You are on page 1of 52

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫‪Center for the study of Islam and Democracy-U.S.A‬‬


‫‪www.Islam-democracy.org - phone (202) 772 – 2022‬‬
‫‪Washigton, DC, 20036-Suite 1000 – 1050 Connecticut Ave. NW‬‬
‫مركز دراسة السلم والديمقراطية )‪ – (CSID‬واشنطن‪.‬‬
‫معهد إسلم المعرفة )إمام( – جامعة الجزيرة )السودان(‪.‬‬
‫مؤتمر الشريعة والجتهاد – الخرطوم – قاعة الصداقة –‬
‫‪ 21 – 19‬أبريل )نيسان( ‪2004‬‬
‫الموافق ‪ / 29 :‬صفر ‪1425‬هـ‬

‫وال ‪/ 727833‬‬ ‫محمد أبوالقاسم حاج حمد – لبنان – الشويفات – ج ّ‬


‫‪009613‬‬
‫منزل‪ – 009615 / 433519 :‬ص ‪ .‬ب‪30062 :‬‬
‫وال ‪0097150 / 7212219‬‬ ‫المارات العربية المتحدة – ج ّ‬
‫السودان )‪(0024912 246165‬‬
‫‪Email: haj_hamad@hotmail.com‬‬

‫السلم ومنعطف التجديد‬


‫)رؤية منهجية ومعرفية(‬

‫المدخل ‪:‬‬
‫سبق لي أن طرحت )أصول( هذه المحاضرة‪/‬الدراسة في )بيت‬
‫القرآن الكريم( في )البحرين( بدعوة كريمة من مؤسسه ومديره‬
‫العام )عبداللطيف كانو( بتاريخ ‪ 14‬شوال ‪1424‬هـ الموافق ‪7‬‬
‫ديسمبر‪ /‬كانون أول ‪2004‬م‪.‬‬
‫)البحرين – هاتف ‪ – 291913/290101‬فاكس ‪ – 310929‬ص ‪ .‬ب‬
‫‪ 2000‬المنامة‬
‫البريد اللكتروني ‪. alquran@batelco.com.bh‬‬
‫وقــد أثــارت المحاضــرة‪/‬الدراســة وقتهــا إشــكاليات جمــة‪ ،‬ل نتيجــة‬
‫للخلفات الجتهادية والتجديدية التي انتهيت إليها‪ ،‬وهي مفارقة جـذريا ً‬
‫لما هو سائد أيديولوجيا ً وتراثيـا ً فــي الفكــر )البشــري( الــديني‪ ،‬ولكــن‬
‫نتيجة لعدم التعرف المسبق على مــدخلي ومنهجـي فـي التعامــل مـع‬
‫التجديد نفسه وكيفية دراستي للنص الديني‪.‬‬
‫ولتفادي هذه الشــكالية فــإن هــذه المحاضــرة ل تؤخــذ بمفردهــا دون‬
‫النظر في مؤلفاتنا الساسية وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬جدليــة الغيــب والنســان والطبيعــة – العالميــة الســلمية‬
‫الثانية – مجلدان – الطبعة الثانية ‪.1996‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -2‬منهجيــــة القــــرآن المعرفيــــة – الطبعــــة الولــــى –‬
‫‪.2003/1424‬‬
‫‪ -3‬ابستمولوجية المعرفة الكونية – إسلمية المعرفة والمنهج‬
‫ومشروع المعهد العالمي للمناهج المعرفية والنساق الحضـارية‬
‫والتنسيق الجامعي – ‪.2004/1425‬‬

‫فالتجديد فــي المنهــج الــذي اتخــذه هــو رجــوع إلــى )النــص القرآنــي(‬
‫و)السنة النبوية الصحيحة( وتحليل وتفكيك ما ألبس على معانيهــا مــن‬
‫تزييف وتحوير انتهى )بشــرعة التخفيــف والرحمــة( الســلمية لتماثــل‬
‫شرعة الصر والغلل التوراتية فشرعتنا ناسخة لتلك وليس شرعة ما‬
‫قبلنا شرعة لنا‪.‬‬
‫وتحــولت علقــة العبوديــة النســانية بــالله – ســبحانه – إلــى علقــة‬
‫)استرقاق(‪ ،‬وقــد مل ّــك اللــه النســان قــدرات الــوعي‪ ،‬ســمعا ً وبصــرا ً‬
‫وفؤادا ً وجعله )مطلقًا( ل متنــاهي القــدرات والنــزوع‪ ،‬يحيــا فــي كــون‬
‫مطلق ول متناه في الصغر‪ .‬ل متناه في الكبر‪.‬‬
‫وتحولت سلطة التحريم والتحليل من الله إلى )المرجعيات البشــرية(‬
‫تمارسها كيفما تشاء‪.‬‬
‫وتحولت الشورى إلى )بيعه( يمارســها أولــى المــر )علينــا( بالغلبــة أو‬
‫)فينا( بالتراتب الجتماعي وليس )منا( بإرادة الحرية كما أمر الله‪.‬‬
‫وتحولت فلسفة الدين إلى )اســتلب غيــبي جــبري( لمطلــق النســان‬
‫وحريتــه فصــنعنا )لهوتــًا( حجــر الحريــة وأغلــق علــى العقــل تمامــا ً‬
‫كاللهوت )الوضعي( الرضي‪.‬‬
‫وانتهــت مرجعيــات الفهــم الــديني لــدى الصــحابة والتــابعين وســالف‬
‫المفسرين والمتــأولين‪ ،‬فلــم يعــد القــرآن كريمـا ً ليعطــى لكــل زمــان‬
‫ومكان حظه فيه‪ ،‬ولم يعد مكنونا ً ليتكشف‪ ،‬ول مجيدا ً ليستمر‪ ،‬فأطبق‬
‫على النص وجّرد من قوة العطاء المتجدد‪.‬‬
‫وبقــى الجميــع فــي حــدود )التفســير(‪ ،‬موضــوعيا ً كــان أو غيــره‪ ،‬دون‬
‫)تحليــل(‪ ،‬وفــي حــدود مقــولت قبليــة دون )تفكيــك(‪ ،‬وفــي اجــترار‬
‫)تاريخاني( دون تطور جدلي‪.‬‬
‫وليست هذه النحرافات عن الصول بغريبة على البشرية جمعــاء مــع‬
‫توافر مقومات النقد والتحليل‪ ،‬فالمسيحية بالرغم من منجــزات أوربــا‬
‫العقلية والنقدية ل زالت تطرح السيد المســيح ضــمن القــانيم الثلثــة‬
‫)الب والبن والروح القدس( وما السيد المسيح إل عبدا ً لله موحدا ً له‬
‫ومنزهًا‪.‬‬
‫وكذلك سائر الديانات الخرى‪ ،‬فليس المطلوب فــي التجديــد أو غيــره‬
‫ســوى العــودة إلــى الصــول لنكتشــف مســارات الــتزييف والتحريــف‬
‫التاريخي‪ ،‬ليس لدى المســلمين فقــط ولكــن علــى مســتوى الــديانات‬
‫البشــرية كلهــا الــتي فــارقت أصــولها وهيمنــت بعرفهــا الجتمــاعي‬
‫والثقافي على النص الديني وأتاحت بغفلتها ممكنات الدس عليها‪ ،‬كما‬
‫دس أبليس على آدم رغم تحذير الله – سبحانه – من ذلك‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫سُنعمل ســلح النقــد وأدوات التفكيــك المعرفيــة والمنهجيــة فــي كــل‬
‫مسارات الدس‪ ،‬ول حرمة لــدينا تجــاه أي مــذهب بشــري أو مرجعيــة‬
‫إنسانية‪ ،‬فالحرمة قاصرة على النص القرآنــي والصــحيح المثبــت مــن‬
‫السنة النبوية المعصومة والمطهرة فالمهم هو )المتن( الذي يقــاس‬
‫على القرآن وحده‪ ،‬وليس )السند(‪.‬‬
‫وسنكتشف بعد هذه القراءات أن الكثير الذي يؤخذ علينا ولو بمنطــق‬
‫ليبرالي أو علماني أو ديمقراطي أو عقلني موضوعي ل أصل له فــي‬
‫نصنا الديني وإنما هو من تلبيسات اللهوت التوراتي والتلمــودي ومــن‬
‫مؤثرات العرف الجتماعي والثقافات التي كــانت ســائدة‪ ،‬ومــن مــداد‬
‫النتاج التاريخاني‪.‬‬
‫فالقرآن كتاب مطلق يتعامل مع أرفع درجــات الطلق فــي النســان‪،‬‬
‫وأرفع درجات الطلق في البناء الكوني‪ ،‬وفوق كل هذه المطلقــات –‬
‫قرآنــا وإنســانا ً وكونــا – اللــه )الزلــي(‪ ،‬تمجــد عرشــه‪ ،‬وتنــزه أمــره‪،‬‬
‫وتقدست إرادته‪ ،‬وتباركت مشيئته‪.‬‬

‫المقدمة‬

‫لماذا عنواننا "منعطف التجديد" وليس حول التجديد لمناقشة مسألة‬


‫التجديد عموما ً وإشكالياته؟!‬
‫مغزى العنوان هو أن هذه المحاضرة هي جهد تجديدي وليست مجرد‬
‫دعوة للتجديد؟‬
‫تكمن مثيرات التجديد في ظهور ما هو مستحدث مغاير نوعيا ً للطر‬
‫القتصادية والجتماعية والثقافية والفلسفية الموروثة‪ ،‬ل عن‬
‫المجتمعات العربية السلمية فقط• وإن كانت هذه قد عنيت‬
‫بالسلم اساسًا‪ ،‬ولكن عن المجتمعات النسانية جمعاء• والمسلمون‬
‫بمختلف شعوبهم وقبائلهم جزء من هذا التراث النساني العام الذي‬
‫اتخذ طريقه للتغيير النوعي عالميًا•‬
‫فنحن ننتقل الن من ثقافة المجتمعات البدوية والزراعية التقليدية‬
‫والتجارية الوسيطة بمفهومها للنقد كأداة للتداول والمقايضة‪ ،‬أو ما‬
‫قبل الصناعية عموما ً والى مجتمعات ما بعد الصناعة‪ ،‬وبتطور العلم‬

‫‪3‬‬
‫من معلومة مجزأة محدودة الستخدام بمنهج عقلي استدللي منذ‬
‫عهد أرسطو وإلى عهد ابن رشد إلى منهج علمي استقرائي‪.‬‬
‫التجديد الذي نستهله هنا ل يتجه لعادة تأويل النصوص الدينية لتتسق‬
‫مع الثقافة المعاصرة بمنطق "المقاربات" فننتهي إلى الزوجة‬
‫الواحدة• وحقوق النسان والمرأة والطفل بالمعايير الغربية وإلى‬
‫موجهات العولمة في الليبرالية الخلقية والقتصادية والجتماعية‬
‫والسياسية والثقافية بالمعايير الميركية المعاصرة•‬
‫وانما هو تجديد يتجه إلى استرجاع النص القرآني وفق دللة معرفية‬
‫وألسنية للمفردة القرآنية العربية تبعا ً لضوابط الستخدام اللهي لها‬
‫في سياق اليات بمعزل عن المترادف والمشترك والمجاز المستخدم‬
‫في النهج البلغي العربي••• فاسترجاعنا للنص القرآني هو استرجاع‬
‫ألسني رياضي لنكتشف ما تعطيه المفردة القرآنية من "عائد‬
‫معرفي" محدد•‬
‫ثم نحتكم لهذا العائد المعرفي للتمييز بين اسقاطات الموروث‬
‫الديني البشري تبعا ً لمؤثرات النتاج الثقافي بخصائصه التاريخانية‬
‫على المستوى النساني عموما ً والبشري السلمي خصوصا ً من جهة‬
‫ودللت النص القرآني من جهة أخرى•‬
‫إذا عبرنا هذا التمييز اللغوي بتوافق مع المختصين بعلوم اللغة‬
‫واللسنيات‪ ،‬يكون التجاه للتمييز بين المعرفة القرآنية وفق هذه‬
‫الدللت والمعرفة المنتجة بشريا ً وتراثيا ً بالستخدام البلغي البشري‬
‫للغة العربية والذي نراه مفارقا ً على عدة مستويات تختلف درجاتها‬
‫النسبية•‬
‫هنا تحديدا ندخل مجالت الصول والفقه وما ارساه سلفنا الصالح ‪-‬‬‫ً‬
‫رضوان الله عليهم اجمعين ‪ -‬من "ثوابت" رأينا أنها متأثرة بمراحل‬
‫نمطية ثقافية في مناهج الفكر وازت النص القرآني واستلبته بحيث‬
‫تشكلت معرفة دينية مزدوجة ما بين النص القرآني والفهم التراثي‬
‫البشري•‬
‫فمهمة التجديد ‪ -‬كما مارسناه هنا ‪ -‬هو فض هذه الزدواجية وتفكيكها‬
‫بالرجوع إلى دللت النص القرآني•‬
‫هذا الجهد ينفذ مباشرة إلى البحث في منهجية الرؤية القرآنية‪ ،‬فالمر‬
‫هنا يتحول إلى )منهج( للبحث في المفاهيم التراثية السائدة حول‬
‫تناسخ آيات القرآن فيما بينها من ناحية وتناسخ القرآن مع السنة‬
‫النبوية من ناحية أخرى ومتعلقات ذلك بالمحكم والمتشابه‪ ،‬والمحو‬
‫والثبات والنساء•‬
‫هنا ستجدون اختلفا ً كبيرا ً وكثيرا ً بين الخلصات والنتائج التي توصلنا‬
‫اليها باسترجاعنا للنص القرآني عبر هذه المداخل وما يكاد يجمع عليه‬
‫علماء أمتنا ويوثقونه في كل مذاهبهم إذ يبدو اننا نصطدم باجماع‬
‫المة وبكل مذاهبها•‬

‫‪4‬‬
‫غير ان الصطدام بالجماع هو غير الخروج على المة وإل لسست‬
‫مذهبا ً جديدا ً تتطلع إليه طائفة من المتعصرنين اسلميا ً والمتعولمين‬
‫منهم بشكل خاص• فهدفي هو الحوار مع الفكر المجمع عليه وليس‬
‫احداث قطيعة معرفية مع التراث‪ ،‬عرفانيا ً كان أو بيانيا ً أو برهانيًا•‬
‫لهذا اخضع دراساتي للمتخصصين من اعلم امتنا السلمية وعلمائها‬
‫تماما ً كما تم في القاهرة حين نظم فرع المعهد العالمي للفكر‬
‫السلمي ندوة ضمت الكثير من المفكرين لمناقشة بحثي بعنوان‬
‫"منهجية القرآن المعرفية" في مارس ‪ /‬آذار ‪ 1992‬وتم طبع البحث‬
‫والمناقشات في هذا العام ‪ 2003‬وصدر عن )دار الهادي( في‬
‫بيروت• وسبقته الطبعة الثانية من )جدلية الغيب والنسان والطبيعة‬
‫‪ -‬العالمية السلمية الثانية( العام ‪ 1996‬في مجلدين يحتويان‬
‫‪1072‬صفحة كذلك المحاضرات الخاصة باسلمية المعرفة في‬
‫مساقات اكاديمية•‬
‫ثم كلمة عن القرآن نفسه وكيف تتسع مادة هذا الكتاب‪ ،‬ومفرداته ل‬
‫تتجاوز سبعة عشر ألف ونيف‪ ،‬ليتخذ كتابا ً كونيا ً محيطا ً ومطلقا ً يعادل‬
‫الوجود الكوني وحركته بما فيه النسان؟‬
‫ثم يؤخذ منه عبر التطور النوعي لصيرورة الزمان ومتغيرات المكان؟‬
‫ان الجابة هي في الوصول إلى "المكنون" لينساب القرآن "كريمًا"‬
‫تبعا ً للمناهج المعرفية المستحدثة بتطور كل عصر‪ ،‬ولكن بشرطين‪:‬‬
‫اولهما "استيعاب" هذه المناهج كما هي مطروحة‪ ،‬وثانيهما‬
‫"تجاوز" هذه المناهج بالعبور من سقفها النساني "الوضعي" إلى‬
‫رؤية القرآن الكونية وقد اشرنا إلى ذلك بالجمع بين القراءتين‪ ،‬قراءة‬
‫الخلق وقراءة التشيؤ كما ترد القراءتان في مقدمة سورة العلق•‬
‫فمناهج عصرنا المعرفية تقتصر على "التفكيك" فقط سواء في‬
‫العلوم النسانية أو الطبيعية غير ان القرآن وحده هو الذي يعطي‬
‫"التركيب" لن رؤيته للنسان والكون رؤية كونية تستوعب الرؤية‬
‫النسانية الوضعية وتتجاوزها•‬
‫ول تركيب من دون رؤية كونية‪ ،‬فالوضعية تنتهي بالنسان إلى متاهة‬
‫عدمية‪ ،‬والتحدي أمامنا هو اثبات ذلك ل مجرد القول به•‬
‫قد تفضل مؤسس بيت القرآن الكريم عبداللطيف كانو‪ ،‬بدعوتي‬
‫مشكورا ً للقاء هذا البحث‪ ،‬وتفضل كذلك بطبعه وتعميمه قبل‬
‫المناقشة ليتسنى لكل مهتم التعقيب عليه كما حصل في ندوة‬
‫القاهرة•‬
‫فما ارجوه هو ان يعمل كل واحد فيكم ‪ -‬أمددنا الله جمعيا ‪ -‬قوته‬
‫المعرفية والنقدية لتضاف مساهماتكم إلى هذا البحث حين طباعته‬
‫وتوزيعه بإذن الله تعالى•‬
‫واعلم أنى إذا أخطأت او اتبعت الغرض فلن يحسب لي اجتهاد بأجر‬
‫واحد بل سترافقني لعنة في الدنيا والخرة كاليهود الذين يحرفون‬
‫الكلم عن مواضعة‪ ،‬فالتعاطي مع كلمات الله ‪ -‬سبحانه ‪ -‬مسئولية‬

‫‪5‬‬
‫امام الله قبل أن تكون مسئولية أمام البشر‪ ،‬وبهذه الخلقية اطرح‬
‫أمامكم هذا البحث•‬

‫مثيرات الجتهاد والتجديد ‪:‬‬

‫غالبا ً ما يطرح ) التجديد ( تحت ضغط حضاري إنساني لعبور الفجوة‬


‫الماثلة بين الدين السلمي والثقافة العالمية الراهنة وأطرها‬
‫الجتماعية وقيمها المعرفية وآلياتها الدستورية والسياسية والقتصادية‬
‫‪.‬‬

‫وغالبا ً ما يجنح بعض المجددين لمنطق ) المقاربات ( حيث يماثلون‬


‫بين نص الشورى القرآني والديمقراطية كخير الدين التونسي غافلين‬
‫عن تعارض المنظومتين السلمية والغربية ومرجعيتهما ) النسقية ( و‬
‫) المعرفية ( ‪ .‬وفي المقابل يجنح البعض إلى منطق ) المقارنات (‬
‫منطلقين من ) مثالية ( المبادئ المجترحة من السلم على نحو‬
‫تميزه بعدالة إنسانية اجتماعية ل هي بالرأسمالية ول الشتراكية ‪ ،‬و‬
‫تقنين وضع الفرد في إطار الجماعة بمعزل عن ليبرالية الحقوق‬
‫الفردية الغربية وتبعاتها الجتماعية والخلقية السالبة ‪.‬‬

‫وما بين المقاربات والمقارنات فارق منهجي ‪ ،‬فلكي تؤدي المقاربات‬


‫فعلها فإنها مضطرة لعادة قراءة وتأويل النصوص الدينية في القرآن‬
‫والسنة والتراث وبطرق ومداخل معرفية مختلفة غالبا ً ما تمتد إلى‬
‫إعمال الجوانب النقدية بتوجيه التهام إلى ثقافات المجتمعات‬
‫السلمية التي فرضت نفسها على النص القرآني والنبوي وصادرته ‪.‬‬

‫أما نهج المقارنات فإنه ينطلق من تأصيل الموروث وليس زحزحته‬


‫وجعل التأصيل مرادفا ً للسلفية ‪ .‬وهكذا يتجدد في الحاضر الخلف‬
‫التاريخي في الماضي بين مدارس الرأي من جهة والنقل من جهة‬
‫أخرى ولكن بخلف في الخطاب والبراهين تبعا ً لمقتضيات العصر ‪.‬‬
‫وكما اتهمت معظم مدارس الرأي في الماضي أنها تتساوق مع‬
‫الثقافة اليونانية ونتاجها الفلسفي العقلي كذلك تتهم مدرسة‬
‫المقاربات المعاصرة بالتساوق مع الثقافة الغربية ونتاجها الفلسفي ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫يمكن القول أن لكل اجتهاد وتجديد مثيرات دافعة له ‪ ،‬وإل تحول إلى‬
‫تهويمات كلمية ونظرية من نوع الفضول الفكري الزائد الذي تشغل‬
‫به النخب نفسها بمعزل عن تفاعلت الواقع وثقافته السائدة دينيا ً‬
‫ومعرفيا ً ‪ ،‬وفي هذا الطار جاء اتهام فلسفتنا العقلنيين الوائل‬
‫بالتهافت ‪ .‬واستقصاء السبب في ذلك وفق دراسات معاصرة‬
‫بالرجوع إلى نزعتهم النسانية وتمركزهم حولها وإيجاد المسوغات‬
‫الدينية الكلمية لها ‪.‬‬

‫فإذا كان هذا التوصيف يقر أساسا ً بوجود فاصل بين فلسفتنا الوائل‬
‫وجدل الواقع بأنماطه وأطره المعرفية السائدة ‪ ،‬أو تؤخذ عقلنتيهم‬
‫نسبيا ً كانعكاس لتثاقف الحضارات في عصرهم وبالذات مع اليونانية‬
‫والفارسية ‪ ،‬فإن هذا التوصيف ل ينسحب على حالة مفكرين‬
‫عقلنيين ظهروا في القرن التاسع عشر وأطلق عليهم رواد مدرسة‬
‫الصلح وفي مقدمنهم الطهطاوي ومحمد عبده والكواكبي والفغاني‬
‫وغيرهم ‪.‬‬

‫فهذا الجيل من الصلحيين ارتبط بمثيرات ولكنها إرهاصية وأولية في‬


‫جدل الواقع كأرهاصية أفكارهم التحديثية نفسها حيث ارتبط تجديدهم‬
‫وإصلحهم بظهور إشكاليات مستحدثة كانت هي الدافع لجتهاداتهم ‪.‬‬
‫فما هي تلك الشكاليات التي تطلبت الجتهاد ؟ وهل هي نتاج لجدل‬
‫الواقع من داخله أم مفروضة عليه بحكم تداخله الذي كان قد بدأ مع‬
‫العولمة الوروبية التقليدية في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر ؟‬
‫حين النظر في السئلة المطروحة نجد أن بعضها فلسفي يتصل‬
‫بموقع النسان في الوجود ومدى حريته ليمارس تحقيق ذاته ‪ ،‬غير أن‬
‫الجابة على هذا السؤال الفلسفي ينتهي إلى تحديد جوانب عملية‬
‫ترتبط بموقع النسان من التشريعات اللهية وتعاطيه مع نظام الحكم‬
‫ثم تلحق بذلك البعاد القتصادية والجتماعية والخلقية والسياسية‬
‫وحتى النفسية ‪.‬‬

‫قد كانت هذه السئلة الشكالية مطروحة من قبل أي طوال مرحلة‬


‫ما بعد الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم ‪ ،‬غير أنها طرحت في‬
‫نسق حضاري ومناهج معرفية ذات اتساق تقليدي حيث تتشكل‬
‫أنظمة الحكم تبعا ً للغلبة أو العراف الجتماعية ذات الشرعية في‬
‫واقعها القبلي أو العصبي وكانت السئلة الثقافية والجتماعية تتسق‬
‫مع المجتمعات الرعوية والزراعية اليدوية والتجارية الوسيطة ‪ ،‬وكان‬
‫العرف في الغلب يتولى الجابة على هذه السئلة بأكثر من الدين إل‬
‫في الجوانب الفقهية النصية ‪ ،‬ولم يشغل الناس أنفسهم كثيرا ً بما‬
‫ورائيات الفقه من أصول فلسفية وكلمية ‪ ،‬فالمنظور لقضايا التعدد‬
‫في الزوجات وما أسمى بالحجاب ودونية المرأة بالنسبة للرجل هي‬

‫‪7‬‬
‫تبعا ً للمنطق العرفي والثقافة السائدة ‪ ،‬فلم تطرح مشاركة المرأة‬
‫للرجل كإشكالية تتطلب الجتهاد ‪.‬‬

‫كما أن الموقف من نظام الحكم يرتبط بمعادلتي أو ثنائيتي العدالة‬


‫والظلم وليس بالضرورة بآليات الختيار والنتخاب للخليفة أو الوالي‬
‫أو الحاكم ‪.‬‬

‫إضافة إلى أن إشكاليات الفائدة على رأس المال وعملية تدوير رأس‬
‫المال في البيوع أو الستثمار كانت معرفة في حدود الموقع الثانوي‬
‫للعملية الرأسمالية في إنتاج رعوي زراعي يدوي وتجارة تقليدية ل‬
‫تستند إلى صناعة آلية فتلك كانت لوائح وقانون ) حسبة ( ‪.‬‬

‫الن تتخذ الشكاليات مضمونا ً آخر في مجتمعات عربية وإسلمية‬


‫آخذة بالتحول النوعي وليس الكمي ‪ .‬فهناك عالمية أوروبية أمريكية‬
‫تأسست أولهما منذ القرن السادس عشر ثم امتدت أمريكيا ً إلى‬
‫عصرنا الراهن ‪ .‬هذه العالمية لها نواة داخل مجتمعاتنا نشأت منذ‬
‫بداية عصر الستعمار الوروبي في القرن التاسع عشر فيما نشير‬
‫إليه بالقوى الجتماعة الحديثة المفارقة في تركيبها لقوانا الجتماعية‬
‫التاريخية التقليدية ‪.‬‬

‫فهذا التداخل بين العالمية الوروبية المريكية المهيمنة ونواة القوى‬


‫الجتماعية الحديثة داخل مجتمعاتنا التقليدية يثير اهتزازات على‬
‫مختلف الصعد ‪ ،‬من الثقافي وإلى القتصادي والجتماعي والفكري ‪،‬‬
‫وتنبسط هذه الهتزازات على مدى ما سمي بفكر النهضة ) ‪– 1789‬‬
‫‪ ( 1940‬ثم فكر الثورة ) ‪ ( 1967 – 1950‬فمع صغر حجم قوانا‬
‫الجتماعية الحديثة إل أن ارتباطها بالعالمية والعولمة تجعل منها‬
‫) طليعة ( لطرح السئلة ‪ /‬الشكاليات‬

‫فهذه القوى تريد وضعا ً للمرأة مشاركا ً للرجل ‪ ،‬وترفض دونية‬


‫المرأة ‪ ،‬وتعدد الزوجات ‪ ،‬وترفض ما يسمى الحجاب ‪ .‬وتريد حرية‬
‫تمارس لذاتها وليس حصرها في الجتهاد الديني فقط ضمن‬
‫ارستقراطية العلماء ولو كان مؤدى الحرية النظام العادل ‪ ،‬فالحرية‬
‫هنا مطلوبة بمنطلق ليبرالي متصل بالوجود النساني نفسه وليس‬
‫علقته بالله سبحانه ‪ ،‬بما يعني ثقافة اجتماعية جديدة وتثاقفا ً فكريا ً‬
‫جديدًا‪.‬‬

‫وتريد تدوير رأس المال بمنطلق ليبرالي اقتصادي بما يستبعد ما‬
‫تفهمه من نصوص في الربا المحرم أو زكاة مع وقف عقوبات الجلد‬
‫والصلب وقطع اليدي وتريد إخراج النسان التقليدي من أي بوتقة‬

‫‪8‬‬
‫حصرية ‪ ،‬وبالذات الدينية ليكون هو مرجع نفسه دون مرجعيات أو‬
‫أصول مقدسة تمارس الرقابة عليه وتوجيهه إلى مستوى التفاصيل ‪.‬‬

‫هذه الثورة النسبية الضمنية التي تحدثها قوانا الجتماعية الحديثة‬


‫على صغر حجمها وقدراتها الواقعية ‪ ،‬والتي تجد التعزيز من العولمة ‪،‬‬
‫إنما تسعى لتفكيك ) الطر الفوقية ( في بنية مجتمعاتنا التقليدية‬
‫وإلغاء السلطة المعرفية لهذه البنى ‪ ،‬بداية من أنظمة الحكم وإلى‬
‫دور العلماء والمشايخ ‪.‬‬

‫فهذه الثورة النسبية الضمنية هي التي تطرح هذه السئلة بمستوى‬


‫) الشكاليات ( وهي التي تعض بالنواجذ على مقاربات في التراث‬
‫لسئلتها هذه في إطار التوجهات العقلنية – مثل ً – للوليد بن رشد )‬
‫‪1126/1198‬م( والذي قارب ما بين الشريعة الدينية والحكمة‬
‫الفلسفية ‪ ،‬وابن طفيل الندلسي ) ‪1106/1185‬م( والذي أوضح‬
‫تأثير البيئة الطبيعية في تكوين النسان ‪ ،‬وابن خلدون )‬
‫‪1332/1406‬م( والذي أوضح أثر العوامل الجتماعية ‪ ،‬وابن الصايغ‬
‫محمد بن باجة المتوفي عام ‪ 1139‬والذي انشغل بمراحل التطور‬
‫العقلي للنسان ‪.‬‬

‫هذا إذا اعتمدت ما في تراثنا من عقلنية ولم تحدث قطيعة معرفية‬


‫معه وتتحول باتجاه العولمة الغربية الصاعدة ‪ ،‬تطلعا ً للنعتاق‬
‫الليبرالي المطلق ‪ ،‬والذاتي أي باتجاه عدمي ‪.‬‬

‫فالتجديد المطلوب هو هدف هؤلء وللجابة على اسئلتهم الشكالية ‪،‬‬


‫وعليه فإنهم يطلبون من المجتهد أن يخدم أغراضهم ونواياهم للدفع‬
‫بثورتهم الضمنية والنسبية إلى مدى تغيير القيم نفسها ‪ ،‬الدينية‬
‫السائدة آيديولوجيا ً وثقافيا ً ‪ ،‬أو العرفية التقليدية لمجتمعات ما قبل‬
‫الصناعة ‪.‬‬

‫وغالبا ً ما يجد هؤلء ضالتهم في العصرنة المفتعلة ‪ ،‬لدى عديد من‬


‫الكتاب والمنظرين المسلمين من ذوي التجاهات العقلنية‬
‫والتحررية ‪ ،‬ويتخذ هؤلء من نقد التراث ومن بعض آيات القرآن التي‬
‫تقرأ مجزأة أدلة على هذه العصرنة بمنطق تأويلي يفارقون به أصول‬
‫المنهج العلمي نفسه في التعامل مع كلية النص باعتباره منتجا ً لحالة‬
‫ثقافية كلية وبالتالي ل يمكن تجزئته ‪.‬‬

‫فهم يمارسون بمنطق ) التجديد ( والرأي ما يعيبونه على مدرسة‬


‫النقل والسلفية والتأصيل ‪ ،‬من تجزئة للنص وانتقائية له خارج سياقه‬
‫الكلي حالهم في ذلك حال المقتسمين الذين انتقوا النصوص المجزأة‬

‫‪9‬‬
‫جعَُلوا ال ْ ُ‬ ‫) كَ َ‬
‫ن ( ‪– 90‬‬
‫ضي َ‬
‫ع ِ‬
‫ن ِ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ‪ ،‬ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫مي َ‬
‫س ِ‬
‫قت َ ِ‬ ‫ما أنَزل َْنا ع ََلى ال ُ‬
‫م ْ‬ ‫َ‬
‫‪ 91‬سورة الحجر‬

‫فلبطال تعدد الزواج يتم الستدلل بجزء من النص القرآني) فَإ ِ ْ‬


‫ن‬
‫طيُعوا ْ َأن‬ ‫ست َ ِ‬ ‫حد َة ً ( ) ‪ 3‬النساء ( وكذلك)وََلن ت َ ْ‬ ‫م أل ّ ت َعْد ُِلوا ْ فَ َ‬
‫وا ِ‬ ‫فت َ‬
‫خ ْ ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫م( ) ‪ 129‬النساء (‬ ‫صت ُ ْ‬
‫حَر ْ‬ ‫َ‬
‫ساء وَلوْ َ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ت َعْد ِلوا ب َي ْ َ‬
‫ويستخدم ذات السلوب التعضيني لبطال آيات الجهاد والسيف ‪،‬‬
‫ل‬
‫سِبي ِ‬ ‫حيث يتم الستدلل بآيات الحوار والمجادلة الحسنة )اد ْع ُ إ ِِلى َ‬
‫َ‬
‫ن () ‪125‬‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫يأ ْ‬ ‫جاد ِل ُْهم ِبال ِّتي ه ِ َ‬
‫سن َةِ وَ َ‬‫ح َ‬ ‫عظ َةِ ال ْ َ‬
‫موْ ِ‬‫مةِ َوال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ك ِبال ْ ِ‬ ‫َرب ّ َ‬
‫ن ( ) ‪ 256‬البقرة ( ويضاف إلى‬ ‫النحل ( وكذلك )ل َ إ ِك َْراه َ ِفي ال ّ‬
‫دي ِ‬
‫ُ‬
‫ة‬
‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫جعَل َْناك ُ ْ‬‫ك َ‬ ‫ذلك مفهوم الوسطية والعتدال انطلقا ً من )وَك َذ َل ِ َ‬
‫طا() ‪ 143‬البقرة ( وعلى مستوى التعايش بين الديان في إطار‬ ‫س ً‬ ‫وَ َ‬
‫دستوري يرجعون إلى عهد الصحيفة الذي أمضاه الرسول بين‬
‫المهاجرين والنصار واليهود في المدينة المنورة في السنة الولى‬
‫للهجرة الموافق ‪ 623 / 622‬ثم كذلك يتخذون المر اللهي‬
‫َ‬
‫م( ) ‪ 38‬الشورى‬ ‫م ُ‬
‫شوَرى ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫مُرهُ ْ‬ ‫بالشورى مدخل ً للديمقراطية ‪) :‬وَأ ْ‬
‫(‬

‫بل ويستطيع يعضهم أن يجتزئ من القرآن ما يجعل السلم دينا ً‬


‫اشتراكيا ً بمثل ما جعل شاعر عربي من محمد إماما ً للشتراكيين ‪.‬‬
‫هؤلء اجتهدوا بأنفسهم أو بغيرهم لنفسهم ‪ ،‬وهو اجتهاد يخونون فيه‬
‫المنهج العلمي في قراءة كلية النص الكلي وليس التجزئي و التعضين‬
‫والنتقاء ‪ .‬ولو بذلوا في فهم النص الكلي من داخله العضوي الموحد‬
‫ما بذلوه في تبيان نظراتهم لسهموا في التجديد النوعي بمصداقية‬
‫أكبر ‪.‬‬

‫فلهؤلء أقول تقديرا ً لحسن نواياهم ‪ ،‬ومحاولتهم تحسين صورة الدين‬


‫‪ ،‬أن للقرآن منهجه وضوابطه في وزن كافة هذه السئلة ‪/‬‬
‫سلَنا‬‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫الشكاليات والجابة عليها ‪ ،‬فهناك كتاب وميزان وقسط )ل َ‬
‫َ‬
‫ط‬
‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫س ِبال ْ ِ‬ ‫م الّنا ُ‬‫قو َ‬ ‫ن ل ِي َ ُ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬
‫ميَزا َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ت وَأنَزل َْنا َ‬
‫معَهُ ُ‬ ‫سل ََنا ِبال ْب َي َّنا ِ‬‫ُر ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫س َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫صُرهُ‬ ‫من َين ُ‬ ‫ه َ‬
‫م الل ُ‬‫س وَل ِي َعْل َ‬‫مَنافِعُ ِللّنا ِ‬
‫ديد ٌ وَ َ‬‫ش ِ‬ ‫ديد َ ِفيهِ ب َأ ٌ‬‫ح ِ‬ ‫وَأنَزلَنا ال َ‬
‫زيٌز ( ) ‪ 25‬الحديد (‬ ‫ه قَوِيّ ع َ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه ِبال ْغَي ْ ِ‬
‫ب إِ ّ‬ ‫سل َ ُ‬‫وَُر ُ‬

‫فالقرآن ليس آيات تسيل تبعا ً لكل منهج وغرض فهناك ) ميزان –‬
‫منهج ( ضابط للتناول وبصرامة كحديد الرض الصلب ‪ .‬فالقول بأن‬
‫السلم إشتراكي أو رأسمالي أو هو وسط بينهما قول غير منهجي ‪،‬‬
‫فليس السلم باشتراكي أو رأسمالي أو وسطي تلفيقي وانتقاني أو‬
‫توفيقي بينهما ‪ ،‬أنه هو في ذاته ‪ ،‬هو هو ‪ ،‬السلم إسلمي ومواقفه‬
‫إسلمية نابعة من ذات منهجه ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫ول تماثل شورى السلم بالديمقراطية الغربية ‪ ،‬ول يمكن القول‬
‫بديمقراطية إسلمية ‪ ،‬فالفارق بين النسقين قائم منهجيا ً وإن لم‬
‫تطبق الشورى السلمية يوما ً في تاريخنا من بعد الحقبة النبوية‬
‫الشريفة إل لمما ً وجزئيا ً ‪ ،‬فللشورى السلمية منهجها السلمي ‪،‬‬
‫فهي شورى إسلمية من ذات المنهج ‪.‬‬

‫والسلم إذا أمر أو لم يأمر بشرعة السيف بديل ً عن الحوار ‪ ،‬وإذا أمر‬
‫أو لم يأمر بشرعة الصر والغلل صلبا ً من خلف وتقطيعا ً للطراف‬
‫ورجما ً للزاني المحصن وجلدا ً لغير المحصن ‪ ،‬فإن مسوغات ذلك‬
‫تصدر منه ‪ ،‬من ذات منهجه ‪ ،‬سواء توخي الرحمة أو العذاب ‪ ،‬فعوضا ً‬
‫عن مدارات هذه النصوص أو الدفاع عنها بمنطق من خارج نسق‬
‫القرآن فإن المطلوب هو البحث فيها قرآنيا ً ومن خلل القرآن وداخله‬
‫‪.‬‬

‫القرآن والعقلنة الفلسفية ‪:‬‬


‫قد يبدو للبعض أن توصيفنا هذا لبعض ممن يسعون للجتهاد فيه اتهام‬
‫للعقل والعقلنية ‪ ،‬ويجب أن نوضح منذ البداية أن هذا التهام المتوهم‬
‫غير صحيح تماما ً لته يتعارض مع النص القرآني الذي يشيد بالعقل‬
‫والعقلنية وبالعقول المفكرة ونظراتها الفلسفية للوصول إلى‬
‫الحقائق ‪.‬‬
‫تلك العقول المفكرة التي تواصل التفكير متقلبة على جنوبها أو‬
‫واقفة أو قاعدة ‪ ،‬باحثة عن إجابات كبرى لسئلة فلسفية كبرى ‪،‬‬
‫مدادها العقل ‪ ،‬ولم يصفهم الله سبحانه بالسجود والركوع والصيام‬
‫ن‬
‫والقيام ولكن بإعمال العقل وأطلق عليهم صفة ) أولي اللباب ( )إ ِ ّ‬
‫ت ّل ُوِْلي‬ ‫ل َوالن َّهارِ لَيا ٍ‬ ‫ف الل ّي ْ ِ‬ ‫خت ِل َ ِ‬‫ض َوا ْ‬ ‫َ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫ِفي َ ْ‬
‫خل ِ‬
‫فك ُّرو َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫ب ‪ ،‬ال ّ ِ‬ ‫الل َْبا ِ‬
‫ن‬ ‫م وَي َت َ َ‬ ‫جُنوب ِهِ ْ‬
‫ى ُ‬‫ما وَقُُعوًدا وَع َل َ‬ ‫ه قَِيا ً‬
‫َ‬
‫ذي َ‬
‫حان َ َ‬
‫ك فَ ِ‬
‫قَنا‬ ‫سب ْ َ‬‫هذا َباط ِل ً ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫ض َرب َّنا َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫ِفي َ ْ‬
‫خل ِ‬
‫ب الّنارِ ( ) ‪ 191‬آل عمران (‬ ‫ذا َ‬ ‫عَ َ‬

