Professional Documents
Culture Documents
زاد المعاد
في هدي خير
العباد
للمام العلمة شيخ السلم
محمد بن أبى بكر الزرعى
ابن قيم الجوزية
الجزء الثاني
2
فصل
في َهْديه صلى ال عليه وسلم في الصدقة والزكاة
صِرِفها .وقد
ب عليه ،وَم ْ
ج ُ
ن َت ِ
ل َهْدى في وقتها ،وقْدِرها ،وِنصابهاَ ،وَم ْ
َهْدُيه في الزكاة ،أكم ُ
طهرًة للمال
ل سبحانه وتعالى ُ
ب الموال ،ومصلحة المساكين ،وجعلها ا ّ
راعى فيها مصلحَة أربا ِ
ظه عليه
ولصاحبه ،وقّيد النعمة بها على الغنياء ،فما زالت النعمُة بالمال على َمن أّدى زكاَته ،بل يحف ُ
حصنًا له ،وحارسًا له .
سورًا عليه ،و ِ
ت ،ويجعُلها ُ
وُينميه له ،ويدفُع عنه بها الفا ِ
ثم إنه جعلها فى أربعة أصناف من المال :وهى أكثُر الموال َدَورانًا بين الخلق،
وحاجُتهم إليها ضرورية .
أحدها :الزرع والثمار .
الثانى :بهيمُة النعام :البل ،والبقر ،والغنم .
الثالث :الجوهران الّلذان بهما ِقوام العالم ،وهما الذهب والفضة .
ل التجارة على اختلف أنواعها .
الرابع :أموا ُ
حْول الزروع والثمار عند كماِلها واستوائها ،وهذا
ل عام ،وجعل َ
ثم إنه أوجبها َمّرًة ك ّ
ضّر بأرباب الموال ،ووجوُبها فى العمر مرة مما
ل جمعة ي ُ
ل شهر أو ُك ّ
ل ما يكون ،إذ وجوُبها ك ّ
أعد ُ
ل عام مرة .
ل ِمن وجوبها ُك ّ
يضّر بالمساكين ،فلم يكن أعد َ
ت بين مقادير الواجب بحسب سعى أرباب الموال فى تحصيلها،
ثم إنه فاَو َ
ل من الموال ،وهو
صًخمس فيما صادفه النسان مجموعًا مح ّ
وسهولِة ذلك ،ومشقته ،فأوجب ال ُ
س متى ظفر به .
خم َ
ل ،بل أوجب فيه ال ُ
حْو ً
الّركاز .ولم يعتبر له َ
ق ذلك ،وذلك فى الثمار
وأوجب نصفه وهو الُعشر فيما كانت مشقُة تحصيله وتعبه وُكلفته فو َ
ل سقيها ِمن عنده بل ُكلفة من العبد ،ول
والزروع التى ُيباشر حرث أرضها وسقيها وبذرها ،ويتوّلى ا ّ
ب.
شراء ماٍء ،ول إثارة بئٍر ودول ٍ
ضح وغيرها .
وأوجب ِنصف الُعشر ،فيما تولى العبد سقَيه بالُكلفة ،والّدوالى ،والنوا ِ
3
ل ِمن رب
وأوجب ِنصف ذلك ،وهو ربُع الُعشر ،فيما كان الّنماء فيه موقوفًا على عمل متص ٍ
ب أن ُكلفة هذا أعظم من
المال ،بالضرب فى الرض تارة ،وبالدارة تارة ،وبالتربص تارة ،ول ري َ
ُكلفة الزرع والثمار ،وأيضًا فإن نمو الزرع والثمار أظهُر وأكثر من نمو التجارة ،فكان واجُبها أكثَر
من واجب التجارة ،وظهوُر النمو فيما ُيسقى بالسماء والنهار ،أكثُر مما ُيسقى بالدوالى والنواضح،
ل مجموعًا ،كالكنز ،أكثر وأظهر من الجميع .
وظهورُه فيما وجد محص ً
صبًا
ل ،جعل للمال الذى تحتمله المواساة ُن ُ
ل مال وإن ق ّ
ثم إنه لما كان ل يحتمل المواساَة ك ّ
ق مائتى
ف بأرباب الموال ،وتقع موِقعها من المساكين ،فجعل للَوِر ِ
ح ُ
جِمقّدرًة المواساة فيها ،ل ُت ْ
ب والثمار خمسَة أوسق ،وهى خمسة أحمال من أحمال إبل
ل ،وللحبو ِ
درهم ،وللذهب عشرين مثقا ً
العرب ،وللغنم أربعين شاة ،وللبقر ثلثين بقرة ،وللبل خمسًا ،لكن لما كان ِنصابها ل يحتمل المواساة
من جنسها ،أوجب فيها شاة .فإذا تكررت الخمس خمس مرات وصارت خمسًا وعشرين ،احتمل
نصاُبها واحدًا منها ،فكان هو الواجب .
ن هذا الواجب فى الزيادة والنقصان ،بحسب كثرة البل وقّلِتها من ابن
سّثم إنه لما َقّدَر ِ
عة،
جَذ َ
جَذعُ وال َ
حّقة ،وفوَقه ال َ
ق وال ِ
حّن َلُبون ،وبنت َلبون ،وفوقه ال ِ
َمخاض ،وبنت َمخاض ،وفوقه اب ُ
ن إلى ُمنتهاه ،فحينئٍذ جعل زيادة عدد الواجب فى مقابلة
سُسن إلى أن يصل ال ّ
ل ،زاد ال ّ
وكلما كُثرت الب ُ
زيادة عدد المال .
ف بها ،ويكفى المساكين،
ح ُ
فاقتضت حكمته أن جعل فى الموال َقْدرًا يحتمل المواساة ،ول ُيج ِ
جون معه إلى شئ ،ففرض فى أموال الغنياء ما يكفى الفقراء ،فوقع الظلُم من الطائفتين،
ول يحتا ُ
ي يمنُع ما وجب عليه ،والخذ يأخذ ما ل يستحقه ،فتوّلد من بين الطائفتين ضرٌر عظيم على
الغن ّ
المساكين وفاقٌة شديدة ،أوجبت لهم أنواع الحيل واللحاف فى المسألة.
ن من
صنفا ِ
سَم الصدقة بنفسه ،وجّزأها ثمانيَة أجزاء ،يجمُعها ِ
ب سبحانه توّلى َق ْ
والر ّ
الناس ،أحدهماَ :من يأخذ لحاجة ،فيأخذ بحسب شدة الحاجة ،وضعفها ،وكثرِتها ،وِقّلتها ،وهم الفقراُء
والمساكين ،وفى الرقاب ،وابن السبيل .والثانىَ :من يأخذ لمنفعته وهم العاملون عليها ،والمؤّلفُة
خُذ محتاجًا ،ول فيه
ل ،فإن لم يكن ال ِ
ت الَبْين ،والُغزاُة فى سبيل ا ّ
قلوُبهم ،والغاِرمون لصلح ذا ِ
منفعة للمسلمين ،فل سهم له فى الزكاة .
4
فصل
فى َمن هو أهل لخذ الزكاة
ل عليه وسلم إذا علم من الرجل أنه ِمن أهل الزكاة ،أعطاه ،وإن سأله
وكان من َهْديه صلى ا ّ
سب.
ظ فيها ِلغنى ول ِلقوى مكت ِ
ف حاله ،أعطاه بعد أن يخبره أنه ل ح ّ
أحٌد من أهل الزكاة ولم َيْعِر ْ
وكان يأخذها من أهلها ،ويضُعها فى حقها .
ل عنهم
ق الزكاة على المستحقين الذين فى بلد المال ،وما فض َ
وكان من َهْديه ،تفري ُ
سعاته إلى البوادى ،ولم يكن يبعُثهم إلى
ل عليه وسلم ،ولذلك كان يبعث ُ
حِمَلت إليه ،ففّرقها هو صلى ا ّ
ُ
الُقرى ،بل أمر معاذ بن جبل أن يأخذ الصدقة من أغنياء أهل اليمن ،وُيعطيها فقراءهم ،ولم يأمره
بحملها إليه .
سعاته إل إلى أهل الموال الظاهرة ِمن المواشى
ولم يكن من َهْديه أن يبعث ُ
ص على أرباب النخيل تمَر نخيلهم ،وينظر كم يجئ منه
ص فيخُر ُ
ث الخاِر َ
والزروع والثمار ،وكان يبع ُ
ث أو الّربَع ،فل يخرصه
ع لهم الثل َ
ص أن يد َ
ب عليهم من الزكاة بقدره ،وكان يأمر الخَاِر َ
س ُ
حِسقًاَ ،في ْ
َو ْ
ص لكى ُتحصى الزكاُة قبل أن تؤكل الثماُر
ل ِمن النوائب ،وكان هذا الخر ُ
عليهم لما يعُرو النخي َ
ص إلى َمن
صَرَم ،وليتصّرف فيها أربابها بما شاؤوا ،ويضمنوا قدَر الزكاة ،ولذلك كان يبعث الخاِر َ
وُت ْ
ث إليهم
ساقاه من أهل خيبر وزارعه ،فيخُرص عليهم الثماَر والزروع ،وُيضّمُنهم شطًرها ،وكان يبع ُ
ل لقد جئتكم من عند أح ّ
ب ت؟ ،وا ِّ
سح َ
لُ :تطعمونى ال ّ
شوه ،فقال عبد ا ّ
ل بن َرواحة ،فأرادوا أن َير ُ
عبد ا ّ
حّبى إياه ،أن
عّدِتكم ِمن الِقردِة والخنازير ،ول يحِمُلنى ُبغضى لكم و ُ
ى من ِ
ض إل ّ
ى ،ولنُتم أبغ ُ
الناس إل ّ
ت والرض.
ل أعدل عليكم ،فقالوا :بهذا قامت السموا ُ
ولم يكن من َهْديه أخُذ الزكاة من الخيل ،والرقيق ،ول البغال ،ول
الحمير ،ول الخضروات ول المباطخ والمقاتى والفواكه التى ل ُتكال ول ُتّدخر إل العنب والّرطب
فإنه كان يأخذ الزكاة منه جملة ولم ُيفّرق بين ما يبس منه وما لم ييبس.
فصل
فى زكاة العسل وما ورد فيه
5
قال يحيى :وسئل حسن بن صالح عن العسل؟ فلم ير فيه شيئًا .وذكر عن معاذ أنه لم يأخذ من
حميدى :حدثنا سفيان ،حدثنا إبراهيم بن ميسرة ،عن طاووس ،عن معاذ بن جبل،
العسل شيئًا .قال ال ُ
ل صلى ال عليه وسلم بشىء .
أنه أتى بوقص البقر والعسل ،فقال معاذ :كلهما لم يأمرنى فيه رسول ا ّ
ب من عمر بن عبد
ل بن أبى بكر ،قال :جاءنا كتا ٌ
وقال الشافعى :أخبرنا مالك ،عن عبد ا ّ
ل إلى أبى وهو بِمَنى ،أن ل يأخذ من الخيل ول من العسل صدقة .وإلى هذا ذهب
العزيز رحمه ا ّ
مالك ،والشافعى .
وذهب أحمد ،وأبو حنيفة ،وجماعة ،إلى أن فى العسل زكاة ،ورأوا أن هذه الثار ُيَقّوى
سِئل أبو حاتم
ضُد بمسندها .وقد ُ
سُلها ُيع َ
طرقها ،ومر َ
جها ،واختلفت ُ
ضها بعضًا ،وقد تعددت مخار ُ
بع ُ
ل والد منير ،عن سعد بن أبى ذباب ،يصح حديثه؟ قال :نعم .قال هؤلء :ولنه
الرازى ،عن عبد ا ّ
يتولد من َنَور الشجر والزهر ،وُيكال وُيّدخر ،فوجبت فيه الزكاة كالحبوب والثمار .قالوا :والكلفة فى
خذ من أرض الُعشر،
أخذه دون الكلفة فى الزرع والثمار ،ثم قال أبو حنيفة :إنما يجب فيه الُعشر إذا ُأ ِ
خذ من أرض الخراج ،لم يجب فيه شئ عنده ،لن أرض الخراج قد وجب على مالكها الخرا ُ
ج فإن ُأ ِ
لجل ثمارها وزرعها ،فلم يجب فيها حق آخر لجلها ،وأرض الُعشر لم يجب فى ذمته حق عنها،
ق فيما يكون منها .
فلذلك وجب الح ّ
عشرية كانت
خَذ ِمن ملكه أو مواتُ ،
وسّوى المام أحمد بين الرضين فى ذلك ،وأوجبه فيما ُأ ِ
الرض أو خراجية .
جبون له :هل له نصاب أم ل؟ على قولين .أحدهما :أنه يجب فى قليله وكثير،
ثم اختلف المو ِ
وهذا قول أبى حنيفة رحمه ال ،والثانى :أن له نصابًا معينًا ،ثم اختلف فى قدره ،فقال أبو يوسف :
هو عشرة أرطال
ل بالعراقى .وقال أحمد :نصابه
وقال محمد بن الحسن :هو خمسة أفراق ،والفرق ستة وثلثون رط ً
ل ،والثانى :أنه
عشرة أفراق ،ثم اختلف أصحابه فى الفرق ،على ثلثة أقوال أحدها :أنه ستون رط ً
ل.
ستة وثلثون رط ً
ل ،وهو ظاهر كلم المام أحمد ،وال أعلم.
والثالث ستة عشر رط ً
فصل
8
وكان صلى ال عليه وسلم إذا جاءه الرجل بالزكاة ،دعا له فتارة يقول )) :اللهم بارك فيه وفى
أبله (( .وتارة يقول )) اللهم صل عليه (( .ولم يكن من هديه أخذ كرائم الموال فى الزكاة بل وسط
المال ،ولهذا نهى معاذُا عن ذلك.
فصل
فى نهى المتصدق أن يشترى صدقته
ى صدقته ،وكان ُيبيح للغنى أن يأكل من
ل عليه وسلم ينهى المتصّدق أن يشتر َ
وكان صلى ا ّ
ق به على َبريَرَة وقالُ)) :هَو
صّد َ
ل عليه وسلم ِمن لحم ُت ُ
الصدقة إذا أهداها إليه الفقير ،وأكل صلى ا ّ
صَدَقٌة ولنا ِمْنَها َهِدية((.
عَلْيَها َ
َ
ت البل ،فأمر عبد الّ
وكان أحيانًا يستدين لمصالح المسلمين على الصدقة ،كما جّهز جيشًا َفَنِفَد ِ
سُمها فى آذانها .
صَدَقِة بيده ،وكان َي ِ
سُم إبل ال ّ
بن عمرو أن يأخذ من قلئص الصدقة ،وكان َي ِ
ل عنه
وكان إذا عراه أمر ،استسلف الصدقة من أربابها ،كما استسلف من العباس رضى ا ّ
صدقة عامين.
فصل
وقال عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن جده ،أن النبى صلى ال عليه وسلم بعث مناديًا فى ِفجاج
ن
ن ِم ْ
صِغيٍر َأْو َكِبيٍرُ ،مّدا ِ
عْبٍدَ ،
حّر َأْو َ
سِلمَ ،ذَكٍر أو ُأْنَثىُ ،
ل ُم ْ
جَبٌة على ُك ّ
طِر َوا ِ
صَدَقة الِف ْ
ن َ
لإّ
َمّكةَ)) :أ َ
طعام(( قال الترمذى :حديث حسن غريب .
ن َ
صاعًا ِم ْ
سَواُه َ
ح َأْو ِ
َقْم ٍ
ل صلى ال عليه وسلم،
ل عنهماَ ،أن رسول ا ّ
وروى الدارقطنى من حديث ابن عمر رضى ا ّ
طٍة .وفيه سليمان بن موسى ،وّثقه بعضهم
حْن َ
ن ِ
ع ِم ْ
صا ٍ
ف َ
ص ِ
طِر ِبِن ْ
حْزٍم فى َزَكاِة الِف ْ
ن َ
عْمرو ْب َ
أَمَر َ
وتكلم فيه بعضهم .
جوا
خِر ُ
ن على منبر البصرة ،فقالَ :أ ْ
ن عباس فى آخر رمضا َ
ن الَبصرى :خطب اب ُ
قال الحس ُ
خَواِنُكم َفَعّلُموُهم
ن َأْهلِ الَمِديَنِة؟ ُقوُموا إَلى إ ْ
ن َهُهنا ِم ْ
لَ :م ْ
س َلْم َيْعَلُموا َ .فَقا َ
ن الّنا َ
صْوِمُكْم ،فكَأ ّ
صَدَقَة َ
َ
شِعيٍرَ ،أْو
عًا ِمن َتْمٍرَ ،أْو َ
صَدَقَة صا َ
ل عليه وسلم َهِذِه ال ّ
ل صلى ا ّ
ل ا ِّ
سو ُ
ض َر ُ
نَ ،فر َ
ل َيْعَلُمو َ
فإّنُهْم َ
ىا ّ
ل ضَ
ى َر ِ
عل ّ
صِغيٍر َأْو َكِبيٍر ،فلما َقِدَم َ
كَ ،ذَكٍر َأْو ُأْنَثىَ ،
حّر ،أو ممُلو ٍ
ل ُ
عَلى ُك ّ
ح َ
ن َقْم ٍ
ع ِم ْ
صا ٍ
ف َ
ص َ
ِن ْ
شىٍء(( .رواه أبو داود
ل َ
ن ُك ّ
صاعًا ِم ْ
جَعْلُتُموُه َ
عَلْيُكمَ ،فَلْو َ
ل َ
سَع ا ُّ
لَ :قْد َأْو َ
سْعِر َقا َ
ص ال ّ
خ َ
عْنُه َرأى ُر ْ
َ
غْيِره
ن ُبّر َو َ
صاعًا ِم ْ
جَعُلوها َ
سُعوا ،ا ْ
عَلْيُكمَ ،فأْو ِ
ل َ
سَع ا ُّ
ىَ :أَما إذ َأْو َ
عل ّ
وهذا لفظه ،والنسائى وعنده فقال َ
ل أحمد فى الكّفارات ،أن الواج َ
ب ل ُ :يقّوى هذا المذهب ويقول :هو قياس قو ِ
.وكان شيخنا رحمه ا ّ
ف الواجب من غيره .
فيها من الُبّر نص ُ
فصل
)يتبع(...
@فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى وقت إخراج هذه الصدقة
ل صلة العيد ،وفى السنن عنه :أنه
ل عليه وسلم إخراج هذه الصدقة قب َ
وكان من َهْديه صلى ا ّ
ت((.
صَدقا ِ
ن ال ّ
صَدَقٌة ِم َ
ى َ
صلة َفِه َ
ن َأّداها َبْعَد ال ّ
صلةَ ،فِهى َزَكاٌة َمْقُبوَلة ،وَم ْ
ل ال ّ
ن أّداها َقْب َ
قالَ)) :م ْ
طِر َأ ْ
ن ل صلى ال عليه وسلم ِبَزَكاِة الِف ْ
لا ّ
سو ُ
وفى ))الصحيحين(( ،عن ابن عمر ،قال :أَمَر َر ُ
صلة .
س إلى ال ّ
ج الّنا ِ
خُرو ِ
ُتؤّدى َقْبلَ ُ
ت بالفراغ ِمن
ومقتضى هذين الحديثين :أنه ل يجوُز تأخيُرها عن صلة العيد ،وأنها تفو ُ
ل بهما،
الصلة ،وهذا هو الصواب ،فإنه ل ُمعاِرض لهذين الحديثين ول ناسخ ،ول إجماع يدفع القو َ
لضحية على صلة المام ،ل على وقتها ،وأن َمن
با ُ
خنا ُيقّوى ذلك وينصُره ،ونظيُره ترتي ُ
وكان شي ُ
10
ل صلة المام ،لم تكن ذبيحته ُأضحيًة بل شاة لحم .وهذا أيضًا هو الصواب فى المسألة
ذبح قب َ
ل صلى ال عليه وسلم فى الموضعين .
ى رسول ا ّ
الخرى ،وهذا َهْد ُ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى تخصيص المساكين بها
سمها على
ص المساكين بهذه الصدقة ،ولم يكن يق ِ
ل عليه وسلم تخصي ُ
وكان من َهْديه صلى ا ّ
ن بعدهم ،بل أحُد
الصناف الثمانية قبضًة قبضًة ،ول أمر بذلك ،ول فعله أحٌد من أصحابه ،ول َم ْ
ح من القول بوجوب
ل أرج ُ
جها إل على المساكين خاصة ،وهذا القو ُ
القولين عندنا :أنه ل يجوُز إخرا ُ
قسمتها على الصناف الثمانية .
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى صدقة التطوع
ل عليه وسلم أعظَم الناس صدقًة بما ملكت يُده ،وكان ل يستكِثر شيئًا أعطاه ِّ
ل كان صلى ا ّ
ل كان أو كثيرًا ،وكان عطاؤه عطاء
تعالى ،ول يستِقّله ،وكان ل يسأُله أحٌد شيئًا عنده إل أعطاه ،قلي ً
حه بما يعطيه أعظَم من
سروُره وفر ُ
ب شىٍء إليه ،وكان ُ
ف الفقر ،وكان العطاُء والصدقُة أح ّ
ن ل يخا ُ
َم ْ
خِذ بما يأخذه ،وكان أجوَد الناس بالخير ،يمينه كالّريح المرسلة .
سرور ال ِ
وكان إذا عرض له ُمحتاج ،آثره على نفسه ،تارًة بطعامه ،وتارًة بلباسه .
وكان ُينّوع فى أصناف عطائه وصدقته ،فتارًة بالهبة ،وتارًة بالصدقة ،وتارًة بالهدية ،وتارًة
سلعة جميعًا ،كما فعل ببعير جابر وتارة كان يقترض الشئ،
بشراِء الشىء ثم ُيعطى البائع الثمن وال ّ
فيرد أكثر منه ،وأفضل وأكبر ،ويشترى الشىء ،فيعطى أكثر من ثمنه ،ويقبل الهدّية وُيكافىُء عليها
بأكثر منها أو بأضعافها ،تلطّـفًا وتنّوعًا فى ضروب الصدقة والحسان بكل ممكن ،وكانت صدُقته
ض عليها ،ويدعو إليها
ج ما عنده ،ويأُمُر بالصدقة ،ويح ّ
خِر ُ
وإحساُنه بما يملُكه ،وبحاله ،وبقوله ،فُي ْ
حبه ،ورأى
طه وصَ ِ
ن خال َ
ل الشحيح ،دعاه حاُله إلى البذل والعطاء ،وكان َم ْ
بحاله وقوله ،فإذا رآه البخي ُ
ك نفسه من السماحة والّندى .
َهْدَيه ل يمِل ُ
ل عليه وسلم يدعو إلى الحسان والصدقِة والمعروف ،ولذلك كان صلى الّ
وكان َهْديه صلى ا ّ
ل المعروف تأثيرًا
ح الخلق صدرًا ،وَأطَيبهم نفسًا ،وأنعَمهم قلبًا .فإن ِللصدقة َوِفع ِ
عليه وسلم أشر َ
11
فى أسباب شرح الصدور وحصولها على الكمال له صلى ال عليه وسلم
ح صدر
ن انشرا ُ
فأعظم أسباب شرح الصدر :التوحيُد وعلى حسب كماله ،وقوته ،وزيادته يكو ُ
ن َرّبه{ ]الزمر . [22 :وقال
عَلى ُنوٍر ّم ْ
سلِم َفُهَو َ
صْدَرُه ِلل ْ
ل َ
ح ا ُّ
شَر َ
ل تعالىَ} :أَفَمن َ
صاحبه .قال ا ّ
حَرجًا
ضـّيًقا َ
صْدَرُه َ
ل َ
جَع ْ
ضّلُه َي ْ
لِمَ ،وَمن ُيِرْد َأن ُي ِ
سَصْدَرُه ِلل ْ
ح َ
شَر ْ
ل َأن َيْهِدَيُه َي ْ
ن ُيِرِد ا ُّ
تعالىَ } :فَم ْ
سَماِء{ ]النعام.[125 :
صّعُد ِفى ال ّ
َكَأّنَما َي ّ
صدِر
ق ال ّ
ب ضي ِ
ضلل ِمن أعظم أسبا ِ
ك وال ّ
شر ُ
ب شرح الصدر ،وال ّ
فالُهدى والتوحيُد ِمن أعظم أسبا ِ
سعه،
ح الصدر وُيو ّ
ل فى قلب العبد ،وهو نوُر اليمان ،فإنه يشَر ُ
جه ،ومنها :النوُر الذى يقِذُفه ا ّ
وانحرا ِ
ن وأصعبه .
ج ،وصار فى أضيق سج ٍ
حِر َ
قوَ
ب .فإذا ُفِقَد هذا النور من قلب العبد ،ضا َ
ح القل َ
وُيْفِر ُ
ب،
خلَ النور القل َ
وقد روى الترمذى فى جامعه عن النبى صلى ال عليه وسلم ،أنه قال)) :إذا َد َ
عْ
نجاِفى َ
خُلوِد ،والَت َ
ل؟ قال)) :الَناَبُة إلى داِر ال ُ
ل ا ِّ
سو َ
ك َيا ر ُ
لَمُة َذِل َ
عَح(( .قالوا :وما َ
ح وانشر َ
سَاْنَف َ
ل ُنزوله(( .فُيصيب العبد من انشراح صدره بحسب نصيبه من هذا
ت َقْب َ
سِتْعداُد للَمْو ِ
َداِر الُغُروِر ،وال ْ
ح الصدر ،وهذه ُتضّيقه .
سية ،هذه تشر ُ
حّسى ،والظلمُة ال ِ
حّالنور ،وكذلك النوُر ال ِ
ضيق
ل يورثه ال ّ
سعه حتى يكون َأوسَع من الدنيا ،والجه ُ
ومنها :العلم ،فإنه يشرح الصدر ،ويو ّ
علم ،بل للعلم
صر والحبس ،فكلما اّتسع علُم العبد ،انشرح صدره واتسع ،وليس هذا لكل ِ
ح ْ
وال َ
ح الناس صدرًا ،وأوسعهم
الموروث عن الرسول صلى ال عليه وسلم وهو العلُم النافع ،فأهُله أشر ُ
سنهم أخلقًا ،وأطيُبهم عيشًا .
قلوبًا ،وأح ُ
ل عليه ،والتنّعم بعبادته ،فل
ل القلب ،والقبا ُ
ل سبحانه وتعالى ،ومحبُته بك ّ
ومنها :النابة إلى ا ّ
ت فى الجنة فى مثل هذه الحالة ،فإنى
ل أحيانًا :إن كن ُ
ح لصدر العبد من ذلك .حتى إنه ليقو ُ
شىء أشر ُ
ب النفس ،ونعيم القلب ،ل يعرفه
ب فى انشراح الصدر ،وطي ِ
إذًا فى عيش طيب .وللمحبة تأثيٌر عجي ٌ
12
ض
وسجنًا وانطلقًا ،ول عبرَة بانشراح صدر هذا لعارض ،ول بضيق صدِر هذا لعارض ،فإن العواِر َ
صفة التى قامت بالقلب ُتوجب انشراحه وحبسه ،فهى
ل على ال ّ
ل بزوال أسبابها ،وإنما المعّو ُ
تزو ُ
ل المستعان .
الميزان ..وا ّ
ب من الصفات المذمومة التى ُتوجب ضيقه وعذابه،
ل الَقْل ِ
غِج َد َ
ومنها بل من أعظمها :إخرا ُ
ج تلك
ح صدره ،ولم ُيخِر ْ
ل بينه وبين حصول الُبرء ،فإن النسان إذا أتى السباب التى تشر ُ
وتحو ُ
ظ ِمن انشراح صدره بطائل ،وغايته أن يكون له مادتان تعتِوَرا ِ
ن ف المذمومة من قلبه ،لم يح َ
الوصا َ
على قلبه ،وهو للمادة الغالبة عليه منهما .
ل النظر ،والكلم ،والستماع ،والمخالطِة ،والكل ،والنوم ،فإن هذه الفضو َ
ل ك فضو ِ
ومنها :تر ُ
ب عذا ِ
ب ب بها ،بل غاِل ُ
صُره ،وتحِبسه ،وتضّيقُه ،ويتعّذ ُ
ل آلمًا وغمومًا ،وهمومًا فى القلب ،تح ُ
تستحي ُ
ق صَدر َمن ضرب فى كل آفٍة من هذه الفات بسهم ،وما
ل ما أضي ُ
الدنيا والخرة منها ،فل إله إل ا ُّ
ن ضرب فى كل
ش َم ْ
ل ،ما أنعَم عي َ
شه ،وما أسوأ حاله ،وما أشّد حصَر قلبه ،ول إله إل ا ّ
أنَكَد عي َ
خصلٍة من تلك الخصال المحمودة بسهم ،وكانت همّته دائرًة عليها ،حائمًة حولها ،فلهذا نصيب وافر
َ
لْبَراَر َلِفى َنِعيم{ ]النفطار [13 :ولذلك نصيب وافر من قوله تعالى } :وإ ّ
ن نا َ
ن قوله تعالى} :إ ّ
ِم ْ
ل تبارك وتعالى .
ب متفاوتة ل ُيحصيها إل ا ّ
حيٍم { ]النفطار [14 :وبينهما مرات ُ
جِجاَر َلِفى َ
الُف ّ
صل بها
ل صفة يح ُ
ل الخلق فى ك ّ
ل صلى ال عليه وسلم كان أكم َ
لا ّ
والمقصود :أن رسو َ
ل الخلق فى هذا الشرح والحياة،
ع القلب ،وُقّرُة العين ،وحياُة الروح ،فهو أكم ُ
ح الصدر ،واّتسا ُ
انشرا ُ
ل الخلق متابعة له ،أكمُلهم انشراحًا ولّذة وُقّرة
ى ،وأكم ُ
سّ
حّص به من الشرح ال ِ
خ ّ
وُقّرِة العين مع ما ُ
ل العبد من انشراح صدره وُقّرة عينه ،ولّذة روحه ما ينال ،فهو صلى
عين ،وعلى حسب متابعته ينا ُ
ل عليه وسلم فى ُذروة الكمال ِمن شرح الصدر ،ورفع الِذْكر ،ووضع الِوْزر ،ولتباعه من ذلك
ا ّ
ن.
ل المستعا ُ
بحسب نصيبهم من اّتباعه ..وا ّ
عه عنهم ،وإعزازه لهم ،ونصِره
ل لهم ،وعصمِته إياهم ،ودفا ِ
ب من حفظ ا ّ
وهكذا لتباعه نصي ٌ
ل .وَمن وجد غير
ل ومستكِثر ،فَمن وجد خيرًا ،فليحمد ا ّ
لهم ،بحسب نصيبهم من المتابعة ،فمستِق ّ
ن إل نفسه.
ذلك ،فل يلوم ّ
فصل
14
ضه إلى
خر فر ُ
س عن مألوفاِتها وشهواِتها ِمن أشق المور وأصعبها ،تأ ّ
طُم النفو ِ
ولما كان َف ْ
نَ ،فُنقَِلت إليه
س على التوحيد والصلة ،وَأِلَفت أواِمَر القرآ ِ
ت النفو ُ
طَن ِ
وسط السلم بعد الهجرة ،لما تو ّ
بالتدريج .
ل صلى ال عليه وسلم وقد
وكان فرضه فى السنة الثانية من الهجرة ،فتوّفى رسول ا ّ
ل يوم مسكينًا ،ثم ُنِق َ
ل ل على وجه التخيير بينه وبين أن ُيطِعم عن ُك ّ
ض أو ً
صاَم ِتسع رمضانات ،وُفِر َ
ِمن ذلك التخيير إلى تحّتم الصوِم ،وجعل الطعام للشيخ الكبير والمرأة إذا لم ُيطيقا الصياَم ،فإنهما
خص للمريض والمساِفر أن ُيفطرا ويقضيا ،وِللحاِمل
ل يوم مسكينًا ،ور ّ
طران وُيطعمان عن ُك ّ
ُيف ِ
ك ،فإن خافتا على ولديهما ،زادتا مع القضاء إطعام ِمسكين ِلُك ّ
ل ضِع إذا خافتا على أنفسهما َكَذِل َ
واْلُمر ِ
جِبر بإطعام المسكين كفطر الصحيح
صحة ،ف ُ
يوم ،فإن فطرهما لم يكن ِلخوف مرض ،وإنما كان مع ال ّ
فى أّول السلم .
ب ثلث ،إحداها :إيجاُبه بوصف التخيير .
وكان للصوم ُرَت ٌ
ب إلى الليلة
حُرَم عليه الطعاُم والشرا ُ
طَعَم َ
والثانية تحّتمه ،لكن كان الصائُم إذا نام قبل أن َي ْ
ع إلى يوم القيامة .
سخ ذلك بالرتبة الثالثة ،وهى التى استقر عليها الشر ُ
القابلة ،فُن ِ
فصل
ل عليه
ل عليه وسلم فى شهر رمضان ،الكثاُر من أنواع العبادات ،فكان جبري ُ
وكان من َهْديه صلى ا ّ
الصلة والسلم ُيدارسه القرآن فى رمضان ،وكان إذا لقيه جبريل أجوَد بالخير من الريح المرسلة،
وكان أجوَد الناس ،وأجود ما يكون فى رمضانُ ،يْكِثُر فيه ِمن الصدقة والحسان ،وتلوة القرآن،
والصلة ،والّذكِر ،والعتكاف .
ص غيَره به من الشهور ،حتى إنه كان لُيواصل فيه
خ ّ
ن من العبادة بما ل َي ُ
ص رمضا َ
خ ّ
وكان َي ُ
أحيانًا ِلُيَوّفَر ساعات َليِلِه ونهاِره على العبادة ،وكان ينهى أصحاَبه عن الوصال ،فيقولون له إّنك
طِعُمنى َوَيسِْقينى((.
عْنَد َرّبى ُي ْ
ل ِ
ظّت وفى رواية :إّنى َأ َ
ت َكَهْيَئِتُكم إّنى َأِبي ُ
س ُ
ُتواصل ،فيقولَ)) :ل ْ
ن على قولين:
س فى هذا الطعام والشراب المذكوَرْي ِ
وقد اختلف النا ُ
ب للعُدول عنها .
ج َ
سى للفم ،قالوا :وهذه حقيقُة اللفظ ،ول ُمو ِ
حّ
أحدهما :أنه طعاٌم وشراب ِ
16
ل بهم
صال ،فأبوا أن ينتهوا ،واص َ
وأيضًا :فإن النبى صلى ال عليه وسلم لما نهاهم عن الِو َ
عِ
ن ن َيْنَتُهوا َ
ن َأَبْوا َأ ْ
خَر الِهلل ،لِزْدّتكم(( .كالُمنّكل لهم حي َ
يومًا ،ثم يومًا ،ثم رأوا الهلل فقال)) :لو َتَأ ّ
صال .
الِو َ
ستَُ ِمْثَلُكْم أو
ع الُمَتَعّمُقون َتَعّمَقهم ،إّنى َل ْ
ل َيَد ُ
صا ً
صْلنا ِو َ
شْهُر لَوا َ
وفى لفظ آخر)) :لو ُمّد لنا ال ّ
ل،
صًسِقينى(( فأخبر أنه ُيطَعم وُيسَقى ،مع كونه ُموا ِ
طِعُمنى رّبى وَي ْ
ل ُي ْ
ظّسُتم ِمْثلى فإّنى َأ َ
قال :إّنُكم َل ْ
ل ،ول تعجيزًا ،بل ول
جزًا لهم فلو كان يأكل ويشرب ،لما كان ذلك تنكي ً
ل بهم ،مع ّ
وقد فعل فعلهم منّك ً
ل واضح .
ل ،وهذا بحمد ا ّ
صا ً
ِو َ
حر ،وفى
سَلمة ،وأِذن فيه إلى ال ّ
صال رحمة ل ُ
ل صلى ال عليه وسلم عن الِو َ
وقد نهى رسول ا ّ
صلوا
ى صلى ال عليه وسلم يقول)) :ل ُتوا ِ
سِمَع النب ّ
صحيح البخارى ،عن أبى سعيد الخدرى ،أنه َ
حر(( .
سَصل إلى ال ّ
صل َفْلُيَوا ِ
ن ُيوا ِ
َفَأّيُكم أراد أ ْ
صال جائز أو محّرم أو مكروه؟ قيل :اختلف
حكُم هذه المسألة ،وهل الِو َ
فإن قيل :فما ُ
س فى هذه المسألة على ثلثة أقوال:
النا ُ
سَلف ،وكان ابن
ل بن الزبير وغيره من ال َ
أحدها :أنه جائز إن َقَدَر عليه ،وهو مروى عن عبد ا ّ
حجِة أرباب هذا القول ،أن النبى صلى ال عليه وسلم واصل بالصحابة مع
ن ُ
صل اليام ،وِم ْ
الزبير ُيوا ِ
صال وقال:
صال ،كما فى ))الصحيحين(( من حديث أبى هريرة ،أنه نهى عن الِو َ
نهيه لهم عن الِو َ
ل ِبِهْم يومًا ،ثم يومًا ،فهذا ِوصاله بهم بعد نهيه عن
صَت َكَهْيَئِتُكم(( فلما َأَبْوا أن َيْنَتُهوا ،وا َ
))إّنى لس ُ
الِوصال ،ولو كان النهى للتحريم ،لما َأَبْوا أن ينتهوا ،ولما أقّرهم عليه بعد ذلك .قالوا :فلما فعُلوه بعد
ف عنهم ،وقد قالت عائشُة :نهى رسول ا ّ
ل عِلَم أنه أراد الرحمة بهم ،والتخفي َ
نهيه وهو يعَلم وُيِقّرهمُ ،
صلى ال عليه وسلم عن الِوصال رحمة لهم متفق عليه .
وقالت طائفة أخرى :ل يجوز الِوصال ،منهم :مالك ،وأبو حنيفة ،والشافعى ،والثورى ،رحمهم
ن عبد البر وقد حكاه عنهم :إنهم لم ُيجيزوه لحد .
ل ،قال اب ُ
ا ّ
ص على كراهته ،واختلف أصحاُبه ،هل هى كراهة تحريم أو
ل ن ّ
قلت :الشافعى رحمه ا ّ
ى يقتضى التحريم
تنزيه؟ على وجهين ،واحتج المحّرمون بنهى النبى صلى ال عليه وسلم ،قالوا :والنه ُ
.قالوا :وقول عائشة)) :رحمة لهم(( ل يمنع أن يكون للتحريم ،بل ُيؤكده ،فإن ِمن رحمته بهم أن
18
غَماَمٌة
ت َدوَنه َ
حاَل ْ
طروا ِلُرؤيِتِه ،فإن َ
صوُموا ِلٌرْوَيِتِه ،وَأْف ِ
نُ ،
ضا َ
ل َرَم َ
صوُموا َقْب َ
وقال)) :ل َت ُ
فأْكِمُلوا ثلثين(( .
لَ ،أْو
لَ
حّتى َتَرُوا الِه َ
صوُموا َ
حّتى تَرُوا الِهلل ،أْو ُتْكِملوا الِعّدةُ ،ثّم ُ
شْهَر َ
وقال)) :ل َتقّدموا ال ّ
ُتْكِملوا الِعّدة((.
ل عنها:
وقالت عائشة رضى ا ّ
صوُم
ن غيره ،ثم َي ُ
ظ ِم ْ
حّف ُ
ل َيَت َ
ن َما َ
شْعَبا ِ
ل َ
ن ِهل ِ
ظ ِم ْ
ل صلى ال عليه وسلم يتحّف ُ
لا ّ
ن رسو ُ
))كا َ
صام(َ( صححه الدارقطنى وابن حبان .
ن َيْومًاُ ،ثّم َ
ن َثلثي َ
شْعَبا َ
عّد َ
عَلْيِهَ ،
غّم َ
ِلُرؤَيِتِه ،فإن ُ
عَلْيُكم ،فاْقُدُروا َثلثين(( .
غّم َ
ن ُ
طروا ِلُرْؤيِته ،فإ ْ
صوُموا لُرْؤيِته ،وَأْف ِ
وقالُ )) :
عَلْيُكم ،فاْقُدُروا َلُه(( .
غمى َ
ن ُأ ْ
حّتى َتَرْوه ،فإ ْ
طُروا َ
حّتى َتَرْوه ،ول ُتْف ِ
صوُموا َ
وقال)) :ل َت ُ
ضان ِبَيوٍمَ ،أْو َيْوَمْين ،إ ّ
ل ى َرَم َ
ن َيَد ْ
ضان(( .وفى لفظ)) :ل َتَقّدُموا َبْي َ
وقال)) :ل َتَقّدُموا َرَم َ
صْمُه(( .
صَيامًا َفْلَي ُ
صوَم ِ
ل كان َي ُ
جًَر ُ
صوُموا َقْب َ
ل ث ابن عباس يرفعه)) :ل َت ُ
ل فى هذا النهى ،حدي ُ
والدليل على أن يوَم الغمام داخ ٌ
ن(( ذكره ابن حبان
ت ُدوَنُه غََماَمٌة ،فَأْكِمُلوا َثلِثي َ
حاَل ْ
طُروا ِلُرْؤَيِتِه ،فإن َ
صوُموا ِلُرْؤَيِتِه ،وَأْف ِ
َرَمضانُ ،
فى صحيحه.
ل رمضان .
ل ثلثين صوٌم َقْب َ
فهذا صريح فى أن صوَم يوم الغمام ِمن غير ُرؤية ،ول إكما ِ
لَ ،أْو
حّتى َتَرُوا الِهل َ
طُروا َ
لَ ،أْو ُتْكِمُلوا الِعّدة ،ول ُتْف ِ
ن َتَرُوا الِهل َ
ل َأ ْ
شْهَر إ ّ
وقال)) :ل َتَقّدُموا ال ّ
ُتْكِمُلوا الِعّدَة(( .
حابَ ،فَأْكِمُلوا الِعّدة َثلثين،
سَ
ل َبْيَنُكم َوَبْيَنُه َ
حا َ
ن َ
طُروا ِلُرْؤَيِتِه ،فإ ْ
صوُموا ِلُرْؤَيِتِه ،وَأْف ِ
وقالُ )) :
ل(( .
سِتْقَبا ً
شْهَر ا ْ
سَتْقِبُلوا ال ّ
ول َت ْ
)يتبع(...
قال الترمذى :حديث حسن صحيح . @
صوُموا
سماك ،عن عكرمة ،عن ابن عباس يرفعه)) ُ
وفى النسائى :من حديث يونس ،عن ِ
صوُموا َقْبَله َيْومًا ،فإن
صوُموا ،ول َت ُ
عَلْيُكمَ ،فُعّدوا َثلثين َيْومًاُ ،ثّم ُ
غّم َ
ن ُ
طُروا ِلُرْؤَيِتِه ،فإ ْ
ِلُرْؤَيِتِه ،وَأْف ِ
شْعَبان(( .
عّدَة َ
بَ ،فَأْكِمُلوا الِعّدة ِ
حا ٌ
سَحال َبْيَنُكم وبينه َ
َ
21
ب أو َقَتر أصبح
ب ول قتر ،أصبح مفطرًا ،وإن حال دون منظره سحا ٌ
ل دون منظره سحا ٌ
حَْير ،ولم َي ُ
صائمًا .
ل عنه :فقال المام أحمد :حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ،حدثنا
وأما الرواية عن أنس رضى ا ّ
س من الناس ،فأتينا أن َ
س ت الِهلل إما الظهَر ،وِإما قريبًا منه ،فأفطر نا ٌ
يحيى بن أبى إسحاق قال :رأي ُ
ك ،فأخبرناه برؤية الهلل وبإفطار َمن أفطر ،فقال :هذا اليوم يكمل لى أحد وثلثون يومًا ،وذلك
بن ماِل ٍ
ت وأنا
ف عليه ،فصم ُ
ت الخل َ
ل صيام الناس :إنى صائم غدًا ،فكره ُ
ى قب َ
لن الحكم بن أيوب ،أرسل إل ّ
ُمِتّم يومى هذا إلى الليل .
وأما الرواية عن معاوية ،فقال أحمد :حدثنا المغيرة ،حدثنا سعيد بن عبد العزيز ،قال :حدثنى
صوَم يومًا ِم ْ
ن حْلَبس ،أن معاوية ابن أبى سفيان كان يقول :لن َأ ُ
مكحول ،ويونس بن ميسرة بن َ
ن رمضان .
طَر يومًا ِم ْ
ى من أن ُأْف ِ
ب إل ّ
ن ،أح ّ
شعبا َ
وأما الروايُة عن عمرو بن العاص .فقال أحمد :حدثنا زيُد بن الحباب ،أخبرنا ابن لهيعة ،عن
وأما شك فيه من رمضان
ل بن ُهَبْيَرَة ،عن عمرو بن العاص ،أنه كان يصوُم اليوَم الذى ُي َ
عبد ا ّ
الرواية عن أبى ُهريرة ،فقال :حدثنا عبُد الرحمن بن مهدى ،حدثنا معاويُة بن صالح ،عن أبى مريم
ى من أن
ن بيوم ،أحبّ إل ّ
ضا َ
صْوِم َرَم َ
جل فى َ
ت أبا ُهريرة يقول :لن أتع ّ
مولى أبى ُهريرة قال :سمع ُ
خرت فاَتنى .
ت لم َيُفْتنى ،وإذا تأ ّ
جْل ُ
أتأخر ،لنى إذا َتَع ّ
ل عنها ،فقال سعيُد بن منصور :حدثنا أبو عوانة عن يزيد بن
وأما الرواية عن عائشة رضى ا ّ
صوم
خمير ،عن الرسول الذى أتى عائشة فى اليوم الذى ُيشك فيِه من رمضان قال :قالت عائشة :لن َأ ُ
ُ
ن.
ضا َ
ن َرَم َ
طَر يومًا ِم ْ
ن ُأْف ِ
ى ِمن َأ ْ
ب إل ّ
ن ،أح ّ
شْعَبا َ
َيْومًا ِمن َ
ل عنهما ،فقال سعيد أيضًا :حدثنا يعقوب بن عبد
وأما الرواية عن أسماء بنت أبى بكر رضى ا ّ
ل رمضان إل كانت أسماُء
غّم هل ُ
الرحمن ،عن هشام بن عروة ،عن فاطمة بنت المنذر قالت :ما ُ
متقّدمًة بيوم ،وتأُمُر بتقّدمه .
وقال أحمد :حدثنا روح بن عبادة ،عن حماد بن سلمة ،عن هشام بن عروة ،عن فاطمة ،عن
أسماء ،أنها كانت تصوُم اليوم الذى ُيشك فيه من رمضان .
وكل ما ذكرناه عن أحمد ،فمن مسائل الفضل بن زياد عنه .
23
غّم عليكم ،فاْقُدُروا له ثلثين يومًا(( .ورواه ابن أبى رّواد ،عن
ن ُ
صوموا ،وإذا رأيُتُموه فأفطروا ،فإ ْ
ف ُ
غّم عليكم ،فأْكِمُلوا الِعّدة َثلثين(( .
ن ُ
نافع عنه)) :فإ ْ
ل عن نافع عنه)) :فاْقُدُروا َله(( .فدل على أن ابن عمر ،لم يفهم من الحدي ِ
ث وقال مالك وعبيد ا ّ
وجوب إكمال الثلثين ،بل جوازه ،فإنه إذا صام يوَم الثلثين ،فقد أخذ بأحد الجائزين احتياطًا ،ويدل
ل عنه ،لو َفِهم من قوله صلى ال عليه وسلم)) :اْقُدُروا له تسعًا وعشرين ،ثم
على ذلك ،أنه رضى ا ّ
صُر على صومه
صوُموا(( كما يقوُله الموجبون لصومه ،لكان يأمر بذلك أهَله وغيرهم ،ولم يكن يقت ِ
ُ
فى خاصة نفسه ،ول يأمر به ،ولبّين أن ذلك هو الواجب على الناس.
صوُموا
ل عليه وسلم)) :ل َت ُ
ج بقوله صلى ا ّ
ل عنه ،ل ُيصومه ويحت ّ
وكان ابن عباس رضى ا ّ
عَلْيُكم ،فَأْكِمُلوا الِعّدَة ثلثين(( .
غّم َ
ن ُ
حّتى َتَرْوُه ،فإ ْ
طُروا َ
ل ،ول ُتْف ِ
لَحّتى َتَرُوا الِه َ
َ
سرًا لحديث ابن عمر،
وذكر مالك فى موطئه هذا بعد أن ذكر حديث ابن عمر ،كأنه جعله مف ّ
وقوله)) :فاْقُدُروا َله(( .
ل صلى ال
ت ممن يتقدم الشهر بيوم أو يومين ،وقد قال رسول ا ّ
وكان ابن عباس يقول :عجب ُ
ن(( كأنه ُينِكُر على ابن عمر .
ل َيْوَمْي ِ
ن ِبَيْوٍم َو َ
ضا َ
عليه وسلم)) :ل َتَقّدُموا َرَم َ
وكذلك كان هذان الصاحبان المامان ،أحدهما يميل إلى التشديد ،والخر إلى
ل بن عمر :كان يأخذ من التشديدات بأشياء ل ُيوافقه عليها
الترخيص ،وذلك فى غير مسألة .وعبد ا ّ
سح رأسه ،أفرَد ُأذنيه
ى من ذلك ،وكان إذا م َ
عِم َ
ل داخل عينيه فى الوضوء حتى َ
سُالصحابة ،فكان يغ ِ
بماٍء جديد ،وكان يمنُع ِمن دخول الحّمام ،وكان إذا دخله ،اغتسل منه ،وابن عباس :كان يدخل الحّمام،
وكان ابن عمر يتيمم بضربتين :ضربٍة للوجه ،وضربٍة لليدين إلى المرفقين ،ول يقتصر على ضربة
ن عمر
واحدة ،ول على الكّفين ،وكان ابن عباس ُيخالفه ،ويقول :التيمم ضربة للوجه والكّفين ،وكان اب ُ
ن عباس
يتوضأ من ُقبلة امرأته ،وُيفتى بذلك ،وكان إذا قّبل أولده ،تمضمض ،ثّم صّلى ،وكان اب ُ
ت ريحانًا .
شَمْم ُ
يقول :ما أبالى قّبلُتها أو َ
ن عليه صلًة وهو فى أخرى أن ُيتّمها ثم ُيصلى الصلة التى ذكرها ،ثم
وكان يأمر َمن ذكر أ ّ
صلى فى ذلك حديثًا مرفوعًا فى مسنده والصواب:
ُيعيد الصلة التى كان فيها ،وروى أبو يعلى الَمْو ِ
ى عن ابن عمر مرفوعًا ول يصح ،قال :وقد رو َ
ى أنه موقوف على ابن عمر .قال البيهقى :وقد رو َ
25
ف بما
ف العبد اعتقاد كونه من رمضان قطعًا ،مع شّكه هل هو منه ،أم ل؟ تكلي ٌ
الشك فيه قطعًا ،وتكلي ُ
ل أعلم .
ق بين المتماثلين ،وا ّ
ل ُيطاق ،وتفري ٌ
فصل فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى قبول شهادة الرؤية
صْوِم بشهادِة الرجل الواحد المسلم،
ل عليه وسلم أمُر الناس بال ّ
وكان من َهْديه صلى ا ّ
جهم منه بشهادة اثنين وكان من َهْديه إذا شهد الشاهدان برؤية الهلل بعد خروج وقت العيد ،أن
وخرو ِ
طَر ،ويأمَرهم بالِفطر ،وُيصّلى العيد من الغد فى وقتها.
ُيْف ِ
ب فى
غ ُ
خُره ،وُير ّ
سحور ويؤ ّ
ث على ال ّ
ح ّ
حُر ،وي ُ
ض عليه ،ويتس ّ
ل الفطر ،ويح ّ
جُوكان ُيع ّ
تأخيره .
ض على الفطر بالتمر ،فإن لم يجد ،فعلى الماء ،هذا من كمال شفقته
وكان يح ّ
خُلّو المعَدة ،أدعى إلى قبوله ،وانتفاع الُقوى
حهم ،فإن إعطاء الطبيعة الشئ الحلو مع ُ
على ُأمته وُنص ِ
ت،
به ،ول سيما القوَة الباصرَة ،فإنها تقوى به ،وحلوُة المدينة التمُر ،ومرباهم عليه ،وهو عندهم قو ٌ
ع يبس .فإذا رطبت بالماء ،كمل
صْوم نو ُ
صل لها بال ّ
طُبه فاكهة .وأما الماء ،فإن الَكِبَد يح ُ
وُأْدٌم ،وُر َ
عها بالغذاء بعده ،ولهذا كان الولى بالظمآن الجائع ،أن يبدأ قبل الكل بشرب قليل من الماء ،ثم
انتفا ُ
طّباُء
ل بعده ،هذا مع ما فى التمر والماء من الخاصية التى لها تأثير فى صلح القلب ل يعلُمها إل َأ ِ
يأُك َ
القلوب .
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الفطر
طُره على رطبات إن وجدها ،فإن لم
ى ،وكان ِف ْ
طر قبل أن ُيصّل َ
ل عليه وسلم ُيْف ِ
وكان صلى ا ّ
ت من ماٍء.
يجدها ،فعلى تمرات ،فإن لم يجد ،فعلى حسوا ٍ
عند فطره)) :الّلُهّم َلك صمت
ل عليه وسلم ،أنه كان يقول ِ
وُيذكر عنه صلى ا ّ
وعلي رزقك أفطرت((
ت((ذكره أبو داود عن معاذ بن
طْر ُ
ك أْف َ
عَلى ِرْزِق َ
توَ
صْم ُ
ك ُ
وروي عنه أيضًا ،أنه كان يقول)) :الّلُهّم َل َ
زهرة ،أنه بلغه ،أن النبى صلى ال عليه وسلم كان يقول ذلك.
27
جُر إن شاء ا ّ
ل ت ال ْ
ق ،وَثَب َ
ت الُعرو ُ
ظَمُأ ،واْبَتّل ِ
ب ال ّ
وروى عنه ،أنه كان يقول ،إذا أفطرَ)) :ذَه َ
تعالى(( ذكره أبو داود من حديث الحسين بن واقد ،عن مروان بن سالم المقفع ،عن ابن عمر.
عَوًة ما ُتَرّد(( .رواه ابن ماجه.
طِره َد ْ
عْنَد ِف ْ
صائم ِ
ل عليه وسلم)) :إن لل ّ
وُيذكر عنه صلى ا ّ
طَر
ن ههناَ ،فقَْد َأْف َ
ن َهاهنا ،وَأْدَبَر الّنَهاُر ِم ْ
ل ِم ْ
ل الّلْي ُ
وصح عنه أنه قال)) :إذا َأْقَب َ
ت ِفطره ،كأصبح وأمسى ،ونهى
سَر بَأنه قد أفطر حكمًا ،وإن لم ينوه ،وبأنه قد دخل وق ُ
صاِئُم(( .وُف ّ
ال ّ
سباب ،فأمره أن يقول لمن ساّبه)) :إّنى صائم((،
ب ال ّ
سباب وجوا ِ
خب وال ّ
صَالصاِئم عن الّرَفث ،وال ّ
فقيل :يقوله بلسانه وهو أظهُر ،وقيل :بقلبه تذكيرًا لنفسه بالصوم ،وقيل :يقوله فى الفرض بلسانه ،وفى
التطوع فى نفسه ،لنه أبعد عن الرياء .
فصل
فى الصوم فى السفر
ل صلى ال عليه وسلم فى رمضان ،فصام وأفطر ،وخّيَر الصحابة بين
وسافر رسول ا ّ
المرين .
ضر
ح َ
ل هذا فى ال َ
ن عدوهم ِليتقّوْوا على قتاِلِه فلو اتفق مث ُ
وكان يأمرهم بالفطر إذا َدَنْوا ِم ْ
ل :أن لهم ذلك وهو
حُهما دلي ً
وكان فى الفطر ُقوة لهم على لقاء عدّوهم ،فهل لهم الفطر؟ فيه قولن ،أص ّ
ب أن الِفطر لذلك
اختياُر ابن تيمية ،وبه أفتى العساكر السلمية لّما َلُقوا العدّو بظاهر دمشق ،ول ري َ
أولى ِمن الفطر لمجرد السفر ،بل إباحُة الفطر للمسافر تنبيٌه على إباحته فى هذه الحالة ،فإنها أح ّ
ق
ص بالمسافر ،والقوة هنا له وللمسلمين ،ولن مشقة الجهاد أعظُم ِمن
بجوازه ،لن القوة هناك تخت ّ
مشقة السفر ،ولن المصلحة الحاصَلة بالفطر للمجاهد أعظُم من المصلحة بفطر المسافر ،ولن ا ّ
ل
ن ُقّوٍة{ ]النفال .[60 :والِفطُر عند اللقاء ،من أعظم أسباب
طْعُتم ّم ْ
سَت َ
عّدوا َلُهم ّما ا ْ
تعالى قال} :وَأ ِ
القوة .
ل به مقصوده ،إل بما
سَر القوة ،بالرمى وهو ل َيِتّم ول يحص ُ
والنبى صلى ال عليه وسلم قد ف ّ
ُيقوى ويعين عليه من الفطر والغذاء ،ولن النبى صلى ال عليه وسلم قال للصحابة لما دنوا من
خَر َفَقال:
لآ َ
صًةُ ،ثّم َنَزُلوا َمْنِز ً
خ َ
طر َأْقَوى َلُكم(( .وكانت ُر ْ
عُدّوُكم ،والِف ْ
ن َ
عدوهم)) :إّنُكْم َقْد َدَنْوُتْم ِم ْ
ت عزمًة فأفطرنا ،فعّلل بدنوهم من عدوهم
طُروا(( َفَكاَن ْ
طُر َأْقَوى َلُكمَ ،فَأْف ِ
عُدّوُكم ،والِف ْ
حو َ
صّب ُ
))إّنُكم ُم َ
28
ل بنفسه ،ولم
ب آخُر غير السفر ،والسفُر مستِق ٌ
واحتياجهم إلى القوة التى يلَقْون بها العدّو ،وهذا سب ٌ
يذكره فى تعليله ،ول أشار إليه ،فالتعليل به اعتبارًا لما ألغاه الشارع فى هذا الفطر الخاص ،وإلغاُء
وصف القوة التى ُيقاَوم بها العدو ،واعتباُر السفر المجرد إلغاٌء لما اعتبره الشارع وعّلل به .
حكمته ،يقتضى أن الفطر لجل الجهاد أولى منه لمجرد السفر،
وبالجملة ..فتنبيُه الشارع و ِ
فكيف وقد أشار إلى الِعّلة ،ونّبه عليها ،وصّرح بحكمها ،وعزم عليهم بأن يفطروا لجلها .ويدل عليه،
ل رسول الّ
ن عمر يقول :قا َ
ت اب َ
ما رواه عيسى بن يونس ،عن شعبة ،عن عمرو بن دينار قال :سمع ُ
طُروا(( تابعه سعيد بن الربيع ،عن
ل َفَأْف ِ
ح َمّكة)) :إّنه َيْوُم ِقَتا ٍ
ل عليه وسلم لصحابه َيْوَم َفْت ِ
صلى ا ّ
شعبة ،فعّلل بالقتال ،ورتب عليه المر بالفطر بحرف الفاء ،وكل أحد يفهُم من هذا اللفظ أن الفطر
ل صلى ال عليه وسلم يقول فى الفطر:
لا ّ
لجل القتال ،وأما إذا تجّرد السفُر عن الجهاد ،فكان رسو ُ
جَناح عليه .
ب أن يصوم ،فل ُ
ل ،فَمن أخذ بها ،فحسن ،وَمن أح ّ
نا ّ
خصٌَة ِم َ
هى ُر ْ
فصل
جّلها كان فى رمضان.
فى أن أعظم ]الغزوات[ وأ َ
غَزاة بدٍر،
ت وأجّلها فى َ
ل صلى ال عليه وسلم فى رمضان فى أعظم الغزوا ِ
لا ّ
وسافر رسو ُ
غَزاة الفتح .
وفى َ
ل صلى ال عليه وسلم فى رمضان غزوتينَ :يْوَم
لا ّ
قال عمر بن الخطاب)) :غزْوَنا مع رسو ِ
طْرَنا فيِهَما((.
حَ ،فَأْف َ
َبْدٍر ،والفَْت َ
ل صلى ال عليه
لا ّ
ت مع رسو ِ
وأما ما رواه الدارقطنى وغيُره ،عن عائشة قالت :خرج ُ
ل صلى ال عليه وسلم وصمت ،وقصر وأتممت .فغلط،
عمرة فى رمضان فأفطر رسول ا ّ
وسلم فى ُ
ل صلى ال
لا ّ
إما عليها وهو الظهر ،أو منها وأصابها فيه ما أصاب ابن عمر فى قوله :اعتمر رسو ُ
ل صلى ال عليه وسلم إل
لا ّ
ل أبا عبد الرحمن ،ما اعتمَر رسو ُ
عليه وسلم فى رجب فقالت :يرحم ا ُّ
عَمُرُه ُكّلها فى ذى الَقْعَدِة ،وما اعتمر فى رمضان
ط .وكذلك أيضًا ُ
وهو معه ،وما اعتمر فى رجب ق ّ
ط.
قّ
فصل
لم يكن من َهْديه صلى ال عليه وسلم تقدير المسافة التى يفطر فيها الصائم بحد
29
ح عْنُه
حّد ،ول ص ّ
ل عليه وسلم تقديُر المسافِة التى يفطر فيها الصاِئُم ب َ
ولم يكن من َهْديه صلى ا ّ
عْ
نغُبوا َ
ل لمن صاَم :قد َر ِ
سَفِر ثلثِة أميال ،وقا َ
ك شئ .وقد أفطر ِدحيُة بن خليفة الَكْلِبى فى َ
فى َذِل َ
حّمٍد صلى ال عليه وسلم.
َهْدى ُم َ
طُرون ِمن غير اعتبار مجاوزِة الُبيوت،
سفرُ ،يف ِ
وكان الصحابة حين ُينشئون ال ّ
ت مع أبى َبصرة
جْبٍر :رِكْب ُ
عبيد بن َ
ل عليه وسلم ،كما قال ُ
سـّنته وَهْدُيه صلى ا ّ
وُيخبرون أن ذلك ّ
جاِوِز
ن ،فلم ُي َ
ضا َ
ط فى َرَم َ
طا ِ
سَل صلى ال عليه وسلم فى سفينٍة من الُف ْ
لا ّ
الغفارى صاحب رسو ِ
سـّنِة
ت؟ قال أبو بصرة :أترغب عن ّ
ت ترى البيو َ
ت :ألس َ
ب ،قل ُ
سْفَرة .قال :اقتِر ْ
عا بال ّ
حّتى َد َ
ت َ
الُبُيو َ
صرَة من الُفسطاط
ت مع أبى َب َ
ل صلى ال عليه وسلم؟ رواه أبو داود وأحمد .ولفظ أحمد :ركب ُ
لا ّ
رسو ِ
ت ،ثم دعانى إلى الِغذاء وذلك فى
سفرته ،فُقّرَب ْ
ساها ،أمر ب ُ
إلى السكندرية فى سفينة ،فلما َدَنْوَنا ِمن َمْر َ
ل صلى
سـّنة رسول ا ّ
ب عن ّ
ل ما تغّيبت عنا مناِزُلنا بعُد؟ قال :أترغ ُ
صَرة ،وا ّ
ت :يا أبا َب ْ
رمضان .فقل ُ
ن حتى بلغنا .
طِري َ
ل ُمف ِ
ت :ل .قالَ :فُكل .قال :فلم َنَز ُ
ال عليه وسلم؟ فقل ُ
حَلُته،
حَلتْ له را ِ
ن مالك فى رمضان وهو ُيريد سفرًا ،وقد ُر ِ
سبَ
ت أن َ
وقال محمد بن كعب :أتي ُ
ب .قال الترمذى :حديث
سـّنة ،ثم َرِك َ
سـّنة؟ قالّ :
ت لهّ :
ب السفر ،فدعا بطعاٍم فأكل ،فقل ُ
س ِثيا َ
وقد َلِب َ
حسن ،وقال الدارقطنى فيه :فَأكل وقد تقارب غروب الشمس .
وهذه الثار صريحة فى أن َمن أنشأ السفر فى أثناء يوم من رمضان فله الفطر فيه.
فصل
جنبًا وتقبيل الزوجة للصائم
فى الصوم ُ
ل بعد الفجر
سُب من أهله ،فيغت ِ
جن ٌ
ل عليه وسلم أن ُيدركه الفجر وهو ُ
وكان ِمن َهْديه صلى ا ّ
ويصوم.
ل بعض أزواجه وهو صائم فى رمضان وشّبه ُقبلة الصاِئم بالمضمضة بالماء.
وكان ُيقّب ُ
ى صلى ال عليه وسلم ،كان
صَدع بن يحيى ،عن عائشة ،أن النب ّ
وأما ما رواه أبو داود عن ِم ْ
صَدع هذا ،وهو
ضعفه طائفة بِم ْ
ف فيه ،ف ّ
ساَنها .فهذا الحديث ،قد اخُتِل َ
ص ِل َ
صاِئم ،وَيُم ّ
ُيقّبُلها وهو َ
سنه طائفة ،وقالوا :هو ثقة صدوق ،روى له
مختَلف فيه ،قال السعدى :زائغ جائر عن الطريق ،وح ّ
مسلم فى ))صحيحه(( وفى إسناده محمد بن دينار الطاحى البصرى ،مختلف فيه أيضًا ،قال يحيى:
30
ضعيف ،وفى رواية عنه ،ليس به بأس ،وقال غيره :صدوق ،وقال ابن عدى :قوله)) :ويمص
لسانها(( ،ل يقوله إل محمد بن دينار ،وهو الذى رواه ،وفى إسناده أيضًا سعد بن أوس ،مختلف فيه
أيضًا ،قال يحيى :بصرى ضعيف ،وقال غيره :ثقة ،وذكره ابن حبان فى الثقات.
وأما الحديث الذى رواه أحمد ،وابن ماجه ،عن ميمونة مولة النبى صلى ال عليه وسلم ،قالت:
ى صلى ال عليه وسلم عن رجل قّبل امرأته وهما صائمان ،فقال)) :قد أفطر(( فل يصح عن
ل النب ّ
سِئ َ
ُ
ضّنى رواه عن ميمونة ،وهى بنت سعد ،قال
ل صلى ال عليه وسلم ،وفيه أبو يزيد ال ّ
رسول ا ّ
ث منكر ،وأبو
الدارقطنى :ليس بمعروف ،ول يثبت هذا ،وقال البخارى :هذا ل ُأحّدث به ،هذا حدي ٌ
يزيد رجل مجهول.
ق بين الشاب والشيخ ،ولم يجئ من وجه يثبت،
ل عليه وسلم التفري ُ
ح عنه صلى ا ّ
صّول َي ِ
وأجوُد ما فيه ،حديث أبى داود عن نصر بن على ،عن أبى أحمد الزبيرى :حدثنا إسرائيل ،عن أبى
صاِئم،
ل سأل النبى صلى ال عليه وسلم عن المباشرة لل ّ
العنبس ،عن الغّر ،عن أبى ُهريرة ،أن رج ً
خ ،وإذا الذى نهاه شاب .وإسرائيل وإن كان
شْي ٌ
ص له َ
خ َ
ص له ،وأتاه آخُر فسأله فنهاه ،فإَذا الذى ر ّ
خ َ
فر ّ
البخارى ومسلم قد احتجا به وبقية الستة فِعّلة هذا الحديث أن بينه وبين الغّر فيه أبا العنبس العدوى
الكوفى ،واسمه الحارث بن عبيد ،سكتوا عنه.
فصل
فى إسقاط القضاء عمن أكل أو شرب ناسيًا
ل سبحانه
ل وشِرب ناسيًا ،وأن ا ّ
ط القضاِء عمن أك َ
ل عليه وسلم :إسقا ُ
وكان من َهْديه صلى ا ّ
طُر بما فعله ،وهذا
طُر به ،فإنما ُيْف ِ
ب ُيضاف إليهَ ،فَيْف ِ
ل والشر ُ
هو الذى أطعمه وسقاه ،فليس هذا الك ُ
ف بفعل النائم ،ول بفعل الناسى .
شربه فى نومه ،إذ ل تكلي َ
بمنزلة أكِلِه و ُ
فصل
فى الشياء التى يفطر بها الصائم
حجامة
ب ،وال ِ
ل ،والشر ُ
صاِئُم :الك ُ
طُر به ال ّ
ل عليه وسلم :أن الذى ُيْف ِ
والذى صح عنه صلى ا ّ
ح عنه فى
خلف ول َيصِ ّ
شرب ،ل ُيعرف فيه ِ
ع مفطر كالكل وال ّ
جما َ
والقئ ،والقرآن دال على أن ال ِ
الُكحل شئ .
31
ل ،حدثنا وكيع ،عن ياسين الزيات ،عن رجل ،عن أنس ،أن النبى
وقال حنبل :حدثنا أبو عبد ا ّ
ل:
جوُم(( .قال أبو عبد ا ّ
حُجُم والَم ْ
حا ِ
طَر ال َ
صلى ال عليه وسلم احتجم فى رمضان بعد ما قالَ)) :أْف َ
الرجل :أراه ُأبان بن أبى عياش ،يعنى ول ُيحتج به.
ل :روى محمد بن معاوية النيسابورى ،عن أبى عوانة ،عن
وقال الثرم :قلت لبى عبد ا ّ
سدى ،عن
سدى ،عن أنس ،أن النبى صلى ال عليه وسلم ،احتجم وهو صائم ،فأنكر هذا ،ثم قال :ال ّ
ال ّ
جُم والمحجوُم(( غيُر حديث ثابت .
ن هذا .قال أحمد :وفى قوله)) :أفطر الحا ِ
ب ِم ْ
ج َ
أنس ،قلت :نعم َفَع ِ
وقال إسحاق :قد ثبت هذا ِمن خمسة أوجه عن النبى صلى ال عليه وسلم .والمقصود ،أنه لم يصح
عنه صلى ال عليه وسلم أنه احتجم وهو صائم ،ول صح عنه أنه نهى الصائم عن السواك أّول النهار
ول آخره ،بل قد روى عنه خلُفه .
ك(( ،رواه ابن ماجه من حديث مجالد وفيه
سوا ُ
صاِئِم ال ّ
ل ال ّ
صا ِ
خ َ
خْيِر ِ
ن َ
وُيذكر عنهِ)) :م ْ
ضعف.
فصل
فى حكم الكحل للصائم
ل عليه وسلم ،أنه اكتحل وهو صائم ،وُروى عنه ،أنه خرج عليهم فى
وروى عنه صلى ا ّ
صاِئم(( ول
ح ،وروى عنه أنه قال فى الثمدِ)) :لَيّتِقِه ال ّ
صّرمضان وعيناه مملوءتان من الْثِمِد ،ول َي ِ
يصح .قال أبو داود :قال لى يحيى ابن معين :هو حديث منكر .
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى صيام التطوع
صوُم ،وما استكمل
طُر حّتى ُيقال :ل َي ُ
طُر ،وُيْف ِ
صوم حتى ُيقال :ل ُيْف ِ
ل عليه وسلم َي ُ
كان صلى ا ّ
صوم فى شعبان.
صياَم شهر غيَر رمضان ،وما كان يصوُم فى شهر أكثر مما َي ُ
ِ
صوَم ِمنه .
ولم يكن يخُرج عنه شهر حتى َي ُ
صياَمه،
ط ،ول استحب ِ
ض الناس ،ول صام رجبًا ق ّ
صِم الّثلَثة الشهر سردًا كما يفعُله بع ُ
ولم َي ُ
بل ُروى عنه النهى عن صيامه ،ذكره ابن ماجه.
33
وإشكال آخر :وهو أن ابن عباس جعل يوم عاشوراء يوَم التاسع ،وأخبر
صوُموا
ل عليه وسلم ،وهو الذى روى عن النبى صلى ال عليه وسلمُ )) :
أن هكذا كان يصوُمه صلى ا ّ
صوُموا َيْومًا َقْبَلُه َأْو َيْومًا َبْعَدُه(( ذكره أحمد .وهو الذى روى:
خاِلُفوا اليهوَدُ ،
شوَراء ،و َ
عا ُ
َيْوَم َ
شر(( ذكره الترمذى.
شوَراء َيْوَم الَعا ِ
عا ُ
صْوِم َ
ل صلى ال عليه وسلم ب َ
))أمرنا رسول ا ّ
ل وتأييِده وتوفيقه:
فالجواب عن هذه الشكالت بعون ا ّ
ل صلى ال عليه
فإن قيل :من أين لكم أن موسى صامه؟ قلنا :ثبت فى الصحيحين أن رسول ا ّ
ل فيه موسى وقومه ،وأغرق فيه فرعون وقومه ،فصامه
جى ا ّ
وسلم لما سألهم عنه ،فقالوا :يوم عظيم ن ّ
ل صلى ال عليه وسلم:
ل ،فنحن نصومه ،فقال رسول ا ّ
موسى شكرًا ّ
صياِمه ،فلما أقّرهم على ذلك ،ولم ُيكذبهم،
صاَمُه ،وَأمر ب ِ
سى ِمْنُكم((َ .ف َ
ق َوَأْوَلى ِبُمو َ
حّن َأ َ
حُ))َفَن ْ
ل ،فانضّم هذا القدُر إلى التعظيم الذى كان له قبل الهجرة ،فازداد تأكيدًا
عِلَم أن موسى صامه شكرًا ّ
ُ
ل صلى ال عليه وسلم مناديًا ُينادى فى المصار بصومه ،وإمساك َمن كان أكل،
حتى بعث رسول ا ّ
والظاهر :أنه حّتم ذلك عليهم ،وأوجبه كما سيأتى تقريره .
ل صلى ال عليه وسلم ،كان يصوُم َيْوَم عاشوراء
وأما الشكال الثالث :وهو أن رسول ا ّ
ض رمضان تركه ،فهذا ل ُيمكن التخّلص منه إل بأن
ض رمضان ،فلما نزل فر ُ
قبل أن ينِزل َفر ُ
ك وجوب صومه ل استحبابه ،ويتعين هذا ول
صيامه كان فرضًا قبل رمضان ،وحينئذ فيكون المترو ُ
ت إلى َقاِبل
ش ُ
عُْبد ،لنه عليه السلم قال قبل وفاته بعام وقد قيل له إن اليهود يصومونه )) :لِئن ِ
صوُموا َيْومًا َقْبَلُه أو َيْومًا َبْعَدُه(( ،أى :معه ،ول
سَع(( أى :معه ،وقال)) :خاِلفوا اليهوَد َو ُ
ن الّتا ِ
صوَم ّ
ل ُ
َ
ل الكتاب فيما لم يؤمر فيه
ريب أن هذا كان فى آخر المر ،وأما فى أول المر ،فكان ُيحب موافقة أه ِ
بشئ ،فُعِلم أن استحبابه لم ُيترك .
ل بترك استحبابه ،فلم يبق
ويلزم َمن قال :إن صوَمه لم يكن واجبًا أحُد المرين ،إما أن يقو َ
ب صومه،
ل عنه برأيه ،وخفى عليه استحبا ُ
ل بن مسعود رضى ا ّ
حبًا ،أو يقول :هذا قاله عبد ا ّ
ُمست َ
وهذا بعيد ،فإن النبى صلى ال عليه وسلم حّثهم على صيامه ،وأخبر أن صومه ُيكّفر السنة الماضية،
صيامه إلى حين وفاته ،ولم ُيْرَو عنه حرف واحد بالنهى عنه وكراهة صومه،
واستمر الصحابُة على ِ
ك وجوُبه ل استحبابه .
فُعِلَم أن الذى ُتِر َ
فإن قيل :حديث معاوية المتفق على صحته صريح فى عدم فرضيته ،وأنه لم ُيفرض قط،
فالجواب :أن حديث معاوية صريح فى نفى استمرار وجوبه ،وأنه الن غيُر واجب ،ول ينفى وجوبًا
ل لم يكتْبه علينا .
خ وجوُبه :إن ا ّ
سَمتقدمًا منسوخًا ،فإنه ل يمتِنُع أن يقال لما كان واجبًا ،وُن ِ
وجواب ثان :أن غايته أن يكون النفى عامًا فى الزمان الماضى والحاضر ،فُيخص بأدلة
الوجوب فى الماضى ،وترك النفى فى استمرار الوجوب .
37
قال ابن القطان :هو كما ذكر ضعيف ،ول ُيعرف حال محمد بن عمر ،وذكر حديثه هذا عن أم سلمة
فى صيام يوم السبت والحد ،وقال :سكت عنه عبد الحق مصححًا له ،ومحمد بن عمر هذا ،ل ُيعرف
سنًا .وا ّ
ل ل بن محمد بن عمر ،ول ُيعرف أيضًا حاله ،فالحديث أراه ح َ
حاله ،ويرويه عنه ابنه عبد ا ّ
أعلم .
صّماء ،أن النبى
سلمى ،عن أخته ال ّ
ل بن ُبسر ال ّ
وقد روى المام أحمد وأبو داود ،عن عبد ا ّ
ل ِلحاَء
حُدُكم إ ّ
جد َأ َ
ن َلْم َي ِ
ض عليكم ،فإ ْ
ل فيما افُتِر َ
تإ ّ
سْب ِ
صوُموا َيْوم ال ّ
صلى ال عليه وسلم قال)) :ل َت ُ
ضْغه(( .
جَرٍة َفْلَيْم َ
شَ
عوَد َ
عَنَبٍة َأْو ُ
ِ
ل بن
ل :هذا كذب ،يريد حديث عبد ا ّ
فاختلف الناس فى هذين الحديثين .فقال مالك رحمه ا ّ
ُبسر ،ذكره عنه أبو داود ،قال الترمذى :هو حديث حسن ،وقال أبو داود :هذا الحديث منسوخ ،وقال
طِرب ،وقال جماعة من أهل العلم :ل تعاُرض بينه وبين حديث أّم سلمة ،فإن
النسائى :هو حديث مض َ
النهى عن صومه إنما هو عن إفراده ،وعلى ذلك ترجم أبو داود ،فقال :باب النهى أن ُيخص يوَم
صيامه ،إنما هو مع يوم الحد .قالوا
ث ِ
السبت بالصوم ،وحدي ُ
:ونظيُر هذا أنه نهى عن إفراد َيْوِم الجمعة بالصوم ،إل أن َيصوَم يومًا قبله أو يومًا بعده،
ع تعظيم له ،فهو موافقة لهل الكتاب فى
وبهذا يزول الشكال الذى ظنه َمن قال :إن صومه نو ُ
تعظيمه ،وإن تضمن مخالفتهم فى صومه ،فإن التعظيم إنما يكون إذا ُأِفرَد بالصوم ،ول ريب أن
ل أعلم .
الحديث لم يجئ بإفراده ،وأما إذا صامه مع غيره ،لم يكن فيه تعظيٌم .وا ّ
فصل
لم يكن من َهْديه صلى ال عليه وسلم سرد الصوم وصيام الدهر
صاَم
ن َ
ل عليه وسلم سرُد الصوم وصيام الدهر ،بل قد قالَ)) :م ْ
ولم يكن من َهْديه صلى ا ّ
ن صاَم الياَم المحّرمة ،فإنه ذكر ذلك جوابًا لمن قال:
صاَم ول َأْفطر(( .وليس مراُده بهذا َم ْ
الّدْهَر ل َ
صاَم الّدْهر؟ ول ُيقال فى جواب من فعل المحّرم :ل صاَم ول َأْفطر ،فإن هذا ُيؤذن بأنه
ن َ
ت َم ْ
أرأي َ
ل عليه ِمن الصيام،
طُره وصوُمه ل ُيَثاب عليه ،ول ُيعاَقب ،وليس كذلك َمنْ فعل ما حّرم ا ّ
سواٌء ِف ْ
فليس هذا جوابًا مطابقًا للسؤال عن المحّرم من الصوم ،وأيضًا فإن هذا عند َمن استحب صوم الدهر قد
42
فعل مستحبًا وحرامًا ،وهو عندهم قد صام بالنسبة إلى أيام الستحباب ،وارتكب محّرمًا بالنسبة إلى
طر(( فتنزيل قوله على ذلك غلط ظاهر .
صاَم ول َأْف َ
ل منهما ل ُيقال)) :ل َ
أيام التحريم ،وفى ك ّ
وأيضًا فإن أيام التحريم مستثناٌة بالشرع ،غيُر قابلة للصوم شرعًا ،فهى بمنزلة الليل شرعًا،
وبمنزلة أّياِم الحيض ،فلم يكن الصحابُة ِليسألوه عن صومها ،وقد علموا عدم قبولها للصوم ،ولم يكن
طر(( ،فإن هذا ليس فيه بيان للتحريم .
صام ول َأْف َ
ِلُيجيبهم لو لم يعلموا التحريم بقوله)) :ل َ
ل.
ب إلى ا ّ
ل من صوم الدهر ،وأح ّ
فَهْدُيه الذى ل شك فيه ،أن صياَم يوم ،وِفطَر يوٍم أفض ُ
ب إلى الّ
وسرد صيام الدهر مكروه ،فإنه لو لم يكن مكروهًا ،لزم أحُد ثلثة أمور ممتنعة :أن يكون أح ّ
ح ّ
ب ن َأ َ
من صوم يوم وفطر يوم ،وأفضل منه ،لنه زيادة عمل ،وهذا مردود بالحديث الصحيح)) :إ ّ
صياُم داُوَد(( ،وإنه ل أفضل منه ،وإما أن يكون مساويًا له فى الفضل وهو ممتنع
ل ِ
صيام إلى ا ِّ
ال ّ
ب فيه ،ول كراهة ،وهذا ممتنع ،إذ ليس هذا
ى الطرفين ل استحبا َ
أيضًا ،وإما أن يكون مباحًا متساو َ
ل أعلم .
ن العبادات ،بل إما أن تكون راجحًة ،أو مرجوحة ..وا ّ
شأ َ
شّوال،
ن َ
سّتَة أّياٍم ِم ْ
ن ،وَأْتَبَعُه ِ
ضا َ
صاَم َرَم َ
ن َ
ى صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
فإن قيل :فقد قال النب ّ
صْوَم الّدهِْر(( ،وذلك
ل َ
ك َيْعِد ُ
ن ذِل َ
صاَم الّدْهَر(( .وقال فيمن صام ثلثة أيام من كل شهر)) :إ ّ
َفكَأّنَما َ
ل به ،وأنه أمٌر مطلوب ،وثواُبه أكثُر من ثواب الصائمين،
عِد َ
ل مما ُ
ن صوم الدهر أفض ُ
يدل على أ ّ
ن صام هذا الصيام .
شّبه به َم ْ
حتى ُ
ل عن استحبابه ،وإنما يقتضى
س هذا التشبيه فى المر المقّدر ،ل يقتضى جوازه فض ً
قيل :نف ُ
حبًا ،والدليل عليهِ ،من نفس الحديث ،فإنه جعل صيام ثلثِة أياٍم من كل
التشبيه به فى ثوابه لو كان مست َ
ب َمن صام ثلثمائة
صل له ثوا ُ
شهر بمنزلة صياِم الدهر ،إذ الحسنُة بعشر أمثالها ،وهذا يقتضى أن يح ُ
ل هذا الثواب على تقدير مشروعية
ن المراَد به حصو ُ
وستين يومًا ،ومعلوم أن هذا حراٌم قطعًاَ ،فُعِلَم أ ّ
ل مع صيام رمضان
صيام ثلثمائة وستين يومًا ،وكذلك قوُله فى صيام ستِة أيام من شوّال ،إنه َيْعِد ُ
شُر َأْمَثاِلَها{ ]النعام ،[160 :فهذا صياُم ستة وثلثين يومًا،
عْسَنِة َفَلُه َ
حَجاَء ِبال َ
ن َ
السنة ،ثم قرأَ} :م ْ
ل المشّبه
ل هذا فيما يمتنع فع ُ
ئ مث ُ
صيام ثلثمائة وستين يومًا ،وهو غيُر جائز بالتفاق ،بل قد يج ُ
تعِدل ِ
ل ،وإنما شّبه به َمن فعل ذلك على تقدير إمكانه ،كقوله لمن سأله عن عمل يعِدل
به عادة ،بل يستحي ُ
طَر((؟ ومعلوم أن هذا
صوَم ول ُتْف ِ
الجهاد)) :هل تستطيع إذا خرج المجاهُد أن تقوَم ول َتْفُتر ،وأن َت ُ
43
ل ،قال النسائىُ :زميل ليس بالمشهور ،وقال البخارى :ل ُيعرف لُزميل سماع من عروة ،ول
موصو ً
جة .
