You are on page 1of 391

‫ل تحزن‬

‫‪1‬‬

‫ل تحزن‬
‫للشيخ ‪ /‬عائض القرني‬
‫‪/http://www.saaid.net‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪2‬‬

‫هذا الكتاب‬

‫دراسة ٌ جادةٌ أخّاذ ٌة مسؤولةٌ ‪ ،‬تعن بعالةِ الانبِ الأسوي من حيا ِة البشريةِ جانب‬
‫ب والقلق ِ ‪ ،‬وفقدِ الثقةِ ‪ ،‬والية ‪ ،‬والكآب ِة والتشاؤمِ ‪ ،‬والمّ والغمّ ‪ ،‬والزنِ ‪،‬‬
‫الضطرا ِ‬
‫والكدرِ ‪ ،‬واليأس والقنوطِ والحباطِ ‪.‬‬
‫ت العصر على نورٍ من الوحي ‪ ،‬وهدي من الرسالة ‪ ،‬وموافقةٍ مع‬ ‫وهو حلّ الشكل ِ‬
‫الفطرةِ السويّةِ ‪ ،‬والتجاربِ الراشدةِ ‪ ،‬والمثالِ اليّةِ ‪ ،‬والقصصِ الذّابِ ‪ ،‬والدبِ اللّبِ ‪،‬‬
‫وفيه نقولتٌ عن الصحابة البرار ‪ ،‬والتابعي الخيارِ ‪ ،‬وفيه نفحاتٌ من قصِيدِ كبارِ‬
‫الشعراء ‪ ،‬ووصايا جهابذةِ الطباءِ ‪ ،‬ونصائحِ الكماءِ ‪ ،‬وتوجيهاتِ العلماء ‪.‬‬
‫وف ثناياه أُطروحاتٌ للشرقيي والغربيي ‪ ،‬والقدامى والحدثي ‪ .‬كلّ ذلك مع ما‬
‫يوافقُ القّ ما قدّمَتْه وسائلُ العلم ‪ ،‬من صحفٍ وملت ‪ ،‬ودورياتٍ وملحق ونشرات ‪.‬‬
‫إن هذا الكتاب مزيجٌ مرّتبٌ ‪ ،‬وجه ٌد مهذّبٌ مشذّبٌ ‪ .‬وهو يقولُ لك باختصار ‪:‬‬

‫(( اسع ْد واطمئنّ وأبشرْ وتفاءلْ ول تزن ))‬

‫*************************************‬

‫‪/http://www.saaid.net‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪3‬‬
‫القدمة‬
‫المدُ ل ‪ ،‬والصلةُ والسلمُ على رسولِ ال ِ ‪ ،‬وعلى آله وصحب ِه وبعدُ ‪:‬‬
‫فهذا الكتاب ( ل تزن ) ‪ ،‬عسى أن تسعد بقراءتهِ والستفادةِ منه ‪ ،‬ولك قبل أن تقرأ‬
‫هذا الكتابٍ أن تاكمه إل النطقِ السلي ِم والعق ِل الصحيحِ ‪ ،‬وفوق هذا وذاك النقْل العصوم ‪.‬‬
‫إنّ من اليْفِ الكمَ الُسبق على الشيءِ قبلَ تصوّرهِ وذوق ِه وشّهِ ‪ ،‬وإن من ظلمِ العرفةِ‬
‫إصدار فتوى مسبقةٍ قبلَ الطلعِ والتأمّلِ ‪ ،‬وساعِ الدعوى ورؤيةِ الجةِ ‪ ،‬وقراءةِ البهان ‪.‬‬
‫كتبتُ هذا الديث لن عاش ضائقةً أو ألّ بهِ همّ أو حزنٌ ‪ ،‬أو طاف به طائفٌ من‬
‫ض مضجعة أرقٌ ‪ ،‬وشرّدَ نومَه قلقٌ ‪ .‬وأيّنا يلو من ذلك ؟!‬ ‫مصيبةٍ ‪ ،‬أو أق ّ‬
‫ت فيها‬‫هنا آياتٌ وأبياتٌ ‪ ،‬وصورٌ و ِعبٌ ‪ ،‬وفوائدُ وشواردُ ‪ ،‬وأمثا ٌل وقصصٌ ‪ ،‬سكب ُ‬
‫عصارة ما وصل إليه اللمعون ؛ من دواءٍ للقلبِ الفجوعِ ‪ ،‬والروحِ النهكةِ ‪ ،‬والنفسِ الزينةِ‬
‫البائسةِ ‪.‬‬
‫هذا الكتابُ يقولُ لك ‪ :‬أبشِر واسعدْ ‪ ،‬وتفاءَلْ واهدأ ‪ .‬بل يقولُ ‪ِ :‬عشِ الياة كما‬
‫هي ‪ ،‬طيب ًة رضيّة بيجةً ‪.‬‬
‫ب يصحّحُ لك أخطاء مالفةِ الفطرة ‪ ،‬ف التعاملِ مع السننِ والناسِ ‪ ،‬والشياءِ‬ ‫هذا الكتا ٌ‬
‫‪ ،‬والزمانِ والكانِ ‪.‬‬
‫إنه ينهاك نيا جازما عن الصرارِ على مصادمةِ اليا ِة ومعاكسةِ القضاءِ ‪ ،‬وماصمةِ‬
‫ف رُوحِك‬ ‫النهجِ ورفضِ الدليل ‪ ،‬بل يُناديك من مكا ٍن قريبٍ من أقطارِ نفسِك ‪ ،‬ومن أطرا ِ‬
‫لسْنِ مصيِك ‪ ،‬وتثق بعطياتِك وتستثمر مواهبك ‪ ،‬وتنسى منغّصاتِ العيشِ ‪،‬‬ ‫أن تطمئنّ ُ‬
‫وغصص العمرِ وأتعاب السيةِ ‪.‬‬
‫وأريدُ التنبيه على مسائل هامّة ف أوله ‪:‬‬
‫الول ‪:‬أنّ القصد من الكتاب ج ْلبُ السعادةِ والدوءِ والسكينة وانشراح ِ الصدرِ ‪ ،‬وفتحُ بابِ‬
‫الملِ والتفاؤلِ والفرج والستقبلِ الزاهرِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪4‬‬
‫وهو تذكيٌ برحة الِ وغفرانِهِ ‪ ،‬والتوكّلِ عليه ‪ ،‬وحسنِ الظنّ بهِ ‪ ،‬واليانِ بالقضاءِ‬
‫والقدرِ ‪ ،‬والعيشِ ف حدو ِد اليومِ ‪ ،‬وتركِ القلقِ على الستقبل ِ ‪ ،‬وتذكّرِ نِ َعمِ ال ِ ‪.‬‬
‫الثّانية ‪:‬وهو ماولةٌ لطر ِد المّ والغمّ ‪ ،‬والزن والسى ‪ ،‬والقل ِق والضْطرابِ ‪ ،‬وضيقِ الصدرِ‬
‫والنيارِ واليأسِ ‪ ،‬والقنوطِ والحباطِ ‪.‬‬
‫‪ ،‬ومن‬ ‫الثالثة ‪:‬جعتُ فيه ما يدورُ ف فلكِ الوضوعِ منْ التنيلِ ‪ ،‬ومن كلم العصومِ‬
‫المثلةِ الشاردة ِ ‪ ،‬والقصصِ العبةِ ‪ ،‬والبياتِ الؤثّرةِ ‪ ،‬وما قالهُ الكماءُ والطباءُ والدباءُ ‪،‬‬
‫ي الساطعة ‪ ،‬والكلمةِ الادّةِ وليس وعظا مردا ‪ ،‬ول‬ ‫وفيه قبسٌ من التجاربِ الاثِلة والباه ِ‬
‫ترفا فكريّا ‪ ،‬ول طرحا سياسيا ؛ بل هو دعوةٌ مُِلحّةٌ من أجلِ سعادتِك ‪.‬‬
‫الرابعة ‪:‬هذا الكتابُ للمسلم وغيه ‪ ،‬فراعيتُ فيه الشاعر ومنافذ النف ِ‬
‫س النسانيةِ ؛ آخذا ف‬
‫العتبار النهج الربانّ الصحيح ‪ ،‬وهو دينُ الفطرِة ‪.‬‬
‫الامسةِ ‪ :‬سوف تدُ ف الكتاب نُقولتٍ عن شرقيي وغربيّي ‪ ،‬ولعلّه ل تثريب علىّ ف ذلك‬
‫؛ فالكمة ضالةُ الؤمنِ ‪ ،‬أنّى وجدها فهو أحقّ با ‪.‬‬
‫السادسة ‪ :‬ل أجعلْ للكتاب حواشي ‪ ،‬تفيفا للقارئ وتسهيلً له ‪ ،‬لتكون قراءاته مستمرّةً‬
‫وفكرُه متصلً ‪ .‬وجعلتُ الرجع مع النقلِ ف أصلِ الكتاب ِ ‪.‬‬
‫السابعةِ ‪ :‬ل أنقلْ رقم الصفحةِ ول الزءِ ‪ ،‬مقتديا بنْ سبق ف ذلك ؛ ورأيتُه أنفع وأسهل ‪،‬‬
‫فحينا أنقلُ بتصرّفٍ ‪ ،‬وحينا بالنصّ ‪ ،‬أو با فهمتُه من الكتابِ أو القالةِ ‪.‬‬
‫الثامنةِ‪:‬ل أرتبْ هذا الكتاب على البوابِ ول على الفصولِ ‪ ،‬وإنا نوعتُ فيه الطّرح ‪ ،‬فربّما‬
‫أداخلُ بي الفِقراتِ ‪ ،‬وأنتقلُ منْ حديثٍ إل آخر وأعو ُد للحديثِ بعد صفحاتٍ ‪ ،‬ليكون‬
‫أمتع للقارئ وألذّ لهُ وأطرف لنظرهِ ‪.‬‬
‫التاسعةِ ‪:‬ل أُ ِط ْل بأرقامِ الياتِ أو تريجِ الحاديث ؛ فإنْ كان الديثُ فيه ضعفٌ بيّنتُهُ ‪ ،‬وإن‬
‫كان صحيحا أو حسنا ذكرتُ ذلك أو سكتّ ‪ .‬وهذا كلّه طلبا للختصار ‪ ،‬وبُعدا عن‬
‫التكرارِ والكثا ِر والمللِ ‪ (( ،‬والتشبّعُ با ل يُعط كلبسِ ثوبْ زُورٍ )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪5‬‬
‫العاشرة ‪:‬ربا يلْحظُ القارئُ تكرارا لبعض العان ف قوالب شتّى ‪ ،‬وأساليب متنوعةٍ ‪ ،‬وأنا‬
‫ت هذا الصنيع لتثبت الفكرةُ بأكثر من طرحٍ ‪ ،‬وترسخ العلومةُ بغزارةِ‬ ‫قصدتُ ذلك وتعمد ُ‬
‫النقلِ ‪ ،‬ومن يتدبّرِ القرآن يدْ ذلك ‪.‬‬
‫تلك عشرةٌ كاملةٌ ‪ ،‬أقدّمها لن أراد أن يقرأ هذا الكتاب ‪ ،‬وعسى أن يم ّل هذا‬
‫الكتاب صدْقا ف البِ ‪ ،‬وعدلً ف الكم ِ ‪ ،‬وإنصافا ف القولِ ‪ ،‬ويقينا ف العرفةِ ‪ ،‬وسدادا‬
‫ف الرأيِ ‪ ،‬ونورا ف البصية ‪.‬‬
‫صدْ به طائفةً خاصّةً ‪ ،‬أو جيلً‬‫إنن أخاطبُ فيه الميع ‪ ،‬وأتكلم ‪ ،‬فيه للكلّ ‪ ،‬ول أق ِ‬
‫بعينهِ ‪ ،‬أو فئةً متحيّزةً ‪ ،‬أو بلدا بذاتهِ ‪ ،‬بل هو لكلّ من أراد أنْ ييا حياة سعيدةً ‪.‬‬

‫يُضي ُء بل شسٍ ويسرْي بل‬ ‫ت في ِه الدّرّ حت تركُتهُ‬


‫ورصع ُ‬
‫ول درّ الرّمشِ واليدِ والورْ‬ ‫ي مهّندٌ‬
‫فعينا ُه سحرٌ والب ُ‬

‫*****************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪6‬‬
‫يــا ال‬
‫سمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ ‪ :‬إذا اضطرب البحرُ ‪،‬‬
‫﴿ َيسْأَُلهُ مَن فِي ال ّ‬
‫ب السفينةِ ‪ :‬يا ال‪.‬‬
‫وهاج الوجُ ‪ ،‬وهّبتِ الريحُ ‪ ،‬نادى أصحا ُ‬
‫إذا ضلّ الادي ف الصحراءِ ومال الركبُ عن الطريقِ ‪ ،‬وحارتِ القافل ُة ف السيِ ‪،‬‬
‫نادوا ‪ :‬يا ال‪.‬‬
‫إذا وقعت الصيبةُ ‪ ،‬وحّلتِ النكب ُة وجثمتِ الكارثةُ ‪ ،‬نادى الصابُ النكوبُ ‪ :‬يا ال‪.‬‬
‫ت البوابُ أمام الطالبي ‪ ،‬وأُسدِلتِ الستورُ ف وجوهِ السائلي ‪ ،‬صاحوا ‪ :‬يا‬
‫إذا أُوصد ِ‬
‫ال ‪.‬‬
‫إذا بارتِ الي ُل وضاقتِ السّبُ ُل وانتهتِ المالُ وتقطّعتِ البالُ ‪ ،‬نادوا ‪ :‬يا ال‪.‬‬
‫إذا ضاقتْ عليك الرضُ با رحُبتْ وضاقتْ عليك نفسُك با حلتْ ‪ ،‬فاهتفْ‪ :‬يا ال‪.‬‬
‫إليه يصعدُ الكِلمُ الطيبُ ‪ ،‬والدعاءُ الالصُ ‪ ،‬والاتفُ الصّادقُ ‪ ،‬والدّمعُ البيءُ ‪،‬‬
‫والتفجّع الوالِهُ ‪.‬‬
‫ف ف السْحارِ ‪ ،‬واليادي ف الاجات ‪ ،‬والعيُ ف اللمّاتِ ‪ ،‬والسئلةُ‬ ‫إليه تُمدّ الكُ ّ‬
‫ف الوادث‪.‬‬
‫باس ِه تشدو اللس ُن وتستغيثُ وتلهجُ وتنادي‪،‬وبذكرهِ تطمئنّ القلوبُ وتسكنُ الرواحُ‬
‫‪ ،‬وتدأُ الشاعر وتبدُ العصابُ ‪ ،‬ويثوبُ الرّ ْشدُ ‪ ،‬ويستق ّر اليقيُ‪ ﴿ ،‬ال ّلهُ لَطِيفٌ ِبعِبَادِهِ ﴾‬
‫ال ‪ :‬أحس ُن الساءِ وأجلُ الروفِ ‪ ،‬وأصدقُ العباراتِ ‪ ،‬وأثنُ الكلماتِ‪ ﴿ ،‬هَلْ‬
‫َتعْ َلمُ َلهُ َسمِيّا ﴾ ؟! ‪.‬‬
‫الُ ‪ :‬فإذا الغن والبقاءُ ‪ ،‬والقو ُة والنّصرةُ ‪ ،‬والعزّ والقدرةُ والِ ْكمَةُ ‪ّ ﴿ ،‬ل َمنِ اْلمُلْكُ‬
‫الْيَوْمَ لِ ّلهِ الْوَا ِحدِ اْل َقهّارِ ﴾ ‪.‬‬
‫ال ‪ :‬فإذا اللطفُ والعنايةُ ‪ ،‬والغوْثُ والددُ ‪ ،‬والوُدّ والحسان ‪َ ﴿ ،‬ومَا بِكُم مّن ّنعْ َمةٍ‬
‫َفمِنَ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪7‬‬
‫ال ‪ :‬ذو الللِ والعظمةِ ‪ ،‬واليبةِ والبوتِ‪.‬‬
‫اللهم فاجعلْ مكان اللوعة سلْوة ‪ ،‬وجزاء الزنِ سرورا ‪ ،‬وعند الوفِ أمنْا‪ .‬اللهم أبردْ‬
‫لعِج القلبِ بثلجِ اليقيِ ‪ ،‬وأطفئْ جْر الرواحِ باءِ اليانِ ‪.‬‬
‫يا ربّ ‪ ،‬ألق على العيونِ السّاهرةِ نُعاسا أمنةً منك ‪ ،‬وعلى النفوسِ الضْطربةِ سكينة ‪،‬‬
‫وأثبْها فتحا قريبا‪ .‬يا ربّ اهدِ حيارى البصائرْ إل نورِكْ ‪ ،‬وضُلّل الناهجِ إل صراطكْ ‪،‬‬
‫والزائغي عن السبيل إل هداك ‪.‬‬
‫اللهم أزل الوساوس بفجْر صادقٍ من النور ‪ ،‬وأزهقْ باطل الضّمائرِ بفيْلقٍ من القّ ‪،‬‬
‫وردّ كيد الشيطانِ بددٍ من جنودِ عوْنِك مُسوّمي‪.‬‬
‫اللهم أذهبْ عنّا الزن ‪ ،‬وأز ْل عنا المّ ‪ ،‬واطردْ من نفوسنِا القلق‪.‬‬
‫نعوذُ بك من الوْفِ إل منْك ‪ ،‬والركونِ إل إليك ‪ ،‬والتوكلِ إل عليك ‪ ،‬والسؤالِ إل‬
‫منك ‪ ،‬والستعانِة إل بك ‪ ،‬أنت وليّنا ‪ ،‬نعم الول ونعم النصي‪.‬‬
‫***************************************‬
‫كن سعيدا‬
‫‪ -‬اليان والعمل الصال ها سر حياتك الطيبة ‪ ،‬فاحرص عليهما ‪.‬‬
‫‪ -‬اطلب العلم والعرفة ‪ ،‬وعليك بالقراءة فإنا تذهب الم ‪.‬‬
‫‪ -‬جدد التوبة واهجر العاصي ؛ لنا تنغص عليك الياة ‪.‬‬
‫‪ -‬عليك بقراءة القرآن متدبرا ‪،‬وأكثر من ذكر ال دائما ‪.‬‬
‫‪ -‬أحسن إل الناس بأنواع الحسان ينشرح صدرك ‪.‬‬
‫‪ -‬كن شجاعا ل وجلً خائفا ‪ ،‬فالشجاع منشرح الصدر ‪.‬‬
‫‪ -‬طهر قلبك من السد والقد والدغل والغش وكل مرض ‪.‬‬
‫‪ -‬اترك فضول النظر والكلم والستماع والخالطة والكل والنوم ‪.‬‬
‫‪ -‬انمك ف عمل مثمر تنسَ هومك وأحزانك ‪.‬‬
‫‪ -‬عش ف حدود يومك وانس الاضي والستقبل ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪8‬‬
‫‪ -‬انظر إل من هو دونك ف الصورة والرزق والعافية ونوها ‪.‬‬
‫‪ -‬قدّر أسوأ الحتمال ث تعامل معه لو وقع ‪.‬‬
‫‪ -‬ل تطاوع ذهنك ف الذهاب وراء اليالت الخيفة والفكار السيئة ‪.‬‬
‫‪ -‬ل تغضب ‪ ،‬واصب واكظم واحلم وسامح ؛ فالعمر قصي ‪.‬‬
‫‪ -‬ل تتوقع زوال النعم وحلول النقم ‪ ،‬بل على ال توكل ‪.‬‬
‫‪ -‬أعطِ الشكلة حجمها الطبيعي ول تضخم الوادث ‪.‬‬
‫‪ -‬تلص من عقدة الؤامرة وانتظار الكاره ‪.‬‬
‫‪ -‬بسّط الياة واهجر الترف ‪ ،‬ففضول العيش شغل ‪ ،‬ورفاهية السم عذاب للروح ‪.‬‬
‫‪ -‬قارن بي النعم الت عندك والصائب الت حلت بك لتجد الرباح أعظم من السائر ‪.‬‬
‫‪ -‬القوال السيئة الت قيلت فيك لن تضرك ‪ ،‬بل تضر صاحبها فل تفكر فيها ‪.‬‬
‫‪ -‬صحح تفكيك ‪ ،‬ففكر ف النعم والنجاح والفضيلة ‪.‬‬
‫‪ -‬ل تنتظر شكرا من أحد ‪ ،‬فليس لك على أحد حق ‪ ،‬وافعل الحسان لوجه ال فحسب ‪.‬‬
‫‪ -‬حدد مشروعا نافعا لك ‪ ،‬وفكر فيه وتشاغل به لتنسى هومك ‪.‬‬
‫‪ -‬احسم عملك ف الال ول تؤخر عمل اليوم إل غد ‪.‬‬
‫‪ -‬تعلم العمل النافع الذي يناسبك ‪ ،‬واعمل العمل الفيد الذي ترتاح إليه ‪.‬‬
‫‪ -‬فكر ف نعم ال عليك ‪ ،‬وتدث با واشكر ال عليها ‪.‬‬
‫‪ -‬اقنع با آتاك ال من صحة ومال وأهل وعمل ‪.‬‬
‫‪ -‬تعامل مع القريب والبعيد برؤية الحاسن وغض الطرف عن العائب ‪.‬‬
‫‪ -‬تغافل عن الزلت والشائعات وتتبع السقطات وأخبار الناس ‪.‬‬
‫‪ -‬عليك بالشي والرياضة والهتمام بصحتك ؛ فالعقل السليم ف السم السليم ‪.‬‬
‫‪ -‬ادع ال دائما بالعفو والعافية وصال الال والسلمة ‪.‬‬
‫*****************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪9‬‬
‫فكر واشكر‬
‫العن ‪ :‬أن تذكر نِعم الِ عليك فإذا هي ت ْغمُرُك م ْن فوقِك ومن تتِ قدميْك ﴿ وَإِن‬
‫َت ُعدّواْ ِن ْع َمةَ ال ّلهِ لَ ُتحْصُوهَا ﴾ ِ‬
‫صحّ ٌة ف بدنٍ ‪ ،‬أمنٌ ف وطن ‪ ،‬غذاءٌ وكساءٌ ‪ ،‬وهواءٌ وماءٌ ‪،‬‬
‫لديك الدنيا وأنت ما تشعرُ ‪ ،‬تلكُ الياةً وأنت ل تعلمُ ﴿ وَأَسْبَ َغ عَلَيْ ُكمْ ِن َع َمهُ ظَا ِهرَةً‬
‫وَبَاطَِنةً﴾ عندك عينان ‪ ،‬ولسانٌ وشفتانِ ‪ ،‬ويدانِ ورجلنِ ﴿ فَِبأَيّ آلَاء رَبّ ُكمَا تُ َكذّبَانِ ﴾‬
‫هلْ هي مسألةٌ سهلةٌ أنْ تشي على قدميْك ‪ ،‬وقد بُتِرتْ أقدامٌ؟! وأ ْن تعتمِد على ساقيْك ‪،‬‬
‫وقد قُطِعتْ سوقٌ؟! أحقيقٌ أن تنام ملء عينيك وقدْ أطار اللُ نوم الكثيِ؟! وأنْ تل معدتك‬
‫من الطعامِ الشهيّ وأن تكرع من الا ِء الباردِ وهناك من عُكّر عليه الطعامُ ‪ ،‬ونُغّص عليه‬
‫الشّرابُ بأمراضٍ وأسْقامٍ ؟! تفكّر ف سْعِك وقدْ عُوفيت من الصّمم ‪ ،‬وتأملْ ف نظرِك وقدْ‬
‫سلمت من العمى ‪ ،‬وانظر إل جِ ْلدِك وقد نوْت من البصِ والُذامِ ‪ ،‬والحْ عقلك وقدْ أنعم‬
‫عليك بضورهِ ول تُفجعْ بالنونِ والذهولِ ‪.‬‬
‫أتريدُ ف بصرِك وحدهُ كجبلِ أُ ُحدٍ ذهبا ؟! أتبّ بيع سعِك وزن ثهلن فضةّ ؟! هل‬
‫تشتري قصور الزهراءِ بلسانِك فتكون أبكم؟! هلْ تقايضُ بيديك مقابل عقودِ اللؤلؤ والياقوتِ‬
‫لتكون أقطع؟! إنك ف نِعمٍ عميمةٍ وأفضالٍ جسيمةٍ ‪ ،‬ولكنك ل تدريْ ‪ ،‬تعيشُ مهموما‬
‫مغموما حزينا كئيبا ‪ ،‬وعندك البزُ الدافئُ ‪ ،‬والا ُء الباردُ ‪ ،‬والنومُ الانئُ ‪ ،‬والعافي ُة الوارفةُ ‪،‬‬
‫تتفكرُ ف الفقودِ ول تشكرُ الوجود‪ ،‬تنعجُ من خسارةٍ ماليّةٍ وعندك مفتاحُ السعادة‪ ،‬وقناطيُ‬
‫صرُونَ ﴾‬
‫مقنطرةٌ من اليِ والواهبِ والنعمِ والشياءِ ‪ ،‬فكّرْ واشكرْ ﴿ وَفِي أَنفُسِ ُكمْ أَفَلَا تُ ْب ِ‬
‫فكّرْ ف نفسك ‪ ،‬وأهلِك ‪ ،‬وبيتك ‪ ،‬وعملِك ‪ ،‬وعافيتِك ‪ ،‬وأصدقائِك ‪ ،‬والدنيا من حولِك ﴿‬
‫َي ْعرِفُونَ ِن ْعمَتَ ال ّلهِ ُثمّ يُن ِكرُوَنهَا ﴾ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪10‬‬
‫ما مضى فات‬
‫تذكّرُ الاضي والتفاعلُ معه واستحضارُه ‪ ،‬والزنُ لآسيه حقٌ وجنونٌ ‪ ،‬وقتلٌ للرادةِ‬
‫وتبديدٌ للحياةِ الاضرةِ‪ .‬إن ملفّ الاضي عند العقلء يُ ْطوَى ول يُرْوى ‪ ،‬يُ ْغلَقُ عليه أبدا ف‬
‫زنزانةِ النسيانِ ‪ ،‬يُقّيدُ ببا ٍل قوّيةٍ ف سجنِ الهالِ فل يرجُ أبدا ‪ ،‬وُي ْوصَدُ عليه فل يرى النورَ‬
‫؛ لنه مضى وانتهى ‪ ،‬ل الز ُن يعيدُهَ ‪ ،‬ول المّ يصلحهُ ‪ ،‬ول الغ ّم يصحّحُهُ ‪ ،‬ل الكدرُ‬
‫يييهِ ‪ ،‬لنُه عدمٌ ‪ ،‬ل تعشْ ف كابوس الاضي وتت مظلةِ الفائتِ ‪ ،‬أنقذْ نفسك من شبحِ‬
‫الاضي ‪ ،‬أتريدُ أن ترُدّ النهر إل َمصِبّهِ ‪ ،‬والشمس إل مطلعِها ‪ ،‬والطفل إل بطن أمّهِ ‪ ،‬واللب‬
‫إل الثدي ‪ ،‬والدمعة إل العيِ ‪ ،‬إنّ تفاعلك مع الاضي ‪ ،‬وقلقك منهُ واحتراقك بنارهِ ‪،‬‬
‫ي رهيبٌ ميفٌ مفزعٌ ‪.‬‬ ‫وانطراحك على أعتابهِ وضعٌ مأساو ّ‬
‫القراءةُ ف دفتر الاضي ضياعٌ للحاضرِ ‪ ،‬وتزي ٌق للجهدِ ‪ ،‬ونسْفٌ للساعةِ الراهنةِ ‪ ،‬ذكر‬
‫الُ المم وما فعلتْ ث قال ‪ِ ﴿ :‬تلْكَ ُأ ّمةٌ َقدْ خَلَتْ ﴾ انتهى المرُ وُقضِي ‪ ،‬ول طائل من‬
‫تشريحِ جثة الزمانِ ‪ ،‬وإعادةِ عجلةِ التاريخ‪.‬‬
‫إن الذي يعودُ للماضي ‪ ،‬كالذي يطحنُ الطحي وهو مطحونٌ أصلً ‪ ،‬وكالذي ينشرُ‬
‫نشارةُ الشبِ ‪ .‬وقديا قالوا لن يبكي على الاضي ‪ :‬ل ترج الموات من قبورهم ‪ ،‬وقد‬
‫ذكر من يتحدثُ على ألسن ِة البهائمِ أن ْم قالوا للحمارِ ‪ :‬لَ ل تترّ؟ قال ‪ :‬أكر ُه الكذِب‪.‬‬
‫إن بلءنا أننا نعْجزُ عن حاضِرنا ونشتغلُ باضينا ‪ ،‬نملُ قصورنا الميلة ‪ ،‬ونندبُ‬
‫الطلل البالية ‪ ،‬ولئنِ اجتمعتِ النسُ والنّ على إعادةِ ما مضى لا استطاعوا ؛ لن هذا هو‬
‫الحالُ بعينه ‪.‬‬
‫إن الناس ل ينظرون إل الوراءِ ول يلتفتون إل اللفِ ؛ لنّ الرّيح تتجهُ إل المامِ‬
‫والاءُ ينحدرُ إل المامِ ‪ ،‬والقافل ُة تسيُ إل المامِ ‪ ،‬فل تالفْ سُنّة الياة ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪11‬‬
‫يومك يومكَ‬
‫إذا أصبحتَ فل تنتظر الساءُ ‪ ،‬اليوم فحسْبُ ستعيشُ ‪ ،‬فل أمسُ الذي ذهب بيِهِ‬
‫ك شسُه ‪ ،‬وأدركك نارُهُ هو‬ ‫وشرِهِ ‪ ،‬ول الغدُ الذي ل يأتِ إل الن ‪ .‬اليومُ الذي أظلّتْ َ‬
‫سبُ ‪ ،‬عمرُك يو ٌم واحدٌ ‪ ،‬فاجعلْ ف خلدِك العيش لذا اليومِ وكأنك ولدت فيهِ‬ ‫يومُك فح ْ‬
‫وتوتُ فيهِ ‪ ،‬حينها ل تتعثرُ حياتُك بي هاجسِ الاضي وهّ ِه وغمّهِ ‪ ،‬وبي توقعِ الستقبلِ‬
‫وشبحِهِ الخيفِ وزحفِهِ الرعبِ ‪ ،‬لليو ِم فقطْ اصرفْ تركيزك واهتمامك وإبداعك وكدّك‬
‫وجدّك ‪ ،‬فلهذا اليومِ لبد أن تقدم صلةً خاشعةً وتلوةً بتدبرٍ واطلعا بتأملٍ ‪ ،‬و ِذكْرا بضورٍ‬
‫‪ ،‬واتزانا ف المور ‪ ،‬و ُحسْنا ف خلقِ ‪ ،‬ورضا بالقسومِ ‪ ،‬واهتماما بالظهرِ ‪ ،‬واعتناءً‬
‫بالسمِ ‪ ،‬ونفعا للخرين ‪.‬‬
‫لليوم هذا الذي أنت فيه فتقُسّم ساعاتِه وتعل من دقائقه سنواتٍ ‪ ،‬ومن ثوانيهِ‬
‫شهورا ‪ ،‬تزرعُ فيه اليْر ‪ ،‬تُسدي فيه الميل ‪ ،‬تستغفرُ فيه من الذنب ‪ ،‬تذكرُ فيه الربّ ‪،‬‬
‫تتهيأ للرحيلِ ‪ ،‬تعيشُ هذا اليوم فرحا وسرورا ‪ ،‬وأمنا وسكينةً ‪ ،‬ترضى فيه برزقِك ‪،‬‬
‫خذْ مَا آتَيُْتكَ َوكُن ّمنَ‬
‫بزوجتِك‪ ،‬بأطفالِك بوظيفتك ‪ ،‬ببيتِك ‪ ،‬بعلمِك ‪ُ ،‬بسْتواك ﴿ َف ُ‬
‫الشّا ِكرِينَ ﴾ تعيشُ هذا اليوم بل حُزْنٍ ول انزعاجٍ ‪ ،‬ول سخ ٍ‬
‫ط ول حقدٍ ‪ ،‬ول حسدٍ ‪.‬‬
‫إن عليك أن تكتب على لوحِ قلبك عبارةً واحدة تعلُها أيضا على مكتبك تقول‬
‫العبارة ‪( :‬يومك يومُك)‪ .‬إذا أكلت خبزا حارّا شهيّا هذا اليوم فهل يضُرّك خبزُ المسِ‬
‫الافّ الرديء ‪ ،‬أو خبزُ غدٍ الغائبِ النتظرِ ‪.‬‬
‫إذا شربت ماءً عذبا زللً هذا اليوْم ‪ ،‬فلماذا تزنُ من ماءِ أمس اللحِ الجاجِ ‪ ،‬أو تتمّ‬
‫لاءِ غدٍ السنِ الارّ‪.‬‬
‫إنك لو صدقت مع نفسِك بإرادةٍ فولذي ٍة صارمةٍ عارمةٍ لخضعتها لنظرية‪( :‬لن أعيش‬
‫إل هذا اليوْم )‪ .‬حينها تستغلّ كلّ لظة ف هذا اليوم ف بناءِ كيانِك وتنميةِ مواهبك ‪،‬‬
‫وتزكيةِ عملكُ ‪ ،‬فتقول ‪ :‬لليوم فقطْ أُهذّبُ ألفاظي فل أنطقُ هُجرا أو ُفحْشا ‪ ،‬أو سبّا ‪ ،‬أو‬
‫ل تحزن‬
‫‪12‬‬
‫غيبةً ‪ ،‬لليوم فقطْ سوف أرتبُ بيت ومكتبت ‪ ،‬فل ارتباكٌ ول بعثرةٌ ‪ ،‬وإنا نظامٌ ورتابةٌ‪ .‬لليوم‬
‫فقط سوف أعيشُ فأعتن بنظافةِ جسمي ‪ ،‬وتسي مظهري والهتمامِ بندامي ‪ ،‬والتزانِ ف‬
‫مشيت وكلمي وحركات‪.‬‬
‫لليوم فقطْ سأعيشُ فأجتهدُ ف طاع ِة ربّي ‪ ،‬وتأديةِ صلت على أكملِ وجهِ ‪ ،‬والتزودِ‬
‫بالنوافلِ ‪ ،‬وتعاه ِد مصحفي ‪ ،‬والنظرِ ف كتب ‪ ،‬وحفظِ فائدةٍ ‪ ،‬ومطالعةِ كتابٍ نافعٍ ‪.‬‬
‫س ف قلب الفضيلةً وأجتثّ منه شجرة الش ّر بغصونِها الشائكةِ‬ ‫لليومِ فقطْ سأعيشُ فأغر ُ‬
‫من كِبْرٍ وعُجبٍ ورياءٍ وحسدٍ وحقدٍ وغِلّ وسوءِ ظنّ ‪.‬‬
‫ش فأنفعُ الخرين ‪ ،‬وأسدي الميلَ إل الغي ‪ ،‬أعودُ مريضا ‪،‬‬ ‫لليوم فقط سوف أعي ُ‬
‫أشّيعُ جنازةً ‪ ،‬أدُلّ حيان ‪ ،‬أُطعمُ جائعا ‪ ،‬أف ّرجُ عن مكروبٍ ‪ ،‬أقفٌ مع مظلومٍ ‪ ،‬أشفعُ‬
‫لضعيفٍ ‪ ،‬أواسي منكوبا‪ ،‬أكرمُ عالا ‪ ،‬أرحمُ صغيا ‪ ،‬أ ِجلّ كبيا ‪.‬‬
‫لليوم فقط سأعيشُ ؛ فيا ماضٍ ذهب وانتهى اغربْ كشمِسك ‪ ،‬فلن أبكي عليك ولن‬
‫تران أقفُ لتذكرك لظة ؛ لنك تركتنا وهجرتنا وارتلْت عنّا ولن تعود إلينا أبد البدين ‪.‬‬
‫ويا مستقبلُ أنْت ف عا ِل الغيبِ فلنْ أتعامل مع الحلمِ ‪ ،‬ولن أبيع نفسي مع الوهام‬
‫ولن أتعجّلَ ميلد مفقودٍ ‪ ،‬لنّ غدا ل شيء ؛ لنه ل يلق ولنه ل يكن مذكورا‪.‬‬
‫يومك يومُك أيها النسانُ أروعُ كلمةٍ ف قاموسِ السعادةِ لن أراد الياة ف أبى‬
‫صورِها وأجلِ ُحلِلها‪.‬‬
‫****************************************‬
‫اتر ِك الستقبلَ حت يأتَ‬
‫﴿ أَتَى َأ ْمرُ ال ّلهِ َفلَ َتسَْت ْعجِلُوهُ ﴾ ل تستبقِ الحداث ‪ ،‬أتريدُ إجهاض الم ِل قبْل‬
‫تامِهِ؟! وقطف الثمرةِ قبل النضج ؟! إنّ غدا مفقودٌ ل حقيقة لهُ ‪ ،‬ليس له وجودٌ ‪ ،‬ول طعمٌ ‪،‬‬
‫ول لونٌ ‪ ،‬فلماذا نشغلُ أنفسنا بهِ ‪ ،‬ونتوجّسُ من مصائِبِهِ ‪ ،‬ونتمّ لوادثهِ ‪ ،‬نتوقعُ كوارثهُ ‪،‬‬
‫ول ندري هلْ يُحالُ بيننا وبينهُ ‪ ،‬أو نلقاهُ ‪ ،‬فإذا هو سرورٌ وحبورٌ ؟! الهمّ أنه ف عا ِل الغيبِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪13‬‬
‫ل يصلْ إل الرضِ ب ْعدَ ‪ ،‬إن علينا أنْ ل نعب جسرا حت نأتيه ‪ ،‬ومن يدري؟ لعلّنا نقِف قبل‬
‫وصولِ السرِ ‪ ،‬أو لعلّ الس َر ينها ُر قبْل وصولِنا ‪ ،‬وربّما وصلنا السر ومررنا عليه بسلمٍ‪.‬‬
‫ب الغيبِ ث الكتواءِ‬
‫إن إعطاء الذهنِ مساحةً أوسع للتفكيِ ف الستقبلِ وفتحِ كتا ِ‬
‫بالزعجاتِ التوقعةِ مقوتٌ شرعا ؛ لنه طولُ أملٍ ‪ ،‬وهو مذمومٌ عقلً ؛ لنه مصارعةُ للظلّ‪.‬‬
‫إن كثيا من هذا العال يتوقُع ف مُستقبلهِ الوعَ العري والرضَ والفقرَ والصائبَ ‪ ،‬وهذا كلّه‬
‫من مُقرراتِ مدارسِ الشيطانِ ﴿ الشّيْطَانُ َي ِعدُ ُكمُ اْل َفقْرَ وََي ْأ ُمرُكُم بِاْل َفحْشَاء وَال ّلهُ َي ِعدُكُم‬
‫ضلً ﴾ ‪.‬‬
‫ّمغْ ِفرَةً مّ ْنهُ وَ َف ْ‬
‫كثيٌ همْ الذين يبكون ؛ لنم سوف يوعون غدا‪ ،‬وسوف يرضون بعد سنةٍ‪ ،‬وسوف‬
‫ينتهي العالُ بعد مائةِ عام‪ .‬إ ّن الذي عمرُه ف يد غيه ل ينبغي لهُ أن يراهن على العدمٍ ‪،‬‬
‫ت ل يوزُ لهُ الشتغالُ بشيءٍ مفقودٍ ل حقيقة له‪.‬‬ ‫والذي ل يدرِي مت يو ُ‬
‫اترك غدا حت يأتيك ‪ ،‬ل تسأل عن أخبارِه ‪ ،‬ل تنتظر زحوفه ‪ ،‬لنك مشغولٌ باليوم‪.‬‬
‫وإن تعجبْ فعجبٌ هؤلء يقترضون المّ نقدا ليقضوه نسيئةً ف يومٍ ل تُشرق شسُه ول‬
‫ير النور ‪ ،‬فحذار من طولِ الملِ ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫كيف تواجه النقد الث ؟‬
‫الرّقعاءُ السّخفاءُ سبّوا الالق الرّازق جلّ ف عله ‪ ،‬وشتموا الواحد الحد ل إله إل هو‬
‫‪ ،‬فماذا أتوقعُ أنا وأنت وننُ أهل اليف والطأ ‪ ،‬إنك سوف تواجهُ ف حياتِك حرْبا!‬
‫ضرُوساُ ل هوادة فيها من النّقدِ الثِ الرّ ‪ ،‬ومن التحطيم الدروسِ القصودِ ‪ ،‬ومن الهانةِ‬
‫التعمّدةِ مادام أنك تُعطي وتبن وتؤثرُ وتسطعُ وتلمعُ ‪ ،‬ولن يسكت هؤلءِ عنك حت تتخذ‬
‫نفقا ف الرضِ أو سلما ف السماءِ فتفرّ منهم ‪ ،‬أما وأنت بي أظهرِ ِهمْ فانتظ ْر منهمْ ما‬
‫يسوؤك ويُبكي عينك ‪ ،‬ويُدمي مقلتك ‪ ،‬ويقضّ مضجعك‪.‬‬
‫إن الالس على الرضِ ل يسقطُ ‪ ،‬والناسُ ل يرفسون كلبا ميتا ‪ ،‬لكنهم يغضبون‬
‫عليك لنك فُقْتَهمْ صلحا ‪ ،‬أو علما ‪ ،‬أو أدبا ‪ ،‬أو مالً ‪ ،‬فأنت عندهُم مُذنبٌ ل توبة لك‬
‫ل تحزن‬
‫‪14‬‬
‫ت المدِ ‪ ،‬وتنسلخ من كلّ معان‬ ‫حت تترك مواهبك ونِ َعمَ الِ عليك ‪ ،‬وتنخلع من كلّ صفا ِ‬
‫النبلِ ‪ ،‬وتبقى بليدا ! غبيّا ‪ ،‬صفرا مطّما ‪ ،‬مكدودا ‪ ،‬هذا ما يريدونهُ بالضبطِ ‪ .‬إذا فاصمد‬
‫لكلمِ هؤلءِ ونقده ْم وتشوي ِه ِهمْ وتقيِهمْ (( أثبتْ أُ ُحدٌ )) وكنْ كالصخرةِ الصامتةِ الهيبةِ‬
‫تتكسرُ عليها حبّاتُ البدِ لتثبت وجودها وقُدرتا على البقاءِ ‪ .‬إنك إنْ أصغيت لكلمِ هؤلءِ‬
‫وتفاعلت به حققت أمنيتهُم الغالية ف تعكيِ حياتِك وتكديرِ عمرك ‪ ،‬أل فاصفح الصّفْح‬
‫الميل ‪ ،‬أل فأعرضْ عنهمْ ول تكُ ف ضيقٍ ما يكرون‪ .‬إن نقدهمُ السخيف ترجةٌ مترمةٌ‬
‫لك ‪ ،‬وبقدرِ وزنِك يكُون النق ُد الثُ الفتعلُ ‪.‬‬
‫إنك لنْ تستطيع أن تغلق أفواه هؤلءِ ‪ ،‬ولنْ تستطيع أن تعتقل ألسنتهم لكنك تستطيعُ‬
‫أن تدفن نقدهُم وتنّيهم بتجافيك لم ‪ ،‬وإهالك لشأنمْ ‪ ،‬واطّراحك لقوالِمِ!‪ ﴿ .‬قُلْ مُوتُواْ‬
‫ِبغَيْظِ ُكمْ ﴾ بل تستطيعُ أ ْن تصبّ ف أفوا ِههِمُ الرْ َدلَ بزيادةِ فضائلك وتربيةِ ماسنِك وتقوي‬
‫اعوجاجِك ‪ .‬إنْ كنت تُريد أن تكون مقبولً عند الميع ‪ ،‬مبوبا لدى الكلّ ‪ ،‬سليما من‬
‫العيوبِ عند العالِ ‪ ،‬فقدْ طلبت مستحيلً وأمّلت أملً بعيدا ‪.‬‬
‫************************************************‬
‫ل تنتظرْ شكرا من أحدٍ‬
‫خلق الُ العباد ليذكرو ُه ورزق الُ الليقة ليشكروهُ ‪ ،‬فعبد الكثيُ غيه ‪ ،‬وشك َر الغالبُ‬
‫سواه ‪ ،‬لنّ طبيعة الحو ِد والنكرانِ والفا ِء وكُفْرانِ النّعم غالبةٌ على النفوس ‪ ،‬فل ُتصْدمْ إذا‬
‫وجدت هؤل ِء قد كفروا جيلك ‪ ،‬وأحرقوا إحسانك ‪ ،‬ونسوا معروفك ‪ ،‬بل ربا ناصبوك‬
‫العِداءَ ‪ ،‬ورموك بنجنيق القدِ الدفي ‪ ،‬ل لشيءٍ إل لنك أحسنت إليهمْ ﴿ َومَا َن َقمُواْ إِلّ أَنْ‬
‫َأغْنَا ُهمُ ال ّلهُ وَرَسُوُلهُ مِن َفضْ ِلهِ ﴾ وطالعْ سجلّ العالِ الشهود ‪ ،‬فإذا ف فصولِهِ قصةُ أبٍ ربّى‬
‫ابن ُه وغذّاهُ وكساهُ وأطعمهُ وسقاهُ ‪ ،‬وأدّبهُ ‪ ،‬وعلّمهُ ‪ ،‬سهر لينام ‪ ،‬وجاع ليشبع ‪ ،‬وتعِب‬
‫ليتاح ‪ ،‬فلمّا طرّ شاربُ هذا البن وقوي ساعده ‪ ،‬أصبح لوالدهِ كالكلبِ العقورِ ‪ ،‬استخفافا‬
‫‪ ،‬ازدراءً ‪ ،‬مقتا ‪ ،‬عقوقا صارخا ‪ ،‬عذابا وبيلً ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪15‬‬
‫أل فليهدأ الذين احترقت أوراقُ جيلِهمْ عند منكوسي الفِطرِ ‪ ،‬ومطّمي الراداتِ ‪،‬‬
‫وليهنؤوا بعوضِ الثوبةِ عند من ل تنفدُ خزائنُه ‪.‬‬
‫إن هذا الطاب الارّ ل يدعوك لتركِ الميلِ ‪ ،‬وعدمِ الحسانِ للغي ‪ ،‬وإنا يوطّنُك‬
‫على انتظار الحودِ ‪ ،‬والتنكرِ لذا الميلِ والحسانِ ‪ ،‬فل تبتئس با كانوا يصنعون‪.‬‬
‫اعمل الي لِو ْج ِه الِ ؛ لنك الفائزُ على كل حالٍ ‪ ،‬ثّ ل يضرك غ ْمطُ من غمطك ‪،‬‬
‫ول جحودُ من جحدك ‪ ،‬واح ِد ال لنك الحسنُ ‪ ،‬واليدُ العليا خيٌ من اليدِ السفلى ﴿ إِّنمَا‬
‫نُ ْط ِعمُكُمْ لِوَ ْجهِ ال ّلهِ لَا ُنرِيدُ مِن ُكمْ َجزَاء وَلَا شُكُورا ﴾ ‪.‬‬
‫وقد ذُهِل كثيٌ من العقلءِ من جبلّةِ الحودِ عند الغوْغاءِ ‪ ،‬وكأنمْ ما سعوا الوحي‬
‫سهُ َكذَلِكَ زُّينَ‬
‫ضرّ ّم ّ‬
‫الليل وهو ينعي على الصنف عتوّه وتردهُ ﴿ َمرّ كَأَن ّلمْ َيدْعُنَا إِلَى ُ‬
‫لِ ْل ُمسْرِ ِفيَ مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ ﴾ ل تُفاجأ إذا أهديت بليدا قلما فكتب به هجاءك ‪ ،‬أو منحت‬
‫جافيا عصا يتوكأ عليها ويهشّ با على غنمهِ ‪ ،‬فشجّ با رأسك ‪ ،‬هذا هو الصلُ عند هذهِ‬
‫البشريةِ الحنّطةِ ف كفنِ الحودِ مع باريها جلّ ف عله ‪ ،‬فكيف با معي ومعك ؟! ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫الحسانُ إل الخرين انشراحٌ للصدر‬
‫المي ُل كاسِهِ ‪ ،‬والعروفُ كرسِهِ ‪ ،‬واليُ كطعمِهِ‪ .‬أولُ الستفيدين من إسعادِ النّاسِ‬
‫همُ التفضّلون بذا السعادِ ‪ ،‬ينون ثرتهُ عاجلً ف نفوسهِمْ ‪ ،‬وأخلقِهم ‪ ،‬وضمائِرِهِم ‪،‬‬
‫فيجدون النشراح والنبساط ‪ ،‬والدوء والسكينة‪.‬‬
‫ل تدِ‬ ‫فإذا طاف بك طائفٌ من همّ أو ألّ بك غمّ فامنحْ غيك معروفا وأسدِ لهُ جي ً‬
‫الفرج والرّاحة‪ .‬أعطِ مروما ‪ ،‬انصر مظلوما ‪ ،‬أن ِقذْ مكروبا ‪ ،‬أطعمْ جائعا ‪ِ ،‬عدْ مريضا ‪،‬‬
‫أعنْ منكوبا ‪ ،‬تدِ السعادة تغمرُك من بي يديْك ومنْ خلفِك‪.‬‬
‫إنّ فعلَ اليِ كالطيب ينفعُ حاملهُ وبائعه ومشتريهُ ‪ ،‬وعوائدُ اليِ النفسيّة عقاقيُ‬
‫ف ف صيدليةِ الذي ُعمِرتْ قلوبُهم بالبّر والحسان ‪.‬‬
‫مباركةٌ تصر ُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪16‬‬
‫ق صدقةٌ جاريةٌ ف عالِ القيمِ (( ولو أن‬
‫إن توزيع البسماتِ الشرقةِ على فقراءِ الخل ِ‬
‫تلقى أخاك بوجهِ ط ْلقِ )) وإن عبوس الوجهِ إعلنُ حربٍ ضروسٍ على الخرين ل يعلمُ‬
‫قيامها إل علّمٌ الغيوبِ ‪.‬‬
‫شربةُ ماءِ من كفّ بغي لكلب عقورٍ أثرتْ دخول جنة عرضُها السمواتُ والرضُ ؛‬
‫ب غفورٌ شكورٌ جيلٌ ‪ ،‬يبّ الميل ‪ ،‬غنٌ حيدٌ ‪.‬‬ ‫لنّ صاحب الثوا ِ‬
‫س الشقاءِ والفزع والوفِ هلموا إل بستانِ العروفِ وتشاغلوا‬
‫يا منْ تُهدّد ُهمْ كوابي ُ‬
‫بالخرين‪ ،‬عطا ًء وضيافةً ومواساةً وإعانةً وخدم ًة وستجدون السعادة طعما ولونا وذوقا ﴿ َومَا‬
‫جزَى{‪ }19‬إِلّا ابِْتغَاء وَ ْجهِ رَّبهِ اْلَأعْلَى{‪ }20‬وََلسَوْفَ َيرْضَى ﴾ ‪.‬‬
‫لِأَ َح ٍد عِندَهُ مِن ّن ْع َمةٍ ُت ْ‬
‫*****************************************‬
‫اطردِ الفراغ بالعملِ‬
‫ف والشائعات لنّ أذهانم موزّعةٌ ﴿ رَضُواْ بِأَن‬
‫الفارغون ف الياةِ هم أه ُل الراجي ِ‬
‫يَكُونُواْ مَعَ اْلخَوَالِفِ ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ أخطر حالت الذهنِ يوم يفرغُ صاحبُه من العملِ ‪ ،‬فيبقى كالسيارةِ السرعةِ ف‬
‫اندارِ بل سائقٍ تنحُ ذات اليمي وذات الشمالِ ‪.‬‬
‫يوم تدُ ف حياتك فراغا فتهيّأ حينها للهمّ والغ ّم والفزعِ ‪ ،‬لن هذا الفراغ يسحبُ لك‬
‫كلّ ملفّاتِ الاضي والاضرِ والستقبلِ من أدراج الياةِ فيجعلك ف أمرٍ مريجٍ ‪ ،‬ونصيحت لك‬
‫ولنفسي أن تقوم بأعمالٍ مثمرةٍ بدلً من هذا السترخاءِ القاتلِ لنهُ وأدٌ خفيّ ‪ ،‬وانتحارٌ‬
‫بكبسولٍ مسكّنٍ ‪.‬‬
‫إن الفراغً أشبهُ بالتعذيب البطيءِ الذي يارسُ ف سجونِ الصيِ بوضعِ السجيِ تت‬
‫ب السجيُ بالنونِ ‪.‬‬ ‫أنبوبٍ يقطُرُ كلّ دقيقةٍ قطرةً ‪ ،‬وف فتراتِ انتظارِ هذه القطراتِ يُصا ُ‬
‫الراحةُ غفلةٌ ‪ ،‬والفراغُ لِصّ مترِفٌ ‪ ،‬وعقلك هو فريسةٌ مزّقةٌ لذه الروبِ الوهيّة ‪.‬‬
‫إذا قم الن صلّ أو اقرأ ‪ ،‬أو سبّحْ ‪ ،‬أو طالعْ ‪ ،‬أو اكتبْ ‪ ،‬أو رتّب مكتبك ‪ ،‬أو أصلح‬
‫بيتك ‪ ،‬أو انفعْ غيك حت تقضي على الفراغِ ‪ ،‬وإن لك من الناصحيْ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪17‬‬
‫اذب ْح الفراغ بسكيِ العملِ ‪ ،‬ويضمن لك أطباءُ العال ‪ %50‬من السعادة مقابل هذا‬
‫الجراءِ الطارئِ فحسب ‪ ،‬انظر إل الفلحي والبازين والبنائي يغردون بالناشيد كالعصافيِ‬
‫ف سعادةٍ وراحةٍ وأنت على فراشك تسحُ دموعك وتضطرُب لنك ملدوغٌ ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫ل تكن إمعة‬
‫ل تتقمص شخصية غيك ول تذُب ف الخرين‪ .‬إن هذا هو العذاب الدائم ‪ ،‬وكثيٌ هم‬
‫الذين ينسون أنفسهم وأصواتِهم وحركاتِهم ‪ ،‬وكلمَهم ‪ ،‬ومواهبهم ‪ ،‬وظروفهم ‪ ،‬لينصْهرُوا‬
‫ف والصّلفُ ‪ ،‬والحتراقُ ‪ ،‬والعدامُ للكيان وللذّات‪.‬‬ ‫ف شخصيّات الخرين ‪ ،‬فإذا التكلّ ُ‬
‫من آدم إل آخر الليقة ل يتفق اثنانِ ف صورةٍ واحدةٍ ‪ ،‬فلماذا يتفقون ف الواهبِ‬
‫والخلق ‪.‬‬
‫أنت شيءٌ آخرُ ل يسبق لك ف التاريخِ مثيلٌ ولن يأت مثُلك ف الدنيا شبيه ‪.‬‬
‫أنت متلف تاما عن زيد وعمرو فل تشرْ نفسك ف سرداب التقليد والحاكاة‬
‫والذوبان ‪.‬‬
‫شرَبَ ُهمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَلِكُلّ وِ ْج َهةٌ هُوَ‬
‫انطلق على هيئتك وسجيّتك ﴿ َق ْد عَ ِلمَ كُلّ أُنَاسٍ ّم ْ‬
‫مُوَلّيهَا فَاسْتَِبقُواْ اْلخَ ْيرَاتِ ﴾ ع ْ‬
‫ش كما خلقت ل تغي صوتك ‪ ،‬ل تبدل نبتك ‪ ،‬ل تالف‬
‫مشيتك ‪ ،‬هذب نفسك بالوحي ‪ ،‬ولكن ل تلغِ وجودك وتقتل استقللك‪.‬‬
‫أنت لك طعم خاص ولون خاص ونريدك أنت بلونك هذا وطعمك هذا ؛ لنك‬
‫خلقت هكذا وعرفناك هكذا ((ل يكن أحدكم إمّعة)) ‪.‬‬
‫إنّ الناس ف طبائعهمْ أشبهُ بعالِ الشجارِ ‪ :‬حلوٌ وحامضٌ ‪ ،‬وطويلٌ وقصيٌ ‪ ،‬وهكذا‬
‫فليكونوا‪ .‬فإن كنت كالوزِ فل تتحولْ إل سفرجل ؛ لن جالك وقيمتك أن تكون موزا ‪،‬‬
‫ت الباري فل تحد آياته ‪.‬‬
‫إن اختلف ألوانِنا وألسنتِنا ومواهبِنا وقدراتِنا آيةٌ منْ آيا ِ‬
‫******************************‬
‫قضاء وقدر‬
‫ل تحزن‬
‫‪18‬‬
‫﴿مَا أَصَابَ مِن ّمصِيبَةٍ فِي الَْأ ْرضِ وَلَا فِي أَنفُسِ ُكمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّ ْبرَأَهَا﴾‬
‫ف القلمُ ‪ ،‬رُفعتِ الصحفُ ‪ ،‬قضي المرُ ‪ ،‬كتبت القادير ‪ ﴿ ،‬قُل لّن ُيصِيبَنَا إِلّ مَا كَتَبَ‬
‫‪،‬ج ّ‬
‫‪.‬‬ ‫ال ّلهُ لَنَا ﴾ ‪ ،‬ما أصابك ل يكنْ لِيُخطئِك ‪ ،‬وما أخطأكَ ل يكنْ لِيُصيِبك‬
‫إن هذه العقيدة إذا رسختْ ف نفسك وقرّت ف ضميِك صارتْ البليةُ عطيةً ‪ ،‬وا ِلحْنةُ‬
‫مِنْحةً ‪ ،‬وك ّل الوقائع جوائز وأوسةً ((ومن ُي ِردِ الُ به خيا ُيصِبْ منه)) فل يصيبُك قلقٌ من‬
‫ق بيتٍ ‪ ،‬فإ ّن الباري قد قدّر والقضاءُ قد‬
‫ت قريبٍ ‪ ،‬أو خسارةٍ ماليةٍ ‪ ،‬أو احترا ِ‬
‫مرضٍ أو مو ِ‬
‫حلّ ‪ ،‬والختيارُ هكذا ‪ ،‬واليةُ لِ ‪ ،‬والجرُ حصل ‪ ،‬والذنبُ كُفّر ‪.‬هنيئا لهلِ الصائب‬
‫صبهم ورضاهم عن الخذِ ‪ ،‬العطي ‪ ،‬القابضِ ‪ ،‬الباسط ‪ ﴿ ،‬لَا ُيسْأَ ُل عَمّا َي ْفعَلُ وَ ُهمْ‬
‫ُيسْأَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫س صدْرِك حت تؤمن‬ ‫ولن تدأ أعصابُك وتسكن بلبلُ نفسِك ‪ ،‬وتذْهب وساو ُ‬
‫ق فل تذهبْ نفسُك حسراتٍ ‪ ،‬ل تظنّ أنه كان‬ ‫ف القلمُ با أنت ل ٍ‬
‫بالقضا ِء والقدرِ ‪ ،‬ج ّ‬
‫ف الدار أن ينهار ‪ ،‬وحبْسُ الاءِ أنْ ينْس ِكبُ ‪ ،‬ومَْنعُ الريحِ أن تبّ ‪ ،‬وحفظُ‬‫بوسعِك إيقا ُ‬
‫الزجاج أن ينكسر ‪ ،‬هذا ليس بصحيحٍ على رغمي ورغمك ‪ ،‬وسوف يقعُ القدورُ ‪ ،‬وينْ ُفذُ‬
‫القضاءُ ‪ ،‬ويِلّ الكتوبُ ﴿ َفمَن شَاء فَلْيُ ْؤمِن َومَن شَاء فَلْيَ ْك ُفرْ ﴾ ‪.‬‬
‫سخْط والتذمّر والعويل ‪ ،‬اعترفْ بالقضا ِء قبْل أن‬
‫استسلمْ للقدر قبْل أن تطوّق بيش ال ّ‬
‫يدهك سْي ُل النّدمِ ‪ ،‬إذا فليهدأ بالُك إذا فعلت السباب ‪ ،‬وبذلت الِيل ‪ ،‬ث وقع ما كنت‬
‫تذرُ ‪ ،‬فهذا هو الذي كان ينبغي أن يقع ‪ ،‬ول تقُلْ ((لو أن فعلت كذا لكان كذا وكذا ‪،‬‬
‫ولكن ُقلْ ‪ :‬قدّر الُ وما شاء فعلْ)) ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫سرِ يُسْرا ﴾‬
‫﴿ ِإنّ َمعَ الْعُ ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪19‬‬
‫يا إنسانُ بعد الوع شبعٌ ‪ ،‬وبعْدَ الظّمأ ريّ ‪ ،‬وب ْعدَ السّهرِ نوْمٌ ‪ ،‬وب ْعدَ الرض عافيةٌ ‪،‬‬
‫ك العان ‪ ،‬وينقشعُ الظلمُ ﴿ َف َعسَى ال ّلهُ أَن َيأْتِيَ‬
‫سوف يصلُ الغائبُ ‪ ،‬ويهتدي الضالّ ‪ ،‬ويُف ّ‬
‫بِاْلفَ ْتحِ أَوْ َأ ْمرٍ مّ ْن عِندِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫بشّر الليل بصبح صادق يطاردُهُ على رؤِوسِ البال ‪ ،‬ومسارب الوديةِ ‪ ،‬بشّر الهمومَ‬
‫بِفرجٍ مفاجئ يصِلُ ف سرع ِة الضّوْءِ ‪ ،‬و ُلحِ البصرِ ‪ ،‬بشّرِ النكوب بلطف خفيّ ‪ ،‬وكفٍ حانيةٍ‬
‫وادعةٍ ‪.‬‬
‫إذا رأيت الصحراء تتدّ وتتدّ ‪ ،‬فاعلم أنّ وراءها رياضا خضراء وارفةّ الظّللِ‪.‬‬
‫إذا رأيت الِبْل يشت ّد ويشتدّ ‪ ،‬فاعلمْ أنه سوف يَنْق ُطعِ ‪.‬‬
‫مع الدمعةِ بسمةٌ ‪ ،‬ومع الوفِ أ ْمنٌ ‪ ،‬ومع الفَ َزعِ سكينةٌ ‪.‬‬
‫النارُ ل ترقُ إبراهيم الليلِ ‪ ،‬لنّ الرعايةَ الربانيّة فَتَحتْ نَاِفذَةَ ﴿ َبرْدا وَسَلَاما عَلَى‬
‫إِْبرَاهِيمَ ﴾ ‪.‬‬
‫ت القويّ الصادق نَ َطقَ بـ ﴿ كَلّا إِنّ َمعِيَ‬
‫البحرُ ل يُغْرِقُ كَلِيمَ الرّ ْحمَنِ ‪ ،‬ل ّن الصّوْ َ‬
‫رَبّي سََي ْهدِينِ ﴾ ‪.‬‬
‫العصو ُم ف الغارِ بشّرَ صاحِبهُ بأنه و ْحدَهْ جلّ ف عُلهُ معنا ؛ فنل المْ ُن والفتُح‬
‫والسكينة ‪.‬‬
‫إن عبيد ساعاتِهم الراهنةِ ‪ ،‬وأ ِرقّاءَ ظروِفهِمُ القاتةِ ل ي َروْنَ إلّ النّ َكدَ والضّيقَ والتّعاسةَ ‪،‬‬
‫جبِ‬‫لُ‬‫سبُ‪ .‬أل فلَْي ُمدّوا أبصارَ ُهمْ وراء ا ُ‬ ‫لنم ل ينظرون إلّ إل جدار الغرفةِ وباب الدّا ِر َفحَ ْ‬
‫وليُطْلِقُوا أعنة أفكارِ ِهمْ إل ما وراء السوارِ‪.‬‬
‫إذا فل تضِقْ ذرعا فمن الُحالِ دوامُ الالِ ‪ ،‬وأفضلُ العبادِة انتظارُ الفرجِ ‪ ،‬اليامُ‬
‫دُولٌ ‪ ،‬والده ُر قُّلبٌ ‪ ،‬والليال حُبَال ‪ ،‬والغيبُ مستورٌ ‪ ،‬والكيمُ كلّ يوم هو ف شأنٍ ‪ ،‬ولعلّ‬
‫حدِثُ بعد ذلك أمرا ‪ ،‬وإن مع ال ُعسْرِ ُيسْرا ‪ ،‬إن مع ال ُعسْرِ ُيسْرا ‪.‬‬ ‫ال ُي ْ‬
‫*******************************‬
‫اصنع من الليمون شرابا حلوا‬
‫ل تحزن‬
‫‪20‬‬
‫ب يوّلُ السائر إل أرباحٍ ‪ ،‬والاهلُ الرّعْديِدُ يعلُ الصيبة مصيبتيِ‪‍ ‍.‬‬ ‫الذكيّ الري ُ‬
‫طُرِدَ الرسولُ من مكةَ فأقامَ ف الدينةِ دولةً ملتْ سْع التاريخِ وبصرهُ ‪.‬‬
‫سُجن أحدُ بنُ حَنْبَلَ وجلد ‪ ،‬فصار إمام السنة ‪ ،‬وحُبس ابنُ تيمية فُأخْرِج من حبسهِ‬
‫علما جا ‪ ،‬ووُضع السرخسيّ ف قعْرِ بئْرٍ معطل ٍة فأخرج عشرين ملدا ف الفِقْهِ ‪ ،‬وأقعد ابن‬
‫ب الديثِ ‪ ،‬ونُفي ابنُ الوزي من‬ ‫الثيِ فصنّفَ جامع الصول والنهاية من أشهرِ وأنفعِ كت ِ‬
‫ت السبعِ ‪ ،‬وأصابتْ حى الوتِ مالك بن الريبِ فأرسل للعالي قصيدتهُ‬ ‫بغداد ‪ ،‬فجوّد القراءا ِ‬
‫الرائعة الذائعة الت تعدِلُ دواوين شعراءِ الدولةِ العباسيةِ ‪ ،‬ومات أبناءُ أب ذؤيب الذل فرثاهمْ‬
‫بإلياذة أنْصت لا الدهرُ ‪ ،‬وذُهِل منها المهورُ ‪ ،‬وصفّق لا التاريخُ ‪.‬‬
‫إذا داهتك داهيةٌ فانظرْ ف الانبِ الشرِقِ منها ‪ ،‬وإذا ناولك أحدُهمْ كوب ليمونٍ‬
‫فأضفْ إليهِ حِفْنَةً من سُكّر ‪ ،‬وإذا أهدى لك ثعبانا فخذْ ج ْلدَهُ الثمي واتركْ باقيه ‪ ،‬وإذا‬
‫لدغتْك عقربٌ فاعلم أنه مصلٌ واقٍ ومناعةٌ حصينة ضد ُسمّ الياتِ ‪.‬‬
‫تكيّف ف ظرفكِ القاسي ‪ ،‬لتخرج لنا منهُ زهْرا وورْدا وياسينا ﴿ َوعَسَى أَن تَ ْكرَهُواْ‬
‫شَيْئا َوهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ل ومتشائما فأخرجا رأسيْهما‬ ‫سجنتْ فرنسا قبل ثورتِها العارمةِ شاعرْين ميديْنِ متفائ ً‬
‫من نافذةِ السجنِ ‪ .‬فأما التفائلُ فنظر نظرٌة ف النجومِ فضحك‪ .‬وأما التشائمٌ فنظر إل الطيِ‬
‫ف الشارعِ الجاور فبكى‪ .‬انظرْ إل الوجه الخر للمأساةِ ‪ ،‬لن الشرّ الحْض ليس موجودا ؛‬
‫ب وفَتْحٌ وأجْرٌ ‪.‬‬
‫بل هناك خيٌ ومَكْس ٌ‬
‫*****************************************‬
‫ض َطرّ ِإذَا دَعَاهُ ﴾‬
‫﴿ أَمّن يُجِيبُ الْ ُم ْ‬
‫ب ‪ ،‬وتصمدُ إليه الكائناتُ ‪ ،‬وتسألهُ‬ ‫من الذي يفْزعُ إليه الكروبُ ‪ ،‬ويستغيثُ به النكو ً‬
‫الخلوقاتُ ‪ ،‬وتلهجُ بذكِرِه اللسُنُ وُتؤَّلهُهُ القلوب ؟ إنه الُ ل إله إلّ هو‪.‬‬
‫وحقٌ عليّ وعليك أن ندعوهُ ف الشدةِ والرّخاءِ والسّراءِ والضّراءِ ‪ ،‬ونفزعُ إليه ف‬
‫الُِلمّاتِ ونتوسّلُ إليه ف الكرباتِ وننطرحُ على عتباتِ بابهِ سائلي باكي ضارعي منيبي ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪21‬‬
‫حينها يأت مددُ ْه ويصِلُ عوْنُه ‪ ،‬ويُسْرعٌ فرجُهُ وَيحُلّ فتْحُهُ ﴿ َأمّن ُيجِيبُ اْل ُمضْ َطرّ ِإذَا دَعَاهُ﴾‬
‫فينجي الغريق وير ّد الغائب ويعاف البتلي وينصرُ الظلوم وي ْهدِي الضالّ ويشفي الريض ويف ّرجُ‬
‫صيَ َل ُه الدّينَ ﴾ ‪.‬‬
‫عن الكروبِ ﴿ فَِإذَا رَكِبُوا فِي اْلفُ ْلكِ َدعَوُا ال ّلهَ مُخْ ِل ِ‬
‫ولن أسْرُد عليك هنا أدعية إزاح ِة المِ والغمِ والزنِ والكربِ ‪ ،‬ولكن أُحيلُك إل كُتُبِ‬
‫السّنّةِ لتتعلم شريف الطابِ معه ؛ فتناجيهِ وتناديهِ وتدعوهُ وترجوه‪ ،‬فإن وجدْتهُ وجدْت كلّ‬
‫شيءٍ ‪ ،‬وإن فقدت اليان به فقدت كلّ شيء ‪ ،‬إن دعاءك ربّك عبادةٌ أخرى ‪ ،‬وطاعةٌ‬
‫عظمى ثانيةٌ فوق حصولِ الطلوبِ ‪ ،‬وإن عبدا ييدُ فنّ الدعاءِ حريّ أن ل يهتمّ ول يغتمّ ول‬
‫ب سيعٌ ميبٌ ‪ ،‬ييب‬ ‫يقلق كل البال تتصرّم إلّ حبلُه كلّ البوابِ توصدُ إلّ بابهُ وهو قري ٌ‬
‫الضطرّ إذا دعاه يأمُرُك‪ -‬وأنت الفقيُ الضعيفُ الحتاجُ ‪ ،‬وهو الغنّ القويّ الواحدُ الاجدُ ‪-‬‬
‫بأن تدعوه ﴿ ا ْدعُونِي أَسَْتجِبْ لَ ُكمْ ﴾ إذا نزلتْ بك النوازلُ ‪ ،‬وأَلمَّتْ بك الطو ُ‬
‫ب فالْهجْ‬
‫س اسِهِ ‪،‬‬
‫ف باسِهِ ‪ ،‬واطلبْ مددهُ واسألْه فتْحهُ ونصْرَهُ ‪ ،‬مرّغِ البي لتقدي ِ‬ ‫بذكرِهِ ‪ ،‬واهت ْ‬
‫لتحصل على تاج الريّةِ ‪ ،‬وأرغم النْف ف طي عبوديتِهِ لتحوز وِسام النجاةِ ‪ ،‬م ّد يديْك ‪،‬‬
‫ارفع كفّيْكَ ‪ ،‬أطلقْ لسانك ‪ ،‬أكثرْ من طلبِهِ ‪ ،‬بال ْغ ف سؤالِهِ ‪ ،‬ألّ عليه ‪ ،‬الزمْ بابهُ ‪ ،‬انتظرْ‬
‫لُطْفُه ‪ ،‬ترقبْ فتْحهُ ‪ ،‬أ ْش ُد باسِهِ ‪ ،‬أحسنْ ظنّك فيه ‪ ،‬انقطعْ إليه ‪ ،‬تبتّلْ إليه تبتيلً حت تسعد‬
‫وتُفْلِحَ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫وليسعك بيتك‬
‫العُزْلةُ الشرعيّةُ السنيّةُ ‪ :‬بُعْدُك عن الشرّ وأهلِهِ ‪ ،‬والفارغي َواللهي والفوضويي ‪ ،‬فيجتمعُ‬
‫عليك شلُك ‪ ،‬ويهدأ بالُك ‪ ،‬ويرتاحُ خاطرُك ‪ ،‬ويودُ ذهنُك ِبدُررِ الِكم ‪ ،‬ويسرحُ طرفُكَ‬
‫ف بستانِ ا لعارفِ‪.‬‬
‫إن العزلة عن كلّ ما يشغلُ عن اليِ والطاعةِ دواءٌ عزيزٌ جرّبهٌ أطباءُ القلوبِ فنجح أيّما‬
‫ناحٍ ‪ ،‬وأنا أدّلك عليهِ ‪ ،‬ف العزلةِ عن الشرّ واللّغوِ وعن الدهاءِ تلقيحٌ للفِكْر ‪ ،‬وإقامةٌ لناموسِ‬
‫الشيةِ ‪ ،‬واحتفالٌ بولدِ النابةِ والتذكرِ ‪ ،‬وإنا كان الجتماعُ الحمودُ والختلطُ المدوحُ ف‬
‫ل تحزن‬
‫‪22‬‬
‫س العِ ْلمِ والتعاونِ على اليْرِ ‪ ،‬أما مالسُ البطالةِ والعطال ِة فحذا ِر حذارِ‬
‫لمَ ِع ومال ِ‬
‫الصلواتِ وا ُ‬
‫ب بلدِك ‪ ،‬ابكِ على خطيئتك ‪ ،‬وأمسكْ عليك لسانك ‪ ،‬وليسعك بيتك ‪ ،‬الختلط‬ ‫‪ ،‬اهر ْ‬
‫المجي حرب شعواء على النفس ‪ ،‬وتديد خطي لدنيا الم ِن والستقرارِ ف نفسك ‪ ،‬لنك‬
‫تالسُ أساطي الشائعاتِ ‪ ،‬وأبطال الراجيفِ‪ ،‬وأساتذة التبشي بالفت والكوارث والحن‪،‬‬
‫حت توت كلّ يومٍ سَْبعَ مراتٍ قبل أن يصلك الوتُ ﴿ لَوْ َخرَجُواْ فِيكُم مّا زَادُو ُكمْ إِلّ‬
‫خَبَالً﴾ ‪.‬‬
‫إذا فرجائي الوحيدُ إقبالك على شانِك والنزواءُ ف غرفتِك إلّ من قولِ خيٍ أو فع ِل‬
‫خيٍ ‪ ،‬حينها تدُ قلبك عاد إليك ‪ ،‬فسلمَ وقتُك من الضياعٍ ‪ ،‬وعمرُك من الهدارِ ‪ ،‬ولسانُك‬
‫من الغيبةِ ‪ ،‬وقلبُك من القلقِ ‪ ،‬وأذنُك من النا ونفسُك من سوءِ الظنِ ‪ ،‬ومن جرّب عَرَفَ ‪،‬‬
‫ومن أركب نفسه مطايا الوهامِ ‪ ،‬واسترسل مع العوامِ فقلْ عليه السلمُ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫العوض من ال‬
‫ل يسلبك ال شيئا إلّ عوّضك خيا منه ‪ ،‬إذا صبْتَ واحَْتسَْبتَ ((منْ أخذتُ حبيبتيه‬
‫فصب عوّضتُه منهما النة)) يعن عينيه ((من سلبتُ صفّيهُ من أهل الدنيا ث احتسب عوّضُْتهُ‬
‫من النّة)) من فقد ابنه وصب بُن له بَْيتُ المدِ ف الُ ْلدِ ‪ ،‬وقِسْ على هذا النوا ِل فإن هذا‬
‫مردُ مثال ‪.‬‬
‫فل تأسفْ على مصيبة فان الذي قدّرها عنده جنةٌ وثوابٌ وعِوضٌ وأجرٌ عظيمٌ ‪.‬‬
‫إن أولياء ال الصابي البتلي ينوّهُ بم ف الفِرْدوْسِ ﴿ َسلَمٌ عَلَيْكُم ِبمَا صََبرُْتمْ فَِنعْمَ‬
‫‪.‬‬ ‫الدّارِ ﴾‬ ‫ُعقْبَى‬
‫ك عَلَ ْيهِمْ‬
‫وحق علينا أن ننظر ف عِوض الصيب ِة وف ثوابا وف خلفها اليّر ﴿ أُولَـئِ َ‬
‫صَلَوَاتٌ مّن رّّبهِمْ َورَ ْح َمةٌ وَأُولَـئِكَ ُهمُ اْلمُهَْتدُونَ ﴾ هنيئا للمصابي ‪ ،‬بشرى للمنكوبي‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪23‬‬
‫إن ُعمْر الدنيا قصيٌ وكنُها حقيٌ ‪ ،‬والخرةُ خيٌ وأبقى فمن أُصيب هنا كُوفِئ هناك ‪،‬‬
‫ومن تعب هنا ارتاح هناك ‪ ،‬أما التعلقون بالدّنيا العاشقون لا الراكنون إليها ‪ ،‬فأشدّ ما على‬
‫قلوبم فوت حظوظُهم منها وتنغيصُ راحتهم فيها لنم يريدونا وحدها فلذلك تع ُظمً عليهمُ‬
‫الصائبُ وتك ُب عندهمُ النكباتُ ؛ لنمْ ينظرون تت أقدامِهم فل يرون إلّ الدّنيا الفانية‬
‫الزهيدة الرخيصة‪.‬‬
‫أيها الصابون ما فات شيءٌ وأنتمُ الرابون ‪ ،‬فقد بعث لكمْ برسالةٍ بي أسطرها لُطْفٌ‬
‫ب الذي ضرب عليه سرادقُ الصيبة أن ينظر‬ ‫وعطْفٌ وثوابٌ وحُسنُ اختيار‪ .‬إن على الصا ِ‬
‫ليى أن النتيجة ﴿ َفضُرِبَ بَيَْنهُم ِبسُورٍ ّلهُ بَابٌ بَاطُِنهُ فِيهِ الرّحْ َمةُ وَظَا ِهرُهُ مِن قِبَ ِلهِ اْل َعذَابُ﴾‬
‫‪ ،‬وما عند الِ خيٌ وأبقى وأهنأ وأمرأُ وأجلّ وأعلى ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫اليان هو الياة‬
‫الشقياءُ بكلّ معان الشقاءِ همُ الفلسون من كنوزِ اليانِ ‪ ،‬ومن رصيدِ اليقيِ ‪ ،‬فهمْ‬
‫شةً ضَنكا ﴾ ‪.‬‬
‫أبدا ف تعاسةٍ وغضبٍ ومهانةٍ وذلّةٍ ﴿ َو َمنْ َأ ْع َرضَ عَن ذِ ْكرِي فَِإنّ َلهُ َمعِي َ‬
‫ل يُسعدُ النفس ويزكّيها ويطهرُها ويفرحُها ويذهبُ غمّها وهّها وقلقها إلّ اليانُ بال‬
‫ربّ العالي ‪ ،‬ل طعم للحياةِ أصلً إلّ باليانِ ‪.‬‬
‫إنّ الطريقة الثلى للملحدةِ إن ل يؤمنوا أن ينتحرُوا لييُوا أنفسهم من هذه الصارِ‬
‫والغللِ والظلماتِ والدواهي ‪ ،‬يا لا منْ حياةِ تاعِسة بل إيان ‪ ،‬يا لا منْ لعنةٍ أبدي ٍة حاقتْ‬
‫بالارجي على منهج ال ف الرض ﴿ وَُنقَلّبُ أَفِْئدََت ُهمْ وَأَْبصَارَ ُهمْ َكمَا َلمْ يُ ْؤمِنُواْ ِبهِ َأوّلَ‬
‫َمرّةٍ وََنذَرُ ُهمْ فِي ُطغْيَاِن ِهمْ َي ْع َمهُونَ ﴾ وقد آن الوانُ للعالِ أن يقتنع كلّ القناعة ‪ ،‬وأن يؤمن‬
‫كلّ اليانِ بأنّ ل إله إل ال ب ْعدَ تربةٍ طويلةٍ شاقةٍ عبْرَ قُرونٍ غابر ٍة توصّل بعدها العقْلُ إل‬
‫أن الصنم خراف ٌة والكفر لعنةٌ ‪ ،‬واللاد ِكذْبةٌ وأنّ الرّسُلَ صادقون ‪ ،‬وأ ّن ال حقّ له اللكُ ولهُ‬
‫المدُ وهو على كلّ شيء قديرٌ ‪.‬‬
‫وبقدرِ إيانِك قوةً وضعفا ‪ ،‬حرارةً وبرودةً ‪ ،‬تكون سعادتُك وراحتُك وطمأنينتُك ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪24‬‬
‫جزِيَّنهُمْ‬
‫﴿ َمنْ َعمِلَ صَالِحا مّن ذَ َكرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُ ْؤ ِمنٌ َفلَُنحْيِيَنّهُ حَيَاةً طَيَّبةً وَلََن ْ‬
‫أَ ْجرَهُم ِبأَ ْحسَنِ مَا كَانُواْ َيعْمَلُونَ ﴾ وهذه الياةُ الطيبةُ هي استقرارُ نفوسِهم َل ُ‬
‫حسْنِ موعودِ‬
‫ربّهم ‪ ،‬وثباتُ قلوبِهم ببّ باريهم ‪ ،‬وطهارةُ ضمائرِهم من أوضارِ النرافِ ‪ ،‬وبرو ُد‬
‫أعصاِبهِم أمام الوادثِ ‪ ،‬وسكينةُ قلوبِهم عن ْد وقْ ِع القضاءِ ‪ ،‬ورضاهم ف مواطن القدر ‪،‬‬
‫ل ربّا وبالسلم ديِنا ‪ ،‬وبحمّدٍ نبيا ورسولً ‪.‬‬ ‫لنم رضُوا با ِ‬
‫*************************************‬
‫اجنِ العسل ول تكسرِ الليّة‬
‫الرفقُ ما كان ف شيءٍ إلّ زانهُ ‪ ،‬وما نُزع من شيءٍ إلّ شانُه ‪ ،‬الليُ ف الطاب ‪،‬‬
‫البسمةُ الرائقةُ على الحيا ‪ ،‬الكلمةُ الطيبةُ عند اللقاءِ ‪ ،‬هذه حُُللٌ منسوجةٌ يرتديها السعداءُ ‪،‬‬
‫وهي صفاتُ الؤمِ ِن كالنحلة تأكلُ طيّبا وتصنعُ طيّبا ‪ ،‬وإذا وقعتْ على زهرةٍ ل تكسرُها ؛‬
‫لنّ ال يعطي على الرفقِ ما ل يعطي على العنفِ ‪ .‬إنّ من الناسِ من تشْرَئِبّ لقدو ِم ِهمُ‬
‫العناقُ ‪ ،‬وتشخصُ إل طلعاتِهمُ البصارُ ‪ ،‬وتييهمُ الفئدةُ وتشيّع ُهمُ الرواحُ ‪ ،‬لنم مبون‬
‫ف كلمهِم ‪ ،‬ف أخذهم وعطائِهم ‪ ،‬ف بيعهِم وشرائِهم ‪ ،‬ف لقائِهم وودا ِعهِم ‪.‬‬
‫إن اكتساب الصدقاءِ ف ّن مدروسٌ ييدُهُ النبلءُ البرارُ ‪ ،‬فهمْ مفوفون دائما وأبدا بالةٍ‬
‫من الناسِ ‪ ،‬إنْ حضروا فالِبشْرُ والنسُ ‪ ،‬وإن غابوا فالسؤالُ والدعاءُ ‪.‬‬
‫سنُ فَِإذَا اّلذِي‬
‫إنّ هؤل ِء السعداء لمْ دستور أخلقٍ عنوانُه ‪ ﴿ :‬ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَ ْح َ‬
‫بَيْنَكَ وَبَيَْنهُ َعدَاوَةٌ كَأَّنهُ وَلِيّ َحمِيمٌ ﴾ فهمْ يتصون الحقاد بعاطِفِت ِهمُ اليّاشةِ ‪ ،‬وحل ِم ِهمُ‬
‫الدافِئ ‪ ،‬وص ْفحِهم البيءِ ‪ ،‬يتناسون الساءة ويفظون الحسان ‪ُ ،‬ترّ بمُ الكلماتُ النابي ُة‬
‫فل تلجُ آذانم ‪ ،‬بل تذهبُ بعيدا هناك إل غيِ رجْعةٍ ‪ .‬همْ ف راحةٍ ‪ ،‬والناسُ منهمُ ف أمنٍ ‪،‬‬
‫والسلمون منهمُ ف سلم (( السلمُ من سلِم السلمو ُن من لِساِنهِ وَيدِهِ ‪ ،‬والؤمنُ من أمَِنهُ‬
‫الناسُ على دمائِهم وأموالِهم )) (( إن ال أمرن أنْ أصل منْ قطعن وأن أعْفُ َو عمّن ظلمن‬
‫وأن أُعطي منْ ح َرمَنِي )) ﴿ وَالْكَا ِظ ِميَ اْلغَ ْيظَ وَاْلعَا ِفيَ عَنِ النّاسِ ﴾ بشّرْ هؤلء بثوابٍ‬
‫عاجلٍ من الطمأنين ِة والسكين ِة والدوءِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪25‬‬
‫ص ْدقٍ‬
‫وبشرهم بثوابٍ أخرويّ كب ٍي ف جوارِ ربّ غفورٍ ف جناتٍ وَنهَرٍ ﴿ فِي َم ْقعَدِ ِ‬
‫عِندَ مَلِيكٍ ّمقْتَدِرٍ ﴾ ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫﴿ أَ َل بِ ِذ ْكرِ اللّهِ َتطْ َمِئنّ الْ ُقلُوبُ ﴾‬
‫ب الِ ‪ ،‬والصراح ُة صابونُ القلوبِ ‪ ،‬والتجربةُ برهانٌ ‪ ،‬والرائدُ ل يكذبُ‬
‫الصدقُ حبي ُ‬
‫أهله ‪ ،‬ول يوجدْ عملٌ أشرحُ للصدرِ وأعظمُ للج ِر كالذكر ﴿ فَاذْ ُكرُونِي َأذْ ُكرْ ُكمْ ﴾‬
‫وذكرُهُ سبحانهُ جنّتُهُ ف أرضِهِ ‪ ،‬من لْ يدخلْها ل يدخل جنة الخرةِ ‪ ،‬وهو إنقاذٌ للنفس من‬
‫أوصابِها وأتعابِها واضطرابِها ‪ ،‬بلْ هو طريقٌ ميسّرٌ متصرٌ إل ك ّل فوزٍ وفلحٍ ‪ .‬طالعْ دواوين‬
‫الوحي لترى فوائدَ الذكرِ ‪ ،‬وجَرّبْ مع اليامِ بلْسمهُ لتنالَ الشفاءَ ‪.‬‬
‫ف والفَزَعِ والمّ والزنِ ‪ .‬بذكره تُزاحُ جبالُ‬ ‫بذكره سبحان ُه تنقشعُ ُسحُبُ الو ِ‬
‫الكَرْبِ والغ ِم والسى ‪.‬‬
‫ول عجبَ أنْ يرتاح الذاكرون ‪ ،‬فهذا هو الص ُل الصيلُ ‪ ،‬لكن ال َعجَبَ العُجابَ‬
‫ش ُعرُونَ أَيّانَ يُ ْبعَثُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ت غَ ْيرُ أَحْيَاء َومَا َي ْ‬
‫ش الغافلون عن ذكِرِهِ ﴿ َأمْوا ٌ‬
‫كيف يعي ُ‬
‫يا منْ شكى الرق ‪ ،‬وبكى من الل ‪ ،‬وتفجّع من الوادثِ ‪ ،‬ورمتْهُ الطوبُ ‪ ،‬هيا‬
‫اهتفْ باسه القدس ‪ ﴿ ،‬هَلْ َتعْ َلمُ َلهُ َسمِيّا ﴾ ‪.‬‬
‫ح ضميك ‪،‬‬ ‫بقدرِ إكثارك من ذكرِه ينبسطُ خاطرُك ‪ ،‬يهدأُ قلبُك ‪ ،‬تسعدُ ن ْفسُك ‪ ،‬يرتا ُ‬
‫لن ف ذكره جلّ ف عُله معان التوكلِ عليه ‪ ،‬والثقةِ به والعتمادِ عليه ‪ ،‬والرجوعِ إليه ‪،‬‬
‫وحسنِ الظنّ فيه ‪ ،‬وانتظار الفرجِ منُه ‪ ،‬فهو قريبٌ إذا دُعِي ‪ ،‬سيعٌ إذا نُودِي ‪ ،‬ميبٌ إذا سُئلَ‬
‫ع واخضعْ واخشعْ ‪ ،‬ورَدّدِ اسهُ الطيب البارك على لسانِك توحيدا وثنا ًء ومدحا‬ ‫‪ ،‬فاضر ْ‬
‫ودعا ًء وسؤالً واستغفارا ‪ ،‬وسوف تدُ – بولِ ِه وقوتِهِ – السعادة والمنَ والسرور والنور‬
‫سنَ ثَوَابِ ال ِخرَةِ ﴾ ‪.‬‬
‫والبورَ ﴿ فَآتَا ُهمُ ال ّلهُ ثَوَابَ الدّنْيَا وَ ُح ْ‬
‫*****************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪26‬‬
‫ضلِهِ ﴾‬
‫س َعلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن َف ْ‬
‫﴿ أَمْ َيحْسُدُونَ النّا َ‬

‫الس َد كالكلةِ الِلحَةِ تنخرُ العظمَ نْرا ‪ ،‬إنّ السد مرضٌ مزم ٌن يعيثُ ف السم‬
‫فسادا ‪ ،‬وقد قيل ‪ :‬ل راحة لسود فهو ظالٌ ف ثوبِ مظلوم ‪ ،‬وعدوّ ف جِلْبابِ صديقٍ ‪.‬‬
‫وقد قالوا ‪ :‬ل د ّر السدِ ما أ ْع َدلَهْ ‪ ،‬بدأ بصاحب ِه فقتَلَهَ ‪.‬‬
‫إنن أنى نفسي ونفسك عن السدِ رحةً ب وبك ‪ ،‬قبل أنْ نرحم الخرين ؛ لننا‬
‫بسدِنا لمْ نطعمُ المّ لومنا ‪ ،‬ونسقي الغمّ دماءَنا ‪ ،‬ونوزّعُ نوم جفوننا على الخرين ‪.‬‬
‫إنّ الاسد ُيشْعِلُ فرنا ساخنا ث يقتحمُ فيه ‪ .‬التنغيصُ والكد ُر والمّ الاضرُ أمراضٌ‬
‫يولّدها السدُ لتقضي على الراحةِ والياةِ الطيبةِ الميلةِ ‪ .‬بلِيّةُ الا ِسدِ أنهُ خاص َم القضاءَ ‪،‬‬
‫واتم الباري ف العدْلِ ‪ ،‬وأساء الدب مع الشّرعْ ‪ ،‬وخالف صاحبَ النْهجِ ‪.‬‬
‫يا للحسد من مرضٍ ل يُؤجرُ عليهِ صاحبُه ‪ ،‬ومن بلءٍ ل يُثابُ عليه الُبَْتلَى به ‪،‬‬
‫وسوف يبقى هذا الاسدُ ف حرقةٍ دائمةٍ حت يوت أو تذْ َهبَ نِعمُ الناسِ عنهم ‪ .‬كلّ يُصالُ‬
‫إلّ الاسد فالصلحُ معه أن تتخلّى عن نع ٍم الِ وتتنازل عن مواهِبِك ‪ ،‬وتُلْغِي خصائِصك ‪،‬‬
‫ومناقِبك ‪ ،‬فإن فعلت ذلك فلَعَلّهُ يرضى على مضضٍ ‪ ،‬نعوذُ بالِ من شرّ حاسد إذا حسدْ ‪،‬‬
‫فإنه يصب ُح كالثعبانِ السودِ السّام ل يقر قراره حت يُف ِرغَ سّهُ ف جسم بريءٍ ‪.‬‬
‫فأناك أناك عن السد واستعذ بالِ من الا ِسدِ فإنه لك بالرصادِ ‪.‬‬
‫***********************************‬
‫اقبلِ الياة كما هي‬

‫حالُ الدنيا منغصةُ اللذاتِ ‪ ،‬كثيةُ التبعاتِ ‪ ،‬جاهةُ الحيّا ‪ ،‬كثيةُ التلوّنِ ‪ ،‬مُزِجتْ‬
‫بالكدرِ ‪ ،‬و ُخلِطتْ بالنّكدِ ‪ ،‬وأنت منها ف كَبَد ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪27‬‬
‫ولن تد والدا أو زوجةً ‪ ،‬أو صديقا ‪ ،‬أو نبيلً ‪ ،‬ول مسكنا ول وظيفةً إلّ وفيه ما‬
‫جوَ رأسا برأس ‪ ،‬والروحُ‬ ‫يكدّرُ ‪ ،‬وعنده ما يسوءُ أحيانا ‪ ،‬فأطفئ حرّ شرّهِ ببدِ خيْرِهِ ‪ ،‬لتْن ُ‬
‫قصاصٌ ‪.‬‬
‫أراد الُ لذه الدنيا أن تكون جامعةً للضدينِ ‪ ،‬والنوعي ‪ ،‬والفريقي ‪ ،‬والرأيي خْيرٍ‬
‫وشرٍ ‪ ،‬صلحٍ وفسادٍ ‪ ،‬سرورٍ و ُحزْنٍ ‪ ،‬ث يصفو الَيْرُ كلّهُ ‪ ،‬والصلحُ والسرورُ ف النةِ ‪،‬‬
‫وُيجْ َمعُ الشرّ كله والفسادُ والز ُن ف النارِ ‪ .‬ف الديث ‪ (( :‬الدنيا ملعونةٌ ملعونٌ ما فيها إل‬
‫ك ول تسرحْ من اليالِ ‪ ،‬وحلّقْ ف عالِ‬ ‫ذكرُ الِ وما والهُ وعا ٌل ومتعلمٌ )) فع ْ‬
‫ش واقع َ‬
‫الثالياتِ ‪ ،‬اقبلْ دنياكَ كما هي ‪ ،‬وطوّع نفسك لعايشتها ومواطنتِها ‪ ،‬فسوف ل يصفو لك‬
‫فيها صاحبٌ ‪ ،‬ول يكملُ لك فيها أمرٌ ‪ ،‬لنّ الصّ ْفوَ والكمال والتمام ليس من شأنا ول منْ‬
‫صفاتِها ‪.‬‬
‫لن تكمل لك زوجةٌ ‪ ،‬وف الديث ‪ (( :‬ل يفركُ مؤم ٌن مؤمنةً إن كره منها خلقا‬
‫رضي منها آخر )) ‪.‬‬
‫فينبغي أ ْن نسدد ونقارب ‪ ،‬ونعْفُ َو ونصْفحَ ‪ ،‬ونأخُذ ما تيسّرَ ‪ ،‬ونذر ما تعسّر ونغضّ‬
‫الطّرْف أحيانا ‪ ،‬ونسددُ الطى ‪ ،‬ونتغافلُ عن أمورٍ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫تعزّ بأهلِ البلءِ‬
‫تَلَ ّفتْ َيمْنَةً وَيسْرَةً ‪ ،‬فهل ترى إلّ مُبتلى ؟ وهل تشاهدُ إلّ منكوبا ف كل دارٍ نائحةٌ ‪،‬‬
‫وعلى كل خدّ د ْمعٌ ‪ ،‬وف كل وادٍ بنو سعد ‪.‬‬
‫كمْ م َن الصائبِ ‪ ،‬وكمْ من الصابرين ‪ ،‬فلست أنت وحدك الصاب ‪ ،‬بل مصابُكَ‬
‫أنت بالنسبةِ لغيِك قليلٌ ‪ ،‬كمْ من مريضٍ على سريره من أعوامٍ ‪ ،‬يتقلبُ ذات اليميِ وذات‬
‫الشّمالِ ‪ ،‬يَِئنّ من اللِ ‪ ،‬ويصيحُ من السّقم ‪.‬‬
‫كم من مبوس مرت به سنوات ما رأى الشمس بعينه ‪ ،‬وما عرف غي زنزانته ‪.‬‬
‫ب وريْعانِ ال ُعمْرِ ‪.‬‬
‫كمْ من رجلٍ وامرأ ٍة فقدا فلذاتِ أكبادهِما ف ميْعَةِ الشبا ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪28‬‬
‫كمْ من مكروبٍ ومدِينٍ ومُصابٍ ومنكوبٍ ‪.‬‬
‫آن لك أن تتعزّ بؤلءِ ‪ ،‬وأنْ تعلم عِ ْلمَ اليقي أنّ هذه الياة سجْنٌ للمؤمنِ ‪ ،‬ودارٌ‬
‫شمْلُ‬
‫للحزانِ والنكباتِ ‪ ،‬تصب ُح القصورُ حافلةً بأهلها وتسي خاويةً على عروشها ‪ ،‬بينها ال ّ‬
‫مت ِمعٌ ‪ ،‬والبدانُ ف عافية ‪ ،‬والموالُ وافرةً ‪ ،‬والولدُ كُثرٌ ‪ ،‬ثّ ما هي إلّ أيامٌ فإذا الفقرُ‬
‫ضرَبْنَا لَ ُكمُ ا َلمْثَالَ ﴾ فعليك أن‬
‫والوْتُ والفراقُ والمراضُ ﴿ وَتَبَّينَ لَ ُكمْ كَيْفَ َفعَلْنَا ِب ِهمْ وَ َ‬
‫توطّن مصابك بنْ حولك ‪ ،‬وبن سبقك ف مسيةِ الدهرِ ‪ ،‬ليظهر لك أنك معافً بالنسبة‬
‫لؤلءِ ‪ ،‬وأنه ل يأتك إل وخزاتٌ سهلةٌ ‪ ،‬فاح ِد ال على لُطْفهِ ‪ ،‬واشكره على ما أبقى ‪،‬‬
‫واحتسِبْ ما أخذ ‪ ،‬وتعزّ بنْ حولك ‪.‬‬
‫ولك ف الرسول قدوةٌ وقدْ وُضعِ السّلى على رأ ِسهِ ‪ ،‬وأدمِيتْ قدماه وشُجّ‬
‫وجهُه ‪ ،‬وحوصِر ف الشّعبِ حت أكل ورق الشجرِ ‪ ،‬وطُرِد من مكّة ‪ ،‬وكُسِرتْ ثنيتُه ‪،‬‬
‫ورُمِي عِ ْرضُ زوجتِهِ الشريفُ ‪ ،‬وقُتِل سبعون من أصحابهِ ‪ ،‬وفقد ابنه ‪ ،‬وأكثر بناتِه ف حياتهِ ‪،‬‬
‫وربط الجر على بطنِه من الوعِ ‪ ،‬واّتهِم بأنهُ شاعِرٌ ساحِرُ كاهن منونٌ كاذبٌ ‪ ،‬صانُ ُه الُ‬
‫من ذلك ‪ ،‬وهذا بل ٌء لبدّ منهُ وتحيصٌ ل أعظم من ُه ‪ ،‬وقدْ قُتِل زكريّا ‪ ،‬وذُبِح يي ‪ ،‬و ُهجّرَ‬
‫موسى ووضع اللي ُل ف النارِ ‪ ،‬وسار الئمةُ على هذا الطريق فضُرّج ُعمَ ُر بدمِهِ ‪ ،‬واغتيل‬
‫ت ظهورُ الئمةِ و ُسجِن الخيارُ‪ ،‬ونكل بالبرار ﴿أَمْ َحسِبُْتمْ أَن‬
‫عثمانُ ‪ ،‬وطٌعِن عليٌ ‪ ،‬وجُِلدَ ْ‬
‫ضرّاء وَزُْلزِلُواْ﴾ ‪.‬‬
‫َتدْخُلُواْ اْلجَّنةَ وََلمّا يَأْتِكُم مّثَلُ اّلذِينَ خَ َلوْاْ مِن قَبْلِكُم ّمسّتْ ُهمُ الْبَأْسَاء وَال ّ‬
‫********************************‬

‫الصلة ‪ ..‬الصلة‬
‫﴾‬ ‫لةِ‬
‫صبْرِ وَالصّ َ‬
‫﴿ يَا َأّيهَا الّذِينَ آ َمنُواْ ا ْستَعِينُواْ بِال ّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪29‬‬
‫لوْفُ وطوّقك الزنُ ‪ ،‬وأخذ المّ بتلبيبك ‪ ،‬فقمْ حالً إل الصلةِ ‪ ،‬تُثبْ‬ ‫إذا داهك ا َ‬
‫ح مستعمراتِ الحزانِ‬ ‫لك روحُك ‪ ،‬وتطمئنّ نفسُك ‪ ،‬إن الصلة كفيلةٌ – بأذ ِن الِ باجتيا ِ‬
‫والغمومِ ‪ ،‬ومطاردةِ فلو ِل الكتئابِ ‪.‬‬
‫إذا حزبَهُ أمرٌ قال ‪ (( :‬أرحنا بالصلةِ يا بللُ )) فكانتْ قُرّةَ عينِهِ وسعادتهُ‬ ‫كان‬
‫وبجتَهُ ‪.‬‬
‫ت ف وجوههمُ‬ ‫وقد طالعتُ ِس ُي قومٍ أفذا ٍذ كانتْ إذا ضاقتْ بم الضوائقُ ‪ ،‬وكشّر ْ‬
‫الطوبُ ‪ ،‬فزعوا إل صلةٍ خاشعةٍ ‪ ،‬فتعودُ لم قُوا ُهمْ وإراداتُهم و ِه َم ُمهُمْ ‪.‬‬
‫ف فُرِضتْ لِتُودّى ف ساعةِ الرعبِ ‪ ،‬يوم تتطاي ُر الماجمُ‪ ،‬وتسيلُ‬ ‫إنّ صلة الو ِ‬
‫النفوسُ على شفراتِ السيوفِ ‪ ،‬فإذا أعظ ُم تثبيتٍ وأجلّ سكينةٍ صلةٌ خاشعةٌ ‪.‬‬
‫إنّ على اليلِ الذي عصفت به المراضُ النفسيةُ أن يتع ّرفَ على السجدِ ‪ ،‬وأن ي ّرغَ‬
‫صبِ ‪ ،‬وإلّ فإنّ الدمع سوف يرقُ‬ ‫جبيَنهُ لِيُ ْرضِي ربّه أ ّولً ‪ ،‬ولينقذ نفسهُ من هذا العذابِ الوا ِ‬
‫جفْنهُ ‪ ،‬والزن سوف يطمُ أعصابهُ ‪ ،‬وليس لديهِ طاقةٌ تدّهُ بالسكينةِ والمنِ إل الصلةُ ‪.‬‬
‫من أعظ ِم النعمِ – لو كنّا نعقلُ – هذهِ الصلواتُ المْسُ كلّ يومٍ وليلةٍ كفارةٌ لذنوبِنا ‪،‬‬
‫رفعةٌ لدرجاتِنا عند ربّنا ‪ ،‬ث هي علجٌ عظيمٌ لآسينا ‪ ،‬ودواءٌ نا ِجعٌ لمراضِنا ‪ ،‬تسكبُ ف‬
‫ضمائرِنا مقادير زاكيةً من اليقي ‪ ،‬وتلُ جواننا بالرّضا أما أولئك الذين جانبوا السجد ‪،‬‬
‫وتركوا الصلة ‪ ،‬فمنْ نكدٍ إل نكدٍ ‪ ،‬ومن حزنٍ إل حزنٍ ‪ ،‬ومن شقاءٍ إل شقاءٍ ﴿ فََتعْسا‬
‫ضلّ َأعْمَاَل ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ّلهُمْ وَأَ َ‬
‫*****************************‬

‫حسبنا ال ونعم الوكيل‬


‫تفويضُ المرِ إل الِ ‪ ،‬والتوكلُ عليهِ ‪ ،‬والثقة بوعدِهِ ‪ ،‬والرضا بصنيعهِ وحُسنُ الظ ّن‬
‫بهِ ‪ ،‬وانتظارُ الفرجِ منهُ ؛ من أعظمِ ثراتِ اليانِ ‪ ،‬وأجلّ صفاتِ الؤمني ‪ ،‬وحينما يطمئنّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪30‬‬
‫العبدُ إل حس ٍن العاقبةِ ‪ ،‬ويعتمدُ على ربّهِ ف كلّ شأنِه ‪ ،‬يد الرعاية ‪ ،‬والولية ‪ ،‬والكفاية ‪،‬‬
‫والتأييدَ ‪ ،‬والنصرةَ ‪.‬‬
‫لا ألقي إبراهيمُ عليه السلمُ ف النارِ قال ‪ :‬حسبنا الُ ونِ ْعمَ الوكيلُ ‪ ،‬فجعلها الُ عليه‬
‫وأصحابُه لا ُهدّدُوا بيوشِ الكفار ‪ ،‬وكتائبِ الوثني ِة قالوا ‪﴿ :‬‬ ‫برْدا وسلما ‪ ،‬ورسولُنا‬
‫سسْ ُهمْ سُوءٌ وَاتَّبعُواْ‬
‫َحسْبُنَا ال ّلهُ وَِن ْعمَ الْوَكِيلُ{‪ }173‬فَانقَلَبُواْ بِِن ْعمَةٍ ّمنَ ال ّلهِ وَ َفضْلٍ ّلمْ َي ْم َ‬
‫رِضْوَانَ ال ّلهِ وَال ّلهُ ذُو َفضْ ٍل عَظِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫إ ّن النسان وحده ل يستطيعُ أنْ يصارع الحداث ‪ ،‬ول يقاوم اللمّاتِ ‪ ،‬ول ينازل‬
‫الطوبَ ؛ لنه خُلِقَ ضعيفا عاجزا ‪ ،‬إل حينما يتوكلُ على ربّه ويثقُ بوله ‪ ،‬ويف ّوضُ المرَ‬
‫إليه ‪ ،‬وإل فما حيل ُة هذا العبدِ الفقيِ القيِ إذا احتوشتْهُ الصائب ‪ ،‬وأحاطتْ به النكباتُ ﴿‬
‫َوعَلَى ال ّلهِ فَتَوَكّلُواْ إِن كُنتُم مّ ْؤمِِنيَ ﴾ ‪.‬‬
‫فيا من أرادَ أن ينصح نفسه ‪ :‬توكلْ على القويّ الغنّ ذي ال ُقوّةِ التي ‪ ،‬لينقذك من‬
‫الويلتِ ‪ ،‬ويرجك من الكُرُباتِ ‪ ،‬واجعلْ شعِارَك ودثارَكَ حسبنا الُ وِن ْعمَ الوكيلُ ‪ ،‬فإن‬
‫حتْ مصا ِدرُك ‪ ،‬فنادِ ‪ :‬حسبُنا الِ وِن ْعمَ‬
‫قلّ مالُك ‪ ،‬وكثُرَ ديْنُك ‪ ،‬وج ّفتْ موارِدك ‪ ،‬وش ّ‬
‫الوكيلُ ‪.‬‬
‫وإذا خفتَ من عدوّ ‪ ،‬أو رُعْبتَ من ظالِمٍ ‪ ،‬أو فزعت من َخ ْطبٍ فاهتفْ ‪ :‬حسبنا الُ‬
‫وِن ْعمَ الوكيل ‪.‬‬
‫﴿ وَ َكفَى ِبرَبّكَ هَادِيا وََنصِيا ﴾ ‪.‬‬
‫**********************************‬

‫﴿ قُلْ سِيُوْا فِي ا َلرْضِ ﴾‬


‫ما يشرحُ الصّ ْدرَ ‪ ،‬ويزيحُ ُسحُب المّ والغمّ ‪ ،‬السّفَرُ ف الديارِ ‪ ،‬وقَ ْط ُع القفارِ ‪،‬‬
‫ح لتشاهد أقلم القدرةِ وهي‬ ‫والتقلبُ ف الرضِ الواسعةِ ‪ ،‬والنظرُ ف كتابِ الكونِ الفتو ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪31‬‬
‫تكتبُ على صفحاتِ الوجودِ آياتِ المالِ ‪ ،‬لترى حدائق ذات بجةٍ ‪ ،‬ورياضا أنيقةً وجناتٍ‬
‫ألفا ‪ ،‬اخرجْ من بيتكَ وتأملْ ما حولك وما بي يديك وما خلفك ‪ ،‬اصْ َعدِ البال ‪ ،‬اهبطِ‬
‫الودية ‪ ،‬تسلّ ِق الشجارَ ‪ُ ،‬عبّ من الاءِ النميِ ‪ ،‬ضعْ أنفك على أغصانِ الياسي ‪ ،‬حينها تدُ‬
‫روحك حرةً طليقةً ‪ ،‬كالطائرِ الغرّيدِ تسبحّ ف فضاءِ السعادةِ ‪ ،‬اخرجْ من بيتِك ‪ ،‬ألقِ الغطاء‬
‫ج الِ الواسعةِ ذاكرا مسبحا ‪.‬‬
‫السودَ عن عينيك ‪ ،‬ث س ْر ف فجا ِ‬
‫إنّ النزواء ف الغرفةِ الضيّقةِ مع الفراغِ القاتل طريقٌ ناج ٌح للنتحارِ ‪ ،‬وليستْ غرفتك‬
‫س فَِلمَ الستسلمُ أمام كتائبِ الحزان ؟ أل فاهتفْ ببصرِك‬ ‫هي العالُ ‪ ،‬ولست أنت كلّ النا ِ‬
‫وسعِك وقلِبكَ ‪ ﴿ :‬اْن ِفرُواْ ِخفَافا وَِثقَالً ﴾ ‪ ،‬تعال لتقرأ القرآن هنا بي الداو ِل والمائِل ‪،‬‬
‫بَيْ َن الطيورِ وهي تتلو ُخ َطبَ البّ ‪ ،‬وبَيْنَ الاءِ وهو يروي قصة وصولهِ من التلّ ‪.‬‬
‫ب الرض متع ٌة يوصِي با الطباءُ لن ثَقَُلتْ عليه نفسُهُ ‪،‬‬
‫إن التّرحْالَ ف مسار ِ‬
‫وأظلمتْ عليهِ غرفت ُه الضيقةُ ‪ ،‬فهيّا بنا نسافْر لنسعد ونفرح ونفكر ونتدبّر ﴿ وَيََتفَ ّكرُونَ فِي‬
‫سمَاوَاتِ وَا َل ْرضِ رَبّنَا مَا خَ َلقْتَ هَذا بَا ِطلً سُ ْبحَاَنكَ ﴾ ‪.‬‬
‫خَ ْلقِ ال ّ‬
‫************************************‬
‫فصبٌ جيلٌ‬
‫ص ْدرٍ وبقوةِ إرادةٍ ‪ ،‬ومناعةٍ‬
‫التحلّي بالصب من شيمِ الفذاذِ الذين يتلقون الكاره برحاب ِة َ‬
‫أبيّة ‪ .‬وإنْ ل أصبْ أنا وأنت فماذا نصنعُ ؟! ‪.‬‬
‫هل عندك حلّ لنا غيُ الصبِ ؟ هل تعلم لنا زادا غيَهُ ؟‬
‫كان أحدُ العظماءِ مسرحا تركضُ فيه الصائبُ ‪ ،‬وميدانا تتسابقُ فيهِ النكباتُ كلما‬
‫س بالصبِ ‪ ،‬متدرّعٌ بالثقةِ بالِ ‪.‬‬ ‫خرج من كرب ٍة زارتهُ كربةٌ أخرى ‪ ،‬وهو متتر ٌ‬
‫هكذا يفعلُ النبلءُ ‪ ،‬يُصارعون اللمّاتِ ويطرحون النكباتِ أرضا ‪.‬‬
‫دخلوا على أب بكر ‪-‬رضي الُ عنهُ‪ -‬وهو مريضٌ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬أل ندعو لك طبيبا ؟ قال‬
‫‪ :‬الطبيبُ قد رآن ‪ .‬قالوا ‪ :‬فماذا قال ؟ قال ‪ :‬يقولُ ‪ :‬إن فعّالٌ لا أريدُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪32‬‬
‫واصبْ وما صبُك إلّ بالِ ‪ ،‬اص ْب صَبْرَ واثقٍ بالفرجِ ‪ ،‬عال بُسْنِ الصيِ ‪ ،‬طالبٍ للجرِ‬
‫‪ ،‬راغبٍ ف تفكيِ السيئاتِ ‪ ،‬اصبْ مهما ادلمّت الطوبُ ‪ ،‬وأظلمتِ أمامك الدروبُ ‪ ،‬فإنّ‬
‫النصر مع الصّبْرِ ‪ ،‬وأنّ الفرج مع الكَرْبِ ‪ ،‬وإن مع ال ُعسْرِ ُيسْرا ‪.‬‬
‫قرأتُ سي عظماءٍ مرّوا ف هذه الدنيا ‪ ،‬وذهلتُ لعظي ِم صبِ ِهمْ وقو ِة احتمالِهم ‪ ،‬كانت‬
‫الصائبُ تقعُ على رؤوسِهم كأنّها قطراتُ ماءٍ باردةٍ ‪ ،‬وهم ف ثباتِ البالِ ‪ ،‬وف رسوخِ‬
‫القِ ‪ ،‬فما هو إ ّل وقت قصيٌ فتشرقُ وجوهُهم على طلئع فجرِ الفرجِ ‪ ،‬وفرحةِ الفتحِ ‪،‬‬
‫وعصرِ النصرِ ‪ .‬وأحدُهم ما اكتفى بالصبِ وَ ْحدَهُ ‪ ،‬بل نازَلَ الكوارِث ‪ ،‬وصاحَ ف وجهِ‬
‫الصائبِ مُتحدّيا ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫ل تملِ الكرة الرضية على رأسِكَ‬
‫س تدورُ ف نفوسِهم حرْبٌ عاليّةٌ ‪ ،‬وهم على فُرُش النوم ‪ ،‬فإذا وضعتِ‬ ‫نفرٌ من النا ِ‬
‫الرْبُ أوزارها غَِنمُوا قُرْحَة العدةِ ‪ ،‬وضَ ْغطَ الدمّ والسكّريّ ‪ .‬يترقون مع الحداثِ ‪،‬‬
‫يغضبون من غلءِ السعارِ ‪ ،‬يثورون لتأخر المطارِ ‪ ،‬يضجّون لنفاضِ سعْ ِر العملةِ ‪ ،‬فهم ف‬
‫حةٍ عَلَ ْيهِمْ ﴾ ‪.‬‬
‫حسَبُونَ كُلّ صَ ْي َ‬
‫صبٍ﴿ َي ْ‬
‫انزعاجٍ دائمٍ ‪ ،‬وقلقٍ وا ِ‬
‫ونصيحت لكَ أنْ ل تملِ الكرة الرضية على رأسِكَ ‪ ،‬دعِ الحداث على الرضِ‬
‫ت والراجيفَ‬ ‫ب كالسفنجة يتشربُ الشائعا ِ‬ ‫ول تضعْها ف أمعائِك ‪ .‬إن بعض الناس عنده قل ٌ‬
‫‪ ،‬ينعجُ للتوافِهِ ‪ ،‬يهتزِ للوارداتِ ‪ ،‬يضطربُ لكلّ شيءٍ ‪ ،‬وهذا القلبُ كفيلٌ أن يطم‬
‫صاحبهُ ‪ ،‬وأن يهدم كيان حامِلِهِ ‪.‬‬
‫أهلُ البدأ القّ تزيدُهم العِبُ والعظاتُ إيانا إل إيانِهم ‪ ،‬وأهْ ُل الورِ تزيدُهم الزلزلُ‬
‫خوفا إل خوِفهِم ‪ ،‬وليس أنفع أمام الزوابع والدواهي من قلبٍ شجاعٍ ‪ ،‬فإن الِقْدام الباسلَ‬
‫واسعُ البطانِ ‪ ،‬ثابتُ الأشِ ‪ ،‬راس ُخ اليقيِ ‪ ،‬بار ُد العصابِ ‪ ،‬منشرحُ الصدر ‪ ،‬أما البانُ‬
‫فهو يذبح فهو يذبح نفسه كلّ يوم مرات بسيف التوقّعات والراجيفِ والوهامِ والحلمِ ‪،‬‬
‫فإن كنت تريدُ الياة الستقرّةَ فواجِ ِه المور بشجاعةٍ وجلدٍ ‪ ،‬ول يستخفنّك الذين ل‬
‫ل تحزن‬
‫‪33‬‬
‫يوقنون ‪ ،‬ول تك ف ضيْقٍ مّا يكرون ‪ ،‬كنْ أصلب من الحداثِ ‪ ،‬وأعْت من رياحِ‬
‫ب الضعيفةِ ‪ ،‬كم تزّهم اليامُ هزّا‬
‫الزماتِ ‪ ،‬وأقوى من العاصيِ ‪ ،‬وارحتاه لصحابِ القلو ِ‬
‫جدَنّ ُهمْ أَ ْحرَصَ النّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ ‪ ،‬وأما الُبا ُة فهم من الِ ف َمدَدٍ ‪ ،‬وعلى الوعدِ ف‬
‫﴿وَلََت ِ‬
‫ثقةٍ ﴿ فَأَنزَلَ السّكِيَنةَ عَلَ ْي ِهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫ل تطمك التوافهُ‬
‫كم من مهمومٍ سببُ هّهِ أمرٌ حقيٌ تافهٌ ل ُيذْكَرُ !! ‪.‬‬
‫ه َمهُم ‪،‬وما أبْردَ عزاِئمَ ُهمْ ‪ .‬هذه أقوالُهم ‪ ﴿ :‬لَ تَن ِفرُواْ‬
‫انظر إل النافقي ‪ ،‬ما أسقط َ‬
‫خشَى أَن ُتصِيبَنَا دَآِئرَةٌ ﴾ ‪،‬‬
‫حرّ ﴾ ‪ ﴿ ،‬اْئذَن لّي وَلَ َتفْتِنّي ﴾ ‪ ﴿ ،‬بُيُوتَنَا عَوْ َرةٌ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ن ْ‬
‫فِي اْل َ‬
‫﴿ مّا َو َعدَنَا ال ّلهُ َورَسُوُلهُ إِلّا غُرُورا ﴾ ‪.‬‬
‫يا ليبةِ هذِهِ العاطس يا لتعاسةِ هذ ِه النفوسِ ‪.‬‬
‫ههم البطو ُن والصحونُ والدورُ والقصورُ ‪ ،‬ل يرفعوا أبصارهم إل ساء الُثُلِ ‪ ،‬ل‬
‫ينظروا أبدا إل نوم الفضائل ‪ .‬همّ أحدِ ِهمْ ومبلغُ عِ ْلمِهِ ‪ :‬دابّت ُه وثوبُهُ ونعُلهُ ومأدبتُهُ ‪ ،‬وانظرْ‬
‫ب هومهمْ خلفٌ مع الزوجةِ ‪ ،‬أو البنِ ‪ ،‬أو‬ ‫لقطّاعٍ هائلٍ منَ الناسِ تراهم صباح مساء سب ُ‬
‫القريبِ ‪ ،‬أو ساعُ كلمةٍ نابيةٍ ‪ ،‬أو موقفٌ تافهٌ ‪ .‬هذه مصائبُ هؤلءِ البشَرِ ‪ ،‬ليس عندهم من‬
‫ل وقتهم ‪ ،‬وقدْ قالوا ‪ :‬إذا‬ ‫القاصدِ العليا ما يشغلُهم ‪ ،‬ليس عندهم من الهتماماتِ الليلةِ ما ي ُ‬
‫خرج الاءُ من الناءِ مل ُه الواءُ ‪ ،‬إذا ففكرْ ف المرِ الذي تتمّ له وتغتمّ ‪ ،‬هلْ يستحقُ هذا‬
‫حمِك ودَمِك وراحتِك ووقتِك ‪ ،‬وهذا غُبْنٌ ف‬ ‫الهد وهذا العناءَ ‪ ،‬لنك أعطيته من عقلِك ولَ ْ‬
‫س يقولون ‪ :‬اجعلْ لكلِ شيء حدا معقولً ‪،‬‬ ‫الصفقةِ ‪ ،‬وخسارةٌ هائلةٌ ثنُها بسٌ ‪ ،‬وعلماءُ النف ِ‬
‫وأصدق من هذا قولهُ تعال ‪َ ﴿ :‬قدْ َجعَلَ ال ّلهُ لِكُلّ شَيْءٍ َقدْرا ﴾ فأع ِ‬
‫ط القضية حجْمها‬
‫ووزنا وقدْرها وإياكَ والظلم والغُُلوّ ‪.‬‬
‫هؤلءِ الصحاب ُة البرارُ ههم تت الشجر ِة الوفاءُ بالبيع ِة فنالوا رِضوان الِ ‪ ،‬ور ُجلٌ‬
‫معهم أهّه جلُهُ حت فات ُه البيعُ فكان جزاءهُ الرمانُ والقتُ ‪,‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪34‬‬
‫فاطرحِ التوافِه والشتغال با تدْ أنّ أكثر هومِك ذهبتْ عنك و ُعدْتَ فَرِحا مسرورا ‪.‬‬
‫*******************************‬
‫ل لكَ‬
‫ارض با قسمَ ا ُ‬
‫تكنْ أغن الناسِ‬
‫م ّر فيما سبق بعضُ معان هذا السبب ؛ لكنن أبس ُطهُ هنا ليُفهم أكثرَ وهو ‪ :‬أنّ عليكَ‬
‫خذْ مَا‬
‫سمَ لك من جسمٍ ومالٍ وولدٍ وسكنٍ وموهبةٍ ‪ ،‬وهذا منطقُ القرآن ﴿ َف ُ‬
‫أن تقْنع با ُق ِ‬
‫إنّ غالبَ علماءِ السلفِ وأكثر الي ِل الولِ كانوا فقراء ل يكنْ‬ ‫كرِينَ ﴾‬
‫الشّا ِ‬ ‫آتَيُْتكَ وَكُن ّمنَ‬
‫ت ول مساكنُ بيةٌ ‪ ،‬ول مراكبُ ‪ ،‬ول حشمٌ ‪ ،‬ومع ذلك أثْروُا الياة وأسعدوا‬ ‫لديهم أُعطيا ٌ‬
‫أنفسهم والنسانية ‪ ،‬لنم وجّهوا ما آتاه ُم الُ من خيٍ ف سبيِلهِ الصحيحِ ‪ ،‬فَبُورِكَ لم ف‬
‫أعمارِهم وأوقاتِهم ومواهبهم ‪ ،‬ويقابلُ هذا الصنفُ الباركُ َملٌ أُعطوا من الموالِ والولدِ‬
‫والنعمِ ‪ ،‬فكانتْ سببَ شقائِهم وتعاستِهم ‪ ،‬لنم انرفوا عن الفطر ِة السويّةِ والنهجِ القّ‬
‫وهذا برهانٌ ساطعٌ على أن الشياءَ ليستْ كلّ شيءٍ ‪ ،‬انظرْ إل من حل شهاداتٍ عاليّةً لكنهُ‬
‫نكرةٌ من النكراتِ ف عطائ ِه وفهمهِ وأثرهِ ‪ ،‬بينما آخرون عندهم علمٌ مدودٌ ‪ ،‬وقدْ جعلوا منه‬
‫نرا دافقا بالنفعِ والصلحِ والعمارِ ‪.‬‬
‫ل فيها ‪ ،‬وارض بوضعكِ السري‬ ‫إن كنت تريدُ السعاد ُة فارضَ بصورتِك الت ركبّك ا ُ‬
‫‪ ،‬وصوتِك ‪ ،‬ومستوى فهمِك ‪ ،‬ودخلِك ‪ ،‬بل إنّ بعض الربّي الزها ِد يذهبون إل أبعدِ من‬
‫ذلك فيقولون لك ‪ :‬ارض بأقلّ مّا أنت فيهِ ودون ما أنت عليهِ ‪.‬‬
‫هاك قائمةً رائعةً مليئةً باللمعي الذين بسوا حظوظهُمُ الدنيوية ‪:‬‬
‫عطا ُء بنُ رباح عالُ الدنيا ف عهدهِ ‪ ،‬مول أسودُ أفطسُ أ َشلّ مفلفلُ الشعرِ ‪.‬‬
‫سمِ ‪ ،‬أ ْحدَبُ الظهرِ ‪ ،‬أحن الساقي‬
‫لْ‬‫ف بنُ قيس ‪ ،‬حليمُ العربِ قاطبةً ‪ ،‬نيفُ ا ِ‬
‫الحن ُ‬
‫‪ ،‬ضعيفُ البنيةِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪35‬‬
‫ت اليدِ ‪ ،‬مزقُ الثيابِ ‪،‬‬ ‫العمش مدّثُ الدنيا ‪ ،‬من الوال ‪ ،‬ضعي ُ‬
‫ف البصرِ ‪ ،‬فقيُ ذا ِ‬
‫رثُ اليئةِ والنلِ ‪.‬‬
‫بل النبياء الكرامُ صلوا ُ‬
‫ت الِ وسلمُهُ عليهم ‪ ،‬كلّ منهم رعى الغَنمَ ‪ ،‬وكان داودُ‬
‫َحدّادا ‪ ،‬وزكريا نارا ‪ ،‬وإدريس خياطا ‪ ،‬وهم صفوةُ الناسِ وخَْيرُ البشرِ ‪.‬‬
‫إذا فقيمتُك مواهبُك ‪ ،‬وعملُك الصالُ ‪ ،‬ونفعُك ‪ ،‬وخلقك ‪ ،‬فل تأس على ما فات‬
‫حنُ َقسَمْنَا بَيَْنهُم ّمعِيشََت ُهمْ فِي اْلحَيَاةِ‬
‫من جالٍ أو مالٍ أو عيالٍ ‪ ،‬وارض بقسمِة الِ ﴿ َن ْ‬
‫الدّنْيَا ﴾ ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫ذكّر نفسك بنةٍ عرضُها السماواتُ والرضُ‬
‫إنْ جعتَ ف هذه الدارِ أو افتقرتَ أو حزنتَ أو مرضتَ أو بستَ حقا أو ذقت ظلما‬
‫فذكّر نفسك بالنعيمِ ‪ ،‬إنك إن اعتقدت هذه العقيدة َ وعملتَ لذا الصيِ ‪ ،‬تولتْ خسائرُك‬
‫إل أرباحِ ‪ ،‬وبلياك إل عطايا ‪ .‬إن أعقلَ الناسِ هم ُ الذين يعملون للخرةِ لنا خيٌ وأبقى ‪،‬‬
‫وإنّ أحق هذه الليقة هم الذين يرون أنّ هذه الدنيا هي قرارُهم ودارُهم ومنتهى أمانيهم ‪،‬‬
‫فتجدَهم أجزعَ الناسِ عند الصائبِ ‪ ،‬وأندهم عندَ الوادثِ ‪ ،‬لنمْ ل يرون إلّ حياتمْ‬
‫الزهيدة القية ‪ ،‬ل ينظرون إلّ إل هذهِ الفانيةِ ‪ ،‬ل يتفكرون ف غيِها ول يعملون لسواها ‪،‬‬
‫فل يريدون أن يعكّر لم سرورُهم ول يكدّر عليهم فرحُهم ‪ ،‬ولو أنمْ خلعوا حجاب الرانِ‬
‫عن قلو ِبمْ ‪ ،‬وغطاء الهلِ عن عيو ِنمْ لدثوا أنفسهم بدارِ اللدِ ونعيمِها ودورِها وقصورِها ‪،‬‬
‫ولسمعوا وأنصتوا لطابِ الوح ِي ف وصفِها ‪ ،‬إنا والِ الدارُ الت تستحقّ الهتمام والكدّ‬
‫والهْدَ ‪.‬‬
‫هل تأملنا طويلً وصف أهلِ النة بأنم ل يرضون ول يزنون ول يوتون ‪ ،‬ول يفن‬
‫شبابُهم ‪ ،‬ول تبلى ثيابُهم ‪ ،‬ف غرفٍ يُرى ظاهرُها من باطنِها ‪ ،‬وباطِنُها من ظاهرهِا ‪ ،‬فيها ما‬
‫ل عيٌ رأتْ ‪ ،‬ول أُذُ ٌن سعتْ ‪ ،‬ول َخطَرَ على قلبِ َبشَرٍ ‪ ،‬يسيُ الراكبُ ف شجرةٍ من‬
‫أشجارهِا مائة عامٍ ل يقطعُها ‪ ،‬طول اليمّةِ فيها ستون ميلً ‪ ،‬أنارُها ُمطّرِدٌة قصورُها منيفةٌ ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪36‬‬
‫قطوفُها دانيةٌ ‪ ،‬عيونُها جاريةٌ ‪ ،‬سُ ُررُها مرفوعةٌ ‪ ،‬أكوابُها موضوعةٌ ‪ ،‬نارقُها مصفوفَةٌ ‪،‬‬
‫زرابيّها مبثوثةٌ ‪ ،‬تّ سروَرها ‪ ،‬عظُم حبورُها ‪ ،‬فاح ع ْرفُها ‪ ،‬عظُم وصْفُها ‪ ،‬منتهى المان فيها‬
‫‪ ،‬فأين عقولُنا ل تفكرْ ؟! ما لنا ل نتدبّرْ ؟!‬
‫ف الصائبُ على الصابي ‪ ،‬ولتَقَرّ عيونْ‬
‫إذا كان الصيُ إل هذه الدارِ ؛ فلتخ ّ‬
‫النكوبي ‪ ،‬ولتفرح قلوبُ العدمي ‪.‬‬
‫فيها أيها السحوقون بالفقرِ ‪ ،‬النهكون بالفاقةِ ‪ ،‬البتلون بالصائب ‪ ،‬اعملوا صالا ؛‬
‫‪.‬‬ ‫ُعقْبَى الدّارِ ﴾‬
‫ل وتاورو ُه تقدستْ أساؤُه ﴿ َسلَمٌ عَلَيْكُم ِبمَا صََبرُْتمْ فَِنعْ َم‬
‫لتسكنوا جنة ا ِ‬
‫****************************************‬
‫﴿ َوكَ َذلِكَ جَ َع ْلنَاكُمْ أُمّةً وَسَطا ﴾‬
‫العدلُ مطَْلبٌ عقليّ وشرعيّ ‪ ،‬ل غُُل ّو ول جفاءٌ ‪ ،‬ل إفراطٌ ول تفريطٌ ‪ ،‬ومنْ أراد‬
‫السعادة فعليهِ أ ْن يضبطَ عواطفهُ ‪ ،‬واندفاعاتِهِ ‪ ،‬وليكنْ عادلً ف رضاهُ وغضبِهِ ‪ ،‬وسرورِهِ‬
‫وحُزْنِهِ ؛ لن الشّ َططَ والبالغةَ ف التعامل مع الحداثِ ظلمٌ للنفسِ ‪ ،‬وما أحْسنَ الوسطّيةَ ‪،‬‬
‫فإنّ الشرع نزل باليزان واليا ُة قامتْ على القِسط ‪ ،‬ومنْ أتعبِ الناسِ منْ طاوعَ هواه ‪،‬‬
‫واستسلم لعواطفِهِ وميولتِه ‪ ،‬حينها تتضخّمُ عنده الوادثُ ‪ ،‬وتظِلمُ لديه الزوايا ‪ ،‬وتقومُ ف‬
‫قلبِه معاركُ ضاربةٌ من الحقا ِد والدخائلِ والضغائنِ ‪ ،‬لنه يعيشُ ف أوهامٍ وخيالتٍ ‪ ،‬حت إن‬
‫ضدّهُ ‪ ،‬وأنّ الخرينَ يبكون مؤامرةً لبادتهِ ‪ ،‬وُتمْلِي عليه وساوسُه‬ ‫بعضه ْم يتصوّرُ أنّ الميع ِ‬
‫ش ف سحبٍ سودٍ من الوفِ وا ّلمِ والغّمِ ‪.‬‬‫أ ّن الدنيا له بالرصادِ فلذلك يعي ُ‬
‫إن الرجافُ منوعٌ شرعا ‪ ،‬رخيصٌ طبعا ‪ ،‬ول يارسُه إلّ أناسٌ مفلسون من القيمِ‬
‫حسَبُونَ كُلّ صَ ْيحَ ٍة عَلَ ْي ِهمْ ُهمُ اْل َعدُوّ ﴾ ‪.‬‬
‫اليّةِ والبادئِ الربانيّةِ﴿ َي ْ‬
‫أجلِسْ قلَبكَ على كرسيّه ‪ ،‬فأكثرُ ما يافُ ل يكونُ ‪ ،‬ولك قبْ َل وقوع ما تا ُ‬
‫ف‬
‫وقوعه أن تق ّدرَ أسوأ الحتمالتِ ‪ ،‬ث توطّن نفسكِ على تقبّل هذا السوأ ‪ ،‬حينها تنجو من‬
‫لدَثُ فَيَبْقَى ‪.‬‬
‫التكهّناتِ الائرةِ الت ت ّزقُ القلب قبلَ أنْ يَ َقعَ ا َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪37‬‬
‫فيا أيّها العاق ُل النّابهُ ‪ :‬أعطِ كلّ شيء حجمَهُ ‪ ،‬ول تضخّم الحداث والواقفَ‬
‫ض ف الديث ‪ (( :‬أحبب حبيبَك هوْنا ما ‪ ،‬فعسى أن‬
‫والقضايا ‪ ،‬بل اقتصدْ واعدلْ والبغ ِ‬
‫﴿‬ ‫ك يوما ما ))‬
‫يكون بغيضَكَ يوما ما ‪ ،‬وأبغض بغيضك هوْنا ما ‪ ،‬فعسى أن يكون حبيب َ‬
‫جعَلَ بَيْنَ ُكمْ وَبَ ْينَ اّلذِينَ عَادَيْتُم مّ ْنهُم مّ َودّةً وَال ّلهُ َقدِيرٌ وَال ّل ُه َغفُورٌ رّحِيمٌ﴾‪.‬‬
‫عَسَى ال ّلهُ أَن َي ْ‬
‫إنّ كثيا من التخويفات والراجيف ل حقيقة لا ‪.‬‬
‫*********************************‬
‫الزنُ ليس مطلوبا شرعا ‪ ،‬ول مقصودا أصلً‬
‫حزَنْ‬
‫‪ .‬وقولِه ‪ ﴿ :‬وَلَ َت ْ‬ ‫حزَنُوا ﴾‬
‫وَلَ َت ْ‬ ‫فالزنُ منهيّ عنهُ قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َتهِنُوا‬
‫حزَنْ إِنّ ال ّلهَ َمعَنَا ﴾ ‪ .‬والنفيّ كقوله ‪َ ﴿ :‬فلَ‬
‫ف غيْ ِر موضعٍ ‪ .‬وقوله ‪ ﴿ :‬لَ َت ْ‬ ‫عَلَ ْيهِمْ ﴾‬
‫‪ .‬فالزنُ خودٌ ل ْذوَةِ الطلبِ ‪ ،‬وهُمودٌ لروحِ المّةِ ‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫حزَنُونَ‬
‫ف عَلَ ْيهِمْ وَلَ ُهمْ َي ْ‬
‫خَوْ ٌ‬
‫سمَ الياةِ ‪.‬‬
‫وبرودٌ ف النفسِ ‪ ،‬وهو ُحمّى تشلّ ج ْ‬
‫وسرّ ذلك ‪ :‬أن الزن ُموَقّفٌ غي ُمسَيّر ‪ ،‬ول مصلحة فيه للقلب ‪ ،‬وأحبّ شيءٍ إل‬
‫الشيطان ‪ :‬أن ُيحْزِن العبد ليقطعهُ عن سيِه ‪ ،‬ويوقفه عن سلوكِه ‪ ،‬قال ال تعال ‪ ﴿:‬إِّنمَا‬
‫‪ (( :‬أن يَتَناجَى اثنانِ منهم‬ ‫الّنجْوَى ِمنَ الشّيْطَانِ لَِيحْزُنَ اّلذِينَ آمَنُوا ﴾ ‪ .‬ونى النبّ‬
‫حزِنُه )) ‪ .‬وحُزْنُ الؤمنِ غيْرُ مطلوبٍ ول مرغوبٍ فيه لنّهُ من‬
‫دون الثالثِ ‪ ،‬لن ذلك ُي ْ‬
‫ب النفس ‪ ،‬وقد ومغالبتُه بالوسائلِ الشروعةِ ‪.‬‬
‫الذى الذي يصي ُ‬
‫فقال ‪:‬‬ ‫فالزنُ ليس بطلوبٍ ‪ ،‬ول مقصودٍ ‪ ،‬ول فيه فائدةٌ ‪ ،‬وقدِ استعاذ منه النبّ‬
‫(( اللهمّ إن أعوذُ بك من المّ والزنِ )) فهو قري ُن المّ ‪ ،‬والفرْقُ ‪ ،‬وإنّ كان لا مضى أورثه‬
‫الُزْنَ ‪ ،‬وكلها مضعِفٌ للقلبِ عن السيِ ‪ ،‬مُفتّرٌ للعزمِ ‪.‬‬
‫والزنُ تكديرٌ للحياةِ وتنغيصٌ للعيشِ ‪ ،‬وهو مصلٌ سامّ للروحِ ‪ ،‬يورثُها الفتور والن ّكدَ‬
‫لسْنِ ‪ ،‬وتنطفئُ عند مباهج‬ ‫واليْرَة ‪ ،‬ويصيبُها بوجو ٍم قا ٍت متذبّلٍ أمام المالِ ‪ ،‬فتهوي عند ا ُ‬
‫س الشؤم والسرةِ واللِ ‪.‬‬‫الياةِ ‪ ،‬فتحتسي كأ َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪38‬‬
‫﴿‬ ‫ولكنّ نزول منلتِهِ ضروريٌ بسبِ الواقعِ ‪ ،‬ولذا يقولُ أهلُ النةِ إذا دخلوها ‪:‬‬
‫فهذا يدلّ على أنمْ كان يصيبُهم ف الدنيا الزنُ ‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫حزَنَ‬
‫ب عَنّا اْل َ‬
‫اْلحَ ْمدُ لِ ّلهِ اّلذِي َأذْهَ َ‬
‫كما يصيبهُم سائ ُر الصائبِ الت تري عليهم بغيِ اختيارِهم ‪ .‬فإذا حلّ الُزْنُ وليس للنفسِ فيه‬
‫حيلةٌ ‪ ،‬وليس لا ف استجلبهِ سبيلٌ فهي مأجورةٌ على ما أصابا ؛ لنه نوْعٌ من الصائبِ‬
‫فعلى العبدِ أ ْن يدافعه إذا نزل بالدعيةِ والوسائلِ اليّةِ الكفيلةِ بطردِه ‪.‬‬
‫حمِ َلهُمْ قُلْتَ لَ أَ ِجدُ مَا أَ ْحمِلُ ُكمْ‬
‫وأما قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَ َل عَلَى اّلذِينَ ِإذَا مَا أَتَ ْوكَ لَِت ْ‬
‫جدُواْ مَا يُن ِفقُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫عَلَ ْيهِ َتوَلّواْ وَّأعْيُُنهُمْ َتفِيضُ ِمنَ ال ّدمْعِ َحزَنا أَلّ َي ِ‬
‫فلمْ يُمدحوا على نفسِ الزنِ ‪ ،‬وإنا مُدحوا على ما دلّ عليه الزنُ من قوةِ إيانِهم ‪،‬‬
‫حيث تلّفوا عن رسو ِل الِ لِعجزِهم عن النفقِة ففيهِ تعريضٌ بالنافقي الذين ل يزنوا على‬
‫تلّفهم ‪ ،‬بل غََبطُوا نفوسهم به ‪.‬‬
‫لزْن الحمود إنْ ُح ِمدَ بَعْ َد وقوعِهِ – وهو ما كان سببُه فوْت طاعةٍ ‪ ،‬أو وقوع‬ ‫فإن ا ُ‬
‫معصيةٍ – فإنّ حُزْ َن العبدِ على تقصيِ ِه مع ربّه وتفري ِطهِ ف جَْنبِ موله ‪ :‬دليلٌ على حياتهِ‬
‫وقبُولِ ِه الدايةَ ‪ ،‬ونورِهِ واهتدائِهِ ‪.‬‬
‫ف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬ما يصيبُ الؤمن من همّ ول نصب ول حزن ‪،‬‬ ‫أما قولُه‬
‫إلّ كفر الُ به من خطاياه )) ‪ .‬فهذا يدلّ على أنه مصيبةٌ من الِ يصيبُ با العبْدَ ‪ ،‬يكفّرُ با‬
‫من سيئاتِه ‪ ،‬ول يدلّ على أنه مقامٌ ينبغي طلبُه واستيطانُه ‪ ،‬فليس للعبدِ أن يطلب الزن‬
‫ويستدعيّه ويظنّ أنهُ عبادة ‪ ،‬وأنّ الشارعَ حثّ عليه ‪ ،‬أو أَمَرَ به ‪ ،‬أو َرضِيَهُ ‪ ،‬أو شَرَ َعهُ‬
‫لعبادِهِ ‪ ،‬ولو كان هذا صحيحا لَقَ َطعَ حياتَ ُه بالحزانِ ‪ ،‬وصَرََفهَا بالمومِ ‪ ،‬كيفَ وصدرُه‬
‫مُْنشَ ِرحٌ ووجهُه باسمٌ ‪ ،‬وقلبُه راضٍ ‪ ،‬وهو متواصلُ السرورِ ؟! ‪.‬‬
‫‪ (( :‬أنهُ كان متواصلَ الحزانِ )) ‪،‬‬ ‫وأما حديثُ هْندِ بن أب هالة ‪ ،‬ف صف ِة النبّ‬
‫فحديثٌ ل يثُبتُ ‪ ،‬وف إسنادهِ من ل يُعرَفُ ‪ ،‬وهو خلف واقعِهِ وحالِهِ ‪.‬‬
‫وكيف يكونُ متواصلَ الحزانِ ‪ ،‬وقد صانَ ُه الُ عن الزنِ على الدنيا وأسبابا ‪ ،‬وناهُ‬
‫عن الزنِ على الكفارِ ‪ ،‬وغَفَرَ له ما تقدّم من ذنبِهِ وما تأخّرَ ؟! فمن أين يأتيهِ الزنُ ؟!‬
‫ل تحزن‬
‫‪39‬‬
‫وكيفَ يَصلُ إل قلِبهِ ؟! ومن أي الطرق ينسابُ إل فؤادِهِ ‪ ،‬وهو معمورٌ بالذّكرِ ‪ ،‬ريّا ٌن‬
‫بالستقامةِ ‪ ،‬فيّاضٌ بالداية الربانيةِ ‪ ،‬مطمئ ّن بوعدِ الِ ‪ ،‬راض بأحكامه وأفعالِه ؟! بلْ كانَ‬
‫دائمَ الِبشْرِ ‪ ،‬ضحوك السّنّ ‪ ،‬كما ف صفته (( الضّحوك القتّال )) ‪ ،‬صلوات ال وسلمه عليه‬
‫‪ .‬ومَن غاصَ ف أخبارهِ ودقّقَ ف أعماقِ حياِتهِ واسَْتجْلَى أيامَهْ ‪َ ،‬عرَفَ أنه جاءَ لزهاقِ الباطلِ‬
‫ض القَلَ ِق والمّ والغمّ والُزْنِ ‪ ،‬وتري ِر النفوسِ من استعمارِ الشّبَهِ والشكوكِ والشّرْكِ‬
‫ودحْ ِ‬
‫والَيْرَ ِة والضطرابِ ‪ ،‬وإنقاذهِا من مهاوي الهالكِ ‪ ،‬فلل ِه كمْ له على الَبشَرِ من مِنَنٍ ‪.‬‬
‫وأما البُ الرويّ ‪ (( :‬إن ال يبّ كلّ قلب حزين )) فل يُعرف إسنادُه ‪ ،‬ول مَن‬
‫رواه ول نعلم صِحّتَهُ ‪ .‬وكيف يكونُ هذا صحيحا ‪ ،‬وقد جاءت اللّةُ بلفِهِ ‪ ،‬والشر ُ‬
‫ع‬
‫بن ْقضِهِ؟! وعلى تقديرِ صحتِهِ ‪ :‬فالزنُ مصيبةٌ من الصائبِ الت يبتلي الُ با عَْبدَهُ ‪ ،‬فإذا ابتُلي‬
‫به العب ُد فصيَ عليهِ أحبّ صبَه على بلئِهِ ‪ .‬والذين مدحوا الزنَ وأشادوا ب ِه ونسبُوا إل‬
‫ع المر به وتبيذهُ ؛ أخطؤوا ف ذلك ؛ بلْ ما ورد إ ّل النهيّ عنهُ ‪ ،‬والمرُ بضدّه ‪ ،‬من‬ ‫الشر ِ‬
‫الفرحِ برح ِة الِ تعال وبفضلهِ ‪ ،‬وبا أنزل على رسو ِل الِ ‪ ،‬والسرورِ بدايةِ الِ ‪،‬‬
‫والنشراحِ بذا اليِ الباركِ الذي نَزَلَ من السماءِ على قلوبِ الولياءِ ‪.‬‬
‫ل عبدا َنصَبَ ف قلِْبهِ نائحةً ‪ ،‬وإذا أبغض عبدا‬
‫وأما الثَرُ الخَرُ ‪ (( :‬إذا أحبّ ا ُ‬
‫جعلَ ف قلبه ِمزْمارا )) ‪ .‬فأثر إسرائيليّ ‪ ،‬قيل ‪ :‬إنه ف التوراة ‪ .‬وله معن صحيحٌ ‪ ،‬فإنّ الؤمنَ‬
‫حزينٌ على ذنوبهِ ‪ ،‬والفاجرُ ل ٍه لعبٌ ‪ ،‬مترّن ٌم فَ ِرحٌ ‪ .‬وإذا حصَ َل كسْرٌ ف قلوبِ الصال َ‬
‫ي‬
‫فإنا هو لِا فاَتهُم من الياتِ ‪ ،‬وقصّروا فيهِ من بلوغِ الدرجاتِ ‪ ،‬وارتكبوهُ من السيئاتِ ‪.‬‬
‫خلف حزنِ العُصاةِ ‪ ،‬فإنّهُ على فوتِ الدنيا وشهواتِها وملذّها ومكاسبِها وأغراضِها ‪ ،‬فه ّمهُمْ‬
‫وغمّ ُهمْ وحزُن ُهمْ لا ‪ ،‬ومن أجلِها وف سبيلِها ‪.‬‬
‫حزْنِ َفهُوَ َكظِيمٌ ﴾ ‪:‬‬
‫وأما قولُه تعال عن نبيّهِ إسرائيل ‪ ﴿ :‬وَابَْيضّتْ عَيْنَاهُ ِمنَ اْل ُ‬
‫))‬ ‫((‬

‫فهو إخبارٌ عن حالهِ بصابِه بف ْقدِ وِلدِهِ وحبيِبهِ ‪ ،‬وأنه ابتلهُ بذلك كما ابتلهُ بالتفريق بينَهُ وبيَنهُ‬
‫‪ .‬ومرد الخبارِ عن الشيءِ ل يدلّ على استحسانِ ه ول على المرِ به ول الثّ عليه ‪ ،‬بل‬
‫ل تحزن‬
‫‪40‬‬
‫أمرنا أنْ نستعي َذ بالِ من الزنِ ‪ ،‬فإنّهُ َسحَابَةٌ ثقيلةٌ وليل جاِثٌ طويلٌ ‪ ،‬وعائقٌ ف طريقِ السائرِ‬
‫إل معال المور ‪.‬‬
‫وأجع أربابُ السلوكِ على أنّ حُزْنَ الدنيا غَيْرُ ممودٍ ‪ ،‬إل أبا عثمان البيّ ‪ ،‬فإنهُ قالَ‬
‫‪ :‬الزنُ بكلّ وجهٍ فضيلةٌ ‪ ،‬وزيادةٌ للمؤمنِ ‪ ،‬ما لْ يك ْن بسببِ معصيةٍ ‪ .‬قال ‪ :‬لنهُ إن ل‬
‫يُوجبْ تصيصا ‪ ،‬فإنه يُوجبُ تحيصا ‪.‬‬
‫فيُقالُ ‪ :‬ل رَْيبَ أنهُ منةٌ وبلءٌ من الِ ‪ ،‬بنلةِ الرضِ والمّ والغَمّ وأمّا أنهُ من منازِلِ‬
‫الطريقِ ‪ ،‬فل ‪.‬‬
‫فعليكَ بلب السرورِ واستدعا ِء النشراحِ ‪ ،‬وسؤا ِل الِ الياةَ الطيب َة والعيش َة الرضيّة ‪،‬‬
‫وصفاءَ الاطرِ ‪ ،‬ورحابة البالِ ‪ ،‬فإنا نِعمٌ عاجلة ‪ ،‬حت قالَ بعضُهم ‪ :‬إنّ ف الدنيا جنةً ‪ ،‬منْ‬
‫ل يدخلها ل يدخلْ جنةَ الخرةِ ‪.‬‬
‫وال السؤولُ وَ ْحدَهْ أن يشرح صدورَنا بنورِ اليقيِ ‪ ،‬ويهدي قلوبنا لصراطِهِ الستقيمِ ‪،‬‬
‫وأ ْن ينقذنا من حياةِ الضّنْكِ والضيّقِ ‪.‬‬
‫********************************‬

‫وقفــة‬
‫ب والمّ والزنِ ‪:‬‬
‫هيّا نتفْ ننُ وإياكَ بذا الدعا ِء الارّ الصّادقِ ‪ .‬فإنهُ لِكشفِ الكُرَ ِ‬
‫(( ل إلهَ إل الُ العظيمُ الليم ‪ ،‬ل إله إل الُ ربّ العرشِ العظيمِ ‪ ،‬ل إله إل الُ ربّ‬
‫السمواتِ وربّ الرضِ وربّ العرشِ الكريِ ‪ ،‬يا حيّ يا قيومُ ل إله إل أنتَ برحتك‬
‫أستغيثُ )) ‪.‬‬
‫(( اللهمّ رحتكَ أرجو ‪ ،‬فل تكِلْن إل نفسي طرْ َف َة عَيْنِ ‪ ،‬وأصلحْ ل شأنَ كلّه ‪ ،‬ل‬
‫إله إل أنتَ )) ‪.‬‬
‫(( استغفرُ ال الذي ل إله إل هو اليّ القيومَ وأتوبَ إليه )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪41‬‬
‫((ل إله إل أنت سبحانك إن كنتُ من الظالي )) ‪.‬‬
‫ف حكمُكَ ‪،‬‬
‫(( اللهمّ إن عبدُكً ‪ ،‬ابنُ عبدِك ‪ ،‬ابنُ أمتِك ‪ ،‬ناصيت بيدِك ‪ ،‬ماضٍ ّ‬
‫عدْلٌ فّ قضاؤُك ‪ ،‬أسألك بك ّل اسمٍ هو لك سّيت به نفسك ‪ ،‬أو أنزلتهُ ف كتابكَ ‪ ،‬أو‬
‫ب عندكَ ‪ ،‬أنْ تعل القرآن ربيع‬
‫علّمت ُه أحدا من خلقك ‪ ،‬أو استأثرت به ف علمِ الغي ِ‬
‫قلب ‪ ،‬ونور صدري ‪ ،‬وذهاب هّي ‪ ،‬وجلء حزن )) ‪.‬‬
‫(( اللهمّ إن أعوذُ بك من المّ والزنِ ‪ ،‬وال َعجْز وال َكسَلِ ‪ ،‬والُبخْلِ والُ ْبنِ ‪،‬‬
‫وضل ِع الدْينِ وغلبةِ الرّجالِ )) ‪.‬‬
‫(( حسبنا الُ ونعم الوكيلُ )) ‪.‬‬
‫************************************‬
‫ابتس ْم‬
‫سمٌ للهمومِ ومر َهمٌ للحزانِ ‪ ،‬وله قوةٌ عجيبةٌ ف فرحِ الروحِ ‪،‬‬
‫ضحِكُ العتدلُ ب ْل َ‬
‫ال ّ‬
‫وجَذلِ القلْبِ ‪ ،‬حت قال أبو الدرداء – رضي الُ عنه ‪ : -‬إن لضحك حت يكونَ إجاما‬
‫لقلب ‪ .‬وكان أكرمُ الناس يضحكُ أحيانا حت تبدو نواجذُه ‪ ،‬وهذا ضحكُ العقلءِ‬
‫البصراءِ بداءِ النفسِ ودوائِها ‪.‬‬
‫والضحك ذِروةُ النشراحِ وِقمّةُ الراحةِ وناي ُة النبساطِ ‪ .‬ولكنه ضحكٌ بل إسرافٍ ‪:‬‬
‫(( ل تُكثرِ الضحك ‪ ،‬فإنّ كثرةَ الضحكِ تُميتُ القلبَ )) ‪ .‬ولكنه التوسّط ‪ (( :‬وتبسّمك ف‬
‫وجهِ أخيك صدقةٌ )) ‪ ﴿ ،‬فَتََبسّمَ ضَاحِكا مّن قَوِْلهَا ﴾ ‪ .‬ومن نعيمِ أهلِ النةِ الضحكُ ‪﴿ :‬‬
‫ضحَكُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫فَالْيَوْمَ اّلذِينَ آمَنُواْ ِمنَ الْ ُكفّارِ َي ْ‬
‫وكانتِ العربُ تدحُ ضحوكَ السّنّ ‪ ،‬وتعلُه دليلً على سعةِ النفسِ وجودةِ الكفّ ‪،‬‬
‫وسخاوةِ الطبعِ ‪ ،‬وكرمِ السجايا ‪ ،‬ونداوةِ الاطرِ ‪.‬‬
‫وقالَ زهيٌ ف (( هَرِم )) ‪:‬‬
‫كأنكَ تعطيهِ الذي أنت سائلهُ‬ ‫تراهُ إذا ما جئَتهُ متهلّلً‬
‫ل تحزن‬
‫‪42‬‬
‫والقيقةُ أنّ السلمَ ُبنَ على الوسطيةِ والعتدا ِل ف العقائدِ والعبادات والخل ِ‬
‫ق‬
‫ف قاتٌ ‪ ،‬ول قهقهةٌ مستمرةٌ عابثةٌ لكنه جدّ وقورٌ ‪ ،‬وخفّ ُة روحٍ‬‫والسلوكِ ‪ ،‬فل عبوسٌ مي ٌ‬
‫واثقةٍ ‪.‬‬
‫يقول أبو تام ‪:‬‬
‫صبحُ الؤمّلِ كوكبُ التأمّلِ‬ ‫نفسي فداءُ أب عليّ إنهُ‬
‫ينضُو ويهزلُ عيشُ من ل يهزلِ‬ ‫فَكِ ٌه يمّ الدّ أحيانا وقدْ‬
‫إن انقباضَ الوج ِه والعبوس علمةٌ على تذمّرِ النفسِ ‪ ،‬وغليانِ الاطرِ ‪ ،‬وتعكّرِ الزاجِ ﴿‬
‫سرَ ﴾ ‪.‬‬
‫ُثمّ عََبسَ وََب َ‬
‫* « ولو أن تلقى أخاك بوجهٍ طلْق » ‪.‬‬
‫يقولُ أحد أمي ف « فيْضِ الاطرِ » ‪(( :‬ليس البتسمون للحياة أسعدَ حا ًل لنفسِ ِهمْ‬
‫فقط ‪ ،‬بلْ هم كذلك أقدرُ على العملِ ‪ ،‬وأكث ُر احتمالً للمسؤوليةِ ‪ ،‬وأصلحُ لواجهةِ الشدائدِ‬
‫ومعالةِ الصعابِ ‪ ،‬والتيانِ بعظائ ِم المورِ الت تنفعهُمْ وتنفعُ الناس ‪.‬‬
‫س راضيةٍ باسةٍ ‪ ،‬لخترتُ‬
‫لو خُيّرتُ بي ما ٍل كثيٍ أو منصبٍ خطيٍ ‪ ،‬وبي نف ٍ‬
‫الثانيةَ ‪ ،‬فما الالُ مع العبوسِ ؟! وما النصبُ مع انقباضِ النفسِ ؟! وما كلّ ما ف الياةِ إذا‬
‫ت وقلبتْ‬ ‫كان صاحبُه ضيّقا حرجا كأنه عائدٌ من جنازة حبيبٍ؟! وما جالُ الزوجة إذا عبس ْ‬
‫بيتها جحيما ؟! ليٌ منها – ألفَ مر ٍة – زوجةٌ ل تبلغْ مبلغها ف المالِ وجعلتْ بيتها جنّةً ‪.‬‬
‫ول قيمةَ للبسمةَ الظاهرةِ إل إذا كانتْ منبعثةً ما يعتري طبيعة النسانِ من شذوذ ‪،‬‬
‫فالزهرُ با ِسمٌ والغاباتُ باسةٌ ‪ ،‬والبحارُ والنارُ والسماءُ والنجومُ والطيورُ كلّها باسةٌ ‪ .‬وكان‬
‫النسانُ بطبعهِ باسا لول ما يعرضُ له من طمعٍ وشرّ وأنانيةٍ تعلُهُ عابسا ‪ ،‬فكان بذلك نشازا‬
‫ف نغماتِ الطبيعةِ النسجعةِ ‪ ،‬ومنْ اجلِ هذا ل يرى المال من عبستْ نفسُه ‪ ،‬ول يرى‬
‫القيقةَ من تدنّس قلبُه ‪ ،‬فكلّ إنسانٍ يرى الدنيا من خلل عمِله وفكْرِه وبواعِثه ‪ ،‬فإذا كان‬
‫ل تحزن‬
‫‪43‬‬
‫العملُ طيبا والفكرُ نظيفا والبواعثُ طاهرةً ‪ ،‬كان منظارُه الذي يرى به الدنيا نقيا ‪ ،‬فرأى‬
‫الدنيا جيلةً كما خُلقتْ ‪ ،‬وإلّ تغبّشَ منظارُه‪ ،‬واسودّ زجاجُه ‪ ،‬فرأى كلّ شيء أسود مغبشا‪.‬‬
‫هناك نفوسٌ تستطيعُ أن تصنع من كلّ شيء شقاء ‪ ،‬ونفوسٌ تستطيع أن تصنع من كلّ‬
‫ت ل تقعُ عينُها إل على الطأ ‪ ،‬فاليومُ أسودُ ‪ ،‬لنّ طبقا‬ ‫شيءٍ سعادةً ‪ ،‬هناك الرأ ُة ف البي ِ‬
‫كُسِر ‪ ،‬ولن نوعا من الطعا ِم زاد الطاهي ف ِم ْلحِه ‪ ،‬أو لنا عثرتْ على قطعةٍ من الورقِ ف‬
‫الجرةِ ‪ ،‬فتهيجُ وتسبّ ‪ ،‬ويتعدّى السبابُ إل كلّ منْ ف البيتِ ‪ ،‬وإذا هو شعلةٌ من نارِ ‪،‬‬
‫وهناك رجلٌ ينغّصُ على نفسِه وعلى مَنْ حوله ‪ ،‬مِن كلم ٍة يسمعُها أو يؤوّلا تأويلً سيّئا ‪ ،‬أو‬
‫مِنْ عم ٍل تافِهٍ حدثَ له ‪ ،‬أو حدثَ منه ‪ ،‬أو من رِبْحٍ خسِرهُ ‪ ،‬أو م ْن رِبْحٍ كان ينتظرُه فلم‬
‫يدثُ ‪ ،‬أو نو ذلك ‪ ،‬فإذا الدنيا كلّها سوداءُ ف نظرِه ‪ ،‬ث هو يسوّدُها على منْ حوله ‪.‬‬
‫هؤلء عندهمْ قدرةٌ على البالغةِ ف الشرّ ‪ ،‬فيجعلون من البّ ِة قُبّةً ‪ ،‬ومن البذرةِ شجرةً ‪ ،‬وليس‬
‫عندهمْ قدرةٌ على اليِ ‪ ،‬فل يفرحون با أُوتوا ولو كثيا ‪ ،‬ول ينعمون با نالوا ولو عظيما ‪.‬‬
‫لبّ ف‬ ‫جدّ ف وضعِ الزهارِ والرياحيِ وا ُ‬ ‫الياةُ فنّ ‪ ،‬وفنّ يُتَعّلمُ ‪ ،‬وليٌ للنسانِ أن َي ِ‬
‫حياتهِ ‪ ،‬من أن يدّ ف تكديسِ الالِ ف جيبهِ أو ف مصرفِه ‪ .‬ما الياةُ إذا وُجّهتْ كلّ الهودِ‬
‫ب فيها والمالِ ؟!‬ ‫فيها لمعِ الالِ ‪ ،‬ول يُوجّهْ أيّ جهدٍ لترقيةِ جانب الرح ِة وال ّ‬
‫أكثرُ الناسِ ل يفتحون أعين ُهمْ لباهجِ الياةِ ‪ ،‬وإنا يفتحونا للدرهمِ والدينارِ ‪ ،‬يرّون‬
‫على الديق ِة الغنّاءِ ‪ ،‬والزهارِ الميلةِ ‪ ،‬والا ِء التدفّقِ ‪ ،‬والطيورِ الغرّدةِ ‪ ،‬فل يأبون لا ‪ ،‬وإنا‬
‫يأبون لدينارٍ يدخلُ ودينارٍ يرجُ ‪ .‬ق ْد كان الدينارُ وسيلةً للعيشةِ السعيدةِ ‪ ،‬فقلبوا الوضع‬
‫وباعوا العيشة السعيدة من أجلِ الدينارِ ‪ ،‬وقد ُركّبتْ فينا العيونُ لنظرِ المالِ ‪ ،‬فعوّدناها أل‬
‫تنظر إلّ إل الدينارِ ‪.‬‬
‫ليس يعبّسُ النفس والوجه كاليأسِ ‪ ،‬فإنْ أردت البتسامُ فحارب اليأس ‪ .‬إن الفرصة‬
‫سانةً لك وللناسِ ‪ ،‬والنجاحُ مفتوحٌ بابُه لك وللناسِ ‪ ،‬فعوّدْ عقلك تفتّح المل ‪ ،‬وتوقّع اليِ‬
‫ف الستقبلِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪44‬‬
‫إذا اعتقدت أنك ملوقٌ للصغيِ من المورِ لْ تبلغْ ف الياةِ إل الصغي ‪ ،‬وإذا اعتقدت‬
‫أنك ملوقٌ لعظائمِ المورِ شعرت بمّةٍ تكسرُ الدود والواجز ‪ ،‬وتنفذُ منها إل الساحةِ‬
‫الفسيحةِ والغرضِ السى ‪ ،‬و ِمصْداقُ ذلك حادثٌ ف الياةِ الاديةِ ‪ ،‬فمنْ دخل مسابقة مائةِ‬
‫مترٍ شعر بالتعبِ إذا هو قطعها ‪ ،‬ومن دخل مسابقة أربعمائِةِ مترٍ لْ يشعرْ بالتعبِ من الائةِ‬
‫والائتيِ ‪ .‬فالنفسُ تعطيك من المّةِ بقد ِر ما تدّدُ من الغرضِ ‪ .‬حدّدْ غرضك ‪ ،‬وليكنْ ساميا‬
‫صعْب النالِ ‪ ،‬ولكنْ ل عليك ف ذلك ما دمت كلّ يومٍ تطو إليه خطوا جديدا ‪ .‬إنا يصدّ‬
‫س وفقدانُ الملِ ‪ ،‬والعيشةُ السيئةُ برؤيةِ الشرورِ‬ ‫النفس ويعّبسَها ويعلُها ف سجنٍ مظلمٍ ‪ :‬اليأ ُ‬
‫ق بالديثِ عن سيئاتِ العالِ ل غي ‪.‬‬ ‫‪ ،‬والبحثِ عن معايبِ الناسِ ‪ ،‬والتشدّ ِ‬
‫ب ينمّي ملكاتهِ الطبيعيةِ ‪ ،‬ويعادلُ بينها‬ ‫وليس يُوفّقُ النسانُ ف شيء كما يُوفّقُ إل مُرَ ّ‬
‫ويوسّعُ أفقه ‪ ،‬ويعوّد ُه السماحةَ وسَعةَ الصدرِ ‪ ،‬ويعلّمهُ أن خَيْرَ غرضٍ يسعى إليهِ أن يكونَ‬
‫مصدرَ خيٍ للناس بقدرِ ما يستطيعُ ‪ ،‬وأنْ تكون نفسُه شسا مشعّةً للضو ِء والبّ واليِ ‪،‬‬
‫وأنْ يكون قلبُه ملوءا عطفا وبرا وإنسانية ‪ ،‬وحبا ليصالٍ اليِ لكلّمن اتصل به ‪.‬‬
‫ب فيلذّها التغّلبُ عليها ‪ ،‬تنظرُها فتبسّم ‪ ،‬وتعالها فتبسمْ ‪،‬‬ ‫س الباسةُ ترى الصعا َ‬ ‫النف ُ‬
‫وتتغلبْ عليها فتبسمْ ‪ ،‬والنفسُ العابسةُ ل ترى صعابا فتخلفها ‪ ،‬وإذا رأتْها أكبتْها‬
‫واستصغرتْ هّتها وتعلّلتْ بلو وإذا وإنْ ‪ .‬وما الدهرُ الذي يلعنُه إل مزاجُه وتربيتُه ‪ ،‬إنه يؤدّ‬
‫النجاح ف الياةِ ول يريدُ أن يدفع ثََنهُ ‪ ،‬إنه يرى ف كلّ طريق أسدا رابضا ‪ ،‬إنه ينتظرُ حت‬
‫تطرَ السماءُ ذهبا أو تنش ّق الرضُ عن كَنْزٍ ‪.‬‬
‫إن الصعابَ ف الياةِ أمورٌ نسبيةٌ ‪ ،‬فكلّ شيءٍ صَ ْعبٌ جدا عند النفسِ الصغيةِ جدا ‪،‬‬
‫ول صعوبة عظيمةً عند النفسِ العظيمةِ ‪ ،‬وبينما النفسُ العظيمةُ تزداد عظمةً بغالبةِ الصّعابِ إذا‬
‫بالنفوس الزيلةِ تزدا ُد سقما بالفرارِ منها ‪ ،‬وإنا الصعابُ كالكلبِ العقورِ ‪ ،‬إذا رآك خفت منهُ‬
‫حكَ وعدا وراءك ‪ ،‬وإذا رءاك تزأُ به ول تعيه اهتماما وتبقُ له عينك ‪ ،‬أفسح‬ ‫وجرْيتَ ‪ ،‬نََب َ‬
‫الطريق لك ‪ ،‬وانكمش ف جلدِه منك ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪45‬‬
‫ثّ ل شيء أقتلُ للنفسِ من شعورِها بضَعَتِها وصِغَرِ شأنِها وقلّ ِة قيمتهِا ‪ ،‬وأنا ل يكنُ‬
‫أن يصدر عنها عملٌ عظيمٌ ‪ ،‬ول يُنتظرُ منها خ ٌي كبيٌ ‪ .‬هذا الشعورُ بالضّعةِ يُف ِقدُ النسان‬
‫الثقة بنفسِه واليان بقوتِها ‪ ،‬فإذا أقدم على عملٍ ارتاب ف مقدرتِه وف إمكانِ ناحِه ‪،‬‬
‫وعاله بفتو ٍر ففشِلَ فيهِ ‪ .‬الثقةُ بالنفس فضيل ٌة كبى عليها عمادُ النجاحِ ف الياةِ ‪ ،‬وشتّان‬
‫بينها وبي الغرورِ الذي يُعدّ رذيلةً ‪ ،‬والفرقُ بينهما أنّ الغرور اعتمادُ النفسِ على اليالِ وعلى‬
‫الكِبْرِ الزائفِ ‪ ،‬والثقةُ بالنفس اعتمادُها على مقدرتِها على تمّلِ السؤوليةِ ‪ ،‬وعلى تقويةِ‬
‫ملكاتِها وتسيِ استعدادِها )) ‪.‬‬
‫يقول إيليا أبو ماضي ‪:‬‬
‫قلتُ‪ :‬ابتسمْ يكفي التج ّهمُ ف السما !‬ ‫قالَ ‪ « :‬السماءُ كئيبةٌ ! » وتهّما‬
‫لن يُرجعَ السفُ الصبّا التصرّما !‬ ‫قالَ ‪ :‬الصّبا ولّى ! فقلتُ لهُ ‪ :‬ابتسمْ‬
‫ت لنفسي ف الغرامِ جهنّما‬ ‫صار ْ‬ ‫قالً ‪ :‬الت كانتْ سائي ف الوى‬
‫قلب ‪ ،‬فكيف أُطيقُ أن أتبسّما !‬ ‫خانتْ عهودي بعدما ملّكتُها‬
‫قضّْيتَ عمركَ كلّه متألّا !‬ ‫قلتُ ‪ :‬ابتسمْ واطربْ فلوْ قارنْتَها‬
‫مثلُ السافرِ كاد يقتلهُ الظّما‬ ‫قالَ ‪ :‬التّجارةُ ف صراعٍ هائلٍ‬
‫لدمٍ ‪ ،‬وتن ُفثُ كلمّا لثتْ دَمَا !‬ ‫أو غادةٍ مسْلولةٍ متاجةٍ‬
‫وشِفائها ‪ ،‬فإذا ابتسمت فربّما ‪..‬‬ ‫قلتُ ‪ :‬ابتسمْ ‪ ،‬ما أنت جالبَ دائها‬
‫وجلٍ كأنك أنت صرت ا ُلجْرما ؟‬ ‫أيكونُ غيُك مرما ‪ ،‬وتبيتُ ف‬
‫لمَى ؟‬ ‫أَأُسَرّ والعداءُ حول ف ا ِ‬ ‫ت صيحاتُ ُهمْ‬ ‫قال ‪ :‬العِدى حول عل ْ‬
‫لو ل تَ ُك ْن منهمْ أجلّ وأعظما !‬ ‫قلتُ ‪ :‬ابتسمْ ل يطلبوك بذمّهمْ‬
‫س والدّمى‬ ‫وتعرّضتْ ل ف اللب ِ‬ ‫قال ‪ :‬الواسمُ قد بدتْ أعلمُها‬
‫لكنّ كفّي ليسَ تلكُ درها‬ ‫ض لزمٌ‬ ‫وعليّ للحبابِ فر ٌ‬
‫حيا ‪ ،‬ولستَ من الحبّةِ مُعدما !‬ ‫قلتُ ‪ :‬ابتسمْ يكفيك أنّك ل تزلْ‬
‫قلتُ ‪ :‬ابتسمْ ‪ ،‬ولئنْ ُجرّعتَ العلقما‬ ‫قال ‪ :‬الليال جرّعتن علقما‬
‫طَ َرحَ الكآبة جانبا وترنّما‬ ‫فلعلّ غيكَ إن رآك مرنّما‬
‫ل تحزن‬
‫‪46‬‬
‫أم أنت تسرُ بالبشاشةِ مغنما ؟‬ ‫أتُراك تغن ُم بالتبّمِ درها‬
‫تتثلّما ‪ ،‬والوجهِ أنْ يتحطّما‬ ‫يا صاحِ ل خطرٌ على شفتيك أنْ‬
‫جى متل ِطمٌ ‪ ،‬ولذا نبّ النُما !‬ ‫شهْبَ تضحكُ والدّ‬ ‫ك فإنّ ال ّ‬ ‫فاضح ْ‬
‫يأت إل الدنيا ويذهبُ مُرْغَما‬ ‫قال ‪ :‬البشاشةُ ليس تُسعِ ُد كائنا‬
‫شبٌ ‪ ،‬فإنّك بعدُ لنْ تتبسّما‬ ‫قلت ‪ :‬ابتسم مادام بينك والردّى‬
‫ف الروحِ‬
‫صدْرِ وأرييّةِ الُلُقِ ‪ ،‬ولط ِ‬
‫ما أحوجنا إل البسمةِ وطلقةِ الوجهِ ‪ ،‬وانشراحِ ال ّ‬
‫وليِ الانبِ ‪(( ،‬إنّ ال أوحى إلّ تواضعوا ‪ ،‬حت ل يبغي أحدٌ على أحدٍ ول يفخر أحدٌ‬
‫على أحدٍ )) ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫وقفــــة‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنك جرّبتَ الزن بالمسِ فما نَفَعَكَ شيئا ‪ ،‬رَ َسبَ ابنُك فحزنتَ ‪ ،‬فهل‬
‫َنجَحَ؟! مات والدُك فحزنت فهل عادَ حيّاَ ؟! خسِرت تارتُك فحزنت‪ ،‬فهل عادتْ السائرُ‬
‫أرباحا؟!‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنك حزنت من الصيب ِة فصارتْ مصائبَ ‪ ،‬وحزنتَ من الفق ِر فازْددْتَ‬
‫نَكَدا ‪ ،‬وحزنتَ من كلم أعدائك فأعنتهمْ عليك ‪ ،‬وحزنْت من توقّع مكرو ٍه فما وقع ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فإنهُ لنْ ينفعك مع الُزْن دارٌ واسعةٌ ‪ ،‬ول زوجةٌ حسناءُ ‪ ،‬ول ما ٌل وفيٌ ‪،‬‬
‫ول منصبٌ سامٍ ‪ ،‬ول أولدٌ نُجباءُ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ الُزْنَ يُريك الاءَ الزللَ علْقما ‪ ،‬والوردةَ حَنْظََلةً ‪ ،‬والديقةَ صحراءَ‬
‫قاحلةً ‪ ،‬والياة سجنا ل يُطاقُ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬وأنت عندك عينانِ وأذنانِ وشفتانِ ويدانِ ورجلنِ ولسانٌ ‪ ،‬وجَنَانٌ وأمنٌ‬
‫وأمانٌ وعافيةٌ ف البدانِ ‪ ﴿ :‬فَبَِأيّ آلَاء رَبّ ُكمَا تُ َكذّبَانِ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬ولك دينٌ تَعْتَقِدُهُ ‪ ،‬وبيتٌ تسكُُنهُ ‪ ،‬وخبزٌ تأكلُه ‪ ،‬وماءٌ تشرُبهُ ‪ ،‬وثوبٌ‬
‫تَلَْبسُهُ ‪ ،‬وزوجةٌ تأوي إليها ‪ ،‬فلماذا تزنْ ؟!‬
‫ل تحزن‬
‫‪47‬‬
‫**********************************‬
‫نعمة الل‬
‫اللُ ليس مذموما دائما ‪ ،‬ول مكروها أبدا ‪ ،‬فقدْ يكونُ خيا للعبدِ أنْ يتَأّلمَ ‪.‬‬
‫ب زَمَنَ‬ ‫إنّ الدعاء الارّ يأت مع اللِ ‪ ،‬والتسبيحَ الصادقَ يصاحبُ اللَمَ ‪ ،‬وتألّم الطال ِ‬
‫التحصيلِ وحْله لعباءِ الطلبِ يُثمرُ عالا َجهْبَذا ‪ ،‬لنهُ احترق ف البدايةِ فأشرق ف النهايةِ‪.‬‬
‫وتألّم الشاعرِ ومعاناتُه لا يقولُ تُنتجُ أدبا مؤثرا خلّبا ‪ ،‬لنه انقدحَ مع اللِ من القلبِ‬
‫والعصبِ والدمِ فهزّ الشاعرَ وحرّكَ الفئدةَ ‪ .‬ومعاناة الكاتبِ تُخرجُ نِتاجا حيّا جذّابا يورُ‬
‫بالعِبِ والصورِ والذكرياتِ ‪.‬‬
‫إ ّن الطالبَ الذي عاشَ حياةَ الدّعةِ والراحةِ ول تلْذعْ ُه الَزَمَاتُ ‪ ،‬ولْ ت ْكوِهِ الُِلمّاتُ ‪،‬‬
‫إنّ هذا الطالبَ يبقى كسولً مترهّلً فاترا ‪.‬‬
‫وإنّ الشاعر الذي ما عرفَ اللَ ول ذاقَ الر ول ترّع ال ُغصَصَ ‪ ،‬تبقى قصائدهُ رُكاما‬
‫ص الديثِ ‪ ،‬وكُتلً من زبدِ القولِ ‪ ،‬لنّ قصائدَهُ خر َجتْ من لسانِهِ ول ت ُرجْ من‬ ‫من رخي ِ‬
‫وجدانِهِ ‪ ،‬وتلفّظ با فهمه ول ي ِعشْها قلبُه وجواِنحُهُ ‪.‬‬
‫وأسى من هذهِ المثلةِ وأرفعُ ‪ :‬حياةُ الؤمني الوّلي الذين عاشوا فجْرَ الرسالةِ ومَولِدَ‬
‫اللّةِ ‪ ،‬وبدايةَ البَ ْعثِ ‪ ،‬فإنُم أعظمُ إيانا ‪ ،‬وأب ّر قلوبا ‪ ،‬وأصدقُ لْجةً ‪ ،‬وأعْمقُ عِلمْا ‪ ،‬لنم‬
‫عاشوا ا َللَمَ والعاناةَ ‪ :‬ألَ الوع والفَقْرِ والتشريدِ ‪ ،‬والذى والطردِ والبعادِ‪ ،‬وفراقَ الألوفاتِ‬
‫‪ ،‬و َهجْرَ الرغوباتِ ‪ ،‬وألَ الراحِ ‪ ،‬والقتلِ والتعذيبِ ‪ ،‬فكانوا بقّ الصفوة الصافيةَ ‪ ،‬والثلّةَ‬
‫ا ُلجْتَبَاةَ ‪ ،‬آياتٍ ف الطهرِ ‪ ،‬وأعلما ف النبل ‪ ،‬ورموزا ف التضحية ‪ ﴿ ،‬ذَلِكَ ِبأَّنهُمْ لَ‬
‫صةٌ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ وَلَ يَطَؤُونَ مَوْطِئا َيغِيظُ الْ ُكفّارَ وَلَ‬
‫ُيصِيبُ ُهمْ َظمَأٌ وَلَ َنصَبٌ وَلَ َمخْ َم َ‬
‫﴾‪.‬‬ ‫حسِنِيَ‬
‫يَنَالُونَ ِمنْ َعدُوّ نّ ْيلً إِلّ كُتِبَ َلهُم ِب ِه َعمَلٌ صَاِلحٌ ِإنّ ال ّلهَ لَ ُيضِيعُ أَ ْجرَ اْل ُم ْ‬
‫لمّى فأنشدَ‬
‫س قدّموا أروعَ نتِا َج ُهمْ ‪ ،‬لنم تألّوا ‪ ،‬فالتنب وعَكَتْه ا ُ‬
‫وف عال الدنيا أنا ٌ‬
‫رائعته ‪:‬‬
‫فليسَ تزورُ إلّ ف الظلمِ‬ ‫وزائرت كأنّ با حياءَ‬
‫ل تحزن‬
‫‪48‬‬
‫والنابغةُ خ ّوفَ ُه النعمانُ بنُ النذرِ بالقتلِ ‪ ،‬فقدّم للناس ‪:‬‬
‫إذا طلعتْ ل يْبدُ منهنّ كَوكبُ‬ ‫فإنكَ شسٌ واللو ُك كواكبٌ‬
‫وكثيٌ أولئك الذين أَثْرَوا الياةَ ‪ ،‬لنم تألّوا ‪.‬‬
‫إذنْ فل تزعْ من الل ول َتخَفَ من العاناةِ ‪ ،‬فربا كانتْ قوةً لك ومتاعا إل حي ‪،‬‬
‫لوَى ملذوعَ النفسِ ؛ أرقّ وأصفى من أن تعيشَ باردَ‬ ‫فإنكَ إنْ تعشْ مشبوبَ الفؤادِ مروقَ ا َ‬
‫الشاعرِ فات َر الِمّةِ خامدَ النّفْسِ ‪ ﴿ ،‬وَلَـكِن َكرِهَ ال ّلهُ انِبعَاَث ُهمْ فَثَبّ َط ُهمْ وَقِيلَ ا ْق ُعدُواْ مَعَ‬
‫اْلقَا ِعدِينَ ﴾‬
‫ذكرتُ بذا شاعرا عاش العانا َة والسى وألَ الفراقِ وهو يلفظُ أنفاسَه الخيةَ ف‬
‫لسْنِ ‪ ،‬ذائعةِ الشّهرةِ بعيدةٍ عن التكلّف والتزويق ‪ :‬إنه مالك بن الرّيب ‪ ،‬يَرثي‬ ‫قصيدةٍ بديعةِ ا ُ‬
‫نفسه ‪:‬‬
‫وأصبحتُ ف جيش ابنِ عفّانَ غازيَا‬ ‫َألَمْ تَرَن بِ ْعتُ الضّلَلةَ با ُلدَى‬
‫بَنِيّ بأعلى الرقمتيْن وماليا‬ ‫فللهِ َدرّي يومَ أُتْرَكُ طائعا‬
‫برابيةٍ إنّي مقي ٌم لياليا‬ ‫فيا صاحِبَيْ رحلي دنا الوتُ فانزل‬
‫ول تُعجِلن قد تبيّن ما بيا‬ ‫أقيما عليّ اليومَ أوْ بَعْضَ ليلةٍ‬
‫ورُدّا على عَيْنَيّ فضلَ ردائيا‬ ‫وخُطا بأطرافِ السنةِ مضجعي‬
‫مِن الرضِ ذاتِ العَرْض أنْ تُوسِعَا ليا‬ ‫ول تسُدان بارَك الُ فيكما‬

