You are on page 1of 86

‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫المنشُودة‬
‫المفقُودة والغاية َ‬
‫الد َرة َ‬
‫التقوى ُ‬

‫الدكتور أحمد فريد‬


‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬


‫مقدمة‬

‫إن الحمد هلل ‪ ،‬نحم ده ونس تعينه ونس تغفره ‪ ،‬ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا وس يئات أعمالنا ‪ ،‬من‬
‫يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادى له ‪ ،‬واشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد‬
‫أن محمداً عبده ورسوله ‪.‬‬

‫ق تُقَاتِ ِه َوالَ تَ ُموتُ َّن إِالَّ َوأَنتُم ُّم ْسلِ ُم َ‬


‫ون [ ‪.....‬‬ ‫وا اتَّقُ ْ‬
‫وا هّللا َ َح َّ‬ ‫ين آ َمنُ ْ‬
‫] يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َـ‬
‫( أل عمران ‪) 102 :‬‬

‫ق ِم ْنهَا َز ْو َجهَا‬ ‫احــ َد ٍـة َو َخلَــ َ‬


‫س َو ِ‬ ‫] يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُ ْ‬
‫ــوا َربَّ ُك ُم الَّ ِذي َخلَقَ ُكم ِّمن نَّ ْف ٍ‬
‫ون بِ ـ ِه َواألَرْ َحـ ا َم إِ َّن هّللا َ‬ ‫ث ِم ْنهُ َما ِر َجاالً َكثِيراً َونِ َساء َواتَّقُـ ْ‬
‫ـوا هّللا َ الَّ ِذي تَ َس ـاءلُ َ‬ ‫َوبَ َّ‬
‫رقِيبًا [ ‪ ( .....‬النساء ‪) 1 :‬‬ ‫ان َعلَ ْي ُك ْم َ‬‫َك َ‬
‫ين آ َمنُوا اتَّقُوا هَّللا َ َوقُولُوا قَ ْواًل َس ِدي ًدا (‪ )70‬يُصْ لِحْ لَ ُك ْم أَ ْع َمالَ ُك ْم‬ ‫]يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َـ‬
‫ظي ًما [ ‪.......‬‬ ‫ــو ًزا َع ِ‬ ‫َويَ ْغفِــرْ لَ ُك ْم ُذنُــوبَ ُك ْم َو َمن ي ُِطــ ْع هَّللا َ َو َر ُســولَهُ فَقَــ ْد فَ َ‬
‫ــاز فَ ْ‬
‫( األحزاب ‪) 71 ، 70 :‬‬

‫ثم أما بعد ‪:‬‬

‫ف إن أص دق الح ديث كت اب اهلل ‪ ،‬وخ ير اله دى ه دى محمد ص لى اهلل عليه وس لم وشر األم ور‬
‫محدثاتها ‪ ،‬وكل محدثة بدعة ‪ ،‬وكل بدعة ضالله وكل ضالله فى النار ‪.‬‬
‫ففى مثل هذه االزمنة الغابرة التى استولت فيها الغفلة على القلوب ‪ ،‬وضعفت فيها العين المتطلعة‬
‫إلى األخ رة فال تك اد ت رى ‪ ،‬وظن الن اس أن الس عيد من ف از فى ال دنيا بش هواتها ‪ ،‬ومن وصل إلى‬
‫جاهها وسلطانها ‪ ،‬والشقى من حرم هذا الخير‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫العظيم وال رزق الك ريم وه ذا من الغفلة الش نيعة والجهل البليغ بالس عادة الحقيقية والش رف العظيم‬
‫ال ذى جعله اهلل عز وجل للمتقين فى الحي اة وي وم يق وم الن اس ل رب الع المين ولو ذاقت قل وب أهل‬
‫ال دنيا ش يئاً من مواجيد أهل التق وى وما يجدونه من الع زة والش رف فى ال دنيا مع ما ينتظ رهم من‬
‫سعادة األخرة ونعيمها ألكلوا أصابعهم ندماً وحسرة على ما فاتهم من الخير ويفوتهم إذا استمرت‬
‫غفلتهم ‪،‬‬
‫فالتقوى كما قال الغزالى رحمة اهلل ‪ :‬كنز عزيز‪ ،‬فلئن ظفرت به كم تجد فيه من جوهر شريف ‪،‬‬
‫وخ ير كث ير ‪ ،‬ورزق ك ريم ‪ ،‬وف وز كب ير ‪ ،‬وغنم جس يم ‪ ،‬وملك عظيم ‪ ،‬فك أن خ يرات ال دنيا‬
‫واألخ رة جمعت فجعلت تحت ه ذه الخص لة الواح دة ال تى هى تق وى اهلل ‪ ،‬وتأمل ما فى الق رأن من‬
‫ذكرها فكم علق بها من خير وكم وعد عليها من خير وثواب وكم أضاف إليها من سعادة (‪. )1‬‬

‫فاهل التق وى هم مل وك ال دنيا كما أنهم مل وك األخ رة وهم وأهل الس عادة الحقيقية والش رف العظيم‬
‫‪ ( ..........‬طه ‪) 132 :‬‬ ‫فى الدنيا واألخرة كما قال تعالى ‪َ ] :‬و ْال َعاقِبَةُ لِلتَّ ْق َوى [‬
‫ين [ ‪ ( ..........‬الزخرف ‪) 35 :‬‬ ‫وقال تعالى ‪َ ] :‬واآْل ِخ َرةُ ِعن َد َرب َِّك لِ ْل ُمتَّقِ َ‬

‫وأنت يا أخى الكريم معى فى هذا الكتاب نسير مع التقوى فى كل باب لعلى وإ ياك عند الختام يمن‬
‫اهلل علينا بالتوبة النص وح وما لها من الفت وح ويجعلنا من المتقين ‪ ،‬ال ذين تقر أعينهم فى ال دنيا‬
‫بالطاع ات وفى األخ رة بالجن ات ‪ ،‬وقد جمعت لك فى ه ذا الكت اب من المع انى الش ريفة ‪ ،‬والفوائد‬
‫اللطيفة ما تنش رح له القلوب ‪ ،‬وتقترب به من عالم الغيوب وغفار ال ذنوب ‪ ،‬فبدأت ب ذكر معانى‬
‫التقوى وأقسامها ‪ ،‬وثنيت بذكر شرفها وخطرها ‪ ،‬وثم اجتهدت فى الباب الثالث فى بيان ما تتطلع‬
‫إليه قلوب اصحاب الهمم العالية والنفوس األبية‬
‫وهو فى بيان كيف تتقى اهلل عز وجل وذكرت لك خمسة وسائل ‪:‬‬
‫األولى محبة اهلل عز وجل ‪،‬‬
‫والثانية فى استحضار المراقبة والحياء ‪،‬‬

‫‪)(1‬‬
‫منهاج العابدين (‪ )7‬مكتبة الجندى‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫والثالثة فى معرفة ما فى طريق الحرام من الشرور واالالم ‪،‬‬


‫والرابعة فى بيان كيف تغالب هواك وتطيع موالك‪،‬‬
‫والخامسة فى معرفة مكائد الشيطان ومصائده ‪ ،‬والحذر من وساوسه ودسائسه ‪،‬‬

‫ثم زدتك تش ريفا وتعريفا باص حاب ال رتب العالية وال درجات الرفيعة الس امية‪ ،‬ب ذكر ص فات‬
‫المتقين ‪ ،‬وختمت بحسن االخت ام ‪ ،‬وهو رحله فى ري اض التق وى ن نزة قلوبنا وابص ارنا برؤية‬
‫ثمرات التقوى العاجلة واآلجلة‪.‬‬

‫واالمر كما يقال ‪:‬‬


‫والطبيب سقيم‬ ‫‪%....‬‬ ‫طبيب يداوى‬

‫ول وال ما نطمع فيه من رحمة اهلل وعف وه وكرمه ‪ ،‬وان ال نح رم دع وة ص الحة من اخ ك ريم‬
‫لتقطعت القل وب يأسا من النف وس وص الحها وقلة تقواها ‪ ،‬وال تظن ان من تكلم عن التق وى فقد‬
‫صار بذلك من المتقين ‪ ،‬فما اظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى واكتساب االموال وهو فقير وبين‬
‫العلم بأسباب الصحة وهو سقيم ‪ ،‬ولكن نرجو بذكر القوم ومحبتهم ان نجد ريحا من اثار غبارهم‬
‫او ان نلحق ولو بساقاتهم‬

‫وكما قال بن الجوزى رحمة اهلل ‪:‬‬


‫إن صدقت فى طالبهم فانهض وبادر‪ ،‬وال تستصعب طريقهم فالمعين قادر‪ ،‬تعرض لمن اعطاهم‬
‫وسل فم والك م والهم ‪ ،‬رب ك نز وقع به فق ير ‪ ،‬ورب فضل اختص به ص غير ‪ ،‬علم الخضر ما‬
‫خفى على موسى وكشف لسليمان ما خفى على داود (‪. )1‬‬

‫‪)(1‬‬
‫المدهش البن الجوزى ( ‪ ) 428‬بتصرف دار الكتب العلميه‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وس وف تجد فى ص حبة ه ذا الكت اب ومبانيه ما ي بين لك ش رف معانيه ‪ ،‬فتجد ش رف التق وى فى‬
‫طياته وسعادتها ين وريقاته ‪،‬‬

‫نسأل اهلل أن يجعلنا من أهلها وأن يقسم لنا من كنوزها وثمراتها ‪ .‬وأن يبارك فى هذا الكتاب وفى‬
‫جامعة وناشره ومن قرأه يلتمس الهداية والتوفيق ‪،‬‬
‫واهلل الهادى القوم طريق فهو الذى تقر القلوب بمحبته فى الدنيا ورؤيته فى الجنة ‪،‬‬
‫وصلى اهلل على رسوله المصطفى واله واصحابه ومن اتبع السنة وسلم تسليماً ‪.‬‬

‫وكتبه‬
‫الشيخ ‪ /‬أحمد فريد‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫معنىـ التقوى ومراتبهاـ‬
‫المعنى اللغوى ‪ :‬قال فى المصباح ‪ :‬وقاه اهلل السوء وقاية ‪ :‬حفظه‬ ‫‪‬‬

‫والوق اء مثل كت اب كل ما وقيت به ش يئاً ‪ ،‬وروى أبو عبيد عن الكس ائى الفتح فى ( الوقاية ) و‬
‫اتقاء ) و ( التقية ) و (التقوى ) اسم منه والتاء مبدله‬
‫(الوقاء) أيضاً و ( اتقيت ) اهلل ( ً‬
‫(‪1‬‬
‫من واو واألصل (وقى) أهـ )‪.‬‬

‫المعنى الشرعى ‪ :‬اختلفت تعبيرات العلماء فى تعريف التقوى مع أن الجميع يدور حول‬ ‫‪‬‬

‫مفه وم واحد ‪ ،‬وهو أن يأخذ العبد وقايته من س خط اهلل عز وجل وعذابه ‪ ،‬وذلك بامتث ال الم أمور‬
‫واجتناب المحظور ‪.‬‬

‫قال الحافظ ابن رجب رحمه اهلل ‪:‬‬


‫وأصل التقوى أن يجعل العبد بينه وبين ما يخافه ويحذره وقاية تقيه منه‬
‫فتقوى العبد لربه أن يجعل بينه وبين ما يخشاه من ربه من غضبه وس خطه وعقابه وقاية تقيه من‬
‫ذلك ‪ ،‬وهو فعل طاعته واجتن اب معاص يه ‪ ،‬وت اره تض اف التق وى إلى اسم اهلل عز وجل ‪ ،‬كقوله‬
‫‪ ( ..........‬المائده ‪) 96 :‬‬ ‫ُون [‬‫ي إِلَ ْي ِه تُحْ َشر َ‬ ‫تعالى ‪َ ]:‬واتَّقُ ْ‬
‫وا هّللا َ الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُــوا اتَّقُــوا هَّللا َ َو ْلتَنظُــرْ نَ ْفسٌ َّما قَ ـ َّد َم ْ‬
‫ت لِ َغـ ٍد َواتَّقُــوا هَّللا َ إِ َّن هَّللا َ‬ ‫] يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َـ‬
‫ون [‬ ‫َخبِي ٌر بِ َما تَ ْع َملُ َ‬
‫‪( .....‬الحشر ‪)18 :‬‬

‫فإذا اضيفت التقوى إليه سبحانه وتعالى فالمعنى اتقوا سخطه وغضبه وه و أعظم م ا يتقى ‪ ،‬وعن‬
‫ذل ك ينش أ عقاب ة ال دنيوى واالخ روى ‪ ،‬ق ال تع الى ] َوي َُحـ ِّذ ُر ُك ُم هّللا ُ نَ ْف َ‬
‫س ـهُ [ ‪ ( ........‬آل‬
‫عمران ‪) 28 :‬‬

‫‪ ( ..........‬المدثر ‪) 56 :‬‬ ‫وقال تعالى ] هُ َو أَ ْه ُل التَّ ْق َوى َوأَ ْه ُل ْال َم ْغفِ َر ِة [‬


‫فهو سبحانه أهل ان يخشى ويهاب ويجل ويعظم فى صدور عباده ‪ ،‬حتى يعبدوه ويطيعوه ‪،‬‬
‫لما يستحقه من اإلجالل واإلكرام ‪ ،‬وصفات الكبرياء والعظمة وقوة البطش ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير للرافعى (‪ – )669‬دار المعارف ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وفى الترمذى عن انس عن النبى صلى اهلل عليه وسلم فى هذه االية ‪:‬‬
‫قال هللا تعالى ‪ ( :‬أنا أهل التقوى فمن اتقانى فلم يجعل معى‬ ‫] هُ َو أَ ْه ُل التَّ ْق َوى ‪[ .........‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫إلهاً أخر فأنا أهل أن أغفر له)‬
‫وتارة تضاف التقوى إلى عقاب اهلل ‪ ،‬أو إلى مكانه كالنار ‪ ،‬أو إلى زمانه كيوم القيامة‬
‫[‪ ( ..........‬آل عمران ‪) 131 :‬‬ ‫ين‬ ‫ار الَّتِي أُ ِع َّد ْ‬
‫ت لِ ْل َكافِ ِر َ‬ ‫كما قال تعالى ‪َ ] :‬واتَّقُ ْ‬
‫وا النَّ َ‬
‫ين [‬ ‫ارةُ أُ ِعـ َّد ْ‬
‫ت لِ ْل َكــافِ ِر َ‬ ‫ار الَّتِي َوقُو ُدهَا النَّاسُ َو ْال ِح َجـ َ‬ ‫وق ال تع الى ‪ ] :‬فَــاتَّقُ ْ‬
‫وا النَّ َ‬
‫‪ ( ......‬البقره ‪) 24 :‬‬
‫‪ ( ..........‬البقره ‪) 281 :‬‬ ‫ُون فِي ِه إِلَى هّللا ِ [‬ ‫وقال تعالى ‪َ ] :‬واتَّقُ ْ‬
‫وا يَ ْو ًما تُرْ َجع َ‬
‫‪ ( ..........‬البق‪..‬ره ‪:‬‬ ‫وا يَ ْوما ً الَّ تَجْ ِزي نَ ْفسٌ َعن نَّ ْف ٍ‬
‫س َشـيْئا ً [‬ ‫وق ال تع الى ‪َ ] :‬واتَّقُ ْ‬
‫‪) 48‬‬
‫وي دخل فى التق وى الكاملة فعل الواجب ات وت رك المحرم ات والش بهات وربما دخل فيها بعد ذلك‬
‫فعل المندوبات وترك المكروهات‪.‬‬

‫ين (‪ )2‬الَّ ِذ َـ‬


‫ين‬ ‫ْب فِيــ ِه هُــ ًدى لِّ ْل ُمتَّقِ َ‬
‫ــك ْال ِكتَــابُ الَ َري َ‬ ‫ق ال تع الى ‪ ] :‬الـم~ (‪َ )1‬ذلِ َـ‬
‫ـون‬ ‫ـون (‪ )3‬والَّ ِذ َ‬
‫ين ي ُْؤ ِمنُ َ‬ ‫الصـالةَـ َو ِم َّما َر َز ْقنَـاهُ ْم يُنفِقُ َ‬ ‫ون َّ‬ ‫ون بِ ْال َغ ْي ِ‬
‫ب َويُقِي ُم َ‬ ‫ي ُْؤ ِمنُ َ‬
‫ون [ ( ‪( .......... )2‬البقره ‪– 1 :‬‬ ‫اآلخ َر ِة هُ ْم يُوقِنُ َ‬
‫ك َوبِ ِ‬ ‫نز َل ِمن قَ ْبلِ َ‬ ‫ُ‬
‫ْك َو َما أ ِ‬‫نز َل إِلَي َ‬ ‫ُ‬
‫بِ َما أ ِ‬
‫‪) 4‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه اهلل ‪:‬‬


‫وأما التق وى فحقيقتها العمل بطاعة اهلل إيمان اً واحتس ابا ‪ ،‬أم راً ونهي اً ‪ ،‬فيفعل ما أمر اهلل به إيمان اً‬
‫باألمر وتصديقاً بوعده ‪ ،‬ويترك ما نهى اهلل عنه إيماناً بالنهى وخوفا من وعيده ‪،‬‬
‫كما ق ال طلق بن ح بيب ‪ “ :‬إذا وقعت الفتنة فأطفئوها ب التقوى ‪ .‬ق الوا ‪ :‬وما التق وى ؟ ق ال ‪ :‬أن‬
‫تعمل بطاعة اهلل على ن ور من اهلل ترجو ث واب اهلل ‪ ،‬وأن ت ترك معص ية اهلل على ن ور من اهلل‬
‫تخاف عقاب اهلل “ ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫رواه أحمد ( ‪ ) 243 ، 142 / 3‬وابن ماجه ( ‪ ) 4299‬الزهد ‪ ،‬والدرامى ( ‪ ) 303 / 2‬الرقاق ‪ ،‬وضعفه األلبانى ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫جامع العلوم والحكم ( ‪ ) 149 – 148‬بأختصار ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫وه ذا من أحسن ما قيل فى حد التق وى ‪ ،‬ف إن كل عمل ال بد له من مب دأ وغاية ‪ ،‬فال يك ون العمل‬
‫طاعة وقربة ح تى يك ون مص دره عن اإليم ان فيك ون الب اعث عليه هو اإليم ان المحض ال الع اده‬
‫وال الهوى وال طلب المحمدة والجاه وغير ذلك ‪ ،‬بل البد أن يكون مبدأه محض اإليمان‬
‫وغايته ثواب اهلل وابتغاء مرضاته وهو اإلحتساب ‪.‬‬

‫ولهذا كثيراً ما يقرن بين هذين االصلين فى مثل قول النبى صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫‪ ( ،‬ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً )‬ ‫( ‪)1‬‬
‫( من صام رمضان إيماناً واحتساباً )‬
‫ونظ ائره ‪ .‬فقوله ‪ ( :‬على ن ور من اهلل ) إش ارة إلى األصل األول وهو مص در العمل والس بب‬
‫الباعث عليه ‪ .‬وقوله ( ترجو ثواب اهلل ) إشارة إلى األصل الثانى وهو اإلحتساب ‪،‬‬
‫وهو الغاية التى ألجلها توقع العمل ويقصد به (‪.)3‬‬

‫وقال العالمة نعمان بن محمود األلوسى رحمه اهلل ‪:‬‬


‫وفى تحفة اإلخوان ‪ :‬التقوى إمتثال االوامر واجتناب النواهى ولها ثالث مراتب ‪:‬‬
‫االولى ‪ :‬التوقى من العذاب المخلد بالتبرى من الشرك وعليه قوله تعالى ‪َ ] :‬وأَ ْل َز َمهُ ْم َكلِ َمةَ‬
‫التَّ ْق َوى [ ‪ ( ..........‬الفتح ‪) 26 :‬‬
‫والثانية ‪ :‬التجنب عن كل ما ي ؤثم من فعل أو ت رك ح تى الص غائر عند ق وم ‪ ،‬وهو المتع ارف‬
‫وا [ ‪......‬‬ ‫وا َواتَّقَ ْ‬ ‫بالتقوى فى الشرع وهو المعنى بقوله تعالى ‪َ ] :‬ولَ ْو أَ َّن أَ ْه َل ْالقُ َرى آ َمنُ ْ‬
‫(االعراف ‪ ) 96 :‬وعلى هذا قول عمر بن عبد العزيز رضى اهلل تعالى عنه ‪:‬‬
‫التقوى ترك ما حرم اهلل وأداء ما افترض اهلل ‪ ،‬فما رزق اهلل بعد ذلك فهو خير إلى خير ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫رواه البخارى ( ‪ ) 115 / 4‬الصوم‬
‫(‪)2‬‬
‫رواه البخارى ( ‪ ) 255 / 4‬فضل ليلة القدر ‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 41 ، 40 / 6‬صالة المسافرين‬
‫(‪)3‬‬
‫الرساله التبوكيه بتحقيق أشرف عبد المقصود ونشر مكتبة التوعيه األسالميه ( ‪)17 - 15‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫والثالثة ‪ :‬أن يت نزه عما يش تغل س ره عن اهلل تع الى ‪ ،‬وه ذه هى التق وى الحقيقية المطلوبة بقوله‬
‫‪ ( .......‬أل عمران‪) 102 :‬‬ ‫ق تُقَاتِ ِه [‬ ‫وا اتَّقُ ْ‬
‫وا هّللا َ َح َّ‬ ‫تعالى ‪ ] :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُ ْ‬
‫(‪)1‬‬
‫وقال ابن عمر ‪ :‬اال ترى نفسك خيراً من أحد ‪.‬‬
‫وقال الغزالى رحمة اهلل ‪:‬‬
‫اعلم أوالً ‪ -‬بارك اهلل فى دينك وزاد فى يقينك ‪ -‬أن التقوى فى قول شيوخنا رحمهم اهلل هى تنزيه‬
‫القلب عن ذنب لم يسبق عنك مثله ‪ ،‬حتى تحصل لك من القوة والعزم على تركه وقاية بينك وبين‬
‫المعاصى ‪.‬‬
‫ف إذن لما حص لت وقاية بين العبد وبين المعاصى من ق وة عزمه على تركها ‪ ،‬وت وطين قلبه على‬
‫ذلك ‪ ،‬فيوصف حينئذ بأنه متق ‪ ،‬ويقال لذلك التنزيه والعزم والتوطين ‪ :‬التقوى ‪.‬‬

‫والتقوى فى القرأن ‪ :‬تطلق على ثالثة اشياء ‪ :‬أحداهما بمعنى الخشية والهيبة ‪.‬‬
‫ون [ ‪ ( .......‬البقرة ‪ ) 41 :‬وقال تعالى ‪َ ] :‬واتَّقُ ْ‬
‫وا يَ ْو ًما تُرْ َجع َ‬
‫ُون‬ ‫قال تعالى‪َ ] :‬وإِي َ‬
‫َّاي فَاتَّقُ ِ‬
‫فِي ِه إِلَى هّللا ِ [‪ ( .......‬البقرة ‪ ، ) 281 :‬والثانى بمعنى الطاعة والعبادة قال اهلل تعالى ‪:‬‬

‫ه [ ‪ ( .......‬أل عمران ‪) 102 :‬‬ ‫وا اتَّقُ ْ‬


‫وا هّللا َ َح َّ‬
‫ق تُقَاتِ ِ‬ ‫] يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُ ْ‬
‫قال ابن العباس رضى اله عنهما ‪ :‬اطيعوا اهلل حق طاعته‪.‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬هو أن يطاع فال يعصى وأن يذكر فال ينسى وأن يشكر فال يكفر‬
‫والثالث ‪ :‬بمعنى تنزيه القلب عن الذنوب ‪ ،‬فهذه هى الحقيقة عن التقوى دون األولين أال ترى أن‬
‫…‪..‬‬ ‫ون [‬ ‫اهلل يق ول ] َو َمن ي ُِط ِع هَّللا َ َو َر ُسـولَهُ َويَ ْخ َ‬
‫ش هَّللا َ َويَتَّ ْقـ ِه فَأ ُ ْولَئِـ َ‬
‫ـك هُ ُم ْالفَــائِ ُز َ‬
‫( النور ‪ ) 52 :‬ذكر الطاعة والخشية ثم ذكر التقوى ‪ ،‬فعلمت أن حقيقة التقوى معنى سوى الطاعة‬
‫والخشية ‪ ،‬وهى تنزيه القلب عما ذكرناه ‪،‬‬

‫ثم قالوا ‪ :‬منازل التقوى ثالثة ‪:‬‬


‫((‬
‫‪ )1‬غالية المواعظ ومصباح المتعظ وقبس الواعظ ( ‪ ) 48 / 2‬دار المعرفه ‪.‬‬
‫وقول ابن عمر رضى هللا عنهما يشير إلي نوع من التقوى وليست التقوى الكامله ‪ ،‬وأصح من ذلك أن يقال هو نوع من الزهد ‪،‬‬
‫وهو الزهد فى النفس ‪ ،‬والزهد فى النفس أقصى غاية الزهد ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫تق وى عن الش رك وتق وى عن البدعة ‪ ،‬وتق وى عن المعاصى الفرعية ‪ ،‬ولقد ذكرها اهلل تع الى فى‬
‫أية واحدة وهى قوله جل من قائل ‪:‬‬
‫ـوا إِ َذاـ َما اتَّقَـ ْ‬
‫ـوا‬ ‫ت ُجنَــا ٌح فِي َما طَ ِع ُمـ ْ‬ ‫الصـالِ َحا ِ‬ ‫ـوا َّ‬ ‫ـوا َو َع ِملُـ ْ‬ ‫ين آ َمنُـ ْ‬
‫ْس َعلَى الَّ ِذ َـ‬ ‫] لَي َ‬
‫وا … [ ( المائده ‪)93 :‬‬ ‫وا َّوأَحْ َسنُ ْـ‬‫وا ثُ َّم اتَّقَ ْ‬
‫وا َّوآ َمنُ ْـ‬
‫ت ثُ َّم اتَّقَ ْ‬‫وا الصَّالِ َحا ِ‬ ‫وا َو َع ِملُ ْ‬
‫َّوآ َمنُ ْ‬

‫ف التقوى األولى عن الش رك ‪ ،‬واإليم ان ال ذى فى مقابلتها التوحيد ‪ ،‬والتق وى الثانية من البدعة ‪،‬‬
‫واإليم ان ال ذى ذكر معها إق رار عق ود الس نة والجماعة ‪ ،‬والتق وى الثالثة عن المعاصى الفرعية ‪،‬‬
‫وال إقرار فى هذه المنزلة فقابلها باإلحسان وهو الطاعة واالستقامة عليها ‪ ،‬فتكون منزلة السنة ‪،‬‬
‫ومنزلة استقامة الطاعة ‪.‬‬

‫ق ال ‪ :‬وأنا وج دت التق وى بمع نى اجتن اب فض ول الحالل ‪ ،‬وهو ما روى فى الخ بر المش هور عن‬
‫الن بى ص لى اهلل علية وس لم أنه ق ال ‪ (:‬إنما سمى المتقون متقين لتركهم ما ال ب‪88‬أس به ح‪88‬ذراً عما‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫به بأس )‬

‫فه ذه أق وال العلم اء فى مع نى التق وى وأقس امها وال شك أن اسم التق وى يسع ما ذكر ‪ ،‬وأح وال‬
‫الناس معها ال تعارض ذلك ‪ ،‬فمن الناس من يقى نفسه الخلود فى النار ‪ ،‬وذلك باإلقرار بالتوحيد‬
‫وتصديق الرسول صلى اهلل عليه وسلم ولكنه ال يقى نفسه خلود النار بالكلية ‪،‬‬
‫فيفرط فى الواجبات ويتلبس بالمخالفات ‪ ،‬فهذا نوع من التقوى وإ ن كان فى أدنى درجاتها ‪،‬‬
‫وال يستحق صاحبها إسم المتقى بإطالق ‪ ،‬ألنه متعرض للعذاب مستحق للعقاب ‪،‬‬
‫إن لم تتداركه رحمة اهلل فإنه تعالى ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ‪،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫منهاج العابدين ( ‪ ) 75 ، 74‬بتصرف مكتبة الجندى ‪.‬‬
‫والحديث رواه الترمذى ( ‪ ، ) 278 / 9‬القيامه وقال ‪ :‬هذا حديث حسن غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه ‪ ،‬وابن ماجه ( ‪) 4215‬‬
‫الزهد ‪ ،‬والحاكم ( ‪ ) 319 / 4‬الرقاق وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى وقال األلبانى ‪ :‬هذا عجب منه فإن عبد هللا‬
‫بن يزيد لم يوثقه أحد وضعفه فى بلوغ المرام ( ‪ ) 871‬وضعيف ابن ماجه ( ‪. ) 924‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫ومن الناس من يتقى الكفر وكبائر الذنوب إال إنه ال يتورع عن الصغائر وال يكثر من النوافل ‪.‬‬
‫فال شك أنه أق رب للنج اة لق ول اهلل عز وجل ‪ ] :‬إِن تَجْ تَنِب ْ‬
‫ُوا َكبَآئِ َر َما تُ ْنهَ ْو َن َع ْنـهُ نُ َكفِّرْ‬
‫ري ًما [ ‪ (.....‬النساء ‪ ) 31 :‬وقوله صلى اهلل علية وسلم‬ ‫َعن ُك ْم َسيِّئَاتِ ُك ْم َونُ ْد ِخ ْل ُكم ُّم ْد َخالً َك ِ‬
‫‪ ( :‬الص‪88‬لوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمض‪88‬ان إلى رمض‪88‬ان مكف‪88‬رات لما بينهن ما اجتنبت‬
‫(‪)1‬‬
‫الكبائر )‪.‬‬

‫إال أن لم يأخذ الجنة الكاملة من الن ار ‪ ،‬فالبد أن يك ون هن اك من التقص ير فى الف رائض والوق وع‬
‫فى الص غائر ال تى يخشى من المداومة عليها التج رؤ على الكب ائر ‪ ،‬وليس له من نوافل الطاع ات‬
‫واجتناب الشبهات والمكروهات ما يكمل به تقوى العبد ‪،‬‬
‫‪ ( ..‬أل عمران‪) 102 :‬‬ ‫ق تُقَاتِ ِه [‬ ‫وا اتَّقُ ْ‬
‫وا هّللا َ َح َّ‬ ‫لذا قال اهلل عز وجل ‪ ]:‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َـ‬
‫ين آ َمنُ ْ‬

‫ف التقوى الحقيقية هى أن يجتهد العبد فى ت رك ال ذنوب كلها ص غارها وكبارها ‪ ،‬ويجتهد فى‬
‫الطاعات كلها الواجبات والنوافل ما استطاع ‪،‬‬
‫لعل ك ثرة النوافل تع وض ما قد يع رض من تقص ير وإ جتن اب الص غائر يجعل بين العبد وبين‬
‫……( التغابن ‪) 16 :‬‬ ‫الكبائر جنة حصينة كما قال عز وجل ‪ ] :‬فَاتَّقُوا هَّللا َ َما ا ْستَطَ ْعتُ ْم [‬
‫فمثل هذا يستحق اسم المتقى ‪ ،‬واجتهاده فى الطاعات كلها من الواجبات والنوافل وت رك المعاصى‬
‫ما استطاع من كبائر وصغائر وترك ما ال بأس به حذراً مما به بأس‬
‫هو التقوى التى دارت عليها أقوال السلف ‪.‬‬