حّليزيد بن الهاد من ُزميل ،ول تقوم به ال ُ
طْر ،كما دخل
وكان صلى ال عليه وسلم إذا كان صائمًا ونزل على قوم ،أتّم صيامه ،ولم ُيْف ِ
صاِئم(( .
عاِئه ،فإّنى َ
سَقاِئه ،وَتْمَرُكم فى ِو َ
سْمَنُكم فى ِ
عيدوا َ
سَليٍم ،فأتته بتمر وسمن ،فقالَ)) :أ ِ
على أم ُ
ن أّم سَُليم كانت عنده بمنزلة أهل بيته ،وقد ثبت عنه فى ))الصحيح(( :عن أبى هريرة رضى ا ّ
ل ولك ّ
صاِئم(( .
ل :إّنى َ
حُدُكم إلى طعام َوُهَو صاِئٌم َفْلَيُق ْ
ى َأ َ
عَعنه)) :إذا ُد ِ
)يتبع(...
ل عنها ترفُعه
ى عن عائشة رضى ا ّ
ى ،والبيهق ّ
ن ماجه ،والترمذ ّ
ث الذى رواه اب ُ
وأما الحدي ُ @
ل بإْذِنِهْم(( ،فقال الترمذى :هذا الحديث منكر ،ل
طّوعًا إ ّ
ن َت َ
صوَم ّ
ل َي ُ
عَلى َقْوٍمَ ،ف َ
ل َ
ن َنَز َ
َ)) :م ْ
عروة .
ن ُ
ث عن ِهشام ب ِ
نعرف أحدًا من الثقات روى هذا الحدي َ
فصل
فى كراهة تخصيص يوم الجمعة بالصوم
ل،
ل منه وقو ً
صوِم ِفع ً
جْمَعِة بال ّ
ص يوِم ال ُ
ل عليه وسلم ،كراهُة تخصي ِ
وكان من َهْديه صلى ا ّ
جويرية بنت الحارث،
ل ،وأبى هريرة ،و ُ
صوم ،من حديث جابر بن عبد ا ّ
ى عن إفراده بال ّ
فصح النه ّ
جنادة الزدى وغيرهم ،وشرب يوَم الجمعة وهو على المنبرُ ،يريهم أنه ل
ل بن عمرو ،و ُ
وعبد ا ّ
يصوُم يوَم الجمعة ،ذكره المام أحمد ،وعلل المنع من صومه بأنه يوُم عيد ،فروى المام أحمد ،من
جَعُلوا َيْوَم
ل َت ْ
عيٍدَ ،ف َ
جْمَعِة َيْوُم ِ
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :يْوُم ال ُ
حديث أبى هريرة ،قال :قال رسول ا ّ
صوُموا َقْبَله َأْو َبْعَده(( .
ن َت ُ
ل َأ ْ
صياِمُكم إ ّ
عيِدُكم َيْوَم ِ
ِ
فإن قيل :فيوُم العيد ل ُيصام مع ما قبله ول بعده .قيل :لما كان يوُم الجمعة مشّبهًا بالعيد ،أخذ
ن قد تحّراه ،وكان حكُمه حكَم
من شبهه النهى عن تحّرى صياِمه ،فإذا صاَم ما قبله أو ما بعده ،لم يُك ْ
صوم الشهر ،أو العشر منه ،أو صوم يوٍم ،وفطر يوم ،أو صوم يوم عرفة وعاشوراء إذا وافق يوَم
جمعة ،فإنه ل ُيكره صوُمه فى شئ من ذلك .
45
ل صلى ال عليه
ل بن مسعود؟ قال ))ما رأيت رسول ا ّ
فإن قيل :فما تصنعون بحديث عبد ا ّ
جُمَعِة(( رواه أهل السنن .قيل :نقبله إن كان صحيحًا ،ويتعّين حمُله على صومه
طر فى َيْوِم ال ُ
وسلم ُيف ِ
مع ما قبله أو بعده ،ونرّده إن لم يصح ،فإنه من الغرائب .قال الترمذى :هذا حديث حسن غريب .
فصل
ل عليه وسلم فى العتكاف
فى َهْديه صلى ا ّ
ل،
ل تعالى ،متوّقفًا على جمعّيته على ا ّ
ب واستقامُته على طريق سيره إلى ا ّ
ح القل ِ
لما كان صل ُ
ل تعالى ،وكان
ل على ا ّ
ث القلب ل َيُلّمه إل القبا ُ
شَع َ
ل تعالى ،فإن َ
شعثه بإقباله بالكلّية على ا ّ
َوَلّم َ
شَعثًا،
ل المنام ،مما يزيُده َ
ل الكلم ،وفضو ُ
ل مخالطة النام ،وفضو ُ
ل الطعام والشراب ،وُفضو ُ
ُفضو ُ
ل تعالى ،أو ُيضِعُفه ،أو يعوقه وُيوِقفه .اقتضت رحمة
ل واٍد ،ويقطعه عن سيره إلى ا ّ
شّتُتُه فى ُك ّ
وُي َ
غ ِمن القلب
ب فضولَ الطعام والشراب ،ويستفِر ُ
العزيز الرحيم بعباده أن شرع لهم من الصوم ما ُيذِه ُ
ل تعالى ،وشرعه بقدر المصلحة ،بحيث ينتفُع به العبد فى
ت المعّوقة له عن سيره إلى ا ّ
ط الشهوا ِ
أخل َ
دنياه وُأخراه ،ول يضّره ول يقطُعه عن مصالحه العاجلة والجلة ،وشرع لهم العتكاف الذى
ع عن الشتغال
ل تعالى ،وجمعّيُته عليه ،والخلوُة به ،والنقطا ُ
ب على ا ّ
ف القل ِ
حه عكو ُ
مقصوُده ورو ُ
ل عليه فى محل هموم القلب
بالخلق والشتغال به وحده سبحانه ،بحيث يصير ِذكره وحبه ،والقبا ُ
ت كّلها بذكره ،والتفُكر فى تحصيل
وخطراته ،فيستولى عليه بدَلها ،ويصير الهّم ُكّله به ،والخطرا ُ
ل عن ُأنسه بالخلق ،فيعده بذلك لنسه به يوم الَوحشة فى
ل بَد ً
مراضيه وما ُيقّرب منه ،فيصيُر ُأنسه با ّ
ح به سواه ،فهذا مقصود العتكاف العظم .
القبور حين ل أنيس له ،ول ما يفر ُ
شِرع العتكاف فى أفضل أيام الصوم ،وهو
ولما كان هذا المقصود إنما يتّم مع الصومُ ،
ط ،بل قد
العشر الخير من رمضان ،ولم ُينقل عن النبى صلى ال عليه وسلم ،أنه اعتكف مفطرًا َق ّ
ل سبحانه العتكاف إل مع الصوم ،ول فعله رسو ُ
ل قالت عائشة :ل اعتكاف إل بصوم .ولم يذكر ا ُّ
ل صلى ال عليه وسلم إل مع الصوم .
ا ّ
ط فى العتكاف ،وهو الذى
سَلف :أن الصوَم شر ٌ
فالقول الراجح فى الدليل الذى عليه جمهوُر ال َ
خ السلم أبو العباس بن تيمية.
جحه شي ُ
كان ُير ّ
س اللسان عن كل ما ل ينفع فى الخرة .
ع للمة حب ُ
شِر َ
وأما الكلُم ،فإنه ُ
46
فصل
عَمره
جه و ُ
حّل عليه وسلم فى َ
فى َهْديه صلى ا ّ
العمرة
عمرُة
ن فى ذى القْعدة ،الولىُ :
عَمٍرُ ،كّلُه ّ
ل عليه وسلم بعَد الِهجرة أْرَبَع ُ
اعتمر صلى ا ّ
حَلقَ
حديبيِة ،و َ
صّد بال ُ
ث ُ
ن حي ُ
ست ،فصّده المشركون عن البيت ،فنحَر الُبْد َ
حدْيِبَية ،وهى أولُهن سنَة ِ
ال ُ
هو وأصحاُبه رؤوسهم ،وحّلوا من إحرامهم ،ورجع ِمن عامه إلى المدينة.
عمرِته،
ج بعد إكمال ُ
خَر َ
ضّيِة فى العام المقبل ،دخل مكة فأقام بها ثلثًا ،ثّم َ
عْمَرُة الَق ِ
الثانيةُ :
عمرًة مستأَنفة؟ على قولين
صّد عنها فى العام الماضى ،أم ُ
واخُتِلف :هل كانت قضاًء للُعمرة التى ُ
ل.
للعلماء ،وهما روايتان عن المام أحمد :إحداُهما :أنها قضاء ،وهو مذهب أبى حنيفة رحمه ا ّ
ل ،والذين قالوا :كانت قضاًء ،احتجوا بأنها سميت
والثانية :ليست بقضاء ،وهو قول مالك رحمه ا ّ
ل مكة
عمرة القضاء ،وهذا السم تابع للحكم ،وقال آخرون :القضاء هنا ،من المقاضاة ،لنه قاضى أه َ
ُ
صّدوا عن البيت،
عمرَة القضّية .قالوا :والذين ُ
ضاًء .قالوا :ولهذا سمّيت ُ
ضى َق َ
ن َق َ
عليها ،ل إنه ِم ْ
عمرة القضية ،ولو كانت قضاًء ،لم يتخّلف منهم
كانوا ألفًا وأربعمائة ،وهؤلء كّلهم لم يكونوا معه فى ُ
ل صلى ال عليه وسلم لم يأُمْر َمن كان معه بالقضاء.
ل أصح ،لن رسول ا ّ
أحد ،وهذا القو ُ
ل ،سنذكرها عن قريب إن
جِته ،فإنه كان قارنًا لبضعة عشر دلي ً
حّ
عمرُته التى قرنها مع َ
الثالثةُ :
ل.
شاء ا ّ
جْعَراَنِة
حنين ،ثم رجع إلى مكة ،فاعتمر ِمن ال ِ
جْعَراَنِة ،لما خرج إلى ُ
عمرُته من ال ِ
الرابعةُ :
ل إليها .
داخ ً
عَمٍر،
ل صلى ال عليه وسلم َأْرَبَع ُ
لا ّ
ن مالك قال)) :اعتَمر رسو ُ
ففي الصحيحين عن أنس ب ِ
حَدْيِبيِة فى ذى الِقْعَدِة،
ن ال ُ
حَدْيبيِة أو َزَم َ
ن ال ُ
عْمَرٌة ِم َ
جِتِهُ :
حّ
ت َمَع َ
ل اّلتى كاَن ْ
ن فى ِذى الِقْعَدِة ،إ ّ
ُكّلُه ّ
ن فى ذى القْعَدِة،
حَنْي ٍ
غَناِئم ُ
سَم َ
ث َق َ
حْي ُ
جْعراَنِة َ
ن ال ِ
عْمَرٌة ِم َ
ن الَعاِم الُمْقبل فى ذى الِقْعَدِة ،و ُ
عْمَرٌة ِم َ
َو ُ
جِته((.
حّ
عْمَرٌة َمَع َ
َو ُ
ل صلى ال عليه
لا ّ
ض هذا ما فى ))الصحيحين(( عن الّبراء بن عازب قال)) :اعتمر رسو ُ
ولم ُيناِق َ
ج مرتين(( ،لنه أراد الُعْمرة المفرَدة المستِقّلة التى تّمت ،ول ريب أنهما
وسلم فى ذى القْعَدِة قبل أن يح ّ
48
وأما المفاضلُة بينه وبين العتمار فى رمضان ،فموضع نظر ،فقد صح عنه أنه أمر أم َمعِقل
جة .
حّ
ل َ
ن َتْعِد ُ
ضا َ
عْمَرةً فى َرَم َ
ن ُ
ج معه ،أن تعتِمَر فى رمضان ،وأخبرها َأ ّ
لما فاتها الح ُ
ل لم يكن ِليختار
نا ّ
ل البقاع ،ولك ّ
ل الزمان ،وأفض ُ
عْمرة رمضان أفض ُ
وأيضًا :فقد اجتمع فى ُ
ل أولى الوقات وأحّقها بها ،فكانت الُعْمرُة فى أشهر الحج نظيَر
عَمِرِه إ ّ
لنبيه صلى ال عليه وسلم فى ُ
ل تعالى بهذه العبادة ،وجعلها وقتًا لها ،والعمرُة ح ّ
ج صها ا ّ
وقوع الحج فى أشهره ،وهذه الشهر قد خ ّ
ل فيه ،فَمن كان عنده
طها ،وهذا مما نستخير ا ّ
أصغر ،فأولى الزمنة بها أشهُر الحج ،وذو الِقْعدة أوس ُ
ل علم ،فليرشد إليه .
فض ُ
ل صلى ال عليه وسلم كان يشتِغل فى رمضان ِمن العبادات بما هو أهّم
وقد ُيقال :إن رسول ا ّ
خر الُعمرة إلى أشهر الحج
ن الُعمرة ،فأ ّ
ِمن الُعْمرة ،ولم يكن ُيمكنه الجمُع بين تلك العبادات وبي َ
ن مع ما فى ترك ذلك من الرحمة بُأمته والرأفة
ووّفر نفسه على تلك العبادات فى رمضا َ
ق عليها الجمُع بين الُعْمرِة والصوِم،
شّلمة إلى ذلك ،وكان ي ُ
بهم ،فإنه لو اعتمَر فى رمضان ،لبادرت ا ُ
وُربما ل تسمح أكثُر النفوس بالفطر فى هذه العبادة حرصًا على تحصيل الُعْمرة وصوِم رمضان،
خرها إلى أشهر الحج ،وقد كان يتُرك كثيراً من العمل وهو ُيحب أن يعمله ،خشية
صل المشقُة ،فأ ّ
فتح ُ
المشقة عليهم .
ن َقْد
ف َأنْ َأُكو َ
خا ُ
ولما دخل البيت ،خرج منه حزينًا ،فقالت له عائشة فى ذلك؟ فقال)) :إّنى َأ َ
سقايتهم
سقاة زمزم للحاج ،فخاف أن ُيْغَلب َأهُلها على ِ
على ُأّمتى(( ،وهّم أن ينزل يستسقى مع ُ
ت َ
شَقْق ُ
َ
ل أعلم .
بعده .وا ّ
فصل
فى أنه لم ُيحفظ عنه صلى ال عليه وسلم أنه اعتمر فى السنة إل مرة واحدة
ل عليه وسلم ،أنه اعتمر فى السنة إل مّرة واحدة ،ولم يعتِمُر فى سنة
ولم ُيحفظ عنه صلى ا َ
ض الناس أنه اعتَمَر فى سنة مرتين ،واحتج بما رواه أبو داود فى سننه عن عائشة،
مرتين ،وقد ظن بع ُ
عْمرة فى شّوال(( .
عْمرة فى ذى الِقْعدة ،و ُ
عْمَرَتينُ :
ل صلى ال عليه وسلم ،اعتَمَر ُ
))أن رسول ا ّ
قالوا :وليس المراُد بها ذكَر مجموع ما اعتمر ،فإن أنسًا ،وعائشة ،وابن عباس ،وغيرهم قد قالوا :إنه
عَمٍر ،فُعِلَم أن ُمراَدها به أنه اعتمر فى سنة مرتين ،مرة فى ذى الِقْعدة ،ومرة فى شّوال،
اعتمر أرَبَع ُ
51
عَمٍر بل ريب:
ط ،فإنه اعتمَر أربع ُ
وهذا الحديث وهم ،وإن كان محفوظًا عنها ،فإن هذا لم يقع ق ّ
عْمرة القضية
عمرة الحديبية ،ثم لم يعتِمْر إلى العام القابل ،فاعتمر ُ
الُعْمرُة الولى كانت فى ذى الِقْعدة ُ
فى ذى الِقْعدة ،ثم رجع إلى المدينة ولم يخُرج إلى مكة حتى فتحها سنَة ثمان فى رمضان ،ولم يعتِمْر
ل أعداءه ،فرجع إلى مكة ،وأحرم بُعْمرة،
حنين فى ست من شّوال وهَزم ا ّ
ذلك العام ،ثم خرج إلى ُ
ن عباس ،فمتى اعتمر فى شوال؟ ولكن لقى العدّو فى شّوال،
وكان ذلك فى ذى الِقْعدة كما قال أنس واب ُ
جَمْع ذلك العاَم بين
ل ،ولم َي ْ
عمرته لما فرغ من أمر العدّو فى ذى الِقْعدة لي ً
وخرج فيه من مكة ،وقضى ُ
ك ول
ل عليه وسلم وسيرته وأحواله ،ل يش ّ
عناية بأيامه صلى ا ّ
ن له ِ
عمرتين ،ول َقبَله ول بعَده ،وَم ْ
ُ
ب فى ذلك .
يرتا ُ
حّبون الُعْمرة فى السنة ِمرارًا إذا لم ُيثبتوا ذلك عن النبى صلى ال عليه
فإن قيل :فبأى شئ يست ِ
عمرة واحدة،
وسلم؟ قيل :قد اخُتِلف فى هذه المسألة ،فقال مالك :أكره أن يعتِمَر فى السنة أكثَر من ُ
ن الَمّواز ،قال مطّرف :ل بأس بالُعمرة فى السنة ِمرارًا ،وقال ابن
وخالفه ُمطّرف من أصحابه واب ُ
المّواز :أرجو أن ل يكون به بأس ،وقد اعتمرت عائشُة مّرتين فى شهر ،ول أرى أن ُيمنع أحٌد من
ل بشئ من الطاعات ،ول من الزدياد من الخير فى موضع ،ولم يأت بالمنع منه نص،
التقرب إلى ا ّ
ل تعالى -استثنى خمسة أيام ل ُيعتمر فيها :يوم عرفة،
وهذا قولُ الجمهور ،إل أن أبا حنيفة -رحمه ا ّ
ل تعالى :يوَم النحر ،وأياَم التشريق خاصة،
ويوَم النحر ،وأيام التشريق ،واستثنى أبو يوسف رحمه ا ّ
واستثنت الشافعية الباِئت بِمَنى لرمى أيام التشريق .واعتمرت عائشة فى سنة مرتين .فقيل للقاسم :لم
على
ينكر عليها أحد؟ فقالَ :أ َ
سه ،خرج فاعتمر .
حّمَم َرْأ َ
ُأّم المؤمنين؟ ،وكان أنس إذا َ
ل عليه وسلم:
ل عنه ،أنه كان يعتمر فى السنة ِمرارًا ،وقد قال صلى ا ّ
ى رضى ا ّ
وُيذكر عن عل ّ
ى صلى ال عليه وسلم ،أعمَر عائشة
))الُعَمَرُة إلى الُعْمَرة َكّفاَرٌة لما َبْيَنُهَما(( .ويكفى فى هذا ،أن النب ّ
من الّتنعيم سوى عمرِتها التى كانت أهّلت بها ،وذلك فى عاٍم واحد ،ول ُيقال :عائشة كانت قد رفضت
ضها .وقد قال لها النبى
ح رف ُ
صُالُعْمرة ،فهذه التى أهّلت بها من التنعيم قضاء عنها ،لن الُعْمرة ل َي ِ
جميعًا(( .
ت ِمْنهَما َ
حَلْل ِ
عْمَرِتك(( وفى لفظَ )) :
ك َو ُ
جِ
حّ
طَواُفك ِل َ
ك َ
سُع ِ
صلى ال عليه وسلمَ)) :ي َ
52
عْمَرَتك
ل عليه وسلم قال لها)) :ارُفضى ُ
فإن قيل :قد ثبت فى صحيح البخارى :أنه صلى ا ّ
ج،
حّك وامتشطى(( ،وفى لفظَ)) :أِهّلى بال َ
سِ
شطى(( ،وفى لفظ آخر)) :انُقضى َرأ َ
ك واْمَت ِ
سِ
وانُقضى َرْأ َ
وَدعى الُعْمَرة(( ،فهذا صريح فى رفضها من وجهين ،أحدهما :قوله)) :ارُفضيها ودعيها(( ،والثانى:
أمره لها بالمتشاط .
جة معها،
حّقيل :معنى قوله)) :ارُفضيها(( :اتركى أفعالها والقتصار عليها ،وكونى فى َ
ل الحج ،وقوله:
جِميعًا(( ،لما قضت أعما َ
ت ِمْنُهما َ
حَلْل ِ
ن هذا هو المراد بقولهَ )) :
ويتعين أن يكو َ
ض ْ
ت ك(( ،فهذا صريح فى أن إحرام الُعْمرة لم ُيرفض ،وإنما ُرف َ
عْمَرِت ِ
كوُ
جِ
حّك ِل َ
طواُف ِ
ك َ
سُع ِ
))َي َ
جها وعمرُتها ،ثم أعمرها من التنعيم تطييبًا
جها انقضى ح ّ
أعماُلها والقتصاُر عليها ،وأنها بانقضاء ح ّ
لقلبها ،إذ َتأتى بُعْمرة مستِقّلة كصواحباتها ،ويوضح ذلك إيضاحًا بّينًا ،ما روى مسلم فى ))صحيحه((،
جة
حّل صلى ال عليه وسلم فى َ
من حديث الزهرى ،عن عروة ،عنها قالت :خرجنا مع رسول ا ّ
ل صلى
ل بُعمرة ،فأمرنى رسول ا ّ
لإ ّ
ت ،فلم أزل حائضًا حتى كان يوُم عرفة ،ولم ُأِه ّ
حض ُ
الوداع ،ف ِ
ت ذلك ،حتى إذا
ل بالحج ،وأترك الُعْمرة ،قالت :ففعل ُ
ط ،وُأِه ّ
شَض رأسى وامت ِ
ال عليه وسلم أن أنُق َ
ل صلى ال عليه وسلم عبد الرحمن بن أبى بكر ،وأمرنى أن أعتِمَر
جى ،بعث معى رسول ا ّ
حّت َ
قضي ُ
ث فى غاية الصحة والصراحة،
ل منها .فهذا حدي ٌ
ج ولم ُأِه ّ
عمرتى التى أدركنى الح ّ
ن ُ
من التنعيم مكا َ
ج ،فهذا خبُرها عن نفسها،
حِرمة حتى أدخلت عليها الح ّ
عْمرتها ،وأنها بقيت ُم ْ
أنها لم تكن أحّلت من ُ
ل التوفيق .
ل منهما يوافق الخر ،وبا ّ
ل صلى ال عليه وسلم لهاُ ،ك ّ
ل رسول ا ّ
وذلك قو ُ
ج المبروُر ليس له
حّل عليه وسلم)) :الُعْمرُة إلى الُعْمرِة كّفارٌة لما بينهما ،وال َ
وفى قوله صلى ا ّ
ل على التفريق بين الحج والُعْمرة فى التكرار ،وتنبيٌه على ذلك ،إذ لو كانت
جزاء إل الجنة(( دلي ٌ
سّوى بينهما ولم ُيفّرق .
العمرُة كالحج ،ل ُتفعل فى السنة إل مرة ،ل ً
عَتِمْر فى كل شهر مرة .وروى
ل عنه ،أنه قال :ا ْ
ى رضى ا ّ
ل ،عن عل ّ
وروى الشافعى رحمه ا ّ
عَتِمْر
ل عنه)) :ا ْ
ى رضى ا ّ
سويد بن أبى ناجية ،عن أبى جعفر ،قال :قال عل ّ
وكيع ،عن إسرائيل ،عن ُ
ت مرارًا(( .وذكر سعيد بن منصور ،عن سفيان بن أبى حسين ،عن بعض ولد أنس،
طْق َ
ن َأ َ
شْهِر إ ْ
فى ال ّ
عَتمََر .
ج إلى الّتْنِعيِم فا ْ
خَر َ
سُهَ ،
حّمَم َرْأ ُ
أن أنسًا كان إذا كان بمكة َف َ
فصل
53
جته
حّ
ل عليه وسلم فى َ
فى سياق َهْديه صلى ا ّ
حجة الَوداع ،ول خلف
جةٍ واحدة ،وهى َ
حّ
سوى َ
ج بعد هجرته إلى المدينة ِ
حّل خلف أّنه لم َي ُ
أنها كانت سنَة عشر .
ل عنه ،قال:
ل رضى ا ّ
ج قبل الهجرة؟ فروى الترمذى ،عن جابر بن عبد ا ّ
ف :هل ح ّ
واخُتِل َ
جة بعد ما هاجر معها
حّجَتْين قبل أن ُيهاجر ،و َ
حّحججَ ،
ث ِ
ج النبى صلى ال عليه وسلم ثل َ
))ح ّ
ت محمدًا يعنى البخارى عن
عْمرة(( .قال الترمذى :هذا حديث غريب من حديث سفيان .قال :وسأل ُ
ُ
هذا ،فلم يعرفه من حديث الثورى ،وفى رواية :ل ُيعّد الحديث محفوظًا .
ج من غير تأخير ،فإ ّ
ن ل صلى ال عليه وسلم إلى الح ّ
ض الحج .بادر رسول ا ّ
ولما نزل فر ُ
ل{ ]البقرة،[196 :
ج َوالُعْمَرَة ِّ
حّخر إلى سنة تسع أو عشر ،وأما قوله تعالى} :وََأِتّموا ال َ
ض الحج تأ ّ
فر َ
ت عام الحديبية ،فليس فيها فرضّيُة الحج ،وإنما فيها المُر بإتمامه وإتمام
فإنها وإن نزلت سنَة س ّ
ن أين لكم تأخير نزول فرضه
ب البتداء ،فإن قيلَ :فِم ْ
الُعمرة بعد الشروع فيهما ،وذلك ل يقتضى وجو َ
إلى التاسعة أو العاشرة؟ قيل :لن صدر سورِة آل عمران نزل عاَم الوفود ،وفيه َقِدم وفُد نجران على
ل صلى ال عليه وسلم ،وصالحهم على أداِء الجزية ،والجزية إنما نزلت عاَم تبوك سنة تسع،
رسول ا ّ
ل عليه أن
وفيها نزل صدُر سورة آل عمران ،وناظَر أهل الكتاب ،ودعاهم إلى التوحيد والمُباهلة ،ويد ّ
ل تعالى} :يَأّيَها اّلِذي َ
ن ل مكة وجدوا فى نفوسهم على ما فاتهم من التجارة من المشركين لما أنزل ا ّ
أه َ
عاِمهِْم َهَذا{ ]التوبة ،[28 :فأعاضهم ا ّ
ل حَراَم َبْعَد َ
جَد ال َ
سِس َفل َيْقَرُبوْا الَم ْ
ج ٌ
ن َن َ
شِرُكو َ
آَمُنوا إّنما الُم ْ
صّديق يؤّذن
ل هذه اليات ،والمناداُة بها ،إنما كان فى سنة تسع ،وبعث ال ّ
تعالى من ذلك بالجزية ،ونزو ُ
ل عنه ،وهذا الذى ذكرناه قد قاله غير واحد من
ى رضى ا ّ
بذلك فى مكة فى مواسم الحج ،وأردفه بعل ّ
ل أعلم.
سَلف ،وا ّ
ال َ
فصل
جه النبى صلى ال عليه وسلم
حّ
فى وصف َ
ج أعلم الناس أنه حاج ،فتجهزوا للخروج
ل صلى ال عليه وسلم على الح ّ
ولما عزم رسول ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ،ووافاه فى
لا ّ
ج مع رسو ِ
ن حول المدينةَ ،فَقِدُموا ُيريدون الح ّ
معه ،وسِمع ذلك َم ْ
54
صون ،فكاُنوا ِمن بين يديه ،ومن خلفه ،وعن يمينه ،وعن شماله مّد البصر،
ق ل ُيح َ
الطريق خلئ ُ
ن ِمن ذى الِقْعدِة بعد أن صّلى الظهَر بها أربعًا ،وخطبهم
ت َبِقي َ
س ّ
ج من المدينة نهارًا بعد الظهر ِل ِ
وخر َ
خطبًة عّلمهم فيها الحرام وواجباِته وسننه .
قبل ذلك ُ
جه كان يوم
ت :والظاهر :أن خرو َ
جه يوَم الخميس ،قل ُ
وقال ابن حزم :وكان خرو ُ
ن من ذى القعدة،
ت َبِقي َ
س ّ
ن حزم على قوله بثلث مقدمات ،إحداها :أن خروجه كان ِل ِ
السبت ،واحتج اب ُ
حجة كان يوَم الخميس ،والثالثة :أن يوم عرفة كان يوَم الجمعة ،واحتج على
والثانية :أن استهلل ذى ال ِ
ست بقين من ذى الِقْعدة ،بما روى البخارى من حديث ابن عباس:
أن خروجه كان ل ِ
ن ((...فذكر الحديث ،وقال:وذلك
ل واّدَه َ
جَى صلى ال عليه وسلم ِمن المدينة بعد ما َتَر ّ
))انطلق النب ّ
لخمس َبقين من ِذى الِقْعدة .
ن عمر على أن َيْوَم عرفة ،كان َيْوَم الجمعة ،وهو التاسع ،واستهلل
ص اب ُ
قال ابن حزم :وقد ن ّ
ت َبقين من ذى
س ّ
جه ل ِ
حجة بل شك ليلة الخميس ،فآخر ذى الِقْعدة يوم الربعاء ،فإذا كان خُرو ُ
ذى ال ِ
ل سواه .
ت ليا ٍ
الِقْعدة ،كان يوَم الخميس ،إذ الباقى بعده س ّ
س َبقين وهى :يوم السبت ،والحد،
ح فى أنه خرج ِلخم ّ
ووجه ما اخترناه ،أن الحديث صري ٌ
والثنين ،والثلثاء ،والربعاء ،فهذه خمس ،وعلى قوله :يكون خروجه لسبّع بقين .فإن لم َيِعْد يوم
ست ليال بقين
جه ل ِ
ف الحديث .وإن اعتبر الليالى ،كان خرو ُ
ت ،وأّيهما كان ،فهو خل ُ
الخروج ،كان لس ّ
ف ما إذا
ن بقاء خمس من الشهر البتة ،بخل ِ
ح الجمُع بين خروجه يوم الخميس ،وبي َ
صّل لخمس ،فل َي ِ
ل عليه أن النبى صلى ال عليه
س بل شك ،ويد ّ
ج يوم السبت ،فإن الباقى بيوم الخروج خم ٌ
كان الخرو ُ
س المحِرُم بالمدينة ،والظاهر :أن هذا كان
وسلم ذكر لهم فى خطبته على ِمنبره شأن الحرام ،وما يلَب ُ
ن عمر رضى ا ّ
ل خطبة ،وقد شهد اب ُ
يوَم الجمعة ،لنه لم ُينقل أنه جمعهم ،ونادى فيهم لحضور ال ُ
ل وقت
ل عليه وسلم أن ُيعّلمهم فى ك ّ
عنهما هذه الخطبة بالمدينة على منبره .وكان ِمن عادته صلى ا ّ
جه ،والظاهر :أنه لم يكن
ما يحتاجون إليه إذا حضر فعله ،فأولى الوقات به الجمعة التى يليها خرو ُ
ص الناس
ق ،وهو أحر ُ
ض يوم من غير ضرورة ،وقد اجتمع إليه الخل ُ
ع الجمعة وبينه وبينها بع ُ
ِليَد َ
ل أعلم
ن بل تفويت ،وا ّ
على تعليمهم الّدين ،وقد حضر ذلك الجمع العظيم ،والجمُع بينه وبين الحج ممك ٌ
.
55
ل عنها :خرج
ل عنه ،وعائشة رضى ا ّ
ولما علم أبو محمد بن حزم ،أن قول ابن عباس رضى ا ّ
حليفة كان لخمس،
لخمس َبقين من ذى الِقْعدة ،ل يلتئُم مع قوله أّوله بأن قال :معناه أن اندفاعه من ِذى ال ُ
حليفة وبين المدينة إل أربعُة أميال فقط ،فلم ُتَعْد هذه المرحلة القريبة ِلقّلتها ،وبهذا
قال :وليس بين ذى ال ُ
جه بل
س بقين لذى الِقْعدة ،لكان خرو ُ
جه من المدينة لخم ٍ
تأتِلف جميُع الحاديث .قال :ولو كان خرو ُ
شك َيْوَم الجمعة ،وهذا خطأ ،لن الجمعة لتصّلى أربعًا ،وقد ذكر أنس ،أنهم صّلوا الظهر معه
بالمدينة أربعًا .قال :ويزيده وضوحًا ،ثم ساق من طريق البخارى ،حديث كعب بن مالك)) :قّلما كان
ل صلى ال عليه وسلم يخُرج فى سفر إذا خرج ،إل يوَم الخميس(( ،وفى لفظ آخر :أن رسول
لا ّ
رسو ُ
ل صلى ال عليه وسلم كان ُيحب أن يخُرج يوَم الخميس ،فبطل خروجه يوَم الجمعة لما ذكرنا عن
ا ّ
جه يوم السبت ،لنه حينئذ يكون خارجًا من المدينة لربٍع َبقين من ذى الِقعدة ،وهذا
أنس ،وبطل خرو ُ
ما لم يقله أحد .
حليفة الليَلة المستقبلة من يوم خروجه من المدينة ،فكان يكون
ح مبيُته بذى ال ُ
قال :وأيضًا قد ص ّ
طوى ليلَة
جه يوم السبت ،وصح مبيُته بذى ُ
حليفة يوم الحد ،يعنى :لو كان خرو ُ
اندفاعه من ذى ال ُ
ن مدُة سفره من المدينة
جة ،فعلى هذا تكو ُ
حّ
صبح رابعة من ذى ال ِ
ح عنه أنه دخلها ُ
دخوله مكة ،وص ّ
إلى مكة سبعَة أيام ،لنه كان يكون خارجًا من المدينة لو كان ذلك لربع َبقين ِلذى الِقْعدة ،واستوى
ل ل مزيد ،وهذا خطأ
حجة ،وفى استقبال الليلة الرابعة ،فتلك سبُع ليا ٍ
ن من ذى ال ِ
خَلْو َ
على مكة لثلث َ
ت كّلها،
ت بقين من ذى الِقْعدة وائتلفت الروايا ُ
ح أن خروجه كان ِلس ٍ
بإجماع ،وأمٌر لم يقله أحد ،فص ّ
ل ،انتهى .
وانتفى التعاُرض عنها بحمد ا ّ
ل عنها
ف عنها مع خروجه يوَم السبت ،ويزو ُ
قلت :هى متآلفة متوافقة ،والتعارض ُمنت ٍ
جه من المدينِة
الستكراه الذى أّولها عليه كما ذكرناه .وأما قول أبى محمد بن حزم)):لو كان خرو ُ
جه يوَم الجمعة ((...إلى آخره فغيُر لزم ،بل يصح أن يخُرج
س َبقين من ذى الِقْعدة ،لكان خرو ُ
لخم ٍ
لخمس ،ويكون خروجه يوم السبت ،والذى غّر أبا محمد أنه رأى الراوى قد حذف التاء من العدد،
ج يوم الجمعة ،فلو
وهى إنما ُتحذف من المؤنث ،ففهم لخمس ليال بقين ،وهذا إنما يكون إذا كان الخرو ُ
جه يوم الخميس ،لم
ب عليه ،فإنه لو كان خرو ُ
كان يوم السبت ،لكان لربع ليال بقين ،وهذا بعينه ينقِل ُ
يكن لخمس ليال بقين ،وإنما يكون لست ليال بقين ،ولهذا اضطر إلى أن ُيؤّول الخروج المقّيد بالتاريخ
56
ى صلى
عمدًا ،لنه لم يثبت عنده ،وإما أن يكون تركه سهوًا منه ،وقد قال زيُد بن ثابت)):إنه رأى النب ّ
ال عليه وسلم تجّرد لهلله واغتسل(( .قال الترمذى :حديث حسن غريب .
ل صلى ال عليه وسلم إذا
وذكر الدارقطنى ،عن عائشة قالت)) :كان رسول ا ّ
ب فيه مسك فى بدنه
شَنان .ثم طّيبته عائشة بيدها ِبَذِريَرٍة وطي ٍ
أراد أن ُيحِرَم ،غسل رأسه بخطمى وُأ ْ
ورأسه ،حتى كان وبيص الِمسك ُيرى فى مفارقه وِلحيته ،ثم استدامه ولم يغسله ،ثم لبس إزاره
ج والُعمرة فى مصله(( ،ولم ُينقل عنه أنه صّلى
ل بالح ّ
ورداءه ،ثم صّلى الظهر ركعتين ،ثم أَه ّ
للحرام ركعتين غير فرض الظهر.
ت الّدَم
سَل َ
سناِمها ،و َ
ق صفحَة َ
وقّلد قبل الحرام ُبدنه نعلين ،وأشعَرها فى جانبها اليمن ،فش ّ
عنها
وإنما قلنا :إنه أحرم قارنًا ِلبضعة وعشرين حديثًا صحيحة صريحة فى ذلك .
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
أحدها :ما أخرجاه فى الصحيحين عن ابن عمر ،قال)):تمّتع رسو ُ
ل صلى
حليفة ،وبدأ رسولُ ا ّ
ى ِمن ذى ال ُ
جة الوداع بالُعمرة إلى الحج ،وأهدى ،فساق معه الَهْد َ
حّ
فى َ
ج ((....وذكر الحديث .
ل بالح ّ
ل بالُعمرة ،ثم أه ّ
ال عليه وسلم فَأَه ّ
ل صلى
لا ّ
وثانيها :ما أخرجاه فى الصحيحين أيضًا ،عن عروة ،عن عائشة أخبرته عن رسو ِ
ال عليه وسلم ،بمثل حديث ابن عمر سواء .
وثالثها :ما روى مسلم فى صحيحه من حديث ُقتيبة ،عن الليث ،عن نافع ،عن ابن عمر ،أّنه
ل صلى ال عليه
لا ّ
ج إلى الُعمرة ،وطاف لهما طوافًا واحدًا ،ثم قال)) :هكذا فعل رسو ُ
قرن الح ّ
وسلم(( .
ورابعها :ما روى أبو داود ،عن النفيلى ،حدثنا زهير هو ابن معاوية حدثنا إسحاق عن مجاهد
عِلَم اب ُ
ن ل صلى ال عليه وسلم؟ فقال :مرتين .فقالت عائشُة :لقد َ
لا ّ
ن عمر :كم اعتمَر رسو ُ
))سئل اب ُ
جته(( .
حّسوى التى قرن ب َ
ل صلى ال عليه وسلم اعتمر ثلثًا ِ
لا ّ
عمر أن رسو َ
)يتبع(...
58
ج والُعمرة(( ،لنه
ل عليه وسلم ،قرن بين الح ّ
ل ابن عمر)) :إّنه صلى ا ّ
ولم ُيناقض هذا قو َ @
جعرانة ،وعائشة رضى
عمرُة ال ِ
عمرُة القضاء و ُ
عمرتانُ :
أراد الُعْمرة الكاملة المفردة ،ول ريب أنهما ُ
عمَرة الِقران ،والتى صُّد عنها ،ول ريب أنها أربع .
ن ،و ُ
ل عنها أرادت الُعْمرتين المستقّلَتْي ِ
ا ّ
ل ،أن
وخامسها :ما رواه سفيان الثورى ،عن جعفر بن محمد عن أبيه ،عن جابر بن عبد ا ّ
جة بعد ما هاجر معها
حّ
ن قبل أن ُيهاجر ،و َ
جتي ِ
حّ
حججَ :
ث ِ
ج ثل َ
ل صلى ال عليه وسلم ))ح ّ
رسول ا ّ
عمرة(( رواه الترمذى وغيره.
ُ
وسادسها :ما رواه أبو داود ،عن الّنفيلى ،وقتيبة قال :حدثنا داود بن عبد الرحمن العطار ،عن
ل صلى ال عليه وسلم أربَع
لا ّ
عمرو بن دينار ،عن عكرمة ،عن ابن عباس ،قال)) :اعتمر رسو ُ
جعرانة ،والرابعة
عمرٍة ِمن قابل ،والثالثة من ال ِ
حديبية ،والثانية :حين تواطُؤوا على ُ
عمرَة ال ُ
عَمٍرُ :
ُ
جته(( .
حّ
التى قرن مع َ
ل عنه قال :سمع ُ
ت وسابعها :ما رواه البخارى فى صحيحه عن عمر بن الخطاب رضى ا ّ
ل ،فقال:
وج ّ عّز
ن َرّبى َ
ت ِم ْ
ل صلى ال عليه وسلم بوادى الَعقيق يقول)) :أتانى اللّْيَلة آ ٍ
لا ّ
رسو َ
جٍة((.
حّ
عْمَرٌة فى َ
لُ :
كَ ،وُق ْ
ل فى َهَذ الَوادى الُمباَر ِ
صَّ
ل عنه حين َأّمَرُه
ى رضى ا ّ
وثامنها :ما رواه أبو داود عن البّراء بن عازب قال)) :كنت مع عل ّ
ى من اليمن على
ب ،فلما َقِدَم عل ّ
ى ِمن ذَه ٍ
ت معه َأَواق ّ
ل صلى ال عليه وسلم على اليمن ،فأصب ُ
لا ّ
رسو ُ
صِبيَغات ،وقد
ت ثيابًا َ
س ْ
ل عنها قد َلِب َ
ت فاطمة رضى ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم قال :وجد ُ
رسول ا ّ
حّلوا ،قال:
ل صلى ال عليه وسلم قد أمر أصحاَبه فأ َ
ح ،فقالت :مالك؟ فإن رسول ا ّ
ضو ٍ
نضحت البيت ِبَن ُ
ى صلى ال عليه وسلم ،فقال
ت النب ّ
ى صلى ال عليه وسلم قال :فأتي ُ
ت بإهلل النب ّ
ت لها :إنى أهلل ُ
فقل ُ
سْق ُ
ت ى صلى ال عليه وسلم ،قال)) :فإنى قد ُ
ت بإهلل النب ّ
ت :أهلل ُ
ت((؟ قالُ :قل ُ
لى)) :كيف صنع َ
ت ،((...وذكر الحديث .
ى ،وَقَرْن ُ
الَهْد َ
وتاسعها :ما رواه النسائى عن عمران بن يزيد الدمشقى ،حدثنا عيسى بن يونس ،حدثنا
ت جالسًا عند
حسين ،عن مروان بن الحكم قال)) :كن ُ
ى بن ال ُ
العمش ،عن مسلم البطين ،عن عل ّ
ن َهَذا؟ قال :بَلى لكنى
عْجٍة ،فقال :ألم َتُكن ُتْنَهى َ
حّل عنه ُيلّبى ِبُعمرة و َ
عثمان ،فسمع عليًا رضى ا ّ
59
ن ينهى
ت عثمان وعليًا ،وعثما ُ
ن الحكم قال)) :شهد ُ
وأخرج البخارى وحَده من حديث مروان ب ِ
لَد َ
ع ت َ
جة ،وقال :ما كن ُ
حّك بُعْمَرٍة و َ
ل بهما :لّبْي َ
ى ذلك ،أه ّ
جَمَع بينهما ،فلما رأى عل ّ
عن الُمتعة ،وأن ُي ْ
ل صلى ال عليه وسلم ِلقول أحد(( .
لا ّ
سـّنة رسو ِ
ّ
ل صلى ال
لا ّ
فهذا ُيبّين ،أن َمن جمع بينهما ،كان متمّتعًا عندهم ،وأن هذا هو الذى فعله رسو ُ
ل صلى ال عليه وسلم فعل ذلك ،فإنه لما قال له :ما
لا ّ
ن على أن رسو َ
عليه وسلم ،وقد وافقه عثما ُ
ل صلى ال
لا ّ
ل صلى ال عليه وسلم تنهى عنه ،لم يقل له :لم يفعْله رسو ُ
لا ّ
ُتريد إلى أمر فعله رسو ُ
ى إلى موافقة النبى صلى ال عليه وسلم،
عليه وسلم ،ولول أنه وافقه على ذلك ،لنكره ،ثم قصد عل ّ
ل بهما جميعًا تقريرًا للقتداء به ومتابعته فى الِقران،
والقتداء به فى ذلك ،وبيان أن فعله لم ُينسخ ،وأه ّ
ل ،وحينئذ فهذا دليل مستقل تمام العشرين .
سـّنة نهى عنها عثمان متأّو ً
وإظهارًا ل ّ
عروة ،عن عائشة أنها
الحادى والعشرون :ما رواه مالك فى الموطأ ،عن ابن شهاب ،عن ُ
لا ّ
ل جة الوداع ،فأهللنا بُعمرة ،ثم قال رسو ُ
حّل صلى ال عليه وسلم عاَم َ
قالت)) :خرجنا مع رسول ا ّ
ل منهما
حّحّتى َي ِ
ل َ
حّج َمَع الُعْمَرِةُ ،ثّم ل َي ِ
حّل بال َ
ىَ ،فْلُيْهِل ْ
ن َمَعه َهْد ٌ
ن كا َ
صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
جِميعًا(( .
َ
ى ،فهو أولى َمن بادر إلى ما أمر به ،وقد دل عليه سائُر الحاديث
ومعلوم :أنه كان معه الَهْد ُ
التى ذكرناها ونذكرها .
ى ،والتمتع بالُعْمرة
خَلف إلى إيجاب الِقران على َمن ساق الَهْد َ
سَلف وال َ
وقد ذهب جماعة من ال َ
ل عما فعله
جوز العدو ُ
ل بن عباس وجماعة ،فعندهم ل ي ُ
ى ،منهم :عبُد ا ّ
سق الهد َ
المفردة على َمن لم َي ُ
ى معه
ل َمن ل َهْد َ
ل صلى ال عليه وسلم ،وأمر به أصحابه ،فإنه قرن وساق الَهْدى ،وأمر ُك ّ
رسول ا ّ
ح ِمن قول َمن حّرم
عْمرة مفردة ،فالواجب :أن نفعل كما فعل ،أو كما أمر ،وهذا القول أص ّ
بالفسخ إلى ُ
ل تعالى .
فسخ الحج إلى الُعْمرة من وجوه كثيرة ،سنذكرها إن شاء ا ّ
الثانى والعشرون :ما أخرجاه فى الصحيحين أبى ِقلبة ،عن أنس بن مالك .قال)) :صّلى بنا
حليفة ركعتين ،فبا َ
ت ن معه بالمدينة الظهَر أربعًا ،والعصَر بذى ال ُ
ل صلى ال عليه وسلم ونح ُ
لا ّ
رسو ُ
حّ
ج لب َ
ل وسّبح وكّبر ثّم أه ّ
حِمَد ا ّ
حلُته على البيداءَ ،
ب حّتى استوت به را ِ
بها حّتى أصبح ،ثم رِك َ
حج(ِ( .
س بهما ،فلما َقدمَنا ،أمَر الناس ،فحّلوا ،حتى إذا كان يوُم الّتْروَيِة أهّلوا بال َ
ل النا ُ
عْمرة ،وأه ّ
وُ
62
ل صلى ال
ت رسول ا ّ
ل المزنى ،عن أنس قال :سمع ُ
وفي الصحيحين أيضًا :عن بكر بن عبد ا ّ
ج وحَده ،فلقي ُ
ت حّن عمر ،فقال :لّبى بال َ
ت بذلك اب َ
ج والُعمرة جميعًا ،قال بكر :فحدث ُ
عليه وسلم ُيلّبى بالح ّ
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
ت رسو َ
صْبيانًا ،سمع ُ
أنسًا ،فحّدثُته بقول ابن عمر ،فقال أنس :ما تعّدوننا إل ِ
ئ.
ن سنٌة ،أو سنٌة َوش ٌ
سّعمر فى ال ّ
جًا(( .وبين أنس وابن ُ
حّعْمَرًة و َ
ك ُ
يقول)) :لَّبْي َ
حميد ،أنهم سِمعوا
وفى صحيح مسلم ،عن يحيى بن أبى إسحاق ،وعبد العزيز بن صهيب ،و ُ
جًا(( .
حّعْمَرًة و َ
ك ُ
ل بهماَ)) :لّبْي َ
ل صلى ال عليه وسلم أه ّ
لا ّ
ت رسو َ
أنسًا قال :سمع ُ
ى صلى
ت النب ّ
وروى أبو يوسف القاضى ،عن يحيى بن سعيد النصارى ،عن أنس قال :سمع ُ
عْمَرٍة معًا(( .
جوُ
حّك ِب َ
ال عليه وسلم يقولَ)) :لّبْي َ
ى صلى ال عليه وسلمُ ،يَلّبى
وروى النسائى من حديث أبى أسماء ،عن أنس قال)) :سمعت النب ّ
ِبِهَما((.
ج
حّل بال َ
وروى أيضًا من حديث الحسن البصرى ،عن أنس)) :أن النبى صلى ال عليه وسلم أه ّ
والُعْمرة حين صّلى الظهر(( .
وروى البزار ،من حديث زيد بن أسلم مولى عمر بن الخطاب ،عن أنس ،أن النبى صلى ال
سليمان التيمى عن أنس كذلك ،وعن أبى قدامة عن أنس
عْمرة .ومن حديث ُ
جوُ
حّلب َ
عليه وسلم ،أه ّ
ن أبى ليلى ،عن ثابت
مثله ،وذكر وكيع :حدثنا ُمصعب بن سليم قال :سمعت أنسًا مثله ،قال :وحدثنا اب ُ
البنانى ،عن أنس مثله ،وذكر الخشنى :حدثنا محمد بن بشار ،حدثنا محمد بن جعفر ،حدثنا شعبة ،عن
أبى قزعة ،عن أنس مثله.
عَمر،
ل صلى ال عليه وسلم أرَبع ُ
لا ّ
وفى صحيح البخارى ،عن قتادة ،عن أنس ))اعتمر رسو ُ
جته ((..وقد تقّدم .
حّ
عْمرة مع َ
فذكرها وقال :و ُ
حميد بن هلل ،عن أنس مثله،
وذكر عبد الرزاق :حدثنا معمر ،عن أيوب ،عن أبى قلبة و ُ
فهؤلء ستة عشر نفسًا من الثقاتُ ،كّلهم مّتِفقون عن أنس ،أن لفظ النبى صلى ال عليه وسلم كان
حميد بن عبد الرحمن
حميد بن هلل ،و ُ
عمرة معًا ،وهم الحسن البصرى ،وأبو ِقلبة ،و ُ
جوُ
حّلب َ
إهل ً
ل المزنى ،وعبد العزيز
الطويل ،وقتادة ،ويحيى بن سعيد النصارى ،وثابت الُبنانى ،وبكر بن عبد ا ّ
63
ب أن
ل حسنًا فى اتفاق أحاديثهم نسوقه بلفظه ،قال :والصوا ُ
ورأيت لشيخ السلم فص ً
الحاديث فى هذا الباب متفقة ليست بمختلفة إل اختلفًا يسيرًا يقع مثُله فى غير ذلك ،فإن الصحابة
ل الِقران ،والذين ُروى عنهم أنه أفردُ ،روى عنهم أنه تمتع،
ثبت عنهم أنه تمّتع ،والتمتع عندهم يتناو ُ
ن ،وكان عثمان ينهى
أما الول :ففى الصحيحين عن سعيد بن المسّيب قال :اجتمع على وعثمان بُعسفا َ
ل صلى ال عليه
لا ّ
ل عنه)) :ما تريد إلى أمر فعله رسو ُ
ى رضى ا ّ
عن الُمتعة أو الُعمرة ،فقال عل ّ
وسلم تنهى عنه؟ فقال عثمان :دعنا ِمنك .فقال :إنى ل أستطيُع أن أَدعك .فلما رأى علىّ رضى عنه
ل بهما جميعًا((هذا ُيبين أن َمن جمع بينهما كان متمتعًا عندهم ،وأن هذا هو الذى فعله النبى
ذلك ،أه ّ
صلى ال عليه وسلم ،ووافقه عثمان على أن النبى صلى ال عليه وسلم فعل ذلك ،لكن كان النزا ُ
ع
خ الحج إلى الُعْمرة فى حقنا كما تنازع فيه
شِرع فس ُ
بينهما :هل ذلك الفضل فى حقنا أم ل؟ وهل ُ
ى وعثمان ،على أنه تمّتع ،والمراد بالتمتع عندهم الِقران ،وفى الصحيحين عن
الفقهاء؟ فقد اتفق عل ّ
عْمرة ،ثم إنه
جوُ
ل صلى ال عليه وسلم جمع بين ح ّ
عمران بن حصين ))إن رسول ا ّ
مطّرف قال :قال ِ
ل صلى ال عليه
لا ّ
لم ينه عنه حتى مات ،ولم ينزل فيه قرآن يحّرمه(( .وفى رواية عنه :تمّتع رسو ُ
ل السابقين الّولين ،أخبر أنه تمتع ،وأنه جمع بين الح ّ
ج عمران وهو من أج ّ
وسلم وتمتعنا معه ،فهذا ِ
ى ،ودخل فى قوله تعالىَ} :فَمن َتَمّتَع
والُعْمرة ،والقاِرن عند الصحابة متمّتع ،ولهذا أوجبوا عليه الَهْد َ
ى{ ]البقرة ،[196 :وذكر حديث عمر عن النبى صلى ال عليه
ن اْلَهْد ِ
سَر ِم َ
سَتْي َ
ج َفَما ا ْ
حِّبالُعْمَرِة إَلى ال َ
جة(( .
حّعْمَرٌة فى َ
ك وقلُ :
ل فى هَذا الَواِدى الُمباَر ِ
صّن رّبى فقالَ :
ت ِم ْ
وسلم)) :أتانى آ ٍ
ى عنهم بأصح
حصين ،رو َ
عمران بن ُ
ى ،و ِ
قال :فهؤلء الخلفاء الراشدون :عمر ،وعثمان ،وعل ّ
ل صلى ال عليه وسلم قرن بين الُعمرة والحج ،وكانوا يسمون ذلك تمتعًا ،وهذا
السانيد ،أن رسول ا ّ
ج والُعمرة جميعًا .
سمع النبى صلى ال عليه وسلم ُيلّبى بالح ّ
أنس يذكر أنه ِ
ل المزنى ،عن ابن عمر ،أنه لّبى بالحج وحده ،فجوابه أن الثقات الذين
وما ذكره بكُر بن عبد ا ّ
ل صلى ال عليه
لا ّ
ت فى ابن عمر من بكر مثل سالم ابنه ،ونافع َرَوْوا عنه أنه قال :تمّتع رسو ُ
هم أثب ُ
ط بكر عن ابن عمر أولى من تغليط
ت فى ابن عمر من بكر .فتغلي ُ
وسلم بالُعْمرة إلى الحج ،وهؤلء أثب ُ
ى صلى ال عليه وسلم ،وُيشبه أن ابن عمر قال له:
سالم ونافع عنه ،وأولى من تغليطه هو على النب ّ
أفرَد الحج ،فظن أنه قال :لّبى بالحج ،فإن إفراد الحج ،كانوا ُيطلقونه وُيريدون به إفراد أعمال الحج،
65
وذلك رد منهم على َمن قال :إنه قرن ِقرانًا طاف فيه طوافين ،وسعى فيه سعيين ،وعلى َمن يقول :إنه
ل من إحرامه ،فرواية َمن روى من الصحابة أنه أفرد الحج ،ترّد على هؤلء ،يبين هذا ما رواه
حّ
ل صلى ال عليه وسلم بالح ّ
ج مسلم فى صحيحه عن نافع ،عن ابن عمر ،قال :أهللنا مع رسول ا ّ
ج مفردًا .
ُمفردًا ،وفى رواية :أهل بالح ّ
ل بحج مفردًا ،قيل :فقد ثبت
فهذه الرواية إذا قيل :إن مقصودها أن النبى صلى ال عليه وسلم أه ّ
حج ،وأنه بدأ،
ح من ذلك ،عن ابن عمر ،أن النبى صلى ال عليه وسلم تمتع بالُعْمرة إلى ال َ
بإسناد أص ّ
حج ،وهذا ِمن رواية الزهرى ،عن سالم ،عن ابن عمر وما عارض هذا عن
ل بال َ
ل بالُعْمرة ثم أه ّ
فأه ّ
صوده موافقًا له ،وإما أن يكون ابن عمر لما علم
ابن عمر ،إما أن يكون غلطًا عليه ،وإما أن يكون مق ُ
ن أنه أفرد ،كما َوِهَم فى قوله :إنه اعتمر فى رجب ،وكان
ل ،ظ ّ
حّى صلى ال عليه وسلم لم َي ِ
أن النب ّ
ل من إحرامه ،وكان هذا حال المفرد ظن أنه أفرد،
حّذلك نسيانًا منه ،والنبى صلى ال عليه وسلم لما َي ِ
ل صلى ال عليه وسلم ((...الحديث .
لا ّ
ثم ساق حديث الزهرى ،عن سالم ،عن أبيه)) :تمّتع رسو ُ
ث على
عروة ،عن عائشة بمثل حديث سالم عن أبيه قال :فهذا ِمن أصح حدي ٍ
وقول الزهرى :وحدثنى ُ
سـّنة ،عن سالم ،عن أبيه ،وهو من أصح
ل زمانه بال ّ
وجه الرض ،وهو من حديث الزهرى أعلم أه ِ
حديث ابن عمر وعائشة .
ل عنها فى الصحيحين ))أن النبى صلى ال عليه وسلم اعتمر
وقد ثبت عن عائشة رضى ا ّ
ن أن يكون متمّتعًا تمّتع
ج باتفاق العلماء ،فيتعي ُ
حّجته(( .ولم يعتِمْر بعد ال َ
حّ
عَمر ،الرابعة مع َ
أربَع ُ
ِقران ،أو التمتع الخاص .
ل صلى ال
لا ّ
ج والُعْمرة ،وقال)) :هكذا فعل رسو ُ
حّوقد صح عن ابن عمر ،أنه قرن بين ال َ
عليه وسلم(( رواه البخارى فى الصحيح .
ل عنهم
ل عنهم إفراد الحج ،فهم ثلثة :عائشة ،وابن عمر ،وجابر ،والثلثة ُنقِ َ
قال :وأما الذين ُنِق َ
ح من حديثهما ،وما صح فى ذلك
ج أص ّ
حّالتمتع ،وحديث عائشة وابن عمر:أنه تمتع بالُعْمرة إلى ال َ
عنهما ،فمعناه إفراُد أعمال الحج ،أو أن يكون وقَع منه غلط كنظائره ،فإن أحاديث التمتع متواترة
عمران بن حصين ،ورواها أيضًا:عائشة ،واب ُ
ن رواها أكابُر الصحابة ،كعمر ،وعثمان ،وعلى ،و ِ
عمر ،وجابر ،بل رواها عن النبى صلى ال عليه وسلم بضعة عشر من الصحابة.
66
قلت :وقد اتفق أنس ،وعائشة ،وابن عمر ،وابن عباس ،على أن النبى صلى ال عليه وسلم
جته،
حّعْمرة مع َ
ن عمر فى كون إحداهن فى رجب ،وكلهم قالوا :و ُ
عَمر ،وإنما وهم اب ُ
اعتمر أربع ُ
وهم سوى ابن عباس .قالوا :إنه أفرد الحج ،وهم سوى أنس ،قالوا :تمتع .فقالوا :هذا ،وهذا ،وهذا،
ول تناقض بين أقوالهم ،فإنه تمتَع َتَمّتَع ِقران ،وأفرد أعمال الحج ،وقرن بين الّنسكين ،وكان قارنًا
باعتبار جمعه بين الّنسكين ،ومفردًا باعتبار اقتصاره على أحد الطوافين والسعيين ،ومتمّتعًا باعتبار
ترّفهه بترك أحد السفرين .
ظ الصحابة ،وجمع الحاديث بعضها إلى بعض ،واعتبر بعضها ببعض ،وفهم
وَمن تأمل ألفا َ
ل الهادى
ح الصواب ،وانقشعت عنه ظلمة الختلف والضطراب ،وا ّ
صْب ُ
لغَة الصحابة ،أسفر له ُ
لسبيل الرشاد ،والموفق لطريق السداد .
فَمن قال :إنه أفرد الحج وأراد به أنه أتى بالحج مفردًا ،ثم فرغ منه ،وأتى بالُعْمرة بعده من التنعيم أو
غيره ،كما يظن كثيٌر من الناس ،فهذا غلط لم يقله أحد من الصحابة ول التابعين ،ول الئمة الربعة
سَلف
جًا مفردًا ،لم يعتِمْر معه كما قاله طائفة من ال َ
حّج َ
حّ ،ول أحد من أئمة الحديث .وإن أراد به أنه َ
خَلف ،فوهم أيضًا ،والحاديث الصحيحة الصريحة ترده كما تَبّين ،وإن أراد به أنه اقتصر على
وال َ
أعمال الحج وحده ولم يفرد للُعْمرة أعمال ،فقد أصاب ،وعلى قوله تدل جميع الحاديث .وَمن قال :
ج سعيًا ،
حّج طوافًا على حدة ،وللُعْمرة طوافًا على حدة ،وسعى لل َ
حّإنه قرن ،فإن أراد به أنه طاف لل َ
وللُعْمرة سعيًا ،فالحاديث الثابتة ترد قوله ،وإن أراد أنه قرن بين الّنسكين ،وطاف لهما طوافًا واحدًا
،وسعى لهما سعيًا واحدًا ،فالحاديث الصحيحة تشهد لقوله ،وقوُله هو الصواب .
ج إحرامًا مستأنفًا ،
حّل منه ،ثم أحرم بال َ
وَمن قال :إنه تمّتع ،فإن أراد أنه تمّتع َتَمّتعًا ح ّ
سْوق
ل منه ،بل بقى على إحرامه لجل َ
حّفالحاديث ترّد قوله وهو غلط ،وإن أراد أنه تمتع تمتعًا لم َي ِ
ل غلطًا ،وإن أراد تمتع الِقران ،فهو الصوا ُ
ب الَهْدى ،فالحاديث الكثيرة ترّد قوَله أيضًا ،وهو أق ّ
ل والختلف .
الذى تدل عليه جميع الحاديث الثابتة ،ويأتلف به شمُلها ،ويزول عنها الشكا ُ
فصل
عَمر النبى صلى ال عليه وسلم
فى الغاليط التى وقع فيها بعض العلماء فى ُ
س طوائف .
ى صلى ال عليه وسلم خم ُ
عَمر النب ّ
غِلط فى ُ
َ
67
س طوائف .
وغلط فى إحرامه خم ُ
إحداها َ :من قال :لّبى بالُعمرة وحَدها ،واستمر عليها .
ج وحده ،واستمر عليه .
حّالثانية َ :من قال :لّبى بال َ
ج ُمفردًا ،ثم أدخل عليه الُعْمرة ،وزعم أن ذلك خاص به .
حّالثالثة َ :من قال :لّبى بال َ
حج فى ثانى الحال .
الرابعة َ :من قال :لّبى بالُعمرة وحدها ،ثم أدخل عليها ال َ
سكًا ،ثم عّينه بعد إحرامه .
الخامسة َ :من قال :أحرم إحرامًا مطلقًا لم يعّين فيه ُن ُ
ل منهما
ل حتى ح ّ
ن حين أنشأ الحرام ،ولم يح ّ
ج والُعمرة معًا ِم ْ
حّب :أنه أحرم بال َ
والصوا ُ
جميعًا ،فطاف لهما طوافًا واحدًا ،وسعى لهما سعيًا واحدًا .وساق الَهْدى ،كما دّلت عليه النصو ُ
ص
ل أعلم .
ل الحديث ..وا ّ
المستفيضة التى تواترت تواترًا يعلُمه أه ُ
فصل
فى أعذار القائلين بهذه القوال ،وبيان منشأ الوهم والغلط
ل عنهما ،أن النبى
ل بن عمر رضى ا ّ
عذر َمن قال :اعتمر فى رجب ،فحديث عبد ا ّ
أما ُ
صلى ال عليه وسلم اعتمر فى رجب متفق عليه .وقد غّلطته عائشُة وغيُرها ،كما فى
ل بن عمر جالسًا
عروُة بن الزبير المسجد ،فإذا عبد ا ّ
ت أنا و ُ
))الصحيحين (( عن مجاهد ،قال :دخل ُ
س ُيصّلون فى المسجد صلَة الضحى ،قال :فسألناه عن صلتهم .فقال :
جَرِة عائشة ،وإذا نا ٌ
حْإلى ُ
ل صلى ال عليه وسلم ؟ قال :أربعًا .إحداهن :فى رجب ،
لا ّ
بدعة .ثم ُقلنا له :كم اعتمر رسو ُ
جَرِة ،فقال عروُة :يا ُأّمه أو يا
حْن عائشَة ُأّم المؤمنين فى ال ُ
فكرهنا أن َنُرّد عليه .قال :وسمعنا استنا َ
ل صلى
لا ّ
ن رسو َ
ل؟ قال :يقول :إ ّ
ل أبو عبد الرحمن ؟ قالت :ما يقو ُ
ن ما يقو ُ
ُأّم المؤمنين أل تسمعي َ
ل أبا عبد الرحمن ،ما اعتمر
حُم ا ُّ
عَمٍر ،إحداهن فى رجب .قالت :ير َ
ال عليه وسلم اعتمر أرَبع ُ
عَمَره ُكّلها
ن عباس :إن ُ
ط إل وهو شاِهٌد ،وما اعتمر فى رجب قط .وكذلك قال أنس ،واب ُ
عْمرًة ق ّ
ُ
كانت فى ذى الِقْعدة ،وهذا هو الصواب .
فصل
فيمن قال إنه صلى ال عليه وسلم اعتمر فى شّوال
69
عروة ،
ن ُ
ن قال :اعتمر فى شّوال ،فعُذره ما رواه مالك فى )) الموطأ (( ،عن هشام ب ِ
وأما َم ْ
ن فى شّوال ،واثنتين فى ذى
ل صلى ال عليه وسلم ،لم يعتمر إل ثلثًا ،إحداُه ّ
لا ّ
عن أبيه ،أن رسو َ
عروة أصابه فيه ما
الِقْعدة .ولكن هذا الحديث مرسل ،وهو غلط أيضًا ،إما ِمن هشام ،وإما ِمن ُ
ح رفُعه .قال اب ُ
ن صّأصاب ابن عمر .وقد رواه أبو داود مرفوعًا عن عائشة ،وهو غلط أيضًا ل َي ِ
ل على بطلنه عن
عبد البر :وليس روايته مسندًا مما ُيذكر عن مالك فى صحة النقل .قلت :ويد ّ
ل صلى ال عليه وسلم إل
لا ّ
ن مالك قالوا :لم يعَتِمْر رسو ُ
سبَ
عائشة :أن عائشة ،وابن عباس ،وأن َ
عمرة
ضّية ،كانتا فى ذى القِْعدة ،و ُ
عمرة الَق ِ
حَدْيِبَيِة و ُ
عْمرة ال ُ
فى ذى الِقْعدة .وهذا هو الصواب ،فإن ُ
جْعَراَنة أيضًا كانت فى أّول ذى الِقْعدة ،وإنما وقع الشتباه
عمرة ال ِ
الِقران إنما كانت فى ذى الِقْعدة ،و ُ
ل معتِمرًا من
ل مكة لي ً
أنه خرج من مكة فى شّوال للقاء العدو ،وفرغ من عدوه ،وقسم غناِئَمهم ،ودخ َ
ى ..
ش الكعب ّ
عْمرُته هذه على كثير من الناس ،وكذلك قال ُمحّر ٌ
ل ،فخفيت ُ
جعرانة ،وخرج منها لي ً
ال ِ
ل أعلم .
وا ّ
فصل
)يتبع(...
@فى خطأ َمن ظن أنه صلى ال عليه وسلم اعتمر من التنعيم بعد الحج
ف المعلوِم
عذرًا ،فإن هذا خل ُ
وأما َمن ظن أنه اعتمر ِمن التنعيم بعد الحج ،فل أعلم له ُ
ج ،ورأى
حّسِمع أنه أفرد ال َ
ن هذا َ
جته ،ولم ينقْله أحٌد قط ،ول قاله إماٌم ،ولعل ظا ّ
حّالمستفيض من َ
ل صلى
جة رسول ا ّ
حّل الفاق ل ُبد له أن يخُرج بعده إلى التنعيم ،فَنّزل َ
حج ِمن أه ِ
ن أفرد ال َ
ل َم ْ
أن ك ّ
ط.
ن الَغَل ِ
ال عليه وسلم على ذلك ،وهذا عي ُ
فصل
حجته أص ً
ل فى عذر َمن قال إنه صلى ال عليه وسلم لم يعتمر فى َ
ل ،فعذُره أنه لما سمع أنه أفرد الحج ،وعلم يقينًا أنه
حجته أص ً
وأما َمن قال :إنه لم يعتمْر فى َ
حجة اكتفاًء منه بالُعْمرة المتقّدمة ،والحادي ُ
ث حجته قال :إنه لم يعتِمْر فى تلك ال َ
لم َيعتِمْر بعد َ
المستفيضة الصحيحة تُرّد قوَله كما تقّدم من أكثر من عشرين وجهًا ،وقد قال )) :هذه عمرٌة استمتعنا
عمرتك ؟ وقال سراقة بن مالك :تمّتَع
ل أنت من ُ
حّحّلوا ولم َت ِ
س َ
بها (( وقالت حفصة :ما شأن النا ِ
70
ن هو
عْمَرٍة (( ،وخبر َم ْ
جٍة و ُ
حّك ِب َ
إليه حينئذ من غيره ،فهو من أصدق الناس يسمعُه يقول َ )) :لّبْي َ
ل بهما
ل عنه ،حين ُيخبر أنه أه ّ
ى بن أبى طالب رضى ا ّ
ل عليه وسلم ،عل ّ
س عنه صلى ا ّ
ن أعلم الّنا ِ
ِم ْ
ل منها ،
حّجميعًا ،ولّبى بهما جميعًا ،وخبُر زوجته حفصَة فى تقريره لها على أنه معتِمٌر بُعمرة لم َي ِ
ل عليه وسلم ل ُيقِّر على
فلم ُيْنِكْر ذلك عليها ،بل صّدقها ،وأجابها بأنه مع ذلك حاج ،وهو صلى ا ّ
ل عليه وسلم عن نفسه بالوحى الذى
ل ،بل ُيْنكُره ،وما عذرهم عن خبره صلى ا ّ
باطل يسمُعه أص ً
عْمَرٍة ،وما عذرهم عن خبر َمن أخبر عنه من أصحابه ،
جٍة فى ُ
حّلبَ
جاءه من ربه ،يأُمره فيه أن ُيِه ّ
جته ،
ل عليه وسلم أنه اعتَمر مع ح ّ
ج بعدها ،وخبر َمن أخبر عنه صلى ا ّ
حّأنه قرن ،لنه علم أنه ل ي ُ
ل أحٌد منهم عنه :إّنى أفردت ،ول أتانى
ئ من ذلك البّتة ،فلم َيُق ْ
جش ٌ
وليس مع َمن قال :إنه أفرد الح ّ
حّلوا هم
جتك ،كما َ
حّل ِمن َ
حّحّلوا ،ولم َت ِ
س َ
ل النا ِ
ت من ربى يأمُرنى بالفراد ،ول قال أحٌد :ما با ُ
آ ٍ
حج مفرد ،ول قال أحٌد :إنه
ك بُعمرة مفردة البتة ،ول ب َ
بُعمرة ،ول قال أحٌد :سمعُته يقول :لّبْي َ
حجته ،وقد شهد عليه أربعة من الصحابة أنهم سمعوه ُيخِبُر عن نفسه
عَمر الرابعة بعد َ
اعتمر أربع ُ
ق الوهم والغل ِ
ط ل إلى دفع ذلك إل بأن يقال :لم يسمعوه .ومعلوم قطعًا أن تطّر َ
بأنه قارن ،ول سبي َ
طّرق التكذيب إلى َمن قال :سمعُته يقول كذا
إلى َمن أخبر عما فهمه هو ِمن فعله يظّنه كذلك أولى من َت َ
ف خبِر َمن أخبر عما ظّنه ِمن فعله
ب ِ ،بخل ِ
وكذا وإنه لم يسمعه ،فإن هذا ل يتطرق إليه إل التكذي ُ
ل عليًا ،وأنسًا ،والبّراء ،وحفصة عن أن يقولوا :
وكان واهمًا ،فإنه ل ُينسب إلى الكذب ،ولقد نّزه ا ّ
سمعناه يقول كذا ولم يسمعوه ،نّزهه رّبه تبارك وتعالى ،أن يرسل إليه :أن افعل كذا وكذا ولم
ل الباطل ،فكيف والذين ذكروا الفراد عنه لم ُيخالفوا هؤلء فى
يفعله ،هذا ِمن أمحل الُمحال ،وأبط ِ
مقصودهم ،ول ناقضوهم ،وإنما أرادوا إفراد العمال ،واقتصاره على عمل المفرد ،فإنه ليس فى
عمله زيادٌة على عمل المفرد .وَمن روى عنهم ما ُيوِهم خلف هذا ،فإنه عّبر بحسب ما فهمه ،كما
ج وحده ،فحمله على المعنى .وقال
ن عمر يقول :أفرد الحج ،فقال :لّبى بالح ّ
لبَ
سمع بكر بن عبد ا ّ
ج ،فهذا سالم ُيخبُر بخلف ما
ل بالح ّ
ل بالُعمرة ،ثم أه ّ
سالم ابنه عنه ونافع موله :إنه تمّتع ،فبدأ فأه ّ
ل بالُعمرة ،ثم أه ّ
ل سره بقوله :وبدأ فأه ّ
ح تأويل هذا عنه بأنه أمر به ،فإنه ف ّ
صّأخبر به بكر ،ول َي ِ
عروة ،والقاسم ،وروى الِقران
ل عنها ،فهما ُ :
ج ،وكذا الذين َرَوُوا الفراد عن عائشة رضى ا ّ
بالح ّ
عروة الفراد ،والّزهرى يروى عنه الِقران .فإن
عنها عروُة ،ومجاهد ،وأبو السود يروى عن ُ
73
ل يوم
ل من إحرامه إ ّ
حّل عليه وسلم لم َي ِ
المستفيضة من الوجوه المتعّددة كلها تدل على أنه صلى ا ّ
ت الَهْد َ
ى سْق ُ
ت (( ،وقوله ِ )) :إّنى ُ
حَلْل ُ
لْى َ
ى الَهْد َ
ن َمع َ
ل َأ ّ
النحر ،ولذلك أخبر عن نفسه بقوله َ )) :لْو َ
ط ،بخلف خبر غيره
حَر (( .وهذا خبٌر عن نفسه ،فل يدخله الوهُم ول الغل ُ
ل حّتى َأْن َ
حّل ُأ ِ
ت َف َ
َوَقَرْن ُ
ف ما أخبر به عن نفسه ،وأخبر عنه به الجّم الغفيُر ،أنه لم يأخذ من شعره
عنه ،ل سيما خبرًا يخاِل ُ
صَر عن
حَلق يوَم النحر ،ولعل معاوية ق ّ
شيئًا ،ل بتقصير ول حلق ،وأنه بقى على إحرامه حتى َ
جْعرانة ،فإنه كان حينئذ قد أسلم ،ثم نسى ،فظن أن ذلك كان فى العشر ،كما نسى
رأسه فى عمرة ال ِ
عَمَرُه كانت كّلها فى ذى الِقْعدَة .وقال :كانت ] إحداهن [ فى رجب ،وقد كان معه فيها ،
ن عمر أن ُ
اب ُ
والوهم جائٌز على َمن سوى الرسول صلى ال عليه وسلم .فإذا قام الدليل عليه ،صار واجبًا .
ق يوم النحر ،فأخذه
لُصَر عن رأسه بقية شعر لم يكن استوفاه الح ّ
وقد قيل :إن معاوية لعله ق ّ
لق ل ُيبقى غلطًا
معاوية على المروة ،ذكره أبو محمد بن حزم ،وهذا أيضًا ِمن وهمه ،فإن الح ّ
صر منه ،ثم ُيبقى منه بعد التقصير بقية يوم النحر ،وقد قسم شعر رأسه بين الصحابة ،
شعرًا ُيق ّ
ق الخر ،الشعرة ،والشعرتين ،
شَشقين ،وبقية الصحابة اقتسموا ال ّ
فأصاب أبا طلحة أحد ال ّ
صفا والمروِة إل سعيًا واحدًا وهو سعُيه الول ،لم يسَع عقب
والشعرات ،وأيضًا فإنه لم يسَع بين ال ّ
حضٌ .وقيل :هذا السناد إلى معاوية وقع
ج قطعًا ،فهذا وهم َم ْ
حّف الفاضة ،ول اعتمر بعد ال َ
طوا ِ
ى ،فجعله عن معمر ،عن ابن طاووس ،وإنما هو عن
فيه غلط وخطأ ،أخطأ فيه الحسن ابن عل ّ
حجير ،عن ابن طاووس ،وهشام :ضعيف .
هشام ابن ُ
ل صلى ال عليه
لا ّ
ت عن رأس رسو ِ
صْر ُ
ث الذى فى البخارى عن معاوية :ق ّ
قلت :والحدي ُ
ل صلى ال عليه
لا ّ
سو ِ
س َر ُ
ن َرأ ِ
عْت َ
صْر ُ
ص َ ،وَلْم َيِزْد على َهَذا ،والذى عند مسلم َ :ق ّ
وسلم بمشَْق ٍ
عَلى الَمْرَوِة .وليس فى )) الصحيحين (( غير ذلك .
ص َ
وسلم ِبِمشَْق ٍ
وأما روايُة َمن روى )) :فى أيام العشر (( فليست فى الصحيح ،وهى معلولة ،أو وهم من
ن هذا على معاوية .
معاوية .قال قيس بن سعد راويها عن عطاء عن ابن عباس عنه ،والناس ُينِكُرو َ
ط.
ل :إن هذا ما كان فى العشر ق ّ
ف با ِّ
وصدق قيس ،فنحن نحِل ُ
ويشبه هذا وهم معاوية فى الحديث الذى رواه أبو داود ،عن قتادة ،عن أبى شيخ الُهنائى ،أن
ن
عْى صلى ال عليه وسلم َنَهى َ
ن النب ّ
ى صلى ال عليه وسلم :هل تعلُمون أ ّ
معاوية قال لصحاب النب ّ
78
ج والُعْمَرِة ؟
حّن ال َ
ن َبْي َ
ن ُيْقَر َ
ن َأّنُه َنَهى َأ ْ
جُلوِد الّنُموِر ؟ قالوا َ :نَعم .قال َ :فَتْعَلُمو َ
ب ُ
ن ُرُكو ِ
عَْكَذا َ ،و َ
ل :إن هذا وهم ِمن معاوية ،
شَهُد با ِّ
سيُتم .ونحن َن ْ
ل َ :أما إّنَها َمَعَها َوَلِكّنُكْم َن ِ
ل َ ،فَقا َ
َقالوا َ :أّما هِذِه َ ،ف َ
ط ،وأبو شيخ شيخ ل ُيحتج به ،
ل صلى ال عليه وسلم عن ذلك ق ّ
لا ّ
ب عليه ،فلم ينَه رسو ُ
أو كذ ٌ
ل عن أن يقّدم على الثقات الحّفاظ العلم ،وإن روى عنه قتادة ويحيى بن أبى كثير واسمه
فض ً
خيوان ابن خلدة بالخاء المعجمة وهو مجهول .
فصل
ج متمتعًا
حّفى الرد على َمن زعم أنه صلى ال عليه وسلم َ
سْوق الَهْدى كما قاله صاحب )) المغنى ((
ل منه لجل َ
حّج متمّتعًا تمّتعًا لم َي ِ
وأما َمن قال :ح ّ
ل صلى ال عليه وسلم .وقول حفصة :ما
لا ّ
ل عائشة وابن عمر :تمّتع رسو ُ
وطائفة ،فعذُرهم قو ُ
ل صلى ال عليه
لا ّ
ل من عمرتك ؟ وقول سعد فى المتعة :قد صنعها رسو ُ
شأن الناس حّلوا ولم َتح ّ
ك
ل :إن أبا َ
ج :هى حلل ؟ فقال له السائ ُ
حّوسلم وصنعناها معُه ،وقول ابن عمر لمن سأله عن متعة ال َ
ل عليه وآله وسلم ،
ل صّلى ا ّ
لا ّ
صَنَعَها رسو ُ
ت إن كان أبى نهى عنها ،و َ
قد نهى عنها ،فقال :أرأي َ
ل عليه وآله وسلم ؟ فقال الرجل :بل أمَر رسول ال صلى
ل صّلى ا ّ
ل ا ِّ
أأَمر أبى َتّتِبُع ،أم أَمر رسو ِ
ل عليه وآلِه وسّلم .
ل صّلى ا ّ
ل ا ِّ
صَنَعها رسو ُ
ال عليه وآله وسلم .فقال :لقد َ
ن َمعىَ
ى معه ،ولهذا قال )) :لول أ ّ
ل المتمتُع الذى ل َهْد َ
ل كما يح ّ
ى لح ّ
قال هؤلء :ولول الَهْد ُ
نل
ل الِقرا ُ
ن إنما يمنعه من الح ّ
ق الَهْدى ،والقار ُ
ل سو ُ
ت (( فأخبر أن المانع له ِمن الح ّ
حَلْل ُ
لْى َ
الَهْد َ
ج قبل التحلل من الُعْمرِة
حّب هذا القول قد ُيسّمون هذا المتمَتع قارنًا ِ ،لكونه أحَرم بال َ
ى ،وأربا ُ
الَهْد ُ
حج قبل الطواف .
ل عليها ال َ
خَف أن ُيحِرم بهما جميعًا ،أو ُيحرِم بالُعْمرة ،ثم ُيد ِ
ن الِقران المعرو َ
ولك ّ
والفرق بين القاِرن والمتمتع السائق من وجهين ،أحدهما :من الحرام ،فإن القارن هو
ج قبل الطواف ،إما فى ابتداء الحرام ،أو فى أثنائه .
حّالذى ُيحِرم بال َ
ل ،وإل سعى عقيبَ طواف
ى واحد ،فإن أتى به أو ً
والثانى :أن القارن ليس عليه إل سع ٌ
ن عند الجمهور .وعن أحمد رواية أخرى :أنه يكفيه سعى واحد
الفاضة ،والمتمتُع عليه سعى ثا ٍ
ن متمتعًا
ف الفاضة ،فكيف يكو ُ
ب طوا ِ
كالقارن ،والنبى صلى ال عليه وسلم لم يسَع سعيًا ثانيًا عقي َ
ل.
على هذا القو ِ
79
فإن قيل : :فعلى الرواية الخرى ،يكون متمتعًا ،ول يتوجه اللزام ،ولها وجه قوى من
ف النبى صلى ال
الحديث الصحيح ،وهو ما رواه مسلم فى )) صحيحه (( ،عن جابر قال :لم يط ِ
ن أكثَرهم كاُنوا
عليه وسلم ،ول أصحابُه بين الصفا والمروة إل طوافًا واحدًا .طواَفه الول هذا ،مع أ ّ
ى ،عن سلمَة بن ُكهيل قال :حلف طاووس :ما طاف أحٌد من
ن الثور ّ
متمّتعين .وقد روى سفيا ُ
عمرته إل طوافًا واحدًا .
