You are on page 1of 20

‫بسم اللـه الرحمن الرحيم‬

‫تابع الحساب‬

‫إن الحمد لله نحمده ونستغفره ونستهديه ونعوذ باللـه من شرور‬


‫أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللـه فل مضل له ومن يضلل‬
‫فل هادى له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل اللـه وحده لشريك له وأشهد أن محمدا‬
‫عبده ورسوله ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫موت ُ ّ‬ ‫وَل ت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قات ِ ِ‬ ‫ق تُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫قوا اللـه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫} َياأي ّ َ‬
‫ن { ‪ ] .‬آل عمران ‪. [ 102 -‬‬ ‫إّل َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫} َياأي ّ َ‬
‫ساءً‬ ‫ون ِ َ‬ ‫جاًل ك َِثيًرا َ‬ ‫ر َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ث ِ‬ ‫وب َ ّ‬ ‫ها َ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬‫ها َز ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خل َ َ‬‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن اللـه َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫واْلْر َ‬‫َ‬ ‫ساءَُلو َ‬ ‫قوا اللـه ال ّ ِ‬ ‫وات ّ ُ‬
‫حا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫َ‬
‫قيًبا { ‪ ] .‬النساء ‪. [ 1-‬‬ ‫م َر ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫َ‬
‫َ‬
‫دا )‬‫دي ً‬ ‫س ِ‬‫وًل َ‬ ‫ق ْ‬ ‫قوُلـوا َ‬ ‫و ُ‬ ‫قوا اللـه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫} َياأي ّ َ‬
‫ن‬
‫مـ ْ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬ ‫كـ ْ‬ ‫م ذُُنوب َ ُ‬ ‫كـ ْ‬ ‫فــْر ل َ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مـال َك ُ ْ‬ ‫م أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫كـ ْ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫‪ (70‬ي ُ ْ‬
‫ما { ‪ ] .‬الحزاب‬ ‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫وًزا َ‬ ‫ف ْ‬ ‫فـاَز َ‬ ‫قــدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫سوَلـ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ع اللـه َ‬ ‫طـ ِ‬ ‫يُ ِ‬
‫‪. [ 71 ، 70-‬‬
‫أما بعـــد ‪...‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب اللـه وخير الهدى هدى محمد‪ ‬وشر‬
‫المور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة وكل ضللة فى‬
‫النار ‪.‬‬
‫أحبتى فى اللـه ‪:‬‬
‫نحن اليوم بتوفيق اللـه جل وعل على موعد مع اللقاء الخامس‬
‫عشر من لقاءات هذه السلسلة المنهجية المباركة ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(10‬‬

‫أخى الحبيب ‪ :‬تذكر معى أننا قد توقفنا فى اللقاءين‬


‫الماضيين على التوالى مع قواعد العدل التى يحاسب اللـه جل‬
‫وعل عباده بها يوم القيامة ‪ ،‬ثم تعرفنا على أول أمة يحاسبها اللـه‬
‫جل وعل ‪ ،‬وعلى أول من يقضى اللـه بينهم يوم القيامة ‪ ،‬وعلى‬
‫أول ما سيحاسب وما يسأل عنه العبد بين يدى الرب جل وعل ‪،‬‬
‫ونحن اليوم بإذن اللـه تعالى ل زلنا مع الناس فى ساحة الحساب‬
‫بين يدى اللـه سبحانه وتعالى ‪ ،‬فإن اللـه عز وجل يسأل العبد بعد‬
‫الصلة عن أربع ‪:‬‬
‫عن عمره فيما أفناه ؟! وعن علمه ماذا عمل فيه ؟! وعن ماله‬
‫من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟! وعن جسمه فيما أبله ؟! هذه‬
‫الربع هى موضوع لقاءنا مع حضراتكم فى هذا اليوم الكريم‬
‫المبارك ‪.‬‬
‫أحبتى الكرام ‪ :‬أعيرونى القلوب والسماع فإن الموضوع من‬
‫الهمية بمكان واللـه أسأل أن يسترنا فوق الرض وتحت الرض‬
‫ويوم العرض ‪.‬‬
‫ول شك أن اللـه عز وجل سيسأل العبد فى ساحة الحساب عن‬
‫كل ما قدم فى هذه الحياة ‪.‬‬
‫ه)‬
‫خي ًْرا ي ََر ُ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬
‫ة َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬
‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫قال اللـه سبحانه ‪َ } :‬‬
‫ف َ‬
‫] الزلزلة ‪:‬‬ ‫ه{‬ ‫شّرا ي ََر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫مث ْ َ‬
‫قا َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬‫ع َ‬
‫ن يَ ْ‬‫م ْ‬ ‫و َ‬
‫‪َ (7‬‬
‫‪. [ 7،8‬‬
‫َ‬ ‫ك ل َن َ َ‬
‫ما‬
‫ع ّ‬‫ن)‪َ (92‬‬ ‫عي َ‬‫م ِ‬‫ج َ‬
‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬‫سأل َن ّ ُ‬‫ْ‬ ‫وَرب ّ َ‬ ‫وقال جل وعل ‪َ } :‬‬
‫ف َ‬
‫ن{ ] الحجر ‪. [ 92،93 :‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬
‫ذكرك اللـه إياهـــــــــا‬ ‫فكم من معصية قد كنــت‬
‫نسيتها‬
‫أظهرها الله لــــك وأبـداهـا‬ ‫وكم من مصيبة قـد كنـت‬
‫أخفيتها‬
‫ولكن النبى‪ ‬قد ذكر أن اللـه سبحانه سيسأل العبد بعد الصلة‬
‫عن أربع كما فى الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى والطبرانى‬
‫فى رحاب الدار الخرة "تابع الحساب"‬ ‫)‪(11‬‬

‫فى معجمه والصغير ‪ ،‬والخطيب فى التاريخ ‪ ،‬وصححه شيخنا‬


‫اللبانى فى السلسلة الصحيحة وصحيح الجامع من حديث عبد اللـه‬
‫بن مسعود رضى اللـه عنه أن النبى‪ ‬قال ‪ )) :‬ل تزول قدما‬
‫عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع ‪ :‬عن عمره فيما‬
‫أفناه ؟ وعن علمه ما عمل به ؟ وعن ماله من أين‬
‫اكتسبه وفيم أنفقه ؟ وعن جسمه فيما أبله ؟ (( )‪. (1‬‬

‫أول ً ‪:‬السؤال عن العمر‬

‫أحبتى فى اللـه ‪:‬‬


‫العمر هو البضاعة ‪ ،‬ورأس المال فمن ضاعت بضاعته ‪ ،‬وانتهى‬
‫رأس ماله دون أن يحقق الربح فهو من الخاسرين ‪.‬‬
‫هل حسبت أن هذا العمر ‪ ،‬وهذه اليام ‪ ،‬وهذه الشهور وهذه‬
‫السنوات ‪ ،‬التى هى عمرك ‪ ،‬والتى تمضى منك ‪ ،‬وأنت ل تشعر ‪،‬‬
‫هل حسبت أن اللـه لن يسألك عنها ؟!!‬
‫عبًثا َ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫َ‬ ‫قال اللـه تعالى ‪ } :‬أ َ َ‬
‫وأن ّك ُ ْ‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫م َ َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬ ‫سب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ف َ‬
‫ه إ ِّل‬ ‫ق َل إ ِل َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫مل ِ ُ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫عاَلى الل ّ ُ‬ ‫فت َ َ‬‫ن)‪َ (115‬‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬‫إ ِل َي َْنا َل ت ُْر َ‬
‫] المؤمنون ‪- 115 :‬‬ ‫ريم ِ{‬ ‫ش ال ْك َ ِ‬ ‫عْر ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬‫ُ‬
‫‪. [ 116‬‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫دى)‪(36‬أل َ ْ‬
‫م‬ ‫س ً‬ ‫ك ُ‬ ‫ن ي ُت َْر َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫سا ُ‬ ‫ب اْل ِن ْ َ‬ ‫س ُ‬ ‫ح َ‬ ‫وقال سبحانه ‪ } :‬أي َ ْ‬
‫خل َ َ‬
‫ق‬ ‫ف َ‬‫ة َ‬ ‫ق ً‬‫عل َ َ‬
‫ن َ‬ ‫كا َ‬ ‫م َ‬ ‫مَنى)‪(37‬ث ُ ّ‬ ‫ي يُ ْ‬ ‫من ِ ّ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫ك ن ُطْ َ‬
‫ف ً‬ ‫يَ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫واْلن َْثى)‪(39‬أل َي ْ َ‬
‫س‬ ‫ن الذّك ََر َ‬ ‫جي ْ ِ‬ ‫و َ‬‫ه الّز ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬ ‫ع َ‬‫ج َ‬ ‫وى)‪َ (38‬‬
‫ف َ‬ ‫س ّ‬‫ف َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫وَتى {‬ ‫م ْ‬‫ي ال ْ َ‬ ‫حي ِ َ‬ ‫ن يُ ْ‬ ‫عَلى أ ْ‬ ‫ر َ‬ ‫قاِد ٍ‬ ‫ك بِ َ‬‫ذَل ِ َ‬
‫] القيامة ‪[ 36،40 :‬‬
‫أليس ذلك بقادر على أن يبعثهم للوقوف بين يديه للسؤال عما‬
‫قدموه وعما فعلوه ‪ ..‬للسؤال عن القليل ‪ ،‬والكثير ‪ ،‬صغير أو‬
‫كبير ‪ ،‬حقير أو عظيم !!‬
‫‪ ()1‬رواه الترمذى رقم ) ‪ ، (2419‬فى صفة القيامة ‪ ،‬باب رقم )‪ ، (1‬وقال ‪ :‬حسن صحيح ‪ ،‬وصححه‬
‫شيخنا اللبانى فى الصحيحة رقم ) ‪ ، (946‬وهو فى صحيح الجامع رقم ) ‪. (7299‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(12‬‬