‫هؤلء الفلسفة ينظرون إلى الكون خلقا ً في ظواهره ‪ ،‬وكذلك إلى‬


‫الكون حركة في صيرورته كاختلف الليل والنهار فيكتشفون‬
‫) الغائية ( في الخلق اللهي للكون ‪ ،‬وهي غائية الحق ) ما خلقت هذا‬
‫باطل ً ( فيقايسون بين الحق الغائي والممارسات البشرية الغافلة عن‬
‫منهج الحق فينتهون إلى الدعاء ) سبحانك فقنا عذاب النار (‬

‫هؤلء من الناس وليسوا من النبياء يكتشفون منهج الحق ويأمرون‬


‫ت‬
‫ن ِبآَيا ِ‬‫فُرو َ‬‫ن ي َك ْ ُ‬‫ذي َ‬‫ن ال ّ ِ‬
‫الناس به ‪ ،‬وقد وصلهم الله سبحانه بالنبياء )إ ِ ّ‬
‫ْ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ط ِ‬‫س ِ‬‫ق ْ‬ ‫ن ِبال ْ ِ‬
‫مُرو َ‬ ‫ن ي َأ ُ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫قت ُُلو َ‬
‫حقّ وَي َ ْ‬
‫ن ب ِغَي ْرِ َ‬ ‫قت ُُلو َ‬
‫ن الن ّب ِّيي َ‬ ‫الل ّهِ وَي َ ْ‬

‫‪11‬‬
‫م( )‪ 21‬آل عمران ( ‪ ،‬وقد كان هذا العقل‬ ‫َ‬ ‫هم ب ِعَ َ‬ ‫س فَب َ ّ‬
‫ب أِلي ٍ‬ ‫ذا ٍ‬ ‫شْر ُ‬ ‫الّنا ِ‬
‫الفلسفي التفكري هو مدخل إبراهيم عليه الصلة والسلم لليمان‬
‫بالله ثم النبوة ‪ ،‬فإبراهيم عبد المفطورات من شمس وقمر ونجوم‬
‫ولكنها لم تكن من حيث المنهج عبادة وثنية شكلية ومطلقة فقد‬
‫اشترط ‪ ،‬في هذه المفطورات أن تجسد مفهومه هو العقلي لللوهة‬
‫أو الربوبة ‪ ،‬حيث تعلق عقل إبراهيم بربوبة تجمع بين صفتين ) كمال‬
‫ل َرَأى ك َوْك ًَبا َقا َ‬
‫ل‬ ‫ن ع َل َي ْهِ الل ّي ْ ُ‬ ‫ج ّ‬‫ما َ‬ ‫الهيئة – بازغة ( وكبر الحجم )فَل َ ّ‬
‫غا‬‫مَر َبازِ ً‬ ‫ق َ‬ ‫ما َرَأى ال ْ َ‬ ‫ن )‪ (76‬فَل َ ّ‬ ‫ب الفِِلي َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل ل أُ ِ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ما أ َفَ َ‬ ‫ذا َرّبي فَل َ ّ‬ ‫هـ َ‬ ‫َ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ل َقا َ‬ ‫ما أفَ َ‬‫َ‬ ‫َ‬
‫قوْم ِ‬ ‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ي َهْد ِِني َرّبي لكون َ ّ‬ ‫ل لِئن ل ْ‬ ‫ذا َرّبي فَل ّ‬ ‫هـ َ‬‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ذآ أك ْب َُر فَل ّ‬
‫ما‬ ‫هـ َ‬ ‫ذا َرّبي َ‬ ‫هـ َ‬ ‫ل َ‬‫ة َقا َ‬ ‫س َبازِغ َ ً‬ ‫م َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ما َرأى ال ّ‬ ‫ن )‪ (77‬فَل ّ‬ ‫ضالي َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ي‬
‫جهِ َ‬ ‫ت وَ ْ‬ ‫جهْ ُ‬ ‫ن )‪ (78‬إ ِّني وَ ّ‬ ‫كو َ‬ ‫شر ِ ُ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫ريٌء ّ‬ ‫ِ‬ ‫ل َيا قَوْم ِ إ ِّني ب َ‬ ‫ت َقا َ‬ ‫أفَل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(79‬‬ ‫كي َ‬ ‫شرِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬‫ما أن َا ْ ِ‬‫فا وَ َ‬ ‫حِني ً‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫ذي فَط ََر ال ّ‬
‫س َ‬ ‫ل ِل ّ ِ‬
‫) النعام (‪.‬‬

‫لم يكن إبراهيم ليقبل انتقاصا ً في هيئة الله أو الرب ‪ ،‬يريده كامل ً ‪،‬‬
‫فلما حانت لحظات ) الفول ( ويعني النقص في الهيئة وليس‬
‫الحتجاب في الدورة الفلكية اليومية العادية والتي يعرفها إبراهيم منذ‬
‫صغره – فكسفت الشمس ‪ ،‬وخسف القمر ‪ ،‬وطمس الكوكب ‪ ،‬ربط‬
‫إبراهيم بين النقص والعجز الذاتي ‪ ،‬فطبق ذات النهج في الدراك‬
‫على الصنام في معبد آور فلم يحطمها كاملة وإنما أنقص بعضا ً من‬
‫أطرافها حيث جعلها جذاذا َ فقط ‪ ،‬ناقصة كأفول الشمس والقمر‬
‫ذاًذا إ ِّل ك َِبيًرا‬
‫ج َ‬ ‫جعَل َهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫والكوكب ليدل قومه على عجزها الذاتي ‪) :‬فَ َ‬
‫) ‪ 58‬النبياء (‬ ‫ن(‬ ‫م إ ِل َي ْهِ ي َْر ِ‬
‫جُعو َ‬ ‫م ل َعَل ّهُ ْ‬
‫ل ّهُ ْ‬

‫بدأت نبوة إبراهيم بعقل فلسفي قلق ومتقد حتى اكتشف انضواء‬
‫المفطورات تحت هيمنة ) الفاطر سبحانه للسماوات والرض (‬

‫فللعقل الفلسفي الناظر في خلق الكون وحركته شرعية قرآنية في‬


‫إعمال التجديد والجتهادات أي كعقل بشري وكمادة عقلية ‪.‬‬

‫مناهج التفكير ‪:‬‬


‫ومع الشرعية التي أضفاها الله سبحانه على العقل الفلسفي أضفى‬
‫الله سبحانه شرعية على كافة مناهج ) الستقراء ( والستدلل ضاربا ً‬
‫المثل ) بالنظر ( إلى البل في حالة الستدلل العقلي ‪ ) ،‬والنظر (‬
‫غير ) الرؤية ( العينية ‪ ،‬فالرؤية ترتبط بالعين والصورة أما النظر‬
‫فيرتبط بالتفكر والنشاط الذهني ‪ ،‬لهذا وجه الله سبحانه للنظر في‬
‫مماثلت الخلق التكويني للبل بمماثلت الخلق التكويني للبنائية‬
‫الكونية ‪ ،‬فخف البل مسطح كالرض التي نمشي عليها ‪ ،‬وسنام‬
‫البل كالجبال أوتادا ‪ ،‬وقوائم البل المرتفعة كارتفاع السماء بعمد ل‬

‫‪12‬‬
‫َ‬
‫ماء ك َي ْ َ‬
‫ف‬ ‫س َ‬ ‫ت )‪ (17‬وَإ َِلى ال ّ‬
‫ق ْ‬
‫خل ِ َ‬‫ف ُ‬ ‫ل ك َي ْ َ‬‫ن إ َِلى اْل ِب ِ ِ‬ ‫ترونها )أفََل َينظ ُُرو َ‬
‫َْ‬ ‫َ‬
‫ض ك َي ْ َ‬
‫ف‬ ‫ت )‪ (19‬وَإ ِلى الْر ِ‬ ‫صب َ ْ‬ ‫ف نُ ِ‬ ‫ل ك َي ْ َ‬ ‫ت )‪ (18‬وَإ َِلى ال ْ ِ‬
‫جَبا ِ‬ ‫ُرفِعَ ْ‬
‫ت )‪ ) (20‬الغاشية (‬ ‫ح ْ‬
‫سط ِ َ‬ ‫ُ‬
‫فالنظر في المتماثلت يؤدي إلى الستدلل العقلي باتجاه نتيجة‬
‫إدراكية ما ولهذا أشار الله سبحانه في اليتين اللحقتين على أن‬
‫مناهج الستدلل العقلي وقياساتها تكفي النسان للوصول إلى‬
‫اليمان ‪ ،‬وأن مهمة النبياء هي تذكير الناس ولفت انتباههم )فَذ َك ّْر‬
‫َ‬
‫صي ْط ِرٍ ) ‪ ( 22‬الغاشية ( فالله‬ ‫م َ‬ ‫ت ع َل َي ِْهم ب ِ ُ‬ ‫س َ‬‫مذ َك ٌّر )‪ (21‬ل ّ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫ما أن َ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫سبحانه يعطي العقل الفلسلفي شرعته الدينية يما يماثل شرعته‬
‫النسانية ‪ ،‬ويعطي مناهج الستدلل والنظر شرعتها الدينية وبما‬
‫يماثل شرعتها النسانية أيضا ً ‪.‬‬

‫من عقلنة الكون إلى عقلنة الوحي ‪:‬‬


‫الشرعيتان ‪ ،‬العقلية الفلسفية ‪ ،‬ومناهجها ‪ ،‬استدللية أو استقرائية ‪،‬‬
‫قابلة لعقلنة الكون والوصول إلى اليمان ‪ ،‬غير أن ذلك ل يؤدي إل‬
‫إلى امكان أو إمكانية محدودة لعقلنة الوحي والتعامل مع نصوصه ‪.‬‬
‫فطبيعة القراءة في نصوص الوحي تختلف عن طبيعة القراءة في‬
‫اليات الكونية ‪ .‬فالقراءة في نصوص الوحي ترتبط بعلم اسمه‬
‫ن )‪(2‬‬ ‫قي َ‬ ‫دى ل ّل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ب ِفيهِ هُ ً‬ ‫ب ل َ َري ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا ُ‬
‫) علم الكتاب ( )الم )‪ (1‬ذ َل ِ َ‬
‫)البقرة ( وقد أشار الله سبحانه في هذه الية إلى البعيد ) ذلك‬
‫الكتاب ( وليس إلى القريب المتناول والمتداول ) هذا الكتاب (‬
‫ويشكل القرآن القريب مادة ) ذلك الكتاب البعيد ( والذي يوصل إلى‬
‫بعض أطرافه ‪ ،‬أو أطراف علمه بقراء ة ترتبط بالله سبحانه ‪ ،‬خالقا ً‬
‫وليس مجرد العلم العقلي القلمي ‪ ،‬ولهذا ميز الله سبحانه بين‬
‫قرائتين ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫ً‬
‫ق‬
‫خل َ‬ ‫خلقَ )‪َ (1‬‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ِ‬ ‫قراءة أولى به سبحانه خالقا )اقَْرأ ِبا ْ‬
‫ق )‪ ) (2‬العلق ( فهذه قراءة أولى ربانية تنفذ إلى ذلك‬ ‫م ْ َ‬ ‫ا ِْ‬
‫ن ع َل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬
‫قوا ْ الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫الكتاب بإمداد إلهي ومعراجها ) العبودية و التقوى ( )َوات ّ ُ‬
‫م ( ) ‪ 282‬البقرة (‬ ‫يٍء ع َِلي ٌ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ه ب ِك ُ ّ‬‫ه َوالل ّ ُ‬‫م الل ّ ُ‬‫مك ُ ُ‬ ‫وَي ُعَل ّ ُ‬
‫علم الكتاب البعيد ذاك هو من مادة الكتاب ) القرآن ( القريب هذا ‪:‬‬
‫غير أن العبور من هذا إلى ذلك ‪ ،‬يتطلب معراجا ً ربانيا ً أساسه‬
‫القراءة بالله سبحانه خالقا ً ‪ ،‬وهي قراءة عبودية وتقوى وقمة هذه‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫القراءة لدى الروح القدس المين جبريل عليه السلم )وَي َ ُ‬
‫م‬
‫عل ُ‬‫ْ‬ ‫عند َه ُ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬
‫شِهي ً‬‫فى ِبالل ّهِ َ‬ ‫ل كَ َ‬‫سل ً ق ُ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫ت ُ‬ ‫س َ‬ ‫فُروا ْ ل َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫ب ( ) ‪ 43‬الرعد ( فذلك الكتاب هو القرآن نفسه هذا ‪ ،‬ولكن‬ ‫ال ْك َِتا ِ‬
‫حين يكون مقروءا ً إلى مستوى الحد القصى لمعانية بتكشف كامل‬
‫مكنونه ) المطلق( ‪.‬فكل حرف فيه متموضع بالضرورة الربانية‬
‫المثالية كمواقع النجوم ‪ ،‬ان اهتز حرف اهتزت البنائية القرآنية كلها‬
‫كاهتزاز نجم عن موقعه في البنائية الكونية ‪ ،‬وفي إطار هذه البنائية‬

‫‪13‬‬
‫يحمل القرآن المكنون الذي يتكتشف بالكرم اللهي ‪ ،‬فالقرآن مكنون‬
‫ُ‬
‫م لّ ْ‬
‫و‬ ‫س ٌ‬
‫ق َ‬‫ه لَ َ‬
‫جوم ِ )‪ (75‬وَإ ِن ّ ُ‬ ‫واقِِع الن ّ ُ‬‫م َ‬‫م بِ َ‬‫س ُ‬ ‫وكذلك كريم ليعطي )فََل أقْ ِ‬
‫ن )‪(78‬‬ ‫مك ُْنو ٍ‬ ‫ب ّ‬ ‫م )‪ِ (77‬في ك َِتا ٍ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن كَ ِ‬ ‫قْرآ ٌ‬‫ه لَ ُ‬
‫م )‪ (76‬إ ِن ّ ُ‬
‫ظي ٌ‬
‫ن عَ ِ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬
‫ن( ) ‪79‬‬ ‫مط َهُّرو َ‬‫ه إ ِّل ال ْ ُ‬‫س ُ‬
‫م ّ‬ ‫) الواقعة ( ثم ينضبط المنهج )ّل ي َ َ‬
‫الواقعة ( ‪.‬‬

‫والمس هنا غير اللمس ‪ ،‬فالمس وجداني عقلي في حين أن اللمس‬


‫ك ك َِتاًبا ِفي‬ ‫عضوي بدني يرتبط بقرطاسية الكتاب )وَل َوْ ن َّزل َْنا ع َل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ن(‬‫مِبي ٌ‬
‫حٌر ّ‬ ‫ذا إ ِل ّ ِ‬
‫س ْ‬ ‫هـ َ‬ ‫ن َ‬ ‫فُروا ْ إ ِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫قا َ‬‫م لَ َ‬‫ديهِ ْ‬ ‫سوه ُ ب ِأي ْ ِ‬
‫م ُ‬ ‫س فَل َ َ‬ ‫َ‬
‫قِْرطا ٍ‬
‫) ‪ 7‬النعام ( في حين أن معنى المس يختلف إذ يرتبط بالمشاعر‬
‫شي ْ َ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫طا ُ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫خب ّط ُ ُ‬
‫ذي ي َت َ َ‬ ‫م ال ّ ِ‬‫قو ُ‬ ‫ن إ ِل ّ ك َ َ‬
‫ما ي َ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫قو ُ‬‫ن الّرَبا ل َ ي َ ُ‬ ‫ن ي َأك ُُلو َ‬‫ذي َ‬ ‫)ال ّ ِ‬
‫س ( ‪ 275‬البقرة ( وقد اكدنا في كثير من أبحاثنا ودراستنا‬ ‫م ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫أن لغة القرآن مصطلحية ومتناهية الدقة ل مجاز أو مترادف أو‬
‫مشترك ‪ ،‬فدقة الستخدام اللهي لذات مفردات اللغة العربية كدقة‬
‫مواقع الحروف كمواقع النجوم ‪.‬‬

‫أما المطهرون الذين يمسون معاني القرآن المكنونة فهم من طهرهم‬


‫الله ) المطهرون ( وليسوا فقط المتطهرين من عند أنفسهم بالماء ‪،‬‬
‫وقد تم الربط عضويا ً بين مس القرآن ومكنونه وكرمه في سياق‬
‫واحد ليات الواقعة ‪.‬‬

‫لدى الروح القدس جبريل ) علم الكتاب ( لذلك كان وسيط الوحي‬
‫اللهي إلى خاتم الرسل والنبيين محمد عليه أفضل الصلة والسلم‬
‫أما من عنده ) اصل ( الكتاب ‪ ،‬أو ) أمه ( ‪ ،‬والم أصل الشيء فهو‬
‫ُ‬
‫م ال ْك َِتا ِ‬
‫ب‬ ‫عند َه ُ أ ّ‬ ‫شاء وَي ُث ْب ِ ُ‬
‫ت وَ ِ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫حو الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫م ُ‬
‫الله سبحانه وتعالى وحده )ي َ ْ‬
‫( )‪ 39‬الرعد ( فالكتاب هو السجل اللهي الكوني المطلق المحيط‬
‫بسرمدية الزمان والمكان وحركتهما مفصل ً ) المر ( اللهي المنزه ‪،‬‬
‫و ) الرادة ( اللهية المقدسة وما نحن فيه من مظاهر ) المشيئة (‬
‫اللهية المباركة ‪ .‬مادته القرآن ‪ ،‬وعلمه لدى الروح القدس المين ‪،‬‬
‫وأمه لدى الله سبحانه وتعالى ‪ ،‬وكل كتاب منزل ‪ ،‬وكل آية في‬
‫الظواهر أو الحركة هي من تفريعات الكتاب ‪.‬‬

‫محمد والكتاب ‪:‬‬


‫هنا يجب فهم الصلة بين خاتم الرسل والنبياء والكتاب ‪ ،‬فقد تنزل‬
‫القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم في الرض الحرام متلقيا ً له‬
‫من أرفع مقامات الوجود وهو مقام المر اللهي بما يتجاوز عالمي‬
‫من‬‫ن ِ‬ ‫قى ال ْ ُ‬
‫قْرآ َ‬ ‫ك ل َت ُل َ ّ‬
‫الرادة والمشيئة اللهيتين ‪ ،‬ولهذا نصت الية )وَإ ِن ّ َ‬
‫كيم ٍ ع َِليم ٍ ( ) ‪ 6‬النمل ( هذا التلقي اللدني يتيح للرسول‬ ‫ح ِ‬ ‫ل ّد ُ ْ‬
‫ن َ‬
‫القراءة الربانية الخالصة للقرآن ) اقرأ باسم ربك الذي خلق ( والتي‬

‫‪14‬‬
‫أطلقنا عليها القراءة الولى في سورة العلق ‪ .‬وبهذه القراءة‬
‫المحمدية الريانية الخالصة واللتزام بها تتوازى عصمة الرسول مع‬
‫عصمة القرآن ‪ ،‬وتندرج العصمتان في إطار واحد ‪ ،‬فعصمة القرآن‬
‫بنائيته كمواقع النجوم وعصمة محمد كمواقع النجوم أيضا ً ‪ ،‬فحين‬
‫ُ‬
‫ه‬
‫م( )‪ 75‬الواقعة( ومضى إلى )إ ِن ّ ُ‬ ‫جو ِ‬ ‫واقِِع الن ّ ُ‬ ‫م َ‬‫م بِ َ‬ ‫س ُ‬ ‫قال الله )فََل أقْ ِ‬
‫ن )‪ 78 – 77 ) (78‬الواقعة ( فإنه‬ ‫مك ُْنو ٍ‬ ‫ب ّ‬ ‫م )‪ِ (77‬في ك َِتا ٍ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ن كَ ِ‬ ‫قْرآ ٌ‬ ‫لَ ُ‬
‫ض ّ‬
‫ل‬ ‫ما َ‬ ‫وى )‪َ (1‬‬ ‫جم ِ إ َِذا هَ َ‬ ‫سحب الدللة ذاتها على عصمة محمد )َوالن ّ ْ‬
‫حى‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫ن هُوَ إ ِّل وَ ْ‬ ‫وى )‪(3‬إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬ ‫ما َينط ِقُ ع َ ِ‬ ‫وى )‪ (2‬وَ َ‬ ‫ما غ َ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫حب ُك ُ ْ‬ ‫صا ِ‬ ‫َ‬
‫)‪ 4– 1) (4‬النجم ( ثم أوضح الله سبحانه التواصل والتفاعل بين‬
‫الروح القدس جبريل الذي عنده علم الكتاب ومحمد الذي يتلقى‬
‫وى‬ ‫ست َ َ‬ ‫مّرةٍ َفا ْ‬ ‫وى )‪ُ (5‬ذو ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ديد ُ ال ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫القرآن من لدن حكيم عليم )ع َل ّ َ‬
‫كان َقاب قَوسين أوَ‬ ‫َ‬ ‫)‪ (6‬وَهُوَ ِباْل ُفُ‬
‫ْ َ ْ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫م د ََنا فَت َد َّلى )‪ (8‬فَ َ َ‬ ‫ق اْلع َْلى )‪ (7‬ث ُ ّ‬ ‫ِ‬
‫ما َرَأى )‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ؤاد ُ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما ك َذ َ َ‬ ‫حى )‪َ (10‬‬ ‫ما أوْ َ‬ ‫حى إ َِلى ع َب ْد ِهِ َ‬ ‫أد َْنى )‪ (9‬فَأوْ َ‬
‫عند َ‬ ‫خَرى )‪ِ (13‬‬ ‫ة أُ ْ‬ ‫قد ْ َرآه ُ ن َْزل َ ً‬ ‫ما ي ََرى )‪ (12‬وَل َ َ‬ ‫ه ع ََلى َ‬ ‫ماُرون َ ُ‬
‫َ‬
‫‪ (11‬أفَت ُ َ‬
‫ما‬‫سد َْرة َ َ‬ ‫شى ال ّ‬ ‫مأ َْوى )‪ (15‬إ ِذ ْ ي َغْ َ‬ ‫ة ال ْ َ‬ ‫جن ّ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫عند َ َ‬ ‫من ْت ََهى )‪ِ (14‬‬ ‫سد َْرةِ ال ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ما ط ََغى )‪ (17‬ل َ َ‬
‫ه‬
‫ت َرب ّ ِ‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫قد ْ َرأى ِ‬ ‫صُر وَ َ‬ ‫ما َزاغ َ ال ْب َ َ‬ ‫شى )‪َ (16‬‬ ‫ي َغْ َ‬
‫ال ْك ُب َْرى )‪ 18 – 5 ) (18‬النجم(‬
‫ليس ثمة رموز أو مبهمات فالعلقة هنا بين متلقي القرآن من لدن‬
‫الله سبحانه وهو محمد عليه الصلة والسلم وبين من عنده علم‬
‫الكتاب وهو الروح القدس المين جبريل عليه السلم قد أحاطت‬
‫بالكتاب الكوني كله ماعدا ) أمه ( عند الله سبحانه وتعالى ‪ .‬ولتعزيز‬
‫هذه الحاطة اشير إلى محمد هنا بالعبودية الخالصة لله ) فأوحى إلى‬
‫عبده ما أوحى ( وبما يتماثل مع العبودية الخالصة في السراء‬
‫َ‬
‫جد ِ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫حَرام ِ إ َِلى ال ْ َ‬ ‫جد ِ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫سَرى ب ِعَب ْد ِهِ ل َي ْل ً ّ‬ ‫ذي أ ْ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫) ُ‬
‫َ‬
‫صيُر( ) ‪1‬‬ ‫ميعُ الب َ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫ه هُوَ ال ّ‬ ‫ن آَيات َِنا إ ِن ّ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ه ل ِن ُرِي َ ُ‬ ‫حوْل َ ُ‬ ‫ذي َباَرك َْنا َ‬ ‫صى ال ّ ِ‬ ‫القْ َ‬
‫السراء ( وفي حال هذه العبودية الخالصة ل يشير الله سبحانه‬
‫للسماء كقوله تعالى في حال العبد الصالح الذي انتدب لتعليم‬
‫عند َِنا‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫م ً‬‫ح َ‬ ‫عَباد َِنا آت َي َْناه ُ َر ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫دا ّ‬ ‫دا ع َب ْ ً‬ ‫ج َ‬ ‫موسى عليهما السلم )فَوَ َ‬
‫ً‬
‫ما ( ) ‪ 65‬الكهف ( وكذلك عبدا صالحا آخر في‬ ‫ً‬ ‫عل ْ ً‬ ‫من ل ّد ُّنا ِ‬ ‫مَناه ُ ِ‬ ‫وَع َل ّ ْ‬
‫مجلس نبي الله سليمان والذي أتى بعرش الملكة اليمنية السبئية‬
‫ه‬
‫ك بِ ِ‬ ‫ب أ ََنا آِتي َ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫م ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬ ‫عند َه ُ ِ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ماجدة في طرفة عين )َقا َ‬
‫ك ( ) ‪ 40‬النمل ( هذان العبدان الصالحان‬ ‫ك ط َْرفُ َ‬ ‫ل َأن ي َْرت َد ّ إ ِل َي ْ َ‬ ‫قَب ْ َ‬
‫وغيرهما يندرجان في دائرة العلم ) من ( الكتاب وليس الكتاب كله‬
‫كما لدى جبريل ومحمد ويندرجان في دائرة عالم المر اللهي المنزه‬
‫ولهذا فعل ما فعل العبد الصالح في تجاربه الثلثة مع موسى ثم قال‬
‫صب ًْرا( ) ‪82‬‬ ‫طع ع ّل َي ْهِ َ‬ ‫س ِ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ك ت َأ ِْوي ُ‬ ‫ري ذ َل ِ َ‬ ‫م ِ‬
‫له )وما فَعل ْته ع َ َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ ُ‬ ‫َ َ‬
‫الكهف (‬

‫محمد وقوة السم أحمد‬

‫‪15‬‬
‫قد بشر السيد المسيح عليه السلم بمحمد مستخدما ً خصائص اسمه‬
‫شرا برسول يأ ِْتي من بعدي اسم َ‬
‫د( ) ‪ 6‬الصف (‬
‫م ُ‬
‫ح َ‬
‫هأ ْ‬‫ْ ُ ُ‬ ‫ِ َْ ِ‬ ‫مب َ ّ ً ِ َ ُ ٍ َ‬
‫) أحمد ( )وَ ُ‬
‫واسم أحمد هو السم الحامل لخصائص محمد الكونية المرتبطة‬
‫بعالم المر اللهي ‪ ،‬تماما ً كاسم المسيح في مقابل عيسى ‪،‬‬
‫فخصائص المسيح الكونية هي التي تجعله – بإذن الله ‪ -‬يحيي الموتى‬
‫ويبرئ الكمه والبرص ومعجزاته الخرى‬

‫أحمد بما يتجاوز الخصائص الكونية للمسيح وخصائص العباد الخرين‬


‫هو المرادف لجبريل في عالم المر اللهي ‪ ،‬ومن عالم المر اللهي‬
‫صُروه ُ َوات ّب َُعوا ْ‬
‫مُنوا ْ ب ِهِ وَع َّزُروه ُ وَن َ َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫ذاك نزل محمد نفسه ‪َ) ،‬فال ّ ِ‬
‫ن ( ) ‪ 157‬العراف ( فهنا‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه أ ُوَْلـئ ِ َ‬
‫معَ ُ‬ ‫الّنوَر ال ّذ ِيَ ُأنزِ َ‬
‫ل َ‬
‫معية تنزيلين من عالم المر اللهي ) الذي أنزل معه ( وضمن نفس‬
‫سياق البشارة اللهية بأحمد لموسى والسبعين نقيبا ً من بني إسرائيل‬
‫وبما يماثل بشارة السيد المسيح اللحقة لتلك البشارة الولى كما‬
‫سيأتي لحقًا‪.‬‬

‫لم يحيي أحمد الموتى كما فعل المسيح ‪ ،‬ولم يشق له الخندق في‬
‫واقعة الحزاب كما شق البحر لموسى ‪ ،‬ولم تكن له عصا كعصا‬
‫موسى يضرب بها الصخر فتنبجس منه اثنتا عشرة عينا ً ولم تنزل‬
‫مائدة من السماء ‪ ،‬وقد طالبه قومه بكل ذلك وكان رده بأمر إلهي‬
‫سول ً ( ) ‪ 93‬السراء ( ‪.‬‬ ‫ت إ َل ّ ب َ َ‬
‫شًرا ّر ُ‬ ‫ل ُ‬
‫كن ُ‬ ‫ن َرّبي هَ ْ‬
‫حا َ‬
‫سب ْ َ‬ ‫)ق ُ ْ‬
‫ل ُ‬

‫ظهر محمد لمته كبشر رسول دون خوارق معجزات )وََقاُلوا ْ َلن‬
‫من‬ ‫ة ّ‬ ‫جن ّ ٌ‬ ‫ك َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫كو َ‬ ‫عا )‪ (90‬أ َوْ ت َ ُ‬ ‫ض َينُبو ً‬ ‫ن ال َْر‬ ‫م َ‬ ‫جَر ل ََنا ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫حّتى ت َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ّؤ ْ ِ‬
‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ماء ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ط ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫س ِ‬ ‫جيًرا )‪ (91‬أوْ ت ُ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫خلل ََها ت َ ْ‬ ‫جَر الن َْهاَر ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ب فَت ُ َ‬ ‫عن َ ٍ‬ ‫ل وَ ِ‬ ‫خي ٍ‬ ‫نّ ِ‬
‫نل َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ملئ ِكةِ قَِبيل ً )‪ (92‬أوْ ي َكو َ‬ ‫ي ِباللهِ َوال َ‬ ‫فا أوْ ت َأت ِ َ‬ ‫س ً‬ ‫ت ع َلي َْنا ك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫َزع َ ْ‬
‫َ‬
‫حّتى ت ُن َّز َ‬
‫ل‬ ‫ك َ‬ ‫ن ل ُِرقِي ّ َ‬ ‫م َ‬‫ماء وََلن ن ّؤ ْ ِ‬ ‫س َ‬‫ف أوْ ت َْرَقى ِفي ال ّ‬ ‫خُر ٍ‬ ‫من ُز ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫ب َي ْ ٌ‬
‫سول ً )‪ (93‬وَ َ‬
‫ما‬ ‫شًرا ّر ُ‬ ‫ت إ َل ّ ب َ َ‬ ‫كن ُ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن َرّبي هَ ْ‬ ‫حا َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫ل ُ‬ ‫قَرؤ ُه ُ قُ ْ‬ ‫ع َل َي َْنا ك َِتاًبا ن ّ ْ‬
‫شًرا‬ ‫ه بَ َ‬ ‫ث الل ّ ُ‬ ‫دى إ ِل ّ َأن َقاُلوا ْ أ َب َعَ َ‬ ‫م ال ْهُ َ‬ ‫جاءهُ ُ‬ ‫مُنوا ْ إ ِذ ْ َ‬ ‫س أن ي ُؤ ْ ِ‬
‫َ‬
‫من َعَ الّنا َ‬ ‫َ‬
‫سول )‪ 94 – 90 ) (94‬السراء ( وحين اقتضى الوضع التدخل‬ ‫ً‬ ‫ّر ُ‬
‫اللهي لنصرته في يوم حنين فقد بعث الله سبحانه لمساندته ملئكة‬
‫ب ل َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫جا َ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬ ‫ست َِغيُثو َ‬ ‫تنزلوا من عالم المر اللهي نفسه )إ ِذ ْ ت َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫شَرى‬ ‫ه إ ِل ّ ب ُ ْ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫جعَل َ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ (9‬وَ َ‬ ‫مْرد ِِفي َ‬ ‫ملئ ِك َةِ ُ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ف ّ‬ ‫كم ب ِأل ْ ٍ‬ ‫مد ّ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫أّني ُ‬
‫م)‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫عند ِ الل ّهِ إ ِ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صُر إ ِل ّ ِ‬ ‫ما الن ّ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ن ب ِهِ قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫وَل ِت َط ْ َ‬
‫ل ع َل َي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ماء‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫من ال ّ‬ ‫كم ّ‬ ‫ه وَي ُن َّز ُ‬ ‫من ْ ُ‬‫ة ّ‬ ‫من َ ً‬‫سأ َ‬ ‫م الن َّعا َ‬ ‫شيك ُ ُ‬ ‫‪ (10‬إ ِذ ْ ي ُغَ ّ‬
‫ت‬‫م وَي ُث َب ّ َ‬ ‫ط ع ََلى قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن وَل ِي َْرب ِ َ‬ ‫طا ِ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫جَز ال ّ‬ ‫م رِ ْ‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫ب َ‬ ‫كم ب ِهِ وَي ُذ ْه ِ َ‬ ‫ل ّي ُط َهَّر ُ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫م فَث َب ُّتوا ْ ال ّ ِ‬ ‫معَك ُ ْ‬ ‫ملئ ِك َةِ أّني َ‬ ‫ك إ َِلى ال ْ َ‬ ‫حي َرب ّ َ‬ ‫م )‪ (11‬إ ِذ ْ ُيو ِ‬ ‫دا َ‬ ‫ب ِهِ ال َقْ َ‬
‫َ‬ ‫آمنوا ْ ُ‬
‫ق‬‫ضرُِبوا ْ فَوْقَ الع َْنا ِ‬ ‫ب َفا ْ‬ ‫فُروا ْ الّرع ْ َ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫قي ِفي قُُلو ِ‬ ‫سأل ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ‬
‫ن )‪ 12 – 9 ) (12‬النفال ( وهو تنزل غيبي لم‬ ‫ل ب ََنا ٍ‬ ‫مك ّ‬ ‫ُ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ضرُِبوا ِ‬ ‫ْ‬ ‫َوا ْ‬

‫‪16‬‬
‫ن ل َهُ ُ‬
‫م‬ ‫يشهده ويراه رؤية العين أحد من البشر ‪ ،‬ورآه إبليس )وَإ ِذ ْ َزي ّ َ‬
‫طا َ‬
‫م‬‫جاٌر ل ّك ُ ْ‬ ‫س وَإ ِّني َ‬ ‫ِ‬ ‫ن الّنا‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ب ل َك ُ ُ‬ ‫غال ِ َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ن أع ْ َ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م إ ِّني أَرى‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ريٌء ّ‬ ‫ل إ ِّني ب َ ِ‬ ‫قب َي ْهِ وََقا َ‬ ‫ص ع ََلى ع َ ِ‬ ‫ن ن َك َ َ‬ ‫فئ ََتا ِ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ما ت ََراء ِ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫ديد ُ ال ْعِ َ‬ ‫َ‬
‫ب ( ) ‪ 48‬النفال ( ‪.‬‬ ‫قا ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ّ ُ‬ ‫ف الل ّ َ‬ ‫خا ُ‬ ‫يأ َ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫ما ل َ ت ََروْ َ‬ ‫َ‬
‫كذلك فإن ضرب الملئكة لم يكن ضربا ً بشريا ً في الرقاب ‪ ،‬وإنما‬
‫فوق العناق حيث الدماغ نفسه ‪ ،‬وكذلك ليس بقطع اليدي وإنما‬
‫ضرب البنان والطراف من الصابع لشل حركتها ‪ ،‬فأولئك الجنود من‬
‫م الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫صَرك ُ ُ‬ ‫قد ْ ن َ َ‬ ‫عالم المر لم يرهم أحد وقد أرسلوا لنصرة محمد )ل َ َ‬
‫َ‬
‫شي ًْئا‬ ‫م َ‬ ‫عنك ُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ِ‬ ‫م ت ُغْ‬ ‫م فَل َ ْ‬ ‫م ك َث َْرت ُك ُ ْ‬ ‫جب َت ْك ُ ْ‬ ‫ن إ ِذ ْ أع ْ َ‬ ‫ٍ‬ ‫حن َي ْ‬ ‫م ُ‬ ‫ن ك َِثيَرةٍ وَي َوْ َ‬ ‫واط ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ِفي َ‬
‫هّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ل الل ُ‬ ‫م أَنز َ‬ ‫ن )‪ (25‬ث ُ ّ‬ ‫ري َ‬ ‫مد ْب ِ ِ‬ ‫م وَلي ُْتم ّ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫حب َ ْ‬ ‫ما َر ُ‬ ‫ض بِ َ‬ ‫م الْر ُ‬ ‫ت ع َلي ْك ُ ُ‬ ‫ضاقَ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ب‬‫ها َوعذ ّ َ‬ ‫م ت ََروْ َ‬ ‫جُنوًدا ل ّ ْ‬ ‫ل ُ‬ ‫ن وَأنَز َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫سول ِهِ وَع ََلى ال ْ ُ‬ ‫ه ع ََلى َر ُ‬ ‫كين َت َ ُ‬‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ن )‪ 26 – 25 ) (26‬التوبة ( ‪.‬‬ ‫ري َ‬ ‫َ‬
‫جَزاء الكافِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫فُروا وَذ َل ِك َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫انطلق أحمد لداء دوره الرسالي بصفته البشرية ) محمد ( وذلك في‬
‫الرض الحرام التي ترتبط بدورها بعالم المر اللهي ‪ ،‬وهي أعلى‬
‫مقاما ً من الرض المقدسة ‪ ،‬وحامل ً علم الكتاب ) القرآن ( وداعيا ً‬
‫ت‬ ‫ُ‬
‫مْر ُ‬ ‫ما أ ِ‬ ‫) للسلم ( وهذا مجمل ما أتت عليه نهاية سورة النمل )إ ِن ّ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫أَ َ‬
‫ن‬‫كو َ‬ ‫نأ ُ‬ ‫تأ ْ‬ ‫مْر ُ‬ ‫يٍء وَأ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه كُ ّ‬ ‫مَها وَل َ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب هَذ ِهِ ال ْب َل ْد َةِ ال ّ ِ‬ ‫ن أع ْب ُد َ َر ّ‬ ‫ْ‬
‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫دي ل ِن َ ْ‬ ‫ما ي َهْت َ ِ‬ ‫دى فَإ ِن ّ َ‬ ‫ن اهْت َ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ن أت ْلوَ ال ُ‬ ‫ن )‪ (91‬وَأ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ُ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬
‫م‬‫ريك ُ ْ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َ‬ ‫ح ْ‬‫ل ال ْ َ‬ ‫ن )‪ (92‬وَقُ ِ‬ ‫منذ ِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما أَنا ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫ض ّ‬ ‫من َ‬ ‫وَ َ‬
‫ن )‪93 – 91 ) (93‬‬ ‫ملو َ‬ ‫ُ‬ ‫ما ت َعْ َ‬ ‫ل عَ ّ‬ ‫ما َرب ّك ب َِغافِ ٍ‬ ‫َ‬ ‫آَيات ِهِ فَت َعْرُِفون ََها وَ َ‬
‫النمل(‬

‫خصائص أحمد وجبريل ‪:‬‬

‫جبريل مناط بقوة الروح وعلم الكتاب أما أحمد فمناط بعلم الكتاب‬
‫أيضا ً ولكن بالولية الكونية ‪ ،‬إذ آتاه الله السبع المثاني وعطف عليها‬
‫ايضا ً القرآن العظيم ‪.‬‬
‫فالسبع المثاني هي السبع سماوات والسبع أرضين وما بينهما أما‬
‫القرآن العظيم فهو المعادل الكتابي بشمول وحيه المطلق لهذه‬
‫ما إ ِل ّ‬ ‫َ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما ب َي ْن َهُ َ‬
‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫قَنا ال ّ‬ ‫ما َ‬ ‫المثانى الكونية وحركتها )وَ َ‬
‫و‬ ‫َ‬
‫ن َرب ّك هُ َ‬ ‫ل )‪ (85‬إ ِ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫ْ‬
‫ح ال َ‬ ‫ف َ‬
‫ص ْ‬
‫فِح ال ّ‬ ‫ة َفا ْ‬
‫ص َ‬ ‫ة لت ِي َ ٌ‬‫ساع َ َ‬
‫ن ال ّ‬ ‫حقّ وَإ ِ ّ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫م)‬ ‫ظي َ‬ ‫ن ال ْعَ ِ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫مَثاِني َوال ْ ُ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬‫سب ًْعا ّ‬
‫ك َ‬ ‫قد ْ آت َي َْنا َ‬‫م )‪ (86‬وَل َ َ‬ ‫خل ّقُ ال ْعَِلي ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫‪ 87– 85 ) (87‬الحجر (‬