جه و ُ
حّ
ل عليه وآله وسلم ِل َ
ل صّلى ا ّ
لا ّ
أصحاب رسو ِ
جبون عليه
قيل :الذين نظروا أنه كان متمتعًا تمتعًا خاصًا ،ل يقوُلون بهذا القول ،بل ُيو ِ
ل عليه وآله وسلم ،أنه لم يسَع إل سعيًا واحدًا ،كما ثبت فى
سـّنته صّلى ا ّ
سعيين ،والمعلوُم ِمن ّ
َ
الصحيح ،عن ابن عمر ،أنه قرن ،وقدم مكة ،فطاف بالبيت وبالصفا والمروة ،ولم يزد على ذلك ،
حَر وحَلق رأسه ،ورأى أنه
ل ِمن شئ حرم منه ،حتى كان يوُم النحر ،فن َ
حّصر ،ول َ
ق ول ق ّ
ولم يحِل ْ
ل عليه وآله وسلم .
ل ال صلى ا ّ
ج والُعْمرة بطواِفه الول ،وقال :هكذا فعل رسو ُ
ف الح ّ
قد قضى طوا َ
ف بين الصفا والمروة بل ريب .
عْمرته :الطوا ُ
جه و ُ
حّومراده بطوافه الول الذى قضى به َ
ى صلى ال عليه وسلم ،
وذكر الدارقطنى ،عن عطاء ونافع ،عن ابن عمر ،وجابر :أن النب ّ
صَدِر
عمرته طوافًا واحدًا ،وسعى سعيًا واحدًا ،ثم َقِدَم مكة ،فلم يسَع بينهما بعد ال ّ
جه و ُ
حّإنما طاف ل َ
ب على المتمتع
فهذا يدل على أحِد أمرين ،ول ُبد إما أن يكون قارنًا ،وهو الذى ل ُيمكن َمن أوج َ
ى واحد ،ولكن الحاديث التى تقّدمت فى بيان أنه
ل غيَره ،وإما أن المتمتع يكفيه سع ٌ
ن أن يقو َ
سعيي ِ
كان قارنًا صريحٌة فى ذلك ،فل ُيعَدل عنها .
حصين ،أن النب ّ
ى عمران بن ُ
حميد بن هلل ،عن ُمطّرف ،عن ِ
فإن قيل فقد روى شعبُة ،عن ُ
ل عليه وآله وسّلم ،طاف طوافين ،وسعى سعيين .رواه الدارقطنى عن ابن صاعد :حدثنا
صّلى ا ّ
ل بن داود ،عن شعبة .قيل :هذا خبر معلول وهو غلط .قال
محمد بن يحيى الزدى ،حدثنا عبد ا ّ
الدارقطنى :يقال :إن محمد بن يحيى حّدث بهذا من حفظه [ ،فوهم فى متنه والصواب بهذا السناد :
ل تعالى ما يدل
ل أعلم .وسيأتى إن شاء ا ّ
ج والُعمرة وا ّ
حّل عليه وآله وسلم قرن بين ال َ
ى صّلى ا ّ
أن النب ّ
على أن هذا الحديث غلط .
ل عليه وآله وسلم كان
ل صّلى ا ّ
لا ّ
ن رسو َ
وأظن أن الشيخ أبا محمد بن قدامة ،إنما ذهب إلى أ ّ
سبحانه لم يكن
ل ُ
ل ِمن الِقران ،ورأى أن ا ّ
ص على أن التمتَع أفض ُ
متمتعًا ،لنه رأى المام أحمد قد ن ّ
80
ض ُ
ت جاِهّليٍة َلَنَق ْ
عْهٍد َب َ
حِديُثو َ
ك َ
ن َقوَم ِ
لأّ
لما فيه من الموافقة وتأليف القلوب ،كما قال لعائشة َ )) :لْو َ
لْولى فى
ك ما هو الولى لجل الموافقة والتأليف ،فصار هذا هو ا َ
ن (( فهذا تر ُ
ت لَها َباَبْي ِ
جَعْل ُ
الّكْعَبَة و َ
هذه الحال ،فكذلك اختياُره للُمتعة بل َهْدى .وفى هذا جمع بين ما فعله وبين ما وّده وتمّناه ،ويكون
ل سبحانه قد جمع له بين المرين ،أحُدهما بفعله له ،والثانى :بتمّنيه ووّده له ،فأعطاه أجَر ما
ا ّ
ى أفض َ
ل ق فيه الَهْد َ
س ْ
ل ولم َي ُ
ك يتخّلُله الّتحل ُ
سٌ
فعله ،وأجَر ما نواه من الموافقة وتمّناه ،وكيف يكون ُن ُ
سك اختاره
ك أفضل فى حقه من ّن ُ
سٌ
ك لم يتخّلله تحّلل ،وقد ساق فيه مائَة َبَدنٍة ،وكيف يكون ُن ُ
سٍ
ِمن ُن ُ
ى من ربه
ل له ،وأتاه به الوح ُ
ا ّ
فإن قيل :التمتع وإن تخلله تحلل ،لكن قد تكّرَر فيه الحراُم ،وإنشاؤه عبادة محبوبة للرب ،
والِقران ل يتكرر فيه الحرام ؟
ل بسوق الَهْدى ،والتقرب إليه بذلك من الفضل ما ليس فى مجرد
قيل :فى تعظيم شعائر ا ّ
ق الَهْدى ل مقابل له يقوُم مقامه .
تكرر الحرام ،ثم إن استدامته قائمٌة مقام تكّرره ،وسو ُ
حرُم بالحج
ل منه ،ثم ُي ِ
حّل ،إفراد يأتى عقيَبه بالُعْمرة أو تمتع َي ِ
فإن قيل :فأّيما أفض ُ
عقيَبه ؟
ل لفضل الخلق ،وسادات
ك الذى اختاره ا ّ
سِ
ل من الّن ُ
ط أفض ُ
سكًا ق ّ
ل أن نظن أن ُن ُ
قيل :معاذ ا ّ
جوا
حّل صلى ال عليه وسلم ،ول أحد من الصحابة الذين َ
لا ّ
سك لم يفعله رسو ُ
لّمة ،وأن نقول فى ُن ُ
اُ
حج على وجه الرض
ل مما فعلوه بأمره ،فكيف يكون َ
معه ،بل ول غيُرهم من أصحابه :إنه أفض ُ
ل الخلق ،واختاره لهم ،وأمرهم
ضُل عليه ،وُأِمَر به أْف َ
تا ّ
جه النبى صلوا ُ
ج الذى ح ّ
حّل ِمن ال َ
أفض َ
ل من هذا .وهذا وإن صح عنه
ط أكم ُ
جق ّ
حّ
بفسخ ما عداه من النساك إليه ،ووّد أنه كان فعله ،ل َ
شك ِقّلُة
خلفه نظر ،ول ُيوح ْ
ق بالتمتع ،ففى جواِز ِ
ى بالِقران ،ولمن لم يس ْ
المر لمن ساق الَهْد َ
ل بن عباس وجماعًة من أهل الظاهر ،
ف عبَد ا ّ
القائلين بوجوب ذلك ،فإن فيهم البحَر الذى ل َيْنِز ُ
ل المستعان .
حَكُم بين الناس ..وا ّ
سـّنة هى ال َ
وال ّ
فصل
فى عذر َمن قال إنه صلى ال عليه وسلم حج قارنًا ِقرانًا طاف له طوافين ،وسعى له سعيين
82
ج قاِرنًا ِقرانًا طاف له طوافين ،وسعى له سعيين ،كما قاله كثير من فقهاء
حّوأما َمن قال :إنه َ
عْمرة معًا ،
جوُ
حّ
الكوفة ،فُعْذُره ما رواه الدارقطنى من حديث مجاهد ،عن ابن عمر :أنه جمع بين َ
ت رسول ا ّ
ل وقال :سبيلهما واحد ،قال :وطاف لهما طوافين ،وسعى لهما سعيين .وقال :هكذا رأي ُ
صلى ال عليه وسلم صنع كما صنعت .
سَعى لهما سعيين ،وقال :
ف لهما طوافين ،و َ
ى بن أبى طالب ،أنه جمع بينهما ،وطا َ
وعن عل ّ
ت.
ل صلى ال عليه وسلم صنَع كما صنع ُ
هكذا رأيت رسول ا ّ
ن،
ل عنه أيضًا أن النبى صلى ال عليه وسلم كان قارنًا ،فطاف طواَفْي ِ
ى رضى ا ّ
وعن عل ّ
وسعى سعيين .
جته
حّ
ل صلى ال عليه وسلم ل َ
لا ّ
ف رسو ُ
ل بن مسعود قال :طا َ
وعن علقمة ،عن عبد ا ّ
ى ،وابن مسعود .
عمرته طوافين ،وسعى سعيين ،وأبو بكر ،وعمر ،وعل ّ
وُ
ن ،وسعى سعيين
ى صلى ال عليه وسلم طاف طواَفْي ِ
حصين :أن النب ّ
عمران بن ُ
وعن ِ
ح منها حرف واحد .
صّث صحيحًة ،بل ل َي ِ
وما أحسن هذا العذَر ،لو كانت هذه الحادي ُ
عمارة ،وقال الدارقطنى :لم يروه عن الحكم غيُر الحسن
أما حديث ابن عمر ،ففيه الحسن بن ُ
عمارة ،وهو متروك الحديث .
بن ُ
ل عنه الول ،فيرويه حفص بن أبى داود .وقال أحمد ومسلم :
ى رضى ا ّ
ث عل ّ
وأما حدي ُ
حفص متروك الحديث ،وقال ابن خراش :هو كّذاب يضع الحديث ،وفيه محمد بن عبد الرحمن بن
أبى ليلى ،ضعيف .
ل بن محمد بن عمر بن على ،حدثنى أبى عن أبيه
وأما حديثه الثانى :فيرويه عيسى بن عبد ا ّ
ل يقال له :مبارك ،وهو متروك الحديث .
عن جده قال الدارقطنى :عيسى بن عبد ا ّ
ل ،فيرويه أبو بردة عمرو بن يزيد ،عن حماد عن إبراهيم ،عن
وأما حديث علقمة عن عبد ا ّ
ن دونه فى السناد ضعفاء ..انتهى .وفيه عبد العزيز
علقمة .قال الدارقطنى :وأبو بردة ضعيف ،وَم ْ
بن أبان ،قال يحيى :هو كّذاب خبيث .وقال الرازى والنسائى :متروك الحديث .
ط فيه محمد بن يحيى الزدى ،وحّدث به من
غِل َ
عمران بن حصين ،فهو مما َ
وأما حديث ِ
حفظه ،فوهم فيه ،وقد حّدث به على الصواب ِمرارًا ،ويقال :إنه رجع عن ذكر الطواف والسعى .
83
وقد روى المام أحمد ،والترمذى ،وابن حبان فى )) صحيحه (( من حديث الدراوردى ،عن
ن َقَر َ
ن ل صلى ال عليه وسلم َ )) :م ْ
ل بن عمر ،عن نافع ،عن ابن عمر قال :قال رسول ا ّ
عبيد ا ّ
ُ
جَزَأُه
ج والُعْمَرِة َأ ْ
حّحَرَم بال َ
ن َأ ْ
حٌد (( .ولفظ الترمذى َ )) :م ْ
ف وا ِ
طوا ٌ
جَزَأُه َلُهَما َ
عْمَرِتِه َ ،أ ْ
جِتِه َو ُ
حّبين َ
جميعًا (( .
ل ِمنهما َ
حّحّتى َي ِ
حٌد عنهما َ ،
ى َوا ِ
ف َوسَْع ٌ
طوا ٌ
َ
ل صلى ال
ل عنها قالت :خرجنا َمَع رسول ا ّ
وفى )) الصحيحين (( ،عن عائشَة رضى ا ّ
ج والُعْمَرِة ُ ،ثّم ل
حّل بال َ
ى َفْلُيه ّ
ن َمَعُه َهْد ٌ
ن َكا َ
جِة الوداع ،فأهللنا بُعمرة ،ثم قال َ :م ْ
حّ
عليه وسلم فى َ
خَر َبْعَد أ ْ
ن طَوافًا آ َ
طاُفوا َ
حّلوا ،ثم َ
ن َأَهّلوا بالُعْمرِة ُ ،ثّم َ
جِميعًا ،فطاف اّلِذي َ
ل ِمْنُهَما َ
ل حّتى َيح ّ
حَّي ِ
حدًا (( .
طَواَفًا وا ِ
طاُفوا َ
ج والُعْمَرِة ،فإّنَما َ
حّن ال َ
جَمُعوا َبْي َ
ن َ
ن ِمَنى َ ،وَأّما اّلِذي َ
جُعوا ِم ْ
َر َ
صَفا والَمْرَوِة ،
ت وِبال ّ
ك بالَبْي ِ
ن طواَف ِ
ل صلى ال عليه وسلم قال ِلعاِئشة )) :إ ّ
لا ّ
ن رسو َ
حأّ
وص ّ
ك (( .
عْمَرِت ِ
ك َو ُ
جِ
حّكل َ
َيْكِفي ِ
ل صلى ال عليه
لا ّ
وروى عبد الملك بن أبى سليمان ،عن عطاء ،عن ابن عباس ،أن رسو َ
عمرته .وعبد الملك :أحد الثقات المشهورين ،احتج به مسلم ،
جه و ُ
حّحدًا ل َ
وسلم ،طاف طوافًا وا ِ
وأصحاب السنن .وكان يقال له :الميزان ،ولم ُيتكلم فيه بضعف ول جرح ،وإنما ُأنكر عليه حدي ُ
ث
عاُرَها
ظاِهٌر عنه َ
شَكاٌة َ
ك َ
الشفعةَ ،وِتْل َ
ن بين الح ّ
ج ل عنه ،أن النبى صلى ال عليه وسلم َقر َ
وقد روى الترمذى عن جابر رضى ا ّ
والُعمرة ،وطاف لهما طوافًا واحدًا وهذا ،وإن كان فيه الحجاج بن أرطاة ،فقد روى عنه سفيان ،
ج من
ف بما يخُر ُ
ى أحد أعر ُ
وشعبة ،وابن نمير ،وعبد الرزاق ،والخلق عنه .قال الثورى :وما بق َ
ظ ،وقال ابن معين :
سِلَم منه .وقال أحمد :كان من الحفا ِ
ل من َ
س ،وق ّ
رأسه منه ،وعيب عليه التدلي ُ
ب فى صدقه
ليس بالقوى ،وهو صدوق يدلس .وقال أبو حاتم :إذا قال :حّدثنا ،فهو صادق ل نرتا ُ
وحفظه .وقد روى الدارقطنى ،من حديث ليث بن أبى سليم قال :حدثنى عطاء ،وطاووس ،
ف هو
ط ْ
ى صلى ال عليه وسلم لم َي ُ
ومجاهد ،عن جابٍر ،وعن ابن عمر ،وعن ابن عباس :أن النب ّ
حجهم .وليث بن أبى سليم ،احتج به أه ُ
ل حدًا لُعْمرتهم و َ
صفا والمروة إل طوافًا وا ِ
وأصحابه بين ال ّ
سـّنة
ب ُ
ن معين :ل بأس به ،وقال الدارُقطنى :كان صاح َ
السنن الربعة ،واستشهد به مسلم ،وقال اب ُ
،وإنما أنكروا عليه الجمَع بين عطاء وطاووس ومجاهد فحسب .وقال عبد الوارث :كان من أوعية
84
العلم ،وقال أحمد :مضطِرب الحديث ،ولكن حّدث عنه الناس ،وضّعفه النسائى ،ويحيى فى رواية
عنه ،ومثل هذا حديثه حسن .وإن لم يبلغ رتبة الصحة .
ل صلى ال عليه وسلم على عائشة ،ثم
لا ّ
وفى )) الصحيحين (( عن جابر قال :دخل رسو ُ
ت،
ف بالَبْي ِ
ط ْ
ل ولم أ ُ
حّل الناس ولم َأ ِ
حّ
ت وقد َ
ض ُ
ح ْ
ك (( ؟ فقالت :قد ِ
ل )) :ما ُيْبِكي ِ
وجَدها تبكى َفَقا َ
ف حتى إذا طُهرت ،طافت بالكعبة وبالصفا
سلى ُثّم أهّلى (( ففعلت ،ثم وقفت المواِق َ
غَت ِ
فقال )) :ا ْ
جِميعًا (( .
ك َ
عْمَرِت ِ
ك َو ُ
جِ
حّ
ن َ
ت ِم ْ
حَلْل ِ
والَمْرَوِة ،ثم قال َ )) :قْد َ
ف واحٌد
وهذا يدل على ثلثة ُأمور ،أحدها :أنها كانت قارنة ،والثانى :أن القارن يكفيه طوا ٌ
ى واحد .والثالث :أنه ل يجب عليها قضاُء ِتلك الُعْمرِة التى حاضت فيها ،ثم أدخلت عليها
وسع ٌ
ج ،وأنها َتْرُفض إحرام الُعْمرة بحيضها ،وإنما رفضت أعمالها والقتصاَر عليها ،وعائشة َلم
الح ّ
ف الفاضة
ف ،وسعت مع ذلك ،فإذا كان طوا ُ
ف إل بْعَد الّتعري ِ
ط ْ
ف الُقدوم ،بل لم َت ُ
ل طوا َ
ف أو ً
ط ْ
َت ُ
ف القدوم مع طواف الفاضة ،وسعى واحد مع أحدهما
ن ،فلن يكفيه طوا ُ
ى بعُد يكفى القاِر َ
والسع ُ
جًة ،فإن المرأة التى
حّ
صتها ُ
لْولى ،لكن عائشة تعّذر عليها الطواف الول ،فصارت ق ّ
بطريق ا َ
ج على الُعْمرة ،وتصيُر قارنًة ،
حّل ال َ
خُل كما فعلت عائشة ُ ،تد ِ
ف الول ،تفع ُ
يتعّذر عليها الطوا ُ
ى عقيبه .
ف الفاضة والسع ُ
ويكفيها لهما طوا ُ
ن ،ول سعى
طوافي ِ
ف َ
ط ْ
ل عليه وسلم لم َي ُ
قال شيخ السلم ابن تيمية :ومما يبين أنه صلى ا ّ
ج والُعْمرة ،فإنما طافوا طوافًا واحدًا متفق
حّل عنها :وأما الذين جمعوا ال َ
ل عائشة رضى ا ّ
سعيين قو ُ
عليه وقول جابر :لم يطف النبى صلى ال عليه وسلم وأصحابه بين الصفا والمروة إل طوافًا واحدًا ،
جِ
كحّ
عنْ َ
صَفا والَمْرَوِة َ
ك بال ّ
طواُف ِ
ك َ
عْن ِ
جِزئ َ
طوافه الول (( ))رواه مسلم(( وله لعائشة ُ )) :ي ْ
صَفا والَمْرَوِة
ن ال ّ
ت َوَبْي َ
ك بالَبْي ِ
طواُف ِ
ك (( ))رواه مسلم (( وقوله لها فى رواية أبى داود َ )) :
عْمَرِت ِ
َو ُ
ك جميعًا (( .وقوله لها فى الحديث المتفق عليه لما طافت بالكعبة وبين الصفا
عْمَرِت ِ
ك َو ُ
جِ
حّكل َ
َيْكِفي ِ
ل صلى
ك جميعًا (( قال :والصحابة الذين نقلوا حجَة رسول ا ّ
عْمَرِت ِ
ك َو ُ
جِ
حّن َ
ت ِم ْ
حَلْل ِ
والمروة )) :قد َ
ل إل َمن ساق
ال عليه وسلم ُ .كّلهم نقلوا أنهم لما طافوا بالبيت وبين الصفا والمروة ،أمرهم بالتحلي ِ
ل أحد منهم أن أحدًا منهم طاف وسعى ،ثم طاف وسعى .
حِر ،ولم َيْنُق ْ
ل إل يوَم الّن ْ
الَهْدى .فإنه ل َيح ّ
85
عِلَم
ومن المعلوم ،أن مثل هذا مما تتوفر الهمم والدواعى على نقله .فلما لم ينقله أحٌد من الصحابة ُ ،
أنه لم يكن .
ى ،وآخر عن ابن مسعود
وعمدة َمن قال بالطوافين والسعيين ،أثٌر يرويه الكوفيون ،عن عل ّ
ل عنهما .
رضى ا ّ
ن يكفيه طوا ٌ
ف ل عنه ،أن القار َ
ى رضى ا ّ
وقد روى جعفر بن محمد ،عن أبيه ،عن عل ّ
ى واحد ،خلف ما روى أهل الكوفة ،وما رواه العراقيون ،منه ما هو منقطع ،ومنه ما
واحد ،وسع ٌ
ن حزم :كل ما ُروى فى
رجاله مجهولون أو مجروحون ،ولهذا طعن علماُء النقل فى ذلك حتى قال اب ُ
ل فى ذلك عن النبى صلى ال عليه وسلم ،ما
ح منه ول كلمٌة واحدة .وقد ُنِق َ
صّذلك عن الصحابة ،ل َي ِ
ل صلى ال عليه وسلم
هو موضوع بل ريب .وقد حلف طاووس :ما طاف أحٌد من أصحاب رسول ا ّ
ل ذلك عن ابن عمر ،وابن عباس ،وجابر ،وغيرهم
عْمرته إل طوافًا واحدًا ،وقد ثبت مث ُ
جته و ُ
حّ
لَ
ل صلى ال عليه وسلم ،فلم ُيخالفوها ،بل هذه الثار
حجة رسول ا ّ
ل عنهم ،وُهْم أعلُم الناس ب َ
رضى ا ّ
صَفا والمروة إل مرًة واحدة .
صريحة فى أنهم لم يطوفوا بال ّ
ى واحد ؟ على ثلثة
سع ٌ
س فى القارن والمتمتع ،هل عليهما سعيان أو َ
وقد تنازع النا ُ
أقوال :فى مذهب أحمد وغيره .
ل.
أحدها :ليس على واحد منهما إل سعى واحد ،كما نص عليه أحمد فى رواية ابنه عبد ا ّ
ل :قلت لبى :المتمتع كم يسعى بين الصفا والمروة ؟ قال :إن طاف طوافين ،فهو أجود .
قال عبد ا ّ
سَلف .
وإن طاف طوافًا واحدًا ،فل بأس .قال شيخنا :وهذا منقول عن غير واحد من ال َ
الثانى :المتمتع عليه سعيان والقارن عليه سعى واحد ،وهذا هو القول الثانى فى مذهبه ،
ل.
وقول َمن يقوله من أصحاب مالك والشافعى رحمهما ا ّ
ل فى
ل ،وُيذكر قو ً
والثالث :أن على كل واحٍد منهما سعيين ،كمذهب أبى حنيفة رحمه ا ّ
ل أعلم .
ل أعلم .والذى تقّدم هو بسط قول شيخنا وشرحه ..وا ّ
ل ،وا ّ
مذهب أحمد رحمه ا ّ
فصل
فى أنه ل عذر البتة فيمن قال إنه صلى ال عليه وسلم حج حجًا مفردًا اعتمر عقيبه من التنعيم
86
ج حجًا مفِردًا اعتمر عَقيبه من التنعيم ،فل ُيعلم لهم عذٌر البتة إل ما
وأما الذين قالوا :إنه ح ّ
تقّدم من أنهم سمعوا أنه أفرد الحج ،وأن عاَدة المفردين أن يعَتِمُروا من التنعيم ،فتوهموا أنه فعل
كذلك .
فصل
فيمن غلط فى إهلله صلى ال عليه وسلم
وأما الذين غلطوا فى إهلله ،فَمن قال :إنه لّبى بالُعْمرة وحدها واستمر عليها ،فعذُره أنه
ل بُعْمرة مفردة بشروطها .وقد
ل صلى ال عليه وسلم تمتع ،والمتمتع عنده َمن أه ّ
سمع أن رسول ا ّ
عمرتك ؟ وكل هذا ل يدل على أنه
ل ِمن ُ
حّحّلوا ولم َت ِ
س َ
ل عنها :ما شأن الّنا ِ
قالت له حفصة رضى ا ّ
ث الصحيحُة
ل هذا أحد عنه البتة ،فهو وهم محض ،والحادي ُ
ك ِبُعْمَرٍة ُمْفَرَدٍة ،ولم َيْنُق ْ
قال َ :لّبْي َ
ل هذا .
طُالمستفيضُة فى لفظه فى إهلله ُتْب ِ
فصل
فى عذر َمن قال إنه صلى ال عليه وسلم لّبى بالحج وحده واستمر عليه
ج ولّبى
حّج وحده واستمر عليه ،فعُذره ما ذكرنا عمن قال :أفرد ال َ
حّوأما َمن قال :إنه لّبى بال َ
جة مفردة ،وإن الذين نقلوا
حّكبَ
ج ،وقد تقّدم الكلُم على ذلك ،وأنه لم يقل أحد قط إنه قال َ :لّبْي َ
حّبال َ
لفظه ،صّرحوا بخلف ذلك .
فصل
فى عذر َمن قال إنه لّبى بالحج وحده ثم أدخل عليه الُعْمرة
ج وحده ،ثم أدخل عليه الُعْمرة ،وظن أنه بذلك تجتمع الحاديث ،
وأما َمن قال :إنه لّبى بالح ّ
فعذره أنه رأى أحاديث إفراده بالحج صحيحة ،فحملها على ابتداء إحرامه ،ثم إنه أتاه آتٍ من رّبه
ج ،فصار قارنًا .ولهذا قال للبّراء بن
حّحجة ،فأدخل الُعْمرة حينئذ على ال َ
عْمرة فى َ
تعالى فقال :قل ُ :
ت (( ،فكان مفِردًا فى ابتداء إحرامه ،قارنًا فى أثنائه ،وأيضًا فإن
ى َوَقَرْن ُ
ت الَهْد َ
سْق ُ
عازب )) :إّنى ُ
ل بالُعْمرة ،ول لّبى بالُعْمرة ،ول أفرد الُعْمرة ،ول قال :خرجنا ل ننوى إل الُعْمرة
أحدًا لم َيُقل إنه أَه ّ
ج ،وهذا يدل على أن
ج ،وخرجنا ل ننوى إل الح ّ
حّج ،وأفرد ال َ
حّج ،ولّبى بال َ
حّل بال َ
،بل قالوا َ :أه ّ
87
ى من ربه تعالى بالِقران ،فلّبى بهما َفسمعه أنس ُيلّبى بهما ،
ج ،ثم جاءه الوح ُ
ح َّ
ل بال َ
الحرام وقع أو ً
ل وصدقوا .
ج وحده أو ً
حّن عمر ،وجابر ُيلّبى بال َ
وصدق ،وسمعته عائشُة ،واب ُ
ل عنها الضطراب .
قالوا :وبهذا تتفق الحاديث ،ويزو ُ
ن إدخال الُعْمرة على الحج ،ويرونه لغوًا ،ويقولون :إن ذلك
ب هِذه المقالة ل ُيجيزو َ
وأربا ُ
ي صلى ال عليه وسلم دون غيره .قالوا :ومما يدل على ذلك :أن ابن عمر قال :لّبى
خاص بالنب ّ
ل بهما جميعًا ،وكلهما صادق فل يمكن أن يكون إهلله بالِقران سابقًا
ج وحده ،وأنس قال :أه ّ
حّبال َ
ج مفرد ،وينقل الحرام
حّحِرم بعد ذلك ب َ
ج وحده ،لنه إذا أحرم قارنًا ،لم يمكن أن ي ْ
حّعلى إهلله بال َ
سِمُعوه ،
ن عمر ،وعائشة ،وجابر ،فنقلوا ما َ
ج ُمفِردًا ،فسمعه اب ُ
إلى الفراد ،فتعّين أنه أحرم بالح ّ
ل بهما جميعًا لما جاءه الوحى من ربه ،فسِمعه أنس يهل بهما ،فنقل ما
ثم أدخل عليه الُعمرة ،فأه ّ
سمعه ،ثم أخبر عن نفسه بأنه قرن ،وأخبر عنه َمن تقدم ِذكره من الصحابة بالِقران ،فاتفقت
ل عائشة :خرجنا مع رسول ا ّ
ل ل عليه قو ُ
ض .قالوا :ويد ّ
ب والتناق ُ
أحاديثهم ،وزال عنها الضطرا ُ
حّ
ج ل ِب َ
ن أراَد أنْ ُيِه ّ
ل َ ،وَم ْ
عمرٍة َفْلُيِه ّ
جوُ
حّل ِب َ
صلى ال عليه وسلم .فقال َ )) :من أراد منكم أن ُيِه ّ
ل صلى ال عليه وسلم بحج ،
ل رسول ا ّ
ل (( .قالت عائشُة :فأه ّ
ل ِبُعْمَرٍة َفْلُيِه ّ
ن ُيِه ّ
ن َأراَد َأ ْ
ل ،وَم ْ
َفْلُيِه ّ
ل به ناس معه ،فهذا يدل على أنه كان ُمِفردًا فى ابتداء إحرامه ،فُعِلم أن ِقرانه كان بعد ذلك .
وأه ّ
ص للنبى صلى ال
ل من مخالفة الحاديث المتقّدمة ،ودعوى التخصي ِ
ب أن فى هذا القو ِ
ول َري َ
لمة ما يرّده وُيبطله ،ومما يرّده أن أنسًا قال :صّلى رسول ا ّ
ل قا ُ
ح فى ح ّ
عليه وسلم بإحرام ل َيص ّ
ج والُعْمرة حين صّلى
حّل بال َ
صِعَد جبل البيداء ،وأه ّ
صلى ال عليه وسلم الظهر بالبيداء ،ثم ركب ،و َ
الظهر .
عْمَرٌة فى
ك وُقلْ ُ :
ل فى َهَذا الَوادى الُمباَر ِ
صّوفى حديث عمر ،أن الذى جاءُه ِمن ربِه قال له َ )) :
ل صلى ال عليه وسلم ،فالذى روى عمر أنه ُأِمَر به ،وروى أنس أنه
لا ّ
جٍة (( .فكذلك فعل رسو ُ
حّ
َ
عْمرة (( .
جا و ُ
حّحليفة ،ثم قال )) :لبيك َ
ظهر بذى ال ُ
فعله سواء ،فصّلى ال ّ
ج على قولين ،وهما روايتان عن أحمد ،
حّل الُعمرِة على ال َ
س فى جواز إدخا ِ
واختلف النا ُ
ل َ ،بَنْوه على
حة كأبى حنيفة وأصحابه رحمهم ا ّ
ح ،والذين قالوا بالص ّ
صّأشهرهما :أنه ل َي ِ
ج ،فقد التزم زيادة
حُّأصولهم ،وأن القاِرن يطوف طوافين ،ويسعى سعيين ،فإذا أدخل الُعْمرة على ال َ
88
عْمرة الِقران ِفى ضمنه ،وجزء منه ،ول ُينافى قولها :أفرد
ذلك ل ُيناقض إهلَله بالحج ،فإن ُ
ت أعماُله ،كان ذلك إفرادًا بالفعل .
حج ،وُأِفرَد ْ
ل الُعْمرة لما دخلت فى أعمال ال َ
حج ،فإن أعما َ
ال َ
ن عمر :أن رسول ا ّ
ل ث اب ِ
ج مفِردًا ،فهو إفراد بالقول ،وقد قيل :إن حدي َ
حّوأما التلبية بال َ
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
ج ،وبدأ رسو ُ
حّجة الوداع بالُعْمرة إلى ال َ
حّصلى ال عليه وسلم تمتع فى َ
حج ،مروى بالمعنى من حديثه الخر ،وأن ابن عمر هو الذى فعل ذلك عام
ل بال َ
ل بالُعْمرة ،ثم أه ّ
فأه ّ
ل بالعمرة ،ثم قال :ما شأُنهما إل واحد ُ ،أشِهُدكم أنى قد
حجه فى فتنة ابن الزبير ،وأنه بدأ فأه ّ
َ
ل صلى ال
لا ّ
ل بهما جميعًا ،ثم قال فى آخر الحديث :هكذا فعل رسو ُ
عمرتى ،فأه ّ
جا مع ُ
حّأوجبت َ
ل على المعنى ،وُروى به :
حِم َ
ى واحد َ ،ف ُ
سع ٌ
عليه وسلم .وإنما أراد اقتصاره على طواف واحد ،و َ
ن عمر ،
ج ،وإنما الذى فعل ذلك اب ُ
حّل بال َ
ل بالُعْمرة ،ثم أه ّ
ل صلى ال عليه وسلم بدأ فأه ّ
لا ّ
أن رسو َ
ت ِبُعْمَرٍة (( وأنس
لَهَلْل ُ
ى َ
وهذا ليس ببعيد ،بل متعّين ،فإن عائشة قالت عنه )) :لول أن َمِعى الَهْد َ
ل عنه ،أخبر عنه أن الوحى
عْمرة ،وعمر رضى ا ّ
جًا و ُ
حّ
قال عنه :إنه حين صّلى الظهر ،أوجب َ
جاءه من ربه فأمره بذلك .
فإن قيل :فما تصنعون بقول الزهرى :إن عروة أخبره عن عائشة بمثل حديث سالم ،عن ابن
عمر ؟
ل عليه وسلم طاف طوافًا واحدًا عن
قيل :الذى أخبرت به عائشة من ذلك ،هو أنه صلى ا ّ
ق ِلرواية عروة عنها فى )) الصحيحين (( ،وطاف اّلذين أهّلوا
عْمرته ،وهذا هو المواف ُ
جه و ُ
حّ
َ
جهم ،
حّ
صفا والمروة ،ثم حّلوا ،ثم طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا من ِمَنى ل َ
ن ال ّ
بالُعْمرة بالبيت وبي َ
ل الذى رواه سالم عن أبيه سواء .
ج والُعْمرة ،فإنما طافوا طوافًا واحدًا ،فهذا مث ُ
حّوأما الذين جمعوا ال َ
حجّ ،وقد قالت :
ل بال َ
ل بالُعمرة ،ثم أه ّ
ل صلى ال عليه وسلم بدأ فأه ّ
وكيف تقول عائشة :إن رسول ا ّ
ل رسو ُ
ل ت ِبُعْمَرٍة (( وقالت :وأه ّ
لْهَلْل ُ
ى َ
ى الَهْد َ
ن َمِع َ
ل َأ ّ
ل صلى ال عليه وسلم قال َ )) :لْو َ
إن رسول ا ّ
ل فى ابتدء إحرامه بُعْمرة
ل عليه وسلم لم ُيِه ّ
ج ؟ َفُعِلَم ،أنه صلى ا ّ
حّل صلى ال عليه وسلم بال َ
ا ّ
ل أعلم .
مفردة ..وا ّ
فصل
سكًا ثم عّينه
فيمن قالوا إنه أحرم إحرامًا مطلقًا ،لم يعين فيه ُن ُ
90
وأما الذين قالوا :إّنه أحرم إحرامًا مطلقًا ،لم يعّين فيه ُنسكًا ،ثم عّينه بعد ذلك لما جاءه
ل ،نص عليه فى كتاب )) اختلف
صَفا والمروة ،وهو أحُد أقوال الشافعى رحمه ا ّ
القضاء وهو بين ال ّ
صَفا والمروة ،
الحديث (( .قال :وثبت أنه خرج ينتظر القضاء ،فنزل عليه القضاء وهو ما بين ال ّ
عْمرًة ،ثم قال :ومن وصف انتظار
ل ولم يكن معه َهْدى أن يجعله ُ
فأمر أصحاَبه أن َمن كان منهم أه ّ
سع
النبى صلى ال عليه وسلم القضاء ،إذ لم يحج من المدينة بعد نزول الفرض طلبًا للختيار فيما و ّ
حِف َ
ظ ن ،فانتظر القضاء ،كذلك ُ
عَنْي ِ
ج والُعْمرة ،فُيشبه أن يكون أحفظ ،لنه قد ُأتى بالمتل ِ
حّل من ال َ
ا ّ
ظُر القضاء ،وعذر أرباب هذا القول ،ما ثبت فى )) الصحيحين (( عن عائشة
ج ينت ِ
حّعنه فى ال َ
عْمرة (( وفى
جا ول ُ
حّل صلى ال عليه وسلم ل نذكر َ
ل عنها ،قالت )) :خرجنا مع رسول ا ّ
رضى ا ّ
ل صلى ال عليه
عْمرة (( وفى رواية عنها )) :خرجنا مع رسول ا ّ
جا ول ُ
حّ
لفظ ُ )) :يَلّبى ل يذكر َ
ن لم يكن معه
ل صلى ال عليه وسلم َم ْ
لا ّ
ج ،حتى إذا دنونا من مكة أمر رسو ُ
حّوسلم ل نرى إل ال َ
ل (( .
حّصَفا والمروة أن َي ِ
َهْدى إذا طاف بالبيت وبين ال ّ
عْمرة
جا ول ُ
حّ
ل صلى ال عليه وسلم من المدينة ل ُيسّمى َ
لا ّ
وقال طاووس :خرج رسو ُ
حّ
ج ل بال َ
صَفا والمروة ،فأمر أصحاَبه َمن كان منهم أه ّ
ظُر القضاَء ،فنزل عليه القضاُء وهو بين ال ّ
ينت ِ
ث.
عْمرة ...الحدي َ
ولم يكن معه َهْدى أن يجعلها ُ
جة النبى صلى ال عليه وسلم :فصّلى رسول ا ّ
ل حّ
وقال جابر فى حديثه الطويل فى سياق َ
ت إلى
صواَء حتى إذا استوت به ناقُته على البيداِء َنظر ُ
صلى ال عليه وسلم فى المسجد ،ثم ركب الَق ْ
ن خلفه ِمث ُ
ل ل ذلك ،ومِ ْ
ل ذلك ،وعن َيساِره مث ُ
ش ،وعن يمينه مث ُ
مّد بصرى بين يديه من راكب وما ٍ
ل به
عِم َ
ن وهو يعلم تأويَله ،فما َ
ل القرآ ُ
ل صلى ال عليه وسلم بين أظُهِرنا ،وعليه َيْنِز ُ
لا ّ
ذلك ،ورسو ُ
حْمَد والّنْعَمَة
ن ال َ
ك،إّ
ك َلّبْي َ
ك َل َ
شِري َ
كل َ
ك َ ،لّبْي َ
ك الّلُهّم َلّبْي َ
ل بالتوحيِد َ )) :لّبْي َ
عِمْلَنا ِبِه ،فأه ّ
من شئ َ ،
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
س بهذا الذى ُيِهّلون به ،وَلِزَم رسو ُ
ل النا ُ
ك (( .وأه ّ
ك َل َ
شري َ
ك،ل َ
ك والُمْل َ
َل َ
عْمرة ،ول ِقرانًا ،
جا ول ُ
حّ
تلبيُته فأخبر جابر ،أنه لم يزد على هذه التلبية ،ولم يذكُر أنه أضاف إليها َ
ك الذى أحرم به فى البتداء ،وأنه الِقران
سَ
وليس فى شئ من هذه العذار ما ُيناقض أحاديث تعيينه الّن ُ
.
91
ل وهو
سل وهو بالغين المعجمة على وزن ِكف ٍ
ل صلى ال عليه وسلم رأسه بالِغ ْ
ولّبد رسول ا ّ
ل فى ُمصله ،ثم ركب على
شر ،وأه ّ
ى ونحوه ُيلّبُد به الشعر حتى ل ينت ِ
طِم ّ
خ ْ
ما ُيغسل به الرأس ِمن َ
ل ..لقد أوجب فى
ل لما استقّلت به على البيداء .قال ابن عباس :وايُم ا ّ
ل أيضًا ،ثم أه ّ
ناقته ،وأه ّ
ل حين عل على شرف البيداء .
ل حين استقلت به ناقته ،وأه ّ
مصله ،وأه ّ
ن،
ج تارة ،لن الُعْمرة جزء منه ،فمن َثّم قيل َ :قَر َ
حّج والُعمرة تارة ،وبال َ
حّل بال َ
وكان ُيِه ّ
ظ:
ظهر بيسير ،وهذا وهم منه ،والمحفو ُ
ل ال ّ
وقيل :تمتع ،وقيل :أفرد ،قال ابن حزم :كان ذلك قب َ
ل بعد صلة الظهر ،ولم يقل أحد قط إن إحَرامه كان قبل الظهر ،ول أدرى من أين له
أنه إنما أه ّ
ل صلى ال عليه وسلم إل ِمن عند الشجرة حين قام به
ل رسول ا ِّ
ن عمر :ما أه ّ
هذا .وقد قال اب ُ
بعيُره .وقد قال أنس :إنه صّلى الظهَر ،ثم ركب ،والحديثان فى )) الصحيح (( .
ظهر ،ثم لّبى فقال )) :لّبْي َ
ك ل بعَد صلِة ال ّ
فإذا جمعت أحَدهما إلى الخر ،تبّين أّنه إنما أه ّ
ك (( .ورفع صوَته بهذه
ك َل َ
شِري َ
كل َ
ك والمُْل َ
حْمَد والّنْعَمَة َل َ
ن ال َ
ك،إّ
ك َلّبْي َ
ك َل َ
شري َ
ك َ ،لّبيك ل َ
الّلُهّم َلّبْي َ
ل له أن يرفُعوا أصواَتهم بالتلبية .
سِمَعها أصحاُبه ،وأمَرهم بأمر ا ّ
التلبيِة حتى َ
ل ،ول َهْوَدج ،ول عّماِرية وَزاِملُته تحته .وقد اخُتِلف فى
حِم ٍ
حل ،ل فى َم ْ
جه على َر ْ
حّ
وكان َ
ج ،والَعّماِرية ،ونحوها على قولين ،هما روايتان عن
ل ،والَهْوَد ِ
حِم ِ
حِرم فى الَم ْ
ب الُم ْ
جواز ركو ِ
ب الشافعى وأبى حنيفة .والثانى :المنع وهو مذهب مالك .
أحمد أحدهما :الجواُز وهو مذه ُ
فصل
ك الثلثة ،ثم ندَبهم عند ُدنّوهم من
ل عليه وسلم خّيرهم عند الحرام بين النسا ِ
ثم إّنه صلى ا ّ
ى ،ثم حّتم ذلك عليهم عند المروِة .
حج والِقران إلى الُعْمرة لمن لم يكن معه َهْد ٌ
مكة إلى فسخ ال َ
حليفة محّمَد بن أبى
ل عنها بذى ال ُ
س زوجُة أبى بكر رضى ا ّ
عمي ٍ
ت ُ
ت أسماُء ِبن ُ
ووَلَد ْ
ل .وكان فى
سَتْثِفَر بثوب ،وُتحرم وُتِه ّ
ل ،وَت ْ
سَل صلى ال عليه وسلم أن تغت ِ
لا ّ
بكر ،فأمرها رسو ُ
سل لحرامها ،والثالثة :أن
ض تغت ِ
ل المحرم ،والثانية :أن الحائ َ
سنن ،إحداها :غس ُ
ث ُ
ِقصتها ثل ُ
ح ِمن الحائض .
صّالحرام َي ِ
س معه يزيُدون فيها
ل صلى ال عليه وسلم وهو ُيلّبى بتلبيِته المذكورِة ،والنا ُ
لا ّ
ثم سار رسو َ
صون ،وهو ُيِقّرهم ول ُينِكُر عليهم .
وَينُق ُ
93
ك َأ ْ
ن شُ
عقيرًا ،فقال َ)) :دعوه فإّنه ُيو ِ
ش َ
ح ٍ
حمار و ْ
ولزم تلبيَته ،فلما كاُنوا بالّروحاء ،رأى ِ
شْأَنُكم ِبَهَذا
لَ ،
لا ّ
سو َ
ل :يا ر ُ
ل صلى ال عليه وسلم َ،فَقا َ
ل ا ِّ
سو ِ
ى َر ُ
حُبه إل َ
صا ِ
حُبه (( َفجاء َ
صا ِ
ى َ
َيأت َ
ق.
ن الّرَفا ِ
سَمُه َبْي َ
ل صلى ال عليه وسلم َأَبا َبْكٍر َفَق َ
لا ّ
سو ُ
حماِر َ ،فَأمَر َر ُ
ال ِ
صْده لجله ،وأما كو ُ
ن حلل إذا لم َي ِ
حِرِم ِمن صيد ال َ
ل الُم ْ
وفى هذا دليل على جواز أك ِ
حليفة ،فهو كأبى قتادة فى قصته ،وتدل هذه القصُة على أن
حِرم ،فلعّله لم يمّر بذى ال ُ
صاحبه لم ُي ْ
ل عليها ،وتدل على قسمته اللحم مع عظامه
ح بما َيُد ّ
صّت لك ،بل َت ِ
الِهبة ل تفتِقُر إلى لفظ :وهب ُ
ك بالثبات ،وإزالة امتناعه ،وأنه لمن أثبته ل لمن أخذه ،وعلى
ل على أن الصيَد ُيمَل ُ
بالتحّرى ،وَتُد ّ
حمار الوحشى ،وعلى التوكيل فى الِقسمة ،وعلى كون القاسم واحدًا .
ل لحم ال ِ
ل أك ِ
حِّ
فصل
)يتبع(...
@
ل فيه سهم ،فأمر
ظّف فى ِ
حاِق ٌ
ى َ
ج ،إذا ظب ٌ
لَثايِة بين الّرويَثِة والَعْر ِ
ثم مضى حتى إذا كان با ُ
ق بين قصة الظبى ،وقصِة الحمار
ل أن يقف عنده ل َيِريُبه أحٌد من الناس ،حتى ُيجاِوزوا .والفر ُ
رج ً
ل ،فلم يمنع من أكله ،وهذا لم يعلم أنه حلل وهم محِرمون ،فلم
،أن الذى صاد الحمار كان حل ً
ف عنده ،لئل يأخذه أحٌد حتى ُيجاوزوه .
ن لهم فى أكله ،ووّكل َمن َيِق ُ
يأذ ْ
ل،
ل ،إذ لو كان حل ً
حّحِرم للصيد يجعُله بمنزلة الميتة فى عدم ال ِ
ل الُم ْ
وفيه دليل :على أن قت َ
ضْع ماِلّيُته .
لم َت ِ
فصل
ج ،وكانت ِزمالُته وِزَماَلُة أبى بكر واحدة ،وكانت مع غلم لبى
ثم سار حتى إذا نزل بالَعْر ِ
ل صلى ال عليه وسلم وأبو بكر إلى جانبه ،وعائشُة إلى جانبه الخر ،وأسماُء
لا ّ
بكر ،فجلس رسو ُ
ظر الغلم والزمالة ،إذ طلع الغلم ليس معه البعير ،فقال :أين
زوجته إلى جانبه ،وأبو بكر ينت ِ
لا ّ
ل بعيُرك ؟ فقال :أضللُته البارحة ،فقال أبو بكر :بعير واحد ُتضِّله .قال َ :فطِفق يضرُبه ورسو ُ
ل صلى ال
لا ّ
حِرم ما يصَنُع ،وما يزيد رسو ُ
ظروا إلى هذا الُم ْ
سم ،ويقول :ان ُ
صلى ال عليه وسلم يتب ّ
94
عليه وسلم على أن يقول ذلك ويتبسم .ومن تراجم أبى داود على هذه القصة ،باب )) المحرم يؤّدب
غلمه (( .
فصل
جّثاَمَة
ب بن َ
صع ُ
ل صلى ال عليه وسلم ،حتى إذا كان بالبواِء ،أهدى له ال ّ
لا ّ
ثم مضى رسو ُ
حُرٌم(( .وفى )) الصحيحين (( )) :
ل َأّنا ُ
كإ ّ
عَلْي َ
ى ،فرّده عليه ،فقال )) :إّنا َلْم َنُرّدُه َ
حَماٍر وحش ّ
جَز ِ
عَُ
ش (( .
ح ٍ
حمارًا وحشيًا (( ،وفى لفظ لمسلم )) :لحم حمار و ْ
أنه أهدى له ِ
ل عليه وسلم لحُم
ل ال صلى ا ّ
ى لرسو ِ
ل فى الحديث ُ :أْهِد َ
ن يقو ُ
حميدى :كان سفيا ُ
وقال ال ُ
ل ذلك ،وكان سفيان فيما خل ربما قال :
طُر دمًا ،وربما لم يُق ْ
ش ،وربما قال سفيان :يق ُ
ح ٍ
حمار و ْ
ِ
ش ،وفى رواية ِ :رجل حمار
حماِر وح ٍ
ق ِ
حماَر وحش ،ثم صار إلى لحم حّتى مات .وفى رواية :ش ّ
ِ
ش.
وح ٍ
ب،
صع ِ
ضْمِرى عن أبيه ،عن ال ّ
وروى يحيى بن سعيد ،عن جعفر ،عن عمرو بن ُأمّية ال ّ
جحفة ،فأكل منه وأكل القوم .قال
ش وهو بال ُ
ح ٍ
حماِر و ْ
جَز ِ
عُُأهدى للنبى صلى ال عليه وسلم َ
البيهقى :وهذا إسناد صحيح .فإن كان محفوظًا ،فكأنه رّد الحى ،وقبل الّلحم .
جّثامة أهدى للنبى صلى ال عليه وسلم الحماَر
ب بن َ
صع ُ
ل :فإن كان ال ّ
وقال الشافعى رحمه ا ّ
ل أن يكون علم أنه
ح حمار وحش ،وإن كان أهدى له لحم الحمار ،فقد يحتِم ُ
حِرم ذب ُ
حّيًا ،فليس للُم ْ
ت من
ث مالك :أنه ُأهدى له حمارًا أثب ُ
صيد له ،فرّده عليه ،وإيضاحه فى حديث جابر .قال :وحدي ُ
ِ
حديث َمن حّدث أنه ُأهدى له من لحم حمار .
قلت :أما حديث يحيى بن سعيد ،عن جعفر ،فغلط بل شك ،فإن الواقعَة واحدة ،وقد اتفق
الرواُة أنه لم يأكل منه ،إل هذه الرواية الشاّذة المنكرة .
ف فى كون الذى أهداه حّيا ،أو لحمًا ،فرواية َمن روى لحماً أولى لثلثة
وأما الختل ُ
أوجه .
ط الواقعَة حتى ضبطها :أنه يقطر دمًا ،وهذا يدل على
أحدها :أن راويها قد حفظها ،وضب َ
حفظه للقصة حتى لهذا المر الذى ل ُيؤبه له .
95
ث السود
ج ،وحدي ُ
حّل صلى ال عليه وسلم ،ل نرى إل أّنه ال َ
لا ّ
عمرة عنها :خرجنا مع رسو ِ
ث َ
حدي ُ
ج .قال :وغّلطوا
حّل صلى ال عليه وسلم بال َ
ل ا ِّ
بن يزيد مثله ،وحديث القاسم )) :لّبيَنا َمَع رسو ِ
ل ِبُعْمَرٍة (( ،قال إسماعيل بن إسحاق :قد اجتمَع هؤلء يعنى
ن َأَه ّ
ت ِفيَم ْ
عروة فى قوله عنها ُ )) :كْن ُ
ُ
عمرة على الروايات التى ذكرنا ،فعلمنا بذلك أن الروايات التى ُرويت عن
السوَد ،والقاسم ،و َ
حلّ
ف بالبيت ،وأن َت ِ
ط ،إنما وقع فيه أن يكون لم ُيمكنها الطوا ُ
عروة غلط ،قال :وُيشبه أن يكون الغل ُ
ُ
ف ،وتمضى
طوا َ
ك ال ّ
ى صلى ال عليه وسلم أن تتر ُ
ى ،فأمرها النب ّ
ق الَهْد َ
سِبُعمرٍة كما فعل َمن لم َي ُ
ج .قال أبو
حّعْمرَتها ،وابتدأت بال َ
ج ،فتوّهُموا بهذا المعنى أنها كانت معتِمرة ،وأنها تركت ُ
حّعلى ال َ
ط
عروة .قالوا :والغل ُ
ل ،أنها كانت ُمٍهّلًة بُعْمرٍة ،كما روى عنها ُ
عمر :وقد روى جابُر بن عبد ا ّ
عى الُعْمَرة ،وأِهّلى
شطى َ ،وَد ِ
ك ،واْمَت ِ
سِ
ضى َرْأ َ
عروة ،إنما كان فى قوله )) :انُق ِ
الذى دخل على ُ
ج (( .
حّبال َ
ل صلى
عروة ،عن أبيه :حّدثنى غيُر واحد ،أن رسول ا ّ
وروى حماد بن زيد ،عن ِهشام بن ُ
ج (( .
حا ّ
ل ال َ
طى ،واْفَعلى َما َيْفَع ُ
شِك ،واْمَت ِ
سِ
ضى َرْأ َ
ك ،واْنُق ِ
عْمَرَت ِ
عى ُ
ال عليه وسلم قال لها َ )) :د ِ
عروة لم يسمع هذا الكلم من عائشة .
فبّين حماد ،أن ُ
ن فيها ،
ص الصحيحِة الصريحِة التى ل مدفع لها ،ول مطع َ
قلت ِ :من العجب رّد هذه النصو ِ
ج به َمن زعم
ل ألبتة بلفظ مجمل ليس ظاهرًا فى أنها كانت مفِردة ،فإن غاَية ما احت ّ
ول تحتِمل تأوي ً
ج ،فيا ّ
ل حّل صلى ال عليه وسلم ل نرى إل أّنه ال َ
أنها كانت ُمفِردة ،قوُلها :خرجنا مع رسول ا ّ
ج متمتعًا ،كما أن المغتسل للجنابة إذا بدأ
ج ،بل خرج للح ّ
حّظن بالمتمّتع أنه خرج لغير ال َ
العجب ،أُي َ
ل عنها ،إذ كانت ل
ل الجنابة ؟ وصدقت أّم المؤمنين رضى ا ّ
ت ِلغس ِ
فتوضأ ل يمتِنُع أن يقول :خرج ُ
ضه بعضًا .
ق بع ُ
صّد ُ
ل عليه وسلم ،وكلُمها ُي َ
ج حّتى أحرمت بُعمرة ،بأمره صلى ا ّ
حّترى إل أّنه ال َ
ج ،فقد قال جابر عنها فى
ل صلى ال عليه وسلم بالح ّ
وأما قوُلها :لّبيَنا مع رسول ا ّ
)) الصحيحين (( :إنها أهّلت بُعمرة ،وكذلك قال طاووس عنها فى )) صحيح مسلم (( ،وكذلك قال
ت عنها ،فروايُة الصحابة عنها أولى أن ُيؤخَذ بها ِمن رواية
مجاهد عنها ،فلو تعارضت الروايا ُ
ل :فعلنا كذا ،يصدق ذلك منه بفعله ،وبفعل
التابعين ،كيف ول تعاُرض فى ذلك البتة ،فإن القائ َ
أصحابه .
100
سـّنة ول
ل بين المتنازعين ،فإن لم يدل كتاب ول ّ
صُل نزاع واجتهاد ،والدليل َيْف ِ
فهذا المنُع منه مح ّ
إجماع على منعه ،فهو جائز .
فصل
وللناس فى هذه الُعمرة التى أتت بها عائشُة من التنعيم أربعُة مسالك .
جها
حّ
أحدها :أنها كانت زيادة تطييبًا لقلبها وجبرًا لها ،وإل فطوافها وسعيها وقع عن َ
ل،
ح القوا ِ
ج على الُعْمرة ،فصارت قاِرنة ،وهذا أص ّ
حّعْمرتها ،وكانت متمتعة ،ثم أدخلت ال َ
وُ
والحاديثُ ل تدل على غيره ،وهذا مسلك الشافعى وأحمد وغيرهما .
ج مفرد ،فلما
حّل عنها إلى َ
عْمرَتَها ،وتنتِق َ
ض ُ
المسلك الثانى :أنها لما حاضت ،أمرها أن ترُف َ
ك أبى حنيفة وَمن
ل ،وهذا مسل ُ
حج ،أمرها أن تعتِمر قضاًء لُعْمرتها التى أحرمت بها أو ً
حّلت من ال َ
تبعه ،وعلى هذا القول ،فهذه الُعْمرُة كانت فى حّقها واجبة ،ول ُبد منها ،وعلى القول الول كانت
ف قبل التعريف ،فهى على هذين القولين ،إما أن
جائزة ،وكل متمتعة حاضت ولم يمكنها الطوا ُ
ج ،وتصيَر مفِردة ،
حّل عن الُعْمرة إلى ال َ
ج على الُعْمرة ،وتصيَر قارنة ،وإما أن تنتق َ
حّل ال َ
خَُتْد ِ
وتقضى الُعْمرة .
عمرة القارن ل
ى بُعْمرة مفردة ،لن ُ
المسلك الثالث :أنها لما قرنت ،لم يكن ُبّد من أن تأت َ
عْمرة السلم ،وهذا أحد الروايتين عن أحمد .
ُتجزئ عن ُ
ف الُقدوم لجل الحيض ،واستمرت
المسلك الرابع :أنها كانت ُمفِردة ،وإنما امتنعت من طوا ِ
عْمرة السلم ،وهذا مسلك القاضى
ج وهذه الُعْمرُة هى ُ
حّعلى الفراد حتى طُهرت ،وقضت ال َ
إسماعيل بن إسحاق وغيره من المالكية ،ول يخفى ما فى هذا المسلك ِمن الضعف ،بل هو أضع ُ
ف
المسالك فى الحديث.
وحديث عائشة هذا ،يؤخذ منه أصول عظيمة من أصول المناسك :
أحدها :اكتفاء القاِرن بطواف واحد وسعى واحد .
ث صفّية زوج النبى صلى ال عليه
ف القدوم عن الحائض ،كما أن حدي َ
ط طوا ِ
الثانى :سقو ُ
سقوط طواف الوداع عنها .
وسلم أصل فى ُ
102
عمرة القارن
ح إجزاء ُ
عْمرة الِقران ،فص ّ
ولم يأمر أحدًا ممن قرن معه وساق الَهْدى بُعْمرة أخرى غير ُ
ل التوفيق .
عمرة السلم قطعًا ،وبا ّ
عن ُ
فصل
طهرها قد اخُتِلف فيه ،فقيل:بعرفة ،هكذا
ف بل ريب ،وموضُع ُ
سِر َ
ضها ،فهو ِب َ
ضع حي ِ
وأما مو ُ
عروة عنها أنها أظّلها يوُم عرفة وهى حائض ول تنافى بينهما ،والحديثان
روى مجاهد عنها ،وروى ُ
طْهر عرفة :هو الغتسال للوقوف بها عنده ،قال :
ن حزم على معنيين ،ف ُ
صحيحان ،وقد حملهما اب ُ
طهرها ،أنه يوم النحر،
طهِر ،قال :وقد ذكر القاسم يوم ُ
ت بعرفة ،والتطهر غيُر ال ُ
لنها قالت :تطّهر ُ
وحديُثه فى )) صحيح مسلم (( .قال :وقد اتفق القاسُم وعروُة على أنها كانت يوَم عرفة حائضًا ،وهما
ب الناس منها ،وقد روى أبو داود :حدثنا محمد بن إسماعيل ،حدثنا حماد بن سلمة ،عن هشام ابن
أقر ُ
جة...فذكرت
حّل صلى ال عليه وسلم ُموافين هلل ذى ال ِ
عروة ،عن أبيه ،عنها :خرجنا مع رسول ا ّ
ت عاِئشُة ،وهذا إسناد صحيح .لكن قال ابنُ حزم :إنه
طُهَر ْ
الحديث ،وفيه :فلما كانت ليلُة البطحاءَ ،
طُهرت ليلَة البطحاء ،وليلُة البطحاء
حديث منكر ،مخالف لما روى هؤلء كلهم عنها ،وهو قوله :إنها َ
ل إل أننا لما تدبرنا وجدنا هذه اللفظة ليست ِمن كلم عائشة،
كانت بعد يوِم النحر بأربع ليال،وهذا محا ٌ
فسقط التعّلق بها ،لنها ممن دون عائشة ،وهى أعلُم بنفسها ،قال :وقد روى حديث حماد بن سلمة هذا
ب بن خالد ،وحماد بن زيد ،فلم يذكرا هذه اللفظة.
وهي ُ
قلت :يتعين تقديُم حديث حّماد بن زيد وَمن معه على حديث حّماد بن سلمة لوجوه :
ظ وأثبت من حّماد بن سلمة .
أحدها :أنه أحف ُ
الثانى :أن حديَثهم فيه إخباُرها عن نفسها ،وحديثه فيه الخبار عنها .
ث ،وفيه :فلم أزل حائضًا حتى يوُم عرفة ،
عروة عنها الحدي َ
الثالث :أن الزهرى روى عن ُ
وهذه الغاية هى التى بّينها مجاهد والقاسم عنها ،لكن قال مجاهد عنها :فتطهرت بعرفة ،والقاسم
قال :يوم النحر .
فصل
ل عليه وسلم
جته صلى ا ّ
حّعدنا إلى سياق َ
104
ل،
عْمَرًة َ ،فْلَيفَْع ْ
جَعَلَها ُ
ن َي ْ
ب َأ ْ
ح ّ
ى َ ،فَأ َ
ن َمَعُه َهْد ٌ
ن َلْم يُك ْ
سِرف ،قال لصحابه َ )) :م ْ
فلما كان ِب َ
ل (( .وهذه رتبة أخرى فوق رتبة التخيير عند الميقات .
ى َف َ
ن َمَعُه َهد ٌ
ن َكا َ
َوَم ْ
ل من
حّعْمرة ،وَي ِ
ن ل َهْدى معه أن يجعلها ُ
فلما كان بمكة ،أمر أمرًا حتمًا َ :م ْ
ن مالك
سراقة ب ُ
إحرامه ،وَمن معه َهْدى ،أن ُيقيم على إحرامه ،ولم ينسخ ذلك شئ البتة ،بل سأله ُ
ل ِللَبد ،وإن
ك َ ،أْم ِللَبِد :قال َ )) :ب ْ
عن هذه الُعمرة التى أمرهم بالفسخ إليها ،هل هى ِلَعاِمِهْم َذِل َ
ج إَلى َيْوِم الِقياَمة (( .
ت فى الح ّ
خَل ْ
الُعْمَرَة َقْد َد َ
ج إلى الُعْمرة أربعَة عشَر ِمن أصحابه ،
حّخ ال َ
ل عليه وسلم المَر بفس ِ
وقد روى عنه صلى ا ّ
ى بن أبى طالب ،وفاطمُة بن ُ
ت وأحاديُثهم كّلها صحاح ،وهم :عائشُة ،وحفصة ُأّما المؤمنين ،وعل ّ
ل ،وأبو سعيد
صّديق ،وجابُر بن عبد ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ،وأسماُء بنت أبى بكر ال ّ
رسول ا ّ
س بن مالك ،وأبو موسى الشعرى ،وعبُد الّ
ل بن عمر ،وأن ُ
خدرى ،والبراُء بن عازب ،وعبُد ا ّ
ال ُ
ل عنهْم ..ونحن نشير إلى
ى رضى ا ّ
جّك الُمْدِل ِ
سَراقُة بن َماِل ٍ
جهنى ،و ُ
ن معَبٍد ال ُ
سْبَرُة ب ُ
ابن عباس ،و َ
هذه الحاديث .
حَة
صِبي َ
ى صلى ال عليه وسلم وأصحابه َ
ففى )) الصحيحين (( :عن ابن عباس َ ،قِدَم النب ّ
ى الح ّ
ل ل؛أ ّ
ظم ذلك عندهم ،فقالوا :يا رسول ا ّ
عْمرة ،فتعا َ
ج ،فأمرهم أن يجعُلوها ُ
حّرابعٍة ُمهّلين بال َ
ل ُكّله (( .
حّ؟ فقال )) :ال ِ
ن من العشر إلى مكة ،
خَلْو َ
وفى لفظ لمسلم :قِدم النبى صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه لربع َ
عمرًة ،وفى لفظ :وأمر
ل صلى ال عليه وسلم أن يجعلوها ُ
لا ّ
وهم ُيلّبون بالحج ،فأمرهم رسو ُ
أصحابه أن يجعلوا إحرامهم بُعْمرة إل َمن كان معه الَهْدى .
ج ،وليس
ى صلى ال عليه وسلم وأصحابه بالح ّ
ل النب ّ
ل :أه ّ
ن عبد ا ّ
وفى )) الصحيحين (( عن جابر ب ِ
ل عنه من اليمن ومعه
مع أحد منهم َهْدى غير النبى صلى ال عليه وسلم وطلحة ،وَقِدَم على رضى ا ّ
ى صلى ال عليه وسلم أن
ى صلى ال عليه وسلم ،فأمرهم النب ّ
ل به النب ّ
ت بما أه ّ
َهْدى ،فقال :أهلل ُ
ق إلى ِمَنى َوَذَكُر
ى ،قالوا :ننطِل ُ
حّلوا إل َمن كان معه الَهْد ُ
عْمرة ،ويطوفوا ،ويقصروا ،وَي ِ
يجعلوها ُ
ت َما
سَتْدَبْر ُ
ن َأْمرى َما ا ْ
ت ِم ْ
سَتْقَبْل ُ
ى صلى ال عليه وسلم فقال )) :لو ا ْ
طُر ؟ فبلغ ذلك النب ّ
أحدنا يق ُ
ل،
عِلْمُتم أّنى َأْتقاُكم ّ
ت (( .وفى لفظ :فقام فينا فقال َ )) :لَقْد َ
حَلْل ُ
لْى َ
ى الَهْد َ
ن مع َ
ت ،وَلْول أ ّ
َأْهَدْي ُ
105
ت،
سَتْدَبْر ُ
ن َأْمرى َما ا ْ
ت ِم ْ
سَتْقَبْل ُ
حّلون ،وَلِو ا ْ
حَلْلت َكما َت ِ
ى الَهْدى ل َ
ن مع َ
لأّ
صَدُقُكم ،وَأَبّرُكْم َ ،وَلْو َ
وَأ ْ
ل صلى ال عليه وسلم
ل ا ِّ
سو ُ
سمعنا وأطَعنا ،وفى لفظ :أمرَنا َر ُ
حَلْلنا ،و َ
حّلوا (( َف َ
ى،فُ
سق الَهْد َ
لم َأ ُ
شم :
جْع ُ
ن ُ
ن َماِلك ْب ِ
سَراَقُة ب ُ
ل ُ
طح َ ،فَقا َ
لْب َ
جْهَنا إلى ِمَنى .قال :فَأْهَلْلنا من ا َ
حِرَم إذا َتو ّ
َلّما أحلْلنا ،أن ُن ْ
ظ كّلها فى الصحيح وهذا اللف ُ
ظ لَبِد ؟ قال ِ )) :للَبِد (( .وهذه اللفا ُ
ل ؛ ِلَعاِمَنا َهَذا َأْم ل َ
ل ا ِّ
سو َ
َيا َر ُ
ن قال :إن ذلك كان خاصًا بهم ،فإنه حينئذ يكون ِلعامهم ذلك وحده ل
ل َم ْ
الخير صريح فى إبطال قو ِ
ل صلى ال عليه وسلم يقول :إّنُه ِللَبِد .
لا ّ
للبد ،ورسو ُ
ل صلى ال عليه وسلم مكة وأصحاُبه ُمهّلي َ
ن وفى )) المسند (( :عن ابن عمر َ ،قِدَم رسول ا ّ
ى (( .
ن َمَعه الَهْد ُ
ن َكا َ
ل َم ْ
عْمَرًة إ ّ
جَعَلها ُ
ن َي ْ
شاَء أ ْ
ن َ
ل صلى ال عليه وسلم َ )) :م ْ
ل ا ِّ
سو ُ
ج ،فقال َر ُ
بالح ّ
ت الَمجاِمُر .
طع ِ
سَطُر َمنّيًا ؟ قال َ )) :نَعْم (( و َ
ح أحُدنا إلى ِمَنى َوَذَكُره َيق ُ
ل ؛ أيرو ُ
لا ّ
قاُلوا :يا رسو َ
ل صلى ال عليه وسلم ،حتى
ل ا ِّ
جَنا مع رسو ِ
ن َأِبيه :خر ْ
عْسْبَرة َ ،
وفى السنن :عن الّربيع بن َ
ضاَء َقْوٍم َكأّنما ُوِلُدوا الَيْوَم ،
ض لَنا َق َ
ل ؛ اْق ِ
ى :يا رسول ا ّ
سراقة بن َمالك الُمْدلج ّ
إذا ُكّنا بُعسفان ،قال ُ
سَعى بْين
ف بالَبْيتِ و َ
طّو َ
عْمَرًة ،فإذا َقِدْمتم َ ،فمن َت َ
جة ُ
حّ
عَلْيُكم فى َ
ل َ
خَل َقْد َأْد َ
جّعّز َو َ
ل َ
نا ّ
َفَقال )) :إ ّ
ن َمَعُه َهْدى (( .
ل َم ْ
لإ ّ
حّصَفا والَمْرَوة َ ،فقْد َ
ال ّ
ل صلى ال عليه وسلم ،ل َنْذُكُر إل
لا ّ
جَنا مَع رسو ِ
وفى )) الصحيحين (( عن عائشة :خر ْ
ى صلى ال عليه وسلم لصحابه :
ث ،وفيه :فلما َقِدْمَنا مكة ،قال النب ّ
ت الحدي َ
ج ...فذكر ِ
حّال َ
ت باقى الحديث .
ن كان معه الَهْدى ...وذَكَر ْ
س إل َم ْ
ل النا ُ
عْمَرًة (( فأح ّ
جَعلوَها ُ
)) ا ْ
ج ،فلما َقِدْمَنا
حّل صلى ال عليه وسلم ل َنرى إل ال َ
جَنا مع رسول ا ّ
وفى لفظ للبخارى :خر ْ
ق
ل َمن لم يكن سا َ
ل ،فح ّ
حّى صلى ال عليه وسلم َمن لم يكن ساق الَهْدى أن َي ِ
تطّوْفَنا بالبيت ،فأمر النب ّ
سْقن ،فأحللن .
الَهْدى ونساؤه لم َي ُ
ك يا
ضب َ
ت َ :منْ أغ َ
ن ،فقل ُ
ل صلى ال عليه وسلم وهو غضبا ُ
لا ّ
ى رسو ُ
وفى لفظ لمسلم )) :دخل عل ّ
س بَأْمٍر ،فإذا ُهم َيَتَرّدُدون ،ولو
ت الّنا َ
ت أّنى أَمْر ُ
شَعْر ِ
ل النار .قال :أَو ما َ
ل أدخله ا ّ
ل ا ِّ
رسو َ
حّلوا (( .وقال
ل كما َ
حّشَتِرَيُه ُ ،ثّم أ ِ
حّتى َأ ْ
ى معى َ
ت الَهْد َ
سْق ُ
ت .ما ُ
سَتْدَبْر ُ
ت من َأْمرى ما ا ْ
سَتْقَبْل ُ
اْ
ل صلى ال
جَنا مَع رسو ِ
ل :خر ْ
ت عائشة تقو ُ
عْمرة ،قالت :سمع ُ
مالك :عن يحيى بن سعيد ،عن َ
ج ،فلما َدَنونا ِمن مكة ،أمَر رسو ُ
ل حّن ِمن ذى الِقْعدة ،ول َنرى إل أنه ال َ
ل َبِقي َ
عليه وسلم لخمس ليا ٍ
106
ل ،قال
حّف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة أن َي ِ
ل صلى ال عليه وسلم َمن لم يكن معه َهْدى إذا طا َ
ا ّ
ث على وجهه .
ل بالحدي ِ
ث للقاسم بن محمد ،فقال :أتتك وا ِّ
ت هذا الحدي َ
يحيى بن سعيد :فذكر ُ
ى صلى ال عليه وسلم
وفى )) صحيح مسلم (( :عن ابن عمر ،قال :حّدثتنى حفصُة ،أن النب ّ
سى ،
ت َرْأ ِ
ل ؟ فقال ِ )) :إّنى َلّبْد ُ
حّن َت ِ
ك َأ ْ
ت :ما َمَنَع َ
ع َ ،فُقْل ُ
جِة الَودا ِ
حّعاَم َ
ن َ
حِلْل َ
أمر أزواجه أن َي ْ
ى (( .
حَر الَهْد َ
حّتى َأْن َ
ل َ
حّت َهْديى َ ،فل َأ ِ
وَقّلْد ُ
ن ،فقال
ل عنهما ،خرجنا ُمحِرِمي َ
وفى )) صحيح مسلم (( :عن أسماء بنت أبى بكر رضى ا ّ
ى،
ن َلْم َيُكنْ َمَعُه َهْد ٌ
حراِمه ،وَم ْ
عَلى إ ْ
ى َ ،فْلَيُقْم َ
ن َمَعُه َهْد ٌ
ن َكا َ
ل صلى ال عليه وسلم َ )) :م ْ
لا ّ
رسو ُ
ت الحديث .
ل (( ...وذكر ِ
حِل ْ
َفْلَي ْ
)يتبع(...
ل صلى
لا ّ
جَنا َمَع َرسو ِ
خدرى ،قال :خر ْ
وفى )) صحيح مسلم (( أيضًا :عن أبى سعيد ال ُ @
ى،
ق الَهْد َ
سا َ
ن َ
عْمرًة إل َم ْ
جَعَلها ُ
صراخًا ،فلما َقِدْمَنا مّكة أَمرنا أن َن ْ
ج ُ
خ بالح ّ
صُر ُ
ال عليه وسلم َ ،ن ْ
ج.
حّحَنا إلى ِمَنى ،أهللَنا بال َ
ن َيْوُم الّتْرِوَيِة َ ،وُر ْ
فلما َكا َ
ل الُمهاجُرو َ
ن ل عنهما ،قال :أَه ّ
وفى )) صحيح البخارى (( :عن ابن عباس رضى ا ّ
جِة الَوَداع ،وأهللَنا فلما َقِدْمَنا َمّكة ،قال رسو ُ
ل حّج النبى صلى ال عليه وسلم فى َ
لْنصاُر ،وأزوا ُ
وا َ
ن َقّلَد الَهْدى(( ...وذكر الحديث .
ل مَ ْ
عْمَرًة إ ّ
ج ُ
حّلَلُكم بال َ
جَعُلوا إْه َ
ل صلى ال عليه وسلم )) :ا ْ
ا ِ
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
ج رسو ُ
وفى )) السنن (( عن البّراء بن عازب :خر َ
س :يا رسول
عْمَرة (( .فقال النا ُ
جُكم ُ
حّجَعلوا َ
ج ،فلما َقِدمَنا مكة ،قال )) :ا ْ
وأصحاُبه ،فأحرْمَنا بالح ّ
ظُروا َما آُمُرُكْم ِبِه َفاْفَعلوُه (( فرّدُدوا عليه
عْمَرًة ؟ فقال )) :اْن ُ
ج ،فكيف نجعُلها ُ
حّل ؛ قد أحرمنا بال َ
ا ِّ
ن
ضب فى وجهه فَقالت َ :م ْ
ت الغ َ
ن ،فرأ ِ
ضبا ُ
غ ْ
ب ،ثم انطلق حّتى دخل على عائشة وهو َ
ض َ
ل َ ،فَغ ِ
القو َ
ب وَأَنا آُمُر َأْمرًا َفل ُيّتَبُع (( .
ض ُ
غ َ
ى ل َأ ْ
ل َ )) :وَما ِل َ
ل َ ،فَقا َ
ك أغضبه ا ُّ
ضَب َ
غ َ
َأ ْ
عْمرة تفاديًا ِمن
ج ،لرأينا فرضًا علينا فسخُه إلى ُ
حّل علينا أّنا لو أحرمنا ب َ
ونحن ُ ،نشِهُد ا ّ
حياِتِه ول َبْعَدُه ،ول
خ هذا فى َ
سَلِ ما ُن ِ
ل صلى ال عليه وسلم ،واتباعًا لمره .فوا ّ
لا ّ
ب رسو ِ
غض ِ
ل سبحانه على ِلسان
ن بعدهم ،بل أجرى ا ّ
ن َم ْ
ص به أصحاَبه ُدو َ
حد ُيعارضه ،ول خ ّ
حْرفٌ وا ِ
ح َ
صّ
107
صفا
طفنا بالكعبة وبال ّ
حجة الوداع :حتى إذا َقِدمنا مّكة ُ ،
وفى )) صحيح مسلم (( عنه فى َ
حلّ
ن لم يُكن معه َهْدى ،قال :فُقلنا ِ :
ل ِمّنا َم ْ
حّل صلى ال عليه وسلم ،أن َي ِ
لا ّ
والمروة ،فأمرَنا رسو ُ
عرفة
ن َ
سَنا ثياَبنا ،وَلْيس بيننا وَبْي َ
طيب ،وَلِب ْ
ساَء ،وَتطّيبَنا بال ّ
ل ُكّله (( ،فواقعنا الّن َ
حّماذا ؟ قال )) :ال ِ
إل أربُع ليال ،ثم أهللنا َيْوَم التروية .
ل النا ُ
س عْمَرًة ،فح ّ
جَعْلها ُ
ل َوْلَي ْ
حّى َ ،فْلَي ِ
س َمَعُه َهْد ٌ
ن مْنُكم َلْي َ
ن َكا َ
خر لمسلم )) :فَم ْ
وفى لفظ آ َ
جُهوا إلى
ن َكان َمَعُه َهْدى ،فلما كان َيْوُم التروية ،تو ّ
ى صلى ال عليه وسلم وَم ْ
صروا إل النب ّ
ُكّلُهم وق ّ
حّ
ج ِمَنى َ ،فَأَهّلوا ِبال َ
ى صلى ال عليه
ل عنه ،أن النب ّ
ىا ّ
وفى )) مسند البزار (( بإسناد صحيح :عن أنس رض َ
ج والُعْمرة ،فلما قدموا مكة ،طافوا بالبيت والصفا والمروة ،وأمرهم
حّل ُهَو وأصحاُبه بال َ
وسلم ،أه ّ
ل عليه وآله
ل صلى ا ّ
حّلوا ،فهابوا ذلك ،فقال رسول ا ّ
ل عليه وآله وسلم أن َي ِ
ل صلى ا ّ
لا ّ
رسو ُ
ساِء .
حّلوا إلى الّن َ
حّتى َ
ت (( ،فأحّلوا َ
حَلْل ُ
لْىَ ،
ن َمعى الَهْد َ
ل َأ ّ
حّلوا َفَلْو َ
وسلم َ )) :أ ِ
ل صلى ال عليه وسلم ونح ُ
ن ل ا ِّ
سو ُ
وفى )) صحيح البخارى (( :عن أنس ،قال )) :صّلى َر ُ
حليفة ركعتين ،ثم بات بها حتى أصبح ،ثم ركب حتى
معه بالمدينة الظهَر أربعًا ،والعصر بذى ال ُ
س بهما ،فلما َقِدْمَنا
ل النا ُ
عمرة ،وأه ّ
حجّ و ُ
لب َ
ل ،وسّبح ،ثم أه ّ
حِمَد ا ّ
استوت به راحلُته على البيداِء َ ،
ج (( ....وذكر باقى الحديث .
حّأمر الناس فحّلوا ،حتى إذا كان يوُم الّتروية ،أهّلوا بال َ
ل عليه
ل صلى ا ّ
لا ّ
وفى )) صحيحه (( أيضًا :عن أبى موسى الشعرى ،قال :بعثنى رسو ُ
ت بِإَهل ِ
ل ت َ :أْهَلْل ُ
ت (( ؟ َفُقْل ُ
ل ِ )) :بَم َأْهَلْل َ
وآله وسلم إلى قومى باليمن ،فجئت وهو بالبطحاء َ ،فَقا َ
طْفتُ بالَبْي ِ
ت ت :ل ،فَأَمَرنى ،ف ُ
ن َهْدى (( ؟ قل ُ
ك ِم ْ
ل َمَع َ
ل َ )) :ه ْ
ى صلى ال عليه وسلم َ .فَقا َ
الّنِب ّ
ت.
حَلْل ُ
صَفا والَمْرَوِة ،ثّم َأمَرنى َفَأ ْ
َوِبال ّ
جْيِم قال لبن عّباس :ما َهِذه الُفتيا التى َقْد
ل من بنى الُه َ
وفى )) صحيح مسلم (( :أن رج ً
سّلم وإ ْ
ن عَلْيِه وآله و َ
ل َ
صّلى ا ُّ
سـّنة َنِبّيُكم َ
لّ :
ل ؟ َفَقا َ
حّت َفَقْد َ
ف بالَبْي ِ
طا َ
ن َ
ن َم ْ
تشّغَبت بالّناس ،أ ّ
غْمُتم .
َر ِ
ل َمن طاف بالبيت ممن ل َهْدى معه ِمن مفِرد ،أو قاِرن ،أو متمّتع ،
ن عباس ُ ،ك ّ
وصدق اب ُ
ل عليه
سـّنة التى ل راّد لها ول مدفع ،وهذا كقوله صلى ا ّ
ل إما وجوبًا ،وإما حكمًا ،هذه هى ال ّ
فقد ح ّ
109
أما العذر الول ،وهو النسخ ،فيحتاج إلى أربعة ُأمور ،لم يأتوا منها بشئ يحتاج إلى
ن مع هذه المعارضة مقاومة لها ،ثم ُيثبت
ص معارضة لهذه ،ثم تكو ُ
نصوص ُأخر ،تكون ِتلك النصو ُ
سجستانى :حدثنا الفريابى ،حدثنا أبان بن
تأخّرها عنها .قال المّدعون للنسخ :قال عمر بن الخطاب ال ّ
ل عنه أنه
ن الخطاب رضى ا ّ
عَمَر ب ِ
عمر ،عن ُ
أبى حازم ،قال :حدثنى أبو بكر بن حفص ،عن ابن ُ
ل لنا المُتعة ثم حّرمها
ل عليه وآله وسلم ،أح ّ
ل صلى ا ّ
لا ّ
قال لما ولى )) :يا أّيها الناس ؛ إن رسو َ
علينا (( رواه البزار فى )) مسنده (( عنه
ح ِبَكِثي ٍ
ب عها الّريا ُ
قال المبيحون للفسخ :عجبًا لكم فى ُمقاومة الجبال الّرواسى التى ل ُتزعِز ُ
حجة
ث ،ل سند ول متن ،أما سنُده ،فإنه ل تقوُم به ُ
ل ،فهذا الحدي ُ
ح يمينًا وشما ً
ل ،تسفيه الّريا ُ
َمهي ِ
ل الحديث ،وأما متُنه ،فإن المراد بالمتعة فيه ُمتعة النساء التى أحّلها رسولُ ال صلى الّ
علينا عند أه ِ
عليه وآله وسلم ،ثم حّرمها ،ل يجوز فيها غيُر ذلك البتة ،لوجوه .
ل النساك على
ج غيُر محّرمة ،بل إما واجبة ،أو أفض ُ
حّن ُمتعة ال َ
لمة على أ ّ
عا ُ
أحدها :إجما ُ
ل خامسًا فيها بالتحريم .
لمة قو ً
الطلق ،أو مستحبة ،أو جائزة ،ول نعلم ل ُ
ح عنه ِمن غير وجه ،أنه قال :لو حجج ُ
ت ل عنه ،ص ّ
ن الخطاب رضى ا ّ
عَمَر ب َ
الثانى :أن ُ
ت .ذكره الثرم فى ))سننه (( وغيره
ت لتمتع ُ
ت ،ثم لو حجج ُ
لتمتع ُ
ل ،أنه سئل :أنهى عمر عن ُمتعة
وذكر عبد الرزاق فى )) مصنفه (( :عن سالم بن عبد ا ّ
ل قال له :أنهى عمر عن ُمتعة
ل تعالى ؟ وذكر عن نافع ،أن رج ً
با ّ
ج ؟ قال :ل َ ،أَبْعَد ِكتا ِ
حّال َ
الحج ؟ قال :ل .وذكر أيضًا عن ابن عباس ،أنه قال :هذا الذى يزعمون أنه نهى عن الُمتعة يعنى
ت.
