You are on page 1of 16

‫بسم اللـه الرحمن الرحيم‬

‫عــذاب‬
‫القبـــر‬
‫إن الحمـد لله نحمـده ونستعينـه ونستغفره ونعـوذ باللـه من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده اللـه فل مضل له ومن‬
‫يضلل فل هادي له ‪.‬‬
‫واشهد أن ل اله إل ّ اللـه وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا‬
‫عبده ورسولـه ‪:‬‬
‫َ‬
‫ن‬‫موت ُ ّ‬ ‫ول ت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قات ِ ِ‬ ‫ق تُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫قوا اللـه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫} َياأي ّ َ‬
‫] آل عمران ‪-‬‬ ‫مونَ { ‪.‬‬ ‫إل َ‬
‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫‪. [ 102‬‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫} َياأي ّ َ‬
‫ساءً‬ ‫ون ِ َ‬ ‫جال ك َِثيًرا َ‬ ‫ر َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬‫من ْ ُ‬ ‫ث ِ‬ ‫وب َ ّ‬‫ها َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ها َز ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خل َ َ‬‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬‫كا َ‬ ‫ن اللـه َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫وال َْر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ساءَُلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫قوا اللـه ال ّ ِ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫َ‬
‫قيًبا { ‪ ] .‬النساء ‪. [ 1-‬‬ ‫م َر ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫َ‬
‫قوُلوا َ‬ ‫َ‬
‫دا)‬ ‫دي ً‬ ‫س ِ‬ ‫ول َ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ُ‬ ‫قوا اللـه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫} َياأي ّ َ‬
‫ع‬ ‫ط‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ب‬ ‫نو‬‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ذ‬ ‫م‬ ‫كـ‬‫ُ‬ ‫فـْر ل َ‬ ‫ِ‬ ‫غ‬
‫ْ‬ ‫ي‬ ‫و‬ ‫م‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫مـال َ‬ ‫ع‬‫ْ‬ ‫‪(70‬يصل ِح ل َك ُم أ َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ ْ‬
‫ما { ‪.‬‬ ‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫وًزا َ‬ ‫ف ْ‬‫فاَز َ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫اللـه َ‬
‫] الحزاب ‪. [ 71 ، 70-‬‬
‫أما بعـــد ‪:‬‬
‫فإن أصدق الحديث كتاب اللـه وخير الهدى هدى محمد ‪ ‬وشر‬
‫المور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضللة وكل ضللة فى‬
‫النار ‪.‬‬
‫أحبتى فى اللـه ‪:‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة‬
‫سلسلة علمية كريمة تجمع بين المنهجية والرقائق وبين التأصيل‬
‫العلمى والسلوب الوعظى ‪ ،‬الهدف منها تذكير الناس بالخرة فى‬
‫عصر طغت فيه الماديات والشهوات وانصرف فيه كثير من الناس‬
‫عن طاعة رب الرض والسموات ‪.‬‬
‫لعل الغافل أن ينتبه ولعل النائم أن يستيقظ قبل أن تأتيهم‬
‫الساعة بغتة وهم يخصمون فل يستطيعون توصية ول إلى أهلهم‬
‫يرجعون ‪.‬‬
‫لقــد انتهينا فى اللقاء الماضى مع الجنازة وهى فى طريقها إلى‬
‫القبر تتكلــم ‪ ، !!.‬كما فى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد‬
‫الخدرى رضى اللـه عنه أن النبى ‪ ‬قــال ‪:‬‬
‫)) إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم ‪،‬‬
‫فإن كانت صالحة قالت ‪ :‬قدمونى ‪ ،‬وإن كانت غير ذلك‬
‫قالت ‪:‬يا ويلها ‪ ،‬أين يذهبون بها ؟ يسمع صوتها كل شئ‬
‫إل الثقلين ‪-‬أو قال ‪ :‬إل النسان ‪ -‬ولو سمع النسان‬
‫لصعق (( )‪. (1‬‬
‫وها نحن قد وصلنا بالجنازة إلى القبر فقف معى الن عند القبر‬
‫وأهواله وفتنة القبر وأحواله ‪ .‬أسأل اللـه جل وعل أن يحفظنا‬
‫وإياكم من فتنته إنه ولي ذلك والقادر عليه ‪.‬‬
‫وكعادتنا فسوف ينتظم حديثنا اليوم مع حضراتكم فى هذه‬
‫العناصر التالية ‪-:‬‬
‫‪ :‬الدلة على عذاب القبر ونعيمه ‪.‬‬ ‫أول ً‬
‫ثانيا ً ‪ :‬أسباب عذاب القبر ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬ما السبيل للنجاة من عذاب القبر ‪.‬‬
‫فأعرنى قلبك وسمعك أيها الحبيب الكريم واللـه أسال أن‬
‫يجعلنى وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه إنه ولى ذلك‬
‫والقادر عليه ‪.‬‬

