You are on page 1of 18

‫بسم اللـه الرحمن الرحيم‬

‫يوم الحساب‬

‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ‪ ،‬ونعوذ باللـه من‬


‫شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ‪ ،‬من يهده اللـه فل مضل له ومن‬
‫يضلل فل هادى له ‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل اللـه وحده ل شريك له وأشهد أن محمدا ً‬
‫عبده ورسوله ‪.‬‬
‫َ‬
‫ن‬
‫موت ُ ّ‬ ‫ول ت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قات ِ ِ‬ ‫ق تُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫قوا اللـه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫} َياأي ّ َ‬
‫ن { ‪ ] .‬آل عمران ‪. [ 102 -‬‬ ‫إل َ‬
‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫م ُ‬ ‫وأن ْت ُ ْ‬ ‫َ‬ ‫ِ‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫ن نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫قك ُ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫} َياأي ّ َ‬
‫ساءً‬ ‫ون ِ َ‬ ‫جال ك َِثيًرا َ‬ ‫ر َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬‫من ْ ُ‬‫ث ِ‬ ‫وب َ ّ‬ ‫ها َ‬ ‫ج َ‬‫و َ‬‫ها َز ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫خل َ َ‬‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫كا َ‬ ‫ن اللـه َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫وال َْر َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن بِ ِ‬ ‫ساءَُلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫قوا اللـه ال ّ ِ‬ ‫وات ّ ُ‬ ‫َ‬
‫قيًبا { ‪ ] .‬النساء ‪. [ 1-‬‬ ‫م َر ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫َ‬
‫قوُلـوا َ‬ ‫َ‬
‫دا )‬ ‫دي ً‬ ‫س ِ‬‫ول َ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ُ‬ ‫قوا اللـه َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫ءا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫} َياأي ّ َ‬
‫ن‬
‫مـ ْ‬ ‫و َ‬
‫م َ‬ ‫كـ ْ‬ ‫م ذُُنوب َ ُ‬ ‫كـ ْ‬ ‫فــْر ل َ ُ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مـال َك ُ ْ‬ ‫م أَ ْ‬
‫ع َ‬ ‫كـ ْ‬ ‫ح لَ ُ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫‪ (70‬ي ُ ْ‬
‫ما { ‪.‬‬ ‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫وًزا َ‬ ‫ف ْ‬‫فـاَز َ‬ ‫قــدْ َ‬ ‫ف َ‬ ‫ه َ‬ ‫سوَلـ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ع اللـه َ‬ ‫طـ ِ‬ ‫يُ ِ‬
‫] الحزاب ‪. [ 71 ، 70-‬‬
‫أما بعـــد ‪...‬‬
‫فإن أصدق الحديث كلم اللـه ‪ ،‬وخير الهدى هدى محمد‪ ‬وشر‬
‫المور محدثاتها ‪ ،‬وكل محدثــة بدعة وكل بدعــة ضللة وكل ضللة‬
‫فى النار ثم أما بعد ‪..‬‬
‫أحبتى فى اللـه ‪..‬‬
‫هذا هو لقاءنا الثالث عشر من لقاءات هذه السلسة الكريمة‬
‫المباركة وكنا قد توقفنا فى اللقاء الماضى مع هذا المشهد المهيب‬
‫الكريم حين يأتى الملك الحق جل جلله إلى أرض المحشر إتيانا ً‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(118‬‬

‫َ‬
‫ن‬
‫ن ِإل أ ْ‬ ‫ل ي َن ْظُُرو َ‬‫ه ْ‬ ‫يليق بكماله وجلله مصداقا ً لقوله سبحانه } َ‬
‫َ‬ ‫ْ‬
‫مُر‬ ‫ي ال ْ‬
‫ض َ‬
‫ق ِ‬ ‫و ُ‬
‫ة َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ملئ ِك َ ُ‬ ‫مام ِ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫غ َ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬‫في ظُل َ ٍ‬ ‫ه ِ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫ه ُ‬
‫ي َأت ِي َ ُ‬
‫ُ‬
‫] البقرة ‪. [ 210 :‬‬ ‫موُر {‬ ‫ع اْل ُ‬
‫ج ُ‬
‫ه ت ُْر َ‬ ‫وإ َِلى الل ّ ِ‬ ‫َ‬
‫وهنا يبدأ الحساب للعباد ‪ ،‬وهذا هو لقاءنا اليوم مع حضراتكم فى‬
‫هذا اليوم الكريم المبارك وحتى ل ينسحب بساط الوقت من بين‬
‫أيدينا سريعا ً فسوف ينتظم حديثنا فى العناصر التالية ‪-:‬‬
‫‪ :‬ل ظلم اليوم ‪.‬‬ ‫أول ً‬
‫ثانيا ً ‪ :‬العرض على اللـه وأخذ الكتب ‪.‬‬
‫ثالثا ً ‪ :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‬
‫فأعيرونى القلوب والسماع ‪ .‬واللـه أسال أن يسترنا فوق‬
‫الرض وتحت الرض ويوم العرض إنه حليم كريم رحيم ‪.‬‬
‫أول ً ‪ :‬ل ظلــم اليـــــوم‬

‫أيها الحباب الكرام ‪ :‬واللـه لو عذب اللـه أهل سمواته وأهل‬


‫أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ‪ ،‬فهم عبيده فى ملكه ‪ ،‬فالمالك‬
‫يتصرف فى ملكه كيف يشاء ‪ ،‬ولكنه برحمته سبحانه وتعالى‬
‫وكرمه وحنانه ولطفه بعبيده قد حرم الظلم على نفسه وجعله بين‬
‫العباد محرما ً ‪.‬‬
‫ة { ] النساء ‪:‬‬ ‫ل ذَّر ٍ‬‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫ه ل ي َظْل ِ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫‪. [ 40‬‬
‫د { ] فصلت ‪:‬‬ ‫عِبي ِ‬‫ظلم ٍ ل ِل ْ َ‬ ‫ك بِ َ‬ ‫ما َرب ّ َ‬ ‫و َ‬
‫وقال جل وعل ‪َ } :‬‬
‫‪. [ 46‬‬
‫عَباِد { ] غافر ‪. [ 31 :‬‬ ‫ما ل ِل ْ ِ‬ ‫ريدُ ظُل ْ ً‬ ‫ما الل ّ ُ‬
‫ه يُ ِ‬ ‫و َ‬
‫وقال تعالى } َ‬
‫وقال أيضا ً فى الحديث القدسى الذى رواه مسلم من حديث‬
‫أبى ذر عن الحبيب النبى‪ ‬عن رب العزة قال تعالى ‪ )) :‬ياعبادى‬
‫م على نفسى وجعلته بينكم محرما ً فل‬ ‫ت الظل َ‬ ‫م ُ‬
‫حّر ْ‬‫إنى َ‬
‫تظالموا (( )‪. (1‬‬
‫‪ ()1‬رواه مسلم رقم ) ‪ (2577‬فى البر والصلة ‪ ،‬باب تحريم الظلم ‪ ،‬والترمذى رقم ) ‪ (2497‬فى‬
‫صفة القيامة ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "يوم الحساب"‬ ‫)‪(119‬‬

