You are on page 1of 17

‫بسم اللـه الرحمن الرحيم‬

‫المـــــــــوت‬

‫الحمد لله الذى أنهى بالموت آمال القياصرة ‪ ،‬فنقلهم بالموت‬


‫من القصور إلى القبور ‪ ،‬ومن ضياء المهود إلى ظلمات اللحود‬
‫ومن ملعبة الجوارى والنساء والغلمان إلى مقاساة الهوام‬
‫والديدان ‪ ،‬ومن التنعم فى ألوان الطعام والشراب إلى التمرغ فى‬
‫ألوان الوحل والتراب !!‬
‫وأشهد أن ل إله إل اللـه وحده ل شريك له ‪ ،‬ينادى يوم القيامة‬
‫بعد فناء خلقه ويقول ‪ :‬أنا الملك ‪ !!..‬أنا الجبار ‪ !!..‬أنا‬
‫المتكبر ‪!!..‬‬
‫ثم يقول ‪ :‬لمن الملك اليوم ‪..‬؟؟! فيجيب على ذاته سبحانه !!‬
‫لله الواحد القهار ‪.‬‬
‫وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله وصفيه من خلقه وخليله‬
‫أدى المانة وبلغ الرسالة ‪ ،‬ونصح للمة فكشف اللـه به الغمة ولبى‬
‫نداء ربه حتى أجاب مناديه ‪،‬ومشى طوال أيامه ولياليه على شوك‬
‫السى يخطو على جمر الكيد والعنت ‪ ،‬يلتمس الطريق لهداية‬
‫وم المعوج ‪،‬‬ ‫الضالين وإرشاد الحائرين ‪ ،‬حتى عَّلم الجاهل ‪َ ،‬وق ّ‬
‫مَأن القلق ونشر أضواء الحق والخير والتوحيد‬ ‫من الخائف ‪ ،‬وط َ ْ‬ ‫َوأ ّ‬
‫واليمان كما تنشر الشمس ضياءها فى سائر الكوان ‪.‬‬
‫اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه ‪ ،‬رفع اللـه له ذكره وشرح‬
‫صدره وذكاه ربه على جميع خلقه ‪ ،‬ومع ذلك خاطبه ربه بقوله ‪:‬‬
‫] الزمر ‪. [ 30 -‬‬ ‫ن‪‬‬
‫مي ُّتو َ‬
‫هم َ‬‫وإ ِن ّ ُ‬
‫ت َ‬ ‫مي ُُ‬
‫ك َ‬‫‪ ‬إ ِن ّ َ‬
‫اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(10‬‬

‫وأتباعه وعلى كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى‬


‫يوم الدين ‪.‬‬
‫أما بعــد ‪...‬‬
‫فحياكم اللـه جميعا ً أيها الباء الفضلء وأيها الخوة الحباب‬
‫العزاء وطبتم جميعا وطاب ممشاكم وتبوأتم من الجنة منزل ‪،‬‬
‫وأسأل اللـه العظيم جل وعل الذى جمعنى وإياكم فى هذا البيت‬
‫المبارك على طاعته أن يجمعنى وإياكم فى الخرة مع سيد الدعاة‬
‫المصطفى فى جنته ودار كرامته إنه ولى ذلك والقادر عليه ‪.‬‬
‫أحبتى فى اللـه ‪-:‬‬
‫في رحاب الدار الخرة‬
‫سلسلة علمية هامة تجمع بين المنهجية والرقائق ‪ ،‬وبين التأصيل‬
‫العلمى والسلوب الوعظى تبدأ هذه السلسة بالموت وتنتهى‬
‫بالجنة ‪.‬‬
‫وقد تحتاج هذه السلسلة إلى جهد شاق حتى تتضح لنا معالمها ‪،‬‬
‫لذا فإن الموضوع جد خطير ومن الهمية بمكان ‪ ،‬لذا استحلفكم‬
‫باللـه الذى ل إله‬
‫إل ّ هو ‪ ..‬أن تعيرونى قلوبكم وعقولكم وأسماعكم حتى نقف‬
‫على أهميتها ونسأل اللـه التوفيق ‪ ،‬ونسأله تعالى أن يجعلها خالصة‬
‫لوجهه الكريم‪ ،‬إنه ولى ذلك والقادر عليه ويجعلنا من الذين قال‬
‫ه ُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫سن َ ُ‬‫ح َ‬
‫َ‬
‫نأ ْ‬ ‫عو َ‬ ‫في َت ّب ِ ُ‬‫ل َ‬‫و َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ال ْ َ‬‫عو َ‬ ‫م ُ‬
‫ست َ ِ‬‫ن يَ ْ‬
‫ذي َ‬‫فيهم اللـه ‪ ‬ال ّ ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وُأول َئ ِ َ‬
‫] الزمر ‪:‬‬ ‫م أوُلو الل َْبا ِ‬
‫ب‪‬‬ ‫ه ْ‬ ‫ك ُ‬ ‫م اللـه َ‬ ‫ه ُ‬‫دا ُ‬‫ه َ‬
‫ن َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫‪. [ 18‬‬
‫أيها الحبة الكرام ‪:‬‬
‫وسوف أستهل هذه السلسلة بالحديث عن الموت ‪ ،‬فهذه هى‬
‫المرحلة الولى فى هذه الرحلة الطويلة ‪.‬‬
‫أيها الخيار الكرام ‪:‬‬
‫لقد بين اللـه جل وعل لنا الغاية التى من أجلها خلقنا فقال‬
‫ن‪. ‬‬‫دو ِ‬ ‫عب ُ ُ‬‫س ِإل ل ِي َ ْ‬ ‫وال ِن ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫ج ّ‬ ‫ت ال ْ ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ما َ‬ ‫و َ‬‫سبحانه وتعالى ‪َ  :‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(11‬‬