‫أول ً ‪ :‬الدلة على عذاب القبر ونعيمه‬

‫‪ ()1‬رواه البخارى رقم )‪ ، (1314‬فى الجنائز ‪ ،‬باب حمل الرجال الجنازة دون النساء ‪ ،‬ا والنسائى‬
‫فى )‪ ، (4/41‬فى الجنائز ‪ ،‬باب السرعة بالجنازة ‪.‬‬
‫نحن اليوم فى أمس الحاجة لهذا الموضوع الذى نحن بصدده‬
‫ت سوداء‬ ‫فهو من الهمية بمكان ل سيما بعد ما قرأنا على صفحا ٍ‬
‫فى مقال أسود بعنوان " عذاب القبر خرافات وخزعبلت " !!‬
‫هكذا يعنون لمقاله فضيلة الستاذ الدكتور ثم يتطاول هذا الستاذ‬
‫الدكتور الجرىء فيقول ‪ " :‬إن جميع الحاديث التى وردت فى‬
‫مسألة عذاب القبر مجرد خرافات " !!! ‪ ،‬ثم أظهر جهله الفادح ‪،‬‬
‫فقال ‪ " :‬إن عذاب القبر غيب والقرآن ب َّين لنا أن النبى ل يعلم‬
‫الغيب " !! جهل مركب ‪!..‬‬
‫معنى ذلك يا فضيلة الدكتور أنه ينبغى أن ننكر ونكذب كل أمر‬
‫غيب أخبرنا به المصطفى ‪ ، ‬كاليمان باللـه ‪ ،‬وكاليمان‬
‫بالملئكة ‪ ،‬وكاليمان باليوم الخر وكاليمان بالقدر خيره وشره ‪...‬‬
‫إلى سائر الغيبيات التى أخبر عنها رسول اللـه ‪. ‬‬
‫نسى هذا المسكين قول رب العالمين فى سيد المرسلين ‪:‬‬
‫حى)‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫و ْ‬‫و ِإل َ‬ ‫ه َ‬
‫ن ُ‬‫وى)‪(3‬إ ِ ْ‬ ‫ه َ‬‫ن ال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ق َ‬ ‫ما ي َن ْطِ ُ‬ ‫و َ‬‫} َ‬
‫]النجم ‪. [ 5 ، 3 :‬‬ ‫وى {‬ ‫ق َ‬‫ديدُ ال ْ ُ‬ ‫ش ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م ُ‬ ‫عل ّ َ‬
‫‪َ (4‬‬
‫أما تقرأ يا مسكين فى سورة البقرة قوله تعالى } الم)‪(1‬ذَل ِ َ‬
‫ك‬
‫ن‬
‫مُنو َ‬ ‫ن يُ ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ذي َ‬‫ن)‪(2‬ال ّ ِ‬ ‫قي َ‬ ‫دى ل ِل ْ ُ‬
‫مت ّ ِ‬ ‫ه ً‬‫ه ُ‬ ‫في ِ‬ ‫ب ِ‬ ‫ب ل َري ْ َ‬ ‫ال ْك َِتا ُ‬
‫ب ‪ ] { ..‬البقرة ‪.[2 ،1:‬‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫ِبال ْ َ‬
‫وتمنيت يا فضيلة الدكتور لو قرأت من جديد هذه اليات ‪ ،‬إن‬
‫أول صفة من صفات المؤمنين اليمان بالغيب ‪.‬‬
‫وخرج علينا أستاذ آخر فكتب كتابا ً ضخما ً يزيد عن الثلثمائة‬
‫صفحة ‪ ،‬ينفى فيه من أول صفحة إلى آخر صفحة عذاب القبر‬
‫ى أعناق النصوص ليا ً عجيبا ً ‪ ،‬وها أنا الن أرد على هؤلء‬ ‫َ‬
‫ونعيمه ‪ ،‬ب ِل ّ‬
‫المتطاولين المكذبين المنكرين ‪ ،‬الذين قال عنهم المام القرطبى‬
‫والمام الحافظ ابن حجر ‪ " :‬لم ينكر عذاب القبر إلى الملحدة ‪،‬‬
‫والزنادقة ‪ ،‬والخوارج ‪ ،‬وبعض المعتزلة ‪ ،‬ومن تمذهب بمذهب‬
‫الفلسفة ‪ ،‬وخالفهم جميع أهل السنة "‬
‫وقال المام أحمد رحمه اللـه ‪ " :‬عذاب القبر حق ومن أنكره فهو‬
‫ضال مضل "‬
‫م إليك سيل ً من الدلة الصحيحـة على عذاب‬ ‫أيها الحبيب ‪ :‬سأقد ُ‬
‫القبر من كلم الصادق المصدوق الذى ل ينطق عن الهوى ولن‬
‫مال ذو أوجه‬ ‫أطيل الوقفة مع القرآن ! لماذا ؟! ‪ ..‬لن القرآن ح ّ‬
‫كما قال على بن أبى طالب لبن عباس وهو فى طريقه لمناظرة‬
‫الخوارج ‪.‬‬
‫قال على ‪ :‬يا ابن عباس جادلهم بالسنة ول تجادلهم بالقرآن فإن‬
‫مال ذو أوجه‪.‬‬ ‫القران ح ّ‬
‫اسـتهل الحديث بين يدى هذا العنصر الهام بمقدمة اقتبسها من‬
‫كلم أئمتنـا العلم وأبدأ هذه المقدمة بكلم دقيق نفيس للمام ابن‬
‫أبى العز الحنفى شـارح العقيـدة الطحـاوية على شارحها ومصنفها‬
‫الرحمة من اللـه جل وعل ‪.‬‬
‫ب القبر هو عذاب البرزخ ‪ ،‬وكل إنسان مات‬ ‫قال ‪ :‬اعلم أن عذا َ‬
‫وعليه نصيب من العذاب فله نصيبه من العذاب قُب َِر أو لم ي ُْقبر‬
‫سواء أكلته السباع أو احترق فصار رمادا ً فى الهواء أو نسف أو‬
‫غرق فى البحر ‪.‬‬
‫تأملوا يا من تحكمون العقول فى هذا الدليل الذى رواه البخارى‬
‫ومسلم من حديث أبى هريرة رضى اللـه عنه أن النبى ‪ ‬قال ‪)) :‬‬
‫قال رجل ‪ ،‬لم يعمل حسنة قط لهله ‪ :‬إذا مات‬
‫فحرقوه ‪ .‬ثم ذروه ‪ ،‬نصفه فى البر ونصفه فى البحر‬
‫فواللـه لئن قدر اللـه عليه ليعذبنه عذابا ً ل يعذبه أحدا ً‬
‫من العالمين ‪ .‬فلما مات الرجل فعلوا ما أمرهم ‪ .‬فأمر‬
‫اللـه البر فجمع ما فيه ‪ ،‬وأمر اللـه البحر فجمع ما فيه ‪.‬‬
‫ثم قال ‪ :‬لم فعلت هذا ؟ قال ‪ :‬من خشيتك ‪ ،‬وأنت أعلم‬
‫فغفر اللـه له (( )‪. (1‬‬
‫رق وذ ُرِىَ رماده فى‬ ‫ح ِ‬
‫الشاهد من الحديث أن اللـه أحياه بعدما ُ‬

