You are on page 1of 20

‫أفراح الرّوح‬

‫سيد قطب‬

‫قدم لا ووضع عناوينها‬

‫الدكتور صلح عبد الفتاح الالدي‬

‫موقعنا على النترنت‬


‫منب التوحيد والهاد‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫الدّال على الي كفاعله‬

‫)‪(1‬‬
‫تقديم‬

‫قصة هذه الفكار والخواطر " أفراح الروح "‬

‫أُوفدَ سيد قطب إلى أمريكا من ِقبَل وزارة المعارف ‪ ،‬للطلع على مناهج التربية والتعليم‬
‫ل رسائل "‬
‫فيها ‪ ،‬وأقام فيها حوالي سنتين ‪ 1948 / 11 / 3 :‬إلى ‪ . 1950 / 8 / 20‬وكان يرس ُ‬
‫خ َتيْه في مصر ‪ ،‬وإلى معارفه وأصدقائه في مصر وخارجها ‪،‬‬
‫إخوانية " شخصية إلى أخيه وُأ ْ‬
‫يسجل فيها بعض أفكاره وخواطره حول الحياة ‪ .‬وكان ينشر بعض المقالت في بعض المجلت‬
‫الدبية ‪ ،‬مثل مجلة " الكتاب " التي كان يرأس تحريرها الديب " عادل الغضبان " ‪.‬‬

‫وكان " عادل الغضبان " يطلب منه أن يرسل مقالت لينشرها له في المجلة ‪ ،‬وكان سيد‬
‫قطب عازفا عن كتابة المقالت وهو في أمريكا ‪ ،‬ورأى أن بعض رسائله الشخصية إلى إخوته‬
‫وأصدقائه تتضمن أفكارا وخواطر نافعة ‪ ،‬يمكن أن ينتفع بها القراء ‪ ،‬فاختار مقتطفات من تلك‬
‫الرسائل الشخصية وبعث بها إلى الستاذ " الغضبان " ولكن الخير لم ينشرها ‪ .‬ولما عاد سيد‬
‫قطب إلى مصر فـي صيف عام ‪ 1950‬وزار الغضبان سلّمه مغلّفا فيه رسائله التي بعث بها‬
‫إليه ‪.‬‬

‫وقد أخبرنا سيد قطب عن قصة هذه الرسائل في مقال " في الدب والحياة " الذي نشره‬
‫في مجلة الكتاب ‪ ،‬في شهر أبريل – نيسان – ‪ . 1951‬ووما قاله في ذلك المقال ‪ " :‬عندما كنت‬
‫بعيدا عن الوطن – مدى عامين في أمريكا – كان في نفسي عزوف ل أدري مأتاه عن الكتابة ‪،‬‬
‫إل في القليل النادر ‪...‬‬

‫خ َتيّ‬
‫" ولكن داء الكتابة لم يزايلني البتة في خلل تلك الفترة ! كنت أكتب إلى أخي وُأ ْ‬
‫وأصدقائي في مصر وسائر البلد العربية ‪ ،‬وفي إنجلترا وفرنسا كذلك ‪ ،‬وكنت أقول لهم في‬
‫رسائلي الخاصة ما أو ّد أن أقوله للناس في الكتابات المنشورة ‪...‬‬

‫وخطر لي مرة أن الكثير من هذه الرسائل الخاصة التي لم تكتب للنشر ‪ ،‬وإنما ُك ِتبَتْ‬
‫عدّ للنشر فعلً ‪ ...‬وجمعْتُ‬
‫لتؤدي أغراضا حقيقية واقعية في حينها ‪ ،‬تصلح للنشر أكثر مما أُ ِ‬
‫طائفة منها ‪ ،‬وأرسلتها إلى أستاذ أديب كبير ‪ ،‬كان يستحثّني لكتب شيئا لمجلته ‪...‬‬

‫وحين عدت إلى مصر التقينا ‪ ،‬ففتح مكتبه ‪ ،‬وسلّمني ُو َريْقات بخطّي ‪ ،‬وقال ‪ :‬إنها‬
‫خواطر قيمة ‪ ،‬ولكني أرجأت نشرها لجلك أنت ‪ ،‬لقد خفت أن يحسبك القراء قد أفلست ! فلجأت‬
‫إلى مختارات من رسائلك ! ‪. " ..‬‬

‫وسجّل في مقال " في الدب والحياة " مقتطفات من رسالته إلى أخته " حميدة " ‪ ..‬ومن‬
‫رسالته إلى صديق له ضيّق الصدر بالناس ‪ ..‬ومن رسالته إلى صديق آخر اعتزل الناس ‪..‬‬
‫ومن رسالته إلى صديق ثالث بيّن له أن الغاية ل تبرر الوسيلة ‪..‬‬

‫ويبدو أن سيد قطب أخذ تلك الرسائل من عادل الغضبان ‪ ،‬واحتفظ بها في بيته ‪ ..‬ولما‬
‫ن في الخمسينيات وصلت هذه الرسائل إلى مجلة " الفكر " التونسية ‪ ،‬فنشرتها في العدد‬
‫سجِ َ‬
‫ُ‬
‫السادس ‪ ،‬شهر آذار ‪ ، 1959‬تحت عنوان " أضواء من بعيد " ‪ ،‬ول أدري من أين جاءت‬
‫المجلة بهذا العنوان للرسائل ‪ ،‬فقد نشر سيد قطب وهو في أمريكا مقالً في مجلة الكتاب عدد‬
‫فبراير – شباط – عام ‪ 1950‬بعنوان " أضواء من بعيد " ليس له صلة بتلك الرسائل ‪.‬‬

‫وفي عام ‪ 1971‬وقفت " الدار العلمية " في بيروت على مقال مجلة الفكر التونسية "‬
‫أضواء من بعيد " – الذي حوى تلك الرسائل ‪ ،‬فنشرته في رسالة صغيرة ‪ ،‬وضعت لها عنوانا‬
‫من عندها ‪ ،‬هو " أفراح الروح " ‪ ،‬ول أدري من أين جاءت بهذا العنوان !! ثم انتشرت تلك‬
‫طبِعتْ عـدة طبعات ‪ ،‬وأُعجب بها‬
‫الخواطر والفكار بالعنوان الجديد " أفراح الروح " ‪ ،‬و ُ‬
‫القراء ‪.‬‬

