Professional Documents
Culture Documents
المنشُودة
المفقُودة والغاية َ
الد َرة َ
التقوى ُ
إن الحمد هلل ،نحم ده ونس تعينه ونس تغفره ،ونع وذ باهلل من ش رور أنفس نا وس يئات أعمالنا ،من
يهده اهلل فال مضل له ومن يضلل فال هادى له ،واشهد أن ال إله إال اهلل وحده ال شريك له وأشهد
أن محمداً عبده ورسوله .
ف إن أص دق الح ديث كت اب اهلل ،وخ ير اله دى ه دى محمد ص لى اهلل عليه وس لم وشر األم ور
محدثاتها ،وكل محدثة بدعة ،وكل بدعة ضالله وكل ضالله فى النار .
ففى مثل هذه االزمنة الغابرة التى استولت فيها الغفلة على القلوب ،وضعفت فيها العين المتطلعة
إلى األخ رة فال تك اد ت رى ،وظن الن اس أن الس عيد من ف از فى ال دنيا بش هواتها ،ومن وصل إلى
جاهها وسلطانها ،والشقى من حرم هذا الخير
3 التقـوى
العظيم وال رزق الك ريم وه ذا من الغفلة الش نيعة والجهل البليغ بالس عادة الحقيقية والش رف العظيم
ال ذى جعله اهلل عز وجل للمتقين فى الحي اة وي وم يق وم الن اس ل رب الع المين ولو ذاقت قل وب أهل
ال دنيا ش يئاً من مواجيد أهل التق وى وما يجدونه من الع زة والش رف فى ال دنيا مع ما ينتظ رهم من
سعادة األخرة ونعيمها ألكلوا أصابعهم ندماً وحسرة على ما فاتهم من الخير ويفوتهم إذا استمرت
غفلتهم ،
فالتقوى كما قال الغزالى رحمة اهلل :كنز عزيز ،فلئن ظفرت به كم تجد فيه من جوهر شريف ،
وخ ير كث ير ،ورزق ك ريم ،وف وز كب ير ،وغنم جس يم ،وملك عظيم ،فك أن خ يرات ال دنيا
واألخ رة جمعت فجعلت تحت ه ذه الخص لة الواح دة ال تى هى تق وى اهلل ،وتأمل ما فى الق رأن من
ذكرها فكم علق بها من خير وكم وعد عليها من خير وثواب وكم أضاف إليها من سعادة (. )1
فاهل التق وى هم مل وك ال دنيا كما أنهم مل وك األخ رة وهم وأهل الس عادة الحقيقية والش رف العظيم
( ..........طه ) 132 : فى الدنيا واألخرة كما قال تعالى َ ] :و ْال َعاقِبَةُ لِلتَّ ْق َوى [
ين [ ( ..........الزخرف ) 35 : وقال تعالى َ ] :واآْل ِخ َرةُ ِعن َد َرب َِّك لِ ْل ُمتَّقِ َ
وأنت يا أخى الكريم معى فى هذا الكتاب نسير مع التقوى فى كل باب لعلى وإ ياك عند الختام يمن
اهلل علينا بالتوبة النص وح وما لها من الفت وح ويجعلنا من المتقين ،ال ذين تقر أعينهم فى ال دنيا
بالطاع ات وفى األخ رة بالجن ات ،وقد جمعت لك فى ه ذا الكت اب من المع انى الش ريفة ،والفوائد
اللطيفة ما تنش رح له القلوب ،وتقترب به من عالم الغيوب وغفار ال ذنوب ،فبدأت ب ذكر معانى
التقوى وأقسامها ،وثنيت بذكر شرفها وخطرها ،وثم اجتهدت فى الباب الثالث فى بيان ما تتطلع
إليه قلوب اصحاب الهمم العالية والنفوس األبية
وهو فى بيان كيف تتقى اهلل عز وجل وذكرت لك خمسة وسائل :
األولى محبة اهلل عز وجل ،
والثانية فى استحضار المراقبة والحياء ،
)(1
منهاج العابدين ( )7مكتبة الجندى
3 التقـوى
ثم زدتك تش ريفا وتعريفا باص حاب ال رتب العالية وال درجات الرفيعة الس امية ،ب ذكر ص فات
المتقين ،وختمت بحسن االخت ام ،وهو رحله فى ري اض التق وى ن نزة قلوبنا وابص ارنا برؤية
ثمرات التقوى العاجلة واآلجلة.
ول وال ما نطمع فيه من رحمة اهلل وعف وه وكرمه ،وان ال نح رم دع وة ص الحة من اخ ك ريم
لتقطعت القل وب يأسا من النف وس وص الحها وقلة تقواها ،وال تظن ان من تكلم عن التق وى فقد
صار بذلك من المتقين ،فما اظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى واكتساب االموال وهو فقير وبين
العلم بأسباب الصحة وهو سقيم ،ولكن نرجو بذكر القوم ومحبتهم ان نجد ريحا من اثار غبارهم
او ان نلحق ولو بساقاتهم
)(1
المدهش البن الجوزى ( ) 428بتصرف دار الكتب العلميه
3 التقـوى
وس وف تجد فى ص حبة ه ذا الكت اب ومبانيه ما ي بين لك ش رف معانيه ،فتجد ش رف التق وى فى
طياته وسعادتها ين وريقاته ،
نسأل اهلل أن يجعلنا من أهلها وأن يقسم لنا من كنوزها وثمراتها .وأن يبارك فى هذا الكتاب وفى
جامعة وناشره ومن قرأه يلتمس الهداية والتوفيق ،
واهلل الهادى القوم طريق فهو الذى تقر القلوب بمحبته فى الدنيا ورؤيته فى الجنة ،
وصلى اهلل على رسوله المصطفى واله واصحابه ومن اتبع السنة وسلم تسليماً .
وكتبه
الشيخ /أحمد فريد
3 التقـوى
معنىـ التقوى ومراتبهاـ
المعنى اللغوى :قال فى المصباح :وقاه اهلل السوء وقاية :حفظه
والوق اء مثل كت اب كل ما وقيت به ش يئاً ،وروى أبو عبيد عن الكس ائى الفتح فى ( الوقاية ) و
اتقاء ) و ( التقية ) و (التقوى ) اسم منه والتاء مبدله
(الوقاء) أيضاً و ( اتقيت ) اهلل ( ً
(1
من واو واألصل (وقى) أهـ ).
المعنى الشرعى :اختلفت تعبيرات العلماء فى تعريف التقوى مع أن الجميع يدور حول
مفه وم واحد ،وهو أن يأخذ العبد وقايته من س خط اهلل عز وجل وعذابه ،وذلك بامتث ال الم أمور
واجتناب المحظور .
فإذا اضيفت التقوى إليه سبحانه وتعالى فالمعنى اتقوا سخطه وغضبه وه و أعظم م ا يتقى ،وعن
ذل ك ينش أ عقاب ة ال دنيوى واالخ روى ،ق ال تع الى ] َوي َُحـ ِّذ ُر ُك ُم هّللا ُ نَ ْف َ
س ـهُ [ ( ........آل
عمران ) 28 :
()1
المصباح المنير فى غريب الشرح الكبير للرافعى ( – )669دار المعارف .
3 التقـوى
وفى الترمذى عن انس عن النبى صلى اهلل عليه وسلم فى هذه االية :
قال هللا تعالى ( :أنا أهل التقوى فمن اتقانى فلم يجعل معى ] هُ َو أَ ْه ُل التَّ ْق َوى [ .........
( )1
إلهاً أخر فأنا أهل أن أغفر له)
وتارة تضاف التقوى إلى عقاب اهلل ،أو إلى مكانه كالنار ،أو إلى زمانه كيوم القيامة
[ ( ..........آل عمران ) 131 : ين ار الَّتِي أُ ِع َّد ْ
ت لِ ْل َكافِ ِر َ كما قال تعالى َ ] :واتَّقُ ْ
وا النَّ َ
ين [ ارةُ أُ ِعـ َّد ْ
ت لِ ْل َكــافِ ِر َ ار الَّتِي َوقُو ُدهَا النَّاسُ َو ْال ِح َجـ َ وق ال تع الى ] :فَــاتَّقُ ْ
وا النَّ َ
( ......البقره ) 24 :
( ..........البقره ) 281 : ُون فِي ِه إِلَى هّللا ِ [ وقال تعالى َ ] :واتَّقُ ْ
وا يَ ْو ًما تُرْ َجع َ
( ..........البق..ره : وا يَ ْوما ً الَّ تَجْ ِزي نَ ْفسٌ َعن نَّ ْف ٍ
س َشـيْئا ً [ وق ال تع الى َ ] :واتَّقُ ْ
) 48
وي دخل فى التق وى الكاملة فعل الواجب ات وت رك المحرم ات والش بهات وربما دخل فيها بعد ذلك
فعل المندوبات وترك المكروهات.
()1
رواه أحمد ( ) 243 ، 142 / 3وابن ماجه ( ) 4299الزهد ،والدرامى ( ) 303 / 2الرقاق ،وضعفه األلبانى .
()2
جامع العلوم والحكم ( ) 149 – 148بأختصار .
3 التقـوى
وه ذا من أحسن ما قيل فى حد التق وى ،ف إن كل عمل ال بد له من مب دأ وغاية ،فال يك ون العمل
طاعة وقربة ح تى يك ون مص دره عن اإليم ان فيك ون الب اعث عليه هو اإليم ان المحض ال الع اده
وال الهوى وال طلب المحمدة والجاه وغير ذلك ،بل البد أن يكون مبدأه محض اإليمان
وغايته ثواب اهلل وابتغاء مرضاته وهو اإلحتساب .
ولهذا كثيراً ما يقرن بين هذين االصلين فى مثل قول النبى صلى اهلل عليه وسلم :
()2
( ،ومن قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً ) ( )1
( من صام رمضان إيماناً واحتساباً )
ونظ ائره .فقوله ( :على ن ور من اهلل ) إش ارة إلى األصل األول وهو مص در العمل والس بب
الباعث عليه .وقوله ( ترجو ثواب اهلل ) إشارة إلى األصل الثانى وهو اإلحتساب ،
وهو الغاية التى ألجلها توقع العمل ويقصد به (.)3
()1
رواه البخارى ( ) 115 / 4الصوم
()2
رواه البخارى ( ) 255 / 4فضل ليلة القدر ،ومسلم ( ) 41 ، 40 / 6صالة المسافرين
()3
الرساله التبوكيه بتحقيق أشرف عبد المقصود ونشر مكتبة التوعيه األسالميه ( )17 - 15
3 التقـوى
والثالثة :أن يت نزه عما يش تغل س ره عن اهلل تع الى ،وه ذه هى التق وى الحقيقية المطلوبة بقوله
( .......أل عمران) 102 : ق تُقَاتِ ِه [ وا اتَّقُ ْ
وا هّللا َ َح َّ تعالى ] :يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َ
ين آ َمنُ ْ
()1
وقال ابن عمر :اال ترى نفسك خيراً من أحد .
وقال الغزالى رحمة اهلل :
اعلم أوالً -بارك اهلل فى دينك وزاد فى يقينك -أن التقوى فى قول شيوخنا رحمهم اهلل هى تنزيه
القلب عن ذنب لم يسبق عنك مثله ،حتى تحصل لك من القوة والعزم على تركه وقاية بينك وبين
المعاصى .
ف إذن لما حص لت وقاية بين العبد وبين المعاصى من ق وة عزمه على تركها ،وت وطين قلبه على
ذلك ،فيوصف حينئذ بأنه متق ،ويقال لذلك التنزيه والعزم والتوطين :التقوى .
والتقوى فى القرأن :تطلق على ثالثة اشياء :أحداهما بمعنى الخشية والهيبة .
ون [ ( .......البقرة ) 41 :وقال تعالى َ ] :واتَّقُ ْ
وا يَ ْو ًما تُرْ َجع َ
ُون قال تعالىَ ] :وإِي َ
َّاي فَاتَّقُ ِ
فِي ِه إِلَى هّللا ِ [ ( .......البقرة ، ) 281 :والثانى بمعنى الطاعة والعبادة قال اهلل تعالى :
تق وى عن الش رك وتق وى عن البدعة ،وتق وى عن المعاصى الفرعية ،ولقد ذكرها اهلل تع الى فى
أية واحدة وهى قوله جل من قائل :
ـوا إِ َذاـ َما اتَّقَـ ْ
ـوا ت ُجنَــا ٌح فِي َما طَ ِع ُمـ ْ الصـالِ َحا ِ ـوا َّ ـوا َو َع ِملُـ ْ ين آ َمنُـ ْ
ْس َعلَى الَّ ِذ َـ ] لَي َ
وا … [ ( المائده )93 : وا َّوأَحْ َسنُ ْـوا ثُ َّم اتَّقَ ْ
وا َّوآ َمنُ ْـ
ت ثُ َّم اتَّقَ ْوا الصَّالِ َحا ِ وا َو َع ِملُ ْ
َّوآ َمنُ ْ
ف التقوى األولى عن الش رك ،واإليم ان ال ذى فى مقابلتها التوحيد ،والتق وى الثانية من البدعة ،
واإليم ان ال ذى ذكر معها إق رار عق ود الس نة والجماعة ،والتق وى الثالثة عن المعاصى الفرعية ،
وال إقرار فى هذه المنزلة فقابلها باإلحسان وهو الطاعة واالستقامة عليها ،فتكون منزلة السنة ،
ومنزلة استقامة الطاعة .