ت ،لتمّتع ُ
ت ،ثم حجج ُ
عَمر سمعُته يقول :لو اعتمر ُ
ع إلى القول بالتمتع بعد النهى عنه ،وهذا محال
ح عن عمر الرجو ُ
قال أبو محمد بن حزم :ص ّ
أن يرجَع إلى القول بما صح عنده أنه منسوخ .
الثالث :أنه من المحال أن ينهى عنها ،وقد قال صلى ال عليه وسلم لمن سأله :هل هى
ِلعاِمهم ذلك أم للبد ؟ فقال )) :بل للبد (( ،وهذا قطع لتوهم ورود النسخ عليها ،وهذا أحُد الحكام
التى يستحيل ورود النسخ عليها ،وهو الحكُم الذى أخبر الصادق المصدوق باستمراره ودوامه ،فإنه
ل خلف ِلخبره .
111
فصل
فى دعوى اختصاص ذلك بالصحابة
ص ذلك بالصحابة ،واحتجوا بوجوه :
العذر الثانى :دعوى اختصا ِ
سفيان ،عن يحيى بن سعيد ،عن الُمَرّقِع ،
حميدى ،حدثنا ُ
ن الزبير ال ُ
لبُ
أحدها :ما رواه عبُد ا ِّ
ل عليه وآله وسلم لَنا خاصة .
ل صلى ا ّ
لا ّ
ج ِمن رسو ِ
خ الح ّ
عن أبى ذر أنه قال :كان فس ُ
حٍد
لَن َ
ن زيد ،عن أبى ذر قال :لم َيُك ْ
عبيدة ،حدثنا يعقوب ب ُ
وقال وكيع :حدثنا موسى بن ُ
سّلم .
عَلْيِه َوآِلِه َو َ
ل َ
صّلى ا ُّ
حّمٍد َ
ب َم َ
حا َ
صَصًة َلَنا َأ ْ
خ َ
ت ُر ْ
عْمَرًة ،إّنها َكاَن ْ
جَتُه ُ
حّل َ
جَع َ
ن َي ْ
َبْعَدَنا َأ ْ
ن الفضل ،حدثنا محمد بن إسحاق ،عن
وقال البزار :حّدثنا يوسف بن موسى ،حدثنا سلمُة ب ُ
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
عبد الرحمن السدى ،عن يزيد بن شريك ُ ،قلنا لبى ذر :كيف تمّتع رسو ُ
ص َلَنا فيه ،يعنى المتعة .
خ َ
ئ ُر ّ
شٌك َ
ك ،إّنما َذا َ
وأنُتم معه ؟ فقال :ما َأْنُتْم َوَذا َ
ل بن موسى ،حدثنا إسرائيل ،عن إبراهيم
عبيد ا ّ
وقال البزار :حدثنا يوسف بن موسى ،حدثنا ُ
ج والمتعِة :
بن المهاجر ،عن أبى بكر التيمى ،عن أبيه والحارث بن سويد قال :قال أبو ذر فى الح ّ
ل صلى ال عليه وسلم .
لا ّ
رخصٌة أعطاناها رسو ُ
سِرى ،عن ابن أبى زائدة ،أخبرنا محمد ابن إسحاق عن عبد
وقال أبو داود :حدثنا هّناد بن ال ّ
خها إلى
سَج ُثّم َف َ
حّل فيمن َ
الرحمن بن السود ،عن سليمان أو سليم بن السود أن أبا ذر كان يقو ُ
ل صلى ال عليه وسلم .
ل ا ِّ
سو ِ
ن َكاُنوا َمَع َر ُ
ب اّلِذي َ
ل ِللّرْك ِ
كإ ّ
ن َذِل َ
عْمَرٍة ،لم َيُك ْ
ُ
صّلى ا ُّ
ل حّمد َ
ب ُم َ
حا ِ
صَل ْ
ج َ
حّت المُْتَعُة فى ال َ
وفى )) صحيح مسلم (( :عن أبى ذر .قال :كاَن ِ
ج ،وفى لفظ آخر :
حّصًة (( َ ،يْعنى الُمْتَعَة فى ال َ
خ َ
ت َلَنا ُر ْ
صًة .وفى لفظ َ )) :كاَن ْ
خا ّ
سّلم َ
عَلْيِه َوآِلِه َو َ
َ
ج .وفى لفظ آخر )) :إّنَما َكاَن ْ
ت حّساِء وُمْتعََة ال َ
خاصًة (( َ ،يعِنى ُمْتَعَة الّن َ
ل َلَنا َ
نإ ّ
ح الُمْتَعَتا ِ
)) ل َتصِ ّ
ج.
حّصة ُدوَنُكم (( َ ،يْعِنى ُمْتَعَة ال َ
خا ّ
َلَنا َ
وفى )) سنن النسائى (( بإسناد صحيح :عن إبراهيم التيمى ،عن أبيه ،عن أبى ذر ،فى
ل عليه
ل صلى ا ّ
ب رسول ا ّ
خصًَة َلَنا أصحا َ
ت ُر ْ
ئ ،إّنَما َكاَن ْ
شٍسُتم ِمْنَها فى َ
ت َلُكْم ،وَل ْ
س ْ
ج َ :لْي َ
ُمتِعة الح ّ
وآله وسلم .
112
ل؛
وفى )) سنن أبى داود والنسائى (( ،من حديث بلل بن الحارث قال :قلت :يا رسول ا ّ
ل عليه وآله وسلم :
ل صلى ا ّ
لا ّ
صة ،أم للناس عامة ؟ فقال رسو ُ
ج إلى الُعمرة لنا خا ّ
خ الح ّ
ت فس َ
أرأي َ
صة (( ،ورواه المام أحمد .
خا ّ
ل َلَنا ًَ
)) َب ْ
ن عن
عْثَما ُ
ل ُ
سِئ َ
وفى مسند أبى عوانة بإسناد صحيح :عن إبراهيم التيمى ،عن أبيه ،قالُ :
ت َلُكْم .
س ْ
ت َلَنا َ ،لْي َ
ج َفَقال َ :كاَن ْ
حُّمْتَعِة ال َ
ع ما استدلوا به على التخصيص بالصحابة .
هذا مجمو ُ
ن هذه الثار بين
حجة لكم فى شئ من ذلك ،فإ ّ
جُبون له :ل ُ
قال المجّوزون للفسخ ،والمو ِ
سب إليه البتة ،وبين صحيح عن قائل غيِر معصوم ل ُتعاَرض به نصو ُ
ص ح عمن ُن ِ
صّباطل ل َي ِ
المعصوم .
ل عن أن ُيقّدم على النصوص
حجة ،فض ً
أما الول :فإن الُمَرّقع ليس ممن تقوم بروايته ُ
عوِرضَ بحديثه :وَمن الُمرّقع السدى ؟ وقد
الصحيحة غيِر المدفوعة .وقد قال أحمد بن حنبل وقد ُ
ج إلى الُعْمرة .وغاية ما نقل عنه
حّل عليه وآله وسلم ،المر بفسخ ال َ
روى أبو ذر عن النبى صلى ا ّ
ن ذلك
ص بالصحابة ،فهو رأيه .وقد قال ابن عباس ،وأبو موسى الشعرى :إ ّ
ن ذلك مخت ّ
ن صح :أ ّ
إْ
لمة ،فرأى أبى ذر معاَرض برأيهما ،وسلمت النصوصُ الصحيحُة الصريحة ،ثم من المعلوم
عام ل ُ
ل عليه وآله وسلم أن تلك الُعْمرة التى وقع السؤال
أن دعوى الختصاص باطلٌة بنص النبى صلى ا ّ
ن قرن ،وهذا أصح سندًا من المروى عن أبى
ص بَقرن دو َ
عْمرة فسخ لبد البد ،ل َتخت ّ
عنها وكانت ُ
ح عنه .
ذر ،وأولى أن ُيؤخذ به منه لو ص ّ
ل عليه وآله وسلم قد اختلفوا فى أمر قد
ل صلى ا ّ
ب رسول ا ّ
وأيضًا ..فإذا رأينا أصحا َ
ضهم :إنه منسوخ أو خاص ،
ل عليه وآله وسلم أنه فعله وأمر به ،فقال بع ُ
ل صلى ا ّ
ح عن رسول ا ّ
صّ
ل إل
صه مخالف للصل ،فل ُيقَب ُ
خه أو اختصا َ
ل َمن اّدعى نس َ
ق إلى البد ،فقو ُ
وقال بعضهم :هو با ٍ
صل بين المتنازعين ،
ل ما فى الباب معارضُته َمن اّدعى بقاءه وعمومه ،والحجُة تف ِ
ن أق ّ
ببرهان ،وإ ّ
ل ورسوله .فإذا قال أبو ذر وعثمان :إن الفسخ منسوخ أو خاص ،
ب الرّد عند التنازع إلى ا ّ
والواج ُ
ق وحكُمه عام ،فعلى َمن اّدعى النسخ والختصاص
ل بن عباس :إنه با ٍ
وقال أبو موسى وعبد ا ّ
الدليل .
113
ل عليه وآله
ل صلى ا ّ
لا ّ
ل :يعنى ُمتعة الحج ،وأمرنا بها رسو ُ
جّعّز و َ
ل َ
نزلت آيةُ المتعة فى كتاب ا ّ
ل عليه وآله وسلم حتى مات ،
ل صلى ا ّ
لا ّ
وسلم ،ثم لم تنزل آية تنسخ ُمتعة الحج ،ولم ينه عنها رسو ُ
ل برأيه ما شاء .وفى لفظ :يريد عمر .
قال رج ٌ
ل صلى
سولِ ا ّ
ل بن عمر لمن سأله عنها ،وقال له :إن أباك نهى عنها َ :أَأْمُر َر ُ
وقال عبد ا ّ
ق أن ُيّتَبَع أو َأْمُر َأبى ؟. ،
ل عليه وآله وسلم أح ّ
ا ّ
جاَرٌة من
حَل عليكم ِ
ك أن َتْنِز َ
شُ
وقال ابن عباس لمن كان ُيعاِرضه فيها بأبى بكر وعمر ُ :يو ِ
ل عليه وآله وسلم ،وتقوُلون :قال أبو بكر وعمر ؟ فهذا جوا ُ
ب ل صلى ا ّ
لا ّ
ل رسو ُ
ل :قا َ
السماء ،أقو ُ
ل عليه وآله وسلم منكم ،فه ّ
ل ل صلى ا ّ
ن وأبو ذر أعلُم برسول ا ّ
ب َمن يقول :عثما ُ
العلماء ،ل جوا ُ
ل عليه وآله وسلم منا ،
ل صلى ا ّ
ل بن عمر :أبو بكر وعمُر أعلُم برسول ا ّ
ن عباس ،وعبُد ا ّ
قال اب ُ
لا ّ
ل ص عن رسو ِ
ولم يكن أحٌد ِمن الصحابة ،ول أحٌد من التابعين يرضى بهذا الجواب فى دفع ن ٍ
ل ورسوله ،وأتقى له من أن ُيَقّدُموا على قول المعصوم رأ َ
ى صلى ال عليه وسلم ،وهم كانوا أعلَم با ِّ
ى بن
ص عن المعصوم ،بأنها باقية إلى يوم القيامة .وقد قال ببقائها :عل ّ
غيِر المعصوم ،ثم قد ثبت الن ّ
ل عنه ،وسعُد بن أبى وّقاص ،وابن عمر ،وابن عباس ،وأبو موسى ،وسعيد بن
أبى طالب رضى ا ّ
ى صلى
المسّيب ،وجمهور التابعين ،ويدل على أن ذلك رأى محض ل ُينسب إلى أنه مرفوع إلى النب ّ
ل عنه لما نهى عنها قال له أبو موسى الشعرى :يا
طاب رضى ا ّ
ال عليه وسلم ،أن عمَر بن الخ ّ
حّ
ج ل يُقول َ} :وَأِتّموا ال َ
نا ّ
خْذ ِبكَِتاب َرّبَنا ،فإ ّ
سك ؟ فقال :إن َنأ ُ
ن الّن ُ
ت فى شأ ِ
أمير المؤمنين ؛ ما أحدث َ
ل ا ِّ
ل سو َ
ن َر ُ
سّلم ،فإ ّ
عَلْيِه َوآِلِه َو َ
ل َ
ل صّلى ا ُّ
لا ّ
سو ِ
سـّنِة َر ُ
خْذ ِب ّ
ن َنْأ ُ
ل{ ]البقرة ،[196 :وإ ْ
والُعْمَرَة ِّ
ق من أبى موسى وعمر ،على أن منع الفسخ
حَر َ ،فَهَذا اّتَفا ٌ
حّتى َن َ
ل َ
حّل عليه وآله وسلم لم َي ِ
صلى ا ّ
ل صلى ال
سك ،ليس عن رسول ا ّ
إلى المتعة والحرام بها ابتداًء ،إنما هو رأى ِمنه أحدثه فى الّن ُ
س بالفسخ فى خلفة أبى بكر رضى
عليه وسلم .وإن استدل له بما استدل ،وأبو موسى كان ُيفتى النا َ
ل عنه فى نهيه عن ذلك ،واتفقا
ل عنه ُكّلها ،وصدرًا من خلفة عمر حتى فاوض عمُر رضى ا ّ
ا ّ
ع عنه .
ح عنه الرجو ُ
سك ،ثم ص ّ
ل عنه فى الُن ُ
على أنه رأى أحدثه عمر رضى ا ّ
فصل
فى معارضة أحاديث الفتح بما يدل على خلفها
116
وأما العذر الثالث :وهو معارضُة أحاديث الفسخ بما يدل على خلفها ،فذكروا منها ما رواه
ل عنها ،قالت :خرجنا
عروة ،عن عائشة رضى ا ّ
مسلم فى )) صحيحه (( من حديث الزهرى ،عن ُ
ل بحج ،حتى
ن أه ّ
ل بُعمرة ،ومنا َم ْ
حجة الوداع ،فمنا َمن أه ّ
ل صلى ال عليه وسلم فى َ
مع رسولِ ا ِّ
ل ،وَم ْ
ن حِل ْ
حَرَم ِبُعْمرٍة َوَلْم ُيْهِد َ ،فْلَي ْ
ن َأ ْ
ل عليه وآله وسلم َ )) :م ْ
ل صلى ا ّ
لا ّ
ل رسو ُ
َقِدْمَنا مكة فقا َ
جه (( ،وذكر باقى الحديث .
حّ
ج َ ،فْلُيتّم َ
حّل ِب َ
ن أَه ّ
حَر َهْدَيه ،وَم ْ
حّتى َيْن َ
ل َ
حّحَرَم ِبُعْمَرٍة وأْهَدى ،فل َي ِ
َأ ْ
عروة
ومنها :ما رواه مسلم فى )) صحيحه (( أيضًا من حديث مالك ،عن أبى السود ،عن ُ
ل بُعمرة ،ومّنا من
جِة الَوداع ،فِمنا َمن أه ّ
حّ
ل عليه وآله وسلم عاَم َ
ل صلى ا ّ
خرجنا مع رسو ِ
عنها َ :
ج ،فأّما َم ْ
ن ل عليه وآله وسلم بالح ّ
ل صّلى ا ّ
ل ا ِّ
ل رسو ُ
ج ،وأه ّ
ل بالح ّ
ن أه ّ
عمرة ،وِمنا َم ْ
ل بحج و ُ
أه ّ
حّلوا حتى يوُم النحر .
ج والُعمرة ،فلم َي ِ
جَمَع الح ّ
ج ،أو َ
ل بح ّ
ن أه ّ
ل ،وأّما َم ْ
ل بعمرة فح ّ
أه ّ
ن أبى شيبة :حدثنا محمد بن بشر العبدى ،عن محمد بن عمرو بن علقمة ،
منها :ما رواه اب ُ
ل عليه
ل صّلى ا ُّ
ل ا ِّ
جَنا مع رسو ِ
خَر ْ
طب ،عن عائشة ،قالت َ :
حدثنى يحيى بن عبد الرحمن بن حا ِ
ن أه ّ
ل ج ُمفرد ،وِمّنا َم ْ
حّل ِب َ
جٍة ،ومنا َمن أه ّ
حّل بُعمرٍة و َ
ن َأَه ّ
ج على ثلثة أنواع :فِمّنا َم ْ
وآله وسّلم ِللح ّ
ك الح ّ
ج سَ
حُرَم منه حّتى قضى منا ِ
ئ مما َ
ل ِمن ش ٍ
حّعمرٍة معًا ،لم ي ِ
جوُ
ل بح ّ
ن أه ّ
بُعمرة مفردة ،فَمن كا َ
ل بُعمرٍة
ن أه ّ
ك الحج ،وَم ْ
سَ
حُرَم منه حتى قضى منا ِ
ل ِمن شئ مما َ
حّج مفرد ،لم َي ِ
ل بح ّ
ن أه ّ
،وَم ْ
جا .
حّ
ل مما حُرم منه حتى استقبل َ
صفا والمروة ،ح ّ
ت وبال ّ
ف بالبي ِ
مفردٍة ،فطا َ
ن الحاِرث ،عن
ومنها :ما رواه مسلم فى )) صحيحه (( من حديث ابن وهب ،عن عمرو ب ِ
ج،
ل بالح ّ
عروة بن الزبير ،عن رجل أه ّ
ل الِعراق ،قال له :سل لى ُ
ل ِمن أه ِ
جًنرُ
ل،أّ
محمد بن َنْوَف ٍ
ل عليه وآله وسلم ،
ل صّلى ا ّ
ل ا ِّ
ج رسو ُ
ل أم ل ؟ فذَكر الحديث ،وفيه :قد ح ّ
حّف بالبيت ،أي ِ
فإذا طا َ
ج أبو بكر ،
ت ..ثم ح ّ
ف بالَبْي ِ
طا َ
فأخبرتنى عائشة ،أن أول شئ بدأ به حين َقِدَم مكة ،أنه توضأ ،ثّم َ
ن ،فرأيُته
ج عثما ُ
ل ذلك ..ثم ح ّ
عَمُر مث ُ
عْمَرٌة ..ثم ُ
ف بالبيت ،ثم لم تكن ُ
ئ بدأ به الطوا ُ
لش ٍ
ثم كان أّو َ
ت مع أبى
ن عمر ،ثم حجج ُ
لبُ
عْمرٌة .ثم معاوية وعبُد ا ّ
ف بالبيت ،ثم لم تكن ُ
ل شئ بدأ به الطوا ُ
أّو ُ
ت المهاجرين
عْمَرٌة ،ثّم رأي ُ
ف بالبيت ،ثم لم تكن ُ
ل شئ بدأ به الطوا ُ
الزبير بن العّوام ،فكان أّو َ
ضها
ن عمر ،ثم لم ينقُ ْ
ن رأيت فعل ذلك اب ُ
خُر َم ْ
عْمَرٌة ،ثم آ ِ
ن ُ
والنصار ،يفعُلون ذلك ،ثم لم َتُك ْ
حي َ
ن ن عمَر عندهم ،أفل يسألونه ؟ ول أحٌد ممن مضى ما كانوا َيبدؤون بشىء ِ
بُعمرة ،فهذا اب ُ
117
ن ل َتْبدآ ِ
ن ت ُأمى وخالتى حين َتْقَدَما ِ
حّلون ،وقد رأي ُ
ت ،ثم ل َي ِ
طواف بالَبْي ِ
ن ال ّ
ل ِم َ
يضعون أقداَمهم أّو َ
ن.
لِحّ
ل من الطواف بالبيت ،تطوفان ِبه ثم ل َت ِ
بشىٍء أّو َ
ل وَمّنـِه .
ث الفسخ ،ول ُمعارضة فيها بحمد ا ّ
فهذا مجموع ما عارضوا به أحادي َ
ط فيه عبُد الملك بن شعيب
عروة ،عن عائشة َفَغِل َ
ث الول وهو حديث الزهرى ،عن ُ
أما الحدي ُ
س ،عن
جّده الليث ،أو شيخه عقيل ،فإن الحديث رواه مالك ومعمر ،والنا ُ
،أو أبوه شعيب ،أو َ
ن معه َهْدى إذا طاف
ن لم َيُك ْ
الزهرى ،عن عروة ،عنها وبّيُنوا أن النبى صلى ال عليه وسلم أمر َم ْ
ل صلى
عْمَرَة ،عنها :خرجنا مع رسول ا ّ
ل .فقال مالك :عن يحيى بن سعيد ،عن َ
حّوسعى ،أن َي ِ
ج ،فلما دنونا من مكة ،أمر رسو ُ
ل ل بقين لذى الِقعدة ،ول نرى إل الح ّ
خمس ليا ٍ
ل عليه وآله وسلم ِل َ
ا ّ
ن لم يكن معه َهْدى ،إذا طاف بالبيت وسعى بين الصفا والمروة ،أن
ل عليه وآله وسلم َم ْ
ل صلى ا ّ
ا ّ
ث على
ل بالحدي ِ
ث لقاسم بن محمد ،فقال :أتتك وا ِّ
ت هذا الحدي َ
ل وذكر الحديث .قال يحيى :فذكر ُ
حَّي ِ
وجهه .
ل عليه وآله
ل صّلى ا ّ
وقال منصور :عن إبراهيم ،عن السود ،عنها ،خرجنا مع رسول ا ِّ
ل عليه وآله وسلم َمن لم يكن
ى صلى ا ّ
ت ،فأمر النب ّ
طّوْفَنا بالَبْي ِ
ج ،فلما َقِدْمَنا َ ،ت َ
وسلم ول نرى إل الح ّ
ن.
حَلْل َ
ن فأ ْ
سْق َ
ى ،ونساؤه لم َي ُ
ن لم يكن ساق الَهْد َ
ل َم ْ
ل ،فح ّ
حّى ،أن َي ِ
ساق الَهْد َ
ل صلى ا ّ
ل عروة ،عنها :خرجنا مع رسول ا ّ
وقال مالك ومعمر كلُهما عن ابن شهاب ،عن ُ
ن
ل عليه وآله وسلم َ )) :م ْ
ل صلى ا ّ
لا ّ
حجة الوداع ،فأهللنا بُعمرة ،ثم قال رسو ُ
عليه وآله وسلم عام َ
جميعًا (( .
ل منهما َ
حّحّتى َي ِ
ل َ
حّل َي ِ
ج َمَع الُعْمَرة ،و َ
حّل ِبال َ
ى ،فْلُيِه ّ
ن َمَعُه َهْد ٌ
َكا َ
عروة عنها بمثل الذى أخبر به سالم ،عن أبيه ،عن النبى صلى ال
وقال ابن شهاب عن ُ
ج،
حّجة الوداع بالعمرة إلى ال َ
حّل عليه وآله وسلم فى َ
ل صلى ا ّ
عليه وسلم .ولفظه :تمتع رسول ا ّ
ل بالُعمرة ،
ل عليه وآله وسلم ،فأه ّ
ل صلى ا ّ
لا ّ
حليفة ،بدأ رسو ُ
ى من ذى ال ُ
فأهدى ،فساق معه الهد َ
ن ِم َ
ن ج ،فكا َ
حّل عليه وآله وسلم بالُعمرة إلى ال َ
ل صلى ا ّ
لا ّ
س مع رسو ِ
ج ،وتمّتع النا ُ
حّل بال َ
ثم أه ّ
ل عليه وآله وسلم َمّكَة ،
ى ،ومنهم َمن لم ُيْهِد ،فلّما َقِدَم النبى صلى ا ّ
ن أهدى ،فساق معه الَهْد َ
الناس َم ْ
ن لْم َيُك ْ
ن جُه ،وَم ْ
حّى َ
ضَحّتى َيْق ِ
حُرَم ِمْنُه َ
ن شئ َ
ل ِم ْ
حّن ِمْنُكم أْهدى ،فإّنه ل َي ِ
ن َكا َ
قال الناس َ )) :م ْ
118
جْد َهْديًا
ن َلْم َي ِ
ج وْلُيْهِد ،فَم ْ
حّل بال َ
ل ُ ،ثّم ْلُيِه ّ
حّصْر َوْلَي ِ
صَفا والَمْرَوة َ ،ولُيق ّ
ن ال ّ
ت ،وَبْي َ
ف ِبالَبْي ِ
ط ْ
أْهَدى َفْلَي ُ
جَع إلى أْهِلهَ(( ...وذكر باقى الحديث .
سْبَعٍة إذا َر َ
ج،و َ
حّصياُم َثلَثِة أّيام فى ال َ
َ ،ف ِ
شون :عن عبد الرحمن بن القاسم ،عن أبيه ،عن عائشة :خرجنا مَع
جُ
وقال عبد العزيز الما ِ
ج ...فذكر الحديث .وفيه ،قالت :فلما َقدْم ُ
ت حّل عليه وآله وسلم ،ل َنْذُكُر إل ال َ
ل صلى ا ّ
لا ّ
رسو ِ
ن َكا َ
ن ل َم ْ
سإ ّ
ل الّنا ُ
حّعْمَرًة ،فأ َ
جَعُلوها ُ
ل عليه وآله وسلم لصحابه )) :ا ْ
ل صلى ا ّ
لا ّ
َمّكة ،قال رسو ُ
َمَعُه الَهْدى (( .
ل عليه وآله وسلم ل
ل صّلى ا ّ
ل ا ِّ
سو ِ
وقال العمش :عن إبراهيم ،عن عائشة :خرجنا مع َر ُ
ث.
ل ...وذكَر الحدي َ
حّن َن ِ
ج ،فلما َقِدْمَنا ُ ،أِمْرَنا َأ ْ
حّنْذُكر إل ال َ
ل عليه وآله وسلم ،
ل صّلى ا ّ
وقال عبد الرحمن بن القاسم :عن أبيه ،عن عائشة :خرجنا مََع رسول ا ّ
ل عليه وآله وسلم
ل صّلى ا ّ
لا ّ
ى رسو ُ
ل عََل ّ
ت .قالت :فدخ َ
طِمْث ُ
فَ ،
سِر َ
جْئَنا َ
ج ،فلما ِ
حّول نذكر إل ال َ
ث .وفيه :
ج الَعاَم فذكر الحدي َ
حّل َأ ُ
ت أّنى َ
ل َلِوِدْد ُ
ت :وا ِّ
وأنا أبكى .فقال )) :ما ُيْبِكيك (( ؟ قالت َ :فُقْل ُ
سإ ّ
ل حلّ النا ُ
عْمرًة (( ،قالت َ :ف َ
جَعُلوَها ُ
ل عليه وآله وسلم )) :ا ْ
فلما َقِدْمتُ مكة ،قال النبى صلى ا ّ
ى.
ن َمَعُه الَهْد ُ
ْمن َكا َ
وكل هذه اللفاظ فى )) الصحيح (( ،وهذا موافق لما رواه جابر ،وابن عمر ،وأنس ،وأبو
ل عليه
موسى ،وابن عباس ،وأبو سعيد ،وأسماء ،والبراء ،وحفصة ،وغيرهم ،من أمره صلى ا ّ
عْمَرًة .وفى اتفاق هؤلء
ن ساق الَهْدى ،وأن يجعلوا حجهم ُ
وآله وسلم أصحاَبه ُكّلهم بالحلل ،إل َم ْ
ل عليه وآله وسلم ،أمر أصحابه كّلهم أن يحلوا ،وأن يجعلوا الذى قدموا
ُكّلهم ،على أن النبى صلى ا ّ
ل على غلط هذه الرواية ،ووهٍم وقع فيها ُ ،يبين ذلك أنها من رواية
ن ساق الَهْدى ،دلي ٌ
به ُمتعًة ،إل َم ْ
الليث ،عن عقيل ،عن الزهرى ،عن عروة ،والليث بعينه ،هو الذى روى عن عقيل ،عن الزهرى
ل عليه
ل ما رواه ،عن الزهرى عن سالم ،عن أبيه ،فى تمتع النبى صلى ا ّ
،عن عروة ،عنها مث َ
ل.
حّوآله وسلم ،وأمره لمن لم يكن أهدى أن َي ِ
ض الرواة زاد على بعض ،وبعضهم
ضها بعضًا ،وإنما بع ُ
ق بع ُ
ثم تأملنا ،فإذا أحاديث عائشة ُيصّد ُ
ضهم اقتصر على بعضه ،وبعضهم رواه بالمعنى .والحديث المذكور :ليس
اختصر الحديث ،وبع ُ
ج من الحلل ،وإنما فيه أمره أن ُيِتّم الحج ،فإن كان هذا محفوظًا ،فالمراد به
ل بالح ّ
ن أه ّ
فيه منع َم ْ
119
بقاؤه على إحرامه ،فيتعين أن يكون هذا قبل المر بالحلل ،وجعله عمرة ،ويكون هذا أمرًا زائدًا
قد طرأ على المر بالتمام ،كما طرأ على التخيير بين الفراد والتمتع والِقران ،ويتعين هذا ول ُبد ،
ل قطعًا ،فإنه بعد
وإل كان هذا ناسخًا للمر بالفسخ ،والمر بالفسخ ناسخًا للذن بالفراد ،وهذا محا ٌ
ل لم يأمرهم بنقضه ،والبقاِء على الحرام الول ،هذا باطل قطعًا ،فيتعّينُ إن كان
حّأن أمرهم بال ِ
ل أعلم .
محفوظًا أن يكون قبل المر لهم بالفسخ ،ول يجوز غير هذا البتة ..وا ّ
فصل
ج أو جمعَ الح ّ
ج ل بح ّ
ن أه ّ
ث أبى السود ،عن عروة ،عنها .وفيه )) :وأما َم ْ
وأما حدي ُ
حّلوا حتى كان يوم النحر (( .وحديث يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب عنها )) :فَمن
والُعمرة ،فلم َي ِ
حّ
ج ل ِب َ
ن أَه ّ
ج ،ومَ ْ
حّك ال َ
سَ
ى َمنا ِ
ضَحُرَم منه حتى َيْق ِ
ل من شئ مما َ
حّعمرة معًا ،لم َي ِ
جوُ
ل بح ّ
كان أه ّ
ل أن ُينَكرا ،قال الثرم :حدثنا أحمد بن حنبل
ظ ،وهما أه ٌ
ك (( .فحديثان ،قد أنكرهما الحفا ُ
ُمْفِرٍد َكَذِل َ
عروة ،عن عائشة :
،حدثنا عبد الرحمن بن مهدى ،عن مالك بن أنس ،عن أبى السود ،عن ُ
ل بالُعْمَرِة َ ،وِمّنا
ن َأَه ّ
ج َ ،وِمّنا َم ْ
حّل بال َ
ن َأه ّ
ل عليه وآله وسلم ،فمّنا َم ْ
ل صلى ا ّ
))خرجنا مع رسول ا ِّ
ن َأَهلّ بالُعْمَرِة ،
عَلْيِه وآله وسلم ،فأّما َم ْ
ل َ
ل صّلى ا ُّ
ل ا ِّ
سو ُ
ج َر ُ
حّل بال َ
ج والُعمَرِة ،وَأه ّ
حّل ِبال َ
ن َأَه ّ
َم ْ
حّلوا إَلى َيْوِم
ج والُعْمَرِة َ ،فَلْم َي ِ
حّل بال َ
ن َأَه ّ
صَفا والَمْرَوِة َ .وَأّما َم ْ
ت َوبال ّ
طاُفوا ِبالَبْي ِ
ن َ
حي َ
فأحّلوا ِ
ت له :
ب ،هذا خطأ ،فقال الثرم :فقل ُ
ج ِ
ث ِمن الَع َ
حِر (( ،فقال أحمد بن حنبل َ :أْيش فى هذا الحدي ِ
الّن ْ
الزهرى ،عن عروة ،عن عائشة ،بخلفه ؟ فقال :نعم ،وهشام بن عروة .وقال الحافظ أبو محمد
ث ل خفاء ِبُنكَرِته ،
بن حزم :هذان حديثان منكران جدًا ،قال :ولبى السود فى هذا النحو حدي ٌ
َوَوْهِنِه ،وُبطلنه .والعجب كيف جاز على َمن رواه ؟ ثم ساق من طريق البخارى عنه ،أن عبد ا ّ
ل
ل عنهما تقول ُكلما َمّر ْ
ت صّديق رضى ا ّ
ت أبى بكر ال ّ
سَمُع أسماء بن َ
مولى أسماء ،حّدثه أنه كان َي ْ
ل ظهُرنا ،قليلٌة
ف ،قلي ٌ
خفا ٌ
ل على رسوله :لقد نزلنا معه هاهنا ،ونحنُ يومئذ ِ
ن :صّلى ا ّ
جو ِ
حُ
بال َ
حَلْلَنا ُ ،ثّم َأْهَلَلْنا
ت َ ،أ ْ
ت أنا وأختى عائشة ،والزبيُر ،وفلن ،وفلن .فلما مسحنا البي َ
أزواُدنا ،فاعتمر ُ
ج.
حّى ِبال َ
شّن الَع ِ
ِم َ
ث لوجهين باطلين فيه بل شك :
ل علم بالحدي ِ
قال :وهذه وهلٌة ل خفاَء بها على أحد ممن له أق ّ
120
ت أنا وُأختى عائشة ،ول خلف بين أحد من أهل النقل ،فى أن عائشة
أحُدهما :قوله :فاعتمر ُ
لم تعتمر فى أول دخولها مكة ،ولذلك أعمرها من التنعيم بعد تمام الحج ليلة الحصبة ،هكذا رواه
ن أبى ُمليكة ،والقاسم بن
ل ،ورواه عن عائشة الثبات ،كالسود بن يزيد ،واب ِ
جابر بن عبد ا ّ
محمد ،وعروة ،وطاووس ،ومجاهد .
ت ،أحللنا ،ثم أهللنا من العشى بالحج ،وهذا باطل
الموضع الثانى :قوله فيه :فلما مسحنا البي َ
ن عباس ُ ،كّلهم رَوْوا أن الحلل كان يوَم
س بن مالك ،وعائشة ،واب َ
ك فيه ،لن جابرًا ،وأن َ
لش ّ
ج كان يوم التروية ،وبين اليومين المذكورين ثلثة أيام بل شك .
دخولهم مكة ،وأن إحللهم بالح ّ
ث ليس بمنكر ول باطل ،وهو صحيح وإنما ُأتى أبو محمد فيه ِمن فهمه ،فإن
قلت :الحدي ُ
حَلْلَنا ،
أسماء أخبرت أنها اعتمرت هى وعائشة ،وهكذا وقع بل شك .وأما قولها :فلما مسحنا البيت أ ْ
ح بأن
ب عائشة ،وهى لم ُتصّر ْ
فإخبار منها عن نفسها ،وعمن لم ُيصبه عذُر الحيض الذى أصا َ
ب أن عائشة قدمت بُعمرة ،ولم
عائشة مسحت البيت يوم دخولهم مكة ،وأنها حّلت ذلك اليوم ،ول ري َ
ج ،وصارت قاِرنًة .فإذا قيل :اعتمرت عائشة
ف ،فأدخلت عليها الح ّ
سِر َ
ت ِب َ
تزل عليها حتى حاض ْ
ل عليه وآله وسلم ،أو قدمت بعمرة ،لم يكن هذا كذبًا .
مع النبى صلى ا ّ
ل :إنهم َأهّلوا من عشى يوم القدوم ،ليلزم
ى بالحج ،فهى لم َتُق ْ
شّ
وأما قولها :ثم أهللنا ِمن الَع ِ
ى يوم التروية .ومثل هذا ل يحتاج فى ظهوره وبيانه إلى أن
ما قال أبو محمد ،وإنما أرادت عش ّ
ب الوهام إلى غيره ،فرّد
ُيصّرح فيه بعشى ذلك اليوم بعينه ،لعلم الخاص والعام به ،وأنه مما ل تذه ُ
أحاديث الثقات بمثل هذا الوهم مما ل سبيل إليه .
قال أبو محمد :وأسلُم الوجوه للحديثين المذكورين عن عائشة ،يعنى اللذين أنكَرُهما ،أن
حّلوا حتى كان يومُ
عمرة ،لم َي ِ
جوُ
ج ،أو بح ّ
ن أهّلوا بح ّ
ج روايتهما على أن المراد بقولها :إن اّلذي َ
ُتخّر َ
ن كان معه الَهْدى ،وبهذا تنتفى الّنكرُة عن هذين
سك الحج ،إنما عنت بذلك َم ْ
ضْوا منا ِ
النحر حين َق َ
عروة يذكر خلف ما ذكره أبو السود عن
ث كلها ،لن الزهرى عن ُ
الحديثين ،وبهذا تأتِلف الحادي ُ
ظ من أبى السود ،وقد خالف يحيى بن عبد الرحمن عن عائشة فى هذا
عروة ،والزهرى بل شك أحف ُ
جللة ،ول فى
ن ل ُيقَرن يحيى بن عبد الرحمن إليه ،ل فى حفظ ،ول فى ثقة ،ول فى َ
الباب َم ْ
بطانة لعائشة ،كالسود ابن يزيد ،والقاسم بن محمد بن أبى بكر ،وَأبى عمرو ذكوان مولى عائشة ،
121
ومن طريق عبد الرزاق ،عن الثورى ،عن ليث ،عن طاووس ،عن ابن عباس :تمتع
ل صلى ال عليه وسلم وأبو بكر .حتى مات ،وعمر ،وعثمان كذلك .وأول َمن نهى عنها :
رسول ا ّ
معاوية .
قلت :حديث ابن عباس هذا ،رواه المام أحمد فى )) المسند (( والترمذى .وقال :حديث
حسن .
وذكر عبد الرزاق ،قال :حدثنا معمر عن ابن طاووس ،عن أبيه ،قال :قال ُأبىّ بن كعب ،
س أمَر هذه المتعة ؟ فقال عمر :وهل َبقى أحد إل
ن للّنا ِ
وأبو موسى لعمر بن الخطاب :أل تقوُم فتبّي َ
عِلَمَها ،أما أنا فأفعُلها .
وقد َ
ن سلمة ،
ج بن المنهال ،قال :حدثنا حماُد ب ُ
ن عبِد العزيز البغوى ،حدثنا حجا ُ
وذكر على ب ُ
عن حماد بن أبى سليمان أو حميد عن الحسن ،أن عمر أراد أن يأخذ مال الكعبة ،وقال :الكعبة
ل ،وأراد أن ينهى عن ُمتعة الحج ،
صِبُغوا بالَبو ِ
ل ،وأراد أن َيْنهى أهل اليمن أن َي ْ
ك الما ِ
غِنّيٌة عن ذِل َ
َ
ل ،وبه وبأصحابه
ل صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه هذا الما ُ
لا ّ
ن كعب :قد رأى رسو ُ
ىبُ
فقال ُأب ّ
ل صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه يلَبسون
لا ّ
الحاجُة إليه ،فلم يأخذه ،وأنت فل تأخْذه ،وقد كان رسو ُ
ل صلى ال عليه
صَبُغ بالبول ،وقد تمّتعنا مع رسول ا ّ
ب اليمانية ،فلم ينَه عنها ،وقد علم أنها ُت ْ
الثيا َ
ل تعالى فيها نهيًا .
ل ا ُّ
وسلم فلم ينه عنها ،ولم ُيْنِز ِ
ت خمسين
ت ،ولو حجج ُ
ت لتمتع ُ
ت فى وسط السنة ،ثم حجج ُ
ل عمر :لو اعتمر ُ
وقد تقّدم قو ُ
ت .ورواه حماد بن سلمة .عن قيس ،عن طاووس ،عن ابن عباس ،عنه :لو اعتمرتُ
حجة ،لتمتع ُ
َ
عمرة .والثورى ،عن سلمة بن كهيل ،عن
حجتى ُ
فى سنة مرتين ،ثم حججت ،لجعلت مع َ
ت ،ثم حججت ،لتمتعت .وابن عيينة :عن
ت ،ثم اعتمر ُ
طاووس ،عن ابن عباس ،عنه :لو اعتمر ُ
حجير ،وليث ،عن طاووس ،عن ابن عباس ،قال :هذا الذى يزعُمون أنه نهى عن المتعة
هشام بن ُ
ت ،ثم حججت ،لتمتعت .قال ابن عباس :كذا وكذا مرة ،ما
يعنى عمر سمعُته يقول :لو اعتمر ُ
تمت حجة رجل قط إل بمتعة .
ل عنه ،لم ينه عن المتعة البتة ،
عَمَر رضى ا ّ
وأما الجواب الذى ذكره شيخنا ،فهو أن ُ
لمور ،وهو إفراُد كل
لا ُ
عَمُر لهم أفض َ
صُلوا بينهما ،فاختار ُ
عمرِتكم أن َتْف ِ
جكم و ُ
حّ
ن َأَتّم ِل َ
وإنما قال :إ ّ
124
ن فسادهما ..
وقد سلك المانعون من الفسخ طريقتين أخريين ،نذكرُهما ونبّي ُ
ط يقتضى
ن بعدهم فى جواز الفسخ ،فالحتيا ُ
الطريقة الولى :قالوا :إذا اختلف الصحاَبُة وَم ْ
صيانًة للعبادة عما ل يجوُز فيها عند كثير من أهل العلم ،بل أكثرهم .
المنَع منه ِ
والطريقة الثانية :أن النبى صلى ال عليه وسلم أمرهم بالفسخ ِليبّين لهم جواَز الُعمرة فى أشهر
عَفا
ل الجاهلية كانوا يكرهون الُعمرة فى أشهر الحج ،وكانوا يُقولون :إذا َبَرَأ الّدَبُر ،و َ
الحج ،لن أْه َ
ى صلى ال عليه وسلم بالفسخ ،ليبين
عَتَمَر ،فأمرهم النب ّ
نا ْ
ت الُعْمَرُة ِلَم ِ
صَفُر ،فقد حّل ِ
خ َ
سَل َ
لَثُر ،واْن َ
اَ
لهم جواَز الُعمرة فى أشهر الحج ،وهاتان الطريقتان باطلتان .
ط هو
سـّنُة ،فإذا تبّينت فالحتيا ُ
ط إنما يشرع ،إذا لم تتبين ال ّ
أما الولى :فلن الحتيا َ
ط
عها ،أحو ُ
ك ما خالفها واَتبا ُ
ك ما خالفها ،فإن كان ترُكها لجل الختلف احتياطًا ،فتر ُ
عها وتر ُ
اّتبا ُ
ط نوعان :
ط ،فالحتيا ُ
وأحو ُ
سـّنة ،ول يخفى ُرجحا ُ
ن خلف ال ّ
ط للخروج من ِ
ط للخروج ِمن خلف العلماء ،واحتيا ٌ
احتيا ٌ
أحدهما على الخر .
ن للناس فى الفسخ ثلثَة أقوال :
وأيضًا ..فإن الحتياط ممتنٌع هنا ،فإ ّ
أحدها :أنه محّرم .
خَلف .
سَلف وال َ
ل جماعة من ال َ
الثانى :أنه واجب ،وهو قو ُ
ب ،فليس الحتياط بالخروج من خلف َمن حّرمه أولى بالحتياط بالخروج
ح ٌ
الثالث :أنه مست َ
ط بالخروج من خلف
ط بالخروج من الخلف ،تعّين الحتيا ُ
من خلف َمن أوجبه ،وإذا تعّذر الحتيا ُ
سـّنة .
ال ّ
فصل
وأما الطريقة الثانية :فأظهُر ُبطلنًا من وجوه عديدة .
ى صلى ال عليه وسلم اعتمر قبل ذلك عَُمَرُه الثلث فى أشهر الحج فى ذى
أحُدها :أن النب ّ
ط أشهِر الحج ،فكيف ُيظن أن الصحابة لم يعلموا جواَز العتمار فى
الِقْعَدة ،كما تقّدم ذلك ،وهو أوس ُ
ث مرات ؟
أشهر الحج إل بعد أمرهم بفسخ الحج إلى الُعمرة ،وقد تقّدم فعله لذلك ثل َ
126
ل ِبُعْمَرٍة
ن ُيِه ّ
شاَء أ ْ
ن َ
الثانى :أنه قد ثبت فى )) الصحيحين (( ،أنه قال لهم عند الميقات َ )) :م ْ
ل (( فبّين لهم جواَز
عْمَرٍة َفْلَيْفَع ْ
جوُ
حّلب َ
ن ُيِه ّ
شاَء َأ ْ
ن َ
ل ،وَم ْ
جٍة َفْلَيْفَع ْ
حّل ِب َ
ن ُيِه ّ
شاَء َأ ْ
ن َ
ل ،وَم ْ
َفْلَيْفَع ُ
العتمار فى أشهر الحج عند الميقات ،وعامُة المسلمين معه ،فكيف لم يعلموا جوازها إل بالفسخ ؟
ل إن لم يكونوا يعلمون جواَزها بذلك ،فهم أجدُر أن ل يعلموا جواَزها بالفسخ .
ولعمُر ا ّ
ى أن يبقى على إحرامه حتى
ى أن يتحّلل ،وأمَر َمن ساق الَهْد َ
ق الَهْد َ
سِالثالث :أنه أَمَر َمن لم َي ُ
ق الَهْدى هو المانُع من التحلل ،ل
حّله ،ففرق بين محِرم ومحِرم ،وهذا يدل على أن سو َ
ى َم ِ
يبلغ الهد ُ
ي صلى ال عليه وسلم
مجرُد الحرام الول ،والِعّلة التى ذكروها ل تختص بمحِرم دوم محرم ،فالنب ّ
حل وعدمه للَهْدى وجودًا وعدمًا ل لغيره .
جعل التأثير فى ال ِ
صد مخالَفة المشركين ،كان هذا دلي ً
ل ى صلى ال عليه وسلم ق َ
الرابع :أن يقال :إذا كان النب ّ
ن دلي ً
ل ل لهذه الِعّلة ،لنه إذا كان إنما أمرهم بذلك لمخالفة المشركين ،كان يكو ُ
خ أفض ُ
على أن الفس َ
على أن الفسخ يبقى مشروعًا إلى يوم القيامة ،إما وجوبًا وإما استحبابًا ،فإن ما فعله النبى صلى ال
لمته فى المناسك مخالفًة لَهْدى المشركين ،هو مشروع إلى يوم القيامة ،إما
عليه وسلم وشرعه ُ
ضون من عرفَة قبل غروب الشمس ،وكانوا ل ُيفيضون
وجوبًا أو استحبابًا ،فإن المشركين كانوا ُيِفي ُ
ى صلى ال عليه
ق َثِبيُر كَْيَما ُنِغيَر ،فخالفهم النب ّ
شِر ْ
س ،وكانوا يقولون :أ ْ
طُلع الشم ُ
من مزدلفة حتى َت ْ
س (( .
شْم ُ
ت ال ّ
غَرَب ِ
حّتى َ
عَرَفَة َ
ن َ
ض ِم ْ
شِرِكين َ ،فَلْم ُنِف ْ
ى الُم ْ
ف َهْدُينا هْد َ
خاَل َ
وسلم ،وقال َ )) :
ب َيجبُره دم ،كقول أحمد ،وأبى حنيفة ،
وهذه المخالفة ،إما ركن ،كقول مالك ،وإما واج ٌ
سـّنة ،كالقول الخر له .
والشافعى فى أحد القولين ،وإما ّ
سـّنة باتفاق المسلمين ،وكذلك قري ٌ
ش والفاضة من مزدلفة قبل طلوع الشمس ّ
ت،
جْمع ،فخالفهم النبى صلى ال عليه وسلم ،ووقف بعرفا ٍ
ف بعرفة ،بل تفيض من َ
كانت ل َتق ُ
س{ ]البقرة ،[199 :وهذه
ض الّنا ُ
ث َأَفا َ
حْي ُ
ن َ
ضوا ِم ْ
ض منها ،وفى ذلك نزل قوله تعالى ُ} :ثّم َأِفي ُ
وأفا َ
ب أو
خاِلفُ فيها المشركين هى الواج ُ
ج باتفاق المسلمين ،فالُمور التى ُن َ
ن الح ّ
المخالفة من أركا ِ
ى صلى ال عليه وسلم
المستحبّ ،ليس فيها مكروه ،فكيف يكون فيها ُمحّرم ؟ وكيف ُيقال :إن النب ّ
ل ِمن الذى أمرهم به ؟
سكَ المشركين ،مع كون الذى نهاهم عنه ،أفض َ
ف ُن ُ
ك ُيخاِل ُ
سٍ
أمر أصحابه ِبُن ُ
127
سْق ُ
ت تَ ،لَما ُ
سَتْدَبْر ُ
ن أْمِرى ما ا ْ
ت ِم ْ
سَتْقَبْل ُ
ل عليه وسلم قال )) :لو ا ْ
التاسع :أنه صلى ا ّ
ل عليه وسلم عند ذلك العلم بجواز العمرة فى
عْمَرًة (( ،أفترى تجّدد له صلى ا ّ
جَعْلُتها ُ
ى ،وَل َ
الَهْد َ
سف على فواتها ؟ هذا من أعظم المحال .
أشهر الحج ،حتى تأ ّ
ق الَهْدى .ومعلوم :
سِن قرن ،ولم َي ُ
العاشر :أنه أمر بالفسخ إلى الُعمرة َ ،من كان أفرد ،وَم ْ
عمرة ليبّين له جواز
خ ِقرانه إلى ُ
أن القارن قد اعتمر فى أشهر الحج مع حجته ،فكيف يأمره بفس ِ
الُعمرة فى أشهر الحج ،وقد أتى بها ،وضم إليها الحج ؟
ج إلى الُعمرة ،موافق لقياس الصول ،ل مخالف له .ولو
الحادى عشر :أن فسخ الح ّ
ص به على وفق القياس ،قاله شيخ السلم ،
س يقتضى جوازه ،فجاء الن ّ
ص ،لكان القيا ُ
لم يرد به الن ّ
وقرره بأن المحِرم إذا التزم أكثَر مما كان لزمه ،جاز باتفاق الئمة .فلو أحرم بالُعمرة ،ثم أدخل
ج ،ثم أدخل عليه الُعمرة ،لم يجز عند الجمهور ،وهو
عليها الحج ،جاز بل نزاع ،وإذا أحرم بالح ّ
مذهب مالك ،وأحمد ،والشافعى فى ظاهر مذهبه ،وأبو حنيفة ُيجّوز ذلك ،بناًء على أصله فى أن
القارن يطوف طوافين ،ويسعى سعيين .قال :وهذا قياس الرواية المحكّيِة عن أحمد فى القارن :أنه
ف طوافين ،ويسعى سعيين .وإذا كان كذلك ،فالمحِرُم بالحج لم يلتزم إل الحج .فإذا صار
يطو ُ
متمتعًا ،صار ملتزمًا لُعمرة وحج ،فكان ما التزمه بالفسخ أكثَر مما كان عليه ،فجاَز ذلك .ولما كان
عمرة ،وليس كذلك ،فإنه لو
ن أنه فسخ حجًا إلى ُ
ل ،كان مستحبًا ،وإنما أشكل هذا على َمن ظ ّ
أفض َ
خ جائز لمن كان ِمن ِنّيته أن يحج
عمرة مفردة ،لم يجز بل نزاع ،وإنما الفس ُ
أراد أن يفسخ الحج إلى ُ
بعد الُعمرة ،والمتمتع من حين يحرم بالُعمرة فهو داخل فى الحج ،كما قال النبى صلى ال عليه
ج إلى َيْوِم الِقَياَمة (( .ولهذا ،يجوز له أن يصوَم الياَم الثلثَة ِمن حين
ت الُعْمَرُة فى الح ّ
خَل ِ
وسلم َ )) :د َ
ُيحِرُم بالُعمرة ،فدل على أنه فى تلك الحال فى الحج .
ى صلى ال
ل بعده .وكذلك كان النب ّ
سُب بالوضوء ،ثم يغت ِ
جن ُ
وأما إحراُمه بالحج بعد ذلك ،فكما يبدأ ال ُ
ضع
ن ِبَمَياِمِنَها ،وَمَوا ِ
عليه وسلم يفعل ،إذا اغتسل من الجنابة .وقال ِللنسوة فى غسل ابنته )) :اْبَدْأ َ
ضوِء ِمْنَها (( .فغسل مواضع الوضوء بعض الغسل .
الُو ُ
ل كان ممنوعًا منه
حًفإن قيل :هذا باطل لثلثة أوجه .أحدها :أنه إذا فسخ ،استفاد بالفسخ ِ
بإحرامه الول ،فهو دون ما التزمه .
130
شكران ل
سك ،وهو دم ُ
ى فى التمتع عبادة مقصودة ،وهو ِمن تمام الُن ُ
أحدها :أن الَهْد َ
ك المشتِمل على الدم ،
سُ
لضحية للمقيم ،وهو من تمام عبادة هذا اليوم ،فالّن ُ
جبران ،وهو بمنزلة ا ُ
دم ُ
ل فى ذلك اليوم ،بمثل إراقة دم سائل .
ب إلى ا ّ
بمنزلة العيد المشتمل على الضحية ،فإنه ما ُتُقّر َ
سِئل :
صّديق ،أن النبى صلى ال عليه وسلم ُ
وقد روى الترمذى وغيره ،من حديث أبى بكر ال ّ
ج :إراقُة دم الَهْدى .فإن
ج رفُع الصوت بالتلبية ،والّث ّ
ج (( .والع ّ
ج والّث ّ
ل ؟ فقال )) :الَع ّ
ضُج َأْف َ
ى الح ّ
أ ّ
ل هذه الفضيلة .قيل :مشروعيتها إنما جاءت فى حق القاِرن والمتمّتع ،
صَن المفرُد أن ُيح ّ
قيل ُ :يمِك ُ
وعلى تقدير استحبابها فى حقه ،فأين ثواُبها من ثواب َهْدى المتمتع والقارن ؟
ى صلى ال
ل منه ،وقد ثبت عن النب ّ
جبران ،لما جاز الك ُ
الوجه الثانى :أنه لو كان دَم ُ
ل ِمن لحمها ،
ت فى ِقْدِر ،فأك َ
جِعَل ْ
ضَعٍة َ ،ف ُ
ل ِمن َهْديه ،فإنه َأَمَر ِمن كل َبَدَنٍة ِبَب ْ
عليه وسلم أنه أك َ
ب فيها
ن الِمائة ،والواج ُ
ل َبَدَنِة ِم َ
ن ُك ّ
سْبَع بدنة ،فإّنه أَكلَ ِم ْ
ب عليه ُ
ب ِمن َمَرِقَها ،وإن كان الواج ُ
شِر َ
وَ
ن الَهْدى اّلِذى
ساَءه ِم َ
ع لم يتعّين بقسمة ،وأيضًا :فإنه قد ثبت فى )) الصحيحين (( :أنه أطَعم ِن َ
ُمشا ٌ
ت ،احتج به المام أحمد ،فثبت فى )) الصحيحين (( عن عائشة رضى ا ّ
ل ن ُمَتَمّتَعا ٍ
ن َوُك ّ
عْنُه ّ
حُه َ
َذب َ
ن ،وأيضًا :فإن سبحانه
عْنُه ّ
حُه َ
ن ِمن الَهْدى الذى َذَب َ
ل إليه ّ
سَن نسائه ،ثم أْر َ
عْعنها ،أّنه أهدى َ
س الَفِقيَر{ ]الحج ،[28 :وهذا يتناو ُ
ل طِعُموا الَباِئ َ
ن الَهِدى َ} :فُكُلوا ِمْنَها َوأ ْ
وتعالى قال فيما ُيذبح بِمَنى ِم َ
ح َهْدى الُمتعة والِقران .ومن
ع هناك ذب ُ
ص به ،فـإن المشرو َ
ى التمتع والِقران قطعًا إن لم يخت ّ
َهْد َ
ل لمر
ت فى ِقدر امتثا ً
ضَعٍة ُ ،فجِعَل ْ
ل َبَدَنٍة ِبَب ْ
ى صلى ال عليه وسلم ،من ُك ّ
ل أعلُم أمر النب ّ
هاهنا وا ُّ
ربه بالكل ِلَيُعّم به جميع َهْديه .
جبران محظوٌر فى الصل ،فل يجوز القداُم عليه إل
الوجه الثالث :أن سبب ال ُ
ل محظور ،والتمُتع مأمور به ،إما أمر إيجاب عند طائفة كابن عباس
ك واجب ،أو فع ُ
لعذر ،فإنه إما تر ُ
جِز القداُم على سببه بغير عذر،
جبران .لم َي ُ
وغيره ،أو أمر استحباب عند الكثرين ،فلو كان َدُمُه َدَم ُ
ل به على عباده ،وأباح لهم بسببه التحلل فى
سَع ا ّ
سك ،وهذا و ّ
عِلم أنه دم ُن ُ
جبران ،و ُ
فبطل قوُلهم :إنه دم ُ
أثناء الحرام لما فى استمرار الحرام عليهم من المشقة ،فهو بمنزلة القصر والِفطر فى السفر،
ل هذا وهذا،
خّفين ،وكان من َهْدى النبى صلى ال عليه وسلم وَهْدى أصحابه فع ُ
وبمنزلة المسح على ال ُ
سَره عليه
صيُتُه(( فمحبُته لخذ العبد بما َي ّ
ن ُتْؤَتى َمْع ِ
صِهَ ،كما َيْكَرُه َأ ْ
خ ِ
خَذ ِبُر َ
ن ُيْؤ َ
ب َأ ْ
ح ّ
ل َتَعاَلى ُي ِ
))وا ُّ
132
ل عن ترّفهه
ى وإن كان بد ً
ل كراهته منه لرتكاب ما حّرمه عليه ومنعه منه ،والَهْد ُ
وسّهله له ،مث ُ
ج مفرد ويعتِمر عقيبه ،والبدل
ى بح ّ
ل لمن قدم فى أشهر الحج من أن يأت َ
بسُقوط أحد السفرين ،فهو أفض ُ
ل ،وكالتيمم للعاجز عن استعمال الماء ،فإنه واجب عليه وهو
قد يكون واجبًا كالجمعة عند َمن جعلها بد ً
ل ل يمنع أن يكون
حبًا أولى بالجواز ،وتخلل التحّل ِ
ل قد يكون واجبًا ،فكونه مست َ
بدل ،فإذا كان البد ُ
الجميُع عبادة واحدة كطواف الفاضة ،فإنه ركن بالتفاق ،ول ُيفعل إل بعد التحّلل الول ،وكذلك رم ُ
ى
ل التام ،وصوُم رمضان يتخّلله الفطُر فى لياليه ،ول يمنع ذلك أن
حّالجمار أيام ِمَنى ،وهو ُيفعل بعد ال ِ
يكون عبادًة واحدة ،ولهذا قال مالك وغيره :إنه يجزئ ِبِنّية واحدة للشهر كله ،لنه عبادة واحدة ...والّ
أعلم.
فصل
خه إليها أولى وأحرى،
ج ،فلن ل يجوَز فس ُ
ل الُعمرة على الح ّ
وأما قوُلكم :إذا لم يجز إدخا ُ
ل على هذه الدعوى التى ليس
طحنًا .وما وجُه التلُزم بين المرين ،وما الدلي ُ
جَعًة ول نرى ِ
جَع َ
فنسمع َ
ل ،فهو غيُر معترف بفساد
ل بهذا إن كان ِمن أصحاب أبى حنيفة رحمه ا ّ
ن عليها؟ ثم القائ ُ
بأيديكم برها ٌ
خلُ الُعمرة قد
ل ،ثم ُيقالُ :مْد ِ
هذا القياس .وإن كان من غيرهم ،طولب بصحة قياسه فل يجد إليه سبي ً
ف واحد
ج ،ثم طوافًا آخر للعمرة .فإذا قرن ،كفاه طوا ٌ
ف طوافًا للح ّ
نقص مما كان التزمه ،فإنه كان يطو ُ
سـّنة الصحيحة ،وهو قول الجمهور ،وقد نقص مما كان يلتزمه .وأما الفاسخ ،فإنه لم
ى واحد بال ّ
وسع ٌ
س على كل
ل ،وأكثر واجبات ،فبطل القيا ُ
ل منه ،وأفض ُ
سكه إلى ما هو أكم ُ
ض مما التزمه ،بل نقل ُن ُ
ينُق ْ
ل الحمد.
تقدير ،و ّ
فصل
ل عليه وسلم.
جته صلى ا ّ
حّسياق َ
عدنا إلى ِ
ُ
طوى وهى المعروفة الن بآبار الزاهر ،فبات
ل عليه وسلم إلى أن نزل بذى ُ
ثّم نهض صلى ا ّ
ن يومه ،ونهض إِلى مكة،
ل ِم ْ
صبح ،ثم اغتس َ
حجة ،وصّلى بها ال ّ
ن من ذى ال ِ
خَلْو َ
بها ليلَة الحد لربع َ
ن ،وكان فى الُعمرة يدخل من أسفلها،
جو ِ
حُف على ال َ
شِر ُ
فدخلها نهارًا ِمن أعلها ِمن الثنّية الُعليا التى ُت ْ
ى.
ل المسجد وذلك ضح ً
وفى الحج دخل من أعلها ،وخرج ِمن أسفلها ،ثم سار حتى دخ َ
ب بنى شيبة.
س اليوَم با َ
ب بنى عبد مناف الذى ُيسّميه النا ُ
وذكر الطبرانى ،أنه دخَله من با ِ
133
وذكر المام أحمد :أنه كان إذا دخل مكانًا من دار يعلى ،استقبل البيت فدعا.
ظيمًا َوَتْكريمًا
شريفًا َوَتْع ِ
ك َهَذا َت ْ
وذكر الطبرانى :أنه كان إذا نظر إلى البيت ،قال)) :الّلُهّم زْد َبْيَت َ
سلُم
ك ال ّ
سلُم وِمْن َ
ت ال ّ
َوَمَهاَبًة(( .وروى عنه ،أنه كان عند رؤيته يرفُع يديه ،وُيكّبر ويُقول)) :الّلُهّم َأْن َ
عَتَمَرُه
جُه َأْو ا ْ
حّ
ن َ
ظيمًا َوَتْكِريمًا َوَمَهاَبًة ،وِزْد َم ْ
شِريفًا َوَتْع ِ
ت َت ْ
سلم ،الّلُهّم ِزْد َهذا الَبْي َ
حّينا َرّبنا بال ّ
َ
طاب
ن الخ ّ
عَمَر ب ِ
سيب من ُ
شريفًا وَتْعظيمًا وِبّرًا(( وهو مرسل ،ولكن سمع هذا سعيُد بن الم ّ
َتْكريمًا وَت ْ
ل عنه يقوله.
رضى ا ّ
ن تحيَة المسجِد الحرام
عَمَد إلى البيت ولم يركع تحيَة المسجد ،فإ ّ
فلما دخل المسجدَ ،
حْم عليه ،ولم يتقّدم عنه إلى جهة الّركن اليمانى،
جر السود ،استلمه ولم ُيزا ِ
ف ،فلما حاذى الح َ
طوا ُ
ال ّ
ت بطوافى هذا السبوع كذا وكذا ،ول افتتحه بالّتْكبير كما يفعله َمن ل علم
ل :نوي ُ
ولم يرفع يديه ،وَلم َيُق ْ
شقه،
جعله على ِ
جَر السود بجميع بدنه ثم انفتل عنه و َ
حَعنده ،بل هو ِمن الِبَدع الُمنكرات ،ول حاذى ال َ
ع عند الباب بُدعاء ،ول تحت
ت عن يساره ،ولم يد ُ
بل استقبَله واستلمه ،ثم أخذ عن يمينه ،وجعل البي َ
حِف َ
ظ ف ِذكرًا معينًا ،ل بفعله ،ول بتعليِمه ،بل ُ
طَوا ِ
ت ِلل ّ
عند ظهر الكعبة وأركانها ول وّق َ
الميزاب ،ول ِ
ب الّنار{ ]البقرة [201 :ورَمل
عَذا َ
سَنًة وِقَنا َ
حَخَرِة َ
سَنًة َوِفى ال ِ
حَعنه بين الركنينَ} :رّبَنا آِتَنا فى الّدْنَيا َ
خطاه ،واضطبع بردائه
ب بين ُ
فى طوافه َهَذا الثلثة الشواط الول ،وكان ُيسرع فى مشيه ،وُيقاِر ُ
فجعل طرفيه على أحد كتفيه ،وأبدى كتفه الخرى ومنكبه ،وكلما حاذى الحجر السود ،أشار إليه أو
ن عصا محنّية الرأس .وثبت عنه ،أنه استلم الركن اليمانى.
استلمه بمحجنه ،وقّبل المحجن ،والمحج ُ
ت عنه أنه قّبله ،ول قّبل يده عند استلمه ،وقد روى الدارقطنى ،عن ابن عباس)) :كان رسول
ولم يثب ْ
ل بن مسلم بن ُهرمز ،قال
ل الركن اليمانى ،ويضع خده عليه(( ،وفيه عبد ا ّ
ل صلى ال عليه وسلم ُيقّب ُ
ا ّ
ث وضّعفه غيره .ولكن المراَد بالّركن اليماِنى ههنا ،الحجُر السود ،فإنه
ح الحدي ِ
المام أحمد :صال ُ
حجر من
ل له مع الركن الخر :اليمانيان ،ويقال له مع الركن الذى يلى ال ِ
ن اليمانى وُيقا ُ
ُيسّمى الرك َ
حجر :الشاميان .ويقال للركن اليمانى ،والذى يلى
ناحية الباب :العراقيان ،ويقال للّركنين اللذين يليان ال ِ
حجر ِمن ظهر الكعبة :الغربيان ،ولكن ثبت عنه ،أنه قّبل الحجر السود .وثبت عنه ،أنه استلمه بيده،
ال ِ
فوضع يده عليه ،ثم قّبلها ،وثبت عنه ،أنه استلمه بمحجن ،فهذه ثلث صفات ،وروى عنه أيضًا ،أنه
ل يبكى.
وضع شفتيه عليه طوي ً
134
ل أْكَبر((.
ل وا ّ
سم ا ّ
وذكر الطبرانى عنه بإسناد جيد :أنه كان إذا استلم الّركن اليمانى ،قال)) :ب ْ
ل أكَبر((.
وكان كلما أتى على الحجر السود قال)) :ا ُّ
ل بن عثمان قال)) :رأي ُ
ت وذكر أبو داود الطيالسى ،وأبو عاصم النبيل ،عن جعَفر بن عبد ا ّ
جد عليه ،وقال ابن
ن عباس ُيقّبُله ويس ُ
ت اب َ
جَد عليهُ ،ثّم قال :رأي ُ
سَجَر و َ
حَل ال َ
محمد بن عباد بن جعفر َقّب َ
ل صلى ال عليه وسلم فعل
ل ا ِّ
ت رسو َ
جَد عليه .ثم قال :رأي ُ
ت عمر بن الخطاب قّبَله وس َ
عّباس :رأي ُ
ت((.
هكذا ففعل ُ
جَد عليه
سَجَد عليه ،ثم قّبله ،ثم َ
سَ
ى عن ابن عباس)) :أنه قّبل الُركن اليمانى ،ثم َ
وروى البيهق ّ
ث مرات((.
ثل َ
جر(ِ(.
حَت النبى صلى ال عليه وسلم سجد على ال َ
وذكر أيضًا عنه ،قال)) :رأي ُ
ل:
س ِمن الركان إل اليمانيين فقط .قال الشافعى رحمه ا ّ
ولم يستِلْم صلى ال عليه وسلم ،ولم َيَم ّ
سَ
كل صلى ال عليه وسلم ،وَأْم َ
لا ّ
سَتَلم ما اسَتَلَم رسو ُ
ل ،ولكن ا ْ
تا ّ
لَمهما ِهجرة لبي ِ
ع أحٌد است َ
ولم َيَد ْ
عْنُه.
ك َ
سَ
عّما َأْم َ
َ
فصل
صلى{ ]البقرة:
خُذوا ِمن ّمَقاِم إْبَراِهيَم ُم َ
ف المقام ،فقرأَ} :واّت ِ
فلما فرغ ِمن طوافه ،جاء إلى خل ِ
ن البيت ،قرأ فيهما بعد الفاتحة بسورتى الخلص وقراءته
،[125فصّلى ركعتين ،والَمَقاُم بينه وبي َ
ل عليه وسلم ،فلما فرغ من
ل منه بفعله صلى ا ّ
ن منه لتفسير القرآن ،ومراد ا ّ
الية المذكورة بيا ٌ
صلته ،أقبل إلى الحجر السوِد ،فاستلمه.
َ
صَفا َوالَمْرَوَة ِمن
ن ال ّ
صفا ِمن الباب الذى يقابله ،فلما َقُرب منه .قرأ})) :إ ّ
ثم خرج إلى ال ّ
ل به(( ،وفى رواية النسائى)) :ابدؤوا(( ،بصيغة المر .ثم
ل{ ]البقرة [158 :أبدأ بما بدأ ا ّ
شَعاِئِر ا ّ
َ
ك َله،
شري َ
حَدُه ل َ
لو ْ
ل وكّبره ،وقال)) .ل إله إل ا ُّ
حَد ا ّ
ل الِقبلة ،فو ّ
َرقى عليه حتى رأى البيت ،فاستقب َ
عْبَده ،وَهَزَم
صَر َ
عَدُه ،وَن َ
جَز َو ْ
حَدُهَ ،أْن َ
لو ْ
ل ا ُّ
ئ قدير ،ل إله إ ّ
لش ٍ
على ُك ّ
حْمُد َوُهَو َ
ك َوَلُه ال َ
َلُه الُمْل ُ
ث مرات.
ل هذا ثل َ
حَده(( .ثم دعا بين ذلك ،وقال ِمث َ
بو ْ
حَزا َ
ال ْ
صفا .فقيل له)) :هاهنا يا أَبا عبد الرحمن؟
ق الذى فى ال ّ
شّصْدع ،وهو ال ّ
ن مسعود على ال ّ
وقام اب ُ
عَلْيِه سورُة البقرة(( ذكره البيهقى.
ت َ
غْيُره َمَقاُم الذى ُأْنِزَل ْ
قالَ :هَذا واّلِذى ل إَله َ
135
ثم نزل إلى المروة يمشى ،فلما انصّبت قدماه فى بطن الوادى ،سعى حّتى إذا جاوز الوادى
ح عنه ،وذلك اليوم قبل الميلين الخضرين فى أول المسعى وآخره.
صَعد ،مشى .هذا الذى ص ّ
وَأ ْ
والظاهر :أن الوادى لم يتغير عن وضعه ،هكذا قال جابر عنه فى ))صحيح مسلم(( .وظاهر هذا :أنه
ل :طا َ
ف ل يقو ُ
كان ماشيًا ،وقد روى مسلم فى ))صحيحه(( عن أبى الزبير ،أنه سمع جابر بن عبد ا ّ
صَفا والَمْرَوِة ِلَيراُه الّنا ُ
س ن ال ّ
ت ،وَبْي َ
حَلِته بالَبْي ِ
جِة الَوَداع على َرا ِ
حّ
ى صلى ال عليه وسلم فى َ
النب ّ
س قد غشْوه ،وروى مسلم عن أبى الزبير عن جابر)) :لم يطف رسول ا ّ
ل سأُلوه َفإن الّنا َ
ف وِلَي ْ
شِر َ
َوِلُي ْ
حدًا طوافه الول((.
طَوافًا وا ِ
صَفا والمروة إل َ
صلى ال عليه وسلم ،ول أصحاُبه بين ال ّ
ب ُكّله ،وانصّب ْ
ت ب به بعيُره ،فقد انص ّ
ن حزم :ل تعاُرض بينهما ،لن الراكب إذا انص ّ
قال اب ُ
قدماه أيضًا مع سائر جسده.
ل ،ثم أتّم سعَيه
سَعى ماشيًا أو ً
ن ِمن هذا ،وهو أنه َ
وعندى فى الجمع بينهما وجه آخر أحس ُ
طفيل ،قال)) :قلت لبن عباس:
راكبًا ،وقد جاء ذلك مصّرحًا به ،ففى صحيح ))مسلم(( :عن أبى ال ّ
سّـنة .قال :صدُقوا
سـّنة هو؟ فإن قوَمك يزعُمون أنه ّ
صَفا والمروِة راكبًا ،أ ّ
ف بين ال ّ
طوا ِ
أخبرنى عن ال ّ
س،
لِ صلى ال عليه وسلم َكُثَر عََلْيه الّنا ُ
لا ّ
سو َ
ن َر ُ
صدُقوا وكذُبوا؟ قال :إ ّ
ت :ما َقْوُلك َ
وكذُبوا قالُ :قْل ُ
ل صلى ال عليه
لا ّ
ن رسو ُ
ت .قال :وكا َ
ن الُبُيو ِ
ق ِم َ
ج الَعَواِت ُ
خَر َ
حَتى َ
حّمٌدَ ،
حّمٌدَ ،هَذا ُم َ
نَ :هَذا ُم َ
َيُقوُلو َ
ل((.
سعى أفض ُ
ى وال ّ
ب ،والمش ُ
عَلْيِهَ ،رِك َ
لَ :فَلما َكُثَر َ
ن َيَدْيِهَ .قا َ
س َبْي َ
ب الّنا ُ
ضَر ُ
وسلم ل ُي ْ
فصل
ف فيه ،هل كان على قدميه ،أو كان راكبًا؟ ففى ))صحيح
وأما طواُفه بالبيت عند قدومه ،فاخُتِل َ
حْو َ
ل جِة الَوَداع َ
حّ
ف النبى صلى ال عليه وسلم فى َ
ل عنها ،قالت)) :طا َ
مسلم(( :عن عائشة رضى ا ّ
س((.
ب عْنه النا ُ
ضَر َ
ن كراهية أن ُي ْ
الكعبة على بعيره يستِلُم الّرْك َ
ى صلى ال عليه وسلم مكة وهو
وفى ))سنن أبى داود(( :عن ابن عباس ،قالَ)) :قِدَم النب ّ
غ ِمن طوافه ،أناخ ،فصّلى
ن ،فلما َفَر َ
جٍحَ
ن ،استلمه بِم ْ
ف على راحِلته ،كّلَما أتى على الّرْك ِ
شَتِكىَ ،فطا َ
َي ْ
سَتِلُم الحجر
ت على بعيرهَ ،ي ْ
ل البي ِ
ف حو َ
ت النبى صلى ال عليه وسلم يطو ُ
ركعتين .قال أبو الطفيل :رأي ُ
حجِنه ،ثم يقّبله(( .رواه مسلم دون ِذكر البعير .وهو عند البيهقى ،بإسناد مسلم ِبِذْكِر الَبعيِر .وهذا
بِم ْ
136
لَول،
ل فى الثلثة ا ُ
ف الُقدوم ،فإن جابراً حكى عنه الرم َ
ل أعلم فى طواف الفاضة ،ل فى طوا ِ
وا ُّ
وذلك ل يكون إل مع المشى.
سبعه الذى طافه لمقَدِمه ،فعلى قدميه ،لن جابرًا حكى عنه فيه ،أنه
ل :أما ُ
قال الشافعى رحمه ا ّ
سبٍع
رمل ثلثة أشواط ،ومشى أربعة ،فل يجوز أن يكون جابٌر يحكى عنه الطواف ماشيًا وراكبًا فى ُ
عيينة ،عن
سبعه الذى ركب فيه فى طوافه يوَم النحر ،ثم ذكر الشافعى :عن ابن ُ
واحد .وقد حفظ أن ُ
جروا بالفاضة ،وأفاض
ل صلى ال عليه وسلم أَمَر أصحاَبه أن ُيَه ّ
لا ّ
ابن طاووس ،عن أبيه ،أن رسو َ
سبه قال :فيقّبل طرف المحجن.
جِنِه ،أح ِ
حَل على راحلته يستلم الّركن ِبم ْ
فى نسائه لي ً
قلت :هذا مع أنه مرسل ،فهو خلف ما رواه جابر عنه فى
ن عمر ،كما سيأتى
ف الفاضة يوم النحر نهارًا ،وكذلك روت عائشة واب ُ
))الصحيح(( أنه طاف طوا َ
وقول ابن عباس :إن النبى صلى ال عليه وسلم قدم مكة وهو يشتكى ،فطاف على راحلته ،كلما أتى
لَول
عَمره ،وإل فقد صح عنه الرمل فى الثلثة ا ُ
الركن استلمه .هذا إن كان محفوظًا ،فهو فى إحدى ُ
من طواف القدوم ،إل أن يقول كما قال ابن حزم فى السعى :إنه رمل على بعيره ،فإن َمن رمل على
ل أعلم.
ث أنه كان راكبًا فى طواف القدوم .وا ّ
بعيره ،فقد رمل ،لكن ليس فى شئ من الحادي ِ
فصل
)يتبع(...
ل عليه وسلم بين الصفا والمروة أيضًا سبعًا ،راكبًا على
وقال ابن حزم :وطاف صلى ا ّ @
ط غيره،
ل هذا ق ّ
ل ،فإن أحدًا لم يُق ْ
خبّ ثلثًا ،ويمشى أربعًا ،وهذا ِمن أوهامه وغلطه رحمه ا ّ
بعيره َي ُ
ول رواه أحد عن النبى صلى ال عليه وسلم البتة .وهذا إنما هو فى الطواف بالبيت ،فغِلط أبو محمد،
ب من ذلك ،استدلُله عليه بما رواه من طريق البخارى،
ونقله إلى الطواف بين الصفا والمروة .وأعج ُ
خ ّ
ب ن أّول شئ ،ثم َ
ن َقِدم مكة ،واستلم الرك َ
ف حي َ
عن ابن عمر)) ،أن النبى صلى ال عليه وسلم طا َ
ضى طواَفه بالبيت ،وصّلى عند الَمَقام َركعتين ،ثم سّلم
ثلثَة أطواف ،ومشى أربعًا ،فركع حين َق َ
صفا والمروِة سبعة أشواط ((...وذكر باقى الحديث .قال :ولم نجد
صفا ،فطاف بال ّ
فانصرف ،فأتى ال ّ
صفا والمروة منصوصًا ،ولكنه متفق عليه .هذا لفظه.
عدد الّرَمل بين ال ّ
137
لَول
ل فى الثلثة ا ُ
ى فى بطن الوادى فى الشواط كّلها .وأما الّرَم ُ
ق عليه :السع ُ
قلت :المتف ُ
صة ،فلم يُقله ،ول نقله فيما نعلُم غيُره .وسألت شيخنا عنه ،فقال :هذا ِمن أغلطه ،وهو لم يح ّ
ج خا ّ
ل تعالى.
رحمه ا ّ
عه مرة
ب بذهابه ورجو ِ
س ُ
ط َمن قال :إنه سعى أرَبع عشرَة مرة ،وكان يحت ِ
ط ،غل ُ
ويشبه هذا الغل َ
ل عليه وسلم ،لم ينقله عنه أحد ،ول قاله أحٌد من الئمة الذين اشتهرت
واحدة .وهذا غلط عليه صلى ا ّ
ض المتأخرين من المنتسبين إلى الئمة .ومما يبين ُبطلن هذا القول ،أنه
أقواُلهم ،وإن ذهب إليه بع ُ
ع مرة واحدة،
ب والرجو ُ
صلى ال عليه وسلم ل خلف عنه ،أنه ختم سعيه بالمروة ،ولو كان الذها ُ
صفا.
لكان ختُمه إنما يقع على ال ّ
ت ،وكّبر الَّ
ى عليها ،واستقبل البي َ
ل عليه وسلم إذا وصل إلى المروةَ ،رِق َ
وكان صلى ا ّ
حّ
ل ل َمن ل َهْدى معه أن َي ِ
صفا ،فلما أكمل سعيه عند المروة ،أمَر ُك ّ
حده ،وفعل كما فعل على ال ّ
وو ّ
طيب ،وُلبس
طِء الّنساء ،وال ّ
ل ُكّلُه ِمن َو ْ
حّحّلوا ال ِ
حتمًا ول ُبّد ،قارنًا كان أو مفردًا ،وأمرهم أن َي ِ
ت من
سَتْقَبْل ُ
ل َهْديه .وهناك قال)) :لو ا ْ
ل هو ِمن أج ِ
حّالمخيط ،وأن يبقوا كذلك إلى يوم الّتْرِوَيِة ،ولم َي ِ
عْمَرًة((.
ىَ ،وَلجَعْلُتها ُ
ت الَهْد َ
سْق ُ
ت لما ُ
سَتْدَبْر ُ
َأْمرى ما ا ْ
ل هو أيضًا ،وهو غلط قطعًا ،قد بيّناه فيما تقدم.
وقد روى أنه أح ّ
شم
جْع ُ
صرين مرة .وهناك سأله سراقُة بن مالك بن ُ
وُهناك دعا للمحّلقين بالمغفرة ثلثًا ،وللمق ّ
ل أبو
حّل ِللبد(( .ولم َي ِ
ب أمره لهم بالفسخ والحلل :هل ذلك ِلعاِمهم خاصة ،أم للبد؟ فقالَ)) :ب ْ
عقي َ
ى ،ول طلحُة ،ول الزبيُر من أجل الَهْدى.
عمر ،ول عل ّ
بكر ،ول ُ
ل من أجل تعّذِر
حّن قارنات ،إل عائشة فإنها لم َت ِ
ل عليه وسلم ،فأحللن ،وُك ّ
وأما نساؤه صلى ا ّ
ل ِمن أجل
حّل عنه لم َي ِ
ى رضى ا ّ
الحل عليها لحيضها ،وفاطمة حّلت ،لنها لم يكن معها َهْدى ،وعل ّ
ل كإهلله أن ُيقيم على إحرامه إن كان معه َهْدى ،وأن
َهْديه ،وأمر صلى ال عليه وسلم َمن أهل بإهل ِ
ل إن لم يكن معه َهْدى.
حَّي ِ
ظاِهر مّكة،
وكان ُيصّلى مدة ُمَقامه بمكة إلى يوم التروية بمنزله الذى هو ناِزل فيه بالمسلمين ب َ
صلة يوم الحد والثنين والثلثاء والربعاء ،فلما كان يوُم
صُر ال ّ
فأقام بظاهرمكة أربعَة أّيام َيْق ُ
ل منهم ِمن رحالهم،
ن كان أح ّ
ج َم ْ
جه بمن معه ِمن المسلمين إلى ِمَنى ،فأحرم بالح ّ
ى ،تو ّ
ضح ً
الخميس ُ
138
صلِته قصرًا وجمعًا بل ريب ،ولم يأمرهم بالتمام ،ول بترك الجمع ،وَمن قال :إنه قال
مكة ،وصّلْوا ب َ
سْفٌر(( ،فقد غلط فيه غلطًا بّينًا ،ووهم وهما قبيحًا .وإنما قال لهم ذلك فى
صلَتُكم فإّنا َقْوٌم َ
لهم)) :أِتّموا َ
غزاة الفتح بجوف مكة ،حيث كانوا فى ديارهم مقيمين.
صُرون ويجمعون بعرفة ،كما فعُلوا مع
ل العلماء :أن أهل َمّكة َيْق ُ
ح أقوا ِ
ولهذا كان أص ّ
ح دليل ،على أن سفر القصر ل يتحّدُد بمسافٍة معلومة ،ول
النبى صلى ال عليه وسلم ،وفى هذا أوض ُ
ل سببًا وهو السفُر ،هذا
ك فى قصر الصلة البتة ،وإنما التأثيُر لما جعله ا ّ
سِ
بأيام معلومة ،ول تأثير للّن ُ
مقتضى السنة ،ول وجه لما ذهب إليه المحددون.
ف ،فوقف فى ذيل الجبل عند
فلما فرغ من صلته ،ركب حتى أتى الموق َ
ل الُمشاة بين يديه ،وكان على بعيره ،فأخَذ فى الّدعاء والتضّرع
حْب َ
ت ،واستقبل الِقْبلة ،وجعل َ
خرا ِ
صَال ّ
عَرَنَة ،وأخبر أن عرفة ل تختص
والبتهال إلى غروب الشمس ،وأمر الّناس أن يرفُعوا عن بطن ُ
ف((.
