You are on page 1of 41

‫جامعة السلطان قابوس‬

‫كلية الحقوق‬
‫الدراسات العليا‬

‫بحث في‪:‬‬

‫المركز القانوني للمحكم ومسؤوليته‬

‫إشراف الدكتور‪:‬عصام حنفي‬


‫إعداد الطالبة‪:‬تجارية‬

‫المقرر‪:‬التحكيم في المنازعات المدنية والتجارية‬


‫المقدمة‬
‫الحمد ل الملك المالك لجميع الكوان ‪ ،‬الذي قامت بعدله السماوات والرض‬
‫الحاكم بين عباده فيما كانوا فيه يختلفون ‪ ،‬ول يكون قضاؤه إل بالعدل والحسان ‪،‬‬
‫ُيعرف العدل ويزهق العدوان ‪.‬‬
‫فأنزل الرسائل وشرع الوسائل ليظهر الحق ول‬
‫شرع سبحانه القضاء ‪ ،‬والغاية منه هي تحقيق العدل ‪ ،‬والعدل أساس الحكم والملك ‪،‬‬
‫َل وعل الرسل ‪ ،‬وأنزل معهم الشرائع لتحقيق العدل وفي ذلك يقول‬
‫ّ‬
‫وقد بعث ال ج‬
‫الحق تبارك وتعالى‪ )):‬ولقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم‬
‫الناس بالقسط (( ] سورة الحديد من الية ‪. [25‬‬
‫ً في طبيعة النشطة التجارية والقتصادية التي يمارسها‬
‫ً واسعا‬
‫واليوم يشهد العالم تحول‬
‫الفراد والمنشآت‪،‬وباتت محاكمنا تكتظ من كثرة ما يعرض عليها من منازعات ‪،‬‬
‫ونتيجة لمبادئ السوق المفتوحة في توجيه القتصاد العالمي ‪ ،‬كان لزاما لمواكبة هذا‬
‫التحول أن تتطور العديد من الدوات المساندة للنشطة النسانية ‪ ،‬خاصة وأن العمال‬
‫أخذت طابع التعقيد المتخصص ؛ لذا أصبح البناء القضائي بحاجة إلى أعوان متخصصين‬
‫في مختلف النشاطات لمساعدة القضاء في البت فيما يعرض عليه من منازعات تنشأ من‬
‫تلك النشطة ‪ ،‬وليس في ذلك بأس لن القاضي ل يمكن أن تتوفر فيه جميع جوانب‬
‫العلم والخبرة في سائر العلوم ‪ ،‬بل يندر أن تتوفر جميع الصفات العلمية المطلوبة في‬
‫تخصصه ‪ ،‬وقد قال بعض العلماء ‪ :‬من يجيب في كل مسألة فهو غير عاقل وإذا ترك‬
‫العالم كلمة ل أدري أصيبت مقاتله ‪.‬‬
‫لذا ظهر ما يسمى بالتحكيم كوسيلة بديلة لتسوية المنازعات وهو اتفاق طرفي‬
‫علقة قانونية معينة في إطار القانون الخاص‪ ،‬على تسوية نزاعهم عن طريق شخص‬
‫خاص أو أكثر يتم تعيينهم من الطرفين مباشرة أو بطريقة غير مباشرة لصدار حكم‬
‫نهائي )ملزم( بشأن هذا النزاع بدل من القضاء الرسمي‪.‬‬
‫ّكم لغة بتشديد الكاف مع الفتح هو من يفوض إليه الحكم ‪،1‬واصطلحا هو من‬
‫والمح‬
‫يعهد إليه بالفصل في النزاع المعروض على التحكيم ‪ ،‬وعلى نحو ما ذهب البعض‬
‫المحكم قاضي بكل معنى الكلمة ويخضع حتما لكل ما ينص عليه القانون من مبادئ‬
‫وقواعد‪،‬فالمحكم كالقاضي يباشر مهمته بحرية تامة ولحكمه خصائص الحكام‪.‬‬
‫وفي الحقيقة أنه مهما توافرت لجراءات التحكيم من دقة وفاعلية فإن العنصر الشخصي‬
‫في التحكيم يجعل نجاحه يتوقف على كفاءة المحكم ودرايته بجوهر مهمته‬
‫ومقتضياتها ‪،‬فالمحكم هو المحور الساسي الذي تدور حوله خصومة التحكيم وبقدر‬
‫دقة المحكم ومهارته تكون سلمة إجراءات التحكيم وصحة الحكم الصادر‪ ،‬فحسن أداء‬
‫المحكم لمهمته يظل رهينا بشخصه وما يحمله من مؤهلت وخبرات ‪.‬فالطراف ل‬
‫يقدمون على اختيار التحكيم كأسلوب لحسم النزاع إل من خلل توقع لمعاملة عادلة‬
‫وأسلوب متخصص في إدارة الجراءات وتوافر مستوى أخلقي وتخصص فني رفيع لدى‬
‫المحكم‪.‬وهذا يلقي عبئا على المحكم ليس يسيرا ويتطلب توافر عدة شروط ومؤهلت‬
‫شخصية وموضوعية‪.‬لكنه رغم أهمية ذلك لم يلقى دور المحكم وحدود سلطاته في‬
‫خصومة التحكيم اهتماما أو تنظيما واسعا في التشريعات الوطنية المختلفة وكذلك‬
‫الحال في قانون التحكيم العماني رقم ‪97\47‬م ‪.‬‬

‫‪ - 1‬المعجم الوسيط ‪،‬الجزء الول ‪،‬ص ‪.190‬‬


‫لذا أحببت أن أضع المحكم محور بحثي لدرس بشيء من اليجاز ما يتعلق بالشروط‬
‫الواجب توافرها فيه و بمركزه القانوني في الخصومة والتزاماته‪،‬ومسؤوليته المترتبة‬
‫على إخلله بالتزاماته‪،‬بعد أن نعرف التحكيم ونذكر خصائصه ومزاياه‪.‬‬
‫لذا ستكون خطة بحثي كالتالي‪:‬‬

‫‪-‬المبحث الول ‪ :‬ماهية التحكيم وخصائصه‪.‬‬


‫المطلب الول ‪ :‬تعريف التحكيم ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬خصائص التحكيم ‪.‬‬
‫‪ -‬المبحث الثاني ‪ :‬المركز القانوني للمحكم ومسئوليته في القانون‬
‫العماني والمصري‬
‫المطلب الول ‪ :‬شروط المحكم ‪.‬‬
‫المطلب الثاني ‪ :‬مركز المحكم ‪.‬‬
‫المطلب الثالث‪ :‬التزامات المحكم‬
‫المطلب الثالث ‪ :‬مسؤولية المحكم في القانون العماني‪.‬‬

‫ومن ال التوفيق‪...‬‬

‫المبحث الول‪ :‬تعريف التحكيم وخصائصه‬


‫التحكيم اتفاقية لتحقيق العدالة بواسطة قاضي من غير قضاة الدولة وليست له‬
‫‪1‬‬
‫الصفة العامة ‪،‬يرتضيه الخصوم ‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر ‪:‬د‪-:‬نبيل اسماعيل عمر ‪ ،‬التحكيم في المواد المدنية والتجارية والوطنية والدولية ‪،‬دار الجامعة الجديدة للنشر ‪ ،‬الزاريطة ‪ ،2004،‬ص ‪.3‬‬
‫وإذا كان التحكيم يعتبر اليوم مسارا للفصل في المنازعات إلى جانب مسار القضاء‪،‬‬
‫فإن البشرية قد عرفت التحكيم قبل أن تعرف القضاء‪.‬وللتحكيم فوائد كثيرة منها على‬
‫سبيل المثال البعد عن إجراءات التقاضي المطولة التي قد تصل إلى سنوات عدة لن‬
‫التحكيم مشروط بمدة معينة يجب أن ينتهي خللها وهى مدة ‪12‬شهور يجوز مدها ‪6‬‬
‫شهور أخرى فقط ما لم يتفق الطرفين في التفاق على غير ذلك‪ .1‬أما النزاع أمام‬
‫المحكمة قد يطول لسنوات ويزيد من العباء المالية والقتصادية على أطراف‬
‫ً أنه يخضع في جميع أجزائه إلى اتفاق الطراف بدءا‬
‫النزاع‪.‬ومن فوائد التحكيم أيضا‬
‫من تحرير مشارطة التحكيم وتحديد الجراءات والقانون الواجب التطبيق حتى اختيار‬
‫المحكمين ومدة التحكيم وليس للقانون تدخل في التحكيم ‪ ،‬إل إذا كان يكمل إرادة‬
‫الطراف في حالة عدم التفاق على أمر معين‪،‬وغير ذلك من المزايا التي سأتناولها في‬
‫ّرف التحكيم في المطلب الول‪.‬‬
‫المطلب الثاني لهذا المبحث‪،‬بعد أن أع‬
‫المطلب الول‪ :‬تعريف التحكيم‪.‬‬
‫لم تتعرض غالبية النظمة القانونية ‪،‬ومنها القانون العماني والمصري إلى تعريف‬
‫التحكيم وذلك تلفيا لصعوبات وضع التعريف واكتفت بالشارة إلى عناصر التحكيم‬
‫‪2‬‬
‫ومفترضاته ‪،‬‬
‫والتحكيم في اللغة معناه التفويض في الحكم‪ ،‬فهو مأخوذ من حكم )وأحكمه‬
‫فاستحكم( أي صار )محكما (في ماله‪ ،‬تحكيما إذا جعل إليه الحكم فيه )فاحتكم (عليه في‬
‫‪3‬‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ويقول ابن منظور في لسانه‪ ":‬حكموه بينهم‪:‬أمروه أن يحكم بينهم‪ ،‬ويقال حكمنا‬
‫فلنا فيما بيننا أي أجزنا حكمه بيننا "‪.‬‬

‫‪ - 1‬تنص المادة ‪1\45‬من قانون اتحكيم العماني بالقول‪":‬على هيئة التحكيم اصدار الحكم المنهي للخصومة خلل الميعاد الذي اتفق عليه الطرفان‪.‬فإن لم يوجد‬
‫اتفاق وجب أن يصدر خلل اثني عشر شهرا من تاريخ بدء إجراءات التحكيم‪.‬وفي جميع الحوال يجوز أن تقرر هيئة التحكيم مد الميعاد على أل تزيد فترة المد‬
‫على ستة أشهر مالم يتفق الطرفان على مدة تزيد على ذلك‪.‬‬
‫‪- 2‬انظر‪ :‬د‪-:‬أحمد أبو الوفا ‪،‬التحكيم الختياري والجباري ‪،‬منشأة المعارف ‪،‬السكندرية‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪،1988،‬ص ‪15‬‬
‫‪ - 3‬انظر ‪ :‬مختار الصحاح ‪ ،‬ص ‪ ،148‬انظر كذلك‪ :‬القاموس المحيط ‪ ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.98‬‬
‫أما التحكيم في الصطلح الشرعي فيقصد به‪":‬تولية الخصمين حكما يحكم بينهما ‪،‬أي‬
‫اختيار ذوي الشأن شخصا أو أكثر للحكم فيما تنازعا فيه دون أن يكون للمحكم ولية‬
‫‪1‬‬
‫القضاء بينهما "‪.‬‬
‫بينما يقصد بالتحكيم في الصطلح القانوني‪ ،2‬اتفاق أطراف علقة قانونية معينة ‪،‬‬
‫عقدية أو غير عقدية ‪ ،‬على أن يتم الفصل في المنازعة التي ثارت بينهم بالفعل ‪،‬أو التي‬
‫‪3‬‬
‫يحتمل أن تثور عن طريق أشخاص يتم اختيارهم كمحكين ‪.‬‬
‫ّرف التحكيم بأنه اتفاق على طرح نزاع على شخص معين أو أشخاص‬
‫أو باختصار يع‬
‫‪4‬‬
‫معينين ليفصلوا فيه دون المحكمة المختصة‪.‬‬
‫كما ينصرف لفظ التحكيم كما ورد في قانون التحكيم العماني رقم ‪97\47‬م وفي‬
‫قانون التحكيم المصري رقم ‪97\9‬م في المادة ‪ 1\4‬إلى التحكيم الذي يتفق عليه طرفا‬
‫النزاع بإرادتهما الحرة سواء كانت الجهة التي تتولى إجراءات التحكيم ‪ ،‬بمقتضى اتفاق‬
‫‪5‬‬
‫الطرفين ‪،‬منظمة أو مركز دائم للتحكيم أو لم يكن كذلك ‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر ‪ :‬عبد الفتاح مراد‪ ،‬شرح تشريعات التحكيم الداخلي والدولي‪،‬بدون تاريخ للنشر‪،‬أو مكان النشر ‪ ،‬ص ‪.19‬‬
‫‪ - 2‬ورد في الباب الثاني من قانون التحكيم العماني تعريفا لتفاق التحكيم حيث نصت المادة ‪10‬الفقرة ‪ 1‬بالقول "اتفاق التحكيم هو التفاق الذي يقرر فيه طرفاه‬
‫على اللتجاء إلى التحكيم لتسوية كل أو بعض المنازعات التي نشأت أو يمكن أن تنشأ بينهما بمناسبة علقة قانونية معينة عقدية كانت أو غير عقدية ‪ ".‬ولهذا‬
‫النص مقابله أيضا في القانون المصري المادة ‪.1\10‬‬
‫‪- 3‬انظر ‪:‬د‪ -:‬محمود مختار أحمد بريري ‪،‬التحكيم التجاري الدولي ‪،‬دار النهضة العربية‪،‬القاهرة ‪ ،1999،‬ص ‪.5‬‬
‫‪ - 4‬انظر ‪:‬د‪ -:‬عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة ‪،‬التحكيم في منازعات العقود الدارية الداخلية والدولية‪،‬دار الفكر الجامعي ‪ ،‬السكندرية ‪ ،‬الطبعة الولى ‪،2006 ،‬‬
‫ص ‪.12‬‬
‫‪5‬‬
‫‪-‬لهذا النص ما يقابله في قوانين التحكيم العربية أو يقاربه حيث تنص المادة ‪ 203/1‬من القانون الماراتي على انه "يجوز للمتعاقدين بصفة عامة‬
‫أن يشترط في العقد الساسي أو باتفاق لحق عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين على محكم أو أكثر كما يجوز التفاق على‬
‫التحكيم في نزاع معين بشروط خاصة"‪.‬‬

‫وتنص المادة ‪ 233‬من القانون البحريني على انه "يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفة عامة عرض ما قد ينشأ بينهم من النزاع في تنفيذ عقد معين‬
‫على محكمين‪ .‬ويجوز التفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة تحكيم خاصة"‪.‬‬

‫وتقضي المادة ‪ 506‬من القانون السوري بأنه "‪ -1‬يجوز للمتعاقدين أن يشترطوا بصفه عامة عرض ما قد ينشأ بنهم من النزاع في تنفيذ عقد معين‬
‫على محكم واحد أو أكثر؛ ‪ -2‬يجوز التفاق على التحكيم في نزاع معين وبشروط خاصة"‪.‬‬

‫وتقضي المادة )‪ (1‬من نظام التحكيم السعودي بأنه "يجوز التفاق على التحكيم في نزاع معين قائم‪ ،‬كما يجوز التفاق مسبقًا على التحكيم في أي‬
‫نزاع يقدم نتيجة تنفيذ عقد معين"‪.‬‬