‫] الذاريات ‪.[ 56 :‬‬


‫بل وبين لنا حقيقة الدنيا التى جعلها محل اختبار لنا فقال‬
‫َ‬
‫ة‬
‫زين َ ٌ‬
‫و ِ‬‫و َ‬ ‫ه ٌ‬‫ول َ ْ‬‫ب َ‬ ‫ع ٌ‬‫حَياةُ الدّن َْيا ل َ ِ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫موا أن ّ َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫‪‬ا ْ‬ ‫سبحانه ‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ث‬‫غي ْ ٍ‬‫ل َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫ولِد ك َ َ‬ ‫وال ْ‬ ‫ل َ‬ ‫وا ِ‬
‫م َ‬‫في ال ْ‬ ‫كاث ٌُر ِ‬ ‫وت َ َ‬ ‫م َ‬ ‫خٌر ب َي ْن َك ُ ْ‬ ‫فا ُ‬ ‫وت َ َ‬ ‫َ‬
‫م يَ ُ‬ ‫ص َ‬ ‫ج َ‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ب ال ْ‬ ‫أَ‬
‫ن‬
‫كو ُ‬ ‫فّرا ث ُ ّ‬ ‫م ْ‬ ‫فت ََراهُ ُ‬ ‫هي ُ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫م‬‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ث‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫با‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ر‬
‫َ‬ ‫فا‬ ‫ك‬ ‫َ‬ ‫ج‬‫َ‬ ‫ع‬‫ْ‬
‫ن الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫م َ‬ ‫فَرةٌ ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫ديدٌ َ‬ ‫ش ِ‬ ‫ب َ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ع َ‬‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫في ال ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ما َ‬ ‫طا ً‬‫ح َ‬ ‫ُ‬
‫]‬ ‫ر‪.‬‬ ‫غُرو ِ‬ ‫ع ال ْ ُ‬ ‫مَتا ُ‬‫حَياةُ الدّن َْيا ِإل َ‬ ‫ما ال ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫وا ٌ‬
‫ض َ‬ ‫ر ْ‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬
‫الحديد ‪. [ 20 :‬‬
‫وأكد الحبيب المصطفى هذه الحقيقة فى حديثه الصحيح الذى‬
‫رواه الترمذى من حديث سهل بن سعد الساعدى رضى اللـه عنه‬
‫قال صلى اللـه عليه وسلم )) لو كانت الدنيا تعدل عند اللـه‬
‫جناح بعوضة ما سقى كافرا ً منها شربة ماء (( )‪. (1‬‬
‫فالدنيا حقيرة عند اللـه أعطاها للمؤمن والكافر على السواء ‪،‬‬
‫فلو كانت تزن عند اللـه جناح بعوضة ما سقى منها كافرا ً قط‬
‫شربة ماء واحدة ‪ ،‬لذا كان المصطفى ‪ ‬يوصى أحبابه بعدم‬
‫الركون والطمأنينة إلى هذه الدار الفانية ل محالة ‪ ،‬كما أوصى‬
‫بذلك عبد اللـه بن عمر رضى اللـه عنهما كما فى صحيح البخارى ‪:‬‬
‫)) كن فى الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (( ‪ ،‬وكان ابن‬
‫عمر يقول‪ " :‬إذا أمسيت فل تنتظر الصباح ‪ ،‬وإذا أصبحت فل تنتظر‬
‫المساء وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك " ‪.‬‬
‫ورحم اللـه من قال ‪:‬‬
‫طلقوا الدنيا وخافـــوا‬ ‫إن للـه عبــــــادا ً فطنا‬
‫الفتنـا‬
‫حـى وطنــــا ً‬
‫أنها ليست ل ِ َ ّ‬ ‫نظروا فيهــــا فلما علمـوا‬
‫صالح العمـال فيهـا‬ ‫جعلوها ل ُ ّ‬
‫جــــــة واتخذوا‬
‫فنــا‬
‫س ْ‬
‫ُ‬
‫فالفطناء العقلء هم الذين عرفوا حقيقة الدار ‪ ،‬فحرثوها‬
‫‪ ()1‬رواه الترمذى رقم )‪ (2321‬فى الزهد ‪ ،‬باب ما جاء فى هوان الدنيا على اللـه عز وجل ‪ ،‬وابن‬
‫ماجة رقـم )‪ (2410‬فى الزهـد ‪ ،‬بـاب مثـل الدنيا ‪ ،‬وهـــو فى صحيح الجامع رقـم )‪. (5292‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(12‬‬

‫وزرعوها ‪ ...‬وفى الخرة حصدوها ‪.‬‬


‫فالـذم الوارد فى القرآن والسنة للدنيا ل يرجع إلى زمانها من‬
‫ليل ونهار فلقد جعل اللـه الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو‬
‫أراد شكورا ً ‪ ،‬والذم الوارد للدنيا فى الكتاب والسنة ل يرجع إلى‬
‫مكانها أل وهو الرض ‪ ،‬إذ أن اللـه قد جعل الرض لبنى آدم سكنا ً‬
‫ومستقرا ً ‪.‬‬
‫والذم الوارد فى القرآن والسنة ل يرجع إلى ما أودعها اللـه عز‬
‫وجل من خيرات ‪ ،‬فهـذه الخيـرات نعم اللـه على عبـاده وجميع‬
‫خلقه ‪.‬‬
‫إنما الذم الوارد فى القرآن والسنة يرجع إلى كل‬
‫معصية ترتكب فى حق ربنا جل وعل ‪.‬‬
‫إذا ً لبد وحتما من تأصيل هذا الفهم الدقيق ل سيما لخواننا‬
‫الدعاة وطلب العلم الذين ربما يغيب عن أذهانهم حقيقة الزهد فى‬
‫ت أحدا ً من هذه الدنيا ‪ ،‬ول‬ ‫هذه الحياة الدنيا ‪ ،‬فنحن ل نريد أن ُنقن ّ ْ‬
‫نريد أن نثبت لعامل فى هذه الدنيا ولو كان فى الحلل أنه قد‬
‫كل ‪!..‬كل ‪!!..‬‬ ‫تجاوز عن طريق النبياء والصالحين والولياء ‪...‬‬
‫بل الدنيا مزرعة للخرة ‪.‬‬
‫تدبر معى قول على رضى اللـه عنه وهو يقول ‪:‬‬
‫" الدنيا دار صدق لمن صدقها ‪ ،‬ودار نجاة لمن فهم عنها ‪ ،‬ودار‬
‫غنى لمن أخذ منها ‪ ،‬الدنيا مهبط وحى النبياء ومصلى أنبياء اللـه ومتجر‬
‫أولياء اللـه "‪.‬‬
‫فالدنيا مزرعة للخرة فتدبر معى هذا الحديث الصحيح الذى‬
‫رواه البخارى ومسلم من حديث أنس قال النبى ‪: ‬‬
‫)) ما من مسلم يغرس غرسا ً أو يزرع زرعا ً فيأكل منه‬
‫إنسان أو طير أو بهيمة إل كان له به صدقة (( )‪. (2‬‬
‫إذا ً لبد من هذا التأصيل والفهم العميق لحقيقة الدنيا ‪ ،‬لننطلق‬

‫‪ ()2‬رواه البخارى رقم )‪ ، (2320‬فى الحرث والمزارعة ‪ ،‬باب فضل الزرع والغرس إذا أكل منه ‪،‬‬
‫ومسلم رقم )‪ (1553‬فى المساقاة ‪ ،‬باب فضل الغرس والزرع ‪ ،‬والترمذى رقم )‪ (1382‬فى‬
‫الحكام ‪ ،‬باب ما جاء فى فضل الغرس ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(13‬‬