‫إل آخرِ ذاكَ الصوتِ الته ّدجِ ‪ ،‬والعوي ِل الثاكل ‪ ،‬والصرخةِ الفجوعةِ الت ثارتْ حما‬
‫م ْن قلبِ هذا الشاعرِ الفجوعِ بنفسهِ الصابِ ف حياتهِ ‪.‬‬
‫إن الوعظَ الحترقَ َتصِ ُل كلماتُه إل شِغافِ القلوبِ ‪ ،‬وتغوصُ ف أعماقِ الرّوحِ لنه‬
‫يعيشُ اللَ والعاناةَ ﴿ َفعَ ِلمَ مَا فِي قُلُوِب ِهمْ فَأَنزَلَ السّكِيَنةَ عَلَيْ ِهمْ وَأَثَاَب ُهمْ فَتْحا َقرِيبا ﴾ ‪.‬‬
‫حت يكونَ حشاكَ ف أحشائِه‬ ‫ل تعذلِ الشتاقَ ف أشواقِه‬
‫لقد رأيتُ دواوينَ لشعراءَ ولكنها باردةً ل حياةَ فيها‪ ،‬ول روح لنمْ قالوها بل عَناء ‪،‬‬
‫ونظموها ف رخاء ‪ ،‬فجاءتْ قطعا من الثلجِ وكتلً من الطيِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪49‬‬
‫صتِ ذرّةً ‪ ،‬لنم‬
‫ت ف الوعظِ ل ت ّز ف السامعِ شعرةً ‪ ،‬ول ترّكُ ف الُْن ِ‬
‫ورأيتُ مصنّفا ٍ‬
‫يقولونَها بل حُرْق ٍة ول لوعةٍ ‪ ،‬ول ألٍ ول معاناةٍ‪َ﴿ ،‬يقُولُونَ ِبأَفْوَا ِههِم مّا لَ ْيسَ فِي قُلُوِب ِهمْ﴾ ‪.‬‬
‫فإذا أردتَ أن تؤثّر بكلمِك أو بشعْرِك ‪ ،‬فاحترقْ به أنت قَبْلُ ‪ ،‬وتأثّرْ به وذقْه وتفاعلْ‬
‫مَعَهُ ‪ ،‬وسوفَ ترى أنك تؤثّر ف الناس ‪ ﴿،‬فَِإذَا أَنزَلْنَا عَلَ ْيهَا اْلمَاء اهَْتزّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن‬
‫كُلّ زَوْجٍ َبهِيجٍ ﴾ ‪.‬‬
‫************************************‬
‫نعمة العرفة‬
‫ك عَظِيما ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َوعَ ّلمَكَ مَا َلمْ تَ ُكنْ َتعْ َلمُ وَكَانَ َفضْلُ ال ّل ِه عَلَيْ َ‬
‫ت للضميِ وذَْبحٌ للحياةِ ‪ ،‬ومَحْقٌ للعمرِ ﴿ إِنّي َأعِ ُظكَ أَن تَكُونَ ِمنَ‬
‫الهلُ مو ٌ‬
‫اْلجَاهِ ِليَ ﴾ ‪.‬‬
‫والعلمُ نو ٌر البصية ‪ ،‬وحياةٌ للروحِ ‪ ،‬ووَقُودٌ للطبعِ ‪ ﴿ ،‬أَوَ مَن كَانَ مَيْتا َفأَحْيَيْنَاهُ‬
‫وَ َجعَلْنَا َلهُ نُورا َي ْمشِي ِبهِ فِي النّاسِ َكمَن مّثَ ُلهُ فِي الظّ ُلمَاتِ لَ ْيسَ ِبخَارِجٍ مّ ْنهَا ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ السرورَ والنشراحَ يأت معَ العلم ‪ ،‬ل ّن العلمَ عثورٌ على الغامضِ ‪ ،‬وحصولٌ على‬
‫ف للمستورِ ‪ ،‬والنفسُ مُولَعةٌ بعرف ِة الديدِ والطلعِ على ا ُلسْتَطْرَفِ ‪.‬‬‫الضّالّة ‪ ،‬واكتشا ٌ‬
‫أمّا اله ُل فهوَ مَلَلٌ وحُزْنٌ ‪ ،‬لنه حياةٌ ل جدي َد فيها ول طريفَ ‪ ،‬و ل مستعذَبا ‪،‬‬
‫أمسِ كاليومِ ‪ ،‬واليومَ كالغدِ ‪.‬‬
‫فإنْ كنتَ تريدُ السعاد َة فاطلبِ العلمَ وابثْ عن العرفةِ وحصّل الفوائدَ ‪ ،‬لتذهبَ عن َ‬
‫ك‬
‫الغمو ُم والمومُ والحزانُ ‪ ﴿ ،‬وَقُل رّبّ ِزدْنِي عِلْما ﴾ ‪ ﴿ ،‬ا ْقرَأْ بِا ْسمِ رَبّكَ اّلذِي خَ َلقَ ﴾‬
‫‪(( .‬من يردِ الُ به خيا يفقّههُ ف الدينِ ))‪ .‬ول يفخرْ أحدٌ بالِهِ أو با ِههِ ‪ ،‬وهو جاه ٌل صفْرٌ‬
‫من العرفةِ ‪ ،‬فإنّ حياتَه ليستْ تامّةً وعمرُه ليس كاملً ‪ ﴿ :‬أَ َفمَن َيعْ َلمُ أَّنمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن‬
‫حقّ َكمَنْ هُوَ َأ ْعمَى ﴾ ‪.‬‬
‫رَبّكَ اْل َ‬
‫قال الزمشريّ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪50‬‬
‫مِنَ َوصْلِ غانيةٍ وطِيبِ عنِا ِ‬
‫ق‬ ‫سهري لتنقيحِ العلومِ ألذّ ل‬
‫أشهى وأحلى من مُدامةِ ساقي‬ ‫وتايُلي طرَبا للّ عويصةٍ‬
‫أحلى من الدّوْكا ِء والعشّاقِ‬ ‫وصريرُ أقلمي على أوراقها‬
‫نقري لُلقي الرملَ عن أوراقي‬ ‫وألذّ من نقرِ الفتا ِة لدُفّها‬
‫كمْ بي ُمسْتَغْلٍ وآخ َر راقي‬ ‫يا مَ ْن ياول بالمان رُتْبت‬
‫نوما وتبغي بعدَ ذاكَ لِاقي‬ ‫أأبيتُ سهران الدّجى وتبيتهُ‬
‫ما أشرفَ العرفة ‪ ،‬وما أفرحَ النفسَ با ‪ ،‬وما أثل َج الصدرَ ببْدها ‪ ،‬وما أرحبَ الاطرَ‬
‫بنولا ‪ ﴿ ،‬أَ َفمَن كَا َن عَلَى بَيَّنةٍ مّن رّّبهِ َكمَن زُّينَ َلهُ سُو ُء عَمَ ِلهِ وَاتَّبعُوا أَ ْهوَاء ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫فن السرور‬
‫من أعظ ِم النعمِ سرورُ القلبِ ‪ ،‬واستقرارُه وهدوؤُهُ ‪ ،‬فإنّ ف سرورهِ ثباتُ الذه ِن‬
‫وجود ِة النتاجِ وابتهاجِ النفسِ ‪ ،‬وقالوا‪ .‬إنّ السرورَ فنّ يُدرّسُ ‪ ،‬فمنْ عرفَ كيفَ يلبُه‬
‫ويصلُ عليه ‪ ،‬ويظى به استفادَ من مباهجِ اليا ِة ومسارِ العيشِ ‪ ،‬والنعمِ الت من بيِ يديْه‬
‫ومن خلفِه‪ .‬والصلُ الصيلُ ف طلبِ السرورِ قوةُ الحتمالِ ‪ ،‬فل يهتزّ من الزواب ِع ول يتحرّكُ‬
‫ق النّفْسُ ‪.‬‬
‫للحوادثِ ‪ ،‬ول ينعجُ للتوافِهِ ‪ .‬وبسبِ قوةِ القلبِ وصفائِهِ ‪ ،‬تُشر ُ‬
‫إن َخ َورَ الطبيع ِة وضَعْفَ القاومةِ وجَ َزعَ النفسِ ‪ ،‬رواحلُ للهمومِ والغمومِ والحزانِ ‪،‬‬
‫فمنْ عوّد نفسَه التصبّر والتجّلدَ هانتْ عليه الزعجاتُ ‪ ،‬وخ ّفتْ علي ِه الزماتُ ‪.‬‬
‫فأهونُ ما ترّ به الوحولُ‬ ‫إذا اعتاد الفت خوضَ النايا‬
‫سبُ ‪،‬‬‫حْ‬‫ومن أعدا ِء السرو ِر ضيِ ُق الُفُقِ ‪ ،‬وضحالَةَ النظرةِ ‪ ،‬والهتمامُ بالنفس فَ َ‬
‫سهُمْ ﴾ ‪ ،‬فكأن هؤلءِ‬
‫ونسيانُ العالِ وما فيه ‪ ،‬والُ قدْ وصفَ أعداءَهُ بأنمْ ﴿ أَ َهمّ ْتهُمْ أَن ُف ُ‬
‫القاصرينَ يَ َروْن ال َكوْنَ ف داخلِهم ‪ ،‬فل يفكّرونَ ف غيِ ِهمْ ‪ ،‬ول يعيشوَن لسوا ُهمْ ‪ ،‬ول‬
‫يهتمّونَ للخرينَ ‪ .‬إنّ عليّ وعليكَ أنْ نََتشَا َغلَ عن أنفسِنَا أحيانا ‪ ،‬ونبتعد عن ذواتِنا أزمانا‬
‫لِنَنْسَى جراحَنا وغمومَنا وأحزانَنا ‪ ،‬فنكسبَ أمرْين ‪ :‬إسعادَ أنفسنِا ‪ ،‬وإسعادَ الخرين‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪51‬‬
‫من الصو ِل ف فنّ السرورِ ‪ :‬أن تُلجمَ تفكيَكَ وتعصمهَ ‪ ،‬فل يتفّلتُ ول يهربُ ول‬
‫يطيشُ ‪ ،‬فإنك إنْ تركتَ تفكيَكَ وشأَنهُ َجمَحَ وطَفَحَ ‪ ،‬وأعادَ عليكَ مَلفّ الحزانِ وقرَأ‬
‫عليكَ كتابَ الآسي منذُ ولدتْكَ أمّكَ‪ .‬إ ّن التفكيَ إذا شردَ أعادَ لك الاضي الريحَ وجرجَرَ‬
‫الستقبلَ الخيفَ ‪ ،‬فزلزلَ أركانَك ‪ ،‬وهزّ كيانَك وأحرقَ مشاعرَك ‪ ،‬فاخطمْه بطامِ التوجّهِ‬
‫الادّ الركّزِ على العملِ الثمرِ الفيدِ ‪ ﴿ ،‬وََتوَكّ ْل عَلَى اْلحَيّ اّلذِي لَا َيمُوتُ ﴾ ‪.‬‬
‫ومن الصول أيضا ف دراسةِ السرورِ ‪ :‬أنْ تُعطيَ اليا َة قيمتَها ‪ ،‬وأنْ تُنلَهَا منلتها ‪،‬‬
‫فهي ْلوٌ ‪ ،‬ول تستحقّ منكَ إل العراضَ والصدودَ ‪ ،‬لنا أمّ الجْرِ ومُرضِعةُ الفجائعِ ‪،‬‬
‫وجالب ُة الكوارثِ ‪ ،‬فمَنْ هذه صفتُها كيف يُهتمّ با ‪ ،‬ويُحزنُ على ما فات منها‪ .‬صفُوها كَ َدرٌ‬
‫‪ ،‬وبرقُها خُّلبٌ ‪ ،‬ومواعيدُها سرابٌ بقيِعةٍ ‪ ،‬مولودُها مفقودٌ ‪ ،‬وسيدُها مسودٌ ‪ ،‬ومن ّعمُها‬
‫مهدّدٌ ‪ ،‬وعاشقُها مقتولٌ بسيفِ َغ ْدرِها ‪.‬‬
‫ب البَيْ ِن فيها يَنْ ِعقُ‬
‫أبدا غُرا ُ‬ ‫أًبَن أَبِينا ننُ أهلُ منازلِ‬
‫جعْت ُهمُ الدنيا فلمْ يتفرّقوا‬ ‫نبكي على الدنيا وما مِنْ معشرٍ‬
‫كَنَزْوا الكنوزَ فل بقيَ ول بَقُوا‬ ‫أينَ الَبَابِرَةُ الكاسر ُة الُل‬
‫حوَاه لدٌ ضَيّقُ‬ ‫حت ثَوى ف َ‬ ‫مِن كلّ مَنْ ضاقَ ال َفضَاءُ‬
‫أنّ الكلمَ لم َحلَلٌ مُطلَقُ‬ ‫خُرْسٌ إذا نُودوا كأنْ لْ يعلمُوا‬
‫ل ْلمُ بالتحّلمِ )) ‪.‬‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬إنا العلمُ بالتعّلمِ وا ِ‬
‫وف فنّ الدابِ ‪ :‬وإنا السرورُ باصطناعِه واجتلبِ َب ْ‬
‫سمَتِهِ ‪ ،‬واقتناصِ أسبابِهِ ‪،‬‬
‫ف بوادرِه ‪ ،‬حت يكونَ طبْعا ‪.‬‬‫وتكلّ ِ‬
‫إن الياةَ الدّنيا ل تستحقّ منا العبوسَ والتذمّرَ والتبّمَ ‪.‬‬
‫ما هذهِ الدنيا بدارِ قرارِ‬ ‫حُ ْكمُ النيّةِ ف البيةِ جارِي‬
‫ألفيْتَهُ خَبَرا مِن الخبارِ‬ ‫بينا تَرَى النسان فيها ُمخْبِرا‬
‫صَفْوا من القذارِ والكدارِ‬ ‫طُبِ َعتْ على َكدَرٍ‪ ،‬وأنتَ‬
‫مُتطّلبٌ ف الاء ُج ْذوَ َة نارِ‬ ‫ضدّ طباعِها‬ ‫ومكلّفُ اليّا ِم ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪52‬‬
‫ب فيها أنكَ ل تستطيعُ أنْ تنعَ من حياِتكَ كلّ آثارِ الزنِ ‪ ،‬لنّ‬
‫والقيقةُ الت ل ري َ‬
‫الياة َخُلقتْ هكذا ﴿ َل َقدْ خَ َلقْنَا اْلإِنسَانَ فِي كََبدٍ ﴾ ‪ ﴿ ،‬إِنّا خَ َلقْنَا الْإِنسَانَ مِن نّ ْط َفةٍ‬
‫َأ ْمشَاجٍ نّبْتَلِيهِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬لِيَبْلُوَ ُكمْ أَيّ ُكمْ أَ ْحسَ ُن َعمَلً ﴾ ‪ ،‬ولكنّ القصودَ أن تفّفُ من حزنِك‬
‫وهّك وغمّك ‪ ،‬أما قَ ْطعُ الُزْنِ بالكليّ ِة فهذا ف جناتِ النعيمِ ؛ ولذلك يقولُ النعمون ف النة‬
‫حزَنَ ﴾ ‪ .‬وهذا دليلٌ على أنهُ ل يذهبْ عنهُ إل هناكَ ‪،‬‬
‫ح ْمدُ ِل ّلهِ اّلذِي َأذْهَبَ عَنّا اْل َ‬
‫‪ ﴿ :‬اْل َ‬
‫صدُورِهِم مّ ْن غِلّ ﴾ ‪ ،‬فمنْ عَرَفَ‬
‫كما أنّ كلّ الغِ ّل ل يذهبُ إل ف النةِ ‪ ﴿ ،‬وََن َزعْنَا مَا فِي ُ‬
‫حالةَ الدنيا وصفتها ‪َ ،‬ع َذرَها على صدودِها وجفائِها و َغ ْدرِها ‪ ،‬و َعِلمَ ان هذا طبعُها وخلُقُها‬
‫ووصفُها ‪.‬‬
‫فكأّنا َحلَ َفتْ لنا أنْ ل تَفِي‬ ‫حلفتْ لنا أ ْن ل تون عهودَنا‬
‫فإذا كان الالُ ما وصفْنا ‪ ،‬والمرُ ما ذكرنا ‪ ،‬فح ِريّ بالريبِ النابِهِ أنْ ل يُعينَها على‬
‫نفسِه ‪ ،‬بالستسل ِم للكدرِ والمّ والغمّ والزنِ ‪ ،‬بل يدافعُ هذه النغصاتِ بكلّ ما أوتَ من‬
‫قوةٍ ‪﴿ ،‬وََأ ِعدّواْ َلهُم مّا اسْتَ َطعْتُم مّن قُوّةٍ َومِن رّبَاطِ اْلخَيْلِ ُترْهِبُونَ ِب ِه َعدْوّ ال ّلهِ َو َعدُوّ ُكمْ﴾‬
‫ض ُعفُواْ َومَا اسْتَكَانُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫‪َ ﴿ ،‬فمَا وَهَنُواْ ِلمَا َأصَاَب ُهمْ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ َومَا َ‬
‫**********************************‬
‫وقفـــة‬
‫ل تزَنْ ‪ :‬إن كن َ‬
‫ت فقيا فغيُك مبوسٌ ف دَْينٍ ‪ ،‬وإن كنت ل تلكُ وسيلةَ نَقْلٍ ‪،‬‬
‫فسواك مبتورُ القدمي ‪ ،‬وإن كنت تشكو من آل ٍم فالخرون يرقدون على السِرّة البيضاءِ‬
‫ومنذ سنواتٍ ‪ ،‬وإن فقدتَ ولدا فسواك فقد عددا من الولدِ ف حادثٍ واحدٍ ‪.‬‬
‫ل تزَنْ ‪ :‬لنك مسلمٌ آمنتَ بالِ وبرسلِهِ وملئكِتهِ واليومِ الجِرِ وبالقضاءِ خيِهِ وشرّه‬
‫حدُوا اليومَ الخرَ ‪ ،‬وألدوا‬
‫‪ ،‬وأولئكَ كفروا بالربّ وكذّبوا الرسلَ واختلفوا ف الكتابِ ‪ ،‬و َج َ‬
‫ف القضاءِ وال َقدَرِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪53‬‬
‫ل تزَنْ ‪ :‬إن أذنب َ‬
‫ت فتُبْ ‪ ،‬وإن أسأت فاستغفرْ ‪ ،‬وإن أخطأت فأصلِحْ ‪ ،‬فالرحةُ‬
‫واسعةٌ ‪ ،‬والبابُ مفتوحٌ ‪ ،‬والغفران جمّ ‪ ،‬والتوبةُ مقبولةٌ ‪.‬‬
‫ل تزَنْ ‪ :‬لنك تُقلقُ أعصابَك ‪ ،‬وتزّ كيانك وتُتعبُ قلبَك ‪ ،‬وتُق ّ‬
‫ض مضجعَك ‪،‬‬
‫وُتسْهِرْ ليلَك ‪.‬‬
‫قال الشاعر ‪:‬‬
‫َذرْعا وعندَ الِ منها الخ َرجُ‬ ‫َولَرُبّ نازلةٍ يضيقُ با الفت‬
‫فُرِ َجتْ وكانَ يظنّها ل تُفرجُ‬ ‫ت فلمّا استحكمتْ حلقاتُها‬
‫ضاق ْ‬
‫************************************‬
‫ط العواطف‬
‫ضبْ ُ‬
‫تتأجّجُ العواطفُ وتعصفُ الشاعرُ عند سببي ‪ :‬عند الفرح ِة الغامرةِ ‪ ،‬والصيبةِ الدّاهةِ ‪،‬‬
‫ت عندَ‬
‫ت عند نعمةٍ ‪ ،‬وصو ٍ‬
‫ت عن صوتيْن أحقيْن فاجريْن ‪ :‬صو ٍ‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬إن ُنهِيْ ُ‬
‫‪ (( :‬إنا‬ ‫مصيبةٍ )) ﴿ لِكَيْلَا َتأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَ ُكمْ وَلَا َت ْفرَحُوا ِبمَا آتَا ُكمْ﴾ ‪ .‬ولذلك قال‬
‫الصبِ عند الصدمِة الول )) ‪ .‬فمَنِ مََلكَ مشاعره عندَ الدَث الاث وعند الفرَح الغامرِ ‪،‬‬
‫ت ومنلةَ الرسوخِ ‪ ،‬ونالَ سعادة الراحةِ ‪ ،‬ولذَ َة النتصارِ على النفسِ ‪ ،‬وا ُ‬
‫ل‬ ‫استحقّ مرتبةَ الثبا ِ‬
‫جلّ ف عُله وصف النسان بأنهُ ف ِرحٌ فخورٌ ‪ ،‬وإذا مسّه الشرّ جزوعا وإذا مسّهُ اليُ منوعا ‪،‬‬
‫إلّ الصلّي ‪َ .‬فهُم على وسطيةٍ ف الفرحِ والزعِ ‪ ،‬يشكرونَ ف الرخاءِ ‪ ،‬ويصبون ف البلءِ ‪.‬‬
‫إ ّن العواطف الائجةَ تُتْ ِعبُ صاحبها أيّما تَ َعبٍ ‪ ،‬وتضنيهِ وتؤلُ َه وتؤرّقُهُ ‪ ،‬فإذا غضب‬
‫احتدّ وأزبد ‪ ،‬وأرعد وتوعّد ‪ ،‬وثارتْ مكامنُ نفسِهِ ‪ ،‬والتهبتْ حُشاشَتُهُ ‪ ،‬فيتجاوزُ ال َعدْلَ ‪،‬‬
‫وإن فرحَ طرِبَ وطاشَ ‪ ،‬ونسيَ نفسَه ف غمرةِ السرورِ وتعدّى قدره ‪ ،‬وإذا َهجَرَ أحدا ذمّه ‪،‬‬
‫ونسِي ماسنَهُ ‪ ،‬وطمس فضائِلَهُ ‪ ،‬وإذا أحبّ آخر خلع عليه أوسة التبجيلِ ‪ ،‬وأوصله إل ذورةِ‬
‫الكمالِ ‪ .‬وف الثر ‪ (( :‬أحببْ حبيبك هوْنا ما ‪ ،‬فعسى أن يكون بغيضك يوما ما وأبغضْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪54‬‬
‫بغيضك هونا ما ‪ ،‬فعسى أن يكون حبيبك يوما ما )) ‪ .‬وف الديث ‪ (( :‬وأسألك العدل‬
‫ف الغضب والرضا )) ‪.‬‬
‫فمَن ملك عاطفته وحَكّم عقلَه ‪ ،‬ووزنَ الشياء وجعل لكلّ شيء قدرا ‪ ،‬أبصر‬
‫القّ ‪ ،‬وعَرَفَ الرشدَ ‪ ،‬ووقع على القيقةِ ‪َ ﴿ ،‬ل َقدْ َأرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنزَلْنَا َم َعهُمُ‬
‫سطِ ﴾ ‪.‬‬
‫الْكِتَابَ وَاْلمِيزَانَ لَِيقُومَ النّاسُ بِاْل ِق ْ‬
‫ق والسلوكِ ‪ ،‬مثلما جاء بالِْنهَ ِج السّويّ ‪ ،‬والشرعِ‬
‫إنّ السلم جاءَ بيزان القيمَ والخل ِ‬
‫الرضيّ ‪ ،‬والّلةِ القدسةِ ‪ ﴿ ،‬وَ َكذَلِكَ َجعَلْنَا ُكمْ ُأ ّمةً وَسَطا﴾ ‪ ،‬فالعدلِ ‪ ،‬الصدقِ ف الحبارِ ‪،‬‬
‫صدْقا َوعَدْلً﴾ ‪.‬‬
‫والعدلِ ف الحكا ِم والقوال والفعالِ والخلقِ ‪ ﴿ ،‬وََتمّتْ كَ ِلمَتُ رَبّكَ ِ‬
‫*********************************‬
‫سعادةُ الصحابةِ بحمدِ‬
‫لقدْ جاءَ رسولُنا إل الناسِ بالدعوةِ الربانيةِ ‪ ،‬ول يكنْ له دعايةٌ منَ دنيا ‪ ،‬فلمْ يُلقَ‬
‫إليه كَنْزٌ ‪ ،‬وما كانتْ له جنّة يأكلُ منها ‪ ،‬ول يسكنْ قصرا ‪ ،‬فأقبلَ الحبّون يبايعون على‬
‫شظفٍ من العيشِ ‪ ،‬وذروةٍ من الشقّةِ ‪ ،‬يوم كانوا قليلً مستضعفي ف الرضِ يافونَ أنْ‬
‫يتخطفهمُ الناسُ من حولِهمْ ‪ ،‬ومع ذلك أحبّهُ أتباعُه كلّ البِ ‪.‬‬
‫حُوصروا ف الشّ ْعبِ ‪ ،‬وضُيّق عليه ْم ف الرزقِ ‪ ،‬وابتُلوا ف السمعةِ ‪ ،‬وحُوربوا من‬
‫القرابةِ ‪ ،‬وأُوذُوا من الناسِ ‪ ،‬ومع هذا أحبّوه ك ّل البّ ‪.‬‬
‫حبَ بعضُهم على الرمْضاءِ ‪ ،‬وحُبسَ آخرونَ ف العراءِ ‪ ،‬ومنهمْ منْ تفنّ َن الكفارُ ف‬ ‫ُس ِ‬
‫تعذيبهِ ‪ ،‬وتأنّقوا ف النكالِ بهِ ‪ ،‬ومعَ هذا أحبّوه كلّ البّ ‪.‬‬
‫سُلبوا أوطانم ودورهم وأهليهم وأموالم ‪ ،‬طُردوا من مرات ِع صباهمْ ‪ ،‬وملعبِ شبابمْ‬
‫ومغان أهل ِهمْ ‪ ،‬ومع أحبوهُ ك ّل البّ ‪.‬‬
‫ابُتلي الؤمنون بسببِ دعوتِه ‪ ،‬وزُلْزِلوا زلزالً شديدا ‪ ،‬وبلغتْ منهمْ القلوبُ الناجرَ‬
‫وظنّوا بالِ الظنونا ‪ ،‬ومعَ أحبوه كلّ البّ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪55‬‬
‫ض صفوةُ شبابمْ للسيوفِ ا ُلصْلَتَةِ ‪ ،‬فكانتْ على رؤو ِسهِم كأغصا ِن الشجرةِ‬ ‫عُ ّر َ‬
‫الوارفةِ ‪.‬‬
‫خضراء تُنِْبتُ حولنا الزهارا‬ ‫وكأنّ ظلّ السيفِ ِظلّ حديقةِ‬
‫وقُدّمَ رجالُهم للمعرك ِة فكانوا يأتونَ الوتَ كأنمْ ف نزهةٍ ‪ ،‬او ف ليلة عيدٍ ؛ لنمْ‬
‫أحبوه ك ّل البّ ‪.‬‬
‫يُرْسَلُ أحدُهمْ برسالةٍ ويَعْلمُ أنه لنْ يعودَ بعدها إل الدنيا ‪ ،‬فيؤدّي رسالتَه ‪ ،‬ويُبعَثُ‬
‫الواحدُ منهمْ ف مهمّةٍ ويعلمُ أنا النهاي ُة فيذهبُ راضيا ؛ لنمْ أحبوه كلّ البّ ‪.‬‬
‫ولكنْ لاذا أحبّوه وس ِعدُوا برسالتِه ‪ ،‬واطمأنّوا النهجهِ ‪ ،‬واستبشرُوا بقدومهِ ‪ ،‬ونسوا‬
‫كلّ ألٍ وكلّ مشقةٍ وجُهدٍ ومعاناةٍ من أجلِ اتباعِهِ ؟!‬
‫إنمْ رأوا فيهِ كلّ معان ال ِي والفرحِ ‪ ،‬وكلّ علماتِ البّ والقّ ‪ ،‬لقدْ كانَ آيةً‬
‫للسائلي ف معال المورِ ‪ ،‬لقدْ أَبردَ غليلَ قلوِبهِمْ بنانِهِ ‪ ،‬وأثلجَ صدورَهمْ بديثهِ ‪ ،‬وأفْعَمَ‬
‫أروا َحهُمْ برسالتِه ‪.‬‬
‫ب ف قلوبمُ الرضا ‪ ،‬فما حسبوا لللم ف سبيلِ دعوتهِ حسابا ‪ ،‬وأفاضَ على‬ ‫لقدْ سك َ‬
‫نفو ِسهِمْ منَ اليقيِ ما أنساهمْ كلّ ُج ْرحٍ و َكدَرٍ وتنغيصٍ ‪.‬‬
‫صَقَلَ ضمائرَهم بداهُ ‪ ،‬وأنارَ بصائرَهم بسناهُ ‪ ،‬ألقى عن كواهِله ْم آصارَ الاهليةِ ‪،‬‬
‫وحطّ عن ظهورِهم أوزارَ الوثنيةِ ‪ ،‬وخلعَ من رقابِهمْ تبعاتِ الشركِ والضللِ ‪ ،‬وأطفأ من‬
‫أرواحِه ْم نارَ القدِ والعداوةِ ‪ ،‬وصبّ على الشاعرِ ماءَ اليقي ‪ ،‬فهدأتْ نفوسُهمْ ‪ ،‬وسكَنتْ‬
‫أبداُنهُمْ ‪ ،‬واطمأنتْ قلوبُهم ‪ ،‬وبردتْ أعصابُهم ‪.‬‬
‫وجدوا لذّةُ العيشِ معهُ ‪ ،‬والنسَ ف قربهِ ‪ ،‬والرضا ف رحاِبهِ ‪ ،‬والمنَ ف اتباعهِ ‪،‬‬
‫والنجاة ف امتثالِ أم ِرهِ ‪ ،‬والغِن ف القتداء به ‪.‬‬
‫صرَاطٍ ّمسَْتقِيمٍ ﴾ ‪،‬‬
‫﴿ َومَا َأرْسَلْنَاكَ إِلّا رَ ْح َمةً لّ ْلعَاَل ِميَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَإِنّكَ لََت ْهدِي إِلَى ِ‬
‫خرِجُهُم مّنِ الظّ ُلمَاتِ إِلَى النّورِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬هُوَ اّلذِي َبعَثَ فِي اْلُأمّّييَ رَسُولً مّ ْن ُهمْ يَتْلُو‬
‫﴿ وَُي ْ‬
‫عَلَ ْيهِمْ آيَاِتهِ وَُيزَكّي ِهمْ وَُيعَ ّل ُم ُهمُ الْكِتَابَ وَاْلحِكْ َمةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ َلفِي ضَلَالٍ مِّبيٍ ﴾‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪56‬‬
‫صرَ ُهمْ وَا َل ْغلَلَ الّتِي كَانَتْ عَلَ ْيهِمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬اسَْتجِيبُواْ لِ ّلهِ وَلِلرّسُولِ ِإذَا‬
‫﴿ وََيضَعُ عَنْ ُهمْ إِ ْ‬
‫دَعَاكُم ِلمَا ُيحْيِيكُمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَكُنُت ْم عَلَىَ َشفَا ُح ْفرَةٍ ّمنَ النّارِ فَأَن َقذَكُم مّنْهَا ﴾ ‪.‬‬
‫لق ْد كانوا سعداء حقّا مع إمامِهمْ وقدوتِهمْ ‪ ،‬وحُقّ لمْ أنْ يسعدُوا ويبتهجُوا ‪.‬‬
‫اللهمّ صلّ وسّلمْ على مرّ ِر العقولِ من أغل ِل النرافِ ‪ ،‬ومنق ِذ النفوسِ من ويلتِ‬
‫الغوايِةِ ‪ ،‬وارضَ عن الصحابِ والمادِ ‪ ،‬جزاءَ ما بذلُوا وقدّمُوا ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫اطردِ ا َللَلَ ِم ْن حياتِكَ‬
‫إن َمنْ يعِشْ عمرَهُ على وتيةٍ واحدة جديرٌ أن يصيَبهُ الللُ ؛ لن النفس ملولةٌ ‪ ،‬فإنّ‬
‫النسانَ بطبعهِ َيمَلّ الالةَ الواحدةَ ؛ ولذلكَ غايَرَ سبحانَهُ وتعال بي الزمنةِ والمكنةِ ‪،‬‬
‫والطعوماتِ والشروباتِ ‪ ،‬والخلوقاتِ ‪ ،‬لي ٌل ونارٌ ‪ ،‬وسهلٌ وجَبَلٌ ‪ ،‬وأبيضُ وأسودُ ‪ ،‬وحارّ‬
‫وباردٌ ‪ ،‬وظلّ و َحرُور ‪ ،‬وحُ ْلوٌ وحامضٌ ‪ ،‬وقدْ ذكر الُ هذا التنّوعَ والختلفَ ف كتابِهِ ‪﴿ :‬‬
‫خرُجُ مِن بُطُوِنهَا َشرَابٌ ّمخْتَلِفٌ أَلْوَاُنهُ﴾ ﴿صِنْوَانٌ َوغَ ْيرُ صِنْوَانٍ﴾ ﴿مَُتشَابِها َوغَيْرَ‬
‫َي ْ‬
‫مَُتشَاِبهٍ﴾ ﴿ َو ِمنَ اْلجِبَالِ ُج َددٌ بِيضٌ وَ ُحمْرٌ ّمخْتَلِفٌ أَلْوَاُنهَا﴾ ﴿ وَتِلْكَ اليّامُ ُندَاوُِلهَا بَ ْينَ‬
‫النّاسِ﴾ ‪.‬‬
‫وقد ملّ بنو إسرائيل أجود الطعامِ ؛ لنمْ أداموا أكْله ‪﴿ :‬لَن ّنصِْبرَ عَلَىَ َطعَامٍ وَا ِحدٍ﴾‬
‫‪ .‬وكان الأمونُ يقرأُ مرةً جالسا ‪ ،‬ومرةً قائما ‪ ،‬ومرةً وهو يشي ‪ ،‬ث قال ‪ :‬النفسُ ملولةٌ ‪﴿ ،‬‬
‫اّلذِينَ َيذْ ُكرُونَ ال ّلهَ قِيَاما وَ ُقعُودا َوعَلَىَ جُنُوِب ِهمْ﴾ ‪.‬‬
‫ع والدّةَ ‪ ،‬فأعمالٌ قلبيّةٌ وقوليةٌ وعمليةٌ وماليةٌ ‪ ،‬صلةٌ‬ ‫ج ْد التنوّ َ‬
‫ومن يتأمّلِ العباداتِ ‪َ ،‬ي ِ‬
‫وزكاٌة وصومٌ وحجّ وجهادٌ ‪ ،‬والصلةُ قيا ٌم وركوعٌ وسجودٌ وجلوسٌ ‪ ،‬فمنْ أراد الرتياح‬
‫والنشاط ومواصلةَ العطاءِ فعلي ِه بالتنويعِ ف عمِلهِ ‪ ،‬واطل ِعهِ وحياِتهِ اليوميّةِ ‪ ،‬فعندَ القراءةِ مثلً‬
‫ع الفنونَ ‪ ،‬ما بي قرآنٍ وتفسيٍ وسي ٍة وحديثٍ وفقهٍ وتاريخٍ وأدبٍ وثقافةٍ عامّةٍ ‪،‬‬ ‫ينوّ ُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪57‬‬
‫وهكذا ‪ ،‬يوزّع وقته ما بي عبادةٍ وتناولِ مباحٍ ‪ ،‬وزيادةٍ واستقبالِ ضيوفٍ ‪ ،‬ورياضةٍ ونزهةٍ ‪،‬‬
‫ف يدُ نفسَهُ متوثّبةً مشرقةً ؛ لنا تبّ التنويعَ وتستمل ُح الديدَ ‪.‬‬
‫فسو َ‬
‫*************************************‬
‫ع ال َقلَقَ‬
‫دِ‬
‫ل تزنْ ‪ ،‬فإنّ ربك يقولُ ‪:‬‬
‫صدْرَكَ ﴾ ‪ :‬وهذا عامّ لكلّ من حَلَ القّ وأبص َر النورَ ‪ ،‬وسَلكَ‬
‫﴿ أََلمْ َنشْرَحْ َلكَ َ‬
‫الُدَى ‪.‬‬
‫صدْرَهُ ِللْإِسْلَامِ َفهُ َو عَلَى نُورٍ مّن رّّبهِ فَوَْيلٌ لّ ْلقَاسَِيةِ قُلُوُبهُم مّن‬
‫﴿أَ َفمَن َشرَحَ ال ّلهُ َ‬
‫ذِ ْكرِ ال ّلهِ ﴾ ‪ :‬إذا فهناك حقّ يشرحُ الصدور ‪ ،‬وباطلٌ يقسّيها ‪.‬‬
‫صدْرَهُ ِللِ ْسلَمِ﴾ ‪ :‬فهذا الدينُ غايةٌ ل يصلُ إليها إل‬
‫شرَحْ َ‬
‫﴿ َفمَن ُي ِردِ ال ّلهُ أَن َي ْهدِيَهُ َي ْ‬
‫السدّد ‪.‬‬
‫حزَنْ إِنّ ال ّلهَ َمعَنَا ﴾ ‪ :‬يقولُها كلّ منْ يتيقّنَ رعاية الِ ‪ ،‬ووليته ولطفه ونصرَه‪.‬‬
‫﴿ لَ َت ْ‬
‫﴿اّلذِينَ قَالَ َل ُهمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ َقدْ َج َمعُواْ لَ ُكمْ فَا ْخشَوْ ُهمْ َفزَادَ ُهمْ ِإيَانا وَقَالُواْ‬
‫َحسْبُنَا ال ّلهُ وَِن ْعمَ الْوَكِيلُ ﴾ ‪ :‬كفايتُه تكفيك ‪ ،‬ووليتُه تميك ‪.‬‬
‫﴿يَا أَّيهَا النّبِيّ َحسْبُكَ ال ّلهُ َو َمنِ اتَّبعَكَ ِمنَ اْلمُ ْؤمِنِيَ ﴾ ‪ :‬وكلّ منْ سلك هذهِ الادّة‬
‫حصل على هذا الفوزِ ‪.‬‬
‫﴿ وَتَ َوكّ ْل عَلَى اْلحَيّ اّلذِي لَا َيمُوتُ﴾ ‪ :‬وما سوا ُه فميّتٌ غَيْرُ حيّ ‪ ،‬زائلٌ غَيْرُ باقٍ ‪،‬‬
‫ذليلٌ وليس بعزيزٍ ‪.‬‬
‫حزَنْ عَلَيْ ِهمْ وَلَ تَكُ فِي ضَ ْيقٍ ّممّا َيمْ ُكرُونَ{‬
‫﴿ وَاصِْبرْ َومَا صَ ْبرُكَ إِلّ بِال ّلهِ وَلَ َت ْ‬
‫‪ }127‬إِنّ ال ّلهَ مَعَ اّلذِينَ اّتقَواْ وّاّلذِينَ هُم ّمحْسِنُونَ﴾ ‪ :‬فهذهِ معيتهُ الاصةُ لوليائِهِ بالفظِ‬
‫والرعاي ِة والتأييدِ والوليةِ ‪ ،‬بسبِ تقواهمْ وجهادِهمْ ‪.‬‬
‫حزَنُوا وَأَنُتمُ ا َلعْلَوْنَ إِن كُنتُم مّ ْؤمِِنيَ﴾‪ :‬علوّا ف العبوديةِ والكانةِ ‪.‬‬
‫﴿وَلَ َتهِنُوا وَلَ َت ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪58‬‬
‫﴿ لَن َيضُرّو ُكمْ إِلّ َأذًى وَإِن ُيقَاتِلُو ُكمْ يُوَلّو ُكمُ ا َلدُبَارَ ُثمّ لَ يُنصَرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ي َعزِيزٌ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿كَتَبَ ال ّلهُ َلَأغْلِبَنّ أَنَا وَرُسُلِي إِنّ ال ّلهَ قَ ِو ّ‬
‫﴿ إِنّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَاّلذِينَ آمَنُوا فِي اْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَيَوْمَ َيقُومُ الْأَ ْشهَادُ ﴾ ‪.‬‬
‫وهذا عهدٌ لنْ يْلَفَ ‪ ،‬ووعدٌ لنْ يتأخّرَ ‪.‬‬
‫﴿ وَأُفَ ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى ال ّلهِ إِنّ ال ّلهَ َبصِيٌ بِاْلعِبَادِ{‪}44‬فَوَقَاهُ ال ّلهُ سَيّئَاتِ مَا مَ َكرُوا﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َوعَلَى ال ّلهِ فَلْيَتَ َوكّلِ اْلمُ ْؤمِنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫سبُ ‪ ،‬فلماذا تزنُ ف هذا اليومِ ‪،‬‬
‫حْ‬‫ل تز ْن وقدّرْ أنكَ ل تعيشُ إل يوما واحدا فَ َ‬
‫وتغضبُ وتثورُ ؟!‬
‫ف الثرِ ‪ (( :‬إذا أصبحتَ فل تنتظر الساءَ ‪ ،‬وإذا أمسيتَ فل تنتظرِ الصباحَ )) ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬أن تعيشَ ف حدودِ يومِك َف َ‬
‫حسْبُ ‪ ،‬فل تذكرِ الاضي ‪ ،‬ول تقلقْ من‬
‫الستقبلِ ‪ .‬قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫ولك الساع ُة الت أنت فيها‬ ‫ما مضى فاتَ والؤمّل غَْيبٌ‬
‫ب الت حدثتْ ومضتْ ‪،‬‬ ‫إنّ الشتغالَ بالاضي ‪ ،‬وتذكّرَ الاضي ‪ ،‬واجترار الصائ ِ‬
‫لمْقِ والنونِ ‪.‬‬ ‫ث الت انتهتْ ‪ ،‬إنا هو ضَرْبٌ من ا ُ‬ ‫والكوار َ‬
‫يقول الَثَ ُل الصينّ ‪ :‬ل تعبْ ِجسْرا حت تأتيَه ‪.‬‬
‫ومعن ذلك ‪ :‬ل تستعجلِ الوادثَ وهومَها وغمومَها حت تعيشَها وتدركَها ‪.‬‬
‫ك وقدْ ولّى ‪ ،‬وغدُكَ ولْ‬
‫يقولُ َأ َحدُ السلفِ ‪ :‬يا ابن آدمَ ‪ ،‬إنا أنتَ ثلثةُ أيامٍ ‪ :‬أمسُ َ‬
‫يأتِ ‪ ،‬ويومُك فات ّق الَ فيه ‪.‬‬
‫كيف يعيشُ منْ يملُ هومَ الاضي واليومِ والستقبلِ ؟! كيف يرتاحُ منْ يتذكرُ ما صار‬
‫وما جرى ؟! فيعيدهُ على ذاكرتِهِ ‪ ،‬ويتألُ لهُ ‪ ،‬وألُه ل ينفعُه ! ‪.‬‬
‫ومعن ‪ (( :‬إذا أصبحتَ فل تنتظر الساءَ ‪ ،‬وإذا أمسيتَ فل تنتظرِ الصباحَ ))‪ :‬أيْ ‪:‬‬
‫حسِنُ ال َعمَلَ ‪ ،‬فل تطمحْ بمومك لغيِ هذا اليومِ‬
‫أن تكو ُن قصيَ الملِ ‪ ،‬تنتظرُ الجَلَ ‪ ،‬وُت ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪59‬‬
‫ب اهتمامَك فيهِ ‪ ،‬مسّنا‬
‫الذي تعيشُ فيه ‪ ،‬فتركّزَ جهودكَ عليه ‪ ،‬وتُرّتبَ أعمالَكَ ‪ ،‬وتص ّ‬
‫ك مهتمّا بصحتِك ‪ ،‬مصلحا أخلقَكَ مع الخرين ‪.‬‬ ‫خُل َق َ‬
‫*************************************‬
‫وقفــةٌ‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ القضاءَ مفروغٌ منهُ ‪ ،‬والقدورُ واقعٌ ‪ ،‬والقلمُ جَ ّفتْ ‪ ،‬والصحفُ‬
‫طُويتْ ‪ ،‬وكلّ أمرٍ مستقرّ ‪ ،‬فحزنُك ل يقدّمُ ف الواقعِ شيئا ول يؤخّرُ ‪ ،‬ول يزيدُ ول يُنقِصُ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنك بزنِك تريدُ إيقافَ الزمنِ ‪ ،‬وحب َ‬
‫س الشمسِ ‪ ،‬وإعادةَ عقاربِ‬
‫الساعةِ ‪ ،‬والشيَ إل اللفِ ‪ ،‬ور ّد النهرِ إل منب ِعهِ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ الزَنَ كالري ِح الوْجاءِ تُفسدُ الواءَ ‪ ،‬وتُبعثرُ الاءَ ‪ ،‬وتغيّرُ السماءَ ‪،‬‬
‫وتكسرُ الورو َد اليانعة ف الديق ِة الغنّاءِ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ الحزون كالنهرِ الحقِ ينحدرُ من البحرِ ويصبّ ف البحرِ ‪ ،‬وكالت‬
‫نقضتْ غزلا من بعدِ قوةٍ أنكاثا ‪ ،‬وكالنافِخِ ف قربةٍ مثقوبةٍ ‪ ،‬والكاتبِ بإصبعهِ على الاءِ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فإنّ عمركَ القيقيّ سعادتُك وراحةُ بالِك ‪ ،‬فل تُنفقْ أيامكَ ف الزْنِ ‪،‬‬
‫وتبذّرْ لياليَك ف المّ ‪ ،‬وتوزّع ساعاتِك على الغمو ِم ول تسرفْ ف إضاعةِ حياتِك ‪ ،‬فإنّ ال‬
‫ل يبّ السرفي ‪.‬‬
‫******************************‬
‫لفرح بتوبة ال عليك‬
‫أل يشرحُ صدركَ ‪ ،‬ويزيلُ هّك وغمّك ‪ ،‬ويلبُ سعادتك قو ُل ربّك جلّ ف عله ‪:‬‬
‫سهِمْ لَا َتقْنَطُوا مِن رّ ْح َمةِ ال ّلهِ ِإنّ ال ّلهَ َي ْغ ِفرُ الذّنُوبَ‬
‫﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ اّلذِينَ أَ ْسرَفُوا عَلَى أَن ُف ِ‬
‫َجمِيعا إِّنهُ هُوَ اْل َغفُورُ الرّحِيمُ ﴾ ؟ فخاطََبهُمْ بـ «يا عبادي» تأليفا لقلوِب ِهمْ ‪ ،‬وتأنيسا‬
‫لروا ِحهِمْ ‪ ،‬وخصّ الذين أسرفُوا ‪ ،‬لنمُ الكثرون من الذنوبِ والطايا فكيف بغيِهم ؟!‬
‫وناهْم ع ِن القنوطِ واليأسِ من الغفرةِ وأخب أنه يغفرُ الذنوب كلّها لنْ تاب ‪ ،‬كبيها‬
‫ل تحزن‬
‫‪60‬‬
‫ف الت‬
‫وصغيَها ‪ ،‬دقيقها وجليلَها ‪ .‬ث وصفَ نفسه بالضمائرِ الؤكدةِ ‪ ،‬و «الـ » التعري ِ‬
‫تقتضي كمال الصفةِ ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬إِّنهُ هُوَ اْل َغفُورُ الرّحِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫شةً أَوْ ظَ َلمُواْ أَْن ُفسَ ُهمْ‬
‫أل تسعدُ وتفرحُ بقولِهِ جلّ ف عله ‪ ﴿ :‬وَاّلذِينَ ِإذَا َفعَلُواْ فَا ِح َ‬
‫صرّوْا عَلَى مَا َفعَلُواْ وَ ُهمْ‬
‫ذَ َكرُواْ ال ّلهَ فَاسَْت ْغ َفرُواْ ِلذُنُوِبهِمْ َومَن َي ْغ ِف ُر الذّنُوبَ إِلّ ال ّلهُ وََلمْ ُي ِ‬
‫َيعْ َلمُونَ ﴾ ؟!‬
‫جدِ ال ّلهَ‬
‫وقولِهِ جلّ ف عله ‪َ ﴿ :‬ومَن َي ْعمَلْ سُوءا أَوْ َيظْ ِلمْ َن ْفسَهُ ُثمّ َيسَْتغْ ِفرِ ال ّلهَ َي ِ‬
‫َغفُورا رّحِيما ﴾ ؟!‬
‫وقولِهِ ‪ ﴿ :‬إِن َتجْتَنِبُواْ كَبَآئِرَ مَا تُ ْنهَوْنَ عَنْهُ نُ َك ّفرْ عَنكُمْ سَيّئَاتِ ُكمْ وَُندْخِلْكُم ّمدْ َخلً‬
‫َكرِيا ﴾ ؟!‬
‫س ُهمْ جَآؤُوكَ فَاسَْت ْغ َفرُواْ ال ّلهَ وَاسَْت ْغفَرَ‬
‫وقولِهِ عزّ من قائلٍ ‪ ﴿ :‬وَلَوْ أَّن ُهمْ إِذ ظّ َلمُواْ أَن ُف َ‬
‫َلهُمُ الرّسُولُ لَوَ َجدُواْ ال ّلهَ تَوّابا رّحِيما ﴾ ؟!‬
‫وقولِهِ تعال ‪ ﴿ :‬وَإِنّي َل َغفّارٌ ّلمَن تَابَ وَآ َمنَ َوعَمِلَ صَالِحا ُثمّ اهَْتدَى ﴾ ؟!‬
‫ولا قَتَلَ موسى عليه السلمُ نفسا قال ‪َ ﴿ :‬ربّ إِنّي ظَ َلمْتُ َن ْفسِي فَاغْ ِفرْ لِي َف َغفَرَ‬
‫َلهُ﴾‪.‬‬
‫وقال عن داو َد بعدما تاب وأناب ‪َ ﴿ :‬ف َغفَرْنَا َل ُه ذَِلكَ وَإِنّ َل ُه عِندَنَا َلزُْلفَى وَ ُحسْنَ‬
‫مَآبٍ ﴾ ‪.‬‬
‫سبحانَهُ ما أرحَمهُ وأكرمَهُ !! حت إنه عرض رحته ومغفرته لنْ قالَ يلبتثليثِ ‪ ،‬فقال‬
‫عنهم ‪ّ ﴿ :‬ل َقدْ َكفَرَ اّلذِينَ قَالُواْ إِنّ ال ّلهَ ثَالِثُ َثلََثةٍ َومَا ِمنْ إِلَـهٍ إِلّ إِلَـهٌ وَا ِحدٌ وَإِن ّلمْ‬
‫يَنَتهُوْا عَمّا َيقُولُونَ لََي َمسّنّ اّلذِينَ َك َفرُواْ مِ ْن ُهمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ{‪ }73‬أَ َفلَ يَتُوبُونَ إِلَى ال ّلهِ‬
‫وََيسَْت ْغفِرُوَنهُ وَال ّل ُه َغفُورٌ رّحِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫فيما صحّ عنهُ ‪ (( :‬يقولُ الُ تباركَ وتعال ‪ :‬يا ابن آدم ‪ ،‬إنك ما دعوتن‬ ‫ويقولُ‬
‫ورجوتن إل غفرْتُ لك على ما كان منك ول أبال ‪ ،‬يا ابن آدم ‪ ،‬لوْ بلغتْ ذنوبُك عَنَانَ‬
‫ل تحزن‬
‫‪61‬‬
‫السماءِ ‪ّ ،‬ث استغفرتن غفرتُ لك ول أُبال ‪ ،‬يا ابن آدم ‪ ،‬لو أتيتن بقُرابِ الرضِ خطايا‬
‫ث لقيتن ل تشركُ ب شيئا ‪ ،‬لتيتُك بقرابِها مغفرةً )) ‪.‬‬
‫سطُ يدهُ بالليلِ ليتوبَ مسيءُ النهارِ ‪،‬‬
‫أنه قال ‪ (( :‬إنّ ال يب ُ‬ ‫وف الصحيح عنهُ‬
‫سطُ يدهُ بالنهار ليتوب مسيءُ الليلِ ‪ ،‬حت تطلعَ الشمسُ من مغربِها )) ‪.‬‬
‫ويب ُ‬
‫وف الديث القدسيّ ‪ (( :‬يا عبادي ‪ ،‬إنكمْ تُذنبون بالليلِ والنهارِ ‪ ،‬وأنا أغفرُ‬
‫الذنوبَ جيعا ‪ ،‬فاستغفرون أغفرْ لكم )) ‪.‬‬
‫ل بكمْ ولاءَ‬
‫وف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬والذي نفسي بيدهِ ‪ ،‬لو لْ تذنبُوا لذهبَ ا ُ‬
‫بقومٍ آخرين يذنبون ‪ ،‬فيستغفرون ال ‪ ،‬فيغفرُ لم )) ‪.‬‬
‫خفْتُ عليكم ما هو أشدّ‬
‫وف حديثٍ صحيحٍ ‪ (( :‬والذي نفسي بيدهِ لو لْ تذنبوا َل ِ‬
‫من الذنبِ ‪ ،‬وهو ال ُعجْبُ )) ‪.‬‬
‫وف الديثِ الصحيح ‪ (( :‬كلّكمْ خطّاءٌ ‪ ،‬وخيُ الطّائي التوابون )) ‪.‬‬
‫أنه قالَ ‪ (( :‬لُ أفرحُ بتوب ِة عبدِه من أحدكم كان على راحلِتهِ ‪ ،‬عليها‬ ‫وصحّ عنه‬
‫طعا ُمهُ وشرابه ‪ ،‬فضلّت منهُ ف الصحراء ‪ ،‬فبحث عنها حت أِيسَ ‪ ،‬فنام ث استيقظ فإذا‬
‫هي عند رأسِه ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهمّ أنت عبدي ‪ ،‬وأنا ربّكَ ‪ .‬أخطأ من شّدةِ الفرحِ )) ‪.‬‬
‫أنه قالَ ‪ (( :‬إ ّن عبدا أذنب ذنبا فقال ‪ :‬اللهم اغفرْ ل ذنب فإنهُ ل‬ ‫وصحّ عنه‬
‫يغفرُ الذنوبَ إل أنت ‪ ،‬ث أذنب ذنبا ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهمّ اغفرْ ل ذنب فإنه ل يغفرُ الذنوبَ إل‬
‫أنت ‪ ،‬ث أذنب ذنبا ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهمّ اغفرْ ل ذنب فإنه ل يغفرُ الذنوبَ إل أنت ‪ .‬فقال الُ‬
‫عزّ وجلّ علِمَ عبدي أنّ له ربّا يأخذُ بالذنبِ‪ ،‬ويعفو عن الذنبِ ‪ ،‬فليفعلْ عبدي ما شاء))‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬ما دام أنهُ يتوبُ ويستغفرُ ويندمُ ‪ ،‬فإن أغفرُ له ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫كلّ شيءٍ بقضا ٍء وقدَر‬
‫ل تحزن‬
‫‪62‬‬
‫؛ أنهُ ل‬ ‫كلّ شيءٍ بقضاءٍ وقدرٍ ‪ ،‬وهذا معتقدُ أهلِ السلمِ ‪ ،‬أتباعِ رسو ِل الدى‬
‫يقعُ شي ٌء ف الكونِ إل بعل ِم الِ وبإذنِه وبتقديرِه ‪.‬‬
‫﴿ مَا أَصَابَ مِن ّمصِيبَةٍ فِي الَْأ ْرضِ وَلَا فِي أَنفُسِ ُكمْ إِلّا فِي كِتَابٍ مّن قَبْلِ أَن نّ ْبرَأَهَا‬
‫إِنّ ذَلِكَ عَلَى ال ّلهِ َيسِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ إِنّا كُلّ شَيْءٍ خَ َلقْنَاهُ ِب َقدَرٍ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَلَنَبْلُوَنّ ُكمْ ِبشَيْءٍ مّنَ اْلخَوفْ وَاْلجُوعِ وََنقْصٍ ّمنَ ا َلمَوَالِ وَالن ُفسِ وَالّث َمرَاتِ‬
‫شرِ الصّاِبرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫وََب ّ‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬عجبا لمرِ الؤمنِ !! إنّ أمرهَ كلّه له خي ‪ ،‬إنْ أصابْتهُ سرّاءُ شكر‬
‫فكان خيا له ‪ ،‬وإنْ أصابتْه ضرّاءُ صب فكان خيا له ‪ ،‬وليسَ ذلك إل للمؤمن )) ‪.‬‬
‫أنه قال ‪ (( :‬إذا سألتَ فاسألِ الَ ‪ ،‬وإذا استعنت فاستعنْ بالِ ‪،‬‬ ‫وصحّ عنه‬
‫واعلمْ أ ّن المةَ لو اجتمعُوا على أنْ ينفعوك بشيءٍ ل ينفعوكَ إل بشيءٍ قد كتبهُ الُ لك ِ ‪،‬‬
‫وإن اجتمعوا على أن يضرّوكَ بشيءٍ ل يضرّوك إل بشي ٍء قدْ كتبهُ الُ عليكَ ‪ ،‬رُفعتِ‬
‫القلمُ ‪ ،‬وجفّتِ الصحفُ )) ‪.‬‬
‫وف الديثِ الصحيح أيضا ‪ (( :‬واعلمْ أن ما أصابك ل يكنع لِيخطئَك ‪ ،‬وما أخطأكَ‬
‫لْ يكن ليصيبَك )) ‪.‬‬
‫ف القلمُ يا أبا هريرة با أنت لقٍ )) ‪.‬‬
‫أنه قالَ ‪ (( :‬ج ّ‬ ‫وصحّ عنه‬
‫أنهُ قالَ ‪ (( :‬احرصْ على ما ينفعُك ‪ ،‬واستعنُ بالِ ول تعجزْ ‪ ،‬ول‬ ‫وصحّ عنه‬
‫تقلْ ‪ :‬لو أن فعلتُ كذا لكان كذا وكذا ‪ ،‬ولكنْ قلْ ‪ :‬قدّر الُ وما شاءَ َفعَلَ )) ‪.‬‬
‫‪ (( :‬ل يقضي الُ قضا ًء للعبدِ إل كان خيا له )) ‪.‬‬ ‫وف حديثٍ صحيحٍ عنه‬
‫سُئل شيخُ السلمِ ابنُ تيميةَ عن العصيةِ ‪ :‬هلْ هيَ خَيْرٌ للعبدِ ؟ قالَ ‪ :‬نعمْ بشرطِها من‬
‫الندمِ والتوبةِ ‪ ،‬والستغفارِ والنكسارِ ‪.‬‬
‫وقولُه سبحانه ‪َ ﴿ :‬و َعسَى أَن تَ ْكرَهُواْ شَيْئا وَهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ َو َعسَى أَن ُتحِبّواْ شَيْئا‬
‫‪.‬‬ ‫وَأَنُتمْ لَ َتعْ َلمُونَ ﴾‬ ‫وَهُوَ َشرّ لّ ُكمْ وَال ّلهُ َيعْ َلمُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪63‬‬
‫تري القاديرُ على غ ْرزِ الِبَ ْر‬ ‫هيَ القاديرُ فلُمن أو َفذَرْ‬
‫*****************************************‬
‫انتظرِ الف َرجَ‬
‫س الصّ ْبحُ‬
‫ف الديثِ عند الترمذيّ ‪ « :‬أفضلُ العبادةِ ‪ :‬انتظارُ ال َفرَجِ » ‪ ﴿ .‬أَلَ ْي َ‬
‫ِب َقرِيبٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ب الفَتْحَ من الفتّاحِ ‪.‬‬
‫صُبْحُ الهمومي والغمومي لحَ ‪ ،‬فانظرْ إل الصباحِ ‪ ،‬وارتق ِ‬
‫تقولُ العربُ ‪ « :‬إذا اشتدّ البلُ انقطع » ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬إذا تأزّمتِ المورُ ‪ ،‬فانتظرْ فرجا ومرجا ‪.‬‬
‫خرَجا ﴾ ‪ .‬وقالَ جلّ شأنُه‪َ ﴿ :‬ومَن‬
‫وقالَ سبحانَهُ وتعال ‪َ ﴿ :‬ومَن يَّتقِ ال ّلهَ َيجْعَل ّلهُ َم ْ‬
‫جعَل ّلهُ ِمنْ َأ ْمرِهِ ُيسْرا ﴾ ‪.‬‬
‫يَّتقِ ال ّلهَ يُ َك ّف ْر عَ ْنهُ سَيّئَاِتهِ وَُيعْ ِظمْ َلهُ أَجْرا ﴾ ‪َ ﴿ .‬ومَن يَّتقِ ال ّلهَ َي ْ‬
‫وقالت العَرَبُ ‪:‬‬
‫ث يذهبْ َن ول ينّهْ‬ ‫ال َغمَراتُ ثّ يَنْجلِينّهْ‬
‫وقال آخرُ ‪:‬‬
‫وكمْ سرورٍ قد أتى بَعْدَ السى‬ ‫كمْ فرجٍ بَ ْعدَ إياسٍ قد أتى‬
‫حُ ْلوَ النَى الرائقَ من َشوْكِ السّفا‬ ‫من يسنِ الظنّ بذي العرشِ جن‬
‫وف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬أنا عند ظنّ عبدي ب ‪ ،‬فلْيظنّ ب ما شاءَ )) ‪.‬‬
‫﴿ حَتّى ِإذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّواْ أَّن ُهمْ َقدْ ُكذِبُواْ جَاء ُهمْ َنصْرُنَا فَُنجّيَ مَن ّنشَاء ﴾ ‪.‬‬
‫سرِ ُيسْرا ﴾ ‪.‬‬
‫سرِ ُيسْرا{‪ِ }5‬إنّ مَعَ اْلعُ ْ‬
‫َفإِنّ مَعَ اْل ُع ْ‬ ‫﴿‬ ‫وقولهُ سبحانَهُ ‪:‬‬
‫سرَيْن )) ‪.‬‬
‫سرٌ ُي ْ‬
‫ب ُع ْ‬
‫ضهُم يعلُهُ حديثا ‪ (( : -‬لنْ يغل َ‬
‫قال بعضُ الفسرين – وبع ُ‬
‫حدِثُ َب ْعدَ ذَِلكَ َأمْرا ﴾ ‪.‬‬
‫وقال سبحانهُ ‪َ ﴿ :‬لعَلّ ال ّلهَ ُي ْ‬
‫حسِنِيَ﴾‪.‬‬
‫اْل ُم ْ‬ ‫صرَ ال ّلهِ َقرِيبٌ﴾ ‪ ﴿.‬إِنّ رَ ْحمَتَ ال ّلهِ َقرِيبٌ ّمنَ‬
‫وقالَ جلّ اسُه‪﴿ :‬أَل إِنّ َن ْ‬
‫وف الديثِ الصحيح ‪ (( :‬واعلمْ أ ّن النصْ َر مع الصّ ْبرِ ‪ ،‬وأن ال َفرَجَ مَعَ ال ُكرْبِ )) ‪.‬‬
‫وقال الشاعرُ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪64‬‬
‫ب المرِ أدناهُ إل الفَرجِ‬
‫فأقر ُ‬ ‫إذا تضايقَ أمرٌ فانتظ ْر فَرَحا‬
‫وقال آخرُ ‪:‬‬
‫ف شؤونٍ تكونُ أو ل تكونُ‬ ‫ي ونامتْ عيونُ‬ ‫سهرتْ أع ٌ‬
‫ـلنُك المومَ جُنونُ‬ ‫ت فحِمْـ‬ ‫ع المّ ما استطع َ‬
‫فد ِ‬
‫ـسِ سيكفيكَ ف غدٍ ما يكونُ‬ ‫إن ربّا كفاكَ ما كانَ بالمـ‬
‫وقال آخرُ ‪:‬‬
‫ول تنامنّ إل خال البالِ‬ ‫دعِ القاديرَ تري ف أعنّتِها‬
‫يغيّ ُر الُ مِن حالٍ إل حالِ‬ ‫ما بيَ غمضةِ عْينٍ وانتباهتِها‬
‫************************************‬
‫وقفــة‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فإنّ أموالك الت ف خزانتِك وقصورَك السامقةَ ‪ ،‬وبساتينَك الضراءَ ‪ ،‬مع‬
‫ك وغمّكَ ‪.‬‬
‫الزنِ والسى واليأسِ ‪ :‬زيادةٌ ف أسَ ِفكَ وهّ َ‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فإنّ عقاقي الطباء ‪ ،‬ودواء الصيادلةِ ‪ ،‬ووصفةَ الطبيبِ ل تسعدُكَ ‪ ،‬وقدْ‬
‫أسكنت الزن قلبَك ‪ ،‬وفرشتَ له عينك ‪ ،‬وبسطتَ له جوانَك ‪ ،‬وألفتَه جلدَك ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬وأنت تلكُ الدعاءَ ‪ ،‬وتُجيدُ النطراح على عتباتِ الربوبيةِ ‪ ،‬وتُحسنُ‬
‫ك الثلثُ الخيُ من الليلِ ‪ ،‬ولديكَ ساعةُ تريغ البيِ‬
‫السكنة على أبواب ملِكِ اللوكِ ‪ ،‬ومع َ‬
‫ف السجودِ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فإنّ ال خَلَقَ لكَ الرض وما فيها ‪ ،‬وأنبت لك حدائقَ ذاتَ بجةٍ ‪ ،‬وبساتي‬
‫فيها من ك ّل زوجٍ بيجٍ ‪ ،‬ونلً باسقاتٍ له طل ٌع نضيدٌ ‪ ،‬ونوما لمعاتٍ ‪ ،‬وخائل وجداول ‪،‬‬
‫ولكنّك تزن !!‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فأنت تشربُ الاء الزلل ‪ ،‬وتستنش ُق الواء الطّلْق ‪ ،‬وتشي على قدميْك‬
‫معاف ‪ ،‬وتنام ليلكَ آمنا ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪65‬‬
‫أكِثرْ من الستغفارِ‬
‫سمَاء عَلَيْكُم مّدْرَارا{‪}11‬‬
‫﴿ َفقُلْتُ اسَْتغْ ِفرُوا رَبّ ُكمْ إِّنهُ كَا َن َغفّارا{‪ُ }10‬يرْسِلِ ال ّ‬
‫جعَل لّ ُكمْ أَْنهَارا﴾ ‪.‬‬
‫جعَل لّ ُكمْ جَنّاتٍ وََي ْ‬
‫وَُي ْمدِدْ ُكمْ بَِأمْوَالٍ وَبَِنيَ وََي ْ‬
‫فأكثر من الستغفارِ ‪ ،‬لترى الف َرحَ وراحةَ البالِ ‪ ،‬والرزق الللِ ‪ ،‬والذرية الصالةَ ‪،‬‬
‫والغيثَ الغزيرَ ‪.‬‬
‫سمّى وَيُؤْتِ‬
‫﴿ وَأَنِ اسَْتغْ ِفرُواْ رَبّ ُكمْ ُثمّ تُوبُواْ إِلَ ْيهِ ُيمَّتعْكُم مّتَاعا َحسَنا إِلَى أَجَلٍ ّم َ‬
‫كُلّ ذِي َفضْلٍ فَضْ َلهُ ﴾ ‪.‬‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬من أكثر منَ الستغفارِ جعلَ الُ ل ُه منْ كلّ همّ َفرَجا ‪ ،‬ومن كلّ‬
‫ضيقٍ مرجا )) ‪.‬‬
‫وعليكَ بسيّدِ الستغفار ‪ ،‬الديثُ الذي ف البخاري ‪ (( :‬اللهمّ أنت رب ل إلهَ إل‬
‫أنت ‪ ،‬خلقتن وأنا عبدُك ‪ ،‬وأنا على عهدِك ووعدِك ما استطعتُ ‪ ،‬أعوذُ بك من شرّ ما‬
‫ك بنعمتِك عليّ ‪ ،‬وأبو ُء بذنب فاغفِرْ ل ‪ ،‬فإن ُه ل يغفرُ الذنوب إل أنت))‪.‬‬
‫صنعتُ ‪ ،‬أبوءُ ل َ‬
‫**********************************‬
‫ك بذكرِ الِ دائما‬
‫علي َ‬
‫قال َ سبحانه ‪ ﴿ :‬أَلَ ِبذِ ْكرِ ال ّلهِ َت ْطمَئِنّ اْلقُلُوبُ ﴾ ‪ .‬وقال ‪﴿ :‬فَاذْ ُكرُونِي َأذْ ُكرْ ُكمْ﴾‬
‫‪ .‬وقال ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا اذْ ُكرُوا ال ّلهَ ذِكْرا كَثِيا{‪ }41‬وَسَّبحُوهُ بُ ْكرَةً وَأَصِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫وقال سبحانه ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا لَا تُ ْلهِ ُكمْ َأمْوَالُ ُكمْ وَلَا أَوْلَادُ ُكمْ عَن ذِ ْكرِ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫حمْدِ رَبّكَ ِحيَ َتقُومُ{‪َ }48‬و ِمنَ‬
‫وقال ‪ ﴿ :‬وَاذْكُر رّبّكَ ِإذَا َنسِيتَ ﴾ ‪ .‬وقال ‪ ﴿ :‬وَسَّبحْ ِب َ‬
‫حهُ وَِإدْبَارَ الّنجُومِ ﴾ ‪ .‬وقال سبحانه ‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ ِإذَا َلقِيُتمْ فَِئةً فَاثْبُتُواْ‬
‫اللّيْلِ َفسَّب ْ‬
‫وَاذْ ُكرُواْ ال ّلهَ كَثِيا ّلعَلّ ُكمْ ُتفْ َلحُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬مَثَلُ الذي يذكرُ ربّه والذي ل يذكرُ ربّه ‪ ،‬مَثَلُ اليّ‬
‫واليتِ )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪66‬‬
‫‪ (( :‬سَبَ َق الفرّدون )) ‪ .‬قالوا ‪ :‬ما الفّردون يا رسو َل الِ ؟ قال‬ ‫وقوله‬
‫(( الذاكرون ال كثيا والذاكرات )) ‪.‬‬
‫وف حديثٍ صحيحٍ ‪ (( :‬أل أخبُكم بأفضلِ أعمالِكِم ‪ ،‬وأزكاها عند مليكِكُمْ وخ ْيرٍ‬
‫ي لكمْ من أن تلقوا عدوّكم فتضربوا أعناق ُهمْ‬
‫لكمْ من إنفاقِ الذهبِ والو ِرقِ ‪ ،‬وخ ٍ‬
‫ويضربوا أعناقُ ُكمْ )) ؟ قالوا ‪ :‬بلى يا رسول الِ ‪ .‬قال ‪ (( :‬ذِ ْكرُ الِ )) ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الِ إنّ شرائع‬ ‫وف حديث صحيح ‪ :‬أ ّن رجلً أتى إل رسول‬
‫السلم قدْ كُثرَتْ عليّ ‪ ،‬وأنا كَبِرْتُ فأخبْن بشيءٍ أتشّبثُ بهِ ‪ .‬قال ‪ (( :‬ل يزالُ لسانُكَ‬
‫رطْبا بذكرِ الِ )) ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫ل تيأسْ منْ رَ ْوحِ الِ‬
‫﴿ إِّنهُ لَ يَيْأَسُ مِن رّوْحِ ال ّلهِ إِلّ اْلقَوْمُ الْكَا ِفرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ حَتّى ِإذَا اسْتَيْأَسَ الرّسُلُ وَظَنّواْ أَّن ُهمْ َقدْ ُكذِبُواْ جَاء ُهمْ َنصْرُنَا ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وََنجّيْنَاهُ مِنَ اْل َغمّ وَ َكذَلِكَ نُنجِي اْلمُ ْؤمِِنيَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَتَظُنّونَ بِال ّلهِ الظّنُونَا{‪ }10‬هُنَالِكَ ابْتُلِيَ اْلمُ ْؤمِنُونَ َوزُْلزِلُوا زِْلزَالً َشدِيدا﴾ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫ف عمّن أساء إليكَ‬
‫اع ُ‬
‫ص الباهظِ ‪ ،‬وهو الذي يدفعُه النتقمُ من الناسِ ‪ ،‬الاقدُ عليهمْ ‪ :‬يدفعُه من‬ ‫ث ُن ال َقصَا ِ‬
‫قلبِه ‪ ،‬ومن لمِهِ ودمِهِ ‪ ،‬من أعصابِه ومن راحتِهِ ‪ ،‬وسعادتِه وسرورِهِ ‪ ،‬إذا أراد أنْ يتشفّى ‪ ،‬أو‬
‫غضبَ علي ِهمْ أو حَ َقدَ ‪ .‬إنه الاسرُ بل شكّ ‪.‬‬
‫وقدْ أخبَنا الُ سبحانه وتعال بدواءِ ذلك وعل ِجهِ ‪ ،‬فقالَ ‪ ﴿ :‬وَالْكَا ِظ ِميَ اْلغَ ْيظَ‬
‫ي عَنِ النّاسِ ﴾ ‪.‬‬
‫وَاْلعَا ِف َ‬
‫ض عَنِ اْلجَاهِ ِليَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقالَ ‪ُ ﴿ :‬خذِ اْل َعفْوَ وَْأ ُمرْ بِاْل ُعرْفِ وََأعْ ِر ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪67‬‬
‫وقالَ ‪ ﴿ :‬ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَ ْحسَنُ َفِإذَا اّلذِي بَيْنَكَ وَبَيَْن ُه َعدَاوَةٌ َكأَّنهُ وَلِيّ َحمِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫عندك نعم كثية‬
‫فكّرْ ف نِعَ ِم الِ الليل ِة وف أعطياِتهِ الزيلةِ ‪ ،‬واشكُ ْرهُ على هذ ِه النعمِ ‪ ،‬واعلمْ أنكَ‬
‫مغمورٌ بأعطياِتهِ ‪.‬‬
‫حصُوهَا ﴾ ‪.‬‬
‫قال سبحانه وتعال ‪ ﴿ :‬وَإِن َت ُعدّواْ ِنعْ َمةَ ال ّلهِ لَ ُت ْ‬
‫وقال ‪ ﴿ :‬وَأَسْبَ َغ عَلَيْ ُكمْ ِن َعمَهُ ظَا ِهرَةً وَبَاطَِنةً ﴾ ‪.‬‬
‫وقال سبحانه ‪َ ﴿ :‬ومَا بِكُم مّن ّن ْع َمةٍ َفمِنَ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫جعَل ّل ُه عَيْنَيْنِ{‪ }8‬وَِلسَانا‬
‫وقال سبحانه وهو يقررُ العبدُ بنعمِهِ عليهِ ‪ ﴿ :‬أََلمْ َن ْ‬
‫وَ َشفَتَ ْينِ{‪ }9‬وَ َهدَيْنَاهُ الّنجْدَْينِ ﴾ ‪.‬‬
‫ِن َعمٌ تَ ْترَى ‪ :‬نعمةُ الياةِ ‪ ،‬ونعمةُ العافيةِ ‪ ،‬ونعمةُ السمعِ ‪ ،‬ونعمةُ البصرِ ‪ ،‬واليدينِ‬
‫والرجليْن ‪ ،‬والا ِء والواءِ ‪ ،‬والغذاءِ ‪ ،‬ومن أجلّها نعم ُة الدايةِ الربانية‪ ( :‬السلَمُ ) ‪ .‬يقولُ‬
‫أحدُ الناسِ ‪ :‬أتريدُ بليون دولر ف عينيك ؟ أتريُد بليون دولرٍ ف أذنيك ؟ أتريدُ بليون دولر‬
‫ف رجليك ؟ أتريدُ بليون دولرٍ ف يديك ؟ أتريدُ بليون دولرٍ ف قلبك ؟ كمْ من الموالِ‬
‫الطائلةِ عندك وما أديتَ شُكْرَها !! ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫الدنيا ل تستحق الزن عليها‬
‫إ ّن ما يثبتُ السعادة وينمّيها ويعمقُها ‪ :‬أنْ ل تتمّ بتواف ِه المورِ ‪ ،‬فصاحبُ المةِ العاليةِ‬
‫هّه الخرةُ ‪.‬‬
‫قال أحدُ السلفِ وهو يُوصِي أحد إخوانِه ‪ :‬اجع ْل المّ هّا واحدا ‪ ،‬همّ لقاءِ الِ عز‬
‫خفَى مِنكُمْ خَافَِيةٌ ﴾ ‪.‬‬
‫وجل ‪ ،‬همّ الخرة ‪ ،‬همّ الوقوفِ بي يديْهِ ‪ ﴿ ،‬يَ ْومَِئذٍ ُت ْعرَضُونَ لَا َت ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪68‬‬
‫فليس هناك هومٌ إل وهي أقلّ من هذا المّ ‪ ،‬أيّ همّ هذه الياةُ ؟ مناصبِها ووظائِفها ‪،‬‬
‫وذهبِها وفضتِها وأولدِها ‪ ،‬وأموالِها وجاهِها وشهرتِها وقصورِها ودورِها ‪ ،‬ل شيء !!‬
‫والُ جلّ وعل قد وصف أعداءَهُ النافقي فقال ‪ ﴿ :‬أَ َهمّ ْتهُمْ أَن ُفسُ ُهمْ يَظُنّونَ بِال ّل ِه غَ ْيرَ‬
‫اْلحَقّ ﴾ ‪ ،‬فهمّهم ‪ :‬أنف ُ‬
‫سهْم وبطونُهم وشهواتُهم ‪ ،‬وليست لمْ ِه َممٌ عاليةٌ أبدا !‬
‫ولّا بايع الناس نَحتَ الشجرةِ انفلت أحدُ النافقي يبحثُ عن َجمَلٍ لهُ أحر ‪ ،‬وقالَ ‪:‬‬
‫لُصول على جلي هذا أحبّ إلّ من بيْعتِ ُكمْ ‪ .‬فورَدَ ‪ « :‬كلّكمْ مغفورٌ له إلّ صاحبَ الملِ‬
‫الح ِر » ‪.‬‬
‫إنّ أحد النافقي أهتْهُ نفسهُ ‪ ،‬وقال لصحابهِ ‪ :‬ل تنفروا ف الرّ ‪ .‬فقال سبحانه ‪﴿ :‬‬
‫قُلْ نَارُ َجهَّنمَ أَ َشدّ َحرّا ﴾ ‪.‬‬
‫وقال آخرُ ‪ ﴿ :‬اْئذَن لّي وَلَ َتفْتِنّي ﴾ ‪ .‬وهّه نفسُه ‪ ،‬فقال سبحانه ‪ ﴿ :‬أَلَ فِي اْلفِتَْنةِ‬
‫َسقَطُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫وآخرون أهْت ُهمْ أمواُل ُهمْ وأهلوهْم ‪َ ﴿ :‬شغَلَتْنَا َأمْوَالُنَا وََأهْلُونَا فَاسَْت ْغ ِفرْ لَنَا ﴾ ‪ .‬إنِا‬
‫المومُ التافهةُ الرخيصةُ ‪ ،‬الت يملُها التافهون الرخيصون ‪ ،‬أما الصحابة الجلّ ُء فإنمْ يبتغون‬
‫فضلً من الِ ورضوانا ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫ل تزنْ واطردِ المّ‬
‫راحةُ الؤمن غَفَْلةٌ ‪ ،‬والفراغُ قاتلٌ ‪ ،‬والعطالَةُ بطالَةٌ ‪ ،‬وأكثرُ الناسِ هوما وغموما‬
‫ف والواجسُ رأسُ مالِ الفاليسِ من العملِ الادّ الثمرِ‬ ‫وكدرا العاطلونَ الفارغونَ ‪ .‬والراجي ُ‬
‫‪.‬‬
‫فتحرّك واعملْ ‪ ،‬وزاولْ وطالعْ ‪ ،‬واتْلُ وسبّحْ ‪ ،‬واكتبْ و ُزرْ ‪ ،‬واستفدْ م ْن وقتِك ‪ ،‬ول‬
‫تعلْ دقيقةً للفراغِ ‪ ،‬إنك يوم تفرغُ يدخلُ عليك المّ والغمّ ‪ ،‬والاجسُ والوساوسُ ‪ ،‬وتصبحُ‬
‫ميدانا للعيبِ الشيطانِ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪69‬‬
‫اطلب ثوابك من ربك‬
‫اجعلْ عملك خالصا لوج ِه الِ ‪ ،‬ول تنتظرْ شكرا من أحدٍ ‪ ،‬ول تت ّم ول تغتمّ إذا‬
‫أحسنت لحدٍ من الناسِ ‪ ،‬ووجدته لئيما ‪ ،‬ل يقدّرْ هذ ِه اليد البيضاء ‪ ،‬ول السنة الت‬
‫أسديتها إليه ‪ ،‬فاطلبْ أجرك من الِ ‪.‬‬
‫يقول سبحانه عن أوليائِه ‪ ﴿ :‬يَبَْتغُونَ َفضْلً ّمنَ ال ّلهِ وَرِضْوَانا ﴾ ‪ .‬وقال سبحانه عن‬
‫أنبيائِه ‪َ ﴿ :‬ومَا أَسْأَلُ ُك ْم عَلَ ْيهِ مِنْ أَ ْجرٍ ﴾ ‪ ﴿ .‬قُلْ مَا سَأَلْتُكُم ّمنْ أَ ْجرٍ َفهُوَ لَ ُكمْ﴾ ‪َ ﴿.‬ومَا لِأَ َحدٍ‬
‫جزَى﴾ ‪ ﴿ .‬إِّنمَا ُن ْط ِعمُكُمْ لِوَ ْجهِ ال ّلهِ لَا ُنرِيدُ مِن ُكمْ َجزَاء وَلَا شُكُورا﴾ ‪.‬‬
‫عِندَهُ مِن ّن ْعمَةٍ ُت ْ‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫ل يذهبُ العُرفُ بي الِ والناسِ‬ ‫مَنْ يفعلِ اليَ ل يعد ْم جوازِيَهُ‬
‫فعاملِ الواحدَ الحد وحد ُه فهو الذي يُثيبُ ويعطي وينحُ ‪ ،‬ويعاقبُ وياسبُ ‪،‬‬
‫ويرضى ويغضبُ ‪ ،‬سبحانهُ وتعال ‪.‬‬
‫قُتلَ شهداءُ بقندهار ‪ ،‬فقال عمرُ للصحابةِ ‪ :‬من القتلى ؟ فذكروا ل ُه الساء ‪ ،‬فقالوا ‪:‬‬
‫وأناسٌ ل تعرفُهم ‪ .‬فدمعتْ عينا عمرَ ‪ ،‬وقال ‪ :‬ولك ّن ال يعَلمُهم ‪.‬‬
‫وأطعمَ أحدُ الصالي رجلً أعمى فالوْذَجا ( من أفخرِ الكلتِ ) ‪ ،‬فقال أهلُه ‪ :‬هذا‬
‫العمى ل يدري ماذا يأكلُ ! فقالَ ‪ :‬لكنّ ال يدري !‬
‫ما دام أ ّن الَ مُطِّلعٌ عليك ويعلمُ ما قدّمته من خيٍ ‪ ،‬وما عملته من بِرّ وما أسديتهُ منْ‬
‫فضلٍ ‪ ،‬فما عليك من الناسِ ‪.‬‬
‫********************************‬
‫لوم اللئميَ وعذْل العُذّالِ‬
‫ضرّو ُكمْ إِلّ َأذًى ﴾ ﴿ وَلَ َتكُ فِي ضَ ْيقٍ ّممّا َيمْ ُكرُونَ ﴾ ‪َ ﴿ .‬و َدعْ َأذَا ُهمْ‬
‫﴿ لَن َي ُ‬
‫وَتَوَكّ ْل عَلَى ال ّلهِ وَ َكفَى بِال ّلهِ وَكِيلً ﴾ ‪ ﴿ .‬فََبرّأَهُ ال ّلهُ ِممّا قَالُوا ﴾ ‪.‬‬
‫حجَرْ‬
‫أنْ رمى فيهِ غلمٌ ِب َ‬ ‫ل يضرّ البحرَ أمسى زاخرا‬
‫ل تحزن‬
‫‪70‬‬
‫قال ‪ (( : :‬ل تبلّغون عن أصحاب سوءا ‪ ،‬فإن‬ ‫وف حديثٍ حسن أنّ الرسول‬
‫ج إليكمَ وأنا سليمُ الصّدرِ )) ‪.‬‬
‫أُحِبّ أنْ أخر َ‬
‫***********************************‬
‫ل تزنْ م ْن قلّةِ ذاتِ اليدِ ‪ ،‬فإن ال ِقلّةُ معها السّلمةُ‬
‫كلّما ترفّهَ السمُ تعقدتِ الروحُ ‪ ،‬والقلّ ُة فيها السلمةُ ‪ ،‬والزهدُ ف الدنيا راحةٌ عاجلةٌ‬
‫حنُ َنرِثُ الَْأ ْرضَ َو َم ْن عَلَ ْيهَا ﴾ ‪.‬‬
‫يقدّمها الُ لن شاءَ من عبادهِ ‪ ﴿ :‬إِنّا َن ْ‬
‫قال أحدُهم ‪:‬‬
‫ذاك النعيمُ الجَلّ‬ ‫ماءٌ وخبزٌ وظِلّ‬
‫إ ْن قلتُ إن مُقلّ‬ ‫كفرتُ نعم َة ربّي‬
‫ما هيَ الدنيا إل ماءٌ باردٌ وخبزٌ دافئٌ ‪ ،‬وظلٌ وارفٌ !!‬
‫وقال الشافعي ‪:‬‬
‫ب وفيِضي آبارَ تكْرُور تبِِرا‬ ‫ـ َ‬ ‫أمطري لؤلؤا ساء سرنْديـ‬
‫وإذا متّ لستُ أعدمُ قبا‬ ‫أنا إ ْن عشتُ لستُ أعدمُ قوتا‬
‫نفسُ حرّ ترى الذلّةَ كُفْرا‬ ‫هّت ِهمّةُ اللوكِ ونفسي‬
‫إنا عزّ ُة الواثقي ببادئِهمْ ‪ ،‬الصّادقي ف دعوِتهِمْ ‪ ،‬الادّين ف رسالِت ِهمْ ‪.‬‬
‫*********************************‬
‫ل تزنْ مّا ُيتَوَقّع‬
‫وُجدَ ف التوراةِ مكتوبا ‪ :‬أكثرُ ما يُخاف ل يكونُ !‬
‫ومعناهُ ‪ :‬إنّ كثيا ما يتخ ّوفُهُ الناسُ ل يقعُ ‪ ،‬فإنّ الوهامَ ف الذهانِ ‪ ،‬أكثُر من‬
‫الوادثِ ف العيانِ ‪.‬‬
‫إذا جاءك حدثٌ ‪ ،‬وسعتَ بصيبةٍ ‪ ،‬فتمهّلْ وتأ ّن ول تزنْ ‪ ،‬فإنّ كثيا من الخبارِ‬
‫والتوقّعات ل صحّة لا ‪ ،‬إذا كان هناك صارفٌ للقد ٍر فيُبحثُ عنهُ‪ ،‬وإذا ل يكنْ فأين يكونُ؟!‬
‫ل تحزن‬
‫‪71‬‬
‫﴿ َأُفَ ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى ال ّلهِ إِنّ ال ّلهَ َبصِيٌ بِاْلعِبَادِ{‪}44‬فَوَقَاهُ ال ّلهُ سَيّئَاتِ مَا مَكَرُوا ﴾‪.‬‬
‫***********************************‬
‫نقْد أهلِ الباط ِل والُسّادِ‬
‫فإنك مأجورٌ – من نقدهمْ وحسدهِمْ – على صبِك ‪ ،‬ثّ إنّ نقدهُ ْم يساوي قيمتك ‪،‬‬
‫ث إنّ الناس ل ترفسُ كلبا ميتا ‪ ،‬والتافهي ل ُحسّاد لم ‪.‬‬
‫قال أحدُهمْ ‪:‬‬
‫ول ترى لِلِئَامِ الناسِ ُحسّادا‬ ‫حسّدةً‬‫إن العراني تلقاها ُم َ‬
‫وقال الخر ‪:‬‬
‫فالناسُ أعداءٌ ل ُه وخصومُ‬ ‫سدُوا الفت إذْ ل ينالوا سعَيهُ‬ ‫َح َ‬
‫حسدا ومقتا إن ُه لذميمُ‬ ‫كضرائرِ السنا ِء قُلْن لوج ِههَا‬
‫وقال زهيٌ ‪:‬‬
‫ل ينعُ ال منهمْ ما له ُحسِدوا‬ ‫سدُون على ما كان من نِ َعمٍ‬
‫مُح ّ‬
‫وقال آخرُ ‪:‬‬
‫حت على الوتِ ل أخلو مِ َن السدِ‬ ‫همْ يسدون على موت فوا أسفا‬
‫وقالُ الشاعرُ ‪:‬‬
‫سدِ‬‫ذا سؤددٍ إل أُصيب ُب ّ‬ ‫وشكوتَ مِن ظلمِ الوشاةِ ولنْ تدْ‬
‫سدِ‬
‫والتافهُ السكيُ غ ُي م ّ‬ ‫ل زلت ياسِبط الكرا ِم مسّدا‬
‫سألَ موسى ربّ أنْ يكفّ ألسنةَ الناسِ عنهُ ‪ ،‬فقال الُ عزّ وجلّ ‪ (( :‬يا موسى ‪ ،‬ما‬
‫اتذتُ ذلك لنفسي ‪ ،‬إن أخلقُهم وأرز ُق ُهمْ ‪ ،‬وإنم يسبّونَنِي ويشتُموننِي )) !!‬
‫أنهُ قال ‪ (( :‬يقولُ الُ عزّ وجلّ ‪ :‬يسبّن ابنُ آدمَ ‪ ،‬ويشتمن ابنُ‬ ‫وصحّ عنهُ‬
‫آدم ‪ ،‬وما ينبغي له ذلك ‪ ،‬أمّ سبّه إياي فإنهُ يسبّ الدهر ‪ ،‬وأنا الدهرُ ‪ ،‬أقلّبُ الليلَ‬
‫ل تحزن‬
‫‪72‬‬
‫والنهارَ كيف أشاءُ ‪ ،‬وأما شتمُه إياي ‪ ،‬فيقولُ ‪ :‬إنّ ل صاحبةً وولدا‪ ،‬وليسَ ل صاحبةٌ ول‬
‫ولدٌ))‪.‬‬
‫إنكَ لنْ تستطيع أن تعتقل ألسنةَ البشرِ عن فرْي ِع ْرضِك ‪ ،‬ولكنك تستطيعُ أن تفعلَ‬
‫اليَ ‪ ،‬وتتنب كلمهم ونقدهم ‪.‬‬
‫قال حاتٌ ‪:‬‬
‫سعتُ فقلتُ مٌرّي فانفذين‬ ‫وكلمةِ حاسدٍ منْ غيِ جرْمِ‬
‫ول يند لا أبدا جبين‬ ‫وعابوها عليّ ول تعِبْن‬
‫وقال آخرُ ‪:‬‬
‫فمضيتُ َثمّة قلتُ ل يعنين‬ ‫ولقدْ أمرّ على السفيهِ يسُبّن‬
‫وقال ثالثٌ ‪:‬‬
‫فخيٌ مِنْ إجابِتِه السكوتُ‬ ‫إذا نَ َطقَ السّفيهُ فل ُتجِْبهُ‬
‫إ ّن التافهي والخوسي يدون تدّيا سافرا من النبلءِ واللمعي والهابذةِ ‪.‬‬
‫كانتْ ذنوب فَقُلْ ل كيف أعتذرُ؟!‬ ‫إذا ماسن اللئي ُأدِلّ با‬
‫أه ُل الثرا ِء ف الغالبِ يعيشون اضطرابا ‪ ،‬إذا ارتفعتْ أسهمُهم انفضَ ضغطُ الدمِ‬
‫حسَبُ أَنّ مَاَلهُ‬
‫عندهم ‪ ﴿ ،‬وَيْلٌ لّكُلّ ُه َمزَةٍ ّلمَزَةٍ{‪ }1‬اّلذِي َجمَعَ مَالً َو َعدّدَهُ{‪َ }2‬ي ْ‬
‫أَخْ َلدَهُ{‪ }3‬كَلّا لَيُنَبذَنّ فِي اْلحُ َط َمةِ ﴾ ‪.‬‬
‫يقولُ أحدُ أدباءِ الغَرْبِ ‪ :‬افعلْ ما هو صحيحٌ ‪ ،‬ث أدرْ ظهرك لك ّل نقدٍ سخيفٍ !‬
‫ومن الفوائدِ والتجاربِ ‪ :‬ل تردّ على كلمةٍ جارحةٍ فيك ‪ ،‬أو مقولةٍ أو قصيدةٍ ‪ ،‬فإنّ‬
‫الحتمالَ دفنُ العايبِ ‪ ،‬واللم عزّ ‪ ،‬والصمت يقهرُ العداء ‪ ،‬والعفو مثوبةٌ وشرفٌ ‪،‬‬
‫ونصفُ الذين يقرؤون الشتم فيك نسوهُ ‪ ،‬والنصفُ الخرُ ما قرؤوه ‪ ،‬وغيهم ل يدرون ما‬
‫السببُ وما القضيةُ ! فل تُرسّخْ ذلك أنت وتعمّقهُ بالردّ على ما قيل ‪.‬‬
‫يقولُ أحدُ الكماءِ ‪ :‬الناسُ مشغولون عن وعنك بنقصِ خبزِهم ‪ ،‬وإنّ ظمأ أحدِهم‬
‫ينُسيهم موت وموتك ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪73‬‬
‫بيتٌ فيه سكينةٌ مع خبز الشعيِ ‪ ،‬خيٌ من بيتٍ مليء بأعدادٍ شهيةٍ من الطعمةِ ‪ ،‬ولكنه‬
‫روضة للمشاغبة والضجيج ‪.‬‬
‫***********************************‬
‫وقفــة‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فإنّ الرضَ يزولُ ‪ ،‬والصابَ يولُ ‪ ،‬والذنبَ يُغفرُ ‪ ،‬والدّيْنَ يُقضى ‪،‬‬
‫ب يقدمُ ‪ ،‬والعاصي يتوبُ ‪ ،‬والفقيَ يغتن ‪.‬‬
‫والحبوسَ يُفكّ ‪ ،‬والغائ َ‬
‫ل تزنْ ‪ :‬أما ترى السحاب السود كيف ينقشعُ ‪ ،‬والليل البهيم كيف ينجلي ‪،‬‬
‫والريح الصّ ْرصَرَ كيف تسكنُ ‪ ،‬والعاصفة كيف تدأ ؟! إذا فشدائدُك إل رخاء ‪ ،‬وعيشُك إل‬
‫هناء ‪ ،‬ومستقبلُك إل نَعْماءِ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬ليبُ الشمس يطفئُهُ وارفُ الظلّ ‪ ،‬وظمأُ الاجرةِ يُبدُه الاءُ النميُ ‪ ،‬و َعضّةٌ‬
‫الوعِ يُسكّنُها الُبْزُ الدافِئُ ‪ ،‬ومعاناةُ السهرِ يعقبُهُ نومٌ لذيذٌ ‪ ،‬وآلمُ الرضِ يُزَيُلها لذيذُ‬
‫ل والنتظارُ لظةً ‪.‬‬ ‫العافيةِ ‪ ،‬فما عليك إل الصبُ قلي ً‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فقدْ حارِ الطباءُ ‪ ،‬و َعجَزَ الكماءُ ‪ ،‬ووقفَ العلماءُ ‪ ،‬وتساء َل الشعراء ‪،‬‬
‫وبارت اليل أُمام نفاذِ القدرةِ ‪ ،‬ووقوعِ القضاءِ ‪ ،‬وحتميةِ القدورِ قال عليّ بنُ جبلةَ ‪:‬‬
‫نعلّلُ نفسنا بعسى‬ ‫عسى فرجٌ يكونُ عسى‬
‫ض النّفسَا‬
‫ـت هّا يقب ُ‬ ‫فل تقنط وإن لقيْـ‬
‫ءُ ِمنْ فرجٍ إذا يئسِا‬ ‫فأقربُ ما يكونُ الرْ‬
‫***************************************‬
‫اخترْ لنفسك ما اختاره الُ لك‬
‫قمْ إن أقامك ‪ ،‬واقعدْ إنْ أقعدك ‪ ،‬واصبْ إذا أفقرَك ‪ ،‬واشكرْ إذا أغناك ‪.‬‬
‫فهذه من لوازم ‪ (( :‬رضيتُ بالِ ربا ‪ ،‬وبالسلمِ دينا ‪ ،‬وبحمد نبيا )) ‪.‬‬
‫قال أحدُ ُهمْ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪74‬‬
‫فأولوا التدبيِ هلْكى‬ ‫ل تُدبّرْ لك أمرا‬
‫ننُ أول بِك مِنكا‬ ‫وارضَ عنّا إن حَكمْنا‬
‫***************************************‬
‫ل تراقبْ تصرّفات الناس‬
‫فإنّهم ل يلكون ضرّا ول نفعا ‪ ،‬ول موتا ول حياة ول نشورا ‪ ،‬ول ثوابا ول عقابا ‪.‬‬
‫قال أحدُهم ‪:‬‬
‫وفاز باللذةِ السورُ‬ ‫مَ ْن راقب الناسَ ماتَ هّا‬
‫وقال بشّار ‪:‬‬
‫ت الفاتِكُ الّلهِجُ‬
‫وفاز بالطيبا ِ‬ ‫من راقب الناس ل يظفرْ باجتهِ‬
‫ش لوْ علم بهِ اللو ُك لالدونا عليهِ بالسيوفِ ‪.‬‬‫قالَ إبراهيمُ بن أدهم ‪ :‬نن ف عيْ ٍ‬
‫وقال ابنُ تيمية ‪ :‬إنه ليمرّ بالقلبِ حالٌ ‪ ،‬أقولُ ‪ :‬إن كان أهلُ النةِ ف مثلِ حالِنا إنم‬
‫ف عيشٍ طيبٍ ‪.‬‬
‫قال أيضا ‪ :‬إنه ليمرّ بالقلبِ حالتٌ يرقصُ طربا ‪ ،‬من الفرحِ بذكرهِ سبحانه وتعال‬
‫والنس به ‪.‬‬
‫وقال ابنُ تيمية أيضا عندما أُدخِل السجنَ ‪ ،‬وقدْ أغلق السجّانُ الباب ‪ ،‬قال ﴿ َفضُرِبَ‬
‫بَيَْنهُم ِبسُورٍ ّلهُ بَابٌ بَاطُِنهُ فِيهِ الرّ ْحمَةُ وَظَا ِهرُهُ مِن قِبَ ِلهِ اْل َعذَابُ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال وهو ف سجنِه ‪ :‬ماذا يفعلُ أعدائي ب ؟! أنا جنت وبستان ف صدري ‪ ،‬أنّى‬
‫سرْتُ فهي معي ‪ ،‬إنّ قتلي شهادةٌ ‪ ،‬وإخراجي من بلدي سياحةٌ وسجن خلوةٌ ‪.‬‬
‫يقولون ‪ :‬أيّ شيء َو َجدَ من فق َد ال ؟! وأيّ شي ٍء فقدَ من وجد ال ؟! ل يستويان‬
‫أبدا ‪ ،‬منْ وجد ال وجد كلّ شيء ‪ ،‬وم ْن فقد ال فقد كلّ شيءٍ ‪.‬‬
‫‪ (( :‬لن أقولُ ‪ :‬سبحان الِ ‪ ،‬والمدُ لِ ‪ ،‬ول إله إل الُ ‪ ،‬والُ أكبُ ‪،‬‬ ‫يقول‬
‫أحبّ إلّ ما طلعتْ عليه الشمسُ )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪75‬‬
‫قال أحدُ السلفِ عنِ الثرياءِ وقصورِهمْ ودورِهمْ وأموالمْ ‪ :‬نأكلُ ويأكلون ‪ ،‬ونشربُ‬
‫‪ ،‬ويشربون ‪ ،‬وننظرُ وينظرون ‪ ،‬ول نُحاسبُ ويُحاسبون ‪.‬‬
‫﴿ وََل َقدْ جِئُْتمُونَا ُفرَادَى َكمَا خَ َلقْنَا ُكمْ أَوّلَ َمرّةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ص َدقَ ال ّلهُ رَسُوَلهُ ﴾ ‪ .‬والنافقون يقولون ‪ ﴿ :‬مّا َوعَدَنَا ال ّلهُ‬
‫الؤمنون يقولون ‪َ ﴿ :‬‬
‫وَرَسُوُلهُ إِلّا ُغرُورا ﴾ ‪.‬‬
‫حياتُك م ْن صنع أفكارِك فالفكارُ الت تستثمرُها وتفكرُ فيها وتعيشُها هي الت تؤثرُ ف‬
‫حياتِك ‪ ،‬سوا ٌء كانتْ ف سعادةٍ أو شقاوةٍ ‪.‬‬
‫يقولُ أحدُهم ‪ :‬إذا كنت حافيا ‪ ،‬فانظرْ لنْ بُتِ َرتْ ساقاه ‪ ،‬تمّ ْد ربّك على نعمةِ‬
‫الر ْجلَيْن ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫ول أضيقُ به ذرعا إذا وقعا‬ ‫ل يلُ الولُ قلب قبل وقعتِهِ‬
‫************************************‬
‫أحسن إل الناس‬
‫فإنّ الحسانَ على الناسِ طريقٌ واسعةٌ من طرقِ السعادةِ ‪ .‬وف حديثٍ صحيح ‪ (( :‬إنّ‬
‫ال يقولُ لعبدهِ وهو ياسُبهُ يوم القيامةِ ‪ :‬يا ابنّ آدم ‪ ،‬جعتُ ول تطعمْن ‪ .‬قال ‪ :‬كيف‬
‫أطعمُك وأنت ربّ العالي ؟! قال ‪ :‬أما علمت أ ّن عبدي فلن ابن فلنٍ جاع فما‬
‫أطعمْتهُ ‪ ،‬أما إنكَ لو أطعمْتَهُ وجدتَ ذلك عندي ‪ .‬يا ابن آدم ‪ ،‬ظمئتُ فلمْ تسقن ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫كيف أسقيك وأنت ربّ العاليَ! قال ‪ :‬أما علمت أ ّن عبدي فلن ابن فل ٍن ظمِئَ فما‬
‫أسقيته ‪ ،‬أما إنّك ل ْو أسقيته وجدْت ذلك عندي ‪ .‬يا ابن آدم ‪ ،‬مرضْتُ فلم تعُدن ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫كيف أعودُك وأنت ربّ العالي ؟! قال ‪ :‬أما علمْت أنّ عبدي فلن ابن فل ٍن مرض فما‬
‫عدَْتهُ ‪ ،‬أما إنك لوْ عدت ْه وجدتن عندهُ ؟! )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪76‬‬
‫هنا لفتةٌ وهي وجدتن عندهُ ‪ ،‬ول يق ْل كالسابقتي ‪ :‬وجدته عندي ؛ لنّ ال عند‬
‫النكسِرة قلوبُهم ‪ ،‬كالريض ‪ .‬وف الديثِ ‪ (( :‬ف كلّ كبدٍ رطبةٍ أجرٌ )) ‪ .‬واعلمْ أنّ أدخل‬
‫امرأةً بغِيّا منْ بن إسرائيل النة ‪ ،‬لنا سقتْ كلبا على ظمأ ‪ .‬فكيف بنْ أطعمَ وسقى ‪،‬‬
‫ورفع الضائقة وكشف الكُرْبَةَ ؟!‬
‫أنهُ قال ‪َ (( :‬منْ كان لهُ فضلُ زادٍ فلَيعُد بهِ على َمنْ ل زاد لهُ ‪،‬‬ ‫وقدْ صحّ عنهُ‬
‫ومنْ كان له فضلُ ظ ْه ٍر فليعدْ ب ِه على منْ ل ظهر لهُ )) ‪ .‬أي ليس لهُ مركوبٌ ‪.‬‬
‫وقدْ قال حاتٌ ف أبياتٍ لهُ جيلةٍ ‪ ،‬وهو يُوصِي خادمهُ أنْ يلتمس ضيفا يقولُ‬
‫إذا أتى ضيفٌ فأنت حُرّ‬ ‫أوقدْ فإنّ الليل ليلٌ قرّ‬
‫ويقول لمرأته ‪:‬‬
‫ل فإن لستُ آكلُهُ وحدي‬ ‫أكي ً‬ ‫إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي لهُ‬
‫وقال أيضا ‪:‬‬
‫ويبقى من الالِ الحاديثُ وال ّذكْرُ‬ ‫أماويّ إنّ الال غادٍ ورائحٌ‬
‫ت يوما وضاق با الصدرُ‬ ‫إذا حشرج ْ‬ ‫أماويّ ما يُغن الثراءُ ع ِن الفت‬

‫ويقول ‪:‬‬
‫غِنانا ول أزرى بأحسابنا الفقْرُ‬ ‫فما زادنا فخرا على ذي قرابةٍ‬
‫وقال عروةُ بنُ حزامٍ‬
‫بوجهي شحوب القّ والقّ جاهدُ‬ ‫أتزأُ من أن سنِت وأن ترى‬
‫وأحسو قراح الاءِ والاءُ باردُ‬ ‫أوزّعُ جسمي ف جسومٍ كثيةٍ‬
‫وكان ابنُ الباركِ لهُ جارٌ يهوديٌ ‪ ،‬فكان يبدأ فيُطعم اليهوديّ قبل أبنائهِ ‪ ،‬ويكسوه قبل‬
‫ف جوارُ‬‫ف قيمتُها ‪ ،‬وأل ٌ‬ ‫أبنائِه ‪ ،‬فقالوا لليهوديّ ‪ :‬بعنا دارك ‪ .‬قال ‪ :‬داري بألفيْ دينارٍ ‪ ،‬أل ٌ‬
‫ابن الباركِ ! ‪ .‬فسمع ابن الباركِ بذلك ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهمّ اهدِهِ إل السلمِ ‪ .‬فأسلم بإذ ِن الِ !‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪77‬‬
‫ومرّ ابنُ البارك حاجّا بقافلةٍ ‪ ،‬فرأى امرأةً أخذتْ غُرابا مْيتا من مزبلةٍ ‪ ،‬فأرسلَ ف‬
‫أثرِها غلمه فسألا ‪ ،‬فقالتْ ‪ :‬ما لنا منذُ ثلثةِ أيامٍ إل ما يُلقى با ‪ .‬فدمعتْ عيناهُ ‪ ،‬وأمر‬
‫بتوزيعِ القافلةِ ف القريةِ ‪ ،‬وعاد وترك حجّته تلك السنةِ ‪ ،‬فرأى ف منامِهِ قائلً يقولُ ‪ :‬حجّ‬
‫مبورٌ ‪ ،‬وسعيٌ مشكورٌ ‪ ،‬وذنبٌ مغفورٌ ‪.‬‬
‫صةٌ ﴾ ‪.‬‬
‫سهِمْ وَلَوْ كَانَ ِب ِهمْ َخصَا َ‬
‫ويقولُ الُ عزّ وجلّ ‪ ﴿ :‬وَيُؤِْثرُو َن عَلَى أَن ُف ِ‬
‫وقالَ أحدُ ُهمْ ‪:‬‬
‫عن صاحب ف أرض ِه وسائِ ِه‬ ‫إن وأ ْن كنتُ امرأً متباعدا‬
‫ت ندائِه‬‫وميبُ دعوتِه وصو ُ‬ ‫لفيدهُ نصري وكاشفُ كَرْبهِ‬
‫يا ليت أنّ علىّ فض َل كسائِهِ‬ ‫وإذا ارتدى ثوبا جيلً لْ أقلْ‬
‫يا لِ ما أجلَ الُلقَ ! وما أجلّ الواهبَ ! وما أحسن السجايا !‬
‫ل يندمُ على فعْلِ الميلِ احدٌ ولو أسرف ‪ ،‬وإنا الندمُ على فعلِ الطأ وإنْ قلّ ‪.‬‬
‫وقال أحدُ ُهمْ ف هذا العن ‪:‬‬
‫والشرّ أخبثُ ما أوْعَْيتَ مِ ْن زَادِ‬ ‫اليُ أبقى وإنْ طال الزمانُ بهِ‬
‫*****************************************‬
‫إذا ص ّكتْ أذانك كلمةٌ نابيةٌ‬
‫سدْ‬
‫واهجرْ ملمةَ َمنْ تشفّى أو َح َ‬ ‫اح ِرصْ على جعِ الفضائلِ‬
‫قُبِلتْ وبعد الوتِ ينقطعُ السدْ‬ ‫واعلمْ بأ ّن العمرَ موْسمُ طاعةٍ‬
‫يقولُ أحدُ علما ِء العصرِ ‪ :‬إنّ على أهلِ الساسيةِ الرهفة من النقدِ أنْ يسكبوا ف‬
‫أعصابِهم مقادير من البودِ أمام النقدِ الظالِ الائرِ ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ « :‬لِ دَوّ السدِ ما أ ْعدََلهُ ‪ ،‬بدأ بصاحِبهِ فقتلهُ » ‪.‬‬
‫وقال التنب ‪:‬‬
‫ما فاته وفضولُ العيْشِ أشغالُ‬ ‫ِذكْ ُر الفت عمرهُ الثان وحاجتُه‬
‫ل تحزن‬
‫‪78‬‬

‫وقال عل ّي رضي الُ عنهُ ‪ :‬الجلُ جنةٌ حصينةٌ ‪.‬‬


‫وقال أحدُ الكماء ‪ :‬البانُ يوتُ مرّاتٍ ‪ ،‬والشجاعُ يوتُ مرةً واحدةً ‪.‬‬
‫وإذا أراد ال بعبادهِ خيا ف وقت الزمات ألقى عليهم النعاس أَمَنَةً منه‪ ،‬كما وقع‬
‫النعاس على طلحة رضي ال عنه ف ُأحُد ‪ ،‬حت سقط سيفُه مراتٍ م ْن يدِه ‪ ،‬أَمْنا وراحة بالٍ ‪.‬‬
‫وهناك نعاسٌ له ِل البدعِة ‪ ،‬فقدْ نعس شبيبُ بنُ يزيدٍ وهو على بغلتِهِ ‪ ،‬وكان منْ‬
‫أشجعِ الناسِ ‪ ،‬وامرأتُهُ غزالةُ هي الشجاعةٌ الت طردتِ الجّاج ‪ ،‬فقال الشاعرُ ‪:‬‬
‫فتخاءُ تَنْفِرُ مِن صفيِ الصافرِ‬ ‫أسدٌ عل ّي وف الروبِ نعام ٌة‬
‫أم كان قلبُك ف جناحيْ طائرِ‬ ‫هلّ برزتَ إل غزال َة ف الوغى‬
‫حنُ نََترَبّصُ‬
‫حسْنَيَ ْينِ وََن ْ‬
‫وقال الُ تعال عزّ وجلّ ‪ ﴿ :‬قُلْ هَلْ َترَبّصُونَ بِنَا إِلّ إِ ْحدَى اْل ُ‬
‫بِ ُكمْ أَن ُيصِيبَكُمُ ال ّلهُ ِب َعذَابٍ ّمنْ عِندِهِ أَوْ بِأَْيدِينَا فََترَّبصُواْ إِنّا َمعَكُم مّتَرَّبصُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال سبحانه ‪َ ﴿ :‬ومَا كَانَ لَِن ْفسٍ َأنْ َتمُوتَ إِلّ ِبِإذْنِ ال كِتَابا مّؤَ ّجلً َومَن ُي ِردْ‬
‫جزِي الشّا ِكرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫ثَوَابَ الدّنْيَا نُؤِْتهِ مِ ْنهَا َومَن ُيرِدْ ثَوَابَ ال ِخرَةِ نُؤِْتهِ مِ ْنهَا وَسََن ْ‬
‫وقال الشاعرُ ‪:‬‬
‫مِن البطالِ ويْحكِ لَنْ تُراعِي‬ ‫أقولُ لا وقدْ طارتْ شعاعا‬
‫عن الجلِ الذي لكِ ل تُطاعي‬ ‫فإنكِ لو سألتِ بقاء يومٍ‬
‫فما نيلُ اللودِ بستطاعِ‬ ‫ت صبْرا‬ ‫فصبا ف مالِ الو ِ‬
‫فيُخلعُ عن أخِ النعِ الياعِ‬ ‫وما ثوبُ الياة بثوبِ ِعزّ‬
‫إي وال ‪ ،‬فإذا جاء أجلُهم ل يستأخرون عنه ساع ًة ول يستقدمون ‪.‬‬
‫قال عليّ رضي الُ عنه ‪:‬‬
‫يوم ل ُقدّر أمْ يوم ُق ِدرْ‬ ‫أيّ يوميّ مِن الوتِ افرّ‬
‫ل ِذرْ‬
‫ومِن القدورِ ل ينجو ا َ‬ ‫يوم ل ُقدّر ل أرهبُهُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪79‬‬
‫ب لكمُ الياةُ ‪.‬‬
‫وقال أبو بك ٍر رضي الُ عنه ‪ :‬اطلبوا الوت تُو َه ْ‬
‫*********************************‬
‫وقفــة‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فإنّ ال يدافعُ عنك‪ ،‬واللئكةُ تستغفرُ لك‪ ،‬والؤمنون يشركونك ف دعائِهمْ‬
‫يشفعُ ‪ ،‬والقرآنُ يِعدُك وعدا حسنا ‪ ،‬وفوق هذا رحةُ أرحم الراحي‬ ‫كلّ صلةٍ ‪ ،‬والنبّ‬
‫‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فإنّ السنة بعشر أمثالِها إل سبعمائ ِة ضِعْفٍ إل أضعافٍ كثيةٍ ‪ ،‬والسيئةُ‬
‫بثلها إل أنْ يعفوَ ربّك ويتجاوز ‪ ،‬فكمْ لِ مِن كرمٍ ما سُمع مثله ! ومن جو ٍد ل يقاربُه جُودٌ!‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فأنت من روّا ِد التوحيدِ وحَملةِ اللّةِ وأهلِ القبلةِ ‪ ،‬وعندك أصلُ ح ّ‬
‫ب الِ‬
‫‪ ،‬وتندمُ إذا أذنبت ‪ ،‬وتفرحُ إذا أحسنت ‪ ،‬فعندك خيٌ وأنت ل تدري ‪.‬‬ ‫وحبّ رسوله‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فأنت على خ ٍي ف ضرائِك وسرائِك ‪ ،‬وغناك وفقرِك ‪ ،‬وشدّتِك ورخائِك ‪،‬‬
‫(( عجبا لم ِر الؤمنِ ‪ ،‬إنّ أمرهَ كلّه له خيٌ ‪ ،‬وليسَ ذلك إل للمؤمنِ ‪،‬نْ أصابْته سرّاءَ‬
‫فشكر كان خيا له ‪ ،‬وإنْ أصابتْه ضرّاءُ فصب فكان خيا له )) ‪.‬‬
‫***********************************‬
‫الصب على الكا ِرهِ وتمّ ُل الشدائدِ‬
‫طريقُ الفوزِ والنجاحِ والسعادةِ‬
‫صفُونَ ﴾‪.‬‬
‫مَا َت ِ‬ ‫﴿ وَاصِْبرْ َومَا صَ ْبرُكَ إِلّ بِال ّلهِ ﴾ ‪َ ﴿ .‬فصَبْرٌ َجمِيلٌ وَال ّلهُ اْل ُمسَْتعَا ُن عَلَى‬
‫عَلَى مَا أَصَابَكَ ﴾‬ ‫﴿فَاصِْبرْ صَبْرا َجمِيلً ﴾ ‪َ ﴿ .‬سلَ ٌم عَلَيْكُم ِبمَا صََبرُْتمْ ﴾ ‪ ﴿ .‬وَاصِْب ْر‬
‫﴿اصِْبرُواْ وَصَاِبرُواْ وَرَاِبطُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫قال عم ُر رضي الُ عنهُ ‪ « :‬بالصبِ أدركنا حسْن العيشِ » ‪.‬‬
‫لهلِ السنةِ عند الصائبِ ثلث ُة فنونٍ ‪ :‬الصبُ ‪ ،‬والدّعاءُ ‪ ،‬وانتظارُ الفَ َرجِ ‪.‬‬
‫وقال الشاعرُ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪80‬‬
‫ولكنّنا كُنا على الوتِ أصب‬ ‫سقينا ُهمُو كأسا سقوْنا بثلِها‬
‫وف حديث صحيح ‪ (( :‬ل أحد أصبُ على أذى سِعه من الِ ‪ :‬إنم يزعمون أنّ له‬
‫‪ (( :‬رحِم الُ موسى ‪ ،‬ابتُلي باكثر‬ ‫ولدا وصاحبةً ‪ ،‬وإنهُ يعافيهم ويرزقُهم )) ‪ .‬وقال‬
‫من هذا فصبَ )) ‪.‬‬
‫‪ (( :‬من يتصّبرْ يُصبّرهْ الُ )) ‪.‬‬ ‫وقال‬
‫جهد النفوسِ وألقوا دون ُه‬ ‫دببتَ للمجدِ والساعون قد‬
‫وعانق الجد مَنْ أوف ومنْ‬ ‫وكابدوا الجد حت ملّ‬
‫لنْ تبلغ الجد حت تلْعق الصّبِرا‬ ‫ل تسبِ الجد ترا أنتَ آكلُهُ‬
‫إن العال ل تُنا ُل بالحلمِ ‪ ،‬ول بالرؤيا ف النامِ ‪ ،‬وإنّما بالزمِ والعَزْمِ ‪.‬‬
‫************************************‬

‫ل ْلقِ مَعَكَ‬
‫ل تزنْ من فِعلِ ا َ‬
‫وانظرْ إل فعْلِهم مع الالقِ‬
‫عندَ أحد ف كتابِ الزهدِ ‪ ،‬أن ال يقولُ ‪ (( :‬عجبا لك يا ابن آدم ! خلقتُك وتعبدُ‬
‫غيي ‪ ،‬ورزقتُك وتشكرُ سواي ‪ ،‬أتبّبُ إليك بالنعمِ وأنا غنّ عنك ‪ ،‬وتتبغّضُ إلّ‬
‫بالعاصي وأنت فقيٌ إلّ ‪ ،‬خيي إليك نازلٌ ‪ ،‬وشرّك إلّ صاعدٌ )) !! ‪.‬‬
‫وقد ذكروا ف سية عيسى عليه السلمُ أنه داوى ثلثي مريضا ‪ ،‬وأبرأ عميان‬
‫كثيين ‪ ،‬ث انقلبوا ضدّه أعداءً ‪.‬‬
‫************************************‬
‫ل تزنْ منْ تعسّر الرزقِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪81‬‬
‫سمَاء‬
‫فإنّ الرزّاق هو الواحدُ الحدُ ‪ ،‬فعنده رِزْقُ العبادِ ‪ ،‬وقدْ تكفّلَ بذلك ‪ ﴿ ،‬وَفِي ال ّ‬
‫ِرزْقُ ُكمْ َومَا تُو َعدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫فإذا كان الُ هو الرزاقُ فلِم يتملّقُ البشرُ ‪ ،‬ولِم تُهانُ النفسُ ف سبيلِ الرزقِ لجل‬
‫البشرِ ؟! قال سبحانه ‪َ ﴿ :‬ومَا مِن دَآّبةٍ فِي الَ ْرضِ إِ ّل عَلَى ال ّلهِ ِرزْ ُقهَا ﴾ ‪ .‬وقال ج ّل اسُه ‪:‬‬
‫﴿ مَا َيفَْتحِ ال ّلهُ لِلنّاسِ مِن رّ ْح َمةٍ فَلَا ُممْسِكَ َلهَا َومَا ُيمْسِكْ َفلَا ُمرْسِلَ َلهُ مِن َب ْعدِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫*********************************‬
‫أسبابٌ ت ّو ُن الصائب‬
‫‪ .1‬انتظارُ الجرِ والثوبةِ من عند الِ عزّ وجلّ ‪ ﴿ :‬إِّنمَا يُوَفّى الصّاِبرُونَ أَ ْجرَهُم‬
‫ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ ﴾ ‪.‬‬
‫‪ .2‬رؤيةُ الصابي ‪:‬‬
‫على إخوانِهمْ لَقَتَ ْلتُ نفسي‬ ‫ولول كثر ُة الباكِي حول‬
‫فالت ِفتْ َيمْنَةً والتفتْ َيسْرَةً ‪ ،‬هل ترى غل مصابا أو متحنا ؟ وكما قيل ‪ :‬ف كلّ وادٍ‬
‫بنو سعدٍ ‪.‬‬
‫‪ .3‬وأنا أسهلُ منْ غيِها ‪.‬‬
‫‪ .4‬وأنا ليستْ ف ديِ ِن العبدِ ‪ ،‬وإنا ف دنياه ‪.‬‬
‫‪ .5‬وأنّ العبودية ف التسليم عند الكارهِ أعظمُ منها أحيانا ف الحابّ ‪.‬‬
‫‪ .6‬وأنه ل حيلة ‪:‬‬
‫إنا اليلةُ ف تَرْكِ اليَلْ‬ ‫فاتركِ اليلة ف تويِلها‬

‫﴾‪.‬‬ ‫‪ .7‬وأنّ البة لِ ربّ العالي ‪َ ﴿ :‬و َعسَى أَن تَ ْكرَهُواْ شَيْئا وَهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ‬
‫*******************************‬
‫ل تتقمص شخصية غيِك‬
‫ل تحزن‬
‫‪82‬‬
‫﴿ وَلِكُلّ وِ ْج َهةٌ هُوَ مُوَلّيهَا فَاسْتَِبقُواْ اْلخَ ْيرَاتِ ﴾ ﴿ وَهُوَ اّلذِي َجعَلَكُمْ َخلَئِفَ‬
‫شرََبهُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫الَ ْرضِ َورَفَعَ َبعْضَ ُكمْ َف ْوقَ َبعْضٍ َدرَجَاتٍ ﴾ ﴿ َقدْ عَ ِلمَ كُلّ أُنَاسٍ مّ ْ‬
‫الناسُ مواهبُ وقدراتٌ وطاقاتٌ وصنعاتٌ ‪ ،‬ومن عظم ِة رسولِنا أنه وظّف أصحابه‬
‫حسب قُدراتِهمْ واستعداداتِهم ‪ ،‬فعليّ للقضاءِ ‪ ،‬ومعاذٌ للعِ ْلمِ ‪ ،‬وُأبّ للقرآنِ ‪ ،‬وزيدٌ‬
‫للفرائضِ ‪ ،‬وخالد للجهادِ ‪ ،‬وحسّانُ للشعِر ‪ ،‬وقيسُ بنُ ثابتٍ للخطابةِ ‪.‬‬
‫ُمضِرّ كوضعِ السيفِ ف موضعِ الندى‬ ‫فوضْ ُع الندى ف موضعِ السيف بالعُل‬
‫جهِزٌ‪.‬‬
‫الذوبانُ ف الغ ِي انتحا ٌر تقمّصُ صفاتِ الخرين قتلٌ ُم ْ‬
‫ت الِ عزّ وجلّ ‪ :‬اختلفُ صفاتِ الناسِ ومواهبِهمْ ‪ ،‬واختلفِ ألسنتِهمْ‬ ‫ومنْ آيا ِ‬
‫وألوانِهمْ ‪ ،‬فأبو بكر برحِتهِ ورفقِ ِه نف َع المةَ واللّة ‪ ،‬وعمرُ بشدّتِهِ وصلبتِهِ نصر السلمَ‬
‫وأهله ‪ ،‬فالرضا با عندك من عطاءٍ موهبةٌ ‪ ،‬فاستثمرها ونّها وقدّمها وانفع با ‪ ﴿ ،‬لَ يُكَلّفُ‬
‫‪.‬‬ ‫س َعهَا ﴾‬
‫وُ ْ‬ ‫ال ّلهُ َنفْسا إِلّ‬
‫إنّ التقليد العمى والنصهار السرف ف شخصياتِ الخرين وأدٌ للموهبةِ ‪ ،‬وقَتْلٌ‬
‫للرادةِ وإلغا ٌء متعمّدٌ التميّزِ والتفرّدِ القصودِ من الليقةِ ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫عـزّ العزلةِ‬
‫وأقصدُ با العزلة عن الشرّ وفضولِ الباحِ ‪ ،‬وهي مّا يشرحُ الاطر ويُذهبُ الزن ‪.‬‬
‫قال ابن تيمية ‪ :‬ل لبدّ للعبدِ من عزلةٍ لعبادتِه وذكرِه وتلوتِه ‪ ،‬وماسبتِه لنفسِه ‪،‬‬
‫ودعائِه واستغفارِه ‪ ،‬وبُعدِه عن الشرّ ‪ ،‬ونوِ ذلك ‪.‬‬
‫ولقد عقد ابنُ الوزي ثلثة فصولٍ ف ( صيْدِ الاطرِ ) ‪ ،‬ملخّصها أنه قال ‪ :‬ما سعتُ‬
‫ت كالعزلة ‪ ،‬راحةً وعزّا وشرفا ‪ ،‬وبُعدا عن السوءِ وعن الشرّ ‪ ،‬وصوْنا للجاهِ‬ ‫ول رأي ُ‬
‫والوقتِ ‪ ،‬وحِفظا للعمرِ ‪ ،‬وبعدا عن السّا ِد والثقلءِ والشامتي ‪ ،‬وتفكّرا ف الخرةِ ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪83‬‬
‫واستعدادا للقا ِء الِ عزّ وجلّ ‪ ،‬واغتناما ف الطاعةِ ‪ ،‬وجولن الفكر فيما ينفعُ ‪ ،‬وإخراج‬
‫كنوزِ الِ َكمِ ‪ ،‬والستنباط من النصوصِ ‪.‬‬
‫ونو ذلك من كلمِهِ ذكرهُ ف العزلةِ هذا معناه بتصرّف ‪.‬‬
‫وف العزلةِ استثمارُ العقلِ ‪ ،‬وقطْفُ جَنَى الفكرِ ‪ ،‬وراح ُة القلبِ ‪ ،‬وسلمةُ العرْض ‪،‬‬
‫وموفورُ الجرِ ‪ ،‬والنهيُ عن النكر ‪ ،‬واغتنامُ النفاسِ ف الطاعةِ ‪ ،‬وتذكّرُ الرحيمِ ‪ ،‬وهجرُ‬
‫اللهياتِ والشغلتِ ‪ ،‬والفرارُ من الفتِ ‪ ،‬والبعدُ عن مداراةِ العدوّ ‪ ،‬وشات ِة الاقدِ ‪ ،‬ونظراتِ‬
‫الاسدِ ‪ ،‬وماطلةِ الثقيلِ ‪ ،‬والعتذارِ على العاِتبِ ‪ ،‬ومطالبةِ القوقِ ‪ ،‬ومداجاةِ التكبّرِ ‪،‬‬
‫والصبِ على الحقِ ‪.‬‬
‫وف العزلةِ سَتْرٌ للعوراتِ ‪ :‬عوراتِ اللسانِ ‪ ،‬وعثراتِ الركاتِ ‪ ،‬وفلتاتِ الذهنِ ‪،‬‬
‫ورعونةِ النفسِ ‪.‬‬
‫فالعزلةُ حجابٌ لوجهِ الحاسنِ ‪ ،‬وصدَفٌ ل ُدرّ الفضلِ ‪ ،‬وأكمامٌ لطلْع الناقبِ ‪ ،‬وما‬
‫أحسن العزلةَ مع الكتابِ ‪ ،‬وفرةً للعمرِ ‪ ،‬وفسحةً للجلِ ‪ ،‬وببوحةً ف اللوةِ ‪ ،‬وسفرا ف‬
‫طاعةِ ‪ ،‬وسياحةً ف تأمّلٍ ‪.‬‬
‫وف العزلةِ ترصُ على العان ‪ ،‬وتوزُ على اللطائفِ ‪ ،‬وتتأم ُل ف القاصدِ ‪ ،‬وتبن صرح‬
‫الرأيِ ‪ ،‬وتشيدُ هيْكلَ العقلِ ‪.‬‬
‫والروحُ ف العزلةِ ف جَذلٍ ‪ ،‬والقلبُ ف فَ َرحٍ اكبَ ‪ ،‬والاطرُ ف اصطيادِ الفوائدِ ‪.‬‬
‫ول تٌرائي ف العزلةِ ‪ :‬لنهُ ل يراك إل الُ ‪ ،‬ول تُسمعِ بكلمِك بشرا فل يسمعك إل‬
‫السمي ُع البصيُ ‪.‬‬
‫كلّ اللمعي والنافعي ‪ ،‬والعباقرِة والهابذةِ وأساطي الزمنِ ‪ ،‬وروّادِ التاريخِ ‪ ،‬وشُداةِ‬
‫الفضائلِ ‪ ،‬وعيونِ الدهرِ ‪ ،‬وكواكبِ الحافلِ ‪ ،‬كلّهم سَ َقوْا غَرْسَ نُبْلهم من ما ِء العزلةِ حت‬
‫استوى على سُوقِهِ ‪ ،‬فنبتتْ شجرةُ عظمتِهم ‪ ،‬فآتتْ ُأكُلَها كلّ حيٍ بإذ ِن ربّها ‪.‬‬
‫قال عليّ عبدِالعزيز الُرْجانّ ‪:‬‬
‫رأوا رجلً عن موقفِ الذّلّ أ ْحجَما‬ ‫يقولون ل فيك انقباضُ وإنا‬
‫ل تحزن‬
‫‪84‬‬
‫ولكنّ نفس الُرّ تتملُ الظّما‬ ‫ت قدْ َأرَى‬ ‫إذا قيلَ هذا مور ٌد قل ُ‬
‫بدا طم ٌع صيّرتُهُ لِيَ سُلّما‬ ‫ول أقضِ ح ّق العلمِ إن كنتُ كلّما‬
‫إذن فاتّباعُ اله ِل قدْ كان أحزما‬ ‫أأشقى به َغرْسا وأجنيهِ ذلّةً‬
‫ولو عظّموه ف النفوسِ لَعُظّما‬ ‫ولو أنّ أهل العل ِم صانوه صانمْ‬
‫ُمحَيّاهُ بالطماعِ حت تجّما‬ ‫ولكنْ أهانُوهُ فهانوا ودنّسوا‬
‫وقال أحدُ بنُ خليلٍ النبليّ ‪:‬‬
‫حةَ مِن همّ طوي ِل‬ ‫مَنْ أراد العزّ والرا‬
‫سِ ويرضى بالقليلِ‬ ‫ليكُنْ فردا من النا‬
‫عاش مِنْ عيشٍ وبِيلِ‬ ‫كيف يصفو لمرئٍ ما‬
‫ومداجاةِ ثقيل ِ‬ ‫بي غمزٍ مِنْ ختولٍ‬
‫ومعاناةِ بيلِ‬ ‫ومداراةِ حسودٍ‬
‫سِ على كلّ سبيلِ‬ ‫آهِ منْ معرف ِة النا‬
‫وقال القاضي عليّ بن عبدالعزيزِ الرجانّي ‪:‬‬
‫صرتُ للبيتِ والكتابِ جليسا‬ ‫ما تطعّمتُ لذةَ العيشِ حتّى‬
‫ـم فما أبتغي سواهُ أنيسا‬ ‫ليس شيءٌ أعزّ من العلـ‬
‫س فد ْعهُم وعِشْ عزيزا رئيسا‬ ‫ِ‬ ‫إنّما الذّل ف مالط ِة النا‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫فدام لِي النا وَنمَا السرورُ‬ ‫ستُ بوحدت ولزِمتُ بيت‬ ‫أِن ْ‬
‫ب الميُ‬ ‫أسارَ اليشُ أم ركِ َ‬ ‫وقاطعتُ النامَ فما أبال‬
‫وقال الميدي الحدّث ‪:‬‬
‫سوى الكثارِ منْ قيلٍ وقالِ‬ ‫لقاءُ الناسِ ليس يُفيدُ شيئا‬
‫لكسبِ العلمِ أو إصلحِ حالِ‬ ‫فأقْلِلْ منْ لقاءِ الناسِ إلّ‬
‫وقال اب ُن فارس ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪85‬‬
‫تًقضّى حاجةٌ وتفوتُ حا ُ‬
‫ج‬ ‫وقالوا كيف حالُك قلتُ خيا‬
‫عسى يوما يكونُ لهُ انفراجُ‬ ‫إذا ازدحتْ هومُ الصد ِر قُلْنا‬
‫دفاترُ ل ومعشوقي السراجُ‬ ‫نديي هِرّت وأنيسُ نفسي‬
‫ب العزلة فهي عِزّ لهُ ‪ .‬ولك أن تراجع كتاب (( العزلةِ)) للخطّاب ‪.‬‬
‫قالوا ‪ :‬كلّ من أح ّ‬
‫**********************************‬
‫فوائد الشدائد‬
‫جبَ ‪ ،‬وتنسفُ الكِبْرَ ‪ ،‬وهي‬‫فإنّ الشدائد تقوّي القلب ‪ ،‬وتحو الذنب ‪ ،‬وتقصِ ُم العُ ْ‬
‫ذوبانٌ للغفلةِ ‪ ،‬وإشعالٌ للتذكّرِ ‪ ،‬وج ْلبُ عطفِ الخلوقي ‪ ،‬ودعاءٌ من الصالي ‪ ،‬وخضوعٌ‬
‫للجبوتِ ‪ ،‬واستسلمٌ للواحد القهارِ ‪ ،‬وزجْرٌ حاضرٌ ‪ ،‬ونذيرٌ مقدمٌ ‪ ،‬وإحياءٌ للذكرِ ‪،‬‬
‫وتضرّع بالصبِ ‪ ،‬واحتسابٌ للغصصِ ‪ ،‬وتيئ ٌة للقدومِ على الول ‪ ،‬وإزعاجٌ عن الركونِ على‬
‫الدنيا والرضا با والطمئنان إليها ‪ ،‬وما خفي من اللطفِ أعظمُ ‪ ،‬وما سُتِرَ من الذنبِ أكبُ ‪،‬‬
‫وما عُفي من الطأ أجلّ ‪.‬‬
‫***********************************‬
‫وقفـةٌ‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ الزن يضعفُك ف العبادةِ ‪ ،‬ويعطّلك عن الهادِ ‪ ،‬ويُورثُك الحباط ‪،‬‬
‫ويدعوك إل سوء الظنّ ‪ ،‬ويُوقعُك ف التشاؤمِ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فإنّ الزن والقلق أساسُ المرا ِ‬
‫ض النفسيةِ ‪ ،‬ومصدرُ الل ِم العصيبةِ ‪ ،‬ومادةُ‬
‫س والضطرابِ ‪.‬‬
‫النيارِ والوسوا ِ‬
‫ل تزنْ ‪ :‬ومعك القرآنُ ‪ ،‬والذكرُ ‪ ،‬والدعاءُ ‪ ،‬والصلةُ ‪ ،‬والصدقةُ ‪ ،‬وفعْلُ العروفِ ‪،‬‬
‫والعملُ النافعُ الثمِرُ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬ول تستسلمْ للحزن عن طريقِ الفراغِ والعطالةِ ‪ ،‬صلّ ‪ ..‬سبّحْ اقرأْ ‪ ..‬اكتبْ‬
‫‪ ..‬اعملْ ‪ ..‬استقبلْ ‪ ..‬زُرْ ‪ ..‬تأمّلْ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪86‬‬
‫اْل ُمعَْتدِينَ ﴾‬ ‫ضرّعا وَ ُخفَْيةً إِّنهُ لَ ُيحِبّ‬
‫﴿ ا ْدعُونِي أَسَْتجِبْ لَ ُكمْ ﴾ ﴿ ادْعُواْ رَبّ ُكمْ َت َ‬
‫صيَ َلهُ الدّينَ ﴾ ﴿ قُلِ ا ْدعُواْ ال ّلهَ أَوِ ا ْدعُواْ الرّحْمَـنَ أَيّا مّا َت ْدعُواْ فَ َلهُ‬
‫﴿فَا ْدعُوا ال ّلهَ ُمخْلِ ِ‬
‫حسْنَى ﴾ ‪.‬‬
‫الَ ْسمَاء اْل ُ‬
‫*******************************‬
‫قواعد ف السعادة‬
‫‪.1‬اعلمْ أنك إذا ل تعِشْ ف حدودِ يومِك تشتّت ذهنُك ‪ ،‬واضطربتْ عليك أمورُك ‪،‬‬
‫وكثرتْ هومُك وغمومُك ‪ ،‬وهذا معن ‪ (( :‬إذا أصبحت فل تنتظرِ الساء ‪ ،‬وإذا‬
‫أمسيت فل تنتظرِ الصباح )) ‪.‬‬
‫‪.2‬انْس الاضي با فيه ‪ ،‬فالهتمامُ با مضى وانتهى ُحمْقٌ وجنونٌ ‪.‬‬
‫‪.3‬ل تشتغلْ بالستقبلِ ‪ ،‬فهو ف عالِ الغيبِ ‪ ،‬ودعِ التفكرَ فيه حت يأت ‪.‬‬
‫‪.4‬ل تتزّ من النقدِ ‪ ،‬واثبتْ ‪ ،‬واعلمْ أنّ النقد يساوي قيمَتَكَ ‪.‬‬
‫‪.5‬اليا ُن بالِ ‪ ،‬والعملُ الصالُ هو الياةُ الطيبةُ السعيدةُ ‪.‬‬
‫‪.6‬من أراد الطمئنان والدوء والراحةَ ‪ ،‬فعليه بذك ِر الِ تعال ‪.‬‬
‫‪.7‬على العبدِ أن يعلم أنّ شيءٍ بقضاء وقدرٍ ‪.‬‬
‫‪.8‬ل تنتظرْ شكرا من أحدٍ ‪.‬‬
‫‪.9‬وطَِنْ نفسك على تلقّي أسوأ الفروضِ ‪.‬‬
‫‪.10‬لع ّل فيما حصل خيا لك ‪.‬‬
‫‪.11‬كلّ قضاءٍ للمسلمِ خيٌ له ‪.‬‬
‫‪.12‬فكّرْ ف النعمِ واشكرْ ‪.‬‬
‫‪.13‬أنت با عندك فوق كثيٍ من الناسِ ‪.‬‬
‫‪.14‬من ساعةٍ إل ساع ٍة فَ َرجٌ ‪.‬‬
‫‪.15‬بالبلءِ ُيسَْتخْ َرجُ الدعاءُ ‪.‬‬
‫‪.16‬الصائبُ مراهمُ للبصائرِ وقوّةٌ للقلبِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪87‬‬
‫‪.17‬إ ّن مع ال ُعسْرِ ُيسْرا ‪.‬‬
‫‪.18‬ل تقضِ عليك التوافِهُ ‪.‬‬
‫‪.19‬إن رّبك واسعُ الغفرةِ ‪.‬‬
‫‪.20‬ل تغضبْ ‪ ،‬ل تغضبْ ‪ ،‬ل تغضبْ ‪.‬‬
‫‪.21‬الياةُ خبزٌ وماءٌ وظلّ ‪ ،‬فل تكترثْ بغي ذلك ‪.‬‬
‫سمَاء رِزْقُ ُكمْ َومَا تُوعَدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪ ﴿.22‬وَفِي ال ّ‬
‫‪.23‬أكثر ما يٌخافْ ل يكونُ ‪.‬‬
‫‪.24‬لك ف الصابي أُسوةٌ ‪.‬‬
‫ب قوما ابتل ُهمْ ‪.‬‬‫‪.25‬إنّ ال إذا أح ّ‬
‫‪.26‬كَ ّررْ أدعيةَ الكَرْبِ ‪.‬‬
‫‪.27‬عليك بالعملِ الادّ الثمرِ ‪ ،‬واهجرِ الفراغ ‪.‬‬
‫‪.28‬اتركِ الراجيف ‪ ،‬ول تصدقْ الشائعاتِ ‪.‬‬
‫صمُ ‪.‬‬
‫صحّتِكَ أكثر ما َيضُرّ ال ّ‬‫‪.29‬حقدُكَ وحرصُك على النتقامِ يضُرّ ب ِ‬
‫‪.30‬كلّ ما يصيبك فهو كفّارةٌ للذنوبِ ‪.‬‬
‫***********************************‬
‫ولِم الزنُ وعندك ستّةُ أخلطٍ ؟‬
‫ذكر صاحبُ ( الفرجِ بعد الشدةِ ) ‪ :‬أنّ احدَ الكماءِ ابتُليَ بصيبةٍ ‪ ،‬فدخلَ عليه‬
‫إخوانُه يعزّونَهُ ف الصابِ ‪ ،‬فقال ‪ :‬إن عملتُ دواءً من ستةِ أخلطٍ ‪ .‬قالوا ‪ :‬ما هي ؟ قال ‪:‬‬
‫اللطُ الولُ ‪ :‬الثق ُة بالِ ‪ .‬والثان ‪ :‬علمي بأنّ كلّ مقدور كائنٌ ‪ .‬والثالثُ ‪ :‬الصبُ خيٌ ما‬
‫استعملهُ المتحنُون ‪ .‬والرابعُ ‪ :‬إنْ ل أصبْ أنا فأيّ شيء أعمل ؟! ول أكنْ أُعي على نفسي‬
‫بالزع ‪ .‬والامسُ ‪ :‬قد يكنُ أن أكون ف شرّ ما أنا فيه ‪ .‬والسادسُ ‪ :‬من ساعةٍ إل ساعةٍ‬
‫فَ َرجٌ ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪88‬‬
‫ح َزنْ إذا واجهتْكَ الصعابُ وداهتْك الشاكلُ واعترضتك‬
‫ل َت ْ‬
‫العوائق ‪ ،‬واصب وتمّلُ‬
‫ما تُهيُ بهِ الكرامَ فهاتِها‬ ‫إنْ كانَ عندك يا زمانُ بقيّةٌ‬
‫إ ّن الصب أرفقُ من الزعِ ‪ ،‬وإ ّن التحمل أشرفُ من الورِ ‪ ،‬وإن الذي ل يصبُ اختيارا‬
‫سوف يصبُ اضطرارا ‪.‬‬
‫وقال التنب ‪:‬‬
‫فؤادي ف غشاءٍ من نبالِ‬ ‫رمان الده ُر بالرزاءِ حت‬
‫تكسّرتِ النصالُ على النصالِ‬ ‫فصرتُ إذا أصابتن سهامٌ‬
‫لن ما انتفعتُ بأنْ أُبال‬ ‫فعشتُ ول أُبال بالرزايا‬
‫وقال أبو الظفر البيوردي ‪:‬‬
‫أَعِ ّز وأحداثُ الزمانِ تُو ُن‬ ‫تنكّرَ ل دهري ول يدرِ أنن‬
‫وِبتّ أُري ِه الصب كيف يكونُ‬ ‫فبات يُرين الدهرُ كيف اعتداؤُهُ‬
‫إن الكوخ الشبّ ‪ ،‬وخيمةَ الشّعْرِ ‪ ،‬وخبز الشعيِ ‪ ،‬أعزّ وأشرفُ – مع حفظِ ما ِء‬
‫الوجهِ وكرامةِ العِ ْرضِ وصوْنَ النفسِ – من َقصْرٍ منيفٍ وحديقةٍ غنّاءَ مع التعك ِي والكَ َدرِ ‪.‬‬
‫الحنةُ كالرض ‪ ،‬لبدّ له من زمن حت يزول ‪ ،‬ومن استعجل ف زوالهِ أوشك أن‬
‫يتضاعف ويستفحل ‪ ،‬فكذلك الصيبةُ وا ِلحْنَ ُة لبدّ لا من وقتٍ ‪ ،‬حت تزول آثارُها ‪،‬‬
‫وواجبُ البتلي ‪ :‬الصبُ وانتظارُ الفرجِ ومداومةُ الدّعاءِ ‪.‬‬
‫*******************************‬
‫وقفـــة‬
‫﴿ وَلَ تَيْأَسُواْ مِن رّوْحِ ال ّلهِ إِّنهُ لَ يَ ْيأَسُ مِن رّوْحِ ال ّلهِ إِلّ اْلقَوْمُ الْكَا ِفرُونَ ﴾ ‪َ ﴿ .‬ومَن‬
‫حسِنِيَ ﴾ ‪ ﴿ .‬لَا‬
‫َيقَْنطُ مِن رّ ْحمَةِ رَّبهِ إِ ّل الضّآلّونَ ﴾ ‪ ﴿ .‬إِنّ رَ ْحمَتَ ال ّلهِ َقرِيبٌ ّمنَ اْل ُم ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪89‬‬
‫حدِثُ َب ْعدَ ذَلِكَ َأمْرا ﴾ ‪َ ﴿ .‬و َعسَى أَن تَ ْكرَهُواْ شَيْئا وَهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ‬
‫َتدْرِي َلعَلّ ال ّلهَ ُي ْ‬
‫َو َعسَى أَن ُتحِبّواْ شَيْئا وَهُوَ َشرّ لّ ُكمْ وَال ّلهُ َيعْ َلمُ وَأَنُتمْ لَ َتعْ َلمُونَ ﴾ ‪ ﴿ .‬ال ّلهُ َلطِيفٌ ِبعِبَادِهِ‬
‫حزَنْ إِنّ ال ّلهَ َمعَنَا ﴾ ‪ِ ﴿ .‬إذْ َتسَْتغِيثُونَ رَبّ ُكمْ‬
‫﴾ ‪ ﴿ .‬وَرَ ْحمَتِي وَ ِسعَتْ كُلّ شَيْءٍ ﴾ ‪ ﴿ .‬لَ َت ْ‬
‫حمََتهُ ﴾ ‪﴿ .‬‬
‫رَ ْ‬ ‫شرُ‬
‫فَاسَْتجَابَ لَ ُكمْ ﴾ ‪ ﴿ .‬وَهُوَ اّلذِي يَُنزّلُ اْلغَيْثَ مِن َب ْعدِ مَا قََنطُوا وَيَن ُ‬
‫وََي ْدعُونَنَا َرغَبا َورَهَبا وَكَانُوا لَنَا خَا ِش ِعيَ ﴾ ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫إذا ل ترض منها بالزاجِ‬ ‫مت تصفُو لك الدنيا بيٍ‬
‫ومرجهُ من البح ِر الُجاجِ‬ ‫أل تر جوهر الدنيا الصفّى‬
‫جرتْ بسرّةٍ لك وابتهاجِ‬ ‫ورُبّ مُخيفةٍ فجأتْ بِهوْلٍ‬
‫وربّ إقامةٍ بَ ْعدَ اعوِجاجِ‬ ‫ورُبّ سلمةٍ بَعْدَ امتناعٍ‬
‫*************************************‬

‫ي جليسٍ ف النا ِم كتابُ‬


‫وخ ُ‬
‫إنّ من أسباب السعادة ‪ :‬النقطاع إل مطالعة الكتاب ‪ ،‬والهتمام بالقراءة ‪ ،‬وتنمية‬
‫العقلِ بالفوائدِ ‪.‬‬
‫والاحظ يُوصِك بالكتاب والطالعة ‪ ،‬لتطرد الزن عنك فيقول ‪:‬‬
‫والكتاب هو الليسُ الذي ل يُطرِيك ‪ ،‬والصديقُ الذي ل يُغرِيك ‪ ،‬والرفيقُ الذي ل‬
‫َيمَلّك ‪ ،‬والستميحُ الذي ل يستريثك ‪ ،‬والارُ الذي ل يستبطيك ‪ ،‬والصاحب الذي ل يريد‬
‫استخراج ما عندك باللقِ ‪ ،‬ول يعاملُك بالكْر ‪ ،‬ول يدعُك بالنفاق ‪ ،‬ول يتالُ لك‬
‫بالكذِبِ ‪.‬‬
‫والكتاب هو الذي إن نظرت فيه أطال إمتاعك ‪ ،‬وشحذ طباعك ‪ ،‬وبسط لسانك ‪،‬‬
‫وجوّ بنانك ‪ ،‬وفخّم ألفاظك ‪ ،‬وببح نفسك ‪ ،‬وعمّرَ صدرك ‪ ،‬ومنحك تعظيم العوامّ ‪،‬‬
‫وصداقة اللوك ‪ ،‬وعرفت به شهرٍ ما ل تعرفه من أفواهِ الرجال ف دهْرٍ ‪ ،‬مع السلمة من الغُرْمِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪90‬‬
‫‪ ،‬ومن كدّ الطلب ‪ ،‬ومن الوقوفِ ببابِ الكتسب بالتعليم ‪ ،‬ومن اللوس بي يدي مَن أنت‬
‫أفضلُ منه ُخلُقاُ ‪ ،‬وأكرمُ منه عِرقا ‪ ،‬ومع السلمة من مالسة البغضاء ‪ ،‬ومقارنة الغنياء ‪.‬‬
‫والكتاب هو الذي يطيعك بالليل كطاعته بالنهار ‪ ،‬ويطيعك ف السفر كطاعته ف‬
‫الضَرِ ‪ ،‬ول يعتلّ بنومٍ ‪ ،‬ول يعتريهِ كََللُ السهرِ ‪ ،‬وهو العّلمُ الذي إن افتقرت إليه ل‬
‫يْفِرْك ‪ ،‬وإن قطعت عنه الادة ل يقطعْ عنك الفائِدةَ ‪ ،‬وإن عزلته ل يدعْ طاعتك ‪ ،‬وإن هبّت‬
‫ريحُ أعاديك ل ينقلبْ عليك ‪ ،‬ومت كنت معه متعلّقا بسبب أو معتصما بأدن حبْل كان‬
‫لك فيه غنً من غيه ‪ ،‬ول تضرّك معه وحشةُ الوحدة إل جليسِ السوءِ ‪ ،‬ولو ل يكن من‬
‫فضله عليك وإحسانه إليك إلّ منْعُه لك من اللوس على بابِك ‪ ،‬والنظرُ إل الارة بك ‪ .‬مع‬
‫ض فيما ل‬ ‫ما ف ذلك من التعرّض للحقوق الت تلزم ‪ ،‬ومن فضولِ النظرِ ‪ ،‬ومن عادةِ ال ْو ِ‬
‫يعنيك ‪ ،‬ومن ملبس ِة صغارِ الناسِ ‪ ،‬وحضورِ ألفاظهم الساقطة ‪ ،‬ومعانيهم الفاسدة ‪،‬‬
‫وأخلقِهم الرديئة ‪ ،‬وجهالتم الذمومة ‪ .‬لكان ف ذلك السلمةُ ث الغنيمةُ ‪ ،‬وإحرا ُز الصل‬
‫مع استفادةِ الفرْعِ ‪ ،‬ولو ل يكن ف ذلك إل أنه يشغلك عن سخف الُن ‪ ،‬وعن اعتياد الراحةِ‬
‫وعن اللّعبِ ‪ ،‬وكل ما أشبه اللعب ‪ ،‬لقد كان على صاحبه أسبغ النعمة وأعظم الِنّةَ ‪.‬‬
‫وقد علمنا أن أفضل ما يقطع به الفُرّاغُ نارهم ‪ ،‬وأصحاب الفكاهات ساعاتِ ليلهم ‪:‬‬
‫الكتابُ ‪ ،‬وهو الشيء الذي ل يُرى لم فيه مع النيل أثر ف ازدياد تربة ول عقل ول مروءة ‪،‬‬
‫ول ف صوْن عِرض ‪ ،‬ول ف إصلح دينٍ ‪ ،‬ول ف تثمي مال ‪ ،‬ول ف رب صنيع ٍة ول ف‬
‫ابتداءِ إنعامٍ ‪.‬‬
‫* أقوالٌ ف فضل الكتاب ‪:‬‬
‫وقال أبو عبيدة ‪ :‬قال الهلّب لبنيه ف وصيته ‪ :‬يا بَنِيّ ‪ ،‬ل تقوموا ف السواق إل على‬
‫زرّاد أو ورّاق ‪.‬‬
‫وحدّثن صديق ل قال ‪ :‬قرأتُ على شيخ شامي كتابا فيه من مآثرِ غطفان ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫ذهبتِ الكارم إل من الكتب ‪ .‬وسعتُ السن اللؤلؤي يقول‪ :‬غبتُ أربعي عاما ما قِلتُ‬
‫ول بتُ ول اتكأتُ ‪ ،‬إل والكتاب موضوع على صدري ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪91‬‬
‫وقال ابن الهم ‪ :‬إذا غشين النعاس ف غي وقت نوم ‪ .‬وبئس الشيء النوم الفاضل عن‬
‫ت كتابا من كتب الِكم ‪ ،‬فأجدُ اهتزازي للفوائد ‪ ،‬والريية الت تعترين عند‬ ‫الاجة ‪ .‬تناول ُ‬
‫الظفر ببعض الاجة ‪ ،‬والذي يغشى قلب من سرور الستبانة ‪ ،‬وعزّ التبي أشدّ إيقاظا من‬
‫ني ِق الميِ ‪ ،‬وهدّ ِة الَدْمِ ‪.‬‬
‫وقال ابنُ الهم ‪ :‬إذا استحسنتُ الكتاب واستجدتُه ‪ ،‬ورجوتُ منه الفائدة ‪ ،‬ورأيتُ‬
‫ذلك فيه ‪ ،‬فلو تران وأنا ساعة بعد ساعة أنظرُ كم بقي من ورقة مافة استنفاده ‪ ،‬وانقطاع‬
‫ق كثي العد ِد فقد تّ عيشي وكمل‬ ‫الادة من قلبه ‪ ،‬وإن كان الصحفُ عظيم الجمِ كثي الور ِ‬
‫سروري ‪.‬‬
‫وذكر العتب كتابا لبعض القدماء فقال ‪ :‬لول طولُه وكثر ُة ورقِهِ لنسختُه ‪ .‬فقال ابن‬
‫ت قطّ كتابا كبيا فأخلن من‬ ‫الهم ‪ :‬لكن ما رغّبن فيه إل الذي زهّدك فيه ‪ ،‬وما قرأ ُ‬
‫فائدة ‪ ،‬وما أحصي كم قرأتُ من صغار الكتب فخرجتُ منها كما دخلتُ ! ‪.‬‬
‫صدْرِكَ َحرَجٌ مّ ْنهُ‬
‫وأجلّ الكتب وأشرفها وأرفعها ‪ ﴿ :‬كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَ ْيكَ َفلَ يَكُن فِي َ‬
‫‪.‬‬ ‫كرَى لِ ْلمُ ْؤمِِنيَ ﴾‬
‫َوذِ ْ‬ ‫لِتُنذِرَ ِبهِ‬
‫* فوائد القراءة والطالعة ‪:‬‬
‫س والمّ والزنِ ‪.‬‬ ‫‪.1‬طر ًد الوسوا ِ‬
‫ب الوضِ ف الباطلِ ‪.‬‬ ‫‪.2‬اجتنا ُ‬
‫‪.3‬الشتغالُ عن البطّالي وأهلِ العطالةِ ‪.‬‬
‫‪.4‬فتْقُ اللسان وتدريبٌ على الكلم‪ ،‬والبعدُ عن الّلحْنِ‪ ،‬والتحلّي بالبلغةِ‬
‫والفصاحةِ‪.‬‬
‫‪.5‬تنميةُ العَقْلِ ‪ ،‬وتويدُ الذّهْنِ ‪ ،‬وتصفيةُ الاطِرِ ‪.‬‬
‫‪.6‬غزارةُ العلمِ ‪ ،‬وكثرةُ الحفوظِ والفهومِ ‪.‬‬
‫‪.7‬الستفادةُ من تاربِ الناسِ وحكمِ الكماءِ واستنباطِ العلماءِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪92‬‬
‫‪.8‬إيادُ الَلَ َك ِة الاضمةِ للعلومِ ‪ ،‬والطالعةُ على الثقافات الواعية لدورها ف‬
‫الياة ‪.‬‬
‫‪.9‬زيادةُ اليانِ خاصّةً ف قراءة كتبِ أهلِ السلمِ ‪ ،‬فإن الكتاب من أعظم‬
‫الوعّاظ ‪ ،‬ومن أجلّ الزاجرين ‪ ،‬ومن أكب الناهي ‪ ،‬ومن أحك ِم المرين ‪.‬‬
‫‪.10‬راحةٌ للذّهن من التشتّتِ ‪ ،‬وللقلب من التشرذُمِ ‪ ،‬وللوقتِ من الضياعِ ‪.‬‬
‫خ ف َفهْمِ الكلمةِ ‪ ،‬وصياغةِ الادةِ ‪ ،‬ومقصودِ العبارةِ ‪ ،‬ومدلولِ‬‫‪.11‬الرسو ُ‬
‫الملةِ ‪ ،‬ومعرفةِ أسرارِ الكمةِ ‪.‬‬
‫وليس بأنْ طعمت ول شربتا‬ ‫ح أرواحُ العان‬ ‫فروحُ الرو ِ‬
‫***********************************‬
‫وقفــة‬
‫مرض أبو بك ٍر رضي ال عنه فعادوه ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أل ندعو لك الطبيب ؟ فقال ‪ :‬قد رآن‬
‫الطبيب ‪ .‬قالوا ‪ :‬فأيّ شيء قال لك ؟ قال ‪ :‬إن فعّالٌ لا أريدُ ‪.‬‬
‫قال عمرُ بنُ الطابِ رضي ال عنه ‪ :‬وجدنا خَيْرَ عيشنِا بالصبِ ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ :‬أفضلُ عيشٍ أدركناه بالصب ‪ ،‬ولو أ ّن الصب كان من الرجالِ كان كريا‬
‫‪.‬‬
‫وقال عليّ بن أب طالب رضي ال عنه ‪ :‬أل إن الصّبْرَ من اليان بنلة الرأسِ من‬
‫س بار السمُ ‪ ،‬ث َرفَ َع صوتَه فقال ‪ :‬إنه ل إيان لن ل صَبْرَ له ‪ .‬وقال‬
‫السدِ ‪ ،‬فإذا قُطع الرأ ُ‬
‫‪ :‬الصبُ مطيّةٌ ل تَكْبُو ‪.‬‬
‫وقال السن ‪ :‬الصب كَنْزٌ من كنوزِ اليِ ‪ ،‬ل يعطيه الُ إل لعبدٍ كريٍ عنده ‪.‬‬
‫وقال عمرُ بنُ عبدالعزيز ‪ :‬ما أنعم الُ على عبدٍ نعمةً ‪ ،‬فانتزعَها منه ‪ ،‬فعاضه مكانا‬
‫الصب ‪ ،‬إلّ كان ما عوّضه خيا ما انتزعهُ ‪.‬‬
‫وقال ميمون بنُ مهران ‪ :‬ما نال أحد شيئا من ختمِ ال ِي فيما دونه إل الصب ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪93‬‬
‫وقال سليمان بنُ القاسم ‪ :‬كلّ عمل يُعرف ثوابه إل الصبّ ‪ ،‬قال تعال ‪ ﴿ :‬إِّنمَا يُوَفّى‬
‫الصّاِبرُونَ أَ ْجرَهُم ِبغَيْرِ ِحسَابٍ ﴾ قال ‪ :‬كالال النهمر ‪.‬‬
‫*****************************‬
‫ل تزنْ لنّ هناك مشهدا آخر وحياةً أخرى ‪ ،‬ويوما ثانيا‬
‫يمع ال فيه الوّلي والخرين ‪ ،‬وهذا يعلك تطمئنّ لعدلِ الِ ‪ ،‬فَمَنْ سُِلبَ مالُه هنا‬
‫وجده هناك ‪ ،‬ومن ظُلم هنا أُنصف هناك ‪ ،‬ومن جار هنا عُوقِب هناك !!‬
‫نُقل عن « كانت » الفيلسوف اللان أنه قال ‪ (( :‬إن مسرحيّة الياة الدنيا ل تكتملْ‬
‫بَ ْعدُ ‪ ،‬ولبدّ من مشهدٍ ثانٍ ؛ لننا نرى هنا ظالا ومظلوما ول ن ْد النصاف ‪ ،‬وغالبا‬
‫ومغلوبا ول ند النتقام ‪ ،‬فلبدّ إذن من عالٍ آخر يتمّ فيه ال َعدْلُ )) ‪.‬‬
‫قال الشيخ علي الطنطاوي معلّقا ‪ :‬وهذا الكلم اعتراف ضمن باليوم الخر والقيامة ‪،‬‬
‫من هذا الجنب ‪.‬‬
‫وقاضي الرضِ أجحف ف القضاءِ‬ ‫إذا جارَ الوزيرُ وكاتبِاهُ‬
‫لقاضي الرضِ من قاضي السماءِ‬ ‫َفوَيْلٌ ث وَيْلٌ ُثمّ وْيلٌ‬
‫حسَابِ ﴾ ‪.‬‬
‫اْل ِ‬
‫﴿ لَا ظُ ْلمَ الَْيوْمَ إِنّ ال ّلهَ َسرِيعُ‬
‫*********************************‬
‫ت من تاربِ القومِ‬
‫أقوالٌ عاليةٌ ونُقول ٌ‬
‫كتب « روبرت لويس ستيفنسون » ‪ (( :‬فكل إنسان يستطيع القيام بعمله مهما كان‬
‫شاقّا ف يوم واحد ‪ ،‬وكل إنسانٍ يستطيعُ العيش بسعادة حت تغيب الشمسُ ‪ .‬وهذا ما تعنيه‬
‫الياة )) ‪.‬‬
‫قال أحدهم ‪ (( :‬ليس لك من حياتِك إل يومٌ واحد ‪ ،‬أمس ذهب ‪ ،‬و َغدٌ ل يأتِ )) ‪.‬‬
‫كتب « ستيفن ليكوك » ‪ :‬فالطفل يقول ‪ :‬حي أصبح صبيّا ‪ ،‬والصبّ يقول ‪ :‬حي‬
‫أُصبح شابّا ‪ .‬وحي أُصبح شابّا أتزوج ‪ .‬ولكن ماذا بعد الزواج؟ وماذا بَعْدَ كل هذه الراحل؟‬
‫ل تحزن‬
‫‪94‬‬
‫تتغيُ الفكرة نو ‪ :‬حي أكون قادرا على التقاعُد ‪ .‬ينظر خلفه ‪ ،‬وتلفحه رياح باردة ‪ ،‬لقد‬
‫ت الوانِ أنّ الياة‬
‫فقد حياته الت ولّت دون أن يعيش دقيقةً واحدة منها ‪ ،‬ونن نتعلّم بعد فوا ِ‬
‫تقعُ ف كل دقيقة وكلّ ساعة من يومنا الاضرِ )) ‪.‬‬
‫وكذلك السوّفُون بالتوبة ‪.‬‬
‫قال أحد السلف ‪ (( :‬أنذرتُكم ( سوف ) ‪ ،‬فغنها كلمةٌ كم منعت من خي وأخّرت‬
‫من صلح )) ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ ذَرْ ُهمْ يَ ْأكُلُواْ وَيََتمَّتعُواْ وَيُ ْل ِه ِهمُ ا َلمَلُ َفسَوْفَ َيعْ َلمُونَ‬
‫يقول الفيلسوف الفرنسي « مونتي » ‪ (( :‬كانت حيات مليئة بالظّ السيئ الذي ل‬
‫يرحمْ أبدا )) ‪.‬‬
‫قلتُ ‪ :‬هؤلء ل يعرفوا الكمة من خلْقهم ‪ ،‬على الرغم من ذكائهم ومعارفهم ‪ ،‬لكن‬
‫َفمَا َلهُ مِن نّورٍ﴾‬ ‫جعَلِ ال ّلهُ َلهُ نُورا‬
‫‪َ ﴿ ،‬ومَن ّلمْ َي ْ‬ ‫ل يهتدوا بدي ال الذي بعث به رسوله‬
‫‪ ﴿ .‬إِنّا َهدَيْنَاهُ السّبِيلَ ِإمّا شَاكِرا وَِإمّا َكفُورا ﴾ ‪.‬‬
‫يقول ‪ « :‬دانسي » ‪ (( :‬فكّرْ إن هذا اليوم لن ينبثق ثانيةً )) ‪.‬‬
‫قلتُ ‪ :‬وأجلُ منه وأكملُ حديث ‪ (( :‬صلّ صلةَ مو ّدعٍ ))‬
‫ومن جعل ف خلدِهِ أن هذا اليوم الذي يعيشُ فيه آخرُ أيامِهِ ‪ ،‬جدّدَ توبته ‪ ،‬وأحسن‬
‫عمله ‪ ،‬واجتهد ف طاعِة ربّهِ واتباعِ رسولِهِ ‪.‬‬
‫كتب الثل السرحي الندي الشهي « كاليداسا » ‪:‬‬
‫تيةً للفجر‬
‫انظرْ إل هذا النهار‬
‫لنه هو الياة ‪ ،‬حياة الياة‬
‫ف فترتِهِ ‪ ،‬تُوجد متلفُ حقائقِ وجودِك‬
‫نعم ُة النّ ُموّ‬
‫العملُ الجيدُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪95‬‬
‫وباءُ النتصارِ‬
‫ولن المس ليس سوى حُُلمٍ‬
‫وال َغدُ ليس إل رُؤًى‬
‫لك ّن اليوم الذي تعيشه بأكمله يعل المس حُلْما جيلً‬
‫وكل غد رؤيةً للملِ‬
‫فانظر جيّدا إل هذا النهار‬
‫هذه هي تية الفجر‬
‫*********************************‬
‫اسألْ نفسك هذه السئلة‬
‫أغلق البواب الديديّة على الاضي والستقبل ‪ ،‬وعشْ دقائقَ يومِك ‪:‬‬
‫‪.1‬هل أقصد أن أؤجّل حيات الاضرة من أجل القلقِ بشأنِ الستقبلِ ‪،‬‬
‫أو النيِ إل (( حديقة سحرية وراء ا ُلفُقِ )) ؟‬
‫‪.2‬هل أجعل حاضري مريرا بالتطّلعِ إل أشياء َحدَيَثْ ف الاضي ‪،‬‬
‫ت وانقضتْ مع مرورِ الزمنِ ؟‬ ‫َحدَثَ ْ‬
‫‪.3‬هل أستيقظُ ف الصباحِ ‪ ،‬وقد ص ّممْتُ على استغل ِل النهارِ ‪،‬‬
‫والفاد ِة القصوى من الساعات الربعِ والعشرين القبلة ؟‬
‫‪.4‬هل أستفيد من الياة إذا ما عشتُ دقائق يومي ؟‬
‫‪.5‬مت سأبدأُ ف القيام بذلك ؟ السبوع القبل ؟ ‪ ..‬ف الغدِ ؟ ‪ ..‬أو‬
‫اليومَ ؟‬
‫حدُث ؟ ث ‪:‬‬ ‫‪.6‬اسألْ نفسك ‪ :‬ما اسوأُ احتمالٍ يكنُ أنْ َي ْ‬
‫‪ -‬جهّزْ نفسك لقبول ِه وتمّلِهِ ‪.‬‬
‫‪ -‬باشْرِ بدوءٍ لتحسي ذلك الحتمالِ ‪ ﴿ .‬اّلذِينَ قَالَ َل ُهمُ النّاسُ ِإنّ النّاسَ َقدْ‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫َجمَعُواْ لَ ُكمْ فَا ْخشَوْ ُهمْ َفزَادَ ُهمْ ِإيَانا وَقَالُواْ َحسْبُنَا ال ّلهُ وَِن ْعمَ الْوَكِيلُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪96‬‬
‫********************************‬
‫وقفــــة‬

‫جعَل ّلهُ َمخْرَجا{‪ }2‬وََي ْرزُ ْقهُ ِمنْ حَيْثُ لَا َيحَْتسِبُ َومَن يَتَ َوكّلْ‬
‫﴿ َومَن يَّتقِ ال ّلهَ َي ْ‬
‫جعَلُ ال ّلهُ َبعْ َد ُعسْرٍ ُيسْرا ﴾ ‪.‬‬
‫عَلَى ال ّلهِ َفهُوَ َحسْبُهُ ﴾ ‪ ﴿ .‬سََي ْ‬
‫سرِ ُيسْرا )) ‪.‬‬
‫(( واعلم أن النصر مع الصبِ ‪ ،‬وأن الفرج مع الكرْبِ ‪ ،‬وأنّ مع العُ ْ‬
‫(( أنا عند ظنّ عبدي ب فلَْي ُظنّ ب ما شاء )) ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫اْلعَلِيمُ ﴾‬ ‫سمِيعُ‬
‫﴿ َفسَيَكْفِي َك ُهمُ ال ّلهُ وَهُوَ ال ّ‬
‫﴿ وَتَوَكّ ْل عَلَى اْلحَيّ اّلذِي لَا َيمُوتُ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َف َعسَى ال ّلهُ أَن يَأْتِيَ بِاْلفَ ْتحِ َأوْ َأ ْمرٍ ّم ْن عِندِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ لَ ْيسَ َلهَا مِن دُونِ ال ّلهِ كَا ِشفَةٌ ﴾ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫الزنُ يطّمُ القوّة ويهدّ السم‬
‫قال الدكتور « ألكسيس كاريل » الائز على جائزة نوبل ف الطبّ ‪ (( :‬إن رجال‬
‫العمالِ الذين ل يعرفون مابة القلقِ ‪ ،‬ويوتون باكرا )) ‪.‬‬
‫قلتُ ‪ :‬كلّ شيء بقضا ٍء وقدرٍ ‪ ،‬لكن قد يكون العن ‪ :‬أن من السباب التلفة‬
‫للجسم الحطّمة للكيان ‪ ،‬هو القلقُ ‪ .‬وهذا صحيح ‪.‬‬
‫(( والزنُ أيضا يثيُ القُرْحة! )) ‪:‬‬
‫يقول الدكتور « جوزيف ف ‪ .‬مونتاغيو » مؤلف كتاب (( مشكلة العصبية )) ‪،‬‬
‫يقول فيه‪ (( :‬أنت ل تُصاب بالقُرْحَ ِة بسببِ ما تتناولُ من طعامٍ ‪ ،‬بل بسببِ ما يَ ْأكُلُك )) !!‪.‬‬
‫قال التنب ‪:‬‬
‫ويُشيبُ ناصية الغلمِ ويُهرِمُ‬ ‫والمّ يترمُ السيم نافةً‬
‫وطبقا لجلة « ليف » تأت القُرْحَ ُة ف الدرجة العاشرةِ من المراض الفتّاكة ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪97‬‬
‫لزْنِ ‪:‬‬
‫وإليك بعض آثارِ ا ُ‬
‫تُرجت ل قطعة من كتاب الدكتور إدوار بودولسكي ‪ ،‬وعنوانه ‪ (( :‬دعِ القلق‬
‫وانطلق نو الفضلِ )) إليك بعضا من عناوين فصولِ هذا الكتاب ‪:‬‬
‫•ماذا يفعلُ القلقُ بالقلبِ ‪.‬‬
‫•ضغطُ الدمِ الرتفع يغذّيه القلقُ ‪.‬‬
‫•القَلَقُ يكن أن يتسبب ف أمراضِ الروماتيزم ‪.‬‬
‫•خفّفْ من قلقِك إكراما لعدتِك ‪.‬‬
‫•كيف يكن أن يكون القلقُ سببا للبدِ ‪.‬‬
‫•القلق والغدّةُ الدرقيةُ ‪.‬‬
‫•مصابُ السكري والقلقُ ‪.‬‬
‫وف ترجة لكتاب د‪ .‬كارل مانينغر ‪ ،‬أحد الطباء التخصصي ف الطبِ النفسي ‪،‬‬
‫وعنوانه ‪ (( :‬النسان ضدّ نفسه )) ‪ ،‬يقول ‪ (( :‬ل يعطيك الدكتور مانينغر قواعدَ حولَ‬
‫كيفيةِ اجتنابِ القلقِ ‪ ،‬بل تقريرا مذهلً عن كيف نطمُ أجسادنا وعقولنا بالقل ِق والكبْتِ ‪،‬‬
‫والقدِ والزدراءِ ‪ ،‬والثورةِ والوْفِ )) ‪.‬‬
‫إن من أعظم منافع قوله تعال ‪ ﴿ :‬وَاْلعَا ِفيَ َعنِ النّاسِ ﴾ ‪ :‬راحة القلب ‪ ،‬وهدوءَ‬
‫الاطِرِ ‪ ،‬وسعَةَ البالِ والسعادة ‪.‬‬
‫وف مدينة « بوردو » الفرنسية ‪ ،‬يقول حاكمها الفيلسوف الفرنسي « مونتي » ‪:‬‬
‫(( أرغبُ ف معالة مشاكلكم بيدي وليس بكبدي ورئتّ )) ‪.‬‬
‫لقْدُ ؟‬
‫ماذا يفعل الزنُ ‪ ،‬والمّ وا ِ‬
‫وضع الكتور راسل سيسيل – من جامعة « كورنيل » ‪ ،‬معهد الطب – أربعة أسبابٍ‬
‫شائعة تسبب ف التهابِ الفاصلِ ‪:‬‬
‫‪.1‬انيارُ الزواجِ ‪.‬‬
‫‪.2‬الكوارثُ الاديةُ والزنُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪98‬‬
‫‪.3‬الوحد ُة والقلقُ ‪.‬‬
‫‪.4‬الحتقارُ والِ ْقدُ ‪.‬‬
‫وقال الدكتور وليم مالك غوينغل ‪ ،‬ف خطاب لتاد أطباء السنان المريكيي ‪:‬‬
‫(( إن الشاعر غَيْرِ السارّةِ مِثْل القلقِ والوفِ ‪ ..‬يكن أن تؤثر ف توزيع الكالسيوم ف‬
‫السم ‪ ،‬وبالتال تؤدي إل تََلفِ السنانِ )) ‪.‬‬
‫وتناول أمورك بدوء ‪:‬‬
‫يقول دايل كارنيجي ‪ (( :‬إن الزنوج الذين يعيشون ف جنوبِ البلدِ والصينيي نادرا‬
‫ب الناتةِ عن القلقِ ؛ لنم يتناولون المور بدوء )) ‪.‬‬
‫ما يُصابون بأمراض القل ِ‬
‫ويقول ‪ (( :‬إن عدد المريكيي الذين يُقبلون على النتحار هو أكثر بكثي من الذين‬
‫يوتون نتيجة للمراض المسة الفتّاكة )) ‪.‬‬
‫وهذه حقيقة مذهلة تكا ُد ل تصدّقُ !‬
‫حسّنْ ظنّك بربّك ‪:‬‬
‫قال وليم جايس‪(( :‬إن ال يغفرُ لنا خطايانا‪ ،‬لكن جهازنا العصب ل يفعل ذلك‬
‫أبدا))!‬
‫ذكر ابن الوزير ف كتابه «العواصم والقواصم» ‪(( :‬إن الرجاء ف رحة ال ‪ -‬عزّ وجلّ‬
‫‪ -‬يفتح المل للعبدِ‪ ،‬ويقوّيه على الطاعةِ ‪ ،‬ويعلُه نشيطا ف النوافلِ سابقا إل الياتِ)) ‪.‬‬
‫قلتُ ‪ :‬وهذا صحيح ‪ ،‬فإن بعض النفوس ل يصلحها إل تذكّر رحة ال وعفوه وتوبته‬
‫وحلمه ‪ ،‬فتدنو منه ‪ ،‬وتتهدُ وتثابرُ ‪.‬‬
‫إذا هامَ بِك اليالُ ‪:‬‬
‫يقول توماس أدسون ‪ (( :‬ل توجد وسيلةٌ يلجأُ إليها النسانُ هَرَبا من التفكي )) ‪.‬‬
‫وهذا صحيح بالتجربة ‪ ،‬فإن النسان قد يقرأُ أو يكتبُ وهو يفكرُ ‪ ،‬ولكن من أحسن‬
‫ما ي ّد التفكي ويضبطه العملُ الادّ الثمرُ النافعُ ‪ ،‬فإن أهل الفراغ أهلُ خيا ٍل وجنوحٍ‬
‫وأراجيف ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪99‬‬
‫****************************‬
‫رحّبْ بالنّق ِد البنّاءِ‬
‫يقولُ أندريه مورو ‪ (( :‬إنّ كلّ ما يتفقُ مع رغباتِنا الشخصيةِ يبدو حقيقيّا ‪ ،‬وكلّ ما‬
‫هو غيُ ذلك يُثي غضبنا ‪.‬‬
‫قلتْ وكذلك النصائح والنقدُ ‪ ،‬فالغالبُ أننا نبّ الدح ونَطْ َربُ لهُ ‪ ،‬ولو كان باطلً ‪،‬‬
‫ونكر ُه النقد والذّمّ ولو كان حقّا وهذا عيبٌ وخطأٌ خطيٌ ‪.‬‬
‫﴿ وَِإذَا دُعُوا إِلَى ال ّلهِ وَرَسُوِلهِ لَِيحْ ُكمَ بَيَْن ُهمْ ِإذَا َفرِيقٌ مّ ْنهُم ّم ْعرِضُونَ{‪ }48‬وَإِن‬
‫يَكُن ّل ُهمُ اْلحَقّ َيأْتُوا إِلَ ْيهِ ُمذْعِِنيَ ﴾ ‪.‬‬
‫يقو ُل وليمُ جايس ‪ (( :‬عندما يت ّم التوصلّ إل قرارٍ يُن ّفذُ ف نفسِ اليومِ ‪ ،‬فإنك‬
‫ستتخلّص كليّا من المومِ لبت ستسيطرُ عليك فيما أنت تفكرُ بنتائجِ الشكلةِ ‪ ،‬وهو يعن أنك‬
‫ض ف تنفيذِ ِه ول تتوقّف متردّدا أو قلِقاُ أو‬ ‫إذا اتذت قرارا حكيما يركزُ على الوقائعِ ‪ ،‬فام ِ‬
‫تتراجعٌ ف خطواتِك ‪ ،‬ول تضّيعْ نفسك بالشكو ِك الت ل تلدُ غلّ الشكوك ‪ ،‬ول تستمرّ ف‬
‫النظرِ إل ما وراءِ ظهرك )) ‪.‬‬
‫واشدوا ف ذلك ‪:‬‬
‫حيان ل ظفرٌ ول إخفاقُ‬ ‫ومٌشّتتُ العزماتِ يُنفقُ عمرهُ‬
‫وقال آخرُ ‪:‬‬
‫فإنّ فساد الرأي أة تتردّدا‬ ‫إذا كنت ذا رأي فكنُ ذا عزيةٍ‬
‫إن الشجاعة ف اتاذِ القرارِ إنقاذ لك من القلقِ والضطرابِ ‪َ ﴿ .‬فِإذَا َعزَمَ الَْأ ْمرُ فَلَوْ‬
‫ال ّلهَ لَكَانَ خَيْرا ّل ُهمْ ﴾ ‪.‬‬ ‫صدَقُوا‬
‫َ‬
‫**************************************‬
‫ل تتوقفْ متفكّرا أو متردّدا‬
‫بل اعملْ وابذُ ْل واهجرِ الفراغ‬
‫ل تحزن‬
‫‪100‬‬
‫يقولُ الدكتو ُر ريتشاردز كابوت ‪ :‬أستاذُ الطبّ ف جامعةِ ( هارفرد ) ‪ ،‬ف كتاب ِة‬
‫ش النسانُ ) ‪ (( :‬بصفت طبيبا ‪ ،‬أنصحُ بعلجِ ( العملِ ) للمرضى الذين‬ ‫بعنوان ( ب يعي ُ‬
‫يعانون من الرتعاشِ الناتجِ عن الشكوكِ والتردّدِ والوفِ ‪ ..‬فالشجاعةُ الت ينحُها العملُ لنا‬
‫هي مث ُل العتمادِ على النّفسِ الذي جعله ( أمرسونُ ) دائم الرّوعةِ )) ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫شرُوا فِي اْلأَ ْرضِ وَابَْتغُوا مِن فَضْلِ ال ّلهِ‬
‫﴿ فَِإذَا ُقضِيَتِ الصّلَاةُ فَانَت ِ‬
‫يقولُ جورج برناردشو ‪ (( :‬يكنُ سرّ التعاسةِ ف أن يتاح لك وقتٌ لرفاهيةِ التفكيِ ‪،‬‬
‫فيما إذا كنت سعيدا أو ل ‪ ،‬فل تتمّ بالتفكيِ ف ذلك بل ابق منهمكا ف العمل ‪ ،‬عندئذ يبدأُ‬
‫دمُك ف الدورانِ ‪ ،‬وعقُلك بالتفكيِ ‪ ،‬وسرعان ما تُذ ِهبُ الياةُ الديدة القلق من عقلِك !‬
‫عملْ وابق منهمكا ف العملِ ‪ ،‬فإنّ أرخص دواءٍ موجودٍ على وجهِ الرضِ وأفضلُه )) ‪.‬‬
‫﴿ وَقُ ِل ا ْعمَلُواْ َفسََيرَى ال ّل ُه عَمَلَ ُكمْ وَرَسُوُلهُ وَاْلمُ ْؤمِنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫يقولُ دزرائيلي ‪ « :‬الياةُ قصيةٌ جدا ‪ ،‬لتكون تافه ًة » ‪.‬‬
‫وقال بعض حكماءِ العربِ ‪ « :‬الياةُ أقصرُ من أن نقصّرها بالشحناءِ » ‪.‬‬
‫ض عَ َددَ سِِنيَ{‪ }112‬قَالُوا لَبِثْنَا يَوْما أَوْ َبعْضَ يَوْمٍ فَا ْسأَلْ‬
‫﴿ قَالَ َكمْ لَبِثُْتمْ فِي اْلأَ ْر ِ‬
‫اْلعَادّينَ{‪ }113‬قَالَ إِن لّبِثُْتمْ إِلّا قَلِيلً لّوْ أَنّ ُكمْ كُنُتمْ َتعْ َلمُونَ ﴾ ‪.‬‬