ق ال :وأنا وج دت التق وى بمع نى اجتن اب فض ول الحالل ،وهو ما روى فى الخ بر المش هور عن
الن بى ص لى اهلل علية وس لم أنه ق ال (:إنما سمى المتقون متقين لتركهم ما ال ب88أس به ح88ذراً عما
. ()1
به بأس )
فه ذه أق وال العلم اء فى مع نى التق وى وأقس امها وال شك أن اسم التق وى يسع ما ذكر ،وأح وال
الناس معها ال تعارض ذلك ،فمن الناس من يقى نفسه الخلود فى النار ،وذلك باإلقرار بالتوحيد
وتصديق الرسول صلى اهلل عليه وسلم ولكنه ال يقى نفسه خلود النار بالكلية ،
فيفرط فى الواجبات ويتلبس بالمخالفات ،فهذا نوع من التقوى وإ ن كان فى أدنى درجاتها ،
وال يستحق صاحبها إسم المتقى بإطالق ،ألنه متعرض للعذاب مستحق للعقاب ،
إن لم تتداركه رحمة اهلل فإنه تعالى ال يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ،
()1
منهاج العابدين ( ) 75 ، 74بتصرف مكتبة الجندى .
والحديث رواه الترمذى ( ، ) 278 / 9القيامه وقال :هذا حديث حسن غريب ال نعرفه إال من هذا الوجه ،وابن ماجه ( ) 4215
الزهد ،والحاكم ( ) 319 / 4الرقاق وقال :صحيح اإلسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبى وقال األلبانى :هذا عجب منه فإن عبد هللا
بن يزيد لم يوثقه أحد وضعفه فى بلوغ المرام ( ) 871وضعيف ابن ماجه ( . ) 924
3 التقـوى
ومن الناس من يتقى الكفر وكبائر الذنوب إال إنه ال يتورع عن الصغائر وال يكثر من النوافل .
فال شك أنه أق رب للنج اة لق ول اهلل عز وجل ] :إِن تَجْ تَنِب ْ
ُوا َكبَآئِ َر َما تُ ْنهَ ْو َن َع ْنـهُ نُ َكفِّرْ
ري ًما [ (.....النساء ) 31 :وقوله صلى اهلل علية وسلم َعن ُك ْم َسيِّئَاتِ ُك ْم َونُ ْد ِخ ْل ُكم ُّم ْد َخالً َك ِ
( :الص88لوات الخمس والجمعة إلى الجمعة ورمض88ان إلى رمض88ان مكف88رات لما بينهن ما اجتنبت
()1
الكبائر ).
إال أن لم يأخذ الجنة الكاملة من الن ار ،فالبد أن يك ون هن اك من التقص ير فى الف رائض والوق وع
فى الص غائر ال تى يخشى من المداومة عليها التج رؤ على الكب ائر ،وليس له من نوافل الطاع ات
واجتناب الشبهات والمكروهات ما يكمل به تقوى العبد ،
( ..أل عمران) 102 : ق تُقَاتِ ِه [ وا اتَّقُ ْ
وا هّللا َ َح َّ لذا قال اهلل عز وجل ]:يَا أَيُّهَا الَّ ِذ َـ
ين آ َمنُ ْ
ف التقوى الحقيقية هى أن يجتهد العبد فى ت رك ال ذنوب كلها ص غارها وكبارها ،ويجتهد فى
الطاعات كلها الواجبات والنوافل ما استطاع ،
لعل ك ثرة النوافل تع وض ما قد يع رض من تقص ير وإ جتن اب الص غائر يجعل بين العبد وبين
……( التغابن ) 16 : الكبائر جنة حصينة كما قال عز وجل ] :فَاتَّقُوا هَّللا َ َما ا ْستَطَ ْعتُ ْم [
فمثل هذا يستحق اسم المتقى ،واجتهاده فى الطاعات كلها من الواجبات والنوافل وت رك المعاصى
ما استطاع من كبائر وصغائر وترك ما ال بأس به حذراً مما به بأس
هو التقوى التى دارت عليها أقوال السلف .
قال ابو الدرداء :تمام التقوى أن يتقى اهلل العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة ،وحتى يترك بعض
ما يرى أنه حالل خشية أن يكون حرام اً ،يكون حجاب اً بينه وبين الح رام ،فإن اهلل قد بين للعب اد
الذى يصيرهم إليه فقال :
... ـرهُ [ ـرهُ (َ )7و َمن يَ ْع َمــلْ ِم ْثقَـ َ
ـال َذ َّر ٍة َشـ ًّرا يَـ َ ] فَ َمن يَ ْع َملْ ِم ْثقَ َ
ال َذ َّر ٍة َخ ْيـرًا يَـ َ
( الزلزله ) 8-7 :
فال تحقرن شيئاً من الخير أن تفعله وال شيئاً من الشر أن تتقيه .
()1
رواه مسلم ( ) 3 / 117 , 118الطهاره ،والترمذى ( ) 2 / 14 – 15الصاله .
3 التقـوى
قال الحسن :ما زالت التقوى بالمتقين حتى تركوا كثيراً من الحالل مخافة الحرام .
وقال الثورى :إنما سموا متقين ألنهم اتقوا ماال يتقى .
وق ال موسى بن أعين :المتق ون ت نزهوا عن أش ياء من الحالل مخافة أن يقع وا فى الح رام
فسماهم اهلل متقين .
وقال ميمون بن مهران :المتقى أشد محاسبة لنفسه من الشريك الشحيح لشريكه .
( .....أل عمران ) 102 : ق تُقَاتِ ِه [ وقال بن مسعود فى قوله تعالى ] :اتَّقُ ْ
وا هّللا َ َح َّ
()1
قال :أن يطاع فال يعصى ،ويذكر فال ينسى ،ويشكر فال يكفر .
()1
رواه الحاكم ( ) 294 / 2التفسير ،دون قوله " :وأن يشكر فال يكفر " وقال على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبى .
3 التقـوى
ذكر مع روف الك رخى عن بكر بن خ نيس ق ال :كيف يك ون متقي اً من ال ي درى ما يتقى ؟ ثم ق ال
مع روف الك رخى :إذا كنت ال تحسن تتقى أكلت الربا ،وإ ذا كنت ال تحسن تتقى لقيتك ام رأة فلم
()1
تغض بصرك ،وإ ذا كنت ال تحسن تتقى وضعت سيفك على عاتقك .
وروى الحافظ ابن عساكر فى ترجمة سعيد بن مسلم .قال سعيد :
لقد حدثنى سليمان بن المغيره أنه عمل ذنباً فاستصغره فأتاه أت فى منامه فقال له يا سليمان :
وقال اإلمام أحمد رحمة اهلل :التقوى هى ترك ما تهوى لما تخشى .
وقيل :هى الخوف من الجليل ،والرضا بالتنزيل ،واإلستعداد ليوم الرحيل .
وقيل :هى أن ال يراك اهلل حيث نهاك ،وال يفقدك حيث أمرك .
وقيل :هى علم القلب بقرب الرب .
نسأل اهلل أن يهدينا سواء السبيل ،وأن يغفر لنا ما بدا من تقصير ،وأن يدخلنا برحمته فى شفاعة
البش ير الن ذير فقد ب ان بما ذكرنا عن التق وى فقرنا من أقس امها ومعانيها وإ فالس نا من أعالمها
ومبانيها.
()1
باختصار من جامع العلوم والحكم ( . ) 150 – 140
3 التقـوى
()1
منهاج العابدين ( )73 ،72باختصار .
3 التقـوى
عن العرب اض بن س ارية ق ال ( :ص 88لى بنا رس 88وله اهلل ص 88لى اهلل علية وس 88لم الص 88بح فوعظنا
موعظة بليغة ذرفت منها العي 88ون ووجلت منها القل 88وب فق 88ال قائل :يا رس 88ول اهلل كأنها موعظة
م88ودع فاوص88نا فق88ال :اوص88يكم بتق88وى اهلل والس88مع والطاعة وإ ن ك88ان عب88دا حبش88ياً ،فإنه من
يعش منكم فس88يرى اختالفا كث88يراً ،فعليكم بس88نتى وس88نة الخلف88اء الراش88دين المه88ديين ،عض88وا
( )1
عليها بالنواجذ ،وإ ياكم ومحدثات األمور ،فإن كل بدعة ضالله ) .
وعن أبى ذر جن دب بن جن ادة وابى عبد ال رحمن مع اذ بن جبل رضى اهلل عنهما عن رس ول اهلل
ص لى اهلل علية وس لم (:اتق اهلل حيث ما كنت ،وأتبع الس 88يئة 8الحس 88نة تمحها ،وخ 88الق الن 88اس
وقوله ص لى اهلل عليه وس لم ":حيثما كنت" أى :فى السر والعالنية ،حيث ي راه ()3
بخلق حسن )
الناس وحيث ال يرونه.
()1
رواه أحمد ( ، )127 - 126 / 4وأبو داود ( )4583السنه ،والترمذى ( )2676العلم ،وابن ماجه (، )34
والدرامى ( )54 - 44 / 1المقدمه ،والبغوى ( ) 205 / 1شرح السنه وقال الترمذى :هذا حسن صحيح ،وصححه األلبانى .
()2
جامع العلوم والحكم ( )247باختصار .
()3
رواه الترمذى ( )155 / 8البر ،وقال :هذا حسن صحيح ،وأحمد ( )158 / 5وحسنه األلبانى ( )1618صحيح الترمذى .
3 التقـوى
وعن أبى هريره رضى اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى علية وسلم يوم اً ألصحابه ( من يأخذ
ع88نى ه88ؤالء الكلم88ات فيعمل بهن ،أو يعلم من يعمل بهن ؟ ق88ال أبو هري88ره :قلت :أنا يا رس88ول
اهلل ،فأخذ بيدى وعد خمساً فق88ال :اتق المح88ارم تكن أعبد الن88اس ،وارض بما قسم اهلل لك تكن
أغ88نى الن88اس ،وأحسن إلى ج88ارك تكن مؤمن 8اً ،واحب للن88اس ما تحب لنفسك تكن مس88لما ،وال
()1
تكثر الضحك ،فإن كثرة الضحك تميت القلب ).
وعن أبى أمامه قال :سمعت رسول اهلل صلى عليه وسلم يخطب فى حجة الوداع فقال :
( اتقوا اهلل وصلوا خمسكم ،وصوموا شهركم ،وادوا زكاة أموالكم ،وأطيعوا ذا أم88ركم ت88دخلوا
( )2
جنة ربكم ) .
وعن أبى سعيد رضى اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اله عليه وسلم
( أوص 88يك بتق 88وى اهلل تع 88الى فإنه رأس كل شئ وعليك بالجه 88اد فإنه رهبانية 8اإلس 88الم ،وعليك
()3
بذكر اهلل تعالى وتالوة القرأن ،فإن روحك فى السماء وذكرك فى األرض ).
وعن ابى ذر رضى اهلل عنه قال :قال رسول اهلل صلى اله عليه وسلم
( أوصيك بتقوى اهلل فى سر أم88رك وعالنيته ، 8وإ ذا اس88أت فأحسن ،وال تس88الن اح88داً ش88يئاً ،وال
( )4
تقبض أمانة وال تقض بين اثنين ) .
()1
رواه الترمذى ( )184 – 183 / 9الزهد ،وقال :هذا حديث غريب ال نعرفه إال من حديث جعفر بن سليمان ،
و رواه أحمد ( ، )310 / 2وابن ماجه ( )4217الزهد بمعناه وحسنه األلبانى ،وكذا فى تحقيق جامع األصول .
()2
رواه الترمذى ( 6111تحفة ) الصالة ،وقال :هذا حديث حسن صحيح ،رواه أحمد ( ، )251 / 5والحاكم وقال :صحيح
على شرط مسلم ووافقه الذهبى وصححه األلبانى .
()3
رواه أحمد ( ) 82 / 3وحسنه األلبانى بشاهده وهو فى الصحيحة رقم ( . ) 555
()4
رواه أحمد ( ) 181 / 5وحسنه األلبانى فى صحيح الجامع رقم ( . ) 2541
3 التقـوى
.وكان دعاء النبى صلى اهلل عليه وسلم (:اللهم أت نفسى تقواها ،وزكها أنت خير من زكاها ،
( )2
أنت وليها وموالها ) .