‫من هذه الدار الفانية إلى دار تجمع بين سلمة البدان والديان ‪..‬‬
‫دار القرار ‪.‬‬
‫فلبد قبل العبور إلى دار القرار من المرور من دار الفناء ‪،‬‬
‫فالدنيا دار ممر والخرة هى دار المقر ‪ ،‬الدنيا مركب عبور ل منزل‬
‫حبور ‪ ،‬الدنيا دار فناء ل دار بقاء ‪ ،‬لبد من وعى هذه الحقيقة التى‬
‫ل مراء فيها ‪ ،‬لنزرع هنا بذورا ً ‪ ،‬لنجنى هنالك ثمارا ً ‪.‬‬
‫فاعلم أيها الحبيب هذه الحقائق جيدا ً ‪ ،‬وكن على يقين جازم بأن‬
‫الحياة فى هذا الدنيا موقوتة محدودة بأجل ‪ ،‬ثم تــأتى نهايتهــا حتم ـا ً‬
‫لبــــد ‪ ،‬فيمــــوت الصــــالحون ‪ ..‬ويمــــوت الطــــالحون ‪ ..‬يمــــوت‬
‫المجاهدون ‪ ..‬ويموت القاعــدون ‪ ..‬يمــوت المســتعلون بالعقيــدة ‪..‬‬
‫ويموت المستذلون للعبيــد ‪ ..‬يمــوت الشــرفاء الــذين يــأبون الضــيم‬
‫ويكرهون الذل ‪ ،‬والجبناء الحريصون على الحياة بــأى ثمـن ‪ ..‬الكــل‬
‫يموت ‪.‬‬
‫قال اللـه جل وعل ‪:‬‬
‫ل‬
‫جل ِ‬ ‫ذو ال ْ َ‬ ‫ك ُ‬‫ه َرب ّ َ‬
‫ج ُ‬‫و ْ‬‫قى َ‬ ‫وي َب ْ َ‬
‫ن)‪َ (26‬‬ ‫ها َ‬
‫فا ٍ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ن َ‬‫م ْ‬‫كل َ‬ ‫‪ُ ‬‬
‫وال ِك َْرام ِ ‪. ‬‬
‫َ‬
‫] الرحمن ‪. [ 27 ، 26 :‬‬
‫فلبد أن تستقر هذه الحقيقة فى القلب والعقل معا ً ‪ ،‬إنها‬
‫الحقيقة التى تعلن بوضوح تام على مدى الزمان والمكان فى أذن‬
‫كل سامع وعقل كل مفكر أنه ل بقاء إل للملك الحى الذى ل يموت‬
‫‪ ،‬إنها الحقيقة التى تصبغ الحياة البشرية كلها بصبغة العبودية والذل‬
‫لقاهر السموات والرض !!‬
‫إنها الحقيقة التى شرب كأسها تباعا ً النبياء والمرسلون بل‬
‫والعصاة والطائعون !!‬
‫إنها الحقيقة التى تذكرنا كل لحظة من لحظات الزمن بقول‬
‫هه ‪] . ‬‬
‫ج ُ‬ ‫و ْ‬‫ك ِإل َ‬‫هال ِ ُ‬
‫ئ َ‬ ‫ش ٍ‬ ‫ل َ‬‫هو ك ُ ّ‬ ‫الحى الذى ل يموت ‪  :‬ل إ َِله ِإل ُ‬
‫القصص ‪.[ 88 :‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(14‬‬

‫أيها الحبيب تذكر هذه الحقيقة ول تتغافل عنها إذ أن النبى أمرنا‬


‫أن نكثر من ذكرها كما فى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى‬
‫والنسائى والبيهقى والحاكم وغيرهم من حديث ابن عمر أن النبى‬
‫‪ ‬قال ‪:‬‬
‫)) أكثروا من ذكر هادم الّلذات ) الموت ( (( )‪. (3‬‬
‫إنها الحقيقة التى سماها اللـه فى قرآنه بالحق فقال جل وعل ‪:‬‬
‫د)‬‫حي ُ‬‫ه تَ ِ‬‫من ْ ُ‬‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ق ذَل ِ َ‬‫ح ّ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬
‫ت َ‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫و َ‬
‫‪َ ‬‬
‫ت كُ ّ‬
‫ل‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫و َ‬‫د)‪َ (20‬‬ ‫عي ِ‬‫و ِ‬‫م ال ْ َ‬ ‫و ُ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫ر ذَل ِ َ‬ ‫صو ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ف َ‬ ‫ون ُ ِ‬‫‪َ (19‬‬
‫د‪ ]‬ق ‪[19،21 :‬‬ ‫هي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬
‫ها َ‬ ‫ع َ‬‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫نَ ْ‬
‫اللـه أكبر‬ ‫ل إله إل اللـه ‪ ...‬اللـه أكبر ‪...‬‬
‫إن للموت لسكرات ‪ ...‬هل علمت إن هذه الكلمات قالها حبيب‬
‫رب الرض والسموات وهو يحتضر على فراش الموت ؟‬
‫روى البخارى عن عائشة رضى اللـه عنها قالت ‪ :‬مات رسول‬
‫اللـه ‪ ‬بين حاقنتى وذاقنتى وكان بين يديه ركوة ) علبة ( بها ماء‬
‫فكان يمد يده فى داخل الماء ويمسح وجهه بأبى هو وأمى ويقول ‪:‬‬
‫)) ل إله إل اللـه إن للموت لسكرات (( )‪. (4‬‬
‫هكذا يقول حبيب رب الرض والسموات إن للموت‬
‫لسكرات !! حبيب الرحمن يذوق سكرة الموت ‪ ،‬فما بالنا‬
‫نحن ؟!!‬
‫وفى رواية الترمذى كان الحبيب ‪ ‬يقول ‪:‬‬
‫)) إن للموت لسكرات وإن للموت لغمرات (( ‪.‬‬
‫وفى رواية كان ‪ ‬يدعوا اللـه ويقول ‪:‬‬
‫)) اللـهم أعّنى على سكرات الموت (( ‪.‬‬
‫ق‪:‬‬ ‫ح ّ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬

‫‪ ()3‬رواه الترمذى رقم )‪ ، (2308‬فى الزهد ‪ ،‬باب ما جاء فى ذكر الموت ‪ ،‬والنسائى )‪ ، (4/4‬فى‬
‫الجنائز ‪ ،‬باب كثرة ذكر الموت ‪ ،‬وهو فى صحيح الجامع رقم )‪. (1210‬‬
‫‪ ()4‬رواه البخارى رقم )‪ ، (4449‬فى المغازى ‪ ،‬باب مرض النبى صلى اللـه عليه وسلم ‪ ،‬ومسلم‬
‫رقم )‪ (418‬فى الصلة ‪ ،‬باب استخلف المام إذا عرض له عذر من مرض وسفر‪ ،‬والترمذى رقم )‬
‫‪ ، (978،979‬فى الجنائز ‪ ،‬باب ما جاء فى التشديد عند الموت ‪ ،‬والنسائى )‪ ، (4/6،7‬فى الجنائز ‪،‬‬
‫باب شدة الموت ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(15‬‬

