You are on page 1of 4

‫تفاصيل صفحة الطبيعة القانونية لتفاق التحكيم‬

‫‪:‬الطبيعة القانونية للتحكيم‬


‫تعد مسألة أحكام التحكيم ذات أهمية بالغة ‪ ،‬وتزايد الهمية العملية لحكام التحكيم يرجع إلى عاملين ‪ ،‬العامل الول ‪ :‬النتشار الكبير والنجاح غير‬
‫العادي للتحكيم التجاري الدولي ‪ ،‬والعامل الثاني ‪ :‬عامل اقتصادي يتعلق بالوقت والجهد حيث يواجه الفراد والشركات عبر الدول صعوبات عديدة من‬
‫تعقد إجراءات التحكيم ‪ ،‬واستئناف أحكام التحكيم الجنبية بطرق شتى ورفض تنفيذها بالتوسع في أسباب هذا الرفض ‪ ،‬مما أعطي لمسألة التحكيم أهمية‬
‫‪ .‬متعاظمة‬
‫لذلك لم تكن مثل هذه الهمية تغيب عن المجتمع الدولي ‪ ،‬فتحرك نحو هذا التجاه ‪ ،‬وكان من جهوده المميزة في ذلك اتفاقية نيويورك للعتراف بأحكام‬
‫التحكيم الجنبية وتنفيذها عام ‪1958‬م ‪ ،‬ولم تلفت تلك الهمية الشراح القانونين بنفس الدرجة التي لفتت بها المجتمع الدولي ‪ ،‬حيث لم يتناولوا التحكيم‬
‫‪ .‬إل في إطار التعريف بالتحكيم كنظام قانوني ‪ ،‬في شكل عموميات ‪ ،‬فلم يستأثر التحكيم بجميع مراحله بمؤلف مستقل إل في أحوال قليلة‬
‫لذا وجدت أنه من الضروري التعرض بإيجاز مناسب للطبيعة القانونية للتحكيم لنه إذا كانت إرادة الخصوم ورغبتهم في نظام التحكيم هي التي تحرك‬
‫النظام القانوني للتحكيم وتوضح معالمه وتحـدد خطواتـه ‪ ،‬إذ أنها هي التي يقع بناء عليها التفاق على التحكيم ‪ ،‬وّتكوين هيئة التحكيم ‪ ،‬وانتخاب أفرادها‬
‫للفصل في النزاع ‪ ،‬ومن ثم تنفيذ قراراتهم ‪ ،‬إل أن هذه الرادة ليست مطلقة ‪ ،‬لنها مقيدة بنصوص القانون ‪ ،‬فل بد من وجود نص يجيز هذا التحكيم‬
‫ويباركه ويسمح به في نطاق الشكل الذي تسمح به الجراءات بصورة عامه ‪ ،‬بالضافة إلى أن حكم التحكيم يكون خاضعًا لرقابة القضاء عن طريق‬
‫المر بتنفيذه ‪ ،‬فليس لحكام التحكيم قوة تنفيذية إل عن طريق المر بتنفيذها من قبل القضاء ‪ ،‬ولن القاعدة المستقر عليها في نطاق القانون الدولي‬
‫الخاص ‪ ،‬أن العبرة في تحديد ما إذا كان السند المراد تنفيذه حكمًا تحكيميًا أم ل ؟ هو بقانون الدولة التي يطلب فيها التنفيذ ‪ ،‬وإذا كان تحديد معنى الحكم‬
‫ل يعدو أن يكون إل مسألة من مسائل التكيف التي تخضع لقانون القاضي كقاعدة عامة ‪ ،‬و من هنا وجدت أهمية بالغة في تحديد الطبيعة القانونية‬
‫‪ .‬للتحكيم لما لذلك من نتائج في تحديد طبيعة حكم التحكيم‬
‫وإن كان البعض يرى أن كشف أغوار الطبيعة القانونية للتحكيم أمرًا ل ضرورة له ‪ ،‬فل حاجة لعرض أراء الفقهاء وانعكاساتها القضائية ‪ ،‬وإنما يجب‬
‫أن نحدد موقفنا في هذه المسألة المبدئية بينما يري البعض الخر صعوبة النظر إلى نظام التحكيم ككل قبل الوقوف على طبيعته القانونية ‪ ،‬وأنا من‬
‫جانبي أرى إضافة إلى ما ذكرته سابقًا أهمية تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم ‪ ،‬حيث أن ذلك التحديد ليس من المور النظرية التي يبدو فيها الجهد ضائعًا‬
‫بل أنه يفيد في معرفة المعاملة التي سيلقاها حكم التحكيم عند إرادة تنفيذه سواء في الدولة التي صدر فيها أو في خارجها ‪ -‬فمعرفة الطبيعة القانونية‬
‫للتحكيم ٌتِعين إلى حد كبير في تحديد الوصف القانوني لحكم التحكيم عند إرادة تنفيذه ومثال ذلك تحديد إجراءات البطلن الذي يمكن أن تشوب إجراءات‬
‫التحكيم وحكم المحكم ‪ ،‬إذ القول بالطبيعة التعاقدية للتحكيم يغري بإعتماد أحكام بطلن التصرفات القانونية المنصوص عليها في القانونين المدنية ‪ ،‬بينما‬
‫القول بالطبيعة القضائية للتحكيم يغري بإعتماد أحكام البطلن المنصوص عليها في قوانين المرافعات ‪ -‬وكذلك تحديد القوة الملزمة لحكم المحكم ‪ ،‬إذ‬
‫القول بالطبيعة التعاقدية للتحكيم يؤدي إلى اعتبار حكم المحكم مجرد تطبيق لحكام عقد التحكيم يلتزم به طرفاه بمجرد صدوره ‪ ،‬بينما القول بالطبيعة‬