‫العلم المحمدي والتوريث ‪:‬‬


‫مع إحاطة محمد بعلم الكتاب في إطار خصائص ومقومات اسمه‬
‫الحامل ) أحمد ( ومن بعد تنزيل روحه من عالم المر اللهي إلى‬
‫الرض ليحمل الصفة البشرية ) محمد ( فإن دوره البشري الرسالي‬
‫قد قيد وحصر بوحي ) من ( الكتاب خاص بمحتويات مرحلته التي‬

‫‪17‬‬
‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ذي أوْ َ‬ ‫خبر الله سبحانه تفاصيلها وأبعادها فأبصر كلياتها )َوال ّ ِ‬
‫خِبيٌر‬‫ه ب ِعَِباد ِهِ ل َ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ إ ِ ّ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫حق ّ ُ‬ ‫ب هُوَ ال ْ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ِ‬
‫صيٌر ( )‪ 31‬فاطر ( فعلم الرسالة المحمدية من الكتاب هو علم‬ ‫بَ ِ‬
‫) حاضرها ( ) مصدقا لما بين يديه ( فمع إحاطة محمد بعلم الكتاب‬ ‫ً‬
‫المطلق إل أنه قد تطابق مع وحي نسبي محدود بمرحلته وبشرية‬
‫رسالته حتى أنه حين طغى عليه علمه الكتابي المطلق فصدر عنه‬
‫لحدى زوجاته بعضا ً منه وباحت بما أسر إليها تنزلت آية قاطعة‬
‫ديًثا‬ ‫َ‬ ‫سّر الن ّب ِ ّ َ‬ ‫َ‬
‫ح ِ‬ ‫جهِ َ‬ ‫ض أْزَوا ِ‬ ‫ي إ ِلى َب َعْ ِ‬ ‫وصارمة حول هذا الحدث )وَإ ِذ ْ أ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ض فَل َ ّ‬
‫ما‬ ‫عن ب َعْ ٍ‬ ‫ض َ‬ ‫ه وَأع َْر َ‬ ‫ض ُ‬
‫ف ب َعْ َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ ع َّر َ‬ ‫ت ب ِهِ وَأظ ْهََره ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ن َب ّأ ْ‬ ‫فَل َ ّ‬
‫خِبيُر )‪ِ (3‬إن ت َُتوَبا إ َِلى‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن َأنب َأ َ‬ ‫َ‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ي ال ْعَِلي ُ‬ ‫ل ن َب ّأن ِ َ‬ ‫ذا َقا َ‬ ‫ك هَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت َ‬ ‫ها ب ِهِ َقال َ ْ‬ ‫ن َب ّأ َ‬
‫ري ُ‬
‫ل‬ ‫جب ْ ِ‬ ‫موَْله ُ وَ ِ‬ ‫ه هُوَ َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ظاهََرا ع َل َي ْهِ فَإ ِ ّ‬ ‫ما وَِإن ت َ َ‬ ‫ت قُُلوب ُك ُ َ‬ ‫صغَ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫الل ّهِ فَ َ‬
‫ن‬‫قك ُ ّ‬ ‫ه ِإن ط َل ّ َ‬ ‫سى َرب ّ ُ‬ ‫ك ظ َِهيٌر )‪ (4‬ع َ َ‬ ‫ة ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫ن َوال ْ َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ح ال ْ ُ‬ ‫صال ِ ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫دا ٍ‬ ‫عاب ِ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ت َتائ َِبا ٍ‬ ‫ت َقان َِتا ٍ‬ ‫مَنا ٍ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫ت ّ‬ ‫ما ٍ‬ ‫سل ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫منك ُ ّ‬ ‫خي ًْرا ّ‬ ‫جا َ‬ ‫ه أْزَوا ً‬ ‫أن ي ُب ْد ِل َ ُ‬
‫كاًرا )‪ 5– 3 ) (5‬التحريم (‬ ‫ت وَأ َب ْ َ‬ ‫ت ث َي َّبا ٍ‬ ‫حا ٍ‬ ‫سائ ِ َ‬ ‫َ‬
‫لو طرح النبي الخاتم علمه الكتابي لما كنا في حاجة لجتهاد وتجديد‬
‫غير أن اقتصار الوحي من الكتاب على حاضر ما بين يديه لم يمنع‬
‫التواصل ولهذا كفل الله سبحانه التواصل لمن حدد خصائصهم بالورثة‬
‫صط َ َ‬ ‫التاليين لمحمد والمتتابعين )ث ُ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫في َْنا ِ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫م أوَْرث َْنا ال ْك َِتا َ‬ ‫ّ‬
‫ن‬ ‫ْ‬
‫ت ب ِإ ِذ ِ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫ْ‬
‫ساب ِقٌ ِبال َ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫صد ٌ و َ ِ‬ ‫قت َ ِ‬‫م ْ‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫سهِ وَ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫م ل ّن َ ْ‬ ‫ظال ِ ٌ‬ ‫م َ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫عَباد َِنا فَ ِ‬ ‫ِ‬
‫ل الكِبيُر ( ) ‪ 32‬فاطر (‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫اللهِ ذ َل ِك هُوَ ال َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫فالظالم لنفسه يلج دروب الرهبنة والتقشف ‪ ،‬والسابق بالخيرات‬
‫مقيد في أسبقيته بعالم المر اللهي حيث ) الذن ( اللهي وما بينهما‬
‫حل ّوْ َ‬
‫ن‬ ‫خُلون ََها ي ُ َ‬ ‫ن ي َد ْ ُ‬ ‫ت ع َد ْ ٍ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫مقتصد بين ذاك وهذا ‪ .‬وكلهم جميعا ً ) َ‬
‫ريٌر )‪ (33‬وََقاُلوا‬ ‫ب وَل ُؤ ْل ُ ً‬ ‫فيها م َ‬
‫ح ِ‬ ‫م ِفيَها َ‬ ‫سهُ ْ‬‫ؤا وَل َِبا ُ‬ ‫من ذ َهَ ٍ‬ ‫ساوَِر ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫ِ َ ِ ْ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ذي‬ ‫شكوٌر )‪ (34‬ال ِ‬ ‫ُ‬ ‫فوٌر َ‬ ‫ن َرب َّنا لغَ ُ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫حَز َ‬ ‫ب ع َّنا ال َ‬ ‫ذي أذ ْهَ َ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ ال ِ‬ ‫ح ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ب‬‫سَنا ِفيَها ل ُُغو ٌ‬ ‫م ّ‬ ‫ب وََل ي َ َ‬ ‫ص ٌ‬ ‫سَنا ِفيَها ن َ َ‬ ‫م ّ‬ ‫ضل ِهِ َل ي َ َ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫مةِ ِ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫حل َّنا َداَر ال ْ ُ‬ ‫أ َ‬
‫)‪ 35 – 33 ) (35‬فاطر (‬
‫هؤلء حياتهم في الدنيا تتسم بالحزن والنصب واللغوب والعناء‬
‫فمهمتهم بين البشر صعبة ومعقدة وقل أن يستجاب لهم ثم يعوضون‬
‫في دار المقام السرمديه بفضل من الله ‪ .‬هؤلء اصطفاؤهم من الله‬
‫) الذين اصطفينا من عبادنا ( وليس لمتعلقات بذواتهم أو لنسبهم أو‬
‫لمكانتهم ‪ ،‬وهم ) ورثة ( يستمدون علمهم من الكتاب تبعا ً لحاضرهم‬
‫بين أيديهم ضمن متغيرات الزمان والمكان وتجددهما ‪ ،‬فهم ليسوا‬
‫بأنبياء فقد ختمت النبوة والرسالة ‪ .‬ول يوحى إليهم من الله ولكن‬
‫يمنحون من وحي الكتاب في إطار القراءة الولى الربانية التي اشرنا‬
‫خل َقَ ( ‪ .‬فليس‬ ‫ْ‬
‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫سم ِ َرب ّ َ‬ ‫إليها في سورة العلق آية ‪) 1‬اقَْرأ ِبا ْ‬
‫هناك نبوة أو رسالة ثانية من بعد خاتم الرسل والنبيين وإنما عبور‬
‫إلى ما يخصص من الكتاب في كل مرحلة من منطق التوريث ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫بين التوريث والجتهاد ‪:‬‬
‫يطلب الناس الجتهاد تبعا ً لمتغيرات زمانهم ومكانهم وما يستجد إما‬
‫اجتهادا ً لتصحيح المفاهيم الدينية التي تكون قد شابتها نوائب الدهر‬
‫بوضع البشر أو الدس على أصولها ‪ .‬أو اجتهادا ً لستنباط أحكام أمام‬
‫إشكاليات تكون قد استجدت على السلم والمسلمين ‪.‬‬

‫هنا يأتي دور الورثة الذين يصطفيهم الله تحديدا ً فل يكون عبورهم‬
‫إلى وحي الكتاب مرتبطا ً فقطد بمداخل موضوعية مستمدة من‬
‫العقلنية البشرية ومناهجها المعرفية المختلفة وإن كان لهم أن‬
‫يستخدموها تبعا ً لقدرات العقل والواقع المعرفي النساني ‪.‬‬

‫فاجتهاد الورثة هو ) تلقي رباني ( من وحي الكتاب المناط بهم‬


‫وبمرحلتهم وبالذات في مجال ) المتشابه ( من اليات القرآنية‬
‫ن‬ ‫) ومثانيها ( فيما يختص التشريع ومنهجية الكتاب )الل ّه نز َ َ‬
‫س َ‬ ‫ح َ‬ ‫لأ ْ‬ ‫ُ َّ‬
‫م ثُ ّ‬
‫م‬ ‫ن َرب ّهُ ْ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫جُلود ُ ال ّ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫شعِّر ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ي تَ ْ‬ ‫مَثان ِ َ‬‫شاب ًِها ّ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ث ك َِتاًبا ّ‬ ‫دي ِ‬ ‫ح ِ‬‫ال ْ َ‬
‫شاء‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دي ب ِهِ َ‬ ‫دى الل ّهِ ي َهْ ِ‬ ‫ك هُ َ‬ ‫م إ َِلى ذ ِك ْرِ الل ّهِ ذ َل ِ َ‬ ‫م وَقُُلوب ُهُ ْ‬ ‫جُلود ُهُ ْ‬ ‫ن ُ‬ ‫ت َِلي ُ‬
‫َ‬
‫هاد ٍ ( ) ‪ 23‬الزمر ( وكذلك )هُوَ ال ّذ ِيَ أنَز َ‬
‫ل‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ما ل َ ُ‬ ‫ه فَ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ضل ِ ْ‬‫من ي ُ ْ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ت فَأ ّ‬
‫ما‬ ‫شاب َِها ٌ‬ ‫مت َ َ‬
‫خُر ُ‬ ‫ب وَأ َ‬ ‫م الك َِتا ِ‬ ‫نأ ّ‬ ‫ت هُ ّ‬ ‫ما ٌ‬ ‫حك َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫ه آَيا ٌ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ب ِ‬ ‫ك الك َِتا َ‬ ‫ع َلي ْ َ‬
‫فت ْن َةِ َواب ْت َِغاء‬‫ه اب ْت َِغاء ال ْ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاب َ َ‬ ‫ما ت َ َ‬‫ن َ‬ ‫م َزي ْغٌ فَي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ن في قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه‬
‫مّنا ب ِ ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن ِفي ال ْعِل ْم ِ ي َ ُ‬ ‫خو َ‬ ‫س ُ‬‫ه َوالّرا ِ‬ ‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫م ت َأِويل َ ُ‬ ‫ما ي َعْل َ ُ‬ ‫ت َأِويل ِهِ وَ َ‬
‫ُ‬
‫ب ( ) ‪ 7‬آل عمران (‬ ‫ما ي َذ ّك ُّر إ ِل ّ أوُْلوا ْ الل َْبا ِ‬ ‫عند ِ َرب َّنا وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫كُ ّ‬

‫فالورثة يفضون إشكالية المتشابه سواء أكان في ) النسخ ( أو‬


‫) التشريع ( ويفضون إشكالية المبهم أو الغامض أو الرمزي متى ما‬
‫تطلب وقتهم وحاضرهم بين أيديهم فض هذه الشكاليات‬
‫والمتشابهات والرمزيات ‪ ،‬بوهب من الله وليس تبعا ً لليات عقلية‬
‫موضوعية مجردة ‪.‬‬

‫فالجتهاد في النص اللهي بالغ المسئولية واللتزام العبودي‬


‫والمعرفي وكل خطا ً يأتيه الوارث بما يضل الناس عن حقائق دينهم‬
‫بدواعي ذاتية أو غروره أو مظان مرتبته أو سموها إنما ينقلب عليه‬
‫سل َ َ‬ ‫َ‬
‫من َْها‬
‫خ ِ‬ ‫م ن َب َأ ال ّذ ِيَ آت َي َْناه ُ آَيات َِنا َفان َ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫في الدنيا قبل الخرة )َوات ْ ُ‬
‫شئ َْنا ل ََرفَعَْناه ُ ب َِها‬ ‫َ‬
‫ن )‪ (175‬وَل َوْ ِ‬ ‫ن ال َْغاِوي َ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫فَأت ْب َعَ ُ‬
‫ل ع َل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫م ْ‬ ‫ح ِ‬‫ب ِإن ت َ ْ‬ ‫ل ال ْك َل ْ ِ‬
‫مث َ ِ‬ ‫مث َل ُ ُ‬
‫ه كَ َ‬ ‫واه ُ فَ َ‬ ‫ض َوات ّب َعَ هَ َ‬
‫َ‬ ‫ه أَ ْ َ َ‬ ‫وََلـك ِن ّ ُ‬
‫خلد َ إ ِلى الْر ِ‬ ‫يل ْه ْ َ‬
‫ص‬
‫ص ِ‬ ‫ن ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا َفاقْ ُ‬ ‫ذي َ‬‫قوْم ِ ال ّ ِ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫مث َ ُ‬‫ك َ‬ ‫ه ي َل َْهث ذ ّل ِ َ‬ ‫ث أوْ ت َت ُْرك ْ ُ‬ ‫َ َ‬
‫ن )‪.(176‬‬ ‫فكُرو َ‬ ‫ّ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ّ‬
‫ص لعَلهُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ص َ‬ ‫ق َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فالرث مسئولية تتعلق بعلم الكتاب والنظر فيه ‪ ،‬وليس فيه من‬
‫أخطأ فله أجر ومن اصاب فله أجران ‪ ،‬إذ ربما ينطبق ذلك على‬

‫‪19‬‬
‫المجتهدين بآليات عقلية موضوعية من مناهج البشر أما الوارث‬
‫فيعتمد على التلقي عبر العبودية ‪.‬‬
‫القراءة الثانية ‪:‬‬
‫قد بسطنا قوة القراءة الولى باسم الله خالقا ‪ ،‬وهي قراءة الورثة‬ ‫ً‬
‫المصطفون ‪ ،‬ولكن بجانبها وليس بمحاذاتها قراءة أولى اللباب الذين‬
‫ينظرون في الخلق اللهي وحركته وغاياته الفلسفية والذين أشرنا‬
‫ض‬ ‫َ‬ ‫ن ِفي َ ْ‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬ ‫إليهم في مبتدأ هذه الدراسة )إ ِ ّ‬
‫ف الل ّي ْل والن ّهار لَيا ٍ ُ‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ه‬ ‫ن ي َذ ْك ُُرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب )‪ (190‬ال ّ ِ‬ ‫ت ّلوِْلي الل َْبا ِ‬ ‫ِ َ َ ِ‬ ‫خت ِل َ ِ‬ ‫َوا ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ض‬
‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ق ال ّ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن ِفي َ‬ ‫فكُرو َ‬ ‫م وَي َت َ َ‬ ‫جُنوب ِهِ ْ‬ ‫ى ُ‬ ‫ما وَقُُعوًدا وَع َل َ‬ ‫قَِيا ً‬
‫ب الّنارِ )‪(191‬‬ ‫ذا َ‬ ‫قَنا ع َ َ‬ ‫ك فَ ِ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬ ‫هذا َباط ِل ً ُ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫َ‬
‫خل ْ‬ ‫ما َ‬ ‫َرب َّنا َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ذي ع َل ّ َ‬
‫م‬ ‫م )‪ (3‬ال ّ ِ‬ ‫ك اْلك َْر ُ‬ ‫هؤلء يقرأون عبر القلم الموضوعي )اقَْرأ وََرب ّ َ‬
‫م )‪) (5‬العلق ( هذه قراءة‬ ‫م ي َعْل َ ْ‬ ‫ما ل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫ما ِْ‬ ‫قل َم ِ )‪ (4‬ع َل ّ َ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫موضوعية وعلمية يؤخذ فيها بكافة مناهج الستدلل العقلي‬
‫والستقراء العلمي بكيفية ما يتيحه التطور العلمي البشري ‪ ،‬وتتصل‬
‫هذه القراءة الثانية بمنحى أساسي وهو تجاوزها للنهج الوضعي‬
‫المحدود في التفكيك والتحليل إلى منهج كوني في النظر ‪ ،‬فتميز في‬
‫الخلق والحركة الكونية بين قانونين ‪:‬‬
‫القانون الول وهو قانون الخلق والتكوين اللهي للكون وبما يتجاوز‬
‫معادلت المنطق البشري الوضعي في كون ل متناه في الصغر ول‬
‫ن‬ ‫َ‬
‫متناه في الكبر ول متناه في الظواهر المتعددة والمتنوعة ) ألم ت ََر أ ّ‬
‫ختل ِ ً َ‬ ‫َ‬ ‫ه َأنَز َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫وان َُها وَ ِ‬ ‫فا أل ْ َ‬ ‫م ْ َ‬ ‫ت ّ‬ ‫مَرا ٍ‬ ‫جَنا ب ِهِ ث َ َ‬ ‫خَر ْ‬ ‫ماء فَأ ْ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ل ِ‬ ‫الل ّ َ‬
‫ختل ِ ٌ َ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫سود ٌ )‪ (27‬وَ ِ‬ ‫ب ُ‬ ‫وان َُها وَغ ََراِبي ُ‬ ‫ف أل ْ َ‬ ‫م ْ َ‬ ‫مٌر ّ‬ ‫ح ْ‬ ‫ض وَ ُ‬ ‫جد َد ٌ ِبي ٌ‬ ‫ل ُ‬ ‫جَبا ِ‬ ‫ال ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ك إ ِن ّ َ‬ ‫ه ك َذ َل ِ َ‬ ‫وان ُ ُ‬ ‫ف أل ْ َ‬ ‫خت َل ِ ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ب َواْلن َْعام ِ ُ‬ ‫س َوالد َّوا ّ‬ ‫الّنا ِ‬
‫فوٌر )‪ ) (28‬فاطر ( ‪.‬‬ ‫زيٌز غ َ ُ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ماء إ ِ ّ‬ ‫عَباد ِهِ ال ْعُل َ َ‬ ‫ِ‬
‫فهذا التخليق الكوني اللهي ل يخضع لجبريات المعادلت المادية‬
‫ن هَ َ‬
‫ذا‬ ‫حَرا ِ‬ ‫وي ال ْب َ ْ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫وإنما يتجاوزها في سورة فاطر نفسها )وَ َ‬
‫ما ط َرِّيا‬ ‫ْ‬ ‫ذا مل ْ ُ‬
‫ح ً‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ل ت َأك ُُلو َ‬ ‫من ك ُ ّ‬ ‫ج وَ ِ‬ ‫جا ٌ‬ ‫حأ َ‬ ‫ه وَهَ َ ِ ٌ‬ ‫شَراب ُ ُ‬ ‫سائ ِغٌ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ب فَُرا ٌ‬ ‫ع َذ ْ ٌ‬
‫ه‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫خَر ل ِت َب ْت َُغوا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِفيهِ َ‬ ‫فل ْ َ‬ ‫سون ََها وَت ََرى ال ْ ُ‬ ‫ة ت َل ْب َ ُ‬ ‫حل ْي َ ً‬ ‫ن ِ‬ ‫جو َ‬ ‫خر ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫وَت َ ْ‬
‫ن ( ) ‪ 12‬فاطر ( فمن مادتين مختلفتين من بحرين‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫وَل َعَلك ُ ْ‬
‫ّ‬
‫مختلفين يكون الناتج واحدا ً ) لحما ً طريا ً ( ويكون الناتج الخر مختلفا ً‬
‫جامدا ً وليس طريا ً ) حلية تلبسونها (‬
‫وكذلك التجاوز للقوانين العلمية المادية في سورة الرعد )وَِفي‬
‫ن وَغ َي ُْر‬ ‫خي ٌ‬ ‫ال َرض قط َع متجاورات وجنات م َ‬
‫وا ٌ‬ ‫صن ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ب وََزْرع ٌ وَن َ ِ‬ ‫ن أع َْنا ٍ‬ ‫ْ ِ ِ ٌ ّ َ َ َِ ٌ َ َ ّ ٌ ّ ْ‬
‫ن ِفي‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ض ُ‬
‫ض ِفي الك ِ‬ ‫ضَها ع َلى ب َعْ ٍ‬ ‫ل ب َعْ َ‬ ‫ف ّ‬ ‫حد ٍ وَن ُ َ‬ ‫ماء َوا ِ‬ ‫قى ب ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫وا ٍ‬ ‫صن ْ َ‬ ‫ِ‬
‫ن ( ) ‪ 4‬الرعد ( فهنا التراب من خصائص‬ ‫قُلو َ‬ ‫قوْم ٍ ي َعْ ِ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫ك َلَيا ٍ‬ ‫ذ َل ِ َ‬
‫واحدة ) قطع متجاورات ( وماء من خصائص واحدة ) يسقى بماء‬
‫واحد ( والناتج ل متناه في التعدد والتنوع ‪.‬‬
‫هؤلء العلماء من أولي اللباب يكتشفون البداع اللهي في التخليق‬
‫الكوني لبعد من قدرات المعادلت العلمية المادية فتنتابهم الخشية‬

‫‪20‬‬
‫من الله فيعرج بعضهم إلى القراءة الربانية الولى بما كتب الله لهم‬
‫من فضله ‪.‬‬
‫والقانون الثاني وهو الذي يبدأ به كل الناس أيا ً كانت مراتب‬
‫تخصصاتهم العلمية وهو ) قانون التشيؤ ( الذي يتمظهر بالسببية‬
‫والشروط العلمية ويخضع للتجريب والتطبيق من صهر الحديد وإلى‬
‫النطلقة بقوة الطاقة الفيزيائية إلى الفضاء ‪ .‬قانون التشيؤ هذا‬
‫يمكن أن يضعف الثر اللهي في عقل النسان حيث يرى كل إنجاز‬
‫ممكن وفقا ً للسببية وحتى دون أن يدعو الله ‪ .‬وخطورة هذه النظرة‬
‫فوق أنها قاصرة عن رؤية البعد اللهي في التخليق اللمتناهي فإنها‬
‫تولد استبداد النسان بقدراته العلمية فيزهو ليستغني عن الله‬
‫سبحانه فيطغى بمنطق ثنائية العلقة بين النسان والطبيعة وبمعزل‬
‫عن البعد الثالث وهو البعد الغيبي اللهي وهنا تستمر سورة العلق‬
‫ن إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫جَعى‬ ‫ك الّر ْ‬ ‫ست َغَْنى )‪ (7‬إ ِ ّ‬ ‫ن ل َي َط َْغى )‪ (6‬أن ّرآه ُ ا ْ‬ ‫سا َ‬ ‫لن َ‬ ‫ناِْ‬ ‫)ك َّل إ ِ ّ‬
‫)‪ 8-6 ) ( (8‬العلق ( ولكن مهما كان الطغيان واستبداد الحضارات‬
‫العلمية رجوعا ً إلى قواتين التشيؤ العلمي فإن على ربك الرجعى‬
‫فُروا ْ‬‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬‫مث َ ُ‬ ‫ليس في الخرة ولكن في الحياة الدنيا نفسها ) ّ‬
‫ب ر به َ‬
‫ما‬
‫م ّ‬‫ن ِ‬ ‫قد ُِرو َ‬ ‫ف ل ّيَ ْ‬ ‫ص ٍ‬‫عا ِ‬ ‫ح ِفي ي َوْم ٍ َ‬ ‫ت ب ِهِ الّري ُ‬ ‫ماد ٍ ا ْ‬
‫شت َد ّ ْ‬ ‫م ك ََر َ‬ ‫مال ُهُ ْ‬
‫م أع ْ َ‬ ‫َِ ِّ ْ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ق‬
‫خل َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م ت ََر أ ّ‬ ‫ل الب َِعيد ُ )‪ (18‬أل ْ‬ ‫ضل َ ُ‬ ‫ك هُوَ ال ّ‬ ‫يٍء ذ َل ِ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫سُبوا ع َلى َ‬ ‫كَ َ‬
‫ت بِ َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ض ِباْلحقّ ِإن ي َ َ‬ ‫َ‬
‫ما‬‫ديد ٍ )‪ (19‬وَ َ‬ ‫ج ِ‬‫ق َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫شأ ي ُذ ْه ِب ْك ُ ْ‬
‫م وَي َأ ِ‬ ‫ت َوالْر َ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫زيزٍ )‪ 20– 18 ) (20‬إبراهيم ( فالركون إلى الرض‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ذ َل ِك ع َلى اللهِ ب ِعَ ِ‬ ‫َ‬
‫والخلد لقوانين التشيؤ التي جعلها الله رحمة للناس لنشاء حضارات‬
‫دون النظر في قوانين الخلق والربط بين القراءة الربانية الولى‬
‫والقراءة العلمية الثانية لبصار منهج الحق الذي خلق الله به الخلق‬
‫يؤدي إلى دمار النسانية وللحروب من العالمية الولى وإلى الثانية‬
‫وللظلم الجتماعي والقتصادي والسياسي وصراع الطبقات وتنابذ‬
‫العصبيات وتفكك المجتمع النساني ‪.‬‬
‫فالجمع بين القرائتين كما أشرنا منذ عام ‪ 1979‬ضرورة من أجل‬
‫النسانية وفتح لباب الجتهاد في الفكر الديني بمنطق العقلنية‬
‫البشرية جنبا ً إلى جنب مع منطق الورثة الربانيين ‪.‬‬

‫فالقرآن – كما أكدنا دائما ً – كتاب كوني محيط ‪ ،‬وما يصدر عنه فيه‬
‫كثير من التجاوز للعقلنة الفلسفية النسانية مهما بلغ إبداعها ‪ ،‬ليس‬
‫لن علم النسان قاصر ‪ ،‬فالية المستدل بها خطأ على ذلك وهي‬
‫) وما أوتيتم من العلم إل قليل ( إنما يرتبط بعلم محدد يتجاوز البيئة‬
‫الكونية للنسان وما فيها من ظواهر وهو ) علم الروح( التي تصدر‬
‫ن‬
‫م ْ‬‫ح ِ‬ ‫ن الّروِح قُ ِ‬
‫ل الّرو ُ‬ ‫سأ َُلون َ َ‬
‫ك عَ ِ‬ ‫عن مقام المر اللهي المنزه )وَي َ ْ‬
‫من ال ْعِل ْم ِ إ ِل ّ قَِليل ً ( ) ‪ 85‬السراء ( ‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما أوِتيُتم ّ‬
‫مرِ َرّبي وَ َ‬
‫أ ْ‬

‫‪21‬‬
‫غير أن الله بكرمه ل يقلص حدود إجابته دون وعي النسان ‪ ،‬أو‬
‫يحجب عنه سرا ً ‪ ،‬ولذلك أجاب في الية التالية للسؤال عن الروح‬
‫جد ُ ل َ َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ك ب ِهِ‬ ‫م ل َتَ ِ‬
‫ك ثُ ّ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬
‫ذي أوْ َ‬ ‫شئ َْنا ل َن َذ ْهَب َ ّ‬
‫فقال سبحانه )وَل َِئن ِ‬
‫ل( ) ‪ 86‬السراء (‪.‬‬ ‫ع َل َي َْنا وَ ِ‬
‫كي ً‬

‫فالشارة اللهية هنا إلى الروح كقناة اتصال بالمل العلى وبالوحي ‪،‬‬
‫فالنفس المكونة من جدلية الظواهر الكونية الفلكية الطبيعية ‪،‬‬
‫ها )‪(2‬‬‫مرِ إ َِذا ت ََل َ‬ ‫ق َ‬‫ها )‪َ (1‬وال ْ َ‬ ‫حا َ‬‫ض َ‬ ‫س وَ ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ش ْ‬‫وبعلقة تفاعل جدلي بين )َوال ّ‬
‫ها )‪(5‬‬ ‫ما ب ََنا َ‬ ‫ماء وَ َ‬ ‫س َ‬
‫ها )‪َ (4‬وال ّ‬ ‫ل إ َِذا ي َغْ َ‬
‫شا َ‬ ‫ها )‪َ (3‬والل ّي ْ ِ‬ ‫جّل َ‬
‫َوالن َّهارِ إ َِذا َ‬
‫ها)‪ (7‬هذه النفس الكونية‬ ‫وا َ‬ ‫َ‬ ‫َْ‬
‫س ّ‬ ‫ما َ‬‫س وَ َ‬‫ف ٍ‬ ‫ها )‪ (6‬وَن َ ْ‬ ‫حا َ‬‫ما ط َ‬ ‫ض وَ َ‬‫َوالْر ِ‬
‫الطبيعية التكوين ل تكون قناة للوحي لنها قابلة للنقسام على ذاتها‬
‫بحكم تكوينها من جدليات ثنائية كونية متقابلة ومتفاعلة ‪ ،‬وغلبة‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫من‬ ‫ح َ‬ ‫ها )‪ (8‬قَد ْ أفْل َ َ‬ ‫وا َ‬‫ق َ‬‫ها وَت َ ْ‬ ‫مَها فُ ُ‬
‫جوَر َ‬ ‫الختيار الذاتي عليها )ا فَأل ْهَ َ‬
‫ها )‪ ) (10‬الشمس (‬ ‫سا َ‬ ‫من د َ ّ‬ ‫ب َ‬
‫خا َ‬‫ها )‪ (9‬وَقَد ْ َ‬ ‫كا َ‬ ‫َز ّ‬

‫أما الروح فهي من عالم المر اللهي المتعالي على الكون الطبيعي ‪،‬‬
‫ملئ ِك َ َ‬
‫ة‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫تتنزل بها الملئكة أمرا ً من الله إلى بشر مصطفين )ي ُن َّز ُ‬
‫ه إ ِل ّ أ َن َا ْ‬
‫ه ل َ إ َِلـ َ‬
‫َ‬ ‫عباده أ َ َ‬
‫ن أنذ ُِروا ْ أن ّ ُ‬
‫ن ِ َ ِ ِ ْ‬
‫م ْ‬
‫شاء ِ‬ ‫مرِهِ ع ََلى َ‬
‫من ي َ َ‬ ‫بال ْروح م َ‬
‫نأ ْ‬‫ِ ّ ِ ِ ْ‬
‫ن ( ) ‪ 2‬النحل ( فهنا تبعيض لمن تتنزل عليه الروح من بين‬ ‫َفات ّ ُ‬
‫قو ِ‬
‫البشر وليس كل البشر ) وعلى من يشاء من عباده ) ‪ ،‬فالروح ل‬
‫علقة لها بحياة النسان وموته وإنما ) النفس ( ولم يشر الله سبحانه‬
‫إلى الروح نهائيا ً كمصدر لطاقة الحياة وإنما للنفس ‪.‬‬

‫لذلك نجد أن الله سبحانه حين أجاب على سؤال الروح في الية التي‬
‫جد ُ ل َ َ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ك بِ ِ‬ ‫م ل َتَ ِ‬
‫ك ثُ ّ‬ ‫ن ِبال ّ ِ‬
‫ذي أوْ َ‬ ‫شئ َْنا ل َن َذ ْهَب َ ّ‬
‫تلت السؤال )وَل َِئن ِ‬
‫كيل ً ( ‪ 86‬السراء ( ذكر لمحمد أنه قادر على أن يذهب‬ ‫ع َل َي َْنا وَ ِ‬
‫بذاكرة الوحي لديه مدى سلبه الروح ‪ ،‬ثم ل يجد النبي في نفسه ما‬
‫يتذكره من الوحي الموكل إليه من الله وذلك حين يصبح نفسا ً فقط ‪.‬‬

‫إذن علم النسان واسع تبعا ً لقدراته العقلية الكونية ونزوعه المطلق‬
‫اللمتناهي للمعرفة تبعا ً لتكوينه الكوني هو نفسه فيما تشير إليه‬
‫سورة الشمس ‪ .‬غير أن علم الكتاب ومداخل القرآن بما فيها من‬
‫محكم ومتشابه ونسخ هي أمور ل تؤخذ فقط بالقدرات العقلنية مهما‬
‫كانت سعتها إذ تحتاج للتوريث الذي فصلناه ولتجليات القراءة الربانية‬
‫الكونية الولى في مقدمة سورة العلق ‪.‬‬

‫بداية الجتهاد ‪:‬‬

‫‪22‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫بحصيلة كل ذلك ول أزكي نفسي على الله ول عليكم ‪) ،‬أي َّها ال ّ ِ‬
‫ن فَإ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شي ْ َ‬
‫طا ِ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬ ‫من ي َت ّب ِعْ ُ‬ ‫ن وَ َ‬‫طا ِ‬‫شي ْ َ‬‫ت ال ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫خط ُ َ‬ ‫مُنوا َل ت َت ّب ُِعوا ُ‬ ‫آ َ‬
‫ْ‬
‫من ُ‬
‫كم‬ ‫كا ِ‬ ‫ما َز َ‬ ‫ه َ‬ ‫مت ُ ُ‬
‫ح َ‬
‫م وََر ْ‬ ‫ل الل ّهِ ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫منك َرِ وَل َوَْل فَ ْ‬
‫ض ُ‬ ‫شاء َوال ْ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫مُر ِبال ْ َ‬‫ي َأ ُ‬
‫َ‬ ‫م َ‬
‫م ( ) ‪21‬‬ ‫ميعٌ ع َِلي ٌ‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫شاء َوالل ّ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫كي َ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه ي َُز ّ‬ ‫دا وَل َك ِ ّ‬
‫ح د ٍ أب َ ً‬‫نأ َ‬ ‫ّ ْ‬
‫النور (‬

‫بحصيلة كل ذلك يمكن القول أن الجتهاد للجابة على‬


‫السئلة‪/‬الشكاليات مرتبط بفهم المحكم والمتشابه من اليات وفهم‬
‫حقائق النسخ وفهم المنهج ) الميزان ( ‪ ،‬وذلك من علم الكتاب ‪.‬‬

‫حول علقة السنة بالقرآن ‪:‬‬


‫غير أننا سنبدأ بقول مهم حول علقة السنة النبوية المطهرة‬
‫بالكتاب ‪ ،‬وذلك بعد أن شرحنا علقة خاتم الرسل والنبيين بكل من‬
‫الروح القدس المين وعالم المر وعلم الكتاب وحددنا خصائص اسمه‬
‫الحامل ) أحمد( وسلطانه الروحي الكوني وتنزيل روحه هو نفسه من‬
‫عالم المر اللهي ليلتقي القرآن معه في الرض كبشر رسول مع‬
‫توازي العصمة القرآنية والعصمة النبوية كمواقع النجوم وانضباطهما‬
‫المنهجي ‪.‬‬

‫نقول ذلك لن هناك من نسب إلى السنة نسخها لبعض آيات القرآن‬
‫َ‬
‫من قَب ْل ِ َ‬
‫ك‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫ما أْر َ‬ ‫مع أن مهمة السنة هي تبيين القرآن ل نسخه )وَ َ‬
‫ن )‪(43‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫ل الذ ّك ْرِ ِإن ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫سأ َُلوا ْ أ َهْ َ‬
‫م َفا ْ‬ ‫حي إ ِل َي ْهِ ْ‬
‫جال ً ّنو ِ‬‫إ ِل ّ رِ َ‬
‫َ‬
‫م وَل َعَل ّهُ ْ‬
‫م‬ ‫ل إ ِل َي ْهِ ْ‬‫ما ن ُّز َ‬ ‫س َ‬ ‫ك الذ ّك َْر ل ِت ُب َي ّ َ‬
‫ن ِللّنا ِ‬ ‫ت َوالّزب ُرِ وَأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫ِبال ْب َي َّنا ِ‬
‫ن )‪ 44 – 43 ) (44‬النحل ( فل تناسخ بين القرآن والسنة‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫ي َت َ َ‬
‫النبوية ‪ ،‬ول تمايز بين ما يأتي به جبريل وما يفعله محمد ‪ ،‬فالقرآن‬
‫ومحمد وجبريل يصدرون جميعا ً عن مشكاة كتابية واحدة ‪.‬‬

‫لهذا لن نناقش قط ما جاء حول تطبيق الرسول لعقوبة الرجم‬


‫المدعاة على الزاني المحصن أو الزانية أو غير ذلك وإل لناقشنا مئات‬
‫القضايا المماثلة التي ل أصل لها ‪ ،‬ولكن من واجب الفقهاء أن يتبينوا‬
‫من هم الذين افتروا هذه الحاديث ثم عليهم البحث في غاياتهم التي‬
‫تتجاوز مبنى العقوبة ومعناها‪.‬‬

‫سلطة الحرام والحلل إلهية مطلقة ‪:‬‬


‫ثم نأتي إلى ما يحرم وما يحل ‪ ،‬فقد غاب عن كثيرين أن تصنيف ما‬
‫هو حلل وما هو حرام راجع إلى سلطة إلهية مطلقة ‪ ،‬وأن هذا‬
‫التصنيف ل يؤتي بالجتهاد أو القياس على ما هو محرم نصا ً أو‬
‫غيرذلك من دروب الستدلل الفقهي فالله سبحانه يحصر السلطة‬
‫قوُلوا ْ ل ِما تص ُ َ‬
‫حل َ ٌ‬
‫ل‬ ‫ذا َ‬ ‫هـ َ‬ ‫م ال ْك َذ ِ َ‬
‫ب َ‬ ‫ف أل ْ ِ‬
‫سن َت ُك ُ ُ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫هذه بيده مطلقا ً )وَل َ ت َ ُ‬