‫وتنص المادة )‪ (190/1‬من القانون القطري بأنه يجوز التفاق على التحكيم في نزاع معين بوثيقة تحكيم خاصة‪ .‬كما يجوز التفاق على التحكيم في‬
‫جميع المنازعات التي تنشأ من تنفيذ عقد معين"‪.‬‬

‫وتقضي المادة )‪ (262‬من القانون اللبناني بأنه "يجوز للمتعاقدين أن يدرجوا في العقد التجاري أو المدني المبرم بينهم بندًا ينص على أن تحل‬
‫بطريق التحكيم جميع المنازعات القابلة للصلح التي تنشأ عن تنفيذ هذا العقد او تفسيره"‪.‬‬

‫كما تنص المادة )‪ (765‬من القانون اللبناني بأن العقد التحكيمي عقد بموجبه يتفق الطراف فيه على حل نزاع قابل للصلح ناشئ بينهم عن طريق‬
‫تحكيم شخص او عدة اشخاص"‪.‬‬
‫وإن كنا نسلم بأهمية التحكيم بالنظر إلى عناصره ‪،‬إل أننا ل نسلم بأن هدف التحكيم‬
‫هو إقامة العدل والحفاظ على السلم بين الخصوم ‪،‬أي حل النزاع مع رغبة في‬
‫المصالحة والبعد عن لدد الخصومة ‪.‬فهذا المعنى يتحقق في كافة سبل التسوية الودية‬
‫من التفاوض إلى التوفيق والصلح ومن ثم ل يصلح معيارا لتعريف التحكيم أو تحديد‬
‫الهدف منه ‪.‬فالتحكيم يقوم على عدة عناصر تتكاتف معا لتحديد مضمونه والهدف‪،‬قد ل‬
‫يكون أي منها كافيا في ذاته لتحقيق هذا الغرض‪ ،‬وليس حاسما في تعريف عملية‬
‫التحكيم ‪،‬غير أن هذه العناصر مجتمعة تحدد هدف التحكيم وتعرفه‪.‬ومن هذه العناصر‪:‬‬
‫*إفصاح إرادة الطراف عن اختيار التحكيم كأسلوب وحيد لفض النزاع ‪.‬‬
‫*وضوح التفاق وعناصره إلى اتجاه نية الطراف إلى اختيار نظام التحكيم‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫*الفصاح عن وجوب صدور حكم ملزم لطرافه ‪.‬‬

‫وعند تخلف أحد هذه العناصر يفقد التحكيم أحد ركائزه التي تسهم في تعريفه‬
‫لينسحب التحكيم تاركا مكانه لغيره من النظمة‪ ،‬وننتهي إلى تعريف التحكيم بأنه‪":‬‬
‫اتفاق الطراف على تفويض المحكم سلطة حسم النزاع بحكم ملزم وقابل للتنفيذ"‪.‬‬
‫فهذا التفاق النابع من السلطة التعاقدية للطراف يرتب التزاما عليهم بالتعاون في‬
‫إحالة النزاع للتحكيم ومتابعته‪ ،‬ويمنح كل الطرفين الحق في اللجوء إلى‬
‫التحكيم‪.‬والتفاق على حسم النزاع أمر جوهري في تعريف التحكيم لنه يميزه عن‬
‫غيره من النظمة التفاقية التي قد تتشابه معه إل أنها ل تحسم النزاع كالتوفيق‬
‫والوساطة بما يعنيه من إمكانية العودة إلى مناقشته مرة أخرى‪.‬والقوة اللزامية للقرار‬
‫هي جوهر التحكيم ‪،‬فهي تعني حجية الحكم الصادر كما تعني إمكان تنفيذه جبرا ‪2‬رغما‬
‫‪3‬‬
‫عن الطراف طالما توافرت شروط صحته‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪-:‬هدى محمد عبدالرحمن‪ ،‬دور المحكم في خصومة التحكيم‪،‬دار النهضة العربية‪،1997،‬ص ‪.54‬‬
‫‪ - 2‬نصت المادة ‪ 55‬من قانون التحكيم العماني ‪ ":‬تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقا لهذا القانون حجية المر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الحكام‬
‫المنصوص عليها في هذا القانون"‪.‬‬
‫‪ - 3‬انظر ‪:‬د‪-:‬عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة‪ ،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.12‬‬
‫والتحكيم اصطلح عام يقترن به مسميات فرعية تختلف بحسب المنازعة التي يراد‬
‫حسمها‪،‬فإذا كانت المنازعة تجارية سمي بالتحكيم التجاري وإذا كانت المنازعة مدنية‬
‫أطلق عليه تحكيما مدنيا ‪،‬وإذا كانت المنازعة إدارية سمي التحكيم إداريا ‪.1‬‬
‫كما أن اتفاق الطراف على التحكيم قد يكون قبل حدوث أي خلفات بينهم ‪ ،‬فيرد‬
‫اتفاقهم في هذه الحالة في شكل شرط أو بند من بنود العقد أو التفاق الذي ينظم‬
‫علقتهم الصلية ‪ ،‬وقد يحررون وثيقة أو اتفاقا مستقل ‪ ،‬يضمنونه اتفاقهم على إحالة‬
‫ما قد يثور بينهم من منازعات بمناسبة العقد الصلي إلى التحكيم ‪.‬والصفة المشتركة‬
‫بين الصورتين أن التفاق على التحكيم له طابع التحسب للمستقبل ‪ ،‬ويسمى مثل هذا‬
‫التفاق في صورتيه بشرط التحكيم ‪.‬ويجوز للطراف النتظار ‪ ،‬فإذا ما شجر نزاع‬
‫بينهم قاموا بإبرام اتفاق على إحالته للتحكيم ‪،‬ويسمى هذا التفاق بمشارطة أو وثيقة‬
‫‪2‬‬
‫التحكيم ‪.‬‬
‫ولجوء الفراد إلى التحكيم له مبرراته‪ ،‬وأسبابه‪ ،‬وبمعنى آخر خصائص التحكيم‬
‫ومزاياه جعلت الحاجة إليه أكثر من القضاء وذلك ما سأتناوله في المطلب التالي‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬خصائص التحكيم ‪.‬‬

‫التحكيم والقضاء العام في الدولة شريكان في تحقيق هدف واحد هو تسوية المنازعات‬
‫وإن اختلف الول عن الثاني في أنه يستند إلى إرادة طرفي النزاع كأساس لقيامه ‪،‬‬
‫حيث تتجه تلك الرادة إلى التحكيم لتسوية المنازعات الحالية أو المستقبلية بصدد‬
‫موضوع معين بحكم ملزم لطراف المنازعة‪ ،‬مفضلة بذلك نظام التحكيم عن اللجوء‬
‫إلى القضاء وذلك لما يتسم به التحكيم من المميزات التالية ‪-:‬‬
‫أ‪-‬التحكيم أداة لقامة العدل بين الناس وأنه عمل قضائي يجري خارج نطاق المحاكم‬
‫فهو قضاء خاص يقوم على أساس تراضي طرفي النزاع وقبولهما لحكم المحكمين‬
‫وبعبارة أخرى يقوم التحكيم على تصرف قانوني يتمثل في عقد التحكيم والذي يفيد‬

‫‪- 1‬انظر‪:‬علي طاهر البياتي‪ ،‬التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬عمان‪،2006،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ - 2‬انظر ‪:‬د‪-:‬محمود مختار أحمد بريري‪،‬مرجع سابق ‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫بالتزام الخصوم بالمتناع عن طرح النزاع أمام القاضي المختص به واللتزام بطرحه‬
‫‪1‬‬
‫أمام المحكمين لصدار حكمهم فيه‪.‬‬
‫فهو يكشف عن رغبة الطراف في حسم ما قد يثور بينهما من خلفات ‪،‬وينزع إلى حد‬
‫ّكم يعرف أنه أمام‬
‫كبير صفة الخصومة ويقضي على وسائل المطل واللدد‪ .‬والمح‬
‫أطراف علقة قانونية ‪ ،‬قد ل تنتهي بانتهاء التحكيم ‪ ،‬وإنما قد يكون الحكم مهيئا لمكان‬
‫استئناف واستمرار علقاتهم ‪ ،‬فالمحكم ل يدين بقدر ما يرجح وجهة نظر أو تفسير‬
‫طرف على وجهة نظر أو تفسير الطرف الخر‪ ،‬لشرط من شروط العقد أو للتزام من‬
‫‪2‬‬
‫اللتزامات الناشئة عنه‪.‬‬
‫ب‪-‬تمكين أطراف النزاع من اختيار من يصدرون حكما فيه‪ ،‬وهي ميزة ينفرد بها‬
‫التحكيم يفتقدونها في حالة اللجوء إلى القضاء حيث ل يملك الخصم اختيار قاضيه‪.‬‬
‫ويحقق تمكين أطراف النزاع من اختيار هيئة التحكيم ميزة هامة‪ ،‬تتمثل في ثقتهم‬
‫في هؤلء المحكمين الذين وقع عليهم الختيار لسيما إذا كان النزاع متعلق بمسائل‬
‫فنية يصعب على القاضي الفصل فيها دون إحالتها إلى خبير في الموضوع محل‬
‫المنازعة المر الذي قد يستغرق وقتا قد يطول رغم ما لهذا الوقت من أهمية بالنسبة‬
‫لطراف النزاع ناهيك عن إجهادهم ماليا‪ ،‬في أمر من شأن لجوئهم للتحكيم للفصل فيه‬
‫‪3‬‬
‫أن يغنيهم عن ذلك‪.‬‬
‫ّكم على خلف القاضي‪ ،‬ل يلزم أن يكون رجل قانون‪ ،‬فالطراف يمكنهم اختيار‬
‫فالمح‬
‫محكم له خبرة في مجال النشاط الذي يتعلق به النزاع‪ ،‬فقد يكون مهندسا أو طبيبا أو‬
‫رجل أعمال ‪ ،‬مما يجعله مؤهل لفهم وإدراك طبيعة النزاع والمساك بمقطع النزاع‬
‫دون أن يكون مضطرا للستعانة بالخبراء وهو أمر ل غنى عنه إذا كان النزاع معروضا‬
‫على القضاء‪ .‬حقا أن القاضي في النهاية هو الخبير العلى‪ ،‬ولكن تعقد وتنوع المعاملت‬
‫التجارية الدولية مثل وتعلقها بعقود تتضمن شروطا وتفاصيل فنية معقدة‪ ،‬تضطر‬
‫القاضي للستعانة بالخبراء وإعداد تقارير فنية ‪ ،‬ل شك أن المحكم الخبير أقدر على‬
‫‪ - 1‬انظر ‪:‬د‪ -:‬طالب حسن موسى‪ ،‬قانون التجارة الدولية ‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪ ،2005،‬ص ‪.234‬‬
‫‪ - 2‬انظر ‪:‬د‪ -:‬محمود مختار أحمد بريري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪:‬د‪ -:‬عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.22‬‬
‫استيعابها من رجل القانون‪ ،‬وسيكون مصدر الطمأنينة وثقة الطراف في القرار الذي‬
‫سيصدره في النزاع‪ ،‬فضل عما توفره له خبرته الفنية من قدرة على التصدي ومنع‬
‫‪1‬‬
‫إطالة أمد النزاع عن طريق تقديم تقارير الخبراء المتضادة من قبل أطراف النزاع‪.‬‬
‫ج‪ -‬بساطة الجراءات وسرعة القرار‪-:‬‬
‫إجراءات التحكيم بسيطة حيث يحدد أطراف النزاع تلك الجراءات‪ ،‬المر الذي يؤدي‬
‫إلى سرعة إصدار قرار التحكيم ‪،‬فالمحكم يمكن أن يكون متفرغا للفصل في النزاع‬
‫المحكم فيه بينما القاضي مدعو للفصل في منازعات عديدة‪2‬؛والمحكم مدعو إلى القيام‬
‫بمهمته في خلل مهلة محددة يتفق عليها الخصوم وعادة ما تكون قصيرة بينما القاضي‬
‫ّمما ييسر للمحكم إنجاز مهمته خلل هذه المهلة هو‬
‫ل يتقيد بأي مهلة من هذا النوع ؛و‬
‫إمكانية لجوئه إلى إجراءات سريعة وبسيطة بدل من تطبيق أصول المحاكمات العادية‬
‫وما تنطوي عليه من شكليات زمانية يفرضها القانون على القاضي ‪ ،3‬إضافة لما في‬
‫التحكيم من اختصار لدرجات التقاضي‪ ،‬حيث تصدر هيئة التحكيم حكم بات غير قابل‬
‫‪4‬‬
‫للطعن فيه من حيث الموضوع وقابل للتنفيذ الفوري‪.‬‬
‫د‪-‬السرية ‪-:‬‬
‫القضاء العادي تتصف إجراءاته بالعلنية وهو أمر قد ل يفضله أطراف النزاع ‪،‬‬
‫لما تؤدي إليه تلك العلنية من كشف لسرارهم المهنية أو لمركزهم القتصادي الذي‬
‫يلحق بهم ضررا قد تفوق جسامته خسرانهم للدعوى‪5.‬فإذا ما تعلق المر مثل بتنفيذ‬
‫متأخر أو معيب ‪،‬فإن المدعي عليه يعلق أهمية كبيرة على بقاء أمر التأخير أو العيب‬
‫وبالمثل إذا ما تعلق‬ ‫محجوبا عن منافسيه من ناحية وعن عملئه من ناحية أخرى‪.‬‬
‫المر بدعوى عدم مطابقة محل العقد للمواصفات المتفق عليها‪.‬ثم انه في العقود‬
‫الكثر تعقيدا ‪،‬والتي يكون في الغالب محلها منتجا جديدا‪ ،‬تكون السرية أكثر لزوما‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪ -:‬محمود مختار أحمد بريري ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.10‬‬


‫‪ - 2‬أشارت احصائية مركز المساعدات القضائية في مصر إلى أن المحاكم باختلف درجاتها تنظر سنويا ‪8‬مليين دعوى لها علقة ب ‪16‬مليون شخص ويرى‬
‫القاضي ‪ 500‬دعوى باليوم الواحد‪،‬وأغلب هذه الدعاوى ليوجد فيها محامون‪ .‬راجع‪:‬د‪-:‬طالب حسن موسى ‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.235‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪:‬د‪-:‬أحمد خليل ‪،‬قواعد التحكيم ‪،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪،‬بيروت‪2002 ،‬م‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪ - 4‬انظر‪:‬د‪ -:‬عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.21‬‬
‫‪ - 5‬انظر‪:‬د‪-:‬نبيل اسماعيل عمر‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫ّرض دائما لظهور عيوب فيه‪،‬ومنها أن التقدم‬
‫لعتبارات عدة ‪،‬منها أن المنتج الجديد مع‬
‫العلمي الفني السريع كثيرا ما يؤدي إلى ظهور المنتج بمظهر المنتج المتخلف الذي‬
‫تجاوزه الزمن‪،‬ومنها أن المشتري أو الموزع غالبا مال يملك الخبرة اللزمة لتصحيح‬
‫‪1‬‬
‫المنتج محل التعاقد‪.‬‬

‫لذلك فإنهم يجدون في اللجوء للتحكيم بغيتهم حيث أن إرادتهم هي التي تحدد‬
‫إجراءاته ‪،‬ولهم‪-‬إذا أرادوا ذلك‪ -‬جعل كافة إجراءات التحكيم سرية‪،‬إذا رأوا أن في‬
‫علنيتها ما يلحق بهم الضرر وهو المر الذي ل يملكونه في حالة التقاضي أمام القضاء‬
‫المر بالحفاظ على الداب العامة أو‬ ‫العادي والذي ل تكون جلساته سرية إل إذا تعلق‬
‫‪2‬‬
‫أمن الدولة الخارجي أو الداخلي وفق تقدير المحكمة المنظور أمامها النزاع‪.‬‬