عَرَفُة ُكّلها َمْوِق ٌ
ت هاهنا و َ
بموقفه ذلك ،بل قال)) :وَقْف ُ
وأرسل إلى الناس أن يكونوا على مشاعرهم ،ويقفوا بها ،فإنها ِمن إرث أبيهم إبراهيم وهنالك
ن َلْيَلِة
ح ِم ْ
صْب ِ
لِة ال ّ
صَل َ
جاء َقْب َ
عَرَفُةَ ،من َ
ج َ
حّج ،فقال)) :ال َ
جٍد ،فسألوه عن الح ّ
أقبل ناسٌ من أهل َن ْ
ل ِإْثَم عليه((.
خَر َف َ
ن َتَأ ّ
عَلْيِه ،وَم ْ
ل فى َيْوَمْين ،فل إْثَم َ
جَن َتَع ّ
جُه ،أّياُم ِمَنى َثلَثٌةَ ،فَم ْ
حّ
جْمٍعَ ،تّم َ
َ
عاء
خْيَر الّد َ
ن َ
وكان فى دعائه رافعًا يديه إلى صدره كاستطعام المسكين ،وأخبرهم أ ّ
عَرَفَة.
عاُء َيْوِم َ
ُد َ
خْيرًا ِمّما
ل ،و َ
حْمُد كاّلِذى َنُقو ُ
ك ال َ
وذكر من دعائه صلى ال عليه وسلم فى الموقف)) :الّلُهَم َل َ
عوُذ ِب َ
ك ك رّبى ُتراثى ،الّلُهّم إّنى َأ ُ
ك َمآبى ،وَل َ
ى ،وَمَماِتىَ ،وإلي َ
حَيا َ
سكى ،وَم ْ
صلتى َوُن ُ
ك َ
ل ،الّلُهّم َل َ
نُقو ُ
ح(( ذكره
جئ به الّري ُ
شّر َما ِت ِ
ن َ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
ت الْمِر ،الّلُهّم إّنى َأ ُ
شتا ِ
صْدِرَ ،و َ
سِة ال ّ
سَو َ
عَذابِ الَقْبِرَ ،وَو ْ
ن َ
ِم ْ
الترمذى.
علنيتى ،ل
سَمُع َكلمى ،وَتَرى َمَكانى ،وَتْعَلُم سّرى و َ
ومما ُذِكَر ِمن ُدعائه هناك)) :الّلُهّم َت ْ
ق ،المقِّر المعتِر ُ
ف ل الُمشِف ُ
سَتجيُرَ ،والَوج ُ
ث الُم ْ
سَتِغي ُ
س الَفقيُر ،الُم ْ
ن َأْمرىَ ،أنا الَبائ ُ
ئ ِم ْ
شٌك َ
يخفى عَلْي َ
خاِئفِ الضِريِر،
عاَء ال َ
ك ُد َ
عو َ
لَ ،وَأْد ُ
ب الّذِلي ِ
ل الُمْذِن ِ
ك اْبتها َ
ل إلْي َ
سكين ،وأْبَتِه ُ
سألَة الِم ْ
ك َم ْ
سَأل َ
ِبُذُنوبىَ ،أ ْ
140
ك َر ّ
ب جعلنى ِبُدعاِئ َ
ك ،الّلُهّم ل َت ْ
غَم َأْنُفُه َل َ
سُدُه ،وَر ِ
جَل َ
عْيَناُه ،وذ ّ
ك َ
ت َل َ
ض ْ
ك َرَقَبُتُه ،وَفا َ
ت َل َ
ضَع ْ
خ َ
ن َ
َم ْ
ن(( ذكره الطبراني.
طي َ
خْيَر الُمعْ ِ
سُؤولين ،وَيا َ
شِقيًا ،وُكن بى َرُؤوفًا رحيمًا ،يا خْيَر الَم ْ
َ
جّده قال :كان أكثُر ُدعاِء الّنب ّ
ى وذكر المام أحمد :من حديث عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن َ
خْيُر َوُهَو
ك وَلُه الحمُدِ ،بَيِدِه ال َ
ك َلُهَ ،لُه الُمْل ُ
ل وحَدْه ل شِري َ
ل ا ُّ
عَرفة)) :ل إله إ ّ
صلى ال عليه وسلم َيْوَم َ
ل شئ َقِدير((.
على ُك ّ
َ
ل عليه وسلم قالَ)) :أْكَثُر ُدعائى
ل عنه ،أنه صّلى ا ّ
ى رضى ا ُّ
ى من حديث عل ّ
وذكر البيهق ّ
شئ
ل َ
على ُك ّ
حْمُد وُهَو َ
ك وَلُه ال َ
ك َلهَ ،لُه الُمْل ُ
شِري َ
حَده ل َ
ل َو ْ
لا ّ
ن َقْبلى ِبَعَرَفَة :ل إله إ ّ
لْنبَياء ِم ْ
وُدعاِء ا َ
شَرحْ
صرى ُنورًا ،الّلُهّم ا ْ
سْمعى ُنورًا ،وفى َب َ
صْدرى ُنورًا ،وفى َ
جَعل فى َقلبى ُنورًا ،وفى َ
َقِدير ،الّلُهّم ا ْ
شَتات الْمر ،وِفْتنِة الَقْبِر ،الّلُهّم إنى
صْدِر ،و َ
س ال ّ
سوا ِ
ن َو ْ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
سْر لى َأْمرى ،وأ ُ
صْدِرى ،وَي ّ
لى َ
شّر َبواِئق
ح ،و َ
ب ِبِه الّريا ُ
شّر َما َتُه ّ
ج فى الّنهاِر ،و َ
شّر ما َيِل ُ
ج فى الّلْيل ،و َ
شّر ما َيِل ُ
ن َ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
أُ
الّدْهر((.
وأسانيُد هذه الدعية فيها لين.
سلَم ِدينًا{
ت َلُكُم ال ْ
ضي ُ
ت عََلْيُكْم ِنْعَمِتى َوَر ِ
ت َلُكْم ِديَنُكْم وَأْتَمْم ُ
ت عليه} :الَيْوَم َأْكَمْل ُ
وهناك ُأنِزَل ْ
]المائدة.[3 :
ل صلى
وهناك سقط رجل من المسلمين عن راحلته وهو محِرم فمات ،فأمر رسول ا ّ
سه ،ول
طى َرْأ ُ
سْدٍر ،ول ُيَغ ّ
سل بَماٍء َو ِ
ب ،وأن ُيَغ ّ
طي ٍ
س ِب ِ
ن فى َثْوَبْيِه ،ول ُيَم ّ
ال عليه وسلم أن ُيكّف َ
ل َتَعاَلى َيْبَعُثُه َيْوَم الِقَياَمِة ُيَلّبى.
نا ّ
خَبَر َأ ّ
جُهُه ،وَأ ْ
َو ْ
حكمًا.
وفى هذه القصة اثنا عشر ُ
ل صلى ال عليه وسلم به.
ل الميت ،لمر رسول ا ّ
ب غس ِ
الول :وجو ُ
س بالموت ،لنه لو نجس بالموت لم َيِزْدُه غسُله إل نجاسة ،لن
ج ُ
الحكم الثانى :أنه ل َيْن ُ
طُهُر بالَغسل ،بطل أن يكون َنجسًا
جسون على أنه َي ْ
ت للحيوان عينية ،فإن ساعد المن ّ
نجاسة المو ِ
ل أكفاَنه وثيابه وغاسله إل نجاسة.
بالموت ،وإن قالوا :ل يطُهُر ،لم يزد الغس ُ
141
وكما أن ِكسوته فى الحياة مقّدمة على قضاء َدينه ،فكذلك بعد الممات ،هذا كلُم الجمهور ،وفيه
ل عليه.
خلف شاذ ل ُيَعّو ُ
الحكم الثامن :جواز القتصاِر فى الكفن على ثوبين ،وهما إزاٌر ورداء ،وهذا قول الجمهور.
ل من ثلثة أثواب عند القدرة ،لنه لو جاز القتصاُر على ثوبين،
وقال القاضى أبو يعلى :ل يجوز أق ّ
لم يجز التكفين بالثلثة لمن له أيتام ،والصحيح خلف قوله ،وما ذكرُه ُينقض بالخشن مع الرفيع.
طيب ،لن النبى صلى ال عليه وسلم نهى أن
ع من ال ّ
الحكم التاسع :أن المحرم ممنو ٌ
طيب.
س طيبًا ،مع شهادته له أنه ُيبعث ملّبيًا ،وهذا هو الصل فى منع المحِرم ِمن ال ّ
ُيَم ّ
س َأْو
سه َوْر ٌ
شْيئًا َم ّ
ن الّثَياب َ
سوا ِم َ
وفى ))الصحيحين(( من حديث ابن عمر)) :ل َتْلَب ُ
عَفَران((.
َز ْ
ق.
خُلو ِ
عْنُه َأَثُر ال َ
ل َ
سَجّبُة ،وُيْغ َ
عْنُه ال ُ
ع َ
خُلوق ،أن ُتْنَز َ
خ بال َ
جّبة بعد ما تضّم َ
وأمر الذى أحرم فى ُ
حها هذه القصة ،فإن النهى فى
فعلى هذه الحاديث الثلثة مداُر منع المحِرم من الطيب .وأصر ُ
ق ،فإن النهى عنه عام فى
خلو َ
ص من الطيب ،ل سيما ال َ
الحديثين الخيرين ،إنما هو عن نوع خا ّ
الحرام وغيره.
س،
وإذا كان النبى صلى ال عليه وسلم قد نهى أن ُيقرب طيبًا ،أو يمس به ،تناول ذلك الرأ َ
ظ النهى ل يتناوله
س ،فإنما حّرمه َمن حّرمه بالقياس ،وإل فلف ُ
والبدن ،والثياب ،وأما شّمه من غير م ّ
ن شمه
ع معلوٌم فيه يجب المصير إليه ،ولكن تحريُمه من باب تحريم الوسائل ،فإ ّ
بصريحه ،ول إجما َ
حُرَم
ن والثياب ،كما يحرم النظر إلى الجنبية ،لنه وسيلة إلى غيره ،وما َ
يدعو إلى ملمسته فى البد ِ
لَمة الُمسَتاَمِة،
جحة ،كما ُيباح النظر إلى ا َ
تحريم الوساِئل ،فإنه ُيباح للحاجة ،أو المصلحة الّرا ِ
طّبها .وعلى هذا ،فإنما ُيمنع المحرُم ِمن قصد شّم الطيب
شِهَد عليها ،أو يعاملها ،أو َي ُ
طوبة ،ومن َ
والمخ ُ
للترّفه والّلذة ،فأما إذا وصلت الرائحُة إلى َأنفه من غير قصد منه ،أو شّمه قصدًا لستعلمه عند
شرائه ،لم ُيمنع منه ،ولم يجب عليه سّد أنفه ،فالول :بمنزلة نظر الفجأة ،والثانى :بمنزلة نظر الُمستام
ضح هذا ،أن الذين أباحوا للمحرم استداَمة الطيب قبل الحرام ،منهم َمن صّرح
والخاطب ،ومما ُيو ّ
شّمه بعد الحرام ،صّرح بذلك أصحاب أبى حنيفة ،فقالوا :فى ))جوامع الفقه(( لبى
بإباحة تعّمد َ
ل به،
طيب يتص ُ
يوسف :ل بأس بأن يشم طيبًا تطّيب به قبل إحرامه ،قال صاحب ))المفيد(( :إن ال ّ
143
الحكم الحادى عشر :منع المحرم من تغطية وجهه ،وقد اخُتِلف فى هذه المسألة .فمذهب
الشافعى وأحمد فى رواية :إباحته ،ومذهب مالك ،وأبى حنيفة ،وأحمد فى رواية :المنع منه ،وبإباحته
ن ،وعبُد الرحمن بن عوف ،وزيُد بن ثابت ،والزبيُر ،وسعُد بن أبى
قال ستة من الصحابة :عثما ُ
ل عنهم .وفيه قول ثالث شاذ :إن كان حيًا ،فله تغطية وجهه ،وإن كان ميتًا ،لم
وقاص ،وجابٌر رضى ا ّ
ن حزم ،وهو اللئق بظاهريته.
يجز تغطيُة وجهه ،قاله اب ُ
خّمُروا
ل ُت َ
واحتج المبيحون بأقوال هؤلء الصحابة ،وبأصل الباحة ،وبمفهوم قوله)) :و َ
خّمروا وجهه(( ،بأن هذه اللفظة غير محفوظة فيه .قال شعبة:
سه(( ،وأجابوا عن قوله)) :ول ُت َ
َرأ َ
خّمروا
حدثنيه أبو بشر ،ثم سألُته عنه بعد عشر سنين ،فجاء بالحديث كما كان ،إل أنه قال)) :ل ُت َ
جَهُهَ ،ول
خّمُروا َو ْ
جَهه(( .قالوا :وهذا يدل على ضعفها .قالوا :وقد روى فى الحديثَ )) :
ل َو ْ
سُه ،و َ
َرْأ َ
سُه((.
خّمروا َرْأ َ
ُت َ
ن،
طُع به ،وهذا مذهبُ عثما َ
الحكم الثانى عشر :بقاُء الحراِم بعد الموت ،وأنه ل ينق ِ
ل عنهم ،وبه قال أحمُد ،والشافعى ،وإسحاق ،وقال أبو حنيفة،
ى ،وابن عباس ،وغيرهم رضى ا ّ
وعل ّ
حلل ،لقوله صلى ال عليه
ومالك ،والوزاعى :ينقطع الحراُم بالموت ،وُيصنع به كما ُيصنع بال َ
ث((.
ن َثل ٍ
ل ِم ْ
عَمُلُه إ ّ
طَع َ
حُدُكُم اْنَق َ
ت َأ َ
وسلم)) :إَذا َما َ
ل فى حديث الذى وقصته راحلُته ،لنه خاص به ،كما قاُلوا فى صلته على
قالوا :ول دلي َ
ى :إنها مختصة به.
شّجا ِ
الّن َ
ل ،فل ُتقبل ،وقوله فى الحديث)) :فإّنه
قال الجمهور :دعوى التخصيص على خلف الص ِ
ث َيْوَم الِقياَمِة ُملّبيًا(( ،إشارة إلى الِعّلة .فلو كان مختصًا به ،لم ُيشر إلى الِعّلة ،ول سيما إن قيل :ل
ُيْبَع ُ
حد ،فقالَ)) :زّمُلوُهْم فى ثيابِهم ،بُكُلُومهم،
شهداء ُأ ُ
ل بالِعّلة القاصرة .وقد قال نظير هذا فى ُ
يصح التعلي ُ
ك(( .وهذا غيُر مختص بهم ،وهو نظيُر
سِ
ح الِم ْ
ح ِري ُ
ن الّدم ،والّري ُ
ن َلْو ُ
ن َيوَم القياَمِة الّلْو ُ
فإّنُهم ُيْبَعُثو َ
حد فقط ،بل
قولهَ)) :كّفُنوُه فى َثْوبيِه ،فإنه ُيبعث يوم القيامة ُمَلّبيًا(( .ولم تقولوا :إن هذا خاص بشهداء ُأ ُ
عّديتم الحكم إلى سائر الشهداء مع إمكان ما ذكرتم من التخصيص فيه .وما الفرق؟ وشهادة النبى صلى
ال عليه وسلم فى الموضعين واحدة ،وأيضًا :فإن هذا الحديث موافق لصول الشرع والحكمة التى
145
رتب عليها المعاد ،فإن العبد ُيبعث على ما مات عليه ،وَمن مات على حالة ُبِعث عليها فلو لم يرد هذا
ل أعلم.
الحديث ،لكان أصول الشرع شاهدة به .وا ّ
فصل
جته صلى ال عليه وسلم.
حّسياق َ
عدنا إلى ِ
صفرة ،أفاض من عرفة ،وأردف ُأسامَة
ث ذهبت ال ّ
س ،واستحكم غروُبها بحي ُ
فلما غربت الشم ُ
حِلِه وُهو يقول:
ف َر ْ
طَر َ
ب َ
صي ُ
سها لُي ِ
ن زيد خلفه ،وأفاض بالسكينة ،وضّم إليه ِزمام ناقِته ،حتى إن رأ َ
بَ
ضاع(( .أى :ليس بالسراع.
س بالي َ
ن الِبّر َلْي َ
سِكيَنَة ،فإ ّ
عَلْيُكم ال ّ
س؛ َ
))َأّيَها الّنا ُ
تا ّ
ل ب ،وهكذا كانت عادته صلوا ُ
ض ّ
عَرفة من طريق َ
ن ،ودخل َ
وأفاض من طريق الَمأِزَمْي ِ
عليه وسلُمه فى العياِد ،أن ُيخالف الطريق ،وقد تقّدم حكمُة ذلك عند الكلم على َهْديه فى العيد.
جوًة وهو
سريِع ،ول الَبطئ .فإذا وجد فَ ْ
سير ليس بال ّ
ب من ال ّ
ق ،وهو ضر ٌ
ثم جعل يسيُر الَعَن َ
ص سيره ،أى :رفعه فوق ذلك ،وكلما أتى ربوًة من تلك الّربى ،أرخى للناقة ِزمامها قلي ً
ل المّتسُعَ ،ن ّ
حتى تصعد.
ت ا ِّ
ل وكان ُيلّبى فى مسيره ذلك ،لم يقطع التلبيَة .فلما كان فى أثناء الطريق ،نزل صلوا ُ
ل ،فقال)) :الصلة -أو
وسلمه عليه ،فبال ،وتوضأ وضوءًا خفيفًا ،فقال له أسامة :الصلة يا َرسول ا ّ
صّلى َ -أَماَمك((.
الُم َ
ن ،ثم أقام،
صلة ،ثم أمر بالذان ،فأّذن المؤّذ ُ
ثم سار حتى أتى المزدلفة ،فتوضأ وضوء ال ّ
صلُة ،ثم صّلى
ت ال ّ
طوا ِرحالهم ،أمر فأقيم ِ
ك الجمال ،فلما ح ّ
حال ،وتبري ِ
ط الّر َ
ب قبل ح ّ
صّلى المغر َ
َف َ
لهما بأذانين وإقامتين ،وُروى
ل بينهما شيئًا .وقد ُروى :أنه ص ّ
خرة بإقامة بل أذان ،ولم ُيص ّ
عشاء ال ِ
ِ
بإقامتين بل أذان ،والصحيح :أنه صلهما بأذان وإقامتين ،كما فعل بعرفة.
ح عنه فى إحياء َلْيلَتى العيدين شئ.
حى تلك الليلة ،ول ص ّ
ثم نام حتى أصبح ،ولم ُي ْ
عند
ن ذلك ِ
ع الفجر ،وكا َ
طلو ِ
ل ُ
ن فى تلك الليلة ِلضعفِة أهِله أن يتقّدُموا إلى ِمَنى َقْب َ
))وَأِذ َ
س(( حديث صحيح صححه الترمذى
شم ُ
جْمَرَة حتى تطُلَع ال ّ
غيبوبِة الَقَمِر ،وأمرهم أن ل َيْرُموا ال َ
وغيره.
146
ح ِبِه((.
ن َمْفُرو ٍ
ى ِم ْ
ب إل ّ
ح ّ
سْوَدُة َأ َ
سَتْأَذَنْتُه َ
ل صلى ال عليه وسلم َكَما ا ْ
ل ا ِّ
سو َ
ت َر ُ
سَتَأَذْن ُ
نا ْ
ن َأُكو َ
لْوَ
حُ ،يبّين أن نساءه غير سودة ،إنما دفعن معه.
فهذا الحديث الصحي ُ
ل صلى
فإن قيل :فما تصنعون بحديث عائشة الذى رواه الدارقطنى وغيُره عنها ،أن رسول ا ّ
ن الجمرة ،ثم ُتصبح فى منزلها،
جْمٍعَ ،فيرِمي َ
جْمع َلْيَلَة َ
ن َ
ن ِم ْ
جَال عليه وسلم ))أمر ِنساَءه أن يخُر ْ
وكانت تصنُع ذلك حتى ماتت((.
قيل :يرده محمد بن حميد أحد رواته ،كّذَبه غيُر واحد .ويرّده أيضًا :حديُثها الذى فى
ل صلى ال عليه وسلم ،كما استأَذْنته
لا ّ
ت رسو َ
ت أنى كنت استأذن ُ
))الصحيحين(( وقولهاَ)) :وِدْد ُ
سودة(ُ(.
ن بالحديث الذى رواه مسلم فى
ب أنكم ُيمكنكم رّد هذا الحديث ،فما تصنعو َ
وإن قيلَ :فَه ْ
جْمٍع بليل .قيل :قد ثبت فى
ل صلى ال عليه وسلم ،بعث بها ِمن َ
صحيحه ،عن ُأم حبيبة ،أن رسول ا ّ
س فيَمن
ن عّبا ِ
ن اْب ُ
ضَعَفَة َأْهِلِه ،وَكا َ
ك الّلْيَلَة َ
ل صلى ال عليه وسلم َقّدم ِتْل َ
لا ّ
))الصحيحين(( أن رسو َ
ث ُأم حبيبَة ،انفرد به
قّدم .وثبت أنه قّدم سوَدة ،وثبت أنه حبس ِنساءه عنده حتى دفعن بدفعه .وحدي ُ
مسلم .فإن كان محفوظًا ،فهى إذًا من الضعفة التى قّدمها.
فإن قيل :فما تصنعون بما رواه الماُم أحمد ،عن ابن عباس ،أن النبى صلى ال عليه وسلم:
حِرَ ،فَرَمُوا الجمرة مع الفجر(( .قيلُ :نقّدُم عليه حديَثه الخر الذى
))بعث به مع أهله إلى ِمَنى َيْوَم الّن ْ
ى صلى ال عليه وسلم قّدم ضعفَة أهِلِه وقال)) :ل
رواه أيضًا الماُم أحمد ،والترمذى وصححه ،أن النب ّ
غْيِلَمَة بنى
ل صلى ال عليه وسلم ُأ َ
لا ّ
س(( .ولفظ أحمد فيهَ :قّدَمَنا رسو ُ
شْم َ
طُلَع ال ّ
جْمَرَة حّتى َت ْ
َتْرُموا ال َ
ل:
خاَذَنا َوَيُقو ُ
ح َأْف َ
طُل َيْل َ
جَع َ
جْمٍعَ ،ف َ
ن َ
ت َلَنا ِم ْ
حُمَرا ٍ
عَلى ُ
ب َ
طِل ِ
عْبِد الُم ّ
َ
شْمس(( .لنه أصح منه ،وفيه نهى النبى صلى ال عليه
طُلَع ال ّ
حّتى َت ْ
جْمَرَة َ
ى ُبنى ؛ ل َتْرُموا ال َ
))َأ ْ
وسلم عن رمى الجمرة قبل طلوع الشمس ،وهو محفوظ بذكر القصة فيه .والحديث الخر إنما فيه:
ن هذه الحاديث ،فإنه أمر الصبيان أن ل يرُموا
أنهم رموها مع الفجر ،ثم تأملنا فإذا أنه ل تعارض َبْي َ
ن قبل
عذر لهم فى تقديم الرمى ،أما َمن قّدمه من النساء ،فرَمْي َ
الجمرة حتى تطُلَع الشمس ،فإنه ل ُ
سـّنة جواز
طِمِهم ،وهذا الذى دلت عليه ال ّ
ح ْ
س للُعذر والخوف عليهن من مزاحمة الناس و َ
ع الشّْم ِ
طلو ِ
148
ت الوقوف بعرفة
ج َمن لم يره ُركنًا بأمرين ،أحدهما :أن النبى صلى ال عليه وسلم مّد وق َ
واحت ّ
جه ،ولو كان
حّإلى طلوع الفجر ،وهذا يقتضى أن َمن وقف بعرفة قبل طلوع الفجر بأيسر زمان ،صح َ
جه.
حّ
ح َ
ف بمزدلفة ُركنًا لم يص ّ
الوقو ُ
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
ل والنساُء ،فلما َقّدَم رسو ُ
الثانى :أنه لو كان ركنًا ،لشترك فيه الرجا ُ
عِلَم أنه ليس بُركن ،وفى الدليلين نظر ،فإن النبى صلى ال عليه وسلم إنما قّدمهن بعد
النساء بالليلُ ،
ب هو ذلك .وأما توقيتُ الوقوف
ل تعالى بها لصلة عشاء الخرة ،والواج ُ
المبيت بمزدلفة ،وذكر ا ّ
ن تلك الليلة وقتًا لهما كوقت
ن المبيت بمزدلفة ُركنًا ،وتكو ُ
بعرفة إلى الفجر ،فل ُينافى أن يكو َ
ت ،وتضييق الوقت لحدهما ل ُيخرجه عن أن يكون وقتًا لهما حال القدرة.
المجموعتين من الصلوا ِ
فصل
ل عليه وسلم فى موقفه ،وأعلم الناس أن مزدلفة كُّلها موقف ،ثم سار ِمن ُمْزَدِلفََة ُمْرِدفًا
وقف صلى ا ّ
ق ُقريش.
سّبا ِ
للفضل بن العباس وهو ُيلّبى فى مسيره ،وانطلق ُأسامُة بن زيد على رجليه فى ُ
ت ،ولم يكسرها من
جمار ،سبَع حصيا ٍ
حصى ال ِ
ط له َ
ن عباس أن َيْلُق َ
وفى طريقه ذلك أمر اب َ
صى
ح َ
علم عنده ،ول التقطها بالليل ،فالتقط له سبع حصيات ِمنْ َ
ل َمن ل ِ
الجبل تلك الليلة كما يفع ُ
ل)) :بَأْمَثال هؤلء فاْرموا ،وإّياُكم والُغُلّو فى الّدين ،فإّنَما َأْهَل َ
ك ن فى َكّفِه وَيُقو ُ
ضُه ّ
ف ،فجعل َيْنُف ُ
خْذ ِ
ال َ
ن َقْبَلُكْم الُغُلّو فى الّدين((.
ن َكا َ
َم ْ
ن أبيها َوكا َ
ن عْج َ
جِميلٌة ،فسألته عن الح ّ
خْثَعَم َ
ت له امرأٌة ِمن َ
ض ْ
عَر َ
وفى طريقه تلكَ ،
ظُر إَلْيِه،
ظُر إَلْيَها وَتْن ُ
ل َيْن ُ
ضُل الَف ْ
جَع َ
عْنُه ،و َ
ج َ
حّن َت ُ
حَلِة ،فَأَمَرَها َأ ْ
عَلى الّرا ِ
ك َ
سُ
سَتْم ِ
شْيخًا َكِبيرًا ل َي ْ
َ
عْ
نجَهُه َ
صَرف و ْ
لَ :
سيمًاَ ،فِقي َ
ل َو ِ
ضُخِرَ ،وَكان الَف ْ
ق ال َ
شّصَرَفُه إَلى ال ّ
جِهِهَ ،و َ
عَلى َو ْ
ضَع َيَدُه َ
َفَو َ
ظُر
ب :أّنه َفَعَلُه للْمَرين ،فإنه فى الِقصة جعل َيْن ُ
صَوا ُ
ظِرِه إَلْيَهاَ ،وال ّ
ن َن َ
عْصَرَفُه َ
لَ :
ظِرَها إَلْيِه ،وِقي َ
َن َ
ظُر إَلْيه.
إليها وَتْن ُ
)يتبع(...
ك،
س ْ
سَتْم ِ
حَمْلُتها َلْم َت ْ
جوٌز َكِبيَرٌة ،فإن َ
عُوسأله آخُر هنالك عن ُأّمه ،فقال :إّنها َ @
ل:
لَ :نَعْمَ .قا َ
ضَيُه((؟ َقا َ
ت َقا ِ
ن َأُكْن َ
على ُأّمك َدْي ٌ
ن َ
ت َلْو َكا َ
لَ)) :أَرَأْي َ
ن َأْقُتَلهاَ ،فَقا َ
تأ ْ
شي ُ
خِ
طُتها َ
ن َرَب ْ
وإ ْ
ك((.
ن ُأّم َ
جع ْ
حّ))َف ُ
150
ل له أسما َ
ع س حولهم ،وفتح ا ّ
وأنزل المهاجرين عن يمين الِقْبلة ،والنصاَر عن يسارها ،والنا ُ
ل ِمَنى فى منازلهم.
الناس حتى سمعها أه ُ
شْهَرُكم ،وَأطيُعوا ذا َأْمِرُكم،
صوُموا َ
سُكم ،و ُ
خْم َ
صّلوا َ
عُبدوا َرّبكم ،و َ
وقال فى خطبته تلك)) :ا ْ
جّنة َرّبُكم((.
خلوا َ
َتْد ُ
حجة الوداع.
وودع حينئذ الناس ،فقالواَ :
ج(( قال عبُد الِّ
حَر َ
ى ،فقال)) :ل َ
ى ،وعّمن ذبح قبل أن َيرم َ
ل عمن حلق قبل أن َيرم َ
سئ َ
وهناك ُ
ج((.
حَر َ
ل َ
ل يومئٍذ عن شئ إل قال)) :اْفَعُلوا َو َ
ل عليه وسلم سِئ َ
بن عمرو)) :ما رأيُته صلى ا ّ
ل عليه وسلم -فى الذبح ،والحلق ،والرمى ،والتقديم،
قال ابن عباس)) :إنه قيل له -صلى ا ّ
ج((.
حَر َ
والتأخير ،فقال)) :ل َ
س يأتونهَ ،فِم ْ
ن ت مع النبى صلى ال عليه وسلم حاجًا ،وكان النا ُ
ن شريك)) :خرج ُ
وقال ُأسامة ب ُ
ج َ
ل حَر َ
ل َ
ت شيئًا ،فكان يقولَ )) :
ف ،أو قّدمت شيئًا أو أخّر ُ
ت قبل أن أطو َ
ل سعي ُ
لا ّ
َقاِئل :يا رسو َ
ك((.
ج وَهَل َ
حِر َ
ك الذى َ
ظاِلٌم ،فِذل َ
سِلم وُهَو َ
ل ُم ْ
جٍض َر ُ
عْر َ
ض ِ
ل اقتر َ
جٍج إل على َر ُ
حَر َ
َ
ت قبل أن أطوف ،فى هذا الحديث ليس بمحفوظ .والمحفوظ :تقديم الرمى ،والنحر،
وقوله :سعي ُ
. والحلق بعضها على بعض
حِر بِمَنى ،فنحر ثلثًا وستين َبَدَنة بيده ،وكان ينحُرها قاِئمًة ،معقولًة
ثم انصرف إلى الَمْن َ
حَر ما غبر من
سنى عمره ،ثم أمسك وأمر عليًا أن َيْن َ
يُدها الُيسرى .وكان عدُد هذا الذى نحره عدَد ِ
جلوِدها فى المساكين ،وأمره أن ل
ق ِبجلِلها وُلحوِمها و ُ
ل عنه ،أن يتصد َ
المائة ،ثم أمر عليًا رضى ا ّ
طَع((.
ن شاَء اْقَت َ
لَ)) :م ْ
عْنِدَنا ،وَقا َ
طيِه ِمن ِ
ن ُتْع ِ
حُجَزارِتها ،شيئًا منها ،وقالَ :ن ْ
جّزار فى ِ
ى ال َ
ُيِعط َ
ل عنه ،قال:
ث الذى فى ))الصحيحي(( عن أنس رضى ا ّ
فإن قيل :فكيف تصنعون بالحدي ِ
حليفة ركعتين ،فبا َ
ت ل صلى ال عليه وسلم الظهَر بالمدينة أربعًا ،والعصَر بذى ال ُ
لا ّ
))صّلى رسو ُ
خَ
لجِميعًا ،فلما َد َ
ل عََلى البيداء ،لّبى ِبِهَما َ
عَح ،فلما َ
سّب ُ
ل وُي َ
حلته ،فجعل ُيَهّل ُ
ب را ِ
حَ ،رِك َ
بها ،فلما أصب َ
حى ِبالَمِديَنِة
ضّن ِقيامًا ،و َ
سْبَع ُبْد ِ
ل صلى ال عليه وسلم ِبَيِدِه َ
ل ا ِّ
سو ُ
حَر َر ُ
حّلوا ،وَن َ
َمّكَةَ ،أَمَرُهم َأن َي ِ
حْين(( .فالجواب :أنه ل تعارض بين الحديثين.
ن َأْمَل َ
شْي ِ
َكْب َ
ن حزم :مخرج حديث أنس ،على أحد وجوٍه ثلثٍة.
قال أبو محمد ب ُ
152
ل عليه وسلم لم ينحر ِبيده أكثَر ِمن سبع ُبدن ،كما قال أنس ،وأنه أمر َمن
أحدها :أنه صّلى ا ّ
ل عنه ،فنحَر ما
ن ،وأمر عليًا رضى ا ّ
ينحُر ما بعد ذلك إلى تمام ثلث وستين ،ثم زال عن ذلك المكا ِ
بقى.
ل عليه وسلم سبعًا فقط بيده ،وشاهد جابر تماَم
الثانى :أن يكون أنس لم ُيشاهد إل نحره صلى ا ّ
ل منهما بما رأى وشاهد.
ل عليه وسلم -للباقى ،فأخبر ُك ٌ
نحره -صلى ا ّ
ل عليه وسلم نحر بيده منفردًا سبع ُبدن كما قال أنس ،ثم أخذ هو وعل ّ
ى الثالث :أنه صلى ا ّ
غَرَفُة بن الحارث الِكندى)) :أنه شاهد النبى صلى
الحربة معًا ،فنحرا كذلك تمام ثلث وستين ،كما قال َ
ى بنحر
حْرَبِة وأمر عليًا فأخذ بأسفلها ،ونحرا بها البدن ثم انفرد عل ّ
ال عليه وسلم يومئذ قد أخذ بأعلى ال َ
ل أعلم.
الباقى من المائة(( ،كما قال جابر .وا ّ
حَر
ى قال)) :لما َن َ
ث الذى رواه الماُم أحمد ،وأبو داود عن عل ّ
فإن قيل :فكيف تصنعون بالحدي ِ
ساِئَرها((.
ت َ
ن ِبَيِدِه ،وأمرنى فنحر ُ
ل صلى ال عليه وسلم ُبْدَنه ،فنحر ثلِثي َ
ل ا ِّ
رسو ُ
ى ،فإن النبى صلى ال عليه
ط انقلب على الراوى ،فإن الذى نحَر ثلثين :هو عل ّ
قلنا :هذا غل ٌ
ى ،ول جابر ،ثم نحر ثلثًا وستين أخرى ،فبقى من المائة ثلثون،
وسلم نحر سبعًا بيده لم ُيشاهده عل ّ
ى صلى ال عليه وسلم.
ى بما نحره النب ّ
ى ،فانقلب على الراوى عدُد ما نحره عل ّ
فنحرها عل ّ
ى صلى ال عليه وسلم ،قال)) :إ ّ
ن ط ،عن النب ّ
ل بن ُقْر ٍ
فإن قيل :فما تصنعون بحديث عبد ا ّ
ل صلى ال عليه
ل ا ِّ
سو ِ
ب ِلر ُ
ل َيْوُم الّنحرُ ،ثّم َيْوُم الَقّر(( .وهو اليوُم الثانى .قال :وُقّر َ
عْنَد ا ِّ
ظَم الّياِم ِ
عَأْ
خفِّيٍة َلْم َأْفَهْمَها،
لَ :فَتَكّلَم ِبَكِلَمٍة َ
جُنوُبها َقا َ
ت ُ
جَب ْ
ن َيْبَدُأ؟ َفَلّما َو َ
ن َيْزَدِلْفن إَلْيِه بَأّيِتِه ّ
طِفْق َ
س َف َ
خْم ٌ
ت َ
وسلم َبَدَنا ٌ
طعَ((.
شاَء اْقَت َ
ن َ
ل؟ قالَ)) :م ْ
تَ :ما َقا َ
َفُقْل ُ
ب منهن
ل ،فقُّر َ
سا ً
جملة ،وإنما كانت ُتقّرب إليه أْر َ
ب إليه ُ
قيل :نقبله ونصّدقه ،فإن المائة لم ُتَقّر ْ
ل واحدة منهن.
ن إَلْيِه ِليبَدأ بُك ّ
ن وَيَتَقّرْب َ
ل ُيَباِدْر َ
سُل ،وكان ذلك الّر َ
سًس َبَدَنات َر َ
إليه خم ُ
خطبة النب ّ
ى فإن قيل :فما تصنعون بالحديث الذى فى ))الصحيحين(( ،من حديث أبى بكرَة فى ُ
حهَُما ،وإلى
ن َفَذَب َ
حْي ِ
ن َأْمَل َ
شْي ِ
صلى ال عليه وسلم يوَم النحِر بِمَنى ،وقال فى آخرهُ)) :ثّم اْنكََفَأ إلى َكْب َ
ن الَغَنِم فقسمها َبْيَنَنا(( لفظه لمسلم.
جَزْيَعٍة ِم َ
ُ
ن كان بمكة ،وفى حديث أنس ،أنه كان بالمدينة.
ففى هذا ،أن ذبح الكبشي ِ
153
ن للناس.
قيل :فى هذا طريقتا ِ
حى بالمدينة بكبشين أملحين أقرنين ،وأنه صّلى العيد ،ثم
ل أنس ،وأنه ض ّ
إحداهما :أن القول :قو ُ
صل أنس ،ومّيز بين نحِره بمكة للُبدن ،وبين نحره بالمدينة للكبشين ،وبّين أنهما
ن ،فف ّ
انكفأ إلى كبشي ِ
حَر
ِقصتان ،ويدل على هذا أن جميَع َمن ذكر نحر النبى صلى ال عليه وسلم بِمَنى ،إنما ذكروا أنه َن َ
جة
حّل من نحر الغنم هناك بل سوق ،وجابر قد قال فى صفة َ
ى الذى ساقه ،وهو أفض ُ
ل ،وهو الَهْد ُ
الِب َ
الوداع :إنه رجع من الرمى فنحر الُبدن ،وإنما اشتبه على بعض الرواة ،أن قصة الكبشين كانت يوَم
عيد ،فظن أنه كان بِمَنى فوِهم.
ن ،وحديثان
ن متغاِيَرا ِ
الطريقة الثانية :طريقة ابن حزم ،وَمن سلك مسلكه .أنهما عمل ِ
صحيحان ،فذكر أبو بكرة تضحَيته بمكة ،وأنس تضحيَته بالمدينة .قال :وذبح يوَم النحر الغَنم ،ونحر
ل صلى ال عليه وسلم َيْوَمِئٍذ عن أزواجه بالبقر ،وهو
لا ّ
حى رسو ُ
ل ،كما قالت عائشة :ض ّ
البقَر والب َ
فى ))الصحيحين((.
ل صلى ال عليه وسلم عن عائشة بقرًة َيْوَم النحر((.
لا ّ
ح رسو ُ
وفى ))صحيح مسلم(()) :ذب َ
حَدة(ً(.
ع بقرًة وا ِ
جِة الَوَدا ِ
حّل محّمٍد فى َ
نآِ
عْوفى السنن)) :أّنه نحَر َ
ل :الطريقُة الولى ،وَهْدى
ح إن شاء ا ّ
ع له التضحيُة مع الَهْدى ،والصحي ُ
شِر َ
ج ُ
ومذهُبه :أن الحا ّ
ل أحٌد أن النبى صلى ال عليه وسلم ،ول أصحاَبه ،جمعوا بين
لضحية للمقيم ،ولم َيْنُق ْ
الحاج له بمنزلة ا ُ
لضحية ،بل كان َهْديُهم هو أضاحيهم ،فهو َهْدى بِمَنى ،وُأضحيٌة بغيرها.
ى وا ُ
الَهْد ِ
لضحية ،وأنهن ُك ّ
ن ق عليه اسُم ا ُ
طِل َ
حى عن ِنسائه بالبقر(( ،فهو َهْدى ُأ ْ
وأما قول عائشة)) :ض ّ
ى الذى يلزُمهن.
ى ،فالبقُر الذى نحره عنهن هو الَهْد ُ
ت ،وعليهن الَهْد ُ
متمتعا ٍ
ولكن فى قصة نحر البقرة عنهن وهن تسع :إشكال ،وهو إجزاء البقرة عن أكثر من سبعة.
وأجاب أبو محمد بن حزم عنه ،بجواب على أصله ،وهو أن عائشة لم تكن معهن فى
ى على القاِرن ،وأّيَد قوله بالحديث الذى رواه مسلم
ت ،وعنده ل َهْد َ
ن متمتعا ٌ
ذلك ،فإنها كانت قارنة وُه ّ
ل صلى ال عليه وسلم ُموافين
لا ّ
عروة ،عن أبيه ،عن عائشة)) :خرجنا مع رسو ِ
من حديث ِهشام بن ُ
ض لم
ل ِبُعمرة ،فخرجنا حتى َقِدمَنا مّكَة ،فأدركنى يوُم عرفة وأنا حائ ٌ
ت فيمن أه ّ
جِة ،فكن ُ
حّلِهلل ذى ال ِ
ك،
سِ
عْمَرَتك واْنُقضى َرأ َ
ى صلى ال عليه وسلم ،فقال)) :دعى ُ
ت ذلك إلى النب ّ
عمرتى ،فشكو ُ
ل من ُ
حَّأ ِ
154
ل معى
جنا ،أرس َ
حّ
ل َ
صَبِة وقد قضى ا ّ
ح ْ
ت ،فلما كانت ليلُة ال َ
ج(()) .قالت :ففعل ُ
حّشطى ،وأهّلى بال َ
واْمَت ِ
عمرتنا ،ولم
جَنا و ُ
حّ
ل َ
ت بُعمرة ،فقضى ا ّ
عبد الرحمن بن أبى بكر ،فأرَدفنى ،وخرج إلى الّتنِعيم ،فأهلل ُ
صْوٌم((.
صدقٌة ول َ
يكن فى ذلك َهْدى ول َ
وهذا مسلك فاسد تفّرد به ابن حزم عن الناس .والذى عليه الصحابُة ،والتابعون وَمن بعدهم أن
ى ،كما يلزم المتمّتع ،بل هو متمتع حقيقة فى لسان الصحابة كما تقّدم ،وأما هذا
القاِرن يلزمه الَهْد ُ
ث ،فالصحيح :أن هذا الكلَم الخيَر من قول هشام بن عروة ،جاء ذلك فى صحيح مسلم مصرحا
الحدي ُ
ل عنها...
عروة ،عن أبيه ،عن عائشة رضى ا ّ
به ،فقال :حدثنا أبو كريب ،حدثنا وكيع ،حدثنا هشام بن ُ
عْمَرتها .قال هشام :ولم يكن
جَها َو ُ
حّل َ
ضى ا ُّ
فذكرت الحديث .وفى آخره :قال عروة فى ذلك)) :إنه َق َ
صيام ،ول صدقة((.
ى ،ول ِ
فى ذلك َهْد ٌ
ن نمير ،وعبدة أدخله فى كلم عائشة،
قال أبو محمد :إن كان وكيع جعل هذا الكلَم لهشام ،فاب ُ
ل هشام إياه بدافع أن تكون
ل منهما ثقة ،فوكيع نسبه إلى هشام ،لنه سمع هشامًا يقوله ،وليس قو ُ
وُك ّ
عائشُة قالته ،فقد َيروى المرُء حديثًا ُيسنده ،ثم ُيفتى به دون أن ُيسنده ،فليس شئ من هذا بمتدافع ،وإنما
ل ثقة فمصّدق فيما نقل .فإذا
ف ،وَمن اتبع هواه ،والصحيح من ذلك :أن ُك ّ
ص ُ
ل هذا َمن ل ُيْن ِ
يتعّلل بمث ِ
ق أيضًا
صّدَقا لعدالتهما ،وإذا أضافه وكيع إلى ِهشام ،صُّد َ
ل إلى عائشةُ ،
ن نمير القو َ
أضاف عبدة واب ُ
ل صحيح ،وتكون عائشة قالته ،وهشام قاله.
لعدالته ،وُك ٌ
علل الحاديث،
قلت :هذه الطريقُة هى اللئقُة بظاهريته ،وظاهرية أمثاله ممن ل ِفقه له فى ِ
كفقه الئمة الّنّقاد أطباء علله ،وأهل العناية بها ،وهؤلء ل يلتِفُتون إلى قول َمن خالفهم ممن ليس له
ف الّنّقاد ،الذين ُيميزون بين الجّيِد والردئ ،ول
صياِر ِ
ذوُقهم ومعرفُتهم بل يقطعون بخطئه بمنزلة ال ّ
يلتِفُتون إلى خطإ َمن لم يعِرف ذلك.
ومن المعلوم ،أن عبدة وابن نمير لم يقول فى هذا الكلم :قالت عائشة ،وإنما أدرجاه فى
صل
عروة ،أو من هشام ،فجاء وكيع ،فف ّ
ل أن يكون من كلمهما ،أو من كلم ُ
الحديث إدراجًا ،يحتم ِ
ن نمير وعبدة :قالت عائشُة،
صل ومّيز ،فقد حفظ وأتقن ما أطلقه غيره ،نعم لو قال اب ُ
ومّيز ،وَمن ف ّ
ضَع نظر وترجيح.
وقال وكيع :قال هشاٌم ،لساغ ما قال أبو محمد ،وكان مو ِ
155
وأما كونهن تسعًا وهى بقرة واحدة ،فهذا قد جاء بثلثة ألفاظ ،أحدها :أنها بقرة واحدة بينهن،
ت :ما هذا؟ فقيل:
حى عنهن يومئذ بالبقر ،والثالث :دخل علينا يوم النحر بلحم بقر ،فقل ُ
والثانى :أنه ض ّ
ل صلى ال عليه وسلم عن أزواجه.
ذبح رسول ا ّ
ل الشافعى،
س فى عدد َمن ُتجزئ عنهم الَبَدَنة والبقرة ،فقيل :سبعة وهو قو ُ
وقد اختلف النا ُ
ل صلى ال عليه
لا ّ
وأحمد فى المشهور عنه ،وقيل :عشرة ،وهو قول إسحاق .وقد ثبت أن رسو َ
ث ،أنه -صّلى ال عليه
شَياٍه .وَثبت هذا الحدي ُ
شِر ِ
جُزوَر ِبَع ْ
ل ال َ
بينهم المغاِنمَ ،فَعَد َ وسلمَ ،قسََم
حى عن نسائه وهن ِتسع ببقرة.
وسلم -ض ّ
لا ّ
ل سو ِ
جهم مع َر ُ
حّ
ن ،عن أبى الّزبير ،عن جابر)) ،أنهم نحُروا الَبَدَنَة فى َ
وقد روى سفيا ُ
ن عشرٍة(( ،وهو على شرط مسلم ولم يخرجه ،وإنما أخرج قوله)) :خرجنا مع
عْصلى ال عليه وسلم َ
طفنا بالبي ِ
ت ن ،فلما َقِدمنا مكةُ ،
ج معنا النساُء والِولدا ُ
ن بالح ّ
ل صلى ال عليه وسلم ُمهّلي َ
لا ّ
سو ِ
َر ُ
ل سبعٍة منا فى
ل والبقِر ُك ّ
ن نشتِرك فى الب ِ
ل صلى ال عليه وسلم أ َ
لا ّ
صفا والمروة ،وَأَمَرَنا رسو ُ
وبال ّ
َبَدنة((.
ضَر
وفى ))المسند(( :من حديث ابن عباس)) :كّنا مع النبى صلى ال عليه وسلم فى سفر ،فح َ
جُزوِر عشرة(ً( .ورواه الّنسائى والترمذى ،وقال :حسن
سْبَعًة ،وفى ال َ
الضحى ،فاشترْكَنا فى البقرِة َ
غريب.
حَدْيِبَيِة ،الَبَدَنَة عن
ل صلى ال عليه وسلم عاَم ال ُ
لا ّ
سو ِ
وفى ))الصحيحين(( عنه)) :نحرَنا مع َر ُ
سبعة ،والبقرَة عن سبعة((.
حجته بين المسلمين ،فى البقرة عن
ل صلى ال عليه وسلم فى َ
ل ا ِّ
ك رسو ُ
شّر َ
وقال حذيفُةَ )) :
ل.
سبعة(( .ذكره الماُم أحمد رحمه ا ّ
ح ،وإما
صّث السبعة أكثُر وَأ َ
ل :أحادي ُ
ج على أحد وجوه ثلثة ،إما أن ُيقا ِ
خّر ُ
وهذه الحاديثُ ،ت َ
ل الِقسمة ،وأما كوُنه عن سبعة فى
ل البعيِر بعشرة ِمن الغنم ،تقويٌم فى الغنائم لجل تعدي ِ
عْد ُ
أن ُيقالَ :
ف باختلف الزِمنة ،والمِكنة ،والبل ،ففى
الهدايا ،فهو تقديٌر شرعى ،وإما أن ُيقال :إن ذلك يختِل ُ
ل سبعة ،فجعله عن سبعة.
ل عشر شياه ،فجعله عن عشرة ،وفى بعضها َيْعِد ُ
ضها كان البعيُر َيْعِد ُ
بع ِ
ل أعلم.
وا ّ
156
حى عن نفسه
حى عنهن ببقرة ،وض ّ
وقد قال أبو محمد :إنه ذبح عن نسائه بقرًة للَهْدى ،وض ّ
حية
ضِت ما فى ذلك من الوهم ،ولم تكن بقرة ال ّ
بكبشين ،ونحر عن نفسه ثلثًا وستين َهْديًا ،وقد عرف َ
ج بمنزلة ضحية الفاقى.
ى الحا ّ
غيَر بقرة الَهْدى ،بل هى هى ،وَهْد ُ
فصل
فى أنه ل يختص الذبح بالمنحر وحيثما ذبح فى ِمَنى أو مكة أجزأه
حِرِه بِمَنى ،وأعلمهم
ل صلى ال عليه وسلم ِبَمْن َ
لا ّ
ونحر رسو ُ
ص بِمَنى،
ل على أن النحَر ل يخت ّ
حٌر(( وفى هذا دلي ٌ
ق َوَمْن َ
طِري ٌ
ج َمّكَة َ
ن ِفجا َ
حٌر ،وَأ ّ
))أن ِمَنى ُكّلها َمْن َ
ف((.
عَرَفُة كُّلَها َمْوِق ٌ
ت هاهنا َو َ
بل حيث نحر من فجاج مكة أجزأه ،كما أنه لـّما وقف بعرفة قالَ)) :وَقْف ُ
ل عليه وسلم أن ُيبنى له
سئل صلى ا ّ
ف(( و ُ
ت هاهنا َوُمْزَدِلَفُة ُكّلها َمْوِق ٌ
ف بمزَدِلَفة ،وقالَ)) :وَقْف ُ
ووَق َ
ق إَلْيِه(( وفى هذا دليل على اشتراك المسلمين
سَب َ
ن َ
خ ِلَم ْ
لِ ،مَنى ُمَنا ٌ
حّرَ ،فَقالَ )) :
ن ال َ
ظّله ِم َ
بِمَنى ِبَناٌء ُي ِ
ل عنه ،ول َيْمِلُكه بذلك
حَق به حتى يرَت ِ
فيها ،وأن َمن سبق إلى مكان منها فهو أح ّ
فصل
في حلق رسول ال صلى ال عليه وسلم رأسه
لق -
ل ِللح ّ
لق ،فحلق رأسهَ ،فَقا َ
ل صلى ال عليه وسلم نحره ،استدعى بالح ّ
لا ّ
ل رسو ُ
فلما أكم َ
لَ)) :يا َمْعَمُر ؛ َأْمَكَن َ
ك جِهِه -وَقا َ
ظر فى َو ْ
ل وهو قائم على رأسه بالموسى وَن َ
وهو َمْعمر بن عبد ا ّ
ل؛
ل ا ِّ
سو َ
ل يا َر ُ
ل معمر :أَما وا ّ
سى(( َفَقا َ
ك الُمو َ
حَمِة ُأُذِنِه َوفى َيِد َ
شْن َ
ل صلى ال عليه وسلم ِم ْ
ل ا ِّ
سو ُ
َر ُ
ل.
ك(( ذكر ذلك المام أحمد رحمه ا ّ
ل إذًا َأَقّر َل َ
جْلَ)) :أ َ
ى وَمّنِهَ ،قا َ
عَل ّ
ل َ
ن ِنْعَمِة ا ِّ
ن ذلك َلِم ْ
إّ
ق ِللنبي صلى ال عليه وسلم ،معمر بن
حَل َ
وقال البخاري في ))صحيحه(( :وزعموا أن الذي َ
سمَ
غ ِمْنهَ ،ق َ
نَ ،فلما َفَر َ
لْيَم ِ
جاِنِبه ا َ
شاَر إلى َ
خْذ ،وَأ َ
ل بن نضلة بن عوف ...انتهى ،فقال للحلقُ )) :
عبد ا ّ
ل :هاهنا أبو طلحة؟ فدفعه إليه((،
سرّ ،ثّم قا َ
جاِنبُه الْي َ
ق َ
حَل َ
لقَ ،ف َ
حّ
شاَر إَلى ال َ
ن َيِليهُ ،ثّم َأ َ
ن َم ْ
شْعَرُه َبْي َ
َ
هكذا وقع في صحيح مسلم.
ل صلى ال عليه وسلم ،لما
وفى صحيح البخاري :عن ابن سيرين ،عن أنس)) :أن رسول ا ّ
ض روايِة مسلمِ ،لجواز أن ُيصيب أبا
حلق رأسه ،كان أبو طلحة أول َمن أخذ من شعره(( .وهذا ل ُيناِق ُ
ق اليسِر ،لكن قد روى مسلم في
شِص بال ّ
ل ما أصاب غيَره ،ويخت ّ
ن ،مث ُ
ق اليم ِ
شّطلحة ِمن ال ّ
157
وسلم ول أصحابه الذين تمتعوا معه في حجة الوداع ،ول أمر النبي صلى ال عليه وسلم به أحدًا ،قال:
وحديث عائشة دليل على هذا ،فإنها قالت)) :طافوا طوافًا واحدًا بعد أن رجعوا ِمن ِمَنى لحجهم(( وهذا
ف الُقدوم ،لكانت قد أخّلت
هو طواف الزيارة ،ولم تذكر طوافًا آخر .ولو كان هذا الذي ذكرته طوا َ
ن الحج الذي ل َيِتّم إل به ،وذكرت ما ُيستغنى عنه ،وعلى كل حال،
بذكر طواف الزيارة الذي هو رك ُ
فما ذكرت إل طوافًا واحدًا ،فمن أين ُيستدل به على طوافين؟
ج إلى الُعمرة بأمر النبي صلى ال عليه وسلم -ولم تكن
وأيضًا ..فإنها لما حاضت ،فقرنت الح ّ
طافت للقدوم لم تطف للقدوم ،ول أمرها به النبي صلى ال عليه وسلم ،ولن طواف القدوم لو لم يسقط
ف القدوم مع طواف الُعمرة ،لنه أّول قدومه إلى البيت،
ق المعتمر طوا ُ
ع في ح ّ
شِر َ
بالطواف الواجبَ ،ل ُ
فهو به أولى من المتمتع الذي َيُعوُد إلى البيت بعد رؤيته وطوافه به ...انتهى كلمه.
ب في
قلت :لم يرفع كلُم أبي محمد الشكال ،وإن كان الذي أنكره هو الحق كما أنكره ،والصوا ُ
سَعْوا ،ثم طاُفوا للفاضة
إنكاره ،فإن أحدًا لم يقل :إن الصحابة لما رجعوا ِمن عرفة ،طافوا للقدوم و َ
بعده ،ول النبي صلى ال عليه وسلم ،هذا لم يقع قطعًا ،ولكن كان منشأ الشكال ،أن أّم المؤمنين فّرقت
بين المتمّتع والقاِرن ،فأخبرت أن القاِرنين طافوا بعد أن رجعوا من ِمَنى طوافًا واحدًا ،وأن الذين أهّلوا
جهم ،وهذا غيُر طواف الزيارة قطعًا ،فإنه يشتِرك
بالُعمرة طافوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا ِمن ِمَنى لح ّ
ن الشيخ أبا محمد ،لما رأى قوَلها في المتمتعين :إنهم
ن والمتمتع ،فل فرق بينهما فيه ،ولِك ّ
فيه القار ُ
طاُفوا طوافًا آخر بعد أن رجعوا ِمن ِمَنى ،قال :ليس في هذا ما يدل على أنهم طافوا طوافين ،والذي
قاله حق ،ولكن لم يرفع الشكال ،فقالت طائفة :هذه الزيادة من كلم عروة أو ابنه هشامُ ،أدِرجت في
الحديث ،وهذا ل يتبين ،ولو كان ،فغايته أنه مرسل ولم يرتفع الشكال عنه بالرسال .فالصواب :أن
الطواف الذي أخبرت به عائشة ،وفّرقت به بين المتمتع والقارن ،هو الطواف بين الصفا والمروة ،ل
الطواف بالبيت ،وزال الشكال جملة ،فأخبرت عن القارنين أنهم اكتفوا بطواف واحد بينهما ،لم
ق ،وأخبرت عن المتمتعين ،أنهم طافوا بينهما طوافًا
ُيضيفوا إليه طوافًا آخر َيوم النحر ،وهذا هو الح ّ
ث على
ل الجمهور ،وتنزيل الحدي ِ
آخر بعد الرجوع ِمن ِمَنى للحج ،وذلك الول كان للعمرة ،وهذا قو ُ
صَفا
ن ال ّ
ت َوَبْي َ
ك ِبالَبْي ِ
طواُف ِ
ك َ
سُع ِ
هذا ،موافق لحديثها الخر ،وهو قول النبي صلى ال عليه وسلمَ)) :ي َ
ك(( ،وكانت قارنة ،ويوافق قول الجمهور.
عْمَرِت ِ
ك َو ُ
جِ
حَّوالَمْرَوِة ِل َ
160
ل عليه
ي صلى ا ّ
ل عليه حديث جابٍر الذي رواه مسلم في ))صحيحه(( :لم يطف النب ّ
ولكن ُيشِك ُ
صفا والمروة إل طوافًا واحدًا ،طواَفه الول .هذا يوافق قول َمن يقول:
وآله وسلم ول أصحابه بين ال ّ
ل ،نص عليها في رواية ابنه عبد
ى واحد كما هو إحدى الروايتين عن أحمد رحمه ا ّ
يكفى المتمتع سع ٌ
ل وغيره ،وعلى هذا ،فيقال :عائشة أثبتت ،وجابر نفى ،والمثِبت ُمقّدم على النافي ،أو يقال :مراد
ا ّ
جابر َمن قرن مع النبي صلى ال عليه وسلم وساق الَهْدي ،كأبي بكٍر وعمر وطلحة وعلي رضى ا ّ
ل
ل حديث
سَعْوا سعيًا واحدًا .وليس المراد به عموَم الصحابة ،أو يعّل ُ
عنهم ،وذوي اليسار ،فإنهم إنما َ
ل أعلم.
عائشة ،بأن تلك الزيادة فيه مدرجة من قول هشام وهذه ثلثة طرق للناس في حديثها ..وا ّ
ج قبل خروجه إلى ِمَنى،
ف ويسعى للقدوم بعد إحرامه بالح ّ
وأما َمن قال :المتمتع يطو ُ
ص عنه أم ل؟ قال أبو محمد :فهذا لم يفعله النبي
وهو قولُ أصحاب الشافعي ،ول أدرى أُهَو منصو ٌ
صلى ال عليه وسلم ،ول أحد من الصحابة البتة ،ول أمرهم به ،ول نقله أحد ،قال ابن عباس :ل أرى
جُعوا من ِمَنى.
ج حتى َيْر ِ
صفا والمروِة بعد إحرامهم بالح ّ
سعوا بين ال ّ
طوفوا ،ول أن َي ْ
لهل مّكة أن ي ُ
وعلى قول ابن عباس :قول الجمهور ،ومالك ،وأحمد ،وأبى حنيفة ،وإسحاق ،وغيرهم.
ف ويسعى للُقدوم .قالوا :ولن
والذين استحّبوه ،قالوا :لما أحرم بالحج ،صار كالقادم ،فيطو ُ
ب الحراِم
ب له ِفْعُله عقي َ
ح ّ
ف القدوم ،ولم يأت به .فاسُت ِ
ل وقع عن الُعمرة ،فيبقى طوا ُ
الطواف الو َ
ن ،فإنه إنما كان قارنًا لما طاف ِللُعمرة ،فكان طواُفه للُعمرة مغنيًا عن
ن واهيتا ِ
جتا ِ
حّ
ج ،وهاتان ال ُ
بالح ّ
طواف القدوم ،كمن دخل المسجد ،فرأى الصلة قائمة ،فدخل فيها ،فقامت مقاَم َتحية المسجد ،وأغنته
عنها.
طوفوا عقيَبه ،وكان
ج مع النبي صلى ال عليه وسلم ،لم ي ُ
حّوأيضًا فإن الصحابة لما أحرموا بال َ
أكثرهم متمتعًا .وروى محمد بن الحسن ،عن أبى حنيفة ،أنه إن أحرم يوَم التروية قبل الزوال ،طاف
ف ،وَفّرق بين الوقتين ،بأنه بعد الزوال يخرج من فوره
ط ْ
وسعى للقدوم ،وإن أحرم بعد الزوال ،لم َي ُ
ل ابن عباس والجمهور
إلى ِمَنى ،فل يشتِغل عن الخروج بغيره ،وقبل الزوال ل يخرج فيطوف ،وقو ُ
ل التوفيق.
هو الصحيح الموافق لعمل الصحابة ،وبا ّ
فصل
161
جة في
حّسَعى مع هذا الطواف وقالوا :هذا ُ
ل عليه وسلم َ -
والطائفة الثانية قالت :إنه -صلى ا ّ
سَع
ط عليه كما تقدم ،والصواب :أنه لم َي ْ
ن ،وهذا غل ٌ
ن ،كما يحتاج إلى طوافي ِ
أن القارن يحتاج إلى سعيي ِ
ف واحد ،بل كّلها باطلة كما
ح عنه في السعيين حر ٌ
صّإل سعَيه الول ،كما قالته عائشُة ،وجابر ،ولم َي ِ
تقّدم ،فعليك بمراجعته.
فصل
ف الزيارة إلى الليل ،وهم طاووس ،ومجاهد ،وعروة،
خَر طوا َ
والطائفة الثالثة :الذين قالوا :أ ّ
ففي سنن أبى داود ،والنسائي ،وابن ماجه ،من حديث أبى الزبير المكي ،عن عائشة وابن عباس أن
ف الّزيارة ،قال الترمذي:
خَر طواَفه يوَم النحر إلى الليل .وفى لفظ :طوا َ
النبي صلى ال عليه وسلم ،أ ّ
حديث حسن.
ل العلم
ك فيه أه ُ
شّ
ل عليه وسلم الذي ل َي ُ
ط بّين خلف المعلوم من فعله صلى ا ّ
وهذا الحديث غل ٌ
س فيه ،قال الترمذي في كتاب ))العلل(( له :سألت
ن نذكر كلَم النا ِ
ل عليه وسلم ،فنح ُ
جته صلى ا ّ
حّ
بَ
سمَع أبو الزبير من عائشة وابن عباس؟ قال:
محمد بن إسماعيل البخاري عن هذا الحديث ،وقلت لهَ :أ َ
أّما ِمن ابن عباس ،فنعم ،وفى سماعه من عائشة نظر .وقال أبو الحسن القطان :عندي أن هذا الحديث
ليس بصحيح ،إنما طاف النبي صلى ال عليه وسلم يومئذ نهارًا ،وإنما اختلُفوا :هل صّلى الظهر بمكة
ل :إنه رجع إلى ِمَنى،
ن عمر يقو ُ
أو رجع إلى ِمَنى ،فصّلى الظهَر بها بعد أن فرغ من طوافه؟ فاب ُ
فصّلى الظهَر بها ،وجابٌر يقول :إنه صّلى الظهر بمكة ،وهو ظاهر حديث عائشة من غير رواية:
ف إلى الليل ،وهذا شئ لم ُيرَو إل من هذا الطريق ،وأبو
خر الطوا َ
))أبى الزبير(( هذه التي فيها أنه أ ّ
الزبير مدلس لم يذكر هاهنا سماعًا من عائشة ،وقد عهد أنه يروى عنها بواسطة ،ول عن ابن عباس
ف فيما يرويه أبو
عِهَد كذلك أنه يروي عنه بواسطة ،وإن كان قد سمع منه ،فيجب التوّق ُ
أيضًا ،فقد ُ
عِر َ
ف ف به من التدليس ،لو ُ
عِر َ
عه منهماِ ،لما ُ
الزبير عن عائشة وابن عباس مما ل َيْذُكُر فيه سما َ
ح لنا أنه سمع من عائشة ،فالمر بّين في وجوب التوقف فيه ،وإنما
صّعه منها ِلغير هذا ،فأّما ولم َي ِ
سما ُ
عه منه .هاهنا يقول قوم:
يختِلف العلماء في قبول حديث المدّلس إذا كان عمن قد علم ِلقاؤه له وسما ُ
ل في حديث حديث ،وأما ما ُيَعْنِعُنه
ُيقبل ،ويقول آخرونُ :يرد ما ُيعنِعُنه عنهم حتى يتبّين التصا ُ
عه منه ،فل أعلم الخلفَ فيه بأنه ل ُيقبل .ولو كنا نقول بقول
س ،عمن لم ُيعلم ِلقاؤه له ول سما ُ
المدّل ُ
162
سَقْي ُ
ت ت َف َ
س ،لَنَزْل ُ
ن َيْغِلَبُكم الّنا ُ
ل َأ ْ
ثّم أتى زمزَم بعد أن قضى طواَفه وهم يسقون ،فقالَ)) :لْو َ
ب وُهَو َقاِئم.
شر َ
َمَعُكْم(( ُثّم ناوُلوه الّدْلَوَ ،ف َ
خ لنهيه عن الشرب قائمًا ،وقيل :بل بيان منه أن النهي على وجه الختيار
فقيل :هَذا نس ٌ
لْولى ،وقيل :بل للحاجة ،وهذا أظهر.
وترك ا َ
وهل كان في طوافه هذا راكبًا أو ماشيًا؟ فروى مسلم في ))صحيحه(( ،عن
حلته َيستِلم الّرك َ
ن ع على َرا ِ
جِة الَوَدا ِ
حّ
ت في َ
ل صلى ال عليه وسلم بالَبْي ِ
ل ا ِّ
ف رسو ُ
جابر قال)) :طا َ
شْوُه((.
غُس َ
ن النا َ
ف ،وِليسأُلوه ،فإ ّ
شِر َ
س ولُي ْ
جِنه لن يراه النا ُ
حَ
ِبم ْ
حجة الوداع،
ف النبي صلى ال عليه وسلم في َ
ن عباس قال)) :طا َ
وفى ))الصحيحين(( ،عن اب ِ
ن((.
جٍحَ
ن ِبم ْ
سَتِلُم الّرْك َ
على بعير َي ْ
ل ،وليس بطواف الُقدوم لوجهين.
وهذا الطواف ،ليس بطواف الوداع ،فإنه كان لي ً
حَلُته ،وإنما
ت ِبه َرا ِ
طَ :رَمَل ْ
ل في طواف القدوم ،ولم يقل أحد ق ّ
ح عنه الّرَم ُ
أحدهما :أنه قد ص ّ
سُه.
ل َنْف ُ
قالواَ :رَم َ
ت قدماه
س ْ
ل صلى ال عليه وسلم ،فما َم ّ
لا ّ
ت مع رسو ِ
والثاني :قول الشريد بن سويد)) :أفض ُ
جْمعًا((.
ض حّتى أتى َ
الْر َ
ض هذا
ست قدماه الرض إلى أن رجع ،ول ينتِق ُ
وهذا ظاهره ،أنه من حين أفاض معه ،ما م ّ
بركعتي الطواف ،فإن شأَنهما معلوم.
قلت :والظاهر :أن الشريد بن سويد ،إنما أراد الفاضة معه من عرفة ،ولهذا قال :حتى أتى
شعب حين
ض هذا بنزوله عند ال ّ
جْمعًا وهى مزدلفة ،ولم ُيرد الفاضة إلى البيت يوَم النحر ،ول ينتِق ُ
َ
ل أعلم.
ست قدماه الرضَ مسًا عاِرضًا .وا ّ
ب لنه ليس بنزول مستقر ،وإنما م ّ
بال ،ثم َرِك َ
فصل
عمر ،أنه
ف أين صّلى الظهر يومئذ ،ففي ))الصحيحين(( :عن ابنِ ُ
ثم رجع إلى ِمَنى ،واخُتِل َ
ض يوم النحر ،ثم رجع ،فصّلى الظهَر ِبمَنى.
ل عليه وسلم -أفا َ
-صّلى ا ّ
ظهَر بمّكة وكذلك قالت
ل عليه وسلم -صّلى ال ّ
وفى ))صحيح مسلم(( :عن جابر ،أنه -صّلى ا ّ
عائشُة.
164
ن القولين على الخر ،فقال أبو محمد بن حزم :قول عائشة وجابر
ف في ترجيح أحِد هذي ِ
واخُتِل َ
ل بوجوه.
جحوا هذا القو َ
أولى وَتِبَعه على هذا جماعة ،ور ّ
أحدها :أنه روايُة اثنين ،وهما أولى من الواحد.
س به صّلى ال عليه وسلم ،ولها من الُقرب والختصاص به
ص النا ِ
الثاني :أن عائشة أخ ّ
والمزية ما ليس لغيرها.
جِة النبي صلى ال عليه وسلم من أولها إلى آخرها ،أتّم سياق ،وقد
حّ
الثالث :أن سياق جابر ِل َ
صَة وضبطها ،حتى ضبط جزئياتها ،حّتى ضبط منها أمرًا ل يتعّلق بالمناسك ،وهو نزو ُ
ل ظ الِق ّ
حِف َ
َ
شعب ،ثم توضأ وضوءًا خفيفًا،
جته عند ال ّ
ضى حا َ
طريق ،فَق َ
جْمٍع في ال ّ
النبي صلى ال عليه وسلم َلْيَلَة َ
ن صلته يوَم النحر أولى.
فَمن ضبط هذا القدر ،فهو بضبط مكا ِ
ل والنهاِر ،وقد دفع ِمن مزدلفة قبل
جة الوداع كانت في آذار ،وهو تساوى اللي ِ
حّالرابع :أن َ
خ له من لحمها ،وأكل
طِب َ
س ،ونحر ُبْدنًا عظيمة ،وَقسَمها ،و ُ
طلوع الشمس إلى ِمَنى ،وخطب بها النا َ
سقاية،
ف وشرب من ماء زمزم ،وِمن نبيذ ال ّ
سه ،وتطّيب ،ثم أفاض ،فطا َ
ق رأ َ
منه ،ورمى الجمرة ،وحَل َ
ن معه الرجو ُ
ع ووقف عليهم وهم يسقون ،وهذه أعمال تبدو في الظهر أنها ل تنقضي في مقداٍر ُيمِك ُ
ك وقت الظهر في فصل آذار.
ث ُيدِر ُ
إلى ِمنى ،بحي ُ
ل عليه
ن مجرى الناِقل والمبقى ،فقد كانت عادُته -صّلى ا ّ
ن ،جاريا ِ
الخامس :أن هذين الحديثي ِ
حجته الصلَة في منزله الذي هو ناِزل فيه بالمسلمين ،فجرى ابن عمر على العادة ،وضبط
وسلم -في َ
ل عنهما المر الذي هو خارج عن عادته ،فهو أولى بأن يكون هو المحفوظ.
جابر وعائشة رضى ا ّ
جحت طائفة أخرى قول ابن عمر ،لوجوه:
ور ّ
ت ،بل لم يكن لهم ُبّد
ل الصحابة ِبمَنى وحدانًا وَزَرافا ٍ
صّظهر بمكة ،لم ُت َ
أحدها :أنه لو صّلى ال ّ
ط ،ول يقول أحد :إنه استناب َمن ُيصّلى بهم،
ل هذا أحٌد ق ّ
ف إمام يكون نائبًا عنه ،ولم َيْنُق ْ
من الصلة خل َ
ل بكم فلن،
ت عندكم ،فلُيص ّ
ت الصلُة ولس ُ
ضَر ِ
ح َ
ولول علُمه أنه يرجع إليهم فُيصّلى بهم ،لقال :إن َ
وحيث لم يقع هذا ول هذا ،ول صّلى الصحابة هناك وحدانًا قطعًا ،ول كان ِمن عادتهم إذا اجتمعوا أن
عِلَم أنهم صّلوا معه على عادتهم.
عِزينُ ،
ُيصّلوا ِ
165
حيل في
غُتَما((؟ قالتَ :نَعْم ،فناَدى بالّر ِ
ل صلى ال عليه وسلمَ)) :فَر ْ
لا ّ
ل ،فقال رسو ُ
جْوفِ اللي ِ
في َ
صبح هذا لفظ البخاري.
صلَة ال ّ
ل َ
ف بالبيت قب َ
س ،ثم طا َ
ل النا ُ
أصحابه ،فارتح َ
فإن قيل :كيف تجمعون بين هذا ،وبين حديث السود عنها الذي في ))الصحيح(( أيضًا؟ قالت:
ث ،وفيه :فلما كانت ليلة
ت الحدي َ
ج ....فذكر ِ
حّل صلى ال عليه وسلم ،ولم َنَر إل ال َ
خرجنا مع رسول ا ّ
طْف ِ
ت ت ُ
لَ :أَو َما ُكْن ِ
جٍة؟ َقا َ
حّعْمَرٍة ،وَأْرجُع َأنا ِب َ
جٍة و ُ
حّل ؛ يرجُع الّناس ِب َ
ت :يا رسول ا ّ
صَبِة ،قل ُ
ح ْ
ال َ
ك َمَكا َ
ن عُد ِ
ك إَلى الّتْنِعيمَ ،فَأِهّلي ِبُعْمَرٍة ُثّم َموْ ِ
خي ِ
ل)) :فاْذَهبي َمَع أ ِ
لَ .قا َ
تَ :
تُ :قْل ُ
َلَيالي َقِدْمَنا َمّكَة؟ َقاَل ْ
طٌة
ن َمّكَة ،وَأَنا ُمْنَهب َ
صِعٌد ِم ْ
ل صلى ال عليه وسلم َوُهَو ُم ْ
ل ا ِّ
سو ُ
شُةَ :فَلِقيني َر ُ
عاِئ َ
ت َ
َكَذا َوَكَذا(( َقاَل ْ
ط ِمْنَها.
صِعَدٌة َوُهَو ُمْنَهِب ٌ
عَلْيَها ،أْو َأَنا ُم ْ
َ
طريق ،وفى الول ،أنه انتظرها في منزله ،فلما جاءت نادى
ففي هذا الحديث ،أنهما تلقيا في ال ّ
طة عليها ،أو
ن َمّكَة وَأَنا ُمْنَهب َ
صِعٌد ِم ْ
ل آخر ،وهو قوُلها :لقيني وهو ُم ْ
ل في أصحابه ،ثم فيه إشكا ٌ
بالرحي ِ
ن الول ،فيكون قد لقيها ُمصِعدًا منها راجعًا إلى المدينة ،وهى منهبطة عليها للُعمرة،
بالعكس ،فإن كا َ
صب.
وهذا ُيَنافى انتظاره لها بالمح ّ
ن َمّكة ،وهو منهِبط ،لنها
صِعَدًة ِم ْ
ب الذي ل شك فيه ،أنها كانت ُم ْ
قال أبو محمد بن حزم :الصوا ُ
ض إلى طواف
ل صلى ال عليه وسلم حتى جاءت ،ثم نه َ
لا ّ
تقّدمت إلى الُعمرة ،وانتظرها رسو ُ
ب عن مكة ،وهذا ل يصح ،فإنها قالت :وهو منهبط منها ،وهذا
ص ِ
الَوداع ،فلقيها منصِرفة إلى المح ّ
صب ،والخروج من مكة ،فكيف يقول أبو محمد :إنه نهض إلى طواف
يقتضي أن يكون بعد المح ّ
الَوداع وهو منهبط ِمن مكة؟ هذا محال .وأبو محمد لم يحج ،وحديث القاسم عنها صريح كما تقّدم في
ل صلى ال عليه وسلم انتظرها في منزله بعد الّنْفِر حتى جاءت ،فارتحل ،وأّذن في النا ِ
س لا ّ
أن رسو َ
ل صلى ال عليه وسلم ،وأنا
لا ّ
ث السود هذا محفوظًا ،فصواُبه :لقيني رسو ُ
بالرحيل ،فإن كان حدي ُ
عمرتها ،ثم أصعدت لميعاده ،فوافته قد أخذ
ُمصِعدة من مكة ،وهو منهبط إليها ،فإنها طافت وقضت ُ
س بالرحيل ،ول وجه لحديث السود غير هذا .وقد
في الُهبوط إلى مّكة للوداع ،فارتحل ،وأّذن في الّنا ِ
جِمَع بينهما بجمعين آخرين ،وهما وهم.
ُ
أحدهما :أنه طاف للوداع مرتين :مرًة بعد أن بعثها ،وقبل فراغها ،ومرة بعد فراغها للوداع،
وهذا مع أنه َوهٌم بّين ،فإنه ل يرفع الشكال ،بل يزيده فتأمله.
171
س،
ب الّنْف ِ
ن ،طّي ُ
ل صلى ال عليه وسلم ِمن عندي وهو َقِريُر الَعْي ِ
لا ّ
ج رسو ُ
وقالت عائشُة :خر َ
ت كذا وكذا .فقال)) :إني
ت من عندي وأن َ
ل ؛ خرج َ
لا ّ
سو َ
ت :يا َر ُ
ن القلب ،فقل ُ
ى وهو حزي ُ
ثم رجع إل ّ
ن َبْعِدى(( ،فهذا ليس فيه
ت ُأّمتي ِم ْ
ن َقْد َأْتَعْب ُ
ن َأكو َ
ف َأ ْ
خا ُ
ت ،إّنى َأ َ
ن َفَعْل ُ
ت َأّنى َلْم َأُك ْ
ت الكعبةَ ،وَوِدْد ُ
دخل ُ
ل أعلم،
غزاة الفتح ،وا ّ
ل على أنه كان في َ
ك الّتأّم ّ
ل ،أطلَع َ
ق التأّم ِ
حجته ،بل إذا تأملَتُه ح ّ
أنه كان في َ
ن.
جِر َركَْعَتْي ِ
حْصّلى فى ال ِ
وسألته عائشة أن تدخل البيت ،فأمرها أن ُت َ
فصل
في وقوفه صلى ال عليه وسلم في الملتزم
وأما المسألة الثانية :وهى وقوُفه فى الملتزم ،فالذي روى عنه ،أنه فعله يوم الفتح ،ففي سنن
ل صلى ال عليه وسلم َمّكَة،
ل ا ِّ
أبى داود ،عن عبد الرحمن بن أبى صفوان ،قال)) :لما فتح رسو ُ
حاُبه وقد استَلُموا الّرْك َ
ن صَن الَكْعَبِة ُهَو وَأ ْ
ج ِم َ
خَر َ
ل صلى ال عليه وسلم َقد َ
لا ّ
ت رسو َ
ت ،فرأي ُ
انطلق ُ
طُهم((.
ل صلى ال عليه وسلم َوس َ
لا ّ
ت ،ورسو ُ
خُدوَدُهم على الَبْي ِ
ضُعوا ُ
طيمَ ،وَو َ
حِن الَبابِ إلى ال َ
ِم َ
عبِد
ت َمَع َ
طْف ُ
جّده ،قالُ )) :
وروى أبو داود أيضًاِ :من حديث عمرو بن شعيب ،عن أبيه ،عن َ
جَرَ ،فَقاَم
حَ
سَتَلَم ال َ
حّتى ا ْ
ضى َ
ن النارُ ،ثّم َم َ
ل ِم َ
ل َتَتَعّوذ؟ قالَ :نُعوُذ ِبا ِّ
تَ :أ َ
حاَذى ُدُبَر الَكْعَبِة ُقْل ُ
لَ ،فّلما َ
ا ّ
سو َ
ل ت َر ُ
لَ :هَكَذا َرأْي ُ
سطًا ،وَقا َ
طُهَما َب ْ
سَعْيِه َهَكذاَ ،وَب َ
جَهُه َوِذرا َ
صْدَرُه َوَو ْ
ضَع َ
بَ ،فَو َ
ن َوالَبا ِ
ن الّرْك ِ
َبْي َ
ل صلى ال عليه وسلم َيْفَعُلُه((.
ا ِّ
ن في غيره ،ولكن قال مجاهد والشافعي بعده
ن في وقت الوداع ،وأن يكو َ
فهذا يحتِمل أن يكو َ
ن عباس رضى ا ّ
ل ف في الملتزم بعد طواف الَوداع ويدعو ،وكان اب ُ
حب أن َيِق َ
وغيُرهما :إنه ُيست َ
ل تعالى شيئًا إل أعطاه
ب ،وكان يقول :ل يلتزُم ما بينهما أحٌد يسأل ا ّ
عنهما يلتِزُم ما بين الّركن والَبا ِ
ل أعلم.
إّياه ،وا ّ
فصل
في موضع صلته صلى ال عليه وسلم صلة الصبح صبيحة ليلة الوداع
ل عليه وسلم صلة الصبح صبيحة ليلة
ضُع صلته صلى ا ّ
وأما المسألة الثالثة :وهى مو ِ
ل صلى ال عليه وسلم أّنى
لا ّ
ت إلى َرسو ِ
عن أّم سلمة ،قالت :شكو ُ
الوداع ،ففي ))الصحيحين((َ :
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
ت ورسو ُ
طف ُ
ت َراِكَبٌة(( .قالت :ف ُ
س َوَأْن ِ
ن َوَراِء الّنا ِ
طوفي ِم ْ
لُ )) :
شَتِكىَ ،فَقا َ
أْ
175
ن
لِحّو َ
ن ُت َ
لَتا ِ
وحديث ابن مسعود ،إنما يدل على هذا ،فإنه فى صحيح البخارى عنه ،أنه قالُ)):هَما صَ َ
جُر .وقال فى حديث جابر
غ الَف ْ
ن َيْبُز ُ
حي َ
جِر ِ
س الُمْزَدِلفة ،والَف ْ
لُة الَمْغِرب َبْعَدَما يأتى النا ُ
صَن َوْقِتِهَماَ :
عَْ
ن َوإَقاَمٍة((.
ح بَأَذا ٍ
صْب ُ
ن َلُه ال ّ
ح حين َتَبّي َ
صب َ
جة الوداع :فصّلى ال ّ
فى ح ّ
فصل
ب ،والِعشاء ،تلك الليلة،
صَر يوَم عرفة ،والمغر َ
ظهر والًَع ْ
ومنها َوْهُم َمن َوِهَم فى أنه صّلى ال ّ
ل ،وَوْهُم َمن قال :جمع بينهما بإقاَمٍة
لهما بإقامتين بل أذان أص ً
بأذانين وإقامتين ،وَوْهُم َمن قال :ص ّ
ل صلة.
لُهما بأذان واحد ،وإقامة ِلك ّ
حدة ،والصحيح :أنه ص ّ
وا ِ
فصل
ن ،فلما فرغ ،أخذ فى
خطبتين ،جلس بينهما ،ثّم أّذن المؤّذ ُ
ومنها َوْهُم َمن زعم أنه خطب بعرفة ُ
صلة ،وهذا لم يجئ فى شئ من الحاديث البتة ،وحديث جابر
خطبة الثانية ،فلما فرغ منها ،أقام ال ّ
ال ُ
لة ،فصّلى الظهر بعد الخطبة.