‫القضائية للتحكيم يؤدي إلى اعتبار حكم المحكم حكمًا بالمعني الدقيق للحكام القضائية ‪ -‬كما أن تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم تفيدنا من حيث تحديد‬
‫القانون الواجب التطبيق في مسألة ما وعلى وجه الخصوص فيما يتعلق بإجراءات التحكيم ‪ ،‬وتتجلى لنا أهمية هذا التحديد خاصة مع تنوع التجاهات‬
‫التي ظهرت في هذا الشأن ‪ ،‬حيث أدى الختلف في تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم إلى اختلف أشكال وتقسيمات التحكيم ‪ ،‬والتي انعكست على موقف‬
‫القضاء في مختلف الدول ‪ ،‬بل وفى الدولة الواحدة ‪ ،‬ففي فرنسا يوجد تمييز بين التحكيم الخاضع للقانون المدني وذلك الخاضع لقانون الجراءات ‪ ،‬وفي‬
‫إيطاليا يوجد تمييز بين التحكيم الخاضع لقانون الجراءات والذي يطلق علية التحكيم الرسمي وبين التحكيم الخاضع للقانون المدني والذي تكون مهمة‬
‫المحكم فيه تكملة أو تعديل عقد ما ويسمى بالتحكيم الحر أو غير الرسمي ‪ ،‬وفي إنجلترا يوجد تحكيم يكون فيه الجانب التعاقدي غالبًا ويسمي‬
‫ل من الشكال القضائية ويسمي ‪COMMON LAW ARBITRATION‬‬ ‫كما أن ‪ ARBITRATION STATATORY ،‬وبين تحكيم يعد شك ً‬
‫مفهوم التحكيم من الوجهة الدولية ليس واحدًا في كل مكان في العالم وخاصة في النظم النجلوأمريكيه ‪ ،‬واللتينية ‪ ،‬والشتراكية مما سيؤثر بل شك‬
‫‪ .‬على المعاملة الجرائية لحكم التحكيم وتنفيذه‬
‫ل النظام النجلو أمريكي عند رقابته للتحكيم‬ ‫و الظاهر أن اختلف النظر حول الطبيعة القانونية للتحكيم أوجد اختلفا في القيمة القانونية للتحكيم ‪ ،‬فمث ً‬
‫ينتقص بل شك من قيمته القانونية ‪ ،‬فالمحاكم تشارك المحكمين عملهم ول يستطيع المحكمون أن يقرروا في مسائل القانون ‪ -‬كما أن المحكم ليس ملزم‬
‫بتسبيب حكمه إل إذا أمرته المحكمة العليا بذلك ‪ ،‬خلفًا للنظام اللتيني الذي يوجب تسبيب المحكم لحكمه حتى لو كان المحكم مفوضًا بالصلح ‪ ،‬كما أنه‬
‫‪ .‬ل يتدخل بالرقابة في مسائل القانون والواقع وإنما رقابته إجرائية فقط‬
‫ل ‪:‬الطبيعة التعاقدية للتحكيم‬
‫‪.‬أو ً‬
‫يقول البعض أن التحكيم ذو طبيعة تعاقدية ‪ ،‬فالتحكيم ليس قضاًء بمعنى الكلمة لنه عقد رضائي ملزم للجانبين ‪ ،‬لذلك يبدو حكم التحكيم وفق أنصار هذا‬
‫الرأي عنصر تبعي في عملية التحكيم لن اتفاق التحكيم يستغرق عملية التحكيم برمتها بحيث يعد مبدأ لتفسير كافة مراحلها حتى صدور قرار من‬
‫المحكم يلتزم به طرفا النزاع ‪ ،‬فحكم التحكيم وفقًا لهذه الطبيعة التعاقدية للتحكيم مجرد تحديد لمحتوى عقد التحكيم بمعرفة غير المتعاقدين وهم هنا‬
‫‪ .‬المحكمون رغم أن حكم التحكيم هو الهدف من عملية التحكيم برمتها من حيث كونه يفصل في النزاع‬
‫‪ :-‬ويستند أنصار هذا الرأي على عدة حجج أهمها‬
‫أن أساس التحكيم هـو إرادة الطراف في التصالح ‪ ،‬ولذا فإن أهمية تحديد طبيعته تتركز في رغبة الفراد في حل نزاعهم بطريق ودي ‪ ،‬ويكون ‪1-‬‬
‫‪ .‬ذلك عن طريق إحلل تقدير شخص ثالث )المحكم( محل تقديرهم وقبولهم لهذا التقدير‬
‫أن الفراد باتفاقهم على التحكيم يتفقون ضمنًا على التنازل عن الدعوى ويخولون المحكم سلطه مصدرها إرادتهم ‪ ،‬وهذه السلطة ل يمكن أن تكون ‪2-‬‬
‫سلطة قضائية إذ أنها تقوم على إرادة ذوي الشأن ‪ ،‬لنه إذا كانت طبيعة الرابطة القانونية مصدر الثر القانوني ‪ ،‬هي التي تحدد طبيعة هذا الثر ‪ ،‬فل‬
‫يمكن اعتبار سلطة المحكم سلطة عامه لن الفراد الذين يعينون المحكمين ل يتمتعون بسلطة عامه ‪ ،‬ول يمنع من القول بالطبيعة التعاقدية للتحكيم أن‬
‫‪ .‬يتم تعيين المحكم أحيانا من جانب السلطة القضائية ‪ ،‬لن هذه الخيرة في تعيينها للمحكم ‪ ،‬إنما تحل محل الفراد في استعمال حقهم في اختيار المحكم‬
‫أن التحكيم يختلف في هدفه عن القضاء ‪ ،‬فالقضاء يرمي إلى تحقيق مصلحة عامه ‪ ،‬أما التحكيم فإنه يرمي إلى تحقيق مصالح خاصة لطراف عقد ‪3-‬‬