‫‪ ()1‬رواه البخارى رقم )‪ ، (7506‬فى التوحيد ‪ ،‬باب قول اللـه تعالى } يريدون أن يبدلوا كلم‬
‫اللـه { ‪ ،‬ومسلم رقم )‪ ، (2756‬فى التوبة ‪ ،‬باب فى سعة رحمة اللـه تعالى وأنها سبقت غضبه ‪،‬‬
‫والموطأ )‪ ، (1/240‬فى الجنائز ‪ ،‬باب جامع الجنائز ‪ ،‬النسائى )‪ (4/113‬فى الجنائز ‪،‬باب أرواح‬
‫المؤمنين ‪.‬‬
‫البحر والبر فقال له الملك كن فكان على الفور ‪.‬‬
‫ه‬
‫ق ُ‬ ‫خل َ َ‬
‫م َ‬ ‫ءادَ َ‬ ‫ل َ‬ ‫مث َ ِ‬ ‫عندَ اللـه ك َ َ‬ ‫سى ِ‬ ‫عي َ‬ ‫ل ِ‬ ‫مث َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫] آل عمران ‪:‬‬ ‫ن{‪.‬‬ ‫كو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫كن َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل لَ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫م َ‬ ‫ب ثُ ّ‬ ‫من ت َُرا ٍ‬ ‫ِ‬
‫‪. [ 59‬‬
‫عَلى‬ ‫ة َ‬ ‫وي َ ٌ‬ ‫خا‬ ‫َ‬ ‫ي‬ ‫ه‬ ‫و‬ ‫ة‬ ‫ي‬ ‫ر‬ ‫ق‬‫َ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫ر‬ ‫م‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫كا‬ ‫َ‬ ‫و‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬أ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ٍ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫ْ‬
‫ه اللـه‬ ‫هذه اللـه بعد موت ِها َ َ‬ ‫قا َ َ‬ ‫ها َ‬
‫مات َ ُ‬ ‫فأ َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ‬ ‫حِيي َ ِ ِ‬ ‫ل أّنى ي ُ ْ‬ ‫ش َ‬ ‫عُرو ِ‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫ض‬‫ع َ‬ ‫و بَ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫و ً‬ ‫ت يَ ْ‬ ‫ل ل َب ِث ْ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫ت َ‬ ‫م ل َب ِث ْ َ‬ ‫ل كَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫ه َ‬ ‫عث َ ُ‬ ‫م بَ َ‬ ‫عام ٍ ث ُ ّ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ َ‬ ‫ِ‬
‫ك‬ ‫شَراب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫ك َ‬ ‫م َ‬ ‫عا ِ‬ ‫فان ْظُْر إ َِلى طَ َ‬ ‫عام ٍ َ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ َ‬ ‫ت ِ‬ ‫ل ل َب ِث ْ َ‬ ‫ل بَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫وم ٍ َ‬ ‫يَ ْ‬
‫وان ْظُْر‬ ‫س َ‬ ‫ة ِللّنا ِ‬ ‫ءاي َ ً‬ ‫ك َ‬ ‫عل َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫ول ِن َ ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ر َ‬ ‫ما ِ‬ ‫وان ْظُْر إ َِلى ِ‬
‫ح َ‬ ‫ه َ‬ ‫سن ّ ْ‬ ‫م ي َت َ َ‬ ‫لَ ْ‬
‫ن لَ ُ‬
‫ه‬ ‫ما ت َب َي ّ َ‬ ‫فل َ ّ‬ ‫ما َ‬ ‫ح ً‬ ‫ها ل َ ْ‬ ‫سو َ‬ ‫م ن َك ْ ُ‬ ‫ها ث ُ ّ‬ ‫شُز َ‬ ‫ف ن ُن ْ ِ‬ ‫ظام ِ ك َي ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫إ َِلى ال ْ ِ‬
‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫َ‬ ‫ل أَ ْ‬
‫ر { ‪ ] .‬البقرة ‪259 :‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ق ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫ن اللـه َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫[‪.‬‬
‫رِني ك َي ْ َ‬ ‫ل إبراهيم رب أ َ‬ ‫وإ ِذْ َ‬
‫حِيي‬ ‫ف تُ ْ‬ ‫قا َ ِ ْ َ ِ ُ َ ّ ِ‬ ‫وقال تعالى ‪َ } :‬‬
‫قل ِْبي‬ ‫قا َ َ‬
‫ن َ‬ ‫مئ ِ ّ‬ ‫ن ل ِي َطْ َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫ل ب ََلى َ‬ ‫قا َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ؤ ِ‬‫م تُ ْ‬ ‫ول َ ْ‬‫لأ َ‬ ‫وَتى َ‬ ‫م ْ‬ ‫ال ْ َ‬
‫عَلى‬ ‫ن إ ِل َي ْ َ‬ ‫ف ُ َ‬
‫ل َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ج َ‬
‫ما ْ‬ ‫ك ثُ ّ‬ ‫ه ّ‬ ‫صْر ُ‬‫ف ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ن الطّي ْ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ة ِ‬ ‫ع ً‬ ‫خذْ أْرب َ َ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ن ي َأ ِْتين َ َ‬
‫ن‬
‫مأ ّ‬ ‫عل َ ْ‬‫وا ْ‬ ‫عًيا َ‬‫س ْ‬ ‫ك َ‬ ‫ه ّ‬‫ع ُ‬‫م ادْ ُ‬ ‫ءا ث ُ ّ‬ ‫جْز ً‬ ‫ن ُ‬ ‫ه ّ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ل ِ‬‫جب َ ٍ‬
‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫] البقرة ‪. [ 260 :‬‬ ‫م{‬ ‫كي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫زيٌز َ‬ ‫ع ِ‬
‫اللـه َ‬
‫إن قدرة اللـه ل تحدها حدود ‪ ،‬ل يعجزه شئ فى الرض ول فى‬
‫السماء وأنهى هذه المقدمة بكلم نفيس للمام ابن القيم رحمه‬
‫اللـه تعالى ‪:‬‬
‫" إن اللـه تعالى قد جعل الدور ثلثة ‪ ،‬وهى دار الدنيا ‪ ،‬ودار‬
‫البرزخ ‪ ،‬ودار القرار " ثم قال ‪ " :‬وجعل اللـه لكل دار أحكاما ً‬
‫تختص بها ‪ ،‬فجعل اللـه الحكام فى دار الدنيا تسير على البدان‪،‬‬
‫والرواح تبع لها ‪ ،‬وجعل الحكام فى دار البرزخ تسرى على الرواح‬
‫‪ ،‬والبدان تبع لها ‪ ،‬وجعل الحكام فى دار القرار تسرى على‬
‫الرواح والبدان معا ً "‬
‫ثم قال ابن القيم ‪ " :‬واعلم أن سعة القبر ‪ ،‬وضيقه ‪ ،‬ونوره ‪،‬‬
‫وناره ليس من جنس المعهود للناس فى عالم الدنيا " ‪.‬‬
‫ثم ضرب للناس مثل عقليا ً دقيقا ً رائعا ً فقال ‪:‬‬
‫" انظر إلى الرجلين النائمين فى فراش واحد أحدها يرى فى‬
‫نومه أنه فى نعيم ‪ ،‬بل وقد يستيقظ وأثر النعيم على وجهه ويقص‬
‫عليك ما كان فيه من النعيم ‪ ،‬قد يقول لك الحمد لله لقد رأيتنى‬
‫الليلة وأنا مع رسول اللـه ‪ ‬ورأيت النبى ‪‬وكلمت النبى ‪ ‬ورد‬
‫ى النبى ‪ ‬وقال لى النبى ‪.. ‬الخ‬ ‫عل ّ‬
‫من رأى النبى فى المنام فقد رآه حقا ً ‪ ،‬وأخوه إلى جواره فى‬
‫فراش واحد قد يكون فى عذاب ويستيقظ وعليه أثر العذاب‬
‫ويقص عليك ويقول كابوس كاد أن يخنق أنفاسى !!‬
‫هل تدبرت أخى فى اللـه فى هذا الكلم ؟!! الرجلن فى فراش‬
‫واحد هذه روحه كانت فى النعيم ‪ ،‬وهذا روحه كانت فى العذاب مع‬
‫أن أحدهم ل يعلم عن الخر شيئا ً ‪.‬‬
‫هذا فى أمر الدنيا فما بالك بأمر البرزخ الذى ل يعلمه إل‬
‫اللـه ؟!!‬
‫مقدمة دقيقة ولو تدبرتها لوقفت على الحقيقة ‪.‬‬
‫وأنا أقول ‪ :‬متى كان العقل حاكما ً على الشرع والدين ؟!!‬
‫ى يوم أن قال ‪ " :‬لو كان أمر الدين بالعقل لكان‬ ‫عل ّ‬‫لله در َ‬
‫المسح عل باطن الخف أولى من المسح على أعله " )‪. (1‬‬
‫إليك الدلة الصحيحة الصريحة عن عذاب القبر أستهلها بهذه‬
‫الترجمة الفقهية البليغة لمام الدنيا فى الحديث ‪ -‬المام البخارى ‪-‬‬
‫فقد ترجم فى كتاب الجنائز بابا ً بعنوان ))باب ما جاء فى عذاب‬
‫ه البخارى فى تراجمه كما‬ ‫القبر (( وتكفى هذه الترجمة ‪ ،‬ولقد فَُق َ‬
‫قال علماء الحديث وعلماء الجرح ‪ ،‬وساق البخارى فى هذا الباب‬
‫اليات الكريمة عن اللـه جل وعل وروى فيه الحاديث الصحيحة عن‬
‫رسول اللـه ‪ ، ‬وسأكتفى بآية واحدة استدل بها جميع أهل السنة‬
‫بل خلف على ثبوت عذاب القبر ‪:‬‬
‫ب)‬‫ذا ِ‬ ‫سوءُ ال ْ َ‬
‫ع َ‬ ‫ن ُ‬ ‫و َ‬‫ع ْ‬ ‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬
‫حاقَ ِبآ ِ‬ ‫و َ‬ ‫قال اللـه تعالى ‪َ } :‬‬
‫ة‬
‫ع ُ‬‫سا َ‬‫م ال ّ‬ ‫قو ُ‬ ‫م تَ ُ‬‫و َ‬
‫وي َ ْ‬
‫شّيا َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬‫وا َ‬‫غد ُ ّ‬ ‫عل َي ْ َ‬
‫ها ُ‬ ‫ن َ‬
‫ضو َ‬‫عَر ُ‬
‫‪(45‬الّناُر ي ُ ْ‬