‫ويبدو أن المقتطفات التي اختارها سيد قطب كانت من سبع عشرة رسالة من رسائله‬
‫الشخصية ‪ ،‬نشر في مقال " في الدب والحياة " مقتطفات من أربع رسائل ‪ ،‬أشرنا لها ‪ ،‬أما باقي‬
‫المقتطفات فلم نتمكن من الوقوف على رسائلها ‪.‬‬

‫وبهذا نعرف أن هذا " الكتيّب " ليس رسالة بعث بها سيد إلى أخته " أمينة " ‪ ،‬وإنما هو‬
‫مقتطفات من سبع عشرة رسالة شخصية ‪ ،‬بعث بها من أمريكا إلى إخوته وأصدقائه ‪ .‬وأن‬
‫العنوان " أفراح الروح " ليس من اختيار سيد قطب ‪ ،‬إنما من اختيار الدار العلمية ‪.‬‬

‫نقول هذا من باب التاريخ والتوثيق العلمي ‪ ،‬حتى ل تضيع الحقائق ول تنتشر الدعاءات‬
‫والمزاعم عندما يطول على الناس المد ‪.‬‬

‫ولما أردات " دار عمار " العامرة إعادة إصدار هذا الكتيب رغب الستاذ عصام فارس‬
‫حفظه ال أن أقرأ الكتيب ‪ ،‬وأن أكتب له تقديما ‪ ،‬فلبيت رغبته ‪ ،‬وعملت على ضبط فواصله‬
‫وتشكيل بعض كلماته ‪ ،‬ووضع عنوانين لمقتطفات الرسائل ‪ ،‬وكتابة هذا التقديم له ‪ .‬وأسأل ال‬
‫النفع والقبول والجر والثواب ‪.‬‬
‫الثلثاء ‪1422 / 11 / 1‬‬

‫‪2002 / 1 / 15‬‬

‫د‪ .‬صلح الخالدي‬


‫بسم ال الرحمن الرحيم‬

‫هذه الخواطر مهداة إليك …‬ ‫(‪)1‬‬


‫أختي الحبيبة …‬

‫(‪)1‬‬

‫حول الموت والحياة‬

‫إن فكرة الموت ما تزال تخايل لك ‪ ،‬فتتصورينه في كل مكان ‪ ،‬ووراء كل شيء ‪،‬‬
‫وتحسبينه قوة طاغية ‪ُ ،‬تظِلّ الحياة والحياء ‪ ،‬و َت َريْنَ الحياة بجانبه ضئيلة واجفة مذعورة ‪.‬‬

‫إنني أنظر اللحظة فل أراه إل قوة ضئيلة حسيرة ‪ ،‬بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة‬
‫الغامرة ‪ ،‬وما يكاد يصنع شيئا إل أن يلتقط الفتات الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! …‬

‫َمدّ الحياة الزاخر هو ذا يعج من حولي ! … كل شيء إلى نماء وتدفق وازدهار …‬
‫المهات تحمل وتضع ‪ ،‬الناس والحيوان سواء ‪ .‬الطيور والسماك والحشرات تدفع بالبيض‬
‫المتفتح عن أحياء وحياة … الرض تتفجر بالنبت المتفتح عن أزهار وثمار … السماء تتدفق‬
‫بالمطر ‪ ،‬والبحار تعج بالمواج … كل شيء ينمو على هذه الرض ويزداد ! ‪.‬‬

‫بين الحين والحين يندفع الموت فينهش نهشة ويمضي ‪ ،‬أو يقبع حتى يلتقط بعض الفتات‬
‫الساقط من مائدة الحياة ليقتات ! … والحياة ماضية في طريقها ‪ ،‬حية متدفقة فوارة ‪ ،‬ل تكاد‬
‫تحس بالموت أو تراه !…‬

‫لقد تصرخ مرة من اللم ‪ ،‬حين ينهش الموت من جسمها نهشة ‪ ،‬ولكن الجرح سرعان ما‬
‫يندمل ‪ ،‬وصرخة اللم سرعان ما تستحيل صيحة مراح … ويندفع الناس والحيوان ‪ ،‬والطير‬
‫والسماك ‪ ،‬والدود والحشرات ‪ ،‬والعشب والشجار ‪ ،‬تغمر وجه الرض بالحياة والحياء ! …‬
‫والمـوت قابع هنالك ‪ ،‬ينهش نهشة ويمضي … أو يتسقّط الفتات الساقط مـن مائدة الحياة‬
‫ليقتات !! ‪.‬‬
‫لعل هذه الرسالة إلى أخته " حميدة " وليست " أمينة " كما ذهب بعضهم ‪ ،‬لن " حميدة " كانت دائمة التفكير‬ ‫()‬
‫‪1‬‬
‫في الموت ‪ ،‬أكثر من باقي إخوتها ‪ .‬كما ذكر سيد قطب عنها في كتاب " الطياف الربعة " ‪.‬‬
‫الشمس تطلع ‪ ،‬والشمس تغرب ‪ ،‬والرض من حولها تدور ‪ ،‬والحياة تنبثق من هنا ومن‬
‫هناك … كل شيء إلى نماء … نماء في العدد والنوع ‪ ،‬نماء في الكم والكيف … لو كان الموت‬
‫يصنع شيئا لوقف مد الحياة ! … ولكنه قوة ضئيلة حسيرة ‪ ،‬بجانب قوى الحياة الزاخرة الطافرة‬
‫الغامرة …! ‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫من قوة ال الحي ‪ : ...‬تنبثق الحياة وتنداح !! ‪.‬‬

‫(‪)2‬‬

‫كيف نضاعف حياتنا‬

‫عندما نعيش لذواتنا فحسب ‪ ،‬تبدو لنا الحياة قصيرة ضئيلة ‪ ،‬تبدأ من حيث بدأنا نعي ‪،‬‬
‫وتنتهي بانتهاء عمرنا المحدود ! …‬

‫أما عندما نعيش لغيرنا ‪ ،‬أي عندما نعيش لفكرة ‪ ،‬فإن الحياة تبدو طويلة عميقة ‪ ،‬تبدأ من‬
‫حيث بدأت النسانية ‪ ،‬وتمتد بعد مفارقتنا لوجه هذه الرض ! …‬

