You are on page 1of 6

‫القتصاد والقوانين الطبيعية وإدارة المخلفات‬

‫كان السبق لرواد مدرسة الطبيعيين فى ربط القتصاد بالعلوم الطبيعية ‪ ,‬حيث رأى روادها ان‬
‫علم القتصاد يخضع لقوانين طبيعية لا دخل لرادة النسان فى ايجادها‪ .‬وان كان رواد تلك‬
‫المدرسة قد غاب عنهم أن تلك القوانين مطلقة ل استثناء فيها‪ ,‬وأنها عالمية بصرف النظر عن‬
‫ظروف كل بلد وخصائصه‪ .‬كما غاب عنهم فهم قوانين المادة وحفظ المواد وادارة المخلفات‬
‫وربطها بالقتصاد ‪.‬واهتمت تلك المدرسة بالمنفعة الشخصية ورأت أنها الحافز الذى يحث‬
‫الناس على النشاط القتصادى فى اطار من المنافسة‪ .‬أما عن الثروة والنتاج‪ ,‬فرواد تلك‬
‫المدرسة رأوا أن الثروة ليست فى الذهب والفضة ولكن فى الإنتاج‪ ,‬والإنتاج هو كل عمل يخلق‬
‫ناتجًا صافيًا‪ ,‬بأن يضيف مقدارًا من المواد أكثر من تلك التى بذلت فى عملية الإنتاج ذاتها ‪.‬‬
‫واستخلصوا من ذلك أن الزراعة هى وحدها النشاط القتصادى الذى يعد منتجًا لنها تؤدى‬
‫للحصول على كمية من الحاصلت أكبر من البذور‪ .‬أما التجارة والصناعة فهما يقتصران على‬
‫تحويل أو نقل المواد التى كانت موجودة من قبل دون أن تضيف ناتجا صافيًا جديدًا‪ .‬ورأت –‬
‫المدرسة ‪ -‬ضرورة أن يكون النشاط القصادى حرًا وأل تتدخل الدولة فى الحياة القتصادية‪.‬‬
‫وبالطبع لم تول تلك المدرسة المسألة البيئية إهتمامًا يذكر ول حتى الصناعة التى هى المصدر‬
‫الرئيسى للمخلفات‪ .‬ولكنها أعطت تصريحًا بالإستخدام الإكبر والوسع للرض الزراعية دون‬
‫أية مراعاة لنفادها‪ ,‬وفى ذات الوقت لم يكن هناك موقفا من وسائل زيادة النتاج الزراعى أو‬
‫مشاكل الراضى الزراعية من تجريف وتبوير وخلفه ‪.‬‬
‫ل فيما سمى بالنظرية البيجوفية – نسبة إلى القتصادى‬ ‫أما أول أهتمام بيئى مباشر كان ممث ً‬
‫"أرثر بيجو" عام ‪ 1922‬فى كتابه اقتصاديات الرفاهية وذلك فى أول تحليل اقتصادى للتلوث‬
‫البيئى على إعتبار أنه أحد أهم المتغيرات القتصادية‪ .‬بحيث كان يرى فى الضريبة الداة‬
‫الكثر كفاءة لإستيعاب النفقات الخارجية والوصول إلى الوضع المثالى الذى تتساوى فيه‬
‫النفقات الخاصة الإجمالية والنفقات الإجتماعية أو على القل محاولة تضييق الفجوة بينهما‪.‬‬
‫وكانت المحاولة الثانية على يد هوتلنج عام ‪ 1931‬والذى تعرض فيه للتلوث البيئى والمشكلت‬
‫البيئة والثار الثانوية واثاره على عملية النمو ‪ .‬وفى عام ‪ 1944‬اظهر كارل بولنى مخاطر‬
‫مثالية السوق التى تقود الى تخريب للبشرية والطبيعة ‪ .‬وهو نفس ما أشار اليه "شيجيتو‬
‫تسورو" من وهم النمو غير المقيد والذى يؤدى الى تدمير البيئة‪ .‬وفى نهاية عقد الستينات بدأ‬