‫هح‪ -‬قلة كلفة التحكيم بمقارنتها مع مصاريف التقاضي أمام المحححاكم‪ ،‬لكححن عنححدما‬
‫يكون التحكيم دوليا هنا قد تكثر المصاريف ففي هذه الحالة‪ ،‬قد يكون كل من أعضححاء‬
‫هيئة التحكيم )الثلثححة مثل( وأطححراف النححزاع والمحححامين مححن جنسححيات مختلفححة‪ ،‬أو‬
‫مقيمين في دولة مختلفححة‪ ،‬ممححا يعنححي زيححادة مصححاريف التحكيححم بالنسححبة لتنقلتهححم‬
‫واجتماعاتهم في مكان معين‪ .‬هححذا بالضححافة لتعححاب المحكميححن والمصححاريف الداريححة‬
‫الخاصة بالمركز الذي ينظم التحكيم حيث يكون التحكيم مؤسسيا‪ .‬وعلى الغلب‪ ،‬فححان‬
‫هذه التعاب والمصاريف تتناسب طرديا مع قيمة النزاع‪ ،‬بحيححث يححزداد مقححدارها كلمححا‬
‫زادت هذه القيمة‪ .‬كما أن التحكيم محدد بقدر ما حدده التفاق ‪ ،‬فل ينسحب إلى عقود‬
‫أخرى لم يشملها التحكيم‪.‬‬

‫و‪ -‬يؤدي إلى التقليل من حالت تنازع القوانين‪،‬فشرط التحكيم ل يخضع لحكام القانون‬
‫الدولي الخاص‪،‬وأن المستثمرين الجانب عند التعاقد مع الدول النامية يسعون دوما إلى‬
‫التخلص من أحكام قوانين هذه الدول باشتراط التحكيم ولوحظ أن هذا يشكل صعوبة‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪-:‬أحمد خليل‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.11‬‬


‫‪ - 2‬انظر‪:‬د‪-:‬عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.22‬‬
‫تجاه التحكيم الدولي‪،‬وتكمن هذه الصعوبة في الضرر الذي يلحق بسيادة الدولة مما حدا‬
‫بالدول المذكورة إلى النص في قوانينها على استبعاد اللجوء إلى هذا التحكيم مثل‬
‫السعودية ومنظمة الدول المصدرة للبترول ويقابلها إصرار المستثمرين على‬
‫المقاومة‪،‬وكمثال تلحظ توصية جمعية مصممي اللت اللمانية إلى أعضائها بعدم‬
‫قبول تطبيق قوانين الدول العربية على العقود التي تبرمها معها والنصح بإدخال شرط‬
‫‪1‬‬
‫التحكيم في عقودهم‪.‬‬
‫كل هذه الخصائص والمزايا في التحكيم لن تظهر فائدتها وأهميتها إل بوجود محكم‬
‫ّذ‪،‬يملك القيادة والدارة ‪،‬كما يملك الخبرة والمسلك الحسن ‪،‬وفطرة العدالة وهذا ما‬
‫ف‬
‫سنوضحه في المبحث الثاني والذي سيدور حول المحكم‪ 2‬ومركزه القانوني في‬
‫الخصومة والتزاماته ومسؤوليته‪.‬‬

‫المبحث الثاني ‪:‬مركز المحكم ومسؤوليته في القانون العماني‬

‫من المبادئ العامة المتفق عليها في التحكيم‪ ،‬حرية أطراف النزاع في تعيين هيئة‬
‫التحكيم‪ ،‬سواء مباشرة باختيار أسمائهم من الطراف‪ ،‬أو بطريقة غير مباشرة بإحالة‬
‫المر إلى جهة ثالثة تتولى مهمة التعيين‪ ،‬مثل التفاق على احد مراكز التحكيم‬
‫المنتشرة في العالم لتولي هذا المر‪ ،‬ومن ذلك مركز القاهرة القليمي للتحكيم‬
‫التجاري الدولي‪ ،‬أو مركز دبي للتحكيم الدولي‪ ،‬أو مركز لبنان للتحكيم‪ .‬وعادة ما‬
‫تكون هيئة التحكيم مكونة إما من محكم منفرد أو من ثلثة محكمين‪ .‬وفي المحكم‬
‫المنفرد‪ ،‬يترك الخيار لطراف النزاع لختيار هذا المحكم‪ .‬وفي هيئة التحكيم الثلثية‪،‬‬
‫يعطى كل من طرفي النزاع حرية اختيار محكمه‪ ،‬في حين يعين المحكم الثالث‪ ،‬الذي‬
‫عادة ما يتولى رئاسة هيئة التحكيم‪ ،‬إما من قبل الطرفين مباشرة‪ ،‬أو من قبل المحكمين‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪-:‬طالب حسن موسى ‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.235‬‬


‫‪ - 2‬يعالج القانون العماني تحت الباب الثالث هيئة التحكيم من حيث عدد المحكمين وشروط المحكم وكيفية تعيين المحكمين ورد المحكم والختصاص بالدفع‬
‫بعدم إختصاص هيئة التحكيم واستقللية شرط التحكيم‪ ،‬وصلحية الهيئة بإتخاذ الجراءات التحفظية المواد )‪.(24-15‬‬
‫‪1‬‬
‫الثنين المعنيين من قبلهما وفق ما ينص عليه النظام القانوني المطبق على التحكيم‬
‫)المادة ‪/17‬مصري وعماني(‪.2‬‬
‫ّكم الذي سيتم اختياره ل بد من توافر عدة شروط فيه حتى يكون قادرا على‬
‫والمح‬
‫ّل بالتزاماته‪.‬‬
‫ّدد بالتالي مسؤوليته إذا ما أخ‬
‫تنفيذ التزاماته بنجاح ‪،‬وتتح‬
‫ولهمية المحكم في عملية التحكيم سنتناول في أربعة مطالب الشروط الواجب توافرها‬
‫فيه ومركزه القانوني واللتزامات المفروضة عليه ‪،‬وفي المطلب الخير سنتحدث عن‬
‫مدى مسؤوليته إذا ما أخل بالتزاماته‪.‬‬

‫ّكم‬
‫المطلب الول‪ :‬الشروط الواجب توافرها في المح‬

‫ّكم تكون سلمة التحكيم وما لم يمن المحكم كفئا فل قيمة‬


‫بقدر كمال المح‬
‫ّكم قاض وإن اختاره الطراف إذ يستمد سلطاته من إرادة الخصوم وأيضا‬
‫للتحكيم ‪،‬فالمح‬
‫ّمة القضاء ومنحه سلطة إصدار الحكم‪.‬‬
‫من إرادة القانون الذي أجاز له ممارسة مه‬
‫ويشترط فيه ما يشترط في القاضي من خبرة وكفاءة فضل عن الحياد من وقت‬
‫اختياره وحتى صدور الحكم‪.‬‬
‫ول يوجد مستوى نموذجي يحدد الشروط والمؤهلت الشخصية الواجب توافرها في‬
‫المحكم وإنما يختلف المر تبعا لطبيعة المهمة الموكولة إليه ومدى تعقد النزاع‬
‫والمسائل التي يثيرها ‪،‬كما يخضع لما يتفق عليه الطراف‪،3‬والشروط هي كالتالي‪:‬‬
‫الشرط الول‪:‬ضرورة توافر الهلية المدنية الكاملة‪:‬‬
‫نصت المادة ‪1\16‬من القانون العماني والمصري )ل يجوز أن يكون المحكم قاصرا أو‬
‫محجورا عليه أو محروما من حقوقه المدنية بسبب الحكم عليه في جناية مخلة‬
‫بالشرف أو بسبب شهر إفلسه ما لم يرد إليه اعتباره "(‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪:‬حمزة حداد اتجاهات حديثة في التحكيم التجاري في الدول العربيةورقة عمل مقدمة لمؤتمر خصائص المحكم في دول البحرالمتوسط والشرق‬
‫الوسط ‪ -‬القاهرة ‪ 24/25‬آذار ‪،2001/‬ص ‪.3‬‬
‫‪ - 2‬كذلك الحال في أغلب التشريعات العربية ومنها القانون الردني حيث نصت على ذلك في المادة ‪.16‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪-:‬د‪ -:‬حميد محمد اللهبي ‪،‬المحكم في التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬دار النهضة العربية‪ ،‬الطبعة الولى‪،‬القاهرة‪،2002\2001،‬ص ‪.19‬‬
‫حددت أحكام قانون التحكيم العماني رقم ‪97\47‬م عناصر الهلية المدنية للمحكم على‬
‫النحو التالي‪:‬‬

‫‪-1‬أل يكون المحكم محجورا عليه‪:‬‬


‫ّصه ‪،‬وكان‬
‫يعتبر الحجر من عوارض الهلية ‪،‬لذلك فإننا نجد أنه أمر بديهي ل يقتضي ن‬
‫من النسب ‪،‬في تصورنا أن يضيف هذا النص شرطا آخر هو أل يكون المحكم محجوزا‬
‫عليه فهذا أقرب لطبيعة مهمته وأوضاعها المتميزة ‪،‬إذ ل يكفي أل يكون قد أشهر إفلسه‬
‫‪،‬فإذا لم يكن المحكم تاجرا فإن حساسية مركزه تقتضي أل يكون محجوزا عليه بسبب‬
‫إعساره أو عجزه عن دفع دين عليه قبل المتعاملين أو مؤسسات التحكيم‪.‬‬
‫ّلة بالشرف‪:‬‬
‫‪ - 2‬عدم الحكم عليه في جناية أو جنحة مخ‬
‫حظرت أحكام قانون التحكيم العماني تعيين شخص حكم عليه في جناية أو جنحة مخلة‬
‫بالشرف ‪،‬ومن ثم فإن الحكم بالبراءة أو وقف التنفيذ ل يحول دون اختياره ‪،‬وقصرها‬
‫على الجرائم المخلة بالشرف‪،‬رغم أن توقيع أية عقوبة جنائية يجب أن يحول دون‬
‫ّلة بالشرف ‪.‬لذلك في رأيي أن النص لم يكن أكثر دقة‬
‫اختياره كمحكم ولو لم تكن مخ‬
‫وإحكاما‪.‬‬
‫‪ - 3‬عدم شهر إفلسه‪:‬‬
‫كزت على الثر‬
‫ّ‬‫ّكما ‪،‬غير أنها ر‬
‫كذلك حظرت المادة قبول من أشهر إفلسه مح‬
‫المترتب على شهر الفلس وهو الحرمان من الحقوق المدنية كأثر لهذا الحكم ‪،‬وهذا‬
‫يتطلب شهر الفلس بالفعل فل يكفي التوقف عن دفع الديون رغم ما ينبئ عنه من‬
‫توافر حالة الفلس ‪.‬وأهمية هذا الشرط تظهر بالنظر إلى تمتع جانب كبير من‬
‫ّكمين بصفة التاجر لشتغالهم بأعمال تجارية تدفع لختيارهم لحسم المنازعات‬
‫المح‬
‫ذات الطابع التجاري‪ ،1‬ورأيي أنه ل يجوز قبول المحكم حتى ولو رد إليه اعتباره‪ ،‬فهذا‬
‫ّجه إليه وهو ما يشكك الثقة في حسن قضائه‪.‬‬
‫ل ينفي ثبوت التهام المو‬
‫ّكم قاصرا‪:‬‬
‫‪ - 4‬أل يكون المح‬
‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪-:‬عبدالفتاح مراد‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.105‬انظر كذلك ‪:‬د‪-:‬طالب حسن موسى ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.247‬‬
‫يشترط توافر الهلية الكاملة في المحكم بأن يكون بالغا سن الرشد دون وجود أية‬
‫عوارض للهلية ‪.‬ويتعين أن يكون المحكم شخصا طبيعيا ‪،‬ومن ثم فل يجوز تعيين‬
‫الغرف التجارية أو الجمعيات المهنية محكما‪.1‬‬
‫ّية‪:‬‬
‫ّكم بالحقوق المدن‬
‫ّتع المح‬
‫‪ - 5‬تم‬
‫اشترطت أحكام قانون التحكيم العماني تمتع المحكم بالحقوق المدنية فقط‪ ،‬ورأيي أن‬
‫يكون المحكم متمتعا بالحقوق السياسية أيضا في دولته ‪،‬ووفقا لقانونها وليس قانون‬
‫دولة الخصوم ‪،‬فمن شأن تخلف هذا الشرط التأثير على ثقة الطراف فيه وعلى‬
‫صلحيته لحسم النزاع‪.‬ول يجب أن يوقع هذا في لبس بشأن جنسية المحكم ‪،‬فعندما‬
‫يكون المحكم أجنبيا يكون محروما بالطبع من ممارسة حقوقه السياسية في دولة‬
‫الخصوم وليس هناك ما يحول قانونا دون اختيار محكم أجنبي‪.2‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬يجب أن يكون مستقل‪:‬‬
‫والستقلل معناه أل توجد للمحكم صلة أو مصلحة بموضوع النزاع أو ارتباط بأحد‬
‫ّكم ل يجوز أن يكون طرفا في النزاع أو له مصلحة فيه‬
‫الطراف أو ممثليهم ‪،‬فالمح‬
‫على أي وجه‪ ،‬ويجب أن يستمر استقلله حتى صدور الحكم‪ .‬ومن مظاهر استقلل‬
‫المحكم عدم وجود روابط مالية أو علقات مهنية أو اجتماعية سابقة أو حالية تربطه‬
‫ّكم تدفعهم إلى التعاون معه والرضاء بحكمه وتنفيذه‬
‫بالخصوم‪ .3‬فثقة الطراف في المح‬
‫ّكم ليس سوى قاض‬
‫اختيارا في الغلب العلم من الحالت ‪،‬فإذا كان صحيحا أن المح‬
‫بالمصادفة في نزاع بناء على عرض من الطراف المتنازعة وقبول منه‪،‬فإن هذا ل يعني‬
‫أنه يعمل لمصلحة أو ضد أي من الطراف ول يجب أن يؤثر اختيار المحكم من قبل‬
‫الطراف على استقلله في مواجهتهم ول أن يغير من الجوهر القضائي لمهمته ‪.‬ويقترن‬
‫قبول المحكم للمهمة بإقراره بعدم وجود له بالنزاع أو أطرافه‪.‬وقد أحسن المشرع‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪-:‬أحمد خليل‪ ،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.48‬‬