‫قال ابو الدرداء ‪ :‬تمام التقوى أن يتقى اهلل العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة ‪ ،‬وحتى يترك بعض‬
‫ما يرى أنه حالل خشية أن يكون حرام اً ‪ ،‬يكون حجاب اً بينه وبين الح رام ‪ ،‬فإن اهلل قد بين للعب اد‬
‫الذى يصيرهم إليه فقال ‪:‬‬
‫‪...‬‬ ‫ـرهُ [‬ ‫ـرهُ (‪َ )7‬و َمن يَ ْع َمــلْ ِم ْثقَـ َ‬
‫ـال َذ َّر ٍة َشـ ًّرا يَـ َ‬ ‫] فَ َمن يَ ْع َملْ ِم ْثقَ َ‬
‫ال َذ َّر ٍة َخ ْيـرًا يَـ َ‬
‫( الزلزله ‪) 8-7 :‬‬
‫فال تحقرن شيئاً من الخير أن تفعله وال شيئاً من الشر أن تتقيه ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫رواه مسلم ( ‪ ) 3 / 117 , 118‬الطهاره ‪ ،‬والترمذى ( ‪ ) 2 / 14 – 15‬الصاله ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫قال الحسن ‪ :‬ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحالل مخافة الحرام ‪.‬‬
‫وقال الثورى ‪ :‬إنما سموا متقين ألنهم اتقوا ماال يتقى ‪.‬‬
‫وق ال موسى بن أعين ‪ :‬المتق ون ت نزهوا عن أش ياء من الحالل مخافة أن يقع وا فى الح رام‬
‫فسماهم اهلل متقين ‪.‬‬

‫وقال ميمون بن مهران ‪ :‬المتقى أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه ‪.‬‬

‫‪ ( .....‬أل عمران ‪) 102 :‬‬ ‫ق تُقَاتِ ِه [‬ ‫وقال بن مسعود فى قوله تعالى ‪ ] :‬اتَّقُ ْ‬
‫وا هّللا َ َح َّ‬
‫(‪)1‬‬
‫قال ‪ :‬أن يطاع فال يعصى ‪ ،‬ويذكر فال ينسى ‪ ،‬ويشكر فال يكفر ‪.‬‬

‫قال ابن رجب رحمه اهلل ‪:‬‬


‫وش كره ي دخل فيه جميع فعل الطاع ات ومع نى ذك ره فال ينسى ‪ :‬ذكر العبد بقلبه ألوامر اهلل فى‬
‫حركاته وس كناته وكلماته فيتمثلها ‪ ،‬ولنواهيه فى ذلك كله فيجتنبها ‪ ،‬وقد يغلب اس تعمال التق وى‬
‫على اجتناب المحرمات ‪ ،‬كما قال أبو هريره وسئل عن التقوى فقال ‪:‬‬
‫هل أخذت طريقاً ذا شوك ؟ قال ‪ :‬نعم ‪ ،‬قال ‪ :‬فكيف صنعت ؟ قال ‪ :‬إذا رايت الشوك عزلت عنه‬
‫أو جاوزته أو قصرت عنه ‪ :‬قال ذاك التقوى ‪.‬‬

‫وأخذ هذا ابن المعتمر وقال ‪:‬‬


‫وكبيرها فهو التقى‬ ‫خل الذنوب صغيرها‬
‫أرض الشوك يحذر ما يرى‬ ‫واصنع كماش فوق‬
‫إن الجبال من الحصى‬ ‫وال تحقرن صغيرة‬

‫(‪)1‬‬
‫رواه الحاكم ( ‪ ) 294 / 2‬التفسير ‪ ،‬دون قوله ‪ " :‬وأن يشكر فال يكفر " وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبى ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وأصل التقوى أن يعلم العبد ما يتقى ثم يتقى ‪.‬‬

‫ذكر مع روف الك رخى عن بكر بن خ نيس ق ال ‪ :‬كيف يك ون متقي اً من ال ي درى ما يتقى ؟ ثم ق ال‬
‫مع روف الك رخى ‪ :‬إذا كنت ال تحسن تتقى أكلت الربا ‪ ،‬وإ ذا كنت ال تحسن تتقى لقيتك ام رأة فلم‬
‫(‪)1‬‬
‫تغض بصرك ‪ ،‬وإ ذا كنت ال تحسن تتقى وضعت سيفك على عاتقك ‪.‬‬

‫وروى الحافظ ابن عساكر فى ترجمة سعيد بن مسلم ‪ .‬قال سعيد ‪:‬‬
‫لقد حدثنى سليمان بن المغيره أنه عمل ذنباً فاستصغره فأتاه أت فى منامه فقال له يا سليمان ‪:‬‬

‫إن الصغير غداً يعود كبيراً‬ ‫ال تحقرن من الذنوب صغيراً‬


‫عند اإلله مسطراً تسطيرا‬ ‫إن الصغير ولو تقادم عهده‬
‫صعب القياد وش ّـمرن تشميراً‬ ‫فازجر هواك عن البطالة ال تكن‬
‫طار الفؤاد وألهم التفكيرا‬ ‫إن المحب إذا أحب إلهـه‬
‫فكفى بربكم هاديا ونصيرا‬ ‫فاسأل هدايتك اإلله فتتئد‬

‫وقال اإلمام أحمد رحمة اهلل ‪ :‬التقوى هى ترك ما تهوى لما تخشى ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هى الخوف من الجليل ‪ ،‬والرضا بالتنزيل ‪ ،‬واإلستعداد ليوم الرحيل ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هى أن ال يراك اهلل حيث نهاك ‪ ،‬وال يفقدك حيث أمرك ‪.‬‬
‫وقيل ‪ :‬هى علم القلب بقرب الرب ‪.‬‬

‫نسأل اهلل أن يهدينا سواء السبيل ‪ ،‬وأن يغفر لنا ما بدا من تقصير ‪ ،‬وأن يدخلنا برحمته فى شفاعة‬
‫البش ير الن ذير فقد ب ان بما ذكرنا عن التق وى فقرنا من أقس امها ومعانيها وإ فالس نا من أعالمها‬
‫ومبانيها‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫باختصار من جامع العلوم والحكم ( ‪. ) 150 – 140‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫شرف التقوى وأهميتها‬

‫‪ -1‬التقوى وصية اهلل عز وجل لألولين‪ 8‬واألخرين‬

‫اب ِمن قَ ْبلِ ُك ْم َوإِيَّا ُك ْم أَ ِن اتَّقُ ْ‬


‫وا هّللا َ [‬ ‫ين أُوتُ ْـ‬
‫وا ْال ِكتَ َ‬ ‫ص ْينَا الَّ ِذ َـ‬
‫قال اهلل تعالى ‪َ ]:‬ولَقَ ْد َو َّ‬
‫‪ ( ......‬النساء‪)131 :‬‬

‫قال الغزالى ‪:‬‬


‫أليس اهلل تعالى أعلم بصالح العبد من كل أحد ‪ ،‬أو ليس هو أنصح له وارحم وأرأف من كل أحد‬
‫‪ ،‬ولو كانت فى العالم خصلة هى أصلح للعبد ‪ ،‬وأجمع للخير وأعظم لألجر ‪ ،‬وأجل فى العبودية‬
‫‪ ،‬واعظم فى القدر ‪ ،‬وأولى بالحال ‪ ،‬وأنجح فى المآل ‪،‬‬
‫من هذه الخصلة التى هى التقوى‪ ،‬لكان اهلل تعالى أمر بها عبادة ‪ ،‬وأوصى خواصه بذلك لكمال‬
‫حكمته وسعة رحمته ‪،‬‬
‫فلما أوصى بهذه الخصله الواحده ‪ ،‬وجمع األولين واألخرين من عباده فى ذلك واقتصر عليها ‪،‬‬
‫علمت أنها الغاية التى ال متجاوز عنها ‪ ،‬وال مقصود دونها ‪ ،‬وأنه عز وجل قد جمع كل نصح‬
‫وداللة وإ رشاد وتنبيه وتأديب وتعليم وتهذيب فى هذه الخصلة التى هى التقوى هى الجامعة‬
‫لخيرى الدنيا واألخرة الكافية لجميع المهمات المبلغة إلى أعلى الدرجات ‪.‬‬
‫وهذا أصل ال مزيد عليه ‪ ،‬وفيه كفاية لمن أبصر النور واهتدى وعمل بذلك واستغنى‬
‫(‪)1‬‬
‫واهلل ولى الهداية والتوفيق بمنه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫منهاج العابدين ( ‪ )73 ،72‬باختصار ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫‪ -2‬التقوى وصية النبى صلى اهلل علية وسلم ألمته‬

‫عن العرب اض بن س ارية ق ال ‪ ( :‬ص ‪88‬لى بنا رس ‪88‬وله اهلل ص ‪88‬لى اهلل علية وس ‪88‬لم الص ‪88‬بح فوعظنا‬
‫موعظة بليغة ذرفت منها العي ‪88‬ون ووجلت منها القل ‪88‬وب فق ‪88‬ال قائل ‪ :‬يا رس ‪88‬ول اهلل كأنها موعظة‬
‫م‪88‬ودع فاوص‪88‬نا فق‪88‬ال ‪ :‬اوص‪88‬يكم بتق‪88‬وى اهلل والس‪88‬مع والطاعة وإ ن ك‪88‬ان عب‪88‬دا حبش‪88‬ياً ‪ ،‬فإنه من‬
‫يعش منكم فس‪88‬يرى اختالفا كث‪88‬يراً ‪ ،‬فعليكم بس‪88‬نتى وس‪88‬نة الخلف‪88‬اء الراش‪88‬دين المه‪88‬ديين ‪ ،‬عض‪88‬وا‬
‫( ‪)1‬‬
‫عليها بالنواجذ ‪ ،‬وإ ياكم ومحدثات األمور ‪ ،‬فإن كل بدعة ضالله ) ‪.‬‬

‫قوله ‪ " :‬أوصيكم بتقوى اهلل والسمع والطاعة "‪.‬‬

‫قال ابن رجب رحمه اهلل ‪:‬‬


‫فهاتان الكلمتان تجمعان سعادة الدنيا واألخرة ‪ ،‬أما التقوى فهى كافلة سعادة الدنيا واألخرة لمن‬
‫تمسك بها ‪ ،‬وهى وصية اهلل لألولين واألخرين ‪ ،‬وأما السمع والطاعة لوالة أمور المسلمين ففيها‬
‫سعادة الدنيا ‪ ،‬وبها تنظم مصالح العباد فى معاشهم ‪ ،‬وبها يستعينون على إظهار دينهم وطاعة‬
‫(‪)2‬‬
‫ربهم "‪.‬‬

‫وعن أبى ذر جن دب بن جن ادة وابى عبد ال رحمن مع اذ بن جبل رضى اهلل عنهما عن رس ول اهلل‬
‫ص لى اهلل علية وس لم ‪ (:‬اتق اهلل حيث ما كنت ‪ ،‬وأتبع الس ‪88‬يئة‪ 8‬الحس ‪88‬نة تمحها ‪ ،‬وخ ‪88‬الق الن ‪88‬اس‬
‫وقوله ص لى اهلل عليه وس لم ‪":‬حيثما كنت" أى ‪ :‬فى السر والعالنية ‪ ،‬حيث ي راه‬ ‫(‪)3‬‬
‫بخلق حسن )‬
‫الناس وحيث ال يرونه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫رواه أحمد (‪ ، )127 - 126 / 4‬وأبو داود (‪ )4583‬السنه‪ ،‬والترمذى (‪ )2676‬العلم ‪ ،‬وابن ماجه (‪، )34‬‬
‫والدرامى (‪ )54 - 44 / 1‬المقدمه ‪ ،‬والبغوى (‪ ) 205 / 1‬شرح السنه وقال الترمذى ‪ :‬هذا حسن صحيح ‪ ،‬وصححه األلبانى ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫جامع العلوم والحكم ( ‪ )247‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫رواه الترمذى (‪ )155 / 8‬البر‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا حسن صحيح ‪ ،‬وأحمد (‪ )158 / 5‬وحسنه األلبانى (‪ )1618‬صحيح الترمذى ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وعن أبى هريره رضى اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى علية وسلم يوم اً ألصحابه ( من يأخذ‬
‫ع‪88‬نى ه‪88‬ؤالء الكلم‪88‬ات فيعمل بهن ‪ ،‬أو يعلم من يعمل بهن ؟ ق‪88‬ال أبو هري‪88‬ره‪ :‬قلت ‪ :‬أنا يا رس‪88‬ول‬
‫اهلل ‪ ،‬فأخذ بيدى وعد خمساً فق‪88‬ال ‪ :‬اتق المح‪88‬ارم تكن أعبد الن‪88‬اس ‪ ،‬وارض بما قسم اهلل لك تكن‬
‫أغ‪88‬نى الن‪88‬اس ‪ ،‬وأحسن إلى ج‪88‬ارك تكن مؤمن ‪8‬اً ‪ ،‬واحب للن‪88‬اس ما تحب لنفسك تكن مس‪88‬لما ‪ ،‬وال‬
‫(‪)1‬‬
‫تكثر الضحك ‪ ،‬فإن كثرة الضحك تميت القلب )‪.‬‬

‫وعن أبى أمامه قال ‪ :‬سمعت رسول اهلل صلى عليه وسلم يخطب فى حجة الوداع فقال ‪:‬‬
‫( اتقوا اهلل وصلوا خمسكم ‪ ،‬وصوموا شهركم ‪ ،‬وادوا زكاة أموالكم ‪ ،‬وأطيعوا ذا أم‪88‬ركم ت‪88‬دخلوا‬
‫( ‪)2‬‬
‫جنة ربكم ) ‪.‬‬

‫وعن أبى سعيد رضى اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اله عليه وسلم‬
‫( أوص ‪88‬يك بتق ‪88‬وى اهلل تع ‪88‬الى فإنه رأس كل شئ وعليك بالجه ‪88‬اد فإنه رهبانية‪ 8‬اإلس ‪88‬الم ‪ ،‬وعليك‬
‫(‪)3‬‬
‫بذكر اهلل تعالى وتالوة القرأن ‪ ،‬فإن روحك فى السماء وذكرك فى األرض )‪.‬‬

‫وعن ابى ذر رضى اهلل عنه قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اله عليه وسلم‬
‫( أوصيك بتقوى اهلل فى سر أم‪88‬رك وعالنيته‪ ، 8‬وإ ذا اس‪88‬أت فأحسن ‪ ،‬وال تس‪88‬الن اح‪88‬داً ش‪88‬يئاً ‪ ،‬وال‬
‫( ‪)4‬‬
‫تقبض أمانة وال تقض بين اثنين ) ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫رواه الترمذى (‪ )184 – 183 / 9‬الزهد ‪ ،‬وقال ‪ :‬هذا حديث غريب ال نعرفه إال من حديث جعفر بن سليمان ‪،‬‬
‫و رواه أحمد (‪ ، )310 / 2‬وابن ماجه (‪ )4217‬الزهد بمعناه وحسنه األلبانى ‪ ،‬وكذا فى تحقيق جامع األصول ‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫رواه الترمذى ( ‪ 6111‬تحفة ) الصالة ‪ ،‬وقال‪ :‬هذا حديث حسن صحيح‪ ،‬رواه أحمد (‪ ، )251 / 5‬والحاكم وقال‪ :‬صحيح‬
‫على شرط مسلم ووافقه الذهبى وصححه األلبانى ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫رواه أحمد ( ‪ ) 82 / 3‬وحسنه األلبانى بشاهده وهو فى الصحيحة رقم ( ‪. ) 555‬‬
‫(‪)4‬‬
‫رواه أحمد ( ‪ ) 181 / 5‬وحسنه األلبانى فى صحيح الجامع رقم ( ‪. ) 2541‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وعن ابى هريره رضى اهلل عنه قال ‪:‬‬


‫( ‪)1‬‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال ‪ (:‬اوصيك بتقوى اهلل والتكبير على كل شرف) ‪.‬‬

‫‪.‬وكان دعاء النبى صلى اهلل عليه وسلم ‪ (:‬اللهم أت نفسى تقواها ‪ ،‬وزكها أنت خير من زكاها ‪،‬‬
‫( ‪)2‬‬
‫أنت وليها وموالها ) ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫رواه أحمد ( ‪ ، )331 – 325 / 2‬وابن ماجه (‪ )2771‬الوصايا ‪ ،‬والحاكم ( ‪ )98 / 2( ) 446-445 / 1‬وقال صحيح على‬
‫شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبى وقال األلبانى فى الصحيحة (‪ )1730‬وهو كما قاال إال أن أسامه بن زيد الليثى فيه كالم‬
‫يسير حسن األسناد ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫رواه مسلم ( ‪ ) 41 / 17‬بزياده فى أوله وأخره ‪ ،‬وأحمد ( ‪ ) 209 / 6 ( ، ) 371 / 4‬بلفظ رب أعط نفسى تقواها ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫التقوى هى وصية جميع الرسل الكرام عليهم الصالة والسالم‬ ‫‪-3‬‬

‫ال لَهُ ْم أَ ُخوهُ ْم نُو ٌح أَاَل تَتَّقُــون‬


‫ين (‪ )105‬إِ ْذ قَ َ‬
‫وح ْال ُمرْ َسلِ َ‬ ‫قال تعالى ‪َ ]:‬ك َّذبَ ْ‬
‫ت قَ ْو ُم نُ ٍ‬
‫( الشعراء ‪) 106 – 105 :‬‬ ‫[…‬ ‫َ‬
‫ون [‬
‫ال لَهُ ْم أَ ُخوهُ ْم هُو ٌد أَاَل تَتَّقُ َ‬
‫ين (‪ )123‬إِ ْذ قَ َ‬
‫ت َعا ٌد ْال ُمرْ َسلِ َ‬
‫َك َّذبَ ْ‬ ‫ق ال تع الى ‪]:‬‬
‫( الشعراء ‪)124 - 123 :‬‬ ‫……‬

‫صالِ ٌح أَاَل تَتَّقُ َ‬


‫ون‬ ‫ال لَهُ ْم أَ ُخوهُ ْم َ‬
‫ين (‪ )141‬إِ ْذ قَ َ‬ ‫وق ال تع الى ‪َ ]:‬ك َّذبَ ْ‬
‫ت ثَ ُمو ُد ْال ُمرْ َسلِ َ‬
‫( الشعراء ‪) 142 - 141 :‬‬ ‫……‬ ‫[‬

‫ـال لَهُ ْم أَ ُخـوهُ ْم لُـوطٌ أَاَل‬


‫ين (‪ )160‬إِ ْذ قَ َ‬
‫ـوط ْال ُمرْ َسـلِ َ‬
‫ـو ُم لُ ٍ‬ ‫وق ال تع الى ‪َ ] :‬ك َّذبَ ْ‬
‫ت قَ ْ‬
‫( الشعراء ‪) 161 - 160 :‬‬ ‫‪…....‬‬ ‫ون [‬
‫تَتَّقُ َ‬

‫وقال تعالى ‪َ ] :‬وإِ ْذ نَا َدى َرب َُّك ُمو َسى أَ ِن ا ْئ ِ‬


‫ت ْالقَ ْو َم الظَّالِ ِم َـ‬
‫ين (‪ )10‬قَ ْو َم فِرْ َع ْو َن‬
‫ون [ ……‪ ( ..‬الشعراء ‪) 11 - 10 :‬‬ ‫أَاَل يَتَّقُ َ‬

‫وال شك ان الرسل هم أزكى البشر وانصح الناس لهم ‪ ،‬فلو علموا أن هناك خصلة للناس‬
‫انفع لهم من التقوى لما عدلوا عنها ‪ ،‬فلما اجمعوا عليها بان خطرها‬
‫وعظم موقعها وشرفها نسأل اهلل أن يجعلنا من أهلها العاملين بها والمتعاونين عليها‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫التقوى وصية السلف الصلح رضى اهلل عنهم‬ ‫‪-4‬‬

‫قال الحافظ ابن رجب رحمه اهلل ‪ :‬ولم يزل السلف الصالحون يتواصون بها ‪:‬‬
‫ك ان أبو بكر رضى اهلل عنه يق ول فى خطبته ‪ :‬أما بعد ف إنى أوص يكم بتق وى هلل ‪ ،‬وان تثن وا عليه‬
‫بما هو أهله ‪ ،‬وان تخلطوا الرغبة بالرهبة ‪ ،‬وتجمعوا اإللحاف بالمسالة‬

‫ون فِي ْال َخي َْرا ِ‬


‫ت‬ ‫ف إن اهلل عز وجل أث نى على زكريا وأهل بيته فق ال‪ ] :‬إِنَّهُ ْم َكانُوا يُ َس ِ‬
‫ار ُع َ‬
‫ين [ ‪ ) ........‬االنبياء ‪) 90 :‬‬ ‫َويَ ْد ُعونَنَا َر َغبًا َو َرهَبًا َو َكانُوا لَنَا َخ ِ‬
‫اش ِع َ‬

‫ولما حضرته الوفاة وعهد إلى عمر دعاه فوصاه بوصيته ‪ ،‬وأول ما قاله له ‪ :‬اتق اهلل يا عمر ‪.‬‬

‫وكتب عمر إلى ابنه عبد اهلل ‪ :‬أما بعد ‪ ،‬ف إنى اوص يك بتق وى اهلل عز وجل ‪ ،‬فإنه من اتق اه وق اه ‪،‬‬
‫ومن أقرضه جزاه ‪ ،‬ومن شكره زاده ‪ ،‬واجعل التقوى نصب عينيك ‪ ،‬وجالء قلبك ‪.‬‬

‫وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل ‪ :‬أوص يك بتق وى اهلل عز وجل ‪ ،‬وال تى ال يقبل غيرها ‪ ،‬وال‬
‫يرحم إال أهلها ‪ ،‬وال يثاب إال عليها ‪ ،‬فإن الواعظين بها كثير ‪ ،‬والعاملين بها قليل ‪،‬‬
‫جعلنا اهلل وإ ياك من المتقين ‪.‬‬

‫ولما ولى خطب فحمد اهلل وأثنى عليه وقال ‪ :‬أوصيكم بتقوى اهلل عز وجل ‪ ،‬فإن تقوى اهلل‬
‫عز وجل خلف من كل شئ ‪ ،‬وليس من تقوى اهلل خلف‪.‬‬

‫وقال رجل ليونس بن عبيد ‪:‬‬


‫أوصنى ‪ ،‬فقال ‪ :‬أوصيك بتقوى اهلل واإلحسان ‪ ،‬فإن اهلل مع الذين اتقوا والذين هم محسنون‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وكتب رجل من الس لف إلى أخ له ‪ :‬أوص يك بتق وى اهلل فإنها من أك رم ما أس ررت ‪ ،‬وأزين ما‬
‫أظهرت ‪ ،‬وأفضل ما ادخرت أعاننا اهلل وإ ياك عليها وأوجب لنا ولك ثوابها‪.‬‬

‫وقال شعبه ‪ :‬كنت إذا أردت الخروج قلت للحكم ‪ :‬ألـك حاجة فقال ‪:‬‬
‫أوصيك بما أوصى به النبى صلى اهلل عليه وسلم معاذ بن جبل ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫( اتق اهلل حيث ما كنت ‪ ،‬وأتبع السيئة‪ 8‬الحسنة تمحها ‪ ،‬وخالق الناس بخلق حسن ) ‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه اهلل ‪ :‬ودع ابن عون رجالً فقال ‪:‬‬
‫عليك بتقوى اهلل فإن المتقى ليست عليه وحشه ‪.‬‬

‫وقال زيد بن أسد ‪ :‬كان يقال ‪ :‬من اتقى اهلل أحبه الناس وإ ن كرهوا ‪.‬‬

‫وقال الثورى البن أبى ذئب ‪ :‬إن اتقيت اهلل كفاك الناس ‪ ،‬وإ ن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من اهلل‬
‫(‪)2‬‬
‫شيئاً ‪.‬‬

‫(‪)2( ، )1‬‬
‫باختصار من جامع العلوم والحكم ( ‪ ) 151 – 150‬والحديث تقدم تخريجه صفحة ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫التقوى أجمل لباس يتزين به العبد‬ ‫‪-5‬‬

‫ق ال اهلل تع الى ‪ ] :‬يَا بَنِي آ َد َم قَ ْد أَ َ‬


‫نز ْلنَا َعلَ ْي ُك ْم لِبَاسًا ي َُو ِ‬
‫اري َس ْو َءاتِ ُك ْم َو ِري ًشا َولِبَاسُ‬
‫ر [ ‪ ( .......‬االعراف ‪) 26 :‬‬ ‫التَّ ْق َو َ‬
‫ى َذلِ َ‬
‫ك َخ ْي ٌ‬
‫فبعد ان تمنن اهلل عز وجل على عبادة بما جعل لهم من اللباس والريش ‪.‬‬
‫واللباس ما يستر به العورات ‪ ،‬والريش والرياش ما يتجمل به – فاالول من الضروريات والثانى‬
‫من الزي ادات التكميلي ات – دلهم على أفضل لب اس وهو ما ي وارى ع ورات الظ اهر والب اطن‬
‫ويتجمل به ‪ ،‬وهو لباس التقوى ‪.‬‬

‫خ ْي ٌر " ي بين ان التق وى خ ير‬


‫َ‬ ‫ك‬ ‫ق ال القرط‪%%‬بى رحمه اهلل ‪ :‬قوله تع الى ‪َ " :‬ولِبَاسُ التَّ ْق َو َ‬
‫ى َذلِ َ‬
‫لباس‬
‫كما قيل (‪:)1‬‬
‫تقلب عريانا وان ك‪%% % % % % %‬ان‬ ‫اذا الم‪%% % % % % %‬رء‪ %‬لم ثيابا من التقى‬
‫كاسيا‬
‫وال خ‪%%‬ير فيمن ك‪%%‬ان عاص‪%%‬يا‬ ‫وخ‪%%‬ير لب‪%%‬اس الم‪%%‬رء‪ %‬طاعة ربه‬
‫(‪)2‬‬

‫وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهنى قال ‪ ( :‬لباس التقوى) الحياء ‪.‬‬

‫وقال ابن عباس ‪ ( :‬لباس لتقوى ) هم العمل الصالح‪ .‬وعنه أيضا ‪ :‬السمت الحسن فى الوجه ‪.‬‬

‫وقيل ‪ :‬ما علمه اهلل عز وجل وهدى به ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الفوائد (‪ )17‬دار الدعوه اإلسكندريه ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫البيتان منسوبان ألبى العتاهيه ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫ومن قال إنه لبس الخشن من الثي اب فإنه أق رب إلى التواضع وترك الرعون ات ف دعوى ‪ ،‬فقد ك ان‬
‫(‪)3‬‬
‫الفضالء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى ‪.‬‬

‫التقوى هى أفضل زاد يتزود به العبد‬ ‫‪-6‬‬

‫‪...‬‬ ‫ب [‬
‫ون يَا أُ ْولِي األَ ْلبَا ِ‬ ‫قال اهلل عز وجل ‪َ ] :‬وتَ َز َّو ُد ْـ‬
‫وا فَإ ِ َّن َخي َْر ال َّزا ِـد التَّ ْق َوى َواتَّقُ ِ‬
‫‪ ( .........‬البقرة ‪)197 :‬‬

‫قال ابن كثير رحمة اهلل ‪:‬‬


‫التَّ ْق َ‬
‫ـوى " لما أم رهم ب الزاد للس فر فى ال دنيا ‪ ،‬أرش دهم إلى زاد‬ ‫ْـر الـ َّزا ِد‬
‫وقوله ‪ " :‬فَـإ ِ َّن َخي َ‬
‫ك َخ ْي ٌر‬ ‫ال ‪َ " :‬و ِري ًشا َولِبَاسُ التَّ ْق َو َ‬
‫ى َذلِ َ‬ ‫األخرة ‪ ،‬وهو استصحاب التقوى إليها ‪ ،‬كما قال تع‬
‫"‬
‫لما ذكر اللباس الحسى ‪ ،‬نبه مرشداً إلى اللباس المعنوى ‪ ،‬وهو الخشوع والطاعة والتقوى ‪ ،‬وذكر‬
‫التَّ ْق َوى "‬ ‫أنه خير من هذا وأنفع ‪ ،‬قال عطاء الخرسانى فى قوله ‪ ":‬فَإِ َّن َخي َْر ال َّزا ِد‬
‫(‪)1‬‬
‫يعنى زاد األخرة‪.‬‬

‫وقال الزمخش‪%‬رى رحمة اهلل ‪ :‬أى اجعلوا زادكم إلى األخرة اتقاء القبائح ‪ ،‬فإن خير الزاد اتقائها‬
‫وقيل ‪ :‬ك ان أهل اليمن ال ي تزودون ويقول ون نحن متوكل ون ‪ ،‬ونحن نحج بيت اهلل أفال يطعمنا‬
‫فيكونون كالً على الناس ‪ ،‬فنزلت فيهم ‪،‬‬
‫الناس والتثقيل عليهم‬ ‫(‪)2‬‬
‫ومعناه ‪ :‬وتزودوا واتقوا االستطعام وإ برام‬
‫"‬ ‫ون " ‪ :‬وخافوا عقابى " يَا أُ ْولِي األَ ْلبَا ِ‬
‫ب‬ ‫فإن خير الزاد التقوى ‪َ " :‬واتَّقُ ِ‬
‫(‪)3‬‬
‫يعنى ‪ :‬أن قضية اللب تقوى اهلل ومن لم يتقيه من األلباء فكأنه ال لب له ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن ( ‪ ) 2621 – 2620 / 3‬باختصار‬
‫(‪)1‬‬
‫تفسير القرآن الكريم ( ‪ ) 239 / 1‬دار المعرفه ‪.‬‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫أي إماللهم وإضجارهم‬
‫(‪)3‬‬
‫الكشاف ( ‪ ) 244 / 1‬الريان ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫أهل التقوى هم أولياء اهلل عز وجل وهم اكرم الناس‬ ‫‪-7‬‬

‫ـون (‪ )62‬الَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫ف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ هُ ْم يَحْ َزنُـ َ‬ ‫ق ال تع الى ‪ ]:‬أَال إِ َّن أَ ْولِيَــاء هّللا ِ الَ َخـ ْ‬
‫ـو ٌ‬
‫ون [ ‪ ( .......‬يونس ‪) 63 – 62 :‬‬ ‫وا َو َكانُ ْ‬
‫وا يَتَّقُ َ‬ ‫آ َمنُ ْ‬
‫ت َربِّ ِه ْم لَهُ ْم َعـ َذابٌ َّمن رِّ جْـ ٍز أَلِي ٌم [‬ ‫وق ال تع الى ‪ ] :‬هَ َذا هُ ًدى َوالَّ ِذ َـ‬
‫ين َكفَرُوا بِآيَــا ِ‬
‫…‪ (..‬الجاثية ‪) 19 :‬‬

‫وقال عز وجل مبينا أنه ال يستحق الوالية إال أهل هذه المنزلة العالية والرتبة السامية‬
‫[…( األنفال ‪)34 :‬‬ ‫فقال عز وجل ‪ ]:‬إِ ْن أَ ْولِيَآ ُؤهُ إِالَّ ْال ُمتَّقُ َ‬
‫ون َولَـ ِك َّن أَ ْكثَ َرهُ ْم الَ يَ ْعلَ ُم َ‬
‫ون‬

‫وجعل اهلل عز وجل التق وى هى الم يزان الحق ال ذى ي وزن به الن اس ‪ ،‬ال م يزان الحسب والنسب‬
‫…‪ ( .‬الحجرات ‪)13 :‬‬ ‫إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِعن َد هَّللا ِ أَ ْتقَا ُك ْم [‬ ‫والمال والشهرة ‪ ،‬فقال عز وجل ‪]:‬‬
‫وهذا الميزان كذلك هو ميزان النبى صلى اهلل علية وسلم ‪.‬‬