‫وما أدراك ما السكرات ‪ !..‬وما أدراك ما الكربات ‪ !..‬فى هذه‬


‫اللحظات يزداد الهم والكرب ‪ ،‬فى لحظات السكرات إذا نمت يا‬
‫ابن آدم على فراش الموت ورأيت فى غرفتك التى أنت فيها دون‬
‫أن يرى غيرك ‪ ،‬رأيت شيطانا ً جلس عند رأسك يريد الشيطان أن‬
‫يضلك عن كلمة الخلص" ل إله إل اللـه "‪ ،‬يريد الشيطان أن‬
‫مت يهوديا ً فإنه خير الديان ‪ ،‬يقول لك ‪:‬‬ ‫يصدك عنها ‪ ،‬يقول لك ‪ُ :‬‬
‫مت نصرانيا ً فإنه خير الديان ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫واستدل أهل العلم على ذلك بصدر حديث صحيح رواه المام‬
‫ضُر كل شئ‬ ‫مسلم أن رسول اللـه ‪ ‬قال ‪ )) :‬إن الشيطان ُيح ِ‬
‫لبن آدم ‪. ((..‬‬
‫ب اللـه ثراه عن مسألة‬ ‫سئل شيخ السلم ابن تيمية ط َي ّ َ‬ ‫بل و ُ‬
‫عَْرض الديان على ابن آدم فى فراش الموت ‪ ،‬فقال فى مجموع‬
‫الفتاوى )‪" : (5‬من الناس من تعرض عليه الديان ومنهم من ل‬
‫يعرض عليه شئ قبل موته ‪ ،‬ثم قال ‪ :‬ولكنها من الفتن التى أمرنا‬
‫النبى أن نستعيذ منها فى قوله ‪: ‬‬
‫)) اللهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر ومن عذاب‬
‫جهنم ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح‬
‫الدجال (( )‪. (6‬‬
‫فمن فتن الموت أن يأتيك الشيطان ليصدك عن ل إله إل اللـه ‪،‬‬
‫ليصدك عن كلمة التوحيد ‪ ،‬هذه من الكربات ‪ ،‬هذه من أشد‬
‫السكرات على ابن آدم ول حول ول قوة إل باللـه ‪.‬‬
‫ى فى اللـه أن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل‬ ‫هل علمت أ ُ َ‬
‫خ ّ‬
‫حينما نام على فراش الموت ذهبت إليه الشياطين لتنادى عليه‬
‫بهذه الكلمات ‪ ،‬قال عبد اللـه ولده ‪ " :‬حضرت وفاة أبى فنظرت‬
‫إليـه فإذا هو يغرق ثم يفيق ثم يشير بيده ويتكلم ويقول ‪ :‬ل‬
‫ب َْعد ‪ !!..‬ل ب َْعد ‪. !!..‬‬
‫‪ ()5‬مجموع الفتاوى لبن تيمية )‪. (4/255‬‬
‫‪ ()6‬رواه البخارى رقم )‪ ، (1377‬فى الجنائز ‪ ،‬باب التعوذ من عذاب القبر‪ ،‬ومسلم رقم )‪ ، (588‬فى‬
‫المساجد ‪ ،‬باب ما يستعاذ منه فى الصلة ‪ ،‬والترمذى رقم )‪ ، (3599‬فى الدعوات ‪ ،‬باب الستعاذة‬
‫من جهنم ‪ ،‬والنسائى )‪ ، (8/275،276‬فى الستعاذة ‪ ،‬باب الستعاذة من عذاب جهنم ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(16‬‬

‫فلما أفاق فى صحوة بين سكرات الموت وكرباته ‪ ،‬قال له ولده عبد‬
‫اللـه يا أبتى ماذا تقول ؟! تقول ل بعد ‪ ،‬ل بعد ‪ !!..‬ما هذا ؟!!‬
‫أتدرى ماذا قال إمام أهل السنة ؟؟‬
‫ض على أنامله‬ ‫قال لولده ‪ :‬يا بنى شيطان جالس عند رأسى عا ٌ‬
‫يقول لى‪ :‬يا أحمد لو فُّتنى اليوم ما أدركتك بعد اليوم وأنا أقول‬
‫له ‪ :‬ل بعد ‪ ،‬ل بعد حتى أموت على ل إله إل اللـه ‪.‬‬
‫فإذا كنت حقا من المؤمنين الصادقين ‪ ..‬من الموحدين‬
‫المخلصين وجاءتك الشياطين ثبتك رب العالمين وأنزل إليك ملئكة‬
‫التثبيت ‪ ،‬كما فى حديث البراء بن عازب الصحيح وسأذكر الحديث‬
‫بتفصيله لحقا ً إن شاء رب العالمين ‪ ،‬إل ّ أن محل الشاهد فيه الن‬
‫ن المؤمن إذا نام على فراش الموت‬ ‫أن النبى ‪ ‬أخبر ‪ )) :‬أ ّ‬
‫جاءته ملئكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ‪ ،‬معهم‬
‫ط من حنوط الجنة فيجلسون‬ ‫ن من أكفان الجنة وحنو ٌ‬ ‫كف ُُ‬
‫مدّ البصر حتى يأتى ملك الموت فيجلس عند‬ ‫من المؤمن ُ‬
‫رأسه وينادى على روحه الطيبة وهو يقول ‪ :‬أيتها الروح‬
‫ض‬
‫ب را ٍ‬ ‫ح وريحان ور ٍ‬ ‫الطيبة اخرجى حميدة وابشرى برو ٍِ‬
‫عنك غير غضبان ‪ ،‬فتخرج روح المؤمن سهلة سلسة كما‬
‫ى السقاء فل تدعهـا الملئكــة فى يد‬ ‫ف ّ‬ ‫يسيل الماء من ِ‬
‫ملك الموت طرفة عين ‪ ،‬ثم ترقى بها إلى اللـه جل وعل‬
‫‪. (7) (( ..‬‬
‫هكذا أيها الحبة ‪..‬‬
‫ة‬
‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬
‫ق ْ‬ ‫ءا َ‬
‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬‫ت الل ّ ُ‬
‫‪ ‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫ما‬
‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ع ُ‬‫ف َ‬‫وي َ ْ‬‫ن َ‬ ‫مي َ‬‫ظال ِ ِ‬‫ه ال ّ‬ ‫ل الل ّ ُ‬
‫ض ّ‬‫وي ُ ِ‬‫ة َ‬‫خَر ِ‬ ‫في ال ِ‬ ‫و ِ‬‫الدّن َْيا َ‬
‫شاءُ ‪ ] ‬إبراهيم ‪. [ 27 :‬‬ ‫يَ َ‬
‫ولقد سجل اللـه هذه البشارة للموحدين فى قرآنه العظيم فقال‬
‫تعالى‪:‬‬

‫‪ ()7‬رواه البخارى رقم )‪ ، (1369،4699‬فى الجنائز ‪ ،‬باب ما جاء فى عذاب القبر ‪ ،‬ومسلم رقم )‬
‫‪ ، (2870‬فى الجنة ‪ ،‬باب عرض مقعد الميت من الجنة أو النار عليه ‪ ،‬وأبو داود رقم )‪ ، (3231‬فى‬
‫الجنائز ‪ ،‬باب المشى فى النعل بين القبور ‪ ،‬والنسائى )‪ ، (4/97‬فى الجنائز ‪ ،‬باب مسألة الكافر ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(17‬‬

‫م‬ ‫ه ُ‬ ‫ل َ َ‬ ‫موا ت َت َن َّز ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ه ثُ ّ‬ ‫قاُلوا َرب َّنا الل ّ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬


‫علي ْ ِ‬ ‫قا ُ‬ ‫ما ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫‪ ‬إِ ّ‬
‫فوا ول ت َحزُنوا َ‬ ‫ة َأل ت َ َ‬
‫م‬‫ة ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫جن ّ ِ‬ ‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫وأب ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫َ‬ ‫خا ُ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫في ال ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫ؤك ُ ْ‬ ‫ول َِيا ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن)‪(30‬ن َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬‫ُتو َ‬
‫ن)‬‫عو َ‬ ‫ما ت َدّ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬‫م ِ‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫هي أ َن ْ ُ‬ ‫شت َ ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬ ‫م ِ‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫َ‬
‫حيم ٍ ‪] ‬فصلت‪. [30،32:‬‬ ‫ر َر ِ‬ ‫فو ٍ‬ ‫غ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪(31‬ن ُُزل ِ‬
‫ت‬ ‫ل الّثاب ِ ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫مُنوا ِبال ْ َ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ت الل ّ ُ‬ ‫وقال تعالى ‪  :‬ي ُث َب ّ ُ‬
‫] إبراهيم ‪. [ 27 :‬‬ ‫ة‪‬‬ ‫خَر ِ‬ ‫في ال ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ِ‬
‫قال ابن عباس ‪ :‬القول الثابت هو ل إله إل اللـه فى الحياة الدنيا‬
‫وفى الخرة ويضل اللـه الظالمين ويفعل اللـه ما يشاء ‪.‬‬
‫حيدُ ‪]‬ق‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫ق ذَل ِ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫و َ‬‫‪َ ‬‬
‫‪[19 :‬‬
‫والحق أنك تموت واللـه حى ل يموت ‪ ،‬الحق أن ترى عند موتك‬
‫ملئكة الرحمة أو ملئكة العذاب ‪.‬‬
‫ق‪‬‬
‫ح ّ‬ ‫ت ِبال ْ َ‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫سك َْرةُ ال ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫والحق أن يكون قبرك روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر‬
‫النيران‬
‫حيدُ ‪ ‬ذلك ما كنت منه تهرب ‪.‬‬ ‫ه تَ ِ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ت ِ‬ ‫ما ك ُن ْ َ‬ ‫ك َ‬ ‫‪ ‬ذَل ِ َ‬
‫تحيد إلى الطبيب إذا جاءك المرض ‪ ،‬وتحيد إلى الشراب إذا‬
‫ى ؟! ثم ماذا أيها‬ ‫ت بالظمأ ‪ ،‬ثم ماذا أيها القوى الَفت ِ ّ‬ ‫أحسس َ‬
‫العبقرى الذكى ؟! ثم ماذا أيها الوزير والمير ؟! ثم ماذا أيها الكبير‬
‫والصغير ؟! ثم ماذا أيها الغنى والفقير؟!‬
‫اسمع يا هذا وذاك ‪:‬‬
‫وكل ناٍع فَ َ‬
‫سُينَعى‬ ‫سُيب َ‬
‫كى‬ ‫كل باك فَ َ‬
‫ليــس غيــُر اللـه يبقى‬ ‫ســـــى‬
‫سي ُن ْ َ‬ ‫م ْ‬
‫ذكور َ‬ ‫كل َ‬
‫مـن عــل فاللـه أعلـــى‬
‫إلى كم يا أخى الوهم‬ ‫أيا من ي َد ِّع الفهم‬
‫وتخطئ الخطأ الجم‬ ‫تعب الذنب والذنب‬
‫أما أنـــذرك الشـــيب‬ ‫أمــا بـــان لك العيب؟‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(18‬‬

‫ومــا فـى نصحـه ريــــب‬


‫أما نادى بك الموت‬ ‫أما أسمعك الصوت‬
‫فـتحتاط وتهتم‬ ‫وت‬
‫ف ْ‬
‫أما تخشى من ال َ‬
‫وتختال من الزهو‬ ‫فكم تسير فى الهوى‬
‫إلى اللحد وتنغط‬ ‫كأنى بك تنحط‬
‫إلى أضيق من سم‬ ‫وقد أسلمك الرهط‬
‫ليستأكله الدود‬ ‫هناك الجسم ممدود‬
‫فيمسى العظم قد رم‬ ‫إلى أن ينخر العود‬
‫ودع ما يعقب الضير‬ ‫فزود نفسك الخير‬
‫وخاف من لجة اليم‬ ‫وهيأ مركب السير‬
‫وقد بحتك من باح‬ ‫بذا أوصيك يا صاح‬
‫بقــرآن الــرب يهتــم‬ ‫فطـــوبى لفتـــى راح‬
‫وبـآداب محمــد يأتــم‬
‫وصدق اللـه عز وجل إذ يقول ‪:‬‬
‫وظ َ ّ‬
‫ن‬ ‫ق)‪َ (27‬‬ ‫ن َرا ٍ‬‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫قي َ‬‫و ِ‬‫ي)‪َ (26‬‬ ‫ق َ‬‫ت الت َّرا ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫ذا ب َل َ َ‬ ‫كل إ ِ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫ك‬‫ق)‪(29‬إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫وال ْت َ ّ‬ ‫ه ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫سا ِ‬ ‫ساقُ ِبال ّ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ق)‪َ (28‬‬ ‫فَرا ُ‬ ‫أن ّ ُ‬
‫ساقُ ‪‬‬ ‫م َ‬ ‫ذ ال ْ َ‬ ‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬‫يَ ْ‬
‫] القيامة ‪. [ 30 ، 26 :‬‬
‫ق‪ ‬إذا بلغت‬ ‫ن َرا ٍ‬‫م ْ‬‫ل َ‬ ‫قي َ‬‫و ِ‬‫ي)‪َ (26‬‬ ‫ق َ‬‫ت الت َّرا ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫ذا ب َل َ َ‬ ‫كل إ ِ َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫الروح الترقوة‬
‫ق ‪ ‬من يرقيه ؟!! من يرقى بروحه ؟!! ملئكة‬ ‫ن َرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قي َ‬ ‫و ِ‬ ‫‪َ ‬‬
‫الرحمة ؟ أم ملئكة العذاب ؟ ‪.‬‬
‫من يبذل له الرقية ؟ من يبذل له الطب والعلج ؟! فهو من‬
‫هو ؟!!‬
‫صاحب الجاه والسلطان ! صاحب الموال والطيان ! انتقل فى‬
‫طيارة خاصة إلى أكبر مستشفى فى العالم ‪ ،‬التف حوله أكبر‬
‫الطباء ‪ ،‬هذا متخصص فى جراحة القلب والبطن وهذا متخصص‬
‫فى جراحة المخ والعصاب ‪ ،‬وهذا متخصص فى كذا ‪ ،‬وذاك‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(19‬‬