‫أيها المسلم اليام تمر والشهر تجرى وراءها تسحب معها‬


‫السنين ‪ ،‬وتجر خلفها العمار وتطوى حياة جيل بعد جيل وبعدها‬
‫سيقف الجميع بين يدى الملك الجليل ‪.‬‬
‫العمر يولى ستسأل عن كل ساعة ‪ ،‬عن كل يوم ‪ ،‬عن كل‬
‫أسبوع ‪ ،‬عن كل سنة ‪ ،‬عن عمرك كله فيما أفنيته ‪.‬‬
‫قال الحسن البصرى رحمه اللـه تعالى ‪ " :‬يا ابن آدم إنما أنت‬
‫أيام مجموعة فإن مضى يوم مضى بعضك وإن مضى بعضك مضى‬
‫كلك " ‪.‬‬
‫ولذا كان الحسن رحمه اللـه يقول ‪ " :‬ما من يوم تطلع فيه‬
‫الشمس إل وينادى بلسان الحال ويقول يا ابن آدم أنا خلق جديد‬
‫وعلى عملك شهيد فاغتنمنى فإنى ل أعود إلى يوم القيامة ‪.‬‬
‫وكان عبد اللـه بن مسعود رضى اللـه عنه يقول ‪ " :‬واللـه ما‬
‫ندمت على شئ كندمى على يوم طلعت شمسه نقص فيه أجلى‬
‫ولم يزد فيه عملى "‪.‬‬
‫العمر هو البضاعة الحقيقة ‪ ،‬وواللـه ما منحنا هذه البضاعة‬
‫الكريمة للهو واللعب والملزات والشهوات ‪ ،‬واللـه ما للهو خلقنا‬
‫بل خلقنا لغاية كريمة ولغاية عظيمة ‪.‬‬
‫ن{‬ ‫دو ِ‬ ‫س إ ِّل ل ِي َ ْ‬
‫عب ُ ُ‬ ‫واْل ِن ْ َ‬
‫ن َ‬
‫ج ّ‬‫ت ال ْ ِ‬ ‫خل َ ْ‬
‫ق ُ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬
‫قال جل وعل ‪َ } :‬‬
‫] الذاريات ‪. [ 56 :‬‬
‫هذه هى الغاية التى خلق اللـه لها الخلق ‪ ،‬واللـه ما خلقنا اللـه‬
‫لنضيع العمار أمام المسلسلت ‪ ،‬وأمام المباريات ‪ ،‬وأمام الفلم ‪،‬‬
‫وأمام هذا العبث واللـهو الذى تحول فى حياة هذه المة المسكينة‬
‫إلى جد ‪.‬‬
‫ومن أجمل ما قيل فى قول اللـه تعالى فى حق نبى اللـه يحيى‬
‫] مريم ‪. [ 12 :‬‬ ‫صِبيا ً {‬
‫م َ‬ ‫وأتيَناهُ الحك ْ َ‬
‫} َ‬
‫قال جمهور المفسرين أى أتاه اللـه الحكمة وهو طفل صغير‬
‫فذهب إليه يوما ً بعض أترابه من زملئه قبل أن يوحى اللـه إليه‬
‫بالنبوة فقالوا ‪ :‬يا يحيى هيا بنا لنلعب ! فقال يحيى ‪ :‬واللـه ما‬
‫فى رحاب الدار الخرة "تابع الحساب"‬ ‫)‪(13‬‬

‫للعب خلقنا واللـه ما للهو والعبث خلقنا ‪.‬‬


‫ج ّ‬
‫ل‬ ‫ل المة الن يقضى ُ‬ ‫ج ّ‬ ‫واللـه ما خلقنا لنضيع العمار ‪ ،‬فإن ُ‬
‫الليل أمام التلفاز ول حول ول قوة إل باللـه العلى العظيم ‪.‬‬
‫يا من يمضى عمرك وأنت ل تدرى ‪ ..‬اعلم بأنك ستسأل عن‬
‫هذه الساعات‪ ..‬ستسأل عن هذا العمر‪..‬‬
‫وتذكر يا من يمضى عمرك وأنت فى غفلة أن الدنيا مهما طالت‬
‫فهى قصيرة ‪ ،‬ومهما عظمت فهى حقيرة وأن الليل مهما طال لبد‬
‫من طلوع الفجر ‪ ،‬وأن العمر مهما طال لبد من دخول القبر ‪،‬‬
‫تذكر وصية الحبيب‪ ‬لعبد اللـه بن عمر كما فى صحيح البخارى أنه‬
‫‪ ‬أخذ بمنكبى عبد اللـه بن عمر وقال يا عبد اللـه‪ )):‬كن فى‬
‫الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل (()‪. (1‬‬
‫ما أحوجنا ورب الكعبة لهذه الكلمات ‪ ،‬ونحن نعيش الن عصرا ً‬
‫طغى فيه حب الشهوات وحب الملزات وحب الدنيا ‪ ،‬فإن كثيرا ً من‬
‫كر بحديث رسول اللـه فل‬ ‫كر بقول اللـه فل يتذكر !! ‪ ،‬وي ُذ َ ّ‬ ‫الناس ي ُذ َ ّ‬
‫يتحرك قلبه وكأن القلوب تحولت إلى حجارة !!‬
‫ي‬
‫ه َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ك َ‬ ‫د ذَل ِ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫ن بَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قُلوب ُك ُ ْ‬ ‫ت ُ‬ ‫س ْ‬ ‫ق َ‬ ‫م َ‬ ‫قال اللـه تعالى ‪ } :‬ث ُ ّ‬
‫ه‬
‫من ْ ُ‬ ‫جُر ِ‬ ‫ف ّ‬ ‫ما ي َت َ َ‬ ‫ة لَ َ‬ ‫جاَر ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وإ ِ ّ‬‫وةً َ‬ ‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫شد ّ َ‬ ‫و أَ َ‬‫ةأ ْ‬
‫حجار َ‬
‫كال ْ ِ َ َ ِ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ها‬ ‫من ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫ماءُ َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫من ْ ُ‬‫ج ِ‬ ‫خُر ُ‬ ‫في َ ْ‬ ‫ق َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ما ي َ ّ‬ ‫ها ل َ َ‬ ‫من ْ َ‬
‫ن ِ‬ ‫وإ ِ ّ‬ ‫هاُر َ‬ ‫اْلن ْ َ‬
‫ه { ] البقرة ‪[ 74 :‬‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫شي َ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ط ِ‬ ‫هب ِ ُ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫لَ َ‬
‫ل‬‫جب َ ٍ‬ ‫عَلى َ‬ ‫ن َ‬ ‫ءا َ‬ ‫قْر َ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و أ َن َْزل َْنا َ‬ ‫وقال اللـه تعالى ‪ } :‬ل َ ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫مَثا ُ‬ ‫ك اْل ْ‬ ‫وت ِل ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ة الل ّ ِ‬ ‫شي َ ِ‬ ‫خ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫عا ِ‬ ‫صد ّ ً‬ ‫مت َ َ‬ ‫عا ُ‬‫ش ً‬ ‫خا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل ََرأي ْت َ ُ‬
‫] الحشر ‪. [ 21 :‬‬ ‫ن{‬ ‫فك ُّرو َ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫عل ّ ُ‬‫س لَ َ‬ ‫ها ِللّنا ِ‬ ‫رب ُ َ‬ ‫ض ِ‬ ‫نَ ْ‬
‫اللـهم ارزقنا التفكير فى آلئك ونعمك برحمتك يا أرحم‬
‫الراحمين ‪.‬‬
‫وكان ابن عمر يقول ‪ " :‬إذا أمسيت فل تنتظر الصباح ‪ ،‬وإذا‬
‫أصبحت فل تنتظر المساء " ‪.‬‬
‫قيل لبراهيم بن أدهم طيب اللـه ثراه ‪ ،‬يا إبراهيم ‪ :‬كيف وجدت‬
‫‪،‬‬ ‫((‬ ‫كن فى الدنيا كأنك غريب‬ ‫))‬ ‫‪ ()1‬رواه البخارى رقم ) ‪ ، (11/192‬فى الرقاق ‪ ،‬باب قول النبى‪‬‬
‫والترمذى رقم )‪ ، (2334‬فى الزهد ‪ ،‬باب ما جاء فى قصر المل ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(14‬‬