‫‪ .‬التحكيم‬
‫يفترض القضاء عدم إرادة أحد الطرفين المتثال للقاعدة القانونية التي تحمي مصلحة الطرف الخر في مواجهته ‪ ،‬في حين أنه في التحكيم يرغب ‪4-‬‬
‫‪ .‬الطراف بإرادتهم إبعاد كل شك حول نطاق حقوقهم‬
‫‪ :-‬أن القانون الوضعي يؤيد هذه الطبيعة حيث أنه ‪5-‬‬
‫‪ .‬أ‪ -‬يمكن القول أن المحكم يكون وطنيًا أو أجنبيًا ‪ ،‬في حين أن الوظيفة القضائية ل يباشرها سوى وطني‬
‫‪ .‬ب‪ -‬إذا لم يقم المحكم بواجبه فل تنطبق عليه قواعد إنكار العدالة‬
‫‪ .‬ج‪ -‬إذا أخطأ المحكم فإنه ل يخضع لقواعد المخاصمة‬
‫‪ .‬د‪ -‬يمكن رفع دعوى أصليه ببطلن حكم المحكم بعكس حكم القضاء‬
‫وهناك نتائج هامة تترتب على الخذ بهذه النظرية تؤثر على مراحل التحكيم المختلفة كحرية الطراف في اختيار القانون الواجب التطبيق في التحكيم ‪،‬‬
‫‪ .‬وتحديد اختصاص المحكمين ومدى تدخل قضاء الدولة في تنظيم التحكيم وأدائه ‪ ،‬و العتراف بآثار التحكيم‬
‫‪ :-‬وقد وجه إلى هذا الرأي العديد من العيوب منها‬
‫المبالغة في إعطاء الدور الساسي لرادة الطراف ‪ ،‬فالواقع أن الطراف ل يطلبون من المحكم الكشف عن إرادتهم هم ‪ ،‬وإنما الكشف عن إرادة ‪1-‬‬
‫ل إلى ما قد تكون إرادة الطراف قد اتجهت إليه‬ ‫‪ .‬القانون في الحالة المعنية ‪ ،‬فالمحكم وهو يقوم بالفصل في النزاع يطبق إرادة القانون ول يلقي با ً‬
‫أنه إذا كان حكم التحكيم مصدره اتفاق الطراف ‪ ،‬فإن ذلك ل يضفي الطابع التعاقدي على التحكيم ‪ ،‬لن المحكم ملزم باحترام قواعد النظام العام ‪2-‬‬
‫وكذلك العديد من القواعد الموضوعية والجرائية ‪ ،‬ومنها على سبيل المثال احترام حقوق الدفاع ‪ ،‬وأن يكون حكم المحكم على مقتضى قواعد القانون‬
‫)فقد نص المشرع المصري في المادة ‪ 506‬مرافعات على أن " يصدر المحكمون حكمهم غير مقيدين بإجراءات المرافعات عدا ما نص عليه في هذا‬
‫الباب ‪ ،‬ويكون حكمهم على مقتضى قواعد القانون ما لم يكونوا مفوضين بالصلح ‪ ،‬وتنص المادة ‪ 35‬من اللئحة التنفيذية لنظام التحكيم السعودي‬
‫الصادر بالمرسوم الملكي رقم ‪ 46‬وتاريخ ‪ 12/7/1403‬بأن " يصدر المحكمون قراراتهم غير مقيدين بالجراءات النظامية ‪ ،‬عدا ما نص عليه نظام‬
‫التحكيم ولئحته التنفيذية ‪ ،‬وتكون قراراتهم بمقتضى أحكام الشريعة السلمية والنظمة المرعية " ‪ ،‬وهذا تقريبًا ما تنص عليه المادة ‪ 182‬من قانون‬
‫المرافعات الكويتي والمادة ‪ 812‬من قانون المرافعات اليطالي والمادة ‪ 1474‬من قانون المرافعات الفرنسي الجديد ( ‪ ،‬باستثناء التحكيم بالصلح فل‬
‫يتقيد بقواعد القانون الموضوعي إل ما كان منها متعلقًا بالنظام العام ‪ -‬ويبرر ذلك بأن المحكم المصالح إنما يجري صلحًا ‪ ،‬ومن ثم فهو ل يملك أن‬
‫يجرد أحد الطراف من كل ما يتمسك به ‪ .‬إذ أنه ل يقضي بين الخصوم ‪ ،‬فالمحكمون وإن كانوا أفرادًا عاديين إل أنهم يملكون سلطة القضاء التي‬
‫يملكها القضاة في خصوص النزاع المعروض عليهم لنهم يفصلون في حقوق والتزامات طرفي عقد التحكيم وفقًا للقانون ‪ ،‬ويملكون إصدار حكمهم ضد‬
‫‪ .‬واحد من الخصوم أو ضدهما معًا‬
‫إن استناد أصحاب هذا الرأي إلى اختلف أحكام القانون بين التحكيم والقضاء يرجع في الواقع إلى عله واحدة وهي أن المحكم وهو يقوم بمهمته ‪2-‬‬
‫وهي مهمة ذات طابع قضائي ل يمثل الدولة ‪ ،‬ولذلك فمن الطبيعي أن يختص القاضي "ممثل الدولة " ببعض الحكام القانونية التي تختلف على القاضي‬
‫‪" " .‬المحكم‬
‫إن امتثال الفراد للقانون واجب في جميع الحوال ‪ ،‬بل وكثيرًا ما نجد اتفاق الفراد على تحديد محكمة معينه لتختص بنظر دعواهم ‪ ،‬فهل يمكن ‪3-‬‬
‫‪ .‬القول حينئذ بأن الفراد لم يمتثلوا للقانون‬
‫إن القول بالنظرية التعاقدية للتحكيم يثير الخلف بصدد تأصيل طبيعة العلقة التي تربط أطراف التحكيم بالمحكمين ‪ ،‬حيث أصلها البعض على ‪4-‬‬