‫يظهر اهتمام كبير فى الدول المتقدمة من العالم من جراء التأثير الذى أحدثه النمو القتصادى‬
‫على البيئة فى هذه الدول ‪ ,‬وهو ما عبر عنه ‪ MICHAN‬عام ‪ 1967‬حيث عدد مواطن‬
‫الضعف للنمو القتصادى‪ .‬وبعدها ظهرت موضوعات مماثلة لـ ‪ SCHUMACHER‬فى عام‬
‫‪ 1973‬ولـ ‪ HIRSHMAN‬فى عام ‪ . 1977‬وبشكل جماعى ومنهجى بدأت المسالة البيئية‬
‫تستحوذ على اهتمام القتصاديين الذى أنعكس فى شكل مؤتمرات ومعاهدات واتفاقيات دولية‬
‫ايمانا بأن المسألة البيئية لتعرف الحدود وأنها دولية بطبيعتها ‪ ,‬وكان أول شكل رسمى يعكس‬
‫هذا الهتمام مؤتمر ستكهولم عام ‪ 1972‬والذى نجم عنه ظهور برنامج المم المتحدة للبيئة‬
‫‪ , UNEP‬وبدأت مفاهيم اقتصادية تحوى أبعاد بيئية تحتل حيزا كبيرا من التحليل القتصادى‬
‫مثل مفهوم التنمية المستدامة والتى نبهت النظار والتحليلت الى ضرورة مراعاة نضوب‬
‫ونفاد الموارد القتصادية الطبيعية عند تحقيق او التخطيط لعملية التنمية حتى ليكون هناك‬
‫جورا على حقوق الجيال القادمة ‪ ,‬وحتى تكون هناك استراتيجية سليمة تضمن العدالة‬
‫واستخدام الموارد الطبيعية لطول فترة ممكنة مما يساعد بالفعل على تحقيق تنمية حقيقية‬
‫ومستدامة‪ .‬والحقيقة ان اهتمام الفكر القتصادى الغربى والذى لزمه اهتمام من السياسيين‬

‫‪1‬‬ ‫د‪ .‬مصطفى عيد – باحث فى اقتصاديات البيئة‬


‫وجماعات انصار البيئة نجم فى حقيقة المر من عدة أمور منها أن العالم الغربى اضحى يمتلك‬
‫ثقافة المبادرة وثانيهما هو الخوف على حضارتهم ذاتها من الزوال او على القل تهديدها ‪ ,‬من‬
‫ازدياد درجة حرارة الرض والخوف من ذوبان الجليد بالقارات القطبية والمطار الحمضية‬
‫وازدياد ثقب الوزون ‪ ,‬والتصحر والجفاف الذى يهدد دول العالم الثالث بشكل مباشر وأمن‬
‫الدول الغربية المتقدمة بشكل غير مباشر ‪ ,‬وثالثهما اننا لنستطيع ان ننكر اضفاء الطابع‬
‫السياسى على المسألة البيئية واتخاذها سلحا جديدا مقبول من اطراف عديدة للتاثير على‬
‫الدول النامية ‪ ,‬حتى أننا نستطيع أن نجزم بانه قد لح بالفق نوعا جديدا من التبعية يمكن أن‬
‫نطلق عليه " تبعية بيئية " لتضاف الى مصاف التبعيات الطويل من تبعية سياسية واقتصادية‬
‫واجتماعية وثقافية‪ .‬وأصبح هذا الأمر مشاعا فى الدبيات القتصادية البيئية فيما يسمى‬
‫" بالمبريالية الخضراء"‪.‬‬
‫أل أنه فى ذات الوقت ليمكن أن ننكر أن هناك جهودا تبذل من جانب الدول النامية وباحثيها ‪,‬‬
‫بحيث يمكن أن نقول أن الفكر المعاصر‪ -‬للربط ما بين علم القتصاد كأحد فروع العلوم‬
‫الجتماعية والعلوم الطبيعية من ناحية ‪ ،‬والعلقة ما بين القتصاد والبيئة من ناحية اخرى ‪-‬‬