‫الزهد فى الدنيا ؟!‬


‫فقال إبراهيم ‪ :‬بثلثة أشياء ‪ ،‬قيل ‪ :‬وما هى ؟!‬
‫قال إبراهيم ‪ :‬رأيت القبر موحشا ً وليس معى مؤنس ‪ ،‬ورأيت‬
‫الطريق طويل ً وليس معى زاد ‪ ،‬ورأيت جبار السموات والرض‬
‫قاضيا ً وليس معى من يدافع عنى ‪.‬‬
‫أيها الحبة الكرام ‪ :‬الدنيا كلها إلى زوال والعمر كله إلى فناء‬
‫‪ ،‬ويوم أن نام السلطان الفاتح محمد بن ملك شاه على فراش‬
‫ى‬ ‫َ‬
‫الموت ‪ ،‬وكان من السلطين الثرياء الغنياء قال ‪ :‬اعرضوا عَل ّ‬
‫كل ما أملك من الجوارى والغلمان ‪ ،‬والنساء ‪ ،‬والموال ‪ ،‬والجواهر‬
‫بل ‪ ،‬وليخرج الجند جميعا ً ‪ ،‬فخرج الجيش عن ب َك َْرة أبيه ‪ ،‬فنظر‬
‫ل منى‬ ‫السلطان إلى هذا الملك العظيم وبكى وقال ‪ :‬واللـه لو قَب ِ َ‬
‫ملك الموت كل هذا لفتديت به !!‬
‫ثم نظر إلى جنوده وقال ‪ :‬أما هؤلء واللـه ل يستطيعوا أن‬
‫غَنى‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫يزيدوا فى عمرى ساعة ثم أجهش بالبكاء وقال ‪َ } :‬‬
‫] الحاقة ‪- 28 :‬‬ ‫ه{‬ ‫سل ْ َ‬
‫طان ِي َ ْ‬ ‫عّني ُ‬ ‫ك َ‬ ‫هل َ َ‬
‫ه)‪َ (28‬‬ ‫مال ِي َ ْ‬
‫عّني َ‬‫َ‬
‫‪.[ 29‬‬
‫وهذا أخوه هارون الرشيد الذى كان يخاطب السحابة فى كبد‬
‫السماء ‪ ،‬ويقول لها ‪ :‬أيتها السحابة فى أى مكان شئت أمطرى‬
‫فسوف يحمل إلى خراجك إن شاء اللـه تعالى ‪.‬‬
‫لما نام على فراش الموت بكى هارون وقال لخوانه ‪ :‬أريد أن‬
‫أرى قبرى الذى سأدفن فيه !!‬
‫فحملوه إلى قبره ‪ ،‬فنظر هارون إلى قبره وبكى ورفع رأسه‬
‫ملكه ارحم من زال ملكه ‪.‬‬ ‫ن ل يزول ُ‬ ‫م ْ‬
‫إلى السماء ‪ :‬وقال يا َ‬
‫واذكـر ذنوبك وابكها يا‬ ‫دع عنك ما قد فات فى زمـ‪،‬‬
‫ب‬
‫مذنــ ُ‬ ‫الصبا‬
‫ب‬
‫بــل أثبتاه وأنـــت لهٍ تلع ُ‬ ‫لم ينسـه الملكـان حيـن‬
‫نسيتـه‬
‫ستــــردها بالرغم منك‬ ‫والروح منك وديعة‬
‫فى رحاب الدار الخرة "تابع الحساب"‬ ‫)‪(15‬‬

‫ب‬
‫وُتسل ُ‬ ‫أودعتهــــا‬
‫ب‬
‫داٌر حقيقتهـــــا متـاعٌ يذه ُ‬ ‫سَعــى‬
‫وغرور دنياك التـى ت َ ْ‬
‫لها‬
‫أنفاسنا فيها ت َُعــــد ّ‬ ‫الليل فاعلم والنهـــار‬
‫ب‬
‫ســ ُ‬
‫وُتح َ‬ ‫كلهمـا‬
‫عبًثا َ‬ ‫َ‬ ‫} أَ َ‬
‫ن)‬‫عو َ‬ ‫م إ ِل َي َْنا َل ت ُْر َ‬
‫ج ُ‬ ‫وأن ّك ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫م َ َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬‫خل َ ْ‬‫ما َ‬ ‫م أن ّ َ‬‫سب ْت ُ ْ‬
‫ح ِ‬ ‫ف َ‬
‫ش‬‫عْر ِ‬ ‫ب ال ْ َ‬‫و َر ّ‬ ‫ه َ‬‫ه إ ِّل ُ‬ ‫ق َل إ ِل َ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ك ال ْ َ‬ ‫مل ِ ُ‬‫ه ال ْ َ‬‫عاَلى الل ّ ُ‬ ‫‪َ (115‬‬
‫فت َ َ‬
‫] المؤمنون ‪[115،116 :‬‬ ‫ريم ِ{‬ ‫ال ْك َ ِ‬
‫أخى الكريم ‪:‬‬
‫لن تتحرك قدمك يوم القيامة حتى تسأل عن عمرك ‪.‬‬
‫انتبه يا من تغافلت عن هذه البضاعة ورأس المال الحقيقى‬
‫الذى تملكه أل وهو عمرك ‪ ،‬واعلم يقينا أن كل يوم يمر عليك‬
‫يبعدك عن الدنيا يوما ويقربك من الخرة يوما ً ‪.‬‬
‫ى إنك من يوم أن نزلت إلى‬ ‫قال لقمان الحكيم لولده ‪ :‬أى ب ُن َ ّ‬
‫الدنيا استدبرت الدنيا واستقبلت الخرة فأنت إلى دار تقبل عليها‬
‫أقرب من دار تبتعد عنها ‪.‬‬
‫ولقى الفضيل بن عياض رجل ً فقال الفضيل ‪ :‬كم عمرك ؟!‬
‫قال الرجل ‪ :‬ستون سنة ‪ ،‬قال الفضيل ‪ :‬إذا ً أنت منذ ستين سنة‬
‫تسير إلى اللـه يوشك أن تصل ‪.‬‬
‫فقال الرجل ‪ :‬إنا لله وإنا إليه راجعون ‪.‬‬
‫قال الفضيل ‪ :‬هل عرفت معناها ‪ ،‬قال ‪ :‬نعم عرفت أنى لله عبد‬
‫وأنى إلى اللـه راجع ‪.‬‬
‫قال الفضيل ‪ :‬يا أخى من عرف أنه لله عبد وأنه إليه راجع ‪،‬‬
‫عرف أنه موقوف بين يديه ومن عرف أنه موقوف عرف أنه‬
‫مسئول ‪ ،‬ومن عرف أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا ً ‪.‬‬
‫فبكى الرجل وقال ‪ :‬يا فضيل وما الحيلة ؟! قال الفضيل ‪:‬‬
‫يسيرة ‪ ،‬قال ‪ :‬ما هى يرحمك اللـه ‪ ،‬قال ‪ :‬أن تتقى اللـه فيما بقى‬
‫من عمرك يغفر اللـه لك ما قد مضى ‪ ،‬وما قد بقى من عمرك ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(16‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬عن علمه ماذا عمل به ؟!‬