‫ل عن الخصوم ‪ ،‬باعتبار أن سلطة المحكم في التحكيم في النزاع ل تثبت إل باتفاق الطراف ‪ ،‬بينما أصلها‬ ‫أنها وكالة ‪ ،‬بمعني أن المحكم يعتبر وكي ً‬
‫‪ .‬البعض الخر بأنها إجارة عمل على أساس أن الفراد يتفقان مع المحكم على إجارة عمله ويترتب على ذلك حقوق والتزامات متبادلة‬
‫ويثير موقف القانون المصري العديد من التساؤلت بخصوص الطبيعة القانونية للتحكيم حيث يفهم من نص المادة )‪ (501‬مرافعات الملغاة بالقانون رقم‬
‫‪ 27‬لسنة ‪1994‬م أن التحكيم يرتكز على إرادة الطراف ‪ ،‬وقد أشارت صراحة المذكرة اليضاحية لقانون المرافعات في معرض تعليقها على المادة )‬
‫‪ ( 513‬إلى أن ) حكم المحكمين ليس حكمًا قضائيًا ( ‪ ،‬وبالتالي يمكن أن نستنتج من ذلك ميل القانون المصري للطبيعة التعاقدية للتحكيم ‪ ،‬وفى نفس‬
‫الوقت يمكن أن نستنتج نفي هذه الطبيعة من نص المادة )‪ (299‬مرافعات التي تساوي بين حكم التحكيم الجنبي والحكم القضائي الجنبي من ناحية‬
‫‪ .‬تطبيق قواعد تنفيذ الحكام الجنبية علي كل منهما‬
‫وقد أنعكس عدم وضوح نصوص القانون المصري في بيان الطبيعة القانونية للتحكيم على القضاء المصري ‪ ،‬فقد قررت محكمة النقض المصرية ‪ :‬أن‬
‫التحكيم هو طريق استثنائي لفض الخصومات قوامه الخروج على طرق التقاضي العادية )حكم محكمة النقض في ‪16/2/1971‬م ‪ ،‬مجموعة أحكام‬
‫النقض ‪ ،‬س ‪22‬ق ‪ ، 179 ،‬حكم محكمة النقض في ‪16/2/1978‬م ‪ ،‬مجموعة أحكام النقض ‪ ،‬س ‪29‬ق ‪ ، ( 472 ،‬فل يتضح لنا من عبارة المحكمة‬
‫‪.‬أن التحكيم طريق اتفاقي أو أنه طريق قضائي عادى ‪ ،‬بل أن المحكمة بقولها هذا تعني أن التحكيم قضاء خاص لفض المنازعات‬
‫أما في فرنسا فقد أكد الشراح الفرنسيون على أن التحكيم طريقًا خاصًا للتقاضي ذو أساس اتفاقي في صدد تعليقهم على نص المادة )‪ (1477‬من قانون‬
‫المرافعات الجديد التي تعرف اتفاق التحكيم بأنه عقد تحكمه قواعد القانون المدني وقد أيد القضاء الفرنسي هذا الرأي سواء كان حكم التحكيم قد صدر‬
‫في فرنسا أم خارجها ‪ ،‬فل يصبح حكم التحكيم حكم قضائي حتى في حالة إسباغ السلطة القضائية للبلد الذي صدر فيها ذلك الحكم القوة التنفيذية عليه ‪،‬‬
‫‪ .‬فأحكام التحكيم وفقًا لهذا القضاء تّكون وحدة مع اتفاق التحكيم وتنسحب عليهما الصفة التعاقدية‬
‫ويلحظ أنه رغم ما أشتهر عن قضاء النقض الفرنسي اعتناقه للطبيعة التعاقدية للتحكيم ‪ ،‬إل أن ذلك لم يجد صدى واسع في أحكام القضاء الفرنسي إل‬
‫‪ .‬في القليل من الحكام ‪ ،‬وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم وضوح ورسوخ هذه الطبيعة في فرنسا‬
‫‪ .‬وفي إيطاليا أكد الشراح اليطاليين على أن التحكيم ينشأ نتيجة لتفاق الخصوم عليه‬
‫‪.‬ثانيًا ‪:‬الطبيعة القضائية للتحكيم‬
‫يري بعض الشراح أن التحكيم ذو طبيعة قضائية ‪ ،‬فالتحكيم قضاء إجباري يلزم الخصوم في حالة اتفاقهم على اللجوء إليه كوسيلة لحل خلفاتهم ‪ ،‬وأنه‬
‫بهذه الصفة يحل محل قضاء الدولة الجباري ‪ ،‬وأن عمل المحكم وإن قام وتأسس على اتفاق التحكيم ‪ ،‬إل أن هذا التفاق ليس هو الساس الوحيد لعمل‬
‫المحكم ‪ ،‬فعمل المحكم هو عمل قضائي شأنه شأن العمل القضائي الصادر من السلطة القضائية في الدولة ‪ ،‬فمهمة المحكم هي مهمة قضائية وحكمة‬
‫يرتب نفس الثار التي يرتبها الحكم القضائي ‪ ،‬وأنه إذا كان التحكيم يبتدئ في مرحلته الولى بعمل إرادي وهو شرط أو اتفاق التحكيم ‪ ،‬فإن هذا العمل‬
‫في رأي أنصار الطبيعة القضائية ل يعدو أن يكون مجرد فتيل لوضع هذا النظام موضع الحركة التي تهيمن عليها طبيعتها القضائية ويتحرك بذاتيته‬
‫الخاصة ‪ ،‬وشأن هذا العمل الرادي للخصوم في اللتجاء إلى التحكيم لفض منازعاتهم ‪ ،‬يطابق شـأن ذلـك العمـل الرادي للخصوم في اللتجاء إلى‬
‫‪ .‬قضاء الدولة‬