‫متخصص فى كذا !! ‪.‬‬


‫التف حوله الطباء يريدون شيئا ً وملك الملوك أراد شيئا ً آخر ‪.‬‬
‫َ‬ ‫ل أ ُم َ‬
‫مل‬ ‫جل ُ ُ‬
‫ه ْ‬ ‫جاءَ أ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫فإ ِ َ‬‫ل َ‬ ‫ج ٌ‬ ‫ةأ َ‬ ‫ول ِك ُ ّ ّ ٍ‬ ‫قال تعالى ‪َ  :‬‬
‫] العراف ‪. [ 34 :‬‬ ‫ن‪‬‬‫مو َ‬ ‫د ُ‬ ‫ق ِ‬ ‫ست َ ْ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫ع ً‬‫سا َ‬‫ن َ‬ ‫خُرو َ‬ ‫ست َأ ْ ِ‬‫يَ ْ‬
‫ج‬ ‫رو‬ ‫ب‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ت‬‫ْ‬ ‫ن‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫و‬ ‫ول َ‬ ‫ت‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫م ال ْ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫نوا‬‫ُ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫ما‬ ‫َ‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫‪ ‬أَ‬
‫ٍ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ة‪‬‬ ‫شي ّدَ ٍ‬ ‫م َ‬ ‫ُ‬
‫] النساء ‪. [ 78 :‬‬
‫والتف حوله الطباء مرة أخرى ‪،‬كل يبذل له العلج والرقية !!‬
‫ولكن حاروا وداروا !!‬
‫اصفر وجهه ‪ ،‬شحب لونه ‪ ،‬بردت أطرافه ‪ ،‬تجعد جلده ‪ ،‬بدأ‬
‫يشعر بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه !!‬
‫فينظر فى لحظة السكرة والكربة فيــرى الغرفــة الــتى هــو فيهــا‬
‫مرة فضاًء موحشا ً ومرة أخرى أضيق من سم الخياط ‪.‬‬
‫وينظر مرة فيجد أهله يبتعدون عنه وأخرى يقتربون منه ‪،‬‬
‫اختلطت عليه المور والوراق !!‬
‫من هذا ‪..‬؟!! ملك الموت !! ملك الموت عند رأسه ‪ ،‬ومن‬
‫هؤلء الذين يتنزلون من السماء ؟!!‬
‫إنه يراهم بعينه ‪ ،‬إنهم الملئكة !! يا ترى ملئكة الرحمة أم‬
‫ملئكة العذاب ؟!!‬
‫يا ترى ماذا سيقول ملك الموت ؟!!!‬
‫هل سيقول لى الن يا أيتها الروح الطيبة اخرجى إلى مغفرة من‬
‫اللـه ورضوان ورب راض غير غضبان ؟!!‬
‫أم يقول يا أيتها الروح الخبيثة اخرجى إلى سخط اللـه وعذابه ؟‬
‫ينظر لحظة الصحوة بين السكرات والكربات ‪ ،‬فإذا هو يعى من‬
‫حوله من أهله وأحبابه فينظر إليهم نظرة استعطاف !! نظرة رجاء‬
‫!!‬
‫فيقول بلسان الحال وربما بلسان المقال ‪ :‬يا أولدى ‪ ..‬يا أحبابى‬
‫‪ ..‬يا أخوانى ل تتركونى وحدى ‪ ،‬ول تفردونى فى لحدى !!‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(20‬‬

‫مرت لكم‬ ‫أنا أبوكم ‪ ،‬أنا الذى بنيت لكم القصور !! أنا الذى عَ ّ‬
‫ميت لكـم التجارة !! فمن منكم يزيد فى عمرى‬ ‫الدور! أنا الــذى ن ّ‬
‫ساعة أو ساعتين؟‬
‫دونى بأعماركم !!‬ ‫دونى بأموالى ‪ ..‬ف ّ‬ ‫ف ّ‬
‫وهنا يعلو صوت الحق كما قال جل وعل ‪:‬‬
‫ه‪‬‬‫طان ِي َ ْ‬ ‫سل ْ َ‬‫عّني ُ‬ ‫ك َ‬ ‫هل َ َ‬‫ه)‪َ (28‬‬ ‫مال ِي َ ْ‬‫عّني َ‬ ‫غَنى َ‬ ‫ما أ َ ْ‬‫‪َ ‬‬
‫]الحاقة ‪[ 28،29 :‬‬
‫وقد سجل التاريخ لهارون الرشيد عندما نام على فراش الموت‬
‫فنظر إلى جاهه وماله وقال ‪ :‬ما أغنى عنى ماليه هلك عنى‬
‫سلطانيه !!‬
‫ثم قال ‪ :‬أريد أن أرى قبرى الذى سأدفن فيه !!‬
‫فحملوه إلى قبره ‪ ،‬فنظر هارون إلى القبر وبكى ونظر إلى‬
‫السماء وقال ‪:‬‬
‫يا من ل يزول ملكه ‪ ...‬ارحم من قد زال ملكه ‪.‬‬
‫أين الجاه ؟! أين السلطان ؟! أين المال ؟! أين الراضى‬
‫والطيان ؟! ذهب كل شئ !!‬
‫سبحانه ‪ ...‬سبحانه ‪ ...‬سبحانه ‪.‬‬
‫سبحان ذى العزة والجبروت ‪ ،‬سبحان ذى الملك والملكوت ‪،‬‬
‫سبحان من كتب الفناء على جميع خلقه ‪ ،‬وهو الحى الذى ل‬
‫يموت ‪.‬‬
‫سبحانك يا من ذللت بالموت رقاب الجبابرة ‪.‬‬
‫سبحانك يا من أنهيت بالموت آمال القياصرة ‪.‬‬
‫ق‪:‬‬ ‫ن َرا ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ل َ‬ ‫قي َ‬‫و ِ‬‫ي)‪َ (26‬‬ ‫ق َ‬ ‫ت الت َّرا ِ‬ ‫غ ِ‬ ‫ذا ب َل َ َ‬
‫كل إ ِ َ‬‫‪َ ‬‬
‫من يرقى بروحه ؟!! أو من يبذل له الرقية والعلج ؟!!‬
‫وال ْت َ ّ‬ ‫ه ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫ق‬
‫سا ُ‬‫ت ال ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ق)‪َ (28‬‬ ‫فَرا ُ‬ ‫ن أن ّ ُ‬ ‫وظ َ ّ‬‫وقال سبحانه ‪َ ‬‬
‫ساقُ ‪. ‬‬ ‫م َ‬ ‫ذ ال ْ َ‬‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬ ‫ك يَ ْ‬‫ق)‪(29‬إ َِلى َرب ّ َ‬ ‫سا ِ‬ ‫ِبال ّ‬
‫إنه يوم المرجع ‪ ..‬إنه يوم العودة ‪ ...‬انتهى الجل ‪ ...‬انتهت الدنيا‬
‫وحتما ً ستعرض على مولك ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(21‬‬

‫سأل سليمان بن عبد الملك عالمـا ً من علماء السلف يقال له‬


‫أبو حازم ‪ ،‬قال سليمان ‪ :‬يا أبا حازم ‪ ،‬ما لنا نكره الموت ؟!‬
‫قال أبو حازم ‪ :‬لنكم عمرتم دنياكم وخربتم أخراكم فأنتم‬
‫تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب !!‬
‫أحبتى فى اللـه ‪:‬‬
‫فى زيارة إلى أمريكا نبهنى أحد القائمين على الدعوة هناك‬
‫ن اللـه عليه بالموال ‪ ،‬وهو مسلم عربى ومع ذلك ل يصلى‬ ‫م ّ‬
‫برجل َ‬
‫‪ ،‬ول يعرف حق الكبيـر المتعـال ذهبـت إليه لذكره باللـه فقال لى‬
‫بلسان المقال ‪ :‬أنا أتيت إلى هذه البلد من أجل الدولر وأعدك إن‬
‫عدت إلى بلدى ل أفارق المسجد قط‪.‬‬
‫ن يضمن لك يا مسكين أنك سترجع‬ ‫قلت ‪ :‬سبحان اللـه ‪ ..‬وم ْ‬
‫إلى بلدك ؟!! ‪ ،‬أو أن يمر عليك يوم بكامله ؟!!!‬
‫واللـه ل تضمن أن تتنفس بعد هذه اللحظات ‪.‬‬
‫واذكر ذنوبـك وابكهــا يا‬ ‫دع عنك ما قد فات فى‬
‫مذنب‬ ‫زمن الصبا‬
‫بل أثبتــاه وأنـــت له تلعب‬ ‫لــم ينسه الملكان حيـن‬
‫نسيتـه‬
‫ستردهــا بالرغـم منك‬ ‫والروح منك وديعـــة‬
‫وتسلب‬ ‫أودعتها‬
‫دار حقيقتها متـاع يذهــــب‬ ‫وغـرور دنياك التى تسعـى‬
‫لهـا‬
‫أنفاسنا فيهما تعــــد‬ ‫الليـل فاعلم و النهـــار‬
‫وتحسـب‬ ‫كلهما‬
‫دنياك مهما طالت فهى قصيرة ‪ ..‬ومهما عظمت فهى حقيرة ‪..‬‬
‫لن الليل مهما طال لبد من طلوع الفجر ‪ ..‬ولن العمر مهما طال‬
‫لبد من دخول القبر ‪.‬‬
‫ثم سأل سليمان بن عبد الملك ‪ ،‬وقال ‪ :‬يا أبا حازم كيف حالنا‬
‫عند اللـه تعالى ؟!!‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(22‬‬