‫‪ )- 2‬قرب( انظر‪:‬د‪-:‬هدى محمد عبدالرحمن‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.210‬‬
‫‪- 3‬انظر‪ :‬د‪-:‬أحمد خليل‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.49‬‬
‫العماني عندما جعل الستقلل مفترضا أساسيا في المحكم منفصل عن حياده وجعله‬
‫سببا مستقل للرد‪.1‬‬
‫لذا ل بد من وضع المعالم الفاصلة بين استقلل المحكم وحياده ‪،‬فالستقلل شرط‬
‫ّكم ولستمراره في نظر النزاع وحتى إصدار الحكم ‪،‬أي أن الستقلل شرط‬
‫لتعيين المح‬
‫لتعيين المحكم ولصحة هذا التعيين‪،‬ويلتزم المحكم بأن يبقى على استقلله أثناء سير‬
‫الجراءات وحتى صدور الحكم‪،‬وذلك بعدم الدخول في أية علقات تؤثر على‬
‫استقلله‪.‬لذا فالتفرقة بين الستقلل والحياد تبدو كما لو كان الستقلل شرطا‬
‫لختياره والحياد التزاما على عاتقه وشرطا لصحة الحكم ‪،2‬فضل عن اختلفهما من‬
‫الناحية الموضوعية ‪،‬إذ يتصل الستقلل بمظاهر موضوعية ملموسة تنصب على وقائع‬
‫مادية ويعد شرطا سابقا على تولي المحكم للمهمة‪ ،‬وإن كان الغالب أن يثير الطراف‬
‫‪3‬‬
‫مسألة الحياد والستقلل معا عند العتراض على مسلك المحكم‪.‬‬
‫والنص الذي أورده المشرع العماني حالمادة ‪16‬ح جاء متمشيا مع التجاه الذي تبنته‬
‫غالبية النظمة القانونية بإلزام المحكم بتقديم إقرار باستقلله يفصح فيه عن أية‬
‫وقائع قد تثير شكا حول استقلله‪،‬والهدف من ذلك إتاحة الفرصة للطراف للوقوف‬
‫على أسباب قد تثير مظهر التحيز دون أن ترتب بالضرورة تحيزا حقيقيا من جانبه‪.‬‬

‫ّي الخبرة والكفاءة إل أنها ل تعد شرطا‬


‫وإلى جانب هذه الشروط هناك شرط‬
‫لختياره إل في الحدود التي يقرها الخصوم ‪،‬وهذه الشروط رغم طابعها التفاقي إل‬
‫أنها تعد شروط جوهرية لختيار المحكم‪،‬فالمتعاملون ينشدون التحكيم سعيا وراء قاض‬
‫متخصص ذي خبرة ومران‪ .‬فالخبرة والكفاءة تدعم استقلله‪ ،‬فبدون ذلك يكون أكثر‬
‫‪4‬‬
‫عرضة للتأثر بآراء الخرين والتأثر بعواطفه ومصالحه الشخصية‪.‬‬

‫‪ - 1‬تنص ‪1\18‬بالقول‪ ":‬ل يجوز رد المحكم إل إذا قامت ظروف تثير شكوكا جدية حول حيدته أو استقلله‪"...‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪:‬د‪-:‬أبو العل علي أبو العل النمر‪،‬تكوين هيئات التحكيم )دراسة تحليلية مقارنه(‪،‬دار الكتب القانونية‪،‬المحلة الكبرى‪2002،‬م‪،‬ص ‪48‬ومابعدها‪.‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪:‬د‪-:‬محمود مختار أحمد بريري‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.85‬انظر كذلك‪:‬د‪-:‬أحمد خليل‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.49‬‬
‫‪ - 4‬انظر‪:‬د‪-:‬إبراهيم أحمد إبراهيم ‪،‬التحكيم الدولي الخاص‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬الطبعة الثانية‪،1997،‬ص ‪.8‬‬
‫كذلك اشترطت بعض النظمة القانونية أن يكون المحكم ذكرا ‪،1‬لكن مشرعنا‬
‫العماني نص بما مفاده أن ليس هناك ما يحول دون تولي المرأة لمهمة التحكيم ‪،‬حيث‬
‫نصت المادة ‪2\16‬بالقول‪ -2 ":‬ل يشترط أن يكون المحكم من جنس أو جنسية معينة إل‬
‫إذا اتفق طرفا التحكيم أو نص القانون على غير ذلك‪ ".‬ونعتقد أن المر يتعلق بثقة‬
‫الطراف في شخص المحكم وخبرته وصلحيته لتولي المهمة رجل كان أم امرأة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬مركز المحكم القانوني‬


‫إن الطبيعة المتميزة لعمل المحكم تثير ظلل من الغموض حول التكييف القانوني‬
‫لمهمته وهل هو محام عن الخصوم أم قاض لهم ‪،‬فالطابع التعاقدي الذي يحكم واقعة‬
‫ميلد مهمة المحكم والتحديد الرضائي لنطاق سلطاته يزكي الطابع التعاقدي‬
‫لمهمته ‪،‬ومن هنا ظهر اتجاه قوي في الفقه والقضاء يرجح التكييف التعاقدي لمهمته‬
‫كإطار لعمل المحكم ومددا لما يترتب على ذلك من آثار ‪،‬فإذا ما تجاوزنا هذا المدخل‬
‫الرضائي المصاحب لختيار المحكم وتحديد نطاق سلطاته‪،‬في الحدود التي يجيزها‬
‫القانون ‪،‬تطل علينا الروح القضائية التي تحكم ممارسته لعمله‪،‬فنجده ملتزما بالحياد‬
‫قبل جميع الخصوم ومقيدا بإحترام المبادئ الساسية في التقاضي ‪،‬فضل عن خضوعه‬
‫لنظام الرد ‪،‬ثم يحوز حكمه الحجية فور صدوره‪.‬من هنا كان اتجاه يرجح التكييف‬
‫القضائي الذي يحكم عمل المحكم ويحدد مضمونه ومقتضياته‪.2‬‬
‫والترجيح بين الكفتين له أهميته‪ ،‬إذ تنعكس آثار التكييف القانوني لمهمة المحكم‬
‫على كيفية ممارسته لعمله وتقييم مسلكه في مواجهة الخصوم‪ ،‬كما تميز مهمته عن‬
‫غيرها من المهام التي قد تتشابه معها‪.‬‬
‫فهناك جانب رجح فكرة الطبيعة التعاقدية لمهمة المحكم ‪،‬فيرى أنصار‬
‫النظرية العقدية أن اتفاق التحكيم وحكم المحكم يكونان كل واحدا وتتجمع عملية‬
‫التحكيم في شكل هرم قاعدته التفاق وقمته الحكم الذي يبدو مجرد عنصر تبعي في‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪:‬أحمد السيد صاوي ‪ ،‬الوسيط في قانون المرافعات ‪،‬دار النهضة العربية‪،1987،‬ص ‪.81‬‬
‫‪- 2‬انظر‪:‬د‪ -:‬هدى عبدالرحمن ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.27‬انظر كذلك ‪:‬د‪-:‬أحمد أبو الوفا ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.29‬‬
‫هذه العملية ‪،‬وذلك لنه ل يعدو كونه مجرد تحديد لمحتوى العقد ول يعد‬
‫قضاء‪.‬ويستند هذا التجاه إلى أن اتفاق التحكيم مجرد عقد يتم قبل بدء إجراءات‬
‫الخصومة ويخضع لما تخضع له عقود القانون الخاص‪ ،‬وأن قرار المحكم يتقيد بإرادة‬
‫الخصوم ويتأثر بالعيوب التي تشوبها‪.1‬‬
‫كما خلص أنصار هذا التجاه من خلل مقارنة المحكم بالقاضي إلى أن المحكم ليس‬
‫من قضاة الدولة بل شخصا عاديا وقد يكون أجنبيا ‪،‬ويملك رفض قبول المهمة دون أن‬
‫يعد منكرا للعدالة‪،‬كما أنه يستمد سلطاته من اتفاق الطراف الذين يختارونه ويقبلون‬
‫حكمه ‪.‬كما أن المحكم ل يملك توقيع جزاءات على الطراف أو الشهود‪،‬فضل عن‬
‫ضرورة إصدار أمر بتنفيذ حكمه من القضاء وإمكانية رفع دعوى أصلية ببطلنه‪.‬ومن‬
‫ثم يكون لحكمه الطبيعة التعاقدية‪.2‬‬
‫لكن هذه النظرية تعرضت لعدة انتقادات منها التركيز على الجانب الرادي في خصومة‬
‫ّكم‬
‫التحكيم‪،‬وإضافة إلى ذلك تعذر تكييف نوع العلقة العقدية التي تربط المح‬
‫بالطراف‪.3،‬‬
‫وفي الحقيقة أن الخذ بهذا التكييف يرتب حتما إنكار الطبيعة القضائية لحكم المحكم‬
‫ويفقده الحجية وقوة الشيء المحكوم فيه‪،‬وينحصر في وصف مهمة الموفق التي ل‬
‫ّكم الذي يحسم‬
‫ّمة المح‬
‫تتجاوز اقتراح حل يرضي جميع الطراف ‪،‬ول يعبر عن مه‬
‫النزاع نهائيا بحكم ملزم يستقل بإصداره‪،‬إذن الجانب التفاقي الذي تبدأ به عملية‬
‫التحكيم ل يحول دون اسباغ الصفة الفضائية على الجراءات ‪،‬وهو ما أكدته أحكام‬
‫قانون التحكيم العماني‪،‬ونتيجة لهذه النتقادات تبنى آخرون نظرية الطبيعة‬
‫المختلطة‪،‬وهي ما سنوضحه بعد شرح الطبيعة القضائية و الحجج التي قدمها‬
‫ّكم بمنزلة القاضي وعمله عمل قضائي على‬
‫أنصاره لترجيحها ‪،‬حيث يقصد بها أن المح‬
‫ّكم قضاء‬
‫ّل القاضي فتكون له وظيفته وصفته‪ ،‬و أن اللجوء إلى المح‬
‫اعتبار أنه يحل مح‬
‫ّكم ل يعمل بإرادة الطراف و حدها و‬
‫إجباري ملزم للطراف متى اتفقوا عليه‪ ،‬و المح‬
‫‪ - 1‬انظر‪:‬ابراهيم أحمد ابراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.29‬‬
‫‪- 2‬انظر‪ :‬أحمد أبو الوفا‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.203‬انظر كذلك‪:‬د‪:‬هدى محمد عبدالرحمن‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪:‬المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.31‬‬
‫إنما له طبيعة قضائية أيضا لها الغلبة على طبيعة عمله‪ .‬ومن ثم فدور المحكم هو دور‬
‫قاضي الدولة ويتمثل هذا الدور في تطبيق إرادة القانون على شخص معين وواقعية‬
‫ّكم يؤدي وظيفة القضاء بين الطراف‬
‫معينة‪ ،‬إذن فجوهر الطبيعة القضائية أن المح‬
‫ّكم من‬
‫بحكم يحسم النزاع يحوز حجية المر المقضي به وهذه الحجية استمدها المح‬
‫ّكم قابل للطعن فيه‪ ،‬والمحكم بهذا يؤدي عمل قانونيا‬
‫ّرع الذي يجعل حكم المح‬
‫المش‬
‫ّية ما ذهبوا إليه‬
‫ّرية على حج‬
‫ّلل أنصار هذه النظ‬
‫ملزم للطراف شأنه شأن القاضي‪ .‬ويد‬
‫بالتالي ‪:‬‬
‫ّكم ما هو إل شكل من أشكال ممارسة العدالة التي تمارسها الدولة فإذا‬
‫‪-1‬أن عمل المح‬
‫ّكم تنحصر في ممارسة وظيفة‬
‫ّهمة المح‬
‫خصت للطراف باللجوء إلى التحكيم فإن م‬
‫ّ‬‫ر‬
‫ّكم عمل قضائي وحكمه حكم قضائي‪.‬‬
‫قانونية عامة وبالتالي فعمل المح‬
‫ّكم وهي‪ :‬الدعاء‪ ،‬المنازعة‪ ،‬و الشخص الذي‬
‫‪-2‬أن عناصر ثلثة تتوافر في عمل المح‬
‫يخو له القانون حسم النزاع‪ ،‬وإذا نظرنا إلى هذه العناصر مجتمعة لوجدناها تتوافر في‬
‫العمل القضائي‪.‬‬
‫ّكم يعتبر عمل قضائيا بالمعنى الدقيق من حيث الموضوع و الشكل‪ ،‬فمن‬
‫‪-3‬أن حكم المح‬
‫حيث الشكل فهو يصدر وفقا للجراءات التي تصدر بها الحكام القضائية‪ ،‬ومن حيث‬
‫ّكم غالبا ما يطبق قواعد القانون الموضوعي ويلتزم باحترام حقوق‬
‫الموضوع فالمح‬
‫المتخاصمين في الدفاع وتقديم الطلبات والبت فيها‪.‬‬
‫ّكم يتكون من عناصر ثلثة‪،‬إدعاء‪،‬تقرير‪،‬قرار‪،‬ووفقا لمعيار العمل‬
‫‪-4‬أن حكم المح‬
‫ّكم في هذه الصورة عمل قضائيا‪.‬‬
‫القضائي يعتبر حكم المح‬
‫‪-4‬أن ذيوع التحكيم وانتشاره وظهور العديد من المنظمات والهيئات والمراكز الدائمة‬
‫ّكم‪.1‬‬
‫ّظم التحكيم يؤكد الطبيعة القضائية لعمل المح‬
‫التي تن‬
‫الطبيعة المختلطة لعمل المحكم‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪ -:‬حميد محمد اللهبي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪ .71‬انظر‪:‬هدى محمد عبدالرحمن‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.41‬‬
‫ظهرت نظرية الطبيعة المختلطة لعمل المحكم نتيجة العتراف بالخصائص المميزة‬
‫للتحكيم‪،‬وتفرق هذه النظرية بين العلقة التعاقدية البحتة والعلقة القانونية الجرائية‬
‫القضائية البحتة وهي تسعى إلى التوفيق بين النظريتين السابقتين العقدية والقضائية‪.‬‬
‫وقيل أنها جاءت "لتلفي النتقادات الموجهة للنظرية التعاقدية"‪".‬كما ينظر البعض إلى‬
‫أن التحكيم في أساسه وجوهره تصرف إرادي‪،‬على أنه في انطلقه نحو تحقيق هدفه‬
‫يؤدي إلى تحريك نظام تتفاعل عناصر ذات طبيعة مغايرة تدخل في عداد العمل‬
‫القضائي‪.‬فالظاهرة المستمدة من أصله وهي إرادة الطراف ترجح طابعه التعاقدي بينما‬
‫هو قضائي من حيث أنه يلزم الطراف بقوة تختلف عن مجرد قوة العقد ‪.1‬‬
‫إذن فهذه النظرية تجعل المحكم يحتل موقعا وسطا بين الطبيعة التعاقدية والطبيعة‬
‫القضائية "فيتراخى العتراف بالطبيعة القضائية لحكم المحكم لما بعد صدور المر‬
‫بتنفيذه ‪،‬وذلك كنتيجة للربط بين حجية حكم التحكيم وقوته التنفيذية ومن ثم‬
‫يتمتع الحم بطبيعة مزدوجة تبدأ تعاقدية وتنتهي قضائية عندما يصدر المر بتنفيذ‬
‫الحكم‪.2‬‬
‫وعلى ذلك فعمل المحكم وفقا لهذه النظرية "عقدي بالنظر إلى الوجوه التي تنشق من‬
‫أصل التحكيم وهو العمل الرادي للطراف‪،‬وهو قضائي بالنظر إلى كون الحكم الذي‬
‫ينتهي إليه يلزم الطراف بقوة تختلف عن مجرد القوة الملزمة للعقد"‪.3‬‬
‫الطبيعة المستقلة لعمل المحكم‬
‫يرى أنصار هذه النظرية أن طبيعة عمل المحكم ل يمكن اعتبارها عمل تعاقديا بحتا‬
‫و ل قضائيا بحتا بل و ل مختلطا أيضا و لكنه ذو طبيعة خاصة و مستقلة‪ ،‬فعمل‬
‫المحكم و إن بينه و بين النظريات السابقة وجه تشابه إل أنه يختلف عنها في وجوه‬
‫كثيرة مما يجعله عمل له ذاتيته المستقلة تماما عن سائر العمال التعاقدية و‬
‫القضائية‪.‬‬
‫ويبرر أنصار هذه النظرية ما ذهبوا إليه بالتي‪:‬‬
‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪-:‬إبراهيم أحمد إبراهيم‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.34‬‬
‫‪- 2‬أخذ المشرع السعودي في قانون التحكيم الجديد بهذه الوجهة من النظر‪.‬راجع‪:‬أبراهيم أحمد ابراهيم‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.36‬‬
‫‪ - 3‬هدى محمد عبدالرحمن‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.36‬انظر كذلك‪-:‬د‪-:‬نبيل اسماعيل عمر‪،‬مرجع ‪،‬سابق‪،‬ص ‪.177‬‬
‫‪-1‬أن الطبيعة الحقيقية للتحكيم تنحصر في أنه نظام أصيل متحرر من العناصر‬
‫التعاقدية و القضائية‪ ،‬مما يكفل السرعة الضرورية في نظر القضايا و التأمينات التي‬
‫يدعيها الطراف‪.‬‬
‫‪-2‬أن القضاء سلطة من سلطات الدولة يباشرها القاضي بهدف تحقيق سيادة القانون على‬
‫المصالح المتنازعة؛ بعكس التحكيم الذي قد ل يطبق القانون الموضوعي على النزاع‪،‬‬
‫لن المحكم قد يطبق قواعد العدل ولنصاف أو القانون الذي يتفق على تطبيقه‪.‬‬
‫‪-3‬اتفاق التحكيم ل يعتبر عقدا مدنيا لن العقد المدني ل يرتب بذاته آثار إجرائية ‪،‬‬
‫كما أن اتفاق التحكيم ل يدخل في مجال الجراءات طالما أن التحكيم خارج عن‬
‫اختصاص قضاء الدول‪.‬‬
‫‪-4‬التحكيم يختلف عن القضاء في بنائه الداخلي حيث يتولى قانون المرافعات تنظيم‬
‫القضاء عضويا وإجرائيا‪ ،‬أما التحكيم فينظمه قانون خاص به‪ .‬كما أن عدالة التحكيم‬
‫تختلف عن عدالة القضاء لن عدالة التحكيم عدالة طبيعية سبقت في ظهورها قضاء‬
‫الدولة‪.‬‬
‫‪-5‬التحكيم له ميزات خاصة به مثل ل وطنية التحكيم‪ ،‬وسلطان إرادة الطراف غير‬
‫المقيدة في اختيار القواعد لموضوعية و الجرائية‪ ،‬تلك الذاتية الخاصة تكسب التحكيم‬
‫طابعا يعلو بالضرورة فوق الدول و التي عند فصلها في النزاع تطبق استثناء القانون‬
‫التجاري الدولي‪.1‬‬
‫و من ثم " فالتحكيم غير القضاء‪ ،‬التحكيم طريق استثنائي ل يجوز و لوجه إل في‬
‫المنازعات المتفق عليها بين الطراف‪ ،‬و يشترط أل تكون متعلقة بالنظام العام و أن‬
‫يفصل المحكم بمقتضى الجراءات التفاقية و القانونية المقررة‪ ،‬و يخضع كل هذا‬
‫لرقابة القضاء و إشرافه بما له من ولية عامة بغير حاجة إلى أي تحفظ خلل إتباع‬
‫هذا الطريق الستثنائي سواء من ناحية المحكم أو من ناحية الخصوم‪.2‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪ -:‬هدى عبدالرحمن‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.38‬‬