‫أكثرُ الشائعاتِ ل صحّة لا ‪:‬‬


‫ب هنديّ ف التاريخ المريكيّ –‬ ‫يقولُ النرالُ جورج كروك – وهو ربا أعظمُ مار ٍ‬
‫ف صفحة ‪ 77‬من مذكراته ‪ « :‬إنّ ك ّل قلقِ وتعاسةِ النودِ تقريبا تصدرُ من ميلتِهمْ وليس من‬
‫الواقعِ » ‪.‬‬
‫حةٍ عَلَ ْيهِمْ ﴾ ﴿ لَوْ َخرَجُواْ فِيكُم مّا زَادُو ُكمْ‬
‫حسَبُونَ كُلّ صَ ْي َ‬
‫قال سبحانهُ وتعال‪َ ﴿ :‬ي ْ‬
‫ضعُواْ ِخلَلَكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫إِلّ خَبَالً و َلوْ َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪101‬‬
‫يقولُ الستاذُ هوكسْ – من جامعة « كولومبيا » ‪ -‬إنه اتذ هذهِ الترنيمة واحدا من‬
‫شعاراتِهِ ‪ « :‬لكلّ عّلةٍ تت الشمس يُوجدُ علجٌ ‪ ،‬أو ل يوجدُ أبدا ‪ ،‬فإنْ كان يوجدُ علجٌ‬
‫حاول أن تدهُ ‪ ،‬وإن ل يكنْ موجودا ل تتمّ بهِ » ‪.‬‬
‫وف حديثٍ صحيحٍ ‪ (( :‬ما أنزل الُ من داءٍ إل أنزل له دواء علِمهُ من عَ ِل َمهُ وجهِ َلهُ‬
‫مَنْ جهِ َلهُ )) ‪.‬‬
‫الرفقُ ينبُك الزالق ‪:‬‬
‫قال أستا ٌذ يابانّ لتلميذهِ ‪ « :‬النناءُ مثلُ الصّفصاصِ ‪ ،‬وعدمُ القاومةِ مثلُ البلّوط » ‪.‬‬
‫سرَةً )) ‪.‬‬
‫وف الديث ‪ (( :‬الؤمنُ كالامةِ من الزرعِ ‪ ،‬تفيئُها الريحُ َيمَْنةً وَي ْ‬
‫والكيمُ كالاءِ‪ ،‬ل يصطدمُ ف الصخرةِ‪ ،‬لكنه يأتيها َيمْنَ ًة ويسْرَةُ ومِ ْن فوقِها ومِنْ تِتها‪.‬‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬الؤمنُ كالملِ النِفِ ‪ ،‬لو أُنيخ على صخرةٍ لناخ عليها )) ‪.‬‬
‫ما فات لن يعود ‪:‬‬
‫﴿ لِكَيْلَا َتأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫وقف الدكتورُ بول براندون ‪ ،‬وألقى بزجاجةِ حليبٍ إل الرضِ ‪ ،‬وهتف قائلً ‪ « :‬ل‬
‫تبكِ على الليب الُراق » ‪.‬‬
‫وقالتِ العامّة ‪ :‬الذي ل يُكَْتبْ لك عسيٌ عليك ‪.‬‬
‫وقال آدمُ لوسى عليهما السلمُ ‪ :‬أتلومن على شيءٍ كتب ُه الُ عليّ قبل أن يلقن‬
‫‪ (( :‬فحجّ آدمُ موسى ‪ ،‬فحجّ آدمُ موسى ‪ ،‬فحجّ آدم‬ ‫بأربعي عاما ؟ قال رسو ُل الِ‬
‫موسى )) ‪.‬‬
‫وابث عن السعادةِ ف نفسك وداخلكِ ل من حولِك وخارجِك ‪.‬‬
‫سهِ يستطيعُ أن يعل النة‬
‫قال الشاع ُر النليزيّ ميلتون ‪ (( :‬إنّ العقل ف مكانهِ وبِنف ِ‬
‫جحيما ‪ ،‬والحيم جنةً )) !‬
‫قال التنب ‪:‬‬
‫وأخو الهالةِ ف الشقاو ِة ينعمُ‬ ‫ذو العقْلِ يشقى ف النعيمِ بعقلِهِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪102‬‬
‫فاليا ُة ل تستحقّ الزن ‪:‬‬
‫قال نابليو ُن ف « سانت هيلينا » ‪ « :‬ل أعرفْ ستة أيامٍ سعيدةِ ف حيات » !!‬
‫قال هشامُ بنُ عبدِاللكِ ‪-‬الليفةُ‪ « .:-‬عددتُ أيام سعادت فوجدتُها ثلثة َعشَرَ يوما‬
‫»‬
‫وكان أبوه عبدُاللكِ يتأوّه ويقولُ ‪ « :‬يا ليتن لْ أتولّ اللفة » ‪.‬‬
‫قال سعيدُ بنُ السيبِ ‪ :‬المدُ لِ الذي جعلهُمْ يفرّرون إلينا ول نفرّ إليهم ‪.‬‬
‫ودخل ابن السماكِ الواعظُ على هارون الرشيدِ ‪ ،‬فظمئ هارونُ وطلب شرْبة ماءٍ ‪،‬‬
‫فقال ابنُ السماكِ ‪ :‬لو مُنعتَ هذهِ الشربة يا أمي الؤمني ‪ ،‬أتفتديها بنصفِ ملكك ؟ قال ‪:‬‬
‫نعم ‪ .‬فلمّا شربا ‪ ،‬قال ‪ :‬لو مُنعت إخراجها ‪ ،‬أتدفعُ نصف ملكك لتخرُج ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ .‬قال‬
‫ابنُ السماكِ ‪ :‬فل خي ف ملكٍ ل يساوي شربة ماءٍ ‪.‬‬
‫إ ّن الدنيا إذا خلتْ من اليا ِن فل قيمة لا ول وزن ول معن ‪.‬‬
‫يقولُ إقبالُ ‪:‬‬
‫ول دنيا لِمنْ ل يُحيي دينا‬ ‫إذا اليانُ ضاع فل أمانٌ‬
‫فقدْ جعل الفناء لا قرينا‬ ‫ومن رضي الياة بغيِ دينٍ‬
‫قال أمرسونُ ف نايةِ مقالتهِ عن ( العتمادِ على النفسِ ) ‪ « :‬إنّ النصر السياسيّ ‪،‬‬
‫وارتفاع الجورِ ‪ ،‬وشفاءك من الرضِ ‪ ،‬أو عودة اليامِ السعيدةِ تنفتحُ أمامك ‪ ،‬فل تصدّقُ‬
‫ذلك ؛ لنّ المر لن يكون كذلك ‪ .‬ول شيء يلبُ لك الطمأنينة إل نفسُك » ‪.‬‬
‫﴿ يَا أَيُّتهَا الّن ْفسُ اْلمُ ْطمَئِّنةُ{‪ }27‬ارْ ِجعِي إِلَى رَبّكِ رَاضَِيةً ّمرْضِيّةً ﴾ ‪.‬‬
‫حذّر الفيلسوفُ الروائيّ أبيكتويتوس ‪ « :‬بوجوب الهتمامِ بإزال ِة الفكارِ الاطئةِ من‬
‫تفكيِنا ‪ ،‬أكثر من الهتمامِ بإزالةِ الورمِ والرضِ منْ أجسادِنا » ‪.‬‬
‫والعجبُ أنّ التحذير من الرض الفكريّ والعقائديّ ف القرآن أعظمُ من الرضِ‬
‫السمانّ ‪ ،‬قال سبحانه ‪ ﴿ :‬فِي قُلُوِبهِم ّم َرضٌ َفزَادَ ُهمُ ال ّلهُ َمرَضا وََلهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ ِبمَا‬
‫كَانُوا يَ ْكذِبُونَ ﴾ ﴿ فَ َلمّا زَاغُوا أَزَاغَ ال ّلهُ قُلُوَبهُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪103‬‬
‫تبنّى الفيلسوفُ الفرنسيّ مونتي هذه الكلماتِ شعارا ف حياتِهِ ‪ « :‬ل يتأثرُ النسانُ با‬
‫يدثُ مثلما يتأثرُ برأيِهِ حول ما يدثُ » ‪.‬‬
‫وف الثر ‪ (( :‬اللهم رضّن بقضائك حت أعلم أن ما أصابن ل يكنْ ليخطئن ‪ ،‬وما‬
‫أخطأن ل يكن ليصيبن )) ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫وقفـــةٌ‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ الزن يُزعجُك من الاضي ‪ ،‬ويوّفك من الستقبلِ ‪ ،‬ويُذهبُ عليك‬
‫يومك ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ الزن ينقبضُ له القلبُ ‪ ،‬ويعبسُ له الوجهُ ‪ ،‬وتنطفئُ منهُ الروحُ ‪،‬‬
‫ويتلشى معه الملُ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ الزن يسرّ العدوّ ‪ ،‬ويغيظُ الصديق ‪ ،‬وُيشْمِت بك الاسد ‪ ،‬ويغيّرُ‬
‫عليك القائق ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ الزن ماصمةٌ للقضاءِ ‪ ،‬وتبّمٌ بالحتومِ ‪ ،‬وخروجٌ على النسِ ‪ ،‬ونقمةٌ‬
‫على النعمةِ ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬لنّ الزن ل يردّ مفقودا وذاهبا ‪ ،‬ول يبعثُ ميّتا ‪ ،‬ول يردّ قدرا ‪ ،‬ول‬
‫يلبُ نفعا ‪.‬‬
‫ل تزنْ ‪ :‬فالزنُ من الشيطانِ والزنُ يأسٌ جاثٌ ‪ ،‬وفقرٌ حاضرٌ ‪ ،‬وقنوطٌ دائمٌ ‪،‬‬
‫ق ذريعٌ ‪.‬‬
‫وإحباطٌ مقّقٌ ‪ ،‬وإخفا ٌ‬
‫ضعْنَا عَنكَ ِوزْ َركَ{‪ }2‬اّلذِي أَنقَضَ َظ ْهرَكَ{‪}3‬‬
‫صدْرَكَ{‪َ }1‬ووَ َ‬
‫شرَحْ َلكَ َ‬
‫﴿ أََلمْ َن ْ‬
‫سرِ ُيسْرا{‪ }6‬فَِإذَا َف َرغْتَ‬
‫سرِ ُيسْرا{‪ِ }5‬إنّ مَعَ اْلعُ ْ‬
‫وَرَ َفعْنَا لَكَ ذِ ْكرَكَ{‪َ }4‬فإِنّ مَعَ اْل ُع ْ‬
‫فَانصَبْ{‪ }7‬وَإِلَى رَبّكَ فَا ْرغَبْ ﴾ ‪.‬‬
‫************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪104‬‬
‫ل تزنْ ما د ْمتَ مؤمنا بال‬
‫إنّ هذا اليان هو س ّر الرضا والدوءِ والمنِ ‪ ،‬وإنّ الَيْ َرةَ والشقاءَ مع اللا ِد والشكّ ‪.‬‬
‫ولقدْ رأيتُ أذكياء – بل عباقرةً – خلتْ أفئدتُهمْ من نورِ الرسالِة ‪ ،‬فطفحتْ ألسنتُهمْ عنِ‬
‫الشريعةِ ‪.‬‬
‫يقولُ أبو العلءِ الع ّريّ عنِ الشريعةِ ‪ :‬تناقضٌ ما لنا إل السكوتُ له !!‬
‫ويقولُ الرازيّ ‪ :‬ناية إقدامِ العقولِ عِقالُ ‪.‬‬
‫ويقولُ الوين ‪ ،‬وهو ل يدري أين الُ ‪ :‬حيّرن المدانّ ‪ ،‬حين المدانّ ‪.‬‬
‫ويقولُ ابنُ سينا ‪ :‬إنّ العقل الفعّال هو الؤثّرُ ف الكونِ ‪.‬‬
‫ويقولُ إيليا أبو ماضي ‪:‬‬
‫ت ُقدّامي طريقا‬
‫ولقد أبصر ُ‬ ‫جئتُ ل أعلمُ مِن أين ولكنّ أتيتُ‬
‫تُ القّ ‪.‬‬ ‫فمشيعن‬
‫ت قُربا وبُعدا‬
‫إل ير ذلك من القوالِ الت تتفاو ُ‬
‫فعلمتُ أنه بسبِ إيان العبدِ يسعدُ ‪ ،‬وبسبِ حيْرِِتهِ وشكّه يشقى ‪ ،‬وهذ ِه‬
‫ف الثيمُ فرعون قال ‪:‬‬
‫الطروحاتُ التأخرةُ بناتٌ لتلك الكلماتِ العاتي ِة من ُذ القِدم ‪ ،‬والنحر ُ‬
‫مَا عَ ِلمْتُ لَكُم ّمنْ إَِلهٍ غَيْرِي ﴾ ‪ .‬وقال ‪ ﴿ :‬أَنَا رَبّ ُكمُ اْلَأعْلَى ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿‬
‫ويا لا من كفريّاتٍ دمّ َرتِ العال ‪.‬‬
‫ف النسانُ أنهُ‬ ‫يقولُ جايس ألي ‪ ،‬مؤلفُ كتاب « مثلما يفكرُ النسانُ » ‪ « :‬سيكتش ُ‬
‫كلما غيّر أفكاره إزاء الشيا ِء والشخاصِ الخرين ‪ ،‬ستتغيُ الشيا ُء والشخاصُ الخرون‬
‫بدورِ ِهمْ ‪ ..‬دعْ شخصا ما يغيّرُ أفكارهُ ‪ ،‬وسندهشُ للسرع ِة الت ستتغيُ با ظروفُ حياتِهِ‬
‫الاديةِ ‪ ،‬فالشيءُ القدّسُ الذي يشكّل أهدافنا هو نفسنا ‪. » ..‬‬
‫وعن الفكارِ الاطئةِ وتأثيِها ‪ ،‬يقولُ سبحانه‪﴿ :‬بَلْ ظَنَنُتمْ أَن لّن يَنقَلِبَ الرّسُولُ‬
‫قَوْما بُورا ﴾‬ ‫وَاْلمُ ْؤمِنُونَ إِلَى أَهْلِي ِهمْ أَبَدا وَزُّينَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِ ُكمْ وَظَنَنُتمْ َظنّ السّوْءِ وَكُنُتمْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪105‬‬
‫حقّ ظَنّ اْلجَا ِهلِّيةِ َيقُولُونَ هَل لّنَا ِمنَ ا َل ْمرِ مِن شَيْءٍ قُلْ إِنّ ا َلمْرَ‬
‫‪َ ﴿ .‬يظُنّونَ بِال ّل ِه غَ ْيرَ اْل َ‬
‫كُ ّلهُ لِ ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫ويقولُ جايس ألي أيضا ‪ « :‬وكلّ ما يُحقّقه النسانُ هو نتيجةٌ مباشرةٌ لفكار ِه‬
‫الاصّةِ ‪ ..‬والنسانُ يستطيعُ النهوض فقطْ والنتصارَ وتقيق أهدافِهِ منْ خللِ أفكارِهِ ‪،‬‬
‫وسيبقى ضعيفا وتعِسا إذا ما رفض ذلك » ‪.‬‬
‫خرُوجَ َل َعدّواْ َلهُ‬
‫قال سبحانه عن العزيةِ الصادق ِة والفك ِر الصائبِ ‪ ﴿ :‬وََلوْ أَرَادُواْ اْل ُ‬
‫عُدّةً وَلَـكِن َكرِهَ ال ّلهُ انِبعَاَث ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَلَ ْو عَ ِلمَ ال ّلهُ فِيهِمْ خَيْرا لّأ ْس َم َعهُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال ‪َ ﴿ :‬فعَ ِلمَ مَا فِي قُلُوِب ِهمْ فَأَنزَلَ السّكِيَنةَ عَلَيْ ِهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫ل تزنْ للتوافِهِ فإنّ الدنيا بأسْرها تافهةٌ‬
‫رُمي أحدُ الصالي الكبارُ بي براثِ ِن السدِ ‪ ،‬فأناه الُ منه ‪ ،‬فقالوا له ‪ :‬فيم كنت‬
‫ب السدِ ‪ ،‬هلْ هو طاهرٌ أم ل !! ‪ .‬وماذا قال العلماءُ فيهِ ‪.‬‬ ‫تفكّر ؟ قال ‪ :‬أفكّر ف لعا ِ‬
‫للباسلي مع القنا الطّارِ‬ ‫ولقد ذكرتُ ال ساعة خوفِهِ‬
‫يوم الوغى للواح ِد القهارِ‬ ‫فنسيتُ كلّ لذائذٍ جيّاشةٍ‬
‫إ ّن ال – جلّ ف عله – مايز بي الصحابةِ بسبِ مقاصد ِهمْ ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬مِنكُم مّن‬
‫‪.‬‬ ‫خرَةَ ﴾‬
‫ال ِ‬ ‫ُيرِي ُد الدّنْيَا َومِنكُم مّن ُيرِيدُ‬
‫ذكر ابنُ القيم أ ّن قيمة النسانِ هتُه ‪ ،‬وماذا يريدُ ؟! ‪.‬‬
‫وقال أحدُ الكماءِ ‪ :‬أخبْن عن اهتمامِ الرجلِ أُخبْكَ أيّ رجلٍ هو ‪.‬‬
‫وبلّغ أكناف الِمى من يريدُها‬ ‫أل بلّغ الُ المى من يريدُهُ‬
‫وقال آخرُ ‪:‬‬
‫وعدْنا باللوكِ مصفّدينا‬ ‫فعادوا باللّباسِ وبالطايا‬
‫ل تحزن‬
‫‪106‬‬
‫ب ف البحرِ ‪ ،‬فوقع عابدٌ ف الاءِ ‪ ،‬فأخذ يوضّئ أعضاءه عضوا عضوا ‪،‬‬‫انقلب قار ٌ‬
‫ويتمضمضُ ويستنشقُ ‪ ،‬فأخرجهُ البحرُ ونا ‪ ،‬فسئل عنْ ذلك ؟ فقال ‪ :‬أردتُ أن أتوضأ قبل‬
‫الوتِ لكون على طهارةٍ ‪.‬‬
‫قدسيةً ويداك ف الكُلّبِ‬ ‫لِ َدرّك ما نسيت رسالةً‬
‫ف ساعةُ والوتُ ف الهدابِ‬ ‫ك ما رمشتْ عيونُك رمشةُ‬
‫أفدي َ‬
‫ت يشيُ إل تليلِ ليتِهِ بالا ِء وه ُم يوضّئونه !!‬
‫المامُ أحدُ ف سكراتِ الو ِ‬
‫ب الدّنْيَا وَ ُحسْنَ ثَوَابِ ال ِخرَةِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ فَآتَا ُهمُ ال ّلهُ ثَوَا َ‬
‫***********************************‬
‫العفو العفوَ‬
‫فإنك إنْ عفوت وصفحتَ نلت عزّ الدنيا وشرفَ الخرةِ ‪َ ﴿ :‬فمَ ْن َعفَا وَأَصْ َلحَ َفأَ ْجرُهُ‬
‫‪.‬‬ ‫ال ّلهِ ﴾‬ ‫عَلَى‬
‫يقولُ شكسبيُ ‪ « :‬ل توقدِ الفرن كثيا لعدّوك ‪ ،‬لئلّ ترق به نفسك » ‪.‬‬
‫تراها ب ّق ف مغيبٍ ومطْلعِ‬ ‫فقلْ للعيونِ الرّمدِ للشمسِ أعيٌ‬
‫بأبصارِها ل تستفي ُق ول تعي‬ ‫وسامحْ عيونا أطفأ الُ نورها‬
‫وقال أحدُهم لسالِ بنِ عبدِال بنِ عمر العالِ التابعيّ ‪ :‬إنك رجلُ سوء! فقال ‪ :‬ما‬
‫عَ َرفَن إلّ أنت ‪.‬‬
‫قال أديبٌ أمريكيٌ ‪ « :‬يكنُ أن تطّم العِصيّ والجارةُ عظامي ‪ ،‬لكنلنْ تستطيع‬
‫ت النيْل من » ‪.‬‬
‫الكلما ُ‬
‫قال رجل لب بكر ‪ :‬والِ لسبنّك سبّا يدخلُ معك قبك ! فقال أبو بكر ‪ :‬ب ْل يدخلُ‬
‫معك قبك أنت !! ‪.‬‬
‫وقال رج ٌل لعمروِ بن العاصِ ‪ :‬لتفرغنّ لربِك ‪ .‬قال عمر ٌو الن وقعت ف الشغلِ‬
‫الشاغِلِ ‪.‬‬
‫يقولُ النرالُ أيزناور‪« :‬دعونا ل نضّيعُ دقيقةً من التفكيِ بالشخاصِ الذين ل نبّهم»‬
‫ل تحزن‬
‫‪107‬‬
‫قالتِ البعوضةُ للنخلةِ ‪ :‬تاسكي ‪ ،‬فإن أريدُ أنْ أطي وأدَ َعكِ ‪ .‬قالتِ النخلةُ ‪ :‬والِ ما‬
‫شعرتُ بكِ حي هبطتِ عليّ ‪ ،‬فكيف أشعرُ بكِ إذا طرتِ ؟!‬
‫قال حاتٌ ‪:‬‬
‫وأُعرضُ عن شتْم اللئيمِ تكرّما‬ ‫وأغفرُ عوراء الكري ادّخارهُ‬
‫قال تعال ‪ ﴿:‬وَِإذَا َمرّوا بِال ّلغْوِ َمرّوا ِكرَاما ﴾ ‪ .‬وقال تعال ‪ ﴿ :‬وَِإذَا خَاطََب ُهمُ‬
‫اْلجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاما ﴾ ‪.‬‬
‫قال كونفوشيوس ‪ « :‬إنّ الرجل الغاضب يتلئ دائما ُسمّا » ‪.‬‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬ل تغضبْ ‪ ،‬ل تغضبْ ‪ ،‬ل تغضبْ )) ‪.‬‬
‫وفيه ‪ (( :‬الغضبٌ جرةٌ من النار )) ‪.‬‬
‫ع العبدَ عند ثلثٍ ‪ :‬الغضبِ ‪ ،‬والشّهوةِ ‪ ،‬والغَفْلَةِ ‪.‬‬
‫إنّ الشيطان يصر ُ‬
‫*****************************‬

‫العال ُخلِق هكذا‬


‫يقولُ ماركوس أويليوس – وهو من أكثر الرجالِ حكمةً من حكموا المباطورية الرومانية –‬
‫ذات يوم ‪ « :‬سأقابلُ اليوم أشخاصا يتكلّمون كثيا ‪ ،‬أشخاصا أنانيّي جاحدين ‪ ،‬يبّون‬
‫أنفسهم‪ ،‬لكن لن أكون مندهشا أو منعجا من ذلك‪ ،‬لنن ل أتيلُ العال من دونِ أمثالم‬
‫»!‬
‫يقولُ أرسطو ‪ « :‬إنّ الرجل الثالّ يفرحُ بالعما ِل الت يؤديها للخرين ‪ ،‬وبجلُ إن‬
‫أدى الخرون العمال لهُ ‪ ،‬لن تقدي العطفِ هو من التفوقِ ‪ ،‬لكنْ تلقّي العطفِ هو دليلُ‬
‫الفشل » ‪.‬‬
‫وف الديث ‪ (( :‬اليدُ العليا خيٌ من اليدِ السفلى )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪108‬‬
‫والعليا هي العطيةُ ‪ ،‬والسفلى هي الخذةُ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫ح َزنْ إذا كان معك كِسْرةُ ُخ ْبزٍ‬
‫ل َت ْ‬
‫سُترُكَ‬
‫وغرفةُ ماءٍ وث ْوبٌ يَ ْ‬
‫ضلّ أح ُد البحارةِ ف الحيطِ الادي وبقي واحدا وعشرين يوما ‪ ،‬ولا نا سألهُ الناسُ‬
‫عن أكبِ درسٍ تعلّمه ‪ ،‬فقال ‪ :‬إنّ أكب درسٍ تعلمتُه منْ تلك التجربةِ هو ‪ :‬إذا كان لديك‬
‫الال الصاف ‪ ،‬والطعامُ الكاف ‪ ،‬يبُ أ ْن ل تتذمّر أبدا !‬
‫قال أحدُهم ‪ :‬الياةُ كلّها لقمةٌ وشَرْبَةٌ ‪ ،‬وما بقي فضلٌ ‪.‬‬
‫وقال ابنُ الوردي ‪:‬‬
‫وعنِ البحرِ اجتزاءٌ بالوشلْ‬ ‫مُلْكُ كِسرى عنهُ تُغن كِسرةٌ‬
‫يقولُ جوناثان سويفت ‪ « :‬إنّ أفضل الطباءِ ف العالِ همْ ‪ :‬الدكتورُ رييم‪ ،‬والدكتورُ‬
‫هادئ ‪ ،‬والدكتورُ مرِح ‪ ،‬وإنّ تقليل الطعامِ مع الدوءِ والسرورِ علجٌ ناجعٌ ل يسألُ عنه » ‪.‬‬
‫قلتُ ‪ :‬لنّ السمنة مرضٌ مزمنٌ ‪ ،‬والبطنةُ تُذهبُ الفِطنةَ والدوُء متعةٌ للقلبِ وعيدٌ‬
‫للروحِ ‪ ،‬والرحُ سرورٌ عاجلٌ وغذاءٌ نافعٌ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫ل ت َزنْ من منةٍ فقدْ تكونُ منْحة‬
‫ول تزنْ من بليّةٍ فقد تكونُ عطية‬
‫قال الدكتورُ صموئيل جونسون ‪ « :‬إن عادة النظر إل الانبِ الصالِ من كلّ حادثةٍ ‪،‬‬
‫لو أثنُ من الصول على ألفِ جنيهٍ ف السنةِ » ‪.‬‬
‫﴿أَوَلَ َيرَوْنَ أَّن ُهمْ ُيفْتَنُونَ فِي ُك ّل عَامٍ ّمرّةً أَوْ َمرّتَ ْينِ ُثمّ لَ يَتُوبُونَ وَلَ ُهمْ َيذّ ّكرُونَ﴾‪.‬‬
‫وعلى الضدّ يقولُ التنب ‪:‬‬
‫من بلمي الذي أعطتْ وتريب‬ ‫ليت الوادث باعتن الت أخذ ْ‬
‫ت‬
‫ل تحزن‬
‫‪109‬‬
‫وقال معاوية ‪ :‬ل حليم إل ذو تربة ‪.‬‬
‫قال أبو تا ٍم ف الفشي ‪:‬‬
‫فكأنا ف غُربةٍ وإسارِ‬ ‫كمْ نعم ٍة ل كانتْ عندهُ‬
‫قال أح ُد السّلفِ لرجلٍ من الترفي ‪ :‬إن أرى عليك نعمةً ‪ ،‬فقيّدْها بالشكرِ ‪.‬‬
‫ضرَبَ‬
‫شدِيدٌ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَ َ‬
‫لَئِن شَ َكرُْتمْ َلزِيدَنّكُمْ وَلَئِن َك َفرُْتمْ ِإ ّن عَذَابِي َل َ‬ ‫﴿‬ ‫قال تعال ‪:‬‬
‫ال ّلهُ مََثلً َقرَْيةً كَانَتْ آمَِنةً مّ ْطمَئِّنةً َيأْتِيهَا رِزْ ُقهَا َرغَدا مّن كُلّ مَكَانٍ فَ َك َفرَتْ بِأَْن ُعمِ ال ّلهِ‬
‫فََأذَا َقهَا ال ّلهُ لِبَاسَ اْلجُوعِ وَاْلخَوْفِ ِبمَا كَانُواْ َيصَْنعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫***********************************‬
‫كن نفسك‬
‫يقولُ الدكتور جايس غوردون غليلكي ‪ « :‬إنّ مشكلة الرغبةِ ف أنْ تكون نفسك ‪،‬‬
‫هي قدي ٌة ِقدَ َم التاريخ ‪ ،‬وهي عامّةٌ كاليا ِة البشريةِ ‪ .‬كما أنّ مشكلة عدمِ الرغبةِ هي ف أن‬
‫تكون نَفسك هي مصدرُ الكثيِ من التوترِ والعُق ِد النفسيةِ » ‪.‬‬
‫وقال آخر ‪ « :‬أنت ف الليقةِ شيءٌ آخرُ ل يشبهك أحدٌ ‪ ،‬ول تشبهُ أحدا ‪ ،‬لنّ‬
‫الالق – جلّ ف عله – مايز بي الخلوقي » ‪ .‬قال تعال ‪ ﴿ :‬إِنّ َسعْيَ ُكمْ َلشَتّى ﴾ ‪.‬‬
‫ع «تدريبِ الطفلِ»‬ ‫كتب إنيلو باتري ثلثة عشَرَ كتابا‪ ،‬وآلف القالتِ حول موضو ِ‬
‫س كالذي يصبو إل أنْ يكون غيْر نفسهِ ‪ ،‬وغَْيرَ جسدهِ‬
‫‪ ،‬وهو يقولُ ‪ « :‬ليس من أحدٍ تعِ ٍ‬
‫وتفكيِه » ‪.‬‬
‫سمَاء مَاء َفسَالَتْ أَ ْودَِيةٌ ِب َقدَرِهَا ﴾ ‪.‬‬
‫قال سبحانه وتعال ‪ ﴿ :‬أَنزَلَ ِمنَ ال ّ‬
‫لكلّ صفاتٌ ومواهبُ وقدراتٌ فل يذوبُ أحدٌ ف أحدٍ ‪.‬‬
‫ما هكذا تُورَدُ يا س ْعدُ البِلْ‬ ‫َأ ْورَدَهَا سع ٌد وسعدٌ مُشَتمِلْ‬
‫ل مدّدا ‪ ،‬وكما قالوا ‪ :‬اقرأ نفسكَ ‪ ،‬واعرف‬
‫إنكَ خُلقت بواهب مدّدةٍ لتودي عم ً‬
‫ماذا تقدّمُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪110‬‬
‫قال أمرسونُ ف مقالتِهِ حول « العتمادِ على النفسِ » ‪ « :‬سيأت الوقتُ الذي يصلُ‬
‫لهْلُ ‪ ،‬والتقليدَ هو النتحارُ ‪ ،‬وأن يعتب نفسه‬‫سدَ هو ا َ‬
‫لَ‬‫فيه عل ُم النسانِ إل اليانِ بأنّ ا َ‬
‫كما هي مهما تكنِ الظروفُ ؛ لنّ ذاك هو نصيبُه ‪ .‬وأنهُ رغم امتل ِء الكون بالشياءِ‬
‫الصالةِ ‪ ،‬لنْ يصل على حبّةِ ذُرةٍ إل بعد زراعةِ ورعاي ِة الرضِ العطاةِ لهُ ‪ ،‬فالقوى الكامنةُ‬
‫ف داخِلهِ ‪ ،‬هي جديدةٌ ف الطبيعةِ ‪ ،‬ول أحد يعرفُ مدى قدرتِه ‪ ،‬حت هو ل يعرفُ ‪ ،‬حت‬
‫يرّب » ‪.‬‬
‫﴿ وَقُ ِل ا ْعمَلُواْ َفسََيرَى ال ّل ُه عَمَلَ ُكمْ وَرَسُوُلهُ وَاْلمُ ْؤمِنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫*********************************‬
‫وقفــة‬
‫ضدَك ‪ ،‬وتسّنُ ظنّك بريّك ‪.‬‬
‫هذه آياتٌ تقوّي من رجائِك ‪ ،‬وتشدّ َع ُ‬
‫سهِمْ لَا َتقَْنطُوا مِن رّ ْح َمةِ ال ّلهِ ِإنّ ال ّلهَ َي ْغ ِفرُ‬
‫﴿ قُلْ يَا عِبَادِيَ اّلذِينَ أَ ْسرَفُوا عَلَى أَن ُف ِ‬
‫الذّنُوبَ َجمِيعا إِّنهُ هُوَ اْل َغفُورُ الرّحِيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫س ُهمْ ذَ َكرُواْ ال ّلهَ فَاسَْت ْغفَرُواْ ِلذُنُوِب ِهمْ َومَن‬
‫﴿ وَاّلذِينَ ِإذَا َفعَلُواْ فَا ِحشَةً أَوْ ظَ َلمُواْ أَْن ُف َ‬
‫َي ْغفِ ُر الذّنُوبَ إِلّ ال ّلهُ وََلمْ ُيصِرّوْا عَلَى مَا َفعَلُواْ وَ ُهمْ َيعْ َلمُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫جدِ ال ّل َه َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َومَن َي ْعمَلْ سُوءا أَوْ َيظْ ِلمْ َن ْفسَهُ ُثمّ َيسَْتغْ ِفرِ ال ّلهَ َي ِ‬
‫ك عِبَادِي عَنّي فَإِنّي َقرِيبٌ أُجِيبُ َدعْوَ َة الدّاعِ ِإذَا َدعَانِ فَلَْيسَْتجِيبُواْ لِي‬
‫﴿ وَِإذَا سَأََل َ‬
‫وَلْيُ ْؤمِنُواْ بِي َلعَ ّل ُهمْ َيرْشُدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َأمّن ُيجِيبُ اْلمُضْ َطرّ ِإذَا َدعَاهُ وَيَ ْكشِفُ السّوءَ وََيجْعَلُ ُكمْ خُ َلفَاء اْلأَ ْرضِ أَإَِلهٌ مّعَ‬
‫ال ّلهِ قَلِيلً مّا َتذَ ّكرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ اّلذِينَ قَالَ َل ُهمُ النّاسُ إِنّ النّاسَ َقدْ َج َمعُواْ لَ ُكمْ فَا ْخشَوْ ُهمْ َفزَادَ ُهمْ ِإيَانا وَقَالُواْ‬
‫سسْ ُهمْ سُوءٌ وَاتَّبعُواْ‬
‫َحسْبُنَا ال ّلهُ وَِن ْعمَ الْوَكِيلُ{‪ }173‬فَانقَلَبُواْ بِِن ْعمَةٍ ّمنَ ال ّلهِ وَ َفضْلٍ ّلمْ َي ْم َ‬
‫رِضْوَانَ ال ّلهِ وَال ّلهُ ذُو َفضْ ٍل عَظِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪111‬‬
‫﴿ وَأُفَ ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى ال ّلهِ إِنّ ال ّلهَ َبصِيٌ بِاْلعِبَادِ{‪ }44‬فَوَقَاهُ ال ّلهُ سَيّئَاتِ مَا مَ َكرُوا﴾ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫ب ضارةِ نافعةٌ‬
‫رُ ّ‬
‫يقو ُل وليم جايس ‪ « :‬عاهاتُنا تساعدُنا إل حدّ غَيْرِ متوّقعٍ ‪ ،‬ولو لْ يع ْ‬
‫ش‬
‫دوستيوفسكي وتولستوي حياةً أليمةً لا استطاعا أ ْن يكتبا رواياتِهما الالدةَ ‪ ،‬فاليُتمُ ‪،‬‬
‫غ والنازِ ‪ ،‬والتقدمِ والعطاءِ » ‪.‬‬ ‫والعمى ‪ ،‬والغربةُ ‪ ،‬والفقرُ ‪ ،‬قد تكونُ أسبابا للنبو ِ‬
‫ويبتلي الُ بعض القومِ بالنعمِ‬ ‫قد ينُع ُم الُ بالبلوى وإنْ عظمتْ‬
‫إنّ البناء والثراءَ ‪ ،‬قد يكونون سببا ف الشقاءِ ‪َ ﴿ :‬فلَ ُت ْعجِبْكَ َأمْوَاُلهُمْ وَلَ أَوْ َلدُ ُهمْ‬
‫إِّنمَا ُيرِيدُ ال ّلهُ لُِي َعذَّبهُم ِبهَا فِي اْلحَيَا ِة الدّنْيَا ﴾ ‪.‬‬
‫ألّف اب ُن الثيِ كُتبهُ الرائعة ‪ ،‬كـ ‪« :‬جام ِع الصولِ»‪ ،‬و «النهايةِ»‪ ،‬بسببِ أنهُ مُقْ َعدٌ ‪.‬‬
‫لبّ!‬ ‫وألّف السرخسي كتابه الشهي « البسوط » خسة عشر ملّدا ؛ لنهُ مبوسٌ ف ا ُ‬
‫وكتب ابنُ القيم ( زاد العاد ) وهو مسافرٌ !‬
‫وشرح القرطبّ ( صحيح مسلم ) وهو على ظهرِ السفينةِ !‬
‫وجُ ّل فتاوى ابنِ تيمية كتبها وهو مبوسٌ !‬
‫ت اللفِ من الحاديثِ لنمْ فقراءُ غرباءُ ‪.‬‬ ‫وجع الحدّثون مئا ِ‬
‫وأخبن أحدُ الصالي أنه سُجن فحفظ ف سجنِهِ القرآن كلّه ‪ ،‬وقرأ أربعي ملّدا !‬
‫وأملى أبو العلء العري دواوينه وكُتُبه وهو أعمى !‬
‫وعمي طه حسي فكتب مذكّراته ومصنّفاتِه !‬
‫وكم من لمعٍ عُزِل من منصبِه ‪ ،‬فقدّم للمةِ العلم والرأي أضفاف ما قدّم مع النصبِ ‪.‬‬
‫يقولُ فرانسيسُ بايكون ‪ « :‬قليلٌ من الفلسفةِ يع ُل النسان ييلُ إل اللادِ ‪ ،‬لكنّ‬
‫التعمّق ف الفلسفةِ يقرّب عقل النسان من الدّينِ » ‪.‬‬
‫خشَى ال ّلهَ ِم ْن عِبَادِهِ اْلعُ َلمَاء ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َومَا َي ْعقِ ُلهَا إِلّا اْلعَاِلمُونَ ﴾ ‪ ﴿ .‬إِّنمَا َي ْ‬
‫﴿ وَقَالَ اّلذِينَ أُوتُوا اْلعِ ْلمَ وَالِْإيَانَ َل َقدْ لَبِثُْتمْ فِي كِتَابِ ال ّلهِ إِلَى يَوْمِ الَْبعْثِ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪112‬‬
‫﴿ قُلْ إِّنمَا َأعِظُكُم بِوَا ِحدَةٍ أَن َتقُومُوا لِ ّلهِ مَثْنَى وَ ُفرَادَى ُثمّ تََتفَ ّكرُوا مَا ِبصَاحِبِكُم مّن‬
‫جِّنةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫يقولُ الدكتورُ أ‪ .‬أ ‪ .‬بريل ‪ « :‬إنّ أيّ مؤمنٍ حقيقي لنْ يُصاب برضٍ نفسيّ » ‪.‬‬
‫﴿ إِنّ اّلذِينَ آمَنُوا َو َعمِلُوا الصّاِلحَاتِ سََيجْعَلُ َل ُهمُ الرّحْ َمنُ ُودّا ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ مَ ْن َعمِلَ صَالِحا مّن ذَ َكرٍ أَوْ أُنثَى َوهُوَ مُ ْؤ ِمنٌ فَلَُنحْيِيَّنهُ حَيَاةً طَيَّبةً ﴾ ‪.‬‬
‫صرَاطٍ مّسَْتقِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَإِنّ ال ّلهَ َلهَادِ اّلذِينَ آمَنُوا إِلَى ِ‬
‫**********************************‬
‫اليانُ أعظمُ دواء‬
‫يقول أبرزُ أطباءِ النفسِ الدكتورُ كارل جائغ ف الصفحة (‪ )264‬من كتابِهِ «‬
‫النسا ُن الديثُ ف بثهِ ع ِن الروحِ » ‪ « :‬خلل السنواتِ الثلثي الاضيةِ ‪ ،‬جاء أشخاصٌ من‬
‫جيعِ أقطارِ العا ِل لستشارت ‪ ،‬وقد عالتُ مئاتِ الرضى ‪ ،‬ومعظمُهم ف منتصفِ مرحلةِ‬
‫الياةِ ‪ ،‬أيْ فوق الامسةِ والثلثي من العمرِ ‪ ،‬ولْ يكنْ بينهمْ من ل تعودُ مشكلتُه إل إيادِ‬
‫ملجأ دين يتطلّع من خللِهِ إل الياةِ ‪ ،‬وباستطاعت أنْ أقول ‪ :‬إن كلّ منهم مرِض لّن ُه فقد‬
‫ما مَنحهُ الدينُ للمؤمني ‪ ،‬ول ُيشْف من لْ يستعِد إيانه القيقيّ » ‪.‬‬
‫شةً ضَنكا ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َو َمنْ َأ ْع َرضَ عَن ذِ ْكرِي فَِإنّ َلهُ َمعِي َ‬
‫﴿ سَنُ ْلقِي فِي قُلُوبِ اّلذِينَ َك َفرُواْ ال ّرعْبَ ِبمَا أَ ْشرَكُواْ بِال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫جعَلِ ال ّلهُ َلهُ نُورا‬
‫ضهَا فَ ْوقَ َبعْضٍ ِإذَا أَ ْخرَجَ َيدَهُ َلمْ يَ َكدْ َيرَاهَا َومَن ّلمْ َي ْ‬
‫﴿ ظُ ُلمَاتٌ َبعْ ُ‬
‫َفمَا َلهُ مِن نّورٍ ﴾ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫ل ييبُ ا ُلضْطرّ‬
‫اُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪113‬‬
‫كاد الهاتا غاندي – الزعي ُم النديّ بعد بوذا – ينهارُ لول أنه استمدّ اللام من القو ِة‬
‫الت تنحُها الصلةُ ‪ ،‬وكيف ل أنْ أعلم ذلك ؟ ل ّن غاندي نفسهُ قال ‪ :‬لو لْ أصلّ لصبحتُ‬
‫منونا منذُ زمنٍ طويلٍ ‪.‬‬
‫هذا وغاندي ليس مسلما ‪ ،‬وإنا هو على ضللةٍ ‪ ،‬لكنهُ على مذهبِ ‪َ ﴿ :‬فِإذَا رَكِبُوا‬
‫‪َ ﴿ .‬أمّن ُيجِيبُ اْل ُمضْ َطرّ ِإذَا دَعَاهُ﴾ ‪ ﴿ .‬وَظَنّواْ‬ ‫الدّينَ ﴾‬ ‫فِي اْلفُلْكِ َدعَوُا ال ّلهَ ُمخْ ِلصِيَ َل ُه‬
‫‪.‬‬ ‫الدّينَ ﴾‬ ‫أَّنهُمْ أُحِيطَ ِب ِهمْ َدعَوُاْ ال ّلهَ ُمخْ ِلصِيَ َل ُه‬
‫سبتُ أقوال علماءِ السل ِم ومؤرخيهم وأدبائِهمْ ف الملةِ ‪ ،‬فلمْ أجدْ ذاك الكلم عن‬
‫ض النفسيةِ ‪ ،‬والسببُ أنم عاشوا من دينِهمْ ف أمن وهدوءٍ ‪،‬‬
‫القلقِ والضطرابِ والمرا ِ‬
‫وكانتْ حياتُهم بعيدةً عن التعقيدِ والتكلّفِ ‪ ﴿ :‬وَاّلذِينَ آمَنُوا َو َعمِلُوا الصّاِلحَاتِ وَآمَنُوا ِبمَا‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫ص َلحَ بَاَل ُهمْ‬
‫حمّدٍ وَ ُهوَ اْلحَقّ مِن رّّب ِهمْ َك ّفرَ عَ ْن ُهمْ سَيّئَاِتهِمْ وَأَ ْ‬
‫ُنزّلَ عَلَى ُم َ‬
‫اسعْ قول أب حازمٍ ‪ ،‬إذْ يقولُ ‪ « :‬إنا بين وبي اللوكِ يو ٌم واحدٌ ‪ ،‬أما أمسِ فل‬
‫يدون لذّته ‪ ،‬وأنا و ُهمْ منْ غدٍ على وَ َجلٍ ‪ ،‬وإنا هو اليومُ ‪ ،‬فما عسى أن يكون اليومُ ؟! » ‪.‬‬
‫وف الديثِ‪ (( :‬اللهمّ إن أسالُك خَ ْيرَ هذا اليومٍ ‪ :‬بركته وَنصْرَهُ ونُو َرهُ وهدايَتهُ ))‪.‬‬
‫شعِرَنّ بِ ُكمْ‬
‫﴿ يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ ُخذُواْ ِحذْ َر ُكمْ ﴾ وقولٌه تعال ‪ ﴿ :‬وَلْيَتَلَطّفْ وَلَا ُي ْ‬
‫أَحَدا ﴾ ‪.‬‬
‫وقال الشاعر ‪:‬‬
‫بِبُؤسى ونُ ْعمَى والوداثُ تفعلُ‬ ‫فإنْ تك ِن اليامُ فينا تبدّلتْ‬
‫ول ذللتنا للت ليس تملُ‬ ‫فما ليّنتْ منّا قناةً صليبة‬
‫ع فتحملُ‬
‫تُحمّلُ مال يُستطا ُ‬ ‫ولكنْ رحلناها نفوسا كريةً‬
‫وصحّتْ لنا العراضُ والناسُ هُزّلُ‬ ‫وقيْنا بسنِ الصب منّا نفوسنا‬
‫﴿ َومَا كَانَ قَوَْلهُمْ إِلّ أَن قَالُواْ ربّنَا اغْ ِفرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِ ْسرَافَنَا فِي َأ ْمرِنَا وَثَبّتْ أَ ْقدَامَنَا‬
‫سنَ ثَوَابِ ال ِخرَةِ ﴾ ‪.‬‬
‫ب الدّنْيَا وَ ُح ْ‬
‫صرْنَا عَلَى اْلقَوْمِ الْكَا ِفرِينَ{‪ }147‬فَآتَا ُهمُ ال ّلهُ ثَوَا َ‬
‫وان ُ‬
‫****************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪114‬‬
‫ل تزنْ فالياةُ أقصرُ مّا تتص ّورُ‬
‫ذكر داي ْل كارنيجي قصَةَ رجل أصابَتْه قُرْحةٌ ف أمعائه ‪ ،‬بلغ منْ خطورتِها أنّ الطباء‬
‫حدّدوا لهُ أوان وفاتِهِ ‪ ،‬وأوعزُوا إليه أ ْن يهّزَ كَفَنَهُ ‪ .‬قال ‪ :‬وفجأة اتذ « هان » ‪ -‬اسم‬
‫الريضِ – قرارا مدهشا إنهُ فكّرَ ف نفسِهِ ‪ :‬إذا ل يبق ل ف هذهِ الياةِ سوى أم ٍد قصيٍ ‪،‬‬
‫فلماذا ل أستمتعُ بذا المدِ على كلّ وجه ؟ لطالا تنيتُ أنْ أطوف حول العالِ قبل أنْ‬
‫يدركن الوتُ ‪ ،‬ها هو ذا الوقتُ الذي أحقّق فيه أمنيت ‪ .‬وابتاع تذكرة السفر ‪ ،‬فارتاع‬
‫أطباؤه ‪ ،‬وقالوا له ‪ :‬إننا نِ ّذرُك ‪ ،‬إنك إن أقدمت على هذهِ الرحلةِ فستدفنُ ف قاعِ البحرِ !!‬
‫لكنه أجاب ‪ :‬كل لنْ يدث شيءٌ من هذا ‪ ،‬لقدْ وعِدتُ أقارب أل يدفن جثمان إل ف مقابرِ‬
‫السرةِ ‪ .‬وركب « هان » السفينة ‪ ،‬وهو يتمثّل بقولِ اليامِ ‪:‬‬
‫ونقطعُ العمرَ بُ ْل ِو السّمَرْ‬ ‫تعال نروي قصةً للبشرْ‬
‫قصّرَ ف العمارِ طو ُل السّهرْ‬ ‫فما أطال النومُ عمرا وما‬
‫وهذه أبيات يقولا وثنّي غي مسلم ‪.‬‬
‫ح والسرورِ ‪ ،‬وأرسل خطابا لزوجِتهِ يقولُ فيه ‪ :‬لقد‬ ‫وبدأ الرجلُ رحلةً مُشبعةً بالر ِ‬
‫شربتُ وأكلتُ ما لذّ وطاب على ظهرِ السفينِة ‪ ،‬وأنشدتُ القصائد ‪ ،‬وأكلتُ ألوان الطعامِ‬
‫كلّها حت الدّسِم الحظور منها‪ ،‬وتتعتُ ف هذه الفترةِ با ل أتتعْ به ف ماضي حيات‪ .‬ث‬
‫ماذا؟!‬
‫ث يزعمُ دايل كارنيجي أنّ الرجل صحّ من علِّتهِ ‪ ،‬وأنّ السلوب الذي سار عليه‬
‫أسلوبٌ ناج ٌع ف قهْرِ المراضِ ومغالبةِ اللمِ !!‬
‫إنن ل أوافقُ على أبياتِ اليّامِ ‪ ،‬ل ّن فيها انرافا عن النهج الرّبانّ ‪ ،‬ولكنّ القصود من‬
‫القصةِ ‪ :‬أن السرور والفرح والرتياح أعظمُ بكثيٍ من العقاقيِ الطبيّة ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫اقنع واهدأ‬
‫ل تحزن‬
‫‪115‬‬
‫قالَ ابنُ الروميّ ‪:‬‬
‫ل ْرصُ مركبُ الشقياءِ‬ ‫إنا ا ِ‬ ‫قرّب الِ ْرصُ مركبا لِشقيّ‬
‫وعلى الُتعباتِ ذيلُ العفاءِ‬ ‫مرحبا بالكفافِ يأت هنيئا‬
‫﴿ َومَا َأمْوَالُ ُكمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالّتِي ُت َقرّبُكُ ْم عِندَنَا زُْلفَى إِلّا مَنْ آ َمنَ َو َعمِلَ صَالِحا‬
‫ضعْفِ ِبمَا َعمِلُوا وَ ُهمْ فِي اْل ُغرُفَاتِ آمِنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫فَأُوْلَِئكَ َل ُهمْ َجزَاء ال ّ‬
‫يقول دايل كارنيجي ‪ « :‬لقدْ أثبت الحصاءُ أ ّن القَلَقَ هو القائلُ ( رقم ‪ )1‬ف‬
‫أمريكا ‪ ،‬ففي خللِ سنّي الربِ العاليةِ الخيةِ ‪ ،‬قُتِلَ من أبنائِنا نو ثُُلثِ مليون مقاتلٍ ‪ ،‬وف‬
‫خللِ هذه الفترةِ نفسِها قضى دا ُء القلبِ على مليونْ نسمةٍ ‪ .‬ومن هؤلءِ الخيين مليونُ‬
‫نسمةٍ كان مرض ُهمْ ناشئا عنِ القل ِق وتوتّ ِر العصابِ » ‪.‬‬
‫نعمْ إنّ مرض القلبِ من السباب الرئيسيةِ الت حدتْ بالدكتورِ « ألكسيس كاريل »‬
‫على أن يقول‪« :‬إن رجال العمالِ الذين ل يعرفون كيف يكافحون القلق ‪ ،‬يوتون مبكّرين»‬
‫والسببُ معقولٌ ‪ ،‬والجلُ مفروغٌ منه ‪َ ﴿ :‬ومَا كَانَ لَِن ْفسٍ َأنْ َتمُوتَ إِلّ ِبِإذْنِ ال‬
‫كِتَابا مّؤَ ّجلً ﴾ ‪.‬‬
‫ض الزنوجُ ف أمريكا أو الصينيون بأمراضِ القلبِ ‪ ،‬فهؤلءِ أقوامٌ يأخذون‬ ‫وقلّما ير ُ‬
‫الياة مأخذا سهلً ليّنا ‪ ،‬وإنك لترى أن عدد الطباءِ الذين يوتون بالسكتةِ القلبيةِ يزيدُ‬
‫عشرين ضِعْفا على عددِ الفلحي الذين يوتون بالعلّة نفسِها ‪ ،‬فإنّ الطباء ييوْن حياةً متوترةً‬
‫عنيفةً ‪ ،‬يدفعون الثمن غاليا ‪ « .‬طبيبٌ يداوي الناس وهو عليلُ » !!‬
‫*******************************‬
‫لزْن‬
‫الرضا با حصل يُذهبُ ا ُ‬
‫وف الديث ‪ (( :‬ول نقولُ إل ما يُرضي ربّنا )) ‪.‬‬
‫إنّ عليك واجبا مقدّسا ‪ ،‬وهو النقيا ُد والتسليمُ إذا داهك القدورُ‪ ،‬لتكون النتيجةُ ف‬
‫صالِك ‪ ،‬والعاقبةُ لك ؛ لنك بذا تنجو من كارثةِ الحباطِ العاجلِ والفلسِ الجلِ ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪116‬‬
‫ق رأسي قلتُ للشّيب مرحبا‬ ‫ومَفْرِ ِ‬ ‫ولا رأيتُ الشّيْب لح بعارضي‬
‫تنكّب عن رُ ْمتُ أنْ يتنكبا‬ ‫ت تيت‬‫ولو خِ ْفتُ أن إنْ كَفَفْ ُ‬
‫س يوما كان للكُرْهِ أذهبا‬‫به النف ُ‬ ‫ولكن إذا ما حلّ كُرٌْه فسامتْ‬
‫ل مفرّ إل أن تؤمن بالقدرِ ‪ ،‬فإنهُ سوف ين ُفذُ ‪ ،‬ولو انسلخت من جلدِك وخرجت من‬
‫ثيابِك !!‬
‫نُقِلَ عن إيرسون ف كتابه « القدرةُ على النازِ » حيث تساءل ‪ « :‬منْ أين أَتَتْنا‬
‫الفكرةُ القائلةُ ‪ :‬إن الياة الرغدة الستقرةَ الادئة الالية من الصعابِ والعقباتِ تلقُ سعداء‬
‫الرجالِ أو عظماءهم ؟ إنّ المر على العكسِ ‪ ،‬فالذين اعتادوا الرثاء لنفس ِهمْ سيواصلون‬
‫الرثاءَ لنفسهم ولو ناموا على الريرِ ‪ ،‬وتقلّبُوا ف الدّمقسِ ‪ .‬والتاريخُ يشهدُ بأ ّن العظمة‬
‫والسعادة البيثُ ‪ ،‬وبيئاتٌ ل يتميزُ فيها بي طيبٍ وخبيثٍ ‪ ،‬ف هذه البيئاتِ نََبتَ رجالٌ‬
‫حلوا السؤولياتِ على أكتافِهم ‪ ،‬ول يطرحوها وراء ظهورِهم » ‪.‬‬
‫إ ّن الذين رفعوا علم الدايةِ الربانيّ ِة ف اليامِ الول للدعو ِة الحمدية هم الوال والفقراءُ‬
‫والبؤساءُ ‪ ،‬وإنّ ُجلّ الذين صادمُوا الزحف اليانّ القدّس همْ أولئك الرموقون والوجهاءِ‬
‫والترفون ‪ ﴿ :‬وَِإذَا تُتْلَى عَلَ ْيهِمْ آيَاتُنَا بَيّنَاتٍ قَالَ اّلذِينَ َك َفرُوا لِ ّلذِينَ آمَنُوا َأيّ اْل َفرِيقَيْنِ خَ ْيرٌ‬
‫َومَا َنحْنُ ِب ُمعَذِّبيَ ﴾ ‪﴿ .‬‬ ‫حنُ َأكَْثرُ َأمْوَالً وَأَوْلَادا‬
‫سنُ َندِيّا ﴾ ‪ ﴿ .‬وَقَالُوا َن ْ‬
‫ّمقَاما وَأَ ْح َ‬
‫أَهَـؤُلء مَنّ ال ّل ُه عَلَ ْيهِم مّن بَيْنِنَا أَلَ ْيسَ ال ّلهُ ِبَأعْ َلمَ بِالشّا ِكرِينَ ﴾ ‪ ﴿ .‬وَقَالَ اّلذِينَ َك َفرُوا‬
‫لِ ّلذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرا مّا سََبقُونَا إِلَ ْيهِ ﴾ ‪ ﴿ .‬قَالَ اّلذِينَ اسْتَكَْبرُواْ إِنّا بِاّلذِيَ آمَنُتمْ ِبهِ‬
‫كَا ِفرُونَ ﴾ ‪ ﴿ .‬وَقَالُوا لَوْلَا ُنزّلَ َهذَا اْل ُقرْآ ُن عَلَى رَجُلٍ مّنَ اْل َقرْيَتَيْ ِن عَظِيمٍ{‪ }31‬أَ ُهمْ‬
‫َي ْقسِمُونَ رَ ْح َمةَ رَبّكَ ﴾ ‪.‬‬
‫وإن لذكرُ بيتا لعنترة ‪ ،‬وهو يبُنا أ ّن قيمته ف سجاياه ومآثِرِهِ ونُبِْلهِ ل ف أصلِهِ‬
‫وعنصرِهِ ‪ ،‬يقولُ ‪:‬‬
‫أوْ أسود اللونِ إن أبيضُ الُلُقِ‬ ‫إن كنتُ فإن سيدٌ كَرَما‬
‫*****************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪117‬‬
‫إنْ فقدت جارحةً من جوارحك‬
‫فقدْ بقيتْ لك جوارحُ‬
‫يقولُ ابنُ عباس ‪:‬‬
‫ففي لسان وسعي منهما نورُ‬ ‫إنْ يأخ ِذ الُ من عينّ نورها‬
‫وف فمي صارمٌ كالسيفِ مأثورُ‬ ‫قلب ذكيّ وعقلي غيُ ذي عِوجٍ‬
‫ولع ّل الي فيما َحصَلَ لك من الصابِ ‪َ ﴿ ،‬و َعسَى أَن تَ ْكرَهُواْ شَيْئا وَهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ﴾‪.‬‬
‫يقولُ بشّارُ بنُ بُرْدٍ ‪:‬‬
‫فليس بعارٍ أن يُقال ضريرُ‬ ‫وعيّرن العداءُ والعيبُ فيهمو‬
‫فإنّ عمى العينيِ ليس يضيُ‬ ‫إذا أبصر الرءُ الروءة والتّقى‬
‫ث فقيُ‬‫وإن إل تلك الثل ِ‬ ‫رأيتُ العمى أجرا وذُخرا و ِعصْمةً‬
‫س وبشّارِ ‪ ،‬وبي ما قاله صالُ بن عبدالقدوسِ لّا‬‫انظرْ إل الفرقِ بي كلمِ ابنِ عبا ٍ‬
‫عَمي ‪:‬‬
‫ضريرِ العيِ ف الدنيا نصيبُ‬ ‫على الدنيا السلمُ فما لشيخٍ‬
‫ويُخلِفُ ظنّهُ الملُ الكذوبُ‬ ‫يوتُ الرءُ وهو يُ َعدّ حيّا‬
‫ض قريبُ‬
‫فإنّ البعض مِن بع ٍ‬ ‫يُمنّين الطبيبُ شفاء عين‬
‫إن القضاء سوف ينفذُ ل مالة ‪ ،‬على القابِل ل ُه والرافضِ لهُ ‪ ،‬لكنّ ذاك يُؤجَ ُر ويسْعَدُ ‪،‬‬
‫وهذا يأثُ ويشقى ‪.‬‬
‫كتب عمرُ بن عبدالعزيزِ إل ميمون بن مهران ‪ :‬كتبت تعزّين على عبداللكِ ‪ ،‬وهذا‬
‫أمرٌ ل أزل أنتظرهُ ‪ ،‬فلمّا وقع ل أُن ِكرْهُ ‪.‬‬
‫*********************************‬
‫اليامُ دُولٌ‬
‫ل تحزن‬
‫‪118‬‬
‫يُروى أنّ أحد بن حنبل – رحه ال‪ -‬زار بقيّ بن ملدٍ ف مرضٍ له فقال له ‪ « :‬يا أبا‬
‫صحّةِ ل سُق َم فيها ‪ ،‬وأيامُ السقمِ ل صحّة فيها ‪. » ..‬‬
‫عبدالرحن ‪ ،‬أبشرْ بثوابِ الِ ‪ ،‬أيامُ ال ّ‬
‫والعن ‪ :‬أن أيام الصحةِ ل يعرضُ الرضُ فيها بالبالِ ‪ ،‬فتقوى عزائمُ النسانِ ‪ ،‬وتكثر‬
‫آمالُه ‪ ،‬ويشتدّ طموحُه ‪ .‬وأيامُ الرضِ الشديدِ ل تعرضُ الصحةُ بالبالِ ‪ ،‬فيخيّم على النفسِ‬
‫ل المامِ أحد مأخوذٌ من قولهِ تعال ‪﴿ :‬‬ ‫ضعف الملِ ‪ ،‬وانقباض المّةِ وسلطان اليأس ‪ .‬وقو ُ‬
‫وَلَِئنْ َأذَقْنَا الِْنسَانَ مِنّا رَ ْح َمةً ُثمّ َن َزعْنَاهَا مِ ْنهُ إِّنهُ لَيَؤُوسٌ َكفُورٌ{‪ }9‬وَلَِئنْ َأذَقْنَاهُ َن ْعمَاء َب ْعدَ‬
‫ت عَنّي إِّنهُ َل َفرِحٌ َفخُورٌ{‪ }10‬إِلّ اّلذِينَ صََبرُواْ َو َعمِلُواْ‬
‫ضرّاء َمسّتْهُ لََيقُوَلنّ ذَهَبَ السّيّئَا ُ‬
‫َ‬
‫‪.‬‬ ‫كَبِيٌ ﴾‬ ‫الصّاِلحَاتِ أُوْلَـئِكَ َلهُم ّم ْغ ِفرَةٌ وَأَ ْجرٌ‬
‫قال الافظُ اب ُن كثيٍ – رح ُه الُ ‪ « : -‬يبُ الُ تعال عن النسانِ وما فيهِ من‬
‫الصفاتِ الذميمةِ ‪ ،‬إل منْ رحم الُ من عبادِهِ الؤمني ‪ ،‬أنه إذا أصابتْه شدّةٌ بعد نعمةٍ ‪ ،‬حصل‬
‫له يأسٌ وقنوطٌ من اليِ بالنسبةِ إل الستقبلِ ‪ ،‬وكفرٌ وجحودٌ لاضي الالِ ‪ ،‬كأنه ل ير خيا‬
‫ول يرجُ فرجا » ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫عَنّي ﴾‬ ‫ت‬
‫وهكذا إن أصابتهُ نعمةٌ بعد نقمةٍ ‪ ﴿ :‬لََيقُوَلنّ ذَهَبَ السّيّئَا ُ‬
‫إِّنهُ َل َفرِحٌ َفخُورٌ ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿‬ ‫أي يقولُ ‪ :‬ما ينالن بعد هذا ضيمٌ ول سوءٌ ‪،‬‬
‫أي فرح با ف يدِهِ ‪ ،‬بط ٌر فخورٌ على غيه ‪ .‬قال الُ تعال ‪ ﴿ :‬إِلّ اّلذِينَ صََبرُواْ‬
‫َو َعمِلُواْ الصّاِلحَاتِ ُأوْلَـئِكَ َلهُم ّم ْغ ِفرَةٌ وَأَ ْجرٌ كَبِيٌ ﴾ ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫سيوا ف الرض‬

‫قال أحدُ ُهمْ ‪ :‬السف ُر يذهبُ الموم ‪.‬‬


‫ث الفاضلُ » ‪ ،‬ف بيا ِن فوائدِ الرحلةِ ف طل ِ‬
‫ب‬ ‫ي ف كتابِهِ « الحدّ ُ‬
‫قال الافظُ الرامهرمز ّ‬
‫العلمِ والتعِ الاصلةِ با ‪ ،‬ردّا على من كرِه الرحلة وعابا ما يلي ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪119‬‬
‫« ولو عَرَفَ الطاعنُ على أهلِ الرّحل ِة مقدار لذّةِ الرّاحلِ ف رحلتِهِ ونشاطِهِ عند فصولِهِ‬
‫منْ وطنهِ ‪ ،‬واستلذاذِ جيعِ جوار ِحهِ ‪ ،‬عند تصرّفِ القطارِ وغياضِها ‪ ،‬وحدائِقِها ‪ ،‬ورياضِها ‪،‬‬
‫وتصفّح الوجوهِ ‪ ،‬ومشاهدةِ ما لْ ير م ْن عجائبِ البلدانِ ‪ ،‬واختلفِ اللسنةِ واللوانِ ‪،‬‬
‫والستراحةِ ف أفياءِ اليطانِ ‪ ،‬وظللِ الغيطانِ ‪ ،‬والكلِ ف الساجدِ ‪ ،‬والشربِ من الوديةِ ‪،‬‬
‫ت الِ بسقوطِ الشمةِ ‪ ،‬وتر ِك التصنّعِ‬ ‫والنومِ حيثُ يدركهُ الليلُ ‪ ،‬واستصحابِ منْ يبّهُ ف ذا ِ‬
‫‪ ،‬وكلّ ما يصلُ إل قلبهِ من السرورِ عنْ ظفرِهِ ببغيتِهِ ‪ ،‬ووصولِهِ إل مقصدِهِ ‪ ،‬وهجومِهِ على‬
‫س الذي شّرَ لهُ ‪ ،‬وقطع الشّقّةَ إليه – لعّلمَهُ أنّ لذّاتِ الدنيا مموعةٌ ف ماسن تلك‬ ‫الجل ِ‬
‫الشاهدِ ‪ ،‬وحلوةِ تلك الناظرِ ‪ ،‬واقتناصِ تلك الفوائدِ ‪ ،‬الت هي عند أهلِها أبى منْ زهرِ‬
‫الربيعِ ‪ ،‬وأنفسُ من ذخائ ِر العِقيانِ ‪ ،‬من حيثُ حُرِمها الطاعنُ وأشباهُ ُه » ‪.‬‬
‫وجاِنبِ الذّلّ إنّ الذّلّ يُجتََنبُ‬ ‫قوّضْ خيامك ع ْن ربْهٍ أُهِنْت بهِ‬
‫*******************************************‬
‫وقفـــةٌ‬
‫خطُ)) ‪.‬‬
‫سْ‬‫((إنّ ال إذا أحبّ قوما ابتلهم‪ ،‬فمنْ رضي فله الرّضا‪ ،‬وم ْن سخطَ َف َلهُ ال ّ‬
‫(( أشدّ الناسِ بلء النبياءُ ‪ ،‬ثّ المثلُ فالمثلُ يُبتلى الرجلُ على قدرِ دينهِ ‪ ،‬فإنْ‬
‫كان ف دينهِ صلب ٌة أشتدّ بلؤه ‪ ،‬وإن كان ف دينه ر ّقةٌ ابتُلي على قدرِ دينه ‪ ،‬فما يبحُ‬
‫البلءُ بالعبدِ ‪ ،‬حت يتركهُ يشي على الرضِ وما عليه خطيئةٌ )) ‪.‬‬
‫(( عجبا لم ِر الؤمنِ إ ّن أمرّهُ كلّه خيٌ !! وليس ذاك لح ِد إل للمؤمنِ ‪ ،‬إن أصابتْه‬
‫سرّاء شكر فكان خيا له ‪ ،‬وإنْ أصابتهُ ضرّاء صب فكان خيا له )) ‪.‬‬
‫(( واعلمْ أنّ المة لو اجتمعتْ على أنْ ينفعوك بشيءٍ ل ينفعوك إل بشيءٍ قد كتبُ‬
‫الُ لك ‪ ،‬وإنِ اجتمعوا على أ ْن يضرّوك بشيءٍ ل يضروك إل بشي ٍء قدْ كتبهُ الُ عليك ))‪.‬‬
‫(( يُبتلى الصالون المثلُ فالمثلُ )) ‪.‬‬
‫(( الؤمنُ كالامةِ من الزرعِ تُفيّئُها الريحُ يَم ْنةً وَيسْرةً )) ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪120‬‬
‫حتّى ف سكراتِ الوتِ تبسّمْ‬
‫فهذا أبو الريانِ البيونّ ( ت ‪ ، ) 440‬مع الفسح ِة ف التعميِ فقدْ عاش ‪ 78‬سن ًة‬
‫ط بشواكلِها وأقرابِها‬ ‫مُكِبّا على تصيلِ العلومِ ‪ ،‬مُْنصَبّا إل تصنيفِ الكتبِ ‪ ،‬يفتحُ أبوابا ويي ُ‬
‫– يعن ‪ :‬بغوامضِها وجليّاتِها – ول يكادُ يفارقُ يده القلمُ ‪ ،‬وعينه النظرُ ‪ ،‬وقلبه الفكرُ ‪ ،‬إل‬
‫فيما تسّ إليه الاجةُ ف العاشِ منْ بُلْغة الطعامِ وعلقةِ الرياشِ ‪ ،‬ث ِهجّياهُ – أي دَْيدَنُهُ – ف‬
‫سائ ِر اليامِ من السنةِ ‪ :‬علمٌ يُسفرُ عن وجههِ قناع الشكالِ ‪ ،‬ويسرُ عن ذراعيْةِ أكمالُ‬
‫الغلقِ ‪.‬‬
‫حدّث الفقيهُ أبو السنِ عليّ بنُ عيسى ‪ ،‬قال ‪ :‬دخلتُ على أب الريانِ وهو يودُ‬
‫ح قارب الوتَ – قد حشرجتْ نفسُهُ ‪ ،‬وضاق با صدرُهُ ‪،‬‬ ‫بِن ْفسِهِ – أيْ وهو ف ن ْزعِ الرو ِ‬
‫فقال ل ف تلك الالِ ‪ :‬كيف قلت ل يوما حسابُ الدّاتِ الفاسدةِ ؟ أيْ الياثُ ‪ ،‬وهي‬
‫الت تكونُ من قِبل المّ ‪ ،‬فقلتُ له إشفاقا عليه ‪ :‬أف هذهِ الالةِ ؟ قال ل ‪ :‬يا هذا ‪ ،‬أودّعُ‬
‫الدنيا وأنا عالٌ بذهِ السألة ‪ ،‬أل يكون خيا من أنْ أخلّيها وأنا جاهلٌ با ؟! فأعدتُ ذلك‬
‫عليهِ ‪ ،‬وح ِفظَ وعلّمن ما وعد ‪ ،‬وخرجتُ من عندِ ِه فسمعتُ الصراخ!! إنا الممُ الت تتاحُ‬
‫ركام الخاوفِ ‪.‬‬
‫والفاروقُ عمرُ ف سكراتِ الوتِ ‪ ،‬يثعبُ جرحُه دما ‪ ،‬ويسألُ الصحابة ‪ :‬هلْ أكمل‬
‫صلتهُ أمْ ل ؟! ‪.‬‬
‫وسعدُ بنُ الربيع ف (( أُحدٍ)) مضرّج بدمائِهِ ‪ ،‬وهو يسألُ ف آخ ِر رَمَقٍ عن الرسولِ‬
‫ش وعمارُ القلبِ !‬ ‫‪ ،‬إنا ثباتةُ الأ ِ‬
‫كأنك ف جفنِ الردى وهو نائمُ‬ ‫ك لواقفِ‬ ‫وقفتَ ما ف الوتِ ش ّ‬
‫ووجهُك وضاحٌ وثغرُك باسمُ‬ ‫ترّ بكَ البطالُ كلمى هزيةً‬
‫ل تحزن‬
‫‪121‬‬
‫قال إبراهيمُ بنُ الراحِ ‪ :‬مرض أبو يوسف فأتيتُه أعودُه ‪ ،‬فوجدتُه مُغْمىً عليهِ ‪ ،‬فلمّا‬
‫أفاق قال ل ‪ :‬ما تقولُ ف مسألةٍ ؟ قلتُ ‪ :‬ف مثلِ هذه الالِ ؟! قال ‪ :‬ل بأس ندرسُ بذلك‬
‫لعلّه ينجو به ناجٍ ‪.‬‬
‫ث قال ‪ :‬يا إبراهيمُ ‪ ،‬أيّما أفض ُل ف رمي المارِ ‪ :‬أن يرميها الرجلُ ماشيا أو راكبا ؟‬
‫قلتُ ‪ :‬راكبا ‪ .‬قال ‪ :‬أخطأت ‪ .‬قلتُ ‪ :‬ماشيا ‪ .‬قال ‪ :‬أخطأت ‪ .‬قلتُ ‪ :‬أيّهما أفضلُ ؟ قال ‪:‬‬
‫ما كان يُوقفُ عند ُه فالفضلُ أنْ يرميه ماشيا ‪ ،‬وأما ما كان ل يُوقفُ عنده ‪ ،‬فالفضلُ أن‬
‫يرميه راكبا ‪ ،‬ث قمتُ من عند ِه فما بلغتُ باب دارِهِ حت سعتُ الصراخ عليه وإذا هو قدْ‬
‫مات ‪ .‬رحةُ ال عليه ‪.‬‬
‫قال احدُ الكُتّابِ العاصرين ‪ :‬هكذا كانوا !! الوتُ جاثٌ على رأسِ أحدِ ِهمْ بكُرِبهِ‬
‫صصِهِ ‪ ،‬والشرج ُة تشتدّ ف نفسِ ِه وصدرِهِ ‪ ،‬والغما ُء والغشيانُ ميطٌ بهِ ‪ ،‬فإذا صحا أو‬ ‫و ُغ َ‬
‫أفاق من غشيتِهِ لظاتٍ ‪ ،‬تساءل عنْ بعضِ مسائلِ العلمِ الفرعيّةِ أو الندوبةِ ‪ ،‬ليتعلّمها أو‬
‫ليعلّمها ‪ ،‬وهو ف تلك الالِ الت أخذ فيها الوتُ منه النفاس والتلبيب ‪.‬‬
‫ويطيشُ فيه النابِ ُه البيْطارُ‬ ‫ف موقفٍ نسي الليمُ سدادهُ‬
‫يا لِ ما أغلى العلم على قلوبِهمْ !! وما أشغلَ خواطر ُهمْ وعقوَلهُمْ به !! حت ف ساعةِ‬
‫النعِ والوتِ ‪ ،‬ل يتذكروا فيها زوجةً أو ولدا قريبا عزيزا ‪ ،‬وإنا تذكروا العلم !! فرحةُ الِ‬
‫تعال عليهمْ ‪ .‬فبهذا صاروا أئمة ف العلمِ والدّينِ ‪.‬‬
‫*********************************‬
‫أسرارُ الشدائدِ‬
‫أورد الؤرخُ الديبُ أحدُ بنُ يوسف الكاتبُ الصريّ ف كتابِهِ العجبُ الفري ُد‬
‫(الكافأةُ وحسنُ العُقب ) فقال ‪ :‬وقدْ علم النسانُ أن سُفورَ الالةِ – أي انكشاف ال ُغمّةِ‬
‫والشدّةِ – عن ضدّه ‪ ،‬حَْت ٌم لبدّ منه ‪ ،‬كما علم أنّ انلء الليلُ يسفرُ عن النهار ‪ ،‬ولكنّ خور‬
‫الطبيعةِ أشدّ ما يلز ُم النفس عندَ نزو ِل الكوارثِ ‪ ،‬فإذا ل تُعالْ بالدواءِ ‪ ،‬اشتدّتِ العلةُ ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪122‬‬
‫وازدادتِ الحنةُ ‪ ،‬لن النفس إذا ل تُعَنْ عند الشدائدِ با يدّ ُد قُواها ‪ ،‬تولّى عليها اليأسُ‬
‫فأهلكها ‪.‬‬
‫والتفكّرُ ف أخبارِ هذا البابِ – بابِ أخبارِ من ابتلي فصب ‪ ،‬فكان ثرةُ صبِه حسن‬
‫العقب – مّا يُشجّع النفْس ‪ ،‬ويبعثُها عن ملزم ِة الصبِ وحسنِ الدبِ مع الربّ عزّ وجلّ ‪،‬‬
‫بسنِ الظنّ ف موافاةِ الحسانِ عند ناي ِة المتحانِ ‪.‬‬
‫جهَرُ ‪ :‬الشدائدُ قبل الواهبِ ‪،‬‬ ‫وقال أيضا – ف آخر الكتابِ ‪ « : -‬خاتةٌ ‪ :‬قال بُ ُزرْ ْ‬
‫تشبهُ الوع قبل الطعامِ ‪ ،‬يسّ ب ِه موقُعُهُ ‪ ،‬ويلذّ معه تناولهُ » ‪.‬‬
‫وقال أفلطونُ ‪ « :‬الشدائدُ تُصِلحُ من النفسِ بقدارِ ما تفسدُ من العيشِ ‪ ،‬والتّترّف –‬
‫أي الترفُ والترفّه – يفسدُ من النفسِ بقدارِ ما يصلحُ من العيشِ » ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ « :‬حافظ على كلّ صديقٍ أهدتْه إليك الشدائدُ ‪ ،‬والْه عنْ كلّ صديقٍ‬
‫أهدتْه إليك النعمةُ » ‪.‬‬
‫وقال أيضا ‪ « :‬الترفّفهُ كالليلِ ‪ ،‬ل تتأم ْل فيه ما تصدرُه أو تتناولُه ‪ ،‬والشدة كالنهارِ ‪،‬‬
‫ترى فيها سعيك وسعي غيِك » ‪.‬‬
‫وقالُ أزدشي ‪ « :‬الشدّةُ ُكحْلٌ ترى به ما ل تراه بالنعمة » ‪.‬‬
‫ويقول أيضا ‪ « :‬ومِلكُ مصلحةِ المرِ ف الشدّةِ شيئان ‪ :‬أصغرُها قو ُة قلبِ صاحبِها‬
‫على ما ينوبُه ‪ ،‬وأعظمُها ُحسْ ُن تفويضِهِ إل مالكِ ِه ورازقِهِ » ‪.‬‬
‫حوَ خالقِهِ ‪ ،‬علم أنهُ لْ يتحِنْه إل با يوجبُ له مثوبةً ‪ ،‬أو‬ ‫وإذا صَ َمدَ الرجلُ بفكرِهِ َن ْ‬
‫يحّصُ عنه كبيةً ‪ ،‬وهو مع هذا من الِ ف أرباحٍ متصلةٍ ‪ ،‬وفوائد متتابعةٍ ‪.‬‬
‫فأما إذا اشتدّ فك ُرهُ تلقاء الليقةِ ‪ ،‬كثرتْ رذائلُه ‪ ،‬وزاد تصنّعه ‪ ،‬وبرِم بقامِه فيما قصُر‬
‫عن تأمّلهِ ‪ ،‬واستطال من الِحنِ ما عسى أن ينقضي ف يومِهِ ‪ ،‬وخاف من الكروهِ ما لعلّه أنْ‬
‫يطئهُ ‪.‬‬
‫وإنا تصدقُ الناجاةِ بي الرجلِ وبي ربّهِ ‪ ،‬لعلمِهِ با ف السرائرِ وتأييدِ ِه البصائر ‪ ،‬وهي‬
‫بي الرجلِ وبي أشبا ِههِ كثيةُ الذيةِ ‪ ،‬خارجةٌ عن الصلحةِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪123‬‬
‫ولِ تعال َر ْوحٌ يأت عند اليأسِ منهُ ‪ ،‬يُصيبُ به منْ يشاءُ من خلقِهِ ‪ ،‬وإليهِ الرغبةُ ف‬
‫سؤْلُ ‪ ،‬وهو حسب ونِعْم‬ ‫تقريبِ الفرجِ ‪ ،‬وتسهي ِل المرِ ‪ ،‬والرجوعِ إل أفضلِ ما تطاول إليه ال ّ‬
‫الوكيلُ ‪.‬‬
‫طالعتُ كتاب ( الفرجُ بعد الشدةِ ) للتنوخيّ ‪ ،‬وكرّرتُ قراءته فخرجتُ منه بثلثِ‬
‫فوائدَ ‪:‬‬
‫الول ‪:‬أنّ الفرج بعد الكربِ سنّةٌ ماضي ٌة وقضيةٌ مُسلّمةٌ ‪ ،‬كاليحِ بعد الليلِ ‪ ،‬ل شكّ فيه ول‬
‫ريب ‪.‬‬
‫الثانيةُ ‪:‬أنّ الكاره مع الغالبِ أجلُ عائدةً ‪ ،‬وأرفعُ فائدةً للعبدِ ف دينِهِ ودنياهُ من الحابّ ‪.‬‬
‫الثالةُ ‪:‬أنّ جالب النفعِ ودافع الضرّ حقيقةٌ إنا هو ال جلّ ف عله ‪ ،‬واعلمْ أنّ ما أصابك ل‬
‫يكنْ لِيخطِئك وما أخطأك لْ يكنْ ليصيبك ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫حقارةُ الدنيا‬
‫يقولُ ابنُ الباركِ العا ُل الشهي ‪ :‬قصيد ُة عديّ ب ِن زيدٍ أحبّ غليّ من قصرِ الميِ طاهرِ‬
‫ي لو كان ل ‪.‬‬ ‫بنِ الس ِ‬
‫وهي القصيدةُ الذائعةُ الرائعةُ ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫ـرِ أأنت ال ّبؤُ الوفورُ‬ ‫أيّها الشامتُ الُعيّ ُر بالدّهْـ‬
‫ـامِ بلْ أنت جاه ٌل مغرورُ‬ ‫أمْ لديك العهدُ الوثيقُ من اليّـ‬
‫أيْ ‪ :‬يا من شِت بصائبِ الخرين‪ ،‬هل عندك عهدٌ أنْ ل تصيبك أنت مصيبةٌ مثلُهم؟!‬
‫أم هلْ منحتْك اليامُ ميثاقا لسلمتِك من الكوارثِ والحنِ ؟! فلماذا الشماتةُ إذنْ ؟‬
‫وف الديثِ الصّحيِحِ ‪ (( :‬لوْ أنّ الدنيا تساوي عند الِ جناح بعوضةِ ‪ ،‬ما سقى‬
‫كافرا منها شربة ماءٍ )) ‪ .‬إنّ الدنيا عند الِ تعال أهونُ من جنا ِ‬
‫ح البعوضةِ ‪ ،‬وهذه حقيقةُ‬
‫قيمتِها ووزنِها ‪ ،‬فلِم الزعُ واللعُ عليها ومن أجلهِا ؟!‬
‫ل تحزن‬
‫‪124‬‬
‫السعادةُ ‪ :‬أنْ تشعر بالمنِ على نفسِك ومستقبلك وأهلِك ومعيشتِك ‪ ،‬وهي مموعةٌ‬
‫ف اليا ِن والرضا الِ وقضائ ِه وقدرهِ ‪ ،‬والقناعةُ ‪ :‬الصبُ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫قيمةُ اليانِ‬
‫﴿ بَلِ ال ّلهُ َي ُمنّ عَلَيْ ُكمْ أَنْ َهدَا ُكمْ لِ ْلإِيَانِ ﴾ ‪.‬‬
‫من النعيمِ الذي ل يدركُهُ إلّ الفطناءُ ‪ :‬نظرُ السلمِ إل الكافرِ ‪ ،‬وتذكّرُ نعم ِة الِ ف‬
‫الدايةِ إل دين السلمِ ‪ ،‬وأنّ ال عزّ وجلّ ل يقدّرْ لك أنْ تكون كهذا الكافرِ ف كفرِه بربّه‬
‫وترّدهِ عليهِ ‪ ،‬وإلادِه ف آياتِه ‪ ،‬وجحو ِد صفاتِه ‪ ،‬وماربتِه لولهُ وخالقِه ورازقِه ‪ ،‬وتكذيبِه‬
‫ل ورسول ِه واليومِ‬ ‫لرسلِه وكتبه ‪ ،‬وعصيانِهِ أوامرهُ ‪ ،‬ث تذكّرْ أنت أنّك مسلمٌ مو ّحدٌ ‪ ،‬تؤمنُ با ِ‬
‫الخرِ ‪ ،‬وتؤدّي الفرائض ولو على تقصيٍ ‪ ،‬فإ ّن هذا ف حدّ ذاته نعمةٌ ل تُقدّر بثمن ول تُباعُ‬
‫بالٍ ‪ ،‬ول تدورُ ف السبانِ ‪ ،‬وليس لا شبيهٌ ف العيانِ ‪ ﴿ :‬أَ َفمَن كَانَ مُ ْؤمِنا َكمَن كَانَ‬
‫فَاسِقا لّا َيسْتَوُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫حت ذكر بعضُ الفسرين أنّ مِ ْن نعيمِ أهلِ النّةِ نظُرهم إل أهِل النارِ ‪ ،‬فيشكرون ربّهم على‬
‫هذا النعيمِ ‪ « :‬وبضدّها تتميزُ الشياءُ » ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫وقفـــةٌ‬
‫ت اللوهيّةِ ‪،‬‬
‫ل إله إل الُ ‪ :‬أيْ ل معبود بقّ إل الُ سبحانهُ وتعال ‪ ،‬لتفرّ ِدهِ بصفا ِ‬
‫وهي صفاتُ الكمالِ ‪.‬‬
‫روحُ هذه الكلمةِ وسرّها ‪ :‬إفرادُ الربّ – جلّ ثناؤه وتقدّستْ أساؤُه ‪ ،‬وتبارك اسُه ‪،‬‬
‫وتعال جدّه ‪ ،‬ول إله غ ُيهُ – بالحبةِ والجللِ والتعظيمِ ‪ ،‬والوفِ والرجاءِ ‪ ،‬وتوابعِ ذلك‬
‫من التوكّلِ والنابةِ والرغبةِ والرهبةِ ‪ ،‬فل يُحبّ سواهُ ‪ ،‬وكلّ ما يُحبّ غيُه فإنا يُحبّ تبعا‬
‫لحبتِه ‪ ،‬وكونِه وسيلةً إل زيادةِ مبتِه ‪ ،‬ول يُخافُ سوا ُه ول يُرجى سواهُ ‪ ،‬ول يُتوكّل إل‬
‫ل تحزن‬
‫‪125‬‬
‫سهِ ‪ ،‬ول يُنذرُ إل لهُ ‪ ،‬ول‬
‫عليهِ ‪ ،‬ول يُرغبُ إل إليهِ ‪ ،‬ول يُرهبُ إل منهُ ‪ ،‬ول يُحلفُ إل با ِ‬
‫ث ف الشدائدِ إل به ‪ ،‬ول‬‫سبُ إل بهِ ‪ ،‬ول يُستغا ُ‬‫يُتابُ إل إليهِ ‪ ،‬ول يُطاعُ إل أمرُه ‪ ،‬ول يتح ّ‬
‫ف واحدٍ ‪،‬‬
‫يُلتجأ إل إليهِ ‪ ،‬ول يُسجدُ إل لهُ ‪ ،‬ول يُذبحُ إل له وباسِهِ ‪ ،‬ويتمعُ ذلك ف حر ٍ‬
‫وهو ‪ :‬أنْ ل يُعبد إل إيا ُه بميعِ أنواعِ العبادةِ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫معاقون متفوقون‬
‫ف ملحقِ عُكاظٍ العددُ ‪ 10262‬ف ‪ 1415 / 4 / 7‬هـ ‪ ،‬مقابلةٌ مع كفيف‬
‫يُدعى ‪ :‬ممود بن مم ٍد الدنّ ‪ ،‬درس كتب الدبِ بعيونِ الخرين ‪ ،‬وسع كتب التاريخِ‬
‫ت والدورياتِ والصحف ‪ ،‬وربا قرأ بالسماعِ على أح ِد أصدقائِه حت الثالثةِ صباحا‬ ‫والجل ِ‬
‫حت صار مرجعا ف الدب والطّرفِ والخبار ‪.‬‬
‫ق الوسطِ كلما ‪ ،‬منه ‪ :‬اصبْ على‬ ‫كتب مصطفى أمي ف زاويةِ ( فكرة ) ف الشر ِ‬
‫كيد الكائدين ‪ ،‬وظلمِ الظالي ‪ ،‬وسطوةِ البابرةِ ‪ ،‬فإنّ السوط سوف يسقطُ ‪ ،‬والقيد سوف‬
‫ينكسرُ ‪ ،‬والحبوس سوف يرجُ ‪ ،‬والظلم سوف ينقشعُ ‪ ،‬لكن عليك أن تصب وتنتظر ‪.‬‬
‫ذرْعا وعِند ال منها الخرجُ‬ ‫َولَرُبّ نازلةٍ يضيقُ با الفت‬
‫قابلتُ ف الرياضِ مفت ألبانيا ‪ ،‬وقد سُجن عشرين سنةً مِن قبل الشيوعيي ف ألبانيا مع‬
‫العما ِل الشاقّةِ ‪ ،‬والبسِ والكيدِ ‪ ،‬والنكّالِ والظلمِ ‪ ،‬والظلمِ وجوعِ ‪ ،‬وكان يصلّى‬
‫الصلواتِ المس ف ناحيةٍ من دورةِ الياه خوفا منهمْ ‪ ،‬ومع هذا صَبَرَ واحتسب حت جاءهُ‬
‫وَ َفضْلٍ ﴾ ‪.‬‬ ‫الفرجُ ‪ ﴿ ،‬فَانقَلَبُواْ بِِن ْعمَةٍ ّمنَ ال ّلهِ‬
‫هذا ( نلسون مانديل ) رئيس جنوبِ أفريقيّة ‪ ،‬سُجن سبعا وعشرين سنةً ‪ ،‬وهو ينادي‬
‫ت والستبدادِ والظلمِ ‪ ،‬وهو ُمصِرّ صامدٌ مواصلٌ‬
‫بريّةِ أمّتهِ ‪ ،‬وخلوصِ شعبهِ من القهرِ والكب ِ‬
‫مستميتٌ ‪ ،‬حت نال مدهُ الدنيويّ ‪ ﴿ .‬نُوَفّ إِلَ ْي ِهمْ َأ ْعمَاَل ُهمْ فِيهَا ﴾ ﴿ إِن تَكُونُواْ َتأَْلمُونَ‬
‫فَإِّن ُهمْ يَأَْلمُونَ َكمَا تَأْلَمونَ وََترْجُونَ ِمنَ ال ّلهِ مَا لَ َيرْجُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وما ثبتتْ إل وف نفسِها أَمْرُ‬ ‫وأشجعُ من كُلّ يومٍ سلمت‬
‫ل تحزن‬
‫‪126‬‬
‫سسْكُمْ َقرْحٌ َفقَدْ َمسّ اْلقَوْمَ َقرْحٌ مّثْ ُلهُ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ إِن َي ْم َ‬
‫**********************************‬
‫ل تزن إذا عرفت السلم‬
‫ما أشقى النفوس الت ل تعرفُ السلم ‪ ،‬ول تتدِ إليه ‪ ،‬إنّ السلم يتاجُ إل دعاي ٍة‬
‫منْ أصحابهِ و َحمَلتِهِ ‪ ،‬وإعلن عاليّ هائل ‪ ،‬لنهُ نبأ عظيمٌ ‪ ،‬والدعايةُ له يبُ أن تكون راقيةً‬
‫مهذبةً جذابةً ‪ ،‬لنّ سعادة البشريةِ ل تكونُ إل ف هذا الدينِ ال ّق الالدِ ‪َ ﴿ ،‬ومَن يَبْتَ ِغ غَ ْيرَ‬
‫الِ ْسلَمِ دِينا فَلَن ُيقْبَلَ مِ ْنهُ ﴾ ‪.‬‬
‫سكن داعيةٌ مسلمٌ شهيٌ مدينة ميونخ اللانية ‪ ،‬وعند مدخلِ الدينةِ تُوجدُ لوحةٌ إعلنيةٌ‬
‫ت يوكوهاما » ‪ .‬فنصب هذا الداعيةُ‬ ‫كبى مكتوبٌ عليها باللانيةِ ‪ « :‬أنت ل تعرفُ كفرا ِ‬
‫لوحةً كبى بانب هذه اللوحةِ كتب عليها ‪ « :‬أنت ل تعرفُ السلم ‪ ،‬إنْ أردت معرفتهُ ‪،‬‬
‫فاتصل بنا على هاتفِ كذا وكذا » ‪ .‬وانالتْ عليه التصالتْ من اللانِ منْ كلّ َحدَبٍ‬
‫وصوب ‪ ،‬حت أسلم على يدهِ ف سنةِ واحدة قرابة مائة ألفِ ألانّ ما بي رجلٍ وامرأةٍ وأقام‬
‫مسجدا ومركزا إسلميا ‪ ،‬ودارا للتعليمِ ‪.‬‬
‫إن البشرية حائرٌ باجةٍ ماسّةِ إل هذا الدينِ العظيمِ ‪ ،‬ليدّ إليها أمنها وسكينتها‬
‫خرِجُهُم ّمنِ الظّ ُلمَاتِ إِلَى‬
‫سلَمِ وَُي ْ‬
‫وطمأنينتها ‪َ ﴿ ،‬يهْدِي ِبهِ ال ّلهُ مَنِ اتّبَعَ رِضْوَاَنهُ سُبُلَ ال ّ‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫صرَاطٍ ّمسَْتقِيمٍ‬
‫النّورِ بِِإذِْنهِ وََي ْهدِي ِهمْ إِلَى ِ‬
‫يقول أح ُد العُبّادِ الكبارِ ‪ :‬ما ظننتُ أنّ ف العالِ أحدا يعبدُ غي ال ‪.‬‬
‫لكنْ ﴿ وَقَلِيلٌ مّ ْن عِبَادِيَ الشّكُورُ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَإِن تُطِعْ َأكَْثرَ مَن فِي الَ ْرضِ ُيضِلّو َك عَن‬
‫خرُصُونَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَا أَكَْثرُ النّاسِ وَلَوْ َحرَصْتَ‬
‫سَبِيلِ ال ّلهِ إِن يَتِّبعُونَ إِلّ ال ّظنّ وَِإنْ ُهمْ إِلّ َي ْ‬
‫ِبمُ ْؤمِنِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫وقد أخبن أحدُ العلماءِ أن سودانيّا مسلما قدم من البادية إل العاصمةِ الرطومِ ف‬
‫أثناءِ الستعمارِ النكليزيّ ‪ ،‬فرأى رجل مرورٍ بريطانيّا ف وسطِ الدينةِ ‪ ،‬فسأل هذا السلمُ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪127‬‬
‫منْ هذا ؟ قالوا ‪ :‬كافرٌ ‪ .‬قال ‪ :‬كافرٌ باذا ؟ قالوا ‪ :‬بالِ ‪ .‬قال ‪ :‬وهلْ أحدٌ يكفرُ بال ؟!‬
‫فأمسك على بطنِهِ ثّ تقيّأ مّا سع ورأى ‪ ،‬ث عاد إل الباديةِ ‪َ ﴿ .‬فمَا َل ُهمْ لَا يُ ْؤمِنُونَ ﴾ ‪!.‬‬
‫سمَاء وَاْلأَ ْرضِ إِّنهُ َلحَقّ مّثْلَ مَا أَنّ ُكمْ‬
‫يقو ُل الصمعيّ ‪ :‬سع أعرابّ يقرأُ ‪ ﴿ :‬فَوَ َربّ ال ّ‬
‫تَن ِطقُونَ ﴾ ‪ ،‬قال العرابّ ‪ :‬سبحان الِ ‪ ،‬ومن أحوج العظيم حت يقسم ؟!‬
‫إنه حسنُ الظنّ والتطّلعُ إل كرمِ الول وإحسانِه ولطفه ورحته ‪.‬‬
‫قال ‪ (( :‬يضحك ربّنا )) ‪ .‬فقال أعرابّ ‪ :‬لنعدامُ‬ ‫وقد ص ّح ف الديثِ أنّ الرسول‬
‫منْ ربّ يضحكُ خيا ‪.‬‬
‫﴿ وَهُوَ اّلذِي يَُنزّلُ اْلغَيْثَ مِن َب ْعدِ مَا قََنطُوا ﴾ ‪ِ ﴿ ،‬إنّ رَ ْحمَتَ ال ّلهِ َقرِيبٌ ّمنَ‬
‫صرَ ال ّلهِ َقرِيبٌ ﴾ ‪.‬‬
‫أَل ِإنّ َن ْ‬ ‫﴾﴿‬ ‫حسِِنيَ‬
‫اْلمُ ْ‬
‫منْ يقرأُ كتب سيِ الناسِ وتراجم الرجالِ يستفيدُ منها مسائل مطّرِدةً ثابتةً منها ‪:‬‬
‫‪.1‬أ ّن قيمة النسانِ ما يُحسنُ ‪ ،‬وهي كلمةٌ لعليّ بن أب طالبٍ ‪،‬‬
‫ومعناها ‪ :‬أنّ علم النسانِ أو أدبهُ أو عبادتهُ أو كرمهُ أو خلقهُ هي ف‬
‫ت صورتُه أو هندامُهُ ومنصبُهُ ‪ ﴿ :‬عََبسَ وَتَوَلّى{‬
‫القيق ِة قيمتُهُ ‪ ،‬وليس ْ‬
‫شرِكٍ وَلَوْ‬
‫‪ }1‬أَن جَاءهُ اْلَأعْمَى ﴾ ‪ ﴿ .‬وََلعَ ْبدٌ مّ ْؤ ِمنٌ خَ ْيرٌ مّن ّم ْ‬
‫َأعْجَبَ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫‪.2‬بقدرِ هّةِ النسانِ واهتمامِ ِه وبذلِ ِه وتضحيِتَه تكونُ مكانُتُه ‪ ،‬ول‬
‫جدُ جُزافا ‪.‬‬
‫يعطى لهُ ال ْ‬
‫ل تسبِ الجد ترا أنت آك ُلهُ ‪..‬‬
‫خرُوجَ َل َعدّواْ َل ُه عُدّةً ﴾ ‪ ﴿ .‬وَجَا ِهدُوا فِي ال ّلهِ َحقّ ِجهَادِهِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَلَوْ َأرَادُواْ اْل ُ‬
‫‪.3‬أ ّن النسان هو الذي يصنعُ تاريه بنفسِهِ بإذنِ ال ‪ ،‬وهو الذي يكتبُ‬
‫﴾‬ ‫وَنَكْتُبُ مَا َق ّدمُوا وَآثَارَ ُهمْ‬ ‫﴿‬ ‫سيتهُ بأفعالِهِ الميلةِ أو القبيحةِ ‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪128‬‬
‫‪.4‬وإنّ عمر العب ِد قصيٌ ينصرمُ سريعا ‪ ،‬ويذهبُ عاجلً ‪ ،‬فل يقصره‬
‫َلمْ يَلْبَثُوا إِلّا َعشِيّةً أَوْ‬ ‫﴿‬ ‫ب والمومِ والغمومِ والحزانِ ‪:‬‬
‫بالذنو ِ‬
‫ضحَاهَا ﴾ ‪ ﴿ .‬قَالُوا لَبِثْنَا يَوْما أَوْ َبعْضَ يَوْمٍ فَا ْسأَلْ اْلعَادّينَ ﴾ ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ول عملٌ يرضى ب ِه الُ صالُ‬ ‫كفى حزنا أنّ الياة مريرةٌ‬

‫•منْ أسبابِ السعادةِ ‪:‬‬


‫‪)1‬العملُ الصالُ ‪َ ﴿ :‬منْ عَمِلَ صَالِحا مّن ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى وَهُوَ مُ ْؤ ِمنٌ فَلَُنحْيِيَّنهُ حَيَاةً طَيَّبةً ﴾‪.‬‬
‫‪)2‬الزوجةُ الصالةُ ‪ ﴿ :‬رَبّنَا هَبْ لَنَا مِنْ َأزْوَاجِنَا َوذُرّيّاتِنَا ُقرّةَ َأعُْينٍ ﴾ ‪.‬‬
‫‪)3‬البيتُ الواسعُ ‪ :‬وف الديثِ ‪ (( :‬اللهمّ وسّعْ ل ف داري )) ‪.‬‬
‫‪)4‬الكسْبُ الطيبُ ‪ :‬وف الديثِ ‪ (( :‬إنّ ال طيّبٌ ل يقبلُ إل طيّبا )) ‪.‬‬
‫سنُ الُلقُ والتو ّددُ للناسِ ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلَنِي مُبَارَكا أَْينَ مَا كُنتُ ﴾ ‪.‬‬
‫‪ُ )5‬ح ْ‬
‫سرِفُوا وََلمْ َيقُْترُوا ﴾ ‪ ﴿ .‬وَلَ‬
‫َلمْ ُي ْ‬ ‫﴿‬ ‫‪)6‬السلمةُ من الدّيْنِ ‪ ،‬ومن السرافِ ف النفقةِ ‪:‬‬
‫سطِ ﴾ ‪.‬‬
‫جعَلْ َيدَكَ َمغْلُوَلةً إِلَى عُُنقِكَ وَلَ تَ ْبسُ ْطهَا كُلّ الَْب ْ‬
‫َت ْ‬
‫•مقومات السعادةِ ‪:‬‬
‫قلبٌ شاكرٌ ‪ ،‬ولسانٌ ذاكرٌ ‪ ،‬وجسمٌ صابرٌ ‪.‬‬
‫وعليك بالشكر عن النعم والصب عند النقم والستغفار من الذنوب ‪.‬‬
‫لوْ جعتُ لك علْم العلماءِ ‪ ،‬وحكمة الكماءِ ‪ ،‬وقصائد الشعراءِ عنِ السعادةِ ‪ ،‬لا‬
‫وجدتا حت تعزم عزيةً صادقة على تذ ّوقِها وجَلْبِها ‪ ،‬والبحثِ عنها وطرْدِ ما يضادّها ‪ « :‬منْ‬
‫أتان يشي أتيتهُ هرولةً » ‪.‬‬
‫ومن سعادةِ العبدِ ‪ :‬كتمُ أسرارِ ِه وتدبيِه أمورهُ ‪.‬‬
‫ذكروا أنّ أعربيّا استُؤمن على سرّ مقابل عشرةِ دناني ‪ ،‬فضاق ذرعا بالسرّ ‪ ،‬وذهب‬
‫ت وصبٍ‬
‫إل صاحبِ الدنلنيِ ‪ ،‬وردّها عليهِ مقابل أنْ يُفشي السرّ ‪ ،‬لنّ الكتمان يتاجُ إل ثبا ٍ‬
‫وعزيةٍ ‪ ﴿ :‬لَ َت ْقصُصْ رُؤْيَا َك عَلَى إِخْوَِتكَ ﴾ ‪ ،‬لنّ نِقاط الضعفِ عند النسانِ كش ُ‬
‫ف أوراقِهِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪129‬‬
‫للناسِ ‪ ،‬وإفشاءُ أسرارِه لمْ ‪ ،‬وهو مرضٌ قديٌ ‪ ،‬وداءٌ متأصّ ٌل ف البشريةِ ‪ ،‬والنفسُ مُولع ٌة‬
‫بإفشاءِ السرارِ ‪ ،‬ونقْلِ الخبار ‪ .‬وعلقةُ هذا بوضوعِ السعادةِ أنّ منْ أفشى أسراره فالغالبُ‬
‫عليه أن يندم ويزن ويغْتمّ ‪.‬‬
‫وللجاحظِ ف الكتمانِ كلمٌ خلّبٌ ف رسائلِهِ الدبيةِ ‪ ،‬فليعُدْ إليها منْ أراد ‪ .‬وف‬
‫شعِرَنّ بِ ُكمْ أَحَدا ﴾ ‪ ،‬وهذا أصلٌ ف كتمانِ السرّ ‪ ،‬والعرابّ يقول‬
‫القرآن ‪ ﴿ :‬وَلْيَتَلَطّفْ وَلَا ُي ْ‬
‫‪ :‬وأكتمُ السرّ فيه ضربةُ العنقِ ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫لن توت قبل أجلِك‬
‫فَِإذَا جَاء أَجَ ُل ُهمْ لَ َيسَْتأْ ِخرُونَ سَا َعةً وَلَ َيسَْتقْ ِدمُونَ ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿‬
‫هذه اليةُ عزاءٌ للجبناءِ الذين يوتون مراتٍ كثيةً قبل الوتِ ‪ ،‬فلْيعلموا أنّ هناك أج ً‬
‫ل‬
‫مسمى ‪ ،‬ل تقدي ول تأخي ‪ ،‬ل يعجّلُ هذا الوت أحدٌ ‪ ،‬ول يؤجّله بشرٌ ‪ ،‬ولو اجتمع أهل‬
‫الافقيْن ‪ ،‬وهذا ف حدّ ذات ِه يلبُ للعبدِ الطمأنينة والسكينة والثبات ‪ ﴿ :‬وَجَاءتْ سَ ْكرَةُ‬
‫اْلمَوْتِ بِاْلحَقّ ﴾ ‪.‬‬
‫صرُوَنهُ مِن دُونِ ال ّلهِ َومَا‬
‫َفمَا كَانَ َلهُ مِن فَِئةٍ يَن ُ‬ ‫﴿‬ ‫واعلمْ أ ّن التعلّق بغيِ الِ شقاءٌ ‪:‬‬
‫صرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫كَا َن ِمنَ الُنَت ِ‬
‫( سَِيرُ أعلمِ النبلءِ ) للذهبّ ثلثةٌ وعشرون ملدا ‪ ،‬ترجم فيها للمشاهيِ من العلما ِء‬
‫واللفاءِ واللو ِك والمرا ِء والوزراءِ والثرياءِ والشعراءِ ‪ ،‬وباستقراءِ هذا الكتابِ تدُ حقيقتي‬
‫مهمتي ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬أنّ منْ تعلّق بغيِ الِ منْ مالٍ أو ولدٍ أو منصبٍ أو حرفةٍ ‪ ،‬وكل ُه الُ إل هذا‬
‫صدّوَنهُ ْم َعنِ السّبِيلِ‬
‫الشيءِ ‪ ،‬وكان سبب شقاِئهِ وعذابِ ِه ومْقِهِ وسحقِهِ ‪ ﴿ :‬وَإِّن ُهمْ لََي ُ‬
‫حسَبُونَ أَّنهُم ّمهَْتدُونَ ﴾ ‪ .‬فرعونُ والن ِ‬
‫صبُ قارونُ والالُ ‪ ،‬وأُميّةُ بنُ خلفٍ والتجارةُ ‪،‬‬ ‫وََي ْ‬
‫‪.‬‬ ‫وَحِيدا ﴾‬ ‫والوليدُ والولدُ ‪ ﴿ :‬ذَرْنِي َومَنْ خَ َلقْتُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪130‬‬
‫أبو جهل والاهُ ‪ ،‬أبو لبٍ والنسبُ ‪ ،‬أبو مسلم والسلطةُ ‪ ،‬التنبئ والشهرةُ ‪ ،‬والجّاج‬
‫ت والوزارةُ ‪.‬‬
‫والعلوّ ف الرضِ ‪ ،‬ابنُ الفرا ِ‬
‫الثانيةُ ‪ :‬أنّ منِ اعت ّز بالِ وعمل له وتقرّب منه ‪ ،‬أعزّه ورفعه وشرّفه بل نس ٍ‬
‫ب ول‬
‫ب والتضحيةُ ‪،‬‬
‫منصبٍ ول أه ٍل ول مالٍ ول عشيةٍ ‪ :‬بللُ والذانُ ‪ ،‬سلمانُ والخرةُ ‪ ،‬صُهي ٌ‬
‫سفْلَى وَكَ ِل َمةُ ال ّلهِ هِيَ اْلعُلْيَا ﴾ ‪.‬‬
‫عطاءٌ والعِ ْلمُ ‪ ﴿ ،‬وَ َجعَلَ كَ ِل َمةَ اّلذِينَ َك َفرُواْ ال ّ‬
‫***************************************‬
‫« يا ذا الللِ والكرامِ »‬
‫صحّ عنه أنهُ قال ‪ « :‬ألظّوا بيا ذا الللِ والكرامِ » ‪ .‬أي الزموها ‪ ،‬وأكثرُوا‬
‫منها ‪ ،‬وداوموا عليها ‪ ،‬ومثلُها وأعظمْ ‪ :‬يا ح ّي يا قيومْ ‪ .‬وقيل ‪ :‬إنه السمُ العظمُ لربّ‬
‫العالي الذين إذا دُعي به أجاب ‪ ،‬وإذا سئل به أعطى ‪ .‬فما للعبدِ إل أنْ يهتف با وينادي‬
‫ويستغيث ويدمن عليها ‪ ،‬ليى الف َرجَ والظفرَ والفلحَ ‪ِ ﴿ :‬إذْ َتسْتَغِيثُونَ رَبّ ُكمْ فَاسَْتجَابَ‬
‫لَ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ف حياةِ السلمِ ثلثةُ أيامٍ كأنا أعيادٌ ‪:‬‬
‫يومٌ يؤدّي فيه الفرائض جاعةً ‪ ،‬ويسْلمُ من العاصي‪ ﴿ :‬اسَْتجِيبُواْ لِ ّلهِ وَلِلرّسُولِ ِإذَا‬
‫دَعَاكُم ﴾ ‪.‬‬
‫ويومٌ يتوبُ فيه من ذنِبهِ ‪ ،‬وينخلعُ من معصيتِهِ ‪ ،‬ويعودُ إل ربِهِ ‪ُ ﴿ :‬ثمّ تَابَ عَلَ ْيهِمْ‬
‫لِيَتُوبُواْ ﴾‪.‬‬
‫ويومٌ يلقى فيه ربّه على خاتةٍ حسنةٍ وعم ٍل مبورٍ ‪َ (( :‬منْ أحبّ لقاء ال أحبّ الُ‬
‫لقاءهُ )) ‪.‬‬
‫ودارٍ هي الدنيا ويومٍ هو الدهرُ‬ ‫وبشّرتُ آمال بشخصٍ هو الورى‬
‫قرأتُ سِي الصحابة – رضوانُ الِ عليهم ‪ ، -‬فوجدتُ ف حياتِهمْ خس مسائل تيزُهم‬
‫عنْ غيِهمْ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪131‬‬
‫الول ‪ :‬اليُسْرُ ف حياِت ِهمْ ‪ ،‬والسهولةُ وعدم التكلّف ‪ ،‬وأخذ المور ببساطة ‪ ،‬وترك‬
‫سرَى ﴾ ‪.‬‬
‫سرُكَ لِلُْي ْ‬
‫التنطع والتعمّق والتشديد ‪ ﴿ :‬وَنَُي ّ‬
‫الثانيةَ ‪ :‬أن عِلْمهم غزيرٌ مباركٌ متصلٌ بالعملِ ‪ ،‬ل فضولَ فيه ول حواشي ‪ ،‬ول كثرة‬
‫خشَى ال ّلهَ ِمنْ عِبَادِهِ اْلعُ َلمَاء ﴾ ‪.‬‬
‫كلمٍ ‪ ،‬ول رغوة أو تعقيد ‪ ﴿ :‬إِّنمَا َي ْ‬
‫الثالثةَ ‪ :‬أنّ أعمال القلو ِ‬
‫ب لديهمْ أعظمُ من أعما ِل البدانِ ‪ ،‬فعندهُمُ الخلصُ والنابُةُ‬
‫والتوكلُ والحبةُ والرغبةُ والرهبةُ والشْي ُة ونوُها ‪ ،‬بينما أمورُهم ميسّرةٌ ف نوافلِ الصلةِ‬
‫والصيامِ ‪ ،‬حت إن بعض التابعي أكثرُ اجتهادا منهمْ ف النوافلِ الظاهرةِ ‪َ ﴿ :‬فعَ ِلمَ مَا فِي‬
‫قُلُوِب ِهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫الرابعة ‪ :‬تقلّلهمْ من الدنيا ومتاعِها ‪ ،‬وتفّفُهم منها ‪ ،‬والعراضُ عن بارجها‬
‫وزخارفِها ‪ ،‬ما أكسبهم راحةً وسعادةً وطمأنينةً وسكينةً ‪َ ﴿ :‬و َمنْ َأرَادَ ال ِخرَةَ وَ َسعَى َلهَا‬
‫َسعَْيهَا وَهُوَ مُ ْؤ ِمنٌ ﴾ ‪.‬‬
‫الامسة ‪ :‬تغليبُ الهادِ على غيِه من العمالِ الصالةِ ‪ ،‬حت صار سِمةً لمْ ‪،‬‬
‫ومعْلما وشعارا ‪ .‬وبالهادِ قضوْا على هومِهم وغمومِهم وأحزانِهمْ ‪ ،‬لنّ فيه ذكرا وعملً‬
‫وبذلً وحركةً ‪.‬‬
‫فالجاهدُ ف سبيل الِ منْ أسعدِ الناسِ حالً ‪ ،‬وأشرحِهم صدْرا وأطيبهِم نفسا ‪﴿ :‬‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫وَاّلذِينَ جَا َهدُوا فِينَا لََن ْهدِيَّنهُمْ سُبُلَنَا وَإِنّ ال ّلهَ َلمَعَ اْل ُمحْسِِنيَ‬
‫ف القرآن حقائقُ وسُننٌ ل تزو ُل ول تولُ ‪ ،‬أذكرُ ما يتعلقُ منها بسعاد ِة العبدِ وراحةِ‬
‫بالِهِ ‪ ،‬منْ هذِ ِه السّننِ الثابتةِ ‪:‬‬
‫صرُوا ال ّلهَ يَنصُرْ ُكمْ وَيُثَبّتْ أَ ْقدَامَكُمْ ﴾ ‪ .‬ومنْ‬
‫أنّ منِ استنصر بالِ َنصَ َرهُ ‪ ﴿ :‬إِن تَن ُ‬
‫سألهُ أجابهُ ‪ ﴿ :‬ا ْدعُونِي أَسَْتجِبْ لَ ُكمْ ﴾ ‪ .‬ومن استغفره غَفَرَ له ‪ ﴿ :‬فَا ْغفِرْ لِي َف َغ َفرَ َلهُ‬
‫﴾ ‪ .‬ومنْ تاب إليه قبل منه ‪ ﴿ :‬وَهُوَ اّلذِي َيقْبَلُ التّوَْب َة عَ ْن عِبَادِهِ ﴾ ‪ .‬وم ْن توكّل عليهِ كفاهُ‬
‫‪َ ﴿ :‬ومَن يَتَوَكّ ْل عَلَى ال ّلهِ َفهُوَ َحسْبُهُ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪132‬‬
‫كمْ عَلَى أَن ُفسِكُم ﴾‬
‫﴿ إِّنمَا َبغْيُ ُ‬ ‫وأنّ ثلثةً يعجّلُها الُ لهلِها بنكالِها وجزائها ‪ :‬البغيُ ‪:‬‬
‫سهِ ﴾ ‪ ،‬والكرُ ‪ ﴿ :‬وَلَا َيحِيقُ اْلمَ ْكرُ السّيّئُ‬
‫َفمَن نّكَثَ فَإِّنمَا يَنكُثُ عَلَى َن ْف ِ‬ ‫﴿‬ ‫‪ ،‬والنكثُ ‪:‬‬
‫إِلّا ِبأَهْ ِلهِ ﴾ ‪ .‬وأنّ الظال لنْ يفلت من قبضةِ الِ ‪ ﴿ :‬فَتِلْكَ بُيُوُتهُمْ خَاوَِيةً ِبمَا ظَ َلمُوا ﴾ ‪ .‬وأنّ‬
‫ب الدّنْيَا وَ ُحسْنَ‬
‫ثرة العملِ الصالِ عاجلةٌ وآجلةٌ ‪ ،‬لنّ ال غفورٌ شكورٌ ‪ ﴿ :‬فَآتَا ُهمُ ال ّلهُ ثَوَا َ‬
‫ثَوَابِ ال ِخرَةِ ﴾ ‪ ،‬وأن من أطاعه أحبّه ‪ ﴿ :‬فَاتِّبعُونِي ُيحْبِبْكُمُ ال ّلهُ ﴾ ‪ .‬فإذا عَ َرفَ العبدُ ذلك‬
‫صرُ إِلّ‬
‫سعد و ُسرّ ‪ ،‬لنه يتعاملُ مع ربّ يرزقُ ويَْنصُرُ ‪ِ ﴿ :‬إنّ ال ّلهَ هُوَ الرّزّاقُ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَا الّن ْ‬
‫﴾‬ ‫إِّنهُ ُهوَ التّوّابُ الرّحِيمُ‬ ‫﴿‬ ‫مِ ْن عِندِ ال ّلهِ ﴾ ‪ ،‬ويغفرُ ‪ ﴿ :‬وَإِنّي َل َغفّارٌ ّلمَن تَابَ ﴾ ‪ ،‬ويتوبُ ‪:‬‬
‫إِنّا مُنَت ِقمُونَ ﴾ ‪ ،‬فسبحانه ما أكملهُ وأجلّهُ ‪ ﴿ :‬هَلْ َتعْ َلمُ َلهُ‬ ‫﴿‬ ‫‪ ،‬وينتقمُ لوليائه منْ أعدائِهِ ‪:‬‬
‫َسمِيّا ﴾ ؟! ‪.‬‬
‫للشيخِ عبدِالرحنِ ب ِن سعديّ – رح ُه الُ – رسال ٌة قيّمةٌ اسُها ( الوسائلُ الفيدةُ ف‬
‫اليا ِة السعيدةِ ) ‪ ،‬ذكر فيها ‪ « :‬إنّ منْ أسبابِ السعادةِ أنْ ينظر العبدُ إل نع ِم الِ عليه ‪،‬‬
‫فسوف يرى أنهُ يفوقُ با أما من الناسِ ل ُتحْصى ‪ ،‬حينها يستشعرُ العبدُ فضل الِ عليه » ‪.‬‬
‫أقولُ ‪ :‬حت ف المورِ الدينيّةِ مع تقصيٍ العبدِ ‪ ،‬يُد انه أعلى م ْن فئامٍ من الناسِ ف‬
‫الحافظةِ على الصلةِ جاعةً ‪ ،‬وقراءةِ القرآن والذك ِر ونْو ذلك ‪ ،‬وهذه نعمةٌ جليلةٌ ل تُقدّرُ‬
‫بثمنٍ ‪﴿ :‬وَأَسْبَ َغ عَلَيْ ُكمْ ِن َعمَهُ ظَا ِهرَةً وَبَاطَِنةً ﴾ ‪.‬‬
‫ث الكبيِ ابنِ عبدِ الباقي انه ‪ :‬استعرض الناس بعد خروجِهم‬
‫وقدْ ذكر الذهبّ عن الحدّ ِ‬
‫من جامعِ ( دارِ السلمِ ) ببغداد ‪ ،‬فما وَ َجدَ أحدا منهمُ يتمنّى أنه مكانه وف مسلخه ‪.‬‬
‫ولذِهِ الكلمةِ جانبٌ إيابّ وسلبّ ‪ ﴿ :‬وَ َفضّلْنَا ُه ْم عَلَى كَثِيٍ ّم ّمنْ خَ َلقْنَا َت ْفضِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫لمَلْ‬
‫منهمُ فاتركْ تفاصيل ا ُ‬ ‫كلّ هذا اللْقِ ِغرّ وأنا‬
‫****************************************‬
‫وقفـــةٌ‬
‫‪:‬‬ ‫س – رضي الُ عنها – قالتْ ‪ :‬قال ل رسولُ ال‬
‫عن أساء بنتِ عُميْ ٍ‬
‫ل تحزن‬
‫‪133‬‬
‫(( أل أُعلّمكِ كلماتٍ تقولِينهُن عند الك ْربِ ‪ .‬أو ف الكرْبِ ‪ .‬؟ ‪ :‬الُ الُ ربّي ل‬
‫أُشر ُك به شيئا )) ‪.‬‬
‫وف لفظٍ ‪ (( :‬منْ أصابهُ ه ّم أو غمّ أو سقمٌ أو ِشدّةٌ ‪ ،‬فقال ‪ :‬الُ رب ‪ ،‬ل شريك له‬
‫‪ُ .‬كشِف ذلك عنه )) ‪.‬‬
‫« هناك أمورٌ مظلم ٌة تورِدُ على القلبِ سحائب متراكماتٍ مظلمةً ‪ ،‬فإذا فرّ إل ربّهِ ‪،‬‬
‫وسلّم أمره إليهِ ‪ ،‬وألقى نفسهُ بي يديهِ ِمنْ غيِ شرِكةِ أحدٍ من اللقِ ‪ ،‬كشَفَ عنه ذلك ‪،‬‬
‫فأمّا منْ قال ذلك بقلبٍ غافلٍ لهٍ ‪ ،‬فهيهات » ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫با فقدناهُ مِنْ مالٍ ومِنْ َنشَبِ‬ ‫وما نبال إذا أرواحٌنا سلِمتْ‬
‫س وقاها الُ ِمنْ عَ َطبِ‬‫إذا النفو ُ‬ ‫فالا ُل مكتسبٌ والعِزّ مُرْتعٌ‬
‫**********************************‬
‫مَن خاف حاسدا‬
‫سدَ‬
‫‪.1‬العوّذاتُ مع الذكارِ والدعا ِء عموما ‪َ ﴿ :‬ومِن َشرّ حَا ِسدٍ ِإذَا َح َ‬
‫﴾‪.‬‬
‫‪.2‬كِتمانُ أمرِك عنِ الا ِسدِ ‪ ﴿ :‬لَ َتدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَا ِحدٍ وَادْخُلُواْ ِمنْ‬
‫أَبْوَابٍ مَّتفَرّ َقةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫‪.3‬البتعادُ عنه ‪ ﴿ :‬وَِإنْ ّلمْ تُ ْؤمِنُوا لِي فَاعَْتزِلُونِ ﴾ ‪.‬‬
‫‪.4‬الحسانُ إليه لِكفّ أذاهُ ‪ ﴿ :‬ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَ ْحسَنُ ﴾ ‪.‬‬
‫************************************‬
‫سنْ خلُقكَ‬
‫حّ‬
‫للُقِ ُيمْنٌ وسعادةٌ ‪ ،‬وسُوءُ الُُلقِ شُؤمٌ وشقاءٌ ‪.‬‬
‫ُحسْنُ ا ُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪134‬‬
‫(( إن الرء لَيبْلغ بسنِ خ ُل ِقهِ درجةَ الصائمِ القائمِ)) ‪(( .‬أل أُنبّئُكم بأحبّكمُ وأقربِ ُكمْ‬
‫منّي ملسا يوم القيامةِ ؟! أحاسنُكمْ أخلقاُ)) ‪ ﴿ .‬وَإِنّكَ َلعَلى خُ ُلقٍ عَظِيمٍ ﴾‪ ﴿ .‬فَِبمَا رَ ْح َمةٍ‬
‫مّنَ ال ّلهِ لِنتَ َل ُهمْ وَلَوْ كُنتَ َفظّا غَلِيظَ اْلقَلْبِ لَن َفضّواْ ِمنْ حَوْلِكَ ﴾ ‪ ﴿ .‬وَقُولُواْ لِلنّاسِ‬
‫ُحسْنا ﴾ ‪.‬‬
‫ت الصديق – رضي ال عنهما – ف وصفها العصوم عليه‬
‫وتقولُ أمّ الؤمني عائش ُة بن ُ‬
‫صلةُ رب وسلمُه ‪ (( :‬كان خُ ُل ُقهُ القُران )) ‪.‬‬
‫إن سَ َعةَ الُلُق وَبسْطَهَ الاطرِ ‪ :‬نعيمٌ عاجلٌ وسرورٌ حاضرٌ لن أراد به الُ خيْرا ‪ ،‬وإنّ‬
‫لدّةِ وثورة الغضبِ ‪ :‬نَ َكدٌ مستمرّ وعذابٌ مقيمٌ ‪.‬‬
‫سرعة النفعالِ وا ِ‬
‫*************************************‬
‫دواءُ الرقِ‬

‫ماذا يفعلُ منْ أُصيب بالرقِ ؟‬


‫الرقُ تعسّ ُر النومِ ‪ ،‬والتململُ على الفراشِ ‪.‬‬
‫‪.1‬الذكارُ الشرعيّةُ ‪ ﴿ :‬أَلَ ِبذِ ْكرِ ال ّلهِ تَ ْطمَِئنّ اْلقُلُوبُ ﴾ ‪.‬‬
‫‪َ .2‬هجْ ُر النو ِم بالنهارِ إل لاجةٍ ماسّةٍ ‪ ﴿:‬وَ َجعَلْنَا الّنهَارَ َمعَاشا ﴾ ‪.‬‬
‫‪.3‬القراءةُ والكتابةُ حت النومِ ‪ ﴿ :‬وَقُل رّبّ ِزدْنِي عِلْما ﴾ ‪.‬‬
‫‪.4‬إتعابُ السمِ بالعملِ النافعِ نارا ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلَ الّنهَارَ ُنشُورا ﴾ ‪.‬‬
‫ت كالقهو ِة والشايِ ‪.‬‬
‫‪.5‬التقليلُ منْ شربِ النبّها ِ‬
‫فقالوا لنا ما أقصر الليل عندنا‬ ‫شكوْنا إل أحبابِنا طول ليلِنا‬
‫يقينا ول يُغشِي لنا النومُ أعْينا‬ ‫وذاك بأنّ النوم يُغشِي عيونم‬
‫مرار ُة الذنبِ تناف حلوة الطاعةِ ‪ ،‬وبشاشة اليانِ ‪ ،‬ومذاق السعادةِ ‪.‬‬
‫يقولُ ابنُ تيمية ‪ :‬العاصي تن ُع القلبَ منَ الولنِ ف فضا ِء التوحيدِ ‪ ﴿ :‬قُلِ ان ُظرُواْ‬
‫وَالَ ْرضِ ﴾ ‪.‬‬ ‫سمَاوَاتِ‬
‫مَاذَا فِي ال ّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪135‬‬
‫************************************‬
‫عواقب العاصي‬
‫حجُوبُونَ ﴾‬
‫رّّبهِمْ يَ ْومَِئذٍ ّلمَ ْ‬ ‫‪.1‬حجابٌ بي العبدِ وربّه ‪ ﴿ :‬كَلّا إِّن ُه ْم عَن‬
‫‪.‬‬
‫‪.2‬يُوحشُ الخلوق من الالقِ ‪ :‬إذا ساء فعلُ الرءِ ساءتْ ظنونُه ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫قُلُوِبهِمْ ﴾‬ ‫‪.3‬كآبةٌ دائمةٌ ‪ ﴿ :‬لَ َيزَالُ بُنْيَاُن ُهمُ اّلذِي بَنَوْاْ رِيَبةً فِي‬
‫ف ف القلبِ واضطرابٌ ‪ ﴿ :‬سَنُ ْلقِي فِي قُلُوبِ اّلذِينَ َك َفرُواْ‬
‫‪.4‬خو ٌ‬
‫الرّعْبَ ِبمَا أَ ْشرَكُواْ بِال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫شةً ضَنكا ﴾ ‪.‬‬
‫‪.5‬نكدٌ ف العيشةِ ‪ ﴿ :‬فَِإنّ َلهُ َمعِي َ‬
‫‪.6‬قسوٌة ف القلبِ وظلمةٌ ‪ ﴿ :‬وَ َجعَلْنَا قُلُوَب ُهمْ قَاسَِيةً ﴾ ‪.‬‬
‫‪.7‬سوادٌ ف الوجهِ وعبوسٌ ‪َ ﴿ :‬فَأمّا اّلذِينَ اسْ َودّتْ وُجُو ُه ُهمْ أَ ْك َفرْتُم‬
‫﴾‪.‬‬
‫‪.8‬بغضٌ ف قلوبِ ال ْلقِ ‪ (( :‬أنتم شهدا ُء الِ ف أرضِهِ )) ‪.‬‬
‫‪.9‬ضيقٌ ف الرزقِ ‪ ﴿ :‬وَلَوْ أَّن ُهمْ أَقَامُواْ التّ ْورَاةَ وَا ِلنِيلَ َومَا أُنزِلَ إِلَيهِم‬
‫مّن رّّبهِمْ لكَلُواْ مِن فَوْ ِق ِهمْ َومِن َتحْتِ أَرْجُ ِلهِم ﴾ ‪.‬‬
‫﴿‬ ‫‪.10‬غضبُ الرحنِ ‪ ،‬ونقْصُ اليانِ ‪ ،‬وحلولُ الصائبِ والحزانِ ‪:‬‬
‫ب عَلَى غَضَبٍ ﴾ ‪ ﴿.‬بَلْ رَانَ عَلَى ُقلُوِبهِم مّا كَانُوا‬
‫فَبَآؤُواْ ِبغَضَ ٍ‬
‫يَ ْكسِبُونَ ﴾ ‪﴿ .‬وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ ﴾ ‪.‬‬
‫**************************************‬

‫اطلبِ الرزق ول ت ِرصْ‬


‫ي يرزقُها ربّ العالي‪َ ﴿ :‬ومَا مِن دَآّبةٍ فِي الَ ْرضِ إِ ّل عَلَى ال ّلهِ ِرزْ ُقهَا﴾‪.‬‬
‫الدودةُ ف الطّ ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪136‬‬
‫الطيورُ ف الوكورِ يطعمُها الغفورُ الشكورُ ‪ (( :‬كما يرزقُ الطيَ ‪ ،‬تغدو خِماصا‬
‫وتروحُ بِطانا )) ‪.‬‬
‫ب الرضِ والسماء ‪ُ ﴿ :‬ي ْطعِمُ وَلَ ُي ْطعَمُ ﴾ ‪.‬‬
‫السمكُ ف الا ِء يرزقُه ر ّ‬
‫وأنت أزكى من الدودةِ والط ِي والسمكِ ‪ ،‬فل تزنْ على رزقِك ‪.‬‬
‫عرفتُ أناسا ما أصاُب ُهمُ الفقرَ والكدرُ وضيقُ الصدر إل بسببِ بعدِهم عن الِ عزّ وجلّ‬
‫‪ ،‬فتجدُ أحدهم كان غنيّا ‪ ،‬ورزقُه واسعٌ وهو ف عافيةٍ م ْن ربّهِ وف خيٍ منْ موله ‪ ،‬فأعرض‬
‫عن طاع ِة الِ ‪ ،‬وتاون بالصلةِ ‪ ،‬واقترف كبائر الذنوبِ ‪ ،‬فسلبَ َه ربّه عافية بدنِهِ وسعة رزقِهِ ‪،‬‬
‫وابتلهُ بالفقْرِ والمّ والغمّ ‪ ،‬فأصبح منْ نكدٍ إل نكدٍ ‪ ،‬ومنْ بلءٍ إل بلءٍ ‪َ ﴿ :‬ومَنْ َأ ْعرَضَ‬
‫عَن ذِ ْكرِي َفإِنّ َلهُ َمعِيشَةً ضَنكا ﴾ ‪ ﴿ .‬ذَلِكَ بِأَنّ ال ّلهَ َلمْ َيكُ ُمغَيّرا ّن ْع َمةً أَْن َع َمهَا عَلَى قَوْمٍ‬
‫س ِهمْ ﴾ ‪َ ﴿ .‬ومَا أَصَابَكُم مّن ّمصِيبَةٍ فَِبمَا َكسَبَتْ أَْيدِي ُكمْ وََي ْعفُو عَن‬
‫حَتّى ُيغَّيرُواْ مَا بِأَن ُف ِ‬
‫كَثِيٍ ﴾ ‪ ﴿ .‬وَأَلّوِ اسَْتقَامُوا عَلَى ال ّطرِيقَةِ لَأَ ْسقَيْنَاهُم مّاء َغدَقا ﴾ ‪.‬‬
‫ص ّ‬
‫ب‬ ‫هنيئا مريئا أيّها القاتلُ ال ّ‬ ‫أتبكي على ليلى وأنت قتلتها‬
‫**************************************‬
‫﴿ اه ِدنَــــا الصّرَاطَ الُستَقِيمَ ﴾‬
‫سرّ الدايةِ‬
‫ولنْ يهتدي للسعادةِ ول ْن يدها ولنْ ينعم با ‪ ،‬إل م ِن اتبع الصراط الستقيم الذي‬
‫صرَاطا‬
‫ت النعيمِ ‪﴿ :‬وََل َهدَيْنَا ُهمْ ِ‬
‫على طرفِهِ ن وطرفُه الخرُ ف جنا ِ‬ ‫تركنا ممدٌ‬
‫ّمسْتَقِيما﴾‪.‬‬
‫فسعادةُ من لزم الصراط الستقيم أنهُ مطمئنّ لسْ ِن العاقبةِ ‪ ،‬واثقٌ منْ طيبِ الصيِ ‪،‬‬
‫ساكنٌ إل موعو ِد ربّهِ ‪ ،‬راضٍ بقضاءِ مولهُ ‪ ،‬مبتٌ ف سلوكِهِ هذا السبيلُ ‪ ،‬يعلمُ انّ له هاديا‬
‫يهديهِ على هذا الصراطِ ‪ ،‬وهو معصومٌ ل ينطقُ عن الوى ‪ ،‬ول يتبعُ منْ غوى ‪َ ،‬ق ْولُهُ حجّةٌ‬
‫ل تحزن‬
‫‪137‬‬
‫على الورى ‪ ،‬مفوظٌ منْ نزغاتِ الشيطانِ ‪ ،‬وعثراتِ القرانِ ‪ ،‬وسقطاتِ النسانِ ‪َ ﴿ :‬لهُ‬
‫حفَظُوَنهُ ِمنْ َأ ْمرِ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫ُمعَقّبَاتٌ مّن بَ ْينِ َيدَْيهِ َو ِمنْ خَ ْل ِفهِ َي ْ‬
‫وهذا العبدُ يدُ السعادة ف سلوكِهِ هذا الصراط ؛ لنهُ يعلمُ أنّ له إلا ‪ ،‬وأمامهُ أسوةً ‪،‬‬
‫وبيدِهِ كتابا ‪ ،‬وف قلبِه نورا ‪ ،‬وف خلدِه ‪ ،‬واعظا ‪ ،‬وهو ذاهبٌ إل نعيمٍ ‪ ،‬وعاملٌ ف طاعةٍ ‪،‬‬
‫وساعٍ إل خيٍ ‪ ﴿ :‬ذَلِكَ ُهدَى ال ّلهِ َي ْهدِي ِبهِ مَن َيشَاءُ ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ نور الِ ف قلب وهذا ما أراهُ‬ ‫أين ما يُدعى ظلما يا رفيق الدربِ أينْا‬
‫وها صراطان ‪ :‬معنويّ و ِحسّيّ ‪ ،‬فالعنويّ ‪ :‬صراطُ الدايةِ واليانِ ‪ ،‬والسيّ ‪:‬‬
‫الصراطُ على مْتنِ جهنم ‪ ،‬فصراطُ اليانِ على متِ الدنيا الفانيةِ له كلليبٌ من الشهواتِ ‪،‬‬
‫والصراطُ الخرويّ على مْتنِ جهنم له كلليبُ كشوكِ السعدانِ ‪ ،‬فمنْ تاوز هذا الصراط‬
‫سبِ إيقانهِ ‪ ،‬وإذا اهتدى العبدُ إل الصراطِ الستقي ِم زالتْ‬‫بإيانِ ِه تاوز ذاك الصراط على ح ْ‬
‫هومُه وغمومُه وأحزانُه ‪.‬‬
‫*******************************************‬
‫عشرُ زهِراتٍ يقطفُها منْ أراد الياة الطيبة‬

‫‪.1‬جلسةٌ ف السّحر للستغفارِ ‪ ﴿ :‬وَاْل ُمسْتَ ْغ ِفرِينَ بِالَ ْسحَارِ ﴾ ‪.‬‬


‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ ﴾ ‪.‬‬
‫‪.2‬وخلوةٌ للتفكّرِ ‪ ﴿ :‬وَيََتفَ ّكرُونَ فِي خَ ْلقِ ال ّ‬
‫‪.3‬ومالسةُ الصالي ‪ ﴿ :‬وَاصِْبرْ َن ْفسَكَ مَعَ اّلذِينَ َي ْدعُونَ رَّبهُم ﴾ ‪.‬‬
‫‪.4‬والذّكْر ‪ ﴿ :‬اذْ ُكرُوا ال ّلهَ ذِكْرا كَثِيا ﴾ ‪.‬‬
‫‪.5‬وركعتانِ بشوعٍ ‪ ﴿ :‬اّلذِينَ ُهمْ فِي صَلَاِتهِمْ خَا ِشعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪.6‬وتلو ٌة بتدبّرٍ ‪ ﴿ :‬أَ َفلَ يََتدَّبرُونَ اْل ُقرْآنَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪.7‬وصيامُ يو ٍم شديدِ الرّ ‪ (( :‬يدع طعامه وشرابه وشهواته منْ‬
‫أجلي )) ‪.‬‬
‫‪.8‬وصدقةٌ ف خفاءٍ ‪ (( :‬حت ل تعلم شالهُ ما تنفقُ يينُه )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪138‬‬
‫‪.9‬وكشْفُ كربةٍ عنْ مسلمٍ ‪ (( :‬منْ فرّج عنْ مسلمِ كرب ًة منْ كُربِ‬
‫الدنيا فرّج الُ عنه كرب ًة منْ كربِ يومِ القيامةِ )) ‪.‬‬
‫‪.10‬وزهْ ٌد ف الفانيةِ ‪ ﴿ :‬وَالْآخِرَةُ خَ ْيرٌ وَأَْبقَى ﴾ ‪.‬‬
‫تلك عشرةٌ كاملةٌ ‪.‬‬
‫صمُنِي ِمنَ اْلمَاء ﴾ ‪ .‬ولو أوى إل ربّ‬
‫منْ شقاءِ اب ِن نوحٍ قولُه ‪ ﴿ :‬سَآوِي إِلَى جَبَلٍ َي ْع ِ‬
‫الرضِ والسماءِ لكان أجلّ وأعزّ وأمنع ‪.‬‬
‫ومن شقاءِ النمرودِ قولهُ ‪ :‬أنا أُحيي وأُميتُ ‪ .‬فتقمّص ثوبا ليس له ‪ ،‬واغتصب صفةً ل‬
‫تلّ له ‪ ،‬فُبِهِت وخسأ وخاب ‪.‬‬
‫﴿ فَأَ َخذَهُ ال ّلهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ وَاْلأُولَى ﴾ ‪.‬‬
‫مفتاحُ السعادةِ كلمةٌ ‪ ،‬ومياثُ اللّةِ عبارةٌ ‪ ،‬ورايةُ الفلحِ جلةٌ ‪ ،‬فالكلم ُة والعبارةُ‬
‫ل ‪ .‬ممدٌ رسو ُل الِ ‪.‬‬ ‫والملةُ هي ‪ :‬ل إله إل ا ُ‬
‫سعادةُ منْ نطقها ف الرضِ ‪ :‬أن يُقال ل ُه ف السماءِ ‪ :‬صد ْقتَ ‪ ﴿ :‬وَاّلذِي جَاء‬
‫ص ّدقَ ِبهِ ﴾ ‪.‬‬
‫صدْقِ وَ َ‬
‫بِال ّ‬
‫وسعادةُ منْ عمل با ‪ :‬أنْ ينجو من الدمارِ والشّنارِ والعارِ والنارِ ‪ ﴿ :‬وَيَُنجّي ال ّلهُ‬
‫اّلذِينَ اّتقَوا ِب َمفَازَِت ِهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫وسعادةُ منْ دعا إليها ‪ :‬أنْ يٌعان ويُْنصَرَ وُيشْكَرَ ‪ ﴿ :‬وَِإنّ جُندَنَا َل ُهمُ اْلغَالِبُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وسعادةُ منْ أحبّها ‪ :‬أنْ يُرفع ويُكرَمَ ويُعزّ ‪ ﴿ :‬وَِل ّلهِ اْل ِعزّةُ وَِلرَسُوِلهِ وَِل ْلمُ ْؤمِنِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫خرِ ُجهُم ّمنَ الظّ ُلمَاتِ إِلَى النّ ُورِ ﴾ ‪.‬‬
‫هتف با بللٌ الرقيقُ فأصبح حرّا ‪ُ ﴿ :‬ي ْ‬
‫وتلعثم ف نطقهاِ أبو لبٍ الاشيّ ‪ ،‬فمات عبدا ذليلً حقيا ‪َ ﴿ :‬ومَن ُيهِنِ ال ّلهُ َفمَا َلهُ‬
‫مِن مّ ْكرِمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫إنا الكسيِرُ الذي يولّ الركام البشريّ الفان إل قممٍ ليانيةٍ ربانيةٍ طاهرةٍ ‪ ﴿ :‬وَلَكِن‬
‫َجعَلْنَاهُ نُورا ّن ْهدِي ِبهِ َمنْ ّنشَاء مِ ْن عِبَادِنَا ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪139‬‬
‫ل تفرحْ بالدنيا إذا أعرضْت عنِ الخرةِ ‪ ،‬فإنّ العذاب الواصب ف طريقِك ‪ ،‬والغلّ‬
‫ك عَنّي سُلْطَانِيهْ ﴾ ‪ِ ﴿ .‬إنّ رَبّكَ‬
‫والنّكالُ ينتظرُك ‪ ﴿ :‬مَا َأغْنَى عَنّي مَالِيهْ{‪َ }28‬هلَ َ‬
‫لَبِاْل ِمرْصَادِ ﴾ ‪.‬‬
‫ح بالولدِ إذا أعرضت عن الواحدِ الصمدِ ‪ ،‬فإنّ العراض عنه كلّ الذلنِ ‪،‬‬
‫ول تفر ْ‬
‫ت عَلَ ْي ِهمُ الذّّلةُ وَاْل َمسْكَنَةُ ﴾ ‪.‬‬
‫ضرِبَ ْ‬
‫وغايةُ السرانِ ‪ ،‬وناي ُة الوانِ ‪ ﴿ :‬وَ ُ‬
‫ول تفرحْ بالموالِ إذا أسأت العمال ‪ ،‬فإنّ إساءة العمل مقٌ للخاتةِ وتبابٌ ف‬
‫الصيِ ‪ ،‬ولعنةٌ ف الخرةِ ‪ ﴿ :‬وََل َعذَابُ الْآ ِخرَةِ أَ ْخزَى ﴾ ﴿ َومَا َأمْوَالُ ُكمْ وَلَا أَوْلَادُكُم بِالّتِي‬
‫ُت َقرّبُكُ ْم عِندَنَا زُْلفَى إِلّا مَنْ آ َمنَ َو َعمِلَ صَالِحا ﴾ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫وقفــةٌ‬
‫(( يا حيّ يا قيومُ برحتِك أستغيثُ )) ‪ :‬ف رفع هذا الدعاءِ مناسبةٌ بديعةٌ ‪ ،‬فإنّ صفة‬
‫اليا ِة متضمّن ًة لميع صفاتِ الكمالِ ‪ ،‬مستلزمةٌ لا ‪ ،‬وصف ُة القيّومي ُة متضمّن ٌة لميعِ صفاتِ‬
‫الفعالِ ‪ ،‬ولذا كان اسمُ الِ العظمُ الذي إذا دُعِيَ به أجاب ‪ ،‬وإذا سُئل به أعطى ‪ :‬هو اسمُ‬
‫ال ّي القيومُ ‪ .‬والياةُ التامّة تضادّ جيع السقامِ واللم ؛ ولذا لا كمُلتْ حياةُ أهلِ النةِ ‪ ،‬لْ‬
‫يلح ْقهُمْ ه ّم ول غمّ ول َحزَ ٌن ول شيءٌ من الفاتِ ‪ .‬ونقصانُ الياةِ تضرّ بالفعالِ ‪ ،‬وتناف‬
‫القيومية ‪ ،‬فكما ُل القيوميةِ لكمالِ الياةِ ‪ ،‬فاليّ الطلقُ التامّ الياةِ ل تفوتُه صف ُة الكمالِ‬
‫ألبتة ‪ ،‬والقيومُ ل يتع ّذرُ عليه فعْل مكن ألبتة ‪ ،‬فالتوسلُ بصفةِ الياةِ والقوميةِ له تأثيٌ ف إزالةِ‬
‫ما يُضادّ الياةَ ويضرّ بالفعالِ ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫وتشى ول الحبوبُ من حيثُ‬ ‫لعمْرُك ما الكروهُ منْ حيث تتّقي‬
‫فما درْ ُك المّ الذي ليس ينفعُ‬ ‫وأكثرُ خوفِ الناسِ ليس بكائنِ‬
‫*************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪140‬‬
‫تعامَلْ م َع المرِ الواقعِ‬
‫إذا هوّنت ما قدْ عزّ هان ‪ ،‬وإذا أيسْت من الشيءِ سلتْ عنهُ نفسُك ‪ ﴿ :‬سَيُؤْتِينَا ال ّلهُ‬
‫مِن َفضْ ِلهِ وَرَسُوُلهُ إِنّا إِلَى ال ّلهِ رَاغِبُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫قرأتُ أنّ رجلً قفز منْ نافذةٍ وكان بأصبعِه اليسرى خات ‪ ،‬فنشب الاتُ بسمارِ ف‬
‫النافذةِ ‪ ،‬ومع سقوطِ الرجلِ اقتلع السارُ أصبعه من أصلها ‪ ،‬وبقي بأربعُ أصابع ‪ ،‬يقولُ عنْ‬
‫نفسِهِ ‪ :‬ل أكادُ أتذكّرُ أن ل أربعُ أصابع ف ي ٍد فحسبُ ‪ ،‬أو أنن فقدتُ أصبُعا من أصابعِي‬
‫إل حينما أتذكرُ تلك الواقعةَ ‪ ،‬وإل فعلمي على ما يرامُ ‪ ،‬ونفسي راضيةٌ با حدث ‪ (( :‬قدّر‬
‫الُ وما شاء فعل )) ‪.‬‬
‫ت يدُه اليسرى من الكتِفِ لرضٍ أصابهُ ‪ ،‬فعاش طويلً وتزوّج ‪،‬‬ ‫وأعرفُ رجلً بُتِر ْ‬
‫ورُزق بني ‪ ،‬وهو يقودُ سيارتهُ بطلقةٍ ‪ ،‬ويؤدي عمله بارتياحٍ ‪ ،‬وكأ ّن الِ ل يلقْ له إل يدا‬
‫واحدةً ‪ (( :‬ارض با قسم الُ لك ‪ ،‬تكنْ أغن الناس )) ‪.‬‬
‫ما أسرع ما نتكيّف مع واقعِنا ‪ ،‬وما أعجب ما نتأقلمُ مع وضعِنا وحياتِنا ‪ ،‬قبل خسي‬
‫ع البيتِ بساطا منْ حصيٍ النخلِ ‪ ،‬وقربة ماءٍ ‪ ،‬وقدرا منْ فخارٍ ‪ ،‬وقصعةً ‪،‬‬ ‫سنةً كان قا ُ‬
‫وجفنةً‪ ،‬وإبريقا ‪ ،‬وقامتْ حياتُنا واستمرتْ معيشتُنا ‪ ،‬لننا رضينا وسلّمنا وتاكمْنا إل واقعِنا‪.‬‬
‫وإذا تُردّ إل قليلٍ تقْنعُ‬ ‫والنفسُ راغبةٌ إذا رغّبْتها‬
‫وقعتْ قتنةٌ بي قبيلتيِ ف الكوف ِة ف السجدِ الامعِ ‪ ،‬فسلّوا سيوفهم ‪ ،‬وامتشقوا‬
‫ت الماجمُ تفارقُ الجسادَ ‪ ،‬وانسلّ أحدُ الناسِ من‬ ‫رماحهم ‪ ،‬وهاجتْ الدائرةُ ‪ ،‬وكاد ِ‬
‫السجدِ ليبحث عن ا ُلصْل ِح الكبيِ والرجلِ الليمِ ‪ ،‬الحنفِ بنِ قيسٍ ‪ ،‬فوجدهُ ف بيتِه يِحلبُ‬
‫غنمه ‪ ،‬عليه كساءٌ ل يساوي عشرة دراهم ‪ ،‬ني ُل السمِ ‪ ،‬نيفُ البنيةِ ‪ ،‬أحنفُ الرجلي ‪،‬‬
‫فأخبوه البَ فما اهتزتْ ف جسمِهِ شعرةٌ ول اضطرب ؛ لنه قدِ اعتاد الكوارث ‪ ،‬وعاش‬
‫الوادث ‪ ،‬وقال لم ‪ :‬خيا إنْ شاء الُ ‪ ،‬ث ُقدّم له إفطارُه وكأنْ ل يدثْ شيءٌ ‪ ،‬فإذا‬
‫إفطارهٌ ِكسْرةٌ من البزِ اليابسِ ‪ ،‬وزيتٌ وملحٌ ‪ ،‬وكأسٌ من الاءِ ‪ ،‬فسمّى وأكل ‪ ،‬ثّ ح َد الَ ‪،‬‬
‫وقال ‪ :‬بُرّ منْ بُرّ العراق ‪ ،‬وزيتٌ من الشامِ ‪ ،‬مع ماءِ دجلة ‪ ،‬وملح مرو ‪ ،‬إنا لنعمٌ جليلةٌ ‪ .‬ث‬
‫ل تحزن‬
‫‪141‬‬
‫لبس ثوبَهَ ‪ ،‬وأخذ عصاهُ ‪ ،‬ث دلف على الموعِ ‪ ،‬فلمّا رآه الناسُ اشرأّبتْ إليه أعناقُهم ‪،‬‬
‫وطفحتْ غليه عيونُهم ‪ ،‬وأنصتوا لا يقولُ ‪ ،‬فارتل كلمة صُلْحٍ ‪ ،‬ثّ طلب من الناسِ التفرّق ‪،‬‬
‫فذهب كلّ واحدا منهمْ ل يلوي على شيءٍ ‪ ،‬وهدأت الثائرةُ ‪ ،‬وماتتِ الفتنةُ ‪.‬‬
‫ب قميصِه مَرْقوعُ‬
‫خََلقٌ وجْي ُ‬ ‫ق ْد يدركُ الشرف الفت ورداؤُهُ‬
‫•ف القصةِ دروسٌ ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫أنّ العظمة ليستْ بالبةِ والظهرِ ‪ ،‬وأنّ قلّة الشيءِ ليستْ دليلً على الشقاءِ ‪ ،‬وكذلك‬
‫السعادةُ ليستْ بكثرةِ الشياءِ والترفّهِ ‪ ﴿ :‬فََأمّا الْإِنسَانُ ِإذَا مَا ابْتَلَاهُ رَّبهُ فَأَ ْك َر َمهُ وََن ّعمَهُ‬
‫فََيقُولُ رَبّي َأ ْكرَ َمنِ{‪ }15‬وََأمّا ِإذَا مَا ابْتَلَاهُ َف َقدَ َر عَلَ ْيهِ ِرزْ َقهُ فََيقُولُ رَبّي أَهَاَننِ ﴾ ‪.‬‬
‫وأنّ الواهب والصفاتِ الساميةِ هي قيمةُ النسان ‪ ،‬ل ثوْبُهُ ول نعلُ ُه ول َقصْرُهُ ول دارُهُ‬
‫‪ ،‬إنا وزنهُ ف علمهِ وكرمهِ وحلمهِ وعقلهِ ‪ِ ﴿ :‬إنّ أَ ْك َرمَكُ ْم عِندَ ال ّلهِ أَْتقَا ُكمْ ﴾ ‪ .‬وعلقةُ هذا‬
‫بوضوعِنا أن السعادة ليستْ ف الثراءِ الفاحشِ ‪ ،‬ول ف القصْرِ النيفِ ‪ ،‬ول ف الذهبِ‬
‫والفضّةِ ‪ ،‬ولك ّن السعادةَ ف القلبِ بإيانهِ ‪ ،‬برضاهُ ‪ ،‬بأنسهِ ‪ ،‬بإشراقهِ ‪َ ﴿ :‬فلَ ُت ْعجِبْكَ‬
‫﴿ قُلْ ِب َفضْلِ ال ّلهِ وَِبرَ ْحمَتِهِ فَِبذَلِكَ فَلَْي ْفرَحُواْ هُوَ خَ ْيرٌ ّممّا‬ ‫لدُ ُهمْ ﴾‬
‫وَلَ أَوْ َ‬ ‫َأمْوَاُلهُمْ‬
‫َيجْ َمعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫عوّدْ نفسك على التسليمِ بالقضا ِء والقدرِ ‪ ،‬ماذا تفعلُ إذا لْ تؤمنْ بالقضاءِ والقدرِ ‪،‬‬
‫ه ْل تتخ ُذ ف الرضِ نفقا أو ُسلّما ف السماءِ ‪ ،‬لنْ ينفعك ذلك ‪ ،‬ول ْن ينقذك من القضاءِ‬
‫والقدرِ ‪ .‬إذ ْن فما اللّ ؟‬
‫اللّ ‪ :‬رضينا وسلّمنا‪﴿ :‬أَيَْنمَا تَكُونُواْ ُيدْرِك ّكمُ اْلمَ ْوتُ وَلَوْ كُنُتمْ فِي ُبرُوجٍ مّشَّيدَةٍ﴾‪.‬‬
‫ف اليام ف حيات ‪ ،‬ومن أفظعِ الوقاتِ ف عمري ‪ :‬تلك الساع ُة الت أخبن‬
‫منْ أعن ِ‬
‫فيها الطبيبُ الختصّ ببترِ يد أخي ممدٍ – رحه الُ – من الكتفِ ‪ ،‬ونزل البُ على سعي‬
‫كالقذيفةِ ‪ ،‬وغالبتُ نفسي ‪ ،‬وثابتْ روحي إل قولِ الول ‪َ ﴿ :‬ا أَصَابَ مِن مّصِيَبةٍ إِلّا‬
‫ش ِر الصّاِبرِينَ{‪ }155‬اّلذِينَ ِإذَا‬
‫بِِإذْنِ ال ّلهِ َومَن يُ ْؤمِن بِال ّلهِ َي ْهدِ قَلَْبهُ ﴾ ‪ ،‬وقولهِ ‪ ﴿ :‬وََب ّ‬
‫أَصَابَ ْتهُم مّصِيَبةٌ قَالُواْ إِنّا لِ ّلهِ وَإِنّـا إِلَ ْيهِ رَاجِعونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪142‬‬
‫كانتْ هذه الياتُ برْدا وسلما وروْحا وريْحانا ‪.‬‬
‫حسْبُ ‪ ﴿ ،‬أَمْ أَْب َرمُوا َأمْرا‬
‫وليس لنا من حيلةٍ فنحتالُ ‪ ،‬إنا اليلةُ ف اليانِ والتسليمِ َف َ‬
‫فَإِنّا مُ ْبرِمُونَ ﴾ ﴿ وَال ّلهُ غَالِبٌ عَلَى َأ ْمرِهِ ﴾ ﴿ وَِإذَا َقضَى َأمْرا فَإِّنمَا َيقُولُ َلهُ كُن فَيَكُونُ ﴾ ‪.‬‬
‫إن النساء النخعيةَ تُخبُ ف لظةٍ واحدةِ بقتلِ أربعةِ أبناءٍ لا ف سبي ِل الِ بالقادسيةِ ‪،‬‬
‫ف الختيارِ ‪،‬‬‫ت ربّها ‪ ،‬وشكرتْ مولها على ُحسْن الصنيعِ ‪ ،‬ولط ِ‬ ‫فما كان منها إل أنْ حد ِ‬
‫وحلولِ القضاءِ ؛ لنّ هناك معينا من اليانِ ‪ ،‬ورافدا من اليقيِ ل ينقطعُ ‪ ،‬فمثلُها تشكرُ‬
‫خطُ‬
‫وتُؤج ُر وتسع ُد ف الدنيا والخرةِ ‪ ،‬وإذا لْ تفع ْل هذا فما هو البديلُ إذنْ ؟! التس ّ‬
‫والتضجّرُ والعتراضُ والرفضُ ‪ ،‬ث خسارةُ الدنيا والخرةِ ! (( فمنْ رضي فلهُ الرّضا ‪ ،‬ومنْ‬
‫سخط فله السخطُ )) ‪.‬‬
‫إن بلسم الصائبِ وعلج الزماتِ ‪ ،‬قولُنا ‪ :‬إنّا لِ وإنّا إليه راجعون ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬كلّنا لِ ‪ ،‬فنحنُ خَلْقُه وف مل ِكهِ ‪ ،‬وننُ نعودُ إليهِ ‪ ،‬فالبدأُ منه ‪ ،‬والعادُ إليه ‪،‬‬
‫والمرُ بيدهِ ‪ ،‬فليس لنا من المرِ شيءٌ ‪.‬‬
‫فكيف أبكي على شيءٍ إذا ذهبا‬ ‫نفسي الت تلكُ الشياء ذاهبةٌ‬
‫ن عَلَ ْيهَا فَانٍ﴾ ‪﴿،‬إِنّكَ مَيّتٌ وَإِّنهُم مّيّتُونَ﴾ ‪.‬‬
‫﴿كُلّ شَيْءٍ هَاِلكٌ إِلّا وَ ْج َههُ ﴾ ‪﴿ ،‬كُلّ َم ْ‬
‫لو فوجئت ببٍ صاعقِ باحتراقِ بيتِك ‪ ،‬أو موتِ ابنك ‪ ،‬أو ذهابِ مالك فماذا عساك‬
‫أنْ تفعل ؟ من النِ وطّنْ نفسك ‪ ،‬ل ينفعُ الربُ ‪ ،‬ل يدي الفرارُ والتملّصُ من القضاء‬
‫ف بالواقعِ ‪ ،‬واكتسبِ الجر ‪ ،‬لنه ليس‬ ‫والقدر ‪ ،‬سّلمْ بالمرِ ‪ ،‬وارض بالقدرِ ‪ ،‬واعتر ْ‬
‫صلَ‬
‫أمامك إل هذا ‪ .‬نعمْ هناك خيارٌ آخرُ ‪ ،‬ولكنه رديءٌ أحذّرك منُه ‪ ،‬إنه ‪ :‬التبّمُ با َح َ‬
‫والتضجّرُ ما صار ‪ ،‬والثور ُة والغضبُ واليجان ‪ ،‬ولكنْ تصلُ على ماذا منْ هذا كلّه ؟!‬
‫إنك سوف تنالُ غضب الربّ جلّ ف عليائِه ‪ ،‬ومقْت الناسِ ‪ ،‬وذهاب الجْرِ ‪ ،‬وفادح‬
‫الوزرِ ‪ ،‬ثّ ل يعودُ عليك الصاب ‪ ،‬ول ترتفعُ عنك الصيبةُ ‪ ،‬ول ينصرفُ عنك المرُ الحتومُ‬
‫سمَاء ُثمّ لَِيقْطَعْ فَلْيَن ُظرْ َهلْ ُيذْهَِبنّ كَ ْيدُهُ مَا َيغِيظُ ﴾ ‪.‬‬
‫‪﴿ :‬فَلَْي ْم ُددْ ِبسَبَبٍ إِلَى ال ّ‬
‫**************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪143‬‬
‫ما تزنُ لجلِهِ سينتهي‬
‫فإنّ الوتَ مقدمٌ على الكلّ ‪ :‬الظالِ والظلومِ ‪ ،‬والقويّ والضعيفِ ‪ ،‬والغنّ والفقيِ ‪،‬‬
‫فلست بِدعا من الناسِ أنْ توت ‪ ،‬فقبلك ماتتْ أممٌ وبعدك توتُ أممٌ ‪.‬‬
‫ذكر ابنُ بطوطة أ ّن ف الشمالِ مقبةً دُفن ألفُ ملِكٍ عليها لوحةٌ مكتوبٌ فيها ‪:‬‬
‫والرؤوسُ العظا ُم صارتْ‬ ‫وسلطينُهم سلِ الطي عنهمُ‬
‫إنّ المرَ الذهل ف هذا ‪ :‬غفلةُ النسانِ عنْ هذا الفناءِ الداهمِ له صباح مساء ‪ ،‬وظنّه‬
‫أنهُ خالدٌ مّلدٌ من ّعمٌ ‪ ،‬وتغافلُه عن الصيِ الحترمِ وتراخيه عن النهايةِ القّةِ لكلّ حيّ ‪ ﴿ :‬يَا‬
‫أَّيهَا النّاسُ اّتقُوا رَبّ ُكمْ ِإنّ زَْلزََلةَ السّا َعةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ﴾ ‪ ﴿ ،‬اقَْترَبَ لِلنّاسِ ِحسَاُب ُهمْ وَ ُهمْ‬
‫فِي َغفْلَةٍ ّم ْعرِضُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫لا أهلك الُ المم ‪ ،‬وأباد الشعوب ‪ ،‬ودمّرَ القُرى الظالةَ وأهلها ‪ ،‬قال–عزّ مِنْ قائل‪:-‬‬
‫سمَعُ َلهُمْ رِكْزا ﴾ ؟! انتهى كلّ شي ٍء عنهمْ إل البَ‬
‫حسّ مِ ْنهُم ّمنْ أَ َحدٍ أَوْ َت ْ‬
‫﴿ هَلْ ُت ِ‬
‫والديث ‪.‬‬
‫فقدْ مضى بديثِ القومِ ركبانُ‬ ‫هل عندكمْ خبٌ منْ أهلِ أندل ٍ‬
‫س‬
‫************************************‬
‫وقفــةٌ‬
‫دعاء الكربِ ‪ :‬مشتمِلٌ على توحيدِ الليةِ والربوبيةِ ‪ ،‬ووصفِ الربّ سبحانهُ بالعظمةِ‬
‫والِلمِ ‪ ،‬وهاتا ِن الصفتانِ مستلزمتانِ لكمالِ القدرةِ والرحةِ ‪ ،‬والحسا ِن والتجاوزِ ‪ ،‬ووصْفهِ‬
‫بكما ِل ربوبيتِه للعالِ العلويّ والسّفليّ والعرشِ الذي هو سقفُ الخلوقاتِ وأعظمُها ‪.‬‬
‫والربوبي ُة التامّةُ تستلزمُ توحيده ‪ ،‬وأن ُه الذي ل تنبغي العباد ُة والبّ والوفُ والرجاءُ‬
‫والجللُ والطاعةُ إل لهُ ‪ .‬وعظمتُه الطلقةُ تستلزمُ إثبات كلّ كمالٍ لهُ ‪ ،‬وسلب كلّ نقصٍ‬
‫وتثيلٍ عنهُ ؛ وحِلمُهُ يستلزمُ كمال رحتِهِ وإحسانِهِ إل خل ِقهِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪144‬‬
‫فع ْلمُ القلبِ ومعرفتُهُ بذلك تُوجبُ مبتُهُ وإجللُ ُه وتوحيدُهُ ‪ ،‬فيحصلُ له من البتهاجِ‬
‫ب والمّ والغمّ ‪ ،‬وأنت تدُ الريض إذا ورد عليهِ ما‬ ‫واللذ ِة والسرورِ ما يدفعُ عنهُ أل الكْر ِ‬
‫يسُرّهُ ويُفرحُه ‪ ،‬ويُقوّي نفسهُ ‪ ،‬كيف تقوى الطبيعةُ على دفعِ الرضِ السيّ ‪ ،‬فحصولُ هذا‬
‫الشفاءِ للقلبِ أول وأحرى ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫ب طريقُ الشقاءِ‬
‫الكتئا ُ‬
‫ذكرتْ جريدةُ ( السلمون ) عدد ‪ 240‬ف شهرِ صفر سنة ‪1410‬هـ ‪ ،‬أنّ هناك‬
‫‪ 200‬مليون مكتئبٍ على وج ِه الرضِ !‬
‫ن وفقيٍ ‪ .‬إنه مرضٌ‬ ‫الكتئابُ العال!! ل يفرّقُ بي دولةٍ غربيةٍ وأخرى شرقية ! أو غ ّ‬
‫يصيبُ الميع ‪ ..‬ونايتُه ف الغالبِ النتحارُ !!‬
‫ض الرقامِ‬ ‫النتحارُ ل يعترفُ بالساءِ والناصبِ والدولِ ‪ ،‬لكنّه يافُ من الؤمني ‪ ،‬بع ُ‬
‫تؤكدُ أنّ ضحايا ُه وصلوا إل ‪ 200‬مليون مريضٍ ف كلّ أناءِ العالِ ‪ ..‬إلّ أنّ آخر‬
‫الحصاءاتِ تؤ ّكدُ أنّ واحدا على القلّ بي كل عشرةِ أفرادٍ على وجهِ الرضِ مصابٌ بذا‬
‫الرضِ الطي !!‬
‫وقد وصلتْ خطورةُ هذا الرضِ أنه ل يصيبُ الكبار فقط ‪ ،‬بل يصِلُ إل حدّ مداهةِ‬
‫النيِ ف بطنِ أمّه !!‬
‫•الكتئابُ بواب ُة النتحار ‪:‬‬
‫﴿ َلَ َتقْتُلُواْ أَن ُفسَ ُكمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَلَ تُ ْلقُواْ ِبأَْيدِيكُمْ إِلَى الّتهْلُ َكةِ ﴾ ‪.‬‬
‫تذكر الخبارُ الت تناقلتْها وِكالتُ النباءِ أنّ مرض الكتئابِ قد تكّن من الرئي ِ‬
‫س‬
‫السابق للولياتِ التحدة المريكية (رونالدْ ريان)‪ .‬وتعودُ إصابةُ الرئيس المريكي بذا الرضِ‬
‫لتجاوزِه سنّ السبعي ف الوقتِ الذي ل يزالُ يتع ّرضُ فيه لضغوطٍ عصبيةٍ كبيةٍ ‪ ..‬بالضافةِ‬
‫للعملياتِ الراحيةِ الت أُجريتْ له على فتراتٍ متلحقةٍ ‪﴿،‬وَلَوْ كُنُتمْ فِي ُبرُوجٍ ّمشَّيدَةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪145‬‬
‫وهناك الكثيُ من الشاهيِ وخاصّةً مَنْ يعملون بالفنّ ‪ ،‬يداهُهمْ هذا الرضُ ‪ ،‬وقد كان‬
‫ب سببا رئيسا – إنْ ل يكنْ الوحيد – ف موتِ الشاعرِ صلح جاهي ‪ ،‬وكذلك يُقال‬ ‫الكتئا ُ‬
‫س ُهمْ َو ُهمْ كَا ِفرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪ :‬إنّ نابليون بونابرت مات مكتئبا ف منفاهُ ﴿ وََتزْ َهقَ أَن ُف ُ‬
‫ت الول‬ ‫وما زلنا نذكرُ أيضا الب الذي طيّرتْه وكِالت النباءِ ‪ ،‬احت ّل صدر الصفحا ِ‬
‫ف أغلبِ صحفِ العالِ ‪ ،‬عن الريةِ الروّعةِ الت ارتكبتْها أمّ ألانيةٌ بقتلِ ثلثةٍ منْ أطفالا‪،‬‬
‫واتضح أنّ السبب هو مرضُها بالكتئابِ ‪ ،‬ولبّها الشديدِ لطفالا خافتْ أ ْن تورثهم العذاب‬
‫والضيق الذي تشعرُ بهِ ‪ ،‬فقرّرتْ « إراحتهم» !! منْ هذا العذابِ بقتِلهم الثلثةِ ‪ ..‬ث قتلتْ‬
‫نفسها !!‪.‬‬
‫وأرقامُ (منظمةِ الصحةِ العاليةِ) تشيُ إل خطورةِ المرِ‪ ..‬ففي عام ‪ 1973‬م كان عددُ‬
‫الصابي بالكتئابِ ف العالِ ‪ ، %3‬وارتفعتْ هذه النسبةُ لتصل إل ‪ %5‬ف عام ‪ 1978‬م ‪،‬‬
‫ب بالكتئاب منْ كلّ أربعةٍ !! ف‬ ‫كما أشارتْ بعضُ الدراساتِ إل وجودِ فردٍ أمريكيّ مصا ٍ‬
‫حي أعلن رئيسُ مؤترِ الضطرابِ النفسيّ الذي عُقد ف شيكاغو عام ‪ 1981‬م أنّ هناك‬
‫ص ف العالِ يعانون من الكتئابِ ‪ ،‬أغلبُهمْ منْ دولِ العالِ التقدم ‪ ،‬وقالتْ‬ ‫‪ 100‬مليونِ شخ ٍ‬
‫َمرّتَ ْينِ﴾‬ ‫أرقامٌ أخرى أنم مائتا مليون مكتئبٍ!! ﴿أَوَلَ َيرَوْنَ أَّن ُهمْ ُيفْتَنُونَ فِي ُك ّل عَامٍ ّمرّةً أَوْ‬
‫قال أحدُ الكماءِ ‪ :‬اصنعْ من الليمونِ شرابا حُلوا ‪ .‬وقال أحدُهم ‪ :‬ليس الذكيّ الفطِنُ‬
‫الذي يستطيعُ أنْ يزيد أرباحهُ‪ ،‬لكنّ الذكيّ الذي يوّلُ خسائره إل أرباحٍ ﴿أُولَـئِكَ عَلَيْ ِهمْ‬
‫صَلَوَاتٌ مّن رّّبهِمْ َورَ ْح َمةٌ وَأُولَـئِكَ ُهمُ اْلمُهَْتدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وف الثلِ ‪ :‬ل تنطحِ الائط !!‬
‫والعن ‪ :‬ل تعاِندْ منْ ل تستفيدُ منْ عنا ِدهِ فائدةً تعودُ عليك بيْرٍ ‪.‬‬
‫وجا ِوزْه إل ما تستطي ُع‬ ‫إذا ل تستطعْ شيئا فدَعْهُ‬
‫حزَنُوْا عَلَى مَا فَاتَ ُكمْ﴾ ‪.‬‬
‫وقالوا ‪ :‬ول تطحنِ الدقيق ‪ ﴿ ،‬فَأَثَابَ ُكمْ ُغمّا ِب َغمّ لّكَ ْيلَ َت ْ‬
‫والعن ‪ :‬أ ّن المور الت فُرغ منها وانتهتْ ل ينبغي أن تُعاد وتُكرّر ؛ لنّ ف ذلك قلقا‬
‫واضطرابا وتضييعا للوقت ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪146‬‬
‫وقالوا أيضا – وهو مثلٌ إنكليزيٌ ‪ : -‬ل تنش ِر النشارة ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬أي نشار َة الشبِ ‪ ،‬ل تأت وتنشرْها مرةً ثانيةُ ‪ ،‬فقدْ فرغ منها ‪.‬‬
‫يقولون ذلك لنْ يشتغ ُل بالتوافهِ ‪ ،‬واجترار المومِ ‪ ،‬وإعادةِ الاضي ‪ ﴿ ،‬اّلذِينَ قَالُواْ‬
‫لِخْوَاِنهِمْ وَ َق َعدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُِتلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا َعنْ أَنفُسِ ُكمُ اْلمَوْتَ إِن كُنُتمْ صَادِ ِقيَ﴾‪.‬‬
‫هناك مالتٌ للفارغي من العمالِ يكنُ سدّها ‪ ،‬كالتزودِ بالصالاتِ ‪ ،‬ون ْفعِ الناسِ ‪،‬‬
‫وعيادةِ الرضى ‪ ،‬وزيارةِ القابرِ ‪ ،‬والعنايةِ بالساجدِ ‪ ،‬والشاركةِ ف المعياتِ الييةِ ‪،‬‬
‫ومالسِ الحيّاءِ ‪ ،‬وترتيبِ النلِ والكتبةِ والرياض ِة النافعةِ ‪ ،‬وإيصا ِل النفع للفقراءِ والعجزةِ‬
‫والراملِ ‪ ﴿ ،‬إِنّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبّكَ َكدْحا َفمُلَاقِيهِ ﴾ ‪.‬‬
‫فحلوٌ وأماّ وجهُ ُه فجميلُ‬ ‫ول أر كالعروفِ أمّا مذاقُهُ‬
‫اقرأِ التاريخ لتجد النكوبي والسلوبي والصابي ‪.‬‬
‫وبعد فصولٍ منْ هذا البحثِ سوف أطلعك على لوحةٍ من الزنِ للمنكوبي بعنوان ‪:‬‬
‫تعزّ بالنكوبي ‪.‬‬
‫ض ّل قومٌ ليس يدرون البْ‬ ‫اقرأ التاريخ إذْ فيه ال ِعبْ‬
‫ص عَلَيْكَ ِمنْ أَنبَاء الرّسُلِ مَا نُثَبّتُ ِبهِ ُفؤَادَكَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ل َقدْ كَانَ فِي‬ ‫﴿ وَكُـلّ ّنقُ ّ‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫‪ ﴿ ،‬فَا ْقصُصِ اْل َقصَصَ َلعَ ّلهُمْ يََتفَ ّكرُونَ‬ ‫﴾‬ ‫صهِ ْم عِ ْبرَةٌ‬
‫َقصَ ِ‬
‫قال عمرُ ‪ :‬أصبحتُ وما ل مطلبٌ إل التمّتعُ بواطنِ القضاءِ ‪.‬‬
‫ل وقدرهِ ‪ ،‬سواءٌ كان فيما يلو له أو فيما كان مرّا ‪.‬‬ ‫ومعن ذلك ‪ :‬أنه مرتاحٌ لقضاءِ ا ِ‬
‫وقال بعضُهمْ ‪ :‬ما أبال على أيّ الراحلتْينِ ركبتُ ‪ ،‬إنْ كان الفقرُ لم الصبُ ‪ ،‬وإنْ‬
‫كان الغن لو الشكرُ ‪.‬‬
‫ومات لب ذؤيب الذلّ ثانيةٌ من البناءِ بالطاعونِ ف عا ٍم واحدٍ فماذا عسى أنْ يقول؟‬
‫إنه آمن وسلّم وأذعن لقضاءِ ربهِ ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫أن لريبِ الدهرِ ل أتضعضعُ‬ ‫وتلّدي للشامتي أُريهمُ‬
‫ألفيت كلّ تيمةٍ ل تنفعُ‬ ‫وإذا النيةُ أنشبت أظفارها‬
‫ل تحزن‬
‫‪147‬‬
‫﴿ مَا أَصَابَ مِن ّمصِيبَةٍ إِلّا بِِإذْنِ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫وفقد ابنُ عباسٍ بصره فقال – معزّيا نفسه ‪: -‬‬
‫ففي فؤادي وقلب منهما نورُ‬ ‫ن نورها‬ ‫إنْ يأخ ِذ الُ منْ عي ّ‬
‫ف مشهورُ‬ ‫وف فمي صارمٌ كالسي ِ‬ ‫قلب ذكيّ غيُ ذي عِوجٍ‬
‫وهو التسلّي با عنده م َن النّعِم الكثيةِ إذا فقد القليل منها ‪.‬‬
‫ت رِ ْجلُ عروة بن الزبيِ ‪ ،‬ومات ابنُه ف يومٍ واحدا ‪ ،‬فقال ‪ :‬اللهمّ لِك المْد ‪،‬‬ ‫وبُتر ْ‬
‫إ ْن كنت أخذت فقدْ أعطيْت ‪ ،‬وإنْ كنت ابتلْيتَ فقدْ عافيْت ‪ ،‬منحتن أربعة أعضاءِ ‪،‬‬
‫وأخذت عضوا واحدا ‪ ،‬ومنحتن أربعة أبناءٍ وأخذت ابنا واحدا ‪ ﴿ .‬وَ َجزَاهُم ِبمَا صََبرُوا‬
‫جَّنةً وَ َحرِيرا﴾ ‪َ ﴿ ،‬سلَ ٌم عَلَيْكُم ِبمَا صََبرُْتمْ ﴾ ‪.‬‬
‫وقُتل عبدُالِ ب ُن الصّمّةِ أخو دريدٍ ‪ ،‬فعزّى دريدٌ نفسه بعد أن ذكر أنه دافع عنْ أخيهِ‬
‫قدْر الستطاعِ ‪ ،‬ولكنْ ل حيلة ف القضاءِ ‪ ،‬مات أخوه عبدُال فقال دريدٌ ‪:‬‬
‫وحت علن حالِكُ اللونِ أسودِ‬ ‫وطاعنتُ عنه اليل حت تبدّدتْ‬
‫ويعلمُ أنّ الرء غيُ مّلدِ‬ ‫طعان امرئِ آسى أخاهُ بنفسهِ‬
‫ت يدِي‬ ‫كذبت ول أبلْ با ملك ْ‬ ‫وخفّفتُ وجدي أنن ل أقلْ لهُ‬
‫ويروى عنِ الشافعيّ – واعظا ومعزّيا للمصابي ‪: -‬‬
‫و ِطبْ نفسا إذا حكم القضاءُ‬ ‫ع اليام تفعلْ ما تشاءُ‬ ‫دِ‬
‫فل أرضٌ تقي ِة ول ساءُ‬ ‫ض قومٍ‬‫إذا نزل القضا ُء بأر ِ‬
‫وقال أبو العتاهيةِ ‪:‬‬
‫خار لك الُ وأنت كارِهْ ؟‬ ‫كمْ مرةِ ح ّفتْ بك الكارِه‬
‫كمْ مرةٍ خفنا من الوتِ فما متْنا ؟!‬
‫كمْ مرةٍ ظننا انا القاضيةُ وأنا النهايةُ ‪ ،‬فإذا هي العودةُ الديد ُة والقو ُة والستمرارُ ؟!‬
‫كم مرةٍ ضاقتْ بنا السّبُلُ ‪ ،‬وتقطّعتْ بنا البالُ ‪ ،‬وأظلمتْ ف وجوهِنا الفاقُ ‪ ،‬وإذا‬
‫هو الفت ُح والنصرُ واليُ والبِشارةُ ؟! ﴿ قُلِ ال ّلهُ يَُنجّيكُم مّ ْنهَا َومِن كُلّ َكرْبٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪148‬‬
‫كمْ مرةٍ أظلمتْ أمامنا دنيانا ‪ ،‬وضاقتْ علينا أنفسُنا والرضُ با رحُبتْ ‪ ،‬فإذا هو اليُ‬
‫ضرّ َفلَ كَاشِفَ َلهُ إِلّ ُهوَ ﴾ ‪.‬‬
‫سسْكَ ال ّلهُ ِب ُ‬
‫العميمُ واليسرُ والتأييدُ ؟! ﴿ وَإِن َي ْم َ‬
‫منْ علم أ ّن ال غالبٌ على أمرِه ‪ ،‬كيف يافُ أمر غيِه ؟! منْ علم أنّ كلّ شيءٍ دون‬
‫الِ ‪ ،‬فكيف يوّفونك بالذين منْ دونِه ؟! منْ خاف ال كيف يافُ منْ غيِه ‪ ،‬وهو يقولُ ‪:‬‬
‫﴿ َفلَ َتخَافُو ُهمْ وَخَافُونِ ﴾ ‪.‬‬
‫معهُ سبحانُهُ العزةُ ‪ ،‬والعزةُ لِ ولرسولهِ وللمؤمني ‪.‬‬
‫صرُ رُسُلَنَا وَاّلذِينَ آمَنُوا فِي اْلحَيَاةِ‬
‫معه الغَلََبةُ ﴿ وَإِنّ جُندَنَا َلهُمُ اْلغَالِبُونَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬إِنّا لَنَن ُ‬
‫الدّنْيَا وَيَوْمَ َيقُومُ الْأَ ْشهَادُ ﴾ ‪.‬‬
‫ذكر اب ُن كثيٍ ف تفسيِه أثرا قدسيّا ‪ (( :‬وعزت وجلل ما اعتصم ب عبدٌ ‪ ،‬فكادتْ‬
‫ت له منْ بينِها فرجا ومرجا ‪ .‬وعزّت وجلل ما اعتصم‬
‫له السماواتُ والرضُ ‪ ،‬إل جعل ُ‬
‫ت قدم ْيهِ )) ‪.‬‬
‫عبدي بغيي إل أسخْتُ الرض من ت ِ‬
‫قال المامُ ابنُ تيمية ‪ :‬بـ (( ل حول ول قوة إل بال ِ )) تُحمل الثقالُ ‪ ،‬وتُكابدُ‬
‫الهوالُ ‪ ،‬ويُنالُ شريفُ الحوالِ ‪.‬‬
‫ي العبدُ ! فإنا كنٌ منْ كنوزِ النةِ ‪ .‬وهي منْ بنودِ السعادةِ ‪ ،‬ومنْ مساراتِ‬
‫فالزمْها أ ّ‬
‫الراحةِ ‪ ،‬وانشراحِ الصدرِ ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫الستغفارُ يفتحُ القفال‬
‫يقول ابنُ تيمية ‪ :‬إنّ السألة لتغلقُ عليّ ‪ ،‬فأستغف ُر ال ألف مرةٍ أو أكثر أو أقلّ ‪،‬‬
‫فيفتحُها الُ عليّ ‪.‬‬
‫﴿ َفقُلْتُ اسَْتغْ ِفرُوا رَبّ ُكمْ إِّنهُ كَا َن َغفّارا ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ منْ أسبابِ راحةِ البالِ ‪ ،‬استغفار ذي اللل ‪.‬‬
‫رُبّ ضارةٍ نافعةٌ ‪ ،‬وكلُ قضاءٍ خيٌ حت العصيةُ بشرطِها ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪149‬‬
‫ل للعبدِ قضاء إل كان خيا له)) ‪ .‬قيل لبن تيمية‪:‬‬
‫فق ْد ورد ف السندِ ‪(( :‬ل يقضي ا ُ‬
‫حت العصية ؟ قال ‪ :‬نعمْ ‪ ،‬إذا كان معها التوب ُة والندمُ ‪ ،‬والستغفارُ والنكسارُ ‪﴿ .‬وَلَوْ أَّن ُهمْ‬
‫س ُهمْ جَآؤُوكَ فَاسَْت ْغ َفرُواْ ال ّلهَ وَاسَْت ْغفَرَ َل ُهمُ الرّسُولُ لَوَ َجدُواْ ال ّلهَ تَوّابا رّحِيما﴾‬
‫إِذ ظّ َلمُواْ أَنفُ َ‬
‫قال أبو تامٍ ف أيامِ السعودِ وأيامِ النحسِ ‪:‬‬
‫فكأنَها ِم ْن ِقصْرِها أيّامُ‬ ‫مرّتْ سنونُ بالسعودِ وبالنا‬
‫فكأنا منْ طولِها أعوامُ‬ ‫ثّ انْثنتْ أيامُ هجرٍ بعدها‬
‫فكأنّها وكأّن ُهمْ أحلمُ‬ ‫ثّ انقضت تلك السنونُ وأهلُها‬
‫﴿ وَتِ ْلكَ اليّامُ ُندَاوِلُهَا بَ ْينَ النّاسِ﴾ ‪َ ﴿ ،‬كأَّنهُمْ يَوْمَ َيرَوَْنهَا َلمْ يَلْبَثُوا إِلّا َعشِّيةً أَوْ‬
‫ضحَاهَا ﴾ ‪.‬‬
‫ُ‬
‫ت الغيثِ ‪ ،‬أو‬
‫عجبتُ لعظماء عَ َرَفهُمُ التاريخُ ‪ ،‬كانوا يستقبلون الصائب كأنّها قطرا ُ‬
‫‪ ،‬وهو ف الغارِ ‪ ،‬يقولُ لصاحبِه ‪﴿ :‬‬ ‫ف النسيمُ ‪ ،‬وعلى رأسِ الميع سيدُ اللْ ِق ممدٌ‬ ‫هفي ُ‬
‫‪ .‬وف طريقِ الجرةِ ‪ ،‬وهو مطاردٌ مشرّدٌ يبشّرُ سراقة بأنه يُسوّرُ‬ ‫َمعَنَا ﴾‬ ‫حزَنْ إِنّ ال ّلهَ‬
‫لَ َت ْ‬
‫سواريْ كسرى !‬
‫وحْيا وأفضت إل الدنيا‬ ‫ت ف فمِ‬
‫بُشرى مِن الغيبِ ألق ْ‬
‫وف بدر يثبُ ف الدرعِ وهو يقولُ ‪ ﴿ :‬سَُي ْهزَمُ اْلجَمْعُ وَيُوَلّو َن الدُّبرَ ﴾ ‪.‬‬
‫أدّبْت ف هوْلِ الردى أبطالا‬ ‫أنت الشجاعُ إذا لقِيت كتيبةً‬
‫وف أُحدٍ – بعد القتلِ والراحِ – يقولُ للصحابةِ ‪ (( :‬صُفّوا خلفي ‪ ،‬لُثن على رب ))‬
‫‪ .‬إنا هِممٌ نبويّةٌ تنطحُ الثريّا ‪ ،‬وعزْ ٌم نبويٌ يهزّ البال ‪.‬‬
‫قيسُ بنُ عاصم النْق ِريّ منْ حلماءِ العربِ ‪ ،‬كان مُحتبيا يكلّم قومهُ بقصةٍ ‪ ،‬فأتاه رجلٌ‬
‫فقال ‪ :‬قُتِل ابنُك الن ‪ ،‬قَتَلَهُ ابنُ فلنة ‪ .‬فما حلّ حَْبوَتَهُ ‪ ،‬ول أنى قصّتهُ ‪ ،‬حت انتهى منْ‬
‫كلمِه ‪ ،‬ث قال ‪ :‬غسّلوا ابن وكفّنوه ‪ ،‬ثّ آذنِون بالصلةِ عليه ! ﴿ وَالصّاِبرِينَ فِي الْبَأْسَاء‬
‫ضرّاء وَ ِحيَ الَْبأْسِ ﴾ ‪.‬‬
‫وال ّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪150‬‬
‫وعِكرِمةُ بنُ أب جهلٍ يُعطى الاء ف سكراتِ الوتِ ‪ ،‬فيقولُ ‪ :‬أعطوه فلنا ‪ .‬لارثِ‬
‫ت الميعُ ‪.‬‬
‫بنِ هشامِ ‪ ،‬فيتناولونه واحدا بعد واحدا ‪ ،‬حت يو ُ‬
‫**************************************‬
‫س عليك ل لك‬
‫النا ُ‬
‫إ ّن العاقل الصيف يعلُ الناس عليهِ ل لهُ ‪ ،‬فل يبن موقفا ‪ ،‬أو يتخذ قرارا يعتمدُ فيهِ‬
‫على الناسِ ‪ ،‬إن الناس لمْ حدو ٌد ف التضامنِ مع الغيِ ‪ ،‬ولمْ مدىً يصلون إليهِ ف البذلِ‬
‫والتضحيةِ ل يتجاوزونهُ ‪.‬‬
‫انظرْ إل السيِ بنِ عل ّي – رضي الُ عنهُ وأرضاهُ – وهو ابنُ بنتِ الرسولِ ‪ ،‬يُقتلُ‬
‫س المّ ُة ببنتِ شفةٍ ‪ ،‬بل الذين قتلوهُ يكبّرون ويهلّلون على هذا النتصارِ الضخمِ بِذبِهِ‬ ‫فل تنب ُ‬
‫!! ‪ ،‬رضي الُ عنه ‪ .‬يقولُ الشاعرُ ‪:‬‬
‫مُتزمّلً بدمائِهِ تزميل‬ ‫جاؤوا برأسِك يا ابن بنتِ ممدٍ‬
‫قتلوا بك التكبي والتهليل‬ ‫ويُكبّرون بأ ْن قُتلت وإنا‬
‫ويُساق أحدُ بنُ حنبلٍ إل البسِ ‪ ،‬ويُجلدُ جلدا رهيبا ‪ ،‬ويشرفُ على الوتِ ‪ ،‬فل‬
‫يتحرّكُ معهُ أحدٌ ‪.‬‬
‫ع الادرةُ‬
‫ويُؤخذُ ابنُ تيمية مأسورا ‪ ،‬ويركبُ البغل إل مصر ‪ ،‬فل توجُ تلك المو ُ‬
‫ضرّا‬
‫س ِهمْ َ‬
‫وَلَا َيمْلِكُونَ ِلأَنفُ ِ‬ ‫﴿‬ ‫حسْبُ ‪،‬‬
‫الت حضرتْ جنازتهُ ‪ ،‬لنّ لمْ حدودا يصلون إليها َف َ‬
‫وَلَا َنفْعا وَلَا َيمْلِكُونَ مَوْتا وَلَا حَيَاةً وَلَا ُنشُورا ﴾ ‪ ﴿ ،‬يَا أَّيهَا النّبِيّ َحسْبُكَ ال ّلهُ َو َمنِ اتَّبعَكَ‬
‫مِنَ اْلمُ ْؤمِِنيَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وََتوَكّ ْل عَلَى اْلحَيّ اّلذِي لَا َيمُوتُ ﴾ ‪ ﴿ ،‬إِّن ُهمْ لَن ُيغْنُوا عَنكَ مِنَ ال ّلهِ‬
‫شَيئا ﴾ ‪.‬‬
‫فإنّ ُه الركنُ إنْ خانَتْك أركا ُن‬ ‫فالز ْم يديْك بب ِل الِ معتصما‬
‫********************************************‬
‫***‬
‫ل تحزن‬
‫‪151‬‬
‫رفقا بالالِ « ما عال منِ ا ْقتَصَدَ »‬
‫قال أحد ُهمْ ‪:‬‬
‫واستغنِ ما شئت عنْ عمّ وعنْ خالِ‬ ‫اجعْ نقودك إ ّن العِزّ ف الالِ‬
‫إنّ الفلسفة الت تدعو إل تبذيرِ الا ِل وتبديدهِ وإنفاقِه ف غيِ و ْجهِهِ أو عدمِ جعِه أصلً‬
‫ت بصحيحةٍ ‪ ،‬وإنا هي منقولةٌ منْ عُبّادِ النودِ ‪ ،‬ومنْ جهلةِ التصوفةِ ‪.‬‬‫ليس ْ‬
‫إنّ السلم يدعو إل الكسبِ الشريفِ ‪ ،‬وإل جعِ الالِ الشريفِ ‪ ،‬وإنفاقهِ ف الوجهِ‬
‫ل ف يدِ الرجلِ الصالِ))‬
‫‪(( :‬نِعم الالُ الصا ُ‬ ‫الشريفِ ‪ ،‬ليكون العبدُ عزيزا باله‪ ،‬وقدْ قال‬
‫‪ .‬وهو حديثٌ حسنٌ ‪.‬‬
‫وإ ّن ما يلبُ الموم والغموم كثرةُ الديونِ ‪ ،‬أو الفقرُ الضن الهلك ‪ (( :‬فهلْ تنتظرون‬
‫فقال ‪ (( :‬اللهم إن أعوذُ بك منَ الكفرِ‬ ‫إ ّل غن مطغيا أو فقرا منسيا )) ‪ .‬ولذا استعاذ‬
‫والف ْقرِ )) ‪ .‬و (( كاد الفقْرُ أنْ يكون كفرا )) ‪.‬‬
‫وهذا ل يتعارضُ مع الديثِ الذي يرويه ابنُ ماجة ‪ (( :‬ازهدْ ف الدنيا يبّك الُ ‪،‬‬
‫وازهدْ فيما عند الناسِ يبّك الناسُ )) ‪ .‬على أنّ فيهِ ضعيفا ‪.‬‬
‫لكنّ العن ‪ :‬أن يكون لك الكفافُ ‪ ،‬وما يكفيك عن استجداءِ الناسِ وطلبِ ما‬
‫ك عنهمْ ‪ (( ،‬ومن يستغنِ‬
‫عندهم من الالِ ‪ ،‬بلْ تكونُ شريفا نزيها ‪ ،‬عندك ما يكفّ وجه َ‬
‫يُغنِه الُ )) ‪.‬‬
‫ي منْ أن َتذَرَ ُهمْ عالةً يتكفّفونُ‬
‫وف الصحيحِ ‪ (( :‬إنك إنْ َتذَرُ ورثََتكَ أغنياء ‪ ،‬خ ٌ‬
‫الناس )) ‪.‬‬
‫حقوق أناسٍ ما استطاعوا لا سدّا‬ ‫أَ ُسدّ به ما قدْ أضاعوا وفرّطوا‬
‫يقولُ أحدُهم ف عِزّةِ النفسِ ‪:‬‬
‫أقب ُح القوالِ كلّ ولعلْ‬ ‫أحسنُ القوالِ قول لك خذْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪152‬‬
‫وف الصحيح ‪ (( :‬اليدُ العليا خيٌ من اليدِ السّفلى )) ‪ .‬اليدُ العليا العطيةُ ‪ ،‬واليدُ‬
‫‪.‬‬ ‫الّت َعفّفِ ﴾‬ ‫حسَُبهُمُ اْلجَا ِهلُ َأغْنِيَاء ِمنَ‬
‫السّفلى الخذةُ أو السائلةُ ‪َ ﴿ ،‬ي ْ‬
‫والعن ‪ :‬ل تتملّق البش َر فتطلب منهمْ رزقا أو مكسبا ‪ ،‬فإنّ ال عزّ وج ّل ضمِ َن الرزق‬
‫والجلَ واللْقَ لنّ عزّةَ اليانِ قعساءُ ‪ ،‬وأهلُه شرفاءُ ‪ ،‬والعزةُ لم ‪ ،‬ورؤوسُهم دائما‬
‫مرتفعةٌ ‪ ،‬وأنوفُهم دائما شامةٌ ‪ ﴿ :‬أَيَبَْتغُو َن عِندَ ُهمُ اْل ِعزّةَ َفإِنّ ال ِعزّةَ لِ ّلهِ َجمِيعا ﴾ ‪ .‬قال ابنُ‬
‫الورديّ ‪:‬‬
‫قطْعُها أحسنُ منْ تلك القُبلْ‬ ‫أنا ل أرغبُ تقبيل يدٍ‬
‫رِقّها أو ل فيكفين الجلْ‬ ‫إنْ جزتْن عنْ صني ِع كنتُ ف‬
‫*******************************************‬
‫ل تتعلقْ بغيِ الِ‬
‫إذا كان الحيي واليتُ والرزاقُ هو الُ ‪ ،‬فلماذا الوفُ من الناس والقلقُ منهمُ ؟!‬
‫ب منهمُ ‪،‬‬
‫ب رضاهمْ ‪ ،‬والتقر ُ‬ ‫ب الموم والغموم التعلّقُ بالناسِ ‪ ،‬وطل ُ‬ ‫ورأيتُ أنّ أكثر ما يل ُ‬
‫ف التوحيدِ ‪.‬‬
‫والرصُ على ثنائِهم ‪ ،‬والتضرّر بذمّهمْ ‪ ،‬وهذا من ضع ِ‬
‫وليتك ترْضى والنامُ غضابُ‬ ‫فليتك تلو والياةُ مريرةٌ‬
‫وكلّ الذي فوق الترابِ ترابُ‬ ‫إذا صحّ منك الو ّد فالكُلّ هيّنٌ‬
‫***************************************‬
‫ب انشرحِ الصّ ْدرِ‬
‫أسبا ُ‬
‫أهّها ‪ :‬التوحيدُ ‪ :‬فإنهُ بِحس ِ‬
‫ب صفائِهِ ونقائِه يوسعُ الصدرَ ‪ ،‬حت يكون أوسع من‬
‫الدنيا وما فيها ‪.‬‬
‫ض عَن ذِ ْكرِي َفإِنّ َلهُ‬
‫ول حياة لُشركٍ وملحِدٍ ‪ ،‬يقولُ سبحانه وتعال ‪َ ﴿ :‬و َمنْ َأ ْعرَ َ‬
‫شرُهُ يَوْمَ اْلقِيَا َمةِ َأ ْعمَى ﴾ ‪ .‬وقال سبحانه ‪َ ﴿ :‬فمَن ُي ِردِ ال ّلهُ أَن َي ْهدَِيهُ‬
‫شةً ضَنكا وََنحْ ُ‬
‫َمعِي َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪153‬‬
‫صدْ َرهُ لِ ْلإِسْلَامِ َفهُ َو عَلَى نُورٍ‬
‫صدْ َرهُ ِللِ ْسلَمِ ﴾ ‪ .‬وقال سبحانه ‪ ﴿ :‬أَ َفمَن َشرَحَ ال ّلهُ َ‬
‫شرَحْ َ‬
‫َي ْ‬
‫مّن رّّبهِ ﴾ ‪.‬‬
‫وتوعّد الُ أعداءه بضيقِ الصّدرِ والرهبةِ والوفِ والقل ِق والضطرابِ ‪ ﴿ ،‬سَنُ ْلقِي فِي‬
‫قُلُوبِ اّلذِينَ َك َفرُواْ ال ّرعْبَ ِبمَا أَ ْشرَكُواْ بِال ّلهِ مَا َلمْ يَُنزّلْ ِبهِ سُ ْلطَانا ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَوَْيلٌ لّ ْلقَاسَِيةِ‬
‫صدْرَهُ ِللِ ْسلَمِ َومَن ُي ِردْ أَن‬
‫شرَحْ َ‬
‫قُلُوُبهُم مّن ذِ ْكرِ ال ّلهِ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬فمَن ُي ِردِ ال ّلهُ أَن َي ْهدِيَهُ َي ْ‬
‫صدْ َرهُ ضَيّقا َحرَجا كَأَّنمَا َيصّ ّعدُ فِي السّمَاء ﴾ ‪.‬‬
‫جعَلْ َ‬
‫ُيضِ ّلهُ َي ْ‬
‫س صدورا ‪ ،‬وأكثرُهم حُبورا ‪،‬‬
‫ح الصّ ْدرَ ‪ :‬العل ُم النافعُ ‪ ،‬فالعلماءُ أشرحُ النا ِ‬
‫وما يشر ُ‬
‫وأعظمُهمْ سرورا ‪ ،‬لا عندهمْ من الياثِ الحمديّ النبويّ ‪َ ﴿ :‬وعَ ّلمَكَ مَا َلمْ تَ ُكنْ َتعْ َلمُ‬
‫﴾ ‪ ﴿ ،‬فَاعْلَمْ أَّنهُ لَا إَِلهَ إِلّا ال ّلهُ ﴾ ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬العم ُل الصالُ ‪ :‬فإنّ للحسنةِ نورا ف القلبِ ‪ ،‬وضياءً ف الوجهِ ‪ ،‬وسَ َعةَ ف‬
‫الرزقِ ‪ ،‬ومبةً ف قلوبِ ال ْلقِ ‪َ ﴿ ،‬لأَ ْسقَيْنَاهُم مّاء َغدَقا ﴾ ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬الشجاعةُ ‪ :‬فالشجاعُ واسعُ البطانِ ‪ ،‬ثابتُ الَنَانِ ‪ ،‬قويّ الركانِ ‪ ،‬لنه‬
‫يؤولُ على الرحنِ ‪ ،‬فل تمّه الوادثُ ‪ ،‬ول تزّهُ الراجيفُ ‪ ،‬ول تزعزِعُهُ التوجساتُ ‪.‬‬
‫لا الليلُ إل وهي ِمنْ سندسٍ ُخضْرُ‬ ‫تردّى ثبات الوتِ ُحمْرا فما أتى‬
‫سمْرُ‬‫مِن الضربِ واعتلتْ عليه القنا ال ّ‬ ‫وما مات حت مات مضرِبُ سيفِهِ‬
‫ومنها ‪ :‬اجتنابُ العاصي ‪ :‬فإنا كدرٌ حاضرٌ ‪ ،‬ووحشةٌ جاثةٌ ‪ ،‬وظلمٌ قاتٌ ‪.‬‬
‫وقدْ يُورثُ الذّلّ إدمانُها‬ ‫رأيتُ الذنوب تُميتُ القلوب‬
‫ومنها ‪ :‬اجتنابُ كثرةِ الباحاتِ ‪ :‬من الكلمِ والطعامِ والنام واللطةِ ‪ ﴿ ،‬وَاّلذِينَ ُهمْ‬
‫و ُكلُواْ وَا ْشرَبُواْ‬ ‫عَتِيدٌ ﴾ ‪﴿ ،‬‬ ‫ب‬
‫عَنِ ال ّلغْوِ ُم ْعرِضُونَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬مَا يَ ْل ِفظُ مِن قَوْلٍ إِلّا َلدَْيهِ رَقِي ٌ‬
‫سرِفُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫وَلَ ُت ْ‬
‫*************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪154‬‬
‫ُفرِغ من القضاءِ‬
‫س والمومِ طبيب القل ِق والضطرابِ ‪ ،‬فقال له الطبي ُ‬
‫ب‬ ‫سألَ أحدُ الرضى بالواج ِ‬
‫السلمُ ‪ :‬اعلمْ أ ّن العال قدْ فرغَ منْ خلقِ ِه وتدبيِه ‪ ،‬ول يقعُ فيهِ حركةٌ ول َهمْسٌ إل بإذن‬
‫الِ ‪ ،‬فلِم المّ والغمّ؟! ((إنّ ال كتب مقادير اللئقِ قبل أنْ َيخْ ُلقَ اللْق بمسي ألف‬
‫سنةٍ)) ‪.‬‬
‫قال التنب على هذا ‪:‬‬
‫وتصغرُ ف عيِ العظيمِ العظاِئمُ‬ ‫وتعْ ُظمُ ف عيِ الصغيِ صغارُها‬
‫*********************************‬
‫طَعْمُ الريّةِ اللذيذُ‬
‫يقو ُل الراشدُ ف كتابِ ( السار ) ‪ :‬منْ عندَهُ ثلثائ ٍة وستون رغيفا وجرّة زيتٍ وألفٌ‬
‫وستمائة ترة ‪ ،‬ل يستعبدْه أحدٌ ‪.‬‬
‫وقال أحدُ السلفِ ‪ :‬م ِن اكتفى بالبزِ اليابسِ والاءِ ‪ ،‬سلِم من الرّقّ غل لِ تعال ﴿ َومَا‬
‫جزَى ﴾ ‪.‬‬
‫لِأَ َح ٍد عِندَهُ مِن ّن ْع َمةٍ ُت ْ‬
‫قال أحدُهم ‪:‬‬
‫ولوْ أن قِنِ ْعتُ لكنتُ حرا‬ ‫أطعتُ مطامعي فاستعبدتن‬
‫وقال آخرُ ‪:‬‬
‫على أنّهمْ فيها عُراةٌ و ُجوّعُ‬ ‫أرى أشقياء الناسِ ل يسأمونا‬
‫سحابةُ صيفٍ عنْ قليلٍ تقشّعُ‬ ‫أراها وإ ْن كانتْ تسُ ّر فإنا‬
‫إ ّن الذين يسعوْن على السعادةِ بمع الالِ أو النصبِ أو الوظيفةِ ‪ ،‬سوف يعلمون أنمْ‬
‫همُ الاسرون حقّا ‪ ،‬وأنمْ ما جلبوا إل الموم والغموم ‪ ﴿ ،‬وََل َقدْ جِئُْتمُونَا ُفرَادَى َكمَا‬
‫خَ َلقْنَا ُكمْ أَوّلَ َمرّةٍ وََترَكْتُم مّا خَوّلْنَا ُكمْ َورَاء ُظهُو ِر ُكمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬بَلْ تُؤِْثرُونَ اْلحَيَا َة الدّنْيَا{‬
‫‪.‬‬ ‫وَأَْبقَى ﴾‬ ‫‪ }16‬وَالْآخِرَةُ خَ ْيرٌ‬
‫ل تحزن‬
‫‪155‬‬
‫************************************‬
‫سفيانُ الثوريّ م ّدتُ ُه الترابُ‬
‫ي كومْةً م ْن الترابِ ف مزدلفة وهو حاجّ ‪ ،‬فقال له الناسُ ‪ :‬أف مث ِل‬
‫توسّد سفيانُ الثور ّ‬
‫ث الدنيا ؟ قال ‪ :‬لخدّت هذهِ أعظمُ منْ مدةِ أب جعفرٍ‬
‫هذا الوطنِ تتو ّسدُ الترابَ وأنت مُحدّ ُ‬
‫النصورِ الليفةِ ‪.‬‬
‫﴿ قُل لّن ُيصِيبَنَا إِلّ مَا كَتَبَ ال ّلهُ ﴾ ‪.‬‬
‫*********************************‬
‫ل تركنْ إل الُرجِفِيَ‬
‫الوعودُ الكاذبةُ ‪ ،‬والرهاصاتُ الاطئةُ الغلوبةُ ‪ ،‬الت يافُ منها أكثرُ الناسِ ‪ ،‬إنا هي‬
‫حشَاء وَال ّلهُ َي ِعدُكُم ّمغْ ِفرَةً مّ ْنهُ وَ َفضْلً وَال ّلهُ‬
‫أوهامٌ ‪ ﴿ ،‬الشّيْطَانُ َي ِعدُكُمُ اْل َف ْقرَ وَيَ ْأ ُمرُكُم بِاْل َف ْ‬
‫وَاسِ ٌع عَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ق وقُرْحةُ العدةِ ‪ :‬ثراتُ اليأسِ والشعورِ بالحباطِ والخفاق ‪.‬‬
‫والقل ُق والر ُ‬
‫***********************************‬
‫شتْمُ‬
‫لنْ يضرّك السبّ وال ّ‬
‫كان الرئيسُ المريكيّ ( إبراهام لينكولن ) يقولُ ‪ :‬أنا ل أقرأُ رسائل الشتمِ الت تُوجّه‬
‫إلّ ‪ ،‬ول أفتحُ مظروفها فضلً عن الردّ عليها ؛ لنن لو اشتغلتُ با لَا قدّمت شيئا لشعب ﴿‬
‫ح عَ ْنهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ص َف ْ‬
‫جمِيلَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَا ْ‬
‫ص ْفحَ اْل َ‬
‫ص َفحِ ال ّ‬
‫ض عَ ْنهُمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَا ْ‬
‫فََأ ْعرِ ْ‬
‫قال حسّانُ ‪:‬‬
‫أو لان بظهرِ غَْيبٍ لئيمُ‬ ‫ما أبال أنبّ بالزْنِ تَيْسٌ‬
‫العن ‪ :‬أنّ كلماتِ اللؤما ِء والسخفاءِ والقراءِ الشتّامي التسلقي على أعراضِ الناسِ ‪،‬‬
‫ل تضرّ ول ُت ُهمّ ‪ ،‬ول يكنُ أنْ يتلفت لا مسلمٌ ‪ ،‬أو أن يتحرك منها شجاعٌ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪156‬‬
‫كان قائدُ البحريةِ المريكيةِ ف الربِ العاليةِ الثاني ِة رجلً لمعا ‪ ،‬يرصُ على‬
‫الشهرةِ ‪ ،‬فتعاملَ مع مرؤوسيةِ الذين كالوا له الشتائم والسباب والهاناتِ ‪ ،‬حت قال ‪ :‬أصبح‬
‫جمَ عودي ‪ ،‬وكبتْ سن ‪ ،‬وعلمتُ أنّ الكلم ل يهدمُ‬ ‫اليوم عندي من النقدِ مناعةٌ ‪ ،‬لقدْ َع َ‬
‫ول ينسِفُ سُورا حصينا ‪.‬‬
‫وقدْ جاوزتُ ح ّد الربعينا‬ ‫وماذا تبتغي الشعراءُ منّي‬
‫يُذكرُ عن عيسى – عليه السلمُ – أنهُ قال ‪ :‬أحبوا أعداءكم ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬أنْ تُصدروا ف أعدائِكمْ عفوا عامّا ‪ ،‬حت تسلموا من التشفّي والنتقامِ‬
‫حسِِنيَ ﴾‪(( .‬اذهبوا فأنتمُ‬
‫والقدِ الذي ينهي حياتَ ُكمْ‪﴿ ،‬وَاْلعَا ِفيَ َعنِ النّاسِ وَال ّلهُ ُيحِبّ اْل ُم ْ‬
‫الطلقاءُ)) ‪ ﴿ ،‬لَ تَ ْثرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬عفَا ال ّل ُه عَمّا سَلَف ﴾ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫اقرأ المال ف الك ْونِ‬
‫ما يشرحُ الصدر قراءةُ المالِ ف خلْقِ ذي الل ِل والكرامِ‪ ،‬والتمّتعُ بالنظرِ ف الكونِ‪،‬‬
‫جةٍ ﴾ ﴿ َهذَا خَ ْلقُ‬
‫هذا الكتابُ الفتوحُ ‪ ،‬إنّ ال يقولُ ف خلقِهِ ‪ ﴿ :‬فَأَنبَتْنَا ِبهِ َحدَائِقَ ذَاتَ َب ْه َ‬
‫سمَاوَاتِ وَا َل ْرضِ﴾ ‪.‬‬
‫ال ّلهِ فََأرُونِي مَاذَا خَ َلقَ اّلذِينَ مِن دُوِنهِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬قُلِ ان ُظرُواْ مَاذَا فِي ال ّ‬
‫﴿‬ ‫وسوف أنقلُ لك ‪ ،‬بعد صفحاتِ ‪ ،‬من أخبارِ الكونِ ما يدلّك على حكمةٍ وعظمةٍ‬
‫اّلذِي َأعْطَى كُلّ شَيْءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ َهدَى ﴾ ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫صورا ما قرأتُها ف كتاب‬ ‫وكتاب الفضاءُ أَقرأُ فيهِ‬
‫قراء ٌة ف الشمسِ اللمعةِ ‪ ،‬والنجومِ الساطعةِ ‪ ،‬ف النهرِ ‪ ..‬ف الدولِ ‪ ..‬ف التلّ ‪ ..‬ف‬
‫الشجرةِ ‪ ..‬ف الثمرةِ ‪ ..‬ف الضياءِ ‪ ..‬ف الواءِ ‪ ..‬ف الاءِ ‪،‬‬
‫تدلّ على أنّه الواحدُ‬ ‫وف كلّ شيءٍ لهُ آيةٌ‬
‫يقول إيليا أبو ماضي ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪157‬‬
‫كيف تغدو إذا غدوت عليلَ‬ ‫أيّها الشاكي وما بك داءٌ‬
‫أن ترى فوقهُ النّدى إكليلَ‬ ‫أترى الشوك ف الورودِ وتَ ْعمَى‬
‫ل يرى ف الوجودِ شيئا جيل‬ ‫والذي نفسُه بغيِ جالٍ‬
‫*******************************************‬
‫﴿ َأفَلَا يَن ُظرُونَ ِإلَى الِْإبِلِ َكيْفَ ُخلِقَتْ ﴾‬
‫يقولُ أيْنشتاين ‪ :‬مَنْ ينظرْ إل الكونِ يعلمْ أنّ البدع حكيمٌ ل يلعبُ بالنّردِ ‪ ﴿ .‬اّلذِي‬
‫حسِبُْتمْ أَّنمَا َخ َلقْنَا ُك ْم عَبَثا ﴾‪.‬‬
‫أَ ْحسَنَ ُكلّ شَيْءٍ خَ َل َقهُ ﴾ ‪ ﴿ ،‬مَا خَ َلقْنَا ُهمَا إِلّا بِاْلحَقّ ﴾ ‪ ﴿ ،‬أَ َف َ‬
‫والعنِ ‪ :‬أنّ كلّ شيءٍ ِب ُ‬
‫حسْبا ٍن وبكمةٍ ‪ ،‬وبترتيبٍ وبنظامٍ ‪ ،‬يعلمُ منْ يرى هذا الكون‬
‫أنّ هناك إلا قديرا ل يُجري المور مازفةً ‪ ،‬جلّ ف علهُ ‪.‬‬
‫ش ْمسُ يَنَبغِي َلهَا أَن‬
‫حسْبَانٍ ﴾ ‪ ﴿ ،‬لَا ال ّ‬
‫ثّ يقولُ سبحانهُ وتعال ‪ ﴿ :‬الشّ ْمسُ وَاْل َقمَرُ ِب ُ‬
‫ُتدْرِكَ اْل َق َمرَ وَلَا اللّ ْيلُ سَاِبقُ الّنهَارِ وَ ُكلّ فِي فَلَكٍ َيسَْبحُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫ل ْرصُ‬
‫ل يدي ا ِ‬
‫س حت تستكمل رزْقها وأجلَها )) ‪ .‬فلِم الَ َزعُ ؟!ولِم الََلعُ‬
‫‪ (( :‬لنْ توتَ نف ٌ‬ ‫قال‬
‫؟! ولِم الِ ْرصُ إذنْ ‪ ،‬إذا انتهى منْ هذا وفَرَغَ ؟! ﴿ َوكُلّ شَيْ ٍء عِندَهُ ِب ِمقْدَارٍ ﴾ ‪﴿ ،‬وَكَانَ‬
‫َأ ْمرُ ال ّلهِ َقدَرا ّم ْقدُورا ﴾ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫ت تك ّفرُ عنك السيئاتِ‬
‫الزما ُ‬
‫يُذكَرُ عن الشاعرِ ابن العتزّ أنهُ قال ‪ :‬آلُ ما أوطأ راحلةً التوكل على الِ ‪ ،‬وما أسرع‬
‫أنهُ قال ‪ (( :‬ما يصيبُ الؤم َن منْ همّ ‪ ،‬ول غمّ ‪ ،‬ول‬ ‫أوْب َة الواث ِق بالِ !! وقد صحّ عنهُ‬
‫وصبٍ ‪ ،‬ول نصبٍ ‪ ،‬ول مرضٍ ‪ ،‬حت الشوكةُ يُشاكُها ‪ ،‬إل كفّر الُ با منْ خطاياهُ )) ‪.‬‬
‫فهذا لن صب واحتسب وأناب ‪ ،‬وعَ َرفَ أنهُ يتعاملُ مع الواحدِ الوهابِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪158‬‬
‫قال التنب ف أبياتٍ حكيمةٍ تضفي على العبدِ قوةً وانشراحا ‪:‬‬
‫ما دام يصحبُ في ِه رُوحك البدنُ‬ ‫ل تلق دهرك إل غيْرَ مكترثٍ‬
‫ول يردّ عليك الغائب الزنُ‬ ‫فما يُديُ سُرورا ما سُ ِررْت بهِ‬
‫﴿ لِكَيْلَا َتأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَ ُكمْ وَلَا َت ْفرَحُوا ِبمَا آتَا ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫سبُنَا اللّهُ َونِعْ َم الْ َوكِيلُ »‬
‫« َح ْ‬
‫« َحسْبُنَا ال ّلهُ وَِن ْعمَ اْلوَكِي ُل » ‪ :‬قالا إبراهيمُ لا أُلقي ف النارِ ‪ ،‬فصارتْ بردْا وسلما‬
‫‪ .‬وقال ممدٌ ف ُأ ُحدٍ ‪ ،‬فنصره الُ ‪.‬‬
‫لا ُوضِع إبراهيمُ ف النجنيقِ قال له جبيلُ ‪ :‬ألك إلّ حاجةٌ ؟ فقال له إبراهيمُ ‪ :‬أمّا‬
‫ل فَنَ َعمْ !‬
‫إليك فل ‪ ،‬وأمّا إل ا ِ‬
‫البحرُ يُغْرقُ ‪ ،‬والنارُ َتحْرِقُ ‪ ،‬ولكن جفّ هذا ‪ ،‬وخدتْ تلك ‪ ،‬بسبب ‪َ « :‬حسْبُنَا‬
‫ال ّلهُ وَِن ْعمَ اْلوَكِيلُ » ‪.‬‬
‫رأى موسى البحرَ أمامه والعدّ خلفه ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬قَالَ كَلّا إِنّ َمعِيَ رَبّي سََيهْدِينِ ﴾ ‪.‬‬
‫فنجا بإذنِ الِ ‪.‬‬
‫ُذكِر ف السيةِ أنّ الرسول لا دخل الغار ‪ ،‬س ّخ ال المام فبنتْ عشّها ‪،‬‬
‫والعنكبوت فبنت بيتها بفمِ الغارِ ‪ ،‬فقال الشركون ‪ :‬ما دخل هنا ممدٌ ‪.‬‬
‫حمِ‬
‫خيِ البيةِ ل تنسِخْ ول َت ُ‬ ‫ظنّوا المام وظنّوا العنكبوت على‬
‫من الدروعِ وعنْ عالٍ من الُطمُِ‬ ‫عناي ُة الِ أغنيتْ عنْ مضاعفةٍ‬
‫إنا العنايةُ الربانيةُ إذا تلمّحها العبدُ ‪ ،‬ونظر أنّ هناك ربّا قديرا ناصرا وليّا راحا ‪،‬‬
‫حينها يرك ُن العبدُ إليه ‪.‬‬
‫يقو ُل شوقي ‪:‬‬
‫نْ فالوادثُ كُلّهن أمانُ‬ ‫وإذا العنايةُ لحظتْكَ عيونُها‬
‫﴿ فَإِنّكَ بَِأعْيُنِنَا ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَال ّلهُ خَ ْيرٌ حَافِظا َوهُوَ أَرْ َحمُ الرّا ِحمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪159‬‬
‫*************************************‬
‫مكوّناتُ السّعادةِ‬
‫‪ (( :‬منْ بات آمنا ف ِسرْبهِ ‪ ،‬معافً ف بدنه ‪ ،‬عندهُ قوتُ يو ِمهِ‬ ‫وعند الترمذيّ عنهُ‬
‫‪ ،‬فكأنا حِيزَتْ له الدنيا بذافِيِها )) ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬إذا حصل على غذاءٍ ‪ ،‬وعلى مأوًى وكان آمنا ‪ ،‬فقدْ حصل على أحس ِن‬
‫السعاداتِ ‪ ،‬وأفضلِ الياتِ ‪ ،‬وهذا يصلُ عليه كثيٌ من الناسِ ‪ ،‬لكنهمْ ل يذكرونه ‪ ،‬ول‬
‫ينظرون إليه ول يلمسونه ‪.‬‬
‫يقولُ سبحانه وتعال لرسوله ‪ ﴿ :‬وَأَْت َممْتُ عَلَيْكُمْ ِن ْعمَتِي ﴾ ‪ .‬فأيّ نعمةٍ ّتتْ على‬
‫الرسولِ ؟‬
‫أهي الادةُ ؟ أهو الغذاءُ ؟ أهي القصو ُر والدو ُر والذهبُ وال ِفضّةُ ‪ ،‬ول يلكْ من ذلك‬
‫شيئا ؟‬
‫إنّ هذا الرسول العظيم كان ينامُ ف غرفةٍ منْ طيٍ ‪ ،‬سقفُها منْ جريدِ النخلِ ‪،‬‬
‫ويربطُ َحجَريْنِ على بطِنهِ ‪ ،‬ويتوسّدُ على مدّةٍ منْ سَعَف النخلِ تؤثّر ف جنبهِ ‪ ،‬ورهن ِدرْعهُ‬
‫عند يهوديّ ف ثلثي صاعا منْ شعيٍ‪ ،‬ويدورُ ثلثة أيا ٍم ل يدُ رديء التمرِ ليأكله ويشبع‬
‫منه‪.‬‬
‫من الشّعيِ وأبقى رهَكَ الجلُ‬ ‫مِت ودرعُك مرهونٌ على شظفٍ‬
‫حت دُعيت أبا اليتامِ يا بَطَلُ‬ ‫لنّ فيك معان اليُْتمِ أعذبُهُ‬

