪ ،‬إذ من الممكن أن يكون شهُر‬


‫المذكور بخمس على الندفاع من ذى ال ُ‬
‫ذى الِقْعدة كان ناقصًا‪ ،‬فوقع الخبار عن تاريخ الخروج بخمس بقين منه بناًء على المعتاد من الشهر‪،‬‬
‫خوا بما بقى من الشهر بناًء على كماله‪ ،‬ثم يقع‬
‫وهذه عادُة العرب والناس فى تواريخهم‪ ،‬أن ُيؤّر ُ‬
‫ل‪ :‬يوم‬
‫ح أن يقول القائ ُ‬
‫صّ‬‫خ‪ ،‬في ِ‬
‫الخبار عنه بعد انقضائه‪ ،‬وظهور نقصه كذلك‪ ،‬لئل يختِلف عليهم التاري ُ‬
‫عشرين‪ ،‬وأيضًا فإن الباقى كان خمسة‬
‫الخامس والعشرين‪ ،‬كتب لخمس بقين‪ ،‬ويكون الشهر تسعًا و ِ‬
‫ظ الليالى لنها أولُ‬
‫أيام بل شك بيوم الخروج‪ ،‬والعرب إذا اجتمعت الليالى واليام فى التاريخ‪ ،‬غّلبت لف َ‬
‫س َبقين باعتبار‬
‫ح أن ُيقال‪ :‬لخم ٍ‬
‫صّ‬‫ق من اليوم‪ ،‬فتذكر الليالى‪ ،‬ومراُدها اليام‪ ،‬في ِ‬
‫الشهر‪ ،‬وهى أسب ُ‬
‫س بقين‪ ،‬ول يكون يوم‬
‫ح حينئذ أن يكون خروجه لخم ٍ‬
‫اليام‪ ،‬وُيذّكر لفظ العدد باعتبار الليالى‪ ،‬فص ّ‬
‫ط إل يوَم الخميس‪ ،‬وإنما فيه أن ذلك كان أكثرَ‬
‫ث كعب‪ ،‬فليس فيه أنه لم يكن يخُرج ق ّ‬
‫الجمعة ‪ .‬وأما حدي ُ‬
‫خروجه‪ ،‬ول ريب أنه لم يكن يتقّيد فى خروجه إلى الغزوات بيوم الخميس ‪.‬‬
‫وأما قوله‪ :‬لو خرج يوَم السبت‪ ،‬لكان خارجًا لربع‪ ،‬فقد تبّين أنه ل يلزم‪ ،‬ل باعتبار الليالى‪،‬‬
‫ول باعتبار اليام ‪.‬‬
‫حليفة الليلة المستقَبَلة ِمن يوم خروجه من المدينة((‪ ..‬إلى آخره‪،‬‬
‫وأما قوله‪)) :‬إنه بات بذى ال ُ‬
‫ب منه‪ ،‬فإنه إذا خرج يوَم‬
‫فإنه يلزم من خروجه يوم السبت أن تكون مدُة سفره سبعة أيام‪ ،‬فهذا عجي ٌ‬
‫حجة‪ ،‬فبين خروجه من‬
‫السبت وقد بقى من الشهر خمسُة أيام‪ ،‬ودخل مكة لربع َمضين ِمن ذى ال ِ‬
‫المدينة ودخوله مكة تسعة أيام‪ ،‬وهذا غيُر مشكل بوجه من الوجوه‪ ،‬فإن الطريق التى سلكها إلى مكة‬
‫ع من سير الحضر بكثير‪ ،‬ول سيما مع عدم المحامل‬
‫بين المدينة وبينها هذا المقدار‪ ،‬وسيُر العرب أسر ُ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫والكجاوات والزواِمل الّثقال ‪ ...‬وا ّ‬
‫جل واّدهن‪ ،‬ولبس‬
‫جه‪ ،‬فصّلى الظهر بالمدينة بالمسجد أربعًا‪ ،‬ثم تر ّ‬
‫حّ‬‫عدنا إلى سياق َ‬
‫حليفة‪ ،‬فصّلى بها العصر ركعتين‪ ،‬ثم بات بها‬
‫إزاره ورداءه‪ ،‬وخرج بين الظهر والعصر‪ ،‬فنزل بذى ال ُ‬
‫وصّلى بها المغرب‪ ،‬والعشاء‪ ،‬والصبح‪ ،‬والظهر‪ ،‬فصّلى بها خمس صلوات‪ ،‬وكان نساؤه ُكّلهن معه‪،‬‬
‫جماع الول‪ ،‬ولم‬
‫غسل ال ِ‬
‫ل ثانيًا لحرامه غير ُ‬
‫غس ً‬
‫وطاف عليهن ِتلك الليلة‪ ،‬فلما أراد الحرام‪ ،‬اغتسل ُ‬
‫ض الناس ِذكره‪ ،‬فإما أن يكون تركه‬
‫يذكر ابن حزم أنه اغتسل غير الُغسل الول للجنابة‪ ،‬وقد ترك بع ُ‬
‫‪57‬‬

‫ى صلى‬
‫عمدًا‪ ،‬لنه لم يثبت عنده‪ ،‬وإما أن يكون تركه سهوًا منه‪ ،‬وقد قال زيُد بن ثابت‪)):‬إنه رأى النب ّ‬
‫ال عليه وسلم تجّرد لهلله واغتسل(( ‪ .‬قال الترمذى‪ :‬حديث حسن غريب ‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إذا‬
‫وذكر الدارقطنى‪ ،‬عن عائشة قالت‪)) :‬كان رسول ا ّ‬
‫ب فيه مسك فى بدنه‬
‫شَنان ‪ .‬ثم طّيبته عائشة بيدها ِبَذِريَرٍة وطي ٍ‬
‫أراد أن ُيحِرَم‪ ،‬غسل رأسه بخطمى وُأ ْ‬
‫ورأسه‪ ،‬حتى كان وبيص الِمسك ُيرى فى مفارقه وِلحيته‪ ،‬ثم استدامه ولم يغسله‪ ،‬ثم لبس إزاره‬
‫ج والُعمرة فى مصله((‪ ،‬ولم ُينقل عنه أنه صّلى‬
‫ل بالح ّ‬
‫ورداءه‪ ،‬ثم صّلى الظهر ركعتين‪ ،‬ثم أَه ّ‬
‫للحرام ركعتين غير فرض الظهر‪.‬‬
‫ت الّدَم‬
‫سَل َ‬
‫سناِمها‪ ،‬و َ‬
‫ق صفحَة َ‬
‫وقّلد قبل الحرام ُبدنه نعلين‪ ،‬وأشعَرها فى جانبها اليمن‪ ،‬فش ّ‬
‫عنها‬
‫وإنما قلنا‪ :‬إنه أحرم قارنًا ِلبضعة وعشرين حديثًا صحيحة صريحة فى ذلك ‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫أحدها‪ :‬ما أخرجاه فى الصحيحين عن ابن عمر‪ ،‬قال‪)):‬تمّتع رسو ُ‬
‫ل صلى‬
‫حليفة‪ ،‬وبدأ رسولُ ا ّ‬
‫ى ِمن ذى ال ُ‬
‫جة الوداع بالُعمرة إلى الحج‪ ،‬وأهدى‪ ،‬فساق معه الَهْد َ‬
‫حّ‬
‫فى َ‬
‫ج‪ ((....‬وذكر الحديث ‪.‬‬
‫ل بالح ّ‬
‫ل بالُعمرة‪ ،‬ثم أه ّ‬
‫ال عليه وسلم فَأَه ّ‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫وثانيها‪ :‬ما أخرجاه فى الصحيحين أيضًا‪ ،‬عن عروة‪ ،‬عن عائشة أخبرته عن رسو ِ‬
‫ال عليه وسلم‪ ،‬بمثل حديث ابن عمر سواء ‪.‬‬
‫وثالثها‪ :‬ما روى مسلم فى صحيحه من حديث ُقتيبة‪ ،‬عن الليث‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬أّنه‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ج إلى الُعمرة‪ ،‬وطاف لهما طوافًا واحدًا‪ ،‬ثم قال‪)) :‬هكذا فعل رسو ُ‬
‫قرن الح ّ‬
‫وسلم(( ‪.‬‬
‫ورابعها‪ :‬ما روى أبو داود‪ ،‬عن النفيلى‪ ،‬حدثنا زهير هو ابن معاوية حدثنا إسحاق عن مجاهد‬
‫عِلَم اب ُ‬
‫ن‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم؟ فقال‪ :‬مرتين ‪ .‬فقالت عائشُة‪ :‬لقد َ‬
‫لا ّ‬
‫ن عمر‪ :‬كم اعتمَر رسو ُ‬
‫))سئل اب ُ‬
‫جته(( ‪.‬‬
‫حّ‬‫سوى التى قرن ب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم اعتمر ثلثًا ِ‬
‫لا ّ‬
‫عمر أن رسو َ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫‪58‬‬

‫ج والُعمرة((‪ ،‬لنه‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬قرن بين الح ّ‬
‫ل ابن عمر‪)) :‬إّنه صلى ا ّ‬
‫ولم ُيناقض هذا قو َ‬ ‫@‬
‫جعرانة‪ ،‬وعائشة رضى‬
‫عمرُة ال ِ‬
‫عمرُة القضاء و ُ‬
‫عمرتان‪ُ :‬‬
‫أراد الُعْمرة الكاملة المفردة‪ ،‬ول ريب أنهما ُ‬
‫عمَرة الِقران‪ ،‬والتى صُّد عنها‪ ،‬ول ريب أنها أربع ‪.‬‬
‫ن‪ ،‬و ُ‬
‫ل عنها أرادت الُعْمرتين المستقّلَتْي ِ‬
‫ا ّ‬
‫ل‪ ،‬أن‬
‫وخامسها‪ :‬ما رواه سفيان الثورى‪ ،‬عن جعفر بن محمد عن أبيه‪ ،‬عن جابر بن عبد ا ّ‬
‫جة بعد ما هاجر معها‬
‫حّ‬
‫ن قبل أن ُيهاجر‪ ،‬و َ‬
‫جتي ِ‬
‫حّ‬
‫حجج‪َ :‬‬
‫ث ِ‬
‫ج ثل َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))ح ّ‬
‫رسول ا ّ‬
‫عمرة(( رواه الترمذى وغيره‪.‬‬
‫ُ‬
‫وسادسها‪ :‬ما رواه أبو داود‪ ،‬عن الّنفيلى‪ ،‬وقتيبة قال‪ :‬حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار‪ ،‬عن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أربَع‬
‫لا ّ‬
‫عمرو بن دينار‪ ،‬عن عكرمة‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪)) :‬اعتمر رسو ُ‬
‫جعرانة‪ ،‬والرابعة‬
‫عمرٍة ِمن قابل‪ ،‬والثالثة من ال ِ‬
‫حديبية‪ ،‬والثانية‪ :‬حين تواطُؤوا على ُ‬
‫عمرَة ال ُ‬
‫عَمٍر‪ُ :‬‬
‫ُ‬
‫جته(( ‪.‬‬
‫حّ‬
‫التى قرن مع َ‬
‫ل عنه قال‪ :‬سمع ُ‬
‫ت‬ ‫وسابعها‪ :‬ما رواه البخارى فى صحيحه عن عمر بن الخطاب رضى ا ّ‬
‫ل‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫وج ّ‬ ‫عّز‬
‫ن َرّبى َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بوادى الَعقيق يقول‪)) :‬أتانى اللّْيَلة آ ٍ‬
‫لا ّ‬
‫رسو َ‬
‫جٍة((‪.‬‬
‫حّ‬
‫عْمَرٌة فى َ‬
‫ل‪ُ :‬‬
‫ك‪َ ،‬وُق ْ‬
‫ل فى َهَذ الَوادى الُمباَر ِ‬
‫صّ‬‫َ‬
‫ل عنه حين َأّمَرُه‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫وثامنها‪ :‬ما رواه أبو داود عن البّراء بن عازب قال‪)) :‬كنت مع عل ّ‬
‫ى من اليمن على‬
‫ب‪ ،‬فلما َقِدَم عل ّ‬
‫ى ِمن ذَه ٍ‬
‫ت معه َأَواق ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على اليمن‪ ،‬فأصب ُ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ُ‬
‫صِبيَغات‪ ،‬وقد‬
‫ت ثيابًا َ‬
‫س ْ‬
‫ل عنها قد َلِب َ‬
‫ت فاطمة رضى ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬وجد ُ‬
‫رسول ا ّ‬
‫حّلوا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قد أمر أصحاَبه فأ َ‬
‫ح‪ ،‬فقالت‪ :‬مالك؟ فإن رسول ا ّ‬
‫ضو ٍ‬
‫نضحت البيت ِبَن ُ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‬
‫ت النب ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم قال‪ :‬فأتي ُ‬
‫ت بإهلل النب ّ‬
‫ت لها‪ :‬إنى أهلل ُ‬
‫فقل ُ‬
‫سْق ُ‬
‫ت‬ ‫ى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪)) :‬فإنى قد ُ‬
‫ت بإهلل النب ّ‬
‫ت‪ :‬أهلل ُ‬
‫ت((؟ قال‪ُ :‬قل ُ‬
‫لى‪)) :‬كيف صنع َ‬
‫ت‪ ،((...‬وذكر الحديث ‪.‬‬
‫ى‪ ،‬وَقَرْن ُ‬
‫الَهْد َ‬
‫وتاسعها‪ :‬ما رواه النسائى عن عمران بن يزيد الدمشقى‪ ،‬حدثنا عيسى بن يونس‪ ،‬حدثنا‬
‫ت جالسًا عند‬
‫حسين‪ ،‬عن مروان بن الحكم قال‪)) :‬كن ُ‬
‫ى بن ال ُ‬
‫العمش‪ ،‬عن مسلم البطين‪ ،‬عن عل ّ‬
‫ن َهَذا؟ قال‪ :‬بَلى لكنى‬
‫عْ‬‫جٍة‪ ،‬فقال‪ :‬ألم َتُكن ُتْنَهى َ‬
‫حّ‬‫ل عنه ُيلّبى ِبُعمرة و َ‬
‫عثمان‪ ،‬فسمع عليًا رضى ا ّ‬
‫‪59‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم‬


‫لا ّ‬
‫ل رسو ِ‬
‫ع قو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيَلّبى بهما جميعًا‪ ،‬فلم أَد ْ‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫سمع ُ‬
‫ك((‪.‬‬
‫ِلَقْوِل َ‬
‫ت ُمطّرفًا‬
‫حميد بن ِهلل قال‪ :‬سمع ُ‬
‫شعبة‪ ،‬عن ُ‬
‫وعاشرها‪ :‬ما رواه مسلم فى صحيحه ِمن حديث ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ن رسول ا ّ‬
‫ك به‪ :‬إ ّ‬
‫ل أن ينفع َ‬
‫قال‪ :‬قال عمران بن حصين‪ُ :‬أحّدثك حديثًا عسى ا ُّ‬
‫ل ُقرآن ُيحّرُم((‪.‬‬
‫ت‪ ،‬ولم َيْنِز ْ‬
‫عْمرة‪ ،‬ثم لم َيْنَه عنه حّتى ما َ‬
‫جٍة و ُ‬
‫حّ‬‫))جمع بين َ‬
‫عيينة‪ ،‬عن إسماعيل بن أبى خالد‪،‬‬
‫وحادى عشرها‪ :‬ما رواه يحيى بن سعيد القطان‪ ،‬وسفيان بن ُ‬
‫ج والُعْمرة‪،‬‬
‫ن الح ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َبْي َ‬
‫لا ّ‬
‫جَمَع رسو ُ‬
‫ل بن أبى قتادة‪ ،‬عن أبيه قال‪)) :‬إنما َ‬
‫عن عبد ا ّ‬
‫ج َبعدها(( ‪ .‬وله طرق صحيحة إليهما ‪.‬‬
‫حّ‬‫لنه علم أنه ل َي ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫ت رسولَ ا ّ‬
‫ن مالك قال‪ :‬سمع ُ‬
‫سراقة ب ِ‬
‫وثانى عشرها‪ :‬ما رواه المام أحمد من حديث ُ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‬
‫ن الّنب ّ‬
‫ل‪َ :‬وَقَر َ‬
‫ج إلى َيْوِم الِقَياَمِة((‪َ ،‬قا َ‬
‫حّ‬‫ت الُعْمَرُة فى ال َ‬
‫خَل ِ‬
‫عليه وسلم يقول‪َ)) :‬د َ‬
‫ع ‪ .‬إسناده ثقات‪.‬‬
‫جة الَواَد ِ‬
‫حّ‬
‫فى َ‬
‫ى))أن رسو َ‬
‫ل‬ ‫حَة النصاِر ّ‬
‫طل َ‬
‫ث عشرها‪ :‬ما رواه المام أحمد‪ ،‬وابن ماجه من حديث أبى َ‬
‫وثال ُ‬
‫ج والُعْمَرة(( ورواه الدارقطنى‪ ،‬وفيه الحجاج بن أرطاة ‪.‬‬
‫حّ‬‫ن ال َ‬
‫جَمَع َبْي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َ‬
‫ا ّ‬
‫ل صلى ال‬
‫ن رسول ا ّ‬
‫ورابُع عشرها‪ :‬ما رواه أحمد ِمن حديث الهْرَماس بن زياد الباهلى))أ ّ‬
‫ج والُعْمَرة(ِ( ‪.‬‬
‫حّ‬‫ن ال َ‬
‫ع َبْي َ‬
‫جِة الَواَد ِ‬
‫حّ‬
‫عليه وسلم قرن فى َ‬
‫س عشرها‪ :‬ما رواه البزار بإسناد صحيح أن ابن أبى أوفى قال‪)) :‬إنما جمع رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫وخام ُ‬
‫ج بعد عاِمه ذلك(( وقد قيل‪ :‬إن يزيد بن‬
‫حّ‬‫ج والُعْمَرة‪ ،‬لنه علم أنه ل ي ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم بين الح ّ‬
‫ل إلى تخطئته بغير دليل ‪.‬‬
‫عطاء أخطأ فى إسناده‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬ل سبي َ‬
‫ل صلى ال‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل‪))،‬أن رسو َ‬
‫س عشرها‪ :‬ما رواه المام أحمد‪ِ ،‬من حديث جابر بن عبد ا ّ‬
‫وساد ُ‬
‫ن أرطاة‪،‬‬
‫جبُ‬
‫حدًا((‪ .‬ورواه الترمذى‪ ،‬وفيه الحجا ُ‬
‫طَوافًا وا ِ‬
‫ف َلُهَما َ‬
‫طا َ‬
‫ج والُعْمَرَة‪َ ،‬ف َ‬
‫حّ‬‫ن ال َ‬
‫عليه وسلم َقَر َ‬
‫ن ما لم ينفِرْد بشئ‪ ،‬أو ُيخالف الّثقات ‪.‬‬
‫سِ‬‫حَ‬
‫وحديُثه ل ينِزل عن درجِة ال َ‬
‫ل صلى ال‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫وسابُع عشرها‪ :‬ما رواه المام أحمد‪ ،‬من حديث ُأّم سلمة قالت‪ :‬سمع ُ‬
‫ج(( ‪.‬‬
‫حّ‬‫حّمٍد ِبُعْمَرٍة فى َ‬
‫ل ُم َ‬
‫عليه وسلم يُقول‪َ)) :‬أِهّلوا يا آ َ‬
‫‪60‬‬

‫ت للنبى صلى ال‬


‫وثامن عشرها‪ :‬ما أخرجاه فى الصحيحين واللفظ لمسلم‪ ،‬عن حفصَة قالت‪ :‬قل ُ‬
‫ت َهْديي‪ ،‬وَلّبْدتُ َرأسى‪ ،‬فل‬
‫ك؟ قال‪)) :‬إّنى َقّلْد ُ‬
‫عْمَرِت َ‬
‫ن ُ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ل َأْن َ‬
‫حّ‬‫س حّلوا َوَلْم َت ِ‬
‫ن الّنا ِ‬
‫عليه وسلم‪ :‬ما شأ ُ‬
‫ل من الُعْمرة حتى‬
‫حج‪ ،‬فإنه ل َيح ّ‬
‫عمرٍة معها َ‬
‫ج((‪ ،‬وهذا يدل على أنه كان فى ُ‬
‫حّ‬‫ن ال َ‬
‫ل ِم َ‬
‫حّ‬‫حّتى َأ ِ‬
‫ل َ‬
‫حّ‬‫َأ ِ‬
‫عمرًة مفردة‪ ،‬ل يمنعه عندهما‬
‫ى ألزُم‪ ،‬لن المعتِمر ُ‬
‫حج‪ ،‬وهذا على أصل مالك والشافع ّ‬
‫ل من ال َ‬
‫حّ‬‫َي ِ‬
‫ث على أصلهما نص ‪.‬‬
‫عْمرة الِقران‪ ،‬فالحدي ُ‬
‫ى من التحلل‪ ،‬وإنما يمنعه ُ‬
‫الهد ُ‬
‫ل بن الحارث بن نوفل بن‬
‫وتاسُع عشرها‪ :‬ما رواه النسائى‪ ،‬والترمذى‪ ،‬عن محمد بن عبد ا ّ‬
‫ن أبى‬
‫ج معاويُة ب ُ‬
‫ك بن قيس عاَم ح ّ‬
‫الحارث بن عبد المطلب‪ ،‬أنه سِمَع سعَد بن أبى وقاص‪ ،‬والضحا َ‬
‫ل‪ ،‬فقال‬
‫ل أمَر ا ِّ‬
‫جِه َ‬
‫ن َ‬
‫ج‪ ،‬فقال الضحاك‪ :‬ل يصنُع ذلك إل َم ْ‬
‫سفيان‪ ،‬وهما يذكران التمتع بالُعْمرة إلى الح ّ‬
‫ن الخطاب نهى عن ذلك‪ ،‬قال سعد‪ :‬قد‬
‫ن أخى ‪ .‬قال الضحاك‪ :‬فإن عمَر ب َ‬
‫ت يا اب َ‬
‫س ما قل َ‬
‫سعد‪ :‬بئ َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وصنعناها معه‪ ،‬قال الترمذى‪ :‬حديث حسن صحيح ‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫صنعها رسو ُ‬
‫حج‪ :‬أحُد نوعيه‪ ،‬وهو تمّتع الِقران‪ ،‬فإنه لغُة القرآن‪،‬‬
‫ومراده بالتمتع هنا بالُعْمرة إلى ال َ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫ن عمر‪ :‬تمتع رسو ُ‬
‫ل والتأويل شِهدوا بذلك‪ ،‬ولهذا قال اب ُ‬
‫والصحابة الذين شهدوا التنزي َ‬
‫ج‪ ،‬وكذلك قالت عائشة‪ ،‬وأيضًا‪ :‬فإن الذى‬
‫ل بالح ّ‬
‫ل بالُعْمرة‪ ،‬ثّم أه ّ‬
‫ج‪ ،‬فبدأ فأه ّ‬
‫حّ‬‫عليه وسلم بالُعْمرة إلى ال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬هو ُمتعة الِقران بل شك‪ ،‬كما قطع به أحمد‪ ،‬ويدل على ذلك أن‬
‫صنعه رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وتمّتعنا معه(( متفق عليه‪ .‬وهو الذى‬
‫عمران بن حصين قال‪)) :‬تمّتع رسول ا ّ‬
‫ج‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬جمع َبْين َ‬
‫ل أن ينفَعك به‪ ،‬إن رسولَ ا ّ‬
‫قال لمطّرف‪ُ)) :‬أحّدثك حديثًا عسى ا ّ‬
‫ت(( ‪ .‬وهوفىصحيح مسلم‪ ،‬فأخبر عن ِقرانه بقوله‪ :‬تمّتع ‪ .‬وبقوله‪ :‬جمع‬
‫عْنُه حّتى َما َ‬
‫عْمَرٍة‪ ،‬ثّم لم َيْنَه َ‬
‫وُ‬
‫عْمرة ‪.‬‬
‫بين حج و ُ‬
‫ى وعثما ُ‬
‫ن‬ ‫ويدل عليه أيضًا‪ :‬ما ثبت فى الصحيحين عن سعيد بن المسّيب قال‪)) :‬اجتمع عل ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫ى‪ :‬ما ُتريد إلى أمر فعله رسو ُ‬
‫ن ينهى عن الُمتعة أو الُعمرة‪ ،‬فقال عل ّ‬
‫سَفان‪ ،‬فقال‪ :‬كان عثما ُ‬
‫بُع ْ‬
‫عك‪ ،‬فلما أن رأى‬
‫ن‪ :‬دعنا ِمْنك‪ ،‬فقال‪ :‬إنى ل أستطيع أن أد َ‬
‫صلى ال عليه وسلم تنهى عنه؟ قال عثما ُ‬
‫ل ِبِهما جميعًا(( ‪ .‬هذا لفظ مسلم ‪.‬‬
‫ى ذلك‪ ،‬أه ّ‬
‫عل ّ‬
‫ى‪ :‬ما تريد إل أن تنهى عن‬
‫ن فى الُمتعة‪ ،‬فقال عل ّ‬
‫سَفا َ‬
‫عثمان بُع ْ‬
‫ىوُ‬
‫ولفظ البخارى ))اختلف عل ّ‬
‫ل بهما جميعا((‪.‬‬
‫ى‪ ،‬أه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما رأى ذلك عل ّ‬
‫لا ّ‬
‫أمٍر فعله رسو ُ‬
‫‪61‬‬

‫ن ينهى‬
‫ت عثمان وعليًا‪ ،‬وعثما ُ‬
‫ن الحكم قال‪)) :‬شهد ُ‬
‫وأخرج البخارى وحَده من حديث مروان ب ِ‬
‫لَد َ‬
‫ع‬ ‫ت َ‬
‫جة‪ ،‬وقال‪ :‬ما كن ُ‬
‫حّ‬‫ك بُعْمَرٍة و َ‬
‫ل بهما‪ :‬لّبْي َ‬
‫ى ذلك‪ ،‬أه ّ‬
‫جَمَع بينهما‪ ،‬فلما رأى عل ّ‬
‫عن الُمتعة‪ ،‬وأن ُي ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِلقول أحد(( ‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫سـّنة رسو ِ‬
‫ّ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫فهذا ُيبّين‪ ،‬أن َمن جمع بينهما‪ ،‬كان متمّتعًا عندهم‪ ،‬وأن هذا هو الذى فعله رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فعل ذلك‪ ،‬فإنه لما قال له‪ :‬ما‬
‫لا ّ‬
‫ن على أن رسو َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬وقد وافقه عثما ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم تنهى عنه‪ ،‬لم يقل له‪ :‬لم يفعْله رسو ُ‬
‫لا ّ‬
‫ُتريد إلى أمر فعله رسو ُ‬
‫ى إلى موافقة النبى صلى ال عليه وسلم‪،‬‬
‫عليه وسلم‪ ،‬ولول أنه وافقه على ذلك‪ ،‬لنكره‪ ،‬ثم قصد عل ّ‬
‫ل بهما جميعًا تقريرًا للقتداء به ومتابعته فى الِقران‪،‬‬
‫والقتداء به فى ذلك‪ ،‬وبيان أن فعله لم ُينسخ‪ ،‬وأه ّ‬
‫ل‪ ،‬وحينئذ فهذا دليل مستقل تمام العشرين ‪.‬‬
‫سـّنة نهى عنها عثمان متأّو ً‬
‫وإظهارًا ل ّ‬
‫عروة‪ ،‬عن عائشة أنها‬
‫الحادى والعشرون‪ :‬ما رواه مالك فى الموطأ‪ ،‬عن ابن شهاب‪ ،‬عن ُ‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫جة الوداع‪ ،‬فأهللنا بُعمرة‪ ،‬ثم قال رسو ُ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم عاَم َ‬
‫قالت‪)) :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫ل منهما‬
‫حّ‬‫حّتى َي ِ‬
‫ل َ‬
‫حّ‬‫ج َمَع الُعْمَرِة‪ُ ،‬ثّم ل َي ِ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ى‪َ ،‬فْلُيْهِل ْ‬
‫ن َمَعه َهْد ٌ‬
‫ن كا َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫جِميعًا(( ‪.‬‬
‫َ‬
‫ى‪ ،‬فهو أولى َمن بادر إلى ما أمر به‪ ،‬وقد دل عليه سائُر الحاديث‬
‫ومعلوم‪ :‬أنه كان معه الَهْد ُ‬
‫التى ذكرناها ونذكرها ‪.‬‬
‫ى‪ ،‬والتمتع بالُعْمرة‬
‫خَلف إلى إيجاب الِقران على َمن ساق الَهْد َ‬
‫سَلف وال َ‬
‫وقد ذهب جماعة من ال َ‬
‫ل عما فعله‬
‫جوز العدو ُ‬
‫ل بن عباس وجماعة‪ ،‬فعندهم ل ي ُ‬
‫ى‪ ،‬منهم‪ :‬عبُد ا ّ‬
‫سق الهد َ‬
‫المفردة على َمن لم َي ُ‬
‫ى معه‬
‫ل َمن ل َهْد َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأمر به أصحابه‪ ،‬فإنه قرن وساق الَهْدى‪ ،‬وأمر ُك ّ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ح ِمن قول َمن حّرم‬
‫عْمرة مفردة‪ ،‬فالواجب‪ :‬أن نفعل كما فعل‪ ،‬أو كما أمر‪ ،‬وهذا القول أص ّ‬
‫بالفسخ إلى ُ‬
‫ل تعالى ‪.‬‬
‫فسخ الحج إلى الُعْمرة من وجوه كثيرة‪ ،‬سنذكرها إن شاء ا ّ‬
‫الثانى والعشرون‪ :‬ما أخرجاه فى الصحيحين أبى ِقلبة‪ ،‬عن أنس بن مالك ‪ .‬قال‪)) :‬صّلى بنا‬
‫حليفة ركعتين‪ ،‬فبا َ‬
‫ت‬ ‫ن معه بالمدينة الظهَر أربعًا‪ ،‬والعصَر بذى ال ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ونح ُ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ُ‬
‫حّ‬
‫ج‬ ‫لب َ‬
‫ل وسّبح وكّبر ثّم أه ّ‬
‫حِمَد ا ّ‬
‫حلُته على البيداء‪َ ،‬‬
‫ب حّتى استوت به را ِ‬
‫بها حّتى أصبح‪ ،‬ثم رِك َ‬
‫حج(ِ( ‪.‬‬
‫س بهما‪ ،‬فلما َقدمَنا‪ ،‬أمَر الناس‪ ،‬فحّلوا‪ ،‬حتى إذا كان يوُم الّتْروَيِة أهّلوا بال َ‬
‫ل النا ُ‬
‫عْمرة‪ ،‬وأه ّ‬
‫وُ‬
‫‪62‬‬

‫ل صلى ال‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ل المزنى‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬سمع ُ‬
‫وفي الصحيحين أيضًا‪ :‬عن بكر بن عبد ا ّ‬
‫ج وحَده‪ ،‬فلقي ُ‬
‫ت‬ ‫حّ‬‫ن عمر‪ ،‬فقال‪ :‬لّبى بال َ‬
‫ت بذلك اب َ‬
‫ج والُعمرة جميعًا‪ ،‬قال بكر‪ :‬فحدث ُ‬
‫عليه وسلم ُيلّبى بالح ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫صْبيانًا‪ ،‬سمع ُ‬
‫أنسًا‪ ،‬فحّدثُته بقول ابن عمر‪ ،‬فقال أنس‪ :‬ما تعّدوننا إل ِ‬
‫ئ‪.‬‬
‫ن سنٌة‪ ،‬أو سنٌة َوش ٌ‬
‫سّ‬‫عمر فى ال ّ‬
‫جًا(( ‪ .‬وبين أنس وابن ُ‬
‫حّ‬‫عْمَرًة و َ‬
‫ك ُ‬
‫يقول‪)) :‬لَّبْي َ‬
‫حميد‪ ،‬أنهم سِمعوا‬
‫وفى صحيح مسلم‪ ،‬عن يحيى بن أبى إسحاق‪ ،‬وعبد العزيز بن صهيب‪ ،‬و ُ‬
‫جًا(( ‪.‬‬
‫حّ‬‫عْمَرًة و َ‬
‫ك ُ‬
‫ل بهما‪َ)) :‬لّبْي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أه ّ‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫أنسًا قال‪ :‬سمع ُ‬
‫ى صلى‬
‫ت النب ّ‬
‫وروى أبو يوسف القاضى‪ ،‬عن يحيى بن سعيد النصارى‪ ،‬عن أنس قال‪ :‬سمع ُ‬
‫عْمَرٍة معًا(( ‪.‬‬
‫جوُ‬
‫حّ‬‫ك ِب َ‬
‫ال عليه وسلم يقول‪َ)) :‬لّبْي َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪ُ ،‬يَلّبى‬
‫وروى النسائى من حديث أبى أسماء‪ ،‬عن أنس قال‪)) :‬سمعت النب ّ‬
‫ِبِهَما((‪.‬‬
‫ج‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫وروى أيضًا من حديث الحسن البصرى‪ ،‬عن أنس‪)) :‬أن النبى صلى ال عليه وسلم أه ّ‬
‫والُعْمرة حين صّلى الظهر(( ‪.‬‬
‫وروى البزار‪ ،‬من حديث زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب‪ ،‬عن أنس‪ ،‬أن النبى صلى ال‬
‫سليمان التيمى عن أنس كذلك‪ ،‬وعن أبى قدامة عن أنس‬
‫عْمرة ‪ .‬ومن حديث ُ‬
‫جوُ‬
‫حّ‬‫لب َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬أه ّ‬
‫ن أبى ليلى‪ ،‬عن ثابت‬
‫مثله‪ ،‬وذكر وكيع‪ :‬حدثنا ُمصعب بن سليم قال‪ :‬سمعت أنسًا مثله‪ ،‬قال‪ :‬وحدثنا اب ُ‬
‫البنانى‪ ،‬عن أنس مثله‪ ،‬وذكر الخشنى‪ :‬حدثنا محمد بن بشار‪ ،‬حدثنا محمد بن جعفر‪ ،‬حدثنا شعبة‪ ،‬عن‬
‫أبى قزعة‪ ،‬عن أنس مثله‪.‬‬
‫عَمر‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أرَبع ُ‬
‫لا ّ‬
‫وفى صحيح البخارى‪ ،‬عن قتادة‪ ،‬عن أنس ))اعتمر رسو ُ‬
‫جته‪ ((..‬وقد تقّدم ‪.‬‬
‫حّ‬
‫عْمرة مع َ‬
‫فذكرها وقال‪ :‬و ُ‬
‫حميد بن هلل‪ ،‬عن أنس مثله‪،‬‬
‫وذكر عبد الرزاق‪ :‬حدثنا معمر‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن أبى قلبة و ُ‬
‫فهؤلء ستة عشر نفسًا من الثقات‪ُ ،‬كّلهم مّتِفقون عن أنس‪ ،‬أن لفظ النبى صلى ال عليه وسلم كان‬
‫حميد بن عبد الرحمن‬
‫حميد بن هلل‪ ،‬و ُ‬
‫عمرة معًا‪ ،‬وهم الحسن البصرى‪ ،‬وأبو ِقلبة‪ ،‬و ُ‬
‫جوُ‬
‫حّ‬‫لب َ‬
‫إهل ً‬
‫ل المزنى‪ ،‬وعبد العزيز‬
‫الطويل‪ ،‬وقتادة‪ ،‬ويحيى بن سعيد النصارى‪ ،‬وثابت الُبنانى‪ ،‬وبكر بن عبد ا ّ‬
‫‪63‬‬

‫ن سليم‪ ،‬وأبو أسماء‪،‬‬


‫صهيب‪ ،‬وسليمان التيمى‪ ،‬ويحيى بن أبى إسحاق‪ ،‬وزيد بن أسلم‪ ،‬ومصعب ب ُ‬
‫بن ُ‬
‫سويد بن حجر الباهلى ‪.‬‬
‫وأبو ُقدامة عاصم بن حسين‪ ،‬وأبو قزعة وهو ُ‬
‫فهذه أخبار أنس عن لفظ إهلله صلى ال عليه وسلم الذى سمعه منه‪ ،‬وهذا علىّ والبّراء‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫ُيخبران عن إخباره صلى ال عليه وسلم عن نفسه بالِقران‪ ،‬وهذا على أيضًا‪ُ ،‬يخبر َأن رسو َ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ل عنه‪ُ ،‬يخبر عن رسو ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم فعله‪ ،‬وهذا عمُر بن الخطاب رضى ا ّ‬
‫وسلم‪ ،‬أن رّبه أمره بأن يفعله‪ ،‬وعّلمه الّلفظ الذى يقوله عند الحرام‪ ،‬وهذا على أيضًا يخبر‪ ،‬أنه سمَع‬
‫ن ذكرنا يخبرون عنه‪ ،‬بأنه فعله‪ ،‬وهذا‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيلّبى بهما جميعًا‪ ،‬وهؤلء بقيُة َم ْ‬
‫لا ّ‬
‫رسو َ‬
‫ل عليه وسلم يأُمُر به آله‪ ،‬ويأمر به َمن ساق الَهْدى ‪.‬‬
‫هو صلى ا ّ‬
‫ل بن عمر‪ ،‬وجابر بن عبد‬
‫وهؤلء الذين َرَوُوا الِقران بغاية البيان‪ :‬عائشة أم المؤمنين‪ ،‬وعبُد ا ّ‬
‫ى‪،‬‬
‫ى بن أبى طالب‪ ،‬وعثمان بن عفان بإقراره لعل ّ‬
‫ل بن عباس‪ ،‬وعمر بن الخطاب‪ ،‬وعل ّ‬
‫ل‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫حصين‪ ،‬والبراء بن عازب‪ ،‬وحفصة أم المؤمنين‪ ،‬وأبو قتادة‪ ،‬واب ُ‬
‫ن‬ ‫عمران بن ال ُ‬
‫ى له ‪ ،‬و ِ‬
‫وتقرير عل ّ‬
‫س بن مالك‪ ،‬وسعُد بن أبى وقاص‪ ،‬فهؤلء‬
‫أبى أوفى‪ ،‬وأبو طلحة‪ ،‬والِهرماس بن زياد‪ ،‬وُأّم سلمة‪ ،‬وأن ُ‬
‫ل عنهم‪ ،‬منهم َمن روى فعله‪ ،‬ومنهم َمن روى لفظ إحرامه‪ ،‬ومنهم َمن‬
‫هم سبعَة عشر صحابيًا رضى ا ّ‬
‫روى خبره عن نفسه‪ ،‬ومنهم َمن روى أمره به ‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف تجعلون منهم ابن عمر‪ ،‬وجابرًا‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وابن عباس؟ وهذه عائشُة تقول‪:‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بالحج(( وفى لفظ ))أفرد الحج(( والول فىالصحيحين والثانى‬
‫ل رسول ا ّ‬
‫))أه ّ‬
‫ن عمر يقول‪)) :‬لّبى بالح ّ‬
‫ج‬ ‫ل بالحج ُمفِردا(ً(‪ ،‬وهذا اب ُ‬
‫فى مسلم وله لفظان‪ ،‬هذا أحدهما والثانى))أه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بالحج(( رواه‬
‫ل رسول ا ّ‬
‫وحَده(( ‪ .‬ذكره البخارى‪ ،‬وهذا ابن عباس يقول‪)) :‬وأه ّ‬
‫مسلم‪ ،‬وهذا جابر يقول‪)) :‬أفرد الحج(( رواه ابن ماجه‪.‬‬
‫قيل‪ :‬إن كانت الحاديث عن هؤلء تعارضت وتساقطت‪ ،‬فإن أحاديث الباقين لم تتعارض‪،‬‬
‫ب للعدول‬
‫حجة فيها على الِقران‪ ،‬ول على الفراد لتعارضها‪ ،‬فما الموج ُ‬
‫فهب أن أحاديث َمن ذكرتم ل ُ‬
‫ضها بعضًا ول تعارض بينها‪،‬‬
‫ق بع ُ‬
‫عن أحاديث الباقين مع صراحتها وصحتها؟ فكيف وأحاديُثهم ُيصّد ُ‬
‫ن َمن ظن التعارض لعدم إحاطته بمراد الصحابة من ألفاظهم‪ ،‬وحملها على الصطلح‬
‫وإنما ظ ّ‬
‫الحادث بعدهم ‪.‬‬
‫‪64‬‬

‫ب أن‬
‫ل حسنًا فى اتفاق أحاديثهم نسوقه بلفظه‪ ،‬قال‪ :‬والصوا ُ‬
‫ورأيت لشيخ السلم فص ً‬
‫الحاديث فى هذا الباب متفقة ليست بمختلفة إل اختلفًا يسيرًا يقع مثُله فى غير ذلك‪ ،‬فإن الصحابة‬
‫ل الِقران‪ ،‬والذين ُروى عنهم أنه أفرد‪ُ ،‬روى عنهم أنه تمتع‪،‬‬
‫ثبت عنهم أنه تمّتع‪ ،‬والتمتع عندهم يتناو ُ‬
‫ن‪ ،‬وكان عثمان ينهى‬
‫أما الول‪ :‬ففى الصحيحين عن سعيد بن المسّيب قال‪ :‬اجتمع على وعثمان بُعسفا َ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ل عنه‪)) :‬ما تريد إلى أمر فعله رسو ُ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫عن الُمتعة أو الُعمرة‪ ،‬فقال عل ّ‬
‫وسلم تنهى عنه؟ فقال عثمان‪ :‬دعنا ِمنك ‪ .‬فقال‪ :‬إنى ل أستطيُع أن أَدعك ‪ .‬فلما رأى علىّ رضى عنه‬
‫ل بهما جميعًا((هذا ُيبين أن َمن جمع بينهما كان متمتعًا عندهم‪ ،‬وأن هذا هو الذى فعله النبى‬
‫ذلك‪ ،‬أه ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ووافقه عثمان على أن النبى صلى ال عليه وسلم فعل ذلك‪ ،‬لكن كان النزا ُ‬
‫ع‬
‫خ الحج إلى الُعْمرة فى حقنا كما تنازع فيه‬
‫شِرع فس ُ‬
‫بينهما‪ :‬هل ذلك الفضل فى حقنا أم ل؟ وهل ُ‬
‫ى وعثمان‪ ،‬على أنه تمّتع‪ ،‬والمراد بالتمتع عندهم الِقران‪ ،‬وفى الصحيحين عن‬
‫الفقهاء؟ فقد اتفق عل ّ‬
‫عْمرة‪ ،‬ثم إنه‬
‫جوُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم جمع بين ح ّ‬
‫عمران بن حصين ))إن رسول ا ّ‬
‫مطّرف قال‪ :‬قال ِ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫لم ينه عنه حتى مات‪ ،‬ولم ينزل فيه قرآن يحّرمه(( ‪ .‬وفى رواية عنه‪ :‬تمّتع رسو ُ‬
‫ل السابقين الّولين‪ ،‬أخبر أنه تمتع‪ ،‬وأنه جمع بين الح ّ‬
‫ج‬ ‫عمران وهو من أج ّ‬
‫وسلم وتمتعنا معه‪ ،‬فهذا ِ‬
‫ى‪ ،‬ودخل فى قوله تعالى‪َ} :‬فَمن َتَمّتَع‬
‫والُعْمرة‪ ،‬والقاِرن عند الصحابة متمّتع‪ ،‬ولهذا أوجبوا عليه الَهْد َ‬
‫ى{ ]البقرة‪ ،[196 :‬وذكر حديث عمر عن النبى صلى ال عليه‬
‫ن اْلَهْد ِ‬
‫سَر ِم َ‬
‫سَتْي َ‬
‫ج َفَما ا ْ‬
‫حّ‬‫ِبالُعْمَرِة إَلى ال َ‬
‫جة(( ‪.‬‬
‫حّ‬‫عْمَرٌة فى َ‬
‫ك وقل‪ُ :‬‬
‫ل فى هَذا الَواِدى الُمباَر ِ‬
‫صّ‬‫ن رّبى فقال‪َ :‬‬
‫ت ِم ْ‬
‫وسلم‪)) :‬أتانى آ ٍ‬
‫ى عنهم بأصح‬
‫حصين‪ ،‬رو َ‬
‫عمران بن ُ‬
‫ى‪ ،‬و ِ‬
‫قال‪ :‬فهؤلء الخلفاء الراشدون‪ :‬عمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعل ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قرن بين الُعمرة والحج‪ ،‬وكانوا يسمون ذلك تمتعًا‪ ،‬وهذا‬
‫السانيد‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫ج والُعمرة جميعًا ‪.‬‬
‫سمع النبى صلى ال عليه وسلم ُيلّبى بالح ّ‬
‫أنس يذكر أنه ِ‬
‫ل المزنى‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬أنه لّبى بالحج وحده‪ ،‬فجوابه أن الثقات الذين‬
‫وما ذكره بكُر بن عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ت فى ابن عمر من بكر مثل سالم ابنه‪ ،‬ونافع َرَوْوا عنه أنه قال‪ :‬تمّتع رسو ُ‬
‫هم أثب ُ‬
‫ط بكر عن ابن عمر أولى من تغليط‬
‫ت فى ابن عمر من بكر ‪ .‬فتغلي ُ‬
‫وسلم بالُعْمرة إلى الحج‪ ،‬وهؤلء أثب ُ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وُيشبه أن ابن عمر قال له‪:‬‬
‫سالم ونافع عنه‪ ،‬وأولى من تغليطه هو على النب ّ‬
‫أفرَد الحج‪ ،‬فظن أنه قال‪ :‬لّبى بالحج‪ ،‬فإن إفراد الحج‪ ،‬كانوا ُيطلقونه وُيريدون به إفراد أعمال الحج‪،‬‬
‫‪65‬‬

‫وذلك رد منهم على َمن قال‪ :‬إنه قرن ِقرانًا طاف فيه طوافين‪ ،‬وسعى فيه سعيين‪ ،‬وعلى َمن يقول‪ :‬إنه‬
‫ل من إحرامه‪ ،‬فرواية َمن روى من الصحابة أنه أفرد الحج‪ ،‬ترّد على هؤلء‪ ،‬يبين هذا ما رواه‬
‫حّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بالح ّ‬
‫ج‬ ‫مسلم فى صحيحه عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬قال‪ :‬أهللنا مع رسول ا ّ‬
‫ج مفردًا ‪.‬‬
‫ُمفردًا‪ ،‬وفى رواية‪ :‬أهل بالح ّ‬
‫ل بحج مفردًا‪ ،‬قيل‪ :‬فقد ثبت‬
‫فهذه الرواية إذا قيل‪ :‬إن مقصودها أن النبى صلى ال عليه وسلم أه ّ‬
‫حج‪ ،‬وأنه بدأ‪،‬‬
‫ح من ذلك‪ ،‬عن ابن عمر‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم تمتع بالُعْمرة إلى ال َ‬
‫بإسناد أص ّ‬
‫حج‪ ،‬وهذا ِمن رواية الزهرى‪ ،‬عن سالم‪ ،‬عن ابن عمر وما عارض هذا عن‬
‫ل بال َ‬
‫ل بالُعْمرة ثم أه ّ‬
‫فأه ّ‬
‫صوده موافقًا له‪ ،‬وإما أن يكون ابن عمر لما علم‬
‫ابن عمر‪ ،‬إما أن يكون غلطًا عليه‪ ،‬وإما أن يكون مق ُ‬
‫ن أنه أفرد‪ ،‬كما َوِهَم فى قوله‪ :‬إنه اعتمر فى رجب‪ ،‬وكان‬
‫ل‪ ،‬ظ ّ‬
‫حّ‬‫ى صلى ال عليه وسلم لم َي ِ‬
‫أن النب ّ‬
‫ل من إحرامه‪ ،‬وكان هذا حال المفرد ظن أنه أفرد‪،‬‬
‫حّ‬‫ذلك نسيانًا منه‪ ،‬والنبى صلى ال عليه وسلم لما َي ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ((...‬الحديث ‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫ثم ساق حديث الزهرى‪ ،‬عن سالم‪ ،‬عن أبيه‪)) :‬تمّتع رسو ُ‬
‫ث على‬
‫عروة‪ ،‬عن عائشة بمثل حديث سالم عن أبيه قال‪ :‬فهذا ِمن أصح حدي ٍ‬
‫وقول الزهرى‪ :‬وحدثنى ُ‬
‫سـّنة‪ ،‬عن سالم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬وهو من أصح‬
‫ل زمانه بال ّ‬
‫وجه الرض‪ ،‬وهو من حديث الزهرى أعلم أه ِ‬
‫حديث ابن عمر وعائشة ‪.‬‬
‫ل عنها فى الصحيحين ))أن النبى صلى ال عليه وسلم اعتمر‬
‫وقد ثبت عن عائشة رضى ا ّ‬
‫ن أن يكون متمّتعًا تمّتع‬
‫ج باتفاق العلماء‪ ،‬فيتعي ُ‬
‫حّ‬‫جته(( ‪ .‬ولم يعتِمْر بعد ال َ‬
‫حّ‬
‫عَمر‪ ،‬الرابعة مع َ‬
‫أربَع ُ‬
‫ِقران‪ ،‬أو التمتع الخاص ‪.‬‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫ج والُعْمرة‪ ،‬وقال‪)) :‬هكذا فعل رسو ُ‬
‫حّ‬‫وقد صح عن ابن عمر‪ ،‬أنه قرن بين ال َ‬
‫عليه وسلم(( رواه البخارى فى الصحيح ‪.‬‬
‫ل عنهم‬
‫ل عنهم إفراد الحج‪ ،‬فهم ثلثة‪ :‬عائشة‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وجابر‪ ،‬والثلثة ُنقِ َ‬
‫قال‪ :‬وأما الذين ُنِق َ‬
‫ح من حديثهما‪ ،‬وما صح فى ذلك‬
‫ج أص ّ‬
‫حّ‬‫التمتع‪ ،‬وحديث عائشة وابن عمر‪:‬أنه تمتع بالُعْمرة إلى ال َ‬
‫عنهما‪ ،‬فمعناه إفراُد أعمال الحج‪ ،‬أو أن يكون وقَع منه غلط كنظائره‪ ،‬فإن أحاديث التمتع متواترة‬
‫عمران بن حصين‪ ،‬ورواها أيضًا‪:‬عائشة‪ ،‬واب ُ‬
‫ن‬ ‫رواها أكابُر الصحابة‪ ،‬كعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬وعلى‪ ،‬و ِ‬
‫عمر‪ ،‬وجابر‪ ،‬بل رواها عن النبى صلى ال عليه وسلم بضعة عشر من الصحابة‪.‬‬
‫‪66‬‬

‫قلت‪ :‬وقد اتفق أنس‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وابن عمر‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬على أن النبى صلى ال عليه وسلم‬
‫جته‪،‬‬
‫حّ‬‫عْمرة مع َ‬
‫ن عمر فى كون إحداهن فى رجب‪ ،‬وكلهم قالوا‪ :‬و ُ‬
‫عَمر‪ ،‬وإنما وهم اب ُ‬
‫اعتمر أربع ُ‬
‫وهم سوى ابن عباس ‪ .‬قالوا‪ :‬إنه أفرد الحج‪ ،‬وهم سوى أنس‪ ،‬قالوا‪ :‬تمتع ‪ .‬فقالوا‪ :‬هذا‪ ،‬وهذا‪ ،‬وهذا‪،‬‬
‫ول تناقض بين أقوالهم‪ ،‬فإنه تمتَع َتَمّتَع ِقران‪ ،‬وأفرد أعمال الحج‪ ،‬وقرن بين الّنسكين‪ ،‬وكان قارنًا‬
‫باعتبار جمعه بين الّنسكين‪ ،‬ومفردًا باعتبار اقتصاره على أحد الطوافين والسعيين‪ ،‬ومتمّتعًا باعتبار‬
‫ترّفهه بترك أحد السفرين ‪.‬‬
‫ظ الصحابة ‪ ،‬وجمع الحاديث بعضها إلى بعض ‪ ،‬واعتبر بعضها ببعض ‪ ،‬وفهم‬
‫وَمن تأمل ألفا َ‬
‫ل الهادى‬
‫ح الصواب ‪ ،‬وانقشعت عنه ظلمة الختلف والضطراب ‪ ،‬وا ّ‬
‫صْب ُ‬
‫لغَة الصحابة ‪ ،‬أسفر له ُ‬
‫لسبيل الرشاد ‪ ،‬والموفق لطريق السداد ‪.‬‬
‫فَمن قال ‪ :‬إنه أفرد الحج وأراد به أنه أتى بالحج مفردًا ‪ ،‬ثم فرغ منه ‪ ،‬وأتى بالُعْمرة بعده من التنعيم أو‬
‫غيره ‪ ،‬كما يظن كثيٌر من الناس ‪ ،‬فهذا غلط لم يقله أحد من الصحابة ول التابعين ‪ ،‬ول الئمة الربعة‬
‫سَلف‬
‫جًا مفردًا ‪ ،‬لم يعتِمْر معه كما قاله طائفة من ال َ‬
‫حّ‬‫ج َ‬
‫حّ‬‫‪ ،‬ول أحد من أئمة الحديث ‪ .‬وإن أراد به أنه َ‬
‫خَلف ‪ ،‬فوهم أيضًا ‪ ،‬والحاديث الصحيحة الصريحة ترده كما تَبّين ‪ ،‬وإن أراد به أنه اقتصر على‬
‫وال َ‬
‫أعمال الحج وحده ولم يفرد للُعْمرة أعمال ‪ ،‬فقد أصاب ‪ ،‬وعلى قوله تدل جميع الحاديث ‪ .‬وَمن قال ‪:‬‬
‫ج سعيًا ‪،‬‬
‫حّ‬‫ج طوافًا على حدة ‪ ،‬وللُعْمرة طوافًا على حدة ‪ ،‬وسعى لل َ‬
‫حّ‬‫إنه قرن ‪ ،‬فإن أراد به أنه طاف لل َ‬
‫وللُعْمرة سعيًا ‪ ،‬فالحاديث الثابتة ترد قوله ‪ ،‬وإن أراد أنه قرن بين الّنسكين ‪ ،‬وطاف لهما طوافًا واحدًا‬
‫‪ ،‬وسعى لهما سعيًا واحدًا ‪ ،‬فالحاديث الصحيحة تشهد لقوله ‪ ،‬وقوُله هو الصواب ‪.‬‬
‫ج إحرامًا مستأنفًا ‪،‬‬
‫حّ‬‫ل منه ‪ ،‬ثم أحرم بال َ‬
‫وَمن قال ‪ :‬إنه تمّتع ‪ ،‬فإن أراد أنه تمّتع َتَمّتعًا ح ّ‬
‫سْوق‬
‫ل منه ‪ ،‬بل بقى على إحرامه لجل َ‬
‫حّ‬‫فالحاديث ترّد قوله وهو غلط ‪ ،‬وإن أراد أنه تمتع تمتعًا لم َي ِ‬
‫ل غلطًا ‪ ،‬وإن أراد تمتع الِقران ‪ ،‬فهو الصوا ُ‬
‫ب‬ ‫الَهْدى ‪ ،‬فالحاديث الكثيرة ترّد قوَله أيضًا ‪ ،‬وهو أق ّ‬
‫ل والختلف ‪.‬‬
‫الذى تدل عليه جميع الحاديث الثابتة ‪ ،‬ويأتلف به شمُلها ‪ ،‬ويزول عنها الشكا ُ‬
‫فصل‬
‫عَمر النبى صلى ال عليه وسلم‬
‫فى الغاليط التى وقع فيها بعض العلماء فى ُ‬
‫س طوائف ‪.‬‬
‫ى صلى ال عليه وسلم خم ُ‬
‫عَمر النب ّ‬
‫غِلط فى ُ‬
‫َ‬
‫‪67‬‬

‫عَمَرُه مضبوطٌة محفوظة ‪ ،‬لم يخُرج فى‬


‫إحداها ‪َ :‬من قال ‪ :‬إنه اعتمر فى رجب ‪ ،‬وهذا غلط ‪ ،‬فإن ُ‬
‫رجب إلى شئ منها البتة ‪.‬‬
‫غِل َ‬
‫ط‬ ‫ض الرواة َ‬
‫ل أعلم أن بع َ‬
‫الثانية ‪َ :‬من قال ‪ :‬إّنه اعتمر فى شّوال ‪ ،‬وهذا أيضًا وهم ‪ ،‬والظاهر وا ّ‬
‫فى هذا ‪ ،‬وأنه اعتكف فى شّوال فقال ‪ :‬اعتمر فى شّوال ‪ ،‬لكن سياق الحديث ‪ ،‬وقوله ‪ )) :‬اعتمر‬
‫عْمرتين فى ذى الِقْعَدة (( يدل على أن‬
‫عْمرة فى شّوال ‪ ،‬و ُ‬
‫عَمٍر ‪ُ :‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ثلث ُ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ن دونها ‪ ،‬إنما قصد الُعْمرة ‪.‬‬
‫عائشة ‪ ،‬أو َم ْ‬
‫حجه ‪ ،‬وهذا لم يُقْله أحد من أهل العلم ‪ ،‬وإنما يظّنه‬
‫الثالثة ‪َ :‬من قال ‪ :‬إّنه اعتمر من الّتنعيم بعد َ‬
‫سـّنة ‪.‬‬
‫خبرة له بال ّ‬
‫العوام ‪ ،‬ومن ل ِ‬
‫سـّنة الصحيحُة المستفيضة التى ل ُيمكن‬
‫ل ‪ ،‬وال ّ‬
‫جته أص ً‬
‫حّ‬‫الرابعة ‪َ :‬من قال ‪ :‬إّنه لم يعتِمْر فى َ‬
‫ل هذا القول ‪.‬‬
‫طُ‬‫رّدها ُتب ِ‬
‫ل منها ‪ ،‬ثم أحرم بعدها بالحج من مكة ‪ ،‬والحاديث‬
‫عْمرة ح ّ‬
‫الخامسة ‪َ :‬من قال ‪ :‬إّنه اعتمر ُ‬
‫ل هذا القول وترده ‪.‬‬
‫طُ‬‫الصحيحةُ ُتب ِ‬
‫فصل‬
‫فى الوهام التى وقع فيها بعض العلماء فى حج النبى صلى ال عليه وسلم‬
‫س طوائف ‪.‬‬
‫حجه خم ُ‬
‫ووهم فى َ‬
‫جا مفردًا لم يعتِمْر معه ‪.‬‬
‫حّ‬
‫ج َ‬
‫حّ‬‫الطائفة الولى ‪ :‬التى قالت ‪َ :‬‬
‫ل منه ‪ ،‬ثم أحرم بعده بالحج ‪ ،‬كما قاله القاضى أبو يعلى‬
‫ج متمتعًا تمتعًا ح ّ‬
‫الثانية ‪َ :‬من قال ‪ :‬ح ّ‬
‫وغيره ‪.‬‬
‫سْوق الَهْدى ‪ ،‬ولم يكن قارنًا ‪ ،‬كما قاله أبو‬
‫ل منه لجل َ‬
‫حّ‬‫الثالثة ‪َ :‬من قال ‪ :‬حج متمتعًا تمتعًا لم َي ِ‬
‫محمد بن قدامة صاحب )) المغنى (( وغيره ‪.‬‬
‫ج قارنًا ِقرانًا طاف له طوافين ‪ ،‬وسعى له سعيين ‪.‬‬
‫الرابعة ‪َ :‬من قال ‪ :‬ح ّ‬
‫جا مفردًا ‪ ،‬واعتمر بعده من التنعيم ‪.‬‬
‫حّ‬‫ج َ‬
‫الخامسة ‪َ :‬من قال ‪ :‬ح ّ‬
‫فصل‬
‫فى الغاليط التى وقع فيها بعض العلماء فى إحرام النبى صلى ال عليه وسلم‬
‫‪68‬‬

‫س طوائف ‪.‬‬
‫وغلط فى إحرامه خم ُ‬
‫إحداها ‪َ :‬من قال ‪ :‬لّبى بالُعمرة وحَدها ‪ ،‬واستمر عليها ‪.‬‬
‫ج وحده ‪ ،‬واستمر عليه ‪.‬‬
‫حّ‬‫الثانية ‪َ :‬من قال ‪ :‬لّبى بال َ‬
‫ج ُمفردًا ‪ ،‬ثم أدخل عليه الُعْمرة ‪ ،‬وزعم أن ذلك خاص به ‪.‬‬
‫حّ‬‫الثالثة ‪َ :‬من قال ‪ :‬لّبى بال َ‬
‫حج فى ثانى الحال ‪.‬‬
‫الرابعة ‪َ :‬من قال ‪ :‬لّبى بالُعمرة وحدها ‪ ،‬ثم أدخل عليها ال َ‬
‫سكًا ‪ ،‬ثم عّينه بعد إحرامه ‪.‬‬
‫الخامسة ‪َ :‬من قال ‪ :‬أحرم إحرامًا مطلقًا لم يعّين فيه ُن ُ‬
‫ل منهما‬
‫ل حتى ح ّ‬
‫ن حين أنشأ الحرام ‪ ،‬ولم يح ّ‬
‫ج والُعمرة معًا ِم ْ‬
‫حّ‬‫ب ‪ :‬أنه أحرم بال َ‬
‫والصوا ُ‬
‫جميعًا ‪ ،‬فطاف لهما طوافًا واحدًا ‪ ،‬وسعى لهما سعيًا واحدًا ‪ .‬وساق الَهْدى ‪ ،‬كما دّلت عليه النصو ُ‬
‫ص‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫ل الحديث ‪ ..‬وا ّ‬
‫المستفيضة التى تواترت تواترًا يعلُمه أه ُ‬
‫فصل‬
‫فى أعذار القائلين بهذه القوال ‪ ،‬وبيان منشأ الوهم والغلط‬
‫ل عنهما ‪ ،‬أن النبى‬
‫ل بن عمر رضى ا ّ‬
‫عذر َمن قال ‪ :‬اعتمر فى رجب ‪ ،‬فحديث عبد ا ّ‬
‫أما ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم اعتمر فى رجب متفق عليه ‪ .‬وقد غّلطته عائشُة وغيُرها ‪ ،‬كما فى‬
‫ل بن عمر جالسًا‬
‫عروُة بن الزبير المسجد ‪ ،‬فإذا عبد ا ّ‬
‫ت أنا و ُ‬
‫))الصحيحين (( عن مجاهد ‪ ،‬قال ‪ :‬دخل ُ‬
‫س ُيصّلون فى المسجد صلَة الضحى ‪ ،‬قال ‪ :‬فسألناه عن صلتهم ‪ .‬فقال ‪:‬‬
‫جَرِة عائشة ‪ ،‬وإذا نا ٌ‬
‫حْ‬‫إلى ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ؟ قال ‪ :‬أربعًا ‪ .‬إحداهن ‪ :‬فى رجب ‪،‬‬
‫لا ّ‬
‫بدعة ‪ .‬ثم ُقلنا له ‪ :‬كم اعتمر رسو ُ‬
‫جَرِة ‪ ،‬فقال عروُة ‪ :‬يا ُأّمه أو يا‬
‫حْ‬‫ن عائشَة ُأّم المؤمنين فى ال ُ‬
‫فكرهنا أن َنُرّد عليه ‪ .‬قال ‪ :‬وسمعنا استنا َ‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو َ‬
‫ل؟ قال ‪ :‬يقول ‪ :‬إ ّ‬
‫ل أبو عبد الرحمن ؟ قالت ‪ :‬ما يقو ُ‬
‫ن ما يقو ُ‬
‫ُأّم المؤمنين أل تسمعي َ‬
‫ل أبا عبد الرحمن ‪ ،‬ما اعتمر‬
‫حُم ا ُّ‬
‫عَمٍر ‪ ،‬إحداهن فى رجب ‪ .‬قالت ‪ :‬ير َ‬
‫ال عليه وسلم اعتمر أرَبع ُ‬
‫عَمَره ُكّلها‬
‫ن عباس ‪ :‬إن ُ‬
‫ط إل وهو شاِهٌد ‪ ،‬وما اعتمر فى رجب قط ‪ .‬وكذلك قال أنس ‪ ،‬واب ُ‬
‫عْمرًة ق ّ‬
‫ُ‬
‫كانت فى ذى الِقْعدة ‪ ،‬وهذا هو الصواب ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فيمن قال إنه صلى ال عليه وسلم اعتمر فى شّوال‬
‫‪69‬‬

‫عروة ‪،‬‬
‫ن ُ‬
‫ن قال ‪ :‬اعتمر فى شّوال ‪ ،‬فعُذره ما رواه مالك فى )) الموطأ (( ‪ ،‬عن هشام ب ِ‬
‫وأما َم ْ‬
‫ن فى شّوال ‪ ،‬واثنتين فى ذى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬لم يعتمر إل ثلثًا ‪ ،‬إحداُه ّ‬
‫لا ّ‬
‫عن أبيه ‪ ،‬أن رسو َ‬
‫عروة أصابه فيه ما‬
‫الِقْعدة ‪ .‬ولكن هذا الحديث مرسل ‪ ،‬وهو غلط أيضًا‪ ،‬إما ِمن هشام ‪ ،‬وإما ِمن ُ‬
‫ح رفُعه ‪ .‬قال اب ُ‬
‫ن‬ ‫صّ‬‫أصاب ابن عمر ‪ .‬وقد رواه أبو داود مرفوعًا عن عائشة ‪ ،‬وهو غلط أيضًا ل َي ِ‬
‫ل على بطلنه عن‬
‫عبد البر ‪ :‬وليس روايته مسندًا مما ُيذكر عن مالك فى صحة النقل ‪ .‬قلت ‪ :‬ويد ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إل‬
‫لا ّ‬
‫ن مالك قالوا ‪ :‬لم يعَتِمْر رسو ُ‬
‫سبَ‬
‫عائشة ‪ :‬أن عائشة ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وأن َ‬
‫عمرة‬
‫ضّية ‪ ،‬كانتا فى ذى القِْعدة ‪ ،‬و ُ‬
‫عمرة الَق ِ‬
‫حَدْيِبَيِة و ُ‬
‫عْمرة ال ُ‬
‫فى ذى الِقْعدة ‪ .‬وهذا هو الصواب ‪ ،‬فإن ُ‬
‫جْعَراَنة أيضًا كانت فى أّول ذى الِقْعدة ‪ ،‬وإنما وقع الشتباه‬
‫عمرة ال ِ‬
‫الِقران إنما كانت فى ذى الِقْعدة ‪ ،‬و ُ‬
‫ل معتِمرًا من‬
‫ل مكة لي ً‬
‫أنه خرج من مكة فى شّوال للقاء العدو ‪ ،‬وفرغ من عدوه ‪ ،‬وقسم غناِئَمهم ‪ ،‬ودخ َ‬
‫ى ‪..‬‬
‫ش الكعب ّ‬
‫عْمرُته هذه على كثير من الناس ‪ ،‬وكذلك قال ُمحّر ٌ‬
‫ل ‪ ،‬فخفيت ُ‬
‫جعرانة ‪ ،‬وخرج منها لي ً‬
‫ال ِ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫وا ّ‬
‫فصل‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@فى خطأ َمن ظن أنه صلى ال عليه وسلم اعتمر من التنعيم بعد الحج‬
‫ف المعلوِم‬
‫عذرًا ‪ ،‬فإن هذا خل ُ‬
‫وأما َمن ظن أنه اعتمر ِمن التنعيم بعد الحج ‪ ،‬فل أعلم له ُ‬
‫ج ‪ ،‬ورأى‬
‫حّ‬‫سِمع أنه أفرد ال َ‬
‫ن هذا َ‬
‫جته ‪ ،‬ولم ينقْله أحٌد قط ‪ ،‬ول قاله إماٌم ‪ ،‬ولعل ظا ّ‬
‫حّ‬‫المستفيض من َ‬
‫ل صلى‬
‫جة رسول ا ّ‬
‫حّ‬‫ل الفاق ل ُبد له أن يخُرج بعده إلى التنعيم ‪ ،‬فَنّزل َ‬
‫حج ِمن أه ِ‬
‫ن أفرد ال َ‬
‫ل َم ْ‬
‫أن ك ّ‬
‫ط‪.‬‬
‫ن الَغَل ِ‬
‫ال عليه وسلم على ذلك ‪ ،‬وهذا عي ُ‬
‫فصل‬
‫حجته أص ً‬
‫ل‬ ‫فى عذر َمن قال إنه صلى ال عليه وسلم لم يعتمر فى َ‬
‫ل ‪ ،‬فعذُره أنه لما سمع أنه أفرد الحج ‪ ،‬وعلم يقينًا أنه‬
‫حجته أص ً‬
‫وأما َمن قال ‪ :‬إنه لم يعتمْر فى َ‬
‫حجة اكتفاًء منه بالُعْمرة المتقّدمة ‪ ،‬والحادي ُ‬
‫ث‬ ‫حجته قال ‪ :‬إنه لم يعتِمْر فى تلك ال َ‬
‫لم َيعتِمْر بعد َ‬
‫المستفيضة الصحيحة تُرّد قوَله كما تقّدم من أكثر من عشرين وجهًا ‪ ،‬وقد قال ‪ )) :‬هذه عمرٌة استمتعنا‬
‫عمرتك ؟ وقال سراقة بن مالك ‪ :‬تمّتَع‬
‫ل أنت من ُ‬
‫حّ‬‫حّلوا ولم َت ِ‬
‫س َ‬
‫بها (( وقالت حفصة ‪ :‬ما شأن النا ِ‬
‫‪70‬‬

‫عمران بن حصين ‪ ،‬وابن عباس ‪،‬‬


‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وكذلك قال ابن عمر ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬و ِ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ُ‬
‫عَمِرِه الربع ‪.‬‬
‫حجته وهى إحدى ُ‬
‫وصّرح أنس ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬أنه اعتمر فى َ‬
‫فصل‬
‫ل منها‬
‫عْمرة ح ّ‬
‫فى عذر َمن قال إنه صلى ال عليه وسلم اعتمر ُ‬
‫ن وافقه ‪ ،‬فعذُرهم ما‬
‫ل منها ‪ ،‬كما قاله القاضى أبو يعلى وَم ْ‬
‫عْمرة ح ّ‬
‫وأما َمن قال ‪ :‬إنه اعتمر ُ‬
‫ن حصين وغيرهم أنه صلى ال عليه وسلم تمّتع ‪ ،‬وهذا‬
‫نبِ‬
‫عمرا َ‬
‫ح عن ابن عمر وعائشة ‪ ،‬و ِ‬
‫صّ‬
‫ل ‪ ،‬فلما أخبر معاويُة أنه قصر عن رأسه بِمشَْقص على‬
‫حّ‬‫ل منه ‪ ،‬ويحتمل أنه لم َي ِ‬
‫حّ‬‫يحتِمل أنه تمّتٌع َ‬
‫ن هذا فى غير‬
‫ن أن يكو َ‬
‫ل من إحرامه ‪ ،‬ول ُيمك ُ‬
‫حّ‬‫ل على أنه َ‬
‫المروة ‪ ،‬وحديثه فى )) الصحيحين (( د ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم لم يكن زمن الفتح ُمحِرمًا ‪،‬‬
‫جِة الوداع ‪ ،‬لن معاوية إنما أسلم بعد الفتح ‪ ،‬والنب ّ‬
‫حّ‬
‫َ‬
‫عْمرة الجْعرانِة لوجهين ‪:‬‬
‫ول يمكن أن يكون فى ُ‬
‫جته (( ‪.‬‬
‫حّ‬
‫ث الصحيح ‪ )) :‬وذلك فى َ‬
‫أحدهما ‪ :‬أن فى بعض ألفاظ الحدي ِ‬
‫والثانى ‪ :‬أن فى رواية النسائى بإسناد صحيح ‪ )) :‬وذلك فى أيام العشر (( ‪ ،‬وهذا إنما كان فى‬
‫صوا بالتحليل‬
‫حجته ‪ ،‬وحمل هؤلء رواية َمن روى أن المتعة كانت له خاصة ‪ ،‬على أن طائفًة منهم خ ّ‬
‫َ‬
‫ى من الصحابة ‪ ،‬وأنكر ذلك عليهم آخرون ‪ ،‬منهم‬
‫ن ساق الَهْد َ‬
‫سْوق الَهْدى دون َم ْ‬
‫من الحرام مع َ‬
‫ى صلى ال عليه‬
‫خنا أبو العباس‪ .‬وقالوا ‪َ :‬من تأمل الحاديث المستفيضة الصحيحة ‪ ،‬تبّين له أن النب ّ‬
‫شي ُ‬
‫ل ‪ ،‬ل هو ول أحٌد ممن ساق الَهْدى ‪.‬‬
‫حّ‬‫وسلم لم َي ِ‬
‫فصل‬
‫جته‬
‫حّ‬‫فى أعذار الذين وهموا فى صفة َ‬
‫ج حجًا مفردًا ‪ ،‬لم يعتِمْر فيه‪ ،‬فعذره ما فى )) الصحيحين (( عن عائشة ‪،‬‬
‫أما َمن قال ‪ :‬إنه ح ّ‬
‫ل بُعْمرة ‪ ،‬وِمّنا‬
‫ن أه ّ‬
‫جِة الوداع ‪َ ،‬فِمّنا َم ْ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم عاَم َ‬
‫لا ّ‬
‫أنها قالت ‪ :‬خرجنا َمَع رسو ِ‬
‫ج ‪ .‬وقالوا ‪ :‬هذا‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم بال َ‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫حج ‪ ،‬وأه ّ‬
‫لب َ‬
‫ن أه ّ‬
‫عْمرة ‪ ،‬وِمّنا َم ْ‬
‫جوُ‬
‫حّ‬‫لب َ‬
‫ن أه ّ‬
‫َم ْ‬
‫ج وحده ‪.‬‬
‫حّ‬‫التقسيُم والتنويع ‪ ،‬صريح فى إهلله بال َ‬
‫ج ُمفردًا ((‪.‬‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أه ّ‬
‫ولمسلم عنها ‪)) :‬أن رسول ا ّ‬
‫‪71‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم لّبى بالح ّ‬


‫ج‬ ‫وفى )) صحيح البخارى (( عن ابن عمر ‪)) :‬أن رسول ا ّ‬
‫حَدُه ((‪.‬‬
‫َو ْ‬
‫ل بالحج ((‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أه ّ‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( ‪ ،‬عن ابن عباس ‪)) :‬أن رسول ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أفرد الحج ((‪.‬‬
‫وفى )) سنن ابن ماجه (( ‪ ،‬عن جابر )) أن رسول ا ّ‬
‫ج‪،‬‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ل َنْنِوى إل ال َ‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( عنه )) خرجنا َمَع رسول ا ّ‬
‫لسنا نعِرفُ الُعْمَرَة ((‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ج رسو ُ‬
‫حّ‬‫عروة بن الزبير قال ‪َ )) :‬‬
‫وفى )) صحيح البخارى (( ‪ ،‬عن ُ‬
‫عْمَرٌة [‬
‫ف بالبيت ‪ ] ،‬ثم لم تكن ُ‬
‫ضأ ‪ ،‬ثم طا َ‬
‫ن أّول شئ بدأ به حين َقِدَم مكة ‪ ،‬أنه تو ّ‬
‫‪ ،‬فأخبرتنى عائشُة أ ّ‬
‫عَمُر‬
‫عمرٌة ‪ ،‬ثم ُ‬
‫ف بالبيت ‪ ،‬ثم لم تُكن ُ‬
‫طَوا ُ‬
‫ل عنه ‪ ،‬فكان أّول شئ بدأ به ‪ ،‬ال ّ‬
‫ج أبو بكر رضى ا ّ‬
‫‪ ،‬ثم ح ّ‬
‫عمرٌة ‪ ،‬ثم‬
‫ت ‪ ،‬ثم لم َتُكن ُ‬
‫ف بالَبْي ِ‬
‫طوا ُ‬
‫ل شئ بدأ به ال ُ‬
‫ن ‪ ،‬فرأيُته أّو ُ‬
‫عثما ُ‬
‫ج ُ‬
‫ل ذلك ‪ ،‬ثم ح ّ‬
‫ل عنه ِمث ُ‬
‫رضى ا ّ‬
‫ت مع أبى ‪ :‬الزبيِر بن العّوام ‪ ،‬فكان أّول شئ بدأ به الطواف‬
‫ن عمر ‪ ،‬ثم حجج ُ‬
‫لبُ‬
‫ُمعاوية ‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫عمر عندهم ‪،‬‬
‫عْمَرًة ‪ ،‬وهذا ابن ُ‬
‫ضها ُ‬
‫ن عمر ‪ ،‬ثم لم ينُق ْ‬
‫ت فعل ذلك اب ُ‬
‫عمرُة ‪ ،‬ثم رأي ُ‬
‫بالبيت ‪ ،‬ثم لم َتُكن ُ‬
‫طواف بالبيت ‪،‬‬
‫ل من ال ّ‬
‫ضى ما كاُنوا يبدؤون بشئ حين َيضَُعون أقدامهم أّو َ‬
‫فل يسأُلوَنه ول أحد ممن َم َ‬
‫طوفان به ‪ ،‬ثم إنهما‬
‫تت ُ‬
‫ن ‪ ،‬ل تبدآن بشئ أّول ِمن الَبْي ِ‬
‫ت ُأمى وخالتى حين َتْقَدَما ِ‬
‫حّلون ‪ ،‬وقد رأي ُ‬
‫ثم ل َي ِ‬
‫حوا‬
‫سُ‬‫ن بُعْمرة ‪ ،‬فلما م َ‬
‫ن ‪ ،‬وفل ٌ‬
‫ن ‪ ،‬وقد أخبرتنى ُأّمى أنها أهّلت هى وُأخُتها والُزبيُر ‪ ،‬وفل ٌ‬
‫لِ‬‫حّ‬
‫ل َت ِ‬
‫حّلوا‪((.‬‬
‫ن َ‬
‫الّرْك َ‬
‫ببُ‬
‫ن‬ ‫وفى )) سنن أبى داود (( ‪ :‬حدثنا موسى بن إسماعيل ‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة ‪ ،‬وُوَهْي ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫سو ِ‬
‫جَنا مع َر ُ‬
‫عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬قالت )) خر ْ‬
‫خالد ‪ ،‬كلهما عن هشام بن ُ‬
‫ل ‪ ،‬وَم ْ‬
‫ن‬ ‫ج َفْلُيِه ّ‬
‫حّ‬‫لب َ‬
‫ن ُيه ّ‬
‫شاَء َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫حليفِة قال‪َ ) :‬م ْ‬
‫جة ‪ ،‬فلما كان بذى ال ُ‬
‫حّ‬‫ى ال ِ‬
‫لذ ِ‬
‫عليه وسلم ُمَواِفين ِلهل ِ‬
‫ل بُعْمَرِة ((( ‪ ،‬ثم انفرد ُوَهْيب فى حديثه بأن قال عنه صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ل بُعْمَرٍة َفْلُيِه ّ‬
‫ن ُيِه ّ‬
‫أراَد َأ ْ‬
‫ح بمجموع‬
‫ج (( ‪ .‬فص ّ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ت بُعْمَرٍة (( ‪ .‬وقال الخر ‪ )) :‬وَأّما أنا فُأِه ّ‬
‫لْهَلْل ُ‬
‫ت‪َ ،‬‬
‫)) فإّنى لول أّنى َأْهَدْي ُ‬
‫ج مفردًا ‪.‬‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫الروايتين ‪ ،‬أنه أه ّ‬
‫حكمه وخبره الذى حكم به‬
‫ل عذُرهم ظاهر كما ترى ‪ ،‬ولكن ما عذُرهم فى ُ‬
‫فأرباب هذا القو ِ‬
‫ى وقرنت (( ‪ ،‬وخبر َمن هو تحت بطن ناقته ‪ ،‬وأقر ُ‬
‫ب‬ ‫ت الَهْد َ‬
‫سق ُ‬
‫على نفسه ‪ ،‬وأخبر عنها بقوله ‪ُ )) :‬‬
‫‪72‬‬

‫ن هو‬
‫عْمَرٍة (( ‪ ،‬وخبر َم ْ‬
‫جٍة و ُ‬
‫حّ‬‫ك ِب َ‬
‫إليه حينئذ من غيره ‪ ،‬فهو من أصدق الناس يسمعُه يقول ‪َ )) :‬لّبْي َ‬
‫ل بهما‬
‫ل عنه ‪ ،‬حين ُيخبر أنه أه ّ‬
‫ى بن أبى طالب رضى ا ّ‬
‫ل عليه وسلم ‪ ،‬عل ّ‬
‫س عنه صلى ا ّ‬
‫ن أعلم الّنا ِ‬
‫ِم ْ‬
‫ل منها ‪،‬‬
‫حّ‬‫جميعًا ‪ ،‬ولّبى بهما جميعًا ‪ ،‬وخبُر زوجته حفصَة فى تقريره لها على أنه معتِمٌر بُعمرة لم َي ِ‬
‫ل عليه وسلم ل ُيقِّر على‬
‫فلم ُيْنِكْر ذلك عليها ‪ ،‬بل صّدقها ‪ ،‬وأجابها بأنه مع ذلك حاج ‪ ،‬وهو صلى ا ّ‬
‫ل عليه وسلم عن نفسه بالوحى الذى‬
‫ل ‪ ،‬بل ُيْنكُره ‪ ،‬وما عذرهم عن خبره صلى ا ّ‬
‫باطل يسمُعه أص ً‬
‫عْمَرٍة ‪ ،‬وما عذرهم عن خبر َمن أخبر عنه من أصحابه ‪،‬‬
‫جٍة فى ُ‬
‫حّ‬‫لبَ‬
‫جاءه من ربه ‪ ،‬يأُمره فيه أن ُيِه ّ‬
‫جته ‪،‬‬
‫ل عليه وسلم أنه اعتَمر مع ح ّ‬
‫ج بعدها ‪ ،‬وخبر َمن أخبر عنه صلى ا ّ‬
‫حّ‬‫أنه قرن ‪ ،‬لنه علم أنه ل ي ُ‬
‫ل أحٌد منهم عنه ‪ :‬إّنى أفردت ‪ ،‬ول أتانى‬
‫ئ من ذلك البّتة ‪ ،‬فلم َيُق ْ‬
‫جش ٌ‬
‫وليس مع َمن قال ‪ :‬إنه أفرد الح ّ‬
‫حّلوا هم‬
‫جتك ‪ ،‬كما َ‬
‫حّ‬‫ل ِمن َ‬
‫حّ‬‫حّلوا ‪ ،‬ولم َت ِ‬
‫س َ‬
‫ل النا ِ‬
‫ت من ربى يأمُرنى بالفراد ‪ ،‬ول قال أحٌد ‪ :‬ما با ُ‬
‫آ ٍ‬
‫حج مفرد ‪ ،‬ول قال أحٌد ‪ :‬إنه‬
‫ك بُعمرة مفردة البتة ‪ ،‬ول ب َ‬
‫بُعمرة ‪ ،‬ول قال أحٌد ‪ :‬سمعُته يقول ‪ :‬لّبْي َ‬
‫حجته ‪ ،‬وقد شهد عليه أربعة من الصحابة أنهم سمعوه ُيخِبُر عن نفسه‬
‫عَمر الرابعة بعد َ‬
‫اعتمر أربع ُ‬
‫ق الوهم والغل ِ‬
‫ط‬ ‫ل إلى دفع ذلك إل بأن يقال ‪ :‬لم يسمعوه ‪ .‬ومعلوم قطعًا أن تطّر َ‬
‫بأنه قارن ‪ ،‬ول سبي َ‬
‫طّرق التكذيب إلى َمن قال ‪ :‬سمعُته يقول كذا‬
‫إلى َمن أخبر عما فهمه هو ِمن فعله يظّنه كذلك أولى من َت َ‬
‫ف خبِر َمن أخبر عما ظّنه ِمن فعله‬
‫ب ‪ِ ،‬بخل ِ‬
‫وكذا وإنه لم يسمعه ‪ ،‬فإن هذا ل يتطرق إليه إل التكذي ُ‬
‫ل عليًا ‪ ،‬وأنسًا ‪ ،‬والبّراء ‪ ،‬وحفصة عن أن يقولوا ‪:‬‬
‫وكان واهمًا ‪ ،‬فإنه ل ُينسب إلى الكذب ‪ ،‬ولقد نّزه ا ّ‬
‫سمعناه يقول كذا ولم يسمعوه ‪ ،‬نّزهه رّبه تبارك وتعالى ‪ ،‬أن يرسل إليه ‪ :‬أن افعل كذا وكذا ولم‬
‫ل الباطل ‪ ،‬فكيف والذين ذكروا الفراد عنه لم ُيخالفوا هؤلء فى‬
‫يفعله ‪ ،‬هذا ِمن أمحل الُمحال ‪ ،‬وأبط ِ‬
‫مقصودهم ‪ ،‬ول ناقضوهم ‪ ،‬وإنما أرادوا إفراد العمال ‪ ،‬واقتصاره على عمل المفرد ‪ ،‬فإنه ليس فى‬
‫عمله زيادٌة على عمل المفرد ‪ .‬وَمن روى عنهم ما ُيوِهم خلف هذا ‪ ،‬فإنه عّبر بحسب ما فهمه ‪ ،‬كما‬
‫ج وحده ‪ ،‬فحمله على المعنى ‪ .‬وقال‬
‫ن عمر يقول ‪ :‬أفرد الحج ‪ ،‬فقال ‪ :‬لّبى بالح ّ‬
‫لبَ‬
‫سمع بكر بن عبد ا ّ‬
‫ج ‪ ،‬فهذا سالم ُيخبُر بخلف ما‬
‫ل بالح ّ‬
‫ل بالُعمرة ‪ ،‬ثم أه ّ‬
‫سالم ابنه عنه ونافع موله ‪ :‬إنه تمّتع ‪ ،‬فبدأ فأه ّ‬
‫ل بالُعمرة ‪ ،‬ثم أه ّ‬
‫ل‬ ‫سره بقوله ‪ :‬وبدأ فأه ّ‬
‫ح تأويل هذا عنه بأنه أمر به ‪ ،‬فإنه ف ّ‬
‫صّ‬‫أخبر به بكر ‪ ،‬ول َي ِ‬
‫عروة ‪ ،‬والقاسم ‪ ،‬وروى الِقران‬
‫ل عنها ‪ ،‬فهما ‪ُ :‬‬
‫ج ‪ ،‬وكذا الذين َرَوُوا الفراد عن عائشة رضى ا ّ‬
‫بالح ّ‬
‫عروة الفراد ‪ ،‬والّزهرى يروى عنه الِقران ‪ .‬فإن‬
‫عنها عروُة ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬وأبو السود يروى عن ُ‬
‫‪73‬‬

‫ت ِروايُة الفراد على أنه أفرد أعمال الحج ‪،‬‬


‫حِمَل ْ‬
‫ط الروايتين ‪ ،‬سلمت رواية مجاهد ‪ ،‬وإن ُ‬
‫قّدرنا تساُق َ‬
‫ج ‪ ،‬محتمل‬
‫تصادقت الروايات وصّدق بعضها بعضًا ‪ ،‬ول ريب أن قول عائشة ‪ ،‬وابن عمر ‪ :‬أفرد الح ّ‬
‫لثلثة معان ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬الهلل به مفردًا ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬إفراُد أعماله ‪.‬‬
‫ف الُعْمرة ‪ ،‬فإنها كانت أربع مرات ‪.‬‬
‫ج معها غيرها ‪ ،‬بخل ِ‬
‫حّ‬‫حجًة واحدة لم َي ُ‬
‫ج َ‬
‫الثالث ‪ :‬أنه ح ّ‬
‫ل بالحج ‪ ،‬فحكيا ِفعَله ‪ ،‬فهذا‬
‫ل بالُعْمرة ‪ ،‬ثم أه ّ‬
‫وأما قولهما ‪ :‬تمّتع بالُعمرة إلى الحج ‪ ،‬وبدأ فأه ّ‬
‫صريح ل يحتِمل غير معنى واحد ‪ ،‬فل يجوز رّده بالمجمل ‪ ،‬وليس فى رواية السود بن يزيد وعمرة‬
‫عروة عنها أنه قرن ‪ ،‬فإن القاِرن حاج ُمِهل‬
‫ج ما ُيناقض رواية مجاهد و ُ‬
‫ل بالح ّ‬
‫عن عائشة ‪ ،‬أنه أه ّ‬
‫ضمت‬
‫ل بالحج ‪ ،‬فهو غيُر صادق ‪ ،‬فإن ُ‬
‫حجته ‪ ،‬فمن أخبر عنها أنه أه ّ‬
‫عْمرته جزء من َ‬
‫ج قطعًا ‪ ،‬و ُ‬
‫بالح ّ‬
‫عروة ‪ ،‬تبّين من مجموع الروايات أنه‬
‫ضمتا إلى رواية ُ‬
‫ِرواية مجاهد إلى رواية عمرة والسود ‪ ،‬ثم ُ‬
‫ل عائشة وابن عمر إل معنى الهلل به‬
‫ل قو ُ‬
‫ضها بعضًا ‪ ،‬حتى لو لم يحَتِم ْ‬
‫كان قارنًا ‪ ،‬وصّدق بع ّ‬
‫طعًا أن يكون سبيله سبيل قول ابن عمر ‪ :‬اعتمر فى رجب ‪ ،‬وقول عائشة أو عروة ‪:‬‬
‫ب َق ْ‬
‫ج َ‬
‫مفردًا ‪َ،‬لَو َ‬
‫ل عليه وسلم اعتمر فى شّوال ‪ ،‬إل أن تلك الحاديث الصحيحة الصريحة ل سبيل أص ً‬
‫ل‬ ‫إنه صلى ا ّ‬
‫إلى تكذيب رواتها ول تأويلها وحملها على غير ما دّلت عليه ‪ ،‬ول سبيل إلى تقديم هذه الرواية‬
‫ن هو أوثق منهم أو مثُلهم‬
‫ف عنهم فيها ‪ ،‬وعارضهم َم ْ‬
‫المجملة التى قد اضطربت على رواتها ‪ ،‬واخُتِل َ‬
‫عليها ‪.‬‬
‫ح من حديثه ليس فيه شئ من هذا ‪ ،‬وإنما فيه إخباُره‬
‫ج ‪ ،‬فالصري ُ‬
‫حّ‬‫وأما قول جابر ‪ :‬إنه أفرد ال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم لّبى‬
‫عنهم أنفسهم أنهم ل ينوون إل الحج ‪ ،‬فأين فى هذا ما يدل على أن رسول ا ّ‬
‫ج مفردًا ‪.‬‬
‫بالح ّ‬
‫حج ‪ ،‬فله‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أفرد ال َ‬
‫وأما حديثه الخُر الذى رواه ابن ماجه ‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫ثلث طرق ‪ .‬أجودها ‪ :‬طريق الدراوردى عن جعفر بن محمد عن أبيه ‪ ،‬وهذا يقينًا مختصر من حديثه‬
‫ج‪،‬‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫جة الوداع ‪ ،‬ومروى بالمعنى ‪ ،‬والناس خالفوا الدراوردى فى ذلك ‪ .‬وقالوا ‪ :‬أه ّ‬
‫حّ‬‫الطويل فى َ‬
‫ل بالتوحيد ‪ .‬والطريق الثانى ‪ :‬فيها ُمطّرف بن ُمصعب ‪ ،‬عن عبد العزيز بن أبى حازم ‪ ،‬عن‬
‫وأه ّ‬
‫‪74‬‬

‫ن أخت مالك ‪ ،‬روى‬


‫ت ‪ :‬ليس هو بمجهول ‪ ،‬ولكنه اب ُ‬
‫جعفر وُمطّرف ‪ ،‬قال ابن حزم ‪ :‬هو مجهول ‪ ،‬قل ُ‬
‫ب إل ّ‬
‫ى‬ ‫عنه البخارى ‪ ،‬وبشر بن موسى‪ ،‬وجماعة ‪ .‬قال أبو حاتم ‪ :‬صدوق مضطرب الحديث ‪ ،‬هو أح ّ‬
‫ن أبا محمد ابن حزم رأى فى النسخة‬
‫من إسماعيل بن أبى أويس ‪ ،‬وقال ابن عدى ‪ :‬يأتى بمناكير ‪ ،‬وكأ ّ‬
‫ُمطّرف بن ُمصعب فجهله ‪ ،‬وإنما هو ُمطّرف أبو مصعب ‪ ،‬وهو مطّرف ابن عبد ال بن مطّرف بن‬
‫ط فى هذا أيضًا ‪ ،‬محمد بن عثمان الذهبى فى كتابه )) الضعفاء (( فقال ‪:‬‬
‫غِل َ‬
‫سليمان بن يسار ‪ ،‬وممن َ‬
‫ت ‪ :‬والراوى عن ابن أبى ذئب ‪،‬‬
‫ُمطّرف بن ُمصعب المدنى عن ابن أبى ذئب منكر الحديث ‪ .‬قل ُ‬
‫ل اب ِ‬
‫ن‬ ‫والدراوردى ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬هو ُمطّرف أبو ُمصعب المدنى ‪ ،‬وليس بمنكر الحديث ‪ ،‬وإنما غّره قو ُ‬
‫ن عدى جملة ‪ ،‬لكن هى من روايِة أحمد بن داود بن صالح‬
‫عدى ‪ :‬يأتى بمناكير ‪ ،‬ثم ساق له منها اب ُ‬
‫عنه ‪ ،‬كّذبه الدارقطنى ‪ ،‬والبلء فيها منه ‪.‬‬
‫والطريق الثالث ‪ :‬لحديث جابر فيها محمد بن عبد الوّهاب ُينظر فيه َمن هو وما حاُله عن محمد‬
‫بن مسلم ‪ ،‬إن كان الطائفى ‪ ،‬فهو ثقة عند ابن معين ‪ ،‬ضعيف عند المام أحمد ‪ ،‬وقال ابن حزم ‪ :‬ساقط‬
‫ن حزم ‪ :‬وإن كان غيره ‪ ،‬فل أدرى‬
‫البتة ‪ ،‬ولم أر هذه العبارة فيه لغيره ‪ ،‬وقد استشهد به مسلم ‪ ،‬قال اب ُ‬
‫ل حال فلو صح هذا عن جابر ‪ ،‬لكان حكمه‬
‫َمن هو ؟ قلت ‪ :‬ليس بغيره ‪ ،‬بل هو الطائفى يقينًا ‪ ،‬وبك ّ‬
‫ج ‪ ،‬فلعلّ هؤلء‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ن عمر ‪ ،‬وسائر الرواة الثقات ‪ ،‬إنما قالوا ‪ :‬أه ّ‬
‫ى عن عائشة واب ِ‬
‫حكم المرو ّ‬
‫ج ‪ ،‬فَمن قال ‪ :‬أه ّ‬
‫ل‬ ‫حج ‪ ،‬ومعلوم أن الُعمرة إذا دخلت فى الح ّ‬
‫حملوه على المعنى ‪ ،‬وقالوا ‪ :‬أفرد ال َ‬
‫ج ‪ ،‬يحتِمل ما‬
‫صل ‪ ،‬وذاك أجمل ‪ .‬وَمن قال ‪ :‬أفرد الح ّ‬
‫ل بهما ‪ ،‬بل هذا ف ّ‬
‫ض َمن قال ‪ :‬أه ّ‬
‫حج ‪ ،‬ل ُيناِق ُ‬
‫بال َ‬
‫جٍة مفردة (( ‪ ،‬هذا‬
‫حّ‬‫ك ِب َ‬
‫ط عنه ‪ :‬إنه سمعه يقول ‪ )) :‬لّبْي َ‬
‫ذكرنا من الوجوه الثلثة ‪ ،‬ولكن هل قال أحٌد ق ّ‬
‫ل إلى دفعها‬
‫جَد ذلك لم ُيَقّدْم على تلك الساطين التى ذكرناها والتى ل سبي َ‬
‫ما ل سبيل إليه ‪ ،‬حتى لو ُو ِ‬
‫ط هذا أو حمُله على أول الحرام ‪ ،‬وأنه صار قارنًا فى أثنائه متعينًا ‪ ،‬فكيف ولم يثُبت‬
‫البتة ‪ ،‬وكان تغلي ُ‬
‫ل عنه ‪ ،‬أن‬
‫سفيان الثورى ‪ ،‬عن جعفر بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن جابر رضى ا ّ‬
‫ذلك ‪ ،‬وقد قّدمنا عن ُ‬
‫ل بن أبى‬
‫جة الوداع ‪ .‬رواه زكريا الساجى ‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬قرن فى َ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ج‪،‬‬
‫حّ‬‫حباب ‪ ،‬عن سفيان ‪ ،‬ول تناقض بين هذا وبين قوله ‪ :‬أهلّ بال َ‬
‫طوانى ‪ ،‬عن زيد ابن ال ُ‬
‫زياد الَق َ‬
‫ج ‪ ،‬كما تقّدم ‪.‬‬
‫حّ‬‫ج ‪ ،‬ولّبى بال َ‬
‫حّ‬‫وأفرد بال َ‬
‫فصل‬
‫‪75‬‬

‫فى الترجيح لرواية َمن روى الِقران‬


‫ح لرواية َمن روى الِقران لوجوه عشرة ‪.‬‬
‫فحصل الترجي ُ‬
‫أحدها ‪ :‬أنهم أكثُر كما تقّدم ‪.‬‬
‫طرق الخبار بذلك تنّوعت كما بّيناه ‪.‬‬
‫الثانى ‪ :‬أن ُ‬
‫الثالث ‪ :‬أن فيهم َمن أخبر عن سماعه ولفظه صريحًا ‪ ،‬وفيهم َمن أخبر عن إخباره عن نفسه‬
‫ئ من ذلك فى الفراد ‪.‬‬
‫بأنه فعل ذلك ‪ ،‬وفيهم َمن أخبر عن أمر ربه له بذلك ‪ ،‬ولم يجئ ش ٌ‬
‫عَمر لها ‪.‬‬
‫ق روايات َمن روى أنه اعتمر أربع ُ‬
‫الرابع ‪ :‬تصدي ُ‬
‫ل التأويل ‪ ،‬بخلف روايات الفراد ‪.‬‬
‫الخامس ‪ :‬أنها صريحة ل تحتِم ُ‬
‫ل الفراد أو َنَفْوها ‪ ،‬والذاكر الزائد مقّدم على‬
‫السادس ‪ :‬أنها متضّمنة زيادًة سكت عنها أه ُ‬
‫ت مقّدم على النافى ‪.‬‬
‫الساكت ‪ ،‬والُمْثِب ُ‬
‫ن عباس ‪ ،‬والربعة َرَوُوا‬
‫ن عمر ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬واب ُ‬
‫السابع ‪ :‬أن رواة الفراد أربعة ‪ :‬عائشة ‪ ،‬واب ُ‬
‫صرنا‬
‫ت رواية َمن عداهم للِقران عن معارض ‪ ،‬وإن ِ‬
‫سِلَم ْ‬
‫ط رواياتهم ‪َ ،‬‬
‫صرنا إلى تساُق ِ‬
‫الِقران ‪ ،‬فإن ِ‬
‫طرب الروايُة عنه ول اختلفت ‪ ،‬كالبّراء ‪ ،‬وأنس ‪ ،‬وعمرَ‬
‫إِلى الترجيح ‪ ،‬وجب الخُذ برواية َمن لم تض ِ‬
‫عمران بن حصين ‪ ،‬وحفصة ‪ ،‬وَمن معهم ممن تقّدم ‪.‬‬
‫بن الخطاب ‪ ،‬و ِ‬
‫سك الذى ُأِمَر به من رّبه ‪ ،‬فلم يكن ليعدل عنه ‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬أنه الّن ُ‬
‫ساُقوا الَهْدى ‪ ،‬ثم‬
‫ل َمن ساق الَهْدى ‪ ،‬فلم يكن ِليأمرهم به إذا َ‬
‫سك الذى ُأمر به ُك ّ‬
‫التاسع ‪ :‬أّنه الّن ُ‬
‫يسوق هو الَهْدى وُيخالفه ‪.‬‬
‫ل بيِتِه ‪ ،‬واختاره لهم ‪ ،‬ولم يكن ِليختاَر لهم إل ما اختاَر‬
‫سك الذى َأمر به آله وأه َ‬
‫العاشر ‪ :‬أّنه الّن ُ‬
‫لنفسه ‪.‬‬
‫ج إلى يوم القيامة (( ‪ ،‬وهذا‬
‫حّ‬‫ح حادى عشر ‪ ،‬وهو قوله ‪ )) :‬دخلت الُعْمرة فى ال َ‬
‫ت ترجي ٌ‬
‫َوَثّم َ‬
‫جزءًا منه ‪ ،‬أو كالجزء الداخل فيه ‪ ،‬بحيث ل ُيفصل بينها وبينه ‪ ،‬وإنما تكون‬
‫يقتضى أنها قد صارت ُ‬
‫ج كما يكون الداخل فى الشئ معه ‪.‬‬
‫مع الح ّ‬
‫ى ابن معبد وقد أه ّ‬
‫ل‬ ‫صـَب ّ‬
‫ل عنه لل ّ‬
‫ل عمر بن الخطاب رضى ا ّ‬
‫وترجيح ثانى عشر ‪ :‬وهو قو ُ‬
‫سـّنة نبيك‬
‫تلّ‬
‫صوحان ‪ ،‬أو سلمان ابن ربيعة ‪ ،‬فقال له عمر ‪ُ :‬هِدي َ‬
‫عمرة ‪ ،‬فأنكر عليه زيد بن ُ‬
‫جوُ‬
‫بح ّ‬
‫‪76‬‬

‫ل عليه وسلم أن الوحى جاءه من‬


‫محمد صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهذا ُيوافق رواية عمر عنه صلى ا ّ‬
‫ل له ِبها ‪.‬‬
‫ل أمَر ا ّ‬
‫سـّنُته التى َفَعَلها ‪ ،‬وامتث َ‬
‫ل على أن الِقران ّ‬
‫ل بهما جميعًا ‪ ،‬فد ّ‬
‫ل بالهل ِ‬
‫ا ّ‬
‫سكين ‪ ،‬فيقع إحراُمه وطواُفه وسعُيه‬
‫ل من الّن ُ‬
‫ن تقُع أعماُله عن ُك ّ‬
‫وترجيح ثالث عشر ‪ :‬أن القار َ‬
‫حدة ‪.‬‬
‫ل ِمن وقوعه عن أحدهما ‪ ،‬وعمل كل فعل على ِ‬
‫عنهما معًا ‪ ،‬وذلك أكم ُ‬
‫سٍ‬
‫ك‬‫ل بل ريب ِمن ُن ُ‬
‫سْوق الَهْدى أفض ُ‬
‫ك الذى اشتمل على َ‬
‫سَ‬
‫وترجيح رابع عشر ‪ :‬وهو أن الّن ُ‬
‫ك منهما عن َهْدى ‪،‬‬
‫سٌ‬
‫ل ُن ُ‬
‫خُ‬‫سكين ‪ ،‬فلم َي ْ‬
‫ن ‪ ،‬كان َهْدُيه عن كل واحد من الّن ُ‬
‫خل عن الَهْدى ‪ ،‬فإذا َقر َ‬
‫ج والُعْمرة معًا ‪،‬‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َمن ساق الَهْدى أن ُيِه ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل أعلم أمَر رسو ُ‬
‫ولهذا وا ّ‬
‫ت (( ‪.‬‬
‫ى َوَقرْن ُ‬
‫ت الَهْد َ‬
‫سْق ُ‬
‫وأشار إلى ذلك فى المتفق عليه من حديث البّراء بقوله ‪ )) :‬إنى ُ‬
‫ل من الفراد لوجوه كثيرة منها ‪:‬‬
‫وترجيح خامس عشر ‪ :‬وهو أنه قد ثبت أن التمتع أفض ُ‬
‫ضول الذى هو‬
‫ضل إلى المف ُ‬
‫ل أن َيْنُقَلُهم من الفا ِ‬
‫ج إليه ‪ ،‬وُمحا ٌ‬
‫حّ‬‫ل عليه وسلم أمرهم بفسخ ال َ‬
‫أنه صّلى ا ّ‬
‫سْق ُ‬
‫ت‬ ‫سَتْدَبْرتُ لَما ُ‬
‫ن َأْمرى َما ا ْ‬
‫ت ِم ْ‬
‫سَتقَْبْل ُ‬
‫سف على كونه لم يفعله بقوله ‪ )) :‬لو ا ْ‬
‫دونه ‪ .‬ومنها ‪ :‬أنه تأ ّ‬
‫ج الذى استقر‬
‫ى ‪ .‬ومنها ‪ :‬أن الح ّ‬
‫ق الَهْد َ‬
‫سِ‬‫ل َمن لم َي ُ‬
‫عْمرًة (( ‪ .‬ومنها ‪ :‬أنه َأمر به ُك ّ‬
‫جَعْلُتها ُ‬
‫ى وَل َ‬
‫الَهْد َ‬
‫سق الَهْدى ‪ ،‬ولوجوه كثيرة غير‬
‫ى ‪ ،‬والتمتع لمن لم َي ُ‬
‫عليه فعله وفعل أصحابه الِقران لمن ساق الَهْد َ‬
‫ل ِمن متمتع اشتراه من مكة ‪ ،‬بل فى أحد القولين ‪ :‬ل َهْدى‬
‫هذه ‪ ،‬والمتمتع إذا ساق الَهْدى ‪ ،‬فهو أفض ُ‬
‫ل من متمتع لم يسق ‪ ،‬وِمن‬
‫حَرم ‪ .‬فإذا ثبت هذا ‪ ،‬فالقاِرن السائق أفض ُ‬
‫ل وال َ‬
‫حّ‬‫إل ما جمع فيه بين ال ِ‬
‫حلّ ‪ ،‬فكيف‬
‫ق الَهْدى ِمن أدنى ال ِ‬
‫متمتع ساق الَهْدى لنه قد ساق من حين أحرم ‪ ،‬والمتمتع إنما يسو ُ‬
‫جِعل أفضل من قارن‬
‫ق َهْديًا ‪ ،‬أفضل من متمّتع ساقه من أدنى الحل ؟ فكيف إذا ُ‬
‫س ْ‬
‫ُيجعل ُمفِرٌد لم َي ُ‬
‫ل واضح ‪.‬‬
‫ساقه من الميقات ‪ ،‬وهذا بحمد ا ّ‬
‫فصل‬
‫فى عذر َمن قال إنه صلى ال عليه وسلم حج متمتعًا تمتعًا حلّ فيه من إحرامه‬
‫ج مع‬
‫ل فيه من إحرامه ‪ ،‬ثم أحرم يوَم الّترويِة بالح ّ‬
‫ج متمتعًا تمتعًا ح ّ‬
‫حّ‬‫وأما قول َمن قال ‪ :‬إنه َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫صَر عن رسول ا ّ‬
‫سْوق الَهْدى ‪ ،‬فعذره ما تقّدم من حديث معاوية ‪ ،‬أنه ق ّ‬
‫َ‬
‫س على معاوية ‪ ،‬وغّلطوه فيه ‪،‬‬
‫جته ‪ .‬وهذا مما أنكره النا ُ‬
‫حّ‬‫ص فى العشر وفى لفظ ‪ :‬وذلك فى ُ‬
‫شَق ٍ‬
‫ِبِم ْ‬
‫ن عمر فى قوله ‪ :‬إنه اعتمر فى رجب ‪ ،‬فإن سائر الحاديث الصحيحة‬
‫وأصابه فيه ما أصاب اب َ‬
‫‪77‬‬

‫ل يوم‬
‫ل من إحرامه إ ّ‬
‫حّ‬‫ل عليه وسلم لم َي ِ‬
‫المستفيضة من الوجوه المتعّددة كلها تدل على أنه صلى ا ّ‬
‫ت الَهْد َ‬
‫ى‬ ‫سْق ُ‬
‫ت (( ‪ ،‬وقوله ‪ِ )) :‬إّنى ُ‬
‫حَلْل ُ‬
‫لْ‬‫ى َ‬
‫ى الَهْد َ‬
‫ن َمع َ‬
‫ل َأ ّ‬
‫النحر ‪ ،‬ولذلك أخبر عن نفسه بقوله ‪َ )) :‬لْو َ‬
‫ط ‪ ،‬بخلف خبر غيره‬
‫حَر (( ‪ .‬وهذا خبٌر عن نفسه ‪ ،‬فل يدخله الوهُم ول الغل ُ‬
‫ل حّتى َأْن َ‬
‫حّ‬‫ل ُأ ِ‬
‫ت َف َ‬
‫َوَقَرْن ُ‬
‫ف ما أخبر به عن نفسه ‪ ،‬وأخبر عنه به الجّم الغفيُر ‪ ،‬أنه لم يأخذ من شعره‬
‫عنه ‪ ،‬ل سيما خبرًا يخاِل ُ‬
‫صَر عن‬
‫حَلق يوَم النحر ‪ ،‬ولعل معاوية ق ّ‬
‫شيئًا ‪ ،‬ل بتقصير ول حلق ‪ ،‬وأنه بقى على إحرامه حتى َ‬
‫جْعرانة ‪ ،‬فإنه كان حينئذ قد أسلم ‪ ،‬ثم نسى ‪ ،‬فظن أن ذلك كان فى العشر ‪ ،‬كما نسى‬
‫رأسه فى عمرة ال ِ‬
‫عَمَرُه كانت كّلها فى ذى الِقْعدَة ‪ .‬وقال ‪ :‬كانت ] إحداهن [ فى رجب ‪ ،‬وقد كان معه فيها ‪،‬‬
‫ن عمر أن ُ‬
‫اب ُ‬
‫والوهم جائٌز على َمن سوى الرسول صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فإذا قام الدليل عليه ‪ ،‬صار واجبًا ‪.‬‬
‫ق يوم النحر ‪ ،‬فأخذه‬
‫لُ‬‫صَر عن رأسه بقية شعر لم يكن استوفاه الح ّ‬
‫وقد قيل ‪ :‬إن معاوية لعله ق ّ‬
‫لق ل ُيبقى غلطًا‬
‫معاوية على المروة ‪ ،‬ذكره أبو محمد بن حزم ‪ ،‬وهذا أيضًا ِمن وهمه ‪ ،‬فإن الح ّ‬
‫صر منه ‪ ،‬ثم ُيبقى منه بعد التقصير بقية يوم النحر ‪ ،‬وقد قسم شعر رأسه بين الصحابة ‪،‬‬
‫شعرًا ُيق ّ‬
‫ق الخر ‪ ،‬الشعرة ‪ ،‬والشعرتين ‪،‬‬
‫شَ‬‫شقين ‪ ،‬وبقية الصحابة اقتسموا ال ّ‬
‫فأصاب أبا طلحة أحد ال ّ‬
‫صفا والمروِة إل سعيًا واحدًا وهو سعُيه الول ‪ ،‬لم يسَع عقب‬
‫والشعرات ‪ ،‬وأيضًا فإنه لم يسَع بين ال ّ‬
‫حضٌ ‪ .‬وقيل ‪ :‬هذا السناد إلى معاوية وقع‬
‫ج قطعًا ‪ ،‬فهذا وهم َم ْ‬
‫حّ‬‫ف الفاضة ‪ ،‬ول اعتمر بعد ال َ‬
‫طوا ِ‬
‫ى ‪ ،‬فجعله عن معمر ‪ ،‬عن ابن طاووس ‪ ،‬وإنما هو عن‬
‫فيه غلط وخطأ ‪ ،‬أخطأ فيه الحسن ابن عل ّ‬
‫حجير‪ ،‬عن ابن طاووس ‪ ،‬وهشام ‪ :‬ضعيف ‪.‬‬
‫هشام ابن ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ت عن رأس رسو ِ‬
‫صْر ُ‬
‫ث الذى فى البخارى عن معاوية ‪ :‬ق ّ‬
‫قلت ‪ :‬والحدي ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫سو ِ‬
‫س َر ُ‬
‫ن َرأ ِ‬
‫عْ‬‫ت َ‬
‫صْر ُ‬
‫ص ‪َ ،‬وَلْم َيِزْد على َهَذا ‪ ،‬والذى عند مسلم ‪َ :‬ق ّ‬
‫وسلم بمشَْق ٍ‬
‫عَلى الَمْرَوِة ‪ .‬وليس فى )) الصحيحين (( غير ذلك ‪.‬‬
‫ص َ‬
‫وسلم ِبِمشَْق ٍ‬
‫وأما روايُة َمن روى ‪ )) :‬فى أيام العشر (( فليست فى الصحيح ‪ ،‬وهى معلولة ‪ ،‬أو وهم من‬
‫ن هذا على معاوية ‪.‬‬
‫معاوية ‪ .‬قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه ‪ ،‬والناس ُينِكُرو َ‬
‫ط‪.‬‬
‫ل ‪ :‬إن هذا ما كان فى العشر ق ّ‬
‫ف با ِّ‬
‫وصدق قيس ‪ ،‬فنحن نحِل ُ‬
‫ويشبه هذا وهم معاوية فى الحديث الذى رواه أبو داود ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبى شيخ الُهنائى ‪ ،‬أن‬
‫ن‬
‫عْ‬‫ى صلى ال عليه وسلم َنَهى َ‬
‫ن النب ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم ‪ :‬هل تعلُمون أ ّ‬
‫معاوية قال لصحاب النب ّ‬
‫‪78‬‬

‫ج والُعْمَرِة ؟‬
‫حّ‬‫ن ال َ‬
‫ن َبْي َ‬
‫ن ُيْقَر َ‬
‫ن َأّنُه َنَهى َأ ْ‬
‫جُلوِد الّنُموِر ؟ قالوا ‪َ :‬نَعم ‪ .‬قال ‪َ :‬فَتْعَلُمو َ‬
‫ب ُ‬
‫ن ُرُكو ِ‬
‫عْ‬‫َكَذا ‪َ ،‬و َ‬
‫ل ‪ :‬إن هذا وهم ِمن معاوية ‪،‬‬
‫شَهُد با ِّ‬
‫سيُتم ‪ .‬ونحن َن ْ‬
‫ل ‪َ :‬أما إّنَها َمَعَها َوَلِكّنُكْم َن ِ‬
‫ل ‪َ ،‬فَقا َ‬
‫َقالوا ‪َ :‬أّما هِذِه ‪َ ،‬ف َ‬
‫ط ‪ ،‬وأبو شيخ شيخ ل ُيحتج به ‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن ذلك ق ّ‬
‫لا ّ‬
‫ب عليه ‪ ،‬فلم ينَه رسو ُ‬
‫أو كذ ٌ‬
‫ل عن أن يقّدم على الثقات الحّفاظ العلم ‪ ،‬وإن روى عنه قتادة ويحيى بن أبى كثير واسمه‬
‫فض ً‬
‫خيوان ابن خلدة بالخاء المعجمة وهو مجهول ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ج متمتعًا‬
‫حّ‬‫فى الرد على َمن زعم أنه صلى ال عليه وسلم َ‬
‫سْوق الَهْدى كما قاله صاحب )) المغنى ((‬
‫ل منه لجل َ‬
‫حّ‬‫ج متمّتعًا تمّتعًا لم َي ِ‬
‫وأما َمن قال ‪ :‬ح ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ .‬وقول حفصة ‪ :‬ما‬
‫لا ّ‬
‫ل عائشة وابن عمر ‪ :‬تمّتع رسو ُ‬
‫وطائفة ‪ ،‬فعذُرهم قو ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ل من عمرتك ؟ وقول سعد فى المتعة ‪ :‬قد صنعها رسو ُ‬
‫شأن الناس حّلوا ولم َتح ّ‬
‫ك‬
‫ل ‪ :‬إن أبا َ‬
‫ج ‪ :‬هى حلل ؟ فقال له السائ ُ‬
‫حّ‬‫وسلم وصنعناها معُه ‪ ،‬وقول ابن عمر لمن سأله عن متعة ال َ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪،‬‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫صَنَعَها رسو ُ‬
‫ت إن كان أبى نهى عنها ‪ ،‬و َ‬
‫قد نهى عنها ‪ ،‬فقال ‪ :‬أرأي َ‬
‫ل عليه وآله وسلم ؟ فقال الرجل ‪ :‬بل أمَر رسول ال صلى‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫أأَمر أبى َتّتِبُع ‪ ،‬أم أَمر رسو ِ‬
‫ل عليه وآلِه وسّلم ‪.‬‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫صَنَعها رسو ُ‬
‫ال عليه وآله وسلم ‪ .‬فقال ‪ :‬لقد َ‬
‫ن َمعىَ‬
‫ى معه ‪ ،‬ولهذا قال ‪ )) :‬لول أ ّ‬
‫ل المتمتُع الذى ل َهْد َ‬
‫ل كما يح ّ‬
‫ى لح ّ‬
‫قال هؤلء ‪ :‬ولول الَهْد ُ‬
‫نل‬
‫ل الِقرا ُ‬
‫ن إنما يمنعه من الح ّ‬
‫ق الَهْدى ‪ ،‬والقار ُ‬
‫ل سو ُ‬
‫ت (( فأخبر أن المانع له ِمن الح ّ‬
‫حَلْل ُ‬
‫لْ‬‫ى َ‬
‫الَهْد َ‬
‫ج قبل التحلل من الُعْمرِة‬
‫حّ‬‫ب هذا القول قد ُيسّمون هذا المتمَتع قارنًا ‪ِ ،‬لكونه أحَرم بال َ‬
‫ى ‪ ،‬وأربا ُ‬
‫الَهْد ُ‬
‫حج قبل الطواف ‪.‬‬
‫ل عليها ال َ‬
‫خَ‬‫ف أن ُيحِرم بهما جميعًا ‪ ،‬أو ُيحرِم بالُعْمرة ‪ ،‬ثم ُيد ِ‬
‫ن الِقران المعرو َ‬
‫ولك ّ‬
‫والفرق بين القاِرن والمتمتع السائق من وجهين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬من الحرام ‪ ،‬فإن القارن هو‬
‫ج قبل الطواف ‪ ،‬إما فى ابتداء الحرام ‪ ،‬أو فى أثنائه ‪.‬‬
‫حّ‬‫الذى ُيحِرم بال َ‬
‫ل ‪ ،‬وإل سعى عقيبَ طواف‬
‫ى واحد ‪ ،‬فإن أتى به أو ً‬
‫والثانى ‪ :‬أن القارن ليس عليه إل سع ٌ‬
‫ن عند الجمهور ‪ .‬وعن أحمد رواية أخرى ‪ :‬أنه يكفيه سعى واحد‬
‫الفاضة ‪ ،‬والمتمتُع عليه سعى ثا ٍ‬
‫ن متمتعًا‬
‫ف الفاضة ‪ ،‬فكيف يكو ُ‬
‫ب طوا ِ‬
‫كالقارن ‪ ،‬والنبى صلى ال عليه وسلم لم يسَع سعيًا ثانيًا عقي َ‬
‫ل‪.‬‬
‫على هذا القو ِ‬
‫‪79‬‬

‫فإن قيل ‪ : :‬فعلى الرواية الخرى ‪ ،‬يكون متمتعًا ‪ ،‬ول يتوجه اللزام ‪ ،‬ولها وجه قوى من‬
‫ف النبى صلى ال‬
‫الحديث الصحيح ‪ ،‬وهو ما رواه مسلم فى )) صحيحه (( ‪ ،‬عن جابر قال ‪ :‬لم يط ِ‬
‫ن أكثَرهم كاُنوا‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬ول أصحابُه بين الصفا والمروة إل طوافًا واحدًا ‪ .‬طواَفه الول هذا ‪ ،‬مع أ ّ‬
‫ى ‪ ،‬عن سلمَة بن ُكهيل قال ‪ :‬حلف طاووس ‪ :‬ما طاف أحٌد من‬
‫ن الثور ّ‬
‫متمّتعين ‪ .‬وقد روى سفيا ُ‬
‫عمرته إل طوافًا واحدًا ‪.‬‬
‫جه و ُ‬
‫حّ‬
‫ل عليه وآله وسلم ِل َ‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫أصحاب رسو ِ‬
‫جبون عليه‬
‫قيل ‪ :‬الذين نظروا أنه كان متمتعًا تمتعًا خاصًا ‪ ،‬ل يقوُلون بهذا القول ‪ ،‬بل ُيو ِ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬أنه لم يسَع إل سعيًا واحدًا ‪ ،‬كما ثبت فى‬
‫سـّنته صّلى ا ّ‬
‫سعيين ‪ ،‬والمعلوُم ِمن ّ‬
‫َ‬
‫الصحيح ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬أنه قرن ‪ ،‬وقدم مكة ‪ ،‬فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ‪ ،‬ولم يزد على ذلك ‪،‬‬
‫حَر وحَلق رأسه ‪ ،‬ورأى أنه‬
‫ل ِمن شئ حرم منه ‪ ،‬حتى كان يوُم النحر ‪ ،‬فن َ‬
‫حّ‬‫صر ‪ ،‬ول َ‬
‫ق ول ق ّ‬
‫ولم يحِل ْ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪.‬‬
‫ل ال صلى ا ّ‬
‫ج والُعْمرة بطواِفه الول ‪ ،‬وقال ‪ :‬هكذا فعل رسو ُ‬
‫ف الح ّ‬
‫قد قضى طوا َ‬
‫ف بين الصفا والمروة بل ريب ‪.‬‬
‫عْمرته ‪ :‬الطوا ُ‬
‫جه و ُ‬
‫حّ‬‫ومراده بطوافه الول الذى قضى به َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫وذكر الدارقطنى ‪ ،‬عن عطاء ونافع ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ ،‬وجابر ‪ :‬أن النب ّ‬
‫صَدِر‬
‫عمرته طوافًا واحدًا ‪ ،‬وسعى سعيًا واحدًا ‪ ،‬ثم َقِدَم مكة ‪ ،‬فلم يسَع بينهما بعد ال ّ‬
‫جه و ُ‬
‫حّ‬‫إنما طاف ل َ‬
‫ب على المتمتع‬
‫فهذا يدل على أحِد أمرين ‪ ،‬ول ُبد إما أن يكون قارنًا ‪ ،‬وهو الذى ل ُيمكن َمن أوج َ‬
‫ى واحد ‪ ،‬ولكن الحاديث التى تقّدمت فى بيان أنه‬
‫ل غيَره ‪ ،‬وإما أن المتمتع يكفيه سع ٌ‬
‫ن أن يقو َ‬
‫سعيي ِ‬
‫كان قارنًا صريحٌة فى ذلك ‪ ،‬فل ُيعَدل عنها ‪.‬‬
‫حصين ‪ ،‬أن النب ّ‬
‫ى‬ ‫عمران بن ُ‬
‫حميد بن هلل ‪ ،‬عن ُمطّرف ‪ ،‬عن ِ‬
‫فإن قيل فقد روى شعبُة ‪ ،‬عن ُ‬
‫ل عليه وآله وسّلم ‪ ،‬طاف طوافين ‪ ،‬وسعى سعيين ‪ .‬رواه الدارقطنى عن ابن صاعد ‪ :‬حدثنا‬
‫صّلى ا ّ‬
‫ل بن داود ‪ ،‬عن شعبة ‪ .‬قيل ‪ :‬هذا خبر معلول وهو غلط ‪ .‬قال‬
‫محمد بن يحيى الزدى ‪ ،‬حدثنا عبد ا ّ‬
‫الدارقطنى ‪ :‬يقال ‪ :‬إن محمد بن يحيى حّدث بهذا من حفظه ‪[ ،‬فوهم فى متنه والصواب بهذا السناد ‪:‬‬
‫ل تعالى ما يدل‬
‫ل أعلم ‪ .‬وسيأتى إن شاء ا ّ‬
‫ج والُعمرة وا ّ‬
‫حّ‬‫ل عليه وآله وسلم قرن بين ال َ‬
‫ى صّلى ا ّ‬
‫أن النب ّ‬
‫على أن هذا الحديث غلط ‪.‬‬
‫ل عليه وآله وسلم كان‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو َ‬
‫وأظن أن الشيخ أبا محمد بن قدامة ‪ ،‬إنما ذهب إلى أ ّ‬
‫سبحانه لم يكن‬
‫ل ُ‬
‫ل ِمن الِقران ‪ ،‬ورأى أن ا ّ‬
‫ص على أن التمتَع أفض ُ‬
‫متمتعًا ‪ ،‬لنه رأى المام أحمد قد ن ّ‬
‫‪80‬‬

‫ث قد جاءت بأنه تمتع ‪ ،‬ورأى أنها صريحٌة فى أنه لم‬


‫ل ‪ ،‬ورأى الحادي َ‬
‫ِليختاَر ِلرسوله إل الفض َ‬
‫ل منه ‪ ،‬ولكن أحمد لم ُيرجح التمتع ‪،‬‬
‫حّ‬‫ل ‪ ،‬فأخذ من هذه المقدمات الربع أنه تمتع تمتعًا خاصًا لم َي ِ‬
‫حّ‬‫َي ِ‬
‫ل عليه‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ك أن رسو َ‬
‫ج متمتعًا ‪ ،‬كيف وهو القائل ‪ :‬ل أش ّ‬
‫لكون النبىّ صلى ال عليه وسلم ح ّ‬
‫ل عليه وآله‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫خَر المرين ِمن رسول ا ّ‬
‫وآله وسلم كان قارنًا ‪ ،‬وإنما اختار التمتع ِلكونه آ ِ‬
‫سف على فوته ‪.‬‬
‫جهم إليه ‪ ،‬وتأ ّ‬
‫حّ‬‫خوا َ‬
‫وسلم ‪ ،‬وهو اّلذى أمر به الصحابة أن َيفس ُ‬
‫جعل‬
‫ن َ‬
‫ى ‪ ،‬فالِقران أفضل ‪ ،‬فِمن أصحابه َم ْ‬
‫ولكن نقل عنه الَمْرَوِزى ‪ ،‬أنه إذا ساق الَهْد َ‬
‫ل ‪ ،‬وإن لم‬
‫ى ‪ ،‬فالِقران أفض ُ‬
‫هذا رواية ثانية ‪ ،‬وِمنهم َمن جعل المسألة روايًة واحدًة ‪ ،‬وأنه إن ساق الَهْد َ‬
‫ل عليه وآله‬
‫ى صّلى ا ّ‬
‫ل أحمد ‪ ،‬والنب ّ‬
‫ل ‪ ،‬وهذه طريقة شيخنا ‪ ،‬وهى التى تليق بأصو ِ‬
‫ق فالتمّتع أفض ُ‬
‫س ْ‬
‫َي ُ‬
‫ى‪.‬‬
‫ق الهد َ‬
‫سِ‬‫عْمرة ولم َي ُ‬
‫ى ‪ ،‬بل وّد أنه كان جعلها ُ‬
‫عْمرٌة مع سوقه الَهْد َ‬
‫ن أنه كان جعلها ُ‬
‫وسلم لم يتم ّ‬
‫سْوق ويتمّتَع‬
‫ن ‪ ،‬أو يترك ال ّ‬
‫ق وَيْقِر َ‬
‫ل ‪ ،‬أن يسو َ‬
‫ى المرين أفض ُ‬
‫بقى أن ُيقال ‪ :‬فأ ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم أنه فعله ‪.‬‬
‫كما وّد النب ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫قيل ‪ :‬قد تعارض فى هذه المسألة أمرا ِ‬
‫ل سبحانه ِليختار له إل‬
‫أحُدهما ‪ :‬أنه صلى ال عليه وسلم قرن وساق الَهْدى ‪ ،‬ولم يكن ا ّ‬
‫ل المور ‪ ،‬ول سيما وقد جاءه الوحى به من ربه تعالى ‪ ،‬وخيُر الَهْدى َهْديه صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫أفض َ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫عْمَرًة (( ‪.‬‬
‫جَعْلُتَها ُ‬
‫ى ‪َ ،‬وَل َ‬
‫ت الَهْد َ‬
‫سْق ُ‬
‫ت لَما ُ‬
‫سَتْدَبْر ُ‬
‫ت من َأْمرى ما ا ْ‬
‫سَتْقَبْل ُ‬
‫والثانى قوله ‪ )) :‬لو ا ْ‬ ‫@‬
‫سق‬
‫ت الذى تكلم فيه هو وقت إحرامه ‪ ،‬لكان أحرم بُعْمرة ولم َي ُ‬
‫فهذا يقتضى ‪ ،‬أنه لو كان هذا الوق ُ‬
‫الَهْدى ‪ ،‬لن الذى استدبره هو الذى فعله ‪ ،‬ومضى فصار خلفه ‪ ،‬والذى استقبله هو الذى لم يفعله بعُد ‪،‬‬
‫ل لما استدبره ‪ ،‬وهو الحرام بالُعْمرة دون َهْدى ‪ ،‬ومعلوم أنه ل‬
‫بل هو أماَمُه ‪ ،‬فبّين أنه لو كان مستقب ً‬
‫خر المري ِ‬
‫ن‬ ‫ل على أن آ ِ‬
‫ل ‪ ،‬وهذا َيد ّ‬
‫ل ‪ ،‬بل إنما يختاُر الفض َ‬
‫ل عن الفضل إلى المفضو ِ‬
‫يختاُر أن ينتِق َ‬
‫ح التمتع ‪.‬‬
‫منه ترجي ُ‬
‫ل هذا ‪ ،‬لجل أن الذى‬
‫ل عليه وسلم لم َيُق ْ‬
‫ل ‪ :‬هو صلى ا ّ‬
‫ق أن يقو َ‬
‫سو ِ‬
‫ن مع ال ّ‬
‫جح الِقرا َ‬
‫ولمن ر ّ‬
‫حرمًا ‪ ،‬وكان‬
‫حّلوا من إحرامهم مع بقائه هو مُ ِ‬
‫ق عليهم أن َي ِ‬
‫جوح ‪ ،‬بل لن الصحابة ش ّ‬
‫ل مر ُ‬
‫فعله مفضو ٌ‬
‫ح وقبول ومحبة ‪ ،‬وقد ينتِقل عن الفضل إلى المفضول ‪،‬‬
‫يختار موافقتهم ِليفعلوا ما ُأِمُروا به مع انشرا ٍ‬
‫‪81‬‬

‫ض ُ‬
‫ت‬ ‫جاِهّليٍة َلَنَق ْ‬
‫عْهٍد َب َ‬
‫حِديُثو َ‬
‫ك َ‬
‫ن َقوَم ِ‬
‫لأّ‬
‫لما فيه من الموافقة وتأليف القلوب ‪ ،‬كما قال لعائشة ‪َ )) :‬لْو َ‬
‫لْولى فى‬
‫ك ما هو الولى لجل الموافقة والتأليف ‪ ،‬فصار هذا هو ا َ‬
‫ن (( فهذا تر ُ‬
‫ت لَها َباَبْي ِ‬
‫جَعْل ُ‬
‫الّكْعَبَة و َ‬
‫هذه الحال ‪ ،‬فكذلك اختياُره للُمتعة بل َهْدى ‪ .‬وفى هذا جمع بين ما فعله وبين ما وّده وتمّناه ‪ ،‬ويكون‬
‫ل سبحانه قد جمع له بين المرين ‪ ،‬أحُدهما بفعله له ‪ ،‬والثانى ‪ :‬بتمّنيه ووّده له ‪ ،‬فأعطاه أجَر ما‬
‫ا ّ‬
‫ى أفض َ‬
‫ل‬ ‫ق فيه الَهْد َ‬
‫س ْ‬
‫ل ولم َي ُ‬
‫ك يتخّلُله الّتحل ُ‬
‫سٌ‬
‫فعله ‪ ،‬وأجَر ما نواه من الموافقة وتمّناه ‪ ،‬وكيف يكون ُن ُ‬
‫سك اختاره‬
‫ك أفضل فى حقه من ّن ُ‬
‫سٌ‬
‫ك لم يتخّلله تحّلل ‪ ،‬وقد ساق فيه مائَة َبَدنٍة ‪ ،‬وكيف يكون ُن ُ‬
‫سٍ‬
‫ِمن ُن ُ‬
‫ى من ربه‬
‫ل له ‪ ،‬وأتاه به الوح ُ‬
‫ا ّ‬
‫فإن قيل ‪ :‬التمتع وإن تخلله تحلل ‪ ،‬لكن قد تكّرَر فيه الحراُم ‪ ،‬وإنشاؤه عبادة محبوبة للرب ‪،‬‬
‫والِقران ل يتكرر فيه الحرام ؟‬
‫ل بسوق الَهْدى ‪ ،‬والتقرب إليه بذلك من الفضل ما ليس فى مجرد‬
‫قيل ‪ :‬فى تعظيم شعائر ا ّ‬
‫ق الَهْدى ل مقابل له يقوُم مقامه ‪.‬‬
‫تكرر الحرام ‪ ،‬ثم إن استدامته قائمٌة مقام تكّرره ‪ ،‬وسو ُ‬
‫حرُم بالحج‬
‫ل منه ‪ ،‬ثم ُي ِ‬
‫حّ‬‫ل ‪ ،‬إفراد يأتى عقيَبه بالُعْمرة أو تمتع َي ِ‬
‫فإن قيل ‪ :‬فأّيما أفض ُ‬
‫عقيَبه ؟‬
‫ل لفضل الخلق ‪ ،‬وسادات‬
‫ك الذى اختاره ا ّ‬
‫سِ‬
‫ل من الّن ُ‬
‫ط أفض ُ‬
‫سكًا ق ّ‬
‫ل أن نظن أن ُن ُ‬
‫قيل ‪ :‬معاذ ا ّ‬
‫جوا‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ول أحد من الصحابة الذين َ‬
‫لا ّ‬
‫سك لم يفعله رسو ُ‬
‫لّمة ‪ ،‬وأن نقول فى ُن ُ‬
‫اُ‬
‫حج على وجه الرض‬
‫ل مما فعلوه بأمره ‪ ،‬فكيف يكون َ‬
‫معه ‪ ،‬بل ول غيُرهم من أصحابه ‪ :‬إنه أفض ُ‬
‫ل الخلق ‪ ،‬واختاره لهم ‪ ،‬وأمرهم‬
‫ضُ‬‫ل عليه ‪ ،‬وُأِمَر به أْف َ‬
‫تا ّ‬
‫جه النبى صلوا ُ‬
‫ج الذى ح ّ‬
‫حّ‬‫ل ِمن ال َ‬
‫أفض َ‬
‫ل من هذا ‪ .‬وهذا وإن صح عنه‬
‫ط أكم ُ‬
‫جق ّ‬
‫حّ‬
‫بفسخ ما عداه من النساك إليه ‪ ،‬ووّد أنه كان فعله ‪ ،‬ل َ‬
‫شك ِقّلُة‬
‫خلفه نظر ‪ ،‬ول ُيوح ْ‬
‫ق بالتمتع ‪ ،‬ففى جواِز ِ‬
‫ى بالِقران ‪ ،‬ولمن لم يس ْ‬
‫المر لمن ساق الَهْد َ‬
‫ل بن عباس وجماعًة من أهل الظاهر ‪،‬‬
‫ف عبَد ا ّ‬
‫القائلين بوجوب ذلك ‪ ،‬فإن فيهم البحَر الذى ل َيْنِز ُ‬
‫ل المستعان ‪.‬‬
‫حَكُم بين الناس ‪ ..‬وا ّ‬
‫سـّنة هى ال َ‬
‫وال ّ‬
‫فصل‬
‫فى عذر َمن قال إنه صلى ال عليه وسلم حج قارنًا ِقرانًا طاف له طوافين ‪ ،‬وسعى له سعيين‬
‫‪82‬‬

‫ج قاِرنًا ِقرانًا طاف له طوافين ‪ ،‬وسعى له سعيين ‪ ،‬كما قاله كثير من فقهاء‬
‫حّ‬‫وأما َمن قال ‪ :‬إنه َ‬
‫عْمرة معًا ‪،‬‬
‫جوُ‬
‫حّ‬
‫الكوفة ‪ ،‬فُعْذُره ما رواه الدارقطنى من حديث مجاهد ‪ ،‬عن ابن عمر ‪ :‬أنه جمع بين َ‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫وقال ‪ :‬سبيلهما واحد ‪ ،‬قال ‪ :‬وطاف لهما طوافين ‪ ،‬وسعى لهما سعيين ‪ .‬وقال ‪ :‬هكذا رأي ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم صنع كما صنعت ‪.‬‬
‫سَعى لهما سعيين ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫ف لهما طوافين ‪ ،‬و َ‬
‫ى بن أبى طالب ‪ ،‬أنه جمع بينهما ‪ ،‬وطا َ‬
‫وعن عل ّ‬
‫ت‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم صنَع كما صنع ُ‬
‫هكذا رأيت رسول ا ّ‬
‫ن‪،‬‬
‫ل عنه أيضًا أن النبى صلى ال عليه وسلم كان قارنًا ‪ ،‬فطاف طواَفْي ِ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫وعن عل ّ‬
‫وسعى سعيين ‪.‬‬
‫جته‬
‫حّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ل َ‬
‫لا ّ‬
‫ف رسو ُ‬
‫ل بن مسعود قال ‪ :‬طا َ‬
‫وعن علقمة ‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ى ‪ ،‬وابن مسعود ‪.‬‬
‫عمرته طوافين ‪ ،‬وسعى سعيين ‪ ،‬وأبو بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعل ّ‬
‫وُ‬
‫ن ‪ ،‬وسعى سعيين‬
‫ى صلى ال عليه وسلم طاف طواَفْي ِ‬
‫حصين ‪ :‬أن النب ّ‬
‫عمران بن ُ‬
‫وعن ِ‬
‫ح منها حرف واحد ‪.‬‬
‫صّ‬‫ث صحيحًة ‪ ،‬بل ل َي ِ‬
‫وما أحسن هذا العذَر ‪ ،‬لو كانت هذه الحادي ُ‬
‫عمارة ‪ ،‬وقال الدارقطنى ‪ :‬لم يروه عن الحكم غيُر الحسن‬
‫أما حديث ابن عمر ‪ ،‬ففيه الحسن بن ُ‬
‫عمارة ‪ ،‬وهو متروك الحديث ‪.‬‬
‫بن ُ‬
‫ل عنه الول ‪ ،‬فيرويه حفص بن أبى داود ‪ .‬وقال أحمد ومسلم ‪:‬‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫ث عل ّ‬
‫وأما حدي ُ‬
‫حفص متروك الحديث ‪ ،‬وقال ابن خراش ‪ :‬هو كّذاب يضع الحديث ‪ ،‬وفيه محمد بن عبد الرحمن بن‬
‫أبى ليلى ‪ ،‬ضعيف ‪.‬‬
‫ل بن محمد بن عمر بن على ‪ ،‬حدثنى أبى عن أبيه‬
‫وأما حديثه الثانى ‪ :‬فيرويه عيسى بن عبد ا ّ‬
‫ل يقال له ‪ :‬مبارك ‪ ،‬وهو متروك الحديث ‪.‬‬
‫عن جده قال الدارقطنى ‪ :‬عيسى بن عبد ا ّ‬
‫ل ‪ ،‬فيرويه أبو بردة عمرو بن يزيد ‪ ،‬عن حماد عن إبراهيم ‪ ،‬عن‬
‫وأما حديث علقمة عن عبد ا ّ‬
‫ن دونه فى السناد ضعفاء ‪ ..‬انتهى ‪ .‬وفيه عبد العزيز‬
‫علقمة ‪ .‬قال الدارقطنى ‪ :‬وأبو بردة ضعيف ‪ ،‬وَم ْ‬
‫بن أبان ‪ ،‬قال يحيى ‪ :‬هو كّذاب خبيث ‪ .‬وقال الرازى والنسائى ‪ :‬متروك الحديث ‪.‬‬
‫ط فيه محمد بن يحيى الزدى ‪ ،‬وحّدث به من‬
‫غِل َ‬
‫عمران بن حصين ‪ ،‬فهو مما َ‬
‫وأما حديث ِ‬
‫حفظه ‪ ،‬فوهم فيه ‪ ،‬وقد حّدث به على الصواب ِمرارًا ‪ ،‬ويقال ‪ :‬إنه رجع عن ذكر الطواف والسعى ‪.‬‬
‫‪83‬‬

‫وقد روى المام أحمد ‪ ،‬والترمذى ‪ ،‬وابن حبان فى )) صحيحه (( من حديث الدراوردى ‪ ،‬عن‬
‫ن َقَر َ‬
‫ن‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم ‪َ )) :‬م ْ‬
‫ل بن عمر ‪ ،‬عن نافع ‪ ،‬عن ابن عمر قال ‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫عبيد ا ّ‬
‫ُ‬
‫جَزَأُه‬
‫ج والُعْمَرِة َأ ْ‬
‫حّ‬‫حَرَم بال َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫حٌد (( ‪ .‬ولفظ الترمذى ‪َ )) :‬م ْ‬
‫ف وا ِ‬
‫طوا ٌ‬
‫جَزَأُه َلُهَما َ‬
‫عْمَرِتِه ‪َ ،‬أ ْ‬
‫جِتِه َو ُ‬
‫حّ‬‫بين َ‬
‫جميعًا (( ‪.‬‬
‫ل ِمنهما َ‬
‫حّ‬‫حّتى َي ِ‬
‫حٌد عنهما ‪َ ،‬‬
‫ى َوا ِ‬
‫ف َوسَْع ٌ‬
‫طوا ٌ‬
‫َ‬
‫ل صلى ال‬
‫ل عنها قالت ‪ :‬خرجنا َمَع رسول ا ّ‬
‫وفى )) الصحيحين (( ‪ ،‬عن عائشَة رضى ا ّ‬
‫ج والُعْمَرِة ‪ُ ،‬ثّم ل‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ى َفْلُيه ّ‬
‫ن َمَعُه َهْد ٌ‬
‫ن َكا َ‬
‫جِة الوداع ‪ ،‬فأهللنا بُعمرة ‪ ،‬ثم قال ‪َ :‬م ْ‬
‫حّ‬
‫عليه وسلم فى َ‬
‫خَر َبْعَد أ ْ‬
‫ن‬ ‫طَوافًا آ َ‬
‫طاُفوا َ‬
‫حّلوا ‪ ،‬ثم َ‬
‫ن َأَهّلوا بالُعْمرِة ‪ُ ،‬ثّم َ‬
‫جِميعًا ‪ ،‬فطاف اّلِذي َ‬
‫ل ِمْنُهَما َ‬
‫ل حّتى َيح ّ‬
‫حّ‬‫َي ِ‬
‫حدًا (( ‪.‬‬
‫طَواَفًا وا ِ‬
‫طاُفوا َ‬
‫ج والُعْمَرِة ‪ ،‬فإّنَما َ‬
‫حّ‬‫ن ال َ‬
‫جَمُعوا َبْي َ‬
‫ن َ‬
‫ن ِمَنى ‪َ ،‬وَأّما اّلِذي َ‬
‫جُعوا ِم ْ‬
‫َر َ‬
‫صَفا والَمْرَوِة ‪،‬‬
‫ت وِبال ّ‬
‫ك بالَبْي ِ‬
‫ن طواَف ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال ِلعاِئشة ‪ )) :‬إ ّ‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو َ‬
‫حأّ‬
‫وص ّ‬
‫ك (( ‪.‬‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫ك َو ُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬‫كل َ‬
‫َيْكِفي ِ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫وروى عبد الملك بن أبى سليمان ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬أن رسو َ‬
‫عمرته ‪ .‬وعبد الملك ‪ :‬أحد الثقات المشهورين ‪ ،‬احتج به مسلم ‪،‬‬
‫جه و ُ‬
‫حّ‬‫حدًا ل َ‬
‫وسلم ‪ ،‬طاف طوافًا وا ِ‬
‫وأصحاب السنن ‪ .‬وكان يقال له ‪ :‬الميزان ‪ ،‬ولم ُيتكلم فيه بضعف ول جرح ‪ ،‬وإنما ُأنكر عليه حدي ُ‬
‫ث‬
‫عاُرَها‬
‫ظاِهٌر عنه َ‬
‫شَكاٌة َ‬
‫ك َ‬
‫الشفعة‪َ ،‬وِتْل َ‬
‫ن بين الح ّ‬
‫ج‬ ‫ل عنه ‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم َقر َ‬
‫وقد روى الترمذى عن جابر رضى ا ّ‬
‫والُعمرة ‪ ،‬وطاف لهما طوافًا واحدًا وهذا ‪ ،‬وإن كان فيه الحجاج بن أرطاة ‪ ،‬فقد روى عنه سفيان ‪،‬‬
‫ج من‬
‫ف بما يخُر ُ‬
‫ى أحد أعر ُ‬
‫وشعبة ‪ ،‬وابن نمير ‪ ،‬وعبد الرزاق ‪ ،‬والخلق عنه ‪ .‬قال الثورى ‪ :‬وما بق َ‬
‫ظ ‪ ،‬وقال ابن معين ‪:‬‬
‫سِلَم منه ‪ .‬وقال أحمد ‪ :‬كان من الحفا ِ‬
‫ل من َ‬
‫س ‪ ،‬وق ّ‬
‫رأسه منه ‪ ،‬وعيب عليه التدلي ُ‬
‫ب فى صدقه‬
‫ليس بالقوى ‪ ،‬وهو صدوق يدلس ‪ .‬وقال أبو حاتم ‪ :‬إذا قال ‪ :‬حّدثنا ‪ ،‬فهو صادق ل نرتا ُ‬
‫وحفظه ‪ .‬وقد روى الدارقطنى ‪ ،‬من حديث ليث بن أبى سليم قال ‪ :‬حدثنى عطاء ‪ ،‬وطاووس ‪،‬‬
‫ف هو‬
‫ط ْ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم لم َي ُ‬
‫ومجاهد ‪ ،‬عن جابٍر ‪ ،‬وعن ابن عمر ‪ ،‬وعن ابن عباس ‪ :‬أن النب ّ‬
‫حجهم ‪ .‬وليث بن أبى سليم ‪ ،‬احتج به أه ُ‬
‫ل‬ ‫حدًا لُعْمرتهم و َ‬
‫صفا والمروة إل طوافًا وا ِ‬
‫وأصحابه بين ال ّ‬
‫سـّنة‬
‫ب ُ‬
‫ن معين ‪ :‬ل بأس به ‪ ،‬وقال الدارُقطنى ‪ :‬كان صاح َ‬
‫السنن الربعة ‪ ،‬واستشهد به مسلم ‪ ،‬وقال اب ُ‬
‫‪ ،‬وإنما أنكروا عليه الجمَع بين عطاء وطاووس ومجاهد فحسب‪ .‬وقال عبد الوارث ‪ :‬كان من أوعية‬
‫‪84‬‬