‫فاللـه جل وعل عدل ‪ ،‬لطيف ‪ ،‬حليم ‪ ،‬كريم ل يظلم أحدا ً من‬


‫خلقه ‪ ،‬ول يظلم أحدا ً من عباده ‪ ،‬ولذا فإن اللـه جل وعل يحاسب‬
‫العباد يوم القيامة وفقا ً للقواعد التالية ‪- :‬‬
‫القاعدة الولى ‪ :‬العدل التام الـذى ل يشوبــه أى‬
‫ظلـم ‪.‬‬
‫ة‬
‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬ ‫ط ل ِي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ال ْ ِ‬ ‫زي َ‬ ‫وا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ع ال ْ َ‬ ‫ض ُ‬ ‫ون َ َ‬ ‫قــال تعـالى ‪َ } :‬‬
‫ل أ َت َي َْنا‬ ‫خْردَ ٍ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫حب ّ ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫شي ًْئا َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫فل ت ُظْل َ ُ‬ ‫َ‬
‫ن { ] النبياء ‪. [ 47 :‬‬ ‫سِبي َ‬ ‫حا ِ‬ ‫فى ب َِنا َ‬ ‫وك َ َ‬ ‫ها َ‬ ‫بِ َ‬
‫اعلم أنك لن تعرض على محكمة كمحاكم الدنيا ففى محاكم‬
‫ف ولكن اعلم بأن الذى‬ ‫م التزويَر والتحري َ‬ ‫الدنيا قد يجيد الخصو ُ‬
‫ة‬
‫خائ ِن َ َ‬ ‫م َ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫سيتولى محاكمتك يوم القيامة هو اللـه الذى قال ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ق‬
‫ح ّ‬ ‫ضي ِبال ْ َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫دوُر)‪َ (19‬‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬ ‫ما ت ُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫عي ُ ِ‬ ‫ال َ ْ‬
‫و‬‫ه َ‬ ‫ه ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫ء إِ ّ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ن بِ َ‬ ‫ضو َ‬ ‫ق ُ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫دون ِ ِ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ي َدْ ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬ ‫َ‬
‫] غافر ‪. [ 20 - 19 :‬‬ ‫صيُر {‬ ‫ع ال ْب َ ِ‬ ‫مي ُ‬ ‫س ِ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫ة‬
‫رَز ً‬ ‫ض َبا ِ‬ ‫وت ََرى الْر َ‬ ‫ل َ‬ ‫جَبا َ‬ ‫سي ُّر ال ْ ِ‬ ‫م نُ َ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫وقال جل وعل ‪َ } :‬‬
‫عَلى َرب ّ َ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ضوا َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫و ُ‬ ‫دا)‪َ (47‬‬ ‫ح ً‬ ‫مأ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫غاِدْر ِ‬ ‫م نُ َ‬ ‫فل َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫شْرَنا ُ‬ ‫ح َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫م أل ّ ْ‬
‫ن‬ ‫مت ُ ْ‬ ‫ع ْ‬ ‫ل َز َ‬ ‫ة بَ ْ‬ ‫مّر ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫قَناك ُ ْ‬ ‫خل َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫موَنا ك َ َ‬ ‫جئ ْت ُ ُ‬ ‫قد ْ ِ‬ ‫فا ل َ َ‬ ‫ص ّ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫مي َ‬ ‫ر ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫م ْ‬ ‫فت ََرى ال ْ ُ‬ ‫ب َ‬ ‫ع ال ْك َِتا ُ‬ ‫ض َ‬ ‫و ِ‬ ‫و ُ‬ ‫دا)‪َ (48‬‬ ‫ع ً‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ل ل َك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫نَ ْ‬
‫بل‬ ‫ذا ال ْك َِتا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل َ‬ ‫ما ِ‬ ‫وي ْل َت ََنا َ‬ ‫ن َيا َ‬ ‫قوُلو َ‬ ‫وي َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫في ِ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ّ‬ ‫ن ِ‬ ‫قي َ‬ ‫ف ِ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫مُلوا‬ ‫َ‬
‫ع ِ‬ ‫ما َ‬ ‫دوا َ‬ ‫ج ُ‬ ‫و َ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫صا َ‬ ‫ح َ‬ ‫ول ك َِبيَرةً ِإل أ ْ‬ ‫غيَرةً َ‬ ‫ص ِ‬ ‫غاِدُر َ‬ ‫يُ َ‬
‫] الكهف ‪. [ 49 - 47 :‬‬ ‫دا {‬ ‫حاضرا ول يظْل ِم رب َ َ‬
‫ح ً‬ ‫كأ َ‬ ‫ُ َ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ِ ً َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه)‪َ (7‬‬ ‫خي ًْرا ي ََر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫ف َ‬‫قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫] الزلزلة ‪. [ 8 - 7 :‬‬ ‫ه{‬ ‫شّرا ي ََر ُ‬ ‫ة َ‬ ‫ل ذَّر ٍ‬ ‫قا َ‬ ‫مث ْ َ‬ ‫ل ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ع َ‬ ‫يَ ْ‬
‫فالمقصود أن عمل ابن آدم كله محفوظ ومسطور فى كتاب‬
‫عند اللـه جل وعل ليضل ربى ول ينسى واعلم علم اليقين أن ما‬
‫نسيه النسان ل ينساه الرحمن ‪.‬‬
‫واذكر ذنوبك وابكهـــا يا‬ ‫دع عنك ماقد فات فى زمن‬
‫مذنب‬ ‫صَبا‬
‫ال ّ‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(120‬‬

‫ب‬
‫بـــل أثبتـــاه وأنت لهٍ تلع ُ‬ ‫لــم ينس الملكان حين‬
‫نسيتــه‬
‫ها بالرغم منك‬
‫سَتـــُرد ّ َ‬
‫َ‬ ‫والروح منك وديعــة‬
‫ب‬‫سَلـ ُ‬
‫وت ُ ْ‬ ‫أودعتهـا‬
‫دا ُُر حقيقتها متاعُُ يذهـــــ ُ‬
‫ب‬ ‫سَعـى‬ ‫وغروُر دنيا َ‬
‫ك التـى ت َ ْ‬
‫لها‬
‫أنفاسَنا فيهمـــا ت ُعَد ّ‬ ‫اللي ُ‬
‫ل فاعلم والنهـاُر‬
‫ب‬
‫ســ ُ‬
‫ح َ‬
‫وَت ُ ْ‬ ‫كلهمـــا‬
‫ل ذَّر ٍ‬
‫ة{‪.‬‬ ‫مث ْ َ‬
‫قا َ‬ ‫ه ل ي َظْل ِ ُ‬
‫م ِ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬

‫وْزَر أخرى‬ ‫زُر وزارة ِ‬ ‫القاعدة الثانية ‪ :‬أن ل ت َ ِ‬


‫مَناهُ َ‬ ‫َ‬
‫ه‬
‫ق ِ‬ ‫عن ُ ِ‬ ‫في ُ‬ ‫طائ َِرهُ ِ‬ ‫ن أل َْز ْ‬ ‫سا ٍ‬ ‫ل إ ِن ْ َ‬ ‫وك ُ ّ‬ ‫قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫قَرأ ْ ك َِتاب َ َ‬
‫ك‬ ‫شوًرا)‪(13‬ا ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫قاهُ َ‬ ‫ة ك َِتاًبا ي َل ْ َ‬ ‫م ِ‬ ‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه يَ ْ‬ ‫ج لَ ُ‬ ‫ر ُ‬‫خ ِ‬ ‫ون ُ ْ‬‫َ‬
‫ما‬ ‫فإ ِن ّ َ‬‫دى َ‬ ‫هت َ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫م ِ‬‫سيًبا)‪َ (14‬‬ ‫ح ِ‬ ‫ك َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ك ال ْي َ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ِ‬ ‫فى ب ِن َ ْ‬ ‫كَ َ‬
‫زَرةٌ‬ ‫وا ِ‬ ‫زُر َ‬ ‫ول ت َ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫عل َي ْ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ما ي َ ِ‬ ‫فإ ِن ّ َ‬ ‫ل َ‬ ‫ض ّ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬‫ه َ‬ ‫س ِ‬ ‫ف ِ‬ ‫دي ل ِن َ ْ‬ ‫هت َ ِ‬‫يَ ْ‬
‫سول {‬ ‫ث َر ُ‬ ‫ع َ‬ ‫حّتى ن َب ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫عذِّبي َ‬ ‫م َ‬ ‫ما ك ُّنا ُ‬ ‫و َ‬ ‫خَرى َ‬ ‫وْزَر أ ُ ْ‬ ‫ِ‬
‫] السراء ‪.[ 15 - 13 :‬‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫سى)‬ ‫مو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ح ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫في ُ‬ ‫ما ِ‬ ‫م ي ُن َب ّأ ب ِ َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫وقال تعالى ‪ } :‬أ ْ‬
‫خَرى)‬ ‫وْزَر أ ُ ْ‬ ‫زَرةٌ ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫زُر َ‬ ‫فى)‪(37‬أل ت َ ِ‬
‫َ‬ ‫و ّ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫هي َ‬ ‫وإ ِب َْرا ِ‬ ‫‪َ (36‬‬
‫ف‬‫و َ‬ ‫‪(38‬وأ َن ل َيس للن ْسان إل ما سعى)‪َ (39‬‬
‫س ْ‬ ‫ه َ‬ ‫عي َ ُ‬‫س ْ‬ ‫ن َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ ِ ِ‬ ‫َ ْ ْ َ‬
‫و َ‬ ‫َ‬ ‫جَزاهُ ال ْ َ‬
‫فى { ] النجم‪.[41- 36 :‬‬ ‫جَزاءَ ال ْ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ي َُرى)‪(40‬ث ُ ّ‬
‫فل تتحمل نفس ذنب نفس أخرى ‪ ،‬بل سيمر الولد يوم القيامة‬
‫ة من‬ ‫على والده فيقول له والده ‪ :‬أى بنى أنا أبوك ! اعطنى حسن ً‬
‫م الب فيقول البن لبيه‪ :‬نفسى ! ويقول‬ ‫حسناتك فلقد كنت لك ن ِعْ َ‬
‫البن لمه‪ :‬نفسى ‪.‬‬
‫وكيف ل ؟!! وقد قال كل نبى من النبياء نفسى ‪ ،‬نفسى ‪،‬‬
‫نفسى‪ .‬إل الحبيب المحبوب محمد‪. ‬‬
‫القاعدة الثالثة ‪ :‬إعذار اللـه لخلقه‬
‫فى رحاب الدار الخرة "يوم الحساب"‬ ‫)‪(121‬‬

‫إن اللـه سبحانه يعلم عمل العباد من لدن آدم إلى آخر رجل‬
‫قامت عليه القيامة ‪ ،‬ومع ذلك من عظيم عدله وفضله وكرمه ‪ ،‬أن‬
‫يعرض على العباد أعمالهم يوم القيامة حتى ل يكون لحد عذر بين‬
‫يديه ‪.‬‬
‫ر‬
‫خي ْ ٍ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬‫مل َ ْ‬ ‫ع ِ‬
‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬‫جدُ ك ُ ّ‬ ‫م تَ ِ‬ ‫و َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬ي َ ْ‬
‫ء ت َود ل َو أ َن بين َها وبين َ َ‬
‫دا‬
‫م ً‬
‫هأ َ‬ ‫سو ٍ َ ّ ْ ّ َ ْ َ َ َ ْ ُ‬ ‫ن ُ‬ ‫م ْ‬ ‫ت ِ‬ ‫مل َ ْ‬ ‫ع ِ‬‫ما َ‬ ‫و َ‬‫ضًرا َ‬ ‫ح َ‬‫م ْ‬ ‫ُ‬
‫ف ِبال ْ ِ‬
‫عَباِد { ‪.‬‬ ‫ءو ٌ‬ ‫ه َر ُ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫س ُ‬‫ف َ‬ ‫ه نَ ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حذُّرك ُ ُ‬‫وي ُ َ‬
‫دا َ‬‫عي ً‬‫بَ ِ‬
‫] آل عمران ‪. [ 30 :‬‬
‫ت { ] التكوير ‪14 :‬‬ ‫َ‬ ‫ت نَ ْ‬
‫ضَر ْ‬ ‫ح َ‬‫ما أ ْ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫م ْ‬ ‫عل ِ َ‬ ‫وقال سبحانه ‪َ } :‬‬
‫[ ‪.‬‬
‫ت { ] النفطار‬ ‫خَر ْ‬ ‫وأ َ ّ‬
‫ت َ‬ ‫م ْ‬‫قدّ َ‬ ‫ما َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٌ‬ ‫ت نَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫عل ِ َ‬ ‫وقال سبحانه } َ‬
‫‪.[5:‬‬
‫القاعدة الرابعة ‪ :‬إقامة الشهود على العباد يوم القيامة‬