‫ت ف قصيدةٍ أخرى ‪:‬‬‫وقل ُ‬


‫بيتٌ من الطيِ أو كهفٌ من العلمِ‬ ‫كفاك عنْ كلّ قصرٍ شاه ٍق عمدٍ‬
‫ُنصْيَ اليا ِم الت منْ أروعِ اليمِ‬ ‫تبن الفضائل أبراجا مشيّدةً‬
‫﴿ وَلَلْآ ِخرَةُ خَ ْيرٌ لّكَ ِمنَ اْلأُولَى{‪ }4‬وََلسَوْفَ ُيعْطِيكَ رَبّكَ فََترْضَى ﴾ ‪ ﴿ ،‬إِنّا‬
‫َأعْطَيْنَاكَ الْكَوَْثرَ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪160‬‬
‫***************************************‬
‫َنصَب ا َل ْنصِب‬
‫منْ متاعبِ الياةِ النصبُ ‪ ،‬قال ابنُ الورديّ ‪:‬‬
‫يا عنائي منْ مدارا ِة السفَلْ‬ ‫نصبُ النصبِ أوهي جَلَدي‬
‫صحّة والراحةَ ‪ ،‬وقليلٌ مَنْ‬ ‫والعن ‪ :‬انّ ضريبةَ النصبِ غاليةٌ ‪ ،‬إنا تأخذُ ماء الوَجْهِ ‪ ،‬وال ّ‬
‫ب الت يدفعُها يوميّا ‪ ،‬منْ عرقِهِ ‪ ،‬من دِمِ ‪ ،‬منْ سعتِه ‪ ،‬من راحتِه ‪ ،‬منْ‬ ‫ينجو منْ تلك الضرائ ِ‬
‫عزتِه ‪ ،‬منْ شرفِه ‪ ،‬منْ كرامتِه ‪(( ،‬ل تسألِ المارةَ)) ‪ِ(( .‬ن ْعمَتِ الرضعةُ وبِئست الفاطمةُ))‬
‫ك عَنّي سُ ْلطَانِيهْ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ هَ َل َ‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫أليس مصيُ ذلك للزوالِ ؟!‬ ‫هبِ الدنيا تصيُ غليك عفوا‬
‫ق ّدرْ أنّ الدنيا أتتْ بكل شيءٍ ‪ ،‬فإل أي شيء تذهبُ ؟ إل الفناءِ ‪ ﴿ ،‬وَيَ ْبقَى وَ ْجهُ‬
‫رَبّكَ ذُو اْلجَلَالِ وَاْلإِ ْكرَامِ ﴾ ‪.‬‬
‫ن رأسا ‪ ،‬فإنّ الرأس كثيُ الوجاعِ ‪.‬‬ ‫قال أحدُ الصالي لبنه ‪ :‬ل تكنْ يا ُب ّ‬
‫ت والشتائمِ والحراجاتِ‬
‫ب التص ّدرَ دائما والتّرؤّس ‪ ،‬فإ ّن النتقادا ِ‬
‫والعن ‪ :‬ل ُتحِ ّ‬
‫والضرائبِ ل تصلُ إل إل هؤلء القدّمي ‪.‬‬
‫ول السلْطة هذا إنْ عدلْ‬ ‫إنّ نصف الناسِ أعداءٌ لِنْ‬
‫*****************************************‬
‫هيا إل الصلة‬
‫صلَةِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُواْ اسَْتعِينُواْ بِالصّ ْبرِ وَال ّ‬
‫إذا حزبه أم ٌر فَزِع إل الصلةِ ‪.‬‬ ‫كان‬
‫وكان يقولُ ‪ (( :‬أرِحنْا با يا بللُ )) ‪.‬‬
‫ويقولُ ‪ (( :‬جُعلت قرّ ُة عين ف الصلةِ )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪161‬‬
‫إذا ضاق الصدرُ ‪ ،‬وصعُب المرُ ‪ ،‬وكثر الكْرُ ‪ ،‬فاهرعْ إل الصلّى فصلّ ‪.‬‬
‫ت الليال ‪ ،‬وتغيّ َر الصحابُ ‪ ،‬فعليك بالصلةِ ‪.‬‬ ‫إذا أظلمتْ ف وجهِك اليامُ ‪ ،‬واختلف ْ‬
‫كان النبّ ف الهمّاتِ العظيمةِ يشرحُ صدره بالصلةِ ‪ ،‬كيو ِم ي ْدرٍ والحزابِ‬
‫وغيِها من الواطنِ ‪ .‬وذكروا ع ِن الافظِ ابن حج ٍر صاحبِ ( الفتحِ ) أنه ذهب إل القلعةِ‬
‫بصر فأحط به اللصوصُ ‪ ،‬فقام يصلي ‪ ،‬ففرّج الُ عنهُ ‪.‬‬
‫وذكر اب ُن عساكر واب ُن القيمِ ‪ :‬أ ّن رجلً من الصالي لقيه لصّ ف إحدى طرقِ‬
‫الشامِ ‪ ،‬فأجهز عليه ليقتله ‪ ،‬فطلب منه مهلةٍ ليصلي ركعتي ‪ ،‬فقام فافتتح الصلة ‪ ،‬وتذكّرَ‬
‫قول الِ تعال ‪َ ﴿ :‬أمّن ُيجِيبُ اْلمُضْ َطرّ ِإذَا دَعَاهُ ﴾ ‪ .‬فردّدها ثلثا ‪ ،‬فنل ملكٌ من السماءِ‬
‫برب ٍة فَقَتَلَ الجرم ‪ ،‬وقال ‪ :‬أنا رسولُ م ْن ييبُ الضطرّ إذا دعاهُ ‪ ﴿ .‬وَْأ ُمرْ َأهْلَكَ بِالصّلَاةِ‬
‫ت عَلَى‬
‫صلَةَ كَانَ ْ‬
‫وَاصْطَِب ْر عَلَ ْيهَا ﴾ ‪ ﴿ ،‬إِ ّن الصّلَاةَ تَ ْنهَى عَنِ اْل َفحْشَاء وَاْلمُن َكرِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬إِ ّن ال ّ‬
‫اْلمُ ْؤمِنِيَ كِتَابا مّوْقُوتا ﴾ ‪.‬‬
‫يَا أَّيهَا اّلذِينَ‬ ‫﴿‬ ‫‪:‬‬ ‫وإن مّا يشرحُ الصدر ‪ ،‬ويزي ُل ال ّم والغمّ ‪ ،‬الصلةُ على الرسول‬
‫آمَنُوا صَلّوا عَلَ ْيهِ وَسَ ّلمُوا َتسْلِيما ﴾ ‪.‬‬
‫صحّ ذلك عند الترمذيّ ‪ :‬أنّ أُبَيّ بن كعب – رضي الُ عنهُ – قال ‪ :‬يا رسول الِ ‪،‬‬
‫كمْ أجعلُ لك من صلت ؟ قال ‪ (( :‬ما شئت )) ‪ .‬قال ‪ :‬الربع ؟ قال ‪ (( :‬ما شئت ‪ ،‬وإنْ‬
‫زدت فخيْرٌ )) ‪ .‬قال ‪ :‬الثّلُثيْن ؟ قال ‪ (( :‬ما شئت ‪ ،‬وإنْ زدت فخيٌ )) ‪ .‬قال ‪ :‬أجعلُ لك‬
‫صلت كلهّا ؟ قال ‪ (( :‬إذنْ يُغفرُ ذنبُك ‪ ،‬وتُكْفى هّك )) ‪.‬‬
‫وهنا الشاهدُ ‪ ،‬أ ْن المّ يزولُ بالصلةِ والسلمِ على سيدِ اللْقِ ‪ (( :‬منْ صلّى عليّ‬
‫ل عليهِ با َعشْرا )) ‪ (( .‬أكِثروا من الصلةِ عليّ ليلة المعةِ ويوم‬
‫صلةً واحدةً صلّى ا ُ‬
‫المعةِ ‪ ،‬فإنّ صلتك ْم معروضةٌ عليّ)) ‪ .‬قالوا ‪ :‬كيف تُعرضُ عليك صلتُنا وقدْ أرمْت ؟!‬
‫‪-‬أي بليت‪ -‬قال‪(( :‬إنّ ال حرمّ على الرضِ أنْ تأكل أجساد النبياءِ)) ‪ .‬إنّ للذين يقتدون‬
‫ح صدرِه وعُلوّ قدرِه ورفعةِ ذكرهِ ‪.‬‬
‫ويتّبعون النور الذي أُنْ ِزلَ معهُ نصيبا من انشرا ِ‬ ‫به‬
‫ل تحزن‬
‫‪162‬‬
‫يقولُ ابنُ تيمية ‪ :‬أكملُ الصلةِ على الرسولِ هي الصلةُ البراهيميةُ ‪ :‬اللهم صلّ‬
‫على ممدِ وعلى آل م ّمدٍ كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم ‪ ،‬وباركْ على ممدٍ‬
‫وعلى آلِ مم ٍد كما باركْت على إبراهيم وعلى آلِ إبراهيم ف العالي ‪ .‬إنك حيدٌ ميدٌ ‪.‬‬
‫فأنت اليومَ أغلى ما َلدَيْنَا‬ ‫نسينا ف ودادِك كُلّ غالِ‬
‫لنا شرفا نلمُ وما علينا‬ ‫نُلمُ على مبّتِكمْ ويكفي‬
‫****************************************‬
‫الصّدَقةُ سَعةٌ ف الصّ ْدرِ‬
‫ويدخ ُل ف عمومِ ما يلبُ السعادة ويزي ُل ال ّم والكدر ‪ :‬فعلُ الحسانِ ‪ ،‬من الصدقةِ‬
‫َرزَقْنَاكُم﴾‬ ‫صدْرُ ‪ ﴿ ،‬أَن ِفقُواْ مِمّا‬
‫والبِرّ ولسداءِ اليِ للناسِ ‪ ،‬فإنّ هذا منْ أحسنِ ما يُو ّسعُ بهِ ال ّ‬
‫صدّ ِقيَ وَاْلمَُتصَدّقَاتِ ﴾ ‪.‬‬
‫‪ ﴿ ،‬وَاْلمَُت َ‬
‫وقدْ وصف البخيلُ والكريُ برجليْن عليهما جُبّتانِ ‪ ،‬فل يزالُ الكريُ يُعطي ويبذلُ ‪،‬‬
‫فتتوسّعُ عليه البّةُ والدّرْعُ من الديدِ حت يع ُفوَ وأثرُه ‪ ،‬ول يزالُ البخيلُ يسكُ وينعُ ‪،‬‬
‫فتتقلّص عليهِ ‪ ،‬فتخنقهُ حت تضيق عليهِ روحهُ ! ﴿ َومَثَلُ اّلذِينَ يُن ِفقُونَ َأمْوَاَل ُهمُ ابِْتغَاء‬
‫ض ْعفَيْنِ فَإِن ّلمْ‬
‫َمرْضَاتِ ال ّلهِ وَتَثْبِيتا ّمنْ أَن ُفسِ ِهمْ َكمَثَلِ جَّنةٍ ِبرَبْوَةٍ أَصَاَبهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُ َلهَا ِ‬
‫جعَلْ َيدَكَ َمغْلُوَلةً إِلَى عُُنقِكَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪ .‬وقال سبحانه وتعال ‪ ﴿ :‬وَلَ َت ْ‬ ‫﴾‬ ‫ُيصِبْهَا وَابِلٌ فَ َطلّ‬
‫س صدورا وأخلقا ؛ لنم‬ ‫إنّ غلّ الروحِ جزءٌ منْ غ ّل اليدِ ‪ ،‬وإنّ البخلء أضيقُ النا ِ‬
‫بلُوا بفض ِل الِ عزّ وجلّ ‪ ،‬ولو عملوا أنّ ما يعطونه الناس إنا هو جلبٌ للسعادةِ ‪ ،‬لسارعوا‬
‫إل هذا الفعلِ اليّرِ ‪ ﴿ ،‬إِن ُت ْقرِضُوا ال ّلهَ َقرْضا َحسَنا ُيضَا ِعفْهُ لَ ُكمْ وََي ْغفِرْ لَ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫َومَن يُوقَ ُشحّ َن ْفسِهِ فَُأوْلَئِكَ ُهمُ اْل ُمفْ ِلحُونَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬و ِممّا‬ ‫﴿‬ ‫وقال سبحانه وتعال ‪:‬‬
‫َرزَقْنَا ُهمْ يُن ِفقُونَ ﴾‬
‫فالالُ عاريةٌ والعمرُ رحّالُ‬ ‫الُ أعطاك فابذلْ مِنْ عطيت ِه‬
‫يأسنْ يرِ يعذُبْ منه سلسالُ‬ ‫الالُ كالاءِ إنْ تبسْ سواقِيهُ‬
‫يقولُ حاتُ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪163‬‬
‫ويُحيي العظام البيض وهي رميمُ‬ ‫أما والذي ل يعل ُم الغيب غيهُ‬
‫مافة يومٍ أنْ يُقال لئيمُ‬ ‫لق ْد كنتُ أطوي البطن والزادُ يُشتهى‬
‫إنّ هذا الكري يأمرُ امرأته أنْ تستضيف له ضيوفا ‪ ،‬وأن تنتظر روّاده ليأكلوا معه ‪،‬‬
‫ويؤانسو ُه ليشرح صدرهُ ‪ ،‬يقولُ ‪:‬‬
‫أكولً فإن لستُ آكلُه وحدي‬ ‫إذا ما صنعتِ الزاد فالتمسي لهُ‬
‫ثّ يقولُ لا وهو يعلنُ فلسفته الواضحة ‪ ،‬وهي معادلةٌ حسابيةٌ سافرةٌ ‪:‬‬
‫فيضى فؤادي أو بيلً ملدّا‬ ‫أرين كريا مات مِنْ قبلِ حِينهِ‬
‫جعُ الالِ يزيدُ ف عمرِ صاحبِه ؟ هلْ إنفاقُهُ يُنقصُ من أجلِه ؟ ليس بصحيحٍ ‪.‬‬ ‫هلْ ْ‬
‫***************************************‬
‫ل تغضبْ‬
‫نغَنّكَ مِنَ الشّيْطَانِ َن ْزغٌ فَاسَْت ِعذْ بِال ّلهِ إِّنهُ َسمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَِإمّا يَ َ‬
‫أحد أصحابه فقال ‪ (( :‬ل تغضبْ ‪ ،‬ل تغضبْ ‪ ،‬ل تغضبْ )) ‪.‬‬ ‫أوصى‬
‫أنْ يستعيذ بالِ من الشيطانِ الرجيمِ ‪.‬‬ ‫وغضب رجلٌ عنده فأمرهُ‬
‫س ُهمْ طَائِفٌ‬
‫ضرُونِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬إِنّ اّلذِينَ اّتقَواْ ِإذَا َم ّ‬
‫وقال تعال ‪ ﴿ :‬وََأعُوذُ ِبكَ رَبّ أَن َيحْ ُ‬
‫﴾‪.‬‬ ‫صرُونَ‬
‫مّنَ الشّيْطَانِ َتذَ ّكرُواْ فَِإذَا هُم مّ ْب ِ‬
‫‪.‬‬ ‫لدّةُ والغضبُ ‪ ،‬وله أدواءٌ عند الصطفى‬
‫إنّ مّا يورِثُ الكَ َدرَ والمّ والزن ا ِ‬
‫‪ ﴿ ،‬وَِإذَا مَا َغضِبُوا‬ ‫ا ْلغَ ْيظَ ﴾‬ ‫منها ‪ :‬ماهدةُ الطبعِ على تركِ ال َغضَبِ ‪ ﴿ ،‬وَالْكَا ِظ ِميَ‬
‫‪.‬‬ ‫ُهمْ َي ْغفِرُونَ ﴾‬
‫ومنها ‪ :‬الوضوءُ ‪ ،‬فإنّ ال َغضَبَ جرةٌ من النارِ ‪ ،‬والنارُ يطفئُها الاءُ ‪ (( ،‬الطهورُ ش ْطرُ‬
‫ح الؤمنِ )) ‪.‬‬
‫اليانِ )) ‪ (( ،‬الوضوءُ سل ُ‬
‫ومنها ‪ :‬إذا كان واقفا أن يلس ‪ ،‬وإذا كان جالسا أن يضطجع ‪.‬‬
‫منها ‪ :‬أنْ يسكت فل يتكلمُ إذا غضِب ‪.‬‬
‫ومنها أيضا ‪ :‬أن يتذكر ثواب الكاظمي لغيظِهم ‪ ،‬والعافي عن الناسِ السامي ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪164‬‬
‫***************************************‬
‫ِورْدٌ صباحيّ‬
‫وسوف أخبُك بورْد من الذكارِ تداومُ عليه ك ّل صباحٍ ‪ ،‬ليجلب لك السعادة ‪،‬‬
‫ويفظك منْ شرّ شياطيِ النسِ والنّ ‪ ،‬ويكون لك عاصِما طِيلة يومِك حت تُمسي ‪.‬‬
‫‪:‬‬ ‫منْ هذهِ الدعيةِ ‪ ،‬وهي الت صحّتْ عنه‬
‫‪.1‬أصبحنا وأصبح اللكُ لِ ‪ ،‬والمدُ لِ ‪ ،‬ول إله إل الُ وَ ْحدَهُ ل‬
‫شريك لهُ ‪ ،‬لهُ اللكُ وله المدُ ‪ ،‬وهو على كلّ شيءٍ قديرٌ ‪ .‬ربّ‬
‫أسألُك خَ ْيرَ ما ف هذه الليلةِ ‪ ،‬وخَ ْيرَ ما بعدها ‪ ،‬وأعوذُ بك منْ شرّ‬
‫ب أعوذُ بك من الكسلِ وسُوءِ الكِبرِ‬
‫هذه الليلةِ وشرّ ما بعدها ‪ ،‬ر ّ‬
‫ب أعوذُ بك منْ عذابٍ ف النارِ وعذابٍ ف القبِ )) ‪.‬‬
‫‪،‬ر ّ‬
‫‪ .2‬وحديثُ ‪ (( :‬اللهمّ عال الغيبِ والشهادةِ ‪ ،‬فاطر السماواتِ‬
‫والرضِ ‪ ،‬ربّ كلّ شيء ومليِكه ‪ ،‬أشهدُ أنْ ل إله إل أنت ‪،‬‬
‫أعوذُ بك منْ ش ّر نفسي ‪ ،‬وشرّ الشيطانِ وشركهِ ‪ ،‬وأنْ أقترف‬
‫على نفسي سوءا أو أجرّه إل مسلمٍ ))‪.‬‬
‫‪.3‬وحديثُ ‪ (( :‬بسمِ الِ الذي ل يضرّ مع اسِه شيءٌ ف الرضِ ول‬
‫ف السماءِ ‪ ،‬وهو السمي ُع العليمُ )) ‪ .‬ثلث مراتٍ ‪.‬‬
‫‪ (( .4‬اللهمّ إن أصبحتُ أشهدُك وأشهدُ حلة عرشِك وملئكتك‬
‫وجيع خلقِك أنك أنت الُ ل إله إلّ أنت ‪ ،‬وحدك ل شريك‬
‫)) ‪ .‬أربع مرات ‪.‬‬ ‫لك ‪ ،‬وأنّ ممدا عبدُك ورسولُك‬
‫‪((.5‬اللهمّ إن أعوذُ بك أنْ أشرك بك شيئا وأنا أعلمُ ‪ ،‬وأستغفرُك لا‬
‫ل أعلمُ))‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪165‬‬
‫‪ ((.6‬أصبحنا على فِطْرةِ السلمِ ‪ ،‬وعلى كلمةِ الخلصِ ‪ ،‬وعلى‬
‫‪ ،‬وعلى م ّلةِ أبينا إبراهيم حنيفا مسلما وما كان‬ ‫دينِ نبيّنا ممدٍ‬
‫من الشركي )) ‪.‬‬
‫سهِ ‪ ،‬وزِنه عر ِشهِ ‪،‬‬
‫‪ ((.7‬سبحان الِ وبمدهِ ‪ :‬عَ َددَ خَ ْل ِقهِ ‪ ،‬ورضا نف ِ‬
‫ومِداد كلماِتهِ )) ‪ .‬ثلث مراتٍ ‪.‬‬
‫نبيا )) ‪ .‬ثلث‬ ‫‪ ((.8‬رضيتُ بالِ رَبّا ‪ ،‬وبالسلم دينا ‪ ،‬وبحمدٍ‬
‫مراتٍ ‪.‬‬
‫ت منْ شرُ ما خَ َلقَ )) ‪ .‬ثلثا ف الساء ‪.‬‬
‫‪ ((.9‬أعوذُ بكلماتِ الِ التامّا ِ‬
‫‪ ((.10‬اللهمّ بك أصبحْنا ‪ ،‬وبك أمسنا ‪ ،‬وبك نْيا ‪ ،‬وبك نوتُ ‪،‬‬
‫وإليك النشورُ )) ‪.‬‬
‫‪ ((.11‬ل إله إل الُ وحده ل شريك لهُ ‪ ،‬لهُ الُ ْلكُ ولهُ ال ْمدُ ‪ ،‬وهو‬
‫على كلّ شي ٍء قديرٌ )) ‪ .‬مائة مرة ‪.‬‬
‫*********************************‬
‫وقفـــة‬
‫لذْلن ‪ :‬أنْ يكلك الُ على نفسِك ‪،‬‬ ‫يقولُ اب ُن القيّم ‪ (( :‬أجع العارفون بال على أنّ ا ِ‬
‫ويُخلّي بينك وبينها ‪ .‬والتوفيقُ أنْ ل يكِلك الُ إل نفسِك ‪.‬‬
‫فالعبيدُ متقلّبون بي توفيقهِ وخذلنِهِ ‪ ،‬بلِ العبدُ ف الساعةِ الواحدةِ ينالُ نصيبه م ْن هذا‬
‫سخِطُه ويغفلُ‬
‫وهذا ‪ ،‬فيطيعهِ ويُرضيهِ ‪ ،‬ويذكرُه ويشكرُه بتوفيقِه له ‪ ،‬ث يعصي ِه ويالفُه ‪ ،‬وُي ْ‬
‫عنه بذلنِهِ له ‪ ،‬فهو دائرٌ بي توفيقِه و ِخذْلنِهِ ‪.‬‬
‫فمت شهِد العبدُ هذا الشهد وأعطاهُ حقّه ‪ ،‬علِم ِشدّة ضرورتِه وحاجتِه إل التوفيق ف‬
‫كلّ نَفَسٍ وكلّ لظةٍ وطرْفةِ عيْنٍ ‪ ،‬وأنّ إيانه وتوحيده بيدِهِ تعال ‪ ،‬لو تلّى عنه طرفة عيٍ‬
‫ل تحزن‬
‫‪166‬‬
‫لرّتْ ساءُ إياِنهِ على الرضِ ‪ ،‬وأنّ المسك له ‪ :‬هو منْ يسك السماء‬ ‫لَثُلّ عَرْشُ توحيدِه ‪ ،‬و َ‬
‫أنْ تقع على الرضِ إل بإذِنهِ )) ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫ب الباركُ‬
‫القرآنُ ‪ ..‬الكتا ُ‬
‫ب الِ بتدبّرٍ وتعّنٍ وتأمّلٍ ‪ ،‬فإنّ ال‬
‫ح الصدرِ قراءةُ كتا ِ‬
‫ومنْ أسبابِ السعادةِ وانشرا ِ‬
‫َوصَفَ كتابه بأنه هدىً ونورٌ وشفاءٌ لا ف الصدورِ‪ ،‬ووصفه بأنه رحةٌ‪َ ﴿ ،‬قدْ جَاءتْكُم مّ ْوعِ َظةٌ‬
‫قُلُوبٍ أَ ْقفَاُلهَا﴾ ‪﴿ ،‬‬ ‫صدُورِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬أَفَلَا يََتدَّبرُونَ اْل ُقرْآنَ أَ ْم عَلَى‬
‫مّن رّبّ ُكمْ وَ ِشفَاء ّلمَا فِي ال ّ‬
‫أَ َفلَ يََتدَّبرُونَ اْل ُقرْآنَ وَلَوْ كَانَ ِم ْن عِندِ غَ ْيرِ ال ّلهِ لَوَ َجدُواْ فِيهِ اخِْتلَفا كَثِيا ﴾ ‪ ﴿ ،‬كِتَابٌ‬
‫أَنزَلْنَاهُ إِلَ ْيكَ مُبَارَكٌ لَّيدّّبرُوا آيَاِتهِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال بعضُ أه ِل العِلْمِ ‪ :‬مباركٌ ف تلوتِهِ ‪ ،‬والعملِ به ‪ ،‬وتكيمِه والستنباطِ منه ‪.‬‬
‫ستُ بغمّ ل يعلمهُ إل الُ ‪ ،‬وب ّم مقيمٍ ‪ ،‬فأخذتُ الصحف‬‫وقال أحدُ الصالي ‪ :‬أحس ْ‬
‫وبقيتُ أتلو ‪ ،‬فزال عن – وال – فجأةً هذا الغمّ ‪ ،‬وأبدلن الُ سرورا وحبورا مكان ذلك‬
‫الكدرِ ‪ ﴿ .‬إِنّ هَـذَا اْل ُقرْآنَ ِي ْهدِي لِلّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ي ْهدِي ِبهِ ال ّلهُ َمنِ اتّبَعَ رِضْوَاَنهُ‬
‫سلَمِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَ َكذَلِكَ َأوْحَيْنَا إِلَ ْيكَ رُوحا ّمنْ َأمْرِنَا ﴾ ‪.‬‬
‫سُبُلَ ال ّ‬
‫****************************************‬
‫ل ترصْ على الشهرةِ‬
‫فإنّ لا ضريبةً من الكدرِ والمّ والغمّ‬
‫ت القلب ويك ّدرُ صفاءه واستقراره وهدوءه ‪ :‬الرصُ على الظهو ِر والشهرةِ ‪،‬‬
‫ما يشت ُ‬
‫وطلبِ رضا الناسِ ‪ ﴿ ،‬لَا ُيرِيدُو َن عُلُوّا فِي الَْأ ْرضِ وَلَا َفسَادا ﴾ ‪.‬‬
‫ولذلك قال أحدُهم بالقابلِ ‪:‬‬
‫ول يبتْ طاويا منها على ضجرِ‬ ‫مَنْ أخل النفس أحياها وروّحها‬
‫فليس ترمي سوى العال م َن الشجرِ‬ ‫ت عواصفُها‬ ‫إنّ الرياح إذا اشتدّ ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪167‬‬
‫ُيرَآؤُونَ النّاسَ ﴾ ‪﴿ ،‬وُّيحِبّونَ‬ ‫﴿‬ ‫((منْ راءى راءى الُ بهِ ‪ ،‬ومنْ سّع سّع الُ بهِ)) ‪.‬‬
‫النّاسِ﴾‪.‬‬ ‫ح َمدُواْ ِبمَا َلمْ َي ْفعَلُواْ ﴾ ‪﴿ ،‬وَلَ تَكُونُواْ كَاّلذِينَ َخرَجُواْ مِن دِيَارِهِم بَطَرا وَرِئَاء‬
‫أَن ُي ْ‬
‫فإذا التْحفْت ب ِه فإنّك عاري‬ ‫ثوبُ الرياءِ يشِفّ عمّا تتهُ‬
‫***********************************‬
‫الياةُ الطيبةُ‬
‫ب الت أكتبُها هنا ف جلبِ السعادةِ‬ ‫من القضايا الكبى السلّمةِ أنّ أعظم هذه السبا ِ‬
‫ت والفوائد الت جعتْ إذا‬ ‫هو اليا ُن بالِ ربّ العالي ‪ ،‬وأنّ السباب الخرى والعلوما ِ‬
‫أُهديتْ لشخصٍ ول يصلْ على اليا ِن بالِ ‪ ،‬ول يُزْ ذلك الكنْز ‪ ،‬فلنْ تنفعه أبدا ‪ ،‬ول‬
‫تفيده ‪ ،‬ول يتعبْ نفسه ف البحثِ عنها ‪.‬‬
‫ل ربّا ‪ ،‬وبحمدٍ نبيّا ‪ ،‬وبالسلمِ دينا ‪.‬‬ ‫إ ّن الصل اليا ُن با ِ‬
‫يقولُ إقبالُ الشاعرُ ‪:‬‬
‫ق فيِه‬
‫وأرى الؤمن كونا تاهتِ الفا ُ‬ ‫إنا الكافرُ حيانُ له الفاقُ تِيهْ‬
‫وأعظمُ منْ ذلك و أصدقُ ‪ ،‬قولُ ربّنا سبحانه ‪َ ﴿ :‬منْ عَمِلَ صَالِحا مّن ذَ َكرٍ َأوْ أُنثَى‬
‫سنِ مَا كَانُواْ َي ْعمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫جزِيَّنهُمْ أَ ْجرَهُم بِأَ ْح َ‬
‫وَهُ َو مُ ْؤ ِمنٌ فَلَُنحْيِيَّنهُ حَيَاةً طَيَّبةً وَلََن ْ‬
‫وهناك شرطان ‪:‬‬
‫جعَلُ َل ُهمُ‬
‫اليا ُن بالِ ‪ ،‬ثّ العملُ الصالُ ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اّلذِينَ آمَنُوا َوعَمِلُوا الصّاِلحَاتِ سََي ْ‬
‫الرّحْ َمنُ ُودّا ﴾ ‪.‬‬
‫وهناك فائدتان ‪:‬‬
‫الياةُ الطيب ُة ف الدنيا والخرةِ ‪ ،‬والجرُ العظيمُ عند الِ سبحانهُ وتعال ﴿ َل ُهمُ الُْبشْرَى‬
‫فِي اْلحَيا ِة الدّنْيَا وَفِي ال ِخرَةِ ﴾ ‪.‬‬
‫********************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪168‬‬

‫البلءُ ف صالِك‬
‫ل تزعْ من الصائبِ ‪ ،‬ول تكترثْ بالكوارثِ ‪ ،‬ففي الديثِ ‪ (( :‬إن ال إذا أحبّ‬
‫قوما ابتلهم ‪ ،‬فمنُ رضي فلهُ الرضا ‪ ،‬ومنْ سخط فَ َل ُه السخطُ )) ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫عبوديةُ الذعانِ والتسليمِ‬
‫ومنْ لوازمِ اليانِ أنْ ترضى بالقدرِ خيهِ وشرّهِ ‪ ﴿ ،‬وَلَنَبْلُوَنّ ُكمْ ِبشَيْءٍ مّنَ اْلخَوفْ‬
‫شرِ الصّاِبرِينَ ﴾ ‪ .‬إ ّن القدار ليستْ على‬
‫وَاْلجُوعِ وََنقْصٍ مّنَ ا َلمَوَالِ وَالن ُفسِ وَالّث َمرَاتِ وََب ّ‬
‫رغباتِنا دائما وإنا بقصورِنا ل نعرفُ الختيار ف القضا ِء والقدرِ ‪ ،‬فلسْنا ف مقامِ القتراحِ ‪،‬‬
‫ولكننا ف مقامِ العبوديّ ِة والتسليمِ ‪.‬‬
‫يُبتلى العبدُ على قدرِ إيانه ‪ (( ،‬أُوعكُ كما يُوعَكُ رجلن منكمْ )) ‪ (( ،‬أشدّ الناسِ‬
‫بلءً النبياءُ ‪ّ ،‬ث الصالون )) ‪ ﴿ ،‬فَاصِْبرْ َكمَا صََبرَ أُوْلُوا اْل َعزْمِ مِنَ الرّسُلِ ﴾ ‪ (( ،‬مَن يردِ‬
‫ب منهُ )) ‪ ﴿ ،‬وَلَنَ ْبلُوَنّ ُكمْ حَتّى َنعْ َلمَ اْل ُمجَا ِهدِينَ مِن ُكمْ وَالصّاِبرِينَ وَنَبْ ُلوَ‬
‫الُ بهِ خيا يص ْ‬
‫أَخْبَارَ ُكمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وََل َقدْ فَتَنّا اّلذِينَ مِن قَبْ ِل ِهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫مِن المارة إل النجارة‬
‫عليّ بنُ الأمون العباسي – أميٌ وابنُ خليفة – كان يسكنُ قصرا فخما ‪ ،‬وعندهُ الدنيا‬
‫ل يكدحُ طِيلةَ النهارِ ‪ ،‬فإذا‬
‫مبذولةٌ ميسّرةٌ ‪ ،‬فأطلّ ذات يومٍ منْ شرف ِة القصرِ ‪ ،‬فرأى عام ً‬
‫أضحى النهارُ توضّأ وصلّى ركعتي على شاطئ دِجلة ‪ ،‬فإذا اقترب الغروبُ ذهب إل أهلِه ‪،‬‬
‫فدعاهُ يوما من اليامِ فسأل ُه فأخبه أن له زوجةً وأختي وأُمّا يكدحُ عليهنّ ‪ ،‬وأنه ل قوت لهُ‬
‫ول دخل إل ما يتكسبُه من السوقِ ‪ ،‬وأنه يصومُ كلّ يومٍ ويُفط ُر مع الغروبِ على ما يصلُ ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪169‬‬
‫قال ‪ :‬فهلْ تشكو منْ شيءٍ ؟ قال ‪ :‬ل والمدُ لِ ربّ العالي ‪ .‬فترك القصر ‪ ،‬وترك المارة ‪،‬‬
‫وهام على وجههِ ‪ ،‬ووُجد ميتا بعد سنواتٍ عديدةٍ وكان يعملُ ف الشب جهة خرسان ؛‬
‫لنهُ وجد السعادة ف عملِه هذا ‪ ،‬ول يدْها ف القصرِ ‪ ﴿ ،‬وَاّلذِينَ اهَْتدَوْا زَادَ ُهمْ ُهدًى‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫وَآتَا ُهمْ َتقْوا ُهمْ‬
‫يذكّرن هذه بقصةِ أصحاب الكهفِ ‪ ،‬الذين كانوا ف القصور مع اللكِ ‪ ،‬فوجدُوا‬
‫الضيقَ ‪ ،‬ووجدوا التشّتتَ ‪ ،‬ووجدوا الضطرابَ ؛ لنّ الكفر يسك ُن القصر ‪ ،‬فذهبوا ‪ ،‬وقال‬
‫شرْ لَ ُكمْ رَبّكُم مّن رّحته وُيهَيّئْ لَكُم مّنْ َأ ْمرِكُم ّمرْفَقا ﴾ ‪.‬‬
‫قائلُهم ‪ ﴿ :‬فَأْوُوا إِلَى الْ َكهْفِ يَن ُ‬
‫أحبّ إلّ مِ ْن قصْرٍ منيفِ‬ ‫لبيتٌ تف ُق الرياحُ في ِه‬
‫َسمّ الِياطِ مع الحبابِ ميدانُ ‪...‬‬
‫والعن ‪ :‬أن الحلّ الضيّق مع البّ واليانِ ‪ ،‬ومع الودّةِ يتّسعُ ويتحمّ ُل الكثي ‪،‬‬
‫((جفانُنا لضيوفِ الدار أجفانُ )) ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫ب الكدرِ والنكدِ مالسةُ الثقلءِ‬
‫منْ أسبا ِ‬
‫ي الطبعِ ‪،‬‬
‫قال أحدُ ‪ :‬الثقلءُ أه ُل البدعِ ‪ .‬وقيلَ ‪ :‬المقى ‪ .‬وقيل الثقيلُ ‪ :‬هو ثخ ُ‬
‫كَأَّن ُهمْ ُخشُبٌ ّمسَّندَةٌ ﴾ ‪ ﴿ ،‬لَ يَكَادُونَ‬ ‫﴿‬ ‫الخالفُ ف الشربِ ‪ ،‬الباردُ ف تصرفاتِه ‪،‬‬
‫َي ْفقَهُونَ َحدِيثا ﴾ ‪.‬‬
‫قال الشافعيّ عنهمْ ‪ :‬إنّ الثقيل ليجلسُ إلّ فأظنّ أ ّن الرض تيلُ ف الهةِ الت هو فيها‪.‬‬
‫ف عَنّا اْلعَذَابَ إِنّا مُ ْؤمِنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وكان العمشُ إذا رأى ثقيلً ‪ ،‬قال ‪ ﴿ :‬رَبّنَا ا ْكشِ ْ‬
‫سمُ البِغالِ وأحل ُم العصافيِ‬
‫ِج ْ‬ ‫ل بأس بالقومِ ِمنْ طُولٍ ومِ ْن قِصرٍ‬
‫وكان ابنُ تيمية إذا جالس ثقيلً ‪ ،‬قال ‪ :‬مالسةُ الثقلءِ حّى الربْعِ‪﴿ ،‬وَِإذَا رَأَيْتَ اّلذِينَ‬
‫َيخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فََأ ْع ِرضْ عَ ْن ُهمْ ﴾ ‪َ ﴿ .‬فلَ َت ْق ُعدُواْ َم َعهُمْ﴾ ‪(( .‬مثلُ الليسِ السيّئِ كنافخ‬
‫الكيِ)) ‪ .‬إنّ مِن اثقلِ الناسِ على القلوبِ الع ِريّ من الفضائلِ الصغي ف الُُثلِ‪ ،‬الواقف على‬
‫ل تحزن‬
‫‪170‬‬
‫شهواتِه ‪ ،‬الستسلم لرغباتِه‪َ ﴿ ،‬فلَ َت ْق ُعدُواْ َمعَ ُهمْ حَتّى َيخُوضُواْ فِي َحدِيثٍ غَ ْيرِهِ إِنّ ُكمْ إِذا‬
‫مّثْ ُلهُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫أنت ف النظرِ إنسانٌ وف اليزان فِيلْ‬ ‫أنت يا هذا ثقيلٌ وثقيلٌ وثقيلْ‬
‫قال اب ُن القيمِ ‪ :‬إذا ابتُليت بثقيلٍ ‪ ،‬فسلّم له جسمك ‪ ،‬وهاجرْ بروحِك ‪ ،‬وانتقلْ عنهُ‬
‫وَلَا تُطِعْ َمنْ‬ ‫﴿‬ ‫وسافرْ ‪ ،‬وملّكْه أذنا صمّاء ‪ ،‬وعيْنا عمياءَ ‪ ،‬حت يفتح الُ بينك وبينه ‪.‬‬
‫َأ ْغفَلْنَا قَلَْب ُه عَن ذِ ْكرِنَا وَاتّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ َأ ْمرُهُ ُفرُطا ﴾ ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫إل أه ِل الصائبِ‬
‫ف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬م ْن قبضتُ صفّيهُ من أه ِل الدُنْيا ثّ احَْتسََبهُ عوضت ُه منه‬
‫النة )) ‪ .‬رواه البخاري ‪.‬‬
‫فأنت اليوم أوعظُ منك حيّا‬ ‫وكانتْ ف حياتِك ل عظاتٌ‬
‫وف الديثِ الصحيح ‪ (( :‬من ابتليتُه ببيبت ْيهِ ( أي عين ْيهِ ) عوضتُه منهما النة )) ‪.‬‬
‫﴿ فَإِّنهَا لَا َت ْعمَى الْأَْبصَارُ وَلَكِن َت ْعمَى اْلقُلُوبُ الّتِي فِي الصّدُورِ ﴾ ‪.‬‬
‫وف حديثٍ صحيحٍ ‪ (( :‬إ ّن ال – عزّ وجلّ – إذا قبض ابن العبدِ الؤمنِ قال‬
‫للملئكةِ ‪ :‬قبضتُم ابن عبدي الؤمنِ ؟ قالُوا ‪ :‬نعمْ ‪ .‬قال ‪ :‬قبضتُهمْ ثرة فؤادِه ؟ قالوا ‪:‬‬
‫نعم ‪ .‬قال ‪ :‬ماذا قال عبدي ؟ قالوا ‪َ :‬حمَدَكَ واسترجَعَ ‪ .‬قال ‪ :‬ابْنُوا لعبدي بيتا ف النةِ ‪،‬‬
‫ل ْمدِ )) ‪ .‬رواه الترمذي ‪.‬‬
‫وسّوه بَيْتَ ا َ‬
‫وف الثرِ ‪ :‬يتمنّى أناسٌ يوم القيامةِ أنّهمْ قُرِضوا بالقارضِ ‪ ،‬لِا يروْن منْ ُحسْنِ عُقب‬
‫وثوابِ الصابي ‪ ﴿ .‬إِّنمَا ُيوَفّى الصّاِبرُونَ أَ ْجرَهُم ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬سلَ ٌم عَلَيْكُم ِبمَا‬
‫غ عَلَيْنَا صَبْرا ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَاصِْبرْ َومَا صَ ْبرُكَ إِلّ بِال ّلهِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَاصِْبرْ إِنّ‬
‫صََبرُْتمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬رَبّنَا أَ ْف ِر ْ‬
‫َو ْعدَ ال ّلهِ َحقّ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪171‬‬
‫ب قوما ابتلهمْ ‪،‬‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬إنّ عِ َظمَ الزاءِ منْ عِظمِ البلءِ ‪ ،‬وإنّ ال إذا أح ّ‬
‫فمنْ رضي فلهُ الرّضا ‪ ،‬ومنْ سخِط فلُه السخطُ )) ‪ .‬رواه الترمذي ‪.‬‬
‫إ ّن ف الصائبِ مسائلَ ‪ :‬الصبَ والقدرَ والجرَ ‪ ،‬وليعلمِ العبدُ انّ الذي أخذ هو الذي‬
‫أعطى ‪ ،‬وأنّ الذي سلب هو الذي منح‪ِ ﴿ ،‬إنّ ال ّلهَ يَ ْأ ُمرُ ُكمْ أَن تُؤدّواْ ا َلمَانَاتِ إِلَى أَهْ ِلهَا ﴾ ‪.‬‬
‫ولب ّد يوما أنْ تُر ّد الودائعُ‬ ‫وما الالُ والهلون إل ودِيعةٌ‬
‫************************************‬
‫مشاهد التوحيد‬
‫إنّ منْ مشاه ِد التوحيدِ عند الذيّةِ ( استقبالِ الذى من الناسِ ) أمورا ‪:‬‬
‫أولُها مشهدُ ال َعفْوِ ‪ :‬وهو مشهدُ سلم ِة القلبِ ‪ ،‬وصفائهِ ونقائِه لنْ آذاك ‪ ،‬وحبّ‬
‫اليِ وهي درج ٌة زائدةٌ ‪ .‬وإيصالُ الَيْرِ والنّفعِ له ‪ ،‬وهي درجة أعلى وأعظمُ ‪ ،‬فهي تبدأ‬
‫بك ْظمِ الغَْيظِ ‪ ،‬وهو ‪ :‬أنْ ل تُؤذي منْ آذاك ‪ّ ،‬ث العفو ‪ ،‬وهو أنْ تسامهُ ‪ ،‬وأنْ تغفرَ له زلّتهُ ‪.‬‬
‫والحسانِ ‪ ،‬وهو ‪ :‬أنْ تبادله مكان الساءةِ منه إحسانا منك ‪ ﴿ ،‬وَالْكَا ِظ ِميَ اْلغَ ْيظَ وَاْلعَا ِفيَ‬
‫عَنِ النّاسِ وَال ّلهُ ُيحِبّ اْل ُمحْسِِنيَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬فمَ ْن َعفَا وَأَصْ َلحَ َفأَ ْجرُهُ عَلَى ال ّلهِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَلَْي ْعفُوا‬
‫صفَحُوا ﴾ ‪.‬‬
‫وَلَْي ْ‬
‫وف الثرِ ‪ (( :‬إنّ ال أمرن أنْ أصِ َل منْ قطعن ‪ ،‬وأنْ أعفو عمّنْ ظلمنِي وأنْ أُعطي‬
‫منْ َح َرمَنِي )) ‪.‬‬
‫ومشهدُ القضاءِ ‪ :‬وهي أنْ تعلم أنه ما آذاك إل بقضاءٍ من الِ وَقدَرٍ ‪ ،‬فإنّ العبد سببٌ‬
‫من السبابِ ‪ ،‬وأنّ القدر والقاضي هو الُ ‪ ،‬فتسلّمَ وُتذْعن لولك ‪.‬‬
‫ومشهدُ الكفارةِ ‪ :‬وهي أنّ هذا الذى كفارةٌ منْ ذنوبك وحطّ منْ سيئاتِك ‪ ،‬وموٌ‬
‫فَاّلذِينَ هَا َجرُواْ وَأُ ْخرِجُواْ مِن دِيَارِ ِهمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي‬ ‫﴿‬ ‫لزلّتِك ‪ ،‬ورفع ٌة لدرجاتِك ‪،‬‬
‫وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ ُل َك ّفرَ ّن عَنْ ُهمْ سَيّئَاِت ِهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪172‬‬
‫ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ‬ ‫﴿‬ ‫من الكم ِة الت يؤتاها كثيٌ من الؤمني ‪ ،‬نَزْعُ فتيلِ العداوةِ ‪،‬‬
‫أَ ْحسَنُ فَِإذَا اّلذِي بَيَْنكَ وَبَيَْن ُه َعدَاوَةٌ َكأَّنهُ وَلِيّ َحمِيمٌ ﴾ ‪ (( ،‬السل ُم منْ سلِم السلمون منْ‬
‫لسانِه ويدهِ )) ‪.‬‬
‫أيْ ‪ :‬أن تَلْقَى منْ آذاك بِبِشر وبكلمةٍ لينةٍ ‪ ،‬وبوجهٍ طليقٍ ‪ ،‬لتنع منهُ أتون العداوةِ ‪،‬‬
‫نغُ بَيَْن ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫هِيَ أَ ْحسَنُ إِنّ الشّيْطَانَ يَ َ‬ ‫وتطفئ نار الصومِة ﴿ وَقُل ّلعِبَادِي َيقُولُواْ الّتِي‬
‫صحيفةٌ وعليها الِبشْرُ عنوانُ‬
‫كٌن ريّق البِشْرِ إنّ الُرّ شيمتُهُ‬
‫وم ْن مشاهدِ التوحيدِ ف أذى منْ يؤذيك ‪:‬‬
‫ي النفسِ ‪ :‬وهو انّ هذا ل يُسّلطِ عليك إل بذنوبٍ منك أنت ‪﴿ ،‬‬ ‫مشهدُ معرفةِ تقص ِ‬
‫أَوََلمّا أَصَابَتْكُم ّمصِيَبةٌ َقدْ أَصَبْتُم مّثْلَ ْيهَا قُلُْتمْ أَنّى هَـذَا قُلْ هُوَ ِم ْن عِندِ أَْن ُفسِ ُكمْ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَا‬
‫﴾‬ ‫أَصَابَكُم مّن ّمصِيَبةٍ فَِبمَا َكسَبَتْ أَْيدِيكُمْ‬
‫وهناك مشهدٌ عظيمٌ ‪ ،‬وهو مشهدٌ تمدُ ال عليهِ وتشكرُه ‪ ،‬وهو ‪ :‬أنْ جعلك مظلوما‬
‫ل ظالا ‪.‬‬
‫وبعضُ السلفِ كان يقولُ ‪ :‬اللهمّ اجعلْن مظلوما ل ظالا ‪ .‬وهذا كابنْيْ آدم ‪ ،‬إذ قال‬
‫خيُها ‪ ﴿ :‬لَئِن َبسَطتَ إِلَيّ َيدَكَ لَِتقْتُلَنِي مَا أَنَاْ بِبَا ِسطٍ َيدِيَ إِلَ ْيكَ لَأَقْتُ َلكَ إِنّي أَخَافُ ال ّلهَ‬
‫َربّ اْلعَاَل ِميَ ﴾ ‪.‬‬
‫وهناك مشهدٌ لطيفٌ آخرُ ‪ ،‬وهو ‪ :‬مشهدُ الرحةِ وهو ‪ :‬إن ترْ َحمَ منْ آذاك ‪ ،‬فإن ُه‬
‫يستحقّ الرحةَ ‪ ،‬فإنّ إصراره على الذى ‪ ،‬وجرأته على ماهر ِة الِ بأذيةِ مسلمٍ ‪ :‬يستحقّ أن‬
‫ترقّ لهُ ‪ ،‬وأنْ تر َحمَهُ ‪ ،‬وأنْ تنقذه من هذا ‪ (( ،‬انصرْ أخاك ظالا أو مظلوما )) ‪.‬‬
‫ولّا آذى ِمسْ َطحٌ أبا بكرٍ ف عِ ْرضِ ِه وف ابنتِهِ عائشة ‪ ،‬حلف أبو بكرٍ ل ينفقُ على‬
‫سعَةِ‬
‫مسطحٍ ‪ ،‬وكان فقيا ينفقُ عليه أبو بكرٍ ‪ ،‬فأنزل الُ ‪ ﴿ :‬وَلَا َيأْتَلِ أُوْلُوا اْل َفضْلِ مِن ُكمْ وَال ّ‬
‫ص َفحُوا أَلَا ُتحِبّونَ‬
‫أَن يُؤْتُوا أُوْلِي اْل ُقرْبَى وَاْلمَسَا ِكيَ وَاْلمُهَا ِجرِينَ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ وَلَْي ْعفُوا وَلَْي ْ‬
‫أَن َي ْغ ِفرَ ال ّلهُ لَ ُكمْ ﴾ ‪ .‬قال أبو بكرٍ ‪ :‬بلى ُأ ِحبّ أن يغف َر الُ ل ‪ .‬فأعاد له النفقة وعفا عنهُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪173‬‬
‫صنٍ لعمر ‪ :‬هيهِ يا عمرُ ؟ وال ما تعطينا الَزْلَ ‪ ،‬ول تك ُم فينا‬
‫وقال عيينهُ بنُ ِح ْ‬
‫بالعدْلِ ‪ .‬فهمّ به عمرُ ‪ ،‬فقال الرّ بنُ قيس ‪ :‬يا أمي الؤمني ‪ ،‬إنّ ال يقول ‪ُ ﴿ :‬خذِ اْل َعفْوَ‬
‫وَْأ ُمرْ بِاْل ُعرْفِ وََأعْ ِرضْ عَنِ اْلجَاهِ ِليَ ﴾ ‪ ،‬قال ‪ :‬فوالِ ما جاوزها عمرُ ‪ ،‬وكان وقّفا عند‬
‫ب الِ ‪.‬‬
‫كتا ِ‬
‫ب عَلَيْ ُكمُ الَْيوْمَ َي ْغفِرُ ال ّلهُ لَ ُكمْ وَهُوَ أَرْ َحمُ‬
‫وقال يوسُفُ إخوتِهِ ‪ ﴿ :‬قَالَ لَ تَ ْثرَي َ‬
‫‪.‬‬ ‫الرّاحِ ِميَ ﴾‬
‫ف اللِ فيمنْ آذاهُ وطرده وحاربه م ْن كفارِ قريش ‪ ،‬قال ‪ (( :‬اذهبُوا‬ ‫وأعلنها‬
‫صرَ َعةِ ‪ ،‬إنّما الشديدُ‬
‫ف الديثِ ‪ (( :‬ليس الشديدُ بال ّ‬
‫فأنتمُ الطلقاءُ )) قالا يوم الفتحِ ‪ ،‬و ِ‬
‫ك نفسه عندَ الغضبِ )) ‪.‬‬
‫الذي يل ُ‬
‫قال ابنُ الباركِ ‪:‬‬
‫فكْن لمُ كذي الرّ ِحمِ الشفيقِ‬ ‫إذا صاحبت قوما أهل وُدّ‬
‫فتبقى ف الزمانِ بل رفيقِ‬ ‫ول تأخذْ بزلّةِ ك ّل قومٍ‬
‫قال بعضُهم ‪ :‬موجودٌ ف النيل ‪ :‬اغفرْ لنْ أخطأ عليك مرةً سبع مراتٍ ﴿ مَ ْن َعفَا‬
‫ال ّلهِ ﴾‬ ‫وَأَصْ َلحَ فَأَ ْجرُ ُه عَلَى‬
‫أيْ ‪ :‬منْ أخطأ عليك مرةً فك ّررْ عليه العَ ْفوَ سبع مراتٍ ‪ ،‬ليسلم لك دينُك وعِ ْرضُك ‪،‬‬
‫ويرتاح قلبُك ‪ ،‬فإنّ ال َقصَاصَ منْ أعصابِك ومنْ دمِك ‪ ،‬ومنْ نومِك ومنْ راحتِك ومنْ‬
‫عِرضِك ‪ ،‬وليس من الخرين ‪.‬‬
‫قال النودُ ف مثلٍ لم ‪ « :‬الذي يقهرُ نفسه ‪ :‬أشجعُ من الذي يفتحُ مدين ًة » ‪ِ ﴿ .‬إنّ الّن ْفسَ‬
‫َلمّا َرةٌ بِالسّوءِ إِلّ مَا رَ ِحمَ رَبّيَ ﴾ ‪.‬‬
‫**********************************‬

‫وقفـــةٌ‬
‫ل تحزن‬
‫‪174‬‬
‫« أما دعوةُ ذي النونِ ‪ ،‬فإ ّن فيها منْ كمالِ التوحيدِ والتنيهِ للربّ تعال ‪ ،‬واعترافِ العبدِ‬
‫ب والمّ والغمّ ‪ ،‬وأبلغ الوسائلِ إل الِ سبحانه ف‬ ‫بظلمهِ وذنبه ‪ ،‬ما هو منْ أبلغ أدويةِ الكر ِ‬
‫ص وعيبٍ‬ ‫قضاءِ الوائجِ فإنّ التوحيد والتني َه وتضمّنانِ إثبات كلّ كمالٍ لِ ‪ ،‬وسلب كلّ نق ٍ‬
‫ب والعقابِ ‪ ،‬ويُوجبُ‬ ‫ع والثوا ِ‬‫وتثيلٍ عنه ‪ .‬والعترافُ بالظل ِم يتضمّنُ إيان العبدِ بالشر ِ‬
‫انكساره ورجوعهُ إل الِ ‪ ،‬واستقالته عثرته ‪ ،‬والعتراف بعبوديتهِ وافتقارِه إل ربّه فهاهنا‬
‫ف»‪.‬‬ ‫أربعة أمورٍ ق ْد وقع التوسّلُ با ‪ :‬التوحيدُ ‪ ،‬والتنيهُ ‪ ،‬والعبوديةُ ‪ ،‬والعترا ُ‬
‫شرِ الصّاِبرِينَ{‪ }155‬اّلذِينَ ِإذَا أَصَابَ ْتهُم ّمصِيَبةٌ قَالُواْ إِنّا لِ ّلهِ وَإِنّـا إِلَ ْيهِ‬
‫﴿ وََب ّ‬
‫رَاجِعونَ{‪ }156‬أُولَـئِكَ عَلَيْ ِهمْ صَلَوَاتٌ مّن رّّبهِمْ َورَ ْح َمةٌ وَأُولَـئِكَ ُهمُ اْلمُهَْتدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫ت بالظاهرِ والباطنِ‬
‫اع ِ‬
‫صفاءُ النفسِ بصفاءِ الثوبِ ‪ ،‬وهنا أمرٌ لطيفٌ وشيءٌ شريف ‪ ،‬وهو أنّ بعض الكماءِ‬
‫يقولُ ‪ :‬منِ اتسخ ثوبُه ‪ ،‬تكدّرتْ نفسُه ‪ .‬وهذا أمرٌ ظاهرٌ ‪.‬‬
‫وكثيٌ من الناسِ يأتيهِ ال َكدَ ُر بسببِ اتساخ ثوْبِهِ ‪ ،‬أو تغيّرِ هِندامِهِ ‪ ،‬أو عدمِ ترتيبِ‬
‫مكتبتِهِ ‪ ،‬أو اختلطِ الوراقِ عنده ‪ ،‬أو اضطرابِ مواعيدِه وبرنا ِمجِه اليوميّ ‪ ،‬والكونُ بُن‬
‫على النظامِ ‪ ،‬فمنْ َعرَفَ حقيقة هذا الدّينِ ‪ ،‬علم أنه جاء لتنظيمِ حيا ِة العبدِ ‪ ،‬قليلِها‬
‫مّا َفرّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿‬ ‫وكثيِها ‪ ،‬صغيِها وجليلِها ‪ ،‬وكلّ شيءٍ عنده ُبسْبانٍ‬
‫وف حديثٍ عند الترمذيّ ‪ (( :‬إنّ ال نظيفٌ يبّ النظافة )) ‪.‬‬
‫وعند مسل ٍم ف الصحيحِ ‪ (( :‬إنّ ال جيلٌ يبّ المال )) ‪.‬‬
‫وف حديثٍ حسنٍ ‪ (( :‬تمّلُوا حت تكونوا كأنكمْ شامةٌ ف عيونِ الناسِ )) ‪.‬‬
‫مشي المالِ إل الِمالِ البُزّلِ‬ ‫سجُها‬
‫يشون ف الُللِ الضاعفِ ن ْ‬
‫زأولُ المالِ ‪ :‬الهتمامُ بالغسلِ ‪ .‬وعند البخاري ‪ (( :‬ح ّق على السلمِ أنْ يغتسل ف‬
‫ك ّل سبعةِ أيا ٍم يوما ‪ ،‬يغسلُ فيه رأسه وجسمهُ )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪175‬‬
‫هذا على أقلّ تقديرٍ ‪ .‬وكان بعضُ الصالي يغتسلُ كلّ يومٍ مرةً كعثمان بنِ عفان فيما‬
‫ورد عنهُ ‪َ ﴿ ،‬هذَا ُمغْتَسَلٌ بَا ِردٌ وَ َشرَابٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ومنها خصالُ الفطرةِ ‪ :‬كإعفاءِ اللحيِة وقصّ الشاربِ ‪ ،‬وتقليمِ الظافرِ ‪ ،‬وأخذِ الشعرِ‬
‫الزائدِ من السمِ ‪ ،‬والسواكِ ‪ ،‬والطّيبِ ‪ ،‬وتليلِ السنانِ ‪ ،‬وتنظيفِ اللبسِ ‪ ،‬والعتناءِ‬
‫بالظهرِ ‪ ،‬فإنّ هذا ما يو ّسعُ الصدر ويفسحُ الاطر ‪ .‬ومنها لُبسُ البياضِ ‪ (( ،‬البسوا البياض ‪،‬‬
‫وكفّنوا فيه موتاكمْ )) ‪.‬‬
‫يُحيّون بالرّيْحانِ يوم السبا ِسبِ‬ ‫رقاقُ النعالِ طيّبا ُحجُزاتُهم‬
‫وقد عقد البخاريّ باب ‪ :‬لبسِ البياضِ ‪ (( :‬إنّ اللئكة تنلُ بثيابٍ بيضٍ عليهمْ‬
‫عمائمُ بِيضٌ )) ‪.‬‬
‫ومنها ترتيبُ الواعيدِ ف دفت ٍر صغيٍ ‪ ،‬وتنظيمُ الوقتِ ‪ ،‬فوقتٌ للقراءةِ ‪ ،‬ووقتٌ للعبادةِ ‪،‬‬
‫ووقتٌ للمطالعةِ ‪ ،‬ووقتٌ للراحة ‪ ﴿ ،‬لِكُلّ أَجَلٍ كِتَابٌ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَإِن مّن شَيْءٍ إِ ّل عِندَنَا َخزَائُِنهُ‬
‫َومَا نَُنزُّلهُ إِلّ ِب َقدَرٍ ّمعْلُومٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ف مكتب ِة الكونرسِ لوحةٌ مكتوبٌ عليها ‪ :‬الكونُ بُن على النظامِ ‪ .‬وهذا صحيحٌ ‪،‬‬
‫ففي الشرائعِ السماوي ِة الدعوةُ إل التنظيمِ والتنسي ِق والترتيبِ ‪ ،‬وأخب – سبحانه وتعال – أنّ‬
‫الكون ليس لْوا ول عبثا ‪ ،‬وأنه بقضاءٍ وقدرٍ ‪ ،‬وأنه بترتيب وبُسبانٍ ‪ ﴿ :‬الشّ ْمسُ وَاْل َقمَرُ‬
‫شمْسُ يَنَبغِي َلهَا أَن ُتدْرِكَ اْل َق َمرَ وَلَا اللّ ْيلُ سَاِبقُ الّنهَارِ وَكُلّ فِي فَلَكٍ‬
‫حسْبَانٍ ﴾ ‪ ﴿ .‬لَا ال ّ‬
‫ِب ُ‬
‫َيسَْبحُونَ ﴾ ‪ ﴿ .‬وَاْل َق َمرَ َقدّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتّى عَادَ كَاْل ُعرْجُونِ اْل َقدِيِ ﴾ ‪ ﴿ .‬وَ َجعَلْنَا اللّيْلَ‬
‫صرَةً لِتَبَْتغُواْ َفضْلً مّن رّبّ ُكمْ وَلَِتعْ َلمُواْ‬
‫وَالّنهَارَ آيَتَ ْينِ َفمَحَوْنَا آَيةَ اللّيْلِ وَ َجعَلْنَا آَيةَ الّنهَارِ مُ ْب ِ‬
‫حسَابَ وَ ُكلّ شَيْءٍ َفصّلْنَاهُ َت ْفصِيلً ﴾ ‪ ﴿.‬رَبّنَا مَا خَ َلقْتَ هَذا بَا ِطلً ﴾ ‪َ ﴿ .‬ومَا‬
‫عَ َددَ السِّنيَ وَاْل ِ‬
‫خذَ َلهْوا لّاّتخَذْنَاهُ مِن ّلدُنّا إِن‬
‫سمَاء وَاْلأَ ْرضَ َومَا بَيَْنهُمَا لَاعِِبيَ{‪ }16‬لَوْ أَ َردْنَا أَن نّّت ِ‬
‫خَ َلقْنَا ال ّ‬
‫كُنّا فَاعِ ِليَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَ ُقلِ ا ْعمَلُواْ ﴾ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪176‬‬
‫ض النفسيةِ ‪:‬‬
‫كان حكما ُء اليونانِ إذا أرادُوا معالة الصابِ بالوها ِم والقلق والمرا ِ‬
‫ت قصي إل وقد عادت إليه عافيته‬ ‫يبونهُ على العم ِل ف الفلحة والبساتي ‪ ،‬فما يرّ وق ٌ‬
‫فَا ْمشُوا فِي مَنَاكِِبهَا ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَقُ ِل ا ْعمَلُواْ ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿‬ ‫وطمأنينته ‪،‬‬
‫إنّ أهل العما ِل اليدويِة همْ أكثُر الناسِ راحةً وسعاد ًة وبسْطة بالٍ‪ ،‬وانظرْ إل هؤلءِ‬
‫العمّالِ كيف يلكون منْ البالِ وقوةِ الجسامِ ‪ ،‬بسببِ حركتِهمْ ونشاطِهمْ ومزاولتِهمْ ‪،‬‬
‫جزِ والكسلِ )) ‪.‬‬
‫((وأعوذُ بك من الع ْ‬
‫********************************************‬
‫*‬
‫التْجِئ إل ال‬
‫الُ ‪ :‬هو السم الليلُ العظيمُ ‪ ،‬هو أعرفُ العارفِ ‪ ،‬فيه معنً لطيفٌ ‪ ،‬قيل ‪ :‬هو ِمنْ‬
‫أَلهَ ‪ ،‬وهو الذي تألُهُ القلوبُ ‪ ،‬وتبّه ‪ ،‬وتسكنُ إليه ‪ ،‬وترضى بهِ وتركنُ إليهِ ‪ ،‬ول يكنُ‬
‫للقلبِ أبدا أن يسكن أو يرتاح أو يطمئنّ لغيهِ سبحانه ‪ ،‬ولذلك علّم فاطمة ابنتهُ دعاء‬
‫الكرْبِ ‪ (( :‬الُ ‪ ،‬الُ رب ل أشركُ به شيئا )) ‪ .‬وهو حديثٌ صحيحٌ ‪ ﴿ ،‬قُلِ ال ّلهُ ُثمّ َذرْ ُهمْ‬
‫‪ ﴿ ،‬ال ّلهُ لَطِيفٌ ِبعِبَادِ ِه﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَا‬ ‫عِبَادِهِ ﴾‬ ‫ق‬
‫‪َ ﴿ ،‬وهُوَ اْلقَا ِهرُ فَ ْو َ‬ ‫﴾‬ ‫ض ِهمْ يَ ْلعَبُونَ‬
‫فِي خَوْ ِ‬
‫َقدَرُوا ال ّلهَ َحقّ َقدْرِهِ وَاْلأَ ْرضُ َجمِيعا قَ ْبضَُتهُ َيوْمَ اْلقِيَا َمةِ وَالسّماوَاتُ َمطْوِيّاتٌ بَِيمِيِنهِ‬
‫‪ِ ﴿ ،‬إنّ‬ ‫سجِلّ لِلْكُتُبِ ﴾‬
‫ال ّ‬ ‫سمَاء كَطَيّ‬
‫‪ ﴿ ،‬وْمَ نَ ْطوِي ال ّ‬ ‫﴾‬ ‫شرِكُونَ‬
‫سُ ْبحَاَنهُ وََتعَالَى َعمّا ُي ْ‬
‫ال ّلهَ ُي ْمسِكُ السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضَ أَن َتزُولَا ﴾ ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫عليهِ توكّ ْلتُ‬
‫ومنْ أعظمِ ما يُضفي السعادة على العبدِ ركونُهُ إل ربّه ‪ ،‬وتوكّلُه عليهِ ‪ ،‬واكتفاؤه‬
‫بوليتهِ ورعايتهِ وحراستهِ ‪ ﴿ ،‬هَلْ َتعْ َلمُ َلهُ َسمِيّا ﴾ ‪ِ ﴿ ،‬إنّ وَلِيّـيَ ال ّلهُ اّلذِي َنزّلَ الْكِتَابَ‬
‫حزَنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ف عَلَ ْيهِمْ وَلَ ُهمْ َي ْ‬
‫وَهُوَ يََتوَلّى الصّاِلحِيَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬أَل ِإنّ أَوْلِيَاء ال ّلهِ لَ خَوْ ٌ‬
‫**********************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪177‬‬
‫أجعُوا على ثلثةٍ‬
‫طالعتُ الكتب الت تعتن بسألةِ القلقِ والضطرابِ ‪ ،‬سواءٌ كانتْ لسلفِنا من مدّثي‬
‫وأدباء ومربّي ومؤرّخي أو لغيِهمْ مع النشراتِ والكتبِ الشرقيةِ والغربيةِ والترجةِ ‪،‬‬
‫والدورياتِ والجلّتِ ‪ ،‬فوجدتُ الميع ممعي على ثلثةِ أسسِ لنْ أراد الشفاء والعافية‬
‫وانشراح الصدرِ ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫الولُ ‪ :‬التصا ُل بالِ عزّ وجلّ ‪ ،‬وعبوديتُه ‪ ،‬وطاعتُه واللجوءُ إليه ‪ ،‬وهي مسألةُ‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫اليا ِن الكبى ‪ ﴿ ،‬فَاعْبُدْهُ وَاصْطَِبرْ ِلعِبَادَِتهِ‬
‫الثان ‪ :‬إغلقُ ملفّ الاضي ‪ ،‬بآسيهِ ودموعِه ‪ ،‬وأحزانِه ومصائِبِه ‪ ،‬وآلمِه وهومِه ‪،‬‬
‫والبدءِ بياةٍ جديد ٍة مع يومٍ جديدٍ ‪.‬‬
‫الثالثُ ‪ :‬ترْكُ الستقب ِل الغائبِ ‪ ،‬وعدمُ الشتغالِ ب ِه والنماكُ فيهِ ‪ ،‬وتر ُك التوقعاتِ‬
‫حسْبُ ‪.‬‬
‫والنتظاراتِ والتوجّساتِ ‪ ،‬وإنّما العيشُ ف حدو ِد اليو ِم َف َ‬
‫قال عليّ ‪ :‬إيّاكمْ وطول الملِ ‪ ،‬فإنّه يُْنسِي ‪ ﴿ ،‬وَظَنّوا أَّن ُهمْ إِلَيْنَا لَا ُيرْ َجعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫حسَبُونَ كُلّ‬
‫َي ْ‬ ‫﴿‬ ‫ف والشائعاتِ ‪ ،‬فإنّ ال قال عنْ أعدائِه ‪:‬‬
‫إيّاك وتصديق الراجي ِ‬
‫حةٍ عَلَ ْي ِهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫صَ ْي َ‬
‫وعرفتُ أناسا منْ سنواتٍ عديدةٍ ‪ ،‬وهمْ ينتظرون أمورا ومصائب وحوادث وكوارث‬
‫ْل تقعْ ‪ ،‬ول يزالون يُخوّفون أنفسهم وغيهم منها‪ ،‬فسبحان ال ما أنكدُ عَْيشَهمْ !! ومَثَلُ‬
‫هؤلءِ كالسجيِ العذّبِ عند الصينيي ‪ ،‬فإنمْ يعلونه تت أنبوبٍ يقطُرُ على رأسِهِ قطرةً من‬
‫الاءِ ف الدقيقةِ الواحدةِ ‪ ،‬فيبقى هذا السجيُ ينتظرُ كلّ قطرةٍ ثّ يصيبُه النونُ ‪ ،‬ويفقدُ عقله ‪.‬‬
‫خفّفُ عَنْهُم مّ ْن َعذَابِهَا ﴾ ‪،‬‬
‫وق ْد وصف الُ أهل النارِ فقال ‪ ﴿ :‬لَا ُي ْقضَى عَلَ ْيهِمْ فََيمُوتُوا وَلَا ُي َ‬
‫﴿ لَا َيمُوتُ فِيهَا وَلَا َيحْي ﴾ ‪ ﴿ ،‬كُ ّلمَا َنضِجَتْ جُلُودُ ُهمْ َبدّلْنَا ُهمْ جُلُودا غَ ْيرَهَا ﴾ ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫أحِلْ ظالك على ال‬
‫ل تحزن‬
‫‪178‬‬
‫وعند الِ تتمعُ الصومُ‬ ‫إل الدّيانِ يوم الشْرِ نضي‬
‫ويكفي العبد إنصافا وعدْلً أنهُ ينتظ ُر يوما يمعُ الُ في ِه الولي والخرين ‪ ،‬ل ظلم ف‬
‫ذلك اليومِ ‪ ،‬والكمُ هو الُ عزّ وجلّ ‪ ،‬والشهودُ اللئكةُ ‪ ﴿ ،‬وََنضَعُ اْلمَوَازِينَ اْل ِقسْطَ لِيَوْمِ‬
‫اْلقِيَا َمةِ فَلَا ُتظْ َلمُ َن ْفسٌ شَيْئا وَإِن كَانَ مِ ْثقَالَ حَّبةٍ مّنْ َخ ْردَلٍ أَتَيْنَا ِبهَا وَ َكفَى بِنَا حَاسِِبيَ ﴾ ‪.‬‬
‫*****************************‬
‫كسرى وعجوزٍ‬
‫ذكر بُزر جهرُ حكيمُ فارس ‪ :‬أ ّن عجوزا فارسيةً كان عندها دجاجٌ ف كوخٍ ماو ٍر‬
‫لقصرِ كسرى الاكمِ ‪ ،‬فسافرتْ إل قريةٍ أخرى ‪ ،‬فقالتْ ‪ :‬يا ربّ أستودعُك الدجاج ‪ .‬فلمّا‬
‫غابتْ ‪ ،‬عدا كسرى على كوخِها ليوسع قصْره وبستانهُ ‪ ،‬فذبح جنودُه الدجاج ‪ ،‬وهدمُوا‬
‫ت العجوزُ فالتفتتْ إل السماءِ وقالتْ ‪ :‬يا ربّ ‪ ،‬غبتُ أنا فأين أنت ! فأنصفها‬
‫الكوخ ‪ ،‬فعاد ِ‬
‫ي فَقَتَلهُ على فراشِهِ ‪ ﴿ .‬أَلَ ْيسَ ال ّلهُ بِكَافٍ‬
‫الُ وانتقم لا ‪ ،‬فعدا ابنُ كسرى على أبيه بالسك ِ‬
‫‪ ،‬ليتنا جيعا نكو ُن كخيْرَي ابن آدم القائلِ ‪ ﴿ :‬لَئِن‬ ‫دُوِنهِ ﴾‬ ‫عَبْدَهُ وَُيخَوّفُونَكَ بِاّلذِينَ مِن‬
‫َبسَطتَ إِلَيّ َيدَكَ لَِتقْتُلَنِي مَا أََناْ بِبَا ِسطٍ َيدِيَ إِلَ ْيكَ َلأَقْتُلَكَ ﴾ ‪ (( .‬كنْ عبد الِ القتول ‪ ،‬ول‬
‫تكنْ عبد ال القاتل )) ‪ ،‬إنّ عند السلمِ مبدأ ورسال ًة وقضيةً أعظمُ من النتقامِ والتشفي‬
‫والِقْدِ والكراهيةِ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫ُمرَ ّكبُ النقْصِ قد يكونُ ُم َر ّكبَ كمالٍ‬
‫‪ .‬بعضُ العباقرةِ شقّوا طريقهم بصمودٍ‬ ‫كمْ ﴾‬
‫هُوَ خَ ْيرٌ لّ ُ‬ ‫لَا َتحْسَبُوهُ َشرّا لّكُم بَلْ‬ ‫﴿‬
‫ص عارضٍ ‪ ،‬فكثيٌ من العلما ِء كانوا موال ‪ ،‬كعطاءٍ ‪ ،‬وسعيدِ بن جُبيْرٍ ‪،‬‬ ‫لحساسِهم بنق ٍ‬
‫وقَتَادَةَ ‪ ،‬والبخاريّ ‪ ،‬والترمذيّ ‪ ،‬وأب حنيفة ‪.‬‬
‫وكثيٌ منْ أذكياءِ العالِ وبورِ الشريعةِ أصابُم العمى ‪ ،‬كابن عباسٍ ‪ ،‬وقتادة ‪ ،‬وابنِ أمّ‬
‫مكتوم ‪ ،‬والعمشِ ‪ ،‬ويزيدِ ب ِن هارون ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪179‬‬
‫ومن العلماء التأخرين ‪ :‬الشيخُ ممدُ بنُ إبراهيم آل الشيخ ‪ ،‬والشيخُ عبدُالِ بنُ حيد ‪،‬‬
‫والشيخُ عبدُالعزيزِ ب ُن بازٍ ‪ .‬وقرأتُ عن أذكياء ومترعي وعباقرةٍ عَرَبٍ كان بمْ عاهاتٌ ‪،‬‬
‫فهذا أعمى ‪ ،‬وذاك أصمّ وآخرُ أعوجُ ‪ ،‬وثانٍ مُقْعدٌ ‪ ،‬ومع ذلك أثّروا ف التاريخ ‪ ،‬وأثّروا ف‬
‫جعَل لّ ُكمْ نُورا َت ْمشُونَ ِبهِ ﴾ ‪.‬‬
‫حياةِ البشريةِ بالعلومِ والختراعاتِ والكشوفِ ‪ ﴿ .‬وََي ْ‬
‫ليستِ الشهاد ُة العلميةُ الراقيةُ كلّ شيءٍ ‪ ،‬ل تتمّ ول تغت ّم ول تضِقْ ذرْعا لنك ل تنلِ‬
‫الشهادة الامعية ‪ ،‬أو الاجستي ‪ ،‬أو الدكتوراه ‪ ،‬فإنا ليستْ كلّ شيء ‪ ،‬بإمكانِك أنْ تؤثّرَ‬
‫وأنْ تلمع وأ ْن تقدّم للمةِ خيا كثيا ‪ ،‬ولوْ لْ تكنْ صاحب شهادةٍ علميةٍ ‪ .‬كمْ م ْن رجلٍ‬
‫شهيٍ خط ٍي نافعٍ ل يملُ شهادةً ‪ ،‬إنا شقّ طريقه بعصاميّتِ ِه وطموحِه وهّتِه وصمودِه ‪.‬‬
‫نظرتُ ف عصرِنا الاضرِ فرأيتُ كثيا من الؤثّرين ف العالِ الشرعي والدعو ِة والوعي والتربيةِ‬
‫والفكرِ والدبِ ‪ ،‬ل يك ْن عندهمْ شهاداتٌ عاليةٌ ‪ ،‬مث ُل الشيخ ابن بازِ ‪ ،‬ومالكِ بنِ نبّ ‪،‬‬
‫والعقادِ ‪ ،‬والطنطاوي ‪ ،‬وأب زهرة ‪ ،‬والودوديّ والندويّ ‪ ،‬وج ٍع كثيٍ ‪.‬‬
‫ودونك علماء السلفِ ‪ ،‬والعباقرة الذين مرّوا ف القرونِ الفضّلةِ ‪.‬‬
‫وعلّمتْهُ الكرّ والقداما‬ ‫نفسُ عصامٍ سوّدتْ عِصاما‬
‫حسّ مِ ْنهُم ّمنْ‬ ‫ف الدكاترةِ ف العالِ طولً وعرضا ‪ ﴿ ،‬هَلْ ُت ِ‬ ‫وعلى الضدّ منْ ذلك آل ُ‬
‫أَ َحدٍ َأوْ َتسْمَعُ َل ُهمْ رِكْزا ﴾ ‪ .‬القناعةُ كَنْزٌ عظيمٌ ‪ ،‬وف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬ارض با قسم‬
‫الُ لك تَ ُك ْن أغن الناسِ )) ‪.‬‬
‫ارضْ بأهلِك ‪ ،‬بدخْلِك ‪ ،‬برْكبِك ‪ ،‬بأبنائِك ‪ ،‬بوظيفتِك ‪ ،‬تدِ السعادة والطمأنينة ‪.‬‬
‫وف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬الغِن غِن النفسِ )) ‪.‬‬
‫سمَ ال‪.‬‬
‫وليس بكثر ِة العرضِ ول بالموالِ وبالنصبِ‪ ،‬لكنّ راحة النفسِ ‪ ،‬ورضاها با َق َ‬
‫وف الديثِ الصحيحِ ‪(( :‬إنّ ال يبّ العبد الغنّ التقيّ الفيّ)) ‪ .‬وحديثِ ‪(( :‬اللهمّ‬
‫اجعلْ غناه ف قلِبهِ )) ‪.‬‬
‫قال أحدُهم ‪ :‬ركبتُ مع صاحبِ سيارةٍ من الطارِ ‪ ،‬متوجّها إل مدينةٍ من الدنِ ‪،‬‬
‫فرأيتُ هذا السائق مسرورا ج ِذلً ‪ ،‬حامدا لِ وشاكرا ‪ ،‬وذاكرا لولهُ ‪ ،‬فسألُه عن أهلِه‬
‫ل تحزن‬
‫‪180‬‬
‫سبُ ‪،‬‬
‫فأخبن أنّ عنده أسرتي ‪ ،‬وأكثر منْ عشرةِ أبناءٍ ‪ ،‬ودخُلهُ ف الشهرِ ثانائةِ ريا ٍل َفحَ ْ‬
‫سمَ الُ لهُ ‪.‬‬
‫وعنده غُرفٌ قديةٌ يسكنُها هو وأهلُه ‪ ،‬وهو مرتاح البالِ ‪ ،‬لن ُه راضٍ با قَ َ‬
‫قال ‪ :‬فعجبتُ حينما قارنتُ بي هذا وبي أناسٍ يلكونُ ملياراتٍ من الموالِ والقصورِ‬
‫والدورِ ‪ ،‬وه ْم يعيشون ضنْكا من العيشةِ ‪ ،‬فعرفتُ أن السعادة ليستْ ف الالِ ‪.‬‬
‫عرفتُ خَبَرَ تاج ٍر كبيٍ ‪ ،‬وثريّ شهيٍ عندهُ آلفُ الليي وعشراتُ القصورِ والدورِ ‪،‬‬
‫للُقِ ‪ ،‬شرس التعاملِ ثائر الطبع ‪ ،‬كاسف البالِ ‪ ،‬مات ف غربةٍ عنْ أهلِه ‪ ،‬لنهُ‬ ‫وكانَ ضيّق ا ُ‬
‫ل يَ ْرضَ با أعطا ُه الُ إياه ‪ُ ﴿ ،‬ثمّ يَ ْطمَعُ أَنْ َأزِيدَ{‪ }15‬كَلّا إِّنهُ كَانَ لِآيَاتِنَا عَنِيدا ﴾ ‪.‬‬
‫منْ معالِ راحةِ البالِ عند العربّ القديِ أنْ َيخْلُو بنفسِه ف الصحراءِ ‪ ،‬وينفرد عنِ‬
‫الحياءِ ‪ ،‬يقولُ أحدُهم ‪:‬‬
‫وصوّت إنسانٌ ف ِكدْتُ أ ِطيُ‬ ‫ب فاستأنستُ بالذئبِ إذْ عوى‬ ‫عوى الذئ ُ‬
‫وقد خرج أبوّ ذر إل الربذةِ ‪ .‬وقال سفيا ُن الثوريّ ‪ :‬ودِدْتُ أن ف شِ ْعبٍ من الشّعابِ‬
‫ل يعرفُن أحدٌ ! وف الديثِ ‪ (( :‬يُوشِكُ أنْ يكون خَ ْيرَ ما ِل السلمِ ‪ :‬غََنمٌ يتبعُ با مواقع‬
‫القطرِ وشعف البالِ ‪ ،‬ويف ّر بدينِه من ال ِفتِ )) ‪.‬‬
‫ت كان السلمُ للعبدِ الفرار منها ‪ ،‬كما فعل ابنُ عُمرَ وأسامةُ ب ُن زيدٍ‬ ‫فإذا حصلتِ الف ُ‬
‫وممدُ بنُ مسلمة لا قُتِل عثمانُ ‪.‬‬
‫عَر ْفتُ أناسا ما أصابمُ الفقْرُ والكدرُ وضيِ ُق الصّ ْدرِ إل بسببِ بُ ْعدِهم ع ِن الِ عزّ وجلّ‬
‫‪ ،‬فتجدُ أحدهم كان غنيّا ورزقُهُ واسعا ‪ ،‬وهو ف عافيةٍ م ْن ربّه ‪ ،‬وف خيٍ م ْن موله ‪،‬‬
‫فأعرض عنْ طاعِة الِ ‪ ،‬وتاون بالصلةِ ‪ ،‬واقترف كبائر الذنوبِ ‪ ،‬فسلبَه ربّه عافية بدنِه ‪،‬‬
‫وَسَعَ َة ِرزْقِهِ ‪ ،‬وابتلهُ بالفقْرِ والمّ والغمّ ‪ ،‬فأصبح منْ نكدٍ إل نَ َكدٍ ‪ ،‬ومنْ بلءٍ إل بلءٍ ‪﴿ ،‬‬
‫شةً ضَنكا ﴾ ‪ ﴿ ،‬ذَلِكَ ِبأَنّ ال ّلهَ َلمْ يَكُ ُمغَيّرا ّنعْ َمةً‬
‫َو َمنْ َأ ْع َرضَ عَن ذِ ْكرِي فَِإنّ َلهُ َمعِي َ‬
‫سهِمْ ﴾ ‪ ،‬وقوله تعال ‪َ ﴿ :‬ومَا أَصَابَكُم مّن ّمصِيَبةٍ فَِبمَا‬
‫أَْن َعمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتّى ُيغَيّرُواْ مَا بِأَن ُف ِ‬
‫َكسَبَتْ أَْيدِيكُمْ وََي ْعفُو عَن كَثِيٍ﴾ ‪﴿ ،‬وَأَن أَلّوِ اسَْتقَامُوا عَلَى ال ّطرِيقَةِ لَأَ ْسقَيْنَاهُم مّاء َغدَقا﴾‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪181‬‬
‫ودِدتُ أنّ عندي وصفةً سحريّة ألقيها على هومك وغمومِك وأحزانِك ‪ ،‬فإذا هي‬
‫تلْقفُ ما يأفِكون ‪ ،‬لكنْ مِنْ أين ل ؟! ولكنْ سوف أخبُك بوصفةٍ طبيّةٍ منْ عيادةِ علماءِ اللّةِ‬
‫وروّاد الشّريعةِ ‪ ،‬وهي ‪ :‬اعبدِ الالق ‪ ،‬وارض بالرزقِ ‪ ،‬وسّلمْ بالقضاءِ ‪ ،‬وازهدْ ف الدّنيا ‪،‬‬
‫وقصّرِ المل ‪ .‬انتهى ‪.‬‬
‫عجبتُ العالِم نفسانّي شهيٍ أمريكيّ ‪ ،‬اسُهُ ( وليم جايس ) ‪ ،‬هو أبو علِم النفسِ‬
‫عندهم ‪ ،‬يقولُ ‪ :‬إننا ننُ البشرُ نفكّ ُر فيما ل نلكُ ‪ ،‬ول نشكرُ ال على ما نلكُ ‪ ،‬وننظرُ إل‬
‫ق فيها ‪ ،‬ونتحسّرُ على ما‬ ‫الانبِ الأسويّ الظلمِ ف حياتِنا ‪ ،‬ول ننظرُ إل الانب الشْر ِ‬
‫لَئِن شَ َكرْتُمْ لَزِيدَنّ ُكمْ ﴾ ‪ (( ،‬وأعوذُ بالِ م ْن نفسٍ ل‬ ‫﴿‬ ‫ينقصُنا ‪ ،‬ول نسعدُ با عندنا ‪،‬‬
‫َتشْبَعُ )) ‪.‬‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬منْ أصبح والخرةُ هّه ‪ ،‬جع الُ شله ‪ ،‬و َجعَ َل غناه ف قلبِه ‪،‬‬
‫ل عليهِ شله ‪ ،‬وجعلَ َف ْقرَهُ بي‬
‫وأتتْه الدنيا وهي راغمةٌ ‪ ،‬ومنْ أصبح والدنيا هّه ‪ ،‬فرّق ا ُ‬
‫سمَاوَاتِ وَالَْأ ْرضَ‬
‫عيْنَيْه ‪ ،‬ول يأتِه من الدنيا إلّ ما كٌتِب له )) ‪ ﴿ .‬وَلَئِن سَأَلَْتهُم ّمنْ خَ َلقَ ال ّ‬
‫ش ْمسَ وَاْلقَ َمرَ لََيقُوُلنّ ال ّلهُ َفأَنّى يُؤْفَكُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫خرَ ال ّ‬
‫وَ َس ّ‬
‫******************************************‬
‫وأخيا اعترفُوا‬
‫( سخروف ) عالٌ روسيٌ ‪ ،‬نُفِي إل جزيرةِ سيبييا ‪ ،‬لفكارِه الخالفةٍ لللادِ ‪،‬‬
‫والكف ِر بالِ ‪ ،‬فكان يُنادي أنّ هناك قوةً فاعلةً مؤثرةً ف العالِ خلف ما يقولُه الشيوعيّون ‪ :‬ل‬
‫إله ‪ ،‬والياةُ مادةٌ ‪ .‬ومعن هذا ‪ :‬أ ّن النفوس مفطورةٌ على التوحيدِ ‪ ﴿ .‬فِ ْطرَةَ ال ّلهِ الّتِي َف َطرَ‬
‫النّاسَ عَلَ ْيهَا ﴾ ‪.‬‬
‫س الفِطْرةِ ‪ ،‬خاوي الضميِ مبتورُ‬
‫إنّ اللحد ل مكان له هنا وهناك ؛ لنه منكو ُ‬
‫الرادةِ ‪ ،‬مالفٌ لنه ِج الِ ف الرضِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪182‬‬
‫قابلتُ أستاذا مسلما ف معهدِ الفكرِ السلميّ بواشنطن قبل سقوطِ الشيوعيةِ – أو‬
‫التادِ السوفيتّ – بسنتي ‪ ،‬فذكر ل هذه الية ‪َُ ﴿ :‬نقَلّبُ أَفِْئدََت ُهمْ وَأَْبصَارَ ُهمْ َكمَا َلمْ‬
‫يُ ْؤمِنُواْ ِبهِ أَوّلَ َمرّةٍ وََنذَرُ ُهمْ فِي ُطغْيَاِن ِهمْ َي ْعمَهُونَ ﴾ وقال‪ :‬سوف تتمّ هذه الي ُة فيهمْ‪َ ﴿ :‬فأَتَى‬
‫سقْفُ مِن فَوْ ِق ِهمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فََأ ْعرَضُوا فََأرْسَلْنَا عَلَ ْي ِهمْ‬
‫خ ّر عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫ال ّلهُ بُنْيَاَنهُم مّنَ اْلقَوَا ِعدِ َف َ‬
‫ش ُعرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫سَيْلَ اْل َعرِمِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَكُلّا أَ َخذْنَا ِبذَنبِهِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَيَأْتَِيهُم َبغَْتةً َو ُهمْ لَا َي ْ‬
‫****************************************‬
‫لظاتٌ مع المقى‬
‫ف الشيوعيةِ ‪ ،‬حينما‬ ‫ت ف ملةِ ( الرسالة) كل ٌم عجيبٌ ‪ ،‬ومقالةٌ رائعةٌ ف وص ِ‬ ‫للزيّا ِ‬
‫أرسلوا سفينة الفضاءِ إل القمرِ وعادتْ ‪ ،‬فكتبَ أَ َح ُد روّادِها مقا ًل ف صحيفةِ ( البافدا)‬
‫الروسيةِ ‪ ،‬يقولُ فيها ‪ :‬ص ِعدْنا إل السما ِء فلمْ ندْ هناك إلا ول جنةً ول نارا ول ملئكةً ‪.‬‬
‫لمُرُ المْقى !! أتظنون أنكمْ سوف‬ ‫فكتب الزيّاتْ مقال ًة فيها ‪ « :‬عجبا لكم أيّها ا ُ‬
‫تَ َروْ َن ربّكُم على عر ِش ِه بارزا ‪ ،‬وسوف ترون الُور العِي ف الناتِ يشي ف الريرِ ‪،‬‬
‫وسوف تسمعون رقرقة الكوْثرِ ‪ ،‬وسوف تشمّون رائحة العذّبي ف النارِ ‪ ،‬إنكمْ إنْ ظننتم‬
‫ذلك خسرتُم خسرانكم الذي تعيشونه ‪ ،‬ولكنْ ل أفسرُ ذلك التيه والضلل والنراف‬
‫لمْق إل بالشيوعيةِ واللادِ الذي ف رؤوسِكمْ ‪ .‬إنّ الشيوعية يومٌ بل غدٍ ‪ ،‬وأرضٌ بل ساءٍ‬ ‫وا ُ‬
‫حسَبُ أَنّ َأكَْثرَ ُهمْ‬
‫‪ ،‬وعملٌ بل خاتةٍ ‪ ،‬وسعيٌ بل نتيجةٍ ‪ » ..‬إل آخرِ ما قال ‪ ﴿ ،‬أَمْ َت ْ‬
‫َل ُهمْ قُلُوبٌ لّ َي ْفقَهُونَ‬ ‫﴿‬ ‫‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫ضلّ سَبِيلً‬
‫َيسْ َمعُونَ َأوْ َي ْعقِلُونَ إِنْ ُهمْ إِلّا كَالْأَْنعَامِ بَلْ ُهمْ أَ َ‬
‫س َمعُونَ ِبهَا ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَن ُي ِهنِ ال ّلهُ َفمَا َلهُ مِن‬
‫صرُونَ ِبهَا وََل ُهمْ آذَانٌ لّ َي ْ‬
‫ِبهَا وََل ُهمْ َأعْيُنٌ لّ يُ ْب ِ‬
‫سرَابٍ ِبقِي َعةٍ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬أ ْعمَاُل ُهمْ َك َرمَادٍ اشَْتدّتْ ِبهِ الرّيحُ فِي يَوْمٍ‬
‫مّ ْكرِمٍ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬أعْمَاُل ُهمْ َك َ‬
‫عَاصِفٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ومن كلمِ العقادِ ف كتابِ ( مذاهبُ ذوي العاهاتِ ) ‪ ،‬وهو ينهدُ غاضبا على هذهِ‬
‫الشيوعيةِ ‪ ،‬وعلى هذا اللا ِد السخيفِ الذي وقع ف العالِ ‪ ،‬كلمٌ ما معناه ‪ :‬إنّ الفطرة‬
‫ل تحزن‬
‫‪183‬‬
‫السويّة تقبلُ هذا الدين القّ ‪ ،‬دين السلمِ ‪ ،‬أما العاقون عقليا والختلفون وأهلُ الفكارِ‬
‫العفِن ِة القاصرةِ ‪ ،‬فإنا يكنُ أنْ ترتكب اللاد ‪ ﴿ .‬وَطُبِ َع عَلَى قُلُوِب ِهمْ َف ُهمْ لَ َي ْفقَهُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ اللاد ضرب ٌة قاصمةٌ للفكرِ ‪ ،‬وهو أشبهُ با يُحدّثُه الطفالُ ف عالِهم ‪ ،‬وهو خطيئةٌ‬
‫ما عَرَفَ الدهرُ أكب منها خطيئةً ‪ .‬ولذلك قال الُ سبحانه وتعال‪ ﴿ :‬أَفِي ال ّلهِ َشكّ‪!! ﴾....‬‬
‫يعن ‪ :‬أنّ المر ل شكّ فيه ‪ ،‬وهو ظاهرٌ ‪ .‬بلْ ذكر ابنُ تيمية ‪ :‬أن الصانع ‪ -‬يعن ‪ :‬ال‬
‫سبحانه وتعال – ل ينكرْه أحدٌ ف الظا ِهرِ إل فرعونُ ‪ ،‬مع العلمٍ أنهُ معترفٌ به ف باطنِه ‪ ،‬وف‬
‫سمَاوَاتِ‬
‫داخلهِ ‪ ،‬ولذلك يقولُ موسى ‪ ﴿ :‬قَالَ َل َقدْ عَ ِلمْتَ مَا أَنزَلَ هَـؤُلء إِلّ َربّ ال ّ‬
‫وَالَ ْرضِ َبصَآئِرَ وَإِنّي َلأَظُنّكَ يَا ِف ْرعَونُ مَثْبُورا ﴾ ‪ ،‬ولكنّ فرعون ف آخر الطافِ صرخ با ف‬
‫قلبِه ‪ ﴿ :‬آمَنتُ أَّنهُ ل إِلِـهَ إِلّ اّلذِي آمَنَتْ ِبهِ بَنُو إِ ْسرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ اْل ُمسْ ِلمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫اليانُ طريقُ النجاةِ‬
‫ف كتابِ ( الُ يتجلّى ف عص ِر العلمِ ) ‪ ،‬وكتاب ( الطبّ ِمحْرابُ اليانِ ) حقيقةٌ‬
‫وهي ‪ :‬وجدتُ أنّ أكثر مُعي للعبدِ ف التخلّص منْ هومِه وغمومِه ‪ ،‬هو اليانُ بالِ عزّ‬
‫‪ ﴿ ،‬مَا أَصَابَ مِن ّمصِيَبةٍ إِلّا ِبِإذْنِ‬ ‫ال ّلهِ ﴾‬ ‫وَأُفَ ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى‬ ‫﴿‬ ‫وجلّ‪ ،‬وتفويضُ المرِ إليه ‪،‬‬
‫ال ّلهِ َومَن ُي ْؤمِن بِال ّلهِ َيهْدِ قَلَْبهُ ﴾ ‪.‬‬
‫منْ يعلمْ أنّ هذا بقضا ٍء وقدرٍ ‪ ،‬يهدِ قلبه للرضا والتسليمِ أو نو ذلك ‪ ﴿ ،‬وََيضَعُ عَ ْن ُهمْ‬
‫ت عَلَ ْيهِمْ ﴾ ‪.‬‬
‫صرَ ُهمْ وَا َلغْلَلَ الّتِي كَانَ ْ‬
‫إِ ْ‬
‫ت فتً قبلي‬
‫مِن ال إل قدْ أصاب ْ‬ ‫وأعلمُ أن ل ُتصِبْن مصيبةٌ‬
‫إن كُتّاب الغربِ اللمعِي ‪ ،‬مثل ( كرسي مريسون ) ‪ ،‬و ( ألكس كاريل ) ‪ ،‬و‬
‫ي التدهورِ ف حياتم إنا هو اليانُ بالِ‬
‫( دايل كارنيجي ) ‪ ،‬يعترفون أنّ النقذ للغربِ الاد ّ‬
‫ت الت أصبحتْ‬ ‫عزّ وجلّ ‪ ،‬وذكروا أ ّن السبب الكبي والسرّ العظم ف حوادثِ النتحارا ِ‬
‫َل ُهمْ‬ ‫﴿‬ ‫ظاهرةً ف الغربِ ‪ ،‬إنّما هو اللادُ والعراضُ عنِ ال – عزّ وجلّ – ربّ العالي ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪184‬‬
‫سمَاء‬
‫شرِكْ بِال ّلهِ فَ َكأَّنمَا َخرّ مِنَ ال ّ‬
‫حسَابِ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَن ُي ْ‬
‫عَذَابٌ َشدِيدٌ ِبمَا َنسُوا يَوْمَ اْل ِ‬
‫﴾‪.‬‬ ‫فََتخْ َط ُفهُ الطّ ْيرُ َأوْ َتهْوِي ِبهِ الرّيحُ فِي مَكَانٍ َسحِيقٍ‬
‫ذكرتْ جريدةُ ( الشرق الوسط ) ف عددها بتاريخ ‪ 1415 /4 /21‬هـ ‪ ،‬نق ً‬
‫ل‬
‫عنْ مذكراتِ عقيلةِ الرئيسِ المريكيّ السابقِ ( جورج بوش ) ‪ :‬أنّها حاولتِ النتحار أكثر‬
‫ت السيارة إل الاويةِ تطلبُ الوت مظانّهُ ‪ ،‬وحاولتْ أنْ تتنق ‪.‬‬ ‫منْ مرةٍ ‪ ،‬وقاد ِ‬
‫لقدْ حضر قزمانُ معركة أُحدٍ يقات ُل فيها مع السلمي فقات ُل قتالً شديدا ‪ .‬قال الناسُ ‪:‬‬
‫‪(( :‬إن ُه منْ أهلِ النارِ))!! فاشتدتْ به جراحُه فلم يصبْ ‪ ،‬فَقَتَلَ نفسه‬ ‫هنيئا له النةُ ‪ .‬فقال‬
‫حسِنُونَ صُنْعا﴾‪.‬‬
‫بالسيفِ فمات‪﴿ ،‬اّلذِينَ ضَلّ َسعُْي ُهمْ فِي اْلحَيَا ِة الدّنْيَا وَ ُهمْ َيحْسَبُونَ أَّنهُمْ ُي ْ‬
‫شةً ضَنكا ﴾ ‪.‬‬
‫ض عَن ذِ ْكرِي َفإِنّ َلهُ َمعِي َ‬
‫وهذا معن قولِهِ سبحانه وتعال‪َ ﴿ :‬ومَنْ َأ ْعرَ َ‬
‫إنّ السلم ل يقدمُ على مثلِ هذهِ المورِ ‪ ،‬مهما بلغتْ الالُ ‪ .‬إنّ ركعتي بوضوءٍ‬
‫وخشوعٍ وخضوعٍ كفيلتان أنْ تُنهيا كلّ هذا الغمّ والكدرِ والمّ والحباطِ ‪َ ﴿ ،‬و ِمنْ آنَاء‬
‫اللّيْلِ َفسَّبحْ وَأَ ْطرَافَ الّنهَارِ َلعَلّكَ َترْضَى ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َفمَا َل ُهمْ لَا يُ ْؤمِنُونَ﴾‬ ‫إنّ القرآن يتساءلُ عنْ هذا العالِ ‪ ،‬وعنِ انرافِه وضللِه فيقولُ ‪:‬‬
‫؟! ما هو الذي يردّهمْ عنِ اليانِ‪ ،‬وق ْد وضُحتِ الحجةُ ‪ ،‬وقامتِ الجةُ‪ ،‬وبان الدليلُ ‪،‬‬
‫وظهر القّ ‪ ،‬وسطع البهانُ‪﴿ .‬سَُنرِي ِهمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَن ُفسِ ِهمْ حَتّى يَتَبَّينَ َل ُهمْ أَّنهُ‬
‫صادقٌ ‪ ،‬وأ ّن ال إلهٌ يستحقّ العبادة ‪ ،‬وأنّ السلم دينٌ‬ ‫اْلحَقّ﴾ ‪ ،‬يتب ُ‬
‫ي لمْ أنّ ممدا‬
‫حسِنٌ َف َقدِ اسَْتمْسَكَ‬
‫كاملٌ يستحقّ أنْ يعتنقه العالُ ‪َ ﴿ ،‬ومَن ُيسْ ِلمْ وَ ْج َههُ إِلَى ال ّلهِ وَهُوَ ُم ْ‬
‫بِاْل ُعرْوَةِ الْوُْثقَى﴾‪.‬‬
‫******************************‬
‫حت الكُفّارُ درجاتٌ‬
‫ف مذكراتِ الرئيسِ ( جورج بوش ) بعنوان ( سيةٌ إل المامِ ) ‪ :‬ذكر أنّه حضر‬
‫جنازة برجنيف ) ‪ ،‬رئيسِ التادِ السوفيتّ ف موسكو ‪ ،‬قال فوجدتُها جنازةً مظلمةً قاتةً ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪185‬‬
‫جدَنّ أَ ْقرََبهُمْ مّ َودّةً‬
‫ليس فيها إيانٌ ول روحٌ ‪ .‬لنّ (بوش ) نصرانّ وأولئك ملحدةٌ ﴿ وَلََت ِ‬
‫‪ .‬فانظرْ كيف أدرك هذا مع ضللِهِ انراف أولئك ‪،‬‬ ‫قَالُوَاْ إِنّا َنصَارَى ﴾‬ ‫لّ ّلذِينَ آمَنُواْ اّلذِينَ‬
‫لنّ المر أصبح نسبيّا فكيف لو عَرَف بوش السلم ‪ ،‬دين الِ القّ ؟! ﴿ َومَن يَبْتَ ِغ غَ ْيرَ‬
‫الِ ْسلَمِ دِينا فَلَن ُيقْبَلَ مِ ْنهُ وَهُوَ فِي ال ِخرَةِ ِمنَ اْلخَا ِسرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫وذكّرن هذا بقالةٍ لشيخِ السلمِ ابنِ تيمية ‪ ،‬وهو يتحدّثُ عن أحدِ البطائحيةِ ( الفرقِ‬
‫الضالّةِ الصوفيةِ النحرفةِ ) ‪ .‬يقولُ هذا البطائحيّ لبنِ تيمية ‪ :‬ما لكمْ يا ابن تيمية إذا جئْنا‬
‫إليكمْ – يعن أهل السنةِ – بارتْ كرامتُنا وبطلتْ ‪ ،‬وإذا ذهبْنا إل التتِر الغو ِل الكفارِ ظهرتْ‬
‫كرامتُنا؟ قال ابنُ تيمية ‪ :‬أتدري ما مثلُنا ومثلُكُم ومثَلُ التتارِ ؟ أما ننُ فخيولٌ بيضٌ ‪ ،‬وأنتم‬
‫بُلْقٌ ‪ ،‬والتترُ سُودٌ ‪ ،‬فالبلقُ إذا دخل بي السودِ أصبح أبيض ‪ ،‬وإذا خالط البض أصبح أسود ‪،‬‬
‫فأنتمْ عندكمْ بقيةٌ م ْن نورٍ ‪ ،‬إذا دخلتمْ مع أه ِل الكفرِ َظهَ َر هذا النورُ وإذا أتيتُم إلينا وننُ أهل‬
‫النورِ العظمِ والسنة ‪ ،‬ظهر ظلمُكم وسوادُكم ‪ ،‬فهذا مثلكُم ومثلُنا ومثلُ التتارِ ‪ ﴿ .‬وََأمّا‬
‫اّلذِينَ ابَْيضّتْ وُجُو ُه ُهمْ َففِي رَ ْحمَةِ ال ّلهِ ُهمْ فِيهَا خَاِلدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫إرادةٌ فولذيةٌ‬
‫ذهب طالبٌ منْ بلدِ السل ِم يدرسُ ف الغربِ ‪ ،‬وف لندن بالذاتِ ‪ ،‬فسكن مع أسرةٍ‬
‫بريطانيةٍ كافرةٍ ‪ ،‬ليتعلّم اللغة ‪ ،‬فكان متديّنا وكان يستيقظُ مع الفجرِ الباكرِ ‪ ،‬فيذهبُ إل‬
‫صنبورِ الا ِء ويتوضأُ ‪ ،‬وكان ماءً باردا ‪ّ ،‬ث يذهبُ إل مصلّ ُه فيسجدُ لربّه ويركعُ ويسبحُ‬
‫وَيحْ َمدُ ‪ ،‬وكانتْ عجوزٌ ف البيتِ تلحظهُ دائما ‪ ،‬فسألتْه بعد أيامٍ ‪ :‬ماذا تفعلُ ؟ قال ‪ :‬أمرن‬
‫دين أنْ أفعل هذا ‪ .‬قالتْ ‪ :‬فلو أخّرْت الوقت الباكر حت ترتاح ف نومِك ثّ تستيقظ ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫لك ّن رب ل يقبلُ منّي إذا أخّرتُ الصلة عن وقتِها ‪ .‬فهزّتْ رأسها ‪ ،‬وقالتْ ‪ :‬إرادةٌ تكسرُ‬
‫الديد !! ﴿ رِجَالٌ لّا تُ ْلهِيهِمْ ِتجَارَةٌ وَلَا بَيْ ٌع عَن ذِ ْكرِ ال ّلهِ وَإِقَا ِم الصّلَاةِ ﴾ ‪.‬‬
‫إنّها إرادةُ اليانِ ‪ ،‬وقوةُ اليقيِ ‪ ،‬وسلطا ُن التوحيدِ ‪ .‬هذ ِه الرادةُ هي الت أوحتْ إل‬
‫سحر ِة فرعون وقدْ آمنوا بالِ ربّ العالي ف لظةِ الصراعِ العاليّ بي موسى وفرعون ‪ ،‬قالوا‬
‫ل تحزن‬
‫‪186‬‬
‫قَاضٍ ﴾‬ ‫لفرعون ‪ ﴿ :‬قَالُوا لَن نّؤِْثرَ َك عَلَى مَا جَاءنَا ِمنَ الْبَيّنَاتِ وَاّلذِي فَ َطرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ‬
‫‪ .‬وهو التحدّي الذي ما سُمع بثلِهِ ‪ ،‬وأصبح عليهمْ أنْ يؤدّوا هذه الرسالة ف هذه اللحظةِ ‪،‬‬
‫وأنْ يبلّغوا الكلمة الصادقة القوية إل هذا اللحدِ البارِ ‪.‬‬
‫لقدْ دخل حبيبُ ب ُن زيدٍ إل مسيلمة يدعوه إل التوحيدِ ‪ ،‬فأخذ مسيلمةُ يقطعُهُ‬
‫شهَدَاء عِندَ‬
‫بالسيفِ قطعةً قطعةً ‪ ،‬فما أ ّن ول صاح ول اهتزّ حت لقي ربّ شهيدا ‪ ﴿ ،‬وَال ّ‬
‫رَّب ِهمْ َلهُمْ أَ ْجرُ ُهمْ وَنُو ُر ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ورُفع خُبيبُ ب ُن عديّ على مشنقةِ الوتِ ‪ ،‬فأنشد ‪:‬‬
‫على أيّ جنبٍ كان ف الِ مصرعي‬ ‫ولستُ أبال حي أُقتلُ مسلما‬
‫**************************************‬
‫فطرة الِ‬
‫إذا اشتدّ الظلمُ وزمر الرّ ْع ُد وقصفتِ الريحُ‪ ،‬استيقظتِ الفطرةُ‪﴿ .‬جَاءْتهَا رِيحٌ عَاصِفٌ‬
‫صيَ َلهُ الدّينَ﴾ ‪ .‬غَْيرَ‬
‫وَجَاء ُهمُ اْلمَوْجُ مِن كُلّ مَكَانٍ وَظَنّواْ أَّنهُمْ أُحِيطَ ِبهِمْ َدعَوُاْ ال ّلهَ ُمخْلِ ِ‬
‫أنّ السلم يدعو ربّه ف الشدّةِ والرخاءِ ‪ ،‬والسرا ِء والضراءِ ‪ ﴿ :‬فَلَوْلَا أَّنهُ كَانَ ِمنْ اْل ُمسَّبحِيَ{‬
‫‪ }143‬لَلَبِثَ فِي بَطِْنهِ إِلَى يَوْمِ يُ ْبعَثُونَ ﴾ ‪ .‬إنّ الكثي يسأ ُل ال وقت حاجتِه وهو متضرّعٌ إل‬
‫ربّه ‪ ،‬فإذا تقّق مطلبُه أعرض ونأى بانبِه ‪ ،‬والُ عزّ وجلّ ل يُلعبُ عليه كما يُلعبُ على‬
‫ع كما يُخادعُ الطفلُ ‪ُ ﴿ ،‬يخَا ِدعُونَ ال ّلهَ وَهُوَ خَا ِدعُ ُهمْ ﴾ ‪ .‬إنّ الذين‬
‫الولدانِ ‪ ،‬ول يُخاد ُ‬
‫يلتجئون إل الِ ف وقتِ الصّنائعِ ما همْ إل تلميذٌ لذاك الضالّ النحرفِ فرعون ‪ ،‬الذي قيل‬
‫ت الوانِ ‪ ﴿ :‬آلنَ وَ َق ْد عَصَيْتَ قَبْلُ َوكُنتَ مِنَ اْل ُم ْفسِدِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫لهُ بعد فوا ِ‬
‫ق الكويت ‪ :‬أن تاتشر رئيسة‬‫سعتُ هيئة الذاعةِ البيطانيةِ تُخبُ حي احتلّ العرا ُ‬
‫الوزراءِ البيطانية السابقة كانت ف وليةِ كلورادو المريكيةِ ‪ ،‬فلما سعتِ الب هُرِعتْ إل‬
‫الكنيسةِ وسجدتْ !‬
‫ل تحزن‬
‫‪187‬‬
‫ول أفسرُ هذه الظاهرة إل باستيقاظِ الفطرةِ عند مِثْلِ هؤلءِ إل فاطرِها عزّ وجلّ ‪ ،‬مع‬
‫كفرِهم وضللِهم ‪ ،‬لنّ النفوس مفطورةٌ على اليانِ بهِ تعال ‪ (( :‬كلّ مولودِ يُولدُ على‬
‫الفطرةِ ‪ ،‬فأبواهُ يهوّدانِهِ أو ينصّرانِه أو يجّساِنهِ )) ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫**‬
‫ل تزنْ على تأخّر الرّزقِ ‪ ،‬فإنّه بأجلٍ مس ّمىً‬
‫الذي يستعجلُ نصيبه من الرّزقِ ‪ ،‬ويبادرُ الزمن ‪ ،‬ويقلقُ منْ تأخّرِ رغباتِه ‪ ،‬كالذي‬
‫ق مقدّرةٌ ‪ ،‬فُرِغ‬
‫يساب ُق المام ف الصلةِ ‪ ،‬ويعلُم أنّه ل يسّلمُ إل بعْد المام! فالمورُ والرزا ُ‬
‫منها قبل خ ْلقِ الليقةِ ‪ ،‬بمسي ألف سنةٍ ‪ ﴿ ،‬أَتَى َأ ْمرُ ال ّلهِ َفلَ َتسَْتعْجِلُوهُ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَإِن ُي ِردْكَ‬
‫ِبخَ ْيرٍ َفلَ رَآدّ ِلفَضْ ِلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫يقولُ عمرُ ‪ « :‬اللّهمّ إن أعوذُ بك من جلدِ الفاجرِ ‪ ،‬وعجزِ الثقةِ » ‪ .‬وهذهِ كلم ٌة‬
‫عظيمةٌ صادقةٌ ‪ .‬فلقدْ طُ ْفتُ بفكري ف التاريخِ ‪ ،‬فوجدتُ كثيا منْ أعدا ِء الِ عزّ وجلّ ‪،‬‬
‫جبَ العُجابَ ‪ .‬ووجدتُ كثيا من السلمي‬ ‫عندهمْ منْ الدّأبِ واللدِ والثابرةِ والطّموحِ ‪ :‬العَ َ‬
‫عندهمْ من الكس ِل والفتورِ والتّواكُلِ والتّخاذُلِ ‪ :‬ما الُ به عليمٌ ‪ ،‬فأدركتُ ُعمْق كلمةِ ُعمَرَ‬
‫– رضي الُ عنه ‪. -‬‬
‫*****************************************‬
‫انغمسْ ف العم ِل النافعِ‬
‫أ ّن الوليد بن الغيةِ وأُمية بن خَلَفٍ والعاص بن وائل أنفقوا أموالم ف ماربةِ الرسالةِ‬
‫سرَةً ُثمّ ُيغْلَبُونَ ﴾ ‪ .‬ولكنّ كثيا من السلمي‬
‫َفسَيُن ِفقُوَنهَا ُثمّ تَكُو ُن عَلَ ْي ِهمْ َح ْ‬ ‫﴿‬ ‫ومابةِ القِ‬
‫يبخلون بأموالِهمْ ‪ ،‬لئلّ يُشاد با منارُ الفضيلةِ ‪ ،‬ويُبن با صرحُ اليانِ ﴿ َومَن يَ ْبخَلْ فَإِّنمَا‬
‫سهِ ﴾ ‪ ،‬وهذا َجَلدُ الفاجِر وعجْزُ الثقةِ ‪.‬‬
‫يَ ْبخَ ُل عَن ّن ْف ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪188‬‬
‫ف مذكّراتِ ( جولدا مائي ) اليهوديةِ ‪ ،‬بعنوان ( القد ) ‪ :‬فإذا هي ف مرحلةٍ منْ‬
‫مراحلِ حياتِها تعملُ ستّ عشرة ساعةً بل انقطاعٍ ‪ ،‬ف خدمةِ مبادئِها الضّالّةِ وأفكارِها‬
‫النحرفةِ ‪ ،‬حت أوجدتْ مع ( بن جوريون ) دولةً ‪ ،‬ومنْ شاء فلينظُرْ كتابا ‪.‬‬
‫ورأيتُ ألوفا منْ أبناءِ السلمي ل يعملون ولو ساعةً واحدةً ‪ ،‬إنا همْ ف لو وأكلٍ‬
‫مَا لَ ُكمْ ِإذَا قِيلَ لَ ُكمُ ان ِفرُواْ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ اثّا َقلُْتمْ إِلَى ا َل ْرضِ ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿‬ ‫ب ونومٍ وضياعٍ‬
‫وشُر ٍ‬
‫كان عمرُ دؤوبا ف عمله ليلً ونارا ‪ ،‬قليل النوم ‪ .‬فقال أهلُه ‪ :‬أل تنامُ ؟ قال ‪ :‬لو‬
‫نتُ ف اللّيلِ ضاعتْ ن ْفسِي ‪ ،‬ولو نتُ ف النها ِر ضاعتْ رعيّتِي ‪.‬‬
‫ت الالكِ ( موشى ديان ) بعنوان ( السيفُ والكمُ ) ‪ :‬كان يطيُ من دولةٍ‬ ‫ف مذكرا ِ‬
‫إل دولةٍ ‪ ،‬ومنْ مدينةٍ إل مدينةٍ ‪ ،‬نارا وليلً ‪ ،‬سرّا وجهرا ‪ ،‬ويضرُ الجتماعاتِ ‪ ،‬ويعقدُ‬
‫الؤتراتِ ‪ ،‬وينسّقُ الصّفقاتِ ‪ ،‬والعاهدات ‪ ،‬ويكتبُ الذكّراتِ ‪ .‬فقلتُ ‪ :‬واحسرتاهُ ‪ ،‬هذا‬
‫جََلدُ إخوانِ القردةِ والنازيرِ ‪ ،‬وذاك َعجْزُ كثيٍ من السلمي ‪ ،‬ولكنْ هذا جلدُ الفاجرِ و َعجْزُ‬
‫الثقةِ ‪.‬‬
‫بنو اللّقطيةِ ِمنْ ذُ ْهلِ بنِ شيْبانا‬ ‫لو كنتُ منْ مازنٍ ل تستبِحْ إبِلي‬
‫لقدْ حارب عمرُ العطالة والبطالة والفراغ ‪ ،‬وأخرج شبابا سكنوا السجد ‪ ،‬فضربم‬
‫وقال ‪ :‬اخرجوا واطلبوا الرّزق ‪ ،‬فإنّ السماء ل تطرُ ذهبا ول فضةً ‪ .‬إنّ مع الفراغ والعطالةِ ‪:‬‬
‫ض النفسيّ والنيارً العصبّ والمّ والغمّ ‪ .‬وإ ّن مع العم ِل والنشاطِ ‪:‬‬ ‫الوساوس والك َدرَ والر َ‬
‫السرور والُبُور والسعادة ‪ .‬وسوف ينتهي عندنا القل ُق والمّ والغمّ ‪ ،‬والمراضُ العقليّةُ‬
‫والعصبيّةُ والنفسيّةُ إذا قام ك ّل بدورِهِ ف الياةِ ‪ ،‬ف ُعمِلتِ الصانعُ ‪ ،‬واشتغلتِ العاملُ ‪ ،‬وفتحتِ‬
‫المعيّاتُ الييّةُ والتعاونيّةُ والدعويّةُ ‪ ،‬والخيماتُ والراكزُ والُلتقياتُ الدبيّةُ ‪ ،‬والدّوراتُ‬
‫﴿ سَاِبقُوا﴾ ‪﴿ ،‬وَسَا ِرعُواْ﴾‬ ‫‪،‬‬ ‫الَْأ ْرضِ ﴾‬ ‫شرُوا فِي‬
‫العلميّةُ وغَيْرُها ‪ ﴿ ..‬وَ ُق ِل اعْمَلُواْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَانَت ِ‬
‫‪ (( ،‬وإن نبّ الِ داود كان يأكلُ من عملِ يدِه )) ‪.‬‬
‫وللرّاشدِ كتابٌ ‪ ،‬بعنوان ( صناعةُ الياةِ ) ‪ ،‬تدّث عنْ هذهِ السالةِ بإسهابٍ ‪ ،‬و َذكَرَ‬
‫أنّ كثيا من الناسِ ل يقومون بدورِهم ف الياةِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪189‬‬
‫وكثيٌ من الناسِ أحياءٌ ‪ ،‬ولكنّهم كالمواتِ ‪ ،‬ل يُدركون سرّ حياتِهم ‪ ،‬ول يُقدمون‬
‫لستقبلهم ول لُمّتِهمْ ‪ ،‬ول لنفسِهم خيا ﴿ رَضُواْ بِأَن يَكُونُواْ مَعَ اْلخَوَالِفِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬لّ‬
‫ي غَ ْيرُ ُأوْلِي الضّرَرِ وَاْلمُجَا ِهدُونَ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫َيسْتَوِي اْلقَا ِعدُونَ ِمنَ اْلمُ ْؤمِنِ َ‬
‫ت بدورِها ف الياةِ ‪ ،‬ودخلتْ‬
‫قام ْ‬ ‫إنّ الرأة السوداء الت كانتْ ت ُقمّ مسجد الرسول‬
‫شرِ َكةٍ وَلَوْ َأ ْعجَبَتْكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫بذا الدّورِ النة ﴿ وَ َل َمةٌ مّ ْؤمَِنةٌ خَ ْيرٌ مّن ّم ْ‬
‫أدّى ما عليهِ ‪ ،‬وكسب اجرا بذا المرِ ‪،‬‬ ‫وكذلك الغلمُ الذي صَنَعَ الِنْب للرسولِ‬
‫لنّ موهلته ف النّجارةِ ﴿ وَاّلذِينَ لَ َيجِدُونَ إِلّ ُجهْدَ ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫سحتِ الولياتُ التحد ُة المريكيّةُ عام ‪ 1985‬م بدخولِ الدّعاةِ السلمي سجون‬
‫أمريكا ‪ ،‬لنّ الجرمي والروّجي والقَتَلَةَ ‪ ،‬إذا اهتدَوْا إل السلمِ ‪ ،‬أصبحوا أعضاءً صالي‬
‫ف متمعاتِهمْ ﴿ أَوَ مَن كَانَ مَيْتا فَأَحْيَيْنَاهُ وَ َجعَلْنَا َلهُ نُورا َي ْمشِي ِبهِ فِي النّاسِ ﴾ ‪.‬‬
‫دعاءانِ اثنانِ عظيمانِ ‪ ،‬نافعانِ لنْ أراد السّداد ف المو ِر وضْبطِ النفسِ عند الحداثِ‬
‫والوقائعِ ‪.‬‬
‫قال لهُ ‪ (( :‬قُلْ ‪ :‬اللهمّ اهدنِي وس ّددْن )) ‪.‬‬ ‫الولُ ‪ :‬حديثُ عليّ ‪ ،‬أنّ الرسول‬
‫رواهُ مسلمٌ ‪.‬‬
‫‪ (( :‬قلْ ‪ :‬اللّهمّ ألمن‬ ‫الثان ‪ :‬حديثُ حُصيْن بن عبيدٍ ‪ ،‬عند أب داود ‪ :‬قال له‬
‫رُشدْي ‪ ،‬وقِن شرّ َنفّسي )) ‪.‬‬
‫فأكثرُ ما ين عليه اجتهادُ ُه‬ ‫إذا لْ يكنْ عونٌ من الِ للفت‬
‫التّعلّقُ بالياة ‪ ،‬وعشْقُ البقاءِ ‪ ،‬وحبّ العيْشِ ‪ ،‬وكراهِيَةُ الوتِ ‪ ،‬يُوردُ العبدَ ‪ :‬الكدَرَ‬
‫وضِيقَ الصّدرِ والَلَقَ والقلق والرق والرّهق ‪ ،‬وقد لم ال اليهود على تعلّقِهم بالياةِ الدنيا ‪،‬‬
‫س عَلَى حَيَاةٍ َو ِمنَ اّلذِينَ أَ ْشرَكُواْ يَ َودّ أَ َحدُ ُهمْ َلوْ ُي َعمّرُ أَلْفَ‬
‫جدَّنهُمْ أَ ْحرَصَ النّا ِ‬
‫فقال ‪ ﴿ :‬وَلََت ِ‬
‫سََنةٍ َومَا هُوَ ِبمُزَ ْحزِ ِحهِ ِمنَ اْل َعذَابِ أَن ُي َع ّمرَ وَال ّلهُ َبصِيٌ ِبمَا َيعْمَلُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وهنا قضايا ‪ ،‬منها ‪ :‬تنكيُ الياةِ ‪ ،‬والقصودُ ‪ :‬أنّها أيّ حياةٍ ‪ ،‬ولو كانتْ حياة البهائمِ‬
‫والعجْماواتِ ‪ ،‬ولو كانتْ شخصيةً رخيص ًة فإنّهمْ يرصون عليها ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪190‬‬
‫ومنها ‪ :‬اختيا ُر لفظِ ‪ :‬ألفِ سنةٍ ل ّن اليهوديّ كان يلقى اليهوديّ فيقولُ لهُ ‪ِ :‬عمْ‬
‫صباحا ألف سنةٍ ‪ .‬أي ‪ِ :‬عشْ ألف سنةٍ ‪ .‬فذكر سبحانهُ وتعال أنمْ يريدون هذا العمر‬
‫الطويل ‪ ،‬ولكنْ لو عاشو ُه فما النهايةُ ؟! مصيُهم إل نارٍ تلظّى ﴿ وََل َعذَابُ الْآخِرَةِ أَ ْخزَى‬
‫صرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وَ ُهمْ لَا يُن َ‬
‫منْ أحسنِ كلماتِ العامةِ ‪ :‬ل همّ والُ ُيدْعى ‪.‬‬
‫والعن ‪ :‬أنّ هناك إلا ف السماءِ يُدعى ‪ ،‬ويُطلبُ منهُ اليْرُ ‪ ،‬فلماذا تتمّ أنت ف‬
‫الرضِ ‪ ،‬فإذا وكّلت ربّك بمّك ‪ ،‬كشَفَه وأزاله ﴿ َأمّن ُيجِيبُ اْلمُضْ َطرّ ِإذَا َدعَاهُ وَيَ ْكشِفُ‬
‫ك عِبَادِي عَنّي َفإِنّي َقرِيبٌ أُجِيبُ َدعْوَ َة الدّاعِ ِإذَا َدعَانِ ﴾ ‪.‬‬
‫السّوءَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَِإذَا َسأَلَ َ‬
‫ومُدْمِنِ القرْعِ للبوابِ أن يلِجا‬ ‫صبِ أنْ يظى باجِتهِ‬
‫أخلِ ْق بذي ال ّ‬
‫**************************************‬
‫ف حياتِك دقائقُ غاليةٌ‬
‫رأيتُ موقفيْنِ مُؤثّريْنِ مُعبّرْينِ للشيخِ علي الطنطاويّ ف مذكّراتهِ ‪:‬‬
‫الوقفُ الولُ ‪ :‬تدّثَ عن نفسِه وكاد يغرقُ على شاطئِ بيوت ‪ ،‬حينما كان يسبحُ‬
‫فأشرف على الوتِ ‪ ،‬و ُحمِل مَ ْغمِيّا عليهِ ‪ ،‬وكان ف تلك اللحظاتِ يُذعِنُ لولهُ ‪ ،‬ويودّ لو‬
‫عا َد ولو ساعةً إل الياةِ ‪ ،‬ليجدّد إيانه وعملهُ الصّال ‪ ،‬فيَصلِ اليانُ عنده منتهاه ‪.‬‬
‫ف الثان ‪َ :‬ذكَرَ أنه قدِم ف قافلةٍ منْ سوريا إل بيتِ الِ العتيقِ‪ ،‬وبينما هو ف‬ ‫والوق ُ‬
‫صحراءِ تبوك ضلّوا وبَقُوا ثلثة أيام ‪ ،‬وانتهى طعا ُمهُم واشراُبهُم ‪ ،‬وأشرفوا على الوتِ ‪ ،‬فقام‬
‫وألقى ف الموعِ خطبة الوداعِ من الياةِ ‪ ،‬خطبةً توحيديّة حارّةً رنّانة ‪ ،‬بكى وأبكى الناس ‪،‬‬
‫وأحسّ أ ّن اليان ارتفع ‪ ،‬وأنه ليس هناك مُعيٌ ول مُنقذٌ إل الُ جلّ ف عله ﴿ َيسْأَُلهُ مَن فِي‬
‫السّمَاوَاتِ وَاْلأَ ْرضِ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَ ْأنٍ ﴾ ‪.‬‬
‫يقولُ سبحانهُ وتعال ‪َ ﴿ :‬وكَأَيّن مّن نّبِيّ قَاتَلَ َم َعهُ رِبّيّونَ كَثِيٌ َفمَا وَهَنُواْ ِلمَا َأصَاَب ُهمْ‬
‫ب الصّاِبرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫ض ُعفُواْ َومَا اسْتَكَانُواْ وَال ّلهُ ُيحِ ّ‬
‫فِي سَبِيلِ ال ّلهِ َومَا َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪191‬‬
‫إ ّن ال يبّ الؤمني القوياء الذين يتحدّون أعداءهم بصبٍ وجلدةٍ ‪ ،‬فل يهِنون ‪ ،‬ول‬
‫يُصابون بالحباطِ واليأسِ ‪ ،‬ول تنها ُر قواهُم ‪ ،‬ول يستكينون لل ّذلّةِ والضعْفِ والفشلِ ‪ ،‬بل‬
‫يصمُدون ويُواصلون ويُرابطون ‪ ،‬وهي ضريبةُ إيانِهم بربّهم وبرسولِه ْم وبدينِهمْ (( الؤمنُ‬
‫القويّ خيٌ وأحبّ إل الِ من الؤمنِ والضّعيفِ وف كلّ خيٌ )) ‪.‬‬
‫ت الِ فقال ‪:‬‬
‫جُرحتْ ُأصُْبعُ أب بك ٍر – رضي الُ عنهُ – ف ذا ِ‬
‫وف سبيلِ ال ما لقِيتِ‬ ‫هلْ أنتِ إل إصَْبعٌ دَمِيتِ‬
‫من العقربِ ‪ ،‬فلُدغ ‪ ،‬فقرأ‬ ‫ب الغارِ ليحمي با الرسول‬
‫ووضع أبو بكرٍ إصبعهُ ف ثَقْ ِ‬
‫عليها فبئتْ بإذِن الِ ‪.‬‬
‫قال رجلٌ لعنترة ‪ :‬ما السّرّ ف شجاعتِك ‪ ،‬وأنك تغِلبُ الرّجال ؟ قال ‪ :‬ضعْ إصبعك‬
‫ف فمي ‪ ،‬وخُذ إصبعي ف فمك ‪ .‬فوضعها ف فمِ عنترة ‪ ،‬ووضَعَ عنترةُ إصبعه ف فمِ الرّجلِ ‪،‬‬
‫وكلّ عضّ إصبع صاحبِه ‪ ،‬فصاح الرجلُ من الل ‪ ،‬ول يصبْ فأخرجَ له عنترةُ إصبعه ‪ ،‬وقال‬
‫‪ :‬بذا غلبتُ البطال ‪ .‬أي بالصّبِ والحتمالِ ‪.‬‬
‫ل ووليتِهِ‬‫ف الِ ورحته وعفوه قريبٌ منه‪ ،‬فيشعرُ برعاي ِة ا ِ‬‫إ ّن ممّ يُفرحُ الؤمن أن لُط َ‬
‫بسبِ إياِنهِ ‪ .‬والكائناتُ والحياءُ والعجماواتُ والطيورُ والزواحفُ تشعرُ بأ ّن لا ربّا خالِقا‬
‫ح ْمدَهِ وَلَـكِن لّ َت ْف َقهُونَ َتسْبِيحَ ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ورازقا ﴿ وَإِن مّن شَيْءٍ إِلّ ُيسَّبحُ ِب َ‬
‫يا منْ لهُ كُلّ اللئِقِ تصْمدُ‬ ‫يا ربّ حدا ليس غيُك يُحمدُ‬
‫ب بأيديهمْ ف شقوقِ الرضِ ‪ ،‬ويهتفون ‪ :‬حبّ‬
‫عندنا ‪ ،‬العامّةُ وَ ْقتَ الرْثِ يرمون ال ّ‬
‫حرُثُونَ{‪}63‬‬
‫يابسٌ ‪ ،‬ف بلدٍ يابسٍ ‪ ،‬بي يديك يا فاطر السماوات والرضِ ﴿ أَ َفرَأَيْتُم مّا َت ْ‬
‫أَأَنُتمْ َت ْز َرعُوَنهُ أَمْ َنحْنُ الزّا ِرعُونَ ﴾ ‪ .‬إنّها نزعةُ توحيدِ البي ‪ ،‬وتوجّهُ إليهِ ‪ ،‬سبحانه وتعال ‪.‬‬
‫قام الطيبُ ا ِلصْقعُ عبدُالميدِ كشكُ – وهو أعمى – فلمّا عل الِْنبَ ‪ ،‬أخرج م ْن‬
‫جيبهِ سعفة نلٍ ‪ ،‬مكتوبٌ عليها بنفسِها ‪ :‬الُ ‪ ،‬بالطّ الكوفّ الميلِ ‪ ،‬ث هَتَفَ ف الموعِ ‪:‬‬
‫ت الغُصُونِ الّنضِرهْ‬
‫ذا ِ‬ ‫انظُرْ لتلك الشّجرهْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪192‬‬
‫وزانا بالضِرهْ‬ ‫منِ الذي أنبتها‬
‫قُدرتُه مُقْتدِرهْ‬ ‫ذاك هو الُ الذي‬
‫فأجْهش الناسُ بالبكاءِ ‪.‬‬
‫إنهُ فاطرُ السماواتِ والرضِ مرسومةٌ آياتُه ف الكائناتِ ‪ ،‬تنطقُ بالوحدانيّةِ والصّمديةِ‬
‫والربوبيّةِ واللوهيّةِ ﴿ رَبّنَا مَا خَ َلقْتَ هَذا بَا ِطلً ﴾ ‪.‬‬
‫منْ دعائ ِم السرورِ والرتياحِ ‪ ،‬أنْ تشْعُرَ أنّ هناك ربّا يرحمُ ويغفرُ ويتوبُ على منْ‬
‫تاب ‪ ،‬فأبشِرْ برحةِ ربّك الت وسعتِ السماواتِ والرض ‪ ،‬قال سبحانه ‪ ﴿ :‬وَرَ ْحمَتِي‬
‫وَ ِسعَتْ كُلّ شَيْءٍ ﴾ ‪ ،‬وما أعظم لطفهُ سبحانه وتعال ‪ ،‬وف حديثٍ صحيحٍ ‪ :‬أنّ أعرابيّا‬
‫‪ ،‬فلمّا أصبح ف التّش ّهدِ قال ‪ :‬اللهمّ ارحن وممدا ‪ ،‬ول ترحمْ معنا‬ ‫صلّى مع رسو ِل الِ‬
‫‪ (( :‬لقدْ حجرت واسعا )) ‪ .‬أي ‪ :‬ضيّقت واسعا ‪ ،‬إنّ رحة ال ِه وسعتْ كلّ‬ ‫أحدا ‪ .‬قال‬
‫شيءٍ ﴿ َوكَانَ بِاْلمُ ْؤمِِنيَ رَحِيما ﴾ ‪ (( ،‬الُ أرحمُ بعبادِ ِه منْ هذهِ بولدِها )) ‪.‬‬
‫ب الِ ع ّز وجلّ‪ ،‬فجمعه سبحانه وتعال وقال‬
‫أحرق رجلٌ نفسه بالنارِ فرارا منْ عذا ِ‬
‫له‪ (( :‬يا عبْدِي ‪ ،‬ما َحمَلَك على ما صنعت ؟ قال ‪ :‬يا ربّ ‪ِ ،‬خفْتُك ‪ ،‬وخشيتُ ذنوب ‪.‬‬
‫فأدخلهُ الُ النّة )) ‪ .‬حديثٌ صحيحٌ ‪.‬‬
‫﴿ وََأمّا َمنْ خَافَ َمقَامَ رَّبهِ وََنهَى الّن ْفسَ َعنِ اْلهَوَى{‪ }40‬فَإِنّ اْلجَّنةَ هِيَ اْل َمأْوَى ﴾ ‪.‬‬
‫حاسب الُ رجلً مُسرفا على نفسِه موحّدا‪ ،‬فل ْم يدْ عندهُ حسَنَةً ‪ ،‬لكنّه كان يُتاجرُ‬
‫ف الدنيا‪ ،‬ويتجاوزُ عنِ الُ ْعسِرِ‪ ،‬قال الُ‪ :‬ننُ أولْى بالكرمِ منك ‪ ،‬تاوزوا عنهُ‪ .‬فأدخله الُ‬
‫النّة ‪.‬‬
‫لَا َتقْنَطُوا مِن رّ ْح َمةِ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬ ‫الدّينِ ﴾ ‪﴿ ،‬‬ ‫﴿ وَاّلذِي أَ ْطمَعُ أَن َي ْغ ِفرَ لِي خَطِيئَتِي يَوْ َم‬
‫صلّى بالناسِ ‪ ،‬فقام رجلٌ فقال ‪ :‬أصْبتُ حدّا ‪ ،‬فأقِمْهُ‬ ‫عند مسلمٍ ‪ :‬أنّ الرسول‬
‫عليّ ‪ .‬قال ‪ (( :‬أصليت معنا ؟ )) ‪ .‬قال ‪ :‬نعمْ ‪ .‬قال ‪ (( .‬اذهبْ فقد ُغفِر لك )) ‪.‬‬
‫جدِ ال ّل َه َغفُورا رّحِيما ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َومَن َي ْعمَلْ سُوءا أَوْ َيظْ ِلمْ َن ْفسَهُ ُثمّ َيسَْتغْ ِفرِ ال ّلهَ َي ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪193‬‬
‫هناك لُطفٌ خفيّ يكْتنف العبدَ ‪ ،‬مِنْ أمامِهِ ومنْ خلفه ‪ ،‬وعن يينهِ وع ْن شالِهِ ‪ ،‬ومِ ْن‬
‫صخْرةُ‬ ‫فوقِه وم ْن تتِ قدميْهِ ‪ ،‬صاحبُ اللّطفِ الفيّ هو الُ ربّ العالي ‪ ،‬انطبقتْ عليهمُ ال ّ‬
‫ف الغارِ ‪ ،‬وأنْجى إبراهيم من النارِ ‪ ،‬وأنى موسى من الغرقِ ‪ ،‬ونُوحا من الطّوفانِ ‪ ،‬ويوسف‬
‫لبّ وأيوب من الرضِ ‪.‬‬ ‫من ا ُ‬
‫***************************************‬
‫وقفــة‬
‫يقولُ ‪ (( :‬ما منْ مسلمٍ تُصيبُه مصيبةٌ‬ ‫عن أمّ سََلمَةَ أنّها قالتْ ‪ :‬سعتُ رسول الِ‬
‫‪ ،‬فيقولُ ما أمره الُ ‪ ﴿ :‬إِنّا ِل ّلهِ وَإِنّـا إِلَ ْيهِ رَاجِعونَ ﴾ اللّهمّ ا ُجرْن ف مصيبت وأخلفْ ل‬
‫خيا منْها ؛ إلّ أخلف الُ لهُ خيا منْها )) ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫تدُومُ على حيّ وإنْ هِي جّلتِ‬ ‫خليليّ ل والِ ما مِنْ ُمِلمّةٍ‬
‫ول تُكثِر الشّكْوى إذا النّع ُل زّلتِ‬ ‫ت يوما فل تْضَعَنْ لا‬ ‫فإنْ نزل ْ‬
‫فصابرها حت مضتْ واضمحّلتِ‬ ‫فكمْ مِنْ كر ٍي قدْ بُل ْي بنوائبٍ‬
‫ت صبي على الذّلّ ذّلتِ‬ ‫فلمّا رأ ْ‬ ‫وكانتْ على اليامِ نفسي عزيزةً‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫ورُبّما خِي ل ف الغمّ أحيانا‬ ‫يضي ُق صدري بغمّ عند حادِثةٍ‬
‫وعند آخرِه روْحا وريْحانا‬ ‫ورُبّ يومٍ يكو ُن الغمّ أوّلهُ‬
‫إ ّل ول فرجٌ قد حلّ أوْ حانا‬ ‫ما ضِقتُ ذرْعا عند نائِبةٍ‬
‫********************************‬
‫الفعالُ الميلةُ طريقُ السعادةِ‬
‫رأيتُ ف أوّلِ ديوانِ حاتٍ الطّائيّ كلمةً جيلةً لهُ ‪ ،‬يقو ُل فيها ‪ :‬إذا كان تركُ الشّرّ‬
‫يكفيك ‪ ،‬فدَعْهُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪194‬‬
‫عَ ْنهُمْ ﴾‬ ‫ض‬
‫ومعناهُ ‪ :‬إذا كان يسع السّكوتُ ع ِن الشّرّ واجتنابُه ‪ ،‬فحسبُه بذلك ﴿فََأ ْعرِ ْ‬
‫‪َ ﴿ ،‬و َدعْ َأذَا ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫مبّةُ للناسِ موهب ٌة ربّانيّةٌ ‪ ،‬وعطاءٌ مباركٌ من الفتّاحِ العليمِ ‪.‬‬
‫ث بأرضٍ ‪،‬‬ ‫يقول ابنُ عباسٍ متحدّثا بنعمةِ الِ عزّ وجلّ ‪ :‬فّ ثلثُ خصالٍ ‪ :‬ما نزل غي ٌ‬
‫ت بقاضٍ عادلٍ ‪ ،‬إلّ‬ ‫إلّ حدتُ ال وسُررتُ بذلك ‪ ،‬وليس ل فيها شا ٌة ول بعيٌ ‪ .‬ول سع ُ‬
‫ب الِ ‪ ،‬إلّ ودِدتُ أنّ الناس‬ ‫دعوتُ ال له ‪ ،‬وليس عنده ل قضيّةٌ ‪ .‬ول عَرَفتُ آيةً منْ كتا ِ‬
‫يعرفون منها ما أعرفُ ‪.‬‬
‫إنه ُحبّ اليِ للناسِ ‪ ،‬وإشاعةُ الفضيل ِة بينهمْ وسلم ُة الصّدرِ لمْ ‪ ،‬والّنصْحُ ك ّل النصحِ‬
‫للخليقةِ ‪.‬‬
‫يقولُ الشاعرُ ‪:‬‬
‫سحاِئبُ ليس تنْتَ ِظمُ البلدا‬ ‫فل نزلتْ علىّ ول بأرضي‬
‫العن ‪ :‬إذا ل تك ِن الغمامةُ عامّةً ‪ ،‬والغيْثُ عامّا ف الناسٍ ‪ ،‬فل أريدُها أنْ تكون خاصّةً‬
‫َفضْ ِلهِ﴾‬ ‫ب‪ ،‬فلستُ أنانيّا ﴿اّلذِينَ يَ ْبخَلُونَ وَيَ ْأ ُمرُونَ النّاسَ بِالُْبخْلِ وَيَكُْتمُونَ مَا آتَا ُهمُ ال ّلهُ مِن‬
‫أل يُشجيك قوْلُ حاتٍ ‪ ،‬وهو يتحدّثُ ع ْن رُوحِه الفيّاضةِ ‪ ،‬وعن خلقِهِ المّ ‪:‬‬
‫وُيحْيي العِظام البيض وهْي رميمُ‬ ‫أما والذي ل يعل ُم الغيب غيُهُ‬
‫مافة يومٍ أن يُقالَ لئيمُ‬ ‫لق ْد كنتُ أطوِي البطن والزّادُ يُشتهى‬
‫****************************************‬
‫ال ِعلْمُ النافعُ والعلمُ الضّارّ‬
‫لِيهْنِك العِ ْلمُ إذا دلّك على الِ ‪ ﴿ .‬وَقَالَ اّلذِينَ أُوتُوا اْلعِ ْلمَ وَالِْإيَانَ َل َقدْ لَبِثُْتمْ فِي‬
‫كِتَابِ ال ّلهِ إِلَى َيوْمِ الَْبعْثِ ﴾ ‪ .‬إنّ هناك علما إيانيّا ‪ ،‬وعلما كافرا ‪ ،‬يقولُ سبحانه وتعال‬
‫عنْ أعدائِهِ ‪َ ﴿ :‬يعْ َلمُونَ ظَاهِرا مّنَ اْلحَيَاةِ الدّنْيَا وَ ُه ْم َعنِ الْآ ِخرَةِ ُه ْم غَافِلُونَ ﴾ ‪ .‬ويقول‬
‫عنهم ‪ ﴿ :‬بَلِ ادّا َر َك عِ ْلمُ ُهمْ فِي الْآ ِخرَةِ بَلْ ُهمْ فِي َشكّ مّ ْنهَا بَلْ هُم مّ ْنهَا عَمِونَ ﴾ ‪ .‬ويقولُ‬
‫عنهم ﴿ ذَلِكَ مَبْ َل ُغهُم ّمنَ اْلعِ ْلمِ ‪ . ﴾ ....‬ويقولُ جلّ وعل ‪ ﴿ :‬وَاْت ُل عَلَ ْيهِمْ نَبَأَ اّلذِيَ آتَيْنَاهُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪195‬‬
‫آيَاتِنَا فَانسَ َلخَ مِ ْنهَا َفأَتَْب َعهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ ِمنَ اْلغَاوِينَ{‪ }175‬وََلوْ شِئْنَا َلرَ َفعْنَاهُ ِبهَا وَلَـكِّنهُ‬
‫حمِ ْل عَلَ ْيهِ يَ ْلهَثْ أَوْ تَ ْترُ ْكهُ يَ ْلهَث‬
‫أَخْ َلدَ إِلَى الَ ْرضِ وَاتّبَعَ هَوَاهُ َفمَثَ ُلهُ َكمَثَلِ الْكَلْبِ إِن َت ْ‬
‫ذّلِكَ مَثَلُ اْلقَوْمِ اّلذِينَ َكذّبُواْ بِآيَاتِنَا فَا ْقصُصِ اْلقَصَصَ َلعَ ّل ُهمْ يََتفَ ّكرُونَ ﴾ ‪ .‬وقال سبحانه‬
‫حمِلُ أَ ْسفَارا ﴾ ‪ :‬إنّه علمٌ لكنّه ل يهدي ‪،‬‬
‫حمَارِ َي ْ‬
‫وتعال ع ِن اليهودِ وعنْ علمِهم ‪َ ﴿ :‬كمَثَلِ اْل ِ‬
‫وبرهانٌ ل يشفي ‪ ،‬وحجّ ٌة ليستْ قاطع ًة ول فالِةً ‪ ،‬ونَقْلٌ ليس بصا ِدقٍ ‪ ،‬وكلمٌ ليس بقّ ‪،‬‬
‫ودللةٌ ولكن إل النرافِ ‪ ،‬وتوجّهٌ ولكن إل غيّ ‪ ،‬فكيف يدُ أصحابُ هذا العلمِ السعادة ‪،‬‬
‫وهمْ أوّلُ منْ يسحقُها بأقدامِهم ‪ ﴿ :‬فَاسَْتحَبّوا اْل َعمَى عَلَى اْل ُهدَى ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَقَوِْل ِهمْ قُلُوبُنَا‬
‫غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ ال ّل ُه عَلَ ْيهَا بِ ُك ْفرِ ِهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ت اللوفِ من الكتبِ الائلةِ الذهلةِ ف مكتبةِ الكونرس بواشنطن‪ ،‬ف ك ّل‬ ‫رأيتُ مئا ِ‬
‫فنّ ‪ ،‬وف ك ّل تصّصٍ ‪ ،‬عنْ كلّ جي ٍل وشعبٍ وأُمةٍ وحضارةٍ وثقافةٍ ‪ ،‬ولكنّ المة الت تتضنُ‬
‫هذه الكتبة العظمى ‪ ،‬أُمّةٌ كافرةٌ بربّها ‪ ،‬إنا ل تعلمُ إل العال النظور الشهود ‪ ،‬وأمّا ما وراء‬
‫ذلك فل سْع ول َبصَرَ ول ق ْلبَ ول وَعْيَ ﴿ وَ َجعَلْنَا َل ُهمْ َسمْعا وَأَْبصَارا وَأَفِْئدَةً َفمَا َأغْنَى‬
‫عَنْ ُهمْ َسمْ ُع ُهمْ وَلَا أَْبصَارُ ُهمْ وَلَا أَفِْئدَُتهُم مّن شَيْءٍ ﴾ ‪.‬‬
‫إن الرّوضَ أ ْخضَرُ ‪ ،‬ولكنّ العنْزَ مريضةٌ ‪ ،‬وإ ّن التّمْرَ مقفزيّ ‪ ،‬ولك ّن البُخل مرْو ِزيّ ‪،‬‬
‫ب زُللٌ ‪ ،‬ولكن ف الفم مرارةً ﴿ َكمْ آتَيْنَاهُم مّنْ آَيةٍ بَيَّنةٍ ﴾ ‪َ ﴿ .‬ومَا تَأْتِيهِم مّنْ‬
‫وإن الاء عذْ ٌ‬
‫آَيةٍ ّمنْ آيَاتِ رَّب ِهمْ إِلّ كَانُوْا عَ ْنهَا ُم ْعرِضِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫ع والتّأمّلِ‬
‫أ ْكِثرْ من الطّل ِ‬
‫ع الثقافةِ ‪ ،‬وعُم ُق‬
‫إنّ مّا يشرحُ الصدر ‪ :‬كثْرةُ العرفةِ ‪ ،‬وغزارةُ الادّ ِة العلميّةِ ‪ ،‬واتّسا ُ‬
‫الفكرِ ‪ ،‬وبُع ُد النّظْرةِ ‪ ،‬وأصالةُ الف ْهمِ ‪ ،‬والغوْصُ على الدليلِ ‪ ،‬ومعرفةُ سرّ السألةِ ‪ ،‬وإدراكُ‬
‫خشَى ال ّلهَ ِم ْن عِبَادِهِ اْلعُ َلمَاء ﴾ ‪ ﴿ ،‬بَلْ‬
‫مقاصدِ المورِ ‪ ،‬واكتشافُ حقائقِ الشياءِ ﴿ إِّنمَا َي ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪196‬‬
‫َكذّبُواْ ِبمَا َلمْ ُيحِيطُواْ ِبعِ ْل ِمهِ ﴾ ‪ .‬إنّ العالِم رحْب الصدرِ ‪ ،‬واسع البالِ ‪ ،‬مطمئنّ النفْسِ ‪،‬‬
‫منشرحُ الاطرِ ‪..‬‬
‫وينقصُ إنْ به كفّا شددْتا‬ ‫يزيدُ بكثْرةِ النفاقِ منهُ‬
‫ف كبيٌ ف درجِ مكتب ‪ ،‬مكتوبٌ عليه ‪ :‬حاقا ٌ‬
‫ت‬ ‫يقولُ أحد مفكّري الغربِ ‪ :‬ل مل ّ‬
‫ت وتوافه وعثراتٍ أُزاولُها ف يومي وليلت ‪ ،‬لتلّص منها ‪.‬‬ ‫ارتكبتُها ‪ ،‬أكتبُه لكلّ سقطا ِ‬
‫قلت ‪ :‬سبقك علماءُ سلفِ هذه الُمّةِ بالُحاسبةِ الدقيقةِ والتّنْقيبِ الُضن لنفسِهم ﴿وَلَا‬
‫أُ ْقسِمُ بِالّنفْسِ اللّوّا َمةِ ﴾ ‪.‬‬
‫قال الس ُن البصريّ ‪ :‬السلمُ لنفسِهِ أشدّ مُحاسَبَةً من الشريكِ لشريكِهِ ‪.‬‬
‫وكان الربيعُ بنُ خُثْيمٍ يكُتبُ كلمهُ من المعةِ إل المعةِ ‪ ،‬فإنْ وَ َجدَ حسنةً حِد ال ‪،‬‬
‫وإنْ وَ َجدَ سيّئةً استغفر ‪.‬‬
‫وقال أحدُ السلفِ ‪ :‬ل ذنبٌ منْ أربعي سنةً ‪ ،‬وأنا أسألُ ال أنْ يغفرهُ ل ‪ ،‬ول زلتُ‬
‫ُألّ ف طلبِ الغفرةِ ﴿ وَاّلذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوا وّقُلُوُب ُهمْ وَجِ َلةٌ ﴾ ‪.‬‬
‫********************************‬
‫ب نَفْسَكَ‬
‫حا ِس ْ‬
‫احتفظِ بذكّرةٍ لديك ‪ ،‬لتُحاسب با نفْشك ‪ ،‬وتذكر فيها السلبيّاتِ اللزمة لك ‪،‬‬
‫وتبدأ بذكْر التّقدّمِ ف معالتِها ‪.‬‬
‫قال عمرُ ‪ :‬حاسِبوا أنفُس ُكمْ قبل أنْ تُحاسبوا ‪ ،‬وزِنُوها قبل أن تُوزنوا ‪ ،‬وتزيّنوا للعرضِ‬
‫الكبِ ‪.‬‬
‫ثلثةُ أخطاءٍ تتك ّررُ ف حياتِنا اليومية ‪:‬‬
‫الولُ ‪ :‬ضياعُ الوقتِ ‪.‬‬
‫سنِ إسلمِ الرءِ تركهُ ما ل يعنيهِ )) ‪.‬‬
‫الثان ‪ :‬التّكلّ ُم فيما ل يعن ‪ (( :‬مِنْ ُح ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪197‬‬
‫الثالثُ ‪ :‬الهتمامُ بتوافِ ِه المورِ ‪ ،‬كسما ِ‬
‫ع تويفاتِ الُرجِفي ‪ ،‬وتوقّعاتِ الثبّطي ‪،‬‬
‫وتوهّماتِ الُوسوسِي ‪َ ،‬ك َدرٌ عاجلٌ ‪ ،‬وهمّ معجّلٌ ‪ ،‬وهو منْ عوائقِ السعادةِ وراحةِ البالِ ‪.‬‬
‫يقولُ امرؤُ القيسِ ‪:‬‬
‫وهلْ يعِمنْ منْ كان ف ال ُعصُر الال‬ ‫أل ِعمْ صباحا أيها الطّل ُل البال‬
‫قلي ُل الموم ل يبِيتُ بأوجالِ‬ ‫وهلْ يعِمنْ إل سعيدٌ منعّمٌ‬
‫‪:‬‬ ‫عمّ العباس دعاءً يمعُ سعادة الدنيا والخرةِ ‪ ،‬وهو قولُه‬ ‫علّم الرسولُ‬
‫((اللّهم إن أسألُك ال َعفْوَ والعافية )) ‪.‬‬
‫وهذا جام ٌع مانعٌ شافٍ كافٍ فيه خيُ العاجلِ والجلِ ‪.‬‬
‫شقَى ﴾ ‪.‬‬
‫سنَ ثَوَابِ ال ِخرَةِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَلَا َيضِلّ وَلَا َي ْ‬
‫﴿ فَآتَا ُهمُ ال ّلهُ ثَوَابَ الدّنْيَا وَ ُح ْ‬
‫***************************************‬
‫خُذوا حِ ْذ َركَمْ‬
‫منْ سعادةِ العبدِ ا ْخذُ الَيْطةِ واستعمالُ السبابِ ‪ ،‬مع التّوكّلِ على الِ عزّ وجلّ ‪ ،‬فإن‬
‫الرسول بارز ف بعضِ الغزواتِ وعليه دِرعٌ ‪ ،‬وهو سّيدُ التوكّلي ‪ ،‬وقال لحدِهم لا قال‬
‫له ‪ :‬أعقِلُها يا رسول الِ ‪ ،‬أوْ أتوكّلُ ؟ قال ‪ (( :‬اعقِلها وتوكّل )) ‪.‬‬
‫ل قُوا ُم التوحيدِ ‪ ،‬وترْكُ السبب مع التوكّلِ على الِ‬
‫فال ْخ ُذ بالسببِ والتّوكّلُ على ا ِ‬
‫ح ف التوحيدِ ‪.‬‬
‫ل َقدْ ٌ‬
‫ق ْدحٌ ف الشرعِ ‪ ،‬وأخ ُذ السببِ مع ترْكِ التوكّلِ على ا ِ‬
‫و َذكَرَ ابنُ الوزيّ ف هذا ‪ :‬أ ّن رجلً قصّ ظفره ‪ ،‬فاستفحل عليه فمات ‪ ،‬ول يأ ُخذْ‬
‫باليْطةِ ‪.‬‬
‫ورجُلٌ َدخَلَ على حارٍ منْ سردان ‪ ،‬فهصر بطنهُ فمات ‪.‬‬
‫وذكروا عنْ طه حسي – الكاتبِ الصريّ – أنه قال لسائقِهِ ‪ :‬ل تُسرعْ حت نصِل‬
‫مبكّرين ‪.‬‬
‫وهذا معن مثلٍ ‪ :‬رُبّ عجلةٍ تبُ ريْثا ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪198‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫وقدْ يكونُ مع التعجّلِ الزّللُ‬ ‫قد يُدرِكُ الُتأنّي بعض حاجتِه‬
‫حرّ‬
‫َتقِي ُكمُ اْل َ‬ ‫﴿ وَلْيََتلَطّفْ ﴾ ‪﴿ ،‬‬ ‫فالتّوقّي ل يُعارضُ القدر ‪ ،‬بلْ هو منهُ ‪ ،‬ومنْ لُبّهِ‬
‫وَ َسرَابِيلَ َتقِيكُم َبأْسَ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫اكْسبِ الناس‬
‫سبِ الناس ‪ ،‬واستجلب مبّتِهم وعطفِهم ‪ ،‬قال‬
‫ومنْ سعادةِ العبدِ قُدرتُه على ك ْ‬
‫ص ْدقٍ فِي الْآ ِخرِينَ ﴾ ‪ ،‬قال الفسرون ‪ :‬الثّناءُ‬
‫إبراهيمُ عليه السلمُ ‪ ﴿ :‬وَا ْجعَل لّي ِلسَانَ ِ‬
‫السنُ ‪ .‬وقال سبحانه وتعال عنْ موسى ‪ ﴿ :‬وَأَْلقَيْتُ عَلَيْكَ َمحَّبةً مّنّي ﴾ ‪ .‬قال بعضُهم ‪:‬‬
‫ما رآك أحدٌ إل أحبّك ‪.‬‬
‫وف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬أنتم شهداءُ الِ ف الرض )) ‪ .‬وألسنةُ ال ْلقِ أقلمُ القّ ‪.‬‬
‫وصحّ ‪ (( :‬أن جبيل يُنادي ف أهلِ السماءِ ‪ :‬إنّ يبّ فلنا فأحبّوه ‪ ،‬فيُحّبهُ أهلُ‬
‫السماءِ ‪ ،‬ويُوضعُ له القبُول ف الرضِ )) ‪.‬‬
‫ومنْ أسبابِ الودّ ‪ :‬بسْطةُ الوج ِه ولِيُ الكلمِ وسَعَةُ الُلقُ ‪.‬‬
‫‪ (( :‬ما‬ ‫ب أرواحِ الناسِ إليك ‪ :‬الرّفقُ ؛ ولذلك يقولُ‬
‫إنّ منْ العواملِ القويةِ ف ج ْل ِ‬
‫كان الرّفقُ ف شيءٍ إل زانه ‪ ،‬وما نُزع منْ شيءٍ إل شانهُ )) ‪.‬‬
‫ويقول ‪ (( :‬من يُحرم الرفق ‪ ،‬يُحرم الي كلّه )) ‪.‬‬
‫قال أحد الكماء ‪ :‬الرفق يُخرج اليّة من ُجحْرها ‪.‬‬
‫قال الغربيّون ‪ :‬اجْ ِن العسل ‪ ،‬ول تَ ْكسِرِ اللِيّة ‪.‬‬
‫وف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬الؤمُن كالّنحْلةِ تأكلُ طيّبا ‪ ،‬وتضعُ طيّبا ‪ ،‬وإذا وقعتْ‬
‫سرْهُ )) ‪.‬‬
‫على عودٍ ‪ ،‬ل تك ِ‬
‫************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪199‬‬
‫ت القُدرة‬
‫تنقّلْ ف الدّيارِ واقرأْ آيا ِ‬
‫ومّا يلُب الفرح والسّرور ‪ :‬السْفارُ والتّنقّ ُل ف الدّيارِ ورؤي ُة المصارِ ‪ ،‬وقد سبقتْ‬
‫﴾‬ ‫سمَاوَاتِ وَالَ ْرضِ‬
‫كلمةٌ ف أوّل هذا الكتابِ عنْ هذا ‪ .‬قال سبحانه ‪ ﴿ :‬ان ُظرُواْ مَاذَا فِي ال ّ‬
‫‪ ﴿ ،‬قُلْ سِيُوا فِي الَْأ ْرضِ فَان ُظرُوا ﴾ ‪ ﴿ ،‬أَفَ َلمْ َيسِيُواْ فِي الَ ْرضِ فَيَن ُظرُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫ب القلب إل إنْ كُبِلْتا‬ ‫يُذي ُ‬ ‫ول تلبثْ بِرْبعٍ فيه ضْيمٌ‬
‫وشرّقْ إنْ بِرِيِقك قدْ ش ِرقْتا‬ ‫ب فالتّغرّبُ فيه ن ْفعٌ‬
‫وغرّ ْ‬
‫جبَ العجاب مِن‬ ‫ومنْ يقرْأ رحلة ابنِ بطّوطة ‪ ،‬على ما فيها من البالغاتِ ‪ِ ،‬يدِ العَ َ‬
‫خ ْل ِق الِ سبحانه وتعال ‪ ،‬وتصريفِه ف الكونِ ‪ ،‬ويرى أنا من العِب العظيمةِ للمؤمنِ ‪ ،‬ومن‬
‫ب الكونّ الفتوحِ ‪.‬‬ ‫الراحةِ له أنْ يسافر ‪ ،‬وأنْ ي ّغيَ أجواءه ومكانه وملّه ‪ ،‬لقرأ ف هذا الكتا ِ‬
‫يقولُ أبو تام – وهو يتحدّث عن التنقلِ ف الدّيارِ ‪: -‬‬
‫ي وبالفسطاطِ جِيان‬ ‫بال ّرقْمت ِ‬ ‫بالشّامِ أهلي وبغدا ُد الوى وأنا‬
‫﴿ قُلْ سِيُوا فِي اْلأَ ْرضِ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬فسِيحُواْ فِي ا َل ْرضِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬حَتّى ِإذَا بَلَغَ َمغْرِبَ‬
‫جمَعَ الَْبحْرَْينِ أَوْ َأ ْمضِيَ ُحقُبا ﴾ ‪.‬‬
‫الشّ ْمسِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬حَتّى أَبْلُغَ َم ْ‬
‫************************************‬
‫تجّ ْد مع التهجّديِن‬
‫وما يُسعدُ النّفْس ويشرحُ الصدر ‪ :‬قيامُ الليلِ ‪.‬‬
‫وقدْ ذكر ف الصحيح ‪ :‬أنّ العبد إذا قام من الليلِ ‪ ،‬وذكر ال ‪ ،‬ث توضّأ وصلّى ‪،‬‬
‫أصبح نشيطا طيّب النفْسِ ‪ ﴿ .‬كَانُوا قَلِيلً ّمنَ اللّيْلِ مَا َي ْهجَعُونَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬و ِمنَ اللّ ْيلِ فََت َهجّدْ ِبهِ‬
‫نَافِ َلةً لّكَ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪200‬‬
‫وقيامُ الليلِ يُذهبُ الدّاء عن السدِ ‪ ،‬وهو حديثٌ صحيحٌ عند أب داود ‪ (( :‬يا‬
‫عبدال ‪ ،‬ل تُك ْن مثْل فلنٍ ‪ ،‬كان يقومُ الليل ‪ ،‬فتَركَ قيامَ الليلِ )) ‪ِ (( ،‬نعْمَ الرج ُل عبدُالِ‬
‫لو كان يقومُ من الليلِ )) ‪.‬‬
‫ل تأسفْ على الشياءِ الفانيةِ ‪ ،‬كلّ شيءٍ ف هذه الياةِ فانٍ إل وجْههُ سبحانه وتعال‬
‫‪ ﴿ ،‬كُلّ َمنْ عَلَ ْيهَا فَانٍ{‪ }26‬وَيَ ْبقَى وَ ْجهُ رَبّكَ ذُو اْلجَلَالِ‬ ‫ج َههُ ﴾‬
‫وَ ْ‬ ‫﴿كُلّ شَيْءٍ هَاِلكٌ إِلّا‬
‫‪.‬‬ ‫كرَامِ ﴾‬
‫وَالِْإ ْ‬
‫إ ّن النسان الذي يأسفُ على دنياه ‪ ،‬كالطّفلِ الذي يبكي على ف ْقدِ لعبتِهِ ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫َوقْفَـــةٌ‬
‫« كلّ اثنيِ منهما قرينانِ ‪ ،‬وها منْ آلمِ الرّوح ومعذّباتِها ‪ ،‬والفرْق بينهما أ ّن ال ّم‬
‫توقّع الشّرّ ف الستقبلِ ‪ ،‬والزُن التّأّلمُ على ُحصُولِ الكروهِ ف الاضي أو فواتُ الحبوبِ ‪،‬‬
‫وكلها تأّلمٌ وعذابٌ ي ِردُ على الرّوحِ ‪ ،‬فإنْ تعلّق بالاضي ُسمّي حزنا ‪ ،‬وإنْ تعلّق بالستقبلِ‬
‫ُسمّي هّا » ‪.‬‬
‫(( اللّهمّ إن أسألك العافية ف الدّنيا والخرةِ ‪ ،‬اللّهمّ إن أسألُك العفْو والعافية ف‬
‫ديِن ودُنياي وأهلي ومال ‪ ،‬اللهمّ اسُترْ عورات وآمِنْ روْعات ‪ ،‬اللهم احفظن منْ بيِ يديّ‬
‫و ِمنْ خلْفي ‪ ،‬وعنْ يين وعنْ شال و ِمنْ فوقي ‪ ،‬وأعوذُ بعظمتك أنْ ُأغْتال ِمنْ تت )) ‪.‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫أيادِيهِ الديثةُ والقديهْ‬ ‫أل تر أنّ ربّك ليس تٌحصى‬
‫يُقِيمُ ول هومُك بالُقيمهْ‬ ‫َتسَلّ ع ِن المومِ فليس شيءٌ‬
‫إليك بنظرةٍ مِْنهُ رحيِمهْ‬ ‫لع ّل ال ينظُرُ بعد هذا‬
‫**************************************‬