‫العلم ‪ ،‬وقال أحمد ‪ :‬مضطِرب الحديث ‪ ،‬ولكن حّدث عنه الناس ‪ ،‬وضّعفه النسائى ‪ ،‬ويحيى فى رواية‬
‫عنه ‪ ،‬ومثل هذا حديثه حسن ‪ .‬وإن لم يبلغ رتبة الصحة ‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على عائشة ‪ ،‬ثم‬
‫لا ّ‬
‫وفى )) الصحيحين (( عن جابر قال ‪ :‬دخل رسو ُ‬
‫ت‪،‬‬
‫ف بالَبْي ِ‬
‫ط ْ‬
‫ل ولم أ ُ‬
‫حّ‬‫ل الناس ولم َأ ِ‬
‫حّ‬
‫ت وقد َ‬
‫ض ُ‬
‫ح ْ‬
‫ك (( ؟ فقالت ‪ :‬قد ِ‬
‫ل ‪ )) :‬ما ُيْبِكي ِ‬
‫وجَدها تبكى َفَقا َ‬
‫ف حتى إذا طُهرت ‪ ،‬طافت بالكعبة وبالصفا‬
‫سلى ُثّم أهّلى (( ففعلت ‪ ،‬ثم وقفت المواِق َ‬
‫غَت ِ‬
‫فقال ‪ )) :‬ا ْ‬
‫جِميعًا (( ‪.‬‬
‫ك َ‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫ك َو ُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬
‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫حَلْل ِ‬
‫والَمْرَوِة ‪ ،‬ثم قال ‪َ )) :‬قْد َ‬
‫ف واحٌد‬
‫وهذا يدل على ثلثة ُأمور ‪ ،‬أحدها ‪ :‬أنها كانت قارنة ‪ ،‬والثانى ‪ :‬أن القارن يكفيه طوا ٌ‬
‫ى واحد ‪ .‬والثالث ‪ :‬أنه ل يجب عليها قضاُء ِتلك الُعْمرِة التى حاضت فيها ‪ ،‬ثم أدخلت عليها‬
‫وسع ٌ‬
‫ج ‪ ،‬وأنها َتْرُفض إحرام الُعْمرة بحيضها ‪ ،‬وإنما رفضت أعمالها والقتصاَر عليها ‪ ،‬وعائشة َلم‬
‫الح ّ‬
‫ف الفاضة‬
‫ف ‪ ،‬وسعت مع ذلك ‪ ،‬فإذا كان طوا ُ‬
‫ف إل بْعَد الّتعري ِ‬
‫ط ْ‬
‫ف الُقدوم ‪ ،‬بل لم َت ُ‬
‫ل طوا َ‬
‫ف أو ً‬
‫ط ْ‬
‫َت ُ‬
‫ف القدوم مع طواف الفاضة ‪ ،‬وسعى واحد مع أحدهما‬
‫ن ‪ ،‬فلن يكفيه طوا ُ‬
‫ى بعُد يكفى القاِر َ‬
‫والسع ُ‬
‫جًة ‪ ،‬فإن المرأة التى‬
‫حّ‬
‫صتها ُ‬
‫لْولى ‪ ،‬لكن عائشة تعّذر عليها الطواف الول ‪ ،‬فصارت ق ّ‬
‫بطريق ا َ‬
‫ج على الُعْمرة ‪ ،‬وتصيُر قارنًة ‪،‬‬
‫حّ‬‫ل ال َ‬
‫خُ‬‫ل كما فعلت عائشة ‪ُ ،‬تد ِ‬
‫ف الول ‪ ،‬تفع ُ‬
‫يتعّذر عليها الطوا ُ‬
‫ى عقيبه ‪.‬‬
‫ف الفاضة والسع ُ‬
‫ويكفيها لهما طوا ُ‬
‫ن ‪ ،‬ول سعى‬
‫طوافي ِ‬
‫ف َ‬
‫ط ْ‬
‫ل عليه وسلم لم َي ُ‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية ‪ :‬ومما يبين أنه صلى ا ّ‬
‫ج والُعْمرة ‪ ،‬فإنما طافوا طوافًا واحدًا متفق‬
‫حّ‬‫ل عنها ‪ :‬وأما الذين جمعوا ال َ‬
‫ل عائشة رضى ا ّ‬
‫سعيين قو ُ‬
‫عليه وقول جابر ‪ :‬لم يطف النبى صلى ال عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إل طوافًا واحدًا ‪،‬‬
‫جِ‬
‫ك‬‫حّ‬
‫عنْ َ‬
‫صَفا والَمْرَوِة َ‬
‫ك بال ّ‬
‫طواُف ِ‬
‫ك َ‬
‫عْن ِ‬
‫جِزئ َ‬
‫طوافه الول (( ))رواه مسلم(( وله لعائشة ‪ُ )) :‬ي ْ‬
‫صَفا والَمْرَوِة‬
‫ن ال ّ‬
‫ت َوَبْي َ‬
‫ك بالَبْي ِ‬
‫طواُف ِ‬
‫ك (( ))رواه مسلم (( وقوله لها فى رواية أبى داود ‪َ )) :‬‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫َو ُ‬
‫ك جميعًا ((‪ .‬وقوله لها فى الحديث المتفق عليه لما طافت بالكعبة وبين الصفا‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫ك َو ُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬‫كل َ‬
‫َيْكِفي ِ‬
‫ل صلى‬
‫ك جميعًا (( قال ‪ :‬والصحابة الذين نقلوا حجَة رسول ا ّ‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫ك َو ُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫حَلْل ِ‬
‫والمروة ‪ )) :‬قد َ‬
‫ل إل َمن ساق‬
‫ال عليه وسلم ‪ُ .‬كّلهم نقلوا أنهم لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ‪ ،‬أمرهم بالتحلي ِ‬
‫ل أحد منهم أن أحدًا منهم طاف وسعى ‪ ،‬ثم طاف وسعى ‪.‬‬
‫حِر ‪ ،‬ولم َيْنُق ْ‬
‫ل إل يوَم الّن ْ‬
‫الَهْدى ‪ .‬فإنه ل َيح ّ‬
‫‪85‬‬

‫عِلَم‬
‫ومن المعلوم ‪ ،‬أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعى على نقله ‪ .‬فلما لم ينقله أحٌد من الصحابة ‪ُ ،‬‬
‫أنه لم يكن ‪.‬‬
‫ى ‪ ،‬وآخر عن ابن مسعود‬
‫وعمدة َمن قال بالطوافين والسعيين ‪ ،‬أثٌر يرويه الكوفيون ‪ ،‬عن عل ّ‬
‫ل عنهما ‪.‬‬
‫رضى ا ّ‬
‫ن يكفيه طوا ٌ‬
‫ف‬ ‫ل عنه ‪ ،‬أن القار َ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫وقد روى جعفر بن محمد ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عل ّ‬
‫ى واحد ‪ ،‬خلف ما روى أهل الكوفة ‪ ،‬وما رواه العراقيون ‪ ،‬منه ما هو منقطع ‪ ،‬ومنه ما‬
‫واحد ‪ ،‬وسع ٌ‬
‫ن حزم ‪ :‬كل ما ُروى فى‬
‫رجاله مجهولون أو مجروحون ‪ ،‬ولهذا طعن علماُء النقل فى ذلك حتى قال اب ُ‬
‫ل فى ذلك عن النبى صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ما‬
‫ح منه ول كلمٌة واحدة ‪ .‬وقد ُنِق َ‬
‫صّ‬‫ذلك عن الصحابة ‪ ،‬ل َي ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫هو موضوع بل ريب ‪ .‬وقد حلف طاووس ‪ :‬ما طاف أحٌد من أصحاب رسول ا ّ‬
‫ل ذلك عن ابن عمر ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬وغيرهم‬
‫عْمرته إل طوافًا واحدًا ‪ ،‬وقد ثبت مث ُ‬
‫جته و ُ‬
‫حّ‬
‫لَ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فلم ُيخالفوها ‪ ،‬بل هذه الثار‬
‫حجة رسول ا ّ‬
‫ل عنهم ‪ ،‬وُهْم أعلُم الناس ب َ‬
‫رضى ا ّ‬
‫صَفا والمروة إل مرًة واحدة ‪.‬‬
‫صريحة فى أنهم لم يطوفوا بال ّ‬
‫ى واحد ؟ على ثلثة‬
‫سع ٌ‬
‫س فى القارن والمتمتع ‪ ،‬هل عليهما سعيان أو َ‬
‫وقد تنازع النا ُ‬
‫أقوال ‪ :‬فى مذهب أحمد وغيره ‪.‬‬
‫ل‪.‬‬
‫أحدها ‪ :‬ليس على واحد منهما إل سعى واحد ‪ ،‬كما نص عليه أحمد فى رواية ابنه عبد ا ّ‬
‫ل ‪ :‬قلت لبى ‪ :‬المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال ‪ :‬إن طاف طوافين ‪ ،‬فهو أجود ‪.‬‬
‫قال عبد ا ّ‬
‫سَلف ‪.‬‬
‫وإن طاف طوافًا واحدًا ‪ ،‬فل بأس ‪ .‬قال شيخنا ‪ :‬وهذا منقول عن غير واحد من ال َ‬
‫الثانى ‪ :‬المتمتع عليه سعيان والقارن عليه سعى واحد ‪ ،‬وهذا هو القول الثانى فى مذهبه ‪،‬‬
‫ل‪.‬‬
‫وقول َمن يقوله من أصحاب مالك والشافعى رحمهما ا ّ‬
‫ل فى‬
‫ل ‪ ،‬وُيذكر قو ً‬
‫والثالث ‪ :‬أن على كل واحٍد منهما سعيين ‪ ،‬كمذهب أبى حنيفة رحمه ا ّ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫ل أعلم ‪ .‬والذى تقّدم هو بسط قول شيخنا وشرحه ‪ ..‬وا ّ‬
‫ل ‪ ،‬وا ّ‬
‫مذهب أحمد رحمه ا ّ‬
‫فصل‬
‫فى أنه ل عذر البتة فيمن قال إنه صلى ال عليه وسلم حج حجًا مفردًا اعتمر عقيبه من التنعيم‬
‫‪86‬‬

‫ج حجًا مفِردًا اعتمر عَقيبه من التنعيم ‪ ،‬فل ُيعلم لهم عذٌر البتة إل ما‬
‫وأما الذين قالوا ‪ :‬إنه ح ّ‬
‫تقّدم من أنهم سمعوا أنه أفرد الحج ‪ ،‬وأن عاَدة المفردين أن يعَتِمُروا من التنعيم ‪ ،‬فتوهموا أنه فعل‬
‫كذلك ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فيمن غلط فى إهلله صلى ال عليه وسلم‬
‫وأما الذين غلطوا فى إهلله ‪ ،‬فَمن قال ‪ :‬إنه لّبى بالُعْمرة وحدها واستمر عليها ‪ ،‬فعذُره أنه‬
‫ل بُعْمرة مفردة بشروطها ‪ .‬وقد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم تمتع ‪ ،‬والمتمتع عنده َمن أه ّ‬
‫سمع أن رسول ا ّ‬
‫عمرتك ؟ وكل هذا ل يدل على أنه‬
‫ل ِمن ُ‬
‫حّ‬‫حّلوا ولم َت ِ‬
‫س َ‬
‫ل عنها ‪ :‬ما شأن الّنا ِ‬
‫قالت له حفصة رضى ا ّ‬
‫ث الصحيحُة‬
‫ل هذا أحد عنه البتة ‪ ،‬فهو وهم محض ‪ ،‬والحادي ُ‬
‫ك ِبُعْمَرٍة ُمْفَرَدٍة ‪ ،‬ولم َيْنُق ْ‬
‫قال ‪َ :‬لّبْي َ‬
‫ل هذا ‪.‬‬
‫طُ‬‫المستفيضُة فى لفظه فى إهلله ُتْب ِ‬
‫فصل‬
‫فى عذر َمن قال إنه صلى ال عليه وسلم لّبى بالحج وحده واستمر عليه‬
‫ج ولّبى‬
‫حّ‬‫ج وحده واستمر عليه ‪ ،‬فعُذره ما ذكرنا عمن قال ‪ :‬أفرد ال َ‬
‫حّ‬‫وأما َمن قال ‪ :‬إنه لّبى بال َ‬
‫جة مفردة ‪ ،‬وإن الذين نقلوا‬
‫حّ‬‫كبَ‬
‫ج ‪ ،‬وقد تقّدم الكلُم على ذلك ‪ ،‬وأنه لم يقل أحد قط إنه قال ‪َ :‬لّبْي َ‬
‫حّ‬‫بال َ‬
‫لفظه ‪ ،‬صّرحوا بخلف ذلك ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى عذر َمن قال إنه لّبى بالحج وحده ثم أدخل عليه الُعْمرة‬
‫ج وحده ‪ ،‬ثم أدخل عليه الُعْمرة ‪ ،‬وظن أنه بذلك تجتمع الحاديث ‪،‬‬
‫وأما َمن قال ‪ :‬إنه لّبى بالح ّ‬
‫فعذره أنه رأى أحاديث إفراده بالحج صحيحة ‪ ،‬فحملها على ابتداء إحرامه ‪ ،‬ثم إنه أتاه آتٍ من رّبه‬
‫ج ‪ ،‬فصار قارنًا ‪ .‬ولهذا قال للبّراء بن‬
‫حّ‬‫حجة ‪ ،‬فأدخل الُعْمرة حينئذ على ال َ‬
‫عْمرة فى َ‬
‫تعالى فقال ‪ :‬قل ‪ُ :‬‬
‫ت (( ‪ ،‬فكان مفِردًا فى ابتداء إحرامه ‪ ،‬قارنًا فى أثنائه ‪ ،‬وأيضًا فإن‬
‫ى َوَقَرْن ُ‬
‫ت الَهْد َ‬
‫سْق ُ‬
‫عازب ‪ )) :‬إّنى ُ‬
‫ل بالُعْمرة ‪ ،‬ول لّبى بالُعْمرة ‪ ،‬ول أفرد الُعْمرة ‪ ،‬ول قال ‪ :‬خرجنا ل ننوى إل الُعْمرة‬
‫أحدًا لم َيُقل إنه أَه ّ‬
‫ج ‪ ،‬وهذا يدل على أن‬
‫ج ‪ ،‬وخرجنا ل ننوى إل الح ّ‬
‫حّ‬‫ج ‪ ،‬وأفرد ال َ‬
‫حّ‬‫ج ‪ ،‬ولّبى بال َ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫‪ ،‬بل قالوا ‪َ :‬أه ّ‬
‫‪87‬‬

‫ى من ربه تعالى بالِقران ‪ ،‬فلّبى بهما َفسمعه أنس ُيلّبى بهما ‪،‬‬
‫ج ‪ ،‬ثم جاءه الوح ُ‬
‫ح َّ‬
‫ل بال َ‬
‫الحرام وقع أو ً‬
‫ل وصدقوا ‪.‬‬
‫ج وحده أو ً‬
‫حّ‬‫ن عمر ‪ ،‬وجابر ُيلّبى بال َ‬
‫وصدق ‪ ،‬وسمعته عائشُة ‪ ،‬واب ُ‬
‫ل عنها الضطراب ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬وبهذا تتفق الحاديث ‪ ،‬ويزو ُ‬
‫ن إدخال الُعْمرة على الحج ‪ ،‬ويرونه لغوًا ‪ ،‬ويقولون ‪ :‬إن ذلك‬
‫ب هِذه المقالة ل ُيجيزو َ‬
‫وأربا ُ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم دون غيره ‪ .‬قالوا ‪ :‬ومما يدل على ذلك ‪ :‬أن ابن عمر قال ‪ :‬لّبى‬
‫خاص بالنب ّ‬
‫ل بهما جميعًا ‪ ،‬وكلهما صادق فل يمكن أن يكون إهلله بالِقران سابقًا‬
‫ج وحده ‪ ،‬وأنس قال ‪ :‬أه ّ‬
‫حّ‬‫بال َ‬
‫ج مفرد ‪ ،‬وينقل الحرام‬
‫حّ‬‫حِرم بعد ذلك ب َ‬
‫ج وحده ‪ ،‬لنه إذا أحرم قارنًا ‪ ،‬لم يمكن أن ي ْ‬
‫حّ‬‫على إهلله بال َ‬
‫سِمُعوه ‪،‬‬
‫ن عمر ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬وجابر ‪ ،‬فنقلوا ما َ‬
‫ج ُمفِردًا ‪ ،‬فسمعه اب ُ‬
‫إلى الفراد ‪ ،‬فتعّين أنه أحرم بالح ّ‬
‫ل بهما جميعًا لما جاءه الوحى من ربه ‪ ،‬فسِمعه أنس يهل بهما ‪ ،‬فنقل ما‬
‫ثم أدخل عليه الُعمرة ‪ ،‬فأه ّ‬
‫سمعه ‪ ،‬ثم أخبر عن نفسه بأنه قرن ‪ ،‬وأخبر عنه َمن تقدم ِذكره من الصحابة بالِقران ‪ ،‬فاتفقت‬
‫ل عائشة ‪ :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫ل عليه قو ُ‬
‫ض ‪ .‬قالوا ‪ :‬ويد ّ‬
‫ب والتناق ُ‬
‫أحاديثهم ‪ ،‬وزال عنها الضطرا ُ‬
‫حّ‬
‫ج‬ ‫ل ِب َ‬
‫ن أراَد أنْ ُيِه ّ‬
‫ل ‪َ ،‬وَم ْ‬
‫عمرٍة َفْلُيِه ّ‬
‫جوُ‬
‫حّ‬‫ل ِب َ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ .‬فقال ‪َ )) :‬من أراد منكم أن ُيِه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بحج ‪،‬‬
‫ل رسول ا ّ‬
‫ل (( ‪ .‬قالت عائشُة ‪ :‬فأه ّ‬
‫ل ِبُعْمَرٍة َفْلُيِه ّ‬
‫ن ُيِه ّ‬
‫ن َأراَد َأ ْ‬
‫ل ‪ ،‬وَم ْ‬
‫َفْلُيِه ّ‬
‫ل به ناس معه ‪ ،‬فهذا يدل على أنه كان ُمِفردًا فى ابتداء إحرامه ‪ ،‬فُعِلم أن ِقرانه كان بعد ذلك ‪.‬‬
‫وأه ّ‬
‫ص للنبى صلى ال‬
‫ل من مخالفة الحاديث المتقّدمة ‪ ،‬ودعوى التخصي ِ‬
‫ب أن فى هذا القو ِ‬
‫ول َري َ‬
‫لمة ما يرّده وُيبطله ‪ ،‬ومما يرّده أن أنسًا قال ‪ :‬صّلى رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫قا ُ‬
‫ح فى ح ّ‬
‫عليه وسلم بإحرام ل َيص ّ‬
‫ج والُعْمرة حين صّلى‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫صِعَد جبل البيداء ‪ ،‬وأه ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم الظهر بالبيداء ‪ ،‬ثم ركب ‪ ،‬و َ‬
‫الظهر ‪.‬‬
‫عْمَرٌة فى‬
‫ك وُقلْ ‪ُ :‬‬
‫ل فى َهَذا الَوادى الُمباَر ِ‬
‫صّ‬‫وفى حديث عمر‪ ،‬أن الذى جاءُه ِمن ربِه قال له ‪َ )) :‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فالذى روى عمر أنه ُأِمَر به ‪ ،‬وروى أنس أنه‬
‫لا ّ‬
‫جٍة (( ‪ .‬فكذلك فعل رسو ُ‬
‫حّ‬
‫َ‬
‫عْمرة (( ‪.‬‬
‫جا و ُ‬
‫حّ‬‫حليفة ‪ ،‬ثم قال ‪ )) :‬لبيك َ‬
‫ظهر بذى ال ُ‬
‫فعله سواء ‪ ،‬فصّلى ال ّ‬
‫ج على قولين ‪ ،‬وهما روايتان عن أحمد ‪،‬‬
‫حّ‬‫ل الُعمرِة على ال َ‬
‫س فى جواز إدخا ِ‬
‫واختلف النا ُ‬
‫ل ‪َ ،‬بَنْوه على‬
‫حة كأبى حنيفة وأصحابه رحمهم ا ّ‬
‫ح ‪ ،‬والذين قالوا بالص ّ‬
‫صّ‬‫أشهرهما ‪ :‬أنه ل َي ِ‬
‫ج ‪ ،‬فقد التزم زيادة‬
‫حّ‬‫ُأصولهم ‪ ،‬وأن القاِرن يطوف طوافين ‪ ،‬ويسعى سعيين ‪ ،‬فإذا أدخل الُعْمرة على ال َ‬
‫‪88‬‬

‫ى واحد ‪ ،‬قال ‪ :‬لم يستفد بهذا‬


‫ف واحد ‪ ،‬وسع ٌ‬
‫ج وحَده ‪ ،‬وَمن قال ‪ :‬يكفيه طوا ٌ‬
‫حّ‬‫ل على الحرام بال َ‬
‫عم ِ‬
‫الدخال إل سقوط أحد السفرين ‪ ،‬ولم يلتزم به زياَدة عمل ‪ ،‬بل ُنقصانه ‪ ،‬فل يجوز ‪ ،‬وهذا مذهب‬
‫الجمهور ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى عذر القائلين إنه صلى ال عليه وسلم أحرم بُعْمرة ‪ ،‬ثم أدخل عليها الحج‬
‫ن عمر ‪)) :‬تمّتع رسو ُ‬
‫ل‬ ‫ل اب ِ‬
‫ج ‪ ،‬فُعذرهم قو ُ‬
‫حّ‬‫وأما القائلون ‪ :‬إنه أحرم بُعْمرة ‪ ،‬ثم أدخل عليها ال َ‬
‫حليفة‬
‫ى من ذى ال ُ‬
‫ج ‪ ،‬وأهدى ‪ ،‬فساق معه الَهْد َ‬
‫حّ‬‫جة الوداع بالُعْمرة إلى ال َ‬
‫حّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫ا ّ‬
‫ج (( متفق عليه‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ل بالُعْمرِة ثم أه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فأ ه ّ‬
‫لا ّ‬
‫‪ ،‬وبدأ رسو ُ‬
‫ج ‪ ،‬وُيبين ذلك أيضًا أن ابن عمر لما‬
‫حّ‬‫ل بالُعْمرة ‪ ،‬ثم أدخل عليها ال َ‬
‫وهذا ظاهر فى أنه أحرم أو ً‬
‫عْمرتى ‪ ،‬وأهدى َهْديًا اشتراه‬
‫جا مع ُ‬
‫حّ‬‫ت َ‬
‫شِهُدكم أنى قد أوجب ُ‬
‫ل بُعمرة ثم قال ‪ُ :‬أ ْ‬
‫ج زمن ابن الزبير أه ّ‬
‫حّ‬‫َ‬
‫ل بهما جميعًا حتى َقِدَم مكة ‪ ،‬فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ‪ ،‬ولم يزد على ذلك ‪،‬‬
‫بُقَدْيد ‪ ،‬ثم انطلق ُيِه ّ‬
‫ل من شئ حرم منه حتى كان يوم النحر ‪ ،‬فنحر وحلق ‪،‬‬
‫حّ‬‫صْر ‪ ،‬ولم َي ِ‬
‫ق ولم ُيق ّ‬
‫ولم ينحر ‪ ،‬ولم يحل ْ‬
‫ل صلى ال‬
‫طوافه الول ‪ .‬وقال ‪ :‬هكذا فعل رسول ا ّ‬
‫حج والُعْمرة ب َ‬
‫ف ال َ‬
‫ورأى أن ذلك قد قضى طوا َ‬
‫عليه وسلم ‪ .‬فعند هؤلء ‪ ،‬أنه كان متمتعًا فى ابتداء إحرامه ‪ ،‬قاِرنًا فى أثنائه ‪ ،‬وهؤلء أعُذر ِمن الذين‬
‫ج على الُعمرة جائز بل نزاع ُيعرف ‪ ،‬وقد أمر النبى صلى ال عليه وسلم عائشة‬
‫ل الح ّ‬
‫قبلهم ‪ ،‬وإدخا ُ‬
‫ق الحاديث الصحيحة ‪ ،‬يرّد‬
‫ل عنها بإدخال الحج على الُعمرة ‪ ،‬فصارت قاِرنًة ‪ ،‬ولكن سيا ُ‬
‫رضى ا ّ‬
‫ل بهما جميعًا‪ ،‬وفى )) الصحيح ((‬
‫على أرباب هذه المقالة ‪ .‬فإن أنسًا أخبر أنه حين صلى الظهر أه ّ‬
‫ن لِهلل ذى‬
‫جة الوداع ُمَواِفي َ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫عن عائشة ‪ ،‬قالت ‪ :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫ل َأّنى‬
‫ل ‪ ،‬فلْو َ‬
‫ل بُعْمَرٍة َفْلُيِه ّ‬
‫ن ُيِه ّ‬
‫ن َأراَد ِمْنُكم َأ ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪َ )) :‬م ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫جة ‪ ،‬فقال رسو ُ‬
‫حّ‬‫ال ِ‬
‫ل بالحج ‪ ،‬فقالت ‪ :‬فكنت‬
‫ل بُعْمرة ‪ ،‬ومنهم َمن أه ّ‬
‫ت ِبُعْمَرٍة (( قالت ‪ :‬وكان ِمن القوم َمن أه ّ‬
‫لْهَلْل ُ‬
‫ت َ‬
‫َأْهَدْي ُ‬
‫ل بُعْمرة ‪ ...‬وذكرت الحديث رواه مسلم فهذا صريح فى أنه لم ُيِهل إذ ذاك بعمرٍة ‪ ،‬فإذا‬
‫أنا ممن أه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى‬
‫ل عائشة هذا ‪ ،‬وبين قولها فى )) الصحيح (( ‪ :‬تمتع رسول ا ّ‬
‫جمعت بين قو ِ‬
‫ل فى )) الصحيح (( ‪،‬‬
‫ج ‪ ،‬والُك ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بالح ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫ن قولهـا ‪ :‬وأه ّ‬
‫جة الوداع ‪ ،‬وَبْي َ‬
‫حّ‬
‫َ‬
‫عْمرة الِقران ‪ ،‬وكانوا ُيسمونها تمتعًا كما تقّدم ‪ ،‬وأن‬
‫عْمرًة مفردة ‪ ،‬وأنها لم تنف ُ‬
‫ت أنها إنما نفت ُ‬
‫علم َ‬
‫‪89‬‬

‫عْمرة الِقران ِفى ضمنه ‪ ،‬وجزء منه ‪ ،‬ول ُينافى قولها ‪ :‬أفرد‬
‫ذلك ل ُيناقض إهلَله بالحج ‪ ،‬فإن ُ‬
‫ت أعماُله ‪ ،‬كان ذلك إفرادًا بالفعل ‪.‬‬
‫حج ‪ ،‬وُأِفرَد ْ‬
‫ل الُعْمرة لما دخلت فى أعمال ال َ‬
‫حج ‪ ،‬فإن أعما َ‬
‫ال َ‬
‫ن عمر ‪ :‬أن رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫ث اب ِ‬
‫ج مفِردًا ‪ ،‬فهو إفراد بالقول ‪ ،‬وقد قيل ‪ :‬إن حدي َ‬
‫حّ‬‫وأما التلبية بال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ج ‪ ،‬وبدأ رسو ُ‬
‫حّ‬‫جة الوداع بالُعْمرة إلى ال َ‬
‫حّ‬‫صلى ال عليه وسلم تمتع فى َ‬
‫حج ‪ ،‬مروى بالمعنى من حديثه الخر ‪ ،‬وأن ابن عمر هو الذى فعل ذلك عام‬
‫ل بال َ‬
‫ل بالُعْمرة ‪ ،‬ثم أه ّ‬
‫فأه ّ‬
‫ل بالعمرة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ما شأُنهما إل واحد ‪ُ ،‬أشِهُدكم أنى قد‬
‫حجه فى فتنة ابن الزبير ‪ ،‬وأنه بدأ فأه ّ‬
‫َ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫ل بهما جميعًا ‪ ،‬ثم قال فى آخر الحديث ‪ :‬هكذا فعل رسو ُ‬
‫عمرتى ‪ ،‬فأه ّ‬
‫جا مع ُ‬
‫حّ‬‫أوجبت َ‬
‫ل على المعنى ‪ ،‬وُروى به ‪:‬‬
‫حِم َ‬
‫ى واحد ‪َ ،‬ف ُ‬
‫سع ٌ‬
‫عليه وسلم ‪ .‬وإنما أراد اقتصاره على طواف واحد ‪ ،‬و َ‬
‫ن عمر ‪،‬‬
‫ج ‪ ،‬وإنما الذى فعل ذلك اب ُ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ل بالُعْمرة ‪ ،‬ثم أه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بدأ فأه ّ‬
‫لا ّ‬
‫أن رسو َ‬
‫ت ِبُعْمَرٍة (( وأنس‬
‫لَهَلْل ُ‬
‫ى َ‬
‫وهذا ليس ببعيد ‪ ،‬بل متعّين ‪ ،‬فإن عائشة قالت عنه ‪ )) :‬لول أن َمِعى الَهْد َ‬
‫ل عنه ‪ ،‬أخبر عنه أن الوحى‬
‫عْمرة ‪ ،‬وعمر رضى ا ّ‬
‫جًا و ُ‬
‫حّ‬
‫قال عنه ‪ :‬إنه حين صّلى الظهر ‪ ،‬أوجب َ‬
‫جاءه من ربه فأمره بذلك ‪.‬‬
‫فإن قيل ‪ :‬فما تصنعون بقول الزهرى ‪ :‬إن عروة أخبره عن عائشة بمثل حديث سالم ‪ ،‬عن ابن‬
‫عمر ؟‬
‫ل عليه وسلم طاف طوافًا واحدًا عن‬
‫قيل ‪ :‬الذى أخبرت به عائشة من ذلك ‪ ،‬هو أنه صلى ا ّ‬
‫ق ِلرواية عروة عنها فى )) الصحيحين (( ‪ ،‬وطاف اّلذين أهّلوا‬
‫عْمرته ‪ ،‬وهذا هو المواف ُ‬
‫جه و ُ‬
‫حّ‬
‫َ‬
‫جهم ‪،‬‬
‫حّ‬
‫صفا والمروة ‪ ،‬ثم حّلوا ‪ ،‬ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من ِمَنى ل َ‬
‫ن ال ّ‬
‫بالُعْمرة بالبيت وبي َ‬
‫ل الذى رواه سالم عن أبيه سواء ‪.‬‬
‫ج والُعْمرة ‪ ،‬فإنما طافوا طوافًا واحدًا ‪ ،‬فهذا مث ُ‬
‫حّ‬‫وأما الذين جمعوا ال َ‬
‫حجّ ‪ ،‬وقد قالت ‪:‬‬
‫ل بال َ‬
‫ل بالُعمرة ‪ ،‬ثم أه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بدأ فأه ّ‬
‫وكيف تقول عائشة ‪ :‬إن رسول ا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫ل‬ ‫ت ِبُعْمَرٍة (( وقالت ‪ :‬وأه ّ‬
‫لْهَلْل ُ‬
‫ى َ‬
‫ى الَهْد َ‬
‫ن َمِع َ‬
‫ل َأ ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال ‪َ )) :‬لْو َ‬
‫إن رسول ا ّ‬
‫ل فى ابتدء إحرامه بُعْمرة‬
‫ل عليه وسلم لم ُيِه ّ‬
‫ج ؟ َفُعِلَم ‪ ،‬أنه صلى ا ّ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم بال َ‬
‫ا ّ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫مفردة ‪ ..‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫سكًا ثم عّينه‬
‫فيمن قالوا إنه أحرم إحرامًا مطلقًا ‪ ،‬لم يعين فيه ُن ُ‬
‫‪90‬‬

‫وأما الذين قالوا ‪ :‬إّنه أحرم إحرامًا مطلقًا ‪ ،‬لم يعّين فيه ُنسكًا ‪ ،‬ثم عّينه بعد ذلك لما جاءه‬
‫ل ‪ ،‬نص عليه فى كتاب )) اختلف‬
‫صَفا والمروة ‪ ،‬وهو أحُد أقوال الشافعى رحمه ا ّ‬
‫القضاء وهو بين ال ّ‬
‫صَفا والمروة ‪،‬‬
‫الحديث (( ‪ .‬قال ‪ :‬وثبت أنه خرج ينتظر القضاء ‪ ،‬فنزل عليه القضاء وهو ما بين ال ّ‬
‫عْمرًة ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ومن وصف انتظار‬
‫ل ولم يكن معه َهْدى أن يجعله ُ‬
‫فأمر أصحاَبه أن َمن كان منهم أه ّ‬
‫سع‬
‫النبى صلى ال عليه وسلم القضاء ‪ ،‬إذ لم يحج من المدينة بعد نزول الفرض طلبًا للختيار فيما و ّ‬
‫حِف َ‬
‫ظ‬ ‫ن ‪ ،‬فانتظر القضاء ‪ ،‬كذلك ُ‬
‫عَنْي ِ‬
‫ج والُعْمرة ‪ ،‬فُيشبه أن يكون أحفظ ‪ ،‬لنه قد ُأتى بالمتل ِ‬
‫حّ‬‫ل من ال َ‬
‫ا ّ‬
‫ظُر القضاء ‪ ،‬وعذر أرباب هذا القول ‪ ،‬ما ثبت فى )) الصحيحين (( عن عائشة‬
‫ج ينت ِ‬
‫حّ‬‫عنه فى ال َ‬
‫عْمرة (( وفى‬
‫جا ول ُ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ل نذكر َ‬
‫ل عنها ‪ ،‬قالت ‪ )) :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫رضى ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫عْمرة (( وفى رواية عنها ‪ )) :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫جا ول ُ‬
‫حّ‬
‫لفظ ‪ُ )) :‬يَلّبى ل يذكر َ‬
‫ن لم يكن معه‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َم ْ‬
‫لا ّ‬
‫ج ‪ ،‬حتى إذا دنونا من مكة أمر رسو ُ‬
‫حّ‬‫وسلم ل نرى إل ال َ‬
‫ل (( ‪.‬‬
‫حّ‬‫صَفا والمروة أن َي ِ‬
‫َهْدى إذا طاف بالبيت وبين ال ّ‬
‫عْمرة‬
‫جا ول ُ‬
‫حّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم من المدينة ل ُيسّمى َ‬
‫لا ّ‬
‫وقال طاووس ‪ :‬خرج رسو ُ‬
‫حّ‬
‫ج‬ ‫ل بال َ‬
‫صَفا والمروة ‪ ،‬فأمر أصحاَبه َمن كان منهم أه ّ‬
‫ظُر القضاَء ‪ ،‬فنزل عليه القضاُء وهو بين ال ّ‬
‫ينت ِ‬
‫ث‪.‬‬
‫عْمرة ‪ ...‬الحدي َ‬
‫ولم يكن معه َهْدى أن يجعلها ُ‬
‫جة النبى صلى ال عليه وسلم ‪ :‬فصّلى رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫حّ‬
‫وقال جابر فى حديثه الطويل فى سياق َ‬
‫ت إلى‬
‫صواَء حتى إذا استوت به ناقُته على البيداِء َنظر ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم فى المسجد ‪ ،‬ثم ركب الَق ْ‬
‫ن خلفه ِمث ُ‬
‫ل‬ ‫ل ذلك ‪ ،‬ومِ ْ‬
‫ل ذلك ‪ ،‬وعن َيساِره مث ُ‬
‫ش ‪ ،‬وعن يمينه مث ُ‬
‫مّد بصرى بين يديه من راكب وما ٍ‬
‫ل به‬
‫عِم َ‬
‫ن وهو يعلم تأويَله ‪ ،‬فما َ‬
‫ل القرآ ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بين أظُهِرنا ‪ ،‬وعليه َيْنِز ُ‬
‫لا ّ‬
‫ذلك ‪ ،‬ورسو ُ‬
‫حْمَد والّنْعَمَة‬
‫ن ال َ‬
‫ك‪،‬إّ‬
‫ك َلّبْي َ‬
‫ك َل َ‬
‫شِري َ‬
‫كل َ‬
‫ك ‪َ ،‬لّبْي َ‬
‫ك الّلُهّم َلّبْي َ‬
‫ل بالتوحيِد ‪َ )) :‬لّبْي َ‬
‫عِمْلَنا ِبِه ‪ ،‬فأه ّ‬
‫من شئ ‪َ ،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫س بهذا الذى ُيِهّلون به‪ ،‬وَلِزَم رسو ُ‬
‫ل النا ُ‬
‫ك (( ‪ .‬وأه ّ‬
‫ك َل َ‬
‫شري َ‬
‫ك‪،‬ل َ‬
‫ك والُمْل َ‬
‫َل َ‬
‫عْمرة ‪ ،‬ول ِقرانًا ‪،‬‬
‫جا ول ُ‬
‫حّ‬
‫تلبيُته فأخبر جابر ‪ ،‬أنه لم يزد على هذه التلبية ‪ ،‬ولم يذكُر أنه أضاف إليها َ‬
‫ك الذى أحرم به فى البتداء ‪ ،‬وأنه الِقران‬
‫سَ‬
‫وليس فى شئ من هذه العذار ما ُيناقض أحاديث تعيينه الّن ُ‬
‫‪.‬‬
‫‪91‬‬

‫ت ‪ ،‬ول ُيعرف اتصاله بوجه‬


‫ن المسنَدا ُ‬
‫ض به الساطي ُ‬
‫سل ل ُيعاَر ُ‬
‫ث طاووس ‪ ،‬فهو مر َ‬
‫فأما حدي ُ‬
‫صحيح ول حسن ‪ .‬ولو صح ‪ ،‬فانتظاُره للقضاء كان فيما بينه وبين الميقات ‪ ،‬فجاءه القضاء وهو بذلك‬
‫جٍة (( ‪ ،‬فهذا‬
‫حّ‬‫عْمَرٌة فى َ‬
‫ل‪ُ :‬‬
‫ك َوُق ْ‬
‫ل فى َهَذا الَوادى الُمَباَر ِ‬
‫صّ‬‫ن ربه تعالى فقال ‪َ )) :‬‬
‫ت ِم ْ‬
‫الوادى ‪ ،‬أتاه آ ٍ‬
‫ن ‪ .‬وقول طاووس ‪ :‬نزل عليه القضاُء وهو‬
‫القضاُء الذى انتظره ‪ ،‬جاءه قبل الحرام ‪ ،‬فعّين له الِقرا َ‬
‫صَفا والمروة ‪ ،‬هو قضاء آخر غير القضاء الذى نزل عليه بإحرامه ‪ ،‬فإن ذلك كان بوادى‬
‫بين ال ّ‬
‫صفا والمروة ‪ ،‬فهو قضاُء الفسخ الذى أمَر به الصحابَة إلى‬
‫العقيق ‪ ،‬وأما القضاُء الذى نزل عليه بين ال ّ‬
‫ن‬
‫تم ْ‬
‫سَتْقَبْل ُ‬
‫عْمرة وقال ‪ )) :‬لو ا ْ‬
‫جُه إلى ُ‬
‫حّ‬
‫خ َ‬
‫سَ‬‫ن لم يكن معه َهْدى منهم أن يف َ‬
‫ل َم ْ‬
‫الُعْمرة ‪ ،‬فحينئذ أمر ُك ّ‬
‫عْمَرًة (( ‪ ،‬وكان هذا أمَر حتم بالوحى ‪ ،‬فانهم لما توّقفوا‬
‫جَعْلُتها ُ‬
‫ت الَهْدى َوَل َ‬
‫سْق ُ‬
‫ت لما ُ‬
‫سَتْدَبْر ُ‬
‫أْمِرى ما ا ْ‬
‫ظُروا اّلِذى آمُرُكْم ِبِه َفْافَعُلوه (( ‪.‬‬
‫فيه قال ‪ )) :‬ان ُ‬
‫عْمرة ‪ .‬فهذا إن كان محفوظًا عنها ‪ ،‬وجب حمله‬
‫جا ول ُ‬
‫حّ‬‫فأما قول عائشة ‪ :‬خرجنا ل نذكر َ‬
‫ل عند الميقات‬
‫على ما قبل الحرام ‪ ،‬وإل ناقض سائر الروايات الصحيحة عنها ‪ ،‬أن منهم َمن أه ّ‬
‫عْمرة ‪ ،‬فهذا‬
‫جا ول ُ‬
‫حّ‬‫ل بُعْمرة ‪ .‬وأما قولها ‪ :‬نلّبى ل نذكر َ‬
‫ل بُعْمرة ‪ ،‬وأنها ممن أه ّ‬
‫ن أه ّ‬
‫ج ‪ ،‬ومنهم َم ْ‬
‫حّ‬‫بَ‬
‫فى ابتداء الحرام ‪ ،‬ولم تقل ‪ :‬إنهم استمروا على ذلك إلى مكة ‪ ،‬هذا باطل قطعًا فإن الذين سمعوا‬
‫ل به ‪ ،‬شهدوا على ذلك ‪ ،‬وأخبروا به ‪ ،‬ول سبيل إلى رد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وما أه ّ‬
‫إحراَم رسول ا ّ‬
‫رواياتهم ‪ .‬ولو صح عن عائشَة ذلك ‪ ،‬لكان غايُته أنها لم تحفظ إهللهم عند الميقات ‪ ،‬فنفته وحفظه‬
‫ل بذلك أعلُم من النساء ‪.‬‬
‫غيرها من الصحابة فأثبته ‪ ،‬والرجا ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بالتوحيد ‪ ،‬فليس فيه إل‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫ل عنه ‪ :‬وأه ّ‬
‫وأما قول جابر رضى ا ّ‬
‫ك الذى أحرم به بوجه من الوجوه ‪ .‬وبكل حال ‪،‬‬
‫سَ‬
‫ى لتعيينه الّن ُ‬
‫إخباُره عن صفة تلبيته ‪ ،‬وليس فيه نف ٌ‬
‫ل الثبات أولى بالخذ منها ‪،‬‬
‫ث أه ِ‬
‫ولو كانت هذه الحاديث صريحة فى نفى التعيين ‪ ،‬لكانت أحادي ُ‬
‫لكثرتها ‪ ،‬وصحتها ‪ ،‬واتصالها ‪ ،‬وأنها ُمْثِبَتة مبّينة متضمنة لزيادة خفيت على َمن نفى ‪ ،‬وهذا بحمد الّ‬
‫ل التوفيق ‪.‬‬
‫واضح ‪ ،‬وبا ّ‬
‫فصل‬
‫ل عليه وسلم‬
‫جته صلى ا ّ‬
‫حّ‬‫ولنرجع إلى سياق َ‬
‫‪92‬‬

‫ل وهو‬
‫سل وهو بالغين المعجمة على وزن ِكف ٍ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم رأسه بالِغ ْ‬
‫ولّبد رسول ا ّ‬
‫ل فى ُمصله ‪ ،‬ثم ركب على‬
‫شر ‪ ،‬وأه ّ‬
‫ى ونحوه ُيلّبُد به الشعر حتى ل ينت ِ‬
‫طِم ّ‬
‫خ ْ‬
‫ما ُيغسل به الرأس ِمن َ‬
‫ل ‪ ..‬لقد أوجب فى‬
‫ل لما استقّلت به على البيداء ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬وايُم ا ّ‬
‫ل أيضًا ‪ ،‬ثم أه ّ‬
‫ناقته ‪ ،‬وأه ّ‬
‫ل حين عل على شرف البيداء ‪.‬‬
‫ل حين استقلت به ناقته ‪ ،‬وأه ّ‬
‫مصله ‪ ،‬وأه ّ‬
‫ن‪،‬‬
‫ج تارة ‪ ،‬لن الُعْمرة جزء منه ‪ ،‬فمن َثّم قيل ‪َ :‬قَر َ‬
‫حّ‬‫ج والُعمرة تارة ‪ ،‬وبال َ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫وكان ُيِه ّ‬
‫ظ‪:‬‬
‫ظهر بيسير ‪ ،‬وهذا وهم منه ‪ ،‬والمحفو ُ‬
‫ل ال ّ‬
‫وقيل ‪ :‬تمتع ‪ ،‬وقيل ‪ :‬أفرد ‪ ،‬قال ابن حزم ‪ :‬كان ذلك قب َ‬
‫ل بعد صلة الظهر ‪ ،‬ولم يقل أحد قط إن إحَرامه كان قبل الظهر ‪ ،‬ول أدرى من أين له‬
‫أنه إنما أه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إل ِمن عند الشجرة حين قام به‬
‫ل رسول ا ِّ‬
‫ن عمر ‪ :‬ما أه ّ‬
‫هذا ‪ .‬وقد قال اب ُ‬
‫بعيُره ‪ .‬وقد قال أنس ‪ :‬إنه صّلى الظهَر ‪ ،‬ثم ركب ‪ ،‬والحديثان فى )) الصحيح (( ‪.‬‬
‫ظهر ‪ ،‬ثم لّبى فقال ‪ )) :‬لّبْي َ‬
‫ك‬ ‫ل بعَد صلِة ال ّ‬
‫فإذا جمعت أحَدهما إلى الخر ‪ ،‬تبّين أّنه إنما أه ّ‬
‫ك (( ‪ .‬ورفع صوَته بهذه‬
‫ك َل َ‬
‫شِري َ‬
‫كل َ‬
‫ك والمُْل َ‬
‫حْمَد والّنْعَمَة َل َ‬
‫ن ال َ‬
‫ك‪،‬إّ‬
‫ك َلّبْي َ‬
‫ك َل َ‬
‫شري َ‬
‫ك ‪َ ،‬لّبيك ل َ‬
‫الّلُهّم َلّبْي َ‬
‫ل له أن يرفُعوا أصواَتهم بالتلبية ‪.‬‬
‫سِمَعها أصحاُبه ‪ ،‬وأمَرهم بأمر ا ّ‬
‫التلبيِة حتى َ‬
‫ل ‪ ،‬ول َهْوَدج ‪ ،‬ول عّماِرية وَزاِملُته تحته ‪ .‬وقد اخُتِلف فى‬
‫حِم ٍ‬
‫حل ‪ ،‬ل فى َم ْ‬
‫جه على َر ْ‬
‫حّ‬
‫وكان َ‬
‫ج ‪ ،‬والَعّماِرية ‪ ،‬ونحوها على قولين ‪ ،‬هما روايتان عن‬
‫ل ‪ ،‬والَهْوَد ِ‬
‫حِم ِ‬
‫حِرم فى الَم ْ‬
‫ب الُم ْ‬
‫جواز ركو ِ‬
‫ب الشافعى وأبى حنيفة ‪ .‬والثانى ‪ :‬المنع وهو مذهب مالك ‪.‬‬
‫أحمد أحدهما ‪ :‬الجواُز وهو مذه ُ‬
‫فصل‬
‫ك الثلثة ‪ ،‬ثم ندَبهم عند ُدنّوهم من‬
‫ل عليه وسلم خّيرهم عند الحرام بين النسا ِ‬
‫ثم إّنه صلى ا ّ‬
‫ى ‪ ،‬ثم حّتم ذلك عليهم عند المروِة ‪.‬‬
‫حج والِقران إلى الُعْمرة لمن لم يكن معه َهْد ٌ‬
‫مكة إلى فسخ ال َ‬
‫حليفة محّمَد بن أبى‬
‫ل عنها بذى ال ُ‬
‫س زوجُة أبى بكر رضى ا ّ‬
‫عمي ٍ‬
‫ت ُ‬
‫ت أسماُء ِبن ُ‬
‫ووَلَد ْ‬
‫ل ‪ .‬وكان فى‬
‫سَتْثِفَر بثوب ‪ ،‬وُتحرم وُتِه ّ‬
‫ل ‪ ،‬وَت ْ‬
‫سَ‬‫ل صلى ال عليه وسلم أن تغت ِ‬
‫لا ّ‬
‫بكر ‪ ،‬فأمرها رسو ُ‬
‫سل لحرامها ‪ ،‬والثالثة ‪ :‬أن‬
‫ض تغت ِ‬
‫ل المحرم ‪ ،‬والثانية ‪ :‬أن الحائ َ‬
‫سنن ‪ ،‬إحداها ‪ :‬غس ُ‬
‫ث ُ‬
‫ِقصتها ثل ُ‬
‫ح ِمن الحائض ‪.‬‬
‫صّ‬‫الحرام َي ِ‬
‫س معه يزيُدون فيها‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وهو ُيلّبى بتلبيِته المذكورِة ‪ ،‬والنا ُ‬
‫لا ّ‬
‫ثم سار رسو َ‬
‫صون ‪ ،‬وهو ُيِقّرهم ول ُينِكُر عليهم ‪.‬‬
‫وَينُق ُ‬
‫‪93‬‬

‫ك َأ ْ‬
‫ن‬ ‫شُ‬
‫عقيرًا ‪ ،‬فقال ‪َ)) :‬دعوه فإّنه ُيو ِ‬
‫ش َ‬
‫ح ٍ‬
‫حمار و ْ‬
‫ولزم تلبيَته ‪ ،‬فلما كاُنوا بالّروحاء ‪ ،‬رأى ِ‬
‫شْأَنُكم ِبَهَذا‬
‫ل‪َ ،‬‬
‫لا ّ‬
‫سو َ‬
‫ل ‪ :‬يا ر ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪َ،‬فَقا َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫ى َر ُ‬
‫حُبه إل َ‬
‫صا ِ‬
‫حُبه (( َفجاء َ‬
‫صا ِ‬
‫ى َ‬
‫َيأت َ‬
‫ق‪.‬‬
‫ن الّرَفا ِ‬
‫سَمُه َبْي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َأَبا َبْكٍر َفَق َ‬
‫لا ّ‬
‫سو ُ‬
‫حماِر ‪َ ،‬فَأمَر َر ُ‬
‫ال ِ‬
‫صْده لجله ‪ ،‬وأما كو ُ‬
‫ن‬ ‫حلل إذا لم َي ِ‬
‫حِرِم ِمن صيد ال َ‬
‫ل الُم ْ‬
‫وفى هذا دليل على جواز أك ِ‬
‫حليفة ‪ ،‬فهو كأبى قتادة فى قصته‪ ،‬وتدل هذه القصُة على أن‬
‫حِرم ‪ ،‬فلعّله لم يمّر بذى ال ُ‬
‫صاحبه لم ُي ْ‬
‫ل عليها ‪ ،‬وتدل على قسمته اللحم مع عظامه‬
‫ح بما َيُد ّ‬
‫صّ‬‫ت لك ‪ ،‬بل َت ِ‬
‫الِهبة ل تفتِقُر إلى لفظ ‪ :‬وهب ُ‬
‫ك بالثبات ‪ ،‬وإزالة امتناعه ‪ ،‬وأنه لمن أثبته ل لمن أخذه ‪ ،‬وعلى‬
‫ل على أن الصيَد ُيمَل ُ‬
‫بالتحّرى ‪ ،‬وَتُد ّ‬
‫حمار الوحشى ‪ ،‬وعلى التوكيل فى الِقسمة ‪ ،‬وعلى كون القاسم واحدًا ‪.‬‬
‫ل لحم ال ِ‬
‫ل أك ِ‬
‫حّ‬‫ِ‬
‫فصل‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@‬
‫ل فيه سهم ‪ ،‬فأمر‬
‫ظّ‬‫ف فى ِ‬
‫حاِق ٌ‬
‫ى َ‬
‫ج ‪ ،‬إذا ظب ٌ‬
‫لَثايِة بين الّرويَثِة والَعْر ِ‬
‫ثم مضى حتى إذا كان با ُ‬
‫ق بين قصة الظبى ‪ ،‬وقصِة الحمار‬
‫ل أن يقف عنده ل َيِريُبه أحٌد من الناس ‪ ،‬حتى ُيجاِوزوا ‪ .‬والفر ُ‬
‫رج ً‬
‫ل ‪ ،‬فلم يمنع من أكله ‪ ،‬وهذا لم يعلم أنه حلل وهم محِرمون ‪ ،‬فلم‬
‫‪ ،‬أن الذى صاد الحمار كان حل ً‬
‫ف عنده ‪ ،‬لئل يأخذه أحٌد حتى ُيجاوزوه ‪.‬‬
‫ن لهم فى أكله ‪ ،‬ووّكل َمن َيِق ُ‬
‫يأذ ْ‬
‫ل‪،‬‬
‫ل ‪ ،‬إذ لو كان حل ً‬
‫حّ‬‫حِرم للصيد يجعُله بمنزلة الميتة فى عدم ال ِ‬
‫ل الُم ْ‬
‫وفيه دليل ‪ :‬على أن قت َ‬
‫ضْع ماِلّيُته ‪.‬‬
‫لم َت ِ‬
‫فصل‬
‫ج ‪ ،‬وكانت ِزمالُته وِزَماَلُة أبى بكر واحدة ‪ ،‬وكانت مع غلم لبى‬
‫ثم سار حتى إذا نزل بالَعْر ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأبو بكر إلى جانبه ‪ ،‬وعائشُة إلى جانبه الخر ‪ ،‬وأسماُء‬
‫لا ّ‬
‫بكر ‪ ،‬فجلس رسو ُ‬
‫ظر الغلم والزمالة ‪ ،‬إذ طلع الغلم ليس معه البعير ‪ ،‬فقال ‪ :‬أين‬
‫زوجته إلى جانبه ‪ ،‬وأبو بكر ينت ِ‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫بعيُرك ؟ فقال ‪ :‬أضللُته البارحة ‪ ،‬فقال أبو بكر ‪ :‬بعير واحد ُتضِّله ‪ .‬قال ‪َ :‬فطِفق يضرُبه ورسو ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫حِرم ما يصَنُع ‪ ،‬وما يزيد رسو ُ‬
‫ظروا إلى هذا الُم ْ‬
‫سم ‪ ،‬ويقول ‪ :‬ان ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم يتب ّ‬
‫‪94‬‬

‫عليه وسلم على أن يقول ذلك ويتبسم ‪ .‬ومن تراجم أبى داود على هذه القصة ‪ ،‬باب )) المحرم يؤّدب‬
‫غلمه (( ‪.‬‬
‫فصل‬
‫جّثاَمَة‬
‫ب بن َ‬
‫صع ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى إذا كان بالبواِء ‪ ،‬أهدى له ال ّ‬
‫لا ّ‬
‫ثم مضى رسو ُ‬
‫حُرٌم((‪ .‬وفى )) الصحيحين (( ‪)) :‬‬
‫ل َأّنا ُ‬
‫كإ ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫ى ‪ ،‬فرّده عليه ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬إّنا َلْم َنُرّدُه َ‬
‫حَماٍر وحش ّ‬
‫جَز ِ‬
‫عُ‬‫َ‬
‫ش (( ‪.‬‬
‫ح ٍ‬
‫حمارًا وحشيًا (( ‪ ،‬وفى لفظ لمسلم‪ )) :‬لحم حمار و ْ‬
‫أنه أهدى له ِ‬
‫ل عليه وسلم لحُم‬
‫ل ال صلى ا ّ‬
‫ى لرسو ِ‬
‫ل فى الحديث ‪ُ :‬أْهِد َ‬
‫ن يقو ُ‬
‫حميدى ‪ :‬كان سفيا ُ‬
‫وقال ال ُ‬
‫ل ذلك‪ ،‬وكان سفيان فيما خل ربما قال ‪:‬‬
‫طُر دمًا ‪ ،‬وربما لم يُق ْ‬
‫ش ‪ ،‬وربما قال سفيان ‪ :‬يق ُ‬
‫ح ٍ‬
‫حمار و ْ‬
‫ِ‬
‫ش ‪ ،‬وفى رواية ‪ِ :‬رجل حمار‬
‫حماِر وح ٍ‬
‫ق ِ‬
‫حماَر وحش ‪ ،‬ثم صار إلى لحم حّتى مات ‪ .‬وفى رواية ‪ :‬ش ّ‬
‫ِ‬
‫ش‪.‬‬
‫وح ٍ‬
‫ب‪،‬‬
‫صع ِ‬
‫ضْمِرى عن أبيه ‪ ،‬عن ال ّ‬
‫وروى يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن جعفر ‪ ،‬عن عمرو بن ُأمّية ال ّ‬
‫جحفة ‪ ،‬فأكل منه وأكل القوم ‪ .‬قال‬
‫ش وهو بال ُ‬
‫ح ٍ‬
‫حماِر و ْ‬
‫جَز ِ‬
‫عُ‬‫ُأهدى للنبى صلى ال عليه وسلم َ‬
‫البيهقى ‪ :‬وهذا إسناد صحيح ‪ .‬فإن كان محفوظًا ‪ ،‬فكأنه رّد الحى ‪ ،‬وقبل الّلحم ‪.‬‬
‫جّثامة أهدى للنبى صلى ال عليه وسلم الحماَر‬
‫ب بن َ‬
‫صع ُ‬
‫ل ‪ :‬فإن كان ال ّ‬
‫وقال الشافعى رحمه ا ّ‬
‫ل أن يكون علم أنه‬
‫ح حمار وحش ‪ ،‬وإن كان أهدى له لحم الحمار ‪ ،‬فقد يحتِم ُ‬
‫حِرم ذب ُ‬
‫حّيًا ‪ ،‬فليس للُم ْ‬
‫ت من‬
‫ث مالك ‪ :‬أنه ُأهدى له حمارًا أثب ُ‬
‫صيد له ‪ ،‬فرّده عليه ‪ ،‬وإيضاحه فى حديث جابر ‪ .‬قال ‪ :‬وحدي ُ‬
‫ِ‬
‫حديث َمن حّدث أنه ُأهدى له من لحم حمار ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬أما حديث يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن جعفر ‪ ،‬فغلط بل شك ‪ ،‬فإن الواقعَة واحدة ‪ ،‬وقد اتفق‬
‫الرواُة أنه لم يأكل منه ‪ ،‬إل هذه الرواية الشاّذة المنكرة ‪.‬‬
‫ف فى كون الذى أهداه حّيا ‪ ،‬أو لحمًا ‪ ،‬فرواية َمن روى لحماً أولى لثلثة‬
‫وأما الختل ُ‬
‫أوجه ‪.‬‬
‫ط الواقعَة حتى ضبطها ‪ :‬أنه يقطر دمًا ‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫أحدها ‪ :‬أن راويها قد حفظها ‪ ،‬وضب َ‬
‫حفظه للقصة حتى لهذا المر الذى ل ُيؤبه له ‪.‬‬
‫‪95‬‬

‫حمار ‪ ،‬وأنه لحم منه ‪ ،‬فل ُيناقض قوله ‪ُ :‬أهدى له‬


‫ض ال ِ‬
‫الثانى ‪ :‬أن هذا صريح فى كونه بع َ‬
‫حمارًا ‪ ،‬بل ُيمكن حمله على رواية َمن رَوى لحمًا ‪ ،‬تسمية للحم باسم الحيوان ‪ ،‬وهذا مما ل تأباه‬
‫اللغة ‪.‬‬
‫الثالث ‪ : :‬أن سائر الروايات متفقة على أنه بعض من أبعاضه ‪ ،‬وإّنما اختلفوا فى ذلك البعض ‪،‬‬
‫ض بين هذه الروايات ‪ ،‬إذ يمكن أن يكون‬
‫شّقه ‪ ،‬أو ِرجله ‪ ،‬أو لحم منه ؟ ول تناق َ‬
‫هل هو عجُزه ‪ ،‬أو ِ‬
‫ن عيينة عن قوله ‪:‬‬
‫جز ‪ ،‬وفيه الّرجل ‪ ،‬فصح التعبيُر عنه بهذا وهذا ‪ ،‬وقد رجع اب ُ‬
‫شق هو الذى فيه الَع ُ‬
‫ال ّ‬
‫)) حماراً (( وثبت على قوله ‪ )) :‬لحم حمار (( حتى مات ‪ .‬وهذا يدل على أنه تبّين له أنه إنما ُأهدى له‬
‫ن قصة أبى قتادة كانت عام‬
‫لحمًا ل حيوانًا ‪ ،‬ول تعارض بين هذا وبين أكله لما صاده أبو قتادة ‪ ،‬فإ ّ‬
‫جة الوداع ‪ ،‬منهم ‪ :‬المح ّ‬
‫ب‬ ‫حّ‬‫صعب قد ذكر غيُر واحد أنها كانت فى َ‬
‫حديبية سنة ست ‪ ،‬وقصة ال ّ‬
‫ال ُ‬
‫عَمره وهذا مما ُينظر فيه ‪ .‬وفى قصة الظبى‬
‫الطبرى فى كتاب )) حجة الوداع (( له ‪ .‬أو فى بعض ُ‬
‫ل أعلم ؟‬
‫عَمره وا ّ‬
‫جة الوداع ‪ ،‬أو فى بعض ُ‬
‫حّ‬‫وحمار يزيد بن كعب السلمى الَبهزى ‪ ،‬هل كانت فى َ‬
‫صعب على أنه صيد لجله ‪ ،‬زال‬
‫ث أبى قتادة على أنه لم يصده لجله ‪ ،‬وحديث ال ّ‬
‫حِمل حدي ُ‬
‫فإن ُ‬
‫صاُد َلُكْم (( ‪.‬‬
‫صيُدوُه َأْو ُي َ‬
‫ل َما َلْم َت ِ‬
‫حل ٌ‬
‫صْيُد الَبّر َلُكم َ‬
‫ل ‪ ،‬وشهد لذلك حديث جابر المرفوع ‪َ )) :‬‬
‫الشكا ُ‬
‫ل بأن المطلب ابن حنطب راويه عن جابر ل ُيعرف له سماع منه ‪ ،‬قاله‬
‫عّ‬‫ث قد ُأ ِ‬
‫وإن كان الحدي ُ‬
‫النسائى ‪.‬‬
‫حجة الوداع (( له ‪ :‬فلما كان فى بعض الطريق ‪ ،‬اصطاد أبو قتادة حمارًا‬
‫قال الطبرى فى )) َ‬
‫وحشيًا ‪ ،‬ولم يكن ُمحرمًا ‪ ،‬فأحّله النبى صلى ال عليه وسلم لصحابه بعد أن سألهم ‪ :‬هل أمره أحد‬
‫حديبية ‪،‬‬
‫ل ‪ ،‬فإن ِقصة أبى قتادة إنما كانت عام ال ُ‬
‫منكم بشئ ‪ ،‬أو أشار إليه ؟ وهذا وهم منه رحمه ا ّ‬
‫ى صلى ال عليه‬
‫ل ابنه عنه قال ‪ :‬انطلقنا مع النب ّ‬
‫هكذا روى فى )) الصحيحين (( من حديث عبد ا ّ‬
‫حديبية ‪ ،‬فأحرم أصحاُبه ولم أحِرم ‪ ،‬فذكر ِقصة الحمار الوحشى ‪.‬‬
‫وسلم عاَم ال ُ‬
‫فصل‬
‫سفان ‪ .‬قال ‪ )) :‬لقد‬
‫عْ‬‫ى واٍد هذا (( ؟ قال ‪ :‬وادى ُ‬
‫سَفان ‪ :‬قال ‪ )) :‬يا أبا بكر ؛ أ ّ‬
‫عْ‬‫فلما مّر بوادى ُ‬
‫ف َوُأُزُرُهم العَباُء ‪ ،‬وأْرِديُتُهم الّنماُر ‪ُ ،‬يَلّبو َ‬
‫ن‬ ‫طُمُهما الّلي ُ‬
‫خُ‬‫حَمَرْين ُ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ح على َبْكَرْي ِ‬
‫صاِل ٌ‬
‫َمّر به ُهوٌد و َ‬
‫ق (( ذكره المام أحمد فى المسند‬
‫ت الَعِتي َ‬
‫ن الَبْي َ‬
‫جو َ‬
‫حّ‬
‫َي َ‬
‫‪96‬‬

‫ل عنها ‪ ،‬وقد كانت أهّلت بُعْمرة ‪ ،‬فدخل‬


‫ف ‪ ،‬حاضت عائشُة رضى ا ّ‬
‫سِر َ‬
‫فلما كان َب َ‬
‫ت (( ؟ قالت ‪َ :‬نَعْم ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫س ِ‬
‫ك َنِف ْ‬
‫ك ؟ َلَعّل ِ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم وهى تبكى ‪ ،‬قال ‪ )) :‬ما ُيْبِكي ِ‬
‫عليها النب ّ‬
‫ت (( ‪.‬‬
‫طوفى بالَبْي ِ‬
‫ن ل َت ُ‬
‫غْيَر َأ ْ‬
‫ج‪َ ،‬‬
‫حا ّ‬
‫ل ال َ‬
‫ت آَدَم ‪ ،‬اْفَعلى َما َيْفَع ُ‬
‫عَلى َبَنا ِ‬
‫ل َ‬
‫)) َهَذا شئٌ َقْد َكَتَبُه ا ُّ‬
‫وقد تنازع العلماُء فى قصة عائشة ‪ :‬هل كانت متمتعة أو مفِردة ؟ فإذا كانت متمتعًة ‪ ،‬فهل‬
‫حجّ ‪ ،‬وصارت قارنًة ‪ ،‬وهل الُعمرة التى‬
‫عْمرَتها ‪ ،‬أو انتقلت إلى الفراد ‪ ،‬وأدخلت عليها ال َ‬
‫رفضت ُ‬
‫عْمرة السلم أم ل ؟‬
‫أتت بها ِمن التنعيم كانت واجبة أم ل ؟ وإذا لم تكن واجبًة ‪ ،‬فهل هى ُمجِزئٌة عن ُ‬
‫طهرها ‪ ،‬ونحن نذكر البيان الشافى فى ذلك بحول ا ّ‬
‫ل‬ ‫واختلفوا أيضًا فى موضع حيضها ‪ ،‬وموضع ُ‬
‫وتوفيقه ‪.‬‬
‫واختلف الفقهاُء فى مسألة مبنية على قصة عائشة ‪ ،‬وهى أن المرأة إذا أحرمت‬
‫حّ‬
‫ج‬ ‫ل بال َ‬
‫ض الحراَم بالُعْمرة ‪ ،‬وُتِه ّ‬
‫ف ‪ ،‬فهل ترُف ُ‬
‫ل التعري ِ‬
‫ف قب َ‬
‫بالُعْمرة ‪ ،‬فحاضت ‪ ،‬ولم ُيمكنها الطوا ُ‬
‫مفردًا ‪ ،‬أو ُتدخل الحج على الُعْمرة وتصير قاِرنة ؟ فقال بالقول الول ‪ :‬فقهاُء الُكوفة ‪ ،‬منهم أبو حنيفة‬
‫ب أهل الحديث كالمام أحمد‬
‫وأصحابه ‪ ،‬وبالثانى ‪ :‬فقهاء الحجاز ‪ .‬منهم ‪ :‬الشافعى ومالك ‪ ،‬وهو مذه ُ‬
‫وأتباعه ‪.‬‬
‫عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬أنها قالت ‪ )) :‬أهلل ُ‬
‫ت‬ ‫قال الكوفيون ‪ :‬ثبت فى )) الصحيحين (( ‪ ،‬عن ُ‬
‫ت ذلك إلى رسول الّ‬
‫ت ول بين الصفا والمروة ‪ ،‬فشكو ُ‬
‫ف بالَبْي ِ‬
‫ط ْ‬
‫ت مّكَة وأنا حاِئض لم َأ ُ‬
‫بُعْمرة ‪ ،‬فقِدم ُ‬
‫عى الُعْمَرَة (( ‪.‬‬
‫ج ‪ ،‬وَد ِ‬
‫حّ‬‫طى ‪ ،‬وَأهّلى بال َ‬
‫شِ‬‫ك ‪ ،‬واْمَت ِ‬
‫سِ‬
‫ضى َرأ َ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬انُق ِ‬
‫صلى ا ّ‬
‫ن أبى َبْكٍر‬
‫عْبِد الّرحمنَ ْب ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َمَع َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫سَلنى َر ُ‬
‫ج ‪ ،‬أْر َ‬
‫حّ‬‫ت ال َ‬
‫ضْي ُ‬
‫ت َفّلما َق َ‬
‫ت ‪َ :‬ففََعْل ُ‬
‫َقاَل ْ‬
‫ل على أنها كانت متمتعة ‪،‬‬
‫عْمَرِتك (( ‪ .‬قالوا ‪ :‬فهذا يد ّ‬
‫ن ُ‬
‫ل ‪ )) :‬هِذِه َمَكا ُ‬
‫ت ِمْنه ‪َ .‬فَقا َ‬
‫عَتَمْر ُ‬
‫إَلى الّتْنِعيِم ‪َ ،‬فا ْ‬
‫ك (( ولقوله ‪:‬‬
‫عْمَرَت ِ‬
‫ل عليه وسلم ‪ )) :‬دعى ُ‬
‫ج ‪ ،‬لقوله صلى ا ّ‬
‫حّ‬‫ت بال َ‬
‫عْمرتها وأحرَم ْ‬
‫وعلى أنها رفضت ُ‬
‫ط ‪ ،‬ولنه قال‬
‫شَ‬‫طى (( ‪ ،‬ولو كانت باقية على إحرامها ‪ ،‬لما جاز لها أن تمت ِ‬
‫شِ‬‫ك واْمَت ِ‬
‫سِ‬
‫)) انُقضى َرأ َ‬
‫عْمَرُتها الولى باقية ‪ ،‬لم تكن‬
‫ك (( ‪ .‬ولو كانت ُ‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫ن ُ‬
‫للُعْمرة التى أتت بها من التنعيم ‪ )) :‬هذه مكا ُ‬
‫عْمرًة مستقلًة ‪.‬‬
‫هذه مكاَنها ‪ ،‬بل كانت ُ‬
‫ل ‪ ،‬وجمعُتم بين طرقها وأطرافها ‪ ،‬لتبّين لكم‬
‫ق التأّم ِ‬
‫قال الجمهور ‪ :‬لو تأملتم ِقصَة عائشة ح ّ‬
‫ل عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬أهّلت‬
‫ض الُعْمرة ‪ ،‬ففى )) صحيح مسلم (( ‪ :‬عن جابر رضى ا ّ‬
‫أنها قرنت ‪ ،‬ولم ترُف ِ‬
‫‪97‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم على عائشة ‪،‬‬


‫ت ‪ ،‬ثم دخل رسول ا ّ‬
‫عَرَك ْ‬
‫ف‪َ ،‬‬
‫سِر َ‬
‫عائشة بُعْمرة ‪ ،‬حتى إذا كانت ِب َ‬
‫ل ‪ ،‬ولم‬
‫حّ‬‫ل الناس ‪ ،‬ولم َأ ِ‬
‫ت وقد َأح ّ‬
‫حض ُ‬
‫ك (( ؟ قالت ‪ :‬شأنى أنى قد ِ‬
‫فوجدها تبكى ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬ما شأُن ِ‬
‫سلى‬
‫غَت ِ‬
‫ت آَدَم ‪ ،‬فا ْ‬
‫ل على َبنا ِ‬
‫ن هَذا أمر قد َكَتَبُه ا ُّ‬
‫ن ‪ ،‬قال ‪ )) :‬إ ّ‬
‫ج ال َ‬
‫حّ‬‫ن إلى ال َ‬
‫س َيْذَهُبو َ‬
‫ت َوالّنا ُ‬
‫ف ِبالَبْي ِ‬
‫ط ْ‬
‫أُ‬
‫صفا والمروة‬
‫ت المواِقف ُكّلها ‪ ،‬حتى إذا طُهرت ‪ ،‬طافت بالكعبِة وبال ّ‬
‫ج (( ففعلت ‪ ،‬ووقف ِ‬
‫حّ‬‫‪ُ ،‬ثّم َأهّلى بال َ‬
‫جُد فى نفسى أنى لم أطف‬
‫ل إنى َأ ِ‬
‫لا ّ‬
‫ك (( قالت ‪ :‬يا رسو َ‬
‫عْمَرت ِ‬
‫كوُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬
‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫حَلْل ِ‬
‫‪ .‬ثم قال ‪َ )) :‬قْد َ‬
‫ن الّتْنِعيِم (( ‪.‬‬
‫عمِْرها ِم َ‬
‫حَمن َفأ ْ‬
‫عْبَد الّر ْ‬
‫ب ِبها يا َ‬
‫ت ‪ .‬قال ‪ )) :‬فاَْذَه ْ‬
‫بالبيت حتى حجج ُ‬
‫ف حّتى‬
‫ط ْ‬
‫ت ولم َأ ُ‬
‫ت بُعمرة ‪ ،‬وَقِدْم ُ‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( ‪ :‬من حديث طاووس عنها ‪ :‬أهلل ُ‬
‫طَواُف ِ‬
‫ك‬ ‫سُعكِ َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم َيْوَم الّنفر ‪َ )) :‬ي َ‬
‫ل لها النب ّ‬
‫ك ُكّلها ‪ ،‬فقا َ‬
‫سَ‬
‫ت الَمنا ِ‬
‫سْك ُ‬
‫ت ‪َ ،‬فَن َ‬
‫ض ُ‬
‫ح ْ‬
‫ِ‬
‫ك (( ‪.‬‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫كوُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬
‫َل ِ‬
‫ج مفرد ‪ ،‬وصريحة فى أن القاِرن‬
‫حّ‬‫عْمرة ‪ ،‬ل فى َ‬
‫جوُ‬
‫حّ‬‫فهذه نصوص صريحة ‪ ،‬أنها كانت فى َ‬
‫ض إحراَم الُعْمرة ‪ ،‬بل بقيت فى إحرامها‬
‫حد ‪ ،‬وصريحٌة فى أنها لم ترُف ْ‬
‫ى وا ِ‬
‫ف واحد ‪ ،‬وسع ٌ‬
‫يكفيه طوا ٌ‬
‫ن َيرُزَقكيها (( ‪.‬‬
‫لأ ْ‬
‫عْمَرِتك ‪َ ،‬فَعسى ا ُّ‬
‫ل منه ‪ .‬وفى بعض ألفاظ الحديث ‪ )) :‬كونى فى ُ‬
‫حّ‬‫كما هى لم َت ِ‬
‫ضها وترَكها ‪ ،‬لما قال لها ‪ )) :‬يسُع ِ‬
‫ك‬ ‫ك (( ‪ .‬فلو كان المراُد به رف َ‬
‫عْمَرَت ِ‬
‫ول يناقض هذا قوله ‪َ )) :‬دعى ُ‬
‫ض إحرامها ‪.‬‬
‫ك (( ‪ ،‬فُعِلم أن المراد ‪ :‬دعى أعمالها ليس المراُد به رف َ‬
‫عمرِت ِ‬
‫جك و ُ‬
‫حّ‬‫ك ِل َ‬
‫طواُف ِ‬
‫طى (( ‪ ،‬فهذا مما أعضل على الناس ‪ ،‬ولهم فيه أربعة‬
‫شِ‬‫ك وامَت ِ‬
‫سِ‬
‫ضى َرْأ َ‬
‫وأما قوله ‪ )) :‬انُق ِ‬
‫مسالك ‪:‬‬
‫أحُدها ‪ :‬أنه دليل على رفض الُعْمرة ‪ ،‬كما قالت الحنفية ‪.‬‬
‫سـّنة‬
‫ل من كتاب ول ّ‬
‫شط رأسه ‪ ،‬ول دلي َ‬
‫حِرم أن يم ُ‬
‫ل على أنه يجوز للُم ْ‬
‫المسلك الثانى ‪ :‬أنه دلي ٌ‬
‫ل ابن حزم وغيره ‪.‬‬
‫ول إجماع على منعه من ذلك ‪ ،‬ول تحريمِه وهذا قو ُ‬
‫ل هذه اللفظة ‪ ،‬ورّدها بأن عروَة انفرد بها ‪ ،‬وخالف بها سائَر الرواة ‪،‬‬
‫المسلك الثالث ‪ :‬تعلي ُ‬
‫وقد روى حديَثها طاووس والقاسم والسود وغيرهم ‪ ،‬فلم يذكر أحد منهم هذه اللفظة ‪ .‬قالوا ‪ :‬وقد‬
‫ث حيضها فى الحج فقال فيه ‪:‬‬
‫روى حماد بن زيد ‪ ،‬عن هشام ابن عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬حدي َ‬
‫سِ‬
‫ك‬‫ضى َرْأ َ‬
‫ك َواْنُق ِ‬
‫عْمَرَت ِ‬
‫عى ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال لها ‪َ )) :‬د ِ‬
‫حّدثنى غيُر واحد ‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫ل على أن عروة لم يسمع هذه الزيادة من عائشة ‪.‬‬
‫طىَ(( وذكر تمام الحديث ‪ ،‬قالوا ‪:‬فهذا يد ّ‬
‫شِ‬‫َوْامَت ِ‬
‫‪98‬‬

‫عيها بحالها ل تخرجى منها ‪ ،‬وليس المراُد‬


‫عى الُعْمَرَة (( ‪ ،‬أى َد ِ‬
‫المسلك الرابع ‪ :‬أن قوله ‪َ )) :‬د ِ‬
‫ترَكها ‪ ،‬قالوا ‪ :‬ويدل عليه وجهان ‪:‬‬
‫عْمَرِتك (( ‪.‬‬
‫ك َو ُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬
‫ك ِل َ‬
‫طَواُف ِ‬
‫ك َ‬
‫سُع ِ‬
‫أحُدهما ‪ :‬قوله ‪َ )) :‬ي َ‬
‫ك (( ‪ .‬قالوا ‪ :‬وهذا أولى ِمن حمله على رفضها لسلمته من‬
‫عمَرِت ِ‬
‫الثانى ‪ :‬قوله ‪ )) :‬كونى فى ُ‬
‫ك (( فعائشة أحّبت أن تأتى بُعْمرة مفردة ‪ ،‬فأخبرها‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫ن ُ‬
‫التناقض ‪ .‬قالوا ‪ :‬وأما قوُله ‪ )) :‬هِذه َمَكا ُ‬
‫جها ‪،‬‬
‫حّ‬‫عْمرتها قد دخلت فى َ‬
‫عْمرتها ‪ ،‬وأن ُ‬
‫جتها و ُ‬
‫حّ‬‫النبى صلى ال عليه وسلم أن طواَفها وقع عن َ‬
‫ل ‪ ،‬فلما حصل لها ذلك ‪ ،‬قال ‪ )) :‬هِذه َمَكا ُ‬
‫ن‬ ‫عْمرًة مفردًة كما قصدت أو ً‬
‫فصارت قارنة ‪ ،‬فأبت إل ُ‬
‫ك (( ‪.‬‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫ُ‬
‫ل ما كانت‬
‫ج؟ قالت ‪ :‬وا ِّ‬
‫حّ‬‫ت َبْعَد ال َ‬
‫ت ِلعائشة ‪ :‬اعتمر ِ‬
‫وفى سنن الثرم ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬قال ‪ :‬قل ُ‬
‫ت‪.‬‬
‫ت الَبْي َ‬
‫عْمرٍة ‪ ،‬ما كانت إل زيارًة ُزر ُ‬
‫ُ‬
‫جعُ‬
‫حت عليه ‪ ،‬فقالت ‪َ :‬يْر ِ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم عائشَة حين أل ّ‬
‫قال المام أحمد ‪ :‬إنما أعمر النب ّ‬
‫ل‪،‬‬
‫حّ‬‫عِمْرها (( فنظر إلى أدنى ال ِ‬
‫ك ؟‪ ،‬فقال ‪ )) :‬يا عبد الرحمن ‪ ،‬أ ْ‬
‫سٍ‬
‫جُع ِبُن ُ‬
‫سكين ‪ ،‬وأر ِ‬
‫س بُن ُ‬
‫النا ُ‬
‫فأعمرها ِمْنه ‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى اختلف الناس فيما أحرمت به عائشة أو ً‬
‫ل‬
‫ل على قولين ‪:‬‬
‫س فيما أحرمت به عائشة أو ً‬
‫واختلف النا ُ‬
‫عمرة مفردة ‪ ،‬وهذا هو الصواب ِلما ذكرنا من الحاديث ‪ .‬وفى ))الصحيح ((‬
‫أحدهما ‪ :‬أنه ُ‬
‫جِة ‪،‬‬
‫حّ‬‫جِة الوَداع ُموافين لهلل ذى ال ِ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬خرجنا مَع رسول ا ّ‬
‫لْهَلْلتُ‬
‫ت َ‬
‫ل أّنى َأْهَدْي ُ‬
‫ل َفَلْو َ‬
‫ل ِبُعْمَرة ‪َ ،‬فْلُيِه ّ‬
‫ن أراَد ِمْنُكم أن ُيِه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪َ )) :‬م ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫فقال رسو ُ‬
‫ن َأَه ّ‬
‫ل‬ ‫ت أَنا ِمّم ْ‬
‫ج ‪َ ،‬قالت ‪ :‬فُكْن ُ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ن َأَه ّ‬
‫ل ِبُعْمَرٍة ‪ ،‬وِمْنُهْم َم ْ‬
‫ن أه ّ‬
‫ن الَقْوِم َم ْ‬
‫ِبُعْمَرٍة (( ‪ .‬قالت ‪َ :‬وكان ِم َ‬
‫سِر َ‬
‫ف‬ ‫ج (( قاله لها ِب َ‬
‫حّ‬‫عى الُعْمَرَة وأِهّلى بال َ‬
‫ث ‪ .‬وقوله فى الحديث ‪َ )) :‬د ِ‬
‫حِدي َ‬
‫ت ال َ‬
‫بُعْمَرٍة ‪َ ، (( ...‬وذَكَر ِ‬
‫قريبًا من مكة وهو صريح فى أن إحرامها كان بُعْمرة ‪.‬‬
‫ن محمد‬
‫سُم ب ُ‬
‫ن عبد الَبّر ‪ :‬روى القا ِ‬
‫ج وكانت ُمفِردة ‪ ،‬قال اب ُ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫القول الثانى ‪ :‬أنها أحرمت أو ً‬
‫ج ل بُعْمرة ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫حّ‬‫حِرمة ب َ‬
‫ل على أنها كانت ُم ْ‬
‫عْمَرُة كّلهم عن عائشة ما َيُد ّ‬
‫‪ ،‬والسوُد بن يزيد ‪ ،‬و َ‬
‫‪99‬‬

‫ث السود‬
‫ج ‪ ،‬وحدي ُ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ل نرى إل أّنه ال َ‬
‫لا ّ‬
‫عمرة عنها ‪ :‬خرجنا مع رسو ِ‬
‫ث َ‬
‫حدي ُ‬
‫ج ‪ .‬قال ‪ :‬وغّلطوا‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم بال َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫بن يزيد مثله ‪ ،‬وحديث القاسم ‪ )) :‬لّبيَنا َمَع رسو ِ‬
‫ل ِبُعْمَرٍة (( ‪ ،‬قال إسماعيل بن إسحاق ‪ :‬قد اجتمَع هؤلء يعنى‬
‫ن َأَه ّ‬
‫ت ِفيَم ْ‬
‫عروة فى قوله عنها ‪ُ )) :‬كْن ُ‬
‫ُ‬
‫عمرة على الروايات التى ذكرنا ‪ ،‬فعلمنا بذلك أن الروايات التى ُرويت عن‬
‫السوَد ‪ ،‬والقاسم ‪ ،‬و َ‬
‫حلّ‬
‫ف بالبيت ‪ ،‬وأن َت ِ‬
‫ط ‪ ،‬إنما وقع فيه أن يكون لم ُيمكنها الطوا ُ‬
‫عروة غلط ‪ ،‬قال ‪ :‬وُيشبه أن يكون الغل ُ‬
‫ُ‬
‫ف ‪ ،‬وتمضى‬
‫طوا َ‬
‫ك ال ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم أن تتر ُ‬
‫ى ‪ ،‬فأمرها النب ّ‬
‫ق الَهْد َ‬
‫سِ‬‫بُعمرٍة كما فعل َمن لم َي ُ‬
‫ج ‪ .‬قال أبو‬
‫حّ‬‫عْمرَتها ‪ ،‬وابتدأت بال َ‬
‫ج ‪ ،‬فتوّهُموا بهذا المعنى أنها كانت معتِمرة ‪ ،‬وأنها تركت ُ‬
‫حّ‬‫على ال َ‬
‫ط‬
‫عروة ‪ .‬قالوا ‪ :‬والغل ُ‬
‫ل ‪ ،‬أنها كانت ُمٍهّلًة بُعْمرٍة ‪ ،‬كما روى عنها ُ‬
‫عمر ‪ :‬وقد روى جابُر بن عبد ا ّ‬
‫عى الُعْمَرة ‪ ،‬وأِهّلى‬
‫شطى ‪َ ،‬وَد ِ‬
‫ك ‪ ،‬واْمَت ِ‬
‫سِ‬
‫ضى َرْأ َ‬
‫عروة ‪ ،‬إنما كان فى قوله ‪ )) :‬انُق ِ‬
‫الذى دخل على ُ‬
‫ج (( ‪.‬‬
‫حّ‬‫بال َ‬
‫ل صلى‬
‫عروة ‪ ،‬عن أبيه ‪ :‬حّدثنى غيُر واحد ‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫وروى حماد بن زيد ‪ ،‬عن ِهشام بن ُ‬
‫ج (( ‪.‬‬
‫حا ّ‬
‫ل ال َ‬
‫طى ‪ ،‬واْفَعلى َما َيْفَع ُ‬
‫شِ‬‫ك ‪ ،‬واْمَت ِ‬
‫سِ‬
‫ضى َرْأ َ‬
‫ك ‪ ،‬واْنُق ِ‬
‫عْمَرَت ِ‬
‫عى ُ‬
‫ال عليه وسلم قال لها ‪َ )) :‬د ِ‬
‫عروة لم يسمع هذا الكلم من عائشة ‪.‬‬
‫فبّين حماد ‪ ،‬أن ُ‬
‫ن فيها ‪،‬‬
‫ص الصحيحِة الصريحِة التى ل مدفع لها ‪ ،‬ول مطع َ‬
‫قلت ‪ِ :‬من العجب رّد هذه النصو ِ‬
‫ج به َمن زعم‬
‫ل ألبتة بلفظ مجمل ليس ظاهرًا فى أنها كانت مفِردة ‪ ،‬فإن غاَية ما احت ّ‬
‫ول تحتِمل تأوي ً‬
‫ج ‪ ،‬فيا ّ‬
‫ل‬ ‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ل نرى إل أّنه ال َ‬
‫أنها كانت ُمفِردة ‪ ،‬قوُلها ‪ :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫ج متمتعًا ‪ ،‬كما أن المغتسل للجنابة إذا بدأ‬
‫ج ‪ ،‬بل خرج للح ّ‬
‫حّ‬‫ظن بالمتمّتع أنه خرج لغير ال َ‬
‫العجب‪ ،‬أُي َ‬
‫ل عنها ‪ ،‬إذ كانت ل‬
‫ل الجنابة ؟ وصدقت أّم المؤمنين رضى ا ّ‬
‫ت ِلغس ِ‬
‫فتوضأ ل يمتِنُع أن يقول ‪ :‬خرج ُ‬
‫ضه بعضًا ‪.‬‬
‫ق بع ُ‬
‫صّد ُ‬
‫ل عليه وسلم ‪ ،‬وكلُمها ُي َ‬
‫ج حّتى أحرمت بُعمرة ‪ ،‬بأمره صلى ا ّ‬
‫حّ‬‫ترى إل أّنه ال َ‬
‫ج ‪ ،‬فقد قال جابر عنها فى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بالح ّ‬
‫وأما قوُلها ‪ :‬لّبيَنا مع رسول ا ّ‬
‫)) الصحيحين (( ‪ :‬إنها أهّلت بُعمرة ‪ ،‬وكذلك قال طاووس عنها فى )) صحيح مسلم (( ‪ ،‬وكذلك قال‬
‫ت عنها ‪ ،‬فروايُة الصحابة عنها أولى أن ُيؤخَذ بها ِمن رواية‬
‫مجاهد عنها ‪ ،‬فلو تعارضت الروايا ُ‬
‫ل ‪ :‬فعلنا كذا ‪ ،‬يصدق ذلك منه بفعله ‪ ،‬وبفعل‬
‫التابعين ‪ ،‬كيف ول تعاُرض فى ذلك البتة ‪ ،‬فإن القائ َ‬
‫أصحابه ‪.‬‬
‫‪100‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم بالُعْمرة إلى‬


‫لا ّ‬
‫ومن العجب أنهم يقولون فى قول ابن عمر ‪ :‬تمّتَع رسو ُ‬
‫ج‪،‬‬
‫حّ‬‫ل ُقلتم فى قول عائشة ‪ :‬لّبينا بال َ‬
‫ل إليه لمره به ‪ ،‬فه ّ‬
‫ج ‪ ،‬معناه ‪ :‬تمتع أصحاُبه ‪ ،‬فأضاف الفع َ‬
‫حّ‬‫ال َ‬
‫ل صلى‬
‫ل ا ِّ‬
‫ج ‪ ،‬وقولها ‪ :‬فعلنا ‪ ،‬كما قالت ‪ :‬خرجنا مع رسو ِ‬
‫س الصحابة اّلذين َلّبْوا بالح ّ‬
‫أن المراَد به جن ُ‬
‫ن قطعًا إن لم تكن هذه الرواية غلطًا أن ُتحمل على ذلك‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬وسافرنا معه ونحوه‪ .‬ويتعي ُ‬
‫عروة فى ذلك إلى الغلط ‪،‬‬
‫ث الصحيحِة الصريحة ‪ ،‬أنها كانت أحرمت بُعمرة وكيف ُينسب ُ‬
‫للحادي ِ‬
‫سطة ‪.‬‬
‫وهم أعلُم الناس بحديثها ‪ ،‬وكان يسمُع منها مشافهًة بل وا ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال لها ‪:‬‬
‫وأما قوله فى رواية حماد ‪ :‬حدثنى غيُر واحد أن رسولَ ا ّ‬
‫ت الثابتة عنها ‪ ،‬فأما إذا وافقها‬
‫ج إلى تعليله ‪ ،‬ورّده إذا خالف الروايا ِ‬
‫ك (( فهذا إنما يحتا ُ‬
‫عْمَرَت ِ‬
‫عى ُ‬
‫)) َد ِ‬
‫ن الذى حّدث به ضبطه‬
‫وصّدقها ‪ ،‬وشهد لها أنها أحرمت بُعمرة ‪ ،‬فهذا يدل على أنه محفوظ ‪ ،‬وأ ّ‬
‫وحفظه ‪ ،‬هذا مع أن حماَد بن زيد انفرد بهذه الرواية المعّللة ‪ ،‬وهى قوله ‪ :‬فحّدثنى غيُر واحد ‪ ،‬وخالفه‬
‫ض ‪ ،‬فالكثرون أولى بالصواب ‪ ،‬فيا‬
‫عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ .‬فلو ُقّدَر التعار ُ‬
‫ل عن ُ‬
‫جماعة ‪ ،‬فرووه متص ً‬
‫عروة فى قوله عنها ‪ )) :‬وكنت فيمن أه ّ‬
‫ل‬ ‫س بحديثها وهو ُ‬
‫ط أعلم النا ِ‬
‫ل العجب ‪ ،‬كيف يكون تغلي ُ‬
‫ّ‬
‫ق‬
‫بُعْمرة (( سائغًا بلفظ مجمل محتمل ‪ ،‬وُيقضى به على النص الصحيح الصريح الذى شهد له سيا ُ‬
‫الِقصة من وجوه متعددة قد تقدم ذكر بعضها ؟‪ ،‬فهؤلء ‪ ،‬أربعة رووا عنها ‪ ،‬أنها أهّلت بعمرة ‪:‬‬
‫عمرة ‪ ،‬والسود ‪ ،‬معارضة لرواية‬
‫عروة ‪ ،‬وطاووس ‪ ،‬ومجاهد ‪ ،‬فلو كانت روايُة القاسم ‪ ،‬و َ‬
‫جابر ‪ ،‬و ُ‬
‫عروة ‪ ،‬وعلمه بحديث‬
‫هؤلء ‪ ،‬لكانت روايُتهم أولى بالتقديم لكثرتهم ‪ ،‬ولن فيهم جابرًا ‪ ،‬ولفضل ُ‬
‫ل عنها ‪.‬‬
‫خالته رضى ا ّ‬
‫ى على‬
‫ف ‪ ،‬وتمض َ‬
‫ومن العجب قوله ‪ :‬إن النبى صلى ال عليه وسلم لما أمرها أن تترك الطوا َ‬
‫ع الُعْمرة وُتنشئ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم إنما أمرها أن تد َ‬
‫ج ‪ ،‬توّهموا لهَذا أّنها كانت معتِمرة ‪ ،‬فالنب ّ‬
‫حّ‬‫ال َ‬
‫ج (( ولم يقل ‪ :‬استمرى عليه ‪ ،‬ول امضى فيه ‪ ،‬وكيف ُيغّلط‬
‫حّ‬‫ج ‪ ،‬فقال لها ‪ )) :‬وأهّلى بال َ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫إهل ً‬
‫لمة‬
‫سـّنة رسوله ‪ ،‬وإجماع ا ُ‬
‫لوّ‬
‫راوى المر بالمتشاط بمجّرد مخالفته لمذهب الراّد ؟ فأين فى كتاب ا ِّ‬
‫حِرم وإن‬
‫ط الثقات لنصرة الراء ‪ ،‬والتقليد ‪ .‬والُم ْ‬
‫ح شعره ‪ ،‬ول َيسوغ تغلي ُ‬
‫حِرم تسري َ‬
‫ما ُيحّرم على الُم ْ‬
‫أمن من تقطيع الشعر ‪ ،‬لم ُيمنع ِمن تسريح رأسه ‪ ،‬وإن لم يأمن من سقوط شئ من الشعر بالتسريح ‪،‬‬
‫‪101‬‬

‫سـّنة ول‬
‫ل بين المتنازعين ‪ ،‬فإن لم يدل كتاب ول ّ‬
‫صُ‬‫ل نزاع واجتهاد ‪ ،‬والدليل َيْف ِ‬
‫فهذا المنُع منه مح ّ‬
‫إجماع على منعه ‪ ،‬فهو جائز ‪.‬‬
‫فصل‬
‫وللناس فى هذه الُعمرة التى أتت بها عائشُة من التنعيم أربعُة مسالك ‪.‬‬
‫جها‬
‫حّ‬
‫أحدها ‪ :‬أنها كانت زيادة تطييبًا لقلبها وجبرًا لها ‪ ،‬وإل فطوافها وسعيها وقع عن َ‬
‫ل‪،‬‬
‫ح القوا ِ‬
‫ج على الُعْمرة ‪ ،‬فصارت قاِرنة ‪ ،‬وهذا أص ّ‬
‫حّ‬‫عْمرتها ‪ ،‬وكانت متمتعة ‪ ،‬ثم أدخلت ال َ‬
‫وُ‬
‫والحاديثُ ل تدل على غيره ‪ ،‬وهذا مسلك الشافعى وأحمد وغيرهما ‪.‬‬
‫ج مفرد ‪ ،‬فلما‬
‫حّ‬‫ل عنها إلى َ‬
‫عْمرَتَها ‪ ،‬وتنتِق َ‬
‫ض ُ‬
‫المسلك الثانى ‪ :‬أنها لما حاضت ‪ ،‬أمرها أن ترُف َ‬
‫ك أبى حنيفة وَمن‬
‫ل ‪ ،‬وهذا مسل ُ‬
‫حج ‪ ،‬أمرها أن تعتِمر قضاًء لُعْمرتها التى أحرمت بها أو ً‬
‫حّلت من ال َ‬
‫تبعه ‪ ،‬وعلى هذا القول ‪ ،‬فهذه الُعْمرُة كانت فى حّقها واجبة ‪ ،‬ول ُبد منها ‪ ،‬وعلى القول الول كانت‬
‫ف قبل التعريف ‪ ،‬فهى على هذين القولين ‪ ،‬إما أن‬
‫جائزة ‪ ،‬وكل متمتعة حاضت ولم يمكنها الطوا ُ‬
‫ج ‪ ،‬وتصيَر مفِردة ‪،‬‬
‫حّ‬‫ل عن الُعْمرة إلى ال َ‬
‫ج على الُعْمرة ‪ ،‬وتصيَر قارنة ‪ ،‬وإما أن تنتق َ‬
‫حّ‬‫ل ال َ‬
‫خَ‬‫ُتْد ِ‬
‫وتقضى الُعْمرة ‪.‬‬
‫عمرة القارن ل‬
‫ى بُعْمرة مفردة ‪ ،‬لن ُ‬
‫المسلك الثالث ‪ :‬أنها لما قرنت ‪ ،‬لم يكن ُبّد من أن تأت َ‬
‫عْمرة السلم ‪ ،‬وهذا أحد الروايتين عن أحمد ‪.‬‬
‫ُتجزئ عن ُ‬
‫ف الُقدوم لجل الحيض ‪ ،‬واستمرت‬
‫المسلك الرابع ‪ :‬أنها كانت ُمفِردة ‪ ،‬وإنما امتنعت من طوا ِ‬
‫عْمرة السلم ‪ ،‬وهذا مسلك القاضى‬
‫ج وهذه الُعْمرُة هى ُ‬
‫حّ‬‫على الفراد حتى طُهرت ‪ ،‬وقضت ال َ‬
‫إسماعيل بن إسحاق وغيره من المالكية‪ ،‬ول يخفى ما فى هذا المسلك ِمن الضعف ‪ ،‬بل هو أضع ُ‬
‫ف‬
‫المسالك فى الحديث‪.‬‬
‫وحديث عائشة هذا ‪ ،‬يؤخذ منه أصول عظيمة من أصول المناسك ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬اكتفاء القاِرن بطواف واحد وسعى واحد ‪.‬‬
‫ث صفّية زوج النبى صلى ال عليه‬
‫ف القدوم عن الحائض ‪ ،‬كما أن حدي َ‬
‫ط طوا ِ‬
‫الثانى ‪ :‬سقو ُ‬
‫سقوط طواف الوداع عنها ‪.‬‬
‫وسلم أصل فى ُ‬
‫‪102‬‬

‫ج على الُعْمرة للحائض جائز ‪ ،‬كما يجوز للطاهر ‪ ،‬وأولى ‪ ،‬لنها‬


‫ل الح ّ‬
‫الثالث ‪ :‬أن إدخا َ‬
‫معذورة محتاجة إلى ذلك ‪.‬‬
‫ف بالبيت ‪.‬‬
‫ج كّلها ‪ ،‬إل أنها ل تطو ُ‬
‫ض تفعل أفعال الح ّ‬
‫الرابع ‪ :‬أن الحائ َ‬
‫ل‪.‬‬
‫حّ‬‫الخامس ‪ :‬أن التنعيم ِمن ال ِ‬
‫عْمرتين فى سنة واحدة ‪ ،‬بل فى شهر واحد ‪.‬‬
‫السادس ‪ :‬جواُز ُ‬
‫ج على الُعْمرة ‪ ،‬وحديث‬
‫ل الح ّ‬
‫خَ‬‫ن الفوات أن ُيْد ِ‬
‫ع فى حق المتمّتع إذا لم يأم ِ‬
‫السابع ‪ :‬أن المشرو َ‬
‫عائشة أصل فيه ‪.‬‬
‫الثامن ‪ :‬أنه أصل فى الُعْمرة المكية ‪ ،‬وليس مع َمن يستحّبها غيره ‪ ،‬فإن النبى صلى ال عليه‬
‫ج معه من مكة خارجًا منها إل عائشَة وحدها ‪ ،‬فجعل أصحا ُ‬
‫ب‬ ‫حّ‬‫وسلم لم يعتمر هو ول أحد ممن َ‬
‫عْمرتها إما أن تكون قضاًَء للُعْمرة‬
‫ل لقولهم ‪ ،‬ول دللة لهم فيها ‪ ،‬فإن ُ‬
‫الُعْمرة المكية قصة عائشة أص ً‬
‫المرفوضة عند َمن يقول ‪ :‬إنها رفضتها ‪ ،‬فهى واجبة قضاًء لها ‪ ،‬أو تكون زيادة محضة ‪ ،‬وتطييبًا‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫عْمرتها ‪ .‬وا ّ‬
‫جها و ُ‬
‫حّ‬‫لقلبها عند َمن يقول ‪ :‬إنها كانت قاِرنة ‪ ،‬وأن طوافها وسعيها أجزأها عن َ‬
‫فصل‬
‫عمرة السلم ‪ ،‬ففيه قولن للفقهاء ‪ ،‬وهما روايتان عن أحمد‬
‫عمرتها تلك مجزئًة عن ُ‬
‫ن ُ‬
‫وأما كو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫‪ ،‬والذين قالوا ‪ :‬ل ُتجزئ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬الُعْمرُة المشروعة التى شرعها رسو ُ‬
‫عمرة التمتع وهى التى أذن فيها عند الميقات ‪ ،‬وندب إليها فى أثناء‬
‫ث لهما ‪ُ :‬‬
‫وفعلها نوعان ل ثال َ‬
‫ى عند الصفا والمروة ‪ ،‬الثانية ‪ :‬الُعْمرة المفردة التى ُينشأ لها‬
‫ق الَهْد َ‬
‫سِ‬‫الطريق ‪ ،‬وأوجبها على َمن لم َي ُ‬
‫عْمرة مفردة غير هاتين ‪ ،‬وفى كلتيهما المعتِمر داخل إلى مكة ‪،‬‬
‫سفر ‪ ،‬كُعَمره المتقّدمة ‪ ،‬ولم ُيشرع ُ‬
‫عمرة عائشة ‪ ،‬فكانت زيارة محضة ‪ ،‬وإل‬
‫ل ‪ ،‬فلم ُتشرع ‪ ،‬وأما ُ‬
‫حّ‬‫عْمرة الخارج إلى أدنى ال ِ‬
‫وأما ُ‬
‫عْمرة القاِرن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهذا دليل على أن ُ‬
‫ص رسول ا ّ‬
‫فُعمرة ِقرانها قد أجزأت عنها بن ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم قال لعائشة‬
‫عْمرة السلم ‪ ،‬وهذا هو الصواب المقطوع به ‪ ،‬فإن النب ّ‬
‫ُتجزئ عن ُ‬
‫ك (( وفى لفظ ‪ )) :‬يجزئك (( وفى لفظ ‪َ )) :‬يْكِفيك (( ‪ .‬وقال ‪:‬‬
‫عمرِت ِ‬
‫كوُ‬
‫جِ‬
‫ك لح ّ‬
‫طواُف ِ‬
‫ك َ‬
‫سُع ِ‬
‫‪َ )) :‬ي َ‬
‫ج والُعْمرة ‪،‬‬
‫حّ‬‫ن بين ال َ‬
‫ل َمن ساق الَهْدى أن يقِر َ‬
‫ج إلى يوم الِقياَمة (( وأمر ك ّ‬
‫ت الُعمرُة فى الح ّ‬
‫)) دخل ِ‬
‫‪103‬‬

‫عمرة القارن‬
‫ح إجزاء ُ‬
‫عْمرة الِقران ‪ ،‬فص ّ‬
‫ولم يأمر أحدًا ممن قرن معه وساق الَهْدى بُعْمرة أخرى غير ُ‬
‫ل التوفيق ‪.‬‬
‫عمرة السلم قطعًا ‪ ،‬وبا ّ‬
‫عن ُ‬
‫فصل‬
‫طهرها قد اخُتِلف فيه‪ ،‬فقيل‪:‬بعرفة‪ ،‬هكذا‬
‫ف بل ريب‪ ،‬وموضُع ُ‬
‫سِر َ‬
‫ضها‪ ،‬فهو ِب َ‬
‫ضع حي ِ‬
‫وأما مو ُ‬
‫عروة عنها أنها أظّلها يوُم عرفة وهى حائض ول تنافى بينهما ‪،‬والحديثان‬
‫روى مجاهد عنها ‪،‬وروى ُ‬
‫طْهر عرفة ‪ :‬هو الغتسال للوقوف بها عنده‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ن حزم على معنيين‪ ،‬ف ُ‬
‫صحيحان‪ ،‬وقد حملهما اب ُ‬
‫طهرها‪ ،‬أنه يوم النحر‪،‬‬
‫طهِر ‪ ،‬قال ‪ :‬وقد ذكر القاسم يوم ُ‬
‫ت بعرفة ‪ ،‬والتطهر غيُر ال ُ‬
‫لنها قالت‪ :‬تطّهر ُ‬
‫وحديُثه فى )) صحيح مسلم (( ‪ .‬قال ‪ :‬وقد اتفق القاسُم وعروُة على أنها كانت يوَم عرفة حائضًا‪ ،‬وهما‬
‫ب الناس منها‪ ،‬وقد روى أبو داود ‪ :‬حدثنا محمد بن إسماعيل‪ ،‬حدثنا حماد بن سلمة‪ ،‬عن هشام ابن‬
‫أقر ُ‬
‫جة‪...‬فذكرت‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ُموافين هلل ذى ال ِ‬
‫عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عنها‪ :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫ت عاِئشُة ‪،‬وهذا إسناد صحيح‪ .‬لكن قال ابنُ حزم ‪ :‬إنه‬
‫طُهَر ْ‬
‫الحديث‪ ،‬وفيه ‪ :‬فلما كانت ليلُة البطحاء‪َ ،‬‬
‫طُهرت ليلَة البطحاء‪ ،‬وليلُة البطحاء‬
‫حديث منكر‪ ،‬مخالف لما روى هؤلء كلهم عنها ‪ ،‬وهو قوله ‪ :‬إنها َ‬
‫ل إل أننا لما تدبرنا وجدنا هذه اللفظة ليست ِمن كلم عائشة‪،‬‬
‫كانت بعد يوِم النحر بأربع ليال‪،‬وهذا محا ٌ‬
‫فسقط التعّلق بها‪ ،‬لنها ممن دون عائشة‪ ،‬وهى أعلُم بنفسها‪ ،‬قال‪ :‬وقد روى حديث حماد بن سلمة هذا‬
‫ب بن خالد‪ ،‬وحماد بن زيد‪ ،‬فلم يذكرا هذه اللفظة‪.‬‬
‫وهي ُ‬
‫قلت ‪ :‬يتعين تقديُم حديث حّماد بن زيد وَمن معه على حديث حّماد بن سلمة لوجوه ‪:‬‬
‫ظ وأثبت من حّماد بن سلمة ‪.‬‬
‫أحدها ‪ :‬أنه أحف ُ‬
‫الثانى ‪ :‬أن حديَثهم فيه إخباُرها عن نفسها ‪ ،‬وحديثه فيه الخبار عنها ‪.‬‬
‫ث ‪ ،‬وفيه ‪ :‬فلم أزل حائضًا حتى يوُم عرفة ‪،‬‬
‫عروة عنها الحدي َ‬
‫الثالث ‪ :‬أن الزهرى روى عن ُ‬
‫وهذه الغاية هى التى بّينها مجاهد والقاسم عنها ‪ ،‬لكن قال مجاهد عنها ‪ :‬فتطهرت بعرفة ‪ ،‬والقاسم‬
‫قال ‪ :‬يوم النحر ‪.‬‬
‫فصل‬
‫ل عليه وسلم‬
‫جته صلى ا ّ‬
‫حّ‬‫عدنا إلى سياق َ‬
‫‪104‬‬

‫ل‪،‬‬
‫عْمَرًة ‪َ ،‬فْلَيفَْع ْ‬
‫جَعَلَها ُ‬
‫ن َي ْ‬
‫ب َأ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ى ‪َ ،‬فَأ َ‬
‫ن َمَعُه َهْد ٌ‬
‫ن َلْم يُك ْ‬
‫سِرف ‪ ،‬قال لصحابه ‪َ )) :‬م ْ‬
‫فلما كان ِب َ‬
‫ل (( ‪ .‬وهذه رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات ‪.‬‬
‫ى َف َ‬
‫ن َمَعُه َهد ٌ‬
‫ن َكا َ‬
‫َوَم ْ‬
‫ل من‬
‫حّ‬‫عْمرة ‪ ،‬وَي ِ‬
‫ن ل َهْدى معه أن يجعلها ُ‬
‫فلما كان بمكة ‪ ،‬أمر أمرًا حتمًا ‪َ :‬م ْ‬
‫ن مالك‬
‫سراقة ب ُ‬
‫إحرامه ‪ ،‬وَمن معه َهْدى ‪ ،‬أن ُيقيم على إحرامه ‪ ،‬ولم ينسخ ذلك شئ البتة ‪ ،‬بل سأله ُ‬
‫ل ِللَبد ‪ ،‬وإن‬
‫ك ‪َ ،‬أْم ِللَبِد ‪ :‬قال ‪َ )) :‬ب ْ‬
‫عن هذه الُعمرة التى أمرهم بالفسخ إليها ‪ ،‬هل هى ِلَعاِمِهْم َذِل َ‬
‫ج إَلى َيْوِم الِقياَمة (( ‪.‬‬
‫ت فى الح ّ‬
‫خَل ْ‬
‫الُعْمَرَة َقْد َد َ‬
‫ج إلى الُعْمرة أربعَة عشَر ِمن أصحابه ‪،‬‬
‫حّ‬‫خ ال َ‬
‫ل عليه وسلم المَر بفس ِ‬
‫وقد روى عنه صلى ا ّ‬
‫ى بن أبى طالب ‪ ،‬وفاطمُة بن ُ‬
‫ت‬ ‫وأحاديُثهم كّلها صحاح ‪ ،‬وهم ‪ :‬عائشُة ‪ ،‬وحفصة ُأّما المؤمنين ‪ ،‬وعل ّ‬
‫ل ‪ ،‬وأبو سعيد‬
‫صّديق ‪ ،‬وجابُر بن عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وأسماُء بنت أبى بكر ال ّ‬
‫رسول ا ّ‬
‫س بن مالك ‪ ،‬وأبو موسى الشعرى ‪ ،‬وعبُد الّ‬
‫ل بن عمر ‪ ،‬وأن ُ‬
‫خدرى ‪ ،‬والبراُء بن عازب ‪ ،‬وعبُد ا ّ‬
‫ال ُ‬
‫ل عنهْم ‪ ..‬ونحن نشير إلى‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫جّ‬‫ك الُمْدِل ِ‬
‫سَراقُة بن َماِل ٍ‬
‫جهنى ‪ ،‬و ُ‬
‫ن معَبٍد ال ُ‬
‫سْبَرُة ب ُ‬
‫ابن عباس ‪ ،‬و َ‬
‫هذه الحاديث ‪.‬‬
‫حَة‬
‫صِبي َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم وأصحابه َ‬
‫ففى )) الصحيحين (( ‪ :‬عن ابن عباس ‪َ ،‬قِدَم النب ّ‬
‫ى الح ّ‬
‫ل‬ ‫ل؛أ ّ‬
‫ظم ذلك عندهم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫عْمرة ‪ ،‬فتعا َ‬
‫ج ‪ ،‬فأمرهم أن يجعُلوها ُ‬
‫حّ‬‫رابعٍة ُمهّلين بال َ‬
‫ل ُكّله (( ‪.‬‬
‫حّ‬‫؟ فقال ‪ )) :‬ال ِ‬
‫ن من العشر إلى مكة ‪،‬‬
‫خَلْو َ‬
‫وفى لفظ لمسلم ‪ :‬قِدم النبى صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه لربع َ‬
‫عمرًة ‪ ،‬وفى لفظ ‪ :‬وأمر‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أن يجعلوها ُ‬
‫لا ّ‬
‫وهم ُيلّبون بالحج ‪ ،‬فأمرهم رسو ُ‬
‫أصحابه أن يجعلوا إحرامهم بُعْمرة إل َمن كان معه الَهْدى ‪.‬‬
‫ج ‪ ،‬وليس‬
‫ى صلى ال عليه وسلم وأصحابه بالح ّ‬
‫ل النب ّ‬
‫ل ‪ :‬أه ّ‬
‫ن عبد ا ّ‬
‫وفى )) الصحيحين (( عن جابر ب ِ‬
‫ل عنه من اليمن ومعه‬
‫مع أحد منهم َهْدى غير النبى صلى ال عليه وسلم وطلحة ‪ ،‬وَقِدَم على رضى ا ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم أن‬
‫ى صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فأمرهم النب ّ‬
‫ل به النب ّ‬
‫ت بما أه ّ‬
‫َهْدى ‪ ،‬فقال ‪ :‬أهلل ُ‬
‫ق إلى ِمَنى َوَذَكُر‬
‫ى ‪ ،‬قالوا‪ :‬ننطِل ُ‬
‫حّلوا إل َمن كان معه الَهْد ُ‬
‫عْمرة ‪ ،‬ويطوفوا ‪ ،‬ويقصروا ‪ ،‬وَي ِ‬
‫يجعلوها ُ‬
‫ت َما‬
‫سَتْدَبْر ُ‬
‫ن َأْمرى َما ا ْ‬
‫ت ِم ْ‬
‫سَتْقَبْل ُ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم فقال ‪ )) :‬لو ا ْ‬
‫طُر ؟ فبلغ ذلك النب ّ‬
‫أحدنا يق ُ‬
‫ل‪،‬‬
‫عِلْمُتم أّنى َأْتقاُكم ّ‬
‫ت (( ‪ .‬وفى لفظ ‪ :‬فقام فينا فقال ‪َ )) :‬لَقْد َ‬
‫حَلْل ُ‬
‫لْ‬‫ى َ‬
‫ى الَهْد َ‬
‫ن مع َ‬
‫ت ‪ ،‬وَلْول أ ّ‬
‫َأْهَدْي ُ‬
‫‪105‬‬

‫ت‪،‬‬
‫سَتْدَبْر ُ‬
‫ن َأْمرى َما ا ْ‬
‫ت ِم ْ‬
‫سَتْقَبْل ُ‬
‫حّلون ‪ ،‬وَلِو ا ْ‬
‫حَلْلت َكما َت ِ‬
‫ى الَهْدى ل َ‬
‫ن مع َ‬
‫لأّ‬
‫صَدُقُكم ‪ ،‬وَأَبّرُكْم ‪َ ،‬وَلْو َ‬
‫وَأ ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫سمعنا وأطَعنا ‪ ،‬وفى لفظ ‪ :‬أمرَنا َر ُ‬
‫حَلْلنا ‪ ،‬و َ‬
‫حّلوا (( َف َ‬
‫ى‪،‬فُ‬
‫سق الَهْد َ‬
‫لم َأ ُ‬
‫شم ‪:‬‬
‫جْع ُ‬
‫ن ُ‬
‫ن َماِلك ْب ِ‬
‫سَراَقُة ب ُ‬
‫ل ُ‬
‫طح ‪َ ،‬فَقا َ‬
‫لْب َ‬
‫جْهَنا إلى ِمَنى ‪ .‬قال ‪ :‬فَأْهَلْلنا من ا َ‬
‫حِرَم إذا َتو ّ‬
‫َلّما أحلْلنا ‪ ،‬أن ُن ْ‬
‫ظ كّلها فى الصحيح وهذا اللف ُ‬
‫ظ‬ ‫لَبِد ؟ قال ‪ِ )) :‬للَبِد (( ‪ .‬وهذه اللفا ُ‬
‫ل ؛ ِلَعاِمَنا َهَذا َأْم ل َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫َيا َر ُ‬
‫ن قال ‪ :‬إن ذلك كان خاصًا بهم ‪ ،‬فإنه حينئذ يكون ِلعامهم ذلك وحده ل‬
‫ل َم ْ‬
‫الخير صريح فى إبطال قو ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول ‪ :‬إّنُه ِللَبِد ‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫للبد ‪ ،‬ورسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مكة وأصحاُبه ُمهّلي َ‬
‫ن‬ ‫وفى )) المسند (( ‪ :‬عن ابن عمر ‪َ ،‬قِدَم رسول ا ّ‬
‫ى (( ‪.‬‬
‫ن َمَعه الَهْد ُ‬
‫ن َكا َ‬
‫ل َم ْ‬
‫عْمَرًة إ ّ‬
‫جَعَلها ُ‬
‫ن َي ْ‬
‫شاَء أ ْ‬
‫ن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪َ )) :‬م ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ج ‪ ،‬فقال َر ُ‬
‫بالح ّ‬
‫ت الَمجاِمُر ‪.‬‬
‫طع ِ‬
‫سَ‬‫طُر َمنّيًا ؟ قال ‪َ )) :‬نَعْم (( و َ‬
‫ح أحُدنا إلى ِمَنى َوَذَكُره َيق ُ‬
‫ل ؛ أيرو ُ‬
‫لا ّ‬
‫قاُلوا ‪ :‬يا رسو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬حتى‬
‫ل ا ِّ‬
‫جَنا مع رسو ِ‬
‫ن َأِبيه ‪:‬خر ْ‬
‫عْ‬‫سْبَرة ‪َ ،‬‬
‫وفى السنن ‪ :‬عن الّربيع بن َ‬
‫ضاَء َقْوٍم َكأّنما ُوِلُدوا الَيْوَم ‪،‬‬
‫ض لَنا َق َ‬
‫ل ؛ اْق ِ‬
‫ى ‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫سراقة بن َمالك الُمْدلج ّ‬
‫إذا ُكّنا بُعسفان ‪ ،‬قال ُ‬
‫سَعى بْين‬
‫ف بالَبْيتِ و َ‬
‫طّو َ‬
‫عْمَرًة ‪ ،‬فإذا َقِدْمتم ‪َ ،‬فمن َت َ‬
‫جة ُ‬
‫حّ‬
‫عَلْيُكم فى َ‬
‫ل َ‬
‫خَ‬‫ل َقْد َأْد َ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫نا ّ‬
‫َفَقال ‪ )) :‬إ ّ‬
‫ن َمَعُه َهْدى (( ‪.‬‬
‫ل َم ْ‬
‫لإ ّ‬
‫حّ‬‫صَفا والَمْرَوة ‪َ ،‬فقْد َ‬
‫ال ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ل َنْذُكُر إل‬
‫لا ّ‬
‫جَنا مَع رسو ِ‬
‫وفى )) الصحيحين (( عن عائشة ‪ :‬خر ْ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم لصحابه ‪:‬‬
‫ث ‪ ،‬وفيه ‪ :‬فلما َقِدْمَنا مكة ‪ ،‬قال النب ّ‬
‫ت الحدي َ‬
‫ج ‪ ...‬فذكر ِ‬
‫حّ‬‫ال َ‬
‫ت باقى الحديث ‪.‬‬
‫ن كان معه الَهْدى ‪ ...‬وذَكَر ْ‬
‫س إل َم ْ‬
‫ل النا ُ‬
‫عْمَرًة (( فأح ّ‬
‫جَعلوَها ُ‬
‫)) ا ْ‬
‫ج ‪ ،‬فلما َقِدْمَنا‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ل َنرى إل ال َ‬
‫جَنا مع رسول ا ّ‬
‫وفى لفظ للبخارى ‪ :‬خر ْ‬
‫ق‬
‫ل َمن لم يكن سا َ‬
‫ل ‪ ،‬فح ّ‬
‫حّ‬‫ى صلى ال عليه وسلم َمن لم يكن ساق الَهْدى أن َي ِ‬
‫تطّوْفَنا بالبيت ‪ ،‬فأمر النب ّ‬
‫سْقن ‪ ،‬فأحللن ‪.‬‬
‫الَهْدى ونساؤه لم َي ُ‬
‫ك يا‬
‫ضب َ‬
‫ت ‪َ :‬منْ أغ َ‬
‫ن ‪ ،‬فقل ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وهو غضبا ُ‬
‫لا ّ‬
‫ى رسو ُ‬
‫وفى لفظ لمسلم ‪)) :‬دخل عل ّ‬
‫س بَأْمٍر ‪ ،‬فإذا ُهم َيَتَرّدُدون ‪ ،‬ولو‬
‫ت الّنا َ‬
‫ت أّنى أَمْر ُ‬
‫شَعْر ِ‬
‫ل النار ‪ .‬قال ‪ :‬أَو ما َ‬
‫ل أدخله ا ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫رسو َ‬
‫حّلوا (( ‪ .‬وقال‬
‫ل كما َ‬
‫حّ‬‫شَتِرَيُه ‪ُ ،‬ثّم أ ِ‬
‫حّتى َأ ْ‬
‫ى معى َ‬
‫ت الَهْد َ‬
‫سْق ُ‬
‫ت ‪ .‬ما ُ‬
‫سَتْدَبْر ُ‬
‫ت من َأْمرى ما ا ْ‬
‫سَتْقَبْل ُ‬
‫اْ‬
‫ل صلى ال‬
‫جَنا مَع رسو ِ‬
‫ل ‪ :‬خر ْ‬
‫ت عائشة تقو ُ‬
‫عْمرة ‪ ،‬قالت ‪ :‬سمع ُ‬
‫مالك ‪ :‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن َ‬
‫ج ‪ ،‬فلما َدَنونا ِمن مكة ‪ ،‬أمَر رسو ُ‬
‫ل‬ ‫حّ‬‫ن ِمن ذى الِقْعدة ‪ ،‬ول َنرى إل أنه ال َ‬
‫ل َبِقي َ‬
‫عليه وسلم لخمس ليا ٍ‬
‫‪106‬‬

‫ل ‪ ،‬قال‬
‫حّ‬‫ف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن َي ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َمن لم يكن معه َهْدى إذا طا َ‬
‫ا ّ‬
‫ث على وجهه ‪.‬‬
‫ل بالحدي ِ‬
‫ث للقاسم بن محمد ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتتك وا ِّ‬
‫ت هذا الحدي َ‬
‫يحيى بن سعيد ‪ :‬فذكر ُ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( ‪ :‬عن ابن عمر ‪ ،‬قال ‪ :‬حّدثتنى حفصُة ‪ ،‬أن النب ّ‬
‫سى ‪،‬‬
‫ت َرْأ ِ‬
‫ل ؟ فقال ‪ِ )) :‬إّنى َلّبْد ُ‬
‫حّ‬‫ن َت ِ‬
‫ك َأ ْ‬
‫ت ‪ :‬ما َمَنَع َ‬
‫ع ‪َ ،‬فُقْل ُ‬
‫جِة الَودا ِ‬
‫حّ‬‫عاَم َ‬
‫ن َ‬
‫حِلْل َ‬
‫أمر أزواجه أن َي ْ‬
‫ى (( ‪.‬‬
‫حَر الَهْد َ‬
‫حّتى َأْن َ‬
‫ل َ‬
‫حّ‬‫ت َهْديى ‪َ ،‬فل َأ ِ‬
‫وَقّلْد ُ‬
‫ن ‪ ،‬فقال‬
‫ل عنهما ‪ ،‬خرجنا ُمحِرِمي َ‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( ‪ :‬عن أسماء بنت أبى بكر رضى ا ّ‬
‫ى‪،‬‬
‫ن َلْم َيُكنْ َمَعُه َهْد ٌ‬
‫حراِمه ‪ ،‬وَم ْ‬
‫عَلى إ ْ‬
‫ى ‪َ ،‬فْلَيُقْم َ‬
‫ن َمَعُه َهْد ٌ‬
‫ن َكا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪َ )) :‬م ْ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ُ‬
‫ت الحديث ‪.‬‬
‫ل (( ‪ ...‬وذكر ِ‬
‫حِل ْ‬
‫َفْلَي ْ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫جَنا َمَع َرسو ِ‬
‫خدرى ‪ ،‬قال ‪ :‬خر ْ‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( أيضًا ‪ :‬عن أبى سعيد ال ُ‬ ‫@‬
‫ى‪،‬‬
‫ق الَهْد َ‬
‫سا َ‬
‫ن َ‬
‫عْمرًة إل َم ْ‬
‫جَعَلها ُ‬
‫صراخًا ‪ ،‬فلما َقِدْمَنا مّكة أَمرنا أن َن ْ‬
‫ج ُ‬
‫خ بالح ّ‬
‫صُر ُ‬
‫ال عليه وسلم ‪َ ،‬ن ْ‬
‫ج‪.‬‬
‫حّ‬‫حَنا إلى ِمَنى ‪ ،‬أهللَنا بال َ‬
‫ن َيْوُم الّتْرِوَيِة ‪َ ،‬وُر ْ‬
‫فلما َكا َ‬
‫ل الُمهاجُرو َ‬
‫ن‬ ‫ل عنهما ‪ ،‬قال ‪ :‬أَه ّ‬
‫وفى )) صحيح البخارى (( ‪ :‬عن ابن عباس رضى ا ّ‬
‫جِة الَوَداع ‪ ،‬وأهللَنا فلما َقِدْمَنا َمّكة ‪ ،‬قال رسو ُ‬
‫ل‬ ‫حّ‬‫ج النبى صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫لْنصاُر ‪ ،‬وأزوا ُ‬
‫وا َ‬
‫ن َقّلَد الَهْدى((‪ ...‬وذكر الحديث ‪.‬‬
‫ل مَ ْ‬
‫عْمَرًة إ ّ‬
‫ج ُ‬
‫حّ‬‫لَلُكم بال َ‬
‫جَعُلوا إْه َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ )) :‬ا ْ‬
‫ا ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ج رسو ُ‬
‫وفى )) السنن (( عن البّراء بن عازب ‪ :‬خر َ‬
‫س‪ :‬يا رسول‬
‫عْمَرة (( ‪ .‬فقال النا ُ‬
‫جُكم ُ‬
‫حّ‬‫جَعلوا َ‬
‫ج ‪ ،‬فلما َقِدمَنا مكة ‪ ،‬قال ‪ )) :‬ا ْ‬
‫وأصحاُبه ‪ ،‬فأحرْمَنا بالح ّ‬
‫ظُروا َما آُمُرُكْم ِبِه َفاْفَعلوُه (( فرّدُدوا عليه‬
‫عْمَرًة ؟ فقال ‪)) :‬اْن ُ‬
‫ج ‪ ،‬فكيف نجعُلها ُ‬
‫حّ‬‫ل ؛ قد أحرمنا بال َ‬
‫ا ِّ‬
‫ن‬
‫ضب فى وجهه فَقالت ‪َ :‬م ْ‬
‫ت الغ َ‬
‫ن ‪ ،‬فرأ ِ‬
‫ضبا ُ‬
‫غ ْ‬
‫ب ‪ ،‬ثم انطلق حّتى دخل على عائشة وهو َ‬
‫ض َ‬
‫ل ‪َ ،‬فَغ ِ‬
‫القو َ‬
‫ب وَأَنا آُمُر َأْمرًا َفل ُيّتَبُع (( ‪.‬‬
‫ض ُ‬
‫غ َ‬
‫ى ل َأ ْ‬
‫ل ‪َ )) :‬وَما ِل َ‬
‫ل ‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ك أغضبه ا ُّ‬
‫ضَب َ‬
‫غ َ‬
‫َأ ْ‬
‫عْمرة تفاديًا ِمن‬
‫ج ‪ ،‬لرأينا فرضًا علينا فسخُه إلى ُ‬
‫حّ‬‫ل علينا أّنا لو أحرمنا ب َ‬
‫ونحن ‪ُ ،‬نشِهُد ا ّ‬
‫حياِتِه ول َبْعَدُه ‪ ،‬ول‬
‫خ هذا فى َ‬
‫سَ‬‫لِ ما ُن ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬واتباعًا لمره ‪ .‬فوا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ب رسو ِ‬
‫غض ِ‬
‫ل سبحانه على ِلسان‬
‫ن بعدهم ‪ ،‬بل أجرى ا ّ‬
‫ن َم ْ‬
‫ص به أصحاَبه ُدو َ‬
‫حد ُيعارضه ‪ ،‬ول خ ّ‬
‫حْرفٌ وا ِ‬
‫ح َ‬
‫صّ‬
‫‪107‬‬

‫ن ذلك كائن لبد البد ‪ ،‬فما ندرى ما ُنقّدم على هذه‬


‫ص بهم ؟ فأجاب بأ ّ‬
‫سراقة أن يسأله ‪ :‬هل ذلك مخت ٌ‬
‫ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم على َمن خالفه ‪.‬‬
‫الحاديث ‪ ،‬وهذا المر المؤّكد الذى غضب رسول ا ّ‬
‫ل أمِرك‬
‫ل إذ يقول لسلمة بن شبيب وقد قال له ‪ :‬يا أبا عبد ال ؛ ُك ّ‬
‫ل َدّر المام أحمد رحمه ا ّ‬
‫و ّ‬
‫ج إلى الُعْمرة ‪ .‬فقال ‪ :‬يا سلمة ؛‬
‫حّ‬‫ل بفسخ ال َ‬
‫حدًة ‪ :‬قال ‪ :‬وما هى ؟ قال ‪ :‬تقو ُ‬
‫خّلًة وا ِ‬
‫حسن إل َ‬
‫عندى َ‬
‫ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫ل ‪ ،‬عندى فى ذلك أحد عشر حديثًا صحاحًا عن رسول ا ّ‬
‫ك عق ً‬
‫ت أرى ل َ‬
‫كن ُ‬
‫ك ؟‪،‬‬
‫أأترُكها ِلَقْول َ‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫سو ِ‬
‫ل عنه لما َقِدَم على َر ُ‬
‫وفى )) السنن (( عن البّراء بن عازب ‪ ،‬أن عليًا رضى ا ّ‬
‫ل ‪َ :‬ما‬
‫ح ‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ضو ٍ‬
‫ت ِبَن ُ‬
‫ت الَبْي َ‬
‫ح ِ‬
‫ضَ‬‫صِبيغًا ‪ ،‬وَن َ‬
‫ال عليه وسلم من اليمن ‪ ،‬أدرك فاطمَة وقد لبست ثيابًا َ‬
‫حّلوا ‪.‬‬
‫حاَبه َف َ‬
‫صَ‬‫ل صلى ال عليه وسلم َأَمر أ ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫ن َر ُ‬
‫ك ؟ َفقاَلت ‪ :‬إ ّ‬
‫َباُل ِ‬
‫ن الزبير ‪:‬‬
‫لبُ‬
‫ن فضيل ‪ ،‬عن يزيد ‪ ،‬عن مجاهد ‪ ،‬قال ‪ :‬قال عبُد ا ِّ‬
‫ن أبى شيبة ‪ :‬حّدثنا اب ُ‬
‫وقال اب ُ‬
‫ت ‪ ،‬أل‬
‫ل قلَبه لن َ‬
‫ن عباس ‪ :‬إن اّلذى أعمى ا ّ‬
‫ل اب ُ‬
‫ل أعماُكم َهَذا ‪ .‬فقال عبُد ا ِّ‬
‫عوا قو َ‬
‫ج ‪ ،‬وَد ُ‬
‫حّ‬‫أفِرُدوا ال َ‬
‫ل عليه وآله‬
‫ل صّلى ا ُّ‬
‫جئنا َمَع رسول ا ِّ‬
‫عّباس ‪ِ ،‬‬
‫ن َ‬
‫ق اْب ُ‬
‫صَد َ‬
‫ت‪َ :‬‬
‫ل إليها‪ ،‬فقاَل ْ‬
‫ن هذا ؟ فأرس َ‬
‫عْ‬‫ل ُأّمك َ‬
‫تسأ ُ‬
‫ل والّنساء ‪.‬‬
‫جا ِ‬
‫ن الّر َ‬
‫جاِمُر َبْي َ‬
‫ت الَم َ‬
‫طَع ِ‬
‫سَ‬‫ل ُكّله ‪ ،‬حّتى َ‬
‫عْمَرًة ‪ ،‬فحللنا الحل َ‬
‫جاجًا ‪ ،‬فجعلناها ُ‬
‫حّ‬‫وسّلم ُ‬
‫ت على عطاء أستفِتيه ‪ ،‬فقال ‪ :‬حّدثنى‬
‫شهاب ‪ ،‬قال ‪ :‬دخل ُ‬
‫وفى )) صحيح البخارى (( عن ابن ِ‬
‫ج مع النبى صلى ال عليه وسلم يوم ساق الُبدن معه ‪ ،‬وقد أهّلوا بالح ّ‬
‫ج‬ ‫ل ‪ :‬أنه ح ّ‬
‫ن عبد ا ّ‬
‫جابُر ب ُ‬
‫صُروا ‪ُ ،‬ثّم أِقيُموا‬
‫صَفا واْلمرَوة ‪ ،‬وَق ّ‬
‫ت ‪ ،‬وَبْينَ ال ّ‬
‫ف بالَبْي ِ‬
‫طَوا ٍ‬
‫حراِمُكم ِب َ‬
‫نإ ْ‬
‫حّلوا ِم ْ‬
‫مفردًا ‪ ،‬فقال لهم ‪َ )) :‬أ ِ‬
‫جَعُلها‬
‫ف َن ْ‬
‫جَعُلوا التى َقِدْمُتم بها ُمْتَعٌة (( ‪ .‬فقاُلوا ‪َ :‬كْي َ‬
‫ج وا ْ‬
‫حّ‬‫ن َيوُم الّتْرِوَيِة ‪ ،‬فأِهّلوا بال َ‬
‫حّتى إَذا َكا َ‬
‫ل‪َ ،‬‬
‫حل ً‬
‫َ‬
‫ت ِمْثلَ اّلذى َأَمْرُتُكم‬
‫ت الَهْدى ‪َ ،‬لَفَعْل ُ‬
‫سْق ُ‬
‫ج ؟ فقال ‪ )) :‬اْفَعُلوا َما آُمُرُكم به ‪َ ،‬فَلْول أنى ُ‬
‫حّ‬‫سّمْيَنا ال َ‬
‫ُمْتَعًة َوَقْد َ‬
‫حّله (( ‪ ،‬ففعُلوا ‪.‬‬
‫ى َم ِ‬
‫حّتى َيْبُلَغ الَهْد ُ‬
‫حَراٌم ‪َ ،‬‬
‫ل ِمّنى َ‬
‫حّ‬‫نلي ِ‬
‫ِبِه ‪َ ،‬وَلِك ْ‬
‫ج ‪ ...‬وذكر‬
‫حّ‬‫ى صلى ال عليه وسلم وأصحابه بال َ‬
‫ل النب ّ‬
‫وفى )) صحيحه (( أيضًا عنه ‪ :‬أه ّ‬
‫صروا‬
‫عمرًة ‪ ،‬ويطوفوا ‪ ،‬ثم يق ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم أصحابه أن يجعلوها ُ‬
‫الحديث ‪ .‬وفيه ‪ :‬فأمر النب ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‬
‫طر ؟ فبَلغ النب ّ‬
‫حدنا يق ُ‬
‫إل َمن ساق الَهْدى ‪ :‬فقالوا ‪ :‬أننطلق إلى ِمَنى وَذَكُر أ َ‬
‫ت (( ‪.‬‬
‫حَلْل ُ‬
‫لْ‬‫ت ولْول أنّ معى الَهْدى ‪َ ،‬‬
‫ت ما َأْهَدْي ُ‬
‫سَتْدَبْر ُ‬
‫ن َأْمرى َما ا ْ‬
‫ت ِم ْ‬
‫سَتْقَبْل ُ‬
‫فقال ‪ )) :‬لو ا ْ‬
‫‪108‬‬

‫صفا‬
‫طفنا بالكعبة وبال ّ‬
‫حجة الوداع ‪ :‬حتى إذا َقِدمنا مّكة ‪ُ ،‬‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( عنه فى َ‬
‫حلّ‬
‫ن لم يُكن معه َهْدى ‪ ،‬قال ‪ :‬فُقلنا ‪ِ :‬‬
‫ل ِمّنا َم ْ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أن َي ِ‬
‫لا ّ‬
‫والمروة ‪ ،‬فأمرَنا رسو ُ‬
‫عرفة‬
‫ن َ‬
‫سَنا ثياَبنا ‪ ،‬وَلْيس بيننا وَبْي َ‬
‫طيب ‪ ،‬وَلِب ْ‬
‫ساَء ‪ ،‬وَتطّيبَنا بال ّ‬
‫ل ُكّله (( ‪ ،‬فواقعنا الّن َ‬
‫حّ‬‫ماذا ؟ قال ‪ )) :‬ال ِ‬
‫إل أربُع ليال ‪ ،‬ثم أهللنا َيْوَم التروية ‪.‬‬
‫ل النا ُ‬
‫س‬ ‫عْمَرًة ‪ ،‬فح ّ‬
‫جَعْلها ُ‬
‫ل َوْلَي ْ‬
‫حّ‬‫ى ‪َ ،‬فْلَي ِ‬
‫س َمَعُه َهْد ٌ‬
‫ن مْنُكم َلْي َ‬
‫ن َكا َ‬
‫خر لمسلم ‪ )) :‬فَم ْ‬
‫وفى لفظ آ َ‬
‫جُهوا إلى‬
‫ن َكان َمَعُه َهْدى ‪ ،‬فلما كان َيْوُم التروية ‪،‬تو ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم وَم ْ‬
‫صروا إل النب ّ‬
‫ُكّلُهم وق ّ‬
‫حّ‬
‫ج‬ ‫ِمَنى ‪َ ،‬فَأَهّلوا ِبال َ‬
‫ى صلى ال عليه‬
‫ل عنه ‪ ،‬أن النب ّ‬
‫ىا ّ‬
‫وفى )) مسند البزار (( بإسناد صحيح ‪ :‬عن أنس رض َ‬
‫ج والُعْمرة ‪ ،‬فلما قدموا مكة ‪ ،‬طافوا بالبيت والصفا والمروة ‪ ،‬وأمرهم‬
‫حّ‬‫ل ُهَو وأصحاُبه بال َ‬
‫وسلم ‪ ،‬أه ّ‬
‫ل عليه وآله‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫حّلوا ‪ ،‬فهابوا ذلك ‪ ،‬فقال رسول ا ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم أن َي ِ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ُ‬
‫ساِء ‪.‬‬
‫حّلوا إلى الّن َ‬
‫حّتى َ‬
‫ت (( ‪ ،‬فأحّلوا َ‬
‫حَلْل ُ‬
‫لْ‬‫ى‪َ ،‬‬
‫ن َمعى الَهْد َ‬
‫ل َأ ّ‬
‫حّلوا َفَلْو َ‬
‫وسلم ‪َ )) :‬أ ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ونح ُ‬
‫ن‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫وفى )) صحيح البخارى (( ‪ :‬عن أنس ‪ ،‬قال ‪ )) :‬صّلى َر ُ‬
‫حليفة ركعتين ‪ ،‬ثم بات بها حتى أصبح ‪ ،‬ثم ركب حتى‬
‫معه بالمدينة الظهَر أربعًا ‪ ،‬والعصر بذى ال ُ‬
‫س بهما ‪ ،‬فلما َقِدْمَنا‬
‫ل النا ُ‬
‫عمرة ‪ ،‬وأه ّ‬
‫حجّ و ُ‬
‫لب َ‬
‫ل ‪ ،‬وسّبح ‪ ،‬ثم أه ّ‬
‫حِمَد ا ّ‬
‫استوت به راحلُته على البيداِء ‪َ ،‬‬
‫ج (( ‪ ....‬وذكر باقى الحديث ‪.‬‬
‫حّ‬‫أمر الناس فحّلوا ‪ ،‬حتى إذا كان يوُم الّتروية ‪ ،‬أهّلوا بال َ‬
‫ل عليه‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫وفى )) صحيحه (( أيضًا ‪ :‬عن أبى موسى الشعرى ‪ ،‬قال ‪ :‬بعثنى رسو ُ‬
‫ت بِإَهل ِ‬
‫ل‬ ‫ت ‪َ :‬أْهَلْل ُ‬
‫ت (( ؟ َفُقْل ُ‬
‫ل ‪ِ )) :‬بَم َأْهَلْل َ‬
‫وآله وسلم إلى قومى باليمن ‪ ،‬فجئت وهو بالبطحاء ‪َ ،‬فَقا َ‬
‫طْفتُ بالَبْي ِ‬
‫ت‬ ‫ت ‪ :‬ل ‪ ،‬فَأَمَرنى ‪ ،‬ف ُ‬
‫ن َهْدى (( ؟ قل ُ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ل َمَع َ‬
‫ل ‪َ )) :‬ه ْ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم ‪َ .‬فَقا َ‬
‫الّنِب ّ‬
‫ت‪.‬‬
‫حَلْل ُ‬
‫صَفا والَمْرَوِة ‪ ،‬ثّم َأمَرنى َفَأ ْ‬
‫َوِبال ّ‬
‫جْيِم قال لبن عّباس ‪ :‬ما َهِذه الُفتيا التى َقْد‬
‫ل من بنى الُه َ‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( ‪ :‬أن رج ً‬
‫سّلم وإ ْ‬
‫ن‬ ‫عَلْيِه وآله و َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫سـّنة َنِبّيُكم َ‬
‫ل‪ّ :‬‬
‫ل ؟ َفَقا َ‬
‫حّ‬‫ت َفَقْد َ‬
‫ف بالَبْي ِ‬
‫طا َ‬
‫ن َ‬
‫ن َم ْ‬
‫تشّغَبت بالّناس ‪ ،‬أ ّ‬
‫غْمُتم ‪.‬‬
‫َر ِ‬
‫ل َمن طاف بالبيت ممن ل َهْدى معه ِمن مفِرد ‪ ،‬أو قاِرن ‪ ،‬أو متمّتع ‪،‬‬
‫ن عباس ‪ُ ،‬ك ّ‬
‫وصدق اب ُ‬
‫ل عليه‬
‫سـّنة التى ل راّد لها ول مدفع ‪ ،‬وهذا كقوله صلى ا ّ‬
‫ل إما وجوبًا ‪ ،‬وإما حكمًا ‪ ،‬هذه هى ال ّ‬
‫فقد ح ّ‬
‫‪109‬‬