‫‪ - 2‬انظر‪ :‬د‪ -:‬حميد محمد اللهبي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.77‬‬
‫و إذا ألقينا نظرة على النظريات السابقة التي خاضت في طبيعة عمل المحكم في‬
‫القانون الوضعي نجد أن رواد هذه النظريات رغم احتدام الخلف بينهم إل أنهم جميعا‬
‫متفقون على تعريف موحد للتحكيم و أن اختلفت الصيغ و العبارات فيقولون بأن‬
‫التحكيم اتفاق على طرح النزاع على شخص معين أو أشخاص معينين ليفصلوا فيه"دون‬
‫المحكمة المختصة فيه"‪ ،‬و لفظ آخر ‪"...‬بأنه نوع من القضاء الخاص تخرج به القضايا‬
‫و المنازعات من اختصاص السلطة القضائية في الدولة ويعهد بها إلى محكم أو أكثر‬
‫يختارهم أطراف النزاع للحكم بينهم طبقا للقانون أو طبقا لقواعد العدالة‪ ،‬وفي لفظ‬
‫آخر‪ :‬هو نزول أطراف النزاع عن اللتجاء إلى قضاء الدولة و التزامهم بطرح النزاع‬
‫على محكم أو أكثر لحسم النزاع بحكم ملزم(‪.1‬‬
‫ّجح الطبيعة المستقلة رغم أن الغالب قد اتجه نحو ترجيح الطبيعة القضائية‪،‬‬
‫ورأيي ير‬
‫فهو مختلف حول طريقة تركيبته عن غيره‪،‬قد يتشابه مع بعضها في شيء لكنه يختلف‬
‫عنها في جزء آخر‪،‬فل حاجة بالتالي إلى اختلفات في الرأي ‪،‬وإنما الحاجة في وضع‬
‫تقنين كامل يضم شروط المحكم وواجباته وحقوقه‬
‫ومسؤوليته‪،‬ضماناته‪،‬حصاناته‪،‬امتيازاته‪ ،‬فالتحكيم عما قريب سيكون لغة المستقبل‬
‫والحاجة إليه تزيد‪.‬‬
‫تمييز المحكم عن من يشابهه‬
‫ّيفها البعض على أنها من قبيل‬
‫فقد ذهب الفقه في هذا الصدد إلى مناحي شتى ‪.‬فك‬
‫الوكالة‪،‬لكنه لقى انتقاد غالبية الفقه لستقلل المحكم عن الخصوم على نحو ينفي‬
‫فكرة الوكالة‪ .‬فهذا التكييف قد ينطبق على المحامي إل أنه ل ينطبق على المحكم لنه‬
‫ليس وكيل عن الخصوم ‪ ،‬فالوكالة تقوم على إلتزام الوكيل بعمل قانوني لحساب‬
‫موكله والخضوع لتعليماته وأوامره ‪،‬وتقوم بينهما علقة تبعية فعلية ل يتمتع فيها‬
‫الوكيل بأي استقلل ول يملك أكثر مما يملكه الصيل‪ ، 2‬في حين أن المحكم رغم أنه‬
‫يتلقى أتعابا من الطراف إل أن ل يمثلهم‪.‬ولو أخذنا بفكرة الطبيعة القضائية لنميز‬

‫‪ - 1‬انظر ‪ :‬المرجع سابق‪،‬ص ‪،78‬انظر كذلك‪:‬أحمد أبو الوفا‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.15‬‬


‫‪- 2‬انظر‪:‬د‪-:‬أحمد أبو الوفا ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.31‬انظر كذلك‪:‬د‪ -:‬محمود مختار أحمد بريري‪،‬مرجع سابق ‪،‬ص ‪.85‬‬
‫التحكيم عن غيره من المهام سنجد عدم صلحية فكرة الوكالة في تبرير المركز‬
‫القانوني للمحكم حتى باعتباره وكيل مشتركا عن الطراف‪ .‬كما أن القرار يصدر‬
‫باسم المحكم وليس الطراف ‪ ،‬ول يملك أحد الطراف الستقلل بعزل المحكم بإرادته‬
‫المنفردة‪،‬والفاصل في تحديد طبيعة المهمة المعهود بها إلى الغير وما إذا كان وكيل‬
‫عن الطراف أم قاضيا عليهم هو إرادة الطراف التي تعبر بوضوح عن إصدار المحكم‬
‫لقرار قضائي ‪،‬فالوكيل ل يحسم نزاعا بين الخصوم وإنما يعبر عن مصالحهم‬
‫‪،‬والمحكم تمنعه صفته من أن يكون وكيل لحد الطراف أو ممثل لمصالحه ‪،‬ومن غير‬
‫الممكن أن يكون وكيل ومحكما في الوقت ذاته ‪،‬أو أن يكون وكيل ثم محكما ‪،‬فرابطة‬
‫الوكالة وما تقتضيه من وجود رابطة تبعية تحول دون قبول الوكيل كمحكم عند‬
‫وقوع النزاع حتى لو توافرت ضمانات الحياد والنزاهة في الوكيل‪.1‬‬
‫لجأت بعض الحكام تفاديا لهذه النتقادات إلى ابتداع معنى جديد لفكرة الوكالة‬
‫تقوم على المصلحة المشتركة التي تجمع أطراف النزاع ‪،‬وقد استند هذا الرأي‬
‫على استقلل المحكم وعدم إمكانية عزله إل بموافقة جميع الخصوم‪،‬ولما كان تعارض‬
‫ّيفها البعض على‬
‫مصالح الخصوم يحول دون قبول فكرة المصلحة المشتركة‪،‬فقد ك‬
‫أنها عقد تأجير خدمات إل أنه لقى النقد أيضا ‪،‬فهو اتجاه يناقض فكرة استقلل‬
‫المحكم الذي قد ينتهي إلى إصدار حكم ضد مصالح الطرف الذي اختاره‪.2‬ولو قارنا‬
‫علقة المحكم والطراف بأطراف عقد المقاولة سنجده ينطبق في بعض الوجوه إذا‬
‫ما نظرنا إلى ما في هذا العقد من عنصر الستقلل الذي يتمتع به المحكم في ممارسته‬
‫لمهمته دون الخضوع لرأي الطراف ‪.‬إل أن الختلف بينهما يتضح في إختلف العمال‬
‫المادية التي يؤديها المقاول عن العمال الذهنية والقانونية التي يؤديها المحكم‪،‬وانتفاء‬
‫ّيفنا العلقة بأنها عقد العمل فهناك‬
‫عنصر المضاربة بالنسبة للمحكم‪.‬أما لو ك‬
‫إختلف جوهري يتمثل في أن محل العقد هو القيام بمجهود ذهني وليس بدنيا ‪،‬فضل‬
‫عن وجود علقة تبعية تفرضها علقة العمل ل تتوافر بالنسبة للمحكم الذي يتمتع‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪ -:‬حميد محمد اللهبي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.89‬انظر كذلك‪:‬د‪ -:‬هدى محمد عبدالرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.50‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪:‬د‪ -:‬محمود مختار أحمد بريري‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.85‬‬
‫بإستقلل في مواجهة الطراف وهذا الستقلل الفني ل يتعارض مع خضوع المحكم‬
‫لتفاق الطراف أو لحكام القانون‪. 1‬‬
‫أما عن التمييز بين المحكم والخبير فيقصد بالخبرة اللجوء لشخص فني مختص في‬
‫مسألة معينة لبيان رأيه فيها‪ .‬ويتم اللجوء للخبرة عن طريق المحكمة أو هيئة التحكيم‬
‫بمناسبة نزاع معروض عليها‪ .‬فأثناء إجراءات التقاضي قد تعرض‪ ،‬مثل‪ ،‬مسألة تتعلق‬
‫بالمحاسبة أو بالمقاولت أو بالهندسة بحاجة إلى خبرة فنية‪ ،‬ول يتم الفصل بالنزاع‬
‫دون معرفة الرأي الفني في تلك المسألة‪ .‬فيقرر القاضي إحالتها لخبير محاسبي أو‬
‫خبير بشؤون المقاولت أو بالشؤون الهندسية‪ ،‬ويقدم الخبير تقريره حول ما هو‬
‫مطلوب منه‪ .‬وبعد الطلع على التقرير‪ ،‬قد يأخذ به القاضي وقد يطرحه جانبا إذا لم‬
‫يجد فيه الرأي الفني المطلوب‪ ،‬أو كان هذا الرأي ل يقوم على أسس سليمة‪ ،‬أو غير‬
‫ذلك من أسباب مختلفة‪ .‬وباختصار‪ ،‬فان رأي الخبير ل يلزم المحكمة ول الطراف‬
‫الذين لهم التفاق على رفضه‪ .‬وما يقال عن المحكمة‪ ،‬يقال أيضا عن هيئة التحكيم التي‬
‫لها‪ ،‬كالمحكمة تماما‪ ،‬أن تستعين بخبير أو أكثر لجلء مسألة فنية معينة لها اثر في‬
‫الحكم‪.‬‬
‫والخبير المعين من قبل المحكمة أو هيئة التحكيم‪ ،‬يجب أن يتصف بالنزاهة والحياد‬
‫والستقللية عن طرفي النزاع‪ .‬وهو من هذه الناحية‪ ،‬يشبه المحكم الذي يجب أن‬
‫تتوفر فيه هذه الشروط أيضا‪ .‬إل أن دور الخبير يختلف عن دور المحكم‪ .‬فالخير‬
‫يعتبر بمثابة القاضي‪ ،‬في حين أن الخبير هو عنصر مساعد لهذا القاضي لغايات الثبات‬
‫في الدعوى‪ .‬ومهمة المحكم إصدار حكم نهائي في النزاع‪ ،‬في حين يقتصر دور الخبير‬
‫على بيان الرأي في مسالة معينة وليس إصدار قرار في تلك المسألة‪ .‬والمحكم يصدر‬
‫حكمه في النزاع المعروض عليه سلبا أو إيجابا‪ ،‬في حين أن مهمة الخبير تنحصر ببيان‬
‫الرأي في مسألة عارضة أو أكثر من مسائل الدعوى‪ ،‬وليس في الدعوى ذاتها‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪ -:‬هدى محمد عبدالرحمن ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.32‬‬


‫وقد يتفق الطراف على إحالة مسألة على شخص ثالث لبيان الرأي فيها‪ ،‬أو‬
‫لستخلص نتيجة معينة من بعض المستندات‪ ،‬ومثال ذلك اخذ قياسات مبنى‪ ،‬أو تحديد‬
‫كميات المواد المستخدمة في مبنى‪ ،‬أو القيام بالعمليات الحسابية اللزمة حسب دفاتر‬
‫البنك لمعرفة رصيد أحد العملء‪ .‬فإذا كان هناك نزاع بين الطرفين حول تلك المسألة‪،‬‬
‫واتفقا على أن يفصل الشخص الثالث به بقرار نهائي ملزم‪ ،‬كان التفاق تحكيما‪ ،‬واعتبر‬
‫الشخص الثالث محكما‪ .‬وإذا لم يكن هناك نزاع‪ ،‬كان التفاق من قبيل عقد الوكالة بين‬
‫الطرفين من جهة ‪ ،‬والشخص الثالث )الخبير( من جهة أخرى‪ ،‬تم فيه توكيل ذلك‬
‫الشخص ببيان الرأي في المسألة المعروضة‪.‬‬

‫كما أن المحكم يختلف عن الخبير من حيث صاحب الصلحية أو السلطة في‬


‫تعيين كل منهما‪ .‬فالولوية في تعيين المحكم هي دوما لرادة الطراف‪ ،‬ول تتدخل أي‬
‫جهة في هذا التعيين إل حيث ل يتفق الطراف على المحكم‪ .‬أما الخبير فيتم تعيينه‬
‫دوما من قبل المحكمة )أو هيئة التحكيم( ‪ ،‬بالرغم من الطراف قد يساعدون أحيانا في‬
‫عملية الختيار‪ ،‬مثل التفاق على ترشيح خبير بعينه دون غيره‪ ،‬أو ترشيح أسماء‬
‫أشخاص للمحكمة يتم اختيار الخبير من بينهم‪ .‬وقد ترى المحكمة من تلقاء نفسها أن‬
‫المسألة المعروضة بحاجة لخبرة فنية ‪ ،‬فتقرر هذه الخبرة بالرغم من أن أطراف‬
‫الخصومة لم يطلبوا الخبرة ‪ ،‬بل بالرغم من اعتراضهم عليها ‪ ،‬وهذا بخلف تعيين‬
‫المحكم كما ذكرنا‪.‬‬