‫اعلم يقينا أنك ستسأل عن كل كلمة استمعت إليها فى خطبة‬


‫جمعة ‪ ،‬أو محاضرة أو قرأتها فى كتاب ‪ ،‬ستسأل عن علمك الذى‬
‫تعلمت ‪ ،‬ماذا عملت به ؟؟ ُترى منذ متى ونحن نسمع عن اللـه ؟!‬
‫ُترى منذ متى ونحن نسمع عن رسول اللـه ؟! ومع ذلك سترى‬
‫البون شاسعا ً بين القول والعمل ‪ ،‬سترى فجوة خطيرة بين‬
‫القول ‪ ،‬والعمل ‪ ،‬وهذه الفجوة سبب من أسباب النفاق ‪ ،‬قال‬
‫َ‬
‫عُلو َ‬
‫ن)‬ ‫ف َ‬ ‫ما َل ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م تَ ُ‬ ‫مُنوا ل ِ َ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫تعالى ‪َ } :‬ياأي ّ َ‬
‫عن ْد الل ّ َ‬
‫ن{‬ ‫عُلو َ‬ ‫ف َ‬ ‫ما َل ت َ ْ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن تَ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫قًتا ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫‪(2‬ك َب َُر َ‬
‫] الصف ‪. [ 2،3 :‬‬
‫سك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ف َ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬ ‫و َ‬ ‫س ْ‬ ‫وت َن ْ َ‬ ‫س ِبال ْب ِّر َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬
‫َ ْ‬
‫وقال جل وعل ‪ } :‬أت َأ ُ‬
‫] البقرة ‪. [ 44 :‬‬ ‫ن{‬ ‫قُلو َ‬ ‫ع ِ‬ ‫فَل ت َ ْ‬ ‫ب أَ َ‬ ‫ن ال ْك َِتا َ‬ ‫م ت َت ُْلو َ‬
‫َ‬
‫وأن ْت ُ ْ‬‫َ‬
‫أسأل اللـه أن يرزقنا الصدق ‪ ،‬والخلص فى القول ‪ ،‬والعمل ‪.‬‬
‫أيها الحبة الكرام ‪ :‬العلم أغلى ما يطلب فى هذه الحياة بل‬
‫شك ‪ ،‬ول نزاع فل سبيل إلى معرفة اللـه ‪ ،‬ول سبيل إلى الوصول‬
‫إلى رضوان اللـه فى الدنيا والخرة إل بالعلم الشرعى ‪ ،‬العلم‬
‫يبذل له المال ‪ ،‬العلم يبذل له العمر ‪ ،‬العلم يبذل له الوقت كله ‪،‬‬
‫فإن أغلى ما يضحى له هو العلم ‪ ،‬ولم يأمر اللـه نبيه بطلب‬
‫الزيادة من شئ إل من العلم ‪ ،‬كما قال تعالى آمرا ً نبيه المصطفى‬
‫ما { ] طه ‪. [114 :‬‬ ‫عل ْ ً‬ ‫زدِْني ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ُ‬
‫‪َ }:‬‬
‫ماءُ { ] فاطر ‪:‬‬ ‫عل َ َ‬‫ه ال ْ ُ‬ ‫عَباِد ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ه ِ‬ ‫شى الل ّ َ‬ ‫خ َ‬ ‫ما ي َ ْ‬ ‫ثم قال } إ ِن ّ َ‬
‫‪[ 28‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫من ْك ُ ْ‬ ‫مُنوا ِ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫ع الل ّ ُ‬ ‫ف ِ‬ ‫ثم قال تعالى ‪ } :‬ي َْر َ‬
‫] المجادلة ‪. [ 11 :‬‬ ‫ت{‬‫جا ٍ‬ ‫م دََر َ‬ ‫عل ْ َ‬ ‫ُأوُتوا ال ْ ِ‬
‫مَلئ ِك َ ُ‬ ‫شهد الل ّ َ‬
‫ة‬ ‫وال ْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫ه َل إ ِل َ َ‬ ‫ه أن ّ ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثم قال سبحانه‪َ ِ َ } :‬‬
‫م{‬ ‫كي ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيُز ال ْ َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و ال ْ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه إ ِّل ُ‬ ‫ط َل إ ِل َ َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ما ِبال ْ ِ‬ ‫قائ ِ ً‬ ‫عل ْم ِ َ‬ ‫وُأوُلو ال ْ ِ‬ ‫َ‬
‫فى رحاب الدار الخرة "تابع الحساب"‬ ‫)‪(17‬‬

‫] آل عمران ‪. [ 18 :‬‬
‫وفى الصحيحين من حديث عبد اللـه بن عمر أن النبى‪ ‬قال ‪:‬‬
‫)) إن اللـه ل يقبض العلم انتزاعا ً – قال ابن حجر فى الفتح ‪:‬‬
‫أى محوا ً من الصدور‪ -‬ينتزعه من صدور الناس ولكن يقبض‬
‫العلم بقبض العلماء حتى إذا لم يبق عالما ً اتخذ الناس‬
‫رؤوسا ً جهال ً – وفى لفظ رؤساء جهال ‪ -‬فسئلوا فأفتوا‬
‫ضّلوا وأ َ َ‬
‫ضّلوا (()‪. (1‬‬ ‫بغير علم َ‬
‫ف َ‬
‫وفى الصحيحين أن النبى‪ ‬قال ‪ )) :‬من يرد اللـه به خيرا ً‬
‫يفقه فى الدين (()‪.(2‬‬
‫وفى الصحيحين أن النبى‪ ‬قال لعلى ‪ )) :‬لن يهدى اللـه بك‬
‫رجل ً واحدا ً خي ُُر لك من حمر النعم (( )‪. (3‬‬
‫وفى الحديث الذى رواه أبو داود والترمزى وابن ماجه وغيرهم‬
‫وحسنه شيخنا اللبانى بشواهده من حديث أبى الدرداء رضى اللـه‬
‫عنه أن النبى‪ ‬قال ‪ )) :‬من سلك طريقا ً يلتمس فيه علما ً‬
‫سهل اللـه له به طريقا ً إلى الجنة‪ ،‬وإن الملئكة لتضع‬
‫أجنحتها لطالب العلم رضا ً بما يصنع ‪ ،‬وإن العالم‬
‫ليستغفر له كل من فى السموات والرض حتى الحيتان‬
‫فى الماء ‪ ،‬وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر‬
‫ليلة البدر على سائر الكواكب ‪ ،‬وإن العلماء ورثة‬
‫النبياء ‪ ،‬وإن النبياء لم يورثوا دينارا ً أو درهمًا‪ ،‬وإنما‬
‫ورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر (( )‪. (4‬‬
‫من أتاه اللـه العلم أتاه الحظ الوافر ‪ ،‬وأتاه الخير كله ‪ ،‬فإن‬
‫اللـه يعطى الدنيا من يحب ‪ ،‬ومن لم يحب ‪ ،‬ولكن اللـه ل يعطى‬

‫‪ ()1‬رواه البخارى ) ‪ ، (1/174‬فى العلم ‪ ،‬باب كيف يقبض العلم ‪ ،‬ومسلم رقم )‪ ، (2673‬فى العلم ‪،‬‬
‫باب رفع العلم وقبضه ‪ ،‬والترمذى رقم )‪ ، (2654‬فى العلم ‪ ،‬باب ما جاء فى ذهاب العلم ‪.‬‬
‫‪ ()2‬رواه البخارى رقم ) ‪ ، (3116‬الجهاد ‪ ،‬باب قول الله تعالى } فإن لله خمسه وللرسول{ ‪،‬‬
‫ومسلم رقم )‪ ، (1027‬فى المارة ‪ ،‬باب فضل الرمى ‪.‬‬
‫‪ ()3‬رواه البخارى رقم ) ‪ (3701‬فى فضائل أصحاب النبى‪ ، ‬باب مناقب على بن أبى طالب رضى‬
‫الله عنه ‪ ،‬ومسلم رقم ) ‪ (2406‬فى فضائل الصحابة ‪ ،‬باب من فضائل على ابن أبى طالب ‪.‬‬
‫‪ ()4‬رواه أبو داود رقم ) ‪ ، (3641،3642‬فى العلم ‪ ،‬باب الحث على طلب العلم ‪ ،‬والترمذى رقم )‬
‫‪ ، (2683،2684‬فى العلم ‪ ،‬باب ما جاء فى فضل الفقه على العبادة ‪ ،‬وهو فى صحيح الجامع حديث‬
‫رقم ) ‪. (6297‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(18‬‬