‫صاِئم (( ‪ ،‬إما أن يكون‬


‫طَر ال ّ‬
‫ن هاهنا ‪ ،‬فقد أْف َ‬
‫ل الليل ِم ْ‬
‫ن هاهنا ‪ ،‬وأْقَب َ‬
‫وآله وسلم ‪ )) :‬إَذا أْدَبَر الّنهاُر ِم ْ‬
‫ت إفطار ‪ .‬فهكذا هذا الذى قد‬
‫ت فى حقه وق َ‬
‫المعنى ‪ :‬أفطر حكمًا ‪ ،‬أو دخل وقت إفطاره ‪ ،‬وصار الوق ُ‬
‫ت إحرام ‪ ،‬بل هو‬
‫حكمًا ‪ ،‬وإما أن يكون ذلك الوقت فى حقه ليس وق َ‬
‫ل ُ‬
‫طاف بالبيت ‪ ،‬إما أن يكون قد ح ّ‬
‫سـّنة ‪.‬‬
‫ح ال ّ‬
‫ل ليس إل ‪ ،‬ما لم يكن معه َهْدى ‪ ،‬وهذا صري ُ‬
‫حّ‬‫ت ِ‬
‫وق ُ‬
‫حاج‬
‫ت َ‬
‫ل ‪ :‬ل يطوف بالبي ِ‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( أيضًا عن عطاء قال ‪ :‬كان ابنُ عباس يقو ُ‬
‫ى صلى ا ّ‬
‫ل‬ ‫ف َوَقْبَلُه ‪ ،‬وكان يأخُذ ذلك ِمن أمر النب ّ‬
‫ل ‪ُ :‬هَو َبْعَد الُمَعّر ِ‬
‫ن يقو ُ‬
‫ل ‪ .‬وكا َ‬
‫حّ‬‫ج إل َ‬
‫ول غيُر حا ّ‬
‫جِة الَوَداع ‪.‬‬
‫حّ‬‫حّلوا فى َ‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ،‬حين أمرهم أن َي ِ‬
‫عْمَرٌة‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( ‪ :‬عن ابن عباس ‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم قال ‪ )) :‬هذه ُ‬
‫ج إلى َيْوِم القَِياَمَة (( ‪.‬‬
‫حّ‬‫ت الُعْمَرُة فى ال َ‬
‫خَل ِ‬
‫ل ُكّلُه َفَقْد َد َ‬
‫حّ‬‫ل ال ِ‬
‫حّ‬‫ى ‪َ ،‬فْلَي ِ‬
‫ن َمَعُه الَهْد ُ‬
‫ن َلْم َيُك ْ‬
‫سَتْمَتْعَنا بها ‪َ ،‬فَم ْ‬
‫اْ‬
‫جاَء‬
‫ن َ‬
‫ن ابن عباس قال ‪َ :‬م ْ‬
‫شعثاء ‪ ،‬ع ِ‬
‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬حدثنا معمر ‪ ،‬عن قتادة ‪ ،‬عن أبى ال ّ‬
‫ن َذِل َ‬
‫ك‬ ‫س ُيْنِكُرو َ‬
‫ت ‪ :‬إن الّنا َ‬
‫شاَء أْو َأَبى ‪ُ ،‬قْل ُ‬
‫عْمَرٍة َ‬
‫صّيُره إلى ُ‬
‫ت ُي َ‬
‫ف بالَيْي ِ‬
‫طوا َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ج ‪ ،‬فإ ّ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ُمِه ً‬
‫غُموا‪.‬‬
‫ن َر ِ‬
‫سـّنة َنّبيِهْم وإ ْ‬
‫ي ّ‬
‫ل ‪ِ :‬ه َ‬
‫ك ‪َ ،‬قا َ‬
‫عَلْي َ‬
‫َ‬
‫ف ِمن‬
‫ن سّمْينا وغيرهم ‪ ،‬وروى ذلك عنهم طوائ ُ‬
‫ن النبى صلى ال عليه وسلم َم ْ‬
‫وقد روى هذا ع ِ‬
‫ن ‪ ،‬ول ُيمكن أحدًا أن ينكره ‪ ،‬أو‬
‫ك ‪ ،‬وُيوجب اليقي َ‬
‫ل يرفع الش ّ‬
‫ل نق ً‬
‫كبار التابعين ‪ ،‬حتى صار منقو ً‬
‫لمة‬
‫حْبر ا ُ‬
‫ب َ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬ومذه ُ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ب أهل بيت رسو ِ‬
‫يقول ‪ :‬لم يقع ‪ ،‬وهو مذه ُ‬
‫سـّنة والحديث أحمد‬
‫ب إمام أهل ال ّ‬
‫ب أبى موسى الشعرى ‪ ،‬ومذه ُ‬
‫ن عباس وأصحابِه ‪ ،‬ومذه ُ‬
‫وبحرها اب ِ‬
‫ل بن الحسن العنبرى قاضى البصرة ‪ ،‬ومذهب‬
‫بن حنبل وأتباعه ‪ ،‬وأهل الحديث معه ‪ ،‬ومذهب عبد ا ّ‬
‫أهل الظاهر ‪.‬‬
‫والذين خالفوا هذه الحاديث ‪ ،‬لهم أعذار ‪.‬‬
‫العذر الول ‪ :‬أنها منسوخة ‪.‬‬
‫العذر الثانى ‪ :‬أنها مخصوصة بالصحابة ‪ ،‬ل يجوُز ِلغيرهم مشارُكتهم فى حكمها ‪.‬‬
‫ع ما اعتذروا به عنها ‪.‬‬
‫حكمها ‪ ،‬وهذا مجمو ُ‬
‫ل على خلف ُ‬
‫ضتها بما َيُد ّ‬
‫العذر الثالث ‪ :‬معار ُ‬
‫ل وتوفيقه ‪.‬‬
‫ن ما فيها بمعونة ا ّ‬
‫عْذرًا ‪ ،‬ونبّي ُ‬
‫عْذرًا ُ‬
‫ونحن نذكر هذه العذار ُ‬
‫‪110‬‬

‫أما العذر الول ‪ ،‬وهو النسخ ‪ ،‬فيحتاج إلى أربعة ُأمور ‪ ،‬لم يأتوا منها بشئ يحتاج إلى‬
‫ن مع هذه المعارضة مقاومة لها ‪ ،‬ثم ُيثبت‬
‫ص معارضة لهذه ‪ ،‬ثم تكو ُ‬
‫نصوص ُأخر ‪ ،‬تكون ِتلك النصو ُ‬
‫سجستانى ‪ :‬حدثنا الفريابى ‪ ،‬حدثنا أبان بن‬
‫تأخّرها عنها ‪ .‬قال المّدعون للنسخ ‪ :‬قال عمر بن الخطاب ال ّ‬
‫ل عنه أنه‬
‫ن الخطاب رضى ا ّ‬
‫عَمَر ب ِ‬
‫عمر ‪ ،‬عن ُ‬
‫أبى حازم ‪ ،‬قال‪ :‬حدثنى أبو بكر بن حفص ‪ ،‬عن ابن ُ‬
‫ل لنا المُتعة ثم حّرمها‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬أح ّ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫قال لما ولى ‪ )) :‬يا أّيها الناس ؛ إن رسو َ‬
‫علينا (( رواه البزار فى )) مسنده (( عنه‬
‫ح ِبَكِثي ٍ‬
‫ب‬ ‫عها الّريا ُ‬
‫قال المبيحون للفسخ ‪ :‬عجبًا لكم فى ُمقاومة الجبال الّرواسى التى ل ُتزعِز ُ‬
‫حجة‬
‫ث ‪ ،‬ل سند ول متن ‪ ،‬أما سنُده ‪ ،‬فإنه ل تقوُم به ُ‬
‫ل ‪ ،‬فهذا الحدي ُ‬
‫ح يمينًا وشما ً‬
‫ل ‪ ،‬تسفيه الّريا ُ‬
‫َمهي ِ‬
‫ل الحديث ‪ ،‬وأما متُنه ‪ ،‬فإن المراد بالمتعة فيه ُمتعة النساء التى أحّلها رسولُ ال صلى الّ‬
‫علينا عند أه ِ‬
‫عليه وآله وسلم ‪ ،‬ثم حّرمها ‪ ،‬ل يجوز فيها غيُر ذلك البتة ‪ ،‬لوجوه ‪.‬‬
‫ل النساك على‬
‫ج غيُر محّرمة ‪ ،‬بل إما واجبة ‪ ،‬أو أفض ُ‬
‫حّ‬‫ن ُمتعة ال َ‬
‫لمة على أ ّ‬
‫عا ُ‬
‫أحدها ‪ :‬إجما ُ‬
‫ل خامسًا فيها بالتحريم ‪.‬‬
‫لمة قو ً‬
‫الطلق ‪ ،‬أو مستحبة ‪ ،‬أو جائزة ‪ ،‬ول نعلم ل ُ‬
‫ح عنه ِمن غير وجه ‪ ،‬أنه قال‪ :‬لو حجج ُ‬
‫ت‬ ‫ل عنه ‪ ،‬ص ّ‬
‫ن الخطاب رضى ا ّ‬
‫عَمَر ب َ‬
‫الثانى ‪ :‬أن ُ‬
‫ت ‪ .‬ذكره الثرم فى ))سننه (( وغيره‬
‫ت لتمتع ُ‬
‫ت ‪ ،‬ثم لو حجج ُ‬
‫لتمتع ُ‬
‫ل ‪ ،‬أنه سئل ‪ :‬أنهى عمر عن ُمتعة‬
‫وذكر عبد الرزاق فى )) مصنفه (( ‪ :‬عن سالم بن عبد ا ّ‬
‫ل قال له ‪ :‬أنهى عمر عن ُمتعة‬
‫ل تعالى ؟ وذكر عن نافع ‪ ،‬أن رج ً‬
‫با ّ‬
‫ج ؟ قال ‪ :‬ل ‪َ ،‬أَبْعَد ِكتا ِ‬
‫حّ‬‫ال َ‬
‫الحج ؟ قال ‪ :‬ل ‪ .‬وذكر أيضًا عن ابن عباس ‪ ،‬أنه قال ‪ :‬هذا الذى يزعمون أنه نهى عن الُمتعة يعنى‬
‫ت‪.‬‬
‫ت ‪ ،‬لتمّتع ُ‬
‫ت ‪ ،‬ثم حجج ُ‬
‫عَمر سمعُته يقول ‪ :‬لو اعتمر ُ‬
‫ع إلى القول بالتمتع بعد النهى عنه ‪ ،‬وهذا محال‬
‫ح عن عمر الرجو ُ‬
‫قال أبو محمد بن حزم ‪ :‬ص ّ‬
‫أن يرجَع إلى القول بما صح عنده أنه منسوخ ‪.‬‬
‫الثالث ‪ :‬أنه من المحال أن ينهى عنها ‪ ،‬وقد قال صلى ال عليه وسلم لمن سأله ‪ :‬هل هى‬
‫ِلعاِمهم ذلك أم للبد ؟ فقال ‪ )) :‬بل للبد (( ‪ ،‬وهذا قطع لتوهم ورود النسخ عليها ‪ ،‬وهذا أحُد الحكام‬
‫التى يستحيل ورود النسخ عليها ‪ ،‬وهو الحكُم الذى أخبر الصادق المصدوق باستمراره ودوامه ‪ ،‬فإنه‬
‫ل خلف ِلخبره ‪.‬‬
‫‪111‬‬

‫فصل‬
‫فى دعوى اختصاص ذلك بالصحابة‬
‫ص ذلك بالصحابة ‪ ،‬واحتجوا بوجوه ‪:‬‬
‫العذر الثانى ‪ :‬دعوى اختصا ِ‬
‫سفيان ‪ ،‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن الُمَرّقِع ‪،‬‬
‫حميدى ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫ن الزبير ال ُ‬
‫لبُ‬
‫أحدها ‪ :‬ما رواه عبُد ا ِّ‬
‫ل عليه وآله وسلم لَنا خاصة ‪.‬‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ج ِمن رسو ِ‬
‫خ الح ّ‬
‫عن أبى ذر أنه قال ‪ :‬كان فس ُ‬
‫حٍد‬
‫لَ‬‫ن َ‬
‫ن زيد ‪ ،‬عن أبى ذر قال ‪ :‬لم َيُك ْ‬
‫عبيدة ‪ ،‬حدثنا يعقوب ب ُ‬
‫وقال وكيع ‪ :‬حدثنا موسى بن ُ‬
‫سّلم ‪.‬‬
‫عَلْيِه َوآِلِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫حّمٍد َ‬
‫ب َم َ‬
‫حا َ‬
‫صَ‬‫صًة َلَنا َأ ْ‬
‫خ َ‬
‫ت ُر ْ‬
‫عْمَرًة ‪ ،‬إّنها َكاَن ْ‬
‫جَتُه ُ‬
‫حّ‬‫ل َ‬
‫جَع َ‬
‫ن َي ْ‬
‫َبْعَدَنا َأ ْ‬
‫ن الفضل ‪ ،‬حدثنا محمد بن إسحاق ‪ ،‬عن‬
‫وقال البزار ‪ :‬حّدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا سلمُة ب ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫عبد الرحمن السدى ‪ ،‬عن يزيد بن شريك ‪ُ ،‬قلنا لبى ذر ‪ :‬كيف تمّتع رسو ُ‬
‫ص َلَنا فيه ‪ ،‬يعنى المتعة ‪.‬‬
‫خ َ‬
‫ئ ُر ّ‬
‫شٌ‬‫ك َ‬
‫ك ‪ ،‬إّنما َذا َ‬
‫وأنُتم معه ؟ فقال ‪ :‬ما َأْنُتْم َوَذا َ‬
‫ل بن موسى ‪ ،‬حدثنا إسرائيل ‪ ،‬عن إبراهيم‬
‫عبيد ا ّ‬
‫وقال البزار ‪ :‬حدثنا يوسف بن موسى ‪ ،‬حدثنا ُ‬
‫ج والمتعِة ‪:‬‬
‫بن المهاجر ‪ ،‬عن أبى بكر التيمى ‪ ،‬عن أبيه والحارث بن سويد قال ‪ :‬قال أبو ذر فى الح ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫رخصٌة أعطاناها رسو ُ‬
‫سِرى ‪ ،‬عن ابن أبى زائدة ‪ ،‬أخبرنا محمد ابن إسحاق عن عبد‬
‫وقال أبو داود ‪ :‬حدثنا هّناد بن ال ّ‬
‫خها إلى‬
‫سَ‬‫ج ُثّم َف َ‬
‫حّ‬‫ل فيمن َ‬
‫الرحمن بن السود ‪ ،‬عن سليمان أو سليم بن السود أن أبا ذر كان يقو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫ن َكاُنوا َمَع َر ُ‬
‫ب اّلِذي َ‬
‫ل ِللّرْك ِ‬
‫كإ ّ‬
‫ن َذِل َ‬
‫عْمَرٍة ‪ ،‬لم َيُك ْ‬
‫ُ‬
‫صّلى ا ُّ‬
‫ل‬ ‫حّمد َ‬
‫ب ُم َ‬
‫حا ِ‬
‫صَ‬‫ل ْ‬
‫ج َ‬
‫حّ‬‫ت المُْتَعُة فى ال َ‬
‫وفى )) صحيح مسلم (( ‪ :‬عن أبى ذر ‪ .‬قال ‪ :‬كاَن ِ‬
‫ج ‪ ،‬وفى لفظ آخر ‪:‬‬
‫حّ‬‫صًة (( ‪َ ،‬يْعنى الُمْتَعَة فى ال َ‬
‫خ َ‬
‫ت َلَنا ُر ْ‬
‫صًة ‪ .‬وفى لفظ ‪َ )) :‬كاَن ْ‬
‫خا ّ‬
‫سّلم َ‬
‫عَلْيِه َوآِلِه َو َ‬
‫َ‬
‫ج ‪ .‬وفى لفظ آخر ‪ )) :‬إّنَما َكاَن ْ‬
‫ت‬ ‫حّ‬‫ساِء وُمْتعََة ال َ‬
‫خاصًة (( ‪َ ،‬يعِنى ُمْتَعَة الّن َ‬
‫ل َلَنا َ‬
‫نإ ّ‬
‫ح الُمْتَعَتا ِ‬
‫)) ل َتصِ ّ‬
‫ج‪.‬‬
‫حّ‬‫صة ُدوَنُكم (( ‪َ ،‬يْعِنى ُمْتَعَة ال َ‬
‫خا ّ‬
‫َلَنا َ‬
‫وفى )) سنن النسائى (( بإسناد صحيح ‪ :‬عن إبراهيم التيمى ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن أبى ذر ‪ ،‬فى‬
‫ل عليه‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ب رسول ا ّ‬
‫خصًَة َلَنا أصحا َ‬
‫ت ُر ْ‬
‫ئ ‪ ،‬إّنَما َكاَن ْ‬
‫شٍ‬‫سُتم ِمْنَها فى َ‬
‫ت َلُكْم ‪ ،‬وَل ْ‬
‫س ْ‬
‫ج ‪َ :‬لْي َ‬
‫ُمتِعة الح ّ‬
‫وآله وسلم ‪.‬‬
‫‪112‬‬

‫ل؛‬
‫وفى )) سنن أبى داود والنسائى (( ‪ ،‬من حديث بلل بن الحارث قال ‪ :‬قلت ‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪:‬‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫صة ‪ ،‬أم للناس عامة ؟ فقال رسو ُ‬
‫ج إلى الُعمرة لنا خا ّ‬
‫خ الح ّ‬
‫ت فس َ‬
‫أرأي َ‬
‫صة (( ‪ ،‬ورواه المام أحمد ‪.‬‬
‫خا ّ‬
‫ل َلَنا ًَ‬
‫)) َب ْ‬
‫ن عن‬
‫عْثَما ُ‬
‫ل ُ‬
‫سِئ َ‬
‫وفى مسند أبى عوانة بإسناد صحيح ‪ :‬عن إبراهيم التيمى ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫ت َلُكْم ‪.‬‬
‫س ْ‬
‫ت َلَنا ‪َ ،‬لْي َ‬
‫ج َفَقال ‪َ :‬كاَن ْ‬
‫حّ‬‫ُمْتَعِة ال َ‬
‫ع ما استدلوا به على التخصيص بالصحابة ‪.‬‬
‫هذا مجمو ُ‬
‫ن هذه الثار بين‬
‫حجة لكم فى شئ من ذلك ‪ ،‬فإ ّ‬
‫جُبون له ‪ :‬ل ُ‬
‫قال المجّوزون للفسخ ‪ ،‬والمو ِ‬
‫سب إليه البتة ‪ ،‬وبين صحيح عن قائل غيِر معصوم ل ُتعاَرض به نصو ُ‬
‫ص‬ ‫ح عمن ُن ِ‬
‫صّ‬‫باطل ل َي ِ‬
‫المعصوم ‪.‬‬
‫ل عن أن ُيقّدم على النصوص‬
‫حجة ‪ ،‬فض ً‬
‫أما الول ‪ :‬فإن الُمَرّقع ليس ممن تقوم بروايته ُ‬
‫عوِرضَ بحديثه ‪ :‬وَمن الُمرّقع السدى ؟ وقد‬
‫الصحيحة غيِر المدفوعة ‪ .‬وقد قال أحمد بن حنبل وقد ُ‬
‫ج إلى الُعْمرة ‪ .‬وغاية ما نقل عنه‬
‫حّ‬‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬المر بفسخ ال َ‬
‫روى أبو ذر عن النبى صلى ا ّ‬
‫ن ذلك‬
‫ص بالصحابة ‪ ،‬فهو رأيه ‪ .‬وقد قال ابن عباس ‪ ،‬وأبو موسى الشعرى ‪ :‬إ ّ‬
‫ن ذلك مخت ّ‬
‫ن صح ‪ :‬أ ّ‬
‫إْ‬
‫لمة ‪ ،‬فرأى أبى ذر معاَرض برأيهما ‪ ،‬وسلمت النصوصُ الصحيحُة الصريحة ‪ ،‬ثم من المعلوم‬
‫عام ل ُ‬
‫ل عليه وآله وسلم أن تلك الُعْمرة التى وقع السؤال‬
‫أن دعوى الختصاص باطلٌة بنص النبى صلى ا ّ‬
‫ن قرن ‪ ،‬وهذا أصح سندًا من المروى عن أبى‬
‫ص بَقرن دو َ‬
‫عْمرة فسخ لبد البد ‪ ،‬ل َتخت ّ‬
‫عنها وكانت ُ‬
‫ح عنه ‪.‬‬
‫ذر ‪ ،‬وأولى أن ُيؤخذ به منه لو ص ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم قد اختلفوا فى أمر قد‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ب رسول ا ّ‬
‫وأيضًا ‪ ..‬فإذا رأينا أصحا َ‬
‫ضهم ‪ :‬إنه منسوخ أو خاص ‪،‬‬
‫ل عليه وآله وسلم أنه فعله وأمر به ‪ ،‬فقال بع ُ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ح عن رسول ا ّ‬
‫صّ‬
‫ل إل‬
‫صه مخالف للصل ‪ ،‬فل ُيقَب ُ‬
‫خه أو اختصا َ‬
‫ل َمن اّدعى نس َ‬
‫ق إلى البد ‪ ،‬فقو ُ‬
‫وقال بعضهم ‪ :‬هو با ٍ‬
‫صل بين المتنازعين ‪،‬‬
‫ل ما فى الباب معارضُته َمن اّدعى بقاءه وعمومه ‪ ،‬والحجُة تف ِ‬
‫ن أق ّ‬
‫ببرهان ‪ ،‬وإ ّ‬
‫ل ورسوله ‪ .‬فإذا قال أبو ذر وعثمان ‪ :‬إن الفسخ منسوخ أو خاص ‪،‬‬
‫ب الرّد عند التنازع إلى ا ّ‬
‫والواج ُ‬
‫ق وحكُمه عام ‪ ،‬فعلى َمن اّدعى النسخ والختصاص‬
‫ل بن عباس ‪ :‬إنه با ٍ‬
‫وقال أبو موسى وعبد ا ّ‬
‫الدليل ‪.‬‬
‫‪113‬‬

‫ب ‪ ،‬ول ُيعاَرض بمثله تلك‬


‫وأما حديثه المرفوع حديث بلل بن الحارث فحديث ل يُـْكَت ُ‬
‫الساطين الثابتة ‪.‬‬
‫جه إن طاف بالبيت وبين الصفا‬
‫خحّ‬
‫ل بالحج أن يفس َ‬
‫ل بن أحمد ‪ :‬كان أبى يرى للُمِه ّ‬
‫قال عبد ا ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ .‬وقال صلى ا ّ‬
‫ل‬ ‫خُر المرين من رسول ال صلى ا ّ‬
‫والمروة ‪ .‬وقال فى المتعة ‪ :‬هى آ ِ‬
‫ل ‪ :‬فقلت لبى ‪ :‬فحديث بلل بن الحارث فى‬
‫عْمَرًة (( ‪ .‬قال عبد ا ّ‬
‫جُكم ُ‬
‫حّ‬‫جَعُلوا َ‬
‫عليه وآله وسلم ‪ )) :.‬ا ْ‬
‫فسخ الحج‪ ،‬يعنى قوله ‪ )) :‬لنا خاصة (( ؟ قال ‪ :‬ل أقول به ‪ ،‬ل ُيعرف هذا الرجل ‪ ،‬هذا حديث ليس‬
‫ت ‪ .‬هذا لفظه ‪.‬‬
‫ث بلل بن الحارث عندى يثب ُ‬
‫إسناده بالمعروف ‪ ،‬ليس حدي ُ‬
‫ح أن النبى صلى ا ّ‬
‫ل‬ ‫صّ‬‫قلت ‪ :‬ومما يدل على صحة قول المام أحمد ‪ ،‬وأن هذا الحديث ل َي ِ‬
‫لَبِد البِد ‪ ،‬فكيف يثُبت‬
‫جهم إليها أنها َ‬
‫حّ‬‫عليه وآله وسلم أخبر عن تلك الُمتعة التى أمرهم أن يفسخوا َ‬
‫ت الُعْمَرُة‬
‫خَل ِ‬
‫عنه بعد هذا أنها لهم خاصة ؟ هذا من أمحل المحال ‪ .‬وكيف يأمرهم بالفسخ ويقول ‪َ )) :‬د َ‬
‫شَهُد‬
‫ج إلى َيْوِم الِقَياَمة (( ‪ ،‬ثم يثبت عنه أن ذلك مختص بالصحابة دون َمن بعدهم ‪ :‬فنحن َن ْ‬
‫حّ‬‫فى ال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وهو غلط عليه ‪،‬‬
‫ل ‪ ،‬أن حديث بلل بن الحارث هذا ‪ ،‬ل يصح عن رسول ا ّ‬
‫با ِّ‬
‫وكيف ُتقّدم روايُة بلل بن الحارث ‪ ،‬على روايات الثقات الثبات ‪ ،‬حملِة العلم الذين رووا عن رسول‬
‫ف روايته ‪ ،‬ثم كيف يكون هذا ثابتًا عن رسول ال صلى ال عليه‬
‫ل عليه وآله وسلم خل َ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫ل عنه ُيفتى بخلفه ‪ ،‬ويناظر عليه طول عمره بمشهد من الخاص‬
‫ن عباس رضى ا ّ‬
‫وآله وسلم ‪ ،‬واب ُ‬
‫ل واحد منهم ‪ :‬هذا‬
‫ل عليه وآله وسلم متواِفرون ‪ ،‬ول يقول له رج ٌ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ب رسول ا ّ‬
‫والعام ‪ ،‬وأصحا ُ‬
‫كان مختصًا بنا ‪ ،‬ليس لغيرنا حتى يظهر بعد موت الصحابة ‪ ،‬أن أبا ذر كان يرى اختصاص ذلك‬
‫بهم ؟‬
‫ل عنه فى متعة الحج ‪ :‬إنها كانت لهم ليست لغيرهم ‪ ،‬فحكمه حكم‬
‫وأما قول عثمان رضى ا ّ‬
‫قول أبى ذر سواء ‪ ،‬على أن المروى عن أبى ذر وعثمان يحتمل ثلثة ُأمور ‪:‬‬
‫ن حّرم الفسخ ‪.‬‬
‫أحدها ‪ :‬اختصاص جواز ذلك بالصحابة ‪ ،‬وهو الذى فهمه َم ْ‬
‫ل روحه يقول ‪ :‬إنهم‬
‫ص وجوبه بالصحابة ‪ ،‬وهو الذى كان يراه شيخنا قّدس ا ُّ‬
‫الثانى ‪ :‬اختصا ُ‬
‫ل عليه وآله وسلم لهم به ‪ ،‬وحتمه عليهم ‪،‬‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫كانوا قد ُفِرض عليهم الفسخ لمر رسول ا ّ‬
‫لمة إلى يوم القيامة ‪،‬‬
‫وغضبه عندما توقفوا فى المبادرة إلى امتثاله ‪ .‬وأما الجواز والستحباب ‪ ،‬فل ُ‬
‫‪114‬‬

‫لمة إلى يوم القيامة ‪ ،‬وأن فرضًا على كل مفرد‬


‫ن عباس ‪ ،‬وجعل الوجوب ل ُ‬
‫ن أَبى ذلك البحُر اب ُ‬
‫لك ْ‬
‫ل منى إلى قول‬
‫ل وإن لم يشأ ‪ ،‬وأنا إلى قوله أمي ُ‬
‫حّ‬‫ل ول بد ‪ ،‬بل قد َ‬
‫وقارن لم يسق الَهْدى ‪ ،‬أن يح ّ‬
‫شيخنا ‪.‬‬
‫الحتمال الثالث ‪ :‬أنه ليس لحد من بعد الصحابة أن يبتدئ حجًا قاِرنًا أو مفردًا بل َهْدى ‪ ،‬بل‬
‫ل عليه وآله وسلم‬
‫ى صلى ا ّ‬
‫هذا يحتاج معه إلى الفسخ ‪ ،‬لكن فرض عليه أن يفعل ما َأَمَر به النب ّ‬
‫ى ‪ ،‬والِقران لمن ساق ‪ ،‬كما صح عنه ذلك ‪ .‬وأّما‬
‫ق الَهْد َ‬
‫سِ‬‫أصحابه فى آخر المر من التمتع لمن لم َي ُ‬
‫عمرة ُمفردٍة ‪ ،‬ويجعله متعة ‪ ،‬فليس له ذلك ‪ ،‬بل هذا‬
‫أن َيحرم بحج مفرد ‪ ،‬ثم يفسخه عند الطواف إلى ُ‬
‫ل عليه وآله وسلم بالتمتع‬
‫ى صلى ا ّ‬
‫إنما كان للصحابة ‪ ،‬فإنهم ابتدؤوا الحرام بالحج المفرد قبل أمر النب ّ‬
‫والفسخ إليه ‪ ،‬فلما استقر أمره بالتمتع والفسخ إليه ‪ ،‬لم يكن لحد أن ُيخالفه وُيفرد ‪ ،‬ثم يفسخه ‪.‬‬
‫ت هذين الحتمالين الخيرين ‪ ،‬رأيتهما إما راجحين على الحتمال الول ‪ ،‬أو‬
‫وإذا تأمل َ‬
‫ل التوفيق ‪.‬‬
‫مساويين له ‪ ،‬وتسقط معارضُة الحاديث الثابتة الصريحة به جملة ‪ ،‬وبا ّ‬
‫صة ‪.‬‬
‫وأما ما رواه مسلم فى )) صحيحه (( عن أبى ذر ‪ :‬أن المتعة فى الحج كانت لهم خا ّ‬
‫فهذا ‪ ،‬إن أريد به أصل المتعة ‪ ،‬فهذا ل يقول به أحد من المسلمين ‪ ،‬بل المسلمون متفقون على جوازها‬
‫إلى يوم القيامة ‪ .‬وإن أريد به متعة الفسخ ‪ ،‬احتمل الوجوه الثلثة المتقّدمة ‪ .‬وقال الثرم فى )) سننه ((‬
‫‪ :‬وذكر لنا أحمد بن حنبل ‪ ،‬أن عبد الرحمن بن مهدى حّدثه عن سفيان ‪ ،‬عن العمش ‪ ،‬عن إبراهيم‬
‫ل أبا ذر ‪ ،‬هى‬
‫التيمى ‪ ،‬عن أبى ذر ‪ ،‬فى متعة الحج ‪ ،‬كانت لنا خاصة ‪ .‬فقال أحمد بن حنبل‪ :‬رحم ا ّ‬
‫ج{ ]البقرة‪.[196 :‬‬
‫حّ‬‫ل ‪َ} :‬فَمن َتَمّتَع ِباْلُعْمَرِة إَلى اْل َ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫فى كتاب ا ّ‬
‫قال المانعون من الفسخ ‪ :‬قول أبى ذر وعثمان ‪ :‬إن ذلك منسوخ أو خاص بالصحابة ‪ ،‬ل ُيقال‬
‫حب لحال النص‬
‫مثُله بالرأى ‪ ،‬فمع قائله زيادة علم خفيت على َمن اّدعى بقاءه وعمومه ‪ ،‬فإنه مستص ِ‬
‫بقاًء وعمومًا ‪ ،‬فهو بمنزلة صاحب اليد فى الَعْين المّدعاة ‪ ،‬ومّدعى فسخه واختصاصه بمنزلة صاحب‬
‫البّينة التى ُتقّدم على صاحب اليد ‪.‬‬
‫قال المجّوزون للفسخ ‪ :‬هذا قول فاسد ل شك فيه ‪ ،‬بل هذا رأى ل شك فيه ‪ ،‬وقد صّرح بأنه‬
‫ن ‪ ،‬ففى )) الصحيحين (( واللفظ للبخارى ‪:‬‬
‫ن بن حصي ْ‬
‫عمرا ُ‬
‫ن هو أعظُم من عثمان وأبى ذر ِ‬
‫رأى َم ْ‬
‫ن ‪ ،‬فقال رجل برأيه ما شاء ‪ .‬ولفظ مسلم ‪:‬‬
‫ل عليه وآله وسلم ونزل الُقرآ ُ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫تمتعنا مع رسول ا ّ‬
‫‪115‬‬

‫ل عليه وآله‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل ‪ :‬يعنى ُمتعة الحج ‪ ،‬وأمرنا بها رسو ُ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫نزلت آيةُ المتعة فى كتاب ا ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم حتى مات ‪،‬‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫وسلم ‪ ،‬ثم لم تنزل آية تنسخ ُمتعة الحج ‪ ،‬ولم ينه عنها رسو ُ‬
‫ل برأيه ما شاء ‪ .‬وفى لفظ ‪ :‬يريد عمر ‪.‬‬
‫قال رج ٌ‬
‫ل صلى‬
‫سولِ ا ّ‬
‫ل بن عمر لمن سأله عنها ‪ ،‬وقال له ‪ :‬إن أباك نهى عنها ‪َ :‬أَأْمُر َر ُ‬
‫وقال عبد ا ّ‬
‫ق أن ُيّتَبَع أو َأْمُر َأبى ؟‪. ،‬‬
‫ل عليه وآله وسلم أح ّ‬
‫ا ّ‬
‫جاَرٌة من‬
‫حَ‬‫ل عليكم ِ‬
‫ك أن َتْنِز َ‬
‫شُ‬
‫وقال ابن عباس لمن كان ُيعاِرضه فيها بأبى بكر وعمر ‪ُ :‬يو ِ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬وتقوُلون ‪ :‬قال أبو بكر وعمر ؟ فهذا جوا ُ‬
‫ب‬ ‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫ل ‪ :‬قا َ‬
‫السماء ‪ ،‬أقو ُ‬
‫ل عليه وآله وسلم منكم ‪ ،‬فه ّ‬
‫ل‬ ‫ل صلى ا ّ‬
‫ن وأبو ذر أعلُم برسول ا ّ‬
‫ب َمن يقول ‪ :‬عثما ُ‬
‫العلماء ‪ ،‬ل جوا ُ‬
‫ل عليه وآله وسلم منا ‪،‬‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ل بن عمر ‪ :‬أبو بكر وعمُر أعلُم برسول ا ّ‬
‫ن عباس ‪ ،‬وعبُد ا ّ‬
‫قال اب ُ‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫ص عن رسو ِ‬
‫ولم يكن أحٌد ِمن الصحابة ‪ ،‬ول أحٌد من التابعين يرضى بهذا الجواب فى دفع ن ٍ‬
‫ل ورسوله ‪ ،‬وأتقى له من أن ُيَقّدُموا على قول المعصوم رأ َ‬
‫ى‬ ‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وهم كانوا أعلَم با ِّ‬
‫ى بن‬
‫ص عن المعصوم ‪ ،‬بأنها باقية إلى يوم القيامة ‪ .‬وقد قال ببقائها ‪ :‬عل ّ‬
‫غيِر المعصوم ‪ ،‬ثم قد ثبت الن ّ‬
‫ل عنه ‪ ،‬وسعُد بن أبى وّقاص ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وأبو موسى ‪ ،‬وسعيد بن‬
‫أبى طالب رضى ا ّ‬
‫ى صلى‬
‫المسّيب ‪ ،‬وجمهور التابعين ‪ ،‬ويدل على أن ذلك رأى محض ل ُينسب إلى أنه مرفوع إلى النب ّ‬
‫ل عنه لما نهى عنها قال له أبو موسى الشعرى ‪ :‬يا‬
‫طاب رضى ا ّ‬
‫ال عليه وسلم ‪ ،‬أن عمَر بن الخ ّ‬
‫حّ‬
‫ج‬ ‫ل يُقول ‪َ} :‬وَأِتّموا ال َ‬
‫نا ّ‬
‫خْذ ِبكَِتاب َرّبَنا ‪ ،‬فإ ّ‬
‫سك ؟ فقال ‪ :‬إن َنأ ُ‬
‫ن الّن ُ‬
‫ت فى شأ ِ‬
‫أمير المؤمنين ؛ ما أحدث َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل‬ ‫سو َ‬
‫ن َر ُ‬
‫سّلم ‪ ،‬فإ ّ‬
‫عَلْيِه َوآِلِه َو َ‬
‫ل َ‬
‫ل صّلى ا ُّ‬
‫لا ّ‬
‫سو ِ‬
‫سـّنِة َر ُ‬
‫خْذ ِب ّ‬
‫ن َنْأ ُ‬
‫ل{ ]البقرة‪ ،[196 :‬وإ ْ‬
‫والُعْمَرَة ِّ‬
‫ق من أبى موسى وعمر ‪ ،‬على أن منع الفسخ‬
‫حَر ‪َ ،‬فَهَذا اّتَفا ٌ‬
‫حّتى َن َ‬
‫ل َ‬
‫حّ‬‫ل عليه وآله وسلم لم َي ِ‬
‫صلى ا ّ‬
‫ل صلى ال‬
‫سك ‪ ،‬ليس عن رسول ا ّ‬
‫إلى المتعة والحرام بها ابتداًء ‪ ،‬إنما هو رأى ِمنه أحدثه فى الّن ُ‬
‫س بالفسخ فى خلفة أبى بكر رضى‬
‫عليه وسلم ‪ .‬وإن استدل له بما استدل ‪ ،‬وأبو موسى كان ُيفتى النا َ‬
‫ل عنه فى نهيه عن ذلك ‪ ،‬واتفقا‬
‫ل عنه ُكّلها ‪ ،‬وصدرًا من خلفة عمر حتى فاوض عمُر رضى ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫ع عنه ‪.‬‬
‫ح عنه الرجو ُ‬
‫سك ‪ ،‬ثم ص ّ‬
‫ل عنه فى الُن ُ‬
‫على أنه رأى أحدثه عمر رضى ا ّ‬
‫فصل‬
‫فى معارضة أحاديث الفتح بما يدل على خلفها‬
‫‪116‬‬

‫وأما العذر الثالث ‪ :‬وهو معارضُة أحاديث الفسخ بما يدل على خلفها ‪ ،‬فذكروا منها ما رواه‬
‫ل عنها ‪ ،‬قالت ‪ :‬خرجنا‬
‫عروة ‪ ،‬عن عائشة رضى ا ّ‬
‫مسلم فى )) صحيحه (( من حديث الزهرى ‪ ،‬عن ُ‬
‫ل بحج ‪ ،‬حتى‬
‫ن أه ّ‬
‫ل بُعمرة ‪ ،‬ومنا َم ْ‬
‫حجة الوداع ‪ ،‬فمنا َمن أه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫مع رسولِ ا ِّ‬
‫ل ‪ ،‬وَم ْ‬
‫ن‬ ‫حِل ْ‬
‫حَرَم ِبُعْمرٍة َوَلْم ُيْهِد ‪َ ،‬فْلَي ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪َ )) :‬م ْ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫َقِدْمَنا مكة فقا َ‬
‫جه (( ‪ ،‬وذكر باقى الحديث ‪.‬‬
‫حّ‬
‫ج ‪َ ،‬فْلُيتّم َ‬
‫حّ‬‫ل ِب َ‬
‫ن أَه ّ‬
‫حَر َهْدَيه ‪ ،‬وَم ْ‬
‫حّتى َيْن َ‬
‫ل َ‬
‫حّ‬‫حَرَم ِبُعْمَرٍة وأْهَدى ‪ ،‬فل َي ِ‬
‫َأ ْ‬
‫عروة‬
‫ومنها ‪ :‬ما رواه مسلم فى )) صحيحه (( أيضًا من حديث مالك ‪ ،‬عن أبى السود ‪ ،‬عن ُ‬
‫ل بُعمرة ‪ ،‬ومّنا من‬
‫جِة الَوداع ‪ ،‬فِمنا َمن أه ّ‬
‫حّ‬
‫ل عليه وآله وسلم عاَم َ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫خرجنا مع رسو ِ‬
‫عنها ‪َ :‬‬
‫ج ‪ ،‬فأّما َم ْ‬
‫ن‬ ‫ل عليه وآله وسلم بالح ّ‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫ج ‪ ،‬وأه ّ‬
‫ل بالح ّ‬
‫ن أه ّ‬
‫عمرة ‪ ،‬وِمنا َم ْ‬
‫ل بحج و ُ‬
‫أه ّ‬
‫حّلوا حتى يوُم النحر ‪.‬‬
‫ج والُعمرة ‪ ،‬فلم َي ِ‬
‫جَمَع الح ّ‬
‫ج ‪ ،‬أو َ‬
‫ل بح ّ‬
‫ن أه ّ‬
‫ل ‪ ،‬وأّما َم ْ‬
‫ل بعمرة فح ّ‬
‫أه ّ‬
‫ن أبى شيبة ‪ :‬حدثنا محمد بن بشر العبدى ‪ ،‬عن محمد بن عمرو بن علقمة ‪،‬‬
‫منها ‪ :‬ما رواه اب ُ‬
‫ل عليه‬
‫ل صّلى ا ُّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫جَنا مع رسو ِ‬
‫خَر ْ‬
‫طب ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬قالت ‪َ :‬‬
‫حدثنى يحيى بن عبد الرحمن بن حا ِ‬
‫ن أه ّ‬
‫ل‬ ‫ج ُمفرد ‪ ،‬وِمّنا َم ْ‬
‫حّ‬‫ل ِب َ‬
‫جٍة ‪ ،‬ومنا َمن أه ّ‬
‫حّ‬‫ل بُعمرٍة و َ‬
‫ن َأَه ّ‬
‫ج على ثلثة أنواع‪ :‬فِمّنا َم ْ‬
‫وآله وسّلم ِللح ّ‬
‫ك الح ّ‬
‫ج‬ ‫سَ‬
‫حُرَم منه حّتى قضى منا ِ‬
‫ئ مما َ‬
‫ل ِمن ش ٍ‬
‫حّ‬‫عمرٍة معًا ‪ ،‬لم ي ِ‬
‫جوُ‬
‫ل بح ّ‬
‫ن أه ّ‬
‫بُعمرة مفردة ‪ ،‬فَمن كا َ‬
‫ل بُعمرٍة‬
‫ن أه ّ‬
‫ك الحج ‪ ،‬وَم ْ‬
‫سَ‬
‫حُرَم منه حتى قضى منا ِ‬
‫ل ِمن شئ مما َ‬
‫حّ‬‫ج مفرد ‪ ،‬لم َي ِ‬
‫ل بح ّ‬
‫ن أه ّ‬
‫‪ ،‬وَم ْ‬
‫جا ‪.‬‬
‫حّ‬
‫ل مما حُرم منه حتى استقبل َ‬
‫صفا والمروة‪ ،‬ح ّ‬
‫ت وبال ّ‬
‫ف بالبي ِ‬
‫مفردٍة ‪ ،‬فطا َ‬
‫ن الحاِرث ‪ ،‬عن‬
‫ومنها ‪ :‬ما رواه مسلم فى )) صحيحه (( من حديث ابن وهب ‪ ،‬عن عمرو ب ِ‬
‫ج‪،‬‬
‫ل بالح ّ‬
‫عروة بن الزبير ‪ ،‬عن رجل أه ّ‬
‫ل الِعراق ‪ ،‬قال له ‪ :‬سل لى ُ‬
‫ل ِمن أه ِ‬
‫جً‬‫نرُ‬
‫ل‪،‬أّ‬
‫محمد بن َنْوَف ٍ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪،‬‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ج رسو ُ‬
‫ل أم ل ؟ فذَكر الحديث ‪ ،‬وفيه ‪ :‬قد ح ّ‬
‫حّ‬‫ف بالبيت ‪ ،‬أي ِ‬
‫فإذا طا َ‬
‫ج أبو بكر ‪،‬‬
‫ت ‪ ..‬ثم ح ّ‬
‫ف بالَبْي ِ‬
‫طا َ‬
‫فأخبرتنى عائشة ‪ ،‬أن أول شئ بدأ به حين َقِدَم مكة ‪ ،‬أنه توضأ ‪ ،‬ثّم َ‬
‫ن ‪ ،‬فرأيُته‬
‫ج عثما ُ‬
‫ل ذلك ‪ ..‬ثم ح ّ‬
‫عَمُر مث ُ‬
‫عْمَرٌة ‪ ..‬ثم ُ‬
‫ف بالبيت ‪ ،‬ثم لم تكن ُ‬
‫ئ بدأ به الطوا ُ‬
‫لش ٍ‬
‫ثم كان أّو َ‬
‫ت مع أبى‬
‫ن عمر ‪ ،‬ثم حجج ُ‬
‫لبُ‬
‫عْمرٌة ‪ .‬ثم معاوية وعبُد ا ّ‬
‫ف بالبيت ‪ ،‬ثم لم تكن ُ‬
‫ل شئ بدأ به الطوا ُ‬
‫أّو ُ‬
‫ت المهاجرين‬
‫عْمَرٌة ‪ ،‬ثّم رأي ُ‬
‫ف بالبيت ‪ ،‬ثم لم تكن ُ‬
‫ل شئ بدأ به الطوا ُ‬
‫الزبير بن العّوام ‪ ،‬فكان أّو َ‬
‫ضها‬
‫ن عمر ‪ ،‬ثم لم ينقُ ْ‬
‫ن رأيت فعل ذلك اب ُ‬
‫خُر َم ْ‬
‫عْمَرٌة ‪ ،‬ثم آ ِ‬
‫ن ُ‬
‫والنصار ‪ ،‬يفعُلون ذلك ‪ ،‬ثم لم َتُك ْ‬
‫حي َ‬
‫ن‬ ‫ن عمَر عندهم ‪ ،‬أفل يسألونه ؟ ول أحٌد ممن مضى ما كانوا َيبدؤون بشىء ِ‬
‫بُعمرة ‪ ،‬فهذا اب ُ‬
‫‪117‬‬

‫ن ل َتْبدآ ِ‬
‫ن‬ ‫ت ُأمى وخالتى حين َتْقَدَما ِ‬
‫حّلون ‪ ،‬وقد رأي ُ‬
‫ت ‪ ،‬ثم ل َي ِ‬
‫طواف بالَبْي ِ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل ِم َ‬
‫يضعون أقداَمهم أّو َ‬
‫ن‪.‬‬
‫لِ‬‫حّ‬
‫ل من الطواف بالبيت ‪ ،‬تطوفان ِبه ثم ل َت ِ‬
‫بشىٍء أّو َ‬
‫ل وَمّنـِه ‪.‬‬
‫ث الفسخ ‪ ،‬ول ُمعارضة فيها بحمد ا ّ‬
‫فهذا مجموع ما عارضوا به أحادي َ‬
‫ط فيه عبُد الملك بن شعيب‬
‫عروة ‪ ،‬عن عائشة َفَغِل َ‬
‫ث الول وهو حديث الزهرى ‪ ،‬عن ُ‬
‫أما الحدي ُ‬
‫س ‪ ،‬عن‬
‫جّده الليث ‪ ،‬أو شيخه عقيل ‪ ،‬فإن الحديث رواه مالك ومعمر ‪ ،‬والنا ُ‬
‫‪ ،‬أو أبوه شعيب ‪ ،‬أو َ‬
‫ن معه َهْدى إذا طاف‬
‫ن لم َيُك ْ‬
‫الزهرى ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عنها وبّيُنوا أن النبى صلى ال عليه وسلم أمر َم ْ‬
‫ل صلى‬
‫عْمَرَة ‪ ،‬عنها ‪ :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫ل ‪ .‬فقال مالك ‪ :‬عن يحيى بن سعيد ‪ ،‬عن َ‬
‫حّ‬‫وسعى ‪ ،‬أن َي ِ‬
‫ج ‪ ،‬فلما دنونا من مكة ‪ ،‬أمر رسو ُ‬
‫ل‬ ‫ل بقين لذى الِقعدة ‪ ،‬ول نرى إل الح ّ‬
‫خمس ليا ٍ‬
‫ل عليه وآله وسلم ِل َ‬
‫ا ّ‬
‫ن لم يكن معه َهْدى ‪ ،‬إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ‪ ،‬أن‬
‫ل عليه وآله وسلم َم ْ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫ث على‬
‫ل بالحدي ِ‬
‫ث لقاسم بن محمد ‪ ،‬فقال ‪ :‬أتتك وا ِّ‬
‫ت هذا الحدي َ‬
‫ل وذكر الحديث ‪ .‬قال يحيى ‪ :‬فذكر ُ‬
‫حّ‬‫َي ِ‬
‫وجهه ‪.‬‬
‫ل عليه وآله‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫وقال منصور ‪ :‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن السود ‪ ،‬عنها ‪ ،‬خرجنا مع رسول ا ِّ‬
‫ل عليه وآله وسلم َمن لم يكن‬
‫ى صلى ا ّ‬
‫ت ‪ ،‬فأمر النب ّ‬
‫طّوْفَنا بالَبْي ِ‬
‫ج ‪ ،‬فلما َقِدْمَنا ‪َ ،‬ت َ‬
‫وسلم ول نرى إل الح ّ‬
‫ن‪.‬‬
‫حَلْل َ‬
‫ن فأ ْ‬
‫سْق َ‬
‫ى ‪ ،‬ونساؤه لم َي ُ‬
‫ن لم يكن ساق الَهْد َ‬
‫ل َم ْ‬
‫ل ‪ ،‬فح ّ‬
‫حّ‬‫ى ‪ ،‬أن َي ِ‬
‫ساق الَهْد َ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ل‬ ‫عروة ‪ ،‬عنها ‪ :‬خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫وقال مالك ومعمر كلُهما عن ابن شهاب ‪ ،‬عن ُ‬
‫ن‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪َ )) :‬م ْ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫حجة الوداع ‪ ،‬فأهللنا بُعمرة ‪ ،‬ثم قال رسو ُ‬
‫عليه وآله وسلم عام َ‬
‫جميعًا (( ‪.‬‬
‫ل منهما َ‬
‫حّ‬‫حّتى َي ِ‬
‫ل َ‬
‫حّ‬‫ل َي ِ‬
‫ج َمَع الُعْمَرة ‪ ،‬و َ‬
‫حّ‬‫ل ِبال َ‬
‫ى ‪ ،‬فْلُيِه ّ‬
‫ن َمَعُه َهْد ٌ‬
‫َكا َ‬
‫عروة عنها بمثل الذى أخبر به سالم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن النبى صلى ال‬
‫وقال ابن شهاب عن ُ‬
‫ج‪،‬‬
‫حّ‬‫جة الوداع بالعمرة إلى ال َ‬
‫حّ‬‫ل عليه وآله وسلم فى َ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫عليه وسلم ‪ .‬ولفظه ‪ :‬تمتع رسول ا ّ‬
‫ل بالُعمرة ‪،‬‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬فأه ّ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫حليفة ‪ ،‬بدأ رسو ُ‬
‫ى من ذى ال ُ‬
‫فأهدى ‪ ،‬فساق معه الهد َ‬
‫ن ِم َ‬
‫ن‬ ‫ج ‪ ،‬فكا َ‬
‫حّ‬‫ل عليه وآله وسلم بالُعمرة إلى ال َ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫س مع رسو ِ‬
‫ج ‪ ،‬وتمّتع النا ُ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ثم أه ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم َمّكَة ‪،‬‬
‫ى ‪ ،‬ومنهم َمن لم ُيْهِد ‪ ،‬فلّما َقِدَم النبى صلى ا ّ‬
‫ن أهدى ‪ ،‬فساق معه الَهْد َ‬
‫الناس َم ْ‬
‫ن لْم َيُك ْ‬
‫ن‬ ‫جُه ‪ ،‬وَم ْ‬
‫حّ‬‫ى َ‬
‫ضَ‬‫حّتى َيْق ِ‬
‫حُرَم ِمْنُه َ‬
‫ن شئ َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫حّ‬‫ن ِمْنُكم أْهدى ‪ ،‬فإّنه ل َي ِ‬
‫ن َكا َ‬
‫قال الناس ‪َ )) :‬م ْ‬
‫‪118‬‬

‫جْد َهْديًا‬
‫ن َلْم َي ِ‬
‫ج وْلُيْهِد ‪ ،‬فَم ْ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ل ‪ُ ،‬ثّم ْلُيِه ّ‬
‫حّ‬‫صْر َوْلَي ِ‬
‫صَفا والَمْرَوة ‪َ ،‬ولُيق ّ‬
‫ن ال ّ‬
‫ت ‪ ،‬وَبْي َ‬
‫ف ِبالَبْي ِ‬
‫ط ْ‬
‫أْهَدى َفْلَي ُ‬
‫جَع إلى أْهِلهَ(( ‪ ...‬وذكر باقى الحديث ‪.‬‬
‫سْبَعٍة إذا َر َ‬
‫ج‪،‬و َ‬
‫حّ‬‫صياُم َثلَثِة أّيام فى ال َ‬
‫‪َ ،‬ف ِ‬
‫شون ‪ :‬عن عبد الرحمن بن القاسم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ :‬خرجنا مَع‬
‫جُ‬
‫وقال عبد العزيز الما ِ‬
‫ج ‪ ...‬فذكر الحديث ‪ .‬وفيه ‪ ،‬قالت ‪ :‬فلما َقدْم ُ‬
‫ت‬ ‫حّ‬‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬ل َنْذُكُر إل ال َ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ِ‬
‫ن َكا َ‬
‫ن‬ ‫ل َم ْ‬
‫سإ ّ‬
‫ل الّنا ُ‬
‫حّ‬‫عْمَرًة ‪ ،‬فأ َ‬
‫جَعُلوها ُ‬
‫ل عليه وآله وسلم لصحابه ‪ )) :‬ا ْ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫َمّكة ‪ ،‬قال رسو ُ‬
‫َمَعُه الَهْدى (( ‪.‬‬
‫ل عليه وآله وسلم ل‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫وقال العمش ‪ :‬عن إبراهيم ‪ ،‬عن عائشة ‪ :‬خرجنا مع َر ُ‬
‫ث‪.‬‬
‫ل ‪ ...‬وذكَر الحدي َ‬
‫حّ‬‫ن َن ِ‬
‫ج ‪ ،‬فلما َقِدْمَنا ‪ُ ،‬أِمْرَنا َأ ْ‬
‫حّ‬‫نْذُكر إل ال َ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪،‬‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫وقال عبد الرحمن بن القاسم ‪ :‬عن أبيه ‪ ،‬عن عائشة ‪ :‬خرجنا مََع رسول ا ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ى رسو ُ‬
‫ل عََل ّ‬
‫ت ‪ .‬قالت ‪ :‬فدخ َ‬
‫طِمْث ُ‬
‫ف‪َ ،‬‬
‫سِر َ‬
‫جْئَنا َ‬
‫ج ‪ ،‬فلما ِ‬
‫حّ‬‫ول نذكر إل ال َ‬
‫ث ‪ .‬وفيه ‪:‬‬
‫ج الَعاَم فذكر الحدي َ‬
‫حّ‬‫ل َأ ُ‬
‫ت أّنى َ‬
‫ل َلِوِدْد ُ‬
‫ت ‪ :‬وا ِّ‬
‫وأنا أبكى ‪ .‬فقال ‪ )) :‬ما ُيْبِكيك (( ؟ قالت ‪َ :‬فُقْل ُ‬
‫سإ ّ‬
‫ل‬ ‫حلّ النا ُ‬
‫عْمرًة (( ‪ ،‬قالت ‪َ :‬ف َ‬
‫جَعُلوَها ُ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ )) :‬ا ْ‬
‫فلما َقِدْمتُ مكة ‪ ،‬قال النبى صلى ا ّ‬
‫ى‪.‬‬
‫ن َمَعُه الَهْد ُ‬
‫ْمن َكا َ‬
‫وكل هذه اللفاظ فى )) الصحيح (( ‪ ،‬وهذا موافق لما رواه جابر ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬وأنس ‪ ،‬وأبو‬
‫ل عليه‬
‫موسى ‪ ،‬وابن عباس ‪ ،‬وأبو سعيد ‪ ،‬وأسماء ‪ ،‬والبراء ‪ ،‬وحفصة ‪ ،‬وغيرهم ‪ ،‬من أمره صلى ا ّ‬
‫عْمَرًة ‪ .‬وفى اتفاق هؤلء‬
‫ن ساق الَهْدى ‪ ،‬وأن يجعلوا حجهم ُ‬
‫وآله وسلم أصحاَبه ُكّلهم بالحلل‪ ،‬إل َم ْ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬أمر أصحابه كّلهم أن يحلوا ‪ ،‬وأن يجعلوا الذى قدموا‬
‫ُكّلهم ‪ ،‬على أن النبى صلى ا ّ‬
‫ل على غلط هذه الرواية ‪ ،‬ووهٍم وقع فيها ‪ُ ،‬يبين ذلك أنها من رواية‬
‫ن ساق الَهْدى ‪ ،‬دلي ٌ‬
‫به ُمتعًة ‪ ،‬إل َم ْ‬
‫الليث ‪ ،‬عن عقيل ‪ ،‬عن الزهرى ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬والليث بعينه ‪ ،‬هو الذى روى عن عقيل ‪ ،‬عن الزهرى‬
‫ل عليه‬
‫ل ما رواه ‪ ،‬عن الزهرى عن سالم ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬فى تمتع النبى صلى ا ّ‬
‫‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عنها مث َ‬
‫ل‪.‬‬
‫حّ‬‫وآله وسلم ‪ ،‬وأمره لمن لم يكن أهدى أن َي ِ‬
‫ض الرواة زاد على بعض ‪ ،‬وبعضهم‬
‫ضها بعضًا ‪ ،‬وإنما بع ُ‬
‫ق بع ُ‬
‫ثم تأملنا ‪ ،‬فإذا أحاديث عائشة ُيصّد ُ‬
‫ضهم اقتصر على بعضه ‪ ،‬وبعضهم رواه بالمعنى ‪ .‬والحديث المذكور ‪ :‬ليس‬
‫اختصر الحديث ‪ ،‬وبع ُ‬
‫ج من الحلل ‪ ،‬وإنما فيه أمره أن ُيِتّم الحج ‪ ،‬فإن كان هذا محفوظًا ‪ ،‬فالمراد به‬
‫ل بالح ّ‬
‫ن أه ّ‬
‫فيه منع َم ْ‬
‫‪119‬‬

‫بقاؤه على إحرامه ‪ ،‬فيتعين أن يكون هذا قبل المر بالحلل ‪ ،‬وجعله عمرة ‪ ،‬ويكون هذا أمرًا زائدًا‬
‫قد طرأ على المر بالتمام ‪ ،‬كما طرأ على التخيير بين الفراد والتمتع والِقران ‪ ،‬ويتعين هذا ول ُبد ‪،‬‬
‫ل قطعًا ‪ ،‬فإنه بعد‬
‫وإل كان هذا ناسخًا للمر بالفسخ ‪ ،‬والمر بالفسخ ناسخًا للذن بالفراد ‪ ،‬وهذا محا ٌ‬
‫ل لم يأمرهم بنقضه ‪ ،‬والبقاِء على الحرام الول ‪ ،‬هذا باطل قطعًا ‪ ،‬فيتعّينُ إن كان‬
‫حّ‬‫أن أمرهم بال ِ‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫محفوظًا أن يكون قبل المر لهم بالفسخ ‪ ،‬ول يجوز غير هذا البتة ‪ ..‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫ج أو جمعَ الح ّ‬
‫ج‬ ‫ل بح ّ‬
‫ن أه ّ‬
‫ث أبى السود ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عنها ‪ .‬وفيه ‪ )) :‬وأما َم ْ‬
‫وأما حدي ُ‬
‫حّلوا حتى كان يوم النحر (( ‪ .‬وحديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها ‪)) :‬فَمن‬
‫والُعمرة ‪ ،‬فلم َي ِ‬
‫حّ‬
‫ج‬ ‫ل ِب َ‬
‫ن أَه ّ‬
‫ج ‪ ،‬ومَ ْ‬
‫حّ‬‫ك ال َ‬
‫سَ‬
‫ى َمنا ِ‬
‫ضَ‬‫حُرَم منه حتى َيْق ِ‬
‫ل من شئ مما َ‬
‫حّ‬‫عمرة معًا ‪ ،‬لم َي ِ‬
‫جوُ‬
‫ل بح ّ‬
‫كان أه ّ‬
‫ل أن ُينَكرا ‪ ،‬قال الثرم ‪ :‬حدثنا أحمد بن حنبل‬
‫ظ ‪ ،‬وهما أه ٌ‬
‫ك (( ‪ .‬فحديثان ‪ ،‬قد أنكرهما الحفا ُ‬
‫ُمْفِرٍد َكَذِل َ‬
‫عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪:‬‬
‫‪ ،‬حدثنا عبد الرحمن بن مهدى ‪ ،‬عن مالك بن أنس ‪ ،‬عن أبى السود ‪ ،‬عن ُ‬
‫ل بالُعْمَرِة ‪َ ،‬وِمّنا‬
‫ن َأَه ّ‬
‫ج ‪َ ،‬وِمّنا َم ْ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ن َأه ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬فمّنا َم ْ‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫))خرجنا مع رسول ا ِّ‬
‫ن َأَهلّ بالُعْمَرِة ‪،‬‬
‫عَلْيِه وآله وسلم ‪ ،‬فأّما َم ْ‬
‫ل َ‬
‫ل صّلى ا ُّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ج َر ُ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ج والُعمَرِة ‪ ،‬وَأه ّ‬
‫حّ‬‫ل ِبال َ‬
‫ن َأَه ّ‬
‫َم ْ‬
‫حّلوا إَلى َيْوِم‬
‫ج والُعْمَرِة ‪َ ،‬فَلْم َي ِ‬
‫حّ‬‫ل بال َ‬
‫ن َأَه ّ‬
‫صَفا والَمْرَوِة ‪َ .‬وَأّما َم ْ‬
‫ت َوبال ّ‬
‫طاُفوا ِبالَبْي ِ‬
‫ن َ‬
‫حي َ‬
‫فأحّلوا ِ‬
‫ت له ‪:‬‬
‫ب ‪ ،‬هذا خطأ ‪ ،‬فقال الثرم ‪ :‬فقل ُ‬
‫ج ِ‬
‫ث ِمن الَع َ‬
‫حِر ((‪ ،‬فقال أحمد بن حنبل ‪َ :‬أْيش فى هذا الحدي ِ‬
‫الّن ْ‬
‫الزهرى ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪ ،‬بخلفه ؟ فقال ‪ :‬نعم ‪ ،‬وهشام بن عروة ‪ .‬وقال الحافظ أبو محمد‬
‫ث ل خفاء ِبُنكَرِته ‪،‬‬
‫بن حزم ‪ :‬هذان حديثان منكران جدًا ‪ ،‬قال ‪ :‬ولبى السود فى هذا النحو حدي ٌ‬
‫َوَوْهِنِه ‪ ،‬وُبطلنه ‪ .‬والعجب كيف جاز على َمن رواه ؟ ثم ساق من طريق البخارى عنه ‪ ،‬أن عبد ا ّ‬
‫ل‬
‫ل عنهما تقول ُكلما َمّر ْ‬
‫ت‬ ‫صّديق رضى ا ّ‬
‫ت أبى بكر ال ّ‬
‫سَمُع أسماء بن َ‬
‫مولى أسماء ‪ ،‬حّدثه أنه كان َي ْ‬
‫ل ظهُرنا ‪ ،‬قليلٌة‬
‫ف ‪ ،‬قلي ٌ‬
‫خفا ٌ‬
‫ل على رسوله ‪ :‬لقد نزلنا معه هاهنا ‪ ،‬ونحنُ يومئذ ِ‬
‫ن ‪ :‬صّلى ا ّ‬
‫جو ِ‬
‫حُ‬
‫بال َ‬
‫حَلْلَنا ‪ُ ،‬ثّم َأْهَلَلْنا‬
‫ت ‪َ ،‬أ ْ‬
‫ت أنا وأختى عائشة ‪ ،‬والزبيُر ‪ ،‬وفلن ‪ ،‬وفلن ‪ .‬فلما مسحنا البي َ‬
‫أزواُدنا ‪ ،‬فاعتمر ُ‬
‫ج‪.‬‬
‫حّ‬‫ى ِبال َ‬
‫شّ‬‫ن الَع ِ‬
‫ِم َ‬
‫ث لوجهين باطلين فيه بل شك ‪:‬‬
‫ل علم بالحدي ِ‬
‫قال ‪ :‬وهذه وهلٌة ل خفاَء بها على أحد ممن له أق ّ‬
‫‪120‬‬

‫ت أنا وُأختى عائشة ‪ ،‬ول خلف بين أحد من أهل النقل ‪ ،‬فى أن عائشة‬
‫أحُدهما ‪ :‬قوله ‪ :‬فاعتمر ُ‬
‫لم تعتمر فى أول دخولها مكة ‪ ،‬ولذلك أعمرها من التنعيم بعد تمام الحج ليلة الحصبة ‪ ،‬هكذا رواه‬
‫ن أبى ُمليكة ‪ ،‬والقاسم بن‬
‫ل ‪ ،‬ورواه عن عائشة الثبات ‪ ،‬كالسود بن يزيد ‪ ،‬واب ِ‬
‫جابر بن عبد ا ّ‬
‫محمد ‪ ،‬وعروة ‪ ،‬وطاووس ‪ ،‬ومجاهد ‪.‬‬
‫ت ‪ ،‬أحللنا ‪ ،‬ثم أهللنا من العشى بالحج ‪ ،‬وهذا باطل‬
‫الموضع الثانى ‪ :‬قوله فيه ‪ :‬فلما مسحنا البي َ‬
‫ن عباس ‪ُ ،‬كّلهم رَوْوا أن الحلل كان يوَم‬
‫س بن مالك ‪ ،‬وعائشة ‪ ،‬واب َ‬
‫ك فيه ‪ ،‬لن جابرًا ‪ ،‬وأن َ‬
‫لش ّ‬
‫ج كان يوم التروية ‪ ،‬وبين اليومين المذكورين ثلثة أيام بل شك ‪.‬‬
‫دخولهم مكة ‪ ،‬وأن إحللهم بالح ّ‬
‫ث ليس بمنكر ول باطل ‪ ،‬وهو صحيح وإنما ُأتى أبو محمد فيه ِمن فهمه ‪ ،‬فإن‬
‫قلت ‪ :‬الحدي ُ‬
‫حَلْلَنا ‪،‬‬
‫أسماء أخبرت أنها اعتمرت هى وعائشة ‪ ،‬وهكذا وقع بل شك ‪ .‬وأما قولها ‪ :‬فلما مسحنا البيت أ ْ‬
‫ح بأن‬
‫ب عائشة ‪ ،‬وهى لم ُتصّر ْ‬
‫فإخبار منها عن نفسها ‪ ،‬وعمن لم ُيصبه عذُر الحيض الذى أصا َ‬
‫ب أن عائشة قدمت بُعمرة ‪ ،‬ولم‬
‫عائشة مسحت البيت يوم دخولهم مكة ‪ ،‬وأنها حّلت ذلك اليوم ‪ ،‬ول ري َ‬
‫ج ‪ ،‬وصارت قاِرنًة ‪ .‬فإذا قيل ‪ :‬اعتمرت عائشة‬
‫ف ‪ ،‬فأدخلت عليها الح ّ‬
‫سِر َ‬
‫ت ِب َ‬
‫تزل عليها حتى حاض ْ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬أو قدمت بعمرة ‪ ،‬لم يكن هذا كذبًا ‪.‬‬
‫مع النبى صلى ا ّ‬
‫ل ‪ :‬إنهم َأهّلوا من عشى يوم القدوم ‪ ،‬ليلزم‬
‫ى بالحج ‪ ،‬فهى لم َتُق ْ‬
‫شّ‬
‫وأما قولها ‪ :‬ثم أهللنا ِمن الَع ِ‬
‫ى يوم التروية ‪ .‬ومثل هذا ل يحتاج فى ظهوره وبيانه إلى أن‬
‫ما قال أبو محمد ‪ ،‬وإنما أرادت عش ّ‬
‫ب الوهام إلى غيره ‪ ،‬فرّد‬
‫ُيصّرح فيه بعشى ذلك اليوم بعينه ‪ ،‬لعلم الخاص والعام به ‪ ،‬وأنه مما ل تذه ُ‬
‫أحاديث الثقات بمثل هذا الوهم مما ل سبيل إليه ‪.‬‬
‫قال أبو محمد ‪ :‬وأسلُم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة ‪ ،‬يعنى اللذين أنكَرُهما ‪ ،‬أن‬
‫حّلوا حتى كان يومُ‬
‫عمرة ‪ ،‬لم َي ِ‬
‫جوُ‬
‫ج ‪ ،‬أو بح ّ‬
‫ن أهّلوا بح ّ‬
‫ج روايتهما على أن المراد بقولها ‪ :‬إن اّلذي َ‬
‫ُتخّر َ‬
‫ن كان معه الَهْدى ‪ ،‬وبهذا تنتفى الّنكرُة عن هذين‬
‫سك الحج ‪ ،‬إنما عنت بذلك َم ْ‬
‫ضْوا منا ِ‬
‫النحر حين َق َ‬
‫عروة يذكر خلف ما ذكره أبو السود عن‬
‫ث كلها ‪ ،‬لن الزهرى عن ُ‬
‫الحديثين ‪ ،‬وبهذا تأتِلف الحادي ُ‬
‫ظ من أبى السود ‪ ،‬وقد خالف يحيى بن عبد الرحمن عن عائشة فى هذا‬
‫عروة ‪ ،‬والزهرى بل شك أحف ُ‬
‫جللة ‪ ،‬ول فى‬
‫ن ل ُيقَرن يحيى بن عبد الرحمن إليه ‪ ،‬ل فى حفظ ‪ ،‬ول فى ثقة ‪ ،‬ول فى َ‬
‫الباب َم ْ‬
‫بطانة لعائشة ‪ ،‬كالسود ابن يزيد ‪ ،‬والقاسم بن محمد بن أبى بكر ‪ ،‬وَأبى عمرو ذكوان مولى عائشة ‪،‬‬
‫‪121‬‬

‫ل الخصوصية والبطانة بها ‪،‬‬


‫عْمَرَة بنت عبد الرحمن ‪ ،‬وكانت فى حجر عائشة ‪ ،‬وهؤلء هم أه ُ‬
‫وَ‬
‫ب أن يؤخذ‬
‫فكيف ؟ ولو لم يكونوا كذلك ‪ ،‬لكانت روايُتهم أو روايُة واحد منهم ‪ ،‬لو انفرد هى الواج ُ‬
‫جَة على َمن علم ‪،‬‬
‫حّ‬‫ل ُ‬
‫غَف َ‬
‫ل ‪ ،‬أو َ‬
‫جَه َ‬
‫بها ‪ ،‬لن فيها زيادة على رواية أبى السود ويحيى ‪ ،‬وليس َمن َ‬
‫جّلُة عن عائشة فسقط التعّلق بحديث أبى السود ويحِيى اللذين‬
‫وذكر وأخبر ‪ ،‬فكيف وقد وافق هؤلء ال ِ‬
‫ذكرنا ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وأيضًا ‪ ،‬فإن حديثى أبى السود ويحيى ‪ ،‬موقوفان غير مسندين ‪ ،‬لنهما إنما ذكرا عنها‬
‫حّلوا ‪ ،‬ول‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬أمرهم أن ل َي ِ‬
‫ى صلى ا ّ‬
‫فعل َمن فعل ما ذكرت ‪ ،‬دون أن يذُكرا أن النب ّ‬
‫ح ما ذكراه ‪ ،‬وقد صح أمُر النبى صلى ا ّ‬
‫ل‬ ‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬فلو ص ّ‬
‫جة فى أحد دون النبى صلى ا ّ‬
‫حّ‬
‫ُ‬
‫ل تعالى ‪،‬‬
‫حّلوا لكانوا عصاة ّ‬
‫ن ل َهْدى معه بالفسخ ‪ ،‬فتمادى المأمورون بذلك ‪ ،‬ولم َي ِ‬
‫عليه وآله وسلم َم ْ‬
‫ل من ذلك ‪ ،‬وبّرأهم منه ‪ ،‬فثبت يقينًا أن حديث أبى السود ويحيى ‪ ،‬إنما عنى فيهما ‪َ :‬من‬
‫وقد أعاذهم ا ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم أمر‬
‫ث الصحاح التى أوردناها ‪ ،‬بأنه صلى ا ّ‬
‫كان معه َهْدى ‪ ،‬وهكذا جاءت الحادي ُ‬
‫ل منهما جميعًا ‪ .‬ثم ساق من طريق‬
‫ل حتى يح ّ‬
‫حّ‬‫َمن معه الَهْدى ‪ ،‬بأن يجمع حجًا مع الُعمرة ‪ ،‬ثم ل َي ِ‬
‫ج والُعْمَرِة ‪ُ ،‬ثّم‬
‫حّ‬‫ل ِبال َ‬
‫ى ‪َ ،‬فْلُيْهِل ْ‬
‫ن كانَ َمَعُه َهْد ٌ‬
‫مالك ‪ ،‬عن ابن شهاب ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬عنها ترفعه ‪َ )) :‬م ْ‬
‫جِميَعا (( ‪ ،‬قال ‪ :‬فهذا الحديث كما ترى ‪ ،‬من طريق عروة ‪ ،‬عن عائشة ‪،‬‬
‫ل ِمْنُهَما َ‬
‫حّ‬‫حّتى َي ِ‬
‫ل َ‬
‫حّ‬‫ل َي ِ‬
‫ُيبين ما ذكرنا أنه المراد بل شك ‪ ،‬فى حديث أبى السود ‪ ،‬عن عروة وحديث يحيى عن عائشة ‪،‬‬
‫ل رب العالمين ‪.‬‬
‫وارتفع الن الشكال جملة ‪ ،‬والحمد ّ‬
‫عروة ‪ )) :‬أن ُأّمه وخاَلته‬
‫ث أبى السود حذفًا قوله فيه ‪ :‬عن ُ‬
‫ن أن فى حدي ِ‬
‫قال ‪ :‬ومما ُيبّي ُ‬
‫حوا الركن ‪ ،‬حّلوا (( ‪ .‬ول خلف بين أحد ‪ ،‬أن َمن أقبل بُعمرة ل‬
‫والّزبير ‪ ،‬أقبلوا بُعمرة فقط ‪ ،‬فلما مس ُ‬
‫ح أن فى الحديث حذفًا بّينه‬
‫صفا والَمْرَوِة بعد مسح الركن ‪ ،‬فص ّ‬
‫ح الّركن ‪ ،‬حتى يسعى بين ال ّ‬
‫ل بمس ِ‬
‫حّ‬‫َي ِ‬
‫ل التوفيق ‪.‬‬
‫ب به جملة ‪ ..‬وبا ّ‬
‫سائُر الحاديث الصحاح التى ذكرنا ‪ ،‬وبطل التشغي ُ‬
‫فصل‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫وأما ما فى حديث أبى السود ‪ ،‬عن عروة ‪ ،‬من فعل أبى بكر ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬والمهاجرين ‪،‬‬ ‫@‬
‫والنصار ‪ ،‬وابن عمر ‪ ،‬فقد أجابه ابن عباس ‪ ،‬فأحسن جوابه ‪ ،‬فُيكتفى بجوابه ‪ .‬فروى العمش ‪ ،‬عن‬
‫‪122‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬فقال‬


‫لا ّ‬
‫جبير ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬تمتَع رسو ُ‬
‫فضيل بن عمرو ‪ ،‬عن سعيد بن ُ‬
‫عَمُر عن الُمتعة ‪ .‬فقال ابن عباس ‪ :‬أراكم ستهلكون ‪ ،‬أقول ‪ :‬قال رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫عروة ‪ :‬نهى أبو بكر و ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وتقول ‪ :‬قال أبو بكر وعمر ‪.‬‬
‫عروة لبن عباس ‪ :‬أل تّتقى ا ّ‬
‫ل‬ ‫وقال عبد الرزاق ‪ :‬حدثنا َمعمر ‪ ،‬عن أيوب ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ُ‬
‫عروة ‪ :‬أّما أبو بكر وعمر ‪ ،‬فلم‬
‫عَرّيُة ‪ .‬فقال ُ‬
‫ن عباس ‪ :‬سل ُأّمك يا ُ‬
‫ص فى الُمتعة ؟‪ ،‬فقال اب ُ‬
‫خ ُ‬
‫ُتَر ّ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ل ‪ُ ،‬أحّدُثكم عن رسول ا ّ‬
‫ل ما أراكم ُمنتهين حتى ُيَعّذَبُكُم ا ّ‬
‫ن عباس ‪ :‬وا ِّ‬
‫يفعل ‪ ،‬فقال اب ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫سـّنِة رسول ا ّ‬
‫عروة ‪َ :‬لُهما أعلُم ِب ّ‬
‫وسلم ‪ ،‬وُتحّدُثونا عن أبى بكر وعمر ؟ فقال ُ‬
‫وأتبُع لها منك ‪.‬‬
‫وأخرج أبو مسلم الكجى ‪ ،‬عن سليمان بن حرب ‪ ،‬عن حماد بن زيد ‪ ،‬عن أيوب السختيانى ‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪:‬‬
‫ب رسول ا ّ‬
‫عروة بن الزبير ‪ ،‬قال لرجل ِمن أصحا ِ‬
‫عن ابن أبى ُمَليكة ‪ ،‬عن ُ‬
‫عروة‬
‫ل ُأّمك عن ذلك ؟ قال ُ‬
‫ل َتسأ ُ‬
‫عمرة ؟‪ ،‬قال ‪ :‬أَو َ‬
‫شِر ‪ ،‬وليس فيها ُ‬
‫تأُمُر الّناس بالُعمَرِة فى هؤلء الَع ْ‬
‫سُيَعّذُبُكم ‪،‬‬
‫ل إل َ‬
‫ل عّز وج ّ‬
‫عَمَر لم يفعل ذلك ‪ ،‬قال الرجل ‪ِ :‬من هاهنا هلكُتم ‪ ،‬ما أرى ا ّ‬
‫‪ :‬فإن أبا بكر و ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وُتخبرونى بأبى بكر وعمر ‪ .‬قال عروُة ‪ :‬إنهما وا ِّ‬
‫ل‬ ‫لا ّ‬
‫إّنى أحّدثكم عن رسو ِ‬
‫ل‪.‬‬
‫ك ‪ ،‬فسكت الرج ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِمْن َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سـّنِة رسو ِ‬
‫كانا أعَلم ِب ّ‬
‫سن منه‬
‫عروة عن قوله هذا ‪ ،‬بجواب نذكره ‪ ،‬ونذكر جوابًا أح َ‬
‫ثم أجاب أبو محمد بن حزم ُ‬
‫لشيخنا ‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫سـّنِة رسول ا ّ‬
‫ن عباس أعلُم ِب ُ‬
‫قال أبو محمد ‪ :‬ونحن نقول لعروة ‪ :‬اب ُ‬
‫ك فى ذلك مسلم ‪ .‬وعائشُة أم‬
‫وبأبى بكر وعَمر منك ‪ ،‬وخيٌر منك ‪ ،‬وأولى بهم ثلثتهم منك ‪ ،‬ل يش ّ‬
‫سِبيعى ‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ل‬ ‫المؤمنين ‪ ،‬أعلم وأصدق منك ‪ .‬ثم ساق من طريق الثورى ‪ ،‬عن أبى إسحاق ال ّ‬
‫سِم ؟ قالوا ‪ :‬ابن عباس ‪ .‬قالت ‪ :‬هو أعلم الناس بالحج ‪ .‬قال‬
‫ل على الَمْو ِ‬
‫قال ‪ :‬قالت عائشة ‪ :‬من اسُتْعِم َ‬
‫أبو محمد ‪ :‬مع أنه قد روى عنها خلف ما قاله عروة ‪ ،‬وَمن هو خير من عروة ‪ ،‬وأفضل ‪ ،‬وأعلم ‪،‬‬
‫ل بن إدريس الودى ‪ ،‬عن‬
‫وأصدق ‪ ،‬وأوثق ‪ .‬ثم ساق من طريق البزار ‪ ،‬عن الشج ‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ل عليه وآله وسلم ‪ ،‬وأبو‬
‫ل صلى ا ّ‬
‫ليث ‪ ،‬عن عطاء ‪ ،‬وطاووس ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬تمتع رسول ا ّ‬
‫بكر ‪ ،‬وعمر ‪ .‬وأول َمن نهى عنها معاوية ‪.‬‬
‫‪123‬‬

‫ومن طريق عبد الرزاق ‪ ،‬عن الثورى ‪ ،‬عن ليث ‪ ،‬عن طاووس ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ :‬تمتع‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأبو بكر ‪ .‬حتى مات ‪ ،‬وعمر ‪ ،‬وعثمان كذلك ‪ .‬وأول َمن نهى عنها ‪:‬‬
‫رسول ا ّ‬
‫معاوية ‪.‬‬
‫قلت ‪ :‬حديث ابن عباس هذا ‪ ،‬رواه المام أحمد فى )) المسند (( والترمذى ‪ .‬وقال ‪ :‬حديث‬
‫حسن ‪.‬‬
‫وذكر عبد الرزاق ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا معمر عن ابن طاووس ‪ ،‬عن أبيه ‪ ،‬قال ‪ :‬قال ُأبىّ بن كعب ‪،‬‬
‫س أمَر هذه المتعة ؟ فقال عمر ‪ :‬وهل َبقى أحد إل‬
‫ن للّنا ِ‬
‫وأبو موسى لعمر بن الخطاب ‪ :‬أل تقوُم فتبّي َ‬
‫عِلَمَها ‪ ،‬أما أنا فأفعُلها ‪.‬‬
‫وقد َ‬
‫ن سلمة ‪،‬‬
‫ج بن المنهال ‪ ،‬قال ‪ :‬حدثنا حماُد ب ُ‬
‫ن عبِد العزيز البغوى ‪ ،‬حدثنا حجا ُ‬
‫وذكر على ب ُ‬
‫عن حماد بن أبى سليمان أو حميد عن الحسن ‪ ،‬أن عمر أراد أن يأخذ مال الكعبة ‪ ،‬وقال ‪ :‬الكعبة‬
‫ل ‪ ،‬وأراد أن ينهى عن ُمتعة الحج ‪،‬‬
‫صِبُغوا بالَبو ِ‬
‫ل ‪ ،‬وأراد أن َيْنهى أهل اليمن أن َي ْ‬
‫ك الما ِ‬
‫غِنّيٌة عن ذِل َ‬
‫َ‬
‫ل ‪ ،‬وبه وبأصحابه‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه هذا الما ُ‬
‫لا ّ‬
‫ن كعب ‪ :‬قد رأى رسو ُ‬
‫ىبُ‬
‫فقال ُأب ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه يلَبسون‬
‫لا ّ‬
‫الحاجُة إليه‪ ،‬فلم يأخذه ‪ ،‬وأنت فل تأخْذه ‪ ،‬وقد كان رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫صَبُغ بالبول‪ ،‬وقد تمّتعنا مع رسول ا ّ‬
‫ب اليمانية ‪ ،‬فلم ينَه عنها ‪ ،‬وقد علم أنها ُت ْ‬
‫الثيا َ‬
‫ل تعالى فيها نهيًا ‪.‬‬
‫ل ا ُّ‬
‫وسلم فلم ينه عنها ‪ ،‬ولم ُيْنِز ِ‬
‫ت خمسين‬
‫ت ‪ ،‬ولو حجج ُ‬
‫ت لتمتع ُ‬
‫ت فى وسط السنة ‪ ،‬ثم حجج ُ‬
‫ل عمر ‪ :‬لو اعتمر ُ‬
‫وقد تقّدم قو ُ‬
‫ت ‪ .‬ورواه حماد بن سلمة ‪ .‬عن قيس ‪ ،‬عن طاووس ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عنه ‪ :‬لو اعتمرتُ‬
‫حجة ‪ ،‬لتمتع ُ‬
‫َ‬
‫عمرة ‪ .‬والثورى ‪ ،‬عن سلمة بن كهيل ‪ ،‬عن‬
‫حجتى ُ‬
‫فى سنة مرتين ‪ ،‬ثم حججت ‪ ،‬لجعلت مع َ‬
‫ت ‪ ،‬ثم حججت ‪ ،‬لتمتعت ‪ .‬وابن عيينة ‪ :‬عن‬
‫ت ‪ ،‬ثم اعتمر ُ‬
‫طاووس ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬عنه ‪ :‬لو اعتمر ُ‬
‫حجير ‪ ،‬وليث ‪ ،‬عن طاووس ‪ ،‬عن ابن عباس ‪ ،‬قال‪ :‬هذا الذى يزعُمون أنه نهى عن المتعة‬
‫هشام بن ُ‬
‫ت ‪ ،‬ثم حججت ‪ ،‬لتمتعت ‪ .‬قال ابن عباس ‪ :‬كذا وكذا مرة ‪ ،‬ما‬
‫يعنى عمر سمعُته يقول ‪ :‬لو اعتمر ُ‬
‫تمت حجة رجل قط إل بمتعة ‪.‬‬
‫ل عنه ‪ ،‬لم ينه عن المتعة البتة ‪،‬‬
‫عَمَر رضى ا ّ‬
‫وأما الجواب الذى ذكره شيخنا ‪ ،‬فهو أن ُ‬
‫لمور ‪ ،‬وهو إفراُد كل‬
‫لا ُ‬
‫عَمُر لهم أفض َ‬
‫صُلوا بينهما ‪ ،‬فاختار ُ‬
‫عمرِتكم أن َتْف ِ‬
‫جكم و ُ‬
‫حّ‬
‫ن َأَتّم ِل َ‬
‫وإنما قال ‪ :‬إ ّ‬
‫‪124‬‬

‫سفرة ُأخرى ‪ ،‬وقد‬


‫واحد منهما بسفر ُينشئه له من بلده ‪ ،‬وهذا أفضل من الِقران والتمتع الخاص بدون َ‬
‫ل تعالى وغيرهم ‪ .‬وهذا هو الفراد‬
‫ص على ذلك ‪ :‬أحمد ‪ ،‬وأبو حنيفة ‪ ،‬ومالك ‪ ،‬والشافعى رحمهم ا ّ‬
‫ن ّ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫ل‬ ‫عمر يختاره للناس ‪ ،‬وكذلك عل ٌ‬
‫ل عنهما ‪ ،‬وكان ُ‬
‫الذى فعله أبو بكر وعمر رضى ا ّ‬
‫عنهما ‪.‬‬
‫ل{ ]البقرة‪ [196 :‬قال ‪:‬‬
‫ج والُعْمَرَة ِّ‬
‫حّ‬‫ل عنهما فى قوله تعالى ‪} :‬وَأِتّموا ال َ‬
‫وقال عمر وعلى رضى ا ّ‬
‫جُر ِ‬
‫ك‬ ‫عمرتها ‪ )) :‬أ ْ‬
‫ل عليه وسلم لعائشة فى ُ‬
‫ك وقد قال صلى ا ّ‬
‫إتمامُهما أن ُتحِرَم بهما ِمن ُدَوْيَرِة أهِل ِ‬
‫ج‪،‬‬
‫ج إلى ُدَوْيَرِة أهِله ‪ ،‬فأنشأ الُعمرة منها ‪ ،‬واعتمر قبل أشهِر الح ّ‬
‫ك (( فإذا رجع الحا ّ‬
‫صِب ِ‬
‫على َقْدِر َن َ‬
‫َ‬
‫ج ‪ ،‬فهاهنا قد أتى بكل واحٍد من‬
‫ج ‪ ،‬أو اعتمر فى أشهره ‪ ،‬ورجع إلى أهله ‪ ،‬ثم ح ّ‬
‫وأقام حتى يح ّ‬
‫ل من غيره ‪.‬‬
‫ن بهما على الكمال ‪ ،‬فهو أفض ُ‬
‫النسكين من ُدويرِة أهله ‪ ،‬وهذا إتيا ٌ‬
‫ط منهم أنه نهى عن المتعة ‪ ،‬ثم ِمنهم َمن‬
‫غِل َ‬
‫ن َمن َ‬
‫قلت ‪ :‬فهذا الذى اختاره عمر للناس ‪ ،‬فظ ّ‬
‫ك الولى ترجيحًا للفراد عليه ‪ ،‬ومنهم َمن‬
‫حمل َنهيه على متعة الفسخ ‪ ،‬ومنهم َمن حمله على تر ِ‬
‫ت النهى عنه بروايات الستحباب ‪ ،‬وقد ذكرناها ‪ ،‬ومنهم َمن جعل فى ذلك روايتين عن‬
‫عارض روايا ِ‬
‫ل قديمًا ‪ ،‬ورجع عنه‬
‫عمر ‪ ،‬كما عنه روايتان فى غيرهما من المسائل ‪ ،‬ومنهم َمن جعل النهى قو ً‬
‫ل الحا ّ‬
‫ج‬ ‫ظّ‬‫أخيرًا ‪ ،‬كما سلك أبو محمد بن حزم ‪ ،‬ومنهم َمن َيُعّد النهى رأيًا رآه من عنده لكراهته أن َي َ‬
‫ك‪.‬‬
‫ل الَرا ِ‬
‫ظّ‬‫ن ِبنسائهم فى ِ‬
‫سي َ‬
‫ُمعِر ِ‬
‫قال أبو حنيفة ‪ :‬عن حماد ‪ ،‬عن إبراهيم النخعى ‪ ،‬عن السود بن يزيد ‪ ،‬قال ‪ :‬بينما أنا واقف‬
‫طيب ‪ ،‬فقال‬
‫ح ال ّ‬
‫ح منه ري ُ‬
‫ل شعَره ‪ ،‬يفو ُ‬
‫جٍ‬‫عَمَر بن الخطاب بعرفة عشيَة عرفة ‪ ،‬فإذا هو برجل ُمَر ّ‬
‫مع ُ‬
‫غَبُر‬
‫لْ‬
‫ثا َ‬
‫شَع ُ‬
‫له عمر ‪ :‬أمحِرٌم أنت ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬فقال عمر ‪ :‬ما هيئتك بهيئة محرم ‪ ،‬إنما المحِرُم ال ْ‬
‫ت اليوَم ‪ ،‬فقال عمر عند ذلك ‪ :‬ل‬
‫ت متمّتعًا ‪ ،‬وكان معى أهلى ‪ ،‬وإنما أحرم ُ‬
‫الْدَفُر ‪ .‬قال ‪ :‬إنى َقِدم ُ‬
‫ن فى الراك ‪ ،‬ثم راحوا ِبِه ّ‬
‫ن‬ ‫سوا ِبِه ّ‬
‫ت فى الُمتعة لهم ‪ ،‬لعّر ُ‬
‫ص ُ‬
‫خ ْ‬
‫تتمّتُعوا فى هذه اليام ‪ ،‬فإنى لو َر ّ‬
‫جاجًا ‪ .‬وهذا يبين ‪ ،‬أن هذا من عمر رأى رآه‪.‬‬
‫حّ‬
‫ُ‬
‫قال ابن حزم ‪ :‬فكان ماذا ؟ وحبذا ذلك ؟ وقد طاف النبى صلى ال عليه وسلم على نسائه‪ ،‬ثم‬
‫ل أعلم ‪.‬‬
‫أصبح محِرمًا ‪ ،‬ول خلف أن الوطء مباح قبل الحرام بطرفة عين وا ّ‬
‫فصل‬
‫‪125‬‬

‫ن فسادهما ‪..‬‬
‫وقد سلك المانعون من الفسخ طريقتين أخريين ‪ ،‬نذكرُهما ونبّي ُ‬
‫ط يقتضى‬
‫ن بعدهم فى جواز الفسخ ‪ ،‬فالحتيا ُ‬
‫الطريقة الولى ‪ :‬قالوا ‪ :‬إذا اختلف الصحاَبُة وَم ْ‬
‫صيانًة للعبادة عما ل يجوُز فيها عند كثير من أهل العلم ‪ ،‬بل أكثرهم ‪.‬‬
‫المنَع منه ِ‬
‫والطريقة الثانية ‪ :‬أن النبى صلى ال عليه وسلم أمرهم بالفسخ ِليبّين لهم جواَز الُعمرة فى أشهر‬
‫عَفا‬
‫ل الجاهلية كانوا يكرهون الُعمرة فى أشهر الحج ‪ ،‬وكانوا يُقولون ‪ :‬إذا َبَرَأ الّدَبُر ‪ ،‬و َ‬
‫الحج ‪ ،‬لن أْه َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم بالفسخ ‪ ،‬ليبين‬
‫عَتَمَر ‪ ،‬فأمرهم النب ّ‬
‫نا ْ‬
‫ت الُعْمَرُة ِلَم ِ‬
‫صَفُر ‪ ،‬فقد حّل ِ‬
‫خ َ‬
‫سَل َ‬
‫لَثُر ‪ ،‬واْن َ‬
‫اَ‬
‫لهم جواَز الُعمرة فى أشهر الحج ‪ ،‬وهاتان الطريقتان باطلتان ‪.‬‬
‫ط هو‬
‫سـّنُة ‪ ،‬فإذا تبّينت فالحتيا ُ‬
‫ط إنما يشرع ‪ ،‬إذا لم تتبين ال ّ‬
‫أما الولى ‪ :‬فلن الحتيا َ‬
‫ط‬
‫عها ‪ ،‬أحو ُ‬
‫ك ما خالفها واَتبا ُ‬
‫ك ما خالفها ‪ ،‬فإن كان ترُكها لجل الختلف احتياطًا ‪ ،‬فتر ُ‬
‫عها وتر ُ‬
‫اّتبا ُ‬
‫ط نوعان ‪:‬‬
‫ط ‪ ،‬فالحتيا ُ‬
‫وأحو ُ‬
‫سـّنة ‪ ،‬ول يخفى ُرجحا ُ‬
‫ن‬ ‫خلف ال ّ‬
‫ط للخروج من ِ‬
‫ط للخروج ِمن خلف العلماء ‪ ،‬واحتيا ٌ‬
‫احتيا ٌ‬
‫أحدهما على الخر ‪.‬‬
‫ن للناس فى الفسخ ثلثَة أقوال ‪:‬‬
‫وأيضًا ‪ ..‬فإن الحتياط ممتنٌع هنا ‪ ،‬فإ ّ‬
‫أحدها ‪ :‬أنه محّرم ‪.‬‬
‫خَلف ‪.‬‬
‫سَلف وال َ‬
‫ل جماعة من ال َ‬
‫الثانى ‪ :‬أنه واجب ‪ ،‬وهو قو ُ‬
‫ب ‪ ،‬فليس الحتياط بالخروج من خلف َمن حّرمه أولى بالحتياط بالخروج‬
‫ح ٌ‬
‫الثالث ‪ :‬أنه مست َ‬
‫ط بالخروج من خلف‬
‫ط بالخروج من الخلف ‪ ،‬تعّين الحتيا ُ‬
‫من خلف َمن أوجبه ‪ ،‬وإذا تعّذر الحتيا ُ‬
‫سـّنة ‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫فصل‬
‫وأما الطريقة الثانية ‪ :‬فأظهُر ُبطلنًا من وجوه عديدة ‪.‬‬
‫ى صلى ال عليه وسلم اعتمر قبل ذلك عَُمَرُه الثلث فى أشهر الحج فى ذى‬
‫أحُدها ‪ :‬أن النب ّ‬
‫ط أشهِر الحج ‪ ،‬فكيف ُيظن أن الصحابة لم يعلموا جواَز العتمار فى‬
‫الِقْعَدة ‪ ،‬كما تقّدم ذلك ‪ ،‬وهو أوس ُ‬
‫ث مرات ؟‬
‫أشهر الحج إل بعد أمرهم بفسخ الحج إلى الُعمرة ‪ ،‬وقد تقّدم فعله لذلك ثل َ‬
‫‪126‬‬

‫ل ِبُعْمَرٍة‬
‫ن ُيِه ّ‬
‫شاَء أ ْ‬
‫ن َ‬
‫الثانى ‪ :‬أنه قد ثبت فى )) الصحيحين (( ‪ ،‬أنه قال لهم عند الميقات ‪َ )) :‬م ْ‬
‫ل (( فبّين لهم جواَز‬
‫عْمَرٍة َفْلَيْفَع ْ‬
‫جوُ‬
‫حّ‬‫لب َ‬
‫ن ُيِه ّ‬
‫شاَء َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫ل ‪ ،‬وَم ْ‬
‫جٍة َفْلَيْفَع ْ‬
‫حّ‬‫ل ِب َ‬
‫ن ُيِه ّ‬
‫شاَء َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫ل ‪ ،‬وَم ْ‬
‫َفْلَيْفَع ُ‬
‫العتمار فى أشهر الحج عند الميقات ‪ ،‬وعامُة المسلمين معه ‪ ،‬فكيف لم يعلموا جوازها إل بالفسخ ؟‬
‫ل إن لم يكونوا يعلمون جواَزها بذلك ‪ ،‬فهم أجدُر أن ل يعلموا جواَزها بالفسخ ‪.‬‬
‫ولعمُر ا ّ‬
‫ى أن يبقى على إحرامه حتى‬
‫ى أن يتحّلل ‪ ،‬وأمَر َمن ساق الَهْد َ‬
‫ق الَهْد َ‬
‫سِ‬‫الثالث ‪ :‬أنه أَمَر َمن لم َي ُ‬
‫ق الَهْدى هو المانُع من التحلل ‪ ،‬ل‬
‫حّله ‪ ،‬ففرق بين محِرم ومحِرم ‪ ،‬وهذا يدل على أن سو َ‬
‫ى َم ِ‬
‫يبلغ الهد ُ‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‬
‫مجرُد الحرام الول ‪ ،‬والِعّلة التى ذكروها ل تختص بمحِرم دوم محرم ‪ ،‬فالنب ّ‬
‫حل وعدمه للَهْدى وجودًا وعدمًا ل لغيره ‪.‬‬
‫جعل التأثير فى ال ِ‬
‫صد مخالَفة المشركين ‪ ،‬كان هذا دلي ً‬
‫ل‬ ‫ى صلى ال عليه وسلم ق َ‬
‫الرابع ‪ :‬أن يقال ‪ :‬إذا كان النب ّ‬
‫ن دلي ً‬
‫ل‬ ‫ل لهذه الِعّلة ‪ ،‬لنه إذا كان إنما أمرهم بذلك لمخالفة المشركين ‪ ،‬كان يكو ُ‬
‫خ أفض ُ‬
‫على أن الفس َ‬
‫على أن الفسخ يبقى مشروعًا إلى يوم القيامة ‪ ،‬إما وجوبًا وإما استحبابًا ‪ ،‬فإن ما فعله النبى صلى ال‬
‫لمته فى المناسك مخالفًة لَهْدى المشركين ‪ ،‬هو مشروع إلى يوم القيامة ‪ ،‬إما‬
‫عليه وسلم وشرعه ُ‬
‫ضون من عرفَة قبل غروب الشمس ‪ ،‬وكانوا ل ُيفيضون‬
‫وجوبًا أو استحبابًا ‪ ،‬فإن المشركين كانوا ُيِفي ُ‬
‫ى صلى ال عليه‬
‫ق َثِبيُر كَْيَما ُنِغيَر ‪ ،‬فخالفهم النب ّ‬
‫شِر ْ‬
‫س ‪ ،‬وكانوا يقولون ‪ :‬أ ْ‬
‫طُلع الشم ُ‬
‫من مزدلفة حتى َت ْ‬
‫س (( ‪.‬‬
‫شْم ُ‬
‫ت ال ّ‬
‫غَرَب ِ‬
‫حّتى َ‬
‫عَرَفَة َ‬
‫ن َ‬
‫ض ِم ْ‬
‫شِرِكين ‪َ ،‬فَلْم ُنِف ْ‬
‫ى الُم ْ‬
‫ف َهْدُينا هْد َ‬
‫خاَل َ‬
‫وسلم ‪ ،‬وقال ‪َ )) :‬‬
‫ب َيجبُره دم ‪ ،‬كقول أحمد ‪ ،‬وأبى حنيفة ‪،‬‬
‫وهذه المخالفة ‪ ،‬إما ركن ‪ ،‬كقول مالك ‪ ،‬وإما واج ٌ‬
‫سـّنة ‪ ،‬كالقول الخر له ‪.‬‬
‫والشافعى فى أحد القولين ‪ ،‬وإما ّ‬
‫سـّنة باتفاق المسلمين ‪ ،‬وكذلك قري ٌ‬
‫ش‬ ‫والفاضة من مزدلفة قبل طلوع الشمس ّ‬
‫ت‪،‬‬
‫جْمع ‪ ،‬فخالفهم النبى صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬ووقف بعرفا ٍ‬
‫ف بعرفة ‪ ،‬بل تفيض من َ‬
‫كانت ل َتق ُ‬
‫س{ ]البقرة‪ ،[199 :‬وهذه‬
‫ض الّنا ُ‬
‫ث َأَفا َ‬
‫حْي ُ‬
‫ن َ‬
‫ضوا ِم ْ‬
‫ض منها ‪ ،‬وفى ذلك نزل قوله تعالى ‪ُ} :‬ثّم َأِفي ُ‬
‫وأفا َ‬
‫ب أو‬
‫خاِلفُ فيها المشركين هى الواج ُ‬
‫ج باتفاق المسلمين ‪ ،‬فالُمور التى ُن َ‬
‫ن الح ّ‬
‫المخالفة من أركا ِ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‬
‫المستحبّ ‪ ،‬ليس فيها مكروه ‪ ،‬فكيف يكون فيها ُمحّرم ؟ وكيف ُيقال ‪ :‬إن النب ّ‬
‫ل ِمن الذى أمرهم به ؟‬
‫سكَ المشركين ‪ ،‬مع كون الذى نهاهم عنه ‪ ،‬أفض َ‬
‫ف ُن ُ‬
‫ك ُيخاِل ُ‬
‫سٍ‬
‫أمر أصحابه ِبُن ُ‬
‫‪127‬‬

‫ج السابقين الّولين من المهاجرين‬


‫ل ِمن ح ّ‬
‫جه أفض ُ‬
‫ج كما حج المشركون فلم يتمتع ‪ ،‬فح ّ‬
‫نحّ‬
‫أو يقال ‪َ :‬م ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪.‬‬
‫والنصار ‪ ،‬بأمِر رسول ا ّ‬
‫ج إلى َيْوم‬
‫حّ‬‫ت الُعْمَرُة فى ال َ‬
‫خَل ِ‬
‫الخامس ‪ :‬أنه قد ثبت فى )) الصحيحين (( عنه ‪ ،‬أنه قال ‪َ )) :‬د َ‬
‫خَلت الُعْمَرُة فى‬
‫لَبِد ‪َ ،‬د َ‬
‫لبِد ا َ‬
‫ل َ‬
‫ل ‪ )) :‬ل ‪َ ،‬ب ْ‬
‫عْمَرُتَنا َهِذِه ِلَعاِمَنا َهَذا ‪ ،‬أم ِللَبِد ؟ َفَقا َ‬
‫الِقياَمة (( ‪ .‬وقيل له ‪ُ :‬‬
‫ج إلى َيْوم الِقياَمة (( ‪.‬‬
‫حّ‬‫ال َ‬
‫عْمرة الفسخ ‪ ،‬كما جاء صريحًا فى حديث جابر الطويل ‪ .‬قال ‪ :‬حتى إذا كان‬
‫وكان سؤالهم عن ُ‬
‫جَعْلُتها‬
‫ى ‪ ،‬وَل َ‬
‫سق الَهْد َ‬
‫ت ‪َ ،‬لْم َأ ُ‬
‫سَتْدَبْر ُ‬
‫ن أمِرى َما ا ْ‬
‫ت ِم ْ‬
‫سَتْقَبْل ُ‬
‫عَلى المرَوِة ‪ ،‬قال ‪ )) :‬لو ا ْ‬
‫آخُر طوافه َ‬
‫ن مالك فقال ‪ :‬يا‬
‫سراقة ب ُ‬
‫عْمَرًة (( ‪ ،‬فقاَم ُ‬
‫جَعْلها ُ‬
‫ل ‪َ ،‬وْلَي ْ‬
‫حّ‬‫س َمَعُه َهْدى‪َ ،‬فْلُي ِ‬
‫ن ِمْنُكم َلْي َ‬
‫ن َكا َ‬
‫عْمَرًة ‪ ،‬فَم ْ‬
‫ُ‬
‫حَدًة فى الخرى ‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أصاِبَعه وا ِ‬
‫لا ّ‬
‫ك رسو ُ‬
‫ل ؛ ألعامنا هذا ‪ ،‬أم للبد ؟ فشّب َ‬
‫رسول ا ّ‬
‫لَبد (( ‪.‬‬
‫لَبِد ا َ‬
‫ل َ‬
‫ج َمّرتْين ‪ ،‬ل َب ْ‬
‫حّ‬‫ت الُعْمَرة فى ال َ‬
‫خَل ِ‬
‫وقال ‪َ )) :‬د َ‬
‫حجة ‪ ،‬فأمرنا أن‬
‫ت ِمن ذى ال ِ‬
‫ض ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم صبح راِبعٍة َم َ‬
‫وفى لفظ ‪َ :‬قِدَم رسو ُ‬
‫طُر‬
‫عَرَفَة َتْق ُ‬
‫ى َ‬
‫ساِئنا ‪َ ،‬فَنْأت َ‬
‫ى إلى ِن َ‬
‫ضَ‬‫ن ُنفْ ِ‬
‫س َأَمَرَنا أ ْ‬
‫خْم ٌ‬
‫ل ‪ ،‬فقلنا ‪ :‬لما لم يكن بيننا وبين عرفَة إل َ‬
‫نح ّ‬
‫ن مالك ‪ِ :‬لعامنا هذا أم للبد ؟ فقال ‪ )) :‬لبد (( ‪.‬‬
‫سراقة ب ُ‬
‫ث ‪ .‬وفيه ‪ :‬فقال ُ‬
‫ى ‪ ..‬فذكر الحدي َ‬
‫َمَذاِكيُرَنا الَمِن ّ‬
‫صًة َهِذِه َيا‬
‫خا َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم ‪ :‬أَلُكْم َ‬
‫سراقة قال للنب ّ‬
‫وفى )) صحيح البخارى (( عنه ‪ :‬أن ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أن تلك الُعمرة التى فسخ َمن‬
‫لا ّ‬
‫لَبِد (( فبّين رسو ُ‬
‫ل ‪ )) :‬بل ِل َ‬
‫ل ؟ َقا َ‬
‫لا ّ‬
‫سو َ‬
‫َر ُ‬
‫ج إلى يوِم القيامة ‪ .‬وهذا ُيبّين أن عمرة التمتع‬
‫جه إليها ِللبد ‪ ،‬وأن الُعمرة دخلت فى الح ّ‬
‫فسخ منهم ح ّ‬
‫ض الحج ‪.‬‬
‫بع ُ‬
‫لَبِد (( باعتراضين ‪ ،‬أحدهما ‪ :‬أن‬
‫ض الناس على الستدلل بقوله ‪َ )) :‬بلْ لَبِد ا َ‬
‫وقد اعترض بع ُ‬
‫ض باطل ‪،‬‬
‫طه إلى البد ‪ ،‬وهذا العترا ُ‬
‫ص بذلك العام ‪ ،‬بل ُيسِق ُ‬
‫ط الفرض بها ل يخت ّ‬
‫المراد ‪ ،‬أن سقو َ‬
‫ل ‪ :‬للبد ‪ ،‬فإن البد ل يكون فى حق طائفة معّينة ‪ ،‬بل إنما يكون لجميع‬
‫فإنه لو أراد ذلك لم َيُق ْ‬
‫ج إَلى َيْوم الِقَياَمِة (( ‪ ،‬ولنهم لو أرادوا بذلك السؤا َ‬
‫ل‬ ‫حّ‬‫ت الُعْمَرُة فى ال َ‬
‫خَل ِ‬
‫المسلمين ‪ ،‬ولنه قال ‪َ )) :‬د َ‬
‫ل عن الحج ‪ ،‬ولنهم قالوا له ‪:‬‬
‫عن تكرار الوجوب ‪ ،‬لما اقتصروا على الُعمرة ‪ ،‬بل كان السؤا ُ‬
‫ل عام ‪ ،‬لقاُلوا له ‪ ،‬كما قالوا له‬
‫لَبِد (( ؟ ولو أرادوا تكرار وجوبها ُك ّ‬
‫عمرتنا هذه ِلعاِمَنا َهَذا ‪ ،‬أم ِل َ‬
‫)) ُ‬
‫ج بقوله ‪َ )) :‬ذُرونى َما َتَرْكُتُكم ‪َ ،‬لْو‬
‫ل ؟ ولجابهم بما أجابهم به فى الح ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل عام يا رسو َ‬
‫فى الحج ‪ :‬أك ّ‬
‫‪128‬‬

‫لَبِد الَبد (( ‪ .‬فهذا السؤال‬


‫ل َ‬
‫ت (( ‪ .‬ولنهم قالوا له ‪ :‬هذه لكم خاصة ‪ .‬فقال ‪َ )) :‬ب ْ‬
‫جَب ْ‬
‫ت ‪َ :‬نَعْم َلَو َ‬
‫ُقْل ُ‬
‫والجواب ‪ ،‬صريحان فى عدم الختصاص ‪.‬‬
‫ل ِمن‬
‫ض أبط ُ‬
‫ج ‪ ،‬وهذا العترا ُ‬
‫الثانى ‪ :‬قوله ‪ :‬إن ذلك إنما ُيريد به جواَز العتمار فى أشهِر الح ّ‬
‫ج ‪ ،‬ل عن‬
‫خ الح ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم فيه عن الُمتعة التى هى َفس ُ‬
‫ل إنما سأل النب ّ‬
‫الذى قبله ‪ ،‬فإن السائ َ‬
‫ج ‪ ،‬فقال له سراقُة‬
‫ى معه بفسخ الح ّ‬
‫ب أمره َمن ل َهْد َ‬
‫عِق َ‬
‫ج ‪ ،‬لنه إنما سأله َ‬
‫جواز الُعمرة فى أشهِر الح ّ‬
‫ل عليه وسلم عن نفس ما سأله عنه ‪ ،‬ل عّما لم يسأله عنه‬
‫حينئذ ‪ :‬هذا ِلعاِمَنا ‪ ،‬أم للبد ؟ فأجابه صلى ا ّ‬
‫ج إلى َيْوِم الِقَياَمِة (( ‪ ،‬عقب أمره َمن ل َهْدى معه بالحلل ‪،‬‬
‫حّ‬‫ت الُعْمَرُة فى ال َ‬
‫خَل ِ‬
‫‪ .‬وفى قوله ‪َ )) :‬د َ‬
‫ل التوفيق ‪.‬‬
‫خصوص‪ ..‬وبا ّ‬
‫ى أن ذلك مستِمر إلى يوِم الِقياَمة ‪ ،‬فبطل دعوى ال ُ‬
‫ن جل ٌ‬
‫بيا ٌ‬
‫ث ‪ ،‬ول فيه إشارٌة إليها ‪ ،‬فإن كانت‬
‫السادس ‪ :‬أن هذه الِعّلة التى ذكرتموها ‪ ،‬ليست فى الحدي ِ‬
‫ن كانت صحيحًة ‪ ،‬فإنها ل تلزم الختصاص بالصحابة بوجه ِمن‬
‫ضكم بها ‪ ،‬وإ ْ‬
‫باطلًة ‪ ،‬بطل اعترا ُ‬
‫ن قّوَته‬
‫ى المشركي َ‬
‫ع ِلُيِر َ‬
‫شِر َ‬
‫ل ُ‬
‫ت اقتضت دواَم معلولها واستمراره ‪ ،‬كما أن الّرَم َ‬
‫ح ْ‬
‫الوجوه ‪ ،‬بل إن ص ّ‬
‫ج بتلك الِعّلة على الختصاص‬
‫وقّوَة أصحابه ‪ ،‬واستمرت مشروعيُته إلى يوم القيامة ‪ ،‬فبطل الحتجا ُ‬
‫بهم على كل تقدير ‪.‬‬
‫ج على‬
‫ل عنهم ‪ ،‬إذا لم يكتفوا بالعلم بجواز الُعمرة فى أشهر الح ّ‬
‫ن الصحاَبَة رضى ا ّ‬
‫السابع ‪ :‬أ ّ‬
‫ج إلى الُعمرة ‪َ ،‬فَم ْ‬
‫ن‬ ‫فعلهم لها معه ثلثَة أعوام ‪ ،‬ول بإذنه لهم فيها عند الميقات حتى أمرهم بفسخ الح ّ‬
‫ج إلى الُعمرة ‪ ،‬اّتباعًا لمر النبى صلى ال عليه وسلم ‪،‬‬
‫خ الح ّ‬
‫سَ‬‫ى بذلك حتى َيْف َ‬
‫بعدهم أحرى أن ل َيْكَتف َ‬
‫ل قائل ‪ :‬إّنا نحن نكتفى من ذلك بدون ما اكتفى به الصحاَبة ‪ ،‬ول نحتاج‬
‫واقتداًء بأصحابه ‪ ،‬إل أن يقو َ‬
‫ل منه ‪.‬‬
‫ل نعوُذ با ّ‬
‫فى الجواز إلى ما احتاجوا هم إليه ‪ ،‬وهذا جه ٌ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬أن يأمر أصحاَبه بالفسخ الذى هو حرام ‪،‬‬
‫ن برسول ا ّ‬
‫ظّ‬‫الثامن ‪ :‬أنه ل ُي َ‬
‫ِليعّلمهم بذلك مباحًا ُيمكن تعليُمه بغير ارتكاب هذا المحظور ‪ ،‬وبأسهل منه بيانًا ‪ ،‬وأوضح دللًة ‪،‬‬
‫وأقل كلفًة ‪.‬‬
‫حب ‪ .‬وقد قال‬
‫فإن قيل ‪ :‬لم يكن الفسخ حين أمرهم به حرامًا ‪ .‬قيل ‪ :‬فهو إذًا إما واجب أو مست َ‬
‫ى نص أو إجماع رفع هذا‬
‫بكل واحد منهما طائفة ‪ ،‬فَمن الذى حّرمه بعد إيجابه أو استحبابه ‪ ،‬وأ ّ‬
‫‪ ،‬فهذه مطالبة ل محيص عنها ‪.‬‬ ‫ب أو الستحبا َ‬
‫ب‬ ‫الوجو َ‬
‫‪129‬‬

‫سْق ُ‬
‫ت‬ ‫ت‪َ ،‬لَما ُ‬
‫سَتْدَبْر ُ‬
‫ن أْمِرى ما ا ْ‬
‫ت ِم ْ‬
‫سَتْقَبْل ُ‬
‫ل عليه وسلم قال ‪ )) :‬لو ا ْ‬
‫التاسع ‪ :‬أنه صلى ا ّ‬
‫ل عليه وسلم عند ذلك العلم بجواز العمرة فى‬
‫عْمَرًة (( ‪ ،‬أفترى تجّدد له صلى ا ّ‬
‫جَعْلُتها ُ‬
‫ى ‪ ،‬وَل َ‬
‫الَهْد َ‬
‫سف على فواتها ؟ هذا من أعظم المحال ‪.‬‬
‫أشهر الحج ‪ ،‬حتى تأ ّ‬
‫ق الَهْدى ‪ .‬ومعلوم ‪:‬‬
‫سِ‬‫ن قرن ‪ ،‬ولم َي ُ‬
‫العاشر ‪ :‬أنه أمر بالفسخ إلى الُعمرة ‪َ ،‬من كان أفرد ‪ ،‬وَم ْ‬
‫عمرة ليبّين له جواز‬
‫خ ِقرانه إلى ُ‬
‫أن القارن قد اعتمر فى أشهر الحج مع حجته ‪ ،‬فكيف يأمره بفس ِ‬
‫الُعمرة فى أشهر الحج ‪ ،‬وقد أتى بها ‪ ،‬وضم إليها الحج ؟‬
‫ج إلى الُعمرة ‪ ،‬موافق لقياس الصول ‪ ،‬ل مخالف له ‪ .‬ولو‬
‫الحادى عشر ‪ :‬أن فسخ الح ّ‬
‫ص به على وفق القياس ‪ ،‬قاله شيخ السلم ‪،‬‬
‫س يقتضى جوازه ‪ ،‬فجاء الن ّ‬
‫ص ‪ ،‬لكان القيا ُ‬
‫لم يرد به الن ّ‬
‫وقرره بأن المحِرم إذا التزم أكثَر مما كان لزمه ‪ ،‬جاز باتفاق الئمة ‪ .‬فلو أحرم بالُعمرة ‪ ،‬ثم أدخل‬
‫ج ‪ ،‬ثم أدخل عليه الُعمرة ‪ ،‬لم يجز عند الجمهور ‪ ،‬وهو‬
‫عليها الحج ‪ ،‬جاز بل نزاع ‪ ،‬وإذا أحرم بالح ّ‬
‫مذهب مالك ‪ ،‬وأحمد ‪ ،‬والشافعى فى ظاهر مذهبه ‪ ،‬وأبو حنيفة ُيجّوز ذلك ‪ ،‬بناًء على أصله فى أن‬
‫القارن يطوف طوافين ‪ ،‬ويسعى سعيين ‪ .‬قال ‪ :‬وهذا قياس الرواية المحكّيِة عن أحمد فى القارن ‪ :‬أنه‬
‫ف طوافين ‪ ،‬ويسعى سعيين ‪ .‬وإذا كان كذلك ‪ ،‬فالمحِرُم بالحج لم يلتزم إل الحج ‪ .‬فإذا صار‬
‫يطو ُ‬
‫متمتعًا ‪ ،‬صار ملتزمًا لُعمرة وحج ‪ ،‬فكان ما التزمه بالفسخ أكثَر مما كان عليه ‪ ،‬فجاَز ذلك ‪ .‬ولما كان‬
‫عمرة ‪ ،‬وليس كذلك ‪ ،‬فإنه لو‬
‫ن أنه فسخ حجًا إلى ُ‬
‫ل ‪ ،‬كان مستحبًا ‪ ،‬وإنما أشكل هذا على َمن ظ ّ‬
‫أفض َ‬
‫خ جائز لمن كان ِمن ِنّيته أن يحج‬
‫عمرة مفردة ‪ ،‬لم يجز بل نزاع ‪ ،‬وإنما الفس ُ‬
‫أراد أن يفسخ الحج إلى ُ‬
‫بعد الُعمرة ‪ ،‬والمتمتع من حين يحرم بالُعمرة فهو داخل فى الحج ‪ ،‬كما قال النبى صلى ال عليه‬
‫ج إلى َيْوِم الِقَياَمة (( ‪ .‬ولهذا ‪ ،‬يجوز له أن يصوَم الياَم الثلثَة ِمن حين‬
‫ت الُعْمَرُة فى الح ّ‬
‫خَل ِ‬
‫وسلم ‪َ )) :‬د َ‬
‫ُيحِرُم بالُعمرة ‪ ،‬فدل على أنه فى تلك الحال فى الحج ‪.‬‬
‫ى صلى ال‬
‫ل بعده ‪ .‬وكذلك كان النب ّ‬
‫سُ‬‫ب بالوضوء ‪ ،‬ثم يغت ِ‬
‫جن ُ‬
‫وأما إحراُمه بالحج بعد ذلك ‪ ،‬فكما يبدأ ال ُ‬
‫ضع‬
‫ن ِبَمَياِمِنَها ‪ ،‬وَمَوا ِ‬
‫عليه وسلم يفعل ‪ ،‬إذا اغتسل من الجنابة ‪ .‬وقال ِللنسوة فى غسل ابنته ‪ )) :‬اْبَدْأ َ‬
‫ضوِء ِمْنَها (( ‪ .‬فغسل مواضع الوضوء بعض الغسل ‪.‬‬
‫الُو ُ‬
‫ل كان ممنوعًا منه‬
‫حً‬‫فإن قيل ‪ :‬هذا باطل لثلثة أوجه ‪ .‬أحدها ‪ :‬أنه إذا فسخ ‪ ،‬استفاد بالفسخ ِ‬
‫بإحرامه الول ‪ ،‬فهو دون ما التزمه ‪.‬‬
‫‪130‬‬

‫ك الذى فسخ إليه ‪ ،‬ولهذا ل يحتاج‬


‫سِ‬
‫ل ِمن الّن ُ‬
‫ل ‪ ،‬أكم ُ‬
‫ك اّلذى كان قد التزمه أو ً‬
‫سَ‬
‫الثانى ‪ :‬أن الّن ُ‬
‫ل من‬
‫جبران فيه ‪ ،‬أفض ُ‬
‫كل ُ‬
‫سٌ‬
‫جبرانًا له ‪ ،‬وُن ُ‬
‫جبران ‪ ،‬والذى ُيفسخ إليه ‪ ،‬يحتاج إلى َهْدى ُ‬
‫الول إلى ُ‬
‫ك مجبور ‪.‬‬
‫سٍ‬
‫ُن ُ‬
‫ل الُعمرة على الحج ‪ ،‬فلن ل يجوَز إبدالها به وفسخه إليها بطريق‬
‫جْز إدخا ُ‬
‫الثالث ‪ :‬أنه إذا َلم َي ُ‬
‫لْولى والحرى ‪.‬‬
‫اَ‬
‫صل ‪ .‬أما المجمل ‪ :‬فهو أن هذه الوجوه‬
‫فالجواب عن هذه الوجوه ‪ ،‬من طريقين ‪ ،‬مجمل ومف ّ‬
‫سـّنة ‪ ،‬والجواب عنها بالتزام تقديم الوحى على الراء ‪ ،‬وأن كل رأى ُيخالف‬
‫اعتراضات على مجرد ال ّ‬
‫سـّنة ‪،‬‬
‫سـّنة الصحيحة الصريحة له ‪ ،‬والراء تبع لل ّ‬
‫سـّنة ‪ ،‬فهو باطل قطعًا ‪ ،‬وبيان بطلنه لمخالفة ال ّ‬
‫ال ّ‬
‫سـّنة تبعًا للراء ‪.‬‬
‫وليست ال ّ‬
‫خ على وفق القياس ‪ ،‬فل بد من‬
‫صل ‪ :‬وهو الذى نحن بصدده ‪ ،‬فإّنا التزمنا أن الفس َ‬
‫وأما المف ّ‬
‫الوفاء بهذا اللتزام ‪ ،‬وعلى هذا فالوجه الول جوابه ‪ :‬بأن التمتع وإن َتخّلله التحلل فهو أفضل من‬
‫ل فيه ‪ ،‬لمر النبى صلى ال عليه وسلم َمن ل َهْدى معه بالحرام به ‪ ،‬ولمره‬
‫حّ‬
‫الفراد الذى ل ِ‬
‫ل‪،‬‬
‫ص عليه ‪ ،‬فى كتاب ا ّ‬
‫ك المنصو ُ‬
‫ج إليه ‪ ،‬ولتمّنيه أنه كان أحرم به ‪ ،‬ولنه الّنس ُ‬
‫أصحابه بفسخ الح ّ‬
‫لّمة أجمعت على جوازه ‪ ،‬بل على استحبابه ‪ ،‬واختلُفوا فى غيره على قولين ‪ ،‬فإن النبى صلى‬
‫ولن ا ُ‬
‫ج ‪ ،‬فتوّقفوا ‪ ،‬ولنه من الُمحال قطعًا‬
‫ب حين أمرهم بالفسخ إليه بعَد الحرام بالح ّ‬
‫ض َ‬
‫غ ِ‬
‫ال عليه وسلم ‪َ ،‬‬
‫جة خيِر القرون ‪ ،‬وأفضل العالمين مع نبّيهم صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬وقد‬
‫حّ‬
‫ل من َ‬
‫ط أفض َ‬
‫جة ق ّ‬
‫حّ‬
‫أن تكون َ‬
‫ل منه ‪،‬‬
‫ن ساق الَهْدى ‪ ،‬فمن المحال أن يكون غيُر هذا الحج أفض َ‬
‫أمرهم ُكّلهم بأن يجعلوها متعة إل َم ْ‬
‫ل لنبّيه ‪ ،‬واختار‬
‫ل سبحانه لنبّيه ‪ ،‬فهذا هو الذى اختاره ا ّ‬
‫ج من قرن وساق الَهْدى ‪ ،‬كما اختاره ا ُّ‬
‫حّ‬‫إل َ‬
‫ضل إلى‬
‫ك الفا ِ‬
‫سِ‬
‫ل من هذين ‪ .‬ولنه من المحال أن ينُقَلهم من الّن ُ‬
‫ج أفض ُ‬
‫ىحّ‬
‫لصحابه التمتَع ‪ ،‬فأ ّ‬
‫ك أفضلُ من البقاء‬
‫سِ‬
‫ضَعها ‪ ،‬فرجحان هذا الّن ُ‬
‫خر كثيرة ليس هذا مو ِ‬
‫ح ‪ ،‬ولوجوه ُأ َ‬
‫المفضول المرجو ِ‬
‫ن الوجه الثانى ‪.‬‬
‫على الحرام الذى يفوته بالفسخ ‪ ،‬وقد تبين بهذا بطل ُ‬
‫سك مجبور بالَهْدى ‪ ،‬فكلم باطل من وجوه ‪.‬‬
‫وأما قوُلكم ‪ :‬إنه ُن ُ‬
‫‪131‬‬

‫شكران ل‬
‫سك ‪ ،‬وهو دم ُ‬
‫ى فى التمتع عبادة مقصودة ‪ ،‬وهو ِمن تمام الُن ُ‬
‫أحدها ‪ :‬أن الَهْد َ‬
‫ك المشتِمل على الدم ‪،‬‬
‫سُ‬
‫لضحية للمقيم ‪ ،‬وهو من تمام عبادة هذا اليوم ‪ ،‬فالّن ُ‬
‫جبران ‪ ،‬وهو بمنزلة ا ُ‬
‫دم ُ‬
‫ل فى ذلك اليوم ‪ ،‬بمثل إراقة دم سائل ‪.‬‬
‫ب إلى ا ّ‬
‫بمنزلة العيد المشتمل على الضحية ‪ ،‬فإنه ما ُتُقّر َ‬
‫سِئل ‪:‬‬
‫صّديق ‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم ُ‬
‫وقد روى الترمذى وغيره ‪ ،‬من حديث أبى بكر ال ّ‬
‫ج ‪ :‬إراقُة دم الَهْدى ‪ .‬فإن‬
‫ج رفُع الصوت بالتلبية ‪ ،‬والّث ّ‬
‫ج (( ‪ .‬والع ّ‬
‫ج والّث ّ‬
‫ل ؟ فقال ‪ )) :‬الَع ّ‬
‫ضُ‬‫ج َأْف َ‬
‫ى الح ّ‬
‫أ ّ‬
‫ل هذه الفضيلة ‪ .‬قيل ‪ :‬مشروعيتها إنما جاءت فى حق القاِرن والمتمّتع ‪،‬‬
‫صَ‬‫ن المفرُد أن ُيح ّ‬
‫قيل ‪ُ :‬يمِك ُ‬
‫وعلى تقدير استحبابها فى حقه ‪ ،‬فأين ثواُبها من ثواب َهْدى المتمتع والقارن ؟‬
‫ى صلى ال‬
‫ل منه ‪ ،‬وقد ثبت عن النب ّ‬
‫جبران ‪ ،‬لما جاز الك ُ‬
‫الوجه الثانى ‪ :‬أنه لو كان دَم ُ‬
‫ل ِمن لحمها ‪،‬‬
‫ت فى ِقْدِر ‪ ،‬فأك َ‬
‫جِعَل ْ‬
‫ضَعٍة ‪َ ،‬ف ُ‬
‫ل ِمن َهْديه ‪ ،‬فإنه َأَمَر ِمن كل َبَدَنٍة ِبَب ْ‬
‫عليه وسلم أنه أك َ‬
‫ب فيها‬
‫ن الِمائة ‪ ،‬والواج ُ‬
‫ل َبَدَنِة ِم َ‬
‫ن ُك ّ‬
‫سْبَع بدنة ‪ ،‬فإّنه أَكلَ ِم ْ‬
‫ب عليه ُ‬
‫ب ِمن َمَرِقَها‪ ،‬وإن كان الواج ُ‬
‫شِر َ‬
‫وَ‬
‫ن الَهْدى اّلِذى‬
‫ساَءه ِم َ‬
‫ع لم يتعّين بقسمة ‪ ،‬وأيضًا ‪ :‬فإنه قد ثبت فى )) الصحيحين (( ‪ :‬أنه أطَعم ِن َ‬
‫ُمشا ٌ‬
‫ت ‪ ،‬احتج به المام أحمد ‪ ،‬فثبت فى )) الصحيحين (( عن عائشة رضى ا ّ‬
‫ل‬ ‫ن ُمَتَمّتَعا ٍ‬
‫ن َوُك ّ‬
‫عْنُه ّ‬
‫حُه َ‬
‫َذب َ‬
‫ن ‪ ،‬وأيضًا ‪ :‬فإن سبحانه‬
‫عْنُه ّ‬
‫حُه َ‬
‫ن ِمن الَهْدى الذى َذَب َ‬
‫ل إليه ّ‬
‫سَ‬‫ن نسائه ‪ ،‬ثم أْر َ‬
‫عْ‬‫عنها ‪ ،‬أّنه أهدى َ‬
‫س الَفِقيَر{ ]الحج‪ ،[28 :‬وهذا يتناو ُ‬
‫ل‬ ‫طِعُموا الَباِئ َ‬
‫ن الَهِدى ‪َ} :‬فُكُلوا ِمْنَها َوأ ْ‬
‫وتعالى قال فيما ُيذبح بِمَنى ِم َ‬
‫ح َهْدى الُمتعة والِقران ‪ .‬ومن‬
‫ع هناك ذب ُ‬
‫ص به ‪ ،‬فـإن المشرو َ‬
‫ى التمتع والِقران قطعًا إن لم يخت ّ‬
‫َهْد َ‬
‫ل لمر‬
‫ت فى ِقدر امتثا ً‬
‫ضَعٍة ‪ُ ،‬فجِعَل ْ‬
‫ل َبَدَنٍة ِبَب ْ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم ‪ ،‬من ُك ّ‬
‫ل أعلُم أمر النب ّ‬
‫هاهنا وا ُّ‬
‫ربه بالكل ِلَيُعّم به جميع َهْديه ‪.‬‬
‫جبران محظوٌر فى الصل‪ ،‬فل يجوز القداُم عليه إل‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن سبب ال ُ‬
‫ل محظور‪ ،‬والتمُتع مأمور به‪ ،‬إما أمر إيجاب عند طائفة كابن عباس‬
‫ك واجب‪ ،‬أو فع ُ‬
‫لعذر‪ ،‬فإنه إما تر ُ‬
‫جِز القداُم على سببه بغير عذر‪،‬‬
‫جبران ‪ .‬لم َي ُ‬
‫وغيره‪ ،‬أو أمر استحباب عند الكثرين‪ ،‬فلو كان َدُمُه َدَم ُ‬
‫ل به على عباده‪ ،‬وأباح لهم بسببه التحلل فى‬
‫سَع ا ّ‬
‫سك‪ ،‬وهذا و ّ‬
‫عِلم أنه دم ُن ُ‬
‫جبران‪ ،‬و ُ‬
‫فبطل قوُلهم‪ :‬إنه دم ُ‬
‫أثناء الحرام لما فى استمرار الحرام عليهم من المشقة‪ ،‬فهو بمنزلة القصر والِفطر فى السفر‪،‬‬
‫ل هذا وهذا‪،‬‬
‫خّفين‪ ،‬وكان من َهْدى النبى صلى ال عليه وسلم وَهْدى أصحابه فع ُ‬
‫وبمنزلة المسح على ال ُ‬
‫سَره عليه‬
‫صيُتُه(( فمحبُته لخذ العبد بما َي ّ‬
‫ن ُتْؤَتى َمْع ِ‬
‫صِه‪َ ،‬كما َيْكَرُه َأ ْ‬
‫خ ِ‬
‫خَذ ِبُر َ‬
‫ن ُيْؤ َ‬
‫ب َأ ْ‬
‫ح ّ‬
‫ل َتَعاَلى ُي ِ‬
‫))وا ُّ‬
‫‪132‬‬

‫ل عن ترّفهه‬
‫ى وإن كان بد ً‬
‫ل كراهته منه لرتكاب ما حّرمه عليه ومنعه منه‪ ،‬والَهْد ُ‬
‫وسّهله له‪ ،‬مث ُ‬
‫ج مفرد ويعتِمر عقيبه‪ ،‬والبدل‬
‫ى بح ّ‬
‫ل لمن قدم فى أشهر الحج من أن يأت َ‬
‫بسُقوط أحد السفرين‪ ،‬فهو أفض ُ‬
‫ل‪ ،‬وكالتيمم للعاجز عن استعمال الماء‪ ،‬فإنه واجب عليه وهو‬
‫قد يكون واجبًا كالجمعة عند َمن جعلها بد ً‬
‫ل ل يمنع أن يكون‬
‫حبًا أولى بالجواز‪ ،‬وتخلل التحّل ِ‬
‫ل قد يكون واجبًا‪ ،‬فكونه مست َ‬
‫بدل‪ ،‬فإذا كان البد ُ‬
‫الجميُع عبادة واحدة كطواف الفاضة‪ ،‬فإنه ركن بالتفاق‪ ،‬ول ُيفعل إل بعد التحّلل الول‪ ،‬وكذلك رم ُ‬
‫ى‬
‫ل التام‪ ،‬وصوُم رمضان يتخّلله الفطُر فى لياليه‪ ،‬ول يمنع ذلك أن‬
‫حّ‬‫الجمار أيام ِمَنى‪ ،‬وهو ُيفعل بعد ال ِ‬
‫يكون عبادًة واحدة‪ ،‬ولهذا قال مالك وغيره‪ :‬إنه يجزئ ِبِنّية واحدة للشهر كله‪ ،‬لنه عبادة واحدة‪ ...‬والّ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫خه إليها أولى وأحرى‪،‬‬
‫ج‪ ،‬فلن ل يجوَز فس ُ‬
‫ل الُعمرة على الح ّ‬
‫وأما قوُلكم‪ :‬إذا لم يجز إدخا ُ‬
‫ل على هذه الدعوى التى ليس‬
‫طحنًا‪ .‬وما وجُه التلُزم بين المرين‪ ،‬وما الدلي ُ‬
‫جَعًة ول نرى ِ‬
‫جَع َ‬
‫فنسمع َ‬
‫ل‪ ،‬فهو غيُر معترف بفساد‬
‫ل بهذا إن كان ِمن أصحاب أبى حنيفة رحمه ا ّ‬
‫ن عليها؟ ثم القائ ُ‬
‫بأيديكم برها ٌ‬
‫خلُ الُعمرة قد‬
‫ل‪ ،‬ثم ُيقال‪ُ :‬مْد ِ‬
‫هذا القياس‪ .‬وإن كان من غيرهم‪ ،‬طولب بصحة قياسه فل يجد إليه سبي ً‬
‫ف واحد‬
‫ج‪ ،‬ثم طوافًا آخر للعمرة‪ .‬فإذا قرن‪ ،‬كفاه طوا ٌ‬
‫ف طوافًا للح ّ‬
‫نقص مما كان التزمه‪ ،‬فإنه كان يطو ُ‬
‫سـّنة الصحيحة‪ ،‬وهو قول الجمهور‪ ،‬وقد نقص مما كان يلتزمه‪ .‬وأما الفاسخ‪ ،‬فإنه لم‬
‫ى واحد بال ّ‬
‫وسع ٌ‬
‫س على كل‬
‫ل‪ ،‬وأكثر واجبات‪ ،‬فبطل القيا ُ‬
‫ل منه‪ ،‬وأفض ُ‬
‫سكه إلى ما هو أكم ُ‬
‫ض مما التزمه‪ ،‬بل نقل ُن ُ‬
‫ينُق ْ‬
‫ل الحمد‪.‬‬
‫تقدير‪ ،‬و ّ‬
‫فصل‬
‫ل عليه وسلم‪.‬‬
‫جته صلى ا ّ‬
‫حّ‬‫سياق َ‬
‫عدنا إلى ِ‬
‫ُ‬
‫طوى وهى المعروفة الن بآبار الزاهر‪ ،‬فبات‬
‫ل عليه وسلم إلى أن نزل بذى ُ‬
‫ثّم نهض صلى ا ّ‬
‫ن يومه‪ ،‬ونهض إِلى مكة‪،‬‬
‫ل ِم ْ‬
‫صبح‪ ،‬ثم اغتس َ‬
‫حجة‪ ،‬وصّلى بها ال ّ‬
‫ن من ذى ال ِ‬
‫خَلْو َ‬
‫بها ليلَة الحد لربع َ‬
‫ن‪ ،‬وكان فى الُعمرة يدخل من أسفلها‪،‬‬
‫جو ِ‬
‫حُ‬‫ف على ال َ‬
‫شِر ُ‬
‫فدخلها نهارًا ِمن أعلها ِمن الثنّية الُعليا التى ُت ْ‬
‫ى‪.‬‬
‫ل المسجد وذلك ضح ً‬
‫وفى الحج دخل من أعلها‪ ،‬وخرج ِمن أسفلها‪ ،‬ثم سار حتى دخ َ‬
‫ب بنى شيبة‪.‬‬
‫س اليوَم با َ‬
‫ب بنى عبد مناف الذى ُيسّميه النا ُ‬
‫وذكر الطبرانى‪ ،‬أنه دخَله من با ِ‬
‫‪133‬‬

‫وذكر المام أحمد‪ :‬أنه كان إذا دخل مكانًا من دار يعلى‪ ،‬استقبل البيت فدعا‪.‬‬
‫ظيمًا َوَتْكريمًا‬
‫شريفًا َوَتْع ِ‬
‫ك َهَذا َت ْ‬
‫وذكر الطبرانى‪ :‬أنه كان إذا نظر إلى البيت‪ ،‬قال‪)) :‬الّلُهّم زْد َبْيَت َ‬
‫سلُم‬
‫ك ال ّ‬
‫سلُم وِمْن َ‬
‫ت ال ّ‬
‫َوَمَهاَبًة((‪ .‬وروى عنه‪ ،‬أنه كان عند رؤيته يرفُع يديه‪ ،‬وُيكّبر ويُقول‪)) :‬الّلُهّم َأْن َ‬
‫عَتَمَرُه‬
‫جُه َأْو ا ْ‬
‫حّ‬
‫ن َ‬
‫ظيمًا َوَتْكِريمًا َوَمَهاَبًة‪ ،‬وِزْد َم ْ‬
‫شِريفًا َوَتْع ِ‬
‫ت َت ْ‬
‫سلم‪ ،‬الّلُهّم ِزْد َهذا الَبْي َ‬
‫حّينا َرّبنا بال ّ‬
‫َ‬
‫طاب‬
‫ن الخ ّ‬
‫عَمَر ب ِ‬
‫سيب من ُ‬
‫شريفًا وَتْعظيمًا وِبّرًا(( وهو مرسل‪ ،‬ولكن سمع هذا سعيُد بن الم ّ‬
‫َتْكريمًا وَت ْ‬
‫ل عنه يقوله‪.‬‬
‫رضى ا ّ‬
‫ن تحيَة المسجِد الحرام‬
‫عَمَد إلى البيت ولم يركع تحيَة المسجد‪ ،‬فإ ّ‬
‫فلما دخل المسجد‪َ ،‬‬
‫حْم عليه‪ ،‬ولم يتقّدم عنه إلى جهة الّركن اليمانى‪،‬‬
‫جر السود‪ ،‬استلمه ولم ُيزا ِ‬
‫ف‪ ،‬فلما حاذى الح َ‬
‫طوا ُ‬
‫ال ّ‬
‫ت بطوافى هذا السبوع كذا وكذا‪ ،‬ول افتتحه بالّتْكبير كما يفعله َمن ل علم‬
‫ل‪ :‬نوي ُ‬
‫ولم يرفع يديه‪ ،‬وَلم َيُق ْ‬
‫شقه‪،‬‬
‫جعله على ِ‬
‫جَر السود بجميع بدنه ثم انفتل عنه و َ‬
‫حَ‬‫عنده‪ ،‬بل هو ِمن الِبَدع الُمنكرات‪ ،‬ول حاذى ال َ‬
‫ع عند الباب بُدعاء‪ ،‬ول تحت‬
‫ت عن يساره‪ ،‬ولم يد ُ‬
‫بل استقبَله واستلمه‪ ،‬ثم أخذ عن يمينه‪ ،‬وجعل البي َ‬
‫حِف َ‬
‫ظ‬ ‫ف ِذكرًا معينًا‪ ،‬ل بفعله‪ ،‬ول بتعليِمه‪ ،‬بل ُ‬
‫طَوا ِ‬
‫ت ِلل ّ‬
‫عند ظهر الكعبة وأركانها ول وّق َ‬
‫الميزاب‪ ،‬ول ِ‬
‫ب الّنار{ ]البقرة‪ [201 :‬ورَمل‬
‫عَذا َ‬
‫سَنًة وِقَنا َ‬
‫حَ‬‫خَرِة َ‬
‫سَنًة َوِفى ال ِ‬
‫حَ‬‫عنه بين الركنين‪َ} :‬رّبَنا آِتَنا فى الّدْنَيا َ‬
‫خطاه‪ ،‬واضطبع بردائه‬
‫ب بين ُ‬
‫فى طوافه َهَذا الثلثة الشواط الول‪ ،‬وكان ُيسرع فى مشيه‪ ،‬وُيقاِر ُ‬
‫فجعل طرفيه على أحد كتفيه‪ ،‬وأبدى كتفه الخرى ومنكبه‪ ،‬وكلما حاذى الحجر السود‪ ،‬أشار إليه أو‬
‫ن عصا محنّية الرأس‪ .‬وثبت عنه‪ ،‬أنه استلم الركن اليمانى‪.‬‬
‫استلمه بمحجنه‪ ،‬وقّبل المحجن‪ ،‬والمحج ُ‬
‫ت عنه أنه قّبله‪ ،‬ول قّبل يده عند استلمه‪ ،‬وقد روى الدارقطنى‪ ،‬عن ابن عباس‪)) :‬كان رسول‬
‫ولم يثب ْ‬
‫ل بن مسلم بن ُهرمز‪ ،‬قال‬
‫ل الركن اليمانى‪ ،‬ويضع خده عليه((‪ ،‬وفيه عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُيقّب ُ‬
‫ا ّ‬
‫ث وضّعفه غيره‪ .‬ولكن المراَد بالّركن اليماِنى ههنا‪ ،‬الحجُر السود‪ ،‬فإنه‬
‫ح الحدي ِ‬
‫المام أحمد‪ :‬صال ُ‬
‫حجر من‬
‫ل له مع الركن الخر‪ :‬اليمانيان‪ ،‬ويقال له مع الركن الذى يلى ال ِ‬
‫ن اليمانى وُيقا ُ‬
‫ُيسّمى الرك َ‬
‫حجر‪ :‬الشاميان‪ .‬ويقال للركن اليمانى‪ ،‬والذى يلى‬
‫ناحية الباب‪ :‬العراقيان‪ ،‬ويقال للّركنين اللذين يليان ال ِ‬
‫حجر ِمن ظهر الكعبة‪ :‬الغربيان‪ ،‬ولكن ثبت عنه‪ ،‬أنه قّبل الحجر السود‪ .‬وثبت عنه‪ ،‬أنه استلمه بيده‪،‬‬
‫ال ِ‬
‫فوضع يده عليه‪ ،‬ثم قّبلها‪ ،‬وثبت عنه‪ ،‬أنه استلمه بمحجن‪ ،‬فهذه ثلث صفات‪ ،‬وروى عنه أيضًا‪ ،‬أنه‬
‫ل يبكى‪.‬‬
‫وضع شفتيه عليه طوي ً‬
‫‪134‬‬