‫‪ :-‬ويستند أصحاب هذا الرأي إلى الحجج التالية‬
‫إن التحكيم قضاء استثنائي مستثنى من الصل العام في التقاضي أمام المحاكم التي نظمها القانون ‪ ،‬وإذا حدث ورفعت الدعوى أمام المحكمة ‪1-‬‬
‫المختصة كان للطرف الخر الحق في الدفع بعدم الختصاص ‪ ،‬لن المحكمة تنظر دعوى هي من اختصاص هيئة المحكمين ‪ ،‬وذلك قياسًا على الثر‬
‫ل ولكن يجوز ذلك استثناًء كما في الختصاص المحلي ‪ -‬وجدير ًا بالذكر أن الدفع‬ ‫الذي يترتب على رفع نزاع معين أمام محكمة معينه غير مختصة أص ً‬
‫بوجود شرط التحكيم قد أثارت خلفًا بين الشراح فقال البعض أنه دفع بعدم الختصاص غير متعلق بالنظام العام يتعين أن يبدى قبل التكلم في الموضوع‬
‫‪ ،‬وقال البعض الخر انه يتعين أن يبدى قبل أي دفع شكلي ول يجوز للمحكمة أن تبديه من تلقاء نفسها ‪ ،‬ونري أن اعتبار هذا الدفع من قبيل الدفع بعدم‬
‫الختصاص أمر بالغ الصعوبة ‪ ،‬لن شرط التحكيم ل ينزع اختصاص المحكمة وإنما يمنعها فقط من سماع الدعوى طالما الشرط قائماً ‪ ،‬كما أنه من‬
‫المستحيل تحديد نوع عدم الختصاص ‪ ،‬هل هو اختصاص نوعي أو اختصاص مكاني ‪ ،‬وعليه يكون هذا الدفع بوجود شرط التحكيم هو من قبيل الدفع‬
‫ل ‪ ،‬فل يقال‬‫بعدم القبول ‪ ،‬وشأن هذه الحالة شأن حالة طرح نزاع على محكمة مختصة بعد صدور حكم في ذات النزاع من محكمة غير مختصة أص ً‬
‫هنا أن المحكمة غير مختصة بنظر الدعوى لسبق صدور الحكم فيها ‪ ،‬وإنما يقال أنها ممنوعة من نظر الدعوى ‪ ،‬وقد أوردت محكمة النقض المصرية‬
‫رأيها في هذا المر في حكم لها حيث قالت ‪ :‬أن هذا الدفع دفع بعدم القبول ولكنه ليس من الدفوع الوارد ذكرها في المادة ‪ 115‬مرافعات ويجب التمسك‬
‫) به قبل التكلم في الموضع وإل سقط الحق فيه ‪.‬نقض مدني ‪ ، 15/2/1972‬س ‪23‬ق ‪ ،‬نقض مدني‪ ، 6/1/1976‬س ‪27‬ق‬
‫إن حكم المحكم يحوز حجية الشيء المقضي به ‪ ،‬وينفذ تنفيذًا جبريًا بعد صدور المر بهذا التنفيذ ‪ ،‬شأنه شأن الحكم القضائي الصادر من السلطة ‪2-‬‬
‫القضائية في الدولة ‪ -‬ونصت على ذلك معظم القوانين حيث نص القانون المصري في المادة )‪ (55‬من القانون رقم ‪ 27‬لسنة ‪1994‬م في شأن التحكيم‬
‫في المواد المدنية التجارية على " تحوز أحكام المحكمين الصادرة طبقًا لهذا القانون حجية المر المقضي وتكون واجبة النفاذ بمراعاة الحكام‬
‫المنصوص عليها في هذا القانون " ‪ ،‬و القانون الكويتي في المادة ‪ 186‬مرافعات ‪ ،‬وإن كان قد أجاز الستئناف إذا أتفق الخصوم على ذلك قبل صدور‬
‫الحكم ‪ ،‬والقانون اليطالي في المواد من ‪ 827‬إلى ‪ ، 831‬وعلى العكس من ذلك ذهبت محكمة باريس في ‪1981 /6/ 9‬م بأن قوة الشيء المحكوم فيه‬
‫هي قاعدة متعلقة بمصلحة خاصة وليست من النظام الداخلي إن التحكيم قضاًء لن جوهر القضاء هو تطبيق إرادة القانون ‪ ،‬فالتحكيم نوع من أنواع‬
‫القضاء إلى جانب قضاء الدولة ‪ ،‬شأنه في ذلك شأن القضاء الجنبي الذي يعترف به القانون ‪ ،‬أو القضاء الذي تتوله هيئات دينية غير سلطة الدولة كما‬
‫‪ .‬هو الحال في مصر بالنسبة للمجالس الملية‬
‫ومما يؤيد الطبيعة القضائية للتحكيم ما درجت عليه القوانين المختلفة من إطلق اصطلح الحكام على أحكام المحكمين والحكام القضائية ‪ ،‬وما ‪3-‬‬
‫ذهب إليه القانون الفرنسي الجديد من إطلق لفظ محكمة التحكيم على المحكم أو المحكمين ‪ ،‬بالضافة إلى القواعد التفصيلية التي أوردتها القوانين‬
‫ل للخصومة القضائية‬‫‪ .‬لتنظيم الخصومة في التحكيم وإجراءات تسيرها وذلك بشكل يتطابق مع القواعد الموضوعية أص ً‬
‫ولقد تطور موقف القضاء في هذا الشأن ووصل إلى أن تتراجع محكمة النقض الفرنسية عن اتجاهها باعتبار الطبيعة التعاقدية للتحكيم ‪ ،‬فقالت في ‪4-‬‬
‫أحكام حديثة نسبيًا ‪ :‬أن أطراف الخصومة بالتجائهم إلى التحكيم إنما يعبرون عن إرادتهم بإعطاء الغير "المحكم" سلطة قضائية ‪ ،‬وقالت المحكمة العليا ‪:‬‬