‫والخبير يتلقى سلطته من المحكمة أو هيئة التحكيم وليس من الطراف‪ ،‬في‬


‫حين يستمد المحكم سلطته للفصل في موضوع النزاع من اتفاق الطراف‪ .‬وبالنسبة‬
‫لجراءات التحكيم‪ ،‬فانه يتوجب على المحكم تطبيق الجراءات المتفق عليها‪ ،‬ول يتدخل‬
‫في الجراءات إل حيث ل يوجد مثل هذا التفاق‪ .‬أما الخبير فيطبق في خبرته أسلوب‬
‫العمل وإجراءاته التي يراها مناسبة دون حاجة أو التفات لتفاق الطراف‪.‬‬
‫وباختصار فان التحكيم اتفاق لتسوية النزاع بقرار ملزم من قبل شخص خاص‪،‬‬
‫في حين أن الخبرة‪ ،‬إذ هي وسيلة إثبات‪ ،‬تتم بقرار من المحكمة يتضمن إحالة مسألة‬
‫متنازع عليها لشخص ثالث لبيان رأيه فيها دون إلزام ل للمحكمة ول للطراف‪ ،‬ويجوز‬
‫اللجوء لها من تلقاء نفسها حتى ولو أعترض أطراف النزاع على إجراءها‪.1‬‬

‫المطلب الثالث‪ :‬التزامات المحكم‪.‬‬


‫لو نظرنا إلى المحكم كقاض اختاره الطراف‪ ،‬فإن من شأن ذلك إضفاء المرونة على‬
‫مهمته‪ ،‬إل أن هذه المرونة ل تعني خروجه عن الطار القضائي للمهمة لتجعل منها‬
‫شكل مختلطا أو ممسوخا ل هو بالقضاء ول هو بالصلح ‪.2‬ورغم ما تميزت به أحكام‬
‫قانون التحكيم العماني رقم ‪97\48‬م من وضع تنظيم تفصيلي لجراءات خصومة‬
‫التحكيم يحدد إطارا واضحا لسلطات المحكم والتزاماته الجرائية ويعكس الجوهر‬
‫القضائي لمهمته‪.‬إل أن المشرع لم يساير هذا النهج بالنسبة لتحديد التزامات المحكم‬
‫وجاءت نصوصه خالية من الشارة إليها‪،‬باستثناء تقرير التزامه بقبول المهمة كتابة‬
‫والفصاح عن أية ظروف من شأنها أن تثير شكوكا حول استقلله أو حيدته‪.‬ورأيي أنه‬
‫لم يكن من المفترض أن يغفل عن مثل ذلك حتى تكتمل كافة جوانب الخصومة وتسير‬
‫في النهج الكيد الصحيح‪.‬‬

‫ومن اللتزامات التي تفرض على المحكم دون حاجة لنص يقررها ضرورة الحفاظ‬
‫على المستندات المقدمة إليه وعدم إفشاء مضمونها للغير حتى بالنسبة لمساعديه أو‬
‫القائمين على مؤسسات التحكيم التي يعمل في ظلها ‪،‬ويمتد التزام المحكم بالمحافظة‬
‫على أسرار الخصوم إلى كل ما يتعلق بالمعلومات والوقائع التي تصل إليه بمناسبة‬
‫توليه للمهمة ‪.‬وتعهد النزاع في مراحله المختلفة وحتى صدور الحكم بالعناية‬

‫انظر‪:‬د‪ -:‬حمزة حداد‪ ،‬التحكيم التجاري و جوانبه التفاقية ‪،‬ورقة عمل مقدمة للمؤتمر الهندسي العربي الستشاري الول)دمشق – ‪(9/2001/ 26-22‬‬ ‫‪-1‬‬
‫‪.‬راجع الموقع اللكتروني ‪ .www.lac.com.jo‬انظر كذلك‪:‬د‪-:‬حميد محمد اللهبي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.91‬‬

‫‪- 2‬انظر‪:‬د‪ -:‬أبو العل علي أبو العل النمر ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.94‬‬
‫اللزمة‪،‬مراعيا دقة الجراءات وفعاليتها حريصا على إتمامها في الشكل والميعاد المتفق‬
‫عليه أو المقرر قانونا ‪.1‬‬

‫ومن اللتزامات التي تقع على عاتق المحكم أيضا‪:‬‬


‫عدم تفويض سلطاته للغير ‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وعدم التنحي إل لسباب جدية وإخطار الطراف بذلك في وقت مناسب‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫وعدم التعامل في المال المتنازع عليه‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫التعاون مع زملئه المحكمين‪،‬والعناية في إختيار المحكم الثالث عند‬ ‫‪-‬‬

‫تفويضه في إختياره مراعيا توافر كافة الشروط القانونية والتفاقية الواجب‬


‫توافرها فيه‪.‬‬
‫كما يلتزم بعدم التصال بأحد الطراف في غيبة الخر أو قبول هدية‬ ‫‪-‬‬

‫منه‪.‬‬
‫ويمتنع عليه إستخدام أية معلومات نمت إليه من خلل معرفته‬ ‫‪-‬‬

‫بالنزاع‪.‬وهذا اللتزام له جانب أخلقي في مواجهة الطراف إحتراما لما أولوه‬


‫للمحكم من ثقة وإحتراما لمهنته ذاته‪.‬‬
‫وآخر قانوني يتمثل في مسؤوليته قبل الخصوم عن الخلل بالتزامه‬ ‫‪-‬‬

‫بالسرية‪.2‬‬

‫ومن اللتزامات التي تجد أساسها في نصوص القانون‪:‬‬


‫التزامه بالفصاح والحياد والستقلل ‪).3‬مادة ‪(3\16‬‬ ‫‪-‬‬

‫فضل عن تسبيب الحكم وإيداعه على التفصيل الذي يحدده النظام القانوني‬ ‫‪-‬‬

‫الواجب التطبيق‪).‬مادة ‪)،(2\43‬مادة ‪.4(47‬‬

‫‪- 1‬انظر‪:‬د‪:‬طالب حسن موسى‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.252‬‬


‫‪ - 2‬انظر‪:‬د‪ -:‬هدى محمد عبدالرحمن‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.153‬انظر كذلك‪:‬د‪-:‬حميد محمد اللهبي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.147-146‬‬
‫‪- 3‬انظر‪:‬د‪-:‬أبو العل علي أبو العل النمر‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪,95‬‬
‫‪- 4‬اليداع وفقا لقانون التحكيم العماني يجب على من صدر حكم التحكيم لصالحه وليس على المحكم كما تنص عليه بعض التشريعات الخرى‪،‬حيث تنص‬
‫المادة ‪ 47‬من قانون التحكيم العماني بالقول ‪":‬يجب على من صدر حكم التحكيم لصالحه إيداع أصل الحكم أو صورة موقعة منه ‪(.........‬‬
‫كما يلتزم باحترام اتفاق الطراف ونصوص القانون‪).1‬مادة ‪(1،2،3،4\39‬‬ ‫‪-‬‬

‫لو نظرنا إلى مهام المحكم سنجد أن معظمها يتطلب منه القيام بعمل وتنفيذ تصرف‬
‫محدد ‪،‬فاللتزام بإصدار الحكم هو اللتزام الرئيسي إل إنه ليس اللتزام الوحيد على‬
‫عاتقه‪.2‬‬
‫ح مصدر إلتزامات المحكم‪:‬‬
‫كان هناك اختلف حول مصدر التزامات المحكم في مواجهة الخصوم‪،‬وهل تجد‬
‫أساسها في إطار اللتزامات العقدية ‪،‬أم أنها تتجاوز الطار العقدي ‪.‬‬
‫فإذا ما قارنا المركز القانوني للمحكم في الخصومة بمركز المتعاقد لوجدنا أن‬
‫إلتزامات المحكم تتجاوز في طبيعتها ونطاقها هذا الطار العقدي ‪،‬فبعض إلتزاماته تولد‬
‫في مرحلة سابقة على تعيينه بمناسبة ترشيحه كاللتزام بالفصاح ‪،‬كما أن جانبا هاما‬
‫من هذه اللتزامات يظل قائما حتى بعد إصدار الحكم كاللتزام بالسرية فضل عن‬
‫إلتزامه بتفسير الحكم وتصحيحه ‪،‬لتتجاوز بذلك نطاق اللتزامات العقدية التي تبدأ‬
‫وتنتهي مع وجود العقد‪،‬كما أن التزامات المحكم تتحدد قبل جميع الطراف ولو لم‬
‫يشارك في تعيينه وسواء عين من قبل أحد الطراف أو كلهما‪ ،‬فطبيعة إلتزامات‬
‫المحكم ل تختلف بإختلف أسلوب تعيينه كما ل تتأثر بتعدد المحكمين ‪،‬وهو ما تعجز‬
‫العلقة العقدية عن تفسيره‪.3‬‬
‫كما أن إلتزامات المحكم قبل الطراف ل تقوم على التقابل‪ ،‬فل يملك المحكم‬
‫المتناع عن تنفيذ إلتزاماته حتى عندما يخل الطراف بالتزاماتهم‪،‬أو عند رفض‬
‫الستجابة لوامره‪.‬كما أن النظام القانوني يكفل آلية إعتراض على مسلك المحكم على‬
‫نحو مغاير للتنظيم العقدي ‪،‬حيث نظم المشرع إجراءات الرد والقالة كما نظم‬
‫إجراءت الطعن على الحكم ليخرج من إطار العقد والتفاق إلى رحاب القضاء‪.‬إذن يتضح‬

‫‪- 1‬انظر‪:‬د‪-‬طالب حسن موسى ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.251‬‬


‫‪ - 2‬انظر‪:‬د‪-:‬أبو العل علي أبو العل النمر‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.95‬‬
‫‪- 3‬انظر‪:‬د‪-:‬هدى محمد عبدالرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫أن التزامات المحكم تشكل نظاما قانونيا مستقل يشغل فيه المحكم مركزا قانونيا‬
‫متميزا يتجاوز مركز المتعاقد ليقترب وإن لم يطابق المركز القانوني للقاضي‪.1‬‬
‫لكن الشارة إلى إلتزامات المحكم ل يمنع أن يكون للمحكم حقوقا ‪،‬فالحق الساسي‬
‫للمحكم هو تقاضي التعاب ‪،2‬بالضافة إلى بعض الحقوق الثانوية كإمداده بالمستندات‬
‫اللزمة والمعلومات المطلوبة دون تضليله أو إخفاء أية معلومات أو مستندات عنه فضل‬
‫عن الستجابة لوامره واللتزام بالمواعيد التي يحددها‪.3‬وهذه اللتزامات تكاد تكون‬
‫بديهية وليست في حاجة إلى توضيح‪.‬‬

‫المطلب الرابع ‪ :‬مسؤولية المحكم في القانون العماني ‪.‬‬


‫نادى الفقه منذ أمد طويل بوضع نظام للمسؤولية المهنية بشتى صورها ‪،‬وقد أخذ‬
‫القضاء على عاتقه مهمة خلق قواعد ونظام للمسؤولية المهنية يتجاوز القواعد العامة‬
‫للمسؤولية التي يخضع لها العامة‪.4‬لكن لم يكن المر يسيرا‪،‬فقد لقى مبدأ المسؤولية‬
‫في كافة المجالت النتقاد وتعرض للهجوم والجدال ‪،‬فترددت الراء بين مؤيد‬
‫ومعارض إلى أن استقرت قواعد وأحكام المسؤولية لتأتي إنعكاسا لواقع ملموس‬
‫يستشعر الناظر إليه حاجته الملحة إلى هذه القواعد والحكام ‪.5‬‬
‫لذلك نجد ضرورة تتبع الخطى والمحاولة لوضع نظام لقواعد المسؤولية يكفل‬
‫التوازن بين حرية المحكم في آداء مهامه وحسن ممارستها ‪،‬وبين حماية المتعاملين‬
‫والبقاء على نظام التحكيم ذاته بطابعه المتميز‪.‬‬
‫فقرار المحكم يؤثر في حقوق الطراف ‪،‬بل والدولة أيضا ‪،‬إذ تعرض عليه منازعات‬
‫بمبالغ ضخمة ل يجدي بشأنها الكتفاء بالجزاءات المعنوية عند تجاوز المحكم‬
‫لسلطاته أو إرتكابه من الخطاء ما يلحق بالطراف أقدح الضرار ‪،‬وإذا كان الصل‬
‫التبرعي لمهمة المحكم قد أسهم في غياب مسؤولية المحكم لفترة طويلة مضت عن‬