‫ل أْكَبر((‪.‬‬
‫ل وا ّ‬
‫سم ا ّ‬
‫وذكر الطبرانى عنه بإسناد جيد‪ :‬أنه كان إذا استلم الّركن اليمانى‪ ،‬قال‪)) :‬ب ْ‬
‫ل أكَبر((‪.‬‬
‫وكان كلما أتى على الحجر السود قال‪)) :‬ا ُّ‬
‫ل بن عثمان قال‪)) :‬رأي ُ‬
‫ت‬ ‫وذكر أبو داود الطيالسى‪ ،‬وأبو عاصم النبيل‪ ،‬عن جعَفر بن عبد ا ّ‬
‫جد عليه‪ ،‬وقال ابن‬
‫ن عباس ُيقّبُله ويس ُ‬
‫ت اب َ‬
‫جَد عليه‪ُ ،‬ثّم قال‪ :‬رأي ُ‬
‫سَ‬‫جَر و َ‬
‫حَ‬‫ل ال َ‬
‫محمد بن عباد بن جعفر َقّب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فعل‬
‫ل ا ِّ‬
‫ت رسو َ‬
‫جَد عليه‪ .‬ثم قال‪ :‬رأي ُ‬
‫ت عمر بن الخطاب قّبَله وس َ‬
‫عّباس‪ :‬رأي ُ‬
‫ت((‪.‬‬
‫هكذا ففعل ُ‬
‫جَد عليه‬
‫سَ‬‫جَد عليه‪ ،‬ثم قّبله‪ ،‬ثم َ‬
‫سَ‬
‫ى عن ابن عباس‪)) :‬أنه قّبل الُركن اليمانى‪ ،‬ثم َ‬
‫وروى البيهق ّ‬
‫ث مرات((‪.‬‬
‫ثل َ‬
‫جر(ِ(‪.‬‬
‫حَ‬‫ت النبى صلى ال عليه وسلم سجد على ال َ‬
‫وذكر أيضًا عنه‪ ،‬قال‪)) :‬رأي ُ‬
‫ل‪:‬‬
‫س ِمن الركان إل اليمانيين فقط‪ .‬قال الشافعى رحمه ا ّ‬
‫ولم يستِلْم صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولم َيَم ّ‬
‫سَ‬
‫ك‬‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وَأْم َ‬
‫لا ّ‬
‫سَتَلم ما اسَتَلَم رسو ُ‬
‫ل‪ ،‬ولكن ا ْ‬
‫تا ّ‬
‫لَمهما ِهجرة لبي ِ‬
‫ع أحٌد است َ‬
‫ولم َيَد ْ‬
‫عْنُه‪.‬‬
‫ك َ‬
‫سَ‬
‫عّما َأْم َ‬
‫َ‬
‫فصل‬
‫صلى{ ]البقرة‪:‬‬
‫خُذوا ِمن ّمَقاِم إْبَراِهيَم ُم َ‬
‫ف المقام‪ ،‬فقرأ‪َ} :‬واّت ِ‬
‫فلما فرغ ِمن طوافه‪ ،‬جاء إلى خل ِ‬
‫ن البيت‪ ،‬قرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتى الخلص وقراءته‬
‫‪ ،[125‬فصّلى ركعتين‪ ،‬والَمَقاُم بينه وبي َ‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬فلما فرغ من‬
‫ل منه بفعله صلى ا ّ‬
‫ن منه لتفسير القرآن‪ ،‬ومراد ا ّ‬
‫الية المذكورة بيا ٌ‬
‫صلته‪ ،‬أقبل إلى الحجر السوِد‪ ،‬فاستلمه‪.‬‬
‫َ‬
‫صَفا َوالَمْرَوَة ِمن‬
‫ن ال ّ‬
‫صفا ِمن الباب الذى يقابله‪ ،‬فلما َقُرب منه‪ .‬قرأ‪})) :‬إ ّ‬
‫ثم خرج إلى ال ّ‬
‫ل به((‪ ،‬وفى رواية النسائى‪)) :‬ابدؤوا((‪ ،‬بصيغة المر‪ .‬ثم‬
‫ل{ ]البقرة‪ [158 :‬أبدأ بما بدأ ا ّ‬
‫شَعاِئِر ا ّ‬
‫َ‬
‫ك َله‪،‬‬
‫شري َ‬
‫حَدُه ل َ‬
‫لو ْ‬
‫ل وكّبره‪ ،‬وقال‪)) .‬ل إله إل ا ُّ‬
‫حَد ا ّ‬
‫ل الِقبلة‪ ،‬فو ّ‬
‫َرقى عليه حتى رأى البيت‪ ،‬فاستقب َ‬
‫عْبَده‪ ،‬وَهَزَم‬
‫صَر َ‬
‫عَدُه‪ ،‬وَن َ‬
‫جَز َو ْ‬
‫حَدُه‪َ ،‬أْن َ‬
‫لو ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ئ قدير‪ ،‬ل إله إ ّ‬
‫لش ٍ‬
‫على ُك ّ‬
‫حْمُد َوُهَو َ‬
‫ك َوَلُه ال َ‬
‫َلُه الُمْل ُ‬
‫ث مرات‪.‬‬
‫ل هذا ثل َ‬
‫حَده((‪ .‬ثم دعا بين ذلك‪ ،‬وقال ِمث َ‬
‫بو ْ‬
‫حَزا َ‬
‫ال ْ‬
‫صفا‪ .‬فقيل له‪)) :‬هاهنا يا أَبا عبد الرحمن؟‬
‫ق الذى فى ال ّ‬
‫شّ‬‫صْدع‪ ،‬وهو ال ّ‬
‫ن مسعود على ال ّ‬
‫وقام اب ُ‬
‫عَلْيِه سورُة البقرة(( ذكره البيهقى‪.‬‬
‫ت َ‬
‫غْيُره َمَقاُم الذى ُأْنِزَل ْ‬
‫قال‪َ :‬هَذا واّلِذى ل إَله َ‬
‫‪135‬‬

‫ثم نزل إلى المروة يمشى‪ ،‬فلما انصّبت قدماه فى بطن الوادى‪ ،‬سعى حّتى إذا جاوز الوادى‬
‫ح عنه‪ ،‬وذلك اليوم قبل الميلين الخضرين فى أول المسعى وآخره‪.‬‬
‫صَعد‪ ،‬مشى‪ .‬هذا الذى ص ّ‬
‫وَأ ْ‬
‫والظاهر‪ :‬أن الوادى لم يتغير عن وضعه‪ ،‬هكذا قال جابر عنه فى ))صحيح مسلم((‪ .‬وظاهر هذا‪ :‬أنه‬
‫ل‪ :‬طا َ‬
‫ف‬ ‫ل يقو ُ‬
‫كان ماشيًا‪ ،‬وقد روى مسلم فى ))صحيحه(( عن أبى الزبير‪ ،‬أنه سمع جابر بن عبد ا ّ‬
‫صَفا والَمْرَوِة ِلَيراُه الّنا ُ‬
‫س‬ ‫ن ال ّ‬
‫ت‪ ،‬وَبْي َ‬
‫حَلِته بالَبْي ِ‬
‫جِة الَوَداع على َرا ِ‬
‫حّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫النب ّ‬
‫س قد غشْوه‪ ،‬وروى مسلم عن أبى الزبير عن جابر‪)) :‬لم يطف رسول ا ّ‬
‫ل‬ ‫سأُلوه َفإن الّنا َ‬
‫ف وِلَي ْ‬
‫شِر َ‬
‫َوِلُي ْ‬
‫حدًا طوافه الول((‪.‬‬
‫طَوافًا وا ِ‬
‫صَفا والمروة إل َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول أصحاُبه بين ال ّ‬
‫ب ُكّله‪ ،‬وانصّب ْ‬
‫ت‬ ‫ب به بعيُره‪ ،‬فقد انص ّ‬
‫ن حزم‪ :‬ل تعاُرض بينهما‪ ،‬لن الراكب إذا انص ّ‬
‫قال اب ُ‬
‫قدماه أيضًا مع سائر جسده‪.‬‬
‫ل‪ ،‬ثم أتّم سعَيه‬
‫سَعى ماشيًا أو ً‬
‫ن ِمن هذا‪ ،‬وهو أنه َ‬
‫وعندى فى الجمع بينهما وجه آخر أحس ُ‬
‫طفيل‪ ،‬قال‪)) :‬قلت لبن عباس‪:‬‬
‫راكبًا‪ ،‬وقد جاء ذلك مصّرحًا به‪ ،‬ففى صحيح ))مسلم((‪ :‬عن أبى ال ّ‬
‫سّـنة‪ .‬قال‪ :‬صدُقوا‬
‫سـّنة هو؟ فإن قوَمك يزعُمون أنه ّ‬
‫صَفا والمروِة راكبًا‪ ،‬أ ّ‬
‫ف بين ال ّ‬
‫طوا ِ‬
‫أخبرنى عن ال ّ‬
‫س‪،‬‬
‫لِ صلى ال عليه وسلم َكُثَر عََلْيه الّنا ُ‬
‫لا ّ‬
‫سو َ‬
‫ن َر ُ‬
‫صدُقوا وكذُبوا؟ قال‪ :‬إ ّ‬
‫ت‪ :‬ما َقْوُلك َ‬
‫وكذُبوا قال‪ُ :‬قْل ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو ُ‬
‫ت‪ .‬قال‪ :‬وكا َ‬
‫ن الُبُيو ِ‬
‫ق ِم َ‬
‫ج الَعَواِت ُ‬
‫خَر َ‬
‫حَتى َ‬
‫حّمٌد‪َ ،‬‬
‫حّمٌد‪َ ،‬هَذا ُم َ‬
‫ن‪َ :‬هَذا ُم َ‬
‫َيُقوُلو َ‬
‫ل((‪.‬‬
‫سعى أفض ُ‬
‫ى وال ّ‬
‫ب‪ ،‬والمش ُ‬
‫عَلْيِه‪َ ،‬رِك َ‬
‫ل‪َ :‬فَلما َكُثَر َ‬
‫ن َيَدْيِه‪َ .‬قا َ‬
‫س َبْي َ‬
‫ب الّنا ُ‬
‫ضَر ُ‬
‫وسلم ل ُي ْ‬
‫فصل‬
‫ف فيه‪ ،‬هل كان على قدميه‪ ،‬أو كان راكبًا؟ ففى ))صحيح‬
‫وأما طواُفه بالبيت عند قدومه‪ ،‬فاخُتِل َ‬
‫حْو َ‬
‫ل‬ ‫جِة الَوَداع َ‬
‫حّ‬
‫ف النبى صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫ل عنها‪ ،‬قالت‪)) :‬طا َ‬
‫مسلم((‪ :‬عن عائشة رضى ا ّ‬
‫س((‪.‬‬
‫ب عْنه النا ُ‬
‫ضَر َ‬
‫ن كراهية أن ُي ْ‬
‫الكعبة على بعيره يستِلُم الّرْك َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم مكة وهو‬
‫وفى ))سنن أبى داود((‪ :‬عن ابن عباس‪ ،‬قال‪َ)) :‬قِدَم النب ّ‬
‫غ ِمن طوافه‪ ،‬أناخ‪ ،‬فصّلى‬
‫ن‪ ،‬فلما َفَر َ‬
‫جٍ‬‫حَ‬
‫ن‪ ،‬استلمه بِم ْ‬
‫ف على راحِلته‪ ،‬كّلَما أتى على الّرْك ِ‬
‫شَتِكى‪َ ،‬فطا َ‬
‫َي ْ‬
‫سَتِلُم الحجر‬
‫ت على بعيره‪َ ،‬ي ْ‬
‫ل البي ِ‬
‫ف حو َ‬
‫ت النبى صلى ال عليه وسلم يطو ُ‬
‫ركعتين‪ .‬قال أبو الطفيل‪ :‬رأي ُ‬
‫حجِنه‪ ،‬ثم يقّبله((‪ .‬رواه مسلم دون ِذكر البعير‪ .‬وهو عند البيهقى‪ ،‬بإسناد مسلم ِبِذْكِر الَبعيِر‪ .‬وهذا‬
‫بِم ْ‬
‫‪136‬‬

‫لَول‪،‬‬
‫ل فى الثلثة ا ُ‬
‫ف الُقدوم‪ ،‬فإن جابراً حكى عنه الرم َ‬
‫ل أعلم فى طواف الفاضة‪ ،‬ل فى طوا ِ‬
‫وا ُّ‬
‫وذلك ل يكون إل مع المشى‪.‬‬
‫سبعه الذى طافه لمقَدِمه‪ ،‬فعلى قدميه‪ ،‬لن جابرًا حكى عنه فيه‪ ،‬أنه‬
‫ل‪ :‬أما ُ‬
‫قال الشافعى رحمه ا ّ‬
‫سبٍع‬
‫رمل ثلثة أشواط‪ ،‬ومشى أربعة‪ ،‬فل يجوز أن يكون جابٌر يحكى عنه الطواف ماشيًا وراكبًا فى ُ‬
‫عيينة‪ ،‬عن‬
‫سبعه الذى ركب فيه فى طوافه يوَم النحر‪ ،‬ثم ذكر الشافعى‪ :‬عن ابن ُ‬
‫واحد‪ .‬وقد حفظ أن ُ‬
‫جروا بالفاضة‪ ،‬وأفاض‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أَمَر أصحاَبه أن ُيَه ّ‬
‫لا ّ‬
‫ابن طاووس‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أن رسو َ‬
‫سبه قال‪ :‬فيقّبل طرف المحجن‪.‬‬
‫جِنِه‪ ،‬أح ِ‬
‫حَ‬‫ل على راحلته يستلم الّركن ِبم ْ‬
‫فى نسائه لي ً‬
‫قلت‪ :‬هذا مع أنه مرسل‪ ،‬فهو خلف ما رواه جابر عنه فى‬
‫ن عمر‪ ،‬كما سيأتى‬
‫ف الفاضة يوم النحر نهارًا‪ ،‬وكذلك روت عائشة واب ُ‬
‫))الصحيح(( أنه طاف طوا َ‬
‫وقول ابن عباس‪ :‬إن النبى صلى ال عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى‪ ،‬فطاف على راحلته‪ ،‬كلما أتى‬
‫لَول‬
‫عَمره‪ ،‬وإل فقد صح عنه الرمل فى الثلثة ا ُ‬
‫الركن استلمه‪ .‬هذا إن كان محفوظًا‪ ،‬فهو فى إحدى ُ‬
‫من طواف القدوم‪ ،‬إل أن يقول كما قال ابن حزم فى السعى‪ :‬إنه رمل على بعيره‪ ،‬فإن َمن رمل على‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ث أنه كان راكبًا فى طواف القدوم‪ .‬وا ّ‬
‫بعيره‪ ،‬فقد رمل‪ ،‬لكن ليس فى شئ من الحادي ِ‬
‫فصل‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ل عليه وسلم بين الصفا والمروة أيضًا سبعًا‪ ،‬راكبًا على‬
‫وقال ابن حزم‪ :‬وطاف صلى ا ّ‬ ‫@‬
‫ط غيره‪،‬‬
‫ل هذا ق ّ‬
‫ل‪ ،‬فإن أحدًا لم يُق ْ‬
‫خبّ ثلثًا‪ ،‬ويمشى أربعًا‪ ،‬وهذا ِمن أوهامه وغلطه رحمه ا ّ‬
‫بعيره َي ُ‬
‫ول رواه أحد عن النبى صلى ال عليه وسلم البتة‪ .‬وهذا إنما هو فى الطواف بالبيت‪ ،‬فغِلط أبو محمد‪،‬‬
‫ب من ذلك‪ ،‬استدلُله عليه بما رواه من طريق البخارى‪،‬‬
‫ونقله إلى الطواف بين الصفا والمروة‪ .‬وأعج ُ‬
‫خ ّ‬
‫ب‬ ‫ن أّول شئ‪ ،‬ثم َ‬
‫ن َقِدم مكة‪ ،‬واستلم الرك َ‬
‫ف حي َ‬
‫عن ابن عمر‪)) ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم طا َ‬
‫ضى طواَفه بالبيت‪ ،‬وصّلى عند الَمَقام َركعتين‪ ،‬ثم سّلم‬
‫ثلثَة أطواف‪ ،‬ومشى أربعًا‪ ،‬فركع حين َق َ‬
‫صفا والمروِة سبعة أشواط‪ ((...‬وذكر باقى الحديث‪ .‬قال‪ :‬ولم نجد‬
‫صفا‪ ،‬فطاف بال ّ‬
‫فانصرف‪ ،‬فأتى ال ّ‬
‫صفا والمروة منصوصًا‪ ،‬ولكنه متفق عليه‪ .‬هذا لفظه‪.‬‬
‫عدد الّرَمل بين ال ّ‬
‫‪137‬‬

‫لَول‬
‫ل فى الثلثة ا ُ‬
‫ى فى بطن الوادى فى الشواط كّلها‪ .‬وأما الّرَم ُ‬
‫ق عليه‪ :‬السع ُ‬
‫قلت‪ :‬المتف ُ‬
‫صة‪ ،‬فلم يُقله‪ ،‬ول نقله فيما نعلُم غيُره‪ .‬وسألت شيخنا عنه‪ ،‬فقال‪ :‬هذا ِمن أغلطه‪ ،‬وهو لم يح ّ‬
‫ج‬ ‫خا ّ‬
‫ل تعالى‪.‬‬
‫رحمه ا ّ‬
‫عه مرة‬
‫ب بذهابه ورجو ِ‬
‫س ُ‬
‫ط َمن قال‪ :‬إنه سعى أرَبع عشرَة مرة‪ ،‬وكان يحت ِ‬
‫ط‪ ،‬غل ُ‬
‫ويشبه هذا الغل َ‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬لم ينقله عنه أحد‪ ،‬ول قاله أحٌد من الئمة الذين اشتهرت‬
‫واحدة‪ .‬وهذا غلط عليه صلى ا ّ‬
‫ض المتأخرين من المنتسبين إلى الئمة‪ .‬ومما يبين ُبطلن هذا القول‪ ،‬أنه‬
‫أقواُلهم‪ ،‬وإن ذهب إليه بع ُ‬
‫ع مرة واحدة‪،‬‬
‫ب والرجو ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم ل خلف عنه‪ ،‬أنه ختم سعيه بالمروة‪ ،‬ولو كان الذها ُ‬
‫صفا‪.‬‬
‫لكان ختُمه إنما يقع على ال ّ‬
‫ت‪ ،‬وكّبر الَّ‬
‫ى عليها‪ ،‬واستقبل البي َ‬
‫ل عليه وسلم إذا وصل إلى المروة‪َ ،‬رِق َ‬
‫وكان صلى ا ّ‬
‫حّ‬
‫ل‬ ‫ل َمن ل َهْدى معه أن َي ِ‬
‫صفا‪ ،‬فلما أكمل سعيه عند المروة‪ ،‬أمَر ُك ّ‬
‫حده‪ ،‬وفعل كما فعل على ال ّ‬
‫وو ّ‬
‫طيب‪ ،‬وُلبس‬
‫طِء الّنساء‪ ،‬وال ّ‬
‫ل ُكّلُه ِمن َو ْ‬
‫حّ‬‫حّلوا ال ِ‬
‫حتمًا ول ُبّد‪ ،‬قارنًا كان أو مفردًا‪ ،‬وأمرهم أن َي ِ‬
‫ت من‬
‫سَتْقَبْل ُ‬
‫ل َهْديه‪ .‬وهناك قال‪)) :‬لو ا ْ‬
‫ل هو ِمن أج ِ‬
‫حّ‬‫المخيط‪ ،‬وأن يبقوا كذلك إلى يوم الّتْرِوَيِة‪ ،‬ولم َي ِ‬
‫عْمَرًة((‪.‬‬
‫ى‪َ ،‬وَلجَعْلُتها ُ‬
‫ت الَهْد َ‬
‫سْق ُ‬
‫ت لما ُ‬
‫سَتْدَبْر ُ‬
‫َأْمرى ما ا ْ‬
‫ل هو أيضًا‪ ،‬وهو غلط قطعًا‪ ،‬قد بيّناه فيما تقدم‪.‬‬
‫وقد روى أنه أح ّ‬
‫شم‬
‫جْع ُ‬
‫صرين مرة‪ .‬وهناك سأله سراقُة بن مالك بن ُ‬
‫وُهناك دعا للمحّلقين بالمغفرة ثلثًا‪ ،‬وللمق ّ‬
‫ل أبو‬
‫حّ‬‫ل ِللبد((‪ .‬ولم َي ِ‬
‫ب أمره لهم بالفسخ والحلل‪ :‬هل ذلك ِلعاِمهم خاصة‪ ،‬أم للبد؟ فقال‪َ)) :‬ب ْ‬
‫عقي َ‬
‫ى‪ ،‬ول طلحُة‪ ،‬ول الزبيُر من أجل الَهْدى‪.‬‬
‫عمر‪ ،‬ول عل ّ‬
‫بكر‪ ،‬ول ُ‬
‫ل من أجل تعّذِر‬
‫حّ‬‫ن قارنات‪ ،‬إل عائشة فإنها لم َت ِ‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬فأحللن‪ ،‬وُك ّ‬
‫وأما نساؤه صلى ا ّ‬
‫ل ِمن أجل‬
‫حّ‬‫ل عنه لم َي ِ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫الحل عليها لحيضها‪ ،‬وفاطمة حّلت‪ ،‬لنها لم يكن معها َهْدى‪ ،‬وعل ّ‬
‫ل كإهلله أن ُيقيم على إحرامه إن كان معه َهْدى‪ ،‬وأن‬
‫َهْديه‪ ،‬وأمر صلى ال عليه وسلم َمن أهل بإهل ِ‬
‫ل إن لم يكن معه َهْدى‪.‬‬
‫حّ‬‫َي ِ‬
‫ظاِهر مّكة‪،‬‬
‫وكان ُيصّلى مدة ُمَقامه بمكة إلى يوم التروية بمنزله الذى هو ناِزل فيه بالمسلمين ب َ‬
‫صلة يوم الحد والثنين والثلثاء والربعاء‪ ،‬فلما كان يوُم‬
‫صُر ال ّ‬
‫فأقام بظاهرمكة أربعَة أّيام َيْق ُ‬
‫ل منهم ِمن رحالهم‪،‬‬
‫ن كان أح ّ‬
‫ج َم ْ‬
‫جه بمن معه ِمن المسلمين إلى ِمَنى‪ ،‬فأحرم بالح ّ‬
‫ى‪ ،‬تو ّ‬
‫ضح ً‬
‫الخميس ُ‬
‫‪138‬‬

‫ف ظهورهم‪ ،‬فلما وصل إلى ِمَنى‪ ،‬نزل‬


‫خُلوا إلى المسجد‪ ،‬فأحرُموا منه‪ ،‬بل أحرُموا ومكُة خل َ‬
‫ولم يد ُ‬
‫س‪ ،‬سار منها إلى‬
‫ت الشم ُ‬
‫بها‪ ،‬وصّلى بها الظهَر والعصَر‪ ،‬وبات بها‪ ،‬وكان ليلَة الجمعة‪ ،‬فلما طلع ِ‬
‫ب على يمين طريق الّناس اليوم‪ ،‬وكان ِمن أصحابه الملّبى‪ ،‬ومنهم‬
‫عرفة‪ ،‬وأخذ على طريق ض ّ‬
‫ت له ِبَنِمَرة بأمره‪،‬‬
‫ضِرَب ْ‬
‫الُمكّبُر‪ ،‬وهو يسَمُع ذلك ول ُيْنِكُر على هؤلء ول على هؤلء‪ ،‬فوجد الُقّبة قد ُ‬
‫س‪ ،‬أمر بناقته الَقصواء‬
‫ب اليوم‪ ،‬فنزل بها‪ ،‬حتى إذا زالت الشم ُ‬
‫وهى قرية شرقى عرفات‪ ،‬وهى خرا ٌ‬
‫عَرَنَة‪.‬‬
‫ت‪ ،‬ثم سار حتى أتى َبطن الوادى من أرض ُ‬
‫حل ْ‬
‫َفُر ِ‬
‫عد السلم‪ ،‬وهََدَم فيها‬
‫خطبة عظيمة قّرَر فيها قوا ِ‬
‫حلته ُ‬
‫س وهو على را ِ‬
‫فخطب الّنا َ‬
‫ل على تحريمها‪ ،‬وهى الّدماُء‪،‬‬
‫ك والجاهلية‪ ،‬وقّرر فيها تحريَم المحّرمات التى اتفقت الِمل ُ‬
‫شْر ِ‬
‫عَد ال ّ‬
‫قوا ِ‬
‫ت قدميه‪ ،‬ووضع فيها ربا الجاهلية ُكّله وأبطله‪،‬‬
‫ل‪ ،‬والعراض‪ ،‬ووضع فيها ُأموَر الجاهلية تح َ‬
‫والموا ُ‬
‫ق والِكسوُة‬
‫ب لهن الرز ُ‬
‫ق الذى لهن والذى عليهن‪ ،‬وأن الواج َ‬
‫وأوصاهم بالنساء خيرًا‪ ،‬وذكر الح ّ‬
‫جهن‪،‬‬
‫ن يكرهه أزوا ُ‬
‫خْلن إلى بيوتهن َم ْ‬
‫بالمعروف‪ ،‬ولم ُيقّدر ذلك بتقدير‪ ،‬وأباح للزواج ضرَبهن إذا َأْد َ‬
‫ضّلوا ما داموا معتصمين به‪ ،‬ثم أخبرهم‬
‫ل‪ ،‬وأخبر أنهم لن َي ِ‬
‫لّمة فيها بالعتصام بكتاب ا ّ‬
‫وأوصى ا ُ‬
‫أنهم مسؤولون عنه‪ ،‬واستنطقهم‪ :‬بماذا يقوُلون‪ ،‬وبماذا يشهدون‪ ،‬فقالوا‪ :‬نشهد أنك قد َبّلَغت وَأّدْي َ‬
‫ت‬
‫ث مرات‪ ،‬وأمرهم أن ُيَبّلغ شاهُدهم غائَبهم‪.‬‬
‫ل عليهم ثل َ‬
‫ت‪ ،‬فرفع ُأصبعه إلى السماء‪ ،‬واستشهد ا َّ‬
‫ح َ‬
‫صْ‬‫وَن َ‬
‫ل بن عباس‪ ،‬بقدح‬
‫قال ابن حزم‪ :‬وأرسلت إليه أّم الفضل بنت الحارث الِهللية وهى أّم عبد ا ّ‬
‫ل فأقام الصلة‪ ،‬وهذا من وهمه رحمه‬
‫خطبة‪ ،‬أمر بل ً‬
‫لبن‪ ،‬فشربه أماَم الّناس وهو على بعيره فلما أتم ال ُ‬
‫ل‪ ،‬فإن ِقصة شربه اللبن‪ ،‬إنما كانت بعد هذا حين سار إلى عرفة ووقف بها‪ ،‬هكذا جاء فى‬
‫ا ّ‬
‫صيام النبى صلى ال عليه وسلم يوَم‬
‫شّكوا فى ِ‬
‫س َ‬
‫))الصحيحين(( مصّرحًا به عن ميمونة‪)) :‬أن النا َ‬
‫س ينظرون((‪ .‬وفى لفظ‪)) :‬وهو‬
‫حلب وهو واِقف فى الموقف‪ ،‬فشِرب منه والنا ُ‬
‫عرفة‪ ،‬فأرسلت إليه ب ِ‬
‫واقف بعرفة((‪.‬‬
‫خطبته لم يكن من الموقف‪ ،‬فإنه خطب ِبُعَرَنة‪ ،‬وليست من الموقف‪ ،‬وهو صلى ال‬
‫وموضُع ُ‬
‫خطبة واحدة‪ ،‬ولم تكن خطبتين‪ ،‬جلس‬
‫عليه وسلم نَزل ِبَنِمَرَة‪ ،‬وخطب ِبُعَرَنة‪ ،‬ووقف ِبَعرَفة‪ ،‬وخطب ُ‬
‫ل فأّذن‪ ،‬ثم أقام الصلة‪ ،‬فصّلى الظهر ركعتين أسّر فيهما بالقراءة‪ ،‬وكان‬
‫بينهما‪ ،‬فلما أتمها‪ ،‬أَمَر بل ً‬
‫يوَم الجمعة‪ ،‬فدل على أن المساِفر ل ُيصّلى جمعة‪ ،‬ثم أقام فصّلى العصر ركعتين أيضًا ومعه أهل‬
‫‪139‬‬

‫صلِته قصرًا وجمعًا بل ريب‪ ،‬ولم يأمرهم بالتمام‪ ،‬ول بترك الجمع‪ ،‬وَمن قال‪ :‬إنه قال‬
‫مكة‪ ،‬وصّلْوا ب َ‬
‫سْفٌر((‪ ،‬فقد غلط فيه غلطًا بّينًا‪ ،‬ووهم وهما قبيحًا‪ .‬وإنما قال لهم ذلك فى‬
‫صلَتُكم فإّنا َقْوٌم َ‬
‫لهم‪)) :‬أِتّموا َ‬
‫غزاة الفتح بجوف مكة‪ ،‬حيث كانوا فى ديارهم مقيمين‪.‬‬
‫صُرون ويجمعون بعرفة‪ ،‬كما فعُلوا مع‬
‫ل العلماء‪ :‬أن أهل َمّكة َيْق ُ‬
‫ح أقوا ِ‬
‫ولهذا كان أص ّ‬
‫ح دليل‪ ،‬على أن سفر القصر ل يتحّدُد بمسافٍة معلومة‪ ،‬ول‬
‫النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وفى هذا أوض ُ‬
‫ل سببًا وهو السفُر ‪ ،‬هذا‬
‫ك فى قصر الصلة البتة‪ ،‬وإنما التأثيُر لما جعله ا ّ‬
‫سِ‬
‫بأيام معلومة‪ ،‬ول تأثير للّن ُ‬
‫مقتضى السنة ‪ ،‬ول وجه لما ذهب إليه المحددون‪.‬‬
‫ف‪ ،‬فوقف فى ذيل الجبل عند‬
‫فلما فرغ من صلته‪ ،‬ركب حتى أتى الموق َ‬
‫ل الُمشاة بين يديه‪ ،‬وكان على بعيره‪ ،‬فأخَذ فى الّدعاء والتضّرع‬
‫حْب َ‬
‫ت‪ ،‬واستقبل الِقْبلة‪ ،‬وجعل َ‬
‫خرا ِ‬
‫صَ‬‫ال ّ‬
‫عَرَنَة‪ ،‬وأخبر أن عرفة ل تختص‬
‫والبتهال إلى غروب الشمس‪ ،‬وأمر الّناس أن يرفُعوا عن بطن ُ‬
‫ف((‪.‬‬
‫عَرَفُة ُكّلها َمْوِق ٌ‬
‫ت هاهنا و َ‬
‫بموقفه ذلك‪ ،‬بل قال‪)) :‬وَقْف ُ‬
‫وأرسل إلى الناس أن يكونوا على مشاعرهم‪ ،‬ويقفوا بها‪ ،‬فإنها ِمن إرث أبيهم إبراهيم وهنالك‬
‫ن َلْيَلِة‬
‫ح ِم ْ‬
‫صْب ِ‬
‫لِة ال ّ‬
‫صَ‬‫ل َ‬
‫جاء َقْب َ‬
‫عَرَفُة‪َ ،‬من َ‬
‫ج َ‬
‫حّ‬‫ج‪ ،‬فقال‪)) :‬ال َ‬
‫جٍد‪ ،‬فسألوه عن الح ّ‬
‫أقبل ناسٌ من أهل َن ْ‬
‫ل ِإْثَم عليه((‪.‬‬
‫خَر َف َ‬
‫ن َتَأ ّ‬
‫عَلْيِه‪ ،‬وَم ْ‬
‫ل فى َيْوَمْين‪ ،‬فل إْثَم َ‬
‫جَ‬‫ن َتَع ّ‬
‫جُه‪ ،‬أّياُم ِمَنى َثلَثٌة‪َ ،‬فَم ْ‬
‫حّ‬
‫جْمٍع‪َ ،‬تّم َ‬
‫َ‬
‫عاء‬
‫خْيَر الّد َ‬
‫ن َ‬
‫وكان فى دعائه رافعًا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين‪ ،‬وأخبرهم أ ّ‬
‫عَرَفَة‪.‬‬
‫عاُء َيْوِم َ‬
‫ُد َ‬
‫خْيرًا ِمّما‬
‫ل‪ ،‬و َ‬
‫حْمُد كاّلِذى َنُقو ُ‬
‫ك ال َ‬
‫وذكر من دعائه صلى ال عليه وسلم فى الموقف‪)) :‬الّلُهَم َل َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ك‬ ‫ك رّبى ُتراثى‪ ،‬الّلُهّم إّنى َأ ُ‬
‫ك َمآبى‪ ،‬وَل َ‬
‫ى‪ ،‬وَمَماِتى‪َ ،‬وإلي َ‬
‫حَيا َ‬
‫سكى‪ ،‬وَم ْ‬
‫صلتى َوُن ُ‬
‫ك َ‬
‫ل‪ ،‬الّلُهّم َل َ‬
‫نُقو ُ‬
‫ح(( ذكره‬
‫جئ به الّري ُ‬
‫شّر َما ِت ِ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ت الْمِر‪ ،‬الّلُهّم إّنى َأ ُ‬
‫شتا ِ‬
‫صْدِر‪َ ،‬و َ‬
‫سِة ال ّ‬
‫سَو َ‬
‫عَذابِ الَقْبِر‪َ ،‬وَو ْ‬
‫ن َ‬
‫ِم ْ‬
‫الترمذى‪.‬‬
‫علنيتى‪ ،‬ل‬
‫سَمُع َكلمى‪ ،‬وَتَرى َمَكانى‪ ،‬وَتْعَلُم سّرى و َ‬
‫ومما ُذِكَر ِمن ُدعائه هناك‪)) :‬الّلُهّم َت ْ‬
‫ق‪ ،‬المقِّر المعتِر ُ‬
‫ف‬ ‫ل الُمشِف ُ‬
‫سَتجيُر‪َ ،‬والَوج ُ‬
‫ث الُم ْ‬
‫سَتِغي ُ‬
‫س الَفقيُر‪ ،‬الُم ْ‬
‫ن َأْمرى‪َ ،‬أنا الَبائ ُ‬
‫ئ ِم ْ‬
‫شٌ‬‫ك َ‬
‫يخفى عَلْي َ‬
‫خاِئفِ الضِريِر‪،‬‬
‫عاَء ال َ‬
‫ك ُد َ‬
‫عو َ‬
‫ل‪َ ،‬وَأْد ُ‬
‫ب الّذِلي ِ‬
‫ل الُمْذِن ِ‬
‫ك اْبتها َ‬
‫ل إلْي َ‬
‫سكين‪ ،‬وأْبَتِه ُ‬
‫سألَة الِم ْ‬
‫ك َم ْ‬
‫سَأل َ‬
‫ِبُذُنوبى‪َ ،‬أ ْ‬
‫‪140‬‬

‫ك َر ّ‬
‫ب‬ ‫جعلنى ِبُدعاِئ َ‬
‫ك‪ ،‬الّلُهّم ل َت ْ‬
‫غَم َأْنُفُه َل َ‬
‫سُدُه‪ ،‬وَر ِ‬
‫جَ‬‫ل َ‬
‫عْيَناُه‪ ،‬وذ ّ‬
‫ك َ‬
‫ت َل َ‬
‫ض ْ‬
‫ك َرَقَبُتُه‪ ،‬وَفا َ‬
‫ت َل َ‬
‫ضَع ْ‬
‫خ َ‬
‫ن َ‬
‫َم ْ‬
‫ن(( ذكره الطبراني‪.‬‬
‫طي َ‬
‫خْيَر الُمعْ ِ‬
‫سُؤولين‪ ،‬وَيا َ‬
‫شِقيًا‪ ،‬وُكن بى َرُؤوفًا رحيمًا‪ ،‬يا خْيَر الَم ْ‬
‫َ‬
‫جّده قال‪ :‬كان أكثُر ُدعاِء الّنب ّ‬
‫ى‬ ‫وذكر المام أحمد‪ :‬من حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن َ‬
‫خْيُر َوُهَو‬
‫ك وَلُه الحمُد‪ِ ،‬بَيِدِه ال َ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫ل وحَدْه ل شِري َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫عَرفة‪)) :‬ل إله إ ّ‬
‫صلى ال عليه وسلم َيْوَم َ‬
‫ل شئ َقِدير((‪.‬‬
‫على ُك ّ‬
‫َ‬
‫ل عليه وسلم قال‪َ)) :‬أْكَثُر ُدعائى‬
‫ل عنه‪ ،‬أنه صّلى ا ّ‬
‫ى رضى ا ُّ‬
‫ى من حديث عل ّ‬
‫وذكر البيهق ّ‬
‫شئ‬
‫ل َ‬
‫على ُك ّ‬
‫حْمُد وُهَو َ‬
‫ك وَلُه ال َ‬
‫ك َله‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫حَده ل َ‬
‫ل َو ْ‬
‫لا ّ‬
‫ن َقْبلى ِبَعَرَفَة‪ :‬ل إله إ ّ‬
‫لْنبَياء ِم ْ‬
‫وُدعاِء ا َ‬
‫شَرحْ‬
‫صرى ُنورًا‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫سْمعى ُنورًا‪ ،‬وفى َب َ‬
‫صْدرى ُنورًا‪ ،‬وفى َ‬
‫جَعل فى َقلبى ُنورًا‪ ،‬وفى َ‬
‫َقِدير‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫شَتات الْمر‪ ،‬وِفْتنِة الَقْبِر‪ ،‬الّلُهّم إنى‬
‫صْدِر‪ ،‬و َ‬
‫س ال ّ‬
‫سوا ِ‬
‫ن َو ْ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫سْر لى َأْمرى‪ ،‬وأ ُ‬
‫صْدِرى‪ ،‬وَي ّ‬
‫لى َ‬
‫شّر َبواِئق‬
‫ح‪ ،‬و َ‬
‫ب ِبِه الّريا ُ‬
‫شّر َما َتُه ّ‬
‫ج فى الّنهاِر‪ ،‬و َ‬
‫شّر ما َيِل ُ‬
‫ج فى الّلْيل‪ ،‬و َ‬
‫شّر ما َيِل ُ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫أُ‬
‫الّدْهر((‪.‬‬
‫وأسانيُد هذه الدعية فيها لين‪.‬‬
‫سلَم ِدينًا{‬
‫ت َلُكُم ال ْ‬
‫ضي ُ‬
‫ت عََلْيُكْم ِنْعَمِتى َوَر ِ‬
‫ت َلُكْم ِديَنُكْم وَأْتَمْم ُ‬
‫ت عليه‪} :‬الَيْوَم َأْكَمْل ُ‬
‫وهناك ُأنِزَل ْ‬
‫]المائدة‪.[3 :‬‬
‫ل صلى‬
‫وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محِرم فمات‪ ،‬فأمر رسول ا ّ‬
‫سه‪ ،‬ول‬
‫طى َرْأ ُ‬
‫سْدٍر‪ ،‬ول ُيَغ ّ‬
‫سل بَماٍء َو ِ‬
‫ب‪ ،‬وأن ُيَغ ّ‬
‫طي ٍ‬
‫س ِب ِ‬
‫ن فى َثْوَبْيِه‪ ،‬ول ُيَم ّ‬
‫ال عليه وسلم أن ُيكّف َ‬
‫ل َتَعاَلى َيْبَعُثُه َيْوَم الِقَياَمِة ُيَلّبى‪.‬‬
‫نا ّ‬
‫خَبَر َأ ّ‬
‫جُهُه‪ ،‬وَأ ْ‬
‫َو ْ‬
‫حكمًا‪.‬‬
‫وفى هذه القصة اثنا عشر ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم به‪.‬‬
‫ل الميت‪ ،‬لمر رسول ا ّ‬
‫ب غس ِ‬
‫الول‪ :‬وجو ُ‬
‫س بالموت‪ ،‬لنه لو نجس بالموت لم َيِزْدُه غسُله إل نجاسة‪ ،‬لن‬
‫ج ُ‬
‫الحكم الثانى‪ :‬أنه ل َيْن ُ‬
‫طُهُر بالَغسل‪ ،‬بطل أن يكون َنجسًا‬
‫جسون على أنه َي ْ‬
‫ت للحيوان عينية‪ ،‬فإن ساعد المن ّ‬
‫نجاسة المو ِ‬
‫ل أكفاَنه وثيابه وغاسله إل نجاسة‪.‬‬
‫بالموت‪ ،‬وإن قالوا‪ :‬ل يطُهُر‪ ،‬لم يزد الغس ُ‬
‫‪141‬‬

‫سْدٍر ل ُيقتصر به على الماء وحده‪،‬‬


‫سل بماٍء و ِ‬
‫ق الميت‪ ،‬أن ُيغ ّ‬
‫ع فى ح ّ‬
‫ن المشرو َ‬
‫الحكم الثالث‪ :‬أ ّ‬
‫وقد أمر النبى صلى ال عليه وسلم بالسدر فى ثلثة مواضع‪ ،‬هذا أحُدها‪ .‬والثانى‪ :‬فى غسل ابنته‬
‫بالماءوالسدر‪.‬والثالث‪ :‬فى غسل الحائض‪.‬‬
‫ق الحاِئض قولن فى مذهب أحمد‪.‬‬
‫سدِر فى ح ّ‬
‫وفى وجوب ال ّ‬
‫ن تغّير الماء بالطاهرات‪ ،‬ل يسلُُبه طهورّيَته‪ ،‬كما هو مذهب الجمهور‪،‬‬
‫الحكم الرابع‪ :‬أ ّ‬
‫خرون من أصحابه على خلفها‪ .‬ولم يأمر بغسله بعد‬
‫ص الروايتين عن أحمد‪ ،‬وإن كان المتأ ّ‬
‫وهو أن ّ‬
‫ن فى الغسلة الخيرة شيئًا من الكافور‪ ،‬ولو سلبه‬
‫ل ابنته أن يجعْل َ‬
‫غس ِ‬
‫ذلك بماٍء َقراح‪ ،‬بل أمر فى َ‬
‫ن تغير مجاورة‪ ،‬بل هو‬
‫طهوِرّية‪ ،‬لنهى عنه‪ ،‬وليس القصُد مجرَد اكتساب الَماء من رائحته حتى يكو َ‬
‫ال ّ‬
‫صل بكاُفور مخاِلط ل مجاِور‪.‬‬
‫ن وتصليبه وتقويُته‪ ،‬وهذا إنما يح ُ‬
‫تطييب البد ِ‬
‫ن عباس‪،‬‬
‫لبُ‬
‫الحكم الخامس‪ :‬إباحُة الغسل للمحرم‪ ،‬وقد تناظر فى هذا عبُد ا ِّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم اغتس َ‬
‫ل‬ ‫لا ّ‬
‫ن رسو َ‬
‫ل بينهما أُبو أيوب النصارى‪ ،‬بأ ّ‬
‫صَ‬‫خَرَمَة‪َ ،‬فَف َ‬
‫ن َم ْ‬
‫سَوُر ب ُ‬
‫والِم ْ‬
‫ب رأسه فى الماء‪،‬‬
‫ل أن ُيَغّي َ‬
‫سل من الجنابة‪ ،‬ولكن كره مالك رحمه ا ّ‬
‫حِرٌم‪ .‬واتفقوا على أنه يغت ِ‬
‫وهو ُم ْ‬
‫ن عباس‪.‬‬
‫ح أنه ل بأس به‪ ،‬فقد فعله عمُر بن الخطاب واب ُ‬
‫ستر له‪ ،‬والصحي ُ‬
‫لنه نوع ِ‬
‫ف فى‬
‫سْدِر‪ .‬وقد اخُتِل َ‬
‫الحكم السادس‪ :‬أن المحرم غيُر ممنوع من الماء وال ّ‬
‫ى‪ ،‬وأحمد فى أظهر الروايتين عنه‪ ،‬ومنع منه مالك‪ ،‬وأبو حنيفة‪ ،‬وأحمد فى رواية‬
‫ذلك‪ ،‬فأباحه الشافع ّ‬
‫ابنه صالح عنه‪ .‬قال‪ :‬فإن فعل‪ ،‬أهدى‪ ،‬وقال صاحبا أبى حنيفة‪ :‬إن فعل‪ ،‬فعليه صدقة‪.‬‬
‫وللمانعين ثلث علل‪.‬‬
‫إحداها‪ :‬أنه يقُتل الَهَواّم من رأسه‪ ،‬وهو ممنوع من التفّلى‪.‬‬
‫ث ُينافى الحرام‪.‬‬
‫شَع ٍ‬
‫الثانية‪ :‬أنه ترّفه‪ ،‬وإزالُة َ‬
‫طيب‪ ،‬ول سيما الخطمى‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أنه يسَتِلّذ رائحَته‪ ،‬فأشبه ال ّ‬
‫ل ورسوله على المحِرم إزالة‬
‫والعلل الثلث واهية جدًا‪ ،‬والصواب‪ :‬جوازه للنص‪ ،‬ولم ُيحّرم ا ُّ‬
‫سْدُر من الطيب فى شئ‪.‬‬
‫ث بالغتسال‪ ،‬ول قتل القمل‪ ،‬وليس ال ّ‬
‫شَع ِ‬
‫ال ّ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ن مقّدم على الميراث‪ ،‬وعلى الّدْين‪ ،‬لن رسو َ‬
‫الحكم السابع‪ :‬أن الكف َ‬
‫ل‪ ،‬لسأل‪.‬‬
‫وسلم أمر أن ُيكّفن فى ثوبيه‪ ،‬ولم يسأل عن وارثه‪ ،‬ول عن َدْينٍ عليه‪ ،‬ولو اختلف الحا ُ‬
‫‪142‬‬

‫وكما أن ِكسوته فى الحياة مقّدمة على قضاء َدينه‪ ،‬فكذلك بعد الممات‪ ،‬هذا كلُم الجمهور‪ ،‬وفيه‬
‫ل عليه‪.‬‬
‫خلف شاذ ل ُيَعّو ُ‬
‫الحكم الثامن‪ :‬جواز القتصاِر فى الكفن على ثوبين‪ ،‬وهما إزاٌر ورداء‪ ،‬وهذا قول الجمهور‪.‬‬
‫ل من ثلثة أثواب عند القدرة‪ ،‬لنه لو جاز القتصاُر على ثوبين‪،‬‬
‫وقال القاضى أبو يعلى‪ :‬ل يجوز أق ّ‬
‫لم يجز التكفين بالثلثة لمن له أيتام‪ ،‬والصحيح خلف قوله‪ ،‬وما ذكرُه ُينقض بالخشن مع الرفيع‪.‬‬
‫طيب‪ ،‬لن النبى صلى ال عليه وسلم نهى أن‬
‫ع من ال ّ‬
‫الحكم التاسع‪ :‬أن المحرم ممنو ٌ‬
‫طيب‪.‬‬
‫س طيبًا‪ ،‬مع شهادته له أنه ُيبعث ملّبيًا‪ ،‬وهذا هو الصل فى منع المحِرم ِمن ال ّ‬
‫ُيَم ّ‬
‫س َأْو‬
‫سه َوْر ٌ‬
‫شْيئًا َم ّ‬
‫ن الّثَياب َ‬
‫سوا ِم َ‬
‫وفى ))الصحيحين(( من حديث ابن عمر‪)) :‬ل َتْلَب ُ‬
‫عَفَران((‪.‬‬
‫َز ْ‬
‫ق‪.‬‬
‫خُلو ِ‬
‫عْنُه َأَثُر ال َ‬
‫ل َ‬
‫سَ‬‫جّبُة‪ ،‬وُيْغ َ‬
‫عْنُه ال ُ‬
‫ع َ‬
‫خُلوق‪ ،‬أن ُتْنَز َ‬
‫خ بال َ‬
‫جّبة بعد ما تضّم َ‬
‫وأمر الذى أحرم فى ُ‬
‫حها هذه القصة‪ ،‬فإن النهى فى‬
‫فعلى هذه الحاديث الثلثة مداُر منع المحِرم من الطيب‪ .‬وأصر ُ‬
‫ق‪ ،‬فإن النهى عنه عام فى‬
‫خلو َ‬
‫ص من الطيب‪ ،‬ل سيما ال َ‬
‫الحديثين الخيرين‪ ،‬إنما هو عن نوع خا ّ‬
‫الحرام وغيره‪.‬‬
‫س‪،‬‬
‫وإذا كان النبى صلى ال عليه وسلم قد نهى أن ُيقرب طيبًا‪ ،‬أو يمس به‪ ،‬تناول ذلك الرأ َ‬
‫ظ النهى ل يتناوله‬
‫س‪ ،‬فإنما حّرمه َمن حّرمه بالقياس‪ ،‬وإل فلف ُ‬
‫والبدن‪ ،‬والثياب‪ ،‬وأما شّمه من غير م ّ‬
‫ن شمه‬
‫ع معلوٌم فيه يجب المصير إليه‪ ،‬ولكن تحريُمه من باب تحريم الوسائل‪ ،‬فإ ّ‬
‫بصريحه‪ ،‬ول إجما َ‬
‫حُرَم‬
‫ن والثياب‪ ،‬كما يحرم النظر إلى الجنبية‪ ،‬لنه وسيلة إلى غيره‪ ،‬وما َ‬
‫يدعو إلى ملمسته فى البد ِ‬
‫لَمة الُمسَتاَمِة‪،‬‬
‫جحة‪ ،‬كما ُيباح النظر إلى ا َ‬
‫تحريم الوساِئل‪ ،‬فإنه ُيباح للحاجة‪ ،‬أو المصلحة الّرا ِ‬
‫طّبها‪ .‬وعلى هذا‪ ،‬فإنما ُيمنع المحرُم ِمن قصد شّم الطيب‬
‫شِهَد عليها‪ ،‬أو يعاملها‪ ،‬أو َي ُ‬
‫طوبة‪ ،‬ومن َ‬
‫والمخ ُ‬
‫للترّفه والّلذة‪ ،‬فأما إذا وصلت الرائحُة إلى َأنفه من غير قصد منه‪ ،‬أو شّمه قصدًا لستعلمه عند‬
‫شرائه‪ ،‬لم ُيمنع منه‪ ،‬ولم يجب عليه سّد أنفه‪ ،‬فالول‪ :‬بمنزلة نظر الفجأة‪ ،‬والثانى‪ :‬بمنزلة نظر الُمستام‬
‫ضح هذا‪ ،‬أن الذين أباحوا للمحرم استداَمة الطيب قبل الحرام‪ ،‬منهم َمن صّرح‬
‫والخاطب‪ ،‬ومما ُيو ّ‬
‫شّمه بعد الحرام‪ ،‬صّرح بذلك أصحاب أبى حنيفة‪ ،‬فقالوا‪ :‬فى ))جوامع الفقه(( لبى‬
‫بإباحة تعّمد َ‬
‫ل به‪،‬‬
‫طيب يتص ُ‬
‫يوسف‪ :‬ل بأس بأن يشم طيبًا تطّيب به قبل إحرامه‪ ،‬قال صاحب ))المفيد((‪ :‬إن ال ّ‬
‫‪143‬‬

‫سحور فى حق الصائم يدفُع به أذى الجوع‬


‫فيصير تبعًا له ليدفع به أذى التعب بعد إحرامه‪ ،‬فيصير كال ّ‬
‫والعطش فى الصوم‪ ،‬بخلف الثوب‪ ،‬فإنه بائن عنه‪.‬‬
‫وقد اختلف الفقهاء‪ ،‬هل هو ممنوع من استدامته‪ ،‬كما هو ممنوع من ابتدائه‪ ،‬أو يجوز له‬
‫سـّنة الصحيحة عن النبى‬
‫استدامُته؟ على قولين‪ .‬فمذهب الجمهور‪ :‬جواُز استدامته اتباعًا لما ثبت بال ّ‬
‫حَراِمه‪ .‬وفى‬
‫ب فى َمَفاِرِقه َبْعَد إ ْ‬
‫طي ِ‬
‫حَراِمِه‪ ،‬ثم ُيَرى َوِبيصُ ال ّ‬
‫لإ ْ‬
‫ب َقْب َ‬
‫صلى ال عليه وسلم أنه كان يتطّي ُ‬
‫ل الذى تأّوله َمن قال‪ :‬إن ذلك‬
‫ث((‪ .‬وكل هذا يدفع التأويل الباط َ‬
‫لفظ‪)) :‬وهو ُيلّبى(( وفى لفظ‪َ)) :‬بْعَد َثل ٍ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن‬
‫لا ّ‬
‫كان قبل الحرام‪ ،‬فلما اغتسل‪ ،‬ذهب أثره‪ .‬وفى لفظ‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ل ما يصنُع التقليُد‪،‬‬
‫ك‪ .‬و ّ‬
‫سِه َوِلحَيِتِه َبْعَد ذِل َ‬
‫ب فى َرْأ ِ‬
‫طي ِ‬
‫ص ال ّ‬
‫جُد‪ ،‬ثم ُيَرى َوِبي ُ‬
‫ب َما َي ِ‬
‫طَي ِ‬
‫ب بَأ ْ‬
‫ُيحِرَم‪َ ،‬تطّي َ‬
‫ونصرة الراء بأصحابه‪.‬‬
‫ن دعوى الختصاص‪،‬‬
‫وقال آخرون منهم‪ :‬إن ذلك كان مختصًا به‪ ،‬ويرّد هذا أمران‪ ،‬أحدهما‪ :‬أ ّ‬
‫سَمُع إل ِبدليل‪.‬‬
‫ل ُت ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إلى مكة‪،‬‬
‫ج مع رسو ِ‬
‫والثانى‪ :‬ما رواه أبو داود‪ ،‬عن عائشة‪)) ،‬كنا نخُر ُ‬
‫ى صلى ال‬
‫جِهَها‪َ ،‬فَيَراُه الّنب ّ‬
‫عَلى َو ْ‬
‫ل َ‬
‫سا َ‬
‫ت إحَداَنا‪َ ،‬‬
‫عِرَق ْ‬
‫حَراِم‪َ ،‬فإَذا َ‬
‫عْنَد ال ْ‬
‫ب ِ‬
‫طّي ِ‬
‫ك الُم َ‬
‫سّ‬
‫جَباَهَنا بال ّ‬
‫ضّمُد ِ‬
‫َفُن َ‬
‫ل َيْنَهاَنا((‪.‬‬
‫عليه وسلم َف َ‬
‫ب فيه ثلث‪ :‬ممنوع منه‬
‫الحكم العاشر‪ :‬أن الُمحِرم ممنوع ِمن تغطية رأسه‪ ،‬والمرات ُ‬
‫ل متصل ملمس ُيراُد لستر الرأس‪ ،‬كالِعَماَمِة‪،‬‬
‫بالتفاق‪ ،‬وجائٌز بالتفاق‪ ،‬ومختَلف فيه‪ ،‬فالول‪ :‬ك ّ‬
‫خوَذِة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫طاقيِة‪ ،‬وال ُ‬
‫والُقّبَعِة‪ ،‬وال ّ‬
‫ن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أنه‬
‫حعِ‬
‫جرِة‪ ،‬ونحوها‪ ،‬وقد ص ّ‬
‫شَ‬‫ت‪ ،‬وال ّ‬
‫والثانى‪ :‬كالخيمة‪ ،‬والَبْي ِ‬
‫ل به‪،‬‬
‫ظّ‬‫ضَع ثوَبه على شجرة ِليسَت ِ‬
‫حِرٌم‪ ،‬إل أن مالكًا منع المحِرم أن ي َ‬
‫ت لَُه ُقّبٌة ِبَنِمَرَة وُهَو ُم ْ‬
‫ضِرَب ْ‬
‫ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫حِم ِ‬
‫ل المَ ْ‬
‫ظّ‬‫ى فى ِ‬
‫شَ‬‫وخالفه الكثرون‪ ،‬ومنع أصحاُبُه المحِرم أن َيْم ِ‬
‫ل الشافعى وأبى‬
‫ج‪ ،‬فيه ثلثة أقوال‪ :‬الجواز‪ ،‬وهو قو ُ‬
‫حاَرِة‪ ،‬والَهْوَد ِ‬
‫حِمل‪ ،‬والَم َ‬
‫والثالث‪ :‬كالَم ْ‬
‫ل‪ .‬والثالث‪ :‬المنع‪ ،‬فإن‬
‫ك رحمه ا ّ‬
‫ب مال ٍ‬
‫ل‪ ،‬والثانى‪ :‬المنع‪ .‬فإن فعل‪ ،‬افتدى‪ ،‬وهو مذه ُ‬
‫حنيفة رحمهما ا ّ‬
‫ل‪.‬‬
‫ت عن أحمد رحمه ا ّ‬
‫فعل‪ ،‬فل ِفديَة عليه‪ ،‬والثلثُة روايا ٌ‬
‫‪144‬‬

‫الحكم الحادى عشر‪ :‬منع المحرم من تغطية وجهه‪ ،‬وقد اخُتِلف فى هذه المسألة‪ .‬فمذهب‬
‫الشافعى وأحمد فى رواية‪ :‬إباحته‪ ،‬ومذهب مالك‪ ،‬وأبى حنيفة‪ ،‬وأحمد فى رواية‪ :‬المنع منه‪ ،‬وبإباحته‬
‫ن‪ ،‬وعبُد الرحمن بن عوف‪ ،‬وزيُد بن ثابت‪ ،‬والزبيُر‪ ،‬وسعُد بن أبى‬
‫قال ستة من الصحابة‪ :‬عثما ُ‬
‫ل عنهم‪ .‬وفيه قول ثالث شاذ‪ :‬إن كان حيًا‪ ،‬فله تغطية وجهه‪ ،‬وإن كان ميتًا‪ ،‬لم‬
‫وقاص‪ ،‬وجابٌر رضى ا ّ‬
‫ن حزم‪ ،‬وهو اللئق بظاهريته‪.‬‬
‫يجز تغطيُة وجهه‪ ،‬قاله اب ُ‬
‫خّمُروا‬
‫ل ُت َ‬
‫واحتج المبيحون بأقوال هؤلء الصحابة‪ ،‬وبأصل الباحة‪ ،‬وبمفهوم قوله‪)) :‬و َ‬
‫خّمروا وجهه((‪ ،‬بأن هذه اللفظة غير محفوظة فيه‪ .‬قال شعبة‪:‬‬
‫سه((‪ ،‬وأجابوا عن قوله‪)) :‬ول ُت َ‬
‫َرأ َ‬
‫خّمروا‬
‫حدثنيه أبو بشر‪ ،‬ثم سألُته عنه بعد عشر سنين‪ ،‬فجاء بالحديث كما كان‪ ،‬إل أنه قال‪)) :‬ل ُت َ‬
‫جَهُه‪َ ،‬ول‬
‫خّمُروا َو ْ‬
‫جَهه((‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا يدل على ضعفها‪ .‬قالوا‪ :‬وقد روى فى الحديث‪َ )) :‬‬
‫ل َو ْ‬
‫سُه‪ ،‬و َ‬
‫َرْأ َ‬
‫سُه((‪.‬‬
‫خّمروا َرْأ َ‬
‫ُت َ‬
‫ن‪،‬‬
‫طُع به‪ ،‬وهذا مذهبُ عثما َ‬
‫الحكم الثانى عشر‪ :‬بقاُء الحراِم بعد الموت‪ ،‬وأنه ل ينق ِ‬
‫ل عنهم‪ ،‬وبه قال أحمُد‪ ،‬والشافعى‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وقال أبو حنيفة‪،‬‬
‫ى‪ ،‬وابن عباس‪ ،‬وغيرهم رضى ا ّ‬
‫وعل ّ‬
‫حلل‪ ،‬لقوله صلى ال عليه‬
‫ومالك‪ ،‬والوزاعى‪ :‬ينقطع الحراُم بالموت‪ ،‬وُيصنع به كما ُيصنع بال َ‬
‫ث((‪.‬‬
‫ن َثل ٍ‬
‫ل ِم ْ‬
‫عَمُلُه إ ّ‬
‫طَع َ‬
‫حُدُكُم اْنَق َ‬
‫ت َأ َ‬
‫وسلم‪)) :‬إَذا َما َ‬
‫ل فى حديث الذى وقصته راحلُته‪ ،‬لنه خاص به‪ ،‬كما قاُلوا فى صلته على‬
‫قالوا‪ :‬ول دلي َ‬
‫ى‪ :‬إنها مختصة به‪.‬‬
‫شّ‬‫جا ِ‬
‫الّن َ‬
‫ل‪ ،‬فل ُتقبل‪ ،‬وقوله فى الحديث‪)) :‬فإّنه‬
‫قال الجمهور‪ :‬دعوى التخصيص على خلف الص ِ‬
‫ث َيْوَم الِقياَمِة ُملّبيًا((‪ ،‬إشارة إلى الِعّلة‪ .‬فلو كان مختصًا به‪ ،‬لم ُيشر إلى الِعّلة‪ ،‬ول سيما إن قيل‪ :‬ل‬
‫ُيْبَع ُ‬
‫حد‪ ،‬فقال‪َ)) :‬زّمُلوُهْم فى ثيابِهم‪ ،‬بُكُلُومهم‪،‬‬
‫شهداء ُأ ُ‬
‫ل بالِعّلة القاصرة‪ .‬وقد قال نظير هذا فى ُ‬
‫يصح التعلي ُ‬
‫ك((‪ .‬وهذا غيُر مختص بهم‪ ،‬وهو نظيُر‬
‫سِ‬
‫ح الِم ْ‬
‫ح ِري ُ‬
‫ن الّدم‪ ،‬والّري ُ‬
‫ن َلْو ُ‬
‫ن َيوَم القياَمِة الّلْو ُ‬
‫فإّنُهم ُيْبَعُثو َ‬
‫حد فقط‪ ،‬بل‬
‫قوله‪َ)) :‬كّفُنوُه فى َثْوبيِه‪ ،‬فإنه ُيبعث يوم القيامة ُمَلّبيًا((‪ .‬ولم تقولوا‪ :‬إن هذا خاص بشهداء ُأ ُ‬
‫عّديتم الحكم إلى سائر الشهداء مع إمكان ما ذكرتم من التخصيص فيه‪ .‬وما الفرق؟ وشهادة النبى صلى‬
‫ال عليه وسلم فى الموضعين واحدة‪ ،‬وأيضًا‪ :‬فإن هذا الحديث موافق لصول الشرع والحكمة التى‬
‫‪145‬‬

‫رتب عليها المعاد‪ ،‬فإن العبد ُيبعث على ما مات عليه‪ ،‬وَمن مات على حالة ُبِعث عليها فلو لم يرد هذا‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫الحديث‪ ،‬لكان أصول الشرع شاهدة به‪ .‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫جته صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫حّ‬‫سياق َ‬
‫عدنا إلى ِ‬
‫صفرة‪ ،‬أفاض من عرفة‪ ،‬وأردف ُأسامَة‬
‫ث ذهبت ال ّ‬
‫س‪ ،‬واستحكم غروُبها بحي ُ‬
‫فلما غربت الشم ُ‬
‫حِلِه وُهو يقول‪:‬‬
‫ف َر ْ‬
‫طَر َ‬
‫ب َ‬
‫صي ُ‬
‫سها لُي ِ‬
‫ن زيد خلفه‪ ،‬وأفاض بالسكينة‪ ،‬وضّم إليه ِزمام ناقِته‪ ،‬حتى إن رأ َ‬
‫بَ‬
‫ضاع((‪ .‬أى‪ :‬ليس بالسراع‪.‬‬
‫س بالي َ‬
‫ن الِبّر َلْي َ‬
‫سِكيَنَة‪ ،‬فإ ّ‬
‫عَلْيُكم ال ّ‬
‫س؛ َ‬
‫))َأّيَها الّنا ُ‬
‫تا ّ‬
‫ل‬ ‫ب‪ ،‬وهكذا كانت عادته صلوا ُ‬
‫ض ّ‬
‫عَرفة من طريق َ‬
‫ن‪ ،‬ودخل َ‬
‫وأفاض من طريق الَمأِزَمْي ِ‬
‫عليه وسلُمه فى العياِد‪ ،‬أن ُيخالف الطريق‪ ،‬وقد تقّدم حكمُة ذلك عند الكلم على َهْديه فى العيد‪.‬‬
‫جوًة وهو‬
‫سريِع‪ ،‬ول الَبطئ‪ .‬فإذا وجد فَ ْ‬
‫سير ليس بال ّ‬
‫ب من ال ّ‬
‫ق‪ ،‬وهو ضر ٌ‬
‫ثم جعل يسيُر الَعَن َ‬
‫ص سيره‪ ،‬أى‪ :‬رفعه فوق ذلك‪ ،‬وكلما أتى ربوًة من تلك الّربى‪ ،‬أرخى للناقة ِزمامها قلي ً‬
‫ل‬ ‫المّتسُع‪َ ،‬ن ّ‬
‫حتى تصعد‪.‬‬
‫ت ا ِّ‬
‫ل‬ ‫وكان ُيلّبى فى مسيره ذلك‪ ،‬لم يقطع التلبيَة‪ .‬فلما كان فى أثناء الطريق‪ ،‬نزل صلوا ُ‬
‫ل‪ ،‬فقال‪)) :‬الصلة ‪ -‬أو‬
‫وسلمه عليه‪ ،‬فبال‪ ،‬وتوضأ وضوءًا خفيفًا‪ ،‬فقال له أسامة‪ :‬الصلة يا َرسول ا ّ‬
‫صّلى ‪َ -‬أَماَمك((‪.‬‬
‫الُم َ‬
‫ن‪ ،‬ثم أقام‪،‬‬
‫صلة‪ ،‬ثم أمر بالذان‪ ،‬فأّذن المؤّذ ُ‬
‫ثم سار حتى أتى المزدلفة‪ ،‬فتوضأ وضوء ال ّ‬
‫صلُة‪ ،‬ثم صّلى‬
‫ت ال ّ‬
‫طوا ِرحالهم‪ ،‬أمر فأقيم ِ‬
‫ك الجمال‪ ،‬فلما ح ّ‬
‫حال‪ ،‬وتبري ِ‬
‫ط الّر َ‬
‫ب قبل ح ّ‬
‫صّلى المغر َ‬
‫َف َ‬
‫لهما بأذانين وإقامتين‪ ،‬وُروى‬
‫ل بينهما شيئًا‪ .‬وقد ُروى‪ :‬أنه ص ّ‬
‫خرة بإقامة بل أذان‪ ،‬ولم ُيص ّ‬
‫عشاء ال ِ‬
‫ِ‬
‫بإقامتين بل أذان‪ ،‬والصحيح‪ :‬أنه صلهما بأذان وإقامتين‪ ،‬كما فعل بعرفة‪.‬‬
‫ح عنه فى إحياء َلْيلَتى العيدين شئ‪.‬‬
‫حى تلك الليلة‪ ،‬ول ص ّ‬
‫ثم نام حتى أصبح‪ ،‬ولم ُي ْ‬
‫عند‬
‫ن ذلك ِ‬
‫ع الفجر‪ ،‬وكا َ‬
‫طلو ِ‬
‫ل ُ‬
‫ن فى تلك الليلة ِلضعفِة أهِله أن يتقّدُموا إلى ِمَنى َقْب َ‬
‫))وَأِذ َ‬
‫س(( حديث صحيح صححه الترمذى‬
‫شم ُ‬
‫جْمَرَة حتى تطُلَع ال ّ‬
‫غيبوبِة الَقَمِر‪ ،‬وأمرهم أن ل َيْرُموا ال َ‬
‫وغيره‪.‬‬
‫‪146‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم بُأّم سلمَة ليلَة‬


‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫ل عنها‪)) :‬أرس َ‬
‫ث عائشَة رضى ا ّ‬
‫وأما حدي ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫ن رسول ا ّ‬
‫ضت‪ ،‬وكان ذلك اليوُم الذى يكو ُ‬
‫ضت‪ ،‬فأفا َ‬
‫جِر‪ ،‬ثم َم َ‬
‫ل الَف ْ‬
‫ت الجمَرة َقْب َ‬
‫الّنحِر‪ ،‬فرَم ِ‬
‫ل على‬
‫عليه وسلم‪ ،‬تعنى عندها(( رواه أبو داود‪ ،‬فحديث منكر‪ ،‬أنكره المام أحمد وغيُره‪ ،‬ومما يد ّ‬
‫صبح يوم النحر بمكة‪ .‬وفى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أمرها أن ُتوافى صلَة ال ّ‬
‫إنكاره أن فيه‪ :‬أن رسول ا ّ‬
‫رواية‪:‬‬
‫))ُتوافيه بمكة((‪ ،‬وكان يوَمها‪ ،‬فأحب أن ُتواِفَيه‪ ،‬وهذا من المحال قطعًا‪.‬‬
‫ت ُأم‬
‫ل‪ :‬حدثنا أبو معاوية‪ ،‬عن هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن زينب بن ِ‬
‫قال الثرم‪ :‬قال لى أبو عبد ا ّ‬
‫سلمة‪)) :‬أن النبى صلى ال عليه وسلم أمرها أن ُتوافيه يوَم النحر بمكة((‪ ،‬لم ُيسنده غيره‪ ،‬وهو خطأ‪.‬‬
‫ل‪)) :‬إن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أمرها أن ُتواِفَيه صلَة الصبح‬
‫وقال وكيع‪ :‬عن أبيه مرس ً‬
‫ى صلى ال عليه وسلم يوم النحر وقت‬
‫ب أيضًا‪ ،‬أن النب ّ‬
‫يوَم النحر بمكة((‪ ،‬أو نحو هذا‪ ،‬وهذا أعج ُ‬
‫ت إلى يحيى بن سعيد‪ ،‬فسألُته‪ ،‬فقال‪ :‬عن هشام عن أبيه‪:‬‬
‫صبح‪ ،‬ما يصنُع بمكة؟ ينكر ذلك‪ .‬قال‪ :‬فجئ ُ‬
‫ال ّ‬
‫ن فرق‪ .‬قال‪ :‬وقال لى يحيى‪ :‬سل عبد الرحمن‬
‫))أمرها أن ُتوافى(( وليس ))ُتوافيه(( قال‪ :‬وبين َذْي ِ‬
‫عنه‪ ،‬فسألته‪ ،‬فقال‪ :‬هكذا سفيان عن هشام عن أبيه‪ .‬قال الخلل‪ :‬سها الثرم فى حكايته عن وكيع‪:‬‬
‫))ُتوافيه((‪ ،‬وإنما قال وكيع‪ :‬توافى ِمَنى‪ .‬وأصاب فى قوله‪ُ)) :‬توافى(( كما قال أصحابه‪ ،‬وأخطأ فى‬
‫قوله‪ِ)) :‬مَنى((‪.‬‬
‫عمران‪ ،‬عن سليمان ابن أبى داود‪ ،‬عن‬
‫قال الخلل‪ :‬أنبأنا على بن حرب‪ ،‬حدثنا هارون بن ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فيمن‬
‫لا ّ‬
‫هشام بن عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬قال‪)) :‬أخبرتنى ُأم سلمة‪ ،‬قالت‪ :‬قّدمنى رسو ُ‬
‫ت إلى‬
‫ت بها الصبح‪ ،‬ثم رجع ُ‬
‫ت إلى مكة‪ ،‬فصلي ُ‬
‫ت بليل‪ ،‬ثم مضي ُ‬
‫قّدم من أهله َليَلة المزدِلَفة‪ .‬قالت‪ :‬فرمي ُ‬
‫ِمَنى((‪.‬‬
‫قلت‪ :‬سليمان بن أبى داود هذا‪ :‬هو الدمشقى الخولنى‪ ،‬ويقال‪ :‬ابن داود‪ .‬قال أبو زرعة عن‬
‫أحمد‪ :‬رجل من أهل الجزيرة ليس بشئ‪ .‬وقال عثمان بن سعيد‪ :‬ضعيف‪.‬‬
‫قلت‪ :‬ومما يدل على بطلنه‪ ،‬ما ثبت فى ))الصحيحين(( عن القاسم بن محمد‪ ،‬عن عائشة‪،‬‬
‫طَمِة‬
‫ح ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َلْيَلَة المزَدِلَفة‪ ،‬أن َتْدَفَع َقْبَله‪ ،‬وَقْبلَ َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سْودُة رسو َ‬
‫ت َ‬
‫قالت‪)) :‬استأذن ْ‬
‫حَنا‪َ ،‬فَدَفْعَنا ِبَدْفِعِه‪،‬‬
‫صَب ْ‬
‫حّتى َأ ْ‬
‫سَنا َ‬
‫حِب ْ‬
‫ل َدْفِعِه‪ ،‬و ُ‬
‫ت َقْب َ‬
‫ج ْ‬
‫خَر َ‬
‫ن َلَها‪َ ،‬ف َ‬
‫طًة‪ ،‬قاَلت‪ :‬فَأِذ َ‬
‫ت اْمَرأة َثِب َ‬
‫س‪ ،‬وَكاَن ِ‬
‫الّنا ِ‬
‫‪147‬‬

‫ح ِبِه((‪.‬‬
‫ن َمْفُرو ٍ‬
‫ى ِم ْ‬
‫ب إل ّ‬
‫ح ّ‬
‫سْوَدُة َأ َ‬
‫سَتْأَذَنْتُه َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َكَما ا ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫ت َر ُ‬
‫سَتَأَذْن ُ‬
‫نا ْ‬
‫ن َأُكو َ‬
‫لْ‬‫وَ‬
‫ح‪ُ ،‬يبّين أن نساءه غير سودة‪ ،‬إنما دفعن معه‪.‬‬
‫فهذا الحديث الصحي ُ‬
‫ل صلى‬
‫فإن قيل‪ :‬فما تصنعون بحديث عائشة الذى رواه الدارقطنى وغيُره عنها‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫ن الجمرة‪ ،‬ثم ُتصبح فى منزلها‪،‬‬
‫جْمٍع‪َ ،‬فيرِمي َ‬
‫جْمع َلْيَلَة َ‬
‫ن َ‬
‫ن ِم ْ‬
‫جَ‬‫ال عليه وسلم ))أمر ِنساَءه أن يخُر ْ‬
‫وكانت تصنُع ذلك حتى ماتت((‪.‬‬
‫قيل‪ :‬يرده محمد بن حميد أحد رواته‪ ،‬كّذَبه غيُر واحد‪ .‬ويرّده أيضًا‪ :‬حديُثها الذى فى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬كما استأَذْنته‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫ت أنى كنت استأذن ُ‬
‫))الصحيحين(( وقولها‪َ)) :‬وِدْد ُ‬
‫سودة(ُ(‪.‬‬
‫ن بالحديث الذى رواه مسلم فى‬
‫ب أنكم ُيمكنكم رّد هذا الحديث‪ ،‬فما تصنعو َ‬
‫وإن قيل‪َ :‬فَه ْ‬
‫جْمٍع بليل‪ .‬قيل‪ :‬قد ثبت فى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بعث بها ِمن َ‬
‫صحيحه‪ ،‬عن ُأم حبيبة‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫س فيَمن‬
‫ن عّبا ِ‬
‫ن اْب ُ‬
‫ضَعَفَة َأْهِلِه‪ ،‬وَكا َ‬
‫ك الّلْيَلَة َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َقّدم ِتْل َ‬
‫لا ّ‬
‫))الصحيحين(( أن رسو َ‬
‫ث ُأم حبيبَة‪ ،‬انفرد به‬
‫قّدم‪ .‬وثبت أنه قّدم سوَدة‪ ،‬وثبت أنه حبس ِنساءه عنده حتى دفعن بدفعه‪ .‬وحدي ُ‬
‫مسلم‪ .‬فإن كان محفوظًا‪ ،‬فهى إذًا من الضعفة التى قّدمها‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما تصنعون بما رواه الماُم أحمد‪ ،‬عن ابن عباس‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم‪:‬‬
‫حِر‪َ ،‬فَرَمُوا الجمرة مع الفجر((‪ .‬قيل‪ُ :‬نقّدُم عليه حديَثه الخر الذى‬
‫))بعث به مع أهله إلى ِمَنى َيْوَم الّن ْ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم قّدم ضعفَة أهِلِه وقال‪)) :‬ل‬
‫رواه أيضًا الماُم أحمد‪ ،‬والترمذى وصححه‪ ،‬أن النب ّ‬
‫غْيِلَمَة بنى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُأ َ‬
‫لا ّ‬
‫س((‪ .‬ولفظ أحمد فيه‪َ :‬قّدَمَنا رسو ُ‬
‫شْم َ‬
‫طُلَع ال ّ‬
‫جْمَرَة حّتى َت ْ‬
‫َتْرُموا ال َ‬
‫ل‪:‬‬
‫خاَذَنا َوَيُقو ُ‬
‫ح َأْف َ‬
‫طُ‬‫ل َيْل َ‬
‫جَع َ‬
‫جْمٍع‪َ ،‬ف َ‬
‫ن َ‬
‫ت َلَنا ِم ْ‬
‫حُمَرا ٍ‬
‫عَلى ُ‬
‫ب َ‬
‫طِل ِ‬
‫عْبِد الُم ّ‬
‫َ‬
‫شْمس((‪ .‬لنه أصح منه‪ ،‬وفيه نهى النبى صلى ال عليه‬
‫طُلَع ال ّ‬
‫حّتى َت ْ‬
‫جْمَرَة َ‬
‫ى ُبنى ؛ ل َتْرُموا ال َ‬
‫))َأ ْ‬
‫وسلم عن رمى الجمرة قبل طلوع الشمس‪ ،‬وهو محفوظ بذكر القصة فيه‪ .‬والحديث الخر إنما فيه‪:‬‬
‫ن هذه الحاديث‪ ،‬فإنه أمر الصبيان أن ل يرُموا‬
‫أنهم رموها مع الفجر‪ ،‬ثم تأملنا فإذا أنه ل تعارض َبْي َ‬
‫ن قبل‬
‫عذر لهم فى تقديم الرمى‪ ،‬أما َمن قّدمه من النساء‪ ،‬فرَمْي َ‬
‫الجمرة حتى تطُلَع الشمس‪ ،‬فإنه ل ُ‬
‫سـّنة جواز‬
‫طِمِهم‪ ،‬وهذا الذى دلت عليه ال ّ‬
‫ح ْ‬
‫س للُعذر والخوف عليهن من مزاحمة الناس و َ‬
‫ع الشّْم ِ‬
‫طلو ِ‬
‫‪148‬‬

‫ق عليه مزاحمُة الناس لجله‪ ،‬وأما القاِدُر‬


‫شّ‬‫الرمى قبل طلوع الشمس‪ ،‬للعذر بمرض‪ ،‬أو ِكَبٍر َي ُ‬
‫ح‪ ،‬فل يجوز له ذلك‪.‬‬
‫الصحي ُ‬
‫وفى المسألة ثلثة مذاهب‪ ،‬أحدها‪ :‬الجواُز بعد نصف الليل مطلقًا للقادر والعاجز‪ ،‬كقول‬
‫ل‪،‬‬
‫ل‪ ،‬والثانى‪ :‬ل يجوُز إل بعد طلوع الفجر‪ ،‬كقول أبى حنيفة رحمه ا ّ‬
‫الشافعى وأحمد رحمهما ا ّ‬
‫ع الشمس‪ ،‬كقول جماعة من أهل العلم‪ .‬والذى دّلت عليه‬
‫والثالث‪ :‬ل يجوُز لهل القدرة إل بعَد طلو ِ‬
‫س مع َمن حّده بالنصف دليل‪ ..‬وا ّ‬
‫ل‬ ‫ل بعد غيبوبة القمر‪ ،‬ل نصف الليل‪ ،‬ولي َ‬
‫سـّنة‪ ،‬إنما هو التعجي ُ‬
‫ال ّ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫شَعِر الحرام‬
‫فى صلته صلى ال عليه وسلم فى المزدلفة ووقوفه بالَم ْ‬
‫لها فى أول الوقت ل قبَله قطعًا بأذان وإقامة يوَم النحر‪ ،‬وهو يوُم العيد‪،‬‬
‫فلما طلع الفجُر‪ ،‬ص ّ‬
‫ل مشرك‪.‬‬
‫ل ورسوِله ِمن ُك ّ‬
‫ج الكبر‪ ،‬وهو يوُم الذان ببراءة ا ّ‬
‫وهو يوُم الح ّ‬
‫حَراِم‪ ،‬فاستقبل الِقْبلة‪ ،‬وأخذ فى الّدعاء والتضّرع‪،‬‬
‫شَعِر ال َ‬
‫ب حتى أتى موِقَفه عند الَم ْ‬
‫ثم رِك َ‬
‫طلوع الشمس‪.‬‬
‫ل ُ‬
‫ل‪ ،‬والّذكِر‪ ،‬حتى أسفر جّدا‪ ،‬وذلك قب َ‬
‫والتكبير‪ ،‬والتهلي ِ‬
‫ىٍء‪ ،‬أْكَلْل ُ‬
‫ت‬ ‫جَبَلىْ ط ّ‬
‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫جْئ ُ‬
‫ل ؛ إّنى ِ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫طائى‪ ،‬فقال‪ :‬يا ر ُ‬
‫ضّرس ال ّ‬
‫ن ُم َ‬
‫عْرَوُة ب ُ‬
‫وهنالك سأله ُ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل‬ ‫سو ُ‬
‫ل َر ُ‬
‫ج؟ َفَقا َ‬
‫حّ‬‫ن َ‬
‫ل ِلى ِم ْ‬
‫عَلْيه‪َ ،‬فَه ْ‬
‫ت َ‬
‫ل َوَقْف ُ‬
‫لإ ّ‬
‫جَب ٍ‬
‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ل َما َتَرْك ُ‬
‫سى‪َ ،‬وا ِّ‬
‫ت َنْف ِ‬
‫حلتى‪ ،‬وأْتَعْب ُ‬
‫َرا ِ‬
‫ل أْو‬
‫ك لي ً‬
‫ل ذِل َ‬
‫ف بَعَرَفَة َقْب َ‬
‫ف َمَعَنا حّتى َنْدَفَع َوَقْد وَق َ‬
‫صلَتَنا هِذِه َوَوَق َ‬
‫شِهَد َ‬
‫ن َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫جه‪ ،‬وَقضى َتَفَثه((‪ .‬قال الترمذى‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫حّ‬‫َنهارًا‪َ ،‬فَقْد َأَتّم َ‬
‫ت بها‪ ،‬ركن كعرفة‪ ،‬وهو مذه ُ‬
‫ب‬ ‫ف بُمزدلَفة والمبي َ‬
‫وبهذا احتج َمن ذهب إلى أن الوقو َ‬
‫شعبى‪،‬‬
‫خعى‪ ،‬وال ّ‬
‫ل عنهما‪ ،‬وإليه ذهب إبراهيُم الّن َ‬
‫ن عباس‪ ،‬وابن الّزبير رضى ا ّ‬
‫اثنين ِمن الصحابة‪ ،‬اب ِ‬
‫ن البصرى‪ ،‬وهو مذهب الوزاعى‪ ،‬وحماد بن أبى سليمان‪ ،‬وداود الظاهرى‪ ،‬وأبى‬
‫وعلقمة‪ ،‬والحس ُ‬
‫خزيمة‪ ،‬وهو أحد الوجوه للشافعية‪ ،‬ولهم‬
‫ن جرير‪ ،‬وابن ُ‬
‫لم‪ ،‬واختاره المحّمدان‪ :‬اب ُ‬
‫عبيد القاسم بن س ّ‬
‫ُ‬
‫حَراِم{ ]البقرة‪.[198 :‬‬
‫شَعِر ال َ‬
‫عنَد الَم ْ‬
‫ل ِ‬
‫ث حجج‪ ،‬هذه إحداها‪ ،‬والثانية‪ :‬قوله تعالى‪} :‬فاْذُكُروا ا َّ‬
‫ثل ُ‬
‫ن لهذا الّذكر المأمور به‪.‬‬
‫ج البيا ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم الذى خرج مخر َ‬
‫ل رسول ا ّ‬
‫والثالثة‪ :‬فع ُ‬
‫‪149‬‬

‫ت الوقوف بعرفة‬
‫ج َمن لم يره ُركنًا بأمرين‪ ،‬أحدهما‪ :‬أن النبى صلى ال عليه وسلم مّد وق َ‬
‫واحت ّ‬
‫جه‪ ،‬ولو كان‬
‫حّ‬‫إلى طلوع الفجر‪ ،‬وهذا يقتضى أن َمن وقف بعرفة قبل طلوع الفجر بأيسر زمان‪ ،‬صح َ‬
‫جه‪.‬‬
‫حّ‬
‫ح َ‬
‫ف بمزدلفة ُركنًا لم يص ّ‬
‫الوقو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ل والنساُء‪ ،‬فلما َقّدَم رسو ُ‬
‫الثانى‪ :‬أنه لو كان ركنًا‪ ،‬لشترك فيه الرجا ُ‬
‫عِلَم أنه ليس بُركن‪ ،‬وفى الدليلين نظر‪ ،‬فإن النبى صلى ال عليه وسلم إنما قّدمهن بعد‬
‫النساء بالليل‪ُ ،‬‬
‫ب هو ذلك‪ .‬وأما توقيتُ الوقوف‬
‫ل تعالى بها لصلة عشاء الخرة‪ ،‬والواج ُ‬
‫المبيت بمزدلفة‪ ،‬وذكر ا ّ‬
‫ن تلك الليلة وقتًا لهما كوقت‬
‫ن المبيت بمزدلفة ُركنًا‪ ،‬وتكو ُ‬
‫بعرفة إلى الفجر‪ ،‬فل ُينافى أن يكو َ‬
‫ت‪ ،‬وتضييق الوقت لحدهما ل ُيخرجه عن أن يكون وقتًا لهما حال القدرة‪.‬‬
‫المجموعتين من الصلوا ِ‬
‫فصل‬
‫ل عليه وسلم فى موقفه‪ ،‬وأعلم الناس أن مزدلفة كُّلها موقف‪ ،‬ثم سار ِمن ُمْزَدِلفََة ُمْرِدفًا‬
‫وقف صلى ا ّ‬
‫ق ُقريش‪.‬‬
‫سّبا ِ‬
‫للفضل بن العباس وهو ُيلّبى فى مسيره‪ ،‬وانطلق ُأسامُة بن زيد على رجليه فى ُ‬
‫ت‪ ،‬ولم يكسرها من‬
‫جمار‪ ،‬سبَع حصيا ٍ‬
‫حصى ال ِ‬
‫ط له َ‬
‫ن عباس أن َيْلُق َ‬
‫وفى طريقه ذلك أمر اب َ‬
‫صى‬
‫ح َ‬
‫علم عنده‪ ،‬ول التقطها بالليل‪ ،‬فالتقط له سبع حصيات ِمنْ َ‬
‫ل َمن ل ِ‬
‫الجبل تلك الليلة كما يفع ُ‬
‫ل‪)) :‬بَأْمَثال هؤلء فاْرموا‪ ،‬وإّياُكم والُغُلّو فى الّدين‪ ،‬فإّنَما َأْهَل َ‬
‫ك‬ ‫ن فى َكّفِه وَيُقو ُ‬
‫ضُه ّ‬
‫ف‪ ،‬فجعل َيْنُف ُ‬
‫خْذ ِ‬
‫ال َ‬
‫ن َقْبَلُكْم الُغُلّو فى الّدين((‪.‬‬
‫ن َكا َ‬
‫َم ْ‬
‫ن أبيها َوكا َ‬
‫ن‬ ‫عْ‬‫ج َ‬
‫جِميلٌة‪ ،‬فسألته عن الح ّ‬
‫خْثَعَم َ‬
‫ت له امرأٌة ِمن َ‬
‫ض ْ‬
‫عَر َ‬
‫وفى طريقه تلك‪َ ،‬‬
‫ظُر إَلْيِه‪،‬‬
‫ظُر إَلْيَها وَتْن ُ‬
‫ل َيْن ُ‬
‫ضُ‬‫ل الَف ْ‬
‫جَع َ‬
‫عْنُه‪ ،‬و َ‬
‫ج َ‬
‫حّ‬‫ن َت ُ‬
‫حَلِة‪ ،‬فَأَمَرَها َأ ْ‬
‫عَلى الّرا ِ‬
‫ك َ‬
‫سُ‬
‫سَتْم ِ‬
‫شْيخًا َكِبيرًا ل َي ْ‬
‫َ‬
‫عْ‬
‫ن‬‫جَهُه َ‬
‫صَرف و ْ‬
‫ل‪َ :‬‬
‫سيمًا‪َ ،‬فِقي َ‬
‫ل َو ِ‬
‫ضُ‬‫خِر‪َ ،‬وَكان الَف ْ‬
‫ق ال َ‬
‫شّ‬‫صَرَفُه إَلى ال ّ‬
‫جِهِه‪َ ،‬و َ‬
‫عَلى َو ْ‬
‫ضَع َيَدُه َ‬
‫َفَو َ‬
‫ظُر‬
‫ب‪ :‬أّنه َفَعَلُه للْمَرين‪ ،‬فإنه فى الِقصة جعل َيْن ُ‬
‫صَوا ُ‬
‫ظِرِه إَلْيَها‪َ ،‬وال ّ‬
‫ن َن َ‬
‫عْ‬‫صَرَفُه َ‬
‫ل‪َ :‬‬
‫ظِرَها إَلْيِه‪ ،‬وِقي َ‬
‫َن َ‬
‫ظُر إَلْيه‪.‬‬
‫إليها وَتْن ُ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ك‪،‬‬
‫س ْ‬
‫سَتْم ِ‬
‫حَمْلُتها َلْم َت ْ‬
‫جوٌز َكِبيَرٌة‪ ،‬فإن َ‬
‫عُ‬‫وسأله آخُر هنالك عن ُأّمه‪ ،‬فقال‪ :‬إّنها َ‬ ‫@‬
‫ل‪:‬‬
‫ل‪َ :‬نَعْم‪َ .‬قا َ‬
‫ضَيُه((؟ َقا َ‬
‫ت َقا ِ‬
‫ن َأُكْن َ‬
‫على ُأّمك َدْي ٌ‬
‫ن َ‬
‫ت َلْو َكا َ‬
‫ل‪َ)) :‬أَرَأْي َ‬
‫ن َأْقُتَلها‪َ ،‬فَقا َ‬
‫تأ ْ‬
‫شي ُ‬
‫خِ‬
‫طُتها َ‬
‫ن َرَب ْ‬
‫وإ ْ‬
‫ك((‪.‬‬
‫ن ُأّم َ‬
‫جع ْ‬
‫حّ‬‫))َف ُ‬
‫‪150‬‬

‫سير‪ ،‬وهذه كانت عادَته فى المواضع التى نزل فيها‬


‫حّرك ناقَته وأسرع ال َ‬
‫سٍر‪َ ،‬‬
‫حّ‬‫ن ُم َ‬
‫طَ‬‫فلما أتى َب ْ‬
‫سّمى ذلك الوادى واد َ‬
‫ى‬ ‫ل علينا‪ ،‬ولذلك ُ‬
‫صا ّ‬
‫ب الفيل ما ق ّ‬
‫ب أصحا َ‬
‫ك أصا َ‬
‫ل بأعدائه‪ ،‬فإن ُهناِل َ‬
‫س ا ِّ‬
‫بأ ُ‬
‫جَر‬
‫حْ‬‫سلوكه ال ِ‬
‫سَر فيه‪ ،‬أى‪ :‬أعيى‪ ،‬وانقطع عن الذهاب إلى مكة‪ ،‬وكذلك فعل فى ُ‬
‫حَ‬‫سر‪ ،‬لن الفيل َ‬
‫حّ‬‫ُم َ‬
‫سْيَر‪.‬‬
‫ِدياَر ثمود‪ ،‬فإنه تقّنع بثوبه‪ ،‬وأسرع ال ّ‬
‫عَرَنُة‪ :‬برزخ بين عرفة‬
‫خ بين ِمَنى وبين ُمزَدِلفة‪ ،‬ل ِمن هذه‪ ،‬ول ِمن هذه‪ ،‬و ُ‬
‫سر‪ :‬برز ٌ‬
‫حّ‬‫وُم َ‬
‫سر‪ :‬من‬
‫حّ‬‫ل مشعرين برزخ ليس منهما‪ ،‬فِمَنى‪ :‬من الحرم‪ ،‬وهى َمشعر‪ ،‬وُم َ‬
‫والمشعِر الحرام‪ ،‬فبين ُك ّ‬
‫حل‬
‫عَرَنُة ليست َمشعرًا‪ ،‬وهى من الحل‪ ،‬وعرفة‪ِ :‬‬
‫الحرم‪ ،‬وليس بمشعر‪ ،‬ومزدلفة‪ :‬حرم ومشعر‪ ،‬و ُ‬
‫ومشعر‪.‬‬
‫ق الُوسطى بين الطريقين‪ ،‬وهى التى تخُرج على الجمرة‬
‫ل عليه وسلم الطري َ‬
‫وسلك صلى ا ّ‬
‫ت عن يساِره‪ ،‬وِمَنى‬
‫ل الوادى‪ ،‬وجعل الَبْي َ‬
‫الُكبرى‪ ،‬حتى أتى ِمَنى‪ ،‬فأتى جمرة العقبة‪ ،‬فوقف فى أسف ِ‬
‫ل الجمرَة وهو على راحلته‪ ،‬فرماها راكبًا بعد طلوع الشمس‪ ،‬واحدة بعد واحدة‪،‬‬
‫عن يمينه‪ ،‬واستقب َ‬
‫ل حصاٍة‪ ،‬وحينئذ قطع التلبية‪.‬‬
‫ُيَكّبُر َمَع ُك ّ‬
‫خٌذ‬
‫ل وُأسامُة معه‪ ،‬أحدهما آ ِ‬
‫وكان فى مسيره ذلك ُيَلّبى حتى شرع فى الرمى‪ ،‬ورمى وبل ٌ‬
‫حِم ِ‬
‫ل‬ ‫حِرِم بالَم ْ‬
‫خطام ناقته‪ ،‬والخر ُيظّلُله بثوب من الحر‪ .‬وفى هذا‪ :‬دليل على جواز استظلل الُم ْ‬
‫ِب ِ‬
‫جة فيها‪ ،‬وليس‬
‫حّ‬‫ونحوِه إن كانت قصة هذا الظلل َيوَم الّنحر ثابتة‪ ،‬وإن كانت بعده فى أيام ِمَنى‪ ،‬فل ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ن فى أى زمن كانت‪ .‬وا ّ‬
‫فى الحديث بيا ٌ‬
‫فصل‬
‫فى رجوعه صلى ال عليه وسلم إلى ِمَنى وخطبته فيها‬
‫حرمة يوِم النحر وتحريمه‪ ،‬وفضله‬
‫خطبة بليغة أعلمهم فيها ب ُ‬
‫س ُ‬
‫ثم رجع إلى ِمَنى‪ ،‬فخطب النا َ‬
‫ل‪ ،‬وَأَمَر الّنا َ‬
‫س‬ ‫ب ا ِّ‬
‫عِة ِلَمن َقاَدُهم ِبِكَتا ِ‬
‫طا َ‬
‫سْمِع وال ّ‬
‫حرمة مكَة على جميع البلد‪ ،‬وأمرهم بال ّ‬
‫ل‪ ،‬و ُ‬
‫عند ا ّ‬
‫عاِمى هذا((‪.‬‬
‫ج َبْعَد َ‬
‫حّ‬‫عنه‪ ،‬وقال‪َ)) :‬لَعّلى ل َأ ُ‬
‫سِكِهْم َ‬
‫خِذ َمَنا ِ‬
‫ِبأ ْ‬
‫س أن ل َيْرجُعوا َبْعَدُه ُكّفارًا‬
‫ل المهاجرين والنصار منازَلهم‪ ،‬وأمَر النا َ‬
‫وعّلمُهم مناسكهم‪ ،‬وأنز َ‬
‫ساِمٍع‪.‬‬
‫ن َ‬
‫عى ِم ْ‬
‫ب ُمَبّلٍغ َأْو َ‬
‫خَبَر َأّنُه ُر ّ‬
‫عْنُه‪ ،‬وَأ ْ‬
‫ض‪َ ،‬وَأَمَر ِبالّتْبِليِغ َ‬
‫ب َبْع ٍ‬
‫ضُهم ِرَقا َ‬
‫ب َبْع ُ‬
‫ضِر ُ‬
‫َي ْ‬
‫سه((‪.‬‬
‫ن إل على َنْف ِ‬
‫جا ٍ‬
‫جنى َ‬
‫وقال فى خطبته‪)) :‬ل َي ْ‬
‫‪151‬‬

‫ل له أسما َ‬
‫ع‬ ‫س حولهم‪ ،‬وفتح ا ّ‬
‫وأنزل المهاجرين عن يمين الِقْبلة‪ ،‬والنصاَر عن يسارها‪ ،‬والنا ُ‬
‫ل ِمَنى فى منازلهم‪.‬‬
‫الناس حتى سمعها أه ُ‬
‫شْهَرُكم‪ ،‬وَأطيُعوا ذا َأْمِرُكم‪،‬‬
‫صوُموا َ‬
‫سُكم‪ ،‬و ُ‬
‫خْم َ‬
‫صّلوا َ‬
‫عُبدوا َرّبكم‪ ،‬و َ‬
‫وقال فى خطبته تلك‪)) :‬ا ْ‬
‫جّنة َرّبُكم((‪.‬‬
‫خلوا َ‬
‫َتْد ُ‬
‫حجة الوداع‪.‬‬
‫وودع حينئذ الناس‪ ،‬فقالوا‪َ :‬‬
‫ج(( قال عبُد الِّ‬
‫حَر َ‬
‫ى‪ ،‬فقال‪)) :‬ل َ‬
‫ى‪ ،‬وعّمن ذبح قبل أن َيرم َ‬
‫ل عمن حلق قبل أن َيرم َ‬
‫سئ َ‬
‫وهناك ُ‬
‫ج((‪.‬‬
‫حَر َ‬
‫ل َ‬
‫ل يومئٍذ عن شئ إل قال‪)) :‬اْفَعُلوا َو َ‬
‫ل عليه وسلم سِئ َ‬
‫بن عمرو‪)) :‬ما رأيُته صلى ا ّ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬فى الذبح‪ ،‬والحلق‪ ،‬والرمى‪ ،‬والتقديم‪،‬‬
‫قال ابن عباس‪)) :‬إنه قيل له ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ج((‪.‬‬
‫حَر َ‬
‫والتأخير‪ ،‬فقال‪)) :‬ل َ‬
‫س يأتونه‪َ ،‬فِم ْ‬
‫ن‬ ‫ت مع النبى صلى ال عليه وسلم حاجًا‪ ،‬وكان النا ُ‬
‫ن شريك‪)) :‬خرج ُ‬
‫وقال ُأسامة ب ُ‬
‫ج َ‬
‫ل‬ ‫حَر َ‬
‫ل َ‬
‫ت شيئًا‪ ،‬فكان يقول‪َ )) :‬‬
‫ف‪ ،‬أو قّدمت شيئًا أو أخّر ُ‬
‫ت قبل أن أطو َ‬
‫ل سعي ُ‬
‫لا ّ‬
‫َقاِئل‪ :‬يا رسو َ‬
‫ك((‪.‬‬
‫ج وَهَل َ‬
‫حِر َ‬
‫ك الذى َ‬
‫ظاِلٌم‪ ،‬فِذل َ‬
‫سِلم وُهَو َ‬
‫ل ُم ْ‬
‫جٍ‬‫ض َر ُ‬
‫عْر َ‬
‫ض ِ‬
‫ل اقتر َ‬
‫جٍ‬‫ج إل على َر ُ‬
‫حَر َ‬
‫َ‬
‫ت قبل أن أطوف‪ ،‬فى هذا الحديث ليس بمحفوظ‪ .‬والمحفوظ‪ :‬تقديم الرمى‪ ،‬والنحر‪،‬‬
‫وقوله‪ :‬سعي ُ‬
‫‪.‬‬ ‫والحلق بعضها على بعض‬
‫حِر بِمَنى‪ ،‬فنحر ثلثًا وستين َبَدَنة بيده‪ ،‬وكان ينحُرها قاِئمًة‪ ،‬معقولًة‬
‫ثم انصرف إلى الَمْن َ‬
‫حَر ما غبر من‬
‫سنى عمره‪ ،‬ثم أمسك وأمر عليًا أن َيْن َ‬
‫يُدها الُيسرى‪ .‬وكان عدُد هذا الذى نحره عدَد ِ‬
‫جلوِدها فى المساكين‪ ،‬وأمره أن ل‬
‫ق ِبجلِلها وُلحوِمها و ُ‬
‫ل عنه‪ ،‬أن يتصد َ‬
‫المائة‪ ،‬ثم أمر عليًا رضى ا ّ‬
‫طَع((‪.‬‬
‫ن شاَء اْقَت َ‬
‫ل‪َ)) :‬م ْ‬
‫عْنِدَنا‪ ،‬وَقا َ‬
‫طيِه ِمن ِ‬
‫ن ُتْع ِ‬
‫حُ‬‫جَزارِتها‪ ،‬شيئًا منها‪ ،‬وقال‪َ :‬ن ْ‬
‫جّزار فى ِ‬
‫ى ال َ‬
‫ُيِعط َ‬
‫ل عنه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ث الذى فى ))الصحيحي(( عن أنس رضى ا ّ‬
‫فإن قيل‪ :‬فكيف تصنعون بالحدي ِ‬
‫حليفة ركعتين‪ ،‬فبا َ‬
‫ت‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم الظهَر بالمدينة أربعًا‪ ،‬والعصَر بذى ال ُ‬
‫لا ّ‬
‫))صّلى رسو ُ‬
‫خَ‬
‫ل‬‫جِميعًا‪ ،‬فلما َد َ‬
‫ل عََلى البيداء‪ ،‬لّبى ِبِهَما َ‬
‫عَ‬‫ح‪ ،‬فلما َ‬
‫سّب ُ‬
‫ل وُي َ‬
‫حلته‪ ،‬فجعل ُيَهّل ُ‬
‫ب را ِ‬
‫ح‪َ ،‬رِك َ‬
‫بها‪ ،‬فلما أصب َ‬
‫حى ِبالَمِديَنِة‬
‫ضّ‬‫ن ِقيامًا‪ ،‬و َ‬
‫سْبَع ُبْد ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِبَيِدِه َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫حَر َر ُ‬
‫حّلوا‪ ،‬وَن َ‬
‫َمّكَة‪َ ،‬أَمَرُهم َأن َي ِ‬
‫حْين((‪ .‬فالجواب‪ :‬أنه ل تعارض بين الحديثين‪.‬‬
‫ن َأْمَل َ‬
‫شْي ِ‬
‫َكْب َ‬
‫ن حزم‪ :‬مخرج حديث أنس‪ ،‬على أحد وجوٍه ثلثٍة‪.‬‬
‫قال أبو محمد ب ُ‬
‫‪152‬‬

‫ل عليه وسلم لم ينحر ِبيده أكثَر ِمن سبع ُبدن‪ ،‬كما قال أنس‪ ،‬وأنه أمر َمن‬
‫أحدها‪ :‬أنه صّلى ا ّ‬
‫ل عنه‪ ،‬فنحَر ما‬
‫ن‪ ،‬وأمر عليًا رضى ا ّ‬
‫ينحُر ما بعد ذلك إلى تمام ثلث وستين‪ ،‬ثم زال عن ذلك المكا ِ‬
‫بقى‪.‬‬
‫ل عليه وسلم سبعًا فقط بيده‪ ،‬وشاهد جابر تماَم‬
‫الثانى‪ :‬أن يكون أنس لم ُيشاهد إل نحره صلى ا ّ‬
‫ل منهما بما رأى وشاهد‪.‬‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬للباقى‪ ،‬فأخبر ُك ٌ‬
‫نحره ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ل عليه وسلم نحر بيده منفردًا سبع ُبدن كما قال أنس‪ ،‬ثم أخذ هو وعل ّ‬
‫ى‬ ‫الثالث‪ :‬أنه صلى ا ّ‬
‫غَرَفُة بن الحارث الِكندى‪)) :‬أنه شاهد النبى صلى‬
‫الحربة معًا‪ ،‬فنحرا كذلك تمام ثلث وستين‪ ،‬كما قال َ‬
‫ى بنحر‬
‫حْرَبِة وأمر عليًا فأخذ بأسفلها‪ ،‬ونحرا بها البدن ثم انفرد عل ّ‬
‫ال عليه وسلم يومئذ قد أخذ بأعلى ال َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫الباقى من المائة((‪ ،‬كما قال جابر‪ .‬وا ّ‬
‫حَر‬
‫ى قال‪)) :‬لما َن َ‬
‫ث الذى رواه الماُم أحمد‪ ،‬وأبو داود عن عل ّ‬
‫فإن قيل‪ :‬فكيف تصنعون بالحدي ِ‬
‫ساِئَرها((‪.‬‬
‫ت َ‬
‫ن ِبَيِدِه‪ ،‬وأمرنى فنحر ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُبْدَنه‪ ،‬فنحر ثلِثي َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫رسو ُ‬
‫ى‪ ،‬فإن النبى صلى ال عليه‬
‫ط انقلب على الراوى‪ ،‬فإن الذى نحَر ثلثين‪ :‬هو عل ّ‬
‫قلنا‪ :‬هذا غل ٌ‬
‫ى‪ ،‬ول جابر‪ ،‬ثم نحر ثلثًا وستين أخرى‪ ،‬فبقى من المائة ثلثون‪،‬‬
‫وسلم نحر سبعًا بيده لم ُيشاهده عل ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫ى بما نحره النب ّ‬
‫ى‪ ،‬فانقلب على الراوى عدُد ما نحره عل ّ‬
‫فنحرها عل ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪)) :‬إ ّ‬
‫ن‬ ‫ط‪ ،‬عن النب ّ‬
‫ل بن ُقْر ٍ‬
‫فإن قيل‪ :‬فما تصنعون بحديث عبد ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫ب ِلر ُ‬
‫ل َيْوُم الّنحر‪ُ ،‬ثّم َيْوُم الَقّر((‪ .‬وهو اليوُم الثانى‪ .‬قال‪ :‬وُقّر َ‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫ظَم الّياِم ِ‬
‫عَ‬‫أْ‬
‫خفِّيٍة َلْم َأْفَهْمَها‪،‬‬
‫ل‪َ :‬فَتَكّلَم ِبَكِلَمٍة َ‬
‫جُنوُبها َقا َ‬
‫ت ُ‬
‫جَب ْ‬
‫ن َيْبَدُأ؟ َفَلّما َو َ‬
‫ن َيْزَدِلْفن إَلْيِه بَأّيِتِه ّ‬
‫طِفْق َ‬
‫س َف َ‬
‫خْم ٌ‬
‫ت َ‬
‫وسلم َبَدَنا ٌ‬
‫طعَ((‪.‬‬
‫شاَء اْقَت َ‬
‫ن َ‬
‫ل؟ قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ت‪َ :‬ما َقا َ‬
‫َفُقْل ُ‬
‫ب منهن‬
‫ل‪ ،‬فقُّر َ‬
‫سا ً‬
‫جملة‪ ،‬وإنما كانت ُتقّرب إليه أْر َ‬
‫ب إليه ُ‬
‫قيل‪ :‬نقبله ونصّدقه‪ ،‬فإن المائة لم ُتَقّر ْ‬
‫ل واحدة منهن‪.‬‬
‫ن إَلْيِه ِليبَدأ بُك ّ‬
‫ن وَيَتَقّرْب َ‬
‫ل ُيَباِدْر َ‬
‫سُ‬‫ل‪ ،‬وكان ذلك الّر َ‬
‫سً‬‫س َبَدَنات َر َ‬
‫إليه خم ُ‬
‫خطبة النب ّ‬
‫ى‬ ‫فإن قيل‪ :‬فما تصنعون بالحديث الذى فى ))الصحيحين((‪ ،‬من حديث أبى بكرَة فى ُ‬
‫حهَُما‪ ،‬وإلى‬
‫ن َفَذَب َ‬
‫حْي ِ‬
‫ن َأْمَل َ‬
‫شْي ِ‬
‫صلى ال عليه وسلم يوَم النحِر بِمَنى‪ ،‬وقال فى آخره‪ُ)) :‬ثّم اْنكََفَأ إلى َكْب َ‬
‫ن الَغَنِم فقسمها َبْيَنَنا(( لفظه لمسلم‪.‬‬
‫جَزْيَعٍة ِم َ‬
‫ُ‬
‫ن كان بمكة‪ ،‬وفى حديث أنس‪ ،‬أنه كان بالمدينة‪.‬‬
‫ففى هذا‪ ،‬أن ذبح الكبشي ِ‬
‫‪153‬‬

‫ن للناس‪.‬‬
‫قيل‪ :‬فى هذا طريقتا ِ‬
‫حى بالمدينة بكبشين أملحين أقرنين‪ ،‬وأنه صّلى العيد‪ ،‬ثم‬
‫ل أنس‪ ،‬وأنه ض ّ‬
‫إحداهما‪ :‬أن القول‪ :‬قو ُ‬
‫صل أنس‪ ،‬ومّيز بين نحِره بمكة للُبدن‪ ،‬وبين نحره بالمدينة للكبشين‪ ،‬وبّين أنهما‬
‫ن‪ ،‬فف ّ‬
‫انكفأ إلى كبشي ِ‬
‫حَر‬
‫ِقصتان‪ ،‬ويدل على هذا أن جميَع َمن ذكر نحر النبى صلى ال عليه وسلم بِمَنى‪ ،‬إنما ذكروا أنه َن َ‬
‫جة‬
‫حّ‬‫ل من نحر الغنم هناك بل سوق‪ ،‬وجابر قد قال فى صفة َ‬
‫ى الذى ساقه‪ ،‬وهو أفض ُ‬
‫ل‪ ،‬وهو الَهْد ُ‬
‫الِب َ‬
‫الوداع‪ :‬إنه رجع من الرمى فنحر الُبدن‪ ،‬وإنما اشتبه على بعض الرواة‪ ،‬أن قصة الكبشين كانت يوَم‬
‫عيد‪ ،‬فظن أنه كان بِمَنى فوِهم‪.‬‬
‫ن‪ ،‬وحديثان‬
‫ن متغاِيَرا ِ‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬طريقة ابن حزم‪ ،‬وَمن سلك مسلكه‪ .‬أنهما عمل ِ‬
‫صحيحان‪ ،‬فذكر أبو بكرة تضحَيته بمكة‪ ،‬وأنس تضحيَته بالمدينة‪ .‬قال‪ :‬وذبح يوَم النحر الغَنم‪ ،‬ونحر‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َيْوَمِئٍذ عن أزواجه بالبقر‪ ،‬وهو‬
‫لا ّ‬
‫حى رسو ُ‬
‫ل‪ ،‬كما قالت عائشة‪ :‬ض ّ‬
‫البقَر والب َ‬
‫فى ))الصحيحين((‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن عائشة بقرًة َيْوَم النحر((‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫ح رسو ُ‬
‫وفى ))صحيح مسلم((‪)) :‬ذب َ‬
‫حَدة(ً(‪.‬‬
‫ع بقرًة وا ِ‬
‫جِة الَوَدا ِ‬
‫حّ‬‫ل محّمٍد فى َ‬
‫نآِ‬
‫عْ‬‫وفى السنن‪)) :‬أّنه نحَر َ‬
‫ل‪ :‬الطريقُة الولى‪ ،‬وَهْدى‬
‫ح إن شاء ا ّ‬
‫ع له التضحيُة مع الَهْدى‪ ،‬والصحي ُ‬
‫شِر َ‬
‫ج ُ‬
‫ومذهُبه‪ :‬أن الحا ّ‬
‫ل أحٌد أن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول أصحاَبه‪ ،‬جمعوا بين‬
‫لضحية للمقيم‪ ،‬ولم َيْنُق ْ‬
‫الحاج له بمنزلة ا ُ‬
‫لضحية‪ ،‬بل كان َهْديُهم هو أضاحيهم‪ ،‬فهو َهْدى بِمَنى‪ ،‬وُأضحيٌة بغيرها‪.‬‬
‫ى وا ُ‬
‫الَهْد ِ‬
‫لضحية‪ ،‬وأنهن ُك ّ‬
‫ن‬ ‫ق عليه اسُم ا ُ‬
‫طِل َ‬
‫حى عن ِنسائه بالبقر((‪ ،‬فهو َهْدى ُأ ْ‬
‫وأما قول عائشة‪)) :‬ض ّ‬
‫ى الذى يلزُمهن‪.‬‬
‫ى‪ ،‬فالبقُر الذى نحره عنهن هو الَهْد ُ‬
‫ت‪ ،‬وعليهن الَهْد ُ‬
‫متمتعا ٍ‬
‫ولكن فى قصة نحر البقرة عنهن وهن تسع‪ :‬إشكال‪ ،‬وهو إجزاء البقرة عن أكثر من سبعة‪.‬‬
‫وأجاب أبو محمد بن حزم عنه‪ ،‬بجواب على أصله‪ ،‬وهو أن عائشة لم تكن معهن فى‬
‫ى على القاِرن‪ ،‬وأّيَد قوله بالحديث الذى رواه مسلم‬
‫ت‪ ،‬وعنده ل َهْد َ‬
‫ن متمتعا ٌ‬
‫ذلك‪ ،‬فإنها كانت قارنة وُه ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُموافين‬
‫لا ّ‬
‫عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة‪)) :‬خرجنا مع رسو ِ‬
‫من حديث ِهشام بن ُ‬
‫ض لم‬
‫ل ِبُعمرة‪ ،‬فخرجنا حتى َقِدمَنا مّكَة‪ ،‬فأدركنى يوُم عرفة وأنا حائ ٌ‬
‫ت فيمن أه ّ‬
‫جِة‪ ،‬فكن ُ‬
‫حّ‬‫لِهلل ذى ال ِ‬
‫ك‪،‬‬
‫سِ‬
‫عْمَرَتك واْنُقضى َرأ َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقال‪)) :‬دعى ُ‬
‫ت ذلك إلى النب ّ‬
‫عمرتى‪ ،‬فشكو ُ‬
‫ل من ُ‬
‫حّ‬‫َأ ِ‬
‫‪154‬‬

‫ل معى‬
‫جنا‪ ،‬أرس َ‬
‫حّ‬
‫ل َ‬
‫صَبِة وقد قضى ا ّ‬
‫ح ْ‬
‫ت‪ ،‬فلما كانت ليلُة ال َ‬
‫ج((‪)) .‬قالت‪ :‬ففعل ُ‬
‫حّ‬‫شطى‪ ،‬وأهّلى بال َ‬
‫واْمَت ِ‬
‫عمرتنا‪ ،‬ولم‬
‫جَنا و ُ‬
‫حّ‬
‫ل َ‬
‫ت بُعمرة‪ ،‬فقضى ا ّ‬
‫عبد الرحمن بن أبى بكر‪ ،‬فأرَدفنى‪ ،‬وخرج إلى الّتنِعيم‪ ،‬فأهلل ُ‬
‫صْوٌم((‪.‬‬
‫صدقٌة ول َ‬
‫يكن فى ذلك َهْدى ول َ‬
‫وهذا مسلك فاسد تفّرد به ابن حزم عن الناس‪ .‬والذى عليه الصحابُة‪ ،‬والتابعون وَمن بعدهم أن‬
‫ى‪ ،‬كما يلزم المتمّتع‪ ،‬بل هو متمتع حقيقة فى لسان الصحابة كما تقّدم‪ ،‬وأما هذا‬
‫القاِرن يلزمه الَهْد ُ‬
‫ث‪ ،‬فالصحيح‪ :‬أن هذا الكلَم الخيَر من قول هشام بن عروة‪ ،‬جاء ذلك فى صحيح مسلم مصرحا‬
‫الحدي ُ‬
‫ل عنها‪...‬‬
‫عروة‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة رضى ا ّ‬
‫به‪ ،‬فقال‪ :‬حدثنا أبو كريب‪ ،‬حدثنا وكيع‪ ،‬حدثنا هشام بن ُ‬
‫عْمَرتها‪ .‬قال هشام‪ :‬ولم يكن‬
‫جَها َو ُ‬
‫حّ‬‫ل َ‬
‫ضى ا ُّ‬
‫فذكرت الحديث‪ .‬وفى آخره‪ :‬قال عروة فى ذلك‪)) :‬إنه َق َ‬
‫صيام‪ ،‬ول صدقة((‪.‬‬
‫ى‪ ،‬ول ِ‬
‫فى ذلك َهْد ٌ‬
‫ن نمير‪ ،‬وعبدة أدخله فى كلم عائشة‪،‬‬
‫قال أبو محمد‪ :‬إن كان وكيع جعل هذا الكلَم لهشام‪ ،‬فاب ُ‬
‫ل هشام إياه بدافع أن تكون‬
‫ل منهما ثقة‪ ،‬فوكيع نسبه إلى هشام‪ ،‬لنه سمع هشامًا يقوله‪ ،‬وليس قو ُ‬
‫وُك ّ‬
‫عائشُة قالته‪ ،‬فقد َيروى المرُء حديثًا ُيسنده‪ ،‬ثم ُيفتى به دون أن ُيسنده‪ ،‬فليس شئ من هذا بمتدافع‪ ،‬وإنما‬
‫ل ثقة فمصّدق فيما نقل‪ .‬فإذا‬
‫ف‪ ،‬وَمن اتبع هواه‪ ،‬والصحيح من ذلك‪ :‬أن ُك ّ‬
‫ص ُ‬
‫ل هذا َمن ل ُيْن ِ‬
‫يتعّلل بمث ِ‬
‫ق أيضًا‬
‫صّدَقا لعدالتهما‪ ،‬وإذا أضافه وكيع إلى ِهشام‪ ،‬صُّد َ‬
‫ل إلى عائشة‪ُ ،‬‬
‫ن نمير القو َ‬
‫أضاف عبدة واب ُ‬
‫ل صحيح‪ ،‬وتكون عائشة قالته‪ ،‬وهشام قاله‪.‬‬
‫لعدالته‪ ،‬وُك ٌ‬
‫علل الحاديث‪،‬‬
‫قلت‪ :‬هذه الطريقُة هى اللئقُة بظاهريته‪ ،‬وظاهرية أمثاله ممن ل ِفقه له فى ِ‬
‫كفقه الئمة الّنّقاد أطباء علله‪ ،‬وأهل العناية بها‪ ،‬وهؤلء ل يلتِفُتون إلى قول َمن خالفهم ممن ليس له‬
‫ف الّنّقاد‪ ،‬الذين ُيميزون بين الجّيِد والردئ‪ ،‬ول‬
‫صياِر ِ‬
‫ذوُقهم ومعرفُتهم بل يقطعون بخطئه بمنزلة ال ّ‬
‫يلتِفُتون إلى خطإ َمن لم يعِرف ذلك‪.‬‬
‫ومن المعلوم‪ ،‬أن عبدة وابن نمير لم يقول فى هذا الكلم‪ :‬قالت عائشة‪ ،‬وإنما أدرجاه فى‬
‫صل‬
‫عروة‪ ،‬أو من هشام‪ ،‬فجاء وكيع‪ ،‬فف ّ‬
‫ل أن يكون من كلمهما‪ ،‬أو من كلم ُ‬
‫الحديث إدراجًا‪ ،‬يحتم ِ‬
‫ن نمير وعبدة‪ :‬قالت عائشُة‪،‬‬
‫صل ومّيز‪ ،‬فقد حفظ وأتقن ما أطلقه غيره‪ ،‬نعم لو قال اب ُ‬
‫ومّيز‪ ،‬وَمن ف ّ‬
‫ضَع نظر وترجيح‪.‬‬
‫وقال وكيع‪ :‬قال هشاٌم‪ ،‬لساغ ما قال أبو محمد‪ ،‬وكان مو ِ‬
‫‪155‬‬

‫وأما كونهن تسعًا وهى بقرة واحدة‪ ،‬فهذا قد جاء بثلثة ألفاظ‪ ،‬أحدها‪ :‬أنها بقرة واحدة بينهن‪،‬‬
‫ت‪ :‬ما هذا؟ فقيل‪:‬‬
‫حى عنهن يومئذ بالبقر‪ ،‬والثالث‪ :‬دخل علينا يوم النحر بلحم بقر‪ ،‬فقل ُ‬
‫والثانى‪ :‬أنه ض ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن أزواجه‪.‬‬
‫ذبح رسول ا ّ‬
‫ل الشافعى‪،‬‬
‫س فى عدد َمن ُتجزئ عنهم الَبَدَنة والبقرة‪ ،‬فقيل‪ :‬سبعة وهو قو ُ‬
‫وقد اختلف النا ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫وأحمد فى المشهور عنه‪ ،‬وقيل‪ :‬عشرة‪ ،‬وهو قول إسحاق‪ .‬وقد ثبت أن رسو َ‬
‫ث‪ ،‬أنه ‪ -‬صّلى ال عليه‬
‫شَياٍه‪ .‬وَثبت هذا الحدي ُ‬
‫شِر ِ‬
‫جُزوَر ِبَع ْ‬
‫ل ال َ‬
‫بينهم المغاِنم‪َ ،‬فَعَد َ‬ ‫وسلم‪َ ،‬قسََم‬
‫حى عن نسائه وهن ِتسع ببقرة‪.‬‬
‫وسلم ‪ -‬ض ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫سو ِ‬
‫جهم مع َر ُ‬
‫حّ‬
‫ن‪ ،‬عن أبى الّزبير‪ ،‬عن جابر‪)) ،‬أنهم نحُروا الَبَدَنَة فى َ‬
‫وقد روى سفيا ُ‬
‫ن عشرٍة((‪ ،‬وهو على شرط مسلم ولم يخرجه‪ ،‬وإنما أخرج قوله‪)) :‬خرجنا مع‬
‫عْ‬‫صلى ال عليه وسلم َ‬
‫طفنا بالبي ِ‬
‫ت‬ ‫ن‪ ،‬فلما َقِدمنا مكة‪ُ ،‬‬
‫ج معنا النساُء والِولدا ُ‬
‫ن بالح ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُمهّلي َ‬
‫لا ّ‬
‫سو ِ‬
‫َر ُ‬
‫ل سبعٍة منا فى‬
‫ل والبقِر ُك ّ‬
‫ن نشتِرك فى الب ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أ َ‬
‫لا ّ‬
‫صفا والمروة‪ ،‬وَأَمَرَنا رسو ُ‬
‫وبال ّ‬
‫َبَدنة((‪.‬‬
‫ضَر‬
‫وفى ))المسند((‪ :‬من حديث ابن عباس‪)) :‬كّنا مع النبى صلى ال عليه وسلم فى سفر‪ ،‬فح َ‬
‫جُزوِر عشرة(ً(‪ .‬ورواه الّنسائى والترمذى‪ ،‬وقال‪ :‬حسن‬
‫سْبَعًة‪ ،‬وفى ال َ‬
‫الضحى‪ ،‬فاشترْكَنا فى البقرِة َ‬
‫غريب‪.‬‬
‫حَدْيِبَيِة‪ ،‬الَبَدَنَة عن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عاَم ال ُ‬
‫لا ّ‬
‫سو ِ‬
‫وفى ))الصحيحين(( عنه‪)) :‬نحرَنا مع َر ُ‬
‫سبعة‪ ،‬والبقرَة عن سبعة((‪.‬‬
‫حجته بين المسلمين‪ ،‬فى البقرة عن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ك رسو ُ‬
‫شّر َ‬
‫وقال حذيفُة‪َ )) :‬‬
‫ل‪.‬‬
‫سبعة((‪ .‬ذكره الماُم أحمد رحمه ا ّ‬
‫ح‪ ،‬وإما‬
‫صّ‬‫ث السبعة أكثُر وَأ َ‬
‫ل‪ :‬أحادي ُ‬
‫ج على أحد وجوه ثلثة‪ ،‬إما أن ُيقا ِ‬
‫خّر ُ‬
‫وهذه الحاديث‪ُ ،‬ت َ‬
‫ل الِقسمة‪ ،‬وأما كوُنه عن سبعة فى‬
‫ل البعيِر بعشرة ِمن الغنم‪ ،‬تقويٌم فى الغنائم لجل تعدي ِ‬
‫عْد ُ‬
‫أن ُيقال‪َ :‬‬
‫ف باختلف الزِمنة‪ ،‬والمِكنة‪ ،‬والبل‪ ،‬ففى‬
‫الهدايا‪ ،‬فهو تقديٌر شرعى‪ ،‬وإما أن ُيقال‪ :‬إن ذلك يختِل ُ‬
‫ل سبعة‪ ،‬فجعله عن سبعة‪.‬‬
‫ل عشر شياه‪ ،‬فجعله عن عشرة‪ ،‬وفى بعضها َيْعِد ُ‬
‫ضها كان البعيُر َيْعِد ُ‬
‫بع ِ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫وا ّ‬
‫‪156‬‬

‫حى عن نفسه‬
‫حى عنهن ببقرة‪ ،‬وض ّ‬
‫وقد قال أبو محمد‪ :‬إنه ذبح عن نسائه بقرًة للَهْدى‪ ،‬وض ّ‬
‫حية‬
‫ضِ‬‫ت ما فى ذلك من الوهم‪ ،‬ولم تكن بقرة ال ّ‬
‫بكبشين‪ ،‬ونحر عن نفسه ثلثًا وستين َهْديًا‪ ،‬وقد عرف َ‬
‫ج بمنزلة ضحية الفاقى‪.‬‬
‫ى الحا ّ‬
‫غيَر بقرة الَهْدى‪ ،‬بل هى هى‪ ،‬وَهْد ُ‬
‫فصل‬
‫فى أنه ل يختص الذبح بالمنحر وحيثما ذبح فى ِمَنى أو مكة أجزأه‬
‫حِرِه بِمَنى‪ ،‬وأعلمهم‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِبَمْن َ‬
‫لا ّ‬
‫ونحر رسو ُ‬
‫ص بِمَنى‪،‬‬
‫ل على أن النحَر ل يخت ّ‬
‫حٌر(( وفى هذا دلي ٌ‬
‫ق َوَمْن َ‬
‫طِري ٌ‬
‫ج َمّكَة َ‬
‫ن ِفجا َ‬
‫حٌر‪ ،‬وَأ ّ‬
‫))أن ِمَنى ُكّلها َمْن َ‬
‫ف((‪.‬‬
‫عَرَفُة كُّلَها َمْوِق ٌ‬
‫ت هاهنا َو َ‬
‫بل حيث نحر من فجاج مكة أجزأه‪ ،‬كما أنه لـّما وقف بعرفة قال‪َ)) :‬وَقْف ُ‬
‫ل عليه وسلم أن ُيبنى له‬
‫سئل صلى ا ّ‬
‫ف(( و ُ‬
‫ت هاهنا َوُمْزَدِلَفُة ُكّلها َمْوِق ٌ‬
‫ف بمزَدِلَفة‪ ،‬وقال‪َ)) :‬وَقْف ُ‬
‫ووَق َ‬
‫ق إَلْيِه(( وفى هذا دليل على اشتراك المسلمين‬
‫سَب َ‬
‫ن َ‬
‫خ ِلَم ْ‬
‫ل‪ِ ،‬مَنى ُمَنا ٌ‬
‫حّر‪َ ،‬فَقال‪َ )) :‬‬
‫ن ال َ‬
‫ظّله ِم َ‬
‫بِمَنى ِبَناٌء ُي ِ‬
‫ل عنه‪ ،‬ول َيْمِلُكه بذلك‬
‫حَ‬‫ق به حتى يرَت ِ‬
‫فيها‪ ،‬وأن َمن سبق إلى مكان منها فهو أح ّ‬
‫فصل‬
‫في حلق رسول ال صلى ال عليه وسلم رأسه‬
‫لق ‪-‬‬
‫ل ِللح ّ‬
‫لق‪ ،‬فحلق رأسه‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم نحره‪ ،‬استدعى بالح ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫فلما أكم َ‬
‫ل‪َ)) :‬يا َمْعَمُر ؛ َأْمَكَن َ‬
‫ك‬ ‫جِهِه‪ -‬وَقا َ‬
‫ظر فى َو ْ‬
‫ل وهو قائم على رأسه بالموسى وَن َ‬
‫وهو َمْعمر بن عبد ا ّ‬
‫ل؛‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫ل يا َر ُ‬
‫ل معمر‪ :‬أَما وا ّ‬
‫سى(( َفَقا َ‬
‫ك الُمو َ‬
‫حَمِة ُأُذِنِه َوفى َيِد َ‬
‫شْ‬‫ن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِم ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫َر ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫ك(( ذكر ذلك المام أحمد رحمه ا ّ‬
‫ل إذًا َأَقّر َل َ‬
‫جْ‬‫ل‪َ)) :‬أ َ‬
‫ى وَمّنِه‪َ ،‬قا َ‬
‫عَل ّ‬
‫ل َ‬
‫ن ِنْعَمِة ا ِّ‬
‫ن ذلك َلِم ْ‬
‫إّ‬
‫ق ِللنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬معمر بن‬
‫حَل َ‬
‫وقال البخاري في ))صحيحه((‪ :‬وزعموا أن الذي َ‬
‫سمَ‬
‫غ ِمْنه‪َ ،‬ق َ‬
‫ن‪َ ،‬فلما َفَر َ‬
‫لْيَم ِ‬
‫جاِنِبه ا َ‬
‫شاَر إلى َ‬
‫خْذ‪ ،‬وَأ َ‬
‫ل بن نضلة بن عوف‪ ...‬انتهى‪ ،‬فقال للحلق‪ُ )) :‬‬
‫عبد ا ّ‬
‫ل‪ :‬هاهنا أبو طلحة؟ فدفعه إليه((‪،‬‬
‫سر‪ّ ،‬ثّم قا َ‬
‫جاِنبُه الْي َ‬
‫ق َ‬
‫حَل َ‬
‫لق‪َ ،‬ف َ‬
‫حّ‬
‫شاَر إَلى ال َ‬
‫ن َيِليه‪ُ ،‬ثّم َأ َ‬
‫ن َم ْ‬
‫شْعَرُه َبْي َ‬
‫َ‬
‫هكذا وقع في صحيح مسلم‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لما‬
‫وفى صحيح البخاري‪ :‬عن ابن سيرين‪ ،‬عن أنس‪)) :‬أن رسول ا ّ‬
‫ض روايِة مسلم‪ِ ،‬لجواز أن ُيصيب أبا‬
‫حلق رأسه‪ ،‬كان أبو طلحة أول َمن أخذ من شعره((‪ .‬وهذا ل ُيناِق ُ‬
‫ق اليسِر‪ ،‬لكن قد روى مسلم في‬
‫شِ‬‫ص بال ّ‬
‫ل ما أصاب غيَره‪ ،‬ويخت ّ‬
‫ن‪ ،‬مث ُ‬
‫ق اليم ِ‬
‫شّ‬‫طلحة ِمن ال ّ‬
‫‪157‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم الجمَرة ونحَر‬


‫لا ّ‬
‫))صحيحه(( أيضًا من حديث أنس‪ ،‬قال‪)) :‬لما َرَمى رسو ُ‬
‫ق‬
‫شّ‬‫ي‪ ،‬فأعطاه إياه‪ ،‬ثم ناوله ال ّ‬
‫ن فحلقه‪ ،‬ثم دعا أبا طلحةَ النصار ّ‬
‫لْيَم َ‬
‫شّقه ا َ‬
‫ق ِ‬
‫لَ‬‫حّ‬
‫ل ال َ‬
‫ق‪ ،‬ناو َ‬
‫سَكه‪ ،‬وحَل َ‬
‫ُن ُ‬
‫ق(( فحلقه‪ ،‬فأعطاه أبا طلحة‪ ،‬فقال‪)) :‬اقسمه بين الناس((‪.‬ففي هذه الرواية‪ ،‬كما‬
‫حِل ْ‬
‫سَر‪ ،‬فقال‪)) :‬ا ْ‬
‫الْي َ‬
‫ن‪ ،‬وفى الولى‪ :‬أنه كان اليسر‪ .‬قال الحافظ أبو عبد ا ّ‬
‫ل‬ ‫ق اليم َ‬
‫شّ‬‫تري أن نصيب أبى طلحة كان ال ّ‬
‫محمد بن عبد الواحد المقدسي‪ ،‬رواه مسلم ِمن رواية حفص بن غياث‪ ،‬وعبد العلى بن عبد العلى‪،‬‬
‫عن هشام بن حسان‪ ،‬عن محمد بن سيرين‪ ،‬عن أنس‪)) :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬دفع إلى أبى‬
‫سِر((‪ ،‬ورواه من رواية سفيان بن عيينة‪ ،‬عن هشام بن حسان‪)) ،‬أنه دفع إلى أبى‬
‫لْي َ‬
‫شّقه ا َ‬
‫شْعَر ِ‬
‫طلحة َ‬
‫عون‪ ،‬عن ابن سيرين أراها ُتقّوى رواية سفيان‪ ..‬وا ّ‬
‫ل‬ ‫طلحة شعر شّقه اليمن((‪ .‬قال‪ :‬ورواية ابن َ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬يريُد برواية ابن عون‪ ،‬ما ذكرناه عن ابن سيرين‪ ،‬من طريق البخاري‪ ،‬وجعل الذي سبق‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ق الذي اختص به‪ .‬وا ّ‬
‫شّ‬‫إليه أبو طلحة‪ ،‬هو ال ّ‬
‫سَر‪ ،‬وَأّنه صلى ال عليه وسلم‬
‫لْي َ‬
‫قا َ‬
‫شّ‬‫ب أبى طلحة الذي اختص به كان ال ّ‬
‫والذي يْقَوى أن نصي َ‬
‫ق‪:‬‬
‫ضها أنه قال للحل ِ‬
‫ت‪ ،‬فإن في بع ِ‬
‫سـّنته في عطائه‪ ،‬وعلى هذا أكثُر الروايا ِ‬
‫ص‪ ،‬وهذه كانت ُ‬
‫خ ّ‬
‫عّم‪ ،‬ثّم َ‬
‫لق إلى الجاِنبِ اليسر‪،‬‬
‫ن يليه‪ ،‬ثم أشار إلى الح ّ‬
‫ن َم ْ‬
‫ن‪ ،‬فقسم شعره َبْي َ‬
‫لْيَم ِ‬
‫جاِنِبه ا َ‬
‫شاَر إلى َ‬
‫خْذ(( وأ َ‬
‫)) ُ‬
‫شّ‬
‫ق‬ ‫سليٍم‪ ،‬ول ُيعارض هذا دفُعه إلى أبى طلحة‪ ،‬فإنها امرأُته‪ .‬وفى لفظ آخر‪ :‬فبدأ بال ّ‬
‫فحلقه فأعطاه ُأّم ُ‬
‫ل ذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬هاهنا أبو‬
‫اليمن‪ ،‬فوّزعه الشعرة والشعرتين بين الناس‪ ،‬ثم قال‪ :‬باليسر‪ .‬فصنع به مث َ‬
‫طلحة؟ فدفعه إليه‪.‬‬
‫ق رْأسه اليسر‪ ،‬ثم قّلم أظفاره وقسمها بين الناس‪ ،‬وذكر‬
‫شّ‬‫شْعَر ِ‬
‫وفى لفظ ثالث‪ :‬دفع إلى أبى طلحة َ‬
‫شِهَد النبي صلى ال‬
‫ل بن زيد‪ ،‬أن أباه حّدثه‪)) ،‬أنه َ‬
‫ل‪ ،‬من حديث محمد بن عبد ا ّ‬
‫المام أحمد رحمه ا ّ‬
‫ئ ول صاحبه‪ ،‬فحلق‬
‫صْبُه ش ٌ‬
‫ي‪ ،‬فلم ُي ِ‬
‫حَ‬‫سُم أضا ِ‬
‫ل من قريش وهو َيْق ِ‬
‫جٌ‬‫عليه وسلم عند المنحر‪ ،‬ور ُ‬
‫ل‪ ،‬وقّلم أظفاره فأعطاه‬
‫سه في ثوبه‪ ،‬فأعطاه‪ ،‬فقسم منه على رجا ٍ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم رأ َ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ُ‬
‫حّناء والَكَتم‪ ،‬يعني شعَره((‪.‬‬
‫عْنَدنا مخضوب بال ِ‬
‫صاحبه‪ ،‬قال‪ :‬فإّنه ِ‬
‫صر‬
‫صِرين َمّرًة‪ ،‬وحلق كثيٌر من الصحابة‪ ،‬بل أكثُرهم‪ ،‬وق ّ‬
‫ن بالمْغِفَرِة َثلثًا‪َ ،‬وِللُمَق ّ‬
‫حّلِقي َ‬
‫ودعا للم َ‬
‫ن{‬
‫صِري َ‬
‫سكُْم َوُمقَ ّ‬
‫ن ُرُءو َ‬
‫حّلقي َ‬
‫ن ُم َ‬
‫ل آِمِني َ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫حَراَم إن َ‬
‫جَد ال َ‬
‫سِ‬‫ن الَم ْ‬
‫خُل ّ‬
‫ضهم‪ ،‬وهذا مع قوله تعالى‪َ} :‬لَتْد ُ‬
‫بع ُ‬
‫‪158‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم لحرامه قبل‬


‫ت رسولَ ا ّ‬
‫ل عنها‪)) :‬طّيب ُ‬
‫]الفتح‪ ،[27 :‬ومع قول عائشة رضى ا ّ‬
‫ك وليس بإطلق من محظور‬
‫سٌ‬
‫ل((‪ ،‬دليل على أن الحلق ُن ُ‬
‫ل أن َيح ّ‬
‫حِرَم‪ ،‬ولحلله َقْب َ‬
‫أن ُي ْ‬
‫فصل‬
‫ضِة‪ ،‬وهو طوا ُ‬
‫ف‬ ‫ف الَفا َ‬
‫ل عليه وسلم إلى مكة قبل الظهر راكبًا‪ ،‬فطاف طوا َ‬
‫ثم أفاض صلى ا ّ‬
‫ب‪ ،‬وقد خالف في ذلك‬
‫ف غَيره‪ ،‬ولم يسع معه‪ ،‬هذا هو الصوا ُ‬
‫ط ْ‬
‫صَدر‪ ،‬ولم ي ُ‬
‫ف ال ّ‬
‫طوا ُ‬
‫الّزَيارِة‪ ،‬وهو َ‬
‫ث طوائف‪ :‬طائفة زعمت أنه طاف طوافين‪ ،‬طوافًا للُقدوم سوى طواف الفاضة‪ ،‬ثم طاف‬
‫ثل ُ‬
‫ف في‬
‫ط ْ‬
‫ف لكونه كان قارنًا‪ ،‬وطائفة زعمت أنه لم َي ُ‬
‫للفاضة‪ ،‬وطائفة زعمت أنه سعى مع هذا الطوا ِ‬
‫ب في ذلك‪ ،‬ونبين منشأ الغلط وبال‬
‫صوا َ‬
‫ف الزيارة إلى الليل‪ ،‬فنذُكُر ال ّ‬
‫خر طوا َ‬
‫ذلك اليوم‪ ،‬وإنما أ ّ‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫ف ويسعى؟ قال‪ :‬يطو ُ‬
‫ف‬ ‫جَع ‪ -‬أعنى المتمتَع ‪ -‬كم يطو ُ‬
‫ت لبى عبد ال‪ :‬فإذا َر َ‬
‫قال الثرم‪ :‬قل ُ‬
‫ويسعى لحجه‪ ،‬ويطوف طوافًا آخر للزيارة‪ ،‬عاودناه في هذا غير مرة‪ ،‬فثبت عليه‪.‬‬
‫قال الشيخ أبو محمد المقدسي في ))المغني((‪ :‬وكذلك الحكُم في القارن والمفِرد إذا لم يكونا أتيا مكة‬
‫ل يوِم الّنحِر‪ ،‬ول طافا للقدوم‪ ،‬فإّنهما يبدآن بطواف الُقدوم قبل طواف الزيارة‪ ،‬نص عليه أحمد‬
‫قب َ‬
‫ن أهّلوا بالُعمرة بالبيت‪ ،‬وبين‬
‫ل عنها‪ ،‬قالت‪)) :‬فطاف الذي َ‬
‫ج بما روت عائشُة رضى ا ّ‬
‫ل‪ ،‬واحت ّ‬
‫رحمه ا ّ‬
‫ج‬
‫جَمُعوا الح ّ‬
‫جهم‪ ،‬وأما الذين َ‬
‫حّ‬‫ىل َ‬
‫الصفا والمروة‪ ،‬ثم حّلوا‪ ،‬ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا ِمن ِمن ً‬
‫ل عائشة‪ ،‬على أن طواَفهم لحجهم هو‬
‫ل قو َ‬
‫والُعمَرة‪ ،‬فإنما طاُفوا طوافًا واحدًا((‪ ،‬فحمل أحمُد رحمه ا ّ‬
‫ف القدوم مشروع‪ ،‬فلم يكن طواف الزيارة مسقطًا له‪ ،‬كتحية‬
‫ف القدوم‪ ،‬قال‪ :‬ولنه قد ثبت أن طوا َ‬
‫طوا ُ‬
‫المسجد عند دخوله قبل التلّبس بالصلة المفروضة‪.‬‬
‫صفا والمروة سبعًا كما فعل‬
‫وقال الخرقي في ))مختصره((‪ :‬وإن كان متمتعًا‪ ،‬فيطوف بالبيت سبعًا وِبال ّ‬
‫ق{‬
‫ت الَعِتي ِ‬
‫طّوُفوا ِبالَبْي ِ‬
‫للُعمرة‪ ،‬ثم يعود فيطوف بالبيت طوافًا ينوى به الزيارة‪ ،‬وهو قوله تعالى‪َ} :‬وْلَي ّ‬
‫]الحج‪ ،[29 :‬فمن قال‪ :‬إن النبي صلى ال عليه وسلم كان متمتعًا كالقاضي وأصحابه عندهم‪ ،‬هَكذا‬
‫ل‪ ،‬والشيخ أبو محمد عنده‪ ،‬أنه كان متمتعًا التمتَع الخاص‪ ،‬ولكن لم يفعل هذا‪ ،‬قال‪ :‬ول أعلم أحدًا‬
‫فع َ‬
‫ع طواف واحد للزيارة‪ ،‬كمن دخل‬
‫ل على هذا الطواف الذي ذكره الخرقي‪ ،‬بل المشرو ُ‬
‫وافق أبا عبد ا ّ‬
‫ل عن النبي صلى ال عليه‬
‫المسجد وقد أقيمت الصلة‪ ،‬فإنه يكتفي بها عن تحية المسجد‪ ،‬ولنه لم ُيْنَق ْ‬
‫‪159‬‬

‫وسلم ول أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع‪ ،‬ول أمر النبي صلى ال عليه وسلم به أحدًا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫وحديث عائشة دليل على هذا‪ ،‬فإنها قالت‪)) :‬طافوا طوافًا واحدًا بعد أن رجعوا ِمن ِمَنى لحجهم(( وهذا‬
‫ف الُقدوم‪ ،‬لكانت قد أخّلت‬
‫هو طواف الزيارة‪ ،‬ولم تذكر طوافًا آخر‪ .‬ولو كان هذا الذي ذكرته طوا َ‬
‫ن الحج الذي ل َيِتّم إل به‪ ،‬وذكرت ما ُيستغنى عنه‪ ،‬وعلى كل حال‪،‬‬
‫بذكر طواف الزيارة الذي هو رك ُ‬
‫فما ذكرت إل طوافًا واحدًا‪ ،‬فمن أين ُيستدل به على طوافين؟‬
‫ج إلى الُعمرة بأمر النبي صلى ال عليه وسلم ‪-‬ولم تكن‬
‫وأيضًا‪ ..‬فإنها لما حاضت‪ ،‬فقرنت الح ّ‬
‫طافت للقدوم لم تطف للقدوم‪ ،‬ول أمرها به النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولن طواف القدوم لو لم يسقط‬
‫ف القدوم مع طواف الُعمرة‪ ،‬لنه أّول قدومه إلى البيت‪،‬‬
‫ق المعتمر طوا ُ‬
‫ع في ح ّ‬
‫شِر َ‬
‫بالطواف الواجب‪َ ،‬ل ُ‬
‫فهو به أولى من المتمتع الذي َيُعوُد إلى البيت بعد رؤيته وطوافه به‪ ...‬انتهى كلمه‪.‬‬
‫ب في‬
‫قلت‪ :‬لم يرفع كلُم أبي محمد الشكال‪ ،‬وإن كان الذي أنكره هو الحق كما أنكره‪ ،‬والصوا ُ‬
‫سَعْوا‪ ،‬ثم طاُفوا للفاضة‬
‫إنكاره‪ ،‬فإن أحدًا لم يقل‪ :‬إن الصحابة لما رجعوا ِمن عرفة‪ ،‬طافوا للقدوم و َ‬
‫بعده‪ ،‬ول النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬هذا لم يقع قطعًا‪ ،‬ولكن كان منشأ الشكال‪ ،‬أن أّم المؤمنين فّرقت‬
‫بين المتمّتع والقاِرن‪ ،‬فأخبرت أن القاِرنين طافوا بعد أن رجعوا من ِمَنى طوافًا واحدًا‪ ،‬وأن الذين أهّلوا‬
‫جهم‪ ،‬وهذا غيُر طواف الزيارة قطعًا‪ ،‬فإنه يشتِرك‬
‫بالُعمرة طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا ِمن ِمَنى لح ّ‬
‫ن الشيخ أبا محمد‪ ،‬لما رأى قوَلها في المتمتعين‪ :‬إنهم‬
‫ن والمتمتع‪ ،‬فل فرق بينهما فيه‪ ،‬ولِك ّ‬
‫فيه القار ُ‬
‫طاُفوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا ِمن ِمَنى‪ ،‬قال‪ :‬ليس في هذا ما يدل على أنهم طافوا طوافين‪ ،‬والذي‬
‫قاله حق‪ ،‬ولكن لم يرفع الشكال‪ ،‬فقالت طائفة‪ :‬هذه الزيادة من كلم عروة أو ابنه هشام‪ُ ،‬أدِرجت في‬
‫الحديث‪ ،‬وهذا ل يتبين‪ ،‬ولو كان‪ ،‬فغايته أنه مرسل ولم يرتفع الشكال عنه بالرسال‪ .‬فالصواب‪ :‬أن‬
‫الطواف الذي أخبرت به عائشة‪ ،‬وفّرقت به بين المتمتع والقارن‪ ،‬هو الطواف بين الصفا والمروة‪ ،‬ل‬
‫الطواف بالبيت‪ ،‬وزال الشكال جملة‪ ،‬فأخبرت عن القارنين أنهم اكتفوا بطواف واحد بينهما‪ ،‬لم‬
‫ق‪ ،‬وأخبرت عن المتمتعين‪ ،‬أنهم طافوا بينهما طوافًا‬
‫ُيضيفوا إليه طوافًا آخر َيوم النحر‪ ،‬وهذا هو الح ّ‬
‫ث على‬
‫ل الجمهور‪ ،‬وتنزيل الحدي ِ‬
‫آخر بعد الرجوع ِمن ِمَنى للحج‪ ،‬وذلك الول كان للعمرة‪ ،‬وهذا قو ُ‬
‫صَفا‬
‫ن ال ّ‬
‫ت َوَبْي َ‬
‫ك ِبالَبْي ِ‬
‫طواُف ِ‬
‫ك َ‬
‫سُع ِ‬
‫هذا‪ ،‬موافق لحديثها الخر‪ ،‬وهو قول النبي صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬ي َ‬
‫ك((‪ ،‬وكانت قارنة‪ ،‬ويوافق قول الجمهور‪.‬‬
‫عْمَرِت ِ‬
‫ك َو ُ‬
‫جِ‬
‫حّ‬‫َوالَمْرَوِة ِل َ‬
‫‪160‬‬