‫الدين إل لمن يحب ‪ ،‬ومن يرد اللـه به خيرا ً يفقه فى الدين ‪ ،‬قال‪‬‬
‫كما فى صحيح مسلم وغيره ‪ )) :‬إذا مات النسان انقطع‬
‫عمله إل من ثلثة ‪ :‬صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد‬
‫صالح يدعو له (( )‪. (1‬‬
‫هذا العلم إن لم يحرك قلبك وجوارحك للعمل ‪ ،‬ولخشية اللـه‬
‫وتقواه فل خير فيه ‪ ،‬ول بركة له ‪.‬‬
‫ما ثمرة العلم إن لم يورثك العمل ؟! ما ثمرة العلم إن لم يقر‬
‫بنا من اللـه سبحانه وتعالى ؟!‬
‫ما ثمرة هذه المحاضرات والخطب والكلمات التى تخلع القلوب‬
‫إن لم تعبد القلوب لرب الرض والسموات ؟!‬
‫إن لم يورثنا هذا العلم خشية اللـه ‪ ..‬إذا لم يورثنا هذا العلم‬
‫تقوى القلوب ‪.‬‬
‫حب السنة وُبغض البدعة فما ثمرة هذا‬ ‫إن لم يورثنا هذا العلم ُ‬
‫العلم ؟!‬
‫يقول المام الشاطبى فى كتابه القيم الموافقات ‪:‬‬
‫" إن كل علم ل يفيد عمل ليس فى الشرع ما يدل على‬
‫استحسانه "‬
‫م‬‫سك ُ ْ‬ ‫ن أ َن ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫و َ‬
‫س ْ‬ ‫س ِبال ْب ِّر َ‬
‫وت َن ْ َ‬ ‫ن الّنا َ‬ ‫مُرو َ‬
‫َ ْ‬
‫قال تعالى ‪ } :‬أت َأ ُ‬
‫] البقرة ‪[ 44 :‬‬ ‫ن{‬ ‫قُلو َ‬ ‫فَل ت َ ْ‬
‫ع ِ‬ ‫ب أَ َ‬‫ن ال ْك َِتا َ‬‫م ت َت ُْلو َ‬
‫َ‬
‫وأن ْت ُ ْ‬‫َ‬
‫‪.‬‬
‫وفى الصحيحين من حديث اسامة بن زيد ان النبى‪ ‬قال ‪)) :‬‬
‫يؤتى بالرجل فيلقى فى النار فتندلق أقتاب بطنه ) أى‬
‫أمعاءه ( ‪ ،‬فيدور بها كما يدور الحمار فى الرحى فيجتمع‬
‫إليه أهل النار فيقولون يا فلن مالك ؟ ألم تكن تأمر‬
‫بالمعروف وتنهى عن المنكر فيقول ‪ :‬بلى كنت أمر‬
‫بالمعروف‬

‫‪ ()1‬رواه مسلم رقم ) ‪ ، (1631‬فى الوصية فى باب ما يلحق النسان من الثواب بعد وفاته ‪ ،‬وأبو‬
‫داود رقم ) ‪ ، (2880‬فى الوصايا ‪ ،‬باب ما جاء فى الصدقة عن الميت ‪ ،‬والترمذى رقم ) ‪ (1376‬فى‬
‫الحكام ‪ ،‬باب فى الوقف ‪ ،‬والنسائى ) ‪ ، (6/251‬فى الوصايا ‪ ،‬باب فضل الصدقة عن الميت ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "تابع الحساب"‬ ‫)‪(19‬‬

‫ول أتيه وأنهى عن المنكر وأتيه (( )‪. (1‬‬


‫لذا كان الحبيب المصطقى‪ ‬يستعيذ من علم ل ينفع كما فى‬
‫صحيح مسلم وسنن الترمذى من حديث زيد بن الرقم أن النبى‪‬‬
‫كان يقول فى دعاءه )) ‪ ...‬اللـهم إنى أعوذ بك من علم ل‬
‫ينفع ومن قلب ل يخشع ومن نفس ل تشبع ومن دعوة‬
‫ل يستجاب لها (( )‪. (2‬‬
‫وقال أبو الدرداء رضى اللـه عنه ‪ " :‬إننى أخاف أن يقال لى يوم‬
‫القيامة أعلمت أم جهلت ؟ فأقول ‪ :‬علمت فل تبقى أية آمرة أو‬
‫زاجرة إل جاءتنى تسألنى فريضتها فتقول المرة ‪ :‬هل أتمرت ؟‬
‫وتقول الزاجرة ‪ :‬هل ازدجرت ؟ "‬
‫ليس العلم بكثرة الرواية ‪ ،‬ولكن العلم الحقيقى هو الذى يورثك‬
‫خشية اللـه هو الذى يورثك العمل ‪.‬‬
‫وكان على بن أبى طالب يقول ‪ " :‬يا حملة العلم اعملوا به فإن‬
‫العالم من علم ثم عمل ‪ ،‬ووافق علمه عمله ‪ ،‬وسيأتى أقوام‬
‫يحملون العلم ل يجاوز تراقيهم يخالف علمهم عملهم ‪ ،‬وتخالف‬
‫سريرتهم علنيتهم يقعدون جلفاء يباهى بعضهم بعضا ً ‪ ،‬حتى إن‬
‫أحدهم ليغضب على جليسه إن تركه ‪ ،‬وجلس إلى غيره ‪ ،‬أولئك ل‬
‫ترفع أعمالهم تلك إلى اللـه عز وجل "‪.‬‬
‫إن اللـه ل يقبل من العمال إل ما كان خالصا ً صوابا ً ‪ ،‬لذا قال‬
‫مالك بن دينار ‪ " :‬إن العالم إذا لم يعمل بعلمه زلت موعظته عن‬
‫القلوب كما يزل القطر عن الصفا " ‪ ،‬اللـهم ارزقنا الصدق‬
‫والخلص فى القول والعلم ‪ ،‬وقال ابن السماك ‪:‬‬
‫كر لله وهو ناس لله !!‬ ‫مذ َ ّ‬ ‫كم من ُ‬
‫وف من اللـه وهو جرئ على اللـه !!‬ ‫خ ّ‬‫م َ‬‫وكم من ُ‬
‫مَقّرب إلى اللـه وهو بعيد عن اللـه !!‬ ‫وكم من ُ‬

‫‪ ()1‬رواه البخارى ) ‪ ، (6/238‬فى بدء الخلق ‪ ،‬باب صفة النار ‪ ،‬ومسلم رقم ) ‪ ، (2989‬فى الزهد ‪،‬‬
‫باب عقوبة من يأمر بالمعروف ول يفعله ‪.‬‬
‫‪ ()2‬رواه مسلم رقم ) ‪ ، (2722‬فى الذكر والدعاء ‪ ،‬باب التعوذ من شر ما عمل ‪ ،‬ورواه الترمذى‬
‫رقم ) ‪ ، (3478‬فى الدعوات ‪ ،‬باب رقم )‪ ، (69‬والنسائى ) ‪ ، (8/255‬فى الستعاذة ‪ ،‬باب الستعاذة‬
‫من قلب ل يخشع ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(20‬‬

‫وكم من تالى لكتاب اللـه وهو منسلخ عن آيات اللـه !!‬


‫فأنت ترى كما ً هائل ً من المحاضرات ‪ ،‬والدروس ‪ ،‬وترى كما‬
‫هائل من المراجع ‪ ،‬والمجلدات ‪ ،‬والكتب ‪ ،‬ومع ذلك ترى بونا‬
‫شاسعا وفرقا كبيرا بين هذا المنهج النظرى وبين هذا الواقع‬
‫العملى ‪.‬‬
‫إن هذه الفجوة تبذز بذور النفاق فى القلوب كما قال علم‬
‫َ‬
‫ن)‬‫عُلو َ‬ ‫ما َل ت َ ْ‬
‫ف َ‬ ‫ن َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫م تَ ُ‬
‫مُنوا ل ِ َ‬‫ءا َ‬‫ن َ‬‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬
‫الغيوب ‪َ} :‬ياأي ّ َ‬
‫عن ْد الل ّ َ‬
‫]‬ ‫ن{‬ ‫عُلو َ‬
‫ف َ‬‫ما َل ت َ ْ‬ ‫قوُلوا َ‬ ‫ن تَ ُ‬‫هأ ْ‬ ‫ِ‬ ‫قًتا ِ َ‬ ‫‪(2‬ك َب َُر َ‬
‫م ْ‬
‫الصف ‪. [ 2،3 :‬‬
‫ل تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمله ماذا عمل به‬
‫؟!‬

‫ثالثا ً ‪ :‬عن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟!‬

‫المال نعمة من أعظم النعم ‪ ،‬المال زينة الحياة الدنيا مع الولد‬


‫‪.‬‬
‫ة الدّن َْيا {‬ ‫ة ال ْ َ‬
‫حَيا ِ‬ ‫زين َ ُ‬ ‫وال ْب َُنو َ‬
‫ن ِ‬ ‫ل َ‬ ‫قال جل وعل } ال ْ َ‬
‫ما ُ‬
‫] الكهف ‪[46:‬‬
‫ولحظ أن اللـه قدم فى هذه الية المال على الولد ‪ ،‬المال‬
‫زينة ونعمة عظيمة ‪ ،‬ولكن ل يعرف قدر هذه النعمة إل من عرف‬
‫الغاية من المال ‪ ،‬فما أكرمها من نعمة إن حركتها أيدى الصالحين ‪،‬‬
‫والشرفاء ‪.‬‬
‫المال نعمة ل يعرف قدرها إل صالح تقى عرف الغاية من‬
‫المال ‪ ،‬وعرف الوظيفة الحقيقية للمال ‪ ،‬وعرف أن المال ظل‬
‫زائل وعارية مسترجعة ‪.‬‬
‫ن بها عليك ‪ ،‬وزينة َزي ّن َ َ‬
‫ك اللـه بها ‪.‬‬ ‫م ّ‬
‫المال نعمة من اللـه َ‬
‫ولكن انتبه سوف ُتسأل عن هذا المال كله من أين اكتسبت ؟!‬
‫وفيما أنفقت ؟! سؤالن يملن القلب بالخوف والوجل ويجعلن‬
‫فى رحاب الدار الخرة "تابع الحساب"‬ ‫)‪(21‬‬