‫وإن أعظم شهيد على العباد يوم القيامة هو الملك الذى يعلم‬
‫السر وأخفى وعلم ماكان وما هو كائن وما سيكون ‪.‬‬
‫دا{‬‫هي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫عَلى ك ُ ّ‬ ‫ن َ‬‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الل ّ َ‬‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫] النساء ‪[ 33:‬‬
‫ثم تأتى الرسل وتشهد على جميع المم ثم تأتى أمة الحبيب‬
‫لتشهد على جميع المم ‪ ،‬يشهد كل رسول على أمته وتأتى أمة‬
‫المحبوب‪ ‬لتشهد على جميع المم ثم يأتى خير الولين والخرين‬
‫ليشهد على الجميع ‪.‬‬
‫اللـه أكبر!! اللـه أكبر !!‬
‫س ً‬
‫طا ل ِت َ ُ‬ ‫ك جعل َْناك ُ ُ‬
‫كوُنوا‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬ ‫مأ ّ‬‫ْ‬ ‫وك َذَل ِ َ َ َ‬ ‫قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫دا {‬ ‫هي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫ل َ‬ ‫سو ُ‬ ‫ن الّر ُ‬ ‫كو َ‬ ‫وي َ ُ‬‫س َ‬‫على الّنا ِ‬
‫داءَ َ َ‬
‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫ش َ‬
‫] البقرة ‪. [ 143 :‬‬
‫ن كُ ّ‬
‫ل‬ ‫م ْ‬ ‫جئ َْنا ِ‬ ‫ذا ِ‬ ‫ف إِ َ‬ ‫فك َي ْ َ‬ ‫وقال الملك لحبيبه المصطفى ‪َ } :‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(122‬‬

‫] النساء ‪:‬‬ ‫دا {‬ ‫ء َ‬ ‫عَلى َ‬


‫ه ُ‬ ‫جئ َْنا ب ِ َ‬ ‫ة بِ َ‬ ‫ُ‬
‫هي ً‬ ‫ش ِ‬ ‫ؤل ِ‬ ‫ك َ‬ ‫و ِ‬
‫د َ‬ ‫هي ٍ‬ ‫ش ِ‬ ‫م ٍ‬ ‫أ ّ‬
‫‪. [ 41‬‬
‫وفى صحيح البخارى من حديث أبى سعيد الخدرى أن الحبيب‬
‫ح يوم القيامة فيقال له ‪ :‬يا نوح ‪،‬‬ ‫عى نو ُُ‬ ‫النبى‪ ‬قال ‪ )) :‬ي ُدْ َ‬
‫ت‬‫غ َ‬ ‫فيقول نوح ‪ :‬لبيك وسعديك ‪ .‬فيقول اللـه ‪ :‬هل ب َل ّ ْ‬
‫قومك ؟!! فيقول نوح ‪ :‬نعم يارب فيدعى قوم نوح‬
‫كم نوح ‪:‬فيقولون ‪ :‬ل ما أتانا من‬ ‫ويقال لهم ‪ :‬هل ب َل ّ َ‬
‫غ ُ‬
‫هد لك يانوح ؟!‬ ‫ش َ‬‫أحد ‪ .‬فيقول اللـه جل وعل ‪ :‬من ي َ ْ‬
‫فيقول نوح ‪ :‬يشهد لى محمد وأمته ‪ ،‬يقول المصطفى‪‬‬
‫‪ :‬فتدعون فتشهدون له ثم أشهد عليكم فكذلك قول‬
‫طا ل ِت َ ُ‬‫س ً‬ ‫ك جعل َْناك ُ ُ‬
‫داءَ‬
‫ه َ‬ ‫ش َ‬ ‫كوُنوا ُ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫م ً‬‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫وك َذَل ِ َ َ َ‬ ‫اللـه تعالى } َ‬
‫دا { )‪. (1‬‬ ‫هي ً‬‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬
‫ل َ‬ ‫سو ُ‬‫ن الّر ُ‬ ‫كو َ‬ ‫وي َ ُ‬
‫س َ‬‫على الّنا ِ‬
‫َ َ‬
‫ها‬ ‫ع َ‬ ‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ثم تشهد الملئكة ‪ ،‬قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫] ق ‪. [ 21 :‬‬ ‫هيدٌ {‬ ‫ش ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫ثم تشهد الرض بما عمل على ظهرها من طاعات وسيئات ففى‬
‫الحديث الصحيح الذى رواه الترمذى من حديث أبى هريرة أنه‪‬‬
‫)) قرأ يوما ً قول اللـه } يومئذ تحدث أخبارها { ] الزلزلة ‪:‬‬
‫‪ [ 4‬قال المصطفى‪ : ‬أتدرون ما أخبارها ؟ قالوا اللـه ورسوله‬
‫أعلم ‪ ،‬قال ‪ )) :‬أخبارها أن تشهد الرض على كل عبد أو‬
‫َ‬
‫ها فتقول ‪ :‬يارب لقد عمل كذا‬ ‫ر َ‬ ‫ه ِ‬‫ة بما عمل على ظَ ْ‬ ‫م ٍ‬ ‫أ َ‬
‫وكذا فى يوم كذا وكذا فهذا أخبارها (( )‪. (2‬‬
‫فيجادل العبد اللئيم ربه الكريم ويقول يارب أنا أرفض هذه‬
‫الشهادة وأرفض هؤلء الشهود ول أقبل شاهدا ً إل من نفسى ‪.‬‬
‫كما فى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم من حديث أنس‬
‫رضى اللـه عنه قال ‪:‬كنا عند رسول اللـه‪ ‬فضحك ‪ ،‬فقال ‪ )):‬هل‬
‫م أضحك ؟ (( قلنا ‪ :‬اللـه ورسوله أعلم ‪ ،‬قال ‪ )) :‬من‬ ‫م ّ‬‫تدرون ِ‬

‫‪ ()1‬رواه البخارى رقم ) ‪ (4487‬فى التفسير ‪ ،‬باب قوله تعالى } وكذلك جعلناكم أمة وسطا{‪،‬‬
‫والترمذى رقم )‪ (2965‬فى التفسير ‪ ،‬باب ومن سورة البقرة ‪.‬‬
‫‪ ()2‬رواه الترمذى رقم ) ‪ (3350‬فى التفسير ‪ ،‬باب ومن سورة إذا زلزلت ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "يوم الحساب"‬ ‫)‪(123‬‬

