You are on page 1of 4

‫التدهور البيئى والمن القومى المصرى‬

‫مصر ام البلد ‪ ,‬وقرارة فرعون ذى الوتاد ‪ .‬ذات القاليم العريضة‬


‫والبلد الريضة ‪ .‬المتناهية فى كثرة العمارة‪،‬المتباهية بالحسن والنضارة‬
‫مجمع الوارد والصادر‪ ،‬ومحط رحل الضعيف والقادر‪ .‬تموج موج البحر بسكانها‬
‫وتكاد تضيق بهم على سعة مكانها وإمكانها‪ .‬شبابها يجد على طول العهد ‪ ،‬وكوكب‬
‫تعديلها ل يبرح عن منزل السعد ‪ ،‬قهرت قاهرتها المم ‪ ,‬وتمكنت ملوكها نواصى العرب‬
‫والعجم‪.‬‬
‫) عن بن بطوطة ‪726‬هـ ‪ 1326 -‬م(‬

‫المن القومى هو مفهوم يؤصل الحقيقة المنية بصرف النظر عن الزمان والمكان‪ .‬امــا‬
‫مبادئه فهى مبادئ قومية ذاتية تخضع للمنطق النسبى من حيث الزمان والمكان ‪.‬‬
‫لذا فان المفهوم يتسع ليشمل حفظ كيان الدولة وحقها فى البقاء‪ ،‬وحماية القيم الداخلية‬
‫من التهديد الخارجى ‪ .‬وحماية قدرات الدولة التى هى مصدر قوتها‪ .‬تلك القدرات التى تحوى‬
‫الثابت والمتغير ‪ .‬اى حماية الرض والمساحة المسطحة ‪ MASS‬والموقع والغلف الجوى من‬
‫حيث حماية الثابت‪ .‬وحماية السكان والموارد الطبيعية والقدرات العسكرية والقتصادية او‬
‫الصناعية من حيث المتغير‪.‬‬
‫وحيث ان مبادئ المن القومى تخضع للنسبية ‪ ،‬فهى أيضا تخضع للتغير فى ذات الدولة من ان‬
‫لخر وفقا لتغير التهديدات التى تتعرض لها الدولة ‪ .‬وينبغى عدم الوقوف أمام تهديدات بعينها‬
‫فى ظل عالم يموج بالتغيرات التى تمس عمق الدولة وتؤثر على قدراتها المختلفة ‪،‬ومن ثم‬
‫على قوتها ‪ ،‬المر الذى يجعلها عرضة للتهديدات بأشكالها المختلفة والحديثة ‪.‬‬
‫فلقد مرت التهديدات التى تلحق بالمن القومى بعدة أشكال ‪ .‬كان على رأسها التهديد‬
‫العسكرى المباشر بالستعمار وسلب الدولة كافة قدراتها ‪,‬وسلبها أى قدرة على الختيار أو‬
‫إتخاذ القرار‪ .‬مرورا بالستعمار القتصادى –دون العسكرى‪ -‬بخلق أنواع مختلفة من التبعية‬
‫من خلل الرتباط الوثيق باقتصاديات الدول المتقدمة ‪،‬بما يحقق صالح تلك الدول ‪ ،‬مع تعميق‬
‫سياسة نهب الموارد والنقل العكسى للموارد ‪ .‬ثم الستعمار فى شكل الستحواذ الثقافى‬
‫والفكرى‪ ،‬وخلق نوع من الثنائية والزدواجية والنقسام داخل المجتمع والترويج للفكار‬
‫الجنبية وما يتبعه من اللهث وراء السلع والمنتجات ونماذج التعليم الستوردة وتعميق التبعية‬
‫القتصادية والجتماعية وغيرها‪.‬‬

‫الى ان ل حت فى الفق نوعا اخر من الستعمار أو التبعية ‪ ,‬وهى المبريالية الخضراء‬


‫) او التبعية البيئية (‪ .‬ال ان المشكلة ليست فى فرض نوع جديد من التبعية من خلل ربط‬
‫الشروط والرتباطات البيئية بقضية تحرير التجارة والقدرة على النفاذ لسواق الدول المتقدمة‬
‫وربط الستثمارات والمساعدات بتوافر اشتراطات بيئية معينة ومن ثم النيل من المن القومى‬
‫من خلل التهديد الخارجى ‪ .‬ولكن ما يهمنا فى هذا المجال القاء الضوء على تهديد المن‬
‫القومى من خلل تهديد الثابت والمتغير داخليا‪.‬‬
‫وان الثابت والمتغير يتم تهديدهما من خلل ظواهر التدهور البيئى كما يلى‪-:‬‬