‫العبد يسأل نفسه ألف مرة قبل أن يحصل على هذا المال ‪.‬‬
‫يا من تتاجر فى الحرام ‪ ،‬فى المخدرات لتحرق قلوب فلذة‬
‫أكبادنا ول هم لك إل أن تجمع المال ‪ ،‬حاسب نفسك الن وقف مع‬
‫نفسك موقف صدق ‪ ،‬من الن ط َّهر مالك كله قبل أن ُتسأل بين‬
‫يدى اللـه الذى يعلم السر وأخفى ‪ ،‬عن كل ما جمعت من مال ؟ من‬
‫أين لك هذا المال ؟ وفيما أنفقته ؟؟‬
‫فالمال نعمة إذا حركته أيدى الصالحين والشرفاء ‪ ،‬المال منحة‬
‫لمؤمن تقى عرف الغاية منه ‪ ،‬وعرف الوظيفة لهذا المال ‪ ،‬لذا‬
‫يقول سيد الرجال‪ ‬كما فى الصحيحين ‪ )) :‬ل حسد إل فى‬
‫اثنتين رجل أتاه اللـه القرآن فهو يقوم به آناء الليل‬
‫وآناء النهار ‪ ،‬ورجل أعطاه اللـه مال ً فهو ينفقه آناء‬
‫الليل وآناء النهار (( )‪. (1‬‬
‫وتدبر معى أخى الكريم قول الحبيب والحديث رواه أحمد‬
‫والترمذى وصححه شيخنا اللبانى من حديث أبى كبشة المارى‬
‫عنه‪ ‬قال ‪)) :‬ثلثة أقسم اللـه عليهن وأحدثكم حديثا‬
‫م عبد‬ ‫فاحفظوه ‪ :‬ما نقص مال عبد من صدقة ‪ ،‬وما ظُل ِ َ‬
‫ة فصبر عليها إل زاده اللـه عز وجل بها عزا ً ول‬ ‫مظلم ً‬
‫ة إل فتح اللـه عليه باب فقر وأحدثكم‬ ‫فتح عبد باب مسأل ٍ‬
‫حديثا فاحفظوه إنما هذه الدنيا لربعة نفر ‪ :‬عبد رزقه‬
‫اللـه مال ً وعلما ً فهو يتقى فى ماله ربه ويصل به‬
‫رحمه ‪ ،‬ويعلم لله فيه حقا ً فهذا بأفضل المنازل ‪ ،‬وعبد‬
‫رزقه اللـه علما ً ولم يرزقه مال ً ‪ ،‬فهو صادق النية لله‬
‫يقول لو أن لى مال ً لعملت فيه بعمل فلن ‪ ،‬فهو بنيته‬
‫فأجرهما سواء ‪ ،‬وعبد رزقه اللـه مال ولم يرزقه علما ً‬
‫فهو يخبط فى ماله بغير علم ‪ ،‬ل يتقى فيه ربه ول يصل‬
‫به رحمه ‪ ،‬ول يعلم لله فيه حقا ً فهذا بأخبث المنازل ‪،‬‬
‫وعبد لم يرزقه اللـه مال ً ول علما ً فهو يقول لو أن لى‬
‫‪ ()1‬رواه البخارى ) ‪ ، (9/65‬فى فضائل القرآن ‪ ،‬باب اعتباط أصحاب القرآن ‪ ،‬ومسلم رقم ) ‪، (815‬‬
‫فى صلة المسافرين ‪ ،‬باب فضل من يقوم بالقرآن ويعلمه ‪ ،‬والترمذى رقم ) ‪ ، (1937‬فى البر‬
‫والصلة ‪ ،‬باب ما جاء فى الحسد ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(22‬‬

‫‪.‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫مال ً لعملت بعمل فلن ‪ ،‬فهو بنيته ووزرهما سواء‬
‫((‬
‫إن المال ل يصبح نعمة إل إذا كان في يد صالحة تعرف الغاية‬
‫منه والمال الذى سنتركه ليس مال ً لنا وإنما هو مال ورثتنا كما فى‬
‫صحيح البخارى من حديث ابن مسعود رضى اللـه عنه قال قال‪: ‬‬
‫)) أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله (( قالوا ‪ :‬يا رسول اللـه‬
‫ما منا أحد إل وماله أحب إليه من ماله وارثه ‪ ،‬قال ‪ )) :‬فإن ماله‬
‫ما قدم ومال ورثته ما أخر (( )‪. (2‬‬
‫لذا يقول المصطقى‪ ‬كما فى صحيح مسلم من حديث ابى‬
‫هريرة رضى اللـه عنه ‪ )) :‬يقول العبد ‪ :‬مالى مالى ‪ ،‬وإنما‬
‫له من ماله ثلث ‪ :‬ما أكل فأفنى ‪ ،‬أو لبس فأبلى ‪ ،‬أو‬
‫اعطى فأقنى ‪ ،‬وما سوى ذلك ‪ ،‬فهو ذاهب وتاركه‬
‫للناس (( )‪. (3‬‬
‫ولذا ورد فى سنن الترمذى أن عائشة رضى اللـه عنها ذبحت‬
‫شاة وتصدقت بها كلها إل الذراع فقال النبى‪ )) : ‬ما بقى من‬
‫الشاة يا عائشة؟ (( قالت ‪ :‬ما بقى منها شئ إل الذراع ‪ ،‬فقال‬
‫المصطفى‪ )) : ‬بقى كلها إل الذراع (( )‪. (4‬‬
‫إن الذى تصدقت به هو الذى سيبقى لك فى ميزان أعمالك يوم‬
‫ل ينفع مال ول بنون إل من أتى اللـه بقلب سليم ‪.‬‬
‫واسمع لحبيبك المصطفى‪ ‬وهو يقول كما فى صحيح مسلم‬
‫من حديث ابى هريرة قال ‪ )) :‬أيها الناس إن اللـه طيب ل‬
‫يقبل إل طيب وإن اللـه أمر المؤمنين بما أمر به‬
‫َ‬
‫ن الطّي َّبا ِ‬
‫ت‬ ‫ل ك ُُلوا ِ‬
‫م َ‬ ‫س ُ‬‫ها الّر ُ‬ ‫المرسلين قال تعالى ‪َ } :‬ياأي ّ َ‬
‫م { ] المؤمنون ‪[51 :‬‬ ‫عِلي ٌ‬‫ن َ‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬
‫ما ت َ ْ‬
‫حا إ ِّني ب ِ َ‬ ‫مُلوا َ‬
‫صال ِ ً‬ ‫ع َ‬
‫وا ْ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫مُنوا ك ُُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ءا َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬‫ها ال ّ ِ‬ ‫وقال تعالى للمؤمنين ‪َ } :‬ياأي ّ َ‬
‫‪ ()1‬رواه مسلم رقم ) ‪ ، (2588‬فى البر والصلة ‪ ،‬ورواه الترمذى واللفظ له رقم ) ‪ ، (2326‬فى‬
‫الزهد ‪ ،‬باب جاء أن مثل الدنيا مثل أربعة نفر ‪ ،‬ورواه أيضا ً المام أحمد فى المسند ) ‪، (4/230،231‬‬
‫وابن ماجة ‪ ،‬فى الزهد رقم ) ‪. (4228‬‬
‫‪ ()2‬رواه البخارى رقم ) ‪ ، (6442‬فى الرقاق ‪ ،‬باب ما قدم من ماله فهو له ‪ ،‬ورواه المام أحمد فى‬
‫المسند رقم ) ‪. (3626‬‬
‫‪ ()3‬رواه مسلم رقم ) ‪ ، (2959‬فى الزهد ‪ ،‬باب الزهد ‪.‬‬
‫‪ ()4‬رواه الترمذى رقم ) ‪ ، (2472‬فى صفة القيامة ‪ ،‬باب رقم )‪ ، (34‬وقال ‪ :‬هذا حديث صحيح ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "تابع الحساب"‬ ‫)‪(23‬‬