‫مخاطبة العبد ربه ‪ ،‬فيقول يارب ألم تجرنى من الظلم ؟‬


‫يقول ‪:‬بلى ‪ ،‬فيقول ‪ :‬فإنى ل أجيز اليوم على نفسى‬
‫شاهدا ً إل منى ‪ ،‬فيقول ‪ :‬كفى بنفسك اليوم عليك‬
‫شهيدا ً ‪ ،‬والكرام الكاتبين شهودا ً ‪ ،‬قال ‪ :‬فيختم على‬
‫فيه ‪ ،‬ويقول لركانه ‪ :‬انطقى بأعماله ‪ ،‬ثم يخلى بينه‬
‫سحقا ً ‪ ،‬فعنكن كنت‬ ‫و ُ‬ ‫ن َ‬ ‫عدا ً ل َك ُ ّ‬ ‫وبين الكلم ‪ ،‬فيقول ‪ :‬ب ُ ْ‬
‫ضل (()‪. (1‬‬ ‫ُ‬
‫أنا ِ‬
‫َ‬ ‫عَلى أ َ ْ‬
‫م‬
‫ه ْ‬
‫دي ِ‬ ‫مَنا أي ْ ِ‬ ‫وت ُك َل ّ ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ه ِ‬‫وا ِ‬ ‫ف َ‬ ‫م َ‬ ‫خت ِ ُ‬ ‫م نَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫قال تعالى ‪ } :‬ال ْي َ ْ‬
‫َ‬
‫] يس ‪. [ 65 :‬‬ ‫ن{‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جل ُ ُ‬ ‫هدُ أْر ُ‬ ‫ش َ‬ ‫وت َ ْ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫م‬‫ه ْ‬ ‫ف ُ‬ ‫ر َ‬ ‫ه إ َِلى الّنا ِ‬ ‫داءُ الل ّ ِ‬ ‫ع َ‬ ‫شُر أ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫و َ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫وقال جل وعل } َ‬
‫ش هد َ َ َ‬
‫م‬ ‫ه ْ‬ ‫ع ُ‬ ‫م ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬ ‫ها َ ِ‬ ‫ءو َ‬ ‫جا ُ‬ ‫ما َ‬ ‫ذا َ‬ ‫حّتى إ ِ َ‬ ‫ن)‪َ (19‬‬ ‫عو َ‬ ‫ُيوَز ُ‬
‫قاُلوا‬ ‫َ‬
‫و َ‬‫ن)‪َ (20‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُلودُ ُ‬ ‫و ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫صاُر ُ‬ ‫وأب ْ َ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ذي أن ْطَ َ‬
‫ق‬ ‫ه ال ّ ِ‬ ‫قَنا الل ّ ُ‬ ‫قاُلوا أن ْطَ َ‬ ‫عل َي َْنا َ‬ ‫م َ‬ ‫هدْت ُ ْ‬ ‫ش ِ‬ ‫م َ‬ ‫م لِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫جُلوِد ِ‬ ‫لِ ُ‬
‫قك ُ َ‬
‫ما‬‫و َ‬ ‫ن)‪َ (21‬‬ ‫عو َ‬ ‫ج ُ‬ ‫ه ت ُْر َ‬ ‫وإ ِل َي ْ ِ‬ ‫ة َ‬ ‫مّر ٍ‬ ‫ل َ‬ ‫و َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫خل َ َ ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ء َ‬ ‫ي ٍ‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬ ‫كُ ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ول‬ ‫م َ‬ ‫صاُرك ُ ْ‬ ‫ول أب ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫عك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬ ‫هدَ َ‬ ‫ش َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ست َت ُِرو َ‬ ‫م تَ ْ‬ ‫ك ُن ْت ُ ْ‬
‫جُلودك ُم ول َكن ظَن َن ْت ُ َ‬
‫ن)‪22‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫ما ت َ ْ‬ ‫م ّ‬ ‫م ك َِثيًرا ِ‬ ‫عل َ ُ‬ ‫ه ل يَ ْ‬ ‫ن الل ّ َ‬ ‫مأ ّ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ْ َ ِ ْ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫( وذَل ِك ُم ظَن ّك ُم ال ّذي ظَن َن ْت ُم بربك ُم أ َرداك ُم َ َ‬
‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫صب َ ْ‬‫فأ ْ‬ ‫ْ ِ َ ّ ْ ْ َ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫عت ُِبوا‬‫ست َ ْ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫وإ ِ ْ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫وى ل َ ُ‬ ‫مث ْ ً‬ ‫فالّناُر َ‬ ‫صب ُِروا َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫فإ ِ ْ‬ ‫ن)‪َ (23‬‬ ‫ري َ‬ ‫س ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ال ْ َ‬
‫ن { ] فصلت ‪. [ 24-19 :‬‬ ‫عت َِبي َ‬ ‫م ْ‬ ‫ن ال ْ ُ‬ ‫م َ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫ما ُ‬ ‫ف َ‬ ‫َ‬

‫القاعدة الخامسة ‪ :‬مضاعفة الحسنات لهل اليمان‬

‫ل الل ّ ِ‬
‫ه‬ ‫ض ُ‬
‫ف ْ‬‫ك َ‬‫مضاعفة الحسنات لهل التوحيد واليمان } ذَل ِ َ‬
‫] الحديد‬ ‫ظيم ِ {‬ ‫ل ال ْ َ‬
‫ع ِ‬ ‫ض ِ‬ ‫ذو ال ْ َ‬
‫ف ْ‬ ‫والل ّ ُ‬
‫ه ُ‬ ‫ن يَ َ‬
‫شاءُ َ‬ ‫م ْ‬‫ه َ‬ ‫يُ ْ‬
‫ؤِتي ِ‬
‫‪. [ 21 :‬‬
‫فاللـه سبحانه وتعالى يضاعف الحسنة إلى عشر أمثالها ‪.‬‬

‫‪ ()1‬رواه مسلم رقم ) ‪ (2969‬فى الزهد ‪.‬‬


‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(124‬‬

‫َ‬
‫ن‬‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ها َ‬ ‫مَثال ِ َ‬ ‫شُر أ ْ‬ ‫ع ْ‬
‫ه َ‬ ‫فل َ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫سن َ ِ‬‫ح َ‬ ‫جاءَ ِبال ْ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ن{‬ ‫مو َ‬ ‫م ل ي ُظْل َ ُ‬ ‫ه ْ‬ ‫و ُ‬‫ها َ‬ ‫مث ْل َ َ‬ ‫جَزى ِإل ِ‬ ‫فل ي ُ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫سي ّئ َ ِ‬ ‫جاءَ ِبال ّ‬ ‫َ‬
‫] النعام ‪. [ 160 :‬‬
‫ويقول المصطفى‪ ‬كما فى الحديث الذى رواه أحمد فى‬
‫مسنده والحاكم فى مستدركه وحسن الحديث شيخنا اللبانى من‬
‫حديث أبى ذر الغفارى أن النبى‪ ‬قال ‪ :‬قال اللـه تعالى فى‬
‫الحديث القدسى )) الحسنة بعشر أمثالها أو أزيد والسيئة‬
‫واحدة أو أغفرها (()‪. (1‬‬
‫وفى الحديث الذى رواه الترمذى وصححه الشيخ اللبانى من‬
‫حديث ابن مسعود أن النبى‪ ‬قال ‪ )):‬من قرأ حرفا ً من كتاب‬
‫اللـه فله به حسنة والحسنة بعشر أمثالها ‪ ،‬ل أقول‬
‫} ألم { حرف ‪ ،‬ولكن } ألف { حرف } ولم { حرف‬
‫}وميم { حرف (( )‪. (2‬‬
‫تدبر معى أيها الحبيب الكريم بل قد يضاعف اللـه الحسنة إلى‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫مث َ ُ‬ ‫أكثر من سبعمائة ضعف فذلك قول اللـه تعالى ‪َ } :‬‬
‫في سبيل الل ّه ك َمث َل حب َ‬ ‫َ‬
‫ع‬
‫سب ْ َ‬ ‫ت َ‬ ‫ة أن ْب َت َ ْ‬ ‫َ ِ َ ّ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َ ِ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه ْ‬‫وال َ ُ‬
‫م َ‬ ‫نأ ْ‬ ‫قو َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ي ُن ْ ِ‬
‫شاءُ‬ ‫ن يَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ف لِ َ‬ ‫ع ُ‬ ‫ضا ِ‬ ‫ه يُ َ‬‫والل ّ ُ‬ ‫ة َ‬ ‫حب ّ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫مائ َ ُ‬‫ة ِ‬‫سن ْب ُل َ ٍ‬ ‫ل ُ‬ ‫في ك ُ ّ‬ ‫ل ِ‬ ‫سَناب ِ َ‬ ‫َ‬
‫] البقرة ‪. [ 261 :‬‬ ‫م{‬ ‫عِلي ٌ‬ ‫ع َ‬ ‫س ٌ‬ ‫وا ِ‬ ‫ه َ‬ ‫والل ّ ُ‬ ‫َ‬
‫وهناك من العمال ما ل يعلم ثوابها إل اللـه ‪.‬‬
‫قال تعالى فـى الحديث القدسى المخرج فـى الصحيحيـن ‪ :‬قال‬
‫‪ : ‬قال اللـه تعالى ‪ )) :‬كل عمل ابن آدم لـه إل الصوم فإنـه‬
‫لى وأنا أجزى به (( )‪. (3‬‬
‫ولك أن تتصور الجزاء من الواسع الكريم جل جلله على الصبر ‪.‬‬
‫ب{‬ ‫َ‬ ‫و ّ‬
‫سا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫ر ِ‬ ‫غي ْ ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه ْ‬‫جَر ُ‬‫نأ ْ‬ ‫صاب ُِرو َ‬ ‫فى ال ّ‬ ‫ما ي ُ َ‬ ‫قال اللـه فيه }إ ِن ّ َ‬
‫‪ ()1‬رواه مسلم رقم ) ‪ (2687‬كتاب الذكر والدعاء ‪ ،‬باب فضل الذكر والدعاء وابن ماجة رقم )‬
‫‪ (3821‬فى الدب وهو فى المسند رقم ) ‪ (21212‬واللفظ له ‪.‬‬
‫‪ ()2‬رواه الترمذى رقم ) ‪ (2912‬فى ثواب القرآن ‪ ،‬باب ماجاء فيمن قرأ حرفا ً من القرآن ماله من‬
‫الجر وصححه شيخنا اللبانى فى المشكاة )‪ (2137‬وهو فى صحيح الجامع برقم ) ‪. (6469‬‬
‫‪ ()3‬رواه البخارى رقم ) ‪ (1894‬فى الصوم ‪ ،‬باب فضل الصوم ‪ ،‬ومسلم رقم )‪ (1151‬فى الصيام ‪،‬‬
‫باب حفظ اللسان ‪ ،‬وباب فضل الصيام ‪ ،‬والموطأ ) ‪ (1/310‬فى الصيام ‪ ،‬وأبو داود رقم ) ‪ (2363‬فى‬
‫الصوم ‪ ،‬والترمذى رقم ) ‪ (764‬فى الصوم ‪ ،‬والنسائى ) ‪ (4/162،165‬فى الصوم ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "يوم الحساب"‬ ‫)‪(125‬‬