()1
رواه أحمد ( ، )331 – 325 / 2وابن ماجه ( )2771الوصايا ،والحاكم ( )98 / 2( ) 446-445 / 1وقال صحيح على
شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبى وقال األلبانى فى الصحيحة ( )1730وهو كما قاال إال أن أسامه بن زيد الليثى فيه كالم
يسير حسن األسناد .
()2
رواه مسلم ( ) 41 / 17بزياده فى أوله وأخره ،وأحمد ( ) 209 / 6 ( ، ) 371 / 4بلفظ رب أعط نفسى تقواها .
3 التقـوى
وال شك ان الرسل هم أزكى البشر وانصح الناس لهم ،فلو علموا أن هناك خصلة للناس
انفع لهم من التقوى لما عدلوا عنها ،فلما اجمعوا عليها بان خطرها
وعظم موقعها وشرفها نسأل اهلل أن يجعلنا من أهلها العاملين بها والمتعاونين عليها.
3 التقـوى
قال الحافظ ابن رجب رحمه اهلل :ولم يزل السلف الصالحون يتواصون بها :
ك ان أبو بكر رضى اهلل عنه يق ول فى خطبته :أما بعد ف إنى أوص يكم بتق وى هلل ،وان تثن وا عليه
بما هو أهله ،وان تخلطوا الرغبة بالرهبة ،وتجمعوا اإللحاف بالمسالة
ولما حضرته الوفاة وعهد إلى عمر دعاه فوصاه بوصيته ،وأول ما قاله له :اتق اهلل يا عمر .
وكتب عمر إلى ابنه عبد اهلل :أما بعد ،ف إنى اوص يك بتق وى اهلل عز وجل ،فإنه من اتق اه وق اه ،
ومن أقرضه جزاه ،ومن شكره زاده ،واجعل التقوى نصب عينيك ،وجالء قلبك .
وكتب عمر بن عبد العزيز إلى رجل :أوص يك بتق وى اهلل عز وجل ،وال تى ال يقبل غيرها ،وال
يرحم إال أهلها ،وال يثاب إال عليها ،فإن الواعظين بها كثير ،والعاملين بها قليل ،
جعلنا اهلل وإ ياك من المتقين .
ولما ولى خطب فحمد اهلل وأثنى عليه وقال :أوصيكم بتقوى اهلل عز وجل ،فإن تقوى اهلل
عز وجل خلف من كل شئ ،وليس من تقوى اهلل خلف.
وكتب رجل من الس لف إلى أخ له :أوص يك بتق وى اهلل فإنها من أك رم ما أس ررت ،وأزين ما
أظهرت ،وأفضل ما ادخرت أعاننا اهلل وإ ياك عليها وأوجب لنا ولك ثوابها.
وقال شعبه :كنت إذا أردت الخروج قلت للحكم :ألـك حاجة فقال :
أوصيك بما أوصى به النبى صلى اهلل عليه وسلم معاذ بن جبل :
()1
( اتق اهلل حيث ما كنت ،وأتبع السيئة 8الحسنة تمحها ،وخالق الناس بخلق حسن ) .
وقال ابن القيم رحمه اهلل :ودع ابن عون رجالً فقال :
عليك بتقوى اهلل فإن المتقى ليست عليه وحشه .
وقال زيد بن أسد :كان يقال :من اتقى اهلل أحبه الناس وإ ن كرهوا .
وقال الثورى البن أبى ذئب :إن اتقيت اهلل كفاك الناس ،وإ ن اتقيت الناس لن يغنوا عنك من اهلل
()2
شيئاً .
()2( ، )1
باختصار من جامع العلوم والحكم ( ) 151 – 150والحديث تقدم تخريجه صفحة .
3 التقـوى
وروى قاسم بن مالك عن عوف عن معبد الجهنى قال ( :لباس التقوى) الحياء .
وقال ابن عباس ( :لباس لتقوى ) هم العمل الصالح .وعنه أيضا :السمت الحسن فى الوجه .
()1
الفوائد ( )17دار الدعوه اإلسكندريه .
()2
البيتان منسوبان ألبى العتاهيه .
3 التقـوى
ومن قال إنه لبس الخشن من الثي اب فإنه أق رب إلى التواضع وترك الرعون ات ف دعوى ،فقد ك ان
()3
الفضالء من العلماء يلبسون الرفيع من الثياب مع حصول التقوى .
... ب [
ون يَا أُ ْولِي األَ ْلبَا ِ قال اهلل عز وجل َ ] :وتَ َز َّو ُد ْـ
وا فَإ ِ َّن َخي َْر ال َّزا ِـد التَّ ْق َوى َواتَّقُ ِ
( .........البقرة )197 :
وقال الزمخش%رى رحمة اهلل :أى اجعلوا زادكم إلى األخرة اتقاء القبائح ،فإن خير الزاد اتقائها
وقيل :ك ان أهل اليمن ال ي تزودون ويقول ون نحن متوكل ون ،ونحن نحج بيت اهلل أفال يطعمنا
فيكونون كالً على الناس ،فنزلت فيهم ،
الناس والتثقيل عليهم ()2
ومعناه :وتزودوا واتقوا االستطعام وإ برام
" ون " :وخافوا عقابى " يَا أُ ْولِي األَ ْلبَا ِ
ب فإن خير الزاد التقوى َ " :واتَّقُ ِ
()3
يعنى :أن قضية اللب تقوى اهلل ومن لم يتقيه من األلباء فكأنه ال لب له .
()3
الجامع ألحكام القرآن ( ) 2621 – 2620 / 3باختصار
()1
تفسير القرآن الكريم ( ) 239 / 1دار المعرفه .
. ()2
أي إماللهم وإضجارهم
()3
الكشاف ( ) 244 / 1الريان .
3 التقـوى
3 التقـوى
ـون ( )62الَّ ِذ َ
ين ف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ هُ ْم يَحْ َزنُـ َ ق ال تع الى ]:أَال إِ َّن أَ ْولِيَــاء هّللا ِ الَ َخـ ْ
ـو ٌ
ون [ ( .......يونس ) 63 – 62 : وا َو َكانُ ْ
وا يَتَّقُ َ آ َمنُ ْ
ت َربِّ ِه ْم لَهُ ْم َعـ َذابٌ َّمن رِّ جْـ ٍز أَلِي ٌم [ وق ال تع الى ] :هَ َذا هُ ًدى َوالَّ ِذ َـ
ين َكفَرُوا بِآيَــا ِ
… (..الجاثية ) 19 :
وقال عز وجل مبينا أنه ال يستحق الوالية إال أهل هذه المنزلة العالية والرتبة السامية
[…( األنفال )34 : فقال عز وجل ]:إِ ْن أَ ْولِيَآ ُؤهُ إِالَّ ْال ُمتَّقُ َ
ون َولَـ ِك َّن أَ ْكثَ َرهُ ْم الَ يَ ْعلَ ُم َ
ون
وجعل اهلل عز وجل التق وى هى الم يزان الحق ال ذى ي وزن به الن اس ،ال م يزان الحسب والنسب
… ( .الحجرات )13 : إِ َّن أَ ْك َر َم ُك ْم ِعن َد هَّللا ِ أَ ْتقَا ُك ْم [ والمال والشهرة ،فقال عز وجل ]:
وهذا الميزان كذلك هو ميزان النبى صلى اهلل علية وسلم .
عن أبى هريره رضى اهلل عنه قال :سئل رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم من أكرم الناس؟
، ( )1
قال ( اتقاهم هلل )....
ق ال الش%% %نقيطى رحمه اهلل :إن الفضل والك رم إنما هو بتق وى اهلل ال بغ يره من األنتس اب إلى
القبائل ،ولقد صدق من قال :
وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب فقد رفع اإلسالم سلمان فارس
وقد ذكروا أن سلمان رضى اهلل عنه كان يقول :
إذا افتخروا بقيس أو تميم أبى اإلسالم ال اب لى سواه
()2
فأكرم الناس وافضلهم أتقاهم هلل وال كرم وال فضل لغير المتقى ولو كان رفيع النسب .
()1
رواه البخارى ( ) 417 / 6أحاديث األنبياء .
()2
أضواء البيان ( ) 635 / 7بتصرف .
3 التقـوى
ان [
اإل ْث ِم َو ْال ُعـ ْد َو ِ ـاونُ ْ
وا َعلَى ِ وا َعلَى ْالــبرِّ َوالتَّ ْقـ َ
ـوى َوالَ تَ َعـ َ ق ال تع الى َ ]:وتَ َع َ
اونُ ْ
…… ( المائدة ) 2 :
وقال بن خويذ منداد في احكامة :والتعاون على البر والتقوى يكون بوجوه ،فواجب على
الع الم ان يعين الن اس بعلمه فيعلمهم ،ويعينهم الغ نى بماله والش جاع بش جاعته فى سبيل اهلل ،وان
يكون المسلمين متظاهرين كاليد الواحدة
قال رسول اهلل صلى اهلل علية وسلم ( :المسلمون تتكافأ دماؤهم ،ويسعى ب ذمتهم أدن اهم ،وهم يد
()1
على من سواهم ) .
()1
الجامع ألحكام القرآن ( ) 2044 / 3والحديث رواه أبو داود ( ) 4507الديات ،وابن ماجة ( ) 2683الحدود وصححه
األلبانى .
()2
محاسن التأويل ( ) 25 / 6بتصرف .
3 التقـوى
()1
الرساله التبوكيه ( . ) 12
3 التقـوى
هذا باب ال يدخل فيه إال النفوس الفاضلة الشريفة األبية ،التى ال تقنع بالدون ،
وال تبيع األعلى باألدنى بيع العاجز المغبون .
فبعد أن بينا شرف التقوى وتشوقت النفوس إليها فقد يقول قائل :
باهلل عليك كيف أح وز ه ذه الج وهرة النفيسة وأصل إلى ه ذه المرتبة الش ريفة ،ف إن الم ؤمن إذا
رغب فى الخ ير رغب ،وإ ذا خ وف من الشر ه رب ،وال خ ير فيمن إذا زجر ال ي نزجر ،وإ ذا
أمر ال يأتمر .
ق ال الغ %%زالي رحمة اهلل " :إنما الفض يلة فى أمر ه ذه النفس أن تق وم عليها بق وة الع زم فتمنعها
عن كل معص ية ،وتص ونها عن كل فض ول ،ف إذا فعلت ذلك كنت قد اتقيت اهلل تع الى فى عينك
وأذنك ولسانك وقلبك وبطنك وفرجك وجميع أركانك ،وألجمتها بلجام التقوى ،ولهذا الباب شرح
يط ول ،وأما ال ذي ال بد منه هاهنا ف أن نق ول :من أراد أن يتقى اهلل فل يراع األعض اء الخمسة
ف إنهن األص ول :وهى العين واألذن واللس ان والقلب والبطن ،فيح رص عليها بالص يانة لها عن
كل ما يخاف منه ضرراً فى أمر الدين من معصية وحرام وفضول وإ سراف من حالل،
وإ ذا حصل صيانة هذه األعضاء فمرجو إن يكف سائر أركانه ،
()1
ويكون قد قام بالتقوى الجامعة بجميع بدنه هلل تعالى " .
فإن قلت :كيف لى أن أصون األعضاء الخمسة عن معصية اهلل عز وجل ؟ وكيف أقيدها بطاعة
اهلل ،فان هذا لب السؤال وغاية اآلمال والسبب الموصل إلى رحمة الكبير المتعال ؟ قلت :سوف
اجمع لك من السطور ما يبين لى ولك الطريق ،واهلل ولى التوفيق.
()1
منهاج العابدين ( ) 77 / 67باختصار .
3 التقـوى
-1محبة اهلل عز وجل تغلب على قلب العبد يدع لها كل محبوب
ويضحى فى سبيلها بكل مرغوب
-2أن تستشعر فى قلبك مراقبة اهلل عز وجل وتستحى منه حق الحياء .
-3أن تعلم ما فى سبيل المعاصى واالثام من الشرور واآلالم .
-4أن تعلم كيف تغالب هواك وتطيع موالك .
-5أن تدرس مكائد الشيطان ومصائده ،وان تحذر من وساوسه ودسائسه.
3 التقـوى
-1محبة اهلل عز وجل :
ق ال ابن القيم رحمة اهلل :فالمحبة ش جرة فى القلب ،عروقها ال ذل للمحب وب وس اقها معرفته ،
وأغصانها خشيته ،وورقها الحياء منه ،وثمرتها طاعته ،ومادتها التى تسقيها ذكره ،
()1
فمتى خال الحب عن شئ من ذلك كان ناقصاً .