‫إننا نربح أضعاف عمرنا الفردي في هذه الحالة ‪ ،‬نربحها حقيقة ل وهما ‪ ،‬فتصور الحياة‬
‫على هذا النحو ‪ ،‬يضاعف شعورنا بأيامنا وساعاتنا ولحظاتنا ‪ .‬فليست الحياة ِب َعدّ السنين ‪ ،‬ولكنها‬
‫بعدادِ المشاعر ‪ ،‬وما يسميه " الواقعيون " في هذه الحالة " وهما " ! هو في " الواقع " حقيقة " ‪،‬‬
‫ج ّردْ أي‬
‫ح من كل حقائقهم ! … لن الحياة ليست شيئا آخر غير شعور النسان بالحياة ‪َ .‬‬
‫أص ّ‬
‫إنسان من الشعور بحياته تجرده من الحياة ذاتها في معناها الحقيقي ! ومتى أحس النسان‬
‫شعورا مضاعفا بحياته ‪ ،‬فقد عاش حياة مضاعفة فعلً …‬

‫يبدو لي أن المسألة من البداهة بحيث ل تحتاج إلى جدال ! …‬

‫إننا نعيش لنفسنا حياة مضاعفة ‪ ،‬حينما نعيش للخرين ‪ ،‬وبقدر ما نضاعف إحساسنا‬
‫بالخرين ‪ ،‬نضاعف إحساسنا بحياتنا ‪ ،‬ونضاعف هذه الحياة ذاتها في النهاية ! ‪.‬‬

‫مقال " في الدب والحياة " مجلة الكتاب ‪ .‬الجزء الرابع ‪ .‬أبريل ‪ 1951‬ص ‪. 192 – 391 :‬‬ ‫()‬
‫‪2‬‬
‫(‪)3‬‬

‫بين شجرة الخير وشجرة الشر‬

‫بذرة الشر تهيج ‪ ،‬ولكن بذرة الخير تثمر ‪ ،‬إن الولى ترتفع في الفضاء سريعا ‪ ،‬ولكن‬
‫جذورها في التربة قريبة ‪ ،‬حتى لتحجب عن شجرة الخير النور والهواء ‪ ،‬ولكن شجرة الخير‬
‫تظلّ في نموها البطيء ‪ ،‬لن عمق جذورها في التربة يعوّضها عن الدفء والهواء …‬

‫مع أننا حين نتجاوز المظهر المزور البراق لشجرة الشر ‪ ،‬ونفحص عن قوتها الحقيقية‬
‫وصلبتها ‪ ،‬تبدو لنا واهنة هشة نافشة في غير صلبة حقيقية ! … على حين تصبر شجرة‬
‫جمُها‬
‫الخير على البلء ‪ ،‬وتتماسك للعاصفة ‪ ،‬وتظلّ في نموها الهادئ البطيء ‪ ،‬ل تحفل بما َت ْر ُ‬
‫به شجرة الشر من أقذاء وأشواك ! …‬

‫(‪)4‬‬

‫آثار لمس الجانب الطيب عند الناس‬

‫عندما نلمس الجانب الطيب في نفوس الناس ‪ ،‬نجد أن هناك خيرا كثيرا ‪ ،‬قد ل تراه‬
‫العيون أول وهلة ! …‬

‫لقد جربت ذلك ‪ .‬جربته مع الكثيرين … حتى الذين يبدو في أول المر أنهم شريرون ‪،‬‬
‫أو فقراء الشعور …‬

‫شيء من العطف على أخطائهم وحماقاتهم ‪ ،‬شيء من الود الحقيقي لهم ‪ ،‬شيء من العناية‬
‫– غير المتصنعة – باهتماماتهم وهمومهم … ثم ينكشف لك النبع الخيّر في نفوسهم ‪ ،‬حين‬
‫يمنحونك حبهم ومودتهم وثقتهم ‪ ،‬في مقابل القليل الذي أعطيتهم إياه من نفسك ‪ ،‬متى أعطيتهم‬
‫إياه في صدق وصفاء وإخلص ‪.‬‬

‫إن الشر ليس عميقا في النفس النسانية إلى الحد الذي نتصوره أحيانا ‪ .‬إنه في تلك القشرة‬
‫الصلبة ‪ ،‬التي يواجهون بها كفاح الحياة للبقاء … فإذا َأ ِمنُوا تكشّفت تلك القشرة الصلبة عن ثمرة‬
‫حلوة شهية … هذه الثمرة الحلوة ‪ ،‬إنما تتكشف لمن يستطيع أن يشعر الناس بالمن من جانبه ‪،‬‬
‫بالثقة في مودته ‪ ،‬بالعطف الحقيقي على كفاحهم وآلمهم ‪ ،‬و على أخطائهم ‪ ،‬وعلى حماقاتهم‬
‫كذلك … وشيء من سعة الصدر في أول المر ‪ ،‬كفيل بتحقيق ذلك كله ‪ ،‬أقرب مما يتوقع‬
‫الكثيرون … لقد جربت ذلك ‪ ،‬جربته بنفسي ‪ .‬فلست أُطلقها مجرد كلمات مجنّحة ‪ ،‬وليدة أحلم‬
‫(‪)3‬‬
‫وأوهام ! …‬

‫(‪)5‬‬

‫آثار حبنا للخرين‬

‫عندما تنمو في نفوسنا بذور الحب والعطف والخير ‪ ،‬نعفي أنفسنا من أعباء ومشقات‬
‫كثيرة ‪ .‬إننا لن نكون في حاجة إلى أن نتملق الخرين ‪ ،‬لننا سنكون يومئذ صادقين مخلصين ‪،‬‬
‫إذ نزجي إليهم الثناء ‪ .‬إننا سنكشف في نفوسهم عن كنوز من الخير ‪ ،‬وسنجد لهم مزايا طيبة ‪،‬‬
‫نثني عليها حين نثني ونحن صادقون ؛ ولن يعدم إنسان ناحية خيّرة أو مزية حسنة ‪ ،‬تؤهله‬
‫لكلمة طيبة … ولكننا ل نطلع عليها ول نراها ‪ ،‬إل حين تنمو في نفوسنا بذرة الحب ! …‬