‫‪23‬‬
‫ن ع ََلى الل ّهِ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫فت َُروا ْ ع ََلى الل ّهِ ال ْك َذ ِ َ‬ ‫م ل ّت َ ْ‬ ‫حَرا ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫هـ َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫م)‪– 116 ) (117‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ل وَل َهُ ْ‬ ‫مَتاع ٌ قَِلي ٌ‬ ‫ن )‪َ (116‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫ب ل َيُ ْ‬ ‫ال ْك َذ ِ َ‬
‫‪ 117‬النحل (‬
‫فالرسول نفسه ليس من سلطته أن يحل أو يحرم بما في ذلك‬
‫تحريم خبائث تكون رجسا ً من عمل الشيطان كالخمر ‪ ،‬فالله لم يحل‬
‫الخمر ولم يحرمها ‪ ،‬والتحريم يأتي بنص إلهي صريح لذلك كرر الله‬
‫سبحانه مفردتي الفتراء والكذب مرتين في نفس الية إمعانا ً في‬
‫التأكيد ‪ ،‬بل أن الله سبحانه قد جعل لتأثير الخمر حدا ً لتمتنع معه‬
‫الصلة ‪ ،‬وهو حد السكر وسكت سبحانه عن الوعي مع شرب قليل‬
‫الخمر في أداء الصلة وذلك باستخدام مفردة ) حتى( الشرطية‬
‫لوعي الشارب قبل الدخول في حالة السكر ) ‪ 43‬النساء ( بما يعني‬
‫إجازة الصلة لشارب الخمر دون بلوغه حالة السكر ‪.‬‬
‫ومع عدم التحريم بّين الله سبحانه ما في الخمر من إثم ووصفها بأنها‬
‫رجس من عمل الشيطان ونهى عنها وعن الميسر بما يقاربه الناس‬
‫ما َذاَقا‬ ‫ما ب ِغُُرورٍ فَل َ ّ‬ ‫كنهيه لدم وزوجه عن الكل من الشجرة )فَد َل ّهُ َ‬
‫ة‬
‫جن ّ ِ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫من وََر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ع َل َي ْهِ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قا ي َ ْ‬ ‫ما وَط َفِ َ‬ ‫سوَْءات ُهُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ت ل َهُ َ‬ ‫جَرة َ ب َد َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ال ّ‬
‫شي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫طآ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫جَرةِ وَأُقل ل ّك ُ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫عن ت ِل ْك ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ْهَك ُ َ‬ ‫ما أل َ ْ‬ ‫ما َرب ّهُ َ‬ ‫وََناَداهُ َ‬
‫ن ( ) ‪ 22‬العراف ( ففي الجنة التي ترعرع فيها آدم‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ما ع َد ُوّ ّ‬ ‫ل َك ُ َ‬
‫قبل الهبوط الذي فهم خطأ بأنه نزول من موضع عال إلى موضع‬
‫أسفل لم يكن هناك تحريم إلهي قط لي شيء وإنما نهي تبعا ً للمقام‬
‫الروحي المتجاوز للطبيعة الذي عليه آدم وزوجه بعد الستخلف في‬
‫الرض ‪ ،‬والهبوط هو هبوط في ذات الرض ‪ ،‬فالهبوط هو من مقام‬
‫في ذات الرض التي نشأ فيها آدم وزوجه من مقام التعالي الروحي‬
‫على الطبيعة بما هو في عالم المر اللهي إلى مقام النفعال‬
‫ذا‬ ‫ن هَ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫قل َْنا َيا آد َ ُ‬ ‫بالطبيعة وظواهرها من حر وعطش وجوع وبرد )فَ ُ‬
‫ك أّلَ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫قى )‪ (117‬إ ِ ّ‬ ‫ش َ‬‫جن ّةِ فَت َ ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ما ِ‬ ‫جن ّك ُ َ‬ ‫خر ِ َ‬ ‫ك فََل ي ُ ْ‬ ‫ج َ‬ ‫ك وَل َِزوْ ِ‬ ‫ع َد ُوّ ل ّ َ‬
‫ك َل تظ ْ ُ‬ ‫جوع َ ِفيَها وََل ت َعَْرى )‪ (118‬وَأ َن ّ َ‬
‫حى )‪) ( (119‬‬ ‫ض َ‬ ‫مأ ِفيَها وََل ت َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫تَ ُ‬
‫‪ 119-117‬طه (‬
‫وهذا هو اللباس الذي نزعه الشيطان عنهما ليظهر سلبيات الجسد‬
‫ت‬ ‫جَرة َ ب َد َ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫ما َذاَقا ال ّ‬ ‫ما ب ِغُُرورٍ فَل َ ّ‬ ‫حين تعرضه لعاديات الطبيعة )فَد َل ّهُ َ‬
‫ما‬‫ما َرب ّهُ َ‬ ‫جن ّةِ وََناَداهُ َ‬ ‫ق ال ْ َ‬ ‫من وََر ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫ن ع َل َي ْهِ َ‬ ‫فا ِ‬ ‫ص َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قا ي َ ْ‬ ‫ما وَط َفِ َ‬ ‫سوَْءات ُهُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ل َهُ َ‬
‫َ‬ ‫أ َل َ َ‬
‫ن‬‫مِبي ٌ‬ ‫ما ع َد ُوّ ّ‬ ‫ن ل َك ُ َ‬ ‫طآ َ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ما إ ِ ّ‬ ‫جَرةِ وَأُقل ل ّك ُ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ما ال ّ‬ ‫عن ت ِل ْك ُ َ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ْهَك ُ َ‬ ‫ْ‬
‫( ) ‪ 22‬العراف ( فالشارة هنا تحديدا إلى لباس وليس إلى ثوب‬ ‫ً‬
‫ينزع من آدم وزوجه ليتعريا ‪ ،‬كما أن هذا اللباس قابل للنزع دوما ً‬
‫طالما أن الشيطان الفاعل للنزع يراهما من حيث ل يرونه ‪ .‬فللباس‬
‫المنزوع هو حالة التعالي الروحي ليتم الهبوط إلى تدني طبيعي‬
‫م ل َي ْل َ‬
‫ةَ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ح ّ‬ ‫وليس الثوب ‪ ،‬وقد وصفت الحالة الزوجية باللباس )أ ُ ِ‬
‫َ‬
‫ن ( ) ‪187‬‬ ‫س ل ّهُ ّ‬ ‫م ل َِبا ٌ‬ ‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫س ل ّك ُ ْ‬ ‫ن ل َِبا ٌ‬ ‫م هُ ّ‬ ‫سآئ ِك ُ ْ‬ ‫ث إ َِلى ن ِ َ‬ ‫صَيام ِ الّرفَ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫البقرة ( ‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ثم أنزل الله لباسا ً يواري سوءة آدم وهي الصلة والهدى التي يعرج‬
‫َ‬
‫سا‬
‫م ل َِبا ً‬ ‫م قَد ْ أنَزل َْنا ع َل َي ْك ُ ْ‬ ‫بريشها النسان محلقا ً باتجاه ربه)َيا ب َِني آد َ َ‬
‫ت الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ن آَيا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫خي ٌْر ذ َل ِ َ‬‫ك َ‬ ‫قوَىَ ذ َل ِ َ‬ ‫س الت ّ ْ‬ ‫شا وَل َِبا ُ‬ ‫م وَِري ً‬ ‫سوَْءات ِك ُ ْ‬ ‫واِري َ‬ ‫يُ َ‬
‫ن( ) ‪ 26‬العراف ( ‪ .‬حتى أن الله سبحانه قد قال حين‬ ‫ّ‬
‫م ي َذ ّكُرو َ‬ ‫ل َعَلهُ ْ‬
‫ّ‬
‫طالب البعض بتنزل الملئكة رسل ً إلى الرض أنه قادر على جعلهم‬
‫في هيئة اللباس النساني بكامل دواخله النفسية وظاهره الجسدي‬
‫َ‬ ‫ول ُأنزِ َ‬
‫م ل َ ُينظ َُرو َ‬
‫ن‬ ‫مُر ث ُ ّ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ق ِ‬‫كا ل ّ ُ‬ ‫مل َ ً‬ ‫ك وَل َوْ أنَزل َْنا َ‬ ‫مل َ ٌ‬‫ل ع َل َي ْهِ َ‬ ‫)وََقاُلوا ْ ل َ ْ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫سو َ‬ ‫ما ي َل ْب ِ ُ‬ ‫سَنا ع َل َي ِْهم ّ‬ ‫جل ً وَل َل َب َ ْ‬ ‫جعَل َْناه ُ َر ُ‬
‫كا ل ّ َ‬‫مل َ ً‬‫جعَل َْناه ُ َ‬ ‫)‪ (8‬وَل َوْ َ‬
‫) النعام ( ‪.‬‬
‫فالنهي أمر إلهي يؤدي عدم المتثال له إلى خطيئة قاتلة ‪ ،‬ولكن ذلك‬
‫في عالم المر والجنة حيث ل تحريم مطلقا ً ‪ .‬أما النهي في الدنيا‬
‫فهو اقل من التحريم لظهور سلطة التحريم اللهية وقيامها بالنص‬
‫قوُلوا ْ ل ِما تص ُ َ‬
‫ذا‬‫هـ َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫حل َ ٌ‬ ‫ذا َ‬ ‫هـ َ‬‫ب َ‬ ‫م ال ْك َذ ِ َ‬ ‫سن َت ُك ُ ُ‬ ‫ف أل ْ ِ‬ ‫َ َ ِ‬ ‫تبعا ً لليات )وَل َ ت َ ُ‬
‫ب لَ‬ ‫ن ع ََلى الل ّهِ ال ْك َذ ِ َ‬ ‫فت َُرو َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫فت َُروا ْ ع ََلى الل ّهِ ال ْك َذ ِ َ‬ ‫م ل ّت َ ْ‬‫حَرا ٌ‬ ‫َ‬
‫م )‪117– 116 ) (117‬‬ ‫َ‬ ‫م عَ َ‬ ‫َ‬ ‫مَتاع ٌ قَِلي ٌ‬
‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ل وَلهُ ْ‬ ‫ن )‪َ (116‬‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬‫يُ ْ‬
‫النحل ( ‪.‬‬

‫أما الذين حرموا الخمر بأحاديث منسوبة فقد تحولوا بسلطة التحريم‬
‫من الله إلى الرسول وهذا ليس من الكتاب في شيء ‪ ،‬وكذلك‬
‫أوجدوا تناسخا ً بين القرآن والسنة وبما يماثل عقوبة الرجم المفترضة‬
‫‪.‬‬

‫إن قائمة المحرمات المتداولة اليوم تفوق قائمة الحلل ‪ ،‬إذ أن بعض‬
‫أدعياء الفقه دون علم يمارسون سلطة الله وهذه مشكلتهم‬
‫ومشكلة من يتبعهم وليس مشكلة السلم ومن ذلك نجاسة الكلب‬
‫حتى إذا ولغ في إناء أزيلت نجاسته بطقوس معينة في حين أن‬
‫الكلب كان رفيق الفتية من أهل الكهف الصالحين واحتسب في‬
‫ة‬
‫س ٌ‬‫م َ‬‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م وَي َ ُ‬ ‫م ك َل ْب ُهُ ْ‬ ‫ة ّراب ِعُهُ ْ‬ ‫ن ث ََلث َ ٌ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫سي َ ُ‬‫عدادهم كأنه منهم ) َ‬
‫م ُقل ّرّبي‬ ‫ْ‬
‫م ك َلب ُهُ ْ‬ ‫من ُهُ ْ‬ ‫ة وََثا ِ‬ ‫سب ْعَ ٌ‬‫ن َ‬ ‫قولو َ‬‫ُ‬ ‫ب وَي َ ُ‬ ‫ْ‬
‫ما ِبالغَي ْ ِ‬ ‫ج ً‬ ‫م َر ْ‬ ‫م ك َل ْب ُهُ ْ‬ ‫سهُ ْ‬‫ساد ِ ُ‬ ‫َ‬
‫ظاه ًِرا وَلَ‬ ‫مَراء َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِل ِ‬ ‫مارِ ِفيهِ ْ‬ ‫م إ ِل قِليل فل ت ُ َ‬ ‫مهُ ْ‬ ‫ما ي َعْل ُ‬ ‫م ب ِعِد ّت ِِهم ّ‬ ‫أع ْل ُ‬
‫دا( ) ‪ 22‬الكهف ( فهل ذاك الكلب صالح وكلبنا‬ ‫فت فيهم منه َ‬
‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ست َ ْ ِ ِ ِ ّ ْ ُ ْ‬ ‫تَ ْ‬
‫ً‬
‫نجسة‪ .‬إن قائمة المحرمات أكثر من أن تحصى وتشكل عبئا ثقيل ً‬
‫في الثقافة السلمية ‪.‬‬
‫إن مفردة نجس التي لم يستخدمها الله إل مرة واحدة فقط في‬
‫َ‬
‫س‬
‫ج ٌ‬ ‫ن نَ َ‬‫كو َ‬ ‫شر ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ما ال ْ ُ‬ ‫مُنوا ْ إ ِن ّ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫القرآن لوصف حالة الشرك )َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫ف‬‫سوْ َ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫م ع َي ْل َ ً‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذا وَإ ِ ْ‬ ‫هـ َ‬‫م َ‬ ‫مهِ ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫م ب َعْد َ َ‬‫حَرا َ‬ ‫جد َ ال ْ َ‬ ‫س ِ‬‫م ْ‬ ‫قَرُبوا ْ ال ْ َ‬ ‫فَل َ ي َ ْ‬
‫م ( ‪ 28‬التوبة ( قد‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ع َِلي ٌ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫شاء إ ِ ّ‬ ‫ضل ِهِ ِإن َ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬‫ي ُغِْنيك ُ ُ‬
‫اتسعت استخداماتها في الفقه السلمي لتمتد إلى مني الرجل وماء‬
‫المرأة وهما اصل التكوين العضوي البايولوجي للنسان ‪ ،‬وإلى ما‬

‫‪25‬‬
‫يخرج من بطون الناس ‪ ،‬وهكذا يصبح النسان نفسه نجسا ً ولو كان‬
‫من أولياء الله الصالحين طالما أن أصله نجس وما يخرج منه نجس‬
‫فطهارتنا ليس عن نجاسة ولكن لنظافة‪.‬‬

‫وما كانت لتشيع هذه الخطاء الدللية في فهم مفردات اللغة العربية‬
‫والستخدام اللهي لها بمنطق رياضي مثالي واصطلحي دقيق حيث‬
‫ل مترادف ول مشترك ول مجاز لو خضع العرب وتعلموا اللغة من‬
‫القرآن وليس بالركون إلى بلغتهم وكلمهم العفوي وقصائد شعرائهم‬
‫ُ‬
‫ما ع َل ّ ْ‬
‫مَناهُ‬ ‫‪ ،‬ولهذا نفى الله عن خاصية الرسول أن يكون شاعرا ً )وَ َ‬
‫ن ( )‪ 69‬يس (‬ ‫مِبي ٌ‬ ‫ن هُوَ إ ِّل ذ ِك ٌْر وَقُْرآ ٌ‬
‫ن ّ‬ ‫ما َينب َِغي ل َ ُ‬
‫ه إِ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫شعَْر وَ َ‬

‫ولهذا يأتي الخلط بين لغة القرآن الصطلحية وكلم العرب البلغي‬
‫نثرا ً وشعرا ً فيخلطون ين ) المس( و) اللمس ( وبين هبوط آدم عن‬
‫منزلته الروحية المتعالية على الطبيعة في ذات مكانه على الرض‬
‫وبين نزول آدم كما يتوهمون من سموات الجنة إلى تراب الرض ‪،‬‬
‫مل َئ ِك َ ِ‬
‫ة‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬‫بل وبين قول الله أنه جاعل في الرض خليفة )وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫َ‬ ‫ل ِفي ال َْر‬
‫ف ُ‬
‫ك‬ ‫س ِ‬ ‫سد ُ ِفيَها وَي َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ل ِفيَها َ‬ ‫جعَ ُ‬‫ة َقاُلوا ْ أت َ ْ‬ ‫ف ً‬
‫خِلي َ‬ ‫ض َ‬ ‫ِ‬ ‫ع ٌ‬ ‫جا ِ‬‫إ ِّني َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن (‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل َ ت َعْل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِّني أع ْل ُ‬‫ك َقا َ‬ ‫سل َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ك وَن ُ َ‬ ‫مد ِ َ‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬
‫سب ّ ُ‬‫ن نُ َ‬‫ح ُ‬ ‫ماء وَن َ ْ‬ ‫الد ّ َ‬
‫)‪ 30‬البقرة ( وبين قوله أنه خالق وليس جاعل ً بشرا ً من طين )إ ِذ ْ‬
‫ت‬
‫خ ُ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه وَن َ َ‬ ‫ن )‪ (71‬فَإ َِذا َ‬
‫سوّي ْت ُ ُ‬ ‫طي ٍ‬‫من ِ‬ ‫شًرا ِ‬ ‫خال ِقٌ ب َ َ‬ ‫مَلئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫َقا َ‬
‫ن )‪ ) (72‬ص ( كما يخلطون بين‬ ‫دي َ‬ ‫ج ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫َ‬
‫قُعوا ل ُ‬ ‫حي فَ َ‬ ‫من ّرو ِ‬ ‫ِفيهِ ِ‬
‫لباس لتقوى وثوب الغطاء ‪ ،‬وتماما ً كالخلط بين الخمار الذي أمر الله‬
‫بضربه على جيوب المرأة لستر البطين والفخذين والنهدين‬
‫والصلبين وبين الحجاب الذي يعني الحائط والعازل فحركوا المرأة‬
‫جسدا ً يمشي داخل غمامة سوداء أو كخيمة في حين أن الله يطلب‬
‫من النساء إدناء جلبيبهن على مواضعهن الجسدية ) زينتهن( ليعرفن‬
‫كنسوة وليس رجل ً متخفيا ً في زي النساء ‪ ،‬ويطلب من النساء أل‬
‫يضربن بأرجلهن على الرض ليثرن اهتزازا ً في زينتهن الجسدية‬
‫بمعنى المشية المتمايلة لهز الصلبين والنهدين ‪ ،‬فأحكام فقهائنا إذ لم‬
‫تميز بين الحجاب والخمار فإنما لم تميز كذلك بين الحلى المصاغة‬
‫وزينة المرأة في مباضع جسدها ‪ ،‬ولم يتوقفوا بسبب العرف‬
‫الجتماعي والخلقي لدى أمر الله بإدناء جلبيبهن على جسدهن ‪.‬‬

‫إن عقوبة الجلد مائة جلدة قائمة على الزانية والزاني تساوقا ً واتساقا ً‬
‫مع النمط البهيمي لهده الجريمة النسانية كما ذكرنا والتي تدمر‬
‫النواة العائلية وروابطها وامتداداتها الجسدية والنفسية وتربك السلوك‬
‫الجتماعي ‪.‬‬
‫لهدا السبب فرض الله الخمار على نساء المسلمين ووجه لمر أخر‬
‫ن‬‫م ْ‬
‫ضوا ِ‬ ‫ن ي َغُ ّ‬
‫مِني َ‬ ‫وهو الحفاظ على الفروج وغض الطرف )ُقل ل ّل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬

‫‪26‬‬
‫ما‬ ‫خِبيٌر ب ِ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫كى ل َهُ ْ‬ ‫ك أ َْز َ‬ ‫م ذ َل ِ َ‬ ‫جه ُ ْ‬ ‫ظوا فُُرو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح َ‬ ‫م وَي َ ْ‬ ‫صارِه ِ ْ‬ ‫أب ْ َ‬
‫َ‬
‫يصنعون ( ) وُقل ل ّل ْمؤ ْمنات يغْضضن م َ‬
‫ن‬
‫جهُ ّ‬ ‫ن فُُرو َ‬ ‫فظ ْ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ن وَي َ ْ‬ ‫صارِه ِ ّ‬ ‫ن أب ْ َ‬ ‫ُ ِ َ ِ َ ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َُ َ‬
‫ن وَلَ‬ ‫جُيوب ِهِ ّ‬ ‫ن ع َلى ُ‬ ‫َ‬ ‫مرِه ِ ّ‬ ‫خ ُ‬ ‫ن بِ ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫ْ‬
‫من َْها وَلي َ ْ‬ ‫ما ظهََر ِ‬ ‫َ‬ ‫ن إ ِل َ‬ ‫ّ‬ ‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫وََل ي ُب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن أوْ أب َْناء‬ ‫ن أوْ أب َْنائ ِهِ ّ‬ ‫ن أوْ آَباء ب ُُعول َت ِهِ ّ‬ ‫ن أوْ آَبائ ِهِ ّ‬ ‫ن إ ِّل ل ِب ُُعول َت ِهِ ّ‬ ‫ن ِزين َت َهُ ّ‬ ‫دي َ‬ ‫ي ُب ْ ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ما‬ ‫ن أوْ َ‬ ‫سائ ِهِ ّ‬ ‫ن أوْ ن ِ َ‬ ‫وات ِهِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ن أوْ ب َِني أ َ‬ ‫وان ِهِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ن أوْ ب َِني إ ِ ْ‬ ‫وان ِهِ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫ن أوْ إ ِ ْ‬ ‫ب ُُعول َت ِهِ ّ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل أوِ الط ّ ْ‬ ‫جا ِ‬ ‫ن الّر َ‬ ‫مََ‬ ‫ن غ َي ْرِ أوِْلي اْل ِْرب َةِ ِ‬ ‫ن أوِ الّتاب ِِعي َ‬ ‫مان ُهُ ّ‬ ‫ت أي ْ َ‬ ‫مل َك َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫في َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫َ‬
‫ن ل ِي ُعْل َ‬ ‫جل ِهِ ّ‬ ‫ن ب ِأْر ُ‬ ‫ضرِب ْ َ‬ ‫ساء وَل ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ت الن ّ َ‬ ‫م ي َظهَُروا ع َلى ع َوَْرا ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫لَ ْ‬
‫َ‬
‫ن(‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫ن ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫مُنو َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ميًعا أي َّها ال ْ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫ن وَُتوُبوا إ َِلى الل ّهِ َ‬ ‫من ِزين َت ِهِ ّ‬ ‫ِ‬
‫)النور ‪. (31-30‬‬
‫والفروج هي كامل ما بين الفخدين حيث ينتهيان إلى العورة حيث‬
‫المباضع الجنسية للرجل والمرآة وقد حدد الله في هذه الية مواضع‬
‫ضرب الخمار على الجيوب ‪ ،‬ودللة معنى الجيب في المفردة‬
‫القرآنية ‪ ،‬بقياس استدللي فيما أوضحناه في صورة الغاشية بالنظر‬
‫ك ِفي‬ ‫ل ي َد َ َ‬ ‫خ ْ‬ ‫إلى تكوين البل ‪ ،‬نرجع فيه إلى خطاب الله لموسى )وَأ َد ْ ِ‬
‫ه‬
‫م ِ‬ ‫ن وَقَوْ ِ‬ ‫ت إ َِلى فِْرع َوْ َ‬ ‫سِع آَيا ٍ‬ ‫سوٍء ِفي ت ِ ْ‬ ‫ن غ َي ْرِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ضاء ِ‬ ‫ج ب َي ْ َ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫جي ْب ِ َ‬ ‫َ‬
‫ن ( )النمل ‪(12‬‬ ‫قي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ما َفا ِ‬ ‫كاُنوا قَوْ ً‬ ‫م َ‬ ‫إ ِن ّهُ ْ‬
‫فالمطلوب من المسلمة غض الطرف وحفظ الفرج وضرب الخمار‬
‫على الجيوب وعدم إبداء الزينة من أصل المباضع الجسدية إل ما‬
‫ظهر منها بحكم التكوين وبحكم إدناء الثوب والجلباب على الجسد‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ن ي ُد ِْني َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ساء ال ْ ُ‬ ‫ك وَن ِ َ‬ ‫ك وَب ََنات ِ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ي ُقل ّلْزَوا ِ‬ ‫دون التصاق ) َيا أي َّها الن ّب ِ ّ‬
‫َ‬ ‫ع َل َيهن من جَلبيبهن ذ َل ِ َ َ‬
‫فوًرا‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ن فََل ي ُؤ ْذ َي ْ َ‬ ‫ك أد َْنى أن ي ُعَْرفْ َ‬ ‫َ ِ ِِ ّ‬ ‫ِْ ّ ِ‬
‫ما ( )الحزاب ‪. (59‬‬ ‫حي ً‬ ‫ّر ِ‬
‫فزينة المراة مباضع جسدها التي تميزها بالنوثة والزينة معيار جمالي‬
‫َ‬
‫شَر‬ ‫ح َ‬ ‫م الّزين َةِ وَأن ي ُ ْ‬ ‫م ي َوْ ُ‬ ‫عد ُك ُ ْ‬ ‫موْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫زاه ً كالكرنفالت والحتفالت ) َقا َ‬
‫حى ( )طه ‪. (59‬‬ ‫ض ً‬ ‫س ُ‬ ‫الّنا ُ‬
‫ل‬‫مهِ ِفي ِزين َت ِهِ َقا َ‬ ‫ج ع َلى قَوْ ِ‬ ‫َ‬ ‫خَر َ‬ ‫وتعني البهة من دللة نفس المفردة )فَ َ‬
‫ح ّ‬ ‫ه لَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ظ‬ ‫ذو َ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ي َقاُرو ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ت ل ََنا ِ‬ ‫دنَيا َيا ل َي ْ َ‬ ‫حَياة َ ال ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫ن يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ظيم ٍ ( )القصص ‪. (79‬‬ ‫عَ ِ‬
‫والتجمل والتطيب لدى أداء الصلوات في المساجد هما زينة للرجل )‬
‫سرُِفوا ْ إ ِن ّ ُ‬
‫ه‬ ‫شَرُبوا ْ وَل َ ت ُ ْ‬ ‫جد ٍ وك ُُلوا ْ َوا ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عند َ ك ُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ذوا ْ ِزين َت َك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫َيا ب َِني آد َ َ‬
‫ن ( )أعراف ‪. (31‬‬ ‫سرِِفي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ل َ يُ ِ‬
‫ْ‬
‫حَر ل ِت َأك ُُلوا ْ‬ ‫خَر ال ْب َ ْ‬ ‫س ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫والزينة غير الحلي التي تلحق وتضاف ) وَهُوَ ال ّ ِ‬
‫ه‬
‫خَر ِفي ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫فل ْ َ‬ ‫سون ََها وَت ََرى ال ْ ُ‬ ‫ة ت َل ْب َ ُ‬ ‫حل ْي َ ً‬ ‫ه ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خر ِ ُ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ما ط َرِّيا وَت َ ْ‬ ‫ح ً‬ ‫ه لَ ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ِ‬
‫ن ( )النحل ‪. (14‬‬ ‫شكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ضل ِهِ وَلعَلك ْ‬ ‫َ‬ ‫من فَ ْ‬ ‫ْ‬
‫وَل ِت َب ْت َُغوا ِ‬
‫فالزينة تقوم بذاتها إذا أضيفت إليها الحلي أو لم تضف‪ ،‬ولم يأمر الله‬
‫المسلمين حين دخولهم المساجد بالحلي والساور وإنما باتخاذ الزينة‪.‬‬

‫الفارق بين الخمار والحجاب‬

‫‪27‬‬
‫أما الحجاب فل علقة له بالخمار والثوب والجيوب ‪ ،‬وإنما هو عازل‬
‫حًيا أ َْو‬ ‫ه إ ِّل وَ ْ‬ ‫ه الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫شرٍ أن ي ُك َل ّ َ‬
‫كان ل ِب َ َ‬
‫ما َ َ َ‬ ‫قطعي مانع للرؤية العينية ) وَ َ‬
‫ما ي َ َ‬ ‫سوًل فَُيو ِ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ي‬
‫ه ع َل ِ ّ‬ ‫شاء إ ِن ّ ُ‬ ‫ي ب ِإ ِذ ْن ِهِ َ‬‫ح َ‬ ‫ل َر ُ‬ ‫ب أوْ ي ُْر ِ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫من وََراء ِ‬ ‫ِ‬
‫م ( )الشورى ‪(51‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ب ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫واَر ْ‬ ‫حّتى ت َ َ‬ ‫عن ذ ِك ْرِ َرّبي َ‬ ‫خي ْرِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت ُ‬ ‫حب َب ْ ُ‬ ‫ل إ ِّني أ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫وكذلك ) فَ َ‬
‫ب ( )ص ‪(32‬‬ ‫جا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ِبال ْ ِ‬
‫ل ل ََها‬ ‫َ‬
‫مث ّ َ‬ ‫حَنا فَت َ َ‬ ‫سل َْنا إ ِل َي َْها ُرو َ‬ ‫جاًبا فَأْر َ‬ ‫ح َ‬‫م ِ‬ ‫من ُدون ِهِ ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫خذ َ ْ‬ ‫وكذلك ) َفات ّ َ‬
‫سوِّيا ( )مريم ‪(17‬‬ ‫شًرا َ‬ ‫بَ َ‬
‫مُنوا َل‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وأدنى معاني الحجاب الحائط أو الباب المغلق ) َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن‬‫ن إ َِناه ُ وَل َك ِ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫م إ َِلى ط ََعام ٍ غ َي ْ َْر َناظ ِ ِ‬ ‫ن ل َك ُ ْ‬ ‫ي إ ِّل أن ي ُؤ ْذ َ َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫خُلوا ب ُُيو َ‬ ‫ت َد ْ ُ‬
‫ن‬‫ث إِ ّ‬ ‫دي ٍ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫سي َ‬ ‫ست َأن ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫شُروا وََل ُ‬ ‫م َفانت َ ِ‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫خُلوا فَإ َِذا ط َعِ ْ‬ ‫م َفاد ْ ُ‬ ‫عيت ُ ْ‬ ‫إ َِذا د ُ ِ‬
‫حقّ وَإ َِذا‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫م َ‬ ‫حِيي ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م َوالل ُ‬ ‫ُ‬
‫منك ْ‬ ‫حِيي ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ي فَي َ ْ‬ ‫ن ي ُؤ ِْذي الن ّب ِ َّ‬ ‫م كا َ‬ ‫َ‬ ‫ذ َل ِك ُ ْ‬
‫م أ َط ْهَُر ل ِ ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫قُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ب ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫جا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫من وََراء ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫سأُلوهُ ّ‬ ‫عا َفا ْ‬ ‫مَتا ً‬ ‫ن َ‬ ‫موهُ ّ‬ ‫سأل ْت ُ ُ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫سو َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫من‬ ‫ه ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫حوا أْزَوا َ‬ ‫ل اللهِ وَل أن َتنك ِ ُ‬ ‫م أن ت ُؤ ُْذوا َر ُ‬ ‫ن لك ْ‬ ‫ما كا َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫وَقلوب ِهِ ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ما ( )الحزاب ‪. (53‬‬ ‫ظي ً‬ ‫عند َ اللهِ ع َ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م كا َ‬ ‫ن ذ َل ِك ْ‬ ‫دا إ ِ ّ‬ ‫ب َعْد ِهِ أب َ ً‬
‫فالله سبحانه لم يأمر بما يسميه الناس خطا ً الحجاب وإنما أمر‬
‫بالخمار ‪.‬‬

‫حكمة الخمار الختلط‬


‫قد أمر الله بالخمار ليشرعن الختلط الطاهر والعفيف بين‬
‫الجنسين ‪ ،‬في إطار العمل أو الدراسة أو مجالت النشاط الجتماعي‬
‫المختلفة ‪ ،‬فالمرأة ل تضرب خمارها مع زوجها وأهلها ممن ذكر منهم‬
‫في سورة النور التي عرضنا لها‪.‬‬
‫أما ما يراه المجتمع بثقافته الشعبية وعرفه الجتماعي وتقاليده فأمر‬
‫راجع إليه ولكن ل يحسب ذلك على الدين وعلى نصوص القرآن‬
‫الواضحة الدللة حيث ل مشترك ول مترادف ول مجاز ‪.‬‬

‫فالفقهاء هم الذين أرهقوا الثقافة السلمية بهذه الخطاء في‬


‫الدللت اللغوية ورفعوا أحكامهم إلى درجة التقديس واعتبروا ما دون‬
‫ذلك سفورا ً ومعصية وحتى كفرا ً ‪.‬‬

‫هؤلء قيدوا النص القرآني بثقافتهم الجتماعية والخلقية وعرفهم ‪،‬‬


‫وما كان لهم أن يتعاملوا مع الدللت المنهجية والمصطلحية لمفردات‬
‫القرآن ‪ ،‬فعوضا ً عن الرتقاء إليها نزلوا بها إليهم وشوهوا الكثير منها ‪.‬‬

‫ضرورات المعجم المنهجي اللغوي لمفردات القرآن ‪:‬‬


‫إن الكتفاء بمعاجم اللغة التي تماثل ضمنا ً بين لغة القرآن وكلم‬
‫العرب ل يكفي وحده بالرغم من المشترك في الفهم العام‬
‫للمفردات بين الستخدامين اللهي والعربي لذات اللغة ‪ .‬فالمر‬

‫‪28‬‬
‫يتطلب إخراج معجم خاص لتبيين كيفية الستخدام اللهي للعديد من‬
‫المفردات بمستوى رياضي مثالي واصطلحي وبل ترادف أو مشترك‬
‫أو مجاز مع حصر دور العرف العربي وتاريخانية ما ساد من ثقافات‬
‫عقلية واجتماعية ‪.‬‬

‫والمعجم الذي اشير إليه ليس السنيا ً فقط بل هو منهجي أيضا ً إذ‬
‫يعرف معنى هذه المفردات على ضوء علم الكتاب نفسه ل في‬
‫الفرق فقط بين اهبطوا منها وانزلوا منها كما ورد ولكن تحديد‬
‫متعلقات الهبوط نفسه باعتباره تحول ً من عالم المر اللهي والروح‬
‫الدمية المتعالية إلى عالم الطبيعة حيث التعري لعادياتها وسننها ‪.‬‬

‫هذا التبيان المنهجي في المعجم يمتد للبحث في خصائص عالم المر‬


‫اللهي هذا وتميزه عن عالم الرادة ثم عالم المشيئة ‪ ،‬فالمر متعال‬
‫والرادة نسبية والمشيئة موضوعية ظاهرة بسننها ‪.‬‬

‫ولكل من هذه العوالم منهجه النبوي ‪ ،‬فمحمد من عالم المر اللهي‬


‫وموسى من عالم الرادة وإبراهيم من عالم المشيئة والمفطورات‬
‫والسنن الموضوعية ‪ .‬ولكل من الثلثة إطاره المعرفي والحركي‬
‫فمحمد يرتبط بالوحي اللدني والكتاب القرآني وجبريل والبيت الحرام‬
‫والسلم كما حددنا في أواخر آيات سورة النمل وإلى نصرة الله له‬
‫بالملئكة من عالم المر هذا ‪ .‬وموسى يرتبط بعالم الرادة المرتبطة‬
‫بالخوارق الحسية المتجاوزة لسنن الطبيعة ‪ ،‬والخطاب اللهي إليه‬
‫من وراء نار في شجرة ملتهبة ‪ ،‬وما أوحي إليه من الكتاب يقتصر‬
‫على قوانين الشريعة والعهد والميثاق ‪ ،‬والرض التي يرتبط بها‬
‫) مقدسة( لنها مناط حاكمية إلهية مباشرة عبر النبياء المتتابعين‬
‫فهم هيكل السلطة الربانية ‪ ،‬والشعب فضل لتنفيذ موجبات الحاكمية‬
‫اللهية ةالتي أعقبتها حاكمية استخلف منذ داوود وسليمان استخلف‬
‫الله فيها الثنين حتى على الجن والنمل والطير ‪ ،‬وذاك جوهر حاكمية‬
‫الستخلف ‪.‬‬

‫وإبراهيم يرتبط بعالم المشيئة اللهية القائم على التسخير الكوني‬


‫والمفطورات والسنن الطبيعية ولهذا اختص بالحج وبالقربان شكرا ً‬
‫لله على موجودات المكان وانتهج نهجا ً فطريا ً حنيفيا ً في تفكيره ‪.‬‬

‫وعالم الم منزه مطلق ورمزه في فواتح السور اللف وعالم الرادة‬
‫نسبي مقدس ورمزه في فواتح السور حرف اللم وعالم المشيئة‬
‫مبارك موضوعي رمزه في حرف الميم وهي الحروف الثلث التي بدأ‬
‫بها الله القرآن كله في سورة البقرة ‪ .‬جامعا ً بين جدل الغيب حيث‬
‫المل العلى وعالم المر اللهي ‪ ،‬وجدل النسان والرادة في التجربة‬

‫‪29‬‬
‫السرائيلية كلها ‪ ،‬ثم جدل المشيئة كما تنزل إليها أحمد باسمه‬
‫البشري محمد ليرسي حاكمية الكتاب للبشر كافة بعد نسخ‬
‫الحاكمية اللهية وحاكمية الستخلف وبعد نسخ الرض المقدسة‬
‫بالرض الحرام ‪ ،‬وبعد نسخ شرعة الصر والغلل الغليظة التي‬
‫تتوافق مع نهج خوارق العطاء كشق البحر بشرعة التخفيف والرحمة‬
‫التي تتسق مع امتناع الخوارق والمعجزات ‪ ،‬ونسخ الخطاب الديني‬
‫الحصري لبني إسرائيل وسواهم من القوام بالخطاب العالمي للناس‬
‫كافة‪.‬‬

‫هذا التبيين الدللي المنهجي لمفردات القرآن ورمزية الربعة عشر‬


‫حرفا ً في مطالع السور هو ما يجب أن يكون عليه العمل في معجم‬
‫دللت مصطلحات القرآن وفق المتيسر من علم الكتاب ‪.‬‬

‫وسيسهل هذا المعجم بإذن الله للكثيرين دخول عالم القرآن والبحث‬
‫فيه ومن ثم الجابة بأنفسهم عن السئلة ‪ /‬الشكاليات الكبرى التي‬
‫تنتاب مجتمعاتهم‪ .‬فما نسعى إليه ليس اصطياد سمكة وتقديمها‬
‫للجائعين ولكن إرشاد هؤلء الجائعين لكيفية اصطياد السمك بأنفسهم‬
‫فليس الهدف وجود شيخ وحواريين ولكن وجود منهج يساعد على‬
‫الفهم والتحليل دخول ً إلى القراءة الولى في سورة العلق ثم الجمع‬
‫ين القراءتين ورمزها حرف نون وبهذا يتم التفاعل مع العلوم الثلث )‬
‫المر والرادة والمشيئة ( بما يرادف ) الغيب والنسان والطبيعة (‬
‫وتعلق الحروف الثلث بهذه الجدلية )ألم( ‪.‬‬

‫فالجهد المطلوب في المعجم ليس لغويا ً فقط ولكنه جهد منهجي‬


‫يرتبط لزوما ً بالتقوى وتعليم الله للنسان متى اتقى فالعقلنية وحدها‬
‫ل تكفي في علم الكتاب ‪.‬‬

‫الجتهاد المعاصر ومصادرالشكالية ‪:‬‬


‫إن مصادر الشكاليات في كل اجتهاد تكمن في فهم ) المحكم‬
‫والمتشابه ( و)النسخ( و )المحو( و)الثبات(‪ .‬فإذا تم فهم هذه‬
‫المصادر الثلث وهي تشكل ثلثة مداخل تأسيسية للجتهاد تيسر بإذن‬
‫الله للجميع التعامل مع السئلة ‪ /‬الشكاليات ‪ ،‬وسنبدأ بإعطاء‬
‫مؤشرات عليها ‪:‬‬

‫أول ً ‪ :‬المحكم والمتشابه من اليات ‪:‬‬


‫ن‬
‫ت هُ ّ‬ ‫حك َ َ‬
‫ما ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ّ‬ ‫ه آَيا ٌ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ب ِ‬‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫يقول الله تعالى )هُوَ ال ّذ ِيَ َأنَز َ‬
‫ل ع َل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫ما‬
‫ن َ‬ ‫ن في قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م َزي ْغٌ فَي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬‫ت فَأ ّ‬‫شاب َِها ٌ‬ ‫مت َ َ‬ ‫ب وَأ ُ َ‬
‫خُر ُ‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬
‫ُ‬
‫أ ّ‬

‫‪30‬‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ه‬‫ه إ ِل ّ الل ّ ُ‬
‫م ت َأِويل َ ُ‬
‫ما ي َعْل َ ُ‬‫فت ْن َةِ َواب ْت َِغاء ت َأِويل ِهِ وَ َ‬ ‫ه اب ْت َِغاء ال ْ ِ‬‫من ْ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫تَ َ‬
‫شاب َ َ‬
‫ما ي َذ ّك ُّر إ ِل ّ‬ ‫عند ِ َرب َّنا وَ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫مّنا ب ِهِ ك ُ ّ‬
‫نآ َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫ن ِفي ال ْعِل ْم ِ ي َ ُ‬ ‫خو َ‬ ‫س ُ‬‫َوالّرا ِ‬
‫ُ‬
‫ب ( ) ‪ 7‬آل عمران (‬ ‫أوُْلوا ْ الل َْبا ِ‬
‫هنا يصف الله تعالى اليات المحكمات بأنهن أم الكتاب ‪ ،‬أي أصله‬
‫عند الله والمتشابه هو ما يتشابه على البشر وليس على الله الذي‬
‫أنزل كل اليات ول متشابه فيها عنده ‪ ،‬فالقرآن كله آيات محكمة‪.‬‬
‫ولكن عند الله ‪ ،‬فيما يرى فيه بعض الناس ما يتشابه عليهم وخص‬
‫بالبعض من هؤلء ) ابتغاء الفتنة( أو ابتغاء تأويله تعسفا ً لخراجه عن‬
‫معناه الصلي المحكم ‪ ،‬ثم ميز أولي اللباب بعد أن ميز الراسخين‬
‫في العلم ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫من ُزي ّ َ‬ ‫كنموذج على ما يتشابه على الناس في اليات قوله تعالى )أفَ َ‬
‫شاء‬ ‫من ي َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاء وَي َهْ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ل َ‬‫ض ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫سًنا فَإ ِ ّ‬ ‫ح َ‬ ‫مل ِهِ فََرآه ُ َ‬ ‫سوُء ع َ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫لَ ُ‬
‫ن( ) ‪ 8‬فاطر‬ ‫صن َُعو َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ع َِلي ٌ‬‫ن الل ّ َ‬ ‫ت إِ ّ‬ ‫سَرا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ع َل َي ْهِ ْ‬
‫س َ‬‫ف ُ‬ ‫ب نَ ْ‬ ‫فََل ت َذ ْهَ ْ‬
‫( فلله هنا سبحانه ينسب الضلل والهدى ‪ ،‬فيكون سبحانه هو‬
‫ه غ َن ِ ّ‬
‫ي‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫فُروا فَإ ِ ّ‬ ‫المسئول عن إضلل البشر والمحكم ) ِإن ت َك ْ ُ‬
‫م وََل ت َزُِر َوازَِرةٌ‬ ‫ه ل َك ُ ْ‬‫ض ُ‬ ‫شك ُُروا ي َْر َ‬ ‫فَر وَِإن ت َ ْ‬ ‫ضى ل ِعَِباد ِهِ ال ْك ُ ْ‬ ‫م وََل ي َْر َ‬ ‫عنك ُ ْ‬‫َ‬
‫ُ‬ ‫ما ُ‬ ‫م فَي ُن َب ّئ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫م‬‫ه ع َِلي ٌ‬ ‫ن إ ِن ّ ُ‬ ‫ملو َ‬ ‫م ت َعْ َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬‫مْر ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫م إ ِلى َرب ّ ُ‬ ‫خَرى ث ُ ّ‬ ‫وِْزَر أ ْ‬
‫دورِ )‪ ) (7‬الزمر( ‪.‬‬ ‫ص ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫بِ َ‬
‫ذا ِ‬