وقال ابن رجب رحمه اهلل :ومحبة اهلل سبحانة وتعالى على درجتين :
أح %%داهما :ف رض الزم ،وهى أن يحب اهلل س بحانه وتع الى محبة ت وجب له محبة ما فرضه اهلل
عليه ،وبغض ما حرمه عليه ،ومحبة لرس وله المبلغ عنه أم ره و نهيه ،وتق ديم محبته على
النف وس واالهلين والرضا بما بلغه عن اهلل من ال دين ،وتلقى ذلك بالرضى والتس ليم ،ومحبة
االنبي اء والرسل والمتبعين لهم باحس ان جملة ،وعموما هلل عز وجل ،وبغض الكف ار والفج ار
جملة وعموما هلل عز وجل وهذا القدر البد منه فى تمام االيمان الواجب ،
ومن اخل بشئ منه فقد نقص من ايمانه الواجب بحسب ذلك ،قال اهلل عز وجل :
وا فِي أَنفُ ِسـ ِه ْم
وك فِي َما َش َج َر بَ ْينَهُ ْم ثُ َّم الَ يَ ِجـ ُد ْ
ون َحتَّ َى ي َُح ِّك ُم َ ] فَالَ َو َرب َِّك الَ ي ُْؤ ِمنُ َ
س ـلِي ًما [ ( ..النس ..اء ) 65 :وك ذلك ينقص من محبته الواجبة وا تَ ْْت َويُ َسلِّ ُم ْ
ضي َ َح َرجًا ِّم َّما قَ َ
بحسب ما أخل به من ذلك ،فإن المحبة الواجبة تقتضى فعل الواجبات وترك المحرمات .
الدرجة الثانية :درجة الس ابقين المق ربين ،وهى أن ت رتقى المحبة إلى محبة ما يحبه من نوافل
الطاع ات ،وكراهة ما يكرهه من دق ائق المكروه ات ،وإ لى الرضا بما يق دره ويقض يه مما ي ؤلم
النفوس من المصائب ،وهذا أفضل مستحب مندوب إليه
وفى صحيح البخاري عن أبى هريرة عن النبى صلى اهلل عليه وسلم :
قال ( :يقول اهلل عز وجل :من عادى لى ولي8اً فقد أذنته ب88الحرب ،وما تق88رب إلى عب88دى بشئ
أحب إليه مما افترضت علي88ه ،وال ي88زال عب88دى يتق88رب إلى بالنوفل ح88تى أحب88ه ،ف88إذا أحببته كنت
سمعه الذى يسمع به ،وبص88ره ال88ذى يبصر 8به ،وي88ده ال88تى يبطش بها ورجله ال88تى يمشى 8بها ،
()1
روضة المحبين ( ) 904دار الصفا .
3 التقـوى
ولئن سألنى ألعطينه ، 8ولئن اس88تعاذنى ألعيذنه ،وما ت88ردت عن شئ أنا فاعله ت88رددى فى قبض
( )1
نفس عبدى المؤمن ،يكره الموت وأنا أكره مساءته ) .
( )1استنشاق نسيم األنس من نفحات رياض القدس ( ) 15 - 11باختصار ،والحديث رواه البخارى ( ) 341 / 1الرقاق ،وأبو
نعيم فى الحليه ( ، ) 4 / 1وانظر طرق الحديث فى الصحيحة رقم ( . )1640
( )2روضة المحبين ( . ) 416
( ()1
حديث النزول رواه البخارى ( ) 464 / 13التوحيد ،ومسلم ( ) 39 ، 38 / 6والترمذى ( ) 30 / 13الدعوات ،وأبو
داود ( ) 1301الصاله .
3 التقـوى
-11تذكر ما ورد فى الكتاب والسنة من رؤية أهل الجنة لربهم وزيارتهم له
واجتماعهم يوم المزيد .
وال شك فى أن االش تغال به ذه االس باب الجالبة للمحبة مما يش غل القلب بطاعة اهلل ويبع ده عن
المعاصى ،ثم إذا كملت المحبة فإن المحب ال يعصى محبوبه كما قيل :
فنسال اهلل الغنى الكريم أن يمن علينا بمحبته وأن يوفقـنا ألسباب فضله ورحمته.
( )1رواه أحمد ( ) 3 / 128والنسائى ( ) 61 / 7عشرة النساء ،والحاكم ( ) 160 / 2النكاح وصححه على شرط مسلم ،
ووافقه الذهبى وصححه األلبانى فى الصحيحة رقم ( . ) 1809
( )2رواه البخارى ( ) 14 / 3التهجد موصوالً عن المغيره وبمعناه معلقا ً عن عائشه ،وابن ماجه ( ) 1419
3 التقـوى
-2ومما يعين على تق888888888وى اهلل عز وجل أن ي888888888درب العبد نفسه على المراقبة وان
يستشعر اطالع اهلل عز وجل عليه فيستحى عند ذلك من المعص88ية ويجتهد فى الطاعة
:
… ( الحديد ) 4 : صي ٌر [ قال اهلل تعالى َ ]:وهُ َو َم َع ُك ْم أَي َْن َما ُكنتُ ْم َوهَّللا ُ بِ َما تَ ْع َملُ َ
ون بَ ِ
قال ابن كثير رحمه اهلل :أى رقيب عليكم شهيد على أعمالكم حيث كنتم وأين كنتم ،من بر أو
بحر ،فى ليل او نه ار ،فى ال بيوت او القف ار ،الجميع فى علمه على الس واء ،وتحت بص ره
()1
وسمعه فيسمع كالمكم ،ويرى مكانكم ،ويعلم سركم ونجواكم .
ان َونَ ْعلَ ُم َما تُ َو ْسـ ِوسُ بِـ ِه نَ ْف ُسـهُ َونَحْ ُن أَ ْقـ َ
ـربُ إِلَ ْيـ ِه ِم ْن َح ْبـ ِ
ـل نسـ َ ] َولَقَ ْد َخلَ ْقنَا اإْل ِ َ
ري ِد [ ( ...ق ) 16 : ْال َو ِ
ك ْم فَاحْ َذرُوهُ [ ( ..البقره ) 235 : وقوله جال وعال ] َوا ْعلَ ُم ْ
وا أَ َّن هّللا َ يَ ْعلَ ُم َما فِي أَنفُ ِس ُ
( .......األعراف ) 7 : ين [
وقوله ] فَلَنَقُص ََّّن َعلَ ْي ِهم بِ ِع ْل ٍم َو َما ُكنَّا َغآئِبِ َ
()1
تفسير القرآن العظيم ( . ) 304 / 4
3 التقـوى
ثم قال تحت عنوان : ....تنبية هام :
اعلم ان اهلل تبارك وتعالى ما أنزل من السماء الى االرض واعظاً أكبر وال زاجراً أعظم مما
تضمنته هذة االيات الكريمة وامثالها فى القرآن ،من انه تعالى عالم بكل ما يعمله خلقه ،
رقيب عليهم ،ليس بغ ائب عما يفعل ون ،وض رب العلم اء له ذا الواعظ االك بر والزاجر االعظم
مثال ليصير بة كالمحسوس فقالوا :
لو فرضنا ان ملكاً قتاالً للرجال ،سفاكاً للدماء ،شديد البطش والنكال على من انتهك حرمته ظلماً
وسيافه قائم على رأسه ،والنطع مبسوط للقتل ،والسيف يقطر دماً ،
وح ول ه ذا الملك ال ذى ه ذة ص فته جواريه وازواجه وبناته ،فهل ت رى ان اح داً من الحاض رين
يهتم بريبة او بحرام يناله من بنات الملك وازواجه،
وهو ينظر اليه ،ع الم بأنه مطلع عليه ؟ ال وكال ،بل جميع الحاض رين يكون ون خ ائفين ،وجلة
قلوبهم ،خاشعة عيونهم ،ساكنة جوارحهم ،خوفا من بطش ذلك الملك.
وال شك وهلل المثل األعلى أن رب الس موات واالرض جل وعال أشد علم اً واعظم مراقب ةً ،واشد
بطشاً واعظم نكاالً وعقوبةً من ذلك الملك ،وحماه فى أرضه محارمه ،
فإذا الحظ اإلنسان الضعيف أن ربه جل وعال ليس بغائب عنه ،وأنه مطلع على ما يقول
()1
وما يفعل وما ينوى ،الن قلبه ،وخشى اهلل تعالى ،وأحسن عمله هلل جل وعال.
وقد دلت األحاديث الشريفة على ما دلت عليه هذه األيات الكريمات من وجوب مراقبة
اهلل تعالى ،واالستحياء منه حق الحياء.
قال البيض%اوى :ليس حق الحياء من اهلل ما تحسبونه ،بل أن يحفظ نفسه بجميع جوارحه عما ال
يرضاه من فعل وقول .
وق ال س%%يفان بن عيينه :الحي اء أخف التق وى ،وال يخ اف العبد ح تى يس تحى ،وهل دخل أهل
التق وى إال من الحي اء ( من اس تحيا من اهلل حق الحي اء فليحفظ ال رأس ) أى راسه ( وما وعى ) :
ما جمعه من الح واس الظ اهرة والباطنة ،وح تى ال يس تعملها إال فيما يحل ( وليحفظ البطن وما
حوى ) أى :وما جمعه الجوف باتصاله به من القلب والفرج واليدين والرجلين ،
فإن هذه األعضاء متصله بالجوف فال يستعمل منها شئ فى معصية اهلل ،
()2
فإن اهلل ناظر إلى العبد ال يواريه شئ .
وعن أس امة بن ش ريك رضى اهلل عنه عن رس ول اهلل ص لى اهلل عليه وس لم ( :ما كرهت أن يراه
( )3
الناس منك فال تفعله بنفسك إذا خلوت ) .
وعن أنس رضى اهلل عنه ق ال :ق ال رس ول اهلل ص لى اهلل علية وس لم ( :ثالث مهلك 88ات وثالث
منجي88ات :فق88ال :ثالث مهلك88ات :شح مط88اع ،وه88وى متبع ، 8وإ عج88اب الم88رء بنفسه . 8وثالث
قال المناوى :قدم السر ألن تقوى اهلل فيه أعلى درجة من العلن لما يخاف من شوب رؤية الناس
،وه ذه درجة المراقبة وخش يته فيهما تمنع من إرتك اب كل منهى ،وتحثه على فعل كل م أمور ،
فإن حصل للعبد غفلة عن مالحظة خوفه وتقواه فارتكب مخالفة مواله لجأ إلى
()3
التوبة ثم داوم الخشية .
وسئل النبى صلى اهلل علية وسلم عن اإلحسان فى الحديث المسمى بأم السنه
()4
فقال صلى اهلل علية وسلم ( :أن تعبد اهلل كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك).
قال الن%%ووى رحمه اهلل " :هذا من جوامع الكلم التى أوتيها صلى اهلل عليه وسلم ،ألنا لو قدرنا
أن احداً قام فى عبادة وهو يعاين ربه سبحانه وتعالى ،لم يترك شيئاً ما يقدر عليه من الخضوع
والخشوع وحسن السمت واجتماعه بظاهره وباطنه على االعتناء بتتميمها على أحسن وجوهها إال
أتى به فق ال ص لى اهلل عليه وس لم ( :اعبد اهلل فى جميع أحوالك كعبادتك فى ح88ال العي88ان ) ف إن
التتميم الم ذكور فى ح ال العي ان إنما ك ان لعلم العبد ب اطالع اهلل س بحانه وتع الى عليه ،فال يق دم
العبد على تقصير فى هذا الحال لالطالع عليه ،وهذا المعنى موجود مع رؤية العبد ،فينبغى أن
يعمل بمقتضاه ،فمقصود الكالم الحث على األخالص فى العبادة ومراقبة العبد ربه تبارك وتعالى
فى إتم ام الخش وع والخض وع وغ ير ذلك ،وقد ن دب أهل الحق ائق إلى مجالسة الص الحين ليك ون
ستحياء منهم ،فكيف بمن ال يزال اهلل مطلعا عليه
ً ذلك مانعاً من تلبسه من النقائض إحترام اً لهم وإ
فى سره وعالنيته (.)1
وقال ابن رجب رحمه اهلل :يشير إلى أن العبد يعبد اهلل تعالى على هذه الصفة وهو استحضار
قربه ،وأنه بين يديه كأنه ي راه ،وذلك ي وجب الخش ية والهيبة والتعظيم ن كما ج اء فى رواية أبى
( )2رواه البزار ( ، )08والعقيلى ( ص )352وأبو بكر الدينورى فى ( المجالسه وجواهر العلم ) والسياق له ،وأبو نعيم
( ) 343 / 2وله طرق هو بمجموعها حسن ،باختصار من الصحيحة ( )1802
( )3فيض القدير ( ) 307 / 3
( )4رواه البخارى ( ) 114 / 1اإليمان ،ومسلم ( ) 158 ، 157 / 1اإليمان ،والترمذى ( ) 88 / 87 – 10اإليمان ،وأبو داود
( )4670السنه ،والنسائى ( ) 97 / 8اإليمان .