‫] الزمر ‪[10:‬‬
‫القاعدة السادسة والخيرة ‪ :‬تبديل السيئات حسنات‬

‫إن اللـه تبارك وتعالى بمنه وكرمه على عباده المؤمنين يبدل‬
‫ها‬‫ه إ ِل َ ً‬‫ع الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ن َ‬ ‫عو َ‬ ‫ن ل ي َدْ ُ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫سيئاتهم حسنات قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫ول‬ ‫ق َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ِإل ِبال ْ َ‬ ‫م الل ّ ُ‬ ‫حّر َ‬‫س ال ِّتي َ‬ ‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬ ‫قت ُُلو َ‬ ‫ول ي َ ْ‬ ‫خَر َ‬ ‫ءا َ‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ب‬ ‫ذا ُ‬ ‫ع َ‬ ‫ه ال ْ َ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ع ْ‬ ‫ضا َ‬ ‫ما)‪(68‬ي ُ َ‬ ‫ق أَثا ً‬ ‫ك ي َل ْ َ‬ ‫ل ذَل ِ َ‬ ‫ع ْ‬ ‫ف َ‬ ‫ن يَ ْ‬ ‫م ْ‬ ‫و َ‬ ‫ن َ‬ ‫ي َْزُنو َ‬
‫ن‬‫م َ‬ ‫ءا َ‬‫و َ‬ ‫ب َ‬ ‫ن َتا َ‬ ‫م ْ‬ ‫هاًنا)‪ِ(69‬إل َ‬ ‫م َ‬‫ه ُ‬ ‫في ِ‬ ‫خل ُدْ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫ة َ‬ ‫م ِ‬‫قَيا َ‬ ‫م ال ْ ِ‬ ‫و َ‬ ‫يَ ْ‬
‫ت‬‫سَنا ٍ‬ ‫ح َ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫سي َّئات ِ ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ل الل ّ ُ‬ ‫ك ي ُب َدّ ُ‬‫فُأول َئ ِ َ‬ ‫حا َ‬ ‫صال ِ ً‬ ‫مل َ‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫] الفرقان ‪. [ 70 - 68 :‬‬ ‫ما ً {‬ ‫حي ً‬ ‫فوًرا َر ِ‬ ‫ه َ‬
‫غ ُ‬ ‫ن الل ّ ُ‬ ‫كا َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وفى الحديث الصحيح الذى رواه مسلم من حديث أبى ذر رضى‬
‫اللـه عنه أنه قال حدثنا الصادق المصدوق‪ ‬فقال ‪ )) :‬إنى لعلم‬
‫آخر أهل الجنة دخول ً الجنة وآخر أهل النار خروجا ً منها ‪،‬‬
‫رجل يأتى به يوم القيامة فيقال ‪ :‬اعرضوا عليه صغار‬
‫ذنوبه وارفعوا عنه كبارها فتعرض عليه صغارها ‪ ،‬فيقال‬
‫له‪ :‬عملت يوم كذا وكذا ‪ ،‬وعملت يوم كذا وكذا ‪ ،‬كذا‬
‫وكذا فيقول ‪ :‬نعم ل يستطيع أن ينكر وهو مشفق من‬
‫كبار ذنوبه أن تعرض عليه (( ‪.‬‬
‫وفى هذه الحالة الرهيبة من الرعب والفزع يقال له ‪ )) :‬إن لك‬
‫مكان كل سيئة حسنة فيقول العبد ‪ :‬ربى قد عملت‬
‫أشياء ل أراها ها هنا ‪ ،‬قال أبو ذر فلقد رأيت النبى‬
‫ضحك حتى بدت نواجزه‪. (1) (( ‬‬
‫هذا فضل اللـه جل وعل على عباده المؤمنين ‪.‬‬
‫أحبتى فى اللـه‪ :‬هذه هى القواعد التى يحاسب اللـه بها العبد‬
‫يوم القيامة‬
‫ثانيا ً ‪ :‬العرض على اللـه وأ َ ْ‬
‫خذ ِ الك ُُتب‬

‫‪ ()1‬رواه مسلم رقم ) ‪ (190‬فى اليمان ‪ ،‬باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها ‪ ،‬والترمذى رقم ) ‪(2599‬‬
‫فى صفة الجنة ‪ ،‬باب رقم )‪. (10‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(126‬‬

‫ها‬‫ع َ‬
‫م َ‬ ‫س َ‬ ‫ف ٍ‬ ‫ل نَ ْ‬ ‫ت كُ ّ‬ ‫جاءَ ْ‬ ‫و َ‬ ‫فقد سجل اللـه فى قرآنه العظيم } َ‬
‫فَنا‬ ‫ش ْ‬ ‫فك َ َ‬ ‫ذا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬ ‫ة ِ‬ ‫فل َ ٍ‬ ‫غ ْ‬‫في َ‬ ‫ت ِ‬ ‫قدْ ك ُن ْ َ‬ ‫د)‪(21‬ل َ َ‬ ‫هي ٌ‬ ‫ش ِ‬ ‫و َ‬ ‫ق َ‬ ‫سائ ِ ٌ‬ ‫َ‬
‫ما‬
‫ذا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َ‬ ‫رين ُ ُ‬ ‫ق ِ‬‫ل َ‬ ‫قا َ‬ ‫و َ‬ ‫د)‪َ (22‬‬ ‫دي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬ ‫ك ال ْي َ ْ‬ ‫صُر َ‬ ‫فب َ َ‬ ‫ك َ‬ ‫طاءَ َ‬ ‫غ َ‬ ‫ك ِ‬ ‫عن ْ َ‬ ‫َ‬
‫ع‬‫مّنا ٍ‬ ‫د)‪َ (24‬‬ ‫عِني ٍ‬ ‫ر َ‬ ‫فا ٍ‬ ‫ل كَ ّ‬ ‫م كُ ّ‬ ‫هن ّ َ‬ ‫ج َ‬ ‫في َ‬ ‫قَيا ِ‬ ‫د)‪(23‬أ َل ْ ِ‬ ‫عِتي ٌ‬ ‫ي َ‬ ‫ل َدَ ّ‬
‫خَر‬ ‫ءا َ‬ ‫ها َ‬ ‫ه إ ِل َ ً‬ ‫ع الل ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫ل َ‬ ‫ع َ‬ ‫ج َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ب)‪(25‬ال ّ ِ‬ ‫ري ٍ‬ ‫م ِ‬ ‫د ُ‬ ‫عت َ ٍ‬ ‫م ْ‬ ‫ر ُ‬ ‫خي ْ ِ‬ ‫ل ِل ْ َ‬
‫ما‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫فأ َ‬ ‫َ‬
‫ه َرب َّنا َ‬ ‫رين ُ ُ‬ ‫ِ‬ ‫ق‬ ‫ل‬ ‫قا‬ ‫(‬‫‪26‬‬ ‫د)‬ ‫ِ‬ ‫دي‬ ‫ِ‬ ‫ش‬ ‫ال‬ ‫ب‬‫ِ‬ ‫ذا‬ ‫ع‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫ا‬ ‫في‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ه‬ ‫يا‬ ‫َ‬ ‫ق‬
‫ِ‬ ‫ل‬
‫موا‬ ‫ص ُ‬ ‫خت َ ِ‬ ‫ل ل تَ ْ‬ ‫قا َ‬ ‫د)‪َ (27‬‬ ‫عي ٍ‬ ‫ل بَ ِ‬ ‫ضل ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ن ِ‬ ‫كا َ‬ ‫ن َ‬ ‫ول َك ِ ْ‬ ‫ه َ‬ ‫غي ْت ُ ُ‬ ‫أ َطْ َ‬
‫ل ل َدَ ّ‬
‫ي‬ ‫و ُ‬ ‫ق ْ‬ ‫ل ال ْ َ‬ ‫ما ي ُب َدّ ُ‬ ‫د)‪َ (28‬‬ ‫عي ِ‬ ‫و ِ‬ ‫م ِبال ْ َ‬ ‫ت إ ِل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬ ‫قدّ ْ‬ ‫قدْ َ‬ ‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫ل َدَ ّ‬
‫د{ ] ق ‪. [ 29 - 21 :‬‬ ‫عِبي ِ‬ ‫ظلم ٍ ل ِل ْ َ‬ ‫ما أ ََنا ب ِ َ‬ ‫و َ‬ ‫َ‬
‫وفى الصحيحين من حديث عائشة أنه‪ ‬قال ‪ )) :‬من نوقش‬
‫ب (( قالت عائشة يا رسول اللـه أو‬ ‫عذّ ْ‬ ‫الحســاب يوم القيامة ُ‬
‫ف‬‫و َ‬ ‫ه)‪َ (7‬‬ ‫ُ‬ ‫ليس اللـه يقول‪َ َ }:‬‬
‫س ْ‬ ‫ف َ‬ ‫مين ِ ِ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فأ ّ‬
‫سيًرا{ ]النشقاق‪[8-7:‬‬ ‫ساًبا ي َ ِ‬ ‫ح َ‬ ‫ب ِ‬ ‫س ُ‬ ‫حا َ‬ ‫يُ َ‬
‫فقال المصطفى‪ )) : ‬إنما ذلك العرض وليس أحد‬
‫يحاسب يوم القيامة إل هلك (( )‪. (1‬‬
‫فمن نوقش الحساب عذب ‪.‬‬
‫سينادى عليك كما فى الصحيحين من حديث عدى بن حاتم أنه‬
‫صلى اللـه عليه وسلم قال ‪ )) :‬ما منكم من أحد إل سيكلمه‬
‫مان فينظر أيمن‬ ‫ج َ‬ ‫ربه يوم القيامة ليس بينة وبينة ُتر ُ‬
‫م ‪ ،‬وينظر أشأم منه فل يرى إل ما‬ ‫قد ّ َ‬ ‫منه فل يرى إل ما َ‬
‫قدم وينظر بين يديه فل يرى إل النار تلقاء وجه ‪ ،‬فاتقو‬
‫النار ولو بشق تمرة (( )‪. (2‬‬
‫تنادى الملئكة أين فلن بن فلن ؟!!‬
‫من؟!! هذا هو اسمى ‪.‬‬
‫ت أنك أنت المطلوب‪،‬قرع النداء قلبك فاصفر لونك‬ ‫فإذا ت َي َّقن ْ َ‬