‫تميز بعدة خصائص منها ‪ ,‬أنه استفاد من الفكر السابق عنه‪ ,‬استفاد من التجارب التطبيقية‬
‫والعملية السابقة ‪ ,‬أنه فكر مختلط ما بين حضارات العالم وان لم يكن بنسب متساوية‪ ,‬وانه‬
‫يتعامل مع قضايا غير تقليدية مثل النفايات النووية واللكترونية ‪ ،‬ورغم كل هذه الجهود التى‬
‫تبذل فى هذا المجال لتوسيع دائرة تعامل علم القتصاد من النتاج والستهلك والتوزيع لتشمل‬
‫ايضا المخلفات واعادة التدوير والستخدام وكذلك ادماج البيئة فى التحليلت القتصادية ‪ ,‬أل أن‬
‫البعض ليزال يذكر أننا لسنا أمام نظرية اقتصادية )بيئية( متكاملة حتى أن" هيرمان دال"‬
‫أحد خبراء البنك الدولى وأحد المهتمين بالمسألة البيئية ذكر أن الربط بين القتصاد الكلى‬
‫والبيئة ليبدو أنه يخضع لمنطق سليم‪ ,‬أل أننا ل نستطيع أن ننكر أيضا الطبيعة القتصادية‬
‫للمسألة البيئية ‪ ,‬وأن تضمين أو إستيعاب النفقات الجتماعية بات يؤثر على نفقة النتاج‬
‫ومستويات السعار والقدرة التنافسية وإتخاذ القرار الستثمارى وأن مدى التأثير يتوقف على‬
‫الطاقة الستيعابية للبيئة الداخلية وعلى مدى الصرامة فى تطبيق السياسات البيئية وعلى‬
‫نوعية هذه السياسات ‪.‬‬
‫وعلى الرغم من أن طرح القضية البيئية على الساحة العالمية وبدء الهتمام بها وإنعقاد‬
‫المؤتمرات وتوقيع المعاهدات قد خلق نوعا من الإنقسام داخل الدول النامية بين معارض يرى‬
‫أن قضايا البيئة تعد قضايا هامشية‪ ،‬فماذا يعنى ثقب الوزون لمواطن ليملك قوت يومه ‪.‬‬
‫ومؤيد يرى ان القضايا البيئية تمس حياة المواطن العادى فى المياه و الصرف الصحى قبل ان‬
‫تكون منظرا جميل او هواءا نقيا وفوق هذا هى تجنب التاثيرات الضارة على صحة النسان ‪.‬‬
‫خاصة وأن الدول النامية قد عانت كثيرا – ومازالت‪ -‬من الموروث الغربى بسبب مبادرته‬
‫وامتلكه لقوة تنفيذ كافة المبادرات ‪ ,‬حيث عمقت موروثاته التى بنيت على اعمدة عدة منها‪,‬‬
‫فترات الستعمار الطويلة والستغلل المفرط لموارد الدول المستعمرة ‪,‬والستغلل الظالم الذى‬
‫امتد للنسان بما عرف بالرقيق وعبيد الرض ‪-‬نظام القنان ‪ SERFDOM‬والذى تله‬
‫استغلل فى الجور لما عرف بفائض القيمة ‪ VALUE ADDED‬والذى ساهم فى التراكم‬
‫التجارى والراسمالى واللذان كانا سببا رئيسيا فى الثروة الصناعية ‪ ,‬هذا الموروث الثقافى‬
‫والحضارى الذى عمق من خطورة القضية البيئية‪ ,‬ولعل هذا يجعلنا نفكر فى عدم النجراف‬
‫مرة اخرى وراء مبادرات العالم الغربى وان نضع استراتيجيات مناسبة لواقعنا وان تنجم من‬
‫معطياتنا القتصادية والجتماعية وان نعى موروثنا الثقافى الذى يدعو للحفاظ على موارد‬