( )1شرح النووى على صحيح مسلم ( . ) 158 – 157 / 1
3 التقـوى
هري ره ( :أن تخشى اهلل كأنك ت88راه ) وي وجب أيض اً النصح فى العب ادة وب ذل الجهد فى تحس ينها
وإ تمامها وإ كمالها ،وقد وصى النبى صلى اهلل عليه وسلم جماعة من الصحابة
بهذه الوصية .
وقوله ص لى اهلل عليه وس لم ( :ف88إن لم تكن ت88راه فإنه ي88راك ) قيل :إنه تعليل لألول ،ف إن العبد
إذا أمر بمراقبة اهلل تع الى فى العب ادة واستحضار قربة من عبده ح تى ك أن العبد ي راه فإنه قد يشق
ذلك عليه ،فيس تعين على ذلك بإيمانه ب أن اهلل ي راه ويطلع على س ره وعالنيته وباطنة وظ اهره ،
وال يخفى عليه شئ من أمره فإذا تحقق هذا المقام سهل عليه االنتقال إلى المقام الثانى،
وهو دوام التحقق بالبصيرة إلى قرب اهلل من عبده ومعيته حتى كأنه يراه ،وقيل :
بل هو إش ارة إلى أن من شق عليه أن يعبد اهلل كأنه ي راه فليعبد اهلل على أن اهلل ي راه ويطلع عليه
فليستحى من نظره إليه ،كما قال بعض العارفين :اتق اهلل أن يكون أهون الناظرين
()2
إليك .وقال بعضهم :خف اهلل على قدر قدرته عليك واستحى من اهلل على قدر قربه منك .
وصفوة الكالم أن يقال :مما يعين على التقوى التدرب على مراقبة اهلل عز وجل
وإ حساس القلب بقربة وإ طالعه ،فيستحى العبد عند ذلك من المعصية ويبذل جهده
فى أداء الطاعة على أحسن وجوهها ،وهذه بعض األثار فى تقرير هذا المعنى :
،فأردتها ()1
ذكر عن أعرابى قال :خرجت فى بعض ليالى الظلم فإذا أنا بجارية كأنها علم
عن نفسها فقالت :ويلك أما كان لك زاجر من عقل إذا لم يكن لك ٍ
ناه من دين ؟
فقلت :إنه واهلل ما يرانا إال الكواكب ،فقالت :فأين مكوكبها.
وس ئل الجنيد بم يس تعان على غض البصر ؟ ق ال :بعلمك أن نظر اهلل إليك أس بق إلى ما تنظر
إليه.
()2
جامع العلوم والحكم ( ) 34 – 33باختصار .
()1
علم :أي جبل
3 التقـوى
خلوت ولكن قل على رقيب إذا ما خلوت الدهر يوماً فال تقل
وال أن ما يخفى عليه يغيب وال تحسبن اهلل يغفل ساع ــة
3 التقـوى
وما الذى أخرج أبليس من ملكوت السماء ،وطرده ولعنه ومسخ ظاهره وباطنه فجعلت صورته
أقبح ص وره وأش نعها ،وباطنه أقبح من ص ورته وأش نع وب دل ب القرب بع داً ،وبالرحمة لعنه ،
وبالجنة ناراً تلظى ،فهان على اهلل غاية الهوان ،وسقط من عينه غاية السقوط ،فصار
قوداً لكل فاسق ومجرم ،رضى لنفسه بالقيادة بعد تلك العبادة والسيادة ،فعياذاً بك اللهم
من مخالفة أمرك ،وأرتكاب نهيك .
وما الذى أغرق أهل األرض كلهم حتى عال الماء فوق رؤوس الجبال .
وما الذى سلط الريح العقيم على قوم عاد حتى ألقتهم موتى على سطح األرض كأنهم
أعجاز نخل خاوية ،ودمرت ما مرت عليه من ديارهم وحروثهم ،وما الذى أرسل على
قوم ثمود الصيحه حتى قطعت قلوبهم فى أجوافهم وماتوا عن أخرهم ؟ وما الذى رفع
ق رى اللوطية ح تى س معت المالئكة ن بيح كالبهم ثم قلبها عليهم ،فجعل عاليها س افلها ،ثم أتبعهم
حجارة من سجيل ،فجمع عليهم من العقوبة ما لم يجمعه على أمه غيرهم ،وإلخوانهم أمثالها وما
هى من الظالمين ببعيد ،وما الذى أرسل على قوم شعيب سحاب العذاب كالظلل ،
فلما صار فوق رؤوسهم أمطر عليهم ناراً تلظى ؟ وما الذى أغرق فرعون وقومه فى البحر ،ثم
نقلت ارواحهم إلى جهنم ،فاألجس اد للغ رق ،واألرواح للح رق ،وما ال ذى أهلك الق رون من بعد
()1
نوح ودمرها تدميراً.
()1
الجواب الكافى باختصار ( ) 43 – 42دار عمر بن الخطاب .
3 التقـوى
ثم ذكر رحمه اهلل أثار الذنوب والمعاصى فلتراجع فإنها مفيده جداً فى الزجر عن معصية
اهلل والمباعدة عنها ،وهى التقوى المقصودة والدرة المفقودة ،نسال اهلل السالمه ،ونعوذ
باهلل من الحس رة والندامه ،فحقيق بكل عاقل أن ال يس لك طريق اً ح تى يعلم س المتها وأفاتها ،وما
توصل إليه من سالمة أوعطب ،
وال شك أن س بيل المعاصى فيه من التع رض للع ذاب العاجل واألجل وض يق الص در وال رزق
وبغض الخلق ومحق البركة فهى كطعام لذيذ مسموم يتمتع به لحظات وتبقى آالمه فى
الحياة وبعد الممات كما قال القائل :
من الحرام ويبقى اإلثم والعار تفنى اللذاذة من نال لذتها
ال خير فى لذة من بعدها النار تبقى عواقب سوء من مغبتها
3 التقـوى
-4ومما يعين على التقوى أن تتعلم كيف تغالب هواك وتطيع موالك
قال الشيخ مصطفى السباعى رحمه اهلل " :إذا همت نفسك بالمعصية فذكرها باهلل ،فإذا
لم ترجع فذكرها بأخالق الرجال ،فإذا لم ترجع فذكرها بالفضيحه إذا علم الناس ،فإذا لم ترجع
()1
فاعلم أنك تلك الساعة انقلبت إلى حيوان " .
وقال ابن القيم رحمه اهلل " :ومالك األمر كله الرغبة فى اهلل وأرادة وجهه والتقرب
إليه بأنواع الوسائل والشوق إلى الوصول إليه ،وإ لى لقائه ،فإن لم يكن للعبد همة على
ذلك فالرغبة فى الجنة ونعيمها وما أعد اهلل فيها ألوليائه ،فإن لم تكن له همة عالية تطالبه
بذلك ،فخشية النار وما أعد اهلل فيها لمن عصاه ،فإن لم تطاوعه نفسه لشئ من ذلك ،فليعلم أنه
خلق للجحيم ال للنعيم ،وال يقدر على ذلك بعد قدر اهلل وتوفيقه إال بمخالفة هواه .
فلم يجعل اهلل طريقا إلى الجنة غير متابعته ،ولم يجعل للنار طريقاً غير مخالفته ،
قال اهلل تعالى :
] فَأ َ َّما َمن طَ َغى (َ )37وآثَ َر ْال َحيَاةَ ال ُّد ْنيَا ( )38فَإِ َّن ْال َج ِحي َم ِه َي ْال َمأْ َوى ()39
س َع ِن ْالهَ َوى ( )40فَإِ َّن ْال َجنَّةَ ِه َي ْال َمأْ َوى َوأَ َّما َم ْن َخ َ
اف َمقَا َم َربِّ ِه َونَهَى النَّ ْف َ
[ ( .....النازعات ) 41 - 37 :
ق َواَل تَتَّبِـ ِ
ـع اس بِـ ْ
ـال َح ِّ ـاك َخلِيفَـةً فِي اأْل َرْ ِ
ض فَــاحْ ُكم بَي َْن النَّ ِ ] يَا َدا ُوو ُد إِنَّا َج َع ْلنَـ َ
يل هَّللا ِ [ (..ص ) 26 : ضلُّ َ يل هَّللا ِ إِ َّن الَّ ِذ َـ ْالهَ َوى فَي ِ
ُضلَّ َ
()1
ون َعن َسبِ ِ ين يَ ِ ك َعن َسبِ ِ
وقد حكم اهلل تعالى لتابع هواه بغير هدى من اهلل أنه أظلم الظالمين فقال اهلل عز وجل :
علمتنى الحياه ( ) 32نقالً عن هامش رسالة المسترشدين للمحاسبى ( ) 160بتحقيق وتعليق عبد الفتاح أبو غدة . ()1
()1
روضة المحبين ( ) 402 – 401باختصار .
3 التقـوى
ُون أَ ْه َواءهُ ْم َو َم ْن أَ َ
ضلُّ ِم َّم ِن اتَّبَـ َع هَـ َ
ـواهُـ ] فَإِن لَّ ْم يَ ْستَ ِجيبُوا لَ َ
ك فَا ْعلَ ْم أَنَّ َما يَتَّبِع َ
ين [ ( .....القصص ) 50 : بِ َغي ِْر هُ ًدى ِّم َن هَّللا ِ إِ َّن هَّللا َ اَل يَ ْه ِدي ْالقَ ْو َم الظَّالِ ِم َـ
وجعل سبحانه وتعالى المتبع قسمين ال ثالث لهما :إما ما جاء به الرسول صلى اهلل عليه وسلم
()2
وإ ما الهوى :فمن اتبع أحداهما لم يمكنه إتباع األخر .
وقال ابن الج%%وزى رحمه اهلل " :الحذر الحذر من المعاصى فإنها سيئة العواقب ،والحذر من
الذنوب خصوصاَ ذنوب الخلوات ،فإن المبارزة هلل تعالى تسقط العبد من عينه سبحانه ،وال
ينال لذة المعاصى إال دائم الغفلة ،فأما المؤمن اليقظان فإن ه ال يلت ذ به ا ،ألن ه عن د إلت ذاذه يق ف
بإيذائه علمه بتحريمها ،وحذره من عقوبتها ،فإن قويت معرفته رأى بعين علمه ق رب الن اهى –
وهو هللا – فيتنغص عيشه فى ح ال إلت ذاذه ،ف إن غلبه س كر القلب متنغص اً به ذه المراقب ات ،وإ ن
ك ان الطبع فى ش هوته فما هى إال لحظة ثم خ زى دائم ون دم مالزم وبك اء متواصل وأسف على ما
كان مع طول الزمان ،حتى لو تيقن العفو وقف بإزائه حذر العتاب .
()1
فأف للذنوب ! ما أقبح أثارها ؟ وأسوأ أخبارها ؟ وال كانت شهوه ال تنال إال بمقدار قوة الغفله .
ً
وق ال ابن القيم رحمه اهلل " :واعلم أن الص بر عن الش هوة أس هل من الص بر على ما توجبه
الش هوة ،ف إن الش هوة إما أن ت وجب ألم اً وعقوبة ،وغما أن تقطع ل ذة أكمل منها ،وإ ما أن تض يع
وقتاً إضاعته حسرة وندامة ،وإ ما أن تثلم عرض اً توفيره أنفع للعبد من ثلمه ،وإ ما أن تذهب ماالً
بق اؤه خ ير من ذهابة ،وإ ما أن تضع ق دراً قيامه خ ير من وض عه ،وإ ما أن تسل نعمة بقاؤها ألذ
()2
من قضاء الشهوة ".
وخالصة هذا الفصل أن الناس فى ترك المعاصى والتورع عنها دوافع متعددة :
منهم من يدفعه عن معص ية محبة اهلل عز وجل وإ جالله أن يخ الف أم ره وي رتكب
نهيه كما قال بعضهم :وددت أن جلدى قرض بالمقارض ،وأن هؤالء الخلق أطاعوا اهلل
عز وجل ،وهذه أعلى مراتب الخشية واغلى دوافع التقوى.
()2
السابق ( ) 404
()1
صيد الخاطر ( ) 129بتصرف .
()2
الفوائد ( ) 183 – 182دار الدعوة .
3 التقـوى
ومن الن اس من يدفعه عن المعص يه الرغبة فى دار الق رار وما فيها من نعيم مقيم
لألب رار ،ق ال الن بى ص لى اله عليه وس لم ( :من ش8رب الخمر فى ال8دنيا لم يش8ربها فى
()3
األخرة إال أن يتوب) .