‫‪- 1‬انظر‪:‬المرجع السابق‪،‬ص ‪.155‬‬


‫‪- 2‬انظر‪:‬د‪-:‬أحمد أبو الوفا‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.219‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪:‬د‪-:‬هدى عبدالرحمن ‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.154‬‬
‫‪ - 4‬انظر‪:‬د‪ -‬حميد محمد علي اللهبي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.243‬‬
‫‪- 5‬انظر‪:‬د‪-:‬هدى عبدالرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.380‬‬
‫ساحات القضاء‪،‬فإن المبالغ الباهظة التي يتقاضاها المحكمون ل بد وأن تفرض عليهم‬
‫مسلكا حريصا‪ ،‬فلم تعد الجزاءات اليسيرة مقابل كافيا للمبالغ الضخمة التي يخسرها‬
‫الطراف على القل كأتعاب ومصروفات‪ .‬والتطورات القتصادية المتغيرة التي شملت‬
‫نواحي متعددة يجب أن يكون لها أثر على مسؤولية المحكم ‪،‬على نحو يدفع الفقه‬
‫والقضاء بل والمشرع أيضا إلى التصدي لخلق بناء مكتمل وكيان متوازن لحكام‬
‫وقواعد مسؤولية المحكم‪.1‬‬
‫ولعل مبررات تقرير المسؤولية على المحكم عديدة منها‪:‬‬
‫‪-1‬ل تقبل أحكام التحكيم الطعن فيها بأي طريق من طرق الطعن المقررة قانونا إل في‬
‫حالت محددة‪،‬وغالبا ماترفض أغلب الطعون‪،‬كما أن إبطال الحكم ل يكفل جبر الضرار‬
‫الجسيمة التي تلحق بالطراف ‪،‬بل يعد في ذاته ضررا واجب التعويض عنه‪.‬‬
‫‪-2‬إن الدافع وراء اللجوء للتحكيم هو الثقة في المحكم وفي عدالة حكمه ‪،‬وفي غياب‬
‫قواعد المسؤولية ليس هناك ما يضمن عدالة المحكم‪،‬أو يحول دون تحيزه أو استبداده‪.‬‬
‫‪-3‬غياب سبل الرقابة القضائية على عملية التحكيم ‪،‬وهذا من شأنه ليس فقط تقرير‬
‫مسؤولية المحكم‪،‬بل ومضاعفة مسئوليته عن مسؤولية القاضي الذي يخضع للرقابة‪.‬‬
‫‪-4‬نظام الرد والقالة ل يحتج به كجزاء رادع للمحكم‪ ،‬فإتاحة مكنة القالة والرد ل‬
‫تحول دون محاسبة المحكم عن أخطائه التي استوجبت رده‪ ،‬وأيضا محاسبته عما تكبده‬
‫الطراف من مشقة وتكاليف في الدعوى‪.2‬‬
‫‪-5‬أوجه الخطأ التي قد تسبب للمحكم عند إخلله بالقواعد الجرائية أو الموضوعية‪،‬‬
‫تشكل خطأ مزدوجا‪،‬لما ينطوي عليه من انتهاك للقواعد القانونية ومن ثم الخلل‬
‫بواجبه القانوني‪،‬بالضافة إلى إخلله بالتزاماته في مواجهة الطراف ‪.‬وبالتالي ما لم‬
‫يكن المحكم أهل لداء المهمة وارتكب أخطاء يؤثمها القانون ‪،‬فإن هذا يعد إخلل بالثقة‬
‫التي دعت الطراف إلى اختياره‪،‬مما يقتضي التعويض عنه استقلل عن تصحيح هذه‬
‫الخطاء‪.3‬‬
‫‪ - 1‬انظر‪:‬د‪-:‬المرجع السابق‪،‬ص ‪.381‬‬
‫‪- 2‬انظر‪:‬د‪ -:‬حميد محمد علي اللهبي‪،‬مرج سابق‪،‬ص ‪.242‬‬
‫‪- 3‬انظر‪:‬د‪-:‬هدى عبدالرحمن‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.385،386‬‬
‫كما أنني ل أجد في مسألة وضع نظام يحكم مسؤولية المحكم ما يمنع المحكم عن‬
‫ممارسة مهامه بحرية واستقلل ‪،‬ولو كان المر كذلك لتخلى المحامون والطباء‬
‫والقضاة عن مهامهم‪.‬‬
‫‪ -‬موقف قانون التحكيم العماني رقم ‪ 97 \ 47‬م من مسؤولية المحكم‬
‫والثار المترتبة على ذلك‪:‬‬
‫تصدت النظمة القانونية الحديثة لتنظيم إلتزامات المحكم وحدود علقته بأطراف‬
‫الخصومة ‪،‬ورغم ذلك إل أنها لم تعالج مسؤولية المحكم ‪،1‬وكذلك الحال في قانون‬
‫التحكيم العماني فقد خلت أحكامه من تنظيم لحكام مسؤولية المحكم أو الشارة إليها‪.‬‬
‫وغياب هذه النصوص التي تقرر مسؤولية المحكم ستؤدي إلى عجز المتعاملين عن‬
‫المطالبة بتحديد مسؤوليته نتيجة لعدم وجود نصوص تدعم مطالبهم‪،‬ففي الدعاوي‬
‫القليلة التي رفعت على استحياء كان نصيبها الفشل‪،‬ما دفع إلى تجنب المتعاملين رفع‬
‫دعاوى جديدة غير مضمونة العاقبة‪،‬وهم قد فروا إلى التحكيم تجنبا لضاعة الوقت‪.‬‬
‫لكن في النهاية لبد أن ندرك أن غياب النصوص ل يجب أن يكون حائل دون مساءلة‬
‫المحكم‪،‬ولو اقتضى المر الرجوع للقواعد العامة في هذا الصدد مع مراعاة الخصوصية‬
‫التي تتسم بها مهمة المحكم‪..‬‬

‫حالت مسؤولية المحكم وأثره‪:‬‬ ‫‪-‬‬

‫تثبت مسؤولية المحكم سواء مسؤولية عقدية أو تقصيرية إما بسبب سلوكه‬
‫الشخصي أو بسبب خطأ مؤثر ارتكبه في الحكم وذلك كالتالي ‪-:‬‬
‫أول‪ :‬حالت مسؤولية المحكم لسباب ترجع إلى بطلن اتفاق التحكيم‪-:‬‬
‫‪ -1‬صدور الحكم بغير وثيقة التحكيم‪.‬‬

‫‪- 1‬من قواعد التحكيم التي لم ترتب أي مسؤولية على عمل المحكم‪:‬‬
‫‪ -‬قانون التحكيم المصري‪.‬‬
‫‪ -‬قانون التحكيم اليمني‪.‬‬
‫‪ -‬اتفاقية عمان العربية للتحكيم ‪.‬‬
‫‪ -‬قانون الونسيترال‪ .‬راجع‪:‬حميد محمد علي اللهبي‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.244‬‬
‫‪ -2‬صدور الحكم بناءا على وثيقة باطلة‪.‬‬
‫‪ -3‬صدور الحكم بعد انتهاء الميعاد‪.‬‬
‫فإذا صدر الحكم ولم يكن هناك اتفاق تحكيم أو كان هذا التفاق باطل أو قابل‬
‫للبطال أو أنه سقط بانتهاء مدته )مادة ‪\53‬أمن قانون التحكيم العماني(‪،1‬فهنا تثور‬
‫مسؤولية المحكم شريطة أن يكون البطال راجعا إلى تصرف من تصرفات المحكم أو‬
‫بسببه‪ ،‬كأن يصدر حكمه وهو يعلم بعدم وجود اتفاق تحكيم ومع هذا يمضي في‬
‫الجراءات حتى صدور الحكم تحقيقا لرغبة أحد الطراف مثل‪،‬وكأن يكون اتفاق‬
‫التحكيم باطل أو قابل للبطال بأن يكون غير مستوف للشروط التي يتطلبها القانون‬
‫لصحته‪،‬وكأن يكون الحكم قد صدر بعد انتهاء ميعاد التحكيم ‪،‬إذ أن على المحكم أن‬
‫يتأكد وستوثق من وجود اتفاق التحكيم وعدم بطلنه قبل البدء في مباشرة إجراءات‬
‫التحكيم‪،‬وعليه التأكد أيضا من عدم انقضاء المدة المحددة لصدور الحكم وإنهاء‬
‫التحكيم ‪،2‬لن الخلل بأمر من هذه المور يوقع المحكم في نطاق المسؤولية العقدية‬
‫لخلله بواجب من واجباته ‪،‬بل ويسأل بالتعويض عن الضرر الذي يحدث نتيجة لهذه‬
‫المخالفة‪. 3‬‬
‫ثانيا‪:‬حالت مسؤولية المحكم لسباب تتعلق بالجراءات‪:‬‬
‫‪-1‬التشكيل غير الصحيح لهيئة التحكيم‪،4‬فإذا تسبب في ابطال الحكم لمر يرجع إلى‬
‫إهماله أو خطأه الجسيم كأن يتم اختيار وتشكيل المحكمين عن طريقه بشكل مخالف‬
‫لتفاق الطراف أو لنص القانون‪ ،‬فهنا تثور مسؤوليته وذلك في حالة إذا كان مفوضا‬
‫للقيام بمهمة التعيين‪.‬‬
‫‪-2‬عدم احترام المبادئ الساسية في التقاضي كالمساواة بين الطراف‪،‬أو لم يحترم‬
‫مبدأ المواجهة مما أدى إلى بطلن الحكم‪،‬فهنا يسأل المحكم بالتعويض ‪،‬أما إذا كان‬
‫بطلن الحكم راجع إلى سبب ل دخل للمحكم فيه فل مسؤولية عليه ول تعويض‪.‬‬

‫‪ - 1‬تنص المادة ‪\53‬أمن قانون التحكيم العماني ‪":‬ل تقبل دعوى بطلن حكم التحكيم إل في الحوال التية‪-:‬أ‪ -‬إذا لم يوجد اتفاق تحكيم أو كان هذا التفاق‬
‫باطلأو قابل للبطال أو سقط بانتهاء مدته‪..‬ب‪(............-‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪:‬د‪:‬أحمد أبو الوفاء‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.217‬‬
‫‪- 3‬انظر‪:‬د‪-:‬حميد محمد اللهبي ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.248‬انظر كذلك‪:‬د‪ -:‬أحمد أبو الوفا ‪،‬مرجع سابق ‪.216‬‬
‫‪- 4‬انظر‪:‬د‪-:‬هدى عبدالرحمن ‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.409‬‬
‫‪-3‬مخافة النظام العام‪،‬ومخالفة الحكم لقاعدة من قواعد النظام العام إجرائية كانت أو‬
‫موضوعية يعتبر من التصرفات التي تبطل الحكم ‪،‬كأن يحكم المحكم في نزاع يخرج‬
‫عن نطاق اختصاصه لختصاص القضاء في الفصل فيه ‪،‬وكأن يفصل في بعض المنازعات‬
‫‪1‬‬
‫التي ل يجوز التفاق على حلها بالتحكيم مثل قضايا الحدود والقصاص‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬حالت مسؤولية المحكم لسباب تتعلق بالحكم‪.‬‬
‫‪-1‬إذا تجاوز اختصاصه المخول له بشكل ظاهر ‪،‬أو تجاوز قاعدة أساسية من قواعد‬
‫الجراءات مما تسبب في ضياع وقت الطراف وجهدهم دون جدوى ‪،‬ول عبرة لما أضاعه‬
‫المحكم من وقته وجهده هو‪،‬أما إذا لم يكن له دخل في ذلك فل يترتب عليه أي‬
‫مسؤولية‪.2‬‬
‫‪-2‬إذا أغفل الفصل في بعض طلبات الطراف‪ ،‬إذ يجوز للمحكم بناء على طلب أحد‬
‫الطراف بعد إصدار الحكم العودة للفصل في تلك الطلبات التي لم يتضمنها الحكم‬
‫شريطة أن يكون الغفال ناتجا عن خطأ أو سهو بحسن نية من المحكم لن هذا يعد من‬
‫قبيل الخطأ اليسير الذي ل يؤاخذ المحكم عليه ول يؤثر على صحة حكمه‪ ،‬غير أنه متى‬
‫ثبت أن المحكم تعمد إغفال الفصل في هذه الطلبات فإن الحكم يعد باطل ويحق‬
‫للطراف الرجوع على المحكم لمساءلته عن هذا التصرف ومطالبته بالتعويض لما‬
‫تسبب فيه من إضاعة لوقت وجهد الطراف وإلحاق الضرر بهم وبمصالحهم‪.3‬‬
‫‪-3‬إذا أصدر الحكم دون مراعاة لتفاق الطراف ‪4‬بأن استبعد تطبيق أحكام القانون الذي‬
‫اتفق الطراف على تطبيقه سواء على إجراءات التحكيم أو على موضوع النزاع‪ ،‬فهنا‬
‫تثبت مسؤولية المحكم لتجاوزه التزاما من أهم اللتزامات أل وهو التقيد بما انفق عليه‬
‫الطراف‪.5‬‬
‫رابعا‪ :‬حالت مسؤولية المحكم لسباب تتعلق بالمسلك الشخصي للمحكم‪:‬‬

‫‪ - 1‬راجع المادة ‪\2\58‬ب من قانون التحكيم العماني‪.‬‬


‫‪- 2‬انظر‪:‬حميد محمد اللهبي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.245‬‬
‫‪ - 3‬انظر‪:‬د‪ -:‬هدى محمد عبدالرحمن‪،‬مرجع سابق‪.416،‬‬
‫‪ - 4‬نصت المادة ‪\1\53‬د من قانون التحكيم العماني بالقول" ‪.......‬د‪ -‬إذا استبعد حكم التحكيم تطبيق القانون الذي اتفق الطراف على تطبيقه على موضوع‬
‫النزاع‪:".....‬‬
‫‪ - 5‬انظر‪:‬د‪-:‬هدى محمد عبدالرحمن‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.412‬‬
‫من أسباب مسؤولية المحكم ما يتعلق بمسلكه الشخصي ومن هذه السباب ما يندرج‬
‫ضمن حالت إبطال الحكم‪،‬أو ضمن حالت الرد‪ ،‬والتي تشكل سببا لمساءلته ولو لم يرد‬
‫بالفعل‪،‬وهي‪-:‬‬
‫‪- 1‬عدم إفصاحه للطراف عن الصلت والعلقات التي لها تأثير على حيدته واستقلله‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫كأن يحجب عنهم علقته القوية أو قرابته بأحد الطراف‪.‬‬
‫‪ - 2‬إذا ثبت أنه أخذ رشوة تحت مسمى كهدية أو هبة‪ ،‬أو إذا وقع منه إهمال فادح ‪،‬أو‬
‫تسبب أو وقع منه خطأ جسيما في تقدير الوقائع أو الحلول القانونية التي اعتمد عليها‬
‫لحل النزاع أو في آدائه في تسيير إجراءات التحكيم بشكل خاطئ ‪،‬فكل ذلك يستدعي‬
‫محاسبة المحكم‪.‬‬
‫‪ – 3‬إذا امتنع امتناعا غير مشروع عن إصدار الحكم ‪،‬أو جاوز الميعاد المحدد لصداره‬
‫‪،‬أو انسحب من الجراءات دون مبرر‪،‬ذلك أن انسحابه من التحكيم مشروط بتوافر أسباب‬
‫مشروعة ومبررات جدية وقوية وليس لمجرد الختلف على التعاب مثل أو‬
‫المصروفات أو بسبب اختلف وجهات النظر بينه وبين المحكمين في هيئة التحكيم أو‬
‫بينه وبين الطراف أو أحدهم ‪،‬كما يشترط أل يكون امتناعه هذا أو انسحابه بقصد‬
‫الضرار بأحد الطراف لن ذلك يعتبر من قبيل التعسف في استعمال الحق يستوجب‬
‫مساءلة المحكم وحرمانه من التعاب‪.‬‬
‫‪ -4‬إذا أخفى أو أهمل واقعة أو طلبا من الطلبات أو تصرف بسوء نية وكان من شأن‬
‫ذلك أن يؤثر في الحكم شريطة أن ل يكون ذلك راجع إلى تقصير أحد الطراف أو‬
‫إهماله‪.2‬‬

‫أثر ثبوت مسؤولية المحكم‬


‫خطأ المحكم المثبت لمسؤوليته هو الخطأ الجسيم المقصود بسوء نية‪،‬والذي ينتج‬
‫عنه إحداث ضرر محقق وغير محتمل سواء بأحد الطراف أو بهم أو بالغير‪ ،‬مع‬