‫حمّلَ أنفسنا مؤونة التضايق منهم ‪ ،‬ول حتى مؤونة الصبر‬


‫كذلك لن نكون في حاجة لن ُن َ‬
‫على أخطائهم وحماقاتهم ‪ ،‬لننا سنعطف على مواضع الضعف والنقص ‪ ،‬ولن نفتش عليها‬
‫جشّم أنفسنا عناء الحقد عليهم ‪ ،‬أو‬
‫لنراها يوم تنمو في نفوسنا بذرة العطف ! وبطبيعة الحال لن ُن َ‬
‫عبء الحذر منهم ‪ ،‬فإنما نحقد على الخرين ‪ ،‬لن بذرة الخير لم تنم في نفوسنا نموا كافيا ‪،‬‬
‫ونتخوف منهم ‪ ،‬لن عنصر الثقة في الخير ينقصنا ! ‪.‬‬

‫كم نمنح أنفسنا من الطمأنينة والراحة والسعادة ‪ ،‬حين نمنح الخرين عطفنا وحبنا وثقتنا ‪،‬‬
‫يوم تنمو في نفوسنا بذرة الحب والعطف والخير ! ‪.‬‬

‫(‪)6‬‬

‫طريق العظمة الحقيقية‬

‫حين نعتزل الناس ‪ ،‬لننا نحس أننا أطهر منهم روحا ‪ ،‬أو أطيب منهم قلبا ‪ ،‬أو أرحب‬

‫من رسالة له من أمريكا إلى صديق له ضيق الصدر من الناس ‪ .‬مقال " في الدب والحياة " ‪ .‬مجلة الكتاب‬ ‫()‬
‫‪3‬‬
‫‪ .‬أبريل ‪ . 1951 :‬ص ‪392 :‬‬
‫ل ‪ ،‬ل نكون قد صنعنا شيئا كبيرا … لقد اخترنا لنفسنا أيسر‬
‫منهم نفسا ‪ ،‬أو أذكى منهم عق ً‬
‫السبل ‪ ،‬وأقلها مؤونة ! ‪.‬‬

‫شبَعين بروح السماحة ‪ ،‬والعطف على‬


‫إن العظمة الحقيقية ‪ :‬أن نخالط هؤلء الناس ‪ُ ،‬م ْ‬
‫ضعفهم ونقصهم وخطئهم ‪ ،‬وروح الرغبة الحقيقية في تطهيرهم وتثقيفهم ‪ ،‬ورفعهم إلى مستوانا‬
‫بقدر ما نستطيع ! ‪.‬‬

‫إنه ليس معنى هذا أن نتخلى عن آفاقنا العليا ‪ ،‬ومثلنا السامية ‪ ،‬أو أن نتملق هؤلء الناس‬
‫ونثني على رذائلهم ‪ ،‬أو أن نشعرهم أننا أعلى منهم أفقا ‪ ..‬إن التوفيق بين هذه المتناقضات ‪،‬‬
‫(‪)4‬‬
‫وسعة الصدر لما يتطلبه هذا التوفيق من جهد ‪ :‬هو العظمة الحقيقية ! ‪.‬‬

‫(‪)7‬‬

‫العتراف بمساعدة الخرين‬

‫عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة ‪ ،‬نحس أنه ل يعيبنا أن نطلب مساعدة الخرين‬
‫لنا ‪ ،‬حتى أولئك الذين هم أقل منا مقدرة ! ول يغض من قيمتنا أن تكون معونة الخرين لنا قد‬
‫ساعدتنا على الوصول إلى ما نحن فيه ‪ .‬إننا نحاول أن نصنع كل شيء بأنفسنا ‪ ،‬ونستنكف أن‬
‫نطلب عون الخرين لنا ‪ ،‬أو أن نضمّ جهدهم إلى جهودنا ‪ ،‬كما نستشعر الغضاضة في أن‬
‫يعرف الناس أنه كان لذلك العون أثر في صعودنا إلى القمة ؛ إننا نصنع هذا كله حين ل تكون‬
‫ثقتنا بأنفسنا كبيرة ‪ ،‬أي عندما نكون بالفعل ضعفاء في ناحية من النواحي ‪ ..‬أما حين نكون‬
‫أقوياء حقا فلن نستشعر من هذا كله شيئا ‪ ..‬إن الطفل هو الذي يحاول أن يبعد يدك التي تسنده‬
‫وهو يتكفأ في المسير ! ‪.‬‬

‫عندما نصل إلى مستوى معين من القدرة ‪ ،‬سنستقبل عون الخرين لنا بروح الشكر‬
‫والفرح ‪ ...‬الشكر لما يق ّدمُ لنا من عون ‪ ..‬والفرح بأن هناك من يؤمن بما نؤمن به نحن ‪...‬‬
‫فيشاركنا الجهد والتبعة ‪ ...‬إن الفرح بالتجاوب الشعوري هو الفرح المقدس الطليق ! ‪.‬‬

‫من رسالة له من أمريكا إلى صديق أراد اعتزال الناس ‪ .‬مقال " في الدب والحياة " ‪ .‬مجلة الكتاب ‪ .‬أبريل‬ ‫()‬
‫‪4‬‬
‫‪ 1951 :‬ص ‪393 :‬‬
‫(‪)8‬‬

‫الفرح بانتشار الفكار‬

‫إننا نحن حين " نحتكر " أفكارنا وعقائدنا ‪ ،‬ونغضب حين ينتحلها الخرون لنفسهم ‪،‬‬
‫ونجتهد في توكيد نسبتها إلينا ‪ ،‬وعدوان الخرين عليها ! إننا إنما نصنع ذلك كله ‪ ،‬حين ل يكون‬
‫إيماننا بهذه الفكار والعقائد كبيرا ‪ ،‬حين ل تكون منبثقة من أعماقنا ‪ ،‬كما لو كانت بغير إرادة‬
‫منا ‪ ،‬حين ل تكون هي ذاتها أحب إلينا من ذواتنا ! ‪.‬‬