‫ل عليه‬
‫ي صلى ا ّ‬
‫ل عليه حديث جابٍر الذي رواه مسلم في ))صحيحه((‪ :‬لم يطف النب ّ‬
‫ولكن ُيشِك ُ‬
‫صفا والمروة إل طوافًا واحدًا‪ ،‬طواَفه الول‪ .‬هذا يوافق قول َمن يقول‪:‬‬
‫وآله وسلم ول أصحابه بين ال ّ‬
‫ل‪ ،‬نص عليها في رواية ابنه عبد‬
‫ى واحد كما هو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه ا ّ‬
‫يكفى المتمتع سع ٌ‬
‫ل وغيره‪ ،‬وعلى هذا‪ ،‬فيقال‪ :‬عائشة أثبتت‪ ،‬وجابر نفى‪ ،‬والمثِبت ُمقّدم على النافي‪ ،‬أو يقال‪ :‬مراد‬
‫ا ّ‬
‫جابر َمن قرن مع النبي صلى ال عليه وسلم وساق الَهْدي‪ ،‬كأبي بكٍر وعمر وطلحة وعلي رضى ا ّ‬
‫ل‬
‫ل حديث‬
‫سَعْوا سعيًا واحدًا‪ .‬وليس المراد به عموَم الصحابة‪ ،‬أو يعّل ُ‬
‫عنهم‪ ،‬وذوي اليسار‪ ،‬فإنهم إنما َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫عائشة‪ ،‬بأن تلك الزيادة فيه مدرجة من قول هشام وهذه ثلثة طرق للناس في حديثها‪ ..‬وا ّ‬
‫ج قبل خروجه إلى ِمَنى‪،‬‬
‫ف ويسعى للقدوم بعد إحرامه بالح ّ‬
‫وأما َمن قال‪ :‬المتمتع يطو ُ‬
‫ص عنه أم ل؟ قال أبو محمد‪ :‬فهذا لم يفعله النبي‬
‫وهو قولُ أصحاب الشافعي‪ ،‬ول أدرى أُهَو منصو ٌ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ول أحد من الصحابة البتة‪ ،‬ول أمرهم به‪ ،‬ول نقله أحد‪ ،‬قال ابن عباس‪ :‬ل أرى‬
‫جُعوا من ِمَنى‪.‬‬
‫ج حتى َيْر ِ‬
‫صفا والمروِة بعد إحرامهم بالح ّ‬
‫سعوا بين ال ّ‬
‫طوفوا‪ ،‬ول أن َي ْ‬
‫لهل مّكة أن ي ُ‬
‫وعلى قول ابن عباس‪ :‬قول الجمهور‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأحمد‪ ،‬وأبى حنيفة‪ ،‬وإسحاق‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫ف ويسعى للُقدوم‪ .‬قالوا‪ :‬ولن‬
‫والذين استحّبوه‪ ،‬قالوا‪ :‬لما أحرم بالحج‪ ،‬صار كالقادم‪ ،‬فيطو ُ‬
‫ب الحراِم‬
‫ب له ِفْعُله عقي َ‬
‫ح ّ‬
‫ف القدوم‪ ،‬ولم يأت به‪ .‬فاسُت ِ‬
‫ل وقع عن الُعمرة‪ ،‬فيبقى طوا ُ‬
‫الطواف الو َ‬
‫ن‪ ،‬فإنه إنما كان قارنًا لما طاف ِللُعمرة‪ ،‬فكان طواُفه للُعمرة مغنيًا عن‬
‫ن واهيتا ِ‬
‫جتا ِ‬
‫حّ‬
‫ج‪ ،‬وهاتان ال ُ‬
‫بالح ّ‬
‫طواف القدوم‪ ،‬كمن دخل المسجد‪ ،‬فرأى الصلة قائمة‪ ،‬فدخل فيها‪ ،‬فقامت مقاَم َتحية المسجد‪ ،‬وأغنته‬
‫عنها‪.‬‬
‫طوفوا عقيَبه‪ ،‬وكان‬
‫ج مع النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لم ي ُ‬
‫حّ‬‫وأيضًا فإن الصحابة لما أحرموا بال َ‬
‫أكثرهم متمتعًا‪ .‬وروى محمد بن الحسن‪ ،‬عن أبى حنيفة‪ ،‬أنه إن أحرم يوَم التروية قبل الزوال‪ ،‬طاف‬
‫ف‪ ،‬وَفّرق بين الوقتين‪ ،‬بأنه بعد الزوال يخرج من فوره‬
‫ط ْ‬
‫وسعى للقدوم‪ ،‬وإن أحرم بعد الزوال‪ ،‬لم َي ُ‬
‫ل ابن عباس والجمهور‬
‫إلى ِمَنى‪ ،‬فل يشتِغل عن الخروج بغيره‪ ،‬وقبل الزوال ل يخرج فيطوف‪ ،‬وقو ُ‬
‫ل التوفيق‪.‬‬
‫هو الصحيح الموافق لعمل الصحابة‪ ،‬وبا ّ‬
‫فصل‬
‫‪161‬‬

‫جة في‬
‫حّ‬‫سَعى مع هذا الطواف وقالوا‪ :‬هذا ُ‬
‫ل عليه وسلم ‪َ -‬‬
‫والطائفة الثانية قالت‪ :‬إنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫سَع‬
‫ط عليه كما تقدم‪ ،‬والصواب‪ :‬أنه لم َي ْ‬
‫ن‪ ،‬وهذا غل ٌ‬
‫ن‪ ،‬كما يحتاج إلى طوافي ِ‬
‫أن القارن يحتاج إلى سعيي ِ‬
‫ف واحد‪ ،‬بل كّلها باطلة كما‬
‫ح عنه في السعيين حر ٌ‬
‫صّ‬‫إل سعَيه الول‪ ،‬كما قالته عائشُة‪ ،‬وجابر‪ ،‬ولم َي ِ‬
‫تقّدم‪ ،‬فعليك بمراجعته‪.‬‬
‫فصل‬
‫ف الزيارة إلى الليل‪ ،‬وهم طاووس‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬وعروة‪،‬‬
‫خَر طوا َ‬
‫والطائفة الثالثة‪ :‬الذين قالوا‪ :‬أ ّ‬
‫ففي سنن أبى داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬من حديث أبى الزبير المكي‪ ،‬عن عائشة وابن عباس أن‬
‫ف الّزيارة‪ ،‬قال الترمذي‪:‬‬
‫خَر طواَفه يوَم النحر إلى الليل‪ .‬وفى لفظ‪ :‬طوا َ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أ ّ‬
‫حديث حسن‪.‬‬
‫ل العلم‬
‫ك فيه أه ُ‬
‫شّ‬
‫ل عليه وسلم الذي ل َي ُ‬
‫ط بّين خلف المعلوم من فعله صلى ا ّ‬
‫وهذا الحديث غل ٌ‬
‫س فيه‪ ،‬قال الترمذي في كتاب ))العلل(( له‪ :‬سألت‬
‫ن نذكر كلَم النا ِ‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬فنح ُ‬
‫جته صلى ا ّ‬
‫حّ‬
‫بَ‬
‫سمَع أبو الزبير من عائشة وابن عباس؟ قال‪:‬‬
‫محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث‪ ،‬وقلت له‪َ :‬أ َ‬
‫أّما ِمن ابن عباس‪ ،‬فنعم‪ ،‬وفى سماعه من عائشة نظر‪ .‬وقال أبو الحسن القطان‪ :‬عندي أن هذا الحديث‬
‫ليس بصحيح‪ ،‬إنما طاف النبي صلى ال عليه وسلم يومئذ نهارًا‪ ،‬وإنما اختلُفوا‪ :‬هل صّلى الظهر بمكة‬
‫ل‪ :‬إنه رجع إلى ِمَنى‪،‬‬
‫ن عمر يقو ُ‬
‫أو رجع إلى ِمَنى‪ ،‬فصّلى الظهَر بها بعد أن فرغ من طوافه؟ فاب ُ‬
‫فصّلى الظهَر بها‪ ،‬وجابٌر يقول‪ :‬إنه صّلى الظهر بمكة‪ ،‬وهو ظاهر حديث عائشة من غير رواية‪:‬‬
‫ف إلى الليل‪ ،‬وهذا شئ لم ُيرَو إل من هذا الطريق‪ ،‬وأبو‬
‫خر الطوا َ‬
‫))أبى الزبير(( هذه التي فيها أنه أ ّ‬
‫الزبير مدلس لم يذكر هاهنا سماعًا من عائشة‪ ،‬وقد عهد أنه يروى عنها بواسطة‪ ،‬ول عن ابن عباس‬
‫ف فيما يرويه أبو‬
‫عِهَد كذلك أنه يروي عنه بواسطة‪ ،‬وإن كان قد سمع منه‪ ،‬فيجب التوّق ُ‬
‫أيضًا‪ ،‬فقد ُ‬
‫عِر َ‬
‫ف‬ ‫ف به من التدليس‪ ،‬لو ُ‬
‫عِر َ‬
‫عه منهما‪ِ ،‬لما ُ‬
‫الزبير عن عائشة وابن عباس مما ل َيْذُكُر فيه سما َ‬
‫ح لنا أنه سمع من عائشة‪ ،‬فالمر بّين في وجوب التوقف فيه‪ ،‬وإنما‬
‫صّ‬‫عه منها ِلغير هذا‪ ،‬فأّما ولم َي ِ‬
‫سما ُ‬
‫عه منه‪ .‬هاهنا يقول قوم‪:‬‬
‫يختِلف العلماء في قبول حديث المدّلس إذا كان عمن قد علم ِلقاؤه له وسما ُ‬
‫ل في حديث حديث‪ ،‬وأما ما ُيَعْنِعُنه‬
‫ُيقبل‪ ،‬ويقول آخرون‪ُ :‬يرد ما ُيعنِعُنه عنهم حتى يتبّين التصا ُ‬
‫عه منه‪ ،‬فل أعلم الخلفَ فيه بأنه ل ُيقبل‪ .‬ولو كنا نقول بقول‬
‫س‪ ،‬عمن لم ُيعلم ِلقاؤه له ول سما ُ‬
‫المدّل ُ‬
‫‪162‬‬

‫ل على التصال ولو لم ُيعلم التقاؤهما‪ ،‬فإنما ذلك في غير‬


‫ن محمو ٌ‬
‫صَرْي ِ‬
‫مسلم‪ :‬بأن ُمَعْنَعن المتعا ِ‬
‫المدّلسين‪ ،‬وأيضًا فلما قدمناه ِمن صحة طواف النبي صلى ال عليه وسلم يومئذ نهارًا‪ ،‬والخلف في‬
‫رد حديث المدّلسين حتى ُيعلم اتصاُله‪ ،‬أو قبوله حّتى يعلم انقطاعه‪ ،‬إنما هو إذا لم ُيعارضه ما ل ش ّ‬
‫ك‬
‫في صحته وهذا قد عارضه ما ل شك في صحته‪ ...‬انتهى كلمه‪.‬‬
‫ن عبد الرحمن روى عن عائشة‪ ،‬أّنها‬
‫ويدل على غلط أبى الّزبيِر على عائشة‪ ،‬أن أبا سلمة ب َ‬
‫حِر‪ .‬وروى محمد بن إسحاق‪ ،‬عن‬
‫ضَنا َيْوَم الّن ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬فَأَف ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ِ‬
‫جَنا َمَع َر ُ‬
‫جْ‬
‫حَ‬‫قالت‪َ :‬‬
‫عبد الرحمن بن القاسم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عنها‪ :‬أن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أذن لصحابه فزاروا البيت يوم‬
‫ل‪ ،‬وهذا غلط أيضًا‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مع نسائه لي ً‬
‫النحر ظهيرة‪ ،‬وزار رسول ا ّ‬
‫ث أبى سلمة‬
‫ث جابر‪ ،‬وحدي ُ‬
‫ث نافع عن ابن عمر‪ ،‬وحدي ُ‬
‫ت حدي ُ‬
‫ح هذه الروايا ِ‬
‫قال البيهقي‪ :‬وأص ّ‬
‫عن عائشة‪ ،‬يعنى‪ :‬أنه طاف نهارًا‪.‬‬
‫خَر طوافَ الَوَداع إلى‬
‫ف‪ ،‬فإن النبي صلى ال عليه وسلم أ ّ‬
‫ط ِمن تسمية الطوا ِ‬
‫ت‪ :‬إنما نشأ الغل ُ‬
‫قل ُ‬
‫الليل‪ ،‬كما ثبت في ))الصحيحين(( من حديث عائشة‪ .‬قالت‪ :‬خرجنا مع النبي صلى ال عليه وسلم‬
‫خِت َ‬
‫ك‬ ‫ج بأ ْ‬
‫خُر ْ‬
‫ن أبى بكر‪ ،‬فقال‪)) :‬ا ْ‬
‫عْبَد الرحمن ب َ‬
‫ب‪ ،‬فدعا َ‬
‫ص َ‬
‫ح ّ‬
‫فذكرت الحديث‪ ،‬إلى أن قالت‪َ :‬فَنَزْلَنا الُم َ‬
‫ضى ال الُعمرة‪ ،‬وفرغنا ِمن‬
‫ب(( قالت‪َ :‬فَق َ‬
‫ص ِ‬
‫ح ّ‬
‫طَواِفُكما‪ ،‬ثم ائتياني هاهنا بالُم َ‬
‫غا ِمن َ‬
‫حَرِم‪ ،‬ثم اْفُر َ‬
‫ن ال َ‬
‫ِم َ‬
‫س بالرحيل‪ ،‬فمّر‬
‫غُتَما((؟ ُقلنا‪:‬نعم‪ .‬فأّذن في النا ِ‬
‫ب‪ ،‬فقال‪َ)) :‬فَر ْ‬
‫ص ِ‬
‫ح ّ‬
‫ف الّليل‪ ،‬فأتيناه بالم َ‬
‫جْو ِ‬
‫طوافنا في َ‬
‫ل متوجهًا إلى المدينة‪.‬‬
‫ف به‪ ،‬ثم ارتح َ‬
‫ت‪ ،‬فطا َ‬
‫بالبي ِ‬
‫ن حّدثه ِبه‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫خره إلى الليل بل ريب‪ ،‬فغلط فيه أبو الزبير‪ ،‬أو َم ْ‬
‫فهذا هو الطواف الذي أ ّ‬
‫ل الموفق‪.‬‬
‫طواف الزيارة‪ ،‬وا ّ‬
‫ل في طوا ِ‬
‫ف‬ ‫ع‪ ،‬وإنما َرَم َ‬
‫ف الَوَدا ِ‬
‫طوا ِ‬
‫ل عليه وسلم في هذا الطواف‪ ،‬ول في َ‬
‫ل صّلى ا ّ‬
‫ولم َيْرُم ْ‬
‫الُقدوم‪.‬‬
‫فصل‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@‬
‫‪163‬‬

‫سَقْي ُ‬
‫ت‬ ‫ت َف َ‬
‫س‪ ،‬لَنَزْل ُ‬
‫ن َيْغِلَبُكم الّنا ُ‬
‫ل َأ ْ‬
‫ثّم أتى زمزَم بعد أن قضى طواَفه وهم يسقون‪ ،‬فقال‪َ)) :‬لْو َ‬
‫ب وُهَو َقاِئم‪.‬‬
‫شر َ‬
‫َمَعُكْم(( ُثّم ناوُلوه الّدْلَو‪َ ،‬ف َ‬
‫خ لنهيه عن الشرب قائمًا‪ ،‬وقيل‪ :‬بل بيان منه أن النهي على وجه الختيار‬
‫فقيل‪ :‬هَذا نس ٌ‬
‫لْولى‪ ،‬وقيل‪ :‬بل للحاجة‪ ،‬وهذا أظهر‪.‬‬
‫وترك ا َ‬
‫وهل كان في طوافه هذا راكبًا أو ماشيًا؟ فروى مسلم في ))صحيحه((‪ ،‬عن‬
‫حلته َيستِلم الّرك َ‬
‫ن‬ ‫ع على َرا ِ‬
‫جِة الَوَدا ِ‬
‫حّ‬
‫ت في َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بالَبْي ِ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ف رسو ُ‬
‫جابر قال‪)) :‬طا َ‬
‫شْوُه((‪.‬‬
‫غُ‬‫س َ‬
‫ن النا َ‬
‫ف‪ ،‬وِليسأُلوه‪ ،‬فإ ّ‬
‫شِر َ‬
‫س ولُي ْ‬
‫جِنه لن يراه النا ُ‬
‫حَ‬
‫ِبم ْ‬
‫حجة الوداع‪،‬‬
‫ف النبي صلى ال عليه وسلم في َ‬
‫ن عباس قال‪)) :‬طا َ‬
‫وفى ))الصحيحين((‪ ،‬عن اب ِ‬
‫ن((‪.‬‬
‫جٍ‬‫حَ‬
‫ن ِبم ْ‬
‫سَتِلُم الّرْك َ‬
‫على بعير َي ْ‬
‫ل‪ ،‬وليس بطواف الُقدوم لوجهين‪.‬‬
‫وهذا الطواف‪ ،‬ليس بطواف الوداع‪ ،‬فإنه كان لي ً‬
‫حَلُته‪ ،‬وإنما‬
‫ت ِبه َرا ِ‬
‫ط‪َ :‬رَمَل ْ‬
‫ل في طواف القدوم‪ ،‬ولم يقل أحد ق ّ‬
‫ح عنه الّرَم ُ‬
‫أحدهما‪ :‬أنه قد ص ّ‬
‫سُه‪.‬‬
‫ل َنْف ُ‬
‫قالوا‪َ :‬رَم َ‬
‫ت قدماه‬
‫س ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فما َم ّ‬
‫لا ّ‬
‫ت مع رسو ِ‬
‫والثاني‪ :‬قول الشريد بن سويد‪)) :‬أفض ُ‬
‫جْمعًا((‪.‬‬
‫ض حّتى أتى َ‬
‫الْر َ‬
‫ض هذا‬
‫ست قدماه الرض إلى أن رجع‪ ،‬ول ينتِق ُ‬
‫وهذا ظاهره‪ ،‬أنه من حين أفاض معه‪ ،‬ما م ّ‬
‫بركعتي الطواف‪ ،‬فإن شأَنهما معلوم‪.‬‬
‫قلت‪ :‬والظاهر‪ :‬أن الشريد بن سويد‪ ،‬إنما أراد الفاضة معه من عرفة‪ ،‬ولهذا قال‪ :‬حتى أتى‬
‫شعب حين‬
‫ض هذا بنزوله عند ال ّ‬
‫جْمعًا وهى مزدلفة‪ ،‬ولم ُيرد الفاضة إلى البيت يوَم النحر‪ ،‬ول ينتِق ُ‬
‫َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ست قدماه الرضَ مسًا عاِرضًا‪ .‬وا ّ‬
‫ب لنه ليس بنزول مستقر‪ ،‬وإنما م ّ‬
‫بال‪ ،‬ثم َرِك َ‬
‫فصل‬
‫عمر‪ ،‬أنه‬
‫ف أين صّلى الظهر يومئذ‪ ،‬ففي ))الصحيحين((‪ :‬عن ابنِ ُ‬
‫ثم رجع إلى ِمَنى‪ ،‬واخُتِل َ‬
‫ض يوم النحر‪ ،‬ثم رجع‪ ،‬فصّلى الظهَر ِبمَنى‪.‬‬
‫ل عليه وسلم‪ -‬أفا َ‬
‫‪-‬صّلى ا ّ‬
‫ظهَر بمّكة وكذلك قالت‬
‫ل عليه وسلم‪ -‬صّلى ال ّ‬
‫وفى ))صحيح مسلم((‪ :‬عن جابر‪ ،‬أنه ‪-‬صّلى ا ّ‬
‫عائشُة‪.‬‬
‫‪164‬‬

‫ن القولين على الخر‪ ،‬فقال أبو محمد بن حزم‪ :‬قول عائشة وجابر‬
‫ف في ترجيح أحِد هذي ِ‬
‫واخُتِل َ‬
‫ل بوجوه‪.‬‬
‫جحوا هذا القو َ‬
‫أولى وَتِبَعه على هذا جماعة‪ ،‬ور ّ‬
‫أحدها‪ :‬أنه روايُة اثنين‪ ،‬وهما أولى من الواحد‪.‬‬
‫س به صّلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولها من الُقرب والختصاص به‬
‫ص النا ِ‬
‫الثاني‪ :‬أن عائشة أخ ّ‬
‫والمزية ما ليس لغيرها‪.‬‬
‫جِة النبي صلى ال عليه وسلم من أولها إلى آخرها‪ ،‬أتّم سياق‪ ،‬وقد‬
‫حّ‬
‫الثالث‪ :‬أن سياق جابر ِل َ‬
‫صَة وضبطها‪ ،‬حتى ضبط جزئياتها‪ ،‬حّتى ضبط منها أمرًا ل يتعّلق بالمناسك‪ ،‬وهو نزو ُ‬
‫ل‬ ‫ظ الِق ّ‬
‫حِف َ‬
‫َ‬
‫شعب‪ ،‬ثم توضأ وضوءًا خفيفًا‪،‬‬
‫جته عند ال ّ‬
‫ضى حا َ‬
‫طريق‪ ،‬فَق َ‬
‫جْمٍع في ال ّ‬
‫النبي صلى ال عليه وسلم َلْيَلَة َ‬
‫ن صلته يوَم النحر أولى‪.‬‬
‫فَمن ضبط هذا القدر‪ ،‬فهو بضبط مكا ِ‬
‫ل والنهاِر‪ ،‬وقد دفع ِمن مزدلفة قبل‬
‫جة الوداع كانت في آذار‪ ،‬وهو تساوى اللي ِ‬
‫حّ‬‫الرابع‪ :‬أن َ‬
‫خ له من لحمها‪ ،‬وأكل‬
‫طِب َ‬
‫س‪ ،‬ونحر ُبْدنًا عظيمة‪ ،‬وَقسَمها‪ ،‬و ُ‬
‫طلوع الشمس إلى ِمَنى‪ ،‬وخطب بها النا َ‬
‫سقاية‪،‬‬
‫ف وشرب من ماء زمزم‪ ،‬وِمن نبيذ ال ّ‬
‫سه‪ ،‬وتطّيب‪ ،‬ثم أفاض‪ ،‬فطا َ‬
‫ق رأ َ‬
‫منه‪ ،‬ورمى الجمرة‪ ،‬وحَل َ‬
‫ن معه الرجو ُ‬
‫ع‬ ‫ووقف عليهم وهم يسقون‪ ،‬وهذه أعمال تبدو في الظهر أنها ل تنقضي في مقداٍر ُيمِك ُ‬
‫ك وقت الظهر في فصل آذار‪.‬‬
‫ث ُيدِر ُ‬
‫إلى ِمنى‪ ،‬بحي ُ‬
‫ل عليه‬
‫ن مجرى الناِقل والمبقى‪ ،‬فقد كانت عادُته ‪ -‬صّلى ا ّ‬
‫ن‪ ،‬جاريا ِ‬
‫الخامس‪ :‬أن هذين الحديثي ِ‬
‫حجته الصلَة في منزله الذي هو ناِزل فيه بالمسلمين‪ ،‬فجرى ابن عمر على العادة‪ ،‬وضبط‬
‫وسلم ‪ -‬في َ‬
‫ل عنهما المر الذي هو خارج عن عادته‪ ،‬فهو أولى بأن يكون هو المحفوظ‪.‬‬
‫جابر وعائشة رضى ا ّ‬
‫جحت طائفة أخرى قول ابن عمر‪ ،‬لوجوه‪:‬‬
‫ور ّ‬
‫ت‪ ،‬بل لم يكن لهم ُبّد‬
‫ل الصحابة ِبمَنى وحدانًا وَزَرافا ٍ‬
‫صّ‬‫ظهر بمكة‪ ،‬لم ُت َ‬
‫أحدها‪ :‬أنه لو صّلى ال ّ‬
‫ط‪ ،‬ول يقول أحد‪ :‬إنه استناب َمن ُيصّلى بهم‪،‬‬
‫ل هذا أحٌد ق ّ‬
‫ف إمام يكون نائبًا عنه‪ ،‬ولم َيْنُق ْ‬
‫من الصلة خل َ‬
‫ل بكم فلن‪،‬‬
‫ت عندكم‪ ،‬فلُيص ّ‬
‫ت الصلُة ولس ُ‬
‫ضَر ِ‬
‫ح َ‬
‫ولول علُمه أنه يرجع إليهم فُيصّلى بهم‪ ،‬لقال‪ :‬إن َ‬
‫وحيث لم يقع هذا ول هذا‪ ،‬ول صّلى الصحابة هناك وحدانًا قطعًا‪ ،‬ول كان ِمن عادتهم إذا اجتمعوا أن‬
‫عِلَم أنهم صّلوا معه على عادتهم‪.‬‬
‫عِزين‪ُ ،‬‬
‫ُيصّلوا ِ‬
‫‪165‬‬

‫ض أهل البلد وهم مقيمون‪ ،‬وكان يأمرهم أن ُيِتّموا‬


‫خْلَفُه بع ُ‬
‫الثاني‪ :‬أنه لو صّلى بمكة‪ ،‬لكان َ‬
‫صلتهم‪ ،‬ولم ُينقل أنهم قاموا فأتموا بعد سلمه صلتهم‪ ،‬وحيث لم ُينقل هذا ول هذا‪ ،‬بل هو معلوم‬
‫ل َمّكة‬
‫ل حينئذ بمكة‪ ،‬وما ينقُله بعض َمن ل علم عنده‪ ،‬أنه قال‪)) :‬يا َأْه َ‬
‫عِلَم أنه لم ُيص ّ‬
‫النتفاء قطعًا‪ُ ،‬‬
‫حجته‪.‬‬
‫سْفٌر((‪ ،‬فإنما قاله عاَم الفتح‪ ،‬ل في َ‬
‫صلَتُكم فإّنا َقْوٌم َ‬
‫َأِتّموا َ‬
‫الثالث‪ :‬أنه من المعلوم‪ ،‬أنه لما طاف‪ ،‬ركع ركعتي الطواف‪ ،‬ومعلوم أن كثيرًا من المسلمين‬
‫كانوا خلفه يقتدون به في أفعاله ومناسكه‪ ،‬فلعله لما ركع ركعتي الطواف‪ ،‬والناس خلفه يقتُدون به‪ ،‬ظن‬
‫ن أنها صلُة الظهر‪ ،‬ول سيما إذا كان ذلك في وقت الظهر‪ ،‬وهذا الوهُم ل ُيمكن رفعُ احتماله‪،‬‬
‫الظا ّ‬
‫بخلف صلته ِبمَنى‪ ،‬فإنها ل تحتِمل غير الفرض‪.‬‬
‫حجه أنه صّلى الفرض بجوف مكة‪ ،‬بل إنما كان ُيصّلى بمنزله‬
‫الرابع‪ :‬أنه ل ُيحفظ عنه في َ‬
‫بالبطح بالمسلمين ُمّدة مقامه كان ُيصّلى بهم أين نزلوا ل ُيصّلي في مكان آخر غير المنزل العام‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬أن حديث ابن عمر‪ ،‬متفق عليه‪ ،‬وحديث جابر‪ ،‬من أفراد مسلم‪ ،‬فحديث ابن عمر‪،‬‬
‫أصح منه‪ ،‬وكذلك هو في إسناده‪ ،‬فإن رواته أحفظ‪ ،‬وأشهر‪ ،‬وأتقن‪ ،‬فأين يقع حاتم بن إسماعيل من‬
‫ل بن عمر العمري‪ ،‬وأين يقع حفظ جعفر ِمن حفظ نافع؟‪.‬‬
‫عبيد ا ّ‬
‫ُ‬
‫ب في وقت طوافه‪ ،‬فُروى عنها على ثلثة أوجه‪ ،‬أحدها‪:‬‬
‫السادس‪ :‬أن حديث عائشة‪ ،‬قد اضطر َ‬
‫طواف إلى الليل‪ ،‬الثالث‪ :‬أنه أفاض ِمن آخر يومه‪ ،‬فلم يضبط فيه‬
‫خر ال ّ‬
‫أنه طاف نهارًا‪ ،‬الثاني‪ :‬أنه أ ّ‬
‫وقت الفاضة‪ ،‬ول مكان الصلة‪ ،‬بخلف حديث ابن عمر‪.‬‬
‫ث عائشة من رواية محمد بن إسحاق‪،‬‬
‫ح منه بل نزاع‪ ،‬فإن حدي َ‬
‫ن عمر أص ّ‬
‫ث اب ِ‬
‫السابع‪ :‬أن حدي َ‬
‫عن عبد الرحمن بن القاسم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عنها‪ ،‬وابن إسحاق مختلف في الحتجاج به‪ ،‬ولم ُيصّر ْ‬
‫ح‬
‫ل‪ :‬حدثني نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪.‬‬
‫عبيد ا ّ‬
‫بالسماع‪ ،‬بل عنعنه‪ ،‬فكيف ُيقّدم على قول ُ‬
‫ل عليه وسلم‪ -‬صّلى الظهر بمكة‪ ،‬فإن لفظه‬
‫الثامن‪ :‬أن حديث عائشة‪ ،‬ليس بالبّين أنه ‪-‬صّلى ا ّ‬
‫ظهر‪ ،‬ثم رجع إلى ِمَنى‪،‬‬
‫صّلى ال ّ‬
‫ن َ‬
‫حي َ‬
‫خِر َيْوِمِه ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِمن آ ِ‬
‫لا ّ‬
‫هكذا‪)) :‬أفاض رسو ُ‬
‫فمكث بها ليالي أياِم التشريق يرمى الجمرة إذا زالت الشمس‪ ،‬كل جمرة بسبع حصيات((‪ ،‬فأين دللة‬
‫ث الصريحة‪ ،‬على أنه صّلى الظهَر يومئذ بمكة‪ ،‬وأين هذا في صريح الدللة إلى قول ابن‬
‫هذا الحدي ِ‬
‫‪166‬‬

‫ث اتفق أصحاب الصحيح‬


‫عمر‪)) :‬أفاض يوم النحر‪ ،‬ثم صّلى الظهر بِمَنى((‪ ،‬يعنى راجعًا‪ .‬وأين حدي ٌ‬
‫ث اخُتِلف في الحتجاج به‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫على إخراجه إلى حدي ٍ‬
‫فصل‬
‫شاكية‪،‬‬
‫قال ابن حزم‪ :‬وطافت أّم سلمة في ذلك اليوم على بعيرها ِمن وراء الناس وهى َ‬
‫استأذنت النبي صلى ال عليه وسلم في ذلك اليوم‪ ،‬فأذن لها‪ ،‬واحتج عليه بما رواه مسلم في‬
‫ت إلى النبي صلى ال عليه‬
‫))صحيحه(( من حديث زينب بنت ُأم سلمة‪ ،‬عن ُأم سلمة‪ ،‬قالت‪ :‬شكو ُ‬
‫ل صلى ال‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ت َوَر ُ‬
‫طْف ُ‬
‫ت َراكبة(( قالت‪َ :‬ف ُ‬
‫ن َوراِء الّناس وَأْن ِ‬
‫طوفي ِم ْ‬
‫وسلم‪ ،‬أني أشتكى‪ ،‬فقال‪ُ )) :‬‬
‫طوٍر{ ]الطور‪ ،[2-1 :‬ول‬
‫سُ‬‫ب َم ْ‬
‫طوِر * َوِكَتا ٍ‬
‫ت‪ ،‬وُهَو َيْقَرُأ‪َ} :‬وال ّ‬
‫ب الَبْي ِ‬
‫جْن ِ‬
‫صّلي إَلى َ‬
‫حيَنِئٍذ ُي َ‬
‫عليه وسلم ِ‬
‫ضة‪ ،‬لن النبي صلى ال عليه وسلم لم يقرأ في ركعتي ذلك‬
‫ف الفا َ‬
‫ف ُهَو طوا ُ‬
‫ن أن هذا الطوا َ‬
‫يتبّي ُ‬
‫الطواف بالطور‪ ،‬ول جهر بالقراءة بالنهار بحيث تسمُعه أّم سلمة من وراء الناس‪ ،‬وقد بّين أبو محمد‬
‫خره إلى الليل‪ ،‬فأصاب في ذلك‪.‬‬
‫ط َمن قال‪ :‬إنه أ ّ‬
‫غل َ‬
‫ن النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬أرسل بُأّم سلمة ليلَة النحر‪ ،‬فرمت‬
‫وقد صح من حديث عائشة‪ ،‬أ ّ‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫الجمرَة قبل الفجر‪ ،‬ثم مضت فأفاضت فكيف يلتئُم هذا مع طوافها يوَم النحر وراَء الناس‪ ،‬ورسو ُ‬
‫طوٍر{ ]الطور‪:‬‬
‫سُ‬‫ب َم ْ‬
‫طوِر * َوِكَتا ٍ‬
‫صلى ال عليه وسلم إلى جانب البيت ُيصّلى ويقرأ في صلته‪َ} :‬وال ّ‬
‫ب‪ ،‬أو العشاِء‪ ،‬وأّما‬
‫‪[2-1‬؟ هذا ِمن الُمحال‪ ،‬فإن هذه الصلَة والقراءة‪ ،‬كانت في صلة الفجر‪ ،‬أو المغر ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بمكة قطعًا‪ ،‬فهذا من وهمه‬
‫لا ّ‬
‫أنها كانت يوَم النحر‪ ،‬ولم يكن ذلك الوقت رسو ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫رحمه ا ّ‬
‫جها‬
‫حّ‬‫فطافت عائشة في ذلك اليوم طوافًا واحدًا‪ ،‬وسعت سعيًا واحدًا أجزأها عن َ‬
‫ع‪،‬‬
‫عمرتها‪ ،‬وطافت صفّيُة ذلك اليوم‪ُ ،‬ثّم حاضت فأجزأها طواُفها ذلك عن طواف الوداع‪ ،‬ولم ُتَوّد ْ‬
‫وُ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬في المرأة الطاهرة إذا حاضت قبل الطواف ‪ -‬أو قبل الوقوف‬
‫سّنُته ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫فاستقّرت ُ‬
‫ي بطواف واحد‪ ،‬وسعي واحد‪ ،‬وإن حاضت بعد طواف الفاضة اجتزأت به عن‬
‫ن‪ ،‬وتكتف َ‬
‫‪ ،-‬أن َتْقِر َ‬
‫طواف الوداع‪.‬‬
‫فصل‬
‫في رجوعه صلى ال عليه وسلم إلى ِمَنى وبياته بها‬
‫‪167‬‬

‫ح‪ ،‬انتظَر زوا َ‬


‫ل‬ ‫ت بها‪ ،‬فلما أصَب َ‬
‫ل عليه وسلم إلى ِمَنى ِمن يومه ذلك‪ ،‬فبا َ‬
‫ثم رجع صلى ا ّ‬
‫جَد‬
‫سِ‬‫ب‪ ،‬فبدأ بالجمرة الولى التي تلي َم ْ‬
‫س‪ ،‬فلما زالت‪ ،‬مشى ِمن رحله إلى الجَماِر‪ ،‬ولم َيْرَك ْ‬
‫شْم ِ‬
‫ال ّ‬
‫ل أْكَبُر((‪ ،‬ثم تقّدم على‬
‫ل حصاة‪)) :‬ا ُّ‬
‫ت واحدًة بعَد واحدٍة‪ ،‬يقول مع ُك ّ‬
‫صيا ٍ‬
‫ح َ‬
‫ف‪ ،‬فرماها بسبع َ‬
‫خْي ِ‬
‫ال َ‬
‫سوَرِة البقرة‪ ،‬ثم‬
‫ل بقدر ُ‬
‫طِوي ً‬
‫عا ُدعاءًا َ‬
‫ل الِقْبلة‪ ،‬ثم رفَع يديِه َوَد َ‬
‫ل‪ ،‬فقام مستقب َ‬
‫الجمرة أمامها حتى أسه َ‬
‫ل الِقْبلة‬
‫ف مستقِب َ‬
‫ت الَيساِر مما يلي الوادي‪ ،‬فوق َ‬
‫جمرة الُوسطى‪ ،‬فرماها كذلك‪ ،‬ثم انحدَر ذا َ‬
‫أتى إلى ال َ‬
‫ل‪ ،‬ثم أتى الجمَرة الّثاِلَثة وهي جمرة الَعقبة‪ ،‬فاستبطن الوادي‪،‬‬
‫رافعًا يديه يدعو قريبًا ِمن وُقوِفه الو ِ‬
‫عن يساِره‪ ،‬وِمَنى عن يمينه‪ ،‬فرماها بسبع حصيات كذلك‪.‬‬
‫ت َ‬
‫جمرة‪ ،‬فجعل الَبْي َ‬
‫واستعرض ال َ‬
‫جّهال‪ ،‬ول جعلها عن يمينه واستقبل البيتَ وقت الرمي‬
‫ولم ِيرِمها ِمن أعلها كما يفعل ال ُ‬
‫كما ذكره غيُر واحد من الفقهاء‪.‬‬
‫فلما أكمل الرمي‪ ،‬رجع ِمن فوره ولم يقف عندها‪ ،‬فقيل‪ :‬لضيق المكان بالجبل‪ ،‬وقيل ‪ -‬وهو‬
‫ي‪ ،‬والدعاُء‬
‫أصح‪ :‬إن دعاءه كان في نفس العبادة قبل الفراغ منها‪ ،‬فلما رمى جمرة العقبة‪ ،‬فرغ الرم ُ‬
‫سّنته في دعائه في‬
‫ل منه بعد الفراغ منها‪ ،‬وهذا كما كانت ُ‬
‫صلب العبادة قبل الفراغ منها أفض ُ‬
‫في ُ‬
‫صلبها‪ ،‬فأما بعد الفراغ منها‪ ،‬فلم يثبت عنه أنه كان يعتاُد الدعاء‪ ،‬وَمن روى‬
‫الصلة‪ ،‬إذ كان يدعو في ُ‬
‫غِلط عليه‪ ،‬وإن ُروى في غير الصحيح أنه كان أحيانًا يدعو بدعاٍء عاِرض بعد السلم‪،‬‬
‫عنه ذلك‪ ،‬فقد َ‬
‫وفى صحته نظر‪.‬‬
‫صلب‬
‫صّديق‪ ،‬إنما هي في ُ‬
‫ب أن عامة أدعيته التي كان يدعو بها‪ ،‬وعّلمها ال ّ‬
‫وبالجملة‪ ..‬فل ري َ‬
‫ك‪،‬‬
‫شْكِر َ‬
‫كوُ‬
‫على ِذْكر َ‬
‫عّنى َ‬
‫صلٍة‪ :‬الّلُهّم َأ ِ‬
‫ل َ‬
‫ل ُدُبَر ُك ّ‬
‫ن َتُقو َ‬
‫سأ ْ‬
‫ث معاذ بن جبل‪)) :‬ل َتْن َ‬
‫الصلة‪ ،‬وأما حدي ُ‬
‫عبادِتك((‪ ،‬فُدُبر الصلة ُيراد به آخرها قبل السلم منها‪ ،‬كُدُبر الحيوان‪ ،‬ويراد به ما بعد السلم‬
‫سن ِ‬
‫حْ‬‫َو ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫لٍة((‪ ...‬الحديث‪ ،‬وا ّ‬
‫صَ‬‫ل َ‬
‫ن ُدُبَر ُك ّ‬
‫ن وتحمدو َ‬
‫ل وتكّبرو َ‬
‫ن ا َّ‬
‫حو َ‬
‫سّب ُ‬
‫كقوله‪ُ)) :‬ت َ‬
‫فصل‬
‫في هل كان صلى ال عليه وسلم يرمى قبل صلة الظهر أو بعدها؟‬
‫ب على الظن‪ ،‬أنه كان‬
‫ل صلة الظهر أو بعَدها؟ والذي يغِل ُ‬
‫ولم يزل في نفسي‪ ،‬هل كان يرمى قب َ‬
‫ت الشمس‪ ،‬فعّقبوا‬
‫ن يرمي إذا زال ِ‬
‫يرمي قبل الصلة‪ ،‬ثم َيرجع فُيصّلى‪ ،‬لن جابرًا وغيَره قالوا‪ :‬كا َ‬
‫ل الشمس برميه‪ .‬وأيضًا‪ ،‬فإن وقت الزوال للرمي أياَم ِمَنى‪ ،‬كطلوع الشمس لرمى يوم النحر‪،‬‬
‫زوا َ‬
‫‪168‬‬

‫عبادات ذلك اليوم‪،‬‬


‫ت الرمي‪ ،‬لم ُيَقّدْم عليه شيئًا من ِ‬
‫والنبي صلى ال عليه وسلم يوَم النحر لما دخل وق ُ‬
‫ل عنهما‪ :‬كان رسو ُ‬
‫ل‬ ‫ن ماجه‪ ،‬رويا في ))سننهما(( عن ابن عباس رضى ا ّ‬
‫وأيضًا فإن الترمذي‪ ،‬واب َ‬
‫جماَر إذا زالت الشمس‪ .‬زاد ابن ماجه‪َ :‬قْدَر ما إذا فرغ من رميه صّلى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يرمى ال ِ‬
‫ا ّ‬
‫الظهر‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حديث حسن‪ ،‬ولكن في إسناد حديث الترمذي‪ :‬الحجاج بن أرطاة‪ ،‬وفي إسناد‬
‫حديث ابن ماجه‪ :‬إبراهيُم ابن عثمان أبو شيبة‪ ،‬ول ُيحتج به‪ ،‬ولكن ليس في الباب غيُر هذا‪.‬‬
‫وذكر المام أحمد أنه كان يرمى يوم النحر راكبًا‪ ،‬وأيام ِمَنى ماشيًا في ذهابه ورجوعه‪.‬‬
‫فصل‬
‫جّته صلى ال عليه وسلم ست وقفات‬
‫في تضمن ح َ‬
‫ت وقفات للدعاء‪.‬‬
‫س ّ‬
‫ل عليه وسلم ِ‬
‫جته صلى ا ّ‬
‫حّ‬‫فقد تضّمنت َ‬
‫الموقف الول‪ :‬على الصفا‪ ،‬والثاني‪ :‬على المروة‪ ،‬والثالث‪ :‬بعرفة‪ ،‬والرابع‪ :‬بمزدلفة‪،‬‬
‫والخامس‪ :‬عند الجمرة الولى‪ ،‬والسادس‪ :‬عند الجمرة الثانية‪.‬‬
‫فصل‬
‫في خطبه صلى ال عليه وسلم في أيام الحج‬
‫ل عليه وسلم الناس بِمَنى خطبتين‪ :‬خطبًة يوم النحر وقد تقّدمت‪ ،‬والخطَبة‬
‫وخطب صلى ا ّ‬
‫طها‪ ،‬أي‪ :‬خيارها‪ ،‬واحتج َمن قال‬
‫الثانية‪ :‬في أوسط أّياِم التشريق‪ ،‬فقيل‪ :‬هو ثاني يوم النحر‪ ،‬وهو أوس ُ‬
‫ي َيْوٍم‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪)) :‬أتدرون أ ّ‬
‫ت رسول ا ّ‬
‫سّراء بنت نبهان‪ ،‬قالت‪ :‬سمع ُ‬
‫ذلك‪ :‬بحديث َ‬
‫ط أّياِم‬
‫سُ‬‫ل‪)) :‬هَذا أْو َ‬
‫عَلُم‪َ ،‬قا َ‬
‫سوُلُه َأ ْ‬
‫لُ َوَر ُ‬
‫ن َيْوَم الّرؤوس‪َ -‬قاُلوا‪ :‬ا ّ‬
‫عو َ‬
‫هَذا((؟ ‪َ-‬قاَلت‪ :‬وُهو الَيْوُِم اّلذي َتْد ُ‬
‫حَراُم((‪ُ ،‬ثّم َقال‪:‬‬
‫شَعُر ال َ‬
‫ل‪)) :‬هَذا الَم ْ‬
‫عَلُم‪َ ،‬قا َ‬
‫سوُلُه أ ْ‬
‫ل وَر ُ‬
‫ي َبَلد هَذا((؟ قاُلوا‪ :‬ا ُّ‬
‫نأ ّ‬
‫ل َتْدُرو َ‬
‫ق‪َ ،‬ه ْ‬
‫شري ِ‬
‫الّت ْ‬
‫حَراٌم‪،‬‬
‫عَلْيُكم َ‬
‫ضُكم َ‬
‫عَرا َ‬
‫ن دَماَءُكم‪ ،‬وَأْمواَلُكم‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ل َوإ ّ‬
‫ل َأْلَقاُكْم َبْعَد عامي هَذا‪ ،‬أ َ‬
‫ل َأْدِرى َلَعّلى َ‬
‫))إّني َ‬
‫ل َفْلُيَبّلْغ‬
‫عماِلُكم‪ ،‬أ َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫عْ‬‫سَأَلُكم َ‬
‫حّتى َتْلُقْوا َرّبكم‪َ ،‬فَي ْ‬
‫حْرَمِة َيْوِمُكم هَذا‪ ،‬في شهركم هذا‪ ،‬في َبَلِدُكْم هَذا‪َ ،‬‬
‫َك ُ‬
‫ل عليه وسلم‪.‬‬
‫ت صلى ا ّ‬
‫حّتى َما َ‬
‫ل َ‬
‫ل َقِلي ً‬
‫ثإ ّ‬
‫ت((؟ َفَلّما َقِدْمَنا الَمِدينة‪َ ،‬لْم َيْلَب ْ‬
‫ل َبّلْغ ُ‬
‫ل َه ْ‬
‫َأْدَناُكم أقصاكم‪َ ،‬أ َ‬
‫رواه أبو داود‪ .‬ويوم الرؤوس‪ :‬هو ثاني يوم النحر بالتفاق‪.‬‬
‫ن عمر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫عبيدة الّربِذي‪ ،‬عن صدقة بن يسار‪ ،‬عن اب ِ‬
‫وذكر البيهقي‪ ،‬من حديث موسى بن ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم في‬
‫لا ّ‬
‫ح{ ]النصر‪ ،[1 :‬على رسو ِ‬
‫ل َوالَفْت ُ‬
‫صُر ا ِّ‬
‫جاَء َن ْ‬
‫سوَرُة‪} :‬إَذا َ‬
‫ت َهِذه ال ّ‬
‫ُأْنِزَل ْ‬
‫‪169‬‬

‫س فقال‪)) :‬يا أيها‬


‫ت‪ ،‬واجتمع النا ُ‬
‫حَل ْ‬
‫صواء‪َ ،‬فُر ِ‬
‫ع‪ ،‬فأمر براحلته الَق ْ‬
‫ف أنه الودا ُ‬
‫عِر َ‬
‫ق‪ ،‬و ُ‬
‫وسط أّياِم التشري ِ‬
‫س((‪ ...‬ثم ذكر الحديث في خطبته‪.‬‬
‫الّنا ُ‬
‫فصل‬
‫في ترخيص النبي صلى ال عليه وسلم البيتوتة خارج ِمَنى لمن له عذر‬
‫ن عبد المطلب أن َيبيت بمكة ليالي مَِنى ِمن أجل سقايته‪ ،‬فأذن له‪.‬‬
‫سبُ‬
‫واستأذنه العبا ُ‬
‫حِر‪ ،‬ثم‬
‫ج ِمَنى عند البل‪ ،‬فأرخص لهم أن َيْرُموا َيْوَم الّن ْ‬
‫ل في البيتوتة خاِر َ‬
‫واستأذنه ِرعاُء الِب ِ‬
‫ى يومين َبْعَد يوم النحر يرُموَنه في أحدهما‪.‬‬
‫جَمُعوا رم َ‬
‫َي ْ‬
‫ت أنه قال‪ :‬في أول يوم منهما‪ ،‬ثم يرُمون يوَم الّنْفِر‪.‬‬
‫قال مالك‪ :‬ظنن ُ‬
‫سّنة‬
‫طائفتين بال ّ‬
‫خص للّرعاء أن يرموا يومًا‪ ،‬وَيَدعوا يومًا فيجوز ِلل ّ‬
‫ن عيينة‪ :‬في هذا الحديث ر ّ‬
‫وقال اب ُ‬
‫خروه إلى الليل‪ ،‬فيرُمون فيه‪ ،‬ولهم أن‬
‫ك المبيت بِمَنى‪ ،‬وأما الرمي‪ ،‬فإنهم ل يترُكونه‪ ،‬بل لهم أن ُيؤ ّ‬
‫تر ُ‬
‫ص لهل السقاية‪ ،‬وللّرعاء في‬
‫خ َ‬
‫ى يومين في يوم‪ ،‬وإذا كان النبي صلى ال عليه وسلم قد ر ّ‬
‫يجمعوا رم َ‬
‫ف ِمن تخّلفه عنه‪ ،‬أو كان مريضًا ل تمكنه‬
‫ف ضياعه‪ ،‬أو مريض َيخا ُ‬
‫البيتوتة‪ ،‬فَمن له مال يخا ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫البيتوتة‪ ،‬سقطت عنه بتنبيه النص على هؤلء‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫في أنه صلى ال عليه وسلم لم يتعجل في يومين بل تأخر حتى أكمل رمى أيام التشريق الثلثة‬
‫ى أياِم التشريق الثلَثَة‪،‬‬
‫ل عليه وسلم في يومين‪ ،‬بل تأخر حّتى أكمل رم َ‬
‫ولم يتعجل صلى ا ّ‬
‫خْيف بنى ِكنانة‪ ،‬فوجد أبا رافع قد‬
‫ب‪ ،‬وهو البطح‪ ،‬وهو َ‬
‫ص ِ‬
‫ح ّ‬
‫وأفاض يوَم الثلثاء بعد الظهر إلى الُم َ‬
‫ل صلى ال‬
‫ل‪ ،‬دون أن يأمَره به رسولُ ا ّ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ضرب له فيه ُقَبًة هناك‪ ،‬وكان على َثَقِله توفيقًا ِمن ا ّ‬
‫ب‪ ،‬والِعشاء‪ ،‬ورقد رقدة ثم نهض إلى مكة‪ ،‬فطاف للوداع‬
‫ظهر‪ ،‬والعصَر‪ ،‬والمغر َ‬
‫عليه وسلم‪ ،‬فصّلى ال ّ‬
‫سُتنا هي((؟ فقاُلوا له‪:‬‬
‫حاِب َ‬
‫ف‪ ،‬وأخبرته صفية أنها حائض‪ ،‬فقال‪)) :‬أ َ‬
‫طوا ِ‬
‫ل في هذا ال ّ‬
‫ل سحرًا‪ ،‬ولم َيْرُم ْ‬
‫لي ً‬
‫عمرًة مفرَدة‪ ،‬فأخبرها أن‬
‫ت إليه عائشُة تلك الليلة أن ُيْعِمَرها ُ‬
‫غَب ْ‬
‫ت قال‪َ)) :‬فْلَتْنِفْر إذًا((‪ .‬وَر ِ‬
‫ض ْ‬
‫إنها َقْد َأَفا َ‬
‫عمرة مفردة‪ ،‬فأمر‬
‫عمرتها‪ ،‬فأبت إل أن تعتِمَر ُ‬
‫جها و ُ‬
‫طوافها بالبيت وبالصفا والمروة قد أجزَأ عن ح ّ‬
‫ب َمعَ أخيها‪ ،‬فأتيا‬
‫ص َ‬
‫ح ّ‬
‫ت الُم َ‬
‫ل ثّم واَف ِ‬
‫عمرتها َلي ً‬
‫ت ِمن ُ‬
‫غ ْ‬
‫أخاها عبد الرحمن أن ُيْعِمَرها ِمن التنعيم‪َ ،‬فَفَر َ‬
‫‪170‬‬

‫حيل في‬
‫غُتَما((؟ قالت‪َ :‬نَعْم‪ ،‬فناَدى بالّر ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬فَر ْ‬
‫لا ّ‬
‫ل‪ ،‬فقال رسو ُ‬
‫جْوفِ اللي ِ‬
‫في َ‬
‫صبح هذا لفظ البخاري‪.‬‬
‫صلَة ال ّ‬
‫ل َ‬
‫ف بالبيت قب َ‬
‫س‪ ،‬ثم طا َ‬
‫ل النا ُ‬
‫أصحابه‪ ،‬فارتح َ‬
‫فإن قيل‪ :‬كيف تجمعون بين هذا‪ ،‬وبين حديث السود عنها الذي في ))الصحيح(( أيضًا؟ قالت‪:‬‬
‫ث‪ ،‬وفيه‪ :‬فلما كانت ليلة‬
‫ت الحدي َ‬
‫ج‪ ....‬فذكر ِ‬
‫حّ‬‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولم َنَر إل ال َ‬
‫خرجنا مع رسول ا ّ‬
‫طْف ِ‬
‫ت‬ ‫ت ُ‬
‫ل‪َ :‬أَو َما ُكْن ِ‬
‫جٍة؟ َقا َ‬
‫حّ‬‫عْمَرٍة‪ ،‬وَأْرجُع َأنا ِب َ‬
‫جٍة و ُ‬
‫حّ‬‫ل ؛ يرجُع الّناس ِب َ‬
‫ت‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫صَبِة‪ ،‬قل ُ‬
‫ح ْ‬
‫ال َ‬
‫ك َمَكا َ‬
‫ن‬ ‫عُد ِ‬
‫ك إَلى الّتْنِعيم‪َ ،‬فَأِهّلي ِبُعْمَرٍة ُثّم َموْ ِ‬
‫خي ِ‬
‫ل‪)) :‬فاْذَهبي َمَع أ ِ‬
‫ل‪َ .‬قا َ‬
‫ت‪َ :‬‬
‫ت‪ُ :‬قْل ُ‬
‫َلَيالي َقِدْمَنا َمّكَة؟ َقاَل ْ‬
‫طٌة‬
‫ن َمّكَة‪ ،‬وَأَنا ُمْنَهب َ‬
‫صِعٌد ِم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َوُهَو ُم ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫شُة‪َ :‬فَلِقيني َر ُ‬
‫عاِئ َ‬
‫ت َ‬
‫َكَذا َوَكَذا(( َقاَل ْ‬
‫ط ِمْنَها‪.‬‬
‫صِعَدٌة َوُهَو ُمْنَهِب ٌ‬
‫عَلْيَها‪ ،‬أْو َأَنا ُم ْ‬
‫َ‬
‫طريق‪ ،‬وفى الول‪ ،‬أنه انتظرها في منزله‪ ،‬فلما جاءت نادى‬
‫ففي هذا الحديث‪ ،‬أنهما تلقيا في ال ّ‬
‫طة عليها‪ ،‬أو‬
‫ن َمّكَة وَأَنا ُمْنَهب َ‬
‫صِعٌد ِم ْ‬
‫ل آخر‪ ،‬وهو قوُلها‪ :‬لقيني وهو ُم ْ‬
‫ل في أصحابه‪ ،‬ثم فيه إشكا ٌ‬
‫بالرحي ِ‬
‫ن الول‪ ،‬فيكون قد لقيها ُمصِعدًا منها راجعًا إلى المدينة‪ ،‬وهى منهبطة عليها للُعمرة‪،‬‬
‫بالعكس‪ ،‬فإن كا َ‬
‫صب‪.‬‬
‫وهذا ُيَنافى انتظاره لها بالمح ّ‬
‫ن َمّكة‪ ،‬وهو منهِبط‪ ،‬لنها‬
‫صِعَدًة ِم ْ‬
‫ب الذي ل شك فيه‪ ،‬أنها كانت ُم ْ‬
‫قال أبو محمد بن حزم‪ :‬الصوا ُ‬
‫ض إلى طواف‬
‫ل صلى ال عليه وسلم حتى جاءت‪ ،‬ثم نه َ‬
‫لا ّ‬
‫تقّدمت إلى الُعمرة‪ ،‬وانتظرها رسو ُ‬
‫ب عن مكة‪ ،‬وهذا ل يصح‪ ،‬فإنها قالت‪ :‬وهو منهبط منها‪ ،‬وهذا‬
‫ص ِ‬
‫الَوداع‪ ،‬فلقيها منصِرفة إلى المح ّ‬
‫صب‪ ،‬والخروج من مكة‪ ،‬فكيف يقول أبو محمد‪ :‬إنه نهض إلى طواف‬
‫يقتضي أن يكون بعد المح ّ‬
‫الَوداع وهو منهبط ِمن مكة؟ هذا محال‪ .‬وأبو محمد لم يحج‪ ،‬وحديث القاسم عنها صريح كما تقّدم في‬
‫ل صلى ال عليه وسلم انتظرها في منزله بعد الّنْفِر حتى جاءت‪ ،‬فارتحل‪ ،‬وأّذن في النا ِ‬
‫س‬ ‫لا ّ‬
‫أن رسو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأنا‬
‫لا ّ‬
‫ث السود هذا محفوظًا‪ ،‬فصواُبه‪ :‬لقيني رسو ُ‬
‫بالرحيل‪ ،‬فإن كان حدي ُ‬
‫عمرتها‪ ،‬ثم أصعدت لميعاده‪ ،‬فوافته قد أخذ‬
‫ُمصِعدة من مكة‪ ،‬وهو منهبط إليها‪ ،‬فإنها طافت وقضت ُ‬
‫س بالرحيل‪ ،‬ول وجه لحديث السود غير هذا‪ .‬وقد‬
‫في الُهبوط إلى مّكة للوداع‪ ،‬فارتحل‪ ،‬وأّذن في الّنا ِ‬
‫جِمَع بينهما بجمعين آخرين‪ ،‬وهما وهم‪.‬‬
‫ُ‬
‫أحدهما‪ :‬أنه طاف للوداع مرتين‪ :‬مرًة بعد أن بعثها‪ ،‬وقبل فراغها‪ ،‬ومرة بعد فراغها للوداع‪،‬‬
‫وهذا مع أنه َوهٌم بّين‪ ،‬فإنه ل يرفع الشكال‪ ،‬بل يزيده فتأمله‪.‬‬
‫‪171‬‬

‫ف المشقة على المسلمين في التحصيب‪،‬‬


‫صب إلى ظهر العقبة خو َ‬
‫الثاني‪ :‬أنه انتقل من المح ّ‬
‫ح من الول‪ ،‬لنه‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪-‬‬
‫َفَلِقَيْتُه وهى منهبطة إلى مكة‪ ،‬وهو مصعد إلى الَعقبة‪ ،‬وهذا أقب ُ‬
‫سفلى بالتفاق‪ .‬وأيضًا‪ :‬فعلى تقدير‬
‫ل‪ ،‬وإنما خرج من أسفل مكة من الّثِنّيِة ال ّ‬
‫لم يخرج من العقبة أص ً‬
‫صل الجمع بين الحديثين‪.‬‬
‫ذلك‪ ،‬ل يح ُ‬
‫صب‪ ،‬وأمر بالرحيل‪،‬‬
‫وذكر أبو محمد بن حزم‪ ،‬أنه رجع بعد خروجه ِمن أسفل مكة إلى المح ّ‬
‫صب‪ ،‬وإنما مّر ِمن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َبْعَد وداعه إلى المح ّ‬
‫وهذا وهم أيضًا‪ ،‬لم َيرجْع رسول ا ّ‬
‫فوره إلى المدينة‪.‬‬
‫وذكر في بعض تآليفه‪ ،‬أنه فعل ذلك‪ ،‬ليكون كالمحّلق على مكة بدائرة في دخوله وخروجه‪،‬‬
‫صب‪ ،‬ويكون هذا‬
‫طوى‪ ،‬ثم دخل من أعلى مكة‪ ،‬ثم خرج من أسفلها‪ ،‬ثم رجع إلى المح ّ‬
‫فإنه بات بذي ُ‬
‫طوى‪ ،‬ثم‬
‫ل عليه وسلم لما جاء‪ ،‬نزل بذي ُ‬
‫صل الدائرُة‪ ،‬فإنه صلى ا ّ‬
‫ع من يماني مكة حتى تح ُ‬
‫الرجو ُ‬
‫ك‪ ،‬نزل به‪ ،‬ثم خرج من‬
‫سِ‬
‫أتى مّكة ِمن َكَداء‪ ،‬ثم نزل به لما فرغ من الطواف‪ ،‬ثم لما فرغ من جميع الّن ُ‬
‫صب‪ ،‬ويحمل أمُره بالرحيل ثانيًا على أنه لقي في رجوعه‬
‫أسفل َمّكة وأخذ من يمينها حتى أتى المح ّ‬
‫صب قومًا لم يرحلوا‪ ،‬فأمرهم بالرحيل‪ ،‬وتوجه ِمن فوره ذلك إلى المدينة‪.‬‬
‫ذلك إلى المح ّ‬
‫حك منه‪ ،‬ولول التنبيُه على‬
‫ولقد شان أبو محمد نفسه وكتابه بهذا الهذيان البارد السمج الذي ُيض َ‬
‫ل عليه وسلم‪ -‬لرغبنا عن ذكر مثل هذا الكلم‪ .‬والذي كأنك تراه ِمن فعله‬
‫ط عليه‪ -‬صلى ا ّ‬
‫غَل َ‬
‫أغلط من ِ‬
‫ب‪ ،‬والعشاء‪ ،‬ورقد رقدًة‪ ،‬ثم نهض إلى مكة‪،‬‬
‫صب‪ ،‬وصّلى به الظهَر‪ ،‬والعصَر‪ ،‬والمغر َ‬
‫أنه نزل بالمح ّ‬
‫صب‪ ،‬ول دار‬
‫ل‪ ،‬ثم خرج ِمن أسفلها إلى المدينة‪ ،‬ولم يرجْع إلى المح ّ‬
‫وطاف بها طواف الوداع لي ً‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬صّلى الظهر‪،‬‬
‫دائرة‪ ،‬ففي ))صحيح البخاري((‪ :‬عن أنس‪ ،‬أن رسول ا ّ‬
‫صب‪ ،‬ثم ركب إلى البيت‪ ،‬وطاف به‪.‬‬
‫والعصر‪ ،‬والمغرب‪ ،‬والعشاء‪ ،‬ورقد َرقدة بالمح ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذكر ِ‬
‫ت‬ ‫لا ّ‬
‫وفى ))الصحيحين((‪ :‬عن عائشة‪ :‬خرجنا َمَع رسو ِ‬
‫ن أبى‬
‫نبَ‬
‫عْبَد الرحم ِ‬
‫عا َ‬
‫صب‪َ ،‬فَد َ‬
‫ج‪ ،‬وَنَفْرَنا ِمن ِمَنى‪ ،‬فنزلنا بالمح ّ‬
‫ل الح ّ‬
‫حين قضى ا ُّ‬
‫ث‪ ،‬ثم قالت‪ِ :‬‬
‫الحدي َ‬
‫صب((‪ .‬قاَل ْ‬
‫ت‬ ‫ح ّ‬
‫طَواِفُكما‪ُ ،‬ثّم ائِتَياِني هاهنا ِبالُم َ‬
‫ن َ‬
‫غا ِم ْ‬
‫ن الحَرَم‪ُ ،‬ثّم اْفُر َ‬
‫ك ِم َ‬
‫خِت َ‬
‫ج ِبُأ ْ‬
‫خُر ْ‬
‫بكر فقال له‪)) :‬ا ْ‬
‫غُتَما((؟ ُقلَنا‪َ :‬نَعْم‪.‬‬
‫ل‪َ)) :‬فر ْ‬
‫ب‪َ .‬فَقا َ‬
‫ص ِ‬
‫ح ّ‬
‫ل‪ ،‬فأتيناه بالُم َ‬
‫ف الّلْي ِ‬
‫جْو ِ‬
‫طَواِفَنا في َ‬
‫ن َ‬
‫ل الُعْمَرَة‪ ،‬وفرغنا ِم ْ‬
‫ضى ا ُّ‬
‫َفَق َ‬
‫جهًا إلى الَمِديَنِة‪.‬‬
‫ل ُمَتَو ّ‬
‫حَ‬‫ف ِبِه‪ُ ،‬ثّم ارَت َ‬
‫طا َ‬
‫ت َف َ‬
‫حيل‪َ ،‬فَمّر ِبالَبْي ِ‬
‫س بالّر ِ‬
‫ن في الّنا ِ‬
‫َفَأّذ َ‬
‫‪172‬‬

‫ن حزم‪ ،‬وغيُره ِمن تلك‬


‫فهذا من أصح حديث على وجه الرض‪ ،‬وأدّله على فساد ما ذكره اب ُ‬
‫ث السود غيُر محفوظ‪ ،‬وإن كان محفوظًا‪ ،‬فل‬
‫التقديرات التي لم يقع شيء منها‪ ،‬ودليل على أن حدي َ‬
‫ل التوفيق‪.‬‬
‫وجه له غير ما ذكرنا وبا ّ‬
‫سّنة‪ ،‬أو منزل اتفاق؟ على قولين‪ .‬فقالت‬
‫ف في التحصيب هل هو ُ‬
‫سَل ُ‬
‫وقد اختلف ال َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫طائفة‪ :‬هو من سنن الحج‪ ،‬فإن في ))الصحيحين(( عن أبى هريرة‪ ،‬أن رسو َ‬
‫على‬
‫ث َتَقاسَُموا َ‬
‫حْي ُ‬
‫ف بنى ِكَناَنَة َ‬
‫خْي ِ‬
‫لُ ِب َ‬
‫شاَء ا ّ‬
‫غدًا إن َ‬
‫ن َناِزُلون َ‬
‫حُ‬‫ن ِمَنى‪َ)) :‬ن ْ‬
‫قال حين أراد أن َينِفَر ِم ْ‬
‫طِلب‪ ،‬أ ّ‬
‫ل‬ ‫سموا على بنى هاشم‪ ،‬وبنى الم ّ‬
‫صب‪ ،‬وذلك أن قريشًا وبنى كنانة‪ ،‬تقا َ‬
‫الُكْفر((‪ .‬يعنى بذلك المح ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فقصَد النبي‬
‫لا ّ‬
‫ن بينهم وبينهم شيٌء حتى ُيسلموا إليهم رسو َ‬
‫ُيناكحوهم‪ ،‬ول يكو َ‬
‫صلى ال عليه وسلم إظهاَر شعاِئِر السلم في المكان الذي أظهُروا فيه شعاِئر الُكفر‪ ،‬والعداوة ل‬
‫شعاِئر الُكفر‬
‫شعاَر الّتوحيد في مواضع َ‬
‫ل وسلمه عليه‪ ،‬أن ُيقيم ِ‬
‫ورسوله‪ ،‬وهذه كانت عادته صلوات ا ّ‬
‫لت والُعّزى‪.‬‬
‫ضَع ال ّ‬
‫ف َمْو ِ‬
‫طاِئ ِ‬
‫شرك‪ ،‬كما أمر النبي صلى ال عليه وسلم أن ُيبَنى مسجُد ال ّ‬
‫وال ّ‬
‫قالوا‪ :‬وفى ))صحيح مسلم((‪ :‬عن ابن عمر‪ ،‬أن الّنبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأبا بكر‪ ،‬وعمر‪،‬‬
‫سّنٌة‪.‬‬
‫ب ُ‬
‫صي َ‬
‫كانوا ينزلونه‪ .‬وفى رواية لمسلم‪ ،‬عنه‪ :‬أنه كان يرى الّتح ِ‬
‫جُع‪،‬‬
‫صّلى به الظهَر‪ ،‬والعصَر‪ ،‬والمغرب‪ ،‬والعشاء‪ ،‬وَيْه َ‬
‫وقال البخاري عن ابن عمر‪ :‬كان ُي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فعل ذلك‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫ويذكر أن رسو َ‬
‫سّنة‪ ،‬وإنما هو منزل اتفاق‪ ،‬ففي‬
‫ن عباس‪ ،‬وعائشُة ‪ -‬إلى أنه ليس ِب ّ‬
‫وذهب آخرون ‪ -‬منهم اب ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ل َنَزَلُه َر ُ‬
‫شيٍء‪ ،‬وإّنما ُهَو َمْنِز ٌ‬
‫ب ِب َ‬
‫ص ُ‬
‫ح ّ‬
‫س الُم َ‬
‫))الصحيحين((‪ :‬عن ابن عباس‪َ ،‬لْي َ‬
‫جِه‪.‬‬
‫خُرو ِ‬
‫ح ِل ُ‬
‫سَم َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫وسلم ِلَيُكو َ‬
‫ل بمن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أن أنز َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫وفي ))صحيح مسلم((‪ :‬عن أبي رافع‪ ،‬لم يأُمْرني رسو ُ‬
‫ت ُقّبَته‪ ،‬ثم جاء فنزل‪ .‬فأنزله ال فيه بتوفيقه‪ ،‬تصديقًا لقول رسوله‪:‬‬
‫معي بالبطح‪ ،‬ولكن أنا ضرب ُ‬
‫سوِله صلوات ا ّ‬
‫ل‬ ‫عَلْيِه‪ ،‬وَمَواَفَقًة ِمْنُه ِلَر ُ‬
‫عَزَم َ‬
‫ف بنى ِكَناَنة((‪ ،‬وَتْنِفيذًا ِلَما َ‬
‫خْي ِ‬
‫غدًا ِب َ‬
‫ن َ‬
‫ن َناِزُلو َ‬
‫حُ‬‫))َن ْ‬
‫وسلمه عليه‪.‬‬
‫فصل‬
‫في دخوله صلى ال عليه وسلم في الكعبة‬
‫‪173‬‬

‫جته‪ ،‬أم ل؟ وهل وقف‬


‫حّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم البيت في َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ث مسائل‪ :‬هل دخل رسو ُ‬
‫هاهنا ثل ُ‬
‫صبح ليلَة الَوداع بمكة‪ ،‬أو خارجًا منها؟‬
‫صّلى ال ّ‬
‫في الملتزم بعد الوداع‪ ،‬أم ل؟ وهل َ‬
‫جِته‪ ،‬ويرى‬
‫حّ‬
‫فأما المسألة الولى‪ ،‬فزعم كثيٌر من الفقهاء وغيرهم‪ ،‬أنه دخل البيت في َ‬
‫ل عليه‬
‫ي صلى ال عليه وسلم‪ .‬والذي َتُد ّ‬
‫سنن الحج اقتداًء بالنب ّ‬
‫ن ُ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ل البي ِ‬
‫كثيٌر من الناس أن دخو َ‬
‫عمرته‪ ،‬وإنما دخله عام الفتح‪ ،‬ففي ))الصحيحين(( عن ابن‬
‫حجته ول في ُ‬
‫ت في َ‬
‫ل البي َ‬
‫خِ‬‫سّنُته‪ ،‬أنه لم َيْد ُ‬
‫ُ‬
‫خ بفناء الكعبة‪،‬‬
‫لسامة‪ ،‬حتى أنا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يوم فتح مكة على ناقة ُ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫عمر قال‪ :‬دخ َ‬
‫ل‪،‬‬
‫ل النبي صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأسامُة‪ ،‬وبل ٌ‬
‫عثمان بن طلحة بالمفتاح‪ ،‬فجاءه به‪ ،‬ففتح‪ ،‬فدخ َ‬
‫فدعا ُ‬
‫ل على‬
‫ت بل ً‬
‫ت الناس‪ ،‬فوجد ُ‬
‫ل‪ :‬فبادر ُ‬
‫ن بن طلحة‪ ،‬فأجاُفوا عليهم الباب َمِلّيا‪ ،‬ثم فتحوه‪ .‬قال عبُد ا ّ‬
‫وعثما ُ‬
‫ت أن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم؟ قال‪ :‬بين العمودين المقّدمين‪ .‬قال‪ :‬ونسي ُ‬
‫الباب‪ .‬فقلت‪ :‬أين صّلى رسول ا ّ‬
‫أسأله‪ ،‬كْم صّلى‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬لما َقدم مكة‪،‬‬
‫ن رسولَ ا ّ‬
‫وفى ))صحيح البخاري(( عن ابن عباس‪ ،‬أ ّ‬ ‫@‬
‫ل فى‬
‫صوَرَة إْبَراِهيَم وإسماعي َ‬
‫جوا ُ‬
‫خر ُ‬
‫جت‪ ،‬فأ َ‬
‫خِر َ‬
‫ت وفيه الِلَهة‪ ،‬قال‪ :‬فأمر ِبَها َفُأ ْ‬
‫ل البي َ‬
‫خَ‬‫أبى أن َيْد ُ‬
‫سما‬
‫سَتقْ ِ‬
‫عِلُموا َأّنهَُما َلْم َي ْ‬
‫ل َلَقْد َ‬
‫ل‪َ ،‬أَما وا ِّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬قاَتَلُهُم ا ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫ل َر ُ‬
‫لُم‪ ،‬فَقا َ‬
‫لْز َ‬
‫أْيِديِهَما ا َ‬
‫ل ِفيِه‪.‬‬
‫صّ‬‫حيه‪ ،‬ولم ُي َ‬
‫ت‪ ،‬فَكّبَر فى َنَوا ِ‬
‫ل الَبْي َ‬
‫خَ‬‫ط((‪ .‬قال‪َ :‬فَد َ‬
‫ِبها َق ّ‬
‫ل في الخر‪ .‬وهذه طريقُة ضعفاء النقد‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬كان ذلك ُدخولين‪ ،‬صّلى فى أحدهما‪ ،‬ولم ُيص ّ‬
‫جَعُلوا‬
‫ف لفظ‪ ،‬جعُلوه ِقصة أخرى‪ ،‬كما جعلوا السراء ِمرارًا لختلف ألفاظه‪ ،‬و َ‬
‫كلما رأْوا اختل َ‬
‫ف الَوداع مّرتين لختلف سياقه‪،‬‬
‫ظه‪ ،‬وجعلوا طوا َ‬
‫اشتراَءه ِمن جابر َبعيَره ِمرارًا لختلف ألفا ِ‬
‫ونظائر ذلك‪.‬‬
‫ن ليس معصومًا ِمن‬
‫وأما الجهابذة الّنقاد‪ ،‬فيرغُبون عن هذه الطريقِة‪ ،‬ول يجُبُنون عن تغليط َم ْ‬
‫ل بلل‪ ،‬لنه مثبت شاهَد صلته‪،‬‬
‫ل قو ُ‬
‫ط ونسبته إلى الوهم‪ ،‬قال البخاري وغيُره من الئمة‪ :‬والقو ُ‬
‫الَغَل ِ‬
‫عَمِرِه‪ ،‬وفى‬
‫جِه ول ُ‬
‫حّ‬
‫بخلف ابن عباس‪ .‬والمقصود‪ :‬أن دخوله البيت إنما كان فى غزوِة الفتح‪ ،‬ل فى َ‬
‫ل النبي صلى‬
‫ل بن أبى أوفى‪ :‬أدخ َ‬
‫ت لعبد ا ّ‬
‫))صحيح البخاري((‪ ،‬عن إسماعيل بن أبى خالد‪ ،‬قال‪ :‬قل ُ‬
‫ت؟ قال‪ :‬ل‪.‬‬
‫عْمَرِتِه الَبْي َ‬
‫ال عليه وسلم فى ُ‬
‫‪174‬‬

‫س‪،‬‬
‫ب الّنْف ِ‬
‫ن‪ ،‬طّي ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ِمن عندي وهو َقِريُر الَعْي ِ‬
‫لا ّ‬
‫ج رسو ُ‬
‫وقالت عائشُة‪ :‬خر َ‬
‫ت كذا وكذا‪ .‬فقال‪)) :‬إني‬
‫ت من عندي وأن َ‬
‫ل ؛ خرج َ‬
‫لا ّ‬
‫سو َ‬
‫ت‪ :‬يا َر ُ‬
‫ن القلب‪ ،‬فقل ُ‬
‫ى وهو حزي ُ‬
‫ثم رجع إل ّ‬
‫ن َبْعِدى((‪ ،‬فهذا ليس فيه‬
‫ت ُأّمتي ِم ْ‬
‫ن َقْد َأْتَعْب ُ‬
‫ن َأكو َ‬
‫ف َأ ْ‬
‫خا ُ‬
‫ت‪ ،‬إّنى َأ َ‬
‫ن َفَعْل ُ‬
‫ت َأّنى َلْم َأُك ْ‬
‫ت الكعبة‪َ ،‬وَوِدْد ُ‬
‫دخل ُ‬
‫ل أعلم‪،‬‬
‫غزاة الفتح‪ ،‬وا ّ‬
‫ل على أنه كان في َ‬
‫ك الّتأّم ّ‬
‫ل‪ ،‬أطلَع َ‬
‫ق التأّم ِ‬
‫حجته‪ ،‬بل إذا تأملَتُه ح ّ‬
‫أنه كان في َ‬
‫ن‪.‬‬
‫جِر َركَْعَتْي ِ‬
‫حْ‬‫صّلى فى ال ِ‬
‫وسألته عائشة أن تدخل البيت‪ ،‬فأمرها أن ُت َ‬
‫فصل‬
‫في وقوفه صلى ال عليه وسلم في الملتزم‬
‫وأما المسألة الثانية‪ :‬وهى وقوُفه فى الملتزم‪ ،‬فالذي روى عنه‪ ،‬أنه فعله يوم الفتح‪ ،‬ففي سنن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َمّكَة‪،‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫أبى داود‪ ،‬عن عبد الرحمن بن أبى صفوان‪ ،‬قال‪)) :‬لما فتح رسو ُ‬
‫حاُبه وقد استَلُموا الّرْك َ‬
‫ن‬ ‫صَ‬‫ن الَكْعَبِة ُهَو وَأ ْ‬
‫ج ِم َ‬
‫خَر َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َقد َ‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫ت‪ ،‬فرأي ُ‬
‫انطلق ُ‬
‫طُهم((‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َوس َ‬
‫لا ّ‬
‫ت‪ ،‬ورسو ُ‬
‫خُدوَدُهم على الَبْي ِ‬
‫ضُعوا ُ‬
‫طيم‪َ ،‬وَو َ‬
‫حِ‬‫ن الَبابِ إلى ال َ‬
‫ِم َ‬
‫عبِد‬
‫ت َمَع َ‬
‫طْف ُ‬
‫جّده‪ ،‬قال‪ُ )) :‬‬
‫وروى أبو داود أيضًا‪ِ :‬من حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن َ‬
‫جَر‪َ ،‬فَقاَم‬
‫حَ‬
‫سَتَلَم ال َ‬
‫حّتى ا ْ‬
‫ضى َ‬
‫ن النار‪ُ ،‬ثّم َم َ‬
‫ل ِم َ‬
‫ل َتَتَعّوذ؟ قال‪َ :‬نُعوُذ ِبا ِّ‬
‫ت‪َ :‬أ َ‬
‫حاَذى ُدُبَر الَكْعَبِة ُقْل ُ‬
‫ل‪َ ،‬فّلما َ‬
‫ا ّ‬
‫سو َ‬
‫ل‬ ‫ت َر ُ‬
‫ل‪َ :‬هَكَذا َرأْي ُ‬
‫سطًا‪ ،‬وَقا َ‬
‫طُهَما َب ْ‬
‫سَ‬‫عْيِه َهَكذا‪َ ،‬وَب َ‬
‫جَهُه َوِذرا َ‬
‫صْدَرُه َوَو ْ‬
‫ضَع َ‬
‫ب‪َ ،‬فَو َ‬
‫ن َوالَبا ِ‬
‫ن الّرْك ِ‬
‫َبْي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َيْفَعُلُه((‪.‬‬
‫ا ِّ‬
‫ن في غيره‪ ،‬ولكن قال مجاهد والشافعي بعده‬
‫ن في وقت الوداع‪ ،‬وأن يكو َ‬
‫فهذا يحتِمل أن يكو َ‬
‫ن عباس رضى ا ّ‬
‫ل‬ ‫ف في الملتزم بعد طواف الَوداع ويدعو‪ ،‬وكان اب ُ‬
‫حب أن َيِق َ‬
‫وغيُرهما‪ :‬إنه ُيست َ‬
‫ل تعالى شيئًا إل أعطاه‬
‫ب‪ ،‬وكان يقول‪ :‬ل يلتزُم ما بينهما أحٌد يسأل ا ّ‬
‫عنهما يلتِزُم ما بين الّركن والَبا ِ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫إّياه‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫في موضع صلته صلى ال عليه وسلم صلة الصبح صبيحة ليلة الوداع‬
‫ل عليه وسلم صلة الصبح صبيحة ليلة‬
‫ضُع صلته صلى ا ّ‬
‫وأما المسألة الثالثة‪ :‬وهى مو ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أّنى‬
‫لا ّ‬
‫ت إلى َرسو ِ‬
‫عن أّم سلمة‪ ،‬قالت‪ :‬شكو ُ‬
‫الوداع‪ ،‬ففي ))الصحيحين((‪َ :‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ت ورسو ُ‬
‫طف ُ‬
‫ت َراِكَبٌة((‪ .‬قالت‪ :‬ف ُ‬
‫س َوَأْن ِ‬
‫ن َوَراِء الّنا ِ‬
‫طوفي ِم ْ‬
‫ل‪ُ )) :‬‬
‫شَتِكى‪َ ،‬فَقا َ‬
‫أْ‬
‫‪175‬‬

‫طوٍر{ ]الطور‪ [2-1 :‬فهذا يحتِمل‪،‬‬


‫سُ‬‫ب َم ْ‬
‫طوِر * َوِكَتا ٍ‬
‫ت‪ ،‬وُهَو َيْقَرأ بـ }َوال ّ‬
‫ب الَبْي ِ‬
‫حينئذ ُيصّلى إلى جن ِ‬
‫ِ‬
‫ع وغيِره‪ ،‬فنظرنا في ذلك‪ ،‬فإذا البخاري قد‬
‫ن فى طواف الَودا ِ‬
‫ن في الفجر وفى غيرها‪ ،‬وأن يكو َ‬
‫أن يكو َ‬
‫خروج‪ ،‬ولم تكن ُأّم سلمة‬
‫روى في ))صحيحه(( في هذه القصة‪ ،‬أنه صلى ال عليه وسلم لما أراد ال ُ‬
‫ح‪،‬‬
‫صْب ِ‬
‫صلُة ال ّ‬
‫ت َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬إذا ُأِقيَم ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫خروج‪ ،‬فقال لها رسو ُ‬
‫ت ال ُ‬
‫طافت بالبيت‪ ،‬وأراد ِ‬
‫ت‪ .‬وهذا محال قطعًا أن يكون‬
‫ج ْ‬
‫خَر َ‬
‫حّتى َ‬
‫ل َ‬
‫صّ‬‫ك َفَلْم ُت َ‬
‫ت َذِل َ‬
‫ن(( َفَفَعَل ْ‬
‫صّلو َ‬
‫س ُي َ‬
‫ك‪ ،‬والّنا ُ‬
‫على َبِعيِر ِ‬
‫طوِفي َ‬
‫َف ُ‬
‫ح يومئذ عند البيت‪ ،‬وسمعته ُأم سلمة‬
‫صْب َ‬
‫يوَم النحر‪ ،‬فهو طواف الَوداع بل ريب‪ ،‬فظهر أّنه صّلى ال ّ‬
‫يقرأ فيها بالطور‪.‬‬
‫فصل‬
‫حاِء‪ ،‬لقى ركبًا‪ ،‬فسّلم عليهم‪،‬‬
‫ن بالّرو َ‬
‫ل عليه وسلم راجعًا إلى المديَنِة‪ ،‬فلما كا َ‬
‫ثم ارتحل صلى ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم((‪،‬‬
‫لا ّ‬
‫سو ُ‬
‫ل‪َ)) :‬ر ُ‬
‫ن الَقْوُم؟ َفَقا َ‬
‫ن‪ ،‬قالوا‪َ :‬فَم ِ‬
‫سِلُمو َ‬
‫ن الَقْوُم((؟ َفَقاُلوا‪ :‬الُم ْ‬
‫وقال‪َ)) :‬م ِ‬
‫جٌر((‪.‬‬
‫ك َأ ْ‬
‫حج؟ قال‪َ)) :‬نَعْم‪ ،‬وَل ِ‬
‫ل ؛ َأِلَهَذا َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫ت‪َ :‬يا َر ُ‬
‫ن ِمحّفِتها‪َ ،‬فَقاَل ْ‬
‫صبيّا َلَها ِم ْ‬
‫ت اْمَرَأٌة َ‬
‫َفَرَفَع ِ‬
‫حَدُه ل‬
‫ل ًَو ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ت‪ ،‬وقال‪)) :‬ل إله إ ّ‬
‫ث َمّرا ٍ‬
‫ت ِبَها‪َ ،‬فَلّما َرأى الَمِديَنَة‪َ ،‬كّبَر َثل َ‬
‫حَلْيَفِة‪ ،‬با َ‬
‫فلما أتى َذا ال ُ‬
‫ن‪ِ ،‬لَرّبنا‬
‫جُدو َ‬
‫سا ِ‬
‫ن َ‬
‫عاِبُدو َ‬
‫ن َ‬
‫ئ َقِدير‪ ،‬آيِبُون َتاِئبو َ‬
‫شٍ‬‫ل َ‬
‫على ُك ّ‬
‫حْمُد‪ ،‬وُهَو َ‬
‫ك‪َ ،‬وَلُه ال َ‬
‫ك َله‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫َ‬
‫س‪،‬‬
‫طِريق الُمَعّر ِ‬
‫حَده((‪ .‬ثم دخلها نهارًا ِمن َ‬
‫ب َو ْ‬
‫حَزا َ‬
‫عْبَدُه‪ ،‬وَهَزَم ال ْ‬
‫صَر َ‬
‫عَدُه‪ ،‬وَن َ‬
‫ل َو ْ‬
‫ق ا ُّ‬
‫صَد َ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫حامُدو َ‬
‫َ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫جَرِة وا ّ‬
‫شَ‬‫خَرج ِمن طِريق ال ّ‬
‫وَ‬
‫فصل‬
‫فى الوهام‬
‫عَلم‬
‫ى صلى ال عليه وسلم أ ْ‬
‫جة الوداع‪ ،‬حيث قال‪ :‬إن النب ّ‬
‫حّ‬
‫فمنها‪ :‬وهم لبى محمد بن حزم فى َ‬
‫جًة(( وهذا َوْهٌم ظاهر‪ ،‬فإَنه إنما قال ذلك بعد‬
‫حّ‬
‫ل َ‬
‫ن‪َ ،‬تْعِد ُ‬
‫ضا َ‬
‫عْمَرًة فى َرَم َ‬
‫ن ُ‬
‫ت خروجه ))أ ّ‬
‫س وق َ‬
‫الّنا َ‬
‫ت‪َ :‬لمْ‬
‫ت مََعنا؟ َقاَل ْ‬
‫ج ِ‬
‫جْ‬‫حَ‬
‫ن َتُكونى َ‬
‫كأ ْ‬
‫صاِرية‪ :‬ما َمَنَع ِ‬
‫لْن َ‬
‫سَنان ا َ‬
‫لّم ِ‬
‫جته‪ ،‬إذ قال ُ‬
‫حّ‬‫رجوعه إلى المدينة من َ‬
‫جاَء‬
‫ل‪)) :‬فإَذا َ‬
‫عَلْيِه‪َ .‬قا َ‬
‫ح َ‬
‫ضُ‬‫ك َلَنا ناضحًا َنْن َ‬
‫ح‪ ،‬وَتَر َ‬
‫ضٍ‬‫عَلى َنا ِ‬
‫ج َأُبو َوَلدى َواْبنى َ‬
‫حّ‬‫ن‪َ ،‬ف َ‬
‫حا ِ‬
‫ضَ‬‫ل َنا ِ‬
‫ن َلَنا إ ّ‬
‫َيُك ْ‬
‫جًة(( هكذا رواه مسلم فى صحيحه‬
‫حّ‬‫ن َتْقضى َ‬
‫ضا َ‬
‫عْمَرًة فى َرَم َ‬
‫ن ُ‬
‫عَتمرى‪ ،‬فإ ّ‬
‫ن‪ ،‬فا ْ‬
‫ضا ُ‬
‫َرَم َ‬
‫ل بعد رجوعه إَلى المدينة‪ ،‬كما رواه أبو داود‪ ،‬من حديث يوسف‬
‫لّم معق ِ‬
‫ك أيضًا قال هذا ُ‬
‫وكذِل َ‬
‫جة الَوَداع‪،‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ح ّ‬
‫لا ّ‬
‫ج رسو ُ‬
‫ل‪ ،‬قالت‪ :‬لما ح ّ‬
‫ل بن سلم‪ ،‬عن جّدته أم َمْعِق ٍ‬
‫بن عبدا ّ‬
‫‪176‬‬

‫ض‪ ،‬فهلك أبو َمْعِقل‪ ،‬وخرج رسول ا ّ‬


‫ل‬ ‫ل‪ ،‬فأصابنا مر ٌ‬
‫وكان لنا جمل‪ ،‬فجعله أبو َمْعِقل فى سبيل ا ّ‬
‫خُرجى َمَعنا((؟ فقالت‪ :‬لقد‬
‫ن َت ْ‬
‫ك َأ ْ‬
‫جِه‪ ،‬جئُته‪َ ،‬فقال‪َ)) :‬ما َمَنعَ ِ‬
‫حّ‬‫غ من َ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فلما َفَر َ‬
‫ل‪ .‬قال‪:‬‬
‫ج عليه‪ ،‬فأوصى به أبو َمْعقل فى سبيل ا ّ‬
‫حّ‬‫ك أبو َمعِقل‪ ،‬وكان لنا جمل وهو الذى َن ُ‬
‫تهّيأنا‪ ،‬فهَل َ‬
‫ن‪،‬‬
‫ضا َ‬
‫عَتمرى فى َرَم َ‬
‫جُة َمَعَنا فا ْ‬
‫حّ‬‫ك هِذه ال َ‬
‫ل‪َ ،‬فأّما إْذ َفاَتْت ِ‬
‫لا ّ‬
‫سبي ِ‬
‫ج فى َ‬
‫حّ‬‫ن ال َ‬
‫عَلْيِه؟ فإ ّ‬
‫ت َ‬
‫ج ِ‬
‫خَر ْ‬
‫ل َ‬
‫))َفَه ّ‬
‫جة((‪.‬‬
‫حّ‬‫فإّنها ك َ‬
‫فصل‬
‫ت َبِقين من ذى الِقْعَدِة‪ ،‬وقد تقّدم أنه‬
‫ن خروجه كان يوَم الخميس ِلس ٍ‬
‫ومنها َوْهٌم آخر له‪ ،‬وهو أ ّ‬
‫خرج لخمس‪ ،‬وأن خروجه كان يوَم السبت‪.‬‬
‫فصل‬
‫صلة‪.‬‬
‫حجة الوداع(( أنه خرج يوَم الجمعة بعد ال ّ‬
‫ومنها َوْهٌم آخر لبعضهم‪ :‬ذكر الطبرى فى )) َ‬
‫ت بقين((‪ ،‬فظن أن هذا ل ُيمكن إل أن‬
‫والذى حمله على هذا الوهم القبيح‪ ،‬قوله فى الحديث‪)) :‬خرج ِلس ٍ‬
‫حجة كان يوم الخميس بل ريب‪،‬‬
‫ل ذى ال ِ‬
‫ج يوَم الجمعة‪ ،‬إذ تماُم الست يوم الربعاء‪ ،‬وأو ُ‬
‫يكون الخرو ُ‬
‫وهذا خطأ فاحش‪ ،‬فإنه من المعلوم الذى ل ريب فيه‪ ،‬أنه صّلى الظهَر يوَم خروجه بالمدينة أربعًا‪،‬‬
‫حليفة ركعتين‪ ،‬ثبت ذلك فى ))الصحيحين((‪.‬‬
‫والعصر بذى ال ُ‬
‫ل ثالثًا‪ :‬إن خروجه كان يوَم السبت‪ ،‬وهو اختياُر الواقدى‪ ،‬وهو‬
‫حجته قو ً‬
‫وحكى الطبرى فى َ‬
‫ل‪ ،‬لكن الواقدى‪ ،‬وهم فى ذلك ثلثة أوهام‪ ،‬أحدها‪ :‬أنه زعم أن النبى صلى ال‬
‫القول الذى رجحناه أو ً‬
‫عقي َ‬
‫ب‬ ‫ك اليوَم َ‬
‫حليفة ركعتين‪ ،‬الوهم الثانى‪ :‬أنه أحرم ذل َ‬
‫عليه وسلم صّلى يوَم خروجه الظهر بذى ال ُ‬
‫حليفة‪ ،‬الوهم الثالث‪ :‬أن الوقفة كانت يوَم السبت‪،‬‬
‫صلِة الظهر‪ ،‬وإنما أحرم من الغد بعد أن بات بذى ال ُ‬
‫ن‪.‬‬
‫وهذا لم يقْله غيره‪ ،‬وهو َوْهٌم بّي ٌ‬
‫فصل‬
‫ك قبل غسله‪،‬‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬تطّيب ُهنا َ‬
‫ل وغيره‪ :‬أنه صلى ا ّ‬
‫ومنها َوْهٌم للقاضى عياض رحمه ا ّ‬
‫طيب عنه لما اغتسل‪ ،‬ومنشأ هذا الوهم‪ِ ،‬من سياق ما وقع فى ))صحيح مسلم(( فى حدي ِ‬
‫ث‬ ‫ثم غسل ال ّ‬
‫على ِنساِئه َبعَد‬
‫ف َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ُ ،‬ثّم طا َ‬
‫لا ّ‬
‫سو َ‬
‫ت َر ُ‬
‫طّيْب ُ‬
‫ل عنها أنها قالت‪َ )) :‬‬
‫عائشة رضى ا ّ‬
‫حِرمًا((‪.‬‬
‫ح ُم ْ‬
‫صَب َ‬
‫ذِلك‪ُ ،‬ثّم أَ ْ‬
‫‪177‬‬

‫ل صلى ال عليه وسلم لحرامه‪ ،‬وقوُلها‪ :‬كأنى‬


‫ل ا ِّ‬
‫ت رسو َ‬
‫والذى يرّد هذا الوهم‪ ،‬قوُلها‪ :‬طّيب ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وهو ُمحِرم‪ ،‬وفى‬
‫طيب ‪ -‬أى‪ :‬بريقه ‪ -‬فى مفاِرق رسول ا ّ‬
‫ص ال ّ‬
‫أنظر إلى َوِبي ِ‬
‫ث من إحرامه‪ ،‬وفى لفظ‪ :‬كان رسول ال صلى ال عليه وسلم إذا أراد أن‬
‫لفظ‪ :‬وهو ُيلّبى بعد ثل ٍ‬
‫ظ‬
‫ب فى رأسه ولحيته بعد ذلك‪ ،‬وكل هذه اللفاظ ألفا ُ‬
‫طي ِ‬
‫ص ال ّ‬
‫ب ما يجد‪ ،‬ثم أَرى َوبي َ‬
‫ُيحرم‪ ،‬تطّيب بأطي ِ‬
‫الصحيح‪.‬‬
‫شِر‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عنها‪ُ)) :‬كْن ُ‬
‫ت‬ ‫ث الذى احتج به‪ ،‬فإنه حديث إبراهيم بن محمد بن المنَت ِ‬
‫وأما الحدي ُ‬
‫حِرمًا((‪ .‬وهذا ليس فيه ما‬
‫ح ُم ْ‬
‫صِب ُ‬
‫ساِئِه‪ُ ،‬ثّم ُي ْ‬
‫عَلى ِن َ‬
‫ف َ‬
‫طو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ُ ،‬ثّم َي ُ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ب رسو َ‬
‫طّي ُ‬
‫ُأ َ‬
‫يمنع الطيب الثانى عند إحرامه‪.‬‬
‫فصل‬
‫ومنها َوْهٌم آخر لبى محمد بن حزم‪ :‬أنه صلى ال عليه وسلم أحرم قبل الظهر‪ ،‬وهو َوْهٌم‬
‫ل عقيب صلة الظهر فى موضع ُمصله‪ ،‬ثم ركب‬
‫ظاهر‪ ،‬لم ُينقل فى شىء من الحاديث‪ ،‬وإنما أه ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وهذا يقينًا كان بعد صلة الظهر‪ ،‬وا ّ‬
‫ناقته‪ ،‬واستوت به على البيداء وهو ُيِه ّ‬
‫فصل‬
‫ى تطوع‪ ،‬وهذا بناء منه على‬
‫ومنها َوْهٌم آخر له وهو قوله‪ :‬وساق الَهْدى مع نفسه‪ ،‬وكان َهْد َ‬
‫ن هذا‬
‫أصله الذى انفرد به عن الئمة‪ ،‬أن القاِرن ل يلزمه َهْدى‪ ،‬وإنما يلزم المتمتع‪ ،‬وقد تقّدم بطل ُ‬
‫القول‪.‬‬
‫فصل‬
‫سكًا‪ ،‬بل أطلقه‪ ،‬وَوْهٌم َمن قال‪ :‬إنه عّين‬
‫ومنها َوْهٌم آخر لمن قال‪ :‬إنه لم ُيعّين فى إحرامه ُن ُ‬
‫عمرة مفردة كان متمتعًا بها‪ ،‬كما قاله القاضى أبو يعلى‪ ،‬وصاحب ))المغنى(( وغيرهما‪ ،‬وَوْهُم َمن‬
‫ُ‬
‫ج‪،‬‬
‫حّ‬‫عمرة‪ ،‬ثم أدخل عليها ال َ‬
‫جا مفردًا مجردًا لم يعتِمر معه‪ ،‬وَوْهُم َمن قال‪ :‬إنه عّين ُ‬
‫حّ‬‫قال‪ :‬إنه عّين َ‬
‫وَوْهُم َمن قال‪ :‬إنه عّين حجًا مفردًا‪ ،‬ثم أدخل عليه الُعمرة بعد ذلك‪ ،‬وكان ِمن خصائصه‪ ،‬وقد تقّدم بيا ُ‬
‫ن‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ب فيه‪ .‬وا ّ‬
‫مستند ذلك‪ ،‬ووجُه الصوا ِ‬
‫فصل‬
‫‪178‬‬

‫حجة الوداع(( له‪ :‬أنهم لما كانوا ببعض الطريق‪،‬‬


‫ل الطبرى فى )) َ‬
‫ومنها َوْهٌم لحمد بن عبد ا ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهذا إنما كان فى‬
‫حمارًا وحشيًا ولم يكن محرمًا‪ ،‬فأكل منه النب ّ‬
‫صاد أبو قتادة ِ‬
‫حديبية‪ ،‬كما رواه البخارى‪.‬‬
‫عمرة ال ُ‬
‫ُ‬
‫فصل‬
‫ل عليه وسلم‪ :‬أنه دخل مكة يوم الثلثاء‬
‫ومنها َوْهٌم آخر لبعضهم‪ ،‬حكاه الطبرى عنه صلى ا ّ‬
‫حجة‪.‬‬
‫صبح رابعٍة من ذى ال ِ‬
‫وهو غلط‪ ،‬فإنما دخلها يوم الحد ُ‬
‫فصل‬
‫ل بعد طوافه وسعيه‪ ،‬كما قاله القاضى أبو يعلى‬
‫ل عليه وسلم ح ّ‬
‫ومنها َوْهُم َمن قال‪ :‬إنه صلى ا ّ‬
‫ل صلى‬
‫صر عن رسول ا ّ‬
‫ن روى عنه أنه ق ّ‬
‫وأصحاُبه‪ ،‬وقد بّينا أن مستند هذا الوهم َوْهُم معاوية‪ ،‬أو َم ْ‬
‫ص على المروة فى حجته‪.‬‬
‫شَق ٍ‬
‫ال عليه وسلم ِبِم ْ‬
‫فصل‬
‫ل عليه وسلم كان ُيَقّبل الّركن اليمانى فى طوافه‪ ،‬وإنما ذلك‬
‫ومنها َوْهُم َمن زعم‪ :‬أنه صلى ا ّ‬
‫ض الرواة عنه‬
‫الحجُر السود‪ ،‬وسماه اليمانى‪ ،‬لنه ُيطلق عليه‪ ،‬وعلى الخر اليمانيين‪ ،‬فعّبر بع ُ‬
‫باليمانى منفردًا‪.‬‬
‫فصل‬
‫ل فى السعى ثلثة أشواط‪ ،‬ومشى أربعة‪،‬‬
‫ومنها َوْهٌم فاحش لبى محمد بن حزم‪ :‬أنه َرَم َ‬
‫ب من هذا الوهم‪ ،‬وهُمه فى حكاية التفاق على هذا القول الذى لم يقله أحد سواه‪.‬‬
‫وأعج ُ‬
‫فصل‬
‫ومنها َوْهُم َمن زعم أنه طاف بين الصّفا والمروة أربعَة عشر شوطًا‪ ،‬وكان ذهاُبه وإياُبه مرًة‬
‫ن بطلنه‪.‬‬
‫واحدة‪ ،‬وقد تقّدم بيا ُ‬
‫فصل‬
‫سَتَنُد هذا‬
‫ح يوَم الّنحر قبل الوقت‪ ،‬وُم ْ‬
‫ل عليه وسلم صّلى الصّْب َ‬
‫ومنها َوْهُم َمن زعم‪ ،‬أّنه صلى ا ّ‬
‫ل ميقاتها وهذا إنما‬
‫ث ابن مسعود‪ ،‬أن النبى صلى ال عليه وسلم صّلى الفجر يوَم النحر قب َ‬
‫الوهم‪ ،‬حدي ُ‬
‫جلها عليه يومئذ‪ ،‬ول ُبّد من هذا التأويل‪،‬‬
‫ل ميقاتها الذى كانت عادُته أن ُيصلَيها فيه‪ ،‬فع ّ‬
‫أراد به قب َ‬
‫‪179‬‬

‫ن‬
‫لِ‬‫حّو َ‬
‫ن ُت َ‬
‫لَتا ِ‬
‫وحديث ابن مسعود‪ ،‬إنما يدل على هذا‪ ،‬فإنه فى صحيح البخارى عنه‪ ،‬أنه قال‪ُ)):‬هَما صَ َ‬
‫جُر‪ .‬وقال فى حديث جابر‬
‫غ الَف ْ‬
‫ن َيْبُز ُ‬
‫حي َ‬
‫جِر ِ‬
‫س الُمْزَدِلفة‪ ،‬والَف ْ‬
‫لُة الَمْغِرب َبْعَدَما يأتى النا ُ‬
‫صَ‬‫ن َوْقِتِهَما‪َ :‬‬
‫عْ‬‫َ‬
‫ن َوإَقاَمٍة((‪.‬‬
‫ح بَأَذا ٍ‬
‫صْب ُ‬
‫ن َلُه ال ّ‬
‫ح حين َتَبّي َ‬
‫صب َ‬
‫جة الوداع‪ :‬فصّلى ال ّ‬
‫فى ح ّ‬
‫فصل‬
‫ب‪ ،‬والِعشاء‪ ،‬تلك الليلة‪،‬‬
‫صَر يوَم عرفة‪ ،‬والمغر َ‬
‫ظهر والًَع ْ‬
‫ومنها َوْهُم َمن َوِهَم فى أنه صّلى ال ّ‬
‫ل‪ ،‬وَوْهُم َمن قال‪ :‬جمع بينهما بإقاَمٍة‬
‫لهما بإقامتين بل أذان أص ً‬
‫بأذانين وإقامتين‪ ،‬وَوْهُم َمن قال‪ :‬ص ّ‬
‫ل صلة‪.‬‬
‫لُهما بأذان واحد‪ ،‬وإقامة ِلك ّ‬
‫حدة‪ ،‬والصحيح‪ :‬أنه ص ّ‬
‫وا ِ‬
‫فصل‬
‫ن‪ ،‬فلما فرغ‪ ،‬أخذ فى‬
‫خطبتين‪ ،‬جلس بينهما‪ ،‬ثّم أّذن المؤّذ ُ‬
‫ومنها َوْهُم َمن زعم أنه خطب بعرفة ُ‬
‫صلة‪ ،‬وهذا لم يجئ فى شئ من الحاديث البتة‪ ،‬وحديث جابر‬
‫خطبة الثانية‪ ،‬فلما فرغ منها‪ ،‬أقام ال ّ‬
‫ال ُ‬
‫لة‪ ،‬فصّلى الظهر بعد الخطبة‪.‬‬
‫خطبته أّذن بلل‪ ،‬وأقاَم الص َ‬
‫صريح‪ ،‬فى أنه لما أكمل ُ‬
‫فصل‬
‫صِعَد‪ ،‬أّذن المؤّذن‪ ،‬فلما فرغ‪ ،‬قام فخطب‪ ،‬وهذا وهم ظاهر‪ ،‬فإن‬
‫ومنها َوْهٌم لبى ثور‪ :‬أنه لما َ‬
‫الذان إنما كان بعد الخطبة‪.‬‬
‫فصل‬
‫ومنها َوْهُم َمن روى‪ ،‬أنه قّدم ُأّم سلمة ليلَة النحر‪ ،‬وأمرها أن ُتوافَيه صلة الصبح بمكة‪ ،‬وقد‬
‫تقّدم بيانه‪.‬‬
‫فصل‬
‫ن ذلك‪ ،‬وأن الذى‬
‫خر طواف الزيارة يوَم النحر إلى الليل‪ ،‬وقد تقّدم بيا ُ‬
‫ومنها َوْهُم َمن زعم‪ ،‬أنه أ ّ‬
‫ل أعلم ‪ -‬أن عائشة قالت‪)) :‬أفا َ‬
‫ض‬ ‫ف الَوداع‪ ،‬ومستند هذا الوهم ‪ -‬وا ّ‬
‫خره إلى الليل‪ ،‬إنما هو طوا ُ‬
‫أّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم من آخر يومه((‪ ،‬كذلك قال عبُد الرحمن بن القاسم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عنها‪،‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫رسو ُ‬
‫خر طواف الزيارة إلى الليل‪.‬‬
‫فحمل عنها على المعنى‪ ،‬وقيل‪ :‬أ ّ‬
‫فصل‬
‫‪180‬‬

‫ومنها َوْهُم َمن َوِهَم وقال‪ :‬إنه أفاض مرتين‪ :‬مّرة بالنهار‪ ،‬ومرًة مع نسائه بالليل‪ ،‬ومستند هذا‬
‫ى صلى ال‬
‫ن ابن القاسم‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن عائشة‪)) ،‬أن النب ّ‬
‫الوهم‪ ،‬ما رواه عمر بن قيس‪ ،‬عن عبد الرحم ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مع‬
‫لا ّ‬
‫ت َيْوَم الّنحِر ظهيرًة‪ ،‬وزاَر رسو ُ‬
‫ن لصحابه‪ ،‬فزاُروا البي َ‬
‫عليه وسلم‪َ ،‬أِذ َ‬
‫ل((‪.‬‬
‫نسائه لي ً‬
‫وهذا غلط‪ ،‬والصحيح عن عائشة خلف هذا‪ :‬أنه أفاض نهارًا إفاضة واحدة‪ ،‬وهذه طريقة‬
‫ف أهل العلم المتمسكون بأذيال التقليد‪ .‬وال أعلم‪.‬‬
‫ضعا ُ‬
‫وخيمة جدًا‪ ،‬سلكها ِ‬
‫فصل‬
‫ف بعده للزيارة‪ ،‬وقد تقّدم مستنُد ذلك‬
‫ومنها َوْهُم َمن زعم‪ ،‬أنه طاف للقدوم يوَم النحر‪ ،‬ثم طا َ‬
‫وبطلُنه‪.‬‬
‫فصل‬
‫ج إلى‬
‫ومنها َوْهُم َمن زعم أنه يومئذ سعى مع هذا الطواف‪ .‬واحتج بذلك على أن القاِرن يحتا ُ‬
‫ن ذلك عنه‪ ،‬وأنه لم يسع إل سعيًا واحدًا‪ ،‬كما قالت عائشُة وجابر رضى ا ّ‬
‫ل‬ ‫سعيين‪ ،‬وقد تقّدم بطل ُ‬
‫عنهما‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫فصل‬ ‫@‬
‫ومنها ‪ -‬على القول الراجح ‪َ -‬وْهُم َمن قال‪ :‬إنه صّلى الظهر يوَم النحر بمكة‪ ،‬والصحيح‪ :‬أنه‬
‫صلها بِمَنى كما تقّدم‪.‬‬
‫فصل‬
‫جْمع إلى ِمَنى‪ ،‬وأن ذلك إنما‬
‫سٍر حين أفاض من َ‬
‫حّ‬‫ع فى وادى ُم َ‬
‫ومنها َوْهُم َمن زعم أنه لم ُيسِر ْ‬
‫ل أهل البادية‪ ،‬كانوا‬
‫ضاع من ِقَب ِ‬
‫ل ابن عباس‪ :‬إنما كان بْدُء الي َ‬
‫هو فعل العراب‪ ،‬ومستند هذا الوهم قو ُ‬
‫ب‪ ،‬فإذا أفاضوا‪ ،‬تقعقعت تلك فنفروا بالناس‪،‬‬
‫جَعا َ‬
‫ى وال ِ‬
‫صّ‬
‫ب والِع ِ‬
‫يِقفون حافتى الناس حتى عّلقوا الِقَعا َ‬
‫حاِرَكها وهو يقول‪َ)) :‬يا َأّيَها‬
‫س َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وإن ِذْفَرى ناقته َلَيَم ّ‬
‫لا ّ‬
‫ولقد رؤى رسو ُ‬
‫سِكيَنِة((‪َ ،‬فَما‬
‫ل‪َ ،‬فَعَلْيُكْم ِبال ّ‬
‫ل َوالِب ِ‬
‫خْي ِ‬
‫ف ال َ‬
‫جا ِ‬
‫س ِباي َ‬
‫ن الِبّر َلْي َ‬
‫سِكيَنة((‪ .‬وفى رواية‪)) :‬إ ّ‬
‫عَلْيُكم ال ّ‬
‫س؛ َ‬
‫الّنا ُ‬
‫حّتى َأَتى ِمَنى‪ ،‬رواه أبو داود‬
‫َرَأْيُتها َراِفَعًة َيَدْيَها َ‬
‫‪181‬‬

‫ل صلى ال‬
‫ى‪ ،‬قال الشعبى‪ :‬حّدثنى ُأسامة بن زيد‪ ،‬أنه أفاض مع رسولِ ا ّ‬
‫ولذلك أنكره طاووس والشعب ّ‬
‫ن عباس‪،‬‬
‫لبُ‬
‫جْمعًا‪ .‬قال‪ :‬وحدثنى الفض ُ‬
‫عليه وسلم ِمن عرفة‪ ،‬فلم ترفع راحلُته ِرجلها عاديًة حتى بلغ َ‬
‫جْمع‪ ،‬فلم ترفع راحلُته رجلها عادية حّتى رمى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فى َ‬
‫لا ّ‬
‫ف رسو ِ‬
‫أنه كان ردي َ‬
‫الجمرة‪ .‬وقال عطاء‪ :‬إنما أحدث هؤلء السراع‪ُ ،‬يريدون أن يفوتوا الُغبار‪ .‬ومنشأ هذا الوهم اشتباُه‬
‫حسٍّر‪ ،‬فإن‬
‫ب وجفاُة الناس باليضاع فى وادى ُم َ‬
‫ت الدفع من عرفة الذى يفعله العرا ُ‬
‫اليضاع وق َ‬
‫ع فى وادى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬بل نهى عنه‪ ،‬واليضا ُ‬
‫لا ّ‬
‫ع هناك بدعة لم يفعْله رسو ُ‬
‫ضا َ‬
‫الي َ‬
‫س بن عبد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪ :‬جابر‪ ،‬وعلى بن أبى طالب‪ ،‬والعبا ُ‬
‫سـّنة نقلها عن رسول ا ّ‬
‫سر ُ‬
‫مح ّ‬
‫ضع أشّد‬
‫ل عنه‪ ،‬وكان ابن الزبير ُيو ِ‬
‫ل عنهم‪ ،‬وفعله عمُر بن الخطاب رضى ا ّ‬
‫المطلب رضى ا ّ‬
‫ل َمن نفى‪ .‬وا ّ‬
‫ل‬ ‫ل َمن أثبت‪ ،‬ل قو ُ‬
‫ل فى هذا قو ُ‬
‫ع‪ ،‬وفعلته عائشُة وغيُرهم ِمن الصحابة‪ ،‬والقو ُ‬
‫اليضا ِ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫ل ليلة من ليالى ِمَنى‬
‫ض ُك ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم كان ُيفي ُ‬
‫ومنها َوْهُم طاووس وغيره‪ :‬أن النب ّ‬
‫ى صلى ال‬
‫ن النب ّ‬
‫ن عباس أ ّ‬
‫إلى البيت‪ ،‬وقال البخارى فى ))صحيحه((‪ :‬وُيذكر عن أبى حسان‪ ،‬عن اب ِ‬
‫ن ِهشام كتابًا قال‪:‬‬
‫عَرَة‪ ،‬دفع إلينا ُمعاُذ ب ُ‬
‫عْر َ‬
‫ن َ‬
‫ت أياَم ِمَنى(( ورواه اب ُ‬
‫عليه وسلم ))كان يزوُر البي َ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫سمعُته من أبى ولم يقرأه‪ ،‬قال‪ :‬وكان فيه عن أبى حسان‪ ،‬عن ابن عباس أن رسو َ‬
‫ت أحدًا واطأه عليه‪ ...‬انتهى‪.‬‬
‫ل ليلٍة ما دام بِمَنى((‪ .‬قال‪ :‬وما رأي ُ‬
‫وسلم ))كان يزوُر البيت ُك ّ‬
‫ى صلى ال‬
‫ل‪ ،‬وهو َوْهٌم‪ ،‬فإن النب ّ‬
‫ورواه الثورى فى ))جامعه(( عن ابن طاووس عن أبيه مرس ً‬
‫ل وأعلم‪.‬‬
‫جْع إلى مكة بعد أن طاف للفاضة‪ ،‬وبقى فى ِمَنى إلى حين الَوداع‪ ،‬وا ّ‬
‫عليه وسلم لم َيْر ِ‬
‫فصل‬
‫ومنها َوْهٌم َمن قال‪ :‬إنه وّدع مرتين‪ ،‬وَوْهُم َمن قال‪ :‬إنه جعل مكة دائرة فى دخوله وخروجه‪،‬‬
‫صب عن يمين مكة‪،‬‬
‫طَوى‪ ،‬ثم دخل من أعلها‪ ،‬ثم خرج من أسفلها‪ ،‬ثم رجع إلى المح ّ‬
‫فبات بذى ُ‬
‫فكملت الدائرة‪.‬‬
‫فصل‬
‫‪182‬‬

‫صب إلى ظهر العقبة‪ ،‬فهذه كّلها من الوهام نبّهنا عليها‬


‫ومنها َوْهُم َمن زعم‪ :‬أنه انتقل من المح ّ‬
‫ل التوفيق‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وبا ّ‬
‫ل ومجم ً‬
‫صً‬‫مف ّ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الهدايا والضحايا والعقيقة‬
‫ل عليه‬
‫سورة ))النعام(( ولم ُيعرف عنه صلى ا ّ‬
‫وهى مختصة بالزواج الثمانيِة المذكورِة فى ُ‬
‫صحابة َهْدى‪ ،‬ول ُأضحية‪ ،‬ول عقيقٌة ِمن غيرها‪ ،‬وهذا مأخوذ من القرآن من مجموع‬
‫وسلم‪ ،‬ول عن ال ّ‬
‫أربع آيات‪..‬‬
‫لنَعاِم{ ]المائدة‪.[1 :‬‬
‫ت َلُكم َبِهيَمُة ا َ‬
‫حّل ْ‬
‫إحداها‪ :‬قوله تعالى‪ُ} :‬أ ِ‬
‫لْنَعاِم{‬
‫ن َبِهيَمِة ا َ‬
‫عَلى َما َرَزَقُهْم ّم ْ‬
‫ت َ‬
‫ل فى أّياٍم ّمْعُلوَما ٍ‬
‫سَم ا ِّ‬
‫والثانية‪ :‬قوُله تعالى‪َ} :‬وَيْذُكُروا ا ْ‬
‫]الحج‪.[28 :‬‬
‫طوا ِ‬
‫ت‬ ‫خُ‬‫ل َتّتِبُعوا ُ‬
‫ل َو َ‬
‫شًا‪ُ ،‬كُلوا ِمّما َرَزَقُكُم ا ُّ‬
‫حُموَلًة َوَفْر َ‬
‫لْنَعاِم َ‬
‫نا َ‬
‫والثالثة‪ :‬قوُله تعالى‪َ} :‬وِم َ‬
‫ن * َثَماِنَيَة َأْزَواج{ ]النعام‪ [143-142 :‬ثم ذكرها‪.‬‬
‫عُدٌو ُمِبي ٌ‬
‫ن‪ ،‬إّنُه َلُكْم َ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ال ّ‬
‫الرابعة‪ :‬قوُله تعالى‪َ} :‬هْديًا َباِلَغ الَكْعَبِة{ ]المائدة‪.[95 :‬‬
‫ى بن أبى‬
‫ط عل ّ‬
‫ج الثمانية وهذا استنبا ُ‬
‫ن الذى يبُلغ الكعبَة من الَهْدى هو هذه الزوا ُ‬
‫ل على أ ّ‬
‫فد ّ‬
‫ل عنه‪.‬‬
‫طالب رضى ا ّ‬
‫لضحية‪ ،‬والعقيقُة‪.‬‬
‫ى‪ ،‬وا ُ‬
‫ل وعبادة‪ :‬هى ثلثة‪ :‬الَهْد ُ‬
‫والذبائح التى هى ُقْربة إلى ا ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم الغَنم‪ ،‬وأهدى البل‪ ،‬وأهدى عن نسائه البقَر‪،‬‬
‫فأهدى رسول ا ّ‬
‫سـّنُته تقليَد الغنم دون إشعارها‪.‬‬
‫حجته‪ ،‬وكانت ُ‬
‫عمرته‪ ،‬وفى َ‬
‫وأهدى فى مقامه‪ ،‬وفى ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫حل ً‬
‫عَلْيِه شىء كان ِمنه َ‬
‫حُرْم َ‬
‫وكان إذا بعث بَهْدِيه وهو ُمقيم لم َي ْ‬
‫ل الدم‪ .‬قال‬
‫ن يسيرًا حتى َيسي َ‬
‫سَناِمها اليم ِ‬
‫ق صفحة َ‬
‫شّ‬‫شَعَرها‪ ،‬في ُ‬
‫وكان إذا أهدى البل‪ ،‬قّلدها وَأ ْ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫الشافعى‪ :‬والشعار فى الصفحة اليمنى‪ ،‬كذلك أشعر الّنب ّ‬
‫صبَغ نعَله فى‬
‫ب شىٌء منه أن َينحره‪ ،‬ثم َي ْ‬
‫ط ٍ‬
‫عَ‬‫وكان إذا بعث بَهْديِه‪ ،‬أمَر رسوَله إذا أشرف على َ‬
‫سُم لحمه‪ ،‬ومنعه من هذا‬
‫دمه‪ ،‬ثم يجعَله على صفحته‪ ،‬ول يأكل منه هو‪ ،‬ول أحٌد من أهل رفقته ثم يق ِ‬
‫‪183‬‬

‫طب‪ ،‬فينحره‪ ،‬ويأكل منه‪ ،‬فإذا علم أنه‬


‫ف الع َ‬
‫صر فى حفظه لُيشاِر َ‬
‫الكل سدًا للذريعة‪ ،‬فإنه لعّله رّبما ق ّ‬
‫ل منه شيئًا‪ ،‬اجتَهد فى حفظه‪.‬‬
‫ل يأك ُ‬
‫وشّرك بين أصحابه فى الَهْدى كما تقّدم‪:‬البدنُة عن سبعة‪ ،‬والبقرُة كذلك‪.‬‬
‫ى رضى الّ‬
‫جَد ظهرًا غيَره وقال عل ّ‬
‫وأباح لسائق الَهْدى ركوَبه بالمعروف إذا احتاج إليه حتى َي ِ‬
‫ضل عن ولدها‪.‬‬
‫ب ِمن َلبنها ما ف َ‬
‫عنه‪ :‬يشر ُ‬
‫ل عليه وسلم نحَر البل قيامًا‪ ،‬مقّيدة‪ ،‬معقوَلة الُيسرى‪ ،‬على ثلث‪ ،‬وكان‬
‫وكان َهدُيه صلى ا ّ‬
‫سكه بيده‪ ،‬وربما وّكل فى بعضه‪ ،‬كما أمر علياً رضى ا ّ‬
‫ل‬ ‫عند نحره‪ ،‬وُيكّبُر‪ ،‬وكان يذبح ُن ُ‬
‫ل ِ‬
‫ُيسّمى ا َّ‬
‫صفاحها ثم سّمى وكّبر‪ ،‬وذبح‪،‬‬
‫عنه أن يذبح ما بقى من المائة‪ .‬وكان إذا ذبح الغنم‪ ،‬وضع قَدمه على ِ‬
‫حُر الُبدن بمكة‪ ،‬ولكنها‬
‫ن عباس‪ :‬منا ِ‬
‫حٌر((وقال اب ُ‬
‫ج َمّكَة ُكّلَها َمْن َ‬
‫ن ِفجا َ‬
‫وقد تقّدم أنه نحر بِمَنى وقال‪)):‬إ ّ‬
‫ن عباس ينحُر بمكة‪.‬‬
‫ت عن الدماء‪ ،‬وِمَنى ِمن مكة‪ ،‬وكان اب ُ‬
‫ُنّزَه ْ‬
‫لّمِته أن يأُكلوا من َهداياهم وضحاياهم‪ ،‬ويتزّودوا منها‪ ،‬ونهاهم‬
‫ل عليه وسلم ُ‬
‫ح صلى ا ّ‬
‫وأبا َ‬
‫سعوا عليهم‪.‬‬
‫ب أن ُيو ّ‬
‫ك العاَم ِمن الناس‪ ،‬فأح ّ‬
‫ت عليهم ذل َ‬
‫ث لداّفٍِة َدّف ْ‬
‫خروا منها بعد ثل ٍ‬
‫مرًة أن يّد ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫ل ا ِّ‬
‫حى رسو ُ‬
‫ضّ‬‫جبير بن نفير‪ ،‬عن ثوبان قال‪َ :‬‬
‫وذكر أبو دواد من حديث ُ‬
‫حّتى َقِدَم الَمِديَنَة‪.‬‬
‫طِعُمُه ِمْنَها َ‬
‫ت ُأ ْ‬
‫شاِة(( قال‪َ :‬فَما ِزْل ُ‬
‫حَم هِذِه ال ّ‬
‫ح َلَنا َل ْ‬
‫صِل ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ل‪)) :‬يا َثْوَبا ُ‬
‫ثم َقا َ‬
‫حجة‬
‫ل صلى ال عليه وسلم قال له فى َ‬
‫لا ّ‬
‫وروى مسلم هذه القصة‪ ،‬ولفظه فيها‪:‬أن رسو َ‬
‫حّتى َبَلَغ الَمِديَنة‪.‬‬
‫ل ِمْنُه َ‬
‫ل َيْأُك ُ‬
‫حُته‪َ ،‬فَلْم َيَز ْ‬
‫صل ْ‬
‫حَم(( قال‪َ :‬فأ ْ‬
‫ح هَذا الّل ْ‬
‫صِل ْ‬
‫الوداع‪َ)):‬أ ْ‬
‫طَع(( فعل هذا‪ ،‬وفعل هذا‪ ،‬واستدل بهذا‬
‫شاَء اْقَت َ‬
‫ن َ‬
‫وكان ُرّبما قسم ُلحوم الَهْدى‪ ،‬وُربما قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن‪.‬‬
‫ق بينهما بما ل َيَتّبي ُ‬
‫على جواز الّنهبة فى الّنثار فى الُعرس ونحوه‪ ،‬وُفّر َ‬
‫فصل‬
‫فى ذبح َهْدى المتمتع أو القارن‬
‫ى الِقران بِمَنى‪ ،‬وكذلك‬
‫ح َهْدى الُعمرة عند المروِة‪ ،‬وَهْد ِ‬
‫ل عليه وسلم ذب ُ‬
‫وكان ِمن َهْديه صلى ا ّ‬
‫ل‪ ،‬ولم ينحره قبل يوِم النحر‪،‬‬
‫حّ‬‫ط إل بعد أن َ‬
‫ل عليه وسلم ق ّ‬
‫ن عمر يفعل‪ ،‬ولم ينحر َهْدَيه صلى ا ّ‬
‫كان اب ُ‬
‫طلوع الشمس‪ ،‬وبعد الرمى‪ ،‬فهى أربعة ُأمور‬
‫ول أحٌد ِمن الصحابة البتة‪ ،‬ولم ينحره أيضًا إل بعد ُ‬
‫ل عليه وسلم‬
‫ف‪ ،‬وهكذا رّتبها صلى ا ّ‬
‫ق‪ ،‬ثم الطوا ُ‬
‫ى‪ ،‬ثم الّنحُر‪ ،‬ثّم الحل ُ‬
‫مرتبة يوم النحر‪ ،‬أولها‪ :‬الرم ُ‬
‫‪184‬‬

‫لضحية‬
‫ك مخالف لَهْدِيه‪ ،‬فحكُمه حكُم ا ُ‬
‫ب أن َذل َ‬
‫ع الشمس البتة‪ ،‬ول ري َ‬
‫خص فى النحر قبل طلو ِ‬
‫ولم ُير ّ‬
‫س‪.‬‬
‫ع الشم ِ‬
‫ل طلو ِ‬
‫إذا ُذبحت قب َ‬
‫فصل‬
‫وأما هدُيه صلى ال عليه وسلم فى الضاحى‬
‫حى بكبشين‪ ،‬وكان ينحُرهما بعد‬
‫ضّ‬‫لضحية‪ ،‬وكان ُي َ‬
‫عا ُ‬
‫ل عليه وسلم لم يكن َيَد ُ‬
‫فإنه صلى ا ّ‬
‫لْهِلِه((‪.‬‬
‫حٌم َقّدَمُه َ‬
‫شىٍء‪ ،‬وإّنَما ُهَو َل ْ‬
‫ك فى َ‬
‫سِ‬
‫ن الّن ُ‬
‫س ِم َ‬
‫صلِة‪َ ،‬فَلْي َ‬
‫ل ال ّ‬
‫ح َقْب َ‬
‫ن َذَب َ‬
‫صلة العيد‪ ،‬وأخبر أن‪َ)) :‬م ْ‬
‫سـّنُته وَهْدُيه‪ ،‬ل العتباُر بوقت الصلة والخطبة‪ ،‬بل بَنفس ِفعلها‪ ،‬وهذا هو الذى‬
‫هذا اّلذى دّلت عليه ُ‬
‫سّنة‪.‬‬
‫سَواُه‪ ،‬وهى الُم ِ‬
‫ى ِمّما ِ‬
‫ن والّثِن ّ‬
‫ضْأ ِ‬
‫ع ِمن ال ّ‬
‫جَذ َ‬
‫ل به‪ ،‬وأمرهم أن َيذبحوا ال َ‬
‫نا ّ‬
‫ندي ُ‬
‫ث ُمنقطٌع ل يثُبت وصُله‪.‬‬
‫ن الحدي َ‬
‫ح(( لك ّ‬
‫ق َذْب ٌ‬
‫شِري ِ‬
‫ل أّياِم الّت ْ‬
‫وروى عنه أنه َقال‪ُ)) :‬ك ّ‬
‫ث‪ ،‬فل يُدل على أن أيام الذبح ثلثة فقط‪،‬‬
‫ق ثل ٍ‬
‫وأما نهيُه عن اّدخاِر لحوِم الضاحى فو َ‬
‫خر الذبح إلى اليوم‬
‫خَر شيئًا فوق ثلثة أيام ِمن يوم ذبحه‪ ،‬فلو أ ّ‬
‫لن الحديث دليل على نهى الذابح أن يّد ِ‬
‫ت النهى ما بينه وبين ثلثة أيام‪ ،‬واّلذين حّددوه بالثلث‪ ،‬فهموا من نهيه عن‬
‫الثالث‪ ،‬لجاز له الّدخاُر وق َ‬
‫ح مشروعًا فى وقت يحُرم‬
‫ن أولها من يوم النحر‪ ،‬قالوا‪ :‬وغيُر جائز أن يكون الذب ُ‬
‫ق ثلث أ ّ‬
‫الّدخار فو َ‬
‫خ تحريم الكل فبقى وقت الذبح بحاله‪.‬‬
‫سَ‬‫ل‪ ،‬قالوا‪ :‬ثم ُن ِ‬
‫فيه الك ُ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم لم َيْنَه إل عن الّدخاِر فوق ثلث‪ ،‬لم ينه عن التضحية‬
‫فيقال لهم‪ :‬إن النب ّ‬
‫ص الذبح بثلث لوجهين‪..‬‬
‫بعد ثلث‪ ،‬فأين أحدهما من الخر‪ ،‬ول تلزم بين ما نهى عنه‪ ،‬وبين اختصا ِ‬
‫ث‪ ،‬فيجوُز له الّدخار إلى تمام الثلث من يوم‬
‫ح فى اليوم الثانى والثال ِ‬
‫غ الذب ُ‬
‫أحدهما‪ :‬أنه يسو ُ‬
‫ل لكم إلى هذا‪.‬‬
‫ى عن الذبح بعد يوم النحر‪ ،‬ول سبي َ‬
‫ل حتى يثبت النه ُ‬
‫الذبح‪ ،‬ول َيِتّم لكم الستدل ُ‬
‫الثانى‪ :‬أنه لو ذبح فى آخر جزٍء من يوم النحر‪ ،‬لساغ له حينئذ الّدخاُر ثلثة أياٍم بعده بمقتضى‬
‫ل عنه‪ :‬أياُم النحر‪ :‬يوم الضحى‪ ،‬وثلثة أيام بعده‪ ،‬وهو‬
‫ى بن أبى طالب رضى ا ّ‬
‫الحديث‪ ،‬وقد قال عل ّ‬
‫ل الشام الوزاعى‪،‬‬
‫ن‪ ،‬وإمام أهل مكة عطاِء بن أبى رباح‪ ،‬وإماِم أه ِ‬
‫ل البصرِة الحس ِ‬
‫ب إمام أه ِ‬
‫مذه ُ‬
‫ص بكونها أيام‬
‫ن المنذر‪ ،‬ولن الثلثة تخت ّ‬
‫ل‪ ،‬واختاره اب ُ‬
‫ل الحديث الشافعى رحمه ا ّ‬
‫وإماِم فقهاء أه ِ‬
‫ِمَنى‪ ،‬وأيام الرمى‪ ،‬وَأيام التشريق‪ ،‬ويحُرم صياُمها‪ ،‬فهى إخوة فى هذه الحكام‪ ،‬فكيف تفترق فى جواز‬
‫شّد أحُدهما الخر عن النبى صلى ال عليه‬
‫الذبح بغير نص ول إجماع‪ .‬وروى من وجهين مختلفين َي ُ‬
‫‪185‬‬

‫ح((‪ ،‬وروى من حديث جبير بن مطعم وفيه‬


‫ق َذْب ٌ‬
‫ل َأياِم الّتشرِي ِ‬
‫حٌر‪َ ،‬وُك ّ‬
‫ل ِمَنى َمْن َ‬
‫وسلم أنه قال‪ُ)) :‬ك ّ‬
‫انقطاع‪ ،‬ومن حديث ُأسامة بن زيد‪ ،‬عن عطاء‪ ،‬عن جابر‪.‬‬
‫قال يعقوب بن سفيان‪ُ :‬أسامة بن زيد عند أهل المدينة ثقة مأمون‪ ،‬وفى هذه المسألة أربعُة‬
‫أقوال‪ ،‬هذا أحُدها‪.‬‬
‫ب أحمد‪ ،‬ومالك‪ ،‬وأبى حنيفة‬
‫ن بعده‪ ،‬وهذا مذه ُ‬
‫ت الذبح‪ ،‬يوُم الّنحر‪ ،‬ويوما ِ‬
‫ن وق َ‬
‫والثانى‪ :‬أ ّ‬
‫ب محمٍد صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وذكره الثرم عن‬
‫ل غيِر واحٍد من أصحا ِ‬
‫ل‪ ،‬قال أحمد‪ :‬هو قو ُ‬
‫رحمهم ا ّ‬
‫ل عنهم‪.‬‬
‫ابن عمر‪ ،‬وابن عباس رضى ا ّ‬
‫ل على‬
‫ص بهذه التسميِة‪ ،‬فد ّ‬
‫ن سيرين‪ ،‬لنه اخت ّ‬
‫ل اب ِ‬
‫ت النحر يوٌم واحد‪ ،‬وهو قو ُ‬
‫ن وق َ‬
‫الثالث‪ :‬أ ّ‬
‫اختصاص حكِمها به‪ ،‬ولو جاز فى الثلثة‪ ،‬لقيل لها‪ :‬أياُم النحر‪ ،‬كما قيل لها‪ :‬أياُم الرمى‪ ،‬وأياُم ِمَنى‪،‬‬
‫ق‪ ،‬ولن العيد ُيضاف إلى الّنحر‪ ،‬وهو يوٌم واحد‪ ،‬كما يقال‪ :‬عيد الفطر‪.‬‬
‫وأياٍُم التشري ِ‬
‫ن جبير‪ ،‬وجابِر بن زيد‪ :‬أنه يوم واحد فى المصار‪ ،‬وثلثُة أيام فى ِمَنى‪،‬‬
‫ل سعيِد ب ِ‬
‫الرابع‪ :‬قو ُ‬
‫ق‪ ،‬فكانت أيامًا للذبح‪ ،‬بخلف أه ِ‬
‫ل‬ ‫ى والطواف والحل ِ‬
‫ك من الرم ِ‬
‫ل المناس ِ‬
‫لنها هناك أيام أعما ِ‬
‫المصار‪.‬‬
‫فصل‬
‫حى‬
‫ضّ‬‫جة حتى ُي َ‬
‫حّ‬
‫فى الحظر على المضحى أن يأخذ من ظفره أو شعره إذا دخل العشر من ذى ال ِ‬
‫خْذ ِمن‬
‫ل عليه وسلم ‪ :-‬أن َمن أراد الّتضحيَة‪ ،‬ودخل يوُم العشر‪ ،‬فل يأ ُ‬
‫ومن َهْديه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ح عندى أنه‬
‫ى عن ذلك فى ))صحيح مسلم(( وأما الدارقطنى فقال‪ :‬الصحي ُ‬
‫شعره وبشره شيئًا‪ ،‬ثبت النه ُ‬
‫موقوف على ُأّم سلمة‪.‬‬
‫لضحيِة‪ ،‬واستحساُنها‪ ،‬وسلُمتها ِمن الُعيوب‪،‬‬
‫ل عليه وسلم اختياُر ا ُ‬
‫وكان ِمن َهْديه صلى ا ّ‬
‫ن‪ ،‬أى‪ :‬مقطوعة الذن‪ ،‬ومكسورة الَقرن‪ ،‬النصف فما زاد‪،‬‬
‫ن والَقْر ِ‬
‫لُذ ِ‬
‫ضَباِء ا َ‬
‫حى ِبَع ْ‬
‫ضّ‬‫ن ُي َ‬
‫ونهى َأ ْ‬
‫حى ِبَعْوَراَء‪ ،‬ول‬
‫ن‪ ،‬أى‪ُ :‬ينظر إلى سلمتها‪ ،‬وأن ل ُيض ّ‬
‫لُذ ُ‬
‫ن وا ُ‬
‫ف الَعْي ُ‬
‫شَر َ‬
‫سَت ْ‬
‫ن ُت ْ‬
‫ذكره أبو داود‪ ،‬وأمَر َأ ْ‬
‫طَع‬
‫طَع ُمَقّدُم ُأُذِنها‪ ،‬والُمَداَبَرُة‪ :‬اّلِتى ُق ِ‬
‫خْرَقاَء‪ .‬والُمَقاَبَلُة‪ :‬هى التى ُق ِ‬
‫ُمقاَبَلة‪ ،‬ول ُمَداَبَرة‪ ،‬ول شرقاَء‪ ،‬ول َ‬
‫ت ُأُذُنها‪ .‬ذكره أبو داود‪.‬‬
‫خِرَق ْ‬
‫خْرَقاُء‪ :‬اّلتى ُ‬
‫ت ُأُذُنها‪ ،‬وال َ‬
‫شّق ْ‬
‫شُرَقاُء‪ :‬اّلتى ُ‬
‫خُر ُأُذِنَها‪ ،‬وال ّ‬
‫ُمَؤ ّ‬
‫‪186‬‬

‫ضُة الَبّي ُ‬
‫ن‬ ‫عَوُرَها‪ ،‬والَمِري َ‬
‫ن َ‬
‫حى‪ :‬الَعْوَراُء الَبّي ُ‬
‫ضا ِ‬
‫ل َ‬
‫ئ فى ا َ‬
‫جِز ُ‬
‫ل ُت ْ‬
‫وذكر عنه أيضًا‪َ)) :‬أْرَبٌع َ‬
‫جَفاُء التى ل ُتْنقى(( أى‪ :‬من هزالها ل‬
‫جَها‪ ،‬والَكسيَرُة اّلتى ل ُتْنقى‪ ،‬والعَ ْ‬
‫عَر ُ‬
‫ن َ‬
‫جاُء الَبّي ُ‬
‫ضَها‪ ،‬والَعْر َ‬
‫َمَر ُ‬
‫خ فيها‪.‬‬
‫ُم ّ‬
‫خَقاء‪،‬‬
‫صَلِة‪ ،‬والَب ْ‬
‫سَتْأ َ‬
‫صَفرِة‪ ،‬والُم ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم نهى عن الُم ْ‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو َ‬
‫وذكر أيضًا أ ّ‬
‫صَ‬
‫ل‬ ‫صَلُة‪ :‬التى اسُتؤ ِ‬
‫خها‪ ،‬والُمسَتْأ َ‬
‫صَما ُ‬
‫صَفرة‪ :‬التى ُتستأصل أُذنها حتى َيْبُدَو ِ‬
‫سراء‪ .‬فالُم ُ‬
‫شّيَعِة‪ ،‬والَك ْ‬
‫والُم َ‬
‫سَراُء‪:‬‬
‫ضْعفًا‪ ،‬والَك ْ‬
‫جفًا و َ‬
‫عَ‬‫خَقاء‪ :‬التى بخقت عيُنها‪ ،‬والمشّيعة‪ :‬التى ل تتبع الغنم َ‬
‫صِلِه‪ ،‬والَب ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫َقْرُنها ِم ْ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫سيرة‪ ،‬وا ّ‬
‫الَك ِ‬
‫فصل‬
‫حى بالُمصّلى‬
‫فى أن من َهْديه صلى ال عليه وسلم أن ُيض ّ‬
‫شِهَد‬
‫ى بالُمصّلى‪ ،‬ذكره أبو داود عن جابر أنه َ‬
‫حَ‬‫ل عليه وسلم أن ُيض ّ‬
‫وكان ِمن َهْديه صلى ا ّ‬
‫ل‪،‬‬
‫سِم ا ّ‬
‫ش‪ ،‬فذبحه بيده وقال‪ِ)) :‬ب ْ‬
‫خطبته نزل ِمن منبره‪ ،‬وُأتى ِبَكْب ٍ‬
‫ضى ُ‬
‫معه الضحى بالمصّلى‪ ،‬فلما َق َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‬
‫ن النب ّ‬
‫ن أمتى(( وفى ))الصحيحين(( أ ّ‬
‫ح ِم ْ‬
‫ضّ‬‫عّمن َلْم ُي َ‬
‫عّنى َو َ‬
‫ل َأْكَبُر‪ ،‬هَذا َ‬
‫َوا ُّ‬
‫صّلى‪.‬‬
‫حُر بالم َ‬
‫ح وين َ‬
‫كان َيْذَب ُ‬
‫جَهُهَما‬
‫ن‪ ،‬فلما و ّ‬
‫جوَءي ِ‬
‫ن َمْو ُ‬
‫حْي ِ‬
‫ن أقرنين أْمَل َ‬
‫وذكر أبو داود عنه‪ :‬أنه ذبح يوَم النحر كبشْي ِ‬
‫سِكى‬
‫صلتى َوُن ُ‬
‫ن َ‬
‫ن‪ ،‬إ ّ‬
‫شرِكي َ‬
‫ن الُم ْ‬
‫حِنيفًا‪ ،‬وَما َأَنا ِم َ‬
‫ض َ‬
‫لْر َ‬
‫ت َوا َ‬
‫سَماوا ِ‬
‫طَر ال ّ‬
‫ى ِلّلِذى َف َ‬
‫جِه َ‬
‫ت َو ْ‬
‫جْه ُ‬
‫قال‪)) :‬و ّ‬
‫ن‬
‫عْ‬‫ك‪َ ،‬‬
‫ك َوَل َ‬
‫ن‪ ،‬الّلُهّم ِمْن َ‬
‫سِلِمي َ‬
‫ل الُم ْ‬
‫ت َوَأَنا أّو ُ‬
‫ك ُأِمْر ُ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬وِبَذِل َ‬
‫شري َ‬
‫ن‪ ،‬ل َ‬
‫ب الَعاَلِمي َ‬
‫ل َر ّ‬
‫ى َوَمَماتى ِّ‬
‫حَيا َ‬
‫َوَم ْ‬
‫ل أْكَبُر(( ُثّم َذَبح‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وا ُّ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫حّمٍد َوُأّمِتِه‪ِ ،‬ب ْ‬
‫ُم َ‬
‫ل َكَت َ‬
‫ب‬ ‫سنوا الِقتلة‪ ،‬وقال‪)) :‬إن ا َّ‬
‫سُنوا الذبح‪ ،‬وإذا قتُلوا أن ُيح ِ‬
‫س إذا ذبحوا أن ُيح ِ‬
‫وأَمر النا َ‬
‫شىٍء((‪.‬‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ن َ‬
‫سا َ‬
‫حَ‬‫ال ْ‬
‫ن َأْهلِ َبْيِتِه ولو َكُثرَ‬
‫عْ‬‫ل‪ ،‬و َ‬
‫جِ‬‫ن الّر ُ‬
‫ع ًِ‬
‫ئ َ‬
‫ل عليه وسلم أن الشاة ُتجِز ُ‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫ضحايا على عهِد رسو ِ‬
‫ل‬ ‫ى‪)) :‬كيف كانت ال ّ‬
‫ب النصار ّ‬
‫ت أبا أيو ٍ‬
‫عدُدهم‪ ،‬كما قال عطاُء بن يسار‪ :‬سأل ُ‬
‫ن((‪.‬‬
‫طِعُمو َ‬
‫ل َبْيِتِه َفَيْأُكُلونَ َوُي ْ‬
‫ن َأْه ِ‬
‫عْ‬‫عْنُه َو َ‬
‫شاِة َ‬
‫حى بال ّ‬
‫ضّ‬‫ل ُي َ‬
‫جُ‬‫ن الّر ُ‬
‫ن َكا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم؟ فقال‪ :‬إ ْ‬
‫ا ّ‬
‫قال الترمذى‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫فصل‬
‫‪187‬‬

‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى العقيقة‬


‫ق((‬
‫ب الُعُقو َ‬
‫ح ّ‬
‫ل ُأ ِ‬
‫ل‪َ )) :‬‬
‫ن الَعِقيَقِة‪ ،‬فقا َ‬
‫عِ‬‫ل َ‬
‫سِئ َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُ‬
‫ل ا ِّ‬
‫ن رسو َ‬
‫فى ))الموطأ(( أ ّ‬
‫ن‬
‫ضْمَرَة‪ ،‬عن أبيه‪ .‬قال ابن عبد البر‪ :‬وأحس ُ‬
‫كأنه َكِرَه السم‪ ،‬ذكره عن زيد بن أسلم‪ ،‬عن رجل من بنى َ‬
‫ت عمرو بن شعيب ُيحّدث عن أبيه‪ ،‬عن‬
‫أسانيده ما ذكره عبد الرزاق‪ :‬أنبأ داود ابن قيس‪ ،‬قال‪ :‬سمع ُ‬
‫سمَ‬
‫ق(( وَكأَّنُه َكِرَه ال ْ‬
‫ب الُعُقو َ‬
‫ح ّ‬
‫ن الَعِقيَقِة‪ ،‬فقال‪)) :‬ل ُأ ِ‬
‫عِ‬‫ل صلى ال عليه وسلم َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سئل رسو ُ‬
‫جده قال‪ُ :‬‬
‫عِ‬
‫ن‬‫ل‪َ :‬‬
‫ن َوَلِدِه‪َ ،‬فْلَيْفَع ْ‬
‫عْ‬‫ك َ‬
‫سَ‬
‫ن َيْن ُ‬
‫ب مِْنُكم أ َ‬
‫ح ّ‬
‫ن َأ َ‬
‫ل‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن َوَلِدِه؟ َفَقا َ‬
‫عْ‬‫حُدَنا َ‬
‫ك َأ َ‬
‫سُ‬
‫ل ؛ َيْن ُ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫َقاُلوا‪َ :‬يا َر ُ‬
‫شاة((‪.‬‬
‫جاِرَيِة َ‬
‫ن ال َ‬
‫عِ‬‫ن‪َ ،‬و َ‬
‫شاَتا ِ‬
‫لم َ‬
‫الُغ َ‬
‫شاٌة((‪.‬‬
‫جاِرَيِة َ‬
‫ن ال َ‬
‫عِ‬‫ن‪َ ،‬و َ‬
‫شاَتا ِ‬
‫ن الُغلم َ‬
‫عِ‬‫ل عنها‪َ )) :‬‬
‫شَة رضى ا ّ‬
‫وصح عنه من حديث عاِئ َ‬
‫سّمى((‪.‬‬
‫سُه َوُي َ‬
‫ق َرْأ ُ‬
‫حَل ُ‬
‫ساِبِع‪ ،‬وُي ْ‬
‫عْنُه َيْوَم ال ّ‬
‫ح َ‬
‫لم َرِهيَنٌة ِبَعِقيَقِتِه ُتْذَب ُ‬
‫غَ‬‫ل ُ‬
‫وقال‪ُ)) :‬ك ّ‬
‫س عن الشفاعة فى أبويه‪ ،‬والرهن فى الّلغة‪ :‬الحبس‪ ،‬قال‬
‫قال المام أحمد‪ :‬معناه‪ :‬أنه محبو ٌ‬
‫ث أنه رهينٌة فى نفسه‪ ،‬ممنو ٌ‬
‫ع‬ ‫ت َرِهيَنٌة{ ]المدثر‪ ،[38 :‬وظاهر الحدي ِ‬
‫سَب ْ‬
‫س ِبَما َك َ‬
‫ل َنْف ٍ‬
‫تعالى‪ُ} :‬ك ّ‬
‫س بترك أبويه‬
‫حِب َ‬
‫محبوس عن خير ُيراد به‪ ،‬ول يلزُم من ذلك أن ُيعاَقب على ذلك فى الخرة‪ ،‬وإن ُ‬
‫ط البوين وإن لم يكن ِمن كسبه‪،‬‬
‫ت الوَلد خير بسبب تفري ِ‬
‫ق عنه أبواه‪ ،‬وقد يفو ُ‬
‫عّ‬‫ن َ‬
‫العقيقَة عما يناُله َم ْ‬
‫ن وَلَده‪ ،‬وإذا ترك التسميَة‪ ،‬لم يحصل للولد هذا‬
‫جماع إذا سّمى أبوه‪ ،‬لم يضّر الشيطا ُ‬
‫كما أّنه عند ال ِ‬
‫ظ‪.‬‬
‫حْف ُ‬
‫ال ِ‬
‫ل على أنها لزمة ل ُبد منها‪ ،‬فشبه لزوَمها وعَدَم انفكاك المولود عنها‬
‫ن هذا إنما يُد ّ‬
‫وأيضًا فإ ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫ل بهذا َمن يرى وجوَبها كالليث بن سْعد والحسن البصرى‪ ،‬وأهل الظاهر‪ .‬وا ّ‬
‫سَتِد ّ‬
‫بالرهن‪ .‬وقد َي ْ‬
‫فإن قيل‪ :‬فكيف تصنعون فى رواية هّمام عن قتادة فى هذا الحديث‪)) :‬وُيَدّمى(( قال‬
‫ت منها صوفة‪،‬‬
‫خَذ ْ‬
‫حت العقيقُة‪ُ ،‬أ ِ‬
‫سِئلَ قتادُة عن قوله‪ :‬و ))ُيَدّمى(( كيف يصنُع بالدم؟ فقال‪ :‬إذا ُذِب َ‬
‫همام‪ُ :‬‬
‫ل الخيط‪ ،‬ثم ُيغسل رأسه‬
‫سيلَ على رأسه مث َ‬
‫ى حتى َت ِ‬
‫صب ّ‬
‫خ ال ّ‬
‫جها‪ ،‬ثم ُتوضُع على يافو ِ‬
‫واسُتقِبَلت بها أودا ُ‬
‫عه‬
‫ح سما ُ‬
‫صّ‬‫سُمَرَة‪ ،‬ول َي ِ‬
‫س فى ذلك‪ ،‬فِمن قائل‪ :‬هذا من رواية الحسن عن َ‬
‫بعد وُيحلق‪ .‬قيل‪ :‬اخَتَلف النا ُ‬
‫ى‪ ،‬وغيُره‪ ،‬وقد‬
‫ححه الِترِمذ ّ‬
‫سُمَرَة حديث العقيقة هذا صحيح‪ ،‬ص ّ‬
‫ع الحسن عن َ‬
‫عنه‪ ،‬وِمن قائل‪ :‬سما ُ‬
‫سَ‬
‫ن‬ ‫حَ‬
‫ل ال َ‬
‫سِ‬
‫ن سيرين‪ :‬اذهب َف َ‬
‫ى فى ))صحيحه(( عن حبيب بن الشهيد قال‪ :‬قال لى محّمُد ب ُ‬
‫ذكره البخار ّ‬
‫سُمَرة‪.‬‬
‫ث العقيقة؟ فسأله فقال‪ :‬سمعته من َ‬
‫ممن سِمع حدي َ‬
‫‪188‬‬

‫ف فى التدميِة بعُد‪ :‬هل هى صحيحة‪ ،‬أو غلط؟ على قولين‪ .‬فقال أبو داود فى ))سننه((‪:‬‬
‫ثم اخُتِل َ‬
‫سّمى(( وقال غيُره‪ :‬كان فى لسان َهّمام‬
‫هى وهم ِمن هّمام بن يحيى‪ .‬وقوله‪)) :‬وُيَدّمى((‪ ،‬إنما هو ))وُي َ‬
‫صح‪ ،‬فإن همامًا وإن كان َوِهَم فى اللفظ‪ ،‬ولم‬
‫ُلْثَغٌة فقال‪)) :‬وُيَدّمى(( وإنما أراد أن ُيسّمى‪ ،‬وهذا ل ي ِ‬
‫ُيِقْمه ِلساُنه‪ ،‬فقد حكى عن قتادة صفَة التدمية‪ ،‬وأنه سئل عنها فأجاب بذلك‪ ،‬وهذا ل تحتِمُله الّلغة بوجه‪،‬‬
‫ظ التدمية قالوا‪ :‬إنه من‬
‫ظ التدمية هنا َوْهمًا‪ ،‬فهو من قتادة‪ ،‬أو من الحسن‪ ،‬والذين أثبتوا لف َ‬
‫فإن كان لف ُ‬
‫سـّنة العقيقة‪ ،‬وهذا مروى عن الحسن وقتادة‪ ،‬والذين منعوا التدمية‪ ،‬كمالك‪ ،‬والشافعى‪ ،‬وأحمد‪،‬‬
‫ُ‬
‫ل الجاهلية‪،‬‬
‫ل أه ِ‬
‫وإسحاق‪ ،‬قالوا‪)) :‬وُيَدّمى(( غلط‪ ،‬وإنما هو‪)) :‬وُيسّمى((‪ ،‬قالوا‪ :‬وهذا كان ِمن عم ِ‬
‫حِدَنا‬
‫لَ‬‫جاِهِلّيِة إَذا ُوِلَد َ‬
‫ب قال‪ُ :‬كّنا فى ال َ‬
‫صْي ِ‬
‫ح َ‬
‫ن ال ُ‬
‫فأبطله السلُم‪ ،‬بدليل ما رواه أبو داود‪ ،‬عن ُبريدة ب ِ‬
‫عَفَران‪.‬‬
‫خه ِبَز ْ‬
‫طُ‬‫سُه َوُنَل ّ‬
‫ق َرْأ َ‬
‫حِل ُ‬
‫شاًة َوَن ْ‬
‫ح َ‬
‫لم‪ُ ،‬كّنا َنْذَب ُ‬
‫سَ‬‫ل بال ْ‬
‫جاَء ا ُّ‬
‫سُه ِبَدِمَها‪َ ،‬فَلّما َ‬
‫خ َرْأ َ‬
‫طَ‬‫شاًة َوَل ّ‬
‫ح َ‬
‫غلٌم َذَب َ‬
‫ُ‬
‫ل النبىّ صلى ال‬
‫ج به‪ ،‬فإذا انضاف إلى قو ِ‬
‫ن فى إسناده الحسين بن واقد‪ ،‬ول ُيحَت ّ‬
‫ن َكا َ‬
‫قالوا‪َ :‬وَهَذا وإ ْ‬
‫طخوه بالذى؟ قالوا‪ :‬ومعلوٌم أن‬
‫لَذى(( والدم أذى‪ ،‬فكيف يأمرهم أن يل ّ‬
‫عْنُه ا َ‬
‫طوا َ‬
‫عليه وسلم‪َ)) :‬أِمي ُ‬
‫ن َهْديه‪،‬‬
‫ك ِم ْ‬
‫ن ذل َ‬
‫ش‪َ ،‬وَلْم ُيَدّمِهَما‪ ،‬ول كا َ‬
‫ش َكْب ٍ‬
‫ن ِبَكْب ٍ‬
‫سْي ِ‬
‫حَ‬‫ن وال ُ‬
‫سِ‬‫حَ‬
‫ن ال َ‬
‫عِ‬‫ق َ‬
‫عّ‬‫ى صلى ال عليه وسلم َ‬
‫النب ّ‬
‫سـّنته؟؟‬
‫س المولود‪ ،‬وأين لهذا شاهٌد ونظيٌر فى ُ‬
‫س رأ ِ‬
‫سـّنته تنجي ُ‬
‫ن ِمن ُ‬
‫ف يكو ُ‬
‫ى أصحاِبه‪ ،‬قالوا‪:‬وكي ِ‬
‫وَهْد ِ‬
‫جاهلية‪.‬‬
‫ل ال َ‬
‫ق هذا بأه ِ‬
‫وإنما َيلي ُ‬
‫فصل‬
‫عّقه صلى ال عليه وسلم عن الحسن والحسين‬
‫فى َ‬
‫س رأسًا‪ ،‬وقد‬
‫ل على أن َهْديه أن على الرأ ِ‬
‫ش‪َ ،‬يُد ّ‬
‫ن ِبكبش كب ٍ‬
‫حسي ِ‬
‫عّقه عن الحسن وال ُ‬
‫فإن قيل‪َ :‬‬
‫سِ‬
‫ن‬‫حَ‬‫ن ال َ‬
‫عِ‬
‫ق َ‬
‫عّ‬‫ن النبى صلى ال عليه وسلم َ‬
‫سأّ‬
‫ن عّباس وأن ٍ‬
‫ث اب ِ‬
‫صحح عبُد الحق الشبيلى من حدي ِ‬
‫حٍد والحسين فى العام القابل منه‪.‬‬
‫ن مولُد الحسن عاَم ُأ ُ‬
‫ش وَكا َ‬
‫ن ِبَكْب ٍ‬
‫حسي ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫عِ‬‫ش‪ ،‬و َ‬
‫ِبَكْب ٍ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن‬
‫ل ا ِّ‬
‫ق رسو ُ‬
‫ل عنه قال‪ :‬عَ ّ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫ى من حديث عل ّ‬
‫وروى الترمذ ّ‬
‫ن وزُنه ِدرهمًا‬
‫ضًة((‪ ،‬فوزّناه َفَكا َ‬
‫شْعِرِه ِف ّ‬
‫صّدِقى ِبِزَنِة َ‬
‫سُه‪َ ،‬وَت َ‬
‫حِلِقى َرْأ َ‬
‫طَمُة ا ْ‬
‫ن شاة‪ ،‬وقال‪)) :‬يا َفا ِ‬
‫الحس ِ‬
‫ك‪،‬‬
‫سٌ‬
‫ث َأنس وابن عباس يكفيان‪ .‬قاُلوا‪ :‬لنه ُن ُ‬
‫ل فحدي ُ‬
‫ض ِدرهَم‪ ،‬وهذا وإن لم يكن إسناده متص ً‬
‫أْو بع َ‬
‫شاتين عن الذكر‪ ،‬والشاة عن‬
‫ث ال ّ‬
‫لضحية ودِم التمتع‪ .‬فالجواب أن أحادي َ‬
‫فكان على الرأس مثُله‪ ،‬كا ُ‬
‫لنثى‪ ،‬أولى أن يؤخذ بها لوجوه‪..‬‬
‫اُ‬
‫‪189‬‬

‫ل بن عمرو‪ ،‬وأُّم ُكْرِز الكعبية‪ ،‬وأسماُء‪.‬‬


‫أحُدها‪ :‬كثرُتها‪ ،‬فإن رواَتها‪ :‬عائشُة‪ ،‬وعبُد ا ّ‬
‫ن الُغلِم‬
‫عِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪َ )) :‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫ت رسو َ‬
‫فروى أبو داود عن أّم ُكرز قالت‪ :‬سمع ُ‬
‫شاٌة((‪.‬‬
‫جاِريِة َ‬
‫ن ال َ‬
‫عِ‬‫ن‪َ ،‬و َ‬
‫ن ُمَكاِفَئَتا ِ‬
‫شاَتا ِ‬
‫َ‬
‫ن بفتح‬
‫ت‪ :‬هو مَكاَفأتا ِ‬
‫ن‪ :‬مستويتانِ أو مقاربتان‪ ،‬قل ُ‬
‫ل‪ُ :‬مكافئتا ِ‬
‫ت أحمد يقو ُ‬
‫قال أبو داود‪ :‬وسمع ُ‬
‫ق بين الروايتين‪ ،‬لن كل‬
‫ح‪ ،‬قال الزمخشرى‪ :‬ل فر َ‬
‫ن الفت َ‬
‫الفاء‪ ،‬ومَكاِفَئتان بكسرها‪ ،‬والمحّدثون يختارو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يقول‪َ)) :‬أِقّروا‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫ن كافْأته‪ ،‬فقد كافَأك‪ .‬وروى أيضًا عنها ترفُعه‪ :‬سمع ُ‬
‫َم ْ‬
‫ضّرُكم‬
‫ل َي ُ‬
‫شاٌة‪َ ،‬‬
‫جاِرَيِة َ‬
‫ن ال َ‬
‫عِ‬‫ن‪َ ،‬و َ‬
‫ن ُمَكاِفَئَتا ِ‬
‫شاَتا ِ‬
‫عن الُغلِم َ‬
‫عَلى َمِكَناِتَها(( وسمعُته يقول‪َ )) :‬‬
‫طْيَر َ‬
‫ال ّ‬
‫شاٌة((‪ ،‬وقال‬
‫جاِرَيِة َ‬
‫ن ال َ‬
‫عِ‬‫ن‪َ ،‬و َ‬
‫ن ِمْثل ِ‬
‫شاَتا ِ‬
‫ن الُغلِم َ‬
‫عِ‬‫ن َأْم إَناثًا((‪ ،‬وعنها أيضًا ترفعه‪َ )) :‬‬
‫أُذْكَرانًا ُك ّ‬
‫ث صحيح‪.‬‬
‫الترمذى‪ :‬حدي ٌ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫ى صلى‬
‫ن النب ّ‬
‫ن عاِئشة أ ّ‬
‫عْ‬‫شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جّده فى ذلك‪ ،‬و َ‬
‫ث عمرو بن ُ‬
‫وقد تقّدم حدي ُ‬ ‫@‬
‫شاٌة‪ .‬قال الترمذى‪ :‬حديث حسن‬
‫جارَيةِ َ‬
‫ن ال َ‬
‫عِ‬‫ن‪َ ،‬و َ‬
‫ن ُمَكاِفَئَتا ِ‬
‫شاَتا ِ‬
‫ن الُغلِم َ‬
‫عِ‬‫ال عليه وسلم َأمَرُهم َ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ى صلى ال‬
‫عن النب ّ‬
‫عجلن‪ ،‬عن مجاهد عن أسماء‪َ ،‬‬
‫ن َ‬
‫تبِ‬
‫عّياش‪ ،‬عن ثاب ِ‬
‫وروى إسماعيل بن َ‬
‫شاٌة((‪.‬‬
‫جاِرَيِة َ‬
‫ن ال َ‬
‫عِ‬‫ن َو َ‬
‫ن ُمَكاِفَئَتا ِ‬
‫شاَتا ِ‬
‫ن الُغلِم َ‬
‫عِ‬‫ق َ‬
‫عليه وسلم قال‪ُ)) :‬يَع ّ‬
‫ت أبى بكر‪.‬‬
‫ت لحمد‪َ :‬من أسماء؟ فقال‪ :‬ينبغى أن تكون أسماَء بن َ‬
‫قال مهنا‪ :‬قل ُ‬
‫ل بن وهب‪،‬‬
‫خداش‪ ،‬قال‪ :‬حدثنا عبد ا ّ‬
‫ن ِ‬
‫خاِلُد ب ُ‬
‫ت لحمد‪ :‬حدثنا َ‬
‫وفى كتاب الخلل‪ :‬قال مهنا‪ :‬قل ُ‬
‫قال‪ :‬حدثنا عمرو بن الحارث أن أيوب ابن موسى حّدثه‪ ،‬أن يزيد بن عبد المزنى حّدثه‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬أن‬
‫ع‪،‬‬
‫ل الَفَر ُ‬
‫سُه ِبَدٍم((‪ ،‬وقال‪)) :‬فى الِب ِ‬
‫س َرْأ ُ‬
‫ل ُيَم ّ‬
‫ن الُغلِم‪َ ،‬و َ‬
‫عِ‬‫ق َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم قال‪ُ)) :‬يَع ّ‬
‫النب ّ‬
‫ت له‪:‬‬
‫ف عبد بن يزيد المزنى‪ ،‬ول هذا الحديث‪ ،‬فقل ُ‬
‫ع(( فقال أحمد‪ :‬ما أعرفه‪ ،‬ول أعِر ُ‬
‫َوفى الَغَنِم الَفَر ُ‬
‫ث واحد‪.‬‬
‫ل عنهما حدي ُ‬
‫ن والحسين رضى ا ّ‬
‫أتنكره؟ فقال‪ :‬ل أعِرفه‪ ،‬وقصُة الحس ِ‬
‫ث الشاتين من َقوله‪ ،‬وقوُله عام‪ ،‬وِفْعُله‬
‫الثانى‪ :‬أنها من فعل النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وأحادي ُ‬
‫يحتمل الختصاص‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنها متضّمنة لزيادة‪ ،‬فكان الخُذ بها أولى‪.‬‬
‫‪190‬‬

‫ل على الجواز‪ ،‬والقول على الستحباب‪ ،‬والخُذ بهما ممكن‪ ،‬فل وجه‬
‫الرابع‪ :‬أن الفعل يُد ّ‬
‫لتعطيل أحدهما‪.‬‬
‫سِمَعتْ‬
‫حد والعام الذى بعده‪ ،‬وأم ُكرز َ‬
‫الخامس‪ :‬أن قصة الذبح عن الحسن والحسين كانت عام ُأ ُ‬
‫ِمن النبى‬
‫حديبية سنة ست بعد الذبح عن الحسن والحسين‪ ،‬قاله النسائى فى‬
‫صلى ال عليه وسلم ما روته عام ال ُ‬
‫كتابه الكبير‪.‬‬
‫س المذبوح‪ ،‬وأنه ِمن الِكباش ل‬
‫حسين يحتِمل أن ُيراد بها بيان جن ِ‬
‫ن وال ُ‬
‫السادس‪ :‬أن ِقصة الحس ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن نسائه بقرة‪ ،‬وكن‬
‫لا ّ‬
‫حى رسو ُ‬
‫تخصيصه بالواحد‪ ،‬كما قالت عائشة‪ :‬ض ّ‬
‫ِتسعًا‪ ،‬ومرادها‪ :‬الجنس ل التخصيص بالواحدة‪.‬‬
‫لْنَثى{ ]آل عمران‪:‬‬
‫س الّذَكُر َكا ُ‬
‫لنثى‪ ،‬كما قال‪َ} :‬وَلْي َ‬
‫ضل الّذَكَر على ا ُ‬
‫حاَنه ف ّ‬
‫سْب َ‬
‫ل ُ‬
‫السابع‪ :‬أن ا ّ‬
‫حه عليها فى الحكام‪ ،‬وقد جاءت الشريعُة بهذا التفضيل فى جعل‬
‫‪ ،[36‬ومقتضى هذا التفاضل ترجي ُ‬
‫ت العقيقُة بهذه الحكام‪.‬‬
‫حَق ِ‬
‫ث‪ ،‬والديِة‪ ،‬فكذلك ُأْل ِ‬
‫لنثيين‪ ،‬فى الشهادة‪ ،‬والميرا ِ‬
‫الذكر كا ُ‬
‫ن بعقيقته‪ ،‬فالعقيقُة َتُفّكه وتعِتقه‪ ،‬وكا َ‬
‫ن‬ ‫الثامن‪ :‬أن العقيقة ُتشبه الِعتق عن المولود‪ ،‬فإنه رهي ٌ‬
‫عتق الذكر‪ .‬كما‬
‫لنثيين يقوُم مقام ِ‬
‫عتق ا ُ‬
‫لنثى بشاة‪ ،‬كما أن ِ‬
‫ق عن الذكر بشاتين‪ ،‬وعن ا ُ‬
‫الولى أن ُيَع ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬أّيَما اْمرىٍء‬
‫لا ّ‬
‫فى ))جامع الترمذى(( وغيره عن أبى ُأمامة قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫سِلٍم‬
‫ضوًا ِمْنُه‪َ ،‬وأّيَما اْمِرىٍء ُم ْ‬
‫ع ْ‬
‫عضٍْو ِمْنُه ُ‬
‫ل ُ‬
‫جِزى ُك ّ‬
‫ن الّناِر‪ُ ،‬ي ْ‬
‫ن ِفَكاَكُه ِم َ‬
‫سِلمًا‪َ ،‬كا َ‬
‫ق اْمَرءًا ُم ْ‬
‫عَت َ‬
‫سِلٍم َأ ْ‬
‫ُم ْ‬
‫سِلَمٍة‬
‫ضوًا ِمْنُه‪ ،‬وَأّيَما اْمرَأٍة ُم ْ‬
‫ع ْ‬
‫ضوٍ ِمْنُهَما ُ‬
‫ع ْ‬
‫ل ُ‬
‫ن الّناِر‪ُ ،‬يجزى ُك ّ‬
‫ن َكاَنَتا ِفَكاَكُه ِم َ‬
‫سِلَمَتْي ِ‬
‫ن ُم ْ‬
‫عَتق اْمَرأَتْي ِ‬
‫َأ ْ‬
‫ضوًا ِمْنَها(( وهذا حديث صحيح‪.‬‬
‫ع ْ‬
‫ضٍو ِمْنَها ُ‬
‫ع ْ‬
‫ل ُ‬
‫جزى ُك ّ‬
‫ن الّناِر‪ُ ،‬ي ْ‬
‫سِلَمًة كانت ِفَكاَكَها ِم َ‬
‫ت اْمرَأًة ُم ْ‬
‫عَتَق ْ‬
‫َأ ْ‬
‫فصل‬
‫ى صلى ال عليه وسلم قال‬
‫ذكر أبو داود فى ))المراسيل(( عن جعفر بن محمد‪ ،‬عن أبيه أن النب ّ‬
‫جلٍ‬
‫ن اْبَعُثوا إَلى َبْيتِ الَقاِبَلِة ِبِر ْ‬
‫ل عنهما‪َ)) :‬أ ِ‬
‫طمُة عن الحسن والحسين رضى ا ّ‬
‫فى العقيقة التى عّقْتها فا ِ‬
‫ظمًا((‪.‬‬
‫ع ْ‬
‫سُروا ِمْنَها َ‬
‫ل َتْك ِ‬
‫طِعُموا َو َ‬
‫َوُكُلوا َوَأ ْ‬
‫فصل‬
‫‪191‬‬

‫سِه َبعَْد‬
‫ن َنْف ِ‬
‫عْ‬
‫ق َ‬
‫عّ‬‫ى صلى ال عليه وسلم َ‬
‫ل عنه‪ ،‬أن النب ّ‬
‫ن أيمن ِمن حديث أنس رضى ا ّ‬
‫وذكر اب ُ‬
‫ت أحمد ح َّدثهم بحديث الهيثم ب ِ‬
‫ن‬ ‫ث قال أبو داود فى ))مسائله((‪ :‬سمع ُ‬
‫جاَءْتُه الّنُبّوُة‪ ،‬وهذا الحدي ُ‬
‫ن َ‬
‫َأ ْ‬
‫ق عن نفسه‪ ،‬فقال‬
‫عّ‬‫ى صلى ال عليه وسلم َ‬
‫ل بن المثنى عن ُثمامة عن أنس أن النب ّ‬
‫جميل‪ ،‬عن عبد ا ّ‬
‫ق عن نفسه‪ ،‬قال مهنا‪ :‬قال‬
‫عّ‬‫ل بن محرز عن قتادة عن أنس أن النبى صلى ال عليه وسلم َ‬
‫أحمد‪ :‬عبد ا ّ‬
‫ل بن المحرر‪.‬‬
‫أحمد‪ :‬هذا منكر‪ ،‬وضّعف عبد ا ّ‬
‫فصل‬
‫عِل ّ‬
‫ى‬ ‫ن َ‬
‫ن ِب ْ‬
‫سِ‬
‫حَ‬‫ن ال َ‬
‫ن فى ُأُذ ِ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم َأّذ َ‬
‫ت النب ّ‬
‫ذكر أبو داود عن أبى رافع قال‪)):‬رأي ُ‬
‫صلِة((‪.‬‬
‫عْنَها ِبال ّ‬
‫ل َ‬
‫ى ا ُّ‬
‫ضَ‬‫طَمُة َر ِ‬
‫ن َوَلَدْتُه ُأّمه َفا ِ‬
‫حي َ‬
‫ِ‬
‫فصل‬
‫ختانه‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى تسمية المولود و ِ‬
‫سّمى((‬
‫ساِبِعِه َوُي َ‬
‫ح َيْوَم ًَ‬
‫سُمَرَة فى العقيقة‪ُ)) :‬تْذَب ُ‬
‫قد تقّدم قوُله فى حديث قتادة عن الحسن‪ ،‬عن َ‬
‫ل‪ُ :‬يروى عن أنس أنه ُيسّمى لثلثة‪ ،‬وأما‬
‫ى؟ قال لنا أبو عبد ا ّ‬
‫سّمى الصب ّ‬
‫قال الميمونى‪ :‬تذاكرنا ِلَكم ُي َ‬
‫ك‪،‬‬
‫ن عّباس‪ :‬كانوا ل يختنون الغلم حتى ُيدِر َ‬
‫خَتان‪ ،‬فقال اب ُ‬
‫سُمرة‪ ،‬فقال‪ُ :‬يسّمى فى اليوم السابع‪ ،‬فأّما ال ِ‬
‫َ‬
‫ى يوَم سابعه‪ ،‬وقال حنبل‪ :‬إن أبا‬
‫ت أحمد يقول‪ :‬كان الحسن يكره أن ُيختن الصب ّ‬
‫قال الميمونى‪ :‬سمع ُ‬
‫ن يوَم السابع‪ ،‬فل بأس‪ ،‬وإنما كره الحسن ذلك لئل يتشبه باليهود‪ ،‬وليس فى هذا‬
‫خِت َ‬
‫ل قال‪ :‬وإن ُ‬
‫عبد ا ّ‬
‫شىء‪ .‬قال مكحول‪ :‬ختن إبراهيُم ابنه إسحاق لسبعة أيام‪ ،‬وختن إسماعيل لثلث عشرة سنة‪ ،‬ذكره‬
‫سـّنة فى‬
‫ختان إسماعيل ُ‬
‫سـّنة فى ولده‪ ،‬و ِ‬
‫ختان إسحاق ُ‬
‫الخلل‪ .‬قال شيخ السلم ابن تيمية‪ :‬فصار ِ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم متى كان ذلك‪.‬‬
‫ف فى ختان النب ّ‬
‫ولده‪ ،‬وقد تقّدم الخل ُ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى السماء والُكنى‬
‫ك‪َ ،‬‬
‫ل‬ ‫لِ‬
‫ك الَْم َ‬
‫سّمى َمِل َ‬
‫ل َت َ‬
‫جٌ‬‫ل َر ُ‬
‫عْنَد ا ِّ‬
‫سٍم ِ‬
‫خَنَع ا ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ل عليه وسلم أنه قال‪)) :‬إ ّ‬
‫ثبت عنه صلى ا ّ‬
‫ل((‪.‬‬
‫ل ا ُّ‬
‫كإ ّ‬
‫َمِل َ‬
‫ث وَهّماٌم‪،‬‬
‫حاِر ٌ‬
‫صَدُقَها َ‬
‫ن‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫حَم ِ‬
‫عْبُد الّر ْ‬
‫لو َ‬
‫عْبُد ا ِّ‬
‫ل َ‬
‫سَماِء إَلى ا ِّ‬
‫ب ال ْ‬
‫ح ّ‬
‫وثبت عنه أنه قال‪)) :‬أ َ‬
‫ب َوُمّرٌة((‪.‬‬
‫حْر ٌ‬
‫حَها َ‬
‫وَأْقَب ُ‬
‫‪192‬‬

‫ل‪َ :‬أَثّم َ‬
‫ت‬ ‫ك َتُقو ُ‬
‫ح‪َ ،‬فإّن َ‬
‫ل َأْفَل َ‬
‫جيحًا َو َ‬
‫ل َن ِ‬
‫ل َرَباحًا َو َ‬
‫سارًا َو َ‬
‫ك َي َ‬
‫غلَم َ‬
‫ن ُ‬
‫سِمي ّ‬
‫وثبت عنه أنه قال‪)) :‬ل ُت َ‬
‫ل‪ :‬ل((‪.‬‬
‫ن‪َ ،‬فُيَقا ُ‬
‫ل َيُكو ُ‬
‫ُهَو؟ َف َ‬
‫جميَلٌة((‪.‬‬
‫ت َ‬
‫وثبت عنه أنه غّير اسم عاصية‪ ،‬وقال‪)) :‬أن ِ‬
‫جَوْيِرَية‪.‬‬
‫ل صلى ال عليه وسلم باسم ُ‬
‫جَوْيرَيَة‪َ :‬بّرًة‪ ،‬فغّيره رسول ا ّ‬
‫وكان اسم ُ‬
‫ل‪:‬‬
‫سّمى ِبهذا السِم‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أن ُي َ‬
‫لا ّ‬
‫ت أّم سلمة‪ :‬نهى رسو ُ‬
‫ب بن ُ‬
‫وقالت زين ُ‬
‫ل الّبر ِمْنُكم((‪.‬‬
‫عَلُم ِبَأْه ِ‬
‫ل َأ ْ‬
‫سُكم‪ ،‬ا ُّ‬
‫ل ُتَزّكوا َأْنُف َ‬
‫)) َ‬
‫ح‪.‬‬
‫شَرْي ٍ‬
‫حَكم بأبى ُ‬
‫صَرم بُزرعَة‪ ،‬وغّيَر اسَم أبى ال َ‬
‫وغّير اسم َأ ْ‬
‫ن((‪.‬‬
‫طأ َوُيمَْتَه ُ‬
‫ل ُيو َ‬
‫سْه ُ‬
‫ل فأَبى‪ ،‬وقال ))ال ّ‬
‫سه ً‬
‫حْزن جّد سعيد بن المسيب وجعله َ‬
‫وغّيَر اسم َ‬
‫حَكم‪،‬‬
‫طان وال َ‬
‫شي َ‬
‫عْتَلَة‪ ،‬و َ‬
‫عِزيز‪ ،‬و َ‬
‫ص‪ ،‬و َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم اسَم الَعا ِ‬
‫قال أبو داود‪ :‬وغّيَر النب ّ‬
‫ث‪ ،‬وأرضًا‬
‫سْلمًا‪ ،‬وسّمى المضطجَع المنبِع َ‬
‫شهاب‪ ،‬فسماه ِهشامًا‪ ،‬وسّمى حربًا ِ‬
‫حباب‪ ،‬و ِ‬
‫غراب‪ ،‬و ُ‬
‫وُ‬
‫ب الُهدى‪ ،‬وبنو الّزنية سماهم بنى الّرشدة‪ ،‬وسّمى بنى‬
‫شْع َ‬
‫ضلَلِة سماه ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫شْع ُ‬
‫ضَرًة‪ ،‬و ِ‬
‫خ ِ‬
‫عْفَرًة سّماها َ‬
‫َ‬
‫شَدَة‪.‬‬
‫ُمغِوَيَة بنى ِر ْ‬
‫فصل‬
‫فى فقه هذا الباب‬
‫ط‬
‫ن بينها وبينها ارتبا ٌ‬
‫ت الحكمُة أن يكو َ‬
‫ب للمعانى‪ ،‬وداّلًة عليها‪ ،‬اقتض ِ‬
‫لما كانت السماُء قواِل َ‬
‫حكمة الحكيم‬
‫ق له بها‪ ،‬فإن ِ‬
‫ض الذى ل تعّل َ‬
‫ب‪ ،‬وأن ل يكون المعنى معها بمنزلة الجنبى المح ِ‬
‫وتناس ٌ‬
‫ت تأّثر عن أسمائها فى‬
‫سّمَيا ِ‬
‫خلفه‪ ،‬بل للسماء تأثيٌر فى المسمَيات‪َ ،‬وِلْلُم َ‬
‫تأبى ذلك‪ ،‬والواِقُع يشهد ِب َ‬
‫خّفة والّثَقل‪ ،‬واللطافة والَكَثافة‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫حسن والقبح‪ ،‬وال ِ‬
‫ال ُ‬
‫ت فى َلَقِبْه‬
‫ل َوَمْعَناُه إن َفّكر َ‬
‫إّ‬ ‫ك َذا َلَق ٍ‬
‫ب‬ ‫عْيَنا َ‬
‫ت َ‬
‫وقّلما َأْبصََر ْ‬
‫سَ‬
‫ن‬‫حَ‬‫ن َ‬
‫سن‪ ،‬وأمر إذا َأْبَرُدوا إليِه َبِريدًا أن َيُكو َ‬
‫ب السم الح َ‬
‫ح ّ‬
‫ل عليه وسلم يست ِ‬
‫وكان صلى ا ّ‬
‫ن يأخذ المعانى من أسماِئَها فى المناِم واليقظة‪ ،‬كما رأى أنه وأصحاَبه فى دار‬
‫جِه‪ .‬وكا َ‬
‫ن الَو ْ‬
‫حسَ َ‬
‫سِم َ‬
‫ال ْ‬
‫ب‪ ،‬فَأّوله بأن لهم الرفعَة فى الدنيا‪ ،‬والعاقبَة فى الخرِة‪،‬‬
‫طا َ‬
‫ن َ‬
‫ب اْب ِ‬
‫ط ِ‬
‫ن ُر َ‬
‫ب ِم ْ‬
‫ط ٍ‬
‫عقبة بن راِفع‪ ،‬فُأُتوا ِبُر َ‬
‫ُ‬
‫سهولة أمِرهم يوَم الحديبية ِمن مجيـئ‬
‫ل ُ‬
‫ب‪ ،‬وَتـأّو َ‬
‫طا َ‬
‫ل لهم قد أرطب و َ‬
‫ن الذى قد اختاره ا ّ‬
‫ن الّدي َ‬
‫وأ ّ‬
‫سهيل بن عمرو إليـه‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪193‬‬

‫ك((؟ قال‪ُ :‬مّرة‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫سُم َ‬
‫ل يحُلبها‪ ،‬فقال‪)) :‬ما ا ْ‬
‫وندب جماعة إلى حلب شاة‪ ،‬فقام رج ٌ‬
‫س((‪َ ،‬فَقاَم آخُر فقال‪)) :‬ما‬
‫جِل ْ‬
‫حْرب‪ ،‬فقال‪)) :‬ا ْ‬
‫ك((؟ قال‪ :‬أظنه َ‬
‫سُم َ‬
‫خُر فقال‪)) :‬ما ا ْ‬
‫س((‪َ ،‬فَقاَم آ َ‬
‫جِل ْ‬
‫))ا ْ‬
‫ش‪َ ،‬فَقال‪)) :‬احُلبها((‪.‬‬
‫ك((؟ فقال‪َ :‬يِعي ُ‬
‫سُم َ‬
‫اْ‬
‫ض غزواته بين‬
‫وكان يكره المِكنَة المنكرَة السماء‪ ،‬ويكره الُعُبوَر فيها‪ ،‬كَما َمّر فى بع ِ‬
‫جْز بينهما‪.‬‬
‫ل عنهما‪ ،‬وَلم َي ُ‬
‫ح وُمخٍز‪ ،‬فعد َ‬
‫ضٌ‬‫جبلين‪ ،‬فسأل عن اسميهما فقالوا‪ :‬فا ِ‬
‫ب والقرابِة‪ ،‬ما بين قوالب‬
‫س ِ‬
‫ت ِمن الرتباط والتنا ُ‬
‫ولما كان بين السماء والمسمّيا ِ‬
‫س بن‬
‫ل ِمن كل منهما إلى الخر‪ ،‬كما كان إيا ُ‬
‫عَبَر الَعْق ُ‬
‫ح والجساِم‪َ ،‬‬
‫ن الروا ِ‬
‫الشياِء وحقاِئقها‪ ،‬وما بي َ‬
‫ضّد هذا‬
‫ت‪ ،‬فل يكاد ُيخطىُء‪ ،‬و ِ‬
‫ت وَكْي َ‬
‫ن اسُمه َكْي َ‬
‫ل‪ :‬ينبغى أن يكو َ‬
‫ص‪ ،‬فيقو ُ‬
‫معاوية وغيُره يرى الشخ َ‬
‫جْمَرُة‪،‬‬
‫ل عن اسمه‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫ل عنه رج ً‬
‫العبور من السم إلى مسماه‪ ،‬كما سأل عمر بن الخطاب رضى ا ّ‬
‫حَرَقِة‪ ،‬قال‪ :‬فمنزُلك؟ قال‪ِ :‬بحّرة الّنار‪ ،‬قال‪ :‬فأي َ‬
‫ن‬ ‫ن ال ُ‬
‫ب‪ ،‬قال‪ِ :‬مّمن؟ قال‪ِ :‬م َ‬
‫شَها ٌ‬
‫فقال‪ :‬واسُم أبيك؟ قال‪ِ :‬‬
‫ب فقد احترق مسكنك‪ ،‬فذهب فوجد المَر كذلك‪َ ،‬فَعَبَر عمر من‬
‫ظى‪ .‬قال‪ :‬اذَه ْ‬
‫ت َل َ‬
‫ك؟ قال‪ِ :‬بَذا ِ‬
‫مسكُن َ‬
‫سهيل إلى سهولة أمرهم‬
‫عَبَر النبى صلى ال عليه وسلم من اسم ُ‬
‫اللفاظ إلى أرواحها ومعانيها‪ ،‬كما َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم ُأّمته بتحسين أسمائهم‪ ،‬وأخبر أنهم‬
‫حديبية‪ ،‬فكان المُر كذلك‪ ،‬وقد أمر النب ّ‬
‫َيْوم ال ُ‬
‫ل أعلم ‪ -‬تنبيٌه على تحسين الفعال المناسبة لتحسين السماء‪،‬‬
‫ن يوَم الِقَياَمِة بها‪ ،‬وفى هذا ‪ -‬وا ّ‬
‫عْو َ‬
‫ُيد َ‬
‫ب له‪.‬‬
‫س ِ‬
‫ف المنا ِ‬
‫ن‪ ،‬والوص ِ‬
‫لتكون الدعوة على رؤوس الشهاد بالسم الحس ِ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم ِمن وصفه اسمان مطابقان لمعناه‪ ،‬وهما أحمد‬
‫ق للنب ّ‬
‫وتأمل كيف اشُت ّ‬
‫ومحّمد‪ ،‬فهو لكثرة ما فيه من الصفات المحمودة محّمد‪ ،‬وِلشرفها وفضلها على صفات غيره أحمد‪،‬‬
‫ل عليه وسلم لبى الحكم بن هشام‬
‫ح بالجسد‪ ،‬وكذلك تكنيُته صلى ا ّ‬
‫ط الرو ِ‬
‫فارتبط السُم بالمسمى ارتبا َ‬
‫ل لعبد‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ق بهذه الُكنية‪ ،‬وكذِلك تكنيُة ا ّ‬
‫خْل ِ‬
‫ق ال َ‬
‫بأبى جهل كنية مطابقة لوصفه ومعناه‪ ،‬وهو أح ّ‬
‫ق‪ ،‬وهو بها أح ّ‬
‫ق‬ ‫ق به وأوف َ‬
‫ت لهب‪ ،‬كانت هذه الُكنية ألي َ‬
‫الُعّزى بأبى لهب‪ ،‬لما كان مصيره إلى نار ذا ِ‬
‫ق‪.‬‬
‫وأخل ُ‬
‫ب ل ُتعرف بغير هذا السم‪،‬‬
‫ى صلى ال عليه وسلم المدينة‪ ،‬واسمها َيْثِر ُ‬
‫ولما َقِدَم النب ّ‬
‫طيب‪ ،‬استحقت‬
‫طيبة من ال ّ‬
‫غّيره بـ ))طيبة(( لـّما زال عنها ما فى لفظ يثِرب من التثريب بما فى معنى َ‬
‫طيبَا إلى طيبها‪.‬‬
‫طيُبها فى استحقاق السم‪ ،‬وزادها ِ‬
‫هذا السم‪ ،‬وازدادت به طيبًا آخر‪ ،‬فأّثر ِ‬
‫‪194‬‬

‫ن يقتضى مسّماه‪ ،‬ويستدعيه من قرب‪ ،‬قال النبى صلى ال‬


‫ولما كان السُم الحس ُ‬
‫سَمُكم‬
‫نا ْ‬
‫سَ‬
‫حّ‬
‫ل قَْد َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ل‪ ،‬إ ّ‬
‫عْبد ا ِّ‬
‫ل وتوحيده‪َ)) :‬ياَبنى َ‬
‫عليه وسلم لبعض قبائل العرب وهو يدعوهم إلى ا ّ‬
‫ل بحسن اسم أبيهم‪ ،‬وبما فيه من المعنى المقتضى‬
‫سَم َأِبيُكم(( فانظر كيف دعاهم إلى عبودية ا ّ‬
‫وا ْ‬
‫للدعوة‪ ،‬وتأمل أسماَء الستة المتباِرزين يوَم بدر كيف اقتضى الَقَدُر مطابقة أسمائهم لحوالهم يومئذ‪،‬‬
‫عتبَة‪ ،‬والوليَد‪ ،‬ثلثة أسماء من الضعف‪ ،‬فالوليُد له بداية الضعف‪ ،‬وشيبة له نهاية‬
‫فكان الكفاُر‪ :‬شيبة‪ ،‬و ُ‬
‫جَعلَ ِمن َبْعِد ُقّوٍة‬
‫ف ُقّوًة ُثّم َ‬
‫ضْع ٍ‬
‫ل ِمن َبْعِد َ‬
‫جَع َ‬
‫ف ُثّم َ‬
‫ضْع ٍ‬
‫خَلَقُكم ّمن َ‬
‫ل اّلِذى َ‬
‫الضعف‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬ا ُّ‬
‫ف يناُلهم‪،‬‬
‫ضْع ٍ‬
‫ل بهم‪ ،‬و َ‬
‫حّ‬‫ب َي ِ‬
‫عْتبة من العتب‪ ،‬فدلت أسماؤهم على عت ٍ‬
‫ضْعفًا َوشَْيَبًة{ ]الروم‪ [54 :‬و ُ‬
‫َ‬
‫ل عنهم‪ ،‬ثلثة أسماء ُتناسب أوصافهم‪،‬‬
‫ى‪ ،‬وعبيدُة‪ ،‬والحاِرث‪ ،‬رضى ا ّ‬
‫وكان أقرانهم من المسلمين‪ :‬عل ٌ‬
‫وهى العلو‪ ،‬والعبودية‪ ،‬والسعى الذى هو الحرث فَعَلْوا عليهم بعبوديتهم وسعيهم فى حرث الخرة‪،‬‬
‫ب الوصاف‬
‫ل ما اقتضى أح ّ‬
‫ب السماِء إلى ا ِّ‬
‫ولما كان السم مقتضيًا لمسماه‪ ،‬ومؤّثرًا فيه‪ ،‬كان أح ّ‬
‫ب إليه من‬
‫ل‪ ،‬وعبِد الرحمن‪ ،‬وكان إضافُة العبودية إلى اسم ال‪ ،‬واسم الرحمن‪ ،‬أح ّ‬
‫إليه‪ ،‬كعبِد ا ّ‬
‫ب إليه من‬
‫ل أح ّ‬
‫ب إليه من عبد القادر‪ ،‬وعبُد ا ِّ‬
‫إضافتها إلى غيرهما‪ ،‬كالقاهر‪ ،‬والقادر‪ ،‬فعبُد الرحمن أح ّ‬
‫ق الذى بين ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ل إنما هو العبوديُة المحضة‪ ،‬والتعّل ُ‬
‫عْبِد رّبه‪ ،‬وهذا لن التعلق الذى بين العبد وبين ا ّ‬
‫َ‬
‫ل وجوده‪ ،‬والغايُة التى أوجده لجلها أن يتأّله‬
‫ن العبد بالرحمة المحضة‪ ،‬فبرحمته كان وجوُده وكما ُ‬
‫وبي َ‬
‫ل من معنى‬
‫ل وقد عبده لما فى اسم ا ّ‬
‫عْبدًا ِّ‬
‫ل وتعظيمًا‪ ،‬فيكون َ‬
‫له وحده محبًة وخوفًا‪ ،‬ورجاءًا وإجل ً‬
‫ب إليه من الغضب‪،‬‬
‫ضبه وكانت الرحمُة أح ّ‬
‫ل أن تكون لغيره‪ ،‬ولما غلبت رحمُته غ َ‬
‫اللهية التى يستحي ُ‬
‫ب إليه من عبد القاهر‪.‬‬
‫كان عبُد الرحمن أح ّ‬
‫فصل‬
‫فى المحظور من السماء‬
‫ل عبد متحركًا بالرادة‪ ،‬والهّم مبدُأ الرادة‪ ،‬ويترتب على إرادته حركُته وكسُبه‪،‬‬
‫ولما كان ك ّ‬
‫ك مسماهما عن حقيقة معناهما‪ ،‬ولما كان الُمْل ُ‬
‫ك‬ ‫ق السماء اسُم هّمام واسُم حارث‪ ،‬إذ ل ينف ّ‬
‫كان أصد َ‬
‫ضبه له سُم ))شاهان‬
‫ل‪ ،‬وأغ َ‬
‫ضعه عند ا ّ‬
‫ل وحده‪ ،‬ول ملك على الحقيقة سواه‪ ،‬كان أخنع اسم وأو َ‬
‫ق ِّ‬
‫الح ّ‬
‫ل‪ ،‬فتسميُة غيره بهذا من أبطل‬
‫ن السلطين‪ ،‬فإن ذلك ليس لحد غير ا ّ‬
‫ك الملوك‪ ،‬وسلطا ُ‬
‫شاه(( أى‪ :‬مل ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫ل ل ُيحب الباط َ‬
‫الباطل‪ ،‬وا ّ‬
‫‪195‬‬

‫ق بعض أهل العلم بهذا‪)) :‬قاضى القضاة(( وقال‪ :‬ليس قاضى القضاة إل َمن يقضى‬
‫وقد ألح َ‬
‫ق وهو خيُر الفاصلين‪ ،‬الذى إذا قضى أمرًا فإنما يقول له‪ :‬كن فيكون‪.‬‬
‫الح ّ‬
‫ويلى هذا السم فى الكراهة والقبح والكذب‪ :‬سّيُد الناس‪ ،‬وسّيُد الكل‪ ،‬وليس ذلك إل لرسول ا ّ‬
‫ل‬
‫ط أن‬
‫خَر(( فل يجوز لحد ق ّ‬
‫ل َف ْ‬
‫سّيُد َوَلِد آَدَم َيْوَم الِقَياَمِة َو َ‬
‫صلى ال عليه وسلم خاصة‪ ،‬كما قال‪)) :‬أَنا َ‬
‫يقول عن غيره‪ :‬إّنه سّيُد الناس وسّيُد الكل‪ ،‬كما ل يجوز أن يقول‪ :‬إّنه سّيد ولِد آدم‪.‬‬
‫فصل‬
‫ح السماء حربًا‬
‫حها عندها‪ ،‬كان أقب ُ‬
‫ب والُمّرة أكَره شئ للنفوس وأقَب َ‬
‫ولما كان مسمى الحر ِ‬
‫حْزن‪ ،‬وما أشبههما‪ ،‬وما أجدَر هذه السماء بتأثيرها فى مسمياتها‪،‬‬
‫وُمّرة‪ ،‬وعلى قياس هذا حنظلة و َ‬
‫ل بيته‪.‬‬
‫حْزن(( الحزونة فى سعيد بن المسّيب وأه ِ‬
‫كما أّثر اسم )) َ‬
‫فصل‬
‫فى ندبه صلى ال عليه وسلم ُأّمته إلى التسمى بأسماء النبياء‬
‫ح العمال‪ ،‬كانت‬
‫صّ‬‫ف الخلق‪ ،‬وأعماُلهم َأ َ‬
‫ت بنى آدم‪ ،‬وأخلُقهم أشر َ‬
‫ولما كان النبياُء سادا ِ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم ُأّمته إلى التسمى بأسمائهم‪ ،‬كما فى سنن أبى‬
‫ف السماء‪ ،‬فندب النب ّ‬
‫أسماؤهم أشر َ‬
‫سَماِء الْنِبَياِء(( ولو لم يكن فى ذلك من المصالح إل أن السَم ُيَذّكُر‬
‫سّمْوا بَأ ْ‬
‫داود والنسائى عنه‪َ)) :‬ت َ‬
‫ق بمعناه‪ ،‬لكفى به مصلحًة مع ما فى ذلك من حفظ أسماء النبياء وِذكرها‪ ،‬وأن‬
‫بمسّماه‪ ،‬ويقتضى التعّل َ‬
‫ل ُتنسى‪ ،‬وأن ُتذّكر أسماُؤهم بأوصافهم وأحوالهم‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى النهى عن التسمية ببعض السماء‬
‫ح ونجيح ورباح‪ ،‬فهذا لمعنى آخر قد أشار إليه فى‬
‫وأما النهى عن تسمية الغلم بـ‪ :‬يسار وأفل َ‬
‫ل أعلم ‪ -‬هل هذه الزيادة من تمام الحديث‬
‫ت هو؟ فُيقال‪ :‬ل(( ‪ -‬وا ّ‬
‫ل‪َ :‬أَثّم َ‬
‫الحديث‪ ،‬وهو قوله‪)) :‬فإنك تقو ُ‬
‫المرفوع‪ ،‬أو مدرجٌة من قول الصحابى‪ ،‬وبكل حال فإن هذه السماء لما كانت قد ُتوجب تطّيرًا تكَرهه‬
‫صّدها عما هى بصدده‪ ،‬كما إذا قلت لرجل‪ :‬أعندك َيسار‪ ،‬أو َرَباح‪ ،‬أو أفَلح؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫النفوس‪ ،‬وَي ُ‬
‫ل َمن تطّير إل ووقعت به‬
‫طَيرُة ل سيما على المتطّيرين‪ ،‬فق ّ‬
‫ت وهو ِمن ذلك‪ ،‬وقد تقع ال ّ‬
‫تطّيرت أْن َ‬
‫طيَرُته‪ ،‬وأصابه طائُره‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫ِ‬
‫‪196‬‬

‫طّيٍر َفُهو الّثُبوُر‬


‫عَلى ُمَت َ‬
‫َ‬ ‫طْيَر إ ّ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬
‫َتَعّلْم أّنه َ‬
‫ب ُتوجب لهم سما َ‬
‫ع‬ ‫اقتضت حكمُة الشارع‪ ،‬الرءوف بُأّمته‪ ،‬الرحيِم بهم‪ ،‬أن يمنَعهم من أسبا ٍ‬
‫ل المقصوَد من غير مفسدة‪ ،‬هذا أولى‪ ،‬مع ما‬
‫صُ‬‫ح ّ‬
‫عه‪ ،‬وأن يعدل عنها إلى أسماء ُت َ‬
‫المكروه أو وقو َ‬
‫ينضاف إلى ذلك من تعليق ضد السم عليه‪ ،‬بأن ُيسمى يسارًا َمن هو ِمن أعسر الناس‪ ،‬ونجيحًا َمن ل‬
‫ل‪ ،‬وأمر آخر أيضًا‬
‫نجاح عنده‪ ،‬وَرَباحًا َمن هو من الخاسرين‪ ،‬فيكون قد وقع فى الكذب عليه وعلى ا ّ‬
‫وهو أن ُيطاَلب المسّمى بمقتضى اسمه‪ ،‬فل ُيوجد عنده‪ ،‬فيجعل ذلك سببًا لذّمة وسّبه‪ ،‬كما قيل‪:‬‬
‫سـَداِد‬
‫ك ِمنْ َ‬
‫لِ َما ِفي َ‬
‫وا ّ‬ ‫سِديــدًا‬
‫جْهِلِهم َ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫سّمْو َ‬
‫َ‬
‫سـاِد‬
‫ن والَف َ‬
‫عاَلِم الَكْو ِ‬
‫ِفى َ‬ ‫سادًا‬
‫ت اّلـِذى َكــْوُنه َف َ‬
‫أن َ‬
‫فتوصل الشاعر بهذا السم إلى ذم المسّمى به‪ ،‬ولى من أبيات‪:‬‬
‫ساِئرًا‬
‫سِمِه فى الَوَرى َ‬
‫ضّد ا ْ‬
‫ِب ِ‬ ‫غَتـَدى‬
‫حًا فا ْ‬
‫صاِل َ‬
‫سّمْيـتُـه َ‬
‫وَ‬
‫شــاِهرًا‬
‫صاِفِه َفَغـَدا َ‬
‫لْو َ‬ ‫ساِتــٌر‬
‫سَمُه َ‬
‫نا ْ‬
‫ن بأ ّ‬
‫ظــ ّ‬
‫َو َ‬
‫جبًا لسقوط مرتبة الممدوح عند الناس‪ ،‬فإنه ُيمدح بما‬
‫وهذا كما أن من المدح ما يكون ذمًا ومو ِ‬
‫ب َذّما‪ ،‬ولو ُتِركَ بغير مدح‪،‬‬
‫ح به‪ ،‬وتظّنه عنده‪ ،‬فل تجدُه كذلك‪ ،‬فتنقِل ُ‬
‫س بما ُمِد َ‬
‫ليس فيه‪ ،‬فُتطالبه النفو ُ‬
‫ص مرتبُته‬
‫ل عنها‪ ،‬فإنه َتْنُق ُ‬
‫عِز َ‬
‫صلْ له هذه المفسدة‪ ،‬وُيشبه حاله حال َمن ولى ِولية سيئة‪ ،‬ثم ُ‬
‫لم تح ُ‬
‫ص فى نفوس الناس عما كان عليه قبلها‪ ،‬وفى هذا قال القائل‪:‬‬
‫عما كان عليه قبل الولية‪ ،‬وينُق ُ‬
‫صـِد‬
‫صِفِه َواْق ِ‬
‫ل فى َو ْ‬
‫ل َتْغ ُ‬
‫َف َ‬ ‫ت اْمَرَءًا لْمر ٍ‬
‫ئ‬ ‫صْف َ‬
‫إَذا َما َو َ‬
‫لْبعَِد‬
‫ن فـيِه إلـى الَمِد ا َ‬
‫ُ‬ ‫ظُنو‬
‫ل ال ّ‬
‫ل َتْغ ُ‬
‫ن َتْغ ُ‬
‫ك إْ‬
‫َفإَّْن َ‬
‫شَهِد‬
‫ن المَ ْ‬
‫عِ‬‫ب َ‬
‫ل الَمـِغي ِ‬
‫ضِ‬‫ِلَف ْ‬ ‫ظْمَته‬
‫عّ‬‫ث َ‬
‫حْي ُ‬
‫ن َ‬
‫ص ِم ْ‬
‫َفَيْنُقـ ُ‬
‫ن المسمى واعتقاُده فى نفسه أنه كذلك‪ ،‬فيقُع فى تزكية نفسه وتعظيمها‬
‫وأمر آخر‪ :‬وهو ظ ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم لجله أن ُتسمى ))َبّرة((‬
‫وترّفِعَها على غيره‪ ،‬وهذا هو المعنى الذى نهى النب ّ‬
‫ل الِبّر ِمْنُكم((‪.‬‬
‫عَلُم ِبَأْه ِ‬
‫لأ ْ‬
‫سُكم‪ ،‬ا ّ‬
‫وقال‪)) :‬ل ُتَزّكوا أْنُف َ‬
‫وعلى هذا فُتكره التسمية بـ‪ :‬الّتقى‪ ،‬والمّتقى‪ ،‬والُمطيِع‪ ،‬والطائع‪ ،‬والراضى‪ ،‬والُمحسن‪،‬‬
‫ن منه‪ ،‬ول ُدعاُؤُهم‬
‫والمخِلص‪ ،‬والمنيب‪ ،‬والرشيِد‪ ،‬والسديد‪ .‬وأما تسميُة الكفار بذلك‪ ،‬فل يجوز التمكي ُ‬
‫ضب ِمن تسميتهم بذلك‪.‬‬
‫ل يغ َ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ئ من هذه السماء‪ ،‬ول الخباُر عنهم بها‪ ،‬وا ّ‬
‫بش ٍ‬
‫‪197‬‬

‫فصل‬
‫فى الُكَنى‬
‫ع تكريم ِللَمْكّنى وتنويٌه به كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وأما الُكْنية فهى نو ُ‬
‫سْوَءُة الّلَق ُ‬
‫ب‬ ‫ل ُأِلّقُبُه َوال ّ‬
‫َو َ‬ ‫لْكِرَمه‬
‫ن ُأَناِديِه ُ‬
‫َأْكِنيِه حي َ‬
‫ل عنه بأبى تراب إلى‬
‫صهيبًا بأبى يحيى‪ ،‬وًَكّنى عليًا رضى ا ّ‬
‫وكّنى النبى صلى ال عليه وسلم ُ‬
‫س بن مالك وكان صغيرًا دون البلوغ بأبى‬
‫ب كنيته إليه‪ ،‬وكّنى أخا أن ِ‬
‫كنيته بأبى الحسن‪ ،‬وكانت أح ّ‬
‫عمير‪.‬‬
‫ُ‬
‫ل عليه وسلم تكنيَة َمن له ولد‪ ،‬وَمن ل ولد له‪ ،‬ولم يثُبت عنه أنه نهى‬
‫وكان َهْدُيه صلى ا ّ‬
‫ل َتَكّنْوا ِبُكْنيِتى(( فاختلف النا ُ‬
‫س‬ ‫سِمى َو َ‬
‫عن ُكنية إل الكنية بأبى القاسم‪ ،‬فصح عنه أنه قال‪)) :‬تسّمْوا ِبا ْ‬
‫فى ذلك على أربعة أقوال‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه ل يجوُز الّتَكّنى بُكنيته مطلقًا‪ ،‬سواء أفردها عن اسمه‪ ،‬أو قرنها به‪ ،‬وسواء محياه‬
‫وبعَد مماته‪ ،‬وعمدُتهم عموُم هذا الحديث الصحيح وإطلُقه‪ ،‬وحكى البيهقى ذلك عن الشافعى‪ ،‬قالوا‪:‬‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬وقد أشار إلى ذلك‬
‫ن معنى هذه الُكنية والتسمية مختصٌة به صلى ا ّ‬
‫لّ‬‫لن النهى إنما كان َ‬
‫ت(( قالوا‪ :‬ومعلوم أن هذه‬
‫ث ُأِمْر ُ‬
‫حْي ُ‬
‫سٌم‪َ ،‬أضَُع َ‬
‫حدًا‪َ ،‬وإّنَما أَنا َقا ِ‬
‫ل َأْمَنُع أ َ‬
‫حدًا‪َ ،‬و َ‬
‫طى َأ َ‬
‫عِ‬‫ل ُأ ْ‬
‫ل َ‬
‫بقوله‪)) :‬وا ِّ‬
‫الصفة ليست على الكمال لغيره‪ ،‬واختلف هؤلء فى جواز تسمية المولود بقاسم‪ ،‬فأجازه طائفة‪ ،‬ومنعه‬
‫ص به من‬
‫ن الِعّلة عدُم مشاركة النبى صلى ال عليه وسلم فيما اخت ّ‬
‫آخرون‪ ،‬والمجيزون نظروا إلى أ ّ‬
‫الُكنية‪ ،‬وهذا غيُر موجود فى السم‪ ،‬والمانعون نظروا إلى أن المعنى الذى نهى عنه فى الُكنية موجود‬
‫مثله هنا فى السم سواء‪ ،‬أو هو أولى بالمنع‪ ،‬قالوا‪ :‬وفى قوله‪)) :‬إنما أنا قاسم(( إشعار بهذا‬
‫الختصاص‪.‬‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫القول الثانى‪ :‬أن النهى إنما هو عن الجمع بين اسمه وُكنيته‪ ،‬فإذا ُأِفرد أحُدهما عن الخر‪،‬‬ ‫@‬
‫فل بأس‪ .‬قال أبو داود‪ :‬باب َمن رأى أن ل يجمع بينهما‪ ،‬ثم ذكر حديث أبى الزبير عن جابر أن النبى‬
‫ن بُكنيتى‪ ،‬وَمن تكّنى بُكنيتى فل يتسَّم باسمى((‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪َ)) :‬من تسّمى باسمى فل َيَتَك ّ‬
‫ورواه الترمذى وقال‪ :‬حديث حسن غريب‪ ،‬وقد رواه الترمذى أيضًا من حديث محمد ابن عجلن عن‬
‫‪198‬‬

‫حٌد‬
‫جَمَع أ َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أن َي ْ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫أبيه عن أبى هريرة وقال‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬ولفظه‪َ :‬نَهى َر ُ‬
‫سر لما فى‬
‫ب هذا القول‪ :‬فهذا مقّيد مف ّ‬
‫ن اسِمِه وُكنيته‪ ،‬وُيسّمى ُمحَمدًا أبا القاسم‪ .‬قال أصحا ُ‬
‫َبْي َ‬
‫))الصحيحين(( من نهيه عن التكنى بُكنيته‪ ،‬قالوا‪ :‬ولن فى الجمع بينهما مشاركًة فى الختصاص‬
‫بالسم والُكنية‪ ،‬فإذا ُأْفِرَد أحُدهما عن الخر‪ ،‬زال الختصاص‪.‬‬
‫ب هذا القول بما رواه‬
‫ج أصحا ُ‬
‫ل عن مالك‪ ،‬واحت ّ‬
‫القول الثالث‪ :‬جواُز الجمع بينهما وهو المنقو ُ‬
‫ل؛‬
‫لا ّ‬
‫ل عنه قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسو َ‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫أبو داود‪ ،‬والترمذى من حديث محمد ابن الحنفية‪ ،‬عن عل ّ‬
‫ك؟ قال‪)) :‬نعم(( قال الترمذى‪ :‬حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫ك َوَأْكِنيِة ِبُكْنَيِت َ‬
‫سِم َ‬
‫سّميِه ِبا ْ‬
‫ك ُأ َ‬
‫ن َبْعِد َ‬
‫ن ُوِلَد لى َوَلٌد ِم ْ‬
‫إْ‬
‫وفى سنن أبى داود عن عائشة قالت‪ :‬جاءت امرأة‪ ،‬إلى النبى صلى ال عليه وسلم فقالت‪ :‬يا‬
‫غلمًا فسميُته محمدًا وكًّنيته أبا القاسم‪ ،‬فُذِكَر لى أنك تكره ذلك؟ فقال‪)) :‬ما‬
‫ت ُ‬
‫ل ؛ إنى َوَلْد ُ‬
‫لا ّ‬
‫سو َ‬
‫َر ُ‬
‫سِمى((؟ قال هؤلء‪ :‬وأحاديث المنع‬
‫لا ْ‬
‫حّ‬‫حّرَم ُكْنَيِتى َوَأ َ‬
‫حّرَم ُكْنَيِتى((‪ ،‬أو ))َما اّلِذى َ‬
‫سِمى َو َ‬
‫لا ْ‬
‫حّ‬‫اّلذى أ َ‬
‫منسوخة بهذين الحديثين‪.‬‬
‫القول الرابع‪ :‬أن التكنى بأبى القاسم كان ممنوعًا منه فى حياة النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬وهو‬
‫ب الّنهى إّنما كان مختصًا بحياته‪ ،‬فإنه قد ثبت فى ))الصحيح(( من حديث‬
‫جائز بعد وفاته‪ ،‬قالوا‪ :‬وسب ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم فقال‪ :‬يا رسو َ‬
‫ل‬ ‫لا ّ‬
‫ت إليه رسو ُ‬
‫أنس قال‪ :‬نادى رجل بالَبقيع‪ :‬يا أبا القاسم‪ ،‬فالتف َ‬
‫سِمى َول َتكّنوا‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬تسّمْوا با ْ‬
‫ت فلنًا‪ ،‬فقال رسول ا ّ‬
‫ك‪ ،‬إنما دعو ُ‬
‫عِن َ‬
‫ل إنى َلْم َأ ْ‬
‫ا ّ‬
‫ن بعدك َوَلٌد‪ ،‬ولم يسأله عمن يولد له‬
‫ى فيه إشارة إلى ذلك بقوله‪ :‬إن ُوِلَد ِم ْ‬
‫ث عل ّ‬
‫بُكنيتى(( قالوا‪ :‬وحدي ُ‬
‫ل عنه فى هذا الحديث‪)) :،‬وكانت رخصة لى(( وقد شّذ َمن ل ُيؤَبه‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫فى حياته‪ ،‬ولكن قال عل ّ‬
‫ل عليه وسلم قياسًا على النهى عن التّكنى بُكنيته‪ ،‬والصواب أن‬
‫لقوله‪ ،‬فمنع التسمية باسمه صلى ا ّ‬
‫التسمى باسمه جائز‪ ،‬والتكنى بُكنيته ممنوع منه‪ ،‬والمنع فى حياته أشّد‪ ،‬والجمُع بينهما ممنوع منه‪،‬‬
‫ل عنه فى صحته‬
‫ى رضى ا ّ‬
‫ث عائشة غريب ل ُيعاَرض بمثله الحديث الصحيح‪ ،‬وحديث عل ّ‬
‫وحدي ُ‬
‫ى‪ :‬إنها رخصة له‪ ،‬وهذا يدل على بقاء‬
‫نظر‪ ،‬والترمذى فيه نوع تساهل فى التصحيح‪ ،‬وقد قال عل ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫المنع لمن سواه‪ ،‬وا ّ‬
‫فصل‬
‫‪199‬‬

‫خَلف الكنيَة بأبى عيسى‪ ،‬وأجازها آخرون‪ ،‬فروى أبو داود عن زيد‬
‫سَلف وال َ‬
‫وقد كره قوٌم من ال َ‬
‫ن شعبة تكّنى بأبى عيسى‪،‬‬
‫ن الخطاب ضرب ابنًا له ُيكنى أبا عيسى‪ ،‬وأن المغيرَة ب َ‬
‫عَمَر ب َ‬
‫بن أسلم أن ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كّنانى‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو َ‬
‫ل؟ فقال‪ :‬إ ّ‬
‫فقال له عمر‪ :‬أما يكفيك أن ُتْكَنى بأبى عبد ا ّ‬
‫ل حتى‬
‫جِتَنا فلم َيَزل ُيكّنى بأبى عبد ا ّ‬
‫جْل َ‬
‫ن َذْنِبِه وما تأخر‪ ،‬وإّنا لفى َ‬
‫غِفَر له ما َتَقّدَم ِم ْ‬
‫ل َقد ُ‬
‫لا ّ‬
‫إن رسو َ‬
‫ك‪.‬‬
‫َهَل َ‬
‫ل‪ ،‬وكان لنسائه أيضًا ُكَنى كُأّم حبيبة‪ ،‬وُأّم سلمة‪.‬‬
‫عْبِد ا ّ‬
‫وقد كّنى عائشة بُأّم َ‬
‫فصل‬
‫فى النهى عن تسمية العنب َكْرمًا‬
‫ن((‬
‫ب الُمؤِم ِ‬
‫ب َكْرمًا وقال‪)) :‬الَكْرُم َقْل ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم عن تسمية الِعَن ِ‬
‫لا ّ‬
‫ونهى رسو ُ‬
‫ق لذلك‬
‫حّ‬‫ب المؤمن هو المست ِ‬
‫ل على كثرة الخير والمنافع فى المسّمى بها‪ ،‬وقل ُ‬
‫وهذا لن هذه اللفظَة َتُد ّ‬
‫ص شجرة الِعنب بهذا السم‪ ،‬وأن قلب المؤمن‬
‫ى عن تخصي ِ‬
‫دون شجرة الِعَنب‪ ،‬ولكن‪ :‬هل المراُد النه ُ‬
‫س((؟ أو‬
‫أولى به منه‪ ،‬فل ُيمنع من تسميته بالَكْرم كما قال فى ))الِمسكين(( و ))الّرُقوب(( و ))الُمفِل ِ‬
‫ن تسميته بهذا مع اتخاذ الخمِر المحّرم منه وصف بالكرم والخير والمنافع لصل هذا الشراب‬
‫المراُد أ ّ‬
‫ل أعلم بمراد‬
‫ج النفوس إليه؟ هذا محتمل‪ ،‬وا ّ‬
‫ل وتهيي ِ‬
‫ث المحّرِم‪ ،‬وذلك ذريعٌة إلى مدح ما حّرم ا ّ‬
‫الخبي ِ‬
‫رسوله صلى ال عليه وسلم‪ ،‬والولى أن ل ُيسمى شجُر العنب َكْرمًا‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى كراهة تسمية الِعشاء بالعتمة‬
‫شاُء‪َ ،‬وإّنُهْم‬
‫ل َوإّنَها الِع َ‬
‫صلِتُكم‪َ ،‬أ َ‬
‫عَلى اسم َ‬
‫ب َ‬
‫عَرا ُ‬
‫ل عليه وسلم‪)) :‬ل َتْغِلَبّنُكُم ال ْ‬
‫قال صلى ا ّ‬
‫حْبوًا(( فقيل‪:‬‬
‫لَتْوُهَما َوَلو َ‬
‫ح‪َ ،‬‬
‫صْب ِ‬
‫ن َما ِفى الَعَتَمِة وال ّ‬
‫سّموَنَها الَعَتَمَة((‪ ،‬وصح عنه أنه قال‪َ)) :‬لْو َيْعَلُمو َ‬
‫ُي َ‬
‫ض بين‬
‫ف القولين‪ ،‬فإن العلم بالتاريخ متعّذر‪ ،‬ول تعاُر َ‬
‫هذا ناسخ للمنع‪ ،‬وقيل بالعكس‪ ،‬والصواب خل ُ‬
‫شاء‪ ،‬وهو السُم‬
‫جَر اسُم الِع َ‬
‫الحديثين‪ ،‬فإنه لم َيْنَه عن إطلق اسم العتمة بالُكّلية‪ ،‬وإنما نهى عن أن ُيْه َ‬
‫شاَء وُأطلق عليها أحيانًا العتمة‪،‬‬
‫سميت الِع َ‬
‫ب عليها اسُم الَعَتَمِة‪ ،‬فإذا ُ‬
‫ل به فى كتابه‪ ،‬وَيْغِل َ‬
‫الذى سّماها ا ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫فل بأس‪ ،‬وا ّ‬
‫‪200‬‬

‫ل عليه وسلم على السماء التى سّمى ال بها العبادات‪ ،‬فل‬


‫وهذا محافظة منه صلى ا ّ‬
‫ُتهجر‪ ،‬ويؤثر عليها غيُرها‪ ،‬كما فعله المتأخرون فى هجران ألفاظ النصوص‪ ،‬وإيثار المصطلحات‬
‫ل به عليم‪ ،‬وهذا كما كان ُيحافظ على تقديم ما‬
‫الحادثة عليها‪ ،‬ونشأ بسبب هذا من الجهل والفساد ما ا ُّ‬
‫ل ِبِه(( وبدأ فى العيد بالصلة‪ .‬ثم‬
‫لُ وتأخيِر ما أخّره‪ ،‬كما بدأ بالصفا‪ ،‬وقال‪َ)) :‬أْبَدأ بَما َبَدأ ا ُّ‬
‫قّدمه ا ّ‬
‫صّ‬
‫ل‬ ‫ل به فى قوله‪َ} :‬ف َ‬
‫ك َلُه(( تقديمًا لما بدأ ا ُّ‬
‫سَ‬
‫ح َقْبَلَها‪َ ،‬فل ُن َ‬
‫ن َذَب َ‬
‫حَر بعدها‪ ،‬وأخبر أن‪َ)) :‬م ْ‬
‫جعل الّن ْ‬
‫حْر{ ]الكوثر‪ [2 :‬وبدأ فى أعضاء الوضوء بالوجه‪ ،‬ثم اليدين‪ ،‬ثم الرأس‪ ،‬ثم الّرجلين‪ ،‬تقديمًا‬
‫ك واْن َ‬
‫ِلَرّب َ‬
‫سطه‪ ،‬وقّدم زكاة الفطر على صلة العيد تقديمًا لما‬
‫خره‪ ،‬وتوسيطًا لما و ّ‬
‫ل‪ ،‬وتأخيرًا لما أ ّ‬
‫لما قّدمه ا ّ‬
‫صّلى{ ]العلى‪ [14-13 :‬ونظائرُه كثيرة‪.‬‬
‫سَم َرّبِه َف َ‬
‫ح َمن َتَزّكى * َوَذَكَر ا ْ‬
‫قّدمه فى قوله‪َ} :‬قْد َأْفَل َ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى حفظ المنطق واختيار اللفاظ‬
‫ن اللَفاظ‪ ،‬وأجملها‪ ،‬وألطفها‪ ،‬وأبَعدها من ألفاظ أه ِ‬
‫ل‬ ‫لمته أحس َ‬
‫خطابه‪ ،‬ويختاُر ُ‬
‫كان يتخّير فى ِ‬
‫ظًا‪.‬‬
‫خابًا ول َف ّ‬
‫صّ‬‫حشًا ول َ‬
‫الجفاء والِغلظة والُفحش‪ ،‬فلم يكن فاحشًا ول متف ّ‬
‫ظ‬
‫سَتعمل اللف ُ‬
‫ن ليس كذلك‪ ،‬وأن ُي ْ‬
‫ق َم ْ‬
‫ن فى ح ّ‬
‫ف المصو ُ‬
‫ظ الشري ُ‬
‫ل اللف ُ‬
‫سَتْعَم َ‬
‫وكان يكرُه أن ُي ْ‬
‫ق َمن ليس ِمن أهله‪.‬‬
‫ن المكروه فى ح ّ‬
‫الَمهي ُ‬
‫طُتْم‬
‫خ ْ‬
‫سَ‬‫سّيدًا َفقَْد َأ ْ‬
‫ك َ‬
‫ني ُ‬
‫فِمن الول منعُه أن ُيقال للمنافق‪)) :‬يا سيدنا(( وقال‪)) :‬فإّنه إ ْ‬
‫حَكم‪ ،‬وكذلك‬
‫ل((‪ ،‬ومنُعه أن ُتسمى شجرُة الِعنب َكْرمًا‪ ،‬ومنُعه تسمية أبى جهل بأبى ال َ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫َرّبُكم َ‬
‫ل هو الحكم‪ ،‬وإليه الحكُم((‪.‬‬
‫نا ّ‬
‫تغييره لسم أبى الحكم من الصحابة‪ :‬بأبى شريح‪ ،‬وقال‪)) :‬إ ّ‬
‫سـّيِد أن يقول لمملوِكِه‪:‬‬
‫وِمن ذلك نهُيه للمملوك أن يقول لسّيده أو لسيدته‪ :‬رّبى َوَرّبِتى‪ ،‬ولل ّ‬
‫ك‪ :‬سّيدى وسّيدتى‪ ،‬وقال لمن اّدعى أنه طبيب‪:‬‬
‫ل المملو ُ‬
‫ى وَفَتاِتى‪ ،‬وَيُقو ُ‬
‫ك‪َ :‬فَتا َ‬
‫ل الماِل ُ‬
‫عْبِدى‪ ،‬وَلِكن َيُقو ُ‬
‫َ‬
‫عْلٌم بشئ من الطبيعة‬
‫خَلَقَها((‪ ،‬والجاِهلون ُيسّمون الكافَر الذى له ِ‬
‫طِبيُبها اّلِذى َ‬
‫ق‪َ ،‬و َ‬
‫ل َرِفي ٌ‬
‫ت رج ٌ‬
‫))أْن َ‬
‫حكيمًا‪ ،‬وهو ِمن أسفه الخلق‪.‬‬
‫غَوى‪:‬‬
‫صِهَما َفَقد َ‬
‫ن َيْع ِ‬
‫شَد‪ ،‬وَم ْ‬
‫سوَله َفَقْد َر َ‬
‫ل َوَر ُ‬
‫ن ُيطع ا َّ‬
‫ومن هذا قوُله للخطيب الذى قال‪َ :‬م ْ‬
‫ت((‪.‬‬
‫ب أْن َ‬
‫طي ُ‬
‫خِ‬‫س ال َ‬
‫))بئ َ‬
‫‪201‬‬

‫ن((‪،‬‬
‫لٌ‬
‫شاَء ُف َ‬
‫ل‪ُ ،‬ثّم َما َ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫ن‪َ ،‬وَلِكن ُقوُلوا‪َ :‬ما َ‬
‫شاَء ُفل ٌ‬
‫لو َ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫ل َتُقوُلوا‪َ :‬ما َ‬
‫ومن ذلك قوُله‪َ )) :‬‬
‫حَدُه((‪.‬‬
‫ل َو ْ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫ل ِنّدًا؟ ُقل‪َ :‬ما َ‬
‫جعْلَتِنى ِّ‬
‫ل‪َ)) :‬أ َ‬
‫ت‪َ ،‬فَقا َ‬
‫شْئ َ‬
‫لو ِ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫وقال له رجل‪ :‬ما َ‬
‫ب ا ِّ‬
‫ل‬ ‫س ِ‬
‫حْ‬
‫ك‪ ،‬وأنا فى َ‬
‫ل َوِب َ‬
‫ل َمن ل يتوّقى الشرك‪ :‬أنا با ِّ‬
‫وفى معنى هذا الشرك المنهى عنه قو ُ‬
‫ل لى فى السماء‬
‫ل وِمنك‪ ،‬وا ُّ‬
‫ل وعليك‪ ،‬وهذا من ا ِّ‬
‫ت‪ ،‬وأنا متوّكل على ا ّ‬
‫ل وأن َ‬
‫ك‪ ،‬وما لى إل ا ُّ‬
‫سِب َ‬
‫حْ‬‫وَ‬
‫ق ِنّدا‬
‫ل وحياِتك‪ ،‬وأمثال هذا من اللفاظ التى يجعل فيها قاِئُلَها المخلو َ‬
‫وأنت لى فى الرض‪ ،‬ووا ِّ‬
‫ل‪،‬‬
‫ل‪ ،‬ثم بك‪ ،‬وما شاء ا ُّ‬
‫ت‪ .‬فأما إذا قال‪ :‬أنا با ِّ‬
‫ل وشئ َ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫للخالق‪ ،‬وهى أشّد منعًا وُقْبحًا من قوله‪ :‬ما َ‬
‫ك((‪ ،‬وكما فى الحديث‬
‫ل ُثّم ِب َ‬
‫ى الَيْوَم إل ِبا ِّ‬
‫غ ِل َ‬
‫لَ‬‫ل َب َ‬
‫ت‪ ،‬فل بأس بذلك‪ ،‬كما فى حديث الثلثة‪َ )) :‬‬
‫ثم شئ َ‬
‫ل ثم شاَء فلن‪.‬‬
‫المتقّدم الذن أن يقال‪ :‬ما شاء ا ُّ‬
‫فصل‬
‫فى النهى عن سب الدهر‬
‫ل عليه‬
‫ل نهيه صلى ا ّ‬
‫ظ الذّم على َمن ليس ِمن أهلها‪ ،‬فمث ُ‬
‫سُم الثانى وهو أن ُتطلق ألفا ُ‬
‫وأما الِق ْ‬
‫ن‬
‫ل‪ُ :‬يْؤِذينى اْب ُ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل ُهَو الّدْهُر((‪ ،‬وفى حديث آخر‪َ)) :‬يُقو ُ‬
‫ن ا َّ‬
‫ب الدهِر‪ ،‬وقال‪)) :‬إ ّ‬
‫وسلم عن س ّ‬
‫حُدُكم‪ :‬يا‬
‫نأ َ‬
‫ل والّنَهاَر((‪ ،‬وفى حديث آخر ))ل َيُقوَل ّ‬
‫ب الّلي َ‬
‫لْمُر َأقّل ُ‬
‫ب الّدْهَر‪ ،‬وأنا الّدْهُر‪ِ ،‬بَيِدى ا َ‬
‫س ّ‬
‫آَدَم َفَي ُ‬
‫خْيَبَة الّدْهِر((‪.‬‬
‫َ‬
‫خٌر ِمن‬
‫سّ‬‫ق ُم َ‬
‫خْل ٌ‬
‫سب‪ ،‬فإن الدهَر َ‬
‫ن ليس بأهلٍ أن ُي َ‬
‫سّبه َم ْ‬
‫ث مفاسد عظيمة‪ .‬إحداها‪َ :‬‬
‫فى هذا ثل ُ‬
‫ب منه‪.‬‬
‫ل لتسخيره‪ ،‬فساّبه أولى بالذّم والس ّ‬
‫ل‪ ،‬منقاٌد لمره‪ ،‬مذّل ٌ‬
‫خلق ا ّ‬
‫الثانية‪ :‬أن سّبه متضّمن للشرك‪ ،‬فإنه إنما سّبه لظّنه أنه يضّر وينفع‪ ،‬وأنه مع ذلك ظالم قد ضّر‬
‫ق الّرفعة‪ ،‬وحرم َمن ل‬
‫طاَء‪ ،‬ورفع َمن ل يستح ّ‬
‫ق الع َ‬
‫َمن ل يستحق الضرر‪ ،‬وأعطى َمن ل يستح ّ‬
‫حرمان‪ ،‬وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة‪ ،‬وأشعاُر هؤلء الظلمة الخونة فى سّبه كثيرٌة جدًا‪،‬‬
‫ق ال ِ‬
‫حُ‬‫يست ِ‬
‫حه‪.‬‬
‫جّهال ُيصّرح بلعنه وتقبي ِ‬
‫وكثيٌر من ال ُ‬
‫ق فيها أهواَءهم لفسدتِ‬
‫ب منهم إنما يقُع على َمن فعل هذه الفعال التى لو اّتَبَع الح ّ‬
‫الثالثة‪ :‬أن الس ّ‬
‫ب الدهر‬
‫حِمُدوا الدهَر‪ ،‬وَأْثَنْوا عليه‪ .‬وفى حقيقِة المر‪َ ،‬فر ّ‬
‫ت والرض‪ ،‬وإذا وقعت أهواُؤهم‪َ ،‬‬
‫السماوا ُ‬
‫ل‪ ،‬والدهُر ليس له من المر شئ‪ ،‬فمسّبتهم للدهر‬
‫ض الرافُع‪ ،‬المعّز المِذ ّ‬
‫تعالى هو المعطى الماِنُع‪ ،‬الخاِف ُ‬
‫ب تعاَلى‪ ،‬كما فى ))الصحيحين(( من حديث أبى هريرة‪ ،‬عن‬
‫ل‪ ،‬ولهذا كانت مؤذَيًة للر ّ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫مسّبة ّ‬
‫‪202‬‬

‫ب الّدْهَر وَأَنا الّدْهُر((‪ ،‬فسا ّ‬


‫ب‬ ‫س ّ‬
‫ن آَدَم ؛ َي ُ‬
‫ل َتعاَلى‪ُ :‬يْؤِذينى اْب ُ‬
‫لا ّ‬
‫النبى صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬قا َ‬
‫ك به‪ ،‬فإنه إذا اعتقد أن الدهر فاعل مع‬
‫شر ُ‬
‫ل‪ ،‬أو ال ّ‬
‫الدهر دائر بين أمرين ل بد له من أحدهما‪ .‬إما سّبه ِّ‬
‫ل‪.‬‬
‫با ّ‬
‫ب َمن فعله‪ ،‬فقد س ّ‬
‫ل وحده هو الذى فعل ذلك وهو يس ّ‬
‫ل فهو مشرك‪ ،‬وإن اعتقد أن ا ّ‬
‫ا ّ‬
‫حّتى َيُكو َ‬
‫ن‬ ‫ظُم َ‬
‫ن َفإّنُه َيَتَعا َ‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬
‫س ال ّ‬
‫حُدُكم‪َ :‬تِع َ‬
‫نأ َ‬
‫ل َيُقوَل ّ‬
‫ل عليه وسلم‪َ )) :‬‬
‫ومن هذا قوُله صلى ا ّ‬
‫ب((‪.‬‬
‫ل الّذَبا ِ‬
‫ن ِمْث َ‬
‫حّتى َيُكو َ‬
‫غُر َ‬
‫صا َ‬
‫ل‪َ ،‬فإّنُه َيَت َ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ل‪ :‬ب ْ‬
‫ن ِلَيُق ْ‬
‫عُتُه‪َ ،‬وَلِك ْ‬
‫صَر ْ‬
‫ل‪ِ :‬بُقّوِتى َ‬
‫ت‪َ ،‬فَيُقو ُ‬
‫ل الَبْي ِ‬
‫ِمْث َ‬
‫ن ُمَلّعنًا((‪.‬‬
‫ك َلَتْلَع ُ‬
‫ل‪ :‬إّن َ‬
‫ن َيُقو ُ‬
‫طا َ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ن الَعْبَد إَذا َلَع َ‬
‫وفى حديث آخر‪)) :‬إ ّ‬
‫ل الشيطان‪ ،‬فإن ذلك كله يفرحه ويقول علم‬
‫ل الشيطان‪ ،‬وقّبح ا ُّ‬
‫ل القائل‪ :‬أخزى ا ّ‬
‫ومثل هذا قو ُ‬
‫ابن آدم أنى قد نلته بقوتى ‪ ،‬وذلك مما يعينه على إغوائه ‪ ،‬ول يفيده شيئًا ‪ ،‬فأرشد النبى صلى ال عليه‬
‫وسلم من مسه شىء من الشيطان أن يذكر ال تعالى ‪ ،‬ويذكر اسمه ‪ ،‬ويستعيذ بال منه ‪ ،‬فإن ذلك أنفع‬
‫له ‪ ،‬وأغيظ للشيطان‬
‫فصل‬
‫فى النهى عن قول الرجل‪ :‬خبثت نفسى‬
‫سى((‬
‫ت َنفْ ِ‬
‫س ْ‬
‫ل‪َ :‬لِق َ‬
‫ن ِلَيُق ْ‬
‫سى‪ ،‬وَلِك ْ‬
‫ت َنْف ِ‬
‫خُبَث ْ‬
‫ل الرجل‪َ )) :‬‬
‫ل عليه وسلم أن يقو َ‬
‫ِمن ذلك‪ :‬نهُيه صلى ا ّ‬
‫خبث لما فيه من الُقبح والشَناعة‪،‬‬
‫ظ ال ُ‬
‫خُلُقها‪ ،‬فكره لهم لف َ‬
‫ت نفسى‪ ،‬وساء ُ‬
‫غَث ْ‬
‫ومعناهما واحد‪ :‬أى‪َ :‬‬
‫ل اللفظ المكروه بأحسن منه‪.‬‬
‫وأرشدهم إلى استعمال الحسن‪ ،‬وهجران القبيح‪ ،‬وإبدا ِ‬
‫ت َكَذا‬
‫ت المر‪َ)) :‬لو أّنى َفَعْل ُ‬
‫ل عليه وسلم عن قول القائل بعد فوا ِ‬
‫وِمن ذلك نهيه صلى ا ّ‬
‫ن(( وأرشده إلى ما هو أنفُع له من هذه الكلمة‪ ،‬وهو أن‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ل ال ّ‬
‫عَم َ‬
‫ح َ‬
‫ن ))لو(( َتْفَت ُ‬
‫َوَكَذا(( وقال‪)) :‬إ ّ‬
‫ت كذا وكذا‪ ،‬لم َيُفْتِنى ما فاتنى‪ ،‬أو لم أقع‬
‫ت فعل ُ‬
‫ل(( وذلك لن قوله‪ :‬لو كن ُ‬
‫شاَء َفَع َ‬
‫ل وَما َ‬
‫يقول‪َ)) :‬قّدَر ا ُّ‬
‫ت فيه‪ ،‬كلٌم ل ُيجدى عليه فائدًة البتة‪ ،‬فإنه غيُر مستقِبل لما استدبر من أمره‪ ،‬وغيُر مستِقيل‬
‫فيما وقع ُ‬
‫عْثَرَته بـ ))لو((‪ ،‬وفى ضمن ))لو(( ادعاء أن المر لو كان كما قّدره فى نفسه‪ ،‬لكان غيَر ما قضاه ا ّ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫ل وَقَدِره ومشيئته‪ ،‬فإذا قال‪ :‬لو أنى فعل ُ‬
‫ت‬ ‫ن ما وقع مما يتمّنى خلَفه إنما وقع بقضاء ا ّ‬
‫وقّدَره وشاءه‪ ،‬فإ ّ‬
‫ى ُمحال‪ ،‬فقد تضّمن كلُمه كذبًا وجه ً‬
‫ل‬ ‫ف المقّدر المْقض ّ‬
‫ف ما وقع فهو ُمحال‪ ،‬إذ خل ُ‬
‫كذا‪ ،‬لكان خل َ‬
‫ت ما َقّدر الُّ‬
‫ت كذا‪ ،‬لدفع ُ‬
‫سَلم ِمن معارضته بقوله‪ :‬لو أنى فعل ُ‬
‫سِلَم من التكذيب بالَقَدر‪ ،‬لم َي ْ‬
‫ل‪ ،‬وإن َ‬
‫وُمحا ً‬
‫ى‪.‬‬
‫عل ّ‬
‫‪203‬‬

‫ب التى تمّناها أيضًا ِمن الَقَدر‪ ،‬فهو‬


‫جحٌد له‪ ،‬إذ تلك السبا ُ‬
‫فإن قيل‪ :‬ليس فى هذا رٌد للَقَدر ول َ‬
‫ضه ببعض‪ ،‬كما ُيدفع َقَدُر‬
‫ت لهذا الَقَدر‪ ،‬لندفع به عّنى ذلك الَقَدُر‪ ،‬فإن الَقَدَر ُيدفع بع ُ‬
‫يقول‪ :‬لو وقف ُ‬
‫ض بالدواِء‪ ،‬وقدُر الذنوب بالتوبِة‪ ،‬وقدُر العدّو بالجهاد‪ ،‬فكلهما من الَقَدر‪.‬‬
‫المر ِ‬
‫ل إلى دفعه‪ ،‬وإن‬
‫ع الَقَدر المكروه‪ ،‬وأما إذا وقع‪ ،‬فل سبي َ‬
‫ق‪ ،‬ولكن هذا ينفُع قبل وقو ِ‬
‫قيل‪ :‬هذا ح ّ‬
‫ت فعلته‪ ،‬بل وظيفُته فى هذه‬
‫ل إلى دفعه أو تخفيفه بَقَدر آخر‪ ،‬فهو أولى به من قوله‪ :‬لو كن ُ‬
‫كان له سبي ٌ‬
‫ل فعَله الذى يدفع به أو يخفف أثَر ما وقع‪ ،‬ول يتمّنى ما ل مطمع فى وقوعه‪ ،‬فإنه عجزٌ‬
‫الحالة أن يستقب َ‬
‫ط ا ُّ‬
‫ل‬ ‫س‪ :‬هو مباشرُة السباب التى رب َ‬
‫س‪ ،‬ويأمر به‪ ،‬والَكْي ُ‬
‫ل يلوُم على العجز‪ ،‬وُيحب الَكْي َ‬
‫ض‪ ،‬وا ّ‬
‫مح ٌ‬
‫ح عم َ‬
‫ل‬ ‫ح عمل الخيِر‪ ،‬وأما العجُز‪ ،‬فإنه يفت ُ‬
‫سبباِتها النافعة للعبد فى معاشه ومعاده‪ ،‬فهذه تفت ُ‬
‫بها ُم ّ‬
‫ت َكَذا‪،‬‬
‫ن َكَذا وَكَذا‪ ،‬ولو فعل ُ‬
‫طلة بقوله‪َ :‬لْو َكا َ‬
‫جَز عما ينفُعه‪ ،‬وصار إلى المانى البا ِ‬
‫عَ‬‫الشيطان‪ ،‬فإنه إذا َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم منهما‪،‬‬
‫ُيفتح عليه عمل الشيطان‪ ،‬فإن باَبه العجُز والكسل‪ ،‬ولهذا استعاذ النب ّ‬
‫ل‪،‬‬
‫جا ِ‬
‫غَلَبُة الّر َ‬
‫ن‪ ،‬و َ‬
‫ضَلُع الّدْي ِ‬
‫ل‪َ ،‬و َ‬
‫خُ‬‫ن‪ ،‬والُب ْ‬
‫جْب ُ‬
‫ن‪ ،‬وال ُ‬
‫حَز ُ‬
‫ل شر‪ ،‬ويصدر عنهما الهّم‪ ،‬وال َ‬
‫حكّ‬
‫وهما مفتا ُ‬
‫فمصدُرها ُكلها عن العجز والكسل‪ ،‬وعنوانها ))لو((‪ ،‬فلذلك قال النبى صلى ال عليه وسلم‪)) :‬فإن‬
‫س‪،‬‬
‫س أموال المفالي ِ‬
‫ح عمل الشيطان(( فالمتمّنى ِمن أعجز الناس وأفلسهم‪ ،‬فإن التمنى رأ ُ‬
‫))لو(( تفت ُ‬
‫ل شر‪.‬‬
‫والعجُز مفتاح ُك ّ‬
‫ل الطاعات‪ ،‬وعن‬
‫جز عن أسباب أعما ِ‬
‫وأصل المعاصى ُكلها العجُز‪ ،‬فإن العبَد َيع ِ‬
‫ث الشريف‬
‫السباب التى ُتْبِعُده عن المعاصى‪ ،‬وتحول بينه وبينها‪ ،‬فيقُع فى المعاصى‪ ،‬فجمع هذا الحدي ُ‬
‫ل الشر وفروعه‪ ،‬ومباِدَيه وغاياِته‪ ،‬ومواِرَده ومصادَره‪،‬‬
‫ل عليه وسلم ‪ُ -‬أصو َ‬
‫فى استعاذته ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ن(( وهما‬
‫حَز ِ‬
‫ن الهّم وال َ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ل خصلتين منها قرينتان فقال‪)) :‬أ ُ‬
‫وهو مشتمل على ثمانى خصال‪ُ ،‬ك ّ‬
‫سُم باعتبار سببه إلى قمسين‪ ،‬فإنه إما أن يكون سبُبه أمرًا‬
‫قرينان‪ ،‬فإن المكروه الوارد على القلب ينق ِ‬
‫ن‪ ،‬وإما أن يكون توقع أمر مستقبل‪ ،‬فهو ُيحِدث الهم‪ ،‬وكلهما ِمن العجز‪ ،‬فإن‬
‫حَز َ‬
‫ث ال َ‬
‫ماضيًا‪ ،‬فهو ُيحِد ُ‬
‫ل َوَما‬
‫ما مضى ل ُيدفع بالحزن‪ ،‬بل بالرضى‪ ،‬والحمد‪ ،‬والصبر‪ ،‬واليمان بالَقَدر‪ ،‬وقول العبد‪َ :‬قَدُر ا ِّ‬
‫ل‪ ،‬وما ُيستقبل ل ُيدفع أيضًا بالهّم‪ ،‬بل إما أن يكون له حيلة فى دفعه‪ ،‬فل يعجز عنه‪ ،‬وإما أن ل‬
‫شاَء َفَع َ‬
‫َ‬
‫عدته‪ ،‬ويتأّهب له ُأهبته اللئقة به‪،‬‬
‫س له لباسه‪ ،‬ويأخُذ له ُ‬
‫تكون له حيلة فى دفعه‪ ،‬فل يجزع منه‪ ،‬ويلب ُ‬
‫جّنٍة حصينة من التوحيد‪ ،‬والتوكل‪ ،‬والنطراح بين يدى الرب تعالى والستسلم له والرضى‬
‫نبُ‬
‫جّ‬‫سَت ِ‬
‫وَي ْ‬
‫‪204‬‬

‫ض به ربًا على‬
‫به ربًا فى كل شئ‪ ،‬ول يرضى به ربًا فيما يحب دون ما يكره‪ ،‬فإذا كان هكذا‪ ،‬لم ير َ‬
‫ن العبد البتة‪ ،‬بل مضّرُتهما‬
‫ن ل ينَفَعا ِ‬
‫حَز ُ‬
‫الطلق‪ ،‬فل يرضاه الرب له عبدًا على الطلق‪ ،‬فالهّم وال َ‬
‫ن العبِد وبين الجتهاد فيما‬
‫ب‪ ،‬ويحولن بي َ‬
‫أكثُر من منفعتهما‪ ،‬فإنهما ُيضعفان العزم‪ ،‬وُيوهنان القل َ‬
‫جبانه عن الَعَلِم‬
‫حُ‬
‫ق السير‪ ،‬أو ُينكسانه إلى وراء‪ ،‬أو َيعوَقاِنِه وَيِقَفانه‪ ،‬أو َي ْ‬
‫ينفُعه‪ ،‬ويقطعان عليه طري َ‬
‫حمل ثقيل على ظهر السائر‪ ،‬بل إن عاقه الهّم والحزن‬
‫الذى كّلما رآُه‪ ،‬شّمر إليه‪ ،‬وجّد فى سيره‪ ،‬فهما ِ‬
‫عن شهواته وإراداته التى تضّرُه فى معاشه ومعاده‪ ،‬انتفع به من هذا الوجه‪ ،‬وهذا من حكمة العزيز‬
‫غِة من محبته‪ ،‬وخوفه‪ ،‬ورجائه‪،‬‬
‫ن على القلوب المعرضة عنه‪ ،‬الفار َ‬
‫الحكيم أن سّلط هَذْين الجنَدْي ِ‬
‫س به‪ ،‬والِفرار إليه‪ ،‬والنقطاع إليه‪ ،‬ليرّدَها بما يبتليها به من الهموم‬
‫لن ِ‬
‫والنابة إليه‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬وا ُ‬
‫ن واللم القلبية عن كثير من معاصيها وشهواتها الُمْرِدية‪ ،‬وهذه القلوبُ فى سجن‬
‫والغموِم‪ ،‬والحزا ِ‬
‫ظها من سجن الجحيم فى معادها‪ ،‬ول تزال فى‬
‫من الجحيم فى هذه الدار‪ ،‬وإن أريد بها الخيُر‪ ،‬كان ح ّ‬
‫لنس به‪ ،‬وجعل محبته فى محل‬
‫ل‪ ،‬وا ُ‬
‫هذا السجن حتى تتخّلص إلى فضاء التوحيد‪ ،‬والقبال على ا ّ‬
‫ح به والبتها ُ‬
‫ج‬ ‫حّبه وخوُفه ورجاُؤه والفر ُ‬
‫طر القلب ووساوسه‪ ،‬بحيث يكون ِذْكُره تعالى و ُ‬
‫ب خوا ِ‬
‫دبي ِ‬
‫ب عليه‪ ،‬الذى متى فقده‪ ،‬فقد ُقوَتُه الذى ل ِقوام له إل به‪ ،‬ول‬
‫بذكره‪ ،‬هو المستولى على القلب‪ ،‬الغال َ‬
‫ضه وأفسُدها له إل بذلك‪،‬‬
‫ص القلب من هذه اللم التى هى أعظُم أمرا ِ‬
‫ل إلى خل ِ‬
‫بقاء له بدونه‪ ،‬ول سبي َ‬
‫صل إليه إل هو‪ ،‬ول يأتى بالحسنات إل هو‪ ،‬ول َيصِرف السيئات‬
‫ل وحَده‪ ،‬فإنه ل ُيو ِ‬
‫غ إل با ّ‬
‫ول بل َ‬
‫عْبَده لمر‪ ،‬هَْيَأُه له‪ ،‬فمنه اليجاد‪ ،‬ومنه العداد‪ ،‬ومنه المداد‪،‬‬
‫ل عليه إل هو‪ ،‬وإذا أراَد َ‬
‫إل هو‪ ،‬ول يُد ّ‬
‫ى مقام كان‪ ،‬فبحمده أقامه فيه وبحكمته أقامه فيه‪ ،‬ول يليق به غيُره ول يصُلح له‬
‫وإذا أقامه فى مقام أ ّ‬
‫ى لما منع‪ ،‬ول يمنع عبَده حقًا هو للعبد‪ ،‬فيكون بمنعه ظالمًا‬
‫طَ‬‫ل‪ ،‬ول ُمع ِ‬
‫سواه‪ ،‬ول ماِنع لما أعطى ا ُّ‬
‫سل إليه بمحاّبه ليعُبَده‪ ،‬وليتضّرع إليه‪ ،‬ويتذّلل بين يديه‪ ،‬ويتمّلقه‪ ،‬وُيعطى فقَره‬
‫له‪ ،‬بل إنما منعه ِليتو ّ‬
‫إليه حّقه‪ ،‬بحيث يشهد فى كل ذّرٍة من َذّراته الباطنِة والظاهرِة فاقة تامًة إليه على تعاُقب النفاس‪ ،‬وهذا‬
‫ل منه‪ ،‬ول‬
‫ب عبده ما العبُد محتاج إليه بخ ً‬
‫هو الواقُع فى نفس المر‪ ،‬وإن لم يشهده العبُد فلم يمنع الر ّ‬
‫ل له‪ ،‬ولُيغنَيه‬
‫ق للعبد‪ ،‬بل منعه ليرّده إليه‪ ،‬وِليعّزه بالّتَذّل ِ‬
‫نقصًا ِمن خزائنه‪ ،‬ول استئثارًا عليه بما هو ح ّ‬
‫جُبَرُه بالنكسار بين يديه‪ ،‬ولُيذيَقه بمرارِة المنع حلوَة الخضوع له‪ ،‬ولذَة الفقر إليه‪،‬‬
‫بالفتقار إليه‪ ،‬وِلَي ْ‬
‫شهَِدُه حكمته فى ُقدرته‪ ،‬ورحمَته فى عزته‪،‬‬
‫ف الوليات‪ ،‬وِلُي ْ‬
‫ولُيلبسه خلعة العبودية‪ ،‬ويوّليه بعز له أشر َ‬
‫‪205‬‬

‫ب‪ ،‬وامتحاَنه محبٌة وعطية‪،‬‬


‫ن منعه عطاٌء‪ ،‬وعزَله تولية‪ ،‬وعقوبَته تأدي ٌ‬
‫وِبّره ولطَفه فى قهره‪ ،‬وأ ّ‬
‫ق يسوقه به إليه‪.‬‬
‫ط أعدائه عليه سائ ٌ‬
‫وتسلي َ‬
‫سَواه‪،‬‬
‫ق به ِ‬
‫وبالجملة فل يليق بالعبد غير ما أقيم فيه‪ ،‬وحكمتُه وحمُده أقاماه فى مقامه الذى ل يلي ُ‬
‫ث يجعل رسالَتُه‬
‫ل أعلُم حي ُ‬
‫ل مواقَع عطاِئِه وفضله‪ ،‬وا ُّ‬
‫ث يجع ُ‬
‫ل أعلُم حي ُ‬
‫طاه‪ ،‬وا ُّ‬
‫ن أن يتخ ّ‬
‫سُ‬‫حُ‬
‫ول َي ْ‬
‫ن{‬
‫شاِكرب َ‬
‫عَلَم ِبال ّ‬
‫ل بَأ ْ‬
‫س ا ُّ‬
‫عَلْيِهْم ّمن َبْيِنَنا‪ ،‬أَلْي َ‬
‫ل َ‬
‫ن ا ُّ‬
‫لِء َم ّ‬
‫ض ّلَيُقوُلوا َأَهُؤ َ‬
‫ضهم ِبَبْع ٍ‬
‫ك َفَتّنا َبْع َ‬
‫}َوَكَذِل َ‬
‫حرمان‪ ،‬فبحمده‬
‫ل ال ِ‬
‫ل التخصيص‪ ،‬ومحا ّ‬
‫]النعام‪ ،[53 :‬فهو سبحانه أعلُم بمواقع الفضل‪ ،‬ومحا ّ‬
‫ل له‪ ،‬وتمّلقِه‪ ،‬انقلب المنُع‬
‫حَرم‪ ،‬فمن رّده المنُع إلى الفتقار إليه والتذّل ِ‬
‫وحكمته أعطى‪ ،‬وبحمده وحكمته َ‬
‫ل ما شغل العبَد عن‬
‫فى حقه عطاءًا‪ ،‬وَمن شغله عطاؤُه‪ ،‬وقطعه عنه‪ ،‬انقلب العطاُء فى حّقه منعًا‪ ،‬فك ّ‬
‫ب تعالى ُيريد من عبده أن يفعل‪ ،‬ول يقع‬
‫ل ما رّده إليه فهو رحمة به‪ ،‬والر ّ‬
‫ل‪ ،‬فهو مشؤوم عليه‪ ،‬وك ّ‬
‫ا ّ‬
‫سبحانه أراد مّنا الستقامَة دائمًا‪ ،‬واتخاَذ السبيل إليه‪،‬‬
‫ل حتى ُيريد سبحاَنه ِمن نفسه أن ُيعيَنه‪ ،‬فهو ُ‬
‫الفع ُ‬
‫وأخبرنا أن هذا المراَد ل يقع حتى ُيريد من نفسه إعاَنتنا عليها ومشيئته لنا‪ ،‬فهما إرادتان‪ :‬إرادة من‬
‫ل له إلى الفعل إل بهذه الرادة‪ ،‬ول يمِلك منها شيئًا‪،‬‬
‫عبده أن يفعل‪ ،‬وإرادة من نفسه أن ُيعينه‪ ،‬ول سبي َ‬
‫ن{ ]التكوير‪ [29 :‬فإن كان مع العبد روح‬
‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ل َر ّ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫ل َأن َي َ‬
‫نإ ّ‬
‫شاُءو َ‬
‫كما قال تعالى‪َ} :‬وَما َت َ‬
‫ل من نفسه أن يفعلَ به ما يكون‬
‫حه إلى بدنه يستدعى بها إراَدَة ا ّ‬
‫أخرى‪ِ ،‬نسبُتها إلى روحه‪ ،‬كنسبة رو ِ‬
‫ل للعطاء‪ ،‬وليس معه إناء يوضع فيه العطاُء‪ ،‬فَمن جاء بغير إناٍء‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وإل فمحّله غير قاب ٍ‬
‫به العبُد فاع ً‬
‫ن إل نفسه‪.‬‬
‫ن‪ ،‬ول يلوم ّ‬
‫حرَما ِ‬
‫رجع بال ِ‬
‫ن‪ ،‬وِم َ‬
‫ن‬ ‫ن‪ ،‬وهما قرينا ِ‬
‫حَز ِ‬
‫ن النبى صلى ال عليه وسلم استعاذ ِمن الهّم وال َ‬
‫والمقصوُد أ ّ‬
‫حِه عنه‪ ،‬إما أن يكون ِلعدم قدرته عليه‪،‬‬
‫ل العبد وصل ِ‬
‫ف كما ِ‬
‫ن َتخّل َ‬
‫ل‪ ،‬وهما قرينان‪ ،‬فإ ّ‬
‫سِ‬‫الَعجِز والَك َ‬
‫ل خير‪،‬‬
‫ن قادرًا عليه‪ ،‬لكن ل ُيريُد فهو كسل‪ ،‬وينشأ عن هاتين الصفتين‪ ،‬فواتُ ُك ّ‬
‫فهو عجز‪ ،‬أو يكو َ‬
‫ل شر‪ ،‬ومن ذلك الشر تعطيُله عن النفع ببدنه‪ ،‬وهو الجبن‪ ،‬وعن النفع بماله‪ ،‬وهو البخل‪،‬‬
‫وحصولُ ك ّ‬
‫ل هذه‬
‫ثم ينشأ له بذلك غلبتان‪ :‬غلبة بحق‪ ،‬وهى غلبة الّدْين‪ ،‬وغلبة بباطل‪ ،‬وهى غلبُة الّرجال‪ ،‬وك ّ‬
‫ح للرجل الذى قضى عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫المفاسد ثمرة العجز والكسل‪ ،‬ومن هذا قوُله فى الحديث الصحي ِ‬
‫ل‪:‬‬
‫ك أْمٌر َفُق ْ‬
‫غَلَب َ‬
‫س‪ ،‬فإَذا َ‬
‫ك بالَكْي ِ‬
‫عَلْي َ‬
‫جِز‪َ ،‬وَلِكنْ َ‬
‫عَلى الَع ْ‬
‫ل َيُلوُم َ‬
‫نا ّ‬
‫ل‪)) :‬إ ّ‬
‫ل‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ل وِنْعَم الَوِكي ُ‬
‫ى ا ُّ‬
‫سِب َ‬
‫حْ‬
‫َ‬
‫ل بعد عجزه عن الَكْيس الذى لو قام به‪،‬‬
‫ل وِنعَم الوكي ُ‬
‫ى ا ُّ‬
‫سِب َ‬
‫حْ‬‫ل((‪ ،‬فهذا قال‪َ :‬‬
‫ل َوِنْعَم الَوِكي ُ‬
‫ى ا ُّ‬
‫سِب َ‬
‫حْ‬
‫َ‬
‫‪206‬‬

‫ل‪،‬‬
‫ل وِنْعَم الوكي ُ‬
‫ى ا ُّ‬
‫سِب َ‬
‫حْ‬‫ب فقال‪َ :‬‬
‫غِل َ‬
‫ب التى يكون بها َكّيسًا‪ ،‬ثّم ُ‬
‫ل السبا َ‬
‫لقضى له على خصمه‪ ،‬فلو فع َ‬
‫جْز‬
‫ل‪ ،‬لما فعل السباب المأموَر بها‪ ،‬ولم يع ِ‬
‫لكانت الكلمُة قد وقعت موقعها‪ ،‬كما أن إبراهيم الخلي َ‬
‫ل وِنْعَم‬
‫ى ا ُّ‬
‫سِب َ‬
‫حْ‬‫ك شئ منها‪ ،‬ثم غلبُه عدّوه‪ ،‬وألَقْوه فى النار‪ ،‬قال فى تلك الحال‪َ :‬‬
‫بترِكها‪ ،‬ول بتر ِ‬
‫ل فوقعت الكلمُة موقعها‪ ،‬واستقرت فى مظاّنها‪ ،‬فأّثرت أثرها‪ ،‬وترّتب عليها مقتضاها‪.‬‬
‫الَوكي ُ‬
‫حد لما قيل لهم بعد‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه يوم ُأ ُ‬
‫لا ّ‬
‫وكذلك رسو ُ‬
‫طوهم‬
‫س قد جمعوا لكم فاخشوهم‪ ،‬فتجهزوا وخرجوا للقاء عدّوهم‪ ،‬وأع َ‬
‫حد‪ :‬إن النا َ‬
‫إنصرافهم من ُأ ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫ل وِنْعَم الوكي ُ‬
‫سُبَنا ا ُّ‬
‫حْ‬‫س من نفوسهم‪ ،‬ثم قالوا‪َ :‬‬
‫الَكْي َ‬
‫خَرجًا *‬
‫ل ّلُه َم ْ‬
‫جَع ْ‬
‫ل َي ْ‬
‫ق ا َّ‬
‫فأثرت الكِلمة أثَرَها‪ ،‬واقتضت موجَبها‪ ،‬ولهذا قال تعالى‪َ} :‬وَمن َيّت ِ‬
‫سُبُه فجعل التوكل بعد‬
‫حْ‬
‫ل َفُهَو َ‬
‫ل عََلى ا ِّ‬
‫ب{ ]الطلق‪َ ،[3-2 :‬وَمن َيَتوّك ْ‬
‫س ُ‬
‫حَت ِ‬
‫ث ل َي ْ‬
‫حْي ُ‬
‫ن َ‬
‫َوَيْرُزْقُه ِم ْ‬
‫التقوى الذى هو قياُم السباب المأمور بها‪ ،‬فحينئذ إن توّكل على ال فهو حسُبه‪ ،‬وكما قال فى موضع‬
‫ن{ ]المائدة‪ [11 :‬فالتوكل والحسب بدون قيام السباب‬
‫ل الُمْؤِمُنو َ‬
‫ل َفْلَيَتَوّك ِ‬
‫عَلى ا ِّ‬
‫ل‪َ ،‬و َ‬
‫آخر‪َ} :‬واّتُقوا ا َّ‬
‫ع من التوكل‪ ،‬فهو توّكل عجز‪ ،‬فل ينبغى للعبد أن يجعلَ‬
‫المأمور بها عجز محض‪ ،‬فإن كان مشوبًا بنو ٍ‬
‫ل‪ ،‬بل يجعل توّكَله ِمن جملة السباب المأمور بها التى ل َيِتّم‬
‫ل عجَزه توك ً‬
‫توّكَلُه عجزًا‪ ،‬ول يجع َ‬
‫المقصوُد إل بها كّلها‪.‬‬
‫ل وحده سبب مستق ّ‬
‫ل‬ ‫ومن هاهنا غلط طائفتان من الناس‪ ،‬إحداهما‪ :‬زعمت أن التوك َ‬
‫ل الموصلة إلى مسّبباتها‪ ،‬فوقعوا‬
‫حكمُة ا ّ‬
‫ب التى اقتضتها ِ‬
‫طلت له السبا َ‬
‫ف فى حصول المراد‪ ،‬فع ّ‬
‫كا ٍ‬
‫ف توّكُلهم من حيث ظنوا قوَته بانفراده‬
‫ضُع َ‬
‫طلوا من السباب‪ ،‬و َ‬
‫فى نوع تفريط وعجز بحسب ما ع ّ‬
‫ضع ٌ‬
‫ف‬ ‫عن السباب‪ ،‬فجمعوا الهّم ُكّله وصّيروه همًا واحدًا‪ ،‬وهذا وإن كان فيه قوة من هذا الوجه‪ ،‬ففيه َ‬
‫ل التوكل‪،‬‬
‫ط فى السبب الذى هو مح ّ‬
‫ب التوكل بإفراده‪ ،‬أضعفه التفري ُ‬
‫من جهة ُأخرى‪ ،‬فكلما قوى جان ُ‬
‫ث الذى شق الرض‪،‬‬
‫ل فيها‪ ،‬وهذا كتوكل الحّرا ِ‬
‫ل محّله السباب‪ ،‬وكماُله بالتوكل على ا ّ‬
‫فإن التوك َ‬
‫ل فى زرعه وإنباِته‪ ،‬فهذا قد أعطى التوّكل حقه‪ ،‬ولم يضُعف توّكله‬
‫وألقى فيها الِبذر‪ ،‬فتوكل على ا ّ‬
‫سْيِر‪ ،‬وتوّكل‬
‫جّده فى ال ّ‬
‫بتعطيل الرض وتخليتها بورًا‪ ،‬وكذلك توّكل المسافر فى قطع المسافة مع ِ‬
‫ل الذى يترّت ُ‬
‫ب‬ ‫ل والفوِز بثوابه مع اجتهادهم فى طاعته‪ ،‬فهذا هو التوك ُ‬
‫الكياس فى النجاة من عذاب ا ّ‬
‫ب عليه أثُره‪ ،‬وليس ا ّ‬
‫ل‬ ‫ط‪ ،‬فل يترت ُ‬
‫ل العجز والتفري ِ‬
‫ب َمن قام به‪ .‬وأما توك ُ‬
‫س َ‬
‫حْ‬‫ل َ‬
‫عليه أثُره‪ ،‬ويكون ا ُّ‬
‫‪207‬‬

‫ل السباب المأمور بها‪ ،‬ل‬


‫ب المتوّكل عليه إذا اّتقاه‪ ،‬وتقواه فع ُ‬
‫س َ‬
‫حْ‬
‫ل إنما يكون َ‬
‫حبه‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫ب صا ِ‬
‫س َ‬
‫حْ‬
‫َ‬
‫إضاعُتها‪.‬‬
‫ط المسّببات بها شرعًا وقَدرًا‪،‬‬
‫والطائفة الثانية‪ :‬التى قامت بالسباب‪ ،‬ورأت ارتبا َ‬
‫وأعرضت عن جانب التوكل‪ ،‬وهذه الطائفُة وإن نالت بما فعلته من السباب ما نالته‪ ،‬فليس لها قوُة‬
‫عه عنهم‪ ،‬بل هى مخذولٌة عاجزة بحسب ما فاتها‬
‫ل لهم وكفايُته إياهم ودفا ُ‬
‫نا ّ‬
‫ب التوكل‪ ،‬ول عو ُ‬
‫أصحا ِ‬
‫من التوّكل‪.‬‬
‫سَلف‪َ :‬من سّره أن يكون أقوى الناس‬
‫ض ال َ‬
‫ل كما قال بع ُ‬
‫ل الُقّوة فى التوكل على ا ّ‬
‫فالقّوة ك ّ‬
‫ص عليه من ذلك‬
‫ب والدفع عنه‪ ،‬وإنما َيْنُق ُ‬
‫س ُ‬
‫حْ‬‫ل‪ ،‬فالقوُة مضمونة للمتوّكل‪ ،‬والكفاية وال َ‬
‫فليتوكل على ا ّ‬
‫ل ما ضاق‬
‫ل له مخرجًا ِمن ُك ّ‬
‫ص من التقوى والتوكل‪ ،‬وإل فمع تحققه بهما ل بد أن يجعل ا ّ‬
‫بقدر ما َيْنُق ُ‬
‫ل حسَبه وكافيه‪ ،‬والمقصوُد أن النبى صلى ال عليه وسلم أرشد العبَد إلى ما فيه‬
‫ن ا ُّ‬
‫على الناس‪ ،‬ويكو ُ‬
‫ل‪:‬‬
‫سب وقو ُ‬
‫ل فيه جهده‪ ،‬وحينئذ ينفُعه التح ّ‬
‫ص على ما ينفُعه‪ ،‬ويبُذ َ‬
‫ل مطلوبه‪ ،‬أن يحر َ‬
‫غايُة كماله‪ ،‬وني ُ‬
‫ل َوِنْعَم‬
‫سِبى ا ُّ‬
‫حْ‬‫ل(( بخلف َمن عجز وفّرط حتى فاتته مصلحته‪ ،‬ثم قال‪َ )):‬‬
‫ل وِنْعَم الوكي ُ‬
‫ى ا ُّ‬
‫سِب َ‬
‫حْ‬‫)) َ‬
‫ب َمن اّتقاه‪ ،‬وتوّكل عليه‪.‬‬
‫س ُ‬
‫حَ‬‫سَبه‪ ،‬فإنما هو َ‬
‫حْ‬
‫ل يلومه‪ ،‬ول يكون فى هذا الحال َ‬
‫ل(( فإن ا ّ‬
‫الَوكي ٌُ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الّذْكر‬
‫ل‪ ،‬بل كان كلُمه ُكّلُه فى ِذكر ا ّ‬
‫ل‬ ‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ل الخلق ِذْكرًا ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم أكم َ‬
‫كان النب ّ‬
‫صفاِته‪ ،‬وأحكاِمِه‬
‫بو ِ‬
‫ل‪ ،‬وإخباُرُه عن أسماِء الر ّ‬
‫وما واله‪ ،‬وكان أمُرُه ونهُيه وتشريُعه للمة ِذْكرًا منه ِّ‬
‫حه ذكرًا منه له‪،‬‬
‫وأفعاله‪ ،‬ووعِده ووعيده‪ِ ،‬ذكرًا منه له‪ ،‬وثناُؤه عليه بآلئه‪ ،‬وتمجيُده وحمُده وتسبي ُ‬
‫وسؤاُله ودعاؤه إياه‪ ،‬ورغبُته ورهبُته ِذكرًا منه له‪ ،‬وسكوته وصمُته ِذكرًا منه له بقلبه‪ ،‬فكان ذاكرًا ّ‬
‫ل‬
‫ل يجرى مع أنفاسه‪ ،‬قائمًا وقاعدًا وعلى جنبه‪ ،‬وفى‬
‫فى كل أحيانه‪ ،‬وعلى جميع أحواله‪ ،‬وكان ِذْكُرُه ًِّ‬
‫مشيه وركوبه ومسيره‪ ،‬ونزوِله وظعنه وإقامته‪.‬‬
‫شوُر((‪.‬‬
‫حياَنا َبْعَد َما أَماَتَنا وإَلْيِه الّن ُ‬
‫ل اّلِذى أ ْ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ظ قال‪)) :‬ال َ‬
‫وكان إذا استيق َ‬
‫‪208‬‬

‫ن‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ل‪ُ )) :‬‬
‫شرًا‪ ،‬وَقا َ‬
‫عْ‬‫ل َ‬
‫حِمَد ا ّ‬
‫شرًا‪ ،‬و َ‬
‫ل عَ ْ‬
‫ل‪َ ،‬كّبر ا َّ‬
‫ن الّلْي ِ‬
‫ب ِم َ‬
‫وقالت عائشُة‪ :‬كان إَذا َه ّ‬
‫ل‪:‬‬
‫شرًا‪ُ ،‬ثّم َقا َ‬
‫عْ‬‫ل َ‬
‫شرًا‪ ،‬وَهّل َ‬
‫عْ‬‫ل َ‬
‫سَتْغفََر ا َّ‬
‫شرًا‪ ،‬وا ْ‬
‫عْ‬‫س(( َ‬
‫ك الُقّدو ِ‬
‫ن الَمِل ِ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫شرًا‪ُ )) ،‬‬
‫عْ‬‫حْمِدِه(( َ‬
‫ل َوِب َ‬
‫ا ِّ‬
‫ح الصلة‪.‬‬
‫سَتْفِت ُ‬
‫شرًا‪ُ ،‬ثّم َي ْ‬
‫عْ‬‫ق َيْوِم الِقَياَمِة(( َ‬
‫ضي ِ‬
‫ق الّدنَيا‪َ ،‬و ِ‬
‫ضي ِ‬
‫ن ِ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫))الّلُهّم إّنى أ ُ‬
‫ك ِلَذْنِبى‪،‬‬
‫سَتْغِفُر َ‬
‫ك‪ ،‬الّلُهّم َأ ْ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫ت ُ‬
‫ل َأْن َ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ل‪َ )) :‬‬
‫ل َقا َ‬
‫ن الّلْي ِ‬
‫ظ ِم َ‬
‫سَتْيَق َ‬
‫ن إذا ا ْ‬
‫وقالت َأْيضًا‪َ :‬كا َ‬
‫ك َأن َ‬
‫ت‬ ‫حَمًة‪ ،‬إّن َ‬
‫ك َر ْ‬
‫ن َلُدْن َ‬
‫ب ِلى ِم ْ‬
‫غ َقْلِبى َبْعَد إْذ َهَدْيَتِنى‪َ ،‬وَه ْ‬
‫ل ُتِز ْ‬
‫عَلَمًا َو َ‬
‫ك‪ ،‬الّلُهّم ِزْدِنى ِ‬
‫حَمَت َ‬
‫ك َر ْ‬
‫سَأُل َ‬
‫َوَأ ْ‬
‫ب(( ذكرهما أبو داود‬
‫الَوّها ُ‬
‫حْمُد‪،‬‬
‫ك‪َ ،‬وَلُه ال َ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫ل َ‬
‫حَدُه َ‬
‫ل َو ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إَلَه إ ّ‬
‫ل‪َ )) :‬‬
‫ظ من الّلْيل َفَقا َ‬
‫ن َمن استيق َ‬
‫وأخبر أ ّ‬
‫ل{‬
‫ل ِبا ِّ‬
‫ل َول ُقّوَة إ ّ‬
‫حْو َ‬
‫ل َ‬
‫ل َأْكَبُر‪َ ،‬و َ‬
‫ل‪ ،‬وا ُّ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ل‪َ ،‬و َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ل‪َ ،‬و ُ‬
‫ئ َقِديٌر‪ ،‬الحمُد ِّ‬
‫شٍ‬‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫َوُهَو َ‬
‫صّلى‪،‬‬
‫ن َتَوضَّأ َو َ‬
‫ب َلُه‪ ،‬فإ ْ‬
‫جي َ‬
‫غِفر ِلى ‪َ -‬أْو دعا بدعاء آخر‪ - ،‬اسُت ِ‬
‫ل‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ظيِم[(( ‪ُ -‬ثّم َقا َ‬
‫ى الَع ِ‬
‫]الَعِل ّ‬
‫لُته(( ذكره البخارى‬
‫صَ‬‫ت َ‬
‫ُقِبَل ْ‬
‫سُه إَلى‬
‫ظ‪َ ،‬رَفَع َرْأ َ‬
‫سَتْيَق َ‬
‫عْنَدُه‪ :‬إّنُه َلّما ا ْ‬
‫ل عليه وسلم َلْيَلَة َمبيِتِه ِ‬
‫ن عباس عنه صلى ا ّ‬
‫وقال اب ُ‬
‫ض{ ]آل‬
‫ت والْر ِ‬
‫سمَوا ِ‬
‫ق ال ّ‬
‫خْل ِ‬
‫ن ِفى َ‬
‫ن((‪} :‬إ ّ‬
‫عْمَرا َ‬
‫ل ِ‬
‫سوَرِة ))آ ِ‬
‫ن ُ‬
‫خواِتيُم ِم ْ‬
‫ت ال َ‬
‫شَر الَيا ِ‬
‫سَماِء َوَقَرَأ الَع ْ‬
‫ال ّ‬
‫خِرها‪.‬‬
‫عمران‪ [190 :‬إلى آ ِ‬
‫حْمُد أْنتَ َقّيُم‬
‫ك ال َ‬
‫ن‪َ ،‬وَل َ‬
‫ن ِفيِه ّ‬
‫ض َوَم ْ‬
‫ت والْر ِ‬
‫سَماوا ِ‬
‫ت ُنوُر ال ّ‬
‫حْمُد أْن َ‬
‫ك ال َ‬
‫ثم قال‪)) :‬الّلُهّم َل َ‬
‫ق‪،‬‬
‫حّ‬‫ك َ‬
‫ق‪َ ،‬وِلَقاُؤ َ‬
‫حّ‬‫ك ال َ‬
‫ق‪َ ،‬وَقْوُل َ‬
‫حّ‬‫ك ال َ‬
‫عُد َ‬
‫ق‪َ ،‬وَو ْ‬
‫حّ‬‫ت ال َ‬
‫حْمُد َأْن َ‬
‫ك ال َ‬
‫ن‪َ ،‬وَل َ‬
‫ن ِفيِه ّ‬
‫ض َوَم ْ‬
‫لْر ِ‬
‫ت وا َ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ال ّ‬
‫ت‪،‬‬
‫ك آَمْن ُ‬
‫ت‪ ،‬وِب َ‬
‫سَلْم ُ‬
‫ك َأ ْ‬
‫ق‪ ،‬الّلُهّم َل َ‬
‫حٌ‬‫عُة َ‬
‫سا َ‬
‫ق‪َ ،‬وال ّ‬
‫حّ‬‫حّمٌد َ‬
‫ق‪ ،‬وُم َ‬
‫حّ‬‫ن َ‬
‫ق‪َ ،‬والّنِبّيو َ‬
‫حّ‬‫ق‪َ ،‬والّناُر َ‬
‫حّ‬‫جّنُة َ‬
‫َوال َ‬
‫ت‪َ ،‬وَما‬
‫خْر ُ‬
‫ت َوَما أ ّ‬
‫غِفْر ِلى َما َقّدم ُ‬
‫ت‪َ ،‬فا ْ‬
‫حاَكْم ُ‬
‫ك َ‬
‫ت‪َ ،‬وإَلْي َ‬
‫صْم ُ‬
‫خا َ‬
‫ك َ‬
‫ت‪َ ،‬وِب َ‬
‫ك أَنْب ُ‬
‫ت‪َ ،‬وإَلْي َ‬
‫ك َتَوّكْل ُ‬
‫عَلْي َ‬
‫َو َ‬
‫ظيِم((‪.‬‬
‫ى الَع ِ‬
‫ل الَعِل ّ‬
‫ل با ِّ‬
‫ل ُقّوَة إ ّ‬
‫ل َو َ‬
‫حْو َ‬
‫ل َ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ل أْن َ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ت إلِهى‪َ ،‬‬
‫ت‪َ ،‬أْن َ‬
‫عَلْن ُ‬
‫ت َوَما َأ ْ‬
‫سَرْر ُ‬
‫أْ‬
‫ل َوِميَكاِئي َ‬
‫ل‬ ‫جْبَراِئي َ‬
‫ب ِ‬
‫ل قال‪)) :‬الّلُهّم َر ّ‬
‫ن الّلي ِ‬
‫ن إَذا َقاَم ِم َ‬
‫ل عنها‪َ :‬كا َ‬
‫وقد قالت عائشُة رضى ا ّ‬
‫ك ِفيَما َكاُنوا ِفيِه‬
‫عَباِد َ‬
‫ن ِ‬
‫حُكُم َبْي َ‬
‫ت َت ْ‬
‫شَهاَدِة‪َ ،‬أْن َ‬
‫ب وال ّ‬
‫عاِلَم الَغْي ِ‬
‫ض‪َ ،‬‬
‫ت والْر ِ‬
‫سَماوا ِ‬
‫طَر ال ّ‬
‫ل‪َ ،‬فا ِ‬
‫سَراِفي َ‬
‫َوإ ْ‬
‫سَتِقيٍم((‪.‬‬
‫ط ُم ْ‬
‫صَرا ٍ‬
‫شاُء إَلى ِ‬
‫ن َت َ‬
‫ك َتْهِدى َم ْ‬
‫ق بإذنك‪ ،‬إّن َ‬
‫حّ‬‫ن ال َ‬
‫ف ِفيِه ِم َ‬
‫خُتِل َ‬
‫ن‪ ،‬إْهِدِنى ِلَما ا ْ‬
‫خَتِلُفو َ‬
‫َي ْ‬
‫حا َ‬
‫ن‬ ‫سْب َ‬
‫غِه ِبقوِله‪ُ )) :‬‬
‫ن إذا أوتر‪ ،‬ختم وتره بعَد َفرا ِ‬
‫ك‪ ،‬وكا َ‬
‫ح صلَتُه ِبَذل َ‬
‫وُرّبَما قالت‪ :‬كان يفتِت ُ‬
‫صْوَته‪.‬‬
‫س(( ثلثًا‪ ،‬وَيُمّد بالّثاِلَثِة َ‬
‫ك الُقّدو ِ‬
‫المِل ِ‬
‫‪209‬‬

‫ضّ‬
‫ل‬ ‫ن َأ ِ‬
‫ك َأ ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ل‪ ،‬الّلُهّم إّنى َأ ُ‬
‫عَلى ا ِّ‬
‫ت َ‬
‫ل‪َ ،‬تَوّكْل ُ‬
‫ل‪)) :‬بسم ا ّ‬
‫ج ِمن َبيِتِه َيُقو ُ‬
‫خر َ‬
‫ن إَذا َ‬
‫وَكا َ‬
‫حِديث صحيح‪.‬‬
‫ى(( َ‬
‫عَل ّ‬
‫ل َ‬
‫جَه َ‬
‫ل َأْو ُي ْ‬
‫جَه َ‬
‫ظَلَم‪َ ،‬أْو َأ ْ‬
‫ظِلَم َأْو ُأ ْ‬
‫ل‪َ ،‬أْو َأ ْ‬
‫ل َأْو ُأَز ّ‬
‫ل‪َ ،‬أو أِز ّ‬
‫ضّ‬‫أْو ُأ َ‬
‫ل َو َ‬
‫ل‬ ‫حْو َ‬
‫ل َ‬
‫ل‪َ ،‬و َ‬
‫عَلى ا ِّ‬
‫ت َ‬
‫ل‪َ ،‬تَوّكْل ُ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ن َبْيِتِه‪ِ :‬ب ْ‬
‫ج ِم ْ‬
‫خَر َ‬
‫ل إَذا َ‬
‫ن َقا َ‬
‫ل عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫وقال صلى ا ّ‬
‫ن(( حديث حسن‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬
‫عْنُه ال ّ‬
‫حى َ‬
‫ت‪َ ،‬وَتَن ّ‬
‫ت‪َ ،‬وُوِقي َ‬
‫ت‪َ ،‬وُكِفي َ‬
‫ل َلُه‪ُ :‬هِدي َ‬
‫ل‪ُ ،‬يَقا ُ‬
‫ل ِبا ِّ‬
‫ُقّوَة إ ّ‬
‫ل ِفى‬
‫جَع ْ‬
‫ل‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫صلِة الفجر وُهو َيُقو ُ‬
‫عندُه‪ :‬إّنُه خرج إلى َ‬
‫ن عباس عنه ليلَة مبيته ِ‬
‫وقال اب ُ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ن‬ ‫جَع ْ‬
‫صِرى ُنوَرًا‪ ،‬وا ْ‬
‫ل ِفى َب َ‬
‫جَع ْ‬
‫سْمِعى ُنوَرًا‪ ،‬وا ْ‬
‫ل ِفى َ‬
‫جَع ْ‬
‫ساِنى ُنوَرًا‪َ ،‬وا ْ‬
‫ل ِفى ِل َ‬
‫جَع ْ‬
‫َقْلِبى ُنورًا‪ ،‬وا ْ‬
‫ظْم ِلى ُنورًا((‪.‬‬
‫عِ‬‫حِتى ُنورًا‪ ،‬الّلُهّم أ ْ‬
‫ن َت ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫جَع ْ‬
‫ن َفْوِقى ُنورًا‪َ ،‬وا ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫جَع ْ‬
‫ن أَماِمى ُنورًا‪ ،‬وا ْ‬
‫خْلِفى ُنوَرًا‪ ،‬وِم ْ‬
‫َ‬
‫ل صلى‬
‫ل ا ِّ‬
‫ل َرسو ُ‬
‫ى قال‪ :‬قا َ‬
‫خْدِر ّ‬
‫طّية الَعْوِفى‪ ،‬عن أبى سعيٍد ال ُ‬
‫عِ‬‫عن َ‬
‫وقال ُفضيل بن مرزوق‪َ ،‬‬
‫حقّ‬
‫ك‪َ ،‬وِب َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ن َ‬
‫ساِئِلي َ‬
‫ق ال ّ‬
‫حّ‬‫ك ِب َ‬
‫سَأُل َ‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم إِنى أ ْ‬
‫لِة َفَقا َ‬
‫صَ‬‫ن َبْيِتِه إلى ال ّ‬
‫ل ِم ْ‬
‫جٌ‬‫ج َر ُ‬
‫خَر َ‬
‫ال عليه وسلم‪َ)) :‬ما َ‬
‫ك‪،‬‬
‫طَ‬
‫خِ‬‫سْ‬
‫ت اّتَقاَء ُ‬
‫ج ُ‬
‫خَر ْ‬
‫سْمَعًة‪َ ،‬وإّنَما َ‬
‫ل ُ‬
‫ل رَياًء‪َ ،‬و َ‬
‫شرًا‪َ ،‬و َ‬
‫لأ َ‬
‫طَرًا َو َ‬
‫ج َب َ‬
‫خُر ْ‬
‫ك‪َ ،‬فإّنى َلْم َأ ْ‬
‫ى هَذا إَلْي َ‬
‫شا َ‬
‫َمْم َ‬
‫ت‪ ،‬إ ّ‬
‫ل‬ ‫ل أْن َ‬
‫بإ ّ‬
‫ل َيْغِفُر الّذُنو َ‬
‫ن َتْغِفَر ِلى ُذُنوِبى‪َ ،‬فإّنُه َ‬
‫ن الّناِر‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ن ُتْنِقَذِنى ِم َ‬
‫كأ ْ‬
‫سَأُل َ‬
‫ك‪َ ،‬أ ْ‬
‫ضاِت َ‬
‫َواْبِتَغاَء َمْر َ‬
‫صلَته((‪.‬‬
‫ضى َ‬
‫حّتى َيْق ِ‬
‫جِهِه َ‬
‫عَلْيِه ِبَو ْ‬
‫ل َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ن َلُه‪َ ،‬وَأْقَب َ‬
‫سَتْغِفُرو َ‬
‫ك َي ْ‬
‫ف َمَل ٍ‬
‫ن َأْل َ‬
‫سْبِعي َ‬
‫ل ِبِه َ‬
‫ل ا ُّ‬
‫َوّك َ‬
‫عوُذ ِبا ِّ‬
‫ل‬ ‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه كان إذا دخل المسجَد قال‪َ)) :‬أ ُ‬
‫وذكر أبو داود عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ظ ِمّنى‬
‫حِف َ‬
‫ن‪ُ :‬‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬
‫ك قال ال ّ‬
‫ل ذِل َ‬
‫جيِم‪َ ،‬فإَذا َقا َ‬
‫ن الّر ِ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫طاِنِه الَقِديِم‪ِ ،‬م َ‬
‫سْل َ‬
‫جِهِه الَكِريِم‪َ ،‬و ُ‬
‫ظيِم‪ ،‬وِبَو ْ‬
‫الَع ِ‬
‫ساِئَر الَيْوِم((‪.‬‬
‫َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‬
‫عَلى الّنِب ّ‬
‫سّلْم َ‬
‫جَد‪َ ،‬فْلُي َ‬
‫سِ‬‫حُدُكُم الَم ْ‬
‫ل َأ َ‬
‫خَ‬‫ل عليه وسلم‪)) :‬إَذا َد َ‬
‫وقال صلى ا ّ‬
‫ك((‪.‬‬
‫ضِل َ‬
‫ن َف ْ‬
‫ك ِم ْ‬
‫سَأُل َ‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم إّنى أ ْ‬
‫ج‪َ ،‬فْلَيُق ْ‬
‫خَر َ‬
‫ك‪َ ،‬فإَذا َ‬
‫حَمِت َ‬
‫ب َر ْ‬
‫ح ِلى أْبَوا َ‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم اْفَت ْ‬
‫َوْلَيُق ْ‬
‫غِفْر ِلى‬
‫ل‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫سّلَم‪ُ ،‬ثّم َيُقو ُ‬
‫حّمٍد َوآِلِه َو َ‬
‫عَلى ُم َ‬
‫صّلى َ‬
‫جَد َ‬
‫سِ‬‫ل الَم ْ‬
‫خَ‬‫ن إَذا َد َ‬
‫َوُذكر عنه‪)) :‬أّنُه كا َ‬
‫غِفْر ِلى‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫سّلم‪ُ ،‬ثّم َيُقو ُ‬
‫على ُمحّمٍد َوآِلِه َو َ‬
‫صّلى َ‬
‫ج َ‬
‫خَر َ‬
‫ك‪َ ،‬فإَذا َ‬
‫حَمِت َ‬
‫ب َر ْ‬
‫ح ِلى أْبَوا َ‬
‫ذنوبى‪ ،‬واْفَت ْ‬
‫ك((‪.‬‬
‫ضِل َ‬
‫ب َف ْ‬
‫ُذُنوِبى َواْفَتح ِلى أْبَوا َ‬
‫ل‪.‬‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫س َيْذُكُر ا َّ‬
‫شْم ُ‬
‫حّتى تطُلَع ال ّ‬
‫له َ‬
‫س فى ُمص ّ‬
‫جَل َ‬
‫ح‪َ ،‬‬
‫صْب َ‬
‫ن إَذا صّلى ال ّ‬
‫وَكا َ‬
‫ت‪َ ،‬وإَلْي َ‬
‫ك‬ ‫ك َنُمو ُ‬
‫حَيا‪َ ،‬وب َ‬
‫ك َن ْ‬
‫سْيَنا‪َ ،‬وِب َ‬
‫ك أْم َ‬
‫حَنا‪َ ،‬وِب َ‬
‫صَب ْ‬
‫كأ ْ‬
‫ح‪)) :‬الّلُهّم ِب َ‬
‫صَب َ‬
‫وكان يقول إَذا َأ ْ‬
‫شوُر(( حديث صحيح‬
‫الّن ُ‬
‫‪210‬‬