‫ثَ َمنُك النّةُ‬


‫ل تحزن‬
‫‪201‬‬
‫يقولُ للشاعرُ ‪:‬‬
‫فكيف أبكي على شيءٍ إذا ذهبا‬ ‫نفسْي الت تلِكُ الشياء ذاهبةٌ‬

‫إ ّن الدنْيا بذهبِها وفضّتِها ومناصبِها ودُورِها وقصورِها ل تستأهلُ قطرة دمعٍ ‪ ،‬فعند‬
‫قال ‪ (( :‬الدنيا ملعونةٌ ‪ ،‬ملعونٌ ما فيها إل ذكْر الِ ‪ ،‬وما واله ‪،‬‬ ‫الترمذيّ أنّ الرسول‬
‫وعالا ومتعلّما )) ‪.‬‬
‫سبُ ‪ ،‬كما يقولُ لبِيدُ ‪:‬‬
‫إنا ودائ ُع فح ْ‬
‫ولب ّد يوما أنْ تُر ّد الودائعُ‬ ‫وما الالُ والهلون إل ودِيعةٌ‬

‫ت والعقاراتِ والسياراتِ ل تؤخّرُ لظةً واحدةً منْ أج ِل العبدِ ‪ ،‬قال حاتُ‬‫إن الليارا ِ‬
‫الطّائيّ ‪:‬‬
‫إذا حشرجتْ يوما وضاق با الصّ ْدرُ‬ ‫ل َعمْرُكَ ما يُغن الثّراءُ عن الفت‬

‫ولذلك قال الكماءُ ‪ :‬اجعلْ للشيء ثنا معقولً‪ ،‬فإنّ الدنيا وما فيها ل تُساوي الؤمنِ‪:‬‬
‫﴿ َومَا َهذِهِ اْلحَيَا ُة الدّنْيَا إِلّا َلهْوٌ وََلعِبٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ويقولُ الس ُن البصريّ ‪ :‬ل تع ْل لنفسِك ثنا غي النةِ ‪ ،‬فإنّ نفْس الؤمنِ غاليةٌ ‪،‬‬
‫وبعضُهم يبيعها ب ُرخْصٍ ‪.‬‬
‫ق سياراتِهم ‪ ،‬ول يأسفون‬ ‫إ ّن الذين ينوحون على ذهابِ أموالِه ْم وتدّمِ بيوتِهم واحترا ِ‬
‫ويزنون على نقْصِ إيانِهم وعلى أخطائِهم وذنوبِهم ‪ ،‬وتقصيِهم ف طاع ِة ربّهمْ سوف‬
‫يعلمون أن ْم كانوا تافهي بق ْدرِ ما ناحُوا على تلك ‪ ،‬ول يأسفوا على هذهِ ؛ لنّ السألة‬
‫مسألةُ قيمٍ ومُثُلٍ ومواقف ورسالةٍ‪ِ﴿ :‬إنّ هَؤُلَاء ُيحِبّونَ اْلعَاجِ َلةَ وََيذَرُونَ َورَاء ُهمْ يَوْما َثقِيلً﴾‪.‬‬
‫******************************************‬
‫البّ القيقيّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪202‬‬
‫كُنْ منْ أولياءِ الِ وأحبائهِ لِتسْعدَ ‪ ،‬إنّ منْ أس ْعدِ السعداءِ ذاك الذي جعل هدفه السى‬
‫‪.‬‬ ‫وَُيحِبّوَنهُ ﴾‬ ‫وغايتُه النشودة ُحبّ الِ عزّ وجلّ ‪ ،‬وما ألْطف قولهُ ‪ُ ﴿ :‬يحِّبهُمْ‬
‫جبُ منْ قولهِ ‪ :‬يبّونه ‪ ،‬ولك ّن العجب م ْن قولِهِ يبّهم ؛ فهو‬
‫قال بعضُهم ‪ :‬ليس ال َع َ‬
‫الذي خلقهم ورزقهم وتولّهُم وأعطا ُهمْ ‪ ،‬ث يبّهم ‪ ﴿ :‬قُلْ إِن كُنُتمْ ُتحِبّونَ ال ّلهَ فَاتِّبعُونِي‬
‫ُيحْبِبْكُمُ ال ّلهُ ﴾ ‪.‬‬
‫ب ال‬
‫وانظرْ إل مكرُمةِ عليّ بنِ أب طالبٍ ‪ ،‬وهي تاجٌ على رأسهِ ‪ :‬رجلٌ يُح ّ‬
‫ل ورسولهُ ‪.‬‬ ‫ورسوله ‪ ،‬ويبّه ا ُ‬
‫إ ّن رجلً من الصحابة أحبّ ﴿ قُلْ هُوَ ال ّلهُ أَ َحدٌ ﴾ ‪ ،‬فكان يردّدُها ف ك ّل ركعةٍ ‪،‬‬
‫‪:‬‬ ‫ويتَولّ ُه بذكْرِها ‪ ،‬ويعيدها على لسانه ‪ ،‬ويُشجي با فؤاده ‪ ،‬ويرّكُ با وجدانه ‪ ،‬قال له‬
‫(( حبّك إيّاها أدْخَلَك النة )) ‪.‬‬
‫ما أعجب بيتي كنتُ أقرؤها قديا ‪ ،‬ف ترج ٍة لحدِ العلماءِ ‪ ،‬يقول ‪:‬‬
‫بليلى وسلمى يسُلبُ الّلبّ والعقْل‬ ‫إذا كان ُحبّ الائِمي من الورى‬
‫َسرَى قلبُه شوقا على العالِ العلى‬ ‫فماذا عسى أن يفعل الاِئمُ الذي‬

‫حنُ أَبْنَاء ال ّلهِ وَأَحِبّاؤُهُ قُلْ فَ ِلمَ ُي َعذّبُكُم ِبذُنُوبِكُم ﴾ ‪.‬‬


‫﴿ وَقَالَتِ الَْيهُودُ وَالّنصَارَى َن ْ‬
‫ب منصبٍ ‪ ،‬وقُتل‬
‫إنّ منون ليلى قتلهُ حبّ امرأةٍ ‪ ،‬وقارون حبّ مالٍ ‪ ،‬وفرعون ح ّ‬
‫حزةُ وجعفرُ وحنظلةُ حبّا ل ولرسوله ‪ ،‬فيا لبُ ْعدِ ما بي الفريقي ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫وقفــــة‬
‫« ينتحرُ ‪ 300‬ضابطِ شرطةٍ سنويّا ف أمريكا ‪ ،‬منهمْ عشرةٌ ف نيويورك وحدها ‪ ..‬ومنذُ‬
‫عام ‪ 1987‬م يتزايدُ عدد ضُبّاط الشرطةِ الُنتحِرِين هناك ‪ ..‬وهي ظاهرةٌ أقلقتِ السّلطاتِ ‪،‬‬
‫ن لضبّاطِ الشرطةِ ببحْثِها ‪.‬‬
‫وقام التا ُد الوط ّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪203‬‬
‫لقدْ وجد التادُ أنّ أبرز أسبابِ انتحا ِر الضباطِ هو ‪ :‬توتّرُ العصا ِ‬
‫ب الدّائمِ الذي يعيشون‬
‫فيه ‪ ،‬فهمْ مُطالبون دائما بالثّباتِ ف الزماتِ ‪ ،‬وتمّلِ الضّغوطِ التزايدةِ مع ارتفاعِ نسبةِ‬
‫الريةِ ‪ ،‬وتمّل اللمِ النّاتة عن التّعامُلِ مع الجرمي‪ ،‬ورؤيةِ جثثِ الضحايا منْ أطفالٍ‬
‫ونساءٍ وعجائز‪ .‬والسببُ الثان هو ‪ :‬وجودُ السلح ِة معهمْ بشكلٍ دائمٍ ‪ ،‬فهي تُساعدُهم أو‬
‫تسهّلُ عليهمُ عمليّة النتحارِ ‪.‬‬
‫ط تتمّ بسلحِهم الاصّ ‪ ،‬ف ثلثةِ أيامٍ‬
‫ث انتحارِ الضبا ِ‬
‫وقد وُجد أنّ ثاني بالائةِ منْ حواد ِ‬
‫متتاليةٍ انتحر ثلثُة ضُبّاطٍ ‪ ،‬كلّ منهم بواسطِة مسدسِهِ اليي » ‪.‬‬
‫********************************‬
‫شريعةٌ سهْلةٌ مُيسّرةٌ‬
‫إنّ ما يُثل ُج صدر السلم ظاهرةُ الُيسْرِ والسّماحةِ ف الشريعةِ السلميةِ ﴿ طه{‪ }1‬مَا‬
‫سرَى﴾ ‪ ﴿ ،‬لَ يُكَلّفُ ال ّلهُ َنفْسا إِلّ وُ ْس َعهَا﴾ ‪،‬‬
‫سرُكَ لِلُْي ْ‬
‫شقَى﴾ ‪ ﴿ ،‬وَنَُي ّ‬
‫أَنزَلْنَا عَلَيْكَ اْل ُقرْآنَ لَِت ْ‬
‫﴿ لَا يُكَلّفُ ال ّلهُ َنفْسا إِلّا مَا آتَاهَا ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَا َجعَ َل عَلَيْ ُكمْ فِي الدّينِ مِنْ َحرَجٍ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وََيضَعُ‬
‫سرِ‬
‫سرِ ُيسْرا{‪ِ }5‬إنّ مَعَ اْلعُ ْ‬
‫َفإِنّ مَعَ اْل ُع ْ‬ ‫عَلَ ْيهِمْ ﴾ ‪﴿ ،‬‬ ‫ت‬
‫صرَ ُهمْ وَا َلغْلَلَ الّتِي كَانَ ْ‬
‫عَنْ ُهمْ إِ ْ‬
‫حمِ ْل عَلَيْنَا إِصْرا َكمَا َحمَلَْتهُ عَلَى‬
‫ُيسْرا﴾ ‪ ﴿ ،‬رَبّنَا لَ تُؤَا ِخذْنَا إِن ّنسِينَا أَوْ أَ ْخطَأْنَا رَبّنَا وَلَ َت ْ‬
‫ف عَنّا وَاغْ ِفرْ لَنَا وَارْ َحمْنَا أَنتَ مَوْلَنَا‬
‫اّلذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبّنَا وَلَ ُتحَمّلْنَا مَا لَ طَا َقةَ لَنَا ِبهِ وَاعْ ُ‬
‫صرْنَا عَلَى اْلقَوْمِ الْكَا ِفرِينَ ﴾ ‪.‬‬
‫فَان ُ‬
‫سرٌ ‪ ،‬ولنْ‬
‫(( رُفع عنْ ُأمّت الطأُ والنسيانُ وما استُ ْكرِهُوا عليهِ )) ‪ (( ،‬إ ّن الدّين ُي ْ‬
‫شرُوا )) ‪ ((،‬بُعثتُ بالنيفيّة السّمْحةِ‬
‫يُشا ّد الدين أحدٌ إلّ غلبه )) ‪ ،‬سدّدُوا وقارِبُوا وأب ِ‬
‫سرُه )) ‪.‬‬
‫)) ‪ (( ،‬خَ ْيرُ دينكم أْي َ‬
‫عُرِضتْ على شاعرٍ معاصرٍ ف دول ٍة وزار ٌة يتولّها ‪ ،‬على أنْ يترُك طموحاتِه ورسالتِه‬
‫وأطرُوحاتِه القّةِ ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫فؤادي حُرا طليِقا غريبا‬ ‫خُذوا كلّ دنياكُ ُم واتركُوا‬
‫وإنْ ِخلُْتمُون وحيدا سليِنا‬ ‫فإنّي أعْظمُكم ثروةً‬
‫ل تحزن‬
‫‪204‬‬
‫******************************************‬
‫**‬
‫س للرّاحةِ‬
‫أُسُ ٌ‬
‫ف ملّةِ ( أهلً وسهلً ) بتاريخ ‪1415 / 4 / 3‬هـ مقالةٌ بعنوان « عشرون وصفةٍ‬
‫لتجنّبِ القلق » بقلم د ‪ .‬حسان شسي باشا ‪.‬‬
‫من معان هذه القالةِ ‪:‬‬
‫إنّ الج َل قد فُرِغ منهُ ‪ ،‬وإنّ كلّ شيءٍ بقضاءٍ وقدرٍ ‪ ،‬فل يأْسفِ العبدُ ‪ ،‬ول يزنْ‬
‫على ما يري ‪ .‬إنّ رزق الخلوقِ عند الال ِق ف السماءِ ‪ ،‬فل يلكُه أحدٌ ‪ ،‬ول يتصرّفُ فيه‬
‫ب بمومِه وغمومِه ‪ ،‬وانتهى فلنْ يعود‪ ،‬ولو اجتمع‬ ‫قومٌ ‪ ،‬ول ينعُه إنسانٌ ‪ .‬وإنّ الاضي قدْ ذَ َه َ‬
‫العالُ بأسْرِه على إعادتِه ‪ .‬وإنّ الستقبل ف عا ِل الغيْبِ ‪ ،‬ول يضرْ إل الن ‪ ،‬ول يستأذِن‬
‫عليك ‪ ،‬فل تسْتدْعِهِ حت يأت ‪ .‬وإ ّن الحسان إل الناسِ يُضفي على القلبِ سرورا ‪ ،‬وعلى‬
‫الصد ِر انشراحا ‪ ،‬وهو يعودُ على مُسديِه أعْ َظمَ بركةٍ وثوابٍ وأجرٍ وراحةٍ منْ أُسدي إليهِ ‪.‬‬
‫سبّ والشّتْمِ حت‬‫ومنْ شِيم الؤمنِ عدمُ الكتراثِ بالنقْدِ الائر الظالِ ‪ ،‬فلمْ َيسَْلمْ من ال ّ‬
‫ربّ العالي ‪ ،‬الذي هو الكاملُ الليلُ الميلُ ‪ ،‬تقدّستْ أساؤُه ‪.‬‬
‫قلتُ ف أبياتٍ ل ‪:‬‬
‫ويظلّ يُ ْقلِقُ قلْبَك الرهابُ‬ ‫فعلم َتحْرِقُ أدمُعا قد وُضّئتْ‬
‫نام اللِيّ تَفَتّحتْ أبوابُ‬ ‫وكّلْ با ربّا جليلً كلّما‬
‫*************************************‬
‫احْذرِ العِشق‬
‫إياك و ِعشْق الصّورِ ‪ ،‬فإنّها همّ حاضِر ‪ ،‬وكَ َدرٌ مستمرّ ‪ .‬منْ سعادةِ السلمِ يُعدُه ع ْن‬
‫ت الشعرا ِء وو ِلهِم وعشقِهم ‪ ،‬وشكواهُم الجْر والوصْل والفراق ‪ ،‬فإنّ هذا منْ فراغ‬ ‫تأوّها ِ‬
‫القلبِ ﴿ أَ َفرَأَيْتَ َمنِ اّتخَذَ إَِل َههُ هَوَاهُ وَأَضَ ّلهُ ال ّل ُه عَلَى عِ ْلمٍ وَخََت َم عَلَى َس ْمعِهِ وَقَلِْبهِ وَ َجعَلَ‬
‫عَلَى َبصَرِ ِه ِغشَاوَةً ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪205‬‬
‫فمنِ الُطالبُ والقتيلُ القاتِ ُل‬ ‫وأنا الذي جََلبَ النيّة طَ ْرفُهُ‬
‫والعن ‪ :‬إنن أستحقّ وأستأهلُ ما ذُقتُ من اللِ والسرةِ ؛ لنن التسّببُ العظ ُم فيما‬
‫جرى ل ‪.‬‬
‫وآخرُ أندلسّ يتباهى بكثرةِ هيامِه وعشقِه وولِهِ ‪ ،‬فيقولُ ‪:‬‬
‫ورُوّع بالوى حيّ ومْيتُ‬ ‫س قبْلي‬ ‫ق النّا ُ‬
‫شكا أل الفِرا ِ‬
‫ت ول رأْيتُ‬ ‫فإنّي ما سع ُ‬ ‫وأمّا مِثْلما ض ّمتْ ضلوعي‬
‫ولو ضمّ بي ضلوع ِه التقوى والذْكر وروحانيّ ًة وربّانيّةً ‪ ،‬لَ َوصَلَ إل القّ ‪ ،‬ولَعَرَ‬
‫الشّيْطَانِ َن ْزغٌ فَاسَْت ِعذْ بِال ّلهِ ﴾‬ ‫نغَنّكَ مِنَ‬
‫الدليل ‪ ،‬ولبصر الرّشد ‪ ،‬وَلسَلَك الادّة ‪ ﴿ :‬وَِإمّا يَ َ‬
‫‪ِ﴿ ،‬إنّ اّلذِينَ اّتقَواْ ِإذَا َمسّ ُهمْ طَائِفٌ مّنَ الشّيْطَانِ َتذَ ّكرُواْ فَِإذَا هُم مّ ْبصِرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ ابن القّيمِ عال هذهِ السألة علجا شافيا كافيا ف كتابِهِ (الدا ُء والدواءُ) فليُ ْر َجعْ إليهِ‪.‬‬
‫إن للعشق أسبابا منها ‪:‬‬
‫‪.1‬فراغُ منْ حُبّه سبحانه وتعال وذكْرِهِ وشُكرِه وعبادتِهِ ‪.‬‬
‫‪.2‬إطلقُ البصرِ ‪ ،‬فإن ُه رائ ٌد يلبُ على القلبِ أحزانا وهوما ‪ ﴿ :‬قُل‬
‫حفَظُوا ُفرُو َجهُمْ ﴾‪(( ،‬النظر ُة سهمٌ‬
‫لّ ْلمُ ْؤمِِنيَ َي ُغضّوا ِمنْ أَْبصَارِ ِهمْ وََي ْ‬
‫منْ سهامِ إبليس))‪.‬‬
‫إل كلّ عيٍ أتعبتْكَ الناظِ ُر‬ ‫وأنت مت أرسلت طرْفك‬
‫عليه ول عنْ بعضِهِ أنت صابِرُ‬ ‫رأيت الذي ل كُلّه أنت قادرٌ‬
‫‪.3‬التقصيُ ف العبوديّةِ ‪ ،‬والتقصيُ ف الذّكْرِ والدّعا ِء والنوافلِ ﴿ إِنّ‬
‫حشَاء وَاْلمُن َكرِ ﴾ ‪.‬‬
‫الصّلَاةَ تَ ْنهَى َعنِ اْل َف ْ‬
‫أمّ دوا ُء العِشْقِ ‪ ،‬فمنْهُ ‪:‬‬
‫صيَ ﴾ ‪.‬‬
‫حشَاء إِّنهُ ِمنْ عِبَادِنَا اْل ُمخْلَ ِ‬
‫صرِفَ عَ ْنهُ السّوءَ وَاْل َف ْ‬
‫﴿ َكذَلِكَ لَِن ْ‬
‫‪.1‬النطراحُ على عتباتِ العبوديّةِ ‪ ،‬وسؤالُ الول الشّفاء والعافية ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪206‬‬
‫حفَظُوا ُفرُو َجهُمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَاّلذِينَ ُهمْ‬
‫‪.2‬وغضّ البصرِ وح ْفظُ الف ْرجِ ﴿ وََي ْ‬
‫ِل ُفرُوجِ ِهمْ حَافِظُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫‪.3‬وهجْرُ ديارِ منْ تعلّق ب ِه القلبُ ‪ ،‬وتركُ بيتهِ وموطنِهِ وذكْرِهِ ‪.‬‬
‫إِّن ُهمْ كَانُوا ُيسَا ِرعُونَ فِي‬ ‫﴿‬ ‫‪.4‬والشتغالُ بالعمالِ الصالةِ ‪:‬‬
‫اْلخَ ْيرَاتِ وََي ْدعُونَنَا َرغَبا وَرَهَبا ﴾ ‪.‬‬
‫‪َ ﴿ ،‬و ِمنْ‬ ‫الّنسَاء ﴾‬ ‫فَان ِكحُواْ مَا طَابَ لَكُم ّمنَ‬ ‫﴿‬ ‫‪.5‬والزّواجُ الشّرْعيّ‬
‫آيَاِتهِ َأنْ خَ َلقَ لَكُم ّمنْ أَن ُفسِكُمْ أَ ْزوَاجا لَّتسْكُنُوا إِلَ ْيهَا ﴾ ‪ (( ،‬يا‬
‫معشر الشبابِ ‪ ،‬منِ استطاع منكمُ الباءة فليتزوّجْ )) ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫حقوقُ الخ ّوةِ‬
‫ما يُسعدُ أخاك السلم أنْ تُناديهِ بأحبّ الساءِ إليهِ ‪.‬‬
‫ول أُلقّبُهُ والسّوْ َءةُ اللّقبُ‬ ‫ُأكْنِيهِ حي أُناديِه لُكرِمهُ‬
‫سمُك ف وجهِ‬
‫وأنْ تشّ وتَبَشّ ف وجهِه (( ولو أنْ تلْقى أخاك بوجه ط ْلقٍ )) ‪ (( ،‬تب ّ‬
‫أخيك صدقةٌ )) ‪ .‬وأ ْن تشجّعهُ على الديثِ معك – أي تتركَ له فرصةً ليتكلّم عنْ نفسِه‬
‫وعن أخبارِهِ – وتأل عنْ أمورِه العامّ ِة والاصّةِ ‪ ،‬الت ل حَ َرجَ ف السؤالِ عنها ‪ ،‬وأنْ تتمّ‬
‫ضهُمْ‬
‫بأموره (( منْ ل يهتمّ بأمرِ السلمي فليس منهمْ )) ‪ ﴿ ،‬وَاْلمُ ْؤمِنُونَ وَاْلمُ ْؤمِنَاتُ َب ْع ُ‬
‫أَوْلِيَاء َبعْضٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬أنْ ل تلومه ول تعْذله على شيءٍ مضى وانتهى ‪ ،‬ول ترجه بالزاحِ ‪ (( :‬ل‬
‫تُمارِ أخاك ول تُمازِحْه ‪ ،‬ول تعِدهُ موعدا فُتخْلِفه )) ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫« أسرارٌ ف الذنوبِ ‪ ..‬ولكنْ ل تذنبْ ! »‬
‫ل تحزن‬
‫‪207‬‬
‫صمُ‬
‫ذكر بعضُ أهلِ العلمِ ‪ :‬أنّ الذنب كالْتمَ على العبد ‪ ،‬ومنْ أسرارها بعد التوبةِ ‪ :‬ق ْ‬
‫جبِ ‪ ،‬وكثرةُ الستغفارِ والتوبةُ والناب ُة والتّوجّهُ والنكسارُ والندامة ‪ ،‬ووقوع القضاءِ‬ ‫ظهر ال ُع ْ‬
‫والقدرِ ‪ ،‬والتّسليمُ بعبوديّةِ مُقابلةِ القضا ِء والقدرِ ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬تقّقُ أساءِ الِ السن وصفاتِه العُلى مثلِ ‪ :‬الرحيمِ والغفورِ والّتوّابِ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫ا ْط ُلبِ الرزق ول ت ِرصْ‬

‫سبحان الال ِق الرازقِ ‪ ،‬أعطى الدود َة رزقها ف الطّيِ ‪ ،‬والسمكة ف الاءِ ‪ ،‬والطائرَ ف‬
‫الواءِ ‪ ،‬والنملةَ ف الظّلماءِ ‪ ،‬واليّة بي الصخورِ الصّمّاءِ ‪.‬‬
‫َذكَرَ ابنُ الوزيّ لطيفةً من اللّطائفِ ‪ :‬أنّ حيّةُ عمياء كانتْ ف رأسِ نلةٍ ‪ ،‬فكان يأتيها‬
‫عصفورٌ بلحمٍ ف فمِه ‪ ،‬فإذا اقترب منها َو ْروَ َر وصفّرَ ‪ ،‬فتفتحُ فاها ‪ ،‬فيضعُ اللحم فيهِ سبحان‬
‫‪.‬‬ ‫طَاِئرٍ َيطِيُ ِبجَنَاحَ ْيهِ إِلّ ُأ َممٌ َأمْثَالُكُم ﴾‬ ‫وَلَ‬ ‫﴿‬ ‫منْ سخ ّر هذا لذِه‬
‫فاسألهُ منْ ذا بالسّمومِ حشاكا‬ ‫وإذا ترى الثعبان ين ُفثُ ُسمّهُ‬
‫ل فاكا‬
‫سمّ َيمْ ُ‬
‫تيا وهذا ال ّ‬ ‫واسألهُ كيف تعيشُ يا ثعبانُ أو‬
‫ب صباح مساء ‪ ،‬فقيل لا ‪ ﴿ :‬يَا َمرْيَمُ‬ ‫كانتْ مريُ عليها السلمُ يأتيها رزقُها ف الحرا ِ‬
‫أَنّى لَكِ هَـذَا قَالَتْ ُهوَ ِمنْ عِندِ ال ّلهِ إنّ ال ّلهَ َيرْ ُزقُ مَن َيشَاءُ ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ ﴾ ‪.‬‬
‫لقٍ ّنحْنُ َنرْزُقُ ُكمْ وَإِيّا ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تز ْن فرزقُك مضمونٌ ﴿ وَلَ َتقْتُلُواْ أَوْ َلدَكُم ّمنْ إ ْم َ‬
‫لتعلم البشريّةُ أ ّن رازق الوالدِ ‪ ،‬هو الذي ل يلدْ ولْ يولدْ ‪.‬‬
‫﴿ وَلَ َتقْتُلُواْ أَوْلدَ ُكمْ َخشَْيةَ ِإمْلقٍ ّنحْنُ َنرْزُ ُق ُهمْ وَإِيّاكُم ﴾ إنّ صاحب الزائنِ‬
‫الكبى جلّ ف عل ُه قد تكفّل بالرزقِ ‪ ،‬فِبم القلقُ والزعي ُم بذلك الُ ؟!‬
‫﴿ فَابَْتغُوا عِندَ ال ّلهِ الرّ ْزقَ وَاعْبُدُوهُ وَاشْ ُكرُوا َلهُ ﴾ ‪.‬‬
‫س ِقيِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَاّلذِي هُوَ يُ ْط ِعمُنِي وََي ْ‬
‫*****************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪208‬‬
‫وقفـــة‬
‫« أمّا الصلةُ فشأُنا ف تفريغِ القلبِ وتقويتِه ‪ ،‬وشرْحِه ‪ ،‬وابتهاجهِ ولذّتِه ‪ ،‬أكبَرْ‬
‫ح بالِ ‪ ،‬وقُربِه والتّنعّمِ بذكرِهِ ‪ ،‬والبتهاجِ بُناجاتِه ‪،‬‬
‫شأنٍ ‪ ،‬وفيها اتّصا ُل القلبٍ والرّو ِ‬
‫والوقوفِ بي يديْهِ ‪ ،‬واستعمالِ جي ِع البد ِن وقُواهُ وآلتِهِ ف عبوديِّتهِ ‪ ،‬وإعطاءِ كلّ عضو حظّه‬
‫منها ‪ ،‬واشتغالِه عن التّعلّقِ باللقِ ومُلبستِهم ومُحا َورَتِهم ‪ ،‬وانذاب قوى قلِبهِ وجوار ِحهِ إل‬
‫ربّه وفاطرِهِ ‪ ،‬وراحتهِ م ْن عدوّه حالة الصل ِة ما صارتْ بهِ منْ أك ِب الدويةِ والفرحاتِ‬
‫والغذيِةِ الت ل تُلئمُ إل القلوب الصحيحة ‪ .‬وأمّا القلوبُ العليل ُة فهي كالبدانِ ‪ ،‬ل تُناسبها‬
‫إ ّل الغذي ُة الفاضلةُ » ‪.‬‬
‫« فالصلةُ منْ أكبِ العوْنِ على تصيلِ مصالِ الدنيا والخرةِ ‪ ،‬ودفْع مفاسِد الدنيا‬
‫والخرةِ ‪ ،‬وهي منْهاةٌ عن الْثمِ ‪ ،‬ودافعةٌ لدواءِ القلوبِ ‪ ،‬ومطْردةٌ للداءِ عن السدِ ‪ ،‬ومُنَوّرةٌ‬
‫للقلبِ ‪ ،‬ومُبيّضةٌ للوجهِ ‪ ،‬ومنشّطةٌ للجوارحِ والنفْسِ ‪ ،‬وجالِبةٌ للرزقِ ‪ ،‬ودافعةٌ للظّ ْلمِ ‪،‬‬
‫وناصِرةٌ للمظلوم ‪ ،‬وقامعةٌ لخلطِ الشّهواتِ ‪ ،‬وحافظةٌ للنعمةِ ‪ ،‬ودافعةٌ للنقمةِ ‪ ،‬ومُنلةٌ‬
‫للرحةِ ‪ ،‬وكاشفةٌ للغّمةِ » ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫شريعةٌ سَمْحةٌ‬
‫خمِ ‪ ،‬يتجلّى ذلك‬ ‫مّا يُف ّرحُ العبد السلم ‪ ،‬ما ف الشريعةِ من الثّوابِ الزي ِل والعطاءِ الض ْ‬
‫ف الكفّراتِ العشْرِ ‪ ،‬كالتوحيدِ وما يكفّرُه من الذنوبِ ‪ .‬والسناتِ الاحيةِ ‪ ،‬كالصلةِ ‪،‬‬
‫والمعةِ إل المعةِ ‪ ،‬والعمرةِ إل العمرةِ ‪ ،‬والجّ ‪ ،‬والصومِ ‪ ،‬ونو ذلك من العمالِ الصالةِ‬
‫‪ .‬وما هناك منْ مُضاعَفَ ِة العمالِ الصالةِ ‪ ،‬كالسنةِ بعشرِ أمثالِها إل سبعمائ ِة ضِعفٍ إل‬
‫أضعافٍ كثيةٍ ‪ .‬ومنها التوبةُ ُتبّ ما قبلها من الذنوبِ والطايا ‪ .‬ومنها الصائبُ الكفّرةُ فل‬
‫يصيبُ الؤمن منْ أذىً إل كفّ َر الُ بهِ منْ خطاياهُ ‪ .‬ومنها دعواتُ السلمي لهُ بظهْ ِر الغيبِ ‪.‬‬
‫ومنها ما يُصيبُه من الكرْبِ وقت الوتِ ‪ .‬ومنها شفاعةُ السلمي له وقت الصلةِ عليهِ ‪ .‬ومنها‬
‫ل تحزن‬
‫‪209‬‬
‫‪ ،‬ورحةُ أرحم الراحي تبارك وتعال ﴿ وَإِن َت ُعدّواْ ِن ْع َمةَ ال ّلهِ لَ‬ ‫شفاعةُ سيّد اللقِ‬
‫ُتحْصُوهَا ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَأَسْبَ َغ عَلَيْ ُكمْ ِن َع َمهُ ظَا ِهرَةً وَبَاطَِنةً ﴾ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫ك أَنتَ الْأَ ْعلَى ﴾‬
‫﴿ لَا َتخَفْ ِإنّ َ‬
‫أوجس موسى ف نفسِهِ خِيفةً ثلث مرّاتٍ ‪:‬‬
‫ط عَلَيْنَا َأوْ‬
‫الول ‪ :‬عندما دخل ديوان الطاغيةِ فرعون ‪ ،‬فقال ‪ ﴿ :‬إِنّنَا َنخَافُ أَن َي ْفرُ َ‬
‫‪ ،‬قال الُ ‪ ﴿ :‬قَالَ لَا َتخَافَا إِنّنِي َمعَ ُكمَا أَ ْسمَعُ وَأَرَى ﴾ ‪.‬‬ ‫طغَى ﴾‬
‫أَن َي ْ‬
‫وحقِيقٌ بالؤمنِ أن تكون ف ذاكرتهِ وف خلدِه ‪ :‬ل تفْ ‪ ،‬إنن أسعُ وأرى ‪.‬‬
‫والثانية ‪ :‬عندما ألقى السحرةُ ِعصِيّهم ‪ ،‬فأوْجس ف نفسِه خيِفةً موسى ‪.‬‬
‫فقال ال تعال ‪ ﴿ :‬لَا َتخَفْ إِنّكَ أَنتَ اْلَأعْلَى ﴾ ‪.‬‬
‫ضرِب ّب َعصَاكَ ﴾ وقال موسى‪﴿ :‬كَلّا‬
‫الثالثةُ ‪ :‬لا أتْبعهُ فرعونٌ بنودِه ‪ ،‬فقال له الُ ‪﴿ :‬ا ْ‬
‫إِنّ َمعِيَ رَبّي سََي ْهدِينِ ﴾ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫إياك وأربعا‬
‫ث ضنْكَ العيشةِ و َك َدرَ الاطرِ وضيِ َق الصّ ْدرِ ‪:‬‬
‫أربعٌ تُور ُ‬
‫ل وقدرِه ‪ ،‬و َعدَمُ الرّضا بهِ ‪.‬‬ ‫الول ‪ :‬التّس ّ‬
‫خطُ من قضاءِ ا ِ‬
‫الثانيةُ ‪ :‬الوقوعُ ف العاصي بل توبةٍ ﴿ قُلْ ُهوَ مِ ْن عِندِ أَْن ُفسِ ُكمْ ﴾ ‪ ﴿،‬فَِبمَا َكسَبَتْ‬
‫أَْيدِيكُمْ ﴾ ‪.‬‬
‫الثالثةُ ‪ :‬القدُ على الناسِ ‪ ،‬و ُحبّ النتقامِ منهمْ ‪ ،‬و َح َ‬
‫سدُهم على ما آتا ُه ُم الُ منْ‬
‫س عَلَى مَا آتَا ُهمُ ال ّلهُ مِن َفضْ ِلهِ ﴾ ‪ (( ،‬ل راحة لسودِ )) ‪.‬‬
‫سدُونَ النّا َ‬
‫حُ‬‫فضلِه ﴿ أَمْ َي ْ‬
‫شةً ضَنكا ﴾ ‪.‬‬
‫الرابعةُ ‪ :‬العراضُ عنْ ذك ِر الِ ﴿ َو َمنْ َأ ْع َرضَ عَن ذِ ْكرِي فَِإنّ َلهُ َمعِي َ‬
‫******************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪210‬‬

‫اس ُك ْن إل ربّك‬
‫راحةُ العبدِ ف سكونِه إل ربّه سبحانه وتعال ‪.‬‬
‫وقد َذكَ َر الُ السكينةَ ف مواطن منْ كتابِه عزّ من قائلٍ ‪ ،‬فقال ‪َ ﴿ :‬أَنزَلَ ال ّلهُ سَكِينََتهُ‬
‫عَلَى رَسُوِلهِ َوعَلَى اْلمُ ْؤمِِنيَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَأَنزَلَ السّكِيَنةَ عَلَ ْي ِهمْ ﴾ ‪ُ ﴿ ،‬ثمّ أَنَزلَ ال ّلهُ سَكِينََتهُ عَلَى‬
‫رَسُوِلهِ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬فأَنزَلَ ال ّلهُ سَكِينََت ُه عَلَ ْيهِ ﴾ ‪.‬‬
‫والسّكينةُ هي ثباتُ القلبِ إل الرّبّ ‪ ،‬أو رسوخُ النان ثقةً بالرحنِ ‪ ،‬أو سُكُونُ‬
‫الاط ِر توكّلً على القادرِ ‪ .‬والسكينةُ هدو ُء لواعِ ِج النفْسِ وسكونُها ‪ ،‬واستئناسُها و ُركُودُها‬
‫وعدمُ تفلّتِها ‪ ،‬وهي حالةٌ من المنِ ‪َ ،‬يحْظَىَ با أهلُ اليانِ ‪ ،‬تُنقذُ ُهمْ منْ مزالقِ اليْرةِ‬
‫والضطرابِ ‪ ،‬ومهاوي الشّكّ والتّسخّطِ ‪ ،‬وهي بسب وليةِ العبدِ لربّه ‪ ،‬وذكْرِه وشُكرِه‬
‫لولهُ ‪ ،‬واستقامتِه على أمرهِ ‪ ،‬واتّباعِ رسولِهِ ‪ ،‬وتسّكِه بدْيِه ‪ ،‬وحبّه لالقِهِ ‪ ،‬وثقتِه ف‬
‫مالكِ أمرهِ ‪ ،‬والعراضِ عمّ سواهُ ‪ ،‬وهجْر ما عداهُ‪ ،‬ل يدعو إل ال‪ ،‬ول يعبدُ إل أياهُ ﴿ يُثَبّتُ‬
‫ال ّلهُ اّلذِينَ آمَنُواْ بِاْلقَوْلِ الثّابِتِ فِي اْلحَيَا ِة الدّنْيَا وَفِي ال ِخرَةِ ﴾ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫كلمتان عظيمتان‬
‫قال المامُ أحد ‪ :‬كلمتان نفعن الُ بما ف الحنةِ‬
‫ب المْرِ ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا أحدُ ‪ ،‬اثبتْ ‪ ،‬فإنك تُجلدُ ف‬
‫الول ‪ :‬لر ُجلٍ حُبس ف شر ِ‬
‫السّنّةِ ‪ ،‬وأنا ُجِلدُتُ ف المرِ مرارا ‪ ،‬وق ْد صبْتُ ‪ ﴿ .‬إِن تَكُونُواْ َتأَْلمُونَ فَإِّن ُهمْ يَأَْلمُونَ َكمَا‬
‫خفّنّكَ اّلذِينَ‬
‫‪ ﴿ ،‬فَاصِْبرْ إِنّ َوعْدَ ال ّلهِ َحقّ وَلَا َيسْتَ ِ‬ ‫لَ َيرْجُونَ ﴾‬ ‫تَأْلَمونَ وََترْجُونَ ِمنَ ال ّلهِ مَا‬
‫‪.‬‬ ‫لَا يُوقِنُونَ ﴾‬
‫ل تحزن‬
‫‪211‬‬
‫الثانيةُ ‪ :‬لعرابّ قال للمامِ أحد – والمامُ أح ُد قدْ أُ ِخذَ إل الْبسِ ‪ ،‬وهو مقّيدٌ‬
‫شرُهُمْ رَّبهُم‬
‫بالسلسلِ ‪ :‬يا أحدُ ‪ ،‬اصبْ ‪ ،‬فإنّما تُقتل منْ هنا ‪ ،‬وتد ُخلُ النة منْ هنا ‪ ﴿ .‬يَُب ّ‬
‫ِبرَحْ َمةٍ مّ ْنهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنّاتٍ ّل ُهمْ فِيهَا َنعِيمٌ ّمقِيمٌ ﴾ ‪.‬‬
‫*******************************************‬
‫منْ فوائدِ الصائبِ‬
‫استخرجُ مكنونِ عبوديةِ الدعاءِ ‪ ،‬قال أحدُهم ‪ :‬سبحان منِ استخرج الدعاء بالبلءِ ‪.‬‬
‫وذكَرُوا ف الثرِ ‪ :‬أنّ ال ابتلى عبدا صالا منْ عبادِهِ ‪ ،‬وقال للئكتِه ‪ :‬لسع صوتهُ ‪ .‬يعن ‪:‬‬
‫بالدعاءِ واللْاحِ ‪.‬‬
‫ومنها ‪َ :‬كسْرُ جاحِ النفسِ وغيّها ؛ ل ّن ال يقول ‪ ﴿ :‬كَلّا ِإنّ الْإِنسَانَ لَيَ ْطغَى{‪ }6‬أَن‬
‫رّآهُ اسَْتغْنَى ﴾ ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬عطفُ الناسِ وحبّهم ودعاؤُهم للمصابِ ‪ ،‬فإنّ الناس يتضامنون ويتعاطفون مع‬
‫منْ أُصيب ومنِ ابتُلي ‪.‬‬
‫ومنها ‪ :‬ص ْرفُ ما هو أعظمُ منْ تلك الصيبةِ ‪ ،‬فغنها صغيةٌ بالنسب ِة لكب منها ‪ ،‬ثّ‬
‫هي كفّارةٌ للذنوبِ والطايا ‪ ،‬وأج ٌر عند الِ ومثوبةٌ ‪ .‬فإذا عَِلمَ العبدُ أنّ هذه ثارُ الصيبةِ أنس‬
‫با وارتاح ‪ ،‬ول ينعجْ ويَقْنطْ ﴿ إِّنمَا يُوَفّى الصّاِبرُونَ أَ ْجرَهُم ِبغَ ْيرِ ِحسَابٍ ﴾ ‪.‬‬
‫************************************‬
‫العلم هُدى وشِفا ٌء ‪:‬‬
‫َذكَرَ ابنُ حزمٍ ف ( مُداواة النفوس ) أنّ م ْن فوائدِ العلمِ ‪ :‬نَفْيَ الوسواسِ عن النّفْسِ ‪،‬‬
‫وطرْ َد المومِ والغمومِ والحزانِ ‪.‬‬
‫وهذا كلمٌ صحيحٌ خاصّةً لنْ أحبّ العِلْم وشغف به وزاولهُ ‪ ،‬وعمل به وظهر عليه‬
‫نفْعُه وأثرُه ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪212‬‬
‫فعلى طالبِ العلمِ أن يوزّع وقته ‪ ،‬فوقتٌ للحفْظِ والتكرارِ والعادةِ ‪ ،‬ووقتٌ للمطالعةِ‬
‫ج ْمعِ والتّرتيبِ ‪ ،‬ووقتٌ للتأمّ ِل والتدبّرِ ‪.‬‬
‫العامّةِ ‪ ،‬ووقتٌ للستنباطِ ‪ ،‬ووقتٌ لل َ‬
‫وهامةُ ِهمّتِ ِه ف الثّريّا‬ ‫ل رِ ْجلُه ف الثّرى‬
‫فكُنْ رجُ ً‬
‫*******************************************‬
‫عسى أن يكون خيا‬
‫ج ف الفرج ) ‪َ :‬ذكَرَ منْ كلمِ أهلِ العلمِ ما مموعُه‬‫للسيوطي كتابٌ بعنوان ( الر ُ‬
‫يُفيدُنا أنّ الحَابّ كثيةٌ ف الكارهِ ‪ ،‬وأنّ الصائب تُسفرُ عن عجائب وعن رغائب ل يُدركُها‬
‫العبدُ ‪ ،‬إل بعد تكشّفِها وانلئِها ‪.‬‬
‫نوائب هذا الدّهرِ أمْ كيف يْذرُ‬ ‫ل َعمْرُك ما يدري الفت كيف يتّقي‬
‫وما ل يرى ما يقِي الُ َأكْبَرُ‬ ‫يرى الشيء مّا يُتّقى فيخافُه‬
‫******************************************‬
‫السعادةُ موهبةٌ ربّانيّة‬
‫ليس عجبا أنْ يكون هناك نفرٌ من الناسِ يلسون على الرصفةِ ‪ ،‬وهم ُعمّا ٌل ل يدُ‬
‫احدُهم إل ما يكفي يومه وليلته ‪ ،‬ومع ذلك يبتسمون للحياةِ ‪ ،‬صدورُهم منشرِحةٌ وأجسامُهم‬
‫قويةٌ ‪ ،‬وقلوبُهم مطمئنّةٌ ‪ ،‬وما ذلك إل لنّهم َعرَفوا أنّ الياة إنا هي اليومُ ‪ ،‬ول يشتغلوا‬
‫بتذكّرِ الاضي ول بالستقبلِ وإنا أفنوْا أعمارهم ف أعمالِهم ‪.‬‬
‫على النّجاةِ ب ْن قدْ عاش أو هلكا‬ ‫وما أُبال إذا نفسي تطاوعُن‬
‫وقارِنْ بي هؤلء وبي أناسٍ يسكنون القصور والدّور الفاخرة ‪ ،‬ولكنّهمْ بَقُوا ف فراغٍ‬
‫وهواجس ووساوس ‪ ،‬فشتتهُ ُم المّ ‪ ،‬وذهب بم ك ّل مذهبِ ‪.‬‬
‫فكُ ّل بعي ٍد ال ّم فيها مُعذّبُ‬ ‫لا الُ ذي الدّنيا مُناخا لراكِبٍ‬
‫********************************************‬
‫*‬
‫ل تحزن‬
‫‪213‬‬
‫ال ّذ ْكرُ الميلُ عمرٌ طويلٌ‬
‫منْ سعادِة العبدِ السلمِ أنْ يكون لهُ عمرٌ ثانٍ ‪ ،‬وهو ال ّذكْرُ السنُ ‪ ،‬وعجبا لنْ وجد‬
‫الذكْر السنَ رخيصا ‪ ،‬ولْ يشترِهِ بالِه وجاهِه وسعيِه وعملِه ‪.‬‬
‫وقدْ سبق معنا أنّ إبراهيم عليهِ السلمُ طلب م ْن ربّه لسان صدْقٍ ف الخرِين ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫الثّناءُ السنُ ‪ ،‬والدعاءُ له ‪.‬‬
‫وعجبْتُ لُناسٍ خلّدوا ثناءً حسنا ف العالِ ُبسْ ِن صنيعهِم وبكرمهِم وبذْلِهم ‪ ،‬حت إنّ‬
‫ُعمَرَ سأل أبناء هرِم بنِ سنانٍ ‪ :‬ماذا أعطاك ْم زهيٌ ‪ ،‬وماذا أعطيتُموهُ ؟ قالوا ‪َ :‬مدَحَنا ‪،‬‬
‫وأعطيناهُ مالً ‪ .‬قال عمرُ ‪ :‬ذهب والِ ما أعطيتموهُ ‪ ،‬وبقي ما أعطاكمْ ‪.‬‬
‫يعن ‪ :‬الثناءُ والديحُ بقي لمْ أبد الدّهرِ ‪.‬‬
‫عند السّرورِ الذي واساك ف الزنِ‬ ‫أول البِيّةِ طُرّا أنْ تُواسِيهُ‬
‫منْ كان يألفُهم ف النلِ الشنِ‬ ‫إن الكرام إذا ما أُر ِسلُوا ذكرُوا‬
‫******************************************‬
‫أُمّهاتُ الراثي‬
‫ت فيهم ‪:‬‬
‫ث قصائد خلّدتْ م ْن قِيل ْ‬ ‫هناك ثل ُ‬
‫ابنُ بقيّة الوزيرُ الشهيُ ‪ ،‬قتلهُ َعضُدُ الدولةِ ‪ ،‬فرثاهُ أبو الس ِن النباريّ بقصيدتِه الرائعةِ‬
‫العامرةِ ‪ ،‬ومنها ‪:‬‬
‫لقّ تِلْك إحدى الُعجزاتِ‬ ‫عُُلوّ ف الياةِ وف الماتِ‬
‫وفو ُد نداك أيام الصّلتِ‬ ‫كأنّ الناس حوْلك حي قاموا‬
‫وهمْ وقفُوا قِياما للصّلةِ‬ ‫كأنّك واقِفٌ فيهم خطيبا‬
‫كمدّها إليهمْ بالِباتِ‬ ‫مددت يديْك نوهُو اختفاءً‬
‫يُواروا فيه تلك الكْرُماتِ‬ ‫ولا ضاق بط ُن الرضِ عنْ أنْ‬
‫عليك اليوم صوت النّائِحاتِ‬ ‫أصاروا الوّ قبك واستعاضوا‬
‫لنّك ُنصْب هطْلِ الاطِلتِ‬ ‫وما لك تُربةٌ فأقولُ تُسقى‬
‫ل تحزن‬
‫‪214‬‬
‫بتبيكِ الفؤادِ الرّائِحاتِ‬ ‫عليك تيّة الرحنِ تتْرى‬
‫بُراسٍ وحُفّاظٍ ثقاتِ‬ ‫لِع ْظمِك ف النّفُوسِ تباتُ تُرعى‬
‫كذلك كُنت أيام الياةِ‬ ‫وتُوقدُ حولك النيانُ ليلً‬
‫ما أجل العباراتِ ‪ ،‬وما أجل البياتِ ‪ ،‬وما أنْبَلَ هذهِ الُثُل ‪ ،‬وما أضخم هذهِ العان ‪.‬‬
‫ال ما أجْملها من أوسةٍ ‪ ،‬وما أحسنها من تِيجان !!‬
‫ت والِ أنن‬ ‫لّا سع هذه البيات عضدُ الدولة الذي قتلهُ ‪ ،‬دمعتْ عيناه وقال ‪ :‬ودد ُ‬
‫قُتلتُ وصُلِْبتَ ‪ ،‬وقيِلتْ فّ ‪.‬‬
‫ويُقتلُ ممدُ بنُ حيدٍ الطوسيّ ف سبي ِل الِ ‪ ،‬فيقولُ أبو تام يرثيه ‪:‬‬
‫فليْس لِعَيْنٍ ل يفِضْ ماؤها ُع ْذرُ‬ ‫كذا فليجلّ الطبُ وليَفْدحِ المرُ‬
‫وأصبح ف شُغلٍ عن السّف ِر السّفرُ‬ ‫تُوفّيتِ المالُ بعد م ّمدٍ‬
‫لا الليلُ إل وهي منْ سُْندُسٍ ُخضْرُ‬ ‫تردّ ثياب الوت ُحمْرا فما دَجَى‬
‫إل آخرِ ما قال ف تلك القصيدةِ الاتِعةِ ‪ ،‬فسمِعها العتصمُ ‪ ،‬وقال ‪ :‬ما مات من قِيلتْ‬
‫فيه هذهِ البياتُ ‪.‬‬
‫ورأيتُ كريا آخر ف سللةِ قُتيبة بنِ مسلمٍ القائدِ الشهيِ ‪ ،‬هذا الكريُ بذل ماله وجاههُ‬
‫‪ ،‬وواسى النكوبي ‪ ،‬ووقف مع الصابي وأعطى الساكي ‪ ،‬وأطعم الائعي ‪ ،‬وكان ملذا‬
‫للخائفي ‪ ،‬فلمّا مات ‪ ،‬قال أحدُ الشعراء ‪:‬‬
‫ول مغرِبٌ غلّ لهُ فيهِ مادحُ‬ ‫مضى ابنُ سعيدٍ حي ل يبق مشرِقٌ‬
‫على الناسِ حت غيّبْتهُ الصّفائحُ‬ ‫وما كنتُ أدري ما فواضِلُ كفّهِ‬
‫وكانتْ به حيّا تضِيقُ الصّحاصحُ‬ ‫ض ضيّقٍ‬ ‫وأصبح ف لدٍ مِن الر ِ‬
‫فحسْبُك من ما تِنّ الوابِحُ‬ ‫سأبكيك ما فاضتْ دموعي فإنْ تفِضْ‬
‫ول بسرورٍ بعد موتِك فا ِرحُ‬ ‫فما أنا مِ ْن ُرزْءٍ وإنْ جلّ جازِعٌ‬
‫على أحدٍ إل عليك النّوائِحُ‬ ‫كأنْ ل يُمتْ حيّ سواك ول ت ُقمْ‬
‫لقد عظمتْ مِنْ قبلُ فيك الدائحُ‬ ‫لئنْ عظُمتْ فيك الراثي وذكْرُها‬
‫وهذا أبو نواس يكتبُ تاريخ الصيبِ أميِ ِمصْرِ‪ ،‬ويسجّل ف دفترِ الزمانِ اسه فيقولُ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪215‬‬
‫فأيّ بلدٍ بعدهنّ تزو ُر‬ ‫إذا ل ت ُز ْر أرض الصيبِ ركابُنا‬
‫ولكنْ يسيُ الودُ حيثُ يسيُ‬ ‫فما جازهُ جودٌ ول حلّ دونه‬
‫ويعلمُ أنّ الدّائراتِ تدورُ‬ ‫فتً يشتري ُحسْن الثّناءِ بالِه‬
‫ث ل يذكُرُ الناسُ منْ حيا ِة الصيبِ ‪ ،‬ول منْ أيامِه إل هذهِ البيات ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫*‬
‫وقفــــــةٌ‬
‫((اللهمّ اقِسمْ لنا ِمنْ خشيتِك ما تُولُ به بيننا وبي معاصيك ‪ ،‬ومنْ طاعتِك ما‬
‫تُب ُلغُنا به جنّتك ‪ ،‬ومن اليقيِ ما تُهوّنُ به علينا مصائب الدنيا ‪ ،‬ومّتعْنا بأساعِنا وأبصارِنا‬
‫صرْنا على منْ‬
‫وقوّتِنا ما أحْييْتنا ‪ ،‬واجْعلْه الوارِث منا ‪ ،‬واجعلْ ثأرنا على منْ َظ َلمَنا ‪ ،‬وان ُ‬
‫عادانا ‪ ،‬ول تعلْ مصيبتنا ف ديننِا ‪ ،‬ول تع ِل الدّنيا أكب هنا ‪ ،‬ول مبلغ عِ ْلمِنا ‪ ،‬ول‬
‫تُس ّلطْ علينا بذنوبنا منْ ل يرحُنا )) ‪.‬‬
‫قال عليّ بنُ مقلة ‪:‬‬
‫وضاق لا بهِ الصّدرُ الرّحيبُ‬ ‫إذا اشتملتْ على اليأسِ القلوبُ‬
‫وأرستْ ف أماكنِها الطوبُ‬ ‫وأوْطنتِ الكار ُه واطمأّنتْ‬
‫ول أغن بِيلتِ ِه الريبُ‬ ‫ول تر لنكشافِ الضّرّوجها‬
‫يُنّ به القريبُ الُستجيِبُ‬ ‫أتاك على قُنُوطِك منهُ َغوْثٌ‬
‫فموصولٌ با فرجٌ قريبُ‬ ‫وكُلّ الادثاتِ وإن تناهتْ‬
‫****************************************‬
‫ربّ ل يظْلِمُ ول َي ْهضِمُ‬

‫أل يقّ لك أنْ َتسْعَدَ ‪ ،‬وأنْ تدأ وأنْ تسكن إل موعو ِد الِ ‪ ،‬إذا علمت أنّ ف السماء‬
‫ربّا عادلً ‪ ،‬وحكما مُنصفا ‪ ،‬أدخل امرأةُ النة ف كلبٍ ‪ ،‬وأدخل امرأ ًة النار ف هِرّة ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪216‬‬
‫فتلك امرأةٌ بغيّ منْ بن إسرائيل ‪ ،‬سقتْ كلبا على ظمأٍ ‪ ،‬فغفر الُ لا وأدخلها النة ‪،‬‬
‫ص العملِ لِ ‪.‬‬‫لِا قام ف قلبِها منْ إخل ِ‬
‫وهذهِ حبست قطّةً ف غُرفةٍ ‪ ،‬ل هي أطعمتْها ‪ ،‬ول سقتْها ‪ ،‬ول تركتْها تأكلُ منْ‬
‫ش الرضِ ‪ ،‬فأدخلها الُ النار ‪.‬‬‫خشا ِ‬
‫فهذا ينفعُك ويُثل ُج صدرك بيثُ تعلمُ أنه سبحانه وتعال يزي على القليلِ ‪ ،‬ويُثيبُ‬
‫على العملِ الصغيِ ‪ ،‬ويُكافئُ عبدهُ على القيِ ‪.‬‬
‫وعند البخاريّ مرفوعا ‪ (( :‬أربعون خصْلةً ‪ ،‬أعلها منِحةُ العنِ ما من عاملٍ يعملُ‬
‫بصلةٍ منها رجاء موعودِها وتصديق ثوابِها إل أدخله الُ النة )) ﴿ َفمَن َي ْعمَلْ مِ ْثقَالَ ذَرّةٍ‬
‫حسَنَاتِ ُيذْهِ ْبنَ السّـيّئَاتِ ﴾ ‪.‬‬
‫خَيْرا َيرَهُ{‪َ }7‬ومَن َي ْعمَلْ مِ ْثقَالَ ذَرّةٍ َشرّا َيرَهُ ﴾ ‪ِ ﴿ ،‬إنّ اْل َ‬
‫ف ّرجْ عنْ مكروبٍ ‪ ،‬وأعطِ مروما ‪ ،‬وانصرْ مظلوما ‪ ،‬وأطعمْ جائعا ‪ ،‬وا ْسقِ ظامئا ‪،‬‬
‫س مصابا ‪ ،‬وقُدْ أُعْمى ‪ ،‬وأر ِشدْ تائِها ‪ ،‬وأكرم ضيفا ‪ ،‬وبِرّ‬
‫و ُعدْ مريضا ‪ ،‬وشيّع جنازةً ‪ ،‬ووا ِ‬
‫ق ب ِدرْهِك ‪ ،‬وأحسِ ْن لفظك‬ ‫جارا ‪ ،‬واحترمْ كبيا ‪ ،‬وارح ْم صغيا ‪ ،‬وابذُلْ طعامك ‪ ،‬وتصدّ ْ‬
‫‪ ،‬وكُفّ أذاك ‪ ،‬فإنه صدقةٌ لك ‪.‬‬
‫ت السامية ‪ ،‬منْ أعظمِ ما يلبُ السعادة ‪ ،‬وانشراح‬ ‫إنّ هذه العان الميلة ‪ ،‬والصفا ِ‬
‫الصدرِ ‪ ،‬وطر َد المّ والغمّ والقلق والزن ‪.‬‬
‫ل ِدرّ الُلُقِ الميلِ ‪ ،‬لو كان رجلً لكان َحسَ َن الشّارةِ ‪ ،‬طيّب الرائحةِ َحسَنَ الذكْرِ ‪،‬‬
‫باسِم الوجهِ ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫اكتبْ تأريك بَنفْسِك‬
‫كنتُ جالسا ف الرَمِ ف شدّةِ الرّ ‪ ،‬قبل صلةِ الظهرِ بساعةٍ ‪ ،‬فقام رجلٌ شي ٌخ كبيٌ ‪،‬‬
‫وأخذ يُباشِرُ على الناسِ بالاءِ الباردِ ‪ ،‬فيأخذُ بيدهِ اليُمن كوبا ‪ ،‬وف اليُسرى كوبا ‪ ،‬ويسقيهمُ‬
‫منْ ماءِ زمزم ‪ ،‬فكلّما شرب شاربٌ ‪ ،‬عاد فأسقى جارهُ ‪ ،‬حت أسقى فِئاما من الناسِ ‪ ،‬وعَ َرقُه‬
‫يتصّببُ ‪ ،‬والناسُ جلوسٌ كلّ ينتظرُ دوره ليشرب م ْن يدِ هذه الشيخِ الكبيِ ‪ ،‬فعجبتُ منْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪217‬‬
‫جلدِهِ ومنْ صبِهِ ومنْ حبّه للخيِ ‪ ،‬ومن إعطائِه هذا الاءَ للناسِ وهو يتبسّمُ ‪ ،‬وعلمتُ أنّ الي‬
‫يسيٌ على منْ يسرّه الُ عليه ‪ ،‬وأ ّن فِعْلَ الميِل َس ْهلٌ على منْ سهّل ُه الُ عليه ‪ ،‬وأنّ لِ‬
‫ادّخاراتٍ من الحسانِ ‪ ،‬ينحُها منْ يشاءُ منْ عبادهِ ‪ ،‬وأ ّن الُ يُجري الفضائل ولو كانتْ‬
‫قليلةً على يدِ أناسٍ خيّين ‪ ،‬يبّون اليْر لعبادِ الِ ‪ ،‬ويكرهون الشّرّ لم ‪.‬‬
‫أبو بكر يع ّرضُ نفسه للخطرِ ف الجرةِ ‪ ،‬حايةً للرسولِ ‪.‬‬
‫وحاتُ ينامُ جائعا ‪ ،‬ليشبع ضيوفه ‪.‬‬
‫وأبو عبيدة يسهرُ على راحةِ جيشِ السلمي ‪.‬‬
‫وعمرُ يطوفُ الدينة والناسُ نيامٌ ‪.‬‬
‫ويتلوى من الوعِ عام الرّمادة ‪ ،‬ليُطعم الناس ‪.‬‬
‫وأبو طلحة يتلقى السهام ف أُ ُحدٍ ‪ ،‬ليقي رسول الِ ‪.‬‬
‫وابنُ الباركِ يُباشِرُ على الناسِ بالطعا ِم وهو صائمٌ ‪.‬‬
‫ومضوا يعدّون الثناء خلودا‬ ‫ذهبوا يرون الذكر عمرا ثانيا‬
‫﴿ وَيُ ْط ِعمُونَ ال ّطعَا َم عَلَى حُّبهِ ِمسْكِينا وَيَتِيما وَأَسِيا ﴾ ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫صتْ لكلمِ الِ‬
‫أْن ِ‬
‫ب الِ ‪،‬‬‫هدّئ أعصابك بالنصاتِ إل كتابِ ربّك ‪ ،‬تلوةً مُمتعةً حسنةً مؤثّرةً منْ كتا ِ‬
‫ئ موّدٍ َحسَ ِن الصوتِ ‪ ،‬تصلُك على رضوانِ الِ عزّ وجلّ ‪ ،‬وتُضفي على‬ ‫تسمعُها م ْن قار ٍ‬
‫نفسِك السكينة ‪ ،‬وعلى قلبِك يقينا وبردا وسلما ‪.‬‬
‫كان يبّ أنْ يسمع القرآن منْ غيِهِ ‪ ،‬وكان يتأثّرُ إذا سع القرآن منْ سواهُ ‪،‬‬
‫وكان يطُلبُ منْ أصحابِه أنْ يقرؤوا عليهِ ‪ ،‬وقد أُنزل عليهِ القرآنُ هو ‪ ،‬فيستأنسُ ويشعُ‬
‫ويرتاحُ ‪.‬‬
‫إنّ لك فيهِ أسوةً أنْ يكون لك دقائقُ ‪ ،‬أو وقتٌ من اليومِ أو الليلِ ‪ ،‬تفتحُ فيهِ الذياع أو‬
‫مسجّلً ‪ ،‬لتستمع إل القارئِ الذي يعجبُك ‪ ،‬وهو يتلو كلم الِ عزّ وجلّ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪218‬‬
‫إ ّن ضجّة الياةِ وبلبلة الناسِ ‪ ،‬وتشويش الخرين ‪ ،‬كفيلٌ بإزعاجِك ‪ ،‬وهدّ قُواك ‪،‬‬
‫وبتشتيتِ خاطرِك ‪ .‬وليس لك سكين ٌة ول طمأنينةٌ ‪ ،‬إلّ ف كتابِ ربّك وف ذكرِ مولك ‪﴿ :‬‬
‫اّلذِينَ آمَنُواْ وَتَ ْطمَئِنّ قُلُوُبهُم ِبذِ ْكرِ ال ّلهِ أَلَ ِبذِ ْكرِ ال ّلهِ تَ ْطمَئِنّ اْلقُلُوبُ ﴾ ‪.‬‬
‫حت تنهمر دموعُه على‬ ‫ابن مسعودٍ ‪ ،‬فيقرأ عليه منْ سورةِ النساءِ ‪ ،‬فيبكي‬ ‫يأمرُ‬
‫خدّه ‪ ،‬ويقولُ ‪ (( :‬حسْبُك الن )) ‪.‬‬
‫ويرّ بأب موسى الشعريّ ‪ ،‬وهو يقرُأ ف السجدِ ‪ ،‬فيُنصتُ لهُ ‪ ،‬فيقولُ له ف الصباحِ ‪:‬‬
‫(( لو رأيتن البارحة وأنا أستمعُ لقراءتِك )) ‪ ،‬قال أبو موسى ‪ :‬لو أعلمُ يا رسول ال أنك‬
‫تستمعُ ل ‪ ،‬لبّرْتُهُ لك تبيا ‪.‬‬
‫بعجوزٍ ‪ ،‬فيُنصت إليها منْ وراءِ بابا ‪ ،‬وهي تقرأُ ﴿ َهلْ أَتَاكَ‬ ‫عند ابن أب حات يرّ‬
‫‪ ،‬تعيدُها وتك ّررُها ‪ ،‬فيقولُ ‪ (( :‬نعم أتان ‪ ،‬نعم أتان )) ‪.‬‬ ‫اْلغَاشَِيةِ ﴾‬ ‫َحدِيثُ‬
‫إنّ للستماعِ حلوةً ‪ ،‬وللنصاتِ طلوةً ‪.‬‬
‫أحدُ الكُتاّبِ اللمعي السلمي سافر إل أوربا ‪ ،‬فأبر ف سفينةٍ ‪ ،‬وركبتُ معه امرأةٌ‬
‫منْ يوغسلفيا ‪ ،‬شيوعيّةٌ فرّتْ منْ ظُلمٍ ومنْ قهرِ تيتو ‪ ،‬فأدركتْه صلةُ المعةِ مع زملئِه ‪،‬‬
‫فقام فخطبهم ‪ ،‬ث صلّى بمْ وقرأ سورة العلى والغاشية ‪ ،‬وكانتِ الرأ ُة ل تيدُ العربية ‪،‬‬
‫كانتْ تُنصتُ إل الكلم وإل الرْسِ وإل النّغمةِ ‪ ،‬وبعد الصلةِ سألتْ هذا الكاتب عن هذهِ‬
‫الياتِ ؟ فأخبها أنا من كل ِم الِ عزّ وجّل ‪ ،‬فبقيتْ مدهوشةً مذهولةً ‪ ،‬قال ‪ :‬ول تكنّي‬
‫جنّ عَلَى أَن يَأْتُواْ ِبمِثْلِ هَـذَا‬
‫لغت لدعُوها إل السلمِ ‪ ﴿ :‬قُل لِّئنِ اجَْتمَعَتِ الِنسُ وَاْل ِ‬
‫ض ُهمْ لَِبعْضٍ َظهِيا ﴾ ‪.‬‬
‫اْل ُقرْآنِ لَ َيأْتُونَ ِبمِثْ ِلهِ وَلَوْ كَانَ َبعْ ُ‬
‫إنّ للقرآنِ سلطانا على القلوبِ ‪ ،‬وهيبةٌ على الرواحِ ‪ ،‬وقوةً مؤثّرةً فاعلةً على النفوسِ‪.‬‬
‫عجبتُ لناسٍ من السلفِ الخبارِ ‪ ،‬ومن التقدّمي البرار‪ ،‬اندّوا أمام تأثيِ القرآن ‪،‬‬
‫وأمام إيقاعاتِه الائلةِ الصادق ِة النافذةِ ‪ ﴿ :‬لَوْ أَنزَلْنَا َهذَا اْل ُقرْآنَ عَلَى جََبلٍ ّلرَأَيَْتهُ خَاشِعا‬
‫صدّعا ّمنْ َخشَْيةِ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫مّتَ َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪219‬‬
‫فذاك عليّ بنُ الفُضيل بن عياضٍ يوتُ لّا سع أباه يقرأُ ‪ ﴿ :‬وَ ِقفُو ُهمْ إِّنهُم مّسْئُولُونَ{‬
‫‪.‬‬ ‫صرُونَ ﴾‬
‫مَا لَ ُكمْ لَا تَنَا َ‬ ‫‪}24‬‬
‫وعمرُ رضي الُ عنه وأرضاهُ منْ ساعِه ليةٍ ‪ ،‬ويبقى مريضا شهرا كاملً يُعادُ ‪ ،‬كما‬
‫يُعادُ الريضُ ‪ ،‬كما ذكر ذلك ابنُ كثيٍ ‪ ﴿ .‬وََلوْ أَنّ ُقرْآنا سُّيرَتْ ِبهِ اْلجِبَالُ أَوْ قُ ّطعَتْ ِبهِ‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫الَ ْرضُ أَوْ كُ ّلمَ ِبهِ اْلمَوْتَى‬
‫النّارِ‪﴾ ...‬‬ ‫وعبدُالِ ب ُن وهبٍ ‪ ،‬مرّ يوم المع ِة فسمع غلما يقرأُ ‪ ﴿ :‬وَِإذْ يََتحَاجّونَ فِي‬
‫فأُغمي عليه ‪ ،‬ونُقل إل بيتهِ ‪ ،‬وبقي ثلثة أيامٍ مريضا ‪ ،‬ومات ف اليوم الرابعِ ‪َ .‬ذكَرَه الذهبّ ‪.‬‬
‫وأخبن عالٌ أنه صلّى ف الدينةِ ‪ ،‬فقرأ القارئُ بسور ِة الواقعةِ ‪ ،‬قال ‪ :‬فأصابن من‬
‫الذهولِ ومن الوجلِ ما جعلن اهتزّ مكان ‪ ،‬وأترّكُ بغيِ إرادةٍ من ‪ ،‬مع بكاءٍ ‪ ،‬ودمعِ غزيرٍ ‪.‬‬
‫﴿ فَبَِأيّ َحدِيثٍ َب ْعدَهُ يُ ْؤمِنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ولكنْ ما علق ُة هذا الديثِ بوضوعِنا عنِ السعادةِ ؟!‬
‫إ ّن التشويش الذي يعيشُه النسا ُن ف الربعِ والعشرين ساعةً كفيلٌ أنْ يُفقِده وعيهُ ‪،‬‬
‫وأن يُقلقه ‪ ،‬وأن يُصيبه بالحباطِ ‪ ،‬فإذا رَ َجعَ وأنصت و َسمَ َع وتدبّر كلم الول ‪ ،‬بصوتٍ‬
‫حسنٍ م ْن قارئٍ خاشعٍ ‪ ،‬ثاب إليه رُشدُه ‪ ،‬وعادتْ إليه نفسهُ ‪ ،‬وقرّتْ بلبلهُ ‪ ،‬وسكنتْ‬
‫لوا ِعجُه ‪ .‬إنن أُحذّرك بذا الكلمِ ع ْن قومٍ جعلُوا الوسيقى أسباب أُنسِهمْ وسعادتِهمْ‬
‫وارتياحِهم ‪ ،‬وكتبُوا ف ذلك كُتُبا ‪ ،‬وتبجّح كثيٌ منهمْ بأنّ أجل الوقات وأفضل الساعات‬
‫يوم يُنصت إل الوسيقى ‪ ،‬بلْ إنّ الكُتّاب الغربيي الذين كتبُوا عن السعادةِ وطردِ القلقِ‬
‫وََتصْدَِيةً ﴾‬ ‫صلَُتهُ ْم عِندَ الْبَيْتِ إِلّ مُكَاء‬
‫يعلون منْ عواملِ السعادةِ الوسيقى ‪َ ﴿ .‬ومَا كَانَ َ‬
‫‪.‬‬ ‫﴿ سَامِرا َت ْهجُرُونَ ﴾‬ ‫‪،‬‬
‫‪ ،‬والصّدقُ‬ ‫إنّ هذا بديلٌ آثِم ‪ ،‬واستماعٌ مرّم ‪ ،‬وعندنا اليْرُ الذي نزل على ممدٍ‬
‫والتوجيهُ الرّاشدُ الكيمُ ‪ ،‬الذي تضمّنه كتاب الِ عزّ وجلّ ‪ ﴿ :‬لَا َيأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَ ْينِ َيدَْيهِ‬
‫وَلَا مِنْ خَ ْل ِفهِ تَنِيلٌ ّمنْ حَكِيمٍ َحمِيدٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪220‬‬
‫فسماعٌنا للقرآنِ ساعٌ إيانّ شرعيّ ممديّ سنّ ﴿ َترَى َأعْيَُن ُهمْ َتفِيضُ ِم َن ال ّدمْعِ ِممّا‬
‫عَرَفُواْ ِمنَ اْلحَقّ ﴾ ‪ ،‬وساعُهم للموسيقى ساعٌ لهٍ عابثٌ ‪ ،‬ل يقومُ به إل ا َ‬
‫لهَلةُ والمقى‬
‫حدِيثِ لُِيضِ ّل عَن سَبِيلِ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫والسّفهاءُ من الناسِ ﴿ َو ِمنَ النّاسِ مَن َيشَْترِي َلهْوَ اْل َ‬
‫*****************************************‬
‫كلّ يبحثُ عنِ السعادةِ ولكنْ‬
‫ف التدبيِ ) وهو كتابٌ ج ّم الفائدةِ ‪ ،‬أخّاذٌ جذّابٌ‬ ‫للعا ِل السكافّ كتابٌ بعنوان ( لُ ْط ُ‬
‫جلّبٌ ‪ ،‬مؤدّى الكلمِ فيه البحثُ عن السيادةِ والسعادةِ والرّيادةِ ‪ ،‬فإذا الحتيالُ والكرُ‬
‫والدهاءُ ‪ ،‬وضَرْبٌ من السياسةِ ‪ ،‬وأفانيُ من اللتواءِ ‪ ،‬فَعًَلها كثيٌ من اللوكِ والرؤساءِ ‪،‬‬
‫والدبا ِء والشعراءِ ‪ ،‬وبعضِ العلماءِ ‪ ،‬كلّهم يريدُ أنْ يهدأ وأنْ يرتاح ‪ ،‬وأ ْن يصل على مطلوبهِ‬
‫‪ ،‬حت إنّهُ منْ عناوينِ هذا الكتابِ ‪:‬‬
‫ف التدبيِ ‪ ،‬تسكيُ ش ْغبٍ ‪ ،‬وإصلحُ نِفارٍ أو ذاتِ بيْن ‪ ،‬ماذا يفعلُ النهزمُ ف‬ ‫ف لط ِ‬
‫مكائدِ العداءِ ‪ ،‬مُكاَيدَ ُة صغيٍ لكبيٍ ‪ ،‬ف دفعِ مكروهٍ بقولٍ ‪ ،‬ف دفعِ مكروهٍ بكروهٍ ‪ ،‬ف دفعِ‬
‫ف التدب ِي ف دفعِ مكروهٍ ‪ ،‬ف مُداراةِ سلطانٍ ‪ ،‬ف النتقامِ منْ سالِب‬ ‫مكروهٍ بلُطفٍ ‪ ،‬ف لُط ِ‬
‫مُلكٍ ‪ ،‬ف اللصِ منْ نِقْم ٍة ف الفتْكِ والحترازِ منُه ف إظهارِ أمرٍ لخفاءِ غيِه ‪ .‬إل آخرِ‬
‫تلك البوابِ ‪.‬‬
‫ووجدتُ أ ّن الميع كلّهمْ يبحثون عنِ السعادِة والطمئنانِ ‪ ،‬ولكنْ قليلٌ منهمْ منِ‬
‫ث فوائد ‪:‬‬‫اهتدى إل ذلك ووُفّق لنيْلِها ‪ .‬وخرجتُ من الكتابِ بثل ِ‬
‫الول ‪ :‬أنّ منْ ل يع ِل ال نصب عينيه ‪ ،‬عاد ْ‬
‫ت فوائدُه خسائِر وأفراحُه أتراحا ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫وخياتُه نكباتٍ ﴿ سََنسَْتدْرِ ُجهُم ّمنْ حَيْثُ لَ َيعْ َلمُونَ‬
‫الثانيةِ ‪ :‬أنّ الطرق اللتوية الصّعْبة الت يسعى إليها كثيٌ من الناسِ ف غيِ الشريعةِ ‪ ،‬لنيلِ‬
‫السعادةِ ‪ ،‬يدونا – بطُرُقٍ أسهَلَ وأق َربَ – ف طريق الشرعِ الحمديّ ‪ ﴿ ،‬وََلوْ أَّنهُمْ َفعَلُواْ‬
‫مَا يُوعَظُونَ ِبهِ لَكَانَ خَيْرا ّل ُهمْ وَأَ َشدّ تَثْبِيتا ﴾ فينالون خَيْرَ الدنيا وخَيْرَ الخرةِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪221‬‬
‫الثالثةِ ‪ :‬أنّ أُناسا ذهبتْ عليهمْ دنياهم وأخراهم ‪ ،‬وهمْ يظُنّون أنم يُحسنون صُنعا ‪،‬‬
‫وينالون سعادةً ‪ ،‬فما ظفرُوا بذه ول بتلك ‪ ،‬والسببُ إعراضُهم عن الطري ِق الصحيحِ الذي‬
‫بعث الُ به رُسَُلهُ ‪ ،‬وأنزل به كتبه ‪ ،‬وهي طلبُ القّ ‪ ،‬وقولُ الصدْقِ ‪ََ ﴿ ،‬تمّتْ كَ ِلمَتُ‬
‫صدْقا َو َعدْلً لّ مُبَدّلِ لِكَ ِلمَاِتهِ ﴾ ‪.‬‬
‫رَبّكَ ِ‬
‫كان أحدُ الوزراءِ ف لوهِ وطربِه ‪ ،‬فأصابه غمّ كاِتمٌ ‪ ،‬وهمّ جاِثمٌ فصرخ ‪:‬‬
‫فهذا العيشُ ما ل خي فيهِ‬ ‫أل موتٌ يُباعُ فأشترِيهِ‬
‫وددتُ لو أنن مّا يلِيهِ‬ ‫إذا أبصرتُ قبا من بعيدٍ‬
‫تصدّق بالوفاةِ على أخيهِ‬ ‫أل رحِم الهيمنُ نفْس ُحرّ‬
‫**************************************‬
‫وقفــــةٌ‬
‫« فليُكِْثرِ الدّعاء ف الرّخاءِ ‪ :‬أيْ ف حالِ الرّفاهيةِ والم ِن والعافيةِ ؛ لنّ ِمنْ سةِ الؤم ِن‬
‫الشاكرِ الازمِ ‪ ،‬أنْ يرِيش الشهم قبل الرمْي ‪ ،‬ويلتجئ إل الِ قبْل الضطرارِ ‪ ،‬بلفِ الكافرِ‬
‫ضرّ َدعَا رَّبهُ مُنِيبا إِلَ ْيهِ ُثمّ ِإذَا خَوَّلهُ ِن ْع َمةً مّ ْنهُ َنسِيَ‬
‫الشّقيّ والؤم ِن الغبّ ﴿ وَِإذَا َمسّ الْإِنسَانَ ُ‬
‫مَا كَانَ َي ْدعُو إِلَ ْيهِ مِن قَبْلُ وَ َجعَلَ لِ ّلهِ أَندَادا ﴾ ‪.‬‬
‫فتعيّن على منْ يريدُ النجاةَ مِنْ ورطاتِ الشّدائدِ والغُمومِ ‪ ،‬أنْ ل يفعل بقلبهِ ولسانِه عنِ‬
‫التّوجّهِ إل حضرةِ القّ – تقدّسَ – بال ْمدِ والبتهالِ إليه والثّناء عليه ‪ ،‬إذ الراد بالدعاء ف‬
‫الرخاء – كما قاله المام الليمي – دعاء الثنا ِء والشّك ِر والعترافِ بالِنن ‪ ،‬وسؤا ِل التوفيقِ‬
‫والعونةِ والتّأييدِ ‪ .‬والستغفارِ لعوارضِ التّقصيِ ‪ ،‬فإنّ العبد – وإنْ جهِد – ل يُوفّ ما عليهِ‬
‫ق ال بتمامِها ‪ ،‬ومنْ غفل عنْ ذلك ‪ ،‬ول يُلحظْه ف زَمَنِ صِحّتِهِ وفراغِه وأمْنِهِ ‪ ،‬فقدْ‬ ‫منْ حقو ِ‬
‫صيَ َل ُه الدّينَ فَ َلمّا َنجّا ُهمْ‬
‫صدقَ عليه قولُه تعال ‪َ ﴿ :‬فِإذَا رَكِبُوا فِي اْلفُلْكِ َدعَوُا ال ّلهَ ُمخْلِ ِ‬
‫شرِكُونَ ﴾ » ‪.‬‬
‫إِلَى الَْبرّ ِإذَا ُهمْ ُي ْ‬
‫**************************************‬
‫نعيمٌ وجحيمٌ‬
‫ل تحزن‬
‫‪222‬‬
‫ت الصحفُ العاليةُ خبا عن انتحارِ رئيسِ وزراءِ فرنسا ف حُكمِ الرئيسِ ميتران ‪،‬‬ ‫نشر ْ‬
‫والسببُ ف ذلك أنّ بعض الصحفِ الفرنسية شّنتْ عليهِ غارةً من النقْدِ والشْتمِ والتّجريحِ ‪،‬‬
‫فلمْ يدْ هذا السكيُ إيانا ول سكين ًة ول استقرارا يعودُ إليه ‪ ،‬ول يدْ منْ يركنُ إليه ‪ ،‬فبادر‬
‫فأزْهَ َق رُوحَه ‪.‬‬
‫إنّ هذا الرجل السكي الذي أقدم على النتحارِ ل يهتدِ بالدايةِ الرّبّانيّةِ التمثّل ِة ف قولِهِ‬
‫كمْ إِلّ َأذًى ﴾‬
‫ضرّو ُ‬
‫﴿ لَن َي ُ‬ ‫وقولِه سبحانه ‪:‬‬ ‫﴾‬ ‫سبحانه ‪ ﴿ :‬وَلَ تَكُ فِي ضَ ْيقٍ ّممّا َيمْ ُكرُونَ‬
‫‪ ،‬لنّ الرجل فَ َقدَ مفتاح‬ ‫جمِيلً ﴾‬
‫َ‬ ‫جرْ ُهمْ َهجْرا‬
‫‪ ،‬وقوله ‪ ﴿ :‬وَاصِْب ْر عَلَى مَا َيقُولُونَ وَا ْه ُ‬
‫‪.‬‬ ‫هَادِيَ َلهُ ﴾‬ ‫الدايةِ ‪ ،‬وطريق السّدادِ وسبيل الرّشادِ ‪ ﴿ :‬مَن ُيضْلِلِ ال ّلهُ َفلَ‬
‫ف النهرِ‬
‫إنّ م ْن وصايا الخرين لكلّ مُثْق ٍل بالمّ والزنِ ‪ ،‬أنْ يأمروه باللوسِ على ضفا ِ‬
‫‪ ،‬ويستمتع بالوسيقى ‪ ،‬ويلعب النّرْد ‪ ،‬ويتزلّج على الثْلجِ ‪.‬‬
‫لك ْن وصايا أهل السلمِ ‪ ،‬وأهلَ العبوديّةِ القّةِ ‪ :‬جلسةٌ بي الذانِ والقامِة ف روضةٍ‬
‫ف بذِكرِ الواحد الحدِ ‪ ،‬وتسليمٌ بالقضا ِء والقدرِ ‪ ،‬ورضا با قسم‬ ‫م ْن رياضِ النّةِ ‪ ،‬وهتا ٌ‬
‫الُ ‪ ،‬وتؤكّلٌ على الِ جلّ وعل ‪.‬‬
‫************************************‬
‫ش َرحْ لَكَ صَ ْدرَ َك ﴾‬
‫﴿ َألَ ْم نَ ْ‬
‫نَزَلَ هذا الكلمُ على رسو ِل الِ فتحقّقتْ فيه هذهِ الكلمةُ ‪ ،‬فكان سهل الاطرِ ‪،‬‬
‫منشرح الصدرِ ‪ ،‬متفائلً ‪ ،‬جيّاشَ الفؤادِ ‪ ،‬حيّ العاطفةِ ‪ ،‬ميسّرا ف أمورِهِ ‪ ،‬قريبا من‬
‫القلوبِ ‪ ،‬بسيطا ف عظمةٍ ‪ ،‬دانيا من الناسِ ف هيبةٍ ‪ ،‬متبسما ف وقارٍ ‪ ،‬متحبباُ ف سوّ ‪،‬‬
‫مألوفا للحاضر والبادي ‪ ،‬جمّ الُُلقِ ‪ ،‬طلْقَ الُحيّا ‪ ،‬مشرق الطلْعةِ ‪ ،‬غزير الياءِ ‪ ،‬يهشّ‬
‫للدّعابةِ ‪ ،‬ويََبشّ للقادِم ‪ ،‬مسرورا بعطاءِ الِ ‪ ،‬ج ِذلُ بالِباتِ الرّبانيّةِ ‪ ،‬ل يعتريه اليأسُ ‪ ،‬ول‬
‫يعرفُ الحباط ‪ ،‬ول يلدُ إل الّتخْذِيلِ ‪ ،‬ول يعترفُ بالقنوطِ ‪ ،‬ويُعجبُه الفألُ السنُ ‪ ،‬ويكرهُ‬
‫التّعمّق والتّشدّق ‪ ،‬والتّفْيهُق والتّكلّف والتّنطّع ؛ لن ُه صاحبُ رسالةٍ ‪ ،‬وحاملُ مبدأ ‪ ،‬وقدوةُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪223‬‬
‫جمَعُ‬
‫أُمّةٍ ‪ ،‬وأُسوةُ أجيالٍ ‪ ،‬ومعّلمُ شعوبٍ ‪ ،‬وربّ أسرةٍ ‪ ،‬ورجُ ُل متمعٍ ‪ ،‬وكنْز مُُثلٍ ‪ ،‬و َم ْ‬
‫ق نورٍ ‪.‬‬
‫فضائل ‪ ،‬وبرُ عطايا ‪ ،‬ومشرِ ُ‬
‫صرَ ُهمْ وَا َل ْغلَلَ الّتِي‬
‫إنه باختصارٍ ‪ :‬ميسرٌ لليُسرى ‪ ، ،‬وإنه بإيازٍ ﴿ وََيضَعُ عَنْ ُهمْ إِ ْ‬
‫وكفى !! ﴿ شَاهِدا َومَُبشّرا‬ ‫﴾‬ ‫كَانَتْ عَلَيْ ِهمْ ﴾ أو بعبارةٍ أخرى ‪ ﴿ :‬رَ ْح َمةً لّ ْلعَاَل ِميَ‬
‫وََنذِيرا{‪َ }45‬ودَاعِيا إِلَى ال ّلهِ بِِإذِْنهِ وَ ِسرَاجا مّنِيا ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ ما يُعارضُ الرسالة اليسّرة السهلة ‪ :‬تن ّطعُ الوارجِ ‪ ،‬وتزندُقُ أهلِ النطقِ عبيدِ الدنيا‬
‫حقّ بِِإذِْنهِ وَال ّلهُ‬
‫‪ ،‬وانرافُ مرتزقةِ الفكار ﴿ َف َهدَى ال ّلهُ اّلذِينَ آمَنُواْ ِلمَا اخْتَ َلفُواْ فِيهِ ِمنَ اْل َ‬
‫صرَاطٍ ّمسْتَقِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫َيهْدِي مَن َيشَاءُ إِلَى ِ‬
‫******************************************‬
‫مفهومُ الياةِ ال ّطيّبةِ‬
‫يقولُ أحدُ أذكياءِ النكليزِ ‪ :‬بإمكانك وأنت ف السجنِ منْ وراءِ القضبانِ الديديةِ أنْ‬
‫تنظُرَ إل ا ُلفُقِ ‪ ،‬وأنْ ُتخْرِج زهرةً منْ جيبِك فتشُمّها وتبتسم ‪ ،‬وأنت مكانك ‪ ،‬وبإمكانِك‬
‫وأنت ف القصْرِ على الديباج والريرِ ‪ ،‬أ ْن تتدّ وأنْ تغضب وأنْ تثور ساخطا منْ بيتِك‬
‫وأسرتِك وأموالِك ‪.‬‬
‫إذنْ السعادةُ ليستْ ف الزمانِ ول ف الكانِ ‪ ،‬ولكنّها ف اليانِ ‪ ،‬وف طاعةِ الدَيّانِ ‪،‬‬
‫وف القلبِ ‪ .‬والقلبُ ملّ نظرِ الرّبّ ‪ ،‬فإذا استقرّ اليقيُ فيه ‪ ،‬انبعثتِ السعادةُ ‪ ،‬فأضفتْ على‬
‫الروح وعلى النفسِ انشراحا وارتياحا ‪ّ ،‬ث فاضتْ على الخرين ‪ ،‬فصارتْ على الظّرابِ‬
‫وبطونِ الودية ومنابتِ الشجرِ ‪.‬‬
‫أحدُ بنُ حنبل عاش سعيدا ‪ ،‬وكان ثوبُه أبيض مرقّعا ‪ ،‬ييطُه بيدِهِ ‪ ،‬وعندهُ ثلثُ‬
‫غُرفٍ منْ طيٍ يسكُنها ‪ ،‬ول يدُ إل كِسرَ الُبْزِ مع الزيتِ ‪ ،‬وبقي حذاؤه – كما قال‬
‫الترجون عنهُ – سبع عشرة سنةً يرقّعها وييطُها ‪ ،‬ويأكلُ اللحم ف شهرٍ مرّ ًة ويصومُ غالب‬
‫اليامِ ‪ ،‬يذرعُ الدنيا ذهابا وإيابا ف طَلبِ الديثِ ‪ ،‬ومع ذلك وجد الراحة والدوء والسكينة‬
‫ل تحزن‬
‫‪224‬‬
‫والطمئنان ؛ لن ُه ثابتُ القدم ‪ ،‬مرفوعُ الامةِ ‪ ،‬عارفٌ بصيِه ‪ ،‬طالبٌ لثوابٍ ‪ ،‬ساعٍ لجرٍ ‪،‬‬
‫عاملٌ لخرةٍ ‪ ،‬راغبٌ ف جنّةٍ ‪.‬‬
‫وكان اللفا ُء ف عهدِه – الذين حكموا الدنيا – الأمونُ ‪ ،‬والواثقُ ‪ ،‬والعتصمُ ‪،‬‬
‫والتوكلُ عندهم القصورُ والدّورُ والذهبُ والفضةُ والبنودُ والنودُ ‪ ،‬والعلمُ والوسةُ‬
‫ضوْا حياتَهم ف‬ ‫والشاراتُ والعقاراتُ ‪ ،‬ومعه ْم ما يشتهون ‪ ،‬ومع ذلك عاشُوا ف َكدَرٍ ‪ ،‬وقَ َ‬
‫ب وضجيجٍ ‪ ،‬وبعضُهم كان يتأوّهُ ف سكراتِ‬ ‫ب وثوراتٍ وشَغَ ٍ‬ ‫ه ّم وغمّ ‪ ،‬وف قلقل وحرو ٍ‬
‫ب الِ ‪.‬‬
‫الوتِ نادما على ما فرّط ‪ ،‬وعلى ما فعل ف جن ِ‬
‫ابنُ تيمية شيخُ السلمِ ‪ ،‬ل أهل ول دار ول أسرة ول مال ول منصب ‪ ،‬عندهُ غرفةٌ‬
‫ف ف اليومِ ‪ ،‬وله ثوبانِ يغيّر هذا بذا ‪ ،‬وينامُ أحيانا‬ ‫بانبِ جامعِ بن أمية يسكنُها ‪ ،‬ولهُ رغي ٌ‬
‫ف السجدِ ‪ ،‬ولك ْن كما وَصَف نفسه ‪ :‬جنّتُه ف صدرِه ‪ ،‬وقتْلُه شهادةٌ ‪ ،‬وسجْنه ِخلْوةٌ ‪،‬‬
‫وإخراجهُ منْ بلدِهِ سياحةٌ ؛ لن شجرة اليانِ ف قلِبهِ استقامتْ على سُوقِها ‪ ،‬تُؤت ُأكُلَها كلّ‬
‫سهُ نَارٌ نّو ٌر عَلَى نُورٍ َي ْهدِي‬
‫سْ‬‫حيٍ بإذ ِن ربّها ُيدّها زيتُ العنايةِ الربانيةِ ‪ُ ﴿ ،‬يضِيءُ وَلَوْ َلمْ َتمْ َ‬
‫‪ ﴿،‬وَاّلذِينَ اهَْتدَوْا زَادَ ُهمْ‬ ‫وَأَصْ َلحَ بَاَلهُمْ ﴾‬ ‫‪َ ﴿ ،‬كفّ َر عَ ْنهُمْ سَيّئَاِتهِمْ‬ ‫مَن َيشَاءُ ﴾‬ ‫ال ّلهُ لِنُو ِرهِ‬
‫‪.‬‬ ‫الّنعِيمِ ﴾‬ ‫ضرَةَ‬
‫‪َ ﴿،‬ت ْعرِفُ فِي وُجُو ِه ِهمْ َن ْ‬ ‫﴾‬ ‫ُهدًى وَآتَا ُهمْ َتقْوا ُهمْ‬
‫خرج أبو ذرّ رضي الُ عنه وأرضاهُ إل الرّبذةِ ‪ ،‬فنصب خيمتهُ هناكَ ‪ ،‬وأتى بامرأتِه‬
‫وبناتِهِ ‪ ،‬فكان يصومُ كثيا من اليامِ ‪ ،‬يذكُرُ مولهُ ‪ ،‬ويسبّحُ خالقهُ ‪ ،‬ويتعّبدُ ويقرأُ ويتلو‬
‫ويتأمّلُ ‪ ،‬ل يلكُ من الدنيا إل شْلةً أو خيمةً ‪ ،‬وقطعةً من الغنمِ مع صحْفةٍ وقصْعةٍ وعصا ‪،‬‬
‫زارَهُ أصحابُه ذات يوم ‪ ،‬فقالوا ‪ :‬أين الدنيا؟ قال ‪ :‬ف بيت ما أحتاجُه من الدنيا ‪ ،‬وقدْ أخبنا‬
‫خفّ ‪.‬‬‫أنّ أمامنا عقبةً كؤودا ل ييزُها إل ا ُل ِ‬
‫كان منشرحَ الصدرِ ‪ ،‬ومنثلج الاطرِ ‪ ،‬فعندهُ ما يتاجُه من الدنيا ‪ ،‬أمّا ما زاد على‬
‫حاجتِه ‪ ،‬فأشغالٌ وتبِعاتٌ وهو ٌم وغمومٌ ‪.‬‬
‫قلتُ ف قصيدةٍ بعنوان ‪ :‬أبو ذ ّر ف القرن الامسِ َعشَرَ ‪ ،‬متحدّثا عنْ غُربةِ أب ذرّ وعن‬
‫سعادتِه ‪ ،‬وعن وحدتِه وعزلتِه ‪ ،‬وعن هجرتِه بروحِه ومبادئِه ‪ ،‬وكأنه يتحدثُ عن نفسِه ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪225‬‬
‫بالنايا لطفتُ حت أحسّا‬ ‫لطفُون هدّدْتُهم هدّدُون‬
‫أنزلُون ركِبتُ ف القّ نفْسا‬ ‫ت أركبُ عزْمي‬ ‫أركبُون نزل ُ‬
‫والنايا أجتاحُها وهْي ن ْعسَى‬ ‫أطرُدُ الوت مُ ْقدِما فيُولّي‬
‫يا أبا ذرّ ل تفْ وتأسّا‬ ‫قد بكتْ غربت الرما ُل وقالتْ‬
‫مِنْ يقين ما ِمتّ حت أُدسّا‬ ‫قلتُ ل خوف ل أزلْ ف شبابٍ‬
‫وتلقّْنتُ منْ أمالِيهِ درْسا‬ ‫أنا عاهدتُ صاحِبِي وخليلي‬
‫********************************************‬
‫*******‬
‫إذنْ فما هي السعادةُ ؟!‬
‫(( كنْ ف الدنيا كأنك غريبٌ أو عابرُ سبيل )) ‪ (( ،‬فطوب للغرباءِ )) ‪.‬‬
‫ليسِ السعادةُ قصر عبدِاللك بنِ مروان ‪ ،‬ول جيوش هارونِ الرشيدِ ول دُور اب ِن‬
‫الصّاصِ ‪ ،‬ول كنوز قارون ‪ ،‬ول ف كتابِ الشفاءِ لبنِ سينا ‪ ،‬ول ف ديوانِ التنب ‪ ،‬ول ف‬
‫حدائقِ قرطبة ‪ ،‬أو بساتيِ الزهراءِ ‪.‬‬
‫السعادةُ عند الصحابِة مع قلّةِ ذاتِ اليدِ ‪ ،‬وشظفِ العيشةِ ‪ ،‬وزهادهِ الواردِ ‪ ،‬وشُحّ‬
‫النّفقةِ ‪.‬‬
‫السعادةُ عند ابنِ السيبِ ف تأّلهِه ‪ ،‬وعند البخاري ف صحيحِهِ ‪ ،‬وعند الس ِن البصريّ‬
‫ف صِ ْدقِهِ ‪ ،‬ومع الشافعيّ ف استنباطاتِه ‪ ،‬ومالكٍ ف مُراقبتِه ‪ ،‬وأحد ف ورعِهِ ‪ ،‬وثابتٍ البنانّ‬
‫صةٌ فِي سَبِيلِ ال ّلهِ وَلَ َيطَؤُونَ‬
‫خمَ َ‬
‫ف عبادتهِ ﴿ ذَلِكَ ِبأَّنهُمْ لَ ُيصِيُبهُمْ َظمَأٌ وَلَ َنصَبٌ وَلَ َم ْ‬
‫‪.‬‬ ‫صَاِلحٌ ﴾‬ ‫مَوْطِئا َيغِيظُ الْ ُكفّارَ وَلَ يَنَالُونَ ِمنْ َعدُوّ نّ ْيلً إِلّ كُتِبَ َلهُم ِبهِ عَمَلٌ‬
‫شمّ ‪ ،‬ول ُبرّا يُكالُ ‪،‬‬
‫ليستِ السعادةُ شيكا يُصرفُ ‪ ،‬ول دابةً تُشترَى ‪ ،‬ول وردةً ُت َ‬
‫ول بزّا يُنشرُ ‪.‬‬
‫السعادةُ سلوةُ خاطرٍ ب ّق يمِلُه ‪ ،‬وانشراحُ صدرٍ لبدأ يعيشُه‪ ،‬وراح ُة قلبٍ ليٍ يكْتنِفُه‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪226‬‬
‫جعِ السهّلتِ‬ ‫كنّا نظُنّ أننا إذا أكثْرنا من التوسّ ِع ف ال ّدوِر ‪ ،‬وكثْرةِ الشياءِ ‪ ،‬و ْ‬
‫والرغّباتِ والشتهياتِ ‪ ،‬أننا نسعدُ ونفرحُ ونرحُ ونُسرّ ‪ ،‬فإذا هي سببُ المّ والكَ َدرِ‬
‫والتنغيصِ ؛ لنّ كلّ شيءٍ بمّه وغمّه وضريب ِة كدّهِ وكدْ ِحهِ ﴿ وَلَا َتمُدّ ّن عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَّتعْنَا‬
‫ِبهِ أَزْوَاجا مّ ْنهُمْ زَ ْهرَةَ اْلحَيَاةِ الدّنيَا لَِنفْتَِنهُمْ فِيهِ ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ أكب مُصلِحٍ ف العالِ رسو ُل الدى ممدٌ ‪ ،‬عاش فقيا ‪ ،‬يتلوّى من الوعِ ‪ ،‬ل‬
‫يدُ دقْ َل التمرِ يسدّ جوعه ‪ ،‬ومع ذلك عاش ف نعيمٍ ل يعلمُه إل الُ ‪ ،‬وف انشراحٍ وارتياحٍ ‪،‬‬
‫ضعْنَا عَنكَ وِ ْزرَكَ{‪ }2‬اّلذِي أَنقَضَ َظ ْهرَكَ ﴾ ‪،‬‬
‫وانبساطٍ واغتباطٍ ‪ ،‬وف هدوءٍ وسكينةٍ ﴿ وَوَ َ‬
‫جعَلُ رِسَالََتهُ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَكَانَ َفضْلُ ال ّل ِه عَلَيْكَ عَظِيما ﴾ ‪ ﴿ ،‬ال ّلهُ َأعْ َلمُ حَيْثُ َي ْ‬
‫سنُ الُ ُلقِ ‪ ،‬والث ما حاك ف صدرِك وكرهْت أن‬
‫ف الديثِ الصحيحِ ‪ (( :‬الِبرّ ُح ْ‬
‫يطلع عليه الناسُ )) ‪.‬‬
‫إ ّن البّ راح ٌة للضميِ ‪ ،‬وسكونٌ للنفسِ ‪ ،‬حت قال بعضُهم ‪:‬‬
‫والثُ أقبحُ ما أوعيت منْ زادِ‬ ‫البّ أبقى وإنْ طال الزّمانُ به‬
‫وف الديث ‪ (( :‬البّ طُمأنينةٌ ‪ ،‬والث ريبةٌ )) ‪ .‬إنّ الحسن صراحةً يبقى ف هدوءٍ‬
‫حسَبُونَ‬
‫ت والسّكناتِ ﴿َي ْ‬
‫وسكينةٍ ‪ ،‬وإنّ الريب يتوجّسُ من الحداثِ والطراتِ ومن الركا ِ‬
‫كُلّ صَ ْيحَ ٍة عَلَ ْي ِهمْ ﴾ ‪ .‬والسببُ أنه أساء فح ْ‬
‫سبُ ‪ ،‬فإنّ السيء لبدّ أنْ يقلق وأنْ يرتبِك وأنْ‬
‫يضطرب ‪ ،‬وأنْ يتوجّس خِيفةً ‪.‬‬
‫وصدّق ما يعتا ُدهُ مِنْ َتوَ ّهمِ‬ ‫إذا سا ِء فِعْلُ الرءِ ساءتْ ظنونُهُ‬
‫واللّ لنْ أراد السعادة ‪ ،‬أنْ ُيحْسن دائما ‪ ،‬وأنْ يتجنّب الساءة ‪ ،‬ليكون ف أمنٍ ﴿‬
‫اّلذِينَ آمَنُواْ وََلمْ يَلِْبسُواْ ِإيَاَنهُم بِظُ ْلمٍ أُوْلَـئِكَ َل ُهمُ ا َل ْمنُ َوهُم ّمهَْتدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫أقبل راكبٌ يثّ السي ‪ ،‬يثورُ الغبارُ منْ على رأسِهِ ‪ ،‬يريدُ سعد بن أب وقّاصٍ ‪ ،‬وقدْ‬
‫ضرب سعدٌ خيمت ُه ف كِبدِ الصحراءِ ‪ ،‬بعيدا عنِ الضجيجِ ‪ ،‬بعيدا عنِ اهتماماتِ الدّهْماءِ ‪،‬‬
‫منفردا بنفسِهِ وأهلِهِ ف خيمتِهِ ‪ ،‬معهُ قطيعٌ من الغنمِ ‪ ،‬فاقترب الراكبُ فإذا هو ابنُه ُعمَرُ ‪،‬‬
‫س يتنازعون اللك وأنت ترعى غنمك ‪ .‬قال ‪ :‬أعوذُ بالِ منْ‬ ‫فقال ابنُه له ‪ :‬يا أبتاهُ ‪ ،‬النا ُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪227‬‬
‫يقولُ ‪ (( :‬إنّ‬ ‫شرّك ‪ ،‬إن أول باللفةِ منّي بذا الردا ِء الذي عليّ ‪ ،‬ولكن سعتُ الرسول‬
‫ال يبّ العبد الغنّ التّقيّ الفيّ )) ‪.‬‬
‫إن سلمة السل ِم بدينِه أعْظمُ منْ مُلكِ كسرى وقيصر ؛ لنّ الدين هو الذي يبقى معك‬
‫حنُ َنرِثُ اْلأَ ْرضَ‬
‫ك والنصبُ فإنّهُ زائلٌ ل مالة ﴿ إِنّا َن ْ‬
‫حت تستقرّ ف جناتِ النعيمِ ‪ ،‬وأما الل ُ‬
‫َو َمنْ عَلَ ْيهَا وَإِلَيْنَا ُيرْ َجعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫*******************************************‬
‫إليهِ يصعدُ الكلِمُ ال ّطّيبُ‬
‫كان للصحاب ِة كنوزٌ من الكلماتِ الباركاتِ الطّيّباتِ ‪ ،‬الت عّمهم إياها صفوةُ ال ْلقِ‬
‫‪.‬‬
‫وكلّ كلمةٍ عند أحدِهم خيٌ من الدنيا وما فيها ‪ ،‬ومِنْ عظمتِهمْ معرفتُهم بقيمةِ الشياءِ‬
‫ومقاديرِ المورِ ‪.‬‬
‫أنْ يُعلّمه دعاءً ‪ ،‬فقال له ‪ (( :‬قلْ ‪ :‬ربّ إن ظلمتُ نفسي‬ ‫أبو بكرٍ يسألُ الرسول‬
‫ظُلما كثيا ‪ ،‬ول يغفرُ الذنوب غل أنت ‪ ،‬فاغفرْ ل مغفر ًة منْ عندِك وارحن ‪ ،‬إنك أنت‬
‫الغفو ُر الرحيمُ )) ‪.‬‬
‫للعباسِ ‪ (( :‬اسألِ ال العفو والعافية )) ‪.‬‬ ‫ويقولُ‬
‫ويقولُ لعليّ ‪ (( :‬قلْ ‪ :‬اللّهمّ اهدنِي وس ّددْن )) ‪.‬‬
‫ويقولُ لعبيدِ بنِ حصيٍ ‪ (( :‬قلْ ‪ :‬الله ّم ألمْنِي رُشدي ‪ ،‬وقِنِي شرّ نفسْي )) ‪.‬‬
‫ويقولُ لشدّادِ بن أوسٍ ‪ (( :‬قلْ ‪ :‬اللهمّ إن أسالُك الثبات ف المر ‪ ،‬والعزية على‬
‫سنَ عبادتِك ‪ ،‬وأسألُك قلبا سليما ‪ ،‬ولسانا صادقا ‪،‬‬
‫الرشدِ ‪ ،‬وشُكرَ نعمتِك ‪ ،‬و ُح ْ‬
‫وأسألُك ِمنْ خَ ْيرِ ما تعْلمُ ‪ ،‬وأعوذُ بك منْ شرّ ما تعلمُ ‪ ،‬وأستغفرُك لا تعلمُ ‪ ،‬إنك أنت‬
‫علّ ُم الغيوبِ )) ‪.‬‬
‫ويقولُ لعاذٍ ‪ (( :‬قلْ ‪ :‬الله ّم أعن على ذكرِك وشُ ْكرِك و ُحسْنِ عبادتِك )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪228‬‬
‫ويقولُ لعائشة ‪ (( :‬قول ‪ :‬اللهم إنك عفُوّ تبّ ال َعفْوَ ‪ ،‬فاعْفُ عنّي )) ‪.‬‬
‫إ ّن الامعَ لذهِ الدعيةِ ‪ :‬سؤا ُل رضوا ِن الِ عزّ وجلّ ورحتِهِ ف الخرةِ ‪ ،‬والنّجاةِ منْ‬
‫غضبِه ‪ ،‬وأليمِ عقابِه ‪ ،‬والعونِ على عبادتِه سبحانه وتعال وشكرِه ‪.‬‬
‫وإنَ الرّابط بينها ‪َ :‬طَلبُ ما عند الِ ‪ ،‬والعراضُ عمّ ف الدنيا ‪ .‬إنهُ ليس فيها طلبُ‬
‫أموالِ الدنيا الفانيةِ ‪ ،‬وأعراضِها الزائلِة ‪ ،‬أو زخرِفها الرخيصِ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫﴿ َوكَ َذلِكَ أَخْ ُذ َربّكَ ِإذَا أَخَ َذ الْ ُقرَى‬
‫وَهِيَ ظَالِمَةٌ ِإ ّن أَخْ َذهُ َألِيمٌ شَدِي ٌد ﴾‬
‫ضمُ ُه‬
‫إنّ منْ تعِاس ِة العبدِ ‪ ،‬وعثْر ِة قدمِهِ وسقوطِ مكانتِهِ ‪ :‬ظُلمُهُ لعبا ِد الِ ‪ ،‬وه ْ‬
‫حقوقهم ‪ ،‬وسحْقُه ضعيفهم ‪ ،‬حت قال أحدُ الكماءِ ‪ :‬خفْ مّن ل يدْ له عليك ناصرا إل‬
‫ال ‪.‬‬
‫ولقدْ حفظ لنا تاريخُ الممِ أمثلةً ف الذهانِ عنْ عواقبِ الظّلمةِ ‪.‬‬
‫فهذا عامرُ بنُ الطفيل يكيد للرسول ‪ ،‬وياولُ اغتيالهُ ‪ ،‬فيدعو عليه ‪ ،‬فيبتليه الُ‬
‫بغدّ ٍة ف نْرِه ‪ ،‬فيموتُ لساعتِه ‪ ،‬وهو يصرخُ من اللِ ‪.‬‬
‫وأربدُ بنُ قيسٍ يؤذي رسول الِ ‪ ،‬ويسعى ف تدبيِر قتْلِهِ ‪ ،‬فيدعو عليه ‪ ،‬فيُن ُل الُ‬
‫عليه صاعقةً ترقُه هو وبعيُه ‪.‬‬
‫ت قصيٍ ‪ ،‬دعا عليه سعيدٌ وقال ‪ :‬اللّهمّ ل‬ ‫وقبل أنْ يقتُل الجاجُ سعيد بن جبيٍ بوق ٍ‬
‫تسلّ ْطهُ على أح ٍد بعدي ‪ .‬فأصاب الجاجَ خُرّاجٌ ف يدهِ ‪ ،‬ثّ انتشر ف جسمِهِ ‪ ،‬فأخذ يوُر‬
‫كما يو ُر الثورُ ‪ ،‬ث مات ف حالةٍ مؤسفةٍ ‪.‬‬
‫واختفى سفيانُ الثوريّ َخوْفا منْ أب جعفرِ النصورِ ‪ ،‬وخرج أبو جعفر يريدُ الرمَ‬
‫الكّيّ وسفيانُ داخل الرمِ ‪ ،‬فقام سفيانُ وأخذ بأستارِ الكعبةِ ‪ ،‬ودعا ال عزّ وجلّ أن ل‬
‫ُيدِخِلَ أبت جعفر بيته ‪ ،‬فمات أبو جعفر عند بئرِ ميمونٍ قبل دخولِه مكّةَ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪229‬‬
‫وأحدُ بن أب دؤادٍ القاضي العتزلّ يُشاركُ ف إيذاءِ المامِ أحدِ بن حنبل فيدعو عليهم‬
‫فيُصيبُه الُ برض الفالِ فكان يقول ‪ :‬أمّا نصفُ جسمي ‪ ،‬فل ْو وقع عليه الذبابُ لظننتُ أنّ‬
‫القيامة قامتْ ‪ ،‬وأمّا النصفُ الخرُ ‪ ،‬فلو قُرِض بالقاريض ما أحسستُ ‪.‬‬
‫ط الُ عليه منْ أخ َذهُ ‪،‬‬
‫ويدعو أحدُ بنُ حنبل أيضا على ابن الزّيّاتِ الوزيرِ ‪ ،‬فيسّل ُ‬
‫وجعَلَهُ ف فرنٍ من نارٍ ‪ ،‬وضرب السامي ف رأسِه ‪.‬‬
‫ن كان يعذّبُ السلمي ف سجنِ جالِ عبدِالناصر ‪ ،‬ويقولُ ف كلمةٍ له‬ ‫وحز ُة البسيو ّ‬
‫مؤذية ‪ « :‬أين إلُهكمْ لضعَ ُه ف الديدِ » ؟ تعال الُ عمّا يقولُ الظالون علوّا كبيا ‪.‬‬
‫فاصطدمتْ سيارتُه – وهو خارجٌ من القاهرةِ إل السكندريةِ – بشاحنةٍ تملُ حديدا ‪،‬‬
‫فدخل الديدُ ف جسمه منْ أعلى رأسِهِ إل أحشائِه ‪ ،‬و َعجَزَ النقذون أنْ يُخرجوُه إل قطعا ﴿‬
‫وَاسْتَكَْبرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي اْلأَ ْرضِ ِبغَ ْيرِ اْلحَقّ وَظَنّوا أَّنهُمْ إِلَيْنَا لَا ُيرْ َجعُونَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَقَالُوا مَنْ‬
‫أَ َشدّ مِنّا قُوّةً َأوََلمْ َيرَوْا َأنّ ال ّلهَ اّلذِي خَ َل َق ُهمْ ُهوَ أَ َشدّ مِ ْن ُهمْ قُوّةً ﴾ ‪.‬‬
‫وكذلك صلحُ نصرٍ منْ قادةِ عبدِالناصرِ ‪ ،‬ومّنْ أكث َر ف الرضِ الظلّم والفساد ‪،‬‬
‫أصيب بأكثر منْ عشرةِ أمراضٍ مؤلةٍ مُزمِنةٍ ‪ ،‬عاش عدّة سنواتٍ منْ عمرِهِ ف تعاسةٍ ‪ ،‬ول يدْ‬
‫ت زعمائِه الذين كان يدمُهمْ ‪.‬‬
‫لهُ الطبّ علجا ‪ ،‬حت مات سجينا مزجوجا بهِ ف زنزانا ِ‬
‫ب عَلَ ْي ِهمْ رَبّكَ َسوْطَ‬
‫﴿ اّلذِينَ َطغَوْا فِي الْبِلَادِ{‪َ }11‬فأَكَْثرُوا فِيهَا اْل َفسَادَ{‪َ }12‬فصَ ّ‬
‫‪ (( ،‬إنّ ال لُيمْلي للظالِ ‪ ،‬حت إذا أخذهُ ل ُيفْلِتْه )) ‪ (( ،‬واّتقِ دعوة الظلومِ ‪،‬‬ ‫عَذَابٍ ﴾‬
‫ل حجابٌ )) ‪.‬‬
‫فإنه ليس بينها وبي ا ِ‬
‫قال إبراهي ُم التيميّ ‪ :‬إنّ الرجل ليظلمُن فأر َحمُهُ ‪.‬‬
‫وسُرقتْ دنانيُ لرجلٍ صال منْ خراسان ‪ ،‬فجعل يبكي ‪ ،‬فقال له الفضيلُ ‪ :‬لِم تبكي ؟‬
‫قال ‪ :‬ذكرتُ أنّ ال سوف يمعُن بذا السارقِ يوم القيامةِ ‪ ،‬فبكيتُ رحةً له ‪.‬‬
‫واغتاب رجُلٌ أحد علماءِ السلفِ ‪ ،‬فأهدى للرجُلِ ترا وقال ‪ :‬لن ُه صنع ل معروفا ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪230‬‬
‫قلتُ ‪ :‬بالبابِ أنا‬
‫على هيئ ِة الممِ التحدةِ بنيويورك لوحةٌ ‪ ،‬مكتوبٌ عليها قطعةٌ جيلةٌ للشاعرِ العاليّ‬
‫السعدي الشيازي ‪ ،‬وقدْ ترجتْ إل النليزيةِ وهي تدعو إل الخا ِء والُلف ِة والتادِ ‪،‬‬
‫يقول‪:‬‬
‫م ْن بباب قلتُ بالبابِ أنا‬ ‫قال ل الحبوبُ لّا زرتُهُ‬
‫حينما فرّقت فيه بيْنَنَا‬ ‫قال ل أخطأت تعريف الوى‬
‫ق الباب عليه مُوهِنا‬ ‫أط ُر ُ‬ ‫ومضى عا ٌم فلمّا جئُتهُ‬
‫ث ّ إلّ أنتَ بالبابِ هُنا‬ ‫قال ل منْ أنتَ قلتُ أْنظُ ْر فما‬
‫لبّ فادخُلْ يا أنا‬ ‫وعَ َرفْتَ ا ُ‬ ‫قال ل أحسنت تعريف الوى‬
‫خ مفيدٍ يأنسُ إليه ‪ ،‬ويرتاحُ إليه ‪ ،‬ويُشاركُه أفراحهُ وأتراحهُ ‪ ،‬ويبادلُه‬
‫لبُدّ للعبد منْ أ ٍ‬
‫ودّا بودّ ‪ ﴿ .‬وَا ْجعَل لّي َوزِيرا ّمنْ أَهْلِي{‪ }29‬هَارُونَ أَخِي{‪ }30‬ا ْش ُددْ ِبهِ َأزْرِي{‪}31‬‬
‫وَأَ ْشرِ ْكهُ فِي َأ ْمرِي{‪ }32‬كَيْ ُنسَبّحَكَ كَثِيا{‪ }33‬وََنذْ ُكرَكَ كَثِيا ﴾ ‪.‬‬
‫يُواسيك أو يُسلِيك أو يَتَو ّجعُ‬ ‫ولبدّ منْ شكوى إل ذي قرابةٍ‬

‫‪،‬‬ ‫قُلُوِب ِهمْ ﴾‬ ‫‪ ﴿ ،‬وَأَلّفَ بَ ْينَ‬ ‫ّمرْصُوصٌ ﴾‬ ‫َب ْعضُ ُهمْ أَوْلِيَاء َبعْضٍ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬كأَّنهُم بُنيَانٌ‬ ‫﴿‬
‫﴿ إِّنمَا اْلمُ ْؤمِنُونَ إِخْ َوةٌ ﴾ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫لب ّد منْ صاحبٍ‬
‫إنّ منْ أسبابِ السعادةِ أنْ تد منْ تنفعُك صُحبتُه ‪ ،‬وتُسعدُك رفقتُه ‪ (( .‬أين التحابّون‬
‫ف جلل ‪ ،‬اليوم أُ ِظلّهمْ ف ظِلّي يوم ل ِظلّ إل ظلّي )) ‪.‬‬
‫(( ورجلنِ تابّا ف الِ ‪ ،‬اجتمعا عليهِ وتفرّقا عليِه )) ‪.‬‬
‫*******************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪231‬‬
‫ال ْمنُ مطلبٌ شرعيّ وعقليّ‬
‫﴿ أُوْلَـئِكَ َل ُهمُ ا َل ْمنُ وَهُم ّمهْتَدُونَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬اّلذِي أَ ْط َع َمهُم مّن جُوعٍ وَآمََنهُم ّمنْ‬
‫﴾‬ ‫خَوْفٍ﴾ ‪﴿ ،‬أَوََلمْ ُنمَكّن ّل ُهمْ َحرَما آمِنا﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَن دَخَ َلهُ كَانَ آمِنا ﴾ ‪ُ ﴿ ،‬ثمّ أَْب ِل ْغهُ َم ْأمََنهُ‬
‫‪.‬‬
‫(( منْ بات آمِنا ف ِسرِْبهِ ‪ ،‬مُعافً ف بدِنهِ ‪ ،‬عنده قُوتُ يو ِمهِ ‪ ،‬فكأنّما حِيزتْ له‬
‫الدنيا بذافيِها )) ‪.‬‬
‫فأمنُ القلبِ ‪ :‬إيانُه ورسوخُه ف معرفةِ القّ ‪ ،‬وامتلؤُه باليقيِ ‪.‬‬
‫وأ ْمنُ البيتِ ‪ :‬سلمتُه من النرافِ ‪ ،‬وبُ ْعدُه عنِ الرذيلةِ ‪ ،‬وامتلؤُهُ بالسكينةِ ‪،‬‬
‫واهتداؤه بالبهانِ الرّبّانّ ‪.‬‬
‫وأ ْمنُ المةِ ‪ :‬جْعُها بالبّ ‪ ،‬وإقامةُ أمرِها بالعَدْلِ ‪ ،‬ورعايتُها بالشريعةِ ‪.‬‬
‫‪َ ﴿ ،‬فلَ َتخَافُو ُهمْ وَخَافُونِ إِن‬ ‫خَائِفا يََترَقّبُ ﴾‬ ‫خرَجَ مِ ْنهَا‬
‫والوف عدوّ المنِ ﴿ َف َ‬
‫كُنتُم مّ ْؤمِِنيَ ﴾ ‪.‬‬
‫حدٍ ‪ ،‬ول عيش لريضٍ ‪.‬‬
‫ول راحة لائفٍ ول أمْن لل ِ‬
‫فإذا وليا عن العُمرِ ولّى‬ ‫إنّما العُم ُر صحّةٌ وكفافٌ‬
‫ب فسدتْ منْ جانبٍ آخر ‪ ،‬إنْ أقبل الا ُل‬‫حتْ منْ جان ٍ‬ ‫س الدّنيا ‪ ،‬إنْ ص ّ‬
‫لِ ما أتْع َ‬
‫ت الصائبُ ‪ ،‬وإنْ صلُح الالُ واستقام المرُ حلّ الوتُ ‪.‬‬ ‫مَ ِرضَ السمُ ‪ ،‬وإنْ ص ّح السمُ حّل ِ‬
‫خرج الشاعرُ العشى منْ ( ندٍ ) إل الرسولِ يتدحُه بقصيد ٍة ويسلمُ ‪ ،‬فعرض له‬
‫أبو سفيان فأعطاهُ مائة ناقةٍ ‪ ،‬على أنْ يترك سفَرَهُ ويعود إل ديارِهِ ‪ ،‬فأخذ البل وعاد ‪،‬‬
‫وركب أحدها فهو جلتْ به ‪ ،‬فسقط على رأسِهِ ‪ ،‬فاندّقتْ عنقُهُ ‪ ،‬وفارق الياة ‪ ،‬بل دينٍ‬
‫لسْنِ يقولُ فيها‪:‬‬ ‫ول دنيا‪ .‬أ ّم قصيدتُه الت هيّأها ليقولا بي يديْ رسول الِ ‪ ،‬فهي بديعةُ ا ُ‬
‫فللّهِ هذا الدّهرُ كيف تردّدا‬ ‫ب وشيبٌ وافتقارٌ وثروةٌ‬
‫شبا ٌ‬
‫ل تحزن‬
‫‪232‬‬
‫ولقيت بعد الوتِ منْ قدْ تزوّدا‬ ‫إذا أنت لْ ترْحلْ بزادٍ من التّقى‬
‫صدْ لا كان أرْصدَا‬
‫وأنّك لْ تُ ْر ِ‬ ‫ندمْت على أنْ ل تكون كمثْلِهِ‬
‫***************************************‬
‫أمادٌ زائلةٌ‬
‫إنّ منْ لوازمِ السعادةِ القّةِ أنْ تكون دائمةً تامّةً ‪ ،‬فدوامُها أنْ تكون ف الدنيا‬
‫والخرةِ ‪ ،‬ف الغيبِ والشهادةِ ‪ ،‬اليوم وغدا ‪.‬‬
‫وتامُها أنْ ل يُنغّصها ن َكدٌ ‪ ،‬وأ ْن ل يْدشَ وجهُ ماسِنها بسخطٍ ‪.‬‬
‫لمْرَ فأراد‬‫جلس النعمانُ ب ُن النذرِ – ملكُ العراقِ – تت شجرةٍ متنّها يشربُ ا َ‬
‫عديّ ب ُن زيد – وكان حكيما – أنْ يعظه بلفظٍ فقال له ‪ :‬أيّها اللكُ ‪ ،‬أتدري ماذا تقولُ هذهِ‬
‫الشّجرةُ ؟ قال اللكُ ‪ :‬ماذا تقول ‪ :‬قال عديّ ‪ :‬تقولُ ‪:‬‬
‫يْزُجُون المر بالاءِ الزّللْ‬ ‫ب ركبِ قدْ أناخُوا حولنا‬ ‫رُ ّ‬
‫وكذاك الدّهرُ حالً بعد حالْ‬ ‫ّث صاروا لَعِب الدّهْرُ بمْ‬
‫فتنغصُ النعمانُ ‪ ،‬وترك المر ‪ ،‬وبقي متكدّرا حت مات ‪.‬‬
‫وهذا شاهُ إيران الذي احتفل برورِ ألفيِ وخسمائةِ سنةٍ على قيام الدول ِة الفارسيّةِ ‪،‬‬
‫سطِ ملكهِ على بقعةٍ أكب منْ بلدِهِ ‪ ،‬ث يُسلب سلطانُه بي‬ ‫ط لتوسيعِ نفوذِه ‪ ،‬وب ْ‬ ‫وكان يُخ ّط ُ‬
‫نعُ اْلمُلْكَ ِممّن َتشَاء ﴾ ‪.‬‬
‫عشيّ ٍة وضحاها ﴿ تُؤْتِي اْلمُ ْلكَ مَن َتشَاء وَتَ ِ‬
‫ويطرُدُ م ْن قصورِهِ ودُورِهِ ودنياه طردا ‪ ،‬ويوتُ مشرّدا بعيدا مرُوما مفلسا ‪ ،‬ل يبكي‬
‫عليه أحدٌ ‪َ ﴿ :‬كمْ َترَكُوا مِن جَنّاتٍ َوعُيُونٍ{‪ }25‬وَ ُزرُوعٍ َو َمقَامٍ َكرِيٍ{‪ }26‬وََن ْع َمةٍ كَانُوا‬
‫فِيهَا فَا ِك ِهيَ ﴾ ‪.‬‬
‫وكذلك شاوشيسكو رئيسُ رومانيا ‪ ،‬الذي حكم اثنتي وعشرين سنة ‪ ،‬وكان حَرَسُه‬
‫َفمَا كَانَ َلهُ مِن‬ ‫﴿‬ ‫الاصّ سبعي ألفا ‪ّ ،‬ث ييطُ شعبُه بقص ِرهِ ‪ ،‬فيمزّقونهُ وجنودهُ إربا إربا‬
‫صرِينَ ﴾ ‪ .‬لقدْ ذهب ‪ ،‬فل دنيا ول آخرة ‪.‬‬
‫فَِئةٍ يَنصُرُوَنهُ مِن دُونِ ال ّلهِ َومَا كَانَ مِنَ الُنَت ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪233‬‬
‫ي ماركوس ‪ :‬جع الرئاسة والال ‪ ،‬ولكنّه أذاق أمّته أصناف الذّلّ ‪،‬‬ ‫وذاك رئيسُ الفلب ِ‬
‫وأسقاها كأس الوانِ ‪ ،‬فأذاقه الُ غُصص التعاسةِ والشقاءِ ‪ ،‬فإذا هو مشرّدٌ منْ بلدِهِ ومنْ أهلِه‬
‫وسلطانِه ‪ ،‬ل يلكُ مأوى يأوي إليه ‪ ،‬ويوتُ شقيّا ‪ ،‬يرفضُ شعبُهُ أن يُدفَنَ ف بلدِهِ ‪ ﴿ :‬أََلمْ‬
‫خذْنَا ِبذَنبِهِ﴾ ‪.‬‬
‫وَاْلأُولَى﴾ ‪ ﴿ ،‬فَكُلّا أَ َ‬
‫جعَلْ كَ ْيدَ ُهمْ فِي َتضْلِيلٍ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَأَ َخذَهُ ال ّلهُ نَكَالَ الْآخِرَةِ‬
‫َي ْ‬
‫********************************************‬
‫*‬
‫ب الفضائل أكاليلٌ على ها ِم الياةِ السعيدةِ‬
‫اكتسا ُ‬
‫مطلوبٌ من العبدِ لكيْ يكسب السعادة والمن والراحة ‪ ،‬أن يُبادر إل الفضائل ‪ ،‬وأنْ‬
‫يُسارع إل الصفاتِ الميدةِ والفعالِ الميلةِ (( احرصْ على ما ينفعُك واست ِعنْ بالِ )) ‪.‬‬
‫مرافقَتَهُ ف النةِ فيقول ‪ (( :‬أعِنّي على نفسِك بكثْرةِ‬ ‫أح ُد الصحابةِ يسألُ الرسول‬
‫السجودِ ‪ ،‬فإنّك ل تسجُدُ لِ سجدةً ‪ ،‬إلّ رَ َفعَك با درجة )) ‪ .‬والخرُ يسألُ عنْ بابٍ‬
‫جامعٍ من اليِ ‪ ،‬فيقولُ له ‪ (( :‬ل يزالُ لسانُك رطباُ من ذكر الِ )) ‪ .‬وثالثٌ يسألُ فيقولُ‬
‫له ‪ (( :‬ل تسُّبنّ أحدا ‪ ،‬ول تضرِبنّ بيدِك أحدا ‪ ،‬وإ ْن أحدٌ سبّك با يعلمُ فيك فل تسُبّنّه‬
‫با تعلمُ فيه ‪ ،‬ول تقِر ّن من العروفِ شيئا ‪ ،‬ولو أنْ ُت ْفرِغ منْ دَلْوِك ف إنا ِء الستقي )) ‪.‬‬
‫إ ّن المر يقتضي البا َدرَةَ والُسارعة ‪ (( :‬بادرِوا بالعما ِل فتنا )) ‪ (( ،‬اغتنِمْ خسا قبل‬
‫ا ْلخَ ْيرَاتِ﴾‬ ‫خسٍ )) ‪﴿ ،‬وَسَا ِرعُواْ إِلَى َم ْغفِرَةٍ مّن رّبّ ُكمْ وَجَّنةٍ ﴾‪ ﴿ ،‬إِّن ُهمْ كَانُوا ُيسَا ِرعُونَ فِي‬
‫‪ ﴿ ،‬وَالسّاِبقُونَ السّاِبقُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تُهمِ ْل ف فِعْلِ الَيْرِ ‪ ،‬ول تنتظرْ ف عملِ البِرّ ‪ ،‬ول تُسوّفْ ف َطَلبِ الفضائلِ ‪:‬‬
‫إنّ الياة دقائ ٌق وثوانِ‬ ‫ت قلبِ الر ِء قائلةٌ له‬ ‫دقّا ُ‬
‫﴿ وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَا َفسِ اْلمُتَنَا ِفسُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫عمرُ بنُ الطابِ بعد أنْ طُعِن وثَجّ دمُه ‪ ،‬يرى شابّا يرّ إزاره ‪ ،‬فقال له عمرُ ‪ (( :‬يا‬
‫ابن أخي ‪ ،‬ارْفَعْ إزارك ‪ ،‬فإنهُ أتقى لربّك ‪ ،‬وأنْقى لثوبك )) ‪ .‬وهذا أمرٌ بالعروفِ ف‬
‫سكراتِ الوتِ ﴿ ِلمَن شَاء مِنكُمْ أَن يََتقَدّمَ أَوْ يََتأَ ّخرَ ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪234‬‬
‫إ ّن السعادة ل تص ُل بالنومِ الطويلِ ‪ ،‬واللودِ إل الدّعةِ ‪ ،‬و َهجْرِ العال ‪ ،‬واطّراحِ‬
‫‪.‬‬ ‫ا ْلقَا ِعدِينَ ﴾‬ ‫الفضائلِ ‪ ﴿ .‬وَلَـكِن َكرِهَ ال ّلهُ انِبعَاَث ُهمْ فَثَبّ َط ُهمْ وَقِيلَ ا ْق ُعدُواْ مَعَ‬
‫حرّ ﴾ ‪ ﴿ ،‬لّوْ‬
‫ب الممِ الدّنيّ ِة والنفوسِ الابطةِ يقولُ ‪ ﴿ :‬لَ تَن ِفرُواْ فِي اْل َ‬
‫إنّ منطق أصحا ِ‬
‫‪.‬‬ ‫قُتِلُواْ ﴾‬ ‫كَانُوْا عِندَنَا مَا مَاتُواْ َومَا‬
‫وقد ني العبدُ بالوحي عن التّأخرِ ع ْن فِعلِ اليِ ‪ ﴿ :‬مَا لَ ُكمْ ِإذَا قِيلَ لَ ُكمُ ان ِفرُواْ فِي‬
‫سَبِيلِ ال ّلهِ اثّاقَلُْتمْ إِلَى الَ ْرضِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَِإنّ مِن ُكمْ َلمَن لّيُبَطَّئنّ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَلَـكِّنهُ أَخْ َلدَ إِلَى‬
‫جزْتُ أَنْ َأكُونَ مِثْلَ هَـذَا اْل ُغرَابِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬ذَلِكَ بِأَّن ُهمُ اسَْتحَبّواْ اْلحَيَاةَ‬
‫الَ ْرضِ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬أ َع َ‬
‫كسَالَى ﴾‬
‫ُ‬ ‫صلَةِ قَامُواْ‬
‫اْلدّنْيَا عَلَى ال ِخرَةِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَلَ تَنَا َزعُواْ فََت ْفشَلُواْ ﴾ ‪﴿ ،‬وَِإذَا قَامُواْ إِلَى ال ّ‬
‫س منْ دان نفْسه وعمِل لا بعد الوتِ ‪،‬‬
‫‪ (( ،‬اللّهمّ إن أعوذُ بك من الكسلِ )) ‪ (( ،‬والكُي ُ‬
‫والعاج ُز منْ أتْبَعَ َن ْفسَه هواها ‪ ،‬وتنّى على الِ المان )) ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫*‬
‫الُلدُ والنعيمُ هناك ل هُنا‬
‫هلْ تريدُ أن تبقى شابّا مُعافً غنيّا ملّدا ؟ إنْ كنت تريدُ ذلك فإن ُه ليس ف الدنيا ‪ ،‬بلْ‬
‫هناك ف الخرةِ ‪ ،‬إنّ هذهِ الياة الدنيا كََنبَ الُ عليها الشقاء والفناء ‪ ،‬وسّاها لوا ولعِبا‬
‫ومتاع الغرورِ ‪.‬‬
‫عاش أحدُ الشعراءِ معدما مُفِلسا ‪ ،‬وهو ف عنفوان شباِبهِ ‪ ،‬يريدُ درها فل يدُهُ ‪ ،‬يريدُ‬
‫زوج ًة فل يصُلُ عليها ‪ ،‬فلمّا كبتْ سِنّ وشاب رأسُه ‪ ،‬ورقّ َع ْظمُهُ ‪ ،‬جاءهُ الالُ منْ كلّ‬
‫مكانٍ ‪ ،‬وسهُلَ أمرُ زواجهِ وسكنِه ‪ ،‬فتأوّه منْ هذه التَادّاتِ وأنشد ‪:‬‬
‫مُلّكْتُهُ بعد ما جاوزتُ سبعينا‬ ‫ما كنتُ أرجوهُ إذ كنتُ ابن عشرينا‬
‫مِثلُ الظّباءِ على كُثبانِ يبينا‬ ‫ت التّركِ أغْزِلةٌ‬‫تطُوفُ ب منْ بنا ِ‬
‫ت الثمانينا‬
‫فما الذي تشتكي قل ُ‬ ‫سهِرُنا‬
‫قالوا أنينُك طول الليلِ ُي ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪235‬‬
‫﴿ أَوََلمْ ُنعَ ّمرْكُم مّا يََتذَ ّكرُ فِيهِ مَن َتذَ ّكرَ وَجَاء ُكمُ الّنذِيرُ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وَظَنّوا أَّن ُهمْ إِلَيْنَا لَا‬
‫ُيرْ َجعُونَ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬ومَا َهذِهِ اْلحَيَا ُة الدّنْيَا إِلّا َلهْوٌ وََلعِبٌ ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ مََثلَ هذهِ الياةِ الدنيا كمسافرٍ استظلّ تت ظلّ شجرةٍ ث ذهب وتركها ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫أعدا ُء النهجِ الرّبانّ‬
‫قرأتُ كتبا للملحدِة الصّادّين عنْ منهج الِ شعرا ونثرا ‪ ،‬فرأيتُ كلم هؤل ِء‬
‫ت سخافاتِهم ‪ ،‬ووجدتُ العتداء الارف على‬ ‫النحرفي عنْ منهجِ ال ف الرضِ ‪ ،‬وطالع ُ‬
‫البادئِ القةِ ‪ ،‬وعلى التعاليمِ الرّبّانيّة ‪ ،‬ووجدتُ هذا الرّكام الرخص الذي تفوّهَ به هؤلء‬
‫ورأيتُ منْ سُوءِ أدبِهم ‪ ،‬ومنْ قلّةِ حيائِهم‪ ،‬ما يستحي النسانُ أنْ ينقُل للناسِ ما قالوه وما‬
‫كتبوه وما أنشدوهُ‪.‬‬
‫وعلمتُ أ ّن النسان إذا لْ يملْ مبدأً ول يستشعِرْ رسالةً ‪ ،‬فإنّ ُه يتحوّلُ إل دابّةٍ ف‬
‫حسَبُ َأنّ أَكَْثرَ ُهمْ َيسْ َمعُونَ َأوْ َي ْعقِلُونَ‬
‫ِمسْلخ إنسانٍ ‪ ،‬وإل بيمةٍ ف هيكلٍ ر ُجلٍ ‪ ﴿ :‬أَمْ َت ْ‬
‫إِنْ ُهمْ إِلّا كَالْأَْنعَامِ بَلْ ُهمْ أَضَلّ سَبِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫وسألتُ نفسي ‪ ،‬وأنا أقرأُ الكتاب ‪ :‬كيف َيسْ َعدُ هؤل ِء وقدْ أعرضُوا ع ِن الِ الذي‬
‫يلكُ السعادة ويعطيها سبحانه وتعال لنْ يشاءُ ؟!‬
‫كيف يسعدُ هؤل ِء وقدْ قطعوا البال بينهم وبينه ‪ ،‬وأغلقوا البواب بي أنفسِهم الزيلةِ‬
‫الريضِ وبي رحةِ الِ الواسعةِ ؟!‬
‫كيف يسعدُ هؤل ِء وقد أغضبُوا ال ؟!‬
‫وكيف يدون ارتياحا وقدْ حاربُوه ؟!‬
‫ولكنّي وجدتُ أنّ أول النّكالِ أخذ يُصيبُهم ف هذه الدارِ بقدّماتِ نكالٍ أخرويّ –‬
‫إنْ ل يتوبوا – ف نار جهنمّ ‪ ،‬نكالُ الشقاءِ ‪ ،‬وعدمُ البالةِ ‪ ،‬والضّيقُ ‪ ،‬والنيارُ والحباطُ ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫شةً ضَنكا‬
‫﴿ َو َمنْ َأ ْع َرضَ عَن ذِ ْكرِي فَِإنّ َلهُ َمعِي َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪236‬‬
‫حت إنّ كثيا منهمْ يريدُ أنْ يزول العالُ ‪ ،‬وأنْ تنتهي الياةُ ‪ ،‬وأنْ تُنسف الدنيا ‪ ،‬وأن‬
‫يُفارق هذه العيشة ‪.‬‬
‫إنّ القاسم الشترك الذي يمعُ اللحدة الوّلي والخِرين هو ‪ :‬سوءُ الدبِ مع الِ ‪،‬‬
‫والجازفةُ بالقيمِ والبادئِ ‪ ،‬والرّعُونةُ ف ال ْخ ِذ والعطاءِ والعراضُ عن العواقبِ ‪ ،‬وعدمُ البالةِ‬
‫با يقولون ويكتبون ويعملون ‪ ﴿ :‬أَ َفمَنْ أَ ّسسَ بُنْيَاَن ُه عَلَى َتقْوَى ِمنَ ال ّلهِ َورِضْوَانٍ خَ ْيرٌ أَم ّمنْ‬
‫أَ ّسسَ بُنْيَاَن ُه عَلَىَ َشفَا ُجرُفٍ هَارٍ فَاْنهَارَ ِبهِ فِي نَارِ َجهَّنمَ وَال ّلهُ لَ َي ْهدِي اْلقَوْمَ الظّاِل ِميَ ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ اللّ الوحيد لؤلءِ اللحدةِ ‪ ،‬للتّخلّصِ منْ هومِهم وأحزانِهم – إنّ ل يتوبوا‬
‫ويهتدوا – أنْ ينتحرُوا ويُنهُوا هذا العيش الُرّ ‪ ،‬والرَ التافِه الرخيص‪ ﴿ :‬قُلْ مُوتُواْ ِبغَيْظِ ُكمْ ﴾ ‪،‬‬
‫﴿ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَ ُكمْ ذَلِكُمْ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫*******************************************‬
‫حقيقةُ الدّنيا‬
‫إنّ ميزان السعادةِ ف كتابِ الِ العظيمِ ‪ ،‬وإنّ تقدير الشياءِ ف ِذكْرِهِ الكيم ‪ ،‬فهو‬
‫يق ّررُ الشيء وقيمتهُ ومردو َدهُ على العبدِ ف الدّنيا والخرةِ ﴿ وََلوْلَا أَن يَكُونَ النّاسُ ُأ ّمةً وَا ِحدَةً‬
‫ج عَلَ ْيهَا َي ْظ َهرُونَ{‪ }33‬وَلِبُيُوِت ِهمْ‬
‫ضةٍ َو َمعَارِ َ‬
‫جعَلْنَا ِلمَن يَ ْك ُفرُ بِالرّ ْحمَنِ لِبُيُوِت ِهمْ ُسقُفا مّن َف ّ‬
‫َل َ‬
‫أَبْوَابا وَ ُسرُرا عَلَ ْيهَا يَتّكِؤُونَ{‪َ }34‬وزُ ْخرُفا وَإِن كُلّ ذَِلكَ َلمّا مَتَاعُ اْلحَيَا ِة الدّنْيَا وَالْآ ِخرَةُ‬
‫عِندَ رَبّكَ لِ ْلمُّت ِقيَ ﴾ ‪.‬‬
‫هذهِ هي حقيقةُ الياةِ ‪ ،‬وقصورُها ودُورُها ‪ ،‬وذهبُها وفضّتُها ومناصبُها ‪.‬‬
‫س قيمة‬
‫إنّ منْ تفاهتِها أنْ تعطي الكافر جلةً واحدةً ‪ ،‬وأن ُيحْرَ َمهَا الؤمنُ ليبيّن للنا ِ‬
‫اليا ٍة الدنيا‪.‬‬
‫إنّ عتبة بن غزوان الصحابّ الشهي يستغربُ وهو يطبُ الناس المعة ‪ :‬كيف يكونُ‬
‫ق الشجرِ ماهدا ف سبي ِل الِ ‪ ،‬ف‬ ‫ف حالةٍ مع رسو ِل الِ ‪ ،‬مع سّيدِ الَ ْلقِ يأكلُ معهُ وَرَ َ‬
‫أرْضى ساعاتِ عم ِرهِ ‪ ،‬وأحلى أيامِهِ ‪ ،‬ثّ يتخلّفُ عنْ رسولِ الِ ‪ ،‬فيكونُ أميا على‬
‫إقليمٍ ‪ ،‬وحاكما على مقاطعةٍ ‪ ،‬إنّ الياة الت تُقبلُ بعد وفاةِ الرسولِ حياةٌ رخيصةٌ حقّا ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪237‬‬
‫على أنّهمْ فيها عراةٌ و ُجوّ ُ‬
‫ع‬ ‫أرى أشقياء الناسِ ل يسأمُونا‬
‫سحابةُ صيفٍ عنْ قليلٍ تقشّعُ‬ ‫أراها وإ ْن كانت ُتسِ ّر فإنا‬
‫سعدُ بنُ أب وقّاصٍ يصيبُهُ الذهو ُل وهو يتولّى إمرة الكوفةِ بعدَ وفاةِ الرسولِ ‪ ،‬وقدْ‬
‫أكل معه الشجر ‪ ،‬ويأكلُ جلدا ميّتا ‪ ،‬يشويهِ ّث يسحقُه ‪ ،‬ث يتسيهِ على الاءِ ‪ ،‬فما لذهِ‬
‫﴿ وَلَلْآ ِخرَةُ‬ ‫‪ ،‬وتأت بعد ذهابهِ‬ ‫الياةِ وما لقصورِها ودُورِها ‪ ،‬تُقبلُ بعد إدبارِ الرسولِ‬
‫خَ ْيرٌ لّكَ ِمنَ الْأُولَى ﴾ ‪.‬‬
‫حسَبُونَ أَّنمَا‬
‫سبُ ﴿ أََي ْ‬
‫إذنْ ف المر شيءٌ ‪ ،‬وف السألةِ سرّ ‪ ،‬إنا تفاهةُ الدنيا َفحَ ْ‬
‫شعُرُونَ ﴾ ‪ (( ،‬والِ ما‬
‫ُنمِدّهُم ِبهِ مِن مّالٍ وَبَِنيَ{‪ُ }55‬نسَا ِرعُ َل ُهمْ فِي اْلخَيْرَاتِ بَل لّا َي ْ‬
‫الفقر أخشى عليكمْ )) ‪.‬‬
‫لّ دخل عُمر على رسو ِل الِ وهو ف الشْرَبِة ‪ ،‬ورآه على حصيٍ أثّر ف جنبهِ ‪ ،‬وما‬
‫ف بيتهِ إل شعيٌ معّلقٌ ‪ ،‬دمعتْ عينا ُعمَرَ ‪.‬‬
‫قدوةُ الناسِ وإمامُ الميع ‪ ،‬ف هذهِ الالةِ ﴿‬ ‫إنّ الوقف مؤثّرٌ ‪ ،‬أنْ يكون رسو ُل ال‬
‫وَقَالُوا مَالِ َهذَا الرّسُولِ يَ ْأكُلُ ال ّطعَامَ وََي ْمشِي فِي اْلأَسْوَاقِ ﴾ ‪.‬‬
‫ثّ يقولُ له ُعمَ ُر – رضي الُ عنه ‪ : -‬كسرى وقيصر فيما تعلمُ يا رسول الِ ! قال‬
‫‪ (( :‬أف شكّ أنت يا بن الطاب ‪ ،‬أما ترضى أن تكون لنا الخرةُ ولم‬ ‫رسو ُل ال‬
‫الدنيا )) ‪.‬‬
‫إنا معادل ٌة واضحةٌ ‪ ،‬وقسمةٌ عادلةٌ ‪ ،‬فلْيَ ْرضَ مَنْ يرضى ‪ ،‬ولْيَسخطْ م ْن يسخطُ ‪،‬‬
‫وليطُلبِ السعادة منْ أرادها ف الدّرهمِ والدينارِ والقصرِ والسيارةِ ويعملْ لا وحدها ‪ ،‬فلنْ‬
‫يدها والذي ل إله إل هو ‪.‬‬
‫﴿ مَن كَانَ ُيرِيدُ اْلحَيَاةَ الدّنْيَا وَزِينََتهَا نُوَفّ إِلَ ْي ِهمْ َأ ْعمَاَل ُهمْ فِيهَا وَ ُهمْ فِيهَا لَ‬
‫خسُونَ{‪ }15‬أُوْلَـئِكَ اّلذِينَ لَ ْيسَ َل ُهمْ فِي ال ِخرَةِ إِلّ النّارُ وَحَِبطَ مَا صََنعُواْ فِيهَا وَبَاطِلٌ‬
‫يُ ْب َ‬
‫‪.‬‬ ‫كَانُواْ َي ْعمَلُونَ ﴾‬ ‫مّا‬
‫فليس با للصّالي مُعَ ّرجُ‬ ‫عفاءٌ على دنيا رَ َح ْلتُ لغيِها‬
‫ل تحزن‬
‫‪238‬‬
‫****************************************‬
‫مفتاحُ السعادةِ‬
‫إذا عرفت ال وسّبحْته وعبدْتَهُ وتألّهْتهُ وأنت ف كوخٍ ‪ ،‬وجدت الَْيرَ والسعادةَ‬
‫والراحة والدوء ‪.‬‬
‫ولكنْ عند النرافِ ‪ ،‬فلوْ سكنت أرقى القصورِ ‪ ،‬وأوسع الدورِ ‪ ،‬وعندك كلّ ما‬
‫تشتهي‪ ،‬فاعلمْ أنّها نايتُك الُرّةُ ‪ ،‬وتعاستُك الحققةُ ؛ لنك ما ملكت إل النِ مفتاح‬
‫السعادةِ‪.‬‬
‫حهُ لَتَنُوءُ بِاْل ُعصْبَةِ أُولِي اْلقُوّةِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَآتَيْنَاهُ ِمنَ الْكُنُوزِ مَا إِنّ َمفَاِت َ‬
‫*****************************************‬
‫وقفـــةٌ‬
‫﴿ إِنّ ال ّلهَ ُيدَافِ ُع عَنِ اّلذِينَ آمَنُوا ﴾ ‪ .‬إي ‪ :‬يدف ُع عنهمُ شرور الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫« هذا إخبارٌ ووع ٌد وبشارةٌ من الِ للذين آمنوا ‪ ،‬أنه يدفعُ عنهمْ كلّ مكروهٍ ‪ ،‬ويدفعُ‬
‫عنهم – بسببِ إيانِهم – كلّ شرّ منْ شرورِ الكفارِ ‪ ،‬وشرورِ وسوسةِ الشيطانِ ‪ ،‬وشرورِ‬
‫أنفسِهم ‪ ،‬وسيئاتِ أعمالِهم ‪ ،‬ويملُ عنهمْ عند نزولِ الكارهِ ما ل يتحملونه ‪ ،‬فيُخفّف عنهمْ‬
‫غاية التخفيفِ ‪ ،‬كلّ مؤمنٍ له منْ هذه الدافع ِة والفضيلةِ بسب إيانِه ‪ ،‬فمُستقلّ ومُستكثِرٌ »‬
‫‪.‬‬
‫« منْ ثراتِ اليانِ أنه يُسلّى العبدُ به عند الصائبِ ‪ ،‬وتُهوّن عليه الشدائدُ والنّوائبُ ﴿‬
‫َومَن يُ ْؤمِن بِال ّلهِ َي ْهدِ قَلَْبهُ ﴾ وهو العبدُ الذي تصيبُه الصيبةُ ‪ ،‬فيعلمُ أنا منْ عندِ الِ ‪ ،‬وأنّ ما‬
‫أصابه ل يكُنْ ليُخطئه ‪ ،‬وما أخطأهُ ل يكُنْ ليُصيبه ‪ ،‬فيضى وُيسَّلمُ للقدارِ الؤلِة ‪ ،‬وتونُ‬
‫عليه الصائبُ الزعجةُ ‪ ،‬لصدورِها منْ عندِ الِ ‪ ،‬وليصالِها إل ثوابِهِ » ‪.‬‬
‫************************************‬
‫كيف كانُوا يعيشُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪239‬‬

‫تعال إل يومٍ منْ أيام أحدِ الصحابةِ الخبارِ ‪ ،‬وعظمائِهم البرارِ ‪ ،‬عليّ بن أب طالبٍ‬
‫مع ابنهِ رسولِ الِ ‪ ،‬مع فلذ ِة كبدِهِ ‪ ،‬بصحُو عليّ ف الصباحِ الباكرِ ‪ ،‬فيبحثُ هو وفاطمةُ‬
‫عن شيءٍ منْ طعامٍ فل يدانِ ‪ ،‬فيتدي فروا على جسمِهِ م ْن شدّةِ البدِ ويرجُ ‪ ،‬ويتلمّسُ‬
‫ويذهبُ ف أطرافِ الدينةِ ‪ ،‬ويتذكرُ يهوديّا عنده مزرعةٌ ‪ ،‬فيقتحمُ عليّ عليه باب الزرعةِ‬
‫الضّيّ ِق الصغيِ ويدخلُ ‪ ،‬ويقولُ اليهوديّ ‪ :‬يا أعرابّ ‪ ،‬تعال وأخرِج كلّ غَرْبٍ بتمرةٍ ‪.‬‬
‫والغربُ هو الدلوُ الكبيُ ‪ ،‬وإخراجُه ‪ ،‬أيْ ‪ :‬إظهارُه من البئرِ مُعاوَنَةً مع الملِ ‪ .‬فيشتغلُ عليّ‬
‫– رضي الُ عنهُ – معهُ برهةً من الزمنِ ‪ ،‬حت ترِم يداه ويكلّ جسمُه ‪ ،‬فيُعطيهِ بعد ِد الغروبِ‬
‫تراتٍ ‪ ،‬ويذهبُ با ويرّ برسو ِل الِ ويُعطيه منها ‪ ،‬ويبقى هو وفاطمةُ يأكلن مِ ْن هذا‬
‫التمرِ القليلِ طيلة النهارِ ‪.‬‬
‫هذهِ هي حياتم ‪ ،‬لكنّهم يشعرون أنّ بيتهُ ْم قد امتل سعادةً وحبورا ونورا وسرورا ‪.‬‬
‫إنّ قلوبم تعيشُ البادئ القّةَ الت بُعثَ با الرسولُ ‪ ،‬والُثُل السامية ‪ ،‬فهمْ ف‬
‫أعمالٍ قلبيّةٍ ‪ ،‬وف روحانيّة قُدسيّةٍ يُبصرون با القّ ‪ ،‬ويُنصرون با الباطل ‪ ،‬فيعملون‬
‫لذاك ويتنبون هذا ‪ ،‬ويُدركون قيمة الشيءِ وحقيقة المرِ ‪ ،‬وسرّ السألةِ ‪.‬‬
‫أين سعاد ُة قارون ‪ ،‬وسرو ُر وفرحُ وسكينةُ هامان ؟! فالولُ مدفونٌ ‪ ،‬والثان ملعون ﴿‬
‫ص َفرّا ُثمّ يَكُونُ ُحطَاما ﴾ ‪.‬‬
‫َكمَثَ ِل غَيْثٍ َأعْجَبَ الْ ُكفّارَ نَبَاُتهُ ُثمّ َيهِيجُ فََترَاهُ ُم ْ‬
‫السعادةُ عند بللِ وسلمان وعمّارٍ ‪ ،‬لنّ بللً أذّن للحقّ ‪ ،‬وسلمان آخى على الصّدقِ‬
‫سنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَ ُز عَن سَيّئَاِت ِهمْ‬
‫‪ ،‬وعمّارا وفّى اليثاق ﴿ أُوْلَئِكَ اّلذِينَ نََتقَبّ ُل عَ ْنهُمْ أَ ْح َ‬
‫صحَابِ اْلجَّنةِ َو ْع َد الصّ ْدقِ اّلذِي كَانُوا يُو َعدُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫فِي أَ ْ‬
‫******************************************‬
‫ص ْبرِ‬
‫أقوالُ الكماءِ ف ال ّ‬
‫يُحكى عنْ أنوشروان أنهُ قال ‪ :‬جيعُ الكارِ ِه ف الدنيا تنقسمُ على ضربي ‪ :‬فضربٌ فيه‬
‫حِيلةٌ ‪ ،‬فالضطرابُ دواؤه ‪ ،‬وضربٌ ل حيلة فيه ‪ ،‬فالصطبارُ شفاؤُهُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪240‬‬
‫كان بعضُ الكماءِ يقولُ ‪ :‬الِيل ُة فيما ل حيلة فيه ‪ ،‬الصبُ ‪.‬‬
‫وكان يقالُ ‪ :‬منِ اتّبع الصب ‪ ،‬اتّبعَهُ النصرُ ‪.‬‬
‫ومن المثالِ السائرة ‪ ،‬الصبُ مفتاحُ الفَ َرجِ م ْن صَبَ َر َق َدرَ ‪ ،‬ثرةُ الصبِ الظّفرُ ‪ ،‬عند‬
‫اشتدادِ البلءِ يأت الرّخاءُ ‪.‬‬
‫وكان يقالُ ‪ :‬خفِ الضارّ منْ خللِ السارّ ‪ ،‬وارجُ النفْع منْ موضعِ الْنعِ ‪ ،‬واحرصْ‬
‫على الياةِ بطلبِ الوتِ ‪ ،‬فكمْ منْ بقاءٍ سببُه استدعاءُ الفناءِ ‪ ،‬ومنْ فناءٍ سببُه البقاءِ ‪ ،‬وأكثرُ‬
‫ما يأت المنُ م ْن قِبل الفزعِ ‪.‬‬
‫والعربُ تقولُ ‪ :‬إنّ ف الشرّ خِيارا ‪.‬‬
‫قال الصمعيّ ‪ :‬معناهُ ‪ :‬أنّ بعض الشّرّ أهونُ منْ بعْضٍ ‪.‬‬
‫وقال أبو عبيدة ‪ :‬معناهُ ‪ :‬إذا أصابتْك مصيبةٌ ‪ ،‬فاعلمْ أن ُه قدْ يكونُ أجلّ منها ‪ ،‬فلتهُنْ‬
‫عليك مصيبتُك ‪.‬‬
‫قال بعضُ الكماءِ ‪ :‬عواقبُ المورِ تتشاب ُه ف الغيوب ‪ ،‬فرُبّ مبوبٍ ف مكروهٍ ‪،‬‬
‫ومكروهٍ ف مبوبٍ ‪ ،‬وكمْ مغبوطٍ بنعمةٍ هي داؤُه ‪ ،‬ومرحومٍ من داءٍ هو شفاؤُه ‪.‬‬
‫وكان يُقالُ ‪ :‬رُبّ خيٍ منْ شرّ ‪ ،‬ونفعٍ منْ ضرّ ‪.‬‬
‫وقال وداعةُ السهميّ ‪ ،‬ف كلمٍ له ‪ :‬اصبْ على الشّرّ إ ْن قَدَحَك ‪ ،‬فربّما أجْلى عما‬
‫ب الصّريحُ ‪.‬‬
‫يُفرحُك ‪ ،‬وتت الرّغوةِ الل ُ‬
‫يأت الُ بالفرحِ عند انقطاعِ الملِ ‪ ﴿ :‬حَتّى ِإذَا اسْتَيَْأسَ الرّسُلُ وَظَنّواْ أَّن ُهمْ َقدْ ُكذِبُواْ‬
‫حسَابٍ﴾‬
‫ِ‬ ‫صرُنَا﴾ ‪ِ﴿ ،‬إنّ ال ّلهَ مَعَ الصّاِبرِينَ ﴾‪ ﴿ ،‬إِّنمَا ُيوَفّى الصّاِبرُونَ أَ ْجرَهُم ِبغَ ْيرِ‬
‫جَاء ُهمْ َن ْ‬
‫‪.‬‬
‫يقولُ بعضُ الكُتّابِ ‪ :‬وكما أ ّن ال – جلّ وعل – يأت بالحبوبِ من الوجهِ الذي ق ّد ّر‬
‫ع الملِ‪ ،‬واستبهامِ وجوهِ الِيل‪ ،‬ليحُضّ سائر خلْقه‬ ‫ورودّ الكروهِ منه‪ ،‬ويفتحُ بفرج عند انقطا ِ‬
‫با يريدهم من تام قدرته ‪ ،‬على صرف الرجاء إليهِ ‪ ،‬وإخلصِ آمالِهم ف التّوكّلِ عليه ‪ ،‬وأنْ‬
‫ل َي ْزوُوا وجوههُم ف وقتٍ من الوقاتِ ع ْن توقّعِ ال ّر ْوحِ منه ‪ ،‬فل يعدلُوا بآمالِهم على أيّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪241‬‬
‫ج يصدُر عنه ‪ ،‬وكذلك أيضا يسرّهم فيما ساءهم ‪ ،‬بأنْ‬ ‫حالٍ من الالتِ ‪ ،‬عنِ انتظارِ فر ٍ‬
‫كفاهم بحنةٍ يسيةٍ‪ ،‬ما هو أعظمُ منها‪ ،‬وافتدا ُهمْ بُِلمّةٍ سهلةٍ ‪ ،‬ممّ كان أنكى فيهمْ لو‬
‫لِق ُهمْ‪.‬‬
‫حتِ الجسامُ بالعِللِ‬ ‫فربّما ص ّ‬ ‫لعلّ عتْبك ممودٌ عواقبُهُ‬
‫قال إسحاقُ العابدُ ‪ :‬ربا امتح َن الُ العبْدَ بحنةٍ يّلصُه با من اللكةِ ‪ ،‬فتكون تلك‬
‫الحنةُ أجلّ نعمةٍ ‪.‬‬
‫يقالُ ‪ :‬إنّ منِ احتمل الحنة ‪ ،‬ورضي بتدب ِي الِ تعال ف النكْبةِ ‪ ،‬وصب على الشّدّةِ ‪،‬‬
‫كشف له عنْ منفعتِها ‪ ،‬حت يقف على الستورِ عنه منْ مصلحتِها ‪.‬‬
‫ض النصارى أنّ بعض النبياءِ عليهمُ السلمُ قال ‪ :‬الِحنُ تأديبٌ من الِ ‪،‬‬ ‫حُكي عن بع ِ‬
‫ب ل يدومُ ‪ ،‬فطوب لنْ تصبّر على التأديبِ ‪ ،‬وتثبّت عند الحنةِ ‪ ،‬فيجبُ له لُبسُ إكلِيلِ‬ ‫والد ُ‬
‫الغَلَبَةِ ‪ ،‬وتاجِ الفلحِ ‪ ،‬الذي و َع َد الُ به ُمحِبّيه ‪ ،‬وأهلِ طاعتِهِ ‪.‬‬
‫ض الفِتِ ‪ ،‬فإنّ الطريق‬ ‫ضجَرَ ‪ ،‬إذا أصابتْك أسِنّةُ الحنِ ‪ ،‬وأعرا ُ‬ ‫قال إسحاقُ ‪ :‬احذرِ ال ّ‬
‫الؤدّي إل النجا ِة ص ْعبُ السْلكِ ‪.‬‬
‫قال بزرجهرُ ‪ :‬انتظارُ الفَ َرجِ بالصبِ ‪ ،‬يُعقبُ الغتباط ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫ل ل ييبُ‬
‫سنُ ال ّظنّ با ِ‬
‫ُح ْ‬
‫(( أنا عند ظنّ عبدي ب ‪ ،‬فليظنّ ب ما شاء )) ‪.‬‬
‫لبعضِ الكُتّابِ ‪ :‬إنّ الرجاء مادّ ُة الصبِ ‪ ،‬والُعيُ عليه ‪ .‬فكذلك عِلّةُ الرجاءِ ومادّتهُ ‪،‬‬
‫ُحسْنُ الظّنّ بالِ ‪ ،‬الذي ل يوزُ أن ييب ‪ ،‬فإنّا قد نستقري الكرماء ‪ ،‬فنجدُهم يرفعون منْ‬
‫أحسن ظنّهُ بمْ ‪ ،‬ويتحوّبُون منْ تيّب أملُه فيهمْ ‪ ،‬ويتحرّ جون مِ ْن قصدَهم ‪ ،‬فكيف بأكرمِ‬
‫الكرمي ‪ ،‬الذي ل يعوزُه أنْ ينح مؤمّليه ‪ ،‬ما يزيدُ على أمانيّهم فيه ‪.‬‬
‫وأعد ُل الشواهدِ بحبّ ِة ال جلّ ِذكْرُه ‪ ،‬لتمسّكِ عبدِه برحابهِ ‪ ،‬وانتظارُ الرّوحِ منْ ظلّهِ‬
‫ومآبِه ‪ ،‬أنّ النسان ل يأتيه الفَ َرجَ ‪ ،‬ول تُدركُه النجاةُ ‪ ،‬إل بعد إخفاقِ أملهِ ف كلّ ما كان‬
‫ل تحزن‬
‫‪242‬‬
‫يتوجّه نوه بأملِه ورغبتِه ‪ ،‬وعند انغلقِ مطالبِهِ ‪ ،‬و َعجْزِ حيلتِه ‪ ،‬وتناهي ضَرّ ِه ومنتِه ‪ ،‬ليكون‬
‫ذلك باعثا له على صَرْفِ رجاِئهِ أبدا إل الِ عزّ وجلّ ‪ ،‬وزاجرا له على تاوز ُحسْنِ ظنّه به‬
‫﴿إِنّ اّلذِينَ َت ْدعُونَ مِن دُونِ ال ّل ِه عِبَادٌ َأمْثَالُ ُكمْ فَا ْدعُو ُهمْ فَلَْيسَْتجِيبُواْ لَ ُكمْ إِن كُنُتمْ‬
‫ي﴾ ‪.‬‬
‫صَادِ ِق َ‬
‫**************************************‬

‫صبُورُ أحْ َمدَ المورِ‬


‫يُدر ُك ال ّ‬
‫ُروِي عنْ عبدِال بنِ مسعودٍ ‪ :‬الفَ َرجُ والروحُ ف اليقيِن والرضا ‪ ،‬والمّ والزنُ ف‬
‫ك والسخطِ ‪.‬‬ ‫الشّ ّ‬
‫وكان يقولُ ‪ :‬الصّبُورُ ‪ ،‬يُدركُ أحْمد المورِ ‪.‬‬
‫قال أبانُ بنُ تغلب ‪ :‬سعتُ أعربيّا يقولُ ‪ :‬منْ أفْضلِ آداب الرجالِ أنهُ إذا نزلتْ‬
‫بأحدِهمْ جائحةٌ استعمل الصب عليها ‪ ،‬وألم نفْسه الرجاء لزوالِها ‪ ،‬حت كأنه لصبِه يعاينُ‬
‫اللص منها والعناء ‪ ،‬توكّلً على الِ عزّ وجلّ ‪ ،‬و ُحسْنِ ظنّ به ‪ ،‬فمت لزِم هذه الصفة ‪ ،‬ل‬
‫يلبثْ أن يقضي الُ حاجته ‪ ،‬ويُزيل كُربيه ‪ ،‬ويُنجح طِلْبتهُ ‪ ،‬ومعهُ دينُه وعِرضُه ومروءتُه ‪.‬‬
‫روى الصمعيّ عنْ أعرابّ أنه قال ‪ :‬خفِ الشّرّ منْ موضعِ الْيرِ ‪ ،‬وارجُ اليْرَ منْ‬
‫موضعِ الشّرّ ‪ ،‬ف ُربّ حياةٍ سببُها طلبُ الوتِ ‪ ،‬وموتٍ سببُه طلبُ الياةِ ‪ ،‬وأكْثَرُ ما يأت المنُ‬
‫من ناحيِة الوْفِ ‪.‬‬
‫َنمْ فالوادِثُ كّلهُنّ أمانُ‬ ‫وإذا العنايةُ لحظتْك عيونُها‬
‫وقال قطريّ بنُ الفجاءةِ ‪:‬‬
‫خوّفا لمِامِ‬ ‫يوم الوغى مَُت َ‬ ‫ل َي ْركَنَنْ أحدٌ إل الحجامِ‬
‫من عن يين مرّةً وأمامي‬ ‫فلقدْ أران للرّماحِ دريئة‬
‫أحناء سرْجي أو عنان لامي‬ ‫حت خضبتُ با تدّر مِن دمي‬
‫جذع البصي ِة قارِح القدامِ‬ ‫ث انصرفتُ وقدْ أصبتُ ول أُصبْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪243‬‬
‫وقال بعضُ الكماءِ ‪ :‬العاقلُ يتعزّى فيما نزل به منْ مكروهٍ بأمرينِ ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬السرورُ با بقي له ‪.‬‬
‫والخر ‪ :‬رجا ُء الفَ َرجِ ما َن َزلَهُ به ‪.‬‬
‫والاهل يزعُ ف منتِهِ بأمرينِ ‪:‬‬
‫أحدها ‪ :‬استكثارُ ما أوى إليه ‪.‬‬
‫والخر ‪ :‬توّفُه ما هو أشدّ منهُ ‪.‬‬
‫ب الِ عزّ وجلّ للقِهِ ‪ ،‬وتأديبُ الِ يفتحً القلوب والساع‬ ‫وكان يقالُ ‪ :‬الِحنُ آدا ُ‬
‫والبصار ‪.‬‬
‫لسَنُ بنُ َس ْهلٍ الِحن فقال ‪ :‬فيها تحيصٌ من الذنبِ ‪ ،‬وتنبيهٌ من الغفلةِ ‪،‬‬‫ووصف ا ّ‬
‫وتع ّرضٌ للثوابِ بالصبِ ‪ ،‬وتذكيٌ بالنعمةِ ‪ ،‬واستدعاءٌ للمثوبةِ ‪ ،‬وف نظ ِر الِ عزّ وجلّ وقضائِهِ‬
‫اليارُ ‪.‬‬
‫فهذا من أحبّ الوت ‪ ،‬طلبا لياةِ الذّكْرِ ‪ ﴿ .‬اّلذِينَ قَالُواْ لِخْوَاِنهِمْ وَ َق َعدُواْ لَوْ‬
‫أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ُقلْ فَادْرَؤُوا عَنْ أَن ُفسِكُمُ اْلمَوْتَ إِن كُنُتمْ صَادِقِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫أقوالٌ ف توينِ الصائبِ ‪:‬‬
‫قال بعضُ عقل ِء التّجّارِ ‪ :‬ما أصْغرَ الصيبة بالرباحِ ‪ ،‬إذا عادتْ بسلم ِة الرواحِ ‪.‬‬
‫سخْلةُ َهدَرٌ ‪.‬‬
‫للّ ُة فال ّ‬
‫وكان منْ قولِ العربِ ‪ :‬إنّ تسْلمِ ا ِ‬
‫ومنْ كلمِهم ‪ :‬ل تيأسْ أرضٌ من عمرانٍ ‪ ،‬وإن جفاها الزمانُ ‪.‬‬
‫والعامّة تقول ‪ :‬نرٌ جرى فيه الا ُء لبدّ أن يعود إليه ‪.‬‬
‫وقال ثامسطيوس ‪ :‬ل يتفاضلْ أه ُل العقو ِل والدّينِ إل ف استعما ِل الفضْلِ ف حالِ‬
‫القُدر ِة والنعمةِ ‪ ،‬وابتذالِ الصبِ ف حالِ الشّدّةِ والحنةِ ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫وقفــــةٌ‬
‫ل تحزن‬
‫‪244‬‬
‫﴿ إِن تَكُونُواْ تَأَْلمُونَ َفإِّن ُهمْ َيأَْلمُونَ َكمَا تَأْلَمونَ وََترْجُونَ مِنَ ال ّلهِ مَا لَ َيرْجُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ولذا يوجدُ عند الؤمني الصادقي حي تصيبُهم النّواز ُل والقلقِلُ والبتلءُ مِن الصبِ‬
‫والثباتِ والطّمأنينِة والسكّونِ والقيامِ ب ّق الِ مال يوجدُ ُعشْرُ مِعْشارِهِ عند من ليس كذلك ‪،‬‬
‫وذلك لقوّةِ اليانِ واليقيِ ‪.‬‬
‫‪ (( :‬يقولُ ربّكم تبارك‬ ‫عن معقلِ بن يسارٍ رضي الُ عنه قال ‪ :‬قال رسو ُل الِ‬
‫وتعال ‪ :‬يا بن آدم ‪ ،‬تف ّرغْ لعبادت ‪ ،‬أمل قلبك غن ‪ ،‬وأمل يديْك رزِقا ‪ .‬يا بن آدم ‪ ،‬ل‬
‫تباعدْ من ‪ ،‬فأملْ قلبك فقرا ‪ ،‬وأملْ يديك شُغلً )) ‪.‬‬
‫« القبالُ على الِ تعال ‪ ،‬والنابةُ إليه ‪ ،‬والرّضا بهِ وعنهُ ‪ ،‬وامتلءُ القلبِ من مبّتِه ‪،‬‬
‫واللّه ُج بذكْرِهِ ‪ ،‬والفرحُ والسرورُ بعرفتِه ثوابٌ عاجِل ‪ ،‬وجنّةٌ ‪ ،‬وعيشٌ ‪ ،‬ل نسبة لعيشِ‬
‫اللوكِ إليه ألبتّ َة » ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫ل تزنْ إنْ قلّ مالُك أو رثّ حالُك‬
‫فقيِمتُك شيءٌ آخرُ‬
‫سنُ ‪.‬‬
‫قال عليّ رضي الُ عنهُ ‪ :‬قيمةُ كلّ امرئٍ ما يُح ِ‬
‫فقيمةُ العالِ عِ ْلمُهُ قلّ منهُ أو كُثرَ ‪ ،‬وقيمةُ الشاعرِ شعرُه أحسن فيهِ أو أساء ‪ .‬وك ّل‬
‫صاحبِ موهبةٍ أو حرفةٍ إنا قيمتُه عند البشرِ تلك الوهبةُ أو تلك الرفةُ ليس إل ‪ ،‬فليحرصِ‬
‫العبدُ على أنْ يرفع قيمتهُ ‪ ،‬ويُغلي ثنه بعمِلهِ الصالِ ‪ ،‬وبع ْلمِه وحكمتِه ‪ ،‬وجُودِهِ وحفْظِهِ ‪،‬‬
‫ونبوغِه واطّلعِه ‪ ،‬ومُثابرتِه وبْثِهِ ‪ ،‬وسؤالِه وحِ ْرصِهِ على الفائدةِ ‪ ،‬وتثقيفِ عقْلِ ِه وصقْلِ ذهنهِ‬
‫ح ف رُوحِهِ ‪ ،‬والنّبلِ ف نفسِهِ ‪ ،‬لتكون قيمتُه غاليةً عاليةً ‪.‬‬
‫‪ ،‬وإشعالِ الطمو ِ‬
‫*************************************‬
‫ل تزنْ ‪ ،‬واعلمْ أنك بوساطةِ ال ُكُتبِ‬
‫يكنُ أن تُنمّي مواهبك وقدراتِك‬
‫ل تحزن‬
‫‪245‬‬
‫مطالعةُ الكتبِ تُفتّقُ الذّهن ‪ ،‬وتدي العِب والعظاتِ ‪ ،‬وتدّ الطّلعِ بددٍ من الِكم ‪،‬‬
‫وتُطلقُ اللسان ‪ ،‬وتُنمّي مَلَك َة التفكيِ ‪ ،‬وترسّخُ القائق ‪ ،‬وتطردُ الشّبَهَ ‪ ،‬وهي سلوةٌ للمتفرّدِ ‪،‬‬
‫ومناجاةٌ للخاطر ‪ ،‬ومادثةٌ للسامرِ ‪ ،‬ومتعةٌ للمتأمّلِ ‪ ،‬وسراجٌ للسّاري ‪ ،‬وكلّما كٌرّرتِ‬
‫العلومُ ٌة وضُبطتْ ‪ ،‬و ُمحّصتْ ‪ ،‬أثرتْ وأينعتْ وحان قِطافُها ‪ ،‬واستوتْ على سوقِها ‪ ،‬وآتت‬
‫ُأكُلها كلّ حيٍ بإذ ِن ربّها ‪ ،‬وبلغ الكتابُ با أجََلهُ ‪ ،‬والنبأُ مستقرّهُ ‪.‬‬
‫وهجْرُ الطالعةِ ‪ ،‬وترْكُ النظرِ ف الكتبِ والنفرادُ با ‪ ،‬حُبْسهٌ ف اللسانِ ‪ ،‬و َحصْرٌ للطّبعِ‬
‫‪ ،‬وركودٌ للخاطرِ ‪ ،‬وفتورٌ للعقلِ ‪ ،‬وموتٌ للطبيعةِ ‪ ،‬وذبولٌ ف رصيدِ العرفةِ ‪ ،‬وجفافٌ للفكرِ‬
‫‪ ،‬وما منْ كتابٍ إل وفي ِه فائدةٌ أو مَثَلٌ ‪ ،‬أو طُرفةٌ أو حكايةٌ ‪ ،‬أو خاطرةٌ أو نادرةٌ ‪.‬‬
‫ت الِممِ و ِخسّةِ العزيةِ ‪ ،‬وبرودِ‬‫لصْرِ ‪ ،‬ونعوذُ بالِ منْ مو ِ‬ ‫هذا وفوائدُ القراءةِ فوق ا َ‬
‫الرّمحِ ‪ ،‬فإنا منْ أعظ ِم الصائبِ ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫ل تزنْ ‪ ،‬واقرأْ عجائب خلقِ الِ ف الكونِ‬
‫ب العُجابَ ‪ ،‬وتقضي على هومِك‬ ‫وطالِعْ غرائب صُنعِهِ ف العمورةِ ‪ ،‬تدِ ال َعجَ َ‬
‫وغمومِك ‪ ،‬فإنّ النّفْس مُولعةٌ بالطّريفِ الغريبِ ‪.‬‬
‫َروَى البخاريّ ومسلمٌ ‪ ،‬عنْ جابرِ بن عبدِالِ رضي الُ عنه ‪ ،‬قال ‪ :‬بَعَثَنا رسو ُل الِ‬
‫‪ ،‬وأمّر علينا أبا عبيدة ‪ ،‬نتلقّى عِيا لقريشٍ ‪ ،‬وزوّدنا جِرابا منْ ترٍ لْ يِدْ لنا غَيْرَه ‪ ،‬فكان‬
‫أبو عبيدة يُطينا ترةً ترةً ‪.‬‬
‫قال – الراوي عنْ جابرٍ ‪ : -‬فقلتُ ‪ :‬كيف كنتُ ْم تصنعون با ؟ قال ‪ :‬نصّها كما يُصّ‬
‫صبّ ‪ ،‬ثّ نشربُ عليها من الاءِ ‪ ،‬فتكفينا يومنا إل الليلِ ‪ ،‬وكنّا نضربُ بِعصيّنا الََبطَ – أي‬ ‫ال ّ‬
‫ورق الشجرِ – ث نبُلّه فنأكُلَهُ ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وانطلْقْنا على ساحلِ البحرِ فإذا شيءٌ كهيئةِ الكثيبِ الضخمِ – أي كصورةِ التّلّ‬
‫ح َدوْدبِ من الرملِ – فأتيناهُ ‪ ،‬فإذا هي دابّةٌ تُدعى العَنْبَرَ ‪ .‬قال ‪ :‬قالَ أبو‬ ‫الكبيِ الستطيلِ ا ُل ْ‬
‫عبيدة ‪ :‬ميْتةٌ ‪ .‬ث قال ‪ :‬ل بلْ ن ُن رُسُلُ رسول ال ‪ ،‬وف سبي ِل الِ ‪ ،‬وقدْ اضطُررْتُم فكُلُوا‬
‫ل تحزن‬
‫‪246‬‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬فأقمْنا عليه شهرا وننُ ثلثائة حت سِنّا ‪ .‬قال ‪ :‬ولقدْ رأيتُنا نغترفُ منْ َو ْقبِ عينِه –‬
‫أي منْ داخلِ عينِه – ونفرقُها بالقللِ – أي بالرارِ الكبيةِ – الدّهْنَ ‪ ،‬ونقتطعُ منه الفِدر –‬
‫أيْ القِطع – كالثورِ أو ق ْدرِ الثورِ ‪ .‬فلقدْ أخذ منا أبو عبيدة ثلثة عش َر رجلً ‪ ،‬فأقعدهم ف‬
‫وقبِ عينِهِ ‪ ،‬وأخذ ضلعا منْ أضل ِع ِه فأقامها ‪ ،‬ثّ رحّل أعظم بعيٍ ‪ ،‬ونظر إل أطولِ رجُلٍ‬
‫فحملهُ عليهِ ‪ ،‬فمرّ منْ تتِها ‪.‬‬
‫لمِه وشائِق ‪ ،‬فلمّا قدمْنا الدينة ‪ ،‬أتينا رسول الِ ‪ ،‬فذكرنا له ذلك ‪،‬‬ ‫وتزوّدْنا منْ ْ‬
‫فقال ‪ (( :‬هو رزقٌ أخرجه الُ لكمْ ‪ ،‬فهل معكمْ منْ لمِهِ شيءٌ فتُطعمونا ؟ )) ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫فأرسلْنا إل رسو ِل الِ ‪ ،‬فأكل منه ‪.‬‬
‫يءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ هَدَى ﴾ ‪:‬‬
‫﴿ الّذِي َأ ْعطَى ُكلّ َش ْ‬
‫البذرةُ إذا ُوضِعتْ ف الرضِ ل تنبتُ حت تتزّ الرضُ هِزّةً خفيفةً ‪ ،‬تُسجّ ُل بهاز‬
‫‪.‬‬ ‫وَرَبَتْ ﴾‬ ‫س البذر ُة وتنبتُ ‪َ ﴿ :‬فِإذَا أَنزَلْنَا عَلَ ْيهَا اْلمَاء اهَْتزّتْ‬
‫رِخْتَرَ ‪ ،‬فتفق ُ‬
‫يءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ هَدَى ﴾ ‪:‬‬
‫﴿ الّذِي َأ ْعطَى ُكلّ َش ْ‬
‫قال أبو داود ف كتابهِ ( السنن) ف بابِ زكاةِ الزرعِ ‪ :‬شَبَ ْرتُ قثاءةً بصر ثلثة عشر‬
‫ت وصيّرَتْ على مثْلِ عِدلْيِ ‪.‬‬ ‫شِبْرا ‪ ،‬ورأيتُ أُتْ ُرجّةً على بعيٍ بقطعتيْن ‪ ،‬قُطع ْ‬
‫يءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ هَدَى ﴾ ‪:‬‬
‫﴿ الّذِي َأ ْعطَى ُكلّ َش ْ‬
‫ذكر الدكتورُ زغلو ُل النجّارُ الدارسُ للياتِ الكونيةِ – ف إحدى ماضراتِه – أنّ هناك‬
‫نوما انطلقتْ منْ آلفِ السنواتِ ‪ ،‬وهي ف سرعةِ الضوءِ ‪ ،‬ول تصلْ حت الن إل الرضِ ‪،‬‬
‫سمُ ِبمَوَاقِعِ الّنجُومِ ﴾ ‪.‬‬
‫وما بقي إل مواقعُها ﴿ فَلَا أُ ْق ِ‬
‫يءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ هَدَى ﴾ ‪:‬‬
‫﴿ الّذِي َأ ْعطَى ُكلّ َش ْ‬
‫جاء ف (جريدة الخبارِ الديدة) ف العددِ ‪ 396‬بتاريخِ ‪ 1953 /9 /27‬م ص ‪2‬‬
‫أنه ‪ « :‬دخ ُل صباح اليومِ ( أونا) باريس دخول الفاتي ‪ ،‬يرسُه عشراتُ منْ رجالِ‬
‫البوليس ‪ ،‬الراكبِ والراجلِ ‪ .‬أمّا ( أونا ) هذا فهو حوتٌ نروي ّي ضخمٌ مّنطٌ ‪ ،‬وزنه‬
‫‪ 80000‬كيلو ‪ ،‬وكان ممولً على َعشْرِ جراراتٍ مربوطةٍ بسيارةِ نق ٍل ضخمةٍ ‪ ،‬وسيُعرضُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪247‬‬
‫الوتُ لدةِ شهْر ويُسمحُ للناسِ بدخولِ كرشِهِ الضاءِ بالكهرباءِ ‪ ،‬ويستطيعُ عشرةُ أشخاص‬
‫أ ْن يدخلوا بطنَه مرّةً واحدةً ‪.‬‬
‫لكنّ الشرفي على معرضِ ( أونا ) وبوليس الدينةِ ‪ ،‬ل يتفقا على الكانِ الذي يوضعُ‬
‫فيه الوتُ ‪ ،‬وهمْ يشون وضْعَهُ فوق مطةِ القطا ِر الرضيّ خشيةَ أنْ ينهار الشارعُ ‪.‬‬
‫وبرغمِ أنّ ِسنّ هذا الوتِ ل يزيدُ على ‪ 18‬شهرا ‪ ،‬فإنّ طوله ‪ 20‬مترا ‪ ،‬وقد صيد‬
‫ف شه ِر سبتمب من العامِ الاضي ف ميا ِه النرويج ‪ ،‬وقدْ صُنِعتْ لهُ عربةُ قطارٍ خاصّةٌ ‪ ،‬لنقْلِه ف‬
‫جولةٍ عَبْرَ أوربا ‪ ،‬ولكنّها انارتْ تته ‪ ،‬فصنُعتْ له سيارةُ جرّ ‪ ،‬طولا ‪ 30‬مترا » ‪.‬‬
‫يءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ هَدَى ﴾ ‪:‬‬
‫﴿ الّذِي َأ ْعطَى ُكلّ َش ْ‬
‫النمل ُة تدّخِرُ قُوتا من الصيفِ للشتاءِ ؛ لنّها ل ترجُ ف الشتاءِ ‪ ،‬فإذا خشيتْ أنْ تنبت‬
‫البّةُ ‪ ،‬كسرتْها نصفي ‪ ،‬واليّ ُة ف الصحراءِ إذا ل تدْ طعاما ‪ ،‬نصبت نفسها كالعودِ ‪ ،‬فيقعُ‬
‫عليها الطائرُ فتأكلهُ ‪.‬‬
‫يءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ هَدَى ﴾ ‪:‬‬
‫﴿ الّذِي َأ ْعطَى ُكلّ َش ْ‬
‫قال عبدُالرزاقِ الصنعانّ ‪ :‬سعتُ معمر بن راشدٍ البصريّ يقولُ ‪ :‬رأيتُ باليمنِ عنقود‬
‫عنبٍ ‪ ،‬وقْرَ بَغْلٍ تامّ ‪ ﴿ .‬وَالّنخْلَ بَا ِسقَاتٍ ّلهَا طَلْعٌ ّنضِيدٌ ﴾ ‪ .‬ك ّل الشجارِ والنباتاتِ تُسقى‬
‫ضهَا عَلَى َبعْضٍ فِي الُكُلِ ﴾ ‪ .‬وللنباتاتِ مناعةٌ خاصّةٌ ‪ ،‬فمنها القويّةُ‬
‫با ٍء واحدٍ ﴿ وَُن َفضّلُ َبعْ َ‬
‫بنفسهِا ‪ ،‬ومنها الشوكيّةُ الت تدافعُ بشوكِها ‪ ،‬ومنها الامضةُ اللّذِعةُ ‪.‬‬
‫يءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ هَدَى ﴾ ‪:‬‬
‫﴿ الّذِي َأ ْعطَى ُكلّ َش ْ‬
‫ي ف كتابِه (الطالع السعيد الامع نباء أنباء الصعيد) ‪:‬‬ ‫قال كمالُ الدين الُدفويّ ا ِلصْر ّ‬
‫ت زنتُها‬
‫ت زنُته ثانيةُ أرطالٍ باللّيثيّ ‪ ،‬ووُزِنتْ حبّةُ عنبٍ ‪ ،‬جاء ْ‬
‫« رأيت قطف عنبٍ ‪ ،‬جاء ْ‬
‫عشرةُ دراهم ‪ ،‬وذلك بأُدفو بلدِنا » ‪.‬‬
‫يءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ هَدَى ﴾ ‪:‬‬
‫﴿ الّذِي َأ ْعطَى ُكلّ َش ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪248‬‬
‫﴿‬ ‫وقد ذكر علماءُ الفلكِ أ ّن الكون ل يزالُ يتّسعُ شيئا فشيئا كما تتّسع البالونةُ ‪:‬‬
‫سمَاء بَنَيْنَاهَا ِبأَْيدٍ وَإِنّا َلمُو ِسعُونَ ﴾ ‪ .‬وذكروا أنّ الرض اليابسة تنقصُ ‪ ،‬وأنّ الحيطات‬
‫وَال ّ‬
‫تتّسعُ ‪ ﴿ ،‬أَوََلمْ َيرَوْاْ أَنّا َنأْتِي الَ ْرضَ نَن ُقصُهَا مِنْ أَ ْطرَا ِفهَا ﴾ ‪.‬‬