‫إن الفرح الصافي هو الثمرة الطبيعية لن نرى أفكارنا وعقائدنا ملكا للخرين ‪ ،‬ونحن بعد‬
‫أحياء ‪ .‬إن مجرد تصورنا لها أنها ستصبح – ولو بعد مفارقتنا لوجه هذه الرض – زادا‬
‫للخرين وريّا ‪ ،‬ليكفي لن تفيض قلوبنا بالرضا والسعادة والطمئنان ! ‪.‬‬

‫" التجار " وحدهم هم الذين يحرصون على " العلقات التجارية " لبضائعهم ‪ ،‬كي ل‬
‫يستغلها الخرون ‪ ،‬ويسلبوهم حقهم من الربح ‪ ،‬أما المفكرون وأصحاب العقائد ‪ ،‬فكل سعادتهم‬
‫في أن يتقاسم الناس أفكارهم وعقائدهم ‪ ،‬ويؤمنوا بها إلى حد أن ينسبوها لنفسهم ‪ ،‬ل إلى‬
‫أصحابها الولين ! ‪.‬‬

‫إنهم ل يعتقدون أنهم " أصحاب " هذه الفكار والعقائد ‪ ،‬وإنما هم مجرد " وسطاء " في‬
‫نقلها وترجمتها ‪ ...‬إنهم يحسّون أن النبع الذي يستمدون منه ليس من خَلْقِهم ‪ ،‬ول من صنع‬
‫أيديهم ‪ .‬وكل فرحهم المقدّس ‪ ،‬إنما هـو ثمرة اطمئنانهم إلى أنهم على اتصال بهـذا النبع‬
‫الصيل ! …‬

‫(‪)9‬‬

‫الفرق بين العلم والمعرفة‬

‫جدّ بعيد ‪ : ...‬بين أن نفهم الحقائق ‪ ،‬وأن ندرك الحقائق ‪ ...‬إن الولى ‪:‬‬
‫الفرق بعيد ‪ِ ...‬‬
‫العلم ‪ ...‬والثانية هي ‪ :‬المعرفة ! ‪...‬‬

‫في الولى ‪ :‬نحن نتعامل مع ألفاظ ومعان مجردة ‪ ...‬أو مع تجارب ونتائج جزئية ‪...‬‬
‫وفي الثانية ‪ :‬نحن نتعامل مع استجابات حية ‪ ،‬ومدركات كلية …‬

‫في الولى ‪ :‬ترد إلينا المعلومات من خارج ذواتنا ‪ ،‬ثم تبقى في عقولنا متحيزة متميزة …‬

‫وفي الثانية ‪ :‬تنبثق الحقائق من أعماقنا ‪ .‬يجري فيها الدم الذي يجري في عروقنا و‬
‫أوشاجنا ‪ ،‬ويتسق إشعاعها مع نبضنا الذاتي ! ‪...‬‬

‫في الولى ‪ :‬توجد " الخانات " و العناوين ‪ :‬خانة العلم ‪ ،‬وتحتها عنواناته ‪ ،‬وهي شتّى ‪.‬‬
‫خانة الدين ‪ ،‬وتحتها عنوانات فصوله وأبوابه ‪ ...‬وخانة الفن ‪ ،‬وتحتها عنوانات مناهجه‬
‫واتجاهاته ! ‪...‬‬

‫وفي الثانية ‪ :‬توجد الطاقة الواحدة ‪ ،‬المتصلة بالطاقة الكونية الكبرى ‪ ...‬ويوجد الجدول‬
‫السارب ‪ ،‬الواصل إلى النبع الصيل ! ‪...‬‬

‫(‪)10‬‬

‫دور الرواد في توحيد المعارف‬

‫نحن في حاجة ملحة إلى المتخصصين ‪ ،‬في كل فرع من فروع المعارف النسانية ‪،‬‬
‫أولئك الذين يتخذون من معاملهم ومكاتبهم صوامع وأديرة ! ‪ ...‬ويهبون حياتهم للفرع الذي‬
‫تخصصوا فيه ‪ ،‬ل بشعور التضحية فحسب ‪ ،‬بل بشعور اللذة كذلك ! … شعور العابد الذي‬
‫يهب روحه للهه وهو فرحان ! ‪...‬‬

‫ولكننا مع هذا ‪ ،‬يجب أن ندرك أن هؤلء ليسوا هم الذين يوجّهون الحياة ‪ ،‬أو يختارون‬
‫للبشرية الطريق ؟ ‪...‬‬

‫إن الرواد – كانوا دائما وسيكونون – هم أصحاب الطاقات الروحية الفائقة ‪ ،‬هؤلء هم‬
‫الذين يحملون الشعلة المقدسة ‪ ،‬التي تنصهر في حرارتها كل ذرات المعارف ‪ ،‬وتنكشف في‬
‫ضوئها طريق الرحلة ‪ ،‬مزودة بكل هذه الجزئيات ‪ ،‬قوية بهذا الزاد ‪ ،‬وهي تغذّ السير نحو‬
‫الهدف السامي البعيد ! ‪: .‬‬

‫هؤلء الرواد هم الذين يدركون ببصيرتهم تلك الوحدة الشاملة ‪ ،‬المتعددة المظاهر في ‪:‬‬
‫العلم ‪ ،‬والفن ‪ ،‬والعقيدة ‪ ،‬والعمل ‪ ،‬فل يحقرون واحدا منها ‪ ،‬ول يرفعونه فوق مستواه ! ‪.‬‬
‫الصغار وحدهم ‪ ،‬هم الذين يعتقدون أن هناك تعارضا بين هذه القوى ‪ ،‬المتنوعة‬
‫المظاهر ؛ فيحاربون العلم باسم الدين ‪ ،‬أو الدين باسم العلم …‬

‫ويحتقرون الفن باسم العمل ‪ ،‬أو الحيوية الدافعة باسم العقيدة المتصوفة ! ‪ ...‬ذلك أنهم‬
‫يدركون كل قوة من هذه القوى ‪ ،‬منعزلة عن مجموعة من القوى الخرى ‪ ،‬الصادرة كلها من‬
‫! ‪ ...‬ولكن الرواد الكبار‬ ‫(‪)5‬‬
‫النبع الواحد ‪ ،‬ومن تلك القوة الكبرى المسيطرة على هذا الوجود‬
‫يدركون تلك الوحدة ‪ ،‬لنهم متصلون بذلك النبع الصيل ‪ ،‬ومنه يستمدون ! …‬