خطبته أّذن بلل ،وأقاَم الص َ
صريح ،فى أنه لما أكمل ُ
فصل
صِعَد ،أّذن المؤّذن ،فلما فرغ ،قام فخطب ،وهذا وهم ظاهر ،فإن
ومنها َوْهٌم لبى ثور :أنه لما َ
الذان إنما كان بعد الخطبة.
فصل
ومنها َوْهُم َمن روى ،أنه قّدم ُأّم سلمة ليلَة النحر ،وأمرها أن ُتوافَيه صلة الصبح بمكة ،وقد
تقّدم بيانه.
فصل
ن ذلك ،وأن الذى
خر طواف الزيارة يوَم النحر إلى الليل ،وقد تقّدم بيا ُ
ومنها َوْهُم َمن زعم ،أنه أ ّ
ل أعلم -أن عائشة قالت)) :أفا َ
ض ف الَوداع ،ومستند هذا الوهم -وا ّ
خره إلى الليل ،إنما هو طوا ُ
أّ
ل صلى ال عليه وسلم من آخر يومه(( ،كذلك قال عبُد الرحمن بن القاسم ،عن أبيه ،عنها،
ل ا ِّ
رسو ُ
خر طواف الزيارة إلى الليل.
فحمل عنها على المعنى ،وقيل :أ ّ
فصل
180
ومنها َوْهُم َمن َوِهَم وقال :إنه أفاض مرتين :مّرة بالنهار ،ومرًة مع نسائه بالليل ،ومستند هذا
ى صلى ال
ن ابن القاسم ،عن أبيه ،عن عائشة)) ،أن النب ّ
الوهم ،ما رواه عمر بن قيس ،عن عبد الرحم ِ
ل صلى ال عليه وسلم مع
لا ّ
ت َيْوَم الّنحِر ظهيرًة ،وزاَر رسو ُ
ن لصحابه ،فزاُروا البي َ
عليه وسلمَ ،أِذ َ
ل((.
نسائه لي ً
وهذا غلط ،والصحيح عن عائشة خلف هذا :أنه أفاض نهارًا إفاضة واحدة ،وهذه طريقة
ف أهل العلم المتمسكون بأذيال التقليد .وال أعلم.
ضعا ُ
وخيمة جدًا ،سلكها ِ
فصل
ف بعده للزيارة ،وقد تقّدم مستنُد ذلك
ومنها َوْهُم َمن زعم ،أنه طاف للقدوم يوَم النحر ،ثم طا َ
وبطلُنه.
فصل
ج إلى
ومنها َوْهُم َمن زعم أنه يومئذ سعى مع هذا الطواف .واحتج بذلك على أن القاِرن يحتا ُ
ن ذلك عنه ،وأنه لم يسع إل سعيًا واحدًا ،كما قالت عائشُة وجابر رضى ا ّ
ل سعيين ،وقد تقّدم بطل ُ
عنهما.
)يتبع(...
فصل @
ومنها -على القول الراجح َ -وْهُم َمن قال :إنه صّلى الظهر يوَم النحر بمكة ،والصحيح :أنه
صلها بِمَنى كما تقّدم.
فصل
جْمع إلى ِمَنى ،وأن ذلك إنما
سٍر حين أفاض من َ
حّع فى وادى ُم َ
ومنها َوْهُم َمن زعم أنه لم ُيسِر ْ
ل أهل البادية ،كانوا
ضاع من ِقَب ِ
ل ابن عباس :إنما كان بْدُء الي َ
هو فعل العراب ،ومستند هذا الوهم قو ُ
ب ،فإذا أفاضوا ،تقعقعت تلك فنفروا بالناس،
جَعا َ
ى وال ِ
صّ
ب والِع ِ
يِقفون حافتى الناس حتى عّلقوا الِقَعا َ
حاِرَكها وهو يقولَ)) :يا َأّيَها
س َ
ل صلى ال عليه وسلم ،وإن ِذْفَرى ناقته َلَيَم ّ
لا ّ
ولقد رؤى رسو ُ
سِكيَنِة((َ ،فَما
لَ ،فَعَلْيُكْم ِبال ّ
ل َوالِب ِ
خْي ِ
ف ال َ
جا ِ
س ِباي َ
ن الِبّر َلْي َ
سِكيَنة(( .وفى رواية)) :إ ّ
عَلْيُكم ال ّ
س؛ َ
الّنا ُ
حّتى َأَتى ِمَنى ،رواه أبو داود
َرَأْيُتها َراِفَعًة َيَدْيَها َ
181
ل صلى ال
ى ،قال الشعبى :حّدثنى ُأسامة بن زيد ،أنه أفاض مع رسولِ ا ّ
ولذلك أنكره طاووس والشعب ّ
ن عباس،
لبُ
جْمعًا .قال :وحدثنى الفض ُ
عليه وسلم ِمن عرفة ،فلم ترفع راحلُته ِرجلها عاديًة حتى بلغ َ
جْمع ،فلم ترفع راحلُته رجلها عادية حّتى رمى
ل صلى ال عليه وسلم فى َ
لا ّ
ف رسو ِ
أنه كان ردي َ
الجمرة .وقال عطاء :إنما أحدث هؤلء السراعُ ،يريدون أن يفوتوا الُغبار .ومنشأ هذا الوهم اشتباُه
حسٍّر ،فإن
ب وجفاُة الناس باليضاع فى وادى ُم َ
ت الدفع من عرفة الذى يفعله العرا ُ
اليضاع وق َ
ع فى وادى
ل صلى ال عليه وسلم ،بل نهى عنه ،واليضا ُ
لا ّ
ع هناك بدعة لم يفعْله رسو ُ
ضا َ
الي َ
س بن عبد
ل صلى ال عليه وسلم :جابر ،وعلى بن أبى طالب ،والعبا ُ
سـّنة نقلها عن رسول ا ّ
سر ُ
مح ّ
ضع أشّد
ل عنه ،وكان ابن الزبير ُيو ِ
ل عنهم ،وفعله عمُر بن الخطاب رضى ا ّ
المطلب رضى ا ّ
ل َمن نفى .وا ّ
ل ل َمن أثبت ،ل قو ُ
ل فى هذا قو ُ
ع ،وفعلته عائشُة وغيُرهم ِمن الصحابة ،والقو ُ
اليضا ِ
أعلم.
فصل
ل ليلة من ليالى ِمَنى
ض ُك ّ
ى صلى ال عليه وسلم كان ُيفي ُ
ومنها َوْهُم طاووس وغيره :أن النب ّ
ى صلى ال
ن النب ّ
ن عباس أ ّ
إلى البيت ،وقال البخارى فى ))صحيحه(( :وُيذكر عن أبى حسان ،عن اب ِ
ن ِهشام كتابًا قال:
عَرَة ،دفع إلينا ُمعاُذ ب ُ
عْر َ
ن َ
ت أياَم ِمَنى(( ورواه اب ُ
عليه وسلم ))كان يزوُر البي َ
ل صلى ال عليه
لا ّ
سمعُته من أبى ولم يقرأه ،قال :وكان فيه عن أبى حسان ،عن ابن عباس أن رسو َ
ت أحدًا واطأه عليه ...انتهى.
ل ليلٍة ما دام بِمَنى(( .قال :وما رأي ُ
وسلم ))كان يزوُر البيت ُك ّ
ى صلى ال
ل ،وهو َوْهٌم ،فإن النب ّ
ورواه الثورى فى ))جامعه(( عن ابن طاووس عن أبيه مرس ً
ل وأعلم.
جْع إلى مكة بعد أن طاف للفاضة ،وبقى فى ِمَنى إلى حين الَوداع ،وا ّ
عليه وسلم لم َيْر ِ
فصل
ومنها َوْهٌم َمن قال :إنه وّدع مرتين ،وَوْهُم َمن قال :إنه جعل مكة دائرة فى دخوله وخروجه،
صب عن يمين مكة،
طَوى ،ثم دخل من أعلها ،ثم خرج من أسفلها ،ثم رجع إلى المح ّ
فبات بذى ُ
فكملت الدائرة.
فصل
182
لضحية
ك مخالف لَهْدِيه ،فحكُمه حكُم ا ُ
ب أن َذل َ
ع الشمس البتة ،ول ري َ
خص فى النحر قبل طلو ِ
ولم ُير ّ
س.
ع الشم ِ
ل طلو ِ
إذا ُذبحت قب َ
فصل
وأما هدُيه صلى ال عليه وسلم فى الضاحى
حى بكبشين ،وكان ينحُرهما بعد
ضّلضحية ،وكان ُي َ
عا ُ
ل عليه وسلم لم يكن َيَد ُ
فإنه صلى ا ّ
لْهِلِه((.
حٌم َقّدَمُه َ
شىٍء ،وإّنَما ُهَو َل ْ
ك فى َ
سِ
ن الّن ُ
س ِم َ
صلِةَ ،فَلْي َ
ل ال ّ
ح َقْب َ
ن َذَب َ
صلة العيد ،وأخبر أنَ)) :م ْ
سـّنُته وَهْدُيه ،ل العتباُر بوقت الصلة والخطبة ،بل بَنفس ِفعلها ،وهذا هو الذى
هذا اّلذى دّلت عليه ُ
سّنة.
سَواُه ،وهى الُم ِ
ى ِمّما ِ
ن والّثِن ّ
ضْأ ِ
ع ِمن ال ّ
جَذ َ
ل به ،وأمرهم أن َيذبحوا ال َ
نا ّ
ندي ُ
ث ُمنقطٌع ل يثُبت وصُله.
ن الحدي َ
ح(( لك ّ
ق َذْب ٌ
شِري ِ
ل أّياِم الّت ْ
وروى عنه أنه َقالُ)) :ك ّ
ث ،فل يُدل على أن أيام الذبح ثلثة فقط،
ق ثل ٍ
وأما نهيُه عن اّدخاِر لحوِم الضاحى فو َ
خر الذبح إلى اليوم
خَر شيئًا فوق ثلثة أيام ِمن يوم ذبحه ،فلو أ ّ
لن الحديث دليل على نهى الذابح أن يّد ِ
ت النهى ما بينه وبين ثلثة أيام ،واّلذين حّددوه بالثلث ،فهموا من نهيه عن
الثالث ،لجاز له الّدخاُر وق َ
ح مشروعًا فى وقت يحُرم
ن أولها من يوم النحر ،قالوا :وغيُر جائز أن يكون الذب ُ
ق ثلث أ ّ
الّدخار فو َ
خ تحريم الكل فبقى وقت الذبح بحاله.
سَل ،قالوا :ثم ُن ِ
فيه الك ُ
ى صلى ال عليه وسلم لم َيْنَه إل عن الّدخاِر فوق ثلث ،لم ينه عن التضحية
فيقال لهم :إن النب ّ
ص الذبح بثلث لوجهين..
بعد ثلث ،فأين أحدهما من الخر ،ول تلزم بين ما نهى عنه ،وبين اختصا ِ
ث ،فيجوُز له الّدخار إلى تمام الثلث من يوم
ح فى اليوم الثانى والثال ِ
غ الذب ُ
أحدهما :أنه يسو ُ
ل لكم إلى هذا.
ى عن الذبح بعد يوم النحر ،ول سبي َ
ل حتى يثبت النه ُ
الذبح ،ول َيِتّم لكم الستدل ُ
الثانى :أنه لو ذبح فى آخر جزٍء من يوم النحر ،لساغ له حينئذ الّدخاُر ثلثة أياٍم بعده بمقتضى
ل عنه :أياُم النحر :يوم الضحى ،وثلثة أيام بعده ،وهو
ى بن أبى طالب رضى ا ّ
الحديث ،وقد قال عل ّ
ل الشام الوزاعى،
ن ،وإمام أهل مكة عطاِء بن أبى رباح ،وإماِم أه ِ
ل البصرِة الحس ِ
ب إمام أه ِ
مذه ُ
ص بكونها أيام
ن المنذر ،ولن الثلثة تخت ّ
ل ،واختاره اب ُ
ل الحديث الشافعى رحمه ا ّ
وإماِم فقهاء أه ِ
ِمَنى ،وأيام الرمى ،وَأيام التشريق ،ويحُرم صياُمها ،فهى إخوة فى هذه الحكام ،فكيف تفترق فى جواز
شّد أحُدهما الخر عن النبى صلى ال عليه
الذبح بغير نص ول إجماع .وروى من وجهين مختلفين َي ُ
185
ضُة الَبّي ُ
ن عَوُرَها ،والَمِري َ
ن َ
حى :الَعْوَراُء الَبّي ُ
ضا ِ
ل َ
ئ فى ا َ
جِز ُ
ل ُت ْ
وذكر عنه أيضًاَ)) :أْرَبٌع َ
جَفاُء التى ل ُتْنقى(( أى :من هزالها ل
جَها ،والَكسيَرُة اّلتى ل ُتْنقى ،والعَ ْ
عَر ُ
ن َ
جاُء الَبّي ُ
ضَها ،والَعْر َ
َمَر ُ
خ فيها.
ُم ّ
خَقاء،
صَلِة ،والَب ْ
سَتْأ َ
صَفرِة ،والُم ْ
ل صلى ال عليه وسلم نهى عن الُم ْ
لا ّ
ن رسو َ
وذكر أيضًا أ ّ
صَ
ل صَلُة :التى اسُتؤ ِ
خها ،والُمسَتْأ َ
صَما ُ
صَفرة :التى ُتستأصل أُذنها حتى َيْبُدَو ِ
سراء .فالُم ُ
شّيَعِة ،والَك ْ
والُم َ
سَراُء:
ضْعفًا ،والَك ْ
جفًا و َ
عَخَقاء :التى بخقت عيُنها ،والمشّيعة :التى ل تتبع الغنم َ
صِلِه ،والَب ْ
ن َأ ْ
َقْرُنها ِم ْ
ل أعلم.
سيرة ،وا ّ
الَك ِ
فصل
حى بالُمصّلى
فى أن من َهْديه صلى ال عليه وسلم أن ُيض ّ
شِهَد
ى بالُمصّلى ،ذكره أبو داود عن جابر أنه َ
حَل عليه وسلم أن ُيض ّ
وكان ِمن َهْديه صلى ا ّ
ل،
سِم ا ّ
ش ،فذبحه بيده وقالِ)) :ب ْ
خطبته نزل ِمن منبره ،وُأتى ِبَكْب ٍ
ضى ُ
معه الضحى بالمصّلى ،فلما َق َ
ى صلى ال عليه وسلم
ن النب ّ
ن أمتى(( وفى ))الصحيحين(( أ ّ
ح ِم ْ
ضّعّمن َلْم ُي َ
عّنى َو َ
ل َأْكَبُر ،هَذا َ
َوا ُّ
صّلى.
حُر بالم َ
ح وين َ
كان َيْذَب ُ
جَهُهَما
ن ،فلما و ّ
جوَءي ِ
ن َمْو ُ
حْي ِ
ن أقرنين أْمَل َ
وذكر أبو داود عنه :أنه ذبح يوَم النحر كبشْي ِ
سِكى
صلتى َوُن ُ
ن َ
ن ،إ ّ
شرِكي َ
ن الُم ْ
حِنيفًا ،وَما َأَنا ِم َ
ض َ
لْر َ
ت َوا َ
سَماوا ِ
طَر ال ّ
ى ِلّلِذى َف َ
جِه َ
ت َو ْ
جْه ُ
قال)) :و ّ
ن
عْكَ ،
ك َوَل َ
ن ،الّلُهّم ِمْن َ
سِلِمي َ
ل الُم ْ
ت َوَأَنا أّو ُ
ك ُأِمْر ُ
ك َلُهَ ،وِبَذِل َ
شري َ
ن ،ل َ
ب الَعاَلِمي َ
ل َر ّ
ى َوَمَماتى ِّ
حَيا َ
َوَم ْ
ل أْكَبُر(( ُثّم َذَبح.
ل ،وا ُّ
سِم ا ِّ
حّمٍد َوُأّمِتِهِ ،ب ْ
ُم َ
ل َكَت َ
ب سنوا الِقتلة ،وقال)) :إن ا َّ
سُنوا الذبح ،وإذا قتُلوا أن ُيح ِ
س إذا ذبحوا أن ُيح ِ
وأَمر النا َ
شىٍء((.
ل َ
عَلى ُك ّ
ن َ
سا َ
حَال ْ
ن َأْهلِ َبْيِتِه ولو َكُثرَ
عْل ،و َ
جِن الّر ُ
ع ًِ
ئ َ
ل عليه وسلم أن الشاة ُتجِز ُ
وكان من َهْديه صلى ا ّ
ضحايا على عهِد رسو ِ
ل ى)) :كيف كانت ال ّ
ب النصار ّ
ت أبا أيو ٍ
عدُدهم ،كما قال عطاُء بن يسار :سأل ُ
ن((.
طِعُمو َ
ل َبْيِتِه َفَيْأُكُلونَ َوُي ْ
ن َأْه ِ
عْعْنُه َو َ
شاِة َ
حى بال ّ
ضّل ُي َ
جُن الّر ُ
ن َكا َ
ل صلى ال عليه وسلم؟ فقال :إ ْ
ا ّ
قال الترمذى :حديث حسن صحيح.
فصل
187
ف فى التدميِة بعُد :هل هى صحيحة ،أو غلط؟ على قولين .فقال أبو داود فى ))سننه((:
ثم اخُتِل َ
سّمى(( وقال غيُره :كان فى لسان َهّمام
هى وهم ِمن هّمام بن يحيى .وقوله)) :وُيَدّمى(( ،إنما هو ))وُي َ
صح ،فإن همامًا وإن كان َوِهَم فى اللفظ ،ولم
ُلْثَغٌة فقال)) :وُيَدّمى(( وإنما أراد أن ُيسّمى ،وهذا ل ي ِ
ُيِقْمه ِلساُنه ،فقد حكى عن قتادة صفَة التدمية ،وأنه سئل عنها فأجاب بذلك ،وهذا ل تحتِمُله الّلغة بوجه،
ظ التدمية قالوا :إنه من
ظ التدمية هنا َوْهمًا ،فهو من قتادة ،أو من الحسن ،والذين أثبتوا لف َ
فإن كان لف ُ
سـّنة العقيقة ،وهذا مروى عن الحسن وقتادة ،والذين منعوا التدمية ،كمالك ،والشافعى ،وأحمد،
ُ
ل الجاهلية،
ل أه ِ
وإسحاق ،قالوا)) :وُيَدّمى(( غلط ،وإنما هو)) :وُيسّمى(( ،قالوا :وهذا كان ِمن عم ِ
حِدَنا
لَجاِهِلّيِة إَذا ُوِلَد َ
ب قالُ :كّنا فى ال َ
صْي ِ
ح َ
ن ال ُ
فأبطله السلُم ،بدليل ما رواه أبو داود ،عن ُبريدة ب ِ
عَفَران.
خه ِبَز ْ
طُسُه َوُنَل ّ
ق َرْأ َ
حِل ُ
شاًة َوَن ْ
ح َ
لمُ ،كّنا َنْذَب ُ
سَل بال ْ
جاَء ا ُّ
سُه ِبَدِمَهاَ ،فَلّما َ
خ َرْأ َ
طَشاًة َوَل ّ
ح َ
غلٌم َذَب َ
ُ
ل النبىّ صلى ال
ج به ،فإذا انضاف إلى قو ِ
ن فى إسناده الحسين بن واقد ،ول ُيحَت ّ
ن َكا َ
قالواَ :وَهَذا وإ ْ
طخوه بالذى؟ قالوا :ومعلوٌم أن
لَذى(( والدم أذى ،فكيف يأمرهم أن يل ّ
عْنُه ا َ
طوا َ
عليه وسلمَ)) :أِمي ُ
ن َهْديه،
ك ِم ْ
ن ذل َ
شَ ،وَلْم ُيَدّمِهَما ،ول كا َ
ش َكْب ٍ
ن ِبَكْب ٍ
سْي ِ
حَن وال ُ
سِحَ
ن ال َ
عِق َ
عّى صلى ال عليه وسلم َ
النب ّ
سـّنته؟؟
س المولود ،وأين لهذا شاهٌد ونظيٌر فى ُ
س رأ ِ
سـّنته تنجي ُ
ن ِمن ُ
ف يكو ُ
ى أصحاِبه ،قالوا:وكي ِ
وَهْد ِ
جاهلية.
ل ال َ
ق هذا بأه ِ
وإنما َيلي ُ
فصل
عّقه صلى ال عليه وسلم عن الحسن والحسين
فى َ
س رأسًا ،وقد
ل على أن َهْديه أن على الرأ ِ
شَ ،يُد ّ
ن ِبكبش كب ٍ
حسي ِ
عّقه عن الحسن وال ُ
فإن قيلَ :
سِ
نحَن ال َ
عِ
ق َ
عّن النبى صلى ال عليه وسلم َ
سأّ
ن عّباس وأن ٍ
ث اب ِ
صحح عبُد الحق الشبيلى من حدي ِ
حٍد والحسين فى العام القابل منه.
ن مولُد الحسن عاَم ُأ ُ
ش وَكا َ
ن ِبَكْب ٍ
حسي ِ
ن ال ُ
عِش ،و َ
ِبَكْب ٍ
ل صلى ال عليه وسلم عن
ل ا ِّ
ق رسو ُ
ل عنه قال :عَ ّ
ى رضى ا ّ
ى من حديث عل ّ
وروى الترمذ ّ
ن وزُنه ِدرهمًا
ضًة(( ،فوزّناه َفَكا َ
شْعِرِه ِف ّ
صّدِقى ِبِزَنِة َ
سُهَ ،وَت َ
حِلِقى َرْأ َ
طَمُة ا ْ
ن شاة ،وقال)) :يا َفا ِ
الحس ِ
ك،
سٌ
ث َأنس وابن عباس يكفيان .قاُلوا :لنه ُن ُ
ل فحدي ُ
ض ِدرهَم ،وهذا وإن لم يكن إسناده متص ً
أْو بع َ
شاتين عن الذكر ،والشاة عن
ث ال ّ
لضحية ودِم التمتع .فالجواب أن أحادي َ
فكان على الرأس مثُله ،كا ُ
لنثى ،أولى أن يؤخذ بها لوجوه..
اُ
189
ل على الجواز ،والقول على الستحباب ،والخُذ بهما ممكن ،فل وجه
الرابع :أن الفعل يُد ّ
لتعطيل أحدهما.
سِمَعتْ
حد والعام الذى بعده ،وأم ُكرز َ
الخامس :أن قصة الذبح عن الحسن والحسين كانت عام ُأ ُ
ِمن النبى
حديبية سنة ست بعد الذبح عن الحسن والحسين ،قاله النسائى فى
صلى ال عليه وسلم ما روته عام ال ُ
كتابه الكبير.
س المذبوح ،وأنه ِمن الِكباش ل
حسين يحتِمل أن ُيراد بها بيان جن ِ
ن وال ُ
السادس :أن ِقصة الحس ِ
ل صلى ال عليه وسلم عن نسائه بقرة ،وكن
لا ّ
حى رسو ُ
تخصيصه بالواحد ،كما قالت عائشة :ض ّ
ِتسعًا ،ومرادها :الجنس ل التخصيص بالواحدة.
لْنَثى{ ]آل عمران:
س الّذَكُر َكا ُ
لنثى ،كما قالَ} :وَلْي َ
ضل الّذَكَر على ا ُ
حاَنه ف ّ
سْب َ
ل ُ
السابع :أن ا ّ
حه عليها فى الحكام ،وقد جاءت الشريعُة بهذا التفضيل فى جعل
،[36ومقتضى هذا التفاضل ترجي ُ
ت العقيقُة بهذه الحكام.
حَق ِ
ث ،والديِة ،فكذلك ُأْل ِ
لنثيين ،فى الشهادة ،والميرا ِ
الذكر كا ُ
ن بعقيقته ،فالعقيقُة َتُفّكه وتعِتقه ،وكا َ
ن الثامن :أن العقيقة ُتشبه الِعتق عن المولود ،فإنه رهي ٌ
عتق الذكر .كما
لنثيين يقوُم مقام ِ
عتق ا ُ
لنثى بشاة ،كما أن ِ
ق عن الذكر بشاتين ،وعن ا ُ
الولى أن ُيَع ّ
ل صلى ال عليه وسلم)) :أّيَما اْمرىٍء
لا ّ
فى ))جامع الترمذى(( وغيره عن أبى ُأمامة قال :قال رسو ُ
سِلٍم
ضوًا ِمْنُهَ ،وأّيَما اْمِرىٍء ُم ْ
ع ْ
عضٍْو ِمْنُه ُ
ل ُ
جِزى ُك ّ
ن الّناِرُ ،ي ْ
ن ِفَكاَكُه ِم َ
سِلمًاَ ،كا َ
ق اْمَرءًا ُم ْ
عَت َ
سِلٍم َأ ْ
ُم ْ
سِلَمٍة
ضوًا ِمْنُه ،وَأّيَما اْمرَأٍة ُم ْ
ع ْ
ضوٍ ِمْنُهَما ُ
ع ْ
ل ُ
ن الّناِرُ ،يجزى ُك ّ
ن َكاَنَتا ِفَكاَكُه ِم َ
سِلَمَتْي ِ
ن ُم ْ
عَتق اْمَرأَتْي ِ
َأ ْ
ضوًا ِمْنَها(( وهذا حديث صحيح.
ع ْ
ضٍو ِمْنَها ُ
ع ْ
ل ُ
جزى ُك ّ
ن الّناِرُ ،ي ْ
سِلَمًة كانت ِفَكاَكَها ِم َ
ت اْمرَأًة ُم ْ
عَتَق ْ
َأ ْ
فصل
ى صلى ال عليه وسلم قال
ذكر أبو داود فى ))المراسيل(( عن جعفر بن محمد ،عن أبيه أن النب ّ
جلٍ
ن اْبَعُثوا إَلى َبْيتِ الَقاِبَلِة ِبِر ْ
ل عنهماَ)) :أ ِ
طمُة عن الحسن والحسين رضى ا ّ
فى العقيقة التى عّقْتها فا ِ
ظمًا((.
ع ْ
سُروا ِمْنَها َ
ل َتْك ِ
طِعُموا َو َ
َوُكُلوا َوَأ ْ
فصل
191
سِه َبعَْد
ن َنْف ِ
عْ
ق َ
عّى صلى ال عليه وسلم َ
ل عنه ،أن النب ّ
ن أيمن ِمن حديث أنس رضى ا ّ
وذكر اب ُ
ت أحمد ح َّدثهم بحديث الهيثم ب ِ
ن ث قال أبو داود فى ))مسائله(( :سمع ُ
جاَءْتُه الّنُبّوُة ،وهذا الحدي ُ
ن َ
َأ ْ
ق عن نفسه ،فقال
عّى صلى ال عليه وسلم َ
ل بن المثنى عن ُثمامة عن أنس أن النب ّ
جميل ،عن عبد ا ّ
ق عن نفسه ،قال مهنا :قال
عّل بن محرز عن قتادة عن أنس أن النبى صلى ال عليه وسلم َ
أحمد :عبد ا ّ
ل بن المحرر.
أحمد :هذا منكر ،وضّعف عبد ا ّ
فصل
عِل ّ
ى ن َ
ن ِب ْ
سِ
حَن ال َ
ن فى ُأُذ ِ
ى صلى ال عليه وسلم َأّذ َ
ت النب ّ
ذكر أبو داود عن أبى رافع قال)):رأي ُ
صلِة((.
عْنَها ِبال ّ
ل َ
ى ا ُّ
ضَطَمُة َر ِ
ن َوَلَدْتُه ُأّمه َفا ِ
حي َ
ِ
فصل
ختانه
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى تسمية المولود و ِ
سّمى((
ساِبِعِه َوُي َ
ح َيْوَم ًَ
سُمَرَة فى العقيقةُ)) :تْذَب ُ
قد تقّدم قوُله فى حديث قتادة عن الحسن ،عن َ
لُ :يروى عن أنس أنه ُيسّمى لثلثة ،وأما
ى؟ قال لنا أبو عبد ا ّ
سّمى الصب ّ
قال الميمونى :تذاكرنا ِلَكم ُي َ
ك،
ن عّباس :كانوا ل يختنون الغلم حتى ُيدِر َ
خَتان ،فقال اب ُ
سُمرة ،فقالُ :يسّمى فى اليوم السابع ،فأّما ال ِ
َ
ى يوَم سابعه ،وقال حنبل :إن أبا
ت أحمد يقول :كان الحسن يكره أن ُيختن الصب ّ
قال الميمونى :سمع ُ
ن يوَم السابع ،فل بأس ،وإنما كره الحسن ذلك لئل يتشبه باليهود ،وليس فى هذا
خِت َ
ل قال :وإن ُ
عبد ا ّ
شىء .قال مكحول :ختن إبراهيُم ابنه إسحاق لسبعة أيام ،وختن إسماعيل لثلث عشرة سنة ،ذكره
سـّنة فى
ختان إسماعيل ُ
سـّنة فى ولده ،و ِ
ختان إسحاق ُ
الخلل .قال شيخ السلم ابن تيمية :فصار ِ
ى صلى ال عليه وسلم متى كان ذلك.
ف فى ختان النب ّ
ولده ،وقد تقّدم الخل ُ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى السماء والُكنى
كَ ،
ل لِ
ك الَْم َ
سّمى َمِل َ
ل َت َ
جٌل َر ُ
عْنَد ا ِّ
سٍم ِ
خَنَع ا ْ
ن َأ ْ
ل عليه وسلم أنه قال)) :إ ّ
ثبت عنه صلى ا ّ
ل((.
ل ا ُّ
كإ ّ
َمِل َ
ث وَهّماٌم،
حاِر ٌ
صَدُقَها َ
نَ ،وَأ ْ
حَم ِ
عْبُد الّر ْ
لو َ
عْبُد ا ِّ
ل َ
سَماِء إَلى ا ِّ
ب ال ْ
ح ّ
وثبت عنه أنه قال)) :أ َ
ب َوُمّرٌة((.
حْر ٌ
حَها َ
وَأْقَب ُ
192
لَ :أَثّم َ
ت ك َتُقو ُ
حَ ،فإّن َ
ل َأْفَل َ
جيحًا َو َ
ل َن ِ
ل َرَباحًا َو َ
سارًا َو َ
ك َي َ
غلَم َ
ن ُ
سِمي ّ
وثبت عنه أنه قال)) :ل ُت َ
ل :ل((.
نَ ،فُيَقا ُ
ل َيُكو ُ
ُهَو؟ َف َ
جميَلٌة((.
ت َ
وثبت عنه أنه غّير اسم عاصية ،وقال)) :أن ِ
جَوْيِرَية.
ل صلى ال عليه وسلم باسم ُ
جَوْيرَيَةَ :بّرًة ،فغّيره رسول ا ّ
وكان اسم ُ
ل:
سّمى ِبهذا السِمَ ،فَقا َ
ل صلى ال عليه وسلم أن ُي َ
لا ّ
ت أّم سلمة :نهى رسو ُ
ب بن ُ
وقالت زين ُ
ل الّبر ِمْنُكم((.
عَلُم ِبَأْه ِ
ل َأ ْ
سُكم ،ا ُّ
ل ُتَزّكوا َأْنُف َ
)) َ
ح.
شَرْي ٍ
حَكم بأبى ُ
صَرم بُزرعَة ،وغّيَر اسَم أبى ال َ
وغّير اسم َأ ْ
ن((.
طأ َوُيمَْتَه ُ
ل ُيو َ
سْه ُ
ل فأَبى ،وقال ))ال ّ
سه ً
حْزن جّد سعيد بن المسيب وجعله َ
وغّيَر اسم َ
حَكم،
طان وال َ
شي َ
عْتَلَة ،و َ
عِزيز ،و َ
ص ،و َ
ى صلى ال عليه وسلم اسَم الَعا ِ
قال أبو داود :وغّيَر النب ّ
ث ،وأرضًا
سْلمًا ،وسّمى المضطجَع المنبِع َ
شهاب ،فسماه ِهشامًا ،وسّمى حربًا ِ
حباب ،و ِ
غراب ،و ُ
وُ
ب الُهدى ،وبنو الّزنية سماهم بنى الّرشدة ،وسّمى بنى
شْع َ
ضلَلِة سماه ِ
ب ال ّ
شْع ُ
ضَرًة ،و ِ
خ ِ
عْفَرًة سّماها َ
َ
شَدَة.
ُمغِوَيَة بنى ِر ْ
فصل
فى فقه هذا الباب
ط
ن بينها وبينها ارتبا ٌ
ت الحكمُة أن يكو َ
ب للمعانى ،وداّلًة عليها ،اقتض ِ
لما كانت السماُء قواِل َ
حكمة الحكيم
ق له بها ،فإن ِ
ض الذى ل تعّل َ
ب ،وأن ل يكون المعنى معها بمنزلة الجنبى المح ِ
وتناس ٌ
ت تأّثر عن أسمائها فى
سّمَيا ِ
خلفه ،بل للسماء تأثيٌر فى المسمَياتَ ،وِلْلُم َ
تأبى ذلك ،والواِقُع يشهد ِب َ
خّفة والّثَقل ،واللطافة والَكَثافة ،كما قيل:
حسن والقبح ،وال ِ
ال ُ
ت فى َلَقِبْه
ل َوَمْعَناُه إن َفّكر َ
إّ ك َذا َلَق ٍ
ب عْيَنا َ
ت َ
وقّلما َأْبصََر ْ
سَ
نحَن َ
سن ،وأمر إذا َأْبَرُدوا إليِه َبِريدًا أن َيُكو َ
ب السم الح َ
ح ّ
ل عليه وسلم يست ِ
وكان صلى ا ّ
ن يأخذ المعانى من أسماِئَها فى المناِم واليقظة ،كما رأى أنه وأصحاَبه فى دار
جِه .وكا َ
ن الَو ْ
حسَ َ
سِم َ
ال ْ
ب ،فَأّوله بأن لهم الرفعَة فى الدنيا ،والعاقبَة فى الخرِة،
طا َ
ن َ
ب اْب ِ
ط ِ
ن ُر َ
ب ِم ْ
ط ٍ
عقبة بن راِفع ،فُأُتوا ِبُر َ
ُ
سهولة أمِرهم يوَم الحديبية ِمن مجيـئ
ل ُ
ب ،وَتـأّو َ
طا َ
ل لهم قد أرطب و َ
ن الذى قد اختاره ا ّ
ن الّدي َ
وأ ّ
سهيل بن عمرو إليـه.
ُ
193
ق بعض أهل العلم بهذا)) :قاضى القضاة(( وقال :ليس قاضى القضاة إل َمن يقضى
وقد ألح َ
ق وهو خيُر الفاصلين ،الذى إذا قضى أمرًا فإنما يقول له :كن فيكون.
الح ّ
ويلى هذا السم فى الكراهة والقبح والكذب :سّيُد الناس ،وسّيُد الكل ،وليس ذلك إل لرسول ا ّ
ل
ط أن
خَر(( فل يجوز لحد ق ّ
ل َف ْ
سّيُد َوَلِد آَدَم َيْوَم الِقَياَمِة َو َ
صلى ال عليه وسلم خاصة ،كما قال)) :أَنا َ
يقول عن غيره :إّنه سّيُد الناس وسّيُد الكل ،كما ل يجوز أن يقول :إّنه سّيد ولِد آدم.
فصل
ح السماء حربًا
حها عندها ،كان أقب ُ
ب والُمّرة أكَره شئ للنفوس وأقَب َ
ولما كان مسمى الحر ِ
حْزن ،وما أشبههما ،وما أجدَر هذه السماء بتأثيرها فى مسمياتها،
وُمّرة ،وعلى قياس هذا حنظلة و َ
ل بيته.
حْزن(( الحزونة فى سعيد بن المسّيب وأه ِ
كما أّثر اسم )) َ
فصل
فى ندبه صلى ال عليه وسلم ُأّمته إلى التسمى بأسماء النبياء
ح العمال ،كانت
صّف الخلق ،وأعماُلهم َأ َ
ت بنى آدم ،وأخلُقهم أشر َ
ولما كان النبياُء سادا ِ
ى صلى ال عليه وسلم ُأّمته إلى التسمى بأسمائهم ،كما فى سنن أبى
ف السماء ،فندب النب ّ
أسماؤهم أشر َ
سَماِء الْنِبَياِء(( ولو لم يكن فى ذلك من المصالح إل أن السَم ُيَذّكُر
سّمْوا بَأ ْ
داود والنسائى عنهَ)) :ت َ
ق بمعناه ،لكفى به مصلحًة مع ما فى ذلك من حفظ أسماء النبياء وِذكرها ،وأن
بمسّماه ،ويقتضى التعّل َ
ل ُتنسى ،وأن ُتذّكر أسماُؤهم بأوصافهم وأحوالهم.
فصل
فى النهى عن التسمية ببعض السماء
ح ونجيح ورباح ،فهذا لمعنى آخر قد أشار إليه فى
وأما النهى عن تسمية الغلم بـ :يسار وأفل َ
ل أعلم -هل هذه الزيادة من تمام الحديث
ت هو؟ فُيقال :ل(( -وا ّ
لَ :أَثّم َ
الحديث ،وهو قوله)) :فإنك تقو ُ
المرفوع ،أو مدرجٌة من قول الصحابى ،وبكل حال فإن هذه السماء لما كانت قد ُتوجب تطّيرًا تكَرهه
صّدها عما هى بصدده ،كما إذا قلت لرجل :أعندك َيسار ،أو َرَباح ،أو أفَلح؟ قال :ل،
النفوس ،وَي ُ
ل َمن تطّير إل ووقعت به
طَيرُة ل سيما على المتطّيرين ،فق ّ
ت وهو ِمن ذلك ،وقد تقع ال ّ
تطّيرت أْن َ
طيَرُته ،وأصابه طائُره ،كما قيل:
ِ
196
فصل
فى الُكَنى
ع تكريم ِللَمْكّنى وتنويٌه به كما قال الشاعر:
وأما الُكْنية فهى نو ُ
سْوَءُة الّلَق ُ
ب ل ُأِلّقُبُه َوال ّ
َو َ لْكِرَمه
ن ُأَناِديِه ُ
َأْكِنيِه حي َ
ل عنه بأبى تراب إلى
صهيبًا بأبى يحيى ،وًَكّنى عليًا رضى ا ّ
وكّنى النبى صلى ال عليه وسلم ُ
س بن مالك وكان صغيرًا دون البلوغ بأبى
ب كنيته إليه ،وكّنى أخا أن ِ
كنيته بأبى الحسن ،وكانت أح ّ
عمير.
ُ
ل عليه وسلم تكنيَة َمن له ولد ،وَمن ل ولد له ،ولم يثُبت عنه أنه نهى
وكان َهْدُيه صلى ا ّ
ل َتَكّنْوا ِبُكْنيِتى(( فاختلف النا ُ
س سِمى َو َ
عن ُكنية إل الكنية بأبى القاسم ،فصح عنه أنه قال)) :تسّمْوا ِبا ْ
فى ذلك على أربعة أقوال:
أحدها :أنه ل يجوُز الّتَكّنى بُكنيته مطلقًا ،سواء أفردها عن اسمه ،أو قرنها به ،وسواء محياه
وبعَد مماته ،وعمدُتهم عموُم هذا الحديث الصحيح وإطلُقه ،وحكى البيهقى ذلك عن الشافعى ،قالوا:
ل عليه وسلم ،وقد أشار إلى ذلك
ن معنى هذه الُكنية والتسمية مختصٌة به صلى ا ّ
لّلن النهى إنما كان َ
ت(( قالوا :ومعلوم أن هذه
ث ُأِمْر ُ
حْي ُ
سٌمَ ،أضَُع َ
حدًاَ ،وإّنَما أَنا َقا ِ
ل َأْمَنُع أ َ
حدًاَ ،و َ
طى َأ َ
عِل ُأ ْ
ل َ
بقوله)) :وا ِّ
الصفة ليست على الكمال لغيره ،واختلف هؤلء فى جواز تسمية المولود بقاسم ،فأجازه طائفة ،ومنعه
ص به من
ن الِعّلة عدُم مشاركة النبى صلى ال عليه وسلم فيما اخت ّ
آخرون ،والمجيزون نظروا إلى أ ّ
الُكنية ،وهذا غيُر موجود فى السم ،والمانعون نظروا إلى أن المعنى الذى نهى عنه فى الُكنية موجود
مثله هنا فى السم سواء ،أو هو أولى بالمنع ،قالوا :وفى قوله)) :إنما أنا قاسم(( إشعار بهذا
الختصاص.
)يتبع(...
القول الثانى :أن النهى إنما هو عن الجمع بين اسمه وُكنيته ،فإذا ُأِفرد أحُدهما عن الخر، @
فل بأس .قال أبو داود :باب َمن رأى أن ل يجمع بينهما ،ثم ذكر حديث أبى الزبير عن جابر أن النبى
ن بُكنيتى ،وَمن تكّنى بُكنيتى فل يتسَّم باسمى((
صلى ال عليه وسلم قالَ)) :من تسّمى باسمى فل َيَتَك ّ
ورواه الترمذى وقال :حديث حسن غريب ،وقد رواه الترمذى أيضًا من حديث محمد ابن عجلن عن
198
حٌد
جَمَع أ َ
ل صلى ال عليه وسلم أن َي ْ
ل ا ِّ
سو ُ
أبيه عن أبى هريرة وقال :حسن صحيح ،ولفظهَ :نَهى َر ُ
سر لما فى
ب هذا القول :فهذا مقّيد مف ّ
ن اسِمِه وُكنيته ،وُيسّمى ُمحَمدًا أبا القاسم .قال أصحا ُ
َبْي َ
))الصحيحين(( من نهيه عن التكنى بُكنيته ،قالوا :ولن فى الجمع بينهما مشاركًة فى الختصاص
بالسم والُكنية ،فإذا ُأْفِرَد أحُدهما عن الخر ،زال الختصاص.
ب هذا القول بما رواه
ج أصحا ُ
ل عن مالك ،واحت ّ
القول الثالث :جواُز الجمع بينهما وهو المنقو ُ
ل؛
لا ّ
ل عنه قال :قلت :يا رسو َ
ى رضى ا ّ
أبو داود ،والترمذى من حديث محمد ابن الحنفية ،عن عل ّ
ك؟ قال)) :نعم(( قال الترمذى :حديث حسن صحيح.
ك َوَأْكِنيِة ِبُكْنَيِت َ
سِم َ
سّميِه ِبا ْ
ك ُأ َ
ن َبْعِد َ
ن ُوِلَد لى َوَلٌد ِم ْ
إْ
وفى سنن أبى داود عن عائشة قالت :جاءت امرأة ،إلى النبى صلى ال عليه وسلم فقالت :يا
غلمًا فسميُته محمدًا وكًّنيته أبا القاسم ،فُذِكَر لى أنك تكره ذلك؟ فقال)) :ما
ت ُ
ل ؛ إنى َوَلْد ُ
لا ّ
سو َ
َر ُ
سِمى((؟ قال هؤلء :وأحاديث المنع
لا ْ
حّحّرَم ُكْنَيِتى َوَأ َ
حّرَم ُكْنَيِتى(( ،أو ))َما اّلِذى َ
سِمى َو َ
لا ْ
حّاّلذى أ َ
منسوخة بهذين الحديثين.
القول الرابع :أن التكنى بأبى القاسم كان ممنوعًا منه فى حياة النبى صلى ال عليه وسلم ،وهو
ب الّنهى إّنما كان مختصًا بحياته ،فإنه قد ثبت فى ))الصحيح(( من حديث
جائز بعد وفاته ،قالوا :وسب ُ
ل صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسو َ
ل لا ّ
ت إليه رسو ُ
أنس قال :نادى رجل بالَبقيع :يا أبا القاسم ،فالتف َ
سِمى َول َتكّنوا
ل صلى ال عليه وسلم)) :تسّمْوا با ْ
ت فلنًا ،فقال رسول ا ّ
ك ،إنما دعو ُ
عِن َ
ل إنى َلْم َأ ْ
ا ّ
ن بعدك َوَلٌد ،ولم يسأله عمن يولد له
ى فيه إشارة إلى ذلك بقوله :إن ُوِلَد ِم ْ
ث عل ّ
بُكنيتى(( قالوا :وحدي ُ
ل عنه فى هذا الحديث)) :،وكانت رخصة لى(( وقد شّذ َمن ل ُيؤَبه
ى رضى ا ّ
فى حياته ،ولكن قال عل ّ
ل عليه وسلم قياسًا على النهى عن التّكنى بُكنيته ،والصواب أن
لقوله ،فمنع التسمية باسمه صلى ا ّ
التسمى باسمه جائز ،والتكنى بُكنيته ممنوع منه ،والمنع فى حياته أشّد ،والجمُع بينهما ممنوع منه،
ل عنه فى صحته
ى رضى ا ّ
ث عائشة غريب ل ُيعاَرض بمثله الحديث الصحيح ،وحديث عل ّ
وحدي ُ
ى :إنها رخصة له ،وهذا يدل على بقاء
نظر ،والترمذى فيه نوع تساهل فى التصحيح ،وقد قال عل ّ
ل أعلم.
المنع لمن سواه ،وا ّ
فصل
199
خَلف الكنيَة بأبى عيسى ،وأجازها آخرون ،فروى أبو داود عن زيد
سَلف وال َ
وقد كره قوٌم من ال َ
ن شعبة تكّنى بأبى عيسى،
ن الخطاب ضرب ابنًا له ُيكنى أبا عيسى ،وأن المغيرَة ب َ
عَمَر ب َ
بن أسلم أن ُ
ل صلى ال عليه وسلم كّنانى ،فقال:
لا ّ
ن رسو َ
ل؟ فقال :إ ّ
فقال له عمر :أما يكفيك أن ُتْكَنى بأبى عبد ا ّ
ل حتى
جِتَنا فلم َيَزل ُيكّنى بأبى عبد ا ّ
جْل َ
ن َذْنِبِه وما تأخر ،وإّنا لفى َ
غِفَر له ما َتَقّدَم ِم ْ
ل َقد ُ
لا ّ
إن رسو َ
ك.
َهَل َ
ل ،وكان لنسائه أيضًا ُكَنى كُأّم حبيبة ،وُأّم سلمة.
عْبِد ا ّ
وقد كّنى عائشة بُأّم َ
فصل
فى النهى عن تسمية العنب َكْرمًا
ن((
ب الُمؤِم ِ
ب َكْرمًا وقال)) :الَكْرُم َقْل ُ
ل صلى ال عليه وسلم عن تسمية الِعَن ِ
لا ّ
ونهى رسو ُ
ق لذلك
حّب المؤمن هو المست ِ
ل على كثرة الخير والمنافع فى المسّمى بها ،وقل ُ
وهذا لن هذه اللفظَة َتُد ّ
ص شجرة الِعنب بهذا السم ،وأن قلب المؤمن
ى عن تخصي ِ
دون شجرة الِعَنب ،ولكن :هل المراُد النه ُ
س((؟ أو
أولى به منه ،فل ُيمنع من تسميته بالَكْرم كما قال فى ))الِمسكين(( و ))الّرُقوب(( و ))الُمفِل ِ
ن تسميته بهذا مع اتخاذ الخمِر المحّرم منه وصف بالكرم والخير والمنافع لصل هذا الشراب
المراُد أ ّ
ل أعلم بمراد
ج النفوس إليه؟ هذا محتمل ،وا ّ
ل وتهيي ِ
ث المحّرِم ،وذلك ذريعٌة إلى مدح ما حّرم ا ّ
الخبي ِ
رسوله صلى ال عليه وسلم ،والولى أن ل ُيسمى شجُر العنب َكْرمًا.
فصل
فى كراهة تسمية الِعشاء بالعتمة
شاُءَ ،وإّنُهْم
ل َوإّنَها الِع َ
صلِتُكمَ ،أ َ
عَلى اسم َ
ب َ
عَرا ُ
ل عليه وسلم)) :ل َتْغِلَبّنُكُم ال ْ
قال صلى ا ّ
حْبوًا(( فقيل:
لَتْوُهَما َوَلو َ
حَ ،
صْب ِ
ن َما ِفى الَعَتَمِة وال ّ
سّموَنَها الَعَتَمَة(( ،وصح عنه أنه قالَ)) :لْو َيْعَلُمو َ
ُي َ
ض بين
ف القولين ،فإن العلم بالتاريخ متعّذر ،ول تعاُر َ
هذا ناسخ للمنع ،وقيل بالعكس ،والصواب خل ُ
شاء ،وهو السُم
جَر اسُم الِع َ
الحديثين ،فإنه لم َيْنَه عن إطلق اسم العتمة بالُكّلية ،وإنما نهى عن أن ُيْه َ
شاَء وُأطلق عليها أحيانًا العتمة،
سميت الِع َ
ب عليها اسُم الَعَتَمِة ،فإذا ُ
ل به فى كتابه ،وَيْغِل َ
الذى سّماها ا ّ
ل أعلم.
فل بأس ،وا ّ
200
ن((،
لٌ
شاَء ُف َ
لُ ،ثّم َما َ
شاَء ا ُّ
نَ ،وَلِكن ُقوُلواَ :ما َ
شاَء ُفل ٌ
لو َ
شاَء ا ُّ
ل َتُقوُلواَ :ما َ
ومن ذلك قوُلهَ )) :
حَدُه((.
ل َو ْ
شاَء ا ُّ
ل ِنّدًا؟ ُقلَ :ما َ
جعْلَتِنى ِّ
لَ)) :أ َ
تَ ،فَقا َ
شْئ َ
لو ِ
شاَء ا ُّ
وقال له رجل :ما َ
ب ا ِّ
ل س ِ
حْ
ك ،وأنا فى َ
ل َوِب َ
ل َمن ل يتوّقى الشرك :أنا با ِّ
وفى معنى هذا الشرك المنهى عنه قو ُ
ل لى فى السماء
ل وِمنك ،وا ُّ
ل وعليك ،وهذا من ا ِّ
ت ،وأنا متوّكل على ا ّ
ل وأن َ
ك ،وما لى إل ا ُّ
سِب َ
حْوَ
ق ِنّدا
ل وحياِتك ،وأمثال هذا من اللفاظ التى يجعل فيها قاِئُلَها المخلو َ
وأنت لى فى الرض ،ووا ِّ
ل،
ل ،ثم بك ،وما شاء ا ُّ
ت .فأما إذا قال :أنا با ِّ
ل وشئ َ
شاَء ا ُّ
للخالق ،وهى أشّد منعًا وُقْبحًا من قوله :ما َ
ك(( ،وكما فى الحديث
ل ُثّم ِب َ
ى الَيْوَم إل ِبا ِّ
غ ِل َ
لَل َب َ
ت ،فل بأس بذلك ،كما فى حديث الثلثةَ )) :
ثم شئ َ
ل ثم شاَء فلن.
المتقّدم الذن أن يقال :ما شاء ا ُّ
فصل
فى النهى عن سب الدهر
ل عليه
ل نهيه صلى ا ّ
ظ الذّم على َمن ليس ِمن أهلها ،فمث ُ
سُم الثانى وهو أن ُتطلق ألفا ُ
وأما الِق ْ
ن
لُ :يْؤِذينى اْب ُ
جّعّز َو َ
ل َ
ل ا ُّ
ل ُهَو الّدْهُر(( ،وفى حديث آخرَ)) :يُقو ُ
ن ا َّ
ب الدهِر ،وقال)) :إ ّ
وسلم عن س ّ
حُدُكم :يا
نأ َ
ل والّنَهاَر(( ،وفى حديث آخر ))ل َيُقوَل ّ
ب الّلي َ
لْمُر َأقّل ُ
ب الّدْهَر ،وأنا الّدْهُرِ ،بَيِدى ا َ
س ّ
آَدَم َفَي ُ
خْيَبَة الّدْهِر((.
َ
خٌر ِمن
سّق ُم َ
خْل ٌ
سب ،فإن الدهَر َ
ن ليس بأهلٍ أن ُي َ
سّبه َم ْ
ث مفاسد عظيمة .إحداهاَ :
فى هذا ثل ُ
ب منه.
ل لتسخيره ،فساّبه أولى بالذّم والس ّ
ل ،منقاٌد لمره ،مذّل ٌ
خلق ا ّ
الثانية :أن سّبه متضّمن للشرك ،فإنه إنما سّبه لظّنه أنه يضّر وينفع ،وأنه مع ذلك ظالم قد ضّر
ق الّرفعة ،وحرم َمن ل
طاَء ،ورفع َمن ل يستح ّ
ق الع َ
َمن ل يستحق الضرر ،وأعطى َمن ل يستح ّ
حرمان ،وهو عند شاتميه من أظلم الظلمة ،وأشعاُر هؤلء الظلمة الخونة فى سّبه كثيرٌة جدًا،
ق ال ِ
حُيست ِ
حه.
جّهال ُيصّرح بلعنه وتقبي ِ
وكثيٌر من ال ُ
ق فيها أهواَءهم لفسدتِ
ب منهم إنما يقُع على َمن فعل هذه الفعال التى لو اّتَبَع الح ّ
الثالثة :أن الس ّ
ب الدهر
حِمُدوا الدهَر ،وَأْثَنْوا عليه .وفى حقيقِة المرَ ،فر ّ
ت والرض ،وإذا وقعت أهواُؤهمَ ،
السماوا ُ
ل ،والدهُر ليس له من المر شئ ،فمسّبتهم للدهر
ض الرافُع ،المعّز المِذ ّ
تعالى هو المعطى الماِنُع ،الخاِف ُ
ب تعاَلى ،كما فى ))الصحيحين(( من حديث أبى هريرة ،عن
ل ،ولهذا كانت مؤذَيًة للر ّ
جّعّز و َ
ل َ
مسّبة ّ
202
ض به ربًا على
به ربًا فى كل شئ ،ول يرضى به ربًا فيما يحب دون ما يكره ،فإذا كان هكذا ،لم ير َ
ن العبد البتة ،بل مضّرُتهما
ن ل ينَفَعا ِ
حَز ُ
الطلق ،فل يرضاه الرب له عبدًا على الطلق ،فالهّم وال َ
ن العبِد وبين الجتهاد فيما
ب ،ويحولن بي َ
أكثُر من منفعتهما ،فإنهما ُيضعفان العزم ،وُيوهنان القل َ
جبانه عن الَعَلِم
حُ
ق السير ،أو ُينكسانه إلى وراء ،أو َيعوَقاِنِه وَيِقَفانه ،أو َي ْ
ينفُعه ،ويقطعان عليه طري َ
حمل ثقيل على ظهر السائر ،بل إن عاقه الهّم والحزن
الذى كّلما رآُه ،شّمر إليه ،وجّد فى سيره ،فهما ِ
عن شهواته وإراداته التى تضّرُه فى معاشه ومعاده ،انتفع به من هذا الوجه ،وهذا من حكمة العزيز
غِة من محبته ،وخوفه ،ورجائه،
ن على القلوب المعرضة عنه ،الفار َ
الحكيم أن سّلط هَذْين الجنَدْي ِ
س به ،والِفرار إليه ،والنقطاع إليه ،ليرّدَها بما يبتليها به من الهموم
لن ِ
والنابة إليه ،والتوكل عليه ،وا ُ
ن واللم القلبية عن كثير من معاصيها وشهواتها الُمْرِدية ،وهذه القلوبُ فى سجن
والغموِم ،والحزا ِ
ظها من سجن الجحيم فى معادها ،ول تزال فى
من الجحيم فى هذه الدار ،وإن أريد بها الخيُر ،كان ح ّ
لنس به ،وجعل محبته فى محل
ل ،وا ُ
هذا السجن حتى تتخّلص إلى فضاء التوحيد ،والقبال على ا ّ
ح به والبتها ُ
ج حّبه وخوُفه ورجاُؤه والفر ُ
طر القلب ووساوسه ،بحيث يكون ِذْكُره تعالى و ُ
ب خوا ِ
دبي ِ
ب عليه ،الذى متى فقده ،فقد ُقوَتُه الذى ل ِقوام له إل به ،ول
بذكره ،هو المستولى على القلب ،الغال َ
ضه وأفسُدها له إل بذلك،
ص القلب من هذه اللم التى هى أعظُم أمرا ِ
ل إلى خل ِ
بقاء له بدونه ،ول سبي َ
صل إليه إل هو ،ول يأتى بالحسنات إل هو ،ول َيصِرف السيئات
ل وحَده ،فإنه ل ُيو ِ
غ إل با ّ
ول بل َ
عْبَده لمر ،هَْيَأُه له ،فمنه اليجاد ،ومنه العداد ،ومنه المداد،
ل عليه إل هو ،وإذا أراَد َ
إل هو ،ول يُد ّ
ى مقام كان ،فبحمده أقامه فيه وبحكمته أقامه فيه ،ول يليق به غيُره ول يصُلح له
وإذا أقامه فى مقام أ ّ
ى لما منع ،ول يمنع عبَده حقًا هو للعبد ،فيكون بمنعه ظالمًا
طَل ،ول ُمع ِ
سواه ،ول ماِنع لما أعطى ا ُّ
سل إليه بمحاّبه ليعُبَده ،وليتضّرع إليه ،ويتذّلل بين يديه ،ويتمّلقه ،وُيعطى فقَره
له ،بل إنما منعه ِليتو ّ
إليه حّقه ،بحيث يشهد فى كل ذّرٍة من َذّراته الباطنِة والظاهرِة فاقة تامًة إليه على تعاُقب النفاس ،وهذا
ل منه ،ول
ب عبده ما العبُد محتاج إليه بخ ً
هو الواقُع فى نفس المر ،وإن لم يشهده العبُد فلم يمنع الر ّ
ل له ،ولُيغنَيه
ق للعبد ،بل منعه ليرّده إليه ،وِليعّزه بالّتَذّل ِ
نقصًا ِمن خزائنه ،ول استئثارًا عليه بما هو ح ّ
جُبَرُه بالنكسار بين يديه ،ولُيذيَقه بمرارِة المنع حلوَة الخضوع له ،ولذَة الفقر إليه،
بالفتقار إليه ،وِلَي ْ
شهَِدُه حكمته فى ُقدرته ،ورحمَته فى عزته،
ف الوليات ،وِلُي ْ
ولُيلبسه خلعة العبودية ،ويوّليه بعز له أشر َ
205
ل،
ل وِنْعَم الوكي ُ
ى ا ُّ
سِب َ
حْب فقالَ :
غِل َ
ب التى يكون بها َكّيسًا ،ثّم ُ
ل السبا َ
لقضى له على خصمه ،فلو فع َ
جْز
ل ،لما فعل السباب المأموَر بها ،ولم يع ِ
لكانت الكلمُة قد وقعت موقعها ،كما أن إبراهيم الخلي َ
ل وِنْعَم
ى ا ُّ
سِب َ
حْك شئ منها ،ثم غلبُه عدّوه ،وألَقْوه فى النار ،قال فى تلك الحالَ :
بترِكها ،ول بتر ِ
ل فوقعت الكلمُة موقعها ،واستقرت فى مظاّنها ،فأّثرت أثرها ،وترّتب عليها مقتضاها.
الَوكي ُ
حد لما قيل لهم بعد
ل صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه يوم ُأ ُ
لا ّ
وكذلك رسو ُ
طوهم
س قد جمعوا لكم فاخشوهم ،فتجهزوا وخرجوا للقاء عدّوهم ،وأع َ
حد :إن النا َ
إنصرافهم من ُأ ُ
ل.
ل وِنْعَم الوكي ُ
سُبَنا ا ُّ
حْس من نفوسهم ،ثم قالواَ :
الَكْي َ
خَرجًا *
ل ّلُه َم ْ
جَع ْ
ل َي ْ
ق ا َّ
فأثرت الكِلمة أثَرَها ،واقتضت موجَبها ،ولهذا قال تعالىَ} :وَمن َيّت ِ
سُبُه فجعل التوكل بعد
حْ
ل َفُهَو َ
ل عََلى ا ِّ
ب{ ]الطلقَ ،[3-2 :وَمن َيَتوّك ْ
س ُ
حَت ِ
ث ل َي ْ
حْي ُ
ن َ
َوَيْرُزْقُه ِم ْ
التقوى الذى هو قياُم السباب المأمور بها ،فحينئذ إن توّكل على ال فهو حسُبه ،وكما قال فى موضع
ن{ ]المائدة [11 :فالتوكل والحسب بدون قيام السباب
ل الُمْؤِمُنو َ
ل َفْلَيَتَوّك ِ
عَلى ا ِّ
لَ ،و َ
آخرَ} :واّتُقوا ا َّ
ع من التوكل ،فهو توّكل عجز ،فل ينبغى للعبد أن يجعلَ
المأمور بها عجز محض ،فإن كان مشوبًا بنو ٍ
ل ،بل يجعل توّكَله ِمن جملة السباب المأمور بها التى ل َيِتّم
ل عجَزه توك ً
توّكَلُه عجزًا ،ول يجع َ
المقصوُد إل بها كّلها.
ل وحده سبب مستق ّ
ل ومن هاهنا غلط طائفتان من الناس ،إحداهما :زعمت أن التوك َ
ل الموصلة إلى مسّبباتها ،فوقعوا
حكمُة ا ّ
ب التى اقتضتها ِ
طلت له السبا َ
ف فى حصول المراد ،فع ّ
كا ٍ
ف توّكُلهم من حيث ظنوا قوَته بانفراده
ضُع َ
طلوا من السباب ،و َ
فى نوع تفريط وعجز بحسب ما ع ّ
ضع ٌ
ف عن السباب ،فجمعوا الهّم ُكّله وصّيروه همًا واحدًا ،وهذا وإن كان فيه قوة من هذا الوجه ،ففيه َ
ل التوكل،
ط فى السبب الذى هو مح ّ
ب التوكل بإفراده ،أضعفه التفري ُ
من جهة ُأخرى ،فكلما قوى جان ُ
ث الذى شق الرض،
ل فيها ،وهذا كتوكل الحّرا ِ
ل محّله السباب ،وكماُله بالتوكل على ا ّ
فإن التوك َ
ل فى زرعه وإنباِته ،فهذا قد أعطى التوّكل حقه ،ولم يضُعف توّكله
وألقى فيها الِبذر ،فتوكل على ا ّ
سْيِر ،وتوّكل
جّده فى ال ّ
بتعطيل الرض وتخليتها بورًا ،وكذلك توّكل المسافر فى قطع المسافة مع ِ
ل الذى يترّت ُ
ب ل والفوِز بثوابه مع اجتهادهم فى طاعته ،فهذا هو التوك ُ
الكياس فى النجاة من عذاب ا ّ
ب عليه أثُره ،وليس ا ّ
ل ط ،فل يترت ُ
ل العجز والتفري ِ
ب َمن قام به .وأما توك ُ
س َ
حْل َ
عليه أثُره ،ويكون ا ُّ
207
ن
حا َ
سْب َ
لُ )) :
شرًا ،وَقا َ
عْل َ
حِمَد ا ّ
شرًا ،و َ
ل عَ ْ
لَ ،كّبر ا َّ
ن الّلْي ِ
ب ِم َ
وقالت عائشُة :كان إَذا َه ّ
ل:
شرًاُ ،ثّم َقا َ
عْل َ
شرًا ،وَهّل َ
عْل َ
سَتْغفََر ا َّ
شرًا ،وا ْ
عْس(( َ
ك الُقّدو ِ
ن الَمِل ِ
حا َ
سْب َ
شرًاُ )) ،
عْحْمِدِه(( َ
ل َوِب َ
ا ِّ
ح الصلة.
سَتْفِت ُ
شرًاُ ،ثّم َي ْ
عْق َيْوِم الِقَياَمِة(( َ
ضي ِ
ق الّدنَياَ ،و ِ
ضي ِ
ن ِ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
))الّلُهّم إّنى أ ُ
ك ِلَذْنِبى،
سَتْغِفُر َ
ك ،الّلُهّم َأ ْ
حاَن َ
سْب َ
ت ُ
ل َأْن َ
ل إلَه إ ّ
لَ )) :
ل َقا َ
ن الّلْي ِ
ظ ِم َ
سَتْيَق َ
ن إذا ا ْ
وقالت َأْيضًاَ :كا َ
ك َأن َ
ت حَمًة ،إّن َ
ك َر ْ
ن َلُدْن َ
ب ِلى ِم ْ
غ َقْلِبى َبْعَد إْذ َهَدْيَتِنىَ ،وَه ْ
ل ُتِز ْ
عَلَمًا َو َ
ك ،الّلُهّم ِزْدِنى ِ
حَمَت َ
ك َر ْ
سَأُل َ
َوَأ ْ
ب(( ذكرهما أبو داود
الَوّها ُ
حْمُد،
كَ ،وَلُه ال َ
ك َلُهَ ،لُه الُمْل ُ
شِري َ
ل َ
حَدُه َ
ل َو ْ
ل ا ُّ
ل إَلَه إ ّ
لَ )) :
ظ من الّلْيل َفَقا َ
ن َمن استيق َ
وأخبر أ ّ
ل{
ل ِبا ِّ
ل َول ُقّوَة إ ّ
حْو َ
ل َ
ل َأْكَبُرَ ،و َ
ل ،وا ُّ
ل ا ُّ
ل إلَه إ ّ
لَ ،و َ
ن ا ِّ
حا َ
سْب َ
لَ ،و ُ
ئ َقِديٌر ،الحمُد ِّ
شٍل َ
عَلى ُك ّ
َوُهَو َ
صّلى،
ن َتَوضَّأ َو َ
ب َلُه ،فإ ْ
جي َ
غِفر ِلى َ -أْو دعا بدعاء آخر - ،اسُت ِ
ل)) :الّلُهّم ا ْ
ظيِم[(( ُ -ثّم َقا َ
ى الَع ِ
]الَعِل ّ
لُته(( ذكره البخارى
صَت َ
ُقِبَل ْ
سُه إَلى
ظَ ،رَفَع َرْأ َ
سَتْيَق َ
عْنَدُه :إّنُه َلّما ا ْ
ل عليه وسلم َلْيَلَة َمبيِتِه ِ
ن عباس عنه صلى ا ّ
وقال اب ُ
ض{ ]آل
ت والْر ِ
سمَوا ِ
ق ال ّ
خْل ِ
ن ِفى َ
ن((} :إ ّ
عْمَرا َ
ل ِ
سوَرِة ))آ ِ
ن ُ
خواِتيُم ِم ْ
ت ال َ
شَر الَيا ِ
سَماِء َوَقَرَأ الَع ْ
ال ّ
خِرها.
عمران [190 :إلى آ ِ
حْمُد أْنتَ َقّيُم
ك ال َ
نَ ،وَل َ
ن ِفيِه ّ
ض َوَم ْ
ت والْر ِ
سَماوا ِ
ت ُنوُر ال ّ
حْمُد أْن َ
ك ال َ
ثم قال)) :الّلُهّم َل َ
ق،
حّك َ
قَ ،وِلَقاُؤ َ
حّك ال َ
قَ ،وَقْوُل َ
حّك ال َ
عُد َ
قَ ،وَو ْ
حّت ال َ
حْمُد َأْن َ
ك ال َ
نَ ،وَل َ
ن ِفيِه ّ
ض َوَم ْ
لْر ِ
ت وا َ
سَماَوا ِ
ال ّ
ت،
ك آَمْن ُ
ت ،وِب َ
سَلْم ُ
ك َأ ْ
ق ،الّلُهّم َل َ
حٌعُة َ
سا َ
قَ ،وال ّ
حّحّمٌد َ
ق ،وُم َ
حّن َ
قَ ،والّنِبّيو َ
حّقَ ،والّناُر َ
حّجّنُة َ
َوال َ
تَ ،وَما
خْر ُ
ت َوَما أ ّ
غِفْر ِلى َما َقّدم ُ
تَ ،فا ْ
حاَكْم ُ
ك َ
تَ ،وإَلْي َ
صْم ُ
خا َ
ك َ
تَ ،وِب َ
ك أَنْب ُ
تَ ،وإَلْي َ
ك َتَوّكْل ُ
عَلْي َ
َو َ
ظيِم((.
ى الَع ِ
ل الَعِل ّ
ل با ِّ
ل ُقّوَة إ ّ
ل َو َ
حْو َ
ل َ
تَ ،و َ
ل أْن َ
ل إلَه إ ّ
ت إلِهىَ ،
تَ ،أْن َ
عَلْن ُ
ت َوَما َأ ْ
سَرْر ُ
أْ
ل َوِميَكاِئي َ
ل جْبَراِئي َ
ب ِ
ل قال)) :الّلُهّم َر ّ
ن الّلي ِ
ن إَذا َقاَم ِم َ
ل عنهاَ :كا َ
وقد قالت عائشُة رضى ا ّ
ك ِفيَما َكاُنوا ِفيِه
عَباِد َ
ن ِ
حُكُم َبْي َ
ت َت ْ
شَهاَدِةَ ،أْن َ
ب وال ّ
عاِلَم الَغْي ِ
ضَ ،
ت والْر ِ
سَماوا ِ
طَر ال ّ
لَ ،فا ِ
سَراِفي َ
َوإ ْ
سَتِقيٍم((.
ط ُم ْ
صَرا ٍ
شاُء إَلى ِ
ن َت َ
ك َتْهِدى َم ْ
ق بإذنك ،إّن َ
حّن ال َ
ف ِفيِه ِم َ
خُتِل َ
ن ،إْهِدِنى ِلَما ا ْ
خَتِلُفو َ
َي ْ
حا َ
ن سْب َ
غِه ِبقوِلهُ )) :
ن إذا أوتر ،ختم وتره بعَد َفرا ِ
ك ،وكا َ
ح صلَتُه ِبَذل َ
وُرّبَما قالت :كان يفتِت ُ
صْوَته.
س(( ثلثًا ،وَيُمّد بالّثاِلَثِة َ
ك الُقّدو ِ
المِل ِ
209
ضّ
ل ن َأ ِ
ك َأ ْ
عوُذ ِب َ
ل ،الّلُهّم إّنى َأ ُ
عَلى ا ِّ
ت َ
لَ ،تَوّكْل ُ
ل)) :بسم ا ّ
ج ِمن َبيِتِه َيُقو ُ
خر َ
ن إَذا َ
وَكا َ
حِديث صحيح.
ى(( َ
عَل ّ
ل َ
جَه َ
ل َأْو ُي ْ
جَه َ
ظَلَمَ ،أْو َأ ْ
ظِلَم َأْو ُأ ْ
لَ ،أْو َأ ْ
ل َأْو ُأَز ّ
لَ ،أو أِز ّ
ضّأْو ُأ َ
ل َو َ
ل حْو َ
ل َ
لَ ،و َ
عَلى ا ِّ
ت َ
لَ ،تَوّكْل ُ
سِم ا ِّ
ن َبْيِتِهِ :ب ْ
ج ِم ْ
خَر َ
ل إَذا َ
ن َقا َ
ل عليه وسلمَ)) :م ْ
وقال صلى ا ّ
ن(( حديث حسن
طا ُ
شْي َ
عْنُه ال ّ
حى َ
تَ ،وَتَن ّ
تَ ،وُوِقي َ
تَ ،وُكِفي َ
ل َلُهُ :هِدي َ
لُ ،يَقا ُ
ل ِبا ِّ
ُقّوَة إ ّ
ل ِفى
جَع ْ
ل)) :الّلُهّم ا ْ
صلِة الفجر وُهو َيُقو ُ
عندُه :إّنُه خرج إلى َ
ن عباس عنه ليلَة مبيته ِ
وقال اب ُ
ل ِم ْ
ن جَع ْ
صِرى ُنوَرًا ،وا ْ
ل ِفى َب َ
جَع ْ
سْمِعى ُنوَرًا ،وا ْ
ل ِفى َ
جَع ْ
ساِنى ُنوَرًاَ ،وا ْ
ل ِفى ِل َ
جَع ْ
َقْلِبى ُنورًا ،وا ْ
ظْم ِلى ُنورًا((.
عِحِتى ُنورًا ،الّلُهّم أ ْ
ن َت ْ
ل ِم ْ
جَع ْ
ن َفْوِقى ُنورًاَ ،وا ْ
ل ِم ْ
جَع ْ
ن أَماِمى ُنورًا ،وا ْ
خْلِفى ُنوَرًا ،وِم ْ
َ
ل صلى
ل ا ِّ
ل َرسو ُ
ى قال :قا َ
خْدِر ّ
طّية الَعْوِفى ،عن أبى سعيٍد ال ُ
عِعن َ
وقال ُفضيل بن مرزوقَ ،
حقّ
كَ ،وِب َ
عَلْي َ
ن َ
ساِئِلي َ
ق ال ّ
حّك ِب َ
سَأُل َ
ل :الّلُهّم إِنى أ ْ
لِة َفَقا َ
صَن َبْيِتِه إلى ال ّ
ل ِم ْ
جٌج َر ُ
خَر َ
ال عليه وسلمَ)) :ما َ
ك،
طَ
خِسْ
ت اّتَقاَء ُ
ج ُ
خَر ْ
سْمَعًةَ ،وإّنَما َ
ل ُ
ل رَياًءَ ،و َ
شرًاَ ،و َ
لأ َ
طَرًا َو َ
ج َب َ
خُر ْ
كَ ،فإّنى َلْم َأ ْ
ى هَذا إَلْي َ
شا َ
َمْم َ
ت ،إ ّ
ل ل أْن َ
بإ ّ
ل َيْغِفُر الّذُنو َ
ن َتْغِفَر ِلى ُذُنوِبىَ ،فإّنُه َ
ن الّناِرَ ،وَأ ْ
ن ُتْنِقَذِنى ِم َ
كأ ْ
سَأُل َ
كَ ،أ ْ
ضاِت َ
َواْبِتَغاَء َمْر َ
صلَته((.
ضى َ
حّتى َيْق ِ
جِهِه َ
عَلْيِه ِبَو ْ
ل َ
ل ا ُّ
ن َلُهَ ،وَأْقَب َ
سَتْغِفُرو َ
ك َي ْ
ف َمَل ٍ
ن َأْل َ
سْبِعي َ
ل ِبِه َ
ل ا ُّ
َوّك َ
عوُذ ِبا ِّ
ل ل عليه وسلم -أنه كان إذا دخل المسجَد قالَ)) :أ ُ
وذكر أبو داود عنه -صلى ا ّ
ظ ِمّنى
حِف َ
نُ :
طا ُ
شْي َ
ك قال ال ّ
ل ذِل َ
جيِمَ ،فإَذا َقا َ
ن الّر ِ
طا ِ
شْي َ
ن ال ّ
طاِنِه الَقِديِمِ ،م َ
سْل َ
جِهِه الَكِريِمَ ،و ُ
ظيِم ،وِبَو ْ
الَع ِ
ساِئَر الَيْوِم((.
َ
ى صلى ال عليه وسلم
عَلى الّنِب ّ
سّلْم َ
جَدَ ،فْلُي َ
سِحُدُكُم الَم ْ
ل َأ َ
خَل عليه وسلم)) :إَذا َد َ
وقال صلى ا ّ
ك((.
ضِل َ
ن َف ْ
ك ِم ْ
سَأُل َ
ل :الّلُهّم إّنى أ ْ
جَ ،فْلَيُق ْ
خَر َ
كَ ،فإَذا َ
حَمِت َ
ب َر ْ
ح ِلى أْبَوا َ
ل :الّلُهّم اْفَت ْ
َوْلَيُق ْ
غِفْر ِلى
ل)) :الّلُهّم ا ْ
سّلَمُ ،ثّم َيُقو ُ
حّمٍد َوآِلِه َو َ
عَلى ُم َ
صّلى َ
جَد َ
سِل الَم ْ
خَن إَذا َد َ
َوُذكر عنه)) :أّنُه كا َ
غِفْر ِلى
ل :الّلُهّم ا ْ
سّلمُ ،ثّم َيُقو ُ
على ُمحّمٍد َوآِلِه َو َ
صّلى َ
ج َ
خَر َ
كَ ،فإَذا َ
حَمِت َ
ب َر ْ
ح ِلى أْبَوا َ
ذنوبى ،واْفَت ْ
ك((.
ضِل َ
ب َف ْ
ُذُنوِبى َواْفَتح ِلى أْبَوا َ
ل.
جّعّز َو َ
ل َ
س َيْذُكُر ا َّ
شْم ُ
حّتى تطُلَع ال ّ
له َ
س فى ُمص ّ
جَل َ
حَ ،
صْب َ
ن إَذا صّلى ال ّ
وَكا َ
تَ ،وإَلْي َ
ك ك َنُمو ُ
حَياَ ،وب َ
ك َن ْ
سْيَناَ ،وِب َ
ك أْم َ
حَناَ ،وِب َ
صَب ْ
كأ ْ
ح)) :الّلُهّم ِب َ
صَب َ
وكان يقول إَذا َأ ْ
شوُر(( حديث صحيح
الّن ُ
210
ك َلُهَ ،لُه
شِري َ
حَدُه ل َ
ل َو ْ
ل ا ُّ
ل إَلَه إ ّ
ل ،وَ َ
حْمُد ِّ
لَ ،وال َ
ك ِّ
ح الُمْل ُ
صَب َ
حَنا َوَأ ْ
صَب ْ
ل)) :أ ْ
وكان َيُقو ُ
عوُذ
خْيَر َما َبْعَدُهَ ،وأ ُ
خْيَر َما ِفى هَذا الَيْومَ ،و َ
ك َ
سَأُل َ
بأ ْ
شىٍء َقِديٌرَ ،ر ّ
ل َ
عَلى ُك ّ
حْمُد ،وُهَو َ
كَ ،وَلُه ال َ
الُمْل ُ
عَذا ٍ
ب ن َ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
بأُ
سوِء الِكَبرَ ،ر ّ
لَ ،و ُ
سِن الَك َ
ك ِم َ
عوُذ ِب ًَ
بأُ
ن شّر هَذا الَيْوِمَ ،وشّر َما َبْعَدُهَ ،ر ّ
ك ِم ْ
ِب َ
خِرِه .ذكره مسلم
ل ((...إلى آ ِ
ك ِّ
سى الُمْل ُ
سْيَنا َوَأْم َ
ل :أْم َ
سى َقا َ
ب فى الَقْبِر ،وإَذا أْم َ
عَذا ٍ
فى الّناِر ،و َ
ل:
تَ ،قا َ
سْي ُ
ت وإَذا َأْم َ
ح ُ
صَب ْ
ن إَذا أ ْ
ت أُقوُلُه ّ
ل عنُهُ :مْرنى ِبَكِلَما ٍ
ى ا ُّ
ق رض َ
صّدي ُ
وقال له أبو َبكٍر ال ّ
شَهُد َأ ْ
ن شىٍء َوَمِليَكُه َوَماِلكه ،أ ْ
ل َ
ب ُك ّ
شَهاَدِةَ ،ر ّ
ب وال ّ
عاِلَم الَغْي ِ
ضَ ،
ت والْر ِ
سَماوا ِ
طَر ال ّ
ل)) :الّلُهّم َفا ِ
ُق ْ
سوءًا أْو
سى ُ
عَلى َنف ِ
ف َ
ن أْقَتِر َ
شْركِه ،وأ ْ
ن َو ِ
طا ِ
شْي َ
شّر ال ّ
ن َ
سىَ ،وِم ْ
شّر َنْف ِ
ن َ
عوُذ ِبك ِم ْ
تَ ،أ ُ
ل أْن َ
ل إلَه إ ّ
ك(( حديث صحيح
جَع َ
ضَت َم ْ
خْذ َ
ت ،وإَذا أ َ
سْي َ
ت َوإَذا أْم َ
ح َ
صَب ْ
سِلٍم(( قالُ)) :قْلَها إَذا َأ ْ
جّرُه إَلى ُم ْ
َأ ُ
ل اّلِذى
سِم ا ِّ
ل َلْيَلٍةِ :ب ْ
ساِء ُك ّ
ل َيْوٍم َوَم َ
ح ُك ّ
صَبا ِ
ل فى َ
عْبٍد َيُقو ُ
ن َ
ل عليه وسلمَ)) :ما ِم ْ
وقال صلى ا ّ
ضّرُه
ت -إلّ َلْم َي ُ
ت َمّرا ٍ
ل َ
سِميُع الَعِليُم َ -ث َ
سَماِء َوُهَو ال ّ
ل فى ال ّ
ض َو َ
شىٌء فى الْر ِ
سِمِه َ
ضّر َمَع ا ْ
ل َي ُ
َ
ىء(( حديث صحيح
ش ْ
َ
حّمٍد َنِبّيًاَ ،كا َ
ن لِم ِديَنًاَ ،وِبُم َ
سَلِ َرّبًاَ ،وِبال ْ
ت ِبا ّ
ضي ُ
سىَ :ر ِ
ن ُيْم ِ
حي َ
ح َو ِ
صِب ُ
ن ُي ْ
حي َ
ل ِ
ن َقا َ
وقالَ)) :م ْ
ضَيُه(( صححه الترمذى والحاكم
ن ُيْر ِ
لأ ْ
عَلى ا ِّ
حّقًا َ
َ
شَ
كعْر ِ
حَمَلَة َ
شِهُد َ
كَ ،وُأ ْ
شِهُد َ
ت ُأ ْ
ح ُ
صَب ْ
سى :الّلُهّم إّنى أ ْ
ن ُيْم ِ
حي َ
ح َو ِ
صِب ُ
ن ُي ْ
حي َ
ل ِ
ن َقا َ
وقالَ)) :م ْ
ل ُرْبَعهُ
ق ا ُّ
عَت َ
كَ ،أ ْ
سوُل َ
ك َوَر ُ
عْبُد َ
حّمدًا َ
ن ُم َ
تَ ،وَأ ّ
ل أْن َ
ل إَلَه إ ّ
ل اّلِذى َ
ت ا ُّ
ك أن َ
ك ،أّن َ
خْلِق َ
جِميَع َ
كَ ،و َ
َوَملِئَكَت َ
عِه ِم َ
ن ل َثلَثة َأْرَبا ِ
ق ا ُّ
عَت َ
ن َقاَلَها َثلثًاَ ،أ ْ
ن الّناِر ،وإ ْ
صَفُه ِم َ
ل ِن ْ
ق ا ُّ
عَت َ
نَ ،أ ْ
ن َقاَلَها َمّرَتْي ِ
ن الّناِرَ ،وإ ْ
ِم َ
ن الّناِر(( حديث حسن
ل ِم َ
عَتَقُه ا ُّ
ن َقاَلَها أْرَبعًا َأ ْ
الّناِرَ ،وإ ْ
ك َ
ل حَد َ
ك َو ْ
كَ ،فِمْن َ
خْلِق َ
ن َ
حٍد ِم ْ
ن ِنْعمٍَة أْو بأ َ
ح ِبى ِم ْ
صَب َ
ح :الّلُهّم َما َأ ْ
صِب ُ
ن ُي ْ
حي َ
ل ِ
ن َقا َ
لَ)) :م ْ
وقا َ
شْكَر
سىَ ،فقَْد أّدى ُ
ن ُيْم ِ
حْي َ
ك ِ
ل َذِل َ
ل ِمْث َ
ن َقا َ
شْكَر َيْوِمِهَ ،وَم ْ
شْكُرَ ،فَقْد أّدى ُ
ك ال ّ
حْمُدَ ،وَل َ
ك ال َ
كَ ،ل َ
ك َل َ
شِري َ
َ
َلْيَلِتِه(( حديث حسن
ك الَعاِفَيَة فى الّدْنَيا
سَأُل َ
ت)) :الّلُهّم إّنى أ ْ
عوا ِ
سى بهِذِه الد َ
ن ُيْم ِ
ن ُيصبح وحي َ
ن يدعو حي َ
وَكا َ
عْوَراِتى ،وآِم ْ
ن سُتْر َ
ى َوأْهِلى َوَماِلى ،الّلُهّم ا ْ
ك الَعْفَو َوالَعاِفية فى ِديِنى َوُدْنَيا َ
سَأُل َ
خَرة ،الّلُهّم إّنى َأ ْ
وال ِ
عوُذ
ن َفْوِقىَ ،وَأ ُ
شَماِلىَ ،وِم ْ
ن ِ
عْن يمينى َو َ
عْخْلِفىَ ،و َ
ن َ
يَ ،وِم ْ
ن َبْين َيَد ّ
ظِنى ِم ْ
حف ْ
عاِتى ،الّلُهّم ا ْ
َرْو َ
حِتى(( صححه الحاكم
ن َت ْ
ل ِم ْ
غَتا َ
ن ُأ ْ
كأ ْ
ظَمِت َ
ِبَع َ
211
خْيَر
ك َ
سَأُل َ
ن ،الّلُهّم إّنى َأ ْ
ب الَعاَلِمي َ
ل َر ّ
ك ِّ
ح الُمْل ُ
صَب َ
حَنا َوَأ ْ
صَب ْ
لَ :أ ْ
حُدُكمَ ،فْلَيُق ْ
حأَ
صَب َ
وقال)) :إَذا أ ْ
سى،
شّر َما َبْعَدُهُ ،ثّم إَذا أْم َ
شّر َما ِفيِه َو َ
ك ِمنْ َ
عوُذ ِب َ
صَرُه َوُنوَرُه َوَبَرَكَته َوِهَداَيَتُهَ ،وَأ ُ
حُه َوَن ْ
هَذا اْلَيْوِمَ :فْت َ
ك(( حديث حسن
ل ِمْثلَ ذِل َ
َفْلَيُق ْ
حْو َ
ل ل َ
حْمِدِهَ ،و َ
ل َوِب َ
ن ا ِّ
حا َ
سْب َ
نُ :
حي َ
صِب ِ
ن ُت ْ
حْي َ
وذكَر أبو داود عنه أنه قال ِلبعض بناِتِهُ)) :قوِلى ِ
ىٍء قديٌر،
ش ْ
ل َ
على ُك ّ
ل َ
ن ا َّ
عَلُم أ ّ
ن ،أ ْ
شأ َلْم َيكُ ْ
نَ ،وَما َلْم َي َ
ل َكا َ
شاَء ا ُّ
ظيِمَ ،ما َ
ى الَع ِ
ل الَعِل ّ
ل ِبا ِّ
ل ُقّوَة إ ّ
َو َ
سى
ن ُيْم ِ
حي َ
ن ِ
ن َقاَلهُ ّ
ىَ ،وَم ْ
سَحّتى ُيْم ِ
ظ َ
حِف َ
حُ ،
صِب ُ
ن ُي ْ
حي َ
ن ِ
ن َقاَلُه ّ
عْلمًاَ ،فإّنُه َم ْ
ىٍء ِ
ش ْ
ل َ
ط ِبُك ّ
حا َ
ل َقْد أ َ
نا ّ
وأ ّ
ح((.