‫اول‪ :‬تهديد الثابت‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫حيث التهديد للمن القــومى مــن خلل زعزعــة الرض ) الحــدود( مــن خلل التهديــدات‬
‫العسكرية او من خلل الكوارث الطبيعية الكبرى ‪ ,‬والغلف الجوى‪.‬‬

‫ثانيا‪ :‬تهديد المتغير‪:‬‬

‫حيث التهديد للمن القومى من خلل التاثير الضار على ) السكان‪-‬الموارد الطبيعية والولية (‬

‫ثالثا‪:‬التاثيرات المختلفة لتلك التهديدات على المن القومى ‪.‬‬

‫من خلل التعرض للتاثيرات على الشخصية المصرية‪.‬‬


‫التاثيرات المختلفة على المن القتصادى والجتماعى والسياسى ‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬الجهود المبذولة من قبل الدولة لوقف تهديد المن القومى‪.‬‬

‫امـا فيمـا يتعلـق بالتـاثير علـى محـددات وعناصـر المـن القـومى ) الثـابت والمتغيـر( ‪,‬‬
‫فالثــابت قــد ل تــؤثر فيــه مظــاهر التــدهور الــبيئى بشــدة ‪،‬حيــث ل تتقلــص الحــدود السياســية‬
‫والجغرافية لمصر )ونعوذ بال من ذلك (‪ ،‬وما يمكــن التــأثير فيــه هــو الغلف الجــوى مــن خلل‬
‫التاثير على مكوناته الطبيعية ‪ .‬فهواء القاهرة يحوى نسبة عالية من الرصــاص تزيــد عــن ‪ 7‬أو‬
‫‪ 8‬مرات عن الحجم المسموح به وفقا لقياسات منظمة الصحة العالمية ‪ .‬وان أول من يتاثر بهذا‬
‫هم الطفال ‪،‬حيث يؤدى الى اصابتهم بالتخلف العقلى ‪ .‬وفى اخر احصائية لوزارة الصحة ذكرت‬
‫ان هناك ‪ 2‬مليون طفل معاق فى مصر منهم ‪ %73‬اعاقة فكرية‪ .‬ناهيك عــن الغــازات المختلفــة‬
‫الناجمة عن النشطة السكانية ‪:‬مثل غازات اول اكسيد الكربون واكاسيد الكبريت والنيتروجين ‪,‬‬
‫والتى تنشا عن وقود الســيارات ومــن حــرق القمامــة مثــل اللدهيــدات والهيــدروكربونات ومــن‬
‫حرق المخلفات الزراعية تنشأ اكاسيد الكربون والدخان ‪ .‬وكلها ذات تاثيرات ســلبية جمــة علــى‬
‫صحة النسان ‪ .‬ومايزيد المشكلة الطبيعة الجغرافية الثابتة لمدينة القاهرة ‪ .‬حيــث انهــا تقــع مــا‬
‫بين صحراء وهضبة فى الشرق ‪ ،‬وصحراء وهضبة فى الغرب ‪،‬مما يجعلها تبدو كمنخفض بين‬
‫الجبلين يخترقها نهر النيل مما يجعلها عرضة للتربة على مدار العام‪.‬‬
‫اما التهديدات التى تلحـق بــالمتغير‪ ،‬فعلـى رأســها تـأتى مشـكلة السـكان ‪،‬فنـرى تــأثير‬
‫التدهور البيئى عليها من خلل ظهور المأوى غير الصحى فى شكل السكان العشوائى والســكن‬
‫الجوازى واسكان المقابر والبيت الريفى وكلهم ذوى تداعيات خطيرة على الصــعدة القتصــادية‬
‫والسياسية والجتماعية‪.‬‬
‫كما تمتد التهديدات لتعمل علــى تقلــص وتلــوث الرقعــة الزراعيــة ‪ .‬فمــن ناحيــة التلــوث نجــدها‬
‫الستخدام المفرط للمبيدات الحشرية والكيماوية ‪ .‬امــا التــدهور فينجــم مــن التجريــف والتبــوير‬
‫والتصحر والجفـاف ‪ .‬فالرقعـة الزراعيـة فـى مصـر عبـارة عـن ‪8‬ر ‪ 7‬مليـون فـدان‪ .‬وانـه خلل‬
‫الفترة من ‪ 1994-1984‬تم استقطاع مساحة تقدر بنحو ‪ 52‬الف فدان ‪ ,‬وتــم فقــد حــوالى ‪-250‬‬
‫‪ 300‬كيلو متر بسبب الزحف العمرانى ‪ ,‬وان نســب التجريــف تكــون مــا بيــن ‪ 30‬ســم الــى ‪150‬‬
‫سم ‪ .‬امـــا التصحر فانه يصل لنحو ‪3‬ر ‪ % 3‬مــن مســاحة مصــر الكليــة ‪ ,‬وان الكثبــان الرمليــة‬
‫تاكل ما بين ‪ 15-11‬مـتر فـى السـنة وان حصـيلة ذلـك فقـدان ‪ %8‬مـن النتـاج الزراعـى ‪ .‬أمـا‬
‫الجفاف فينجم من حصة مصر )الثابتة فى الموارد المائية( بطاقة قصــوى قــدرها ‪5‬ر ‪ 55‬مليــار‬
‫متر مكعب وفقا لتفاقية ‪ , 1959‬وان حظها من مياه المطار ما بين ‪ 190-104‬مم فـى السـنة ‪،‬‬
‫وتنخفض فى بعض الماكن لتصل الى ‪ 25‬مــم فــى الســنة فضــل عــن ان مصــر تقــع فــى القليــم‬
‫الجاف وان هناك سوء استخدام للموارد المائية ‪ ,‬حيث يذهب للستخدام المنزلى حوالى ‪ 4‬مليار‬