‫يءٍ خَ ْل َقهُ ُثمّ هَدَى ﴾ ‪:‬‬


‫﴿ الّذِي َأ ْعطَى ُكلّ َش ْ‬
‫جاء ف ملةِ ( الفيصل) عدد ‪ 62‬سنة ‪ 1402‬هـ ص ‪ 112‬صورةٌ لثمر ِة كرن ٍ‬
‫ب‬
‫(ملفوف) وزنت ‪ 22‬كيلو غراما ‪ ،‬وبلغ قطرُها مترا واحدا ‪ ،‬وصورةٌ لبصلةٍ يابسةٍ واحدة ‪،‬‬
‫وزنت ‪ 2,3‬كيلو غراما ‪ ،‬وبلغ قطرها ‪ 30‬سم ‪.‬‬
‫وذكرتِ الجلةُ عقِب ذلك ‪ ،‬أنّ ثرة بندورةٍ (طماطم) واحدةٍ بلغ ميطُها أكثر منْ ‪60‬‬
‫سم ‪ ،‬وأنّ هذه الشياء غَيْرَ العاديةِ ‪ ،‬نبتتْ ف أرضِ الُزارِعِ الكسيكي ( جوزيه كارمن) ذي‬
‫البةِ الطويل ِة ف الزراع ِة والعناي ِة بالرضِ ‪ ،‬ما جعَلهُ الزارع الوّل ف الكسيكِ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫يا ال يا ال‬

‫﴿ قُلِ ال ّلهُ يَُنجّيكُم مّ ْنهَا َومِن ُكلّ َكرْبٍ ﴾ ‪.‬‬


‫ف عَ ْبدَهُ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ أَلَ ْيسَ ال ّلهُ بِكَا ٍ‬
‫حرِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ قُلْ مَن يَُنجّيكُم مّن ظُ ُلمَاتِ الَْبرّ وَالَْب ْ‬
‫ض ِعفُوا فِي اْلأَ ْرضِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ وَُنرِيدُ أَن ّنمُ ّن عَلَى اّلذِينَ اسُْت ْ‬
‫ب عَلَ ْيهِ وَ َهدَى ﴾ ‪.‬‬
‫وقال عنْ آدم ‪ُ ﴿ :‬ثمّ اجْتَبَاهُ رَّبهُ فَتَا َ‬
‫ونوحٍ ‪ ﴿ :‬وََنجّيْنَاهُ وَأَهْ َلهُ ِمنَ الْ َكرْبِ اْلعَظِيمِ ﴾ ‪.‬‬
‫وإبراهيم ‪ ﴿ :‬قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي َبرْدا وَسَلَاما عَلَى إِْبرَاهِيمَ ﴾ ‪.‬‬
‫ويعقوب ‪َ ﴿ :‬عسَى ال ّلهُ أَن َيأْتِيَنِي ِبهِمْ َجمِيعا ﴾ ‪.‬‬
‫سجْنِ وَجَاء بِكُم ّمنَ الَْبدْوِ ﴾ ‪.‬‬
‫ويوسف ‪ ﴿ :‬وَ َقدْ أَ ْحسَنَ بَي ِإذْ أَ ْخرَجَنِي ِمنَ ال ّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪249‬‬
‫وداود ‪َ ﴿ :‬ف َغفَرْنَا َلهُ ذَِلكَ وَإِنّ َل ُه عِندَنَا َلزُْلفَى وَ ُحسْنَ مَآبٍ ﴾ ‪.‬‬
‫ضرّ ﴾ ‪.‬‬
‫وأيوب ‪ ﴿ :‬فَ َكشَفْنَا مَا ِبهِ مِن ُ‬
‫ويونس ‪ ﴿ :‬وََنجّيْنَاهُ ِمنَ اْل َغمّ ﴾ ‪.‬‬
‫وموسى ‪ ﴿ :‬فََنجّيْنَاكَ ِمنَ اْل َغمّ ﴾ ‪.‬‬
‫جدْكَ يَتِيما فَآوَى{‪ }6‬وَوَ َجدَكَ‬
‫أََلمْ َي ِ‬ ‫﴾‪﴿،‬‬ ‫صرَهُ ال ّلهُ‬
‫وممد ‪ ﴿ :‬إِلّ تَنصُرُوهُ َفقَدْ َن َ‬
‫ضَالّا َف َهدَى{‪َ }7‬ووَ َجدَكَ عَاِئلً َفَأغْنَى ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ ُكلّ َي ْومٍ ُهوَ فِي َشأْنٍ ﴾ ‪:‬‬
‫قال بعضُهم ‪ :‬يغفرُ ذنبا ‪ ،‬ويكشفُ كرْبا ‪ ،‬ويرفع أقواما ‪ ،‬ويضعُ آخرين ‪.‬‬
‫قد آذن صُبْحُكِ بالبَلَجِ‬ ‫اشْتدّي أزمةُ تنْفرِجي‬
‫ش َفةٌ ﴾‬
‫سحابة ثّ تنقشع ‪ ﴿ :‬لَ ْيسَ َلهَا مِن دُونِ ال ّلهِ كَا ِ‬
‫********************************************‬
‫*‬
‫ل تزنْ ‪ ،‬فإنّ اليام دُوَلٌ‬
‫َسجَنَ ابنُ الزبي ممد بن النفيّةِ ف سجنِ (عارمٍ) بكة ‪ ،‬فقال كُثّر عزة ‪:‬‬
‫وما شدّةُ الدّنيا بضرْب ِة لزِمِ‬ ‫وما رون ُق الدّنيا بباقٍ لهلها‬
‫ويُصبِحُ ما لقيتُهُ حلم حالكِ‬ ‫لذا وهذا ُمدّةٌ سوف تنقضي‬
‫وتأمّلتُ بعد هذا الدث بقرونٍ‪ ،‬فإذا ابنُ الزبيِ وابنُ النفية و ِسجْنُ عارمِ كحلمِ حالٍ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫رِكْزا ﴾‬ ‫سمَعُ َلهُمْ‬
‫حسّ مِ ْنهُم ّمنْ أَ َحدٍ أَوْ َت ْ‬
‫﴿ هَلْ ُت ِ‬
‫مات الظالُ والظلومُ والابسُ والحبوسُ ‪.‬‬
‫كلّ بطّاحٍ مِن الناسِ له يومٌ بطوحٌ ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫﴿ هَذَانِ َخصْمَا ِن ا ْخَتصَمُوا فِي َربّهِ ْم ﴾‬
‫ل تحزن‬
‫‪250‬‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬لتُؤدّنّ القوق إل أهلهِا حت يُقاد للشاةِ اللْحاءِ من القرْناءِ ))‬
‫يوم القيامةِ والسّماءُ تورُ‬ ‫مثّلْ أن ْفسِك أيّها الغرورُ‬
‫كيف الذي مرّتْ عليهِ دُ ُه ُورُ‬ ‫هذا بل ذنبٍ يافُ لِه ْولِهِ‬
‫***********************************‬
‫ل تزنْ ‪ ،‬فيُسرّ عدوّك‬
‫إنّ حزنك يُفْرحُ خصمك ‪ ،‬ولذلك كان منْ أصولِ اللّةِ إرغامُ أعدائِها ‪ُ ﴿ :‬ترْهِبُونَ ِبهِ‬
‫عَدْوّ ال ّلهِ َو َعدُوّ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫لب دُجانة ‪ ،‬وهو يطرُ ف الصفوفِ متبخترا ف ُأحًد ‪(( :‬إنا لشيةٌ يبغضُها‬ ‫وقولُه‬
‫الُ إل ف هذا الوطنِ )) ‪ .‬وأمر أصحابهُ بالرّمل َحوْ َل البيتِ ‪ ،‬ليُظهروا قوتم للمشركي ‪.‬‬
‫إنّ أعداء القّ وخصوم الفضيلةِ سوف يتقطّعون حسرةً إذا علمُوا بسعاتِنا وفرحِنا‬
‫وسرورِنا ‪ ﴿ ،‬قُلْ مُوتُواْ ِبغَ ْيظِ ُكمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬إِن ُتصِبْكَ َحسََنةٌ َتسُؤْ ُهمْ ﴾ ‪َ ﴿،‬ودّواْ مَا عَنِّتمْ ﴾ ‪.‬‬
‫قد تنّى ل شرا ل يُطعْ‬ ‫ت يوما قلْبهُ‬ ‫رُبّ منْ أنضج ُ‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫أنّي لرْيبِ الدّهرِ ل أتضعْضعُ‬ ‫وتلّدي للشّامتي أُريِهمُ‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬اللهمّ ل تُشمِتْ ب عدُوا ول حاسِدا )) ‪.‬‬
‫وفيه ‪ (( :‬ونعوذُ بك منْ شاِت ِة العداءِ )) ‪.‬‬
‫وتونُ غي شاتةِ العدا ِء‬ ‫كُ ّل الصائبِ قد تُرّ على الفت‬
‫وكانوا يتبسّمون ف الوادِثِ ‪ ،‬ويصبون للمصائبِ ‪ ،‬ويتجّلدُون للخطوبِ ‪ ،‬لرغامِ‬
‫ف الشّامِتِي ‪ ،‬وإدخا ِل الغيْظ ف قلوبِ الاسدين ‪َ ﴿ :‬فمَا وَهَنُواْ ِلمَا أَصَاَب ُهمْ فِي سَبِيلِ‬
‫أُنُو ِ‬
‫ض ُعفُواْ َومَا اسْتَكَانُواْ ﴾ ‪.‬‬
‫ال ّلهِ َومَا َ‬
‫**********************************‬
‫تفاؤلٌ وتشاؤمٌ‬
‫ل تحزن‬
‫‪251‬‬
‫فََأمّا اّلذِينَ آمَنُواْ َفزَادَْتهُمْ ِإيَانا وَ ُهمْ َيسْتَ ْبشِرُونَ{‪ }124‬وََأمّا اّلذِينَ فِي قُلُوِبهِم‬ ‫﴿‬
‫سهِمْ َومَاتُواْ وَ ُهمْ كَا ِفرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫ّمرَضٌ َفزَادَتْ ُهمْ رِجْسا إِلَى رِ ْج ِ‬
‫ق العسي ‪ ،‬ورأوْا ف ذلك خيْرا على النهجٍ القّ ‪:‬‬
‫كثيٌ من الخيارِ تفاءلوا بالمرِ الشّا ّ‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ َو َعسَى أَن تَ ْكرَهُواْ شَيْئا وَهُوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ َوعَسَى أَن ُتحِبّواْ شَيْئا وَ ُهوَ َشرّ لّ ُكمْ‬
‫ب الفَقْرَ وال َرضَ والوْتَ ‪ ،‬لنّ‬ ‫فهذا أبو الدرداءِ يقولُ ‪ :‬أُحبّ ثلثا يكرهُها الناسُ ‪ :‬أح ّ‬
‫الفقرَ مسكنةٌ ‪ ،‬والرضَ كفّرةٌ ‪ ،‬والوت لقا ٌء بالِ عزّ وجلّ ‪.‬‬
‫ولكنّ الخرَ يكر ُه الفقر ويذُمّه ‪ ،‬ويُخبُ أنّ الكلب حت هي تكر ُه الفقي ‪:‬‬
‫هرّتْ عليهِ وكشرّتْ أنيابا‬ ‫إذا رأتْ يوما فقيا مُعدما‬
‫لمّى رحّب با بعضُهم فقال ‪:‬‬ ‫وا ُ‬
‫فسألتُها بالِ أن ل تُقْلِعِي‬ ‫زارتْ مكفّر ُة الذنوبِ سريعةً‬
‫لكنّ التنب يقولُ عنها ‪:‬‬
‫فعافتْها وباتتْ ف عِظامي‬ ‫بذلتُ لا الطارف والشايا‬
‫سجْنُ أَحَبّ إِلَيّ ِممّا َيدْعُونَنِي إِلَ ْيهِ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال يوسُفُ عليهِ السلمُ ع ِن السجنِ ‪ ﴿ :‬ال ّ‬
‫وعليّ بنُ الهم يقولُ عنِ الْبسِ أيضا ‪:‬‬
‫حبسْي وأيّ مهّندٍ ل يُغْمدُ‬ ‫قالوا حُِبسْت فقلتُ ليس بضائري‬
‫ولكنّ عليّ بن ممدٍ الكاتب يقولُ ‪:‬‬
‫أنْحى عليّ به الزمانُ الُرْصدُ‬ ‫قالوا حُبست فقلتُ خ ْطبٌ ن ِكدٌ‬
‫والوتُ أحبّه كثيٌ ورحّبوا بهِ ‪ ،‬فمعاذٌ يقولُ ‪ :‬مرحبا بالوتِ ‪ ،‬حبيبٌ جاء على فاقةٍ ‪،‬‬
‫أفلح م ْن ندم ‪.‬‬
‫ويقولُ ف ذلك الُصيُن ب ُن المامِ ‪:‬‬
‫لنفسي حياةً مثْل أن أتقدّمَا‬ ‫تأخّرتُ أستبقي الياة فلمْ أ ِجدْ‬
‫ويقولُ الخرُ ‪ :‬ل بأس بالوتِ إذا الوتُ نزلْ ‪.‬‬
‫ولكنّ الخرين تذمّرُوا من الوتِ وسبّوه وفرّوا منهُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪252‬‬
‫فاليهودُ أحرصُ الناسِ على حياةٍ ‪ ،‬قال سبحانه وتعال عنهمْ ‪ ﴿ :‬قُلْ إِنّ اْلمَوْتَ اّلذِي‬
‫َت ِفرّونَ مِ ْنهُ َفإِّنهُ مُلَاقِي ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫وقال بعضُهم ‪:‬‬
‫س رأسُ‬
‫ومال بعد هذا الرأ ِ‬ ‫ومال بعد هذا العيشِ عيشٌ‬
‫والقتلُ ف سبيل الِ أمنيةٌ عذْبةٌ عند البرارِ الشرفاءِ ‪َ ﴿ :‬فمِنْهُم مّن َقضَى َنحْبَهُ َومِ ْنهُم‬
‫مّن يَنتَ ِظرُ ﴾ ‪.‬‬
‫وابنُ رواحة ينشدُ ‪:‬‬
‫ع تقذِفُ الزّبدا‬ ‫وطعنةً ذات فز ٍ‬ ‫لكنّن أسألُ الرحنَ مغفرةً‬
‫ويقولُ ابنُ الطّرِمّاح ‪:‬‬
‫على ش ْر َجعَ يعلو ُبسْنِ الطارِفِ‬ ‫أيا ربّ ل تع ْل وفاتِي إنْ أتتْ‬
‫يُصابون ف فجّ مِن الرض خائفِ‬ ‫ولكنْ شهيدا ثاويا ف عصابةٍ‬
‫غي أ ّن بعضهمْ كرِه القتْلَ وفرّ منه ‪ ،‬يقولُ جيلُ بثينة ‪:‬‬
‫وأيّ جهادٍ غي ُهنّ أُريدُ‬ ‫يقولون جاهِد يا جيلُ بغزوةٍ‬
‫وقال العرابّ ‪ :‬والِ إن أكرهُ الوت على فراشي ‪ ،‬فكيف أطلبُه ف الثغورِ ﴿ قُلْ‬
‫قُل لّوْ كُنُتمْ فِي بُيُوتِ ُكمْ لََبرَزَ اّلذِينَ‬ ‫صَادِقِيَ ﴾ ‪﴿ ،‬‬ ‫فَادْرَؤُوا عَنْ أَن ُفسِكُمُ اْلمَوْتَ إِن كُنُتمْ‬
‫ب عَلَ ْي ِهمُ اْلقَتْلُ إِلَى َمضَا ِج ِع ِهمْ ﴾ ‪ .‬إ ّن الوقائع واحدةٌ لكنّ النفوس هي الت تتلفُ ‪.‬‬
‫كُتِ َ‬
‫***********************************‬
‫أيّها النسان‬
‫أيّها النسانُ ‪ :‬يا منْ ملّ من الياةِ ‪ ،‬وسئِم العيش ‪ ،‬وضاق ذرعا باليامِ وذاق‬
‫الغُصص ‪ ،‬أنّ هناك فتحا مبينا ‪ ،‬ونصرا قريبا ‪ ،‬وفرجا بعد شدّة ‪ ،‬ويُسرا بعد ُعسْرٍ ‪.‬‬
‫ي يديْك ومنْ خلقِك ‪ ،‬وإنّ هناك أملً مشرقا ‪ ،‬ومستقبلً‬ ‫إنّ هناك لُطفا خفيّا منْ ب ِ‬
‫حافلً ‪ ،‬ووعدا صادقا ‪َ ﴿ ،‬و ْعدَ ال ّلهِ لَا ُيخْ ِلفُ ال ّلهُ َو ْعدَهُ ﴾ ‪ .‬إن لضِيقِك فُرْجةً وكشْفا ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪253‬‬
‫ب عَنّا‬
‫ولصيبتِك زوالٌ ‪ ،‬وإن هناك أنسا وروحا وندىً وطلً وظلً ‪ ﴿ .‬اْلحَ ْمدُ لِ ّلهِ اّلذِي َأذْهَ َ‬
‫حزَنَ ﴾ ‪.‬‬
‫اْل َ‬
‫أيّها النسانُ ‪ :‬آنَ أنْ تُداوي شكّك باليقيِ ‪ ،‬والتواء ضميِك بالقّ ‪ ،‬وعِوج الفكارِ‬
‫بالُدى ‪ ،‬واضطراب السيةِ بالرّشدِ ‪.‬‬
‫آن أنْ تقشع عنك غياهب الظلمِ بوجْهِ الفجرِ الصادقِ ‪ ،‬ومرارةِ السى بلوةِ الرّضا ‪،‬‬
‫س الفِت بنورٍ يلقفُ ما يأفكُون ‪.‬‬
‫وحناد ِ‬
‫أيّها النسانُ‪ :‬إ ّن وراء بيدائِكمْ القاحلِةِ أرضا مطمئنّةً‪ ،‬يأتيها رزقُها رَغَدا منْ كلّ‬
‫مكانٍ‬
‫وإنّ على رأسِ جبلٍ الشقّة والضّن والجهاد ‪ ،‬جنّةً أصابا وابلٌ ‪ ،‬فهي مُمرعةً ‪ ،‬فإنْ ل‬
‫يصبْها واب ٌل فطلّ من البُشرى والفألِ السنِ ‪ ،‬والملِ النشودِ ‪.‬‬
‫يا منْ أصابه الرقُ ‪ ،‬وصرخ ف وجهِ الليلِ ‪ :‬أل أيّها الليل الطويلُ أل انْجلِ ‪ ،‬أبشِرْ‬
‫بالصبحِ ﴿ أَلَ ْيسَ الصّبْحُ ِب َقرِيبٍ ﴾ ‪ .‬صبحٌ يلؤُك نورا وحبورا وسرورا ‪.‬‬
‫يا منْ أذهب لُبّه المّ ‪ :‬رُويْدك ‪ ،‬فإنّ منْ ُأفُقِ الغيبِ فَرَجا ‪ ،‬ولك منْ السّن ِن الثابتِة‬
‫الصادقِة ُفسْحةً ‪.‬‬
‫يا منْ ملت عينك بالدمعِ ‪ :‬كفْكِفْ دموعك ‪ ،‬وأرِحْ مُقلتيْك ‪ ،‬اهدأْ فإنّ لك منْ‬
‫خالقِ الوجودِ وليةً ‪ ،‬وعليك منْ لطفهِ رعايةً ‪ ،‬اطمئنّ أيّها العبدُ ‪ ،‬فقدْ فُرغ من القضاءِ ‪،‬‬
‫ووقع الختيارُ ‪ ،‬و َحصَلَ اللّطفُ ‪ ،‬وذهب ظمأُ الشقّةِ ‪ ،‬وابتّلتْ عروقُ الهدِ ‪ ،‬وثبت الجرُ‬
‫عند م ْن ل ييبُ لديهِ السعْيُ ‪.‬‬
‫اطمئنّ ‪ :‬فإنك تتعاملُ مع غالبٍ على أمرِهِ ‪ ،‬لطيفٍ بعبادِه ‪ ،‬رحيمٍ بْلقِهِ ‪ ،‬حسنِ‬
‫الصّنعِ ف تدبيِهِ ‪.‬‬
‫اطمئنّ ‪ :‬فإ ّن العواقب حسنةٌ ‪ ،‬والنتائج مريةٌ ‪ ،‬والاتة كريةٌ ‪.‬‬
‫بعد الفقرِ غِنّى ‪ ،‬وبعد الظّمأ ِريّ ‪ ،‬وبعد الفراقِ اجتماعٌ ‪ ،‬وبعد الجْر َوصْلٌ ‪ ،‬وبعد‬
‫حدِثُ َب ْعدَ ذَلِكَ َأمْرا ﴾ ‪.‬‬
‫النقطاعِ اتّصالٌ ‪ ،‬وبعد السّهادِ نومٌ هادئٌ ‪ ﴿ ،‬لَا َتدْرِي َلعَلّ ال ّلهَ ُي ْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪254‬‬
‫ـلُ وملّ الادي وحار ال ّدلِيلُ‬ ‫ت نارُهُم وقْد عسْعَسَ الليـ‬ ‫لع ْ‬
‫ـنِ عليلٌ وطرْفُ عين كلِيلُ‬ ‫فتأمّلتُها وفِكْري من البيْـ‬
‫وغرامي ذاك الغرامُ الدّخِيلُ‬ ‫وفؤادي ذاك الفؤادُ العنّى‬
‫للمُِلمّاتِ هل إليهِ سبيلُ ؟‬ ‫وسألْنا عن الوكيلِ الرجّى‬
‫أكرم الُج ِزلِي فردٌ جليلُ‬ ‫فوجدْناه صاحب ا ُللْكِ طُرّا‬
‫ك والضّن وال ِل والفقْرِ والرضِ ‪ ،‬أبشرُوا ‪،‬‬ ‫ع والضّنْ ِ‬
‫أيّها العذّبُون ف الرضِ ‪ ،‬بالو ِ‬
‫صحّون ‪ ﴿ ،‬وَاللّيْلِ ِإذْ َأدَْبرَ{‪ }33‬وَالصّ ْبحِ‬
‫فإنكم سوف تشبعون وتسعدون ‪ ،‬وتفرحون وت ِ‬
‫‪.‬‬ ‫سفَرَ ﴾‬
‫ِإذَا أَ ْ‬
‫ولبدّ للقْيدِ أنْ ينكسِ ْر‬ ‫فلُبدّ لِلّيلِ أنْ ينجلِيْ‬
‫يعِشْ أبد الدّهْرِ بي الُفرْ‬ ‫ومنْ يتهّيبْ صُعُود البالِ‬
‫وحقّ على العبدِ أن يظُنّ بربّه خيا ‪ ،‬وان ينتظر منهُ فضلً ‪ ،‬وأنْ يرجُو من مولهُ‬
‫لُطفا ‪ ،‬فإنّ منْ أمرُه ف كلمةِ ( كُن) ‪ ،‬جديرٌ أنْ يُوثق بوعو ِدهِ ‪ ،‬وأنْ يُتعلّقَ بعهودِهِ ‪ ،‬فل‬
‫يلبُ النفع إل هو ‪ ،‬ول يدفع الضّرّ إل هو ‪ ،‬ولهُ ف كلّ نفسٍ لُطفٌ ‪ ،‬وف كلّ حركةٍ حكمةٌ‬
‫حطِ غَيْثا ‪ ،‬يُعطي ليُشْكر ‪ ،‬ويبتلي‬ ‫‪ ،‬وف كلّ ساع ٍة فَ َرجٌ ‪ ،‬جعل بعدَ اللي ِل صُبحا ‪ ،‬وبعد الق ْ‬
‫ي بالعبدِ‬
‫ليعلم من يصْبِرُ ‪ ،‬ين ُح النّعْماء ليسمع الثّناء ‪ ،‬ويُسّلطُ البلء ليُرفع إليه الدّعاءُ ‪ ،‬فحر ّ‬
‫َفضْ ِلهِ ﴾ ‪﴿ ،‬‬ ‫أن يقوّي معه التّصال ‪ ،‬ويُمدّ إليه البال ‪ ،‬ويُكِثرُ السؤال ﴿ وَاسْأَلُواْ ال ّلهَ مِن‬
‫ضرّعا وَ ُخفَْيةً ﴾ ‪.‬‬
‫ادْعُواْ رَبّ ُكمْ َت َ‬
‫مِن جُودِ كفّك ما عّلمْتن الطّلبا‬ ‫لو لْ تُ ِردْ نيْل ما أرجو وأطْلُُبهُ‬
‫انقطع العلءُ بنُ الضرميّ ببعضِ الصحاب ِة ف الصحراءِ ‪ ،‬ونفِد ماؤُهم ‪ ،‬وأشرفُوا على‬
‫الوتِ ‪ ،‬فنادى العل ُء ربّه القريب ‪ ،‬وسأل إلا سيعا ميبا ‪ ،‬وهتف بقولِهِ ‪ :‬يا عليّ يا عظيمُ ‪،‬‬
‫يا حكيمُ يا حكيمُ ‪ .‬فنل الغيثُ ف تلك اللحظةِ ‪ ،‬فشربُوا وتوضؤوا ‪ ،‬واغتسلوا وسَقوْا‬
‫حمِيدُ ﴾ ‪.‬‬
‫دوابّهم ‪َ ﴿ .‬وهُوَ اّلذِي يَُنزّلُ اْلغَيْثَ مِن َب ْعدِ مَا قَنَطُوا وَيَنشُرُ رَ ْحمَتَهُ وَ ُهوَ الْوَلِيّ اْل َ‬
‫***************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪255‬‬
‫وقفــــةٌ‬
‫« مبّةُ الِ تعال ‪ ،‬ومعرفُته ‪ ،‬ودوامُ ِذكْرِه ‪ ،‬والسّكُونُ إليه ‪ ،‬والطمأنينةُ إليه ‪ ،‬وإفرادُه‬
‫لبّ والوفِ والرجاءِ والتّوكّلُ ‪ ،‬والعاملةُ ‪ ،‬بيثُ يكون هو وَ ْحدَهُ الستول على هومِ‬ ‫با ُ‬
‫العبدِ وعزماتِه وإرادتِه ‪ .‬هو جنّةُ الدنيا ‪ ،‬والنعيمُ الذي ل يُشبِه ُه نعيمٌ ‪ ،‬وهو قُرّة عيِ ا ُلحِبي ‪،‬‬
‫وحيا ُة العارفي » ‪.‬‬
‫« تعلّ ُق القلبِ بالِ وحدهُ واللّه ُج بذِكرِهِ والقناعةُ ‪ :‬أسبابٌ لزوا ِل المومِ والغمومِ ‪،‬‬
‫وانشراحُ الصدرِ والياةُ الطّيّبة ‪ .‬والضّ ّد بالضّدّ ‪ ،‬فل أضْيقُ صدرا ‪ ،‬وأكْثَرُ هّا ‪ ،‬مّنْ تعلّق قلبُه‬
‫بغيِ الِ ‪ ،‬ونسي ِذكْر الِ ‪ ،‬ول يقَْنعْ با آتا ُه الُ ‪ ،‬والتّجرِبةُ أكبُ شاهدٍ » ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫تعزّ بالنكوبي‬
‫﴿ وََل َقدْ َأهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُم ّمنَ اْل ُقرَى ﴾ ‪.‬‬
‫ومّنْ نُكِب نكبةً داميةً ساحقةً ماحقةً ‪ :‬البامكةُ ‪ ،‬أُسرةُ الُسر ُة الُبّه ِة والتّرَفِ والبذْلِ‬
‫والسّخاءِ ‪ ،‬وأصبحتْ نكْبتُهم عِبةً وعظةً ومثلً ‪ ،‬فإ ّن هارون الرشيد سطا عليهمْ بيْن عشيّةٍ‬
‫وضُحاها ‪ ،‬وكانوا ف النعيمِ غافلي ‪ ،‬وف لافِ الرّغدِ دافِئي ‪ ،‬وف بستانِ الترفِ مُنعّي ‪،‬‬
‫فجاءهم أم ُر الِ ضُحىً وهم يلعبون ‪ ،‬على يدِ أقربِ الناسِ إليهم ‪ ،‬فخرّب دُورهم ‪ ،‬وهدمَ‬
‫قصورهُم ‪ ،‬وهتك سُتُورهُم ‪ ،‬واستلب عبيد ُهمْ ‪ ،‬وأسال دماءهم ‪ ،‬وأوردهم موارد الالِكي ‪،‬‬
‫َفجَرَحَ بصابِهم قلوب أحبابِهم ‪ ،‬وقرّح بنكالِهم عيون أطفالِهم ‪ ،‬فل إله إل الُ ‪ ،‬كم منْ‬
‫‪.‬‬ ‫الْأَْبصَارِ ﴾‬ ‫نعمةٍ عليهم سُلبتْ ‪ ،‬وكمْ منْ عبةٍ منْ أجلهِم سُفكتْ ‪ ﴿ ،‬فَاعْتَِبرُوا يَا أُولِي‬
‫قبل نكبتهم بساعةٍ ‪ ،‬كانوا ف الرير ي ْرفُلون ‪ ،‬وعلى الدّيباجِ يزحفون ‪ ،‬وبكأسِ المان‬
‫يترعُون ‪ ،‬فيها لوْلِ ما دهاهُم ‪ ،‬ويا لفجيعةِ ما علهم‬
‫وهكذا تُمح ُق اليّامُ والدّولُ‬ ‫هذا الصابُ وإلّ غيُه جللُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪256‬‬
‫اطمأنوا ف سِنةٍ من الدهرِ ‪ ،‬وأمْنٍ من الدثان ‪ ،‬وغفْلةٍ من اليامِ ﴿ وَسَكَنُتمْ فِي‬
‫‪.‬‬ ‫لمْثَالَ ﴾‬
‫اَ‬ ‫ضرَبْنَا لَ ُكمُ‬
‫س ُهمْ وَتَبَّينَ لَ ُكمْ كَيْفَ َفعَلْنَا ِب ِهمْ وَ َ‬
‫َمسَـا ِكنِ اّلذِينَ ظَ َلمُواْ أَن ُف َ‬
‫خفقتْ على رؤو ِسهِ ُم البنودُ ‪ ،‬واصط ّفتْ على جوانِبِهم النودُ ‪.‬‬
‫أنيسٌ ول يسْمُرْ بكّة سامِرُ‬ ‫لجُونِ إل الصفّا‬
‫كأنْ ل يكُن بي ا َ‬
‫رتعُوا ف لذّةِ العيشِ لهي ‪ ،‬وتتّعُوا ف صفْو الزمان آمنِي ‪ ،‬ظنّوا السراب ماءً ‪ ،‬والورم‬
‫شحْما ‪ ،‬والدنيا خُلُودا ‪ ،‬والفناء بقاءً ‪ ،‬وحسبوا الوديعة ل تُستردّ ‪ ،‬والعارية ل تُضمنُ ‪،‬‬
‫والمانة ل تُؤدّى ‪ ﴿ ،‬وَظَنّوا أَّنهُمْ إِلَيْنَا لَا ُيرْ َجعُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وللزّمانِ َمسَرّاتٌ وأحزا ُن‬ ‫فجائعُ الدهرِ ألوانٌ مُنوّعةٌ‬
‫ول يدومُ على حالٍ لا شأنُ‬ ‫وهذه الدارُ ل تبقي على أحدٍ‬
‫ضبِ هارونِ الرشيدِ ‪،‬‬ ‫أصبحوا ف سرورٍ وأمسوْا ف القبورِ ‪ ،‬وف لظةٍ منْ لظاتِ َغ َ‬
‫سلّ سيف النّقمةِ عليهمْ ‪ ،‬فقتل جعفر بن يي البمكيّ ‪ ،‬وصلبهُ ثّ أحرق جثمانه ‪ ،‬وسجن‬
‫أباه ييي بن خالدٍ ‪ ،‬وأخاه الفضْل بن يي ‪ ،‬وصادر أموالمْ وأملكهم ‪.‬‬
‫لسَنِ ‪ ،‬بعث برأسِهِ إل أبيهِ عبدِالِ بن‬ ‫ولا قَتَلَ أبو جعفر النصورُ ممد بن عبدِالِ بن ا َ‬
‫الس ِن ف السجنِ مع حاجِبهِ الربيعِ ‪ ،‬فوضعَ الرأسَ بي يديهِ ‪ ،‬فقال ‪ :‬رحك الُ يا أبا‬
‫القاسم ‪ ،‬فقدْ كنت من الذين يُفون بعهدِ الِ ‪ ،‬ول ينقُضون اليثاق ‪ ،‬والذين يصِلون ما أمر‬
‫الُ بهِ أنْ يُوصل ويشوْن ربّهم ويافون سوء السابِ ‪ ،‬ث تثّل بقولِ الشاعرِ ‪:‬‬
‫ت المورِ اجتنابُها‬ ‫ويكفيه سوءا ِ‬ ‫فت كان يميه مِنْ الذّلّ سيفُه‬
‫ب النصورِ ‪ ،‬وقال له ‪ :‬قُلْ لصاحبِك ‪ :‬قدْ مضى منْ بُؤسِنا ُمدّةٌ‬‫والتفت إل الربيع حاج ِ‬
‫‪ ،‬وم ْن نعيمِك مِثُلها ‪ ،‬والوعدُ الُ تعال !‬
‫وقدْ أخذ هذا العن العباسُ بنُ الحنفِ – وقيل ‪ :‬عمارةُ بنُ عقيلٍ – فقال ‪:‬‬
‫بنظرةِ عيٍ عنْ َهوَى النّفْسِ ُتحْجبُ‬ ‫فإنْ تلحظي حال وحالكِ مرّةً‬
‫يُرّ بيومٍ منْ نعيمكِ ُيحْسبُ‬ ‫نِد كُلّ مرّ منْ بُؤسِ عيشت‬
‫كما ف ( قولٍ على قول ) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪257‬‬
‫والن ‪ :‬أين هارون الرشيدُ وأين جعفرُ البمكيّ ؟ أين القاتلُ والقتولُ ؟ أين الم ُر‬
‫والأمورُ ؟ أين الذين أصدر أمره وهو على سريرهِ ف قصرهِ ؟ وأين الذي قتِل وصُلِب ؟ ل‬
‫شيء ‪ ،‬أصبحوا كأمسِ الدّابر ‪ ،‬وسوف يمعُهم الكمُ العدْ ُل ليو ِم ل ريب فيه ‪ ،‬فل ظُلْم ول‬
‫هضْم ‪ ﴿ ،‬قَا َل عِ ْل ُمهَا عِندَ رَبّي فِي كِتَابٍ لّا َيضِلّ رَبّي وَلَا يَنسَى ﴾ ‪ ﴿ ،‬يَوْمَ َيقُومُ النّاسُ‬
‫خفَى مِنكُمْ خَافَِيةٌ ﴾ ‪.‬‬
‫ِلرَبّ اْلعَاَل ِميَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬يَ ْومَِئذٍ ُت ْعرَضُونَ لَا َت ْ‬
‫قيل ليحي بن خالدٍ البمكيّ ‪ :‬أرأيت هذه النكْبة ‪ ،‬هل تدري ما سببُها ؟ قال ‪ :‬لعلّها‬
‫دعوةُ مظلومٍ ‪ ،‬سرتْ ف ظلمِ الليلِ وننُ عنها غافلون ‪.‬‬
‫ونُكب عبدُال بنُ معاوية بنِ عبدِالِ بنِ جعفر ‪ ،‬فقال ف حبْسهِ ‪:‬‬
‫ت فيها ول الحياء‬ ‫فلسْنا مِن الموا ِ‬ ‫خَ َرجْنَا من الدنيا وننُ مِن أهلِها‬
‫عجِبْنا وقلنا ‪ :‬جاء هذا من الدّنيا‬ ‫إذا دخل السّجا ُن يوما لاجةٍ‬
‫إذا ننُ أصبحنا الديث عن ال ّرؤْيا‬ ‫ونفرحُ بال ّرؤْيا فجُلّ حديثِنا‬
‫وإ ْن قبُحتْ ل تنتظر وأتتْ سعيا‬ ‫فإنْ حسُنتْ كانتْ بطيئا ميئُها‬
‫سجنَ أحدُ ملو ِك فارس حكيما منْ حكمائِهمْ ‪ ،‬فكتب ل ُه رقعةً يقولُ ‪ :‬إنا لنْ تُرّ عليّ‬
‫فيها ساعةٌ ‪ ،‬إل قرّبتْن من الفرجِ وقرّبتْك من النّقمةِ ‪ ،‬فأنا أنتظ ُر السّعة ‪ ،‬وأنت موعو ٌد بالضيّقِ‬
‫‪.‬‬
‫ويُنكبُ ابنُ عبّادٍ سلطا ُن الندلسِ ‪ ،‬عندما غلب عليه الترفُ ‪ ،‬وغلب علي ِه النرافُ‬
‫عنِ الادّةِ ‪ ،‬فكثرُتِ الواري ف بيتهِ ‪ ،‬والدّفوفُ والطّنابيُ ‪ ،‬والعزْفُ وساعُ الغناءِ ‪ ،‬فاستغاث‬
‫يوما بابن تاشفي – وهو سلطانُ الغربِ – على أعدائِهِ الروم ف الندلسِ ‪ ،‬فعب ابنُ تاشفي‬
‫البحر ‪ ،‬ونصرَ ابن عبّادِ ‪ ،‬فأنزلهُ ابنُ عبّادٍ ف الدائ ِق والقصو ِر والدّورِ ‪ ،‬ورحّب به وأكرمه ‪.‬‬
‫وكان ابنُ تاشفي كالسدِ ‪ ،‬ينظرُ ف مداخلِ الدينة وف مارجِها ‪ ،‬لنّ ف نفسه شيئا ‪.‬‬
‫وبعد ثلثةِ أيام هجم ابنُ تاشفي بنودِه على الملكةِ الضعيفةِ ‪ ،‬وأسر ابن عبّا ٍد وقيّده‬
‫وسََلبَ مُلكه ‪ ،‬وأخذ دُوره ودمّر قصوره ‪ ،‬وعاث ف حدائقِهِ ‪ ،‬ونَقََلهُ إل بلدِه ( أغماتٍ)‬
‫ل تحزن‬
‫‪258‬‬
‫‪ .‬فتقلّد ابنُ تاشفي زِمام الُكمِ ‪ ،‬وادعى أنّ‬ ‫النّاسِ ﴾‬ ‫أسيا ‪ ﴿ ،‬وَتِ ْلكَ اليّامُ ُندَاوُِلهَا بَ ْينَ‬
‫أهل الندلسِ همُ الذين استدعوْه وأرادوه ‪.‬‬
‫ت كسيِفاتٍ‬ ‫ت اليامُ ‪ ،‬وإذا ببناتِ ابنِ عبّادٍ يصِلْنه ف السجنِ ‪ ،‬حافياتٍ باكيا ٍ‬ ‫ومرّ ِ‬
‫جائعاتٍ ‪ ،‬فلمّا رآهنّ بكى عند البابِ ‪ ،‬وقال ‪:‬‬
‫فساءك العيدُ ف أغمات مأسورا‬ ‫فيما مضى كُنت بالعيادِ مسرورا‬
‫يغ ِزلْن للناسِ ما يْلِكْن قطميا‬ ‫ترى بناتِك ف الطمارِ جائعةً‬
‫أبصارُ ُهنّ حسياتٍ مَكاسِيا‬ ‫بَ َرزْنَ نْوك للتّسليمِ خاشعةً‬
‫كأنّها ل تطأ مِسكا وكافُورا‬ ‫يطأْن ف الطيِ والقدامُ حافيةٌ‬
‫ثّ دخل الشاعرُ ابنُ اللّبانةِ على ابنِ عبّادٍ ‪ ،‬فقال له ‪:‬‬
‫صبّ با ِمسْكا عليك وحَنْتَما‬ ‫أُ‬ ‫تََنشّقْ رياحي السّلمِ فإنّما‬
‫بأنك ذو نُعمى فقد كُنت مُنعما‬ ‫وقُلْ مازا إن عدمت حقيقةً‬
‫عليها وتاه الرّعدُ باسِك مُعْلِما‬ ‫بكاك اليا والريحُ ش ّقتْ جُيُوبا‬
‫ب ومدحها ‪.‬‬ ‫وهي قصيدةٌ بديعة ‪ ،‬أ ْورَدَها الذه ّ‬
‫روى الترمذيّ ‪ ،‬عن عطاءٍ ‪ ،‬عنْ عائشة – رضي الُ عنها وأرضاها – أنّها مرّتْ بقبِ‬
‫أخيها عبدِال الذي دُفن فيه بكة ‪ ،‬فسلّمت عليهِ ‪ ،‬وقالتْ ‪ :‬يا عبدالِ ‪ ،‬ما مثلي ومثُلك إل‬
‫كما قال مُت ّممٌ ‪:‬‬
‫من الدهرِ حت قِيل ل ْن يتصدّعا‬ ‫وكُنّا كندْمان جُذْيمَةَ بُرهةً‬
‫أصاب النايا رهط كسرى وتُبّعا‬ ‫و ِعشْنا بيٍ ف الياةِ وقبلنا‬
‫لطُولِ اجتماعٍ ل نِبتْ ليلةً معا‬ ‫فلمّا تف ّرقْنا كأنّي ومالِكا‬
‫ثّ بكتْ وودّعتْه ‪.‬‬
‫وكان عم ُر رضي الُ عنهُ يقولُ لت ّممِ بن نويرة ‪ :‬يا متمّم ‪ ،‬والذي نفسي بيده ‪،‬‬
‫َلوَدِدْتُ أن شاع ٌر فأرثي أخي زيدا ‪ ،‬والِ ما هّبتِ الصّبا منْ ند إلّ جاءتن بري ِح زيدٍ ‪ .‬يا‬
‫متممُ ‪ ،‬إنّ زيدا أسلم قبلي وهاجرَ وقتل قبلي ‪ ،‬ثّ يبكي عمر ‪ .‬يقول متمّم ‪:‬‬
‫حبيب لِتذْرافِ الدّموعِ السّوافِكِ‬ ‫لعمْري لقد لم البيبُ على البُكا‬
‫ل تحزن‬
‫‪259‬‬
‫لقبٍ ثوى بي اللّوى فالدّكادِكِ‬ ‫فقال أتبكي ك ّل قبٍ رأيتهُ‬
‫فدعْن فهذا كلّ ُه قبُ مالِكِ‬ ‫فقلتُ له إن الشّجى يبعثُ الشّجى‬
‫نُكب بنو الح ِر ف الندلسِ ‪ ،‬فجاء الشاعرُ اب ُن عبدون يُعزّيهم ف هذه الصيبةِ فقال ‪:‬‬
‫فما البكاءُ على الشباحِ والصّورِ‬ ‫الدّهْ ُر يفجعُ بعد العَيْنِ بالثرِ‬
‫عنْ نوْمَةٍ بي نابِ اللّْيثِ والظّفُرِ‬ ‫أناك أناك ل آلُوك موعظة‬
‫فدتْ عليّا بنْ شاءتْ من البشرِ‬ ‫َولَيْتها إذ فدتْ عمرا بارجةٍ‬
‫﴿ فَ َلمّا جَاء َأ ْمرُنَا َجعَلْنَا عَالَِيهَا سَافِ َلهَا ﴾ ‪ ﴿،‬إِّنمَا مَثَلُ اْلحَيَا ِة الدّنْيَا َكمَاء أَنزَلْنَاهُ ِمنَ‬
‫السّمَاءِ فَاخْتَ َلطَ ِبهِ نَبَاتُ ا َل ْرضِ ِممّا َيأْكُلُ النّاسُ وَالَْنعَامُ حَتّىَ ِإذَا أَ َخذَتِ الَ ْرضُ زُ ْخرُفَهَا‬
‫جعَلْنَاهَا حَصِيدا كَأَن ّلمْ‬
‫وَازّيّنَتْ وَظَنّ أَهْ ُلهَا أَّن ُهمْ قَادِرُو َن عَلَ ْيهَا أَتَاهَا َأ ْمرُنَا لَ ْيلً أَوْ َنهَارا َف َ‬
‫َتغْنَ بِا َلمْسِ ﴾ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫ت الرّضا اليانعة‬
‫ثرا ُ‬
‫﴿ رّضِيَ ال ّلهُ عَ ْن ُهمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ ‪.‬‬
‫وللرضا ثراتٌ إيانيةٌ كثيةٌ وافرةٌ تنتجُ عنه ‪ ،‬يرتفعُ با الراضي إل أعلى النازلِ ‪،‬‬
‫فيُصبحُ راسخا ف يقيِنه ‪ ،‬ثابتا ف اعتقادِه ‪ ،‬وصادقا ف أقوالِه وأعمالِه وأحوالِه ‪.‬‬
‫فتمامُ عبوديّتِه ف جَرَيانِ ما يكرهُهُ من الحكام عليه ‪ .‬ولو ل يْرِ عليه منها إلّ ما يبّ‬
‫صبِ والتّوكلِ والرّضا والتضرّعِ‬ ‫‪ ،‬لكان أبْعَد شيءٍ عنْ عبوديّة ربّه ‪ ،‬فل تتمّ له عبوديّة ‪ .‬من ال ّ‬
‫والفتقارِ والذّلّ والضوعِ وغَيْرِها – إلّ بريا ِن القدرِ له با يكرهُ ‪ ،‬وليس الشأنُ ف الرضا‬
‫بالقضاءِ اللئم للطبيعةِ ‪ ،‬إنا الشأنُ ف القضاءِ ا ُل ْؤِلمِ النافِرِ للطّْبعِ ‪ .‬فليس للعبدِ أنْ يتحكّم ف‬
‫ل وقدرِه ‪ ،‬فيضى با شاء ويرفضُ ما شاء ‪ ،‬فإنّ البشر ما كان لمِ الِيَ َرةُ ‪ ،‬بلْ اليةُ‬ ‫قضاءِ ا ِ‬
‫الِ ‪ ،‬فهو أعْلمُ وأحْكمُ وأجلّ وأعلى ‪ ،‬لنه عالُ الغيبِ الطِّلعُ على السرائرِ ‪ ،‬العالُ بالعواقبِ‬
‫الحيطُ با ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪260‬‬
‫رضا برضا ‪:‬‬
‫ولْيَعْلم أنّ رضاه عن ربّه سبحان ُه وتعال ف جيعِ الالتِ ‪ ،‬يُثمِرُ رضا ربُه عنه ‪ ،‬فإذا‬
‫رضي عنه بالقليلِ من الرّزقِ ‪ ،‬رضي ربّه عنه بالقليلِ من العملِ ‪ ،‬وإذا رضي عنه ف جيع‬
‫الالتِ ‪ ،‬واستوتْ عندهُ ‪ ،‬وجدهُ أسْ َرعَ شيءٍ إل رضاهُ إذا ترضّاه وتلّقه ؛ ولذلك انظرْ‬
‫للمُخلصيِن مع قِلّةِ عملهِم ‪ ،‬كيف رضي الُ سعيهم لنمْ رضُوا عن ُه ورضي عنهمْ ‪ ،‬بلفِ‬
‫خطُوا ما أنزلَ ال وكرهُوا رضوانهُ ‪،‬‬ ‫النافقي ‪ ،‬فإ ّن ال ردّ عملهم قليل ُه وكثيهُ ؛ لنمِ س ِ‬
‫فأحبط أعمالم ‪.‬‬

‫خطُ ‪:‬‬
‫منْ سخِط فلهُ السّ ْ‬
‫ت القلبِ ‪ ،‬وكسفِ البالِ ‪ ،‬وسُوءِ الالِ ‪،‬‬ ‫ب المّ والغمّ والزنِ ‪ ،‬وشتا ِ‬‫والسّخطُ با ُ‬
‫والظّنّ بال خلفُ ما هو أهلُه ‪ .‬والرضا يُخّلصُه منْ ذلك كلّه ‪ ،‬ويفتحُ له باب جنةِ الدنيا قبل‬
‫الخرةِ ‪ ،‬فإنّ الرتياح النفس ّي ل يتمّ بُعاكس ِة القدارِ ومضادّة القضاءِ ‪ ،‬بل بالتسليمِ والذعانِ‬
‫والقبُولِ ‪ ،‬ل ّن مدبّر المرِ حكيمٌ ل يُتّهمُ ف قضائِه وقدرهِ ‪ ،‬ول زلتُ أذكرُ قصة ابن الراونديّ‬
‫الفيلسوف ال ّذكّيِ اللحدِ ‪ ،‬وكان فقيا ‪ ،‬فرأى عاميّا جاهلً مع الدّورِ والقصورِ والموالِ‬
‫ف الدنيا وأعيشُ فقيا ‪ ،‬وهذا بليدٌ جاه ٌل وييا‬‫الطائلةِ ‪ ،‬فنظر إل السماءِ وقال ‪ :‬أنا فيلسو ُ‬
‫غنيّا ‪ ،‬وهذه قِسم ٌة ضِيزى ‪ .‬فما زاد ُه الُ إل مقْتا و ُذ ّل وضنْكا ﴿ وََل َعذَابُ الْآ ِخرَةِ أَ ْخزَى‬
‫صرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وَ ُهمْ لَا يُن َ‬

‫فوائدُ الرّضا ‪:‬‬


‫فالرّضا يُو ِجبُ له الطّمأنينة ‪ ،‬وبرد القلبِ ‪ ،‬وسكونهُ وقراره وثباتهُ عند اضطرابِ الشّبهِ‬
‫والتباسِ والقضايا وكثْرةِ الواردِ ‪ ،‬فيثقُ هذا القلبُ بوعو ِد الِ وموعودِ رسوله ‪ ،‬ويقولُ‬
‫صدَقَ ال ّلهُ َورَسُوُلهُ َومَا زَادَ ُهمْ إِلّا ِإيَانا‬
‫لسانُ الالِ ‪َ ﴿ :‬هذَا مَا َوعَدَنَا ال ّلهُ وَرَسُوُلهُ َو َ‬
‫‪ .‬والسخطُ يوجبُ اضطراب قلبِه ‪ ،‬وريبتهُ وانزعاجهُ ‪ ،‬و َعدَمَ قرارِهِ ‪ ،‬ومرضهُ‬ ‫وََتسْلِيما ﴾‬
‫وتزّقهُ ‪ ،‬فيبقى قلِقا ناقِما ساخِطا متمرّدا ‪ ،‬فلسانُ حالِه يقولُ ‪ ﴿ :‬مّا َو َعدَنَا ال ّلهُ َورَسُوُلهُ إِلّا‬
‫ل تحزن‬
‫‪261‬‬
‫‪ .‬فأصحابُ هذه القلوبِ إن يكُن لمُ القّ ‪ ،‬يأتوا إليه مُذعِنِي ‪ ،‬وإن طُولِبوا بالقّ‬ ‫غُرُورا ﴾‬
‫إذا همْ يصْدفِون ‪ ،‬وإنْ أصابم خيٌ اطمأنّوا به ‪ ،‬وإنْ أصابتهم فتنةٌ انقلبُوا على وجوههِم ‪،‬‬
‫‪ .‬كما أ ّن الرضا يُنلُ عليه السكينة‬ ‫اْلمُبِيُ ﴾‬ ‫سرَانُ‬
‫خْ‬‫خسرُوا الدنيا والخرةِ ﴿ ذَلِكَ هُوَ اْل ُ‬
‫الت ل أَنْ َفعَ له منها ‪ ،‬ومت نزلتْ عليه السكينةُ ‪ ،‬استقام وصلحتْ أحوالُه ‪ ،‬وصلح بالُه ‪،‬‬
‫والسّخط يُب ِعدُه منها بسبِ قلّتِه وكثرتِه ‪ ،‬وإذا ترحّلتْ عنهُ السكينةُ ‪ ،‬ترحّل عنه السرورُ‬
‫والمْنُ والراحةُ وطِيبُ العيشِ ‪ .‬فمنْ أعْ َظ ِم نعمِ الِ على عبدِه ‪ :‬تنّلُ السكينةِ عليهِ ‪ .‬ومنْ‬
‫أعظمِ أسبابِها ‪ :‬الرضا عنه ف جيعِ الالتِ ‪.‬‬

‫ل تُخاصِم ربّك ‪:‬‬


‫والرضا يلّصُ العبد منْ مُخاصمةِ الربّ تعال ف أحكامِه وأقضيتِه ‪ .‬فإنّ السّخط عليهِ‬
‫مُخاصمةٌ له فيما ل يرض به العبدُ ‪ ،‬وأص ُل ماصمةِ إبليس لربّه ‪ :‬منْ َعدَ ِم رضاه بأ ْقضِيَتِه ‪،‬‬
‫ع ربّه رداء‬ ‫حدَ منْ جحد لنهُ ناز َ‬ ‫وأحكامِه الدّينيِة والكونيِة ‪ .‬وإنّما ألد منْ ألدَ ‪ ،‬و َج ِ‬
‫العظمةِ وإزار الكبياءِ ‪ ،‬ول يُذعِنْ لقامِ البوتِ ‪ ،‬فهو يُعطّلُ الوامر ‪ ،‬وينتهِكُ الناهي ‪،‬‬
‫خطُ القادير ‪ ،‬ول يُذعِنْ للقضاءِ ‪.‬‬ ‫ويتس ّ‬

‫حُ ْكمٌ ماضٍ وقضاءٌ عَدْلٌ ‪:‬‬


‫وحُكمُ الرّبّ ماضٍ ف عبدِه ‪ ،‬وقضاؤُه ع ْدلٌ فيه ‪ ،‬كما ف الديثِ ‪ (( :‬ماضٍ فّ‬
‫حكمُك ‪َ ،‬عدْلٌ ف قضاؤك )) ‪ .‬ومنْ ل يرض بالعدلِ ‪ ،‬فهو منْ أهلِ الظّلمِ وال ْورِ ‪ .‬والُ‬
‫أحكمُ الاكمي ‪ ،‬وقدْ حرّ الظّلمَ على نفسِه ‪ ،‬وليس بظلّمٍ للعبيدِ ‪ ،‬وتقدّس سبحانه وتنّه‬
‫عنْ ُظ ْلمِ الناسِ ‪ ،‬ولكنّ أنْفُسهم يظلمون ‪.‬‬
‫وقولُه ‪َ (( :‬عدْلٌ ف قضاؤك )) يَ ُعمّ قضاء الذنبِ ‪ ،‬وقضاء أثرِهِ وعقوبتِه ‪ ،‬فإنّ المرينِ‬
‫م ْن قضائِه عزّ وجلّ ‪ ،‬وهو أعدلُ العادلي ف قضائِه بالذنبِ ‪ ،‬وف قضائِه بعقوبتِه ‪ .‬وقد يقضي‬
‫سبحانه بالذنبِ على العبدِ لسرارٍ وخفايا هو أعَْلمُ با ‪ ،‬قد يكونُ لا من الصالِ العظيمِة ما‬
‫ل يعلمُها إل هُو ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪262‬‬
‫ل فائدة ف السّخطِ ‪:‬‬
‫وعدمُ الرّضا ‪ :‬إمّا أنْ يكون لفواتِ ما أخطأ ُه ممّ يبّه ويريدهُ ‪ ،‬وإمّا لصابةٍ با يكرهُه‬
‫ويُسخطُه ‪ .‬فإذا تيقّن أنّ ما أخطأه ل يكُنْ ليُصيبَه ‪ ،‬وما أصابه ل يكنْ ليُخطئه ‪ ،‬فل فائدة ف‬
‫ف القلمُ با‬
‫سخطِه بعد ذلك إل فواتُ ما ينفعُه ‪ ،‬وحصولُ ما يضرّه ‪ .‬وف الديث ‪ (( :‬ج ّ‬
‫أنت لقٍ يا أبا هريرة ‪ ،‬فقدْ ُفرِغَ من القضاءِ ‪ ،‬وانُتهِي من القدرِ ‪ ،‬وكُتِبتِ القاديرُ ‪،‬‬
‫صحُفُ )) ‪.‬‬
‫ت ال ّ‬
‫ورُفِعتِ القلمُ ‪ ،‬وجفّ ِ‬

‫السلمةُ مع الرّضا ‪:‬‬


‫ش والدّغلِ والغلّ ‪ ،‬ول‬
‫والرضا يفتحُ له باب السلمةِ ‪ ،‬فيجعلُ قلبهُ سليما ‪ ،‬نقيّا من الغ ّ‬
‫ك والشّركِ ‪،‬‬‫ب الِ إل منْ أتى ال بقلبٍ سليمٍ ‪ ،‬وهو السّاِلمُ من الشّبهِ ‪ ،‬والشّ ّ‬
‫ينجو منْ عذا ِ‬
‫وتلبّسِ إبليس وجُندِه ‪ ،‬وتذيلِ ِه وتسويفِهِ‪ ،‬وو ْعدِه ووعيدِه ‪ ،‬فهذا القلبُ ليس فيهِ إل الُ‪﴿ :‬قُلِ‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫ض ِهمْ يَ ْلعَبُونَ‬
‫ال ّلهُ ُثمّ ذَرْ ُهمْ فِي خَوْ ِ‬
‫وكذلك تستحيلُ سلمةُ القلبِ من السّخطِ وعد ِم الرضا ‪ ،‬وكلّما كان العبدُ أش ّد رضا‬
‫‪ ،‬كان قلبُه أسَْلمَ ‪ .‬فالبثُ والدّغَلُ والغشّ ‪ :‬قرينُ السّخطِ ‪ .‬وسلمةُ القلبِ وبرّه ونُصحُه ‪:‬‬
‫ت الرضا‬‫ت السخطِ ‪ .‬وسلمةُ القلبِ منهُ ‪ :‬منْ ثرا ِ‬ ‫قري ُن الرضا ‪ .‬وكذلك السدُ هو منْ ثرا ِ‬
‫‪ .‬فالرضا شجرةٌ طيّبة ‪ ،‬تُسقى باءِ الخلصِ ف بستا ِن التوحيدِ ‪ ،‬أصلُها اليانُ ‪ ،‬وأغصانُها‬
‫العمالُ الصالةُ ‪ ،‬ولا ثرةٌ يانِعةٌ حلوتُها ‪ .‬ف الديثِ ‪ (( :‬ذاق طعْم اليا ِن منْ رضي بالِ‬
‫ث منْ كنّ فيه وجد بنّ‬
‫ربّا ‪ ،‬وبالسلم ديِنا ‪ ،‬وبمدٍ نبيا )) ‪ .‬وف الديث أيضا ‪ (( :‬ثل ٌ‬
‫حلوة اليانِ ‪. )) ....‬‬

‫خطُ بابُ الشّكّ ‪:‬‬


‫السّ ْ‬
‫ك ف الِ ‪ ،‬وقضائه ‪ ،‬وقدرِه ‪ ،‬وحكمتِهِ وعلمِهِ ‪ ،‬فقلّ أنْ‬‫والسّخطُ يفتحُ عليهِ باب الشّ ّ‬
‫َيسَْلمَ السا ِخطُ منْ شكّ يُداخلُ قلبه ‪ ،‬ويتغلغلُ فيه ‪ ،‬وإنْ كان ل يشعرُ به ‪ ،‬فل ْو فتّش نفسه‬
‫غاية التفتيشِ ‪ ،‬لوَ َجدَ يقينهُ معلو ًل مدخولً ‪ ،‬فإنّ الرضا واليقي أخوانِ مُصطحبانِ ‪ ،‬والشّكّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪263‬‬
‫والسّخط قرينانِ ‪ ،‬وهذا معن الديثِ الذي ف الترمذيّ ‪ (( :‬إنِ استطعت أن تعمل بالرّضا‬
‫مع اليقيِ ‪ ،‬فافعل ‪ .‬فإن ل تستطع ‪ ،‬فإن ف الصب على ما تكره الّن ْفسُ خيْرا كثيا )) ‪.‬‬
‫فالساخطُون ناقِمون منْ الداخلِ ‪ ،‬غاضبِون ولوْ لْ يتكلمّوا ‪ ،‬عندهم إشكالتٌ وأسئلةٌ ‪،‬‬
‫مفادُها ‪ :‬لِم هذا ؟ وكيف يكونُ هذا ؟ ولاذا وقع هذا ؟‬

‫الرّضا ِغنً وأمْنٌ ‪:‬‬


‫ومنْ مل قلبه من الرضا بالقدر ‪ ،‬مل الُ صدرهُ ِغنً وأمْنا وقناعةً ‪ ،‬وفرّغ قلبه لحبّتِه‬
‫والنابِة إليه ‪ ،‬والتّوكّلِ عليه ‪ .‬ومنْ فاته حظّه من الرّضا ‪ ،‬امتل قلبُه بضدّ ذلك ‪ ،‬واشتغل عمّا‬
‫فيه سعادتُه وفلحُه ‪.‬‬
‫فالرّضا يُفرّغُ القلب لِ ‪ ،‬والسخطُ يفرّغُ القلب من الِ ‪ ،‬ول عيش لسا ِخطٍ ‪ ،‬ول قرار‬
‫لناِقمٍ ‪ ،‬فهو ف أمر مريجٍ ‪ ،‬يرى أنّ رزقهُ ناقصٌ ‪ ،‬وحظّهُ باخِسٌ ‪ ،‬وعطيّتهُ زهيدةٌ ‪ ،‬ومصائبهُ‬
‫جّةٌ ‪ ،‬فيى أنه يستحقّ أكْثر منْ هذا ‪ ،‬وأرفع وأجلّ ‪ ،‬لك ّن ربّه – ف نظرِهِ – بسهُ و َحرَمَه‬
‫ومنعَهُ وابتله ‪ ،‬وأضناهُ وأرهَقَه ‪ ،‬فكيف يأنسُ وكيف يرتاح ‪ ،‬وكيف ييا ؟ ﴿ ذَلِكَ بِأَّن ُهمُ‬
‫خطَ ال ّلهَ وَ َكرِهُوا رِضْوَاَنهُ فَأَحَْبطَ َأ ْعمَاَل ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫اتَّبعُوا مَا أَ ْس َ‬

‫ثرةُ الرّضا الشّ ْكرُ ‪:‬‬


‫والرضا يُثمرُ الشكر الذي هو منْ أعلى مقاماتِ اليانِ ‪ ،‬بل هو حقيقةُ اليانِ ‪ .‬فإنّ‬
‫غاية النازلِ شكرِ الول ‪ ،‬ول يشكُ ُر الُ منْ يرضى بواهبه وأحكامِه ‪ ،‬وصُنعِه وتدبيِه ‪،‬‬
‫س بالً ‪ ،‬وأحسنُهم حالً ‪.‬‬
‫وأخذِه وعطائِه ‪ ،‬فالشاكرُ أنْعمُ النا ِ‬

‫ثرةُ السّخطِ الكفرُ ‪:‬‬


‫والسخطُ يُثمِر ضدّه ‪ ،‬وهو كُفْرُ النّعمِ ‪ ،‬وربا أثر له كُفْر النعِم ‪ .‬فإذا رضي العبدُ عن‬
‫ربّه ف جيعِ الالتِ ‪ ،‬أوجب له لذلك شُكره ‪ ،‬فيكونُ من الراضي الشاكرين ‪ .‬وإذا فاتهُ‬
‫الرضا ‪ ،‬كان من الساخطي ‪ ،‬وسلك سُبُل الكافرين ‪ .‬وإنا وقع الْيفُ ف العتقاداتِ والللُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪264‬‬
‫ف الدياناتِ مِ ْن كوْ ٍن كثيٍ من العبيدِ يريدون أن يكونوا أربابا ‪ ،‬بلْ يقترحون على ربّهم ‪،‬‬
‫وُيحِلّون على مولهم ما يريدون‪ ﴿ :‬يَا أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا لَا ُتقَ ّدمُوا بَ ْينَ َيدَيِ ال ّلهِ َورَسُوِلهِ ﴾ ‪.‬‬

‫السّخطُ مصيدةٌ للشيطانِ ‪:‬‬


‫والشيطانُ إنا يظف ُر بالنسانِ غالبا عند السخطِ والشهوةِ ‪ ،‬فهناك يصطادُه ‪ ،‬ولسيّما‬
‫إذا استحكم سخطُه ‪ ،‬فإنهُ يقولُ ما ل يُرضي الرّبّ ‪ ،‬ويفعلُ ما ل يُرضيه ‪ ،‬وينوي ما ل‬
‫ب وتدمعُ العيُ ‪ ،‬ول نقولُ‬
‫عند موت ابنهِ إبراهيم ‪ (( :‬يزنُ القل ُ‬ ‫يُرضيهِ ‪ ،‬ولذا قال النبّ‬
‫إل ما يُرضي ربّنا )) ‪ .‬فإنّ موت البني من العوارضِ الت تُو ِجبُ للعبدِ السخط على ال َقدَرِ ‪،‬‬
‫فأخبَ النبّ أنهُ ل يقولُ ف مثْلِ هذا القامِ – الذي يسخطُه أكثرُ الناسِ ‪ ،‬فيتكلّمون با ل‬
‫يُرضي ال ‪ ،‬ويفعلون ما ل يرضيه – إل ما يُرضي ربّه تبارك وتعال ‪ .‬ولو لح العبدُ ف القضاءِ‬
‫با يراهُ مكروها إل ثلثةِ أُمورٍ ‪ ،‬لان عليه الصابُ ‪.‬‬
‫أوّلا ‪ :‬علمُه بكمةِ الق ّدرِ جلّ ف عله ‪ ،‬وأنهُ أخْبَرُ بصلح ِة العبدِ وما ينفعُه ‪.‬‬
‫ثانيها ‪ :‬أنْ ينظر للجرِ العظي ِم والثوابِ الزيلٍ ‪ ،‬كما وعد الُ منْ ُأصِيب فصب مِنْ‬
‫عبادِهِ ‪.‬‬
‫ثالثُها ‪ :‬أن الُكم والمر للرّبّ ‪ ،‬والتسليم والذعان للعبدِ ‪ ﴿ :‬أَ ُهمْ َي ْقسِمُونَ رَ ْح َمةَ‬
‫‪.‬‬ ‫رَبّكَ ﴾‬

‫الرّضا يُخرجُ الوى ‪:‬‬


‫والرضا يُخرجُ الوى من القلبِ ‪ ،‬فالراضي هوا ُه تبعٌ لرا ِد ربّه منه ‪ ،‬أعن الراد الذي‬
‫ع الوى ف القلبِ أبدا ‪ ،‬وإنْ كان معهُ شُعبةٌ منْ هذا‬ ‫يبّه ربّه ويرضاهُ ‪ ،‬فل يتمعُ الرضا واتّبا ُ‬
‫‪ ،‬وشعبةٌ منْ هذا ‪ ،‬فهو للغالِب عليه منهما ‪.‬‬
‫فسل ُم الِ على وَسَنِي‬ ‫إ ْن كان رضاكُم ف سهري‬
‫﴿ َو َعجِلْتُ إِلَ ْيكَ َربّ لَِترْضَى ﴾ ‪.‬‬
‫فما ل ْرجٍ إذا أرضاكمو ألُ‬ ‫إنْ كان س ّر ُكمُ ما قال حا ِسدُنا‬
‫ل تحزن‬
‫‪265‬‬
‫******************************************‬
‫وقفـــة‬
‫(( تعرّفْ إل الِ ف الرخاءِ ‪ ،‬يعرفْك ف الشّدّة )) ‪.‬‬
‫« (تعرّفْ) بتشديدِ الرّاءِ (إل الِ) أيْ ‪ :‬تّببْ وتقرّبْ إليهِ بطاعتِه ‪ ،‬والشّكرِ لهُ على‬
‫سابغِ نعمتِه ‪ ،‬والصب تت مُرّ أ ْقضِيتِهِ ‪ ،‬وصدْقِ اللتجاءِ الاصِ قبل نزولِ بليّتِه ‪( .‬ف الرخاءِ)‬
‫أيْ ‪ :‬ف الدّعةِ والمْ ِن والنعمةِ وسَعَ ِة العم ِر وصحّةِ البدنِ ‪ ،‬فالزمِ الطاعاتِ والنفاق ف‬
‫شدّة) بتفريِها عنك ‪،‬‬
‫القُرُباتِ ‪ ،‬حت تكون مّتصِفا عنده بذلك ‪ ،‬معروفا به ‪( .‬يعرفْك ف ال ّ‬
‫ف»‪.‬‬ ‫وجعْلِه لك منْ ك ّل ضِيقٍ مرجا ‪ ،‬ومنْ كلّ همّ فرجا ‪ ،‬با سلف منْ ذلك التّعرّ ِ‬
‫« ينبغي أنْ يكون بي العبدِ وبي رّبهِ معرفةٌ خاصّةٌ بقلبِهِ ‪ ،‬بيثُ يدُه قريبا للستغناءِ‬
‫لهُ منهُ ‪ ،‬فيأنسُ بهِ ف خلوتِه ‪ ،‬ويدُ حلوة ذكْرِه ودعائِه ومناجاتِه وطاعتِه ‪ ،‬ول يزا ُل العبدُ‬
‫ب ف الدنيا والبْزخِ والوقفِ ‪ ،‬فإذا كان بينهُ وبي ربّه معرفةٌ خاصّة ‪،‬‬‫يقع ف شدائد وكُر ٍ‬
‫كفاهُ ذلك كلّه » ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫ت الخوانِ‬
‫الغضا ُء عنِ هفوا ِ‬
‫﴿ ُخذِ اْل َعفْوَ وَْأمُرْ بِاْل ُعرْفِ وََأ ْع ِرضْ َعنِ اْلجَاهِ ِليَ ﴾ ‪.‬‬
‫ل ينبغي أنْ يزهد فيهِ – أي الخ‪ -‬لُُلقٍ أو ُخلُقَيْن ينكرُها منهُ‪ ،‬إذا رضي سائر أخلقِه‬
‫‪ ،‬وحِد أكثرَ شِيمِه ‪ ،‬ل ّن اليسي مغفورٌ ‪ ،‬والكمال مُعوزٌ ‪ ،‬وقدْ قال الكِنْديّ ‪ :‬كيف تريدُ منْ‬
‫ص النفوسِ‬
‫صديقِك خُلُقا واحدا ‪ ،‬وهو ذو طبائع أربعٍ ‪ .‬مع أنّ نفْس النسانِ الت هي أخ ّ‬
‫به ‪ ،‬ومدبّرةٌ باختيارِه وإرادتِه ‪ ،‬ل تُعطيه قيِادها ف كلّ ما يريدُ ‪ ،‬ول تُجيبُه إل طاعتِه ف كلّ‬
‫ما يبُ ‪ ،‬فكيف بنفسِ غيِه ؟! ﴿ َكذَلِكَ كُنتُم مّن قَبْلُ َفمَنّ ال ّل ُه عَلَيْ ُكمْ ﴾ ‪ ﴿ ،‬فَلَا ُتزَكّوا‬
‫أَن ُفسَكُمْ هُوَ َأعْ َلمُ ِبمَنِ اّتقَى ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪266‬‬
‫وحسْبُك أنْ يكون لك منْ أخيك أكثرُه ‪ ،‬وقدْ قال أبو الدردا ِء – رضي ال عنه ‪: -‬‬
‫مُعاتبَ ُة الخِ خَْيرٌ م ْن ف ْقدِه ‪ ،‬منْ لك بأخيك كلّه ؟! فأخذ الشعراءُ هذا العن ‪ ،‬فقال أبو‬
‫العتاهية ‪:‬‬
‫نيا بكلّ أخيك منْ لكْ‬ ‫َأأُخيّ منْ لك مِن بن الد‬
‫ـك كلّ منْ ل تُ ْعطِ كُلّكْ‬ ‫فاسْتبْقِ بعضك ل َيمَلّـ‬
‫وقال أبو تامٍ الطائيّ ‪:‬‬
‫منْ لك يوما بأخيك كُلّهِ‬ ‫ما غب الغبون مِثْلُ ع ْقلِهِ‬
‫وقال بعضُ الكماء ‪َ :‬طَلبُ النصافِ ‪ ،‬مِنْ قلّةِ النصافِ ‪.‬‬
‫وقال بعضُهم ‪ :‬ن ُن ما رضِينا عنْ أن ُفسِنا ‪ ،‬فكيف نرضى عنْ غيِنا !!‬
‫وقال بعضُ البلغاءِ ‪ :‬ل يُزهدنّك ف رجلٍ حدت سيته ‪ ،‬وارتضيت وتيته ‪ ،‬وعرفت‬
‫ب صغيٌ تستغفرُ له قوةُ‬ ‫َفضْله ‪ ،‬وبطنت عقله – عَْيبٌ خفيّ ‪ ،‬تيطُ به كثرةُ فضائلِه ‪ ،‬أو ذن ٌ‬
‫وسائلِه ‪ ،‬فإنك لنْ تِد – ما بقيت – مُهذّبا ل يكونُ فيه عيبٌ ‪ ،‬ول يقعُ منه ذنبٌ ‪ ،‬فاعتبْ‬
‫ي الرضا ‪ ،‬ول تري فيها على حُك ِم الوى ‪ ،‬فإ ّن ف اعتبارِك با ‪،‬‬ ‫بنفسك بعدُ ألّ تراها بع ِ‬
‫واختبارِك لا ‪ ،‬ما يُواسيك ما تطلبُ ‪ ،‬ويعطِفك على منْ يُذنبُ ‪ ،‬وقد قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫كفى الرء نُبلً أنْ تُعدّ معايبُهْ‬ ‫ومنْ ذا الذي تُرضى سجاياهُ كلّها‬
‫وقال النابغةُ الذّبيانّ ‪:‬‬
‫على شعثٍ أيّ الرّجالِ الهذّبِ‬ ‫ولست ُبسْتبْقٍ أخا ل تُلمّهُ‬
‫وليس ينقضُ هذا القول ما وصفناهُ منْ اختبارِه ‪ ،‬واختبارِ الصا ِل الربع فيه ‪ ،‬لنّ ما‬
‫اعوز فيه معفوّ عنهُ ‪ ،‬هذا ل ينبغي أنْ تُوحشك فترٌة تدُها منهُ ‪ ،‬ول أنْ تُسيء الظّنّ ف كبوةٍ‬
‫تكونُ منه ‪ ،‬ما ل تتحقّق تغيّره ‪ ،‬وتتيقّن تنكّره ‪ ،‬وليصرفْ ذلك إل فتراتِ النفوسِ ‪،‬‬
‫ص النفوسِ به ‪ ،‬ول‬‫واستراحاتِ الواطرِ ‪ ،‬فإ ّن النسان قد يتغيّرُ عنْ مُراعاةِ نفسِه الت هي أخ ّ‬
‫يكونُ ذلك منْ عداوةٍ لا ‪ ،‬ول مللٍ منها ‪ .‬وقدْ قيل ف منثورِ الِكمِ ‪ :‬ل يُفسِدنّك الظّنّ على‬
‫صديقٍ قد أصلحك اليقيُ له ‪ .‬وقال جعفرُ بنُ ممدٍ لبنِه ‪ :‬يا ُبنّ ‪ ،‬منْ غضب من إخوانِك‬
‫ل تحزن‬
‫‪267‬‬
‫ثلث مرّاتٍ ‪ ،‬فلمْ يقُل فيك سوى القّ ‪ ،‬فا ِتذْه لنفسِك خِلّ ‪ .‬وقال السنُ ب ُن وهبٍ ‪ :‬منْ‬
‫حقوقٍ الودّةِ أ ْخذُ عَ ْفوِ الخوانِ ‪ ،‬والغضاءُ عن تقصي إن كان ‪ .‬وقد روي عنْ عليّ –‬
‫‪ ،‬قال ‪ :‬الرّضا بغيِ عتابٍ ‪.‬‬ ‫جمِيلَ ﴾‬
‫اْل َ‬ ‫ص ْفحَ‬
‫ص َفحِ ال ّ‬
‫رضي الُ عن ُه – ف قولِه تعال ‪ ﴿ :‬فَا ْ‬
‫وقال ابنُ الروميّ ‪:‬‬
‫ُيِلمّ بعيٍ أو يُك ّدرُ مشْربا‬ ‫همُ الناسُ والدنيا ولُبدّ م ْن قذىً‬
‫ـمُهذّب ف الدنيا ولست الهذَبا‬ ‫ومنْ قّلةِ النصافِ أنّك تبتغي الـ‬
‫وقال بعضُ الشعراءِ ‪:‬‬
‫ولكنْ هجرُنا مطرُ الرّبيعِ‬ ‫َتوَاصُلُنا على اليامِ باقٍ‬
‫على علّتِهِ دان النّزُوعِ‬ ‫صوْبُهُ لكنْ تراهُ‬ ‫يرُوعُك َ‬
‫سوى دلُ الطاعِ على الُطيعِ‬ ‫معاذ الِ أنْ تلقى غِضابا‬
‫حدٍ أَبَدا ﴾‬
‫﴿ وَلَوْلَا َفضْلُ ال ّلهِ عَلَيْكُمْ َورَ ْحمَتُهُ مَا زَكَا مِنكُم ّمنْ أَ َ‬
‫وهلْ عُودٌ يفُوحُ بل دُخانِ‬ ‫تريدُ مُهذّبا ل عيب فيه‬
‫﴿ فَلَا ُتزَكّوا أَن ُفسَكُمْ هُوَ َأعْ َلمُ ِبمَنِ اّتقَى ﴾ ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫****‬
‫الصّحّ ُة والفراغُ‬
‫صحّة جسمِك ‪ ،‬وفراغ وقتِك ‪ ،‬بالتقصيِ ف طاع ِة ربّك ‪ ،‬والثّق ِة‬ ‫ينبغي أل تضيّع ِ‬
‫بسالفِ عمِلك ‪ ،‬فاجعلْ الجتهاد غنيمة صحّتِك ‪ ،‬والعمل فرصة فراغِك ‪ ،‬فليس كلّ الزمانِ‬
‫غ زْيغٌ أو ندمٌ ‪ ،‬وللخْلوةِ مَيْلٌ أو أسفٌ ‪.‬‬‫مستعدا ول ما فات مستدركا ‪ ،‬وللفرا ِ‬
‫وقال عمرُ بنُ الطابِ ‪ :‬الراحةُ للرجالِ غفْلةٌ ‪ ،‬وللنساءِ ُغلْمةٌ ‪.‬‬
‫جهَدةً ‪ ،‬فالفراغُ مفْسدَةٌ ‪.‬‬
‫وقال بزرجهرُ ‪ :‬إنْ يكنِ الشغلُ َم ْ‬
‫وقال بعضُ الكماءِ ‪ :‬إيّاكمْ واللواتِ ‪ ،‬فإنا تُفسدُ العقول ‪ ،‬وتعقِدُ الحلول ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪268‬‬
‫وقال بعضُ البلغاءِ ‪ :‬ل تضِ يومك ف غي منفعةٍ ‪ ،‬ول تضعْ مالك ف غيْر صنيعةٍ ‪،‬‬
‫فالعمرُ أقصرُ منْ ين َفدَ ف غيِ النافعِ ‪ ،‬والالُ أقلّ منْ أنْ يُصرف ف غيِ الصانع ‪ ،‬والعاقلُ أجلّ‬
‫منْ أنْ يُفن أيامه فيما ل يعودُ عليه نفعُه وخيهُ ‪ ،‬ويُنفق أموال ُه فيما ل يصُل له ثوابُه وأجْرُه ‪.‬‬
‫وأبلغُ منْ ذلك قولُ عيس ابن مري ‪ ،‬على نبينا وعليه السلمُ ‪ :‬البّ ثلثةٌ ‪ :‬النطقُ ‪،‬‬
‫والنّظرُ ‪ ،‬والصّمتُ ‪ ،‬فمنْ كان منطقُه ف غيِ ذكرٍ فقد لغا‪ ،‬ومنْ كان نظرُه ف غيْ ِر اعتبا ٍر فقدْ‬
‫سها ‪ ،‬ومنْ كان صمْته ف غ ِي فِكْ ٍر فقد لا ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫ل ولّ الذين آمنُوا‬
‫اُ‬
‫العبدُ باجةٍ إل إلهٍ ‪ ،‬وف ضرورةٍ إل مولً ‪ ،‬ولبدّ ف اللهِ من القُدرةِ والنّصرةِ ‪،‬‬
‫ف بذلك هو الواحدُ الحدُ اللكُ‬ ‫والُكمِ ‪ ،‬والغنمِ ‪ ،‬والغنا ِء والقوةِ ‪ ،‬والبقاءِ ‪ .‬والُّتصِ ِ‬
‫الهيمنُ ‪ ،‬جلّ ف عله ‪.‬‬
‫فليس ف الكائناتِ ما يسكُن العبدُ إليهِ ويطمئنّ به ‪ ،‬ويتن ّعمُ بالتّوجّه إليه إل الُ سبحانه‬
‫‪ ،‬فهو ملذُ الائفي ‪ ،‬ومعاذُ الُلجئِي ‪ ،‬وغوْثُ الستغيثي ‪ ،‬وجارُ الستجيين ‪ِ ﴿ :‬إذْ‬
‫َتسَْتغِيثُونَ رَبّ ُكمْ فَاسَْتجَابَ لَ ُكمْ ﴾ ‪َ ﴿ ،‬وهُوَ ُيجِيُ وَلَا ُيجَا ُر عَلَ ْيهِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬لَ ْيسَ َلهُم مّن دُوِنهِ‬
‫وَلِيّ وَلَ َشفِيعٌ ﴾ ‪ ،‬ومنْ عبد غيْر الِ ‪ ،‬وإنْ أحبّه وحصل له به مودّةٌ ف الياةِ الدنيا ‪ ،‬ونوعٌ‬
‫من الّلذّ ِة – فهو مَ ْفسَدةٌ لصاحبه أعظمُ منْ مفسدةِ التذاذِ أكلِ الطعامِ السمومِ ﴿ لَوْ كَانَ‬
‫فإنّ قوامهُما بأنْ تألا‬ ‫صفُونَ ﴾‬
‫َعمّا َي ِ‬ ‫ش‬
‫سدَتَا َفسُ ْبحَانَ ال ّلهِ رَبّ اْل َعرْ ِ‬
‫فِيهِمَا آِل َهةٌ إِلّا ال ّلهُ َل َف َ‬
‫الله القّ ‪ ،‬فلو كان فيهما آلةٌ غ ُي الِ ‪ ،‬ل يكنْ إلا حقّا ‪ ،‬إذ الُ ل سِيّ له ول مِثْل له ‪،‬‬
‫فكانتْ تفسُد ‪ ،‬لنتفاء ما به صلحُها ‪ ،‬هذا من جهة اللية ‪ .‬فعُلِم بالضرورة اضطرار العبدِ‬
‫إل إ ِلهِ ومول ُه وكافِيهِ وناصرِه ‪ ،‬وهو اتّصا ُل الفان بالباقي ‪ ،‬والضعيفِ بالقويّ ‪ ،‬والفقيِ‬
‫بالغنّ ‪ ،‬وكلّ منْ ل يّتخِذ ال ربّا وإلا ‪ ،‬اتّخذ غيه من الشيا ِء والصورِ والحبوباتِ‬
‫والرغوباتِ ‪ ،‬فصار عبدا لا وخادما ‪ ،‬ل مالة ف ذلك ‪ ﴿ :‬أَرَأَيْتَ َمنِ اّتخَذَ إَِل َههُ هَوَاهُ ﴾ ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪269‬‬
‫خذُوا مِن دُونِ ال ّلهِ آِل َهةً ﴾ ‪ .‬وف الديثِ ‪ (( :‬يا حُصيْنُ ‪ ،‬كم تعبدُ ؟ )) قال ‪ :‬أعبدُ‬
‫﴿وَاّت َ‬
‫سبعةً ‪ ،‬ست ًة ف الرضِ ‪ ،‬وواحدا ف السماءِ ‪ .‬قال ‪ (( :‬فمنْ لِرغبِك ولِرهبِك ؟ )) ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫الذي ف السماءِ ‪ .‬قال ‪ (( :‬فاترُكِ الت ف الرضِ ‪ ،‬واعبُدِ الذي ف السماءِ )) ‪.‬‬
‫واعلمْ أ ّن فقر العبدِ إل الِ ‪ ،‬أ ْن يعبد ال ل يُشركُ به شيئا ‪ ،‬ليس له نظ ٌي فيُقاسُ به ‪،‬‬
‫لكنْ يُشبِهُ – منْ بعضِ الوجوهِ – حاجة السدِ إل الطعامِ والشرابِ ‪ ،‬وبينهما فروقٌ كثيةٌ ‪.‬‬
‫فإنّ حقيقة العبدِ قلبُه ورُوحُه ‪ ،‬وهي ل صلح لا إل بإلها الِ الذي ل إله إل هو ‪،‬‬
‫فل تطمئ ّن ف الدنيا إل بذكْرِه ‪ ،‬وهي كادحةٌ إليه كدْحا فمُلقيتُه ‪ ،‬ولُبدّ لا منْ لقائِه ‪ ،‬ول‬
‫صلح لا إل بلقائِهِ ‪.‬‬
‫كان له الُ أشدّ حُبّا‬ ‫ومنْ لقاء الِ قد أحبّا‬
‫ل ول تت ِكلْ‬ ‫رحْمتهُ فض ً‬ ‫وعكسُه الكارِهُ فال اسألْ‬
‫ولو حصل للعبد لذّاتٌ أو سرورٌ بغيِ الِ ‪ ،‬فل يدومُ ذلك ‪ ،‬بلْ ينتقلُ منْ نوع إل‬
‫ت وف بعض الحوالِ ‪ ،‬وتارةً أُخرى‬ ‫نوع ‪ ،‬ومنْ شخصٍ إل شخصٍ ‪ ،‬ويتن ّعمُ بذا ف وق ٍ‬
‫يكون ذلك الذي يتنعّمُ به ويلتذّ ‪ ،‬غي من ّعمٍ لهُ ول ملتذّ له ‪ ،‬ب ْل قد يُؤذيهِ اتّصالُه به ووجودُه‬
‫عنده ‪ ،‬ويضرّه ذلك ‪.‬‬
‫وأمّا إلهُ فلُبدّ لهُ منه ف كلّ حالٍ وكلّ وقتِ ‪ ،‬وأينما كان فهو معه ‪.‬‬
‫إذا رضيت فهذا مُنتهى أملي‬ ‫عساك ترضى وكلّ الناسِ غاضبةٌ‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬منْ أرضى ال بسخطِ الناسِ ‪ ،‬رضي ال عليه ‪ ،‬وأرضى عنه الناس‬
‫ل عليه وأسخط عليهِ الناس )) ‪ .‬ول زلتُ أذكرُ‬
‫‪ .‬وم ْن أسخط ال برضا الناس ‪ ،‬سخِط ا ُ‬
‫ف المي فقال ‪:‬‬ ‫قصّة (العكوّك ) الشاعرِ وق ْد مدح أبا دل ٍ‬
‫إ ّل قضيت بأرزاقٍ وآجالِ‬ ‫ول مددْت يدا باليِ واهِبةً‬
‫فسلّط الُ عليهِ الأمون فَقَتَلَه على بساطِ ِه بسببِ هذا البيت ﴿ وَ َكذَلِكَ ُنوَلّي َبعْضَ‬
‫الظّاِلمِيَ َبعْضا ِبمَا كَانُواْ يَ ْكسِبُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪270‬‬
‫ت ف طريقِ البا ِحثِي‬
‫إشارا ٌ‬
‫للسعادةِ والفلحِ علماتٌ تلوحُ ‪ ،‬وإشاراتٌ تظهرُ ‪ ،‬وهي شهودٌ على رقيّ صاحبها ‪،‬‬
‫وناحِ حامِلها ‪ ،‬وفلحِ منِ اتّصف با ‪.‬‬
‫فمنْ علماتِ السعادةِ والفلحِ ‪ :‬أ ّن العبد كلّما زاد وزُنه ونفاستُه ‪ ،‬غاص ف قاعِ‬
‫البحارِ ‪ ،‬فهو يعلمُ أنّ العلم موهبةٌ راسخةٌ يتحِ ُن الُ با منْ شاء ‪ ،‬فإنْ أ ْحسَنَ شُكَرَها ‪،‬‬
‫َيرْفَعِ ال ّلهُ اّلذِينَ آمَنُوا مِن ُكمْ وَاّلذِينَ أُوتُوا اْلعِ ْلمَ‬ ‫﴿‬ ‫وأحسن ف قبُولِهِ ‪ ،‬رَفعهُ به درجاتٍ‬
‫دَرَجَاتٍ ﴾ ‪ .‬وكلّما زِيد ف عملهِ ‪ ،‬زيد ف خوفِهِ و َح َذرِه ‪ ،‬فهو ل يأمنُ عثرة القدمِ ‪ ،‬وزلّة‬
‫اللسانِ ‪ ،‬وتقلّب القلبِ ‪ ،‬فهو ف مُحاسبةٍ ومُراقبةٍ كالطائرِ الذِر ‪ ،‬كلّما وقع على شجرةٍ‬
‫تركها لخرى ‪ ،‬يافُ مهارة القنّاص ‪ ،‬وطائشة الرصاصِ ‪ .‬وكلّما زيد ف عمرِه ‪ ،‬نقص من‬
‫حِ ْرصِهِ ويعلمُ علم اليقيِ أنّهُ قدِ اقترب من النتهى ‪ ،‬وقطع الرحلة ‪ ،‬وأشرف على وادي اليقي‬
‫‪ .‬وهو كلّما زِيد ف مالِه ‪ ،‬زيد ف سخائِه وبذْلهِ ؛ لنّ الال عاريةٌ ‪ ،‬والواهب متحنٌ ‪،‬‬
‫ومناسباتِ المكانِ فُرصٌ ‪ ،‬والوت بالرصادِ ‪ .‬وهو كلّما زيد ف قدْرِه وجاهِه ‪ ،‬زيد ف قُربِه‬
‫من الناسِ وقضاءِ حوائجِهم والتّواضُعِ لم ؛ لنّ العباد عيا ُل ال ‪ ،‬وأحبّهم إل الِ أنفعُهم‬
‫لعيالِه ‪.‬‬
‫ت الشقاوةِ ‪ :‬أنّ كلّما زيد ف علمِهِ ‪ ،‬زيد ف كِبْره وتيههِ ‪ ،‬فع ْلمُه غ ُي نافعٍ ‪،‬‬
‫وعلما ُ‬
‫وقلبُه خاوٍ ‪ ،‬وطبيعتُه ثخينةٌ ‪ ،‬وطينتُه سِباخٌ وعْرةٌ ‪ .‬وهو كّلما زيد ف عملِه ‪ ،‬زِيد ف فخْره‬
‫واحتقارِه للناس ‪ ،‬و ُحسْنِ ظنّه بنفسهِ ‪ .‬فهو الناجي وحده ‪ ،‬والباقون هلْكى ‪ ،‬وهو الضامنُ‬
‫جواز الفازةِ ‪ ،‬والخرون على شفا التالِفِ ‪ .‬وهو كلّما زِيد ف عمرِه ‪ ،‬زيد ف حِرصِهِ ‪ ،‬فهو‬
‫جُوعٌ منُوعٌ ‪ ،‬ل تُحرّكهُ الوادِثُ ‪ ،‬ول تُزعزعُه الصائبُ ‪ ،‬ول تُوقِظ ُه القوارِعُ ‪ .‬وهو كلّما‬
‫زِيد ف مالِه ‪ ،‬زيد ف بُخلِه وإمساكِه ‪ ،‬فقلْبُه مقفرٌ من القِيم ‪ ،‬وكفّه شحيحةٌ بالبذْلِ ‪ ،‬ووجهُه‬
‫صفيقٌ عريّ من الكارمِ ‪ .‬وهو كلّما زيد ف قدْرِه وجاهِه ‪ ،‬زيِد ف ِكبِه وتْيهِه ‪ ،‬فهو مغرورٌ‬
‫ش الرادةِ منتفخُ الرّئةِ ‪ ،‬مريشُ الناحِ ‪ ،‬لكنّه ف النهايةِ ل شيء ‪ (( :‬يُحشر‬
‫مدحورٌ ‪ ،‬طائ ُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪271‬‬
‫التكبّرون يوم القيامةِ ف صور ِة الذّرّ ‪ ،‬يطؤ ُهمْ الناسُ بأقدامِهمْ )) ‪ .‬وهذ ِه الموُر ابتلءٌ من‬
‫الِ وامتحانٌ ‪ ،‬يَبْتَلي با عباده فيسْعدُ با أقوامٌ ‪ ،‬ويشقى با آخرون ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫الكرامةُ ابتلءٌ‬
‫ك والسّلطانِ والالِ ‪ ،‬قال تعال عنْ نبيّه‬
‫ت امتحانٌ وابتلءٌ ‪ ،‬كا ُللْ ِ‬
‫وكذلك الكراما ُ‬
‫سليمان لّا رأى عِرش بلقيس عنده ‪َ ﴿ :‬هذَا مِن َفضْلِ رَبّي لِيَ ْبلُوَنِي أَأَشْ ُكرُ أَمْ أَ ْك ُفرُ ﴾ ‪ ،‬فهو‬
‫سدِي النعمة ليى م ْن قبِلها بقبُولٍ حسن ‪ ،‬وشكرها وحفظها ‪ ،‬وثّرها وانتفع ونفع‬ ‫سبحانه ُي ْ‬
‫با ‪ ،‬ومنْ أهلها وعطّلها ‪ ،‬وكفرها وصرفها ف مُحاربةِ العطي ‪ ،‬واستعان با ف مُحادّةِ‬
‫الواهبِ جلّ ف عُلهُ ‪.‬‬
‫ل وامتحانٌ ‪ ،‬يظهرُ با شُكْرُ الشكُورِ وكُفرُ الكفورِ ‪ .‬كما أنّ الحنَ‬
‫فالنّعمُ ابتلءٌ من ا ِ‬
‫َفَأمّا اْلإِنسَانُ ِإذَا مَا ابْتَلَاهُ‬ ‫﴿‬ ‫منهُ سبحانه ‪ ،‬فهو يبتلي بالنع ِم كما يبتلي بالصائبِ قال تعال ‪:‬‬
‫رَّبهُ َفأَ ْك َر َمهُ وََن ّع َمهُ فََيقُولُ رَبّي أَ ْك َر َمنِ{‪ }15‬وََأمّا ِإذَا مَا ابْتَلَاهُ َف َقدَ َر عَلَ ْيهِ ِرزْ َقهُ فََيقُولُ رَبّي‬
‫‪ ،‬أي ليس كلّ منْ وسّ ْعتُ عليهِ وأكرمتُه ونعّمتُه ‪ ،‬يكونُ ذلك‬ ‫‪﴾ ....‬‬ ‫أَهَاَننِ{‪ }16‬كَلّا‬
‫إكراما من له ‪ ،‬ول كلّ م ْن ضيّقتُ علي ِه رزقه وابتليتُه ‪ ،‬يكونُ إهانةً من له ‪.‬‬
‫************************************‬
‫الكنوزُ الباقيةُ‬
‫إنّ الواهب الزيلة والعطايا الليلة ‪ ،‬هي الكنوزُ الباقيةُ لصحابا ‪ ،‬الراحلةُ معهمْ إل‬
‫ن والب والتقّى والجرةِ والها ِد والتوبة والنابةِ ‪﴿ :‬‬
‫دارِ القامِ ‪ ،‬من السلمِ واليانِ والحسا ِ‬
‫لّ ْيسَ الِْبرّ أَن تُوَلّواْ وُجُوهَ ُكمْ قَِبلَ اْل َمشْ ِرقِ وَاْل َمغْرِبِ وَلَـ ِكنّ الِْبرّ َمنْ آ َمنَ بِال ّلهِ وَالَْيوْمِ‬
‫ال ِخرِ ‪ ﴾ ...‬إل قولهِ تعال ‪ُ ﴿ :‬همُ اْلمُّتقُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫هّةٌ تنطحُ الثّريّا‬
‫ل تحزن‬
‫‪272‬‬
‫إذا أُعطي العبدُ هّ ًة كبى ‪ ،‬ارتلتْ بهِ ف دروبِ الفضائلِ ‪ ،‬وصعِدتْ بهِ ف درجاتِ‬
‫العال ‪.‬‬
‫ومنْ سجايا السلمِ التّحلّي بكِب المّةِ ‪ ،‬وجللةِ القصودِ ‪ ،‬وسوّ الدفِ ‪ ،‬وعظمةِ‬
‫الغايةِ ‪ .‬فالمّة هي مركزُ السالبِ والوجبِ ف شخصِك ‪ ،‬الرقيبُ على جوارحِك ‪ ،‬وهي‬
‫الوقودُ السّيّ والطاقةُ اللتهبةُ ‪ ،‬الت تدّ صاحبها بالوثوبِ إل العال والسابقةِ إل الحا ِمدِ ‪.‬‬
‫وكِبَرُ المّ ِة يلبُ لك ‪ .‬بإذن الِ خيْرا غي مذوذٍ ‪ ،‬لترقى إل درجاتِ الكمالِ ‪ ،‬فُيجْرِي ف‬
‫عروقِك دم الشهامةِ ‪ ،‬والركْضِ ف ميدانِ العلمِ والعملِ ‪ .‬فل يراك الناسُ واقفا إل على أبواب‬
‫ت المورِ ‪ ،‬تُنافسُ ال ّروّاد ف الفضائلِ ‪ ،‬وتُزاحمُ السّادة‬ ‫الفضائلِ ‪ ،‬ول باسطا يديْك إل لهمّا ِ‬
‫ف ف الخيِ ‪ ،‬ول تقبلُ بالقلّ ‪ .‬وبالتحلّي با ِلمّةِ ‪،‬‬ ‫ف الزايا ‪ ،‬ل ترضى بالدّون ‪ ،‬ول تق ُ‬
‫يُسلبُ منك سفساف المال والعمالِ ‪ ،‬ويُجتثّ منك شجرةُ الذّ ّل والوانِ ‪ ،‬والتملّق ‪،‬‬
‫والداهنةِ ‪ ،‬فكبيُ ا ِلمّةُ ثابتُ الأشِ ‪ ،‬ل تُرهبُه الواقفُ ‪ ،‬وفاقدُها جبانٌ رِعديدٌ ‪ ،‬تُغلقُ فمه‬
‫الفهاهةُ ‪.‬‬
‫ط فتخْلِط بي ِكبِ المة والكِبْر ‪ ،‬فإن بينهما من الرْق كما بي السماء ذاتِ‬ ‫ول تغل ْ‬
‫صدْعِ ‪ ،‬ف ِك ُب المّ ِة تاجٌ على مفْرِق القلبِ الُرّ الثال ‪ ،‬يسعى به دائما‬ ‫الرّج ِع والرضِ ذاتِ ال ّ‬
‫وأبدا إل الطّهرِ والقداسةِ والزّيادة والفضلِ ‪ ،‬فكبيُ المّةِ يتل ّمظُ على ما فاته من ماسن ‪،‬‬
‫ويتحسّرُ على ما فقده من مآثِر ‪ ،‬فهو ف حنيٍ مستمرّ ‪ ،‬ونمٍ دؤوبٍ للوصولِ إل الغايةِ‬
‫والنهايةِ ‪.‬‬
‫كِبَرُ المّةِ ِحلْيةُ ورثةِ النبياءِ ‪ ،‬والكِبْرُ داءُ الرضى بعلّة البابرةِ البؤساءِ ‪.‬‬
‫فكِ ُب المّةِ تص َعدُ بصاحبِها أبدا إل الرّقيّ ‪ ،‬والكِبْرُ يهبطُ به دائما إل الضيضِ ‪ .‬فيا‬
‫طالب العلم ‪ ،‬ارسمْ لنفسك كِب المّةِ ‪ ،‬ول تنفلتْ منها وقد أومأ الشرعُ إليها ف فقهيّاتٍ‬
‫تُلبس حياتك ‪ ،‬لتكون دائما على يقظةٍ من اغتنامِها ‪ ،‬ومنها ‪ :‬إباح ُة التّيمّمِ للمكلّفٍ عند‬
‫فقْدِ الاءِ ‪ ،‬وعدمُ إلزامهِ بقبُولِ هِبةٍ ثن الاءِ للوضوءِ ‪ ،‬لا ف ذلك من النّةِ الت تنالُ من المّة‬
‫منالً ‪ ،‬وعلى هذا فقيِسْ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪273‬‬
‫فال ال ف الهتمامِ بالمّةِ ‪ ،‬وسلّ سيفِها ف غمراتِ الياةِ ‪:‬‬
‫وحتّى يكون اليومُ لليومِ سيّدا‬ ‫لدّث حت تفضُل العيُ أختها‬ ‫هو ا ِ‬
‫***************************************‬

‫قراءة العقول‬
‫مّا يشرح الاطر ويسُرّ النّفْس ‪ ،‬القراءةُ والتأمّلُ ف عقولِ الذكياءِ وأهلِ الفِطنةِ ‪ ،‬فإنّها‬
‫متعةٌ يسلو با الُطالعِ لتلك الشراقاتِ البديعةِ من أولئك الفطناءِ ‪ .‬وسّيدُ العارفي وخيةُ‬
‫العالي ‪ ،‬رسولُنا ‪ ،‬ول يُقاسُ عليهِ بقيّةُ الناسِ ‪ ،‬لن ُه مؤّيدٌ بالوحْي ‪ ،‬مصدّقٌ بالعجزاتِ ‪،‬‬
‫ت البيّناتِ ‪ ،‬وهذا فوق ذكاءِ الذكياء ولُوع الدباءِ ‪.‬‬ ‫مبعوثٌ باليا ِ‬
‫***********************************‬
‫﴿ َوِإذَا َم ِرضْتُ َفهُوَ يَشْفِيِ ﴾‬
‫قال أبقراطُ ‪ « :‬القللُ من الضّارّ ‪ ،‬خيٌ من الكثارِ من النافعِ » ‪ .‬وقال ‪ « :‬استديوا‬
‫ب»‪.‬‬ ‫صحّة بترْ ِك التّكاسُلِ عن التعبِ ‪ ،‬وبتركِ المتلءِ من الطعا ِم والشرا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫وقال بعضُ الكماءِ ‪ « :‬من أراد الصحة ‪ :‬فليُجوّد الغداء ‪ ،‬وليأكُلْ على نفاءٍ ‪،‬‬
‫وليشربْ على ظماءٍ ‪ ،‬وليُقلّلْ من شُربِ الاءِ ‪ ،‬ويتمدّدْ بعد الغداءِ ‪ ،‬ويتمشّ بعد العشاءِ ‪ ،‬ول‬
‫ينمْ حت يعرض نفسهُ على اللءِ ‪ ،‬وليحْذرْ دخول المّامِ عقيِب المتلء ‪ ،‬ومرّةٌ ف الصيفِ‬
‫خيٌ من عشرٍ ف الشتاءِ » ‪.‬‬
‫وقال الارثُ ‪ « :‬من سرّه البقاءُ – ول بقاء – فليُباكِ ِر الغداءَ ‪ ،‬وليُعجّلِ العشاء ‪،‬‬
‫ولُخفّفِ الرّداء ‪ ،‬وليُقلّ غِشيان النساءِ » ‪.‬‬
‫وقال أفلطون ‪ « :‬خسٌ يُذبْن البَدنَ ‪ ،‬وربا قَتَلْنَ ‪ِ :‬قصَرُ ذاتِ اليدِ ‪ ،‬وفراقُ الحبّةِ ‪،‬‬
‫وترّعُ الغايظِ ‪ ،‬وردّ النّصح ‪ ،‬وضحِكُ ذوي الهلِ بالعقلءِ » ‪.‬‬
‫ومن جوامعِ كلماتِ أبقراط قولهُ ‪ « :‬كلّ كثيٍ ‪ ،‬فهو مُعادٍ للطبيع ِة » ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪274‬‬
‫وقيل لالينوس ‪ :‬ما لك ل ترضُ ؟ فقال ‪ « :‬لن ل أجعْ بي طعاميْنِ رديئيِ ‪ ،‬ول‬
‫أُدخِل طعاما على طعامٍ ‪ ،‬ول أحِبسْ ف العدةِ طعاما تأذّيتُ منه » ‪.‬‬
‫وأربعةُ أشياء تُمرضُ السْم ‪ :‬الكلمُ الكثيُ ‪ ،‬والنومُ الكثيُ ‪ ،‬والكلُ الكثيُ ‪ ،‬والماعُ‬
‫الكثيُ ‪ .‬فالكلمُ الكثيُ ‪ :‬يقلّل مُ ّخ الدّماغِ ويُضعفُه ‪ ،‬ويعجّلُ الشّيْب ‪ .‬والنومُ الكثيُ ‪ :‬يصفّرُ‬
‫الوجه ‪ ،‬ويُعمي القلب ‪ ،‬ويُهيّجُ العي ‪ ،‬ويُكسلُ عن العملِ ‪ ،‬ويوّلدُ الغليظة ‪ ،‬والدواء العسِرة‬
‫ف رُطُوبات البدنِ ‪ ،‬ويُرخي العصبَ‬ ‫‪ .‬والماعُ الكثيُ ‪َ :‬ي ُهدّ الَبَدنَ ‪ ،‬ويُضعفُ القُوى ‪ ،‬ويُجفّ ُ‬
‫سدَدَ ‪ ،‬وي ُع ّم ضررُهُ جيع البدنِ ‪ ،‬ونفضّ الدّماغ لكثْرةِ ما يتحلّلُ منهُ من الرّوحِ‬ ‫‪ ،‬ويُورثُ ال ّ‬
‫النّفسان ‪ .‬ولضعافُهُ أكثر من إضعافِ جيعِ الستفرغاتِ ‪ ،‬ويستفرِغ من جوهرِ الرّوحِ شيئا‬
‫كثيا ‪.‬‬
‫أربعةٌ تدم البدن ‪ :‬المّ ‪ ،‬والزنُ ‪ ،‬والوعُ ‪ ،‬والسّهرُ ‪.‬‬
‫وأربعة تُفرحُ ‪ :‬النّظرُ إل الُضرةِ ‪ ،‬وإل الاءِ الاري ‪ ،‬والحبوبِ ‪ ،‬والثمارِ ‪.‬‬
‫وأربعة تُظلِم البصر ‪ :‬الشْيُ حافيا ‪ ،‬والتّصبّحُ والمساءُ بوجهِ البغيضِ والثقيلِ والعدوُ ‪،‬‬
‫وكثْرةُ البُكاءِ ‪ ،‬وكثر ًةُ النّظرِ ف الطّ الدّقيقِ ‪.‬‬
‫س الناعمِ ‪ ،‬ودخو ِل المّامِ العتدلِ ‪ ،‬وأكلُ الطعامِ اللوِ‬ ‫وأربعةٌ تقوّي السم ‪ :‬لُبْ ُ‬
‫والدّسمِ ‪ ،‬وشمّ الروائحِ الطيّبةِ ‪.‬‬
‫وأربعةٌ تُيبّس الوجه‪ ،‬وتُذهبُ ماءه وبجتهُ وطلقَتَهُ ‪ :‬الكذِبُ ‪ ،‬والوقاحةُ ‪ ،‬وكثْرةُ‬
‫السؤالِ عن غيِ علمٍ ‪ ،‬وكثْر ُة الفجورِ ‪.‬‬
‫وأربعةٌ تزيدُ ف ماءِ الوجه وبجتِه ‪ :‬الروءةُ ‪ ،‬والوفُاء ‪ ،‬والكرمُ ‪ ،‬والتقوى ‪.‬‬
‫وأربع ٌة تلبُ البغضاء والقْتَ ‪ :‬الكِبْرُ ‪ ،‬والسدُ ‪ ،‬وال َكذِبُ ‪ ،‬والنّميمةُ ‪.‬‬
‫وأربع ٌة تلبُ الرزق ‪ :‬قيامُ الليلِ ‪ ،‬وكثْرةُ الستغفارِ بالسحارِ ‪ ،‬وتعا ُهدُ الصدقةِ ‪،‬‬
‫والذّكْر أول النهارِ وآخِره ‪.‬‬
‫وأربعةٌ تنعُ الرزق ‪ :‬نومُ الصّبحة ‪ ،‬وقلّةُ الصلةِ ‪ ،‬والكسلُ ‪ ،‬واليانةُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪275‬‬
‫وأربعةٌ تُضرّ بالفهمِ والذهنِ ‪ :‬إدمانُ أ ْكلِ الامضِ والفواكهِ ‪ ،‬والنومُ على القفا ‪،‬‬
‫والمّ ‪ ،‬والغمّ ‪.‬‬
‫وأربعةٌ تزيدُ ف الفهم ‪ :‬فراغُ القلبِ ‪ ،‬وقلّ ُة التّملّي من الطعام والشرابِ ‪ ،‬و ُحسْ ِن تدبيِ‬
‫ج الفضلتِ الثقّلةِ للبَدنِ ‪.‬‬ ‫الغذاءِ بالشياءِ الُلو ِة والدّسِمةِ ‪ ،‬وإخرا ُ‬
‫**************************************‬
‫خُذُوا حِذْركمْ‬
‫فالازم يتوقّفُ حت يرى ويبصر ‪ ،‬ويترقّب ‪ ،‬ويتأمّل ‪ ،‬ويُعيدَ النظر ‪ ،‬ويقرأ العواقب ‪،‬‬
‫ويقدّر الطواتِ ‪ ،‬ويُبم الرأي ‪ ،‬ويتاط وَيحْذر ‪ ،‬لئلّ يندم ‪ ،‬فإن وقع المرُ على ما أراد ‪،‬‬
‫َح ِمدَ ال ‪ ،‬وشكر رأيه ‪ ،‬وإن كانتِ الُخرى ‪ ،‬قال ‪ :‬قدرّ الُ ‪ ،‬وما شاء فَعَلَ ‪ .‬ورضي ول‬
‫يزنْ ‪.‬‬
‫*******************************************‬
‫فـتـبـيّـنُوا‬
‫فالعاق ُل ثابتُ القدمِ ‪ ،‬سديدُ الرّأْي ‪ ،‬إذا هجمتْ علي ِه الخبارُ ‪ ،‬وأشكلتِ السائلُ ‪ ،‬فل‬
‫يأ ُخذُ بالبوادِر ‪ ،‬ول يتعجّل الُكم ‪ ،‬وإنا يُمحّصُ ما يسمعُ ‪ ،‬ويقّلبُ النظر ‪ ،‬ويُحادثُ‬
‫الفكر ‪ ،‬ويُشا ِورُ العقلء ‪ ،‬فإنّ الرّأْي المي ‪ ،‬خيٌ من الرأي الفطيِ ‪ .‬وقالوا ‪ :‬لن تُخطئ ف‬
‫العفوِ ‪ ،‬خيٌ منْ أنْ تطئ ف العقوبةِ ﴿ فَُتصِْبحُوا عَلَى مَا َفعَلُْتمْ نَا ِد ِميَ ﴾ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫اعز ْم وأقْدِمْ‬
‫إنّ كلّ ما أكتبُه هنا منْ آياتٍ وأبياتٍ ‪ ،‬وأثرٍ وعِب ‪ ،‬وقصصٍ وحِكم ‪ ،‬تدعوك بأنْ تبدأ‬
‫حياةً جديدةً ‪ِ ،‬م ْلؤُها الرجاءُ ف ُحسْنِ العاقبةِ ‪ ،‬وجيلِ التامِ ‪ ،‬وأفضلِ النتائجِ ‪ .‬ول تستطيعُ‬
‫أن تستفيد إل بمّةٍ صادقةٍ ‪ ،‬وعزمٍ حثيثٍ ‪ ،‬ورغبةٍ أكيدةٍ ف أن تتخلّص منْ هومِك وغمومك‬
‫ب العبدُ ؟ قال ‪ :‬لُبدّ له منْ سوْطِ عَزْمٍ ‪.‬‬
‫وأحزانِك وكآبتِك ‪ .‬قيل لحدِ العلماءِ ‪ :‬كيف يتو ُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪276‬‬
‫ولذلك ميّز الُ أُول العزمِ بالِممِ ﴿فَاصِْبرْ َكمَا صََبرَ أُوْلُوا اْل َعزْمِ مِنَ الرّسُلِ﴾ ‪ .‬وآدمُ ليس من‬
‫جدْ َلهُ عَزْما﴾‪ ،‬وكذلك أبناؤه ‪ ،‬فهي شِْنشِنَةٌ نعرفُها مِنْ‬
‫أُول العَزْمِ ‪ ،‬لنه ﴿فََنسِيَ وََلمْ َن ِ‬
‫أخْزمِ‪ ،‬ومنْ يُشابِه أباه فما ظَلمَ ‪ ،‬لكن ل تقْتدِ به ف الذنبِ ‪ ،‬وتُخالِفْه ف التوبةِ‪ .‬والُ الستعانُ‬
‫‪.‬‬
‫***********************************‬
‫ليستْ حياتُنا الدنيا فحسْب‬
‫سعادةُ الخرةِ مرهونةٌ بسعاد ِة الدنيا ‪ ،‬وحقّ على العاقِل أن يعلم أنّ هذه الياة متّصلة‬
‫بتلك ‪ ،‬وأنا حياة واحدةُ ‪ ،‬الغيب والشهادةُ ‪ ،‬والدنيا والخرة ‪ ،‬واليومُ وغدٌ ‪ .‬وظنّ بعضُهم‬
‫أنّ حياته هنا فحسْب ‪ ،‬فجمع فأوعى ‪ ،‬وتشبّث بالبقاءِ ‪ ،‬وتعلّق بياةِ الفناء ‪ ،‬ث مات ومآرُبه‬
‫وطموحاتُه ومشاغلُه ف صدرِه ‪.‬‬
‫وحاجةُ منْ عاش ل تنقضي‬ ‫نروحُ ونغدو لاجاتِنا‬
‫وتبْقى له حاجةٌ ما بقِي‬ ‫توت مع الرِ حاجاتهُ‬
‫ـرّ الغداةِ وم ّر العشِي‬ ‫أشاب الصغي وأفن الكبيـ‬
‫أتى بعد ذلك يو ٌم فتِي‬ ‫إذا ليلةٌ أهرمت يومها‬
‫ت لنفسي والناسِ من حول ‪ :‬آمالٌ بعيدةٌ ‪ ،‬وأحل ٌم مديدةٌ وطموحاتٌ عارمةٌ ‪،‬‬ ‫وعجب ُ‬
‫ونوايا ف البقاءِ ‪ ،‬وتطلّعاتٌ مُذهلةٌ ‪ ،‬ث يذهبُ الواحدُ منّا ول يُشاورُ أو يُخبُ أو يُخبّرُ ﴿ َومَا‬
‫َتدْرِي َن ْفسٌ مّاذَا تَ ْكسِبُ غَدا َومَا َتدْرِي َن ْفسٌ بِأَيّ أَ ْرضٍ َتمُوتُ ﴾ ‪.‬‬
‫وأنا أعرضُ عليك ثلث حقائق ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬مت تظنّ أنك سوف تدأُ وترتاحُ وتطمئنّ ‪ ،‬إذا ل ترض عن ربّك وعنْ‬
‫أحكامِه وأفعالِه وقضائِه وقدرِه ‪ ،‬ول ترض ع ْن رزقِك ‪ ،‬ومواهبِك وما عندك!‬
‫الثانية ‪ :‬هلْ شكرت على ما عندك من النّعم واليادي والبات حت تطلب غيها ‪،‬‬
‫وتسأل سواها ؟! إنّ منْ َعجَزَ عن القليلِ ‪ ،‬أوْل أن يعجز عن الكثي ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪277‬‬
‫الثالثة ‪ :‬لاذا ل نستفيدُ من مواهبِ الِ الت وهبنا وأعطانا‪ ،‬فنثمّرُها‪ ،‬وننمّيها‪ ،‬ونوظّفُها‬
‫توظيفا حسنا ‪ ،‬وننقيها من الثالبِ والشّوائبِ ‪ ،‬وننطلقُ با ف هذه الياةِ نفعا وعطاءً وتأثيا‬
‫‪.‬‬
‫إن الصّفاتِ الميدة والواهب الليلة ‪ ،‬كامنةٌ ف عقولِنا وأجسامِنا ‪ ،‬ولكنّها عند الكثي‬
‫منّا كالعاد ِن الثمين ِة ف التّرابِ ‪ ،‬مدفون ٌة مغمورةٌ مطمورةٌ ‪ ،‬ل تِد حاذقا يُخرِجُها من الطيِ ‪،‬‬
‫فيغسلُها وينقّيها ‪ ،‬لتلمع وتشعّ وتُعرف مكانتُها ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫بقُ الفرجُ‬
‫التّوارِي من البطْش حلّ مؤ ّقتٌ ريثما ي ُ‬
‫قرأتُ كتاب ( التوارين ) لعبدِ الغن الزديّ ‪ ،‬وهو لطيفٌ جذّاب ‪ ،‬يتحدّث فيه عمّن‬
‫توارى خوفا من الجاجِ بن يوسف ‪ ،‬فعلمتُ أنّ ف اليا ِة فسحةً ‪ ،‬وف الشّرّ خيارا ‪ ،‬وعنِ‬
‫الكروهِ مندوحةً أحيانا ‪.‬‬
‫وذكرتُ بيتيِ للبيورديّ عن تواريهِ ‪ ،‬يقولُ ‪:‬‬
‫فعين ترى دهري وليس يران‬ ‫تستّرْتُ مِن دهري ب ِظلّ جناحِهِ‬
‫وأين مكان ما عرفت مكان‬ ‫فلو تسأ ِل اليام عنُي ما َدرَتْ‬
‫هذا القارئُ الديبُ اللمعُ الفصي ُح الصّادِقُ ‪ ،‬أبو عمرو بنُ العلءِ ‪ ،‬يقولُ عن مُعاناتِه‬
‫ت ف بيتٍ بصنعاء ‪ ،‬فكنتُ من‬ ‫ف حالة الختبار ‪ « :‬أخافن الجّاجُ فهربتُ إل اليمن ‪ ،‬فول ُ‬
‫الغدواتِ على سطحِ ذلك البيتِ ‪ ،‬إذْ سعتُ رجلً يُنشدُ‪:‬‬
‫ـرِ ل ُه فُرْجَةٌ كح ّل العِقالِ‬ ‫ع النّفوسُ من المـ‬ ‫رُبّما تز ُ‬
‫قال ‪ :‬فقلتُ ‪ :‬فُرْجةٌ ‪ .‬قال ‪ :‬فسُررتُ با ‪ .‬قال ‪ :‬وقالَ آخرَ ‪ :‬مات الجّاجُ ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫فوالِ ما أدري بأيّهما كنتُ أُسَرّ ‪ ،‬بقولهِ ‪ :‬فرْجةٌ ‪ .‬أو بقولِه ‪ :‬مات الجّاجُ » ‪.‬‬
‫ت والرضِ ﴿ كُلّ يَوْمٍ هُوَ‬
‫إنّ القرار الوحيد النافذ ‪ ،‬عند من بيده ملكوتُ السماوا ِ‬
‫فِي شَأْنٍ ﴾ ‪.‬‬
‫توارى السنُ البصريّ عنِ عي الجّاج ‪ ،‬فجاءه البُ بوِتهِ ‪ ،‬فسجد شكرا الِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪278‬‬
‫سبحان الِ الذي مايز بي خلْقِه ‪ ،‬بعضُهم يوتُ ‪ ،‬فيُسجدُ غيْ ُرهُ للشّكر فرحا وسرورا‬
‫سمَاء وَاْلأَ ْرضُ َومَا كَانُوا مُن َظرِينَ ﴾ ‪ .‬وآخرون يوتون ‪ ،‬فتتحوّلُ‬
‫ت عَلَ ْيهِمُ ال ّ‬
‫﴿ َفمَا بَكَ ْ‬
‫ب ف سويدائِها ‪.‬‬‫البيوتُ إل مآتِم ‪ ،‬وتقرحُ الجفانُ ‪ ،‬وتُطعنُ بوتم القلو ُ‬
‫وتوارى إبراهيمُ النّخعِيّ من الجّاج ‪ ،‬فجاءه البُ بوتِهِ ‪ ،‬فبكى إبراهيمُ فرحا ‪.‬‬
‫منْ عظمِ ما قد سرّن أبكان‬ ‫طفح السرورُ عليّ حت إنن‬
‫إنّ هناك ملذاتٍ آمنة للخائفي ف كَنَف أرح ِم الراحي ‪ ،‬فهو يرى ويسمعُ ويُبصرُ‬
‫الظالي والظلومي ‪ ،‬والغالبي والغلوبي ﴿ وَ َجعَلْنَا َب ْعضَكُمْ لَِبعْضٍ فِتَْنةً أََتصْبِرُونَ وَكَانَ رَبّكَ‬
‫َبصِيا ﴾ ‪.‬‬
‫لمّرة ‪ ،‬جاءت تُرفرفُ على رسولِ ال ‪ ،‬وهو جالسٌ‬ ‫ذكرتُ بذا طائرا يسمّى ا ُ‬
‫مع أصحابِه تت شجرةٍ ‪ ،‬كأنا بلسانِ الالِ تشكو رجلًَ أخذ أفراخها منْ عشّها ‪ ،‬فقال‬
‫‪ (( :‬منْ فجع هذه بأفراخِها ؟ ُردّوا عليها أفراخها )) ‪.‬‬
‫وف مثل هذا يقولُ أحدُهم ‪:‬‬
‫تشكو إليك بقلبِ صبّ واجفِ‬ ‫جاءتْ إليك حامةٌ مُشتاقةٌ‬
‫حَرَمٌ وأنّك ملجأٌ للخائِفِ‬ ‫منْ أخب الورْقاء أنّ مكانكم‬
‫وقال سعيدُ بنُ جبيٍ ‪ :‬والِ لقد فررتُ من الجّاج ‪ ،‬حت استحييتُ من الِ عزّ وج ّل‬
‫‪ .‬ث جيءَ به إل الجّاج ‪ ،‬فلمّا ُسلّ السيفُ على رأسِه ‪ ،‬تبسّم ‪ .‬قال الجاجُ ‪ :‬لِم تبتسمُ ؟‬
‫قال ‪ :‬أعجبُ منْ جُرأتك على الِ ‪ ،‬ومن حِ ْل ِم ال عليك ‪ .‬يا لا من نفْسٍ كبيةٍ ‪ ،‬ومن ثقةٍ‬
‫ف وعدِ الِ ‪ ،‬وسكونٍ إل ُحسْنِ الصيِ ‪ ،‬وطِيبِ الُنقلَب ‪ .‬وهكذا فليكُنِ اليانُ ‪.‬‬
‫**************************************‬
‫أنت تتعاملُ مع أرحمِ الراحي‬
‫إن لفت َنظَرَك هذا الديثُ ‪ ،‬فقد لفت نظري أيضا ‪ ،‬وهو ما رواه أحد وأبو يعلى‬
‫والبزارُ والطبانّ ‪ ،‬أ ّن شيخا كبيا أتى النب وهو ُمدّ ِعمٌ على عصا ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا نبّ الِ ‪،‬‬
‫‪ (( :‬تشهدُ أنْ ل إله إل الُ وأنّ‬ ‫إ ّن ل غدراتٍ وفجراتِ ‪ ،‬فهل يُغفرُ ل ؟ فقال النب‬
‫ل تحزن‬
‫‪279‬‬
‫ممدا رسول ال ؟)) قال ‪ :‬نعمْ يا رسول الِ ‪ .‬قال ‪ (( :‬فإن ال قد غفر لك غدراتِك‬
‫وفجراتِك)) ‪ .‬فانطلق وهو يقول ‪ :‬الُ أكبُ ‪ ،‬الُ أكبُ ‪.‬‬
‫أفهمُ من الديث مسائل ‪ :‬منها سعةُ رحةِ أرحمِ الراحي ‪ ،‬وأنّ السلم يهدمُ ما‬
‫قبله ‪ ،‬وأن التوبة تبّ ما قبلها ‪ ،‬وأن جبال الذنوب ف غفرانِ علّم الغيوب لشيءٌ ‪ ،‬وأنه‬
‫يبُ عليك ُحسْنُ الظّنّ بولك ‪ ،‬والرجاءُ ف كرمِه العميمِ ‪ ،‬ورحتِه الواسعةِ ‪.‬‬
‫*******************************‬
‫براهيُ تدعوك للتفاؤلِ‬
‫ل » لبن أب الدنيا ‪ ،‬واحدٌ وخسون ومائة نصّ ‪ ،‬ما بي‬ ‫ف كتابِ « ُحسْنِ الظّ ّن با ِ‬
‫س والقنوطِ ‪ ،‬والُثابرَة على ُحسْنِ الظّنّ‬
‫آيةٍ وحديث ‪ ،‬كلّها تدعوك إل التفاؤلِ ‪ ،‬وترْكِ اليأ ِ‬
‫و ُحسْ ِن العَمَلِ ‪ ،‬حت إنك لتجدُ نصوصَ الوعدِ أعْ َظمَ منْ نصوصِ الوعيدِ ‪ ،‬وأدلّةَ التهديدِ ‪،‬‬
‫وقد جعل الُ لكلّ شي ٍء قدرا ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫حياةٌ كلّها تعبٌ‬
‫ل تزنْ منْ كدرِ الياةِ ‪ ،‬فإنا هكذا خُلقتْ ‪.‬‬
‫ح فيها‬‫إ ّن الصل ف هذه الياة التاعبُ والضّن ‪ ،‬والسرو ُر فيها أم ٌر طارئٌ ‪ ،‬والفر ُ‬
‫شيءٌ نادرٌ ‪ .‬تلو لذه الدارِ والُ ل يرْضها لوليائِه مستقرّا ؟!‬
‫ش فيها‬‫ولول أنّ الدنيا دارُ ابتلءٍ ‪ ،‬ل ت ُك ْن فيها المراضُ والكدارُ ‪ ،‬ول يضِقِ العي ُ‬
‫ح كذّب ُه قومُه‬
‫على النبياء والخبار ‪ ،‬فآدمُ يُعان الِحن إل أن خرج من الدنيا ‪ ،‬ونو ٌ‬
‫واستهزؤُوا به ‪ ،‬ولبراهيمُ يُكاِبدُ النار وذَْبحَ الولد ‪ ،‬ويعقوبُ بكى حت ذهب بصرُه ‪،‬‬
‫وموسى يُقاسي ظُلم فرعون ‪ ،‬ويلقى من قومه الِحنَ ‪ ،‬وعيسى بنُ مري عاش معدما فقيا ‪،‬‬
‫وممدٌ يُصابِرُ الفقْر ‪ ،‬وقتلِ عمّهِ حزة ‪ ،‬وهو منْ أحبّ أقاربِه إليه ‪ ،‬ونفو ِر قومِهِ منهُ ‪.‬‬
‫وغي هؤلء من النبياءِ والولياءِ ما يطُول ِذكْرُهُ ‪ .‬ولو خُلقتِ الدنيا لِّلذّةِ ‪ ،‬ل يكنْ للمؤمنِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪280‬‬
‫‪ (( :‬الدنيا سج ُن الؤمنِ ‪ ،‬وجّنةُ الكافرِ )) ‪ .‬وف الدنيا ُسجِن‬ ‫حظّ منها ‪ .‬وقال النب‬
‫الصّالون‪ ،‬وابتُلي العلماءُ العاملون ‪ ،‬ونغّص على كبا ِر الولياءِ ‪ .‬وكدّرتْ مشارِبُ الصا ِدقِي‪.‬‬
‫*******************************‬

‫وقفـــــة‬
‫يقولُ ‪(( :‬منْ‬ ‫ت – رضي الُ عنه – قال ‪ :‬سعتُ رسول الِ‬
‫عن زيدِ ب ِن ثاب ٍ‬
‫ل عليهِ أمرهُ ‪ ،‬وجعل فقر ُه بي عينيْه ‪ ،‬ول يأِت ِه منَ الدنيا إل ما‬
‫هةُ ‪ ،‬فرّق ا ُ‬
‫كانتِ الدنيا ّ‬
‫كُتب له‪ .‬ومنْ كانتِ الخرةُ نِيّتهُ‪ ،‬جع الُ له أمرهُ ‪ ،‬وجعل غناهُ ف قلِبهِ ‪ ،‬وأتتْه الدنيا وهي‬
‫راغمةٌ))‪.‬‬
‫يقولُ ‪ (( :‬منْ‬ ‫وعنْ عبدِال بن مسعودٍ – رضي الُ عنه – قال ‪ :‬سعتُ نبيّكم‬
‫جعل الموم ها واحدا ‪ ،‬وهمّ آخرته ‪َ ،‬كفَاهُ الُ همّ دنياه ‪ ،‬وم ْن تشعبّتْ به ا ُلمُومُ ف‬
‫أحوا ِل الدّنيا ‪ ،‬ل يُبالِ الُ ف أيّ أَ ْودِيتِها هَ َلكَ )) ‪.‬‬
‫قال الكاتبُ العروفُ بـ « الببْغاء » ‪:‬‬
‫و ُعذْ بالصبِ تبَْت ِهجِ‬ ‫ب المجِ‬ ‫تن ّكبْ مذْه َ‬
‫م مجوجٌ بل حُججِ‬ ‫فإنّ مُظلمَ اليّا‬
‫وتْنَعُنا بل حرجِ‬ ‫تُسامُنا بل شُكرٍ‬
‫ن ِه فتْحٌ مِن اللّججِ‬ ‫ف ال ف إتيا‬ ‫ولُط ُ‬
‫ومِنْ غمّ إل فرجِ‬ ‫فمِ ْن ضِيقٍ إل سعةٍ‬
‫*****************************************‬
‫الوَ َس ِطيّةُ ناةٌ من اللك‬
‫تامُ السعادة مبنّ على ثلثةِ أشياء ‪:‬‬
‫‪.1‬اعتدا ِل الغضبِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪281‬‬
‫‪.2‬اعتدا ِل الشهوةِ ‪.‬‬
‫‪.3‬اعتدا ِل العِ ْلمِ ‪.‬‬
‫فيحتاجُ أن يكون أمرُها متوسّطا ‪ ،‬لئلّ تزيد قوةُ الشهوةِ ‪ ،‬فتُخرِجه إل الرّخصِ فيهلِك‬
‫‪ ،‬أو تزيدُ قو ُة الغضبِ ‪ ،‬فيخرُج إل الموحِ فيهلك ‪ (( .‬وخيُ المورِ أوسطُها )) ‪.‬‬
‫فإذا توسّطتِ ال ُقوّتانِ بإشارة قوّ ِة العِ ْلمِ ‪ ،‬دلّ على طري ِق الدايةِ ‪ .‬وكذلك الغضبُ ‪ :‬إذا‬
‫زاد ‪ ،‬سهُل عليهِ الضرْبُ والقتلُ ‪ ،‬وإذا نقص ‪ ،‬ذهبتِ الغي ُة والميّةُ ف الدينِ والدنيا ‪ ،‬وإذا‬
‫توسّط ‪ ،‬كان الصبُ والشجاعةُ والِكْمةُ ‪ .‬وكذلك الشهوةُ ‪ :‬إذا زادتْ ‪ ،‬كان الفِسْقُ‬
‫والفجورُ ‪ ،‬وإنْ نقصتْ ‪ ،‬كان ال َعجْزُ والفتورُ ‪ ،‬وإن توسّطتْ ‪ ،‬كانتِ العفةُ والقناعةُ وأمثالُ‬
‫ذلك ‪ .‬وف الديثِ (( عليكم هدْيا قاصِدا )) ﴿ َو َكذَلِكَ َجعَلْنَا ُكمْ ُأ ّمةً وَسَطا﴾‬
‫*************************************‬
‫الرءُ بصِفاتِهِ الغالِبة‬
‫ت الذّمّ ‪ ،‬فيُساقُ إليك الثناءُ حت على‬
‫منْ سعادتِك أنْ ت ْغلِب صفاتُ اليِ فيك صفا ِ‬
‫شيءٍ ليس فيك ‪ ،‬ول يقْبَلِ الناسُ فيك ذمّا ولو كان صحيحا ‪ ،‬لنّ الاء إذا بلغ قُلّتي ل يملِ‬
‫البث ‪ .‬إنّ البل ل يزيدُ فيه حجرٌ ول ينقصهُ َحجَرٌ ‪.‬‬
‫ت هجوما مقذعا ف قيسِ بن عاصم حليمِ العربِ ‪ ،‬وف البامكةِ الكرماء ‪ ،‬وف‬ ‫طالع ُ‬
‫قُتيْبة بن مسلمٍ القائدِ الشهيِ ‪ ،‬ووجدت أنّ هذا الشتْم والجْو ‪ ،‬ل يُحفظْ ول يُنقلْ ول‬
‫يُصدّقْه أحدٌ ‪ ،‬لنه سقط ف برِ الحاسنِ فغرق ‪ ،‬ووجدتُ على الضّدّ منْ ذلك مدْحا وثناءً‬
‫ف الجّاج ‪ ،‬وف أب مسلمٍ الراسان ‪ ،‬وف الاكم بأمر ال العُبْيدِي ‪ ،‬ولكنّه ل يُحفظْ ول‬
‫يُنقلْ ول يُصدّقه أحدٌ ‪ ،‬لنه ضاع ف ركامِ زيفِهم وظلمِهم وتوّرِهم ‪ ،‬فسبحان العادلِ بي‬
‫خلْ ِقهِ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫هكذا ُخلِقت‬
‫ل تحزن‬
‫‪282‬‬
‫ف الديث ‪ (( :‬كلّ مَُيسّرٌ لا خُلِق له )) ‪ .‬فلماذا تُعْسفُ الواهبُ ويُلْوى عن ُق الصّفاتِ‬
‫والقدراتِ لَيّا ؟! إن ال إذا أراد شيئا هيّأ أسبابه ‪ ،‬وما هناك أتْعَسُ نفْسا وأنْكدُ خاطرا من‬
‫الذي يريدُ أنْ يكون غَيْرَ نَ ْفسِه ‪ ،‬والذك ّي الريبُ هو الذي يدرسُ نفسهُ ‪ ،‬ويسدّ الفراغ الذي‬
‫وُضع له ‪ ،‬إن كان ف السّاق ِة كان ف السّاقةِ ‪ ،‬وإنْ كان ف الراسةِ كان ف الراسةِ ‪ ،‬هذا‬
‫حوِ ‪ ،‬تعلّم الديث فأعياهُ ‪ ،‬وتبلّد حسّ ُه فيع ‪ ،‬فتعلّم النحو ‪َ ،‬ف َمهَرَ فيه وأتى‬
‫سيبويه شي ُخ النّ ْ‬
‫بالعَجَب العُجاب ‪ .‬يقولُ أحدُ الكماءِ ‪ :‬الذي يريدُ عملً ليس منْ شأنِهِ ‪ ،‬كالذي يزرعُ‬
‫ع التْ ُرجّ ف الجازِ ‪.‬‬
‫الّنخْل ف غوطةِ دمشق ‪ ،‬ويزر ُ‬
‫حسانُ بنُ ثابتٍ ل يُجيدُ الذان ‪ ،‬لنهُ ليس بللً ‪ ،‬وخالدُ ب ُن الوليد ل يقسمُ‬
‫الواريث ‪ ،‬لنه ليس زيد بن ثابتٍ ‪ ،‬وعلماءُ التربيةِ يقولون ‪ :‬حدّدْ موقِعَكَ ‪.‬‬
‫*********************************‬
‫لبُدّ للذّكاء مِن زكاء‬
‫سعتُ إذاعة لندن تُخبُ عنْ ماولةِ اغتيالِ الكاتب نيبِ مفوظٍ ‪ ،‬الائزِ على جائز ِة‬
‫نوبل ف الدبِ ‪ ،‬وعدتُ بذاكرات إل كتبٍ له كنتُ قرأتُها مْن قبْلُ ‪ ،‬وعجبتُ لذا الذّكيّ ‪،‬‬
‫كيف فاتهُ أنّ القيقة أعظمُ من اليالِ ‪ ،‬وأنّ اللود أجلّ من الفناءِ ‪ ،‬وأن البدأ الرّبّانّ‬
‫حقّ أَ َحقّ أَن يُتّبَعَ َأمّن لّ َي ِهدّيَ إِلّ‬
‫أَ َفمَن َيهْدِي إِلَى اْل َ‬ ‫﴿‬ ‫السّماويّ أسْمى من البدأِ البشريّ‬
‫أَن ُي ْهدَى ﴾ ‪ .‬بعن أنهُ كتب مسرحياتٍ منْ نسْج خيالِهِ ‪ ،‬مُستخدمِا قدراتِه القويّة ف التصويرِ‬
‫والعرضِ والثارةِ ‪ ،‬والنهايةُ أنا أخبارٌ ل صحّة لا ‪.‬‬
‫لقد استفدتُ من قراءةِ حياتِه مسأل ًة كبى ‪ ،‬وهي أنّ السعادة ليستْ سعاد الخرين‬
‫على حسابِ سعادتِك وراحتِك ‪ ،‬فليس بصحيحٍ أن يُسرّ بك الناسُ وأنت ف ه ّم وغمّ‬
‫وحزنٍ ‪ ،‬إنّ بعض الكُتاّابِ يدحُ بعض الُبدعِي ‪ ،‬ويصفُه بأنه يترقُ ليُضيء للناس ‪ ،‬والنهجُ‬
‫ي الثابتُ هو الذي يعلُ البدع يُضيءُ ف ن ْفسِه ويضيءُ للناسِ ‪ ،‬ويعمرُ نفسه باليِ‬ ‫السّو ّ‬
‫والدى والرّشدِ ‪ ،‬ليعمر قلوب الناسِ بذلك ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪283‬‬
‫ك كسرى وقلبُه بالباطلِ مكسورٌ ‪،‬‬ ‫وبعد هذا ‪ ،‬فماذا ينفعُ النسان لو حاز على مُل ِ‬
‫وحصل على سلطا ِن قيصر وأملُه عن اليْرِ مقصورُ ؟! إنّ الوهبةَ إذا ل تكنْ سببا ف النجاةِ ‪،‬‬
‫فما نفعُها وما ثرتُها ؟!‬
‫*****************************************‬

‫ل َترَ الوجود جيلً‬


‫ُكنْ جي ً‬
‫إنّ منْ تامِ سعادتِنا أ ْن نتمتّع بباهج الياةِ ف حدودِ منطقِ الشرعِ القدّسِ ‪ ،‬فالُ أنبت‬
‫حدائق ذات بجةٍ ‪ ،‬لنهُ جي ُل يبُ المالَ ‪ ،‬ولتقرأُآياِ الوحدانية ف هذا الصّنع البهيج ﴿ ُهوَ‬
‫اّلذِي خَ َلقَ لَكُم مّا فِي الَ ْرضِ َجمِيعا ﴾ ‪.‬‬
‫﴿‬ ‫صدْرَ انشراحا والرّوح فرحا‬
‫فالرائحةُ الزّكيةُ والطعمُ الشهيّ والنظ ُر البهيّ ‪ ،‬تزيدُ ال ّ‬
‫كُلُواْ مِمّا فِي الَ ْرضِ َحلَلً طَيّبا ﴾ ‪ .‬وف الديث ‪ (( :‬حُبّب إلّ من دنياكمْ ‪ :‬الطّيبُ ‪،‬‬
‫والنساءُ ‪ ،‬و ُجعِلتْ ُقرّ ُة عين ف الصلةِ )) ‪.‬‬
‫إنّ الزهدَ القاتِم والورع الُظلِم ‪ ،‬الذي دلف علينا منْ مناهج أرضيّةٍ ‪ ،‬قدْ شوّه مباهج‬
‫اليا ِة عند كثيٍ مِنّا ‪ ،‬فعاشُوا حياتم هّا وغمّا وجوعا وسهرا وتبتّلً ‪ ،‬بقو ُل رسولُنا ‪:‬‬
‫(( لكنّي أصومُ وأُفطرُ ‪ ،‬وأقومُ وأفترُ ‪ ،‬وأتز ّوجُ النساء ‪ ،‬وآكُلُ اللحم ‪ ،‬فمن رغب عن سُنّت‬
‫فليس من )) ‪.‬‬
‫وإ ْن تعجبْ ‪ ،‬فعجبٌ ما فعلهُ بعضُ الطوائفِ بأنفسهمْ ! فهذا ل يأكلُ الرّطب ‪ ،‬وذاك‬
‫س وطمْسٌ‬‫ل يضحكُ ‪ ،‬وآخرُ ل يشربُ الاء البارد ‪ ،‬وكأنم ما علمُوا أنّ هذا تعذيبٌ للنف ِ‬
‫‪.‬‬ ‫الرّ ْزقِ ﴾‬ ‫لشراقها ﴿ قُلْ َمنْ َحرّمَ زِيَنةَ ال ّلهِ الّتِيَ أَ ْخرَجَ ِلعِبَادِهِ وَاْلطّيّبَاتِ ِمنَ‬
‫﴿‬ ‫أكل العسل وهو أزْهدُ الناسِ ف الدنيا ‪ ،‬والُ خلق العسل ليُؤكل ‪:‬‬ ‫إ ّن رسولنا‬
‫﴿‬ ‫خرُجُ مِن بُطُوِنهَا َشرَابٌ ّمخْتَلِفٌ أَلْوَاُنهُ فِيهِ ِشفَاء لِلنّاسِ ﴾ ‪ .‬وتزوّج الثّيّبا ِ‬
‫ت والبكار ‪:‬‬ ‫َي ْ‬
‫فَان ِكحُواْ مَا طَابَ لَكُم ّمنَ الّنسَاء مَثْنَى وَُثلَثَ وَرُبَاعَ ﴾ ‪ .‬ولبِس أجل الثيابِ ف مناسباتِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪284‬‬
‫يمعُ بي حقّ الرّوحِ وحقّ‬ ‫جدٍ ﴾ ‪ .‬فهو‬
‫العيادِ وغيِها ‪ُ ﴿ :‬خذُواْ زِينَتَ ُك ْم عِندَ ُكلّ َمسْ ِ‬
‫السدِ ‪ ،‬وسعادةِ الدنيا والخرةِ ‪ ،‬لنه بُعث بدينِ الفطرةِ الت فط َر الُ الناس عليها ‪.‬‬
‫**************************************‬

‫شرْ بال َفرَج القريبِ‬


‫أب ِ‬
‫ت وامتدّتْ ‪ .‬ل تدومُ على‬ ‫ض مؤلّفي عصرنا ‪ :‬إ ّن الشدائد – مهما تعاظم ْ‬ ‫يقولُ بع ُ‬
‫أصحابِها ‪ ،‬ول تّلدُ على مصابِها ‪ ،‬بل إنا أقوى ما تكونُ اشتدادا وامتدادا واسودادا ‪ ،‬أقربُ‬
‫ما تكونُ انقشاعا وانفراجا وانبلجا ‪ ،‬عن ُيسْرٍ وملءةٍ‪ ،‬وفرجٍ وهناءةٍ ‪ ،‬وحياةٍ رخيّةٍ مشرقةٍ‬
‫وضّاءةٍ ‪ ،‬فيأت العونُ من الِ والحسانُ عند ذرو ِة الشّدّ ِة والمتحانِ ‪ ،‬وهكذا نايةُ كلّ ليلٍ‬
‫غاسِق ‪ ،‬فجرٌ صادِقٌ ‪.‬‬
‫وَيحْ َمدُ ِغبّ السّيْرِ منْ هو سائرُ‬ ‫فما هي إل ساعةٌ ُثمّ تنْقضي‬
‫***********************************‬
‫أنتَ أ ْرفَعُ ِمنَ الحقاد‬
‫سدُ الناس على ما‬ ‫أسع ُد الناس حالً وأشرحُهم صدْرا ‪ ،‬هو الذي يريدُ الخرة ‪ ،‬فل ي ُ‬
‫آتاهم الُ م ْن فضْلِهِ ‪ ،‬وإنا عنده رسالةٌ من اليِ ومُثُلٌ ساميةٌ من البِرّ والحسانِ ‪ ،‬يريدُ إيصال‬
‫نفْعِه إل الناسِ ‪ ،‬فإنْ ل يستطعْ ‪ ،‬كفّ عنهم أذاه ‪ .‬وانظرْ إل ابنِ عباسٍ بْرِ العلمِ وترْجُمانِ‬
‫القرآنِ ‪ ،‬كيف استطاع بُلُقه المّ وسخاوةِ نفسِه مساراتِه الشرعّةِ ‪ ،‬أ ْن يوّل أعداءهُ منْ بن‬
‫أُميّةَ وبن مروان ومنْ شايعهم إل أصدقاء ‪ ،‬فانتفع الناسُ بع ْلمِه وفهْمه ‪ ،‬فمل الجامع فِقها‬
‫وذكرا وتفسيا وخيْرا ‪ .‬لقد نسي ابنُ عباسٍ أيام المَ ِل وصِفّي ‪ ،‬وما قبلها وما بعدها ‪،‬‬
‫وانطلق يبن ويُصلحُ ‪ ،‬ويرُتقُ الفتْقَ ‪ ،‬ويسمحُ الراح ‪ ،‬فأحبّهُ الميعُ ‪ ،‬وأصبح – بقّ حبْرَ‬
‫الم ِة الحمديةِ ‪ .‬وهذا ابنُ الزب ِي – رضي الُ عنه ‪ ، -‬وهو منْ هو ف كرمِ أصِلهِ وشهامِته‬
‫وعبادتِه وسوّ قدرِه ‪ ،‬فضّل الُوجَهةَ متهدا ف ذلك ‪ ،‬فكان من النتائجِ أن شُغِلَ عن الرّوايةِ ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪285‬‬
‫وخسِر جْعا كثيا من السلمي ‪ ،‬ثّ حصلتِ الواقع ُة فضُرِبتِ الكعبةُ لجل مُجا َورَتِه ف‬
‫وَكَانَ َأ ْمرُ ال ّلهِ َقدَرا ّم ْقدُورا ﴾ ‪ .‬وليس‬ ‫﴿‬ ‫الرمِ ‪ ،‬وذُبِح كثيُ من الناسِ ‪ ،‬وقُتِل هو ّث صُلِب‬
‫هذا تنقّصا للقومِ ‪ ،‬ول تطا ُولً على مكانتِهم ‪ ،‬وإنا هي دراسةٌ تارييّة تمعُ العِبَرَ والعِظاتِ ‪.‬‬
‫إنّ الرّفق واللّي والصّفح والعفْو ‪ ،‬صفاتٌ ل يمعُها إ ّل القِلّةُ القليلةُ من البشرِ ‪ ،‬لنا تُكلّفُ‬
‫النسان هضْم ن ْفسِه ‪ ،‬وكبْح طموحِه ‪ ،‬وإلام اندفاعِه وتطلّعِه ‪.‬‬
‫***********************************‬
‫وقفــــة‬
‫‪ (( :‬تعرّفْ إل الِ ف الرخاءِ ‪ ،‬يعرفك ف الشّدّة )) يعن أنّ العبد إذا اتّقى‬ ‫« قولهُ‬
‫ال وحفظ حدودهُ ‪ ،‬وراعى حقوقهُ ف حالِ رخائِه ‪ ،‬فقد تعرّف بذلك إل الِ ‪ ،‬وصار بينه‬
‫وبي ربّه معرفةٌ خاصّةٌ ‪ ،‬فمعرف ُه ربّه ف الشّدّةِ ورعى له تعرّفهُ إليه ف الرخاءِ ‪ ،‬فنجّاهُ من‬
‫الشدائدِ بذِه العرفة ‪ ،‬وهذه معرِفة خاصّةٌ ‪ ،‬تقتضي قُرب العبدِ من ربّ ْه ومبّته له وإجابتهُ‬
‫لدعائِه » ‪.‬‬
‫« الصبُ إذا قام به العبد كما ينبغي ‪ ،‬انقلبتْ الِحنةُ ف حقّه مِنْحةً ‪ ،‬واستحالتِ البليّة‬
‫عطيّة ‪ ،‬وصار الكرو ُه مبوبا ‪ ،‬فإنّ ال سبحانه وتعال ل يبْتلِهِ عطيّة ‪ ،‬وصار الكرو ُه مبوبا ‪،‬‬
‫فإنّ ال تعال على العبدِ عبوديّةً ف الضّراءِ ‪ ،‬كما له عبوديّةٌ ف السّرّاءِ ‪ ،‬وله عبوديّةٌ عليه فيما‬
‫يبّونه ‪ ،‬والشأنُ ف إعطاءِ العبوديّةِ ف الكارِهِ ‪ ،‬ففيه تفاوتُ مراتبِ العبادِ ‪ ،‬وبسبِه كانتْ‬
‫منازلُهم عند الِ تعال » ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫سرِ‬
‫العِلْ ُم مِفتاحُ اليُ ْ‬
‫العِ ْلمُ والُيسْرُ قرينان وأخوانِ شقيقانِ‪ ،‬ولك أنْ تنظر ف بورِ الشريعةِ من العلماءِ‬
‫الراسخي ‪ ،‬ما أيْسرَ حياتُم ‪ ،‬وما أسْهل التّعامُل معهم! إنم فهموا القصد ‪ ،‬ووقعُوا على‬
‫الطلوب ‪ ،‬وغاصُوا ف العماقِ ‪ ،‬بينما تدُ ِمنْ أعْسرِ الناسِ ‪ ،‬وأصعبِهم مراسا ‪ ،‬وأشقّهم‬
‫ل تحزن‬
‫‪286‬‬
‫طريقةً الزّهّادُ الذين قلّ نصيبُهم من العِ ْلمِ ‪ ،‬لنم سعُوا جُملً ما فهموها ‪ ،‬ومسائل ما عَ َرفُوها‬
‫‪ ،‬وما كانتْ مصيب ُة الوارج إلّ منْ قلّةِ ع ْل ِمهِمْ وضحال ِة فهْمِهم ؛ لنمْ ل يقعُوا على القائقِ‪،‬‬
‫ول يهتدُوا إل القاصدِ ‪ ،‬فحافظُوا على النّتفِ‪ ،‬وضيّعُوا الطالب العالية‪ ،‬ووقعُوا ف أمرٍ مريجٍ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫ما هكذا تُوردُ ا ِلبِل‬
‫طالعتُ كتابيِ شهيينِ ‪ ،‬ل أرى إلّ أ ّن فيهما سطوةً عارمةً على السعادةِ والُيسْرِ‬
‫اللذيْنِ أتى بما الشارعُ الكيمُ ‪.‬‬
‫فكتابُ « إحياء عِلوم الدينِ » للغزالّ ‪ ،‬دعوةٌ صارخةٌ للتجوي ِع والعُرْيش ( والبهذلة) ‪،‬‬
‫والصالِ والغللِ التِ أتى رسولُنا لوضْعِها عنِ العالي ‪ .‬فهو يمعُ من الحاديثِ ‪،‬‬
‫التردّية والنطِيحة وما أكل السّبُعُ ‪ ،‬وغالبُها ضعيفةٌ أو موضوعةٌ ‪ ،‬ث يبن عليها ُأصُولً يظنّها‬
‫منْ أعظمِ ما يُوصّلُ العبدُ إل ربّه ‪.‬‬
‫وقارنتُ بي إحياءِ علومِ الدين وبيِ الصحيحي للبخاري ومسلم ‪ ،‬فبان البونُ وظهر‬
‫الفرْقُ ‪ ،‬فذاك عََنتٌ ومشقّةٌ وتكلّفٌ ‪ ،‬وهذه ُيسْرُ وساح ٌة وسهولةٌ ‪ ،‬فأدركتُ قول البي ‪﴿ :‬‬
‫سرَى ﴾ ‪.‬‬
‫سرُكَ لِلُْي ْ‬
‫وَنَُي ّ‬
‫ب » لب طالب الكّيّ ‪ ،‬وهو طلبٌ ُملِحّ منه لترْكِ الياة‬ ‫ب الثان ‪ « :‬قُوتُ القلو ِ‬‫والكتا ُ‬
‫الدنيا والنزواء عنها ‪ ،‬وتعطيل السّعْيِ والكسْبِ ‪ ،‬وهجْرِ الطّيّباتِ ‪ ،‬والتّسابُقِ ف طرقِ‬
‫ك والضّن والشّدّة ‪.‬‬‫الضَنْ ِ‬
‫والؤلّفان ‪ :‬أبو حامدٍ الغزالّ ‪ ،‬وأبو طالبٍ الكيّ ‪ ،‬أرادا الَبْرَ ‪ ،‬لكنْ كانت بضاعتُهما‬
‫ف السّنّ ِة والديثِ مُزْجاةً ‪ ،‬فمنْ هنا وقع الََللُ ‪ ،‬ولُبدّ للدليل أن يكون ماهرا ف الطريق‬
‫خِرّيتا ف معرفة السالكِ ﴿ وَلَـكِن كُونُواْ رَبّانِّييَ ِبمَا كُنُتمْ ُتعَ ّلمُونَ الْكِتَابَ وَِبمَا كُنُتمْ‬
‫َتدْرُسُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫أ ْش َرحُ الناسِ صدرا‬
‫ل تحزن‬
‫‪287‬‬
‫الصّف ُة البارزةُ ف مُعَّلمِ اليِ ‪ :‬انشراحُ الصدرِ والرّضا والتّفاؤلُ ‪ ،‬فهو مبشّرٌ ‪ ،‬ينهى‬
‫عن الشقّ ِة والتنفي‪ ،‬ول يعرفُ اليأس والحباط ‪ ،‬فالبسمةُ على مُحيّاه ‪ ،‬والرّضا ف خلدِه ‪،‬‬
‫والُيسْرُ ف شريعتِه ‪ ،‬والوسطيّةُ ف سُنّتِه ‪ ،‬والسعادةُ ف مِلّته ‪ .‬إنّ ُج ّل مهمّتِهِ أن يضع عنهم‬
‫إصْرهم والغلل الت كانتْ عليهم ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫رويدا ‪ ..‬رويدا‬
‫إنّ من إضفاء السعادة على الُخاطبي بكلمة الوعي ‪ ،‬التّد ّرجُ ف السائلِ ‪ ،‬الهمّ ‪،‬‬
‫لعاذٍ – رضي الُ عنه – لّا أرْسَلَه إل اليمنِ ‪ (( :‬فلي ُكنْ أوّل ما‬ ‫يصدّقُ هذا وصيتُه‬
‫تدعوهمْ إليه ‪ ،‬أنْ ل إله إل ال وأن رسولُ الِ ‪ )) .....‬الديث ‪ .‬إذن ف السألة أولٌ وثانٍ‬
‫وثالثٌ ‪ ،‬فلماذا نُقحمُ السائل على السائل إقحاما ‪ ،‬ولاذا نطرحُها جلةً واحدةً ؟! ﴿ وَقَالَ‬
‫اّلذِينَ َك َفرُوا لَوْلَا ُنزّلَ عَلَ ْيهِ اْل ُقرْآنُ ُجمْلَةً وَا ِحدَةً َكذَلِكَ لِنُثَبّتَ ِبهِ فُؤَادَكَ َورَتّلْنَاهُ َترْتِيلً ﴾ ‪.‬‬
‫إنّ من سعادةِ السلمي بإسلمِهم أنْ يشعُروا بالرتياح منْ تعاليمِه وباليُسر ف تلقّي‬
‫ب النفسيّ والتّشرّردِ الذّهنّ والتّفّلتِ‬
‫أوامره ونواهيه ؛ لنه أتى أصلً لنقاذهم من الضطرا ِ‬
‫الجتماعي ‪.‬‬
‫‪ ،‬لنّ‬ ‫س َعهَا ﴾‬
‫وُ ْ‬ ‫ت ف الشرعِ إل منفيّا ﴿ لَ يُكَلّفُ ال ّلهُ َنفْسا إِلّ‬
‫« التكليفُ ل يأ ِ‬
‫التكليف مشقّةٌ ‪ ،‬والدينُ ل يأتِ بالشقّةِ ‪ ،‬وإنا أت لزالتِها » ‪.‬‬
‫ب كان يطلبُ من الرسولِ وصيتهُ ‪ ،‬فيُخبُه بديثٍ مَتصَرٍ الاضرُ‬ ‫إ ّن الصحا ّ‬
‫والبادي ‪ ،‬فإذا الواقعيةُ ومراعاةُ الالِ والُيسْرُ هي السم ُة البارزةُ ف تلك النصائ ِح الغاليةِ ‪.‬‬
‫إننا نطئُ يوم نسْرُدُ على الستمعي كلّ ما ف جعْبتِنا منْ وصايا ونصائح ‪ ،‬وتعاليم‬
‫وََنزّلْنَاهُ َتنِيلً﴾ ‪.‬‬ ‫س عَلَى مُكْثٍ‬
‫وسُننٍ وآداب‪ ،‬ف مقامٍ واحدٍ ﴿وَ ُقرْآنا َفرَقْنَاهُ لَِت ْقرَأَ ُه عَلَى النّا ِ‬
‫ما هكذا تُوردُ يا س ْعدُ البِلْ‬ ‫أ ْورَدَها س ْع ٌد وسعدٌ ُمشْتمِلْ‬
‫ل تحزن‬
‫‪288‬‬
‫********************************************‬
‫**‬

‫كيف تش ُكرُ على الكثيِ‬


‫وقد قصّرت ف شُ ْكرِ القليلِ‬
‫إنّ منْ ل يمدُ ال على الا ِء البار ِد العذْبِ الزّللِ ‪ ،‬ل يمدُه على القصورِ الفخمةِ ‪،‬‬
‫ي الغنّاءِ ‪.‬‬
‫والراكبِ الفارِهةِ ‪ ،‬والبسات ِ‬
‫وإنّ منْ ل يشكُرُ ال على البزِ الدافئِ ‪ ،‬ل يشكرهُ على الوائدِ الشّهيّةِ والوجباتِ‬
‫اللّذيذةِ ‪ ،‬لنّ الكنُود الحُود يرى القليل والكثي سواءً ‪ ،‬وكثيٌ منْ هؤلء أعطى ربّه الواثيق‬
‫الصارمة ‪ ،‬على أنه مت أنعم عليه وحباهُ وأغدق عليه فسوف يشكُرُ ويُنفقُ ويتصدّقُ ﴿ َومِ ْنهُم‬
‫حيَ{‪ }75‬فَ َلمّا آتَاهُم مّن‬
‫صدّقَنّ وَلَنَكُوَننّ ِمنَ الصّاِل ِ‬
‫مّ ْن عَا َهدَ ال ّلهَ لَِئنْ آتَانَا مِن َفضْ ِلهِ لََن ّ‬
‫َفضْ ِلهِ َبخِلُواْ ِبهِ وََتوَلّواْ وّهُم ّم ْعرِضُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫وننُ نلحظُ كلّ يومٍ منْ هذا الصّفِ بشرا كثيا ‪ ،‬كاسف البا ِل مكدّر الاطرِ ‪،‬‬
‫ق واسعٍ بينما هو يرفُلُ‬‫خاوي الضميِ ‪ ،‬ناقما على ربّه أنه ما أجْزل له العطيّة ‪ ،‬ول أتفهُ برز ٍ‬
‫ف صحّةٍ وعافيةٍ وكفافٍ ‪ ،‬ول يشكُرْ وهو ف فراغٍ وفسحةٍ ‪ ،‬فكيف لو شُغِل مثل هذا‬
‫الاحدُ بالكنوزِ والدّورِ والقصورِ ؟! إذنْ كان أكْثرَ شُرُدا من ربّه ‪ ،‬وعقوقا لولهُ وسيّدهِ ‪.‬‬
‫الاف منّا يقول ‪ :‬سوف أشك ُر ربّي إذا مَنحَن حذاءً ‪ .‬وصاحبُ الذاءِ يؤجّل الشّكْر‬
‫حت يصُل على سيّارةٍ فارهةٍ نأخُذ النعيمِ نقْدا ‪ ،‬ونُعطي الشّكْر نسيئةًُ ‪ ،‬رغباتُنا على الِ‬
‫ملحّةٌ ‪ ،‬وأوامرُ الِ عندنا بطيئةُ المتثالِ ‪.‬‬
‫***********************************‬
‫ثلثُ لوحاتٍ‬
‫بعضُ الذكياء علّق على مكتبِهِ ثلث لوحاتٍ ثينةٍ ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪289‬‬
‫مكتوبٌ على الول ‪ :‬ي ْومُك يومُك ‪ .‬أي عِشْ ف حدو ِد اليوم ‪.‬‬
‫وعلى الثانيةِ ‪ :‬ف ّكرْ واشكرْ ‪ .‬أي فكّرْ ف نِعَ ِم الِ عليك ‪ ،‬واشكُرْه عليها ‪.‬‬
‫وعلى الثالثةِ ‪ :‬ل تغضبْ ‪.‬‬
‫ث وصايا تدلّك على السعادةِ منْ أقْربِ الطرقِ ‪ ،‬ومن أيْس ِر السّبُلِ ‪ ،‬ولك أن‬ ‫إنا ثل ُ‬
‫تكتبها ف مُفكّرتِك لتطالِعها كلّ يومٍ ‪.‬‬
‫***********************************‬
‫وقفــــة‬