‫البيئة من حولنا قبل ان يعى الغرب معنى البيئة ‪ .‬ولعل هذا يساعد على تبديد المخاوف‬
‫والشكوك لدى البعض من ان القضية البيئية هى من صنع الغرب لخلق تبعية جديدة ‪.‬‬
‫وفى هذا الطار ساهم الفكر المعاصر على توضيح الطبيعة القتصادية للمشكلة البيئية وما تبع‬
‫ذلك من ظهور لمفاهيم جديدة مثل التنمية المستدامة والناتج القومى الجمالى المعدل بيئيا‪.‬‬

‫‪2‬‬ ‫د‪ .‬مصطفى عيد – باحث فى اقتصاديات البيئة‬


‫وفى معرفة ما يسمى الثار الثانوية او التكاليف الخارجية‪ .‬وظــــــــهور دراسات وابحاث جديدة‬
‫تنبىء بادوات تحليلية جديدة وفرع جديد من فروع علم القتصاد ) القتصاد البيئى او ما يسمى‬
‫‪ , ( SOCIAL ECONOMICS‬وأيضا أفرز الفكر المعاصر اسهام جماعى من الهيئات‬
‫والمنظمات الدولية والتعامل مع قضايا بيئية غير تقليدية‪.‬‬
‫كما ساهم هذا الفكر فى ظهور الدراسات فى اطار برجماتى وفى اطار معطيات نقدية بعيدة عن‬
‫الهموم الكونية فقط ‪ ,‬بحيث اصبحت العلقة بين القتصاد والبيئة تنعكس فى السعى نحو بلورة‬
‫نظرية " للدارة القتصادية الرشيدة للبيئة " أو " الستغلل المثل للموارد البيئية " والتى‬
‫تمثل وعاء الحضارة‪.‬‬
‫وحيث أن العلقة بين علمى القتصاد والخلق ليست وثيقة ‪ ,‬أضحى القتصاديون يقبلون نوعا‬
‫من تدهور البيئة ولكن تدهور يمكن التحكم فيه ‪ ,‬ولم يصبح الهدف هو كيف نقضى على التلوث‬
‫) المستحيل اقتصاديا و عمليا( ولكن أصبح هو كيفية التعامل مع هذا التلوث والى اى مدى‬
‫يمكن ان نقبل التلوث وكميته وبأى ثمن ‪ .‬وعليه أصبح التعامل مع قضية التلوث لتنبنى على‬
‫أسس اخلقية ولكن على أسس اقتصادية‪ ,‬وحيث أنه يستحيل الوصول بالتلوث الى صفر ‪ ,‬حيث‬
‫تزيد تكلفة النتاج أو يتوقف المشروع تماما عن العمل‪ ,‬أصبح الهدف هو ترشيد هذا التلوث‬
‫والوصول به الى أدنى خطورة على النسان والحيوان والنبات وهو ما يسمى بالكفاءة البيئية‬
‫‪ . ENVIRONMENTAL – MANAGEMENT EFFECIENCY‬وشهدنا‬
‫بالفعل تطور فى اداء النظرية القتصادية لتعكس هذا الفهم ‪ ,‬فالطبيعة لتسمح بتدمير المادة‬
‫‪ MATTER‬وأن طرق التخلص من المخلفات غير المرغوبة تتجه أساسا الى البيئة وبصفة‬
‫خاصة مجارى المياه والطبقات السفلى من الهواء ‪ ,‬ويتجلى هذا فى عوامل النتاج التى‬
‫تستخدم لنتاج سلعة معينة ‪ ,‬نجدها لتتحول كلها الى سلع نهائية بل لبد من ظهور مخلفات‬
‫تنتج من عملية النتاج ‪ ,‬كما ان المخلفات تظهر من عملية الستهلك ‪ ,‬حيث ل يتصور وجود‬
‫استهلك أو إفناء للسلعة بالمعنى المادى للكلمة ‪,‬بحيث لتختفى السلعة بالستعمال ‪ ,‬فقد تختفى‬