‫‪2‬‬
‫متر مكعب‪ ,‬وللستخدام الصناعى حوالى ‪5‬ر ‪ 2‬مليار متر مكعـب والبــاقى يــذهب للزراعـة ‪ ,‬وان‬
‫كمية الفاقد تتراوح من ‪ 9-5‬مليار متر مكعب ‪ ،‬ناهينا عـن التلـوث الـذى يـدمر الـثروة السـمكية‬
‫والنظام البيئى المائى ‪ .‬وتتسبب تلك الظواهر مجتمعة الى فقدان ما يقرب من ‪ %20‬من الناتــج‬
‫القــومى الجمــالى‪ .‬كمــا يمتــد التــدهور ليشــمل تــدهور فــى الراضــى الرطبــة وتــدهور الشــريط‬
‫الساحلى وارتفاع مياه البحر واثرها على الدلتا ‪ ,‬ويذكر الستاذ الدكتور‪ .‬عبــد الفتــاح القصــاص‬
‫ان الشواهد تؤكد ان الشريط الساحلى فقد حوال ‪ 10‬كيلو مترات مــن مســاحته طــوال الخمســين‬
‫سنة الماضية ‪ ,‬وانه للحفاظ على الراضى الرطبة لبد من اللتزام بنص قانون الــبيئة مــن خلل‬
‫ترك مسافة ‪ 200‬متر حرم الشاطئ‪ .‬كما ان التدهور البيئى ينــال مــن الــثروات واســتنفادها مثــل‬
‫نفاد المواد الولية فى ظل غياب التنمية المستدامة‪.‬‬
‫وهذه الشكال والمظاهر المختلفة للتدهور البيئى كما راينا تؤثر على المحددات المتغيــرة للمــن‬
‫القومى‪ ,‬وان نتائج هذا التدهور على المن القومى يكون كما يلى‪:‬‬

‫أ‪-‬التاثير على المن القومى القتصادى‪:‬‬

‫‪-‬انحصار حجم المعروض من السلع والخدمات‪.‬‬


‫‪-‬انخفاض حجم الناتج القومى والدخل القومى‪.‬‬
‫‪-‬تفشى المضاربات العقارية ‪ ,‬وتقدير العقارات باكثر من قيمتها الحقيقية‪.‬‬
‫‪-‬ظهور جماعات الضغط واصحاب المصالح والتاثير على الية السعار وتوزيع الموارد‪.‬‬
‫‪-‬ارتفاع المستوى العام للسعار وانخفاض القيمة الحقيقية للنقود‪.‬‬
‫‪-‬انعدام القدرة على توجيه الستثمار والقدرة على الختيار‪.‬‬
‫‪-‬الضعط على المرافق المختلفة‪.‬‬
‫‪-‬تاثر السياسات المالية والتجارية والنقدية‪.‬‬