ف التمتع ب الحرام فى دار الفن اء س بب للحرم ان من النعيم المقيم فى دار البق اء ،فلن يجعل اهلل من
أذهب طيباته فى حياته ال دنيا واس تمتع بها كمن ص ام عنها لي وم فط ره من ال دنيا إذا لقى اهلل عز
وجل .قال بعضهم :
فتأهب لشتاتك أنت فى دار شتات
صمته عن شهواتك واجعل الدنيا كيوم
فى يوم وفاتك واجعل الفطر عند اهلل
:معناه لم يدخل الجنة ،ألن الخمر شراب أهل الجنة ( جامع االصول )5/99 قال الخطابى
وق ال الن%%ووى :معن اه أنه يح رم ش ربها فى الجنة وإ ن دخلها من ف اخر ش راب الجنة فيمنعها ه ذا
العاصى بشربها فى الدنيا ،وقيل إنه ينسى شهوتها الن الجنة فيها كل ما يشتهى ،وقيل
ال يشتهيها وإ ن ذكرها ويكون هذا نقص نعيم فى حقه تمييزاً بينه وبين تارك شربها –
النووى على صحيح مسلم ( . ) 173 / 13
ومنهم من يتركها خوفاً من النار وإ تقاء غضب الجبار .قال بعضهم :
فولى على أعقابه الهم خاسئاً إذا ما هممنا صدنا وازع التقى
وقال أخر :
عند الهوى ويخافه إيماناً ال خير فيمن ال يراقب ربه
حجب التقى س%% % % %بل اله%% % % %وى ف أخو التقى يخشى إذا وافى المع%% % % %اد
هواناً
( )3رواه البخارى ( ، ) 30 / 10و مسلم ( ) 173 / 13األشربه بهذا اللفظ ،ومالك فى الموطأ ( ) 846 / 2األشربه ،
وأبو داود ( )3662األشربه ،والترمذى ( ) 48 / 8األشربه والنسائى ( ) 318 / 8األشربه .
3 التقـوى
واستبقاء الحياء والوقار كما قال بعضهم : ()1
ومنهم من يتركها خوف العار والشنار
وم%% % % % %ات فخالها وذاق وكم من مع%% % % % %اص ن%% % % % %ال منهن ل%% % % % %ذة
الدواهيا
تص %% % %رم ل %% % %ذات المعاصى وتنقضى وتبقى تباع %% % %ات المعاصى كما
هيا
لعبد بعين اهلل يخشى فيا س %% % % % % % % % %وءتا واهلل راء وس %% % % % % % % % %امع
المعاصى
ومنهم من يحمله على ترك المعاصى لذة العفة واالستعالء عن أتباع الهوى فإن
لذلك حالوة فى القلوب ال يعرفها إال من ذاقها .
()1
الشنار :هو أقبح العيب .
()1
والحالحل :السيد فى عشيرته . القرم :السيد المعظم ........
3 التقـوى
ومنهم من يتركها إس تحياء من الن اس وال يخشى اهلل عز وجل وه ذة أدنى الم راتب :
كما قال بعضهم :
كنت خال لزوجها فاستحييت لم يكن شأنى العفاف ولكن
-5ومما يعين على تقوى اهلل عز وجل معرفة مكائد الشيطان ومصائده
،والحذر من وساوسه ودسائسه :
قال العالمة ابن مفلح المقدسى رحمه اهلل :اعلم أن الشيطان يقف للمؤمنين فى سبع عقبات ،
عقبة الكفر ،فإن سلم منه ففى عقبة البدعة ،ثم فى عقبة فعل الكبائر ،ثم فى عقبة
فعل الصغائر ،فإن سلم منه ففى عقبة فعل المبيحات فيشغله بها عن الطاعات ،
ف إن غلبه ش غله باألعم ال المفض ولة عن األعم ال الفاض لة ،ف إن س لم من ذلك وقف له فى العقبة
السابعة ،وال يسلم منها المؤمن إذ لو سلم منها أحد لسلم منه رسول اهلل صلى اهلل علية وس لم وهى
()1
تسليط األعداء الفجرة بأنواع األذى .
فال شك فى أن معرفة العقب ات ال تى يقف عن دها الش يطان ،ومعرفة مداخله إلى قلب ابن أدم مما
يعين على الح ذر منه ،وأولى من ذلك بال ذكر أن تع رف أن الش يطان ع دو لب نى أدم فال يمكن أن
يأمره بخير أو ينهاه عن شر .
( )1مصائب األنسان من مكائد الشيطان ( )69باختصار ،وذكر ابن القيم رحمه هللا هذه العقبات السبع فى تفسير المعوذتين بأطول
من ذلك ،فليراجعه من أراد زيادة التفصيل ( . ) 76 – 73
3 التقـوى
،وس اكنه العقل ،والمالئكة ت تردد على الحصن ، ()2
الحصن س ور ،وللس ور أب واب ،وفيه ثلم
فيه ()3
وإ لى جانبه ربض
()2
جمع ثلمه :وهى موضع الكسر من القدح .
()3
المكان الذى يؤوى إليـه .
3 التقـوى
اله وى ،والش ياطين تختلف إلى ذلك ال ربض من غ ير م انع ،والح ارس ق ائم بين أهل الحصن
وأهل ال ربض ،والش ياطين ال ت زال ت دور ح ول الحصن تطلب غفلة الح ارس والعب ور من بعض
الثلم ،فينبغى للح ارس أن يع رف جميع أب واب الحصن ال ذى قد وكل بحفظه وجميع الثلم ،وأن ال
يفتر عن الحراسة لحظة فإن العدو ما يفتر " .
ق ال رجل للحسن البص رى :أين ام إبليس ؟ ق ال :لو ن ام لوج دنا راحة ،وه ذا الحصن مس تنير
بال ذكر مش رق باإليم ان ،وفيه م رآة ص قيلة ي تراءى بها ص ور كل ما يمر به ،ف أول ما يفعل
الش يطان فى ال ربض إكث ار ال دخان فتس ود حيط ان الحصن وتص دأ الم رآة ،وكم ال الفكر ي رد
الدخان ،وصقل الذكر يجلو المرآة ،وللعدو حمالت فتارة يحمل فيدخل الحصن فيكر
،وربما أق ام لغفلة الح ارس ،وربما رك دت ال ريح ()1
عليه الح ارس فيخ رج ،وربما دخل فع اث
الطاردة للدخان فتسود حيطان الحصن وتصدأ المرآة فيمر الشيطان وال يدرى به ،وربما جرح
()2
الحارس لغفلته وأسر واستخدم .
واعلم أن أول ما يغ وى به الش يطان ابن أدم الوس اوس ال تى يوس وس بها إليه ،كما ق ال تع الى
أمراً باالستعادة باهلل عز وجل من وساوسه:
فإذا غفل القلب عن ذكر اهلل عز وجل جثم عليه الشيطان واخذ يوسوس إليه بال ذنوب والمعاصى ،
ف إذا ذكر اهلل عز وجل واس تعاذ به انخنس الش يطان وانقبض ،وإ ذا ك ره ما وس وس به ف إن ذلك
محض اإليمان ،عن أبى هريره قال :جاء ناس من أصحاب رسول اهلل صلى اهلل علية وسلم
فس ألوه :إنا نجد فى أنفس نا ما يتع اظم أح دنا أن يتكلم به ق ال ( :وقد وج دتموه ؟ ) ق الوا :نعم .
()3
قال ( :ذلك صريح اإليمان ) .
( )1عاث :أى أفسد
( )2تلبيس أبليس ( ) 38 – 37باختصار -مكتبة المتنبى .
( )3رواه مسلم ( ) 153 / 1األيمان ،قال النووى رحمه هللا :معناه أستعظامكم الكالم به وهو صريح األيمان فإن أستعظام هذا
وشدة الخوف منه ومن النطق به فضالً عن اعتقاده إنما يكون لمن أستكمل األيمان إستكماالً محققا ً وانتفت عنه الريبه والشكوك –
النووى على صحيح مسلم ( . ) 154 / 1
3 التقـوى
قال ابن القيم رحمه اهلل :
" الوسوسة هى مب ادئ اإلرادة ف إن القلب يك ون فارغ اً من الشر والمعص ية فيوس وس إليه ويخطر
الذنب بباله فيصوره لنفسه ويمنيه ويشهيه فيصير شهوه ،ويزينها له ويحسنها ويخيلها له
فى خيال تميل نفسه إليه فتصير إرادة ،ثم ال يزال يمثل ويخيل ويمنى ويشهى وينسى
علمه بضررها ويطوى عنه سوء عاقبتها فيحول بينه وبين مطالعته ،فال يرى إال صورة
المعص ية وألت ذاذه بها فقط ،وينسى ما وراء ذلك فتص ير األراده عزيمه جازمه ،فيش تد الح رص
عليها من القلب ،فيبعث الجن ود فى الطلب فيبعث الش يطان معهم م دداً لهم وعون اً ،ف إن ف تروا
حركهم ،وإ ن ونوا أزعجهم كما قال تعالى :
(......مريم )83 : ين تَ ُؤ ُّزهُ ْم أَ ًّزا [
ين َعلَى ْال َكافِ ِر َ ] أَلَ ْم تَ َر أَنَّا أَرْ َس ْلنَا ال َّشيَ ِ
اط َ
أى تزعجهم إلى المعاصى ازعاج اً كلما فتروا أو ونوا أزعجتهم الشياطين وأزتهم وأثارتهم ،فال
تزال بالعبد تقوده إلي الذنب ،وتنظم شكل األجتماع بألطف حيله وأتم مكيده .
()1
فأصل كل معصيه وبالء إنما هى الوسوسة .
فمهما ك ان العبد مش غوالً بالطاع ات وذكر اهلل عز وجل ،فإنه ال يك ون عند ذلك محالً للوس اوس
فإذا غفل عن الذكر والطاعة وسوس إليه الشيطان بالمعاصى كما قال ابن القيم رحمه اهلل :
إذا غفل القلب ساعة عن ذكر اهلل جثم عليه الشيطان وأخذ يعده ويمنيه .
وأختم ه ذا الفصل بما يس تعان به من طاعة ال رحمن ال رحيم ح تى يحفظ العبد نفسه من وس اوس
الشياطين :
غ فَا ْستَ ِع ْذ بِاهّلل ِ إِنَّهُ
ان نَ ْز ٌ
ك ِم َن ال َّش ْيطَ ِـ -1االس تعاذة باهلل ق ال اهلل تع الى َ ] :وإِ َّما يَ َ
نز َغنَّ َ
( .....األعراف ) 201 : َس ِمي ٌع َعلِي ٌم [
()1
تفسير المعوذتينـ البن القيم ( )71باختصار وتصرف – السلفيه .
3 التقـوى
وعن سليمان بن صرد قال :كنت جالسا ً مع النبى صلى هللا عليه وسلم ورجالن يس تبان فاح دهما
احم ر وجه ه وانتفخت أوداج ه ،فق ال الن بى ص لى هللا علي ة وس لم ( :إنى ألعلم كلمة لو قالها
. ()1
لذهب عنه ما يجد لو قال :أعوذ باهلل من الشيطان الرجيم ذهب عنه ما يجد ) .الحديث
-2قراءة المعوذات فقد قال صلى اهلل علية وسلم " :لم يتعوذ الناس بمثلهن " .
( )2
-3قراءة أية الكرسى عند النوم كما فى حديث أبى هريره فمن قرأها عند نومه ال يزال عليه من
اهلل حافظ ال يقربه شيطان .
-5خاتمة سورة البقرة عن أبى مسعود االنصارى قال :قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :
( )4
( من قرأ األيتين من أخر سورة البقرة فى ليلة كفتاه ) .
" -6ال أله إال اهلل وحده ال شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شئ قدير " مائة مرة من
قرأها فى يوم كانت له حرزاً من الشيطان يومه ذلك حتى يمسى .
-7كثرة ذكر اهلل عز وجل فما أحرز العبد نفسه من الشيطان بمثل ذكر اهلل عز وجل .
-8الوضوء والصالة قال ابن القيم :وهذا أمر تجربته تغنى عن إقامة الدليل عليه .
-9إمساك فضول النظر والكالم والطعام ومخالطة الناس ،فإن الشيطان إنما يتسلط على
()1
ابن أدم وينال منه غرضه من هذه األربعة .