‫‪ ()1‬رواه أبو داود رقم )‪ (162،163،164‬فى الطهارة ‪ ،‬باب كيف المسح ‪ ،‬وصححه الشيخ اللبانى ‪،‬‬
‫والرناؤوط فى تخريج جامع الصول ‪.‬‬
‫ب { ‪ ] .‬غافر ‪. [ 46 ، 45 :‬‬ ‫ذا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫شدّ ال ْ َ‬ ‫ن أَ َ‬ ‫و َ‬ ‫ع ْ‬‫فْر َ‬ ‫ل ِ‬ ‫ءا َ‬ ‫خُلوا َ‬ ‫أ َدْ ِ‬
‫قال جميع علماء أهل السنة ‪ :‬ذكر اللـه فى هذه الية عذاب دار‬
‫البرزخ وعذاب دار القرار ذكرا ً صريحا ً ‪ ،‬وحاق بآل فرعون سوء‬
‫العذاب ‪ ،‬النار يعرضون عليها غدوا ً وعشيا ً ‪ :‬أى صباحا ً ومساءا ً هذا‬
‫فى دار البرزخ ‪ ،‬ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعون أشد‬
‫العذاب ‪ :‬أى يوم القيامة ‪.‬‬
‫فذكر اللـه عذابين فى الية ‪ :‬عذابا ً فى الدنيا وعذابا ً فى الخرة‬
‫عذاب دار البرزخ وعذاب دار القرار ‪.‬‬
‫وقبل أن أزف إليك الدلة الصحيحة التى تلقم المنكرين الحجار‬
‫أود أن أنوه إلى أن اللـه قد أنزل على النبى وحيين وأوجب اللـه‬
‫ن والسنة الصحيحة ‪.‬‬ ‫على عباده اليمان بهما أل وهما القرآ ُ‬
‫انطلق هؤلء المنكرون وقالوا‪ ...‬كفانا القرآن وظنوا أنهم بهذه‬
‫الدعوى التى يغنى بطلنها عن إبطالها ‪ ،‬ويغنى فسادها عن‬
‫إفسادها أنهم قد خدعونا واللـه ما خدعوا إل أنفسهم ‪..‬‬
‫ب بالسنة الصحيحة فقد كفر بالقرآن ‪ ..‬ومن رد السنة‬ ‫من ك َذ ّ َ‬
‫فقد رد القرآن ‪.‬‬
‫سـو ُ‬
‫ل‬ ‫م الّر ُ‬ ‫كـ ُ‬ ‫ءاَتـا ُ‬ ‫مـا َ‬ ‫و َ‬ ‫تدبر معى آيات اللـه عز وجل ‪َ } :‬‬
‫ن اللـه‬ ‫قوا اللـه إ ِ ّ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫هـوا َ‬ ‫فان ْت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عْنـ ُ‬ ‫م َ‬ ‫كـ ْ‬ ‫هـا ُ‬ ‫مـا ن َ َ‬ ‫و َ‬ ‫ذوهُ َ‬ ‫خـ ُ‬ ‫ف ُ‬ ‫َ‬
‫] الحشر ‪:‬‬ ‫ب{‬ ‫قا ِ‬ ‫ع َ‬ ‫ديدُ ال ْ ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫َ‬
‫‪.[7‬‬
‫وقال تعالى ‪ } :‬من يطع الرسول فقد أطاع اللـه ومن‬
‫تولى فما أرسلناك عليهم حفيظا ً {‬
‫] النساء ‪. [ 80 :‬‬
‫ما‬
‫في َ‬ ‫ك ِ‬ ‫مو َ‬ ‫حك ّ ُ‬ ‫حّتى ي ُ َ‬ ‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫ك ل يُ ْ‬ ‫وَرب ّ َ‬ ‫فل َ‬ ‫وقال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ت‬‫ضي ْ َ‬ ‫ق َ‬ ‫ما َ‬ ‫م ّ‬ ‫جا ِ‬ ‫حَر ً‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫في أ َن ْ ُ‬ ‫دوا ِ‬ ‫ج ُ‬ ‫م ل يَ ِ‬ ‫م ثُ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫جَر ب َي ْن َ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫َ‬
‫ما { ‪.‬‬ ‫سِلي ً‬ ‫موا ت َ ْ‬ ‫سل ّ ُ‬‫وي ُ َ‬ ‫َ‬
‫] النساء ‪. [ 65 :‬‬
‫ضى‬ ‫ق َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ة إِ َ‬ ‫من َ ٍ‬
‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ول ُ‬ ‫ن َ‬ ‫م ٍ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ن لِ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫ما َ‬ ‫و َ‬ ‫وقال تعالى ‪َ } :‬‬
‫َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫َ‬ ‫اللـه ورسول ُ َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ر ِ‬‫م ِ‬ ‫نأ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫خي ََرةُ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن لَ ُ‬ ‫كو َ‬ ‫ن يَ ُ‬ ‫مًرا أ ْ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ ُ‬
‫مِبيًنا {‪].‬الحزاب‪:‬‬ ‫ضلل ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫قد ْ َ‬ ‫ف َ‬‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ص اللـه َ‬ ‫ع ِ‬ ‫يَ ْ‬
‫‪. [ 36‬‬
‫ي‬ ‫د‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫ي‬ ‫ب‬ ‫موا‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫ل‬ ‫نوا‬ ‫ُ‬ ‫م‬ ‫ءا‬‫َ‬ ‫ن‬ ‫ذي‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ا‬ ‫ها‬ ‫ي‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬ياأ َ‬
‫ِ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫ها‬ ‫َ‬ ‫وات ّ ُ‬
‫م)‪َ(1‬ياأي ّ َ‬ ‫عِلي ٌ‬
‫ع َ‬ ‫مي ٌ‬ ‫س ِ‬‫ن اللـه َ‬ ‫قوا اللـه إ ِ ّ‬ ‫ه َ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫اللـه َ‬
‫َ‬
‫ول‬ ‫ي َ‬ ‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫و ِ‬ ‫ص ْ‬ ‫وق َ َ‬ ‫ف ْ‬ ‫م َ‬ ‫وات َك ُ ْ‬ ‫ص َ‬ ‫عوا أ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫مُنوا ل ت َْر َ‬ ‫ءا َ‬‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ال ّ ِ‬
‫مال ُك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ع َ‬ ‫ط أَ ْ‬ ‫حب َ َ‬ ‫ن تَ ْ‬ ‫ضأ ْ‬
‫َ‬
‫ع ٍ‬ ‫م ل ِب َ ْ‬‫ضك ُ ْ‬ ‫ع ِ‬ ‫ر بَ ْ‬‫ه ِ‬ ‫ج ْ‬‫ل كَ َ‬ ‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ه ِبال ْ َ‬‫هُروا ل َ ُ‬ ‫ج َ‬ ‫تَ ْ‬
‫ن { ] الحجرات ‪. [ 2 ،1 :‬‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫َ‬
‫عُرو َ‬ ‫ش ُ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬
‫فالسنة حكمها مع القرآن على ثلثة أوجه‪.‬‬
‫قال ابن القيم فى إعلم الموقعين ‪ :‬السنة مع القرآن على ثلثة‬
‫أوجه ‪:‬‬
‫الوجه الول ‪ :‬أن تأتى السنة مؤكدة لما جاء به القرآن وهذا‬
‫من باب تضافر الدلة ‪.‬‬
‫الوجه الثانى ‪ :‬أن تأتى السنة مبينة وموضحة لما أجمله‬
‫القرآن ‪.‬‬
‫قال تعالى ‪ } :‬وأقيموا الصلة { لكن لم يذكر عدد الصلوات‬
‫‪ ،‬ول أركان الصلة‪ ،‬ول كيفية الصلة ول مواقيت الصلة ‪ ،‬فجاء‬
‫الحبيب المصطفى ‪ ‬لكى يبين لنا عددها وأركانها وكيفيتها‬
‫ومواقيتها وهكذا ‪.‬‬
‫الوجه الثالث ‪ :‬أن تأتى السنة موجبة أو محرمة لما سكت عنه‬
‫القرآن ‪ ،‬قال المصطفى ‪ )) : ‬أل يوشك رجل شبعان متكئ‬
‫على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من‬
‫حلل فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه (( قال‬
‫المصطفى ‪ )) : ‬أل إن ما حرم اللـه كما حرم رسول اللـه‬
‫(( )‪.(1‬‬
‫وإليكم الحاديث الصحيحة التى تثبت أن عذاب القبر حقيقة ل‬
‫ريب ‪:‬‬
‫ففى الحديث الذى رواه أحمد والحاكم وغيره وحسنه الشيخ‬