‫ك َلُه‪َ ،‬لُه‬
‫شِري َ‬
‫حَدُه ل َ‬
‫ل َو ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إَلَه إ ّ‬
‫ل‪ ،‬وَ َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪َ ،‬وال َ‬
‫ك ِّ‬
‫ح الُمْل ُ‬
‫صَب َ‬
‫حَنا َوَأ ْ‬
‫صَب ْ‬
‫ل‪)) :‬أ ْ‬
‫وكان َيُقو ُ‬
‫عوُذ‬
‫خْيَر َما َبْعَدُه‪َ ،‬وأ ُ‬
‫خْيَر َما ِفى هَذا الَيْوم‪َ ،‬و َ‬
‫ك َ‬
‫سَأُل َ‬
‫بأ ْ‬
‫شىٍء َقِديٌر‪َ ،‬ر ّ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫حْمُد‪ ،‬وُهَو َ‬
‫ك‪َ ،‬وَلُه ال َ‬
‫الُمْل ُ‬
‫عَذا ٍ‬
‫ب‬ ‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫بأُ‬
‫سوِء الِكَبر‪َ ،‬ر ّ‬
‫ل‪َ ،‬و ُ‬
‫سِ‬‫ن الَك َ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب ًَ‬
‫بأُ‬
‫ن شّر هَذا الَيْوِم‪َ ،‬وشّر َما َبْعَدُه‪َ ،‬ر ّ‬
‫ك ِم ْ‬
‫ِب َ‬
‫خِرِه‪ .‬ذكره مسلم‬
‫ل‪ ((...‬إلى آ ِ‬
‫ك ِّ‬
‫سى الُمْل ُ‬
‫سْيَنا َوَأْم َ‬
‫ل‪ :‬أْم َ‬
‫سى َقا َ‬
‫ب فى الَقْبِر‪ ،‬وإَذا أْم َ‬
‫عَذا ٍ‬
‫فى الّناِر‪ ،‬و َ‬
‫ل‪:‬‬
‫ت‪َ ،‬قا َ‬
‫سْي ُ‬
‫ت وإَذا َأْم َ‬
‫ح ُ‬
‫صَب ْ‬
‫ن إَذا أ ْ‬
‫ت أُقوُلُه ّ‬
‫ل عنُه‪ُ :‬مْرنى ِبَكِلَما ٍ‬
‫ى ا ُّ‬
‫ق رض َ‬
‫صّدي ُ‬
‫وقال له أبو َبكٍر ال ّ‬
‫شَهُد َأ ْ‬
‫ن‬ ‫شىٍء َوَمِليَكُه َوَماِلكه‪ ،‬أ ْ‬
‫ل َ‬
‫ب ُك ّ‬
‫شَهاَدِة‪َ ،‬ر ّ‬
‫ب وال ّ‬
‫عاِلَم الَغْي ِ‬
‫ض‪َ ،‬‬
‫ت والْر ِ‬
‫سَماوا ِ‬
‫طَر ال ّ‬
‫ل‪)) :‬الّلُهّم َفا ِ‬
‫ُق ْ‬
‫سوءًا أْو‬
‫سى ُ‬
‫عَلى َنف ِ‬
‫ف َ‬
‫ن أْقَتِر َ‬
‫شْركِه‪ ،‬وأ ْ‬
‫ن َو ِ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫شّر ال ّ‬
‫ن َ‬
‫سى‪َ ،‬وِم ْ‬
‫شّر َنْف ِ‬
‫ن َ‬
‫عوُذ ِبك ِم ْ‬
‫ت‪َ ،‬أ ُ‬
‫ل أْن َ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ك(( حديث صحيح‬
‫جَع َ‬
‫ضَ‬‫ت َم ْ‬
‫خْذ َ‬
‫ت‪ ،‬وإَذا أ َ‬
‫سْي َ‬
‫ت َوإَذا أْم َ‬
‫ح َ‬
‫صَب ْ‬
‫سِلٍم(( قال‪ُ)) :‬قْلَها إَذا َأ ْ‬
‫جّرُه إَلى ُم ْ‬
‫َأ ُ‬
‫ل اّلِذى‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ل َلْيَلٍة‪ِ :‬ب ْ‬
‫ساِء ُك ّ‬
‫ل َيْوٍم َوَم َ‬
‫ح ُك ّ‬
‫صَبا ِ‬
‫ل فى َ‬
‫عْبٍد َيُقو ُ‬
‫ن َ‬
‫ل عليه وسلم‪َ)) :‬ما ِم ْ‬
‫وقال صلى ا ّ‬
‫ضّرُه‬
‫ت ‪ -‬إلّ َلْم َي ُ‬
‫ت َمّرا ٍ‬
‫ل َ‬
‫سِميُع الَعِليُم ‪َ -‬ث َ‬
‫سَماِء َوُهَو ال ّ‬
‫ل فى ال ّ‬
‫ض َو َ‬
‫شىٌء فى الْر ِ‬
‫سِمِه َ‬
‫ضّر َمَع ا ْ‬
‫ل َي ُ‬
‫َ‬
‫ىء(( حديث صحيح‬
‫ش ْ‬
‫َ‬
‫حّمٍد َنِبّيًا‪َ ،‬كا َ‬
‫ن‬ ‫لِم ِديَنًا‪َ ،‬وِبُم َ‬
‫سَ‬‫لِ َرّبًا‪َ ،‬وِبال ْ‬
‫ت ِبا ّ‬
‫ضي ُ‬
‫سى‪َ :‬ر ِ‬
‫ن ُيْم ِ‬
‫حي َ‬
‫ح َو ِ‬
‫صِب ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫حي َ‬
‫ل ِ‬
‫ن َقا َ‬
‫وقال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ضَيُه(( صححه الترمذى والحاكم‬
‫ن ُيْر ِ‬
‫لأ ْ‬
‫عَلى ا ِّ‬
‫حّقًا َ‬
‫َ‬
‫شَ‬
‫ك‬‫عْر ِ‬
‫حَمَلَة َ‬
‫شِهُد َ‬
‫ك‪َ ،‬وُأ ْ‬
‫شِهُد َ‬
‫ت ُأ ْ‬
‫ح ُ‬
‫صَب ْ‬
‫سى‪ :‬الّلُهّم إّنى أ ْ‬
‫ن ُيْم ِ‬
‫حي َ‬
‫ح َو ِ‬
‫صِب ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫حي َ‬
‫ل ِ‬
‫ن َقا َ‬
‫وقال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ل ُرْبَعهُ‬
‫ق ا ُّ‬
‫عَت َ‬
‫ك‪َ ،‬أ ْ‬
‫سوُل َ‬
‫ك َوَر ُ‬
‫عْبُد َ‬
‫حّمدًا َ‬
‫ن ُم َ‬
‫ت‪َ ،‬وَأ ّ‬
‫ل أْن َ‬
‫ل إَلَه إ ّ‬
‫ل اّلِذى َ‬
‫ت ا ُّ‬
‫ك أن َ‬
‫ك‪ ،‬أّن َ‬
‫خْلِق َ‬
‫جِميَع َ‬
‫ك‪َ ،‬و َ‬
‫َوَملِئَكَت َ‬
‫عِه ِم َ‬
‫ن‬ ‫ل َثلَثة َأْرَبا ِ‬
‫ق ا ُّ‬
‫عَت َ‬
‫ن َقاَلَها َثلثًا‪َ ،‬أ ْ‬
‫ن الّناِر‪ ،‬وإ ْ‬
‫صَفُه ِم َ‬
‫ل ِن ْ‬
‫ق ا ُّ‬
‫عَت َ‬
‫ن‪َ ،‬أ ْ‬
‫ن َقاَلَها َمّرَتْي ِ‬
‫ن الّناِر‪َ ،‬وإ ْ‬
‫ِم َ‬
‫ن الّناِر(( حديث حسن‬
‫ل ِم َ‬
‫عَتَقُه ا ُّ‬
‫ن َقاَلَها أْرَبعًا َأ ْ‬
‫الّناِر‪َ ،‬وإ ْ‬
‫ك َ‬
‫ل‬ ‫حَد َ‬
‫ك َو ْ‬
‫ك‪َ ،‬فِمْن َ‬
‫خْلِق َ‬
‫ن َ‬
‫حٍد ِم ْ‬
‫ن ِنْعمٍَة أْو بأ َ‬
‫ح ِبى ِم ْ‬
‫صَب َ‬
‫ح‪ :‬الّلُهّم َما َأ ْ‬
‫صِب ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫حي َ‬
‫ل ِ‬
‫ن َقا َ‬
‫ل‪َ)) :‬م ْ‬
‫وقا َ‬
‫شْكَر‬
‫سى‪َ ،‬فقَْد أّدى ُ‬
‫ن ُيْم ِ‬
‫حْي َ‬
‫ك ِ‬
‫ل َذِل َ‬
‫ل ِمْث َ‬
‫ن َقا َ‬
‫شْكَر َيْوِمِه‪َ ،‬وَم ْ‬
‫شْكُر‪َ ،‬فَقْد أّدى ُ‬
‫ك ال ّ‬
‫حْمُد‪َ ،‬وَل َ‬
‫ك ال َ‬
‫ك‪َ ،‬ل َ‬
‫ك َل َ‬
‫شِري َ‬
‫َ‬
‫َلْيَلِتِه(( حديث حسن‬
‫ك الَعاِفَيَة فى الّدْنَيا‬
‫سَأُل َ‬
‫ت‪)) :‬الّلُهّم إّنى أ ْ‬
‫عوا ِ‬
‫سى بهِذِه الد َ‬
‫ن ُيْم ِ‬
‫ن ُيصبح وحي َ‬
‫ن يدعو حي َ‬
‫وَكا َ‬
‫عْوَراِتى‪ ،‬وآِم ْ‬
‫ن‬ ‫سُتْر َ‬
‫ى َوأْهِلى َوَماِلى‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ك الَعْفَو َوالَعاِفية فى ِديِنى َوُدْنَيا َ‬
‫سَأُل َ‬
‫خَرة‪ ،‬الّلُهّم إّنى َأ ْ‬
‫وال ِ‬
‫عوُذ‬
‫ن َفْوِقى‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫شَماِلى‪َ ،‬وِم ْ‬
‫ن ِ‬
‫عْ‬‫ن يمينى َو َ‬
‫عْ‬‫خْلِفى‪َ ،‬و َ‬
‫ن َ‬
‫ي‪َ ،‬وِم ْ‬
‫ن َبْين َيَد ّ‬
‫ظِنى ِم ْ‬
‫حف ْ‬
‫عاِتى‪ ،‬الّلُهّم ا ْ‬
‫َرْو َ‬
‫حِتى(( صححه الحاكم‬
‫ن َت ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫غَتا َ‬
‫ن ُأ ْ‬
‫كأ ْ‬
‫ظَمِت َ‬
‫ِبَع َ‬
‫‪211‬‬

‫خْيَر‬
‫ك َ‬
‫سَأُل َ‬
‫ن‪ ،‬الّلُهّم إّنى َأ ْ‬
‫ب الَعاَلِمي َ‬
‫ل َر ّ‬
‫ك ِّ‬
‫ح الُمْل ُ‬
‫صَب َ‬
‫حَنا َوَأ ْ‬
‫صَب ْ‬
‫ل‪َ :‬أ ْ‬
‫حُدُكم‪َ ،‬فْلَيُق ْ‬
‫حأَ‬
‫صَب َ‬
‫وقال‪)) :‬إَذا أ ْ‬
‫سى‪،‬‬
‫شّر َما َبْعَدُه‪ُ ،‬ثّم إَذا أْم َ‬
‫شّر َما ِفيِه َو َ‬
‫ك ِمنْ َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫صَرُه َوُنوَرُه َوَبَرَكَته َوِهَداَيَتُه‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫حُه َوَن ْ‬
‫هَذا اْلَيْوِم‪َ :‬فْت َ‬
‫ك(( حديث حسن‬
‫ل ِمْثلَ ذِل َ‬
‫َفْلَيُق ْ‬
‫حْو َ‬
‫ل‬ ‫ل َ‬
‫حْمِدِه‪َ ،‬و َ‬
‫ل َوِب َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ن‪ُ :‬‬
‫حي َ‬
‫صِب ِ‬
‫ن ُت ْ‬
‫حْي َ‬
‫وذكَر أبو داود عنه أنه قال ِلبعض بناِتِه‪ُ)) :‬قوِلى ِ‬
‫ىٍء قديٌر‪،‬‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫على ُك ّ‬
‫ل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫عَلُم أ ّ‬
‫ن‪ ،‬أ ْ‬
‫شأ َلْم َيكُ ْ‬
‫ن‪َ ،‬وَما َلْم َي َ‬
‫ل َكا َ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫ظيِم‪َ ،‬ما َ‬
‫ى الَع ِ‬
‫ل الَعِل ّ‬
‫ل ِبا ِّ‬
‫ل ُقّوَة إ ّ‬
‫َو َ‬
‫سى‬
‫ن ُيْم ِ‬
‫حي َ‬
‫ن ِ‬
‫ن َقاَلهُ ّ‬
‫ى‪َ ،‬وَم ْ‬
‫سَ‬‫حّتى ُيْم ِ‬
‫ظ َ‬
‫حِف َ‬
‫ح‪ُ ،‬‬
‫صِب ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫حي َ‬
‫ن ِ‬
‫ن َقاَلُه ّ‬
‫عْلمًا‪َ ،‬فإّنُه َم ْ‬
‫ىٍء ِ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫ط ِبُك ّ‬
‫حا َ‬
‫ل َقْد أ َ‬
‫نا ّ‬
‫وأ ّ‬
‫ح((‪.‬‬
‫صِب َ‬
‫حّتى ُي ْ‬
‫ظ َ‬
‫حِف َ‬
‫ُ‬
‫ك((؟‬
‫ك َدْيَن َ‬
‫عْن َ‬
‫ضى َ‬
‫ك‪َ ،‬وَق َ‬
‫ل َهّم َ‬
‫ب ا ُّ‬
‫لمًا إَذا ُقْلَتُه أْذَه َ‬
‫ك َك َ‬
‫عّلُم َ‬
‫ل ُأ َ‬
‫وقال لرجل من النصار‪)) :‬أ َ‬
‫ن‪،‬‬
‫حَز ِ‬
‫ن الَهّم وال َ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ت‪ :‬الّلُهّم إّنى أ ُ‬
‫سْي َ‬
‫ت َوإَذا أْم َ‬
‫ح َ‬
‫صَب ْ‬
‫ل‪ُ)) :‬قل إَذا أ ْ‬
‫ل‪ ،‬قا َ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫ت‪َ :‬بَلى َيا َر ُ‬
‫ُقْل ُ‬
‫ل((‬
‫جا ِ‬
‫ن وَقْهِر الّر َ‬
‫غَلَبِة الّدْي ِ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ل‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫خِ‬‫ن َوالُب ْ‬
‫جْب ِ‬
‫ن ال ُ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ل‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫سِ‬‫جِز والَك َ‬
‫ن الَع ْ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫َوَأ ُ‬
‫ضى عنى َدْينى‪.‬‬
‫ل هّمى وق ًَ‬
‫قال‪ :‬فقلُتهن‪ ،‬فأذهب ا ّ‬
‫حّمٍد صلى‬
‫ن َنِبّيَنا ُم َ‬
‫ص‪ ،‬وِدي ِ‬
‫خل ِ‬
‫لِم‪َ ،‬وكَِلَمِة ال ْ‬
‫سَ‬‫طَرِة ال ْ‬
‫عَلى ِف ْ‬
‫حَنا َ‬
‫صَب ْ‬
‫وكان إذا أصبح قال‪)) :‬أ ْ‬
‫ن((‪.‬‬
‫شِرِكي َ‬
‫ن المُ ْ‬
‫ن ِم َ‬
‫سِلمًا‪َ ،‬وَما َكا َ‬
‫حِنيفًا ُم ْ‬
‫ال عليه وسلم‪َ ،‬وِمّلِة أِبيَنا إْبَراِهيَم َ‬
‫ضهم وله‬
‫هكذا فى الحديث‪)) :‬ودين نبينا محّمد صلى ال عليه وسلم(( وقد استشكله بع ُ‬
‫ل عليه‬
‫ل(( فإنه صلى ا ّ‬
‫لا ّ‬
‫ب والتشّهد فى الصلة‪)) :‬أشهُد أن محمدًا رسو ُ‬
‫ط ِ‬
‫خَ‬‫حْكُم نظاِئره كقوله فى ال ُ‬
‫ُ‬
‫ب ذلك عليه أعظُم من‬
‫ل صلى ال عليه وسلم إلى خلقه‪ ،‬ووجو ُ‬
‫لا ّ‬
‫وسلم مكّلف باليمان بأنه رسو ُ‬
‫ل إلى نفسه‬
‫لّمة التى هو منهم‪ ،‬وهو رسول ا ّ‬
‫سل إليهم‪ ،‬فهو نبى إلى نفسه وإلى ا ُ‬
‫وجوبه على المر َ‬
‫وإلى ُأّمته‪.‬‬
‫ن‬
‫ك ِبِه‪ :‬أ ْ‬
‫صي ِ‬
‫سَمِعى َما ُأو ِ‬
‫ن َت ْ‬
‫كأ ْ‬
‫ل عليه وسلم أنه قال ِلفاطمة ابنتِه‪َ)) :‬ما َيْمَنُع ِ‬
‫وُيذَكُر عنه صلى ا ّ‬
‫ى‪َ ،‬يا َقّيوُم بك أستغيث‪ ،‬فأصلح لى شأنى‪ ،‬ول َتِكْلِنى إلى نفسى‬
‫ح ٌّ‬
‫ت‪َ :‬يا َ‬
‫سْي ِ‬
‫ت َوإَذا أْم َ‬
‫ح ِ‬
‫صَب ْ‬
‫َتُقوِلى إَذا أ ْ‬
‫ن((‪.‬‬
‫عْي ٍ‬
‫طرفَة َ‬
‫سمِ‬
‫ت‪ِ :‬ب ْ‬
‫ح َ‬
‫صَب ْ‬
‫ت‪ُ)) :‬قل‪ :‬إَذا أ ْ‬
‫ل عليه وسلم أنه قال ِلرجل شكا إليِه إصابَة الفا ِ‬
‫وُيذكُر عنه صلى ا ّ‬
‫شىٌء((‪.‬‬
‫ك َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ب َ‬
‫سى‪َ ،‬وَأْهِلى َوَماِلى‪َ ،‬فإّنُه ل َيْذَه ُ‬
‫عَلى َنْف ِ‬
‫ل َ‬
‫ا ِّ‬
‫ل((‪.‬‬
‫ل ُمَتَقّب ً‬
‫عَم ً‬
‫طّيبًا‪َ ،‬و َ‬
‫ك عِْلمًا َناِفعًا‪َ ،‬وِرْزقًا َ‬
‫سَأُل َ‬
‫ل‪)) :‬الّلُهّم إّنى أ ْ‬
‫وُيذَكر عنه أنه كان إَذا أصبح قا َ‬
‫‪212‬‬

‫)يتبع‪(...‬‬
‫ث مرات‪)) :‬الّلُهّم إّنى‬
‫ح ثل َ‬
‫ن ُيصِب ُ‬
‫حي َ‬
‫ل ِ‬
‫ل عليه وسلم‪ :‬إن العبد إذا قا َ‬
‫وُيذكر عنه صلى ا ّ‬ ‫@‬
‫خَرِة‪ ،‬وإَذا‬
‫ك فى الّدنَيا وال ِ‬
‫سْتَر َ‬
‫ك َو ِ‬
‫عاِفَيَت َ‬
‫ك َو َ‬
‫ى ِنْعَمَت َ‬
‫عَل ّ‬
‫سْتٍر‪َ ،‬فَأْتِمْم َ‬
‫عاِفَيٍة َو ِ‬
‫ك فى ِنْعَمٍة َو َ‬
‫ت ِمْن َ‬
‫ح ُ‬
‫صَب ْ‬
‫َأ ْ‬
‫عَلْيِه((‪.‬‬
‫ن ُيِتّم َ‬
‫لأ ْ‬
‫عَلى ا ِّ‬
‫حّقا َ‬
‫ن َ‬
‫ل ذِلك‪َ ،‬كا َ‬
‫أْمسى‪ ،‬قا َ‬
‫سِبىَ‬
‫حْ‬‫سى‪َ :‬‬
‫ن ُيْم ِ‬
‫حي َ‬
‫ح َو ِ‬
‫صِب ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫حي َ‬
‫ل َيْوٍم ِ‬
‫ل فى ُك ّ‬
‫ن َقا َ‬
‫ل عليه وسلم أنه قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫َويذكر عنه صلى ا ّ‬
‫ن َأْمِر الّدْنَيا‬
‫ل َما أَهّمُه ِم ْ‬
‫ت ‪َ -‬كَفاُه ا ُّ‬
‫سْبَع َمّرا ٍ‬
‫ظيُم ‪َ -‬‬
‫ش الَع ِ‬
‫ب الَعْر ِ‬
‫ت َوُهَو َر ّ‬
‫عَلْيِه َتوّكْل ُ‬
‫ل ُهَو َ‬
‫ل إَله إ ّ‬
‫ل َ‬
‫ا ُّ‬
‫خَرِة((‪.‬‬
‫وال ِ‬
‫حّتى‬
‫صيَبٌة َ‬
‫صْبهُ ُم ِ‬
‫ل َنَهاِرِه‪َ ،‬لْم ُت ِ‬
‫ت فى أّو ِ‬
‫ل هِذِه الَكِلَما ِ‬
‫ل عليه وسلم أنه من قا َ‬
‫وُيذكر عنه صلى ا ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫ك‬ ‫ت‪َ ،‬‬
‫ل أْن َ‬
‫ل إله إ ّ‬
‫ت َرّبى‪َ ،‬‬
‫ح‪)) :‬الّلُهّم َأْن َ‬
‫صِب َ‬
‫حّتى ُي ْ‬
‫صيَبٌة َ‬
‫صْبُه ُم ِ‬
‫خَر َنَهاِرِه َلْم ُت ِ‬
‫ن َقاَلَها آ ِ‬
‫ى‪َ ،‬وَم ْ‬
‫سَ‬‫ُيْم ِ‬
‫ل الَعِل ّ‬
‫ى‬ ‫ل با ِّ‬
‫ل ُقّوَة إ ّ‬
‫ل َو َ‬
‫حْو َ‬
‫ل َ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫شْأ َلْم َيُك ْ‬
‫ن‪َ ،‬وَما َلْم َي َ‬
‫ل َكا َ‬
‫شاَء ا ُّ‬
‫ظيِم‪َ ،‬ما َ‬
‫ش الَع ِ‬
‫ب الَعْر ِ‬
‫ت َر ّ‬
‫ت‪َ ،‬وأْن َ‬
‫َتَوّكْل ُ‬
‫شرّ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫عْلمًا‪ ،‬الّلُهّم إّنى َأ ُ‬
‫ىٍء ِ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫ط ِبُك ّ‬
‫حا َ‬
‫ل َقْد أ َ‬
‫ن ا َّ‬
‫ىٍء َقِديٌر‪َ ،‬وأ ّ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ل َ‬
‫ن ا َّ‬
‫عَلُم أ ّ‬
‫ظيِم‪ ،‬أ ْ‬
‫الَع ِ‬
‫ل لبى الدرداء‪ :‬قِد‬
‫سَتِقيٍم((‪ ،‬وَقد ِقي َ‬
‫ط ُم ْ‬
‫صَرا ٍ‬
‫عَلى ِ‬
‫ن َرّبى َ‬
‫صَيِتَها‪ ،‬إ ّ‬
‫خٌذ ِبَنا ِ‬
‫تآ ِ‬
‫ل َداّبٍة أْن َ‬
‫سى‪َ ،‬وشَّر ُك ّ‬
‫َنْف ِ‬
‫ل صلى ال‬
‫ل ا ِّ‬
‫ن رسو ِ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ت سمعتُه ّ‬
‫ل ِليفعل‪ِ ،‬لَكلَِما ٍ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ق‪ ،‬ولم يكن ا ُّ‬
‫ل‪ :‬ما احتر َ‬
‫احترق بيُتك فقا َ‬
‫عليه وسلم فذكرها‪.‬‬
‫ك‪،‬‬
‫عْبُد َ‬
‫خَلْقَتِنى َوأَنا َ‬
‫ت َ‬
‫ل أْن َ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ت َرّبى‪َ ،‬‬
‫ل العبُد‪ :‬الّلُهّم َأْن َ‬
‫ن َيُقو َ‬
‫سِتْغَفاِر أ ْ‬
‫سّيُد ال ْ‬
‫ل‪َ )) :‬‬
‫وقا َ‬
‫ى‪َ ،‬وَأُبوُء‬
‫عَل ّ‬
‫ك َ‬
‫ك ِبِنْعَمِت َ‬
‫ت‪َ ،‬أُبوُء َل َ‬
‫صَنْع ُ‬
‫شّر َما َ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ت‪ ،‬أ ُ‬
‫طْع ُ‬
‫سَت َ‬
‫ك َما ا ْ‬
‫عِد َ‬
‫ك َوَو ْ‬
‫عْهِد َ‬
‫عَلى َ‬
‫َوأَنا َ‬
‫خَ‬
‫ل‬‫ن َيْوِمِه‪َ ،‬د َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ح موِقنًا ِبَها َفَما َ‬
‫صِب ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫حي َ‬
‫ن قاَلَها ِ‬
‫ت‪َ ،‬م ْ‬
‫ل َأْن َ‬
‫بإ ّ‬
‫ل َيْغِفُر الُذُنو َ‬
‫غِفْر ِلى إّنُه َ‬
‫ِبَذْنِبى‪َ ،‬فا ْ‬
‫جّنَة((‪.‬‬
‫ل ال َ‬
‫خَ‬‫ن َلْيَلِتِه‪َ ،‬د َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫سى ُموِقنًا ِبَها‪َ ،‬فَما َ‬
‫ن ُيْم ِ‬
‫حي َ‬
‫ن َقاَلَها ِ‬
‫جّنَة‪ ،‬وَم ْ‬
‫ال َ‬
‫ت َأحٌد َيْوَم القَِياَمِة‬
‫حْمِدِه ‪ِ -‬ماَئَة َمّرٍة ‪َ -‬لْم َيْأ ِ‬
‫ل َوِب َ‬
‫ن ا ِّ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫سى‪ُ :‬‬
‫ن ُيْم ِ‬
‫حي َ‬
‫ح َو ِ‬
‫صِب ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫حي َ‬
‫ل ِ‬
‫ن َقا َ‬
‫))وَم ْ‬
‫عَلْيِه((‪.‬‬
‫ل‪ ،‬أْو َزاَد َ‬
‫ل َما َقا َ‬
‫ل ِمْث َ‬
‫حٌد َقا َ‬
‫لأَ‬
‫جاَء ِبِه إ ّ‬
‫ل ِمّما َ‬
‫ضَ‬‫ِبَأْف َ‬
‫ك‪ ،‬وَلُه‬
‫ك َلُه‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫ل َ‬
‫حَدُه َ‬
‫لُ َو ْ‬
‫لا ّ‬
‫ل إَلَه إ ّ‬
‫ت‪َ :‬‬
‫شَر َمّرا ٍ‬
‫عْ‬‫ح َ‬
‫صِب ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫حي َ‬
‫ل ِ‬
‫ن َقا َ‬
‫ل‪َ)) :‬م ْ‬
‫َوَقا َ‬
‫ت‪َ ،‬وَكاَن ْ‬
‫ت‬ ‫سّيَئا ٍ‬
‫شَر َ‬
‫عْ‬‫عْنُه بها َ‬
‫حا َ‬
‫ت‪َ ،‬وَم َ‬
‫سَنا ٍ‬
‫حَ‬‫شَر َ‬
‫عْ‬‫ل َلُه ِبَها َ‬
‫با ّ‬
‫ىٍء َقِديٌر‪َ ،‬كَت َ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫حْمُد‪َ ،‬وُهَو َ‬
‫ال َ‬
‫ح((‪.‬‬
‫صِب َ‬
‫حّتى ُي ْ‬
‫ك َ‬
‫ل ذِل َ‬
‫سى َفِمْث ُ‬
‫جيِم‪َ ،‬وِإَذا أْم َ‬
‫ن الّر ِ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل َيْوَمُه ِم َ‬
‫جارُه ا ُّ‬
‫ب‪َ ،‬وَأ َ‬
‫شر ِرَقا ٍ‬
‫عْ‬‫َكِعْدل َ‬
‫‪213‬‬

‫عَلى‬
‫حْمُد‪َ ،‬وُهَو َ‬
‫ك‪َ ،‬وَلُه ال َ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫ل َ‬
‫حَدُه َ‬
‫ل َو ْ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إَله إ ّ‬
‫ح‪َ :‬‬
‫صِب ُ‬
‫ن ُي ْ‬
‫حْي َ‬
‫ل ِ‬
‫ن َقا َ‬
‫وقال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن ِماَئُة‬
‫عْ‬
‫ت َ‬
‫حَي ْ‬
‫سَنٍة‪َ ،‬وُم ِ‬
‫حَ‬‫ب َلُه مائُة َ‬
‫ب‪َ ،‬وُكِت َ‬
‫شر ِرَقا ٍ‬
‫عْ‬‫ل َ‬
‫عد َ‬
‫ت َلُه َ‬
‫شىٍء َقِديٌر‪ ،‬فى اْلَيْوِم ِماَئَة َمّرٍة‪َ ،‬كاَن ْ‬
‫ل َ‬
‫ُك ّ‬
‫جٌ‬
‫ل‬‫ل َر ُ‬
‫جاَء ِبِه إ ّ‬
‫ل ِمّما َ‬
‫ضَ‬‫حٌد ِبَأْف َ‬
‫تأ َ‬
‫ى‪َ ،‬وَلْم َيْأ ِ‬
‫سَ‬‫ك حتى ُيْم ِ‬
‫ن َيْوَمُه ذِل َ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫حْرزًا ِم َ‬
‫ت َلُه ِ‬
‫سّيَئة‪َ ،‬وَكاَن ْ‬
‫َ‬
‫ل أْكَثَر ِمْنُه((‪.‬‬
‫عِم َ‬
‫َ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬عّلم زيَد بن ثابت‪ ،‬وأمره أن يتَعاَهَد بِه أهله‬
‫وفى ))المسند(( وغيرِه أنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ن‬
‫ت ِم ْ‬
‫ك‪ ،‬الّلُهّم َما ُقْل ُ‬
‫ك َوإَلْي َ‬
‫ك َوِب َ‬
‫ك‪َ ،‬وِمْن َ‬
‫خْيُر فى َيَدْي َ‬
‫ك‪َ ،‬وال َ‬
‫سْعَدْي َ‬
‫ك َو َ‬
‫ك‪َ ،‬لّبْي َ‬
‫ك الّلُهّم َلّبْي َ‬
‫ل صباح‪َ)) :‬لّبْي َ‬
‫فى ك ّ‬
‫شْأ َلْم‬
‫ن‪َ ،‬وَما َلْم َت َ‬
‫ت َكا َ‬
‫شْئ َ‬
‫ك ُكّله‪ ،‬ما ِ‬
‫ى ذِل َ‬
‫ن َيَد ْ‬
‫ك َبْي َ‬
‫شيَئُت َ‬
‫ن َنْذٍر‪َ ،‬فَم ِ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ف‪ ،‬أْو َنَذْر ُ‬
‫حِل ٍ‬
‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫حَلْف ُ‬
‫ل‪ ،‬أْو َ‬
‫َقْو ٍ‬
‫ت‪،‬‬
‫صّلْي َ‬
‫ن َ‬
‫لٍة َفَعَلى َم ْ‬
‫صَ‬‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫صّلْي َ‬
‫ىٍء َقِديٌر‪ ،‬الّلُهّم َما َ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ك َ‬
‫ك‪ ،‬إّن َ‬
‫ل ِب َ‬
‫ل ُقّوَة إ ّ‬
‫ل َو َ‬
‫حْو َ‬
‫ل َ‬
‫ن‪َ ،‬و َ‬
‫َيُك ْ‬
‫ن‪،‬‬
‫حي َ‬
‫صاِل ِ‬
‫حْقِنى بال ّ‬
‫سِلمًا َوأْل ِ‬
‫خَرِة َتَوّفِنى ُم ْ‬
‫ت َوليى فى الّدْنَيا وال ِ‬
‫ت‪َ ،‬أْن َ‬
‫ن َلَعْن َ‬
‫ن َلْعَنٍة‪َ ،‬فَعَلى َم ْ‬
‫َوَما َلَعْنتَ ِم ْ‬
‫ك فى َهِذِه‬
‫عَهُد إَلْي َ‬
‫ل والْكَراِم‪َ .‬فإّنى أ ْ‬
‫لِ‬‫جَ‬
‫شهاَدِة‪َ ،‬ذا ال َ‬
‫ب وال ّ‬
‫عاِلَم الَغْي ِ‬
‫ض‪َ ،‬‬
‫لْر ِ‬
‫ت وا َ‬
‫سماوا ِ‬
‫طَر ال ّ‬
‫الّلُهّم َفا ِ‬
‫ك‪،‬‬
‫ك الُمْل ُ‬
‫ك‪َ ،‬ل َ‬
‫ك َل َ‬
‫شِري َ‬
‫ل َ‬
‫ك َ‬
‫حَد َ‬
‫ت َو ْ‬
‫ل أْن َ‬
‫ل إلهَ إ ّ‬
‫ن َ‬
‫شَهُد أ ْ‬
‫شِهيدًا ‪ِ -‬بَأّنى أ ْ‬
‫ك َ‬
‫ك ‪َ -‬وَكَفى ِب َ‬
‫شِهُد َ‬
‫حَياِة الّدْنَيا‪َ ،‬وُأ ْ‬
‫ال َ‬
‫ق‪،‬‬
‫حٌ‬‫ك َ‬
‫عَد َ‬
‫ن َو ْ‬
‫شَهُد أ ّ‬
‫ك‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫سوُل َ‬
‫ك َوَر ُ‬
‫عْبُد َ‬
‫حّمدًا َ‬
‫ن ُم َ‬
‫شَهُد أ ّ‬
‫ىٍء َقِديٌر‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ت َ‬
‫حْمُد‪َ ،‬وَأْن َ‬
‫ك ال َ‬
‫َوَل َ‬
‫ن َتِكْلِنى إلى‬
‫كإ ْ‬
‫شَهُد أّن َ‬
‫ن فى الُقُبوِر‪َ ،‬وأ ْ‬
‫ث َم ْ‬
‫ك َتْبَع ُ‬
‫ب ِفيَها‪َ ،‬وَأّن َ‬
‫ل َرْي َ‬
‫ق آِتَيٌة َ‬
‫حٌ‬‫عُة َ‬
‫سا َ‬
‫ق‪َ ،‬وال ّ‬
‫حٌ‬‫ك َ‬
‫َوِلَقاَء َ‬
‫غِفْر ِلى ُذُنوِبى ُكّلَها إنه َ‬
‫ل‬ ‫ك‪َ ،‬فا ْ‬
‫حَمِت َ‬
‫ل بَر ْ‬
‫قإ ّ‬
‫ل أِث ُ‬
‫طيَئٍة‪َ ،‬وإّنى َ‬
‫خِ‬‫ب َو َ‬
‫عْوَرٍة َوَذْن ٍ‬
‫ف َو َ‬
‫ضْع ٍ‬
‫سى َتِكْلِنى إلى َ‬
‫َنْف ِ‬
‫حيٍُم((‪.‬‬
‫ب الّر ِ‬
‫ت الّتّوا ُ‬
‫ك أْن َ‬
‫ى إّن َ‬
‫عل ّ‬
‫ب َ‬
‫ت‪َ ،‬وُت ْ‬
‫ل أْن َ‬
‫بإ ّ‬
‫َيْغِفُر الُذُنو َ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الّذْكر عند لبس الثوب ونحِوِه‬
‫عمامًة‪ ،‬أو قميصًا‪ ،‬أو ِرَداًء‪ ،‬ثم يقول‪:‬‬
‫ل عليه وسلم إَذا استجّد ثوبًا سّماه باسمه‪ِ ،‬‬
‫ن صلى ا ّ‬
‫كا َ‬
‫صِنَع‬
‫شّر َما ُ‬
‫شّرِه‪َ ،‬و َ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫صِنَع َلُه‪َ ،‬وَأ ُ‬
‫خْيُر َما ُ‬
‫خْيَرُه‪َ ،‬و َ‬
‫ك َ‬
‫سَأُل َ‬
‫سْوَتِنيِه‪ ،‬أ ْ‬
‫ت َك َ‬
‫حْمُد‪ ،‬أْن َ‬
‫ك ال َ‬
‫))الّلُهّم َل َ‬
‫َلُه(( حديث صحيح‪.‬‬
‫حْو ٍ‬
‫ل‬ ‫غْيِر َ‬
‫ن َ‬
‫ساِنى هَذا َوَرَزَقِنيِه ِم ْ‬
‫ل اّلِذى َك َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪ :‬ال َ‬
‫س َثْوبًا َفَقا َ‬
‫ن َلِب َ‬
‫وُيذكر عنه أنه قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن َذْنِبِه((‪.‬‬
‫ل له َما َتَقّدَم ِم ْ‬
‫غَفَر ا ّ‬
‫ل ُقّوة‪َ ،‬‬
‫ِمّنى َو َ‬
‫ل صلى ال‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫ل عنه قال‪ :‬سمع ُ‬
‫عمر بن الخطاب رضى ا ّ‬
‫وفى ))جامع الترمذى(( عن ُ‬
‫ل ِبِه‬
‫جّم ُ‬
‫عْوَرِتى‪َ ،‬وأت َ‬
‫ساِنى َما ُأَواِرى ِبِه َ‬
‫ل اّلِذى َك َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪ :‬ال َ‬
‫جِديدًا َفَقا َ‬
‫س َثْوبًا َ‬
‫ن َلِب َ‬
‫عليه وسلم يقول‪َ)) :‬م ْ‬
‫‪214‬‬

‫ل‪،‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫سِبي ِ‬
‫ل‪ ،‬وَِفى َ‬
‫ف ا ِّ‬
‫ل‪ ،‬وفى َكَن ِ‬
‫ظ ا ِّ‬
‫حْف ِ‬
‫ن فى ِ‬
‫ق به‪َ ،‬كا َ‬
‫صّد َ‬
‫ق َفَت َ‬
‫خَل َ‬
‫ب اّلِذى أ ْ‬
‫عَمَد إَلى الّثْو ِ‬
‫حَياِتى‪ُ ،‬ثّم َ‬
‫فى َ‬
‫حّيا َوَمْيتًا((‪.‬‬
‫َ‬
‫خِلِقى‪ ،‬ثم أبلى وأخلقى ‪-‬‬
‫لّم خالد لما ألبسها الثوب الجديد‪)) :‬أْبِلى َوَأ ْ‬
‫ح عنه أنه قال ُ‬
‫وص ّ‬
‫ن((‪.‬‬
‫َمّرَتْي ِ‬
‫جِديٌد هَذا‪ ،‬أْم‬
‫ل‪َ)) :‬أ َ‬
‫عَمر ثوبًا فقا َ‬
‫ل عليه وسلم رأى على ُ‬
‫وفى ))سنن ابن ماجه(( أنه صلى ا ّ‬
‫شِهيدًا((‪.‬‬
‫ت َ‬
‫حِميدًا‪ ،‬وُم ْ‬
‫ش َ‬
‫ع ْ‬
‫جِديدًا‪َ ،‬و ِ‬
‫س َ‬
‫ل‪)) :‬اْلَب ْ‬
‫ل‪ ،‬فقا َ‬
‫سي ٌ‬
‫غِ‬‫ل َ‬
‫ل‪َ :‬ب ْ‬
‫ل((؟ َفَقا َ‬
‫سي ٌ‬
‫غِ‬‫َ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم عند دخوله إلى منزله‬
‫عْلم منهم‬
‫ل على أهله على ِ‬
‫ل عليه وسلم ِليفجأ أهله بغتًة يتخّوُنهم‪ ،‬ولكن كان يدخ ُ‬
‫لم يكن صلى ا ّ‬
‫عْنَدُكْم ِم ْ‬
‫ن‬ ‫سّلُم عليهم‪ ،‬وكان إذا دخل‪ ،‬بدأ بالسؤال‪ ،‬أو سأل عنهم‪ ،‬وربما قال‪َ)) :‬هلْ ِ‬
‫بدخوله‪ ،‬وكان ُي َ‬
‫سر‪.‬‬
‫غَداٍء((؟ وربما سكت حتى يحضَر بين يديه ما تي ّ‬
‫َ‬
‫ل اّلِذى َكَفاِنى‪،‬‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل إذا انقلب إلى بيته‪)) :‬اْل َ‬
‫ل عليه وسلم أنه كان يقو ُ‬
‫وُيذكر عنه صلى ا ّ‬
‫جيَرِنى ِم َ‬
‫ن‬ ‫ن ُت ِ‬
‫كأ ْ‬
‫سَأُل َ‬
‫ل‪ ،‬أ ْ‬
‫ضَ‬‫ى َفَأْف َ‬
‫عَل ّ‬
‫ل اّلِذى َمنّ َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫سَقاِنى‪َ ،‬وال َ‬
‫طَعَمِنى َو َ‬
‫ل اّلِذى َأ ْ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫َوآَواِنى‪َ ،‬وال َ‬
‫الّنار((‪.‬‬
‫عَلْي َ‬
‫ك‬ ‫ن َبَرَكًة َ‬
‫سّلْم َيُك ْ‬
‫ك َف َ‬
‫عَلى أْهِل َ‬
‫ت َ‬
‫ل عليه وسلم أنه قال لَنس‪)) :‬إَذا َدخْل َ‬
‫وثبت عنه صلى ا ّ‬
‫سن صحيح‪.‬‬
‫ك((‪ .‬قال الترمذى‪ :‬حديث ح َ‬
‫ى أْهلِ َ‬
‫عَل َ‬
‫َو َ‬
‫خْيَر‬
‫ك َ‬
‫سَأُل َ‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم إّنى َأ ْ‬
‫ل َبْيَتُه‪َ ،‬فْلَيُق ْ‬
‫جُ‬‫ج الّر ُ‬
‫ل عليه وسلم‪)) :‬إَذا َوَل َ‬
‫وفى السنن عنه صلى ا ّ‬
‫عَلى َأْهِلِه((‪.‬‬
‫سّلْم َ‬
‫ل َرّبَنا َتَوّكْلَنا‪ُ ،‬ثّم ِلُي َ‬
‫عَلى ا ّ‬
‫جَنا‪ ،‬و َ‬
‫ل َوَل ْ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ج‪ِ ،‬ب ْ‬
‫خَر ِ‬
‫خْيَر الَم ْ‬
‫ج‪َ ،‬و َ‬
‫الَمْوَل ِ‬
‫ل‪،‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫سِبي ِ‬
‫غازيًا فى َ‬
‫ج َ‬
‫خَر َ‬
‫ل َ‬
‫جٌ‬‫ل‪َ :‬ر ُ‬
‫ن عََلى ا ّ‬
‫ضاِم ٌ‬
‫ل عليه وسلم‪َ)) :‬ثلَثٌة ُكّلُهْم َ‬
‫وفيها عنه صلى ا ّ‬
‫ح إَلى‬
‫ل َرا َ‬
‫جٌ‬‫غِنيمٍة‪َ ،‬وَر ُ‬
‫جٍر َو َ‬
‫نأ ْ‬
‫ل مِ ْ‬
‫جّنَة أْو َيُرّدُه ِبَما َنا َ‬
‫خَلُه ال َ‬
‫حّتى َيَتوّفاُه َفُيْد ِ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ا ِّ‬
‫ن َ‬
‫ضاِم ٌ‬
‫َفُهَو َ‬
‫خَ‬
‫ل‬‫ل َد َ‬
‫جٌ‬‫غِنيَمٍة‪َ ،‬وَر ُ‬
‫جٍر َو َ‬
‫نأ ْ‬
‫ل ِم ْ‬
‫جّنَة أْو َيُرّدُه ِبَما َنا َ‬
‫خَلُه ال َ‬
‫حّتى َيَتوّفاُه َفُيْد ِ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ا ّ‬
‫ن َ‬
‫ضاِم ٌ‬
‫جِد‪َ ،‬فُهَو َ‬
‫سِ‬‫الَم ْ‬
‫ل(( حديث صحيح‪.‬‬
‫عَلى ا ّ‬
‫ن َ‬
‫ضاِم ٌ‬
‫سلٍم‪َ ،‬فُهَو َ‬
‫َبْيَتُه ِب َ‬
‫‪215‬‬

‫طَعاِمِه‪َ ،‬قالَ‬
‫عْنَد َ‬
‫خوِلِه َو ِ‬
‫عْنَد ُد ُ‬
‫ل ِ‬
‫ل َبْيَتهُ َفَذَكر ا َّ‬
‫جُ‬‫ل الّر ُ‬
‫خَ‬‫ل عليه وسلم‪)) :‬إَذا َد َ‬
‫وصح عنه صلى ا ّ‬
‫ت‪،‬‬
‫ن‪َ :‬أْدَرْكُتُم الَمِبي َ‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬
‫ل ال َ‬
‫خوِلِه‪َ ،‬قا َ‬
‫عْنَد ُد ُ‬
‫ل ِ‬
‫ل‪َ ،‬فَلْم يْذُكِر ا َّ‬
‫خَ‬‫شاَء‪َ ،‬وإَذا َد َ‬
‫عَ‬‫ل َ‬
‫ت َلُكْم َو َ‬
‫ن‪ :‬ل َمِبي َ‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬
‫ال ّ‬
‫شاء(( ذكره مسلم‪.‬‬
‫ت والَع َ‬
‫ل‪ :‬أْدَرْكُتُم الَمِبي َ‬
‫طَعاِمِه‪َ ،‬قا َ‬
‫عْنَد َ‬
‫ل ِ‬
‫َوإَذا َلْم يْذُكِر ا َّ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الّذْكِر عند دخوله الخلء‬
‫خُب ِ‬
‫ث‬ ‫ن ال ُ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ل عند دخوله الخلء‪)) :‬الّلُهّم إّنى أ ُ‬
‫ثبت عنه فى ))الصحيحين(( أنه كان يقو ُ‬
‫ث((‪.‬‬
‫خَباِئ ِ‬
‫وال َ‬
‫ل ذلك‪.‬‬
‫ن دخل الخلء أن يقو َ‬
‫وذكر أحمد عنه أنه أمر َم ْ‬
‫س‪،‬‬
‫ج ِ‬
‫س الّن ِ‬
‫ج ِ‬
‫ن الّر ْ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم إّنى أ ُ‬
‫ن َيُقو َ‬
‫ل َمْرِفَقُه أ ْ‬
‫خَ‬‫حُدُكم إَذا َد َ‬
‫جْز أ َ‬
‫وُيذكر عنه‪)) :‬ل َيْع ِ‬
‫جيم((‪.‬‬
‫ن الّر ِ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ث‪ ،‬ال ّ‬
‫خِب ِ‬
‫خبيث الُم ْ‬
‫ال َ‬
‫حُدُكُم‬
‫لأ َ‬
‫خَ‬
‫ت َبِنى آَدَم إَذا َد َ‬
‫عْوَرا ِ‬
‫ن َو َ‬
‫جّ‬‫ن ال ِ‬
‫سْتُر َما َبْي َ‬
‫ل عليه وسلم قال‪َ )) :‬‬
‫وُيذكر عنه صلى ا ّ‬
‫ل((‪.‬‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ل‪ِ :‬ب ْ‬
‫ن َيُقو َ‬
‫فأ ْ‬
‫الَكِني َ‬
‫عَلْيِه‪.‬‬
‫ل َفَلْم َيُرّد َ‬
‫عَلْيِه َوُهوَ َيُبو ُ‬
‫ل سّلَم َ‬
‫ل عليه وسلم أن رج ً‬
‫وثبت عنه صلى ا ّ‬
‫ط‬
‫ن الَغاِئ َ‬
‫ضِرَبا ِ‬
‫ن َي ْ‬
‫لِ‬‫جَ‬
‫خُرج الّر ُ‬
‫ل َي ْ‬
‫ل‪َ )) :‬‬
‫ل سبحانه يمُقت الحديث على الغائط‪َ :‬فَقا َ‬
‫وأخبر أن ا ّ‬
‫ك((‪.‬‬
‫عَلى َذِل َ‬
‫ت َ‬
‫ل َيْمُق ُ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫نا ّ‬
‫ن‪ ،‬فإ ّ‬
‫حّدَثا ِ‬
‫عْوَراِتِهَما َيَت َ‬
‫ن َ‬
‫عْ‬‫ن َ‬
‫شفي َ‬
‫َكا ِ‬
‫ل ول بغائط‪ ،‬وأنه نهى عن ذلك فى‬
‫ل الِقْبلة ول يستدِبُرَها ببو ٍ‬
‫وقد تَقّدَم أنه كان ل يستْقِب ُ‬
‫ل بن الحارث بن جزء‬
‫حديث أبى أيوب‪ ،‬وسلمان الفارسى‪ ،‬وأبى هريرة‪ ،‬ومعقل بن أبى معقل‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫ل عنهم‪ ،‬وعامُة هذه الحاديث صحيحٌة‪،‬‬
‫ل بن عمر‪ ،‬رضى ا ّ‬
‫ل‪ ،‬وعبد ا ّ‬
‫الزبيدى‪ ،‬وجابر بن عبد ا ّ‬
‫ض‬
‫ح نهيه المستفي ُ‬
‫ف الدللة‪ ،‬فل ُيرد صري ُ‬
‫ض لها إما معلول السنِد‪ ،‬وإما ضعي ُ‬
‫وساُئرها حسن‪ ،‬والمعاِر ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أن أناسًا يكرهون أن‬
‫عراك عن عائشة‪ُ :‬ذِكَر لرسول ا ّ‬
‫عنه بذلك‪ ،‬كحديث ِ‬
‫ل الِقْبَلِة(( رواه المام أحمد وقال‪ :‬هو‬
‫يستقبلوا الِقْبلة بفُروجهم‪ ،‬فقال‪َ)) :‬أَو قد فعُلوها؟ حّولوا َمْقَعَدتى ِقَب َ‬
‫ى وغيُره من أئمة‬
‫ل‪ ،‬ولكن هذا الحديث قد طعن فيه البخار ّ‬
‫أحسن ما ُروى فى الرخصة وإن كان مرس ً‬
‫الحديث‪ ،‬ولم ُيِثبُتوه‪ ،‬ول يقتضى كلُم المام أحمد تثبيَته ول تحسيَنه‪ .‬قال الترمذى فى كتاب ))العلل‬
‫‪216‬‬

‫ث فيه‬
‫ل محمد ابن إسماعيل البخارى عن هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬هذا حدي ٌ‬
‫ت أبا عبد ا ّ‬
‫الكبير(( له‪ :‬سأل ُ‬
‫ح عندى عن عائشة من قولها انتهى‪.‬‬
‫اضطراب‪ ،‬والصحي ُ‬
‫عّلة ُأخرى‪ ،‬وهى انقطاعه بين عراك وعائشة‪ ،‬فإنه لم يسمع منها‪ ،‬وقد رواه عبد‬
‫قلت‪ :‬وله ِ‬
‫عّلة أخرى‪ ،‬وهى ضعف خالد بن أبى‬
‫الوّهاب الثقفى عن خالد الحّذاء عن رجل عن عائشة‪ ،‬وله ِ‬
‫الصلت‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فرأيتُه‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أن ُتستقبل الِقْبلُة ببو ٍ‬
‫لا ّ‬
‫ث جابٍر‪)) :‬نهى رسو ُ‬
‫ومن ذلك حدي ُ‬
‫قبل أن ُيقبض بعام يستقبلها((‪ ،‬وهذا الحديث استغربه الترمذى بعد تحسينه‪ ،‬وقال الترمذى فى كتاب‬
‫))العلل((‪ :‬سألت محمدًا ‪ -‬يعنى البخارى ‪ -‬عن هذا الحديث‪ ،‬فقال‪ :‬هذا حديث صحيح‪ ،‬رواه غيُر واحد‬
‫عن ابن إسحاق‪ ،‬فإن كان مراد البخارى صحته عن ابن إسحاق‪ ،‬لم يدل على صحته فى نفسه‪ ،‬وإن‬
‫ل صلى‬
‫لا ّ‬
‫كان مراده صحته فى نفسه‪ ،‬فهى واقعة عين‪ ،‬حكُمها حكم حديث ابن عمر لما رأى رسو َ‬
‫سه‪،‬‬
‫خ النهى به‪ ،‬وعك ُ‬
‫ل وجوهًا ستة‪ :‬نس ُ‬
‫جته مستدبر الكعبة‪ ،‬وهذا يحتِم ُ‬
‫ال عليه وسلم يقضى حا َ‬
‫ن لعذر اقتضاه لمكان أو غيره‪،‬‬
‫صه بالبنيان‪ ،‬وأن يكو َ‬
‫ل عليه وسلم‪ ،‬وتخصي ُ‬
‫صه به صلى ا ّ‬
‫وتخصي ُ‬
‫ل إلى الجزم بواحد من هذه الوجوه على‬
‫وأن يكون بيانًا‪ ،‬لن النهى ليس على التحريم‪ ،‬ول سبي َ‬
‫ث جابر ل يحتمل الوجه الثانى منها‪ ،‬فل سبيل إلى ترك أحاديث النهى الصحيحة‬
‫التعيين‪ ،‬وإن كان حدي ُ‬
‫ن عمر‪ :‬إنما نهى عن ذلك فى الصحراء‪َ ،‬فهٌْم منه‬
‫ل اب ِ‬
‫ل‪ ،‬وقو ُ‬
‫الصريحة المستفيضة بهذا المحَتَم ِ‬
‫لختصاص النهى بها‪ ،‬وليس بحكاية لفظ النهى‪ ،‬وهو معاَرض بفهم أبى أيوب للعموم مع سلمة قو ِ‬
‫ل‬
‫أصحاب العموم من التناقض الذى يلزم المفّرقين بين الفضاء والبنيان‪ ،‬فإنه يقال لهم‪ :‬ما حّد الحاجز‬
‫الذى يجوُز ذلك معه فى البنيان؟ ول سبيل إلى ذكر حّد فاصل‪ ،‬وإن جعلوا مطلق البنيان مجّوزًا لذلك‪،‬‬
‫لزمهم جوازه فى الفضاء الذى يحول بين البائل وبينه جبل قريب أو بعيد‪ ،‬كنظيره فى البنيان‪ ،‬وأيضًا‬
‫س البيت‪ ،‬فكم من‬
‫فإن النهى تكريٌم لجهة الِقْبلة‪ ،‬وذلك ل يختلف بفضاء ول بنيان‪ ،‬وليس مختصًا بنف ِ‬
‫ن البنيان وأعظم‪ ،‬وأما جهُة القِْبلة‪ ،‬فل‬
‫جدرا ُ‬
‫جبل وأَكَمٍة حائل بين البائل وبين البيت بمثل ما تحول ُ‬
‫حائل بين البائل وبينها‪ ،‬وعلى الجهة وقع النهى‪ ،‬ل على البيت نفسه فتأمله‪.‬‬
‫فصل‬
‫فيما يقال عند الخروج من الخلء‬
‫‪217‬‬

‫ل اّلِذى أْذَه َ‬
‫ب‬ ‫حْمُد ِّ‬
‫ك((‪ ،‬وُيذكر عنه أنه كان يقول‪)) :‬ال َ‬
‫غْفَراَن َ‬
‫وكان إذا خرج من الخلء قال‪ُ )) :‬‬
‫عاَفاِنى(( ذكره ابن ماجه‬
‫عّنى الَذى‪َ ،‬و َ‬
‫َ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى أذكار الوضوء‬
‫ل عليه وسلم أنه وضع يديه فى الناء الذى فيه الماء‪ ،‬ثم قال للصحابة‪:‬‬
‫ثبت عنه صلى ا ّ‬
‫ل((‪.‬‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ضؤوا ِب ْ‬
‫))ًَتَو ّ‬
‫جاِبُر‬
‫خْذ َيا َ‬
‫ل‪ُ )) :‬‬
‫ضوٍء(( فجئ بالماء فقا َ‬
‫ل عنه‪َ)) :‬ناِد ِبَو ُ‬
‫وثبت عنه أنه قال لجابر رضى ا ّ‬
‫ن َبْي َ‬
‫ن‬ ‫ت الماء َيفوُر مِ ْ‬
‫ل‪ ،‬قال‪ :‬فرأي ُ‬
‫ت‪ :‬بسم ا ّ‬
‫عَليه‪ ،‬وُقْل ُ‬
‫ت َ‬
‫صَبْب ُ‬
‫ل(( قال‪َ :‬ف َ‬
‫سِم ا ّ‬
‫ل‪ِ :‬ب ْ‬
‫ى وُق ْ‬
‫ب عل ّ‬
‫ص ّ‬
‫َف ُ‬
‫صاِبعه‪.‬‬
‫أ َ‬
‫ل عنهم‪:‬‬
‫وذكر أحمد عنه من حديث أبى هريرة‪ ،‬وسعيد بن زيد‪ ،‬وأبى سعيد الخدرى رضى ا ّ‬
‫عَلْيِه((‪ .‬وفى أسانيدها لين‪.‬‬
‫ل َ‬
‫سَم ا ِّ‬
‫ضوَء ِلَمن ًَلْم َيْذُكِر ا ْ‬
‫ل ُو ُ‬
‫)) َ‬
‫لا ّ‬
‫ل‬ ‫ل إلَه إ ّ‬
‫ن َ‬
‫شَهُد أ ْ‬
‫ل‪ :‬أ ْ‬
‫ضوَء ُثّم َقا َ‬
‫سَبَغ الوُ ُ‬
‫ل عليه وسلم أنه قال‪َ)) :‬من أ ْ‬
‫ح عنه صلى ا ّ‬
‫وص ّ‬
‫شاَء((‬
‫ن أّيَها َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫خُ‬‫جّنِة الّثَماِنَيُة َيْد ُ‬
‫ب ال َ‬
‫ت َلُه أْبَوا ُ‬
‫ح ْ‬
‫سوُلُه‪ُ ،‬فِت َ‬
‫عْبُدُه وَر ُ‬
‫حّمدًا َ‬
‫ن ُم َ‬
‫شَهُد أ ّ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫شِري َ‬
‫لَ‬‫حَدُه َ‬
‫َو ْ‬
‫ذكره مسلم‬
‫ن(( وزاد المام‬
‫طّهِري َ‬
‫ن الُمَت َ‬
‫جَعْلِنى ِم َ‬
‫ن وا ْ‬
‫ن الّتَواِبي َ‬
‫جَعْلِنى ِم َ‬
‫وزاد الترمذى بعد التشهد‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫سَماِء‪ .‬وزاد ابن ماجه مع أحمد‪ :‬قول ذلك ثلث مرات‪.‬‬
‫ظَرُه إلى ال ّ‬
‫أحمد‪ :‬ثّم َرَفَع َن َ‬
‫ن‬
‫غ ِم ْ‬
‫ضَأ َفَفَر َ‬
‫ن َتَو ّ‬
‫خلد فى ))مسنده(( من حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعًا‪َ)) :‬م ْ‬
‫ى بن َم ْ‬
‫وذكر بق ّ‬
‫ق‬
‫ب فى َر ّ‬
‫ك‪ُ ،‬كِت َ‬
‫ب إَلْي َ‬
‫ك وأُتو ُ‬
‫سَتْغِفُر َ‬
‫ت َأ ْ‬
‫ل أْن َ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ن َ‬
‫شَهُد أ ْ‬
‫كأ ْ‬
‫حْمِد َ‬
‫ك الّلُهّم َوب َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫ل‪ُ :‬‬
‫ضوِئِه‪ُ ،‬ثّم َقا َ‬
‫و ُ‬
‫سْر إلى َيْوِم الِقَياَمِة((‪ ،‬ورواه النسائى فى كتابه الكبير‬
‫ش َفَلْم ُيْك َ‬
‫ت الَعْر ِ‬
‫ح َ‬
‫ت َت ْ‬
‫طابٍع‪ُ ،‬ثّم ُرِفَع ْ‬
‫عْلْيَها ِب َ‬
‫طبَع َ‬
‫وُ‬
‫ل النسائى‪ :‬باب ما يقول بعد فراغه من وضوئه‪ ،‬فذكر بعض ما تقدم‪.‬‬
‫من كلم أبى سعيد الخدرى‪ ،‬وقا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‬
‫لا ّ‬
‫ت رسو َ‬
‫ثم ذكر بإسناد صحيح من حديث أبى موسى الشعرى قال‪ :‬أتي ُ‬
‫ك ِلى فى‬
‫سْع ِلى فى َدارى‪ ،‬وَباِر ْ‬
‫غِفْر ِلى َذْنِبى‪َ ،‬وَو ّ‬
‫ضَأ‪ ،‬فسمعُته يقول ويدعو‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫بوضوٍء فتو ّ‬
‫ل ابن السنى‪:‬‬
‫ىٍء((؟ وقا َ‬
‫ش ْ‬
‫ن َ‬
‫ت ِم ْ‬
‫ل َتَرَك ْ‬
‫ل‪ :‬سمعُتك تدعو بكذا وكذا‪ ،‬قال‪)) :‬وَه ْ‬
‫ى ا ِّ‬
‫ت‪ :‬يا نب ّ‬
‫ِرْزِقى(( فقل ُ‬
‫باب ما يقول بين ظهرانى وضوئه فذكره‪.‬‬
‫‪218‬‬

‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الذان وأذكاره‬
‫ن التأذين بترجيع وبغير ترجيع‪ ،‬وشرع الَقامََة مثنى‬
‫ل عليه وسلم أنه س ّ‬
‫ثبت عنه صلى ا ّ‬
‫صلُة(( ولم يصح عنُه إفراُدَها البتة‪،‬‬
‫ت ال ّ‬
‫وُفرادى‪ ،‬ولكن الذى صح عنه تثنيُة كلمِة الَقاَمِة‪َ)) :‬قْد َقاَم ِ‬
‫ح عنه القتصاُر على مرتين‪ ،‬وأما‬
‫صّ‬‫ح عنه تكراُر لفظ التكبير فى أول الذان أربعًا‪ ،‬ولم َي ِ‬
‫وكذلك ص ّ‬
‫ح التربيُع صريحًا‬
‫ن َوُيوِتَر الَقاَمَة(( فل ينافى الشفع بأربع‪ ،‬وقد ص ّ‬
‫شَفَع الَذا َ‬
‫ن َي ْ‬
‫لأ ْ‬
‫لٌ‬‫ث‪ُ)) :‬أِمَر ِب َ‬
‫حدي ُ‬
‫ل عنهم‪.‬‬
‫ل بن زيد‪ ،‬وعمر بن الخطاب‪ ،‬وأبى محذورة رضى ا ّ‬
‫فى حديث عبد ا ّ‬
‫ل عنهما‪ ،‬استثناُء كلمة القامة‪ ،‬فقال‪ :‬إنما‬
‫ح عن ابن عمر رضى ا ّ‬
‫وأما إفراُد القامة‪ ،‬فقد ص ّ‬
‫ن‪ ،‬والَقامُة مّرًة مّرًة‪ ،‬غيَر أنه يقول‪:‬‬
‫ن َمّرَتْي ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم مّرَتْي ِ‬
‫لا ّ‬
‫سو ِ‬
‫عْهِد ر ُ‬
‫ن على َ‬
‫ن الذا ُ‬
‫كا َ‬
‫لُة((‪.‬‬
‫صَ‬‫ت ال ّ‬
‫لُة‪َ ،‬قْد َقاَم ِ‬
‫صَ‬‫ت ال ّ‬
‫َقد َقاَم ِ‬
‫ن‪ ،‬وُيوِتَر الَقاَمَة‪ ،‬إل الَقاَمة((‪.‬‬
‫شَفَع الَذا َ‬
‫ن َي ْ‬
‫لأ ْ‬
‫وفى ))صحيح البخارى(( عن أنس‪ُ)) :‬أِمَر ِبل ٌ‬
‫لُة((‪.‬‬
‫صَ‬‫ت ال ّ‬
‫لُة‪َ ،‬قْد َقاَم ِ‬
‫صَ‬‫ت ال ّ‬
‫ل بن زيد وعمر فى القامة‪َ)) :‬قْد َقاَم ِ‬
‫وصح من حديث عبد ا ّ‬
‫ت الذان‪.‬‬
‫وصح من حديث أبى محذورة تثنيُة كلمِة القامة مع سائر كلما ِ‬
‫ل ِمن بعض‪،‬‬
‫ضها أفض َ‬
‫ل هذه الوجوه جائزة مجزئة ل كراهة فى شئ منها‪ ،‬وإن كان بع ُ‬
‫وُك ّ‬
‫فالمام أحمد أخذ بأذان بلل وإقامته‪ ،‬والشافعى‪ ،‬أخذ بأذان أبى محذورة وإقامة بلل‪ ،‬وأبو حنيفة أخذ‬
‫بأذان بلل وإقامة أبى محذورة‪ ،‬ومالك أخذ بما رأى عليه عملَ أهل المدينة من القتصار على التكبير‬
‫سـّنة‪.‬‬
‫ل كلهم‪ ،‬فإنهم اجتهدوا فى متابعة ال ّ‬
‫فى الذان مرتين‪ ،‬وعلى كلمة القامة مرة واحدة‪ ،‬رحمهم ا ّ‬
‫فصل‬
‫لّمته من الّذْكِر عند الذان وبعده‬
‫فيما شرعه صلى ال عليه وسلم ُ‬
‫لّمته منه خمسة أنواع‪:‬‬
‫ل عليه وسلم فى الّذكر عند الذان وبعَده‪ ،‬فشرع ُ‬
‫وأّما َهْدُيه صلى ا ّ‬
‫ى على‬
‫ى على الصلة((‪)) ،‬ح ّ‬
‫أحدها‪ :‬أن يقول السامع كما يقول المؤّذن‪ ،‬إل فى لفظ‪)) :‬ح ّ‬
‫ل(( ولم يجئ عنه الجمُع بينها وبين‪)) :‬ح ّ‬
‫ى‬ ‫ل با ِّ‬
‫ل ُقّوَة إ ّ‬
‫لو َ‬
‫حْو َ‬
‫الفلح(( فإنه صح عنه إبداُلهما بـ ))ل َ‬
‫ل عليه وسلم الذى‬
‫ى على الفلح(( ول القتصاُر على الحيعلة‪ ،‬وَهْدُيه صلى ا ّ‬
‫على الصلة((‪)) ،‬ح ّ‬
‫صح عنه إبداُلهما بالحوقلة‪ ،‬وهذا مقتضى الحكمة المطابقِة لحال المؤّذن والسامع‪ ،‬فإن كلمات الذان‬
‫‪219‬‬

‫ن على‬
‫سَتِعي َ‬
‫ن للسامع أن َي ْ‬
‫سّ‬‫ن للسامع أن يقولها‪ ،‬وكلمة الحيعلة دعاٌء إلى الصلة لمن سمعه‪َ ،‬ف َ‬
‫سّ‬‫ِذْكٌر‪َ ،‬ف َ‬
‫ل الَعّلى العظيم((‪.‬‬
‫ل با ِّ‬
‫ل ُقّوَة إ ّ‬
‫لو َ‬
‫حْو َ‬
‫هذه الدعوة بكلمة العانة وهى‪)) :‬ل َ‬
‫ل َربًا‪،‬‬
‫ت ِبا ّ‬
‫ضي ُ‬
‫ل‪َ ،‬ر ِ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو ُ‬
‫حّمدًا َر ُ‬
‫ن ُم َ‬
‫ل‪ ،‬وأ ّ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ن ل إلَه إ ّ‬
‫شَهُد أ ْ‬
‫الثانى‪ :‬أن يقول‪ :‬وَأَنا َأ ْ‬
‫غِفَر َلُه َذْنُبُه‪.‬‬
‫ك ُ‬
‫ل ذِل َ‬
‫ن َقا َ‬
‫ن َم ْ‬
‫خَبَر أ ّ‬
‫ل‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫سو ً‬
‫حّمٍد َر ُ‬
‫لِم ِديَنًا‪ ،‬وِبُم َ‬
‫سَ‬‫َوبال ْ‬
‫ل ما‬
‫ى صلى ال عليه وسلم بعَد َفراغه من إجابة المؤّذن‪ ،‬وأْكَم ُ‬
‫ى على النب ّ‬
‫الثالث‪ :‬أن ُيصّل َ‬
‫لَة عليه‬
‫ُيصّلى عليه ِبِه‪ ،‬ويصل إليه‪ ،‬هى الصلة البراهيمية كما عّلمه ُأّمته أن ُيصّلوا عليه‪ ،‬فل ص َ‬
‫ل منها وإن تحذلق المتحذلقون‪.‬‬
‫أكم ُ‬
‫حّمدًا‬
‫ت ُم َ‬
‫صلِة الَقاِئَمِة‪ ،‬آ ِ‬
‫عَوِة الّتاّمِة‪ ،‬وال ّ‬
‫ب هِذِه الّد ْ‬
‫ل بعد صلته عليه‪)) :‬الّلُهّم َر ّ‬
‫الرابع‪ :‬أن يقو َ‬
‫ف الِميَعاَد(( هكذا جاء بهذا اللفظ‪:‬‬
‫خِل ُ‬
‫ك ل ُت ْ‬
‫عْدَتُه إّن َ‬
‫حُمودًا الذى و َ‬
‫ضيَلَة‪ ،‬واْبَعْثُه َمَقامًا َم ْ‬
‫سيَلَة والَف ِ‬
‫الَو ِ‬
‫ل عليه وسلم‪.‬‬
‫))مقامًا محمودًا(( بل ألف ول لم‪ ،‬وهكذا صح عنه صلى ا ّ‬
‫جاب له‪ ،‬كما فى ))السنن((‬
‫سَت َ‬
‫ل من فضله‪ ،‬فإنه ُي ْ‬
‫لا ّ‬
‫الخامس‪ :‬أن يدعَو لنفسه بعد ذلك‪ ،‬ويسأ َ‬
‫طْه((‪.‬‬
‫ل ُتْع َ‬
‫سْ‬‫ت َف َ‬
‫ن ‪َ -‬فإَذا اْنَتهْي َ‬
‫ن ‪َ -‬يْعِنى الُمَؤّذِني َ‬
‫ل َكَما َيُقوُلو َ‬
‫ل عليه وسلم‪ُ)) :‬ق ْ‬
‫عنه صلى ا ّ‬
‫ب هِذِه‬
‫ن ُيَناِدى الُمَناِدى‪ :‬الّلُهّم َر ّ‬
‫ل حي َ‬
‫ن َقا َ‬
‫وذكر المام أحمد عنه صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫ل َلُه‬
‫ب ا ُّ‬
‫جا َ‬
‫سَت َ‬
‫ط َبْعَدُه‪ ،‬ا ْ‬
‫خَ‬‫سَ‬
‫ىل َ‬
‫ضً‬‫عْنُه ِر َ‬
‫ض َ‬
‫حّمٍد َواْر َ‬
‫عَلى ُم َ‬
‫ل َ‬
‫صّ‬‫صلِة الّناِفَعِة‪َ ،‬‬
‫عَوِة الّتاّمة َوال ّ‬
‫الّد ْ‬
‫عَوَته((‪.‬‬
‫َد ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم أن أقول عند أذان‬
‫لا ّ‬
‫ل عنها‪ :‬عّلمنى رسو ُ‬
‫وَقالت أّم سلمة رضى ا ّ‬
‫غِفْرلى(( ذكره الترمذى‪.‬‬
‫ك‪َ ،‬فا ْ‬
‫عاِت َ‬
‫ت ُد َ‬
‫صَوا ُ‬
‫ك‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ك‪َ ،‬وإْدَباُر َنَهاِر َ‬
‫ل َلْيِل َ‬
‫ن هَذا إْقَبا ُ‬
‫المغرب‪)) :‬الّلُهّم إ ّ‬
‫وذكر الحاكم فى ))المستدرك(( من حديث أبى ُأمامة يرفعه أنه كان إذا سمع الذان قال‪)) :‬الّلُهّم‬
‫حِيِنى‬
‫عَلْيَها َوَأ ْ‬
‫ق َوَكِلَمِة الّتْقَوى‪َ ،‬تَوّفنى َ‬
‫حّ‬‫عوِة ال َ‬
‫ب َلَها‪َ ،‬د ْ‬
‫جا ِ‬
‫سَت َ‬
‫جاَبِة‪ ،‬والُم ْ‬
‫سَت َ‬
‫عوِة الّتاّمِة الُم ْ‬
‫ب َهِذِه الّد ْ‬
‫َر ّ‬
‫ل َيْوَم الِقَياَمِة((‪ ،‬وذكره البيهقى من حديث ابن عمر موقوفًا‬
‫عَم ً‬
‫حى أْهِلَها َ‬
‫صاِل ِ‬
‫ن َ‬
‫جَعْلِنى ِم ْ‬
‫عَلْيَها‪َ ،‬وا ْ‬
‫َ‬
‫عليه‪.‬‬
‫ل وأَداَمَها((‪.‬‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه كان يقول عند كلمِة القامة‪)) :‬أَقاَمَها ا ُّ‬
‫وُذكر عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ل يا‬
‫ن والقاَمِة(( قالوا فما نقو ُ‬
‫ن الَذا ِ‬
‫ل ُيَرّد بي َ‬
‫عاُء َ‬
‫ل عليه وسلم‪)) :‬الّد َ‬
‫وفى السنن عنه صلى ا ّ‬
‫خَرِة(( حديث صحيح‪.‬‬
‫ل الَعاِفيَة فى الّدْنَيا وال ِ‬
‫سُلوا ا ّ‬
‫ل؟ قال‪َ )) :‬‬
‫رسول ا ّ‬
‫‪220‬‬

‫ضوِر‬
‫ح ُ‬
‫عْنَد ُ‬
‫عوُته‪ِ :‬‬
‫ع َد ْ‬
‫عَلى َدا ٍ‬
‫سَماِء وَقّلما ُتَرّد َ‬
‫ب ال ّ‬
‫ل ِفيهَما أْبوا َ‬
‫ح ا ُّ‬
‫ن‪َ ،‬يْفَت ُ‬
‫عَتا ِ‬
‫سا َ‬
‫وفيها عنه‪َ )) :‬‬
‫ل((‪.‬‬
‫لا ّ‬
‫سِبي ِ‬
‫ف فى َ‬
‫ص ّ‬
‫الّنَداِء‪ ،‬وال ّ‬
‫ل والذكاِر بعد انقضائها‪ ،‬والذكار فى العيدين‪،‬‬
‫صً‬‫وقد تقّدم َهْدُيه فى أذكار الصلة مف ّ‬
‫ل تعالى‪ ،‬وأنه كان يسّبح فى صلتها‬
‫والجنائز‪ ،‬والكسوف‪ ،‬وأنه أمر فى الكسوف بالفزع إلى ذكر ا ّ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫سر عن الشمس‪ ،‬وا ّ‬
‫حِ‬‫حَمُد ويدعو حتى ُ‬
‫قائمًا رافعًا يديه ُيهّلل وُيكّبر وَي ْ‬
‫فصل‬
‫جة‬
‫حّ‬‫فى الكثار من الدعاء والتهليل والتكبير والتحميد فى عشر ذى ال ِ‬
‫جة‪ ،‬ويأُمر فيه بالكثار من التهليل‬
‫حّ‬‫شِر ذى ال ِ‬
‫عْ‬‫ل عليه وسلم ُيكِثُر الدعاء فى َ‬
‫وكان صلى ا ّ‬
‫والتكبير والتحميد‪.‬‬
‫وُيذكر عنه أنه كان ُيكّبر من صلة الفجر يوَم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق‪،‬‬
‫حْمُد(( وهذا وإن كان ل يصح إسناده‪،‬‬
‫ل ال َ‬
‫ل أْكَبُر و ِّ‬
‫ل‪ ،‬وا ّ‬
‫ل ا ُّ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ل أْكَبُر‪َ ،‬‬
‫ل أْكَبُر‪ ،‬ا ُّ‬
‫فيقول‪)) :‬ا ُّ‬
‫فالعمل عليه‪ ،‬ولفظه هكذا يشفع التكبير‪ ،‬وأما كونه ثلثًا‪ ،‬فإنما ُروى عن جابر وابن عباس ِمن فعلهما‬
‫ن ا ِّ‬
‫ل‬ ‫سْبحا َ‬
‫ل كثيرًَا‪ ،‬و ُ‬
‫ل أكبُر كبيرًا‪ ،‬والحمُد ّ‬
‫ثلثًا فقط‪ ،‬وِكلهما حسن‪ ،‬قال الشافعى‪ :‬إن زاد فقال‪)) :‬ا ّ‬
‫ن ولو كره الكافرون‪ ،‬ل إله إل ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل‪ ،‬ول نعبُد إل إّياه‪ ،‬مخلصين له الّدي َ‬
‫ل‪ ،‬ل إلَه إل ا ُّ‬
‫ُبكرًة وأصي ً‬
‫ل أكبُر(( كان حسنًا‪.‬‬
‫ل وا ُّ‬
‫ب وحده‪ ،‬ل إله إل ا ّ‬
‫ق وعده‪ ،‬ونصَر عبَده‪ ،‬وهزم الحزا َ‬
‫وحَدُه‪ ،‬صَد َ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الّذْكِر عند رؤية الهلل‬
‫سلِم‪َ ،‬رّبى َوَرّب َ‬
‫ك‬ ‫لَمِة وال ْ‬
‫سَ‬‫ن‪ ،‬وال ّ‬
‫ن واليَما ِ‬
‫عَلْيَنا ِبالْم ِ‬
‫ُيذكر عنه أنه كان يقول‪)) :‬الّلُهّم َأِهّله َ‬
‫ث حسن‪.‬‬
‫ل(( قال الترمذى‪ :‬حدي ٌ‬
‫ا ُّ‬
‫سلَمِة‬
‫ن‪ ،‬وال ّ‬
‫ن واليَما ِ‬
‫لْم ِ‬
‫عَلْيَنا ِبا َ‬
‫ل أْكَبُر‪ ،‬الّلُهّم أِهّلُه َ‬
‫وُيذكر عنه أنه كان يقول عند رؤيته‪)) :‬ا ُّ‬
‫ل(( ذكره الدارمى‪.‬‬
‫ك ا ُّ‬
‫ضى‪َ ،‬رّبَنا َوَرّب َ‬
‫ب رّبنا وَيْر َ‬
‫ق ِلَما ُيح ّ‬
‫لِم والّتْوِفي ِ‬
‫سَ‬‫وال ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى الهلل قال‪:‬‬
‫ىا ّ‬
‫وذكر أبو داود عن قتادة أنه بلغه أن نب ّ‬
‫ل اّلِذى‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪ :‬ال َ‬
‫ت‪ُ -‬ثّم َيُقو ُ‬
‫ث َمّرا ٍ‬
‫ك(( ‪َ -‬ثل َ‬
‫خَلَق َ‬
‫ت ِباّلِذى َ‬
‫شٍد‪ ،‬آَمْن ُ‬
‫خْيٍر َوُر ْ‬
‫ل َ‬
‫لُ‬‫شٍد‪ِ ،‬ه َ‬
‫خْيٍر َوُر ْ‬
‫ل َ‬
‫لُ‬‫))ِه َ‬
‫شْهِر َكَذا((‪ .‬وفى أسانيدها لين‪.‬‬
‫جاَء ب َ‬
‫ب بشهِر َكَذا‪َ ،‬و َ‬
‫َذَه َ‬
‫‪221‬‬

‫)يتبع‪(...‬‬
‫ب عن النبى صلى‬
‫وُيذكر عن أبى داود وهو فى بعض نسخ سننه أنه قال‪ :‬ليس فى هذا البا ِ‬ ‫@‬
‫ث مسند صحيح‪.‬‬
‫ال عليه وسلم حدي ٌ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى أذكار الطعام قبله وبعده‬
‫حُدُكم‪،‬‬
‫لأ َ‬
‫ل(( ويأمر الكل بالتسمية‪ ،‬ويقول ))إَذا أَك َ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫كان إذا وضع يده فى الطعام قال‪)) :‬ب ْ‬
‫خِرِه (( حديث‬
‫ل فى أّوِله َوآ ِ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ل‪ِ :‬ب ْ‬
‫ل فى أّوِلِه‪َ ،‬فْلَيُق ْ‬
‫سَم ا ِّ‬
‫ن َيْذُكَر ا ْ‬
‫ىأ ْ‬
‫سَ‬‫ن َن ِ‬
‫ل تَعاَلى‪ ،‬فإ ْ‬
‫َفْلَيْذُكِر اسَْم ا ِّ‬
‫صحيح‪.‬‬
‫ب التسمية عند الكل‪ ،‬وهو أحُد الوجهين لصحاب أحمد‪ ،‬وأحاديث المر بها‬
‫ح وجو ُ‬
‫والصحي ُ‬
‫جَها عن ظاهرها‪ ،‬وتاِرُكَها‬
‫خِر ُ‬
‫غ مخالفتها وُي ْ‬
‫ع يسّو ُ‬
‫ض لها‪ ،‬ول إجما َ‬
‫صحيحة صريحة‪ ،‬ول ُمعاِر َ‬
‫شريكُه الشيطان فى طعامه وشرابه‪.‬‬
‫فصل‬
‫ى ال‬
‫فى إذا ما كان الكلون جماعة فعلى كل واحد منهم أن ُيسّم َ‬
‫وهاهنا مسألة تدعو الحاجة إليها‪ ،‬وهى أن الكلين إذا كانوا جماعة‪ ،‬فسّمى أحُدهم‪ ،‬هل تزو ُ‬
‫ل‬
‫ص الشافعى على‬
‫مشاركة الشيطان لهم فى طعامهم بتسميته وحَده‪ ،‬أم ل تزول إل بتسمية الجميع؟ فن ّ‬
‫ت العاطس‪ ،‬وقد ُيقال‪ :‬ل ُترفع‬
‫إجزاء تسمية الواحد عن الباقين‪ ،‬وجعله أصحاُبه كرّد السلم‪ ،‬وتشمي ِ‬
‫مشاركُة الشيطان للكل إل بتسميته هو‪ ،‬ول يكفيه تسميُة غيره‪ ،‬ولهذا جاء فى حديث حذيفة‪ :‬إّنا‬
‫ت لتضع يدها فى‬
‫ل صلى ال عليه وسلم طعامًا‪ ،‬فجاءت جارية كأنما ُتْدَفع‪ ،‬فذهب ْ‬
‫حضرنا مع رسول ا ّ‬
‫ل رسول‬
‫ل صلى ال عليه وسلم بيدها‪ ،‬ثّم جاء أعرابى َكَأّنَما ُيْدَفُع‪ ،‬فأخذ بيده‪ ،‬فقا َ‬
‫لا ّ‬
‫الطعام‪ ،‬فأخَذ رسو ُ‬
‫جاَء ِبهِذِه‬
‫عَلْيِه‪ ،‬وإّنُه َ‬
‫ل َ‬
‫سُم ا ِّ‬
‫ن ل ُيْذَكَر ا ْ‬
‫طَعاَم أ ْ‬
‫ل ال ّ‬
‫حّ‬‫سَت ِ‬
‫ن َلَي ْ‬
‫طا َ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬إ ّ‬
‫ا ّ‬
‫ن‬
‫سى ِبَيِدِه إ ّ‬
‫ت ِبَيِدِه‪ ،‬واّلِذى َنْف ِ‬
‫خْذ ُ‬
‫ل ِبِه‪َ ،‬فَأ َ‬
‫حّ‬‫سَت ِ‬
‫ى ِلَي ْ‬
‫عَراب ّ‬
‫جاَء ِبهَذا ال ْ‬
‫ت ِبَيِدَها‪َ ،‬ف َ‬
‫خْذ ُ‬
‫ل ِبَها‪َ ،‬فَأ َ‬
‫حّ‬‫سَت ِ‬
‫جاِرَيِة لَِي ْ‬
‫ال َ‬
‫ل وأكل‪ ،‬ولو كانت تسمية الواحد تكفى‪ ،‬لما وضع الشيطان يده‬
‫َيَدُه َلِفى َيدى َمَع َيَدْيِهَما(( ثم ذكَر اسَم ا ّ‬
‫فى ذلك الطعام‪.‬‬
‫‪222‬‬

‫ن الجارية‬
‫ى صلى ال عليه وسلم لم يكن قد وضع يده وسّمى بعُد‪ ،‬ولك ّ‬
‫ولكن قد ُيجاب بأن النب ّ‬
‫ن‪ ،‬فِمن أين لُكم أن الشيطان شارك‬
‫ى‪ ،‬فشاركهما الشيطا ُ‬
‫ابتدأت بالوضع بغيِر تسمية‪ ،‬وكذلك العراب ّ‬
‫ى وصححه من حديث‬
‫ل‪ ،‬لكن قد روى الترمذ ّ‬
‫َمن لم ُيسّم بعد تسمية غيره؟‪ ،‬فهذا مما ُيمكن أن ُيقا َ‬
‫سّتِة من أصحابه‪ ،‬فجاء أعرابى‪،‬‬
‫ل طعامًا فى ِ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم يأك ُ‬
‫لا ّ‬
‫عائشة قالت‪ :‬كان رسو ُ‬
‫سّمى َلَكَفاُكم((‪ ،‬وِمن المعلوم أن‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬أَما إّنه َلْو َ‬
‫لا ّ‬
‫سو ُ‬
‫ل َر ُ‬
‫ن‪َ ،‬فَقا َ‬
‫َفَأَكَلُه ِبُلْقَمَتْي ِ‬
‫سّموا‪ ،‬فلما جاء هذا العرابى فأكل ولم يسّم‪ ،‬شاركه‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأولئك الستة َ‬
‫لا ّ‬
‫رسو َ‬
‫ن فى أكله فأكل الطعام ِبُلقمتين‪ ،‬ولو سّمى لكفى الجميع‪.‬‬
‫الشيطا ُ‬
‫ح عن النبى صلى ال عليه وسلم‬
‫ت العاطس‪ ،‬ففيها نظر‪ ،‬وقد ص ّ‬
‫وأّما مسألُة رّد السلم‪ ،‬وتشمي ِ‬
‫حكم فيهما‪،‬‬
‫سّلَم ال ُ‬
‫شّمَتُه(( وإن ُ‬
‫ن ُي َ‬
‫سِمَعُه أ ْ‬
‫ن َ‬
‫ل َم ْ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ق َ‬
‫حٌ‬‫ل َف َ‬
‫حِمَد ا ّ‬
‫حُدُكم‪َ ،‬ف َ‬
‫سأَ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫أنه قال‪)) :‬إَذا َ‬
‫ن إنما يتوصل إلى مشاركة الِكل فى أكله إذا لم‬
‫ق بينهما وبين مسألة الكل ظاِهٌر‪ ،‬فإن الشيطا َ‬
‫فالفر ُ‬
‫ن له‪ ،‬فيأكل معه‪ ،‬بل َتِق ّ‬
‫ل‬ ‫جز تسميُة َمن سّمى عمن لم ُيسّم ِمن مقارنة الشيطا ِ‬
‫ُيسّم‪ ،‬فإذا سّمى غيُره‪ ،‬لم ت ُ‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫مشاركة الشيطان بتسمية بعضهم‪ ،‬وتبقى الشركُة بين َمن لم ُيسّم وبينه‪ ،‬وا ّ‬
‫طَعاِمِه‪َ ،‬فْلَيْقَرأ‪ُ} :‬ق ْ‬
‫ل‬ ‫عَلى َ‬
‫ى َ‬
‫سّم َ‬
‫ن ُي َ‬
‫ىأ ْ‬
‫سَ‬‫ن َن ِ‬
‫وُيذكر عن جابر عن النبى صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫غ(( وفى ثبوت هذا الحديث نظر‪.‬‬
‫حٌد{ ]الخلص‪ [1 :‬إَذا َفَر َ‬
‫لأ َ‬
‫ُهَو ا ُّ‬
‫حْمدًا َكِثيرًا طّيبًا ُمَباَركًا ِفيِه‪ ،‬غيَر َمْكفِ ّ‬
‫ى‬ ‫ل َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫وكان إذا ُرِفَع الطعاُم من بين يديه يقول‪)) :‬ال َ‬
‫ل‪ .‬ذكره البخارى‪.‬‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫عْنه َرّبنا(( َ‬
‫ى َ‬
‫سَتْغن ً‬
‫ل ُم ْ‬
‫ع َو َ‬
‫ل ُمَوّد ٍ‬
‫َو َ‬
‫ن((‪.‬‬
‫سِلِمي َ‬
‫جَعَلَنا ُم ْ‬
‫سَقاَنا َو َ‬
‫طَعَمَنا َو َ‬
‫ل اّلِذى أ ْ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ن يقول‪)) :‬ال َ‬
‫وربَما كا َ‬
‫خَرجًا((‪.‬‬
‫ل َلُه َم ْ‬
‫جَع َ‬
‫غُه َو َ‬
‫سَقى وسّو َ‬
‫طَعَم َو َ‬
‫ل اّلِذى أ ْ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫وكان يقول‪)) :‬ال َ‬
‫ل اّلِذى َكَفاَنا َوآَوانا((‪ ،‬وذكر الترمذى عنه أنه قال‪:‬‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪)) :‬ال َ‬
‫ى عنه أنه كان يقو ُ‬
‫وذكر البخار ّ‬
‫ل َلُه َما َتقَّدَم ِم ْ‬
‫ن‬ ‫غَفَر ا ُّ‬
‫ل ِمّنى َول ُقّوٍة‪َ ،‬‬
‫حْو ٍ‬
‫غْيِر َ‬
‫ن َ‬
‫طَعَمِنى َهَذا ِم ْ‬
‫ل اّلِذى َأ ْ‬
‫حْمُد ّ‬
‫ل‪ :‬ال َ‬
‫طعاَمًا َفَقا َ‬
‫ن أَكلَ َ‬
‫))َم ْ‬
‫َذْنِبِه(( حديث حسن‪.‬‬
‫غ ِمن طعامه قال‪)) :‬الّلُهّم‬
‫ل(( فإَذا َفَر َ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ب إليه الطعاُم قال‪ِ)) :‬ب ْ‬
‫وُيذكر عنه أنه كان إَذا ُقّر َ‬
‫سناده صحيح‪.‬‬
‫ت(( َوإ ْ‬
‫طْي َ‬
‫عَ‬‫على َما َأ ْ‬
‫حْمُد َ‬
‫ك ال َ‬
‫ت‪َ ،‬فَل َ‬
‫حَيْي َ‬
‫ت وَأ ْ‬
‫ت‪ ،‬وَهَدْي َ‬
‫ت َوَأْقَنْي َ‬
‫غَنْي َ‬
‫ت‪ ،‬وَأ ْ‬
‫سَقْي َ‬
‫ت َو َ‬
‫طَعْم َ‬
‫أٌ‬
‫‪223‬‬

‫شَبَعَنا‬
‫عَلْيَنا َوَهَداَنا‪ ،‬واّلِذى َأ ْ‬
‫ن َ‬
‫ل اّلِذى َم ّ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل إذا فرغ‪)) :‬ال َ‬
‫وفى السنن عنه أنه كان يقو ُ‬
‫ن آَتاَنا(( حديث حسن‪.‬‬
‫سا ِ‬
‫حَ‬‫ل ال ْ‬
‫ن ُك ّ‬
‫َوَأْرَواَنا‪ ،‬وِم ْ‬
‫خْيرًا ِمْنُه‪،‬‬
‫طِعْمَنا َ‬
‫ك َلَنا ِفيِه‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم َباِر ْ‬
‫طَعامًا َفْلَيُق ْ‬
‫حُدُكم َ‬
‫ل َأ َ‬
‫وفى السنن عنه أيضًا‪)) :‬إَذا أَك َ‬
‫ك َلَنا ِفيِه َوِزْدَنا ِمْنُه‪ ،‬فإنه ليس شئ وُيجِزئ عن الطعام والشراب‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم َباِر ْ‬
‫ل َلَبَنا‪َ ،‬فْلَيُق ْ‬
‫سَقاهَ ا ُّ‬
‫ن َ‬
‫َوَم ْ‬
‫غير اللبن(( حديث حسن‪.‬‬
‫شُكُرُه فى‬
‫س‪َ ،‬وَي ْ‬
‫ل َنَف ٍ‬
‫ل فى ُك ّ‬
‫حَمُد ا َّ‬
‫س‪ ،‬وَي ْ‬
‫س َثلَثة أْنَفا ٍ‬
‫ب فى الَناِء َتَنّف َ‬
‫شِر َ‬
‫ن إَذا َ‬
‫وُيذكر عنه أنه َكا َ‬
‫ن‪.‬‬
‫خِرِه ّ‬
‫آِ‬
‫فصل‬
‫عا َ‬
‫ب‬ ‫طَعاٌم((؟ َوَما َ‬
‫عْنَدُكم َ‬
‫ل ِ‬
‫ل عليه وسلم إذا دخل على أهِلِه ُرّبَما يسْأُلهم‪َ)) :‬ه ْ‬
‫وكان صلى ا ّ‬
‫عاُفُه إّنى ل‬
‫جُدنى أ َ‬
‫سَكت‪ ،‬وربما قال‪)) :‬أ ِ‬
‫ن َكِرَهُه َتَركُه َو َ‬
‫ن إَذا اشتهاُه أَكَلُه‪ ،‬وإ ْ‬
‫ل َكا َ‬
‫ط‪َ ،‬ب ْ‬
‫طَعامًا ق ّ‬
‫َ‬
‫شَتِهيِه((‪.‬‬
‫َأ ْ‬
‫ل‪ ،‬فدعا به فجعل‬
‫خّ‬
‫عندنا إل َ‬
‫وكان يمدح الطعاَم أحيانًا‪ ،‬كقوله لما سأل أهَلُه الداَم‪ ،‬فقاُلوا‪ :‬ما ِ‬
‫سل والَمَرق‪،‬‬
‫ل((‪ ،‬وليس فى هذا تفضيل له على اللبن والّلحم والَع َ‬
‫خّ‬‫لْدُم ال َ‬
‫ل‪ِ)) :‬نْعَم ا ُ‬
‫ل ِمْنُه ويُقو ُ‬
‫يأُك ُ‬
‫ضَر لحم أو لبن‪ ،‬كان أولى بالمدح منه‪ ،‬وقال‬
‫ح َ‬
‫وإنما هو مدح له فى تلك الحال التى حضر فيها‪ ،‬ولو َ‬
‫ل له على سائر أنواع الدام‪.‬‬
‫هَذا جبرًا وتطييبًا لقلب َمن قّدمه‪ ،‬ل تفضي ً‬
‫ب إليه الطعاُم وهو صائم‬
‫صاِئٌم((‪ ،‬وأمر َمن ُقّر َ‬
‫ب إليه طعام وهو صائم قال‪)) :‬إّنى َ‬
‫وكان إذا ُقّر َ‬
‫ى‪ ،‬أى يدعو لمن قّدمه‪ ،‬وإن كان مفطرًا أن يأكل منه‪.‬‬
‫صّل َ‬
‫أن ُي َ‬
‫شْئ َ‬
‫ت‬ ‫ن ِ‬
‫ن هَذا َتِبَعَنا‪َ ،‬فإ ْ‬
‫ب المنزل‪ ،‬وقال‪)) :‬إ ّ‬
‫ى ِلطعام وتبعه أحد‪ ،‬أعلَم به ر ّ‬
‫وكان إذا ُدع َ‬
‫جَع((‪.‬‬
‫ت َر َ‬
‫شْئ َ‬
‫ن ِ‬
‫ن لَُه‪َ ،‬وإ ْ‬
‫ن تأَذ َ‬
‫أْ‬
‫ن يتحّدث على طعامه‪ ،‬كما تقّدم فى حديث الخل‪ ،‬وكما قال ِلربيبه عمر ابن أبى سلمة وهو‬
‫وكا َ‬
‫ل مّما َيليك((‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وُك ْ‬
‫سّم ا َّ‬
‫ُيؤاِكلُه‪َ )) :‬‬
‫ل الكرم‪ ،‬كما فى حديث‬
‫ض الكل عليهم ِمرارًا‪ ،‬كما يفعلُه أه ُ‬
‫وربما كان ُيكّرر على أضيافه عر َ‬
‫ب((‬
‫شَر ْ‬
‫ل‪)) :‬ا ْ‬
‫ل َيُقو ُ‬
‫ب(( َفَما َزا َ‬
‫شَر ْ‬
‫شرب اللبن وقوِلِه له ِمرارًا‪)) :‬ا ْ‬
‫أبى هريرة عند البخارى فى قصة ُ‬
‫سَلكًا‪.‬‬
‫ق ل أجُد َلُه َم ْ‬
‫حّ‬‫ك ِبال َ‬
‫ل‪َ :‬واّلِذى َبَعَث َ‬
‫حّتى َقا َ‬
‫َ‬
‫‪224‬‬

‫ل‪)) :‬الّلُهّم‬
‫ل ابن ُبسر‪ ،‬فقا َ‬
‫عَو لهم‪ ،‬فدعا فى منزل عبد ا ّ‬
‫وكان إذا أكل عند قوم لم يخُرج حتى َيْد ُ‬
‫حْمُهْم(( ذكره مسلم‪.‬‬
‫غِفْر َلُهْم‪َ ،‬واْر َ‬
‫ك َلُهم ِفيَما َرَزْقَتُهم‪َ ،‬وا ْ‬
‫َباِر ْ‬
‫صّل ْ‬
‫ت‬ ‫طَعاَمُكم الْبَراُر‪ ،‬و َ‬
‫ل َ‬
‫ن‪َ ،‬وَأَك َ‬
‫صاِئُمو َ‬
‫عْنَدُكْم ال ّ‬
‫طَر ِ‬
‫عبادة فقال‪)) :‬أْف َ‬
‫ن ُ‬
‫ودعا فى منزل سعد ب ِ‬
‫عَلْيُكُم الَملِئَكُة((‪.‬‬
‫َ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه لما دعاه أبو الهيثم بن الّتيهان هو وأصحابُه‬
‫وذكر أبو داود عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫خَ‬
‫ل‬‫ل إَذا ُد ِ‬
‫ن الّرج َ‬
‫ل ؛ وما إثابتُه؟ قال‪)) :‬إ ّ‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫خاُكْم(( َقاُلوا‪ :‬يا َر ُ‬
‫غوا قال‪)) :‬أِثيُبوا أ َ‬
‫فأكلوا‪ ،‬فلما فر ُ‬
‫ك إَثاَبُتُه((‪.‬‬
‫عْوا َلُه‪َ ،‬فذِل َ‬
‫شَراُبُه‪َ ،‬فَد َ‬
‫ب َ‬
‫شِر َ‬
‫طَعاُمُه‪ ،‬و ُ‬
‫َبْيُتُه‪ ،‬فُأِكلَ َ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه دخل منزله ليَلًة‪ ،‬فالتمس طعامًا فلم يجده‪ ،‬فقال‪)) :‬الّلُهّم‬
‫وصح عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫سَقاِنى((‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ق َم ْ‬
‫سِ‬‫طَعَمِنى‪َ ،‬وا ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫طِعْم َم ْ‬
‫َأ ْ‬
‫سَنًة‬
‫ن َ‬
‫عَلْيهِ َثَماُنو َ‬
‫ت َ‬
‫شَباِبِه((‪َ ،‬فَمّر ْ‬
‫حِمق سقاه لبنًا فقال‪)) :‬الّلُهّم أَْمِتْعُه ِب َ‬
‫ن ال َ‬
‫عْمرو ب َ‬
‫َوُذِكَر عنه أن َ‬
‫ضاَء‪.‬‬
‫شْعَرًة َبْي َ‬
‫َلْم َيَر َ‬
‫حَمُه‬
‫ف هَذا ر ِ‬
‫ضي ُ‬
‫ل ُي ِ‬
‫جٌ‬‫ل مّرة‪)) :‬أل َر ُ‬
‫ن‪ ،‬ويثنى عليهم‪ ،‬فقا َ‬
‫وكان يدعو لمن ُيضيف المساكي َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ب ا ُّ‬
‫ج َ‬
‫عِ‬‫ضْيَفُهَما‪َ)) :‬لَقْد َ‬
‫صبيانهما َ‬
‫ت ِ‬
‫ن آثرا بُقوِتهما وُقو ِ‬
‫ى وامرأته الّلَذْي ِ‬
‫ل((‪ ،‬وقال للنصار ّ‬
‫ا ُّ‬
‫ضْيِفُكَما الّلْيَلَة((‪.‬‬
‫صِنيِعُكَما ِب َ‬
‫َ‬
‫حرًا أو عبدًا‪ ،‬أعرابياً أو مهاجرًا‪،‬‬
‫ف ِمن مؤاكلة أحٍد صغيرًا كان أو كبيرًا‪ُ ،‬‬
‫ن ل يْأَن ُ‬
‫وَكا َ‬
‫سِم ا ِّ‬
‫ل‬ ‫ل ِب ْ‬
‫حتى لقد روى أصحاب السنن عنه أنه أخذ بيد مجذوم فوضعها معه فى الَقصعة فقال‪ُ)) :‬ك ْ‬
‫عَلْيِه((‪.‬‬
‫ل َ‬
‫ل‪َ ،‬وَتَوّك ً‬
‫ِثَقًة ِبا ِّ‬
‫طا َ‬
‫ن‬ ‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫وكان يأُمُر بالكل باليمين‪ ،‬وينهى عن الكل بالشمال‪ ،‬ويقول‪)) :‬إ ّ‬
‫ل ِبَها‪ ،‬إما‬
‫شَماِلِه((‪ ،‬ومقتضى هذا تحريُم الكل بها‪ ،‬وهو الصحيح‪ ،‬فإن الك َ‬
‫بب ِ‬
‫شَر ُ‬
‫شَماِلِه‪َ ،‬وَي ْ‬
‫لب ِ‬
‫َيأُك ُ‬
‫ك((‪ ،‬فقال‪ :‬ل‬
‫ل ِبَيميِن َ‬
‫ح عنه أنه قال لرجل أكل عنده‪ ،‬فأكل بشماله‪ُ)) :‬ك ْ‬
‫شيطان‪ ،‬وإما مشّبه به‪ ،‬وص ّ‬
‫ت(( فما رفع يده إلى فيه بعدها‪ ،‬فلو كان ذلك جائزًا‪ ،‬لما دعا عليه بفعله‪،‬‬
‫طْع َ‬
‫سَت َ‬
‫لا ْ‬
‫أستطيُع‪ ،‬فقال‪َ )) :‬‬
‫وإن كان ِكْبُرُه حمله على ترك امتثال المر‪ ،‬فذلك أبلُغ فى العصيان واستحقاق الدعاء عليه‪.‬‬
‫ن‪ :‬أن يجتِمُعوا على طعامهم ول يتفّرُقوا‪ ،‬وأن يذُكروا اسَم ا ِّ‬
‫ل‬ ‫شَكْوا إليه أنهم ل يشبُعو َ‬
‫وأمر َمن َ‬
‫عليه ُيبارك لهم فيه‪.‬‬
‫‪225‬‬

‫حَمدُُه‬
‫شْرَبَة َي ْ‬
‫شَربُ ال ّ‬
‫عَلْيَها‪َ ،‬وَي ْ‬
‫حَمُدُه َ‬
‫لْكَلَة َي ْ‬
‫لا َ‬
‫ن الَعْبِد َيْأُك ُ‬
‫عِ‬‫ضى َ‬
‫ل َلير َ‬
‫نا ّ‬
‫ح عنه أنه قال‪)) :‬إ ّ‬
‫وص ّ‬
‫عَلْيَها((‪.‬‬
‫َ‬
‫سَو‬
‫عَلْيِه َفَتْق ُ‬
‫لِة‪َ ،‬ول َتَناُموا َ‬
‫صَ‬‫ل وال ّ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ل َ‬
‫طَعاَمُكم ِبِذْكِر ا ِّ‬
‫وروى عنه أنه قال‪َ)) :‬أِذيُبوا َ‬
‫قُلوُبُكم(( وأحرى بهذا الحديث أن يكون صحيحًا والواقع فى التجربة يشهُد به‪.‬‬
‫فصل‬
‫ن وتشميت العاطس‬
‫فى َهْدِيه صلى ال عليه وسلم فى السلم والستئذا ِ‬
‫خْيَرُه‬
‫لِم َو َ‬
‫سَ‬‫ل ال ْ‬
‫ضَ‬‫ل عليه وسلم فى ))الصحيحين(( عن أبى ُهريرة أن ))أْف َ‬
‫ثبت عنه صلى ا ّ‬
‫ف((‪.‬‬
‫ن َلْم َتْعِر ْ‬
‫عَلى َم ْ‬
‫ت َو َ‬
‫عَرْف َ‬
‫ن َ‬
‫على َم ْ‬
‫لَم َ‬
‫سَ‬‫ن َتْقَرَأ ال ّ‬
‫طَعاِم‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫طَعاُم ال ًّ‬
‫إ ْ‬
‫ن الَملِئَكِة‪،‬‬
‫ك الّنَفِر ِم َ‬
‫ب إلى أوَلِئ َ‬
‫ل َلُه‪ :‬اْذَه ْ‬
‫ل َقا َ‬
‫لُم لـّما خلَقه ا ُّ‬
‫سَ‬‫لُة وال ّ‬
‫صَ‬‫عَلْيِه ال ّ‬
‫وفيهما ))أن آَدَم َ‬
‫سلُم‬
‫عَلْيُكْم‪َ ،‬فَقاُلوا‪ :‬ال ّ‬
‫لُم َ‬
‫سَ‬‫ل‪ :‬ال ّ‬
‫ك‪َ ،‬فَقا َ‬
‫حّيُة ُذّرّيِت َ‬
‫ك َوَت ِ‬
‫حّيُت َ‬
‫ك ِبِه‪َ ،‬فإّنَها َت ِ‬
‫سَتِمْع َما ُيحّيوَن َ‬
‫عَلْيِهْم‪َ ،‬وا ْ‬
‫سّلم َ‬
‫َف َ‬
‫ل((‪.‬‬
‫حمُة ا ِّ‬
‫ل‪َ ،‬فَزاُدوُه‪َ)) :‬وَر ْ‬
‫حَمُة ا ّ‬
‫ك َوَر ْ‬
‫عَلْي َ‬
‫َ‬
‫سلم وأخبرهم أنهم إذا أفشوا السلم َبْيَنُهُم‬
‫شاِء ال ّ‬
‫ل عليه وسلم ‪)) -‬أَمَر ِبإْف َ‬
‫وفيهما أنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫حاّبوا((‪.‬‬
‫حّتى َيَت َ‬
‫ن َ‬
‫حّتى ُيْؤِمُنوا‪َ ،‬ول ُيؤِمُنو َ‬
‫جّنَة َ‬
‫ن ال َ‬
‫خُلو َ‬
‫حاّبوا‪َ ،‬وأّنُهُم ل َيْد ُ‬
‫َت َ‬
‫ن‬
‫ف ِم ْ‬
‫صا ُ‬
‫ن‪ :‬الْن َ‬
‫جَمَع اليَما َ‬
‫ن‪َ ،‬فَقْد َ‬
‫ن جمَعُه ّ‬
‫ث َم ْ‬
‫وقال البخارى فى ))صحيحه((‪ :‬قال عّمار‪ :‬ثل ٌ‬
‫ن الْقَتاِر‪.‬‬
‫ق ِم َ‬
‫سلم ِللَعاَلم‪ ،‬والْنَفا ُ‬
‫ل ال ّ‬
‫ك‪َ ،‬وَبْذ ُ‬
‫سَ‬
‫َنْف ِ‬
‫ت أصول الخير وفروعه‪ ،‬فإن النصاف ُيوجب عليه أداء حقوق‬
‫وقد تضمنت هذه الكلما ُ‬
‫ل كاملة موّفرة‪ ،‬وأداء حقوق الناس كذلك‪ ،‬وأن ل ُيطالبهم بما ليس له‪ ،‬ول ُيحّملهم فوق ُوسعهم‪،‬‬
‫ا ّ‬
‫ب أن ُيْعُفوه منه‪ ،‬ويحكم لهم وعليهم بما يحُكُم ِبِه‬
‫ب أن يعاِملوه به‪ ،‬وُيعفيهم مما ُيح ّ‬
‫ح ّ‬
‫وُيعاِمَلهم بما ُي ِ‬
‫س لها‪ ،‬ول ُيخبثها بتدِنيسه‬
‫ل فى هذا إنصاُفه نفسه من نفسه‪ ،‬فل يّدعى لها ما لي َ‬
‫لنفسه وعليها‪ ،‬ويدخ ُ‬
‫ل وتوحيده‪ ،‬وحّبه‬
‫ل‪ ،‬وُينميها ويكّبُرها ويرفُعها بطاعة ا ّ‬
‫لها‪ ،‬وتصغيرِه إياها‪ ،‬وتحقيِرها بمعاصى ا ّ‬
‫وخوِفِه‪ ،‬ورجاِئِه‪ ،‬والتوكل عليه‪ ،‬والنابة إليه‪ ،‬وإيثاَر مرضاِتِه ومحاّبه على مراضى الخلق ومحاّبهم‪،‬‬
‫حبه‬
‫ل ل بنفسه فى ُ‬
‫ل‪ ،‬ويكون با ّ‬
‫ل‪ ،‬بل يعِزُلَها من البين كما عزلها ا ُّ‬
‫ن بها مع الخلق ول مع ا ّ‬
‫ول يكو ُ‬
‫جِه‪ ،‬فينجى نفسه ِمن البين‪ ،‬ول يرى لها‬
‫وُبغضه‪ ،‬وعطائه ومنعه‪ ،‬وكلِمِه وسكوِتِه‪ ،‬ومدخلِه ومخر ِ‬
‫عَلى َمَكاَنِتُكْم{ ]هود‪] [121 ،93 :‬النعام‪:‬‬
‫عَمُلوا َ‬
‫ل بقوله‪} :‬ا ْ‬
‫مكانًة يعمل عليها‪ ،‬فيكون ممن ذمهم ا ّ‬
‫‪226‬‬

‫ق المنافع والعمال لسيده‪،‬‬


‫‪] [135‬الزمر‪ [39 :‬فالعبُد المحض ليس له مكانة يعمل عليها‪ ،‬فإنه مستح ُ‬
‫ل‪ ،‬بل‬
‫ى إلى سيده ما هو مستحق له عليه‪ ،‬ليس له مكانة أص ً‬
‫سه ملك لسيده‪ ،‬فهو عامل على أن يؤد َ‬
‫ونف ُ‬
‫ب عبدًا ما بقى عليه‬
‫ل عليه نجٌم آخر‪ ،‬ول يزال المكاَت ُ‬
‫جَمٍة‪ ،‬كلما أّدى نجمًا ح ّ‬
‫قد ُكوتب على حقوق ُمَن ّ‬
‫شئ من نجوم الكتابة‪.‬‬
‫والمقصود أن إنصافه من نفسه ُيوجب عليه معرَفة ربه‪ ،‬وحّقه عليه‪ ،‬ومعرفَة‬
‫حم بها مالَكها‪ ،‬وفاطَرها ويّدعى لها الملكة والستحقاق‪ ،‬ويزاحم مراَد‬
‫ت له‪ ،‬وأن ل ُيزا ِ‬
‫خِلَق ْ‬
‫نفسه‪ ،‬وَما ُ‬
‫سم إرادته بين مراد سيده وُمراده‪ ،‬وهى قسمة‬
‫سيده‪ ،‬ويدفَعه بمراده هو‪ ،‬أو يقّدمه ويؤِثَره عليه‪ ،‬أو يق ِ‬
‫ل‪،‬‬
‫ل إَلى ا ّ‬
‫ل َيصِ ُ‬
‫شَركاِئِهْم َف َ‬
‫ن ِل ُ‬
‫شرَكاِئَنا‪َ ،‬فَما َكا َ‬
‫عِمِهْم َوهَذا ِل ُ‬
‫ل َبَز ْ‬
‫ن قالوا‪َ} :‬هَذا ِّ‬
‫ضيزى‪ِ ،‬مثل قسمة الِذي َ‬
‫ِ‬
‫ن{ ]النعام‪.[136 :‬‬
‫حُكُمو َ‬
‫ساَء َما َي ْ‬
‫شَرَكاِئِهْم‪َ ،‬‬
‫ل إلى ُ‬
‫صُ‬‫ل َفُهَو َي ِ‬
‫ن ِّ‬
‫َوَما َكا َ‬
‫ل لجهله وظلمه وإل ُلّب َ‬
‫س‬ ‫شركائه وبين ا ّ‬
‫ن ِمن أهل هذه القسمة بين نفسه و ُ‬
‫فلينظر العبد ل يكو ُ‬
‫ف ممن وصُفُه الظلُم‬
‫ب النصا ُ‬
‫ل‪ ،‬فكيف ُيطَل ُ‬
‫ق ظلومًا جهو ً‬
‫خِل َ‬
‫عليه‪ ،‬وهو ل يشعُر‪ ،‬فإن النسان ُ‬
‫ن آَدمَ‬
‫ل‪)) :‬اْب َ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ق؟‪ ،‬كما فى َأثر إلهى يقول ا ُّ‬
‫خاِل َ‬
‫ف ال َ‬
‫ص ِ‬
‫ق َمن لم ُيْن ِ‬
‫ف الخَل َ‬
‫ص ُ‬
‫والجهل؟‪ ،‬وكيف ُين ِ‬
‫ك‪َ ،‬وَكْم‬
‫عْن َ‬
‫ى َ‬
‫غِن ٌ‬
‫ك ِبالّنَعِم‪َ ،‬وَأَنا َ‬
‫ب إَلْي َ‬
‫حّب ُ‬
‫عٌد‪َ ،‬كْم َأَت َ‬
‫صا ِ‬
‫ى َ‬
‫ك إل ّ‬
‫شّر َ‬
‫ل‪ ،‬و َ‬
‫ك َناِز ٌ‬
‫خْيِرى إَلْي َ‬
‫صْفَتنى‪َ ،‬‬
‫َما أْن َ‬
‫ح((‪.‬‬
‫ل َقِبي ٍ‬
‫ك ِبَعَم ٍ‬
‫ى ِمْن َ‬
‫ج إل ّ‬
‫ك الَكِريُم َيْعُر ُ‬
‫ل الَمَل ُ‬
‫ى‪ ،‬ول َيَزا ُ‬
‫ت َفِقيٌر إل ّ‬
‫صى َوأْن َ‬
‫ى ِبالَمَعا ِ‬
‫ض إل ّ‬
‫َتَتَبّغ َ‬
‫ى((‪.‬‬
‫سَوا َ‬
‫شُكُر ِ‬
‫ك َوَت ْ‬
‫غْيِرى‪َ ،‬وَأْرُزُق َ‬
‫ك َوَتْعُبُد َ‬
‫خَلقُت َ‬
‫صْفَتِنى‪َ ،‬‬
‫وفى أَثر آخر‪)) :‬اْبن آَدَم َما أْن َ‬
‫ظْلم‪ ،‬وسَعى فى ضررها‬
‫ح ال ّ‬
‫ظَلمََها أقب َ‬
‫ف نفسه‪ ،‬و َ‬
‫ص ْ‬
‫ف غيَره َمن لم ُيْن ِ‬
‫ص ُ‬
‫ثم كيف ُين ِ‬
‫ل التعب‪ ،‬وأشقاها ُك ّ‬
‫ل‬ ‫أعظَم السعى‪ ،‬ومنَعَها أعظم لّذاِتَها من حيث ظن أنه ُيعطيها إّياَها‪ ،‬فأتعبها ُك ّ‬
‫ل‪ ،‬وهو يظن أنه‬
‫ظها من ا ّ‬
‫حرمانها ح ّ‬
‫الشقاء من حيث ظن أنه ُيريحها وُيسعدها‪ ،‬وجّد كل الجّد فى ِ‬
‫ل التحقير‪ ،‬وهو يظ ّ‬
‫ن‬ ‫ن أنه ُيكبرها وُينميها‪ ،‬وحّقرها ك ّ‬
‫ل التدسيِة‪ ،‬وهو يظ ّ‬
‫ساها ُك ّ‬
‫ينيلها حظوظها‪ ،‬ود ّ‬
‫ل العبد بنفسه‪ ،‬فماذا تراه‬
‫ف ممن هذا إنصاُفه لنفسه؟ إذا كان هذا فع َ‬
‫ظمها‪ ،‬فكيف ُيرجى النصا ُ‬
‫أنه يع ّ‬
‫بالجانب يفعل‪.‬‬
‫ل عنه‪)) :‬ثلث َمن جمعهن‪ ،‬فقد جمع اليمان‪ :‬النصاف من‬
‫والمقصود أن قول عمار رضى ا ّ‬
‫نفسك‪ ،‬وبذل السلم للعاَلم‪ ،‬والنفاق من القتار((‪ ،‬كلم جامع لصول الخير وفروعه‪.‬‬
‫‪227‬‬

‫ل السلم للصغير‬
‫وبذل السلم للعاَلم يتضمن تواضَعه وأّنه ل يتكّبر على أحد‪ ،‬بل يبُذ ُ‬
‫ضّد هذا‪ ،‬فإنه ل َيُرّد السلم على‬
‫ف والوضيِع‪ ،‬وَمن يعِرفه وَمن ل يعرفه‪ ،‬والمتكّبر ِ‬
‫والكبير‪ ،‬والشري ِ‬
‫ل السلَم ِلكل أحد‪.‬‬
‫ل َمن سّلم عليِه كبرًا منه وِتيهًا‪ ،‬فكيف يبُذ ُ‬
‫ُك ّ‬
‫ل ُيخِلُفه ما أنفقه‪،‬‬
‫نا ّ‬
‫ل‪ ،‬وأ ّ‬
‫وأما النفاق من القتار‪ ،‬فل يصدُر إل عن قوِة ِثقة با ّ‬
‫ن وعده مغفرًة منه‬
‫وعن قوة يقين‪ ،‬وتوّكل‪ ،‬ورحمة‪ ،‬وُزهد فى الدنيا‪ ،‬وسخاِء نفس بها‪ ،‬ووثوق بوعد َم ْ‬
‫ل المستعان‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وتكذيبًا بوعد َمن يعُده الفقر‪ ،‬ويأمر بالفحشاء‪ ،‬وا ّ‬
‫وفض ً‬
‫فصل‬
‫صبية والنساء‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى السلم على ال ِ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه مّر ِبصبيان‪ ،‬فسّلم عليهم‪ ،‬ذكره مسلم‪ .‬وذكر الترمذى‬
‫وثبت عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ل عليه وسلم‪)) :‬مّر َيْومًا بجماعِة نسوة‪ ،‬فألوى بيده بالتسليم((‪.‬‬
‫فى ))جامعه(( عنه صلى ا ّ‬
‫وقال أبو داود‪ :‬عن أسماء بنت يزيد‪)) :‬مّر علينا النبى صلى ال عليه وسلم فى نسوة‪ ،‬فسّلم‬
‫ث الترمذى‪ ،‬والظاهر أن القصة واحدة وأنه سّلم عليهن بيده‪.‬‬
‫علينا((‪ ،‬وهى رواية حدي ِ‬
‫عَلى عجوز فى‬
‫ن َ‬
‫ن ِمن الجمعة فَيُمّرو َ‬
‫وفى ))صحيح البخارى((‪ :‬أن الصحابه كانوا ينصِرُفو َ‬
‫شِعيِر‪.‬‬
‫ن عليها‪ ،‬فُتقّدم لهم طعامًا من ُأصول السلق وال ًّ‬
‫طريقهم‪َ ،‬فُيسّلمو َ‬
‫ت المحارم دو َ‬
‫ن‬ ‫ب فى مسألة السلم على النساء‪ُ :‬يسّلم على العجوز وذوا ِ‬
‫وهذا هو الصوا ُ‬
‫غيرهن‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى تسليم الصغير على الكبير والماشى على القاعد‬
‫وثبت عنه فى ))صحيح البخارى(( وغيره تسليُم الصغير على الكبير‪ ،‬والماّر على القاعد‪،‬‬
‫ل على الكثير‪.‬‬
‫والراكب على الماشى‪ ،‬والقلي ِ‬
‫وفى ))جامع الترمذى(( عنه‪ُ :‬يسّلم الماشى على القائم‪.‬‬
‫عد‪ ،‬والماشيان أيهما‬
‫ب على الماشى‪ ،‬والماشى على القا ِ‬
‫وفى ))مسند البزار(( عنه‪ :‬يسّلم الراك ُ‬
‫بدأ‪ ،‬فهو أفضل‪.‬‬
‫سلِم((‪.‬‬
‫ل َمنْ َبَدَأُهْم بال ّ‬
‫س با ِّ‬
‫ن أْوَلى الّنا ِ‬
‫وفى ))سنن أبى داود(( عنه‪)) :‬إ ّ‬
‫‪228‬‬

‫ل عليه وسلم السلُم عند المجئ إلى القوم‪ ،‬والسلُم عند النصراف‬
‫وكان فى َهْديه صلى ا ّ‬
‫خَرِة((‪.‬‬
‫ن ال ِ‬
‫ق ِم َ‬
‫حّ‬‫لوَلى أ َ‬
‫تا ُ‬
‫س ِ‬
‫سّلْم‪َ ،‬وَلْي َ‬
‫سّلْم‪َ ،‬وإَذا َقاَم‪َ ،‬فْلُي َ‬
‫حُدُكْم‪َ ،‬فْلُي َ‬
‫عنهم‪ ،‬وثبت عنه أنه قال‪)) :‬إَذا َقَعَد أ َ‬
‫جَداٌر‪ُ ،‬ثّم‬
‫جَرٌة أو ِ‬
‫شَ‬‫ل َبْيَنُهَما َ‬
‫حا َ‬
‫ن َ‬
‫عَلْيِه‪َ ،‬فإ ْ‬
‫سّلم َ‬
‫حَبُه َفْلُي َ‬
‫صا ِ‬
‫حُدُكْم َ‬
‫ىأَ‬
‫وذكر أبو داود عنه‪)) :‬إَذا َلِق َ‬
‫عَلْيِه أْيضًا((‪.‬‬
‫سّلْم َ‬
‫َلِقَيُه‪َ ،‬فْلُي َ‬
‫جَرٌة َأْو‬
‫شَ‬‫سَتْقَبْلَتُهم َ‬
‫ن‪َ ،‬فإَذا ا ْ‬
‫شْو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم َيَتَما َ‬
‫لا ّ‬
‫سو ِ‬
‫ب َر ُ‬
‫ن أصحا ُ‬
‫وقال أنس‪)) :‬كا َ‬
‫ض((‪.‬‬
‫عَلى َبْع ٍ‬
‫ضُهم َ‬
‫سّلَم َبْع ُ‬
‫ن َوَراِئَها‪َ ،‬‬
‫ل‪َ ،‬وإَذا اْلَتَقْوا ِم ْ‬
‫شَما ً‬
‫َأَكَمٌة‪َ ،‬تَفّرُقوا َيِمينًا َو ِ‬
‫ئ بركعتين تحيَة المسجد‪ ،‬ثم‬
‫خل إلى المسجد يبتد ُ‬
‫ل عليه وسلم أن الدا ِ‬
‫ومن َهْديه صلى ا ّ‬
‫ل تعالى‪ ،‬والسلُم على الخلق‬
‫ق ا ِّ‬
‫ل تحية أهله‪ ،‬فإن تلك ح ّ‬
‫ئ فُيسّلم على القوم‪ ،‬فتكون تحيُة المسجد قب َ‬
‫يج ُ‬
‫ق بالتقديم‪ ،‬بخلف الحقوق المالية‪ ،‬فإن فيها نزاعًا معروفًا‪،‬‬
‫ل فى مثل هذا أح ّ‬
‫ق ا ِّ‬
‫ق لهم‪ ،‬وح ّ‬
‫هو ح ٌ‬
‫ق بينهما حاجُة الدمى وعدُم اتساع الحق المالى لداء الحقين‪ ،‬بخلف السلم‪.‬‬
‫والفر ُ‬
‫ئ‪ ،‬فيسّلم على النبى‬
‫ل أحدهم المسجَد‪ ،‬فُيصلى ركعتين‪ ،‬ثم يج ُ‬
‫وكانت عادُة القوم معه هكذا‪ ،‬يدخ ُ‬
‫صلى ال عليه وسلم‪ ،‬ولهذا جاء فى حديث رفاعة بن رافع أن النبى صلى ال عيه وسلم َبْيَنَما ُهو‬
‫ف صلته‪ ،‬ثّم‬
‫خ ّ‬
‫ل كالبدوى‪ ،‬فصّلى‪ ،‬فأ َ‬
‫جاِلس فى المسجِد َيْومًا قال ِرفاعة‪ :‬ونحن معه إذ جاء رج ٌ‬
‫َ‬
‫ك َفاْرجْع‪،‬‬
‫عَلْي َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬و َ‬
‫ل النب ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬فَقا َ‬
‫عَلى النب ّ‬
‫سّلَم َ‬
‫ف َف َ‬
‫صر َ‬
‫ان َ‬
‫ل((‪ ..‬وذكر الحديث فأنكر عليه صلته‪ ،‬ولم ُينكر عليه تأخيَر السلم عليه صلى الّ‬
‫صّ‬‫ك َلْم ُت َ‬
‫ل‪َ ،‬فإّن َ‬
‫صّ‬‫َف َ‬
‫عليه وسلم إلى ما بعد الصلة‪.‬‬
‫ث تحيات مترتبة‪ :‬أن يقولَ عند دخوِله‪:‬‬
‫سن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثل ُ‬
‫وعلى هذا‪ :‬فُي َ‬
‫ن تحيَة المسجد‪ ،‬ثم ُيسّلُم على القوم‪.‬‬
‫ل‪ .‬ثم يصّلى ركعتي ِ‬
‫ل والصلُة على رسول ا ّ‬
‫بسم ا ّ‬
‫فصل‬
‫ن(( ذكره مسلم‪.‬‬
‫ظا َ‬
‫سِمُع الَيْق َ‬
‫ظ الّناِئَم‪ ،‬وُي ْ‬
‫ل على أهله بالّليل‪ُ ،‬يسّلم تسِليمًا ل ُيوِق ُ‬
‫خَ‬‫))وكان إذا د َ‬
‫فصل‬
‫فى البدء بالسلم قبل الكلم‬
‫ل الَكلم((‪.‬‬
‫سلُم َقْب َ‬
‫وذكر الترمذى عنه عليه السلم‪)) :‬ال ّ‬
‫حّتى ُيسّلَم((‪.‬‬
‫طَعاِم َ‬
‫حدًا إلى ال ّ‬
‫عوا أ َ‬
‫وفى لفظ آخر‪)) :‬ل َتْد ُ‬
‫‪229‬‬

‫وهذا وإن كان إسناده وما قبله ضعيفًا‪ ،‬فالعمل عليه‪.‬‬


‫وقد روى أبو أحمد بإسناد أحسن منه من حديث عبد العزيز بن أبى رواد‪ ،‬عن نافع‪،‬‬
‫سَؤال َقْب َ‬
‫ل‬ ‫ن َبَدَأُكم بال ّ‬
‫ل‪َ ،‬فَم ْ‬
‫سؤا ِ‬
‫ل ال ّ‬
‫سلُم َقْب َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ال ّ‬
‫لا ّ‬
‫عن ابن عمر قال‪ :‬قال رسو ُ‬
‫جيُبوُه((‪.‬‬
‫لِم‪َ ،‬فل ُت ِ‬
‫سَ‬‫ال ّ‬
‫سلِم((‪.‬‬
‫ن َلْم َيْبدْأ بال ّ‬
‫سلِم‪ ،‬وُيذكر عنه‪)) :‬ل َتْأَذُنوا ِلَم ْ‬
‫ن ِلَمن َلْم َيْبدْأ بال ّ‬
‫ن ل َيأَذ ُ‬
‫وُيذكر عنه أنه كا َ‬
‫جَداَيٍة‬
‫ن َوَلبأ َو ِ‬
‫ن صفوان بن ُأمية بعثه ِبَلَب ٍ‬
‫ل‪ ،‬أ ّ‬
‫حْنَب ٍ‬
‫ن َ‬
‫وأجود منها ما رواه الترمذى عن َكَلَدَة ب ْ‬
‫ضَغاِبْيسَ إلى‬
‫َو َ‬
‫سّلْم‪َ ،‬وَلْم‬
‫عَلّيه‪ ،‬وََلْم ُأ َ‬
‫ت َ‬
‫خْل ُ‬
‫ل‪َ :‬فَد َ‬
‫عَلى الَواِدى َقا َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم بأ ْ‬
‫النبى صلى ال عليه وسلم والنب ّ‬
‫ل((؟‪ ،‬قال‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫خُ‬‫عَلْيُكْم‪ ،‬أأْد ُ‬
‫سلُم َ‬
‫ل‪ :‬ال ّ‬
‫جْع َفُق ْ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪)) :‬اْر ِ‬
‫ل الّنِب ّ‬
‫ن‪َ ،‬فَقا َ‬
‫سَتأِذ ْ‬
‫َأ ْ‬
‫غريب‪.‬‬
‫سِر‪،‬‬
‫لْي َ‬
‫ب ِمن تلقاء وجهه‪ ،‬ولكن ِمن ُركته اليمن‪ ،‬أو ا َ‬
‫سَتْقِبل البا َ‬
‫وكان إَذا أتى باب قوم‪ ،‬لم ي ْ‬
‫عَلْيُكْم((‪.‬‬
‫سلُم َ‬
‫عَلْيُكم‪ ،‬ال ّ‬
‫لُم َ‬
‫سَ‬‫فيقول‪)) :‬ال ّ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫فصل‬ ‫@‬
‫فى التسليم على َمن يواجهه وتحمله السلم للغائب‬
‫سلم عليه ِمن الغائبين عنه‪،‬‬
‫سلَم لمن ُيريد ال ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫حّم ُ‬
‫وكان ُيسّلم بنفسه على َمن ُيواجهه‪ ،‬وُي َ‬
‫صّديقِة النساء خديجَة بنت‬
‫ل على ّ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫ويتحّمل السلَم لمن يبّلغه إليه‪ ،‬كما تحّمل السلم ِمن ا ّ‬
‫سلَم ِم ْ‬
‫ن‬ ‫عَلْيَها[ ال ّ‬
‫طَعاٍم‪َ ،‬فاْقَرْأ ] َ‬
‫ك ِب َ‬
‫جُة َقْد أَتْت َ‬
‫خِدي َ‬
‫ل‪َ)) :‬هِذِه َ‬
‫ل عنها لما قال له جبري ُ‬
‫خويلد رضى ا ّ‬
‫جّنِة((‪.‬‬
‫ت فى ال َ‬
‫شْرَها ِبَبْي ٍ‬
‫رّبَها(( ]وِمّنى[ َوَب ّ‬
‫سلَم((‬
‫ك ال ّ‬
‫عَلْي ِ‬
‫ل َيْقَرْأ َ‬
‫جْبِري ُ‬
‫ل عنها‪َ)) :‬هَذا ِ‬
‫صديق عائشَة رضى ا ّ‬
‫صّديقة الثانية بنت ال ّ‬
‫وقال لل ّ‬
‫ل أَرى‪.‬‬
‫ل َوَبَرَكاُته‪َ ،‬يَرى َما َ‬
‫حَمُة ا ِّ‬
‫سلُم َوَر ْ‬
‫عَلْيِه ال ّ‬
‫ت‪َ :‬و َ‬
‫َفَقاَل ْ‬
‫فصل‬
‫فى انتهاء السلم إلى‪):‬وبركاته(‬
‫‪230‬‬

‫سلُم‬
‫ل جاء فقال‪ :‬ال ّ‬
‫وكان هدُيه انتهاء السلم إلى‪)) :‬وبركاُتُه((‪ ،‬فذكر الّنسائى عنه ))أن رج ً‬
‫لُم‬
‫سَ‬‫ل‪ :‬ال ّ‬
‫خُر‪َ ،‬فَقا َ‬
‫جاَء آ َ‬
‫شَرٌة(( ُثّم جلس‪ ،‬ثم َ‬
‫عْ‬‫ل‪َ )) :‬‬
‫ى صلى ال عليه وسلم َوَقا َ‬
‫عَلْيِه النب ّ‬
‫عليكم‪َ ،‬فَرّد َ‬
‫ل‪:‬‬
‫خُر‪َ ،‬فَقا َ‬
‫جاَء آ َ‬
‫س َو َ‬
‫جَل َ‬
‫ن(( ُثّم َ‬
‫شُرو َ‬
‫عْ‬‫ل‪ِ )) :‬‬
‫ى صلى ال عليه وسلم َوَقا َ‬
‫عَلْيِه الّنِب ّ‬
‫ل‪َ ،‬فَرّد َ‬
‫حَمُة ا ِّ‬
‫عَلْيُكْم َوَر ْ‬
‫َ‬
‫ن(( رواُه‬
‫ل‪َ)) :‬ثلُثو َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬وَقا َ‬
‫لا ّ‬
‫سو ُ‬
‫عَلْيِه ر ُ‬
‫ل وَبَرَكاُته‪َ ،‬فَرّد َ‬
‫حَمُة ا ّ‬
‫عَلْيُكْم َوَر ْ‬
‫سلُم َ‬
‫ال ّ‬
‫سنه‪.‬‬
‫الّنسائى‪ ،‬والترمذى من حديث عمران بن حصين‪ ،‬وح ّ‬
‫حَمُة‬
‫عَلْيُكْم َوَر ْ‬
‫سلُم َ‬
‫ل‪ :‬ال ّ‬
‫خُر َفَقا َ‬
‫س‪ ،‬وزاد فيه‪ُ)) :‬ثّم أتى آ َ‬
‫ث معاِذ بن أن ِ‬
‫وذكره أبو داود من حدي ِ‬
‫ث‪ ،‬فإن له‬
‫ل((‪ .‬ول يثبت هذا الحدي ُ‬
‫ضاِئ ُ‬
‫ن الَف َ‬
‫ل‪ :‬هكَذا تُكو ُ‬
‫ن(( فَقا َ‬
‫ل‪)) :‬أْرًَبُعو َ‬
‫ل َوَبَرَكاُتُه َوَمْغِفَرُتُه‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ا ِّ‬
‫ثلث علل‪ :‬إحداها‪ :‬أنه من رواية أبى مرحوم عبد الرحيم بن ميمون‪ ،‬ول ُيحتج به‪ .‬الثانية‪ :‬أن فيه‬
‫ل بن معاذ وهو أيضا كذلك‪ ،‬الثالثة‪ :‬أن سعيد بن أبى مريم أحَد رواته لم يجزم بالرواية بل‬
‫أيضًا سه َ‬
‫ت نافع بن يزيد‪.‬‬
‫ن أنى سمع ُ‬
‫قال‪ :‬أظ ّ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم يقول‪:‬‬
‫ث الخر عن أنس‪ :‬كان رجل يُمر بالنب ّ‬
‫ف ِمن هَذا الحدي ُ‬
‫وأضع ُ‬
‫ل َوَبَرَكاُته‬
‫حَمُة ا ِّ‬
‫سلُم َوَر ْ‬
‫ك ال ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫عليه وسلم‪َ)) :‬و َ‬
‫صلى ال َ‬
‫ى َ‬
‫ل له النب ُ‬
‫ل‪ ،‬فيقو ُ‬
‫ك يا رسول ا ّ‬
‫علَْي َ‬
‫سلُم َ‬
‫ال ّ‬
‫سّلم على هذا سلمًا ما ُتسّلمه على أحٍد من أصحابك؟‬
‫ل ؛ ُت َ‬
‫ضَواُنه(( فقيل له‪ :‬يا رسول ا ّ‬
‫َوَمْغِفَرُته َور ْ‬
‫حاِبِه‪.‬‬
‫صَ‬‫عَلى أ ْ‬
‫عى َ‬
‫ن َيْر َ‬
‫ل((‪ ،‬وَكا َ‬
‫جً‬‫شَر َر ُ‬
‫عَ‬‫ضَعَة َ‬
‫جِر ِب ْ‬
‫ف ِبَأ ْ‬
‫صِر ُ‬
‫ك‪َ ،‬وُهَو َيْن َ‬
‫ن ذِل َ‬
‫فقال‪)) :‬وَما َيْمَنُعنى ِم ْ‬
‫فصل‬
‫فى التسليم ثلثًا‬
‫ل عليه وسلم أن ُيسّلَم ثلثًا كما فى ))صحيح البخارى(( عن أنس رضى‬
‫وكان من َهْديه صلى ا ّ‬
‫عْنُه‪َ ،‬وإَذا أَتى‬
‫حّتى ُتْفَهَم َ‬
‫عاَدَها َثلثًا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ))إَذا َتَكّلَم ِبَكِلَمٍة أ َ‬
‫لا ّ‬
‫ن رسو ُ‬
‫ل عنُه قال‪ :‬كا َ‬
‫ا ّ‬
‫سّلَم َثلثًا((‪ ،‬ولعل هذا كان َهْدَيه فى السلم على الجمع الكثير الذين ل يبلُغهم‬
‫عَلْيِهُم َ‬
‫سّلَم َ‬
‫عَلى َقْوٍم َف َ‬
‫َ‬
‫صل به السماع كما سّلم‬
‫ل لم يح ُ‬
‫ن أن الو َ‬
‫سلم واحد‪ ،‬أو َهْدَيه فى إسماع السلم الثانى والثالث‪ ،‬إن ظ ّ‬
‫عبادة ثلثًا‪ ،‬فلما لم ُيجبه أحد رجع‪ ،‬وإل فلو كان َهْدُيه الدائُم التسليَم ثلثًا‬
‫لما انتهى إلى منزل سعد بن ُ‬
‫ل َمن لقيه ثلثَا‪ ،‬وإذا دخل بيته ثلثًا‪ ،‬وَمن تأمل‬
‫ن عليه كذلك‪ ،‬وكان ُيسّلُم على ُك ّ‬
‫لكان أصحاُبه ُيسّلمو َ‬
‫ن تكرار السلِم كان منه أمرًا عارضًا فى بعض الحيان‪ ،‬وا ّ‬
‫ل‬ ‫َهْدَيه‪ ،‬عِلم أن المر ليس كذلك‪ ،‬وأ ّ‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪231‬‬

‫فصل‬
‫فى بدئه َمن لقيه بالسلم والرد على التحية بمثلها أو أفضل منها‬
‫ل منها على الفور‬
‫ل تحيته أو أفض َ‬
‫وكان يبدأ َمن لقيه بالسلم‪ ،‬وإذا سّلم عليه أحٌد‪ ،‬رّد عليِه ِمث َ‬
‫من غير تأخير‪ ،‬إل ِلعذر‪ ،‬مثل حالة الصلة‪ ،‬وحالة قضاء الحاجة‪.‬‬
‫وكان ُيسِمُع المسلم رّدُه عليه‪ ،‬ولم يكن َيُرّد بيده ول رأسه ول أصبعه إل فى الصلة‪ ،‬فإنه كان‬
‫ت ذلك عنه فى عدة أحاديث‪ ،‬ولم يجئ عنه ما يعارضها إل بشئ‬
‫يرد على َمن سّلم عليه إشارة‪ ،‬ثب َ‬
‫باطل ل يصح عنه كحديث يرويه أبو غطفان ‪ -‬رجل مجهول ‪ -‬عن أبى هريرة عنه صلى ال عليه‬
‫صلَتُه(( قال الدارقطنى‪ :‬قال لنا ابن أبى داود‪:‬‬
‫عْنُه‪َ ،‬فْلُيِعْد َ‬
‫شاَرًة ُتْفهُم َ‬
‫لِتِه إ َ‬
‫صَ‬‫شاَر فى َ‬
‫ن َأ َ‬
‫وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫أبو غطفان هذا رجل مجهول‪ ،‬والصحيح عن النبى صلى ال عليه وسلم أنه كان ُيشير فى الصلة‪،‬‬
‫رواه أنس وجابر وغيرهما عن النبى صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى صفة السلم‬
‫ل((‪ ،‬وكان يكره أن يقول‬
‫حَمُة ا ِّ‬
‫عَلْيُكم َوَر ْ‬
‫سلُم َ‬
‫وكان َهْديه فى ابتداء السلم أن يقول‪)) :‬ال ّ‬
‫المبتدئ‪ :‬عليك السلم‪.‬‬
‫ل‪،‬‬
‫ل ا ِّ‬
‫سو َ‬
‫لُم َيا َر ُ‬
‫سَ‬‫ك ال ّ‬
‫عَلي َ‬
‫ت‪َ :‬‬
‫ى صلى ال عليه وسلم َفُقْل ُ‬
‫ت النب ّ‬
‫ى‪ :‬أتي ُ‬
‫ى الُهجيم ّ‬
‫جَر ّ‬
‫قال أبو ُ‬
‫سلُم َتحيُة الَمْوَتى(( حديث صحيح‪.‬‬
‫ك ال ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫ن َ‬
‫سلُم‪َ ،‬فإ ّ‬
‫ك ال ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫ل َ‬
‫ل‪)) :‬ل َتُق ْ‬
‫َفَقا َ‬
‫ل عليه وسلم فى‬
‫ث على طائفة‪ ،‬وظّنوُه معارضًا لما ثبت عنه صلى ا ّ‬
‫وقد أشكل هذا الحدي ُ‬
‫ك السلم َتحّيُة‬
‫عَلْيُكم(( بتقديم السلم‪ ،‬فظنوا أن قوله‪)) :‬فإن علي َ‬
‫سلُم َ‬
‫السلم على الموات بلفظ‪)) :‬ال ّ‬
‫ن التعارض‪ ،‬وإنما معنى قوله‪:‬‬
‫ظّ‬‫طوا فى ذلك غلطًا أوجب لهم َ‬
‫الَمْوَتى(( إخبار عن المشروع‪ ،‬وغِل ُ‬
‫ع‪ ،‬أى‪ :‬إن الشعراء وغيَرهم يحّيون‬
‫سلُم َتحّيُة الَمْوَتى(( إخبار عن الواقع‪ ،‬ل المشرو ُ‬
‫ك ال ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫ن َ‬
‫))فإ ّ‬
‫الموتى بهذه اللفظة‪ ،‬كقول قائلهم‪:‬‬
‫حمـَـا‬
‫ن َيَتر ّ‬
‫حَمُتـُه َما شَـاَء أ ْ‬
‫َوَر ْ‬ ‫صٍم‬
‫عا ِ‬
‫ن َ‬
‫س ْب َ‬
‫ل َقْي َ‬
‫سلَُم ا ِّ‬
‫ك َ‬
‫عَلْي َ‬
‫َ‬
‫ن َقــْوٍم تهّدَمـا‬
‫َوَلكــّنُه ُبْنَيـا ُ‬ ‫حٍد‬
‫ك وا ِ‬
‫س ُهْلُكه ُهْل َ‬
‫ن َقْي ُ‬
‫َفَما َكا َ‬
‫‪232‬‬

‫ى صلى ال عليه وسلم أن ُيحّيى بتحية الموات‪ ،‬وِمن كراهته لذلك لم يرّد على المسّلم‬
‫فكره النب ّ‬
‫بها‪.‬‬
‫ك(( على لفظ السلم‪.‬‬
‫عَلْي َ‬
‫سلُم(( بالواو‪ ،‬وبتقديم )) َ‬
‫ك ال ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫وكان يرّد على الُمسّلِم‪َ)) :‬و َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ك‬ ‫ل‪َ )) :‬‬
‫س هاهنا فى مسألة‪ ،‬وهى لو حذف الراّد ))الواو(( فقا َ‬
‫وتكلم النا ُ‬
‫ن صحيحًا؟ فقالت طائفة منهم المتولى وغيُره‪ :‬ل يكون جوابًا‪ ،‬ول يسقط به فر ُ‬
‫ض‬ ‫ل يكو ُ‬
‫لُم(( َه ْ‬
‫سَ‬‫ال ّ‬
‫سـّنة الرّد‪ ،‬ولنه ل ُيعلم‪ :‬هل هو رد‪ ،‬أو ابتداء تحية؟ فإن صورته صالحة لهما‪،‬‬
‫الرّد‪ ،‬لنه مخاِلف ل ُ‬
‫عَلْيُكم(( فهذا تنبيٌه منه‬
‫ب‪َ ،‬فُقوُلوا‪)) :‬و َ‬
‫ل الِكَتا ِ‬
‫عَلْيُكم َأْه ُ‬
‫سّلَم َ‬
‫ولن النبى صلى ال عليه وسلم قال‪)) :‬إَذا َ‬
‫ل السلم‪ ،‬فإن ))الواو(( فى مثل هذا الكلم تقتضى تقريَر الول‪ ،‬وإثبات‬
‫على وجوب الرّد على أه ِ‬
‫عَلْيُكم أْه ُ‬
‫ل‬ ‫سّلَم َ‬
‫ل‪)) :‬إَذا َ‬
‫الثانى‪ ،‬فإذا ُأِمَر بالواو فى الرد على أهل الكتاب الذين يقولون‪ :‬السام عليكم‪ ،‬فقا َ‬
‫عَلْيُكم(( َفِذْكُرها فى الرّد على المسلمين أولى وأحرى‪.‬‬
‫ب‪َ ،‬فُقوُلوا‪ :‬و َ‬
‫الِكَتا ِ‬
‫وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك رٌد صحيح‪ ،‬كما لو كان بالواو‪ ،‬ونص عليه الشافعى رحمه‬
‫ن * إْذ‬
‫ف إْبَراِهيَم الُمْكَرِمي َ‬
‫ضْي ِ‬
‫ث َ‬
‫حِدي ُ‬
‫ك َ‬
‫ل أَتا َ‬
‫ل فى كتابه الكبير‪ ،‬واحتج لهذا القول بقوله تعالى‪َ} :‬ه ْ‬
‫ا ّ‬
‫ن‬
‫سَ‬‫سلٌم أى‪ :‬سلم عليكم‪ ،‬ل بد من هذا‪ ،‬ولكن ح ُ‬
‫ل َ‬
‫لمًا{ ]الذاريات‪َ ،[25-24 :‬قا َ‬
‫سَ‬
‫عَلْيِه َفَقاُلوا َ‬
‫خُلوا َ‬
‫َد َ‬
‫ف فى الرد‪ ،‬لجل الحذف فى البتداء‪ ،‬واحتجوا بما فى ))الصحيحين(( عن أبى هريرة عن النبى‬
‫الحذ ُ‬
‫عَلى ُأوَلِئ َ‬
‫ك‬ ‫سّلم َ‬
‫ب َف َ‬
‫ل َلُه‪ :‬اْذَه ْ‬
‫خَلَقُه‪َ ،‬قا َ‬
‫ن ِذَراعًا‪َ ،‬فَلّما َ‬
‫سّتو َ‬
‫طوُلُه ِ‬
‫ل آَدَم ُ‬
‫ق ا ُّ‬
‫خَل َ‬
‫صلى ال عليه وسلم قال‪َ )) :‬‬
‫سلُم‬
‫عَلْيُكم َفَقاُلوا‪ :‬ال ّ‬
‫سلُم َ‬
‫ل‪ :‬ال ّ‬
‫ك‪ ،‬فَقا َ‬
‫حّيُة ُذّرّيِت َ‬
‫ك َوَت ِ‬
‫حّيُت َ‬
‫ك‪َ ،‬فإّنَها َت ِ‬
‫حّيوَن َ‬
‫سَتِمْع َما ُي َ‬
‫الّنَفر ِمن الَملِئَكِة‪َ ،‬فا ْ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم أن هذه تحيُتُه وتحيُة‬
‫ل((‪ .‬فقد أخبَر النب ّ‬
‫حَمُة ا ِّ‬
‫ل‪َ ،‬فَزاُدوُه‪َ)) :‬وَر ْ‬
‫حَمُة ا ّ‬
‫ك َوَر ْ‬
‫عَلْي َ‬
‫َ‬
‫ل‪ ،‬فإذا ردّ‬
‫ن منها فض ً‬
‫ل‪ ،‬وبأحس َ‬
‫عَلْيِه َمْأُموٌر أن ُيحّيى الُمسّلَم بمثل تحيته عد ً‬
‫ُذّريته‪ ،‬قالوا‪ :‬ولن المسّلم َ‬
‫ل‪.‬‬
‫عليه بمثل سلمه‪ ،‬كان قد أتى بالعد ِ‬
‫ف فى لفظة‬
‫ث قد اخُتِل َ‬
‫عَلْيُكم((‪ ،‬فهذا الحدي ُ‬
‫ب َفُقوُلوا‪َ :‬و َ‬
‫ل الِكَتا ِ‬
‫عَلْيُكْم َأْه ُ‬
‫سّلَم َ‬
‫وأما قوله‪)) :‬إَذا َ‬
‫ل بن‬
‫))الواو(( فيه‪ ،‬فروى على ثلثة أوجه‪ ،‬أحدها‪ :‬بالواو‪ ،‬قال أبو داود‪ :‬كذلك رواه مالك عن عبد ا ّ‬
‫ل بن دينار‪ ،‬فقال فيه‪)) :‬فعليكم((‪ ،‬وحديث سفيان فى ))الصحيحين((‬
‫دينار‪ ،‬ورواه الثورى عن عبد ا ّ‬
‫ل بن دينار بإسقاط ))الواو((‪ ،‬وفى لفظ لمسلم والنسائى‪:‬‬
‫عيينة عن عبد ا ّ‬
‫ورواه النسائى من حديث ابن ُ‬
‫فقل‪)) :‬عليك(( ‪ -‬بغير واو‪.‬‬
‫‪233‬‬