‫إنهم قليلون ‪ ...‬قليلون في تاريخ البشرية ‪ ...‬بل نادرون ! ولكن منهم الكفاية ‪ : ...‬فالقوة‬
‫على هذا الكون ‪ ،‬هي التي تصوغهم ‪ ،‬وتبعث بهم في الوقت المقدر المطلوب ! ‪.‬‬ ‫(‪)6‬‬
‫المشرفة‬

‫(‪)11‬‬

‫المعلوم والمجهول في هذا الوجود‬

‫الستسلم المطلق للعتقاد في الخوارق والقوى المجهولة خطر ‪ ،‬لنه يقود إلى الخرافة‬
‫‪ ...‬ويحول الحياة إلى وهم كبير ! ‪...‬‬

‫ولكن التنكر المطلق لهذا العتقاد ‪ ،‬ليس أقل خطرا ‪ :‬لنه يغلق منافذ المجهول كله ‪،‬‬
‫وينكر كل قوة غير منظورة ‪ ،‬ل لشيء إل لنها قد تكون أكبر من إدراكنا البشري ‪ ،‬في فترة‬
‫من فترات حياتنا ! وبذلك ُيصَغّر من هذا الوجود – مساحة وطاقة ‪ ،‬وقيمة كذلك ‪ ،‬ويحدّه بحدود‬
‫جدّ ضئيل ! ‪...‬‬
‫" المعلوم " ‪ ،‬وهو إلى هذه اللحظة حين يقاس إلى عظمة الكون – ضئيل ‪ِ ..‬‬

‫إن حياة النسان على هذه الرض سلسلة من العجز عن إدراك القوى الكونية ‪ ،‬أو سلسلة‬
‫من القدرة على إدراك هذه القوى ‪ ،‬كلما شب عن الطوق ‪ ،‬وخطا خطوة إلى المام ‪ ،‬في طريقه‬
‫الطويل ! ‪.‬‬

‫إن قدرة النسان في وقت بعد وقت على إدراك إحدى قوى الكون ‪ ،‬التي كانت مجهولة له‬
‫منذ لحظة ‪ ،‬وكانت فوق إدراكه في وقت ما ‪ ..‬لكفيلة بأن تفتح بصيرته على أن هناك قوى‬

‫الصواب أن يقال ‪ " :‬من ذي القوة الكبرى المسيطر ‪ " ...‬لن ال ذات موصوفة وليس صفة سبحانه وتعالى‬ ‫()‬
‫‪5‬‬
‫‪ [ .‬الناشر ] ‪.‬‬
‫الصواب أن يقال ‪ " :‬فالقوي المدبر لهذا الكون ‪ [ " ...‬الناشر ] ‪.‬‬ ‫()‬
‫‪6‬‬
‫أخرى لم يدركها بعد ‪ ،‬لنه ل يزال في دور التجريب ! ‪.‬‬

‫إن احترام العقل البشري ذاته لَخليقٌ بأن نحسب للمجهول حسابه في حياتنا ‪ ،‬ل لنكل إليه‬
‫أمورنا ‪ ،‬كما يصنع المتعلقون بالوهم والخرافة ‪ ،‬ولكن لكي نحس عظمة هذا الكون على حقيقتها‬
‫‪ ،‬ولكي نعرف لنفسنا قدرها في كيان هذا الكون العريض ‪ .‬وإن هذا لخليقٌ بأن يفتح للروح‬
‫النسانية قوى كثيرة للمعرفة ‪ ،‬وللشعور بالوشائج التي تربطنا بالكون من داخلنا ‪ ،‬وهي بل شك‬
‫أكبر وأعمق من كل ما أدركناه بعقولنا حتى اليوم ‪ ،‬بدليل أننا ما نزال نكشف في كل يوم عن‬
‫مجهول جديد ؛ وأننا ل نزال بعد نعيش ! ‪.‬‬

‫(‪)12‬‬

‫النسان ل يستغني عن ال‬

‫من الناس في هذا الزمان ‪ ،‬من يرى في العتراف بعظمة ال المطلقة غضّا من قيمة‬
‫النسان ‪ ،‬وإصغارا لشأنه في الوجود ‪ :‬كأنما ال والنسان ندّان ‪ ،‬يتنافسان على العظمة والقوة‬
‫في هذا الوجود ! ‪.‬‬

‫أنا أحس أنه كلما ازددنا شعورا بعظمة ال المطلقة ‪ ،‬زدنا نحن أنفسنا عظمة ‪ ،‬لننا من‬
‫صنع إله عظيم ! ‪.‬‬

‫إن هؤلء الذين يحسبون أنهم يرفعون أنفسهم حين يخفضون في وهمهم إلههم أو‬
‫ينكرونه ‪ ،‬إنما هم المحدودون ‪ ،‬الذين ل يستطيعون أن يروا إل الفق الواطئ القريب ! ‪.‬‬

‫أنهم يظنون أن النسان إنما لجأ إلى ال إبّان ضعفه وعجزه ‪ ،‬فأما الن فهو من القوة‬
‫بحيث ل يحتاج إلى إله ! كأنما الضعف يفتح البصيرة ‪ ،‬والقدرة تطمسها ! ‪.‬‬

‫إن النسان لجدير بأن يزيد إحساسا بعظمة ال المطلقة كلما نمت قوته ‪ ،‬لنه جدير بأن‬
‫يدرك مصدر هذه القوة ‪ ،‬كلما زادت طاقته على الدراك …‬

‫إن المؤمنين بعظمة ال المطلقة ل يجدون في أنفسهم ضعة ول ضعفا ‪ ،‬بل على العكس ‪،‬‬
‫يجدون في نفوسهم العزة والمنعة ‪ ،‬باستنادهم إلى القوة الكبرى ‪ ،‬المسيطرة على هذا الوجود ‪.‬‬
‫إنهم يعرفون أن مجال عظمتهم إنما هو في هذه الرض ‪ ،‬وبين هؤلء الناس ‪ ،‬فهي ل تصطدم‬
‫بعظمة ال المطلقة في هذا الوجود ‪ .‬إن لهم رصيدا من العظمة والعزة في إيمانهم العميق ‪ ،‬ل‬
‫يجده أولئك الذين ينفخون أنفسهم كـ " البالون " حتى ليغطي الورم المنفوخ عن عيونهم كل آفاق‬
‫الوجود ! ‪.‬‬