‫عن أبى هريره رضى اهلل عنه قال ‪ :‬سئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من أكرم الناس؟‬
‫‪،‬‬ ‫( ‪)1‬‬
‫قال ( اتقاهم هلل ‪)....‬‬

‫ق ال الش‪%% %‬نقيطى رحمه اهلل ‪ :‬إن الفضل والك رم إنما هو بتق وى اهلل ال بغ يره من األنتس اب إلى‬
‫القبائل ‪ ،‬ولقد صدق من قال ‪:‬‬
‫وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب‬ ‫فقد رفع اإلسالم سلمان فارس‬
‫وقد ذكروا أن سلمان رضى اهلل عنه كان يقول ‪:‬‬
‫إذا افتخروا بقيس أو تميم‬ ‫أبى اإلسالم ال اب لى سواه‬
‫(‪)2‬‬
‫فأكرم الناس وافضلهم أتقاهم هلل وال كرم وال فضل لغير المتقى ولو كان رفيع النسب ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫رواه البخارى ( ‪ ) 417 / 6‬أحاديث األنبياء ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أضواء البيان ( ‪ ) 635 / 7‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫ولشرف التقوى أمر اهلل عز وجل المسلمين‬ ‫‪-8‬‬


‫بالتعاون عليها ونهاهم عن التعاون على ما يخالفها‬

‫ان [‬
‫اإل ْث ِم َو ْال ُعـ ْد َو ِ‬ ‫ـاونُ ْ‬
‫وا َعلَى ِ‬ ‫وا َعلَى ْالــبرِّ َوالتَّ ْقـ َ‬
‫ـوى َوالَ تَ َعـ َ‬ ‫ق ال تع الى ‪َ ]:‬وتَ َع َ‬
‫اونُ ْ‬
‫…… ( المائدة ‪) 2 :‬‬

‫قال القرطبى رحمة اهلل‪:‬‬


‫ق ال الم اوردى ‪ :‬ن دب اهلل س بحانه إلى التع اون ب البر وقرنه ب التقوى هلل ‪ ،‬ألن فى التق وى رضا اهلل‬
‫تع الى ‪ ،‬وفى ال بر رضا الن اس ‪ ،‬ومن جمع بين رضا اهلل تع الى ورضا الن اس فقد تمت س عادته‬
‫وعمت نعمته‪.‬‬

‫وقال بن خويذ منداد في احكامة ‪ :‬والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه ‪ ،‬فواجب على‬
‫الع الم ان يعين الن اس بعلمه فيعلمهم ‪ ،‬ويعينهم الغ نى بماله والش جاع بش جاعته فى سبيل اهلل ‪ ،‬وان‬
‫يكون المسلمين متظاهرين كاليد الواحدة‬
‫قال رسول اهلل صلى اهلل علية وسلم ‪ ( :‬المسلمون تتكافأ دماؤهم ‪ ،‬ويسعى ب ذمتهم أدن اهم ‪ ،‬وهم يد‬
‫(‪)1‬‬
‫على من سواهم ) ‪.‬‬

‫وقال القاسمى رحمة اهلل ‪:‬‬


‫وفى "اإلكلي ‪%%‬ل" اس تدل المالكية باآلية على بطالن إج ارة اإلنس ان نفسه لحمل خمر ونح وه ‪ ،‬وبيع‬
‫(‪)2‬‬
‫العنب لعصره خمراً ‪ ،‬والسالح لمن يعصى به وأشباه ذلك انتهى وهو متجه‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن ( ‪ ) 2044 / 3‬والحديث رواه أبو داود ( ‪ ) 4507‬الديات ‪ ،‬وابن ماجة ( ‪ ) 2683‬الحدود وصححه‬
‫األلبانى ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫محاسن التأويل ( ‪ ) 25 / 6‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وقال ابن القيم رحمة اهلل‪:‬‬


‫وقد اش تملت ه ذه االية على جميع مص الح العب اد فى معاش هم ومع ادهم فيما بينهم بعض هم بعضا‬
‫وفيما بينهم وبين ربهم ‪ ،‬ف إن كل عبد ال ينفك عن ه اتين الح التين ‪ ،‬وه ذين الواج بين ‪ :‬واجب بينه‬
‫وبين اهلل ‪ ،‬وواجب بينه وبين الخلق ‪،‬‬
‫فأما ما بينه وبين الخلق من المعاش رة والمعاونة والص حبة ف الواجب عليه فيها أن يك ون اجتماعه‬
‫بهم وصحبته لهم متعاوناً على مرضاة اهلل وطاعته ‪ ،‬التى هى غاية العبد وفالحه ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وال سعادة له إال بها ‪ ،‬وهى البر والتقوى ‪ ،‬الذين هما جماع الدين كله‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الرساله التبوكيه ( ‪. ) 12‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫كيف تتقى هللا عز وجل‬

‫هذا باب ال يدخل فيه إال النفوس الفاضلة الشريفة األبية ‪ ،‬التى ال تقنع بالدون ‪،‬‬
‫وال تبيع األعلى باألدنى بيع العاجز المغبون ‪.‬‬

‫فبعد أن بينا شرف التقوى وتشوقت النفوس إليها فقد يقول قائل ‪:‬‬
‫باهلل عليك كيف أح وز ه ذه الج وهرة النفيسة وأصل إلى ه ذه المرتبة الش ريفة ‪ ،‬ف إن الم ؤمن إذا‬
‫رغب فى الخ ير رغب ‪ ،‬وإ ذا خ وف من الشر ه رب ‪ ،‬وال خ ير فيمن إذا زجر ال ي نزجر ‪ ،‬وإ ذا‬
‫أمر ال يأتمر ‪.‬‬

‫ق ال الغ ‪%%‬زالي رحمة اهلل ‪ " :‬إنما الفض يلة فى أمر ه ذه النفس أن تق وم عليها بق وة الع زم فتمنعها‬
‫عن كل معص ية ‪ ،‬وتص ونها عن كل فض ول ‪ ،‬ف إذا فعلت ذلك كنت قد اتقيت اهلل تع الى فى عينك‬
‫وأذنك ولسانك وقلبك وبطنك وفرجك وجميع أركانك ‪ ،‬وألجمتها بلجام التقوى ‪ ،‬ولهذا الباب شرح‬
‫يط ول ‪ ،‬وأما ال ذي ال بد منه هاهنا ف أن نق ول ‪ :‬من أراد أن يتقى اهلل فل يراع األعض اء الخمسة‬
‫ف إنهن األص ول ‪ :‬وهى العين واألذن واللس ان والقلب والبطن ‪ ،‬فيح رص عليها بالص يانة لها عن‬
‫كل ما يخاف منه ضرراً فى أمر الدين من معصية وحرام وفضول وإ سراف من حالل‪،‬‬
‫وإ ذا حصل صيانة هذه األعضاء فمرجو إن يكف سائر أركانه ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ويكون قد قام بالتقوى الجامعة بجميع بدنه هلل تعالى " ‪.‬‬

‫فإن قلت ‪ :‬كيف لى أن أصون األعضاء الخمسة عن معصية اهلل عز وجل ؟ وكيف أقيدها بطاعة‬
‫اهلل ‪ ،‬فان هذا لب السؤال وغاية اآلمال والسبب الموصل إلى رحمة الكبير المتعال ؟ قلت ‪ :‬سوف‬
‫اجمع لك من السطور ما يبين لى ولك الطريق ‪ ،‬واهلل ولى التوفيق‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫منهاج العابدين ( ‪ ) 77 / 67‬باختصار ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وألخص ذلك فى خمسة أمور ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -1‬محبة اهلل عز وجل تغلب على قلب العبد يدع لها كل محبوب‬
‫ويضحى فى سبيلها بكل مرغوب‬
‫‪ -2‬أن تستشعر فى قلبك مراقبة اهلل عز وجل وتستحى منه حق الحياء ‪.‬‬
‫‪ -3‬أن تعلم ما فى سبيل المعاصى واالثام من الشرور واآلالم ‪.‬‬
‫‪ -4‬أن تعلم كيف تغالب هواك وتطيع موالك ‪.‬‬
‫‪ -5‬أن تدرس مكائد الشيطان ومصائده ‪ ،‬وان تحذر من وساوسه ودسائسه‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫‪ -1‬محبة اهلل عز وجل ‪:‬‬

‫ق ال ابن القيم رحمة اهلل ‪ :‬فالمحبة ش جرة فى القلب ‪ ،‬عروقها ال ذل للمحب وب وس اقها معرفته ‪،‬‬
‫وأغصانها خشيته ‪ ،‬وورقها الحياء منه ‪ ،‬وثمرتها طاعته ‪ ،‬ومادتها التى تسقيها ذكره ‪،‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فمتى خال الحب عن شئ من ذلك كان ناقصاً ‪.‬‬

‫وقال ابن رجب رحمه اهلل ‪ :‬ومحبة اهلل سبحانة وتعالى على درجتين ‪:‬‬
‫أح ‪%%‬داهما ‪ :‬ف رض الزم ‪ ،‬وهى أن يحب اهلل س بحانه وتع الى محبة ت وجب له محبة ما فرضه اهلل‬
‫عليه ‪ ،‬وبغض ما حرمه عليه ‪ ،‬ومحبة لرس وله المبلغ عنه أم ره و نهيه ‪ ،‬وتق ديم محبته على‬
‫النف وس واالهلين والرضا بما بلغه عن اهلل من ال دين ‪ ،‬وتلقى ذلك بالرضى والتس ليم ‪ ،‬ومحبة‬
‫االنبي اء والرسل والمتبعين لهم باحس ان جملة ‪ ،‬وعموما هلل عز وجل ‪ ،‬وبغض الكف ار والفج ار‬
‫جملة وعموما هلل عز وجل وهذا القدر البد منه فى تمام االيمان الواجب ‪،‬‬
‫ومن اخل بشئ منه فقد نقص من ايمانه الواجب بحسب ذلك ‪ ،‬قال اهلل عز وجل ‪:‬‬
‫وا فِي أَنفُ ِسـ ِه ْم‬
‫وك فِي َما َش َج َر بَ ْينَهُ ْم ثُ َّم الَ يَ ِجـ ُد ْ‬
‫ون َحتَّ َى ي َُح ِّك ُم َ‬ ‫] فَالَ َو َرب َِّك الَ ي ُْؤ ِمنُ َ‬
‫س ـلِي ًما [‪ ( ..‬النس ‪..‬اء ‪ ) 65 :‬وك ذلك ينقص من محبته الواجبة‬ ‫وا تَ ْ‬‫ْت َويُ َسلِّ ُم ْ‬
‫ضي َ‬ ‫َح َرجًا ِّم َّما قَ َ‬
‫بحسب ما أخل به من ذلك ‪ ،‬فإن المحبة الواجبة تقتضى فعل الواجبات وترك المحرمات ‪.‬‬

‫الدرجة الثانية ‪ :‬درجة الس ابقين المق ربين ‪ ،‬وهى أن ت رتقى المحبة إلى محبة ما يحبه من نوافل‬
‫الطاع ات ‪ ،‬وكراهة ما يكرهه من دق ائق المكروه ات ‪ ،‬وإ لى الرضا بما يق دره ويقض يه مما ي ؤلم‬
‫النفوس من المصائب ‪ ،‬وهذا أفضل مستحب مندوب إليه‬
‫وفى صحيح البخاري عن أبى هريرة عن النبى صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬

‫قال ‪ ( :‬يقول اهلل عز وجل ‪ :‬من عادى لى ولي‪8‬اً فقد أذنته ب‪88‬الحرب ‪ ،‬وما تق‪88‬رب إلى عب‪88‬دى بشئ‬
‫أحب إليه مما افترضت علي‪88‬ه‪ ،‬وال ي‪88‬زال عب‪88‬دى يتق‪88‬رب إلى بالنوفل ح‪88‬تى أحب‪88‬ه‪ ،‬ف‪88‬إذا أحببته كنت‬
‫سمعه الذى يسمع به ‪ ،‬وبص‪88‬ره ال‪88‬ذى يبصر‪ 8‬به ‪ ،‬وي‪88‬ده ال‪88‬تى يبطش بها ورجله ال‪88‬تى يمشى‪ 8‬بها ‪،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫روضة المحبين ( ‪ ) 904‬دار الصفا ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫ولئن سألنى ألعطينه‪ ، 8‬ولئن اس‪88‬تعاذنى ألعيذنه ‪ ،‬وما ت‪88‬ردت عن شئ أنا فاعله ت‪88‬رددى فى قبض‬
‫( ‪)1‬‬
‫نفس عبدى المؤمن ‪ ،‬يكره الموت وأنا أكره مساءته ) ‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحمه اهلل ‪:‬‬


‫ولو لم يكن فى المحبة إال أنها تنجى محبه من عذابه ‪ ،‬لك ان ينبغى للعبد أن ال يتع وض عنها بشئ‬
‫أب داً ‪ .‬وس ئل بعض العلم اء أين تجد فى الق ران إن الح بيب ال يع ذب حبيبه ‪ :‬فى قوله تع الى ‪] :‬‬
‫ارى نَحْ ُن أَ ْبنَــاء هّللا ِ َوأَ ِحبَّا ُؤهُ قُــلْ فَلِ َم يُ َعـ ِّذبُ ُكم بِ ـ ُذنُوبِ ُكم (‪[)2‬‬ ‫ت ْاليَهُــو ُـد َوالنَّ َ‬
‫صـ َ‬ ‫َوقَــالَ ِ‬
‫‪ (............‬المائده ‪) 18 :‬‬

‫األسباب الجالبة للمحبة ‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪ -1‬قراءة القرآن بالتدبر والتفهم لمعاينه ‪.‬‬


‫‪ -2‬التقرب إلى اهلل عز وجل بالنوافل بعد الفرائض ‪.‬‬
‫‪ -3‬دوام ذكره بالقلب واللسان ‪.‬‬
‫‪ -4‬إيثاره محابه على محابك عند غلبات الهوى‬
‫‪ – 5‬مطالعة أسمائه وصفاته ‪ ،‬ومشاهدتها ‪ ،‬والتقلب فى رياض معانيها‪.‬‬
‫‪ -6‬تذكر نعمه وإ حسانه وبره على العبد ‪ ،‬فإن القلوب جلبت على محبة من أحسن إليها‬
‫وبغض من اساء إليها ‪.‬‬
‫‪ -7‬الخلوة به وقت النزول اإللهى واإلذن العام ‪ ،‬عند قوله عز وجل ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫هل من سائل ‪ ..‬هل من تائب ‪ ..‬هل من مستغفر ‪.‬‬
‫‪ -8‬مجالسة المحبين الصادقين ‪ ،‬والتقاط أطايب ثمرات كالمهم‪.‬‬
‫‪ -9‬مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين اهلل من الشهوات والشبهات ‪.‬‬
‫‪ -10‬التفكر فى مص نوعاته الدالة على كماله ‪ ،‬ف إن القل وب مفط ورة على محبة الكم ال ‪ ،‬وك ان‬
‫السلف يفضلون التفكر على عبادة البدن ‪.‬‬

‫(‪ )1‬استنشاق نسيم األنس من نفحات رياض القدس ( ‪ ) 15 - 11‬باختصار ‪ ،‬والحديث رواه البخارى ( ‪ ) 341 / 1‬الرقاق ‪ ،‬وأبو‬
‫نعيم فى الحليه ( ‪ ، ) 4 / 1‬وانظر طرق الحديث فى الصحيحة رقم ( ‪. )1640‬‬
‫(‪ )2‬روضة المحبين ( ‪. ) 416‬‬
‫( (‪)1‬‬
‫حديث النزول رواه البخارى ( ‪ ) 464 / 13‬التوحيد ‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 39 ، 38 / 6‬والترمذى ( ‪ ) 30 / 13‬الدعوات ‪ ،‬وأبو‬
‫داود ( ‪ ) 1301‬الصاله ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫‪ -11‬تذكر ما ورد فى الكتاب والسنة من رؤية أهل الجنة لربهم وزيارتهم له‬
‫واجتماعهم يوم المزيد ‪.‬‬

‫وال شك فى أن االش تغال به ذه االس باب الجالبة للمحبة مما يش غل القلب بطاعة اهلل ويبع ده عن‬
‫المعاصى‪ ،‬ثم إذا كملت المحبة فإن المحب ال يعصى محبوبه كما قيل ‪:‬‬

‫هذا لعمرى فى القياس شنيع‬ ‫تعصى اإلله وأنت تزعم حبه‬


‫إن المحب لمن يحب مطيع‬ ‫لو كان حبك صادقاً ألطعته‬
‫وإ ذا فتح للعبد هذا الباب الشريف ‪ ،‬ودخل هذا القصر المنيف ‪ ،‬فإنه تحبب إليه الطاعات‬
‫ويجد فيها منتهى راحته وسعادته ‪،‬‬

‫ق ال الن بى ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ( :‬وجعلت قرة عي‪88‬نى فى الص‪8‬الة ) ( ‪ ،)1‬وك ان يص لى ح تى ت رم‬


‫( ‪)2‬‬
‫ساقاه وتشقق قدماه فيقال له فى ذلك فيقول صلى اهلل عليه وسلم‪ ( :‬أفال أكون عبداً شكوراً )‬

‫فمحبة اهلل عز وجل من أعظم أسباب التقوى ‪،‬‬


‫كما قال القائل‪:‬‬
‫إن المحبين‪ %‬لألحباب خدام‬ ‫وكن لربك ذا حب لتخدمه‬
‫ف إن المحب يسر بخدمة محبوبه وطاعته ‪ ،‬وال تطاوعه نفسه على معص يته كما ق ال بعض‬
‫الصالحين ‪ :‬إنى ال أحسن أن أعصى اهلل ‪ .‬أى أن جوارحه ال تأتى معه فى المعصية ‪،‬‬
‫لمحبتها للطاعات ‪ ،‬وبغضها للمعاصى ‪.‬‬

‫كما نصحت إحدى الصالحات من السلف بنيها فقالت لهم ‪:‬‬


‫" تعودوا حب اهلل وطاعته فإن المتقين ألفت جوارحهم الطاعة فاستوحشت من غيرها ‪،‬‬
‫فإذا أمرهم الملعون بمعصية ‪ ،‬مرت المعصية بهم محتشمه فهم لها منكرون "‪.‬‬

‫فنسال اهلل الغنى الكريم أن يمن علينا بمحبته وأن يوفقـنا ألسباب فضله ورحمته‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه أحمد ( ‪ ) 3 / 128‬والنسائى ( ‪ ) 61 / 7‬عشرة النساء ‪ ،‬والحاكم ( ‪ ) 160 / 2‬النكاح وصححه على شرط مسلم ‪،‬‬
‫ووافقه الذهبى وصححه األلبانى فى الصحيحة رقم ( ‪. ) 1809‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخارى ( ‪ ) 14 / 3‬التهجد موصوالً عن المغيره وبمعناه معلقا ً عن عائشه ‪ ،‬وابن ماجه ( ‪) 1419‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫‪ -2‬ومما يعين على تق‪888888888‬وى اهلل عز وجل أن ي‪888888888‬درب العبد نفسه على المراقبة وان‬
‫يستشعر اطالع اهلل عز وجل عليه فيستحى عند ذلك من المعص‪88‬ية ويجتهد فى الطاعة‬
‫‪:‬‬

‫… ( الحديد ‪) 4 :‬‬ ‫صي ٌر [‬ ‫قال اهلل تعالى ‪َ ]:‬وهُ َو َم َع ُك ْم أَي َْن َما ُكنتُ ْم َوهَّللا ُ بِ َما تَ ْع َملُ َ‬
‫ون بَ ِ‬
‫قال ابن كثير رحمه اهلل ‪ :‬أى رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم ‪ ،‬من بر أو‬
‫بحر ‪ ،‬فى ليل او نه ار ‪ ،‬فى ال بيوت او القف ار ‪ ،‬الجميع فى علمه على الس واء ‪ ،‬وتحت بص ره‬
‫(‪)1‬‬
‫وسمعه فيسمع كالمكم ‪ ،‬ويرى مكانكم ‪ ،‬ويعلم سركم ونجواكم ‪.‬‬

‫وا ِم ْنهُ أَال ِح َ‬


‫ين يَ ْستَ ْغ ُش َ‬
‫ون ثِيَــابَهُ ْم‬ ‫ورهُ ْم لِيَ ْستَ ْخفُ ْ‬
‫ص ُد َ‬ ‫ون ُ‬ ‫وقال تعالى ‪ ] :‬أَال إِنَّهُ ْم يَ ْثنُ َ‬
‫ور [ ‪ ( ....‬هود ‪) 5 :‬‬ ‫ت الصُّ ُد ِ‬ ‫ون إِنَّهُ َعلِي ٌم بِ َذا ِ‬
‫ون َو َما يُ ْعلِنُ َ‬ ‫يَ ْعلَ ُم َما ي ُِسرُّ َ‬

‫قال الشنقيطى رحمة اهلل ‪:‬‬


‫بين اهلل تعالى فى هذة االية الكريمه أنه اليخفى عليه شىء ‪ ،‬وان السر كالعالنية عنده ‪ ،‬فهو عالم‬
‫بما تنطوى عليه الضمائر وما يعلن وما يسر وااليات المبينة لهذا كثيرة جدا كقوله تعالى ‪:‬‬

‫ان َونَ ْعلَ ُم َما تُ َو ْسـ ِوسُ بِـ ِه نَ ْف ُسـهُ َونَحْ ُن أَ ْقـ َ‬
‫ـربُ إِلَ ْيـ ِه ِم ْن َح ْبـ ِ‬
‫ـل‬ ‫نسـ َ‬ ‫] َولَقَ ْد َخلَ ْقنَا اإْل ِ َ‬
‫ري ِد [ ‪ ( ...‬ق ‪) 16 :‬‬ ‫ْال َو ِ‬
‫ك ْم فَاحْ َذرُوهُ [ ‪ ( ..‬البقره ‪) 235 :‬‬ ‫وقوله جال وعال ] َوا ْعلَ ُم ْ‬
‫وا أَ َّن هّللا َ يَ ْعلَ ُم َما فِي أَنفُ ِس ُ‬
‫‪ ( .......‬األعراف ‪) 7 :‬‬ ‫ين [‬
‫وقوله ] فَلَنَقُص ََّّن َعلَ ْي ِهم بِ ِع ْل ٍم َو َما ُكنَّا َغآئِبِ َ‬

‫ـل إِالَّ ُكنَّا‬ ‫آن َوالَ تَ ْع َملُـ َ‬


‫ـون ِم ْن َع َمـ ٍ‬ ‫ون فِي َشأْ ٍن َو َما تَ ْتلُو ِم ْنهُ ِمن قُرْ ٍ‬
‫وقوله ] َو َما تَ ُك ُ‬
‫ـال َذ َّر ٍة ِفي األَرْ ِ‬
‫ض‬ ‫ُون فِي ِه َو َما يَ ْعـ ُزبُ َعن َّرب َِّك ِمن ِّم ْثقَـ ِ‬ ‫َعلَ ْي ُك ْم ُشهُو ًداـ إِ ْذ تُفِيض َ‬
‫س َماء [ ‪ ( .......‬يونس ‪) 61 :‬‬ ‫َوالَ فِي ال َّ‬
‫وال تقلب ورقة من المصحف الكريم إال وجدت فيها أية بهذا المعنى‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ( ‪. ) 304 / 4‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫ثم قال تحت عنوان ‪ : ....‬تنبية هام ‪:‬‬

‫اعلم ان اهلل تبارك وتعالى ما أنزل من السماء الى االرض واعظاً أكبر وال زاجراً أعظم مما‬
‫تضمنته هذة االيات الكريمة وامثالها فى القرآن ‪ ،‬من انه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه ‪،‬‬
‫رقيب عليهم ‪ ،‬ليس بغ ائب عما يفعل ون ‪ ،‬وض رب العلم اء له ذا الواعظ االك بر والزاجر االعظم‬
‫مثال ليصير بة كالمحسوس فقالوا ‪:‬‬
‫لو فرضنا ان ملكاً قتاالً للرجال ‪ ،‬سفاكاً للدماء ‪ ،‬شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلماً‬
‫وسيافه قائم على رأسه ‪ ،‬والنطع مبسوط للقتل ‪ ،‬والسيف يقطر دماً ‪،‬‬
‫وح ول ه ذا الملك ال ذى ه ذة ص فته جواريه وازواجه وبناته ‪ ،‬فهل ت رى ان اح داً من الحاض رين‬
‫يهتم بريبة او بحرام يناله من بنات الملك وازواجه‪،‬‬
‫وهو ينظر اليه ‪ ،‬ع الم بأنه مطلع عليه ؟ ال وكال ‪ ،‬بل جميع الحاض رين يكون ون خ ائفين ‪ ،‬وجلة‬
‫قلوبهم‪ ،‬خاشعة عيونهم ‪ ،‬ساكنة جوارحهم ‪ ،‬خوفا من بطش ذلك الملك‪.‬‬

‫وال شك وهلل المثل األعلى أن رب الس موات واالرض جل وعال أشد علم اً واعظم مراقب ةً ‪ ،‬واشد‬
‫بطشاً واعظم نكاالً وعقوبةً من ذلك الملك ‪ ،‬وحماه فى أرضه محارمه ‪،‬‬
‫فإذا الحظ اإلنسان الضعيف أن ربه جل وعال ليس بغائب عنه ‪ ،‬وأنه مطلع على ما يقول‬
‫(‪)1‬‬
‫وما يفعل وما ينوى ‪ ،‬الن قلبه ‪ ،‬وخشى اهلل تعالى ‪ ،‬وأحسن عمله هلل جل وعال‪.‬‬

‫وقد دلت األحاديث الشريفة على ما دلت عليه هذه األيات الكريمات من وجوب مراقبة‬
‫اهلل تعالى ‪ ،‬واالستحياء منه حق الحياء‪.‬‬

‫عن ابن مسعود رضى اهلل عنه قال ‪:‬‬


‫ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ (:‬اس‪88‬تحيوا من اهلل حق الحي‪88‬اء ‪ ،‬من اس‪88‬تحيا من اهلل حق‬
‫الحي‪88‬اء فليحفظ ال‪88‬رأس وما وعى ‪ ،‬وليحفظ البطن وما ح‪88‬وى ‪ ،‬ولي‪88‬ذكر الم‪88‬وت والبال ‪ ،‬ومن أراد‬
‫( ‪)1‬‬
‫األخرة ترك زينة الحياة الدنيا ‪ ،‬فمن فعل ذلك فقد استحيا من اهلل حق الحياء ) ‪.‬‬

‫(‪ )1‬أضواء البيان ‪) 10 – 9 / 3 ( :‬‬


‫(‪ )1‬رواه الترمذي ( ‪ ) 281 / 90‬القيامه ‪ ،‬والحاكم ( ‪ ) 323 / 4‬الرقاق وقال ‪ :‬صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ‪ ،‬ووافقه الذهبى ‪،‬‬
‫وحسنه األلبانى ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫ق ال المن ‪%%‬اوى فى الفيض ‪ " :‬اس تحيوا من اهلل حق الحي اء " ب ترك الش هوات والنهم ات ‪ ،‬وتحمل‬
‫المك اره على النفس ح تى تص ير مدبوغة ‪ ،‬فعن دها تطهر األخالق ‪ ،‬وتش رق أن وار األس ماء فى‬
‫صدر العبد ‪ ،‬ويقرر علمه باهلل فيعيش غنياً باهلل ماعاش ‪.‬‬

‫قال البيض‪%‬اوى ‪ :‬ليس حق الحياء من اهلل ما تحسبونه ‪ ،‬بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه عما ال‬
‫يرضاه من فعل وقول ‪.‬‬

‫وق ال س‪%%‬يفان بن عيينه ‪ :‬الحي اء أخف التق وى ‪ ،‬وال يخ اف العبد ح تى يس تحى ‪ ،‬وهل دخل أهل‬
‫التق وى إال من الحي اء ( من اس تحيا من اهلل حق الحي اء فليحفظ ال رأس ) أى راسه ( وما وعى ) ‪:‬‬
‫ما جمعه من الح واس الظ اهرة والباطنة ‪ ،‬وح تى ال يس تعملها إال فيما يحل ( وليحفظ البطن وما‬
‫حوى ) أى ‪ :‬وما جمعه الجوف باتصاله به من القلب والفرج واليدين والرجلين ‪،‬‬
‫فإن هذه األعضاء متصله بالجوف فال يستعمل منها شئ فى معصية اهلل ‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫فإن اهلل ناظر إلى العبد ال يواريه شئ ‪.‬‬

‫وعن أس امة بن ش ريك رضى اهلل عنه عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ( :‬ما كرهت أن يراه‬
‫( ‪)3‬‬
‫الناس منك فال تفعله بنفسك إذا خلوت ) ‪.‬‬

‫وعن ثوبان رضى اهلل عنه قال ‪:‬‬


‫قال رسول اهلل صلى اله عليه وسلم ( ألعملن أقواماً من أمتى ياتون يوم القيامة بحس‪88‬نات أمث‪88‬ال‬
‫جبال تهامة بيضاء فيجعلها اهلل هباء منش‪88‬ورا ‪ ،‬أما إنهم إخ‪88‬وانكم ‪ ،‬ومن جل‪8‬دتكم ‪ ،‬ويأخ‪88‬ذون من‬
‫(‪)1‬‬
‫الليل كما تأخذون ‪ ،‬ولكنهم قوم إذا خلوا بمحارم اهلل انتهكوها )‪.‬‬

‫وعن أنس رضى اهلل عنه ق ال ‪ :‬ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل علية وس لم ‪ ( :‬ثالث مهلك ‪88‬ات وثالث‬
‫منجي‪88‬ات ‪ :‬فق‪88‬ال ‪ :‬ثالث مهلك‪88‬ات ‪ :‬شح مط‪88‬اع ‪ ،‬وه‪88‬وى متبع‪ ، 8‬وإ عج‪88‬اب الم‪88‬رء بنفسه‪ . 8‬وثالث‬

‫(‪ )2‬فيض القدير ( ‪) 488 / 1‬‬


‫(‪ )3‬رواه ابن حبان فى روضة العقالء ‪ ، ) 13 – 12 ( :‬والضياء فى المختارة ( ‪ ) 449 / 1‬وقال األلبانى ‪ :‬واألسناد ضعيف‬
‫قال ‪ :‬ثم وجدت للحديث شاهداً مرسالً فى ( جامع بن وهب ) ص‪ - 65‬فالحديث به حسن إن شاء هللا – الصحيحة ( ‪. ) 1055‬‬
‫(‪ )1‬رواه ابن ماجه ( ‪ )4245‬الزهد وصححه األلبانى فى الصحيحة (‪)505‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫منجي ‪88 8 8‬ات ‪ :‬خش ‪88 8 8‬ية اهلل فى السر والعالنية ‪ ،‬والقصد فى الفقر والغ ‪88 8 8‬نى ‪ ،‬والع ‪88 8 8‬دل فى الغضب‬
‫(‪)2‬‬
‫والرضا )‪.‬‬

‫قال المناوى ‪ :‬قدم السر ألن تقوى اهلل فيه أعلى درجة من العلن لما يخاف من شوب رؤية الناس‬
‫‪ ،‬وه ذه درجة المراقبة وخش يته فيهما تمنع من إرتك اب كل منهى ‪ ،‬وتحثه على فعل كل م أمور ‪،‬‬
‫فإن حصل للعبد غفلة عن مالحظة خوفه وتقواه فارتكب مخالفة مواله لجأ إلى‬
‫(‪)3‬‬
‫التوبة ثم داوم الخشية ‪.‬‬

‫وسئل النبى صلى اهلل علية وسلم عن اإلحسان فى الحديث المسمى بأم السنه‬
‫(‪)4‬‬
‫فقال صلى اهلل علية وسلم ‪ ( :‬أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك)‪.‬‬