‫‪ ()1‬رواه أحمد رقم ) ‪ (17128‬وأبو داود رقم )‪ (4604‬فى السنة باب فى لزوم السنة والحاكم ‪ ،‬وهو‬
‫فى صحيح الجامع رقم )‪. (8186‬‬
‫اللبانى " كان عثمان إذا وقف على القبر بكى وإذا ذكر الجنة والنار‬
‫ل يبكى فقيل له ‪ :‬يا عثمان تذكر الجنة والنار فل تبكى فإذا وقفت‬
‫على القبر تبكى ‪ ،‬قال عثمان ‪ :‬لقد سمعت رسول اللـه ‪ ‬يقول ‪:‬‬
‫)) القبر أول منازل الخرة فإن نجى منه صاحبه فما بعده‬
‫أيسر منه ‪ ،‬وإن لم ينجو منه صاحبه فما بعده أشد منه ((‬
‫‪.‬‬
‫وانظر إلى هذا الحديث الصحيح قال المصطفى ‪ ‬حينما مر‬
‫على قبرين فقال ‪ )) : ‬أما إنهما ليعذبان وما يعذبان فى‬
‫كبير(( ثم قال )) أما أحدهما فكان يمشى بالنميمة ‪ ،‬وأما‬
‫الخر فكان ل يستتر من بوله ‪ -‬أو ل يتنزه من بوله ‪(( -‬‬
‫)‪(1‬‬

‫‪.‬‬
‫ف مع هذا الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من‬ ‫• وَقِ ْ‬
‫حديث‬
‫ابن عباس رضى اللـه عنهما أن النبى كان يدعو اللـه ويقول ‪)) :‬‬
‫اللـهم إنى أعوذ بك من عذاب القبر (( )‪. (2‬‬
‫وفى الحديث الذى رواه مسلم وأحمد وابن حبان والبزار‬
‫وغيرهم من حديث زيد بن ثابت رضى اللـه عنه ‪ )) :‬بينما النبى ‪‬‬
‫فى حائط لبنى النجار على بغلة له ونحن معه إذ جاءت به ) أى‬
‫البغلة ( فكادت تلقيه ‪ ،‬وإذا أقبر ستة ‪ ،‬أو خمسة ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬من‬
‫بر ؟ (( قال رجل ‪ :‬أنا ‪ ،‬قال ‪)) :‬‬ ‫يعرف أصحاب هذه ال َ ْ‬
‫ق ُ‬
‫فمتى ماتوا ؟ (( قال ‪ :‬فى الشرك ‪ ،‬فقال ‪ )) :‬إن هذه المة‬
‫ت ُب ْت ََلى فى قبورها فلول أن ل تدافنوا لدعوت اللـه أن‬
‫كم مـن عذاب القبر الذى أسمع منه (( ثم أقبل علينـا‬ ‫ع ُ‬
‫م َ‬
‫س ِ‬
‫يُ ْ‬
‫بوجهـه ‪ ‬فقال ‪ )) :‬تعوذوا باللـه من عذاب القبر (( قالوا ‪:‬‬