‫هنا يتدخل الميزان‪ /‬المنهج في استخدام مفردة شاء ‪ ،‬فشاء ترجع‬


‫إلى عالم المشيئة حيث تتحكم الرادة الحرة للختيار النساني وفق‬
‫تكوينه الجدلي الكوني الطبيعي كما بينا في تحليل سورة الشمس ‪،‬‬
‫فالمشيئة اللهية تعامل مع القوانين الظاهرة في تكوين النسان‬
‫ساب ِقُ الن َّهاِر‬ ‫مَر وََل الل ّي ْ ُ‬
‫ل َ‬ ‫ق َ‬ ‫س َينب َِغي ل ََها َأن ت ُد ْرِ َ‬
‫ك ال ْ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ش ْ‬‫والكون )َل ال ّ‬
‫ن( ) ‪ 40‬يس ( وهو عالم يتمظهر بالستقللية‬ ‫حو َ‬ ‫سب َ ُ‬
‫ك يَ ْ‬‫ل ِفي فَل َ ٍ‬
‫وَك ُ ّ‬
‫ويحتجب فيه ظهور الله تعالى في الفعل النساني أو الطبيعي على‬
‫مستوى يتحد فيه النسان بالطبيعة ويستخدم قوانينها لتحقيق كل‬
‫النجازات العلمية من استخدام طاقة النار الولية وإلى الثورة‬
‫الفيزيائية المعاصرة ‪.‬‬

‫فكل مفردة تنتسب للمشيئة اللهية ل تتعلق قط بالرادة اللهية ‪ ،‬ول‬


‫بالمر اللهي ولكن بالنسان والطبيعة ‪ ،‬فالذين أشركوا قد اشركوا‬
‫بمشيئتهم في إطار عالم المشيئة ‪ ،‬حتى إذا حملوا الله سبحانه‬
‫المسئولية بوصفه خالق كل شيء ومالك مقاليد السموات والرض‬
‫ما‬
‫ه َ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫كوا ْ ل َوْ َ‬ ‫شَر ُ‬ ‫ن أَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬
‫قو ُ‬ ‫سي َ ُ‬
‫أوضح الله مصدر الشكالية ) َ‬
‫من قَب ْل ِِهم‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ب ال ِ‬ ‫َ‬
‫ك كذ ّ َ‬ ‫َ‬
‫يٍء كذ َل ِ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫مَنا ِ‬
‫حّر ْ‬‫شَرك َْنا وَل َ آَباؤ َُنا وَل َ َ‬ ‫أَ ْ‬
‫ْ‬
‫ن إ ِل ّ‬‫جوه ُ ل ََنا ِإن ت َت ّب ُِعو َ‬ ‫خر ِ ُ‬ ‫عل ْم ٍ فَت ُ ْ‬ ‫ن ِ‬‫م ْ‬‫كم ّ‬ ‫عند َ ُ‬‫ل ِ‬ ‫ل هَ ْ‬ ‫سَنا قُ ْ‬ ‫حّتى َذاُقوا ْ ب َأ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ة فَلوْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫شاء‬ ‫ة الَبال ِغَ ُ‬ ‫ج ُ‬
‫ح ّ‬ ‫ل فَل ِلهِ ال ُ‬ ‫ن )‪ (148‬قُ ْ‬ ‫صو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫م إل ت َ ْ‬ ‫ن أنت ُ ْ‬ ‫ن وَإ ِ ْ‬
‫الظ ّ‬

‫‪31‬‬
‫ن )‪ 149– 148 ) (149‬النعام ( فلله الحجة البالغة إذ‬ ‫ل َهداك ُ َ‬
‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬‫مأ ْ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ذين‬ ‫لم يميز هؤلء بين المشيئة اللهية والرادة اللهية وكذلك )َوال ّ ِ‬
‫ش َأ ْ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ضل ِل ْ ُ‬ ‫ه يُ ْ‬ ‫شإ ِ الل ّ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ِفي الظ ّل ُ َ‬ ‫م وَب ُك ْ ٌ‬ ‫ص ّ‬ ‫ك َذ ُّبوا ْ ِبآَيات َِنا ُ‬
‫قيم ٍ ( )‪ 39‬النعام ( ‪.‬‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ه ع ََلى ِ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫يَ ْ‬
‫غير أن الله سبحانه يبدو كمن يصرف الضلل إلى الرادة وليس‬
‫ه‬ ‫المشيئة فقط ‪ ،‬وهذا جانب آخر من المتشابه )فَمن يرد الل ّ َ‬
‫ه أن ي َهْد ِي َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ ُ ِ ِ‬
‫َ‬
‫جا‬ ‫حَر ً‬ ‫قا َ‬ ‫ضي ّ ً‬ ‫صد َْره ُ َ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ضل ّ ُ‬ ‫من ي ُرِد ْ أن ي ُ ِ‬ ‫سل َم ِ وَ َ‬ ‫صد َْره ُ ل ِل ِ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫شَر ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫َ‬
‫ن لَ‬ ‫ذي َ‬ ‫س ع ََلى ال ّ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ه الّر ْ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ك يَ ْ‬ ‫ماء ك َذ َل ِ َ‬ ‫س َ‬ ‫صعّد ُ ِفي ال ّ‬ ‫ما ي َ ّ‬ ‫ك َأن ّ َ‬
‫ن ( ) ‪ 125‬النعام ( ‪ ،‬لم يقل الله هنا من يرد أن يضلله‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤ ْ ِ‬
‫باتساق معرفي دللي مع آية النعام رقم ‪ 39‬إنما قال ) أن يضله(‬
‫بعد أن يكون النسان قد ضل بإرادته هو الذاتية وفق عالم المشيئة ‪،‬‬
‫وهذا ما تشير إليه الية ‪ 124‬السابقة للية ‪ 125‬من سورة النعام‬
‫ُ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫س ُ‬ ‫ي ُر ُ‬ ‫ما أوت ِ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫حّتى ن ُؤ َْتى ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م َ‬ ‫ة َقاُلوا ْ َلن ن ّؤ ْ ِ‬ ‫م آي َ ٌ‬ ‫جاءت ْهُ ْ‬ ‫)وَإ َِذا َ‬
‫َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫عند َ الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫صَغاٌر ِ‬ ‫موا ْ َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫صي ُ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫سال َت َ ُ‬ ‫ل رِ َ‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ث يَ ْ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه أع ْل َ ُ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪. ( (124‬‬ ‫مكُرو َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ما كاُنوا ي َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ديد ٌ ب ِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫وَع َ َ‬
‫وقد نسب موسى عليه الصلة والسلم عبارة ) الفتنة( إلى الله‬
‫سبحانه بوصفه باعثا ً لها حين عبد السرائيليون العجل ‪ ،‬وذك مستوى‬
‫ه‬
‫م ُ‬‫سى قَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫خَتاَر ُ‬ ‫أكبر من المجادلة لن موسى من عالم الرادة )َوا ْ‬
‫ت أهْل َك ْت َُهم‬ ‫َ‬ ‫ما أ َ َ‬
‫شئ ْ َ‬ ‫ب ل َوْ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ج َ‬‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫قات َِنا فَل َ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جل ً ل ّ ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫َ‬
‫ل ب َِها‬ ‫ض ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬
‫ي إ ِل فِت ْن َت ُك ت ُ ِ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫مّنا إ ِ ْ‬ ‫فَهاء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ل وَإ ِّيايَ أت ُهْل ِكَنا ب ِ َ‬ ‫ّ‬
‫خي ُْر‬ ‫ت َ‬ ‫أن‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫نا‬ ‫م‬ ‫ح‬ ‫ر‬ ‫وا‬ ‫نا‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ر‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫غ‬ ‫فا‬‫َ‬ ‫نا‬ ‫ي‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫أن‬‫َ‬ ‫شاء‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫من‬ ‫دي‬ ‫ه‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫شاء‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫من‬
‫ِ ْ َ َ ْ َ ْ َ َ َ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ َ‬ ‫ََْ ِ‬ ‫َ َ‬
‫ن ( ) ‪ 155‬العراف ( ‪ .‬ولن موسى من عالم الرادة فإن‬ ‫ري َ‬ ‫ال َْغافِ ِ‬
‫صياغة قوله كاد ليكون إن هي إل فتنتك تضل بها من تريد وتهدي من‬
‫تريد ‪ /‬خصوصا ً وأن الله قد بين له كافة مفاصل حياته المحكومة‬
‫بالرادة اللهية منذ قذفه صغيرا ً بتابوت في اليم ‪ ،‬وإلى أن التقاه‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫حى )‪ (ْ 38‬أ ِ‬ ‫ما ُيو َ‬ ‫ك َ‬ ‫م َ‬ ‫حي َْنا إ َِلى أ ّ‬ ‫حين جاء على قدر موسى )إ ِذ ْ أوْ َ‬
‫خذ ْه ُ ع َد ُّو‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫قهِ ال ْي َ ّ‬ ‫م فَل ْي ُل ْ ِ‬ ‫ت َفاقْذ ِِفيهِ ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫اقْذ ِِفيهِ ِفي الّتاُبو ِ‬
‫صن َعَ ع ََلى ع َي ِْني )‪ (39‬إ ِذ ْ‬ ‫مّني وَل ِت ُ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫حب ّ ً‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت ع َل َي ْ َ‬ ‫قي ْ ُ‬ ‫ه وَأ َل ْ َ‬ ‫ّلي وَع َد ُوّ ل ّ ُ‬
‫ُ‬ ‫ل هَ ْ َ‬ ‫شي أ ُ ْ‬
‫ك كَ ْ‬
‫ي‬ ‫م َ‬ ‫ك إ َِلى أ ّ‬ ‫جعَْنا َ‬ ‫ه فََر َ‬ ‫فل ُ ُ‬ ‫من ي َك ْ ُ‬ ‫م ع ََلى َ‬ ‫ل أد ُل ّك ُ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫ك فَت َ ُ‬ ‫خت ُ َ‬ ‫م ِ‬ ‫تَ ْ‬
‫ك فُُتوًنا‬ ‫م وَفَت َّنا َ‬ ‫ن ال ْغَ ّ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جي َْنا َ‬ ‫سا فَن َ ّ‬ ‫ف ً‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫ن وَقَت َل ْ َ‬ ‫حَز َ‬ ‫قّر ع َي ْن َُها وََل ت َ ْ‬ ‫تَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫سى )‪-38 ) (40‬‬ ‫مو َ‬ ‫ت ع َلى قَد َرٍ َيا ُ‬ ‫جئ ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫مد ْي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ِفي أهْ ِ‬ ‫سِني َ‬ ‫ت ِ‬ ‫فَلب ِث ْ َ‬
‫‪ 40‬طه ( ‪.‬‬
‫فموسى عوضا ً عن تحميل الرادة اللهية فعل الفتنة كما هو وضعه‬
‫فقد صرفه الله لعالم المشيئة بما يجعل النسخ الضمني لما في‬
‫نفسه من معنى يصرف إلى الرادة ‪ .‬وهذا النسخ الضمني الغيبي‬
‫الخفي يجريه الله في نفوس النبياء مثل ً حيث يضيق صدرهم بقومهم‬
‫ما‬‫ك بِ َ‬ ‫صد ُْر َ‬ ‫ضيقُ َ‬ ‫ك يَ ِ‬ ‫م أ َن ّ َ‬ ‫قد ْ ن َعْل َ ُ‬ ‫فيتمنون نزول العقاب اللهي بهم )وَل َ َ‬
‫ن ( ) ‪ 97‬الحجر ( وبالفعل قد ضاق صدر محمد فتمنى سقوط‬ ‫قوُلو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫فا أوَ‬ ‫َ‬
‫س ً ْ‬ ‫ت ع َل َي َْنا ك ِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما َزع َ ْ‬ ‫ماء ك َ َ‬ ‫س َ‬ ‫ط ال ّ‬ ‫ق َ‬ ‫س ِ‬ ‫السماء كسفا ً عليهم )أوْ ت ُ ْ‬

‫‪32‬‬
‫ْ‬
‫ل( ) ‪ 92‬السراء ( فنسخ الله ما جرى في‬ ‫ملئ ِك َةِ قَِبي ً‬ ‫ي ِبالل ّهِ َوال ْ َ‬ ‫ت َأت ِ َ‬
‫ما‬‫نفس محمد كما نسخ ما كاد أن يجري على لسان موسى )وَ َ‬
‫ن ِفي‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قى ال ّ‬ ‫مّنى أ َل ْ َ‬ ‫ي إ ِّل إ َِذا ت َ َ‬ ‫ل وََل ن َب ِ ّ‬ ‫سو ٍ‬ ‫من ّر ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫من قَب ْل ِ َ‬ ‫سل َْنا ِ‬ ‫أْر َ‬
‫َ‬
‫ُ‬
‫م‬
‫ه ع َِلي ٌ‬ ‫ه آَيات ِهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حك ِ ُ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ن ثُ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ما ي ُل ْ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫خ الل ّ ُ‬ ‫س ُ‬ ‫من ِي ّت ِهِ فََين َ‬ ‫أ ْ‬
‫ض‬
‫مَر ٌ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِِهم ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫ة ل ّل ّ ِ‬ ‫ن فِت ْن َ ً‬‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫قي ال ّ‬ ‫ما ي ُل ْ ِ‬ ‫ل َ‬ ‫جعَ َ‬ ‫م )‪ (52‬ل ِي َ ْ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫م ال ِ‬ ‫َ‬
‫ق ب َِعيد ٍ )‪ (53‬وَل ِي َعْل َ‬ ‫قا ٍ‬ ‫ش َ‬ ‫في ِ‬ ‫نل ِ‬‫َ‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫سي َةِ قُلوب ُهُ ْ‬‫ُ‬ ‫قا ِ‬ ‫ْ‬
‫َوال َ‬
‫هّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫من ّرب ّ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ن الل َ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ه قُلوب ُهُ ْ‬ ‫تل ُ‬ ‫خب ِ َ‬ ‫مُنوا ب ِهِ فَت ُ ْ‬ ‫ك فَي ُؤ ْ ِ‬ ‫حقّ ِ‬ ‫ه ال َ‬ ‫م أن ّ ُ‬ ‫أوُتوا العِل َ‬
‫قيم ٍ )‪ 54 – 52 ) (54‬الحج ( ذلك‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫مُنوا إ َِلى ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ََهاد ِ ال ّ ِ‬
‫حين امتنعت الخوارق المعجزة المرئية عن مساق التجربة‬
‫السلمية ‪ .‬فالله ل يسقط عليهم السماء كسفا ً لنه لم يشق لهم‬
‫الخندق بإرادته عبر عصا لمحمد كعصا موسى فل يكون عليهم‬
‫العقاب الخارق الموازي للعطاء الخارق ولهذا تميزت شرعة السلم‬
‫بالتخفيف والرحمة خلفا ً لشرعة اليهود التي قامت على الصر‬
‫والغلل ‪.‬‬
‫ً‬
‫فالله قد نسخ التمني المحمدي بسقوط السماء كسفا عليهم ثم‬
‫أحكم آياته ضابطا ً للداء ضمن المنهج ‪ /‬الميزان فل تكون الستجابة ‪.‬‬
‫ومحمد يعلم مسبقا ً بحكم علم الكتاب أن الله لن يستجيب فيسقط‬
‫السماء كسفا ً ولكن قد ضاق صدره مع قوم أخبره الله طباعهم )وَِإن‬
‫ن‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫صرِهِ وَِبال ْ ُ‬ ‫ك ب ِن َ ْ‬ ‫ه هُوَ ال ّذ ِيَ أ َي ّد َ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب َ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ك فَإ ِ ّ‬ ‫عو َ‬ ‫خد َ ُ‬ ‫دوا ْ َأن ي َ ْ‬ ‫ري ُ‬ ‫يُ ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ت ب َي ْ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ما أل َ‬ ‫ميعا ّ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ت َ‬ ‫ق َ‬ ‫ف ْ‬ ‫م لوْ أن َ‬ ‫ن قُلوب ِهِ ْ‬ ‫ف ب َي ْ َ‬ ‫)‪ (62‬وَأل َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ي‬
‫م )‪َ (63‬يا أي َّها الن ّب ِ ّ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫م إ ِن ّ ُ‬ ‫ف ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ه أل َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م وََلـك ِ ّ‬ ‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ن )‪ 64-62) (64‬النفال (‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫سب ُ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫َ‬

‫وهكذا البشر عموما ً وليس العرب وحدهم قل أن يستجيبوا عفويا ً‬


‫وفطريا ً لكلمات الله ورسالت النبياء منذ نوح الذي أقلع بفلكه وإلى‬
‫صالح حيث عقروا ناقة الله ‪ ،‬ثم انتصر الله ولكن بتدخله عبر عصا‬
‫موسى في الحالة اليهودية وكذلك بتدخله عبر ملئكته في الحالة‬
‫السلمية ‪ ،‬مع فارق نوعية التدخلين ‪ ،‬فالول اليهودي حسي مرئي‬
‫لنه من عالم الرادة والثاني السلمي غيبي لنه من عالم المر ‪.‬‬

‫فالمتشابه في آيات القرآن هو متشابه في فهم الناس عموما ً وليس‬


‫بمتشابه فيما يحكم ‪ ،‬والقرآن كله محكم فالنسان مريد لفعاله‬
‫وفاعل لها وحر الختيار في كل عالم المشيئة ‪.‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬النسخ ‪:‬‬


‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫مث ْل َِها أل َ ْ‬
‫م‬ ‫من َْها أوْ ِ‬
‫خي ْرٍ ّ‬
‫ت بِ َ‬
‫سَها ن َأ ِ‬
‫ن آي َةٍ أوْ ُنن ِ‬
‫م ْ‬‫خ ِ‬‫س ْ‬
‫ما َنن َ‬
‫ترد آية النسخ ) َ‬
‫ُ‬ ‫ن الل ّ َ َ‬ ‫تعل َ َ‬
‫ديٌر ( ) ‪ 106‬البقرة ( في سياق‬ ‫يٍء قَ ِ‬‫ش ْ‬‫ل َ‬ ‫ىك ّ‬ ‫ه ع َل َ‬ ‫مأ ّ‬‫َْ ْ‬
‫يتداخل مع مقدمة من اليات السابقة على النسخ تتعلق كلها بالتجربة‬
‫اليهودية والسرائيلية بداية من الية ‪ 40‬وإلى الية ‪ 105‬حيث يتم‬

‫‪33‬‬
‫تفعيل حرف ) اللم – الرادة اللهية ( في سورة البقرة بعد تفعيل‬
‫حرف ) اللف ( من الية ‪ 30‬وإلى الية ‪ . 39‬بانتهاء اليات حول‬
‫التجربة السرائيلية من ‪ 40‬وإلى ‪ 105‬تأتي آية النسخ ‪.‬‬

‫ثم تعقب آية النسخ آيتان تحذيريتان موجهتان إلى المسلمين بأل‬
‫يطالبوا رسولهم ما سأله السرائيليون لموسى من خوارق معجزات‬
‫مبثوثة في سياق اليات المستبقة للنسخ ‪ ،‬ويحذرهم كيد يهودي‬
‫متوقع انظر اليتين ) ‪ 108‬و‪) ( 109‬أ َم تريدون َأن ت َ‬
‫م‬‫سول َك ُ ْ‬ ‫سأُلوا ْ َر ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ُ ِ ُ َ‬
‫واء‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ما ِ‬‫لي َ‬‫فَر ِبا ِ‬ ‫ل ال ْك ُ ْ‬ ‫من ي َت َب َد ّ ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬‫سئ ِ َ‬‫ما ُ‬ ‫كَ َ‬
‫ب ل َوْ ي َُرّدون َ ُ‬ ‫السبيل )‪ (108‬ود ك َِثير م َ‬
‫مان ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫من ب َعْد ِ ِإي َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫ٌ ّ ْ‬ ‫َ ّ‬ ‫ّ ِ ِ‬
‫فوا ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫حقّ فاع ْ ُ‬ ‫م ال َ‬ ‫ن لهُ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫سِهم ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫عند ِ أن ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫دا ّ‬
‫س ً‬ ‫ح َ‬‫فارا ً َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ه ع ََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ديٌر )‪(109‬‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫حّتى ي َأت ِ َ‬ ‫حوا ْ َ‬ ‫ف ُ‬
‫ص َ‬
‫َوا ْ‬
‫) البقرة(‪.‬‬

‫فدللة النسخ هنا موجهة نحو نسخ النسق اليهودي السرائيلي المقوم‬
‫بعالم ) الرادة اللهية ( والذي تتوازى فيه خوارق العطاء مع شرعة‬
‫الصر والغلل من صلب ورجم وقطع أيدي وأطراف ونكال في‬
‫مقابل ما سئل موسى من خارق عطاء كمائدة تتنزل من السماء وما‬
‫أجري على عصا موسى من شق للبحر وانبجاس للماء من الصخر‬
‫وما تبع ذلك ‪.‬‬

‫مصدر النسخ وكتابه ‪:‬‬


‫يرجع مصدر النسخ هنا وتبيان كتابه إلى موقف اتخذه الله من بني‬
‫إسرائيل حين عبدوا العجل ثم جاءوا إليه معتذرين يطلبون الرحمة‬
‫فعلق الله الرحمة باتباعهم لبني أمي قادم ليس من دينهم ول من‬
‫أسباطهم ‪ ،‬ول من دين سيلي دينهم وهو المسيحية ‪ ،‬وأوضح أن منهج‬
‫هذا النبي سيرتبط بثلثة مرتكزات أو علمات ‪:‬‬
‫الولى ‪ :‬وضع شرعة الصر والغلل بما يعني نسخها وما يستتبع ذلك‬
‫من نسخ العطاء الخارق ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬خطابه للناس كافة وليس حصرا ً بقبيلة أو شعب محدد كما‬
‫هو الخطاب الحصري اللهي لبني إسرائيل ‪.‬‬
‫الثالثة ‪ :‬إنه أمي والمية في مفردات القرآن الصطلحية تعني غير‬
‫المنتسب لديانات سماوية سابقة ‪ ،‬علما ً بأن النبي ل يقرأ الحرف‬
‫المكتوب ول يخط بيمينه كذلك ‪ ،‬فالنبي يجمع بين الصفتين ‪ ،‬أمي‬
‫على غير دين ساق ‪ ،‬ول يخط بيمينه وهذا معنى آخر ‪ ،‬وقد جمع الله‬
‫من‬ ‫ت ت َت ُْلو ِ‬
‫من قَب ْل ِهِ ِ‬ ‫ما ُ‬
‫كن َ‬ ‫بين الحالتين ) أمي ( ثم غير كاتب بقوله )وَ َ‬
‫ن ( ) ‪ 48‬العنكبوت ( ‪.‬‬ ‫مب ْط ُِلو َ‬
‫ب ال ْ ُ‬
‫ك إ ًِذا ّلْرَتا َ‬
‫مين ِ َ‬ ‫خط ّ ُ‬
‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ب وََل ت َ ُ‬
‫ك َِتا ٍ‬

‫‪34‬‬
‫هنا ربط الله الرحمة بإتباع الني المي ونقل الخطاب الديني إلى‬
‫الناس كافة وفق مواصفات عالم المشيئة وليس عالم الرادة وبذلك‬
‫تنسخ شرعة الصر والغلل‪.‬‬

‫ل‬‫ة َقا َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ج َ‬‫م الّر ْ‬ ‫خذ َت ْهُ ُ‬ ‫ما أ َ َ‬ ‫قات َِنا فَل َ ّ‬ ‫مي َ‬ ‫جل ً ل ّ ِ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫سب ِْعي َ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬‫سى قَوْ َ‬ ‫مو َ‬ ‫خَتاَر ُ‬ ‫)َوا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫مّنا إ ِ ْ‬ ‫فَهاء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل ال ّ‬ ‫ما فَعَ َ‬ ‫ل وَإ ِّيايَ أت ُهْل ِك َُنا ب ِ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ت أهْل َك ْت َُهم ّ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ب ل َوْ ِ‬ ‫َر ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ي إ ِل ّ فِت ْن َت ُ َ‬
‫فْر لَنا‬ ‫ت وَل ِي َّنا َفاغ ْ ِ‬ ‫شاء أن َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاء وَت َهْ ِ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ل ب َِها َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ك تُ ِ‬ ‫هِ َ‬
‫ب ل ََنا ِفي َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫هـذ ِهِ الد ّن َْيا َ‬
‫َ‬
‫ن )‪َ (155‬واك ْت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ري َ‬ ‫خي ُْر ال َْغافِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن َ‬ ‫ح ْ‬ ‫َواْر َ‬
‫مِتي‬ ‫ح َ‬ ‫شاء وََر ْ‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫ذاِبي أ ِ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خَرةِ إ ِّنا هُد َْنـا إ ِلي ْك َقا َ‬ ‫وَِفي ال ِ‬
‫ّ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫هم‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫كـاة َ َوال ِ‬ ‫ن وَي ُؤ ُْتو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سأك ْت ُب َُها ل ِل ِ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫وَ ِ‬
‫ه‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ن )‪ (156‬ال ّ ِ‬ ‫ِبآَيات َِنا ي ُؤ ْ ِ‬
‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنو َ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن‬
‫م عَ ِ‬ ‫ف وَي َن َْهاهُ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫هم ِبال َ‬ ‫مُر ُ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ‬ ‫عند َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوًبا ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ه‬ ‫ر‬ ‫ص‬ ‫إ‬
‫َ ِ َ ََ َ ُ ُْ ْ ِ ْ َ ُ ْ‬‫م‬ ‫ه‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫ع‬ ‫ض‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ث‬ ‫ئ‬ ‫بآ‬‫خ‬‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫م‬‫ِْ ُ‬ ‫ه‬ ‫ي‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫َ‬ ‫ع‬ ‫م‬ ‫ر‬ ‫ح‬
‫َّ ِ َُ َ ّ ُ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫ت‬ ‫با‬ ‫ي‬‫ّ‬ ‫ط‬ ‫ال‬ ‫م‬‫ُ ُ‬ ‫ه‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ل‬‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ا ُ ِ َُ ِ‬
‫ي‬ ‫و‬ ‫ر‬ ‫َ‬ ‫ك‬ ‫من‬ ‫ْ‬ ‫ل‬
‫صُروه ُ َوات ّب َُعوا ْ‬ ‫مُنوا ْ ب ِهِ وَع َّزُروه ُ وَن َ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َفال ّ ِ‬ ‫ت ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫كان َ ْ‬ ‫ل ال ِّتي َ‬ ‫َوال َغ ْل َ َ‬
‫َ‬ ‫ه أ ُوَْلـئ ِ َ‬ ‫الّنوَر ال ّذ ِيَ ُأنزِ َ‬
‫س‬
‫ل َيا أي َّها الّنا ُ‬ ‫ن )‪ (157‬قُ ْ‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬
‫َ‬
‫ه‬‫ض ل إ َِلـ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫مل ْ ُ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ميًعا ال ّ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫إ ِّني َر ُ‬
‫ي ال ّ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن‬
‫م ُ‬ ‫ذي ي ُؤ ْ ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سول ِهِ الن ّب ِ ّ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ت َفآ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيـي وَي ُ ِ‬ ‫إ ِل ّ هُوَ ي ُ ْ‬
‫ن )‪159 – 155 ) (158‬‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫مات ِهِ َوات ّب ُِعوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ِبالل ّهِ وَك َل ِ َ‬
‫العراف (‬

‫خصائص السلم الناسخة لليهودية ‪:‬‬


‫أكد الله على نسخ السلم للتجربة اليهودية بهيمنة القرآن على ما‬
‫سبته من كتب سماوية معترف بها ) مصدقة ( والتصديق هو‬
‫ن‬‫ما ب َي ْ َ‬ ‫ّ‬
‫صد ًّقا ل َ‬ ‫م َ‬ ‫حق ّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫العتراف بها وليس نفيها )وََأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫ه وَل َ ت َت ّب ِ ْ‬
‫ع‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫كم ب َي ْن َُهم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫مًنا ع َل َي ْهِ َفا ْ‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ب وَ ُ‬‫ن ال ْك َِتا ِ‬‫م َ‬‫ي َد َي ْهِ ِ‬
‫َ‬
‫جا وَل َ ْ‬
‫و‬ ‫من َْها ً‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرع َ ً‬ ‫م ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫حقّ ل ِك ُ ّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ما َ‬ ‫م عَ ّ‬‫واءهُ ْ‬ ‫أهْ َ‬
‫شاء الل ّه ل َجعل َك ُ ُ‬
‫قوا‬ ‫ست َب ِ ُ‬ ‫كم َفا ْ‬ ‫مآ آَتا ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫كن ل ّي َب ْل ُوَك ُ ْ‬ ‫حد َة ً وََلـ ِ‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫ُ َ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ن ()‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬
‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫ما ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ميًعا فَي ُن َب ّئ ُ ُ‬ ‫ج ِ‬
‫م َ‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ت إ َِلى الله َ‬ ‫خي َْرا ِ‬‫ال َ‬
‫‪ 48‬المائدة ( أكد الله على الختلف النوعي للشرعة والمنهاج ) لكل‬
‫جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ( والشارة في منكم إلى مرجعية النسق‬
‫الذي تنتمون إليه وهو النسق السلمي الذي يقوم على حاكمية‬
‫الكتاب خلفا ً للحاكميتين اللهية والستخلفية ‪ .‬وإلى شرعة التخفيف‬
‫والرحمة خلفا ً لشرعة الصر والغلل ‪ ،‬وإلى عالمية الخطاب خلفا ً‬
‫لحصرية الخطاب ‪.‬‬

‫فمنكم هذه نسقية ذات دللة معرفية حيث لم يقل الله ‪ /‬لكل جعلنا‬
‫شرعة ومنهاجا ‪ /‬فيكون الله هو المصدر دون الرتباط بنسق محدد ‪،‬‬

‫‪35‬‬
‫ولم يقل ‪ /‬لكل منكم جعلنا شرعة ومنهاجا ‪ /‬فيكون أساس الجعل‬
‫من عنده هو دون مرجعية نسقية ‪ ،‬ولكنه قال ‪ /‬لكل جعلنا – منكم –‬
‫شرعة ومنهاجا ‪ .‬فجعل النسق السلمي مدخل ً للهيمنة والتي تعني‬
‫) استيعات ) تصديق ( ثم تجاوز المصدق به ‪.‬‬

‫نسخ عقوبات الصر والغلل والنكال ‪:‬‬


‫بتحول الخطاب اللهي إلى السلم والمسلمين ‪ ،‬وشرعة التخفيف‬
‫والرحمة وفقا ً لما هو مقرر في إعلم الله لموسى بذلك على ضوء‬
‫آيات ) العراف ( ثم نسخ شرعة الصر والغلل وعقوبات النكال‬
‫اللهي من جنسها ‪ ،‬وذلك بعد تصديق ورودها والعتراف بحكمها‬
‫ضمن ما كان من نسق يهودي وليس القول أنه لم تكن واردة من‬
‫قبل ‪ ،‬وقد بين الله عقوبات الصر والغلل والنكال المنسوخة في‬
‫ك ك َتبنا ع ََلى بِني إسراِئي َ َ‬ ‫اليات التالية ‪) :‬م َ‬
‫من قَت َ َ‬
‫ل‬ ‫ه َ‬ ‫ل أن ّ ُ‬ ‫ِ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ل ذ َل ِ َ َ ْ َ‬ ‫ِ‬ ‫ج‬‫نأ ْ‬ ‫ِ ْ‬
‫ن‬ ‫ما قت َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫ميًعا وَ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫ل الّنا َ‬ ‫ض فكأن ّ َ‬ ‫ساد ٍ ِفي الْر ِ‬ ‫س أوْ ف َ‬ ‫ف ٍَ‬ ‫سا ب ِغَي ْرِ ن َ ْ‬
‫َ‬
‫ف ً‬ ‫نَ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م إِ ّ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫سلَنا ِبالب َي َّنا ِ‬ ‫م ُر ُ‬ ‫جاء ت ْهُ ْ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ميًعا وَل َ‬ ‫ج ِ‬ ‫س َ‬ ‫حَيا الّنا َ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ها فَكأن ّ َ‬ ‫حَيا َ‬ ‫أ ْ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫جَزاء ال ّ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫ن )‪ ( 32‬إ ِن ّ َ‬ ‫سرُِفو َ‬ ‫م ْ‬ ‫ض لَ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ك ِفي ال َْر‬ ‫من ُْهم ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ك َِثيًرا ّ‬
‫صل ُّبوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫قت ُّلوا ْ أوْ ي ُ َ‬ ‫ساًدا أن ي ُ َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ِ‬ ‫ن ِفي الْر‬ ‫سعَوْ َ‬ ‫ه وَي َ ْ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حارُِبو َ‬ ‫يُ َ‬
‫ي‬ ‫َ‬ ‫ض ذ َل ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫أ َوْ ت ُ َ‬
‫خْز ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ك لهُ ْ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬ ‫فوْا ِ‬ ‫ف أوْ ُين َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫جلُهم ّ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫قطعَ أي ْ ِ‬
‫ل‬‫من قَب ْ ِ‬ ‫ن َتاُبوا ْ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪ (33‬إ ِل ّ ال ّ ِ‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ ع َ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا وَل َهُ ْ‬
‫مُنوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأن ت َ ْ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م )‪َ (34‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫حي ٌ‬ ‫فوٌر ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫موا ْ أ ّ‬ ‫م َفاع ْل َ ُ‬ ‫قد ُِروا ْ ع َل َي ْهِ ْ‬
‫ن)‬ ‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م تُ ْ‬ ‫سِبيل ِهِ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫دوا ْ ِفي َ‬ ‫جاه ِ ُ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫سيل َ َ‬ ‫ه َواب ْت َُغوا ْ إ َِليهِ ال ْوَ ِ‬ ‫قوا ْ الل ّ َ‬ ‫ات ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫معَ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫مث ْل َ ُ‬ ‫ميًعا وَ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ما ِفي الْر ِ‬ ‫ن ل َُهم ّ‬ ‫فُروا ْ ل َوْ أ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫‪ (35‬إ ِ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫م)‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫م وَلهُ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ل ِ‬ ‫قب ّ َ‬ ‫ما ت ُ ُ‬ ‫مةِ َ‬ ‫قَيا َ‬ ‫ب ي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫دوا ْ ب ِهِ ِ‬ ‫فت َ ُ‬ ‫ل ِي َ ْ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫من َْها وَل َهُ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫جي َ‬ ‫خارِ ِ‬ ‫هم ب ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن الّنارِ وَ َ‬ ‫م َ‬ ‫جوا ْ ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن أن ي َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ري ُ‬ ‫‪ (36‬ي ُ ِ‬
‫َ‬
‫كال ً‬ ‫سَبا ن َ َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫جَزاء ب ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َفاقْط َُعوا ْ أي ْد ِي َهُ َ‬ ‫سارِقَ ُ‬ ‫سارِقُ َوال ّ‬ ‫م )‪َ (37‬وال ّ‬ ‫قي ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ح فَإ ِ ّ‬
‫ن‬ ‫صل َ‬ ‫مهِ وَأ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ ظل ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫من َتا َ‬ ‫م )‪ (38‬فَ َ‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن اللهِ َوالل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ك‬‫مل ْ ُ‬ ‫ه‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫َ‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ت‬ ‫م‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫أ‬ ‫(‬ ‫‪39‬‬ ‫)‬ ‫م‬ ‫حي‬ ‫ر‬ ‫ر‬ ‫فو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫غ‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫ه‬ ‫ي‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫ب‬ ‫تو‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ال‬
‫َ ُ ُ‬ ‫ْ َْ ْ ّ‬ ‫ٌ ّ ِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫َ َُ ُ َ ْ ِ ِ ّ‬
‫ل‬‫ه ع َلى ك ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ض ي ُعَذ ّ ُ‬ ‫َ‬
‫شاء َوالل ُ‬ ‫فُر ل ِ َ‬ ‫شاء وَي َغْ ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ديٌر)‪ 40-32 ) (40‬المائدة ( ويتبع ذلك تشخيص للحالة‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫َ‬
‫ن ِفي ال ْك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫فرِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫سارِ ُ‬ ‫ن يُ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ك ال ّ ِ‬ ‫حُزن َ‬ ‫ل ل َيَ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫اليهودية )َيا أي َّها الّر ُ‬
‫هاُدوا ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫م َ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫من قُلوب ُهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫م ت ُؤ ْ ِ‬ ‫م وَل ْ‬ ‫َ‬ ‫واه ِهِ ْ‬ ‫َ‬ ‫مّنا ب ِأ َفْ‬ ‫ن َقاُلوا ْ آ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ْ‬
‫من‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْك َل ِ َ‬ ‫حّرُفو َ‬ ‫ك يُ َ‬ ‫م ي َأُتو َ‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ري َ‬ ‫خ ِ‬ ‫قوْم ٍ آ َ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫ب َ‬ ‫ن ل ِل ْك َذ ِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫َ‬
‫حذ َُروا ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫م ت ُؤ ْت َوْه ُ فا ْ‬ ‫ذوه ُ وَِإن ل ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ذا ف ُ‬ ‫هـ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن أوِتيت ُ ْ‬ ‫ن إِ ْ‬ ‫قولو َ‬ ‫ضعِهِ ي َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ب َعْد ِ َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م ي ُرِدِ‬ ‫نل ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫شي ًْئا أوْلـئ ِك ال ِ‬ ‫ن اللهِ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ِ‬ ‫مل ِك ل ُ‬ ‫ه فَلن ت َ ْ‬ ‫ه فِت ْن َت َ ُ‬ ‫من ي ُرِد ِ الل ُ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ذا ٌ‬ ‫خَرةِ ع َ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫خْزيٌ وَل َهُ ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ل َهُ ْ‬ ‫ه أن ي ُط َهَّر قُُلوب َهُ ْ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫َ‬
‫كم‬ ‫ح ُ‬ ‫ك َفا ْ‬ ‫ؤو َ‬ ‫جآ ُ‬ ‫ت فَِإن َ‬ ‫ح ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ن ِلل ّ‬ ‫كاُلو َ‬ ‫بأ ّ‬ ‫ن ل ِل ْك َذ ِ ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ُ‬ ‫س ّ‬ ‫م )‪َ (41‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫عَ ِ‬
‫َ‬ ‫ضّرو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫م َ‬ ‫حك ْ‬ ‫ن َ‬ ‫شي ًْئا وَإ ِ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫م فَلن ي َ ُ‬ ‫ض ع َن ْهُ ْ‬ ‫م وَِإن ت ُعْرِ ْ‬ ‫ض ع َن ْهُ ْ‬ ‫ب َي ْن َُهم أوْ أع ْرِ ْ‬
‫ك‬ ‫مون َ َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫ف يُ َ‬ ‫ن )‪ (42‬وَك َي ْ َ‬ ‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ط إِ ّ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫م ِبال ْ ِ‬ ‫كم ب َي ْن َهُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫َفا ْ‬
‫ما أوَْلـئ ِ َ‬ ‫ُ‬
‫ك‬ ‫ك وَ َ‬ ‫من ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ي َت َوَل ّوْ َ‬ ‫م الل ّهِ ث ُ ّ‬ ‫حك ْ ُ‬ ‫م الت ّوَْراة ُ ِفيَها ُ‬ ‫عند َهُ ُ‬ ‫وَ ِ‬