‫‪ ()1‬رواه البخارى رقم ) ‪ (103‬فى العلم ‪،‬باب من سمع شيئا فراجع حتى يعرفه ‪ ،‬ومسلم رقم )‬
‫‪ (2876‬فى الجنة باب اثبات الحساب‪ ،‬وأبو داود رقم )‪ (3093‬فى الجنائز‪ ،‬باب عبادة النساء ‪،‬‬
‫والترمذى رقم )‪ (2428‬فى صفة القيامة ‪ ،‬باب من نوقش الحساب عذب ‪0‬‬
‫‪ ()2‬رواه البخارى رقم ) ‪ (7512‬فى التوحيد ‪ ،‬باب كلم الرب عز وجل ومســلم رقم ) ‪ (1016‬فى‬
‫الزكاة ‪ ،‬باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة ‪ ،‬والترمذى رقم ) ‪ (2427‬فى صفـة القيــــامة ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "يوم الحساب"‬ ‫)‪(127‬‬

‫وتغير وجهك وطار قلبك ‪ ،‬وقد وُك َّلت الملئكة بأخذك أمام الخلق‬
‫أجمعين ‪ ،‬على رؤوس الشهاد ‪ ،‬ويرفع الخلئق جميعا أبصارهم‬
‫إليك وأنت فى طريقك للوقوف بين يدى الملك تتخطى الصفوف يا‬
‫عبد اللـه ‪.‬‬
‫وأسألك باللـه أن تتصور هذا المشهد الذى يكاد يخلع القلوب ‪.‬‬
‫تتخطى صفوف الملئكة ‪ ،‬صفوف الجن وصفوف النس ‪ ،‬فى‬
‫أرض المحشر لترى نفسك واقفا بين يدى الحق جل جلله ليكلمك‬
‫اللـه لتعطى صحيفتك !!‬
‫هذه الصحيفة التى ل تغادر بلية كتمتها ول مخبأة أسررتها ‪ ،‬فكم‬
‫من معصية قد كنت نسيتها ؟! ذكرك اللـه إياها ‪ ،‬وكم من معصية‬
‫قد كنت أخفيتها ؟! أظهرها اللـه لك وأبداها!!!‬
‫فيا حسرة قلبك وقتها على ما فرطت فى دنياك من طاعة‬
‫مولك‪،‬‬
‫فإن كان العبد من أهل السعادة ممن رضى اللـه عنهم فى‬
‫الدنيا والخرة ـ اللـهم اجعلنا منهم بمنك وكرمك يا أرحم الراحمين‬
‫ـ أعطاه اللـه كتابه بيمينه وأظهر له فى ظاهر الكتاب الحسنات ‪،‬‬
‫وفى باطنه السيئات فيأمر العبد أن يبدأ فيقرأ السيئات فيصفر‬
‫لونه ويتغير وجه وترتعد فرائصه ‪.‬‬
‫فإذا ما أنهى قراءة السيئات وجد فى آخر الكتاب ‪ ،‬هذه سيئاتك‬
‫قد غفرتها لك ‪ ،‬فيتهلل وجهه ويسعد سعادة ل يشقى بل لن يشقى‬
‫بعدها أبدا ً ويواصل القراءة حتى إذا ما وصل الى آخر الكتاب قرأ‬
‫الحسنات فازداد وجهه إشراقا ً وازداد فرحا ً وسرورا ً وقال له الملك‬
‫جل جلله ‪ :‬انطلق إلى أصحابك وإخوانك ـ أى من أهل التوحيد‬
‫واليمان ‪ -‬فبشرهم أن لهم مثل ما رأيت فينطلق وكتابه بيمينه‬
‫والنور يشرق من وجهه ومن أعضاءه يقول لصحابه وخ ّ‬
‫لنه أل‬
‫تعرفوننى ؟! فيقولون من أنت لقد غمرتك كرامة اللـه؟!!فيقول أنا‬
‫فلن بن فلن انظروا هذا كتابى بيمينى )) اقرأوا كتابيه (( اقرأوا هذا‬
‫الكتاب معى ‪ ،‬شاركونى الفرحة والسعادة ‪ ،‬انظروا هذا توحيدى‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(128‬‬

‫وهذه صلتى ‪ ،‬وهذه زكاتى ‪ ،‬وهذه صدقتى ‪ ،‬وهذا حجى ‪ ،‬وهذا‬


‫قيامى الليل ‪ ،‬وهذا إحسانى ‪ ،‬وهذا برى بوالدى ‪ ،‬وهذا إحسانى‬
‫للهل والجيران ‪ ،‬وهذا أمرى بالمعروف ‪ ،‬وهذا نهى عن المنكر ‪،‬‬
‫وهذا بعدى عن الغيبة والنميمة ‪ ،‬وهذا بعدى عن ظلم العباد }‬
‫ه)‬ ‫ما ْ‬ ‫ها ُ‬ ‫قو ُ‬ ‫في َ ُ‬‫ه َ‬ ‫ُ‬ ‫َ َ‬
‫ءوا ك َِتاب ِي َ ْ‬ ‫قَر ُ‬ ‫ؤ ُ‬ ‫ل َ‬ ‫مين ِ ِ‬ ‫ه ب ِي َ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫فأ ّ‬
‫ة‬ ‫عي َ‬ ‫ه)‪َ (20‬‬ ‫‪(19‬إّني ظَن َن ْت أ َ‬
‫ش ٍ‬ ‫في ِ‬ ‫و ِ‬ ‫ه َ‬ ‫ف ُ‬ ‫ساب ِي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ق ِ‬ ‫ٍ‬ ‫مل‬ ‫ُ‬ ‫ني‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫ة)‪(23‬ك ُُلوا‬ ‫دان ِي َ ٌ‬ ‫ها َ‬ ‫ف َ‬ ‫طو ُ‬ ‫ق ُ‬ ‫ة)‪ُ (22‬‬ ‫عال ِي َ ٍ‬ ‫ة َ‬ ‫جن ّ ٍ‬ ‫في َ‬ ‫ة)‪ِ (21‬‬ ‫ضي َ ٍ‬‫َرا ِ‬
‫في ال َّيام ِ ال ْ َ‬ ‫سل َ ْ‬ ‫َ‬
‫ة{‬ ‫خال ِي َ ِ‬ ‫م ِ‬ ‫فت ُ ْ‬ ‫ما أ ْ‬ ‫هِنيًئا ب ِ َ‬ ‫شَرُبوا َ‬ ‫وا ْ‬ ‫َ‬
‫] الحاقة ‪19 :‬ـ ‪. [24‬‬
‫أما إذا كان من أهل الشقاوة ‪ -‬أعاذنا اللـه وإياكم من ذلك ‪-‬‬
‫ممن غضب اللـه عليهم فى الدنيا والخرة ‪ ،‬ينادى عليه أين فلن‬
‫بن فلن؟!! وسبحان اللـه ! من ل تختلف عليه الصوات ول تشتبه‬
‫عليه اللغات ول تشتبه عليه السماء والصفات ‪.‬‬
‫ن ‪..‬هذا هو اسمى ماذا تريدون يا ملئكة‬ ‫م ْ‬ ‫أين فلن بن فلن ؟! َ‬
‫اللـه؟!‬
‫هلم إلى العرض على اللـه جل وعل فيتخطى الصفوف ليرى‬
‫نفسه بين يدى اللـه فيعطى كتابه بشماله أو من وراء ظهره ‪.‬‬
‫فيقرأ فيسود وجهه ثم يكسى من سرابيل القطران ويقال له‬
‫انطلق إلى من هم على شاكلتك فبشرهم أن لهم مثل ما رأيت ‪،‬‬
‫فينطلق فى أرض المحشر وقد اسود وجهه وعله الخزى ‪ ،‬والذل‬
‫والعار ‪ ،‬وكتابه بشماله أو من وراء ظهره فينطلق فيقول لخلنه‬
‫ومن هم على شاكلته‪ ،‬أل تعرفوننى ؟! فيقولون ل إل أننا نرى ما‬
‫بك من الخزى والذل فمن أنت ؟!!‬
‫فيقول ‪ :‬أنا فلن بن فلن وهذا كتابى بشمالى ولكل واحد منكم‬
‫مثل هذا ‪ ،‬فلقد شقى شقاوة ل يسعد بعدها أبدا ً ‪.‬‬
‫ه‬ ‫ُ‬ ‫يصرخ بأعلى صوته ويقول } َ‬
‫مال ِ ِ‬ ‫ش َ‬ ‫ه بِ ِ‬ ‫ي ك َِتاب َ ُ‬ ‫ن أوت ِ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ما َ‬ ‫وأ ّ‬ ‫َ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫ه)‬‫ساب ِي َ ْ‬ ‫ح َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ر َ‬ ‫م أدْ ِ‬ ‫ول َ ْ‬ ‫ه)‪َ (25‬‬ ‫ت ك َِتاب ِي َ ْ‬ ‫م أو َ‬ ‫ل َيال َي ْت َِني ل َ ْ‬ ‫قو ُ‬ ‫في َ ُ‬ ‫َ‬
‫ه)‬ ‫مال ِي َ ْ‬‫عّني َ‬ ‫غَنى َ‬ ‫ما أ َ ْ‬ ‫ة)‪َ (27‬‬ ‫ضي َ َ‬ ‫قا ِ‬ ‫ت ال ْ َ‬ ‫كان َ ِ‬ ‫ها َ‬ ‫‪َ(26‬يا ‪ý‬ل َي ْت َ َ‬
‫فى رحاب الدار الخرة "يوم الحساب"‬ ‫)‪(129‬‬