‫السلعة بخصائص معينة ل تؤهلها لستخدام معين ‪ ,‬ولكن يتولد عنها بقايا ومخلفات بخصائص‬
‫أخرى قد تكون أكثر ضررا بالبيئة وهذه المخلفات يتعين التفكير فيها ‪ ,‬وهو ما تسعى اليه النظم‬
‫القتصادية الحديثة ‪ ,‬فى شكل اعادة استخدامه او التخلص منه فى البيئة المحيطة ‪ ,‬وايضا‬
‫توسيع دائرة الفكر والبداع والستخدام التكنولوجى الذى يوسع بدوره القدرة الستيعابية للبيئة‬
‫‪ .‬فمثل السيارة ل تفنى بالستخدام‪ .‬فقد تتهالك وتنعدم صلحيتها وفق الخصائص الميكانيكية ‪,‬‬
‫ولكن تبقى اجزائها ويتعين اعادة استخدامها او اتاحة الفرصة للتخلص منها على نحو ل يضر‬
‫بالبيئة وهكذا كافة السلع حتى تصل للسلع الستهلكية والمعلبات‪ , ...‬ووفقا لقانون حفظ المواد‬
‫فان اى زيادة فى الطاقة النتاجية للسلع لبد وان يصاحبها زيادة مماثلة فى حجم المخلفات‬
‫والبقايا التى ينبغى تصريفها فى الوسط البيئى وان حجم الخطورة يتوقف على حجم تلك‬
‫المخلفات ونوعيتها والماكن الملقاه فيها وعدد السكان والمقدرة الستيعابية للبيئة المحيطة‬
‫والمقدرة المالية والفكرية والبداعية والتصنيعية والتكنولوجية ‪ ،‬وهو ما يتضح فى‬
‫ادارةالنفايات من المنتجات اللكترونية خاصة التى تتزايد يوما بعد يوما بسبب زيادة النتاج‬
‫وتطوره ‪ ،‬حيث تحتوى المخلفات الناجمة عن اللكترونيات على اكثر من ‪ 1000‬مادة مختلفة‬
‫منها مواد سامة تسبب تلوثا خطرا عند التخلص منها بطرق غير سليمة مثل الرصاص والزئبق‬
‫وكروم والكاديوم والباريوم وبلستيك ينتج مركبات الديوكسين السام عند الحتراق وخرطوشة‬
‫الحبر السود حيث انه مادة مسببة للسرطان وان الحبر الزرق والصفر والحمر يحتوى على‬
‫معادن ثقيلة ‪ .‬وهذا يعنى أن الفكر القتصادى الحديث أصبح ليقتصر على التقسيم التقليدى‬
‫) النتاج‪-‬الستهلك( إضافة الى التوزيع ‪ ,‬ولكنه يندرج فى منظومة جديدة اكثر تعقيدا تربط‬
‫مابين النتاج والستهلك والتوزيع والمخلفات ‪ ,,‬ووفقا لقوانين الطبيعة والمادة فان قانون‬
‫المادة يعنى ان المادة لتفنى ولتخلق من عدم ‪ ,‬وجدير بعلم كالقتصاد ‪ ,‬وهو علم تجريدى‬
‫وواقعى ومادى ‪ ,‬أن يعى هذا وأن تدخل المخلفات ضمن ادارته ‪ ,‬حيث يمكن التعامل معها‬

‫‪3‬‬ ‫د‪ .‬مصطفى عيد – باحث فى اقتصاديات البيئة‬


‫كمورد اقتصادى ينبغى ‪,‬إما التعامل معها لتقليل الخطورة على البيئة ‪ ,‬وإما الستفادة منها‬
‫كمورد جديد حيث ليعد الستهلك إفناء للسلع ‪ ,‬ولقد تأخر علم القتصاد كثيرا حتى يفطن لهذا‬
‫القانون الطبيعى وعلى هذا النحو وليس كما اورده الطبيعيون ‪ ,‬لذا ظهرت علقة ما بينه وبين‬
‫العلوم الطبيعية بكافة مجالتها ‪ .‬لذا إتجه بعض القتصاديين المعاصرين خاصة فى اليابان‬