‫‪36‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م ب َِها الن ّب ِّيو َ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫دى وَُنوٌر ي َ ْ‬ ‫ن )‪ (43‬إ ِّنا أنَزل َْنا الت ّوَْراة َ ِفيَها هُ ً‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ِبال ْ ُ‬
‫ال ّذي َ‬
‫من‬ ‫ظوا ْ ِ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ست ُ ْ‬ ‫ما ا ْ‬ ‫حَباُر ب ِ َ‬ ‫ن َوال َ ْ‬ ‫هاُدوا ْ َوالّرّبان ِّيو َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫موا ْ ل ِل ّ ِ‬ ‫سل َ ُ‬
‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬
‫شت َُروا ْ‬ ‫ن وَل ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫شوْ ِ‬ ‫خ َ‬ ‫س َوا ْ‬ ‫شوُا الّنا َ‬ ‫ْ‬ ‫خ َ‬ ‫َ‬
‫داء فل ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ب اللهِ وَكاُنوا ع َلي ْهِ ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ك َِتا ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ه فَأوْلـئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ن)‬ ‫م الكافُِرو َ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫حكم ب ِ َ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ْ‬ ‫مًنا قَِليل ً وَ َ‬ ‫ِبآَياِتي ث َ َ‬
‫َ‬ ‫فس َوال ْعَي ْ َ ْ‬ ‫َ‬
‫ف‬
‫ن َوالن َ‬ ‫ن ِبالعَي ْ ِ‬ ‫س ِبالن ّ ْ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫م ِفيَها أ ّ‬ ‫‪ (44‬وَك َت َب َْنا ع َل َي ْهِ ْ‬
‫ن َوال ْ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ف َوال ُذ ُ َ‬ ‫با َ‬
‫ه‬
‫صد ّقَ ب ِ ِ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ص فَ َ‬ ‫صا ٌ‬ ‫ح ُ قِ َ‬ ‫جُرو َ‬ ‫س ّ‬ ‫ن ِبال ّ‬ ‫س ّ‬ ‫ن َوال ّ‬ ‫ن ِبالذ ُ ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫ِ‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫م الظال ِ ُ‬ ‫ّ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ه فَأوْلـئ ِ َ‬ ‫َ‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ّ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ْ‬ ‫ّ‬ ‫ه وَ َ‬ ‫ّ‬
‫فاَرة ٌ ل ُ‬ ‫فَهُوَ ك َ ّ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫م ُ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫هم ب َِعي َ‬ ‫في َْنا ع ََلى آَثارِ ِ‬ ‫‪ (45‬وَقَ ّ‬
‫ن‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫دى وَُنوٌر وَ ُ‬ ‫ل ِفيهِ هُ ً‬ ‫جي َ‬ ‫لن ِ‬ ‫الت ّوَْراةِ َوآت َي َْناه ُ ا ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ما أنَز َ‬ ‫ل بِ َ‬ ‫جي ِ‬ ‫لن ِ‬ ‫لا ِ‬ ‫م أهْ ُ‬ ‫حك ُ ْ‬ ‫ن )‪ (46‬وَلي َ ْ‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة لل ُ‬ ‫عظ ً‬ ‫موْ ِ‬ ‫دى وَ َ‬ ‫الت ّوَْراةِ وَهُ ً‬
‫م ال ْ َ‬ ‫ه فَأوَْلـئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ن )‪) (47‬‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م يَ ْ‬ ‫من ل ّ ْ‬ ‫ه ِفيهِ وَ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫‪ 47 41‬المائدة ( ثم جاءت هيمنة القرآن واختلف الشرعة والمنهاج‬
‫مًنا‬ ‫مهَي ْ ِ‬ ‫ب وَ ُ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ ِ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫صد ًّقا ل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫حق ّ ُ‬ ‫ب ِبال ْ َ‬ ‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫)وََأنَزل َْنا إ ِل َي ْ َ‬
‫َ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫حقّ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ما َ‬ ‫م عَ ّ‬ ‫واءهُ ْ‬ ‫ه وَل َ ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫كم ب َي ْن َُهم ب ِ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ع َل َي ْهِ َفا ْ‬
‫ُ‬
‫حد َةً‬ ‫ة َوا ِ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬ ‫جعَل َك ُ ْ‬ ‫ه لَ َ‬ ‫شاء الل ّ ُ‬ ‫جا وَل َوْ َ‬ ‫من َْها ً‬ ‫ة وَ ِ‬ ‫شْرع َ ً‬ ‫م ِ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫جعَل َْنا ِ‬ ‫ل َ‬ ‫ل ِك ُ ّ‬
‫م‬ ‫جعُك ُ ْ‬ ‫مْر ِ‬ ‫ت إ َِلى الله َ‬ ‫خي َْرا ِ‬ ‫قوا ال َ‬ ‫ست َب ِ ُ‬ ‫كم َفا ْ‬ ‫مآ آَتا ُ‬ ‫م ِفي َ‬ ‫كن ل ّي َب ْل ُوَك ُ ْ‬ ‫وََلـ ِ‬
‫ل‬‫مآ أنَز َ‬ ‫َ‬ ‫ح ُ‬ ‫َ‬ ‫ما ُ‬ ‫ميًعا فَي ُن َب ّئ ُ ُ‬
‫كم ب َي ْن َُهم ب ِ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ن )‪ (48‬وَأ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خت َل ِ ُ‬ ‫م ِفيهِ ت َ ْ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫كم ب ِ َ‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ه إ ِلي ْ َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫فت ُِنو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ك‬ ‫ل الل ُ‬ ‫ما أنَز َ‬ ‫ض َ‬ ‫عن ب َعْ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫م أن ي َ ْ‬ ‫حذ َْرهُ ْ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫واءهُ ْ‬ ‫ه وَل َ ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬ ‫الل ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن ك َِثيًرا‬ ‫م وَإ ِ ّ‬ ‫ض ذ ُُنوب ِهِ ْ‬ ‫صيب َُهم ب ِب َعْ ِ‬ ‫ه أن ي ُ ِ‬ ‫ريد ُ الل ّ ُ‬ ‫ما ي ُ ِ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫فَِإن ت َوَل ّوْا ْ َفاع ْل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫جاه ِل ِي ّةِ ي َب ُْغو َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫حك ْ َ‬ ‫ن )‪ (49‬أفَ ُ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫فا ِ‬ ‫س لَ َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ 50 – 48 ( 50‬المائدة (‬ ‫ْ ٍ ُ ِ ُ َ‬‫نو‬ ‫ق‬ ‫يو‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ق‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫ما‬‫ِ ُ ً‬ ‫ْ‬ ‫ك‬ ‫ح‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬

‫وقد قصد الله اليهود هنا بأمرين ‪:‬‬


‫أولهما‪ :‬أنهما أرادوا أن يتبع الرسول أهواءهم في التشريع فيقدم على‬
‫ما ما كانت عليه شريعتهم‪ ،‬ومقصدهم من ذلك ليس المقايضة‬
‫لليمان به ولكن لبطال علقة الخطاب اللهي لموسى من قبل حول‬
‫النبي المي الذي يأخذ بشرعة التخفيف والرحمة عوضا ً عن شرعة‬
‫ل الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مآ َأنَز َ‬ ‫كم ب َي ْن َُهم ب ِ َ‬‫ح ُ‬‫نا ْ‬
‫َ‬
‫الصر والغلل وهذا هو منطق الية )وَأ ِ‬
‫ك فَِإن‬ ‫ه إ ِل َي ْ َ‬
‫ل الل ّ ُ‬ ‫ما َأنَز َ‬ ‫ض َ‬ ‫عن ب َعْ ِ‬ ‫ك َ‬ ‫فت ُِنو َ‬‫م َأن ي َ ْ‬‫حذ َْرهُ ْ‬
‫م َوا ْ‬‫واءهُ ْ‬
‫َ‬
‫وَل َ ت َت ّب ِعْ أهْ َ‬
‫تول ّوا ْ َفاع ْل َم أ َنما يريد الل ّ َ‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ن ك َِثيًرا ّ‬ ‫م وَإ ِ ّ‬‫ض ذ ُُنوب ِهِ ْ‬
‫صيب َُهم ب ِب َعْ ِ‬‫ه أن ي ُ ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ّ َ ُ ِ ُ‬ ‫َ َ ْ‬
‫ن ( ) ‪ 49‬المائدة (‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬
‫فا ِ‬ ‫َ‬
‫سل َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ثانيهما ‪ :‬حكم الجاهلية )أ َفَحك ْم ال ْجاهل ِية يبُغون وم َ‬
‫ن الل ّهِ‬ ‫م َ‬‫ن ِ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ َ َ ْ‬ ‫َ ِ ّ ِ َْ‬ ‫ُ َ‬
‫ن ( ) ‪ 50‬المائدة ( إذ كان يهود المدينة المنورة‬ ‫قوْم ٍ ُيوقُِنو َ‬ ‫ما ل ّ َ‬
‫حك ْ ً‬ ‫ُ‬
‫ُ‬
‫ن أوُتوا ْ‬ ‫َ‬
‫ذي َ‬‫م ت ََر إ َِلى ال ّ ِ‬ ‫يحضون المشركين على التمسك بجاهليتهم )أل َ ْ‬
‫فُروا ْ‬‫ن كَ َ‬‫ذي َ‬ ‫ن ل ِل ّ ِ‬‫قوُلو َ‬ ‫ت وَي َ ُ‬
‫غو ِ‬ ‫ت َوال ّ‬
‫طا ُ‬ ‫ن ِبال ْ ِ‬
‫جب ْ ِ‬ ‫ب ي ُؤ ْ ِ‬
‫مُنو َ‬ ‫ن ال ْك َِتا ِ‬‫م َ‬ ‫صيًبا ّ‬ ‫نَ ِ‬
‫سِبيل ً ( ) ‪ 51‬النساء ( وليس لهذه الية‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫هَ ُ‬
‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬
‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫م َ‬‫دى ِ‬ ‫ؤلء أهْ َ‬
‫علقة بالمسلمين ل في الماضي ول في الحاضر ‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫بذلك جاء السلم ناسخا ً للشرعة التوراتية من جهة ومحقا ً الحق بوجه‬
‫الجاهلية المشركة ‪ -‬بالله ‪ -‬من جهة أخرى ‪.‬‬

‫ولهذا ليس على المسلمين حد حرابة ينتهي بقطع الطراف‬


‫والصلب ‪ ،‬وليس عليهم حد ليد السارق بالقطع ‪ ،‬ول عينا ً بعين ول سنا ً‬
‫بسن ‪ ،‬ول رجم لمن زنى بل جلد لمن يثبت عليه الزنى ولكن ثبوتا ً‬
‫شرعيا ً وليس كيديا ً يستسهل مواقع الثبات الشرعي ‪.‬‬

‫مصادر العقوبات الصرية والنكالية في الفقه السلمي ‪:‬‬


‫تؤكد كل مصادرنا الفقهية على قيام هذه العقوبات في الشريعة‬
‫السلمية ‪ ،‬بذلك تبطل هيمنة القرآن على الكتب والشرائع السابقة ‪،‬‬
‫بما يتناقض ومدلول الية ‪ / 48‬المائدة حول الهيمنة واختلف‬
‫الشرعة والمنهاج ‪ .‬وتنسب بعض المصادر الفقهية إلى الرسول‬
‫نفسه تطبيق بعضها وبذلك يتم التناسخ بين القرآن وأحكامه والرسول‬
‫وأحكامه ‪ ،‬وهو قول باطل بحق معصومين متكاملين وهما كمواقع‬
‫النجوم ‪ ،‬وتناقض مع مهمة الرسول لتبين الذكر الذي أنزل إلى الناس‬
‫وليس نسخه وينسحب نفس المر على قائمة المحرمات الطويلة‬
‫المنسوبة للرسول علما ً بأن ذلك من سلطة الله المطلقة فقط ‪.‬‬

‫إن كافة العقوبات في السلم متروكة للمجتمع المسلم يقررها بحكم‬


‫) حاكمية الكتاب ( والنظر فيها بوصفها مخالفة للشرع بدليل فرض‬
‫نوع من العقوبات عليها في شرائع سابقة ‪ ،‬ساقها القرآن وأوردها‬
‫بمنطق التصديق حتى ل يأتي إنسان ويقول أنه ل عقوبة على سارق‬
‫أو قاتل أو مفسد في الرض بحد شرعي ‪.‬‬

‫فتصديق ما كان من عقوبات ‪ ،‬ولو كانت إصرية ونكالية ‪ ،‬تأكيد على‬


‫كونها جرائم تستحق العقاب والقصاص فل يستسهل المجتمع‬
‫قت َْلى‬ ‫ص ِفي ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫صا ُ‬ ‫ق َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب ع َل َي ْك ُ ُ‬ ‫مُنوا ْ ك ُت ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫المسلم الجريمة )أي َّها ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫يءٌ‬
‫ش ْ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ي لَ ُ‬‫ف َ‬ ‫ن عُ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫حّر َوال ْعَب ْد ُ ِبال ْعَب ْد ِ َوالنَثى ِبالنَثى فَ َ‬ ‫حّر ِبال ْ ُ‬‫ال ْ ُ‬
‫َ‬
‫ة‬‫م ٌ‬‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫في ٌ‬ ‫خ ِ‬‫ك تَ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ف وَأَداء إ ِل َي ْهِ ب ِإ ِ ْ‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫َفات َّباع ٌ ِبال ْ َ‬
‫َ‬
‫حَياةٌ‬
‫ص َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م ِفي ال ْ ِ‬ ‫م )‪ (178‬وَل َك ُ ْ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫ك فَل َ ُ‬‫دى ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬ ‫ن اع ْت َ َ‬ ‫مُ ِ‬‫فَ َ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(179‬‬ ‫قو َ‬ ‫ب لعَلك ُ ْ‬
‫م ت َت ّ ُ‬ ‫ي اللَبا ِ‬ ‫ي َا ْ أول ِ ْ‬
‫فإن يسر الله علينا برحمته حتى في الدم وخفف عنا برحمته في‬
‫حين أن شرائع اليهود تمضي إلى سن بسن وعين بعين ‪ ،‬وإلى‬
‫القصاص بالقتل دون عفو ‪ ،‬فل يعني ذلك استسهال الجرائم وإلغاء‬
‫منطق الحدود ولكن ليس حدود اليهود والتوراة ‪ ،‬ول حتى بالقياس‬
‫اجتهادا ً إل إذا قسنا الفارق الحدي بين الرجم على اليهود والجلد على‬
‫المسلم سواء كان محصنا ً أو غير محصن ‪ ،‬فهذا التمييز هو من عمل‬
‫الفقهاء الذين جاءوا بالرجم زورا ً عوضا ً عن الجلد وابتدعوا قصة‬

‫‪38‬‬
‫المحصن وغير المحصن ‪ .‬فالجلد عقوبة بهيمية لزمة للنسان الذي‬
‫يتدنى إلى مستوى الغريزية البهيمية فيمارس الزنا متجاوزا ً للخلقية‬
‫النسانية ‪ ،‬لهذا أخرج الله الممارسين للزنا أنثى وذكرا ً من دائرة‬
‫سوَرةٌ‬ ‫اليمان وجعل زواجهما من بعد حصرا ً بالزناة والمشركين ) ُ‬
‫ها وفَرضنا َ َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫ن)‪ (1‬الّزان ِي َ ُ‬ ‫م ت َذ َك ُّرو َ‬ ‫ت ل ّعَل ّك ُ ْ‬ ‫ت ب َي َّنا ٍ‬ ‫ها وَأنَزل َْنا ِفيَها آَيا ٍ‬ ‫أنَزل َْنا َ َ َ ْ َ‬
‫ْ‬
‫ة ِفي‬ ‫ما َرأ ْفَ ٌ‬ ‫كم ب ِهِ َ‬‫خذ ْ ُ‬ ‫جل ْد َةٍ وََل ت َأ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫مئ َ َ‬‫ما ِ‬ ‫من ْهُ َ‬‫حد ٍ ّ‬‫ل َوا ِ‬ ‫دوا ك ُ ّ‬ ‫َوالّزاِني َفا ْ‬
‫جل ِ ُ‬
‫ة‬
‫ف ٌ‬ ‫َ‬
‫ما طائ ِ َ‬ ‫ذاب َهُ َ‬ ‫شهَد ْ ع َ َ‬ ‫ْ‬
‫خرِ وَلي َ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬
‫ن ِباللهِ َوالي َوْم ِ ال ِ‬ ‫ّ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م ت ُؤ ْ ِ‬ ‫كنت ُ ْ‬‫ن الل ّهِ ِإن ُ‬
‫َ‬ ‫ِدي ِ‬
‫ة َل َينك ِ ُ‬
‫حَها‬ ‫ة َوالّزان ِي َ ُ‬ ‫شرِك َ ً‬ ‫م ْ‬ ‫ة أوْ ُ‬ ‫ح إّل َزان ِي َ ً‬ ‫ن )‪ (2‬الّزاِني َل َينك ِ ُ‬ ‫مِني َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ن )‪ 3- 1 ) (3‬النور ( ‪.‬‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬‫م ذ َل ِك ع َلى ال ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫شرِك وَ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن أوْ ُ‬ ‫إ ِل َزا ٍ‬

‫ثم حذر الله من إشاعة القول بالفاحشة بين المسلمين وشدد على‬
‫الثبات الذي يكاد أن يكون ممتنعا ً وجعل عقوبة رادعه من ذات الجلد‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‬
‫م ي َأُتوا ب ِأْرب َعَ ِ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫ت ثُ ّ‬ ‫صَنا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫ن ي َْر ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫البهيمي للمدعين كذبا ً )َوال ّ ِ‬
‫ُ‬
‫دا وَأوْل َئ ِ َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ك هُ ُ‬ ‫شَهاد َة ً أب َ ً‬ ‫م َ‬ ‫قب َُلوا ل َهُ ْ‬ ‫جل ْد َة ً وََل ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫ماِني َ‬ ‫م ثَ َ‬ ‫دوهُ ْ‬ ‫جل ِ ُ‬ ‫داء َفا ْ‬ ‫شهَ َ‬ ‫ُ‬
‫ه غَ ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫من ب َعْد ِ ذ َل ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ال ْ َ‬
‫فوٌر‬ ‫ن الل َ‬ ‫حوا فَإ ِ ّ‬ ‫صل ُ‬ ‫ك وَأ ْ‬ ‫ن َتاُبوا ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن )‪ (4‬إ ِل ال ِ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫فا ِ‬
‫م‬
‫سهُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫داء إ ِّل َأن ُ‬ ‫شهَ َ‬ ‫م ُ‬ ‫كن ل ّهُ ْ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫م وَل َ ْ‬ ‫جهُ ْ‬ ‫ن أْزَوا َ‬
‫حيم )‪ (5‬وال ّذين يرمو َ‬
‫َ ِ َ َْ ُ َ‬ ‫ّر ِ ٌ‬
‫ن )‪َ (6‬وال ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ة‬
‫س ُ‬ ‫م َ‬ ‫خا ِ‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫شَهاَدا ٍ‬ ‫م أْرب َعُ َ‬ ‫حد ِه ِ ْ‬ ‫شَهاد َة ُ أ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ن وَي َد َْرأ )‪ (7‬ع َن َْها العَ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬
‫ن ال َ‬ ‫ت اللهِ ع َلي ْهِ ِإن َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫بأ ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫كاذ ِِبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن لعْن َ َ‬ ‫أ ّ‬
‫خامس َ َ‬ ‫شهَد َ أ َْرب َعَ َ‬
‫ب‬‫ض َ‬ ‫ن غَ َ‬ ‫ةأ ّ‬ ‫ن )‪َ (8‬وال ْ َ ِ َ‬ ‫كاذ ِِبي َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ه لَ ِ‬ ‫ت ِبالل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫شَهاَدا ٍ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن )‪ ) (9‬النور (‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫الل ّهِ ع َل َي َْها ِإن َ‬
‫فقد جعل الله عقوبة الجلد في الزنا لن شرعة الزواج هي الحد‬
‫الفاصل بين البهيمية الغريزية والحالة النسانية ‪ ،‬وقد حددت تلك‬
‫الشرعة في عالم المر حين أسندت الخلفة في الرض لدم فأمره‬
‫غدا ً‬ ‫الله بالزواج )وقُل ْنا يا آدم اسك ُ َ‬
‫من َْها َر َ‬ ‫ة وَك ُل َ ِ‬ ‫جن ّ َ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ت وََزوْ ُ‬ ‫ن أن َ‬ ‫َ َ َ َ ُ ْ ْ‬
‫ن ( ) ‪35‬‬ ‫مي َ‬ ‫ّ‬
‫ن الظال ِ ِ‬ ‫ْ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫جَرة َ فت َكوَنا ِ‬ ‫َ‬ ‫ش َ‬ ‫هـذ ِهِ ال ّ‬ ‫قَرَبا َ‬ ‫ما وَل َ ت َ ْ‬ ‫شئ ْت ُ َ‬‫ث ِ‬ ‫حي ْ ُ‬ ‫َ‬
‫البقرة ( أما قبل آدم فقد كان البشر يفسدون في الرض ويسفكون‬
‫الدماء دون التقيد بشرعة ما إل شرعة القوي ‪ ،‬وهذه هي الحالة التي‬
‫دفعت الملئكة البرار للحتجاج على اصطفاء خليفة من بين جنس‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫جعَ ُ‬
‫ل‬ ‫ة َقاُلوا ْ أت َ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫خِلي َ‬ ‫ض َ‬ ‫ل ِفي الْر ِ‬ ‫ع ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫مل َئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫البشر)وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ك‬ ‫س لَ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ك وَن ُ َ‬ ‫مد ِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬ ‫ن نُ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ماء وَن َ ْ‬ ‫ك الد ّ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫س ِ‬ ‫سد ُ ِفيَها وَي َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫ِفيَها َ‬
‫ن )‪ ) (30‬البقرة (‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َقا َ‬
‫مو َ‬ ‫ما ل ت َعْل ُ‬ ‫م َ‬ ‫ل إ ِّني أع ْل ُ‬

‫فلما تم اختيار آدم قيد بشرعة الزواج فلم تحل له غير زوجته وحملت‬
‫مولدته النثى اسم البنوة ) ابنة ( وحمل مولوده الذكر اسم البنوة‬
‫) ابن ( وحملت النثى إسم ) زوجة ( وحمل هو إسم )زوج( وأصبحت‬
‫علقة البنت بالبن علقة أخت ب أخ يحرم زواجهما من بعضهما ‪.‬‬
‫وهذه هي كل السماء التي تعلمها آدم ‪ ،‬فالسم في القرآن يدل على‬
‫خصائص وهذا ما يقصد به السم ) الحامل ( حيث يكون له سلطان‬
‫وقوة ومعنى وليس مجرد السم )العلم( المحمول الذي يتسمى به‬

‫‪39‬‬
‫الناس ‪ .‬ولن الناس في الجاهلية أطلقوا على أوثانهم أسماء اللهة‬
‫سائلهم الله عن خصائص هذه السماء وسلطانها المميز لها وقوتها‬
‫من‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ه ب َِها ِ‬ ‫ما َأنَز َ‬
‫كم ّ‬ ‫م َوآَباؤ ُ ُ‬ ‫)إن هي إّل أ َسماء سميتمو َ َ‬
‫ها أنت ُ ْ‬ ‫َ ّ ُْ ُ‬ ‫ْ َ‬ ‫ِ ْ ِ َ ِ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫سل ْ َ‬
‫من ّرب ّهِ ُ‬
‫هم ّ‬ ‫جاء ُ‬ ‫قد ْ َ‬‫س وَل َ‬ ‫ف ُ‬‫وى الن ُ‬ ‫ما ت َهْ َ‬ ‫ن وَ َ‬
‫ن إ ِل الظ ّ‬ ‫ن ِإن ي َت ّب ُِعو َ‬
‫طا ٍ‬ ‫ُ‬
‫دى ( ) ‪ 23‬النجم ( ‪.‬‬ ‫ال ْ ُ َ‬
‫ه‬

‫وللتمييز بين أسماء الله الحسنى التي يتداولها الناس وبين سلطان‬
‫اسمه الحامل لسلطان اللوهة الزلية سال الله الناس عن معرفتهم‬
‫صط َب ِْر ل ِعَِباد َت ِ ِ‬ ‫َْ‬
‫ه‬ ‫ما َفاع ْب ُد ْه ُ َوا ْ‬ ‫ما ب َي ْن َهُ َ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬‫ب ال ّ‬ ‫باسمه )َر ّ‬
‫ً‬
‫مّيا ( ) ‪ 65‬مريم ( تلك السماء كلها كانت وقفا على‬ ‫س ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫ل ت َعْل َ ُ‬ ‫هَ ْ‬
‫شرعة الزواج و متفرعاتها في النسب عموديا ً وأفقيا ً ولم تكن‬
‫الملئكة على علم بها وبخصائصها قبل الستخلف وشرعة الزواج‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل ِفيَها‬ ‫جعَ ُ‬ ‫ة َقاُلوا ْ أت َ ْ‬ ‫ف ً‬ ‫خِلي َ‬ ‫ض َ‬ ‫ل ِفي الْر ِ‬ ‫ع ٌ‬ ‫جا ِ‬ ‫مل َئ ِك َةِ إ ِّني َ‬ ‫ك ل ِل ْ َ‬ ‫ل َرب ّ َ‬ ‫)وَإ ِذ ْ َقا َ‬
‫ك َقا َ‬
‫ل‬ ‫س لَ َ‬ ‫قد ّ ُ‬ ‫ك وَن ُ َ‬ ‫مد ِ َ‬ ‫ح ْ‬‫ح بِ َ‬ ‫سب ّ ُ‬‫ن نُ َ‬ ‫ح ُ‬ ‫ماء وَن َ ْ‬ ‫ك الد ّ َ‬ ‫ف ُ‬ ‫س ِ‬ ‫سد ُ ِفيَها وَي َ ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫من ي ُ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ع َلى‬ ‫ضهُ ْ‬ ‫م ع ََر َ‬ ‫ماء كلَها ث ُ ّ‬ ‫س َ‬‫م ال ْ‬ ‫م آد َ َ‬ ‫ن )‪ (30‬وَع َل َ‬ ‫مو َ‬ ‫ما ل َ ت َعْل ُ‬ ‫م َ‬‫إ ِّني أع ْل ُ‬
‫ن )‪َ (31‬قاُلوا ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫صاد ِِقي َ‬ ‫م َ‬ ‫كنت ُ ْ‬ ‫ؤلء ِإن ُ‬ ‫هـ ُ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫ل أنب ُِئوِني ب ِأ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫مل َئ ِك َةِ فَ َ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ل َيا‬ ‫م )‪َ (32‬قا َ‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ت ال ْعَِلي ُ‬ ‫ك أن َ‬ ‫مت ََنا إ ِن ّ َ‬ ‫ما ع َل ّ ْ‬ ‫م ل ََنا إ ِل ّ َ‬ ‫عل ْ َ‬‫ك لَ ِ‬ ‫حان َ َ‬ ‫سب ْ َ‬‫ُ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م إ ِّني‬ ‫م أُقل لك ُ ْ‬ ‫ل أل ْ‬ ‫م َقا َ‬ ‫مآئ ِهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م ب ِأ ْ‬ ‫ما أنب َأهُ ْ‬ ‫م فَل ّ‬ ‫مآئ ِهِ ْ‬ ‫س َ‬ ‫م أنب ِئ ُْهم ب ِأ ْ‬ ‫آد َ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(33‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ت َك ْت ُ ُ‬
‫كنت ُ ْ‬ ‫ما ُ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ما ت ُب ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ض وَأع ْل َ ُ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫م غ َي ْ َ‬ ‫أع ْل َ ُ‬
‫)البقرة(‬

‫أما ما في الكون من شجر وبحر وحجر وبهائم وطيور فليس بالسماء‬


‫التي تعلمها آدم كما تزعم التوراة وفهمها البدائي لما حرف فيها من‬
‫التنزيل ‪.‬‬
‫تطبيق شرعة الصر والغلل‬
‫على يهود المدينة )يثرب (‬
‫قد أمر الله سبحانه بتطبيق شرعة الصر والغلل على يهود يثرب‬
‫وذلك بعد تحالفهم مع مشركي قريش في غزوة الخندق ‪ ،‬فرد الله‬
‫المشركين بالريح العاصف وكفى المؤمنين القتال وأمر بقتل وأسر‬
‫اليهود ومصادرة أموالهم وأراضيهم وحتى إجلء من تبقى منهم‬
‫َ‬
‫ب‬‫شاء أوْ ي َُتو َ‬ ‫ن ِإن َ‬ ‫قي َ‬‫مَنافِ ِ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫م وَي ُعَذ ّ َ‬ ‫صد ْقِهِ ْ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫صاد ِِقي َ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫جزِيَ الل ّ ُ‬ ‫)ل ِي َ ْ‬
‫م‬‫فُروا ب ِغَي ْظ ِهِ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫ّ‬
‫ما )‪ (24‬وََرد ّ الل ُ‬ ‫حي ً‬‫فوًرا ّر ِ‬ ‫ن غَ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ّ‬
‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ع َل َي ْهِ ْ‬
‫زيًزا )‪(25‬‬ ‫ه قَوِّيا ع َ ِ‬ ‫ن الل ّ ُ‬‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫قَتا َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ه ال ْ ُ‬ ‫فى الل ّ ُ‬ ‫خي ًْرا وَك َ َ‬ ‫م ي ََناُلوا َ‬ ‫لَ ْ‬
‫َ‬ ‫وََأنَز َ‬
‫ف ِفي‬ ‫م وَقَذ َ َ‬ ‫صيهِ ْ‬ ‫صَيا ِ‬ ‫من َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل ْ ال ْك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫ظاهَُرو ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ل ال ّ ِ‬
‫قا )‪ (26‬وأ َورث َك ُ َ‬
‫م‬
‫ضهُ ْ‬‫م أْر َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َْ‬ ‫ري ً‬‫ن فَ ِ‬ ‫سُرو َ‬ ‫ن وَت َأ ِ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫قا ت َ ْ‬ ‫ري ً‬ ‫ب فَ ِ‬ ‫م الّرع ْ َ‬ ‫قُُلوب ِهِ ُ‬
‫ه ع ََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ديًرا )‬‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬‫ها وَ َ‬ ‫ؤو َ‬‫م ت َط َ ُ‬ ‫ضا ل ّ ْ‬ ‫م وَأْر ً‬ ‫وال َهُ ْ‬‫م َ‬ ‫م وَأ ْ‬ ‫وَد َِياَرهُ ْ‬
‫‪ ) ( 27‬الحزاب( ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫لم ينسخ الله تلك الشرعة ويضعها عن اليهود طيلة واحد وعشرين‬
‫قرنا ً منذ ظهور موسى والديانة اليهودية في القرن الرابع عشر قبل‬
‫الميلد وإلى من بعد ظهور السيد المسيح الذي أرخ به القرن‬
‫الميلدي وإلى ظهور محمد والسلم بعد سبعة قرون )كل ذلك‬
‫بالحسبان القمري ( ‪.‬‬

‫كان الله قد وعد اليهود بوضع شرعة الصر والغلل عنهم إذا اتبعوا‬
‫النبي المي العالمي الذي تقوم شرعته على التخفيف والرحمة وذلك‬
‫لدى اعتذارهم عن عبادة العجل ‪ ،‬فجعل الله التحول عن تلك‬
‫الشرعة الغليظة مشروطا ً باتباعهم للنبي المي ‪ .‬وحين ظهر محمد‬
‫رفضوا اتباعه رغما ً عن أمرين امضاهما الله لنفي أي عذر عنهم ‪.‬‬
‫المر الول ‪ :‬وهو استقبال المسلمين لقبلة اليهود في الرض‬
‫المقدسة قبل تحولهم إلى الرض الحرام ‪ ،‬فطوال تلك الفترة لم تلن‬
‫قلوب اليهود ول مشاعرهم ‪.‬‬
‫والمر الثاني ‪ :‬عقد عهد ميثاق بين الرسول وبينهم عرف ) بصحيفة‬
‫المدينة ( ومن أهم بنوده ) أن بينهم النصر على من دهم يثرب ( فلما‬
‫دهم مشركو قريش يثرب في غزوة الحزاب ‪ /‬الخندق ناصروهم‬
‫وتحالفوا معهم ‪.‬‬

‫فبرفضهم السلم امتنعت عنهم شرعة التخفيف والرحمة ‪ ،‬ثم‬


‫بنقضهم العهد مع المسلمين والتحالف مع المشركين ‪ ،‬فطبق الله‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫جَزاء ال ّ ِ‬ ‫ما َ‬‫عليهم منهج الصر والغلل الذي صدقه القرآن )إ ِن ّ َ‬
‫صل ُّبوا ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ساًدا َأن ي ُ َ‬ ‫ن ِفي ال َْر‬
‫قت ّلوا أوْ ي ُ َ‬ ‫ض فَ َ‬ ‫ِ‬ ‫سعَوْ َ‬ ‫سول َ ُ‬
‫ه وَي َ ْ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫حارُِبو َ‬ ‫يُ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫أ َوْ ت ُ َ‬
‫ي‬
‫خْز ٌ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ل َهُ ْ‬‫ض ذ َل ِ َ‬ ‫ن الْر ِ‬ ‫م َ‬‫فوْا ْ ِ‬‫ف أوْ ُين َ‬ ‫خل ٍ‬ ‫ن ِ‬ ‫جل ُُهم ّ‬
‫م ْ‬ ‫م وَأْر ُ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫قط ّعَ أي ْ ِ‬
‫م )‪ ) (33‬المائدة ( وجعل الله‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬‫ذا ٌ‬‫خَرةِ ع َ َ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫ِفي الد ّن َْيا وَل َهُ ْ‬
‫تطبيق تلك الشرعة عليهم عائدا ً إليه هو سبحانه وتعالى ) ‪6-1‬‬
‫الحشر(‪.‬‬

‫فتلك كانت معركة الله معهم ) فما اوجفتم عليه من خيل ول ركاب (‬
‫وهكذا كانت الريح عاصفة ‪ ،‬فلله جنود السموات والرض وجنودا ً ل‬
‫تروها وقد عقد النصر من عنده لمحمد ‪.‬‬

‫وقد جاء نفيهم واقتلعهم من المدينة بعد تطبيق الشرعة الغليظة‬


‫عليهم بأمر الله ‪ ،‬تمهيدا ً لبداية حشرهم تحقيقا ً للوعد الثاني بعودتهم‬
‫إلى الرض المقدسة وتدافعهم مع المسلمين في المة الوسط ‪ .‬بعد‬
‫أن حمل المسلمون دينهم كما حمل اليهود التوراة تبعا ً لما ورد في‬
‫مقدمة سورة الجمعة ‪ ،‬وهذا ما نحن فيه الن من تدافع ‪ ،‬ولن يتحقق‬
‫النصر الموعود في هذا التدافع للمسلمين إل إذا عادوا ليحملوا دينهم‬
‫كما أمر الله والرسول ل كما أمر به كعب الحبار ووهب بن منية وأبو‬

‫‪41‬‬
‫هريرة فحين يتعادل المسلمون مع اليهود في تحريف دينهم فإن الله‬
‫ل ينتصر لحدهم دون الخر‬

‫عقوبة السرقة النكالية ‪:‬‬


‫عقوبة السرقة التي كتبت على اليهود في سورة المائدة حدا ً لقطع‬
‫ق‬
‫سارِ ُ‬ ‫اليد هي الكثر إصرا ً من بعد عقوبة القتل بعد الصلب )َوال ّ‬
‫َ‬
‫زيٌز‬ ‫ه عَ ِ‬ ‫ن الل ّهِ َوالل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كال ً ّ‬ ‫سَبا ن َ َ‬ ‫ما ك َ َ‬ ‫جَزاء ب ِ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ة َفاقْط َُعوا ْ أي ْد ِي َهُ َ‬ ‫سارِقَ ُ‬ ‫َوال ّ‬
‫م ( )المائدة ‪(38‬‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫وتبلغ العقوبات النكالية في الشرعة التوراتية حد المسخ إلى قردة‬
‫كوُنوا ْ قَِرد َةً‬ ‫م ُ‬ ‫قل َْنا ل َهُ ْ‬ ‫ت فَ ُ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫دوا ْ ِ‬ ‫ن اع ْت َ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫مت ُ ُ‬ ‫قد ْ ع َل ِ ْ‬ ‫)وَل َ َ‬
‫ن(‬ ‫قي َ‬ ‫مت ّ ِ‬ ‫ة ل ّل ْ ُ‬ ‫عظ َ ً‬ ‫موْ ِ‬ ‫فَها وَ َ‬ ‫خل ْ َ‬ ‫ما َ‬ ‫ن ي َد َي َْها وَ َ‬ ‫ما ب َي ْ َ‬ ‫كال ً ل ّ َ‬ ‫ها ن َ َ‬ ‫جعَل َْنا َ‬ ‫ن ( )فَ َ‬ ‫سِئي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫َ‬
‫)البقرة ‪(66 - 65‬‬
‫ووصف الله سبحانه إغراقه لفرعون وجنده بأنه نكال من الله بعد‬
‫م أ َد ْب ََر‬ ‫صى ( )ث ُ ّ‬ ‫ب وَع َ َ‬ ‫استكبار فرعون وادعائه الربوبيه العليا )فَك َذ ّ َ‬
‫َ‬ ‫قا َ َ‬
‫كا َ‬
‫ل‬ ‫ه نَ َ‬ ‫خذ َه ُ الل ّ ُ‬ ‫م اْل َع َْلى ( )فَأ َ‬ ‫ل أَنا َرب ّك ُ ُ‬ ‫شَر فََناَدى ( )فَ َ‬ ‫ح َ‬ ‫سَعى ( )فَ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫خَرةِ َواْلوَلى( )النازعات ‪.(25-21‬‬ ‫ُ‬ ‫اْل ِ‬
‫وأنذر الله ذوي البطر من المتنعمين الكافرين في الدنيا بنكال وغصة‬
‫ن ل َد َي َْنا‬ ‫في الخرة ) وذ َرِني وال ْمك َذ ّبي ُ‬
‫م قَِليًل ( ) إ ِ ّ‬ ‫مهّل ْهُ ْ‬ ‫مةِ وَ َ‬ ‫ن أوِلي الن ّعْ َ‬ ‫َ ُ ِ َ‬ ‫َ ْ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َأن َ‬
‫ض‬
‫ف الْر ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ت َْر ُ‬ ‫ما ( )ي َوْ َ‬ ‫صةٍ وَع َذاًبا أِلي ً‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫ما ذا غ ّ‬ ‫َ‬ ‫ما ( ) وَطَعا ً‬ ‫حي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫كاًل وَ َ‬
‫مِهيًل ( )المزمل ‪. (14-11‬‬ ‫ل ك َِثيًبا ّ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫كان َ ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جَبا ُ‬ ‫َوال ْ ِ‬
‫فميزان النكال اللهي هو الخطر في العقوبات التوراتية يقع على من‬
‫يخرق قدسية السبت ومن يسرق بعد أن انزل الله عليه مائدة من‬
‫َ‬
‫ن‬‫م ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م وَأنَزل َْنا ع َل َي ْك ُ ُ‬ ‫ما َ‬ ‫م ال ْغَ َ‬ ‫السماء وظلله بالغمام )وَظ َل ّل َْنا ع َل َي ْك ُ ُ‬
‫كاُنوا ْ‬ ‫كن َ‬ ‫موَنا وََلـ ِ‬ ‫ما ظ َل َ ُ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ما َرَزقَْناك ُ ْ‬ ‫ت َ‬ ‫من ط َي َّبا ِ‬ ‫وى ك ُُلوا ْ ِ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫َوال ّ‬
‫ث‬‫حي ْ ُ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ة فَك ُُلوا ْ ِ‬ ‫قْري َ َ‬ ‫هـذ ِهِ ال ْ َ‬ ‫خُلوا ْ َ‬ ‫ن ( )وَإ ِذ ْ قُل َْنا اد ْ ُ‬ ‫مو َ‬ ‫م ي َظ ْل ِ ُ‬ ‫سهُ ْ‬ ‫ف َ‬ ‫َأن ُ‬
‫م‬ ‫طاَياك ُ ْ‬ ‫خ َ‬ ‫م َ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫ة ن ّغْ ِ‬ ‫حط ّ ٌ‬ ‫جدا ً وَُقوُلوا ْ ِ‬ ‫س ّ‬ ‫ب ُ‬ ‫خُلوا ْ ال َْبا َ‬ ‫غدا ً َواد ْ ُ‬ ‫م َر َ‬ ‫شئ ْت ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫ن ( )البقرة ‪(58-57‬‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫م ْ‬ ‫زيد ُ ال ْ ُ‬ ‫سن َ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫فماذا بعد رغد العيش في القرية والمائدة والغمام حين يقدم احدهم‬
‫على السرقة سوى قطع اليد وبترها ؟ ‪.‬‬
‫أما الذين لم تتنزل عليهم مائدة السماء ولم يظللوا بالغمام ولم تفجر‬
‫لهم الينابيع ل في مكة ول في المدينة فإن هذا الحد ل ينطبق عليهم‪.‬‬
‫وقد جعل الله لهم العفو حتى في القتل تخفيفا ً من الله ورحمة ) َيا‬
‫َ‬
‫حّر َوال ْعَب ْد ُ‬ ‫حّر ِبال ْ ُ‬ ‫قت َْلى ال ْ ُ‬ ‫ص ِفي ال ْ َ‬ ‫صا ُ‬ ‫ق َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫ب ع َل َي ْك ُ ُ‬ ‫مُنوا ْ ك ُت ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫أي َّها ال ّ ِ‬
‫ف‬ ‫معُْرو ِ‬ ‫يٌء َفات َّباع ٌ ِبال ْ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫خيهِ َ‬ ‫ن أَ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫ي لَ ُ‬ ‫ف َ‬ ‫ن عُ ِ‬ ‫م ْ‬
‫ُ‬
‫ِبال ْعَب ْد ِ َوالنَثى ِبالنَثى فَ َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫دى ب َعْد َ ذ َل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن اع ْت َ َ‬ ‫م َِ‬ ‫ة فَ َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ح َ‬ ‫م وََر ْ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫ف ّ‬ ‫في ٌ‬ ‫خ ِ‬ ‫ك تَ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫وَأَداء إ ِل َي ْهِ ب ِإ ِ ْ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ب ل َعَل ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ي الل َْبا ِ‬ ‫حَياة ٌ ي َا ْ أول ِ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫صا ِ‬ ‫ق َ‬ ‫م ِفي ال ْ ِ‬ ‫م ( )وَل َك ُ ْ‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ه عَ َ‬ ‫فَل َ ُ‬
‫ن ( )البقرة ‪. (179-178‬‬ ‫قو َ‬ ‫ت َت ّ ُ‬