صِب َ
حّتى ُي ْ
ظ َ
حِف َ
ُ
ك((؟
ك َدْيَن َ
عْن َ
ضى َ
كَ ،وَق َ
ل َهّم َ
ب ا ُّ
لمًا إَذا ُقْلَتُه أْذَه َ
ك َك َ
عّلُم َ
ل ُأ َ
وقال لرجل من النصار)) :أ َ
ن،
حَز ِ
ن الَهّم وال َ
ك ِم َ
عوُذ ِب َ
ت :الّلُهّم إّنى أ ُ
سْي َ
ت َوإَذا أْم َ
ح َ
صَب ْ
لُ)) :قل إَذا أ ْ
ل ،قا َ
ل ا ِّ
سو َ
تَ :بَلى َيا َر ُ
ُقْل ُ
ل((
جا ِ
ن وَقْهِر الّر َ
غَلَبِة الّدْي ِ
ن َ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
لَ ،وَأ ُ
خِن َوالُب ْ
جْب ِ
ن ال ُ
ك ِم َ
عوُذ ِب َ
لَ ،وَأ ُ
سِجِز والَك َ
ن الَع ْ
ك ِم َ
عوُذ ِب َ
َوَأ ُ
ضى عنى َدْينى.
ل هّمى وق ًَ
قال :فقلُتهن ،فأذهب ا ّ
حّمٍد صلى
ن َنِبّيَنا ُم َ
ص ،وِدي ِ
خل ِ
لِمَ ،وكَِلَمِة ال ْ
سَطَرِة ال ْ
عَلى ِف ْ
حَنا َ
صَب ْ
وكان إذا أصبح قال)) :أ ْ
ن((.
شِرِكي َ
ن المُ ْ
ن ِم َ
سِلمًاَ ،وَما َكا َ
حِنيفًا ُم ْ
ال عليه وسلمَ ،وِمّلِة أِبيَنا إْبَراِهيَم َ
ضهم وله
هكذا فى الحديث)) :ودين نبينا محّمد صلى ال عليه وسلم(( وقد استشكله بع ُ
ل عليه
ل(( فإنه صلى ا ّ
لا ّ
ب والتشّهد فى الصلة)) :أشهُد أن محمدًا رسو ُ
ط ِ
خَحْكُم نظاِئره كقوله فى ال ُ
ُ
ب ذلك عليه أعظُم من
ل صلى ال عليه وسلم إلى خلقه ،ووجو ُ
لا ّ
وسلم مكّلف باليمان بأنه رسو ُ
ل إلى نفسه
لّمة التى هو منهم ،وهو رسول ا ّ
سل إليهم ،فهو نبى إلى نفسه وإلى ا ُ
وجوبه على المر َ
وإلى ُأّمته.
ن
ك ِبِه :أ ْ
صي ِ
سَمِعى َما ُأو ِ
ن َت ْ
كأ ْ
ل عليه وسلم أنه قال ِلفاطمة ابنتِهَ)) :ما َيْمَنُع ِ
وُيذَكُر عنه صلى ا ّ
ىَ ،يا َقّيوُم بك أستغيث ،فأصلح لى شأنى ،ول َتِكْلِنى إلى نفسى
ح ٌّ
تَ :يا َ
سْي ِ
ت َوإَذا أْم َ
ح ِ
صَب ْ
َتُقوِلى إَذا أ ْ
ن((.
عْي ٍ
طرفَة َ
سمِ
تِ :ب ْ
ح َ
صَب ْ
تُ)) :قل :إَذا أ ْ
ل عليه وسلم أنه قال ِلرجل شكا إليِه إصابَة الفا ِ
وُيذكُر عنه صلى ا ّ
شىٌء((.
ك َ
عَلْي َ
ب َ
سىَ ،وَأْهِلى َوَماِلىَ ،فإّنُه ل َيْذَه ُ
عَلى َنْف ِ
ل َ
ا ِّ
ل((.
ل ُمَتَقّب ً
عَم ً
طّيبًاَ ،و َ
ك عِْلمًا َناِفعًاَ ،وِرْزقًا َ
سَأُل َ
ل)) :الّلُهّم إّنى أ ْ
وُيذَكر عنه أنه كان إَذا أصبح قا َ
212
)يتبع(...
ث مرات)) :الّلُهّم إّنى
ح ثل َ
ن ُيصِب ُ
حي َ
ل ِ
ل عليه وسلم :إن العبد إذا قا َ
وُيذكر عنه صلى ا ّ @
خَرِة ،وإَذا
ك فى الّدنَيا وال ِ
سْتَر َ
ك َو ِ
عاِفَيَت َ
ك َو َ
ى ِنْعَمَت َ
عَل ّ
سْتٍرَ ،فَأْتِمْم َ
عاِفَيٍة َو ِ
ك فى ِنْعَمٍة َو َ
ت ِمْن َ
ح ُ
صَب ْ
َأ ْ
عَلْيِه((.
ن ُيِتّم َ
لأ ْ
عَلى ا ِّ
حّقا َ
ن َ
ل ذِلكَ ،كا َ
أْمسى ،قا َ
سِبىَ
حْسىَ :
ن ُيْم ِ
حي َ
ح َو ِ
صِب ُ
ن ُي ْ
حي َ
ل َيْوٍم ِ
ل فى ُك ّ
ن َقا َ
ل عليه وسلم أنه قالَ)) :م ْ
َويذكر عنه صلى ا ّ
ن َأْمِر الّدْنَيا
ل َما أَهّمُه ِم ْ
ت َ -كَفاُه ا ُّ
سْبَع َمّرا ٍ
ظيُم َ -
ش الَع ِ
ب الَعْر ِ
ت َوُهَو َر ّ
عَلْيِه َتوّكْل ُ
ل ُهَو َ
ل إَله إ ّ
ل َ
ا ُّ
خَرِة((.
وال ِ
حّتى
صيَبٌة َ
صْبهُ ُم ِ
ل َنَهاِرِهَ ،لْم ُت ِ
ت فى أّو ِ
ل هِذِه الَكِلَما ِ
ل عليه وسلم أنه من قا َ
وُيذكر عنه صلى ا ّ
عَلْي َ
ك تَ ،
ل أْن َ
ل إله إ ّ
ت َرّبىَ ،
ح)) :الّلُهّم َأْن َ
صِب َ
حّتى ُي ْ
صيَبٌة َ
صْبُه ُم ِ
خَر َنَهاِرِه َلْم ُت ِ
ن َقاَلَها آ ِ
ىَ ،وَم ْ
سَُيْم ِ
ل الَعِل ّ
ى ل با ِّ
ل ُقّوَة إ ّ
ل َو َ
حْو َ
ل َ
نَ ،
شْأ َلْم َيُك ْ
نَ ،وَما َلْم َي َ
ل َكا َ
شاَء ا ُّ
ظيِمَ ،ما َ
ش الَع ِ
ب الَعْر ِ
ت َر ّ
تَ ،وأْن َ
َتَوّكْل ُ
شرّ
ن َ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
عْلمًا ،الّلُهّم إّنى َأ ُ
ىٍء ِ
ش ْ
ل َ
ط ِبُك ّ
حا َ
ل َقْد أ َ
ن ا َّ
ىٍء َقِديٌرَ ،وأ ّ
ش ْ
ل َ
عَلى ُك ّ
ل َ
ن ا َّ
عَلُم أ ّ
ظيِم ،أ ْ
الَع ِ
ل لبى الدرداء :قِد
سَتِقيٍم(( ،وَقد ِقي َ
ط ُم ْ
صَرا ٍ
عَلى ِ
ن َرّبى َ
صَيِتَها ،إ ّ
خٌذ ِبَنا ِ
تآ ِ
ل َداّبٍة أْن َ
سىَ ،وشَّر ُك ّ
َنْف ِ
ل صلى ال
ل ا ِّ
ن رسو ِ
ن ِم ْ
ت سمعتُه ّ
ل ِليفعلِ ،لَكلَِما ٍ
جّعّز و َ
ل َ
ق ،ولم يكن ا ُّ
ل :ما احتر َ
احترق بيُتك فقا َ
عليه وسلم فذكرها.
ك،
عْبُد َ
خَلْقَتِنى َوأَنا َ
ت َ
ل أْن َ
ل إلَه إ ّ
ت َرّبىَ ،
ل العبُد :الّلُهّم َأْن َ
ن َيُقو َ
سِتْغَفاِر أ ْ
سّيُد ال ْ
لَ )) :
وقا َ
ىَ ،وَأُبوُء
عَل ّ
ك َ
ك ِبِنْعَمِت َ
تَ ،أُبوُء َل َ
صَنْع ُ
شّر َما َ
ن َ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
ت ،أ ُ
طْع ُ
سَت َ
ك َما ا ْ
عِد َ
ك َوَو ْ
عْهِد َ
عَلى َ
َوأَنا َ
خَ
لن َيْوِمِهَ ،د َ
ت ِم ْ
ح موِقنًا ِبَها َفَما َ
صِب ُ
ن ُي ْ
حي َ
ن قاَلَها ِ
تَ ،م ْ
ل َأْن َ
بإ ّ
ل َيْغِفُر الُذُنو َ
غِفْر ِلى إّنُه َ
ِبَذْنِبىَ ،فا ْ
جّنَة((.
ل ال َ
خَن َلْيَلِتِهَ ،د َ
ت ِم ْ
سى ُموِقنًا ِبَهاَ ،فَما َ
ن ُيْم ِ
حي َ
ن َقاَلَها ِ
جّنَة ،وَم ْ
ال َ
ت َأحٌد َيْوَم القَِياَمِة
حْمِدِه ِ -ماَئَة َمّرٍة َ -لْم َيْأ ِ
ل َوِب َ
ن ا ِّ
حا َ
سْب َ
سىُ :
ن ُيْم ِ
حي َ
ح َو ِ
صِب ُ
ن ُي ْ
حي َ
ل ِ
ن َقا َ
))وَم ْ
عَلْيِه((.
ل ،أْو َزاَد َ
ل َما َقا َ
ل ِمْث َ
حٌد َقا َ
لأَ
جاَء ِبِه إ ّ
ل ِمّما َ
ضَِبَأْف َ
ك ،وَلُه
ك َلُهَ ،لُه الُمْل ُ
شِري َ
ل َ
حَدُه َ
لُ َو ْ
لا ّ
ل إَلَه إ ّ
تَ :
شَر َمّرا ٍ
عْح َ
صِب ُ
ن ُي ْ
حي َ
ل ِ
ن َقا َ
لَ)) :م ْ
َوَقا َ
تَ ،وَكاَن ْ
ت سّيَئا ٍ
شَر َ
عْعْنُه بها َ
حا َ
تَ ،وَم َ
سَنا ٍ
حَشَر َ
عْل َلُه ِبَها َ
با ّ
ىٍء َقِديٌرَ ،كَت َ
ش ْ
ل َ
عَلى ُك ّ
حْمُدَ ،وُهَو َ
ال َ
ح((.
صِب َ
حّتى ُي ْ
ك َ
ل ذِل َ
سى َفِمْث ُ
جيِمَ ،وِإَذا أْم َ
ن الّر ِ
طا ِ
شْي َ
ن ال ّ
ل َيْوَمُه ِم َ
جارُه ا ُّ
بَ ،وَأ َ
شر ِرَقا ٍ
عَْكِعْدل َ
213
عَلى
حْمُدَ ،وُهَو َ
كَ ،وَلُه ال َ
ك َلُهَ ،لُه الُمْل ُ
شِري َ
ل َ
حَدُه َ
ل َو ْ
ل ا ُّ
ل إَله إ ّ
حَ :
صِب ُ
ن ُي ْ
حْي َ
ل ِ
ن َقا َ
وقالَ)) :م ْ
ن ِماَئُة
عْ
ت َ
حَي ْ
سَنٍةَ ،وُم ِ
حَب َلُه مائُة َ
بَ ،وُكِت َ
شر ِرَقا ٍ
عْل َ
عد َ
ت َلُه َ
شىٍء َقِديٌر ،فى اْلَيْوِم ِماَئَة َمّرٍةَ ،كاَن ْ
ل َ
ُك ّ
جٌ
لل َر ُ
جاَء ِبِه إ ّ
ل ِمّما َ
ضَحٌد ِبَأْف َ
تأ َ
ىَ ،وَلْم َيْأ ِ
سَك حتى ُيْم ِ
ن َيْوَمُه ذِل َ
طا ِ
شْي َ
ن ال ّ
حْرزًا ِم َ
ت َلُه ِ
سّيَئةَ ،وَكاَن ْ
َ
ل أْكَثَر ِمْنُه((.
عِم َ
َ
ل عليه وسلم -عّلم زيَد بن ثابت ،وأمره أن يتَعاَهَد بِه أهله
وفى ))المسند(( وغيرِه أنه -صلى ا ّ
ن
ت ِم ْ
ك ،الّلُهّم َما ُقْل ُ
ك َوإَلْي َ
ك َوِب َ
كَ ،وِمْن َ
خْيُر فى َيَدْي َ
كَ ،وال َ
سْعَدْي َ
ك َو َ
كَ ،لّبْي َ
ك الّلُهّم َلّبْي َ
ل صباحَ)) :لّبْي َ
فى ك ّ
شْأ َلْم
نَ ،وَما َلْم َت َ
ت َكا َ
شْئ َ
ك ُكّله ،ما ِ
ى ذِل َ
ن َيَد ْ
ك َبْي َ
شيَئُت َ
ن َنْذٍرَ ،فَم ِ
ت ِم ْ
ف ،أْو َنَذْر ُ
حِل ٍ
ن َ
ت ِم ْ
حَلْف ُ
ل ،أْو َ
َقْو ٍ
ت،
صّلْي َ
ن َ
لٍة َفَعَلى َم ْ
صَن َ
ت ِم ْ
صّلْي َ
ىٍء َقِديٌر ،الّلُهّم َما َ
ش ْ
ل َ
عَلى ُك ّ
ك َ
ك ،إّن َ
ل ِب َ
ل ُقّوَة إ ّ
ل َو َ
حْو َ
ل َ
نَ ،و َ
َيُك ْ
ن،
حي َ
صاِل ِ
حْقِنى بال ّ
سِلمًا َوأْل ِ
خَرِة َتَوّفِنى ُم ْ
ت َوليى فى الّدْنَيا وال ِ
تَ ،أْن َ
ن َلَعْن َ
ن َلْعَنٍةَ ،فَعَلى َم ْ
َوَما َلَعْنتَ ِم ْ
ك فى َهِذِه
عَهُد إَلْي َ
ل والْكَراِمَ .فإّنى أ ْ
لِجَ
شهاَدِةَ ،ذا ال َ
ب وال ّ
عاِلَم الَغْي ِ
ضَ ،
لْر ِ
ت وا َ
سماوا ِ
طَر ال ّ
الّلُهّم َفا ِ
ك،
ك الُمْل ُ
كَ ،ل َ
ك َل َ
شِري َ
ل َ
ك َ
حَد َ
ت َو ْ
ل أْن َ
ل إلهَ إ ّ
ن َ
شَهُد أ ْ
شِهيدًا ِ -بَأّنى أ ْ
ك َ
ك َ -وَكَفى ِب َ
شِهُد َ
حَياِة الّدْنَياَ ،وُأ ْ
ال َ
ق،
حٌك َ
عَد َ
ن َو ْ
شَهُد أ ّ
كَ ،وَأ ْ
سوُل َ
ك َوَر ُ
عْبُد َ
حّمدًا َ
ن ُم َ
شَهُد أ ّ
ىٍء َقِديٌرَ ،وَأ ْ
ش ْ
ل َ
عَلى ُك ّ
ت َ
حْمُدَ ،وَأْن َ
ك ال َ
َوَل َ
ن َتِكْلِنى إلى
كإ ْ
شَهُد أّن َ
ن فى الُقُبوِرَ ،وأ ْ
ث َم ْ
ك َتْبَع ُ
ب ِفيَهاَ ،وَأّن َ
ل َرْي َ
ق آِتَيٌة َ
حٌعُة َ
سا َ
قَ ،وال ّ
حٌك َ
َوِلَقاَء َ
غِفْر ِلى ُذُنوِبى ُكّلَها إنه َ
ل كَ ،فا ْ
حَمِت َ
ل بَر ْ
قإ ّ
ل أِث ُ
طيَئٍةَ ،وإّنى َ
خِب َو َ
عْوَرٍة َوَذْن ٍ
ف َو َ
ضْع ٍ
سى َتِكْلِنى إلى َ
َنْف ِ
حيٍُم((.
ب الّر ِ
ت الّتّوا ُ
ك أْن َ
ى إّن َ
عل ّ
ب َ
تَ ،وُت ْ
ل أْن َ
بإ ّ
َيْغِفُر الُذُنو َ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الّذْكر عند لبس الثوب ونحِوِه
عمامًة ،أو قميصًا ،أو ِرَداًء ،ثم يقول:
ل عليه وسلم إَذا استجّد ثوبًا سّماه باسمهِ ،
ن صلى ا ّ
كا َ
صِنَع
شّر َما ُ
شّرِهَ ،و َ
ن َ
ك ِم ْ
عوُذ ِب َ
صِنَع َلُهَ ،وَأ ُ
خْيُر َما ُ
خْيَرُهَ ،و َ
ك َ
سَأُل َ
سْوَتِنيِه ،أ ْ
ت َك َ
حْمُد ،أْن َ
ك ال َ
))الّلُهّم َل َ
َلُه(( حديث صحيح.
حْو ٍ
ل غْيِر َ
ن َ
ساِنى هَذا َوَرَزَقِنيِه ِم ْ
ل اّلِذى َك َ
حْمُد ِّ
ل :ال َ
س َثْوبًا َفَقا َ
ن َلِب َ
وُيذكر عنه أنه قالَ)) :م ْ
ن َذْنِبِه((.
ل له َما َتَقّدَم ِم ْ
غَفَر ا ّ
ل ُقّوةَ ،
ِمّنى َو َ
ل صلى ال
لا ّ
ت رسو َ
ل عنه قال :سمع ُ
عمر بن الخطاب رضى ا ّ
وفى ))جامع الترمذى(( عن ُ
ل ِبِه
جّم ُ
عْوَرِتىَ ،وأت َ
ساِنى َما ُأَواِرى ِبِه َ
ل اّلِذى َك َ
حْمُد ِّ
ل :ال َ
جِديدًا َفَقا َ
س َثْوبًا َ
ن َلِب َ
عليه وسلم يقولَ)) :م ْ
214
ل،
ل ا ِّ
سِبي ِ
ل ،وَِفى َ
ف ا ِّ
ل ،وفى َكَن ِ
ظ ا ِّ
حْف ِ
ن فى ِ
ق بهَ ،كا َ
صّد َ
ق َفَت َ
خَل َ
ب اّلِذى أ ْ
عَمَد إَلى الّثْو ِ
حَياِتىُ ،ثّم َ
فى َ
حّيا َوَمْيتًا((.
َ
خِلِقى ،ثم أبلى وأخلقى -
لّم خالد لما ألبسها الثوب الجديد)) :أْبِلى َوَأ ْ
ح عنه أنه قال ُ
وص ّ
ن((.
َمّرَتْي ِ
جِديٌد هَذا ،أْم
لَ)) :أ َ
عَمر ثوبًا فقا َ
ل عليه وسلم رأى على ُ
وفى ))سنن ابن ماجه(( أنه صلى ا ّ
شِهيدًا((.
ت َ
حِميدًا ،وُم ْ
ش َ
ع ْ
جِديدًاَ ،و ِ
س َ
ل)) :اْلَب ْ
ل ،فقا َ
سي ٌ
غِل َ
لَ :ب ْ
ل((؟ َفَقا َ
سي ٌ
غَِ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم عند دخوله إلى منزله
عْلم منهم
ل على أهله على ِ
ل عليه وسلم ِليفجأ أهله بغتًة يتخّوُنهم ،ولكن كان يدخ ُ
لم يكن صلى ا ّ
عْنَدُكْم ِم ْ
ن سّلُم عليهم ،وكان إذا دخل ،بدأ بالسؤال ،أو سأل عنهم ،وربما قالَ)) :هلْ ِ
بدخوله ،وكان ُي َ
سر.
غَداٍء((؟ وربما سكت حتى يحضَر بين يديه ما تي ّ
َ
ل اّلِذى َكَفاِنى،
حْمُد ِّ
ل إذا انقلب إلى بيته)) :اْل َ
ل عليه وسلم أنه كان يقو ُ
وُيذكر عنه صلى ا ّ
جيَرِنى ِم َ
ن ن ُت ِ
كأ ْ
سَأُل َ
ل ،أ ْ
ضَى َفَأْف َ
عَل ّ
ل اّلِذى َمنّ َ
حْمُد ِّ
سَقاِنىَ ،وال َ
طَعَمِنى َو َ
ل اّلِذى َأ ْ
حْمُد ِّ
َوآَواِنىَ ،وال َ
الّنار((.
عَلْي َ
ك ن َبَرَكًة َ
سّلْم َيُك ْ
ك َف َ
عَلى أْهِل َ
ت َ
ل عليه وسلم أنه قال لَنس)) :إَذا َدخْل َ
وثبت عنه صلى ا ّ
سن صحيح.
ك(( .قال الترمذى :حديث ح َ
ى أْهلِ َ
عَل َ
َو َ
خْيَر
ك َ
سَأُل َ
ل :الّلُهّم إّنى َأ ْ
ل َبْيَتُهَ ،فْلَيُق ْ
جُج الّر ُ
ل عليه وسلم)) :إَذا َوَل َ
وفى السنن عنه صلى ا ّ
عَلى َأْهِلِه((.
سّلْم َ
ل َرّبَنا َتَوّكْلَناُ ،ثّم ِلُي َ
عَلى ا ّ
جَنا ،و َ
ل َوَل ْ
سِم ا ِّ
جِ ،ب ْ
خَر ِ
خْيَر الَم ْ
جَ ،و َ
الَمْوَل ِ
ل،
ل ا ِّ
سِبي ِ
غازيًا فى َ
ج َ
خَر َ
ل َ
جٌلَ :ر ُ
ن عََلى ا ّ
ضاِم ٌ
ل عليه وسلمَ)) :ثلَثٌة ُكّلُهْم َ
وفيها عنه صلى ا ّ
ح إَلى
ل َرا َ
جٌغِنيمٍةَ ،وَر ُ
جٍر َو َ
نأ ْ
ل مِ ْ
جّنَة أْو َيُرّدُه ِبَما َنا َ
خَلُه ال َ
حّتى َيَتوّفاُه َفُيْد ِ
ل َ
عَلى ا ِّ
ن َ
ضاِم ٌ
َفُهَو َ
خَ
لل َد َ
جٌغِنيَمٍةَ ،وَر ُ
جٍر َو َ
نأ ْ
ل ِم ْ
جّنَة أْو َيُرّدُه ِبَما َنا َ
خَلُه ال َ
حّتى َيَتوّفاُه َفُيْد ِ
ل َ
عَلى ا ّ
ن َ
ضاِم ٌ
جِدَ ،فُهَو َ
سِالَم ْ
ل(( حديث صحيح.
عَلى ا ّ
ن َ
ضاِم ٌ
سلٍمَ ،فُهَو َ
َبْيَتُه ِب َ
215
طَعاِمِهَ ،قالَ
عْنَد َ
خوِلِه َو ِ
عْنَد ُد ُ
ل ِ
ل َبْيَتهُ َفَذَكر ا َّ
جُل الّر ُ
خَل عليه وسلم)) :إَذا َد َ
وصح عنه صلى ا ّ
ت،
نَ :أْدَرْكُتُم الَمِبي َ
طا ُ
شْي َ
ل ال َ
خوِلِهَ ،قا َ
عْنَد ُد ُ
ل ِ
لَ ،فَلْم يْذُكِر ا َّ
خَشاَءَ ،وإَذا َد َ
عَل َ
ت َلُكْم َو َ
ن :ل َمِبي َ
طا ُ
شْي َ
ال ّ
شاء(( ذكره مسلم.
ت والَع َ
ل :أْدَرْكُتُم الَمِبي َ
طَعاِمِهَ ،قا َ
عْنَد َ
ل ِ
َوإَذا َلْم يْذُكِر ا َّ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الّذْكِر عند دخوله الخلء
خُب ِ
ث ن ال ُ
ك ِم َ
عوُذ ِب َ
ل عند دخوله الخلء)) :الّلُهّم إّنى أ ُ
ثبت عنه فى ))الصحيحين(( أنه كان يقو ُ
ث((.
خَباِئ ِ
وال َ
ل ذلك.
ن دخل الخلء أن يقو َ
وذكر أحمد عنه أنه أمر َم ْ
س،
ج ِ
س الّن ِ
ج ِ
ن الّر ْ
ك ِم َ
عوُذ ِب َ
ل :الّلُهّم إّنى أ ُ
ن َيُقو َ
ل َمْرِفَقُه أ ْ
خَحُدُكم إَذا َد َ
جْز أ َ
وُيذكر عنه)) :ل َيْع ِ
جيم((.
ن الّر ِ
طا ِ
شْي َ
ث ،ال ّ
خِب ِ
خبيث الُم ْ
ال َ
حُدُكُم
لأ َ
خَ
ت َبِنى آَدَم إَذا َد َ
عْوَرا ِ
ن َو َ
جّن ال ِ
سْتُر َما َبْي َ
ل عليه وسلم قالَ )) :
وُيذكر عنه صلى ا ّ
ل((.
سِم ا ِّ
لِ :ب ْ
ن َيُقو َ
فأ ْ
الَكِني َ
عَلْيِه.
ل َفَلْم َيُرّد َ
عَلْيِه َوُهوَ َيُبو ُ
ل سّلَم َ
ل عليه وسلم أن رج ً
وثبت عنه صلى ا ّ
ط
ن الَغاِئ َ
ضِرَبا ِ
ن َي ْ
لِجَ
خُرج الّر ُ
ل َي ْ
لَ )) :
ل سبحانه يمُقت الحديث على الغائطَ :فَقا َ
وأخبر أن ا ّ
ك((.
عَلى َذِل َ
ت َ
ل َيْمُق ُ
جّعّز َو َ
ل َ
نا ّ
ن ،فإ ّ
حّدَثا ِ
عْوَراِتِهَما َيَت َ
ن َ
عْن َ
شفي َ
َكا ِ
ل ول بغائط ،وأنه نهى عن ذلك فى
ل الِقْبلة ول يستدِبُرَها ببو ٍ
وقد تَقّدَم أنه كان ل يستْقِب ُ
ل بن الحارث بن جزء
حديث أبى أيوب ،وسلمان الفارسى ،وأبى هريرة ،ومعقل بن أبى معقل ،وعبد ا ّ
ل عنهم ،وعامُة هذه الحاديث صحيحٌة،
ل بن عمر ،رضى ا ّ
ل ،وعبد ا ّ
الزبيدى ،وجابر بن عبد ا ّ
ض
ح نهيه المستفي ُ
ف الدللة ،فل ُيرد صري ُ
ض لها إما معلول السنِد ،وإما ضعي ُ
وساُئرها حسن ،والمعاِر ُ
ل صلى ال عليه وسلم أن أناسًا يكرهون أن
عراك عن عائشةُ :ذِكَر لرسول ا ّ
عنه بذلك ،كحديث ِ
ل الِقْبَلِة(( رواه المام أحمد وقال :هو
يستقبلوا الِقْبلة بفُروجهم ،فقالَ)) :أَو قد فعُلوها؟ حّولوا َمْقَعَدتى ِقَب َ
ى وغيُره من أئمة
ل ،ولكن هذا الحديث قد طعن فيه البخار ّ
أحسن ما ُروى فى الرخصة وإن كان مرس ً
الحديث ،ولم ُيِثبُتوه ،ول يقتضى كلُم المام أحمد تثبيَته ول تحسيَنه .قال الترمذى فى كتاب ))العلل
216
ث فيه
ل محمد ابن إسماعيل البخارى عن هذا الحديث ،فقال :هذا حدي ٌ
ت أبا عبد ا ّ
الكبير(( له :سأل ُ
ح عندى عن عائشة من قولها انتهى.
اضطراب ،والصحي ُ
عّلة ُأخرى ،وهى انقطاعه بين عراك وعائشة ،فإنه لم يسمع منها ،وقد رواه عبد
قلت :وله ِ
عّلة أخرى ،وهى ضعف خالد بن أبى
الوّهاب الثقفى عن خالد الحّذاء عن رجل عن عائشة ،وله ِ
الصلت.
ل ،فرأيتُه
ل صلى ال عليه وسلم أن ُتستقبل الِقْبلُة ببو ٍ
لا ّ
ث جابٍر)) :نهى رسو ُ
ومن ذلك حدي ُ
قبل أن ُيقبض بعام يستقبلها(( ،وهذا الحديث استغربه الترمذى بعد تحسينه ،وقال الترمذى فى كتاب
))العلل(( :سألت محمدًا -يعنى البخارى -عن هذا الحديث ،فقال :هذا حديث صحيح ،رواه غيُر واحد
عن ابن إسحاق ،فإن كان مراد البخارى صحته عن ابن إسحاق ،لم يدل على صحته فى نفسه ،وإن
ل صلى
لا ّ
كان مراده صحته فى نفسه ،فهى واقعة عين ،حكُمها حكم حديث ابن عمر لما رأى رسو َ
سه،
خ النهى به ،وعك ُ
ل وجوهًا ستة :نس ُ
جته مستدبر الكعبة ،وهذا يحتِم ُ
ال عليه وسلم يقضى حا َ
ن لعذر اقتضاه لمكان أو غيره،
صه بالبنيان ،وأن يكو َ
ل عليه وسلم ،وتخصي ُ
صه به صلى ا ّ
وتخصي ُ
ل إلى الجزم بواحد من هذه الوجوه على
وأن يكون بيانًا ،لن النهى ليس على التحريم ،ول سبي َ
ث جابر ل يحتمل الوجه الثانى منها ،فل سبيل إلى ترك أحاديث النهى الصحيحة
التعيين ،وإن كان حدي ُ
ن عمر :إنما نهى عن ذلك فى الصحراءَ ،فهٌْم منه
ل اب ِ
ل ،وقو ُ
الصريحة المستفيضة بهذا المحَتَم ِ
لختصاص النهى بها ،وليس بحكاية لفظ النهى ،وهو معاَرض بفهم أبى أيوب للعموم مع سلمة قو ِ
ل
أصحاب العموم من التناقض الذى يلزم المفّرقين بين الفضاء والبنيان ،فإنه يقال لهم :ما حّد الحاجز
الذى يجوُز ذلك معه فى البنيان؟ ول سبيل إلى ذكر حّد فاصل ،وإن جعلوا مطلق البنيان مجّوزًا لذلك،
لزمهم جوازه فى الفضاء الذى يحول بين البائل وبينه جبل قريب أو بعيد ،كنظيره فى البنيان ،وأيضًا
س البيت ،فكم من
فإن النهى تكريٌم لجهة الِقْبلة ،وذلك ل يختلف بفضاء ول بنيان ،وليس مختصًا بنف ِ
ن البنيان وأعظم ،وأما جهُة القِْبلة ،فل
جدرا ُ
جبل وأَكَمٍة حائل بين البائل وبين البيت بمثل ما تحول ُ
حائل بين البائل وبينها ،وعلى الجهة وقع النهى ،ل على البيت نفسه فتأمله.
فصل
فيما يقال عند الخروج من الخلء
217
ل اّلِذى أْذَه َ
ب حْمُد ِّ
ك(( ،وُيذكر عنه أنه كان يقول)) :ال َ
غْفَراَن َ
وكان إذا خرج من الخلء قالُ )) :
عاَفاِنى(( ذكره ابن ماجه
عّنى الَذىَ ،و َ
َ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى أذكار الوضوء
ل عليه وسلم أنه وضع يديه فى الناء الذى فيه الماء ،ثم قال للصحابة:
ثبت عنه صلى ا ّ
ل((.
سِم ا ِّ
ضؤوا ِب ْ
))ًَتَو ّ
جاِبُر
خْذ َيا َ
لُ )) :
ضوٍء(( فجئ بالماء فقا َ
ل عنهَ)) :ناِد ِبَو ُ
وثبت عنه أنه قال لجابر رضى ا ّ
ن َبْي َ
ن ت الماء َيفوُر مِ ْ
ل ،قال :فرأي ُ
ت :بسم ا ّ
عَليه ،وُقْل ُ
ت َ
صَبْب ُ
ل(( قالَ :ف َ
سِم ا ّ
لِ :ب ْ
ى وُق ْ
ب عل ّ
ص ّ
َف ُ
صاِبعه.
أ َ
ل عنهم:
وذكر أحمد عنه من حديث أبى هريرة ،وسعيد بن زيد ،وأبى سعيد الخدرى رضى ا ّ
عَلْيِه(( .وفى أسانيدها لين.
ل َ
سَم ا ِّ
ضوَء ِلَمن ًَلْم َيْذُكِر ا ْ
ل ُو ُ
)) َ
لا ّ
ل ل إلَه إ ّ
ن َ
شَهُد أ ْ
ل :أ ْ
ضوَء ُثّم َقا َ
سَبَغ الوُ ُ
ل عليه وسلم أنه قالَ)) :من أ ْ
ح عنه صلى ا ّ
وص ّ
شاَء((
ن أّيَها َ
ل ِم ْ
خُجّنِة الّثَماِنَيُة َيْد ُ
ب ال َ
ت َلُه أْبَوا ُ
ح ْ
سوُلُهُ ،فِت َ
عْبُدُه وَر ُ
حّمدًا َ
ن ُم َ
شَهُد أ ّ
ك َلُهَ ،وَأ ْ
شِري َ
لَحَدُه َ
َو ْ
ذكره مسلم
ن(( وزاد المام
طّهِري َ
ن الُمَت َ
جَعْلِنى ِم َ
ن وا ْ
ن الّتَواِبي َ
جَعْلِنى ِم َ
وزاد الترمذى بعد التشهد)) :الّلُهّم ا ْ
سَماِء .وزاد ابن ماجه مع أحمد :قول ذلك ثلث مرات.
ظَرُه إلى ال ّ
أحمد :ثّم َرَفَع َن َ
ن
غ ِم ْ
ضَأ َفَفَر َ
ن َتَو ّ
خلد فى ))مسنده(( من حديث أبى سعيد الخدرى مرفوعًاَ)) :م ْ
ى بن َم ْ
وذكر بق ّ
ق
ب فى َر ّ
كُ ،كِت َ
ب إَلْي َ
ك وأُتو ُ
سَتْغِفُر َ
ت َأ ْ
ل أْن َ
ل إلَه إ ّ
ن َ
شَهُد أ ْ
كأ ْ
حْمِد َ
ك الّلُهّم َوب َ
حاَن َ
سْب َ
لُ :
ضوِئِهُ ،ثّم َقا َ
و ُ
سْر إلى َيْوِم الِقَياَمِة(( ،ورواه النسائى فى كتابه الكبير
ش َفَلْم ُيْك َ
ت الَعْر ِ
ح َ
ت َت ْ
طابٍعُ ،ثّم ُرِفَع ْ
عْلْيَها ِب َ
طبَع َ
وُ
ل النسائى :باب ما يقول بعد فراغه من وضوئه ،فذكر بعض ما تقدم.
من كلم أبى سعيد الخدرى ،وقا َ
ل صلى ال عليه وسلم
لا ّ
ت رسو َ
ثم ذكر بإسناد صحيح من حديث أبى موسى الشعرى قال :أتي ُ
ك ِلى فى
سْع ِلى فى َدارى ،وَباِر ْ
غِفْر ِلى َذْنِبىَ ،وَو ّ
ضَأ ،فسمعُته يقول ويدعو)) :الّلُهّم ا ْ
بوضوٍء فتو ّ
ل ابن السنى:
ىٍء((؟ وقا َ
ش ْ
ن َ
ت ِم ْ
ل َتَرَك ْ
ل :سمعُتك تدعو بكذا وكذا ،قال)) :وَه ْ
ى ا ِّ
ت :يا نب ّ
ِرْزِقى(( فقل ُ
باب ما يقول بين ظهرانى وضوئه فذكره.
218
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الذان وأذكاره
ن التأذين بترجيع وبغير ترجيع ،وشرع الَقامََة مثنى
ل عليه وسلم أنه س ّ
ثبت عنه صلى ا ّ
صلُة(( ولم يصح عنُه إفراُدَها البتة،
ت ال ّ
وُفرادى ،ولكن الذى صح عنه تثنيُة كلمِة الَقاَمِةَ)) :قْد َقاَم ِ
ح عنه القتصاُر على مرتين ،وأما
صّح عنه تكراُر لفظ التكبير فى أول الذان أربعًا ،ولم َي ِ
وكذلك ص ّ
ح التربيُع صريحًا
ن َوُيوِتَر الَقاَمَة(( فل ينافى الشفع بأربع ،وقد ص ّ
شَفَع الَذا َ
ن َي ْ
لأ ْ
لٌثُ)) :أِمَر ِب َ
حدي ُ
ل عنهم.
ل بن زيد ،وعمر بن الخطاب ،وأبى محذورة رضى ا ّ
فى حديث عبد ا ّ
ل عنهما ،استثناُء كلمة القامة ،فقال :إنما
ح عن ابن عمر رضى ا ّ
وأما إفراُد القامة ،فقد ص ّ
ن ،والَقامُة مّرًة مّرًة ،غيَر أنه يقول:
ن َمّرَتْي ِ
ل صلى ال عليه وسلم مّرَتْي ِ
لا ّ
سو ِ
عْهِد ر ُ
ن على َ
ن الذا ُ
كا َ
لُة((.
صَت ال ّ
لُةَ ،قْد َقاَم ِ
صَت ال ّ
َقد َقاَم ِ
ن ،وُيوِتَر الَقاَمَة ،إل الَقاَمة((.
شَفَع الَذا َ
ن َي ْ
لأ ْ
وفى ))صحيح البخارى(( عن أنسُ)) :أِمَر ِبل ٌ
لُة((.
صَت ال ّ
لُةَ ،قْد َقاَم ِ
صَت ال ّ
ل بن زيد وعمر فى القامةَ)) :قْد َقاَم ِ
وصح من حديث عبد ا ّ
ت الذان.
وصح من حديث أبى محذورة تثنيُة كلمِة القامة مع سائر كلما ِ
ل ِمن بعض،
ضها أفض َ
ل هذه الوجوه جائزة مجزئة ل كراهة فى شئ منها ،وإن كان بع ُ
وُك ّ
فالمام أحمد أخذ بأذان بلل وإقامته ،والشافعى ،أخذ بأذان أبى محذورة وإقامة بلل ،وأبو حنيفة أخذ
بأذان بلل وإقامة أبى محذورة ،ومالك أخذ بما رأى عليه عملَ أهل المدينة من القتصار على التكبير
سـّنة.
ل كلهم ،فإنهم اجتهدوا فى متابعة ال ّ
فى الذان مرتين ،وعلى كلمة القامة مرة واحدة ،رحمهم ا ّ
فصل
لّمته من الّذْكِر عند الذان وبعده
فيما شرعه صلى ال عليه وسلم ُ
لّمته منه خمسة أنواع:
ل عليه وسلم فى الّذكر عند الذان وبعَده ،فشرع ُ
وأّما َهْدُيه صلى ا ّ
ى على
ى على الصلة(()) ،ح ّ
أحدها :أن يقول السامع كما يقول المؤّذن ،إل فى لفظ)) :ح ّ
ل(( ولم يجئ عنه الجمُع بينها وبين)) :ح ّ
ى ل با ِّ
ل ُقّوَة إ ّ
لو َ
حْو َ
الفلح(( فإنه صح عنه إبداُلهما بـ ))ل َ
ل عليه وسلم الذى
ى على الفلح(( ول القتصاُر على الحيعلة ،وَهْدُيه صلى ا ّ
على الصلة(()) ،ح ّ
صح عنه إبداُلهما بالحوقلة ،وهذا مقتضى الحكمة المطابقِة لحال المؤّذن والسامع ،فإن كلمات الذان
219
ن على
سَتِعي َ
ن للسامع أن َي ْ
سّن للسامع أن يقولها ،وكلمة الحيعلة دعاٌء إلى الصلة لمن سمعهَ ،ف َ
سِّذْكٌرَ ،ف َ
ل الَعّلى العظيم((.
ل با ِّ
ل ُقّوَة إ ّ
لو َ
حْو َ
هذه الدعوة بكلمة العانة وهى)) :ل َ
ل َربًا،
ت ِبا ّ
ضي ُ
لَ ،ر ِ
ل ا ِّ
سو ُ
حّمدًا َر ُ
ن ُم َ
ل ،وأ ّ
ل ا ُّ
ن ل إلَه إ ّ
شَهُد أ ْ
الثانى :أن يقول :وَأَنا َأ ْ
غِفَر َلُه َذْنُبُه.
ك ُ
ل ذِل َ
ن َقا َ
ن َم ْ
خَبَر أ ّ
لَ ،وَأ ْ
سو ً
حّمٍد َر ُ
لِم ِديَنًا ،وِبُم َ
سََوبال ْ
ل ما
ى صلى ال عليه وسلم بعَد َفراغه من إجابة المؤّذن ،وأْكَم ُ
ى على النب ّ
الثالث :أن ُيصّل َ
لَة عليه
ُيصّلى عليه ِبِه ،ويصل إليه ،هى الصلة البراهيمية كما عّلمه ُأّمته أن ُيصّلوا عليه ،فل ص َ
ل منها وإن تحذلق المتحذلقون.
أكم ُ
حّمدًا
ت ُم َ
صلِة الَقاِئَمِة ،آ ِ
عَوِة الّتاّمِة ،وال ّ
ب هِذِه الّد ْ
ل بعد صلته عليه)) :الّلُهّم َر ّ
الرابع :أن يقو َ
ف الِميَعاَد(( هكذا جاء بهذا اللفظ:
خِل ُ
ك ل ُت ْ
عْدَتُه إّن َ
حُمودًا الذى و َ
ضيَلَة ،واْبَعْثُه َمَقامًا َم ْ
سيَلَة والَف ِ
الَو ِ
ل عليه وسلم.
))مقامًا محمودًا(( بل ألف ول لم ،وهكذا صح عنه صلى ا ّ
جاب له ،كما فى ))السنن((
سَت َ
ل من فضله ،فإنه ُي ْ
لا ّ
الخامس :أن يدعَو لنفسه بعد ذلك ،ويسأ َ
طْه((.
ل ُتْع َ
سْت َف َ
ن َ -فإَذا اْنَتهْي َ
ن َ -يْعِنى الُمَؤّذِني َ
ل َكَما َيُقوُلو َ
ل عليه وسلمُ)) :ق ْ
عنه صلى ا ّ
ب هِذِه
ن ُيَناِدى الُمَناِدى :الّلُهّم َر ّ
ل حي َ
ن َقا َ
وذكر المام أحمد عنه صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
ل َلُه
ب ا ُّ
جا َ
سَت َ
ط َبْعَدُه ،ا ْ
خَسَ
ىل َ
ضًعْنُه ِر َ
ض َ
حّمٍد َواْر َ
عَلى ُم َ
ل َ
صّصلِة الّناِفَعِةَ ،
عَوِة الّتاّمة َوال ّ
الّد ْ
عَوَته((.
َد ْ
ل صلى ال عليه وسلم أن أقول عند أذان
لا ّ
ل عنها :عّلمنى رسو ُ
وَقالت أّم سلمة رضى ا ّ
غِفْرلى(( ذكره الترمذى.
كَ ،فا ْ
عاِت َ
ت ُد َ
صَوا ُ
كَ ،وَأ ْ
كَ ،وإْدَباُر َنَهاِر َ
ل َلْيِل َ
ن هَذا إْقَبا ُ
المغرب)) :الّلُهّم إ ّ
وذكر الحاكم فى ))المستدرك(( من حديث أبى ُأمامة يرفعه أنه كان إذا سمع الذان قال)) :الّلُهّم
حِيِنى
عَلْيَها َوَأ ْ
ق َوَكِلَمِة الّتْقَوىَ ،تَوّفنى َ
حّعوِة ال َ
ب َلَهاَ ،د ْ
جا ِ
سَت َ
جاَبِة ،والُم ْ
سَت َ
عوِة الّتاّمِة الُم ْ
ب َهِذِه الّد ْ
َر ّ
ل َيْوَم الِقَياَمِة(( ،وذكره البيهقى من حديث ابن عمر موقوفًا
عَم ً
حى أْهِلَها َ
صاِل ِ
ن َ
جَعْلِنى ِم ْ
عَلْيَهاَ ،وا ْ
َ
عليه.
ل وأَداَمَها((.
ل عليه وسلم -أنه كان يقول عند كلمِة القامة)) :أَقاَمَها ا ُّ
وُذكر عنه -صلى ا ّ
ل يا
ن والقاَمِة(( قالوا فما نقو ُ
ن الَذا ِ
ل ُيَرّد بي َ
عاُء َ
ل عليه وسلم)) :الّد َ
وفى السنن عنه صلى ا ّ
خَرِة(( حديث صحيح.
ل الَعاِفيَة فى الّدْنَيا وال ِ
سُلوا ا ّ
ل؟ قالَ )) :
رسول ا ّ
220
ضوِر
ح ُ
عْنَد ُ
عوُتهِ :
ع َد ْ
عَلى َدا ٍ
سَماِء وَقّلما ُتَرّد َ
ب ال ّ
ل ِفيهَما أْبوا َ
ح ا ُّ
نَ ،يْفَت ُ
عَتا ِ
سا َ
وفيها عنهَ )) :
ل((.
لا ّ
سِبي ِ
ف فى َ
ص ّ
الّنَداِء ،وال ّ
ل والذكاِر بعد انقضائها ،والذكار فى العيدين،
صًوقد تقّدم َهْدُيه فى أذكار الصلة مف ّ
ل تعالى ،وأنه كان يسّبح فى صلتها
والجنائز ،والكسوف ،وأنه أمر فى الكسوف بالفزع إلى ذكر ا ّ
ل أعلم.
سر عن الشمس ،وا ّ
حِحَمُد ويدعو حتى ُ
قائمًا رافعًا يديه ُيهّلل وُيكّبر وَي ْ
فصل
جة
حّفى الكثار من الدعاء والتهليل والتكبير والتحميد فى عشر ذى ال ِ
جة ،ويأُمر فيه بالكثار من التهليل
حّشِر ذى ال ِ
عْل عليه وسلم ُيكِثُر الدعاء فى َ
وكان صلى ا ّ
والتكبير والتحميد.
وُيذكر عنه أنه كان ُيكّبر من صلة الفجر يوَم عرفة إلى العصر من آخر أيام التشريق،
حْمُد(( وهذا وإن كان ل يصح إسناده،
ل ال َ
ل أْكَبُر و ِّ
ل ،وا ّ
ل ا ُّ
ل إلَه إ ّ
ل أْكَبُرَ ،
ل أْكَبُر ،ا ُّ
فيقول)) :ا ُّ
فالعمل عليه ،ولفظه هكذا يشفع التكبير ،وأما كونه ثلثًا ،فإنما ُروى عن جابر وابن عباس ِمن فعلهما
ن ا ِّ
ل سْبحا َ
ل كثيرًَا ،و ُ
ل أكبُر كبيرًا ،والحمُد ّ
ثلثًا فقط ،وِكلهما حسن ،قال الشافعى :إن زاد فقال)) :ا ّ
ن ولو كره الكافرون ،ل إله إل ا ُّ
ل ل ،ول نعبُد إل إّياه ،مخلصين له الّدي َ
ل ،ل إلَه إل ا ُّ
ُبكرًة وأصي ً
ل أكبُر(( كان حسنًا.
ل وا ُّ
ب وحده ،ل إله إل ا ّ
ق وعده ،ونصَر عبَده ،وهزم الحزا َ
وحَدُه ،صَد َ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الّذْكِر عند رؤية الهلل
سلِمَ ،رّبى َوَرّب َ
ك لَمِة وال ْ
سَن ،وال ّ
ن واليَما ِ
عَلْيَنا ِبالْم ِ
ُيذكر عنه أنه كان يقول)) :الّلُهّم َأِهّله َ
ث حسن.
ل(( قال الترمذى :حدي ٌ
ا ُّ
سلَمِة
ن ،وال ّ
ن واليَما ِ
لْم ِ
عَلْيَنا ِبا َ
ل أْكَبُر ،الّلُهّم أِهّلُه َ
وُيذكر عنه أنه كان يقول عند رؤيته)) :ا ُّ
ل(( ذكره الدارمى.
ك ا ُّ
ضىَ ،رّبَنا َوَرّب َ
ب رّبنا وَيْر َ
ق ِلَما ُيح ّ
لِم والّتْوِفي ِ
سَوال ْ
ل صلى ال عليه وسلم كان إذا رأى الهلل قال:
ىا ّ
وذكر أبو داود عن قتادة أنه بلغه أن نب ّ
ل اّلِذى
حْمُد ِّ
ل :ال َ
تُ -ثّم َيُقو ُ
ث َمّرا ٍ
ك(( َ -ثل َ
خَلَق َ
ت ِباّلِذى َ
شٍد ،آَمْن ُ
خْيٍر َوُر ْ
ل َ
لُشٍدِ ،ه َ
خْيٍر َوُر ْ
ل َ
لُ))ِه َ
شْهِر َكَذا(( .وفى أسانيدها لين.
جاَء ب َ
ب بشهِر َكَذاَ ،و َ
َذَه َ
221
)يتبع(...
ب عن النبى صلى
وُيذكر عن أبى داود وهو فى بعض نسخ سننه أنه قال :ليس فى هذا البا ِ @
ث مسند صحيح.
ال عليه وسلم حدي ٌ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى أذكار الطعام قبله وبعده
حُدُكم،
لأ َ
ل(( ويأمر الكل بالتسمية ،ويقول ))إَذا أَك َ
سِم ا ِّ
كان إذا وضع يده فى الطعام قال)) :ب ْ
خِرِه (( حديث
ل فى أّوِله َوآ ِ
سِم ا ِّ
لِ :ب ْ
ل فى أّوِلِهَ ،فْلَيُق ْ
سَم ا ِّ
ن َيْذُكَر ا ْ
ىأ ْ
سَن َن ِ
ل تَعاَلى ،فإ ْ
َفْلَيْذُكِر اسَْم ا ِّ
صحيح.
ب التسمية عند الكل ،وهو أحُد الوجهين لصحاب أحمد ،وأحاديث المر بها
ح وجو ُ
والصحي ُ
جَها عن ظاهرها ،وتاِرُكَها
خِر ُ
غ مخالفتها وُي ْ
ع يسّو ُ
ض لها ،ول إجما َ
صحيحة صريحة ،ول ُمعاِر َ
شريكُه الشيطان فى طعامه وشرابه.
فصل
ى ال
فى إذا ما كان الكلون جماعة فعلى كل واحد منهم أن ُيسّم َ
وهاهنا مسألة تدعو الحاجة إليها ،وهى أن الكلين إذا كانوا جماعة ،فسّمى أحُدهم ،هل تزو ُ
ل
ص الشافعى على
مشاركة الشيطان لهم فى طعامهم بتسميته وحَده ،أم ل تزول إل بتسمية الجميع؟ فن ّ
ت العاطس ،وقد ُيقال :ل ُترفع
إجزاء تسمية الواحد عن الباقين ،وجعله أصحاُبه كرّد السلم ،وتشمي ِ
مشاركُة الشيطان للكل إل بتسميته هو ،ول يكفيه تسميُة غيره ،ولهذا جاء فى حديث حذيفة :إّنا
ت لتضع يدها فى
ل صلى ال عليه وسلم طعامًا ،فجاءت جارية كأنما ُتْدَفع ،فذهب ْ
حضرنا مع رسول ا ّ
ل رسول
ل صلى ال عليه وسلم بيدها ،ثّم جاء أعرابى َكَأّنَما ُيْدَفُع ،فأخذ بيده ،فقا َ
لا ّ
الطعام ،فأخَذ رسو ُ
جاَء ِبهِذِه
عَلْيِه ،وإّنُه َ
ل َ
سُم ا ِّ
ن ل ُيْذَكَر ا ْ
طَعاَم أ ْ
ل ال ّ
حّسَت ِ
ن َلَي ْ
طا َ
شْي َ
ن ال ّ
ل صلى ال عليه وسلم)) :إ ّ
ا ّ
ن
سى ِبَيِدِه إ ّ
ت ِبَيِدِه ،واّلِذى َنْف ِ
خْذ ُ
ل ِبِهَ ،فَأ َ
حّسَت ِ
ى ِلَي ْ
عَراب ّ
جاَء ِبهَذا ال ْ
ت ِبَيِدَهاَ ،ف َ
خْذ ُ
ل ِبَهاَ ،فَأ َ
حّسَت ِ
جاِرَيِة لَِي ْ
ال َ
ل وأكل ،ولو كانت تسمية الواحد تكفى ،لما وضع الشيطان يده
َيَدُه َلِفى َيدى َمَع َيَدْيِهَما(( ثم ذكَر اسَم ا ّ
فى ذلك الطعام.
222
ن الجارية
ى صلى ال عليه وسلم لم يكن قد وضع يده وسّمى بعُد ،ولك ّ
ولكن قد ُيجاب بأن النب ّ
ن ،فِمن أين لُكم أن الشيطان شارك
ى ،فشاركهما الشيطا ُ
ابتدأت بالوضع بغيِر تسمية ،وكذلك العراب ّ
ى وصححه من حديث
ل ،لكن قد روى الترمذ ّ
َمن لم ُيسّم بعد تسمية غيره؟ ،فهذا مما ُيمكن أن ُيقا َ
سّتِة من أصحابه ،فجاء أعرابى،
ل طعامًا فى ِ
ل صلى ال عليه وسلم يأك ُ
لا ّ
عائشة قالت :كان رسو ُ
سّمى َلَكَفاُكم(( ،وِمن المعلوم أن
ل صلى ال عليه وسلم)) :أَما إّنه َلْو َ
لا ّ
سو ُ
ل َر ُ
نَ ،فَقا َ
َفَأَكَلُه ِبُلْقَمَتْي ِ
سّموا ،فلما جاء هذا العرابى فأكل ولم يسّم ،شاركه
ل صلى ال عليه وسلم وأولئك الستة َ
لا ّ
رسو َ
ن فى أكله فأكل الطعام ِبُلقمتين ،ولو سّمى لكفى الجميع.
الشيطا ُ
ح عن النبى صلى ال عليه وسلم
ت العاطس ،ففيها نظر ،وقد ص ّ
وأّما مسألُة رّد السلم ،وتشمي ِ
حكم فيهما،
سّلَم ال ُ
شّمَتُه(( وإن ُ
ن ُي َ
سِمَعُه أ ْ
ن َ
ل َم ْ
عَلى ُك ّ
ق َ
حٌل َف َ
حِمَد ا ّ
حُدُكمَ ،ف َ
سأَ
ط َ
عَأنه قال)) :إَذا َ
ن إنما يتوصل إلى مشاركة الِكل فى أكله إذا لم
ق بينهما وبين مسألة الكل ظاِهٌر ،فإن الشيطا َ
فالفر ُ
ن له ،فيأكل معه ،بل َتِق ّ
ل جز تسميُة َمن سّمى عمن لم ُيسّم ِمن مقارنة الشيطا ِ
ُيسّم ،فإذا سّمى غيُره ،لم ت ُ
ل أعلم.
مشاركة الشيطان بتسمية بعضهم ،وتبقى الشركُة بين َمن لم ُيسّم وبينه ،وا ّ
طَعاِمِهَ ،فْلَيْقَرأُ} :ق ْ
ل عَلى َ
ى َ
سّم َ
ن ُي َ
ىأ ْ
سَن َن ِ
وُيذكر عن جابر عن النبى صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
غ(( وفى ثبوت هذا الحديث نظر.
حٌد{ ]الخلص [1 :إَذا َفَر َ
لأ َ
ُهَو ا ُّ
حْمدًا َكِثيرًا طّيبًا ُمَباَركًا ِفيِه ،غيَر َمْكفِ ّ
ى ل َ
حْمُد ِّ
وكان إذا ُرِفَع الطعاُم من بين يديه يقول)) :ال َ
ل .ذكره البخارى.
جّعّز َو َ
عْنه َرّبنا(( َ
ى َ
سَتْغن ً
ل ُم ْ
ع َو َ
ل ُمَوّد ٍ
َو َ
ن((.
سِلِمي َ
جَعَلَنا ُم ْ
سَقاَنا َو َ
طَعَمَنا َو َ
ل اّلِذى أ ْ
حْمُد ِّ
ن يقول)) :ال َ
وربَما كا َ
خَرجًا((.
ل َلُه َم ْ
جَع َ
غُه َو َ
سَقى وسّو َ
طَعَم َو َ
ل اّلِذى أ ْ
حْمُد ِّ
وكان يقول)) :ال َ
ل اّلِذى َكَفاَنا َوآَوانا(( ،وذكر الترمذى عنه أنه قال:
حْمُد ِّ
ل)) :ال َ
ى عنه أنه كان يقو ُ
وذكر البخار ّ
ل َلُه َما َتقَّدَم ِم ْ
ن غَفَر ا ُّ
ل ِمّنى َول ُقّوٍةَ ،
حْو ٍ
غْيِر َ
ن َ
طَعَمِنى َهَذا ِم ْ
ل اّلِذى َأ ْ
حْمُد ّ
ل :ال َ
طعاَمًا َفَقا َ
ن أَكلَ َ
))َم ْ
َذْنِبِه(( حديث حسن.
غ ِمن طعامه قال)) :الّلُهّم
ل(( فإَذا َفَر َ
سِم ا ِّ
ب إليه الطعاُم قالِ)) :ب ْ
وُيذكر عنه أنه كان إَذا ُقّر َ
سناده صحيح.
ت(( َوإ ْ
طْي َ
عَعلى َما َأ ْ
حْمُد َ
ك ال َ
تَ ،فَل َ
حَيْي َ
ت وَأ ْ
ت ،وَهَدْي َ
ت َوَأْقَنْي َ
غَنْي َ
ت ،وَأ ْ
سَقْي َ
ت َو َ
طَعْم َ
أٌ
223
شَبَعَنا
عَلْيَنا َوَهَداَنا ،واّلِذى َأ ْ
ن َ
ل اّلِذى َم ّ
حْمُد ِّ
ل إذا فرغ)) :ال َ
وفى السنن عنه أنه كان يقو ُ
ن آَتاَنا(( حديث حسن.
سا ِ
حَل ال ْ
ن ُك ّ
َوَأْرَواَنا ،وِم ْ
خْيرًا ِمْنُه،
طِعْمَنا َ
ك َلَنا ِفيِهَ ،وَأ ْ
ل :الّلُهّم َباِر ْ
طَعامًا َفْلَيُق ْ
حُدُكم َ
ل َأ َ
وفى السنن عنه أيضًا)) :إَذا أَك َ
ك َلَنا ِفيِه َوِزْدَنا ِمْنُه ،فإنه ليس شئ وُيجِزئ عن الطعام والشراب
ل :الّلُهّم َباِر ْ
ل َلَبَناَ ،فْلَيُق ْ
سَقاهَ ا ُّ
ن َ
َوَم ْ
غير اللبن(( حديث حسن.
شُكُرُه فى
سَ ،وَي ْ
ل َنَف ٍ
ل فى ُك ّ
حَمُد ا َّ
س ،وَي ْ
س َثلَثة أْنَفا ٍ
ب فى الَناِء َتَنّف َ
شِر َ
ن إَذا َ
وُيذكر عنه أنه َكا َ
ن.
خِرِه ّ
آِ
فصل
عا َ
ب طَعاٌم((؟ َوَما َ
عْنَدُكم َ
ل ِ
ل عليه وسلم إذا دخل على أهِلِه ُرّبَما يسْأُلهمَ)) :ه ْ
وكان صلى ا ّ
عاُفُه إّنى ل
جُدنى أ َ
سَكت ،وربما قال)) :أ ِ
ن َكِرَهُه َتَركُه َو َ
ن إَذا اشتهاُه أَكَلُه ،وإ ْ
ل َكا َ
طَ ،ب ْ
طَعامًا ق ّ
َ
شَتِهيِه((.
َأ ْ
ل ،فدعا به فجعل
خّ
عندنا إل َ
وكان يمدح الطعاَم أحيانًا ،كقوله لما سأل أهَلُه الداَم ،فقاُلوا :ما ِ
سل والَمَرق،
ل(( ،وليس فى هذا تفضيل له على اللبن والّلحم والَع َ
خّلْدُم ال َ
لِ)) :نْعَم ا ُ
ل ِمْنُه ويُقو ُ
يأُك ُ
ضَر لحم أو لبن ،كان أولى بالمدح منه ،وقال
ح َ
وإنما هو مدح له فى تلك الحال التى حضر فيها ،ولو َ
ل له على سائر أنواع الدام.
هَذا جبرًا وتطييبًا لقلب َمن قّدمه ،ل تفضي ً
ب إليه الطعاُم وهو صائم
صاِئٌم(( ،وأمر َمن ُقّر َ
ب إليه طعام وهو صائم قال)) :إّنى َ
وكان إذا ُقّر َ
ى ،أى يدعو لمن قّدمه ،وإن كان مفطرًا أن يأكل منه.
صّل َ
أن ُي َ
شْئ َ
ت ن ِ
ن هَذا َتِبَعَناَ ،فإ ْ
ب المنزل ،وقال)) :إ ّ
ى ِلطعام وتبعه أحد ،أعلَم به ر ّ
وكان إذا ُدع َ
جَع((.
ت َر َ
شْئ َ
ن ِ
ن لَُهَ ،وإ ْ
ن تأَذ َ
أْ
ن يتحّدث على طعامه ،كما تقّدم فى حديث الخل ،وكما قال ِلربيبه عمر ابن أبى سلمة وهو
وكا َ
ل مّما َيليك((.
ل ،وُك ْ
سّم ا َّ
ُيؤاِكلُهَ )) :
ل الكرم ،كما فى حديث
ض الكل عليهم ِمرارًا ،كما يفعلُه أه ُ
وربما كان ُيكّرر على أضيافه عر َ
ب((
شَر ْ
ل)) :ا ْ
ل َيُقو ُ
ب(( َفَما َزا َ
شَر ْ
شرب اللبن وقوِلِه له ِمرارًا)) :ا ْ
أبى هريرة عند البخارى فى قصة ُ
سَلكًا.
ق ل أجُد َلُه َم ْ
حّك ِبال َ
لَ :واّلِذى َبَعَث َ
حّتى َقا َ
َ
224
ل)) :الّلُهّم
ل ابن ُبسر ،فقا َ
عَو لهم ،فدعا فى منزل عبد ا ّ
وكان إذا أكل عند قوم لم يخُرج حتى َيْد ُ
حْمُهْم(( ذكره مسلم.
غِفْر َلُهْمَ ،واْر َ
ك َلُهم ِفيَما َرَزْقَتُهمَ ،وا ْ
َباِر ْ
صّل ْ
ت طَعاَمُكم الْبَراُر ،و َ
ل َ
نَ ،وَأَك َ
صاِئُمو َ
عْنَدُكْم ال ّ
طَر ِ
عبادة فقال)) :أْف َ
ن ُ
ودعا فى منزل سعد ب ِ
عَلْيُكُم الَملِئَكُة((.
َ
ل عليه وسلم -أنه لما دعاه أبو الهيثم بن الّتيهان هو وأصحابُه
وذكر أبو داود عنه -صلى ا ّ
خَ
لل إَذا ُد ِ
ن الّرج َ
ل ؛ وما إثابتُه؟ قال)) :إ ّ
ل ا ِّ
سو َ
خاُكْم(( َقاُلوا :يا َر ُ
غوا قال)) :أِثيُبوا أ َ
فأكلوا ،فلما فر ُ
ك إَثاَبُتُه((.
عْوا َلُهَ ،فذِل َ
شَراُبُهَ ،فَد َ
ب َ
شِر َ
طَعاُمُه ،و ُ
َبْيُتُه ،فُأِكلَ َ
ل عليه وسلم -أنه دخل منزله ليَلًة ،فالتمس طعامًا فلم يجده ،فقال)) :الّلُهّم
وصح عنه -صلى ا ّ
سَقاِنى((.
ن َ
ق َم ْ
سِطَعَمِنىَ ،وا ْ
ن َأ ْ
طِعْم َم ْ
َأ ْ
سَنًة
ن َ
عَلْيهِ َثَماُنو َ
ت َ
شَباِبِه((َ ،فَمّر ْ
حِمق سقاه لبنًا فقال)) :الّلُهّم أَْمِتْعُه ِب َ
ن ال َ
عْمرو ب َ
َوُذِكَر عنه أن َ
ضاَء.
شْعَرًة َبْي َ
َلْم َيَر َ
حَمُه
ف هَذا ر ِ
ضي ُ
ل ُي ِ
جٌل مّرة)) :أل َر ُ
ن ،ويثنى عليهم ،فقا َ
وكان يدعو لمن ُيضيف المساكي َ
ل ِم ْ
ن ب ا ُّ
ج َ
عِضْيَفُهَماَ)) :لَقْد َ
صبيانهما َ
ت ِ
ن آثرا بُقوِتهما وُقو ِ
ى وامرأته الّلَذْي ِ
ل(( ،وقال للنصار ّ
ا ُّ
ضْيِفُكَما الّلْيَلَة((.
صِنيِعُكَما ِب َ
َ
حرًا أو عبدًا ،أعرابياً أو مهاجرًا،
ف ِمن مؤاكلة أحٍد صغيرًا كان أو كبيرًاُ ،
ن ل يْأَن ُ
وَكا َ
سِم ا ِّ
ل ل ِب ْ
حتى لقد روى أصحاب السنن عنه أنه أخذ بيد مجذوم فوضعها معه فى الَقصعة فقالُ)) :ك ْ
عَلْيِه((.
ل َ
لَ ،وَتَوّك ً
ِثَقًة ِبا ِّ
طا َ
ن شْي َ
ن ال ّ
وكان يأُمُر بالكل باليمين ،وينهى عن الكل بالشمال ،ويقول)) :إ ّ
ل ِبَها ،إما
شَماِلِه(( ،ومقتضى هذا تحريُم الكل بها ،وهو الصحيح ،فإن الك َ
بب ِ
شَر ُ
شَماِلِهَ ،وَي ْ
لب ِ
َيأُك ُ
ك(( ،فقال :ل
ل ِبَيميِن َ
ح عنه أنه قال لرجل أكل عنده ،فأكل بشمالهُ)) :ك ْ
شيطان ،وإما مشّبه به ،وص ّ
ت(( فما رفع يده إلى فيه بعدها ،فلو كان ذلك جائزًا ،لما دعا عليه بفعله،
طْع َ
سَت َ
لا ْ
أستطيُع ،فقالَ )) :
وإن كان ِكْبُرُه حمله على ترك امتثال المر ،فذلك أبلُغ فى العصيان واستحقاق الدعاء عليه.
ن :أن يجتِمُعوا على طعامهم ول يتفّرُقوا ،وأن يذُكروا اسَم ا ِّ
ل شَكْوا إليه أنهم ل يشبُعو َ
وأمر َمن َ
عليه ُيبارك لهم فيه.
225
حَمدُُه
شْرَبَة َي ْ
شَربُ ال ّ
عَلْيَهاَ ،وَي ْ
حَمُدُه َ
لْكَلَة َي ْ
لا َ
ن الَعْبِد َيْأُك ُ
عِضى َ
ل َلير َ
نا ّ
ح عنه أنه قال)) :إ ّ
وص ّ
عَلْيَها((.
َ
سَو
عَلْيِه َفَتْق ُ
لِةَ ،ول َتَناُموا َ
صَل وال ّ
جّعّز َو َ
ل َ
طَعاَمُكم ِبِذْكِر ا ِّ
وروى عنه أنه قالَ)) :أِذيُبوا َ
قُلوُبُكم(( وأحرى بهذا الحديث أن يكون صحيحًا والواقع فى التجربة يشهُد به.
فصل
ن وتشميت العاطس
فى َهْدِيه صلى ال عليه وسلم فى السلم والستئذا ِ
خْيَرُه
لِم َو َ
سَل ال ْ
ضَل عليه وسلم فى ))الصحيحين(( عن أبى ُهريرة أن ))أْف َ
ثبت عنه صلى ا ّ
ف((.
ن َلْم َتْعِر ْ
عَلى َم ْ
ت َو َ
عَرْف َ
ن َ
على َم ْ
لَم َ
سَن َتْقَرَأ ال ّ
طَعاِمَ ،وَأ ْ
طَعاُم ال ًّ
إ ْ
ن الَملِئَكِة،
ك الّنَفِر ِم َ
ب إلى أوَلِئ َ
ل َلُه :اْذَه ْ
ل َقا َ
لُم لـّما خلَقه ا ُّ
سَلُة وال ّ
صَعَلْيِه ال ّ
وفيهما ))أن آَدَم َ
سلُم
عَلْيُكْمَ ،فَقاُلوا :ال ّ
لُم َ
سَل :ال ّ
كَ ،فَقا َ
حّيُة ُذّرّيِت َ
ك َوَت ِ
حّيُت َ
ك ِبِهَ ،فإّنَها َت ِ
سَتِمْع َما ُيحّيوَن َ
عَلْيِهْمَ ،وا ْ
سّلم َ
َف َ
ل((.
حمُة ا ِّ
لَ ،فَزاُدوُهَ)) :وَر ْ
حَمُة ا ّ
ك َوَر ْ
عَلْي َ
َ
سلم وأخبرهم أنهم إذا أفشوا السلم َبْيَنُهُم
شاِء ال ّ
ل عليه وسلم )) -أَمَر ِبإْف َ
وفيهما أنه -صلى ا ّ
حاّبوا((.
حّتى َيَت َ
ن َ
حّتى ُيْؤِمُنواَ ،ول ُيؤِمُنو َ
جّنَة َ
ن ال َ
خُلو َ
حاّبواَ ،وأّنُهُم ل َيْد ُ
َت َ
ن
ف ِم ْ
صا ُ
ن :الْن َ
جَمَع اليَما َ
نَ ،فَقْد َ
ن جمَعُه ّ
ث َم ْ
وقال البخارى فى ))صحيحه(( :قال عّمار :ثل ٌ
ن الْقَتاِر.
ق ِم َ
سلم ِللَعاَلم ،والْنَفا ُ
ل ال ّ
كَ ،وَبْذ ُ
سَ
َنْف ِ
ت أصول الخير وفروعه ،فإن النصاف ُيوجب عليه أداء حقوق
وقد تضمنت هذه الكلما ُ
ل كاملة موّفرة ،وأداء حقوق الناس كذلك ،وأن ل ُيطالبهم بما ليس له ،ول ُيحّملهم فوق ُوسعهم،
ا ّ
ب أن ُيْعُفوه منه ،ويحكم لهم وعليهم بما يحُكُم ِبِه
ب أن يعاِملوه به ،وُيعفيهم مما ُيح ّ
ح ّ
وُيعاِمَلهم بما ُي ِ
س لها ،ول ُيخبثها بتدِنيسه
ل فى هذا إنصاُفه نفسه من نفسه ،فل يّدعى لها ما لي َ
لنفسه وعليها ،ويدخ ُ
ل وتوحيده ،وحّبه
ل ،وُينميها ويكّبُرها ويرفُعها بطاعة ا ّ
لها ،وتصغيرِه إياها ،وتحقيِرها بمعاصى ا ّ
وخوِفِه ،ورجاِئِه ،والتوكل عليه ،والنابة إليه ،وإيثاَر مرضاِتِه ومحاّبه على مراضى الخلق ومحاّبهم،
حبه
ل ل بنفسه فى ُ
ل ،ويكون با ّ
ل ،بل يعِزُلَها من البين كما عزلها ا ُّ
ن بها مع الخلق ول مع ا ّ
ول يكو ُ
جِه ،فينجى نفسه ِمن البين ،ول يرى لها
وُبغضه ،وعطائه ومنعه ،وكلِمِه وسكوِتِه ،ومدخلِه ومخر ِ
عَلى َمَكاَنِتُكْم{ ]هود] [121 ،93 :النعام:
عَمُلوا َ
ل بقوله} :ا ْ
مكانًة يعمل عليها ،فيكون ممن ذمهم ا ّ
226
ل السلم للصغير
وبذل السلم للعاَلم يتضمن تواضَعه وأّنه ل يتكّبر على أحد ،بل يبُذ ُ
ضّد هذا ،فإنه ل َيُرّد السلم على
ف والوضيِع ،وَمن يعِرفه وَمن ل يعرفه ،والمتكّبر ِ
والكبير ،والشري ِ
ل السلَم ِلكل أحد.
ل َمن سّلم عليِه كبرًا منه وِتيهًا ،فكيف يبُذ ُ
ُك ّ
ل ُيخِلُفه ما أنفقه،
نا ّ
ل ،وأ ّ
وأما النفاق من القتار ،فل يصدُر إل عن قوِة ِثقة با ّ
ن وعده مغفرًة منه
وعن قوة يقين ،وتوّكل ،ورحمة ،وُزهد فى الدنيا ،وسخاِء نفس بها ،ووثوق بوعد َم ْ
ل المستعان.
ل ،وتكذيبًا بوعد َمن يعُده الفقر ،ويأمر بالفحشاء ،وا ّ
وفض ً
فصل
صبية والنساء
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى السلم على ال ِ
ل عليه وسلم -أنه مّر ِبصبيان ،فسّلم عليهم ،ذكره مسلم .وذكر الترمذى
وثبت عنه -صلى ا ّ
ل عليه وسلم)) :مّر َيْومًا بجماعِة نسوة ،فألوى بيده بالتسليم((.
فى ))جامعه(( عنه صلى ا ّ
وقال أبو داود :عن أسماء بنت يزيد)) :مّر علينا النبى صلى ال عليه وسلم فى نسوة ،فسّلم
ث الترمذى ،والظاهر أن القصة واحدة وأنه سّلم عليهن بيده.
علينا(( ،وهى رواية حدي ِ
عَلى عجوز فى
ن َ
ن ِمن الجمعة فَيُمّرو َ
وفى ))صحيح البخارى(( :أن الصحابه كانوا ينصِرُفو َ
شِعيِر.
ن عليها ،فُتقّدم لهم طعامًا من ُأصول السلق وال ًّ
طريقهمَ ،فُيسّلمو َ
ت المحارم دو َ
ن ب فى مسألة السلم على النساءُ :يسّلم على العجوز وذوا ِ
وهذا هو الصوا ُ
غيرهن.
فصل
فى تسليم الصغير على الكبير والماشى على القاعد
وثبت عنه فى ))صحيح البخارى(( وغيره تسليُم الصغير على الكبير ،والماّر على القاعد،
ل على الكثير.
والراكب على الماشى ،والقلي ِ
وفى ))جامع الترمذى(( عنهُ :يسّلم الماشى على القائم.
عد ،والماشيان أيهما
ب على الماشى ،والماشى على القا ِ
وفى ))مسند البزار(( عنه :يسّلم الراك ُ
بدأ ،فهو أفضل.
سلِم((.
ل َمنْ َبَدَأُهْم بال ّ
س با ِّ
ن أْوَلى الّنا ِ
وفى ))سنن أبى داود(( عنه)) :إ ّ
228
ل عليه وسلم السلُم عند المجئ إلى القوم ،والسلُم عند النصراف
وكان فى َهْديه صلى ا ّ
خَرِة((.
ن ال ِ
ق ِم َ
حّلوَلى أ َ
تا ُ
س ِ
سّلْمَ ،وَلْي َ
سّلْمَ ،وإَذا َقاَمَ ،فْلُي َ
حُدُكْمَ ،فْلُي َ
عنهم ،وثبت عنه أنه قال)) :إَذا َقَعَد أ َ
جَداٌرُ ،ثّم
جَرٌة أو ِ
شَل َبْيَنُهَما َ
حا َ
ن َ
عَلْيِهَ ،فإ ْ
سّلم َ
حَبُه َفْلُي َ
صا ِ
حُدُكْم َ
ىأَ
وذكر أبو داود عنه)) :إَذا َلِق َ
عَلْيِه أْيضًا((.
سّلْم َ
َلِقَيُهَ ،فْلُي َ
جَرٌة َأْو
شَسَتْقَبْلَتُهم َ
نَ ،فإَذا ا ْ
شْو َ
ل صلى ال عليه وسلم َيَتَما َ
لا ّ
سو ِ
ب َر ُ
ن أصحا ُ
وقال أنس)) :كا َ
ض((.
عَلى َبْع ٍ
ضُهم َ
سّلَم َبْع ُ
ن َوَراِئَهاَ ،
لَ ،وإَذا اْلَتَقْوا ِم ْ
شَما ً
َأَكَمٌةَ ،تَفّرُقوا َيِمينًا َو ِ
ئ بركعتين تحيَة المسجد ،ثم
خل إلى المسجد يبتد ُ
ل عليه وسلم أن الدا ِ
ومن َهْديه صلى ا ّ
ل تعالى ،والسلُم على الخلق
ق ا ِّ
ل تحية أهله ،فإن تلك ح ّ
ئ فُيسّلم على القوم ،فتكون تحيُة المسجد قب َ
يج ُ
ق بالتقديم ،بخلف الحقوق المالية ،فإن فيها نزاعًا معروفًا،
ل فى مثل هذا أح ّ
ق ا ِّ
ق لهم ،وح ّ
هو ح ٌ
ق بينهما حاجُة الدمى وعدُم اتساع الحق المالى لداء الحقين ،بخلف السلم.
والفر ُ
ئ ،فيسّلم على النبى
ل أحدهم المسجَد ،فُيصلى ركعتين ،ثم يج ُ
وكانت عادُة القوم معه هكذا ،يدخ ُ
صلى ال عليه وسلم ،ولهذا جاء فى حديث رفاعة بن رافع أن النبى صلى ال عيه وسلم َبْيَنَما ُهو
ف صلته ،ثّم
خ ّ
ل كالبدوى ،فصّلى ،فأ َ
جاِلس فى المسجِد َيْومًا قال ِرفاعة :ونحن معه إذ جاء رج ٌ
َ
ك َفاْرجْع،
عَلْي َ
ى صلى ال عليه وسلمَ)) :و َ
ل النب ّ
ى صلى ال عليه وسلمَ ،فَقا َ
عَلى النب ّ
سّلَم َ
ف َف َ
صر َ
ان َ
ل(( ..وذكر الحديث فأنكر عليه صلته ،ولم ُينكر عليه تأخيَر السلم عليه صلى الّ
صّك َلْم ُت َ
لَ ،فإّن َ
صَّف َ
عليه وسلم إلى ما بعد الصلة.
ث تحيات مترتبة :أن يقولَ عند دخوِله:
سن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة ثل ُ
وعلى هذا :فُي َ
ن تحيَة المسجد ،ثم ُيسّلُم على القوم.
ل .ثم يصّلى ركعتي ِ
ل والصلُة على رسول ا ّ
بسم ا ّ
فصل
ن(( ذكره مسلم.
ظا َ
سِمُع الَيْق َ
ظ الّناِئَم ،وُي ْ
ل على أهله بالّليلُ ،يسّلم تسِليمًا ل ُيوِق ُ
خَ))وكان إذا د َ
فصل
فى البدء بالسلم قبل الكلم
ل الَكلم((.
سلُم َقْب َ
وذكر الترمذى عنه عليه السلم)) :ال ّ
حّتى ُيسّلَم((.
طَعاِم َ
حدًا إلى ال ّ
عوا أ َ
وفى لفظ آخر)) :ل َتْد ُ
229
سلُم
ل جاء فقال :ال ّ
وكان هدُيه انتهاء السلم إلى)) :وبركاُتُه(( ،فذكر الّنسائى عنه ))أن رج ً
لُم
سَل :ال ّ
خُرَ ،فَقا َ
جاَء آ َ
شَرٌة(( ُثّم جلس ،ثم َ
عْلَ )) :
ى صلى ال عليه وسلم َوَقا َ
عَلْيِه النب ّ
عليكمَ ،فَرّد َ
ل:
خُرَ ،فَقا َ
جاَء آ َ
س َو َ
جَل َ
ن(( ُثّم َ
شُرو َ
عْلِ )) :
ى صلى ال عليه وسلم َوَقا َ
عَلْيِه الّنِب ّ
لَ ،فَرّد َ
حَمُة ا ِّ
عَلْيُكْم َوَر ْ
َ
ن(( رواُه
لَ)) :ثلُثو َ
ل صلى ال عليه وسلمَ ،وَقا َ
لا ّ
سو ُ
عَلْيِه ر ُ
ل وَبَرَكاُتهَ ،فَرّد َ
حَمُة ا ّ
عَلْيُكْم َوَر ْ
سلُم َ
ال ّ
سنه.