‫للبحث الجاد فى دائرة جديدة تضاف للدوائر التقليدية ‪ ,‬بل نكاد نجزم انها دراسة تصل لدرجة‬
‫وضع اسس لفرع جديد من فروع علم القتصاد ليضاهى –على القل فيما بعد‪ -‬علم المالية‬
‫العامة والنقود والبنوك والتنمية وخلفه ‪ ,..‬وهو فرع القتصاد الحيوى ‪, bioeconomics‬‬
‫هذا الفرع الذى يهتم بدراسة القوانين التى تحكم الوضاع النتروبية تلك الوضاع التى‬
‫تحكمها قانونى المادة والطاقة‪ ,‬وهى قوانين ليست جديدة ولكن تم استكشاف وجود الصلة‬
‫بينهما وبين علم القتصاد ‪ ,‬ووجب على علم القتصاد ان يتبنى ادارة رشيدة للمخلفات حيث‬
‫انها قد تكون موردا جديدا أو باضافة دور جديد لعلم القتصاد وهو ان يساعد البيئة المحيطة‬
‫بالتخلص من تلك المخلفات على نحو اقتصادى قليل النفقة ‪ ,‬والحقيقة أن هذا يفرض على علم‬
‫القتصاد تعدى خطوط التعامل التقليدية ‪ CONVENTIONAL LIMITS‬والتى تشمل‬
‫العوامل الجتماعية والسيكولوجية والثقافية والسياسية ليتعامل مع خطوط اخرى تشمل حقائق‬
‫وقوانين طبيعية وليست اجتماعية فقط‪.‬‬
‫وعليه فان حدود النمو القتصادى باتت لتكمن فى مشكلة نفاد الموارد الطبيعية ‪ ,‬بل اصبحت‬
‫هناك مشكلة اخرى تظهر فى شكل عدم كفاية الماكن المتاحة للقاء المخلفات الصناعية‬
‫وازدياد درجة السخونة ‪ ,‬وان المشاكل البيئية الحالية للعالم ترجع للتوالد المفرط لمخلفات‬
‫المواد والسخونة بما يتجاوز المستوى الذى يستطيع سطح التربة والمياه استيعابه ‪ ,‬فالطقس‬
‫غير الطبيعى والمطار الحمضية وزيادة كثافة ثانى اكسيد الكربون فى طبقات الهواء السفلى‬
‫وتراكم المخلفات الشعاعية الناجمة عن تشغيل المفاعلت النووية وتلوث النهار والراضى‬
‫الزراعية بالمواد البتروكيميائية ‪ ,‬كل هذا يقود الرض للتصحر‪ ,‬وبهذا يثبت علم القتصاد بانه‬
‫علم ديناميكى قادر على التعامل والتفاعل مع الظواهر المصاحبة للطر التقليدية التى يتعامل‬
‫معها ) النتاج‪-‬الستهلك(‪ .‬وان كانت هناك بعض المور التى ليزال هناك صعوبة فى ان‬
‫يتعامل معها علم القتصاد كعلم مجرد مادى خاصة فى المور البيئية التى يستحيل معها‬
‫التعويض والتقليل المستمر من السكينة التى يشعر بها النسان فى علقته مع الطبيعة‪ ,‬وان‬
‫كانت الوقاية او التعويض النقدى هما السبيلين لهذا ‪ ,‬ال انهما قد ليستطيعا ان يعيدا العلقة‬
‫النفسية الهادئة بين النسان وبيئيته‪ .‬ولعل هذا ما ادى الى ظهور ما يسمى بالنفقات الخارجية‬
‫او الثار الخارجية ‪ .‬وكان اهمالها قديما لنعدام القدرة على التعبير عنها بشكل نقدى وهى رغم‬
‫خطورتها ل تدخل فى حسابات الوحدات المسببة ‪ ,‬ولكن يتحملها المجتمع المحيط رغم عدم‬