‫« منْ لطائفِ أسرارِ اقترانِ الفرج بالكرْب ‪ ،‬والُيسْرِ ‪ ،‬أنّ الكرب إذا اشتدّ وعظُم‬
‫وتناهى ‪ ،‬وحصل للعبد اليأسُ من كشْفِه من جهةِ الخلوقي تعلّق بالِ وحده ‪ ،‬وهذا هو‬
‫حقيق ُة التّوكّلِ على الِ ‪.‬‬
‫وأيضا فإنّ الؤمن إذا استبطأ الفرج ‪ ،‬وأيِس منه كثْرةِ دعائِه وتضرّعِه ‪ ،‬ول يظهر عليه‬
‫أثرُ الجابةِ ‪ ،‬فرجع إل نفسِه باللّئمةِ ‪ ،‬وقال لا ‪ :‬إنا أُتيتُ م ْن قِبلِكِ ‪ ،‬ولو كان فيك خيٌ‬
‫لُجْبتُ ‪ .‬وهذا اللومُ أحبّ إل ال م ْن كثيٍ من الطاعاتِ ‪ ،‬فإنه يُوجبُ انكسار العبدِ لولهُ ‪،‬‬
‫واعترافُه له بأنه أهلٌ لا نزل من البلءِ ‪ ،‬وأنه ليس أهلً لجابةِ الدعاءِ ‪ ،‬فلذلك تُسرعُ إليه‬
‫ب»‪.‬‬ ‫حينئذٍ إجابةُ الدعاءِ وتفريجُ الكرْ ِ‬
‫ويقولُ إبراهيمُ بنُ أدهم الزاهدُ ‪ « .‬نن ف عيشٍ لو علم به اللوكُ ‪ ،‬لالدُونا عليه‬
‫ف»‪.‬‬ ‫بالسيو ِ‬
‫ويقولُ ابنُ تيمية شيخُ السلمِ ‪ « :‬إنا لََتمُرّ بقلب ساعاتٌ أقولُ ‪ :‬إن كان أهلُ النةِ ف‬
‫ب»‪.‬‬ ‫مِثْلِ ما أنا فيه ‪ ،‬فهم ف عيشٍ طّي ٍ‬
‫************************************‬
‫اطمِئنّوا أيّها الناسُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪290‬‬
‫ف كتاب « الفَ َرجِ بعد الشّدّةِ » أكْثر منْ ثلثي كتابا ‪ ،‬كلّها تُخبُنا أنّ ف ذروة‬
‫الُدلِمات انفراجا ‪ ،‬وف قمّةِ الزماتِ انبِلجا ‪ ،‬وأنّ أكثر ما تكون مكبوتا حزينا غارقا ف‬
‫النكْبةِ ‪ ،‬أقْ َربُ ما تكونُ إل الفتْحِ والسّهُولةِ والروجِ منْ هذا الضّنْكِ ‪ ،‬وساق لنا التّنوخيّ ف‬
‫كتابِه الطويل الشائقِ ‪ ،‬أكثَرَ منْ مائت قصّةٍ لن نُكبُوا ‪ ،‬أو حُبسُوا أو عُزلُوا ‪ ،‬أو شُرّدُوا‬
‫وطُردُوا ‪ ،‬أو ُعذّبُوا وجُلدُوا ‪ ،‬أو افتقرُوا وأملقوا ‪ ،‬فما هي إل أيام ‪ ،‬فإذا طلئع المداد‬
‫وكتائب السعاد وافتْهم على حي يأس ‪ ،‬وباشرتْهم على حي غفلةٍ ‪ ،‬ساقها لم السميع‬
‫الجيب ‪ .‬إنّ التنوخيّ يقولُ للمصابي والنكوبي ‪ :‬اطمئنّوا ‪ ،‬فلقد سبقكُم فوقٌ ف هذا‬
‫الطّري ِق وتقدّمكم أُناسٌ ‪:‬‬
‫وعناهُم مِنْ شأِنهِ ما عنانا‬ ‫س قبْلنا ذا الزّمانا‬ ‫صحِب النا ُ‬
‫ـالِيه ولكنْ تُك ّدرُ الحْسانا‬ ‫حسِنُ الصّنِيع ليـ‬ ‫رُبّما ُت ْ‬
‫إذنْ فهذه سُنّةٌ ماضية ﴿ وَلَنَبْلُوَنّ ُكمْ ِبشَيْءٍ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وََل َقدْ فَتَنّا اّلذِينَ مِن قَبْ ِل ِهمْ ﴾ ‪ .‬إنا‬
‫شدّ ِة كما تعبّد ُهمْ بالرخاءِ ‪ ،‬وأنْ يُغايِر‬
‫قضيّةٌ عادلةٌ أنْ يُمحّص الُ عباده ‪ ،‬وأنُ يتعّبدهم بال ّ‬
‫خطُ والعتراضُ والتّذمّرُ ﴿ وَلَوْ‬
‫عليهم الطوار كما غاير عليهم الليل والنهار ‪ ،‬فلِم إذن التّس ّ‬
‫أَنّا كَتَبْنَا عَلَ ْي ِهمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَن ُفسَ ُكمْ أَوِ ا ْخرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مّا َفعَلُوهُ إِلّ قَلِيلٌ مّ ْن ُهمْ ﴾ ‪.‬‬
‫*******************************************‬
‫صنائعُ العروفِ تقي مصارع السّوءِ‬
‫منْ أجلِ الكلماتِ ‪ ،‬قولُ أب بك ٍر الصّديق – رضي ال عنه ‪ : -‬صنائع العروف تقي‬
‫حيَ{‪}143‬‬
‫مصارع السوءِ ‪ .‬وهذا كلمٌ يُصدّقه النّقلُ والعقلُ ‪ ﴿ :‬فَلَوْلَا أَّنهُ كَانَ ِمنْ اْل ُمسَبّ ِ‬
‫‪ (( :‬كل والِ ل يُخزيك الُ‬ ‫لَلَبِثَ فِي بَطِْنهِ إِلَى يَوْمِ يُ ْبعَثُونَ ﴾ ‪ .‬تقولُ خديةُ للرسول‬
‫ب الدّ ْهرِ )) ‪ .‬فانظُرْ‬
‫أبدا لتصِلُ الرّحِم ‪ ،‬وتمِلُ الكلّ ‪ ،‬وتكسِبُ العدوم ‪ ،‬وتُعيُ على نوائِ ِ‬
‫سنِ العواقبِ ‪ ،‬وكَرَمِ البدايةِ على جللِة النهايةِ ‪.‬‬
‫كيف استدّلتْ بحاس ِن الفعالِ على ُح ْ‬
‫شدّ ِة »‬‫وف كتاب « الوزراء » للصاب ‪ ،‬و« النتظم » لب ِن الوزي ‪ ،‬و «الفَ َرجِ بعد ال ّ‬
‫ت الوزير ‪ ،‬كان يتتّبعُ أبا جعفرٍ بن بسطامٍ بالذِيّة ‪،‬‬ ‫للتنوخي قصّةٌ ‪ ،‬مفادُها ‪ :‬أن ابن الفرا ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪291‬‬
‫ويقصدُه بالكاره ‪ ،‬فلقي منه ف ذلك شدائد كثيةً ‪ ،‬وكانت أُمّ أب جعفر قد عوّدته – منذُ‬
‫كان طفلً – أنْ تعل له ف كلّ ليلةٍ ‪ ،‬تت مدّته الت ينامُ عليها رغيفا من البزِ ‪ ،‬فإذا كان‬
‫ف غدٍ ‪ ،‬تصدّقتْ به عنه ‪ .‬فلمّا كان بعد ُمدّة من أذيّةِ ابنِ الفراتِ له ‪ ،‬دخل إل ابن الفراتِ‬
‫ف شيءٍ احتاج إل ذلك فيه ‪ ،‬فقال له اب ُن الفراتِ ‪ :‬لك مع أُمّك خُبْزٌ ف رغيف ؟ قال ‪ :‬ل ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬لُبدّ أن تصدُقن ‪ .‬فذكر أبو جعفر الديث ‪ ،‬فحدّثه به على سبيل التّطاُيبِ بذلك منْ‬
‫أفعا ِل النساءِ ‪ .‬فقال ابنُ الفراتِ ‪ :‬ل تفعلْ ‪ ،‬فإنّي بتّ البارحة ‪ ،‬وأنا أُدبّرُ عليك تدبيا لو تّ‬
‫لستأصلْتُك ‪ ،‬فنمتُ ‪ ،‬فرأيتُ ف منامي كأ ّن بيدي سيفا مسلولً ‪ ،‬وقد قصدتُك لقتلك به ‪،‬‬
‫فاعترضتْن أُمّك بيدِها رغيفٌ تُترّسُك به منّي ‪ ،‬فما وصلتُ إليك ‪ ،‬وانتبهتُ ‪ .‬فعاتبه أبو‬
‫جعفر على ما كان بينهما ‪ ،‬وجعل ذلك طريقا إل استصلحِه ‪ ،‬وبذل لهُ منْ ن ْفسِه ما يريدُه‬
‫منْ ُحسْنِ الطاعةِ ‪ ،‬ول يبحْ حت أرضاهُ ‪ ،‬وصارا صديقيْن ‪ .‬وقال له ابنُ الفراتِ ‪ :‬والِ ‪ ،‬ل‬
‫رأيت منّي بعدها سُوءا أبدا ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫س ْيرِ‬
‫استجما ٌم يُعي علىُ مُواصلةِ ال ّ‬
‫ي العبد على الستمرار ف عبادتِه وعطائِه‬
‫من العلومِ أنّ ف الشريعةِ سَعَ ًة وفُسحةً ‪ ،‬تُع ُ‬
‫ضحَكَ وَأَبْكَى ﴾ ‪ ،‬وكان يزحُ ول‬
‫كان يضحكُ ﴿ وَأَّنهُ ُهوَ أَ ْ‬ ‫وعملِه الصالِ ‪ ،‬فرسولُنا‬
‫يقولُ إل حقّا ‪ ،‬وسابق عائشة رضي الُ عنها ‪ ،‬وكان يتخوّلُ الصحابة بالوعظةِ ‪ ،‬كراهِية‬
‫ف والتشديدِ ‪ ،‬ويُخبُ أنه لن يُشا ّد الدّين أحدٌ ‪،‬‬
‫السّآمِة عليهم ‪ ،‬وكان ينهى عن التّعمّق والتّكلّ ِ‬
‫إل غَلََبهُ ‪ ،‬وف الديثِ أنّ الدين متيٌ ‪ ،‬فأوغِلُوا فيه برفْقٍ ‪ .‬وف الديثِ أيضا أنّ لكل عابد‬
‫شِرّةً ‪ ،‬وهي الشّدّ ُة والضّراوةُ والندِفاعُ ‪ .‬ول يلبثُ التكلّفُ إل أنْ ينقطع ‪ ،‬لنه نظر إل‬
‫الالةِ الراهنةِ ونسي الطوارئ وطُول ا ُلدّة ومللة النّفْس ‪ ،‬وإ ّل فالعاقلُ له حدّ أدن ف العملِ‬
‫يُداومُ عليه ‪ ،‬فإنْ نشط زاد ‪ ،‬وإنْ ضعف بقي على أصلِه ‪ ،‬وهذا معن الثر منْ كلمِ بعضِ‬
‫الصحابة ‪ :‬إنّ للنفوسِ إقبالً وإدبارا ‪ ،‬فاغتنموها عند إقبالا ‪ ،‬وذرُوها عند إدبارِها ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪292‬‬
‫وما رأيتُ نفرا زادُوا ف الكْيلِ ‪ ،‬وأكثَرُوا من النوافل ‪ ،‬وحاولوا أنْ يُغالوا ‪ ،‬فانقطعُوا‬
‫وعادُوا أضْعفَ مّا كانوا قبْ َل البدايةِ ‪.‬‬
‫شقَى ﴾ ‪ .‬وقد لم ا ُ‬
‫ل قوما‬ ‫والدّينُ أصلً جاء للسعاد ﴿ مَا أَنزَلْنَا عَلَ ْيكَ اْل ُقرْآنَ لَِت ْ‬
‫﴿‬ ‫كلّفُوا أنفُسهم فوق الطّاقةِ ‪ ،‬ث انسحبوا منْ أرضِ الواقع ناكثِي ما ألزمُوا أنفسهم به‬
‫‪.‬‬ ‫ِرعَايَِتهَا ﴾‬ ‫وَ َرهْبَانِّيةً ابَْت َدعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَ ْي ِهمْ إِلّا ابِْتغَاء رِضْوَانِ ال ّلهِ َفمَا َرعَوْهَا َحقّ‬
‫ح والسمِ ‪،‬‬
‫وميزةُ السلمِ على سائر الديانُ أنه دينُ فطرةٍ ‪ ،‬وأنه وَ َسطٌ ‪ ،‬وأنه للرّو ِ‬
‫ك الدّينُ اْلقَّيمُ ﴾ ‪.‬‬
‫والدنيا والخرةِ ‪ ،‬وأنه ميسرٌ ﴿ ذَلِ َ‬
‫فقال ‪ :‬يا رسول الِ ‪ ،‬أيّ الناس‬ ‫لدْريّ قال ‪ :‬جاء أعرابّ إل النبّ‬
‫عن أب سعيد ا ُ‬
‫خيْرٌ ؟ قال‪(( :‬مؤ ِمنٌ ما ِه ٌد بنفسِه ومالِه ف سبيلِ الِ‪ ،‬ث رجُ ٌل معتزلٌ ف ِشعْبٍ من الشّعابِ‬
‫يعبُد ربّه )) ‪ .‬وف روايةٍ ‪ (( :‬يتّقي ال ويدع الناس من شرّه )) ‪ ،‬وعنْ أب سعيدٍ قال ‪:‬‬
‫يقولُ ‪ (( :‬يُوشكُ أنْ يكون خي مالِ السلم غنمٌ يتبعُ با شعْفَ البالِ‬ ‫ت النب‬
‫سع ُ‬
‫ومواقع الق ْطرِ ‪ ،‬يف ّر بدينِه من ال ِفتِ )) ‪ .‬رواه البخاريّ ‪.‬‬
‫قال عمرُ ‪ُ « :‬خذُوا حظّكم من العُزلةِ » ‪ .‬وما أحْسنَ قول النيدِ ‪ « :‬مُكابدَ ُة العزل ِة‬
‫أيسرُ مْن مداراةِ اللطةِ » ‪ .‬وقال الطّابّ ‪ :‬لو ل يكُنْ ف العزلةِ إل السلمةُ من الغيبةِ ‪ ،‬ومنْ‬
‫رؤيةِ النكرِ الذي ل يقدرُ على إزالتهِ ‪ ،‬لكان ذلك خيا كثيا ‪.‬‬
‫وف هذا معن ما أخرج ُه الاكمُ ‪ ،‬منْ حديث أب ذرّ مرفوعا ‪ ،‬بلفظ ‪ (( :‬الوحدُة خيٌ‬
‫من جلِيسِ السّوء )) ‪ .‬وسنده َحسَنٌ ‪.‬‬
‫و َذكَر الطّابّ ف « كتاب العزلة » أنّ العزلة والختلط يتلفُ باختلفِ متعلقاتما ‪،‬‬
‫فتُحمل الدلّةُ الوارِدةُ ف الضّ على الجتماعِ ‪ ،‬على ما يتعلّقُ بطاع ِة الئم ِة وأمورِ الدينِ ‪،‬‬
‫ف الكتفاء بنفسِه ف حقّ‬ ‫وعكسُها ف عكسِهِ ‪ ،‬وأما الجتماعُ والفتراقُ بالبدانِ ‪ ،‬فمنْ عَ َر َ‬
‫معاشِهِ ومافظةِ دينهِ ‪ ،‬فالوْل لهُ النكفافُ منْ مالطةِ الناسِ ‪ ،‬بشرْطِ أنْ يُحافظَ على الماعِة‬
‫‪ ،‬والسّلمِ والرّدّ ‪ ،‬وحقوقِ السلمي من العيادةِ وشهودِ النازةِ ‪ ،‬و ْنوِ ذلك ‪ .‬والطلوبُ إنا‬
‫هو ترْكُ فضولِ الصّحبةِ ‪ ،‬لا ف ذلك منْ شغِلِ البا ِل وتضييعِ الوقتِ عن الُهمّاتِ ‪ ،‬ويعلُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪293‬‬
‫الجتماع بنل ِة الحتياجِ إل الغداءِ والعشاءِ ‪ ،‬فيقتصرُ منه على ما لبدّ له منه ‪ ،‬فهو أ ْر َوحُ‬
‫للَبدَنِ والقلبِ ‪ .‬والُ أعلمُ ‪.‬‬
‫وقال القُشييّ ف « الرسالة» ‪ :‬طريقُ من آثرَ العُزلةَ ‪ ،‬أن يعتقد سلمة الناسِ منْ‬
‫شرّه ‪ ،‬ل العكسُ ‪ ،‬فإنّ الول ‪ :‬يُنتجهُ استصغارُه نفْسه ‪ ،‬وهي صفةُ التواضعِ ‪ ،‬والثان ‪:‬‬
‫شهودُه مزيةً له على غيِه ‪ ،‬وهذه صفةُ التكبّرِ ‪.‬‬
‫والناسُ ف مسألةِ العُزلةِ واللطةِ طرفا ِن ووسطٌ ‪.‬‬
‫فالطرف الوّلُ ‪ :‬من اعتزل الناس حت عن الُمعِ والماعاتِ والعيا ِد ومامع اليْرِ ‪،‬‬
‫وهؤلءِ أخطؤُوا ‪.‬‬
‫والطرف الثان ‪ :‬منْ خالط الناس حت ف مالسِ اللّهوِ واللّغوِ والقيلِ والقا ِل وتضييعِ‬
‫الزّمانِ ‪ ،‬وهؤلء أخطؤُوا ‪.‬‬
‫والوسط ‪ :‬منْ خالط الناس ف العبادا ِ‬
‫ت الت ل تقوُم إل باجتماعٍ ‪ ،‬وشاركهم ف ما‬
‫صدّ والعراضِ عن الِ‬
‫فيه تعاونٌ على البِرّ والتقوى وأجرٌ ومثوبةُ ‪ ،‬واعتزال مناسباتِ ال ّ‬
‫وفضولِ الباحاتِ ﴿ َو َكذَلِكَ َجعَلْنَا ُكمْ ُأ ّمةً وَسَطا﴾ ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫****‬
‫وقفـــــة‬
‫‪ (( :‬عليكمْ بالهاد ف سبيلِ الِ ‪،‬‬ ‫عن عُباد بنِ الصامتِ قال ‪ :‬قال رسو ُل الِ‬
‫فإنه بابٌ من أبوابِ النةِ ‪ ،‬يُذهِبُ الُ به الغ ّم والمّ )) ‪.‬‬
‫« وأمّا تأثيُ الهاد ف دفْع المّ والغمّ ‪ ،‬فأمرٌ معلومٌ بالوجدان ‪ ،‬فإنّ النّفْس مت تركتْ‬
‫صائل الباطلِ وصولتهُ واستيلءهُ ‪ ،‬اشتدّ هّها وغمّها ‪ ،‬وكربُها وخوفُها ‪ ،‬فإذا جاهدتْه لِ ‪،‬‬
‫أبدل الُ ذلك المّ والُزْن فرحا ونشاطا وقوةً ‪ ،‬كما قال تعال ‪ ﴿ :‬قَاتِلُو ُهمْ ُي َعذّْبهُمُ ال ّلهُ‬
‫قُلُوِب ِهمْ﴾‬ ‫صدُورَ قَوْمٍ مّ ْؤمِنِيَ{‪ }14‬وَُيذْهِبْ غَ ْيظَ‬
‫صرْ ُكمْ عَلَ ْي ِهمْ وََيشْفِ ُ‬
‫بِأَْيدِي ُكمْ وَُيخْزِ ِهمْ وَيَن ُ‬
‫ب وغمّه وحزنِه من الهادِ ‪ ،‬والُ الستعانُ » ‪.‬‬
‫لوَى القل ِ‬
‫‪ .‬فل شيء أذْهبُ َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪294‬‬
‫قال الشاعرُ ‪:‬‬
‫وألْبَسُ ثوب الصبِ أبيض أبْلجا‬ ‫وإن لُغضي مقلتّ على القذى‬
‫عليّ فما ينفكّ أن يَتَفَرّجَا‬ ‫وإن لدعو ال والم ُر ضيّقٌ‬
‫أصاب لا ف دعو ِة الِ َمخْرَجا‬ ‫وكم من فت ُسدّتْ عليه وجوهُهُ‬
‫*************************************‬
‫مَسا ِرحُ النّظر ف اللكوت‬
‫ق الرتياحِ وبسْطِة الاطرِ ‪ ،‬التّطّلعُ إل آثارِ القُدرةِ ف بديعِ السماوا ِ‬
‫ت‬ ‫منْ طُ ُر ِ‬
‫والرضِ ‪ ،‬فتستلذّ بالبهجة العامرةِ ف خل ِق الباري – جلّ ف عُلهُ – ف الزهرة ‪ ،‬ف‬
‫الشجرةِ ‪ ،‬ف الدولِ ‪ ،‬ف الميلةِ ‪ ،‬ف التلّ والبل ‪ ،‬ف الرضِ والسماءِ ‪ ،‬ف اللي ِل والنهارِ ‪،‬‬
‫ق العظيمِ ﴿‬‫ف الشمسِ والقمرِ ‪ ،‬فتجدُ التعة والُنس ‪ ،‬وتزدادُ إيانا وتسليما وانقيادا لذا الال ِ‬
‫الْأَْبصَارِ ﴾ ‪.‬‬ ‫فَاعْتَِبرُوا يَا أُولِي‬
‫يقول أحدُ الفلسفةِ منْ أسلموا ‪ :‬كنتُ إذا شك ْكتُ ف القُدرةِ ‪ ،‬نظرتُ إل كتابِ‬
‫ف العجازِ والبداعِ ‪ ،‬فأزدادُ إيانا ‪.‬‬
‫الكونِ ‪ ،‬لُطالع فيه أحْ ُر َ‬
‫*********************************‬
‫خُطوات مدروسة‬
‫يقولُ الشوكانّ ‪ :‬أوصان بعضُ العلماءِ فقال ‪ :‬ل تنقطعِ عن التأليف ولو أنْ تكتُب ف‬
‫ت بوصيّتِه ‪ ،‬فوجدتُ ثرتا ‪.‬‬
‫اليومِ سطرين ‪ .‬قال ‪ :‬فأخذ ُ‬
‫وهذا معن الديث ‪ (( :‬خيُ العملِ ما داوم عليه صاحبُه وإنْ قلّ )) وقال ‪ :‬القطرةُ‬
‫مع القطر ِة تتمعُ سيلً عظيما ‪.‬‬
‫صخْر قدْ أثّرا‬
‫على صليبِ ال ّ‬ ‫أما تَرَى البلَ بطُولِ الدى‬
‫وإنا يأتينا الضطرابُ منْ أننا نريدُ أن نفعل كلّ شيءٍ مرّةً واحدةً ‪ ،‬فَنمَلّ ونتعبُ‬
‫ونترُكُ العمل ‪ ،‬ولو أننا أخذْنا َعمَلنا شيئا فشيئا ‪ ،‬ووزّعْناه على مراحل ‪ ،‬لقطعْنا الراحل ف‬
‫ل تحزن‬
‫‪295‬‬
‫هدوءٍ ‪ ،‬واعتبِرْ بالصلةِ ‪ ،‬فإنّ الشّرْع جَعَلَها ف خسةِ أوقاتٍ متفرّقةٍ ‪ ،‬ليكون العبدُ ف‬
‫ت ف وقتٍ ‪ ،‬للّ العبد‪ ،‬وف الديثِ ‪(( :‬إن‬
‫استجمامٍ وراحةٍ ‪ ،‬ويأت لا بالشواق ‪ ،‬ولو جُمع ْ‬
‫الُنْبتّ ل ظهْرا أبْقى ول أرضا قطع )) ‪ .‬ووُجِد بالتّربةِ ‪ ،‬أنّ منْ يأخذُ ال َعمَلَ على فتراتٍ ‪،‬‬
‫يُنجزُ ما ل يُنج ْزهُ منْ أخذهُ دفعةً واحدةً ‪ ،‬مع بقاءِ جذوةِ الرّوحِ وتوقّ ِد العاطفةِ ‪.‬‬
‫وما استفدتُه عنْ بعض العلماءِ ‪ ،‬أنّ الصلوات ترّتبُ الوقاتِ ‪ ،‬أخذا منْ قو ِل الباري ‪:‬‬
‫ت عَلَى اْلمُ ْؤمِنِيَ كِتَابا مّوْقُوتا ﴾ ‪ .‬فلو أ ّن العبد وزّع أعمال ُه الدينية‬
‫صلَةَ كَانَ ْ‬
‫﴿ إِ ّن ال ّ‬
‫والدّنيوية بعد كلّ صلةٍ ‪ ،‬لوجد سع ًة ف الوقت ‪ ،‬وفسحةً ف الزمنِ ‪.‬‬
‫وأنا أضربُ لك مَثَلَ‪ :‬فلو أن طالب العِلْم‪ ،‬جعل ما بعد الفجرِ للحفْظِ ف أيّ فنّ شاء‪،‬‬
‫وجعل بعد الظّهر للقراءةِ السهْلةِ ف الجامع العامّة ‪ ،‬وجعل بعد العصر للبحثِ العلميّ‬
‫ب العصريّةِ والبحوثِ‬
‫الدقيقِ ‪ ،‬وما بعد الغربِ للزّيار ِة والُنسِ ‪ ،‬وما بعد العشاءِ لقراءة الكُتُ ِ‬
‫إَن‬ ‫﴿‬ ‫والدوريّاتِ واللوس مع الهل ‪ ،‬لكان هذا حسنا ‪ ،‬والعاقِل له ِم ْن بصيتِه َمدَدٌ ونورٌ ‪.‬‬
‫جعَل لّ ُكمْ ُفرْقَانا ﴾ ‪.‬‬
‫تَّتقُواْ ال ّلهَ َي ْ‬
‫*******************************************‬
‫بل فوضويّة‬
‫ما يُكدّرُ ويُشتّتُ الذّهن ‪ ،‬الفوضويّةُ الفكريّ ُة الت يعيشُها بعضُ الناسِ ‪ ،‬فهو ل يدّد‬
‫قُدراتِه ‪ ،‬ول يقصدْ إل ما يمعُ شل فكْرهِ ونظرِه ؛ لن العرفة شعوبٌ ودروبٌ ‪ ،‬ولبُدّ منْ‬
‫تديدِ آيتِها ومعرف ِة مسالكها ‪ ،‬ويُجمعُ رأْيه على مشربٍ معروفٍ ‪ ،‬ل ّن التّفرد مطلوبٌ ‪.‬‬
‫وكذلك مّا يشتّتُ الذهن ‪ ،‬ويُورِث الغمّ ‪ ،‬الدّيْنُ والتبِعاتُ الاليةُ والتكاليفُ العيشيّةُ ‪.‬‬
‫وهناك أصولٌ ف هذه السألةِ أريدُ ذِكرها ‪:‬‬
‫أولا ‪ :‬ما غال م ِن اقتصدُ ‪ :‬ومنْ أ ْحسَنَ النفاق ‪ ،‬وحفِظ مالهُ إلّ للحاجة ‪ ،‬واجتنب‬
‫﴾‪﴿،‬‬ ‫التبذير والسراف ‪ ،‬وَ َجدَ العون من الِ ﴿ إِنّ اْلمَُبذّرِينَ كَانُواْ إِخْوَانَ الشّيَا ِطيِ‬
‫وَاّلذِينَ ِإذَا أَن َفقُوا َلمْ ُيسْرِفُوا وََلمْ َيقُْترُوا وَكَانَ بَ ْينَ ذَلِكَ قَوَاما ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪296‬‬
‫الثان ‪ :‬كسْب الال من الوجوهِ الُباحةِ ‪ ،‬وهجْرُ ك ّل كسبٍ مرّمٍ ‪ ،‬فإنّ ال طّيبٌ ل‬
‫وَلَوْ َأ ْعجَبَكَ كَ ْثرَةُ اْلخَبِيثِ﴾ ‪.‬‬ ‫﴿‬ ‫يقبلُ إل طيّبا ‪ ،‬والُ ل يُباركُ ف الكسبِ البيثِ‬
‫الثالث ‪ :‬السّعْيُ ف طلبِ الالِ الللِ ‪ ،‬وجْعُه منْ حلّه ‪ ،‬وتركُ العطالةِ والبطالةِ ‪،‬‬
‫واجتنابِ إزجا ِء الوقاتِ ف التفاهاتِ ‪ ،‬فهذا ابنُ عوف يقول ‪ُ :‬دلّون على السوقِ ‪َ ﴿ :‬فِإذَا‬
‫شرُوا فِي الَْأ ْرضِ وَابَْتغُوا مِن َفضْلِ ال ّلهِ وَاذْ ُكرُوا ال ّلهَ كَثِيا ّلعَلّ ُكمْ‬
‫ت الصّلَاةُ فَانَت ِ‬
‫ُقضِيَ ِ‬
‫ُتفْ ِلحُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫ثنُك إيانُك و ُخلُقُك‬
‫ب رثّة ‪ ،‬جائع البطْن ‪ ،‬حاف القدمِ‬
‫مرّ هذا الرجلُ الفقيُ العدومُ ‪ ،‬وعليهِ أسالٌ باليةٌ وثيا ٌ‬
‫‪ ،‬مغمور النّسبِ ‪ ،‬ل جا ٌه ول ما ٌل ول عشيةٌ ‪ ،‬ليس له بيتٌ يأوي إليهِ ‪ ،‬ول أثاث ول‬
‫متاع ‪ ،‬يشربُ من الياضِ العامّةِ بكفّيْه مع الواردين ‪ ،‬وينامُ ف السجدِ ‪ ،‬مدّتُه ذراعُه ‪،‬‬
‫وفراشُه البطحاءُ ‪ ،‬لكنّه صاحبُ ذِكرٍ لربّه وتلوةٍ لكتابِ مولهُ ل يغيبُ عنِ الصّفّ الولِ ف‬
‫فنادا ُه باسِهِ وصاح به ‪ (( :‬يا جُليْبيبُ أل‬ ‫الصلةِ والقتالِ ‪ ،‬مرّ ذات يومٍ برسو ِل الِ‬
‫تتزوّجُ ؟ )) ‪ .‬قال ‪ :‬يا رسول الِ ‪ ،‬ومنْ يُزوّجُن ؟ ول مالٌ ول جاهٌ ؟ ثّ مرّ به أخرى ‪،‬‬
‫فقال له مثْل قولهِ الولِ ‪ ،‬وأجاب بنفسِ الواب‪ ،‬ومرّ ثالثةً ‪ ،‬فأعاد عليه السؤال وأعاد هو‬
‫‪ (( :‬يا جليبيبُ ‪ ،‬انط ِلقْ إل بيتِ فلنٍ النصاريّ وقُلْ له ‪ :‬رسولُ الِ‬ ‫الواب ‪ ،‬فقال‬
‫يقرئُك السلم ‪ ،‬ويطلبُ منك أن تُزوّجن بِنْتك )) ‪.‬‬
‫وهذا النصاريّ م ْن بيتٍ شريفٍ وأسرةٍ موقرةٍ ‪ ،‬فانطلق جليبيبٌ إل هذا النصاريّ‬
‫وطرق عليه الباب وأخبه با أمره به رسو ُل الِ فقال النصاريّ ‪ :‬على رسول ال‬
‫ب ول ما ٌل ول جاهٌ ؟ وتسمعُ زوجتُه الَبَ َر فتعجبُ‬‫السلمُ ‪ ،‬وكيف أُزوّجك بنت يا جليبي ُ‬
‫ب ورسالة الرسولِ‬ ‫وتتساءلُ ‪ :‬جليبيبٌ ! ل ما ٌل ول جاهٌ ؟ فتسمُع البنتُ الؤمنةُ كلم جليبي ٍ‬
‫فتقول لبويها ‪ :‬أترُدّانِ طلب رسولِ الِ ‪ ،‬ل والذي نفسي بيدِهِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪297‬‬
‫وحصل الزواج البارك والذّرّيّةُ الباركةُ والبيتُ العامرُ ‪ ،‬الؤسّسُ على تقوى من ا ِ‬
‫ل‬
‫ورضوانٍ ‪ ،‬ونادى منادي الهادِ ‪ ،‬وحضر جليبيبُ العركة ‪ ،‬وقتل بيده سبعةً من الكفارِ ‪ ،‬ث‬
‫قُتل ف سبيلِ الِ ‪ ،‬وتوسد الثرى راضيا عنْ ربّه وع ْن رسولِه وع ْن مبدئِه الذي مات منْ‬
‫أجلِهِ ‪ ،‬ويتف ّقدُ الرسولُ القتلى ‪ ،‬فيُخبُه الناسُ بأسائِهم ‪ ،‬وينسون جليبيبا ف غمرةِ‬
‫الديث ‪ ،‬لنهُ ليس لمعا ول مشهورا ‪ ،‬ولكنّ الرسول يذكُرُ جليبيبا ول ينساهُ ‪ ،‬ويفظُ‬
‫اسه ف الزحامِ ول يُغفله ‪ ،‬ويقولُ ‪ (( :‬لكنّن أف ِقدُ جليبيبا )) ‪.‬‬
‫ويده وقد تدثّر بالتراب ‪ ،‬فينفضُ التراب عن وجهه ويقولُ له ‪ (( :‬قَتَلْتَ سبعة ث‬
‫قُتِلْت ؟ أنت من وأنا منك ‪ ،‬أنت من وأنا منك ‪ ،‬أنت من وأنا منك )) ‪ .‬ويكفي هذا‬
‫الوسام النبويّ جليبيبا عطاءً ومكافأةً وجائزةً ‪.‬‬
‫إنّ ثنَ جليبيبٍ ‪ ،‬إيانُه وحبّ رسو ِل الِ له ‪ ،‬ورسالتُه الت مات من أجلِها ‪ .‬إنّ‬
‫فقره وعدمَه وضآلةُ أسرتِه ل تُؤخّرْه عنْ هذا الشرفِ العظيمِ والكسب الضخمِ ‪ ،‬لقدْ حاز‬
‫الشهادة والرّضا والقبُول والسعادة ف الدنيا والخرة ‪َ ﴿ :‬فرِحِيَ ِبمَا آتَا ُهمُ ال ّلهُ مِن فَضْ ِلهِ‬
‫‪.‬‬ ‫ُهمْ َيحْزَنُونَ ﴾‬ ‫ف عَلَ ْي ِهمْ وَلَ‬
‫حقُواْ ِبهِم ّمنْ خَ ْل ِفهِمْ أَلّ خَوْ ٌ‬
‫وََيسْتَ ْبشِرُونَ بِاّلذِينَ َلمْ يَ ْل َ‬
‫إنّ قيمتك ف معانيك الليل ِة وصفاتِك النبيلةِ ‪.‬‬
‫إنّ سعادتك ف معرفتِك للشياءِ واهتماماتِك وسوّك ‪.‬‬
‫إنّ الفقرَ والعوز والمول‪ ،‬ما كان ‪ -‬يوما من اليامِ‪ -‬عائقا ف طريق التّفوّقِ والوصولِ‬
‫والستعلءِ ‪ .‬هنيئا لنْ َعرَفَ ثنه فعلً بنفسِه ‪ ،‬وهنيئا لنْ أسعد نفسهُ بتوجيههِ وجهادِه‬
‫ونُبِله ‪ ،‬وهنيئا لنْ أحْسنَ مرّتيْن ‪ ،‬وسعد ف الياتيِ ‪ ،‬وأفلح ف الكرتيْنِ ‪ ،‬الدّنيا والخرةِ ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫**‬
‫يا سعادة هؤلء‬
‫أبو بكرٍ – رضي الُ عنهُ ‪ : -‬بآيةٍ ‪ ﴿ :‬وَسَُيجَنُّبهَا اْلأَْتقَى{‪ }17‬اّلذِي ُيؤْتِي مَاَلهُ‬
‫يََتزَكّى ﴾ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪298‬‬
‫ت قصرا أبيض ف النةِ ‪ ،‬قلتُ ‪ :‬لن هذا‬
‫عمرُ ‪ -‬رضي ال عنه ‪ : -‬بديثِ ‪ (( :‬رأي ُ‬
‫القصرُ ؟ قيل ل ‪ :‬لعمر بنش الطابِ )) ‪.‬‬
‫وعثمانُ ‪ -‬رضي ال عنهُ ‪ : -‬بدعاءِ ‪ (( :‬الله ّم اغفْر لعثمان ما تقدّم منْ ذنبِه وما‬
‫تأخّر )) ‪.‬‬
‫وعل ّي ‪ -‬رضي ال عنهُ ‪ (( : -‬رجُلٌ يبّ ال ورسوله ‪ ،‬ويبّه ال ُ ورسولُه )) ‪.‬‬
‫وسعدُ بنُ معاذٍ ‪ -‬رضي ال عنهُ ‪ (( : -‬اهتزّ له عرشُ الرحنِ )) ‪.‬‬
‫وعبدُالِ بن عمْرٍو النصاريّ ‪ -‬رضي ال عنهُ ‪(( :-‬كلّمه الُ كِفاحا بل ترْجُمان )) ‪.‬‬
‫وحنْ َظلَ ُة ‪ -‬رضي ال عنهُ ‪ (( : -‬غسّل ْت ُه ملئكةُ الرحنِ )) ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫ويا شقاوة هؤلء‬

‫فرعونُ ‪ ﴿ :‬النّارُ ُي ْعرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّا َو َعشِيّا ﴾ ‪.‬‬


‫سفْنَا ِبهِ وَِبدَارِهِ الَْأ ْرضَ ﴾ ‪.‬‬
‫خَ‬‫وقارونُ ‪َ ﴿ :‬ف َ‬
‫صعُودا ﴾ ‪.‬‬
‫والوليدُ بنُ الغية ‪ ﴿ :‬سَُأرْ ِه ُقهُ َ‬
‫وأُميّةُ بنُ خلف ‪ ﴿ :‬وَيْلٌ لّكُلّ ُه َمزَةٍ ّلمَزَةٍ ﴾ ‪.‬‬
‫وأبو لبٍ ‪ ﴿ :‬تَبّتْ َيدَا أَبِي َلهَبٍ وَتَبّ ﴾ ‪.‬‬
‫والعاص بنُ وائلٍ ‪ ﴿ :‬كَلّا سَنَكْتُبُ مَا َيقُولُ وََنمُدّ َلهُ ِمنَ اْل َعذَابِ َمدّا ﴾ ‪.‬‬
‫****************************************‬
‫وقفــــــة‬
‫« قلّ ُة التوفيقِ وفسادُ الرأي ‪ ،‬وخفاءُ القّ وفسادُ القلب ‪ ،‬وخولُ ال ّذكْرِ ‪ ،‬وإضاع ُة‬
‫الوقتِ ‪ ،‬ونَفْرَةُ اللْق ‪ ،‬والوحْشةُ بي العبدِ وبي ربّه ‪ ،‬ومنْعُ إجابةِ الدعاءِ ‪ ،‬وقسوةُ القلبِ ‪،‬‬
‫ومْقُ البكةِ ف الرّزقِ والعُمرِ ‪ ،‬وحرما ُن العلمِ ‪ ،‬ولباسُ الذّلّ ‪ ،‬وإهانةُ العدوّ وضيقُ الصدرِ ‪،‬‬
‫والبتلءُ بقرنا ِء السوءِ الذين يُفسدون القلب ويُضيّعون الوقت ‪ ،‬وطو ُل المّ ‪ ،‬وضنْكُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪299‬‬
‫العيشةِ ‪ ،‬و َكسْفُ البالِ ‪ ...‬تتولّد من العصيةِ والغفلِة عن ذك ِر الِ ‪ ،‬كما يتولّد الزرعُ عن الاءِ‬
‫‪ ،‬والحراقُ عن النارِ ‪ .‬وأضدادُ هذه تتولّدُ عن الطاعةِ » ‪.‬‬
‫« أمّا تأثيُ الستغفارِ ف دفْع ال ّم والغمّ والضيقِ ‪ ،‬ف ِممّا اشترك ف الع ْلمِ به أهلُ الللِ‬
‫وعقلءُ كلّ أمّة ‪ ،‬إنّ العاصي والفساد تُوجِب المّ والغمّ ‪ ،‬والوف والزن‪ ،‬وضِيق الصدر ‪،‬‬
‫وأمراض القلب ‪ ،‬حت إنّ أهلها ذا قضوا منها أوطارها ‪ ،‬وسئمتْها نفوسُهم ‪ ،‬ارتكبوها دفعا‬
‫لا يدونهُ ف صدورهِم من الضّي ِق والمّ والغمّ ‪ ،‬كما قال شي ُخ الفسوقِ ‪:‬‬
‫وأُخرى تداويْتُ مِنْها با‬ ‫وكأسٍ شرِْبتُ على لذّةٍ‬
‫ب والثا ِم ف القلوبِ ‪ ،‬فل دواء لا إل التوبةُ والستغفارُ» ‪.‬‬ ‫وإذا كان هذا تأثيُ الذنو ِ‬
‫*************************************‬
‫ِرقْقا بالقوارير‬
‫﴿ َوعَا ِشرُو ُهنّ بِاْل َم ْعرُوفِ ﴾ ‪ ﴿ .‬وَ َجعَلَ بَيْنَكُم مّ َودّةً وَرَ ْح َمةً ﴾ ‪.‬‬
‫وف الديثِ ‪ (( :‬استوصُوا بالنساءِ خيا ‪ ،‬فإننّ عوانٍ عندكم)) ‪.‬‬
‫وف حديثِ آخر ‪ (( :‬خيُكم خيكم لهِلهِ ‪ ،‬وأنا خيُكم لهلي )) ‪.‬‬
‫البيتُ السعيدُ هو العام ُر بالُلفةِ ‪ ،‬القائمُ على البّ الملوءُ تقوى ورضوانا ‪ ﴿ :‬أَ َفمَنْ‬
‫ضوَانٍ خَ ْيرٌ أَم ّمنْ أَ ّسسَ بُنْيَاَن ُه عَلَىَ َشفَا ُجرُفٍ هَارٍ‬
‫أَ ّسسَ بُنْيَاَن ُه عَلَى َتقْوَى ِمنَ ال ّلهِ وَرِ ْ‬
‫فَاْنهَارَ ِبهِ فِي نَارِ َجهَّنمَ وَال ّلهُ لَ َيهْدِي اْلقَوْمَ الظّاِلمِيَ ﴾ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫بَسْمةٌ ف البدايةِ‬
‫من حُسنِ الطالع وجيلِ القابلةِ تبسّم الزوجةِ لزوجِها والزوجُ لزوجتِه ‪ ،‬إن هذه البسمة‬
‫ضحّاكا‬ ‫إعلنٌ مبدئيّ للوفاقِ والصالةِ ‪ (( :‬وتبسّمك ف وجه أخيك صدقةٌ )) ‪ .‬وكان‬
‫بسّاما ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪300‬‬
‫وف البدايةِ بالسلمِ ‪َ ﴿ :‬فسَ ّلمُوا عَلَى أَن ُفسِكُمْ َتحِّيةً ّم ْن عِندِ ال ّلهِ مُبَارَ َكةً طَيَّبةً ﴾ ‪،‬‬
‫وردّ التحيةِ من أحدِها للخرِ ‪ ﴿ :‬وَِإذَا حُيّيْتُم بَِتحِّيةٍ َفحَيّواْ ِبأَ ْحسَنَ مِ ْنهَا أَوْ ُردّوهَا ﴾ ‪.‬‬
‫قال كُثيّر ‪:‬‬
‫فحيّها مثل ما حيّتْك يا جلُ‬ ‫حيّتْك عزّةُ بالتسلي ِم وانصرفتْ‬
‫مكان يا جلً حُيّيت يا رجلُ‬ ‫ليت التحية كانتْ ل فأشكرها‬
‫ومنها الدعاءُ عند دخول النلِ ‪ (( :‬اللهمّ إن أسألُك خَ ْيرَ الوْلِ وخي الخرجِ ‪،‬‬
‫باسم الِ ولْنا ‪ ،‬وباسمِ الِ خرجْنا ‪ ،‬وعلى الِ ربّنا توكّلنا )) ‪.‬‬
‫ومن أسبابِ سعادةِ البيتِ ‪ :‬لِيُ الطابِ من الطرفي ‪ ﴿ :‬وَقُل ّلعِبَادِي َيقُولُواْ الّتِي هِيَ‬
‫أَ ْحسَنُ ﴾ ‪.‬‬
‫ل ينِ قتل السلمِ التح ّرزِ‬ ‫وكلمُها السحرُ الللُ لو أنه‬
‫و ّد الحدّثُ أنا ل تُوجزِ‬ ‫إنْ طال لْ ُيمَْللْ وإنْ هي أوجزتْ‬
‫يا ليت الرجل ويا ليت الرأة ‪ ،‬كلّ منهما يسحبُ كلم الساءةِ وجرْح الشاعرِ‬
‫والستفزازِ ‪ ،‬يا ليت أنما يذكرانِ الانب الميل الشرق ف ك ّل منهما ‪ ،‬ويغضّانِ الطرْف‬
‫ب الضعيفِ البشريّ ف كليهما ‪.‬‬ ‫عن الان ِ‬
‫إن الرجل إذا عدّد ماسن امرأتِه ‪ ،‬وتاف عن النقصِ ‪ ،‬سعِد وارتاح ‪ ،‬وف الديثِ ‪:‬‬
‫(( ل يفرُكُ مؤم ٌن مؤمنةً ‪ ،‬إن كره منها خلُقا رضي منها آخر )) ‪.‬‬
‫ومعن ل يفرك ‪ :‬ل يبغضِ ول يكره ‪.‬‬
‫ومنْ له السن فقطْ‬ ‫من ذا الذي ما ساء قطْ‬
‫من الذي ما ما نبا سيفُ فضائلِه ول كبا جوادُ ماسنِه ‪ ﴿ :‬وََلوْلَا َفضْلُ ال ّل ِه عَلَيْ ُكمْ‬
‫وَرَ ْحمَُتهُ مَا زَكَا مِنكُم ّمنْ أَ َحدٍ أَبَدا ﴾ ‪.‬‬
‫أكثرُ مشاكلِ البيوتِ من معانا ِة التوافهِ ومعايش ِة صغارِ السائلِ ‪ ،‬وقد عشتُ عشراتِ‬
‫القضايا الت تنتهي بالفراقِ ‪ ،‬سببُ إيقادِ جذوتا أمورٌ هينةٌ سهلة ‪ ،‬أحدُ السبابِ أن البيت ل‬
‫ل تحزن‬
‫‪301‬‬
‫يكن مرتّبا ‪ ،‬والطعام لِ يقدّم ف وقتِه ‪ ،‬وسببُه عند آخرين أن الرأة تريدُ من زوجها أن ل‬
‫ث اليتُم والآسي ف البيوتِ ‪.‬‬ ‫يُكثر من استقبالِ الضيوفِ ‪ ،‬وخذْ من هذه القائمة الت تُور ُ‬
‫إن علينا جيعا أن نعترف بواقِعنا وحالِنا وضعفِنا ‪ ،‬ول نعيشُ اليال والثالياتِ ‪ ،‬الت ل‬
‫تصلُ إل لول العزمِ من أفرادِ العالِ ‪.‬‬
‫نن بش ٌر نغضبُ ونتدّ ‪ ،‬ونضعفُ ونطئُ ‪ ،‬وما معنا إل البحثُ عن المرِ النسبّ ف‬
‫الوافقة الزوجيةِ حت بعد هذه السنواتِ القصيةِ بسلمِ ‪.‬‬
‫إن أريية أحد بنِ حنبل و ُحسْن صحبته تقدّم ف هذه الكلمة ‪ ،‬إذ يقول بعد وفاة‬
‫زوجتهِ أمّ عبدِال ‪ :‬لقد صاحبتُها أربعي سنةً ما اختلفتُ معها ف كلمةٍ ‪.‬‬
‫إن على الرجل أن يسكت إذا غضبتْ زوجتُه ‪ ،‬وعليها أن تسكتُ هي إذا غضب ‪،‬‬
‫حت تدأ الثائرةُ ‪ ،‬وتبد الشاعرُ ‪ ،‬وتسكن اضطراباتُ النفسِ ‪.‬‬
‫ضبَ وأخذ يتكّلمُ‬ ‫قال اب ُن الوزيّ ف « صيدِ الاطرِ » ‪ « :‬مت رأيت صاحبك قد َغ ِ‬
‫با ل يصلحُ ‪ ،‬فل ينبغي أن تعقد على ما يقولُه خِْنصِرا ( أي ل تعتدّ به ول تلتفتْ إليه ) ‪ ،‬ول‬
‫أن تؤاخذه به ‪ ،‬فإن حاله حالُ السكرانِ ل يدري ما يري ‪ ،‬بل اصبْ ولو فترةً ‪ ،‬ول تعوّلْ‬
‫عليها ‪ ،‬فإن الشيطان قد غلبه ‪ ،‬والطب ُع قد هاج ‪ ،‬والعق ُل قد استتر ‪ ،‬ومت أخذت ف نفسِك‬
‫عليه ‪ ،‬أو أجبته بقتضى فعْله ‪ ،‬كنت كعاقل واجه منونا ‪ ،‬أو مفيقٍ عاتب مغمىً عليه ‪،‬‬
‫فالذنبُ لك‪ ،‬بل انظرْ إليه بعيِ الرحةِ ‪ ،‬وتلمّحْ تصريف القدر له ‪ ،‬وتف ّرجْ ف لعبِ الطبعِ به ‪.‬‬
‫واعلم أنه إذا انتبه ندِم على ما جرى ‪ ،‬وعَ َرفَ لك فضْل الصّبْرِ ‪ ،‬وأق ّل القسامِ أن‬
‫ُتسْلِمه فيما يفعلُ ف غضبِه إل ما يستريحُ به ‪.‬‬
‫وهذه الالةُ ينبغي أن يتلمّحها الولدُ عند غضب الوالدِ ‪ ،‬والزوج ُة عند غضبِ الزوج ‪،‬‬
‫فتتركه يشفى با يقولُ ‪ ،‬ول تعوّلْ على ذلك ‪ ،‬فسيعودُ نادما معتذرا ‪ ،‬ومت قُوبل على حالته‬
‫ت العداوةُ متمكّنةً ‪ ،‬وجازى ف الفاقةِ على ما فُعِل ف حقّه وقت السّكْرِ ‪.‬‬ ‫ومقالتِه صار ِ‬
‫وأكثرُ الناسِ على غيْرِ هذا الطريقِ ‪ ،‬مت رأوا غضبان قابلُوه با يقولُ ويعملُ ‪ ،‬وهذا‬
‫على غيْرُ مقتضى الكمةِ ‪ ،‬بل الِكمةُ ما ذكرتُ ‪ ،‬وما يعقلُها إل العالون » ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪302‬‬
‫*****************************************‬
‫س الائجةِ‬
‫حبّ النتقا ِم سُمّ زُعاف ف النفو ِ‬
‫ف كتاب « الصلوبون ف التاريخ » قصصٌ وحكاياتٌ لبعضِ أهل البطشِ الذين أنزلوا‬
‫بصومهم أشدّ العقوباتِ وأقسى الُثلت ‪ ،‬ث لا قتلوهم ما شفى لم القتلُ غليلً ‪ ،‬ول أبرد‬
‫جبُ أن الصلوب بعد قتِلهِ ل يتألّم ول ُيحِسّ‬ ‫لشُب ‪ ،‬والعَ َ‬ ‫لم عليلً ‪ ،‬حت صلبوهُم على ا ُ‬
‫ول يتعذبُ ‪ ،‬لن روحه فارقتْ جسمه ‪ ،‬ولكن اليّ القاتل يأنسُ ويرتاحُ ‪ ،‬ويُسرّ بزيادةِ‬
‫التنكيلِ ‪ .‬إن هذه النفوس التلمّظة على خصومِها الضطرمةَ على أعدائِها لن تدأ أبدا ولن‬
‫تسعد ‪ ،‬لن نار النتقامِ وبركان التشفّي يدمّرُهم قبل خصو ِم ِهمْ ‪.‬‬
‫وأعجبُ من هذا أن بعض خلفا ِء بن العباس فاته أن يقتل خصومه من بن أمية ‪ ،‬لنم‬
‫ماتُوا قبل أن يتولّى ‪ ،‬فأخرجهم من قبورهم وبعضُهم رميمٌ فجلدهم ‪ ،‬ث صلبهم ‪ ،‬ث أحرقهم‬
‫‪ .‬إنا ثورةُ القدِ العارمِ الذي يُنهي على السرّاتِ وعلى مباهجِ النفسِ واستقرارِها ‪.‬‬
‫إن الضرر على النتقمِ أعظمُ ‪ ،‬لنه فَقَدَ أعصابَه وراحته وهدوءهُ وطمأنينته ‪.‬‬
‫ما يبلغُ الاهلُ مِنْ نَ ْفسِهِ‬ ‫ل يبلغُ العداءُ من جاهلٍ‬
‫﴿ وَِإذَا خَلَوْْا َعضّواْ عَلَيْكُمُ الَنَامِلَ مِنَ اْلغَ ْيظِ قُلْ مُوتُواْ ِبغَيْظِ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫*****************************************‬
‫وقفــــةٌ‬
‫« ليس للعبدِ إذا بُغِي عليه وأُوذي وتسلّط عليه خصومُه ‪ ،‬شيء أنفعُ له من التوب ِة‬
‫النصوحِ ‪ ،‬وعلمةُ سعادتِه أن يعكس فكره ونظره على نفسِه وذنوبِه وعيوبِه ‪ ،‬فيشتغل با‬
‫وبإصلحها ‪ ،‬وبالتوبةِ منها ‪ ،‬فل يبقى فيه فراغٌ لتدبّر ما نَزَل به ‪ ،‬بل يتولّى هو التوبة‬
‫وإصلح عيوبه ‪ ،‬والُ يتول نُصرته وحفظه والدفع عنه ولبدّ ‪ ،‬فما أسعدهُ من عبدٍ ‪ ،‬وما‬
‫أبركها من نازلةٍ نزلتْ به ‪ ،‬وما أحسن أثرها عليه ‪ ،‬ولكن التوفيق والرشد بي ِد الِ ‪ ،‬ل مانعٍ لا‬
‫ل تحزن‬
‫‪303‬‬
‫أعطى ول مُعطي لا منع ‪ ،‬فما كلّ أحدٍ يُوفّق لذا ‪ ،‬ل معرفةً به ‪ ،‬ول إرادةً له ‪ ،‬ول قدرةً‬
‫عليه ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالِ » ‪.‬‬
‫ول يزلْ مهما هفا العبدُ عفا‬ ‫سبحان منْ يعفو ونفو دائما‬
‫جللُه عن العطا لذي الطا‬ ‫يُعطي الذي يطي ول ينعُه‬
‫*******************************************‬
‫ل تذُبْ ف شخصيةِ غيك‬
‫ت ّر بالنسان ثلثةُ أطوار ‪ :‬طوْرُ التقليد ‪ ،‬وطو ُر الختيارِ ‪ ،‬وطورُ البتكارِ ‪ .‬فالتقليدُ ‪:‬‬
‫هو الحاكاةُ للخرين وتقمّصُ شخصياتِهم وانتحا ُل صفاتِهم والذوبانُ فيهم ‪ ،‬وسببُ هذا‬
‫التقليدِ هو العجابُ والتعلّقُ واليْلُ الشديدُ ‪ ،‬وهذا التقليدُ الغال ليحمل بعضهُم على التقليد‬
‫ت واللتفاتِ ‪ ،‬ونو ذلك ‪ ،‬وهو وأْدٌ للشخصية‬ ‫ف الركاتِ واللحظاتِ ‪ ،‬ونبْرةِ الصو ِ‬
‫وانتحارٌ معنويّ للذاتِ ‪ .‬ويا لُعاناةِ هؤلءِ من أنفسِهم ‪ ،‬وهم يعكسون اتاه ُهمْ ‪ ،‬ويسيون‬
‫إل اللفِ !! فالواحدُ منهم ترك صوته لصوتِ الخرِ ‪ ،‬و َهجَرَ مشيته لشيةِ فلنٍ ‪ ،‬ليت هذا‬
‫التقليد كان للصفاتِ المدوح ِة الت تُثري العمر وتُضفي عليه هالة من السموّ والرّفعةِ ‪ ،‬كالعِ ْلمِ‬
‫والكرمِ واللمِ ونوها ‪ ،‬لكنك تُفاجأُ أن هؤلء يقلّدون ف مارجِ الروفِ وطريقةِ الكلمِ‬
‫وإشار ِة اليدِ !! ‪.‬‬
‫أريدُ التأكيد عليك با سبق ‪ :‬إنك َخلْقٌ آخرُ وشيءٌ آخرُ ‪ ،‬إنه نجُك أنت من خللِ‬
‫صفاتِك وقدراتِك ‪ ،‬فإنه منذُ خََل َق الُ آدم إل أن ينهي الُ العال ‪ ،‬ل يتفقْ اثنا ِن ف الصورةِ‬
‫الارجي ِة للجسمِ ‪ ،‬بيثُ ينطبق شكلُ هذا على شكلِ ذاك ‪ ﴿ :‬وَاخْتِلَافُ أَْلسِنَتِ ُكمْ وَأَْلوَانِ ُكمْ‬
‫‪ ﴾......‬الية ‪ .‬فلماذا ننُ نريدُ أن نتفقَ مع الخرين ف صفاتِنا ومواهبِنا وقدراتِنا ؟!‬
‫إن جال صوتِك أن يكون متفرّدا ‪ ،‬وإن ُحسْن إلقائِك أن يكون متميّزا ‪َ ﴿ :‬و ِمنَ‬
‫اْلجِبَالِ ُج َددٌ بِيضٌ وَ ُحمْرٌ ّمخْتَلِفٌ أَلْوَاُنهَا َوغَرَابِيبُ سُودٌ ﴾ ‪.‬‬
‫************************************‬
‫الكظومون ف انتظار لطْف ال‬
‫ل تحزن‬
‫‪304‬‬
‫ظ ف ميدانِ البيانِ ‪ ،‬بل يضي‬
‫هذا الطيبُ ا ِلصْقعُ ل يلتوي لسانُه إذا تراكضتِ اللفا ُ‬
‫ساطعا صارما متدفّقا ‪.‬‬
‫سبُ ‪ ،‬وخطيب السلم وكفى ‪ ،‬كان يرفع صوته‬ ‫وح ْ‬ ‫هو خطيبُ الرسول‬
‫لنصر ِة الدّين ‪ ،‬إنه ثابتُ بنُ قيسِ بن شّاس ‪ ،‬وأنزل الُ ‪﴿ :‬يَا‬ ‫بالطبِ بي يدي رسول الِ‬
‫جهْرِ‬
‫جهَرُوا َلهُ بِاْلقَوْلِ َك َ‬
‫أَّيهَا اّلذِينَ آمَنُوا لَا َترْ َفعُوا أَصْوَاتَ ُكمْ فَ ْوقَ صَ ْوتِ النّبِيّ وَلَا َت ْ‬
‫َبعْضِ ُكمْ لَِبعْضٍ أَن َتحَْبطَ َأعْمَالُ ُكمْ وَأَنُتمْ لَا َتشْ ُعرُونَ ﴾ ‪ .‬وظنّ قيسٌ أنه هو القصودُ ‪،‬‬
‫فسأل عنه ‪ ،‬فأخبه الصحابةُ‬ ‫فاعتزل الناس واختبأ ف بيتِه يبكي ‪ ،‬وفقده رسولُ الِ‬
‫الَبَرَ ‪ ،‬فقال ‪ (( :‬كلّ ‪ ،‬بل هو من أهلِ النةِ )) ‪.‬‬
‫ت النذارةُ بشارةٌ ‪.‬‬
‫فصار ِ‬
‫فما جزِع الحزونُ حت تبسّما‬ ‫هناءٌ ما ذاك العزاء القدّما‬
‫وتبقى عائشةُ أمّ الؤمني – رضي الُ عنها – تبكي شهرا كاملً ليلً ونارا ‪ ،‬حت‬
‫كاد البكاء يزّقُ كبِدها ويفري جسمها ‪ ،‬لنا طُعنتْ ف عِرْضها الشريفِ ‪ ،‬العفيفِ ‪ ،‬فجاء‬
‫الفرج ‪ِ ﴿ :‬إنّ اّلذِينَ َي ْرمُونَ اْل ُمحْصَنَاتِ اْلغَافِلَاتِ اْلمُ ْؤمِنَاتِ ُلعِنُوا فِي الدّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ ‪.‬‬
‫ت ال وصارتْ أطهر الطّهرِ ‪ ،‬كما كانتْ ‪ ،‬وفرح الؤمنون بذا الفتحِ البيِ ‪.‬‬ ‫وحد ِ‬
‫والثّلثةُ الذين تلّفوا عن غزوةِ تبوك ‪ ،‬وضا ْقتْ عليهمْ الرضُ با رحُبتْ ‪ ،‬وضاقتْ‬
‫عليهم أنفسُهم ‪ ،‬وظنّوا أن ل ملجأ من الِ إل إليه ‪ ،‬أتاهم الفرجُ منْ يلكُه – سبحانه‪ -‬ونزل‬
‫عليهم الغوْثُ من السميعِ القريبِ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫احرصْ على العم ِل الذي ترتاحُ لهُ‬
‫يقولُ ابن تيمية ‪ « :‬ابتدأن مرضٌ ‪ ،‬فقال ل الطبيبُ ‪ :‬إنّ مطالعتك وكلمك ف العلمِ يزيدُ‬
‫الرض ‪ .‬فقلت له ‪ :‬ل أصبُ على ذلك ‪ ،‬ل أصبُ على ذلك ‪ ،‬وأنا أحاكمُك إل علمِك ‪،‬‬
‫ت النّفسُ إذا فرجتْ وسُرّتْ قويتِ الطّبيعةُ ‪َ ،‬فدَفعتِ الرض ؟ فقال ‪ :‬بلى ‪ .‬فقلتُ له ‪:‬‬
‫أليس ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪305‬‬
‫فإن نفسي تُسرّ بالعلمِ ‪ ،‬فتقوى به الطبيعةُ ‪ ،‬فأجدُ راحةً ‪ .‬فقال‪ :‬هذا خارجٌ عن علجِنا» ﴿لَا‬
‫حسَبُوهُ َشرّا لّكُم بَلْ ُهوَ خَ ْيرٌ لّ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫َت ْ‬
‫فربّما صحتِ الجسامُ بالعِل ِل‬ ‫لعلّ عَتْبَك ممودٌ عواقبُهُ‬
‫********************************************‬
‫ل نُمِدّ هؤلءِ وهؤلء‬
‫كُ ً‬
‫ما أحوجنا إل الثابر ِة واستثمارِ الوقت ‪ ،‬ومسابقةِ النفاسِ بالعملِ الصالِ النافعِ الفيدِ ‪،‬‬
‫إننا سوف نسع ُد يوم نقدّم للخرين نفعا ووعيا وخدمة وثقافةً وحضارةً ‪ ،‬وسوف نسعدُ إذا‬
‫علمْنا أننا ل نأتِ إل الياةِ ُسدّى ‪ ،‬ول ُنخْلقْ عَبَثا ‪ ،‬ول نُوجدْ لعِبا ‪.‬‬
‫يوم تصفّحتُ « العلم » للزركليّ فوجدتُ تراجم شرقيي وغربيي ‪ ،‬ساسةً‬
‫وعلماء ‪ ،‬وحكماء وأدباء وأطباء ‪ ،‬يمعهم أنم نابغون مؤثّرون لمعون ‪ ،‬ووجدتُ ف سِيهم‬
‫جيعا سنة الِ ف خلقِه ‪ ،‬ووعد الِ ف عبادِه ‪ ،‬وهي أن من أحسن من أجل الدنيا ُوفّي نصيبه‬
‫ع والشهر ِة والنتشارِ ‪ ،‬وما يلحقُ ذلك من مالِ ومنصبٍ وإتافٍ ‪ ،‬ومن‬ ‫من الدنيا ‪ ،‬من الذيو ِ‬
‫أحسن للخرةِ وجدها هنا وهناك ‪ ،‬من النفعِ والقبو ِل والرضا والجرِ والثوبةِ ‪ُ ﴿ :‬كلّ ّن ِمدّ‬
‫‪.‬‬ ‫َمحْظُورا ﴾‬ ‫هَـؤُلء وَهَـؤُلء ِمنْ عَطَاء رَبّكَ َومَا كَا َن عَطَاء رَبّكَ‬
‫ووجدتُ ف الكتابِ أيضا أن هؤل ِء العباقرةِ الذين قدّموا للبشرية نفعا ونتاجا ول‬
‫يعملُوا للخرة – وأخصّ منهم غيْر الؤمني بالِ ولقائِه – وجدتُهم أسعدوا الناس أكثر من‬
‫أنفسِهم ‪ ،‬وأفرحوا أرواح الخرين أكثر من أرواحهِم ‪ ،‬فإذا بعضُهم ينتحرُ ‪ ،‬وبعضهم يثورُ‬
‫من واقعِه ويغضبُ من حياِتهِ ‪ ،‬وآخرون منهم يعيشون بؤسا وضنْكا ‪.‬‬
‫وسألتُ نفسي ‪ :‬ما هي الفائدةُ إذا سعد ب قومٌ وشقيت أنا ‪ ،‬وانتفع ب ملٌ وحُرمِت‬
‫أنا ؟!‬
‫ووجدتُ أنّ ال أعطى كلّ أحدٍ من هؤل ِء البارزين ما أراد ‪ ،‬تقيقا لوعدِه ‪ ،‬فجمْعٌ‬
‫منهم حصل على جائزةِ نوبل ‪ ،‬لنه أرادها وسعى لا ‪ ،‬ومنهم من تبوّأ الصدارة ف الشهرةِ ‪،‬‬
‫لنه بث عنها وشغف با ‪ ،‬ومنهم من وَ َجدَ الال ‪ ،‬لنه هام به وأجبّه ‪ ،‬ومنهم عبا ُد الِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪306‬‬
‫الصالون ‪ ،‬حصلُوا على ثوابِ الدنيا وحسنِ ثوابِ الخرةِ – إنْ شاء الُ ‪ ، -‬يبتغون فضلً‬
‫من الِ و ِرضْوانا ‪.‬‬
‫إنّ من العادلت الصحيحة القبولة ‪ :‬أن الغمور السعيد الواثق من منهجِه وطريقِه ‪،‬‬
‫أنعمُ حظّا من اللمعِ الشهيِ الشقيّ ببادئِه وفكرِهِ ‪.‬‬
‫إنّ راعي البلِ السلمِ ف جزيرةِ العربِ أسعدُ حالً بإسلمِه من « تولوستوي »‬
‫الكاتب الروائي الشهيِ ‪ ،‬لن الول قضى حياته مطمئنا راضيا ساكنا يعرفُ مصيَهُ ومنقلبه ‪،‬‬
‫والثان عاش مزّق الرادةِ ‪ ،‬مبعثر الهدِ ‪ ،‬ل يبدْ غليلُه من مرادِه ‪ ،‬ول يعرفْ مستقبلهُ ‪.‬‬
‫عند السلمي أعظمُ دواءٍ عرفتْه البشريةُ ‪ ،‬وأجلّ علجٍ اكتشفتْه النسانيةُ ‪ .‬إنه اليانُ‬
‫بالقضا ِء والقدرِ ‪ ،‬حت قال بعضُ الكماءِ ‪ :‬لن يسعد ف الياةِ كافرٌ بالقضاءِ والقدرِ ‪ .‬وقد‬
‫أعدتُ عليك هذا العن كثيا ‪ ،‬وعرضتُه لك ف أساليب شتّى ‪ ،‬وأنا على عمْد ‪ ،‬لنن أعرفُ‬
‫خطُ عليه فيما نكر ُههُ‬ ‫من نفسي ومن كثي مثلي أننا نؤمنُ بالقضا ِء والقدرِ فيما نبّه ‪ ،‬وقد نتس ّ‬
‫‪ ،‬ولذلك كان شرطُ اللّةِ وميثاقُ الوحيِ ‪ (( :‬أن تؤمن بالقدرِ خيِه وشره ‪ ،‬حلوِه ومرّه )) ‪.‬‬
‫************************************‬
‫ومن يؤمنْ بال يه ِد قلبَه‬
‫أسوقُ هنا قصةً لتظهر سعادة من رضي بالقضاءِ ‪ ،‬وحية وتكدّر وشكّ منْ سخِط مِن‬
‫القضاءِ ‪:‬‬
‫ب « رياح على الصحراءِ » ‪،‬‬ ‫فهذا كاتبٌ أمريك ٌي لمعٌ ‪ ،‬اسُه « بودل » مؤلّفُ كتا ِ‬
‫و « الرسول » وأربعة عشرَ كتابا أخرى ‪ ،‬وقد استوطن عام ‪ 1918‬م إفريقية الشمالية‬
‫الغربية ‪ ،‬حيث عاش مع قومٍ من الرّحّل البدوِ السلمي ‪ ،‬يصلّون ويصومون ويذكرون ال ‪.‬‬
‫يقولُ عن بعضِ مشاهدِه وهو معهم ‪ :‬هّبتْ ذات يومٍ عاصفةٌ عاتية ‪ ،‬حلت رمال الصحراءِ‬
‫ت با البحر البيض التوسط ‪ ،‬ورمتْ با وادي الرون ف فرنسا ‪ ،‬وكانت العاصفة حارةً‬ ‫وعب ْ‬
‫شديدةً الرارةِ ‪ ،‬حت أحسستُ كأنّ شعْر رأسي يتزعزعُ من منابتِهِ لفرطِ وطأةِ الرّ ‪،‬‬
‫فأحسستُ من فرطِ الغيظِ كأنن مدفوعٌ إل النون ‪ ،‬ولكنّ العرب ل يشكوا إطلقا ‪ ،‬فقد‬
‫ل تحزن‬
‫‪307‬‬
‫هزّوا أكتافهم وقالوا ‪ :‬قضاءٌ مكتوبٌ ‪ .‬واندفعوا إل العمل بنشاطٍ ‪ ،‬وقال رئيسُ القبيلةِ الشيخُ‬
‫‪ :‬ل نفقدِ الشيء الكثي ‪ ،‬فقد كنا خليقي بأن نفقد كلّ شيءٍ ‪ ،‬ولكن المدُ لِ وشكرا ‪،‬‬
‫فإن لدنيا نو أربعي ف الائة مِن ماشيِتنا ‪ ،‬وف استطاعِتنا أن نبدأ با عملنا من جديد ‪.‬‬
‫وثّة حادثةٌ أخرى ‪ ..‬فقدْ كنا نقطعُ الصحراء بالسيار ِة يوما فانفجر أحدُ الطارات ‪،‬‬
‫وكان الشائقُ قد نسي استحضار إطار احتياطيّ ‪ ،‬وتولن الغضبُ ‪ ،‬وانتابن القل ُق والمّ ‪،‬‬
‫وسألتُ صحب من العرابِ ‪ :‬ماذا عسى أن نفعل ؟ فذكّرون بأن الندفاع إل الغضبِ لن‬
‫لمْقِ ‪ ،‬ومنْ ث درجتْ بنا السيارة‬ ‫يُجدي فتيلً ‪ ،‬بل هو خليقٌ أن يدفع النسان إل الطيشِ وا ُ‬
‫وهي تري على ثلثة إطارات ليس إل ‪ ،‬لكنها ما لبثت أن ك ّفتْ عن السي ‪ ،‬وعلمت أن‬
‫البنين قد ن َفدَ ‪ ،‬وهناك أيضا ل تثرْ ثائرة أحدٍ م ْن رفاقي العرابِ ‪ ،‬ول فارقهُم هدوؤهم ‪،‬‬
‫بل مضوْا يذرعون الطريق سيا على القدامِ ‪ ،‬وهم يترنّمون بالغناءِ !‬
‫قد أقنعتن العوامُ السبعةُ الت قضيتُها ف الصحراءِ بي العرابِ الرحّلِ ‪ ،‬أنّ اللتاثي ‪،‬‬
‫ومرضى النفوسِ ‪ ،‬والسكيين ‪ ،‬الذين تفلُ بم أمريكا وأوربة ‪ ،‬ما هم إل ضحايا الدين ِة الت‬
‫تتخذُ السرعة أساسا لا ‪.‬‬
‫ش ف الصحراءِ ‪ ،‬بل هنالك ف جنةِ الِ ‪،‬‬ ‫إنن ل أعانِ شيئا من القلق قطّ ‪ ،‬وأنا أعي ُ‬
‫س يهزؤون بالبي ِة الت يؤمن با العرابُ‬ ‫وجدتُ السكينة والقناعة والرضا ‪ ،‬وكثيون من النا ِ‬
‫‪ ،‬ويسخرون من امتثاِلهِم للقضاءِ والقدرِ ‪.‬‬
‫ولكن م ْن يدري ؟ فلعلّ العراب أصابُوا كبِد القيقة ‪ ،‬فإن إذ أعو ُد بذاكرت إل‬
‫الوراءِ ‪ ..‬وأستعرضُ حيات ‪ ،‬أرى جليا أنا كانت تتشكّلُ ف فتراتٍ متباعدةٍ تبعا لوادث‬
‫تطرأ عليها ‪ ،‬ول تك ْن قطّ ف الُسبانِ أو ما أستطيعُ له دفعا ‪ ،‬والعربُ يطلقون على هذا‬
‫اللون من الوادث اسم ‪ « :‬قدَر » أو « ِقسْمة» أو « قضا ُء الِ » ‪ ،‬وسّه أنت ما شئت ‪.‬‬
‫وخلصةُ القولِ ‪ :‬إنن بعد انقضاءِ سبعةَ عشر عاما على مغادرت الصحراء ‪ ،‬ما زلتُ‬
‫أتذ موقف العربِ حيال قضا ِء الِ ‪ ،‬فأقابلُ الوادث الت ل حيلة ل فيها بالدوء والمتثال‬
‫ل تحزن‬
‫‪308‬‬
‫والسكينة ‪ ،‬ولقد أفلحت هذه الطباعُ الت اكتسبتُها من العرب ف تدئِة أعصاب أكثر ما تفلحُ‬
‫ت والعقاقيِ ! ‪...‬اهـ ‪.‬‬ ‫آلف السكّنا ِ‬
‫أقولُ ‪ :‬إن أعراب الصحراءِ تلقّنُوا هذا القّ من مشكا ِة ممدٍ وإن خلصة رسالةِ‬
‫العصومِ هي إنقاذ الناسِ من التّيهِ ‪ ،‬وإخراجِهم من الظلماتِ إل النورِ ‪ ،‬ونفْضِ الترابِ عن‬
‫رؤوسِهم ‪ ،‬ووض ِع الصارِ والغللِ عنهم ‪ .‬إ ّن الوثيقة الت بُعِث با رسولُ الُدى فيها‬
‫أسرا ُر الدوءِ والمنِ ‪ ،‬وبا معالُ النجاةِ من الخفاق ‪ ،‬فهي اعترافٌ بالقضاء وعمل بالدليل ‪،‬‬
‫ووصول إل غاية ‪ ،‬وسعي إل ناة ‪ ،‬وكدح بنتيجة ‪ .‬إن الرسالة الربانية جاءت لتحدد لك‬
‫موقعك ف الكون الأنوس ‪ ،‬ليسكن خاطرك ‪ ،‬ويطمئن قلبك ‪ ،‬ويزول هك ‪ ،‬ويزكو‬
‫عملك ‪ ،‬ويمُل خلقك ‪ ،‬لتكون العبد الثال الذي عرف سرّ وجوده ‪ ،‬وأدرك القصد من‬
‫نشأته ‪.‬‬
‫***************************************‬
‫النهج وَسَط‬
‫﴿ وَ َكذَلِكَ َجعَلْنَا ُكمْ ُأ ّمةً وَسَطا﴾ ‪.‬‬
‫السعادة ف الوَ َسطِ ‪ ،‬فل غُُلوّ ول جَفَاءَ ‪ ،‬ول إفراط ول تفريط ‪ ،‬وإن الوسطيّة مِنْه ٌج‬
‫ربّانّ حيدٌ ين ُع العبد من الَْيفِ إل أحدِ الطرفيْن ‪ .‬إن من خصائصِ السلمِ أنه دينُ وسطٍ ‪،‬‬
‫ت العَمَلِ ‪ ،‬والنصرانيةِ الت‬‫فهو وسطٌ بي اليهودي ِة والنصرانيةِ ‪ :‬اليهودي ِة الت حلتِ العِلمِ وألغ ِ‬
‫سدِ ‪ ،‬والعقلِ‬ ‫لَ‬‫غالتْ ف العبادةِ واطّرحتِ الدليل ‪ ،‬فجاء السلمُ بالعِ ْلمِ وال َعمَلِ ‪ ،‬والروحِ وا َ‬
‫والنقلِ ‪.‬‬
‫وإن مّا يسعدُك ف حياتِك الوسطية ‪ ،‬الوسطيةُ ف عبادتِك ‪ :‬فل ت ْغ ُل فتنهك جسمك‬
‫وتقضي على نشاطك ومداومتِك‪ ،‬ول تف فتطرح النوافل وتدش الفرائض وتركن إل‬
‫التسويقِ ‪ .‬وف إنفاقكِ ‪ :‬فل تتلفْ أموالك وتلكْ دخلك فتبقى حسيا ُممْلِقا ‪ ،‬ول تسكْ‬
‫عطاءك وتبخلْ بنوالك ‪ ،‬فتبقى ملوما مروما ‪ .‬ووسطٌ ف خلقِك ‪ :‬بي الدّ الفرطِ واللّيِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪309‬‬
‫ك التهافتِ ‪ ،‬بي العزلةِ الوحشةِ واللطةِ الزائدةِ على‬
‫ل والضح ِ‬
‫التداعي ‪ ،‬بي العبوسِ الكا ِ‬
‫الدّ ‪.‬‬
‫إنّه مِنه ُج العتدالِ ف أخ ِذ المورِ ‪ ،‬والكمِ على الشياءِ ‪ ،‬ومعاملةِ الخرين ‪ ،‬فل‬
‫زيادة يطفو با كيْلُ القِيمِ ‪ ،‬ول نقْص يضمحلّ به أصلُ اليْر ‪ ،‬لن الزيادة ترفٌ وسَرفٌ ‪،‬‬
‫حقّ ِبِإذِْنهِ وَال ّلهُ‬
‫والنقص جفاءٌ و‘حفاءٌ ‪َ ﴿ :‬فهَدَى ال ّلهُ اّلذِينَ آمَنُواْ ِلمَا اخَْت َلفُواْ فِيهِ ِمنَ اْل َ‬
‫صرَاطٍ ّمسْتَقِيمٍ ﴾ ‪.‬‬
‫َيهْدِي مَن َيشَاءُ إِلَى ِ‬
‫إنّ السنة بي السيّئتي ‪ :‬سيئة الفراط وسيئة التفريط ‪ ،‬وإن اليْر بي الشرّين ‪ :‬ش ّر‬
‫الغُُلوّ وشرّ الجافاةِ ‪ ،‬وإن القّ بي الباطليِ ‪ :‬باطلِ الزيادةِ وباطلِ النقصِ ‪ ،‬وإن السعادة بي‬
‫الشقاءين ‪ :‬شقاءِ التهورِ وشقاءِ النكوصِ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫ل هذا ول هذا‬
‫يقولُ مطرّف بنُ عبدال ‪ :‬أش ّر السّيْرِ القحقة ‪ .‬وهو الذي يتهد ف السيِ حت يضرّ‬
‫بنفسهِ ودابتِه ‪ .‬وف الديثِ ‪ (( :‬شرّ الرّعاء الُ َط َمةُ )) ‪ .‬وهو الذي يتعسّ ُ‬
‫ف ف وليتِه لهلِه‬
‫أو من وله الُ شأنه ‪ .‬إن الكرم بي السرافِ والبخلِ ‪ ،‬وإن الشجاعة بي البِ والتهورِ ‪،‬‬
‫وإن اللم بي الدّةِ والتبلّد ‪ ،‬وإن البسمة بي العبوس والضحك ‪ ،‬وإن الصب بي القسوة‬
‫والزعِ ‪ ،‬وللغلوّ دواءٌ هو التخفيفُ من هذا الغلوّ ‪ ،‬وإطفاءُ شيءٍ من هذا اللهيب الحرق‬
‫وللجفاءِ دواء هو سوْطُ عزمٍ ‪ ،‬وومضةُ ِهمّة ‪ ،‬وبارقةُ من رجاءٍ ‪ ﴿ ،‬اهدِنَــــا الصّرَاطَ‬
‫‪.‬‬ ‫وَلَ الضّاّليَ ﴾‬
‫ب عَلَي ِهمْ‬
‫ت عَلَي ِهمْ غَيِ الَغضُو ِ‬
‫صرَاطَ اّلذِينَ أَنعَم َ‬
‫الُسَتقِيمَ{‪ِ }6‬‬
‫*******************************‬

‫وقفـــــةٌ‬
‫ل تحزن‬
‫‪310‬‬
‫« ليس ف الوجود شيءٌ أصعبُ من الصبِ ‪ ،‬إما عن الحبوبِ‪ ،‬أو على الكروهاتِ‪.‬‬
‫وخصوصا إذا امتدّ الزمان ‪ ،‬أو وقع اليأسُ من الفرجِ ‪ .‬وتلك الد ُة تتاجُ إل زادٍ يُقطعُ به‬
‫سفرُها ‪ ،‬والزاد يتنوعُ من أجناسٍ ‪:‬‬
‫فمنه ‪ :‬تلمّحُ مقدارِ البلءِ ‪ ،‬وقد يكنُ أن يكون أكثر ‪.‬‬
‫ومنه ‪ :‬أنه ف حا ِل فوقها أعظمُ منها ‪ ،‬مثل أن يُبتلى بف ْقدِ ولدٍ وعنده أعزّ منه ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬رجاء العِو ِ‬
‫ض ف الدنيا ‪.‬‬
‫ومنه ‪ :‬تلمّح الجرِ ف الخرةِ ‪ .‬ومنه ‪ :‬التلذّذُ بتصويرِ الدحِ والثناءِ من اللْ ِق فيما‬
‫يدحون عليه ‪ ،‬والجرُ من القّ عزّ وجلّ ‪.‬‬
‫ومن ذلك ‪ :‬أن الزع ل يفيدُ ‪ ،‬بل يفضحُ صاحِبهُ ‪.‬‬
‫إل غيْرِ ذلك من الشياء الت يقدحُها العقلُ والفكرُ ‪ ،‬فليس ف طري ِق الصبِ نفقةٌ سواها‬
‫‪ ،‬فينبغي للصابرِ أن يشغل با نفسه ‪ ،‬ويقطع با ساعاتِ ابتلئِ ِه » ‪.‬‬
‫*********************************************‬
‫َمنْ هُمُ الولياءُ‬
‫من صفات الولياء ‪ :‬انتظارُ الذانِ بالشواقِ ‪ ،‬والتّهاُفتُ على تكبيةِ الحرامِ ‪ ،‬وال َولَهُ‬
‫بالصفّ الوّلِ ‪ ،‬ومداومةِ اللوسِ ف الروضةِ ‪ ،‬وسلم ُة الصدرِ ‪ ،‬وظهورُ مراسيمِ السّنّةِ ‪،‬‬
‫وكثرةُ الذّكرِ ‪ ،‬وأكل الللِ ‪ ،‬وتركُ ما ل يعن ‪ ،‬والرضا بالكفافِ ‪ ،‬وتعّلمُ الح ِي كتابا‬
‫وسنةً ‪ ،‬وطلقةُ ا ُلحَيّا ‪ ،‬والتو ّجعُ لصائب السلمي ‪ ،‬وتركُ اللفِ ‪ ،‬والصبُ للشدائدِ ‪ ،‬وبذْلُ‬
‫العروفِ ‪.‬‬
‫التوسطُ ف العيشةِ أفضلُ ما يكونُ ‪ ،‬فل غن مطغيا ول فقرا منسيا ‪ ،‬وإنا ما كفى‬
‫وشفى ‪ ،‬وقضى الغرض ‪ ،‬وأتى بالقصودِ ف العيشةِ ‪ ،‬فهو أجلّ العيشِ عائدةً ‪ ،‬وأحسنُ‬
‫القوتِ فائدةً ‪.‬‬
‫والكفايةُ ‪ :‬بيتٌ تسكُنهُ ‪ ،‬وزوجةٌ تأوي إليها ‪ ،‬ومركبٌ َحسَنٌ ‪ ،‬وما يكفي من الالِ‬
‫لسدّ الاجةِ وقضا ِء اللزمِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪311‬‬
‫********************************‬
‫الُ لطيفٌ بعبادِهِ‬
‫أخبن أحدُ أعيانِ مدين ِة الرياضِ أنه ف عام ‪ 1376‬هـ ‪ ،‬ذهب مموعةٌ من البحارةِ‬
‫من أهلِ البيلِ إل البحرِ ‪ ،‬يريدون اصطياد السمكِ ‪ ،‬ومكثوا ثلثة أيام بلياليهنّ ل يصلُوا‬
‫على سكةٍ واحدةٍ ‪ ،‬وكانوا يصلون الصلواتِ المس ‪ ،‬وبانبهم مموعةٌ أخرى ل تسجدُ لِ‬
‫سجدةً ‪ ،‬ول تصلّي صلةً ‪ ،‬وإذا هم يصيدون ‪ ،‬ويصلون على طلبِهم من هذا البحرِ ‪ ،‬فقال‬
‫بعضُ هؤلءِ الجموعةِ ‪ :‬سبحان الِ ! نن نصلي لِ عزّ وجلّ صلةٍ ‪ ،‬وما حصلْنا على شيءٍ‬
‫من الصيدِ ‪ ،‬وهؤلء ل يسجدون لِ سجد ًة وها هو صيدُهم !! فوسوس لم الشيطانُ بتركِ‬
‫الصلةِ ‪ ،‬فتركُوا صلة الفجرِ ‪ ،‬ث صلة الظهرِ ‪ ،‬ث صلة العصرِ ‪ ،‬وبعد صلةِ العصرِ أتوْا إل‬
‫البحرِ فصادُوا سكةً ‪ ،‬فأخرجُوها وبقرُوا بطنها ‪ ،‬فوجدُا فيها لؤلؤةً ثينةً ‪ ،‬فأخذها أحدُهم‬
‫بيدِه ‪ ،‬وقلّبها ونظر إليها ‪ ،‬وقال ‪ :‬سبحان الِ ! لا أطْعنا ال ما حصلنا عليها ‪ ،‬ولا عيناه‬
‫حصلْنا عليها !! إن هذا الرزق فيه نظرٌ ‪ .‬ث أخذ اللؤلؤة ورمى با ف البحرِ ‪ ،‬وقال ‪ :‬يعوضُنا‬
‫الُ ‪ ،‬والِ ل آخذُها وقد حصلتْ لنا بعد أن تركْنا الصلة ‪ ،‬هيا ارتلُوا بنا من هذا الكان‬
‫الذي عصينا ال فيه ‪ ،‬فارتلُوا ما يقاربُ ثلثة أميالٍ ‪ ،‬ونزلُوا هناك ف خيمتِهم ‪ ،‬ث اقتربُوا من‬
‫البحرِ ثانية ‪ ،‬فصادُوا سكة الكنعد ‪ ،‬فبقروا بطنها فوجدوا اللؤلؤة ف بطنِ تلك السمكةِ ‪،‬‬
‫وقالوا ‪ :‬المدُ لِ الذي رزقنا رزقا طيبا ‪ .‬بعد أ ْن بدؤوا يصلّون ويذكرون ال ويستغفرونه ‪،‬‬
‫فأخذوا اللؤلؤة ‪ .‬اهـ ‪.‬‬
‫فانظرْ كيف كان منْ ذي قبل ‪ ،‬ف وقت معصيةٍ ‪ ،‬وكان رزقا خبيثا ‪ ،‬وانظر كيف‬
‫أصبح الن ف وقتِ طاعةٍ ‪ ،‬وأصبح رزقا طيبا ‪ ﴿ .‬وََلوْ أَّنهُمْ رَضُوْاْ مَا آتَا ُهمُ ال ّلهُ َورَسُوُلهُ‬
‫‪.‬‬ ‫رَاغِبُونَ ﴾‬ ‫وَقَالُواْ َحسْبُنَا ال ّلهُ سَيُؤْتِينَا ال ّلهُ مِن َفضْ ِلهِ وَرَسُوُلهُ إِنّا إِلَى ال ّلهِ‬
‫ف الِ ‪ ،‬ومن ترك شيئا لِ عوّضه الُ خيا منه ‪.‬‬
‫إنه لط ٌ‬
‫يذكّرن هذا بقصةٍ لعليّ – رضي ال عنه ‪ ، -‬وقد دخل مسجد الكوفةِ ليصلي ركعت‬
‫الضحى ‪ ،‬فوجد غلما عند البابِ ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا غلمُ ‪ ،‬احبسْ بغلت حت أصلي ‪ .‬ودخل عليّ‬
‫ل تحزن‬
‫‪312‬‬
‫السجد ‪ ،‬يريدُ أن يعطي هذا الغلم درها ‪ ،‬جزاء حبْسه للبغلةِ ‪ ،‬فلما دخل عليّ السجد ‪،‬‬
‫أتى الغلم إل خطا ِم البغلةِ ‪ ،‬فاقتلعه منْ رأسِها وذهب به إل السوقِ ليبيعه ‪ ،‬وخرج عل ّي فما‬
‫وجد الغلم ‪ ،‬ووجد البغلة بل خطامٍ ‪ ،‬فأرسل رجلً ف أث ِرهِ ‪ ،‬وقال ‪ :‬اذهبْ إل السوقِ ‪،‬‬
‫لعلّه يبيعُ الطام هناك ‪ .‬وذهب الرجلً ‪ ،‬فوجد هذا الغلم ي ّرجُ على الطامِ ‪ ،‬فشراه‬
‫بدرهمٍ ‪ ،‬وعاد يبُ عليا ‪ ،‬قال سبحان ال ! والِ لق ْد نويتُ أن أعطيهَ درها حللً ‪ ،‬فأب إل‬
‫أنْ يكون حراما ‪.‬‬
‫إنه لطفُ ال عزّ وجلّ ‪ ،‬يلحقُ عباده أينما سارُوا وأينما حلّوا وأينما ارتلُوا ‪َ ﴿ :‬ومَا‬
‫تَكُونُ فِي َشأْنٍ َومَا تَتْلُو مِ ْنهُ مِن ُقرْآنٍ وَلَ َت ْعمَلُونَ ِمنْ عَمَلٍ إِلّ كُنّا عَلَيْ ُكمْ ُشهُودا ِإذْ‬
‫سمَاء ﴾ ‪.‬‬
‫ب عَن رّبّكَ مِن مّ ْثقَالِ ذَرّةٍ فِي الَ ْرضِ وَلَ فِي ال ّ‬
‫ُتفِيضُونَ فِيهِ َومَا َي ْعزُ ُ‬
‫********************************************‬
‫سبُ ﴾‬
‫حتَ ِ‬
‫﴿ َوَي ْرزُقْهُ ِمنْ َح ْيثُ لَا يَ ْ‬
‫وقد َذكَ َر التنوخيّ ف كتابهِ «الفَ َرجِ بعد الشّدّ ِة » ما يناسبُ هذا القام ‪ :‬أن رج ً‬
‫ل‬
‫ضاقتْ عليه الِيلُ ‪ ،‬وأُغلقتْ عليه أبوابُ العيشةِ ‪ ،‬وأصبح ذات يومٍ هو وأهلُه ل شيء ف‬
‫بيتهم ‪ ،‬قال ‪ :‬فبقيت أنا وأهلي اليوم الول جوْعى وف الثان ‪ ،‬فلما دنتِ الشمسُ للمغيبِ ‪،‬‬
‫س لنا رزقا أو طعاما أو أكلً ‪ ،‬فقد أشرفْنا على الوتِ‬ ‫قالت ل زوجت ‪ :‬اذهبْ وانطل ْق والتم ْ‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬فتذكّرتُ امرأةً قريبة ل ‪ ،‬فذهبتُ إليها وأخبتُها الَبَرَ ‪ ،‬قالت ‪ :‬ما ف بيتِنا إل هذهِ‬
‫السمكةُ وقد أنتنتْ ‪ .‬قلتُ ‪ :‬عليّ با ‪ ،‬فإنا قد أشرفْنا على اللكِ ‪ .‬وذهبتُ با وبقرتُ بطنها‬
‫‪ ،‬فأخرجتُ منها لؤلؤةً بعتُها بآلفِ الدنانيِ ‪ ،‬وأخبتُ قريبت ‪ ،‬قالتْ ‪ :‬ل آخذُ معكم إل‬
‫قسمي ‪ .‬قال ‪ :‬فاغتنيتُ فيما بعدُ ‪ ،‬وأثّثتُ من ذلك بيت ‪ ،‬وأصلحتُ حال ‪ ،‬وتوسّعتُ ف‬
‫ف الِ سبحانه وتعال ليس غيَهُ ‪.‬‬ ‫رزقي ‪ .‬فهو لط ُ‬
‫﴿ َومَا بِكُم مّن ّن ْع َمةٍ َفمِنَ ال ّلهِ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ ِإذْ َتسْتَغِيثُونَ رَبّ ُكمْ فَاسَْتجَابَ لَ ُكمْ ﴾ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫ل تحزن‬
‫‪313‬‬
‫﴿ وَهُ َو الّذِي ُيَنزّلُ الْ َغيْثَ ﴾‬
‫حدّثنا أحدُ الفضلءِ من العُبّادِ ‪ :‬أنه كان بأهلِه ف الصحراءِ ‪ ،‬ف جهةِ الباديةِ ‪ ،‬وكان‬
‫عابدا قانتا منيبا ذاكرا لِ ‪ .‬قال ‪ :‬فانقطعتْ الياهُ الجاورةُ لنا ‪ ،‬وذهبتُ ألتمسُ ماءً لهلي ‪،‬‬
‫فوجدتُ أن الغدير قد جفّ ‪ ،‬فعُدتُ إليهم ‪ ،‬ث التمسْنا الاء يْن ًة ويسْرَةً ‪ ،‬قلم ندْ ولو قطرةً ‪،‬‬
‫وأدركنا الظمأُ ‪ ،‬واحتاج أطفال للماء ‪ ،‬فتذكرتُ ربّ العزةِ – سبحانه‪ -‬القريب الجيب ‪،‬‬
‫ت يديّ وبكيتُ ‪ ،‬وسالتْ‬ ‫فقمتُ فتيمّمتُ ‪ ،‬واستقبلتُ القبلة وصلّيتُ ركعتي ‪ ،‬ث رفع ُ‬
‫ت قوله ‪َ ﴿ :‬أمّن ُيجِيبُ اْل ُمضْ َطرّ ِإذَا دَعَاهُ‪﴾.....‬‬
‫ت ال بإلاحٍ ‪ ،‬وتذكر ُ‬
‫دموعي ‪ ،‬وسأل ُ‬
‫الية ‪ ،‬ووالِ ما هو إل أن قمتُ من مقامي ‪ ،‬وليس ف السماء من سحاب ول غيْم ‪ ،‬وإذا‬
‫بسحابة قد توسّطتْ مكان ومنل ف الصحراءِ ‪ ،‬واحتكمتْ على الكان ‪ ،‬ث أنزلتْ ماءها ‪،‬‬
‫ت الغدرانُ من حولِنا وعن ييننا وعن يسارِنا ‪ ،‬فشرْبنا واغتسْلنا وتوضأنا ‪ ،‬وحدْنا ال‬
‫فامتل ِ‬
‫سبحانه وتعال ‪ ،‬ث ارتلتُ قليلً خلْف هذا الكان ‪ ،‬وإذا الدْبُ والقحطُ ‪ ،‬فعلمتُ أن ال‬
‫ت ال عزّ وجلّ ‪َ ﴿ :‬وهُوَ اّلذِي يَُنزّلُ اْلغَيْثَ مِن َب ْعدِ مَا قَنَطُوا‬
‫ساقها ل بدعائي ‪ ،‬فحمد ُ‬
‫حمِيدُ ﴾ ‪.‬‬
‫شرُ رَ ْحمََتهُ َوهُوَ الْوَلِيّ اْل َ‬
‫وَيَن ُ‬
‫ق ول يهدي‬ ‫إنه لبدّ أن نلحّ على الِ سبحانه وتعال ‪ ،‬فإنه ل ُيصِْل ُح النفس ‪ ،‬ول يرز ُ‬
‫ي ول يغيثُ ‪ ،‬إلّ هو سبحانه وتعال ‪ .‬والُ ذكَرَ أحدَ أنبيائه‬‫‪ ،‬ول يوفّ ُق ول يثّبتُ ‪ ،‬ول يع ُ‬
‫ص َلحْنَا َلهُ َزوْ َجهُ إِّن ُهمْ كَانُوا ُيسَا ِرعُونَ فِي اْلخَ ْيرَاتِ وََي ْدعُونَنَا َرغَبا وَ َرهَبا‬
‫فقال ‪ ﴿ :‬وَأَ ْ‬
‫وَكَانُوا لَنَا خَا ِش ِعيَ ﴾ ‪.‬‬
‫************************************‬
‫عوّضهُ الُ خيا منهُ‬
‫ذكر اب ُن رجب وغيُه أ ّن رجلً من العُبّا ِد كان ف مكة ‪ ،‬وانقطعتْ نفقتُه ‪ ،‬وجاع‬
‫جوعا شديدا ‪ ،‬وأشرف على اللكِ ‪ ،‬وبينما هو يدورُ ف أحدِ أزقّةِ مكة إذ عثر على عِ ْقدِ‬
‫ثيٍ غالٍ نفيسٍ ‪ ،‬فأخذه ف كمّه وذهب إل الَرَمِ وإذا برجلٍ ينشدُ عن هذا العقد ‪ ،‬قال ‪:‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪314‬‬
‫فوصفه ل ‪ ،‬فما أخطأ من صفتِه شيئا ‪ ،‬فدفعتُ له العِقْد على أن يعطين شيئا ‪ .‬قال ‪ :‬فأخذ‬
‫العقد وذهب ‪ ،‬ل يلوي على شيء ‪ ،‬وما سلّمن درها ول نقيا ول قطميا ‪ .‬قلتُ ‪ :‬اللهمّ‬
‫إن تركتُ هذا لك ‪ ،‬فعوّضن خيا منه ‪ ،‬ث ركب جهة البح ِر فذهب بقاربٍ ‪ ،‬فهّبتْ ريحٌ‬
‫هوجاءُ ‪ ،‬وتصدّع هذا القاربُ ‪ ،‬وركب هذا الرجل على خشبةٍ ‪ ،‬وأصبح على سطحِ الاءِ‬
‫تلعبُ به الريح يَْنةً وَيسْرَةً ‪ ،‬حت ألقتْه إل جزيرةِ ‪ ،‬ونَزلَ با ‪ ،‬ووجد با مسجدا وقوما‬
‫يصلّون فصلّى ‪ ،‬ث وجد أوراقا من الصحفِ فأخذ يقرأ ‪ ،‬قال أهل تلك الزيرةِ ‪ :‬أئنك تقرأ‬
‫القرآن ؟ قلتُ ‪ :‬نعمْ ‪ .‬قالوا ‪ :‬عّلمْ أبناءنا القرآن ‪ .‬فأخذتُ أعلّمهم بأجرةٍ ‪ ،‬ث كتبتُ خطا ‪،‬‬
‫قالوا ‪ :‬أتعلّم أبناءنا الطّ ؟ قلتُ ‪ :‬نغم ‪ .‬فعلّمتُهم بأجرةٍ ‪.‬‬
‫ث قالوا ‪ :‬إن هنا بنتا يتيم ًة كانت لرجلٍ منا فيه خيْرٌ وتُوفّي عنها‪ ،‬هل لك أن‬
‫تتزوجها؟ قلتُ‪ :‬ل بأس‪ .‬قال‪ :‬فتزوجتُها ‪ ،‬ودخلتُ با فوجدتُ العقْد ذلك بعينهِ بعنقِها ‪.‬‬
‫قلتُ‪ :‬ما قصةُ هذا العقدِ ؟ فأخبتِ الََبرَ ‪ ،‬وذكرتْ أن أباها أضاعه ف مكة ذات يوم‪،‬‬
‫فوجده رجلٌ فسلّمه إليه ‪ ،‬فكانَ أبوها يدعو ف سجودِه ‪ ،‬أن يرزق ابنته زوجا كذلك الرجل‬
‫‪ .‬قال ‪ :‬فأنا الرجلُ ‪.‬‬
‫فدخل عليه العِ ْقدُ بالللِ ‪ ،‬لنه ترك شيئا لِ ‪ ،‬فعوّضه ال خيا منه (( إنّ ال طيبٌ‬
‫ل يقبلُ إلّ طيّبا )) ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫إذا سألت فاسألِ ال‬
‫إنّ لطف الِ قريبٌ ‪ ،‬وإنه سيعٌ ميبٌ ‪ ،‬وإن التقصي منا ‪ ،‬إننا باجةٍ ماسّةٍ إل أن نلحّ‬
‫وندعوه ‪ ،‬ول َنمَلّ نسأمُ ‪ ،‬ول يقولُ أحدنا ‪ :‬دعوتُ دعوتُ فلم يُستجبْ ل ‪ .‬بل نرّغُ‬
‫وجوهنا ف الترابِ ‪ ،‬ونتفُ ‪ ،‬ونلظّ بـ (( يا ذا الللِ والكرامِ )) ‪ ،‬ونعيدُ ونبدئُ تلك‬
‫الساءِ السن والصفاتِ العُلى ‪ ،‬حت ييبَ الُ سبحانه وتعال طلبنا ‪ ، ،‬أو يتار لنا خبةً من‬
‫ضرّعا وَ ُخفْيَةً ﴾ ‪.‬‬
‫عنده سبحانه وتعال ﴿ ا ْدعُواْ رَبّ ُكمْ َت َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪315‬‬
‫ذكر أحدُ الدعاةِ ف بعضِ رسائِله أن رجلً مسلما ذهب إل إحدى الدول والتجأ‬
‫بأهِله إليها ‪ ،‬وطلب بأن تنحه جنسية ‪ ،‬فأغلقتْ ف وجههِ البوابُ ‪ ،‬وحاول هذا الرجل كلّ‬
‫الحاولةِ ‪ ،‬واستفرغ جهده ‪ ،‬وعرضَ المرَ على كلّ معارفِه ‪ ،‬فبارتِ الِيَلُ ‪ ،‬و ُسدّتِ السبل ‪،‬‬
‫ث لقي عالا ورِعا فشكا إليه الال ‪ ،‬قال ‪ :‬عليك بالثلث الخيِ من الليلِ ‪ ،‬ادع مولك ‪ ،‬فإنه‬
‫اليسرُ سبحانه وتعال – وهذا معناه ف الديث ‪ (( :‬إذا سألتَ فاسألِ ال ‪ ،‬وإذا استعنت‬
‫فاستعنْ بال ‪ ،‬واعلمْ أن المة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ ‪ ،‬ل ينفعوك إل بشي ٍء قد‬
‫كتبه الُ لك )) – قال هذا الرجل ‪ :‬فوالِ لقد تركتُ الذهاب إل الناس ‪ ،‬وطلب الشفاعات‬
‫‪ ،‬وأخذتُ أداومُ على الثلث الخي كما أخبن هذا العالِم ‪ ،‬وكنتُ أهتفُ لِ ف السّح ِر‬
‫وأدعوه ‪ ،‬فما هو إل بعد أيام ‪ ،‬وتقدّمتُ بعروضٍ عادي ول أجعل بين وبينهم واسطة ‪،‬‬
‫فذهب هذا الطابُ ‪ ،‬وما هو إل أيام وفوجْئتُ ف بيت ‪ ،‬وإذ أنا أُدعى وأسّلمُ النسية ‪،‬‬
‫وكانت ف ظروفٍ صعبةٍ ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫﴿ اللّهُ َلطِيفٌ بِ ِعبَا ِدهِ ﴾‬
‫الدقائقُ الغاليةُ ‪:‬‬
‫ذكر التنوخيّ ‪ :‬أن أحدُ الوزرا ِء ف بغداد – وقد سّاه – اعتدى على أموالِ امرأ ٍة‬
‫عجوزٍ هناك ‪ ،‬فسلبها حقوقها وصادر أملكها ‪ ،‬ذهبتْ إليه تبكي وتشتكي من ظلمِه وجوْزِه‬
‫‪ ،‬فما ارتدع وما تاب وما أناب ‪ ،‬قالت ‪ :‬لدعو ّن ال عليك ‪ ،‬فأخذ يضحكُ منها باستهزاءٍ ‪،‬‬
‫ث الخيِ من الليل ‪ .‬وهذا لبوتِه وفسْقِه يقول باستهزاءٍ ‪ ،‬فذهبتْ‬ ‫وقال ‪ :‬عليك بالثل ِ‬
‫ت قصيٌ إذ عُزِل هذا الوزيرُ وسُلبتْ أموالُه ‪،‬‬‫وداومتْ على الثلثِ الخي ‪ ،‬فما هو إل وق ٌ‬
‫وأُخذ عقارُه ‪ ،‬ث أُقيم ف السوقِ يُجلدُ تعزيرا له على أفعالِه بالناسِ ‪ ،‬فمرّتْ به العجوزُ ‪،‬‬
‫فقالتْ له ‪ :‬أحسنتَ! لقد وصفت ل الثلث الخي من الليلِ ‪ ،‬فوجدتُه أحسنَ ما يكونُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪316‬‬
‫إنّ ذاك الثلث غالٍ منْ حياتِنا ‪ ،‬نفيسٌ ف أوقاتنا ‪ ،‬يوم يقولُ ربّ العزةِ ‪ (( :‬هلْ منْ‬
‫سائلٍ فأعطيه ‪ ،‬ه ْل منْ مستغفرٍ فأغفرَ له ‪ ،‬هلْ م ْن داعٍ فأجيبه )) ‪.‬‬
‫لقد عشتُ ف حيات على أن شابّ ‪ .‬وسعتُ ساعاتٍ وأثر ف حيات حادثاتٌ ل‬
‫أنساها أبد الدهرِ ‪ ،‬وما وجدتُ أقرب من القريبِ ‪ ،‬عنده الفرجُ ‪ ،‬وعنده الغوْثُ ‪ ،‬وعنده‬
‫اللطفُ سبحانه وتعال ‪.‬‬
‫ارتلتُ مع نَفَرٍ من الناسِ ف طائرٍة من أبا إل الرياضِ ف أثناءِ أزمةِ الليجِ ‪ ،‬فلما‬
‫أصبحْنا ف السماءِ أُخِبرْنا أننا سوف نعودُ مرةً ثانيةً إل مطارٍ أبا لللٍ ف الطائرِة ‪ ،‬وعدْنا‬
‫وأصلحُوا ما استطاعُوا إصلحه ‪ ،‬ث ارتلْنا مرةً أخرى ‪ ،‬فلما اقتربنا من الرياضِ أبتْ‬
‫العجلتُ أنْ تنل ‪ ،‬فأخذ يدورُ بنا على ساء الرياضِ ساعةً كاملةً ‪ ،‬وياولُ أكثر منْ عشْرِ‬
‫ماولتٍ يأت الطار وياو ُل البوط فل يستطيعُ ‪ ،‬فيتلُ مرةً أخرى ‪ ،‬وأصابنا اللعُ ‪ ،‬وأصاب‬
‫الكثي النيارُ ‪ ،‬وكثرُ بكاءُ النساءِ ‪ ،‬ورأيتُ الدموع تسيلُ على الدودِ ‪ ،‬وأصبحْنا بي السماءِ‬
‫ت كالعملِ‬‫والرضِ ننتظرُ الوت أقرب منْ ل ِح الَبصَرِ ‪ ،‬وتذكرتُ كلّ شيءٍ فما وجد ُ‬
‫ص الدنيا ‪،‬‬
‫الصالِ ‪ ،‬وارتل القلبُ إل الِ عزّ وجلّ وإل الخرةِ ‪ ،‬فإذا تفاهَةُ الدنيا ‪ ،‬ورخ ُ‬
‫وزهادةُ الدنيا ‪ ،‬وأخذْنا نكرّر ‪ (( :‬ل إله إل ال وحده ل شريك له ‪ ،‬له اللكُ وله المدُ‬
‫وهو كلّ شي ٍء قديرٌ )) ‪ ،‬ف هتافٍ صادقٍ ‪ ،‬وقام شيخٌ كبيٌ مسنّ يهتفُ بالناسِ أن يلجؤُوا‬
‫إل الِ وأنْ يدعوهُ ‪ ،‬وأنْ يستغفروهُ وأنْ ينيبُوا له ‪.‬‬
‫صيَ َل ُه الدّينَ﴾‪.‬‬
‫وقد ذكر اللُهِ عن الناسِ أنم‪َ ﴿ :‬فِإذَا رَكِبُوا فِي اْلفُلْكِ َدعَوُا ال ّلهَ ُمخْلِ ِ‬
‫ودعوْنا الذي ييبُ الضطر إذا دعاه ‪ ،‬وألحْنا ف الدعاءِ ‪ ،‬وما هو إل وقتٌ ‪ ،‬ونعودُ‬
‫للمرةِ الادية عشرة والثانية عشرة ‪ ،‬فنهبطُ بسلم ‪ ،‬فلما نزلْنا كأنا خرجْنا من القبورِ ‪،‬‬
‫ت الَبسَماتُ ‪ ،‬فما أعظم لطف الِ‬ ‫وعادتِ النفوسُ إل ما كانتْ ‪ ،‬وجفتِ الدموعُ ‪ ،‬وظهر ِ‬
‫سبحانه وتعال ‪.‬‬
‫فإنْ توّلتْ بليانا َنسِيَناهُ‬ ‫كمْ نطلبُ ال ف ضُرّ يِلّ بِنا‬
‫فإنْ رجعنا إل الشاطي عصيناهُ‬ ‫ندعوه ف البحرِ أنْ يُنْجي سفينتَنا‬
‫ل تحزن‬
‫‪317‬‬
‫وما سقطْنا لنّ الافظ الُ‬ ‫ونركبُ الوّ ف أمنٍ وف َدعَةٍ‬
‫ف الباري سبحانه وتعال ‪ ،‬وعنايتُه ‪ ،‬ليس إل ‪.‬‬‫إنهُ لط ُ‬
‫**************************************‬
‫« َمنْ َلنَا وقت الضائقةِ ؟ »‬
‫ذكرتْ جريدةُ « القصيم » ‪-‬وهي جريدةٌ قدي ٌة كانتْ تصدُر ف البلد‪ -‬ذكرتْ أن‬
‫شابّا ف دمشق حج َز ليسافرَ ‪ ،‬وأخب والدته أ ّن موعدَ إقلعِ الطائرةِ ف الساع ِة كذا وكذا ‪،‬‬
‫وعليها أ ْن توقظه إذا دنا الوقتُ ‪ ،‬ونام هذا الشابّ ‪ ،‬وسعتْ أمّه الحوال الوية ف أجهزةِ‬
‫العلمِ ‪ ،‬وأنّ الرياح هوجاءُ وأنّ الوّ غائمٌ ‪ ،‬وأنّ هناك عواصف رمليّةً ‪ ،‬فأشفقتْ على‬
‫وحيدها وبلتْ بابنها ‪ ،‬فما أيقظتْه أملً منها أن تفوته الرحلةُ ‪ ،‬لنّ الوّ ل يساعدُ على‬
‫السفرِ ‪ ،‬وخافْت م ْن الوضعِ الطارئِ ‪ ،‬فلما تأكّدتْ من ْ أنّ الرحلة قد فاتتْ ‪ ،‬وقد أقعلتِ‬
‫الطائرةُ بركّابِها ‪ ،‬أتتْ إل ابنِها توقظُه فوجدتْه ميّتا ف فراشِه ‪.‬‬
‫شهَادَةِ‬
‫﴿ قُلْ إِنّ اْلمَوْتَ اّلذِي َت ِفرّونَ مِ ْنهُ فَإِّنهُ مُلَاقِي ُكمْ ُثمّ ُت َردّونَ إِلَى عَاِلمِ اْلغَيْبِ وَال ّ‬
‫‪.‬‬ ‫كُنُتمْ َتعْمَلُونَ ﴾‬ ‫فَيُنَبّئُكُم ِبمَا‬
‫فرّ من الوتِ وف الوتِ َوقَع ‪.‬‬
‫وق ْد قالتِ العامةُ ‪ « :‬للناجي ف البحر طريقٌ » ‪.‬‬
‫وإذا حضر الجلُ فأيّ شيء يقت ُل النسان ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫منَ قصصِ الوتِ‬
‫ذكر الشيخُ علي الطنطاوي ف ساعاتِه ومشاهداتِه ‪ :‬أنه كان بأرضِ الشام رجلٌ له‬
‫سيارةُ لوري ‪ ،‬فركب معه رجلٌ ف ظه ِر السيارة ‪ ،‬وكان ف ظه ِر السيارة نَعشٌ مهيّأ للمواتِ‬
‫ت السماءُ وسال الا ُء فقام هذا الراكبُ‬
‫ع لوقتِ الاجةِ ‪ ،‬فأمطر ِ‬
‫‪ ،‬وعلى هذا النعش شرا ٌ‬
‫فدخل ف النعش وتغطّى بالشراعِ ‪ ،‬وركب آخ ُر فصعِد ف ظهرِ الشاحن ِة بانبِ النعشِ ‪ ،‬ول‬
‫ل تحزن‬
‫‪318‬‬
‫يعلمُ أنّ ف النعشِ أحدا ‪ ،‬واستمرّ نزو ُل الغيثِ ‪ ،‬وهذا الرج ُل الراكبُ الثان يظنّ أنه وحده‬
‫ف الغيثُ أم ل ؟‬ ‫ف ظهر السيارةِ ‪ ،‬وفجأةً يْخرج هذا الرجلُ يده من النعشِ ‪ ،‬ليى ‪ :‬هلْ ك ّ‬
‫ولا أخرج يده أخذ يلوحُ با ‪ ،‬فأخذ هذا الراكبُ الثانِ اللعُ والزعُ والوفُ ‪ ،‬وظنّ أن هذا‬
‫اليت قد عاد حيّا ‪ ،‬فنسي نفسه وسقط من السيارةِ ‪ ،‬فوقع على أمّ رأسهِ فمات ‪.‬‬
‫وهكذا كتب الُ أن يكون أجلُ هذا بذهِ الطريقةِ ‪ .‬وأنْ يكون الوتُ بذه الوسيلةِ ‪.‬‬
‫والنايا ِعبٌ أيّ ِعبْ‬ ‫كلّ شيءٍ بقضاءٍ وقدرْ‬
‫وعلى العبدِ أنْ يتذكّر دائما أنه يمِلُ الوت ‪ ،‬وأنه يسعى إل الوتِ ‪ ،‬وأنه ينتظرُ‬
‫الوت صباح مساء ‪ ،‬وما أحسن الكلمة الرائقة الرائعة الت قالا عليّ بنُ أب طالب – رضي‬
‫ت مقبلةً ‪ ،‬وإن الدنيا قد ارتلتْ ُمدْبِرة ‪،‬‬
‫الُ عنه – وهو يقولُ ‪ (( :‬إن الخرة قد ارتل ْ‬
‫فكونوا من أبناء الخرة ‪ ،‬ول تكونوا من أبناء الدنيا ‪ ،‬فإن اليوم عملٌ ول حسابُ ‪ ،‬وغدا‬
‫حسابٌ ول عملٌ )) ‪.‬‬
‫وهذا يفيدُنا أنّ على النسان أن يتهيّأ وأن يتجهزّ وأن يُصلح من حالِه ‪ ،‬وأن يُجدّد‬
‫توبته ‪ ،‬وأن يعلم أنه يتعاملُ مع ربّ كر ٍي قويٍ عظيمٍ لطيفٍ ‪.‬‬
‫إن الوت ل يستأذنُ على أحدٍ ‪ ،‬ول ياب أحدا ‪ ،‬ول ياملُ ‪ ،‬وليس للموت إنذارٌ‬
‫َومَا َتدْرِي َنفْسٌ ِبأَيّ َأ ْرضٍ َتمُوتُ﴾‬
‫مبكر يبُ به الناس‪َ ﴿ ،‬ومَا َتدْرِي َن ْفسٌ مّاذَا تَ ْكسِبُ غَدا‬
‫*****************************************‬
‫ستَقْدِمُونَ ﴾‬
‫ستَأْ ِخرُونَ َعنْهُ سَاعَةً َولَا تَ ْ‬
‫﴿ لّا تَ ْ‬
‫ذكر الطنطاويّ أيضا ف ساعاتِه ومشاهداتِه ‪ :‬أن باصا كان مليئا بالركاب ‪ ،‬وكان‬
‫ف لذا‬
‫سائقُه يلتفتُ َيمْنَ ًة ويسْرَةً ‪ ،‬وفجأة وقف ‪ ،‬فقال له الركابُ ‪ :‬لِم تقفُ ؟ قال ‪ :‬أق ُ‬
‫الشيخ الكبيِ الذي يُشيُ بيده ليكب معنا ‪ .‬قالوا ‪ :‬ل نرى أحدا ‪ ،‬قال ‪ :‬انظروا إليه ‪ .‬قالُوا ‪:‬‬
‫ل نرى أحدا ! قال ‪ :‬هو أقبل الن ليكب معنا ‪ .‬قالوا كلّهم ‪ :‬والِ ل نرى أحدا من‬
‫الناسِ ! وفجأة مات هذا السائقُ على مقعدِ سيارتِهِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪319‬‬
‫َفِإذَا جَاء أَجَ ُل ُهمْ لَ‬ ‫﴿‬ ‫ت وفاتُه ‪ ،‬وكان هذا سببا ‪،‬‬
‫لقدْ حضرتْ منيّتُه ‪ ،‬وحّل ْ‬
‫َيسْتَأْ ِخرُونَ سَاعَةً وَلَ َيسَْت ْق ِدمُونَ ﴾ ‪ ،‬إ ّن النسان يبُن من الخاوفِ ‪ ،‬وينخلعُ قلبه منِ مظانّ‬
‫النايا ‪ ،‬وإذا بالآمنِ تقتلُه ‪ ﴿ ،‬اّلذِينَ قَالُواْ لِخْوَاِن ِهمْ وَ َق َعدُواْ َلوْ أَطَاعُونَا مَا قُتِلُوا ُقلْ فَادْرَؤُوا‬
‫‪ .‬والعجيبُ فينا أننا ل نفكرُ ف لقا ِء الِ عزّ وجلّ ‪،‬‬ ‫﴾‬ ‫عَنْ أَن ُفسِكُمُ اْلمَوْتَ إِن كُنُتمْ صَادِقِيَ‬
‫ول ف حقارةِ الدنيا ‪ ،‬ول ف قص ِة الرتالِ منها إل ذا وقعْنا ف الخاوفِ ‪.‬‬
‫*************************************‬
‫حتِ الجسامُ بالعللِ‬
‫فربا ص ّ‬
‫ذكر أهلُ السيّرِ ‪ :‬أن رجلً أصابه الشللُ ‪ ،‬فأُقعد ف بيته ‪ ،‬ومرتْ عليه سنواتٌ طوا ٌل‬
‫من الللِ واليأسِ والحباطِ ‪ ،‬و َعجَزَ الطباءُ ف علجِه ‪ ،‬وبلّغوا أهله وأبناءه ‪ ،‬وف ذات يومٍ‬
‫ف منلِه ‪ ،‬ول يستطعْ أن يتحرك من مكانِه ‪ ،‬فأتتْ إل رأسِه‬ ‫نزلتْ عليه عقربٌ من سق ِ‬
‫وضربتْه برأسِها ضرباتٍ ولدغتْه لدغاتٍ ‪ ،‬فاهتزّ جسمُه من أخصِ قدميه إل مشاشِ رأسِه ‪،‬‬
‫وإذا بالياةُ تدبّ ف أعضائِه ‪ ،‬وإذا بالبُرءِ والشفاء يسي ف أناءِ جسمِه ‪ ،‬وينتفضُ الرجلُ‬
‫ويعودُ نشيطا ‪ ،‬ث يقفُ على قدميه ‪ ،‬ث يشي ف غرفتِه ‪ ،‬ث يفتحُ بابه ‪ ،‬ويأت أهله وأطفاله ‪،‬‬
‫فإذا الرجلُ واقفا ‪ ،‬فما كانوا يصدّقون وكادوا من الذهول يُصعقون ‪ ،‬فأخبهم الََبرَ ‪.‬‬
‫فسبحان الذي جعل علج هذا الرجلِ ف هذا !!‬
‫وقد ذكرتُ هذا لبعضِ الطبا ِء فصدّق القولة ‪ ،‬وذكَرَ أن هناك مصْلً سامّا يُستخدم‬
‫ف كيماويّ ‪ ،‬ويعالُ به هؤلءِ الشلولون ‪.‬‬‫بتخفي ٍ‬
‫فجلّ اللطيفُ ف عله ‪ ،‬ما أنزل داءً إل وأنزل له دواءً ‪.‬‬
‫****************************************‬

‫وللولياء كرامات‬
‫ل تحزن‬
‫‪320‬‬
‫هذا صلةُ بن أشيم العابدُ الزاهدُ من التابعي ‪ :‬يذهب إل الشمالِ ليجاهد ف سبيل‬
‫الِ ‪ ،‬ويضمّه الليلُ فيذهبُ إل غايةٍ ليصلي فيها ‪ ،‬ويدخل بي الشج ِر ويتوضّأ ‪ ،‬ويقوم‬
‫مصليا ‪ ،‬وينهدّ عليه أسدٌ كاسرٌ ‪ ،‬ويقتربُ من « صِلة » وهو ف صلته ‪ ،‬ويدورُ به ‪ ،‬وصلةُ‬
‫ف تبتّله مستمرّ ‪ ،‬ول يقطعْ صلته وذِكره ‪ ،‬ويسّلمُ صلةُ بن أشيم من ركعتي ‪ ،‬ث يقولُ‬
‫للسدِ ‪ :‬إن كنت أُمرت بقتلي فكلْن ‪ ،‬وإن ُتؤْمر فاتركْن أناجي رب ‪ .‬فأرخى السدُ ذيله‬
‫وذهب من الكان ‪ ،‬وترك صلة يصلي ‪.‬‬
‫ب التاريخِ ‪ ،‬وهذا مذكورٌ عن‬ ‫ولك أن تنظر ف « البداية والنهاية » وغيها من كت ِ‬
‫«سفينة» مول رسو ِل الِ ف كتبِ تراجمِ الصحابةِ ‪ ،‬أنه أتى هو ورفْقةٌ معهُ من ساحلِ‬
‫البحرِ ‪ ،‬فلما نزلُوا البّ فإذا بأسدٍ كاسر مُقبلٍ يريدُهم ‪ ،‬فقال سفينةُ ‪ :‬يا أيها السدُ أنا من‬
‫أصحابِ رسو ِل ال ِ وأنا خادمُه ‪ ،‬وهؤلء رفقت ول سبيل لك علينا ‪ .‬فولّى السدُ‬
‫هاربا ‪ ،‬وزأر زأْرةً كاد يل با ربوع الكانِ ‪.‬‬
‫وهذه الوقائعُ والحداثُ ل ينكرُها إل مكابرٌ ‪ ،‬وإل ففي سُننِ الِ ف خلقِ ِه ما يشهدُ‬
‫ت القصصِ الصحيحةِ الثابتةِ ف هذا الباب ‪ ،‬لكنْ‬ ‫بثل هذا ‪ ،‬ولول طولُ القامِ لوردْتُ عشرا ِ‬
‫يكفيك دللةً من هذا الديث ‪ ،‬لتعلم أن هناك ربّا لطيفا حكيما ل تغيبُ عنه غائبةٌ ‪ .‬إن علم‬
‫ال يلحقُ الناس ‪ ،‬ولطفه سبحانه وتعال وشهوده واطلعه ‪ ﴿ :‬مَا يَكُونُ مِن ّنجْوَى ثَلَاَثةٍ إِلّا‬
‫سةٍ إِلّا هُوَ سَادِ ُس ُهمْ وَلَا َأدْنَى مِن ذَِلكَ وَلَا أَكَْثرَ إِلّا هُوَ َم َعهُمْ أَْينَ مَا‬
‫هُوَ رَاِب ُعهُمْ وَلَا َخمْ َ‬
‫‪.‬‬ ‫كَانُوا ﴾‬
‫*****************************************‬
‫ل وشهيدا‬
‫كفى بالِ وكي ً‬

‫ي ف صحيحهِ ‪ :‬أن رجلً من بن إسرائيل طلب من رجلٍ أن يُقرضه ألف‬ ‫ذكر البخار ّ‬
‫دينارٍ ‪ ،‬قال ‪ :‬هل لك شاهدٌ ؟ قال ‪ :‬ما معي شاهدٌ إل الُ ‪ .‬قال ‪ :‬كفى بال شهيدا ‪ .‬قال ‪:‬‬
‫هل معك وكيلٌ ؟ قال ‪ :‬ما معي وكيل إل الُ ‪ .‬قال ‪ :‬كفى بال وكيلًً‪ .‬ث أعطاه ألف‬
‫ل تحزن‬
‫‪321‬‬
‫دينار ‪ ،‬وذهب الرجل وكان بينهما موعدٌ وأج ٌل مسمّى ‪ ،‬وبينهما نرٌ ف تلك الديارِ ‪ ،‬فلما‬
‫حان الوعدُ أتى صاحبُ الدنانيِ ليعيدها لصاحبِها الولِ ‪ ،‬فوقف على شاطئ النهرِ ‪ ،‬يريدُ‬
‫قاربا يركبُه إليه ‪ ،‬فما وجد شيئا ‪ ،‬وأتى الليلُ وبقي وقتا طويلً ‪ ،‬فلم يدْ من يملُه ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫اللهمّ إنه سألن شهيدا فما وجدتُ إل أنت ‪ ،‬وسألن كفيلً فما وجدتُ إل أنت ‪ ،‬اللهمّ بلّغْه‬
‫هذه الرسالة ‪ .‬ث أخذ خشبةً فنقرها وأدخل الدناني فيها ‪ ،‬وكتب فيها رسالةً ‪ ،‬ث أخذ الشبة‬
‫ورماها ف النهرِ ‪ ،‬فذهبتْ بإذنِ ال ‪ ،‬وبلطفِ الِ ‪ ،‬وبعناي ِة الِ سبحانه وتعال ‪ ،‬وخرج ذاك‬
‫الرج ُل صاحبُ الدناني الولُ ينتظرُ موعد صاحبهِ ‪ ،‬فوقف على شاطئ النهرِ وانتظر فما وجد‬
‫أحدا ‪ ،‬فقال ‪ :‬لِم ل آخذ حطبا لهل بيت ؟! فعرضتْ له الشب ُة بالدناني ‪ ،‬فأخذها وذهب‬
‫با إل بيتِه ‪ ،‬فكسرها فوجد الدناني والرسالة ‪.‬‬
‫لنّ الشهيد سبحانه وتعال أعان ‪ ،‬ولن الوكيل أدّى الوكالة ‪ ،‬فتعال الُ ف عُلهُ ‪.‬‬
‫﴿ َوعَلَى ال ّلهِ فَلْيَتَوَكّلِ اْلمُ ْؤمِنُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ َوعَلَى ال ّلهِ فَتَوَكّلُواْ إِن كُنتُم مّ ْؤمِِنيَ ﴾ ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫**‬
‫وقفــــةٌ‬
‫قال لبيدُ ‪:‬‬
‫صدْق النفسِ يُ ْزرِي بالملْ‬
‫إ ّن ِ‬ ‫ب النفس إذا حدّثْتها‬
‫فاكذ ِ‬
‫وقال البستّ ‪:‬‬
‫تمّ وعلّ ْلهُ بشيءٍ من ال ْزحِ‬ ‫أِفدْ طبعك الكدود بالمّ راحةً‬
‫بقدارِ ما يُعطى الطعامُ مِن اللحِ‬ ‫ولكنْ إذا أعطيته ذاك فليكنْ‬
‫وقال أبو علي بن الشبل ‪:‬‬
‫بقاء النارِ تُحفظُ بالوعا ِء‬ ‫ظ السمِ تبقى النفسُ فيهٍ‬ ‫بف ِ‬
‫ول تددْ لا طول الرجاءِ‬ ‫فباليأسِ ا ُلمِضّ فل ُتمِتْها‬
‫ل تحزن‬
‫‪322‬‬
‫وذكّرْها الشدائد ف الرخاءِ‬ ‫و ِعدْها ف شدائدها رخاءً‬
‫وبالتركيبِ مَنْفَعَةُ الدواءِ‬ ‫يُعدّ صلحُها هذا وهذا‬
‫*****************************************‬
‫أ ِطبْ مطعمك تكنْ مستجاب الدعوةِ‬
‫كان سعدُ بنُ أب وقّاص يدركُ هذه القيقة ‪ ،‬وهو أح ُد العشرةِ البشرين بالنةِ ‪ ،‬وقد‬
‫دعا له بسدادِ الرمي وإجابةِ الدعوةِ ‪ ،‬فكان إذا دعا أُجيبْت دعوتُه كَفَلقِ الصبحِ ‪.‬‬
‫أرسل عمرُ – رضي الُ عنه – أناسا من الصحابة يسألون عن عدْ ِل سعدٍ ف الكوفةِ ‪،‬‬
‫فأثن الناسُ عليه خيْرا ‪ ،‬ولا أتْوا ف مسجدِ حيّ لبن عْبسٍ ‪ ،‬قام رجلٌ فقال ‪ :‬أما سألتمون‬
‫عنْ سعدٍ ؟ فإنه ل يعدلُ ف القضيةِ ‪ ،‬ول يك ُم بالسّويّةِ ‪ ،‬ول يشي مع الرعية ‪ .‬فقال سعدٌ ‪:‬‬
‫اللهمّ إ ْن كان قام هذا رياءً وسعةً فأ ْعمِ بصره ‪ ،‬وأطلْ عمره ‪ ،‬وع ّرضْه للفتِ ‪ .‬فطال ُعمْرُ هذا‬
‫الرجلِ ‪ ،‬وسقط حاجباهُ على عينيه ‪ ،‬وأخذ يتع ّرضُ للجواري ويغمزهُنّ ف شوارعِ الكوفةِ ‪،‬‬
‫ويقول ‪ :‬شيخٌ مفتون ‪ ، ،‬أصابتْن دعوة س ْعدٍ ‪.‬‬
‫إنه التصا ُل بالِ عزّ وجلّ ‪ ،‬وصدق النية معه ‪ ،‬والوثوق بوعودِه ‪ ،‬تبارك الُ ربّ‬
‫العالي ‪.‬‬
‫ب عليا ‪-‬رضي الُ عنه–‬ ‫ل قام َيسُ ّ‬
‫وف « سيِ أعلمِ النبلءِ» ‪ :‬عن سُعد أيضاًَ ‪ :‬أن رج ً‬
‫‪ ،‬فدافع سعدٌ عن علي ‪ ،‬واستمرّ الرجل ف السبّ والشتمِ ‪ ،‬فقال سعدٌ ‪ :‬اللهم اكفنيه با‬
‫شئت ‪ .‬فانطلق بعيٌ من الكوفةِ فأقبل مسرعا ‪ ،‬ل يلوي على شيء ‪ ،‬وأخذ يدخل من بيِ‬
‫الناس حت وَصَلَ إل الرجلِ ‪ ،‬ث داسه بفّيْه حت قتله أمام مشهدٍ ومرأى من الناسِ ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫شهَادُ ﴾‬
‫اْلأَ ْ‬ ‫صرُ رُسُلَنَا وَاّلذِينَ آمَنُوا فِي اْلحَيَا ِة الدّنْيَا وَيَوْمَ َيقُومُ‬
‫﴿ إِنّا لَنَن ُ‬
‫وإنن أعرضُ لك هذه القصص لتزداد إيانا ووثوقا بوعو ِد ربّك فتدعوه وتناجيه ‪،‬‬
‫وتعلم أن اللطف لطفُه سبحانه ‪ ،‬وأنه قد أمرك ف مكم التنيل فقال ‪ ﴿ :‬ادْعُونِي أَسَْتجِبْ‬
‫‪..‬‬ ‫َدعَانِ ﴾‬ ‫ك عِبَادِي عَنّي فَإِنّي َقرِيبٌ أُجِيبُ َدعْوَ َة الدّاعِ ِإذَا‬
‫‪ ﴿ .‬وَِإذَا سَأََل َ‬ ‫كمْ ﴾‬
‫لَ ُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪323‬‬
‫لقد استدعى الجّاجُ السن البصريّ ليبطش به ‪ ،‬وذهب السنُ وما ف ذهنه إل عنايةُ‬
‫الِ ولطفُ ال ‪ ،‬والوثوقُ بوعِد الِ ‪ ،‬فأخذ يدعو ربّه ‪ ،‬ويهتفُ بأسائِه السن ‪ ،‬وصفاتِه‬
‫العلى ‪ ،‬فيحوّل الُ قلب الجاجِ ‪ ،‬ويقذفُ ف قلبه الرعب ‪ ،‬فما وصل السَنُ إل وقد تيأ‬
‫لسَنَ ‪ ،‬وأجلسَه معه على السريرِ ‪ ،‬وأخذ‬
‫الجاجُ لستقبالِه ‪ ،‬وقام إل البابِ ‪ ،‬واستقبل ا َ‬
‫يُطيّب ليته ‪ ،‬ويترفّقُ به ‪ ،‬ويُليُ له ف الطابِ !! فما هو إل تسخيُ ربّ العزةِ والللِ ‪.‬‬
‫إنّ لطف الِ يسري ف العالِ ‪ ،‬ف عال النسانِ ‪ ،‬ف عالِ اليوانِ ‪ ،‬ف البّ والبحْرِ ‪ ،‬ف‬
‫حمْدَهِ وَلَـكِن لّ َت ْفقَهُونَ‬
‫الليلِ والنهارِ ‪ ،‬ف التحركِ والساكنِ ‪ ﴿ ،‬وَإِن مّن شَيْءٍ إِلّ ُيسَّبحُ ِب َ‬
‫َتسْبِيحَ ُهمْ إِّنهُ كَانَ حَلِيما َغفُورا ﴾ ‪.‬‬
‫ج يستسقي بالناسِ ‪ ،‬وف‬ ‫صحّ ‪ :‬أنّ سليمان عليه السلم قد أُوت منطق الطيِ ‪ ،‬خَ َر َ‬
‫طريقِه من بيتِه إل الصلّ رأى نلةً قد رفعتْ رجليها تدعو ربّ العزِة ‪ ،‬تدعو الله الذي يعطي‬
‫وينحُ ويلطفُ ويُغيثُ ‪ ،‬فقال سليمان ‪ :‬أيّها الناسُ ‪ ،‬عودُوا فقد كُفيتُم بدعاءِ غيِكم ‪.‬‬
‫فأخذ الغيثُ ينهمرُ بدعاءِ تلك النملةِ ‪ ،‬النمل ِة الت فهِم كلمها سليمانُ عليه السلمُ ‪،‬‬
‫وهو يزجفُ بيشه الرّار ‪ ،‬فتعظُ أخواتا ف عال النملِ ‪ ﴿ :‬قَالَتْ َنمْ َلةٌ يَا أَّيهَا الّنمْلُ ادْخُلُوا‬
‫قَوِْلهَا﴾‬ ‫سمَ ضَاحِكا مّن‬
‫ش ُعرُونَ{‪ }18‬فَتََب ّ‬
‫َمسَاكِنَ ُكمْ لَا َيحْ ِطمَنّ ُكمْ سُلَ ْيمَانُ وَجُنُودُهُ وَ ُهمْ لَا َي ْ‬
‫ف البي سبحانه وتعال بسبب هذه العجماواتِ ‪.‬‬ ‫‪ .‬ف كثي من الحيان يأت لط ُ‬
‫خ رُ ّكعٌ ‪،‬‬
‫وقد ذكر أبو يعلى ف قدسي أن ال يقولُ ‪ (( :‬وعِزّت وجلل ‪ ،‬لول شيو ٌ‬
‫ضعٌ ‪ ،‬وبائمُ رُّتعٌ ‪ ،‬لنعتُ عنكم قطْرَ السماءِ )) ‪.‬‬
‫وأطفال ُر ّ‬
‫********************************************‬
‫ح بمدِ ربّه‬
‫وإنْ منْ شيء إل يسبّ ُ‬
‫إ ّن الدد ف عا ِل الطيورِ عرف ربّهُ ‪ ،‬وأذعنّ لولهُ ‪ ،‬وأخبت لالقِه ‪.‬‬
‫ذهب الدهدُ ‪ ،‬وكانت تلك القصةُ الطويلةُ ‪ ،‬وانتهتْ إل تلك النتائ ِج التارييةِ ‪ ،‬وكان‬
‫ف ربّه ‪ ،‬حت قال بعضُ العلماءِ ‪ :‬عجيبٌ ! الدد أذكى من فرعون‬ ‫سببها هذا الطائرُ الذي عَ َر َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪324‬‬
‫شدّة ‪ ،‬والدهدُ آمن بربّه ف الرخاءِ ‪ ،‬فنفعه إيانُه‬
‫‪ ،‬فرعونُ كَفَرَ ف الرخا ِء فما نفعه إيانُه ف ال ّ‬
‫ف الشّدةِ ‪.‬‬
‫خرِجُ اْلخَبْءَ‪ . ﴾......‬وفرعونُ يقول ‪ ﴿ :‬مَا‬
‫سجُدُوا لِ ّلهِ اّلذِي ُي ْ‬
‫الدهدُ قال ‪ ﴿ :‬أَلّا َي ْ‬
‫عَ ِلمْتُ لَكُم مّنْ إَِل ٍه غَ ْيرِي‪ . ﴾ ......‬إن الشقيّ من كان الدهد أذكى منه ‪ ،‬والنملة أفهمُ‬
‫لصيِها منه ‪ .‬وإن البليد من أظلمتْ سبُله ‪ ،‬وتقطّعتْ حبالُه ‪ ،‬وتعطّلتْ جوارحُه عن النفعِ ‪،‬‬
‫صرُونَ ِبهَا وََلهُمْ آذَانٌ لّ َيسْ َمعُونَ ِبهَا ﴾ ‪.‬‬
‫َل ُهمْ قُلُوبٌ لّ َي ْف َقهُونَ ِبهَا وََلهُمْ َأعُْينٌ لّ يُ ْب ِ‬ ‫﴿‬
‫ف الِ يسري ‪ ،‬وخيُه يرِي ‪ ،‬وعنايتُه تلحقُ تلكم الشرة الضئيلة‬ ‫ف عال النحل لط ٌ‬
‫س رزقها ‪ ،‬ل تقعُ إل على الطيبِ‬ ‫السكينة ‪ ،‬تنطلقُ من خليّتها بتسخيٍ من الباري ‪ ،‬تلتم ُ‬
‫النقيّ الطاهرِ ‪ ،‬تصّ الرحيقَ ‪ ،‬تيمُ بالورودِ ‪ ،‬تعشقُ الزّهْر ‪ ،‬تعودُ ممّلةً بشرابٍ متلفٍ ألوانُه‬
‫فيه شفاءٌ للناسِ ‪ ،‬تعودُ إل خليتِها ل إل خليةٍ أخرى ‪ ،‬ل تضلّ طريقها ‪ ،‬ول تارُ ف سبلِها ‪،‬‬
‫شجَرِ َو ِممّا َي ْعرِشُونَ{‪}68‬‬
‫خذِي مِنَ اْلجِبَالِ بُيُوتا َو ِمنَ ال ّ‬
‫﴿ وَأَوْحَى رَبّكَ إِلَى الّنحْلِ َأنِ اّت ِ‬
‫ُثمّ كُلِي مِن كُلّ الّث َمرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبّكِ ذُُللً َيخْرُجُ مِن بُطُوِنهَا َشرَابٌ ّمخْتَلِفٌ أَلْوَاُنهُ‬
‫فِيهِ ِشفَاء لِلنّاسِ إِنّ فِي ذَلِكَ لَيةً ّلقَوْمٍ يََتفَ ّكرُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫إن سعادتك م ْن هذا القصص ‪ ،‬ومن هذا الديثِ ‪ ،‬ومن هذه العِب ‪ :‬أن تعلم أن هناك‬
‫لطفا خفيا لِ الواحدِ الدِ ‪ ،‬فتدعوه وحده ‪ ،‬وترجوه وحده ‪ ،‬وتسألهُ وحده ‪ ،‬وأنّ عليك‬
‫ق الربانّ ‪ ،‬وف الّنهْجِ السماويّ أن تسجد له ‪ ،‬وأن تشكره ‪ ،‬وأن‬‫واجبا شرعيا نزلَ ف اليثا ِ‬
‫تتولّه ‪ ،‬وأن تتجه بقلبِك إليه ‪ .‬إن عليك أنْ تعلم أن هذا البشَرَ الكثي وهذا العال الضخم ‪،‬‬
‫ل يُغنون عنك من الِ شيئا ‪ ،‬إنم مساكيُ ‪ ،‬إنم كلهم متاجون إل الِ ‪ ،‬إنم يطلبون‬
‫رزقهم صباح مساء ‪ ،‬ويطلبون سعادتم وصحّتهم وعافيتهم وأشياءهم وأموالم ومناصبهم من‬
‫الِ الذي يلكُ كلّ شيءٍ ‪.‬‬
‫﴿ يَا أَّيهَا النّاسُ أَنُتمُ اْل ُف َقرَاء إِلَى ال ّلهِ وَال ّلهُ ُهوَ اْلغَنِيّ اْلحَمِيدُ ﴾ ‪ ،‬إن عليك أن تعلم‬
‫علم اليقيِ أنه ل يهديك ول ينصرُنك ‪ ،‬ول يميك ول يتولك ‪ ،‬ول يفظُك ‪ ،‬ول ينحُك‬
‫إل الُ ‪ ،‬إن عليك أن توحّد اتاه القلبِ ‪ ،‬وتفرد الربّ بالوحدانيةِ واللوهيةِ والسؤالِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪325‬‬
‫والستعانةِ والرجاءِ ‪ ،‬وأن تعلم قْدر البشرِ ‪ ،‬وأن الخلوق يتاجُ إل الالقِ ‪ ،‬وأن الفان يتا ُ‬
‫ج‬
‫إل الباقي ‪ ،‬وأن الفقيَ يتاجُ إل الغن ‪ ،‬وأن الضعيف يتاجُ إل القويّ ‪ .‬والقوةُ والغن والبقاءُ‬
‫والعزّةُ الطلقةُ يلكُها الُ وَ ْحدَهُ ‪.‬‬
‫إذا علمت ذلك ‪ ،‬فاسعدْ بقربهِ وبعبادتِه والتبتلِ إليه ‪ ،‬إليه ‪ ،‬إنِ استغفرته غَفَرَ لك ‪،‬‬
‫وإن تبت إليه تاب عليك ‪ ،‬وإن سألته أعطاك ‪ ،‬وإن طلبت منه الرزق رزقك ‪ ،‬وإن استنصرته‬
‫نصرك ‪ ،‬وإن شكرته زادك ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫ارض عن ال ع ّز وجلّ‬
‫نبيا))‪ .‬أن ترضى عن‬ ‫من لوازمِ ((رضيتُ بالِ ربا ‪ ،‬وبالسلم دينا‪ ،‬وبحمدٍ‬
‫ربّك سبحانه وتعال ‪ ،‬فترضى بأحكامِه ‪ ،‬وترضى بقضائِه وقدرِهِ ‪ ،‬خيِه وشرِه ‪ ،‬حُلوِه ومُرّه‬
‫‪.‬‬
‫حسْبُ عند‬ ‫إن النتقائية باليانِ بالقضا ِء والقدرِ ليستْ صحيحةً ‪ ،‬وهي أن ترضى َف َ‬
‫موافقةِ القضاءِ لرغباتِك ‪ ،‬وتتسخّط إذا خالف مرادك وميْلك ‪ ،‬فهذا ليس من شأنِ العبدِ ‪.‬‬
‫إن قوما رضُوا بربّهم ف الرخاءِ وسخطُوا ف البلءِ ‪ ،‬وانقادُوا ف النعم ِة وعاندُوا وقت‬
‫س َر الدّنْيَا‬
‫ب عَلَى وَ ْج ِههِ َخ ِ‬
‫َفإِنْ أَصَاَبهُ خَ ْيرٌ ا ْطمَأَنّ ِبهِ وَإِنْ أَصَابَ ْتهُ فِتَْنةٌ انقَلَ َ‬ ‫﴿‬ ‫النقمةِ ‪،‬‬
‫‪.‬‬ ‫وَالْآخِرَةَ ﴾‬
‫لق ْد كان العرابُ ُيسْلمون ‪ ،‬فإذا وجدُوا ف السلمِ رغدا بنولِ غيثٍ ‪ ،‬ودرّ لبٍ ‪،‬‬
‫ونْبتِ عشبٍ ‪ ،‬قالوا ‪ :‬هذا دينُ خيْرٍ ‪ .‬فانقادُوا وحافظوا على دينِهم ‪.‬‬
‫فإذا وجدُوا الخرى ‪ ،‬جفافا وقحْطا وجدْبا واضحمللً ف الموالِ وفناءً للمرعى ‪،‬‬
‫نكصُوا على أعقابم وتركُوا رسالتهم ودينهم ‪.‬‬
‫هذا إذن إسل ُم الوى ‪ ،‬وإسلمُ الرغبةِ للنفس ‪ .‬إن هناك أناسا يرضون عن الِ عزّ‬
‫وجلّ ‪ ،‬لنم يريدون ما عند الِ ‪ ،‬يريدون وجهه ‪ ،‬يبتغون فضلً من الِ ورضوانا ‪ ،‬يسعون‬
‫للخرةِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪326‬‬
‫وبالصطفى الختارِ نورا وهاديا‬ ‫رضينا بك الله ّم ربا وخالقا‬
‫وإل فموتٌ ل يسُرّ العاديا‬ ‫فإمّا حياةٌ نظّم الوحيُ سيها‬
‫إن من يرشحُه الُ للعبوديّةِ ويصطفيه للخدمةِ ويتبيه لسدانةِ اللّةِ ‪ ،‬ث ل يرضى بذا‬
‫آتَيْنَاهُ‬ ‫﴿‬ ‫ط البدي واللك السّرمديّ ‪:‬‬
‫الترشيحِ والصطفاءِ والجتباءِ ‪ ،‬لو حقي ٌق بالسقو ِ‬
‫آيَاتِنَا فَانسَ َلخَ مِ ْنهَا َفأَتَْب َعهُ الشّيْطَانُ فَكَانَ ِمنَ اْلغَاوِينَ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وََل ْو عَ ِلمَ ال ّلهُ فِي ِهمْ خَيْرا‬
‫لّأ ْس َم َعهُمْ وَلَوْ أَ ْس َم َعهُمْ لَتَوَلّواْ وّهُم ّمعْرِضُونَ ﴾ ‪.‬‬
‫إن الرّضا بوابةُ الديان ِة الكبى ‪ ،‬منها يَلجُ القرّبون إل ربّهم ‪ ،‬الفرحون بداه ‪،‬‬
‫النقادون لمرِه ‪ ،‬الستسلمون لكمه ‪.‬‬
‫سمَ غنائم حُنَيْنٍ ‪ ،‬فأعطى كثيا من رؤساءِ العربِ ومتأخري العرب ‪ ،‬وترك‬ ‫قَ ّ‬
‫النصار ‪ ،‬ثقةً با ف قلوبِهم من الرضى واليانِ واليقي وال ِي العميمِ ‪ ،‬فكأنم عتبُوا لن‬
‫القصود ل يظهر لم ‪ ،‬فجمعهم وفسّرَ لم السرّ ف السألةِ ‪ ،‬وأخبهم أنه معهم ‪ ،‬وأنه‬
‫يبّهم ‪ ،‬وأنه ما أعطى أولئك إل تأليفا لقلوبم ‪ ،‬لنقْصِ ما عندهم من اليقي ‪ ،‬وأما النصارُ‬
‫إل‬ ‫فقال لم ‪ (( :‬أما ترضون أن ينطلق الناس بالشاء والبعي ‪ ،‬وتنطلقون برسولِ الِ‬
‫ل النصار ‪ ،‬وأبناء النصارِ ‪ ،‬وأبناء أبناءِ‬
‫رحالِكم ؟! النصار شعارٌ ‪ ،‬والناسُ دِثار ‪ ،‬رحم ا ُ‬
‫النصارِ ‪ ،‬لو سلك الناسُ ِشعْبا وواديا ‪ ،‬وسلك النصارُ شعبا وواديا لسلكتُ وادي‬
‫ب النصارِ )) ‪ .‬فغمرتْهم الفرحةُ ‪ .‬وملتْهم السرّةُ ‪ ،‬ونزلتْ عليهم السكينةُ ‪،‬‬
‫النصارِ و ِشعْ َ‬
‫وفازوا برضا الِ ورضا رسولِهِ ‪.‬‬
‫إن الذين يتطلعون إل ِرضْوا ِن الِ ويتشوّقون إل جنّةٍ عرضُها السماواتُ والرضُ ‪ ،‬ل‬
‫يقبلون الدنيا بذافيِها بدلً من هذا الرضوانِ ‪ ،‬ول عوضا عن هذا النوالِ العظيمِ ‪.‬‬
‫أسلم أعرابّ بي يدي رسول الِ فأعطاه بعض الالِ ‪ ،‬فقال ‪ :‬يا رسول الِ ‪ ،‬ما‬
‫‪(( :‬على ماذا بايعتن ؟)) قال ‪ :‬بايعتُك على أن يأتين‬ ‫على هذا بايعتُك ‪ .‬فقال رسو ُل الِ‬
‫سهمٌ طائش فيقع هنا (وأشار إل حلْقِه) ويرج من هنا (وأشار إل قفاه)‪.‬قال له‪(( :‬إن‬
‫ل تحزن‬
‫‪327‬‬
‫تصْ ُدقِ الُ يصدقُكَ))‪ .‬وحضر العركة‪ ،‬وجاءه سهمٌ طائش ونفذ من نرِه‪ ،‬ولقي ربّه راضيا‬
‫مرضيّا ‪.‬‬
‫تلك الكنوزُ من الواهرِ والذّ َهبْ‬ ‫ما الالُ واليّامُ ما الدّنيا وما‬
‫ما هذه الكداسُ مِن أغلى النشبْ‬ ‫ما الجدُ والقصرُ النيفُ وما الن‬
‫تفن ويبقى الُ أكرم من وَ َهبْ‬ ‫ل شيء كُلّ نفيسةٍ مرغوبةٍ‬
‫ووزّع ذات يوم أموالً ‪ ،‬فأعطى أناسا ‪ .‬قليلي الدين ‪ ،‬ضحلى المانة ‪ ،‬مقفرين ف‬
‫ت سيوفُهم ف سبيلِ الِ ‪ ،‬وأُنفقتْ أمواُلم‪ ،‬وجُرحتْ أجسامُهم‬‫عال الُثُل ‪ ،‬وترك أناسا ُثلّم ْ‬
‫خطيبا ف السجدِ وأخبهم بالمرِ ‪ ،‬وقال لم ‪ (( :‬إن‬ ‫ف الهادِ والذبّ عن اللّةِ ‪ ،‬ث قام‬
‫أعطي أناسا لِا جعل الُ ف قلوبِهم من الزعِ والطمعِ ‪ ،‬وأ َدعُ أناسا لا جعل الُ ف قلوبِهم‬
‫من اليانِ – أو ال ْيرِ – منهم ‪ :‬عمرو بنُ تغلب )) ‪ .‬فقالَ عمروُ بنُ تغلب ‪ :‬كلمةً ما أريدُ‬
‫أنّ ل با الدنيا وما فيها ‪.‬‬
‫إنه الرضا عن الِ عزّ وج ّل الرضا عن ح ْكمِ رسولِهِ ‪ ،‬طلبَ ما عندَ الِ ‪ ،‬إنّ الدنيا‬
‫ل تساوي عند الصحاب الواحد كلمة راضية باسة منه ‪.‬‬
‫لقد كانت وُعودُ الرسول لصحابِه ثوابا من عن ِد الِ ‪ ،‬وجنةً عنده ورضوانا منه ‪،‬‬
‫ل يَ ِعدْ أحدا منهم بقصرِ أو وليةِ إقليمٍ أو حديقةٍ ‪ .‬كان يقول لم ‪ :‬من يفعلُ كذا وله‬
‫النةُ ؟ ولخر ‪ :‬وهو رفيقي ف النةِ ؟ لن البذلُ الذي بذلوه والا ُل الذي أنفقوه والهدُ‬
‫الذي قدموه ‪ ،‬ل جزاء له إل ف الدارِ الخرةِ ‪ ،‬لن الدنيا با فيها ل تكافئُ الجهود الضخم ؛‬
‫ص وبذْ ٌل زهيدٌ ‪.‬‬
‫لنا ثنٌ بيسٌ ‪ ،‬وعطاءٌ رخي ٌ‬
‫ف العمرةِ ‪ ،‬قال ‪(( :‬ل‬ ‫وعند الترمذيّ ‪ :‬يستأذنُ عمرُ ‪-‬رضي الُ عنه ‪ -‬رسول الِ‬
‫تنسنا من دعائِك يا أخي )) ‪.‬‬
‫وقائل هذه الكلمة هو رسو ُل الدى ‪ ،‬المامُ العصومُ ‪ ،‬الذي ل ينطقُ عن‬
‫الوى ‪ ،‬ولكنها كلمةٌ عظيمةٌ وثينةٌ ونفيسةٌ ‪ ،‬قال عم ُر فيما بعدُ ‪ :‬كلمة ما أريد أنّ ل با‬
‫الدنيا وما فيها ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪328‬‬
‫‪ ،‬قال لك أنت بعينكِ ‪ :‬ل تْنسنا من دعائك يا أخي‬ ‫ولك أنْ تشعر أن رسول الِ‬
‫‪.‬‬
‫كان رضا رسول ال عن ربّه فوق ما يصفُه الواصفون ‪ ،‬فهو راضٍ ف الغن‬
‫ض ف الس ْلمِ والربِ ‪ ،‬راضٍ وقت القو ٍة والضعفِ ‪ ،‬راضٍ وقت الصح ِة والسقمِ ‪،‬‬ ‫والفقرِ ‪ ،‬را ٍ‬
‫راضٍ ف الشدةِ والرخاءِ ‪.‬‬
‫عاش مرارة اليُْتمِ ‪ ،‬وأسى اليتمِ ‪ ،‬ولوعة اليتمِ فكان راضيا ‪ ،‬وافتقر حت ما يد‬
‫َدقَ َل التمرِ – أي رديئه ‪ ، -‬وكان يربطُ الجر على بطنِه من شدّةِ الوعِ ‪ ،‬ويقترضُ شعيا‬
‫من يهودي ويرهنُ درعه عنده ‪ ،‬وينامُ على الصي فيؤثرُ ف جنبِه ‪ ،‬وترّ ثلثةُ أيام ل يدُ شيئا‬
‫يأكلُه ‪ ،‬ومع ذلك كان راضيا عن الِ ربّ العالي ﴿ تَبَا َركَ اّلذِي إِن شَاء َجعَلَ َلكَ خَيْرا مّن‬
‫‪.‬‬ ‫ُقصُورا ﴾‬ ‫جعَل لّكَ‬
‫جرِي مِن َتحِْتهَا اْلأَْنهَارُ وََي ْ‬
‫ذَلِكَ جَنّاتٍ َت ْ‬
‫ب الِ ‪ ،‬ووقفتِ الدنيا –‬‫ورضي عن ربّه وقت الجاب ِة الول ‪ ،‬يوم وقَفَ هو ف حز ِ‬
‫كلّ الدنيا – تاربُه بيلِها ورجِلها ‪ ،‬بغناها بزخرفِها ‪ ،‬بزهوِها بيلئها ‪ ،‬فكان راضيا عن الِ‬
‫‪ .‬رضي ع ِن الِ ف الفترةِ الرجةِ ‪ ،‬يوم مات عمّه وماتت زوجتٌه خديةُ ‪ ،‬وأُوذي أشدّ الذى‬
‫ص ْدقِهِ ‪ ،‬فقيل له ‪ :‬كذّابٌ ‪،‬‬
‫‪ ،‬وكُذب أش ّد التكذيبِ ‪ ،‬وخُدشتُ كرامتُه ‪ ،‬ورُمي ف ِ‬
‫وساحرٌ ‪ ،‬وكاهنٌ ‪ ،‬ومنونٌ ‪ ،‬وشاعرٌ ‪.‬‬
‫ورضي يوم طُرِد من بلدِه ‪ ،‬ومسقطِ رأسهِ ‪ ،‬فيها مراتعُ صباه ‪ ،‬وملعبُ طفولتِه ‪،‬‬
‫ب بلدِ الِ إلّ ‪ ،‬ولول‬
‫وأفانيُ شبابِه ‪ ،‬فيلتفتُ إل مكة وتسيلُ دموعُه ‪ ،‬ويقول ‪ (( :‬إنكِ أح ّ‬
‫أنّ أهلك أخرجون منك ما خرجتُ )) ‪.‬‬
‫ورضي عن الِ وهو يذهبُ إل الطائفِ ليعرِض دعوته ‪ ،‬فيُواجه بأقبحِ ردّ ‪ ،‬وبأسوأِ‬
‫استقبالٍ ‪ ،‬ويُرمى بالجارةِ حت تسيل قدماه ‪ ،‬فيضى عن موله ‪.‬‬
‫ويرضى عن الِ وهو يرج من مكة مرغما ‪ ،‬فيسي إل الدينة ويُطاردُ باليلِ ‪ ،‬وتُوضعُ‬
‫العراقيلُ ف طريقِه أينما ذهب ‪.‬‬
‫يرضى عن ربه ف كلّ موطنٍ ‪ ،‬وف كل مكانٍ ‪ ،‬وف كل زمنٍ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪329‬‬
‫يضر أُحُدا فيُشجّ رأسُه ‪ ،‬وتُكسرُ ثنيتُه ‪ ،‬ويُقتلُ عمّه ‪ ،‬ويُذبحُ أصحابهُ ‪ ،‬ويُغلبُ‬
‫جيشُه ‪ ،‬فيقول ‪ (( :‬صُفّوا ورائي لُثن على رب )) ‪.‬‬
‫ف كافرٌ ضدّه من النافقي واليهود والشركي ‪ ،‬فيقف‬ ‫يرضى عن ربّه وقد ظهر حِ ْل ٌ‬
‫صامدا متوكّلً على الِ ‪ ،‬مفوّضا المر إليه ‪.‬‬
‫وجزاءُ هذا الرضا منه ‪ ﴿ :‬وََلسَوْفَ ُيعْطِيكَ رَبّكَ فََترْضَى ﴾ ‪.‬‬
‫******************************************‬
‫هِتافٌ ف وادي نلة‬
‫أُخرج ممدٌ العصومُ من مكة حيث أهلُه وأبناؤه ودارُه ووطنُه ‪ ،‬طُردُ طردا وشًرّد‬
‫ف فقُوبل بالتكذيبِ وجُوبِه بالحودِ ‪ ،‬وتاوتْ عليه الجارةُ‬ ‫تشريدا ‪ ،‬والتجأ إل الطائ ِ‬
‫س والشتمُ ‪.‬‬‫والذى وال ّ‬
‫فعيناه بدموع السى تكِفانِ وقدماه بدماءِ الطه ِر تنفانِ ‪ ،‬وقلبُه برارةِ الصيبة َيلْعَجُ ‪،‬‬
‫فإل من يلتجئ ؟ ومن يسألُ ؟ وإل من يشكو ؟ وإل من يقصدُ ؟ إل الِ إل القويّ إل‬
‫القهارِ ‪ ،‬إل العزيزِ ‪ ،‬إل الناصرِ ‪.‬‬
‫استقبل ممدٌ القبلة ‪ ،‬وقصد ربّ ‪ ،‬وشكر موله ‪ ،‬وتدفّق لسانهُ بعباراتِ الشكوى‬
‫وصادقِ النجوى وأحرّ الطلبِ ‪ ،‬ودعا وألّ وبكى ‪ ،‬وشكا وتظلّم وتألّم ‪.‬‬
‫والآسي على الدودِ ظِماءُ‬ ‫الآقي من الطوبِ بكاءُ‬
‫َنحَتَتْهُ الرعودُ والنواءُ‬ ‫وشفا ُه اليامِ تلثمُ وجها‬
‫اسع سؤال النب مولهُ وإله ليلة نلة ‪ ،‬إذْ يقول ‪ (( :‬اللهم إن أشكو إليك ضعْف‬
‫ب الستضعفي ‪ ،‬وأنت‬
‫قوت وقِلّة حيلتِي وهوان على الناسِ ‪ ،‬أنت أرحمُ الراحي‪ ،‬ور ّ‬
‫ب يتج ّهمُن ‪ ،‬أو إل عدوّ ملّكْتَه أمري ‪ ،‬إن ل يكن عليّ‬
‫رب ‪ ،‬إل من تكِلُن ؟ إل قري ٍ‬
‫غَضَبٌ فل أبال ‪ ،‬غي أن عافيتك هي أوسع لُي ‪ ،‬أعوذُ بنور وجهِك الذي أشرقتْ له‬
‫الظلماتُ ‪ ،‬وصَ ُلحَ عليه أمرُ الدنيا والخرةِ ‪ ،‬أن ينلُ ب َغضَبُك ‪ ،‬أو يلّ ب سخطُك ‪،‬‬
‫لك العُتْب حت ترضى ‪ ،‬ول حول ول قوة إل بكَ )) ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪330‬‬
‫********************************************‬
‫**‬
‫جوائز للرعيل الول‬
‫جرَةِ َفعَ ِلمَ مَا فِي قُلُوِب ِهمْ َفأَنزَلَ‬
‫شَ‬‫﴿ َل َقدْ رَضِيَ ال ّل ُه َعنِ اْلمُ ْؤمِِنيَ ِإذْ يُبَاِيعُونَكَ َتحْتَ ال ّ‬
‫السّكِيَنةَ عَلَ ْي ِهمْ وَأَثَاَب ُهمْ فَتْحا َقرِيبا ﴾ ‪.‬‬
‫هذه غايةُ ما يتمناه الؤمني وما يطلبُه الصادقون وما يرصُ عليه الفلحون ‪ ..‬رضوانِ‬
‫الِ ‪ .‬إن الرضا أجلّ الطالبِ وأنب ُل القاصدِ وأسى الواهبِ ‪.‬‬
‫هنا ف هذه الية جاء رضا الِ ‪ ،‬بينما ُذكِر ف موضعٍ آخر الغفرانُ ‪ ﴿ :‬لَِي ْغ ِفرَ لَكَ ال ّلهُ‬
‫ب ال عَلَى النّبِيّ وَاْل ُمهَا ِجرِينَ‬
‫مَا َت َقدّمَ مِن ذَنبِكَ َومَا َتأَ ّخرَ ﴾‪.‬وف موطنٍ ثانٍ التوبةُ ‪َ ﴿:‬لقَد تّا َ‬
‫‪.‬‬ ‫عَنكَ ِلمَ َأذِنتَ َل ُهمْ ﴾‬ ‫‪ .‬وف ثالثٍ العفوُ ‪َ ﴿ :‬عفَا ال ّل ُه‬ ‫﴾‬ ‫وَالَنصَارِ‬
‫أما هنا ‪ :‬فالرضوان الحقّقُ ‪ ،‬لنم يبايعونك تت الشجرةِ وعلم الُ ما ف قلوبِهم ‪،‬‬
‫فبيْعتُهم بيعةٌ لرواحهم الثمينةِ عندهم لتزهق لرضاةِ اللكِ القّ ‪ ،‬وبيعةٌ لنفسهم النفيس ِة‬
‫لتذهب لرضاةِ الواحدِ القهارِ ‪ ،‬وبيعةٌ لوجودهم وحياتم ‪ ،‬لنّ ف موتم حياة للرسالة ‪ ،‬وف‬
‫قتلهم خلودا للملة ‪ ،‬وف ذهابِهم بقاءً للميثاقِ ‪.‬‬
‫ص الصاف والصدقِ‬ ‫وعِلم ما ف قلوبم من اليانِ الكيِ واليقيِ التي ‪ ،‬والخل ِ‬
‫الواف ‪ ،‬لقد تعبُوا وسهرُوا ‪ ،‬وجاعُوا وظمئُوا ‪ ،‬وأصابم الضررُ والضيقُ ‪ ،‬والشق ُة والضن ‪،‬‬
‫لكنه رضي عنهم ‪.‬‬
‫لقد فارقُوا الهل والموال والولد والديار ‪ ،‬وذاقُوا مرارة الفراقِ ولوعة الغربةِ ‪،‬‬
‫ووعثاء السف ِر وكآبة الرتالِ ‪ ،‬لكنه رضي عنهم ‪.‬‬
‫لقد شُرّدوا وطُرِدُوا وفُ ّرقُوا وتعِبُوا وأُجهدُوا ‪ ،‬لكنّه رضي عنهم ‪.‬‬
‫هل جزاءُ هؤلء الجاهدين والنافحي عن اللةِ ‪ :‬غنائمُ من إبل وبق ٍر وغنمٍ ؟ هل‬
‫مكافأةُ هؤلء الناضلي عن الرسالة الذابّي عن الدينِ ‪ :‬عُروضٌ ماليةٌ ؟ هل تظنّ أنه ُيبِدُ غليل‬
‫هؤلءِ الصفوةِ الجتبا ِة والنخبةِ الصطفاةِ ‪ ،‬دراهمُ معدودةٌ أو بساتيُ غنّاء أو دو ٌر منمّقةٌ ؟ ل ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪331‬‬
‫يُرضيهم رضوانُ الِ ‪ ،‬ويُفرحُهم عف ُو الِ ‪ ،‬ويُثل ُج صدورهم كلمةٍ ‪ ﴿ :‬وَ َجزَاهُم ِبمَا‬
‫صََبرُوا جَّنةً وَ َحرِيرا{‪ }12‬مُتّكِِئيَ فِيهَا عَلَى اْلأَرَاِئكِ لَا َيرَوْنَ فِيهَا َشمْسا وَلَا َز ْم َهرِيرا{‬
‫ضةٍ‬
‫ف عَلَ ْيهِم بِآنَِيةٍ مّن ِف ّ‬
‫‪َ }13‬ودَانَِيةً عَلَ ْي ِهمْ ظِلَاُلهَا َوذُلّلَتْ قُطُو ُفهَا َتذْلِيلً{‪ }14‬وَُيطَا ُ‬
‫ضةٍ َقدّرُوهَا َت ْقدِيرا ﴾ ‪.‬‬
‫وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا{‪ }15‬قَوَارِيرَ مِن فِ ّ‬
‫****************************************‬
‫الرضا ولو على جْر الغضَا‬
‫س يبحثُ عن إبلِه الت ضّلتْ ‪ ،‬فذهب والتمسها ‪ ،‬ومكث ثلثة‬ ‫خرج رجلٌ من بن عْب ٍ‬
‫أيامٍ ف غيابِه ‪ ،‬وكان هذا الرجل غنيا ‪ ،‬أعطاه الُ ما شاء من الالِ والبلِ والبقرِ والغنمِ والبني‬
‫والبناتِ ‪ ،‬وكان هذا الالُ والهلُ ف منلٍ ر ْحبٍ على مرّ سيْلٍ ف ديارِ بن عبس ‪ ،‬ف رغدٍ‬
‫وأمنٍ وأمانٍ ‪ ،‬ل يفكرْ والدُهم ول يفكرْ أبناؤه أن الوادث قد تزورهم ‪ ،‬وأن الصائب قد‬
‫تتاحُهم ‪.‬‬
‫إنّ الوادث قد يطْ ُرقْنَ أسْحارا‬ ‫يا راقد الليلِ مسرورا بأ ّولِه‬

‫نام الهلُ جيعا كبارُهم وصغارُهم ‪ ،‬معهم أموالُهم ف أرضٍ مستوية ‪ ،‬ووالدهم غائبٌ‬
‫ل جارفا ل يلوي على شيءٍ ‪ ،‬يملُ الصخور كما‬ ‫يبحثُ عن ضالّتِه ‪ ،‬وأرسل الُ عليهم سْي ً‬
‫يملُ التراب ‪ ،‬ومرّ عليهم ف آخر الليلِ ‪ ،‬فاجتاحهم جيعا ‪ ،‬واقتلع بيوتم من أصلها ‪ ،‬وأخذ‬
‫الموال معه جيعا ‪ ،‬وأخذ الهل جيعا ‪ ،‬وزهقتْ أرواحُهم من تدفّقِ الاء ‪ ،‬وصارُوا أثرا بعد‬
‫عيْنٍ ‪ ،‬فكأنم ل يكونوا ‪ ،‬صارُوا حديثا يُتلى على اللسانِ ‪.‬‬
‫وعاد البُ ثلثةِ أيامٍ إل الوادي ‪ ،‬فلم ُيحِسّ أحدا ‪ ،‬ول يسمعْ رافدا ‪ ،‬ل ح ّي ول‬
‫ع صَفْصَفٌ ‪ ،‬يا الُ !! يا للدّاهيةِ الدهياءِ !! ل زوجة ل ابن ل ابنة‬
‫ناطق ول أنيس ‪ ،‬الكانُ قا ٌ‬
‫‪ ،‬ل ناقةَ ل شاةَ ل بقرة ‪ ،‬ل درهم ل دينار ‪ ،‬ل ثوب ل شيء ‪ ،‬إنا مصيبةٌ !!‬
‫وزيادةً ف البلء ‪ :‬إذا جلٌ منْ جالِ ْه قْد شرد ‪ ،‬فحاول أ ْن يدركه وأخذ بذيِله علّة أن‬
‫ي ووقتٍ من هذا اليوم سعه أعرابّ آخرُ ‪،‬‬ ‫يد رجلً يقودُه إل مكان يأوي إليه ‪ ،‬وبعد ح ٍ‬
‫ل تحزن‬
‫‪332‬‬
‫فأتى إليه وقاده ‪ ،‬وذهب به إل الوليدِ بنِ عبدِاللك الليفةِ ف دمشق ‪ ،‬وأخبه الََبرَ ‪ ،‬فقالَ ‪:‬‬
‫كيف أنتَ ؟ قال ‪ :‬رضيتُ عن الِ ‪.‬‬
‫وهي كلمةٌ كبيةٌ عظيمةٌ ‪ ،‬يقولُها هذا السلُم الذي َحمَلَ التوحيد ف قلبِه ‪ ،‬وأصبح آيةً‬
‫للسائلي ‪ ،‬وعظِةً للمتّعظي ‪ ،‬وعبةً للمعتبين ‪.‬‬
‫والشاهد ‪ :‬الرضا عن الِ ‪.‬‬
‫والذي ل يرضى ول يسّلمُ للمقدّر ‪ ،‬فإن استطاع أن يبتغي نفقا ف الرض أو سُلّما ف‬
‫مَا َيغِيظُ﴾‬
‫السماء‪ ،‬وإن شاء‪﴿ :‬فَلَْيمْ ُددْ ِبسَبَبٍ إِلَى السّمَاء ُثمّ لَِيقْطَعْ َفلْيَن ُظرْ هَلْ ُيذْهَِبنّ كَ ْيدُ ُه‬
‫********************************************‬
‫وقفــــــة‬
‫قال أبو عليّ بنِ الشبل ‪:‬‬
‫وَعْدا فخياتُ النانِ عِداتُ‬ ‫وإذا همت فناجِ نفسك بالُن‬
‫حت تزول بمّك الوقاتُ‬ ‫واجعلْ رجاءك دُون يأسِك جُنّةً‬
‫لسّادُ والشّمّاتُ‬
‫جلساؤُك ا ُ‬ ‫واسترْ عن الُلَساءِ بثّك إنا‬
‫للحيّ منْ قبلِ الماتِ ماتُ‬ ‫ودعِ التوقّع للحوادثِ إنه‬
‫ف أهلِهِ ما للسرورِ ثباتُ‬ ‫فالمّ ليس لهُ ثباتٌ مثلِ ما‬
‫ل تصْفُ للمتيقظي حياةُ‬ ‫لول مغالطةُ النفوسِ عقولا‬
‫*******************************************‬
‫اتاذُ القرار‬
‫ِإنّ ال ّلهَ ُيحِبّ اْلمُتَوَكّ ِليَ ﴾ ‪.‬‬ ‫﴾‪﴿.‬‬ ‫﴿ فَِإذَا َعزَمْتَ فَتَوَكّ ْل عَلَى ال ّلهِ‬
‫إن كثيا منا يضطربُ عندما يريد أن يتخذ قرارا ‪ ،‬فيصيبُه القلقُ والي ُة والربا ُك‬
‫والشكّ ‪ ،‬فيبقى ف ألٍ مستمرٍ وف صداعٍ دائمٍ ‪ .‬إن على العبدِ أن يشاور وأن يستخي الَ ‪،‬‬
‫وأن يتأمّل قليلً ‪ ،‬فإذا غلب على ظنه الرأيُ الصوبُ والسلكُ الحسنُ أقدم بل إحجام ‪،‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪333‬‬
‫وانتهى وقتُ الشاورةِ والستخارةِ ‪ ،‬وَعَزَم وتوكّل ‪ ،‬وصمّم وَ َجزَم ‪ ،‬لينهي حياة التردّد‬
‫والضطرابِ ‪.‬‬
‫لقد شاور الناس وهو على النب يوم ُأحُد ‪ ،‬فأشاروا بالروجِ‪ ،‬فلبس لمته وأخذ‬
‫سيفه ‪ ،‬قالوا ‪ :‬لعلّنا أكرهناك يا رسول ال ؟ لو بقيت ف الدينةِ ‪ .‬قال ‪ (( :‬ما كان لنب إذا‬
‫على الروجِ ‪.‬‬ ‫لبس لمته أن ينعها حت يقضي الُ بينه وبي عدوّهِ )) ‪ .‬وَ َعزَم‬
‫إن السألة ل تتاجُ إل ترددٍ ‪ ،‬بل إل مضا ٍء وتصميمٍ وعزمٍ أكيدٍ ‪ ،‬فإن الشجاعة‬
‫والبسالة والقيادة ف اتاذِ القرارِ ‪.‬‬
‫شُورَى ﴾‬ ‫مع أصحابِه الرأي ف بدرٍ ‪ ﴿ :‬وَشَاوِ ْر ُهمْ فِي ا َل ْمرِ ﴾ ‪ ﴿ ،‬وََأ ْمرُ ُهمْ‬ ‫تداول‬
‫‪ ،‬فأشارُوا عليه فَعَزَم وأقدم ‪ ،‬ول يلوِ على شيءٍ ‪.‬‬
‫ت للجهدِ ‪،‬‬ ‫إن التردّد فسادٌ ف الرأيِ ‪ ،‬وبرو ٌد ف المّةِ ‪ ،‬وَخَورٌ ف التصميمِ وشَتا ٌ‬
‫وإخفاقٌ ف السّيْرِ ‪ .‬وهذا التردّدُ مرضٌ ل دواء له إل العزمُ والزمُ والثباتُ ‪ .‬أعرفُ أناسا من‬
‫سنواتٍ وهم يُقدِمون ويُحجمون ف قراراتِ صغيةٍ ‪ ،‬وف مسائل حقيةٍ ‪ ،‬وما أعرفُ عنهم‬
‫إل روح الشكّ والضطرابِ ‪ ،‬ف أنفسِهم وف من حولم ‪.‬‬
‫إنم سحوا للخفاقِ أن يصل إل أرواحِهم َف َوصَلَ ‪ ،‬وسحُوا للتشّتتِ ليزور أذهانم‬
‫فزار ‪.‬‬
‫إنه يب عليك بعد أن تدرس الواقعة ‪ ،‬وتتأمّل السألة ‪ ،‬وتستشي أهل الرأي‪ ،‬وتستخي‬
‫ت والرضِ ‪ ،‬أن تُقدِم ول تُحجِم ‪ ،‬وأن تُنْفِذ ما ظهر لك عاجلً غي آجلٍ ‪.‬‬ ‫ربّ السماوا ِ‬
‫وقف أبو بكر الصدّيق يستشيُ الناس ف حروبِ الردةِ ‪ ،‬فأشار الناسُ كلهم عليه بعدمِ‬
‫القتالِ ‪ ،‬لكنّ هذا الليفة الصدّيق انشرح صدرُه للقتالِ ‪ ،‬لن هذا إعزازٌ للسلمِ ‪ ،‬وق ْطعٌ‬
‫ت الارجةِ على قداسةِ الدينِ ‪ ،‬ورأى بنو ِر الِ أن القتال خيٌ ‪،‬‬ ‫لدابر الفتنةِ ‪ ،‬وسحقٌ للفئا ِ‬
‫فصمّم على رأيه ‪ ،‬وأقسم ‪ :‬والذي نفسي بيدهِ ‪ ،‬لُقاتلنّ من فرّق بي الصلةِ والزكاةِ ‪ ،‬وال‬
‫لو منعون عقالً كانوا يؤدّونه لرسو ِل ال لقاتلتُهم عليه ‪ .‬قال عمر ‪ :‬فلما علمتُ أن ال‬
‫ل تحزن‬
‫‪334‬‬
‫شرح صدر أب بكر ‪ ،‬علمتُ أنه القّ ‪ .‬ومضى وانتصر وكان رأيهُ الطيب البارك ‪ ،‬الصحيح‬
‫الذي ل لُبْس فيه ول ِع َوجَ ‪.‬‬
‫إل مت نضطربُ ؟ وإل مت نراوحُ ف أماكنِنا ؟ وإل مت نتردّد ف اتاذِ القرارِ ؟‬
‫فإنّ فساد الرأي أنْ تتردّدا‬ ‫إذا كنت ذا رأي فكنْ ذا عزيةٍ‬

‫إنّ منْ طبيعةِ النافقي إفشال الطّةِ بكثرةِ تكرارِ القولِ ‪ ،‬وإعادةِ النظرِ ف الرأي ‪﴿ :‬لَوْ‬
‫‪ ﴿ .‬اّلذِينَ قَالُواْ‬ ‫ا ْلفِتَْنةَ ﴾‬ ‫ضعُواْ ِخلَلَ ُكمْ يَ ْبغُونَ ُكمُ‬
‫َخرَجُواْ فِيكُم مّا زَادُو ُكمْ إِلّ خَبَالً ولَوْ َ‬
‫لِخْوَاِنهِمْ وَ َق َعدُواْ لَوْ أَطَاعُونَا مَا قُِتلُوا قُلْ فَادْرَؤُوا َعنْ أَنفُسِ ُكمُ اْلمَوْتَ إِن كُنُتمْ صَادِ ِقيَ﴾‪.‬‬
‫إنم يصطحبون « لو » دائما ‪ ،‬ويبون « ليت » ويعشقون « لع ّل » فحياتُهم مبنيةٌ‬
‫على التسويقِ ‪ ،‬وعلى القدامِ والحجامِ ‪ ،‬وعلى التذبذبِ ‪ّ ﴿ ،‬مذَْبذَبِيَ بَ ْينَ ذَلِكَ لَ إِلَى‬
‫‪.‬‬ ‫هَـؤُلء ﴾‬ ‫هَـؤُلء وَلَ إِلَى‬
‫مرةً معنا ومرةً معهم ‪ ،‬مرةً هنا ومرةً هناك ‪.‬‬
‫كما ف الديثِ ‪ (( :‬كالشاة العائرةِ بي القطيعي من الغنمِ )) وهو يقولون ف أوقاتِ‬
‫‪ .‬وهم كاذبون على الِ ‪ ،‬كاذبون على أنفسهم ‪،‬‬ ‫كمْ ﴾‬
‫لّتَّبعْنَا ُ‬ ‫َلوْ َنعْ َلمُ قِتَالً‬ ‫﴿‬ ‫الزماتِ ‪:‬‬
‫فهم يسرون وقت الزمةِ ‪ ،‬ويأتون وقت الرخاءِ وأحدُهم يقول ‪ ﴿ :‬اْئذَن لّي وَلَ َتفْتِنّي ﴾ ‪.‬‬
‫إنه ل يتخذ إل قرار الخفاقِ والحباطِ ‪ .‬ويقولون ف الحزابِ ‪ ﴿ :‬إِنّ بُيُوتَنَا عَوْ َرةٌ َومَا هِيَ‬
‫ِبعَوْرَةٍ ﴾ ‪ .‬ولكنّه التخلصُ من الواجبِ ‪ ،‬والتملّصُ من القّ البيِ ‪.‬‬
‫*******************************************‬
‫اثبتْ أُحُـدُ‬
‫إنّ منْ طبيعِة الؤمنِ ‪ :‬الثبات والتصميم والزم والعزم ‪ ﴿ ،‬إِّنمَا اْلمُ ْؤمِنُونَ اّلذِينَ آمَنُوا‬
‫بِال ّلهِ َورَسُوِلهِ ُثمّ َلمْ َيرْتَابُوا ﴾ ‪ ،‬أما أولئك ‪َ ﴿ :‬فهُمْ فِي رَيِْبهِمْ يََت َردّدُونَ ﴾ ‪ ،‬وف قرارِهم‬
‫يضطربون ‪ ،‬وعلى أدبارِهم ينكصون ‪ ،‬ولعهودِهم ينقضون ‪ .‬إن عليك أيّها العبدُ إذا لع بارقُ‬
‫الصوابِ ‪ ،‬وظهر لك غالبُ الظنّ ‪ ،‬وترجّح لديك النفعُ ‪ ،‬أن تُقدِم بل التواءٍ ول تأخّرٍ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪335‬‬
‫وامضِ كالسيف على كفّ البطلْ‬ ‫ح ليتا وسوفا ولعلْ‬
‫اطّر ْ‬
‫لقد تردّدَ رجلٌ ف طلق زوجته الت أذاقْته المرّيْن ‪ ،‬وذهب إل حكيمٍ يشتكيه ‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كم لك من سنة مع هذه الزوجةِ ؟ قال ‪ :‬أربع سنواتٍ ‪ .‬قال ‪ :‬أربع سنواتٍ وأنت تتسي‬
‫سمّ ؟!‬
‫ال ّ‬
‫صحيحٌ أن هناك صبا وتمّلً وانتظارا ‪ ،‬لكن إل مت ؟ إن الفطِن يعلمُ أن هذا‬
‫المرين يتمّ أو ل يتمّ ‪ ،‬يصلحُ أو ل يصلحُ ‪ ،‬يستمرّ أو ل يستر ‪ ،‬فْليتخذْ قرارا ‪.‬‬
‫والشاعرُ يقولُ ‪:‬‬
‫ـ ِه النفسُ تعجلُ الفراقِ‬ ‫وعلجُ ما ل تشْتهِيـ‬
‫سيِ واستقراءِ أحوالِ الناسِ ‪ ،‬أن الرباك والية يأتيهم ف مواقف‬ ‫والذي يظهرُ من ال ّ‬
‫كثيةٍ ‪ ،‬لكن غالب ما يأتيهم ف أربعِ مسائل ‪:‬‬
‫الول ‪ :‬ف الدراس ِة واختيا ِر التخصّصِ ‪ ،‬فهو ل يدري أيّ قسم يسلكُه ‪ ،‬فيبقى ف‬
‫ذلك فترةً ‪ .‬وعرفتُ ُطلّبا ضيّعُوا سنواتٍ بسبب تردّدِهم ف القسامِ ‪ ،‬وف الكلياتِ ‪ ،‬فيبقى‬
‫بعضهم مترددا قبل التسجيل ‪ ،‬حت يفوته التسجيلُ ‪ ،‬وبعضُهم يدخ ُل ف قسمٍ سنةً أو سنتي ‪،‬‬
‫فيتضي الشريعة ث يرى القتصاد ‪ ،‬ث يعودُ إل الطبّ ‪ ،‬فيذهبُ عمرُ َش َذرَ َمذَرَ ‪.‬‬
‫ولو أنه درس أمره وشاور واستخار ال ف أولِ أم ِرهِ ‪ ،‬ث ذهب ل يلوي على شيء ‪،‬‬
‫لحرز عمره وصان وقته ‪ ،‬ونال ما أراد من هذا التخصّصِ ‪.‬‬
‫الثانية ‪ :‬العملُ الناسبُ ‪ ،‬فبعضهم ل يعرفُ ما هو العمل الذي يناسبُه ‪ ،‬فمرةً يعتنقُ‬
‫وظيفةً ‪ ،‬ث يتركُها ليذهب إل شركةٍ ‪ ،‬ث يهجرُ الشركة إل عمل تاري بتٍ ‪ ،‬ث يصلُ‬
‫س والفقرِ ث يلزمُ بيته مع صفوفِ العاطلي ‪.‬‬ ‫على العدمِ والفل ِ‬
‫ب رزقٍ فلْيلزمْهُ ‪ ،‬فإنّ رزقه منْ هذا الكانِ ‪ ،‬ومنْ لزم بابا‬
‫وأقولُ لؤلءِ ‪ :‬من فُتح له با ُ‬
‫أُوت سهولته وفَتْحه وحكمته ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪336‬‬
‫الثالثة ‪ :‬الزواجُ ‪ ،‬وأكثرُ ما يأت الشباب الي ُة والضطرابُ ف مسألةِ اختيارِ الزوجةِ ‪،‬‬
‫وقد يدخلُ رأي الخرين ف الختيارِ ‪ ،‬فالوالدُ يرى لولدهِ امرأةً غي الت يراها البنُ أو الت‬
‫تراها المّ ‪ ،‬فربا وافق البنُ رغبة والدِه ‪ ،‬فيحصلُ ما ل يريدُه ‪ ،‬وما يبّه ‪ ،‬وما ل يقدمُه ‪.‬‬
‫ونصيحت لؤلءِ أن ل يُقدمُوا ف مسألة الزواجِ بالصوصِ إل على ما يرتاحون إليه ف‬
‫لسْنِ والوافقةِ ‪ ،‬لن السألة مسأل ُة مصيِ امرأةٍ ل مكان للمجازفةِ با ‪.‬‬
‫جانبِ الدين وا ُ‬
‫الرابعة ‪ :‬تأت اليةُ والضطرابُ ف مسألةِ الطلقِ ‪ ،‬فيوما يرى الفراق ويوما يرى‬
‫العايشة ويوما يرى أن يُنهي العايشة ‪ ،‬وآخر يرى أن يقطع البْل ‪ ،‬فيصيبه من العياء ‪،‬‬
‫ت المرِ ‪ ،‬ما الُ به عليمٌ ‪.‬‬
‫و ُحمّى الروحِ ‪ ،‬وفسادِ الرأي ‪ ،‬وتشتّ ِ‬
‫إن على العبدِ أن يُنهي هذه الضوائق النفسية بقرارِه الصارمِ ‪ ،‬إن العمر واحدٌ ‪ ،‬وإن‬
‫اليوم لن يتكرّر ‪ ،‬وإن الساعة لن تعود ‪ ،‬فعليه أن يعيشها سعاد ًة يشارك فيها بنفسِه ‪ ،‬يشاركُ‬
‫بنفسِه ف استجلبِ هذه السعادةِ ‪ ،‬وتأت هذه السعادةُ باتا ِذ القرارِ ‪ .‬إن العبد السلم إذا همّ‬
‫وعزم وتوكل على الِ بعد أن يستخي ويُشاوِر ‪ ،‬صار كما قال الول ‪:‬‬
‫وأعرض عن ذكْ ِر العواقبِ جانبا‬ ‫إذا همّ ألقى بي هّيْه عينهُ‬
‫إقدا ٌم كإقدام السيل ‪ ،‬ومضا ٌء كمضاءِ السيفِ ‪ ،‬وتصميمٌ كتصميمِ الدهرِ ‪ ،‬وانطلقٌ‬
‫كانطلقِ الفجرِ ‪َ ﴿ ،‬فأَ ْجمِعُواْ َأ ْمرَ ُكمْ وَ ُشرَكَاء ُكمْ ُثمّ لَ يَ ُكنْ َأ ْمرُ ُكمْ عَلَيْ ُك ْم غُ ّمةً ُثمّ ا ْقضُواْ‬
‫إِلَيّ وَلَ تُن ِظرُونِ ﴾ ‪.‬‬
‫********************************************‬
‫***‬
‫كما تدين تُدان‬
‫عجبا لنا ! نريدُ من الناسِ أن يكونوا حلماء ون ُن نغضبُ ‪ ،‬ونريدُ منهم أن يكونوا‬
‫كرماء ونن نبخلُ ‪ ،‬ونريد منهم الوفاء بسن الخاءِ ‪ ،‬ونن ل نؤدي ذلك ‪.‬‬
‫وهل عُو ٌد يفوحُ بل دُخانِ‬ ‫تُريدُ مهذّبا ل عيب فيهِ‬
‫وقالوا ‪ :‬من لخيك كلّه ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪337‬‬
‫وقال آخر ‪:‬‬
‫على شعثٍ أيّ الرجالِ الهذّبُ‬ ‫ولست ِب ُمسْتبْقٍ أخا ل تُلمّهُ‬
‫وقال ابنُ الروميّ ‪:‬‬
‫ـمهذّب ف الدنيا ولست مُهذّبا‬ ‫ومِ ْن عجبِ اليامِ أنّك تبتغي الـ‬
‫********************************************‬
‫*****‬
‫وقفــــةٌ‬
‫قال إيليا أبو ماضي ‪:‬‬
‫كيف تغدو إذا غدوت عليل‬ ‫أيّها الشاكي وما بك داءٌ‬
‫تتوقّى ‪،‬قبل الرحيلِ الرّحيل‬ ‫إنّ شرّ الُناةِ ف الرض نفسٌ‬
‫أن ترى فوقها الندى إكليل‬ ‫شوْك ف الورودِ‪ ،‬وتعمْى‬ ‫وترى ال ّ‬
‫مَنْ يظُنّ الياة عبئا ثقيل‬ ‫هو عبءٌ على الياةِ ثقيلٌ‬
‫ل يرى ف الوجودِ شيئا جيل‬ ‫والذي نفسُهُ بغي جالٍ‬
‫ل تفْ أنْ يزول حت يزُول‬ ‫فتمتّ ْع بالصّبحِ ما دُمت فيهِ‬
‫قصّر البحث فيه كيْل يطُول‬ ‫وإذا ما أظلّ رأْسك همّ‬
‫فمِن العارِ أن تظلّ جهُول‬ ‫أدركتْ كُْنهَهَ طيورُ الرّواب‬
‫تِذتْ فيه َمسْرَحا ومقيل‬ ‫ما تراها والقلُ ِملْكُ سواها‬
‫********************************************‬
‫**‬
‫ضريبةُ الكلمِ اللّبِ‬
‫إنّ سعادتنا تكم ُل ف قيامِنا بواجبنا مع خالقِنا ‪ ،‬ث مع خلْقِه ‪ ،‬مع الِ ث مع النسانِ ‪.‬‬
‫إن الكلم سهلٌ نطقُه وتبيُه وزخرفتُه ‪ ،‬لكن الصعب من ذلك صياغتُه ف مُثُلٍ عليا من‬
‫ل تحزن‬
‫‪338‬‬
‫الصفاتِ الميدةِ والعمالِ الليلةِ ﴿ أََت ْأ ُمرُونَ النّاسَ بِالِْبرّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَ ُكمْ وَأَنُتمْ تَتْلُونَ‬
‫‪.‬‬ ‫الْكِتَابَ أَ َفلَ َت ْعقِلُونَ ﴾‬
‫ف التارك له ‪ ،‬والناهي عن النكرِ الفاعل له ‪ ،‬يُوض ُع – كما ف الديث‬ ‫إ ّن المر بالعرو ِ‬
‫الصحيح – يوم القيام ِة ف النارِ ‪ ،‬فيدورُ بأمعائِه كما يدورُ المارُ برحاهُ ‪ ،‬فيسأله أه ُل النارِ‬
‫عن سرّ هلِكه ‪ ،‬فقال ‪ :‬كنتُ آمرُكم بالعروفِ ول آتيهِ ‪ ،‬وأناكُم عن النكرِ وآتيةِ ‪.‬‬
‫ل لنفسِك كان ذا التعليمُ‬
‫هّ‬ ‫يا أيّها الرجلُ العّلمُ غَيهُ‬
‫وقف الوعظُ الشهيُ أبو معاذ الرازي فبكى وأبكى الناس ‪ ،‬ث قال ‪:‬‬
‫طبيبٌ يداوي الناس وهُو عليلٌ‬ ‫وغيُ نقيّ يأمرُ الناس بالتقى‬
‫كان بعضُ السلفِ إذا أراد أن يأمر الناس بالصدقةِ ‪ ،‬تصدّق هو أولً ‪ ،‬ث أمرهم ‪،‬‬
‫فاستجابُوا طواعيةً ‪.‬‬
‫وقرأتُ أن واعظا ف عهدِ القرونِ الفضّلةِ ‪ ،‬أراد أن يأمر الناس بالعِتْقِ ‪ ،‬وقد طلب منه‬
‫كثيٌ من الرقيق أن يسأل الناس ذلك ‪ ،‬فجمع نقودا ف وقتٍ طويل ث أعتق رقبةً ‪ ،‬ث أمّ فأمرَ‬
‫بالعِتْق ‪ ،‬فاقتدى الناسُ وأعتقُوا رقابا كثية ‪.‬‬
‫**********************************‬
‫الراحةُ ف النّةِ‬
‫‪.‬‬ ‫﴾‬ ‫﴿ َل َقدْ خَ َلقْنَا الْإِنسَانَ فِي كََبدٍ‬
‫يقولُ أحدُ بنُ حنبلَ ‪ ،‬وقد قيل له ‪ :‬مت الراحةُ ؟ قال ‪ :‬إذا وضعت قدمك ف النةِ‬
‫ارتت ‪.‬‬
‫ث ومصائبُ ونكباتُ‬ ‫ت وزعازعُ وفتٌ وحواد ُ‬‫ل راحة قبل النةِ ‪ ،‬هنا ف الدنيا إزعاجا ُ‬
‫ض وه ّم وغمّ وحزنٌ ويأسٌ ‪.‬‬
‫‪ ،‬مَ َر ٌ‬
‫صفوا من القذا ِء والكدارِ‬ ‫طُبِ َعتْ على كدرٍ وأنت تريدُها‬
‫ل تحزن‬
‫‪339‬‬
‫أخبن زميلُ دراسةٍ من نيجييا ‪ ،‬وكان رجلً صاحب أمانةٍ ‪ ،‬أخبن أن أمّه كانت‬
‫تُوقظُه ف الثلثِ الخي ‪ ،‬قال ‪ :‬يا أمّاهُ ‪ ،‬أريد الراحة قليلً ‪ .‬قالت ‪ :‬ما أوقظك إل لراحتِك ‪،‬‬
‫يا بن إذا دخلت النة فارتحْ ‪.‬‬
‫كان مسروقٌ – أحدُ علماءِ السلفِ – ينامُ ساجدا ‪ ،‬فقال له أصحابهُ ‪ :‬لو أرحت‬
‫نفسك ‪ .‬قال ‪ :‬راحتها أريدُ ‪.‬‬
‫إن الذين يتعجّلون الراحة بتركِ الواجبِ ‪ ،‬إنا يتعجّلون العذاب حقيقةً ‪.‬‬
‫إنّ الراحةً ف أداءِ العمل الصالِ ‪ ،‬والنفعِ التعدّي‪ ،‬واستثمارِ الوقتِ فيما يقرّبُ من الِ‬
‫‪.‬‬
‫رَبّنَا عَجّل لّنَا قِطّنَا قَبْلَ‬ ‫﴿‬ ‫إ ّن الكافر يريدُ حظّه هنا ‪ ،‬وراحتَهُ هنا ‪ ،‬ولذلك يقولون ‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫حسَابِ ﴾‬
‫اْل ِ‬ ‫يَوْمِ‬
‫قال بعضُ الفسّرين ‪ :‬أي ‪ :‬نصيبنا من الَيْرِ وحظّنا من الرزقِ قبل يومِ القيامةِ ‪.‬‬
‫﴿ إِنّ َهؤُلَاء ُيحِبّونَ اْلعَاجِ َلةَ ﴾ ‪ ،‬ول يفكّرون ف الغدِ ول ف الستقبلِ ‪ ،‬ولذلك خسرُوا‬
‫اليوم والغد ‪ ،‬والعمل والنتيجة ‪ ،‬والبداية والنهاية ‪.‬‬
‫وهكذا خُلقتِ الياةِ ‪ ،‬خاتتُها الفناءُ فهي شربٌ مكدّرٌ ‪ ،‬وهي مزاجٌ ملوّن ل تستقرّ‬
‫على شيء ‪ ،‬نعمةٌ ونقمةٌ ‪ ،‬شدّةٌ ورخاءٌ ‪ ،‬غنً وفقرٌ ‪.‬‬
‫هذه هي النهاية ‪:‬‬
‫حقّ أَلَ َلهُ اْلحُ ْكمُ وَهُوَ أَ ْس َرعُ اْلحَاسِِبيَ ﴾ ‪.‬‬
‫﴿ ُثمّ ُردّواْ إِلَى ال ّلهِ مَوْلَ ُهمُ اْل َ‬
‫********************************************‬
‫**‬
‫وقفـــــةٌ‬
‫قال إيليا أبو ماضي ‪:‬‬
‫والرضُ ملكُك والسما وال ُنمْ؟‬ ‫كمْ تشتكي وتقولُ إنك م ُعدِمُ‬
‫ونسيمُها والبُلْبلُ الترّنمُ‬ ‫ولك القولُ وزهرُها وأريُها‬
‫ل تحزن‬
‫‪340‬‬
‫س فوقك عسْجدٌ يتضرّمُ‬ ‫والشم ُ‬ ‫والاءُ حولك فضّةٌ رقْراقةٌ‬
‫دورا مزخرفةً وحينا ي ْهدِمُ‬ ‫والنورُ يبن ف السّفوح وف الذّرا‬
‫سمُ ؟‬ ‫وتبسّمتْ فعلم ل تتب ّ‬ ‫شتْ لك الدنيا فما لك واجا ؟‬ ‫هّ‬
‫هيهات يُرجعُه إليك تََندّمُ‬ ‫إن كنت مكتئبا لعزّ قد مضى‬
‫هيهات ينعُ أنْ يِ ّل تهّمُ‬ ‫أو كنت تُشفقُ من حلولِ مصيبةٍ‬
‫شاخ الزمانُ فإنه ل َيهْرَمُ‬ ‫أو كنت جاوزت الشباب فل تقلْ‬
‫لسْنِها تتكّلمُ‬ ‫صورٌ تكادُ ِ‬ ‫انظرْ فما زالتْ ُتطِلّ من الثّرى‬
‫********************************************‬
‫******‬
‫ي على حصو ِل القصودِ‬
‫ال ّرفْقُ يُع ُ‬
‫مرّتْ آثارٌ ونصوصٌ ف الرفقِ ‪ ،‬والرفقُ شفيعٌ ل يُرَدّ ف طلبِ الاجاتِ ‪ ،‬ولك أن تعلم‬
‫حسْبُ ‪ ،‬ل تدخلُها‬ ‫أن الطريق الضيق بي جدارين ‪ ،‬الذي ل يتسع إل لرور سيارةٍ واحد ٍة َف َ‬
‫هذه السيارة إل برفقٍ من قائدِها وحذرٍ وتوقّ ‪ ،‬بينما لو أقبل با مسرعا وأراد الرور من هذا‬
‫الكان الضي ِق لصطدم يْنةً وَيسْرَةً وتعطلتْ سيارتُه ‪ ،‬والطريقُ ل يزِد ول ينقصْ ‪ ،‬والسيارةُ‬
‫هي هي ‪ ،‬لكنّ الطريقة هي الت اختلفت‪ ،‬تلك برفقٍ وهذه بشدّةٍ ‪ .‬والشجرةُ الصغيةُ الت‬
‫نغرسُها ف حوضِ فناءِ أحدِنا ‪ ،‬إذا سكبت عليها الاء شيئا فشيئا تشربُ منه وينفعُها ‪ ،‬فإذا‬
‫أخذت كميةً من هذا الاء بعينهِ وحجْمه وألقيته دفعةً واحدة لقتلعت هذه النبتة من مكانِها ‪،‬‬
‫إن كمية الاءِ واحدةٌ ولكن السلوب تغيّر ‪.‬‬
‫إن م ْن يلعُ ثوبه برفقٍ يضمنُ سلمة ثوبِه ‪ ،‬خلف من يذِبُه بقوةٍ ويسحبُه بسرعةٍ ‪،‬‬
‫فإنه يشكو من تق ّطعِ أزرارِه وت ّزقِهِ ‪.‬‬
‫ومن اللطائف ف انكشافِ َعدَ َم صدقِ إخوةِ يوسف ف ميئِهم بثوبِهِ ‪ ،‬وز ْعمِهم أن‬
‫الذئب أكله ‪ :‬أنم خلعُوا الثوب برفق فلم يصل فيه شقوقٌ ‪ ،‬ولو أكله الذئبُ كما زعموا‬
‫لزّق الثوب كلّ مزّقٍ ‪ ،‬ول يلْعْه خلْعا ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪341‬‬
‫إن حياتنا تتاجُ إل رفقٍ نرفقُ بأنفسِنا ‪ (( :‬وإن لنفسِك عليك حقا )) ‪ .‬نرفقُ‬
‫بإخواننا ‪ (( :‬إن ال رفيق يب الرفق )) ‪ .‬نرفقُ بالرأةِ ‪ (( :‬رفقا بالقواريرِ )) ‪.‬‬
‫على السورِ الشبيِة الت بناها التراكُ على مراتِ النارِ ‪ ،‬مكتوبٌ ف أول السرِ ‪:‬‬
‫ع فجديرُ أن يهوي إل مستق ّر النهر ‪.‬‬‫رفقا رفقا ‪ .‬لن الارّ بدوءٍ ل يسقطُ ‪،‬أما السر ُ‬
‫ي كان يسكنُ ف مدينة « السلمية » ‪ ،‬وله درّاجةٌ ناريةٌ ‪،‬‬ ‫وف مذكّراتٍ لديب سور ّ‬
‫أراد أن يعب با على جسر بناه التراكُ من الشبِ على النهرِ ‪ ،‬وهم بنوْه لن أراد أن يشي‬
‫بدراجته متئدا متأنيا ‪ ،‬قال هذا الرجل ‪ :‬فذهبتُ مسرعا على جسري ‪ ،‬فلما أصبحتُ من‬
‫أعلى السرِ متوسّطا النهر ‪ ،‬نظرتُ َيمْنَةً وَيسْرَةً ‪ ،‬وأنا ل أرفقْ بنفسي ول بدراجت‬
‫ت بدراجت ف النهرِ ‪ ...‬وكانت قصةً طويلة ‪.‬‬ ‫فاضطربتْ ب واختلّ نظري ‪ ،‬فوقع ُ‬
‫إنّ على مداخلِ حدائقٍ الزهو ِر والورود ف بعضِ مدنِ أوروبة ‪ :‬لوحةٌ مكتوب فيها ‪:‬‬
‫«تَ َرفّقْ» ‪ ،‬لن الداخل مسرعا ل يرى ذاك النبت الميل ول يضمنُ سلمة ذاك الوردِ‬
‫الباهي ‪ ،‬فيحصل الدعس والدفس والبادة ‪ ،‬لنه ما رفق ول تأنّى ‪.‬‬
‫هناك معادلة تربوية تقول ‪ :‬إن العصفور تربوية تقول ‪ :‬إن العصفور ل يترفّقُ كالنحلة ‪.‬‬
‫ت على عُودٍ ل‬
‫وف الديث ‪ (( :‬الؤمنُ كالنحلة ‪ ،‬تأك ُل طيبا وتضعُ طيبا ‪ ،‬وإذا وقع ْ‬
‫تكسْرِه )) ‪ .‬فالنحلة ل ُتحِسّ با الزهرةُ أبدا ‪ ،‬وهي تعلقُ الرحيق بدوء ‪ ،‬وتنالُ مطلوبا برفقٍ‬
‫‪ .‬والعصفورُ على ضآلةِ جسمِه يبُ الناس بنولِه على سنابل ‪ ،‬فإذا أراد النول سقط‬
‫سقوطا ‪ ،‬ووثب وثْبا ‪.‬‬
‫ول أزالُ أذكرُ قصة الرسّام النديّ ‪ ،‬وقد رسم لوحةً بديعة السنِ ملخّصها ‪ :‬سنبلةُ‬
‫قمح عليها عصفو ٌر قد وقع ‪ ،‬وهذه السنبلة مليئةٌ بالبّ ‪ ،‬مترعرع ُة النموّ ‪ ،‬باسقةُ الطولِ ‪،‬‬
‫وعلّقها اللِكُ على جدارِ ديوانِه ‪ ،‬ودخل الناسُ يهنّئون اللك بذه اللوحةِ ويشكرون الرسّام‬
‫على حسنِها ‪ ،‬ودخل رج ٌل فقيٌ مغمورٌ ف وسطِ الزحامِ فاعترض على اللوحةِ ‪ ،‬وأخبَ أنا‬
‫خطٌأ ‪ ،‬وضجّ الناسُ به وصجّوا ‪ ،‬لنه خالف الجاع‪ ،‬فاستدعاه اللكُ برفقٍ وقال ‪ :‬ما عندك؟‬
‫قال ‪ :‬هذه اللوحةُ خطٌأ رسُها ‪ ،‬وَغَلطٌ عرْضها ‪ .‬قال ‪ :‬وِلمَ ؟ قال ‪ :‬لنّ الرسام رسمَ‬
‫ل تحزن‬
‫‪342‬‬
‫العصفور على السنبلةِ وترك السنبلة مستقيمةً متدةً ‪ ،‬وهذا خطٌأ ‪ ،‬فإنّ العصفور إذا نزل على‬
‫سنبلة القمحِ أمالا‪ ،‬وأخضعها ‪ ،‬لنه ثقيلٌ ل يلكُ الرفق ‪ .‬قال اللكُ ‪ :‬صدقت ‪ .‬وقال الناسُ‪:‬‬
‫صدقت ‪ .‬وأنزل الّلوْحة ‪ ،‬وسُحبت الائزةُ من الرسامِ ‪.‬‬
‫إنّ الطباء يُوصون بالرفقِ ف تناولِ العلجِ ‪ ،‬وف مزاولةِ العم ِل والخذِ والعطاءِ ‪.‬‬
‫فذاك يقلعُ ظفْره بيده ‪ ،‬وذاك يباشرُ سِنّه بنفسِه ‪ ،‬وآخر يَغُصّ باللقمة ‪ ،‬لنه َأ َكبَها‬
‫وما أحسن مضْغها ‪.‬‬
‫إن الاء يترفّقُ ‪ ،‬وإن الريح تُزم ُر فتدمّرُ ‪ .‬قرأتُ لبعضِ السلفِ أنه قال ‪ :‬إن مِن فِقْهِ‬
‫الرجل ِرفْقَهُ ف دخولِه وخروجِه منه ‪ ،‬وارتداءِ ثوبِه و َخ ْلعِ نعلِه وركوبِ دابتهِ ‪.‬‬
‫إن ال َعجَلةَ والوجَ والطيْشَ ف أخذ المورِ وتناولِ الشياء ‪ ،‬كَفِيلةٌ بصولِ الضررِ‬
‫وتفويتِ النفعِة ‪ ،‬لن الَيْرَ بُن على الرفقِ ‪ (( :‬ما كان الرفقُ ف شيء إلّ زانه ‪ ،‬وما نُزع‬
‫الرفقُ من شيء إلّ شانهُ )) ‪.‬‬
‫إنّ الرفق ف التعاملِ تُذعنُ له الرواحُ ‪ ،‬وتنقادُ له القلوبُ ‪ ،‬وتشعُ له النفوسُ ‪.‬‬
‫إن الرفيق من البشرِ مِفتاحٌ لكلّ خَيْرٍ ‪ ،‬تستسلمُ له النفوسُ الستعصية ‪ ،‬وتثوبُ إليه‬
‫القلوبُ الاقدةُ ‪ ﴿ ،‬فَِبمَا رَ ْح َمةٍ ّمنَ ال ّلهِ لِنتَ َل ُهمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّا غَلِيظَ اْلقَلْبِ لَن َفضّواْ ِمنْ‬
‫حَوْلِكَ ﴾ ‪.‬‬
‫*******************************************‬
‫وقفــــةٌ‬
‫طه حسي يتحدّثُ بصيغةِ الغائب ‪:‬‬
‫« كان يرى نفسه إنسانا من الناسِ وُلد كما يُولدون ‪ ،‬وعاش كما يعيشون ‪ ،‬يقسّم‬
‫الوقت والنشاط فيما يقسّمون فيه وقتهم ونشاطهم ‪ ،‬ولكنه ل يكنْ يأنسُ إل أحدٍ ‪ ،‬ول يكنْ‬
‫يطمئنّ إل شيء ‪ ،‬قد ضُرِب بينه وبي الناسِ والشياء حجابٌ ظاهرُه الرضا والمنُ ‪ ،‬وباطنُه‬
‫ف والقلقُ واضطرابُ النفسِ ‪ ،‬ف صحراء موحشة ل تدّها الدودُ ‪،‬‬ ‫من قِبَلِه السخطُ والو ُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪343‬‬
‫ول تقو ُم فيها العلم ‪ ،‬ول يتبيّن فيها طريقه الت يكنُ أن يسلكها ‪ ،‬وغايته الت يكن أن‬
‫ينتهي إليها » ‪.‬‬
‫يقولُ شيخُ السلمِ ابنُ تيميةَ ‪ « :‬إنا ترّ بالقلبِ لظاتٌ من السرور أقول ‪ :‬إن كان‬
‫أهلُ النة ف مِْثلِ هذا العيش ‪ ،‬إنّهم لفي عيشٍ طّيبٍ » ‪.‬‬
‫وقال إبراهيم بن أدهم ‪ « :‬نن ف عيش لو علم به اللوكُ لالدونا عليه بالسّيوفِ » ‪.‬‬
‫************************************‬
‫‪/http://www.saaid.net‬‬