‫قال الن‪%%‬ووى رحمه اهلل ‪ " :‬هذا من جوامع الكلم التى أوتيها صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬ألنا لو قدرنا‬
‫أن احداً قام فى عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى ‪ ،‬لم يترك شيئاً ما يقدر عليه من الخضوع‬
‫والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على االعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إال‬
‫أتى به فق ال ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ( :‬اعبد اهلل فى جميع أحوالك كعبادتك فى ح‪88‬ال العي‪88‬ان ) ف إن‬
‫التتميم الم ذكور فى ح ال العي ان إنما ك ان لعلم العبد ب اطالع اهلل س بحانه وتع الى عليه ‪ ،‬فال يق دم‬
‫العبد على تقصير فى هذا الحال لالطالع عليه ‪ ،‬وهذا المعنى موجود مع رؤية العبد ‪ ،‬فينبغى أن‬
‫يعمل بمقتضاه ‪ ،‬فمقصود الكالم الحث على األخالص فى العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى‬
‫فى إتم ام الخش وع والخض وع وغ ير ذلك ‪ ،‬وقد ن دب أهل الحق ائق إلى مجالسة الص الحين ليك ون‬
‫ستحياء منهم ‪ ،‬فكيف بمن ال يزال اهلل مطلعا عليه‬
‫ً‬ ‫ذلك مانعاً من تلبسه من النقائض إحترام اً لهم وإ‬
‫فى سره وعالنيته (‪.)1‬‬

‫وقال ابن رجب رحمه اهلل ‪ :‬يشير إلى أن العبد يعبد اهلل تعالى على هذه الصفة وهو استحضار‬
‫قربه ‪ ،‬وأنه بين يديه كأنه ي راه ‪ ،‬وذلك ي وجب الخش ية والهيبة والتعظيم ن كما ج اء فى رواية أبى‬
‫(‪ )2‬رواه البزار (‪ ، )08‬والعقيلى ( ص‪ )352‬وأبو بكر الدينورى فى ( المجالسه وجواهر العلم ) والسياق له ‪ ،‬وأبو نعيم‬
‫( ‪ ) 343 / 2‬وله طرق هو بمجموعها حسن ‪ ،‬باختصار من الصحيحة ( ‪)1802‬‬
‫(‪ )3‬فيض القدير ( ‪) 307 / 3‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخارى ( ‪ ) 114 / 1‬اإليمان ‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 158 ، 157 / 1‬اإليمان ‪ ،‬والترمذى ( ‪ ) 88 / 87 – 10‬اإليمان ‪ ،‬وأبو داود‬
‫( ‪ )4670‬السنه ‪ ،‬والنسائى ( ‪ ) 97 / 8‬اإليمان ‪.‬‬
‫(‪ )1‬شرح النووى على صحيح مسلم ( ‪. ) 158 – 157 / 1‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫هري ره ‪ ( :‬أن تخشى اهلل كأنك ت‪88‬راه ) وي وجب أيض اً النصح فى العب ادة وب ذل الجهد فى تحس ينها‬
‫وإ تمامها وإ كمالها ‪ ،‬وقد وصى النبى صلى اهلل عليه وسلم جماعة من الصحابة‬
‫بهذه الوصية ‪.‬‬

‫وقوله ص لى اهلل عليه وس لم ‪ ( :‬ف‪88‬إن لم تكن ت‪88‬راه فإنه ي‪88‬راك ) قيل ‪ :‬إنه تعليل لألول ‪ ،‬ف إن العبد‬
‫إذا أمر بمراقبة اهلل تع الى فى العب ادة واستحضار قربة من عبده ح تى ك أن العبد ي راه فإنه قد يشق‬
‫ذلك عليه ‪ ،‬فيس تعين على ذلك بإيمانه ب أن اهلل ي راه ويطلع على س ره وعالنيته وباطنة وظ اهره ‪،‬‬
‫وال يخفى عليه شئ من أمره فإذا تحقق هذا المقام سهل عليه االنتقال إلى المقام الثانى‪،‬‬
‫وهو دوام التحقق بالبصيرة إلى قرب اهلل من عبده ومعيته حتى كأنه يراه ‪ ،‬وقيل ‪:‬‬
‫بل هو إش ارة إلى أن من شق عليه أن يعبد اهلل كأنه ي راه فليعبد اهلل على أن اهلل ي راه ويطلع عليه‬
‫فليستحى من نظره إليه ‪ ،‬كما قال بعض العارفين ‪ :‬اتق اهلل أن يكون أهون الناظرين‬
‫(‪)2‬‬
‫إليك ‪ .‬وقال بعضهم ‪ :‬خف اهلل على قدر قدرته عليك واستحى من اهلل على قدر قربه منك ‪.‬‬

‫وصفوة الكالم أن يقال ‪ :‬مما يعين على التقوى التدرب على مراقبة اهلل عز وجل‬
‫وإ حساس القلب بقربة وإ طالعه ‪ ،‬فيستحى العبد عند ذلك من المعصية ويبذل جهده‬
‫فى أداء الطاعة على أحسن وجوهها ‪ ،‬وهذه بعض األثار فى تقرير هذا المعنى ‪:‬‬

‫‪ ،‬فأردتها‬ ‫(‪)1‬‬
‫ذكر عن أعرابى قال ‪ :‬خرجت فى بعض ليالى الظلم فإذا أنا بجارية كأنها علم‬
‫عن نفسها فقالت ‪ :‬ويلك أما كان لك زاجر من عقل إذا لم يكن لك ٍ‬
‫ناه من دين ؟‬
‫فقلت ‪ :‬إنه واهلل ما يرانا إال الكواكب ‪ ،‬فقالت ‪ :‬فأين مكوكبها‪.‬‬

‫وس ئل الجنيد بم يس تعان على غض البصر ؟ ق ال ‪ :‬بعلمك أن نظر اهلل إليك أس بق إلى ما تنظر‬
‫إليه‪.‬‬

‫وقال الحارث المحاسبى ‪ :‬المراقبة علم القلب بقرب الرب ‪.‬‬

‫وكان اإلمام أحمد ينشد ‪:‬‬

‫(‪)2‬‬
‫جامع العلوم والحكم ( ‪ ) 34 – 33‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫علم ‪ :‬أي جبل‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫خلوت ولكن قل على رقيب‬ ‫إذا ما خلوت الدهر يوماً فال تقل‬
‫وال أن ما يخفى عليه يغيب‬ ‫وال تحسبن اهلل يغفل ساع ــة‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫‪ -3‬ومما يعين على التقوى معرفة ما فى سبيل الحرام من المفاسد واألالم‬

‫فليس فى الدنيا واألخرة شر و داء إال وسببه الذنوب والمعاصى ‪،‬‬


‫قال ابن القيم رحمه اهلل ‪ :‬فما الذى أخرج األبوين من الجنة دار اللذة والنعيم‬
‫والبهجة والسرور إلى دار االالم واألحزان والمصائب ‪.‬‬

‫وما الذى أخرج أبليس من ملكوت السماء ‪ ،‬وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته‬
‫أقبح ص وره وأش نعها ‪ ،‬وباطنه أقبح من ص ورته وأش نع وب دل ب القرب بع داً ‪ ،‬وبالرحمة لعنه ‪،‬‬
‫وبالجنة ناراً تلظى ‪ ،‬فهان على اهلل غاية الهوان ‪ ،‬وسقط من عينه غاية السقوط ‪ ،‬فصار‬
‫قوداً لكل فاسق ومجرم ‪ ،‬رضى لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة ‪ ،‬فعياذاً بك اللهم‬
‫من مخالفة أمرك ‪ ،‬وأرتكاب نهيك ‪.‬‬

‫وما الذى أغرق أهل األرض كلهم حتى عال الماء فوق رؤوس الجبال ‪.‬‬

‫وما الذى سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على سطح األرض كأنهم‬
‫أعجاز نخل خاوية ‪ ،‬ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم ‪ ،‬وما الذى أرسل على‬
‫قوم ثمود الصيحه حتى قطعت قلوبهم فى أجوافهم وماتوا عن أخرهم ؟ وما الذى رفع‬
‫ق رى اللوطية ح تى س معت المالئكة ن بيح كالبهم ثم قلبها عليهم ‪ ،‬فجعل عاليها س افلها ‪ ،‬ثم أتبعهم‬
‫حجارة من سجيل ‪ ،‬فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمه غيرهم ‪ ،‬وإلخوانهم أمثالها وما‬
‫هى من الظالمين ببعيد ‪ ،‬وما الذى أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ‪،‬‬
‫فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى ؟ وما الذى أغرق فرعون وقومه فى البحر ‪ ،‬ثم‬
‫نقلت ارواحهم إلى جهنم ‪ ،‬فاألجس اد للغ رق ‪ ،‬واألرواح للح رق ‪ ،‬وما ال ذى أهلك الق رون من بعد‬
‫(‪)1‬‬
‫نوح ودمرها تدميراً‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الجواب الكافى باختصار ( ‪ ) 43 – 42‬دار عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫ثم ذكر رحمه اهلل أثار الذنوب والمعاصى فلتراجع فإنها مفيده جداً فى الزجر عن معصية‬
‫اهلل والمباعدة عنها ‪ ،‬وهى التقوى المقصودة والدرة المفقودة ‪ ،‬نسال اهلل السالمه ‪ ،‬ونعوذ‬
‫باهلل من الحس رة والندامه ‪ ،‬فحقيق بكل عاقل أن ال يس لك طريق اً ح تى يعلم س المتها وأفاتها ‪ ،‬وما‬
‫توصل إليه من سالمة أوعطب ‪،‬‬
‫وال شك أن س بيل المعاصى فيه من التع رض للع ذاب العاجل واألجل وض يق الص در وال رزق‬
‫وبغض الخلق ومحق البركة فهى كطعام لذيذ مسموم يتمتع به لحظات وتبقى آالمه فى‬
‫الحياة وبعد الممات كما قال القائل ‪:‬‬
‫من الحرام ويبقى اإلثم والعار‬ ‫تفنى اللذاذة من نال لذتها‬
‫ال خير فى لذة من بعدها النار‬ ‫تبقى عواقب سوء من مغبتها‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫‪ -4‬ومما يعين على التقوى أن تتعلم كيف تغالب هواك وتطيع موالك‬

‫قال الشيخ مصطفى السباعى رحمه اهلل ‪ " :‬إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها باهلل ‪ ،‬فإذا‬
‫لم ترجع فذكرها بأخالق الرجال ‪ ،‬فإذا لم ترجع فذكرها بالفضيحه إذا علم الناس ‪ ،‬فإذا لم ترجع‬
‫(‪)1‬‬
‫فاعلم أنك تلك الساعة انقلبت إلى حيوان " ‪.‬‬

‫وقال ابن القيم رحمه اهلل ‪ " :‬ومالك األمر كله الرغبة فى اهلل وأرادة وجهه والتقرب‬
‫إليه بأنواع الوسائل والشوق إلى الوصول إليه ‪ ،‬وإ لى لقائه ‪ ،‬فإن لم يكن للعبد همة على‬
‫ذلك فالرغبة فى الجنة ونعيمها وما أعد اهلل فيها ألوليائه ‪ ،‬فإن لم تكن له همة عالية تطالبه‬
‫بذلك ‪ ،‬فخشية النار وما أعد اهلل فيها لمن عصاه ‪ ،‬فإن لم تطاوعه نفسه لشئ من ذلك ‪ ،‬فليعلم أنه‬
‫خلق للجحيم ال للنعيم ‪ ،‬وال يقدر على ذلك بعد قدر اهلل وتوفيقه إال بمخالفة هواه ‪.‬‬

‫فلم يجعل اهلل طريقا إلى الجنة غير متابعته ‪ ،‬ولم يجعل للنار طريقاً غير مخالفته ‪،‬‬
‫قال اهلل تعالى ‪:‬‬
‫] فَأ َ َّما َمن طَ َغى (‪َ )37‬وآثَ َر ْال َحيَاةَ ال ُّد ْنيَا (‪ )38‬فَإِ َّن ْال َج ِحي َم ِه َي ْال َمأْ َوى (‪)39‬‬
‫س َع ِن ْالهَ َوى (‪ )40‬فَإِ َّن ْال َجنَّةَ ِه َي ْال َمأْ َوى‬ ‫َوأَ َّما َم ْن َخ َ‬
‫اف َمقَا َم َربِّ ِه َونَهَى النَّ ْف َ‬
‫[ ‪ ( .....‬النازعات ‪) 41 - 37 :‬‬

‫‪ ( .....‬الرحمن ‪) 46 :‬‬ ‫ان [‬ ‫وقال تعالى ‪َ ] :‬ولِ َم ْن َخ َ‬


‫اف َمقَا َم َربِّ ِه َجنَّتَ ِ‬
‫قيل ‪ :‬هو العبد يهوى المعصية فيذكر مقام ربه عليه فى الدنيا ومقامه بين يديه فى‬
‫األخرة فيتركها هلل ‪.‬‬
‫وقد أخبر اهلل عز وجل أن اتباع الهوى يضل عن سبيله فقال اهلل تعالى ‪:‬‬

‫ق َواَل تَتَّبِـ ِ‬
‫ـع‬ ‫اس بِـ ْ‬
‫ـال َح ِّ‬ ‫ـاك َخلِيفَـةً فِي اأْل َرْ ِ‬
‫ض فَــاحْ ُكم بَي َْن النَّ ِ‬ ‫] يَا َدا ُوو ُد إِنَّا َج َع ْلنَـ َ‬
‫يل هَّللا ِ [ ‪ (..‬ص ‪) 26 :‬‬ ‫ضلُّ َ‬ ‫يل هَّللا ِ إِ َّن الَّ ِذ َـ‬ ‫ْالهَ َوى فَي ِ‬
‫ُضلَّ َ‬
‫(‪)1‬‬
‫ون َعن َسبِ ِ‬ ‫ين يَ ِ‬ ‫ك َعن َسبِ ِ‬
‫وقد حكم اهلل تعالى لتابع هواه بغير هدى من اهلل أنه أظلم الظالمين فقال اهلل عز وجل ‪:‬‬

‫علمتنى الحياه ( ‪ ) 32‬نقالً عن هامش رسالة المسترشدين للمحاسبى ( ‪ ) 160‬بتحقيق وتعليق عبد الفتاح أبو غدة ‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫(‪)1‬‬
‫روضة المحبين ( ‪ ) 402 – 401‬باختصار ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫ُون أَ ْه َواءهُ ْم َو َم ْن أَ َ‬
‫ضلُّ ِم َّم ِن اتَّبَـ َع هَـ َ‬
‫ـواهُـ‬ ‫] فَإِن لَّ ْم يَ ْستَ ِجيبُوا لَ َ‬
‫ك فَا ْعلَ ْم أَنَّ َما يَتَّبِع َ‬
‫ين [ ‪ ( .....‬القصص ‪) 50 :‬‬ ‫بِ َغي ِْر هُ ًدى ِّم َن هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ اَل يَ ْه ِدي ْالقَ ْو َم الظَّالِ ِم َـ‬
‫وجعل سبحانه وتعالى المتبع قسمين ال ثالث لهما ‪ :‬إما ما جاء به الرسول صلى اهلل عليه وسلم‬
‫(‪)2‬‬
‫وإ ما الهوى ‪ :‬فمن اتبع أحداهما لم يمكنه إتباع األخر ‪.‬‬

‫وقال ابن الج‪%%‬وزى رحمه اهلل ‪ " :‬الحذر الحذر من المعاصى فإنها سيئة العواقب ‪ ،‬والحذر من‬
‫الذنوب خصوصاَ ذنوب الخلوات ‪ ،‬فإن المبارزة هلل تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه ‪ ،‬وال‬
‫ينال لذة المعاصى إال دائم الغفلة ‪ ،‬فأما المؤمن اليقظان فإن ه ال يلت ذ به ا ‪ ،‬ألن ه عن د إلت ذاذه يق ف‬
‫بإيذائه علمه بتحريمها ‪ ،‬وحذره من عقوبتها ‪ ،‬فإن قويت معرفته رأى بعين علمه ق رب الن اهى –‬
‫وهو هللا – فيتنغص عيشه فى ح ال إلت ذاذه ‪،‬ف إن غلبه س كر القلب متنغص اً به ذه المراقب ات ‪ ،‬وإ ن‬
‫ك ان الطبع فى ش هوته فما هى إال لحظة ثم خ زى دائم ون دم مالزم وبك اء متواصل وأسف على ما‬
‫كان مع طول الزمان ‪ ،‬حتى لو تيقن العفو وقف بإزائه حذر العتاب ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فأف للذنوب ! ما أقبح أثارها ؟ وأسوأ أخبارها ؟ وال كانت شهوه ال تنال إال بمقدار قوة الغفله ‪.‬‬
‫ً‬

‫وق ال ابن القيم رحمه اهلل ‪ " :‬واعلم أن الص بر عن الش هوة أس هل من الص بر على ما توجبه‬
‫الش هوة ‪ ،‬ف إن الش هوة إما أن ت وجب ألم اً وعقوبة ‪ ،‬وغما أن تقطع ل ذة أكمل منها ‪ ،‬وإ ما أن تض يع‬
‫وقتاً إضاعته حسرة وندامة ‪ ،‬وإ ما أن تثلم عرض اً توفيره أنفع للعبد من ثلمه ‪ ،‬وإ ما أن تذهب ماالً‬
‫بق اؤه خ ير من ذهابة ‪ ،‬وإ ما أن تضع ق دراً قيامه خ ير من وض عه ‪ ،‬وإ ما أن تسل نعمة بقاؤها ألذ‬
‫(‪)2‬‬
‫من قضاء الشهوة "‪.‬‬

‫وخالصة هذا الفصل أن الناس فى ترك المعاصى والتورع عنها دوافع متعددة ‪:‬‬
‫‪ ‬منهم من يدفعه عن معص ية محبة اهلل عز وجل وإ جالله أن يخ الف أم ره وي رتكب‬
‫نهيه كما قال بعضهم ‪ :‬وددت أن جلدى قرض بالمقارض ‪ ،‬وأن هؤالء الخلق أطاعوا اهلل‬
‫عز وجل ‪ ،‬وهذه أعلى مراتب الخشية واغلى دوافع التقوى‪.‬‬

‫(‪)2‬‬
‫السابق ( ‪) 404‬‬
‫(‪)1‬‬
‫صيد الخاطر ( ‪ ) 129‬بتصرف ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الفوائد ( ‪ ) 183 – 182‬دار الدعوة ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫‪ ‬ومن الن اس من يدفعه عن المعص يه الرغبة فى دار الق رار وما فيها من نعيم مقيم‬
‫لألب رار ‪ ،‬ق ال الن بى ص لى اله عليه وس لم ‪( :‬من ش‪8‬رب الخمر فى ال‪8‬دنيا لم يش‪8‬ربها فى‬
‫(‪)3‬‬
‫األخرة إال أن يتوب) ‪.‬‬

‫ف التمتع ب الحرام فى دار الفن اء س بب للحرم ان من النعيم المقيم فى دار البق اء ‪ ،‬فلن يجعل اهلل من‬
‫أذهب طيباته فى حياته ال دنيا واس تمتع بها كمن ص ام عنها لي وم فط ره من ال دنيا إذا لقى اهلل عز‬
‫وجل ‪ .‬قال بعضهم ‪:‬‬
‫فتأهب لشتاتك‬ ‫أنت فى دار شتات‬
‫صمته عن شهواتك‬ ‫واجعل الدنيا كيوم‬
‫فى يوم وفاتك‬ ‫واجعل الفطر عند اهلل‬

‫‪ :‬معناه لم يدخل الجنة ‪ ،‬ألن الخمر شراب أهل الجنة ( جامع االصول ‪)5/99‬‬ ‫قال الخطابى‬

‫وق ال الن‪%%‬ووى ‪ :‬معن اه أنه يح رم ش ربها فى الجنة وإ ن دخلها من ف اخر ش راب الجنة فيمنعها ه ذا‬
‫العاصى بشربها فى الدنيا ‪ ،‬وقيل إنه ينسى شهوتها الن الجنة فيها كل ما يشتهى ‪ ،‬وقيل‬
‫ال يشتهيها وإ ن ذكرها ويكون هذا نقص نعيم فى حقه تمييزاً بينه وبين تارك شربها –‬
‫النووى على صحيح مسلم ( ‪. ) 173 / 13‬‬

‫‪ ‬ومنهم من يتركها خوفاً من النار وإ تقاء غضب الجبار ‪ .‬قال بعضهم ‪:‬‬

‫فولى على أعقابه الهم خاسئاً‬ ‫إذا ما هممنا صدنا وازع التقى‬
‫وقال أخر ‪:‬‬
‫عند الهوى ويخافه إيماناً‬ ‫ال خير فيمن ال يراقب ربه‬
‫حجب التقى س‪%% % % %‬بل اله‪%% % % %‬وى ف أخو التقى يخشى إذا وافى المع‪%% % % %‬اد‬
‫هواناً‬

‫(‪ )3‬رواه البخارى ( ‪ ، ) 30 / 10‬و مسلم ( ‪ ) 173 / 13‬األشربه بهذا اللفظ ‪ ،‬ومالك فى الموطأ ( ‪ ) 846 / 2‬األشربه ‪،‬‬
‫وأبو داود ( ‪ )3662‬األشربه ‪ ،‬والترمذى ( ‪ ) 48 / 8‬األشربه والنسائى ( ‪ ) 318 / 8‬األشربه ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫واستبقاء الحياء والوقار كما قال بعضهم ‪:‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ ‬ومنهم من يتركها خوف العار والشنار‬

‫إال نهانى الحياء والكرم‬ ‫ما إن دعانى الهوى لفاحشة‬


‫وال مشت بى لريبة قدم‬ ‫فال إلى فاحش مددت يدى‬
‫‪ ‬ومنهم من يترك المعصية لما يعقبها من شرور ومصائب وأالم كما قال بعضهم ‪:‬‬

‫وم‪%% % % % %‬ات فخالها وذاق‬ ‫وكم من مع‪%% % % % %‬اص ن‪%% % % % %‬ال منهن ل‪%% % % % %‬ذة‬
‫الدواهيا‬
‫تص ‪%% % %‬رم ل ‪%% % %‬ذات المعاصى وتنقضى وتبقى تباع ‪%% % %‬ات المعاصى كما‬
‫هيا‬
‫لعبد بعين اهلل يخشى‬ ‫فيا س ‪%% % % % % % % % %‬وءتا واهلل راء وس ‪%% % % % % % % % %‬امع‬
‫المعاصى‬
‫‪ ‬ومنهم من يحمله على ترك المعاصى لذة العفة واالستعالء عن أتباع الهوى فإن‬
‫لذلك حالوة فى القلوب ال يعرفها إال من ذاقها ‪.‬‬

‫كما قال بعضهم ‪:‬‬


‫من المجد يكبو دونها‬ ‫وإنى لمش‪%% % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % % %‬تاق إلى كل غاية‬
‫المتطاول‬
‫ب‪%% % % % %‬ذول لم‪%% % % % %‬الى حين يبخل ذو النهى عفيف عن الفحش‪%% % % % %‬اء ق‪%% % % % %‬رم‬
‫(‪)1‬‬
‫حالحل‬
‫‪ ‬ومنهم من يتركها إلنها تن افى الم روءة والش هامة كما ق ال عن ترة وهو من ش عراء‬
‫ين يَ ُغ ُّ‬
‫ضـــوا ِم ْن‬ ‫ول اهلل عز وجل ‪ ] :‬قُل لِّ ْل ُم ْ‬
‫ـــؤ ِمنِ َ‬ ‫العصر الج اهلى لم يس مع ق‬

‫‪ (....‬النور ‪)30 :‬‬ ‫ار ِه ْم [‬ ‫أَب َ‬


‫ْص ِ‬
‫حتى يوارى جارتى مأواها‬ ‫وأغض طرفى إن بدت لى جارتى‬

‫(‪)1‬‬
‫الشنار ‪ :‬هو أقبح العيب ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والحالحل ‪ :‬السيد فى عشيرته ‪.‬‬ ‫القرم ‪ :‬السيد المعظم ‪........‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫‪ ‬ومنهم من يتركها إس تحياء من الن اس وال يخشى اهلل عز وجل وه ذة أدنى الم راتب ‪:‬‬
‫كما قال بعضهم ‪:‬‬
‫كنت خال لزوجها فاستحييت‬ ‫لم يكن شأنى العفاف ولكن‬

‫‪ -5‬ومما يعين على تقوى اهلل عز وجل معرفة مكائد الشيطان ومصائده‬
‫‪ ،‬والحذر من وساوسه ودسائسه ‪:‬‬

‫قال العالمة ابن مفلح المقدسى رحمه اهلل ‪ :‬اعلم أن الشيطان يقف للمؤمنين فى سبع عقبات ‪،‬‬
‫عقبة الكفر ‪ ،‬فإن سلم منه ففى عقبة البدعة ‪ ،‬ثم فى عقبة فعل الكبائر ‪ ،‬ثم فى عقبة‬
‫فعل الصغائر ‪ ،‬فإن سلم منه ففى عقبة فعل المبيحات فيشغله بها عن الطاعات ‪،‬‬
‫ف إن غلبه ش غله باألعم ال المفض ولة عن األعم ال الفاض لة ‪ ،‬ف إن س لم من ذلك وقف له فى العقبة‬
‫السابعة ‪ ،‬وال يسلم منها المؤمن إذ لو سلم منها أحد لسلم منه رسول اهلل صلى اهلل علية وس لم وهى‬
‫(‪)1‬‬
‫تسليط األعداء الفجرة بأنواع األذى ‪.‬‬

‫فال شك فى أن معرفة العقب ات ال تى يقف عن دها الش يطان ‪ ،‬ومعرفة مداخله إلى قلب ابن أدم مما‬
‫يعين على الح ذر منه ‪ ،‬وأولى من ذلك بال ذكر أن تع رف أن الش يطان ع دو لب نى أدم فال يمكن أن‬
‫يأمره بخير أو ينهاه عن شر ‪.‬‬

‫ق ال اهلل تع الى ‪ ] :‬إِ َّن ال َّش ْيطَ َـ‬


‫ان لَ ُك ْم َع ُد ٌّو فَاتَّ ِخ ُذوهُـ َع ُد ًّواـ إِنَّ َما يَـ ْد ُعو ِح ْزبَـهُ لِيَ ُكونُــوا‬
‫ير [ ‪ ).........‬فاطر ‪) 6 :‬‬ ‫ِم ْن أَصْ َحا ِ‬
‫ب الس َِّع ِ‬
‫ان َو َمن يَتَّبِ ْع ُخطُ َوا ِ‬
‫ت‬ ‫ين آ َمنُوا اَل تَتَّبِعُوا ُخطُ َوا ِ‬
‫ت ال َّش ْيطَ ِ‬ ‫وقال تعالى ‪ ] :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َ‬
‫ر [ ‪ ( .........‬النور ‪) 21 :‬‬ ‫ْ‬
‫ان فَإِنَّهُ يَأ ُم ُر بِ ْالفَحْ َشاء َو ْال ُمن َك ِ‬
‫ال َّش ْيطَ ِ‬
‫ق ال أبو اف‪%%‬رج بن الج‪%%‬وزى ‪ " :‬إنما ي دخل إبليس على الن اس بق در ما يمكنه ‪ ،‬ويزيد تمكنه منهم‬
‫دار يقظتهم ‪ ،‬وغفلتهم وجهلهم ‪ ،‬وعلمهم ‪ ،‬واعلم أن القلب كالحصن ‪ ،‬وعلى ذلك‬ ‫ويقل على مق‬

‫(‪ )1‬مصائب األنسان من مكائد الشيطان (‪ )69‬باختصار ‪ ،‬وذكر ابن القيم رحمه هللا هذه العقبات السبع فى تفسير المعوذتين بأطول‬
‫من ذلك ‪ ،‬فليراجعه من أراد زيادة التفصيل ( ‪. ) 76 – 73‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫‪ ،‬وس اكنه العقل ‪ ،‬والمالئكة ت تردد على الحصن ‪،‬‬ ‫(‪)2‬‬
‫الحصن س ور ‪ ،‬وللس ور أب واب ‪ ،‬وفيه ثلم‬
‫فيه‬ ‫(‪)3‬‬
‫وإ لى جانبه ربض‬

‫(‪)2‬‬
‫جمع ثلمه ‪ :‬وهى موضع الكسر من القدح ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫المكان الذى يؤوى إليـه ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫اله وى ‪ ،‬والش ياطين تختلف إلى ذلك ال ربض من غ ير م انع ‪ ،‬والح ارس ق ائم بين أهل الحصن‬
‫وأهل ال ربض ‪ ،‬والش ياطين ال ت زال ت دور ح ول الحصن تطلب غفلة الح ارس والعب ور من بعض‬
‫الثلم ‪ ،‬فينبغى للح ارس أن يع رف جميع أب واب الحصن ال ذى قد وكل بحفظه وجميع الثلم ‪ ،‬وأن ال‬
‫يفتر عن الحراسة لحظة فإن العدو ما يفتر " ‪.‬‬

‫ق ال رجل للحسن البص رى ‪ :‬أين ام إبليس ؟ ق ال ‪ :‬لو ن ام لوج دنا راحة ‪ ،‬وه ذا الحصن مس تنير‬
‫بال ذكر مش رق باإليم ان ‪ ،‬وفيه م رآة ص قيلة ي تراءى بها ص ور كل ما يمر به ‪ ،‬ف أول ما يفعل‬
‫الش يطان فى ال ربض إكث ار ال دخان فتس ود حيط ان الحصن وتص دأ الم رآة ‪ ،‬وكم ال الفكر ي رد‬
‫الدخان ‪ ،‬وصقل الذكر يجلو المرآة ‪ ،‬وللعدو حمالت فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر‬
‫‪ ،‬وربما أق ام لغفلة الح ارس ‪ ،‬وربما رك دت ال ريح‬ ‫(‪)1‬‬
‫عليه الح ارس فيخ رج ‪ ،‬وربما دخل فع اث‬
‫الطاردة للدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة فيمر الشيطان وال يدرى به ‪ ،‬وربما جرح‬
‫(‪)2‬‬
‫الحارس لغفلته وأسر واستخدم ‪.‬‬

‫واعلم أن أول ما يغ وى به الش يطان ابن أدم الوس اوس ال تى يوس وس بها إليه ‪ ،‬كما ق ال تع الى‬
‫أمراً باالستعادة باهلل عز وجل من وساوسه‪:‬‬

‫اس (‪ِ )3‬من َشرِّ ْال َو ْسـ َو ِ‬


‫اس‬ ‫اس (‪ )2‬إِلَ ِه النَّ ِ‬ ‫] قُلْ أَ ُعو ُذ بِ َربِّ النَّ ِ‬
‫اس (‪َ )1‬ملِ ِك النَّ ِ‬
‫اس [ ‪( ......‬‬ ‫اس (‪ِ )5‬م َن ْال ِجنَّ ِة َو النَّ ِ‬ ‫ور النَّ ِ‬
‫ص ُد ِ‬‫اس (‪ )4‬الَّ ِذي ي َُوس ِْوسُ فِي ُ‬ ‫ْال َخنَّ ِ‬
‫الناس )‬