‫(‪)13‬‬

‫حول الحرية والعبودية‬

‫أحيانا تتخفى العبودية في ثياب الحرية ‪ ،‬فتبدو انطلقا من جميع القيود ‪ :‬انطلقا من‬
‫العرف والتقاليد ‪ ،‬انطلقا من تكاليف النسانية في هذا الوجود ! ‪.‬‬

‫إن هنالك فارقا أساسيا بين النطلق من قيود الذل والضغط والضعف ‪ ،‬والنطلق من‬
‫قيود النسانية وتبعاتها ‪ ،‬إن الولى معناها التحرر الحقيقي ‪ ،‬أما الثانية فمعناها التخلي عن‬
‫المقومات التي جعلت من النسان إنسانا ‪ ،‬وأطلقته من قيود الحيوانية الثقيلة ! ‪.‬‬

‫إنها حرية مُ َق ّنعَة ‪ ،‬لنها في حقيقتها خضوع وعبودية للميول الحيوانية ‪ ،‬تلك الميول التي‬
‫قضت البشرية عمرها الطويل وهي تكافحها ‪ ،‬لتتخلص من قيودها الخانقة ‪ ،‬إلى جو الحرية‬
‫النسانية الطليقة …‬

‫لماذا تخجل النسانية من إبداء ضروراتها ؟ لنها تحس بالفطرة أن السمو مع هذه‬
‫الضروريات هو أول مقومات النسانية و‪ ،‬أن النطلق من قيودها هو الحرية ‪ ،‬وأن التغلب‬
‫على دوافع اللحم والدم ‪ ،‬وعلى مخاوف الضعف والذل ‪ ،‬كلهما سواء فـي توكيد معنى‬
‫النسانية ! ‪.‬‬

‫(‪)14‬‬

‫ل انفصال بين المبادئ والشخاص‬

‫لست ممن يؤمنون بحكاية المبادئ المجردة عن الشخاص ‪ ،‬لنه ما المبدأ بغير عقيدة‬
‫حارة دافعة ؟ وكيف توجد العقيدة الحارة الدافعة في غير قلب إنسان ؟ ‪.‬‬

‫إن المبادئ والفكار في ذاتها – بل عقيدة دافعة – مجرد كلمات خاوية ‪ ،‬أو على الكثر‬
‫ن ميتة ! والذي يمنحها الحياة هو حرارة اليمان ‪ ،‬المشعة من قلب إنسان ! لن يؤمن‬
‫معا ٍ‬
‫الخرون بمبدأ أو فكرة تنبت في ذهن بارد ‪ ،‬ل في قلب مشع ‪.‬‬

‫آمن أنت أولً بفكرتك ‪ ،‬آمن بها إلى حد العتقاد الحار ! عندئذ فقط يؤمن بها الخرون !!‬
‫وإل فستبقى مجرد صياغة لفظية ‪ ،‬خالية من الروح والحياة ! ‪...‬‬

‫ب على وجه الرض في‬


‫ل حياة لفكرة لم تتقمص روح إنسان ‪ ،‬ولم تصبح كائنا حيا د ّ‬
‫صورة بشر ! ‪ ...‬كذلك ل وجود لشخص – في هذا المجال – ل تعمر قلبه فكرة يؤمن بها ‪ ،‬في‬
‫حرارة وإخلص …‬

‫إن التفريق بين الفكرة والشخص ‪ ،‬كالتفريق بين الروح والجسد أو المعنى واللفظ ‪ ،‬عملية‬
‫– في بعض الحيان – مستحيلة ‪ ،‬وفي بعض الحيان تحمل معنى التحلل والفناء ! ‪.‬‬

‫كل فكرة عاشت قد اقتاتت قلب إنسان ! أما الفكار التي لم ُتطْ َعمْ هذا الغذاء المقدّس ‪ ،‬فقد‬
‫وُلدت ميتة ‪ ،‬ولم تدفع بالبشرية شبرا واحدا إلى المام ! ‪.‬‬

‫(‪)15‬‬

‫الغاية ل تبرر الوسيلة‬

‫مـن الصعب علي أن أتصور كيف يمكن أن نصل إلـى غاية نبيلة باستخدام وسيلة‬
‫خسيسة !؟‬

‫إن الغاية النبيلة ل تحيا إل في قلب نبيل ‪ .‬فكيف يمكن لذلك القلب أن يطيق استخدام‬
‫وسيلة خسيسة ؟ بل كيف يهتدي إلى استخدام هذه الوسيلة ؟! حين نخوض إلى الشط الممرع‬
‫بركة من الوحل ل بد أن نصل إلى الشط ملوّثين ‪ ...‬إن أوحال الطريق ستترك آثارها على‬
‫أقدامنا ‪ ،‬وعلى مواضع هذه القدام ‪ ،‬كذلك الحال حين نستخدم وسيلة خسيسة ‪ :‬إن الدنس سيعلق‬
‫بأرواحنا ‪ ،‬وسيترك آثاره في هذه الرواح ‪ ،‬وفي الغاية التي وصلنا إليها ! ‪.‬‬

‫إن الوسيلة في حساب الروح جزء من الغاية ‪ .‬ففي عالم الروح ل توجد هذه الفوارق‬
‫والتقسيمات ! الشعور النساني وحده إذا حس غاية نبيلة فلن يطيق استخدام وسيلة خسيسة ‪ ..‬بل‬
‫لن يهتدي إلى استخدامها بطبيعته !‬
‫" الغاية تبرر الوسيلة !؟ " ‪ :‬تلك هي حكمة الغرب الكبرى !! لن الغرب يحيا بذهنه ‪،‬‬
‫(‪)7‬‬
‫وفي الذهن يمكن أن توجد التقسيمات والفوارق بين الوسائل والغايات ! ‪.‬‬