‫حت تكون أسعد الناس‬


‫•اليانُ ُيذْ ِهبُ الموم ‪,‬ويزيلُ الغموم ‪ ,‬وهو قرةُ عيِ الوحدين ‪ ,‬وسلوةُ العابدين ‪.‬‬
‫•ما مضى فاتَ ‪ ,‬وما ذهبَ ماتَ ‪,‬فل تفك ْر فيما مضى ‪ ,‬فقد ذهب وانقضى ‪.‬‬
‫ضجَرَ ‪.‬‬ ‫•ارض بالقضاءِ الحتومِ ‪ ,‬والرزقِ القسومِ ‪ ,‬كلّ شيءٍ بقدرٍ ‪ ،‬فد ِ‬
‫ع ال ّ‬
‫•أل بذكر الِ تطمئنّ القلوبُ ‪ ,‬وتطّ الذنوبُ ‪ ,‬وبه يرضى علّمُ الغيوبِ ‪ ,‬وبه تفرجُ‬
‫الكروبِ ‪.‬‬
‫•ل تنتظرْ شكرا من أحدٍ ‪ ,‬ويكفي ثواب الصمدِ ‪ ,‬وما عليك مّنْ جحدَ ‪ ,‬وحقدَ‪ ,‬وحسدَ‪.‬‬
‫•إذا أصبحت فل تنتظرِ الساء ‪ ,‬وعشْ ف حدو ِد اليومِ ‪ ,‬وأجعْ هّك لصلحِ يومِك ‪.‬‬
‫•اتركِ الستقبلَ حت يأت ‪ ,‬ول تتمّ بالغدِ ؛ لنك إذا أصلحت يومك صلح َغدُكَ ‪.‬‬
‫•طهّرْ قلبك من السدِ‪ ,‬ونقّهِ من القدِ ‪ ,‬وأخرجْ منه البغضاء ‪ ,‬وأزلْ منه الشحناءَ‪.‬‬
‫•اعتزلِ الناس إل من خيٍ ‪ ,‬وكن جليس بيتِك ‪ ,‬وأقبلْ على شأنِك ‪ ,‬وقلّلْ من الخالطةِ ‪.‬‬
‫•الكتابُ أحس ُن الصحابِ ‪ ,‬فسامرِ الكتب ‪ ,‬وصاح ِ‬
‫ب العِ ْلمَ ‪ ,‬ورافقِ العرفة ‪.‬‬
‫•الكونُ بُن على النظامِ ‪ ,‬فعليك بالترتيبِ ف ملبسِك وبيتِك ومكتبِك وواجبِك ‪.‬‬
‫•اخرجْ إل الفضاءِ ‪ ,‬وطالعِ الدائق الغناء وتف ّرجْ ف خَ ْل ِق الباري وإبداعِ الالقِ ‪.‬‬
‫•عليك بالشي والرياضةِ ‪ ,‬واجتنبِ ال َكسَلَ والمولَ‪ ,‬واهجرِ الفراغَ والبطالةَ ‪.‬‬
‫•اقرأ التاريخَ ‪ ،‬وتفكرْ ف عجائبهِ ‪ ،‬وتدبْر غرائبَه واستمت ْع بقصصِه وأخبارِه ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪344‬‬
‫•جدّدْ حياتَك ‪ ,‬ونوّعْ أساليبَ معيشتِك ‪ ,‬وغيّرْ من الروتيِ الذي تعيشُه ‪.‬‬
‫ت والكثار منها كالشاي والقهوةِ‪ ,‬واحذرِ التدخي والشيشةَ وغَيْرَها‪.‬‬ ‫•اهجر النبها ِ‬
‫•اعتِ بنظافة ثوبِك وحسنِ رائحتِك وترتيبِ مظهرِك مع السواكِ والطيبِ ‪.‬‬
‫•ل تقرأْ بعض الكتبِ الت تربّي التشاؤمَ والحباطَ واليأسَ والقنوطَ ‪.‬‬
‫•تذكرْ أن ربّك واسعُ الغفرةِ يقبلُ التوبة ويعفو عن عباده ‪ ,‬ويبدلُ السيئاتِ حسناتٍ ‪.‬‬
‫ق والذريةِ‬
‫•اشك ُر ربّك على نعمةِ الدي ِن والعقلِ والعافي ِة والسّتْ ِر والسمعِ والبص ِر والرز ِ‬
‫وغيِها ‪.‬‬
‫صحّتَه أو هو مبوسٌ أو مشلولٌ أو مبتلًى ؟! ‪.‬‬ ‫•أل تعلمُ أن ف الناس من فَقَدَ عقله أو ِ‬
‫•عشْ مع القرانِ حفظا وتلوةٌ وساعا وتدبرا فإنه من أعظمِ العلجِ لطردِ الزنِ والمّ ‪.‬‬
‫•توكلْ على الِ وفوّضْ المرَ إليه ‪ ,‬وارضَ بكمِه ‪ ,‬والأ إليه ‪ ,‬واعتمْد عليه فهو َحسْبُك‬
‫وكافيكَ ‪.‬‬
‫•اعفُ عمّنْ ظَلمَك ‪ ,‬وصلْ من قطعَك ‪ ,‬وأعطِ من حرمَك ‪ ,‬واحلمْ على من أساءَ إليكَ‬
‫تدِ السرورَ والمنَ ‪.‬‬
‫ل » فإنا تشرحُ البا َل وتصلح الالَ ‪ ,‬وتُحمل با الثقالُ ‪,‬‬
‫•كَ ّررْ «ل حولَ ول قوَة إل با ِ‬
‫وترضي ذا اللل ‪.‬‬
‫•أكثر من الستغفارِ ‪ ,‬فمعَه الرز ُ‬
‫ق والفرجُ والذريةُ والعِ ْلمُ الناف ُع والتيسيُ وحطّ الطايا ‪.‬‬
‫•اقن ْع بصورتِك وموهبتِك ودخلِك وأهلِك وبيِتك ت ِد الراحةَ والسعادةَ ‪.‬‬
‫•اعلم أن مع العسرِ يسرا ‪ ،‬وأن الفرجَ مع الكَرْبِ وأنه ل يدومُ الالُ ‪ ،‬وأن اليامَ دولٌ ‪.‬‬
‫•تفاء ْل ول تقنطْ ول تيأسْ ‪ ,‬وأحسن الظنّ بربّك وانتظرْ منه كلّ خيٍ وجيلِ ‪.‬‬
‫•افرحْ باختيارِ الِ لك ‪ ,‬فإنك ل تدري بالصلحِة فقد تكونُ الشدةُ لك خيْرا من الرخاء ‪.‬‬
‫•البلءُ يقرّبُ بينك وبي الِ ويعلّمك الدعاء ويذهبُ عنك الكِبْ َر والعُ ْ‬
‫جبَ وال َفخْرَ ‪.‬‬
‫•أنت تملُ ف نفسِك قناطي النعم وكنوز اليات الت وهبك ال إياها ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪345‬‬
‫•أحسن إل الناس وقدمِ الي للبشرِ ؛ لتلقى السعادة من عيادةِ مريضٍ وإعطاءِ فقيٍ والرحةِ‬
‫بيتيمٍ ‪.‬‬
‫•اجتنبْ سوء الظنّ ‪ ،‬واطرحِ الوهامَ ‪ ،‬واليال ِ‬
‫ت الفاسدةَ ‪ ،‬والفكارَ الريضةَ ‪.‬‬
‫•اعلم أنك لستَ الوحيدَ ف البلءِ ‪ ,‬فما َسِلمَ من المّ أحدٌ ‪ ,‬وما نا من الشدةِ َبشَرٌ ‪.‬‬
‫•تيقّن أن الدنيا دارُ منٍ وبلءٍ ومنغّصا ٍ‬
‫ت وكد ٍر فاقبلْها على حالِها واستعنْ بالِ ‪.‬‬
‫•تفكرْ فيمن سبقوك ف مسيةِ الياةِ مّن عُزِلَ وحُبِسَ وقت َل وامُْتحِنَ وابتل َي ونك َ‬
‫ب وصودرَ‬
‫‪.‬‬
‫•كل ما أصابك فأجرُه على الِ من المّ والغمّ والزنِ والو ِ‬
‫ع والفقرِ والرضِ والدَيْنِ‬
‫والصائبِ ‪.‬‬
‫•اعلمْ أن الشدائد تفتحُ الساع والبصار وتيي القلبَ ‪ ،‬وتردعُ النفسَ ‪ ،‬وتذكر العبدَ‬
‫وتزيد الثوابَ ‪.‬‬
‫•ل تتوقعِ الوادثَ ‪ ,‬ول تنتظر السوءَ‪ ,‬ول تصدقِ الشائعاتِ ‪ ,‬ول تستسلمْ للراجيفِ ‪.‬‬
‫•أكثرُ ما يُخافُ ل يكونُ ‪ ,‬وغالبُ ما يُسمع من مكرو ٍه ل يقعُ ‪ ,‬وف الِ كفايةٌ وعنده‬
‫رعايةٌ ومنه ال َعوْنُ ‪.‬‬
‫•ل تالسِ البُغضاءَ والثُقلءَ وا َ‬
‫لسَدَة فإنم ُحمّى الروحِ ‪ ,‬وهمْ رُسُلُ ال َكدَرِ وحلةُ الحزانِ ‪.‬‬
‫•حافظْ على تكبية الحرامِ جاعةً ‪ ,‬وأكثرِ الُ ْكثَ ف السجدِ ‪ ,‬وعوّد نفسَك البادرةَ للصلةِ‬
‫لتجدَ السرورَ ‪.‬‬
‫•إياك والذنوبَ ‪ ,‬فإنا مصد ُر المومِ والحزانِ ‪ ،‬وهي سبب النكباتِ ‪ ،‬وبابُ الصائبِ‬
‫والزماتِ ‪.‬‬
‫•داومْ على ﴿ل إَِلهَ إِلّ أَنْتَ سُ ْبحَاَنكَ إِنّي كُنتُ مِنْ الظّاِل ِميَ﴾ ‪ .‬فلها س ّر عجيبٌ ف‬
‫كشف الكْربِ ‪ ,‬ونبأٌ عظي ٌم ف رفعِ الحنِ ‪.‬‬
‫•ل تتأثْر من القولِ القبيحِ والكل ِم السيئِ الذي يقال فيك ‪ ،‬فإنه يؤذي قائلَه ول يؤذيك ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪346‬‬
‫• َسبّ أعدائك لك وشتمُ حسّادِك يساوي قيمتَك ؛ لنك أصبحتَ شيئا مذكورا ‪ ،‬ورجلً‬
‫مهما ‪.‬‬
‫•اعلمْ أن من اغتابك فقد أهدَى لك حسناتِه ‪ ،‬وحطّ من سيئاتِك ‪ ،‬وجعلَك مشهورا‪،‬‬
‫وهذه نعمةٌ ‪.‬‬
‫•ل تشدّدْ على نفسِك ف العبادةِ ‪ ,‬والزمِ السنةَ واقتصدْ ف الطاعةِ ‪ ,‬واسلكِ الوسطَ وإياكَ‬
‫والغُُلوّ ‪.‬‬
‫•أخلصْ توحيدك لربك لينشر َ‬
‫ح صدرُك ‪ ,‬فبقدرِ صفاءِ توحيدِك ونقاءِ إخلصِك تكونُ‬
‫سعادتُك ‪.‬‬
‫•كن شجاعا قويّ القلبِ ‪ ،‬ثاب َ‬
‫ت النفسِ ‪ ،‬لديك هةٌ وعزيةٌ ‪ ,‬ول تغرنّك الزوابعُ‬
‫والراجيفُ ‪.‬‬
‫•عليك بالود فإن صدرَ الوادِ منشر ٌ‬
‫ح وباله واسعٌ ‪ ،‬والبخيلُ ضيقُ الصدرِ ‪ ،‬مظل ُم القلبِ ‪،‬‬
‫مكدرُ الاطرِ ‪.‬‬
‫•أبسط وجهَك للنا ِ‬
‫س تكسبْ ودّهم ‪ ,‬وألنْ لم الكلمَ يبوك ‪ ,‬وتواضْع لم يلّوك ‪.‬‬
‫•ادفع بالت هي أحسنُ ‪ ,‬وترفقْ بالناسِ ‪ ,‬وأطفئِ العداواتِ ‪ ,‬وسالْ أعداءُك ‪ ,‬وكثّر‬
‫أصدقاءَكَ ‪.‬‬
‫•من أعظم أبوابِ السعادةِ دعاءُ الوالدين ‪ ,‬فاغتنمْه ببّها ليكون لك دعاؤها حصنا حصينا‬
‫من كلّ مكروهٍ ‪.‬‬
‫•اقبل الناس على ما هم عليه وسامحْ ما يبدرُ منهم ‪ ,‬واعلمْ أن هذه هي سنة الِ ف الناسِ‬
‫والياةِ ‪.‬‬
‫•ل تعشْ ف الثاليّاتِ بل عشْ واقعَك ‪ ,‬فأنت تريدُ من الناسِ ما ل تستطيعه فكنْ عادلً‪.‬‬
‫•عشْ حياة البساطةِ وإياكَ والرفاهيةَ والسراف والبَ ْذ َ‬
‫خ فكلما ترفّ َه السمُ تعقّدتِ الروحُ ‪.‬‬
‫•حافظْ على أذكارِ الناسباتِ فإنا حفظُ لك وصيانةٌ ‪ ,‬وفيها من السدادِ والرشادِ ما يصلحُ‬
‫به يومُكَ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪347‬‬
‫•وزّعِ العمالَ ول تمعْها ف وق ٍ‬
‫ت واحدٍ ‪ ،‬بل اجعلْها ف فتراتٍ وبينها أوقاتُ للراحةِ ليكنْ‬
‫عطاؤُك جيدا ‪.‬‬
‫•انظرْ إل من هو دونك ف السمِ والصورةِ والا ِل والبيتِ والوظيفةِ والذريةِ ‪ ،‬لتعلمَ أنك‬
‫فوقَ ألوفِ الناسِ ‪.‬‬
‫•تيقّنْ أن كل من تعاملُهم من أخٍ وابنٍ وزوج ٍة قريبٌ وصديقٌ ل يلو من عيبٍ‪ ،‬فوطّنْ‬
‫نفسَك على تقب ِل الميعِ ‪.‬‬
‫•الزمِ الوهبة الت أعطيتها‪ ،‬والعلمَ الذي ترتاحُ له‪ ،‬والرزقَ الذي فُتِح لك ‪ ،‬والعمل الذي‬
‫يناسبُك‪.‬‬
‫•إياك وتريح الشخاصِ واليئاتِ‪ ،‬وكن سليمَ اللسانِ ‪،‬طيبَ الكلمِ ‪َ ،‬عذْ َ‬
‫ب اللفاظِ ‪،‬‬
‫مأمو َن الانبِ ‪.‬‬
‫•اعلمْ أن الحتمالَ دفنٌ للمعائب ‪،‬واللمَ سترٌ للخطايا ‪ ,‬والودَ ثوبٌ واسعٌ يغطي النقائصَ‬
‫والثالبَ ‪.‬‬
‫•انفردْ بنفسِك ساع ًة تدبّ ُر فيها أمورك ‪ ،‬وتراجعُ فيها نفسك ‪ ،‬وتتفكرْ ف آخرتِك ‪ ،‬وتصلحُ‬
‫با دنياك ‪.‬‬
‫•مكتبتُك النليةُ هي بستانُك الوارفُ ‪ ,‬وحديقتُك الغنّاءُ ‪,‬فتنّ ْه فيها مع العلماءِ والكماءِ‬
‫والدباءِ والشعراءِ ‪.‬‬
‫•اكسبِ الرزقَ الللَ وإياكَ والرامَ ‪ ,‬واجتنبْ سؤالَ الناسِ ‪ ,‬والتجارةُ خَيْرٌ من الوظيفةِ ‪,‬‬
‫وضاربْ بالِكِ واقتصدْ ف العيشةِ ‪.‬‬
‫•البسْ وسطا ‪ ,‬ل لباسَ الترفي ول لباسَ البائسي ‪ ,‬ول تُشهرْ نفسَك بلباسٍ ‪ ,‬وكْن كعامةِ‬
‫الناسِ ‪.‬‬
‫•ل تغضبْ فإن الغَ َ‬
‫ضبَ يفسدُ الزاجَ ‪ ،‬ويغيّر اللقَ ويسيءُ العشرةَ ‪ ،‬ويفسدُ الودةَ ‪ ،‬ويقطعُ‬
‫الصلة ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪348‬‬
‫•سافر أحيانا لتجدد حياتك ‪ ،‬وتطالعَ عوالَ أخرى ‪ ،‬وتشاهدَ معالَ جديدةً ‪ ،‬وبلدانا أخرى‬
‫‪ ،‬فالسفرُ متعةٌ ‪.‬‬
‫•احتفظُ بذكرة ف جيبِك ترّتبُ لك أعمالَك ‪ ،‬وتنظمُ أوقاتِك ‪ ،‬وتذكرُك بواعيدِك ‪،‬‬
‫وتكتبُ با ملحظاتك‪.‬‬
‫•ابدأِ الناسَ بالسلمِ ‪ ،‬وحيّهم بالبسمةِ ‪ ،‬وأعِرْهمُ الهتمام ؛ لتكون حبيبا إل قلوبم قريبا‬
‫منهم ‪.‬‬
‫•ثق بنفسِك ول تعتمدْ على الناس ‪ ،‬واعتبْ أنم عليك ل لك وليس معك إل ا ُ‬
‫ل ول تغترّ‬
‫بإخوانِ الرخاءِ ‪.‬‬
‫•احذرْ كلمة (سوف) وتأخ َي العمالِ والتسويفَ بأداء الواجبِ ‪ ،‬فإن هذ عنوانُ الفشلِ‬
‫والخفاقِ ‪.‬‬
‫•اترك الترددَ ف اتاذِ القرارِ ‪ ،‬وإياك والتذبذبَ ف الواقفِ ‪ ،‬بل اجزمْ واعزمْ وتقدمْ ‪.‬‬
‫•ل تضيّع عمرك ف التنقلِ بي التخصصاتِ والوظائفِ والهنِ ‪ ،‬فإن معن هذا أنك ل تنجحْ‬
‫ف شيء‪.‬‬
‫ب كالصالاتِ ‪ ،‬والصائبِ والتوبةِ ودعاءِ السلمي ‪ ،‬ورحةِ الرحنِ‪،‬‬
‫•افرحْ بكفراتِ الذنو ِ‬
‫‪.‬‬ ‫وشفاعةِ الرسولِ‬
‫•عليك بالصدق ِة ولو بالقليلِ ‪ ،‬فإنا تطفئُ الطيئةَ ‪ ،‬وتس ّر القلبَ ‪ ،‬وُتذْهِ ُ‬
‫ب المّ ‪ ،‬وتزيدُ ف‬
‫الرزقِ ‪.‬‬
‫فإنه القائدُ إل السعادةِ ‪ ,‬والدالّ على النجاحِ ‪ ،‬والرشدُ‬ ‫•اجعلْ قدوتك إمامك ممدا‬
‫إل النجاةِ والفلحِ ‪.‬‬
‫• ُزرِ الستشفى لتعرف نعمةَ العافية ‪ ,‬والسجْنَ لتعر َ‬
‫ف نعمة الريةِ ‪ ,‬والارستان لتعرف نعمةَ‬
‫العقلِ ؛ لنك ف نِعَم ل تدري با ‪.‬‬
‫•ل تطمْك التوافِهُ ‪ ,‬ول تعطِ السألةَ أكبَ من حجمِها ‪ ,‬واحذرْ من توي ِل المورِ والبالغةِ‬
‫ف الحداثِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪349‬‬
‫•كن واسع الفُقِ ‪ ،‬والتمسِ العذارَ لن أساءَ إليك لتعش ف سكينةٍ وهدوءٍ ‪ ,‬وإياك وماولةَ‬
‫النتقامِ ‪.‬‬
‫•ل تُف ِرحْ أعداءك بغضبِك وحزنِك فإن هذا ما يريدون ‪ ,‬فل تققْ أمنيتَهم الغالية ف تعكيِ‬
‫حياتِك ‪.‬‬
‫•ل توقد فرنا ف صدرك من العداواتِ والحقادِ ‪ ،‬وبغضِ الناسِ ‪ ،‬وكرهِ الخرين ‪ ,‬فإن هذا‬
‫عذابٌ دائمٌ ‪.‬‬
‫•كن مهذبا ف ملسِك ‪ ,‬صموتا إل من خيٍ ‪ ,‬طلق الوَجْهِ مترما ل ّ‬
‫لسِك ‪ ،‬منصتا لديثِهم‬
‫‪ ,‬ول تقاطِ ْعهُم أثناء الكلمِ ‪.‬‬
‫•ل تكنْ كالذبا ِ‬
‫ب ل يقعُ إل على الُ ْرحِ ‪ ,‬فإياك والوقوعَ ف أعراضِ الناسِ وذكرِ مثالبِهم‬
‫ب زلتِهم ‪.‬‬
‫والفرحِ بعثراتِهم وطل ِ‬
‫•الؤمنُ ل يزنُ لفوا ِ‬
‫ت الدنيا ول يهتمّ با ‪ ،‬ول يرهبُ من كوارثِها ‪ ،‬لنا زائلةٌ ذاهبةُ‬
‫حقيةٌ فانيةٌ ‪.‬‬
‫•اهج ِر العِشْ َق والغرامَ ‪ ،‬والبّ الحرمَ ؛ فإنه عذاب للروحِ ‪ ،‬ومرضٌ للقلبِ ‪ ,‬وافزعْ إل الِ‬
‫وإل ذكرِه وطاعتِه ‪.‬‬
‫•إطلقُ النظرِ إل الرامِ يورثُ هوما وغموما وجراحا ف القلبِ ‪ ,‬والسعيدُ من غضّ بصرَه‬
‫ف ربّهُ ‪.‬‬
‫وخا َ‬
‫•احرص على ترتيبِ وجباتِ الطعامِ ‪ ,‬وعليك بالفيدِ ‪ ،‬واجتنبِ التخمة ‪ ،‬ول تنمْ وأنت‬
‫شبعانُ ‪.‬‬
‫•قدرّ أسوأ الحتمالتِ عند الوفِ من الوادثِ ‪ ,‬ث وطّنْ نفسك لتقبلَ ذلك فسوف تدُ‬
‫الراحةَ واليسرَ ‪.‬‬
‫سعَ ‪ ,‬ولن يغلبَ ُعسْرٌ‬ ‫•إذا اشتدّ البلُ انق َطعَ ‪ ,‬وإذا أظلمَ اللي ُل انق َ‬
‫شعَ ‪ ,‬وإذا ضاقَ المرُ اّت َ‬
‫ُيسْرَيْنِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪350‬‬
‫•تفكّرْ ف رحةِ الرحنِ ‪ ،‬غَفَرَ لبغيّ سقتْ كلبا‪ ،‬وعفا عمن قَتَلَ مائةَ نفسٍ ‪ ،‬وبسط يده‬
‫للتائبي ‪ ،‬ودعا النصارى للتوبةِ ‪.‬‬
‫•بعدَ الوع شَبعٌ ‪ ،‬وعقب الظمِأ رِيّ‪ ،‬وإثر الرض عافيةٌ ‪ ،‬والفقرُ يعقبُه الغن ‪ ،‬والمّ يتلوه‬
‫السرورُ ‪ ،‬سَنّةٌ ثابتةٌ ‪.‬‬
‫صدْرَكَ ﴾ وتذكرْها عند الشدائدِ ‪ ،‬واعلمْ أنا من أعظمِ‬
‫شرَحْ لَكَ َ‬
‫•تدبّرْ سورة ﴿ أََلمْ َن ْ‬
‫الدويةِ عند الزماتِ ‪.‬‬
‫•أين أنت من دعاءِ الكَرْبِ (( ل إله إل الُ العظيمُ الليمُ ‪ ،‬ل إله إل الُ ربّ العرشِ‬
‫العظيم ‪،‬ل إله إل ال ربّ السمواتِ وربّ الرضِ ربّ العرشِ الكري )) ‪.‬‬
‫•ل تغضبْ إذا غضبتَ فاسكتْ و تعوذْ من الشيطانِ وغّيرْ مكانك ‪ ،‬وإن كنت قائما‬
‫س وتوضأ وأكثرْ من الذكرِ ‪.‬‬
‫فاجل ْ‬
‫•ل تزَعْ من الشدةِ فإنا تقوي قلبَك ‪ ،‬وتذيقُك طعمَ العافيةِ ‪ ،‬وتشدّ من أزرِك وترفعُ شأنِك‬
‫‪ ،‬وتظه ُر صبَك‪.‬‬
‫•التفكر ف الاضي ُحمْقٌ وجنون ‪ ،‬وهو مثل َطحْنِ الطحيِ وَنشْرِ النشارةِ وإخراجُ المواتِ‬
‫من قبورِهم ‪.‬‬
‫•انظرْ إل الانبِ الشرقِ من الصيبةِ ‪ ،‬وتلمّحْ أجرها ‪ ،‬واعلمْ أنا أسهلُ من غيِها ‪ ،‬وتأسّ‬
‫بالنكوبي ‪.‬‬
‫•ما أصابك ل يكن ليخطئَك ‪ ،‬وما أخطأك ل يك ْن ليصيبَك ‪ ,‬و ُجفّ القلمَ با أنت لقٍ ‪,‬‬
‫ول حيلة لك ف القضاءِ ‪.‬‬
‫•حوّل خسائرك إل أرباحٍ ‪ ,‬واصنعْ من الليمونِ شرابا حلوا ‪ ,‬وأضفْ إل ماءِ الصائبِ‬
‫حفنة سكرٍ ‪ ,‬وتكيّفْ مع ظرفِك ‪.‬‬
‫•ل تيأسْ من روحِ ال ول تقنط من رحة ال ‪ ،‬ول تنس عون ال ‪ ,‬فإن العونة تنل على‬
‫قدر الؤونةِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪351‬‬
‫•اليةُ فيما تكرهُ أكثرُ منها فيما ُتحّب ‪ ,‬وأنت ل تدري بالعواقبِ ‪ ,‬وكم من نعمةٍ ف طيّ‬
‫نقمةٍ ‪ ،‬ومن خيٍ ف جلبابِ شرّ ‪.‬‬
‫•قّيدْ خيالَك لئل يمحَ بك ف أودي ِة المومِ ‪ ,‬وحاولْ أن تفكرَ ف النعمِ والواهبِ‬
‫والفتوحاتِ الت عندَك ‪.‬‬
‫•اجتنب الصخبَ والضجةَ ف بيتِك ومكتبِك ‪ ,‬ومن علمات السعاد ِة الدو ُء والسكينةُ‬
‫والنظامُ ‪.‬‬
‫•الصلةُ خَيْرُ معي على الصاعبِ ‪ ,‬وهي تسمو بالنفسِ ف آفاقٍ علويةٍ ‪ ،‬وتاجرُ بالروحِ إل‬
‫فضا ِء النورِ والفلحِ ‪.‬‬
‫•إن العملَ الادَ الثمرَ يررُ النفسَ من النواتِ الشريرةِ والواطرِ الثةِ ‪ ،‬والنعاتِ الحرّمةِ ‪.‬‬
‫•السعادةُ شجرةٌ ماؤُها وغذاؤُها وهواؤُها وضياؤها اليانُ بالِ ‪ ،‬والدارُ الخرةُ ‪.‬‬
‫•منْ عندَه َأدَبٌ جمّ ‪ ،‬وذوقٌ سليمٌ وخُلُقٌ شريفٌ ‪ ،‬أسعدَ نفسَه وأسعدَ الناسَ ‪ ،‬ونال صلحَ‬
‫البالِ والالِ ‪.‬‬
‫•روّح على قلبِك فإن القلبَ ي ّكلّ ويلّ ‪ ,‬ونوّعْ عليه الساليبَ ‪ ,‬والتمسْ له فنون الكمةِ‬
‫وأنواع العرفةِ ‪.‬‬
‫•العلم يشرحُ الصدرَ ‪ ،‬ويوسعُ مدارِك النظرِ ويفت ُح الفاقَ أمامَ النف ِ‬
‫س فتخرجُ من هّها‬
‫وغمّها وحزنِها ‪.‬‬
‫•من السعاد ِة النتصارُ على العقباتِ ومغالب ُة الصعابِ ‪ ,‬فلذةُ الظفرِ ل تعدلا لذةٌ ‪ ،‬وفرحة‬
‫ح ل تساويها فرحةٌ ‪.‬‬ ‫النجا ِ‬
‫خسْهم أشياءَهم ‪،‬‬ ‫•إذا أردتَ أن تسعدَ مع النا ِ‬
‫س فعامِلْهم با تبّ أن يعاملوك به ‪ .‬ول تب َ‬
‫ول تضعْ من أقدارِهم ‪.‬‬
‫•إذا عرف النسانُ نفسَه ‪ ،‬والعلم الذي يناسبُه ‪ ،‬وقام به على أكملِ وجهٍ ؛ وجد لذة‬
‫النجاح ومتعة النتصارِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪352‬‬
‫•العرف ُة والتجربةُ والبةُ أعظمُ من رصيدِ الالِ ؛ لن الفرح بالالِ بيميّ ‪ ،‬والفرح بالعرفةِ‬
‫إنسانّ ‪.‬‬
‫•إذا غضبَ أحدُ الزوجي فليصمتِ الخَرُ ‪ ،‬وليقْبَلْ ك ّل منهما الخرَ على ما فيه فإنه لن‬
‫يلوَ أحدٌ من عيبٍ ‪.‬‬
‫•اللي ُ‬
‫س الصالُ التفائ ُل يهوّن عليك الصعابَ ويفتح لك بابَ الرجاءِ ‪ ،‬والتشائ ُم يسوّدُ الدنيا‬
‫ف عينك ‪.‬‬
‫•من عنده زوج ٌة وبيتٌ وصحةٌ وكفايةٌ ما ٍل فقد حاز صَفْوَ العيشِ ‪ ،‬فليحمدِ ال وليقنعْ ‪،‬‬
‫فما فوق ذلك إل المّ ‪.‬‬
‫ف ف جسدِهِ ‪،‬عندهُ قوتُ يو ِمهِ ‪ ،‬فكأنا حِيزت له‬
‫•((من أصبح منكم آمنا ف ِسرِْبهِ ‪ ,‬معا ً‬
‫الدنيا )) ‪.‬‬
‫رسولً ‪ ،‬كان حقا على ال أن‬ ‫•(( من رضي بالِ رّبا وبالسل ِم دينا ‪ ،‬وبحمدٍ‬
‫يرضيه )) ‪ ،‬وهذه أركانُ الرضا‪.‬‬
‫•أصولُ النجاحِ أن يرضى الُ عنك ‪ ،‬وأن يرضى عنك منْ َحوْلَكَ وأن تكونَ نفسُك راضية‬
‫وأن تقدم عملً ًمثمرا‪.‬‬
‫•الطعامُ سعادةُ يومٍ ‪ ،‬والسفرُ سعادةُ أسبوعٍ ‪ ،‬والزواجُ سعادة شهرٍ ‪ ،‬والالُ سعادةُ سنةٍ‪،‬‬
‫واليانُ سعاد ُة العمرِ كلّه ‪.‬‬
‫•لن تسعدَ بالنو ِم ول بالكلِ ول بالشر ِ‬
‫ب ول بالنكاحِ ‪ ،‬وإنا تسعدُ بالعملِ وهو الذي‬
‫أوجدَ للعظماءِ مكانا تت الشمسِ ‪.‬‬
‫•من تيسرتْ له القراءةُ فإنه سعيدٌ لنه يقطف من حدائقِ العالِ ‪ ،‬ويطوفُ على عجائبِ‬
‫الدنيا ويطوي الزمانَ والكانَ ‪.‬‬
‫•مادث ُة الخوان ُتذْهِبُ الحزان ‪،‬والزاحُ البيءُ راحةٌ ‪ ،‬وساعُ الشعرِ يريحُ الاطرَ ‪.‬‬
‫•أنت الذي تلوّن حياتَك بنظرِك إليها ‪،‬فحياتُك من صنعِ أفكارِك ‪ ،‬فل تضعْ نظارةً سوداءَ‬
‫على عينْيكَ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪353‬‬
‫•فك ْر ف الذين تبهم ول تعطِ من تكرههم لظةً واحدةً من حياتِك ‪ ،‬فإنم ل يعلمون عنك‬
‫وعن هّك‪.‬‬
‫•إذا استغرقْت ف العملِ الثمر بردتْ أعصابُك ‪ ،‬وسكنتْ نفسُك ‪ ،‬وغمرَكَ فيضٌ من‬
‫الطمئنانِ ‪.‬‬
‫ب ول الّنسَبِ ول الذهبِ‪ ،‬وإنا ف الدي ِن والعلمِ والدبِ وبلوغِ‬ ‫•السعادةُ ليستْ ف ا َ‬
‫لسَ ِ‬
‫الربِ ‪.‬‬
‫•أسعدُ عبا ِد الِ عند الِ أبذُلم للمعروفِ يدا‪ ،‬وأكثرُهم على الخوانِ فضلً ‪ ،‬وأحسنُهم‬
‫على ذلك شكرا‪.‬‬
‫•إذا ل تسعدْ بساعتِك الراهنةِ فل تنتظرْ سعادةً سوف تطلّ عليك من الفقِ ‪ ،‬أو تنلُ عليك‬
‫من السماءِ ‪.‬‬
‫•فكّرُ ف ناحاتِك وثارِ عملِك وما قدْمَته من خَيْ ٍر وافرحْ به ‪ ،‬واح ِد ال عليه ‪ ،‬فإنه هذا ما‬
‫يشرحُ الصدرَ ‪.‬‬
‫•الذي كفاك همّ أمسِ يكفيك همّ اليومِ وهمّ غدٍ‪ ،‬فتوكلْ عليه‪ ،‬فإذا كان معك فمنْ‬
‫تافُ ؟ وإذا عليك فمن ترجو؟‬
‫•بينك وبي الثرياءِ يومٌ واحدٌ ‪ ،‬أما أمس فل يدون لذتَه ‪ ،‬وغدٌ فليس ل ول لم ‪ ،‬وإنا‬
‫لم يومٌ واحدٌ ‪ ،‬فما أقله من زمنٍ !‬
‫•السرور ينشطُ النفسَ ‪ ،‬ويفر ُ‬
‫ح القلبَ ‪ ،‬ويوازنُ بي العضاءِ ‪ ،‬ويلُب القوة ‪ ،‬ويعطي‬
‫اليا َة قيم ًة والعمرَ فائدةً ‪.‬‬
‫•الغن والم ُن والصح ُة والدي ُن وركائزُ السعادةِ ‪ ،‬فل هناءَ لعدمٍ ‪ ،‬ول خائفَ ول مري َ‬
‫ض ول‬
‫كافرَ ‪ ,‬بل هم ف شقاء ‪.‬‬
‫•من عرف العتدالَ عرفَ السعادةَ ‪ ,‬ومن سلكَ التوسطَ أدر َك الفوزَ ‪ ,‬ومن اتبعَ اليسرَ نال‬
‫الفلحَ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪354‬‬
‫•ليس ف ساعةِ الزمنِ إل كلمةٌ واحدةٌ ‪ :‬النَ ‪ ,‬وليس ف قاموسِ السعادة إل كلمة واحدةٌ ‪:‬‬
‫الرضا ‪.‬‬
‫•إذا أصابتْك مصيب ٌة فتصوّرها أكبَ َتهُنْ عليك‪ ,‬وتفكّرْ ف سرعةِ زوالِها ‪ ,‬فلول كر ُ‬
‫ب الشدةِ‬
‫ما رُجيتْ فرحةُ الراحةِ ‪.‬‬
‫•إذا وقعت ف أزمة فتذكر كم أزمةٍ مرتْ بك وناك الُ منها ‪ ،‬حينها تعلمُ أن من عافاك‬
‫ف الول سيعافيك ف الخرى ‪.‬‬
‫•العاقّ ليومِه من أذهبه ف غي حقّ قضاه ‪،‬أو فرض أدّاه ‪ ،‬أو مدٍ شيّدهُ ‪ ،‬أو حدٍ حصّله ‪ ،‬أو‬
‫علمٍ تعلمَه‪ ،‬أو قرابةٍ وصلها‪ ،‬أو خيٍ أسداه‪.‬‬
‫•ينبغي أن يكون حولك أو ف يدك كتابُ دائم ؛ لن هناك أوقاتا تذهب هدرا‪ ،‬والكتاب‬
‫خي ما يفظُ به الوقتُ ويعمرُ به الزمنُ ‪.‬‬
‫•حافظُ القرآنِ ‪ ،‬التال له آناءَ الليلِ وأطرا َ‬
‫ف النهارِ ل يشكو ملل ًول فراغا ًول سأما‪ ،‬لن‬
‫القرآن مل حياته سعادةً ‪.‬‬
‫•ل تتخذ قرارا حت تدرسه من جوانبِه كافّةً ‪ ,‬ث استخرِ ال وشاورْ أه َل الثقة ‪ ,‬فإن نحت‬
‫فهذا الراد و إل فل تندمْ ‪.‬‬
‫•العاقل يُكِثرُ أصدقاءه ويُقللُ أعداءه ‪ ،‬فإن الصديق يصلُ ف سنةٍ والعدو يصل ف يوم ‪،‬‬
‫فطوب لن حببه ال إل خَلْ ِقهِ ‪.‬‬
‫•اجعل لطالبِك الدنيوية حدا ترجع إليه ‪،‬وإل تشتّت قلبُك وضا َ‬
‫ق صدرُك ‪ ،‬وتنغّص‬
‫عيشُك ‪ ،‬وساء حالُك ‪.‬‬
‫•ينبغي لن تظاهرتْ عليه نعمُ الِ أن يقّيدَها بالشكرِ ‪ ،‬ويفظها بالطاعةِ ‪ ،‬ويرعاها بالتواضعِ‬
‫لتدومَ ‪.‬‬
‫•من صفتْ نفسُه بالتقوى ‪،‬و َطهُرَ فكرُه باليانِ ‪ ،‬وصُقَِلتْ أخلقُه بالَيْرِ نال ُح ّ‬
‫ب الِ‬
‫و ُحبّ الناسِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪355‬‬
‫•الكسولُ الاملُ هو التعبُ الزينُ حقيقةً ‪ ،‬أما العاملُ ال ِ‬
‫ج ّد فهو الذي عرف كيف يعيشُ‬
‫ف يسعدُ ‪.‬‬
‫وَعَ َرفَ كي َ‬
‫•إن لذةَ الياة ومتعتَها أضعافُ أضعافِ مصائبِها وهومِها‪ ،‬ولكنّ السرّ كيف نصل إل هذه‬
‫التعةِ بذكاءٍ ‪.‬‬
‫•لو ملكت الرأةُ الدنيا ‪ ،‬وسيقتْ لا شهاداتُ العالِ ‪ ،‬وحصلتْ على كلّ وسامٍ وليس‬
‫عندها زوجٌ فهي مسكينة ‪.‬‬
‫•الياةُ الكاملةُ أن تنفق شبابك ف الطموحِ ‪،‬ورجولتك ف الكفاحِ ‪،‬وشيخوخََتكَ ف التأملِ ‪.‬‬
‫•ُلمْ نفسك على التقصي ‪ ،‬ول تَ ْلمْ أحدا ‪ ،‬فإن عندك من العيوبِ ما يلُ الوقتَ إصلحُه‬
‫فاتركْ غيَك ‪.‬‬
‫•أجلُ من القصوِر والدورِ كتابٌ يل ُو الفهام ‪ ،‬وُيسِرّ القلوب ‪ ،‬ويؤنسُ النفسَ ‪ ،‬ويشرحُ‬
‫الصدرَ‪ ،‬وينمي الفِكْرَ ‪.‬‬
‫•اسأل ال العَفْوَ والعافيةَ ‪ ،‬فإذا أعطيتهُما فقد حزت كلّ خَْيرٍ ‪ ،‬ونوت من كل شرّ ‪ ،‬فُزْتَ‬
‫بكلّ سعادةٍ ‪.‬‬
‫•رغيفٌ واحدٌ ‪ ،‬وسبعُ تراتٍ ‪ ،‬وكوبُ ماء ‪ ،‬وحصيٌ ف غرفة مع مصحفٍ ‪ ،‬وقلْ على‬
‫الدنيا السلمُ ‪.‬‬
‫•السعادة ف التضحية وإنكارِ الذاتِ ‪ ،‬وبذ ِل الندى وكفّ الذى ‪ ،‬والبعدِ عن النانيةِ‬
‫والستئثارِ ‪.‬‬
‫•الضحكُ العتدلُ يشرحُ النفسَ ‪ ،‬ويقوي القلب ويُذْ ِهبُ الََللَ وينشطُ على العملِ ‪ ،‬ويلو‬
‫الاطرَ ‪.‬‬
‫•العبادةُ هي السعادةُ ‪ ،‬والصلح هو النجاحُ ‪ ،‬ومن لزِمَ الذكارَ ‪ ،‬وأدمنَ الستغفارَ وأكثرَ‬
‫الفتقارَ فهو أحدُ البرار ‪.‬‬
‫•خ ُي الصحابِ من تثِقُ به وترتاحُ ‪ ،‬وتفضي إليه بتاعِبك ‪ ،‬ويشاركُكَ هومَك ول يفشي‬
‫سرّك ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪356‬‬
‫•ل تتوقعْ سعادةً أكب ما أنت فيه فتخسرَ ما بي يديك ‪ ،‬ول تنتظرْ مصائب قادم ًة فتستعجل‬
‫المّ والَزَنَ ‪.‬‬
‫•ل تظن أنك تعطي كل شيء ‪ ،‬بل تعطي خيا كثيا ‪ ،‬أما أن توي كل موهبة وكل عطية‬
‫فهذا بعيدٌ ‪.‬‬
‫•امرأةٌ حسناءُ تقيةٌ ‪ ،‬ودارٌ واسعةُ ‪ ،‬وكفافٌ من رزقٍ ‪ ،‬وجارٌ صالٌ ‪ ..‬نِعمٌ جهلُها الكثيُ ‪.‬‬
‫•ف ّن النسيانِ للمكروهِ نعمةٌ ‪ ،‬وتذكّ ُر النعمِ َحسَنَةٌ ‪ ،‬والغفلةُ عن عيوبِ الناسِ فضيلةٌ ‪.‬‬
‫•العفْوُ ألذّ من النتقامِ ‪ ،‬والعملُ أمتعُ من الفراغِ ‪ ،‬والقناعةُ أعظمُ من الالِ ‪ ،‬والصحة خَيْرٌ‬
‫من الثروةِ ‪.‬‬
‫•الوحدةُ خَيْرٌ من جلي ِ‬
‫س السوءِ ‪ ،‬والليسُ الصالُ خَيْرٌ من الوحدةِ ‪ ،‬والعزلةُ عبادةٌ ‪،‬‬
‫والتفكرُ طاعةٌ ‪.‬‬
‫•العزلةُ ملك ُة الفكار ‪ ،‬وكثرةُ اللطة ُحمْقٌ ‪ ،‬والوثوقُ بالناسِ سَفَهٌ ‪ ،‬واستعداؤُهم ُشؤْمٌ‪.‬‬
‫•سوءُ الُلُقِ عذابٌ ‪،‬والقدُ ُسمّ ‪ ،‬والغيبةُ رذالةٌ ‪،‬وتتبعُ العثراتِ ِخذْلنٌ ‪.‬‬
‫•شكرُ النعمِ يدفعُ النقمَ ‪ ،‬وتركُ الذنوبِ حياةُ القلوبِ ‪ ،‬والنتصارُ على النفسِ لذةُ العظماءِ ‪.‬‬
‫•خبزٌ جاف مع أمنٍ ألذّ من ال َعسَلِ مع الوفِ ‪ ،‬وخيمةُ مع سترٍ أحبّ من قَصْرٍ فيه فتنةٌ‪.‬‬
‫•فرحةُ العلمِ دائمةٌ ‪ ،‬ومدُه خالدٌ ‪ ،‬وذكرُه باقٍ ‪ ،‬وفرحةُ الالِ منصرمةٌ ‪ ،‬ومدُه إل الزوالٍ ‪،‬‬
‫وذكرُه إل نايةٍ ‪.‬‬
‫•الفرحُ بالدنيا فرحُ الصبيانِ ‪ ،‬والفرحُ باليا ِن فَ َرحُ البرارِ ‪،‬وخدمةُ الالِ ذلّ ‪ ،‬والعملُ لِ‬
‫َشرَفٌ‪.‬‬
‫سنُ أحسنُ طِيبٍ‪.‬‬ ‫لَ‬
‫ق العملِ ِمسْكٌ ‪،‬والثناءُ ا َ‬
‫ب المةِ َعذْبٌ ‪،‬وتعبُ النازِ راحةٌ‪ ،‬وعَرَ ُ‬ ‫•عذا ُ‬
‫•السعادةُ أن يكون مصحفُك أ نيسَك ‪ ،‬وعملُك هوايتك ‪ ،‬وبيتُك صومعتَك ‪ ،‬وكنُك‬
‫قناعتَك ‪.‬‬
‫•الفرحَ بالطعامِ والالِ فرحٌ الطفالِ ‪ ،‬والفَرَحُ بسنِ الثنا ِء فَ َرحُ العظماءِ ‪ ،‬وعملُ البّ مدٌ ل‬
‫يفَن ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪357‬‬
‫•صلة الليل باءُ النهارِ ‪ ،‬وحبّ اليِ للناسِ من طهار ِة الضميِ ‪ ،‬وانتظارُ الفرجِ عبادةٌ‪.‬‬
‫•ف البلءِ أربعةُ فنون ‪ :‬احتسابُ الجرِ ‪ ،‬ومعايشةُ الصّبْرِ ‪ ،‬و ُحسْ ُن الذّكْرِ ‪ ،‬وتوّقعُ اللطفِ‪.‬‬
‫•الصلةُ جاعة‪ ،‬وأداءُ الواجبِ ‪ ،‬وحبّ السلميُ ‪ ،‬وترك الذنوبِ ‪ ،‬وأكلُ الللِ صلحٌ‬
‫الدنيا والخرةِ ‪.‬‬
‫•ل تكنْ رأسا فإن الرأس كث ُي الوجاعِ ‪ ،‬ول ترصْ على الشهرةِ فإن لل ضريبةً ‪،‬‬
‫والكفافُ مع المولِ سعادةٌ ‪.‬‬
‫ع الوقتِ ‪،‬وتأخيُ التوبةِ ‪ ،‬واستعداءُ الناسِ ‪ ،‬وعقوقُ الوالدين ‪ ،‬وإفشاءُ‬ ‫•علمةُ ا ُ‬
‫لمْقِ ضيا ُ‬
‫السرارِ ‪.‬‬
‫•يُعْ َرفُ موتُ القلبِ بترْكِ الطاعةِ ‪ ،‬وإدمانِ الذنوب ‪ ،‬وعدمِ البالةِ بسوءِ الذكرِ ‪ ،‬والمنِ‬
‫من مك ِر الِ ‪ ،‬واحتقارِ الصالي ‪.‬‬
‫•من ل يسعدْ ف بيتِه لن يسعدَ ف مكانٍ آخرَ ‪،‬ومن ل يبّه أهلُه لن يبّه أحدٌ ‪ ،‬ومن ضيّعَ‬
‫يومَه ضّيعَ غدَه‪.‬‬
‫•أربعة يلبون السعادة ‪ :‬كتابٌ نافعٌ ‪ ،‬واب ٌن بارّ ‪ ،‬وزوجةٌ مبوبةٌ ‪ ،‬وجليسٌ الصالٌ ‪ ،‬وف الِ‬
‫عِوضٌ عن الميعِ ‪.‬‬
‫•إيا ُن وصحةُ وغنً وحريةُ وأمنٌ وشبابٌ وعلم هي ملخصُ ما يسعى له العقلءُ ‪ ،‬لكنها قلّ‬
‫أن تتمعَ كلّها ‪.‬‬
‫•اسعد النَ فليس عندك عهدٌ ببقائِك ‪ ،‬وليس لديك أمانٌ من روعةِ الزمانِ ‪ ،‬فل تعلِ المّ‬
‫نَقْدا والسرورَ دَيْنا‪.‬‬
‫•أفضل ما ف العالِ إيانٌ صادقٌ ‪،‬وخُُلقٌ مستقيمٌ ‪ ،‬و عَقْلٌ صحيحٌ و ِج ْ‬
‫سمٌ سليمٌ ‪ ،‬و ِرزْقٌ‬
‫هانِئٌ وما سوى ذاك شغلٌ ‪.‬‬
‫•نعمتان خفيّتان‪ :‬الصحةُ ف البدانِ ‪ ،‬والم ُن ف الوطانِ ‪ .‬نعمتان ظاهرتان‪ :‬الثناءُ ا َ‬
‫لسَنُ‪،‬‬
‫والذريةُ الصالةُ ‪.‬‬
‫•القلبُ البتهجُ يقتلُ ميكروباتِ البغضاءِ ‪ ،‬والنفسُ الراضيةُ تطاردُ حشراتِ الكراهيةِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪358‬‬
‫•المنُ أمهدُ وطاءٍ ‪ ،‬والعافيةُ أسبغُ غطاءٍ ‪ ،‬والعلمُ ألذّ غذاءٍ ‪ ،‬والبّ أنفعُ دواءٍ ‪ ،‬والسترُ‬
‫أحسنُ كساءٍ ‪.‬‬
‫•السعيد ل يكون فاسقا ول مريضا ول مدينا ول غريبا ول حزينا ول سجينا ول مكروها‪.‬‬
‫•السعيد‪ :‬انل ُء الغمراتِ ‪ ،‬وإزال ُة العداواتِ ‪ ،‬و َعمَلُ الصالاتِ ‪ ،‬والنتصارُ على الشهواتِ‪.‬‬
‫•أقلُ الطرقِ خطرا طريقُك إل بيتِك ‪ ،‬وأكثر اليامِ بركةً يوم تعملُ صالا‪ ،‬وأشأمُ الزمانِ‬
‫زمنٌ تسيء فيه لحدٍ ‪.‬‬
‫•إن سبّك َبشَرٌ فقد سبّوا ربم تعال ‪ ،‬أوجدهم من ال َعدَمِ فشكّوا ف وجودِه ‪ ،‬وأط َع َمهُم من‬
‫ف فحارَبُوه ‪.‬‬
‫جوعٍ فشكروا غيْ َرهُ ‪ ،‬وآمََن ُهمْ من خو ٍ‬
‫•ل تملِ الكرةَ الرضيةَ على رأسِك ‪،‬ول تظنّ أ ّن الناس يهمهّم أمرُنا إن زكاما يصيبُ‬
‫أحدكم ينسيهم موت وموتِك ‪.‬‬
‫•السرورُ كفايةٌ ووطنٌ ‪ ،‬وسلمةٌ وسَكَنٌ ‪ ،‬وأمْنٌ من الفتِ ‪ ،‬وناةٌ من الِحن ‪ ،‬وشكرٌ على‬
‫الننِ ‪ ،‬وعبادةٌ طيلة الزمنِ ‪.‬‬
‫•(( كن ف الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيلٍ ))‪ (( ،‬وصلّ صلة الو ّدعٍ )) ‪ (( ،‬ول‬
‫تك ّلمْ بكلمٍ تعتذر مُنه )) ‪ (( ،‬وأجعُ اليأس عما ف أيدي الناسِ )) ‪.‬‬
‫•ازهد ف الدنيا يبّك ال ‪ ،‬وازهدْ فيما عند الناسِ يبّك الناسُ ‪ ،‬واقنعْ بالقليلِ واعملْ‬
‫بالتنيلِ واستعدّ للرحيلِ ‪ ،‬وخفِ الليلَ ‪.‬‬
‫•ل عيش لمقوتٍ ‪ ،‬ول راحة لعادٍ ‪ ،‬ول أمن لذنبٍ ‪ ،‬ول مبّ لفاجرٍ ‪ ،‬ول ثناءَ على‬
‫كاذبٍ ‪ ،‬ول ثقة بغادرٍ ‪.‬‬
‫•(( عجبا لمر الؤمن إن أمره كلّه خَ ْيرٌ وليس ذاك لحد إل للمؤمن إن أصابته سراءُ‬
‫شكر فكان خيا له ‪،‬وأن أصابته ضراءُ صََبرَ فكان خيا له )) ‪.‬‬
‫•البتسامةُ مِفْتاحُ السعادةِ ‪ ،‬والبّ بابُها ‪ ،‬والسروُر حديقتُها ‪ ،‬واليا ُن نورُها ‪ ،‬والمنُ‬
‫جدارُها ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪359‬‬
‫ب مفيدٌ مع قلب يق ّدرُ النعمة‬‫•البهجةُ ‪ :‬وجهٌ جيلٌ ‪ ،‬وروضٌ أخضرُ‪ ،‬وماءٌ باردٌ ‪ ،‬وكتا ٌ‬
‫ويتركُ الث ويبّ اليَ ‪.‬‬
‫•ينام العاف على صخر كأنه على ريش حريرٍ ‪ ،‬ويأكلُ خبزَ الشعيِ كالثريدِ ‪ ،‬ويسكنُ‬
‫الكوخَ كأنه ف إيوانِ كسرى‪.‬‬
‫•البخيل يعيش فقيا أو يوتُ غنيا خادما لذريتِه ‪ ،‬حارسا لالِه ‪ ،‬بغيضا عند الناسِ ‪ ،‬بعيدا‬
‫من الِ ‪ ،‬سيئ السمعةِ ف العالِ ‪.‬‬
‫•الولد أفضلُ من الثروةِ ‪ ،‬والصحةُ خيٌ من الغِنَى ‪،‬والمنُ أَ ْحسَنُ من السكنِ ‪ ،‬والتجربةُ‬
‫أغلى من الالِ ‪.‬‬
‫•اجعل الفرح شكرا‪ ،‬والزن صبا‪ ،‬والصمت تفكرا‪ ،‬والنظر اعتبارا‪ ،‬والنطقِ ِذكْرا ‪،‬‬
‫والياء طاعةً ‪ ،‬والوت أمنيةً ‪.‬‬
‫•كُنْ مثل الطائرِ يأتيه رزقُه صباحَ مساءَ ‪،‬ول يهت ّم بغدٍ ول يثقُ بأح ٍد ول يؤذي أحدا‪،‬‬
‫خفيف الظلّ رفيقَ الركةِ ‪.‬‬
‫•من أكثرَ مالطةَ الناسِ أهانُوه ‪ ،‬ومن بلَ عليهم مقتوه ‪ ،‬ومن حل َم عليهم وقّروه ‪ ،‬ومن‬
‫أجادَ عليهم أحبوه ‪،‬ومن احتاجَ إليهم ابغضوه ‪.‬‬
‫•الفلك يدورُ ‪ ،‬والليال حبال ‪ ،‬واليامُ ُدوَلٌ ‪،‬ومن الحالِ دوامُ الالِ ‪ ،‬والرحنُ كلّ يومٍ هو‬
‫ف شأنٍ ‪ ..‬فلماذا تزنً ؟‪.‬‬
‫ي ونواصيهم ف قبضةِ ربّ العالي؟! تسألُ الال من فقيٍ ‪،‬‬ ‫•كيف تقفُ على أبوابِ السلط ِ‬
‫وتطلب بيلً ‪ ،‬وتشكو إل جريحٍ !! ‪.‬‬
‫•ابعثْ رسائل وقت السّحرِ ‪ :‬مدادُها الدمعُ وقراطيسُها الدودُ ‪ ،‬وبريدُها القبولُ ووجهتُها‬
‫العرشُ ‪ :‬وانتظرِ الوابَ ‪.‬‬
‫•إذا سجدت فأخبْه بأمورك سرا فإنه يعلمُ السرّ وأخفى ‪ ،‬ول تُسمعْ من بوارِك ؛ لن‬
‫للمحبةِ أسرارا والناسُ حاس ٌد وشافعٌ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪360‬‬
‫•سبحان من جَعَلَ الذلّ له عِزّةً ‪ ،‬والفتقار إليه غنً ‪ ،‬ومسألته شرفا ‪،‬والضوع له رِفْعَةً ‪،‬‬
‫والتوكل عليه كفايةً ‪.‬‬
‫•إذا دارهمّ ببالِك وأصبح حالُك من الزنِ حالكِا ‪،‬وفجعت ف أهلك ومالك ‪ ،‬فل تيأسْ‬
‫لع ّل ال يدثُ بعد ذلك أمرا ‪.‬‬
‫•ل تنس ﴿ َحسْبُنَا ال ّلهُ وَِن ْعمَ الْوَكِيلُ ﴾ فإنا تطفئُ الريقَ ‪ ،‬وينجو با الغريقُ ‪ ،‬ويعرف با‬
‫الطريق ‪ ،‬وفيها العهد الوثيق ‪.‬‬
‫•طوب لك يا طائر ‪ :‬ترِدُ النهر ‪ ،‬وتسكن الشجر ‪ ،‬وتأكل الثمر‪ ،‬ول تتوقع الطر ‪ ،‬ول ترّ‬
‫على سَقَر ‪ ،‬فأنت أسعد حالً من البشرِ ‪.‬‬
‫•السرورُ لظةٌ مستعارةٌ ‪ ،‬والزنُ كفارةٌ ‪ ،‬والغضبُ شرارةٌ ‪ ،‬والفراغُ خسارةٌ ‪ ،‬والعبادةُ‬
‫تارةٌ ‪.‬‬
‫•أمسِ ماتَ ‪ ،‬واليومُ ف السياقِ ‪ ،‬وغدا ل يولدْ ‪ ،‬وأنت ابنُ الساعةِ فاجعلْها طاعةً ‪ ،‬تَ ُعدْ لك‬
‫بأربحِ بضاعةٍ ‪.‬‬
‫•نديك القلمُ ‪ ،‬وغديرُك البُ‪ ،‬وصاحبك الكتابُ‪ ،‬وملكتك بيتُك‪ ،‬وكنُكَ قوتُك ‪ ،‬فل‬
‫تأسفْ على ما فاتَ ‪.‬‬
‫ق ورعدٌ وآخره غيثٌ هنءٌ‬ ‫•ربا ساءتْك أوائلُ المورِ وسرّتك أواخرُها‪ ،‬كالسحابِ أوله َبرْ ٌ‬
‫•الستغفارُ يفتح القفال‪ ،‬ويشرحُ البالّ ‪ ،‬وُيذْهِبُ الدغال‪ ،‬وهو عُرْبونُ الرزقِ ودروازةُ‬
‫التوفيقِ ‪.‬‬
‫•ستّ شافية كافية ‪ :‬دينٌ وعلمٌ وغنً ومروءةٌ وعفوٌ وعافيةٌ ‪.‬‬
‫•من الذي ييبُ الضطر إذا دعاهُ ‪ ،‬وينقذُ الغريق إذا ناداه‪ ،‬ويكشف الكرب عنا َمنْ؟ قال ‪:‬‬
‫يا الُ ؟ إنه الُ ‪.‬‬
‫•ابتعد عن الد ِل العقيمِ ‪ ،‬والجلسِ اللغي ‪ ،‬والصاحبِ السفيِه‪ ،‬فإن الصاحبَ ساحبٌ ‪،‬‬
‫والطبعَ لصٌ والعيَ سارقةٌ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪361‬‬
‫•التحلّي بس ِن الستماعِ ‪ ،‬وعدمِ مقاطعة التحدثِ ‪ ،‬وليِ الطابِ ‪ ،‬ودماثةِ اللقِ ‪ ،‬أوسةٌ‬
‫على صدورِ الحرارِ ‪.‬‬
‫•عندك عينانِ وأذنانِ ويدانِ ورجل ِن ولسانٌ وإيانٌ وقرآنٌ وأمانٌ ‪ ..‬فأين الشكرُ يا إنسانُ ﴿‬
‫فَِبأَيّ آلءِ رَبّ ُكمَا تُ َكذّبَانِ ﴾ ‪.‬‬
‫ت أقدامٌ ‪ ،‬وتعتمدُ على ساقُيْك وقد قُطعتْ سيقان ‪ ،‬وتنام‬ ‫•تشي على قدميك وقد بُتِرَ ْ‬
‫وغيك شرّدَ اللُ نومهً ‪ ،‬وتشبع وسواك جائعٌ ‪.‬‬
‫•سلمت من الصّممِ والبُ ْكمِ والعمى ‪ ،‬ونوت من البص والنون والذام ‪ ،‬وعوفيت من‬
‫السل والسرطان ‪ ،‬فهل شكرت الرحن ؟!‬
‫•مصيبتنا أننا نعجزُ عن حاضرنا و نشتغلُ باضينا ‪ ،‬ونم ُل يومنا ونتمّ بغدِنا فأين العقلُ وأين‬
‫الكمةُ ؟!‬
‫•نقدُ الناسِ لك معناه أنك فعلت ما يستح ّق الذكر‪ ،‬وأنك فقتهُم علما أو َفهْما أو مالً أو‬
‫مَْنصِبا أو جاها‪.‬‬
‫•تقمّصُ شخصية الغيِ ‪ ،‬والذوبانُ ف الخرين ‪ ،‬وماكاةُ الناسِ انتحارٌ وإزهاقٌ لعال‬
‫الشخصيةِ ‪.‬‬
‫شرََبهُمْ ﴾‪ ﴿ ،‬وَلِكُلّ وِ ْج َهةٌ هُوَ مُوَلّيهَا ﴾ ((ل تكونوا إمّعةً )) ‪،‬‬
‫•﴿ َق ْد عَ ِلمَ كُلّ أُنَاسٍ َم ْ‬
‫﴿ صِنْوَانٌ َوغَ ْيرُ صِنْوَانٍ ُيسْقَى ِبمَاءٍ وَا ِحدٍ ﴾‪.‬‬
‫•مع الدمعةِ بسمةٌ ‪ ،‬ومع التّرحةِ فَرْحةٌ ‪ ،‬ومع البليةِ عطيةٌ ‪ ،‬ومع الحنةِ مِنْحةٌ ‪ ،‬سنة ثابتةٌ‬
‫وقاعدةٌ مطردةٌ ‪.‬‬
‫•انظرْ هل ترى إل مبتلًى ‪،‬وهل تشاهدُ إل منكوبا ‪ ،‬ف كل دارِ نائحةٌ ‪ ،‬وعلى كل خدّ دمعٌ‬
‫‪ ،‬وف كل وادٍ بنو سَ ْعدٍ ‪.‬‬
‫ف الشجارِ‪،‬‬ ‫•صوتٌ من شكرِ معروفِك أجلُ من تغريدِ الطيارِ ‪ ،‬و نسيمِ السحارِ ‪،‬وحفي ِ‬
‫وغناءِ الوتارِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪362‬‬
‫•إذا شربت الاء الساخن قلت المدُ لِ بكلفةٍ ‪ ،‬وإذا شربْت الاء البارد قال كل عضو فيك‪:‬‬
‫المدُ لِ ‪.‬‬
‫•أرخصُ سعادةٍ تُباعُ ف سوقِ العقلءِ َترْكُ مال يعن ‪ ،‬وأغلى سلعةٍ عند العالِ أن تألفَ‬
‫الناسَ ويألفوك ‪.‬‬
‫•إياك والمّ فإنه ُسمّ ‪ ،‬والعجز فإنه موتٌ ‪ ،‬وال َكسَلَ فإنه خيبةٌ ‪ ،‬واضطرابَ الرأيِ فإنه سوءٌ‬
‫تدبيٍ‪.‬‬
‫•جارُ السوءِ شرّ من غرب ِة النسانِ ‪ ،‬واصطناعُ العروفِ أرفع من القصورِ الشاهقةِ ‪ ،‬والثناءُ‬
‫لسَنُ هو الجدُ ‪.‬‬ ‫اَ‬
‫•أحقّ الناس بزيادة النعمِ أشكرُهم ‪ ،‬وأولهم بالبّ من بذل نداه ومنعِ أذاه وأطلقِ مياه ‪.‬‬
‫السرور متاجٌ إل المنِ ‪ ،‬والالُ متاجٌ إل صدقةِ ‪ ،‬والاهُ متاجٌ إل الشفاعةِ ‪،‬‬ ‫•‬

‫والسيادة متاجةٌ إل التواضعِ ‪.‬‬


‫ل تُنال الراحةُ إل بالتعبِ ‪ ،‬ول تدركُ الدّعةُ إل بالنّصبِ ‪،‬ول يُحصلُ على البّ‬ ‫•‬

‫إل بالدبِ ‪.‬‬


‫صبِ ‪ ،‬والمةُ أعلى من الِبْرَةِ ‪،‬‬‫للُقُ أجلّ من الَْن ِ‬
‫البناءُ أهمّ من الثروةِ ‪ ،‬وا ُ‬ ‫•‬

‫والتقوى أسى من الجدِ ‪.‬‬


‫•ل تطمعْ ف كل ما تسمعُ ‪ ،‬ول تركنْ لكل صديقٍ ‪ ،‬ول تُفْشِ سرّك إل امرأةٍ ‪ ،‬ول تذهبْ‬
‫وراء كلّ أمنيةٍ ‪.‬‬
‫ت الراحة إل مع اللوةِ ‪ ،‬ول المن إل مع الطاعةِ ‪ ،‬ول الحبةَ مع الوفاءِ ‪ ،‬ول الثقة‬ ‫•ما رأي ُ‬
‫صدْقِ ‪.‬‬‫إل مع ال ّ‬
‫ب عداواتٍ ‪ ,‬وسيئةٍ تنعُ الياتٍ ‪ ,‬ونظرةٍ تُعْقِبَ‬ ‫•رُبّ أكلةٍ تنع أكلتٍ ‪ ,‬وكلمة تل ُ‬
‫حسراتٍ ‪.‬‬
‫•ل يكنْ حبّك كَلفا‪ ،‬ول بغضُك َسرَفا ‪ ،‬ول حياتك تَرَفا ‪ ،‬ول تذكّرُك أَسَفا ‪ ،‬ول قصدك‬
‫شرفا‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪363‬‬
‫•كل امرئ ف بيته أميٌ ل يهيُنه أحدٌ ‪ ،‬ول يجبُه َبشَرٌ ‪ ،‬ول يذلّهُ جبّا ٌر ول يرده بيلٌ ‪.‬‬
‫•أفضلُ اليام ما زادك حِلْما ‪ ،‬ومنحَك عِلْما‪ ،‬ومنَعَك إثْما ‪ ،‬وأعطاك فهْما‪ ،‬ووهبَك عزْما‬
‫‪.‬‬
‫س الصحاءِ ل يراها إل‬ ‫•الياة فرصةٌ ل نعرفُها إل بعد أن نفقدها ‪ ،‬والعافيةُ تاجٌ على رؤو ِ‬
‫الرضى ‪.‬‬
‫•مت يسعدُ منْ له ابنٌ عاقّ ‪ ،‬وزوجةُ مشاكسةٌ ‪ ،‬وجارٌ مؤذٍ ‪ ،‬وصاحبٌ ثقيلٌ ‪ ،‬ونفسٌ أمارةٌ‬
‫‪ ،‬وهوًى متَّبعٌ ‪.‬‬
‫•إن لرّبك عليك حقا ‪ ،‬ولنفسِك عليك حقا ‪ ،‬ولعينِك عليك حقا ‪ ،‬ولزوجِك عليك حقا ‪،‬‬
‫ولضيفِك عليك حقا ‪ ،‬فأعط كلّ ذي حقّ حقههُ ‪.‬‬
‫•استمتعْ بالنظرِ إل الصباحِ عند طلوعهِ فإن له جالً جللً إشراقا يفتح لك المل والتفاؤل‪.‬‬
‫•عليك بالبكورِ فإنه بركةٌ ‪ ،‬فأنزْ فيه َعمََلكَ من ِذكْرٍ أو تلوةٍ أو حفظٍ أو مطالعةٍ أو تأليفٍ‬
‫أو سَفْرٍ ‪.‬‬
‫•كنْ وسطا ‪ ،‬وامشِ جانبا ‪ ،‬وارضِ خالقا ‪ ،‬وارحمْ ملوقا ‪ ،‬وأكملْ فريضةً ‪ ،‬وتزود بنافلةِ‬
‫تكنْ راشدا ‪.‬‬
‫•التوفيق ‪ :‬حسنُ الاتةِ‪ ،‬وسدا ُد القولِ ‪ ،‬وصلحُ العملِ ‪ ،‬والبعدُ عن الظلمِ‪ ،‬وقطيعةُ الرّ ِحمِ‪.‬‬
‫ب زلّةٍ أ وجبتْ ِذلّةً ‪ ،‬وكم من خلوةٍ حلوةٍ ‪ ،‬وصاحبُ العزلة‬ ‫•ربّ كلمةٍ سلبْت نعمةً ‪ ،‬ور ّ‬
‫فيها عِزّ له ‪.‬‬
‫• (( السلم من سلم السلمون من لسانِه ويدِه‪ ،‬والؤمنُ من أمِنه الناسُ على دمائِهم‬
‫وأموالِم )) ‪ (( ،‬والهاجرُ من َهجَرَ ما نى الُ عنه)) ‪.‬‬
‫•خيُ مالِك ما نَفَعَكَ ‪ ،‬وأجلّ علمِك ما َرفَعَكَ ‪ ،‬وخيُ البيوتِ ما وسِعَكَ‪ ،‬وخيُ الصحاب‬
‫صحَكَ ‪.‬‬‫من َن َ‬
‫•إذا ل يكن لك حاسدٌ فل خَيْرَ فيك ‪ ،‬وإذا ل يكن لك صاحبٌ فل خُلُقَ لك ‪ ،‬وإذا ل‬
‫يكن لك دٌين فل مبدأ لك ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪364‬‬
‫• ُسرّ نفسك بتذكرِ حسناتِك ‪ ،‬وأرحْ قلبك بالتوبةِ من سيئاتِك ‪ ،‬وطوقِ العناق بأياديك‬
‫البيضاءِ ‪.‬‬
‫•السمنة غفلةٌ ‪ ،‬والبطن ٌة تذهب الفِطَْنةَ ‪ ،‬وكثر ُة النومِ إخفاقٌ ‪ ،‬وكثرة الضحكِ تُميتُ‬
‫القلب ‪ ،‬والوسوسةُ عذابٌ ‪.‬‬
‫•المارةُ حُ ْلوَةُ الرضاعِ مرة الفطامِ ‪ ،‬وفَرْ َحةُ الوليةِ يذهبُها حزنُ العزلِ ‪ ،‬والكرسيّ دوّارٌ ‪.‬‬
‫•من لذائد الدنيا ‪ :‬السفرُ مع من ُتحِبّ ‪ ،‬والبعدُ عمن تبغضُ ‪ ،‬والسلمةُ من يؤذي ‪ ،‬وتذكرُ‬
‫النجاح ‪.‬‬
‫لمْرَ‬‫لصْمَ ‪ ،‬والصب يطفئ ا َ‬ ‫•ال ُبّ يستبعدُ الرّ ‪ ،‬والحسانُ يقيد النسانَ ‪ ،‬اللمُ يقهرُ ا َ‬
‫•الدنيا أهنأُ ما تكونُ حي تُهانُ ‪ ،‬والاجةُ أرخصُ ما تكون حينما يُستْغنْىَ عنها ‪.‬‬
‫س فمن يعيدُ‬ ‫•إذا أهّمك رزقُ غد فمن يكف ُل لك قدوم غٍد ‪ ،‬وإذا أحزنك ما حدث بالم ِ‬
‫لك المسَ ‪.‬‬
‫•توفيقٌ قليلٌ خيٌ من مالٍ كثيٍ ‪ ،‬وعزلٌ ف ع ّزةٍ خَْيرٌ من وليةِ ف ِذلّةٍ ‪ ،‬وخولٌ ف طاعةٍ خَيْرٌ‬
‫من شدةٍ ف معصيةٍ ‪.‬‬
‫•القانعُ ملكٌ ‪ ،‬والسرفُ أهوجُ ‪ ،‬والغضبانُ منونٌ ‪ ،‬والعجولُ طائشٌ ‪ ،‬والاسدُ ظالٌ ‪.‬‬
‫• ِذكْ ُر الِ يرضي الرحنَ ‪ ،‬ويسعدُ النسانَ ‪ ،‬ويسئ الشيطان ‪ ،‬وُيذْ ِهبُ الحزان ‪ ،‬ويل‬
‫اليزانَ ‪.‬‬
‫•سعيدٌ من طال عمرُه وحسن عملُه ‪ ،‬وموفقٌ من كثُر مالُه فكثر برّه ‪ ،‬ومباركٌ من زاد علمُه‬
‫فزادتْ تقواه‪.‬‬
‫•جزاءُ من اهتمّ بالناسِ أن ينسى هومه ‪ ،‬وثوابُ من َخدَمَ موله أن يدمه الناسُ ‪ ،‬وجائزةُ‬
‫من ترك الدنيا أن يأتيَه رزقُه رَغَدا ‪.‬‬
‫•ل تستقلّ شيئا من النعم مع العافيةِ ‪ ،‬ول تتقرْ شيئا من الذنِب مع عدمِ التوبةِ ‪ ،‬ول تكثرْ‬
‫طاعةً مع عدم الخلصِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪365‬‬
‫•الفرح بالدنيا فرحُ الطفالِ ‪ ،‬والفرح بالثناءِ السنِ فرح الرجالِ ‪ ،‬والفرحُ با عند ال فرحٌ‬
‫الولياءِ البرارِ ‪.‬‬
‫•الصدقُ طمأنينةٌ‪ ،‬والكذبٌ ريبةٌ‪ ،‬والياءُ صيانةٌ ‪ ،‬والعلمٌ ُحجّةٌ‪ ،‬والبيانُ جالٌ ‪ ،‬والصمتُ‬
‫حكمةٌ ‪.‬‬
‫•حلوةُ الظفرِ تحو مرارة الصب ‪ ،‬ولذ ُة النتصارِ ُتذْ ِهبُ وعثاءِ العاناةِ ‪ ،‬وإتقا ٌن العملِ يزيلُ‬
‫مشقته‪.‬‬
‫•أطيبُ ما ف الدنيا مب ُة الِ ‪ ،‬وأحسنُ ما ف النةِ رؤي ُة الِ ‪ ،‬وأنفعُ الكتبِ كتابُ ال ‪ ،‬وأبرّ‬
‫‪.‬‬ ‫اللقِ رسو ُل الِ‬
‫•السعيُد منِ اعتب بأمسِه ‪ ،‬ونظر لنفسه ‪ ،‬وأعدّ لرمسِه وراقبَ ال ف جهرِه وهسِه ‪.‬‬
‫•الرصُ ذلّ والطمعُ مهانةٌ‪ ،‬والشّحّ ِخسّةُ ‪ ،‬واليبةُ خيبةٌ ‪ ،‬والغفلةُ حجابٌ ‪.‬‬
‫• (( احفظِ ال يفظْك ‪ ،‬احفظِ ال تدْه أمامك ‪ ،‬تعرّفْ إل الِ ف الرخا ِء يعرفْك ف‬
‫الشدةِ ‪ ،‬إذا سألت فاسألِ ال ‪ ،‬وإذا استعنت فاستعنْ بالِ )) ‪.‬‬
‫•اجعلْ زمان رخائِك عدةً لزمانِ بلئِك ‪ ،‬واجعلْ مالكَ صيانةً لالِك ‪ ،‬واجعلْ عمرك طاعةً‬
‫لرّبكَ ‪.‬‬
‫•ربّ لذةٍ أو جبتْ حسرةً ‪ ،‬وزلةً أعقب ِذلّة ‪ ،‬ومعصيةٍ سلبتْ نعمةً ‪ ،‬وضحكةٍ جرّتْ بكاءً‪.‬‬
‫•النعمُ إذا شكرتْ قرّتْ ‪ ،‬وإذا كفرتْ فرّتْ ‪ ،‬والدنيا إذا سرّتْ مرّتْ ‪ ،‬وإذا برّتْ غرّتْ‪.‬‬
‫•السلمة إحدى الغنيمتي ‪ ،‬وصح ُة السمِ قلةُ الطعامِ ‪ ,‬وصحةُ الروحِ قل ُة الثامِ ‪ ,‬وصحة‬
‫الوقتِ البعدُ عن ال ْقتِ ‪.‬‬
‫•دقيقةُ اللِ يوم ‪ ,‬ويو ُم اللذةِ دقيقةٌ ‪ ,‬وليلةُ السرو ِر قصيةٌ ‪ ,‬ويومُ المّ طويلٌ ثقيلٌ ‪.‬‬
‫•البؤسُ ذكّرك النعيم ‪ ,‬والوع حبّب إليك الطعام ‪ ,‬والسجنُ ثّن لديك الرية ‪ ,‬والرضُ‬
‫شوّقك للعافيةِ ‪.‬‬
‫لمْيةِ وإياك وثلثة أعداءٍ ‪ :‬التشاؤمِ والوهمِ والقنوطِ ‪.‬‬ ‫•عليك بثلثة أطباء‪ :‬الفرحِ والراحةِ وا ِ‬
‫ل تحزن‬
‫‪366‬‬
‫•السعادةُ هي أن تصل النفس إل درجة كمالِها‪ ,‬والفوز أن تد ثرةَ أعمالا ‪ ,‬والظّ أن‬
‫تدمُه الدنيا بإقبالِها‪.‬‬
‫س ف السحرِ ‪ ،‬وم ّد يديَكَ ‪ ،‬وأرسلْ عينيك وقلْ ‪ :‬وجئْنا ببضاعةٍ مزجاةٍ فأوفِ لنا‬ ‫•اجل ْ‬
‫الكيل يا جليلُ ‪.‬‬
‫•من النعم السلمةُ من ال ِل والسقمِ والرمِ ‪ ,‬ول تشربْ حت تظمأً ‪ ,‬ول تأكلْ حت توعَ ‪,‬‬
‫ول تنمْ حت تتعب‪.‬‬
‫•من تأنّى حصل على ما تنّى ‪ ,‬ومن للخيِ تعنّى فبالفوِز تنّا ‪ ,‬والعجلةُ عقمٌ ‪ ,‬والمانّ‬
‫إفلسٌ ‪.‬‬
‫•ارض عن الِ فيما فعله بك‪ ,‬ول تتم ّن زوال حالةٍ أقامك فيها‪ ,‬فهو أدرى بك منك وأرحمُ‬
‫بك من أمّك‪.‬‬
‫•قضا ُء الِ كلّه خَيْرٌ‪ ,‬حت العصيةُ بشرطِها من ندمٍ وتوبةٍ ‪ ,‬وانكسارٍ واستغفارٍ ‪ ,‬وإذهابِ‬
‫جبِ ‪.‬‬ ‫الك ٍب وال ُع ْ‬
‫•داومْ على الستغفا ِر فإن لِ نفحاتٍ ف الليلِ والنهارِ‪ ,‬فعسى أن تصيبك منها نفحةٌ تسعدُ‬
‫با إل يومِ الدينِ ‪.‬‬
‫• ُطوْب لن إذا أُنْعِم عليه شَ َكرَ ‪ ,‬وإذا ابتُلِي صَبَرَ‪ ,‬وإذا أذنب استغفر‪ ,‬وإذا غضِب حلمَ ‪ ,‬وإذا‬
‫حَ َكمَ َعدَلَ‪.‬‬
‫•من فوائد القراءةِ فتقُ اللسانِ ‪ ,‬وتنميةُ العقلِ ‪ ,‬وصفاءُ الاطرِ ‪ ,‬وإزال ُة المّ ‪ ,‬والستفادةُ من‬
‫ب الفضائِل ‪.‬‬
‫التجاربِ ‪ ،‬واكتسا ُ‬
‫•غذاءُ القلب ف الخلصِ والتوبةِ والنابةِ ‪ ,‬والتوكلِ على الِ ‪ ,‬والرغبةِ فيما عنده والرهبةِ‬
‫من عذابهِ ‪ ,‬وحبِه تعال‪.‬‬
‫•الزم (( يا ذا اللل والكرام )) وداومْ على (( يا حيّ يا قيومُ برحتِك استغيثُ )) لترى‬
‫ح والسكينةَ ‪.‬‬
‫الفَرَج والفَرَ َ‬
‫ل تحزن‬
‫‪367‬‬
‫•إذا آذاك أحد فتذكرِ القضاءَ ‪ ،‬وَفضّلِ العَ ْفوَ ‪ ،‬وأجرِ اللم ‪ ،‬وثواب الصبِ ‪ ،‬وأنه ظالٌ‬
‫وأنت مظلومٌ ‪ ,‬فأنت أسعدُ حظا ‪.‬‬
‫ق مقدّر ‪ ,‬فلماذا الزنُ ؟ والرضُ والفقرُ والصيبةُ بأجرِها‬ ‫•القضاء نافذُ والجلُ متو ٌم والرز ُ‬
‫فلم المّ ؟‪.‬‬
‫•ف الدنيا جنّةٌ من ل يدخلْها ل يدخلْ جنة الخرةِ‪ ,‬وهي ذكرُه سبحانه وطاعتُه وحبّه‬
‫والنسُ به والشوقُ إليه‪.‬‬
‫•رضي ال عنهم لنم أطاعوا أمره واجتُنبوا نيه ورضوا عنه ؛ لنه أعطاهم ما أ ِملُوا ‪،‬‬
‫وآمنهم ما خافُوا ‪.‬‬
‫ب يقدرُ ويغفرُ ويسترُ ويرزقُ ويرىُ ويسمعُ ‪ ،‬وبيدِهِ مقالي ُد المورِ‪.‬‬ ‫•كيف يزنُ من عندَه ر ّ‬
‫•الرحةُ واسعةٌ والبابُ مفتوحٌ ‪ ،‬والعف ُو منوحٌ ‪ ،‬وعطاؤُه يغدو ويروحُ ‪ ،‬والتوبةُ مقبولةٌ ‪،‬‬
‫وحلمه كبيٌ ‪.‬‬
‫•ل تزْن لن القضاء مفروغٌ منه ‪ ،‬والقدور واقعٌ ‪ ،‬والقلم جفتْ ‪ ،‬والصحف ُطوِيَتْ‬
‫والجرُ حاصلٌ ‪ ،‬والذنب مغفورٌ ‪.‬‬
‫•أحسِن العمل وقصّ ِر المَلَ ‪ ،‬وانتظرِ الجل ‪ ،‬وعش يومك ‪ ،‬وأقبلْ على شأنِك واعرفْ‬
‫زمانَك واحفظْ لسانَك ‪.‬‬
‫•ل َأفَْيدَ من كتابٍ ‪ ،‬ول َأوْ َعظَ من قبٍ ‪ ،‬ول أَسْأَمَ من معصيةٍ ‪ ،‬ول أَشْ َرفَ من زهدٍ ‪ ،‬ول‬
‫أغْن من قناعةٍ ‪.‬‬
‫•بقدر هتك وجدّك ومثابرتِك يُكتبُ تاريُك‪ ،‬والجدُ ل يُعطى جزافا وإنا يؤخذ بدارةٍ‬
‫ويُنالُ بتضحيةٍ ‪.‬‬
‫•هوّن المر َيهُنْ ‪ ،‬واجع ِل المّ همّ الخر ِة فحسبُ ‪ ،‬وتيأ للقا ِء الِ تعال ‪ ،‬واتركِ الفضولَ‬
‫من كل شيءٍ ‪.‬‬
‫•فضولُ الباحاتِ من الزعجاتِ كفضولِ الكلمِ والطعامِ والنامِ واللطةِ والضحكِ ‪ ,‬وهي‬
‫ب الغمّ ‪.‬‬
‫سب ُ‬
‫ل تحزن‬
‫‪368‬‬
‫•﴿ لِكَيْل َتأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَ ُكمْ ﴾ فل تذوبوا حسرةً ونَدما‪ ,‬ول تلكوا بكاءً وأسفا‪ ,‬ول‬
‫ل وتسخّطا‪.‬‬
‫تنقطعوا عوي ً‬
‫•﴿ َحسْبُكَ ال ّلهُ َو َمنْ اتَّب َعكَ مِنْ اْلمُ ْؤمِِنيَ ﴾ يكفيكم الُ فيسددكم ويرعاكم ويدفع عنكم‬
‫ويميكم فل تافون‪.‬‬
‫•﴿ ِإنّ ال ّلهَ مَعَ اّلذِينَ اّتقَوْا ﴾ يدفع عنهم العداء ‪ ,‬يعافيهم من البلءِ ‪ ,‬ويشافيهم من الداءِ‬
‫‪ ,‬يفظُهم ف البأسا ِء والضراءِ ‪.‬‬
‫حزَنْ إِنّ ال ّلهَ َمعَنَا ﴾ يرانا‪ ,‬يسمع كلمَنا‪ ,‬ينصرُنا على عدوِنا‪ ,‬ييسرُ لنا ما أهّنا‪,‬‬
‫•﴿ل َت ْ‬
‫يكشفُ عنا ما أغمّنا‪.‬‬
‫ص ْدرَكَ ﴾ أما جعلناه فسيحا وسيعا مبتهجا مسرورا ساكنا مطمئنا‬
‫شرَحْ لَكَ َ‬
‫•﴿ أََلمْ َن ْ‬
‫فرِحا معمورا ؟!‬
‫•﴿ وَل تَكُ فِي ضَ ْيقٍ ِممّا َيمْ ُكرُونَ ﴾ فنحن نكفيك مكرهم‪ ,‬ونصدّ عنْك كيدهم‪ ,‬ونردّ‬
‫عنك أذاهم فل تضِقْ ذرْعا‪.‬‬
‫حزَنُوا﴾ وأنتم العلون عقيدةٌ وشريعةٌ ‪ ,‬والعلون منهجا وسيةً ‪,‬‬
‫•﴿وَل َتهِنُوا وَل َت ْ‬
‫والعلون سندا ومبدأً‪ ,‬وأخلقا وسلوكا‪.‬‬
‫•﴿ ِإنّ رَبّكَ وَاسِعُ اْل َم ْغفِرَةِ ﴾ يعفو عن الذنبِ ‪ ,‬يقب ُل التوبة‪ ,‬يقيلُ العثرة‪ ,‬يحو الزلة‪,‬‬
‫يستر الطيئة‪ ,‬يتوبُ على التائب‪.‬‬
‫•﴿ وَل تَيْأَسُوا ِمنْ رَ ْوحِ ال ّلهِ ﴾ فإن فرجهٌ قريب‪ ,‬ولطفهُ عاجلٌ ‪ ,‬وتيسيهُ حاصلٌ ‪ ,‬وكرمُه‬
‫واسع‪ ,‬وفضله عامٌ ‪.‬‬
‫•﴿ وَهُوَ َأرْ َحمُ الرّا ِح ِميَ﴾ يُشاف ويُعاف وَيُجتِب ويتار‪ ,‬ويفظُ ويتول‪ ,‬ويسترُ ويغفرُ‪,‬‬
‫ويلمُ ويتكرمُ ‪.‬‬
‫•﴿ فَال ّلهُ خَ ْيرٌ حَافِظا ﴾ يفظ الغائب‪ ,‬يرد الغريبَ ‪ ,‬يهدي الضالَ ‪ ,‬يعاف البتلى ‪ ,‬يشفي‬
‫الريضَ ‪ ,‬يكشفُ الكربِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪369‬‬
‫•﴿ َوعَلَى ال ّلهِ فَتَ َوكّلُوا﴾ فوّضوا المر إليه‪ ,‬وأعيدوا الشأن إليه‪ ,‬واشكوا الال عليه‪ ,‬ارضوا‬
‫بكفايته‪ ,‬اطمئنوا لرعايته ‪.‬‬
‫•﴿ َف َعسَى ال ّلهُ أَنْ َيأْتِيَ بِاْلفَ ْتحِ﴾ فيفتح القفال‪ ,‬ويكشف الكُرَبَ الثقال‪ ,‬ويزيل الليال‬
‫الطوال‪ ,‬ويشرح البالَ ‪ ,‬ويصلح الالَ ‪.‬‬
‫حدِثُ َب ْعدَ ذَلِكَ َأمْرا﴾ فيذهب غمّا ويطرُد َهمّا ويزيلُ حزنا‬
‫•﴿ ل َت ْدرِي َلعَلّ ال ّلهَ ُي ْ‬
‫ويسهل أمرا ويُقرّبُ بعيدا‪.‬‬
‫•﴿ كُلّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَ ْأنٍ﴾ يكشفُ كرْبا ويغفرُ ذنبا ويعطي رِزْقا ويشفي مريضا ويعاف‬
‫مبتلًى ‪ ،‬ويفكّ مأسورا ‪ ،‬ويبُ كسيا ‪.‬‬
‫سرِ ُيسْرا﴾ مع الفقرِ غن‪ ,‬وبعد الرضِ عافيةٌ ‪ ,‬وبعد الزنِ سرورٌ ‪ ,‬وبعد‬
‫•﴿ َفإِنّ مَعَ اْل ُع ْ‬
‫الضيق سَعَةٌ ‪ ,‬وبعد البسِ انطلقٌ ‪ ,‬وبعد الوعِ شبعٌ ‪.‬‬
‫سرٍ ُيسْرا﴾ سُيح ّل القيدُ ‪ ,‬وينقطعُ البلُ ‪ ,‬ويُفتحُ البابُ ‪ ,‬وينل‬
‫جعَلُ ال ّلهُ َب ْع َد عُ ْ‬
‫•﴿ سََي ْ‬
‫الغيث ‪ ,‬ويصلُ الغائبُ ‪ ,‬وتصلح الحوالُ ‪.‬‬
‫•﴿ َفصَ ْبرٌ َجمِيلٌ﴾ فسوف يبدل الالْ ‪ ,‬وتدأُ النفسُ ‪ ,‬وينشرحُ الصدرُ‪ ,‬ويسهل المرُ‪,‬‬
‫وتل العقدُ‪ ,‬وتنفرجُ الزمةُ ‪.‬‬
‫•﴿ وَتَوَكّ ْل عَلَى اْلحَيّ اّلذِي ل َيمُوتُ ﴾ ليصلح حالُك‪ ,‬ويشرح بالُك‪ ,‬ويفظ مالُك ‪,‬‬
‫ويرعى عيالُك ‪ ,‬ويكرم مآلُك‪ ,‬ويُحقّقَ آمالُك‪.‬‬
‫•﴿ َحسْبُنَا ال ّلهُ وَِن ْعمَ الْ َوكِيلُ﴾ يكشف عنا الكروب‪ ,‬ويزيلُ عنا الطوب‪ ,‬يغفرُ لنا الذنوب‪,‬‬
‫يصلح لنا القلوب ‪ ,‬يذهبْ عنا العيوبَ ‪.‬‬
‫•﴿ إِنّا فََتحْنَا َلكَ فَتْحا مُبِينا﴾ هديناك واجتبيناك‪ ,‬وحفظناك ومكناك‪ ,‬ونصرناك وأكرمناك‪,‬‬
‫ومن كل بلء حسنٍ أبليناك‪.‬‬
‫صمُكَ ِمنَ النّاسِ﴾ فل ينالُك عدوّ ‪ ,‬ول يصل إليك طاغيةٌ ‪ ,‬ول يغلبك حاسدٌ‬
‫•﴿ وَال ّلهُ َيعْ ِ‬
‫‪ ,‬ول يعلو عليك حاقدٌ ‪ ,‬ول يتاحك جبارٌ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪370‬‬
‫ك عَظِيما﴾ خلقك ورزقك ‪ ,‬علّمك وفهّمك ‪ ,‬هداك وسددك‪,‬‬
‫•﴿ َوكَانَ َفضْلُ ال ّلهِ عَلَيْ َ‬
‫أرشدك وأدبك‪ ,‬نصرك وحفظك‪ ,‬تولك ورعاك‪.‬‬
‫•﴿ َومَا بِ ُكمْ مِنْ ِن ْع َمةٍ َف ِمنَ ال ّلهِ﴾ أعطى الَلْقَ والرزق ‪ ,‬والسمع والبصر ‪ ,‬والداية والعافية‬
‫‪ ,‬والاء والواء ‪ ,‬والغذاء والدواء ‪ ,‬والسكن والكساء ‪.‬‬
‫•إذا سألت فاسأ ِل ال تدِ العون والكفاية والرشد والسداد ‪ ,‬واللطف والفرج ‪ ,‬والنصر‬
‫والتأييدَ ‪.‬‬
‫•على ال توكلْنا وبدينِه آمنا ولرسولِه اتبعنا ولقولِه استمعنا وبدعوتِه اجتمعنا‪ ,‬فل تزْن إنّ‬
‫ال معنا‪.‬‬
‫•ولينصرنّ الُ من ينصرُه ‪ ,‬فيفُع قدره ‪ ،‬ويعلي شأنه ‪ ،‬ويتول أمره ‪ ،‬ويذلُ عدوه ويكبتُ‬
‫خصمه ويزي من كاده‪.‬‬
‫• (( ل حول ول قوة إل بال)) ل إرادة ول قدرة ول تأيي َد ول نص َر ول فرجَ ول عو َن ول‬
‫كفايةَ ول طاقةَ إل بالِ العظيمِ ‪.‬‬
‫سنِ‬
‫لْ‬‫جعَلْ َل ُه عَيْنَيْنِ﴾ يطالع كتابَ الكونِ ‪ ،‬ويقرأ دفتر المالِ ‪ ,‬ويتمتعُ بشاهدِ ا ُ‬
‫•﴿ أََلمْ َن ْ‬
‫ويسرحُ طرفه ف مهرجانِ الياةِ ‪.‬‬
‫•﴿ وَِلسَانا وَ َشفَتَيْنِ ﴾ يتكلمُ بالبيانِ الشرقِ ‪ ,‬ينط ُق بالديثِ الذابُ ‪ ,‬يتحدثُ بالكلماتِ‬
‫السراتِ ‪ ,‬يترجم عما ف قلبِهِ‪.‬‬
‫•﴿ لَِئنْ شَ َكرُْتمْ َلأَزِيدَنّ ُكمْ ﴾ فيعظم علمُكم ويزيد فهمُكم ويبارك ف رزقِ ُكمْ ‪ ،‬ويتحققُ‬
‫نصرُكم ويكثرُ خيُكم‪.‬‬
‫•﴿ وَأَسْبَ َغ عَلَيْ ُكمْ ِن َعمَهُ ظَا ِهرَةً وَبَاطَِنةً ﴾ عامةً وخاصةً ‪ ,‬ف الدينِ والدنيا‪ ,‬ف الهلِ والالِ‬
‫‪ ,‬ف الواهبِ والوارحِ ‪ ,‬ف الروحِ ‪.‬‬
‫•﴿ وَأُفَ ّوضُ َأ ْمرِي إِلَى ال ّلهِ﴾ أرفع شكايت إليه ‪ ,‬أعرضُ حال عليه‪ ,‬أُ َحسّنُ ظن به ‪,‬‬
‫أتوكلُ عليه‪ ,‬أرضى بكمِه‪ ,‬أطمئنّ إل كفايتِه‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪371‬‬
‫•﴿ال ّلهُ َلطِيفٌ ِبعِبَادِهِ﴾ يرزقهم إذا افتقروا ‪ ,‬يغيثهم إذا قحطُوا ‪ ,‬يغفرُ لم إذا استغفروا‪,‬‬
‫يشفيهم إذا مرضُوا‪ ,‬يعافيهم إذا ابتُلوا ‪.‬‬
‫•﴿ل َتقْنَطُوا مِنْ رَ ْحمَةِ ال ّلهِ﴾ ل يغلقْ بابه ‪ ,‬ل يسدلْ حجابه‪ ,‬ل تنْفَدْ خزائنُه ‪ ,‬ل ينتهِ‬
‫فضلُه‪ ,‬ل ينقطعْ حبلُه ‪.‬‬
‫•﴿ أَلَ ْيسَ ال ّلهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ﴾ يكفيه ما أهّه وأغمّه ‪ ,‬يميه من قصده ‪ ,‬ينعه من كاد له ‪,‬‬
‫يفظُه مّن مكر به‪.‬‬
‫•﴿ فَابَْتغُوا عِنْدَ ال ّلهِ الرّ ْزقَ ﴾ فعنده الزائُن ‪ ،‬ولديه الكنوزُ ‪ ،‬وبيده اليُ ‪ ,‬وهو الوادُ‬
‫النا ُن الفتاحُ العليمُ ‪.‬‬
‫•﴿ َو َمنْ يُ ْؤ ِمنْ بِال ّلهِ َي ْهدِ قَلَْبهُ﴾ يكشف كربه ويغفر ذنبه‪ ,‬ويذهب غيظه وينيُ طريقه ويسددُ‬
‫خطاه‪.‬‬
‫•﴿ اذْ ُكرُوا ِن ْع َمةَ ال ّل ِه عَلَيْكُمْ ﴾ كنتم أمواتا فأحياكم ‪ ,‬وضُ ّ‬
‫للً فهداكُم ‪ ,‬وفقراءً فأغناكم‬
‫‪ ,‬وجهلةً فعلّمكم‪ ,‬ومستضعفي فنصركم‪.‬‬
‫•كم مرةٍ سألت فأعطاك ‪ ,‬كم مر ٍة طلبت فحباك ‪ ,‬كم مرةٍ عثرت فأقالك ‪ ,‬كم مرةٍ‬
‫أعسرت فيسر عليك‪ ,‬كم مرةٍ دعوته فأجابَك‪.‬‬
‫•الصل ُة والسلمُ على العصو ِم تذهبُ الغمومُ ‪ ،‬وتزي ُل المومُ ‪ ,‬وتشاف القلب الكلوم ‪،‬‬
‫وتفتحُ العلوم ويصل با الفضلُ القسومُ ‪.‬‬
‫•﴿ا ْدعُونِي أَسَْتجِبْ لَ ُكمْ ﴾ ارفعوا إل ال أكفّكم ‪ ,‬قدموا إليه حوائجكم ‪ ,‬اسألوه مرادكم‬
‫‪ ,‬اطلبوه رزقكم‪ ,‬اشكوا عليه حالكم ‪.‬‬
‫•﴿ َأ ّمنْ ُيجِيبُ اْل ُمضْ َطرّ ِإذَا دَعَاهُ ﴾ فيزيل كربه وبلواه ويُذْ ِهبُ ما أضناه ‪ ,‬ويعطيه ما تناه‬
‫‪ ,‬ويققُ مبتغاه‪.‬‬
‫•تصدق بعَ ْرضِك على فقراءِ الخلقِ ‪ ,‬واجعلْهم ف حلّ إن شتموك أو سبوك أو آذوك فعند‬
‫الِ ال ِع َوضُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪372‬‬
‫•إذا خاف رُبّان السفينة نادى ‪ :‬يا الُ ‪ ,‬إذا ضلّ الادي هتف ‪ :‬يا الُ ‪ ,‬إذا اغتم السجي‬
‫دعا ‪ :‬يا الُ ‪ ,‬إذا ضاق الريضُ صاح ‪ :‬يا الُ ‪.‬‬
‫ص َمدُ ﴾ تصمدُ إليه الكائناتُ ‪ ,‬تقصدُه الخلوقاتُ ‪ ,‬تدعوه البياتُ بشت اللغاتِ‬
‫•﴿ ال ّلهُ ال ّ‬
‫ومتلف اللهجاتِ ف سائر الاجاتِ ‪.‬‬
‫•﴿ ذَِلكَ بَِأنّ ال ّلهَ مَوْلَى اّلذِينَ آمَنُوا﴾ ينيُ لم الطريقِ ‪ ,‬يبي لم ا َل َ‬
‫حجّة ‪ ,‬يوضحُ لم‬
‫الداية ‪ ,‬يميهم من الضللةِ ‪ ,‬يعلمُهم من الهالةِ‪.‬‬
‫•رفقاَ بالقواريرِ ولطفا بالقلوبِ ‪ ،‬ورحةً بالناسِ ‪ ،‬ورويدا بالشاعرِ ‪ ،‬وإحسانا للغيِ ‪،‬‬
‫وتفضلً على العالِ ‪ ..‬أيها الناسُ ‪.‬‬
‫•اكت ِم الغيظ ‪ ,‬وتغافلْ عن الزلةِ ‪ ,‬وتغاض عن الساءةِ ‪ ,‬واعفُ عن الغلطةِ ‪ ,‬وادفنِ العائب‬
‫تكنْ أحبّ الناسِ إل الناسِ ‪.‬‬
‫•بابٌ ومِفْتاحٌ ‪ ,‬وغرفةٌ تدخلُها الرياحُ ‪ ,‬وقلب مرتاحٌ ‪ ,‬مع تقوى وصلحٍ ‪ ,‬وقد نلت‬
‫النجاح ‪.‬‬
‫•فضول العيشِ أشغالٌ ‪ ,‬والزائدُ عن الاجة أثقالُ ‪ ,‬وعفافٌ ف كفافٍ خَيْرٌ من َب ْذخٍ‬
‫وإسرافٍ ‪.‬‬
‫•ل تمل عقدة الؤامرةِ ‪ ,‬ول تفكْر ف تربصِ الخرينّ ‪ ,‬ول تظن أن الناسَ مشغولون بك‪,‬‬
‫فك ّل ف فََلكٍ يسبحون ‪.‬‬
‫•﴿ َفسَيَ ْكفِي َكهُمُ ال ّلهُ ﴾ فيد كيدهم ويبطل مكرهمِ ‪ ،‬ويذلُ جندهم ‪ ،‬ويفلّ حدّهم‪,‬‬
‫ويحقُ قوتم ‪ ,‬وُيذْ ِهبُ بأسهم ويشتتُ شلهم ‪.‬‬
‫•﴿ َفأَْنزَلَ السّكِينَ َة عَلَ ْي ِهمْ ﴾ فشفى غليلهم ‪ ,‬وأبرد عليلهم ‪ ,‬وأطفأ لب صدورِهم ‪,‬‬
‫وأراحَ ضمائرَهم ‪ ,‬وطهرَ سرائرَهم‪.‬‬
‫• (( الكلمة الطيبة صدقةٌ )) لنا تفتحُ النفسَ ‪ ،‬وتسعدُ القلب ‪ ،‬وتدملُ الراح ‪ ،‬وتذهبُ‬
‫الغيظ وتعلنُ السلم ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪373‬‬
‫•(( تبسمك ف وجهِ أخيك صدقةٌ )) لن الوجه عنوانُ الكتاب ‪ ,‬وهو مرآ ُة القلبِ ‪،‬‬
‫ورائدُ الضميِ وأولُ الفألَ ‪.‬‬
‫•﴿ ادْفَعْ بِالّتِي هِيَ أَ ْحسَنُ ﴾ بتركِ النتقامِ ‪ ،‬ولطفِ الطابِ ‪ ،‬وليِ الانبِ ‪ ,‬والرفقِ ف‬
‫التعاملِ ونسيانِ الساءةِ ‪.‬‬
‫شقَى﴾ ولكن لتسعد وتفرحَ روحُك ‪ ،‬وتسكنَ نفسُك ‪،‬‬
‫•﴿ مَا أَْنزَلْنَا عَلَيْكَ اْلقُرْآنَ لَِت ْ‬
‫وتدخل به جنةَ الفلحِ ‪ ،‬وفردوس السعادةِ ‪.‬‬
‫•﴿ َومَا َجعَ َل عَلَيْ ُكمْ فِي الدّينِ مِنْ َحرَجٍ﴾ بل يس ٌر وسهولةٌ ‪ ،‬ومراعاةٌ للمشقةِ ‪ ،‬وبعدٌ عن‬
‫الكلفةِ ‪ ،‬وسلمةٌ من التعبِ والرهاقِ ‪.‬‬
‫ت عَلَ ْيهِمْ ﴾ فيسعدون بعد شقاءٍ ويرتاحون‬
‫صرَ ُهمْ وَالَْأغْللَ الّتِي كَانَ ْ‬
‫•﴿ وََيضَ ُع عَ ْنهُمْ إِ ْ‬
‫بعد عناءٍ ويأمنون بعد خوفٍ ‪ ،‬ويسرون بعد حُزْنٍ ‪.‬‬
‫صدْرِي * وََيسّرْ لِي َأ ْمرِي ﴾ فأرى النور أمامي ‪ ،‬وأح ّ‬
‫س الدى‬ ‫•﴿ قَالَ َربّ ا ْشرَحْ لِي َ‬
‫بقلب ‪ ،‬وأمسك البل بيدي ‪ ،‬وأنال النجاح ف حيات ‪ ،‬والفوز بعد مات ‪.‬‬
‫سرَى ﴾ فتعبد ربك ببٍ وتطيعه بو ّد وتاهد فيه بصدقٍ ؛ فيصبح العذابُ‬
‫سرُكَ لِلُْي ْ‬
‫•﴿ وَنَُي ّ‬
‫فيه عذابا ‪ ،‬والعلقمُ ف سبيلهِ شهْدا‪.‬‬
‫•﴿ ل يُ َكلّفُ ال ّلهُ َنفْسا إِلّا وُ ْس َعهَا ﴾ فل تكليف فوق الطاقةِ ‪ ،‬وإنا على َحسَ ِ‬
‫ب الهدِ‬
‫وعلى قدرِ الوهبةِ وعلى مقدارِ القوةِ ‪.‬‬
‫•﴿ رَبّنَا ل تُؤَا ِخذْنَا إِنْ َنسِينَا﴾ فأنا ِنمُ أحيانا ‪ ،‬ونغفلُ أوقاتا ‪ ،‬ويصُيبنا الشرودُ ويعترينا‬
‫الذهو ُل فعفوك يا ربّ ‪.‬‬
‫•﴿ َأوْ أَخْطَأْنَا﴾ فلسنا معصومي ول من الذنب بسالي ‪ ،‬ولكنّا ف فضلِك طامعون وف‬
‫رحتك راغبون ‪.‬‬
‫حمِلْ عَلَيْنَا إِصْرا ﴾ فنحن عبادٌ ضعفاءٌ وبشر مساكيُ ‪ ،‬أنت الذي علمتنا‬
‫•﴿ رَبّنَا وَل َت ْ‬
‫كيف ندعوكَ فأجبْنا كما دعوتنا ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪374‬‬
‫حمّلْنَا مَا ل طَا َقةَ لَنَا ِبهِ﴾ فنعجَزَ وتكلّ قلوبُنا وتلّ نفوسنا ‪ ،‬بل يسرْ علينا‬
‫•﴿ رَبّنَا وَل ُت َ‬
‫وقد فعلتَ ‪ ،‬وسهلْ علينا وقد أوجبتَ ‪.‬‬
‫•﴿ وَاعْفُ عَنّا ﴾ فنحن أهل الطأ والي ِ‬
‫ف ومنا تبدرُ الساءةُ ‪ ،‬وفينا نَقْصٌ وتقصيٌ ‪،‬‬
‫وأنت جوادٌ كريٌ رحا ٌن رحيمٌ ‪.‬‬
‫•﴿ وَاغْ ِفرْ لَنَا ﴾ فل يغفرُ الذنوب إل أنت ‪ ،‬ول يست ُر العيوبَ إل أنت ‪ ،‬ول يلمُ عن‬
‫القصر إل أنت ‪ ،‬ول يتفضلُ على السيءِ إل أنتَ ‪.‬‬
‫•﴿ وَارْ َحمْنَا ﴾ فبحتك نسعدُ‪ ,‬وبرحتِك تعيشُ آمالنا ‪ ,‬وبرحتك تُقَْبلُ أعمالُنا ‪ ,‬وبرحتك‬
‫تصلح أحوالُنا‪.‬‬
‫•(( بعثت بالنيفة السمحة )) فلعََن َ‬
‫ت فيها ول تن ّط َع ول تكلّفَ ول مشق َة ول غلوّ ‪ ,‬بل‬
‫فطرةٌ وسنةٌ ويس ٌر واقتصادٌ ‪.‬‬
‫•(( إياكم والغلو )) بل الزموا السنة‪ ,‬اتباعٌ ل ابتداعٌ ‪ ,‬وسهولةٌ ل مشادةٌ ‪ ,‬وتوسطٌ ل‬
‫تطرفٌ ‪ ,‬واقتفاءٌ بل زيادةٍ ‪.‬‬
‫•(( أمت أمة مرحومة )) تولها ربا‪ ,‬فرسولُها سيدُ الرسل ودينُها أحسنُ الديانِ ‪ ،‬وهي‬
‫أفضل الممِ وشريعتُها أج ُل الشرائعِ ‪.‬‬
‫•(( ذاق طعم اليانِ من رضى بالِ ربا ‪ ،‬وبالسل ِم دينا وبحمدٍ رسولً )) وهذه الثلثة‬
‫أركان الرضا وأصول الفلحِ ‪.‬‬
‫•إياك والتسخط فإنه باب الز ِن والمّ والغمّ وشتاتُ القلبِ وكسفُ البالِ وسوءُ الالِ‬
‫ع العمرِ ‪.‬‬ ‫وضيا ُ‬
‫•الرضا يكسب ف القلب السكينة والدّعَةَ ‪ ،‬والراحة والمنَ ‪ ،‬والطمأنينة وطيبَ العيشِ‬
‫والسرورَ والفَ َرحَ ‪.‬‬
‫ش والدغلِ ‪ ،‬والغلِ والتسخطِ ‪ ،‬والعتراضِ والتذمرِ ‪،‬‬ ‫•الرضا يعل القلبُ سليما من الغ ِ‬
‫والللِ والضجرِ والتبمِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪375‬‬
‫•من رضي عن ال مل قلبه نورا وإيانا ‪ ،‬ويقينا وحبا وقناع ًة ورضىً وغنً وأمنا ‪ ،‬وإنابةً‬
‫وإخباتا ‪.‬‬
‫ل ْمعِ ‪،‬‬
‫•أيها الفقي‪ :‬صبٌ جيل ‪ ,‬فقد سلمتَ من تبعاتِ الالِ ‪ ,‬وخدمةِ الثروةِ ‪ ,‬وعناءِ ا َ‬
‫ب عند الِ ‪.‬‬
‫ومشقةِ وحراسةِ الالِ وخدمتِه ‪ ،‬وطولِ السا ِ‬
‫•يا من فقدَ بصرهَ ‪ :‬أبشرْ بالنة ثنا لبصرِك ‪ ،‬واعلمْ أنك ُع ّرضْتَ نورا ف قلبِك ‪ ،‬وسلمت‬
‫من رؤيةِ النكراتِ ‪ ,‬ومشاهدةِ الزعجاتِ واللهياتِ ‪.‬‬
‫•يا أيها الريض‪ :‬طهورٌ إن شاء الُ فقد ُهذّْبتَ من الطايا ‪ ,‬ونُقّيت من الذنوبِ ‪ ,‬وصُقِل‬
‫ك وانكسرتْ نفسُك ‪ ,‬وذهب كِبْرُك و َعجْبَك ‪.‬‬ ‫قلب ُ‬
‫•لاذا تفكر ف الفقودِ ول تشكرُ على الوجودِ ‪ ,‬وتنسى النعمة الاضرة ‪ ,‬وتتحسرُ على‬
‫النعمةِ الغائبةِ ‪ ,‬وتسدُ الناس وتغفلُ عما لديك ‪.‬‬
‫•(( كن ف الدنيا كأنك غريب)) قطعةُ خبزٍ ‪ ,‬وجرعةُ ماء ‪ ,‬وكساءٍ ‪ ,‬وأيامٌ قليلةٌ ‪ ,‬وليالٍ‬
‫معدودةٌ ‪ ,‬ث ينتهي العال ‪ ,‬فإذا قبُ أغن الغنياءِ وأفقرِ الفقراءِ سواء ‪.‬‬
‫ك بانبِ الادمِ ‪ ,‬والرئيسُ بوارِ الارسِ ‪ ,‬والشاعرُ الشهورُ مع الفقيِ الاملِ ‪,‬‬ ‫•يدفن الل ُ‬
‫والغنُ مع السكيِ والفقيُ والكسيُ ‪ ,‬ولكنْ داخل القبِ أعمالٌ متلفةٌ ودرجاتٌ متباينةٌ ‪.‬‬
‫•إذا زارك يو ٌم جديدٌ فقلْ له مرحبا بضيفٍ كري ‪ ,‬ث أحسِنْ ضيافتَه بفريضةٍ تؤدّى ‪,‬‬
‫وواجبٍ يُ ْعمَلُ وتوب ٍة تدّدُ‪ ,‬ول تكدْرهُ بالثامِ والمومِ فإنه لن يعود‪.‬‬
‫•إذا تذكرت الاضي فاذكر تاريك الشرق لتفرح ‪ ,‬وإذا ذكرت يومك فاذكرْ إنازك تسعدْ‬
‫‪ ,‬وإذا ذكرت الغد فاذكرْ أحلمك الميلةَ لتتفاءلَ ‪.‬‬
‫•طولُ العمرِ ثروةٌ من التجاربِ ‪ ,‬وجامعةٌ من العارفِ ‪ ,‬ومستودعٌ من العلوماتِ ‪ ,‬وكلما‬
‫مرّ بك يومٌ تلقيت درسا ف فنّ الياة ‪ ,‬إن طول العمرِ بركةٌ لقومٍ يعقلون‪.‬‬
‫ف يذكرك المنَ ‪ ,‬ويثك على الدعاءِ ‪ ,‬ويردعُك عن الخالفِة ‪,‬‬ ‫•لبد من شيء من الو ِ‬
‫ويذّرك من خطرِ أعظم ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪376‬‬
‫ب ليستيقظ‬ ‫•ولبد من شيء من الرضِ يذكرك العافيةَ ‪ ,‬ويتثّ شجرة الكِبْرَ ودرجة ال ُعجْ ِ‬
‫قلبُك من رقدِة الغافلي ‪.‬‬
‫•اليا ُة قصيةٌ فل تقصّرْها أكثر بالنكدِ ‪ ,‬والصديقُ قليلٌ فل تسرْه باللومِ ‪ ,‬والعدا ُء كثي‬
‫فل تزدْ عددهم بسوءِ الُلُقِ ‪.‬‬
‫•كن كالنملةِ ف الثابرةِ ‪ ,‬فإنا تصعدُ الشجرةَ مائةٍ مرةٍ وتسقطُ ‪ ،‬ث تعودُ صاعدةً حت تصل‬
‫‪ ,‬ول تك ّل ول تلّ ‪.‬‬
‫•وكن كالنحلةِ فإنا تأكلُ طيبا ‪ ،‬وتضعُ طيبا ‪ ،‬وإذا وقعتْ على عودٍ ل تكسِرْه ‪ ،‬وعلى‬
‫زهرةٍ ل تدشُها‪.‬‬
‫ب الشهواتِ‬ ‫•ل تدخل اللئكة بيتا فيه كلبٌ ‪ ,‬فكيف تدخل السكينُة قلبا فيه كل ُ‬
‫والشبهاتِ ‪.‬‬
‫•احذر مالس الصومات ففيها يباعُ الدينُ بثمنٍ َبخْسٍ ‪ ,‬وي ّرجُ على الروءةِ ‪ ,‬ويداسُ فيها‬
‫ض بأقدا ِم النذالِ ‪.‬‬
‫العِرْ ُ‬
‫•﴿ وَسَابقوا ﴾‪ ,‬ليس إل السابقة فالزمنُ يضي ‪ ,‬والشمسُ تري ‪ ,‬والقمرُ يسي ‪ ,‬والريحُ‬
‫تبّ ‪ ,‬فل تقفْ ‪ ،‬فلن تنتظرك قافلةُ الياةِ ‪.‬‬
‫•﴿وَسَا ِرعُوا﴾ ِثبْ وَثْبا إل العلياءِ فإن الجد مناهََيهٌ ‪ ,‬ولن يقدم النصرُ على أقدام مًن ذهبٍ‬
‫ولكنْ مع دموعٍ ودماء وسه ٍر ونصبٍ وجوعٍ ومشقةٍ ‪.‬‬
‫ق العامل أزكى من مْسكِ القاعدِ ‪ ,‬وزفراتُ الكادحِ أجلُ من أناشيدِ الكسولِ ‪,‬‬ ‫• َعرَ ُ‬
‫ورغيفُ الائع ِألذّ من خروفِ الترفِ ‪.‬‬
‫•الشتمُ الذي يوجه للناجحي من حسادِهم هي طلقاتُ ِمدْف ِع النتصارِ ‪ ,‬وإعلناتُ الفوزِ ‪,‬‬
‫ودعايةٌ مانيةٌ للتفوقِ ‪.‬‬
‫ب ومستوى الدخلِ والتعليمِ ‪ ,‬بل من عنده هةٌ‬ ‫ب واللقا ِ‬ ‫•التفوقُ والثابرةُ ل تعترفُ بالنسا ِ‬
‫وثّابةٌ ‪ ,‬ونفسٌ متطلعة‪ ,‬وصبٌ جيلٌ ‪ ,‬أدركَ العلياءَ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪377‬‬
‫•ل تتهيبِ الصاعب فإن السد يواجه القطيع من المالِ غَيْرَ هيابٍ ‪ ,‬ول َتشْكُ التاعب فإن‬
‫المارَ يملُ الثقا َل ول يئنّ ‪ ,‬ول تضجرْ من مطلبِك فإن الكلب يطاردُ فريسته ولو ف‬
‫النار ‪.‬‬
‫•ل تستقلّ برأيك ف المورِ بل شاو ْر فإن رأي الثني أقوى من رأي الواحدِ ‪ ,‬كالبلِ كلما‬
‫قُرن به حبل آخر قوي وأشتدّ ‪.‬‬
‫•ل تملْ ك ّل نقدٍ يوجّه إليك على أنه عداوةٌ ‪ ,‬بل استفدْ منه بغضِ النظرِ عن مقصدِ صاحبِه‬
‫فإنك إل التقوي أحوجُ منك إل الدحِ ‪.‬‬
‫•من عَرَفَ الناس استراحَ ‪ ,‬فل يطربْ لدحهم ‪ ،‬ول يزعْ من ذمّهم ‪ ,‬لنم سريعو الرضا ‪,‬‬
‫سريعو الغضبِ ‪ ,‬والوى يُح ِركُهم‪.‬‬
‫•ل تظنّ العاهاتِ تنعك من بلوغِ الغاياتِ ‪ ,‬فكم من فاضلٍ حاز الجدَ وهو أعمى أو أصمّ‬
‫أو أشلّ أو أعرجَ ‪ ,‬فالسألةُ مسألةُ همٍ ل أجسامٍ ‪.‬‬
‫•عسى أن يكون منعَه لك سبحانهُ عطاءً وحجزك عن رغبتِك لطفا ‪ ,‬وتأخرك عن مرادك‬
‫عنايةً ‪ ,‬فإنه أبصرُ بك منك ‪.‬‬
‫•إذا زارتك شدةٌ فاعلمْ أنا سحابةُ صيفٍ عن قليلٍ تُقْشعُ ‪ ,‬ول ُيخِفُك رعدُها ‪ ،‬ول يرهبْك‬
‫برقُها فربا كانت مملة بالغيثِ ‪.‬‬
‫•اخرجْ بأهلك ف نزهةٍ عائلية كّل أسبوعٍ فإنا تع ّرفْك بأطفالِك أكث َر وتدد حياتك وتذهبُ‬
‫عنك اللل ‪.‬‬
‫•من ل يسعد ف بيته فلن يسعد ف أي مكان ‪ ,‬واعلم أن أنسب مكان لراحة النفس وهدوء‬
‫البالِ ‪ ،‬والبعد عن التكلف هو بيتُك‪.‬‬
‫•العلم والثقاف ُة مدُها باقٍ خاصةً لن علّم الناسَ وألّفَ ‪ ,‬أما مدُ الشهرةٍ والنصبٍ فظلّ‬
‫زائل ‪ ،‬وطيفٌ زائفٌ ‪.‬‬
‫•الفكر إذا تُرك ذهب إل خانةِ الآسي ‪َ ,‬فجَ ّر اللَم والحزانَ ‪ ,‬فل تتركْه يطِيشْ ولكن قيدْه‬
‫فيما ينفع ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪378‬‬
‫•ما يشوش البالَ ويقسي القلبَ مالطةُ الناسِ وساعُ كلمهم اللهي ‪ ،‬وطول مالستهم ‪,‬‬
‫وما أحس َن العزل ِة مع العبادةِ والعلمِ ‪.‬‬
‫•أشرف السبل سبيلكَ إل السجدِ ‪ ,‬وآمنُ الطرقِ طريقُك إل بيتِك ‪ ,‬وأصعبُ الواقفِ‬
‫وقوفك أمام السلطانِ ‪ ,‬وأعظمُ اليئاتِ سجودُك للديانِ ‪.‬‬
‫•ساعَ القرآنِ بصوتٍ َحسَنٍ‪ ,‬والذكرُ بقلبٍ حاضرٍ ‪ ,‬والنفاقُ من مالٍ حللٍ ‪ ,‬والوعظُ‬
‫بلسانٍ فصي ٍح موائدُ للنفسِ وبساتيُ للقلبِ ‪.‬‬
‫•الخلق الميلة والسجايا النبيلة‪ ,‬أجلُ من وسامةِ الوجوهِ ‪ ،‬وسوادِ العيونِ ‪ ،‬ورقةِ‬
‫الدودِ ؛ لن جال العن أجلّ من جالِ الشكلِ ‪.‬‬
‫•صنائعُ العروفِ تقي مصارع السوءِ ‪ ,‬وجدارُ العقلِ ينعُ من مزال ِق الوى ‪ ,‬ومطارقُ‬
‫ف واعظٍ ‪.‬‬ ‫التجاربِ أنفعُ من أل ِ‬
‫ع فاح َد ال‬ ‫•إذا رأيت اللوف من البشرِ وقد أذهبُوا أعمارهم ف الف ّن واللهو واللعبِ والضيا َ‬
‫على ما عندك من خيٍ ‪ ,‬فرؤيةُ البتلَى سرورٌ للمعاف ‪.‬‬
‫•إذا رأيت الكافر فاح ِد الَ على السلمِ ‪ ,‬وإذا رأيت الفاج َر فاحدِ ال على التقوى ‪ ,‬وإذا‬
‫رأيت الاه َل فاحدِ ال على العلم ‪ ,‬وإذا رأيت البتلى فاحدِ ال على العافيةِ ‪.‬‬
‫ت الرياحُ لك فاستمتعْ بوائِها ‪ ,‬وخلقتِ‬ ‫•خلقت الشمسُ لك فاغتس ْل بضيائها ‪ ,‬وخلق ِ‬
‫ت الثمارُ لك فاهنأْ بغذائها‪ ,‬واحد من أعطى جل ف عله‪.‬‬ ‫النارُ لك فتلذذْ بائها ‪ ,‬وخلق ِ‬
‫ع الصواتِ ‪ ,‬والقعدُ يتمن الشي‬ ‫•العمى يتمن أن يشاهدَ العالَ ‪ ,‬والصمّ يتمن سا َ‬
‫خطواتٍ ‪ ,‬والبكمُ يتمن أن يقول كلماتٍ ‪ ,‬وأنت تشاهدُ وتسمع وتتكلمُ ‪.‬‬
‫•ل تظنّ أن الياة كملتْ لحدٍ ‪ ,‬من عنده بيتٌ ليس عنده سيارةٌ ‪ ,‬ومن عنده زوجةٌ ليس‬
‫عنده وظيفةٌ ‪ ,‬ومن عنده شهي ٌة قد ل يد الطعامَ ‪ ,‬ومن عنده الأكولتُ مُِنعَ من الكلِ ‪.‬‬
‫س ف القب ‪ ,‬والَلَقُ السنُ تاجُ‬ ‫•السجدُ سوقٌ الخرة ‪ ,‬والكتابُ صدي ُق العمرِ ‪ ,‬والعملُ أني ُ‬
‫الشرفِ ‪ ,‬والكرمُ أجلُ ثوبٍ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪379‬‬
‫•إياك وكتاب اللحِد ِة فإن فيها رجسا ينجسُ القلبَ ‪ ,‬وسا يقتلُ النفسَ ‪ ,‬ولوثةً تعصفُ‬
‫بالضميِ ‪ ،‬وليس أصلح لك من الوحيِ ‪ ،‬يطهرُ روحَك ويشفى داءَكَ‪.‬‬
‫ب فتندم ؛ لن الغضبان بفقدُ الصواب ‪ ،‬وتفوته الرويّة ‪ ،‬وينقصُه‬ ‫•ل تتخذْ قرارا وأنت مغضَ ٌ‬
‫التأملُ ‪.‬‬
‫•الزنُ ل يرد الغائبَ ‪ ,‬والوفُ ل يصلحُ للمستقبلُ ‪ ,‬والقلقُ ل يق ُق النجاحَ ‪ ,‬بل النفسُ‬
‫السويةُ ‪ ،‬والقلبُ الراضي ها جناحا السعادةِ ‪.‬‬
‫•ل تطالبِ الناس باحترامِك حت تترمهم ‪ ,‬ول َتُلمّهم على إخفاقٍ حصل لك ‪ ,‬بل لُمّ‬
‫نفسك ‪ ,‬وإن أردت أن يكرمَك الناسُ فأكرمْ نفسك ‪.‬‬
‫•على صاحبِ الكوخِ أن يرضى بكوخِه إذا علم أن القصورَ سوف تربُ ‪ ,‬وعلى لبس‬
‫الثيابِ المزقةِ أن يقنع بثيابِه إذا تيقن أن الرير سوف يبلى ‪.‬‬
‫•من أعطى نفسَه كلما تطلبُ تشّتتَ قلبُه ‪ ,‬وضاع أمُره ‪ ,‬وكثرُ هّه ؛ لنّه ل حدّ لطالبِ‬
‫س فهي أمّارةٌ غرّارةٌ ‪.‬‬
‫النف ِ‬
‫•يا من فقد ابنه ‪ :‬لك قصرُ المد ف النةِ ‪ ,‬ويا من فاته نصيُبه من الدنيا ‪ :‬نصيبك ف‬
‫جناتِ عدنٍ تنتظرك ‪.‬‬
‫•الطائرُ ل يأتيه رزقُه ف العشِ ‪ ,‬والسدُ ل تقدم له وجبتُه ف العرين ‪ ,‬والنملةُ ل تعطي‬
‫طعامها ف مسكنِها‪ ,‬ولكن كلهم يطلبون ويبحثون فاطلبْ كما طلبوا تدْ ما وجدوا ‪.‬‬
‫ح ٍة عَلَ ْيهِمْ ﴾ يوتون قبلَ الوتِ ‪ ,‬وينتظرون كلّ مصيبةٍ ‪ ,‬ويتوقعون‬
‫حسَبُونَ كُلّ صَ ْي َ‬
‫• ﴿ َي ْ‬
‫كل كارثةٍ ‪ ,‬ويافون من كلّ صوتٍ وخيالٍ وحركةٍِ ؛ لن قلوبَهم هوا ٌء ونفوسهم مزقةٌ ‪.‬‬
‫•إذا أقامَك الُ ف حالةٍ فل تطلبْ غيها لنه عليمٌ بك ‪ ,‬فإن أفقرَك فل تقل ليته أغنان ‪،‬‬
‫وإن أمرضَك فل تقلْ ليته شفان ‪.‬‬
‫•عسى تأخيُك عن سفرٍ خيا ‪ ,‬وعسى حرمانُك زوجةٍ بركةً ‪ ,‬وعسى ردك عن وظيفة‬
‫مصلحةً ‪ ,‬لنه يعلمُ وأنت ل تعلمُ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪380‬‬
‫•الصخرُ أقوى من الشجر ‪ ,‬والديدُ أقوى من الصخرِ ‪ ,‬والنارُ أقوى من الديدِ ‪ ,‬والريح‬
‫أقوى من النارِ ‪ ,‬واليانُ أقوى من الريحِ الرسلةِ ‪.‬‬
‫•كلّ مأساةٍ تصيبُك فهي درسٌ ل يُْنسَى ‪ ,‬وكلّ مصيبةٍ تصيبُك فهي مفورةُ ف ذاكرتك‪,‬‬
‫ولذا هي النصوص الباقية ف الذهنِ ‪.‬‬
‫•النجاحُ قطراتٌ من العانا ِة والغصصِ والراحاتِ والهاتِ والزعجاتِ ‪ ,‬الخفاقُ قطراتٌ‬
‫ل َورِ ‪.‬‬
‫من المولِ والكسلِ والعجزِ والهانةِ وا َ‬
‫•الذي يرص على الشهرةِ الؤقتةِ ‪ ،‬ول يسعى للخلودِ بثناءِ َحسَنٍ ‪ ،‬وعلمٍ نافعٍ صالٍ ‪ ،‬إنا‬
‫هو رج ٌل بسيطٌ ل هةَ له ‪.‬‬
‫•(( يا بلل‪ ,‬أقمِ الصلةَ ‪ ,‬أرحْنا با )) لن الصلة فيضٌ من السكينةِ ‪ ,‬ونرٌ من المنِ ‪,‬‬
‫وريحٌ طيبةٌ باردةٌ تبّ على النفسِ فتطف َئ نارَ الوفِ والزنِ ‪.‬‬
‫•إذا ل تَعْص ربا ؛ ول تظلمْ أحدا ‪ ،‬فنم قرير العيِ ‪ ,‬وهنيئا لك فَقَدَ عل حظك وطاب‬
‫سعيُك فليس لك عدوٌ ‪.‬‬
‫س يدعون عليه ‪ ,‬وُبشْرَى لن أحبته‬‫•هنيئا لن بات والناسُ يدعون له‪ ,‬وويلٌ لن نامَ والنا ُ‬
‫القلوبُ ‪ ,‬وخسارةً لن لعنتْه اللسنُ ‪.‬‬
‫•إذا ل تدْ عد ًل ف مكمة الدنيا فارفعْ ملفّك لحكمةِ الخرة فإن الشهود ملئكةٌ ‪,‬‬
‫والدعوى مفوظةُ ‪ ,‬والقاضي أحكمُ الاكمي‪.‬‬
‫• ﴿ فَاذْ ُكرُونِي َأذْ ُكرْ ُكمْ ﴾ لول يكن للذكر من فائدةٍ إل هذه لكفى ‪ ,‬ولو لْ يكنْ له نفعٌ‬
‫جدٍ وسؤد ٍد وزُلْفى وشرفٍ ‪.‬‬
‫إل أن يذكرك ربّك لكفى بهِ نفْعا ‪ ,‬فيا له من َم ْ‬
‫•بشرى لك‪ . .‬فالطهورُ شطرُ اليان فهو يذهبُ الطايا ويغسلُ السيئاتِ غسلً ‪ ،‬ويطهرك‬
‫لقابلةِ ملكِ اللوكِ تعال ‪.‬‬
‫• ُطوْبَى لك فالصلةُ كفارٌة تذهبُ ما قبلها ‪ ,‬وتحو ما أمامها ‪ ,‬وتصلح ما بعدَها ‪ ,‬وتفك‬
‫السر عن صاحبِها ‪ ,‬فهي قرةُ العيون ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪381‬‬
‫•الرجل الذي يسعى دائما للظفر باحترام الناس ول يتعرضُ لنقدهم ‪ ,‬كثيا ما يعيشُ شقيا‬
‫بائسا ‪ ,‬والسعيُ وراء الظهورِ والشهرةِ َعدُوٌ للسعادةِ ‪.‬‬
‫•النظرياتُ والدروسُ ف فنّ السعادةِ ل تكفى ‪ ,‬بل لبدّ من حركةٍ وعملٍ وتصرفٍ كالشي‬
‫كل يوم ساعة أو السفرِ أو الذهابِ إل النتزهاتِ ‪.‬‬
‫ض البعوضةُ للسدِ كثيا وتاولُ إيذاءه فل يعيُها اهتماما ول يلتفتُ إليها ‪ ،‬لنه‬ ‫•تتعر ُ‬
‫مشغو ٌل بقاصدِه عنها ‪.‬‬
‫•احذر التشائم ‪ ,‬فإنك تريهِ الزهرة فييك شوكَها ‪ ,‬وتعرضُ عليه الاءَ فيخرجُ لك منه‬
‫القذى ‪ ,‬وتدحُ له الشمس فيشكو حرارتَها ‪.‬‬
‫•أتريدُ السعادة حقا ؟! ل تبحثُ عنها بعيدا ‪ ,‬إنا فيك ؛ ف تفكيِك البدعِ ‪ ,‬ف خيالك‬
‫الميلِ ‪ ,‬ف إرادتِك التفائلةِ ‪ ,‬ف قلبك الشرقِ باليِ ‪.‬‬
‫•السعادةُ عِطْرٌ ل يستطيعُ أن ترشّهُ على من حولَك دونَ أن تعلق به قطراتٌ منه‪.‬‬
‫•مصيبُتنا أننا نافُ من غ ِي الِ ف اليومِ أكثر من مائةِ مرةٍ ‪ :‬ناف أن نتأخر ‪ ,‬نافُ أن‬
‫نطئ ‪ ,‬نافُ أن نستعجلَ ‪ ,‬نافُ أن يغضبَ فلنٌ ‪ ,‬نافُ أن يشكّ فلنٌ ‪.‬‬
‫•كثيون من الناس يعتقدون أن كلّ سرورٍ زائلٌ ولكنّهم يعتقدون أنّ كلّ حزنٍ دائمٌ ‪ ,‬فهم‬
‫لزْنِ ‪.‬‬
‫ت السرورِ ‪ ،‬ويكفرون بوتِ ا ُ‬ ‫يؤمنون بو ِ‬
‫•بعضُنا مِثْ ِل السمك ِة العمياءِ تظنّ وهي ف البحرِ أنا ف كأسٍ صغيٍ ‪ ,‬فنحن خلقنا ف عال‬
‫اليانِ فأحطنا أنفسنا ببالِ الكرهِ والوفِ والعداوةِ والزنِ ‪.‬‬
‫•إن الياة كريةٌ ‪ ،‬ولكن الدية تتاجُ لن يستحقّها‪ ,‬وإن الذين تضحكُ لم الياة وهم‬
‫يبكون ‪ ،‬وتبتسمُ لم وهم يكشرون ل يستحقون البقاءَ ‪.‬‬
‫•وضع صيادٌ حامة ف قفصٍ فأخذت تغن فقال الصيادُ ‪ :‬أهذا وقتُ الغناء ؟! فقالت ‪ :‬من‬
‫ساعةٍ إل ساع ٍة فَ َرجٌ‪.‬‬
‫•قيل لكيمٍ ‪ :‬لاذا ل تذهبُ إل السلطانِ فإنه يعطي أكياسَ الذهبِ ؟ قال ‪ :‬أخشى منه إذا‬
‫غضب أن يقطع رأسي ويضعه ف أحد تلك الكياسِ ويقدمه هديةً لزوجت !!‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪382‬‬
‫•لاذا تسمع نُباح الكلبِ ول تنصتُ لغناءِ المامِ ؟! لاذا ترى من الليل سواده ‪ ،‬ول تشاهدْ‬
‫حسنَ ال َقمَرِ والنجومِ ؟! لاذا تشكو َلسْ َع النحلِ وتنسى حلوة العَسَلِ ؟!‪.‬‬
‫•تاب أبوك آدمُ من الذنبِ فاجتباه ربك واصطفاه وهداه ‪ ,‬وأخرجَ من صلبِه أنبياءَ وشهداءَ‬
‫وعلماءَ وأولياءَ ‪ ,‬فصار أعلى بعد الذنبِ منه قبل أن يذنبَ ‪.‬‬
‫•ناح نوح والطوفان كالبكان فهتف ‪ :‬يا رحانُ يا منانُ ‪ ,‬فجاءه الغوثُ ف ل ِح البصرِ‬
‫فانتصر وظفرَ ‪ ,‬أما من كف َر فقد خسرَ واندحرَ ‪.‬‬
‫ف بالقترافِ ‪,‬‬ ‫•أصبح يونس ف قاع البحرِ ف ظلماتٍ ثلث فأرسلَ رسالة عاجلةُ فبها اعترا ُ‬
‫واعتذرٌ عن التقصي ‪ ,‬فجاء الغوث كالبقِ لن البقية صادقةٌ ‪.‬‬
‫•غسل داود بدموعه ذنوبه فصار ثوبُ توبِته أبيض ؛ لن القماشَ ُنسِجَ ف الحرابِ والياطُ‬
‫سحَرِ ‪.‬‬‫ب ف ال ّ‬
‫أميٌ ‪ ,‬و ُغسِلَ الثو ُ‬
‫•إذا اشتد عليك المرُ وضاقَ بك الكَرْبُ وجاءك اليأسُ ؛ فانتظ ِر الفَ َرجَ ‪.‬‬
‫•إذا أردت ال يفرجَ عنك ما أهك فاقطعْ طمعَك ف أي ملوقٍ صغرَ أم كب ‪ ,‬ول تعّلقْ‬
‫س كافةً ‪.‬‬‫على أحدٍ أملً غَْي َر الِ ‪ ،‬وأجع اليأسَ ف النا ِ‬
‫•نفسك كالسائل الذي يلوّن الناء بلونه ‪ ،‬فإن كانت نفسُك راضيةً سعيدة رأيت السعادة‬
‫واليَ والمالَ ‪ ،‬وإن كانت ضيقةَ متشائمة رأيتَ الشقا َء والش ّر والقُبْحَ ‪.‬‬
‫•إذا أطعمت العبودَ ‪ ،‬ورضيتَ بالوجودِ ‪ ،‬وسلوتَ عن الفقودِ ‪ ،‬فقد نلتَ القصودَ‬
‫وأدركتَ كلّ مطلبٍ ممودٍ ‪.‬‬
‫•من عنده بستان ف صدره من اليانِ والذكرِ ‪ ،‬ولديه حديقةٌ ف ذهنِه من العل ِم والتجاربِ‬
‫فل يأسفْ على ما فاته من الدنيا ‪.‬‬
‫•إنّ من مؤخر السعادة حت يعود ابنه الغائبُ ‪ ,‬ويبن بيته ويدُ وظيفة تناسبه‪ ،‬إنا هو مدوع‬
‫بالسرابِ ‪ ،‬مغرورٌ بأحلمِ اليقظةِ ‪.‬‬
‫•السعادةُ ‪ :‬هي عد ُم الهتمامِ ‪ ،‬وهج ُر التوقعاتِ واطّراحُ التخويفاتِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪383‬‬
‫•البسمة ‪ :‬هي السحرُ الللُ ‪ ،‬وهي عُربونُ الودةِ وإعلنُ الخاءِ ‪ ،‬وهي رسالةٌ عاجلة‬
‫ص َدقَةٌ متقلبةٌ تدلّ على أن صاحبَها راضٍ مطمئ ّن ثابتٌ ‪.‬‬ ‫تملُ السل َم والبّ ‪ ،‬وهي َ‬
‫ب والرتباكِ والفوضويةِ ‪ ,‬وسببها تركُ النظامِ وإهالُ الترتيبِ ‪ ,‬والّل‬ ‫•أناك عن الضطرا ِ‬
‫أن يكون للنسانِ جدولٌ متزنٌ فيه واقعيّةٌ ومرانٌ ‪.‬‬
‫•إذا وقعت عليك مصيبةٌ أو شدٌة فافرحْ بكل يومٍ يرّ ؛ لنه يففُ منها وينقصُ من عمرِها‪,‬‬
‫لن للشدة عمرا كعمرِ النسانِ ل تتعداه ‪.‬‬
‫•ينبغي أن يكون لك حدّ من الطالبِ الدنيوية تنتهي إليه ‪ ,‬فمثلً تطلبُ بيتا تسكنه وعملً‬
‫يناسبك ‪ ،‬وسيارةً تملُك ‪ ,‬أما فتحُ شهي ِة الطمعِ على مصراعيها فهذا شقاءٌ ‪.‬‬
‫•﴿َل َقدْ خَ َلقْنَا اْلأِْنسَانَ فِي كََبدٍ﴾ سُنّةٌ ل تتغيُ لذا النسان فهو ف ماهدةٍ ومشقةٍ ومعاناةٍ ‪,‬‬
‫فلبد أن يعترف بواقعِه ويتعاملَ مع حياتِه ‪.‬‬
‫•يظنّ من يقطعُ يومَه كله ف اللعبِ أو الصيدِ أو اللهو أنه سوف يسعدُ نفسه ‪ ,‬وما علم أنه‬
‫ل وكَدَرا دائما ؛ لنه أهل الوازنة بي الواجباتِ‬ ‫سوف يدفع هذا الثمنَ ها متص ً‬
‫والسلياتِ ‪.‬‬
‫•تلصْ من الفضولِ ف حياتِك‪ ,‬حت الوراقُ الزائدةُ ف جيبِك أو على مكتبك‪ ,‬لن ما زاد‬
‫عن الاجةِ ‪ -‬ف كل شيء ‪ -‬ما كان ضارا ‪.‬‬
‫•كان الصحابة أسعدَ الناسِ لنم ل يكونوا يتعمقون ف خطراتِ القلوبِ ‪ ،‬ودقائقِ‬
‫السلوكِ ‪ ،‬ووساوسِ النفسِ ‪ ,‬بل اهتموا بالصولِ ‪ ،‬واشتغلوا بالقاصدِ ‪.‬‬
‫•ينبغي أن تتمّ بالتركيزِ ‪ ،‬وحضورِ القلب عند أداء العبادات ‪ ,‬فل خَيْرَ ف علم بل فِقْهٍ ‪ ,‬ول‬
‫صلةٍ بل خشوعٍ ‪ ,‬ول قراءةٍ بل َتدَبّرِ ‪.‬‬
‫•﴿ وَالطّيّبَاتُ لِلطّيِّبيَ ﴾ فالطّيباتُ من القوالِ والعمالِ والدابِ والخلقِ والزوجاتِ‬
‫للخيارِ البرارِ ‪ ,‬لتتمَ السعادةُ بذا اللقاءِ ‪ ،‬ويص َل الُنْسُ والفلحُ ‪.‬‬
‫•﴿ وَالْكَا ِظ ِميَ اْلغَ ْيظَ﴾ يكظمونه ف صدورِهم فل تظهرُ آثارُه من السبّ والشتمِ والذى‬
‫والعداوةِ ‪ ,‬بل قهروا أنفسهم وتركوا النتقامَ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪384‬‬
‫•﴿ وَاْلعَا ِفيَ عَنِ النّاسِ ﴾ وهم الذين أظهروا العَ ْفوَ والغفرةَ وأعلنوا السماحَ وأعتقوا من‬
‫سبُ بل َظهَرَ اللمُ والصفحُ عليهم ‪.‬‬
‫حْ‬‫آذاهم من طلبِ الثأرِ ‪ ,‬فلم يكظمُوا فَ َ‬
‫حسِنِيَ﴾ وهم الذين عفوا عمن ظلمهم بل أحسنوا إليه وأعانوه بالم‬
‫•﴿ وَال ّلهُ ُيحِبّ اْل ُم ْ‬
‫وجاهِهم وكرمِهم‪ ,‬فهو يسيءَ وهم يسنون إليه‪ ,‬ولذا أعلى الراتبِ وأجلّ القاماتِ ‪.‬‬
‫•حدد بالضبطِ المر الذي يسعدُك ‪ .‬سج ْل قائمة بأسعدِ حالتك ‪ :‬هل تدث بعد مقابلةِ‬
‫شخص معي ؟ أو ذهابك إل مكان مددٍ ؟ أو بعد أدائك عملً بذاته ؟ إذا كنت تتبعُ‬
‫روتينا جيدا‪ ,‬ضعه ف قائمتك‪ .‬تدْ بعد أسبوع أنك ملكت قائمةً واضحة بالفكارِ الت‬
‫تعلُك سعيدا ‪.‬‬
‫•تعوّدْ على عملِ الشياءِ السارةِ ‪ :‬بعد تدي ِد المورِ الت تسعدُك أبعدْ كل المورِ الخرى‬
‫عن ذهنِك‪ .‬أك ِد المور السعيدةَ ‪ ,‬وانس المورَ الت ل تسعدُك ‪ .‬وليكن قرارك بحاولةِ‬
‫بلوغِ السعادةِ تربةً سارةً ف حدّ ذاتِها ‪.‬‬
‫•ارض عن نفسِك وتقبّلْها ‪ :‬من الهم جدا أن تنتهي إل قرارٍ بالرضا عن نفسِك‪ ,‬والثقةِ ف‬
‫تصرفاتِك‪ ,‬وعدمِ الهتمامِ با يوجّه إليك من نقدٍ ‪ ,‬طالا أنت ملتزم بالصراطِ الستقيمِ ‪,‬‬
‫ث يدخلُ الشكّ أو الشعورُ بالذنبِ ‪.‬‬ ‫فالسعادةُ تربُ من حي ُ‬
‫•اصنعِ العروف واخدِم الخرين ‪ :‬ل تبْق وحيدا معزولً‪ ,‬فالعزلةُ مصدرُ تعاسةٍ ‪ ,‬كلّ الكآبةِ‬
‫والتعاسةِ والتوترِ تتفي حينما تلتحمُ بأسرتِك والناسِ ‪ ,‬وتقدمُ شيئا من الدمات‪ .‬وقد‬
‫وصف العمل أسبوعي ف خدمة الخرين علجا لالت الكتئاب‪.‬‬
‫•أشغل نفسك دائما ‪ :‬يب أن تاول – بوعي وإرادة – استخدم الزيدِ من إمكاناتِك ‪.‬‬
‫سوف تسعدُ أكثر إن شغلت نفسك بعملِ أشياء بديعةٍ ‪ ,‬فالكس ُل ينمي الكتئاب ‪.‬‬
‫•حاربِ النكد والكآبة ‪ :‬إذا أزعجك أمرٌ ‪ ,‬قمْ بعمل جسمان تبّه تدْ أن حالتك النفسية‬
‫والذهنية قد تسنت‪ .‬ويكنك أن تارسَ مسلكا كانت تسعدك مارسته ف الاضي‪ ,‬كأن‬
‫تزاول رياضة معينة أو رحل ًة مع أصدقاء ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪385‬‬
‫ل تبتئسْ على عمل ل تكملْه ‪ :‬يب أن تعرف أن عمل الكبارِ ل ينتهي‪ .‬من‬ ‫•‬

‫الناسِ من يشعرون أنم لن يكونوا سعداء راضي عن أنفسِهم إل إذا أنزُوا كل أعمالم‪.‬‬
‫والشخصُ السؤولُ يستطيع أن يؤدي القدرَ المكن من عمله بل تاون‪ ,‬ويستمتع بالبهجة‬
‫ف الوقت نفسِه ‪ ,‬مادام ل يقصرْ ‪.‬‬
‫ل تبالغْ ف النافسة والتحدي ‪ :‬تعلّم أل تقسو على نفسك‪ ,‬خاصة حينما تباري‬ ‫•‬

‫أحدا ف عمل ما بدون أن تشترط لشعورك بالسعادة أن تفوزَ ‪.‬‬


‫ل تبسْ مشاعرك ‪ :‬كبتُ الشاعرِ يسببُ التوتر‪ ,‬ويولُ دون الشعورِ بالسعادةِ ‪.‬‬ ‫•‬

‫ب ينفثُ عن ضغوطِها ف نفسِك‪.‬‬ ‫ل تكتم مشاعرك‪ .‬عبْ عنها بأسلوبٍ مناس ٍ‬


‫•ل تتحملْ وزر غيك ‪ :‬كثيا ما يشعرُ الناسُ بالبتئاسِ ‪ ,‬والسؤوليةِ ‪ ,‬والذنبِ ‪ ,‬بسبب‬
‫اكتئابِ شخصٍ آخرَ ‪ ,‬رغم أنم برءاء ما هو فيه‪ ,‬تذكرْ أن كلّ إنسان مسؤولٌ عن نفسه‪,‬‬
‫وأن للتعاطف والتعاون حدودا وأولوياتٍ ‪ .‬وأن النسان على نفسِه بصية ﴿ وَل َتزِرُ‬
‫وَازِ َرةٌ ِوزْرَ أُ ْخرَى ﴾ ‪.‬‬
‫اتذ قراراتِك فورا ‪ :‬إن الشخص الذي يؤجل قراراتِه وقتا طويلً ‪ ,‬فإنه يسلبُ من‬ ‫•‬

‫وقتِ سعادته ساعاتٍ ‪ ,‬وأياما ‪ ,‬بل وشهورا‪ .‬تذكر إن إصدار القرا ِر الن ل يعن‬
‫بالضرورةِ عدم التراجعِ عنه أو تعديله فيما بَ ْعدُ‪.‬‬
‫ف قدر نفسِك ‪ :‬حينما تفك ُر ف القدامِ على عملٍ تذكرِ الكمة القائلة ‪:‬‬ ‫اعر ْ‬ ‫•‬

‫(( رحم ال امرءا عَ َرفَ قدرَ نفسِه)) إذا بلغت المسي من عمرك‪ ,‬وأردت أن تارس‬
‫رياضة‪ ,‬فكر ف الشي أو السباحة أو التنس – مثلً – ول تفكر ف كرةِ القدم‪ .‬وحاول‬
‫تنمية مهاراتك باستمرار‪.‬‬
‫ضمّ الياةِ دون إتاحة الفرصة‬
‫تعلم كيف تعرف نفسك ‪ :‬أما الندفاعُ ف خ ِ‬ ‫•‬

‫لنفسك كي تقيّم أوضاعك ومسؤولياتك ف الياة‪ ,‬فحماقة كبى‪ .‬فهؤلء الذين ل‬


‫يفهمون أنفسهم لن يعرفوا إمكاناتم‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪386‬‬
‫اعتدل ف حياتِك العملية ‪ :‬اعمل إن استطعت جزءا من الوقت ‪ ،‬فقد كان‬ ‫•‬

‫الغريق يؤمنون بأن الرجال ل يكن أن يتفظ بإنسانيته إذا حُرِمَ من الوقت الفراغ‬
‫والسترخاء‬
‫•كن مستعدا لوض مغامرات ‪ :‬الطريقة الوحيدة لياة متعة هي اقتحامُ أخطارِها‬
‫الحسوبة ‪ ،‬لن تتعلم ما ل تكن عازما على مواجهة الخاطرِ ‪ ،‬قمْ مثلً بتعلم السباحِة‬
‫بواجهةِ خطرِ الغَرَقِ ‪.‬‬
‫•ل قفل إل سوف يُفْتَحُ ‪ ،‬ول قيد إل سوف يُفَكّ‪ ،‬ول بعيد إل سوف يقربُ ‪ ،‬ول غائب‬
‫إل سوف يصلُ‪ ..‬ولكن بأجل مسمّى ‪.‬‬
‫•﴿ اسَْتعِينُوا بِالصّ ْبرِ وَالصّلةِ ﴾ فهما وَقودُ الياةِ ‪ ،‬وزادُ السيِ ‪ ،‬وباب الملِ ‪ ،‬ومفتاحُ‬
‫الفَ َرجِ ‪ ،‬ومن لزم الصبَ ‪ ،‬وحافظ على الصلةِ ؛ فبشّرْه بفجرٍ صادقٍ ‪ ،‬وفتحٍ مبيٍ ‪ ،‬ونصرٍ‬
‫قريبٍ ‪.‬‬
‫•جُلد بل ٌل وضُرب ُعذّبَ و ُسحِب وطُرِدَ فأخذ يرددُ ‪ :‬أ َحدٌ أَ َحدٌ ‪ ،‬لنّه حفظ ﴿ ُقلْ هُوَ‬
‫ال ّلهُ أَ َحدٌ ﴾‪ ،‬فلما دخل النة احتقر ما بذل ‪ ،‬واستقلّ ما قدم لن السّلعة أغلى من الثمن‬
‫أضعافا مضاعفة ‪.‬‬
‫ما هي الدنيا ؟ هل هي الثوبُ إن غاليت فيه خدمته وما خدمك ‪ ،‬أو زوجةٌ إن‬ ‫•‬

‫كانت جيلة تعذبُ قلبها ببها ‪ ،‬أو مال كث َر أصبحتَ له خازنا ‪ ..‬هذا سرورها فكيف‬
‫خزنُها ؟‬
‫كل العقلء يسعون للبِ السعادةِ بالعلمِ أو بالال أو بالاهِ ‪ ،‬وأسعدُهم با‬ ‫•‬

‫صاحبُ اليانِ لن سعادته دائمةٌ على كل حالٍ حت يلقى ربّهُ‪.‬‬


‫ك والسخطِ والعتراضِ والريبةِ‬ ‫•من السعادة سلمةُ القلبِ من المراضِ العقدية كالش ّ‬
‫والشبهةِ والشهوةِ ‪.‬‬
‫•أعقلُ الناسِ أعذرُهم للناسِ ‪ ،‬فهو يمل تصرفاتِهم وأقوالَم على أحسنِ الحاملِ ‪ ،‬فهو‬
‫الذي أراح واستراحَ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪387‬‬
‫خذْ مَا آتَيُْتكَ وَكُن ّمنَ الشّا ِكرِينَ ﴾ اقنعْ با عنك ‪ ،‬ارض بقسمِك ‪ ،‬استثمرْ‬
‫﴿ َف ُ‬ ‫•‬

‫ف طاقتك فيما ينفعُ واحدِ ال على ما أولك ‪.‬‬ ‫ما عندك من موهبةٍ ‪ ،‬وظّ ْ‬
‫ل يكن يومُك كلّه قراءةً أو تفكرا أو تأليفا أو حِفْظا بل خذْ من كل عملٍ بطرفٍ‬ ‫•‬

‫ونوّعْ فيه العما َل فهذا أنشطُ للنفسِ ‪.‬‬


‫•الصلواتُ ترتبُ الوقاتِ فجعلْ كل صلة عملً من العما ِل النافعةِ ‪.‬‬
‫•إن الي للعب ِد فيما اختار له ربّه ‪ ،‬فإنه أعلمُ به وأرحمْ به من أمه الت ولدته ‪ ،‬فما للعبد إل‬
‫أن يرضى بكم ربه ‪ ،‬ويفوض المر إليه ويكتفي بكفاية ربه وخالقِه وموله‪.‬‬
‫•ولعبدُ لضعفه ولعجزِه ل يدري ما وراء حجبِ الغيبِ ‪ ،‬فهو ل يرى إل ظواهر المورِ أما‬
‫الواف فعلمُها عند رب‪ ،‬فكم من منةٍ ‪ .‬صارت منحةً وكم من بليةٍ أصبحت عطيةً ‪،‬‬
‫فاليُ كامنٌ ف الكروهِ ‪.‬‬
‫أبونا آدم أكلَ من الشجرةِ و َعصَى ربّه فأهبطَه إل الرضِ ‪ ،‬فظاهرِ السألة أن آدم‬ ‫•‬

‫ب ووقع عليه الكروه ‪ ،‬ولكن عاقبة أمره خيٌ عظيمٌ وفضلٌ جسيم ‪،‬‬ ‫ترك الحس َن والصو َ‬
‫فإن ال تابَ عليه وهداه واجتباه وجعله نبيا وأخرج من صلبِه رُسُلً وأنبياءَ وعلماءَ وشهداءَ‬
‫وأولياء وماهدين وعابدين ومنفقي ‪ ،‬فسبحان ال كم بي قوله ﴿ اسْكُنْ أَنْتَ َوزَوْجُكَ‬
‫اْلجَّنةَ ﴾ ‪ ،‬وبي قوله ﴿ ُثمّ اجْتَبَاهُ رَّبهُ فَتَابَ عَلَ ْيهِ َو َهدَى﴾ فإن حالة الول سكنٌ وأكلٌ‬
‫وشربٌ وهذا حال عامة الناس الذين ل ه ّم لم ول طموحات ‪ ،‬وأما حاله بعد الجتباءِ‬
‫والصطفاء والنبوةِ والدايةِ فحالٌ عظيمة ومنلةٌ كرية وشرفٌ باذخٌ ‪.‬‬
‫وهذا داودُ عليه السلم ارتكب الطيئ َة فندم وبكى‪ ,‬فكانت ف حقّه نعمةٌ من أجلّ‬ ‫•‬

‫النعم‪ ,‬فإنه عرف ربه معرفة العبدِ الطائعِ الذليل الاشعِ النكسرِ ‪ ,‬وهذا مقصودُ العبودية‬
‫فإن من أركا ِن العبودية تامُ الذلّ لِ عزّ وجلّ‪ .‬وقد سئِل شيخ السلمِ ابنُ تيمية عن قوله‬
‫‪(( :‬عجبا للمؤم ِن ل يقضي الُ له شيئا إل كان خيا له)) هل يشمل هذا قضاء‬
‫العصيةِ على العبدِ ؟ ‪ ,‬قال نعم ؛ بشرطِها من الندمِ والتوبةِ والستغفارِ والنكسارِ‪.‬‬
‫فظاهرُ المرِ ف تقديرِ العصيةِ مكروهٌ على العبدِ ‪ ،‬وباطنُه مبوبٌ إذا اقترن بشرطِه ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪388‬‬
‫ظاهرةٌ باهرةٌ ‪ ,‬فإن كلّ مكروهٍ وقعَ له صارَ مبوبا مرغوبا ‪,‬‬ ‫•وخية الِ وللرسو ِل ممدٍ‬
‫فإن تكذيب قومِه له ؛ وماربتِهم إياه كان سببا ف إقامةِ سوق الهادِ ‪ ،‬ومناصر ِة الِ‬
‫ل فيها رسوله ‪ ,‬فتحا عليه‪ ,‬واتذ‬ ‫والتضحيةِ ف سبيلِه ‪ ,‬فكانت تلك الغزواتُ الت نصر ا ُ‬
‫فيها من الؤمني شهداء جعلهم من ورثةِ جنة النعيم‪ ,‬ولول تلك الجابة من الكفار ل‬
‫يصلْ هذا اليُ الكبي والفوزُ العظيمُ ‪ ,‬ولا طُرِد من مكة كان ظاه ُر المرِ مكروها‬
‫دولة السلمِ ‪ ،‬ووجد‬ ‫ولكن ف باطنِه اليُ والفلحُ والّنةُ ‪ ,‬فإنه بذه الجرةِ أقام‬
‫أنصارا ‪ ،‬وتيز أهلُ اليان من أهلِ الكفرِ ‪ ,‬وعُ ِرفَ الصادق ف إيانِه وهجرته وجهادِه من‬
‫الكاذبِ‪ .‬ولا غُلب عليه الصلة والسلم وأصحابُه ف أحدٍ كان المرُ مكروها ف ظاهرِه ‪،‬‬
‫شديدا على النفوسِ ‪ ،‬لكن ظهر له من اليِ وحس ِن الختيارِ ما يفوقُ الوصف‪ ,‬فقد ذهب‬
‫من بعضِ النفوسِ العجبُ بانتصارِ يوم بدرٍ ‪ ،‬والثقةُ بالنفسِ ‪ ،‬والعتمادُ عليها ‪ ,‬واتذ الُ‬
‫من السلمي شهداء أكرمهم بالقتلِ كحمزة سيدِ الشهداء ‪ ,‬ومصعبِ سفيِ السلم ‪,‬‬
‫وعبدِال ابن عمر ٍو والدِ جابر الذي كلمه الُ وغيهم ‪ ,‬وامتاز النافقون بغزوةِ أحد ‪،‬‬
‫ف الُ أسرارهم وهتك أستارَ ُهمْ‪ . .‬وقسْ على ذلك أحواله ‪،‬‬ ‫وفضح أمرهم ‪ ،‬وكش ُ‬
‫ومقاماته الت ظاهرُها الكروهُ ‪ ،‬وباطنُها اليُ لهُ وللمسلمي ‪.‬‬
‫ومن عَ َرفَ ُحسْنَ اختيا ِر الِ لعبدِه هانتْ عليه الصائبُ ‪ ،‬وسهلتْ عليه الصاعبُ‬ ‫•‬

‫ف الِ وكرمِه ‪ ،‬وحس ِن اختيارِه ‪،‬‬‫‪ ,‬وتوقعَ اللطفَ من الِ ‪ ،‬واستبشر با حصل ‪ ،‬ثقةً بلط ِ‬
‫حينها يذهبُ حزنُه وضجرُه وضي ُق صدرِه ‪ ,‬ويسلم المر لربه جلّ ف عله ‪ ،‬فل يتسخطُ‬
‫ول يعترضُ ‪ ،‬ول يتذمّرُ ‪ ،‬بل يشك ُر ويصبُ ‪ ،‬حت تلوح له العواقبُ ‪ ،‬وتنقشعُ عنه سحبُ‬
‫الصائبِ ‪.‬‬
‫نوحٌ عليه السلمُ يُؤذى ألفَ عام إل خسي عاما ف سبيلِ دعوتِهِ ‪ ,‬فيصبُ‬ ‫•‬

‫ب ويستمرّ ف نشرِ دعوتِه إل التوحيدِ ليلً ونارا ‪ ,‬سرا وجهرا ‪ ,‬حت ينجيه ربّه‬ ‫ويتس ُ‬
‫ويهلك عدوه بالطوفانِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪389‬‬
‫إبراهيمُ عليه السلمُ يُلقى ف النارِ فيجعلُها ال عليه برْدا وسلما ‪ ,‬ويميه من‬ ‫•‬

‫النمرودِ ‪ ،‬وينجيهِ من كيدِ قومه وينصرُه عليهم ‪ ،‬ويعلُ دينه خالدا ف الرضِ ‪.‬‬
‫موسى عليه السلم يتربصُ به فرعونُ الدوائر ‪ ،‬وييكُ له الكائد ‪ ،‬ويتفننُ ف إيذائه‬ ‫•‬

‫ويطاردُه ‪ ,‬فينصرُه الُ عليه ويعطيه العصا تلقفُ ما يأفكون ‪ ,‬ويشقُ له البحرَ ويرجُ منه‬
‫ك الُ عدوّه ويزيه ‪.‬‬ ‫بعجزةٍ ‪ ،‬ويهل ُ‬
‫عيسى عليه السل ُم ياربُه بنو إسرائيل ‪ ،‬ويؤذونه ف سعته وأمّه ورسالتِه ‪,‬‬ ‫•‬

‫ويريدون قتله فيفعُه الُ إليه وينصرُه نصرا مؤزرا ‪ ،‬ويبوءُ أعداؤه بالسرانِ ‪.‬‬
‫رسولُنا ممد يؤذيه الشركون واليهودُ والنصارى أشدّ اليذاءِ ‪ ,‬ويذوقُ‬ ‫•‬

‫ب وشتمٍ واتامِ بالنونِ‬ ‫صنوفَ البلءِ ‪ ،‬من تكذيبٍ ومابةٍ وردٍ واستهزاءٍ وسخري ٍة وس ّ‬
‫والكهان ِة والشع ِر والسحرِ والفتراءِ ‪ ,‬ويُطردُ ويُحارَبُ ويُقتل أصحابُه ويُنكّلُ بأتباعِه‪ ,‬ويُتهمُ‬
‫ف زوجتِه ‪ ،‬ويذوقُ أصناف النكباتِ ‪ ،‬ويهدد بالغاراتِ ‪ ،‬وير بأزماتٍ ‪ ,‬ويوع ويفتقرُ ‪،‬‬
‫ويرحُ ‪ ،‬وتكسر ثنيتُهُ ‪ ،‬ويشج رأسُه ويفقدُ عمه أبا طالب الذي ناصره ‪ ,‬وتذهب زوجتُه‬
‫حصَرُ ف الشعب حت يأكل هو وأصحابه أوراق الشجرِ ‪ ,‬وتوتُ‬ ‫خدية الت واسته ‪ ,‬وُي ْ‬
‫بناتُه ف حياتِه وتسي ُل روحُ ابنِه إبراهيم بي يديهِ ‪ ,‬ويُغلبُ ف أحد ‪ ,‬ويُمزّقُ عمه حزةُ ‪,‬‬
‫ع ول يدُ أحيانا خبزَ‬ ‫لجَرَ على بطنِه من الو ِ‬
‫ويتعرض لعدة ماولت اغتيال ‪ ,‬ويربطُ ا َ‬
‫ق الغصص ويتجرع كأس العاناة ‪ ,‬ويُزلزلُ مع أصحابِه‬ ‫الشعيِ ول ردي َء التمر ‪ ,‬ويذو ُ‬
‫زلزالً شديدا وتبلغُ قلوبُم الناجر ‪ ,‬وتعكس مقاصدُه أحيانا ‪ ،‬ويبتلى بتيه البابر ِة وصَلَفِ‬
‫ب وعجبِ الغنياء ‪ ،‬وحق ِد اليهودِ ‪ ،‬ومكرِ النافقي ‪ ،‬وُبطْءِ‬ ‫التكبين وسوءِ أدبِ العرا ِ‬
‫استجابةِ الناسِ ‪ ,‬ث تكون العاقبةُ له ‪ ،‬والنصرُ حليفه ‪ ،‬والفوزُ رفيقه ‪ ،‬فيظهرُ الُ دينه ‪،‬‬
‫ل غالبٌ على‬ ‫وينصرُ عبده ‪ ،‬ويهزم الحزاب وحده ‪ ،‬ويذل أعداءه ويكبتهم ويزيهم ‪ ,‬وا ُ‬
‫أمرِه ولكن أكثر الناسِ ل يعلمون ‪.‬‬
‫•وهذا أبو بكر يتحملُ الشدائد ‪ ،‬ويستسهلُ الصعابَ ف سبيل دينِه وينفقُ ماله ويبذلُ‬
‫جاهه ‪ ،‬ويقدم الغال والرخيصَ ف سبي ِل الِ ‪ ،‬حت يفوز بلقبِ الصديقِ ‪.‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪390‬‬
‫•وعمرُ بنُ الطابِ يضرجُ بدمائِه ف الحرابِ ‪ ،‬بعد حياةٍ ملؤها الهادُ والبذلُ والتضحيةُ‬
‫والزهدُ والتقشفُ وإقام ُة العدلِ بي الناسِ ‪.‬‬
‫•وعثمانُ بن عفانَ ذُبِحَ وهو يتلو القرآن ‪ ,‬وذهبتْ روحُه ثنا لبادئِه ورسالتِه‪.‬‬
‫•وعلي بن أب طالبٍ يُغتا ُل ف السجدِ ‪ ،‬بَ ْعدَ مواقف جليلةٍ ومقاماتٍ عظيمة من التضحيةِ‬
‫والنص ِر والفداءِ والصدقِ ‪.‬‬
‫والسيُ بن علي يرزقُه الٌ الشهادة ويُقْتَلُ بسيفِ الظلمِ والعدوانِ ‪.‬‬ ‫•‬

‫•وسعيدُ بنُ حبيٍ العا ُل الزاهدُ يقتله الجاجُ فيبوءُ بإ ِثهِ ‪.‬‬
‫وابنُ الزبيِ يكرمُه الُ الشهادةِ ف الرِم على يدِ الجاجِ بنِ يوسف الظالِ ‪.‬‬ ‫•‬

‫ويُحبس المامُ أحدُ بنُ حنبلَ ف الق ‪ ،‬ويُجلد فيصيُ إمامَ أهلِ السنةِ والماعةِ ‪.‬‬ ‫•‬

‫•ويقتل الواث ُق المامَ أحدَ بن نصرٍ الزاعي الداعيةَ إل السن ِة بقولِه كلمة القّ ‪.‬‬
‫•وشيخُ السلمِ ابنُ تيميةَ يسجن ويُمنعُ من أهلِه وأصحابِه وكتبِه ‪ ,‬فيف ُع الُ ذكرهُ ف‬
‫العالي ‪.‬‬
‫•وقد جُِلدَ المامُ أبو حنيفة من قِبَل أبو جعفر النصور ‪.‬‬
‫•وجُلد سعيدُ بن السيب العال الربان ‪ ,‬جلده أميُ الدينةِ ‪.‬‬
‫•وضرب المام بن عبدُال بن عونٍ العالُ الحدثُ ‪ ,‬ضربه بل ل بن أب برده‪.‬‬
‫•ولو ذهبت أعدد من ابتلُىَ بعزل أو سجنٍ أو جلدٍ أو قتلٍ أو أذى لطالَ القامَ ولكثرَ الكلمَ‬
‫‪ ,‬وفيما ذكرت كفايةٌ ‪.‬‬

‫وف التام ‪ ،‬تقبل تيات ‪ ،‬وهاك سلمي مقرونا بدعائي لك بالسعادة ‪...‬‬
‫سبحانك اللهم وبمدك ‪ ،‬أشهد أن ل إله أنت أستغفرك زأتوب إليك ‪.‬‬
‫***************************************‬

‫‪/http://www.saaid.net‬‬
‫ل تحزن‬
‫‪391‬‬
‫الاتـمـة‬
‫أنا وأنت ‪ ،‬هيّا نقصد الغنّ الواحد الاجد ‪ ،‬الحد الصمدَ اليّ القيومَ ‪ ،‬ذا الللِ والكرامِ ‪،‬‬
‫لننّطِرح على عتب ِة ربوبيتِه ‪ ،‬ونلتجئ إل بابِ وحدانيتِه ‪ ،‬نسأله ونُلحّ ف السؤالِ ‪ ،‬ونطلبُه‬
‫وننتظ ُر النّوالَ ‪ ،‬فهو العاف الشاف الكاف وهو الالق الرزاقُ الحيي الميتُ ‪.‬‬

‫‪.‬‬ ‫النّارِ ﴾‬ ‫﴿ رَبّنَا آتِنَا فِي الدّنْيَا َحسََنةً وَفِي ال ِخرَةِ َحسََنةً وَقِنَا َعذَابَ‬
‫(( اللهم إنا نسألُك العفو والعافية والعافاة الدائمة ف الدنيا والخرة ))‪.‬‬
‫‪ ،‬ونعوذُ بك من شرّ ما استعاذك‬ ‫(( اللهم إنا نسألك من خي ما سألك منه نبيّك ممدٌ‬
‫)) ‪.‬‬ ‫منه نبيّك ممدٌ‬
‫(( اللهم إنا نعوذُ بك من المّ والزِ ‪ ،‬ونعوذُ بك من ال َعجْزِ وال َكسَلِ ‪ ،‬ونعوذُ بك من‬
‫البخلِ والُ ْبنِ ‪ ،‬ونعوذُ بك من غلََب ِة الدينِ وق ْهرِ الرجالِ )) ‪.‬‬

‫سبحان ربك ربّ العز ِة عما يصفون ‪ ،‬وسلمٌ على الرسلي ‪ ،‬والمدُ لِ ربّ العالي ‪.‬‬

‫**********************************************‬

‫‪/http://www.saaid.net‬‬

You might also like