‫فإذا غفل القلب عن ذكر اهلل عز وجل جثم عليه الشيطان واخذ يوسوس إليه بال ذنوب والمعاصى ‪،‬‬
‫ف إذا ذكر اهلل عز وجل واس تعاذ به انخنس الش يطان وانقبض ‪ ،‬وإ ذا ك ره ما وس وس به ف إن ذلك‬
‫محض اإليمان ‪ ،‬عن أبى هريره قال ‪ :‬جاء ناس من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل علية وسلم‬
‫فس ألوه ‪ :‬إنا نجد فى أنفس نا ما يتع اظم أح دنا أن يتكلم به ق ال ‪ ( :‬وقد وج دتموه ؟ ) ق الوا ‪ :‬نعم ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫قال ‪ ( :‬ذلك صريح اإليمان ) ‪.‬‬
‫(‪ )1‬عاث ‪ :‬أى أفسد‬
‫(‪ )2‬تلبيس أبليس ( ‪ ) 38 – 37‬باختصار ‪ -‬مكتبة المتنبى ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم ( ‪ ) 153 / 1‬األيمان ‪ ،‬قال النووى رحمه هللا ‪ :‬معناه أستعظامكم الكالم به وهو صريح األيمان فإن أستعظام هذا‬
‫وشدة الخوف منه ومن النطق به فضالً عن اعتقاده إنما يكون لمن أستكمل األيمان إستكماالً محققا ً وانتفت عنه الريبه والشكوك –‬
‫النووى على صحيح مسلم ( ‪. ) 154 / 1‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫قال ابن القيم رحمه اهلل ‪:‬‬
‫" الوسوسة هى مب ادئ اإلرادة ف إن القلب يك ون فارغ اً من الشر والمعص ية فيوس وس إليه ويخطر‬
‫الذنب بباله فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه فيصير شهوه ‪ ،‬ويزينها له ويحسنها ويخيلها له‬
‫فى خيال تميل نفسه إليه فتصير إرادة ‪ ،‬ثم ال يزال يمثل ويخيل ويمنى ويشهى وينسى‬
‫علمه بضررها ويطوى عنه سوء عاقبتها فيحول بينه وبين مطالعته ‪ ،‬فال يرى إال صورة‬
‫المعص ية وألت ذاذه بها فقط ‪ ،‬وينسى ما وراء ذلك فتص ير األراده عزيمه جازمه ‪ ،‬فيش تد الح رص‬
‫عليها من القلب ‪ ،‬فيبعث الجن ود فى الطلب فيبعث الش يطان معهم م دداً لهم وعون اً ‪ ،‬ف إن ف تروا‬
‫حركهم ‪ ،‬وإ ن ونوا أزعجهم كما قال تعالى ‪:‬‬
‫‪ (......‬مريم ‪)83 :‬‬ ‫ين تَ ُؤ ُّزهُ ْم أَ ًّزا [‬
‫ين َعلَى ْال َكافِ ِر َ‬ ‫] أَلَ ْم تَ َر أَنَّا أَرْ َس ْلنَا ال َّشيَ ِ‬
‫اط َ‬
‫أى تزعجهم إلى المعاصى ازعاج اً كلما فتروا أو ونوا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم ‪ ،‬فال‬
‫تزال بالعبد تقوده إلي الذنب ‪ ،‬وتنظم شكل األجتماع بألطف حيله وأتم مكيده ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فأصل كل معصيه وبالء إنما هى الوسوسة ‪.‬‬

‫فمهما ك ان العبد مش غوالً بالطاع ات وذكر اهلل عز وجل ‪ ،‬فإنه ال يك ون عند ذلك محالً للوس اوس‬
‫فإذا غفل عن الذكر والطاعة وسوس إليه الشيطان بالمعاصى كما قال ابن القيم رحمه اهلل ‪:‬‬
‫إذا غفل القلب ساعة عن ذكر اهلل جثم عليه الشيطان وأخذ يعده ويمنيه ‪.‬‬

‫وأختم ه ذا الفصل بما يس تعان به من طاعة ال رحمن ال رحيم ح تى يحفظ العبد نفسه من وس اوس‬
‫الشياطين ‪:‬‬
‫غ فَا ْستَ ِع ْذ بِاهّلل ِ إِنَّهُ‬
‫ان نَ ْز ٌ‬
‫ك ِم َن ال َّش ْيطَ ِـ‬ ‫‪ -1‬االس تعاذة باهلل ق ال اهلل تع الى ‪َ ] :‬وإِ َّما يَ َ‬
‫نز َغنَّ َ‬
‫‪ ( .....‬األعراف ‪) 201 :‬‬ ‫َس ِمي ٌع َعلِي ٌم [‬

‫(‪)1‬‬
‫تفسير المعوذتينـ البن القيم (‪ )71‬باختصار وتصرف – السلفيه ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫وعن سليمان بن صرد قال ‪ :‬كنت جالسا ً مع النبى صلى هللا عليه وسلم ورجالن يس تبان فاح دهما‬
‫احم ر وجه ه وانتفخت أوداج ه ‪ ،‬فق ال الن بى ص لى هللا علي ة وس لم ‪ ( :‬إنى ألعلم كلمة لو قالها‬
‫‪.‬‬ ‫(‪)1‬‬
‫لذهب عنه ما يجد لو قال ‪ :‬أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد ) ‪ .‬الحديث‬

‫‪ -2‬قراءة المعوذات فقد قال صلى اهلل علية وسلم ‪ " :‬لم يتعوذ الناس بمثلهن " ‪.‬‬
‫( ‪)2‬‬

‫‪ -3‬قراءة أية الكرسى عند النوم كما فى حديث أبى هريره فمن قرأها عند نومه ال يزال عليه من‬
‫اهلل حافظ ال يقربه شيطان ‪.‬‬

‫‪ -4‬قراءة سورة البقرة قال النبى صلى اهلل عليه وسلم‬


‫( ‪)3‬‬
‫( إن البيت الذى فيه سورة البقرة ال يدخله الشيطان ) ‪.‬‬

‫‪ -5‬خاتمة سورة البقرة عن أبى مسعود االنصارى قال ‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪:‬‬
‫( ‪)4‬‬
‫( من قرأ األيتين من أخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه ) ‪.‬‬

‫‪ " -6‬ال أله إال اهلل وحده ال شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير " مائة مرة من‬
‫قرأها فى يوم كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى ‪.‬‬

‫‪ -7‬كثرة ذكر اهلل عز وجل فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر اهلل عز وجل ‪.‬‬

‫‪ -8‬الوضوء والصالة قال ابن القيم ‪ :‬وهذا أمر تجربته تغنى عن إقامة الدليل عليه ‪.‬‬

‫‪ -9‬إمساك فضول النظر والكالم والطعام ومخالطة الناس ‪ ،‬فإن الشيطان إنما يتسلط على‬
‫(‪)1‬‬
‫ابن أدم وينال منه غرضه من هذه األربعة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخارى ‪ ) 519 – 518 / 10 0‬األدب ‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 163 / 16‬البر والصله ‪ ،‬وابو داود ( ‪ ) 4759‬األدب ‪ ،‬قال ابن‬
‫كثير رحمه هللا ‪ :‬من لطائف األستعاذه أنها طهارة الفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب اللهو وهو بتالوة القرآن وهى‬
‫استعانه باهلل عز وجل واعتراف له بالقدره وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطن الذى ال يقدر على منعه‬
‫ودفعه إال هللا الذى خلقه وال يقبل ممناعه وال يدارى باحسان بخالف العدو من نوع األنسان كما دلت على ذلك ايات من القرآن‬
‫( ‪ ) 50 / 1‬التفسير ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه النسائى ( ‪ ) 251 / 8‬األستعاذه ‪ :‬وأحمد بمعناه ( ‪ ) 417 / 3‬وصححه األلبانى ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه مسلم ( ‪ ) 68 / 6‬صالة المسافرين بلفظ ‪ :‬أن الشيطان يفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقره ‪ ،‬والترمذى‬
‫( ‪ ) 10 / 11‬ثواب القرآن بلفظه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬رواه البخارى ( ‪ ) 50 / 9‬فضائل القرآن ‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 92 – 91 / 6‬صالة المسافرين ن والترمذى ( ‪ ) 12 / 10‬ثواب‬
‫القرآن ‪ ،‬وابو داود ( ‪ ) 1384‬الصاله ‪.‬‬
‫(‪ )1‬تفسير المعوذتينـ باختصار( ‪ ) 86 – 82‬وانظر البحر الرائق للمصنف ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫صفات المتقين‬

‫وبعد أن ذكرنا معنى التقوى وشرفها وطريق الوصول إليها نرى من المفيد كذلك أن نتعرف‬
‫على أصحاب هذه الرتب العليه ‪ ،‬والدرجات السنية ‪ ،‬حتى ال تدعيها النفوس وهى عارية منها ‪،‬‬
‫وقد يكون العلم بها مما يشحذ الهمم فى طلبها ‪ ،‬وبذل نفائس األنفاس فى خطبتها وقرانها ‪.‬‬

‫يقول ابن القيم رحمه اهلل ‪:‬‬


‫واما السابقون المقربون فنستغفر اهلل الذى ال إله إال هو أوالً من وصف حالهم وعدم‬
‫االتصاف به ‪ ،‬بل ما شممنا له رائحة ‪ ،‬ولكن محبة القوم تحمل على تعرف منزلتهم والعلم بها ‪،‬‬
‫وإ ن كانت النفوس متخلفة منقطعة عن اللحاق بهم ‪ ،‬ففى معرفة حال القوم فوائد عديده ‪:‬‬

‫منها أن ال يزال المتخلف المسكين مزرياً على نفسه ذاماً لها ‪ ،‬ومنها أن ال يزال منكسر القلب بين‬
‫يدى ربه تعالى ذليالًله حقيراً يشهد منازل السابقين وهو فى زمرة المنقطعين ‪،‬‬
‫ويشهد بضائع التجار وهو فى رفقة المحرومين ‪ ،‬ومنها أنه عساه أن تنهض همته يوماً إلي‬
‫التشبث والتعلق بساقة القوم ولو من بعيد ‪ ،‬ومنها أنه لعله أن يصدق فى الرغبة واللجوء إلى من‬
‫بيده الخير كله أن يلحقه بالقوم ويهيئه ألعمالهم فيصادف ساعة إجابة ال يسأل اهلل فيها شيئاً إال‬
‫إعطاه ‪ ،‬ومنها أن هذا العلم هو من أشرف علوم العباد ‪،‬‬
‫وليس بعد علم التوحيد أشرف منه ‪ ،‬وهو ال يناسب إال النفوس الشريفة ‪ ،‬وال يناسب النفوس‬
‫الدنيئه ‪ ،‬فإذا رأى نفسه تناسب هذا العلم وتشتاق إليه وتحبه وتأنس بأقلة فليبشر بالخير فقد أهل‬
‫له ‪ ،‬فليقل لنفسه ‪ :‬يا نفس فقد حصل لك شطر فاحرصى على الشطر االخر ‪ ،‬ومنها أن العلم بكل‬
‫حال خيراً من الجهل‬
‫ومنها أنه إذا كان العلم بهذا الشان همه ومطلوبه فالبد ان ينال منه بحسب استعداده ولو لحظه ولو‬
‫بارقة ‪ ،‬ولو أنه يحدث نفسه بالنهضة إليه ‪ ،‬ومنها أنه لعله يجرى منه على لسانه ما ينتفع به غيره‬
‫بقصده أو بغير قصده‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫واهلل ال يضيع مثقال ذرة فعسى أن يرحم بذلك العالم ‪ ،‬وإ ياك أن تظن أن بمجرد علم هذا الشأن‬
‫صرت من أهله ‪ ،‬هيهات ما أظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى وهو فقير وبين الغنى بالفعل ‪،‬‬
‫وبين العالم بأسباب الصحة وحدودها وهو سقيم وبين الصحيح بالفعل ‪ ،‬فاسمع األن وصف القوم‬
‫وأحضر ذهنك لشأنهم العجيب وخطرهم الجليل ‪ ،‬فإن وجدت من نفسك حركة وهمة إلى التشبه‬
‫بهم فاحمد اهلل وادخل فالطريق واضح والباب مفتوح‪:‬‬

‫فكنه تكن مثل ما يعجبك‬ ‫إذا أعجبتك خصال امرئ‬


‫إذا جئتها حاجب يحجبك‬ ‫فليس على الجود والمكرمات‬

‫‪ -1‬فمن صفات المتقين أنهم يؤمنون بالغيب إيماناً جازماً‪:‬‬


‫والغيب هو ما غاب عن حواسنا ما أخبرنا اهلل عز وجل بوجوده أو أخبرنا به رسوله صلى اهلل‬
‫عليه وسلم ‪ ،‬كاإليمان باهلل ومالئكته واإليمان باألخرة ‪ ،‬وال شك أن هذه الصفة أخص صفاتهم ‪،‬‬
‫فإنها التى تدعوهم إلى إقامة الصالة وإ يتاء الزكاة واالنقياد الكامل ألمر اهلل عز وجل‬
‫ونهيه ‪ ،‬وهذه الصفة هى أول صفة وصفهم اهلل عز وجل بها فى كتابه‪.‬‬

‫ون بِ ْال َغ ْي ِ‬
‫ب‬ ‫ين (‪ )2‬الَّ ِذ َـ‬
‫ين ي ُْؤ ِمنُ َ‬ ‫ْب فِي ِه هُ ًدى لِّ ْل ُمتَّقِ َ‬
‫ك ْال ِكتَابُ الَ َري َ‬ ‫قال اهلل تعالى ‪َ ] :‬ذلِ َ‬
‫ْك َو َما‬ ‫نز َل إِلَي َ‬ ‫ُ‬ ‫ون (‪ )3‬والَّ ِذ َـ‬
‫ين ي ُْؤ ِمنُ َ‬ ‫ون الصَّالةَـ َو ِم َّما َر َز ْقنَاهُ ْم يُنفِقُ َ‬
‫ون بِ َما أ ِ‬ ‫َويُقِي ُم َ‬
‫ون [ ‪ (........‬البقرة ‪) 4 – 2 :‬‬ ‫اآلخ َر ِة هُ ْم يُوقِنُ َ‬ ‫ك َوبِ ِ‬ ‫نز َل ِمن قَ ْبلِ َ‬
‫أ ِ‬
‫ُ‬
‫‪.‬‬
‫ومدحهم اهلل عز وجل كذلك فى هذه األيات الكريمات بأنهم أهل الهداية الحقيقية بالقرأن‬

‫قال القاسمى ‪ :‬قال الناصر فى االنتصاف ‪ :‬الهدى يطلق فى القرآن على معنيين‪:‬‬
‫أحداهما ‪ :‬االرشاد وإ يضاح سبيل الحق ومنه قوله تعالى ‪:‬‬
‫‪ (........‬فصلت ‪)17 :‬‬ ‫] َوأَ َّما ثَ ُمو ُد فَهَ َد ْينَاهُ ْم فَا ْستَ َحبُّوا ْال َع َمى َعلَى ْالهُ َدى [‬
‫وعلى هذا يكون الهدى للضال باعتبار أنه رشد إلى الحق سواء حصل له االهتداء أو ال ‪.‬‬
‫واألخر‪ :‬خلق اهلل تعالى االهتداء فى قلب العبد ومنه ‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫طريق الهجرتين ( ‪ ) 206 – 205‬باختصار ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫‪ ( ......‬االنعام ‪) 90 :‬‬ ‫ين هَ َدى هّللا ُ فَبِهُ َداهُ ُم ا ْقتَ ِد ْه [‬ ‫] أُ ْولَـئِ َـ‬
‫ك الَّ ِذ َـ‬
‫فإذا ثبت وروده على المعنيين فهو فى هذه األية يحتمل أن يراد به المعنيان جميعاً ‪.‬‬

‫وعلى األول فتخصيص الهدى بالمتقين للتنويه بمدحهم حتى يتبين أنهم هم الذين اهتدوا وانتفعوا‬
‫‪ (.......‬النازعات ‪) 45 :‬‬ ‫نت ُمن ِذ ُر َمن يَ ْخ َشاهَا [‬ ‫به كما قال تعالى ‪ ] :‬إِنَّ َما أَ َ‬
‫‪ ( ......‬يس ‪) 11 :‬‬ ‫ب [‬
‫وقال ] إِنَّ َما تُن ِذ ُر َم ِن اتَّبَ َع ال ِّذ ْك َر َو َخ ِش َي الرَّحْ َمن بِ ْال َغ ْي ِ‬

‫وقد كان صلى اهلل عليه وسلم منذراً لكل الناس فذكر هؤالء ألجل أنهم هم الذين انتفعوا بإنذاره ‪،‬‬

‫ين آ َمنُوا هُ ًدى َو ِشفَاء َوالَّ ِذ َ‬


‫ين اَل ي ُْؤ ِمنُ َ‬
‫ون فِي‬ ‫وهذه األية نظير أية ‪ ]:‬قُلْ هُ َو لِلَّ ِذ َـ‬
‫‪ (..‬فصلت ‪) 44 :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ان بَ ِعي ٍد [‬ ‫آ َذانِ ِه ْم َو ْق ٌر َوهُ َو َعلَ ْي ِه ْم َع ًمى أُ ْولَئِ َ‬
‫ك يُنَا َد ْو َن ِمن َّم َك ٍ‬

‫‪ -2‬ومن صفاتهم أنهم يعفون ويصفحون ‪:‬‬

‫‪ ( .......‬البقرة ‪) 237 :‬‬ ‫وا أَ ْق َربُ لِلتَّ ْق َوى [‬


‫كما قال تعالى ‪َ ] :‬وأَن تَ ْعفُ ْ‬
‫وقد قال عز وجل ‪:‬‬
‫] َو َج َزاء َسيِّئَ ٍة َسيِّئَةٌ ِّم ْثلُهَا فَ َم ْن َعفَا َوأَصْ لَ َـح فَأَجْ ُرهُ َعلَى هَّللا ِ إِنَّهُ اَل ي ُِحبُّ‬
‫ين [ ‪(......‬الشورى ‪) 40 :‬‬ ‫الظَّالِ ِم َ‬

‫فأخبر اهلل عز وجل أن من اتصف بهذه الصفة فأجره فى ذلك على اهلل عز وجل كما رغبهم اهلل‬
‫عز وجل فى مغفرته إذا فعلوا ذلك فقال عز وجل فى سورة النور ] َو ْليَ ْعفُوا َو ْليَصْ فَحُوا‬
‫َّحي ٌم [ ……( النور ‪) 22 :‬‬ ‫ُّون أَن يَ ْغفِ َر هَّللا ُ لَ ُك ْم َوهَّللا ُ َغفُو ٌر ر ِ‬
‫أَاَل تُ ِحب َ‬
‫اس َوهّللا ُ ي ُِحبُّ‬ ‫ين ْال َغ ْيظَ َو ْال َعافِ َ‬
‫ين َع ِن النَّ ِ‬ ‫وقال تعالى فى وصف المتقين ] َو ْال َك ِ‬
‫اظ ِم َ‬
‫ين [‪ ( ....‬أل عمران ‪) 134 :‬‬ ‫ْال ُمحْ ِسنِ َ‬

‫قال العالمة محمد رشيد رضا ‪:‬‬

‫(‪)1‬‬
‫محاسن التأويل ( ‪ ) 34 / 2‬دار الفكر بيروت ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫قال الراغب ‪ :‬الغيظ أشد الغضب ‪ ،‬وهو الحرارة التى يجدها اإلنسان من فوران دم قلبه ‪،‬‬
‫وفى روح المعانى ‪ :‬أن الغيظ هيجان الطبع عند رؤية ما ينكر ‪ ،‬والفرق بينه وبين‬
‫الغضب على ما قيل ‪ :‬أن الغضب يتبعه إرادة االنتقام البته ‪ ،‬وال كذلك الغيظ ‪.‬‬

‫وقال الزمخشرى ‪ :‬كظم الغيظ هو ان يمسك ما فى نفسه منه بالصبر وال يظهر له أثراً ‪،‬‬
‫ويروى عن عائشة أن خادماً لها غاظها فقالت ‪ :‬هلل در التقوى ما تركت لذى غيظ شفاء ‪.‬‬
‫العفو عن الناس هو التجافى عن ذنب المذنب منهم وترك‬ ‫اس [‬ ‫] َو ْال َعافِ َ‬
‫ين َع ِن النَّ ِ‬
‫مؤاخذته مع القدرة عليها ‪ ،‬وتلك مرتبة فى ضبط النفس والحكم عليها وكرم المعاملة قل من‬
‫يتبوأها ‪،‬‬
‫فالعفو مرتبة قبل مرتبة كظم الغيظ ‪ ،‬إذ ربما يكظم المرء غيظه على حقد وضغينة ‪،‬‬
‫وهناك مرتبة أعلى منها وهى ما أفاده قوله عز وجل ‪َ ] :‬وهّللا ُ ي ُِحبُّ ْال ُمحْ ِسنِ َ‬
‫ين [‬
‫فاإلحسان وصف من اوصاف المتقين ‪ ،‬ولم يعطفه على ما سبقه من الصفات بل صاغه‬
‫بهذه الصيغة تمييزاً له بكونه محبوباً عند اهلل تعالى ويروى أن بعض السلف غاظه غالم له فجأة‬
‫َ[ فقال ‪ :‬كظمت غيظى ‪،‬‬ ‫ين ْال َغيْظ‬ ‫غيظاً شديداً فهم باالنتقام منه فقال الغالم ] َو ْال َك ِ‬
‫اظ ِم َ‬
‫ين َع ِن النَّاس ِ [فقال ‪ :‬عفوت عنك ‪ .‬قال ] َوهّللا ُ ي ُِحبُّ‬ ‫قال الغالم ‪َ ] :‬و ْال َعافِ َ‬
‫ْال ُمحْ ِسنِ َ‬
‫ين [‬
‫(‪)1‬‬
‫قال ‪ :‬اذهب فأنت حر وجه اهلل ‪ .‬فهذه الواقعة تبين لك ترتيب المراتب الثالثة ‪.‬‬

‫‪ -3‬ومن صفاتهم أنهم غير معصومين من الخطايا إال من عصمه اهلل عز وجل من‬
‫االنبياء غير أنهم ال يقارفون الكبائر ‪ ،‬وال يصرون على الصغائر ‪:‬‬

‫بل كلما وقعوا فى صغيرة رجعوا إلى اهلل بالتوبة واالستغفار والعمل الصالح عمالً بقول النبى‬
‫(‪)1‬‬
‫صلى اهلل عليه وسلم ‪ ( :‬اتبع السيئة‪ 8‬الحسنة تمحها ) ‪.‬‬

‫ف ِّم َن ال َّش ْيطَ ِ‬


‫ان‬ ‫ين اتَّقَ ْ‬
‫وا إِ َذا َم َّسهُ ْم طَائِ ٌ‬ ‫ودل على هذه الصفة قوله عز وجل ‪ ]:‬إِ َّن الَّ ِذ َ‬
‫ُون [ ‪ (.........‬األعراف ‪) 201 :‬‬ ‫ْصر َ‬ ‫تَ َذ َّكر ْ‬
‫ُوا فَإ ِ َذا هُم ُّمب ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫تفسير المنار باختصار ( ‪. ) 135 ، 134 / 4‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تقدم تخريجه‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫قال ابن كثير رحمه اهلل ‪ :‬يخبر تعالى عن المتقين من عبادة الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما‬
‫عنه زجر ‪ ،‬أنهم إذا مسهم ‪ -‬أى ‪ :‬أصابهم ‪ -‬طيف وقرأ األخرون طائف ‪ ،‬وقد جاء‬
‫فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان فقيل ‪ :‬بمعنى واحد ‪ ،‬وقيل ‪ :‬بينهما فرق ‪ ،‬ومنهم من فسر‬
‫ذلك بالغضب ‪ ،‬ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصدع ونحوه ‪ ،‬ومنهم من فسره بالهم بالذنب ‪،‬‬
‫ومنهم من فسره بإصابة الذنب ‪ ،‬وقوله ‪ ]:‬تَ َذ َّكرُوا [ أى ‪ :‬عقاب اهلل وجزيل ثوابه‬
‫ُون [ أى ‪ :‬قد استقاموا‬
‫ْصر َ‬
‫ُّمب ِ‬ ‫ووعده ووعيده فتابوا وانابوا ورجعوا إليه من قريب ‪ ]:‬فَإ ِ َذا هُم‬
‫(‪)2‬‬
‫وصحوا مما كانوا فيه ‪.‬‬
‫ثم ذكر اهلل عز وجل ما يقابل هذه الصفة فى المتقين بقوله تعالى ‪:‬‬
‫‪ ( ........‬اإلعراف ‪)202 :‬‬ ‫ُون [‬
‫صر َ‬‫] َوإِ ْخ َوانُهُ ْم يَ ُم ُّدونَهُ ْم فِي ْال َغ ِّي ثُ َّم الَ يُ ْق ِ‬

‫قال العالمة رشيد رضا رحمه اهلل ‪ :‬شأن المؤمنين المتقين إذا مسهم طائف من الشيطان لحملهم‬
‫على محاكاة الجاهلين والخوض معهم وعلى غير ذلك من المعاصى والفساد تذكروا‬
‫فأبصروا فحذروا وسلموا ‪ ،‬وإ ن زلوا تابوا وأنابوا ‪ ،‬وأن إخوان الشياطين وهم الجاهلون‬
‫غير المتقين تتمكن الشياطين من إهوائهم فيمدونهم فى غيهم وفسادهم ‪،‬‬

‫ألنهم ال يذكرون اهلل تعالى إذا شعروا فى أنفسهم بالنزوع إلى الشر والباطل والفساد فى‬
‫األرض ‪ ،‬وال يستعيذون منه باهلل ‪ ،‬وإ ما ألنهم ال يؤمنون بأن لإلنسان شيطاناً من الجن يوسوس‬
‫إليه ويغريه بالشر – ثم ال يقصرون وال يكفون عن إغوائهم وإ فسادهم لذلك يصرون‬
‫(‪)1‬‬
‫على الشرور والفساد لفقد الوازع النفسى والواعظ الدينى ‪.‬‬

‫‪ -4‬ومن صفاتهم أنهم يتحرون الصدق فهم أصدق الناس إيماناً وأصدقهم أقواالً‬
‫وأعماالً وهم الذين صدقوا المرسلين‬

‫‪ (..‬الزمر ‪) 33 :‬‬ ‫ون [‬ ‫ق بِ ِه أُ ْولَئِ َ‬


‫ك هُ ُم ْال ُمتَّقُ َ‬ ‫ص َّد َـ‬ ‫قال تعالى ‪َ ] :‬والَّ ِذي َجاء بِالصِّ ْد ِـ‬
‫ق َو َ‬

‫(‪)2‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ( ‪. ) 279 / 2‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تفسير المنار ( ‪ ) 550 / 9‬بتصرف ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫قيل ‪ :‬الذى جاء بالصدق هو محمد صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬وقيل ‪ :‬جبريل عليه السالم ‪،‬‬
‫وقال مجاهد ‪ :‬أصحاب القران المؤمنون ‪ :‬يجيئون يوم القيامة فيقولون ‪ :‬هذا ما اعطيتمونا بما‬
‫أمرتمونا‪.‬‬

‫قال ابن كثير ‪ :‬وهذا القول عن مجاهد يشمل كل المؤمنين ‪ ،‬فإن المؤمنين يقولون‬
‫الحق ويعملون به ‪ ،‬والرسول صلى اله عليه وسلم أولى الناس بالدخول فى هذه االية على هذا‬
‫التفسير ‪ ،‬فإنه جاء بالصدق وصدق المرسلين ‪ ،‬وأمن بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن‬
‫(‪)2‬‬
‫باهلل ومالئكته وكتبه ورسله‪.‬‬

‫‪ (......‬البقرة ‪) 77 :‬‬ ‫ون [‬ ‫ص َدقُوا َوأُولَـئِ َـ‬


‫ك هُ ُم ْال ُمتَّقُ َ‬ ‫وقال تعالى ‪ ] :‬أُولَـئِ َـ‬
‫ك الَّ ِذ َـ‬
‫ين َ‬

‫فى إيمانهم ألنهم حققوا اإليمان القلبى باألقوال‬ ‫ص َدقُوا [‬


‫ين َ‬ ‫قال القاسمى ‪ ] :‬أُولَـئِ َـ‬
‫ك الَّ ِذ َـ‬
‫واألفعال ‪ ،‬فلم تغيرهم األحوال ولم تزلزلهم األهوال ‪،‬‬

‫ون [‬ ‫] َوأُولَـئِ َـ‬


‫ك هُ ُم ْال ُمتَّقُ َ‬ ‫وفيه إشعار بأن من لم يفعل أفعالهم لم يصدق فى دعواه اإليمان‬
‫عن الكفر وسائر الرذائل ‪ ،‬وتكرير اإلشاره لزيادة تنويه بشأنهم ‪ ،‬وتوسيط الضمير لإلشارة‬
‫(‪)1‬‬
‫النحصار التقوى فيهم‬
‫وقد رغب النبى صلى اله عليه وسلم فى هذه الخصلة النبيلة والرتبة الجليلة فقال صلى اهلل عليه‬
‫( ‪)2‬‬
‫وسلم ( وما يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتي يكتب عند اهلل صديقا ) ‪.‬‬

‫‪ -5‬ومن صفاتهم أنهم يعظمون شعائر اهلل‬

‫‪ (...‬الحج ‪)32:‬‬ ‫ب[‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ ]:‬ذلِ َ‬


‫ك َو َمن يُ َعظِّ ْم َش َعائِ َر هَّللا ِ فَإِنَّهَا ِمن تَ ْق َوى ْالقُلُو ِ‬
‫قال القرطبى رحمه اهلل عليه ‪:‬‬
‫الشعائر جمع شعيره‬ ‫قوله تعالى ] َذلِ َ‬
‫ك َو َمن يُ َعظِّ ْم َش َعائِ َر [‬
‫(‪ )2‬تفسير القرآن العظيم ( ‪. ) 53 / 4‬‬
‫(‪ )1‬تفسير القاسمى ( ‪) 54 / 3‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخارى ( ‪ ) 507 / 10‬األدب ‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 160 / 16‬البر و الصله ‪ ،‬وابو داود ( ‪ ) 4968‬األدب ‪ ،‬وابن ماجه‬
‫( ‪ ) 46‬المقدمه بزيادة فى اوله ‪ ،‬واللفظ لمسلم ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫وهى كل شئ هلل تعالى فيه أمر أشعر به واعلم ‪ ،‬ومنه القوم فى الحرب ‪ ،‬أى عالمتهم التى‬
‫يتعارفون بها تسمى شعيره بمعنى المشعورة ‪ ،‬فشعائر اإلسالم أعالم دينه ‪ ،‬والسيما ما يتعلق‬
‫بالمناسبك ‪،‬‬
‫وقال قوم ‪ :‬المراد هنا تسمية البدن واالهتمام بأمرها ‪ ،‬والمغاالة بها قاله ابن عباس ومجاهد‬
‫وجماعة ‪ ،‬وفيه إشارة لطيفة ‪ ،‬وذلك أن أصل شراء البدن ربما حصول اإلجزاء بما دونها فال‬
‫يظهر له عمل إال تعظيم الشرع وهو من تقوى القلوب واهلل أعلم ‪.‬‬

‫واضاف التقوى الى القلوب الن حقيقة التقوى فى القلب ولهذا قال (ص) فى الحديث الصحيح ‪:‬‬
‫( ‪)1‬‬
‫( التقوى ها هنا واشار الى صدره )‬

‫فالمتقون يعظمون طاعة اهلل وأمره فيدفعهم ذلك الى طاعته ‪ ،‬ويعظمون كذلك ما نهى اهلل عنه‬
‫فيدفعهم ذلك عن معصيته ‪ ،‬وعكس ذلك االستهانة باالوامر فال يؤديها ‪ ،‬وبالنواهى فيقع فيها نسال‬
‫اهلل السالمة ‪.‬‬