‫قال ‪ :‬اعرض نفسك على كتاب اللـه ‪.‬‬


‫قال سليمان ‪ :‬أين أجده ؟!!‬
‫ن‬
‫وإ ِ ّ‬
‫م)‪َ (13‬‬
‫عي ٍ‬ ‫ن ال َب َْراَر ل َ ِ‬
‫في ن َ ِ‬ ‫قال ‪ :‬فى قوله تعالى ‪  :‬إ ِ ّ‬
‫] النفطار ‪. [ 14 ، 13 :‬‬ ‫حيم ٍ ‪. ‬‬
‫ج ِ‬ ‫جاَر ل َ ِ‬
‫في َ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ف ّ‬
‫قال سليمان بن عبد الملك ‪ :‬فأين رحمة اللـه يا أبا حازم ؟!!‬
‫ن‬‫م َ‬
‫ب ّ‬‫ري ٌ‬
‫ق ِ‬ ‫ت الّلـ ِ‬
‫ه َ‬ ‫م َ‬
‫ن َرح َ‬
‫قال أبو حازم‪ ‬إ ِ ّ‬
‫سِنينَ‪ ]‬العراف‪[56:‬‬
‫ح ِ‬
‫الم ُ‬
‫ضَنا على اللـه غدا ً ‪.‬‬
‫عر ُ‬
‫فقال سليمان بن عبد الملك ‪ :‬فكيف َ‬
‫م على أهله ‪،‬‬ ‫قال ‪ :‬أما المحسن فكالعبد الغائب من سفر يقد ُ‬
‫م على موله ‪.‬‬ ‫فيستقبله الهل بفرح ‪ ،‬والمسىء كالعبد البق يقدِ ُ‬
‫وفى الصحيحين من حديث عائشة رضى اللـه عنهـا أن النبى ‪‬‬
‫من أحب لقاء اللـه أحب اللـه لقاءه ‪ ،‬ومن كره‬ ‫))‬ ‫قال‪:‬‬
‫‪.‬‬ ‫((‬ ‫لقاء اللـه كره اللـه لقاءه‬
‫قالت عائشة ‪ :‬يا رسـول اللـه أكراهية الموت ؟ كلنا يكره الموت ‪.‬‬
‫ل يا عائشة ‪ ،‬ولكن المؤمن إذا بشر برحمة اللـه‬ ‫))‬ ‫قال ‪:‬‬
‫ورضوانه وجنته أحب لقاء اللـه وأحب اللـه لقاءه ‪ ،‬وإن‬
‫الكافر إذا بشر بسخط اللـه وعذابه كره لقاء اللـه وكره‬
‫اللـه لقاءه (( )‪. (8‬‬
‫وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى رضى اللـه‬
‫أن رسول اللـه ‪ ‬قال ‪ )) :‬إذا وضعت الجنازة وحملها‬ ‫عنه‬
‫الرجال على العناق تكلمت وسمعها كل شئ إل الثقلين‬
‫‪ -‬أو قال ‪ :‬إل النسان ‪ -‬ولو سمع النسان لصعق ‪ ،‬فإن‬
‫كانت صالحة قالت ‪ :‬قدمونى قدمــونى !! وإن كانت غير‬

‫‪ ()8‬رواه البخارى رقم )‪ ، (6507‬فى الرقاق ‪ ،‬باب من أحب لقاء اللـه أحب اللـه لقاءه ‪ ،‬ومسلم‬
‫رقم )‪ ، (2683‬فى الذكر والدعاء ‪ ،‬باب من أحب لقاء اللـه أحب اللـه لقاءه ‪ ،‬والترمذى رقم )‬
‫‪ ، (1066‬فى الجنائز ‪ ،‬باب ما جاء فيمن أحب لقاء اللـه أحب اللـه لقاءه ‪ ،‬والنسائى )‪ ، (4/10‬فى‬
‫الجنائز ‪ ،‬باب فيمن أحب لقاء اللـه ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(23‬‬

‫اللـهم‬ ‫)‪(9‬‬
‫صالحة قالت ‪ :‬يا ويلها ‪ !!..‬أين يذهبون بها !!‬
‫((‬
‫سلم‪ ..‬سلم ‪.‬‬
‫أيها اللهى ‪ ..‬أيها الساهى ‪ ..‬أيها الشاب ‪ ..‬أيها الكبير ‪ ..‬أيها‬
‫الصغير ‪ ..‬أيها المير ‪ ..‬أيها الوزير ‪ ..‬أيها الحقير ‪..‬‬
‫ذكر نفسك ‪ ،‬وقل لها !!‬
‫وأظلك الخطب الجليــــــ ُ‬
‫ل‬ ‫يا نفس قـــد أزف الرحيــل‬
‫يلعب بك المـــــل الطويـ ُ‬
‫ل‬ ‫فتأهبــــى يا نفـــــس ل‬
‫ل بـه الخليــــ ُ‬
‫ل‬ ‫ينسى الخليـ َ‬ ‫فلتنـــزلــن بمنـــــزل‬
‫من الث َّرى حمل ثقيـــــــ ُ‬
‫ل‬ ‫وليركبن عليـك فيـــــــه‬
‫فل يبقى العزيــــز ول‬ ‫قرن الفنــاء بنـا جميعــــا‬
‫الذلي ُ‬
‫ل‬
‫وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين وأشهد أن ل إله إل اللـه وحده ل شريك‬
‫له وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمدا ً نبيه ورسوله ‪ ،‬اللـهم صلى‬
‫وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأحبابه وأتباعه وعلى‬
‫كل من اهتدى بهديه واستن بسنته واقتفى أثره إلى يوم الدين ‪.‬‬
‫أما بعد ‪ ...‬فيا أيها الحبة الكرام ‪...‬‬
‫هكذا تبدأ رحلتنا فى رحاب الدار الخرة بالموت بعدما ب َّينا بإيجاز‬
‫حقيقة الدنيا وتنتهى هذه المرحلة الولى بالوصول إلى القبر ‪ ،‬وها‬
‫أنا سأقف معكم إن شاء اللـه تعالى لحقا أمام القبر ‪ ،‬وحقيقة‬
‫القبر ‪ ،‬وما معنى البرزخ وما معنى النعيم ‪ ،‬وما معنى الجحيم ‪،‬‬
‫ولماذا لم يذكر اللـه عذاب القبر صراحة فى القرآن ؟ وهل ثبتت‬
‫أحاديث صحيحة عن النبى ‪ ‬؟ وما هى حقيقة القبر؟ وما هى‬
‫حقيقة البعث ؟ لنواصل هذه الرحلة التى هى من الهمية بمكان ‪.‬‬
‫ها أنا ذا أذكر نفسى أول ً ثم إخوانى وأحبابى فى هذه اللحظة‬
‫بالتوبة والنابة إلى رب الرض والسموات وأقول ‪:‬‬
‫‪ ()9‬رواه البخارى رقم )‪ ، (1314‬فى الجنائز ‪ ،‬باب حمل الرجال الجنازة دون النساء ‪ ،‬والنسائى )‬
‫‪ ، (4/41‬فى الجنائز ‪ ،‬باب السرعة بالجنازة ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(24‬‬