الّنسائى ،والترمذى من حديث عمران بن حصين ،وح ّ
حَمُة
عَلْيُكْم َوَر ْ
سلُم َ
ل :ال ّ
خُر َفَقا َ
س ،وزاد فيهُ)) :ثّم أتى آ َ
ث معاِذ بن أن ِ
وذكره أبو داود من حدي ِ
ث ،فإن له
ل(( .ول يثبت هذا الحدي ُ
ضاِئ ُ
ن الَف َ
ل :هكَذا تُكو ُ
ن(( فَقا َ
ل)) :أْرًَبُعو َ
ل َوَبَرَكاُتُه َوَمْغِفَرُتُهَ ،فَقا َ
ا ِّ
ثلث علل :إحداها :أنه من رواية أبى مرحوم عبد الرحيم بن ميمون ،ول ُيحتج به .الثانية :أن فيه
ل بن معاذ وهو أيضا كذلك ،الثالثة :أن سعيد بن أبى مريم أحَد رواته لم يجزم بالرواية بل
أيضًا سه َ
ت نافع بن يزيد.
ن أنى سمع ُ
قال :أظ ّ
ى صلى ال عليه وسلم يقول:
ث الخر عن أنس :كان رجل يُمر بالنب ّ
ف ِمن هَذا الحدي ُ
وأضع ُ
ل َوَبَرَكاُته
حَمُة ا ِّ
سلُم َوَر ْ
ك ال ّ
عَلْي َ
عليه وسلمَ)) :و َ
صلى ال َ
ى َ
ل له النب ُ
ل ،فيقو ُ
ك يا رسول ا ّ
علَْي َ
سلُم َ
ال ّ
سّلم على هذا سلمًا ما ُتسّلمه على أحٍد من أصحابك؟
ل ؛ ُت َ
ضَواُنه(( فقيل له :يا رسول ا ّ
َوَمْغِفَرُته َور ْ
حاِبِه.
صَعَلى أ ْ
عى َ
ن َيْر َ
ل(( ،وَكا َ
جًشَر َر ُ
عَضَعَة َ
جِر ِب ْ
ف ِبَأ ْ
صِر ُ
كَ ،وُهَو َيْن َ
ن ذِل َ
فقال)) :وَما َيْمَنُعنى ِم ْ
فصل
فى التسليم ثلثًا
ل عليه وسلم أن ُيسّلَم ثلثًا كما فى ))صحيح البخارى(( عن أنس رضى
وكان من َهْديه صلى ا ّ
عْنُهَ ،وإَذا أَتى
حّتى ُتْفَهَم َ
عاَدَها َثلثًا َ
ل صلى ال عليه وسلم ))إَذا َتَكّلَم ِبَكِلَمٍة أ َ
لا ّ
ن رسو ُ
ل عنُه قال :كا َ
ا ّ
سّلَم َثلثًا(( ،ولعل هذا كان َهْدَيه فى السلم على الجمع الكثير الذين ل يبلُغهم
عَلْيِهُم َ
سّلَم َ
عَلى َقْوٍم َف َ
َ
صل به السماع كما سّلم
ل لم يح ُ
ن أن الو َ
سلم واحد ،أو َهْدَيه فى إسماع السلم الثانى والثالث ،إن ظ ّ
عبادة ثلثًا ،فلما لم ُيجبه أحد رجع ،وإل فلو كان َهْدُيه الدائُم التسليَم ثلثًا
لما انتهى إلى منزل سعد بن ُ
ل َمن لقيه ثلثَا ،وإذا دخل بيته ثلثًا ،وَمن تأمل
ن عليه كذلك ،وكان ُيسّلُم على ُك ّ
لكان أصحاُبه ُيسّلمو َ
ن تكرار السلِم كان منه أمرًا عارضًا فى بعض الحيان ،وا ّ
ل َهْدَيه ،عِلم أن المر ليس كذلك ،وأ ّ
أعلم.
231
فصل
فى بدئه َمن لقيه بالسلم والرد على التحية بمثلها أو أفضل منها
ل منها على الفور
ل تحيته أو أفض َ
وكان يبدأ َمن لقيه بالسلم ،وإذا سّلم عليه أحٌد ،رّد عليِه ِمث َ
من غير تأخير ،إل ِلعذر ،مثل حالة الصلة ،وحالة قضاء الحاجة.
وكان ُيسِمُع المسلم رّدُه عليه ،ولم يكن َيُرّد بيده ول رأسه ول أصبعه إل فى الصلة ،فإنه كان
ت ذلك عنه فى عدة أحاديث ،ولم يجئ عنه ما يعارضها إل بشئ
يرد على َمن سّلم عليه إشارة ،ثب َ
باطل ل يصح عنه كحديث يرويه أبو غطفان -رجل مجهول -عن أبى هريرة عنه صلى ال عليه
صلَتُه(( قال الدارقطنى :قال لنا ابن أبى داود:
عْنُهَ ،فْلُيِعْد َ
شاَرًة ُتْفهُم َ
لِتِه إ َ
صَشاَر فى َ
ن َأ َ
وسلمَ)) :م ْ
أبو غطفان هذا رجل مجهول ،والصحيح عن النبى صلى ال عليه وسلم أنه كان ُيشير فى الصلة،
رواه أنس وجابر وغيرهما عن النبى صلى ال عليه وسلم.
فصل
فى صفة السلم
ل(( ،وكان يكره أن يقول
حَمُة ا ِّ
عَلْيُكم َوَر ْ
سلُم َ
وكان َهْديه فى ابتداء السلم أن يقول)) :ال ّ
المبتدئ :عليك السلم.
ل،
ل ا ِّ
سو َ
لُم َيا َر ُ
سَك ال ّ
عَلي َ
تَ :
ى صلى ال عليه وسلم َفُقْل ُ
ت النب ّ
ى :أتي ُ
ى الُهجيم ّ
جَر ّ
قال أبو ُ
سلُم َتحيُة الَمْوَتى(( حديث صحيح.
ك ال ّ
عَلْي َ
ن َ
سلُمَ ،فإ ّ
ك ال ّ
عَلْي َ
ل َ
ل)) :ل َتُق ْ
َفَقا َ
ل عليه وسلم فى
ث على طائفة ،وظّنوُه معارضًا لما ثبت عنه صلى ا ّ
وقد أشكل هذا الحدي ُ
ك السلم َتحّيُة
عَلْيُكم(( بتقديم السلم ،فظنوا أن قوله)) :فإن علي َ
سلُم َ
السلم على الموات بلفظ)) :ال ّ
ن التعارض ،وإنما معنى قوله:
ظّطوا فى ذلك غلطًا أوجب لهم َ
الَمْوَتى(( إخبار عن المشروع ،وغِل ُ
ع ،أى :إن الشعراء وغيَرهم يحّيون
سلُم َتحّيُة الَمْوَتى(( إخبار عن الواقع ،ل المشرو ُ
ك ال ّ
عَلْي َ
ن َ
))فإ ّ
الموتى بهذه اللفظة ،كقول قائلهم:
حمـَـا
ن َيَتر ّ
حَمُتـُه َما شَـاَء أ ْ
َوَر ْ صٍم
عا ِ
ن َ
س ْب َ
ل َقْي َ
سلَُم ا ِّ
ك َ
عَلْي َ
َ
ن َقــْوٍم تهّدَمـا
َوَلكــّنُه ُبْنَيـا ُ حٍد
ك وا ِ
س ُهْلُكه ُهْل َ
ن َقْي ُ
َفَما َكا َ
232
ى صلى ال عليه وسلم أن ُيحّيى بتحية الموات ،وِمن كراهته لذلك لم يرّد على المسّلم
فكره النب ّ
بها.
ك(( على لفظ السلم.
عَلْي َ
سلُم(( بالواو ،وبتقديم )) َ
ك ال ّ
عَلْي َ
وكان يرّد على الُمسّلِمَ)) :و َ
عَلْي َ
ك لَ )) :
س هاهنا فى مسألة ،وهى لو حذف الراّد ))الواو(( فقا َ
وتكلم النا ُ
ن صحيحًا؟ فقالت طائفة منهم المتولى وغيُره :ل يكون جوابًا ،ول يسقط به فر ُ
ض ل يكو ُ
لُم(( َه ْ
سَال ّ
سـّنة الرّد ،ولنه ل ُيعلم :هل هو رد ،أو ابتداء تحية؟ فإن صورته صالحة لهما،
الرّد ،لنه مخاِلف ل ُ
عَلْيُكم(( فهذا تنبيٌه منه
بَ ،فُقوُلوا)) :و َ
ل الِكَتا ِ
عَلْيُكم َأْه ُ
سّلَم َ
ولن النبى صلى ال عليه وسلم قال)) :إَذا َ
ل السلم ،فإن ))الواو(( فى مثل هذا الكلم تقتضى تقريَر الول ،وإثبات
على وجوب الرّد على أه ِ
عَلْيُكم أْه ُ
ل سّلَم َ
ل)) :إَذا َ
الثانى ،فإذا ُأِمَر بالواو فى الرد على أهل الكتاب الذين يقولون :السام عليكم ،فقا َ
عَلْيُكم(( َفِذْكُرها فى الرّد على المسلمين أولى وأحرى.
بَ ،فُقوُلوا :و َ
الِكَتا ِ
وذهبت طائفة أخرى إلى أن ذلك رٌد صحيح ،كما لو كان بالواو ،ونص عليه الشافعى رحمه
ن * إْذ
ف إْبَراِهيَم الُمْكَرِمي َ
ضْي ِ
ث َ
حِدي ُ
ك َ
ل أَتا َ
ل فى كتابه الكبير ،واحتج لهذا القول بقوله تعالىَ} :ه ْ
ا ّ
ن
سَسلٌم أى :سلم عليكم ،ل بد من هذا ،ولكن ح ُ
ل َ
لمًا{ ]الذارياتَ ،[25-24 :قا َ
سَ
عَلْيِه َفَقاُلوا َ
خُلوا َ
َد َ
ف فى الرد ،لجل الحذف فى البتداء ،واحتجوا بما فى ))الصحيحين(( عن أبى هريرة عن النبى
الحذ ُ
عَلى ُأوَلِئ َ
ك سّلم َ
ب َف َ
ل َلُه :اْذَه ْ
خَلَقُهَ ،قا َ
ن ِذَراعًاَ ،فَلّما َ
سّتو َ
طوُلُه ِ
ل آَدَم ُ
ق ا ُّ
خَل َ
صلى ال عليه وسلم قالَ )) :
سلُم
عَلْيُكم َفَقاُلوا :ال ّ
سلُم َ
ل :ال ّ
ك ،فَقا َ
حّيُة ُذّرّيِت َ
ك َوَت ِ
حّيُت َ
كَ ،فإّنَها َت ِ
حّيوَن َ
سَتِمْع َما ُي َ
الّنَفر ِمن الَملِئَكِةَ ،فا ْ
ى صلى ال عليه وسلم أن هذه تحيُتُه وتحيُة
ل(( .فقد أخبَر النب ّ
حَمُة ا ِّ
لَ ،فَزاُدوُهَ)) :وَر ْ
حَمُة ا ّ
ك َوَر ْ
عَلْي َ
َ
ل ،فإذا ردّ
ن منها فض ً
ل ،وبأحس َ
عَلْيِه َمْأُموٌر أن ُيحّيى الُمسّلَم بمثل تحيته عد ً
ُذّريته ،قالوا :ولن المسّلم َ
ل.
عليه بمثل سلمه ،كان قد أتى بالعد ِ
ف فى لفظة
ث قد اخُتِل َ
عَلْيُكم(( ،فهذا الحدي ُ
ب َفُقوُلواَ :و َ
ل الِكَتا ِ
عَلْيُكْم َأْه ُ
سّلَم َ
وأما قوله)) :إَذا َ
ل بن
))الواو(( فيه ،فروى على ثلثة أوجه ،أحدها :بالواو ،قال أبو داود :كذلك رواه مالك عن عبد ا ّ
ل بن دينار ،فقال فيه)) :فعليكم(( ،وحديث سفيان فى ))الصحيحين((
دينار ،ورواه الثورى عن عبد ا ّ
ل بن دينار بإسقاط ))الواو(( ،وفى لفظ لمسلم والنسائى:
عيينة عن عبد ا ّ
ورواه النسائى من حديث ابن ُ
فقل)) :عليك(( -بغير واو.
233
وقال الخطابى :عامُة المحّدثين يروونه)) :وعليكم(( بالواو ،وكان سفيان ابن عيينة يرويه:
ب ،وذلك أنه إذا حذف الواو ،صار قولهم الذى قالوه بعينه مردودًا
))عليكم(( بحذف الواو ،وهو الصوا ُ
ف للعطف والجتماع
عليهم ،وبإدخال الواو يقع الشتراك معهم ،والدخول فيما قالوا ،لن الواو حر ٌ
بين الشيئين ...انتهى كلمه.
سام(( الكثرون على أنه الموت ،والمسّلم
وما ذكره من أمر الواو ليس بمشكل ،فإن ))ال ّ
ن لعدم الختصاص ،وإثبات المشاركة ،وفى
والمسّلم عليه مشتركون فيه ،فيكون فى التيان بالواو بيا ٌ
ن بالواو هو الصواب،
ق به وأولى من المسّلم عليه وعلى هذا فيكون التيا ُ
حذِفَها إشعار بأن المسّلم أح ّ
سام بالسآمة ،وهى المللة وسآمة الدين،
سر ال ّ
ن من حذفها ،كما رواه مالك وغيُرُه ،ولكن قد ُف ّ
وهو أحس ُ
ف المعروف من هذه اللفظة فى اللغة ،ولهذا
قالوا :وعلى هذا فالوجه حذف الواو ول بّد ،ولكن هذا خل ُ
ساَم(( ول يختلفون أنه الموت ،وقد ذهب
ل ال ّ
ل َداٍء إ ّ
ن ُك ّ
شَفاٌء ِم ْ
سْوَداَء ِ
حّبَة ال ّ
ن ال َ
جاء فى الحديث)) :إ ّ
سَلمة ،ورّد هذا الّرّد
سلم -بكسر السين -وهى الحجارة ،جمع ِ
بعض الُمتحذلقين إلى أنه يرد عليهم ال ّ
متعّين.
فصل
ل الِكتاب
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى السلم على أه ِ
ق،
طِري ِ
سلِمَ ،وإَذا َلقيُتموُهْم فى ال ّ
ل عليه وسلم أّنه قال)) :ل َتْبَدؤوُهْم ِبال ّ
ح عنه صلى ا ّ
صَّ
ق(( ،لكن َقد ِقيل :إن هذا كان فى قضيٍة خاصٍة لـّما ساُروا إلى بنى
طِري ِ
ق ال ّ
ضَي ِ
طروُهْم إَلى أ ْ
ضّ
فا ْ
ت حاُله
ن كاَن ْ
ص ِبَم ْ
ل الذّمة مطلقًا ،أو يخَت ّ
حْكٌم عام لْه ِ
سلم(( فهل هذا ُ
ل َتْبَدؤوُهْم بال ّ
ُقريظة قالَ )) :
ضُع نظر ،ولكن قد روى مسلم فى ))صحيحه(( من حديث أبى ُهريرة أن
ل أولئك؟ هذا مو ِ
بمثل حا ِ
حَدُهم فى
سلِمَ ،وإَذا َلِقْيُتم أ َ
صاَرى بال ّ
ل الّن َ
ل َتْبَدؤوا الَيُهوَد َو َ
ى صلى ال عليه وسلم قالَ )) :
النب ّ
ظاهر أن هذا حكم عام.
ضَيِقِه(( وال ّ
طّروُه إلى َأ ْ
ضَطريقَ ،فا ْ
ال ّ
ف فى ذلك ،فقال أكثُرهم :ل ُيبدؤون بالسلم ،وذهب آخرون إلى جواز
خَل ُ
ف وال َ
سَل ُ
وقد اختلف ال َ
حْيِريز ،وهو وجه فى مذهب
ن ُم َ
ابتدائهم كما ُيرّد عليهمُ ،روى ذلك عن ابن عباس ،وأبى ُأمامة ،واْب ِ
ن ذكر الرحمة ،وبلفظ
ك ،فقط بدو ِ
عَلْي َ
سلُم َ
ب هذا الوجه قالُ :يقال له :ال ّ
ل ،لكن صاح ُ
الشافعى رحمه ا ّ
الفراد ،وقالت طائفة :يجوُز البتداُء ِلمصلحة راجحة ِمن حاجة تكون له إليه ،أو خوف ِمن أذاه ،أو
234
ى :إن
ضى ذلكُ ،يروى ذلك عن إبراهيم الّنخعى ،وعلقَمة .وقال الوزاع ّ
ب يقت ِ
ِلقرابٍة بينهما ،أو ِلسب ٍ
صاِلحون.
ت ،فقد ترك ال ّ
ن ،وإن ترك َ
ت ،فقد سّلَم الصالحو َ
سّلْم َ
ب ،وقالت طائفة :ل يج ُ
ب واختلفوا فى وجوب الرد عليهم ،فالجمهوُر على وجوبه ،وهو الصوا ُ
ب على أهل البدع وأولى ،والصواب الول ،والفرق أّنا مأمورون بهجر أه ِ
ل الرّد عليهم ،كما ل يج ُ
البدع تعزيرًا لهم ،وتحذيرًا منهم ،بخلف أهل الذمة.
فصل
شِرِكي َ
ن ن ،والُم ْ
سِلِمي َ
ط ِمن الُم ْ
ل عليه وسلم -أنه مّر على مجلس فيه أخل ٌ
وثبت عنه -صلى ا ّ
سّلم علْيهم.
ن ،والَيُهوِدَ ،ف َ
لْوَثا ِ
عَبَدِة ا َ
َ
ن اّتَبَع الُهَدى((.
سلُم على َم ِ
غْيِرِه)) :ال ّ
ل َو َ
ح عنه أنه كتب إلى ِهَرق َ
وص ّ
فصل
فى هل يجزئ عن الجماعة إذا مروا أن ُيسّلم أحدهم
حُدُهم،
سّلَم َأ َ
ن ُي َ
عِة إَذا َمّروا أ ْ
جَما َ
ن ال َ
عِجِزىءُ َ
ل عليه وسلم -أنه قالُ)) :ي ْ
وُيذُكر عنه -صلى ا ّ
ض ِكفاية يقوُم فيه
ن قال :إن الرّد فر ُ
ث َم ْ
حُدُهم(( فذهب إلى هذا الحدي ِ
ن َيُرّد أ َ
سأ ْ
جُلو ِ
عن ال ُ
جِزىُء َ
َوُي ْ
الواحُد مقام الجميع ،لكن ما أحسنه لو كان ثابتًا ،فإن هذا الحديث رواه أبو داوَد ِمن رواية سعيد بن
خالد الخزاعى المدنى ،قال أبو زرعة الرازى :مدنى ضعيف ،وقال أبو حاتم الرازى :ضعيف
الحديث ،وقال البخارى :فيه نظر .وقال الدارقطنى :ليس بالقوى.
فصل
فى َهْديه إذ بّلغه أحد السلم عن غيره أن يرد عليه وعلى المبّلغ
ل عليه وسلم -إذا بّلَغُه أحٌد السلَم عن غيره أن يرّد عليه وعلى
وكان من َهْديه -صلى ا ّ
عَلى أِبي َ
ك ك َو َ
عَلْي َ
ل لُهَ )) :
سلَمَ ،فَقا َ
ك ال ّ
ن أبى ُيْقِرُئ َ
ل قال له :إ ّ
المبّلغ ،كما فى ))السنن(( أن رج ً
سلَم((.
ال ّ
ب منه ،كما هجر
سلم ابتداًء وَردًا على َمن أحدث حدثًا حتى يتو َ
ك ال ّ
وكان من َهْديه تر ُ
عَلْيِه أم ل؟.
سلِم َ
شفتيه برّد ال ّ
ك َ
حّر َ
ن مالك وصاحَبْيه ،وكان كعب ُيسّلم عليه ،ول َيدرى َهلْ َ
ببَ
كع َ
235
ل َهَذا
سْ
غِخّلقه أهُلُه بَزعفران ،فلم يرّد عليه ،فقال)) :اْذهبْ فا ْ
ن ياسٍر ،وقد َ
وسّلم عليه عماُر ب ُ
ك((.
عْن َ
َ
طى صفّية ظَهرًا(( لما اعت ّ
ل عِض الثالث لـّما قال لها)) :أ ْ
وهجر زينب بنت جحش شهرين وبع َ
ك اليهوِدّيَة؟ ،ذكرهما أبو داود.
طى ِتْل َ
عِبعيُرهاَ ،فَقالت :أَنا أ ْ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى الستئذان
جْع((.
ل فاْر ِ
ك َوإ ّ
ن َل َ
ن ُأِذ َ
ثَ ،فإ ْ
ل ٌ
ن َث َ
سِتئَذا ُ
ل عليه وسلم -أنه قال)) :ال ْ
ح عنه -صلى ا ّ
وص ّ
صر((.
ل الَب َ
جِنأ ْ
ن ِم ْ
سِتْئَذا ُ
ل ال ْ
جعِ َ
ل عليه وسلم -أنه قال)) :إّنَما ُ
ح عنه -صلى ا ّ
وص ّ
حٍر فى حجرته،
جْن ُ
ظر إَلْيِه ِم ْ
ن اّلِذى َن َ
عْي َ
ل عليه وسلم -أنه أراد أن يَفَقأ َ
ح عنه -صلى ا ّ
وص ّ
صر((.
ل الَب َ
جِنأ ْ
ن ِم ْ
سِتْئَذا ُ
ل ال ْ
جِع َ
وقال)) :إّنَما ُ
عْيَنُهَ ،لْم َيُك ْ
ن ت َ
صاٍة َفَفَقْأ َ
ح َ
خَذْفَتُه ِب َ
نَ ،ف َ
ك ِبَغْيِر إْذ ٍ
عَلْي َ
طَلَع َ
ن اْمرءًا ا ّ
ح عنه أنه قالَ)) :لْو أ ّ
وص ّ
ح((.
جَنا ٌ
ك ُ
عَلْي َ
َ
عْيَنُه((.
ن َيْفَقؤوا َ
ل َلُهْم أ ْ
حّعَلى َقْوٍم فى َبْيِتِهْم ِبَغْيِر إْذِنِهمَ ،فَقْد َ
طَلَع َ
نا ّ
ح عنه أنه قالَ)) :م ِ
وص ّ
ل ِديَة َلُه ،ول
عْيَنُه ،ف َ
ت َقْوٍم ِبَغْيِر إْذِنِهْمَ ،فَفَقؤوا َ
طَلَع فى َبْي ِ
نا ّ
ح عنه أنه قالَ)) :م ِ
وص ّ
ص((.
صا َ
ِق َ
ج؟ فقال
لَ :أَأِل ُ
ل ،فقا َ
ل وتعليمًا ،واستأذن عليه رج ٌ
وصح عنه :التسليُم قبل الستئذان فع ً
سلُم
ل َلُه :قل :ال ّ
سِتْئَذان((َ ،فَقا َ
ج إلى َهَذاَ ،فَعّلْمُه ال ْ
خُر ْ
ل)) :ا ْ
جٍل صلى ال عليه وسلم ِلَر ُ
لا ّ
رسو ُ
ل.
خَ
ن له النبى صلى ال عليه وسلم َفَد َ
ل؟ َفَأِذ َ
خُعَلْيُكمَ ،أَأْد ُ
سلُم َ
ل :ال ّ
لَ ،فَقا َ
جُخل؟ فسمعه الّر ُ
عَلْيُكْمَ ،أَأْد ُ
َ
ك َيا
عَلْي َ
سلُم َ
ساِئِه ،قال :ال ّ
ن ِن َ
شُرِبَتِه ُمؤِليًا ِم ْ
ل عنه ،وهو فى َم ْ
ىا ّ
ضَعَمُر َر ِ
ن عليه ُ
سَتْأَذ َ
ولـّما ا ْ
عَمُر؟.
ل ُ
خُسلُم عليكم ،أَيْد ُ
ل ،ال ّ
رسول ا ّ
ل:
حْنَبل لما دخل عليه ولم ُيسّلم)) :اْرجْع َفقُ ْ
ن َ
ل عليه وسلم ِ -لَكَلَدَة ْب ِ
وقد تقّدم قولُه -صلى ا ّ
خل((؟.
عَلْيُكم َأَأْد ُ
سلُم َ
ال ّ
236
وفى هذه السنن رٌد على َمن قالُ :يقّدُم الستئذان على السلم ،ورٌد على َمن قال :إن وقعت
سلم ،وإن لم تقع عينه عليه ،بدأ بالستئذان ،والقولن،
عيُنه على صاحب المنزل قبل دخوله ،بدأ بال ّ
سـّنة.
مخالفان لل ّ
ن ثلثًا ولم ُيؤذن له ،انصرف ،وهو
ل عليه وسلم -إذا استأَذ َ
وكان من َهْديه -صلى ا ّ
ظ آخر،
ن أنهم لم يسمعوا ،زاد على الثلث ،ورٌد على َمن قالُ :يعيُدُه بلف ٍ
رٌد على َمن يقول :إن ظ ّ
سـّنة.
والقولن مخالفان لل ّ
فصل
سِئل عن اسمه
فى المستأِذن كيف يرد إذا ُ
ن فلن ،أو يذكر ُكنيته ،أو َلقبه،
نبُ
ت؟ يقول :فل ُ
ن أْن َ
ل لهَ :م ْ
ن إذا ِقي َ
وكان من َهْديه أن المستأِذ َ
ن؟ فقال:
ب السماء فسألوهَ :م ْ
ل للملئكة فى ليلة المعراج لما استفتح با َ
جْبِري ُ
ول يقول :أنا ،كما قال ِ
ل ،واستمر ذلك فى كل سماء سماء.
جبري ُ
ِ
سَتان ،وجاء أبو بكر
جَلس النبى صلى ال عليه وسلم فى الُب ْ
وكذلك فى ))الصحيحين(( لما َ
لَ)) :من((؟ قال:
ن فقا َ
ل عنه ،فاستأذن فقالَ)) :من((؟ قال :أبو بكر ،ثم جاء عمر ،فاستأذ َ
رضى ا ّ
ن كذلك.
عمر ،ثم عثما ُ
ب فقالَ)) :من
ت البا َ
ت النبى صلى ال عليه وسلم ،فدقق ُ
وفى ))الصحيحين(( ،عن جابر :أتي ُ
ل)) :أَنا أَنا((َ ،كَأّنُه َكِرَهَها.
ذا((؟ فقلت :أَناَ ،فَقا َ
ن هِذِه((؟ قالتُ :أّم هانئ ،فلم يكره ِذكرها الُكنية ،وكذلك
ولما استأذنت ُأّم هانئ ،قال لهاَ)) :م ْ
ن َهَذا((؟ قال :أبو قتادة.
لَ :أُبو ذر ،وكذلك لما قال لبى قتادةَ)) :م ْ
ن َهَذا((؟ َقا َ
لما قال لبى ذرَ)) :م ْ
فصل
فى أن رسول الرجل إلى الرجل إذن له
ل عليه وسلم -من حديث قتادة ،عن أبى رافع ،عن أبى
وقد روى أبو داود عنه -صلى ا ّ
جاَء َمَع
طَعاٍمُ ،ثّم َ
حُدُكم إلى َ
ىأ َ
ل إْذُنه(( .وفى لفظ)) :إَذا ُدعِ َ
جِل إَلى الّر ُ
جُل الّر ُ
سو ُ
ُهريرةَ)) :ر ُ
ت أبا داود يقول :قتادة لم
ن َلُه .وهذا الحديث فيه مقال ،قال أبو على اللؤلؤى :سمع ُ
ك إْذ ٌ
ن ذِل َ
لَ ،فإ ّ
سو ِ
الّر ُ
237
يسمع من أبى رافع .وقال البخارى فى ))صحيحه(( :وقال سعيد :عن قتادة ،عن أبى رافع ،عن أبى
هريرة ،عن النبى صلى ال عليه وسلم)) :هو إذنه(( ،فذكره تعليقًا لجل النقطاع فى إسناده.
ل على أن اعتبار الستئذان بعد الدعوة ،وهو حدي ُ
ث وذكر البخارى فى هذا الباب حديثًا يد ّ
ب إلى
ت لبنًا فى قدح ،فقال)) :اْذَه ْ
ت مع النبى صلى ال عليه وسلم ،فوجد ُ
مجاهد عن أبى هريرة :دخل ُ
خُلوا .وقد قالت
ى(( قالَ :فَأَتْيُتهم ،فدعوُتهم ،فأقبلوا ،فاستأذنوا ،فأذن لهم ،فد َ
صّفة ،فاْدعُهُم إل ّ
ل ال ّ
أْه ِ
طائفٌة :بأن الحديثين على حالين ،فإن جاء الداعى على الفور ِمن غير تراخ ،لم يحتج إلى استئذان،
ج إلى استئذان.
ت ،احتا َ
وإن تراخى مجيئه عن الدعوة ،وطال الوق ُ
ن له قبل مجئ المدعو ،لم يحتج إلى استئذان آخر،
وقال آخرون :إن كان عند الداعى َمن قد أِذ َ
ن له ،لم يدخل حتى يستأذن.
وإن لم يكن عنده َمن قد أِذ َ
)يتبع(...
سُ
كل صلى ال عليه وسلم ،إذا دخل إلى َمَكان ُيحب النفراد فيه ،أَمَر َمن ُيْم ِ
لا ّ
وكان رسو ُ @
ل عليه أحد إل بإذن.
ب ،فلم َيدخ ْ
البا َ
فصل
حُلم
ك وَمن لم يبلغ ال ُ
فى الستئذان الذى أمر ال به الممالي َ
ل الفجر،
ث :قب َ
ت الثل ِ
حُلَم ،فى العورا ِ
ن لم َيْبُلِغ ال ُ
ك ،وَم ْ
ل به الممالي َ
ن الذى أمر ا ّ
وأما الستئذا ُ
ل بها ،فقالت طائفة:
س العم َ
ن عباس يأمُر به ،ويقول :ترك النا ُ
ت الظهيرة ،وعند النوم ،فكان اب ُ
ووق َ
ب وإرشاد ،ل حتم وإيجاب ،وليس معها ما يدل
حجة ،وقال طائفة :أمُر ند ٍ
تبُ
اليُة منسوخة ،ولم تأ ِ
ل ،فيستأِذنون
على صرف المر عن ظاهره ،وقالت طائفة :المأمور بذلك النساُء خاصة ،وأما الرجا ُ
فى جميع الوقات ،وهذا ظاهُر البطلن ،فإن جمع ))الذين(( ل يختص به المؤنث ،وإن جاز إطلُقه
عليهن مع الذكور تغليبًا .وقالت طائفة عكس هذا :إن المأموَر بذلك الرجال دون النساء ،نظرًا إلى لفظ:
ق الية يأباه فتأمله.
))الذين(( فى الموضعين ،ولكن سيا ُ
وقالت طائفة :كان المُر بالستئذان فى ذلك الوقت للحاجة ،ثم زالت ،والحكُم إذا ثبت بعّلٍة زال
بزوالها ،فروى أبو داود فى ))سننه(( أن نفرًا من أهل العراق قالوا لبن عباس :يا ابن عباس ،كيف
ن َمَلَك ْ
ت سَتْأِذْنُكُم اّلِذي َ
ن آَمُنوْا ِلَي ْ
ل بها أحٌدَ} :يأّيها اّلِذي َ
ترى هذه الية التى ُأِمْرَنا فيها ِبَما ُأِمْرَنا ،ول َيعم ُ
238
سْتَر ،وكان
ب ال ّ
ح ّ
حكيٌم رحيٌم بالمؤمنينُ ،ي ِ
ل َ
ن عباس :إن ا ّ
َأْيَماُنُكْم] { ...النور [58 :الية .فقال اب ُ
ل على أهله،
ل الخاِدُم ،أو الولُد أو يتيُمة الرجل ،والرج ُ
جال ،فربَما دخ َ
حَسُتور ول ِ
س ليسَ ِلبُيوتهم ُ
النا ُ
ل بذلك َبْعُد.
سُتور والخير ،فلم أر أحدًا َيْعَم ُ
ل بال ّ
ت ،فجاءهم ا ُّ
ل بالستئذان فى تلك الَعَوَرا ِ
فأمرهم ا ُّ
عكرمة ،ولم يصنع شيئًا ،وطعن فى
ت هذا عن ابن عباس ،وطعن فى ِ
ضهم ثبو َ
وقد أنكر بع ُ
عْمرو بن أبى عمرو مولى المطلب ،وقد احتج به صاحبا الصحيح ،فإنكاُر هذا تعّنت واستبعاد ل وجه
َ
له.
ل بها واجب ،وإن تركه أكثُر
ض لها ول دافع ،والعم ُ
وقالت طائفة :الية محكمة عامة ل ُمعاِر َ
الناس.
حه دليل على الدخول ،أو
ن من فتح باب فت ُ
والصحيح :أنه إن كان هناك ما يقوم مقاَم الستئذا ِ
رفع ستر ،أو ترّدد الداخل والخارج ونحوه ،أغنى ذلك عن الستئذان ،وإن لم يكن ما يقوُم مقامه ،فل
ل أعلم.
جَد الحكُم ،وإذا انتفت انتفى .وا ّ
تُ ،و ِ
جَد ْ
ل بعّلة قد أشارت إليها الية ،فإذا ُو ِ
ُبد منه ،والحكم معّل ٌ
فصل
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فى أذكار العطاس
حُدُكم
س َأ َ
ط َ
عَبَ ،فإَذا َ
سَ ،وَيْكَرُه الّتَثاؤ َ
طا َ
ب الُع َ
ح ّ
ل ُي ِ
نا ّ
ل عليه وسلم)) :إ ّ
ثبت عنه صلى ا ّ
ب ،فإّنَما ُهَو ِم َ
ن ل ،وأّما الّتَثاُؤ ُ
ك ا ُّ
حُم َ
ل َلُهَ :يْر َ
ن َيُقو َ
سِمَعُه أ ْ
سِلم َ
ل ُم ْ
عَلى ُك ّ
حّقا َ
ن َ
لَ ،كا َ
حِمَد ا ّ
َو َ
ن(( ذكره
طا ُ
شْي َ
ك ِمْنُه ال ّ
حَ
ضِبَ ،
حَدُكم إَذا َتَثاَء َ
ن َأ َ
عَ ،فإ ّ
طا َ
سَت َ
ب أحُدُكمَ ،فْلَيُرّدُه َما ا ْ
نَ ،فإَذا َتَثاَء َ
طا ِ
شْي َ
ال ّ
البخارى.
حُبُه:
صا ِ
خوُه َأوْ َ
ل َلُه َأ ُ
لَ ،وْلَيُق ْ
حْمُد ِّ
ل :ال َ
حُدُكم َفْلَيُق ْ
س َأ َ
ط َ
عَوثبت عنه فى ))صحيحه(()) :إذا َ
صِلحُ َباَلُكم((.
ل َوُي ْ
لَ ،فْلَيُقلَ :يْهِديُكم ا ُّ
ك ا ُّ
حُم َ
ل َلُهَ :يْر َ
لَ ،فإَذا َقا َ
ك ا ُّ
حُم َ
َيْر َ
خر،
ت ال َ
حَدُهَما ،ولم ُيشّم ِ
تأ َ
ن ،فشّم َ
جل ِ
عْنَدُه َر ُ
س ِ
ط َ
عَوفى ))الصحيحين(( عن أنس)) :أنه َ
حَمِد
ت َلْم َت ْ
ل ،وأْن َ
حِمَد ا َّ
لَ)) :هَذا َ
شّمْتِنىَ ،فَقا َ
تَ ،فَلْم ُت َ
س ُ
طْعَ
شّمّتُهَ ،و َ
ن َف َ
س ُفل ٌ
ط َ
عَشّمْتُهَ :
ل اّلذى لم ُي َ
َفَقا َ
ل((.
ا ّ
لَ ،ف َ
ل حَمِد ا ّ
ن َلْم َي ْ
شّمُتوُه ،فإ ْ
لَ ،ف َ
حِمَد ا َّ
حُدُكم َف َ
سأَ
ط َ
عَوثبت عنه فى ))صحيح مسلم(()) :إذا َ
شّمُتوُه((.
ُت َ
239
ح الصلُة خلفه ،فهو الذى ل ُيصحح الفاتحة ،ولو كان عالمًا بعلوم
صّى الذى ل َت ِ
لّم ّ
وأّما ا ُ
كثيرة.
ك،
ن َأِبي َ
ض َه َ
ض ْ
ن الب لمن تعّزى بعزاِء الجاهلية فيقال له :اع ُ
لم هاهنا ذكُر َه ِ
ونظيُر ذكر ا ُ
ج منه ،وهو
خَر َ
ن الب هاهنا أحسن تذكيرًا لهذا المتكّبِر بدعوى الجاهلية بالُعضو الذى َ
ن ِذكُر َه ِ
وَكا َ
ق على ُأّميته.
ن تذكيرًا له ،بأنه با ٍ
لم هاهنا أحس ُ
طْوَرُه ،كما أن ِذكَر ا ُ
ل َيْنَبِغى َلُه أن يتعّدى َ
ن أبيهَ ،ف َ
َه ُ
ل أعلم بمراد رسوله صلى ال عليه وسلم.
وا ّ
س نعمُة ومنفعُة بخروج البخرة المحتِقنة فى
س قد حصلت له بالُعطا ِ
ط ُ
ولما كان العا ِ
ل على َهِذِه النعمة مع بقاء أعضائه
ع له حمُد ا ّ
شر َ
سَرًةُ ،
عِِدماغه التى لو بقيت فيه أحدثت له أدواًء َ
على التئامها وهيئتها بعد هذه الزلزلة التى هى للبدن كزلزلة الرض لها.
ى واحد ،قاله أبو
ولهذا يقال :سّمته وشّمته -بالسين والشين -فقيل :هما بمعن ً
ت،
سم ِ
حسن ال ّ
ت .وقيل :بالمهملة دعاء له ب ُ
سّم ٌ
ت وُم َ
ع بخير ،فهو ُمشّم ٌ
ل دا ٍ
عبيدة وغيره .قال :وك ّ
وبعوده إلى حالته من السكون والدعة ،فإن الُعطاس ُيحدث فى العضاء حركًة وانزعاجًا .وبالمعجمة:
ت به أعداَءه ،فشّمته :إذا أزال عنه الشماتة ،كقّرد البعيَر :إذا
ل عنه ما ُيشّم ُ
فا ّ
دعاء له بأن يصر َ
أزال ُقراَده عنه.
ل ،مأخوذ من الشواِمت ،وهى القوائم.
وقيل :هو دعاء له بثباته على قوائمه فى طاعة ا ّ
ل على ِنعمة الُعطاس ،وما حصل له به من
ن ،لغاظته بحْمِد ا ِّ
ت له بالشيطا ِ
وقيل :هو تشمي ٌ
س الُعطاس
حِمَده ،ساء ذلك الشيطان من وجوه ،منها :نف ُ
لو َ
ل ُيحبه ،فإذا ذكر العبُد ا َّ
ل ،فإن ا ّ
با ّ
محا ّ
ح البال،
ل عليه ،ودعاُء المسلمين له بالرحمة ،ودعاؤه لهم بالهداية ،وإصل ُ
ل ،وحمُد ا ِّ
الذى ُيحّبه ا ُّ
ت المؤمن بغيظ عدوه وحزنه وكآبته ،فسمى الدعاُء له
وذلك ُكّله غائظ للشيطان ،محزن له ،فتشمي ُ
س والمشّمت،
ط ُ
بالرحمة تشميتًا له ،لما فى ضمنه من شماتته بعدوه ،وهذا معنى لطيف إذا تنبه له العا ِ
ل له ،فِلّلِه
سّر فى محبة ا ّ
ت عندهما منفعُة نعمِة الُعطاس فى البدن والقلب ،وتبّين ال ّ
ظَم ْ
عُانتفعا به ،و َ
عّز جلله.
الحْمُد الذى هو أهُله كما ينبغى لكريم وجهه و ِ
فصل
فى غض الصوت فى الُعطاس
241
ل عليه وسلم -فى الُعطاس ما ذكره أبو داود والترمذى ،عن أبى
وكان من َهْديه -صلى ا ّ
ض ،أو
خَف َ
عَلى ِفيِهَ ،و َ
طسَ ،وضََع َيَدُه أْو َثْوَبُه َ
عَل صلى ال عليه وسلم ))إَذا َ
لا ّ
سو ُ
ن َر ُ
هريرة :كا َ
صْوَته(( .قال الترمذى :حديث صحيح
ض ِبِه َ
غ ّ
َ
ن.
طا ِ
ن الشّْي َ
شِديَدَة ِم َ
سَة ال ّ
طَشِديَد ،والَع ْ
ب ال ّ
ن الَتَثاُؤ َ
ل عليه وسلم :-أ ّ
وُيذكر عنه -صلى ا ّ
س.
طا ِ
ب والُع َ
ت ِبالّتَثاُؤ ِ
صْو ِ
ل َيْكَرُه َرْفَع ال ّ
نا ّ
وُيذكر عنه :أ ّ
ل:
خَرى ،فقا َ
س ُأ ْ
ط َ
عَل((ُ .ثّم َ
ك ا ُّ
حُم َ
ل ،فقال لهَ)) :يْر َ
س عنده رج ٌ
ح عنه :أنه عط َ
وص ّ
ن سلمة بن
عْل َمْزُكوم(( .هذا لفظ مسلم أنه قال فى المرة الثانية ،وأما الترمذى :فقال فيه َ
جُ))الّر ُ
ل صلى ال عليه
لا ّ
ل رسو ُ
ل صلى ال عليه وسلم وأنا شاهد ،فقا َ
لا ّ
عند رسو ِ
ل ِ
طس رج ٌ
عَالكوعَ :
جٌ
ل ل صلى ال عليه وسلمَ)) :هَذا َر ُ
لا ّ
سو ُ
لرُ
س الّثاِنَيَة والّثاِلَثَةَ ،فَقا َ
ط َ
عَل((ُ ،ثّم َ
ك ا ُّ
حُم َ
وسلمَ)) :يْر َ
َمْزُكوٌم(( .قال الترمذى :هذا حديث حسن صحيح.
ك ثلثًا،
خا َ
شّمتْ أ َ
وقد روى أبو داود عن سعيد بن أبى سعيد ،عن أبى هريرة موقوفًا عليهَ )) :
َفَما َزاَدَ ،فُهَو ُزَكاٌم((.
وفى رواية عن سعيد ،قال :ل أعلمه إل أنه رفع الحديث إلى النبى صلى ال عليه وسلم بمعناه.
قال أبو داود :رواه أبو نعيم ،عن موسى بن قيس ،عن محمد بن عجلن ،عن سعيد ،عن أبى هريرة،
عن النبى صلى ال عليه وسلم ..انتهى.
وموسى بن قيس هذا الذى رفعه هو الحضرمى الكوفى ُيعرف بُعصفور الجّنة .قال يحيى ابن
معين :ثقة .وقال أبو حاتم الرازى :ل بأس به.
شّم ُ
ت عبيد بن ِرفاعة الّزَرقى ،عن النبى صلى ال عليه وسلم ،قالُ)) :ت َ
وذكر أبو داود ،عن ُ
عّلتان ،إحداهما :إرساله ،فإن عبيدًا هذا
ف(( ،ولكن له ِ
ت َفُك ّ
شْئ َ
ن ِ
شّمْتُه ،وإ ْ
تَ ،ف َ
شْئ َ
ن ِ
س َثلثًاَ ،فإ ْ
ط َ
الَعا ِ
ليست له صحبة ،والثانية :أن فيه أبا خالد يزيد بن عبد الرحمن الدالنى ،وقد تكلم فيه.
ن زاَد
سه ،فإ ْ
جِلي ُ
شّمْتُه َ
حُدُكمَ ،فْلُي َ
سأَ
ط َ
وفى الباب حديث آخر ،عن أبى هريرة يرفعه)) :إَذا عَ َ
ث أبى داود الذى قال فيه:
ث هو حدي ُ
شّمْتُه َبْعَد الّثلث(( ،وهذا الحدي ُ
عَلى الّثلَثِةَ ،فُهَو َمْزُكوٌم ،ول ُت َ
َ
رواه أبو نعيم ،عن موسى بن قيس ،عن محمد بن عجلن ،عن سعيد ،عن أبى هريرة ،وهو حديث
حسن.
242
غْيِر
ن َ
حُدُكم ِبالْمرَ ،فْلَيْرَكْع َرْكَعَتْينِ ِم ْ
ل عليه وسلم -أنه قال)) :إَذا َهّم أ َ
ح عنه -صلى ا ّ
صّ
ظيِمَ ،فإّن َ
ك ك الَع ِ
ضِل َ
ن َف ْ
ك ِم ْ
سَأُل َ
كَ ،وَأ ْ
ك ِبُقْدَرِت َ
سَتْقِدُر َ
كَ ،وَأ ْ
ك ِبِعْلِم َ
خِيُر َ
سَت ْ
ل :الّلُهّم إّنى َأ ْ
ضِةُ ،ثّم ْلَيُق ْ
الَفِري َ
خْيٌر لى فى دينى
ن َهَذا الْمَر َ
ت َتْعَلم أ ّ
ن كُْن َ
لُم الُغيوب ،الّلُهّم إ ْ
عّ
ت َ
عَلُمَ ،وَأْن َ
ل َأ ْ
ل َأْقِدُرَ ،وَتْعَلُم َو َ
َتْقِدُر َو َ
شرًا لى فى
ت َتْعَلُمه َ
ن ُكْن ُ
ك لى فيه ،وإ ْ
سْرُه لىَ ،وَباِر ْ
جِلِهَ ،فاْقُدْرُه لىَ ،وًَي ّ
ل أْمِرى َوآ ِ
جِعا ِ
شىَ ،و َ
َوَمَعا ِ
نُ ،ثّم
ث َكا َ
حْي ُ
خْيَر َ
عْنٌُهَ ،واْقُدْر لى ال َ
صِرْفِنى َ
صِرْفُه عّنىَ ،وا ْ
جِلِهَ ،فا ْ
ل أْمِرى َوآ ِ
عاج ِ
ِديِنى وَمَعاشىَ ،و َ
سّمى حاجته ،قال :رواه البخارى.
ضنى به(( قال :وُي َ
َر ّ
ل الجاهلية من زجر
ل صلى ال عليه وسلم ُأّمته بهذا الدعاء ،عما كان عليه أه ُ
فعّوض رسول ا ّ
علمَ
ن المشركين ،يطُلبون بها ِ
طْيِر والستسقاِم بالزلم الذى نظيُره هذه القرعة التى كان يفعُلها إخوا ُ
ال ّ
سم ،والسين فيه للطلب،
سمى ذلك استقسامًا ،وهو استفعال من الَق ْ
سَم لهم فى الغيب ،ولهذا ُ
ما ُق ِ
ل ِلمن بيده الخيُر كّلُه ،الذى ل
ل ،وسؤا ٌ
وعّوضهم بهذا الدعاء الذى هو توحيٌد وافتقاٌر ،وعبوديٌة وتوّك ٌ
سها
طع أحٌد حب َ
ف السيئات إل ُهو ،الذى إذا فتح لعبده رحمة لم يست ِ
ت إل هو ،ول يصِر ُ
يأتى بالحسنا ِ
عنه ،وإذا أمسكها لم يستطع أحٌد إرساَلها إليه من التطيِر والّتْنجيِم ،واختياِر الطالع ونحوه .فهذا الدعاُء،
ل الحسنى ،ل طاِلع أهل
ن السعيد ،طاِلُع أهل السعادة والتوفيق ،الذين سبقت لهم من ا ّ
هو الطاِلُع الميمو ُ
ل إلهًا آخر ،فسوف يعلمون.
خذلن ،الذين يجعلون مع ا ّ
شرك والشقاء وال ِ
ال ِ
ت كماله من كمال الِعلم والُقدرة
فتضمن هذا الدعاُء القرار بوجوده سبحاَنه ،والقراَر بصفا ِ
عهدة
ج من ُ
ل عليه ،والخرو َ
ض المر إليه ،والستعانَة به ،والتوّك َ
والرادة ،والقرار بربوبيته ،وتفوي َ
ف العبد بعجزه عن علمه بمصلحة نفسه وقدرته عليها،
حْول والقوة إل به ،واعترا َ
نفسه ،والتّبّرى ِمن ال َ
ق.
طِرِه وإلهِه الح ّ
وإرادِتِه لها ،وأن ذلك كّله بيد َولّيه واف ِ
وفى ))مسند المام أحمد(( من حديث سعد بن أبى وقاص ،عن النبى صلى ال عليه وسلم أنه
ل،
خاَرِة ا ّ
سِت َ
كا ْ
ن آَدَم َتْر ُ
شَقاَوِة اْب ِ
ن َ
ل ،وِم ْ
ضى ا ّ
ضاُه بما َق َ
ل ور َ
خاَرُة ا ِّ
سِت َ
ن آَدَم ا ْ
سَعاَدِة اْب ِ
ن َ
قالِ)) :م ْ
ل((.
ضى ا ّ
طُه ِبَما َق َ
خُسَ
َو َ
ن الستخارة قبله ،والّرضا بما
فتأمل كيف وقع المقدور مكتنفًا بأمرين :التوكل الذى هو مضمو ُ
ك التوكل والستخارة قبله،
ن السعادة .وعنوان الشقاء أن يكتِنَفه تر ُ
ل له بعده ،وهما عنوا ُ
يقضى ا ّ
والسخط بعده ،والتوّكل قبل القضاء .فإذا ُأبرم القضاء وتم ،انتقلت العبودية إلى الرضا بعده ،كما فى
244
فصل
جَله فى الركاب
فى ما يقوله إذا وضع ِر ْ
ظْهِرَها،
عَلى َ
سَتَوى َ
سِم ال((َ ،فإَذا ا ْ
ب َداّبِتِه ،قالِ)) :ب ْ
ب ِلُرُكو ِ
جَله فى الّرَكا ِ
ضَع ِر ْ
ن إَذا َو َ
وكا َ
خَر َلَنا َهَذاَ ،وَما ُكّنا َلُه
سّن اّلِذى َ
حا َ
سْب َ
لُ )) :
ل((َ -ثلثًا)) -ال أْكَبُر((َ -ثلثًاُ ،ثّم َيُقو ُ
حْمُد ِّ
ل)) :ال َ
َقا َ
ن
حا َ
سْب َ
لُ )) :
ل((َ -ثلثًا)) -ال أْكَبُر(( َثلثًا ،ثّم َيُقو ُ
حْمُد ِّ
ل)) :ال َ
ن ،وإّنا إَلى َرّبَنا َلُمْنَقِلُبون(( -ثّم يقو ُ
ُمْقِرِني َ
سى،
ت َنفْ ِ
ظَلْم ُ
ك إّنى َ
حاَن َ
سْب َ
نُ ،
ظاِلِمي َ
ن ال ّ
ت ِم َ
ك إّنى ُكْن ُ
حاَن َ
سْب َ
ت ُ
ل أْن َ
ال(( -ثلثًا ،ثّم يقول)) :ل إَله إ ّ
ت((.
ل أْن َ
بإ ّ
غِفْر ِلى ،إّنه ل َيْغِفُر الّذنو َ
َفا ْ
ك((.
عَمِل َ
خواتيَم َ
كَ ،و َ
ك َوَأَماَنَت َ
ع ال ِديَن َ
سَتْوِد ُ
ل لحدهمَ)) :أ ْ
ع أصحاَبه فى السفر يقو ُ
ن إَذا وّد َ
وكا َ
ك ال الّتقَْوى(( .قال:
سَفرًاَ ،فَزّوْدِنى .فقالَ)):زّوَد َ
ل ال :إّنى ُأِريُد َ
وجاء إليه رجل وقال :يا رسو َ
ت((.
حْيُثَما ُكْن َ
خْيَر َ
ك ال َ
سَر َل َ
ك(( .قال :زدنى .قال)) :وَي ّ
ك َذْنَب َ
غَفَر َل َ
ِزْدِنى .قالَ)) :و َ
ف(( ،فلّما
شَر ٍ
ل َ
عَلى ُك ّ
وقال له رجل :إّنى أريُد سفرًا ،فقالُ)) :أوصيك بتْقَوى ال ،والّتْكِبيِر َ
سَفَر((.
عَلْيِه ال ّ
ن َ
ضَ ،وَهّو ْ
لْر َ
وّلى ،قال)) :الّلُهّم اْزِو َلُه ا َ
حوا،
طوا ،سّب ُ
علُوا الثنايا ،كّبُرواَ ،وإَذا هََب ُ
ى صلى ال عليه وسلم وأصحاُبه ،إَذا َ
وكان النب ّ
فوضعت الصلة على ذلك.
شزًا قال)) :الّلُهّم َل َ
ك ض ،أو َن ْ
ن الْر ِ
شَرفًا ِم َ
عل َ
ى صلى ال عليه وسلم إذا َ
وقال أنس :كان النب ّ
حْمٍد((.
ل َ
عَلى ُك ّ
حْمُد َ
ك ال َ
فَ ،وَل َ
شَر ٍ
ل َ
عَلى ك ّ
ف َ
شَر ُ
ال ّ
ن يقول)) :ل
ك ،وَكا َ
ق ذل َ
سيَر فو َ
جَد فجوًةَ ،رَفَع ال ّ
ق ،فإَذا َو َ
جه الَعَن َ
حّوكان سيُره فى َ
س((.
جَر ٌ
ب َول َ
ب الَملِئَكُة رْفَقًة فيها َكْل ٌ
ح ُ
صََت ْ
حَدِة
س ما فى الو ْ
لَ)) :لْو َيْعَلُم الّنا َُ
حَدُه أن يسيَر بالليل ،فقا َ
سافر و ْ
وكان يكرُه للُم َ
ل((.
حَده ِبَلْي ٍ
حٌد َو ْ
سار أ َ
ما َ
لَثُة
ن ،والّث َ
طاَنا ِ
شْي َ
ن َ
ن والْثَنا ِ
طا ٌ
شْي َ
حَد َ
ن الَوا ِ
بل كان َيْكَرُه السفَر للواحد بل رفقة ،وأخبر)) :أ ّ
ب((.
َرْك ٌ
246
ق،
خَل َ
شّر ما َ
ن َ
ت ال الّتاّمات ِم ْ
عوُذ بَكلما ِ
لَ :أ ُ
ل َفْلَيُق ْ
حُدُكْم َمْنِز ً
لأَ
وكان يقول)) :إَذا َنَز َ
ت ال الّتاّما ِ
ت عوُذ ِبَكِلَما ِ
ل :أ ُ
ل ثم َقا َ
ل َمْنِز ً
ن َنَز َ
ل ِمْنُه(( .ولفظ مسلمَ)) :م ْ
حَحّتى َيْرَت ِ
شئ َ
َفإّنُه ل َيضُّرُه َ
ن َمْنزله ذلك((.
ل ِم ْ
حَحّتى َيْرَت ِ
شىٌء َ
ضّرُه َ
قَ ،لْم َي ُ
خَل َ
شّر َما َ
ن َ
ِم ْ
ض َرّبى
ن إَذا غَزا أو سافرَ ،فأدَرَكُه الليل ،قال)) :يا أر ُ
وذكر أحمد عنه أنه كا َ
شرّ
ن َ
ك ،أعوُذ بال ِم ْ
عَلْي ِ
ب َ
شّر ما َد ّ
كَ ،و َ
ق ِفي ِ
خِل َ
شّر ما ُ
ك ،و َ
شّر َما ِفي ِ
ك َو َ
شّر ِ
ن َ
ل ِم ْ
عوُذ با ِ
ك الَ ،أ ُ
َوَرّب ِ
شّر َوالد ،وَما َوَلَد((.
ن َ
ن الَبَلد ،وِم ْ
ساِك ِ
شّر َ
ن َ
ب ،وِم ْ
عْقَر ٍ
حّية َو َ
سودَ ،و َ
سٍد وَأ ْ
لأ َ
ُك ّ
ن الرض،
ظَها ِم َ
حّل َ
طوا الَب َ
عُصبَ ،فَأ ْ
خ ْ
ساَفْرتم فى ال ِ
ل)) :إذا َ
وكان يقو ُ
جَتِنُبوا
سُتمَ ،فا ْ
عّر ْ
سْيَر ،وإَذا َ
عَلْيَها ال ّ
عوا َ
سِر ُ
سَنِة ،فبادروا ِنْقَيها(( .وفى لفظ)) :فأ ْ
ساَفْرُتْم فى ال ّ
َوإَذا َ
ل((
ب َوَمأَوى الَهَواّم بالّلْي ِ
ق الّدَوا ّ
طُر ُ
قَ ،فإّنَها ُ
طِري َ
ال ّ
وكان إذا رأى قريًة ُيريد دخولها قال حين يراها)) :الّلُهّم َر ّ
ب
نَ ،وَر ّ
ب ضَلْل َ
ن َوَما أ ْ
شياطي ِ
ب ال ّ
ن ،وَر ّ
سْبِع وَما َأْقَلْل َ
ب الْرضين ال ّ
نَ ،وَر ّ
ظَلْل َ
سْبِع وما َأ ْ
ت ال ّ
سَماَوا ِ
ال ّ
شّر َما فيَها((.
شّرَها َو َ
ن َ
ك ِم ْ
خْيَر أْهِلَها ،وَنُعوُذ ِب َ
خْيَر هِذِه الَقْرَيِة َو َ
ك َ
سَأُل َ
ح َوَما َذَرْين ،إّنا َن ْ
الّري ِ
حْمِد
ساِمٌع ِب َ
سِمعَ َ
سفِر ،قالَ )) :
ن إذا بدا له الفجُر فى ال ّ
وكا َ
ن الّناِر((.
عاِئذًا بال ِم َ
عَلْيَنا َ
ل َ
ضْحْبَنا َوَأْف ِ
صا ِ
عَلْيَناَ ،رّبَنا َ
ن َبلِئِه َ
سِحْ
ال و ُ
ن َيَناَلُه الَعُدّو.
خاَفَة أ ْ
ض الَعُدّو ،م َ
ن إلى أْر ِ
ساَفَر بالُقْرآ ِ
وكان َيْنَهى أن ُي َ
ساَفَة َبِريٍد.
حَرٍمَ ،وَلْو َم َ
ساِفَر ِبَغْيِر َم ْ
ن ُت َ
ن َيْنهى الَمْرَأَة أ ْ
َوَكا َ
جلَ الْوَبَة إَلى أْهِلِه.
سَفِرِه ،أن ُيَع ّ
ن َ
ضى َنْهَمَتُه ِم ْ
ساِفَر إَذا َق َ
ن َيْأُمُر الُم َ
وكا َ
ل)) :ل
تُ ،ثّم َيُقو ُ
ث َتْكِبيَرا ٍ
ض َثل َ
ف ِمنَ الْر ِ
شَر ٍ
ل َ
عَلى ُك ّ
سَفِرِه ُيَكّبر َ
ن َ
ل ِم ْ
ن إَذا َقَف َ
َوَكا َ
ن،
عاِبُدو َ
نَ ،
ن َتاِئُبو َ
شىٍء َقِديٌر ،آُيبو َ
ل َ
عَلى ُك ّ
حْمُدَ ،وُهَو َ
ك ،وَلُه ال َ
ك َلُهَ ،لُه الُمْل ُ
شِري َ
حَدُه ل َ
إله إل ال َو ْ
حَدُه((.
ب َو ْ
حَزا َ
عْبَدُهَ ،وَهَزَم ال ْ
صَر َ
عَدُهَ ،وَن َ
ق ال َو ْ
صَد َ
نَ ،
حاِمُدو َ
ِلَرّبَنا َ
)يتبع(...
عْنُهْم.
غْيَبُتُه َ
ت َ
طاَل ْ
ل إَذا َ
ل أْهَلُه َلْي ً
جُق الّر ُ
طُر َ
ن َي ْ
وكان ينهى أ ْ @
شّيًة.
عِغْدَوًة أْو َ
ن ُ
عَلْيه ّ
ل َ
خُل َيْد ُ
ق أْهَله َلْي ً
طُر ُ
وفى ))الصحيحين(( :كان ل َي ْ
247
خْيٍر((.
جَمَع َبْيَنُكَما فى َ
كَ ،و َ
عَلْي َ
ك َ
ك َوَباَر َ
ك ال َل َ
ل للمتزوجَ)) :باَر َ
وكان يقو ُ
ن
طا َ
شْي َ
ب ال ّ
جّن ِ
نَ ،و َ
طا َ
شْي َ
جّنْبَنا ال ّ
سِم ال ،الّلُهّم َ
ى َأْهَله ،قالِ :ب ْ
ن َيْأِت َ
حَدكم إذا أراد أ ْ
نأ َ
وقالَ)) :لو أ ّ
ن أََبدًا((.
طا ٌ
شْي َ
ضّرُه َ
كَ ،لْم َي ُ
ن ُيَقّدْر َبْيَنُهَما َوَلٌد فى ذِل َ
َما َرَزْقَتَنا ،فإنه إ ْ
فصل
ن رأى ما ُيعجبه ِمن أهله وماِله
فى َهْديه صلى ال عليه وسلم فيما يقول َم ْ
شاَء
ل ،أو ولٍد ،فيقول :ما َ
ل ،ول َما ٍ
عْبٍد ِنْعَمًة فى أه ٍ
عَلى َ
ُيذكر عن أنس أنه قال)) :ما أنعم ال َ
شاَء ال
ك ُقْلتَ َما َ
جّنَت َ
ت َ
خْل َ
ل إْذ َد َ
ل َتَعاَلىَ} :وَلْو َ
تَ ،وَقْد َقا َ
ن الَمْو ِ
لَ ،فَيَرى ِفيِه آَفًة ُدو َ
ل با ِّ
ال ،ل ُقّوة إ ّ
ل{ ]الكهف.(([39 :
ل ُقّوَة إل ِبا ِّ
فصل
فيما يقول َمن رأى ُمْبَتلى
عاَفاِنى
ل اّلِذى َ
ل :الحْمُد ِّ
ل رأى ُمْبَتلى فقا َ
جٍن َر ُ
ح عنه صلى ال عليه وسلم أنه قال)) :ما ِم ْ
صّ
ن((.
ك الَبلُء َكاِئنًا َما َكا َ
ل َلْم ْيصِْبه َذِل َ
ل ،إ ّ
ضي ً
ق َتْف ِ
خَل َ
عَلى َكثير مّمن َ
ضَلِنى َ
ك ِبِهَ ،وَف ّ
مّما اْبَتل َ
فصل
طيَرُة
فيما يقوله َمن لحقته ال ّ
سِلمًا،
ل َولَ َتُرّد ُم ْ
سُنَها الَفْأ ُ
حَل)) :أ ْ
عْندُهَ ،فَقا َ
طَيَرُة ِ
ت ال ّ
ُذِكَر عنه -صلى ال عليه وسلم -أنه ُذِكَر ِ
ت ،ول
ت إلّ أْن َ
سّيئا ِ
ل َيْدَفُع ال ّ
تَ ،و َ
ل أْن َ
تإ ّ
سَنا ِ
حَل :الّلُهّم ل َيأِتى بال َ
طَيَرِة َما َتْكَرُه َفُق ْ
ن ال ّ
ت ِم َ
َفإَذا َرَأْي َ
ك((.
ل ِب َ
ل ُقّوَة إ ّ
ل َو َ
حْو َ
َ
ل ول
حْو َ
ك ،ول َ
غيُر َ
ب َ
ل َر ّ
كَ ،و َ
خْيُر َ
خْيَر إل َ
ل َ
كَ ،و َ
طْيُر َ
ل َ
طْيَر إ ّ
ن َكعب يقول)) :الّلُهّم ل َ
وَكا َ
كُ ،ثّم
عْنَد َذِل َ
عْبٌد ِ
ن َ
جّنِة ،ول يُقوُلُه ّ
ل ،وَكْنُز الَعْبِد فى ال َ
س الّتَوّك ِ
سى ِبَيِدِه ،إّنَها لرْأ ُ
ك ،واّلِذى َنْف ِ
ل ِب َ
ُقّوَة إ ّ
شىء((.
ضّرُه َ
ل َلْم َي ُ
ضى إ ّ
َيْم ِ
فصل
فيما يقوله َمن رأى فى منامه ما يكرهه
249
ن َرأى
ن ،فَم ْ
طا ِ
شْي َ
ن ال ّ
حْلُم ِم َ
ن ال ،وال ُ
حُة ِم َ
صاِل َ
ح عنُه -صلى ال عليه وسلم)) :-الّرْؤَيا ال ّ
صَ ّ
خِبْر ِبَها
ل ُي ْ
ضّرُهَ ،و َ
نَ ،فإّنَها ل َت ُ
طا ِ
شْي َ
ل ِمنَ ال ّ
ساِرِه ثلثًاَ ،وْلَيَتَعّوْذ با ِّ
ن َي َ
عْث َ
شْيئًاَ ،فّليْنُف ْ
ُرؤَيا َيْكَرُه ِمْنَها َ
ب((.
ح ّ
ن ُي ِ
ل َم ْ
خِبْر ِبَها إ ّ
ل ُي ْ
شْرَ ،و َ
سَتْب ِ
سَنًةَ ،فْلَي ْ
حَن َرَأى ُرؤَيا َ
حدًاَ .وإ ْ
أَ
ى.
صّل َ
ن ُي َ
عَلْيِهَ ،وَأَمَرُه أ ْ
ن َ
جْنِبِه اّلِذى َكا َ
ن َ
عْل َ
حّو َ
ن َيَت َ
ن َرأى َما َيْكَرُهُه أ ْ
َوأََمَر َم ْ
شيطان ،وأن ل ُيخبر بها أحدًا،
ل من ال ّ
ن يسارهَ ،وأن يستعيَذ با ِّ
عْث َ
فأمره بخمسِة أشياء :أن ينُف َ
وأن يتحّول عن جنبه الذى كان عليه ،وأن يقوَم ُيصّلى ،ومتى فعل ذلك ،لم تضّره الرؤيا المكروهة،
بل هذا يدَفُع شّرها.
ل على َواّد ،أْو
صَها إ ّ
ت ،ول َيُق ّ
تَ ،وَقَع ْ
عّبَر ْ
طاِئٍر َما َلْم ُتَعّبْر ،فإَذا ُ
ل َ
جِعَلى ِر ْ
وقال)) :الّرْؤَيا َ
ِذى َرْأى((.
خْيرًا َفَلَنا،
ن َكانَ َ
صت عليه الرؤيا ،قال :الّلُهّم إ ْ
وكان عمر بن الخطاب رضى ال عنه ،إَذا ُق ّ
شّرًاَ ،فِلَعُدّوَنا.
ن َ
ن َكا َ
وإ ْ
عَلْيِه
ض َ
عَر َ
ن َ
ل ِلَم ْ
ت عََليِه ُرْؤَياَ ،فْلَيُق ْ
ض ْ
عِر َ
ن ُ
وُيذكر عن النبى صلى ال عليه وسلمَ)) :م ْ
خْيرًا((.
َ
ت(( ثم َيْعُبُرَها.
خْيرًا َرَأْي َ
وُيذكر عنه أنه كان يقول للرائى قبل أن يعبُرها لهَ )) :
وذكر عبد الرزاق ،عن معمر ،عن أيوب ،عن ابن سيرين ،قال :كان أبو بكر الصّّديق إذا أراد
ن كذا وكذا.
ك ،يكو ُ
ت ُرؤيا َ
صَدَق ْ
أن َيْعُبر ُرؤيا ،قال :إن َ
فصل
ن به على الوسوسة
س ،وَما يستعي ُ
سَوا ِ
فيما يقوُله ويفعُله َمن ابُتلى بالَو ْ
عبيد ال بن عبد ال بن عتبة بن مسعود ،عن ابن مسعود يرفعه:
ح بن َكْيسان ،عن ُ
روى صال ُ
ق،
حّق ِبال َ
صِدي ٌ
خْيِرَ ،وَت ْ
ك إيَعاٌد ِبال َ
ن َلّمًةَ ،فَلّمُة الَمَل ِ
طا ِ
شْي َ
ن آَدَم َلّمةَ ،وِلْل ّ
ب اْب ِ
ل ِبَقْل ِ
ك المَوّك ِ
ن ِللَمَل ِ
))إ ّ
جْدُتْم َلّمَة
خْيِرَ ،فإَذا و َ
ن ال َ
ط ِم َ
ق ،وُقُنو ٌ
حّب بال َ
شّرَ ،وَتْكِذي ٌ
ن ،إيَعاٌد بال ّ
طا ِ
شْي َ
ح َثوابهَ ،وَلّمُة ال ّ
صاِل ِ
جاُء َ
َوَر َ
سَتْغِفُروه((.
ل َوا ْ
سَتِعيُذوا ِبا ّ
نَ ،فا ْ
طا ِ
شْي َ
جْدُتْم َلّمَة ال ّ
ضِلِهَ ،وإَذا َو َ
ن َف ْ
سُلوه ِم ْ
حمُدوا ال ،و َ
كَ ،فا ْ
الَمَل ِ
250
صلِتى
ن َ
ن قد حال بينى َوَبْي َ
ن الشيطا َ
ل ال ؛ إ ّ
سو َ
ن أبى العاص :يا َر ُ
نبُ
وقال له عثما ُ
ساِر َ
ك ن َي َ
عْل َ
ل ِمْنُه ،واْتُف ْ
سَتُهَ ،فَتَعّوْذ ِبا ِّ
سْحَ
بَ ،فإَذا أ ْ
خْنَز ٌ
ل لهِ :
ن ُيَقا ُ
طا ٌ
شْي َ
ك َ
وِقراءتى ،قالَ)) :ذا َ
َثلثًا((.
ب إليه من
حَمَمًة أح ّ
ن ُ
سِهُ -يعّرض بالشىء -لن َيُكو َ
جُد فى نف ِ
ن أحدهم َي ِ
حاَبُة أ ّ
وشكى إليه الص َ
سِة((.
سَو َ
ل اّلِذى َرّد َكْيَدُه إلى الَو ْ
حْمُد ِّ
ن يَتكّلَم به ،فقال)) :ال أْكَبُر ،ال أْكَبُر ،ال َ
أْ
خَلق الخلق ،فَمن
وأرشد من ُبلى بشىٍء ِمن وسوسة التسلسل فى الفاعلين ،إذا قيل له :هَذا ال َ
عِليٌم{ ]الحديد.[3 :
ىٍء َ
ش ْ
ل َ
نَ ،وُهَو ِبُك ّ
طُظاِهُر والَبا ِ
خُر وال ّ
ل َوال ِ
لّو ُ
ق ال؟ أن يقرأُ} :هَو ا َ
خَل َ
َ
جُدُه فى صدرى؟
س لبى ُزميل سماك بن الوليد الحنفى وقد سأله :ما شىٌء أ ِ
ن عبا ٍ
كذلك قال اب ُ
ل لى :ما َنجا ِم ْ
ن ت :بلىَ ،فَقا َ
شك؟ قل ُ
ل ل أتكّلُم به .قال :فقال لى :أشىء ِمن َ
ت :وا ِّ
قال :ما ُهو؟ قال :قل ُ
ب ِمن
ن َيْقَرُءونَ الِكَتا َ
ل اّلِذي َ
سَئ ِ
ك َف ْ
ك ّمّما أْنَزْلَنا إَلْي َ
شّ
ت ِفى َ
لَ} :فإن ُكن َ
جّعّز و َ
ل ال َ
ك أحد ،حتى أنز َ
ذِل َ
ظاِهُر
خُر وال ّ
ل َوال ِ
لّو ُ
لُ} :هَو ا َ
ت فى نفسك شيئًاَ ،فُق ْ
ك{ ]يونس [94 :قال :فقال لى :فإذا وجد َ
َقْبِل َ
عِليٌم{ ]الحديد.[3 :
ىٍء َ
ش ْ
ل َ
نَ ،وُهَو ِبُك ّ
طُوالَبا ِ
ن التسلسل الباطل ببديهة العقل ،وأن سلسلَة المخلوقات فى ابتدائها
فأرشدهم بهذه الية إلى بطل ِ
ل ليس َقبَله شئ ،كما تنتهى فى آخِرها إلى آخر ليس بَعده شئ ،كما أن ظهوَره هو العلّو
تنتهى إلى أو ٍ
الذى ليس فوَقه شئ ،وُبطوَنه هو الحاطة التى ل يكون دونه فيها شئ ،ولو كان قبله شئ يكون مؤثرًا
ق ،وغنى عن غيره ،وك ّ
ل ق غيِر مخلو ٍ
ى المر إلى خال ٍ
ب الخلق ،ول بّد أن ينته َ
فيه ،لكان ذلك هو الر ّ
شىء فقير إليه ،قائم بنفسه ،وكل شئ قائم به ،موجود بذاته ،وكل شئ موجود به .قديٌم ل أول له ،وُكلّ
ل الذى ليس قبله شىء ،والخر
ق بذاته ،وبقاُء كل شىء به ،فهو الّو ُ
ما سواه فوجودُه بعد عدمه ،با ٍ
ن الذى ليس دونه شئ.
الذى ليس بعده شئ ،الظاهر الذى ليس فوَقه شئ ،الباط ُ
ق،
خْل َ
ق ال َ
خَل َ
حّتى يقول قاِئُلهم :هذا ال َ
ن َ
ساءلو َ
س َيَت َ
ل الّنا ُ
وقال صلى ال عليه وسلم)) :ل َيزا ُ
ك ِم َ
ن غّن َ
ل َوْلَيْنَتِه(( ،وقْد قال َتعالىَ} :وإّما َيْنَز َ
سَتِعْذ با ِّ
شْيئًاَ ،فْلَي ْ
ك َ
ن َذِل َ
جَد ِم ْ
ن َو َ
ق ال؟ َفَم ْ
خَل َ
ن َ
َفَم ْ
سِميُع الَعِليُم{ ]فصلت.[36 :
ل ،إّنُه ُهَو ال ّ
سَتِعْذ با ِّ
غ فا ْ
ن َنْز ٌ
طا ِ
شْي َ
ال ّ
ع ل ُيرى ،وهو
ن النس ،ونو ٍ
ع ُيرى عيانًا ،وهو شيطا ُ
ن على نوعين :نو ٍ
ولما كان الشيطا ُ
ى ِمن شر شيطان النس
ن الجن ،أمَر سبحانه وتعالى نبّيه صلى ال عليه وسلم أن يكَتف َ
شيطا ُ
251
ل منه ،وجمع بي َ
ن ن ،ومن شيطان الجن بالستعاذة با ِّ
بالعراض عنه ،والعفو ،والدفع بالتى هى أحس ُ
النوعين فى سورة العراف ،وسورة المؤمنين ،وسورة فصلت ،والستعاذة فى القراءة والّذكر أبلُغ فى
ن النس .قال:
ض والدفُع بالحسان أبلُغ فى دفع شّر شياطي ِ
دفع شر شياطين الجن ،والعفُو والعرا ُ
طُلو ِ
ب خْيُر َم ْ
سنى ُهَما َ
حَْأو الّدْفُع بال ُ عًا
ضاِر َ
سِتعاَذُة َ
فما هـو إل ال ْ
جو ِ
ب حُ
شّر َم ْ
ن َ
ك َدَواُء الّداء ِم ْ
َوَذا َ شّر ما ُيَرى
ن َ
َفهَذا َدَواُء الّداِء ِم ْ
فصل
فى ما يقوله ويفعله َمن اشتد غضبه
ن َقاِئَمًا،
ن َكا َ
ضوِء ،والقعوِد إ ْ
جْمَرَة الغضب بالُو ُ
عْنُه َ
أمره -صلى ال عليه وسلم -أن ُيطفئ َ
ن الّرجيِم.
طا ِ
شْي َ
ن ال ّ
ل ِم َ
عَدًا ،والستعاذِة با ّ
ن َقا ِ
جاع إن َكا َ
طَوالض ِ
ب ابن آدم ،أمر أن ُيطفئهما بالوضوء،
ب والشهوُة جمرتين ِمن ناٍر فى قل ِ
ولما كان الغض ُ
سُكْم{
ن َأْنفُ َ
سْو َ
س بالِبّر َوَتْن َ
ن الّنا َ
والصلة ،والستعاذِة من الشيطان الرجيم ،كما قال تعالى} :أَتْأُمُرو َ
]البقرة ... [44 :الية .وهذا إنما يحمل عليه شّدة الشهوِة ،فأمرهم بما ُيطفئون بها جمرتها ،وهو
الستعانُة بالصبِر والصلة ،وأمر تعالى بالستعاذِة من الشيطان عند نزغاته ،ولما كانت المعاصى
ب القتل ،ونهايُة قوِة الشهوة الّزنى ،جمع ال
كلها تتولد ِمن الغضب والشهوة ،وكان نهايُة قوِة الغض ِ
تعالى بين القتل والّزنى ،وجعلهما قرينين فى سورة النعام ،وسورة السراء ،وسورة الفرقان ،وسورة
الممتحنة.
والمقصوُد :أنه سبحانه أرشد عباده إلى ما يدفعون به شّر قوَتى الغضب والشهوة من الصلة
والستعاذة.
فصل
فى ما يقوله إذا رأى ما يحب
ت((.
حا ُ
صاِل َ
ل اّلِذى ِبِنْعَمِتِه َتِتّم ال ّ
حْمُد ِّ
ب ،قال)) :ال َ
ح ّ
وكان -صلى ال عليه وسلم -إذا َرَأى َما ُي ِ
ل((.
حا ٍ
ل َ
عَلى ُك ّ
ل َ
حْمُد ِّ
َوإَذا َرَأى َما َيْكَرُه ،قال)) :ال َ
فصل
سب
فى أنه صلى ال عليه وسلم كان يدعو لمن تقّرب إليه بما يحب وبما ينا ِ
252
فصل
فى ألفاظ كان صلى ال عليه وسلمَ -يْكَرُه أن ُتَقال
ت.
س ْ
لَ :لِق َ
سىَ ،وْلَيُق ْ
ت َنْف ِ
ش ْ
جا َ
سىَ ،أْو َ
ت َنْف ِ
خُبَث ْ
َفِمْنَها :أن يقولَ :
ن ُقوُلوا:
ك ،وقال)) :ل َتُقوُلوا :الَكْرَمَ ،وَلِك ْ
ن ذِل َ
عْب َكْرمًاَ ،نَهى َ
جَر الِعَن ِ
شَسّمى َ
ومنها :أن ُي َ
حَبلُة((.
ب وال َ
الِعْن ُ
254
ل هذا
ن الناس بهُ ،ك ّ
والعصبية ،وكوُنُه منتسبًا إليه ،فيدعو إلى ذلك ،وُيوالى عليه ،وُيعاِدى عليهَ ،ويِز ُ
ِمن دعوى الجاهلية.
شاء.
ظ الِع َ
جُر فيها لف ُ
شاء ِبالَعَتَمِة تسمية غالبة ُيه َ
ومنها :تسميُة الِع َ
جها
خِبَر المرأُة َزْو َ
ن الّثاِلث .وأن ُت ْ
ن ُدو َ
سِلم ،وأن يتناجى اثَنا ِ
ب الُم ْ
سَبا ِ
عن ِ
ى َ
ومنها :النه ُ
خَرى.
ن امرأٍة ُأ ْ
سِحا ِ
ِبَم َ
ت((.
شْئ َ
ن ِ
حْمِنى إ ْ
ت ،واْر َ
شْئ َ
ن ِ
غِفْر لى إ ْ
ل فى ُدعائه)) :الّلُهّم ا ْ
ومنها :أن يقو َ
ف.
حِل ِ
ن ال َ
ومنها :الكثاُر ِم َ
سَماء.
س ُقَزحِ ،لهَذا الذى ُيرى فى ال َ
ومنها :كراهُة أن يقولَ :قْو ُ
حدًا ِبَوجِه ال.
ومنها :أن يسأل أ َ
ى المدينة بيثرب.
ومنها :أن يسّم َ
ب امرأته ،إل إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
ل فيم ضَر َ
ل الرج ُ
ومنها :أن ُيسأ َ
ل ُكّلُه.
ت الّلْي َ
ن ُكّلُه ،أو قم ُ
ت رمضا َ
صْم ُ
ن يقولُ :
ومنها :أ ْ
فصل
فى كراهة الفصاح عن الشياء التى ينبغى الكناية عنها بأسمائها الصريحة
صريحة:
ن الشياِء التى ينبغى الكنايُة عنها بأسمائها ال ّ
عِح َ
ظ المكروَهِة الفصا ُ
ومن اللفا ِ
ف سنة ...ونحو ذلك.
ت أل َ
عش َ
ك ،و ِ
ل ال بقاَءك ،وأداَم أّياَم َ
ل :أطا َ
ومنها :أن يقو َ
خاِتمه على فِم الكافر.
ق الذى َ
ومنها :أن يقول الصاِئُم :وح ّ
ت َكَذا
خسِْر ُ
ت أو َ
غِرْم ُ
ومنها :أن يقول للُمُكوس :حقوقًا .وأن يقول ِلَما ُيْنِفُقُه فى طاعِة الَ :
ل كثيرًا.
ت فى هذه الدنيا ما ً
ل :أنفق ُ
َوَكَذا ،وأن يقو َ
ل كَذا ،وحّرم ال كذا فى المسائل الجتهادية ،وإنما يقوُله فيما
لا ُ
ل المفتى :أح ّ
ومنها :أن يقو َ
ص بتحريمه.
ورد الن ّ
سِق ُ
ط ت ،فإن هذه التسمية ُت ْ
سـّنة ظواِهَر لفظية ومجازا ٍ
ى أدلَة القرآن وال ّ
سّم َ
ومنها :أن ُي َ
عقلية ،فل إله
طعَ َ
ن والفلسفة َقوا ِ
شَبِه المتكلمي َ
ف إلى ذلك تسمية ُ
ضا َ
حرمَتها ِمن القلوب ،ول سيما إذا أ َ
ُ
ل بهاتين التسميتين ِمن فساد فى العقول والديان ،والدنيا والدين.
صَح َ
إل ال ،كم َ
256
فصل
جماع أهله وما يكون بينه وبينها
فى كراهة أن ُيحّدث الرجل ب ِ
سَفَلُة.
ن بينه وبينها ،كما يفعله ال ّ
جَماع أهله ،وما يكو ُ
لب ِ
ومنها :أن ُيحّدث الرج ُ
ومما ُيكره من اللفاظ :زعموا ،وذكروا ،وقالوا ...ونحوه.
ب إنما
ب ال فى أرضه ،فإن الخليفة والنائ َ
ومما ُيكره منها أن يقول للسلطان :خليفُة ال ،أو ناِئ ُ
ل عبده المؤمن.
ب فى أهلِه ،ووكي ُ
ل سبحانه وتعالى خليفُة الَغاِئ ِ
ن عن غائب ،وا ُّ
يكو ُ
فصل
فى التحذير من طغيان ))أنا(( ،و))لى(( ،و))عندى((
ظ الثلثَة ابُتلى بها
ل الحذر من طغيان ))أنا(( ،و))لى(( ،و))عندى(( ،فإن هذه اللفا َ
وليحذر ُك ّ
صَر{
ك ِم ْ
خْيٌر ِمْنُه{ ]العراف] [12 :ص [76 :لبليس ،و}ِلى ُمْل ُ
س ،وفرعون ،وقارون :فـ }أَنا َ
إبلي ُ
ن ما
عْنِدى{ ]القصص [78 :لقارون .وأحس ُ
عْلٍم ِ
عَلى ِ
]الزخرف [51 :لفرعون ،و}إّنَما ُأوِتيُتُه َ
ضَعت ))أنا(( فى قول العبد :أنا العبُد المذنب ،المخطئ ،المستغفر ،المعتِرف ...ونحوه .و))لى((،
ُو ِ
غِفْر لى
جرم ،ولى المسكنُة ،ولى الفقُر والذل .و))عندى(( فى قوله)) :ا ْ
فى قوله :لى الذنب ،ولى ال ُ
عْنِدى((.
ك ِ
ل ذِل َ
عْمِدىَ ،وُك ّ
طِئىَ ،و َ
خَجّدىَ ،وَهْزِلى ،و َ
ِ