‫وجود يد له فى ايجادها ‪ .‬وحيث ان هناك طلب اقتصادى متنامى ناجم على القل من التزايد‬
‫السكانى والتطور التكنولوجى‪ ,‬وعرض بيئى متناقص للثبات النسبى للموارد كان ولبد ان نتعلم‬
‫وان يساهم علم القتصاد فى ان نعيش على فوائد راس المال العالمى من الموارد المتجددة او‬
‫المعاد استخدامها بحيث يمكن التحكم فى الطلب المتزايد والعرض المتناقص وهو ما يعنى ان‬
‫هناك علقة للعرض والطلب بالزمن حيث يزداد الطلب مع الزمن وينخفض العرض ‪ ،‬وتعمل‬
‫الدارة الرشيدة على تخفيض حجم الطلب القتصادى مع الزمن سواء بالتاثير على عدد السكان‬
‫والستهلك الترفى ‪ ,‬او الضغط على حجم الستهلك او النفايات والفضلت ومعالجة الفقر‬
‫ليخف الضغط على الموارد البيئية وايضا العمل على الحد من انخفاض منحنى عرض الموارد‬
‫البيئة لعدم العتمادعلى راس المال والعيش على فوائده ‪ ,‬وتشجيع البحث العلمى والتكنولوجى‬
‫الذى يساعد بدوره على الحفاظ على الموارد البيئة ‪ ,‬وايضا يساهم فى تعديل الية السعار‬
‫التقليدية والتقليل من ظاهرة الراكب المجانى ‪.‬‬
‫وإنطلقا من العرض السابق اصبحت المخلفات واعادة التدوير لها من المهام الرئيسية المنوطة‬
‫بعلم القتصاد حتى تتحقق استدامة الموارد من خلل استرجاع اكبر قدر ممكن منها سواء كانت‬

‫‪4‬‬ ‫د‪ .‬مصطفى عيد – باحث فى اقتصاديات البيئة‬


‫مخلفات النشطة البشرية او مخلفات صلبة او زراعية او صناعية او سوائل الصرف وغيرها ‪،‬‬
‫ومن هنا ظهر تدوير قش الرز لنتاج وقودالغاز من خلل القيام بتخزين وكبس القش ثم القيام‬
‫بفرمه وتوليد غازات النيتروجين واول اكسيد الكربون والميثان وهيدروكربونات ‪ ،‬ثم يتم جمع‬
‫الغازات بعد الحرق والفلترة وتجربة الغاز حسب لون اللهب ثم السماح بمرور الغاز الى الخزان‬
‫الذى يعمل بطريقة تخزين الغاز فوق سطح المياه حيث يرتفع غطاء الخزان وفقا لحجم الغاز‬
‫ويعاد تشغيل المحرقة لضخ كميات جديدة من الغاز كلما يتم استهلك الغاز ‪ ،‬وكذلك‬
‫امكانيةانتاج السمدة العضوية والعلئق الحيوانية من قش الرز ‪ .‬كما تم تدوير تراب السمنت‬
‫الناتج من مصانع السمنت " الباى باص " حيث أن التحول من الطريقة الرطبة الى الجافة‬
‫أدى الى زيادة كميات تراب السمنت وتم اعادة تدويره لنتاج بلط الرصفة المتداخل الملون "‬
‫النتر لوك" ورصف الطرق الفرعية بالخلطة السمنتية وانتاج بلدورات ارصفة الشوارع‬
‫وكذلك فى صناعة الوانى الزجاجية والزجاج المسطح ‪ .‬وتعد أتربة الممرات الجانبية فى‬
‫صناعة السمنت " الباى باص" أحد أخطر ملوثات البيئة فى المناطق المحيطة بالمصانع نظرا‬
‫لدقة حجمها ونعومتها وتطايرها فى الهواء مسببة تلوثا خطيرا وتاثيرات ضارة بالصحة‬