‫أن التحكيم يعد قضاءًا استثنائيًا يكون للمحكمين فيه سلطة ذاتية مستقلة للفصل في المنازعات التي يطرحها الخصوم عليهم ‪ ،‬أما محكمة النقض المصرية‬
‫‪ .‬فلم تدلي بدلوها بعد وإن كانت قد نحت نحو تأييد الطبيعة التعاقدية‬
‫ويترتب على القول بالطبيعة القضائية للتحكيم ‪ ،‬أنه يثور التساؤل حول وقت اكتساب حكم التحكيم للصفة القضائية ‪ ،‬فهل يكتسب ذلك الحكم الصفة‬
‫القضائية بمجرد صدوره ‪ ،‬أم بعد المر بتنفيذه ؟‬
‫‪ :‬لقد انقسم الشراح في الجابة على هذا التساؤل إلى اتجاهين‬
‫التجاه الول ‪ :‬ويتزعمه الشراح اليطاليين ‪ ،‬وهو عدم اعتبار الصفة القضائية للحكم التحكيمي إل بصدور المر بالتنفيذ )وقد أخذ القانون اليطالي بهذا‬
‫التجاه في إطار القانون رقم ‪ 28‬لسنة ‪1983‬م حيث أشتمل هذا القانون على تعليق مسألة تصحيح حكم المحكمين والطعن بالبطلن على صدور المر‬
‫بالتنفيذ مما يمثل انتقاصا للقيمة القانونية لحكم التحكيم ‪ ،‬ولكن القانون اليطالي الجديد الصادر في يناير عام ‪1994‬م جاء خلوًا من ذلك سواء فيما يتعلق‬
‫بتصحيح الحكم أو الطعن فيه ‪ ،‬حيث نص على أن بطلن حكم التحكيم يقدم خلل تسعين يومًا من تاريخ إعلن الحكم ‪ ،‬ودون حاجة لصدور المر‬
‫‪ .‬بالتنفيذ ( وقد أيد جانب من الشراح الفرنسيين هذا التجاه‬
‫أما التجاه الثاني ‪ :‬وهو التجاه الغالب لدى الشراح الفرنسيين والعرب وهو عدم اشتراط صدور المر بالتنفيذ لسباغ الصفة القضائية على حكم التحكيم‬
‫ل للتنفيذ ‪ -‬وهذا هو ما‬ ‫‪ ،‬فحكم التحكيم يتمتع بالحجية وقوة المر المقضي منذ صدوره ‪ ،‬وأن إجراء المر بالتنفيذ ل يمنح الحكم الحجية وإنما يجعله قاب ً‬
‫قررته محكمة النقض المصرية حيث قالت في أسباب أحد أحكامها ‪ :‬متي كان الثابت أن طرفي الخصومة لجأ إلى التحكيم فيما كان ناشبًا بينهما من‬
‫منازعات متعددة بشأن زراعة الطيان المملوكة لهما ‪ ،‬وكان حكم المحكمين قد فصل بصفة نهائية في هذه المنازعات وقضي لحدهما بأحقيته في‬
‫ل وقت صدور حكم المحكمين ‪ ،‬فإن أحقية المحكوم له‬ ‫استلم أطيان معينه بما عليها من الزراعة ‪ ،‬وكانت هذه الزراعة قائمة في تلك الرض فع ً‬
‫للزارعة المذكورة تكون أمرًا مقضيًا له بموجب حكم المحكمين ضد الخصم الخر ‪ ،‬وتكون دعوى هذا الخير بطلب أحقته لهذه الزراعة مردودة ‪ ،‬من‬
‫قوة المر المقضي لحكم التحكيم ومن حجيته قبله ‪ ،‬ول يقدح في ذلك أن يكون هو الزارع لتلك الزراعة ‪ ،‬ول يغير من ذلك أيضًا أل يكون الحكم قد تنفذ‬
‫بالستلم ‪ ،‬فإن عدم تنفيذ الحكام ل يخل بما لها من حجية لم تنفض بأي سبب من السباب التي تنقض بها قانونًا ‪ .‬طعن رقم ‪ 93‬لسنة ‪23‬ق جلسة‬
‫‪14/3/1957 ) .‬م ‪ ،‬وأيضًا طعن رقم ‪ 521‬لسنة ‪44‬ق جلسة ‪15/2/1978‬م‬
‫‪ :-‬ورغم سلمة ومنطق الطبيعة القضائية للتحكم ‪ ،‬إل أنها لم تسلم من النقد ‪ ،‬فيعاب عليها بما يلي‬
‫أنه يصعب أن نلحق أحكام التحكيم بأحكام القضاء جملة واحدة ‪ ،‬لن هناك خلف بين المحكم والقاضي ‪ ،‬لن الخير له وظيفة عامة ويتمتع بالدوام ‪1-‬‬
‫والستقرار والحصانة فيما يقوم به من أعمال ‪ ،‬كما أن له سلطة المر والجبار ‪ ،‬ويعد منكرًا للعدالة إذا أمتنع عن الفصل في النزاع ‪ ،‬ول دخل‬
‫‪ .‬للخصوم في اختياره ‪ ،‬بعكس المحكم‬
‫إن التشبيه بين نظامي التحكيم والقضاء ‪ ،‬رغم ما قد يبدو فيه من تقويه لمركز التحكيم إل أنه ليس في صالح التحكيم دائمًا ‪ ،‬لن التحكيم أسبق من ‪3-‬‬
‫‪ .‬القضاء في الوجود‬
‫إن الدعوى ببطلن حكم المحكم تتصل في مجموعها بحالت تعيب عقد التحكيم أو تنكره وهي بهذا الوصف تثير الشك في الصفة القضائية لحكم ‪3-‬‬
‫‪ .‬التحكيم ‪ ،‬ومما يبرر ذلك وقف تنفيذ حكم المحكم عند رفعها ‪ ،‬وهي أيضًا بالوصف المتقدم تكفي وحدها كوسيلة للتظلم من الحكم‬