‫وقال الخطابى‪ :‬عامُة المحّدثين يروونه‪)) :‬وعليكم(( بالواو‪ ،‬وكان سفيان ابن عيينة يرويه‪:‬‬
‫ب‪ ،‬وذلك أنه إذا حذف الواو‪ ،‬صار قولهم الذى قالوه بعينه مردودًا‬
‫))عليكم(( بحذف الواو‪ ،‬وهو الصوا ُ‬
‫ف للعطف والجتماع‬
‫عليهم‪ ،‬وبإدخال الواو يقع الشتراك معهم‪ ،‬والدخول فيما قالوا‪ ،‬لن الواو حر ٌ‬
‫بين الشيئين‪ ...‬انتهى كلمه‪.‬‬
‫سام(( الكثرون على أنه الموت‪ ،‬والمسّلم‬
‫وما ذكره من أمر الواو ليس بمشكل‪ ،‬فإن ))ال ّ‬
‫ن لعدم الختصاص‪ ،‬وإثبات المشاركة‪ ،‬وفى‬
‫والمسّلم عليه مشتركون فيه‪ ،‬فيكون فى التيان بالواو بيا ٌ‬
‫ن بالواو هو الصواب‪،‬‬
‫ق به وأولى من المسّلم عليه وعلى هذا فيكون التيا ُ‬
‫حذِفَها إشعار بأن المسّلم أح ّ‬
‫سام بالسآمة‪ ،‬وهى المللة وسآمة الدين‪،‬‬
‫سر ال ّ‬
‫ن من حذفها‪ ،‬كما رواه مالك وغيُرُه‪ ،‬ولكن قد ُف ّ‬
‫وهو أحس ُ‬
‫ف المعروف من هذه اللفظة فى اللغة‪ ،‬ولهذا‬
‫قالوا‪ :‬وعلى هذا فالوجه حذف الواو ول بّد‪ ،‬ولكن هذا خل ُ‬
‫ساَم(( ول يختلفون أنه الموت‪ ،‬وقد ذهب‬
‫ل ال ّ‬
‫ل َداٍء إ ّ‬
‫ن ُك ّ‬
‫شَفاٌء ِم ْ‬
‫سْوَداَء ِ‬
‫حّبَة ال ّ‬
‫ن ال َ‬
‫جاء فى الحديث‪)) :‬إ ّ‬
‫سَلمة‪ ،‬ورّد هذا الّرّد‬
‫سلم ‪ -‬بكسر السين ‪ -‬وهى الحجارة‪ ،‬جمع ِ‬
‫بعض الُمتحذلقين إلى أنه يرد عليهم ال ّ‬
‫متعّين‪.‬‬
‫فصل‬
‫ل الِكتاب‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى السلم على أه ِ‬
‫ق‪،‬‬
‫طِري ِ‬
‫سلِم‪َ ،‬وإَذا َلقيُتموُهْم فى ال ّ‬
‫ل عليه وسلم أّنه قال‪)) :‬ل َتْبَدؤوُهْم ِبال ّ‬
‫ح عنه صلى ا ّ‬
‫صّ‬‫َ‬
‫ق((‪ ،‬لكن َقد ِقيل‪ :‬إن هذا كان فى قضيٍة خاصٍة لـّما ساُروا إلى بنى‬
‫طِري ِ‬
‫ق ال ّ‬
‫ضَي ِ‬
‫طروُهْم إَلى أ ْ‬
‫ضّ‬
‫فا ْ‬
‫ت حاُله‬
‫ن كاَن ْ‬
‫ص ِبَم ْ‬
‫ل الذّمة مطلقًا‪ ،‬أو يخَت ّ‬
‫حْكٌم عام لْه ِ‬
‫سلم(( فهل هذا ُ‬
‫ل َتْبَدؤوُهْم بال ّ‬
‫ُقريظة قال‪َ )) :‬‬
‫ضُع نظر‪ ،‬ولكن قد روى مسلم فى ))صحيحه(( من حديث أبى ُهريرة أن‬
‫ل أولئك؟ هذا مو ِ‬
‫بمثل حا ِ‬
‫حَدُهم فى‬
‫سلِم‪َ ،‬وإَذا َلِقْيُتم أ َ‬
‫صاَرى بال ّ‬
‫ل الّن َ‬
‫ل َتْبَدؤوا الَيُهوَد َو َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم قال‪َ )) :‬‬
‫النب ّ‬
‫ظاهر أن هذا حكم عام‪.‬‬
‫ضَيِقِه(( وال ّ‬
‫طّروُه إلى َأ ْ‬
‫ضَ‬‫طريق‪َ ،‬فا ْ‬
‫ال ّ‬
‫ف فى ذلك‪ ،‬فقال أكثُرهم‪ :‬ل ُيبدؤون بالسلم‪ ،‬وذهب آخرون إلى جواز‬
‫خَل ُ‬
‫ف وال َ‬
‫سَل ُ‬
‫وقد اختلف ال َ‬
‫حْيِريز‪ ،‬وهو وجه فى مذهب‬
‫ن ُم َ‬
‫ابتدائهم كما ُيرّد عليهم‪ُ ،‬روى ذلك عن ابن عباس‪ ،‬وأبى ُأمامة‪ ،‬واْب ِ‬
‫ن ذكر الرحمة‪ ،‬وبلفظ‬
‫ك‪ ،‬فقط بدو ِ‬
‫عَلْي َ‬
‫سلُم َ‬
‫ب هذا الوجه قال‪ُ :‬يقال له‪ :‬ال ّ‬
‫ل‪ ،‬لكن صاح ُ‬
‫الشافعى رحمه ا ّ‬
‫الفراد‪ ،‬وقالت طائفة‪ :‬يجوُز البتداُء ِلمصلحة راجحة ِمن حاجة تكون له إليه‪ ،‬أو خوف ِمن أذاه‪ ،‬أو‬
‫‪234‬‬

‫ى‪ :‬إن‬
‫ضى ذلك‪ُ ،‬يروى ذلك عن إبراهيم الّنخعى‪ ،‬وعلقَمة‪ .‬وقال الوزاع ّ‬
‫ب يقت ِ‬
‫ِلقرابٍة بينهما‪ ،‬أو ِلسب ٍ‬
‫صاِلحون‪.‬‬
‫ت‪ ،‬فقد ترك ال ّ‬
‫ن‪ ،‬وإن ترك َ‬
‫ت‪ ،‬فقد سّلَم الصالحو َ‬
‫سّلْم َ‬
‫ب‪ ،‬وقالت طائفة‪ :‬ل يج ُ‬
‫ب‬ ‫واختلفوا فى وجوب الرد عليهم‪ ،‬فالجمهوُر على وجوبه‪ ،‬وهو الصوا ُ‬
‫ب على أهل البدع وأولى‪ ،‬والصواب الول‪ ،‬والفرق أّنا مأمورون بهجر أه ِ‬
‫ل‬ ‫الرّد عليهم‪ ،‬كما ل يج ُ‬
‫البدع تعزيرًا لهم‪ ،‬وتحذيرًا منهم‪ ،‬بخلف أهل الذمة‪.‬‬
‫فصل‬
‫شِرِكي َ‬
‫ن‬ ‫ن‪ ،‬والُم ْ‬
‫سِلِمي َ‬
‫ط ِمن الُم ْ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه مّر على مجلس فيه أخل ٌ‬
‫وثبت عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫سّلم علْيهم‪.‬‬
‫ن‪ ،‬والَيُهوِد‪َ ،‬ف َ‬
‫لْوَثا ِ‬
‫عَبَدِة ا َ‬
‫َ‬
‫ن اّتَبَع الُهَدى((‪.‬‬
‫سلُم على َم ِ‬
‫غْيِرِه‪)) :‬ال ّ‬
‫ل َو َ‬
‫ح عنه أنه كتب إلى ِهَرق َ‬
‫وص ّ‬
‫فصل‬
‫فى هل يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن ُيسّلم أحدهم‬
‫حُدُهم‪،‬‬
‫سّلَم َأ َ‬
‫ن ُي َ‬
‫عِة إَذا َمّروا أ ْ‬
‫جَما َ‬
‫ن ال َ‬
‫عِ‬‫جِزىءُ َ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪ُ)) :‬ي ْ‬
‫وُيذُكر عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ض ِكفاية يقوُم فيه‬
‫ن قال‪ :‬إن الرّد فر ُ‬
‫ث َم ْ‬
‫حُدُهم(( فذهب إلى هذا الحدي ِ‬
‫ن َيُرّد أ َ‬
‫سأ ْ‬
‫جُلو ِ‬
‫عن ال ُ‬
‫جِزىُء َ‬
‫َوُي ْ‬
‫الواحُد مقام الجميع‪ ،‬لكن ما أحسنه لو كان ثابتًا‪ ،‬فإن هذا الحديث رواه أبو داوَد ِمن رواية سعيد بن‬
‫خالد الخزاعى المدنى‪ ،‬قال أبو زرعة الرازى‪ :‬مدنى ضعيف‪ ،‬وقال أبو حاتم الرازى‪ :‬ضعيف‬
‫الحديث‪ ،‬وقال البخارى‪ :‬فيه نظر‪ .‬وقال الدارقطنى‪ :‬ليس بالقوى‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه إذ بّلغه أحد السلم عن غيره أن يرد عليه وعلى المبّلغ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬إذا بّلَغُه أحٌد السلَم عن غيره أن يرّد عليه وعلى‬
‫وكان من َهْديه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫عَلى أِبي َ‬
‫ك‬ ‫ك َو َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ل لُه‪َ )) :‬‬
‫سلَم‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ك ال ّ‬
‫ن أبى ُيْقِرُئ َ‬
‫ل قال له‪ :‬إ ّ‬
‫المبّلغ‪ ،‬كما فى ))السنن(( أن رج ً‬
‫سلَم((‪.‬‬
‫ال ّ‬
‫ب منه‪ ،‬كما هجر‬
‫سلم ابتداًء وَردًا على َمن أحدث حدثًا حتى يتو َ‬
‫ك ال ّ‬
‫وكان من َهْديه تر ُ‬
‫عَلْيِه أم ل؟‪.‬‬
‫سلِم َ‬
‫شفتيه برّد ال ّ‬
‫ك َ‬
‫حّر َ‬
‫ن مالك وصاحَبْيه‪ ،‬وكان كعب ُيسّلم عليه‪ ،‬ول َيدرى َهلْ َ‬
‫ببَ‬
‫كع َ‬
‫‪235‬‬

‫ل َهَذا‬
‫سْ‬
‫غِ‬‫خّلقه أهُلُه بَزعفران‪ ،‬فلم يرّد عليه‪ ،‬فقال‪)) :‬اْذهبْ فا ْ‬
‫ن ياسٍر‪ ،‬وقد َ‬
‫وسّلم عليه عماُر ب ُ‬
‫ك((‪.‬‬
‫عْن َ‬
‫َ‬
‫طى صفّية ظَهرًا(( لما اعت ّ‬
‫ل‬ ‫عِ‬‫ض الثالث لـّما قال لها‪)) :‬أ ْ‬
‫وهجر زينب بنت جحش شهرين وبع َ‬
‫ك اليهوِدّيَة؟‪ ،‬ذكرهما أبو داود‪.‬‬
‫طى ِتْل َ‬
‫عِ‬‫بعيُرها‪َ ،‬فَقالت‪ :‬أَنا أ ْ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الستئذان‬
‫جْع((‪.‬‬
‫ل فاْر ِ‬
‫ك َوإ ّ‬
‫ن َل َ‬
‫ن ُأِذ َ‬
‫ث‪َ ،‬فإ ْ‬
‫ل ٌ‬
‫ن َث َ‬
‫سِتئَذا ُ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪)) :‬ال ْ‬
‫ح عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫وص ّ‬
‫صر((‪.‬‬
‫ل الَب َ‬
‫جِ‬‫نأ ْ‬
‫ن ِم ْ‬
‫سِتْئَذا ُ‬
‫ل ال ْ‬
‫جعِ َ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪)) :‬إّنَما ُ‬
‫ح عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫وص ّ‬
‫حٍر فى حجرته‪،‬‬
‫جْ‬‫ن ُ‬
‫ظر إَلْيِه ِم ْ‬
‫ن اّلِذى َن َ‬
‫عْي َ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه أراد أن يَفَقأ َ‬
‫ح عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫وص ّ‬
‫صر((‪.‬‬
‫ل الَب َ‬
‫جِ‬‫نأ ْ‬
‫ن ِم ْ‬
‫سِتْئَذا ُ‬
‫ل ال ْ‬
‫جِع َ‬
‫وقال‪)) :‬إّنَما ُ‬
‫عْيَنُه‪َ ،‬لْم َيُك ْ‬
‫ن‬ ‫ت َ‬
‫صاٍة َفَفَقْأ َ‬
‫ح َ‬
‫خَذْفَتُه ِب َ‬
‫ن‪َ ،‬ف َ‬
‫ك ِبَغْيِر إْذ ٍ‬
‫عَلْي َ‬
‫طَلَع َ‬
‫ن اْمرءًا ا ّ‬
‫ح عنه أنه قال‪َ)) :‬لْو أ ّ‬
‫وص ّ‬
‫ح((‪.‬‬
‫جَنا ٌ‬
‫ك ُ‬
‫عَلْي َ‬
‫َ‬
‫عْيَنُه((‪.‬‬
‫ن َيْفَقؤوا َ‬
‫ل َلُهْم أ ْ‬
‫حّ‬‫عَلى َقْوٍم فى َبْيِتِهْم ِبَغْيِر إْذِنِهم‪َ ،‬فَقْد َ‬
‫طَلَع َ‬
‫نا ّ‬
‫ح عنه أنه قال‪َ)) :‬م ِ‬
‫وص ّ‬
‫ل ِديَة َلُه‪ ،‬ول‬
‫عْيَنُه‪ ،‬ف َ‬
‫ت َقْوٍم ِبَغْيِر إْذِنِهْم‪َ ،‬فَفَقؤوا َ‬
‫طَلَع فى َبْي ِ‬
‫نا ّ‬
‫ح عنه أنه قال‪َ)) :‬م ِ‬
‫وص ّ‬
‫ص((‪.‬‬
‫صا َ‬
‫ِق َ‬
‫ج؟ فقال‬
‫ل‪َ :‬أَأِل ُ‬
‫ل‪ ،‬فقا َ‬
‫ل وتعليمًا‪ ،‬واستأذن عليه رج ٌ‬
‫وصح عنه‪ :‬التسليُم قبل الستئذان فع ً‬
‫سلُم‬
‫ل َلُه‪ :‬قل‪ :‬ال ّ‬
‫سِتْئَذان((‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ج إلى َهَذا‪َ ،‬فَعّلْمُه ال ْ‬
‫خُر ْ‬
‫ل‪)) :‬ا ْ‬
‫جٍ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ِلَر ُ‬
‫لا ّ‬
‫رسو ُ‬
‫ل‪.‬‬
‫خَ‬
‫ن له النبى صلى ال عليه وسلم َفَد َ‬
‫ل؟ َفَأِذ َ‬
‫خُ‬‫عَلْيُكم‪َ ،‬أَأْد ُ‬
‫سلُم َ‬
‫ل‪ :‬ال ّ‬
‫ل‪َ ،‬فَقا َ‬
‫جُ‬‫خل؟ فسمعه الّر ُ‬
‫عَلْيُكْم‪َ ،‬أَأْد ُ‬
‫َ‬
‫ك َيا‬
‫عَلْي َ‬
‫سلُم َ‬
‫ساِئِه‪ ،‬قال‪ :‬ال ّ‬
‫ن ِن َ‬
‫شُرِبَتِه ُمؤِليًا ِم ْ‬
‫ل عنه‪ ،‬وهو فى َم ْ‬
‫ىا ّ‬
‫ضَ‬‫عَمُر َر ِ‬
‫ن عليه ُ‬
‫سَتْأَذ َ‬
‫ولـّما ا ْ‬
‫عَمُر؟‪.‬‬
‫ل ُ‬
‫خُ‬‫سلُم عليكم‪ ،‬أَيْد ُ‬
‫ل‪ ،‬ال ّ‬
‫رسول ا ّ‬
‫ل‪:‬‬
‫حْنَبل لما دخل عليه ولم ُيسّلم‪)) :‬اْرجْع َفقُ ْ‬
‫ن َ‬
‫ل عليه وسلم ‪ِ -‬لَكَلَدَة ْب ِ‬
‫وقد تقّدم قولُه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫خل((؟‪.‬‬
‫عَلْيُكم َأَأْد ُ‬
‫سلُم َ‬
‫ال ّ‬
‫‪236‬‬

‫وفى هذه السنن رٌد على َمن قال‪ُ :‬يقّدُم الستئذان على السلم‪ ،‬ورٌد على َمن قال‪ :‬إن وقعت‬
‫سلم‪ ،‬وإن لم تقع عينه عليه‪ ،‬بدأ بالستئذان‪ ،‬والقولن‪،‬‬
‫عيُنه على صاحب المنزل قبل دخوله‪ ،‬بدأ بال ّ‬
‫سـّنة‪.‬‬
‫مخالفان لل ّ‬
‫ن ثلثًا ولم ُيؤذن له‪ ،‬انصرف‪ ،‬وهو‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬إذا استأَذ َ‬
‫وكان من َهْديه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ظ آخر‪،‬‬
‫ن أنهم لم يسمعوا‪ ،‬زاد على الثلث‪ ،‬ورٌد على َمن قال‪ُ :‬يعيُدُه بلف ٍ‬
‫رٌد على َمن يقول‪ :‬إن ظ ّ‬
‫سـّنة‪.‬‬
‫والقولن مخالفان لل ّ‬
‫فصل‬
‫سِئل عن اسمه‬
‫فى المستأِذن كيف يرد إذا ُ‬
‫ن فلن‪ ،‬أو يذكر ُكنيته‪ ،‬أو َلقبه‪،‬‬
‫نبُ‬
‫ت؟ يقول‪ :‬فل ُ‬
‫ن أْن َ‬
‫ل له‪َ :‬م ْ‬
‫ن إذا ِقي َ‬
‫وكان من َهْديه أن المستأِذ َ‬
‫ن؟ فقال‪:‬‬
‫ب السماء فسألوه‪َ :‬م ْ‬
‫ل للملئكة فى ليلة المعراج لما استفتح با َ‬
‫جْبِري ُ‬
‫ول يقول‪ :‬أنا‪ ،‬كما قال ِ‬
‫ل‪ ،‬واستمر ذلك فى كل سماء سماء‪.‬‬
‫جبري ُ‬
‫ِ‬
‫سَتان‪ ،‬وجاء أبو بكر‬
‫جَلس النبى صلى ال عليه وسلم فى الُب ْ‬
‫وكذلك فى ))الصحيحين(( لما َ‬
‫ل‪َ)) :‬من((؟ قال‪:‬‬
‫ن فقا َ‬
‫ل عنه‪ ،‬فاستأذن فقال‪َ)) :‬من((؟ قال‪ :‬أبو بكر‪ ،‬ثم جاء عمر‪ ،‬فاستأذ َ‬
‫رضى ا ّ‬
‫ن كذلك‪.‬‬
‫عمر‪ ،‬ثم عثما ُ‬
‫ب فقال‪َ)) :‬من‬
‫ت البا َ‬
‫ت النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فدقق ُ‬
‫وفى ))الصحيحين((‪ ،‬عن جابر‪ :‬أتي ُ‬
‫ل‪)) :‬أَنا أَنا((‪َ ،‬كَأّنُه َكِرَهَها‪.‬‬
‫ذا((؟ فقلت‪ :‬أَنا‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ن هِذِه((؟ قالت‪ُ :‬أّم هانئ‪ ،‬فلم يكره ِذكرها الُكنية‪ ،‬وكذلك‬
‫ولما استأذنت ُأّم هانئ‪ ،‬قال لها‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن َهَذا((؟ قال‪ :‬أبو قتادة‪.‬‬
‫ل‪َ :‬أُبو ذر‪ ،‬وكذلك لما قال لبى قتادة‪َ)) :‬م ْ‬
‫ن َهَذا((؟ َقا َ‬
‫لما قال لبى ذر‪َ)) :‬م ْ‬
‫فصل‬
‫فى أن رسول الرجل إلى الرجل إذن له‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬من حديث قتادة‪ ،‬عن أبى رافع‪ ،‬عن أبى‬
‫وقد روى أبو داود عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫جاَء َمَع‬
‫طَعاٍم‪ُ ،‬ثّم َ‬
‫حُدُكم إلى َ‬
‫ىأ َ‬
‫ل إْذُنه((‪ .‬وفى لفظ‪)) :‬إَذا ُدعِ َ‬
‫جِ‬‫ل إَلى الّر ُ‬
‫جُ‬‫ل الّر ُ‬
‫سو ُ‬
‫ُهريرة‪َ)) :‬ر ُ‬
‫ت أبا داود يقول‪ :‬قتادة لم‬
‫ن َلُه‪ .‬وهذا الحديث فيه مقال‪ ،‬قال أبو على اللؤلؤى‪ :‬سمع ُ‬
‫ك إْذ ٌ‬
‫ن ذِل َ‬
‫ل‪َ ،‬فإ ّ‬
‫سو ِ‬
‫الّر ُ‬
‫‪237‬‬

‫يسمع من أبى رافع‪ .‬وقال البخارى فى ))صحيحه((‪ :‬وقال سعيد‪ :‬عن قتادة‪ ،‬عن أبى رافع‪ ،‬عن أبى‬
‫هريرة‪ ،‬عن النبى صلى ال عليه وسلم‪)) :‬هو إذنه((‪ ،‬فذكره تعليقًا لجل النقطاع فى إسناده‪.‬‬
‫ل على أن اعتبار الستئذان بعد الدعوة‪ ،‬وهو حدي ُ‬
‫ث‬ ‫وذكر البخارى فى هذا الباب حديثًا يد ّ‬
‫ب إلى‬
‫ت لبنًا فى قدح‪ ،‬فقال‪)) :‬اْذَه ْ‬
‫ت مع النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬فوجد ُ‬
‫مجاهد عن أبى هريرة‪ :‬دخل ُ‬
‫خُلوا‪ .‬وقد قالت‬
‫ى(( قال‪َ :‬فَأَتْيُتهم‪ ،‬فدعوُتهم‪ ،‬فأقبلوا‪ ،‬فاستأذنوا‪ ،‬فأذن لهم‪ ،‬فد َ‬
‫صّفة‪ ،‬فاْدعُهُم إل ّ‬
‫ل ال ّ‬
‫أْه ِ‬
‫طائفٌة‪ :‬بأن الحديثين على حالين‪ ،‬فإن جاء الداعى على الفور ِمن غير تراخ‪ ،‬لم يحتج إلى استئذان‪،‬‬
‫ج إلى استئذان‪.‬‬
‫ت‪ ،‬احتا َ‬
‫وإن تراخى مجيئه عن الدعوة‪ ،‬وطال الوق ُ‬
‫ن له قبل مجئ المدعو‪ ،‬لم يحتج إلى استئذان آخر‪،‬‬
‫وقال آخرون‪ :‬إن كان عند الداعى َمن قد أِذ َ‬
‫ن له‪ ،‬لم يدخل حتى يستأذن‪.‬‬
‫وإن لم يكن عنده َمن قد أِذ َ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫سُ‬
‫ك‬‫ل صلى ال عليه وسلم‪ ،‬إذا دخل إلى َمَكان ُيحب النفراد فيه‪ ،‬أَمَر َمن ُيْم ِ‬
‫لا ّ‬
‫وكان رسو ُ‬ ‫@‬
‫ل عليه أحد إل بإذن‪.‬‬
‫ب‪ ،‬فلم َيدخ ْ‬
‫البا َ‬
‫فصل‬
‫حُلم‬
‫ك وَمن لم يبلغ ال ُ‬
‫فى الستئذان الذى أمر ال به الممالي َ‬
‫ل الفجر‪،‬‬
‫ث‪ :‬قب َ‬
‫ت الثل ِ‬
‫حُلَم‪ ،‬فى العورا ِ‬
‫ن لم َيْبُلِغ ال ُ‬
‫ك‪ ،‬وَم ْ‬
‫ل به الممالي َ‬
‫ن الذى أمر ا ّ‬
‫وأما الستئذا ُ‬
‫ل بها‪ ،‬فقالت طائفة‪:‬‬
‫س العم َ‬
‫ن عباس يأمُر به‪ ،‬ويقول‪ :‬ترك النا ُ‬
‫ت الظهيرة‪ ،‬وعند النوم‪ ،‬فكان اب ُ‬
‫ووق َ‬
‫ب وإرشاد‪ ،‬ل حتم وإيجاب‪ ،‬وليس معها ما يدل‬
‫حجة‪ ،‬وقال طائفة‪ :‬أمُر ند ٍ‬
‫تبُ‬
‫اليُة منسوخة‪ ،‬ولم تأ ِ‬
‫ل‪ ،‬فيستأِذنون‬
‫على صرف المر عن ظاهره‪ ،‬وقالت طائفة‪ :‬المأمور بذلك النساُء خاصة‪ ،‬وأما الرجا ُ‬
‫فى جميع الوقات‪ ،‬وهذا ظاهُر البطلن‪ ،‬فإن جمع ))الذين(( ل يختص به المؤنث‪ ،‬وإن جاز إطلُقه‬
‫عليهن مع الذكور تغليبًا‪ .‬وقالت طائفة عكس هذا‪ :‬إن المأموَر بذلك الرجال دون النساء‪ ،‬نظرًا إلى لفظ‪:‬‬
‫ق الية يأباه فتأمله‪.‬‬
‫))الذين(( فى الموضعين‪ ،‬ولكن سيا ُ‬
‫وقالت طائفة‪ :‬كان المُر بالستئذان فى ذلك الوقت للحاجة‪ ،‬ثم زالت‪ ،‬والحكُم إذا ثبت بعّلٍة زال‬
‫بزوالها‪ ،‬فروى أبو داود فى ))سننه(( أن نفرًا من أهل العراق قالوا لبن عباس‪ :‬يا ابن عباس‪ ،‬كيف‬
‫ن َمَلَك ْ‬
‫ت‬ ‫سَتْأِذْنُكُم اّلِذي َ‬
‫ن آَمُنوْا ِلَي ْ‬
‫ل بها أحٌد‪َ} :‬يأّيها اّلِذي َ‬
‫ترى هذه الية التى ُأِمْرَنا فيها ِبَما ُأِمْرَنا‪ ،‬ول َيعم ُ‬
‫‪238‬‬

‫سْتَر‪ ،‬وكان‬
‫ب ال ّ‬
‫ح ّ‬
‫حكيٌم رحيٌم بالمؤمنين‪ُ ،‬ي ِ‬
‫ل َ‬
‫ن عباس‪ :‬إن ا ّ‬
‫َأْيَماُنُكْم‪] { ...‬النور‪ [58 :‬الية‪ .‬فقال اب ُ‬
‫ل على أهله‪،‬‬
‫ل الخاِدُم‪ ،‬أو الولُد أو يتيُمة الرجل‪ ،‬والرج ُ‬
‫جال‪ ،‬فربَما دخ َ‬
‫حَ‬‫سُتور ول ِ‬
‫س ليسَ ِلبُيوتهم ُ‬
‫النا ُ‬
‫ل بذلك َبْعُد‪.‬‬
‫سُتور والخير‪ ،‬فلم أر أحدًا َيْعَم ُ‬
‫ل بال ّ‬
‫ت‪ ،‬فجاءهم ا ُّ‬
‫ل بالستئذان فى تلك الَعَوَرا ِ‬
‫فأمرهم ا ُّ‬
‫عكرمة‪ ،‬ولم يصنع شيئًا‪ ،‬وطعن فى‬
‫ت هذا عن ابن عباس‪ ،‬وطعن فى ِ‬
‫ضهم ثبو َ‬
‫وقد أنكر بع ُ‬
‫عْمرو بن أبى عمرو مولى المطلب‪ ،‬وقد احتج به صاحبا الصحيح‪ ،‬فإنكاُر هذا تعّنت واستبعاد ل وجه‬
‫َ‬
‫له‪.‬‬
‫ل بها واجب‪ ،‬وإن تركه أكثُر‬
‫ض لها ول دافع‪ ،‬والعم ُ‬
‫وقالت طائفة‪ :‬الية محكمة عامة ل ُمعاِر َ‬
‫الناس‪.‬‬
‫حه دليل على الدخول‪ ،‬أو‬
‫ن من فتح باب فت ُ‬
‫والصحيح‪ :‬أنه إن كان هناك ما يقوم مقاَم الستئذا ِ‬
‫رفع ستر‪ ،‬أو ترّدد الداخل والخارج ونحوه‪ ،‬أغنى ذلك عن الستئذان‪ ،‬وإن لم يكن ما يقوُم مقامه‪ ،‬فل‬
‫ل أعلم‪.‬‬
‫جَد الحكُم‪ ،‬وإذا انتفت انتفى‪ .‬وا ّ‬
‫ت‪ُ ،‬و ِ‬
‫جَد ْ‬
‫ل بعّلة قد أشارت إليها الية‪ ،‬فإذا ُو ِ‬
‫ُبد منه‪ ،‬والحكم معّل ٌ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى أذكار العطاس‬
‫حُدُكم‬
‫س َأ َ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫ب‪َ ،‬فإَذا َ‬
‫س‪َ ،‬وَيْكَرُه الّتَثاؤ َ‬
‫طا َ‬
‫ب الُع َ‬
‫ح ّ‬
‫ل ُي ِ‬
‫نا ّ‬
‫ل عليه وسلم‪)) :‬إ ّ‬
‫ثبت عنه صلى ا ّ‬
‫ب‪ ،‬فإّنَما ُهَو ِم َ‬
‫ن‬ ‫ل‪ ،‬وأّما الّتَثاُؤ ُ‬
‫ك ا ُّ‬
‫حُم َ‬
‫ل َلُه‪َ :‬يْر َ‬
‫ن َيُقو َ‬
‫سِمَعُه أ ْ‬
‫سِلم َ‬
‫ل ُم ْ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫حّقا َ‬
‫ن َ‬
‫ل‪َ ،‬كا َ‬
‫حِمَد ا ّ‬
‫َو َ‬
‫ن(( ذكره‬
‫طا ُ‬
‫شْي َ‬
‫ك ِمْنُه ال ّ‬
‫حَ‬
‫ضِ‬‫ب‪َ ،‬‬
‫حَدُكم إَذا َتَثاَء َ‬
‫ن َأ َ‬
‫ع‪َ ،‬فإ ّ‬
‫طا َ‬
‫سَت َ‬
‫ب أحُدُكم‪َ ،‬فْلَيُرّدُه َما ا ْ‬
‫ن‪َ ،‬فإَذا َتَثاَء َ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ال ّ‬
‫البخارى‪.‬‬
‫حُبُه‪:‬‬
‫صا ِ‬
‫خوُه َأوْ َ‬
‫ل َلُه َأ ُ‬
‫ل‪َ ،‬وْلَيُق ْ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪ :‬ال َ‬
‫حُدُكم َفْلَيُق ْ‬
‫س َأ َ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫وثبت عنه فى ))صحيحه((‪)) :‬إذا َ‬
‫صِلحُ َباَلُكم((‪.‬‬
‫ل َوُي ْ‬
‫ل‪َ ،‬فْلَيُقل‪َ :‬يْهِديُكم ا ُّ‬
‫ك ا ُّ‬
‫حُم َ‬
‫ل َلُه‪َ :‬يْر َ‬
‫ل‪َ ،‬فإَذا َقا َ‬
‫ك ا ُّ‬
‫حُم َ‬
‫َيْر َ‬
‫خر‪،‬‬
‫ت ال َ‬
‫حَدُهَما‪ ،‬ولم ُيشّم ِ‬
‫تأ َ‬
‫ن‪ ،‬فشّم َ‬
‫جل ِ‬
‫عْنَدُه َر ُ‬
‫س ِ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫وفى ))الصحيحين(( عن أنس‪)) :‬أنه َ‬
‫حَمِد‬
‫ت َلْم َت ْ‬
‫ل‪ ،‬وأْن َ‬
‫حِمَد ا َّ‬
‫ل‪َ)) :‬هَذا َ‬
‫شّمْتِنى‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ت‪َ ،‬فَلْم ُت َ‬
‫س ُ‬
‫طْ‬‫عَ‬
‫شّمّتُه‪َ ،‬و َ‬
‫ن َف َ‬
‫س ُفل ٌ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫شّمْتُه‪َ :‬‬
‫ل اّلذى لم ُي َ‬
‫َفَقا َ‬
‫ل((‪.‬‬
‫ا ّ‬
‫ل‪َ ،‬ف َ‬
‫ل‬ ‫حَمِد ا ّ‬
‫ن َلْم َي ْ‬
‫شّمُتوُه‪ ،‬فإ ْ‬
‫ل‪َ ،‬ف َ‬
‫حِمَد ا َّ‬
‫حُدُكم َف َ‬
‫سأَ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫وثبت عنه فى ))صحيح مسلم((‪)) :‬إذا َ‬
‫شّمُتوُه((‪.‬‬
‫ُت َ‬
‫‪239‬‬

‫ت‪ :‬إَذا َلِقيَتُه‪،‬‬


‫س ٌ‬
‫سِلِم ِ‬
‫عَلى الُم ْ‬
‫سِلِم َ‬
‫ق الُم ْ‬
‫حّ‬‫وثبت عنه فى ))صحيحه((‪ :‬من حديث أبى هريرة‪َ )) :‬‬
‫شّمْتُه‪َ ،‬وإَذا‬
‫ل‪َ ،‬ف َ‬
‫حِمَد ا َّ‬
‫س َو َ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫ح َلُه‪َ ،‬وإَذا َ‬
‫صْ‬‫ك‪ ،‬فاْن َ‬
‫حَ‬
‫صَ‬‫سَتْن َ‬
‫َ َفأجْبُه‪َ ،‬وإَذا ا ْ‬ ‫عاك‬
‫عَلْيِه‪َ ،‬وإَذا َد َ‬
‫سّلْم َ‬
‫َف َ‬
‫ت َفاْتَبْعُه((‪.‬‬
‫ض‪َ ،‬فُعْده‪َ ،‬وإَذا َما َ‬
‫َمِر َ‬
‫ل‪َ ،‬وْلَيُق ْ‬
‫ل‬ ‫حا ٍ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ل َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪ :‬ال َ‬
‫حُدُكم َفْلَيُق ْ‬
‫س َأ َ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫وروىأبو داودعنه بإسناد صحيح‪)) :‬إَذا َ‬
‫ح َباَلُكم((‪.‬‬
‫صِل ُ‬
‫ل َوُي ْ‬
‫ل ُهَو‪َ :‬يْهِديُكُم ا ُّ‬
‫ل‪َ ،‬وْلَيُق ْ‬
‫كا ّ‬
‫حُم َ‬
‫حُبه‪َ :‬يْر َ‬
‫صا ِ‬
‫خوُه َأْو َ‬
‫َأ ُ‬
‫ل‪َ ،‬فَقالَ‬
‫ل ا ِّ‬
‫عَلى رسو ِ‬
‫ل‪ ،‬والسلُم َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ن عمر‪ ،‬فقال‪ :‬ال َ‬
‫عنَد اب ِ‬
‫س ِ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫ل َ‬
‫جً‬‫وروى الترمذى‪ ،‬أن َر ُ‬
‫عّلَمَنا رسو ُ‬
‫ل‬ ‫س َهَكَذا َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬وَلْي َ‬
‫سول ا ّ‬
‫ل والسلُم على َر ُ‬
‫ل‪ :‬الحمُد ِّ‬
‫عَمَر‪ :‬وأَنا أُقو ُ‬
‫ن ُ‬
‫اب ُ‬
‫ل حال‪.‬‬
‫ل على ُك ّ‬
‫ل‪ :‬الحْمُد ِّ‬
‫ن َنُقو َ‬
‫عّلَمَنا أ ْ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬وَلِكن َ‬
‫ا ّ‬
‫حُمَنا ا ُّ‬
‫ل‬ ‫ل‪َ :‬يْر َ‬
‫ل‪َ ،‬قا َ‬
‫ك ا ُّ‬
‫حُم َ‬
‫ل َلُه‪َ :‬يْر َ‬
‫س َفِقي َ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫ن إَذا َ‬
‫وذكر مالك‪ ،‬عن نافع‪ ،‬عن ابن عمر‪َ)) :‬كا َ‬
‫وإّياُكم‪ ،‬وَيْغِفُر َلَنا َوَلُكْم((‪.‬‬
‫ن سمع العاطس يحَمُد‬
‫ل َم ْ‬
‫عْين على ُك ّ‬
‫ض َ‬
‫ت فر ُ‬
‫ث المبدوء به‪ :‬أن التشمي َ‬
‫فظاهر الحدي ِ‬
‫ن أبى زيد‪ ،‬وأبو بكر بن‬
‫ت الواحد عنهم‪ ،‬وهذا أحُد قولى العلماء‪ ،‬واختاره اب ُ‬
‫جِزئ تشمي ُ‬
‫ل‪ ،‬ول ُي ْ‬
‫ا ّ‬
‫العربى المالكيان‪ ،‬ول دافع له‪.‬‬
‫ل‪:‬‬
‫س عند النبى صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫ل َ‬
‫وقد روى أبو داود‪ :‬أن رج ً‬
‫ل‪)) :‬إَذا‬
‫ك((‪ُ ،‬ثّم َقا َ‬
‫عَلى ُأّم َ‬
‫سلُم و َ‬
‫ك ال ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬و َ‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫عَلْيُكْم‪َ ،‬فَقا َ‬
‫سلُم َ‬
‫ال ّ‬
‫ل‪َ ،‬وَلَيُرّد ‪َ -‬يْعِنى‬
‫ك ا ُّ‬
‫حُم َ‬
‫عْنَدُه‪َ :‬يْر َ‬
‫ن ِ‬
‫ل لَُه‪َ ،‬م ْ‬
‫حاِمِد‪ ،‬وليُق ْ‬
‫ض الَم َ‬
‫ل(( قال‪ :‬فذكر َبع َ‬
‫حَمِد ا ّ‬
‫حُدُكم‪َ ،‬فْلَي ْ‬
‫س َأ َ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫َ‬
‫ل َلَنا َوَلُكْم((‪.‬‬
‫عَلْيِهم ‪َ -‬يْغِفُر ا ُّ‬
‫َ‬
‫وفى السلم على ُأّم هذا الُمسّلم ُنكتٌة لطيفٌة‪ ،‬وهى إشعاُره بأن سلَمه قد وقع فى غير موقعه‬
‫اللئق ِبه‪ ،‬كما وقع هذا السلُم على ُأّمه‪ ،‬فكما أن سلمه َهَذا فى غير موضعه كذلك سلمه هو‪.‬‬
‫ى محض منسوب‬
‫ف منها‪ ،‬وهى تذكيُره بُأّمه‪ ،‬ونسبه إليها‪ ،‬فكأنه ُأّم ٌ‬
‫ونكتٌة أخرى ألط ُ‬
‫لّمى‪ ،‬أنه الباقى على نسبته إلى‬
‫ل‪ ،‬وهذا أحُد القوال فى ا ُ‬
‫ق على تربيتها لم ترّبه الرجا ُ‬
‫لم‪ ،‬با ٍ‬
‫إلى ا ُ‬
‫لم‪.‬‬
‫اُ‬
‫ب‪.‬‬
‫ن الِكَتابة‪ ،‬ول يقرأ الِكَتا َ‬
‫سُ‬‫لّمى‪ :‬فهو الذى ل ُيح ِ‬
‫وأما النبى ا ُ‬
‫‪240‬‬

‫ح الصلُة خلفه‪ ،‬فهو الذى ل ُيصحح الفاتحة‪ ،‬ولو كان عالمًا بعلوم‬
‫صّ‬‫ى الذى ل َت ِ‬
‫لّم ّ‬
‫وأّما ا ُ‬
‫كثيرة‪.‬‬
‫ك‪،‬‬
‫ن َأِبي َ‬
‫ض َه َ‬
‫ض ْ‬
‫ن الب لمن تعّزى بعزاِء الجاهلية فيقال له‪ :‬اع ُ‬
‫لم هاهنا ذكُر َه ِ‬
‫ونظيُر ذكر ا ُ‬
‫ج منه‪ ،‬وهو‬
‫خَر َ‬
‫ن الب هاهنا أحسن تذكيرًا لهذا المتكّبِر بدعوى الجاهلية بالُعضو الذى َ‬
‫ن ِذكُر َه ِ‬
‫وَكا َ‬
‫ق على ُأّميته‪.‬‬
‫ن تذكيرًا له‪ ،‬بأنه با ٍ‬
‫لم هاهنا أحس ُ‬
‫طْوَرُه‪ ،‬كما أن ِذكَر ا ُ‬
‫ل َيْنَبِغى َلُه أن يتعّدى َ‬
‫ن أبيه‪َ ،‬ف َ‬
‫َه ُ‬
‫ل أعلم بمراد رسوله صلى ال عليه وسلم‪.‬‬
‫وا ّ‬
‫س نعمُة ومنفعُة بخروج البخرة المحتِقنة فى‬
‫س قد حصلت له بالُعطا ِ‬
‫ط ُ‬
‫ولما كان العا ِ‬
‫ل على َهِذِه النعمة مع بقاء أعضائه‬
‫ع له حمُد ا ّ‬
‫شر َ‬
‫سَرًة‪ُ ،‬‬
‫عِ‬‫ِدماغه التى لو بقيت فيه أحدثت له أدواًء َ‬
‫على التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التى هى للبدن كزلزلة الرض لها‪.‬‬
‫ى واحد‪ ،‬قاله أبو‬
‫ولهذا يقال‪ :‬سّمته وشّمته ‪ -‬بالسين والشين ‪ -‬فقيل‪ :‬هما بمعن ً‬
‫ت‪،‬‬
‫سم ِ‬
‫حسن ال ّ‬
‫ت‪ .‬وقيل‪ :‬بالمهملة دعاء له ب ُ‬
‫سّم ٌ‬
‫ت وُم َ‬
‫ع بخير‪ ،‬فهو ُمشّم ٌ‬
‫ل دا ٍ‬
‫عبيدة وغيره‪ .‬قال‪ :‬وك ّ‬
‫وبعوده إلى حالته من السكون والدعة‪ ،‬فإن الُعطاس ُيحدث فى العضاء حركًة وانزعاجًا‪ .‬وبالمعجمة‪:‬‬
‫ت به أعداَءه‪ ،‬فشّمته‪ :‬إذا أزال عنه الشماتة‪ ،‬كقّرد البعيَر‪ :‬إذا‬
‫ل عنه ما ُيشّم ُ‬
‫فا ّ‬
‫دعاء له بأن يصر َ‬
‫أزال ُقراَده عنه‪.‬‬
‫ل‪ ،‬مأخوذ من الشواِمت‪ ،‬وهى القوائم‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬هو دعاء له بثباته على قوائمه فى طاعة ا ّ‬
‫ل على ِنعمة الُعطاس‪ ،‬وما حصل له به من‬
‫ن‪ ،‬لغاظته بحْمِد ا ِّ‬
‫ت له بالشيطا ِ‬
‫وقيل‪ :‬هو تشمي ٌ‬
‫س الُعطاس‬
‫حِمَده‪ ،‬ساء ذلك الشيطان من وجوه‪ ،‬منها‪ :‬نف ُ‬
‫لو َ‬
‫ل ُيحبه‪ ،‬فإذا ذكر العبُد ا َّ‬
‫ل‪ ،‬فإن ا ّ‬
‫با ّ‬
‫محا ّ‬
‫ح البال‪،‬‬
‫ل عليه‪ ،‬ودعاُء المسلمين له بالرحمة‪ ،‬ودعاؤه لهم بالهداية‪ ،‬وإصل ُ‬
‫ل‪ ،‬وحمُد ا ِّ‬
‫الذى ُيحّبه ا ُّ‬
‫ت المؤمن بغيظ عدوه وحزنه وكآبته‪ ،‬فسمى الدعاُء له‬
‫وذلك ُكّله غائظ للشيطان‪ ،‬محزن له‪ ،‬فتشمي ُ‬
‫س والمشّمت‪،‬‬
‫ط ُ‬
‫بالرحمة تشميتًا له‪ ،‬لما فى ضمنه من شماتته بعدوه‪ ،‬وهذا معنى لطيف إذا تنبه له العا ِ‬
‫ل له‪ ،‬فِلّلِه‬
‫سّر فى محبة ا ّ‬
‫ت عندهما منفعُة نعمِة الُعطاس فى البدن والقلب‪ ،‬وتبّين ال ّ‬
‫ظَم ْ‬
‫عُ‬‫انتفعا به‪ ،‬و َ‬
‫عّز جلله‪.‬‬
‫الحْمُد الذى هو أهُله كما ينبغى لكريم وجهه و ِ‬
‫فصل‬
‫فى غض الصوت فى الُعطاس‬
‫‪241‬‬

‫ل عليه وسلم ‪ -‬فى الُعطاس ما ذكره أبو داود والترمذى‪ ،‬عن أبى‬
‫وكان من َهْديه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫ض‪ ،‬أو‬
‫خَف َ‬
‫عَلى ِفيِه‪َ ،‬و َ‬
‫طس‪َ ،‬وضََع َيَدُه أْو َثْوَبُه َ‬
‫عَ‬‫ل صلى ال عليه وسلم ))إَذا َ‬
‫لا ّ‬
‫سو ُ‬
‫ن َر ُ‬
‫هريرة‪ :‬كا َ‬
‫صْوَته(( ‪ .‬قال الترمذى‪ :‬حديث صحيح‬
‫ض ِبِه َ‬
‫غ ّ‬
‫َ‬
‫ن‪.‬‬
‫طا ِ‬
‫ن الشّْي َ‬
‫شِديَدَة ِم َ‬
‫سَة ال ّ‬
‫طَ‬‫شِديَد‪ ،‬والَع ْ‬
‫ب ال ّ‬
‫ن الَتَثاُؤ َ‬
‫ل عليه وسلم ‪ :-‬أ ّ‬
‫وُيذكر عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫س‪.‬‬
‫طا ِ‬
‫ب والُع َ‬
‫ت ِبالّتَثاُؤ ِ‬
‫صْو ِ‬
‫ل َيْكَرُه َرْفَع ال ّ‬
‫نا ّ‬
‫وُيذكر عنه‪ :‬أ ّ‬
‫ل‪:‬‬
‫خَرى‪ ،‬فقا َ‬
‫س ُأ ْ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫ل((‪ُ .‬ثّم َ‬
‫ك ا ُّ‬
‫حُم َ‬
‫ل‪ ،‬فقال له‪َ)) :‬يْر َ‬
‫س عنده رج ٌ‬
‫ح عنه‪ :‬أنه عط َ‬
‫وص ّ‬
‫ن سلمة بن‬
‫عْ‬‫ل َمْزُكوم((‪ .‬هذا لفظ مسلم أنه قال فى المرة الثانية‪ ،‬وأما الترمذى‪ :‬فقال فيه َ‬
‫جُ‬‫))الّر ُ‬
‫ل صلى ال عليه‬
‫لا ّ‬
‫ل رسو ُ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم وأنا شاهد‪ ،‬فقا َ‬
‫لا ّ‬
‫عند رسو ِ‬
‫ل ِ‬
‫طس رج ٌ‬
‫عَ‬‫الكوع‪َ :‬‬
‫جٌ‬
‫ل‬ ‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬هَذا َر ُ‬
‫لا ّ‬
‫سو ُ‬
‫لرُ‬
‫س الّثاِنَيَة والّثاِلَثَة‪َ ،‬فَقا َ‬
‫ط َ‬
‫عَ‬‫ل((‪ُ ،‬ثّم َ‬
‫ك ا ُّ‬
‫حُم َ‬
‫وسلم‪َ)) :‬يْر َ‬
‫َمْزُكوٌم((‪ .‬قال الترمذى‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬
‫ك ثلثًا‪،‬‬
‫خا َ‬
‫شّمتْ أ َ‬
‫وقد روى أبو داود عن سعيد بن أبى سعيد‪ ،‬عن أبى هريرة موقوفًا عليه‪َ )) :‬‬
‫َفَما َزاَد‪َ ،‬فُهَو ُزَكاٌم((‪.‬‬
‫وفى رواية عن سعيد‪ ،‬قال‪ :‬ل أعلمه إل أنه رفع الحديث إلى النبى صلى ال عليه وسلم بمعناه‪.‬‬
‫قال أبو داود‪ :‬رواه أبو نعيم‪ ،‬عن موسى بن قيس‪ ،‬عن محمد بن عجلن‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن أبى هريرة‪،‬‬
‫عن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ..‬انتهى‪.‬‬
‫وموسى بن قيس هذا الذى رفعه هو الحضرمى الكوفى ُيعرف بُعصفور الجّنة‪ .‬قال يحيى ابن‬
‫معين‪ :‬ثقة‪ .‬وقال أبو حاتم الرازى‪ :‬ل بأس به‪.‬‬
‫شّم ُ‬
‫ت‬ ‫عبيد بن ِرفاعة الّزَرقى‪ ،‬عن النبى صلى ال عليه وسلم‪ ،‬قال‪ُ)) :‬ت َ‬
‫وذكر أبو داود‪ ،‬عن ُ‬
‫عّلتان‪ ،‬إحداهما‪ :‬إرساله‪ ،‬فإن عبيدًا هذا‬
‫ف((‪ ،‬ولكن له ِ‬
‫ت َفُك ّ‬
‫شْئ َ‬
‫ن ِ‬
‫شّمْتُه‪ ،‬وإ ْ‬
‫ت‪َ ،‬ف َ‬
‫شْئ َ‬
‫ن ِ‬
‫س َثلثًا‪َ ،‬فإ ْ‬
‫ط َ‬
‫الَعا ِ‬
‫ليست له صحبة‪ ،‬والثانية‪ :‬أن فيه أبا خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالنى‪ ،‬وقد تكلم فيه‪.‬‬
‫ن زاَد‬
‫سه‪ ،‬فإ ْ‬
‫جِلي ُ‬
‫شّمْتُه َ‬
‫حُدُكم‪َ ،‬فْلُي َ‬
‫سأَ‬
‫ط َ‬
‫وفى الباب حديث آخر‪ ،‬عن أبى هريرة يرفعه‪)) :‬إَذا عَ َ‬
‫ث أبى داود الذى قال فيه‪:‬‬
‫ث هو حدي ُ‬
‫شّمْتُه َبْعَد الّثلث((‪ ،‬وهذا الحدي ُ‬
‫عَلى الّثلَثِة‪َ ،‬فُهَو َمْزُكوٌم‪ ،‬ول ُت َ‬
‫َ‬
‫رواه أبو نعيم‪ ،‬عن موسى بن قيس‪ ،‬عن محمد بن عجلن‪ ،‬عن سعيد‪ ،‬عن أبى هريرة‪ ،‬وهو حديث‬
‫حسن‪.‬‬
‫‪242‬‬

‫عّلة به؟ قيل‪ُ :‬يدعى له كما ُيدعى‬


‫فإن قيل‪ :‬إذا كان به ُزكام‪ ،‬فهو أولى أن ُيدعى له ممن ل ِ‬
‫للمريض‪ ،‬وَمن ِبه داء ووجع‪.‬‬
‫ن‪ ،‬وخُروج البخرة المحَتقَِنِة‪،‬‬
‫خفة البد ِ‬
‫ل على ِ‬
‫ل‪ ،‬وهو ِنعمة‪ ،‬ويد ّ‬
‫سـّنة الُعطاس الذى ُيحبه ا ّ‬
‫وأما ُ‬
‫فإنما يكون إلى تمام الثلث‪ ،‬وما زاد عليها ُيدعى لصاحبه بالعافية‪.‬‬
‫عّلة‪ ،‬وفيه‬
‫ل َمْزُكوٌم(( تنبيه على الدعاء له بالعافية‪ ،‬لن الزكمة ِ‬
‫جُ‬‫وقوله فى هذا الحديث‪)) :‬الّر ُ‬
‫ب أمُرَها‪،‬‬
‫اعتذار من ترك تشميته بعد الثلث‪ ،‬وفيه تنبيٌه له على هذه الِعّلة ليتداركها ول يهملها‪ ،‬فيصُع َ‬
‫فكلمه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬كله حكمة ورحمة‪ ،‬وعلم وهدى‪.‬‬
‫ل‪ ،‬فسمعه بع ُ‬
‫ض‬ ‫حمَد ا َّ‬
‫س إذا َ‬
‫ط َ‬
‫وقد اختلف الناس فى مسألتين‪ :‬إحداهما‪ :‬أن العا ِ‬
‫ن لمن لم يسمعه تشميُته؟ فيه قولن‪ ،‬والظهر‪ :‬أنه ُيشمته إذا تحّقق أنه‬
‫سّ‬‫الحاضرين دون بعض‪ ،‬هل ُي َ‬
‫ع المشّمت للحمد‪ ،‬وإنما المقصود نفس حمده‪ ،‬فمتى تحقق ترتب عليه‬
‫ل‪ ،‬وليس المقصوُد سما َ‬
‫حِمَد ا ّ‬
‫َ‬
‫س‪ ،‬ورأى حركة شفتيه بالحمد‪ .‬والنبى صلى ال عليه وسلم قال‪:‬‬
‫ت‪ ،‬كما لو كان المشمت أخر َ‬
‫التشمي ُ‬
‫ل‪ ،‬فشّمتوه(( هذا هو الصواب‪.‬‬
‫حِمَد ا ّ‬
‫))فإن َ‬
‫ب لمن حضره أن ُيذّكَره الحمد؟ قال‬
‫الثانية‪ :‬إذا ترك الحمد‪ ،‬فهل ُيستح ّ‬
‫ابن العربى‪ :‬ل ُيذّكره‪ ،‬قال‪ :‬وهذا جهل من فاعله‪ .‬وقال النووى‪ :‬أخطأ َمن زعم ذلك‪ ،‬بل ُيذّكره‪ ،‬وهو‬
‫مروى عن إبراهيم النخعى‪ .‬قال‪ :‬وهو من باب النصيحة‪ ،‬والمر بالمعروف‪ ،‬والتعاون على البّر‬
‫ط َ‬
‫س‬ ‫عَ‬‫ت الذى َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم لم ُيشّم ِ‬
‫ن النب ّ‬
‫سـّنة يقوى قول ابن العربى ل ّ‬
‫والتقوى‪ ،‬وظاهر ال ّ‬
‫ن لبركة الدعاء لـّما حرم نفسه بركة الحمد‪ ،‬فنسى‬
‫ل‪ ،‬ولم يذّكره‪ ،‬وهذا تعزير له‪ ،‬وحرما ٌ‬
‫حَمِد ا ّ‬
‫َوَلْم َي ْ‬
‫سـّنة‪ ،‬لكان النبى صلى‬
‫ف قلوب المؤمنين وألسنتهم عن تشميته والدعاء له‪ ،‬ولو كان تذكيُره ُ‬
‫ل‪ ،‬فصر َ‬
‫ا ّ‬
‫ال عليه وسلم أولى بفعلها وتعليِمها‪ ،‬والعانة عليها‪.‬‬
‫فصل‬
‫ل َلُهْم‪:‬‬
‫ن َيُقو َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫جو َ‬
‫عْنَدُه‪َ ،‬يْر ُ‬
‫ن ِ‬
‫سو َ‬
‫طُ‬‫ن الَيُهوَد َكاُنوا َيَتَعا َ‬
‫ح عنه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪)) :-‬أ ّ‬
‫وص ّ‬
‫ح باَلُكم((‪.‬‬
‫صِل ُ‬
‫ل َوُي ْ‬
‫ل‪َ :‬يْهِديُكُم ا ُّ‬
‫ل‪ ،‬فكان يقو ُ‬
‫حُمُكُم ا ُّ‬
‫َيْر َ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى أذكار السفر وآدابه‬
‫‪243‬‬

‫غْيِر‬
‫ن َ‬
‫حُدُكم ِبالْمر‪َ ،‬فْلَيْرَكْع َرْكَعَتْينِ ِم ْ‬
‫ل عليه وسلم ‪ -‬أنه قال‪)) :‬إَذا َهّم أ َ‬
‫ح عنه ‪ -‬صلى ا ّ‬
‫صّ‬
‫ظيِم‪َ ،‬فإّن َ‬
‫ك‬ ‫ك الَع ِ‬
‫ضِل َ‬
‫ن َف ْ‬
‫ك ِم ْ‬
‫سَأُل َ‬
‫ك‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ك ِبُقْدَرِت َ‬
‫سَتْقِدُر َ‬
‫ك‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ك ِبِعْلِم َ‬
‫خِيُر َ‬
‫سَت ْ‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم إّنى َأ ْ‬
‫ضِة‪ُ ،‬ثّم ْلَيُق ْ‬
‫الَفِري َ‬
‫خْيٌر لى فى دينى‬
‫ن َهَذا الْمَر َ‬
‫ت َتْعَلم أ ّ‬
‫ن كُْن َ‬
‫لُم الُغيوب‪ ،‬الّلُهّم إ ْ‬
‫عّ‬
‫ت َ‬
‫عَلُم‪َ ،‬وَأْن َ‬
‫ل َأ ْ‬
‫ل َأْقِدُر‪َ ،‬وَتْعَلُم َو َ‬
‫َتْقِدُر َو َ‬
‫شرًا لى فى‬
‫ت َتْعَلُمه َ‬
‫ن ُكْن ُ‬
‫ك لى فيه‪ ،‬وإ ْ‬
‫سْرُه لى‪َ ،‬وَباِر ْ‬
‫جِلِه‪َ ،‬فاْقُدْرُه لى‪َ ،‬وًَي ّ‬
‫ل أْمِرى َوآ ِ‬
‫جِ‬‫عا ِ‬
‫شى‪َ ،‬و َ‬
‫َوَمَعا ِ‬
‫ن‪ُ ،‬ثّم‬
‫ث َكا َ‬
‫حْي ُ‬
‫خْيَر َ‬
‫عْنٌُه‪َ ،‬واْقُدْر لى ال َ‬
‫صِرْفِنى َ‬
‫صِرْفُه عّنى‪َ ،‬وا ْ‬
‫جِلِه‪َ ،‬فا ْ‬
‫ل أْمِرى َوآ ِ‬
‫عاج ِ‬
‫ِديِنى وَمَعاشى‪َ ،‬و َ‬
‫سّمى حاجته‪ ،‬قال‪ :‬رواه البخارى‪.‬‬
‫ضنى به(( قال‪ :‬وُي َ‬
‫َر ّ‬
‫ل الجاهلية من زجر‬
‫ل صلى ال عليه وسلم ُأّمته بهذا الدعاء‪ ،‬عما كان عليه أه ُ‬
‫فعّوض رسول ا ّ‬
‫علمَ‬
‫ن المشركين‪ ،‬يطُلبون بها ِ‬
‫طْيِر والستسقاِم بالزلم الذى نظيُره هذه القرعة التى كان يفعُلها إخوا ُ‬
‫ال ّ‬
‫سم‪ ،‬والسين فيه للطلب‪،‬‬
‫سمى ذلك استقسامًا‪ ،‬وهو استفعال من الَق ْ‬
‫سَم لهم فى الغيب‪ ،‬ولهذا ُ‬
‫ما ُق ِ‬
‫ل ِلمن بيده الخيُر كّلُه‪ ،‬الذى ل‬
‫ل‪ ،‬وسؤا ٌ‬
‫وعّوضهم بهذا الدعاء الذى هو توحيٌد وافتقاٌر‪ ،‬وعبوديٌة وتوّك ٌ‬
‫سها‬
‫طع أحٌد حب َ‬
‫ف السيئات إل ُهو‪ ،‬الذى إذا فتح لعبده رحمة لم يست ِ‬
‫ت إل هو‪ ،‬ول يصِر ُ‬
‫يأتى بالحسنا ِ‬
‫عنه‪ ،‬وإذا أمسكها لم يستطع أحٌد إرساَلها إليه من التطيِر والّتْنجيِم‪ ،‬واختياِر الطالع ونحوه‪ .‬فهذا الدعاُء‪،‬‬
‫ل الحسنى‪ ،‬ل طاِلع أهل‬
‫ن السعيد‪ ،‬طاِلُع أهل السعادة والتوفيق‪ ،‬الذين سبقت لهم من ا ّ‬
‫هو الطاِلُع الميمو ُ‬
‫ل إلهًا آخر‪ ،‬فسوف يعلمون‪.‬‬
‫خذلن‪ ،‬الذين يجعلون مع ا ّ‬
‫شرك والشقاء وال ِ‬
‫ال ِ‬
‫ت كماله من كمال الِعلم والُقدرة‬
‫فتضمن هذا الدعاُء القرار بوجوده سبحاَنه‪ ،‬والقراَر بصفا ِ‬
‫عهدة‬
‫ج من ُ‬
‫ل عليه‪ ،‬والخرو َ‬
‫ض المر إليه‪ ،‬والستعانَة به‪ ،‬والتوّك َ‬
‫والرادة‪ ،‬والقرار بربوبيته‪ ،‬وتفوي َ‬
‫ف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها‪،‬‬
‫حْول والقوة إل به‪ ،‬واعترا َ‬
‫نفسه‪ ،‬والتّبّرى ِمن ال َ‬
‫ق‪.‬‬
‫طِرِه وإلهِه الح ّ‬
‫وإرادِتِه لها‪ ،‬وأن ذلك كّله بيد َولّيه واف ِ‬
‫وفى ))مسند المام أحمد(( من حديث سعد بن أبى وقاص‪ ،‬عن النبى صلى ال عليه وسلم أنه‬
‫ل‪،‬‬
‫خاَرِة ا ّ‬
‫سِت َ‬
‫كا ْ‬
‫ن آَدَم َتْر ُ‬
‫شَقاَوِة اْب ِ‬
‫ن َ‬
‫ل‪ ،‬وِم ْ‬
‫ضى ا ّ‬
‫ضاُه بما َق َ‬
‫ل ور َ‬
‫خاَرُة ا ِّ‬
‫سِت َ‬
‫ن آَدَم ا ْ‬
‫سَعاَدِة اْب ِ‬
‫ن َ‬
‫قال‪ِ)) :‬م ْ‬
‫ل((‪.‬‬
‫ضى ا ّ‬
‫طُه ِبَما َق َ‬
‫خُ‬‫سَ‬
‫َو َ‬
‫ن الستخارة قبله‪ ،‬والّرضا بما‬
‫فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفًا بأمرين‪ :‬التوكل الذى هو مضمو ُ‬
‫ك التوكل والستخارة قبله‪،‬‬
‫ن السعادة‪ .‬وعنوان الشقاء أن يكتِنَفه تر ُ‬
‫ل له بعده‪ ،‬وهما عنوا ُ‬
‫يقضى ا ّ‬
‫والسخط بعده‪ ،‬والتوّكل قبل القضاء‪ .‬فإذا ُأبرم القضاء وتم‪ ،‬انتقلت العبودية إلى الرضا بعده‪ ،‬كما فى‬
‫‪244‬‬

‫ضاء((‪ .‬وهذا أبلغ من الرضا‬


‫ضا َبْعَد الَق َ‬
‫ك الّر َ‬
‫سَأُل َ‬
‫))المسند((‪ ،‬وزاد النسائى فى الدعاء المشهور‪َ)) :‬وَأ ْ‬
‫بالقضاء‪ ،‬فإنه قد يكون عزمًا فإذا وقع القضاُء‪ ،‬تنحل العزيمُة‪ ،‬فإذا حصل الرضا بعد القضاء‪ ،‬كان‬
‫ل أو مقامًا‪.‬‬
‫حا ً‬
‫سام بُقدرته وعلمه‪ ،‬وحسن‬
‫ض إليه‪ ،‬واستق َ‬
‫ل وتفوي ٌ‬
‫ل على ا ّ‬
‫والمقصوُد أن الستخارة َتوّك ٌ‬
‫ن رضى‬
‫ن لم يكن كذلك‪ ،‬وإ ْ‬
‫اختياره لعبده‪ ،‬وهى من لوازم الرضا به ربًا‪ ،‬الذى ل يذوق طعم اليمان َم ْ‬
‫بالمقدوِر بعدها‪ ،‬فذلك علمُة سعادته‪.‬‬
‫سَفرًا ق ّ‬
‫ط‬ ‫ى صلى ال عليه وسلم َ‬
‫ل عنه قال‪ :‬لم ُيرد النب ّ‬
‫وذكر البيهقى وغيره‪ ،‬عن أنس رضى ا ّ‬
‫ت‪،‬‬
‫ك َتَوّكْل ُ‬
‫ت‪ ،‬وعََلْي َ‬
‫صْم ُ‬
‫عَت َ‬
‫كا ْ‬
‫ت‪ ،‬وِب َ‬
‫جْه ُ‬
‫ك َتَو ّ‬
‫ت‪َ ،‬وإَلْي َ‬
‫شْر ُ‬
‫ك اْنَت َ‬
‫إل قال حين ينهض من جلوسه‪)) :‬الّلُهّم ِب َ‬
‫ك‪،‬‬
‫جاُر َ‬
‫عّز َ‬
‫عَلُم ِبِه ِمّنى‪َ .‬‬
‫تأ ْ‬
‫ل َأْهَتّم َلُه‪َ ،‬وَما أْن َ‬
‫جاِئى‪ ،‬الّلُهّم اْكِفنى َما َأَهّمِنى َوَما َ‬
‫ت َر َ‬
‫الّلُهّم أْنتَ ِثَقِتى‪ ،‬وأْن َ‬
‫ت((‪ ،‬ثم‬
‫جْه ُ‬
‫خْير َأْيَنَما َتَو ّ‬
‫جْهِنى ِلْل َ‬
‫غِفْر ِلى َذْنِبى‪َ ،‬وَو ّ‬
‫ك‪ ،‬الّلُهّم َزّودنى الّتْقَوى‪َ ،‬وا ْ‬
‫غْيُر َ‬
‫ك‪ ،‬ول إَله َ‬
‫ل َثَناؤ َ‬
‫جّ‬‫َو َ‬
‫يخرج‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى ما يقوله إذا ركب راحلته‬
‫خر َلَنا هَذا‪َ ،‬وَما ُكّنا َلُه ُمْقِرِنْين‪،‬‬
‫سّ‬‫ن اّلذى َ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫حلته‪ ،‬كّبر ثلثًا‪ ،‬ثم قال‪ُ )) :‬‬
‫ن إذا ركب را ِ‬
‫وكا َ‬
‫ل َما‬
‫ن الَعَم ِ‬
‫سَفِرَنا هَذا الِبّر والّتْقَوى‪ ،‬وِم َ‬
‫ك فى َ‬
‫سَأُل َ‬
‫َوإّنا إَلى َرّبَنا َلُمْنَقِلُبون((‪ .‬ثم يقول‪)) :‬الّلُهّم إّنى َأ ْ‬
‫خِليَفُة فى‬
‫سَفِر‪ ،‬وال َ‬
‫ب فى ال ّ‬
‫ح ُ‬
‫صا ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫طو عّنا ُبْعَده‪ ،‬الّلُهّم أْن َ‬
‫سَفَرَنا هذا‪ ،‬وا ْ‬
‫عَلْيَنا َ‬
‫ن َ‬
‫ضى‪ ،‬الّلُهّم َهّو ْ‬
‫َتْر َ‬
‫ن تاِئُبون‪،‬‬
‫ن‪)) :‬آِيُبو َ‬
‫ن وزاد فيه ّ‬
‫سَفِرَنا‪ ،‬واخُلْفَنا فى أْهِلَنا((‪ .‬وإَذا رجع قاله ّ‬
‫حْبَنا فى َ‬
‫صَ‬‫ل‪ ،‬اللُّهّم ا ْ‬
‫الْه ِ‬
‫ن((‪.‬‬
‫حاِمُدو َ‬
‫ن لَِرّبَنا َ‬
‫عاِبُدو َ‬
‫خِليفَُة‬
‫سَفر‪َ ،‬وال َ‬
‫ب فى ال ّ‬
‫صاح ُ‬
‫ت ال ّ‬
‫ن يقول‪)) :‬أْن َ‬
‫وذكر أحمد عنه ‪ -‬صلى ال عليه وسلم ‪ -‬أنه كا َ‬
‫ض‪،‬‬
‫ض َلَنا الْر َ‬
‫ب‪ ،‬الّلُهّم اْقِب ْ‬
‫سَفِر والكآَبِة فى الُمْنَقَل ِ‬
‫ضْبَنِة فى ال ّ‬
‫ن ال ّ‬
‫ك ِم َ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫ل‪ ،‬الّلُهّم إّنى أ ُ‬
‫فى الْه ِ‬
‫ن((‪ ،‬وإَذا دخل أْهَلهُ‬
‫حاِمُدو َ‬
‫ن ِلَرّبنا َ‬
‫عاِبُدو َ‬
‫ن َ‬
‫سَفَر((‪َ ،‬وإَذا أراد الرجوع قال‪)) :‬آيبون َتاِئُبو َ‬
‫علَْيَنا ال ّ‬
‫ن َ‬
‫َوَهّو ْ‬
‫حْوبًا((‪.‬‬
‫عَلْيَنا َ‬
‫ل‪َ)) :‬تْوَبًا َتْوبًا‪ِ ،‬لَرّبَنا أْوبًا‪ ،‬ل ُيغاِدُر َ‬
‫قا َ‬
‫سَفِر‪َ ،‬وكآَبِة‬
‫عَثاِء ال ّ‬
‫ك ِمن َو ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫وفى ))صحيح مسلم((‪ :‬أنه كان إذا سافر يقول‪)) :‬الّلُهّم إّنى أ ُ‬
‫ل والمال((‪.‬‬
‫ظر فى الْه ِ‬
‫سوِء الَمْن َ‬
‫ن ُ‬
‫ظُلوِم‪ ،‬وِم ْ‬
‫عَوِة الَم ْ‬
‫ن َد ْ‬
‫حْوِر َبْعَد الَكْوِر‪ ،‬وِم ْ‬
‫ن ال َ‬
‫ب‪َ ،‬وم َ‬
‫الُمْنَقَل ِ‬
‫‪245‬‬

‫فصل‬
‫جَله فى الركاب‬
‫فى ما يقوله إذا وضع ِر ْ‬
‫ظْهِرَها‪،‬‬
‫عَلى َ‬
‫سَتَوى َ‬
‫سِم ال((‪َ ،‬فإَذا ا ْ‬
‫ب َداّبِتِه‪ ،‬قال‪ِ)) :‬ب ْ‬
‫ب ِلُرُكو ِ‬
‫جَله فى الّرَكا ِ‬
‫ضَع ِر ْ‬
‫ن إَذا َو َ‬
‫وكا َ‬
‫خَر َلَنا َهَذا‪َ ،‬وَما ُكّنا َلُه‬
‫سّ‬‫ن اّلِذى َ‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ل‪ُ )) :‬‬
‫ل((‪َ -‬ثلثًا‪)) -‬ال أْكَبُر((‪َ -‬ثلثًا‪ُ ،‬ثّم َيُقو ُ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪)) :‬ال َ‬
‫َقا َ‬
‫ن‬
‫حا َ‬
‫سْب َ‬
‫ل‪ُ )) :‬‬
‫ل((‪َ -‬ثلثًا‪)) -‬ال أْكَبُر(( َثلثًا‪ ،‬ثّم َيُقو ُ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ل‪)) :‬ال َ‬
‫ن‪ ،‬وإّنا إَلى َرّبَنا َلُمْنَقِلُبون((‪ -‬ثّم يقو ُ‬
‫ُمْقِرِني َ‬
‫سى‪،‬‬
‫ت َنفْ ِ‬
‫ظَلْم ُ‬
‫ك إّنى َ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫ن‪ُ ،‬‬
‫ظاِلِمي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ت ِم َ‬
‫ك إّنى ُكْن ُ‬
‫حاَن َ‬
‫سْب َ‬
‫ت ُ‬
‫ل أْن َ‬
‫ال((‪ -‬ثلثًا‪ ،‬ثّم يقول‪)) :‬ل إَله إ ّ‬
‫ت((‪.‬‬
‫ل أْن َ‬
‫بإ ّ‬
‫غِفْر ِلى‪ ،‬إّنه ل َيْغِفُر الّذنو َ‬
‫َفا ْ‬

‫ك((‪.‬‬
‫عَمِل َ‬
‫خواتيَم َ‬
‫ك‪َ ،‬و َ‬
‫ك َوَأَماَنَت َ‬
‫ع ال ِديَن َ‬
‫سَتْوِد ُ‬
‫ل لحدهم‪َ)) :‬أ ْ‬
‫ع أصحاَبه فى السفر يقو ُ‬
‫ن إَذا وّد َ‬
‫وكا َ‬
‫ك ال الّتقَْوى((‪ .‬قال‪:‬‬
‫سَفرًا‪َ ،‬فَزّوْدِنى‪ .‬فقال‪َ)):‬زّوَد َ‬
‫ل ال‪ :‬إّنى ُأِريُد َ‬
‫وجاء إليه رجل وقال‪ :‬يا رسو َ‬
‫ت((‪.‬‬
‫حْيُثَما ُكْن َ‬
‫خْيَر َ‬
‫ك ال َ‬
‫سَر َل َ‬
‫ك((‪ .‬قال‪ :‬زدنى‪ .‬قال‪)) :‬وَي ّ‬
‫ك َذْنَب َ‬
‫غَفَر َل َ‬
‫ِزْدِنى‪ .‬قال‪َ)) :‬و َ‬
‫ف((‪ ،‬فلّما‬
‫شَر ٍ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫وقال له رجل‪ :‬إّنى أريُد سفرًا‪ ،‬فقال‪ُ)) :‬أوصيك بتْقَوى ال‪ ،‬والّتْكِبيِر َ‬
‫سَفَر((‪.‬‬
‫عَلْيِه ال ّ‬
‫ن َ‬
‫ض‪َ ،‬وَهّو ْ‬
‫لْر َ‬
‫وّلى‪ ،‬قال‪)) :‬الّلُهّم اْزِو َلُه ا َ‬
‫حوا‪،‬‬
‫طوا‪ ،‬سّب ُ‬
‫علُوا الثنايا‪ ،‬كّبُروا‪َ ،‬وإَذا هََب ُ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه‪ ،‬إَذا َ‬
‫وكان النب ّ‬
‫فوضعت الصلة على ذلك‪.‬‬
‫شزًا قال‪)) :‬الّلُهّم َل َ‬
‫ك‬ ‫ض‪ ،‬أو َن ْ‬
‫ن الْر ِ‬
‫شَرفًا ِم َ‬
‫عل َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم إذا َ‬
‫وقال أنس‪ :‬كان النب ّ‬
‫حْمٍد((‪.‬‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫حْمُد َ‬
‫ك ال َ‬
‫ف‪َ ،‬وَل َ‬
‫شَر ٍ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ك ّ‬
‫ف َ‬
‫شَر ُ‬
‫ال ّ‬
‫ن يقول‪)) :‬ل‬
‫ك‪ ،‬وَكا َ‬
‫ق ذل َ‬
‫سيَر فو َ‬
‫جَد فجوًة‪َ ،‬رَفَع ال ّ‬
‫ق‪ ،‬فإَذا َو َ‬
‫جه الَعَن َ‬
‫حّ‬‫وكان سيُره فى َ‬
‫س((‪.‬‬
‫جَر ٌ‬
‫ب َول َ‬
‫ب الَملِئَكُة رْفَقًة فيها َكْل ٌ‬
‫ح ُ‬
‫صَ‬‫َت ْ‬
‫حَدِة‬
‫س ما فى الو ْ‬
‫ل‪َ)) :‬لْو َيْعَلُم الّنا َُ‬
‫حَدُه أن يسيَر بالليل‪ ،‬فقا َ‬
‫سافر و ْ‬
‫وكان يكرُه للُم َ‬
‫ل((‪.‬‬
‫حَده ِبَلْي ٍ‬
‫حٌد َو ْ‬
‫سار أ َ‬
‫ما َ‬
‫لَثُة‬
‫ن‪ ،‬والّث َ‬
‫طاَنا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن َ‬
‫ن والْثَنا ِ‬
‫طا ٌ‬
‫شْي َ‬
‫حَد َ‬
‫ن الَوا ِ‬
‫بل كان َيْكَرُه السفَر للواحد بل رفقة‪ ،‬وأخبر‪)) :‬أ ّ‬
‫ب((‪.‬‬
‫َرْك ٌ‬
‫‪246‬‬

‫ق‪،‬‬
‫خَل َ‬
‫شّر ما َ‬
‫ن َ‬
‫ت ال الّتاّمات ِم ْ‬
‫عوُذ بَكلما ِ‬
‫ل‪َ :‬أ ُ‬
‫ل َفْلَيُق ْ‬
‫حُدُكْم َمْنِز ً‬
‫لأَ‬
‫وكان يقول‪)) :‬إَذا َنَز َ‬
‫ت ال الّتاّما ِ‬
‫ت‬ ‫عوُذ ِبَكِلَما ِ‬
‫ل‪ :‬أ ُ‬
‫ل ثم َقا َ‬
‫ل َمْنِز ً‬
‫ن َنَز َ‬
‫ل ِمْنُه((‪ .‬ولفظ مسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫حَ‬‫حّتى َيْرَت ِ‬
‫شئ َ‬
‫َفإّنُه ل َيضُّرُه َ‬
‫ن َمْنزله ذلك((‪.‬‬
‫ل ِم ْ‬
‫حَ‬‫حّتى َيْرَت ِ‬
‫شىٌء َ‬
‫ضّرُه َ‬
‫ق‪َ ،‬لْم َي ُ‬
‫خَل َ‬
‫شّر َما َ‬
‫ن َ‬
‫ِم ْ‬
‫ض َرّبى‬
‫ن إَذا غَزا أو سافر‪َ ،‬فأدَرَكُه الليل‪ ،‬قال‪)) :‬يا أر ُ‬
‫وذكر أحمد عنه أنه كا َ‬
‫شرّ‬
‫ن َ‬
‫ك‪ ،‬أعوُذ بال ِم ْ‬
‫عَلْي ِ‬
‫ب َ‬
‫شّر ما َد ّ‬
‫ك‪َ ،‬و َ‬
‫ق ِفي ِ‬
‫خِل َ‬
‫شّر ما ُ‬
‫ك‪ ،‬و َ‬
‫شّر َما ِفي ِ‬
‫ك َو َ‬
‫شّر ِ‬
‫ن َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫عوُذ با ِ‬
‫ك ال‪َ ،‬أ ُ‬
‫َوَرّب ِ‬
‫شّر َوالد‪ ،‬وَما َوَلَد((‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن الَبَلد‪ ،‬وِم ْ‬
‫ساِك ِ‬
‫شّر َ‬
‫ن َ‬
‫ب‪ ،‬وِم ْ‬
‫عْقَر ٍ‬
‫حّية َو َ‬
‫سود‪َ ،‬و َ‬
‫سٍد وَأ ْ‬
‫لأ َ‬
‫ُك ّ‬
‫ن الرض‪،‬‬
‫ظَها ِم َ‬
‫حّ‬‫ل َ‬
‫طوا الَب َ‬
‫عُ‬‫صب‪َ ،‬فَأ ْ‬
‫خ ْ‬
‫ساَفْرتم فى ال ِ‬
‫ل‪)) :‬إذا َ‬
‫وكان يقو ُ‬
‫جَتِنُبوا‬
‫سُتم‪َ ،‬فا ْ‬
‫عّر ْ‬
‫سْيَر‪ ،‬وإَذا َ‬
‫عَلْيَها ال ّ‬
‫عوا َ‬
‫سِر ُ‬
‫سَنِة‪ ،‬فبادروا ِنْقَيها((‪ .‬وفى لفظ‪)) :‬فأ ْ‬
‫ساَفْرُتْم فى ال ّ‬
‫َوإَذا َ‬
‫ل((‬
‫ب َوَمأَوى الَهَواّم بالّلْي ِ‬
‫ق الّدَوا ّ‬
‫طُر ُ‬
‫ق‪َ ،‬فإّنَها ُ‬
‫طِري َ‬
‫ال ّ‬
‫وكان إذا رأى قريًة ُيريد دخولها قال حين يراها‪)) :‬الّلُهّم َر ّ‬
‫ب‬
‫ن‪َ ،‬وَر ّ‬
‫ب‬ ‫ضَلْل َ‬
‫ن َوَما أ ْ‬
‫شياطي ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ن‪ ،‬وَر ّ‬
‫سْبِع وَما َأْقَلْل َ‬
‫ب الْرضين ال ّ‬
‫ن‪َ ،‬وَر ّ‬
‫ظَلْل َ‬
‫سْبِع وما َأ ْ‬
‫ت ال ّ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ال ّ‬
‫شّر َما فيَها((‪.‬‬
‫شّرَها َو َ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫خْيَر أْهِلَها‪ ،‬وَنُعوُذ ِب َ‬
‫خْيَر هِذِه الَقْرَيِة َو َ‬
‫ك َ‬
‫سَأُل َ‬
‫ح َوَما َذَرْين‪ ،‬إّنا َن ْ‬
‫الّري ِ‬
‫حْمِد‬
‫ساِمٌع ِب َ‬
‫سِمعَ َ‬
‫سفِر‪ ،‬قال‪َ )) :‬‬
‫ن إذا بدا له الفجُر فى ال ّ‬
‫وكا َ‬
‫ن الّناِر((‪.‬‬
‫عاِئذًا بال ِم َ‬
‫عَلْيَنا َ‬
‫ل َ‬
‫ضْ‬‫حْبَنا َوَأْف ِ‬
‫صا ِ‬
‫عَلْيَنا‪َ ،‬رّبَنا َ‬
‫ن َبلِئِه َ‬
‫سِ‬‫حْ‬
‫ال و ُ‬
‫ن َيَناَلُه الَعُدّو‪.‬‬
‫خاَفَة أ ْ‬
‫ض الَعُدّو‪ ،‬م َ‬
‫ن إلى أْر ِ‬
‫ساَفَر بالُقْرآ ِ‬
‫وكان َيْنَهى أن ُي َ‬
‫ساَفَة َبِريٍد‪.‬‬
‫حَرٍم‪َ ،‬وَلْو َم َ‬
‫ساِفَر ِبَغْيِر َم ْ‬
‫ن ُت َ‬
‫ن َيْنهى الَمْرَأَة أ ْ‬
‫َوَكا َ‬
‫جلَ الْوَبَة إَلى أْهِلِه‪.‬‬
‫سَفِرِه‪ ،‬أن ُيَع ّ‬
‫ن َ‬
‫ضى َنْهَمَتُه ِم ْ‬
‫ساِفَر إَذا َق َ‬
‫ن َيْأُمُر الُم َ‬
‫وكا َ‬
‫ل‪)) :‬ل‬
‫ت‪ُ ،‬ثّم َيُقو ُ‬
‫ث َتْكِبيَرا ٍ‬
‫ض َثل َ‬
‫ف ِمنَ الْر ِ‬
‫شَر ٍ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫سَفِرِه ُيَكّبر َ‬
‫ن َ‬
‫ل ِم ْ‬
‫ن إَذا َقَف َ‬
‫َوَكا َ‬
‫ن‪،‬‬
‫عاِبُدو َ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫ن َتاِئُبو َ‬
‫شىٍء َقِديٌر‪ ،‬آُيبو َ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫حْمُد‪َ ،‬وُهَو َ‬
‫ك‪ ،‬وَلُه ال َ‬
‫ك َلُه‪َ ،‬لُه الُمْل ُ‬
‫شِري َ‬
‫حَدُه ل َ‬
‫إله إل ال َو ْ‬
‫حَدُه((‪.‬‬
‫ب َو ْ‬
‫حَزا َ‬
‫عْبَدُه‪َ ،‬وَهَزَم ال ْ‬
‫صَر َ‬
‫عَدُه‪َ ،‬وَن َ‬
‫ق ال َو ْ‬
‫صَد َ‬
‫ن‪َ ،‬‬
‫حاِمُدو َ‬
‫ِلَرّبَنا َ‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫عْنُهْم‪.‬‬
‫غْيَبُتُه َ‬
‫ت َ‬
‫طاَل ْ‬
‫ل إَذا َ‬
‫ل أْهَلُه َلْي ً‬
‫جُ‬‫ق الّر ُ‬
‫طُر َ‬
‫ن َي ْ‬
‫وكان ينهى أ ْ‬ ‫@‬
‫شّيًة‪.‬‬
‫عِ‬‫غْدَوًة أْو َ‬
‫ن ُ‬
‫عَلْيه ّ‬
‫ل َ‬
‫خُ‬‫ل َيْد ُ‬
‫ق أْهَله َلْي ً‬
‫طُر ُ‬
‫وفى ))الصحيحين((‪ :‬كان ل َي ْ‬
‫‪247‬‬

‫ن جعفر‪ :‬وإنه َقِدَم َمّرةً‬


‫ل عبد ال ب ُ‬
‫ل َبْيِتِه‪ ،‬قا َ‬
‫ن أْه ِ‬
‫ن ِم ْ‬
‫سَفِرِه ُيَلّقى ِباْلِوْلَدا ِ‬
‫ن َ‬
‫ن إَذا َقِدَم ِم ْ‬
‫َوَكا َ‬
‫حسين‪ ،‬فأردفه‬
‫سن وإما ُ‬
‫حَ‬‫حِد ابنى فاطَمَة‪ ،‬إما َ‬
‫ئ بَأ َ‬
‫جَ‬‫ن َيَدْيِه‪ ،‬ثم ِ‬
‫حَمَلِنى َبْي َ‬
‫ق بى إليه‪َ ،‬ف َ‬
‫سِب َ‬
‫ِمن سفر‪َ ،‬ف ُ‬
‫ل‪ :‬فدخلنا الَمِديَنَة َثلَثًة على َداّبٍة‪.‬‬
‫خلَفه‪ ،‬قا َ‬
‫عروة‪ ،‬عن عائشة‪ :‬قدم‬
‫ن أْهِلِه‪ .‬قال الزهرى‪ :‬عن ُ‬
‫سَفِرِه‪ ،‬وُيَقّبُله إذا َكان ِم ْ‬
‫ن َ‬
‫وكان يعتِنق الَقاِدَم ِم ْ‬
‫ب‪َ ،‬فَقاَم إليه رسو ُ‬
‫ل‬ ‫ع الَبا َ‬
‫ل ال صلى ال عليه وسلم فى بيتى‪ ،‬فأتاه‪َ ،‬فَقَر َ‬
‫ن حارثة المدينَة‪ ،‬ورسو ُ‬
‫زيُد ب ُ‬
‫عَتَنَقُه َوَقّبَلُه‪.‬‬
‫عريانًا َقْبَله ول َبْعَده‪ ،‬فا ْ‬
‫ل ما رأيته ُ‬
‫جّر َثْوَبُه‪ ،‬وا ِ‬
‫عريانًا َي ُ‬
‫ال صلى ال عليه وسلم ُ‬
‫عْيَنْيِه‬
‫ن َ‬
‫ل َما َبْي َ‬
‫ى صلى ال عليه وسلم‪َ ،‬فَقّب َ‬
‫قالت عائشُة‪ :‬لما َقِدَم جعفٌر وأصحاُبه‪ ،‬تلقاه النب ّ‬
‫عَتَنَقُه‪.‬‬
‫َوا ْ‬
‫سَفٍر‪َ ،‬تَعاَنُقوا‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ل ال صلى ال عليه وسلم إذا َقِدُموا ِم ْ‬
‫ب رسو ِ‬
‫قال الشعبى‪ :‬وكان أصحا ُ‬
‫ن‪.‬‬
‫جِد‪َ ،‬فَركَع ِفيِه َرْكَعَتْي ِ‬
‫سِ‬‫سَفٍر‪َ ،‬بَدَأ ِبالَم ْ‬
‫ن َ‬
‫ن إَذا َقِدَم ِم ْ‬
‫وَكا َ‬
‫فصل‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى أذكار النكاح‬
‫سَتِعيُنُه‪،‬‬
‫حَمُدُه‪ ،‬وَن ْ‬
‫ل َن ْ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫جِة‪)) :‬ال َ‬
‫خطبة الحا َ‬
‫ثبت عنه‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه عّلمهم ُ‬
‫ل َف َ‬
‫ل‬ ‫ضِل ْ‬
‫ل له‪ ،‬وَمنْ ُي ْ‬
‫ضّ‬‫ن َيْهِد ال‪َ ،‬فل ُم ِ‬
‫عَماِلَنا‪َ ،‬م ْ‬
‫تأ ْ‬
‫سّيَئا ِ‬
‫سَنا‪َ ،‬و َ‬
‫شُروِر أنُف ِ‬
‫ن ُ‬
‫ل ِم ْ‬
‫سَتْغِفُرُه‪ ،‬وَنُعوُذ با ِّ‬
‫َوَن ْ‬
‫ث‪َ} :‬يا َأّيَها‬
‫ت الّثل َ‬
‫سوُلُه((‪ُ ،‬ثّم َيْقَرُأ الَيا ِ‬
‫حّمدًا عبُده َوَر ُ‬
‫ن ُم َ‬
‫شَهُد أ ّ‬
‫ل ال‪َ ،‬وَأ ْ‬
‫ن ل إلَه إ ّ‬
‫شَهُد أ ْ‬
‫ى له‪ ،‬وَأ ْ‬
‫َهاِد َ‬
‫س اّتُقوا‬
‫ن{ ]آل عمران‪َ} ،[102 :‬يا َأّيَها الّنا ُ‬
‫سِلُمو َ‬
‫ل َوَأنُتم ُم ْ‬
‫نإ ّ‬
‫ق ُتَقاِتِه َول َتُموُت ّ‬
‫حّ‬‫ن آَمُنوا اّتُقوا ال َ‬
‫اّلِذي َ‬
‫ساًء‪َ ،‬واّتُقوا ال اّلِذى‬
‫ل َكِثيرًا َوِن َ‬
‫جا ً‬
‫ث ِمْنُهَما ِر َ‬
‫جَها َوَب ّ‬
‫ق ِمْنَها َزْو َ‬
‫خَل َ‬
‫حَدٍة َو َ‬
‫س َوا ِ‬
‫ن َنْف ٍ‬
‫خَلَقُكم ّم ْ‬
‫َرّبُكُم اّلِذى َ‬
‫عَلْيُكْم َرِقيبًا{ ]النساء‪َ } ،[1 :‬يا َأّيَها اّلِذين آَمُنوا اّتُقوا ال وُقوُلوا‬
‫ن َ‬
‫ن ال َكا َ‬
‫حاَم‪ ،‬إ ّ‬
‫لْر َ‬
‫ن ِبِه وا َ‬
‫ساءُلو َ‬
‫َت َ‬
‫ظيمًا{‬
‫عِ‬‫سوَلُه َفَقْد فاَز َفْوزًا َ‬
‫طِع ال َوَر ُ‬
‫ن ُي ِ‬
‫عَماَلُكْم َوَيْغِفْر َلُكْم ُذُنوَبُكْم‪َ ،‬وَم ْ‬
‫ح َلُكْم أ ْ‬
‫صِل ْ‬
‫سِديدًا * ُي ْ‬
‫ل َ‬
‫َقْو ً‬
‫]الحزاب‪.[71-70 :‬‬
‫قال شعبة‪ :‬قلت لبى إسحاق‪ :‬هذه فى خطبة النكاح‪ ،‬أو فى غيرها؟ قال‪ :‬فى كل حاجة‪.‬‬
‫سّمى‬
‫ع ال ِبالَبَرَكِة‪َ ،‬وُي َ‬
‫صَيِتها‪َ ،‬وْلَيْد ُ‬
‫خْذ بنا ِ‬
‫خاِدمًا‪ ،‬أو داّبًة‪َ ،‬فْلَيْأ ُ‬
‫حُدُكم اْمَرأًة‪ ،‬أو َ‬
‫وقال‪)) :‬إَذا أَفاَد أ َ‬
‫شّر ما‬
‫شّرَها َو َ‬
‫ن َ‬
‫ك ِم ْ‬
‫عوُذ ِب َ‬
‫عَلْيِه‪ ،‬وَأ ُ‬
‫ت َ‬
‫جِبَل ْ‬
‫خْيَر َما ُ‬
‫خْيَرها‪ ،‬و َ‬
‫ك َ‬
‫سَأُل َ‬
‫ل‪ :‬الّلُهّم إّنى أ ْ‬
‫ل‪َ ،‬وْلَيُق ْ‬
‫جّ‬‫عّز َو َ‬
‫ال َ‬
‫عَلْيِه((‪.‬‬
‫ت َ‬
‫جِبَل ْ‬
‫ُ‬
‫‪248‬‬

‫خْيٍر((‪.‬‬
‫جَمَع َبْيَنُكَما فى َ‬
‫ك‪َ ،‬و َ‬
‫عَلْي َ‬
‫ك َ‬
‫ك َوَباَر َ‬
‫ك ال َل َ‬
‫ل للمتزوج‪َ)) :‬باَر َ‬
‫وكان يقو ُ‬
‫ن‬
‫طا َ‬
‫شْي َ‬
‫ب ال ّ‬
‫جّن ِ‬
‫ن‪َ ،‬و َ‬
‫طا َ‬
‫شْي َ‬
‫جّنْبَنا ال ّ‬
‫سِم ال‪ ،‬الّلُهّم َ‬
‫ى َأْهَله‪ ،‬قال‪ِ :‬ب ْ‬
‫ن َيْأِت َ‬
‫حَدكم إذا أراد أ ْ‬
‫نأ َ‬
‫وقال‪َ)) :‬لو أ ّ‬
‫ن أََبدًا((‪.‬‬
‫طا ٌ‬
‫شْي َ‬
‫ضّرُه َ‬
‫ك‪َ ،‬لْم َي ُ‬
‫ن ُيَقّدْر َبْيَنُهَما َوَلٌد فى ذِل َ‬
‫َما َرَزْقَتَنا‪ ،‬فإنه إ ْ‬
‫فصل‬
‫ن رأى ما ُيعجبه ِمن أهله وماِله‬
‫فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فيما يقول َم ْ‬
‫شاَء‬
‫ل‪ ،‬أو ولٍد‪ ،‬فيقول‪ :‬ما َ‬
‫ل‪ ،‬ول َما ٍ‬
‫عْبٍد ِنْعَمًة فى أه ٍ‬
‫عَلى َ‬
‫ُيذكر عن أنس أنه قال‪)) :‬ما أنعم ال َ‬
‫شاَء ال‬
‫ك ُقْلتَ َما َ‬
‫جّنَت َ‬
‫ت َ‬
‫خْل َ‬
‫ل إْذ َد َ‬
‫ل َتَعاَلى‪َ} :‬وَلْو َ‬
‫ت‪َ ،‬وَقْد َقا َ‬
‫ن الَمْو ِ‬
‫ل‪َ ،‬فَيَرى ِفيِه آَفًة ُدو َ‬
‫ل با ِّ‬
‫ال‪ ،‬ل ُقّوة إ ّ‬
‫ل{ ]الكهف‪.(([39 :‬‬
‫ل ُقّوَة إل ِبا ِّ‬
‫فصل‬
‫فيما يقول َمن رأى ُمْبَتلى‬
‫عاَفاِنى‬
‫ل اّلِذى َ‬
‫ل‪ :‬الحْمُد ِّ‬
‫ل رأى ُمْبَتلى فقا َ‬
‫جٍ‬‫ن َر ُ‬
‫ح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال‪)) :‬ما ِم ْ‬
‫صّ‬
‫ن((‪.‬‬
‫ك الَبلُء َكاِئنًا َما َكا َ‬
‫ل َلْم ْيصِْبه َذِل َ‬
‫ل‪ ،‬إ ّ‬
‫ضي ً‬
‫ق َتْف ِ‬
‫خَل َ‬
‫عَلى َكثير مّمن َ‬
‫ضَلِنى َ‬
‫ك ِبِه‪َ ،‬وَف ّ‬
‫مّما اْبَتل َ‬
‫فصل‬
‫طيَرُة‬
‫فيما يقوله َمن لحقته ال ّ‬
‫سِلمًا‪،‬‬
‫ل َولَ َتُرّد ُم ْ‬
‫سُنَها الَفْأ ُ‬
‫حَ‬‫ل‪)) :‬أ ْ‬
‫عْندُه‪َ ،‬فَقا َ‬
‫طَيَرُة ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫ُذِكَر عنه‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه ُذِكَر ِ‬
‫ت‪ ،‬ول‬
‫ت إلّ أْن َ‬
‫سّيئا ِ‬
‫ل َيْدَفُع ال ّ‬
‫ت‪َ ،‬و َ‬
‫ل أْن َ‬
‫تإ ّ‬
‫سَنا ِ‬
‫حَ‬‫ل‪ :‬الّلُهّم ل َيأِتى بال َ‬
‫طَيَرِة َما َتْكَرُه َفُق ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫ت ِم َ‬
‫َفإَذا َرَأْي َ‬
‫ك((‪.‬‬
‫ل ِب َ‬
‫ل ُقّوَة إ ّ‬
‫ل َو َ‬
‫حْو َ‬
‫َ‬
‫ل ول‬
‫حْو َ‬
‫ك‪ ،‬ول َ‬
‫غيُر َ‬
‫ب َ‬
‫ل َر ّ‬
‫ك‪َ ،‬و َ‬
‫خْيُر َ‬
‫خْيَر إل َ‬
‫ل َ‬
‫ك‪َ ،‬و َ‬
‫طْيُر َ‬
‫ل َ‬
‫طْيَر إ ّ‬
‫ن َكعب يقول‪)) :‬الّلُهّم ل َ‬
‫وَكا َ‬
‫ك‪ُ ،‬ثّم‬
‫عْنَد َذِل َ‬
‫عْبٌد ِ‬
‫ن َ‬
‫جّنِة‪ ،‬ول يُقوُلُه ّ‬
‫ل‪ ،‬وَكْنُز الَعْبِد فى ال َ‬
‫س الّتَوّك ِ‬
‫سى ِبَيِدِه‪ ،‬إّنَها لرْأ ُ‬
‫ك‪ ،‬واّلِذى َنْف ِ‬
‫ل ِب َ‬
‫ُقّوَة إ ّ‬
‫شىء((‪.‬‬
‫ضّرُه َ‬
‫ل َلْم َي ُ‬
‫ضى إ ّ‬
‫َيْم ِ‬
‫فصل‬
‫فيما يقوله َمن رأى فى منامه ما يكرهه‬
‫‪249‬‬

‫ن َرأى‬
‫ن‪ ،‬فَم ْ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫حْلُم ِم َ‬
‫ن ال‪ ،‬وال ُ‬
‫حُة ِم َ‬
‫صاِل َ‬
‫ح عنُه‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪)) :-‬الّرْؤَيا ال ّ‬
‫صَ ّ‬
‫خِبْر ِبَها‬
‫ل ُي ْ‬
‫ضّرُه‪َ ،‬و َ‬
‫ن‪َ ،‬فإّنَها ل َت ُ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ل ِمنَ ال ّ‬
‫ساِرِه ثلثًا‪َ ،‬وْلَيَتَعّوْذ با ِّ‬
‫ن َي َ‬
‫عْ‬‫ث َ‬
‫شْيئًا‪َ ،‬فّليْنُف ْ‬
‫ُرؤَيا َيْكَرُه ِمْنَها َ‬
‫ب((‪.‬‬
‫ح ّ‬
‫ن ُي ِ‬
‫ل َم ْ‬
‫خِبْر ِبَها إ ّ‬
‫ل ُي ْ‬
‫شْر‪َ ،‬و َ‬
‫سَتْب ِ‬
‫سَنًة‪َ ،‬فْلَي ْ‬
‫حَ‬‫ن َرَأى ُرؤَيا َ‬
‫حدًا‪َ .‬وإ ْ‬
‫أَ‬
‫ى‪.‬‬
‫صّل َ‬
‫ن ُي َ‬
‫عَلْيِه‪َ ،‬وَأَمَرُه أ ْ‬
‫ن َ‬
‫جْنِبِه اّلِذى َكا َ‬
‫ن َ‬
‫عْ‬‫ل َ‬
‫حّو َ‬
‫ن َيَت َ‬
‫ن َرأى َما َيْكَرُهُه أ ْ‬
‫َوأََمَر َم ْ‬
‫شيطان‪ ،‬وأن ل ُيخبر بها أحدًا‪،‬‬
‫ل من ال ّ‬
‫ن يساره‪َ ،‬وأن يستعيَذ با ِّ‬
‫عْ‬‫ث َ‬
‫فأمره بخمسِة أشياء‪ :‬أن ينُف َ‬
‫وأن يتحّول عن جنبه الذى كان عليه‪ ،‬وأن يقوَم ُيصّلى‪ ،‬ومتى فعل ذلك‪ ،‬لم تضّره الرؤيا المكروهة‪،‬‬
‫بل هذا يدَفُع شّرها‪.‬‬
‫ل على َواّد‪ ،‬أْو‬
‫صَها إ ّ‬
‫ت‪ ،‬ول َيُق ّ‬
‫ت‪َ ،‬وَقَع ْ‬
‫عّبَر ْ‬
‫طاِئٍر َما َلْم ُتَعّبْر‪ ،‬فإَذا ُ‬
‫ل َ‬
‫جِ‬‫عَلى ِر ْ‬
‫وقال‪)) :‬الّرْؤَيا َ‬
‫ِذى َرْأى((‪.‬‬
‫خْيرًا َفَلَنا‪،‬‬
‫ن َكانَ َ‬
‫صت عليه الرؤيا‪ ،‬قال‪ :‬الّلُهّم إ ْ‬
‫وكان عمر بن الخطاب رضى ال عنه‪ ،‬إَذا ُق ّ‬
‫شّرًا‪َ ،‬فِلَعُدّوَنا‪.‬‬
‫ن َ‬
‫ن َكا َ‬
‫وإ ْ‬
‫عَلْيِه‬
‫ض َ‬
‫عَر َ‬
‫ن َ‬
‫ل ِلَم ْ‬
‫ت عََليِه ُرْؤَيا‪َ ،‬فْلَيُق ْ‬
‫ض ْ‬
‫عِر َ‬
‫ن ُ‬
‫وُيذكر عن النبى صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫خْيرًا((‪.‬‬
‫َ‬
‫ت(( ثم َيْعُبُرَها‪.‬‬
‫خْيرًا َرَأْي َ‬
‫وُيذكر عنه أنه كان يقول للرائى قبل أن يعبُرها له‪َ )) :‬‬
‫وذكر عبد الرزاق‪ ،‬عن معمر‪ ،‬عن أيوب‪ ،‬عن ابن سيرين‪ ،‬قال‪ :‬كان أبو بكر الصّّديق إذا أراد‬
‫ن كذا وكذا‪.‬‬
‫ك‪ ،‬يكو ُ‬
‫ت ُرؤيا َ‬
‫صَدَق ْ‬
‫أن َيْعُبر ُرؤيا‪ ،‬قال‪ :‬إن َ‬
‫فصل‬
‫ن به على الوسوسة‬
‫س‪ ،‬وَما يستعي ُ‬
‫سَوا ِ‬
‫فيما يقوُله ويفعُله َمن ابُتلى بالَو ْ‬
‫عبيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود‪ ،‬عن ابن مسعود يرفعه‪:‬‬
‫ح بن َكْيسان‪ ،‬عن ُ‬
‫روى صال ُ‬
‫ق‪،‬‬
‫حّ‬‫ق ِبال َ‬
‫صِدي ٌ‬
‫خْيِر‪َ ،‬وَت ْ‬
‫ك إيَعاٌد ِبال َ‬
‫ن َلّمًة‪َ ،‬فَلّمُة الَمَل ِ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن آَدَم َلّمة‪َ ،‬وِلْل ّ‬
‫ب اْب ِ‬
‫ل ِبَقْل ِ‬
‫ك المَوّك ِ‬
‫ن ِللَمَل ِ‬
‫))إ ّ‬
‫جْدُتْم َلّمَة‬
‫خْيِر‪َ ،‬فإَذا و َ‬
‫ن ال َ‬
‫ط ِم َ‬
‫ق‪ ،‬وُقُنو ٌ‬
‫حّ‬‫ب بال َ‬
‫شّر‪َ ،‬وَتْكِذي ٌ‬
‫ن‪ ،‬إيَعاٌد بال ّ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ح َثوابه‪َ ،‬وَلّمُة ال ّ‬
‫صاِل ِ‬
‫جاُء َ‬
‫َوَر َ‬
‫سَتْغِفُروه((‪.‬‬
‫ل َوا ْ‬
‫سَتِعيُذوا ِبا ّ‬
‫ن‪َ ،‬فا ْ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫جْدُتْم َلّمَة ال ّ‬
‫ضِلِه‪َ ،‬وإَذا َو َ‬
‫ن َف ْ‬
‫سُلوه ِم ْ‬
‫حمُدوا ال‪ ،‬و َ‬
‫ك‪َ ،‬فا ْ‬
‫الَمَل ِ‬
‫‪250‬‬

‫صلِتى‬
‫ن َ‬
‫ن قد حال بينى َوَبْي َ‬
‫ن الشيطا َ‬
‫ل ال ؛ إ ّ‬
‫سو َ‬
‫ن أبى العاص‪ :‬يا َر ُ‬
‫نبُ‬
‫وقال له عثما ُ‬
‫ساِر َ‬
‫ك‬ ‫ن َي َ‬
‫عْ‬‫ل َ‬
‫ل ِمْنُه‪ ،‬واْتُف ْ‬
‫سَتُه‪َ ،‬فَتَعّوْذ ِبا ِّ‬
‫سْ‬‫حَ‬
‫ب‪َ ،‬فإَذا أ ْ‬
‫خْنَز ٌ‬
‫ل له‪ِ :‬‬
‫ن ُيَقا ُ‬
‫طا ٌ‬
‫شْي َ‬
‫ك َ‬
‫وِقراءتى‪ ،‬قال‪َ)) :‬ذا َ‬
‫َثلثًا((‪.‬‬
‫ب إليه من‬
‫حَمَمًة أح ّ‬
‫ن ُ‬
‫سِه‪ُ -‬يعّرض بالشىء‪ -‬لن َيُكو َ‬
‫جُد فى نف ِ‬
‫ن أحدهم َي ِ‬
‫حاَبُة أ ّ‬
‫وشكى إليه الص َ‬
‫سِة((‪.‬‬
‫سَو َ‬
‫ل اّلِذى َرّد َكْيَدُه إلى الَو ْ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ن يَتكّلَم به‪ ،‬فقال‪)) :‬ال أْكَبُر‪ ،‬ال أْكَبُر‪ ،‬ال َ‬
‫أْ‬
‫خَلق الخلق‪ ،‬فَمن‬
‫وأرشد من ُبلى بشىٍء ِمن وسوسة التسلسل فى الفاعلين‪ ،‬إذا قيل له‪ :‬هَذا ال َ‬
‫عِليٌم{ ]الحديد‪.[3 :‬‬
‫ىٍء َ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫ن‪َ ،‬وُهَو ِبُك ّ‬
‫طُ‬‫ظاِهُر والَبا ِ‬
‫خُر وال ّ‬
‫ل َوال ِ‬
‫لّو ُ‬
‫ق ال؟ أن يقرأ‪ُ} :‬هَو ا َ‬
‫خَل َ‬
‫َ‬
‫جُدُه فى صدرى؟‬
‫س لبى ُزميل سماك بن الوليد الحنفى وقد سأله‪ :‬ما شىٌء أ ِ‬
‫ن عبا ٍ‬
‫كذلك قال اب ُ‬
‫ل لى‪ :‬ما َنجا ِم ْ‬
‫ن‬ ‫ت‪ :‬بلى‪َ ،‬فَقا َ‬
‫شك؟ قل ُ‬
‫ل ل أتكّلُم به‪ .‬قال‪ :‬فقال لى‪ :‬أشىء ِمن َ‬
‫ت‪ :‬وا ِّ‬
‫قال‪ :‬ما ُهو؟ قال‪ :‬قل ُ‬
‫ب ِمن‬
‫ن َيْقَرُءونَ الِكَتا َ‬
‫ل اّلِذي َ‬
‫سَئ ِ‬
‫ك َف ْ‬
‫ك ّمّما أْنَزْلَنا إَلْي َ‬
‫شّ‬
‫ت ِفى َ‬
‫ل‪َ} :‬فإن ُكن َ‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل ال َ‬
‫ك أحد‪ ،‬حتى أنز َ‬
‫ذِل َ‬
‫ظاِهُر‬
‫خُر وال ّ‬
‫ل َوال ِ‬
‫لّو ُ‬
‫ل‪ُ} :‬هَو ا َ‬
‫ت فى نفسك شيئًا‪َ ،‬فُق ْ‬
‫ك{ ]يونس‪ [94 :‬قال‪ :‬فقال لى‪ :‬فإذا وجد َ‬
‫َقْبِل َ‬
‫عِليٌم{ ]الحديد‪.[3 :‬‬
‫ىٍء َ‬
‫ش ْ‬
‫ل َ‬
‫ن‪َ ،‬وُهَو ِبُك ّ‬
‫طُ‬‫والَبا ِ‬
‫ن التسلسل الباطل ببديهة العقل‪ ،‬وأن سلسلَة المخلوقات فى ابتدائها‬
‫فأرشدهم بهذه الية إلى بطل ِ‬
‫ل ليس َقبَله شئ‪ ،‬كما تنتهى فى آخِرها إلى آخر ليس بَعده شئ‪ ،‬كما أن ظهوَره هو العلّو‬
‫تنتهى إلى أو ٍ‬
‫الذى ليس فوَقه شئ‪ ،‬وُبطوَنه هو الحاطة التى ل يكون دونه فيها شئ‪ ،‬ولو كان قبله شئ يكون مؤثرًا‬
‫ق‪ ،‬وغنى عن غيره‪ ،‬وك ّ‬
‫ل‬ ‫ق غيِر مخلو ٍ‬
‫ى المر إلى خال ٍ‬
‫ب الخلق‪ ،‬ول بّد أن ينته َ‬
‫فيه‪ ،‬لكان ذلك هو الر ّ‬
‫شىء فقير إليه‪ ،‬قائم بنفسه‪ ،‬وكل شئ قائم به‪ ،‬موجود بذاته‪ ،‬وكل شئ موجود به‪ .‬قديٌم ل أول له‪ ،‬وُكلّ‬
‫ل الذى ليس قبله شىء‪ ،‬والخر‬
‫ق بذاته‪ ،‬وبقاُء كل شىء به‪ ،‬فهو الّو ُ‬
‫ما سواه فوجودُه بعد عدمه‪ ،‬با ٍ‬
‫ن الذى ليس دونه شئ‪.‬‬
‫الذى ليس بعده شئ‪ ،‬الظاهر الذى ليس فوَقه شئ‪ ،‬الباط ُ‬
‫ق‪،‬‬
‫خْل َ‬
‫ق ال َ‬
‫خَل َ‬
‫حّتى يقول قاِئُلهم‪ :‬هذا ال َ‬
‫ن َ‬
‫ساءلو َ‬
‫س َيَت َ‬
‫ل الّنا ُ‬
‫وقال صلى ال عليه وسلم‪)) :‬ل َيزا ُ‬
‫ك ِم َ‬
‫ن‬ ‫غّن َ‬
‫ل َوْلَيْنَتِه((‪ ،‬وقْد قال َتعالى‪َ} :‬وإّما َيْنَز َ‬
‫سَتِعْذ با ِّ‬
‫شْيئًا‪َ ،‬فْلَي ْ‬
‫ك َ‬
‫ن َذِل َ‬
‫جَد ِم ْ‬
‫ن َو َ‬
‫ق ال؟ َفَم ْ‬
‫خَل َ‬
‫ن َ‬
‫َفَم ْ‬
‫سِميُع الَعِليُم{ ]فصلت‪.[36 :‬‬
‫ل‪ ،‬إّنُه ُهَو ال ّ‬
‫سَتِعْذ با ِّ‬
‫غ فا ْ‬
‫ن َنْز ٌ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ال ّ‬
‫ع ل ُيرى‪ ،‬وهو‬
‫ن النس‪ ،‬ونو ٍ‬
‫ع ُيرى عيانًا‪ ،‬وهو شيطا ُ‬
‫ن على نوعين‪ :‬نو ٍ‬
‫ولما كان الشيطا ُ‬
‫ى ِمن شر شيطان النس‬
‫ن الجن‪ ،‬أمَر سبحانه وتعالى نبّيه صلى ال عليه وسلم أن يكَتف َ‬
‫شيطا ُ‬
‫‪251‬‬

‫ل منه‪ ،‬وجمع بي َ‬
‫ن‬ ‫ن‪ ،‬ومن شيطان الجن بالستعاذة با ِّ‬
‫بالعراض عنه‪ ،‬والعفو‪ ،‬والدفع بالتى هى أحس ُ‬
‫النوعين فى سورة العراف‪ ،‬وسورة المؤمنين‪ ،‬وسورة فصلت‪ ،‬والستعاذة فى القراءة والّذكر أبلُغ فى‬
‫ن النس‪ .‬قال‪:‬‬
‫ض والدفُع بالحسان أبلُغ فى دفع شّر شياطي ِ‬
‫دفع شر شياطين الجن‪ ،‬والعفُو والعرا ُ‬
‫طُلو ِ‬
‫ب‬ ‫خْيُر َم ْ‬
‫سنى ُهَما َ‬
‫حْ‬‫َأو الّدْفُع بال ُ‬ ‫عًا‬
‫ضاِر َ‬
‫سِتعاَذُة َ‬
‫فما هـو إل ال ْ‬
‫جو ِ‬
‫ب‬ ‫حُ‬
‫شّر َم ْ‬
‫ن َ‬
‫ك َدَواُء الّداء ِم ْ‬
‫َوَذا َ‬ ‫شّر ما ُيَرى‬
‫ن َ‬
‫َفهَذا َدَواُء الّداِء ِم ْ‬
‫فصل‬
‫فى ما يقوله ويفعله َمن اشتد غضبه‬
‫ن َقاِئَمًا‪،‬‬
‫ن َكا َ‬
‫ضوِء‪ ،‬والقعوِد إ ْ‬
‫جْمَرَة الغضب بالُو ُ‬
‫عْنُه َ‬
‫أمره‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أن ُيطفئ َ‬
‫ن الّرجيِم‪.‬‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫ل ِم َ‬
‫عَدًا‪ ،‬والستعاذِة با ّ‬
‫ن َقا ِ‬
‫جاع إن َكا َ‬
‫طَ‬‫والض ِ‬
‫ب ابن آدم‪ ،‬أمر أن ُيطفئهما بالوضوء‪،‬‬
‫ب والشهوُة جمرتين ِمن ناٍر فى قل ِ‬
‫ولما كان الغض ُ‬
‫سُكْم{‬
‫ن َأْنفُ َ‬
‫سْو َ‬
‫س بالِبّر َوَتْن َ‬
‫ن الّنا َ‬
‫والصلة‪ ،‬والستعاذِة من الشيطان الرجيم‪ ،‬كما قال تعالى‪} :‬أَتْأُمُرو َ‬
‫]البقرة‪ ... [44 :‬الية‪ .‬وهذا إنما يحمل عليه شّدة الشهوِة‪ ،‬فأمرهم بما ُيطفئون بها جمرتها‪ ،‬وهو‬
‫الستعانُة بالصبِر والصلة‪ ،‬وأمر تعالى بالستعاذِة من الشيطان عند نزغاته‪ ،‬ولما كانت المعاصى‬
‫ب القتل‪ ،‬ونهايُة قوِة الشهوة الّزنى‪ ،‬جمع ال‬
‫كلها تتولد ِمن الغضب والشهوة‪ ،‬وكان نهايُة قوِة الغض ِ‬
‫تعالى بين القتل والّزنى‪ ،‬وجعلهما قرينين فى سورة النعام‪ ،‬وسورة السراء‪ ،‬وسورة الفرقان‪ ،‬وسورة‬
‫الممتحنة‪.‬‬
‫والمقصوُد‪ :‬أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شّر قوَتى الغضب والشهوة من الصلة‬
‫والستعاذة‪.‬‬
‫فصل‬
‫فى ما يقوله إذا رأى ما يحب‬
‫ت((‪.‬‬
‫حا ُ‬
‫صاِل َ‬
‫ل اّلِذى ِبِنْعَمِتِه َتِتّم ال ّ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫ب‪ ،‬قال‪)) :‬ال َ‬
‫ح ّ‬
‫وكان‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬إذا َرَأى َما ُي ِ‬
‫ل((‪.‬‬
‫حا ٍ‬
‫ل َ‬
‫عَلى ُك ّ‬
‫ل َ‬
‫حْمُد ِّ‬
‫َوإَذا َرَأى َما َيْكَرُه‪ ،‬قال‪)) :‬ال َ‬
‫فصل‬
‫سب‬
‫فى أنه صلى ال عليه وسلم كان يدعو لمن تقّرب إليه بما يحب وبما ينا ِ‬
‫‪252‬‬

‫ضَع لُه ابن‬


‫ب‪ ،‬فلما َو َ‬
‫س ُ‬
‫ب وبما ُيَنا ِ‬
‫ح ّ‬
‫وكان‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬يدعو ِلَمن تقّرب إليه بما ُي ِ‬
‫ل((‪.‬‬
‫عّلْمُه الّتْأِوي َ‬
‫ضوَءُه قال‪)) :‬الّلُهّم َفّقْهُه فى الّدين‪َ ،‬و َ‬
‫عّباس َو ُ‬
‫ت ِبِه‬
‫ظ َ‬
‫حِف َ‬
‫ك ال ِبما َ‬
‫ظَ‬
‫حِف َ‬
‫حلته‪ ،‬قال‪َ )) :‬‬
‫ل عن را ِ‬
‫عَمُه أبو َقَتاَدة فى َمسيِرِه بالليل لّما ما َ‬
‫ولّما َد ّ‬
‫َنِبّيه((‪.‬‬
‫خْيَرًا‪َ ،‬فَقْد َأْبَلَغ فى الّثَناِء((‪.‬‬
‫ك ال َ‬
‫جَزا َ‬
‫عِلِه‪َ :‬‬
‫ل ِلَفا ِ‬
‫ف‪َ ،‬فَقا َ‬
‫صِنَع إليِه َمْعُرو ٌ‬
‫ن ُ‬
‫وقال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ك‪،‬‬
‫ك َوماِل َ‬
‫ك فى أْهِل َ‬
‫ك ال َل َ‬
‫ل‪ ،‬ثم وّفاه إياه‪ ،‬وقال‪َ)) :‬باَر َ‬
‫واستقرض من عبد ال بن أبى ربيعة ما ً‬
‫حْمُد والَداُء((‪.‬‬
‫ف ال َ‬
‫سَل ِ‬
‫جَزاُء ال ّ‬
‫إّنَما َ‬
‫حمس‬
‫ل َقِبيَلِتِه َأ ْ‬
‫خْي ِ‬
‫عَلى َ‬
‫ك َ‬
‫صَنِم َدْوس‪َ ،‬بّر َ‬
‫صِة‪َ :‬‬
‫خَل َ‬
‫جِلى ِمن ِذى ال َ‬
‫جِريُر بن عبد ال الَب َ‬
‫حُه َ‬
‫ولّما أَرا َ‬
‫ت‪.‬‬
‫س َمّرا ٍ‬
‫خْم َ‬
‫جاِلَها َ‬
‫َوِر َ‬
‫وكان‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬إذا ُأهديت إليه هديٌة فقبلها‪ ،‬كافأ عليها بأكثر منها‪ ،‬وإن‬
‫صْيِد‪)) :‬إّنا‬
‫حَم ال ّ‬
‫جّثامَة لما َأْهَدى إَلْيِه َل ْ‬
‫ب ابن َ‬
‫صْع ِ‬
‫رّدها اعتَذَر إلى ُمْهِديَها‪َ ،‬كَقْوِلِه صلى ال عليه وسلم ِلل ّ‬
‫ل أعلُم‪.‬‬
‫حُرٌم(( وا ّ‬
‫ل أّنا ُ‬
‫كإ ّ‬
‫عَلْي َ‬
‫َلْم َنُرّدُه َ‬
‫فصل‬
‫فى ما يقوله َمن سمع نهيق الحمار أو صياح الّدَيكة‬
‫جيم‪،‬‬
‫ن الّر ِ‬
‫طا ِ‬
‫شْي َ‬
‫ن ال ّ‬
‫لمَ‬
‫حَماِر أن يتعّوُذوا با ِّ‬
‫ق ال ِ‬
‫سِمُعوا َنِهي َ‬
‫وأمر‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ُ -‬أّمته إذا َ‬
‫ضِلِه‪.‬‬
‫ن َف ْ‬
‫سَأُلوا ال ِم ْ‬
‫ن َي ْ‬
‫ح الّدَيَكِة‪َ ،‬أ ْ‬
‫صَيا َ‬
‫سِمُعوا ِ‬
‫وإَذا َ‬
‫طفُِئه‪.‬‬
‫ن الّتْكِبيَر ُي ْ‬
‫حِريق‪َ ،‬فإ ّ‬
‫عْنَد رؤية ال َ‬
‫وُيروى عنه‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه َأَمَرُهم بالّتْكِبيِر ِ‬
‫ل‪،‬‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ن ِذْكِر ال َ‬
‫سُهم ِم ْ‬
‫جِل َ‬
‫خُلوا َم ْ‬
‫س أن ُي ْ‬
‫لهل المجل ِ‬
‫وكره‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪َ -‬‬
‫حماِر((‪.‬‬
‫جيفِة ال ِ‬
‫ل ِ‬
‫ن ِمْث ِ‬
‫عْ‬‫ل َقاُموا َ‬
‫ن ال فيِه إ ّ‬
‫س ل َيْذُكرو َ‬
‫جِل ٍ‬
‫ن َم ْ‬
‫ن ِم ْ‬
‫ن َقْوٍم يقوُمو َ‬
‫وقال‪َ)) :‬ما ِم ْ‬
‫ن اضطجع مضجعًا ل يذكُر‬
‫ن ال ِتَرٌة‪ ،‬وَم ِ‬
‫عَلْيِه ِم َ‬
‫ت َ‬
‫ن َقَعَد َمقَعدًا لم َيذُكِر ال ِفيِه َكاَن ْ‬
‫وقال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ال فيه‪ ،‬كانت عليه من ال ِتَرٌة((‪.‬‬
‫والّتَرُة‪ :‬الحسرة‪.‬‬
‫عَلْيِه ِتَرٌة((‪.‬‬
‫ت َ‬
‫ل َكاَن ْ‬
‫طِريقًا َلْم َيْذُكِر ال ِفيِه‪ ،‬إ ّ‬
‫حٌد َ‬
‫ك َأ َ‬
‫سَل َ‬
‫وفى لفظ‪)) :‬وما َ‬
‫‪253‬‬

‫طُه‪ ،‬فقال قبل أن يقوم من‬


‫س‪َ ،‬فَكُثَر فيِه َلَغ ُ‬
‫جل ٍ‬
‫س فى َم ْ‬
‫جَل َ‬
‫ن َ‬
‫ل صلى ال عليه وسلم‪َ)) :‬م ْ‬
‫وقا َ‬
‫ن فى‬
‫غِفَر َلُه ما كا َ‬
‫ك‪ ،‬إل ُ‬
‫ب إَلْي َ‬
‫ك َوَأُتو ُ‬
‫سَتْغِفُر َ‬
‫ت‪ ،‬أ ْ‬
‫ل أْن َ‬
‫ن ل إله إ ّ‬
‫شَهُد أ ْ‬
‫ك‪ ،‬أ ْ‬
‫حْمِد َ‬
‫ك الّلُهّم وب َ‬
‫حاَن َ‬
‫مجلسه‪ :‬سُْب َ‬
‫ك((‪.‬‬
‫جِلسه َذِل َ‬
‫َم ْ‬
‫ك إَذا‬
‫ل ذِل َ‬
‫ن يُقو ُ‬
‫وفى ))سنن أبى داود(( و ))مستدرك الحاكم(( أنه‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪َ -‬كا َ‬
‫ضى‪ .‬قال‪:‬‬
‫ت َتُقوُله ِفيَما َم َ‬
‫ل َما ُكْن َ‬
‫ل َقْو ً‬
‫ك َلَتُقو ُ‬
‫ل ال ؛ إّن َ‬
‫سو َ‬
‫ل‪َ :‬يا َر ُ‬
‫جٌ‬‫ل َلُه َر ُ‬
‫س‪َ ،‬فَقا َ‬
‫جِل ِ‬
‫ن اْلَم ْ‬
‫ن َيُقوَم ِم َ‬
‫أَراَد أ ْ‬
‫س((‪.‬‬
‫جِل ِ‬
‫ن فى الَم ْ‬
‫ك َكّفارٌة ِلَما َيُكو ُ‬
‫))َذِل َ‬
‫فصل‬
‫)يتبع‪(...‬‬
‫@فى ما يقول َمن شكا الرق بالليل‬
‫ك فقل‪ :‬الّلهُّم َر ّ‬
‫ب‬ ‫شَ‬
‫ت إلى ِفَرا ِ‬
‫ق بالليل‪ ،‬فقال له‪)) :‬إَذا أَوْي َ‬
‫ن الوليد الر َ‬
‫وشكى إليه خالُد ب ُ‬
‫ن لى‬
‫ت‪ُ ،‬ك ْ‬
‫ضّل ْ‬
‫طين َوَما َأ َ‬
‫شَيا ِ‬
‫ب ال ّ‬
‫ت‪َ ،‬وَر ّ‬
‫سْبِع َوَما َأَقّل ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫ضي َ‬
‫لْر ِ‬
‫با َ‬
‫ت‪َ ،‬وَر ّ‬
‫ظّل ْ‬
‫سْبِع َوما َأ َ‬
‫السماوات ال ّ‬
‫جّ‬
‫ل‬ ‫ك‪َ ،‬و َ‬
‫جاُر َ‬
‫عّز َ‬
‫ى‪َ ،‬‬
‫عَل ّ‬
‫طغى َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ى‪َ ،‬أوْ َأ ْ‬
‫عَل ّ‬
‫حٌد ِمْنُهم َ‬
‫ط َأ َ‬
‫ن َيْفُر َ‬
‫نأ ْ‬
‫جميعًا ِم ْ‬
‫ك ُكّلِهم َ‬
‫خْلق َ‬
‫شّر َ‬
‫ن َ‬
‫جارًا ِم ْ‬
‫َ‬
‫ت((‪.‬‬
‫ل أْن َ‬
‫ل إلَه إ ّ‬
‫ك‪ ،‬و َ‬
‫َثناُؤ َ‬
‫ضِبِه‬
‫غ َ‬
‫ن َ‬
‫ت ال الَتاّمة ِم ْ‬
‫عوُذ ِبَكِلَما ِ‬
‫وكان‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ُ -‬يَعّلُم أصحاَبه من الفزع‪َ)) :‬أ ُ‬
‫ضُرون((‪.‬‬
‫ح ُ‬
‫ن َي ْ‬
‫طين‪ ،‬وأ ْ‬
‫شَيا ِ‬
‫ت ال ّ‬
‫شّر عباده‪ ،‬ومن شّر َهَمَزا ِ‬
‫ن َ‬
‫َوِم ْ‬
‫ت إلى‬
‫شَكى إَلْيِه‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه يفزع فى َمَناِمه‪ ،‬فقال‪)) :‬إَذا أَوْي َ‬
‫ل َ‬
‫وُيذكر أن رج ً‬
‫ك فقل ‪ ((...‬ثم ذكرها‪ ،‬فقالها فذهب عنه‪.‬‬
‫شَ‬
‫ِفَرا ِ‬

‫فصل‬
‫فى ألفاظ كان صلى ال عليه وسلم‪َ -‬يْكَرُه أن ُتَقال‬
‫ت‪.‬‬
‫س ْ‬
‫ل‪َ :‬لِق َ‬
‫سى‪َ ،‬وْلَيُق ْ‬
‫ت َنْف ِ‬
‫ش ْ‬
‫جا َ‬
‫سى‪َ ،‬أْو َ‬
‫ت َنْف ِ‬
‫خُبَث ْ‬
‫َفِمْنَها‪ :‬أن يقول‪َ :‬‬
‫ن ُقوُلوا‪:‬‬
‫ك‪ ،‬وقال‪)) :‬ل َتُقوُلوا‪ :‬الَكْرَم‪َ ،‬وَلِك ْ‬
‫ن ذِل َ‬
‫عْ‬‫ب َكْرمًا‪َ ،‬نَهى َ‬
‫جَر الِعَن ِ‬
‫شَ‬‫سّمى َ‬
‫ومنها‪ :‬أن ُي َ‬
‫حَبلُة((‪.‬‬
‫ب وال َ‬
‫الِعْن ُ‬
‫‪254‬‬

‫ك‪َ ،‬فُهَو أْهَلُكُهْم((‪ .‬وفى معنى هذا‪ :‬فسد‬


‫ل ذِل َ‬
‫س‪ .‬وقال‪)) :‬إَذا َقا َ‬
‫ك الّنا ُ‬
‫ل‪ :‬هل َ‬
‫ل الرج ُ‬
‫وكِره أن يقو َ‬
‫ن ونحوُه‪.‬‬
‫س‪ ،‬وفسد الزما ُ‬
‫النا ُ‬
‫ل‪َ :‬ما‬
‫جٌ‬‫ل َلُه َر ُ‬
‫ن‪َ ،‬فَقا َ‬
‫شاَء ُفل ٌ‬
‫شاَء ال‪ُ ،‬ثّم َ‬
‫ل‪َ :‬ما َ‬
‫ل ُيَقا ُ‬
‫ن‪َ ،‬ب ْ‬
‫شاَء ُفل ٌ‬
‫شاَء ال‪َ ،‬و َ‬
‫ل‪ :‬ما َ‬
‫ونهى أن ُيَقا َ‬
‫حَدُه((‪.‬‬
‫شاَء ال َو ْ‬
‫ل ِنّدا؟‪ ،‬قل‪َ :‬ما َ‬
‫جَعْلَتِنى ِ‬
‫ل‪َ)) :‬أ َ‬
‫ت‪َ ،‬فَقا َ‬
‫شْئ َ‬
‫شاَء ال َو ِ‬
‫َ‬
‫ل وبُفلن‪،‬‬
‫ح وأنكر‪ ،‬وكذلك‪ :‬أنا با ِّ‬
‫ن كذا‪ ،‬بل هو أقب ُ‬
‫ن‪ ،‬لما كا َ‬
‫وفى معنى هَذا‪ :‬لول ال وفل ٌ‬
‫ل هذا‪ ،‬قد‬
‫ب فلن‪ ،‬وأنا مّتِكل على ال وعلى فلن‪ ،‬فقائ ُ‬
‫س ِ‬
‫حْ‬‫ب ال و َ‬
‫س ِ‬
‫حْ‬
‫ل وبُفلن‪ ،‬وأنا فى َ‬
‫وأعوُذ با ِّ‬
‫ل‪.‬‬
‫جّ‬‫عّز و َ‬
‫ل َ‬
‫جعل فلنًا ِنّدًا ِ‬
‫حمتِه‪.‬‬
‫ل ال َوَر ْ‬
‫ضِ‬‫طْرَنا ِبَف ْ‬
‫ل‪ُ :‬م ِ‬
‫طْرنا َبَنْوِء َكَذا َوَكَذا‪ ،‬بل يُقو ُ‬
‫ومنها‪ :‬أن ُيقال‪ُ :‬م ِ‬
‫ف ِبَغْيِر ال َفقَْد‬
‫حَل َ‬
‫ن َ‬
‫ح عنه‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪َ)) :‬م ْ‬
‫ف بغير ال‪ .‬ص ّ‬
‫ومنها‪ :‬أن يحِل َ‬
‫ك((‪.‬‬
‫شَر َ‬
‫َأ ْ‬
‫حِلِفِه‪ :‬هو َيُهوِدى‪ ،‬أو نصرانى‪ ،‬أو كافر‪ ،‬إن فعل كذا‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يقول فى َ‬
‫ل ِلمسلٍم‪ :‬يا َكاِفُر‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يقو َ‬
‫ك‪ .‬وعلى قياسه‪ :‬قاضى القضاة‪.‬‬
‫ك الُمُلو ِ‬
‫ل للسلطان‪َ :‬مِل ُ‬
‫ومنها‪ :‬أن يقو َ‬
‫سّيُد‪:‬‬
‫عْبِدى‪ ،‬وأَمِتى‪ ،‬ويقول الغلُم لسيده‪ :‬ربى‪ ،‬وليُقل ال ّ‬
‫سّيُد ِلغلمه وجاِريته‪َ :‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يقول ال ّ‬
‫ل الغلُم‪ :‬سّيدى وسّيدتى‪.‬‬
‫َفَتاى وفتاتى‪ ،‬ولَيُق ِ‬
‫ن شّرَها‬
‫ل ِم ْ‬
‫ت ِبِه‪ ،‬وَيُعوُذ با ِّ‬
‫سَل ْ‬
‫خْيَر َما ُأْر ِ‬
‫خْيَرَها‪َ ،‬و َ‬
‫ل ال َ‬
‫ت‪ ،‬بل يسأ ُ‬
‫ح إَذا هّب ْ‬
‫ب الّري ِ‬
‫ومنها‪ :‬س ّ‬
‫وشر ما ُأرسلت به‪.‬‬
‫خَب َ‬
‫ث‬ ‫ب الِكْيُر َ‬
‫طاَيا َبِنى آَدَم‪ ،‬كَما ُيْذِه ُ‬
‫خَ‬‫ب َ‬
‫حّمى‪ ،‬نهى عنه‪ ،‬وقال‪)) :‬إّنَها ُتْذِه ُ‬
‫ب ال ُ‬
‫ومنها‪ :‬س ّ‬
‫حِديِد((‪.‬‬
‫ال َ‬
‫ك‪َ ،‬فإّنُه‬
‫سّبوا الّدي َ‬
‫ح عنه‪ -‬صلى ال عليه وسلم‪ -‬أنه قال‪)) :‬ل َت ُ‬
‫ك‪ ،‬ص ّ‬
‫ى عن سب الّدي ِ‬
‫ومنها‪ :‬الّنه ُ‬
‫صلِة((‪.‬‬
‫ظ لل ّ‬
‫ُيوِق ُ‬
‫عاء إلى القبائل والَعصِبّية لها‬
‫ومنها‪ :‬الدعاء بدعوى الجاهلية‪ ،‬والّتَعّزى بعزائهم‪ ،‬كالّد َ‬
‫ل بعضها على بعض بالهوى‬
‫ق‪ ،‬والمشايخ‪ ،‬وتفضي ُ‬
‫ب ِللمذاهب‪ ،‬والطراِئ ِ‬
‫وللنساب‪ ،‬ومثلُه التعص ُ‬
‫‪255‬‬

‫ل هذا‬
‫ن الناس به‪ُ ،‬ك ّ‬
‫والعصبية‪ ،‬وكوُنُه منتسبًا إليه‪ ،‬فيدعو إلى ذلك‪ ،‬وُيوالى عليه‪ ،‬وُيعاِدى عليه‪َ ،‬ويِز ُ‬
‫ِمن دعوى الجاهلية‪.‬‬
‫شاء‪.‬‬
‫ظ الِع َ‬
‫جُر فيها لف ُ‬
‫شاء ِبالَعَتَمِة تسمية غالبة ُيه َ‬
‫ومنها‪ :‬تسميُة الِع َ‬
‫جها‬
‫خِبَر المرأُة َزْو َ‬
‫ن الّثاِلث‪ .‬وأن ُت ْ‬
‫ن ُدو َ‬
‫سِلم‪ ،‬وأن يتناجى اثَنا ِ‬
‫ب الُم ْ‬
‫سَبا ِ‬
‫عن ِ‬
‫ى َ‬
‫ومنها‪ :‬النه ُ‬
‫خَرى‪.‬‬
‫ن امرأٍة ُأ ْ‬
‫سِ‬‫حا ِ‬
‫ِبَم َ‬
‫ت((‪.‬‬
‫شْئ َ‬
‫ن ِ‬
‫حْمِنى إ ْ‬
‫ت‪ ،‬واْر َ‬
‫شْئ َ‬
‫ن ِ‬
‫غِفْر لى إ ْ‬
‫ل فى ُدعائه‪)) :‬الّلُهّم ا ْ‬
‫ومنها‪ :‬أن يقو َ‬
‫ف‪.‬‬
‫حِل ِ‬
‫ن ال َ‬
‫ومنها‪ :‬الكثاُر ِم َ‬
‫سَماء‪.‬‬
‫س ُقَزح‪ِ ،‬لهَذا الذى ُيرى فى ال َ‬
‫ومنها‪ :‬كراهُة أن يقول‪َ :‬قْو ُ‬
‫حدًا ِبَوجِه ال‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يسأل أ َ‬
‫ى المدينة بيثرب‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬أن يسّم َ‬
‫ب امرأته‪ ،‬إل إذا دعت الحاجة إلى ذلك‪.‬‬
‫ل فيم ضَر َ‬
‫ل الرج ُ‬
‫ومنها‪ :‬أن ُيسأ َ‬
‫ل ُكّلُه‪.‬‬
‫ت الّلْي َ‬
‫ن ُكّلُه‪ ،‬أو قم ُ‬
‫ت رمضا َ‬
‫صْم ُ‬
‫ن يقول‪ُ :‬‬
‫ومنها‪ :‬أ ْ‬
‫فصل‬
‫فى كراهة الفصاح عن الشياء التى ينبغى الكناية عنها بأسمائها الصريحة‬
‫صريحة‪:‬‬
‫ن الشياِء التى ينبغى الكنايُة عنها بأسمائها ال ّ‬
‫عِ‬‫ح َ‬
‫ظ المكروَهِة الفصا ُ‬
‫ومن اللفا ِ‬
‫ف سنة ‪ ...‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫ت أل َ‬
‫عش َ‬
‫ك‪ ،‬و ِ‬
‫ل ال بقاَءك‪ ،‬وأداَم أّياَم َ‬
‫ل‪ :‬أطا َ‬
‫ومنها‪ :‬أن يقو َ‬
‫خاِتمه على فِم الكافر‪.‬‬
‫ق الذى َ‬
‫ومنها‪ :‬أن يقول الصاِئُم‪ :‬وح ّ‬
‫ت َكَذا‬
‫خسِْر ُ‬
‫ت أو َ‬
‫غِرْم ُ‬
‫ومنها‪ :‬أن يقول للُمُكوس‪ :‬حقوقًا‪ .‬وأن يقول ِلَما ُيْنِفُقُه فى طاعِة ال‪َ :‬‬
‫ل كثيرًا‪.‬‬
‫ت فى هذه الدنيا ما ً‬
‫ل‪ :‬أنفق ُ‬
‫َوَكَذا‪ ،‬وأن يقو َ‬
‫ل كَذا‪ ،‬وحّرم ال كذا فى المسائل الجتهادية‪ ،‬وإنما يقوُله فيما‬
‫لا ُ‬
‫ل المفتى‪ :‬أح ّ‬
‫ومنها‪ :‬أن يقو َ‬
‫ص بتحريمه‪.‬‬
‫ورد الن ّ‬
‫سِق ُ‬
‫ط‬ ‫ت‪ ،‬فإن هذه التسمية ُت ْ‬
‫سـّنة ظواِهَر لفظية ومجازا ٍ‬
‫ى أدلَة القرآن وال ّ‬
‫سّم َ‬
‫ومنها‪ :‬أن ُي َ‬
‫عقلية‪ ،‬فل إله‬
‫طعَ َ‬
‫ن والفلسفة َقوا ِ‬
‫شَبِه المتكلمي َ‬
‫ف إلى ذلك تسمية ُ‬
‫ضا َ‬
‫حرمَتها ِمن القلوب‪ ،‬ول سيما إذا أ َ‬
‫ُ‬
‫ل بهاتين التسميتين ِمن فساد فى العقول والديان‪ ،‬والدنيا والدين‪.‬‬
‫صَ‬‫ح َ‬
‫إل ال‪ ،‬كم َ‬
‫‪256‬‬

‫فصل‬
‫جماع أهله وما يكون بينه وبينها‬
‫فى كراهة أن ُيحّدث الرجل ب ِ‬
‫سَفَلُة‪.‬‬
‫ن بينه وبينها‪ ،‬كما يفعله ال ّ‬
‫جَماع أهله‪ ،‬وما يكو ُ‬
‫لب ِ‬
‫ومنها‪ :‬أن ُيحّدث الرج ُ‬
‫ومما ُيكره من اللفاظ‪ :‬زعموا‪ ،‬وذكروا‪ ،‬وقالوا‪ ...‬ونحوه‪.‬‬
‫ب إنما‬
‫ب ال فى أرضه‪ ،‬فإن الخليفة والنائ َ‬
‫ومما ُيكره منها أن يقول للسلطان‪ :‬خليفُة ال‪ ،‬أو ناِئ ُ‬
‫ل عبده المؤمن‪.‬‬
‫ب فى أهلِه‪ ،‬ووكي ُ‬
‫ل سبحانه وتعالى خليفُة الَغاِئ ِ‬
‫ن عن غائب‪ ،‬وا ُّ‬
‫يكو ُ‬
‫فصل‬
‫فى التحذير من طغيان ))أنا((‪ ،‬و))لى((‪ ،‬و))عندى((‬
‫ظ الثلثَة ابُتلى بها‬
‫ل الحذر من طغيان ))أنا((‪ ،‬و))لى((‪ ،‬و))عندى((‪ ،‬فإن هذه اللفا َ‬
‫وليحذر ُك ّ‬
‫صَر{‬
‫ك ِم ْ‬
‫خْيٌر ِمْنُه{ ]العراف‪] [12 :‬ص‪ [76 :‬لبليس‪ ،‬و}ِلى ُمْل ُ‬
‫س‪ ،‬وفرعون‪ ،‬وقارون‪ :‬فـ }أَنا َ‬
‫إبلي ُ‬
‫ن ما‬
‫عْنِدى{ ]القصص‪ [78 :‬لقارون‪ .‬وأحس ُ‬
‫عْلٍم ِ‬
‫عَلى ِ‬
‫]الزخرف‪ [51 :‬لفرعون‪ ،‬و}إّنَما ُأوِتيُتُه َ‬
‫ضَعت ))أنا(( فى قول العبد‪ :‬أنا العبُد المذنب‪ ،‬المخطئ‪ ،‬المستغفر‪ ،‬المعتِرف ‪ ...‬ونحوه‪ .‬و))لى((‪،‬‬
‫ُو ِ‬
‫غِفْر لى‬
‫جرم‪ ،‬ولى المسكنُة‪ ،‬ولى الفقُر والذل‪ .‬و))عندى(( فى قوله‪)) :‬ا ْ‬
‫فى قوله‪ :‬لى الذنب‪ ،‬ولى ال ُ‬
‫عْنِدى((‪.‬‬
‫ك ِ‬
‫ل ذِل َ‬
‫عْمِدى‪َ ،‬وُك ّ‬
‫طِئى‪َ ،‬و َ‬
‫خَ‬‫جّدى‪َ ،‬وَهْزِلى‪ ،‬و َ‬
‫ِ‬

You might also like