‫والجهاز التنفسى ‪ ،‬وفى مصر ‪ ،‬تبلغ حجم هذه التربة اكثر ‪ 5000‬طن يوميا وهى كميات‬
‫ضخمة يصعب التخلص منها بسهولة ‪ ،‬وتم التعامل مع هذه القضية الخطيرة من خلل تركيب‬
‫الفلتر للمداخن ‪ ،‬ثم اعادة تدويرها وخلطها مع خبث الحديد لنتاج اسمنت حديدى ‪ ،‬كما اكدت‬
‫دراسة قامت بها جامعة الزهر فى مصر امكانية استخدام هذه التربة فى صناعة الزجاج‬
‫الملون عالى الجودة وغير قابل للكسر بسهولة وذلك بادخاله فى خلطة صناعة الزجاج من‬
‫الرمل والحقيقة ان هذا المر يساهم فى صناعة الزجاج والوانى الزجاجية الصديقة للبيئة كما‬
‫تعمل هذه التربة على تخفيض درجة حرارة انصهار العجينة المكونة للزجاج باكثر من ‪100‬‬
‫درجة مئوية مما يسهم فى ترشيد استخدام الطاقة فضل عن أن سعر التربة كمادة اولية‬
‫منخفض جدا بالمقارنة بسعر الرمل ‪ ،‬وان استخدام التربة فى صناعة الزجاج يعطى ألوانا‬
‫جميلة وجذابة ولمعانا للزجاج ول يستخدم اية مواد كيميائية مع سهولة التشكيل نتيجة جودة‬
‫وليونة العجينة والتى ل تتوفر باستخدام الرمل فقط‪ .‬وكل هذا يساهم فى استرجاع جزء من‬
‫تكلفة انتاج هذه التربة كما تساهم فى زيادة حجم التصدير للخارج‪ .‬كما يوجد عملية معالجة‬
‫مياه الصرف من خلل استخدام خليط من الكائنات الحية الدقيقة الفعالة او النافعة لزراعة‬
‫غابات خشبية كما يمكن استخدام هذه المادة فى تحويل الملوثات الى سماد عضوى جيد‬
‫واستخدامها فى البيئة الصحراوية والملحية وفى زراعة القطن والقمح وتقليل المدخلت‬
‫وزيادة خصوبة التربة والنتاجية والمحافظة على البيئة ‪.‬‬
‫وعملية تبادل واعادة تدويرالمخلفات تعتمد على ‪ :‬دعم فنى لنظام المعلومات من خلل‬
‫المؤسسات العلمية وبيوت الخبرة ثم ادارة نظام المعلومات الخاص بالمخلفات من خلل التعرف‬
‫على المصادر ) منتجوا ومستخدموا المخلفات ( والتكنولوجيا المستخدمة والمؤسسات العلمية‬
‫والتعاقدات ثم مراقبة النظام من خلل الجهزة البيئية المختصة ‪ .‬ثم دعم النظام من خلل‬
‫الشركات التى تقوم بعملية المعالجة وشركات النقل وفتح السواق الخارجية‪.‬‬
‫ويتضح هنا ان الرتباط بين العلوم الجتماعية ممثلة فى علم القتصاد والعلوم الطبيعية‬
‫) الفيزياء والكيمياء( بات من الضرورة التى تحتم دراسته حتى نتمكن من ادارة المخلفات‬
‫بكفاءة اقتصادية علمية ‪ ،‬كما انه يوجب تدريس اسس جديدة ومعاصرة للنظرية القتصادية‬
‫بجزئيها الماكرو والميكرو ‪ ،‬حيث ستتاثر التحليلت بتضمين التكاليف والثار الخارجية ‪.‬‬

‫‪5‬‬ ‫د‪ .‬مصطفى عيد – باحث فى اقتصاديات البيئة‬


‫‪6‬‬ ‫د‪ .‬مصطفى عيد – باحث فى اقتصاديات البيئة‬

You might also like