‫‪.‬ثالثًا ‪:‬الطبيعة المختلطة للتحكيم‬
‫في كل من الطبيعة التعاقدية والطبيعة القضائية للتحكيم لحظنا أن كل منهما تحتكم إلى مرحلة واحدة من مراحل التحكيم اصطبغت بالوصف القانوني‬
‫المصاحب لها سواء كان وصفًا عقديًا أو وصفًا قضائيًا‬
‫لذلك يري بعض الشراح أن التحكيم ذو طبيعة مختلطة ‪ ،‬فهو ذو طبيعة مركبة ‪ ،‬لن الخذ بطبيعة واحدة سواء الطبيعة العقدية أو الطبيعة القضائية يثير‬
‫العديد من المشاكل والصعاب في التطبيق ‪ ،‬فالتحكيم ذو طبيعة عقدية وقضائية معًا ‪ ،‬فالعنصر الرادي هو الجانب السائد في المرحلة الولي للتحكيم‬
‫وهي مرحلة التفاق على التحكيم كأسلوب لحل المنازعات الناشئة أو التي قد تنشأ بين الطراف ‪ ،‬ثم يبدأ هذا العنصر في الفول تدريجيًا تاركًا الغلبة‬
‫‪ .‬منذ بدء مرحلة التداعي للخصائص التي يتسم بها العمل القضائي‬
‫فالتحكيم وفقًا لهذا الرأي ليس اتفاقًا محضًا ول قضاءًا محضًا ‪ ،‬وإنما هو نظام يمر في مراحل متعددة يلبس في كل منها لباسًا خاصًا ويتخذ طابعًا مختلفًا‬
‫‪ .‬فهو من أوله اتفاق وفى وسطه إجراء وفي أخره حكم‬
‫ل القانون الواجب‬ ‫ويترتب على الخذ بهذه الطبيعة نتائج هامة خاصة فيما يتعلق بتحديد القانون الواجب التطبيق ‪ ،‬وكذلك فيما يتعلق بتنفيذ الحكام فمث ً‬
‫التطبيق يتم تحديده طبقًا للمرحلة التي يمر بها التحكيم ‪ ،‬ففي المرحلة الولي يتم تطبيق القانون الواجب التطبيق على التفاقيات والعقود ‪ ،‬وفى المرحلة‬
‫التالية مرحلة التداعي يتم تطبيق القانون الواجب التطبيق على المسائل ذات الطابع القضائي ‪ ،‬أما فيما يتعلق بتنفيذ الحكام ‪ ،‬فإن هذه الحكام من قبل‬
‫‪ .‬العقود قبل صدور المر بالتنفيذ وتصير بمنزلة الحكم القضائي بعد صدور المر بالتنفيذ‬
‫‪ :-‬إل أن هذا الرأي ل يخلو من النقد ‪ ،‬حيث وجه إليه النقد التالي‬
‫إنه رغم قيام هذه الطبيعة المختلطة للتحكيم على أساس تحليل ورصد لما يؤثر في التحكيم وهو أمر جدًا مهم ‪ ،‬فإن التحليل القانوني يجب أل يقف ‪1-‬‬
‫عند القول بأن التحكيم ذو طبيعة مختلطة أو خليط غير متجانس ‪ ،‬فمثل هذا الوصف يعتبر بمثابة اعتراف بالعجز ومحاولة للهروب من مواجهة الحقيقة‬
‫بأبعادها المتعددة ‪ ،‬فالواجب في مواجهة مثل هذه الحقائق المركبة محاولة تحليلها لردها إلى عناصرها المميزة ومحاولة تحديد دور كل عنصر‬
‫‪ .‬ومظاهرة في كل مرحلة من المراحل المختلفة‬
‫إن القول بالطبيعة المختلطة للتحكيم يؤدي إلى خلط بين حجية حكم التحكيم وبين قوته التنفيذية ‪ ،‬فحجية المر المقضي تثبت لحكم التحكيم بمجرد ‪2-‬‬
‫‪ .‬صدوره وهي أمر أخر غير القوة التنفيذية التي ل يحوزها حكم التحكيم إل بصدور أمر قضائي بتنفيذه‬
‫‪.‬رابعًا ‪:‬الطبيعة المستقلة للتحكيم‬
‫ذهب بعض الشراح إلى القول بأن التحكيم ذو طبيعة خاصة ‪ ،‬لن أصحاب الطبيعة العقدية للتحكيم لم يستطيعوا أن يتفقوا على طبيعة هذا العقد ‪ ،‬فهل‬
‫هو عقد من عقود القانون العام أم عقد من عقود القانون الخاص ‪ ،‬وهل هو عقد ينظم الشكل أو ينظم الموضوع ‪ ،‬حتى الذين يقولون بأنه عقد من عقود‬
‫القانون الخاص اختلفوا في تحديد ماهية ذلك العقد فتارة يقولون عقد عمل ‪ ،‬وتارة يقولون عقد وكالة ‪ ،‬كذلك أصحاب الطبيعة القضائية للتحكيم لم‬
‫يستطيعوا الفكاك من اعتبارات النظام القضائي الداخلي ‪ ،‬فالبعض منهم يرى أنه مجرد بطانة للقضاء الوطني ‪ ،‬والبعض الخر يرى أنه تفويض صادر‬
‫من الدولة للمحكم لقامة العدالة بين الخصوم ‪ ،‬أما أصحاب الطبيعة المختلطة للتحكيم فيكفي القول بأن موقفهم فيه نوع من الهروب للتصدي الجدي‬
‫‪ .‬لمشكلة تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم‬
‫وإذا كان التحكيم يعني الرغبة في فض النزاع بطريقة ودية بين الفراد ‪ ،‬فإن ذلك يعنى أن نأخذ عند تحديد الطبيعة القانونية للتحكيم بفكرة مستقلة عن‬