‫ب‪ -‬التاثير على المن القومى الجتماعى‪:‬‬

‫تزايد التهديد للقيم الجتماعية الثابتة‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫حدوث حراك اجتماعى لصالح طبقات السماسرة والمضاربين‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫انخفاض قيمة العمل المنتج‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫انحصار دور الطبقة الوسطى فى المجتمع‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تزايد موجات الهجرة للمدن والتحضر السريع‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫تزايد حدة ورقعة السكان العشوائى‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫ج‪ -‬التاثير على المن القومى السياسى ‪:‬‬

‫‪-‬توليد ضغوط على الدارة السياسية تنجم من المشكلت القتصادية والجتماعية‪.‬‬


‫‪-‬تبنى اساليب تكتيكية انية لمعالجة المشكلت الجاماعية والقتصادية‪.‬‬
‫‪-‬احداث قلئل وتوترات داخل طبقات المجتمع المختلفة‪.‬‬
‫‪-‬تؤثر على هامش الحريات والحقوق المدنية ودور المجتمع المدنى‪.‬‬

‫د‪ -‬التاثير على المن القومى العسكرى‪:‬‬

‫التاثير على صحة الفراد الذين هم جوهر القوات المسلحة‪.‬‬ ‫‪-‬‬

‫‪3‬‬
‫عدم تــوافر المــوارد والســتثمارات الكافيــة لعــداد القــوات المســلحة لضـرورة‬ ‫‪-‬‬
‫توجيها لصلح ما حدث من تدهور فى المجال البيئى‪.‬‬

‫وتلك التاثيرات تصب فى شئ واحد وهو التاثير على الشخصية المصرية من خلل ‪-:‬‬

‫تزايد حدة الحباط خاصة فى اوساط الشباب الناجم من انحصار الرقعة‬ ‫‪-‬‬
‫الزراعية وتزايد موجات الهجرة وتقلص فرص العمل لتقلص حجم الستثمار المتاح‬
‫لخلق قدرات انتاجية جديدة‪.‬‬
‫انخفاض المستوى الصحى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫انخفاض المستوى التعليمى والثقافى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫البحث عن الكسب السريع وانعدام او تدنى قيمة العمل‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الحساس بالقلق الشديد على " لقمة العيش"‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫ظهور ردود افعال غير حضارية مثل ‪ ,‬العصبية ‪ ,‬العنف ‪ ,‬وعدم احترام‬ ‫‪-‬‬
‫سلوكيات الشارع ‪.‬‬

‫مواقف الدولة للحد من التدهور البيئى وحماية المن القومى‪:‬‬

‫توجيه استثمارات فى الخطة القومية لمعالجة التدهور البيئى‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫عقد اتفاقات ثنائية للحصول على مساعدات ومنح للحد من التدهور البيئى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫صدور قانون البيئة رقم ‪ 4‬لسنة ‪.1994‬‬ ‫‪-‬‬
‫الزام كافة المشروعات الصناعية والتجارية والسياحية بتقديم دراسة لتقييم‬ ‫‪-‬‬
‫الثر البيئى قبل البدء فى العمل ‪ ,‬مع المتابعة والرقابة المستمرة‪.‬‬
‫صدور قانون تجريم البناء على الراضى الزراعية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫الستفادة من مياه الصرف المعالجة فى زراعة الغابات الخشبية ‪ ,‬لتستفيد من‬ ‫‪-‬‬
‫الموارد المائية المهدرة ‪ ,‬وخلق ثروة خشبية تعمل على صد الرياح ومصدر اقتصادى‬
‫للتصدير او الستخدام المحلى موفرا بذلك انفاق عملت اجنبية لستيراد الخشاب‪.‬‬
‫العمل على الستفادة من قش الرز سواء كسماد عضوى ‪ ,‬او كمصدر للطاقة‬ ‫‪-‬‬
‫لتغيل البوتوجازات فى المنازل‪.‬‬
‫التوسع فى انشاء المدن الجديدة ‪ ,‬والمساحات الخضراء كمتنفس للمدينة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫احكام الرقابة وتفعيل القانون امام دخول النفايات والسلع الملوثة‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫عدم السماح بتحويل مصر الى ملجأ بيئى مما يعنى عدم فتح الباب امام‬ ‫‪-‬‬
‫الصناعات الملوثة بحجة تحقيق تنمية وتفعيل وتعديل قانون البيئة‪.‬‬

‫‪4‬‬

You might also like