‫قال انس رضى اهلل عنة ‪:‬‬


‫" انكم لتعلمون اعماال هى ادق فى اعينكم من الشعر ‪ ،‬كنا لنعدها على عهد رسول اهلل من‬
‫(‪)2‬‬
‫الموبقات "‪.‬‬

‫قال ابو عبداهلل ‪ :‬يعنى بذلك المهلكات ‪ ،‬وعن ابن مسعود رضى اهلل عنة قال‪ ( :‬ان المؤمن‬
‫يرى ذنوبه‪ 8‬كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ‪ ،‬وإ ن الفاجر يرى ذنوبه‪ 8‬كذباب مر على‬
‫(‪)3‬‬
‫انفة فقال به هكذا ) ‪.‬‬

‫قال العينى ‪ :‬السبب فى ان قلب المؤمن منور فاذا راى من نفسة ما يخالف ذلك عظم االمر علية‬
‫‪ ،‬والحكمة فى التمثيل بالجدل ان غيرة من المهلكات قد يحصل منة النجاة بخالف الجدل اذا سقط‬
‫(‪)4‬‬
‫علية فانة ال ينجو عادة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الجامع ألحكام القرآن ( ‪ ) 4448 / 5‬باختصار ‪ ،‬والحديث رواه مسلم ( ‪ ) 121 – 120 / 16‬البر والصله ‪ ،‬والترمذى‬
‫( ‪ ) 15 / 8‬البر ‪ ،‬وأحمد ( ‪. ) 27702‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخارى ( ‪ ) 329 / 11‬الرقاق ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه البخارى ( ‪ ) 102 / 11‬الدعوات ‪ ،‬الترمذى ( ‪ ) 308 / 9‬صفة القيامه ‪.‬‬
‫(‪ )4‬نقالً عن هامش جامع األصول ( ‪. ) 508 / 11‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫‪ -6‬ومن صفاتهم انهم يتحرون العدل ويحكمون بة وال يحملهم بغض احد على تركة‬
‫‪:‬‬

‫وا هُ َو أَ ْق َربُ لِلتَّ ْق َوى‬


‫وا ا ْع ِدلُ ْـ‬ ‫قال اهلل تعالى‪َ ] :‬والَ يَجْ ِر َمنَّ ُك ْم َشنَ ُ‬
‫آن قَ ْو ٍم َعلَى أَالَّ تَ ْع ِدلُ ْـ‬
‫ر بِ َما تَ ْع َملُون [ ‪ (............‬المائدة ‪) 8 :‬‬ ‫َواتَّقُ ْ‬
‫وا هّللا َ إِ َّن هّللا َ َخبِي ٌ‬
‫قال الزمخشرى ‪:‬‬
‫ال يحملنكم بغض المشركين على أن تتركوا العدل فتعتدوا عليهم بأن تنتصروا منهم وتتشفوا بما‬
‫فى قلوبكم من الضغائن بارتكاب ما ال يحل لكم من مثلة أو قذف من مثلة أو قذف أو قتل أوالد أو‬
‫نهاهم اوالً أن تحملهم‬ ‫ساء أو نقض عهد أو ما أشبه ذلك ] ا ْع ِدلُ ْـ‬
‫وا هُ َو أَ ْق َربُ لِلتَّ ْق َوى [‬
‫البغضاء على ترك العدل ‪ ،‬ثم استانف فصرح لهم باألمر بالعدل تاكيداً وتشديداً ‪ ،‬ثم استأنف فذكر‬
‫لكونه لطفاً فيها ‪ .‬وفيه تنيه عظيم‬ ‫لهم وجه االأمر بالعدل وهو قوله ] هُ َو أَ ْق َربُ لِلتَّ ْق َوى [‬
‫علىوجب العدل مع الكفار الذين هم أعداء اهلل إذا كان بهذه الصفة من القوة ‪ ،‬فما الظن بوجوب مع‬
‫(‪)1‬‬
‫المؤمنين الذين هم أولياؤه واحباؤه‬
‫وقد ثبت فى الصحيحين عن النعمان بن بشير أنه قال ( نحلنى أبى نحالً فقالت أمى ‪ :‬ال أرضى‬
‫حتى عن النعمان بن بشير انه قال ‪ ( :‬نحلنى أبى نحال فقالت أمى ‪ :‬ال أرضى حتى تشهد عليه‬
‫رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم فجاءه ليشهده على صدقتى فقال ‪:‬‬
‫( أكل ولدك نحلت مثله ؟ ) قال ‪ :‬ال‪ .‬فقال ‪ ( :‬اتقوا اهلل واعدلوا بين أوالدكم ) ‪ .‬قال ‪ :‬فرجع‬
‫(‪)2‬‬
‫أبى فرد تلك الصدقة ‪.‬‬
‫‪ -7‬ومن صفاتهم أنهم يتبعون سبيل الصادقين من األنبياء والمرسلين وصحابة سيد‬
‫األولين واالخرين صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫……‪ (.‬التوبة ‪:‬‬ ‫ين [‬ ‫وا هّللا َ َو ُكونُ ْ‬


‫وا َم َع الصَّا ِدقِ َ‬ ‫وا اتَّقُ ْ‬ ‫قال اهلل تعالى ‪ ] :‬يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َـ‬
‫ين آ َمنُ ْ‬
‫‪)119‬‬

‫(‪)1‬‬
‫تفسيرالكشاف ( ‪ )613 / 612 / 1‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫رواه البخارى ( ‪ ) 211 / 5‬الهبه (‪ ) 258 / 5‬الشهادات ‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 67 / 11‬الهبه ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫وقد فسر بعض العلماء هذه األية على أنها تحريض على الصدق وأمر به كابن كثير والقاسمى ‪،‬‬
‫ورجح بعضهم أها حض على التزام طريق الصادقين كالشوكانى ‪ ،‬ونقل عن سعيد بن جبير‬
‫أبو بكروعمر ‪ ،‬وذكر القرطبى وابن جرير القولين‬ ‫ين [‬ ‫والضحاك ] َ ُكونُ ْ‬
‫وا َم َع الصَّا ِدقِ َ‬
‫ورجح ابن جرير الثانى منها فقال ‪:‬‬

‫والضحاك ‪ ،‬وذلك أن رسوم‬ ‫(‪)1‬‬


‫والصحيح من التأويل فى ذلك هو التأويل الذى ذكرناه عن نافع‬
‫وعى القراءة التى ال أستجيز ألحد‬ ‫ين [‬ ‫] َو ُكونُ ْ‬
‫وا َم َع الصَّا ِدقِ َ‬ ‫المصحف كلها مجمعه على‬
‫فى ذلك على قراءته تأويل صحيح غير أن‬ ‫(‪)2‬‬
‫القراءة بخالفها ‪ ،‬وتأويل عبد اهلل رحمة اهلل عليه‬
‫(‪)3‬‬
‫القراءة بخالفها ‪.‬‬

‫وقال القرطبى ‪ :‬هذا األمر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثالثة حين نفعهم الصدق‬
‫وذهب بهم عن منازل المنافقين واختلف فى المراد هنا بالمؤمنين الصادقين على اقوال فقيل هو‬
‫خطاب لمن أمن من أهل الكتاب ‪،‬‬
‫اى مع الذين خرجوا مع النبى صلى اهلل عليه وسلم ال مع‬ ‫ين [‬ ‫قيل ] َو ُكونُ ْـ‬
‫وا َم َع الصَّا ِدقِ َ‬
‫المنافقين ‪ ،‬اى كونوا على مذاهب الصادقين وسبيلهم ‪ .‬وقيل هم المهاجرون لقول ابى بكر يوم‬
‫السقيفه ‪:‬‬
‫‪ (........‬الحشر ‪) 8 :‬‬ ‫ين [‬
‫اج ِر َ‬‫إن اهلل سمانا الصادقين فقال ] لِ ْلفُقَ َراء ْال ُمهَ ِ‬
‫ان [‪ (........‬الحشر ‪) 9 :‬‬
‫ار َواإْل ِ ي َم َ‬ ‫ثم سماكم بالمفلحين فقال ‪َ ] :‬والَّ ِذ َ‬
‫ين تَبَ َّو ُؤوا ال َّد َ‬
‫وقيل ‪ :‬هم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم ‪.‬‬

‫قال ابن العربى ‪ :‬وهذا القول هو الحقيقة والغاية التى إليها المنتهى ‪ ،‬فإن هذه الصفة يرتفع بها‬
‫النفاق فى العقيدة والمخالفة فى العمل ‪،‬‬
‫وصاحبها يقال له الصديق كابى بكر وعمر وعثمان ومن دونهم على منازلهم وازمانهم ‪،‬‬

‫(‪)1‬‬
‫األثر عن نافع قال ‪ :‬قيل للثالثه الذين خلفوا ‪ :‬يا ايها الذين أمنوا اتقوا هللا وكونوا مع الصادقين محمد وأصحابه ‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قال بن جرير ‪ :‬وكان ابن مسعود فيما ذكر عنه يقرأه } وكونوا من الصادقين { ويتأوله إن ذلك نهى من هللا عن الكذب ‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫جامع البيان فى تفسير القرآن ( ‪ ) 46 / 11‬دار المعرفه بيروت ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫(‪)4‬‬
‫وأما تفسير أبى بكر الصديق فهو الذى يعم األقوال كلها فغن جميع الصفات فيهم موجودة ‪.‬‬

‫فال شك أن من صفات المتقين أنهم ينتهجون منهج الصحابة رضى اهلل عنهم ‪ ،‬ألنهم أولى الناس‬
‫بهذه الصفة التى أمرنا اهلل أن نكون مع أهلها ‪ ،‬فقد شهد اهلل عز وجل لهم بالصدق ‪ ،‬وشهد لهم‬
‫رسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فال يجوز ألحد أن يلزمهم بشئ ‪ ،‬أو يتهمهم بما برأهم اهلل عز وجل‬
‫ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،‬فالصحابة كلهم عدول ‪ ،‬وظهرت فيهم من عالمات الصدق‬
‫واإليمان واليقين ما يجعل العاقل يقطع بتعدلهم ‪ ،‬فمن تقوى اهلل عز وجل مواالتهم ومحبتهم‬
‫ونصرتهم واالحتجاج بغجماعهم ‪ ،‬وفهم تقثوى اهلل عز وجل مواالتهم ومحبتهم ونصرتهم‬
‫واالحتجاج بغجماعهم ‪ ،‬وفهم الكتاب والسنة على منهجهم وطريقهم ‪ ،‬وبغض من يبغضهم وبغير‬
‫الخير يذكرهم ‪.‬‬

‫(‪)4‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن ( ‪ ) 3128 / 4‬باختصار ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫المتقون يدعون ما ال بأس به حذراً مما به بأس ويتقون الشبهات‬

‫عن ابن عمر رضى اهلل عنهما قال ‪ ":‬ال يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك فى الصدر‬
‫(‪)1‬‬
‫"‪.‬‬

‫قال الحافظ ‪ :‬المراد بالتقوى وقاية النفس عن الشرك واالعمال السيئة والمواظبه على األعمال‬
‫الصالحة ‪ ،‬وقوله " حاك" أى تردد ففيه إشارة أن بعض المؤمنين بلغ كنه اإليمان وحقيقته ‪،‬‬
‫وبعضهم لم يبلغ ‪ .‬وقد أخرج ابن أبى الدنيا فى كتاب التقوى عن ابى الرداء قال ‪ (:‬تمام التقوى‬
‫(‪)2‬‬
‫أن تتقى اهلل حتى تترك ما ترى أنه حالل خشية أن يكون حراماً )‪.‬‬

‫(‪)3‬‬
‫وعن عبد اهلل بن مسعود رضى اهلل عنه قال ‪ ":‬دع ما يريبك إلى ما ال يريبك "‪.‬‬

‫ومعنى ذلك أنهم يتركون كل ما يشكون فى حلة فإن الحالل المحض ال يحصل للمؤمن فى قلبه‬
‫شك ‪ ،‬وغنما تسكن إليه النفس ‪ ،‬ويشبه هذا الحديث‬

‫كذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم ‪ (:‬إن الحالل بين وبينهما أمور مشتبهات ال يعلمهن كثير من‬
‫الناس ‪ ،‬فمن اتقى الشبهات فقد استبرا لدينه وعرضه ‪ ،‬ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام‬
‫( ‪)1‬‬
‫)‪.‬‬

‫فالمتقون يتورعون عن الشبهات وعما يرتابون فيه ما ليس حالالً بينا ‪ ،‬وذلك أدعى أن يتورعوا‬
‫عن الحرام البين ‪ ،‬ومن اجترأ على الشبهة اجترأ كذلك على الحرام ‪ ،‬ففى رواية الصحيحين ‪:‬‬

‫(‪ )1‬رواه البخارى تعليقا مجزوما به ( ‪ ) 45 / 1‬األيمان ‪ ،‬وروى الترمذى ( ‪ ) 278 / 9‬صفة القيامه ‪ ،‬و ابن ماجه (‪) 4215‬‬
‫الزهد ‪ ،‬والحاكم ( ‪ ) 319 / 4‬عن عطيه السعدى قال ‪ :‬قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم ‪ " :‬ال يبلغ العبد أن يكون من المتقين‬
‫حتى يدع ما ال بأس به حذراً مما به بأس " وقال الترمذى ‪ :‬حسن غريب وصحح أسناده الحاكم والذهبى وضعفه األلبانى ‪ ،‬وأنظر‬
‫بلوغ المرام ( ‪. ) 178‬‬
‫(‪ )2‬فتح البارى ( ‪ ) 48 / 1‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪ )3‬رواه النسائى ( ‪ ) 230 / 8‬أداب القضاء وقال أبو عبد الرحمن ‪ :‬هذا الحديث جيد ‪ ،‬وقال األلبانى ‪ :‬صحيح األسناد موقوف –‬
‫يعنى على عبد هللا بن مسعود رضى هللا عنه – وقد روى هذا الحديث مرفوعا ً عن الحسن بن على بن أبى طالب خرجه أحمد‬
‫والترمذى والنسائى وابن حبان والحاكم وصححه الترمذى وهو فى جامع العلوم الحديث الحادى عشر وأنظر كالم بن رجب رحمه‬
‫هللا ( ‪. ) 102 – 101‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخارى ( ‪ ) 126 / 1‬األيمان ‪ ،‬ومسلم ( ‪ ) 2711‬المساقاه والمزارعه ‪ ،‬وابو داود ( ‪ ) 2313‬البيوع ‪ ،‬والترمذى ( ‪/ 5‬‬
‫‪ ) 199 – 189‬البيوع ‪ ،‬وابن ماجه ( ‪ ) 3984‬الفتن ‪ ،‬والدرامى ( ‪ ، ) 245 / 2‬وأحمد ( ‪. ) 269 / 4‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫( فمن ترك ما يشتبه عليه من اإلثم كان لما استبان أترك ) يعنى ‪ :‬أن ترك اإلثم مع اشتباهه‬
‫عليه فهو أولى بتركه إذا استبان أنه إثم ‪.‬‬

‫قال ابن رجب رحمه اهلل ‪ :‬وههنا أمر ينبغى التفطن له وهو أن التدقيق فى التوقف‬
‫عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله فى التوقف والورع ‪،‬‬
‫فأما من يقع فى انتهاك المحرمات الظاهره ثم يريد أن يتورع عن شئ من دقاءق الشبهة فإنه‬
‫ال يحتمل له ذلك بل ينكر عليه ‪،‬‬
‫كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق ‪ :‬يسألوننى عن دم البعوض وقد‬
‫(‪)2‬‬
‫قتلوا الحسين وسمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول ‪ (:‬هما ريحانتاى من الدنيا ) ‪.‬‬

‫وسأل رجل بشر بن الحرث عن رجل له زوجه وامه تأمره بطالقها ‪:‬‬

‫فقال إن كان بر أمه فى كل شئ ولم يبق من برها إال طالق زوجته فليفعل ‪ ،‬وإ ن كان يبرها‬
‫بطالق زوجته ثم يقوم بعد ذلك يشترى بقالً ويشترط الخوصة – يعنى التى تربط بها حزمة لبقل‬
‫– فقال أحمد ‪ :‬إيش هذه المسائل ؟ قيل ‪ :‬إن إبراهيم بن أبى نعيم‬
‫يفعل ذلك ‪ .‬فقال أحمد ‪ :‬إن كان إبراهيم بن أبى نعيم فنعم ‪ ،‬هذا يشبه ذاك ‪ ،‬وغنما أنكر هذه‬
‫المسائل ممن ال يشبه حاله ‪ ،‬وأما أهل التدقيق فى الورع فيشبه حالهم هذا ‪ ،‬وقد كان اإلمام أحمد‬
‫نفسه يستعمل فى نفسه هذا الورع فإنه أمر من يشترى له سمناً فجاء على ورقة فأمر برد إلى‬
‫(‪)1‬‬
‫البائع ‪.‬‬

‫(‪ )2‬رواه البخارى ( ‪ ) 95 / 7‬فضائل الصحابه ‪ ،‬والترمذى ( ‪ ) 193 / 13‬المناقب ‪ ،‬قال ابن األثير ‪ ( :‬الريحان والريحانه )‬
‫الرزق والراحه ‪ ،‬ويسمى الولد ريحان وريحانه لذلك ‪.‬‬
‫(‪ )1‬جامع العلوم والحكم ( ‪ ) 104 – 103‬باختصار ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫ثمرات التقوى‬

‫ونختم هذا البحث المعطار بذكر ثمرات التقوى العاجلة واالجلة نسأل اهلل سعادة األولى واألخرة‬
‫فالتقوى هى أعظم سبب للسعادة فى الدنيا واألخرة ‪ ،‬بل ال سعادة بدونها ‪ ،‬ألن مدار التقوى على‬
‫معرفة اهلل عز وجل معرفة تشغل العبد بطاعته وذكره وشكره ‪ ،‬وهذه من سعادة النفوس ‪ ،‬وما‬
‫يترتب على ذلك من محبة اهلل عز وجل والرضا به وحسن التوكل عليه ‪.‬‬

‫سعادة أعظم من السعادة األولى ‪ ،‬فالمتقون يسعدون بالطاعة وثمارها فى الدنيا ‪ ،‬وشاهد هذه‬
‫السعادة فى نفس العبد أنه إذا وقع فى معصية اهلل عز وجل لضعف وازع التقوى كم يجد من‬
‫حرج فى صدره وضيق ووحشه بينه وبين اهلل عز وجل وبين عباد اهلل المؤمنين ‪ ،‬فلو حصلت له‬
‫الدنيا بحذافيرها لم تعوضه هذه الوحشة ‪.‬‬

‫يقول ابن القيم رحمه اهلل واصافاً من ذاق شيئاً من سعادة التقوى ثم حرم ذلك ‪:‬‬
‫" ومن ذاق ٍ‬
‫شيئا من ذلك طريقاً موصلة إلى اهلل ثم تركها واقبل على إرادته وراحاته وشهواته‬
‫ولذاته وقع فى أثار المعاصب ‪ ،‬وأودع قلبه سجون المضايق ‪ ،‬وعذب فى حياته عذاباً لم يعذب به‬
‫احد من العالمين ‪ ،‬فحياته عجز وغم وحزن ‪ ،‬وموته كدر وحسره ‪ ،‬ومعاده أسف وندامه ‪ ،‬قد‬
‫فرط عليه أمره وشتت عليه شمله ‪ ،‬وأحضر نفسه الغموم واالحزان ‪ ،‬فال لذة الجاهلين ‪،‬‬
‫وال راحة العارفين ‪ ،‬يستغيث فال يغاث ‪ ،‬ويشتكى فال يشتكى ‪،‬‬
‫فقد ترحلت أفراحه وسروره مدبرة ‪ ،‬واقبلت االمه وأحزانه وحسراته ‪ ،‬فقد أبدل بأنسه وحشه ‪،‬‬
‫ويعزه ذالً ‪ ،‬وبغناه فقراً ‪ ،‬وبجمعيته تشتتاً ‪ ،‬وابعدوه فلم يطظفر بقربهم ‪،‬‬
‫وأبدلوه مكان األنس إيحاشاً ذلك بأنه عرف طريقه إلى اهلل ثم تركها وناكب عنها مكباً‬
‫على وجهه ‪ ،‬فأبصر ثم عمى ‪ ،‬وعرف ثم انكر ‪ ،‬واقبل ثم أدبر ‪ ،‬ودعى فما أجاب وفتح‬
‫له فولى ظهره للباب ‪ ،‬وقد ترك طريق مواله ‪ ،‬واقبل بحليته على هواه التوحيد‬
‫وميادين األنس ورياض المحبه ‪،‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وموائد القرب قد انحط بسبب إعراضه عن إلهه الحق إلى أسفل سافلين ‪ ،‬وحصل فى عداد‬
‫الهالكين ‪ ،‬فنار الحجاب تطلع كل وقت على فؤاده ‪ ،‬وإ عراض الكون عنه إذا أعرض عنه مواله‬
‫(‪)1‬‬
‫حائل بينه وبن مراده "‪.‬‬

‫إلى أخر ما ذكره رحمه اهلل فال يستطيل ما ذكرناه واهلل يعصمنا من الزلل ويمن علينا بصالح‬
‫القول والعمل ‪ ،‬وكما رزقنا محبة الصالحين نساله تعالى أن يرزقنا سلوك طريقهم وذوق حالوة‬
‫مواجيدهم ‪ ،‬ونعوذ به من السلب بعد العطاء ‪ ،‬ومن الحور بعد الكور ‪ ،‬وفى حدائق التقوى ننزه‬
‫قلوبنا وجوارحنا برؤية ثمرات التقوى وبشارات المتقين ‪ ،‬واهلل يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم‬

‫(‪)1‬‬
‫طريق الهجرتين ( ‪ ) 180‬السلفيه ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫ثمرات التقوى العاجلة‬

‫‪ - 1‬المخرج من كل ضيق والرزق من حيث ال يحتسب ‪:‬‬

‫قال تعالى ‪َ ] :‬و َمن يَتَّ ِ‬


‫ق هَّللا َ يَجْ َعل لَّهُ َم ْخ َرجًا (‪َ )2‬ويَرْ ُز ْقهُ ِم ْن َحي ُ‬
‫ْث اَل يَحْ تَ ِسبُ‬
‫[‪ ( ......‬الطالق ‪) 3-2 :‬‬

‫عن ابن عباس رضى اهلل عنه ‪ :‬يجعل له مخرجاً ‪ :‬ينجيه من كل كرب فى الدنيا واألخرة‬
‫وقيل ‪ :‬المخرج هو أن يقنعه اهلل بما رزقة على صالح‪.‬‬
‫وقال الربيع بن خثيم ‪ :‬يجعل له مخرجاً ‪ :‬من كل شء يجعل له مخرجاً من عقوبة أهل البدع‬
‫ويرزقه اجنة من حيث ال يحتسب ‪.‬‬

‫قيل ‪ :‬ومن يتق اهلل فى الرزق بقطع العالئق يجعل له مخرجاً بالكفاية ‪.‬‬
‫وقال عمر بن عثمان الصدفى ‪ :‬ومن يتق اهلل فيقف عند حدوده ويتجنب معاصيه يخرجه من‬
‫الحرام إلى الحالل ‪ ،‬ومن يضيق إلى السعة ‪ ،‬ومن النار إلى الجنة ‪ ،‬ويرزقه من حيث ال يحتسب‬
‫من حيث ال يرجو ‪ .‬وقال ابن عيينه ‪ :‬هو البركه فى الرزق ‪.‬‬
‫وقال أبو سعيد الخدرى ‪ :‬ومن يبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى اهلل يجعل له مخرجاً مما كلفه‬
‫(‪)1‬‬
‫بالمعونة له ‪.‬‬

‫‪ -2‬السهولة واليسر فى كل أمر ‪:‬‬

‫‪ (.......‬الطالق ‪) 4 :‬‬ ‫ق هَّللا َ يَجْ َعل لَّهُ ِم ْن أَ ْم ِر ِه يُ ْسرًا [‬


‫قال اهلل تعالى ] َو َمن يَتَّ ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫قال مقاتل ‪ :‬ومن يتق اهلل فى اجتناب معاصيه يجعل له من أمره يسراً فى توفيقه للطاعة ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫باختصار من الجامع ألحكام القرآن ( ‪. ) 6639 ، 6638 / 8‬‬
‫(‪)2‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن ( ‪)6644 / 8‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫قال سيد قطب رحمه اهلل ‪ :‬واليسر فى األمر غاية ما يرجوه اإلنسان ‪ ،‬وإ نها لنعمة كبرى أن‬
‫يجعل اهلل األمور لعبد من عباده فال عنت وال مشقه وال عسر وال ضيقة يأخذ الألمور بيسر فى‬
‫شعوره وتقديره ‪ ،‬وينالها بيسر فى حركته وعمله ‪ ،‬ويرضاها بيسر فى حصيلتها ونتيجتها‬
‫(‪)1‬‬
‫ويعيش من هذا ‪ ،‬فى يسر رخى ندى حتى يلقى اهلل ‪.‬‬

‫‪ -3‬تيسير تعلم العلم النافع ‪:‬‬


‫( البقرة ‪) 282 :‬‬ ‫وا هّللا َ َويُ َعلِّ ُم ُك ُم هّللا ُ َوهّللا ُ بِ ُكلِّ َش ْي ٍء َعلِي ٌم [‬
‫قال اهلل تعالى ‪َ ] :‬واتَّقُ ْ‬

‫قال العالمه محمد رشيد رضا ‪ :‬أى اتقوا اهلل فى جميع ما أمركم به ونهاكم عنه وهو يعلمكم ما‬
‫فيه قيام مصالحكم وحفظ أموالكم وتقوية رابطتكم ‪ ،‬فغنكم لوال هدايته ال تعلمون ذلك ‪ ،‬وو سبحانه‬
‫العليم بكل شئ ‪ .‬فإذا شرع شيئاً فإنما يشرعه عن علم محيط بأسباب درء المفاسد وجلب المصالح‬
‫(‪)2‬‬
‫لمن تبع شرعه ‪ ،‬وكرر لفظ الجالله لكمال التذكير وقوة التاثير ‪.‬‬

‫وقال البيضاوى ‪ :‬كرر لفظ الجالله فى الجمل الثالث الستقاللها ‪ ،‬فاألولى حث على التقوى ‪،‬‬
‫والثانية وعد بإنعامه ‪ ،‬والثالثة تعظيم بشأنه ‪ ،‬وألنه أدخل فى التعظيم من الكناية ‪.‬‬

‫‪ -4‬إطالق نور البصيرة ‪:‬‬


‫‪ (.‬االنفال ‪) 29 :‬‬ ‫وا هّللا َ يَجْ َعل لَّ ُك ْم فُرْ قَانا ً [‬
‫وا إَن تَتَّقُ ْ‬ ‫قال اهلل تعالى ‪ ] :‬يِا أَيُّهَا الَّ ِذ َـ‬
‫ين آ َمنُ ْ‬

‫(‪ )1‬فى ظالل القرآن ( ‪. ) 3602 / 6‬‬


‫(‪ )2‬أستدل الصوفيه بهذه األيه الكريمه على ما يزعمون بحصول العلم اللدنى ‪ ،‬وأن ما يأتونه من رياضات وأوراد يكفى فى‬
‫حصول ذلك العلم دون أن يأخذوا بأسباب العلم من طلبه وتعلمه ن وقد قال النبى صلي هللا عليه وسلم ‪ " :‬إنما العلم بالتعلم " ذكره‬
‫البخارى تعليقا ً مجزوما ً به وسيأتى تخريجه إن شاء هللا ‪ ،‬ويقولون فخراً ‪ :‬أخذت منكم ميتا ً عن ميت ‪ ،‬وأخذنا علمنا عن الحى الذى‬
‫ال يموت ‪ .‬ويقول بعضهم ‪ :‬أنتم تأخذون عن عبد الرزاق ونحن نأخذ عن الواحد الخالق ‪ .‬وهذا ال شك فيه من جهلهم بالدين وفتح‬
‫أبواب الشياطين ‪ ،‬فيدعى من شاء ما يشاء ويقول ‪ :‬حدثنى قلبى عن ربى ‪ .‬وال شك أن من يوحى أليه بتكاليف شرعيه يثبت له بذلك‬
‫مرتبة النبوه ‪ ،‬ورسولنا صلى هللا عليه وسلم خاتم النبيينـ ولفظ األيه ال يساعده على دعواهم فلم يقل هللا عز وجل ‪ :‬واتقوا هللا يعلمكم‬
‫هللا وإال كان مفيداً لما قالوه ‪.‬والعطف يقتضى المغايره ‪ ،‬والصحيح أن يقال ‪ :‬ييسر هللا عز وجل للعبد أسباب التعلم إذا اتقى هللا عز‬
‫وجل ‪ ،‬ويدل على ذلك أثر من عمل لما علم ورثة هللا علم ما لم يعلم ومما يوضح ذلك الثمرة الرابعه ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫قال العالمه محمد رشيد رضا ‪ :‬الفرقان فى اللغة هو الصبح الذى يفرق بين الليل والنهار ‪،‬‬
‫ويسمى القرأن فرقاناً ألنه يفرق بين الحق والباطل ‪ ،‬وتقوى اهلل فى األمور كلها تعطى صاحبها‬
‫نوراً يفرق به بين دقائق الشبهات التى ال يعملهن كثير من الناس ‪،‬‬
‫فهى تفيده علماً خاصاً لم يكن ليهتدى إليه لوالها ‪ ،‬وهذا العلم هو غير العلم الذى يتوقف على‬
‫التلقين كالشرع أصوله وفروعه ‪ ،‬وهو ماال تتحقق التقوى بدونه ‪،‬‬
‫ألنها عبارة عن العمل فعالً وتركاً بعلم ‪ ،‬فالعلم الذى هو أصل التقوى وسببها ال يكون‬
‫(‪)1‬‬
‫إال بالتعلم كما ورد فى الحديث‪ (:‬العلم بالتعلم)‬

‫وإ ذا علمت أن التقوى عمل يتوقف على علم ‪ ،‬وأن هذا العلم ال بد أن يؤخذ بالتعلم والتلقى ‪ ،‬وان‬
‫العلم بالعلم من اسباب المزيد فيه ‪ ،‬وخروجه من مضيق االبهام واإلجمال إلى فضاء الجالء‬
‫والتفصيل ‪ ،‬فهمت المراد بالفرقان على عمومه ‪،‬‬
‫وعملت أن أدعياء التصوف الجاهلين ال حظ لهم من ذلك العلم األول ‪ ،‬وال من هذه التقوى‬
‫(‪)2‬‬
‫التى هى أثره ‪ ،‬وال من العلم األخير الذى هو أثر العلم والتقوى جميعاً ‪.‬‬

‫‪ -5‬محبه اهلل عز وجل ومحبة مالئكته والقبول فى األرض ‪:‬‬

‫‪ (....‬أل عمران ‪:‬‬ ‫ين [‬


‫قال اهلل تعالى ‪ ] :‬بَلَى َم ْن أَ ْوفَى بِ َع ْه ِد ِه َواتَّقَى فَإ ِ َّن هّللا َ ي ُِحبُّ ْال ُمتَّقِ َ‬
‫‪) 76‬‬

‫عن أبى هريره عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ‪ ( :‬إذا أحب العبد قال لجبريل ‪ :‬قد‬
‫أحببت فالنا فأحبه ‪ .‬فيحبه جبريل عليه السالم ‪ ،‬ثم ينادى فى أهل السماء ‪ :‬إن اهلل قد أحب‬
‫( ‪)1‬‬
‫فالناً فأحبوه ‪ ،‬فيحبه أهل السماء ‪ ،‬ثم يوضع له القبول فى األرض ) ‪.‬‬