( )1رواه البخارى ) 519 – 518 / 10 0األدب ،ومسلم ( ) 163 / 16البر والصله ،وابو داود ( ) 4759األدب ،قال ابن
كثير رحمه هللا :من لطائف األستعاذه أنها طهارة الفم مما كان يتعاطاه من اللغو والرفث وتطييب اللهو وهو بتالوة القرآن وهى
استعانه باهلل عز وجل واعتراف له بالقدره وللعبد بالضعف والعجز عن مقاومة هذا العدو المبين الباطن الذى ال يقدر على منعه
ودفعه إال هللا الذى خلقه وال يقبل ممناعه وال يدارى باحسان بخالف العدو من نوع األنسان كما دلت على ذلك ايات من القرآن
( ) 50 / 1التفسير .
( )2رواه النسائى ( ) 251 / 8األستعاذه :وأحمد بمعناه ( ) 417 / 3وصححه األلبانى .
( )3رواه مسلم ( ) 68 / 6صالة المسافرين بلفظ :أن الشيطان يفر من البيت الذى تقرأ فيه سورة البقره ،والترمذى
( ) 10 / 11ثواب القرآن بلفظه .
( )4رواه البخارى ( ) 50 / 9فضائل القرآن ،ومسلم ( ) 92 – 91 / 6صالة المسافرين ن والترمذى ( ) 12 / 10ثواب
القرآن ،وابو داود ( ) 1384الصاله .
( )1تفسير المعوذتينـ باختصار( ) 86 – 82وانظر البحر الرائق للمصنف .
3 التقـوى
صفات المتقين
وبعد أن ذكرنا معنى التقوى وشرفها وطريق الوصول إليها نرى من المفيد كذلك أن نتعرف
على أصحاب هذه الرتب العليه ،والدرجات السنية ،حتى ال تدعيها النفوس وهى عارية منها ،
وقد يكون العلم بها مما يشحذ الهمم فى طلبها ،وبذل نفائس األنفاس فى خطبتها وقرانها .
منها أن ال يزال المتخلف المسكين مزرياً على نفسه ذاماً لها ،ومنها أن ال يزال منكسر القلب بين
يدى ربه تعالى ذليالًله حقيراً يشهد منازل السابقين وهو فى زمرة المنقطعين ،
ويشهد بضائع التجار وهو فى رفقة المحرومين ،ومنها أنه عساه أن تنهض همته يوماً إلي
التشبث والتعلق بساقة القوم ولو من بعيد ،ومنها أنه لعله أن يصدق فى الرغبة واللجوء إلى من
بيده الخير كله أن يلحقه بالقوم ويهيئه ألعمالهم فيصادف ساعة إجابة ال يسأل اهلل فيها شيئاً إال
إعطاه ،ومنها أن هذا العلم هو من أشرف علوم العباد ،
وليس بعد علم التوحيد أشرف منه ،وهو ال يناسب إال النفوس الشريفة ،وال يناسب النفوس
الدنيئه ،فإذا رأى نفسه تناسب هذا العلم وتشتاق إليه وتحبه وتأنس بأقلة فليبشر بالخير فقد أهل
له ،فليقل لنفسه :يا نفس فقد حصل لك شطر فاحرصى على الشطر االخر ،ومنها أن العلم بكل
حال خيراً من الجهل
ومنها أنه إذا كان العلم بهذا الشان همه ومطلوبه فالبد ان ينال منه بحسب استعداده ولو لحظه ولو
بارقة ،ولو أنه يحدث نفسه بالنهضة إليه ،ومنها أنه لعله يجرى منه على لسانه ما ينتفع به غيره
بقصده أو بغير قصده
3 التقـوى
واهلل ال يضيع مثقال ذرة فعسى أن يرحم بذلك العالم ،وإ ياك أن تظن أن بمجرد علم هذا الشأن
صرت من أهله ،هيهات ما أظهر الفرق بين العلم بوجوه الغنى وهو فقير وبين الغنى بالفعل ،
وبين العالم بأسباب الصحة وحدودها وهو سقيم وبين الصحيح بالفعل ،فاسمع األن وصف القوم
وأحضر ذهنك لشأنهم العجيب وخطرهم الجليل ،فإن وجدت من نفسك حركة وهمة إلى التشبه
بهم فاحمد اهلل وادخل فالطريق واضح والباب مفتوح:
ون بِ ْال َغ ْي ِ
ب ين ( )2الَّ ِذ َـ
ين ي ُْؤ ِمنُ َ ْب فِي ِه هُ ًدى لِّ ْل ُمتَّقِ َ
ك ْال ِكتَابُ الَ َري َ قال اهلل تعالى َ ] :ذلِ َ
ْك َو َما نز َل إِلَي َ ُ ون ( )3والَّ ِذ َـ
ين ي ُْؤ ِمنُ َ ون الصَّالةَـ َو ِم َّما َر َز ْقنَاهُ ْم يُنفِقُ َ
ون بِ َما أ ِ َويُقِي ُم َ
ون [ (........البقرة ) 4 – 2 : اآلخ َر ِة هُ ْم يُوقِنُ َ ك َوبِ ِ نز َل ِمن قَ ْبلِ َ
أ ِ
ُ
.
ومدحهم اهلل عز وجل كذلك فى هذه األيات الكريمات بأنهم أهل الهداية الحقيقية بالقرأن
قال القاسمى :قال الناصر فى االنتصاف :الهدى يطلق فى القرآن على معنيين:
أحداهما :االرشاد وإ يضاح سبيل الحق ومنه قوله تعالى :
(........فصلت )17 : ] َوأَ َّما ثَ ُمو ُد فَهَ َد ْينَاهُ ْم فَا ْستَ َحبُّوا ْال َع َمى َعلَى ْالهُ َدى [
وعلى هذا يكون الهدى للضال باعتبار أنه رشد إلى الحق سواء حصل له االهتداء أو ال .
واألخر :خلق اهلل تعالى االهتداء فى قلب العبد ومنه :
.
طريق الهجرتين ( ) 206 – 205باختصار .
3 التقـوى
( ......االنعام ) 90 : ين هَ َدى هّللا ُ فَبِهُ َداهُ ُم ا ْقتَ ِد ْه [ ] أُ ْولَـئِ َـ
ك الَّ ِذ َـ
فإذا ثبت وروده على المعنيين فهو فى هذه األية يحتمل أن يراد به المعنيان جميعاً .
وعلى األول فتخصيص الهدى بالمتقين للتنويه بمدحهم حتى يتبين أنهم هم الذين اهتدوا وانتفعوا
(.......النازعات ) 45 : نت ُمن ِذ ُر َمن يَ ْخ َشاهَا [ به كما قال تعالى ] :إِنَّ َما أَ َ
( ......يس ) 11 : ب [
وقال ] إِنَّ َما تُن ِذ ُر َم ِن اتَّبَ َع ال ِّذ ْك َر َو َخ ِش َي الرَّحْ َمن بِ ْال َغ ْي ِ
وقد كان صلى اهلل عليه وسلم منذراً لكل الناس فذكر هؤالء ألجل أنهم هم الذين انتفعوا بإنذاره ،
فأخبر اهلل عز وجل أن من اتصف بهذه الصفة فأجره فى ذلك على اهلل عز وجل كما رغبهم اهلل
عز وجل فى مغفرته إذا فعلوا ذلك فقال عز وجل فى سورة النور ] َو ْليَ ْعفُوا َو ْليَصْ فَحُوا
َّحي ٌم [ ……( النور ) 22 : ُّون أَن يَ ْغفِ َر هَّللا ُ لَ ُك ْم َوهَّللا ُ َغفُو ٌر ر ِ
أَاَل تُ ِحب َ
اس َوهّللا ُ ي ُِحبُّ ين ْال َغ ْيظَ َو ْال َعافِ َ
ين َع ِن النَّ ِ وقال تعالى فى وصف المتقين ] َو ْال َك ِ
اظ ِم َ
ين [ ( ....أل عمران ) 134 : ْال ُمحْ ِسنِ َ
()1
محاسن التأويل ( ) 34 / 2دار الفكر بيروت .
3 التقـوى
قال الراغب :الغيظ أشد الغضب ،وهو الحرارة التى يجدها اإلنسان من فوران دم قلبه ،
وفى روح المعانى :أن الغيظ هيجان الطبع عند رؤية ما ينكر ،والفرق بينه وبين
الغضب على ما قيل :أن الغضب يتبعه إرادة االنتقام البته ،وال كذلك الغيظ .
وقال الزمخشرى :كظم الغيظ هو ان يمسك ما فى نفسه منه بالصبر وال يظهر له أثراً ،
ويروى عن عائشة أن خادماً لها غاظها فقالت :هلل در التقوى ما تركت لذى غيظ شفاء .
العفو عن الناس هو التجافى عن ذنب المذنب منهم وترك اس [ ] َو ْال َعافِ َ
ين َع ِن النَّ ِ
مؤاخذته مع القدرة عليها ،وتلك مرتبة فى ضبط النفس والحكم عليها وكرم المعاملة قل من
يتبوأها ،
فالعفو مرتبة قبل مرتبة كظم الغيظ ،إذ ربما يكظم المرء غيظه على حقد وضغينة ،
وهناك مرتبة أعلى منها وهى ما أفاده قوله عز وجل َ ] :وهّللا ُ ي ُِحبُّ ْال ُمحْ ِسنِ َ
ين [
فاإلحسان وصف من اوصاف المتقين ،ولم يعطفه على ما سبقه من الصفات بل صاغه
بهذه الصيغة تمييزاً له بكونه محبوباً عند اهلل تعالى ويروى أن بعض السلف غاظه غالم له فجأة
َ[ فقال :كظمت غيظى ، ين ْال َغيْظ غيظاً شديداً فهم باالنتقام منه فقال الغالم ] َو ْال َك ِ
اظ ِم َ
ين َع ِن النَّاس ِ [فقال :عفوت عنك .قال ] َوهّللا ُ ي ُِحبُّ قال الغالم َ ] :و ْال َعافِ َ
ْال ُمحْ ِسنِ َ
ين [
()1
قال :اذهب فأنت حر وجه اهلل .فهذه الواقعة تبين لك ترتيب المراتب الثالثة .
-3ومن صفاتهم أنهم غير معصومين من الخطايا إال من عصمه اهلل عز وجل من
االنبياء غير أنهم ال يقارفون الكبائر ،وال يصرون على الصغائر :
بل كلما وقعوا فى صغيرة رجعوا إلى اهلل بالتوبة واالستغفار والعمل الصالح عمالً بقول النبى
()1
صلى اهلل عليه وسلم ( :اتبع السيئة 8الحسنة تمحها ) .
قال ابن كثير رحمه اهلل :يخبر تعالى عن المتقين من عبادة الذين أطاعوه فيما أمر وتركوا ما
عنه زجر ،أنهم إذا مسهم -أى :أصابهم -طيف وقرأ األخرون طائف ،وقد جاء
فيه حديث وهما قراءتان مشهورتان فقيل :بمعنى واحد ،وقيل :بينهما فرق ،ومنهم من فسر
ذلك بالغضب ،ومنهم من فسره بمس الشيطان بالصدع ونحوه ،ومنهم من فسره بالهم بالذنب ،
ومنهم من فسره بإصابة الذنب ،وقوله ]:تَ َذ َّكرُوا [ أى :عقاب اهلل وجزيل ثوابه
ُون [ أى :قد استقاموا
ْصر َ
ُّمب ِ ووعده ووعيده فتابوا وانابوا ورجعوا إليه من قريب ]:فَإ ِ َذا هُم
()2
وصحوا مما كانوا فيه .
ثم ذكر اهلل عز وجل ما يقابل هذه الصفة فى المتقين بقوله تعالى :
( ........اإلعراف )202 : ُون [
صر َ] َوإِ ْخ َوانُهُ ْم يَ ُم ُّدونَهُ ْم فِي ْال َغ ِّي ثُ َّم الَ يُ ْق ِ
قال العالمة رشيد رضا رحمه اهلل :شأن المؤمنين المتقين إذا مسهم طائف من الشيطان لحملهم
على محاكاة الجاهلين والخوض معهم وعلى غير ذلك من المعاصى والفساد تذكروا
فأبصروا فحذروا وسلموا ،وإ ن زلوا تابوا وأنابوا ،وأن إخوان الشياطين وهم الجاهلون
غير المتقين تتمكن الشياطين من إهوائهم فيمدونهم فى غيهم وفسادهم ،
ألنهم ال يذكرون اهلل تعالى إذا شعروا فى أنفسهم بالنزوع إلى الشر والباطل والفساد فى
األرض ،وال يستعيذون منه باهلل ،وإ ما ألنهم ال يؤمنون بأن لإلنسان شيطاناً من الجن يوسوس
إليه ويغريه بالشر – ثم ال يقصرون وال يكفون عن إغوائهم وإ فسادهم لذلك يصرون
()1
على الشرور والفساد لفقد الوازع النفسى والواعظ الدينى .