‫‪ - 1‬أحمد أبو الوفا‪،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.217‬انظر كذلك‪،‬أبو العل علي أبو العل النمر‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.94‬‬
‫‪ - 2‬انظر‪:‬د‪:‬هدى محمد عبدالرحمن‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.409‬انظر كذلك‪:‬د‪-:‬حميد محمد اللهبي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.246‬‬
‫ضرورة توافر علقة السببية بين الخطأ الذي ارتكبه والضرر الذي أصاب المضرور‪،‬لن‬
‫علقة السببية ركن من أركان المسؤولية ‪.‬وعلى ذلك يكون المحكم مسئول مسئولية‬
‫كاملة عن جبر هذا الضرر‪،‬وعلى الطرف المتضرر اللجوء إلى اتباع كافة السبل‬
‫والجراءات والقواعد القانونية المقررة لستيفاء حقه من هذا المحكم‪،‬ذلك أن المحكم‬
‫شأنه شأن أي شخص آخر يخضع للمساءلة المدنية والجنائية‪،‬كما يسأل بالتعويض عن‬
‫جبر الضرر الناتج عن فعله مثله في ذلك مثل القاضي والمحامي والطبيب‪.‬ويختلف‬
‫تقدير الخطأ بحسب شخصية المحكم ومدى علمه وثقافته ومستوى خبرته‪،‬وترفع‬
‫الدعوى على المحكم بذات الجراءات المعتادة لرفع الدعاوي وفي المواعيد المقررة أمام‬
‫المحاكم المختصة طبقا للقواعد العامة‪.1‬‬
‫لذلك نتمنى على تشريعات التحكيم الوطنية ‪2‬أن تبادر إلى تبني قواعد تحدد وتنظم‬
‫مسؤولية المحكم كما فعلت مع القاضي وأعضاء السلطة القضائية‪ 3‬وأصحاب المهن‬
‫الذين تثبت عليهم المسؤوليات الجنائية والمدنية في حالة ارتكابهم أفعال تستوجب‬
‫مساءلتهم‪ ،‬فمن غير المعقول أن تصدر مثل هذه الفعال من بعض المحكمين ويحاطون‬
‫بالحصانة القانونية ‪،‬ول يخضعون للمساءلة رغم أنهم ليسوا أكبر شأنا من القضاة‪،‬كما‬
‫أنهم من الشخاص الذين تنطبق عليهم القواعد القانونية التي تتسم بالعمومية‬
‫والتجريد‪ ،‬فكيف ينص على أن يخضع القاضي والمحامي والطبيب‪،‬والمهندس للمساءلة‬
‫القانونية ول ينص كذلك بالنسبة للمحكم‪.‬؟!‬

‫الخاتمة‬
‫بالرغم من النتقادات الموجهة للتحكيم كوسيلة بديلة لتسوية المنازعات‪ ،‬فان‬
‫الواقع العملي يدل بشكل واضح على ازدياد اللجوء له‪ ،‬حتى يمكن القول أن الصل في‬
‫تسوية المنازعات الناشئة هو التحكيم وان اللجوء للقضاء هو الستثناء‪ .‬ومن هنا ازداد‬
‫‪- 1‬انظر‪:‬د‪-:‬حميد محمد اللهبي‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪ .250‬انظر كذلك‪-:‬أحمد أبو الوفا‪،‬مرجع سابق‪،‬ص ‪.216‬‬
‫‪ - 2‬نخص بالذكر قانون التحكيم العماني ‪،‬والمصري خصوصا‪ ،‬وقوانين التحكيم في الدول العربية عموما‪.‬‬
‫‪ - 3‬أفرد قانون السلطة القضائي العماني فصل كامل تحت عنوان "في مساءلة القضاة" وهو الفصل الثامن الذي حدد ونظم مسئولية القضاة‪ ،‬والجهة التي‬
‫تحاسبهم ‪،‬والجراءات التي تتبع حيال ذلك‪،‬فمثل نصت المادة ‪76‬على أن"يحال إلى مجلس المساءلة كل قاض يخل بواجبات وظيفته أو بشرفها ‪،‬أو يسلك سلوكا‬
‫يحط من قدرها أو كرامتها ‪(.................،‬‬
‫الهتمام بالتحكيم في مختلف الدول ومنها الدول العربية سواء في مجال التشريعات‬
‫أو إنشاء مراكز تحكيم أو عقد الندوات والمؤتمرات الخاصة به‪ .‬وهذا يعني أن‬
‫محاسنه ل زالت تفوق مثالبه‪ ،‬مما يدعونا إلى التفكير والعمل جديا على تنمية‬
‫التحكيم وتطويره‪ ،‬وإزالة العقبات التي تعترض مسيرته للمام‪ ،‬وبشكل خاص‬
‫التخفيف ما أمكن من القيود التي تقف عثرة في طريق تنفيذه‪ ،‬سواء كانت إجرائية‬
‫أو تتعلق بحالت عدم تنفيذه‪ ،‬بحيث يضمن من صدر القرار لصالحه أن القرار سينفذ‬
‫ما أمكن‪ ،‬وان ذلك سيتم بأسرع وقت ممكن‪.‬‬
‫ّرفا بالتحكيم‬
‫ولهمية التحكيم تناولته بالبحث في مبحثين‪ ،‬فكان المبحث الول مع‬
‫وبخصائصه التي تميزه عن غيره من طرق تسوية المنازعات‪ ،‬و يمكن تلخيص‬
‫مميزات التحكيم في‪:‬‬
‫‪ -1‬خدمة مصالح الدولة في عدم تكدس القضايا ‪.‬‬
‫‪ -2‬مسايرة النظمة الدولية الحديثة‪.‬‬
‫‪ -3‬قلة التكاليف والنفقات ‪.‬‬
‫‪ -4‬سرعة الفصل في المنازعات ‪.‬‬
‫‪5‬ح سرية المنازعات‪.‬‬
‫‪ -6‬حرية اختيار المحكمين‪.‬‬
‫أما المبحث الثاني فقد اقتصر على المحكم وهو المحور الساسي في عملية‬
‫التحكيم ‪،‬فتناولت في المطلب الول الشروط الواجب توافرها في المحكم ‪،‬فأوضحت‬
‫أهم الشروط التي نصت عليها قواعد التحكيم المختلفة مثل شرط الهلية التي يجب أن‬
‫يتمتع بها المحكم لمباشرة عمله وهي الهلية التي يكون بموجبها صالحا لتنفيذ كافة‬
‫التصرفات القانونية‪،‬وكذلك شرط الستقلل الذي يعني أن المحكم يجب أن يكون‬
‫مستقل تماما عن القضية التحكيمية المطروحة أمامه‪،‬فل يكون له صلة بأطراف النزاع‬
‫أو بالنزاع ذاته‪.‬‬
‫أما المطلب الثاني ‪،‬فكان عن الطبيعة القانونية لعمل المحكم وتمييزه عن غيره ممن‬
‫ّوادها لتحديد طبيعة قانونية‬
‫يشابهه‪،‬حيث عرضنا النظريات التي صال وجال ر‬
‫معينة‪،‬فكانت النظرية الولى التي نادت بالطبيعة التعاقدية ‪،‬أي أن عمل المحكم عمل‬
‫تعاقدي نشأ بموجب العقد المبرم بين الطراف والمحكم‪،‬أما النظرية التالية فقد صبغت‬
‫عمل المحكم بالطبيعة القضائية ‪،‬فاعتبرت المحكم قاض وعمله قضائي على اعتبار أنه‬
‫يحل محل القاضي ليؤدي وظيفة قضائية‪.‬‬
‫جاءت بعد ذلك النظرية الثالثة لتجمع النظريتين السابقتين‪،‬فقررت أن عمل المحكم‬
‫ذو طبيعة مختلطة‪،‬فهو تصرف عقدي وإرادي في نشأته‪،‬وهو عمل قضائي في سعيه نحو‬
‫تحقيق أهدافه‪.‬أما النظرية الرابعة والتي رجحها رأيي فقد ذهبت مذهبا مغايرا ‪،‬فقررت‬
‫أن عمل المحكم ليس عمل تعاقديا بحتا‪،‬ول قضائيا بحتا‪،‬ول مختلطا أيضا لن قواعده‬
‫وإجراءاته المتميزة تجعله عمل ذو طبيعة خاصة ومستقلة تميزه عن غيره ‪.‬‬
‫ّكم في عملية التحكيم‪،‬وأوضحنا أن‬
‫ثم المطلب قبل الخير والذي ضم إلتزامات المح‬
‫هناك إلتزامات على المحكم لم تذكر بنص القانون ولكنها من البديهيات التي ممكن‬
‫إدراكها وإلى جانب ذلك هناك إلتزامات ذكرت في القانون ولكنها معدودة‪،‬وتمنينا لو‬
‫أن التشريعات تهتم بوضع قواعد أكثر تفصيل ودقة حتى يدرك المحكم إلتزاماته ‪،‬فل‬
‫يقع في المسؤولية التي غفلت عن علجها أيضا أغلب التشريعات بحجج قد تغطي‬
‫الفائدة المرجوة من التحكيم ‪،‬وهو ما تناولناه في المطلب الخير‪.‬‬

‫النتائج‪:‬‬
‫‪-1‬أن الواقع العلمي للتحكيم اليوم المتمثل في وجود قوانين وأنظمة وطنية ومؤسسية‬
‫خاصة بالتحكيم ‪،‬وانتشار مراكز وهيئات التحكيم في معظم دول العالم ذلك يؤكد انه‬
‫أصبح للتحكيم عموما ولعمل المحكم خصوصيا طبيعة قانونية خاصة ومستقلة‬
‫ومتميزة تجعله نظام قائم بذاته‪.‬‬
‫‪-2‬أن هناك تشابه كبير بين نصوص قواعد التحكيم المختلفة الوطنية أو المؤسسية‬
‫التعاقدية‪.‬‬
‫التوصيات‬
‫‪-1‬تحديد المؤهلت المطلوب توافرها في المحكم ومعايير إختياره بدقة‪.‬ووضع تنظيم‬
‫تفصيلي دقيق لسلطات المحكم ونطاقها وآثارها ‪,‬وهو ما حرص عليه المشروع العماني‬
‫في قانون التحكيم إلى حد كبير ‪.‬‬
‫‪-2‬الحد من الحرية المطلقة للخصوم أو التعويل على حسن نية الطراف في تسيير‬
‫إجراءات التحكيم ‪,‬ومراعاة التوفيق بين السرعة والعدالة ‪.‬فل تكون السرعة على حساب‬
‫توافر الضمانات القضائية الكاملة ‪.‬‬
‫‪ -3‬تقرير قواعد مسؤولية المحكم ومؤسسات التحكيم ليكون لها باب ضمن أبواب قانون‬
‫التحكيم العماني رقم ‪97\47‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬العمل على نشر أحكام التحكيم الوطنية والجنبية مع تعليق الفقهاء والمتخصصين‬
‫عليها على نحو يتيح استبعاد الحكام السيئة وتكوين مجموعة متسقة من السوابق‪،‬من‬
‫خلل بعض الدوريات المتخصصة أسوة بما يجري عليه العمل في العديد من الدول‪.‬‬
‫‪ -5‬الهتمام بالتحكيم وذلك بأن يصبح مادة تدرس ضمن مناهج الجامعات‪ ،‬وأن يكون‬
‫تدريسها في كلية الحقوق إلزاميا بدل من أن تكون كمادة اختيارية‪.‬‬
‫‪ -6‬إنشاء مركز متخصص لتدريب المحكمين ومنحهم درجات علمية تبعا لكفاءاتهم‪،‬‬
‫والتوسع في عقد الندوات والمؤتمرات التي تعالج مشاكل التحكيم‬

‫المراجع‪-:‬‬
‫*‪ -‬القرآن الكريم‬
‫*‪-‬القاموس المحيط‬
‫*‪-‬مختار الصحاح‬
‫الكتب‪:‬‬
‫‪-1‬د‪-:‬إبراهيم أحمد إبراهيم‪ ،‬التحكيم الدولي الخاص‪،‬دار النهضة العربية‪،‬الطبعة الثانية‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫‪ -2‬د‪-:‬أبو العل علي أبو العل النمر ‪،‬تكوين هيئات التحكيم)دراسة تحليلية مقارنة(‪،‬دار‬
‫الكتب القانونية‪،‬المحلة الكبرى‪.2002،‬‬
‫‪-3‬د‪-:‬أحمد أبو الوفا ‪،‬التحكيم الختياري والجباري ‪،‬منشأة المعارف ‪،‬السكندرية‪ ،‬الطبعة‬
‫الخامسة ‪.1988،‬‬
‫‪ -4‬د‪ -:‬أحمد خليل ‪،‬قواعد التحكيم ‪،‬منشورات الحلبي الحقوقية ‪،‬بيروت‪2002،‬م‪.‬‬
‫‪ -5‬د‪-:‬أحمد السيد صاوي‪ ،‬الوسيط في قانون المرافعات ‪،‬دار النهضة العربية‪.1987،‬‬
‫‪ -6‬د‪ -:‬حميد محمد اللهبي ‪،‬المحكم في التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬دار النهضة العربية‪،‬‬
‫الطبعة الولى‪،‬القاهرة‪2002\2001،‬‬
‫‪ -7‬د‪ -:‬عبدالعزيز عبدالمنعم خليفة ‪،‬التحكيم في منازعات العقود الدارية الداخلية‬
‫والدولية‪،‬دار الفكر الجامعي ‪ ،‬السكندرية ‪ ،‬الطبعة الولى ‪.2006 ،‬‬
‫‪ -8‬د‪-:‬عبدالفتاح مراد ‪،‬شرح تشريعات التحكيم الداخلي والدولي‪،‬بدون تاريخ أو مكان‬
‫للشر‪.‬‬
‫‪-9‬د‪ -:‬علي طاهر البياتي‪ ،‬التحكيم التجاري الدولي‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪،‬عمان‪،‬‬
‫‪.2006‬‬
‫‪ -10‬د‪ -:‬طالب حسن موسى‪ ،‬قانون التجارة الدولية ‪ ،‬دار الثقافة للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان ‪،‬‬
‫‪.2005‬‬
‫‪ -:-11‬محمود مختار أحمد بريري ‪،‬التحكيم التجاري الدولي ‪،‬دار النهضة‬
‫العربية‪،‬القاهرة ‪.1999،‬‬
‫‪ -12‬د‪-:‬نبيل اسماعيل عمر ‪ ،‬التحكيم في المواد المدنية والتجارية والوطنية‬
‫والدولية ‪،‬دار الجامعة الجديدة للنشر ‪ ،‬الزاريطة ‪.2004،‬‬
‫رسائل ودوريات‪:‬‬
‫‪ -13‬د‪ -:‬حمزة حداد‪ ،‬التحكيم التجاري و جوانبه التفاقية ‪،‬ورقة عمل مقدمة للمؤتمر‬
‫الهندسي العربي الستشاري الول )دمشق – ‪. (9/2001/ 26-22‬‬
‫‪ -14‬د‪:-:‬حمزة حداد اتجاهات حديثة في التحكيم التجاري في الدول العربيةورقة عمل‬
‫مقدمة لمؤتمر خصائص المحكم في دول البحرالمتوسط والشرق الوسط ‪ -‬القاهرة‬
‫‪ 24/25‬آذار ‪2001/‬‬
‫‪ -15‬د‪-:‬هدى محمد عبدالرحمن‪ ،‬دور المحكم في خصومة التحكيم وحدود سلطاته‪،‬دار‬
‫النهضة العربية‪.1997،‬‬
‫القوانين‪:‬‬
‫‪ -16‬قانون التحكيم العماني رقم ‪97\47‬م‬
‫‪ -17‬قانون التحكيم المصري رقم ‪94\27‬م‬
‫‪ -18‬قانون السلطة القضائية العماني رقم ‪99\90‬م‬
‫مواقع النترنت‪:‬‬
‫‪www.lac.com.jo -19‬‬

‫الفهرس‬

‫الصفحة‬
‫المقدمة‬
‫المبحث الول‪:‬تعريف التحكيم وخصائصه‬
‫المطلب الول‪:‬تعريف التحكيم‬
‫المطلب الثاني‪:‬خصائص التحكيم‬
‫المبحث الثاني‪:‬المركز القانوني للمحكم ومسؤولية في القانون‬
‫العماني‬
‫المطلب الول‪ :‬الشروط الواجب توافرها في المحكم‬
‫المطلب الثاني ‪:‬مركز المحكم القانوني‬
‫المطلب الثالث‪ :‬إلتزامات المحكم‬
‫المطلب الرابع‪ :‬مسؤولية المحكم‬
‫الخاتمة‬
‫التوصيات‬
‫المراجع‬

You might also like