‫‪42‬‬
‫بما يخالف ذلك افتروا على خاتم الرسل والنبيين بأنه أقام حد‬
‫السرقة الصري النكالي التوراتي على المسلمين كما افتروا قصة آية‬
‫الرجم التي نزلت ونسخت من التلوة وبقي حكمها ‪.‬‬
‫قد افتروا على الله سبحانه وعلى رسوله أيضا ولم يتبينوا أنهم بذلك‬
‫إنما يبطلون أهم علمة للنبي المي وهي نسخ شرعة الصر والغلل‬
‫التوراتية ‪ .‬فعقوبة السرقة لدى المسلمين وفقا ً لحاكمية الكتاب تعود‬
‫للمسلمين أنفسهم فلكم في القصاص حياة يا أولي اللباب‪.‬‬

‫مصادر الضلل في التزييف والدس ‪:‬‬


‫هناك ثلث مصادر حذرنا الله سبحانه منها جميعا ً ولم نأبه لتحذيره ‪،‬‬
‫وهي إبليس واليهود والغفلة ‪ ،‬وقد مارست هذه المصادر فعلها ليس‬
‫علينا فقط ولكن حتى على الحضارة المسيحية الغربية أيضا بالرغم‬
‫عن عقلنيتها الفلسفية وتطورها العلمي والثقافي‬
‫المصدر الول ‪ :‬إبليس وخصائصه ‪:‬‬
‫العدو الول للنسانية جمعاء هو إبليس ذلك الكائن من فصيلة الجن‬
‫الذي ل نراه ‪ ،‬فمن خصائصه أنه ينزع عنا لباس العبودية والتقوى وقد‬
‫أوضحنا أن اللباس غير الثوب ومن حيث ل نراه وهو يرى كذلك ما ل‬
‫نراه ‪ ،‬غير أن قوتنا في مواجهته هي عبوديتنا لله ‪ .‬بالرؤية الكونية‬
‫وليس بمجرد العقلنية الموضوعية يمكن أن نفهم إبليس وخصائصه‬
‫ودوره ‪ ،‬أما بالرؤية العقلنية الموضوعية فإن هذه الكونية تضيق في‬
‫فضاء المعرفة وتقتصر على ما هو محسوس ‪ ،‬فتعتبر ظواهر إبليس‬
‫والجن والملئكة ظواهر خرافية أسطورية من نتاج العقل اللهوتي ‪.‬‬
‫غير أن رؤيتنا الكونية من خلل القرآن والجمع بين القراءتين في‬
‫الجدل الثلثي الغيب والنسان والطبيعة تتيح لنا فهم هذه الظواهر‬
‫الكونية وخصائصها ودورها ‪.‬‬
‫فإبليس كالملئكة وآدم ‪ ،‬هم من عالم المر اللهي وخصائصهم‬
‫مستمدة من ذلك العالم ‪ ،‬بالطبع قبل الهبوط عن تلك الخصائص ‪،‬‬
‫والتحول إلى خصائص دنيا عنها ‪ .‬في ذلك العالم احتج إبليس على‬
‫الله سبحانه وتعالى على اختياره لدم خليفة عنه في الرض والفارق‬
‫بين احتجاجه واحتجاج الملئكة أن الملئكة قد رأوا في الجنس‬
‫البشري مفارقة لخلق العبودية لله بسفك الدماء والفساد في‬
‫الرض في حين ان أحتجاج إبليس قد استند إلى التفاضل العنصري‬
‫ن‬ ‫)وإذ ْ قُل ْنا ل ِل ْملئ ِك َة اسجدوا ْ لدم فَسجدوا ْ إ َل ّ إبِليس َقا َ َ َ‬
‫م ْ‬ ‫جد ُ ل ِ َ‬
‫س ُ‬
‫ل أأ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِْ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ْ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َِ‬
‫ما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫َ‬
‫قا‬ ‫)‬ ‫الذاتي‬ ‫تميزه‬ ‫على‬ ‫إبليس‬ ‫وأكد‬ ‫(‬ ‫السراء‬ ‫‪61‬‬ ‫)‬ ‫خل َ َ ِ ً‬
‫نا(‬ ‫طي‬ ‫ت‬ ‫ْ‬ ‫ق‬ ‫َ‬

‫‪43‬‬
‫من‬ ‫ه ِ‬ ‫قت َ ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫من ّنارٍ وَ َ‬ ‫قت َِني ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫خي ٌْر ّ‬ ‫ل أ َن َا ْ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫مْرت ُ َ‬ ‫َ‬
‫جد َ إ ِذ ْ أ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ك أل ّ ت َ ْ‬
‫منع َ َ‬
‫َ ََ‬
‫ن ( )‪ ) (12‬العراف(‬ ‫طي ٍ‬ ‫ِ‬
‫وقد انتهى احتجاج إبليس إلى التمرد على المر اللهي حين رفض‬
‫السجود لدم ولكنه لم يكفر بالله بل طلب من الله أن يمنحه فرصة‬
‫تحدي هذا الخر البشري المغاير له عنصريا ً ليثبت لله سبحانه‬
‫أفضليته الذاتية وجدارته هو بالختيار ليبرر استكباره على المر اللهي‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ج إ ِن ّ َ‬ ‫خُر ْ‬ ‫ك َأن ت َت َك َب َّر ِفيَها َفا ْ‬ ‫ن لَ َ‬ ‫كو ُ‬ ‫ما ي َ ُ‬ ‫من َْها فَ َ‬ ‫ط ِ‬ ‫ل َفاهْب ِ ْ‬ ‫)َقا َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫ل إ ِن ّ َ‬ ‫ن )‪َ(14‬قا َ‬ ‫ل فَأنظ ِْرِني إ َِلى ي َوْم ِ ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫ن )‪َ (13‬قا َ‬ ‫ري َ‬ ‫صاِغ ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م)‬ ‫قي َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صَراطك ال ُ‬ ‫م ِ‬ ‫ن لهُ ْ‬ ‫ما أغ ْوَي ْت َِني لقْعُد َ ّ‬ ‫ل فَب ِ َ‬ ‫ن )‪َ(15‬قا َ‬ ‫ري َ‬ ‫منظ ِ‬ ‫ال ُ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عن‬ ‫م وَ َ‬ ‫مان ِهِ ْ‬ ‫ن أي ْ َ‬ ‫م وَع َ ْ‬ ‫فهِ ْ‬ ‫خل ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫ديهِ ْ‬ ‫ن أي ْ ِ‬ ‫من َ ب َي ْ ِ‬ ‫م لت ِي َن ُّهم ّ‬ ‫‪(16‬ث ُ ّ‬
‫ما‬
‫ؤو ً‬ ‫مذ ْ ُ‬ ‫من َْها َ‬ ‫ج ِ‬ ‫خُر ْ‬ ‫لا ْ‬ ‫ن )‪َ(17‬قا َ‬ ‫ري َ‬ ‫شاك ِ ِ‬ ‫م َ‬ ‫جد ُ أك ْث ََرهُ ْ‬ ‫م وَل َ ت َ ِ‬ ‫مآئ ِل ِهِ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪18 – 13 (18‬‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫منك ْ‬ ‫م ِ‬ ‫جهَن ّ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مل ّ‬ ‫مل ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫من ت َب ِعَك ِ‬ ‫حوًرا ل َ‬ ‫مد ْ ُ‬ ‫ّ‬
‫العراف ( وقد فصل إبليس بين إيمانه بالله وتحديه للختيار اللهي‬
‫ن )‪ (82‬إ ِّل‬ ‫ك َل ُغ ْوينه َ‬ ‫ل فَب ِعِّزت ِ َ‬ ‫حين استهل موقفه بالقول )َقا َ‬
‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َُِّ ْ‬
‫ن )‪ ) (83‬ص ( فإبليس في إيمانه بالله سبحانه‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫عَباد َ َ‬ ‫ِ‬
‫وخطابه له أكثر إيمانا ً وتأدبا ً من كثير من المؤمنين حتى أن إبليس‬
‫بحكم خصائصه المتكونة في عالم المر وقدرته على اختراق الرؤية‬
‫التي أبصر فيها نزول الملئكة يوم بدر خاطب من أغواهم متبرئا ً‬
‫طا َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫م ال ْي َوْ َ‬ ‫ب ل َك ُ ُ‬ ‫غال ِ َ‬ ‫ل لَ َ‬ ‫م وََقا َ‬ ‫مال َهُ ْ‬ ‫ن أع ْ َ‬ ‫شي ْ َ ُ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫منهم )وَإ ِذ ْ َزي ّ َ‬
‫ل إ ِّني‬ ‫قب َي ْهِ وََقا َ‬ ‫ص ع ََلى ع َ ِ‬ ‫ن ن َك َ َ‬ ‫فئ ََتا ِ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ما ت ََراء ِ‬ ‫م فَل َ ّ‬ ‫جاٌر ل ّك ُ ْ‬ ‫س وَإ ِّني َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ب( )‬ ‫قا ِ‬ ‫ديد ُ العِ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َوالل ُ‬ ‫ف الل َ‬ ‫خا ُ‬ ‫يأ َ‬ ‫ن إ ِن ّ َ‬ ‫ما ل َ ت ََروْ َ‬ ‫م إ ِّني أَرى َ‬ ‫منك ُ ْ‬ ‫ريٌء ّ‬ ‫بَ ِ‬
‫‪ 48‬النفال ( ثم يبرئ إبليس نفسه تارة أخرى من فعل البشر )وََقا َ‬
‫ل‬
‫م وَع ْد َ ال ْ َ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫عدت ّك ُ ْ‬ ‫حقّ وَوَ َ‬ ‫ه وَع َد َك ُ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مُر إ ِ ّ‬ ‫ي ال ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ما قُ ِ‬ ‫ن لَ ّ‬ ‫طا ُ‬ ‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ي ع َل َي ْ ُ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫جب ْت ُ ْ‬ ‫ست َ َ‬ ‫م َفا ْ‬ ‫ن إ ِل ّ أن د َع َوْت ُك ُ ْ‬ ‫طا ٍ‬ ‫من ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ن لِ َ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫فت ُك ُ ْ‬ ‫فَأ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫موا ْ َأن ُ‬
‫ي‬
‫خ ّ‬ ‫صر ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م بِ ُ‬ ‫ما أنت ُ ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫خك ُ ْ‬ ‫صر ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ما أن َا ْ ب ِ ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ف َ‬ ‫موِني وَُلو ُ‬ ‫ِلي فَل َ ت َُلو ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م)‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫م عَ َ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مي َ‬ ‫ظال ِ ِ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫مو ِ‬ ‫شَرك ْت ُ ُ‬ ‫مآ أ ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫فْر ُ‬ ‫إ ِّني ك َ َ‬
‫‪) (22‬إبراهيم (‪.‬‬
‫فإبليس بطاقاته يحاول أن ينزع لباسنا وهو أفضل إيمانا ً بالله سبحانه‬
‫من كثير منا وحين يقسم يقسم بعزة الله ويؤكد خوفه من الله ويتبرأ‬
‫من الكفرة والمشركين ‪ ،‬فهو يعلم أنه ل يتحدى الله سبحانه ولكنه‬
‫يتحدى الجنس البشري منطلقا ً من التفاضل التكويني العنصري ‪.‬‬
‫وهو يجري فينا مجاري الدم بحكم جدليتنا التكوينية الثنائية المنقسمة‬
‫على ذاتها كما أوضحت سورة الشمس ‪ .‬حتى أن كثيرا ً منا عوضا ً‬
‫عن الشكر لله على منة الختيار تبعوا أغواء إبليس وتأثيره الخطر هو‬
‫على العلماء ‪ ،‬الذين يملكون ناصية العقل والبيان والستدلل و‬
‫الستقراء إل عباد الله المخلصين منهم ومن الناس حيث ل سلطان‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ض وَلغ ْوِي َن ّهُ ْ‬ ‫م ِفي الْر ِ‬ ‫ن ل َهُ ْ‬ ‫مآ أغ ْوَي ْت َِني لَزي ّن َ ّ‬ ‫ب بِ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫له عليهم )َقا َ‬
‫َ‬
‫ي‬‫ط ع َل َ ّ‬ ‫صَرا ٌ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ل هَ َ‬ ‫ن )‪َ (40‬قا َ‬ ‫صي َ‬ ‫خل َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ْ ُ‬ ‫من ْهُ ُ‬ ‫ك ِ‬ ‫عَباد َ َ‬ ‫ن )‪ (39‬إ ِل ّ ِ‬ ‫مِعي َ‬ ‫ج َ‬ ‫أ ْ‬

‫‪44‬‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ن ات ّب َعَ َ‬
‫ك ِ‬ ‫ن إ ِل ّ َ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫ك ع َل َي ْهِ ْ‬ ‫س لَ َ‬
‫عَباِدي ل َي ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫طا ٌ‬ ‫م ُ‬
‫َ‬
‫ن ِ‬
‫م )‪ (41‬إ ِ ّ‬ ‫قي ٌ‬‫ست َ ِ‬
‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ ) (43‬الحجر ( ‪.‬‬ ‫عي‬ ‫م‬ ‫ج‬ ‫أ‬ ‫م‬ ‫ه‬ ‫د‬ ‫ع‬ ‫و‬‫م‬ ‫َ‬
‫َِ ّ َ َ ّ َ َ ْ ِ ُ ُ ْ ْ َ ِ َ‬‫ل‬ ‫م‬ ‫ن‬‫ه‬ ‫ج‬ ‫ن‬ ‫إ‬ ‫و‬ ‫(‬‫‪42‬‬ ‫)‬ ‫ن‬‫ِ َ‬‫وي‬ ‫غا‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ل‬ ‫ا‬

‫المصدر الثاني اليهود ‪:‬‬


‫هؤلء كإبليس تماما ً وإلى حد كبير ‪ ،‬فهم موحدون بالله ولكنهم‬
‫يستكبرون على اختيار الله سبحانه لغيرهم حملة لكلماته في الرض‬
‫مهما كانوا عليه هم من فسق وجحود ‪ ،‬وقد بدأوا بأخيهم يوسف حين‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ف وَأ َ ُ‬
‫مّنا‬ ‫ب إ َِلى أِبيَنا ِ‬ ‫ح ّ‬ ‫خوه ُ أ َ‬ ‫س ُ‬ ‫وجدوه أقرب إلى أبيهم منهم )َقاُلوا ْ ل َُيو ُ‬
‫َ‬ ‫ةإ َ‬
‫حوهُ‬ ‫ف أوِ اط َْر ُ‬ ‫س َ‬ ‫ن )‪ (8‬اقْت ُُلوا ْ ُيو ُ‬ ‫مِبي ٍ‬ ‫ل ّ‬ ‫ضل َ ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن أَباَنا ل َ ِ‬ ‫صب َ ٌ ِ ّ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫وَن َ ْ‬
‫ْ‬ ‫م وَت َ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن )‪(9‬‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫من ب َعْد ِهِ قَوْ ً‬ ‫كوُنوا ِ‬ ‫ه أِبيك ُ ْ‬ ‫ج ُ‬ ‫م وَ ْ‬ ‫ل لك ُ ْ‬ ‫خ ُ‬ ‫ضا ي َ ْ‬ ‫أْر ً‬
‫) يوسف ( وحين نفذوا فعلتهم وظهر يوسف بعد فترة من الزمن‬
‫قائما ً على خزائن مصر في عهد الهكسوس العرب وعرفوه وقد‬
‫عرفهم تأسفوا من جديد أن الله سبحانه من بعد أبيهم قد آثره عليهم‬
‫ن( ) ‪ 91‬يوسف ( ‪.‬‬ ‫خاط ِِئي َ‬ ‫ه ع َل َي َْنا وَِإن ك ُّنا ل َ َ‬ ‫ك الل ّ ُ‬ ‫قد ْ آث ََر َ‬ ‫)َقاُلوا ْ َتالل ّهِ ل َ َ‬
‫هؤلء ل يقبلون قط بتحول كلمات الله إلى غيرهم من البشر ‪ ،‬مهما‬
‫ميَثاقِ ِ‬
‫ه‬ ‫من ب َعْد ِ ِ‬ ‫ن ع َهْد َ الل ّهِ ِ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ن َين ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫عصوا وقتلوا النبياء )ال ّ ِ‬
‫ض أوَلـئ ِ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م‬‫ك هُ ُ‬ ‫ن ِفي الْر ِ‬ ‫دو َ‬ ‫س ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ل وَي ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫ه ب ِهِ أن ُيو َ‬ ‫مَر الل ّ ُ‬ ‫ما أ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قط َُعو َ‬ ‫وَي َ ْ‬
‫ن ( ) ‪ 27‬البقرة ( وقد حذرنا الله منهم في أكثر من آية‬ ‫سُرو َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫بكيفية ما حذر الله آدم من إبليس وبالتخصيص في اليات السابقة‬
‫مُنوا ْ وات ّ َ‬ ‫َ‬
‫وا‬ ‫ق ْ‬ ‫مآ َ‬ ‫مباشرة على آية النسخ في البقرة بقوله )وَل َوْ أن ّهُ ْ‬
‫مُنوا ْ ل َ‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن)‪َ (103‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫مو َ‬ ‫كاُنوا ْ ي َعْل َ ُ‬ ‫خي ٌْر ل ّوْ َ‬ ‫عند ِ الّله َ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫مُثوب َ ٌ‬ ‫لَ َ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫م )‪ّ (104‬‬ ‫ب أِلي ٌ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ري َ‬ ‫كافِ ِ‬ ‫مُعوا وَِلل َ‬ ‫س َ‬ ‫عَنا وَُقوُلوا ْ انظ ُْرَنا َوا ْ‬ ‫قوُلوا ْ َرا ِ‬ ‫تَ ُ‬
‫ن‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ن أن ي ُن َّز َ‬ ‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫م ْ‬ ‫ل ع َلي ْكم ّ‬ ‫كي َ‬ ‫شر ِ ِ‬ ‫ب وَل ال ُ‬ ‫ل الك َِتا ِ‬ ‫ن أهْ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فُروا ِ‬ ‫نك َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َوَد ّ ال ِ‬
‫ظيم ِ‬ ‫ل ال ْعَ ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫ه ُذو ال ْ َ‬ ‫شاء َوالل ّ ُ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫مت ِهِ َ‬ ‫ح َ‬ ‫ص ب َِر ْ‬ ‫خت َ ّ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬ ‫من ّرب ّك ُ ْ‬ ‫خي ْرٍ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مأ ّ‬ ‫م ت َعْل َ ْ‬ ‫مث ْل َِها أل َ ْ‬ ‫من َْها أوْ ِ‬ ‫خي ْرٍ ّ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫سَها ن َأ ِ‬ ‫ن آي َةٍ أوْ ُنن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫س ْ‬ ‫ما َنن َ‬ ‫)‪َ (105‬‬
‫ديٌر )‪ ) (106‬البقرة ( ثم حذرنا الله من‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ْ‬ ‫ش‬ ‫ل َ‬ ‫ىك ّ‬ ‫ُ‬ ‫ه ع َل َ‬ ‫الل ّ َ‬
‫منهجهم )أ َم تريدون َأن ت َ‬ ‫َ‬
‫من قَب ْ ُ‬
‫ل‬ ‫سى ِ‬ ‫مو َ‬ ‫ل ُ‬ ‫سئ ِ َ‬ ‫ما ُ‬ ‫م كَ َ‬ ‫سول َك ُ ْ‬ ‫سأُلوا ْ َر ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫ْ ُ ِ ُ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫َ‬
‫ل )‪ (108‬وَد ّ كِثيٌر ّ‬ ‫سِبي ِ‬ ‫واء ال ّ‬ ‫س َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ن فَ َ‬ ‫ما ِ‬ ‫لي َ‬ ‫ِ‬ ‫فَر ِبا‬ ‫ل ال ْك ُ ْ‬ ‫من ي َت َب َد ّ ِ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫م كُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫أ َهْ‬
‫سِهم‬ ‫ف ِ‬ ‫عند ِ أن ُ‬ ‫ن ِ‬ ‫ْ‬ ‫م‬
‫دا ّ‬ ‫س ً‬ ‫ح َ‬ ‫فارا َ‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫من ب َعْد ِ ِإي َ‬ ‫كم ّ‬ ‫ب لوْ ي َُرّدون َ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل الك َِتا‬ ‫ِ‬
‫فحوا ْ حتى يأ ْتي الل ّ َ‬
‫ن‬‫مرِهِ إ ِ ّ‬ ‫ه ب ِأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ ّ َ ِ َ‬ ‫ص َ ُ‬ ‫فوا ْ َوا ْ‬ ‫حقّ َفاع ْ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ن ل َهُ ُ‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫من ب َعْد ِ َ‬ ‫ّ‬
‫ديٌر )‪ ) (109‬البقرة (‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه ع َلى ك ّ‬‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫الل َ‬

‫ظاهرة التحذير ومؤشراته ‪:‬‬


‫لم يأت القرآن بالتحذير دون إرشاد لمواطنه وكيفيته ‪ ،‬لهذا اختار الله‬
‫موضوعا ً أورده في سياق النسخ وموقف اليهود لنتوقف على كيفية‬
‫َ‬
‫مُعوا‬ ‫عَنا وَُقوُلوا ْ انظ ُْرَنا َوا ْ‬
‫س َ‬ ‫قوُلوا ْ َرا ِ‬
‫مُنوا ْ ل َ ت َ ُ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫الدس )َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫م( ) ‪ 104‬البقرة ( فهذا القول يقوله المسلمون‬ ‫َ‬ ‫ن عَ َ‬ ‫ْوَِلل َ‬
‫ب أِلي ٌ‬‫ذا ٌ‬ ‫ري َ‬
‫كافِ ِ‬
‫صباح مساء وينسبونه إلى حديث نبوي يكاد يكون مجمعا ً عليه ) كلكم‬
‫راع وكلكم مسئول عن رعيته ( ويتردد الحديث بحسن نية في حين‬

‫‪45‬‬
‫أن الله قد نهى عنه وتخصيصا ً في سياق النسخ لتجربة اليهود ‪،‬‬
‫فالمراعاة والرعى هي من علقة راعي البهائم بها ‪ ،‬يسمنها لبيعها‬
‫وذبحها وهي طائعة له خاضعة يقودها بعصاه ‪ ،‬فجعلوا من الرسول‬
‫)ص( راعيا ً ومن الصحابة والمؤمنين بهائما ً ‪ .‬في حين أن الله وفي‬
‫كل القرآن ل يستخدم سوى العين والعناية ‪ ،‬فحين يخاطب نبيه نوحا ً‬
‫فل ْ َ َ‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫خاط ِب ِْني ِفي ال ّ ِ‬ ‫حي َِنا وَل َ ت ُ َ‬ ‫ك ب ِأع ْي ُن َِنا وَوَ ْ‬ ‫صن َِع ال ْ ُ‬ ‫يخاطبه بهمها )َوا ْ‬
‫ن( ) ‪ 37‬هود ( وحين يخاطب موسى فبذلك ايضا ً‬ ‫مغَْرُقو َ‬ ‫موا ْ إ ِن ُّهم ّ‬ ‫ظ َل َ ُ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫خذ ْهُ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫سا ِ‬ ‫م ِبال ّ‬ ‫قهِ ال ْي َ ّ‬ ‫م فَل ْي ُل ْ ِ‬ ‫ت َفاقْذ ِِفيهِ ِفي ال ْي َ ّ‬ ‫ن اقْذ ِِفيهِ ِفي الّتاُبو ِ‬ ‫)أ ِ‬
‫صن َعَ ع ََلى ع َي ِْني ( ) ‪39‬‬ ‫مّني وَل ِت ُ ْ‬ ‫ة ّ‬ ‫حب ّ ً‬ ‫م َ‬ ‫ك َ‬ ‫ت ع َل َي ْ َ‬ ‫قي ْ ُ‬ ‫ه وَأ َل ْ َ‬ ‫ع َد ُوّ ّلي وَع َد ُوّ ل ّ ُ‬
‫طه ( فالمطلوب من المسلم هو القول بعناية الله وفي عين الله‬
‫وليس برعاية الله سبحانه ‪ ،‬فعلقة الله والنبياء بالبشر ل تتدنى‬
‫لمستوى النعوت اليهودية التي حذر الله منها تحذيرا ً يستبطن نوعية‬
‫الدس وكيفيته ‪.‬‬
‫وقد علمنا كيف حذر الله في سورة النحل من نعت العبودية النسانية‬
‫لله بما يماثل نعوت مالكي العبيد من البشر ‪ ،‬فالقضية هنا منهاجية‬
‫م‬ ‫ك ل َهُ ْ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ما ل َ ي َ ْ‬ ‫ن الل ّهِ َ‬ ‫من ُدو ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫دو َ‬ ‫دقيقة وتكشف كيفية الدس )وَي َعْب ُ ُ‬
‫ضرُِبوا ْ ل ِل ّ ِ‬ ‫ن )‪ (73‬فَل َ ت َ ْ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫طيُعو َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫شي ًْئا وَل َ ي َ ْ‬ ‫ض َ‬ ‫ت َوا َلْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م َ‬ ‫رِْزًقا ّ‬
‫مث َل ً ع َب ْ ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫دا‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫ن )‪َ (74‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َعْل ُ‬ ‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫ه ي َعْل ُ‬ ‫ن الل َ‬ ‫ل إِ ّ‬ ‫مَثا َ‬ ‫ال ْ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬ ‫فق ُ ِ‬ ‫سًنا فَهُوَ ُين ِ‬ ‫ح َ‬ ‫مّنا رِْزًقا َ‬ ‫من ّرَزقَْناه ُ ِ‬ ‫يٍء وَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫قد ُِر ع ََلى َ‬ ‫كا ل ّ ي َ ْ‬ ‫مُلو ً‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ْ‬
‫ن )‪(75‬‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي َعْل ُ‬ ‫ل أكث َُرهُ ْ‬ ‫مد ُ ل ِلهِ ب َ ْ‬ ‫ح ْ‬ ‫ن ال َ‬ ‫وو َ‬ ‫ست َ ُ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫جهًْرا هَ ْ‬ ‫سّرا وَ َ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫يٍء وَهُوَ ك َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫ل ع َلى‬ ‫شْ ْ‬ ‫ى َ‬ ‫قد ُِر ع َل َ‬ ‫م ل َيَ ْ‬ ‫ما أب ْك َ ُ‬ ‫حد ُهُ َ‬ ‫نأ َ‬ ‫جلي ْ ْ ِ‬ ‫مث َل ً ّر ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ب الل ُ‬ ‫ضَر َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫و‬
‫ل وَهُ َ‬ ‫مُر ِبال ْعَد ْ ِ‬ ‫من ي َأ ُ‬ ‫وي هُوَ وَ َ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫ل يَ ْ‬ ‫خي ْرٍ هَ ْ‬ ‫ت بِ َ‬ ‫ه ل َ ي َأ ِ‬ ‫جه ّ‬ ‫ما ي ُوَ ّ‬ ‫وله ُ أي ْن َ َ‬ ‫م ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُر‬ ‫ما أ ْ‬ ‫ض وَ َ‬ ‫ت َوالْر ِ‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫قيم ٍ )‪ (76‬وَل ِلهِ غ َي ْ ُ‬ ‫ست َ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ّ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫ع َلى ِ‬
‫ه ع ََلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ديٌر )‬ ‫يٍء قَ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ب إِ ّ‬ ‫صرِ أوْ هُوَ أقَْر ُ‬ ‫مِح ال ْب َ َ‬ ‫ساع َةِ إ ِل ّ ك َل َ ْ‬ ‫ال ّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ل ل َك ُ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫شي ًْئا وَ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مو َ‬ ‫م ل َ ت َعْل َ ُ‬ ‫مَهات ِك ُ ْ‬ ‫نأ ّ‬ ‫طو ِ‬ ‫من ب ُ ُ‬ ‫كم ّ‬ ‫ج ُ‬ ‫خَر َ‬ ‫هأ ْ‬ ‫‪َ (77‬والل ّ ُ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ي ََروْا ْ إ َِلى الط ّي ْ ِ‬
‫ر‬ ‫ن )‪ (78‬أل َ ْ‬ ‫شك ُُرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫صاَر َوالفْئ ِد َة َ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫معَ َوالب ْ َ‬ ‫س ْ‬ ‫ال ْ ّ‬
‫قوْم ٍ‬ ‫ت لّ َ‬ ‫ك َلَيا ٍ‬ ‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ن إ ِل ّ الل ّ ُ‬ ‫سك ُهُ ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ما ي ُ ْ‬ ‫ماء َ‬ ‫س َ‬ ‫جوّ ال ّ‬ ‫ت ِفي َ‬ ‫خَرا ٍ‬ ‫س ّ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫ن )‪ ) ((79‬النحل ( فالعبد المملوك للبشر كالبهيمة أبكم ل رأي‬ ‫مُنو َ‬ ‫ي ُؤ ْ ِ‬
‫ً‬
‫ل على موله في مقام البهيمة أيضا ‪.‬‬ ‫له وهو كذلك ك ٌ‬
‫ولخطورة المر أعاد الله سبحانه التركيز عليه في سياق آخر ضمن‬
‫قوُلو َ‬
‫ن‬ ‫ضعِهِ وَي َ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫عن ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ال ْك َل ِ َ‬ ‫حّرُفو َ‬ ‫هاُدوا ْ ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سورة النساء ) ّ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م وَطعًْنا ِفي‬ ‫سن َت ِهِ ْ‬ ‫عَنا لّيا ب ِأل ِ‬ ‫مٍع وََرا ِ‬ ‫س َ‬ ‫م ْ‬ ‫معْ غ َي َْر ُ‬ ‫س َ‬ ‫صي َْنا َوا ْ‬ ‫معَْنا وَع َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫خي ًْرا لهُ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫معْ َوانظْرَنا لكا َ‬ ‫س َ‬ ‫معَْنا وَأطعَْنا َوا ْ‬ ‫س ِ‬ ‫م قالوا َ‬ ‫ن وَلوْ أن ّهُ ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫ال ّ‬
‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ن إ ِل قَِليل )‪َ(46‬يا أي َّها ال ِ‬ ‫مُنو َ‬ ‫م فَل ي ُؤ ْ ِ‬ ‫فرِه ِ ْ‬ ‫ه ب ِك ْ‬ ‫م الل ُ‬ ‫كن لعَن َهُ ُ‬ ‫م وَل ِ‬ ‫وَأقْوَ َ‬
‫كم من قَب َ‬ ‫ُ‬
‫س‬
‫م َ‬ ‫ل أن ن ّط ْ ِ‬ ‫ْ ِ‬ ‫معَ ُ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫صد ًّقا ل ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ن َّزل َْنا ُ‬ ‫مُنوا ْ ب ِ َ‬ ‫بآ ِ‬ ‫أوُتوا ْ ال ْك َِتا َ‬
‫َ‬ ‫ها ع ََلى أ َدبار َ َ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ت وَ َ‬ ‫سب ْ ِ‬ ‫ب ال ّ‬ ‫حا َ‬ ‫ص َ‬ ‫ما ل َعَّنا أ ْ‬ ‫م كَ َ‬ ‫ها أوْ ن َل ْعَن َهُ ْ‬ ‫َْ ِ‬ ‫ها فَن َُرد ّ َ‬ ‫جو ً‬ ‫وُ ُ‬
‫فُعول ً )‪ ) (47‬النساء ( وجعل الله بديل ً لراعنا مفردة انظرنا‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫مُر اللهِ َ‬ ‫أ ْ‬
‫التي تتصل بالعين والعناية النسانية والربانية خروجا ً على العلقات‬
‫البهيمية ‪ ،‬ومع ذلك يردد الناس ) كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته‬

‫‪46‬‬
‫( دون الستجابة لليات في مصدرين من السور ودون اللتفاف إلى‬
‫غضب الله على اليهود وتهديده لهم باللعنة مجددا ً ‪.‬‬

‫هؤلء دسوا ما هو أخطر من راعنا وكلكم راع حين عمدوا لتحريف‬


‫معنى آية النسخ ليجعلوا منها تناسخا ً بين آيات القرآن نفسه ‪ ،‬ثم‬
‫تناسخا ً بين النسخ في القرآن والسنة النبوية لبطال شرعة التخفيف‬
‫والرحمة مما يعني أن الرسول الخاتم )ص( هو على شرعة الصر‬
‫والغلل وبالتالي ليس هو الموعود من عند الله حتى يلزم إتباعه وما‬
‫من منهج يكذب نبوة محمد )ص( مثل هذا النهج ‪.‬‬

‫لم يستخدم الله مفردة راعنا في القرآن إل في موضعين‬


‫يتطلبان ذلك ‪:‬‬
‫الموضع الول يتصل بالرهبنة وهي جلد للذات وخروج بالتكوين‬
‫النساني عن فطرته ‪ ،‬فعلقة النسان المترهبن بذاته علقة غير‬
‫سوية تتطلب الجام النفس وربطها برباط الشدة وهذا وضع لم يكتبه‬
‫سل َِنا‬‫هم ب ُِر ُ‬ ‫في َْنا ع ََلى آَثارِ ِ‬ ‫م قَ ّ‬‫الله على المترهبين ولم يطلبه منهم )ث ُ ّ‬
‫ن ات ّب َُعوهُ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ّ ِ‬ ‫جعَل َْنا ِفي قُُلو ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫جي َ‬ ‫لن ِ‬ ‫م َوآت َي َْناه ُ ا ْ ِ‬ ‫مْري َ َ‬‫ن َ‬ ‫سى اب ْ ِ‬ ‫في َْنا ب ِِعي َ‬‫وَقَ ّ‬
‫هّ‬
‫ن الل ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض َ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل اب ْت َِغاء رِ ْ‬ ‫َ‬
‫ها ع َلي ْهِ ْ‬ ‫ما ك َت َب َْنا َ‬ ‫ها َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة اب ْت َد َ ُ‬‫ة وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫م ً‬
‫ح َ‬‫ة وََر ْ‬ ‫َرأ ْفَ ً‬
‫عايت ِها َفآتينا ال ّذين آمنوا منه َ‬
‫م‬ ‫م وَك َِثيٌر ّ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬‫مأ ْ‬ ‫ِ ُْ ْ‬ ‫ِ َ َ ُ‬ ‫ََْ‬ ‫حق ّ ر ِ َ َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ما َرع َوْ َ‬ ‫فَ َ‬
‫ن ( ) ‪ 27‬الحديد (‪.‬‬ ‫قو َ‬‫س ُ‬ ‫َفا ِ‬

‫والموضع الثاني أداء المانة يما يؤدي لتحجيم نزعة تملك حق الغير‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫المؤتمن وهي نزعة متسلطة على كثيرين )َوال ّ ِ‬
‫ماَنات ِهِ ْ‬
‫م ِل َ‬
‫ن هُ ْ‬
‫ذي َ‬
‫ن( ) ‪ 32‬المعارج (‪ .‬وترتبط المفردة في الموضعين‬ ‫عو َ‬ ‫م َرا ُ‬‫وَع َهْد ِه ِ ْ‬
‫ت ّلوِْلي الن َّهى ( ) ‪54‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك َلَيا ٍ‬
‫ن ِفي ذ َل ِ َ‬ ‫مك ُ ْ‬
‫م إِ ّ‬ ‫بدللة )ك ُُلوا َواْرع َ ْ‬
‫وا أن َْعا َ‬
‫طه ( فالذين يدرأون الحدود بالشبهات كان القرب إليهم أن‬
‫يستبصروا معنى غير متشابه بما ورد في سورتي البقرة والنساء‬
‫ليمحوا هذا الحديث وغيره من كتب المسلمين ‪.‬‬

‫ولكن مع محوه عليهم أن يدركوا كيف تم دسه عليهم ‪ ،‬ليكتشفوا‬


‫الدس الخطر ‪ ،‬فالقضية ليست مسالة عقوبات قاسية ‪ ،‬أو غير‬
‫قاسية ‪ ،‬عادلة أو غير عادلة ‪ ،‬إنسانية أو غير إنسانية ‪ ،‬فالقضية ل‬
‫تكمن في تناقض هذه التشريعات مع القيم المعاصرة أخلقيا ً‬
‫واجتماعيا ً وقيميا ً ولكنها تكمن من زاوية خطورتها المنهجية والدينية‬
‫بالقول أن شرعة السلم تتضمن هذه التشريعات ‪ ،‬فذاك إبطال‬
‫للرسالة الخاتمة وإبطال لنبوة محمد ومن ثم انتظار للذي‬
‫يأتي وينقضها ‪ ،‬فتكون علقتنا برسولنا محمد كعلقة اليهود‬
‫بالمسيح الذي ل زالوا ينتظرونه وقد ظهر بينهم قبل ألفي عام وتلك‬
‫ما أ َ َ‬
‫خذ َت ْهُ ُ‬
‫م‬ ‫قات َِنا فَل َ ّ‬ ‫جل ً ل ّ ِ‬
‫مي َ‬ ‫ن َر ُ‬
‫سب ِْعي َ‬
‫ه َ‬ ‫سى قَوْ َ‬
‫م ُ‬ ‫مو َ‬
‫خَتاَر ُ‬
‫دللت )َوا ْ‬