‫(‪)16‬‬

‫أفراح الروح بإسعاد الخرين‬

‫بالتجربة عرفت ‪ ،‬أنه ل شيء في هذه الحياة يعدل ذلك الفرح الروحي الشفيف الذي‬
‫نجده ‪ ،‬عندما نستطيع أن نُدخِلَ العزاء أو الرضى ‪ ،‬الثقة أو المل أو الفرح ‪ ،‬إلى نفوس‬
‫الخرين ! ‪.‬‬

‫إنها لذة سماوية عجيبة ‪ ،‬ليست في شيء من هذه الرض ‪ ،‬إنها تجاوب العنصر السماوي‬
‫الخالص في طبيعتنا ‪ ،‬إنها ل تطلب لها جزا ًء خارجيا ‪ ،‬لن جزاءها كامن فيها ! ‪.‬‬

‫هنالك مسألة أخرى ‪ ،‬يقحمها بعض الناس في هذا المجال ‪ ،‬وليست منه في شيء ‪ ،‬مسألة‬
‫اعتراف الخرين بالجميل ! ‪.‬‬

‫لن أحاول إنكار ما في هذا العتراف من جمال ذاتي ‪ ،‬ول ما فيه من مسرة عظيمة‬
‫للواهبين ‪ ،‬ولكن هذا كله شيء آخر ‪ ،‬إن المسألة هنا مسألة الفرح ‪ ،‬بأن الخير يجد له صدى‬
‫ظاهريا قريبا في نفوس الخرين ‪ ،‬وهذا الفرح قيمته من غير تلك ‪ ،‬لنه ليس من طبيعة ذلك‬
‫الفرح الخر ‪ ،‬الذي نحسه مجردا ‪ ،‬في ذات اللحظة التي نستطيع أن ندخل فيها العزاء أو‬
‫الرضى ‪ ،‬الثقة أو المل أو الفرح في نفوس الخرين ! إن هذا لهو الفرح النقي الخالص ‪ ،‬الذي‬
‫ينبع من نفوسنا ‪ ،‬ويرتد إليها ‪ ،‬بدون حاجة إلى أي عناصر خارجية عن ذواتنا ‪ ،‬إنه يحمل‬
‫جزاءه كاملً ‪ ،‬لنه جزاءه كامن فيه ! ‪.‬‬

‫(‪)17‬‬

‫النظرة إلى النجازات والخطاء‬

‫من رسالة له من أمريكا إلى صديق قدم له خطة ودعاه إلى قبولها ويبدو أنه لم يوافق عليها ‪ .‬مقال " في‬ ‫()‬
‫‪7‬‬
‫الدب والحياة " مجلة الكتاب ‪ .‬أبريل ‪ 951 :‬ص ‪. 393 :‬‬
‫لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد أخذت في هذه الحياة كثيرا ‪ ،‬أعني ‪:‬‬
‫لقد أعطيت !! ‪.‬‬

‫أحيانا تصعب التفرقة بين الخذ والعطاء ‪ ،‬لنهما يعطيان مدلولً واحدا في عالم الروح !‬
‫في كل مره أعطيت لقد أخذت ‪ ،‬لست أعني أن أحدا قد أعطى لي شيئا ‪ ،‬إنما أعني أنني أخذت‬
‫نفس الذي أعطيت ‪ ،‬لن فرحتي بما أعطيت لم تكن أقل من فرحة الذين أخذوا ‪.‬‬

‫لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد عملت بقدر ما كنت مستطيعا أن‬
‫أعمل ! هناك أشياء كثيرة أود أن أعملها ‪ ،‬لو ُمدّ لي في الحياة ‪ ،‬ولكن الحسرة لن تأكل قلبي إذا‬
‫لم أستطع ؛ إن آخرين سوف يقومون بها ‪ ،‬إنها لن تموت إذا كانت صالحة للبقاء ‪ ،‬فأنا مطمئن‬
‫إلى أن العناية التي تلحظ هذا الوجود لن تدع فكرة صالحة تموت …‬

‫لم أعد أفزع من الموت حتى لو جاء اللحظة ! لقد حاولت أن أكون خيّرا بقدر ما‬
‫أستطيع ‪ ،‬أما أخطائي وغلطاتي فأنا نادم عليها ! إني أكل أمرها إلى ال ‪ ،‬وأرجو رحمته وعفوه‬
‫‪ ،‬أما عقابه فلست قلقا من أجله ‪ ،‬فأنا مطمئن إلى أنه عقاب حق ‪ ،‬وجزاء عدل ‪ ،‬وقد تعودت أن‬
‫أحتمل تبعة أعمالي ‪ ،‬خيرا كانت أو شرا ‪ ...‬فليس يسوءني أن ألقى جزاء ما أخطأت حين يقوم‬
‫الحساب ! ‪.‬‬

‫انتهت‬
‫موقعنا على النترنت‬
‫منب التوحيد والهاد‬
http://www.tawhed.ws
http://www.almaqdese.com
http://www.alsunnah.info
‫الدّال على الي كفاعله‬
‫الفهرس‬

‫تقديم بقلم الدكتور صلح عبد الفتاح الخالدي‬


‫قصة هذه الفكار والخواطر ( أفراح الروح )‬
‫• حول الموت والحياة‬
‫• كيف نضاعف حياتنا‬
‫• بين شجرة الخير وشجرة الشر‬
‫• آثار لمس الجانب الطيب عند الناس‬
‫• آثار حبنا للخرين‬
‫• طريق العظمة الحقيقية‬
‫• العتراف بمساعدة الخرين‬
‫• الفرح بانتشار الفكار‬
‫• الفرق بين العلم والمعرفة‬
‫• دور الرواد في توحيد المعارف‬
‫• المعلوم والمجهول في هذا الوجود‬
‫• النسان ل يستغني عن ال‬
‫• حول الحرية والعبودية‬
‫• ل انفصال بين المبادئ والشخاص‬
‫• الغاية ل تبرر الوسيلة‬
‫• أفراح الروح بإسعاد الخرين‬
‫• النظرة إلى النجازات والخطاء‬
‫الفهرس‬

‫موقعنا على النترنت‬


‫منب التوحيد والهاد‬
‫‪http://www.tawhed.ws‬‬
‫‪http://www.almaqdese.com‬‬
‫‪http://www.alsunnah.info‬‬
‫الدّال على الي كفاعله‬

You might also like