‫(‪ )1‬قال الحافظ ‪ " :‬إنما العلم بالتعلم " هو حديث مرفوع أيضا ً أورده ابن أبى عاصم والطبرانى من حديث معاويه – ثم ذكر –‬
‫وإسناده حسن إال ان فيه مبهما ً اعتضد بمجيئه من وجه أخر ( فتح الباري ‪ ) 161 / 11‬وقال األلبانى ‪ :‬رواه الخطيب فى تاريخه‬
‫( ‪ ) 27 / 9‬عن ابى هريره مرفوعا ً ومحسنا ً وأنظر الصحيحة رقم ( ‪. ) 342‬‬
‫(‪ )2‬باختصار وتصرف من تفسير المنار ( ‪. ) 131 – 129 / 3‬‬
‫(‪ )1‬البخارى ( ‪ ) 461 / 10‬األدب ‪ ،‬ورواه مسلم ( ‪ ) 184 – 183 / 16‬البر والصله ‪ ،‬ومالك فى الموطأ ( ‪ ) 953 / 2‬الشعر ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫وكتب أبو الدرداء إلى مسلمه بن خالد ‪ :‬سالم عليك أما بعد ‪ ،‬فإن العبد إذا عمل بطاعة اهلل أحبه‬
‫اهلل ‪ ،‬فإذا أحبه اهلل حببه إلى عباده ‪.‬‬

‫وعن هرم بن حيان قال ‪ :‬ما أقبل عبد بقلبه عبد بقلبه إلى اهلل إال أقبل اهلل بقلوب المؤمنين عليه‬
‫حتى يرزقهم مودته ‪.‬‬

‫فقد وعد اهلل عز وجل عبادة المؤمنين الذين يداومون على األعمال الصالحة بهذه المودة والمحبة‬
‫ت َسيَجْ َع ُل لَهُ ُم الرَّحْ َم ُن ُو ًّداـ‬ ‫كما قال تعالى ‪ ] :‬إِ َّن الَّ ِذ َـ‬
‫ين آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ‬
‫‪ (...‬مريم ‪) 96 :‬‬ ‫[‬

‫‪ -6‬نصره اهلل عز وجل وتأييده وتسديده ‪:‬‬


‫ين [‬
‫وا أَ َّن هّللا َ َم َع ْال ُمتَّقِ َ‬ ‫وهى المعيه المقصودة يقول اهلل تعالى‪َ ] :‬واتَّقُ ْ‬
‫وا هّللا َ َوا ْعلَ ُم ْ‬
‫‪ (.......‬البقرة‪)194 :‬‬
‫فهذه المعية هى معية التأييد والنصره والتسديد وهى معية اهلل عز وجل ألنبيائه ومعيته للمتقين‬
‫والصابرين ‪.‬‬

‫قال ابن رجب رحمه اهلل ‪ :‬وهذه المعيه الخاصة بالمتقين غير المعيه العامه المذكورة فى‬
‫‪ (.......‬الحديد ‪)4 :‬‬ ‫قولة تعالى ‪َ ] :‬وهُ َو َم َع ُك ْم أَي َْن َما ُكنتُ ْم [‬
‫ضى ِم َن ْالقَ ْو ِل‬ ‫وقوله‪َ ] :‬والَ يَ ْستَ ْخفُ َ‬
‫ون ِم َن هّللا ِ َوهُ َو َم َعهُ ْم إِ ْذ يُبَيِّتُ َ‬
‫ون َما الَ يَرْ َ‬
‫‪ (.....‬النساء ‪)108 :‬‬ ‫[‬
‫فإن المعيه الخاصة تقتضى النصر والتأييد والحفظ واإلعانة كما قال تعالى لموسى عليه السالم‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ (........‬طه ‪) 46 :‬‬ ‫ال اَل تَ َخافَا إِنَّنِي َم َع ُك َما أَ ْس َم ُع َوأَ َرى [‬
‫وهارون ‪ ] :‬قَ َ‬
‫والمعيه العامه تستوجب من العبد الحذر والخوف ومراقبة ‪ ،‬اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫وأما الخاصة فتستوجب من العبد األنس باهلل عز وجل والثقة بنصره وتأييده ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫نور األقتباس فى مشكاة وصية النبى صلي هللا عليه وسلم البن عباس (‪. )41‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫قال قتادة ‪ :‬ومن يتق اهلل يكن معه ‪ ،‬ومنيكن باهلل معه فمعه الفئه التى ال تغلب والحارس الذى ال‬
‫ينام ‪ ،‬والهادى الذى ال يضل ‪.‬‬
‫وكتب بعض السلف إلى أخيه‪ :‬أما بعد إن كان اهلل معك فمن تخاف وإ ن كان عليك فمن ترجو ‪.‬‬

‫‪ -7‬البركات من السماء واألرض ‪:‬‬

‫وا لَفَتَحْ نَا َعلَ ْي ِهم بَ َر َكا ٍ‬


‫ت ِّم َن ال َّس َماء‬ ‫قال تعالى ‪َ ] :‬ولَ ْو أَ َّن أَ ْه َل ْالقُ َرى آ َمنُ ْ‬
‫وا َواتَّقَ ْ‬
‫ض […… ( االعراف ‪) 96 :‬‬ ‫َواألَرْ ِ‬

‫أي ‪:‬‬ ‫وا )‬‫قال القاسمى رحمه اهلل ‪َ ( :‬ولَ ْـو أَ َّن أَ ْه َل ْالقُ َرى ( أى ‪ :‬القرى المهلكة ( آ َمنُ ْ‬
‫وا ) أى ‪ :‬الكفر والمعاصى (لَفَتَحْ نَا َعلَ ْي ِهم بَ َر َكا ٍ‬
‫ت ِّم َن ال َّس َماء‬ ‫باهلل ورسلهم ( َواتَّقَ ْ‬
‫ض)‬‫َواألَرْ ِ‬
‫أى ‪ :‬لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب مكان ما أصابهم من فنون العقوبات من‬
‫(‪)2‬‬
‫السماء وبعضها من األرض ‪.‬‬
‫ويدل على هذا قوله عز وجل ‪َ ]:‬وأَلَّ ِـو ا ْستَقَا ُموا َعلَى الطَّ ِريقَ ِة أَل َ ْسقَ ْينَاهُم َّماء َغ َدقًا‪[ ..‬‬
‫(الجن ‪)16 :‬‬

‫يقول ابن القيم رحمه اهلل ‪ :‬فإذا أراد اهلل أن يطهر األرض من الظلمه والخونة والفجرة ‪،‬‬
‫يخرج عبداً من عباده من أهل بيت نبيه صلى اهلل عليه وسلم فيمأل األرض قسطاً كما ملئت جوراً‬
‫‪ ،‬ويقتل المسيح ايهود والنصارى ‪ ،‬ويقيم الدين الذى بعث اهلل به رسوله ‪ ،‬وتخرج األرض بركتها‬
‫‪ ،‬وتعود كما كانت ‪ ،‬حتى إن العصابة من الناس ليأكلون من الرمانة ويستظلون بقحفتها ‪ ،‬ويكون‬
‫العنقود من العنب وقر بعير ‪ ،‬ولبن اللقحة الواحدة يكفى الفئام من الناس ‪ ،‬وهذا ألن األرض لما‬
‫(‪)1‬‬
‫طهرت من المعاصى ظهرت فيها أثار البركة من اهلل تعالى الت محقتها الذنوب والكفر ‪.‬‬

‫فانظر إلى بركات التقوى ‪ ،‬واعلم أن ما نحن فيه من قلة البركة ونقص الثمار وكثرة‬

‫(‪)2‬‬
‫محاسن التأويل ( ‪ ) 221 / 7‬باختصار ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الجواب الكافى ( ‪ ) 67‬باختصار ‪ -‬دار عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫األفات واألمراض إنما هو نتيجة حتمية لضعف وازع التقوى وكثرة المعاصى كما قال اهلل‬

‫اس لِيُ ِذيقَهُم بَع َ‬


‫ْض‬ ‫تعالى ‪ ] :‬ظَهَ َر ْالفَ َسا ُد فِي ْالبَرِّ َو ْالبَحْ ِر بِ َما َك َسبَ ْ‬
‫ت أَ ْي ِدي النَّ ِ‬
‫ُون [ ‪ ( ........‬الروم ‪. ) 41 :‬‬ ‫الَّ ِذي َع ِملُواـ لَ َعلَّهُ ْم يَرْ ِجع َ‬

‫‪ -8‬البشرى وهى الرؤيا الصالحة وثناء الخلق ومحبتهم ‪.‬‬

‫ين آ َمنُ ْ‬
‫وا‬ ‫ون (‪ )62‬الَّ ِذ َـ‬ ‫قال تعالى ‪ ] :‬أَال إِ َّن أَ ْولِيَاء هّللا ِ الَ َخ ْو ٌ‬
‫ف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ هُ ْم يَحْ َزنُ َ‬
‫ر ِة [ ‪ ( .......‬يونس ‪:‬‬ ‫ون (‪ )63‬لَهُ ُم ْالبُ ْش َرى ِفي ْال َحيا ِة ال ُّد ْنيَا َوفِي ِ‬
‫اآلخ َ‬ ‫َو َكانُ ْ‬
‫وا يَتَّقُ َ‬
‫‪) 64 -62‬‬

‫قال الزمخشرى رحمه اهلل ‪:‬‬


‫والبشرى فى الدنيا ما بشر اهلل به المؤمنين المتقين فى غير مكان من كتابه وعن النبى صلى اهلل‬
‫( ‪)2‬‬
‫عليه وسلم ‪ (:‬هى الرؤيا الصالحه يراها المؤمن أو ترى له ) ‪.‬‬

‫وعنه صلى اهلل عليه وسلم ‪ (:‬ذهبت النبوة وبقيت المبشرات) (‪ :)1‬وقيل ‪ :‬هى محبة الناس‬
‫له والذكر الحسن ‪ .‬وعن أبى ذر قال ‪ :‬قلت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم ‪ :‬الرجل‬
‫(‪)2‬‬
‫يعمل العمل هلل ويحبه الناس ‪ .‬فقال ‪ (:‬تلك عاجل بشرى المؤمنين) ‪.‬‬

‫وعن عطاء ‪ :‬لهم البشرى عند الموت تأتيهم المالئكة بالرحمة قال اهلل تعالى ‪ ] :‬تَتَنَ َّز ُل َعلَ ْي ِه ُم‬
‫ة َ [ ‪ (......‬فصلت ‪) 30 :‬‬ ‫ْال َماَل ئِ َكةُ أَاَّل تَ َخافُوا َواَل تَحْ َزنُوا َوأَب ِْشرُوا بِ ْال َجنَّ ِ‬
‫وأما البشرى فى األخرة فتلقى المالئكه إياهم مبشرين بالفوز والكرامة ‪ ،‬وما يرون من بياض‬
‫(‪)3‬‬
‫وجوههم وإ عطاء الصحائف بأيمانهم وما يقرءون منها وغير ذلك من البشارات ‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الترمذى ( ‪ ) 128 / 9‬أبواب الرؤيه وقال ‪ :‬هذا حديث حسن ‪ ،‬ومالك فى الموطأ ( ‪ ) 958 / 2‬الرؤيا ‪ ،‬والحاكم ( ‪/ 4‬‬
‫‪ ) 391‬الرؤيا وصححه ووافقه الذهبى ‪.‬‬
‫(‪ )1‬رواه البخارى ( ‪ ) 375 / 12‬التعبير ‪ ،‬والترمذى ( ‪ ) 127 / 9‬أبواب الرؤيا عن أنس‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم ( ‪ ) 189 / 16‬البر والصله ‪ ،‬وأحمد ( ‪ ، ) 168 – 157 – 256 / 5‬وابن ماجه ( ‪ ) 4225‬الزهد ‪ ،‬وقال العلماء ‪:‬‬
‫معناه هذا البشرى المعجله له بالخير وهى الدليل على رضاء هللا تعالى ومحبته له فيحببه إلى الخلق كما سبق فى الحديث ثم يوضع‬
‫له القبول فى األرض هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لمحامدهم وإال فاتعرض مذموم ‪ -‬شرح النووى على صحيح‬
‫مسلم ( ‪. ) 189 / 16‬‬
‫(‪ )3‬الكشاف ( ‪ ) 356 / 2‬باختصار‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫الحفظ من كيد األعداء ومكرهم‬ ‫‪-9‬‬


‫وا الَ يَضُرُّ ُك ْم َك ْي ُدهُ ْم َش ْيئًا إِ َّن هّللا َ بِ َما يَ ْع َملُ َ‬
‫ون‬ ‫قال تعالى ‪َ ] :‬وإِن تَصْ بِر ْ‬
‫ُوا َوتَتَّقُ ْ‬
‫حيطٌ [ ……‪ ( .‬أل عمران ‪) 120 :‬‬ ‫ُم ِ‬

‫قال ابن كثير رحمه اهلل ‪ :‬يرشدهم تعالى إلى السالمه من شر األشرار وكيد الفجار باستعمال‬
‫الصبر والتقوى والتوكل على اهلل الذى هو محيط بأعدائهم ‪ ،‬فال حول وال قوة لهم إال به ‪ ،‬وهو‬
‫(‪)4‬‬
‫الذى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ‪.‬‬

‫وقال الزمخشرى رحمه اهلل ‪ :‬وإ ن تصبروا على عدواتهم وتتقوا ما نهيتم عنه من مواالتهم ‪ ،‬أو‬
‫إن تصبروا على التكاليف الدين ومشاقة ‪ ،‬وتتقوا اهلل فى اجتناب محارمه ‪ ،‬وكنتم فى كنف اهلل فال‬
‫يضركم كيدهم ‪.‬‬

‫وهذا تعليم من اهلل وإ رشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى ‪،‬‬
‫وقد قال الحكماء ‪ :‬إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضالّ فى نفسك ( إِ َّن هّللا َ بِ َما يَ ْع َملُ َ‬
‫ون‬
‫(‪)1‬‬
‫) من الصبر والتقوى وغيرهما محيط ففاعل بكم ما أنتم أهله ‪.‬‬

‫‪ -10‬حفظ الذرية الضعاف بعناية اهلل عز وجل‬

‫ض َعافًا َخافُ ْ‬
‫وا َعلَ ْي ِه ْم‬ ‫وا ِم ْن َخ ْلفِ ِه ْم ُذرِّ يَّةً ِ‬
‫ين لَ ْو تَ َر ُك ْ‬ ‫قال اهلل تعالى ‪َ ] :‬و ْليَ ْخ َ‬
‫ش الَّ ِذ َ‬
‫س ِدي ًداـ [ ‪ ( .........‬النساء ‪) 9 :‬‬ ‫فَ ْليَتَّقُوا هّللا َ َو ْليَقُولُ ْ‬
‫وا قَ ْوالً َ‬

‫قال القاسمى رحمه اهلل ‪:‬‬


‫وفي األيه أشاره إلي أرشاد األباء الذين يخشون ترك ذرية ضعاف بالتقوى فى سائر شئونهم حتي‬
‫تحفظ أبنائهم وتغاث بالعنايه منه تعالى ‪ ،‬ويكون في إشعارها تهديد بضياع أوالدهم إن‬
‫فقدوا تقوى اهلل ‪ ،‬وإ شاره إلي أن تقوى األصول تحفظ الفروع ‪ ،‬وأن الرجال‬
‫(‪)4‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ( ‪. ) 329 / 1‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الكشاف ( ‪) 408 / 1‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫الصالحين يحفظون في ذريتهم الضعاف كما في األيه ‪:‬‬

‫ان تَحْ تَهُ َكن ٌز لَّهُ َما َو َك َ‬


‫ان‬ ‫] َوأَ َّما ْال ِج َدا ُر فَ َك َ‬
‫ان لِ ُغاَل َمي ِْن يَتِي َمي ِْن فِي ْال َم ِدينَ ِة َو َك َ‬
‫صالِحًا [ ‪ (.........‬الكهف ‪) 82 :‬‬ ‫أَبُوهُ َما َ‬
‫(‪)2‬‬
‫فإن الغالمين حفظا ببركه صالح أبيهما فى أنفسهما ومالهما ‪.‬‬

‫قال محمد بن المنكدر ‪:‬‬


‫إن اهلل ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده وقريته التى هو فيها والدويرات التى حولها فما‬
‫يزالون فى حفظ اهلل وستره ‪.‬‬
‫وقال ابن المسيب البنه ‪ :‬يا بنى إنى ألزيد فى صالتى من أجلك رجاء أن أحفظ وتال هذه االية‬
‫‪ ( .......‬الكهف ‪) 82 :‬‬ ‫صالِحًا [‬ ‫] َو َك َ‬
‫ان أَبُوهُ َما َ‬ ‫‪:‬‬

‫‪ -11‬سبب لقبول األعمال التى بها سعادة العباد فى الدنيا واألخرة‬


‫‪ ( ......‬المائده ‪) 27 :‬‬ ‫ين [‬ ‫قال تعالى ‪ ] :‬قَ َ‬
‫ال إِنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هّللا ُ ِم َن ْال ُمتَّقِ َ‬
‫قال الزمخشرى رحمة اهلل ‪:‬‬
‫لما كان الحسد آلخيه على تقبل قربانه هو الذى حمله على توعده آلخيه بالقتل قال له ‪:‬‬
‫إنما أتيت من قبل نفسك آلنسالخها من لباس التقوى ال من قبلى ‪ ,‬فلم تقتلنى ‪,‬‬
‫ومالك ال تعاتب نفسك وال تحملها على تقوى اهلل التى هي السبب فى القبول ‪ ,‬فأجابة بكالم حكيم‬
‫جامع لمعانى الخير وفيه دليل على أن اهلل تعالى ال يقبل طاعة إال من مؤمن متق ‪,‬‬
‫فما أنعاه على أكثر العاملين أعمالهم ‪.‬‬

‫وعن عامر بن عبد اهلل أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له ‪ :‬مايبكيك فقد كنت وكنت ؟ قال ‪:‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ْال ُمتَّقِ َ‬
‫ين ) ‪.‬‬ ‫إنى أسمع اهلل يقول ‪ ( :‬إِنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هّللا ُ ِم َن‬
‫وقال الغزالى رحمة اهلل ‪:‬‬

‫(‪)2‬‬
‫محاسن التأويل ( ‪) 47 / 5‬‬
‫(‪)1‬‬
‫الكشاف ( ‪. ) 624 / 1‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫تأمل أصآل واحداً وهو أنه هب أنك قد تعبت جميع عمرك فى العبادة ‪ ,‬وكابدت حتى حصل لك ما‬
‫تمنيت ‪ ,‬أليس الشأن كله فى القبول ‪ ,‬ولقد عملت أن اهلل تعالى يقول ( إِنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هّللا ُ ِم َن‬
‫(‪)2‬‬
‫ين ) فرجع األمر كله الى التقوى ‪.‬‬‫ْال ُمتَّقِ َ‬
‫وقال بعض السلف ‪ :‬لو أعلم أن اهلل يقبل منى سجدة بالليل وسجدة بالنهار لطرت شوقاً إلى الموت‬
‫ْال ُمتَّقِ َ‬
‫ين ) ‪.‬‬ ‫‪ ,‬إن اهلل عز وجل يقول ‪ ( :‬إِنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هّللا ُ ِم َن‬

‫‪ -12‬سبب النجاة من عذاب الدنيا‬


‫اعقَةُ‬
‫ص ِ‬‫قال تعالى ‪َ ] :‬وأَ َّما ثَ ُمو ُد فَهَ َد ْينَاهُ ْم فَا ْستَ َحبُّوا ْال َع َمى َعلَى ْالهُ َدى فَأ َ َخ َذ ْتهُ ْم َ‬
‫ين آ َمنُوا َو َكانُوا يَتَّقُ َ‬
‫ون‬ ‫ُون (‪َ )17‬ونَ َّج ْينَا الَّ ِذ َـ‬
‫ُون بِ َما َكانُوا يَ ْك ِسب َ‬ ‫ب ْاله ِ‬
‫ْال َع َذا ِ‬
‫[ ‪ ( .......‬فصلت ‪) 18 - 17 :‬‬

‫قال ابن كثير رحمة اهلل ‪:‬‬


‫فَهَ َد ْينَاهُ ْم ) قال ابن عباس رضى اهلل عنهما وأبو العالية وسعيد بن جبير وقتادة‬ ‫( َوأَ َّما ثَ ُمو ُد‬
‫والسدى وابن زيد ‪ :‬بينا لهم ووضحنا لهم الحق على لسان نبيهم صالح عليه الصالة والسالم ‪,‬‬
‫فخالفوه وكذبوه وعقروا ناقة اهلل تعالى التى جعلها أية وعالمة على صدق نبيهم‬
‫) أى ‪ :‬بعثنا عليهم صيحة ورجفة وذالً وعذاباً ونكاآل‬ ‫ب ْاله ِ‬
‫ُون‬ ‫اعقَةُ ْال َع َذا ِ‬
‫ص ِ‬ ‫( فَأ َ َخ َذ ْتهُ ْم َ‬
‫ُون ) أى ‪ :‬من التكذيب والجحود ‪َ ( ،‬ونَ َّج ْينَا الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا ) أى ‪ :‬من بين‬ ‫( بِ َما َكانُوا يَ ْك ِسب َ‬
‫أظهرهم لم يمسهم سوء وال نالهم من ذلك ضرر ‪ ,‬بل نجاهم اهلل تعالى مع نبيهم صالح عليه‬
‫(‪)1‬‬
‫السالم بإيمانهم وتقواهم هلل عز وجل ‪.‬‬

‫‪ -13‬ما يجعله اهلل لهم من الشرف وهيبة الخلق وحالوة المعرفة واإليمان ‪:‬‬

‫قال ابن رجب رحمة اهلل ‪:‬‬


‫ومنها ( أى ‪ :‬مما يرغب فى شرف األخرة ) وليس هو قدرة العبد ولكنه من فضل اهلل ورحمته‬
‫ما يعوض اهلل عباده العارفين به الزاهدين فيما يفنى من المال والشرف مما يجعله اهلل لهم فى‬

‫(‪)2‬‬
‫منهاج العابدين (‪. )72‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ( ‪. ) 95 / 4‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫الدنيا من شرف التقوى وهيبة الخلق لهم فى الظاهر ‪ ,‬ومن حالوة المعرفة واإليمان والطاعة فى‬
‫الباطن ‪ ,‬وهى الحياة الطيبة التى وعدها اهلل لمن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ‪ ,‬وهذه‬
‫الحياة الطيبة لم يذقها الملوك فى الدنيا وال أهل الرياسات والحرص على الشرف ‪.‬‬

‫كان حجاج بن أرطاة يقول ‪ :‬قتلنى حب الشرف ‪ ,‬فقال له سوار لو اتقيت اهلل شرفت ‪ .‬وفى هذا‬
‫المعنى قيل ‪:‬‬
‫وحبك للدنيا هو الذل والسقم‬ ‫أال إنما التقوى هى العز والكرم‬
‫حقق التقوى وإن حاك أو حجم‬ ‫وليس على عبد تقى نقيصة إذا‬

‫وقال صالح الباجى ‪ :‬الطاعة إمرة ‪ ,‬والمطيع هلل أمير مؤمر على األمراء ‪ ،‬أال ترى هيبته‬
‫فى صدورهم إن قال قبلوا ‪ ،‬وإ ن أمر أطاعوا ‪ ,‬ثم يقول ‪ :‬يحق لمن أحسن خدمتك ومننت عليه‬
‫بمحبتك أن تذلل له الجبابرة حتى يهابوه لهيبته فى صدورهم من هيبتك فى قلبه ‪ ,‬وكل الخير من‬
‫عندك بأوليائك ‪.‬‬

‫وقال ذا النون المصرى ‪ :‬من أكرم وأعز ممن انقطع إلى من ملك األشياء بيده ‪.‬‬
‫كان مالك بن أنس يهاب أن يسأل حتى قال فيه القائل ‪:‬‬
‫والسائلون نواكس األذقان‬ ‫يدع الجواب وال يرجع هيبة‬
‫(‪)1‬‬
‫فهو المهيب وليس ذا سلطان‬ ‫نور الوقار وعز سلطان التقى‬

‫‪ -14‬الذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين ‪:‬‬

‫قال أبو الدرداء رضى اهلل عنه ‪ :‬ياحبذا نوم األكياس وفطرهم وكيف يغبنون به قيام الحمقى‬
‫وصومهم ‪ ،‬والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين وهذا من جواهر‬
‫الكالم وأدله على كمال فقه الصحابة وتقدمهم على من بعدهم فى كل خير رضى اهلل عنهم ‪.‬‬
‫فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير الى اهلل بقلبه ال ببدنه والتقوى فى الحقيقه تقوى الروح ال‬
‫تقوى الجوارح ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫باختصار من شرح حديث ( ما ذئبان جائعان ) البن رجب الحنبلى ( ‪ - ) 22-21‬دار الفتح ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل‬
‫‪ ,‬أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق ‪ ,‬فإن العزيمة‬
‫والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق الى اهلل سبحانه إنما هو بالهمم وصدق‬
‫الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل ‪,‬‬
‫(‪)1‬‬
‫فإن ساواه فى همته تقدم عليه بعمله ‪.‬‬

‫فاألعمال تتفاضل بحسب ما فى قلوب أصحابها من إيمان وتقوى هلل عز وجل ‪ ,‬وإ ن الرجلين‬
‫ليكونان فى صف واحد وخلف إمام واحد يكبران بتكبيره ويسلمان بتسليمه وبين صالتيهما كما‬
‫بين السماء واألرض ‪ ,‬وكم من قائم محروم وكم من نائم مرحوم ‪ ,‬هذا قام وقلبه فاجر وهذا نام‬
‫وقلبه عامر فالسير سير القلوب والسبق سبق الهمم ‪.‬‬

‫تسير رويداً وتجئ فى االول‬ ‫من لى بمثل سيرك المدلل‬

‫(‪)1‬‬
‫الفوائد ( ‪ ) 187 – 186‬البن القيم باختصار ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫الثمراتـ األجله‬

‫‪ -1‬تكفير السيئات وهو سبب النجاة من النار ‪ ,‬وعظم األجر وهو سبب‬
‫الفوز بدرجات الجنة ‪:‬‬

‫‪ ( ....‬الطالق ‪) 5 :‬‬ ‫ْظ ْم لَهُ أَجْ رًا [‬ ‫قال تعالى ‪َ ] :‬و َمن يَتَّ ِ‬
‫ق هَّللا َ يُ َكفِّرْ َع ْنهُ َسيِّئَاتِ ِه َويُع ِ‬

‫قال ابن كثير رحمه اهلل ‪ :‬أى ‪ :‬يذهب عنهم المحظور ‪ ,‬ويجزل لهم الثواب على العمل اليسير‬
‫(‪)1‬‬
‫‪.‬‬

‫وقال ابن جرير رحمه اهلل ‪ :‬ومن يخف اهلل فيتقه باجتناب معاصيه وأداء فرائضه يمحو اهلل عنه‬
‫) يقول ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه ‪,‬‬ ‫ْظ ْم لَهُ أَجْ رًا‬
‫ذنوبه وسيئات أعماله ( َويُع ِ‬
‫(‪)2‬‬
‫ومن إعظامه له األجر أن يدخله جنته فيخلده فيها ‪.‬‬

‫‪......‬‬ ‫وا َواتَّقَ ْو ْا لَ َكفَّرْ نَا َع ْنهُ ْم َسيِّئَاتِ ِه ْم [‬ ‫وقال تعالى ‪َ ] :‬ولَ ْـو أَ َّن أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ‬
‫ب آ َمنُ ْ‬
‫( المائده ‪) 65 :‬‬

‫وال يصدر عن النار بعد ورودها إال المتقون قال اهلل تعالى ‪َ ] :‬وإِن ِّمن ُك ْم إِاَّل َو ِ‬
‫ار ُدهَا َك َ‬
‫ان‬
‫ين فِيهَا ِجثِيًّا [‬
‫ين اتَّقَوا َّونَ َذ ُر الظَّالِ ِم َـ‬
‫ضيًّا (‪ )71‬ثُ َّم نُنَجِّ ي الَّ ِذ َـ‬
‫َعلَى َرب َِّك َح ْت ًما َّم ْق ِ‬
‫‪ ( ......‬مريم ‪) 72 – 71‬‬

‫‪ -2‬عز االفوقية فوق الخلق يوم القيامة ‪:‬‬

‫ين آ َمنُ ْ‬
‫وا َوالَّ ِذ َ‬
‫ين‬ ‫ُون ِم َن الَّ ِذ َ‬ ‫ُوا ْال َحيَاةُ ال ُّد ْنيَا َويَس َ‬
‫ْخر َ‬ ‫قال اهلل تعالى ‪ُ ] :‬زي َِّن لِلَّ ِذ َ‬
‫ين َكفَر ْ‬
‫ة [ ‪ ( ......‬البقره ‪) 212 :‬‬ ‫وا فَ ْوقَهُ ْم يَ ْو َم ْالقِيَا َم ِ‬
‫اتَّقَ ْ‬

‫(‪)1‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ( ‪. ) 382 / 4‬‬
‫(‪)2‬‬
‫جامع البيان فى تفسير القرآن ( ‪. ) 93 / 12‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫ال ُّد ْنيَا )‬ ‫( ْال َحيَاةُ‬ ‫َكفَر ْ‬


‫ُوا ) حتى بدلوا النعمة‬ ‫قال القاسمى رحمة اهلل ‪ُ ( :‬زي َِّن لِلَّ ِذ َـ‬
‫ين‬
‫لحضورها فألهتهم عن رغائب األخرة ‪.‬‬

‫قال الحدالى ‪ :‬ففى ضمنه إشعار بأن استحسان بهجة الدنيا كفر ما ‪ ,‬من حيث إن نظر العقل‬
‫واإليمان يبصر طيتها ويشهر جيفتها فال يغتر بزينتها وهى أفة الخلق فى انقطاعهم عن الحق ‪,‬‬
‫فأبهم تعالى المزين فى هذه االية ليشمل أدنى التزيين الواقع على لسان الشيطان ‪ .‬وأخفى التزيين‬
‫ك َزيَّنَّا لِ ُكلِّ أُ َّم ٍة َع َملَهُ ْم [‬
‫] َك َذلِ َ‬ ‫الذى يكون من استدراج اهلل كما فى قوله تعالى‪:‬‬
‫‪ ( ............‬األنعام ‪) 108 :‬‬

‫وا ) وهذا كما قال تعالى ‪ ] :‬إِ َّن الَّ ِذ َـ‬


‫ين‬ ‫ين آ َمنُ ْ‬
‫ُون ) أى ‪ :‬يهزأون ( ِم َن الَّ ِذ َ‬ ‫ْخر َ‬ ‫قوله ( َويَس َ‬
‫ون [ ‪.....‬‬ ‫ون (‪َ )29‬وإِ َذا َمرُّ ْ‬
‫وا بِ ِه ْم يَتَ َغا َم ُز َ‬ ‫أَجْ َر ُموا َكانُ ْ‬
‫وا ِم َن الَّ ِذ َ‬
‫ين آ َمنُوا يَضْ َح ُك َ‬
‫( المطففين ‪) 30 – 29 :‬‬
‫اتَّقَ ْ‬
‫وا ) وهم المؤمنون وإ نمات ذكروا بعنوان التقوى لحضهم عليها ‪ ,‬وإ يذاناً بترتيب‬ ‫( َوالَّ ِذ َـ‬
‫ين‬
‫ْالقِيَا َم ِة ) ألنهم فى عليين وهم فى أسفل سافلين ‪ ,‬أو ألنهم يتطاولون‬ ‫الحكم عليها ( فَ ْوقَهُ ْم يَ ْو َم‬
‫عليهم فى االخرة فيسخرون منهم كما سخروا منهم فى الدنيا ‪ ,‬كما قال تعالى ‪ ] :‬فَ ْاليَ ْو َم الَّ ِذ َـ‬
‫ين‬
‫ُون [ ‪ ( .....‬المطففين ‪34 :‬‬ ‫ون (‪َ )34‬علَى اأْل َ َرائِ ِك يَنظُر َ‬ ‫وا ِم َن ْال ُكفَّ ِ‬
‫ار يَضْ َح ُك َ‬ ‫آ َمنُ ْ‬
‫– ‪) 35‬‬