‫‪47‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬‫ما فَعَ َ‬ ‫ل وَإ ِّيايَ أت ُهْل ِك َُنا ب ِ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ت أهْل َك ْت َُهم ّ‬ ‫شئ ْ َ‬ ‫ب ل َوْ ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ة َقا َ‬ ‫ف ُ‬
‫ج َ‬ ‫الّر ْ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫من ت َ َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ي إ ِل ّ فِت ْن َت ُ َ‬
‫شاء أن َ‬ ‫دي َ‬ ‫شاء وَت َهْ ِ‬ ‫ل ب َِها َ‬ ‫ك تُ ِ‬ ‫ن هِ َ‬ ‫مّنا إ ِ ْ‬ ‫فَهاء ِ‬ ‫س َ‬ ‫ال ّ‬
‫ب ل ََنا ِفي َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫هـذ ِ ِ‬
‫َ‬
‫ن )‪َ(155‬واك ْت ُ ْ‬
‫ُ‬
‫ري َ‬ ‫خي ُْر ال َْغافِ ِ‬ ‫ت َ‬ ‫مَنا وَأن َ‬ ‫ح ْ‬ ‫فْر ل ََنا َواْر َ‬ ‫وَل ِي َّنا َفاغ ْ ِ‬
‫شاء‬ ‫نأ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ب ِهِ َ‬ ‫صي ُ‬ ‫ذاِبي أ ِ‬ ‫ل عَ َ‬ ‫ك َقا َ‬ ‫خَرةِ إ ِّنا هُد َْنـا إ ِل َي ْ َ‬ ‫ة وَِفي ال ِ‬ ‫سن َ ً‬ ‫ح َ‬ ‫الد ّن َْيا َ‬
‫َ‬
‫كـاةَ‬ ‫ن الّز َ‬ ‫ن وَي ُؤ ُْتو َ‬ ‫قو َ‬ ‫ن ي َت ّ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫سأك ْت ُب َُها ل ِل ّ ِ‬ ‫يٍء فَ َ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫سعَ ْ‬ ‫مِتي وَ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫وََر ْ‬
‫ي‬ ‫ُ‬ ‫سو َ‬ ‫ن )‪(156‬ال ّ ِ‬ ‫هم ِبآَيات َِنا ي ُؤ ْ ِ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫ل الن ّب ِ ّ‬ ‫ن الّر ُ‬
‫ْ‬
‫ن ي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ن ُ‬ ‫ذي َ‬
‫ف‬‫معُْرو ِ‬ ‫هم ِبال ْ َ‬ ‫مُر ُ‬ ‫ل ي َأ ُ‬ ‫جي ِ‬ ‫م ِفي الت ّوَْراةِ َوال ِن ْ ِ‬ ‫عند َهُ ْ‬ ‫مك ُْتوًبا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫دون َ ُ‬ ‫ج ُ‬ ‫ذي ي َ ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ع‬
‫ض ُ‬ ‫ث وَي َ َ‬ ‫خَبآئ ِ َ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫م ع َل َي ْهِ ُ‬ ‫حّر ُ‬ ‫ت وَي ُ َ‬ ‫م الط ّي َّبا ِ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫منك َرِ وَي ُ ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م عَ ِ‬ ‫وَي َن َْهاهُ ْ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬
‫م َفال ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫م َوالغ ْل َ‬ ‫َ‬
‫مُنوا ب ِهِ وَع َّزُروهُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ت ع َلي ْهِ ْ‬ ‫ل الِتي كان َ ْ‬ ‫صَرهُ ْ‬ ‫م إِ ْ‬ ‫ع َن ْهُ ْ‬
‫ن )‪(157‬قُ ْ‬
‫ل‬ ‫ْ‬ ‫ه أوْلـئ ِ َ‬‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫صُروه ُ َوات ّب َُعوا الّنوَر الذ ِيَ أنزِ َ‬ ‫ْ‬
‫حو َ‬ ‫فل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ال ُ‬ ‫ك هُ ُ‬ ‫معَ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫وَن َ َ‬
‫مل ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ت‬ ‫ماَوا ِ‬ ‫س َ‬ ‫ك ال ّ‬ ‫ه ُ‬ ‫ذي ل َ ُ‬ ‫ميًعا ال ّ ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل الل ّهِ إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫سو ُ‬ ‫س إ ِّني َر ُ‬ ‫َيا أي َّها الّنا ُ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ي‬‫م ّ‬ ‫ي ال ّ‬ ‫سول ِهِ الن ّب ِ ّ‬ ‫مُنوا ْ ِبالل ّهِ وََر ُ‬ ‫ت َفآ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫حِيـي وَي ُ ِ‬ ‫ه إ ِل ّ هُوَ ي ُ ْ‬ ‫ض ل إ َِلـ َ‬ ‫َوالْر ِ‬
‫ن )‪) (158‬لعراف(‬ ‫دو َ‬ ‫م ت َهْت َ ُ‬ ‫مات ِهِ َوات ّب ُِعوه ُ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ن ِبالل ّهِ وَك َل ِ َ‬ ‫م ُ‬ ‫ذي ي ُؤ ْ ِ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫المصدر الثالث ‪ :‬الغفلة ‪:‬‬
‫قد حذرنا الله من إبليس ‪ ،‬وحذرنا من اليهود ولم نأخذ بالتحذيرين ‪ ،‬ل‬
‫نتيجة الجهل أو الكفر ‪ ،‬ولكن نتيجة الغفلة ‪ .‬وقد حذر الله منها منذ‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫مو َ‬ ‫ح ُ‬ ‫م ت ُْر َ‬ ‫قوا ْ ل َعَل ّك ُ ْ‬ ‫ك َفات ّب ُِعوه ُ َوات ّ ُ‬ ‫مَباَر ٌ‬ ‫ب أنَزل َْناه ُ ُ‬ ‫ذا ك َِتا ٌ‬ ‫هـ َ‬ ‫البدء )وَ َ‬
‫عن‬ ‫من قَب ْل َِنا وَِإن ك ُّنا َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ما أنزِ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫‪َ(155‬أن ت َ ُ‬
‫ن ِ‬ ‫فت َي ْ ِ‬ ‫ب ع َلى طآئ ِ َ‬ ‫ل الك َِتا ُ‬ ‫قولوا إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪ ) (156‬النعام(‬ ‫م ل ََغافِِلي َ‬ ‫ست ِهِ ْ‬ ‫د َِرا َ‬

‫ثالثًا( المحو والثبات‪:‬‬


‫المحو والثبات يتم في عالم المشيئة الظاهرة بقوانينها النسانية‬
‫حو‬ ‫والطبيعية وليس متعلقا ً بعالم المر اللهي الغيبي المحتجب )ي َ ْ‬
‫م ُ‬
‫ُ‬
‫ب(‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬
‫عند َه ُ أ ّ‬ ‫شاء وَي ُث ْب ِ ُ‬
‫ت وَ ِ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫الل ّ ُ‬
‫ه َ‬

‫والمحو والثبات يقابل النسخ ‪ ،‬ولكن مع اختلف العالمين في تحقيق‬


‫ذلك ‪ ،‬فالنسخ مصدره عالم الرادة اللهية كما يعني سياق سورة‬
‫البقرة وصول ً إلى الية التي ذكرناها )‪ (106‬وما قبلها وما بعدها ‪،‬‬
‫وكذلك تفصيل ً في سورة العراف من الية ) ‪ 155‬إلى ‪. ( 158‬‬

‫أما المحو والثبات فهو تحقيق للنسخ ظاهرا ً في عالم المشيئة حيث‬
‫يراه الناس ويتفهمونه ‪ ،‬فيفرح أهل الكتاب من الذين يتبعون النبي‬
‫المي وشرعة التخفيف والرحمة وعالمية الكتاب ‪ ،‬وقليل ما هم ‪،‬‬
‫ويعلمون أن آيات الخوارق تمتنع في الحالة السلمية وأن من يشاقق‬
‫الرسول منهم ستطبق عليه شرعة الصر والغلل ‪ ،‬وأن لمحمد‬
‫أزواجه وذريته فل يماثل بانقطاع النسل لدى زكريا خاتم أنبياء بني‬
‫إسرائيل ولكنها ذرية ل تبلغ سن الرجال )‬

‫‪48‬‬
‫من ُينك ُِر‬ ‫ب َ‬ ‫حَزا ِ‬ ‫ن ال َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ك وَ ِ‬ ‫ل إ ِل َي ْ َ‬ ‫ما ُأنزِ َ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫حو َ‬ ‫فَر ُ‬ ‫ب يَ ْ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫ن آت َي َْناهُ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫َوال ّ ِ‬
‫ب)‬ ‫مآ ِ‬ ‫عو وَإ ِل َي ْهِ َ‬ ‫ك ب ِهِ إ ِل َي ْهِ أ َد ْ ُ‬ ‫شر ِ َ‬ ‫ه َول أ ُ ْ‬ ‫ن أع ْب ُد َ الل ّ َ‬
‫ل إنما أ ُمرت أ َ َ‬
‫ه قُ ْ ِ ّ َ ِ ْ ُ ْ‬ ‫ض ُ‬ ‫ب َعْ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫م َ‬ ‫ك ِ‬ ‫جاء َ‬ ‫ما َ‬ ‫هم ب َعْد َ َ‬ ‫واء ُ‬ ‫ت أهْ َ‬ ‫ن ات ّب َعْ َ‬ ‫ما ع ََرب ِّيا وَلئ ِ ِ‬ ‫حك ْ ً‬ ‫ك أنَزل َْناه ُ ُ‬ ‫‪ (36‬وَك َذ َل ِ َ‬
‫َ‬
‫من‬ ‫سل ً ّ‬ ‫سل َْنا ُر ُ‬ ‫قد ْ أْر َ‬ ‫ق )‪ (37‬وَل َ َ‬ ‫ٍ‬ ‫ي وَل َ َوا‬ ‫ّ‬ ‫من وَل ِ‬ ‫ن الل ّهِ ِ‬ ‫َ‬ ‫م‬
‫ك ِ‬ ‫ما ل َ َ‬ ‫ال ْعِل ْم ِ َ‬
‫ْ‬ ‫كان ل ِرسو َ‬ ‫ك وجعل ْنا ل َه َ‬
‫ي ِبآي َةٍ إ ِل ّ ب ِإ ِذ ْ ِ‬
‫ن‬ ‫ل أن ي َأت ِ َ‬ ‫ما َ َ َ ُ ٍ‬ ‫ة وَ َ‬ ‫جا وَذ ُّري ّ ً‬ ‫م أْزَوا ً‬ ‫قَب ْل ِ َ َ َ َ َ ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫الل ّه ل ِك ُ ّ َ‬
‫ب‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬ ‫عند َه ُ أ ّ‬ ‫ت وَ ِ‬ ‫شاء وَي ُث ْب ِ ُ‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫حو الل ّ ُ‬ ‫م ُ‬ ‫ب )‪ (38‬ي َ ْ‬ ‫ل ك َِتا ٌ‬ ‫ج ٍ‬ ‫لأ َ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬
‫ك الب َل َغُ‬ ‫َ‬
‫ما ع َلي ْ َ‬ ‫م أوْ ن َت َوَفّي َن ّ َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ما ن ُرِي َن ّ َ‬
‫ك فَإ ِن ّ َ‬ ‫ذي ن َعِد ُهُ ْ‬ ‫ض ال ِ‬ ‫ك ب َعْ َ‬ ‫)‪(39‬وَِإن ّ‬
‫ن أط َْرافَِها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م ْ‬ ‫صَها ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫ض َنن ُ‬ ‫م ي ََروْا ْ أّنا ن َأِتي الْر َ‬ ‫ب )‪ (40‬أوَل َ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وَع َل َي َْنا ال ْ ِ‬
‫مك ََر‬ ‫ب )‪ (41‬وَقَد ْ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ريعُ ال ْ ِ‬ ‫س ِ‬ ‫مهِ وَهُوَ َ‬ ‫حك ْ ِ‬ ‫ب لِ ُ‬ ‫ق َ‬ ‫معَ ّ‬ ‫م لَ ُ‬ ‫حك ُ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫م‬‫سي َعْل َ ُ‬ ‫س وَ َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ب كُ ّ‬ ‫س ُ‬ ‫ما ت َك ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ميًعا ي َعْل َ ُ‬ ‫ج ِ‬ ‫مك ُْر َ‬ ‫م فَل ِل ّهِ ال ْ َ‬ ‫من قَب ْل ِهِ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫سل ً ق ُ ْ‬
‫ل‬ ‫مْر َ‬ ‫ت ُ‬ ‫س َ‬ ‫فُروا ْ ل َ ْ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫دارِ )‪ (42‬وَي َ ُ‬ ‫قَبى ال ّ‬ ‫ن عُ ْ‬ ‫م ْ‬‫فاُر ل ِ َ‬ ‫ال ْك ُ ّ‬
‫ب )‪ ) (43‬الرعد (‬ ‫م ال ْك َِتا ِ‬ ‫عل ْ ُ‬ ‫عند َه ُ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م وَ َ‬ ‫دا ب َي ِْني وَب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫شِهي ً‬ ‫فى ِبالل ّهِ َ‬ ‫كَ َ‬
‫وقد رأى الرسول في حياته بعض الذي وعدهم الله به حين حدهم‬
‫بشرعة الصر والغلل كما ذكرنا في عقوبة الصلب من خلف‬
‫ومصادرة أموالهم وديارهم ‪ ،‬وهذا ) بعض ( في حياة الرسول من‬
‫تطبيق تلك الشرعة الغليظة على اليهود ‪.‬‬

‫إشكالية ذرية محمد والتبني ‪:‬‬


‫أما مسألة ذرية محمد وأهميتها في هذا الجدال فلنهم يعلمون أن‬
‫خاتم الرسل ل تكون له ذرية رجال من عقبه يتواصلون حتما ً بالنبوة‬
‫في حال بلوغهم مبلغ الرجال ‪ ،‬وهكذا كان حال أنبياء بني إسرائيل‬
‫سل َْنا‬ ‫يتناسلون في الذرية ويتعاقبون ويقفو بعضهم بعضا ً ‪ ) :‬ول َ َ َ‬
‫قد ْ أْر َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫مهْت َد ٍ وَكِثيٌر‬ ‫من ُْهم ّ‬ ‫ب فَ ِ‬ ‫ما الن ّب ُوّة َ َوال ْك َِتا َ‬ ‫جعَل َْنا ِفي ذ ُّري ّت ِهِ َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫هي َ‬ ‫حا وَإ ِب َْرا ِ‬ ‫ُنو ً‬
‫ن‬‫سى اب ْ ِ‬ ‫في َْنا ب ِِعي َ‬ ‫سل َِنا وَقَ ّ‬‫هم ب ُِر ُ‬ ‫في َْنا ع ََلى آَثارِ ِ‬ ‫م قَ ّ‬ ‫ن)‪ (26‬ث ُ ّ‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬ ‫م َفا ِ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫ّ‬
‫ة‬
‫م ً‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫جي َ‬ ‫ْ‬
‫ح َ‬
‫ة وََر ْ‬ ‫ن ات ّب َُعوه ُ َرأف ً‬ ‫ذي َ‬ ‫ب ال ِ‬ ‫جعَلَنا ِفي قلو ِ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫لن ِ‬ ‫م َوآت َي َْناه ُ ا ِ‬ ‫مْري َ َ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫ما َرع َوْ َ‬ ‫ّ‬
‫ن اللهِ فَ َ‬ ‫وا ِ‬
‫ض َ‬ ‫ّ‬
‫م إ ِل اب ْت َِغاء رِ ْ‬ ‫َ‬
‫ها ع َلي ْهِ ْ‬ ‫َ‬
‫ما كت َب َْنا َ‬ ‫ها َ‬ ‫عو َ‬ ‫ة اب ْت َد َ ُ‬
‫وََرهَْبان ِي ّ ً‬
‫َ‬
‫ن)‬ ‫قو َ‬ ‫س ُ‬‫م َفا ِ‬ ‫م وَك َِثيٌر ّ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫جَرهُ ْ‬ ‫مأ ْ‬ ‫من ْهُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫عاي َت َِها َفآت َي َْنا ال ّ ِ‬ ‫حق ّ ر ِ َ‬ ‫َ‬
‫‪ ) ((27‬الحديد( ‪.‬‬

‫فمن بعد عيسى ل يتسلسل الرسل ويقفو بعضهم بعضا ً بل هناك من‬
‫يتبع له ) وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه ( أما انقطاع الذرية فيرجع‬
‫ك ع َب ْد َه ُ َزك َرِّيا )‪ (2‬إ ِذ ْ َناَدى َرب ّ ُ‬
‫ه‬ ‫مةِ َرب ّ َ‬ ‫ح َ‬‫إلى زكريا ) كهيعص )‪ (1‬ذ ِك ُْر َر ْ‬
‫ْ‬
‫شي ًْبا‬‫س َ‬ ‫ل الّرأ ُ‬ ‫شت َعَ َ‬‫مّني َوا ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ن ال ْعَظ ْ ُ‬ ‫ب إ ِّني وَهَ َ‬ ‫ل َر ّ‬‫فّيا )‪َ (3‬قا َ‬ ‫خ ِ‬ ‫داء َ‬ ‫نِ َ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ب َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من وََراِئي وَكان َ ِ‬ ‫ي ِ‬ ‫وال ِ َ‬
‫م َ‬‫ت ال َ‬‫ف ُ‬‫خ ْ‬‫قّيا )‪ (4‬وَإ ِّني ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫عائ ِك َر ّ‬ ‫م أكن ب ِد ُ َ‬ ‫وَل ْ‬
‫َ‬
‫ب‬
‫قو َ‬ ‫ل ي َعْ ُ‬ ‫نآ ِ‬‫م ْ‬‫ث ِ‬ ‫ك وَل ِّيا )‪ (5‬ي َرِث ُِني وَي َرِ ُ‬ ‫دن َ‬ ‫من ل ّ ُ‬ ‫ب ِلي ِ‬ ‫عاقًِرا فَهَ ْ‬ ‫مَرأِتي َ‬ ‫ا ْ‬
‫جَعل‬ ‫حَيى ل َ ْ‬
‫م نَ ْ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫م ُ‬
‫س ُ‬‫ك ب ِغَُلم ٍ ا ْ‬
‫شُر َ‬ ‫ضّيا )‪َ (6‬يا َزك َرِّيا إ ِّنا ن ُب َ ّ‬ ‫ب َر ِ‬ ‫ه َر ّ‬ ‫جعَل ْ ُ‬ ‫َوا ْ‬
‫مّيا )‪) (7‬مريم(‬ ‫س ِ‬
‫ل َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫ه ِ‬ ‫لّ ُ‬

‫‪49‬‬
‫ولن زكريا دعا ربه ‪ ،‬واستجاب له الله ‪ ،‬فقد جعل الله يحيى‬
‫) حصورا ً ( ل يستشعر النساء ول يمسسن مشاعر تكونيه الذكوري‬
‫ك‬‫ة إ ِن ّ َ‬‫ة ط َي ّب َ ً‬‫ك ذ ُّري ّ ً‬‫من ل ّد ُن ْ َ‬ ‫ب ِلي ِ‬ ‫ب هَ ْ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ه َقا َ‬ ‫عا َزك َرِّيا َرب ّ ُ‬ ‫ك دَ َ‬ ‫) هَُنال ِ َ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫بأ ّ‬ ‫حَرا ِ‬ ‫م ْ‬ ‫صّلي ِفي ال ْ ِ‬ ‫م يُ َ‬ ‫ة وَهُوَ َقائ ِ ٌ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫عاء )‪ (38‬فََناد َت ْ ُ‬ ‫ميعُ الد ّ َ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬ ‫م‬ ‫يا‬ ‫ب‬‫ن‬ ‫و‬ ‫را‬
‫ِ َ َ ّ ً َ َ ُ ً ََِّ ّ َ‬‫صو‬ ‫ح‬ ‫و‬ ‫دا‬ ‫ي‬ ‫س‬ ‫و‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ال‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ة‬ ‫م‬ ‫ل‬‫َ‬ ‫ك‬
‫ُ َ ّ ِ ِ َ ٍ ّ َ‬ ‫ب‬ ‫قا‬ ‫ً‬ ‫د‬ ‫ص‬ ‫م‬ ‫يـى‬ ‫ح‬ ‫ي‬
‫َِ ْ َ‬ ‫ب‬ ‫ك‬‫َ‬ ‫ر‬ ‫ّ‬
‫ال َ ُ َ ُ‬
‫ش‬ ‫ب‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ل‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫مَرأِتي‬ ‫ي ال ْك ِب َُر َوا ْ‬ ‫م وَقَد ْ ب َل َغَن ِ َ‬ ‫ن ِلي غ ُل َ ٌ‬ ‫كو ُ‬ ‫ى يَ ُ‬ ‫ب أن ّ َ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ن )‪َ (39‬قا َ‬ ‫حي َ‬ ‫صال ِ ِ‬‫ال ّ‬
‫شاء )‪ ) (40‬آل عمران (‬ ‫ما ي َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫فعَ ُ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ّ‬
‫ك الل ُ‬ ‫ل ك َذ َل ِ َ‬ ‫عاقٌِر َقا َ‬ ‫َ‬

‫لهذا ادعى اليهود بكذب محمد ‪ ،‬وقالوا لست مرسل ً ‪ ،‬لما رأوا زوجاته‬
‫وأبناءه فأوضح الله لهم أن المسألة ل تكمن في الزوجات والبناء‬
‫ولكن في مبلغ البناء مرحلة الرجولة ليرثوا النبوة ‪ ،‬وأن ليس لمحمد‬
‫أبناء من ظهره يبلغون مبلغ الرجولة ارتباطا ً بكونه خاتم النبيين ‪،‬‬
‫ة‬
‫سن ّ َ‬‫ه ُ‬ ‫ه لَ ُ‬
‫ض الل ّ ُ‬ ‫ما فََر َ‬ ‫حَرٍج ِفي َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ي ِ‬ ‫ن ع ََلى الن ّب ِ ّ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫فأبطل حجتهم ) ّ‬
‫َ‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫دوًرا )‪ (38‬ال ّ ِ‬ ‫ق ُ‬
‫م ْ‬‫مُر الل ّهِ قَد ًَرا ّ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ل وَ َ‬ ‫من قَب ْ ُ‬ ‫وا ِ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫الل ّهِ ِفي ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫َ‬
‫فى ِبالل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫دا إ ِّل الل ّ َ‬
‫ه وَك َ َ‬ ‫ح ً‬ ‫نأ َ‬ ‫شوْ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ه وََل ي َ ْ‬ ‫شوْن َ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ت الل ّهِ وَي َ ْ‬ ‫ساَل ِ‬ ‫ن رِ َ‬ ‫ي ُب َل ُّغو َ‬
‫َ َ‬
‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫سو َ‬ ‫كن ّر ُ‬ ‫م وَل َ ِ‬‫جال ِك ُ ْ‬
‫من ّر َ‬ ‫حد ٍ ّ‬ ‫مد ٌ أَبا أ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫م َ‬ ‫ن ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫سيًبا )‪ّ (39‬‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ما )‪ ) (40‬الحزاب ( ‪.‬‬ ‫يٍء ع َِلي ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ُ‬
‫ه ب ِك ّ‬ ‫ّ‬
‫ن الل ُ‬ ‫َ‬
‫ن وَكا َ‬ ‫م الن ّب ِّيي َ‬
‫خات َ َ‬
‫وَ َ‬

‫فمن ناحية أظهرت الية )‪ (38‬أن سنة الله تقتضي الزواج والنجاب‬
‫فكون محمد خاتم النبيين ل يكون حاله كحال يحيى ولكن ل أبناء من‬
‫صلبه يبلغون مبلغ الرجال ‪ ،‬فالنبوة ل تكون إل في الرجال دون‬
‫مل َ ً‬ ‫َ‬ ‫ول ُأنزِ َ‬
‫كا‬ ‫ك وَل َوْ أنَزل َْنا َ‬ ‫مل َ ٌ‬ ‫ل ع َل َي ْهِ َ‬ ‫انتقاص من حقوق المرأة ) وََقاُلوا ْ ل َ ْ‬
‫جل ً وَل َل َب َ ْ‬
‫سَنا‬ ‫جعَل َْناه ُ َر ُ‬
‫كا ل ّ َ‬‫مل َ ً‬
‫جعَل َْناه ُ َ‬
‫ن )‪ (8‬وَل َوْ َ‬ ‫م ل َ ُينظ َُرو َ‬
‫مُر ث ُ ّ‬ ‫ي ال ْ‬‫ض َ‬
‫ق ِ‬ ‫لّ ُ‬
‫ن )‪ ) (9‬النعام (‬ ‫سو َ‬‫ما ي َل ْب ِ ُ‬
‫ع َل َي ِْهم ّ‬

‫وفي نفس السياق منع لله التبني حيث ل يكون المتبني من أصل‬
‫من‬ ‫ل ّ‬ ‫ج ٍ‬ ‫ه ل َِر ُ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫الظهر ليرث النبوة ومتعلقاتها من عصمة ) ّ‬
‫ُ‬ ‫م الّلِئي ت ُ َ‬ ‫قَل ْبين في جوفه وما جع َ َ‬
‫مَهات ِك ُ ْ‬
‫م‬ ‫نأ ّ‬ ‫من ْهُ ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫ظاه ُِرو َ‬ ‫جك ُ ُ‬ ‫ل أْزَوا َ‬ ‫َ ْ ِ ِ َ َ َ َ‬ ‫َْ ِ ِ‬
‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ل ال َ‬ ‫قو ُ‬ ‫ه يَ ُ‬ ‫م َوالل ُ‬ ‫واه ِك ُ ْ‬ ‫كم ب ِأفْ َ‬ ‫م قَوْل ُ‬ ‫م ذ َل ِك ُ ْ‬ ‫م أب َْناءك ُ ْ‬ ‫عَياءك ُ ْ‬ ‫ل أد ْ ِ‬ ‫جعَ َ‬ ‫ما َ‬ ‫وَ َ‬
‫َ‬
‫م‬‫عند َ الل ّهِ فَِإن ل ّ ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫س ُ‬ ‫م هُوَ أقْ َ‬ ‫م ِلَبائ ِهِ ْ‬ ‫عوهُ ْ‬ ‫ل )‪ (4‬اد ْ ُ‬ ‫سِبي َ‬ ‫دي ال ّ‬ ‫وَهُوَ ي َهْ ِ‬
‫ما‬
‫ح ِفي َ‬ ‫جَنا ٌ‬ ‫م ُ‬ ‫ُ‬
‫س ع َلي ْك ْ‬ ‫َ‬ ‫م وَلي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫واِليك ْ‬ ‫م َ‬ ‫ن وَ َ‬ ‫ُ‬ ‫م فَإ ِ ْ‬ ‫ت َعْل َ ُ‬
‫دي ِ‬ ‫م ِفي ال ّ‬ ‫وان ُك ْ‬ ‫خ َ‬ ‫موا آَباءهُ ْ‬
‫ْ‬
‫ما )‪(5‬‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا ّر ِ‬ ‫ه غَ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫م وَ َ‬ ‫ت قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫مد َ ْ‬ ‫ما ت َعَ ّ‬ ‫كن ّ‬ ‫خط َأُتم ب ِهِ وَل َ ِ‬ ‫أَ ْ‬
‫) الحزاب (‬
‫ثم في حال خاتم النبيين بالذات أضيف إلى منع التبني زواجه بزوجة‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬‫س ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت ع َل َي ْهِ أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَأن ْعَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ذي أن ْعَ َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫مَتبنى بالذات )وَإ ِذ ْ ت َ ُ‬ ‫ال ُ‬
‫شى‬ ‫خ َ‬ ‫ديهِ وَت َ ْ‬ ‫مب ْ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ما الل ّ ُ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫في ِفي ن َ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ه وَت ُ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ك ََوات ّ ِ‬ ‫ج َ‬ ‫ك َزوْ َ‬ ‫ع َل َي ْ َ‬
‫َ‬
‫جَناك ََها ل ِك َ ْ‬
‫ي‬ ‫من َْها وَط ًَرا َزوّ ْ‬ ‫ضى َزي ْد ٌ ّ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫شاه ُ فَل َ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫حقّ أن ت َ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫س َوالل ّ ُ‬ ‫الّنا َ‬
‫ن وَط ًَرا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْهُ ّ‬ ‫وا ِ‬ ‫ض ْ‬ ‫م إ َِذا قَ َ‬ ‫عَيائ ِهِ ْ‬ ‫ج ِفي أْزَواِج أد ْ ِ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫َل ي َ ُ‬
‫فُعوًل )‪ ) (37‬الحزاب (‬ ‫َ‬
‫م ْ‬‫مُر الل ّهِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫وَ َ‬

‫‪50‬‬
‫أما الصل في منع التبني فيرجع إلى مساكنة يوسف لمرأة العزيز‬
‫في بيتها وهو ليس ابنا ً لها ‪ ،‬وقد اشار الله إلى المساكنة في الية‬
‫ت لَ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ب وََقال َ ْ‬
‫ت هَي ْ َ‬ ‫وا َ‬‫ت الب ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫سهِ وَغ َل ّ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫عن ن ّ ْ‬ ‫ه ال ِّتي هُوَ ِفي ب َي ْت َِها َ‬ ‫)وََراوَد َت ْ ُ‬
‫ن)‪ (23‬وَل َ َ‬ ‫ح ال ّ‬ ‫َ‬
‫قد ْ‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ه ل َيُ ْ‬
‫فل ِ ُ‬ ‫وايَ إ ِن ّ ُ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫س َ‬ ‫ح َ‬‫ه َرّبي أ ْ‬ ‫مَعاذ َ الل ّهِ إ ِن ّ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫َقا َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫سوَء‬ ‫ه ال ّ‬ ‫ف ع َن ْ ُ‬
‫صر ِ َ‬ ‫ك ل ِن َ ْ‬‫ن َرب ّهِ ك َذ َل ِ َ‬ ‫ها َ‬ ‫ول أن ّرأى ب ُْر َ‬ ‫م ب َِها ل َ ْ‬ ‫ت ب ِهِ وَهَ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫هَ ّ‬
‫ن )‪ ) (24‬يوسف (‬ ‫صي َ‬ ‫خل ِ‬‫َ‬ ‫م ْ‬ ‫ْ‬
‫عَباد َِنا ال ُ‬‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شاء إ ِن ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫ف ْ‬ ‫ْ‬
‫َوال َ‬

‫في هذه الية لم يكتف الله بالكشف عن الوقائع السردية والتي‬


‫علمها عزيز مصر وصاحبه ولكنه كشف عن أن يوسف نفسه – وهو‬
‫نبي معصوم – قد هم بها ‪ ،‬وهذا أمر في داخل نفس يوسف أبداه الله‬
‫عمدا ً وأخرجه من خفائه ليوضح مخاطر التبني ‪ ،‬وعدم شرعية‬
‫مساكنة المتبني لنه ليس من ذات الصلب وامتداد نفس الب والم‬
‫في تكوينه فيكون الحائل النفسي دون الم وابنها ‪ ،‬ودون الب وابنته‪.‬‬

‫ولهذه الحكمة كشف الله عن أمر مخفي في نفس خاتم الرسل‬


‫ك ع َل َي ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫س ْ‬ ‫م ِ‬‫ت ع َل َي ْهِ أ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ع َل َي ْهِ وَأن ْعَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ذي أن ْعَ َ‬ ‫ل ل ِل ّ ِ‬ ‫قو ُ‬ ‫والنبيين )وَإ ِذ ْ ت َ ُ‬
‫س‬
‫شى الّنا َ‬ ‫خ َ‬ ‫ديهِ وَت َ ْ‬‫مب ْ ِ‬‫ه ُ‬ ‫ّ‬
‫ما الل ُ‬ ‫ك َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫في ِفي ن َ ْ‬ ‫خ ِ‬ ‫ه وَت ُ ْ‬ ‫ق الل ّ َ‬ ‫ج َ‬
‫َ‬ ‫ك َ َوات ّ ِ‬ ‫َزوْ َ‬
‫ي َل‬ ‫جَناك ََها ل ِك َ ْ‬ ‫من َْها وَط ًَرا َزوّ ْ‬ ‫ضى َزي ْد ٌ ّ‬ ‫ما قَ َ‬ ‫شاه ُ فَل َ ّ‬ ‫خ َ‬ ‫حقّ أن ت َ ْ‬ ‫هأ َ‬ ‫َوالل ّ ُ‬
‫ن وَط ًَرا‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫من ْهُ ّ‬
‫وا ِ‬ ‫ض ْ‬‫م إ َِذا قَ َ‬ ‫عَيائ ِهِ ْ‬ ‫ج ِفي أْزَواِج أد ْ ِ‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ن َ‬ ‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ن ع ََلى ال ْ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫يَ ُ‬
‫فُعوًل )‪ ) (37‬الحزاب(‬ ‫كا َ‬
‫م ْ‬ ‫مُر الل ّهِ َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫وَ َ َ‬
‫فما من أحد غير الله يعلم ما يخفيه خاتم النبيين في نفسه ‪ ،‬وما من‬
‫أحد غير الله يعلم ما يخفيه يوسف في نفسه ‪ ،‬وقد كشف الله عن‬
‫الحالتين المضمرتين ‪ ،‬ليس تشويها ً ولكن لحكمة تقضي ذلك لمنع‬
‫التبني ‪ ،‬فاتخذ الله من مقامات العصمة النبوية دليل ً على ذلك حتى ل‬
‫يقول البعض أنه ينظر إلى من يدعيه ويتبناه نظرة البن ‪ ،‬فهذا‬
‫المدعي يعيش بين محارم ل ينتمي إليهم عضويا ً ونفسيا ً ويساكنهم ‪،‬‬
‫والله يعلمنا ما ل نبلغ علمه ‪ ،‬فإذ يتخذ بعض الناس من التبني ظاهرة‬
‫رحمة وكفالة يتيم فإن في أصله عذاب خفي ‪.‬‬

‫الجتهاد عودة إلى الصل ‪:‬‬

‫إن الجتهاد المعاصر ل يأتي بجديد خارج النص القرآني ولكن العودة‬
‫إلى نقاء وصفاء النص القرآني ودللة مفرداته المصطلحية الرياضية‬
‫المثالية لتبرئة النص من مصادر الدس والتزييف الثلث ) إبليس ‪-‬‬
‫اليهود ‪ -‬الغفلة ( ‪.‬‬

‫ثم يضاف إليها تغلغل الثقافات الجتماعية عبر تاريخانيتها المنتجة لها‬
‫لتأخذ بناصية النص وتلتف عليه ‪ .‬ولم يحدث هذا لنا فقط فقد حدث‬

‫‪51‬‬
‫وعبر هذه المصادر الثلث نفسها للحضارة الغربية المسيحية ‪ ،‬التي‬
‫اتخذت من المسيح وأمه إلهين مع الله أو من دون الله فاضطرت‬
‫معظم التجاهات العقلنية الفلسفية أن تمارس حضورها النساني‬
‫متحدة مع ذاتها أو مع الطبيعة بمعزل عن اللهوت المسيحي ومن‬
‫بعد أن فعل )بولص( بالمسيحية ما فعل مدعيا ً ألوهة السيد المسيح ‪.‬‬

‫لهذا لم يمارس النشاط الفلسفي العقلني الغربي دوره المطلوب‬


‫داخل المسيحية ‪ ،‬وإنما نظر إليها بالنقد من خارجها وتوصل عديدون‬
‫للكشف عن دس في نصوص الناجيل ‪ ،‬فالعقلنية ) أولو اللباب (‬
‫هي دائما ً خصم بتحليلتها ومناهجها لنواع الدس هذه ‪.‬‬

‫ويبقى أن نمتن لله أنه حفظ بأمره هذا القرآن فل يأتيه الباطل من‬
‫ب‬‫ه ل َك َِتا ٌ‬‫م وَإ ِن ّ ُ‬‫جاءهُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فُروا ِبالذ ّك ْرِ ل َ ّ‬ ‫ن كَ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫بين يديه ول من خلفه )إ ِ ّ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫ل ّ‬ ‫زي ٌ‬
‫فهِ َتن ِ‬ ‫خل ْ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ي َد َي ْهِ وََل ِ‬ ‫من ب َي ْ ِ‬ ‫ل ِ‬ ‫زيٌز ‪َ (041‬ل ي َأ ِْتيهِ ال َْباط ِ ُ‬ ‫عَ ِ‬
‫ميد ٍ )‪ ) (42‬فصلت ( ‪ .‬فهو كتاب محفوظ بعالم المر اللهي‬ ‫ح ِ‬ ‫كيم ٍ َ‬ ‫ح ِ‬ ‫َ‬
‫ومتنزل في البيت الحرام وعلى رسول ونبي خاتم من عالم المر‬
‫وليس مثل تنزلت الرض المقدسة حيث يقوم البشر بحفظ ما أنزل‬
‫ه‬ ‫الله إليهم ز وهكذا جاء وهكذا كتب )إنما أ ُمرت أ َ َ‬
‫ب هَذ ِ ِ‬ ‫ن أع ْب ُد َ َر ّ‬ ‫ِّ َ ِ ْ ُ ْ‬
‫ن)‬ ‫مي َ‬‫سل ِ ِ‬ ‫م ْ‬‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كو َ‬ ‫ن أَ ُ‬‫تأ ْ‬
‫َ‬
‫مْر ُ‬
‫ُ‬
‫يٍء وَأ ِ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ه كُ ّ‬ ‫مَها وَل َ ُ‬ ‫حّر َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ْب َل ْد َةِ ال ّ ِ‬
‫ل فَ ُ‬ ‫َ‬
‫ن أت ْل ُوَ ال ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ق ْ‬
‫ل‬ ‫ض ّ‬ ‫من َ‬ ‫سهِ وَ َ‬ ‫ف ِ‬ ‫دي ل ِن َ ْ‬ ‫دى فَإ ِن ّ َ‬
‫ما ي َهْت َ ِ‬ ‫ن اهْت َ َ‬ ‫م ِ‬‫ن فَ َ‬ ‫قْرآ َ‬ ‫‪ (91‬وَأ ْ‬
‫َ‬
‫م آَيات ِهِ فَت َعْرُِفون ََها‬ ‫ريك ُ ْ‬ ‫سي ُ ِ‬ ‫مد ُ ل ِل ّهِ َ‬ ‫ح ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ن )‪ (92‬وَقُ ِ‬ ‫منذ ِِري َ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ما أَنا ِ‬ ‫إ ِن ّ َ‬
‫ن )‪ ) (93‬النمل (‬ ‫مُلو َ‬ ‫ما ت َعْ َ‬‫ل عَ ّ‬ ‫ك ب َِغافِ ٍ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫ً‬
‫إن السلم نور داخلي في نفس المؤمن‪ ،‬خلفا لليهودية التي ترتبط‬
‫بشرعة الحواس وهي بمثابة نور خارجي يفرض بالمواثيق والعهود‬
‫وهذا أصل معنى التوراة ) العهد (‪.‬‬
‫ولهذا فإن السلم دين "مجتمع" وليس دين سلطة وإذا كان الله‬
‫سبحانه قد أخذ بمنطق "الحاكمية اللهية" عبر فئة النبياء المتتابعين‬
‫في الرض المقدسة فإن ذلك لتحقيق سلطة الشريعة والموازنة بين‬
‫خارق العطاء و خارق العقاب ) الصر والغلل والنكال ( فل تكون‬
‫الشريعة التوراتية إل عبر السلطة‪ ،‬وقد فرضها الله سبحانه وتعالى‬
‫في طورها الول بحاكمية الله المباشرة ثم تحول بها إلى حاكمية‬
‫إستخلف بناًء على طلب اليهود أنفسهم‪.‬‬
‫أما السلم فهو حاكمية كتاب ودين مجتمع وليس دين سلطة فوقية ‪،‬‬
‫وللمجتمع وحده أن يقرر نوعية وشكل العقوبات على أفراده عبر‬
‫آلياته الشورية إل ما فيه نص قرآني ‪.‬‬

‫وم ‪،،،‬‬
‫ولله الحمد كيفما قام به الوجود وتق ّ‬

‫محمد أبو القاسم حاج حمد‬

‫‪52‬‬

You might also like