‫م‬
‫حي َ‬ ‫ج ِ‬‫م لْ َ‬‫ه)‪(30‬ث ُ ّ‬ ‫غّلو ُ‬ ‫ف ُ‬‫ذوهُ َ‬ ‫خ ُ‬ ‫ه)‪ُ (29‬‬ ‫طان ِي َ ْ‬ ‫سل ْ َ‬ ‫عّني ُ‬ ‫ك َ‬ ‫هل َ َ‬ ‫‪َ (28‬‬
‫ه)‬
‫كو ُ‬ ‫سل ُ ُ‬‫فا ْ‬ ‫عا َ‬ ‫ن ِذَرا ً‬ ‫عو َ‬ ‫سب ْ ُ‬
‫ها َ‬ ‫ع َ‬ ‫ة ذَْر ُ‬ ‫سل َ ٍ‬ ‫سل ْ ِ‬ ‫في ِ‬ ‫م ِ‬ ‫ه)‪(31‬ث ُ ّ‬ ‫صّلو ُ‬ ‫َ‬
‫عَلى‬ ‫ض َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ول ي َ ُ‬ ‫م)‪َ (33‬‬ ‫ظي ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه ال ْ َ‬‫ن ِبالل ّ ِ‬ ‫م ُ‬‫ؤ ِ‬ ‫ن ل يُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫ه َ‬ ‫‪(32‬إ ِن ّ ُ‬
‫ول‬ ‫م)‪َ (35‬‬ ‫مي ٌ‬ ‫ح ِ‬ ‫هَنا َ‬ ‫ها ُ‬ ‫م َ‬ ‫و َ‬‫ه ال ْي َ ْ‬ ‫س لَ ُ‬ ‫فل َي ْ َ‬ ‫ن)‪َ (34‬‬ ‫كي ِ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫عام ِ ال ْ ِ‬ ‫طَ َ‬
‫ه ِإل ال ْ َ‬ ‫ْ‬
‫]‬ ‫ن{‬ ‫خاطُِئو َ‬ ‫ن)‪(36‬ل ي َأك ُل ُ ُ‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫غ ْ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِإل ِ‬ ‫عا ٌ‬ ‫طَ َ‬
‫الحاقة ‪. [ 37 - 25 :‬‬
‫ولله در القائل‬
‫مستوحشا ً قلق الحشاء‬ ‫مّثــ ْ‬
‫ل وقوفك يوم العرض‬ ‫َ‬
‫حيراَنـــا‬ ‫عريانا‬
‫ُ‬
‫على العصاةِ ورب العرش‬ ‫ظ ومـن‬
‫والنار تلهب من غي ٍ‬
‫َ‬
‫غضباَنا‬ ‫ق‬
‫حنـ ٍ‬
‫حرفا ً غيَر َ‬
‫ما‬ ‫فهل ترى فيه َ‬ ‫اقرأ كتابك ياعبد ُ على‬
‫كــانا َ‬ ‫مَهــــل‬
‫َ‬
‫ف الشيـــاَء‬
‫إقراَر من عَ َ‬ ‫ت ولم تنكر‬
‫فلما قرأ َ‬
‫عرفاَنا‬ ‫ه‬
‫قراءتــــ ُ‬
‫صى للنـار‬
‫وامضوا بعبد عَ َ‬ ‫نادى الجليل خ ُ‬
‫ذوهُ يا‬
‫عطشاَنا‬ ‫ملئكتـــى‬
‫والمؤمنـون بـدارِ الخلــدِ‬ ‫المشركون غدا ً فى النار‬
‫س ّ‬
‫كاَنا‬ ‫ُ‬ ‫َيلَتهُبــوا‬
‫وأخيرا ً ‪ :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ‪.‬‬
‫وأرجئ الحديث إلى ما بعد جلسة الستراحة ‪.‬‬
‫وأقول قولى هذا وأستغفر اللـه العظيم لى ولكم‬
‫الخطبة الثانية ‪:‬‬
‫الحمد لله رب العالمين وأشهد أن ل إله إل اللـه وحده لشريك‬
‫له ‪ .‬وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه ‪.‬‬
‫اللـهم صلى وسلم وزد وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه‬
‫وأحبابه وكل من أقتفى أثره إلى يوم الدين ‪ ...‬أما بعد ‪:‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(130‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا‬

‫أيها الحبة الكرام ‪ :‬هذه صورة مصغرة على قدر جهلى‬


‫أقدمها لحضراتكم عن الحساب ‪ ،‬ولك أن تعيش بقلبك وكيانك كله‬
‫هذا المشهد الذى يكاد يخلع القلوب ‪ ،‬فإنه ل يتأثر بموعظة ول‬
‫يستجيب لية أو حديث إل من كان له قلب ‪.‬‬
‫َ‬
‫و‬
‫بأ ْ‬ ‫قل ْ ٌ‬‫ه َ‬‫ن لَ ُ‬ ‫ن َ‬
‫كا َ‬ ‫م ْ‬ ‫ذك َْرى ل ِ َ‬‫ك لَ ِ‬
‫في ذَل ِ َ‬‫ن ِ‬‫قال تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫] ق ‪. [ 37 :‬‬ ‫هيدٌ {‬ ‫ش ِ‬‫و َ‬‫ه َ‬‫و ُ‬
‫ع َ‬
‫م َ‬
‫س ْ‬
‫قى ال ّ‬‫أ َل ْ َ‬
‫أيها الخ الكريم حاسب نفسك قبل أن تحاسب بين يدى مولك‬
‫يوم ل ينفع الندم ول التحسر ‪.‬‬
‫روى المام أحمد والترمذى بسند صحيح أن عمر بن الخطاب‬
‫رضى اللـه عنه قال ‪ " :‬أيها الناس حاسبوا أنفسكم قبل أن‬
‫تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الكبر يوم ل تخفى‬
‫منكم خافية فإنما يخف الحساب يوم القيامة عمن حاسب نفسه‬
‫فى الدنيا " فحاسب نفسك واعلم بأن النفس أمارة بالسوء ولقد‬
‫فصلت ذلك فى خطبة كاملة لقد وصف اللـه النفس فى القرآن‬
‫مارة بالسوء ‪.‬‬ ‫بثلث صفات أل وهى المطمئنة والّلوامة وال ّ‬
‫المطمئنة ‪ :‬هى التى اطمأنت إلى الرضا باللـه ربا وبالسلم‬
‫دينا وبمحمد صلى اللـه عليه وسلم رسو ً‬
‫ل‪.‬‬
‫هى التى اطمأنت إلى وعد اللـه ووعيده ‪.‬‬
‫هى التى اطمأنت إلى ذكر اللـه وعبوديته ‪.‬‬
‫هى التى تشتاق دوما ً للقاء اللـه سبحانه ‪.‬‬
‫اللوامة ‪ :‬هى التى تلوم صاحبها على الخير والشر ‪.‬‬
‫تلوم صاحبها على الخير فتقول ‪ :‬لماذا لم تكثر منه ؟!!‬
‫وتلوم صاحبها على الشر فتقول ‪ :‬لماذا وقعت فيه ؟!! لماذا‬
‫تسوف التوبة؟!! لماذا تتأخر عن الصلة فى بيوت اللـه ؟!! إلى‬
‫متى وأنت على هذا الضلل والبدع ؟!!‬
‫تلوم صاحبها على الخير والشر معا ً ‪.‬‬
‫فى رحاب الدار الخرة "يوم الحساب"‬ ‫)‪(131‬‬