‫النظم الداخلية ‪ ،‬فالتقسيمات والنظمة الداخلية ل تعد القوالب المناسبة لوضع نظام مميز للتحكيم في إطارها ‪ ،‬لن ذلك سيكون على حساب الحقائق‬
‫‪ .‬العلمية‬
‫وفى تقديرنا أنه يجب أن ينصب البحث في هذه المسألة على حصر العناصر ذات الطابع الرادي "التعاقدي" للتحكيم وتميزها عن تلك العناصر ذات‬
‫القضائي بحيث يمكن في النهاية تحديد مدى تداخل كل عنصر من العناصر التعاقدية والقضائية في تكوين نظام التحكيم وإعطائه طبيعته الذاتية‬
‫ل دقيقًا يكشف عن‬ ‫المستقلة ‪ ،‬فالجهد يجب أل يتوقف على محاولة إذابة أحد العنصرين في الخر ‪ ،‬أو محاولة المزج بينهما وإنما تحليلهما تحلي ً‬
‫‪ .‬الخصائص المميزة لكل منهما‬
‫فاتفاق التحكيم وإن كان عقدًا يتمتع بالخصائص العامة للعقود ‪ ،‬إل أنه يتميز عنها بهدفه وموضوعه ‪ ،‬فهدفه ليس إقامة علقة قانونية مبتدأه بين طرفين‬
‫مالية كانت أو شخصية ‪ ،‬وإنما تسوية النزاع الناشئ عن علقة قانونية سابقة ‪ ،‬وموضوعه ليس التراضي على تسويه نهائية للنزاع محدده بذاتها ‪ ،‬وإنما‬
‫ل عنهما‬‫‪ .‬إقامة كيان عضوي ) فردًا كان أو هيئة ( ترفع إلية ادعاءات الطرفين لتولي الفصل فيها استق ً‬
‫أما عن عمل المحكم فهو بالضرورة حسم النزاع وفقًا للمبادئ العامة التي يضعها النظام القانوني وأهمها مبدأ المساواة ومبدأ المواجهة إلى غير ذلك من‬
‫المبادئ القضائية ‪ ،‬مع دخول اتفاق التحكيم في عداد التفاقات المطروح تطبيقها على المحكم أي أن المحكم عليه أن يطبق شروط اتفاق التحكيم مثله في‬
‫ذلك مثل القاضي عندما يطبق شروط عقد معين متعلق بالنزاع المطروح عليه ‪ ،‬فالمحكم هنا يطبق اتفاق التحكيم للتعرف على حدود المنازعات التي‬
‫تدخل في وليته وللتعرف على القواعد الجرائية والموضوعية الواجبة العمال في صدد النزاع وعلى ذلك يكون اتفاق التحكيم مصباحًا لداء الوظيفية‬
‫‪ .‬القضائية للمحكم‬
‫وعلى ذلك نخلص إلى أن التحكيم قضاء اتفاقي يتقيد بنصوص اتفاق التحكيم وبالنصوص القانونية التي ‘يفترض على المحكم اللتزام بها ‪ ،‬لذلك يجب‬
‫أن نبتعد عن القوالب التقليدية لتحديد طبيعة التحكيم ‪ ،‬فهو ظاهرة وإن سبقت القضاء في الوجود ‪ ،‬إل أنه ليس أحد السلطات العامة في الدولة مثل‬
‫القضاء ‪ ،‬كما أنه ل يجوز في كل منازعة ‪ ،‬حيث يجب أن تكون المنازعة قابلة للتحكيم ‪ ،‬فربط التحكيم بفكرة تقليدية عقدية كانت أم قضائية ربما كان‬
‫ذلك ذا فائدة في الماضي ولكن تلك الفكرة قد تقف الن عائقًا أمام التوصل إلى نظرة شاملة وواضحة لظاهرة التحكيم التي باتت تفرض نفسها على‬
‫‪ .‬منازعات التجارة الدولية‬
‫كما أنه في ظل الطبائع المتعددة للتحكيم لن يكون مستبعدًا اللبس والخلط لنه يصعب وضع معيار واحد يمكن على أساسه تحديد طبيعة التحكيم ‪ ،‬وحتى‬
‫إذا ما حاول البعض إفراد هذه الطبيعة في عدد محدود ‪ ،‬فلن يلبس أن يتحول نوع منها إلى أخر كما حدث في نظام التحكيم بالصلح فقد كان في الصل‬
‫قريبًا من التوفيق حيث كان هناك اقتراح للطراف اختيار قبوله أو رفضه ‪ ،‬ولكن التطور لحق به فأعتبر هذا القتراح حكما وأصبح الطراف ملزمون‬
‫‪ .‬به ‪ ،‬المر الذي يجعنا نؤيد الطبيعة المستقلة للتحكيم‬
‫ويثور التساؤل الن ‪ :‬من أين يستقى التحكيم هذا الطابع الخاص وهذه الذاتية المستقلة ؟‬
‫ويجيب بعض الشراح على هذا التساؤل ويقولون ‪ :‬أن التحكيم ل يجد أساسه في القوانين الداخلية للدول فحسب ‪ ،‬وإنما أيضًا في أنظمة ولوائح هيئات‬
‫‪ ).‬ومراكز التحكيم الدائمة المنتشرة في مختلف دول العالم والتي يلجأ إليها الطراف في صورة ما يعرف بالتحكيم النظامي ) وفق نظام معين‬
‫وكذا ما تتضمنه المعاهدات الدولية المتعلقة بالتحكيم سواء كانت ثنائية أم جماعية ونماذج القوانين الدولية الموضوعة من قبل هيئات دولية وقرارات‬
‫‪ .‬المنظمات الدولية‬
‫‪ ،،،‬هذا وال الموفق‬

‫أشرف خليل رويه‬

You might also like