‫أسرفت على نفسك بالمعاصى !!‬ ‫يا من‬


‫تركت الصلة فى بيوت اللـه !!‬ ‫يا من‬
‫ت الحجاب الشرعى وضيعت الصلة !!‬ ‫ترك ِ‬ ‫يا من‬
‫شغلك هَُبل العصرى ) التلفاز ( والشيطان عن اللـه عز‬ ‫يا من‬
‫وجل !!‬
‫يا من أعرضت عن مجالس العلم وأماكن الخير والطاعة‬
‫والعبادة !!‬
‫يا من قضيت عمرك على المقاهى وتركت طاعات اللـه ‪.‬‬
‫ُتبْ من الن إلى اللـه وسيقبل اللـه توبتك إن كانت خالصة‬
‫عَلى‬ ‫َ‬
‫فوا َ‬ ‫سَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّ ِ‬ ‫عَباِد َ‬ ‫ل َيا ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫لوجهه قال تعالى ‪ُ  :‬‬
‫ب‬‫فُر الذُّنو َ‬ ‫غ ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ه إِ ّ‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن َر ْ‬ ‫م ْ‬ ‫طوا ِ‬ ‫قن َ ُ‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫م‪.‬‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫عا إ ِن ّ ُ‬ ‫مي ً‬ ‫ج ِ‬ ‫َ‬
‫] الزمر ‪.[ 53 :‬‬
‫أقول لك أخى الحبيب ‪:‬‬
‫ب إلى اللـه ول تيأس مهما بلغت ذنوبك ‪ ،‬مهما كثرت معاصيك‬ ‫ُتـ ْ‬
‫اطرق باب الرحمن ‪ ،‬فلن يغلق اللـه فى وجهك قط ما دمت‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫فُر َ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬‫ه َ‬ ‫ك بِ ِ‬ ‫شَر َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫فُر أ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫تستغفر وتتوب إليه ‪ ‬إ ِ ّ‬
‫شاءُ ‪‬‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك لِ َ‬ ‫ن ذَل ِ َ‬ ‫دو َ‬ ‫ُ‬
‫] النساء ‪. [ 48 :‬‬
‫فعاهد نفسك من الن على التوبة أينما كنت ألم يقل اللـه عز‬
‫وجل؟!!‬
‫َ‬
‫سى‬ ‫ع َ‬ ‫حا َ‬ ‫صو ً‬ ‫ة نَ ُ‬ ‫وب َ ً‬ ‫ه تَ ْ‬ ‫مُنوا ُتوُبوا إ َِلى الل ّ ِ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫‪َ‬ياأي ّ َ‬
‫ربك ُ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫ري ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫ت تَ ْ‬ ‫جّنا ٍ‬ ‫م َ‬ ‫خل َك ُ ْ‬ ‫وي ُدْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫سي َّئات ِك ُ ْ‬ ‫م َ‬ ‫عن ْك ُ ْ‬ ‫فَر َ‬ ‫ن ي ُك َ ّ‬ ‫مأ ْ‬ ‫َ ّ ْ‬
‫وال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ع ُ‬ ‫م َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي َ‬ ‫ه الن ّب ِ ّ‬ ‫زي الل ّ ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م ل يُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫هاُر ي َ ْ‬ ‫ها الن ْ َ‬ ‫حت ِ َ‬ ‫تَ ْ‬
‫َ‬ ‫هم يسعى بين أ َيديهم وبأ َ‬
‫م‬ ‫م ْ‬ ‫ن َرب َّنا أت ْ ِ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م يَ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ن‬ ‫ما‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ي‬ ‫َ ْ َ ْ ِ ِ ْ َ ِ‬ ‫ُنوُر ُ ْ َ ْ َ‬
‫ديٌر ‪ ] ‬التحريم ‪8 :‬‬ ‫ق ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫ك َ‬ ‫فْر ل ََنا إ ِن ّ َ‬ ‫غ ِ‬ ‫وا ْ‬ ‫ل ََنا ُنوَرَنا َ‬
‫[‪.‬‬
‫يقول‪ )) :‬قال اللـه تعالى فى الحديث القدسى ‪ " :‬يا‬
‫فى رحاب الدار الخرة "الموت"‬ ‫)‪(25‬‬

‫ابن آدم إنك ما دعوتنى ورجوتنى غفرت لك على ما كان‬


‫منك ول أبالى ‪ ،‬يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء‬
‫ثم استغفرتنى غفرت لك على ما كان منك ول أبالى ‪ ،‬يا‬
‫قراب الرض خطايا ثم لقيتى ل‬ ‫ابن آدم لو أتيتنى ب ُ‬
‫تشرك بى شيئا لتيتك بقرابها مغفرة " (( )‪. (10‬‬
‫أيها الحبيب ‪...‬‬
‫مر الكون واربح ما استعطت من أموال‬ ‫اجتهد فى الدنيا وَعَ ّ‬
‫ولكن بشرطين أن تربح من حلل ‪ ،‬وتؤدى حق الكبير المتعال ‪.‬‬
‫اجتهد فى الدنيا وازرع للخرة ‪ ،‬فأنا ل أريد أن أقّنتك من هذه‬
‫الحياة قط وإنما أريد أن أذكر نفسى وإياك بأن الدنيا مزرعة للخرة ‪،‬‬
‫فل ينبغى أن ننشغل بالدار الفانية على الباقية ‪ ،‬فغدا ً سترحل عن هذه‬
‫الحياة ولن ينفعك إل ما قدمت ‪.‬‬
‫)) يتبع الميت ثلث ‪ ،‬ماله ‪ ،‬وأهله ‪ ،‬وعمله فيرجع اثنان‬
‫ويبقى واحد يرجع أهله وماله ويبقى عمله (( )‪. (11‬‬
‫وينادى عليك فى القبر بلسان الحال ‪:‬‬
‫و فـى التـــراب وضعــوك‬ ‫رجعـــــوا وتركــــوك‬
‫ولـو ظلوا معــك ما‬ ‫وللحســـاب عرضــــوك‬
‫نفعــوك‬
‫ولم يبقى لك إل عملك مع رحمة الحى الذى ل يموت ‪.‬‬
‫‪ ..........‬الدعــاء‬

‫‪ ()10‬رواه الترمذى رقم )‪ ، (3534‬فى الدعوات ‪ ،‬وحسنه اللبانى فى الصحيحة رقم )‪ ، (127‬وهو‬
‫فى صحيح الجامع رقم )‪. (4338‬‬
‫‪ ()11‬رواه البخارى رقم )‪ ، (6514‬فى الرقاق ‪ ،‬باب سكرات الموت ‪ ،‬ومسلم رقم )‪ ، (2960‬فى‬
‫الزهد فى فاتحته ‪ ،‬والترمذى رقم )‪ ، (2380‬فى الزهد ‪.‬‬

You might also like