‫‪ ()1‬رواه البخارى رقم )‪ ، (216‬فى الوضوء ‪ ،‬باب من الكبائر أن ل يستتر من بوله ‪ ،‬ومسلم رقم )‬
‫‪ ، (292‬فى الطهارة ‪ ،‬باب الدليل على نجاسة البول ووجوب الستبراء منه ‪ ،‬والترمذى رقم )‪، (70‬‬
‫فى الطهارة ‪ ،‬باب ما جاء فى التشديد فى البول ‪ ،‬وأبو داود رقم )‪ (20،21‬فى الطهارة ‪ ،‬باب‬
‫الستبراء من البول ‪ ،‬والنسائى فى الطهارة ‪ ،‬باب التنزه عن البول ‪.‬‬
‫‪ ()2‬رواه البخارى رقم )‪ (1377‬فى الجنائز ‪ ،‬باب التعوذ من عذاب القبر ‪ ،‬ومسلم رقم )‪ ، (588‬فى‬
‫المساجد ‪ ،‬باب ما يستعاذ منه فى الصلة ‪ ،‬و الترمذى رقم )‪ (3599‬فى الدعوات ‪ ،‬باب الستعاذة‬
‫من جهنم ‪ ،‬والنسائى )‪ ، (4/275،276‬فى الستعاذة ‪ ،‬باب الستعاذة من عذاب جهنم ‪.‬‬
‫نعوذ باللـه من عذاب القبر )‪. (1‬‬
‫وفى الحديث الصحيح الذى رواه البخارى ومسلم من حديث عائشة‬
‫ى امرأة من يهود المدينة‬ ‫خل َ ْ‬
‫ت عل ّ‬ ‫رضى اللـه عنها قالت ‪ )) :‬د َ َ‬
‫فذكرت عذاب القبر فقالت المرأة لعائشة ‪ :‬أعاذك اللـه من عذاب‬
‫القبر فلما خرجت اليهودية سألت عائشة النبى ‪ ‬عن عذاب القبر‬
‫م عذاب القبر(( وفى رواية )) عذاب القبر حق ((‬ ‫ع ْ‬
‫فقال ‪ )) :‬ن َ َ‬
‫فقالت عائشة ‪ " :‬فما رأيت النبى ‪ ‬يصلى بعدها إل ويستعيذ من‬
‫عذاب القبر " )‪. (2‬‬
‫واسمع إلى هذا الحديث العمدة فى المسألة ‪ ،‬وهو أصل من‬
‫أصول هذا الباب رواه المام أحمد فى مسنده وابن حبان فى‬
‫صحيحه والبيهقى فى سننه والنسائى فى سننه وأبو داود فى سننه‬
‫ورواه الحاكم فى المستدرك وصححه على شرط الشيخين وأقره‬
‫المام الذهبى وصحح الحديث المام ابن القيم فى كتاب تهذيب‬
‫ل هذا‬‫السنن وإعلم الموقعين وأطال النفس للرد على من أ َعَ ّ‬
‫الحديث وصحح هذا الحديث الشيخ اللبانى وغيره من حديث البراء‬
‫بن عازب رضى اللـه عنه أنه قال ‪ :‬خرجنا مع النبى ‪ ‬فى جنازة‬
‫رجل من النصار فلما انتهينا إلى القبر جلس النبى على شفير‬
‫القبر ) حافة القبر ( وجلسنا حوله وكأن على رؤوسنا الطير ) ل‬
‫يتكلمون ( وفى يد النبى ‪ ‬عود ينكـت بـه الرض ثم رفـع النبـى‬
‫‪ ‬رأسـه فنظـر وقـال لصحـابـه ‪ )) :‬استعيذوا باللـه من‬
‫عذاب القبر ‪ ،‬استعيذوا باللـه من عذاب القبر ‪ ،‬استعيذوا‬
‫باللـه من عذاب القبر (( قالها النبى مرتين أو ثلثـة ثـم التفـت‬
‫إليهــم النبى ‪ ‬وقال ‪ )) :‬إن العبد المؤمن إذا كان فى‬
‫انقطاع من الدنيا وإقبال من الخرة نزل إليه من‬
‫السماء ملئكة بيض الوجوه كأن وجوههم الشمس ‪،‬‬
‫معهم كفن من أكفان الجنة ‪ ،‬وحنوط من حنوط الجنة‬

‫‪ ()1‬رواه مسلم )‪ ، (2867‬فى صفة الجنة ‪،‬باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه ‪.‬‬
‫‪ ()2‬رواه البخارى رقم )‪ (1372‬فى الجنائز ‪ ،‬باب عذاب القبر ‪ ،‬ومسلم رقم )‪ ، (584‬فى المساجد ‪،‬‬
‫باب استحباب التعوذ من عذاب القبر ‪ ،‬والنسائى )‪ ، (4/104‬فى الجنائز ‪ ،‬باب التعوذ من عذاب‬
‫القبر ‪.‬‬
‫فيجلسون منه مد البصر ‪ ،‬ثم يجئ ملك الموت حتى‬
‫يجلس عند رأسه فيقول ‪ :‬يا أيتها النفس الطيبة ُاخرجى‬
‫إلى مغفرة من اللـه ورضوان ‪ ،‬فتخرج فتسيل كما تسيل‬
‫قاء فيأخذها ‪ ،‬فإذا أخذها لم يدعوها‬ ‫س َ‬
‫ى ال ّ‬
‫ف ّ‬
‫القطرة من ِ‬
‫فى يده طرفة عين حتى يأخذوها ‪ ،‬فيجعلوها فى ذلك‬
‫الكفن ‪ ،‬وفى ذلك الحنوط ‪ ،‬فيخرج منها كأطيب نفحة‬
‫مسك وجدت على وجه الرض فيصعدون بها فل يمرون‬
‫على مل من الملئكة إل قالوا ‪ :‬ما هذا الروح الطيب ؟‬
‫فيقولون ‪ :‬فلن بن فلن ‪ ،‬بأحسن أسمائه التى كانوا‬
‫يسمونه به فى الدنيا ‪،‬حتى ينتهوا به إلى السماء الدنيا ‪،‬‬
‫فيستفتحون له ‪،‬فيفتح له ‪ ،‬فيشيعه من كل سماء‬
‫مقربوها إلى السماء التى تليها ‪ ،‬حتى ينتهى إلى‬
‫السماء السابعة ‪،‬فيقول اللـه عز وجل ‪ :‬اكتبوا كتاب‬
‫عبدى فى عليين وأعيدوا عبدى إلى الرض ‪ ،‬فإنى منها‬
‫خلقتهم ‪ ،‬وفيها أعيدهم ‪ ،‬ومنها أخرجهم تارة أخرى ‪،‬‬
‫فتعاد روحه ‪،‬فيأتيه ملكان ‪ ،‬فيجلسانه فيقولن ‪ :‬من‬
‫ربك ؟ فيقول ‪ :‬ربى اللـه ‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬ما دينك ؟‬
‫فيقول دينى السلم ‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬ما هذا الرجل الذى‬
‫بعث فيكم ؟ فيقول هو رسول اللـه ‪ ،‬فيقولن له وما‬
‫علمك ؟ فيقول ‪ :‬قرأت كتاب اللـه فأمنت به وصدقت ‪،‬‬
‫فينادى مناد من السماء أن صدق عبدى فأفرشوه من‬
‫الجنة ‪ ،‬وألبسوه من الجنة ‪ ،‬وافتحوا له بابا ً إلى الجنة‬
‫‪،‬فيأتيه من روحها وطيبها ‪،‬ويفسح له فى قبره مد بصره‬
‫‪ ،‬ويأتيه رجل حسن الوجه حسن الثياب ‪ ،‬طيب الريح ‪،‬‬
‫فيقول ‪ :‬أبشر بالذى يسرك ‪ ،‬هذا يومك الذى كنت‬
‫توعد ‪ ،‬فيقول له ‪ :‬من أنت ؟ فوجهك الوجه الذى يجئ‬
‫بالخير ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أنا عملك الصالح ‪ ،‬فيقول ‪ :‬رب أقم‬
‫الساعة ‪ ،‬رب أقم الساعة ‪ ،‬حتى أرجع إلى أهلى‬
‫ومالى ‪ ...‬وإن العبد الكافر إذا كان فى انقطاع من‬
‫الدنيا ‪ ،‬وإقبال من الخرة ‪ ،‬نزل إليه من السماء ملئكة‬
‫سود الوجوه ‪ ،‬معهم المسوح فيجلسون منه مد البصر ثم‬
‫يجئ ملك الموت حتى يجلس عند رأسه ‪،‬فيقول ‪ :‬أيتها‬
‫النفس الخبيثة اخرجى إلى سخط من اللـه وغضب ‪،‬‬
‫فتفرق فى جسده فينتزعها كما ينتزع السفود من‬
‫الصوف المبلول‪ ،‬فيأخذها ‪ ،‬فإذا أخذها لم يدعوها فى‬
‫يده طرفة عين حتى يجعلوها فى تلك المسوح ‪ ،‬ويخرج‬
‫منها كأنتن ريح جيفة وجدت على وجه الرض ‪،‬فيصعدون‬
‫بها فل يمرون بها على مل من الملئكة إل ّ قالوا ‪ :‬ما‬
‫هذه الروح الخبيثة ؟! فيقولون ‪ :‬فلن بن فلن بأقبح‬
‫أسمائه التى كان يسمى بها فى الدنيا فيستفتح له ‪ ،‬فل‬
‫يفتح له ‪ ،‬ثم قرأ } ل تفتح لهم أبواب السماء { فيقول‬
‫اللـه عز وجل ‪ :‬اكتبوا كتابه فى سجين فى الرض‬
‫السفلى ‪ ،‬فتطرح روحه طرحا فتعاد روحه فى جسده‬
‫ويأتيه ملكان فيجلسانه فيقولن له ‪ :‬من ربك ؟ فيقول ‪:‬‬
‫هاه ‪ ..‬هاه‪ ..‬ل أدرى ‪ ،‬فيقولن ‪ :‬له ما دينك ؟ فيقول ‪:‬‬
‫هاه ‪ ..‬هاه‪ ..‬ل أدرى ‪ ،‬فيقولن له ‪ :‬ما هذا الرجل الذى‬
‫ث فيكم ؟ فيقول ‪ :‬هاه ‪ ..‬هاه‪ ..‬ل أدرى ‪ ،‬فينادى مناٍد‬ ‫ع َ‬
‫بُ ِ‬
‫من السماء ‪ :‬أن كذب عبدى ‪ ،‬فأفرشوه من النار‬
‫وافتحوا له بابا إلى النار فيأتيه من حرها وسمومها ‪،‬‬
‫ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلعه ‪ ،‬ويأتيه رجل‬
‫قبيح الوجه ‪ ،‬قبيح الثياب ‪ ،‬منتن الريح ‪ ،‬فيقول ‪ :‬أبشر‬
‫بالذى يسوؤك ‪ ،‬هذا يومك الذى كنت توعد فيقول ‪ :‬من‬
‫أنت فوجهك الوجه يجئ بالشر ؟ فيقول ‪ :‬أنا عملك‬
‫الخبيث ‪ ،‬فيقول ‪ :‬رب ل تقم الساعة !! (( )‪. (1‬‬
‫معذرة أيها الحبيب لقد أطلت عليك الجولة مع الدلة على عذاب‬