‫َ‬
‫ها‬
‫م {] البقرة ‪ ، [ 172 :‬وقال ‪َ } :‬ياأي ّ َ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫ما َرَز ْ‬ ‫ت َ‬ ‫طَي َّبا ِ‬
‫حا { ]المؤمنون ‪51 :‬‬ ‫صال ِ ً‬‫مُلوا َ‬ ‫ع َ‬
‫وا ْ‬
‫ت َ‬ ‫ن الطّي َّبا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل ك ُُلوا ِ‬ ‫س ُ‬‫الّر ُ‬
‫َ‬
‫ما‬ ‫ت َ‬‫ن طَي َّبا ِ‬‫م ْ‬ ‫مُنوا ك ُُلوا ِ‬‫ءا َ‬
‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫[ ‪ ،‬وقال ‪َ } :‬ياأي ّ َ‬
‫م{ ] البقرة ‪ ، [ 172 :‬ثم ذكر )) الرجل يطيل السفر‬ ‫قَناك ُ ْ‬‫َرَز ْ‬
‫مدّ يديه إلى السماء يا رب يا رب ومطعمه‬ ‫أشعث أغبر ي َ ُ‬
‫ذى‬ ‫حرام ومشربه حرام ‪ -‬وفى رواية )وملبسه حرام ( ‪ -‬و ُ‬
‫غ ِ‬
‫جاب لذلك (( )‪. (1‬‬ ‫بالحرام َ َ‬
‫فأّنى ُيست َ َ‬
‫أنى يستجاب لمن أكل الحرام ‪ ،‬أنى يستجاب لمن شرب الحرام‬
‫أنى يستجاب لمن غذى أولده بالحرام ‪ ،‬إننا نرى الن تهاونا ً مروعا ً‬
‫فى الكل الطيب الحلل فنرى الرجل ل هم له إل جمع المال ‪ ،‬من‬
‫أى سبيل كان حتى لو كان حرام حتى لو كان من الربا حتى لو كان‬
‫من أموال الناس بالباطل المهم ان يكتنز المال ‪ ،‬ومع ذلك فواللـه‬
‫لن يخرج من الدنيا بدرهم أو دولر‬
‫والفقر خير مـن غنــا ً‬ ‫النفس تجزع أن تكـــون‬
‫يطغيها‬ ‫فقيرة‬
‫فجميع ما فى الرض ل‬ ‫وغنى النفوس هو الكفاف‬
‫يكفيهـا‬ ‫فإن أبت‬
‫ملكا لو لم تكن لك إل‬ ‫هــى القناعـة فالزمهــا‬
‫راحة البدن‬ ‫تكن‬
‫هل راح منها بغير الطيب‬ ‫وانظـر لمن ملك الدنيا‬
‫والكفن‬ ‫بأجمعهـا‬
‫ل تزول قدما عبد حتى يسأل عن ماله من أين اكتسبه وفيما‬
‫أنفقه ‍‬
‫؟‬

‫رابعا ً ‪:‬عن جسمه فيما أبله‬

‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ل ُأول َئ ِ َ‬
‫ك َ‬ ‫ؤادَ ك ُ ّ‬ ‫وال ْ ُ‬
‫ف َ‬ ‫وال ْب َ َ‬
‫صَر َ‬ ‫ع َ‬
‫م َ‬
‫س ْ‬
‫ن ال ّ‬
‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫] السراء ‪. [ 36 :‬‬ ‫سُئوًل{‬
‫م ْ‬‫ه َ‬
‫عن ْ ُ‬
‫َ‬
‫سيسأل الفؤاد والقلب عما وعاه من اعتقاد ‪ ،‬هل امتل القلب‬
‫‪ ()1‬رواه مسلم رقم ) ‪ ، (1015‬فى الزكاة ‪ ،‬باب قبول الصدقة من الكسب الطيب وتربيتها ‪،‬‬
‫والترمذى رقم )‪ ، (2992‬فى التفسير ‪ ،‬باب ومن سورة البقرة ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(24‬‬

‫بحب اللـه وبحب رسول اللـه والمؤمنين وامتل فى الوقت ذاته‬


‫ببغض الشرك والمشركين والباطل والمبطلين ؟! سيسأل السمع‬
‫عن كل ما سمع سيسأل البصر عن كل ما رأى ‪ ،‬فهل يا ترى ل‬
‫يسأل العبد بين يدى الرب سبحانه إل عن هذه الجوارح فحسب ‪..‬؟‬
‫كل ‍ بل سيسأل النسان عن جسمه كله‪.‬‬
‫سيشهد هذا الجسم كله بما قدم وبما صنع وبما فعل سيشهد‬
‫السمع والبصر والفؤاء ستشهد الرجل واليد والجوارح عامة قال‬
‫َ‬ ‫عَلى أ َ ْ‬
‫هدُ‬
‫ش َ‬‫وت َ ْ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫دي ِ‬ ‫مَنا أي ْ ِ‬ ‫وت ُك َل ّ ُ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ِ‬‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫خت ِ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫تعالى ‪ } :‬ال ْي َ ْ‬
‫َ‬
‫ن{‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬‫ه ْ‬ ‫جل ُ ُ‬‫أْر ُ‬
‫] يس ‪. [ 65 :‬‬
‫ر‬‫ه إ َِلى الّنا ِ‬ ‫داءُ الل ّ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫شُر أ َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬‫وقال اللـه جل وعل } َ‬
‫ش هد َ َ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ها َ ِ‬ ‫ءو َ‬ ‫جا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫ن)‪َ (19‬‬ ‫عو َ‬ ‫م ُيوَز ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬
‫سمعهم َ‬
‫ن)‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬
‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُلودُ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاُر ُ‬ ‫وأب ْ َ‬ ‫َ ْ ُ ُ ْ َ‬
‫قَنا الل ّ ُ‬
‫ه‬ ‫قاُلوا أ َن ْطَ َ‬ ‫عل َي َْنا َ‬ ‫م َ‬ ‫هدْت ُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫م لِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُلوِد ِ‬ ‫قاُلوا ل ِ ُ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ (20‬‬
‫قك ُ َ‬ ‫َ‬
‫وإ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬ ‫ة َ‬ ‫مّر ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫خل َ َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ق كُ ّ‬ ‫ذي أن ْطَ َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫ن{‬‫عو َ‬ ‫ج ُ‬‫ت ُْر َ‬
‫] فصلت ‪. [21 - 19 :‬‬
‫سيشهد عليك بدنك كله وسوف تسأل عن هذا البدن وعن هذا‬
‫الجسم فيما أبليته ‪ ،‬هل أبليت جسمك فى عمل الدنيا والخرة أم‬
‫فى عمل الدنيا فحسب ‍‬
‫؟‬
‫فل حرج أن يبلى النسان جسمه فى عمل الدنيا وفى عمل‬
‫الخرة‪ ,‬والخطأ والحرج أن يفنى وأن يبلى جسمه كله وحياته كلها‬
‫فى عمل الدنيا ليضيع بذلك حق اللـه وعمل الخرة ‪ ،‬ياأخى فى‬
‫مر وابنى واجمع المال من الحلل لكن ل تنسى حق‬ ‫اللـه تاجر وعَ ّ‬
‫الكبير المتعال ل تنسى الخرة ‪ .‬اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا‬
‫واعمل لخرتك كأنك تموت غدا ً ‪ ،‬فل حرج أن تجمع بين المرين ‪.‬‬
‫قال المصطفى‪ )) ‬اللـهم اصلح لى دينى الذى هو عصمت‬
‫فى رحاب الدار الخرة "تابع الحساب"‬ ‫)‪(25‬‬