‫ْالقِيَا َم ِة ) وجهين ‪:‬‬ ‫ولذا قال الراغب ‪ :‬يحتمل قوله تعالى ( فَ ْوقَهُ ْم يَ ْو َم‬
‫أحدهما ‪ :‬أن حال المؤمنين فى االخرة أعلى من حال الكفار فى الدنيا ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫والثانى ‪ :‬أن المؤمنين فى االخرة فى الغرفات ‪ ,‬والكفار فى الدرك األسفل من النار‬
‫انتهى ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫محاسن التأويل ( ‪ ) 185 : 182 / 3‬باختصار ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫‪ -3‬ميراث الجنة فهم أحق الناس بها وأهلها‪ , 8‬بل ما اعد اهلل الجنة إال ألصحاب هذه‬
‫الرتبة العلية والجوهرة البهية‬

‫‪ ( .....‬مريم ‪) 63 :‬‬ ‫ان تَقِيًّا [‬ ‫ور ُ‬


‫ث ِم ْن ِعبَا ِدنَا َمن َك َ‬ ‫قال تعالى ‪ ] :‬تِ ْل َ‬
‫ك ْال َجنَّةُ الَّتِي نُ ِ‬
‫فهم الورثة الشرعيون لجنة اهلل عز وجل ‪.‬‬
‫ور ُ‬
‫ث ) وقرئ ( نُورّث ) أستعارة أى ‪ :‬نبقى عليه الجنة‬ ‫قال الزمخشرى رحمة اهلل ‪ ( :‬نُ ِ‬
‫كما نبقى على الوارث مال المورث ‪ ,‬وألن االتقياء يلقون ربهم يوم القيامة قد انقطعت أعمالهم‬
‫وثمراتها باقية وهى الجنة ‪ ,‬فإذا أدخلهم الجنة فقد أورثهم من تقواهم كما يورث المال من المتوفى‬
‫(‪)1‬‬
‫‪ ,‬وقيل أورثوا من الجنة المساكن التى كانت آلهل النار لو أطاعوا‬
‫‪ ( ..‬آل عمران ‪:‬‬ ‫ين [‬ ‫ات َواألَرْ ضُ أُ ِع َّد ْ‬
‫ت لِ ْل ُمتَّقِ َ‬ ‫او ُـ‬ ‫وقال تعالى ‪َ ] :‬و َجنَّ ٍة َعرْ ُ‬
‫ضهَا ال َّس َم َ‬
‫‪) 133‬‬
‫‪ ( .....‬القلم ‪) 34 :‬‬ ‫ت النَّ ِع ِيم [‬ ‫وقال تعالى ‪ ] :‬إِ َّن لِ ْل ُمتَّقِ َ‬
‫ين ِعن َد َربِّ ِه ْم َجنَّا ِ‬

‫‪ -4‬وهم ال يذهبون الى الجنة سيراً على أقدامهم بل يحشرون اليها ركباناً ‪:‬‬

‫مع أن اهلل عز وجل يقرب اليهم الجنة تحية لهم ودفعاً لمشتقهم كما قال تعالى ‪:‬‬
‫‪ ( .......‬ق ‪) 31 :‬‬ ‫ين َغي َْر بَ ِعي ٍد [‬ ‫] َوأُ ْزلِفَ ِ‬
‫ت ْال َجنَّةُ لِ ْل ُمتَّقِ َ‬
‫‪ ( .....‬مريم ‪) 85 :‬‬ ‫ين إِلَى الرَّحْ َم ِن َو ْف ًدا [‬‫وقال تعالى ‪ ] :‬يَ ْو َم نَحْ ُش ُر ْال ُمتَّقِ َ‬

‫قال ابن كثير رحمه اهلل ‪:‬‬


‫يخبر تعالى عن أوليائه المتقين الذين خافوه فى الدار الدنيا ‪ ,‬واتبعوا رسله ‪ ,‬وصدقوهم فيما‬
‫أخبروا ‪ ,‬وأطاعواهم فيما أمروهم به ‪ ,‬وانتهوا عما زجروهم ‪ ,‬انه يحشرهم يوم القيامة‬
‫وفداً اليه ‪ ,‬والوفد هم القادمون ركباناً ‪ ,‬ومنه الوفود ‪ ,‬وركوبهم على نجائب من نور من مراكب‬
‫(‪)2‬‬
‫الدار االخرة وهم قادمون على خير موفود إليه الى دار كرامته ورضوانه ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الكشاف ( ‪. ) 28 / 3‬‬
‫(‪)2‬‬
‫تفسير القرآن العظيم ( ‪. ) 137 / 3‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫وقال الزمخشرى رحمة اهلل ‪:‬‬


‫ذكر المتقون بلفظ التبجيل ‪ ,‬وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذى غمرهم برحمته وخصهم‬
‫على رضى اهلل‬
‫برضوانه وكرامته ‪ ,‬كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عندهم ‪ ,‬وعن ّ‬
‫عنه ‪ :‬ما يحشرون واهلل على أرجلهم ولكنهم على نوق رحالها ذهب ‪ ,‬وعلى نجائب سروجها‬
‫(‪)1‬‬
‫ياقوت ‪.‬‬

‫‪ -5‬وهم ال يدخلون أدنى درجاتها بل يفوزون فيها بأعلى الدرجات وأفضل النعيم‬
‫نسأل اهلل من فضله العظيم‬

‫ين َمفَا ًزا [‬


‫‪ ( .....‬النبأ ‪) 31 :‬‬ ‫قال تعالى ‪ ] :‬إِ َّن لِ ْل ُمتَّقِ َ‬
‫والمأب هو‬ ‫ب [ ‪ ( .....‬ص ‪) 49 :‬‬ ‫وقال تعالى ‪ ] :‬هَ َذا ِذ ْك ٌر َوإِ َّن لِ ْل ُمتَّقِ َ‬
‫ين لَ ُحس َْن َمآ ٍ‬
‫المرجع والمنقلب ‪ ,‬ثم فصل ذلك عز وجل فقال تعالى ‪َ ] :‬جنَّا ِ‬
‫ت َع ْد ٍن ُّمفَتَّ َحةً لَّهُ ُم اأْل َب َْوابُ‬
‫اص َر ُ‬
‫ات‬ ‫ب (‪َ )51‬و ِعن َدهُ ْم قَ ِ‬ ‫ون فِيهَا بِفَا ِكهَ ٍة َكثِ َ‬
‫ير ٍة َو َش َرا ٍ‬ ‫(‪ُ )50‬متَّ ِكئِ َ‬
‫ين فِيهَا يَ ْد ُع َ‬
‫ب (‪ )53‬إِ َّن هَ َذا لَ ِر ْزقُنَا َما لَهُ‬ ‫ون لِيَ ْو ِم ْال ِح َسا ِ‬
‫ف أَ ْت َرابٌ (‪ )52‬هَ َذا َما تُو َع ُد َـ‬ ‫الطَّرْ ِ‬
‫ِمن نَّفَا ٍد [‪ ( .....‬ص ‪) 54 – 50 :‬‬

‫وبين اهلل عز وجل قربهم من الحضرة واللقاء والرؤية والبهاء ‪ .‬فقال عز وجل ‪:‬‬
‫‪.....‬‬ ‫يك ُّم ْقتَ ِد ٍر [‬ ‫ت َونَهَ ٍر (‪ )54‬فِي َم ْق َع ِد ِ‬
‫ص ْد ٍ‬
‫ق ِعن َد َملِ ٍ‬ ‫] إِ َّن ْال ُمتَّقِ َ‬
‫ين فِي َجنَّا ٍ‬
‫( القمر ‪) 55 – 54 :‬‬

‫ص ْد ٍ‬
‫ق ) أى ‪ :‬مجلس حق ال لغو فيه وال تأثيم ‪ ,‬وهو الجنة‬ ‫ِ‬ ‫قال القرطبى ‪ِ ( :‬في َم ْق َع ِد‬
‫ر ) أى ‪ :‬يقدر على ما يشاء وعند هاهنا عندية القربة والزلفة والمكانة‬ ‫يك ُّم ْقتَ ِد ٍ‬
‫( ِعن َد َملِ ٍ‬
‫(‪)2‬‬
‫والرتبة والكرامة والمنزلة ‪.‬‬

‫(‪ )1‬الكشاف ( ‪ ) 42 / 3‬وأثر عل ّى رضى هللا عنه أخرجه ابن أبى شيبه ‪ ،‬وعبد هللا بن أحمد فى زيادات المسند ‪ ،‬والطبرى وابن‬
‫أبى حاتم من رواية عبد الرحمن بن أسحق بن النعمان بن سعد بن عل ّى نحوه ‪ ،‬وأخرجه ابن أبى داود ‪ -‬فى كتاب البعث من هذا‬
‫الوجه مرفوعا ً ‪ ،‬ورواه ابن عدى عن حديث ابن عباس رضى هللا عنهما مرفوعا ً أيضا ً ‪.‬‬
‫(‪ )2‬الجامع ألحكام القرآن ( ‪. ) 6320 / 7‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫ص ْد ٍ‬
‫ق ) فى مكان مرضى ‪ ,‬وقرئ فى مقاعد صدق عند‬ ‫ِ‬ ‫وقال الزمخشرى ‪ ( :‬فِي َم ْق َع ِد‬
‫مليلك مقتدر مقربين عند مليك مبهم أمره فى الملك واالقتدار ‪ ,‬فال شئ إال وهو تحت ملكه وقدرته‬
‫وال عجب فى ذلك‬ ‫(‪)1‬‬
‫‪ ,‬فاى منزلة أكرم من تلك المنزلة وأجمع للغبطة كلها والسعادة بأسرها‬
‫فقد جمع اهلل عز وجل للمتقين كل نعيم االخرة فقال تعالى ‪َ ] :‬واآْل ِخ َرةُ ِعن َد َرب َِّك لِ ْل ُمتَّقِ َ‬
‫ين‬
‫‪ ( ......‬الزخرف ‪) 35 :‬‬ ‫[‬
‫‪ ( ......‬القصص ‪) 83 :‬‬ ‫ين [‬ ‫وقال تعالى ‪َ ] :‬و ْال َعاقِبَةُ لِ ْل ُمتَّقِ َ‬
‫ين [‪ ( .....‬النحل‬ ‫ووصف دارهم فقال عز وجل ‪َ ] :‬ولَ َدا ُر ِ‬
‫اآلخ َر ِة َخ ْي ٌر َولَنِ ْع َم َدا ُر ْال ُمتَّقِ َ‬
‫‪) 30 :‬‬

‫‪ -6‬وهى تجمع بين المتحابين من أهلها حين تنقلب كل صداقة‬


‫ومحبة الى عداوة ومشاقة‬

‫‪ ( .....‬الزخرف ‪:‬‬ ‫ين [‬


‫ْض َع ُد ٌّو إِاَّل ْال ُمتَّقِ َ‬ ‫قال تعالى ‪ ] :‬اأْل َ ِخاَّل ء يَ ْو َمئِ ٍذ بَ ْع ُ‬
‫ضهُ ْم لِبَع ٍ‬
‫‪) 67‬‬

‫قال الزمخشرى ‪:‬‬


‫تتقطع فى ذلك اليوم كل خلة بين المتخالين فى غير ذات اهلل وتنقلب عداوة ومقتاً إال خلة‬
‫المتصادقين فى اهلل فإنها الخلة الباقية المزدادة قوة إذا رأوا ثواب التحاب فى اهلل تعالى والتباغض‬
‫(‪)2‬‬
‫فى اهلل وقيل ‪ :‬إال المتقين والمجتنبين أخالء السوء ‪.‬‬

‫فالمتقون هم الذين تدوم محبتهم وخلتهم كما قيل ‪:‬‬


‫وما كان لغير اهلل انقطع وانفصل‬ ‫ما كان هلل دام واتصل‬

‫(‪)1‬‬
‫الكشاف ( ‪. ) 442 / 4‬‬
‫( (‪)2‬‬
‫الكشاف ( ‪. ) 263 / 3‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫ومن بركة التقوى كذلك ينزع اهلل عز وجل ما قد يعلق بقلوبهم من الضغائن والغل فتزداد مودتهم‬
‫ُون (‪ )45‬ا ْد ُخلُوهَا‬‫ت َو ُعي ٍ‬ ‫ين فِي َجنَّا ٍ‬ ‫وتتم محبتهم وصحبتهم كما قال تعالى ‪ ] :‬إِ َّن ْال ُمتَّقِ َ‬
‫ين‬ ‫ور ِهم ِّم ْن ِغلٍّ إِ ْخ َوانًا َعلَى ُسر ٍ‬
‫ُر ُّمتَقَابِلِ َ‬ ‫ص ُد ِ‬ ‫ين (‪َ )46‬ونَ َز ْعنَا َما فِي ُ‬
‫بِ َسالَ ٍم آ ِمنِ َ‬
‫[ ‪ (...... ......‬الحجر ‪) 47 - 45 :‬‬

‫قال ابن الجوزى ‪ :‬قال ابن االنبارى ‪ :‬ما مضى من التأخى قد كان تشوبه ضغائن وشحناء ‪,‬‬
‫(‪)1‬‬
‫وهذا التاخى بينهم الموجود عند نزع الغل هو تأخى المصافاة واإلخالص ‪.‬‬

‫‪ – 7‬وهم يسعدون بالصحبه والمحبه وهم يساقون إلي الجنة زمراً زمرا ‪:‬‬

‫ين اتَّقَ ْوا َربَّهُ ْم إِلَى ْال َجنَّ ِة ُز َمرًا َحتَّى إِ َذاـ َجا ُؤوهَا َوفُتِ َح ْ‬
‫ت‬ ‫قال تعالى ‪َ ] :‬و ِسي َ‬
‫ق الَّ ِذ َـ‬
‫ين [ ‪ ( ....‬الزمر ‪:‬‬ ‫ال لَهُ ْم َخ َزنَتُهَا َساَل ٌم َعلَ ْي ُك ْم ِط ْبتُ ْم فَا ْد ُخلُوهَا َخالِ ِد َ‬‫أَب َْوابُهَا َوقَ َ‬
‫‪) 73‬‬

‫قال ابن كثير رحمة اهلل ‪:‬‬


‫وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حين يساقون على النجائب وفداً الى الجنة ( ُز َمرًا )‬
‫أى ‪ :‬جماعة المقربون ثم األبرار ثم الذين يلونها كل طائفة مع ما يناسبهم ‪:‬‬
‫األنبياء مع االنبياء ‪ ,‬والصديقون مع أشكالهم ‪ ،‬والشهداء مع أضرابهم ‪ ,‬والعلماء مع أقرانهم ‪,‬‬
‫(‪)2‬‬
‫وكل صنف مع صنف ‪ ,‬وكل زمرة تناسب بعضها بعضاً ‪.‬‬

‫وقال القرطبى ‪:‬‬


‫) والزهاد والعلماء والقراء‬ ‫ين اتَّقَ ْوا َربَّهُ ْم إِلَى ْال َجنَّ ِة ُز َمرًا‬ ‫قوله تعالى ‪َ ( :‬و ِسي َ‬
‫ق الَّ ِذ َ‬
‫وغيرهم ممن اتقى اهلل تعالى وعمل بطاعته ‪ ,‬وقال فى حق الفريقين ‪:‬‬
‫) بلفظ واحد فسوق أهل النار طردهم إليها بالخزى والهوان كما يفعل باألسارى‬ ‫ق‬
‫( َو ِسي َ‬
‫والخارجين على السلطان إذا سيقوا الى حبس أو قتل ‪ ,‬وسوق أهل الجنان سوق مراكبهم الى دار‬
‫(‪)1‬‬
‫زاد المسير ( ‪ ) 404 / 4‬المكتب األسالمى‬
‫(‪)2‬‬
‫تفسير القرآن الغظيم ( ‪. ) 5 / 4‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫الكرامة والرضوان ‪ ,‬ألنه ال يذهب بهم إال راكبين كما يفعل بمن يشرف ويكرم من الوافدين‬
‫(‪)1‬‬
‫على بعض الملوك فشتان ما بين السوقين ‪.‬‬

‫وقيل كل جماعة أو طائفة تعاونت على الخير والطاعة فإنهم ينادون يوم القيامة ويكونون زمرة‬
‫من الزمر المساقه الى الجنة ‪.‬‬

‫(‪)1‬‬
‫الجامع ألحكام القرآن ( ‪. ) 5729 - 5728 / 7‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫خاتمة نسأل هللا حسنها‬


‫إذاـ بلغت الروح المنتهى‬

‫وقد سعدناً بصحبة التقوى وأهلها وثمارها بين طيات هذا الكتاب المبارك ‪ ,‬فهل لك يأخى القارئ‬
‫الكريم فى أن تحقق لنفسك السعادة فى لحظة واحدة ‪ ,‬وهى لحظة صدق يجلس فيها العبد الى‬
‫نفسه فال يخدعها وال تخدعه ‪ ,‬يفكر فيما مضى من عمره ‪ ,‬ويتذكر قول القائل ‪:‬‬
‫ما مضى من أعمارنا وإ ن طالت أوقاته فقد ذهبت لذاته وبقيت تبعاته ‪ ,‬وكانه لم يكن إذا جاء‬
‫الموت وميقاته ‪ ,‬قال اهلل عز وجل ‪:‬‬
‫ين (‪ )205‬ثُ َّم َجاءهُم َّما َكانُوا يُو َع ُد َـ‬
‫ون (‪َ )206‬ما‬ ‫] أَفَ َرأَي َ‬
‫ْت إِن َّمتَّ ْعنَاهُ ْم ِسنِ َ‬
‫ُون [ ‪ ( ......‬الشعراء ‪) 207 - 205 :‬‬ ‫أَ ْغنَى َع ْنهُم َّما َكانُوا يُ َمتَّع َ‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫تال بعض السلف هذه األية وبكى وقال ‪ :‬إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة‬
‫والنعيم ‪ ,‬وفى هذا المعنى ما أنشده أبو العتاهية للرشيد حين بنى قصره واستدعى إليه ندماءه ‪.‬‬
‫فى ظل شاهقة القصور‬ ‫عش مابدل لك سالماً‬
‫لدى الرواح وفى‬ ‫يسعى عليك بما اشتهيت‬
‫البكور‬
‫فى ضيق حشرجة‬ ‫فإذا النفوس تقعقعت‬
‫الصدور‬
‫ما كنت إال فى غرور‬ ‫فهناك تعلم موقنا‬
‫(‪)1‬‬

‫فالدنيا معبر ال مقر وراحلة ال مكث ‪ ,‬والسعيد من اتعظ بغيره وانتهز فرصة الحياة فى التزود‬
‫لألخرة ‪.‬‬
‫قال الحسن ‪ :‬نعمت الدار كانت للمؤمن ‪ ,‬وذلك ألنه عمل فيها قليالً وأخذ منها زاده الى الجنة ‪,‬‬
‫وبئست الدار الدنيا كانت للكافر والنافق وذلك آلنه أضاع فيها لياليه وأخذ منها زاده الى النار ‪,‬‬
‫وكل نفس من أنفاس العمر جوهرة ثمنية تستطيع أن تشترى بها كنزاً ال يقنى ابد اآلباد ‪:‬‬
‫وغره طول االمل‬ ‫يامن بدنياه انشغل‬
‫والقبر صندوق العمل‬ ‫الموت يأتى بغته‬
‫فهل لك ياعبد اهلل فى الفالح والنجاح والفوز والنجاة فى لحظة واحدة ‪ ,‬لحظة صدق تتذكر ما‬
‫مضى من جنايات ومخالفات فتصلح الماضى بتوبة ‪ ,‬وتصلح الحاضر بعمل صالح ‪ ,‬وتصلح‬
‫المستقبل بعزيمة صادقة ونية مخلصة على االستمرار فى طاعة اهلل عز وجل والتزود بالتقوى‪.‬‬
‫قال اهلل عز وجل ‪:‬‬
‫] إِ َّن الَّ ِذ َـ‬
‫ين قَالُوا َربُّنَا هَّللا ُ ثُ َّم ا ْستَقَا ُموا تَتَنَ َّز ُل َعلَ ْي ِه ُم ْال َماَل ئِ َكةُ أَاَّل تَ َخافُوا َواَل‬
‫ون (‪ )30‬نَحْ ُن أَ ْولِيَا ُؤ ُك ْم فِي ْال َحيَا ِة‬ ‫تَحْ َزنُوا َوأَب ِْشرُوا بِ ْال َجنَّ ِة الَّتِي ُكنتُ ْم تُو َع ُد َ‬
‫ون (‪ )31‬نُزُاًل‬ ‫ال ُّد ْنيَا َوفِي اآْل ِخ َر ِة َولَ ُك ْم فِيهَا َما تَ ْشتَ ِهي أَنفُ ُس ُك ْم َولَ ُك ْم ِفيهَا َما تَ َّد ُع َ‬
‫يم [ ‪ ( ......‬فصلت ‪) 32 - 30 :‬‬ ‫َّح ٍ‬
‫ور ر ِ‬‫ِّم ْن َغفُ ٍ‬
‫(‪)1‬‬
‫باختصار وتصرف من ( لطائف المعارف ) البن رجب الحنبلى ( ‪ ) 317 ، 315‬دار الجيل‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫فما أوجزه واطيبه وأجمعه لخيرى الدنيا واآلخرة‬ ‫(‪)1‬‬


‫وقال النبى ‪ ( :‬قل أمنت باهلل ثم استقم )‬
‫و كيف ال وهو من كالم من أوتى جوامع الكلم صلى اهلل عليه وسلم ‪.‬‬

‫قال ابن القيم رحمة اهلل ‪:‬‬


‫هلم الى الدخول على اهلل ومجاورته فى دار السالم بال نصب وال تعب وال عناء ‪ ,‬بل من أقرب‬
‫الطرق وأسهلها ‪ ,‬وذلك أنك فى وقت بين وقتين وهو فى الحقيقة عمرك وهو وقتك الحاضر بين‬
‫ما مضى وما يستقبل ‪ ,‬فالذى مضى تصلحه بالتوبة والندم واالستغفار ‪ ,‬وذلك شئ ال تعب عليك‬
‫فيه وال نصب وال معاناة عمل شاق ‪ ,‬وإ نما هو عمل القلب وتمتنع فيما يستقبل من الذنوب ‪,‬‬
‫وامتناعك ترك راحة ليس هو عمآل بالجوارح يشق عليك معاناته ‪ ,‬وانما هو عزم ونية جازمة‬
‫تريح بدنك وقلبك وسرك ‪,‬‬
‫فما مضى نصلحه بالتوبة ‪ ,‬ومايستقبل تصلحه باالمتناع والعزم والنية ‪,‬‬
‫وليس للجوارح فى هذين نصب ال تعب ‪ ,‬ولكن الشأن فى عمرك وهو وقتك الذى بين الوقتين فإن‬
‫أضعته أضعت سعادتك ونجاتك ‪ ,‬وإ ن حفظته مع إصالح الوقتين اللذين قبله وبعده بما ذكر‬
‫(‪)1‬‬
‫نجوت وفزت بالراحة واللذة والنعيم ‪.‬‬

‫نسأل اهلل أن يختم لنا بخاتمة السعادة وأن يرزقنا الحسنى وزيادة ‪ ,‬وأن يجعلنا من عباده المتقين‬
‫الذين يسعدون فى الدنيا بالطاعات ومحبة رب العالمين ‪ ,‬وفى األخرة بالجنات والنظر الى وجه‬
‫اهلل الكريم ‪,‬‬

‫وأخر دعوانا أن الحمد هلل رب العالمين ‪.‬‬

‫(‪ )1‬رواه مسلم ( ‪ ) 9 - / 2‬األيمان ‪ ،‬وأحمد ( ‪ ) 385 / 4 ( ، ) 413 / 3‬وفيه زيادة قال ‪ :‬وما أتقى فأومأ إلى لسانه ‪ ،‬ورواه‬
‫الترمذى ( ‪ ) 249 / 9‬الزهد ‪ ،‬وابن ماجه ( ‪ < . ) 3972‬بلفظ ‪ :‬قل ربى هللا >‬
‫(‪ )1‬الفوائد ( ‪ ) 152 ، 151‬دار الدعوه ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬

‫مراجع البحث‬
‫أ ‪ -‬تفاسير ‪:‬‬

‫‪ -1‬أضواء البيان لمحمد األمين الشنقيطى المدنى ‪.‬‬


‫‪ -2‬تفسير القرأن العظيم ‪ ,‬للحافظ ابن كثير دار المعرفة ‪.‬‬
‫‪ -3‬جامع البيان ‪ ,‬البن جرير الطبرى ‪ ,‬دار المعرفة ‪.‬‬
‫‪ -4‬الجامع ألحكام القرأن للقرطبى ‪ ,‬الشعب ‪.‬‬
‫‪ -5‬روح المعانى ‪ ,‬لأللوس ‪ ,‬دار التراث ‪.‬‬
‫‪ -6‬زاد المسير ‪ ,‬البن الجوزى ‪ ,‬المكتب اإلسالمى ‪.‬‬
‫‪ -7‬فتح القدير ‪ ,‬للشوكانى ‪ ,‬دار المعرفة ‪.‬‬
‫‪ -8‬فى ظالل القرأن ‪ ,‬لسيد قطب ‪ ,‬دار العلم بينها ‪.‬‬
‫‪ -9‬الكشاف ‪ ,‬للزمخشرى ‪ ,‬الريان ‪.‬‬
‫‪ -10‬محاسن التأويل ‪ ,‬للقاسمى ‪ ,‬دار الفكر ‪.‬‬
‫‪ -11‬المنار ‪ ,‬لمحمد رشيد رضا دا المعرفة ‪.‬‬

‫ب ‪ -‬حديث ‪:‬‬
‫‪ -1‬بلوغ المرام فى تخريج الحالل والحرام ‪ ,‬لأللبانى ‪ ,‬المكتب االسالمى ‪.‬‬
‫‪ -2‬جامع األصول ‪ ,‬البن األثير ‪ ,‬دار الفكر ‪.‬‬
‫‪ -3‬سنن النسائى بشرح السيوطى وحاشية السندى ‪ ,‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫‪ -4‬سنن ابن ماجة بترقيم محمد فؤاد عبد الباقى ‪ ,‬المكتبة العلمية ‪.‬‬
‫‪ -5‬سنن الدرامى ‪ ,‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬

‫‪ -6‬سلسلة األحاديث الصحيحة لأللبانى الكتب اإلسالمى ‪.‬‬


‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫‪ -7‬شرح السنة للبغوى بتحقيق شعيب األرناؤوط دار بدر ‪.‬‬

‫‪ -8‬صحيح الجامع الصغير وزيادات الأللبانى ‪ ,‬الكتب اإلسالمى ‪.‬‬

‫‪ -9‬صحيح ابن ماجة ‪ ,‬لأللبانى ‪ ,‬مكتب التربية العربية الدولى ‪.‬‬

‫‪ -10‬صحيح النسائى ‪ ,‬لأللبانى ‪ ,‬مكتب التربية العربى الدولى ‪.‬‬

‫‪ -11‬صحيح الترمذى ‪ ,‬لأللبانى ‪ ,‬مكتب التربية العربى الدولى ‪.‬‬

‫‪ -12‬عون المعبود شرح سنن أبى داود لشمس الحق أبادى المكتبة السلفية‪.‬‬

‫‪ -13‬عارضة األحوذى شرح سنن الترمذى البن العربى ‪ ,‬دار الوحى المحمدى ‪.‬‬

‫‪ -14‬فتح البارى شرح صحيح البخارى البن حجر طبعة السلفية ‪.‬‬

‫‪ -15‬فيض القدير شرح الجامع الصغير ‪ ,‬دار المعرفة ‪.‬‬

‫‪ -16‬مستدرك الحاكم وبهامشة التللخيص للذهبى ‪ ,‬دار المعرفة ‪.‬‬

‫‪ -17‬مسند االمام أحمد بفهرس األلبانى ‪ ,‬المكتب اإلسالمى‬

‫‪ -18‬موطأ مالك ‪,‬ط الحلبى ‪.‬‬

‫‪ -19‬مسلم بشرح النووى ‪ ,‬المطبعة المصرية ‪.‬‬

‫‪ -20‬المعجم الفهرس ‪ ,‬لجماعة من المستشرقين ‪ ,‬دار الدعوة ‪.‬‬

‫جـ ‪ -‬رقائق ومواعظـ ‪:‬‬


‫‪ -1‬اسنشاق نسيم األنس البن رجب ‪ ،‬دار الفتح ‪.‬‬
‫‪ -2‬تفسير المعوذين ‪ ،‬البن القيم ‪ ،‬السلفية ‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫التقـوى‬
‫‪ -3‬تلبيس إبليس ‪ ،‬البن الجوزى المتنبى ‪.‬‬
‫‪ -4‬جامع لعلوم والحكم ‪ ،‬البن رجب ‪ ،‬الحلبى ‪.‬‬
‫‪ -5‬الجواب الكافى ‪ ،‬البن القيم ‪ ،‬دار عمر بن الخطاب ‪.‬‬
‫‪ -6‬شرح حديث ( ماذئبان جائعان ) ‪ ،‬البن رجب دار الفتح ‪.‬‬
‫‪ -7‬صيد الخاطر ‪ ،‬البن الجوزى ‪ ،‬دار الكتب العلميه ‪.‬‬
‫‪ -8‬صيانه اإلنسان ‪ ،‬البن مفلح ‪ ،‬دار الكتب العلميه ‪.‬‬
‫‪ -9‬طريق الهجرتين ‪ ،‬البن القيم ‪ ،‬السلفية ‪.‬‬
‫‪ -10‬رسالة المسترشدين للمحاسبى ‪ ،‬بتحقيق أبو غدة ‪ ،‬دار السالم ‪.‬‬
‫‪ -11‬روضة المحبين ‪ ،‬البن القيم ‪ ،‬دار الصفا ‪.‬‬
‫‪ -12‬الرساله التبوكيه ‪ ،‬البن القيم ‪ ،‬بتحقيق أشرف عبد المقصود ‪ ،‬التوعيه‬
‫اإلسالمية ‪.‬‬
‫‪ -13‬غالية المواعظ ‪ ،‬لنعمان محمود االلوسى ‪ ،‬دار المعرفة ‪.‬‬
‫‪ -14‬الفوائد ‪ ،‬البن القيم ‪ ،‬دار الدعوة ‪.‬‬
‫‪ -15‬لطائف المعارف ‪ ،‬البن رجب الحنبلى ‪ ،‬دار الجيل ‪.‬‬
‫‪ -16‬منهاج العابدين ‪ ،‬للغزالى ‪ ،‬مكتبة الجندى ‪.‬‬
‫‪ -17‬نور االقتباس ‪ ،‬البن رجب ‪ ،‬المدنى ‪.‬‬
‫‪ -18‬المدهش ‪ ،‬البن الجوزى ‪ ،‬دار الكتب العلمية ‪.‬‬
‫‪ -19‬المصباح المنير للرافعى ‪ ،‬دار المعرفة ‪.‬‬

You might also like