‫‪ ()1‬رواه أبو داود رقم )‪ (3212‬فى الجنائز ‪ ،‬باب الجلوس عند القبر ‪ ،‬ورواه ابن خزيمة والحاكم ‪،‬‬
‫والبيهقى فى شعب اليمان ‪ ،‬وقد جمع اللبانى روايات هذا الحديث من جميع مصادره وصححه فى‬
‫صحيح الجامع رقم )‪. (1676‬‬
‫القبر ونعيمه ‪ ،‬وسأعرج سريعا ً على العنصرين الخرين وهى‬
‫أسباب عذاب القبر ‪ ،‬ما السبيل للنجاة ؟ ‪ ،‬وذلك بعد جلسة‬
‫الستراحة ‪.‬‬
‫وأقول قولى هذا واستغفر اللـه لى ولكم‬
‫الخطبة الثانية‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باللـه من‬
‫شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده اللـه فل مضل له ومن‬
‫يضلل فل هادى له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل اللـه وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله ‪.‬‬
‫أما بعد‪..‬‬

‫ثانيا ً ‪ :‬أسباب عذاب القبر‬

‫والحديث عنها له وجهان مجمل ومفصل ‪ ،‬أما المجمل فإن‬


‫معصية اللـه عز وجل أصل لكل بلء وعلى رأس هذه المعاصى‬
‫الشرك ‪ ،‬فإن أعظم زاد تلقى اللـه به هو التوحيد ‪ ،‬وإن أبشع‬
‫شر َ‬
‫ك‬ ‫ن ال ّ‬
‫وأعظم ذنب تلقى اللـه به هو الشرك ‪ ،‬قال اللـه ‪ } :‬إ ّ‬
‫م { ] لقمان ‪.[13 -‬‬‫عظي ِ ُُ‬ ‫لَ ُ‬
‫ظل ُُ‬
‫م َ‬
‫أما التفصيل فقد ذكر النبى ‪ ‬كما ذكرت آنفا أن النميمة من‬
‫أسباب عذاب القبر ‪ ،‬وهناك الن أناس متخصصون فى النميمة ‪.‬‬
‫فالنميمة سبب من أسباب عذاب القبر ‪ ،‬وأيضا عدم الستتار من‬
‫البول ‪ ،‬وعدم التنزه منه وهذا ما ذكره النبى ‪ ‬فى حديثه الذى كنا‬
‫بصدده من قبل‪.‬‬
‫أيضا من أسباب عذاب القبر الكذب والربا وهجر القرآن كما فى‬
‫حديث سمرة بن جندب الطويل الذى رواه البخارى الذى ل يتسع‬
‫المقال لذكره الن لقد ذكر فيه النبى ‪ ‬من أسباب عذاب القبر‬
‫الكذب والرياء وهجر القرآن والزنا ‪ ،‬والغلول )كل شئ يأخذ من‬
‫الغنيمة قبل أن تقسم ( ويدخل تحت الغلول السحت والحرام ‪.‬‬
‫فعن أبى هريرة رضى اللـه عنه قال ‪ :‬خرجنا مع رسول اللـه ‪‬‬
‫إلى خيبر ففتح اللـه علينا ‪ ،‬فلم نغنم ذهبا ً ‪ ،‬ول وَِرقا ً ‪ ،‬غنمنا المتاع‬
‫والطعام والثياب ‪ ،‬ثم انطلقنا إلى الوادى يعنى وادى القرى ومع‬
‫رسول اللـه ‪ ‬عبد له ‪،‬وهبه له رجل من جذام يدعى رفاعة بن‬
‫ضبيب ‪ ،‬فلما نزلنا الوادى قام عبد رسول اللـه ‪‬‬ ‫يزيد من بنى ال ّ‬
‫ل رحله ‪ ،‬فرمى بسهم ‪ ،‬فكان فيه حتفه فقلنا ‪ :‬هنيئا ً له الشهادة‬ ‫ح ّ‬
‫يَ ُ‬
‫يا رسول اللـه ‪ ،‬فقال رسول اللـه ‪ )) : ‬كل والذى نفسى‬
‫مَلة ) إزار يتشح به ( لتلتهب عليه نارا ً ‪،‬‬ ‫ش ْ‬‫محمد بيده ‪ ،‬إن ال ّ‬
‫أخذها من الغنائم يوم خيبر‪ ،‬لم يصبها المقاسم (( قال ‪:‬‬
‫ففزع الناس فجاء رجل بشراك أو شراكين ) الشراك ‪ :‬سير من‬
‫سيور النعل ( فقال أصبته يوم خيبر فقال رسول اللـه ‪)) : ‬‬
‫شراك من نار ‪ ،‬أو شراكان من نار (( )‪. (1‬‬
‫أيها الحباب ‪ :‬والسؤال الن فما السبيل للنجاة من عذاب‬
‫القبر ؟!‬
‫ثالثا ً ‪ :‬السبيل للنجاة من عذاب القبر‬