‫أمرى وأصلح لى دنياى التى فيها معاشى (( )‪. (1‬‬


‫فل تجعل عمرك جله للدنيا وتنسى الخرة ‪ ،‬ستتمنى يوم القيامة‬
‫الرجعة والعودة إلى الدنيا ل لتعمل للدنيا مرة أخرى بل لتعمل‬
‫ت‬‫مَزا ِ‬ ‫ه َ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ك ِ‬ ‫عوذُ ب ِ َ‬ ‫ب أَ ُ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ُ‬ ‫للخرة ‪ ،‬قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫حّتى إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫َ‬ ‫عوذُ ب ِ َ‬ ‫وأ َ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫ن)‪َ (98‬‬ ‫ضُرو ِ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫بأ ْ‬ ‫ك َر ّ‬ ‫ن)‪َ (97‬‬ ‫طي ِ‬ ‫شَيا ِ‬
‫ل‬‫م ُ‬
‫ع َ‬‫عّلي أ َ ْ‬ ‫ن)‪(99‬ل َ َ‬ ‫عو ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫ب اْر ِ‬ ‫ل َر ّ‬ ‫قا َ‬ ‫ت َ‬ ‫و ُ‬ ‫م ْ‬‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫حدَ ُ‬ ‫َ‬
‫جاءَ أ َ‬ ‫َ‬
‫م‬
‫ه ْ‬ ‫وَرائ ِ ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫و ِ‬‫ها َ‬ ‫قائ ِل ُ َ‬‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ة ُ‬ ‫م ٌ‬ ‫ها ك َل ِ َ‬ ‫ت ك َّل إ ِن ّ َ‬ ‫ما ت ََرك ْ ُ‬ ‫في َ‬ ‫حا ِ‬ ‫صال ِ ً‬‫َ‬
‫] المؤمنون ‪- 97 :‬‬ ‫ن{‬ ‫عُثو َ‬ ‫وم ِ ي ُب ْ َ‬‫خ إ َِلى ي َ ْ‬ ‫ب َْرَز ٌ‬
‫‪. [ 100‬‬
‫كل ‪ ..‬فاعمل الن للدنيا وللخرة قبل أن تتمنى الرجعة والعودة‬
‫] المؤمنون ‪:‬‬ ‫ها {‬ ‫قائ ِل ُ َ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ة ُ‬‫م ٌ‬ ‫ها ك َل ِ َ‬ ‫فيقال لك ‪ } :‬ك َّل إ ِن ّ َ‬
‫‪. [ 100‬‬
‫ل يسمعها اللـه ول يجيبها اللـه ‪ ،‬واعلم يقينا ً أنه واللـه لو أفنيت‬
‫جسمك كله ليل ً ونهارا ً من أجل الدنيا ونسيت عمل الخرة واللـه‬
‫لن تحصل من الدنيا إل ما قدره الرزاق لك ‪ ،‬تدبر هذا الحديث‬
‫الجميل الذى رواه الترمذى وغيره وصحح الحديث الشيخ اللبانى‬
‫فى صحيح الجامع أنه صلى اللـه عليه وسلم قال ‪ )) :‬من كانت‬
‫الخرة همه جعل اللـه غناه فى قلبه وجمع عليه شمله‬
‫وأتته الدنيا وهى راغبة ‪ ،‬ومن كانت الدنيا همه جعل‬
‫اللـه فقره بين عينيه وفرق عليه شمله ولم يأته من‬
‫الدنيا إل ما قدر اللـه له (( )‪. (2‬‬
‫أخى الحبيب سل نفسك الن فيما أبليت جسمك فى عمل الدنيا‬
‫والخرة أم فى عمل الدنيا ‍‬
‫؟‬
‫هل أبليت جسمك فى طاعة اللـه ورسوله أم فى معصية اللـه‬
‫ورسوله؟‬
‫خرت جسمك فى‬ ‫س ّ‬ ‫سل نفسك الن فيما مضى من عمرك هل َ‬

‫‪ ()1‬رواه مسلم رقم ) ‪ (2721‬فى الذكر ‪ ،‬باب التعوذ من شر ما عمل ‪ ،‬وهو فى صحيح الجامع رقم )‬
‫‪. (1263‬‬
‫‪ ()2‬صححه شيخنا اللبانى فى الصحيحة رقم ) ‪ (949‬وقال أخرجه الترمذى ) ‪. (2/76‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(26‬‬

‫طاعة اللـه ورسوله أم سخرته فى معصية اللـه ورسوله ؟‬


‫هل أعطاك اللـه نعمة هذا الجسم لنعصى اللـه بها أم لتطيع‬
‫اللـه بها ؟‬
‫واعلم يقينا ً أن المعصية سبب لكل شقاء وضنك وبلء فى الدنيا‬
‫والخرة والطاعة سبب لكل فلح وفوز وخير فى الدنيا والخرة ‪.‬‬
‫قال ابن عباس ‪ " :‬إن للطاعة نورا ً فى الوجه ونورا ً فى القلب‬
‫وسعة فى الرزق وقوة فى البدن ومحبة فى قلوب الخلق ‪ ،‬وإن‬
‫للمعصية سواد فى الوجه وظلمة فى القلب وضيق فى الرزق‬
‫وضعف فى البدن وبغضا ً فى القلوب " ‪.‬‬
‫وذهب رجل إلى إبراهيم بن أدهم طيب اللـه ثراه فقال له يا‬
‫إبراهيم ‪ :‬ساعدنى فى البعد عن معصية اللـه ‪،‬كيف أترك معصية‬
‫؟ فقال له إبراهيم تذكر خمسا فإن عملت بها لن‬ ‫اللـه جل وعل ‍‬
‫تقع فى معصية اللـه وإن زلت قدمك سرعان ما ستتوب إلى اللـه‬
‫جل وعل ‪ ،‬قال ‪ :‬هاتيها يا إبراهيم قال إبراهيم ‪ :‬أما الولى إن‬
‫أردت أن تعصى اللـه جل وعل فل تأكل من رزق اللـه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كيف ذلك والرزاق كلها بيد اللـه؟‬
‫قال ‪ :‬فهل يجدر بك أن تعصى اللـه وأنت تأكل من رزقه ‪.‬‬
‫قال يرحمك اللـه يا إبراهيم ‪ :‬هات الثانية ‪.‬‬
‫قال إبراهيم ‪ :‬أما الثانية إن أردت أن تعصى اللـه جل وعل‬
‫فابحث عن مكان ليس فى ملك اللـه واعصى اللـه عليه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كيف ذلك والملك ملكه والرض ملكه والسماء ملكه ؟!‬
‫قال ‪ :‬أل تستحى أن تعصى الملك فى ملكه ‪.‬‬
‫قال يرحمك اللـه هات الثالثة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أما الثالثة إن أردت أن تعصى اللـه جل وعل فابحث عن‬
‫مكان ل يراك اللـه فيه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬وكيف ذلك واللـه يسمع ويرى ؟!‬
‫قال أل تستحى أن تعصى اللـه وأنت على يقين أن يراك اللـه ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬يرحمك اللـه هات الرابعة ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "تابع الحساب"‬ ‫)‪(27‬‬

‫قال ‪ :‬إذا جاءك ملك الموت فقل له أجلنى ساعة حتى أتوب‬
‫إلى اللـه وأدخل فى طاعته ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬كيف ذلك يا إبراهيم ؟! واللـه جل وعل يقـــول ‪َ } :‬‬
‫فإ ِ َ‬
‫ذا‬
‫ن{‬‫مو َ‬‫د ُ‬
‫ق ِ‬ ‫وَل ي َ ْ‬
‫ست َ ْ‬ ‫ة َ‬‫ع ً‬
‫سا َ‬
‫ن َ‬ ‫ست َأ ْ ِ‬
‫خُرو َ‬ ‫م َل ي َ ْ‬ ‫جل ُ ُ‬
‫ه ْ‬
‫َ‬
‫جاءَ أ َ‬
‫َ‬
‫] العراف ‪. [ 34 :‬‬
‫قال ‪ :‬فهل يجدر بك وأنت تعلم ذلك أن تسوف التوبة وعمل‬
‫الطاعات‬
‫قال ‪ :‬يرحمك اللـه هات الخامسة ‪.‬‬
‫قال ‪ :‬أما الخامسة إذا جاءتك زبانية جهنم لتأخذك إلى جهنم‬
‫فإياك أن تذهب معهم ‪ ،‬فبكى الرجل وعاهد اللـه عز وجل على‬
‫الطاعة ‪.‬‬
‫أيها المسلم فكر فى هذه الخمس جيدا قبل أن تعصى اللـه ‪،‬‬
‫واعلم يقينا أنك بشر فإن زلت قدمك فى معصية اللـه جدد الوبة‬
‫والتوبة إلى اللـه واعلم جيدا ً أن اللـه يحب التوابين والمتطهرين‬
‫وما من ليلة إل والملك ينزل إلى السماء الدنيا نزول ً يليق بكماله‬
‫وجلله كما فى الصحيحين من حديث أبى هريرة وينادى الحق‬
‫سبحانه وتعالى ويقول ‪ )) :‬أنا الملك ‪ ،‬أنا الملك ‪ ،‬من ذا الذى‬
‫يدعونى فأستجيب له ‪ ،‬من ذا الذى يسألنى فأعطيه ‪،‬‬
‫من ذا الذى يستغفرنى فاغفر له ‪ ،‬فل يزال كذلك حتى‬
‫يضئ الفجر (( )‪. (1‬‬
‫عد إلى اللـه وتب إلى اللـه واستعد للجواب‬ ‫فهيا أخى الحبيب ُ‬
‫عن هذه السئلة الربعة ‪ ،‬واعلم علم اليقين أنه ل تزول قدما عبد‬
‫يوم القيامة حتى يسأل عن أربع عن عمره فيما أفناه ؟ وعن علمه‬
‫ماذا عمل به ؟ وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ؟ وعن‬
‫جسمه فيما أبله ؟!‬
‫أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا ‪ .‬إنه‬

‫‪ ()1‬رواه البخارى رقم ) ‪ (1145‬فى التهجد ‪ ،‬باب الدعاء والصلة من آخر الليل ‪ ،‬ومسلم رقم ) ‪(758‬‬
‫فى صلة المسافرين ‪ ،‬باب الترغيب فى الدعاء والذكر فى آخر الليل ‪ ،‬والموطأ ) ‪ (1/214‬فى‬
‫القرآن ‪ ،‬والترمذى رقم ) ‪ (3493‬فى الدعوات ‪ ،‬وأبو داود رقم ) ‪ (1315‬فى الصلة ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(28‬‬

‫ولى ذلك والقادر عليه ‪.‬‬

‫‪ ...........‬الدعـــــاء‬

You might also like