‫أما النفس المارة بالسوء ‪ :‬فهى التى تريد أن تخرجك من‬


‫طريق الهداية إلى الغواية ‪ ،‬من طريق النعيم إلى طريق الجحيم ‪،‬‬
‫سنة إلى طريق البدعة ‪ .‬من طريق الحلل إلى طريق‬ ‫من طريق ال ّ‬
‫الحرام ‪.‬‬
‫ة‬
‫ماَر ٌ‬ ‫سل ّ‬‫ف َ‬ ‫ن الن ّ ْ‬‫سي إ ِ ّ‬ ‫ف ِ‬ ‫ما أ ُب َّر ُ‬
‫ئ نَ ْ‬ ‫و َ‬
‫حيث قال تعالى ‪َ } :‬‬
‫م{‬ ‫حي ٌ‬‫فوٌر َر ِ‬ ‫غ ُ‬‫ن َرّبي َ‬ ‫م َرّبي إ ِ ّ‬‫ح َ‬
‫ما َر ِ‬‫ء ِإل َ‬
‫سو ِ‬‫ِبال ّ‬
‫] يوسف ‪. [ 53 :‬‬
‫فهذه النفس إن لم تشغلها بطاعة اللـه شغلتك بالمعصية ‪ ،‬وإن‬
‫لم تلجمها بلجام التقوى شغلتك بالباطل ‪ ،‬فالنفس كالطفل إن‬
‫فطمت الطفل عن ثدى أمه انفطم ‪ ،‬كذلك النفس إن فطمتها عن‬
‫معصية اللـه وألجمتها بلجام الطاعة والتقوى انقادت ‪.‬‬
‫فإن زلت نفسك لبشريتك ولضعفك فلست ملكا ً مقربا ً ول نبيا ً‬
‫مرسل ً فسرعان ما يدفعك إيمانك وعلمك بنفسك المارة إلى‬
‫التوبة والوبة والعودة إلى اللـه جل جلله ‪ ،‬وأنت على كل حال من‬
‫الحوال على طريق طاعة الكبير المتعال ‪ ،‬وسيد الرجال محمد‪. ‬‬
‫فحاسب نفسك الن أيها الحبيب قبل أى عمل وبعد أى عمل صغر‬
‫أم كبر‬
‫؟ لماذا سأتكلم ‍‬
‫؟‬ ‫قبل العمل ‪ :‬اسأل النفس ‪ :‬لماذا أذهب ‍‬
‫لماذا أصمت ؟ لماذا أحب ؟ لماذا أبغض ؟ لماذا أدخل ؟ لماذا‬
‫أخرج ؟‬
‫وبعد العمل ‪ :‬هل كان العمل خالصا ً لوجه اللـه ؟! هل كان‬
‫العمل موافقا ً لهدى المصطفى‪ ‬؟ العمل لبد أن يتحقق فيه‬
‫شرطان ‪ .‬الشرط الول ‪ :‬الخلص والشرط الثانى أن يكون العمل‬
‫على هدى النبى محمد‪‬‬
‫قال شيخ السلم ابن تيمية طّيب اللـه ثراه ‪ :‬إن دين‬
‫اللـه الذى هو السلم مبنى على أصلين ‪ .‬الول أن تعبد اللـه وحده‬
‫لشريك له ‪ ،‬والصل الثانى أن يعبد بما شرعه على لسان رسوله‬
‫وهذان الصلن الكبيران هما حقيقة قولنا نشهد أن ل إله إل اللـه‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(132‬‬

‫ونشهد أن محمدا ً رسول اللـه‪.‬‬


‫أيها المسلم إن كنت تريد حسابا ً يسيرا ً فحاسب نفسك محاسبة‬
‫الشريك الشحيح فقد قال ميمون بن مهران " ل يبلغ العبد درجة‬
‫التقوى إل إذا حاسب نفسه محاسبة الشريك الشحيح " ‪.‬‬
‫إياك إياك أن تغتر بطاعة ‪ ،‬إياك إياك أن تغتر بعلم ‪ ،‬كن دائما ً‬
‫جل فإن العبرة بالخواتيم ‪.‬‬ ‫على وَ َ‬
‫فاسمع إلى من أضاءوا الدنيا بعلمهم وزهدهم وورعهم ‪ .‬هذه‬
‫الصديقة بنت الصديق‪ .‬عائشة الطاهرة المبرأة من السماء ‪،‬‬
‫َ‬
‫ب‬‫وَرث َْنا ال ْك َِتا َ‬‫مأ ْ‬ ‫يسألها أحد المسلمين عن قول اللـه تعالى } ث ُ ّ‬
‫م‬‫ه ْ‬‫من ْ ُ‬
‫و ِ‬
‫ه َ‬‫س ِ‬‫ف ِ‬ ‫م ل ِن َ ْ‬ ‫م َ‬
‫ظال ِ ٌ‬ ‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫عَباِدَنا َ‬
‫ف ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫في َْنا ِ‬‫صطَ َ‬ ‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫ه {] فاطر ‪[32 :‬‬ ‫ن الل ّ ِ‬ ‫ت ب ِإ ِذْ ِ‬ ‫ق ِبال ْ َ‬
‫خي َْرا ِ‬ ‫ساب ِ ٌ‬ ‫م َ‬‫ه ْ‬ ‫من ْ ُ‬
‫و ِ‬
‫صد ٌ َ‬‫قت َ ِ‬‫م ْ‬‫ُ‬
‫؟ قالت الصديقة ‪ :‬يابنى أما السابق بالخيرات‬ ‫ما معناها ياأماه ‍‬
‫فقوم سبقوا مع رسول اللـه‪ ‬وشهد لهم بالجنة ‪ ،‬وأما المقتصد‬
‫فقوم صاروا على دربه وماتوا على ذلك ‪ ،‬وأما الظالم لنفسه‬
‫فمثلى ومثلك ‪.‬‬
‫ياسبحان اللـه ‪ .‬عائشة تقول ذلك !! ونحن نقول ومن منا ل‬
‫يدخل الجنة وإن لم ندخلها نحن فمن يدخلها !!‬
‫عائشة ل تغتر بنسبها ول بزواجها من النبى‪ ‬وهى التى بشرها‬
‫النبى‪ ‬بالجنة ‪ ،‬فهى تعرف حق المعرفة للنفس قدرها وخطرها ‪.‬‬
‫وها هو فاروق المة الذى حاكى أخلق النبوة فى إمارته ‪ .‬عمر‬
‫الفاروق ينام على فراش الموت بعدما طعن فيدخل عليه ابن‬
‫عباس فيثنى عليه الخير كله ‪ .‬فيقول عمر ‪ :‬واللـه إن المغرور من‬
‫ى‪،‬‬ ‫ً‬
‫ى ول عل ّ‬ ‫غررتموه وددت أن أخرج اليوم من الدنيا كفافا ل ل ّ‬
‫واللـه لو أن لى مل الرض ذهبا ً لفتديت به من عذاب اللـه قبل أن‬
‫أراه ‪.‬‬
‫وهذا هو معاذ بن جبل حبيب المصطفى‪ ‬الذى قال له رسول‬
‫اللـه‪ ‬واللـه إنى أحبك يامعاذ !! لقد نام على فراش الموت بعد‬
‫ماأصيب بطاعون الشام فقال لصحابه ‪ :‬انظروا هل أصبح‬
‫فى رحاب الدار الخرة "يوم الحساب"‬ ‫)‪(133‬‬

‫الصباح ؟ هل أصبح الصباح ؟ ثم بكى معاذ وقال ‪ :‬أعوذ باللـه من‬


‫ليلة صباحها إلى النار ‪.‬‬
‫وهذا هو سفيان الثورى إمام الورع والحديث ينام على فراش‬
‫الموت فيدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له أبشر يا أبا عبد‬
‫ل على من كنت ترجوه ‪ ،‬وهو أرحم الراحمين ‪.‬‬ ‫اللـه ‪ ،‬إنك مْقب ُُ‬
‫ُ ِ‬
‫فبكى سفيان وقال ‪ :‬أسألك باللـه ياحماد أتظن أن مثلى ينجو‬
‫من النار؟!‬
‫فيا أيها المسلم ل تغتر بعلم ول تغتر بعمل وكن دائما ً على‬
‫ل ‪ .‬كما كان رسول اللـه‪ ‬وهو النبى الذى غفر له ماتقدم من‬ ‫وج ٍ‬
‫ذنبه وما تأخر ‪ ،‬فحاسب نفسك قبل أى عمل وبعد أى عمل ‪،‬‬
‫وحاسب نفسك على كل معصية ‪ ،‬وحاسب نفسك على كل‬
‫تقصير ‪ ،‬وحاسب نفسك على كل تفريط ‪.‬‬
‫قال سليمان بن عبد الملك لبى حازم ‪ :‬ياأبا حازم مالنا نحب‬
‫خّربُتم‬‫مرُتم دنياكم وَ َ‬ ‫الدنيا ونكره الخرة ؟ فقال أبو حازم ‪ :‬لنكم عَ ّ‬
‫ُأخراكم وأنتم تكرهون أن تنتقلوا من العمران إلى الخراب ‪.‬‬
‫فقال سليمان ‪ :‬فما لنا عند اللـه يا أبا حازم ؟‬
‫قال أبو حازم ‪ :‬اعرض نفسك على كتاب اللـه لتعلم مالك عند‬
‫اللـه‪.‬‬
‫فقال سليمان ‪ :‬وأين أجد ذلك فى كتاب اللـه ؟‬
‫م)‬
‫عي ٍ‬ ‫في ن َ ِ‬ ‫ن ال َب َْراَر ل َ ِ‬‫قال أبو حازم ‪ :‬عند قوله تعالى ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫] النفطار ‪- 13 :‬‬ ‫حيم ٍ {‬‫ج ِ‬‫في َ‬ ‫جاَر ل َ ِ‬ ‫ف ّ‬‫ن ال ْ ُ‬
‫وإ ِ ّ‬
‫‪َ (13‬‬
‫‪. [ 14‬‬
‫قال سليمان أين رحمة اللـه؟‬
‫ن{‬ ‫سِني َ‬ ‫ح ِ‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫م َ‬ ‫ب ِ‬ ‫ري ٌ‬
‫ق ِ‬‫ه َ‬ ‫ة الل ّ ِ‬
‫م َ‬
‫ح َ‬
‫ن َر ْ‬‫فقال أبو حازم ‪ } :‬إ ِ ّ‬
‫] العراف ‪. [ 56 :‬‬
‫قال فكيف القدوم على اللـه غدا ً ؟ قال أبو حازم ‪ :‬أما العبد‬
‫المحسن فكالغائب يرجع إلى أهله وأما المسيئ فكالعبد البق‬
‫يرجع إلى موله ‪.‬‬
‫خطب الشيخ ‪ /‬محمد حسان‬ ‫)‪(134‬‬

‫أسأل اللـه العظيم رب العرش الكريم أن يحسن خاتمتنا ‪ .‬إنه‬


‫ولى ذلك والقادر عليه ‪.‬‬

‫‪ ..........‬الدعـــــــاء‬

You might also like