‫أقول لك بإيجاز شديد ‪ ،‬أعظم سبيل للنجاة من عذاب القبر أن‬


‫تستقم على طاعة اللـه جل وعل وأن تتبع هدى النبى ‪. ‬‬
‫م‬‫قاُلوا َرب َّنا اللـه ث ُ ّ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫قال اللـه عز وجل ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫حَزُنوا‬ ‫ول ت َ ْ‬ ‫فوا َ‬ ‫خا ُ‬‫ة َأل ت َ َ‬ ‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ل َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫موا ت َت َن َّز ُ‬ ‫قا ُ‬ ‫ست َ َ‬ ‫ا ْ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ؤك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ول َِيا ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ح ُ‬ ‫ن)‪(30‬ن َ ْ‬ ‫دو َ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ُتو َ‬ ‫ة ال ِّتي ك ُن ْت ُ ْ‬ ‫جن ّ ِ‬‫شُروا ِبال ْ َ‬ ‫وأب ْ ِ‬ ‫َ‬
‫هي‬ ‫شت َ ِ‬ ‫ما ت َ ْ‬‫ها َ‬ ‫في َ‬‫م ِ‬ ‫ول َك ُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫خَر ِ‬ ‫في ال ِ‬ ‫و ِ‬‫ة الدّن َْيا َ‬ ‫حَيا ِ‬ ‫في ال ْ َ‬ ‫ِ‬
‫حيم ٍ {‬ ‫ر َر ِ‬ ‫فو ٍ‬ ‫غ ُ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن)‪(31‬ن ُُزل ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ما ت َدّ ُ‬ ‫ها َ‬ ‫في َ‬
‫م ِ‬ ‫ول َك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫سك ُ ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫أ َن ْ ُ‬
‫‪.‬‬
‫] فصلت ‪. [ 32 ، 30 :‬‬
‫ومن أنفع السباب كذلك للنجاة من عذاب القبر ما ذكره المام‬
‫‪ ()1‬أخرجه البخارى رقم )‪ ، (4234‬فى المغازى ‪ ،‬باب غزوة خيبر ‪ ،‬ومسلم رقم )‪ ، (115‬فى اليمان‬
‫‪ ،‬باب غلظ تحريم الغلول ‪ ،‬الموطأ )‪ (2/459‬فى الجهاد ‪ ،‬باب ما جاء فى الغلول‪ ،‬وأبو داود رقم )‬
‫‪ (2711‬فى الجهاد ‪ ،‬باب فى تعظيم الغلول ‪ ،‬النسائى )‪ (4/24‬فى اليمان والنذور ‪.‬‬
‫ابن القيم فى كتابه القيم ) الروح ( ‪ ،‬قال ‪ :‬ومن أنفعها أن يتفكر‬
‫النسان قبل نومه ساعة ليذكر نفسه بعمله ‪ ،‬فإن كان مقصرا ً زاد‬
‫فى عمله وإن كان عاصيا ً تاب إلى اللـه ‪ ،‬وليجدد توبة قبل نومه‬
‫بينه وبين اللـه ‪.‬‬
‫فإن مات من ليلته على هذه التوبة فهو من أهل الجنة ‪،‬نجاه‬
‫اللـه من عذاب القبر ومن عذاب النار ‪.‬‬

‫ومن أعظم السباب التى تنجى من عذاب القبر ‪:‬‬


‫أن تداوم على العمل الصالح كالتوحيد ‪ ،‬والصلة ‪ ،‬والصيام ‪،‬‬
‫والصدقة ‪ ،‬والحج ‪ ،‬وحضور مجالس العلم والعلماء التى ضيعها‬
‫أناس كثيرون وانشغلوا عنها بلهو قتل الوقت ‪.‬‬
‫أيضا من أعظم السباب المر بالمعروف والنهى عن المنكر ‪،‬‬
‫وبر الوالدين ‪ ،‬وصلة الرحام ‪ ،‬كل عمل يرضى الرب فهو عمل‬
‫صالح ينجى صاحبه من عذاب القبر والنار ‪.‬‬
‫وأبشركم ‪ ...‬أن من أعظم العمال التى تنجى صاحبها من‬
‫عذاب القبر الشهادة فى سبيل اللـه ورد فى الحديث الذى رواه‬
‫الحاكم وحسن إسناده الشيخ اللبانى أن النبى ‪ ‬قال ‪:‬‬
‫)) للشهيد عند اللـه ست خصال ‪ ،‬الولى ‪ :‬يغفر له مع‬
‫أول دفعة من دمه ‪ ،‬ويرى مقعده من الجنة ‪ ،‬الثانية ‪:‬‬
‫ينجيه اللـه عز وجل من عذاب القبر‪ ،‬الثالثة ‪ :‬يأمنه اللـه‬
‫يوم الفزع الكبر ‪ ،‬الرابعة ‪ :‬يلبسه اللـه تاج الوقار ‪،‬‬
‫الياقوتة فيه خير من الدنيا وما فيها ‪ ،‬الخامسة ‪ :‬يزوجه‬
‫اللـه بثنتين وسبعين زوجة من الحور العين ‪ ،‬السادسة ‪:‬‬
‫يشفعه اللـه فى سبعين من أهله ((‪.‬‬
‫ولن أترك مكانى هذا إل بعد أن أزف إليكم حديثا يمل القلب أمل‬
‫ورضا ‪ ،‬والحـديث رواه الـحاكم فى المستدرك وصححه وأقره‬
‫الذهبى وصحح إسـناده الشـيخ اللبانى فى مشكاة المصابيح عن‬
‫ابن مسعود رضى اللـه عنه قال ‪: ‬‬
‫)) سورة الملك ‪ ،‬تبارك الذى بيده الملك ‪ ،‬هى المانعة‬
‫وهى المنجية تنجيه من عذاب القبر (( )‪. (1‬‬

‫‪ ..........‬الدعــــاء‬

‫‪ ()1‬رواه الترمزى رقم )‪ (2892‬فى ثواب القرآن وصحح إسناده شيخنا اللبانى ‪.‬‬

You might also like