-4ومن صفاتهم أنهم يتحرون الصدق فهم أصدق الناس إيماناً وأصدقهم أقواالً
وأعماالً وهم الذين صدقوا المرسلين
()2
تفسير القرآن العظيم ( . ) 279 / 2
()1
تفسير المنار ( ) 550 / 9بتصرف .
3 التقـوى
قيل :الذى جاء بالصدق هو محمد صلى اهلل عليه وسلم ،وقيل :جبريل عليه السالم ،
وقال مجاهد :أصحاب القران المؤمنون :يجيئون يوم القيامة فيقولون :هذا ما اعطيتمونا بما
أمرتمونا.
قال ابن كثير :وهذا القول عن مجاهد يشمل كل المؤمنين ،فإن المؤمنين يقولون
الحق ويعملون به ،والرسول صلى اله عليه وسلم أولى الناس بالدخول فى هذه االية على هذا
التفسير ،فإنه جاء بالصدق وصدق المرسلين ،وأمن بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل أمن
()2
باهلل ومالئكته وكتبه ورسله.
واضاف التقوى الى القلوب الن حقيقة التقوى فى القلب ولهذا قال (ص) فى الحديث الصحيح :
( )1
( التقوى ها هنا واشار الى صدره )
فالمتقون يعظمون طاعة اهلل وأمره فيدفعهم ذلك الى طاعته ،ويعظمون كذلك ما نهى اهلل عنه
فيدفعهم ذلك عن معصيته ،وعكس ذلك االستهانة باالوامر فال يؤديها ،وبالنواهى فيقع فيها نسال
اهلل السالمة .
قال ابو عبداهلل :يعنى بذلك المهلكات ،وعن ابن مسعود رضى اهلل عنة قال ( :ان المؤمن
يرى ذنوبه 8كأنه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه ،وإ ن الفاجر يرى ذنوبه 8كذباب مر على
()3
انفة فقال به هكذا ) .
قال العينى :السبب فى ان قلب المؤمن منور فاذا راى من نفسة ما يخالف ذلك عظم االمر علية
،والحكمة فى التمثيل بالجدل ان غيرة من المهلكات قد يحصل منة النجاة بخالف الجدل اذا سقط
()4
علية فانة ال ينجو عادة .
( )1الجامع ألحكام القرآن ( ) 4448 / 5باختصار ،والحديث رواه مسلم ( ) 121 – 120 / 16البر والصله ،والترمذى
( ) 15 / 8البر ،وأحمد ( . ) 27702
( )2رواه البخارى ( ) 329 / 11الرقاق .
( )3رواه البخارى ( ) 102 / 11الدعوات ،الترمذى ( ) 308 / 9صفة القيامه .
( )4نقالً عن هامش جامع األصول ( . ) 508 / 11
3 التقـوى
-6ومن صفاتهم انهم يتحرون العدل ويحكمون بة وال يحملهم بغض احد على تركة
:
()1
تفسيرالكشاف ( )613 / 612 / 1باختصار .
()2
رواه البخارى ( ) 211 / 5الهبه ( ) 258 / 5الشهادات ،ومسلم ( ) 67 / 11الهبه .
3 التقـوى
وقد فسر بعض العلماء هذه األية على أنها تحريض على الصدق وأمر به كابن كثير والقاسمى ،
ورجح بعضهم أها حض على التزام طريق الصادقين كالشوكانى ،ونقل عن سعيد بن جبير
أبو بكروعمر ،وذكر القرطبى وابن جرير القولين ين [ والضحاك ] َ ُكونُ ْ
وا َم َع الصَّا ِدقِ َ
ورجح ابن جرير الثانى منها فقال :
وقال القرطبى :هذا األمر بالكون مع أهل الصدق حسن بعد قصة الثالثة حين نفعهم الصدق
وذهب بهم عن منازل المنافقين واختلف فى المراد هنا بالمؤمنين الصادقين على اقوال فقيل هو
خطاب لمن أمن من أهل الكتاب ،
اى مع الذين خرجوا مع النبى صلى اهلل عليه وسلم ال مع ين [ قيل ] َو ُكونُ ْـ
وا َم َع الصَّا ِدقِ َ
المنافقين ،اى كونوا على مذاهب الصادقين وسبيلهم .وقيل هم المهاجرون لقول ابى بكر يوم
السقيفه :
(........الحشر ) 8 : ين [
اج ِر َإن اهلل سمانا الصادقين فقال ] لِ ْلفُقَ َراء ْال ُمهَ ِ
ان [ (........الحشر ) 9 :
ار َواإْل ِ ي َم َ ثم سماكم بالمفلحين فقال َ ] :والَّ ِذ َ
ين تَبَ َّو ُؤوا ال َّد َ
وقيل :هم الذين استوت ظواهرهم وبواطنهم .
قال ابن العربى :وهذا القول هو الحقيقة والغاية التى إليها المنتهى ،فإن هذه الصفة يرتفع بها
النفاق فى العقيدة والمخالفة فى العمل ،
وصاحبها يقال له الصديق كابى بكر وعمر وعثمان ومن دونهم على منازلهم وازمانهم ،
()1
األثر عن نافع قال :قيل للثالثه الذين خلفوا :يا ايها الذين أمنوا اتقوا هللا وكونوا مع الصادقين محمد وأصحابه .
()2
قال بن جرير :وكان ابن مسعود فيما ذكر عنه يقرأه } وكونوا من الصادقين { ويتأوله إن ذلك نهى من هللا عن الكذب .
()3
جامع البيان فى تفسير القرآن ( ) 46 / 11دار المعرفه بيروت .
3 التقـوى
()4
وأما تفسير أبى بكر الصديق فهو الذى يعم األقوال كلها فغن جميع الصفات فيهم موجودة .
فال شك أن من صفات المتقين أنهم ينتهجون منهج الصحابة رضى اهلل عنهم ،ألنهم أولى الناس
بهذه الصفة التى أمرنا اهلل أن نكون مع أهلها ،فقد شهد اهلل عز وجل لهم بالصدق ،وشهد لهم
رسوله صلى اهلل عليه وسلم ،فال يجوز ألحد أن يلزمهم بشئ ،أو يتهمهم بما برأهم اهلل عز وجل
ورسوله صلى اهلل عليه وسلم ،فالصحابة كلهم عدول ،وظهرت فيهم من عالمات الصدق
واإليمان واليقين ما يجعل العاقل يقطع بتعدلهم ،فمن تقوى اهلل عز وجل مواالتهم ومحبتهم
ونصرتهم واالحتجاج بغجماعهم ،وفهم تقثوى اهلل عز وجل مواالتهم ومحبتهم ونصرتهم
واالحتجاج بغجماعهم ،وفهم الكتاب والسنة على منهجهم وطريقهم ،وبغض من يبغضهم وبغير
الخير يذكرهم .
()4
الجامع ألحكام القرآن ( ) 3128 / 4باختصار .
3 التقـوى
عن ابن عمر رضى اهلل عنهما قال ":ال يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما حاك فى الصدر
()1
".
قال الحافظ :المراد بالتقوى وقاية النفس عن الشرك واالعمال السيئة والمواظبه على األعمال
الصالحة ،وقوله " حاك" أى تردد ففيه إشارة أن بعض المؤمنين بلغ كنه اإليمان وحقيقته ،
وبعضهم لم يبلغ .وقد أخرج ابن أبى الدنيا فى كتاب التقوى عن ابى الرداء قال (:تمام التقوى
()2
أن تتقى اهلل حتى تترك ما ترى أنه حالل خشية أن يكون حراماً ).
()3
وعن عبد اهلل بن مسعود رضى اهلل عنه قال ":دع ما يريبك إلى ما ال يريبك ".
ومعنى ذلك أنهم يتركون كل ما يشكون فى حلة فإن الحالل المحض ال يحصل للمؤمن فى قلبه
شك ،وغنما تسكن إليه النفس ،ويشبه هذا الحديث
كذلك قوله صلى اهلل عليه وسلم (:إن الحالل بين وبينهما أمور مشتبهات ال يعلمهن كثير من
الناس ،فمن اتقى الشبهات فقد استبرا لدينه وعرضه ،ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام
( )1
).
فالمتقون يتورعون عن الشبهات وعما يرتابون فيه ما ليس حالالً بينا ،وذلك أدعى أن يتورعوا
عن الحرام البين ،ومن اجترأ على الشبهة اجترأ كذلك على الحرام ،ففى رواية الصحيحين :
( )1رواه البخارى تعليقا مجزوما به ( ) 45 / 1األيمان ،وروى الترمذى ( ) 278 / 9صفة القيامه ،و ابن ماجه () 4215
الزهد ،والحاكم ( ) 319 / 4عن عطيه السعدى قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وسلم " :ال يبلغ العبد أن يكون من المتقين
حتى يدع ما ال بأس به حذراً مما به بأس " وقال الترمذى :حسن غريب وصحح أسناده الحاكم والذهبى وضعفه األلبانى ،وأنظر
بلوغ المرام ( . ) 178
( )2فتح البارى ( ) 48 / 1باختصار .
( )3رواه النسائى ( ) 230 / 8أداب القضاء وقال أبو عبد الرحمن :هذا الحديث جيد ،وقال األلبانى :صحيح األسناد موقوف –
يعنى على عبد هللا بن مسعود رضى هللا عنه – وقد روى هذا الحديث مرفوعا ً عن الحسن بن على بن أبى طالب خرجه أحمد
والترمذى والنسائى وابن حبان والحاكم وصححه الترمذى وهو فى جامع العلوم الحديث الحادى عشر وأنظر كالم بن رجب رحمه
هللا ( . ) 102 – 101
( )1رواه البخارى ( ) 126 / 1األيمان ،ومسلم ( ) 2711المساقاه والمزارعه ،وابو داود ( ) 2313البيوع ،والترمذى ( / 5
) 199 – 189البيوع ،وابن ماجه ( ) 3984الفتن ،والدرامى ( ، ) 245 / 2وأحمد ( . ) 269 / 4
3 التقـوى
( فمن ترك ما يشتبه عليه من اإلثم كان لما استبان أترك ) يعنى :أن ترك اإلثم مع اشتباهه
عليه فهو أولى بتركه إذا استبان أنه إثم .
قال ابن رجب رحمه اهلل :وههنا أمر ينبغى التفطن له وهو أن التدقيق فى التوقف
عن الشبهات إنما يصلح لمن استقامت أحواله كلها وتشابهت أعماله فى التوقف والورع ،
فأما من يقع فى انتهاك المحرمات الظاهره ثم يريد أن يتورع عن شئ من دقاءق الشبهة فإنه
ال يحتمل له ذلك بل ينكر عليه ،
كما قال ابن عمر لمن سأله عن دم البعوض من أهل العراق :يسألوننى عن دم البعوض وقد
()2
قتلوا الحسين وسمعت رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم يقول (:هما ريحانتاى من الدنيا ) .
وسأل رجل بشر بن الحرث عن رجل له زوجه وامه تأمره بطالقها :
فقال إن كان بر أمه فى كل شئ ولم يبق من برها إال طالق زوجته فليفعل ،وإ ن كان يبرها
بطالق زوجته ثم يقوم بعد ذلك يشترى بقالً ويشترط الخوصة – يعنى التى تربط بها حزمة لبقل
– فقال أحمد :إيش هذه المسائل ؟ قيل :إن إبراهيم بن أبى نعيم
يفعل ذلك .فقال أحمد :إن كان إبراهيم بن أبى نعيم فنعم ،هذا يشبه ذاك ،وغنما أنكر هذه
المسائل ممن ال يشبه حاله ،وأما أهل التدقيق فى الورع فيشبه حالهم هذا ،وقد كان اإلمام أحمد
نفسه يستعمل فى نفسه هذا الورع فإنه أمر من يشترى له سمناً فجاء على ورقة فأمر برد إلى
()1
البائع .
( )2رواه البخارى ( ) 95 / 7فضائل الصحابه ،والترمذى ( ) 193 / 13المناقب ،قال ابن األثير ( :الريحان والريحانه )
الرزق والراحه ،ويسمى الولد ريحان وريحانه لذلك .
( )1جامع العلوم والحكم ( ) 104 – 103باختصار .
3 التقـوى
ثمرات التقوى
ونختم هذا البحث المعطار بذكر ثمرات التقوى العاجلة واالجلة نسأل اهلل سعادة األولى واألخرة
فالتقوى هى أعظم سبب للسعادة فى الدنيا واألخرة ،بل ال سعادة بدونها ،ألن مدار التقوى على
معرفة اهلل عز وجل معرفة تشغل العبد بطاعته وذكره وشكره ،وهذه من سعادة النفوس ،وما
يترتب على ذلك من محبة اهلل عز وجل والرضا به وحسن التوكل عليه .
سعادة أعظم من السعادة األولى ،فالمتقون يسعدون بالطاعة وثمارها فى الدنيا ،وشاهد هذه
السعادة فى نفس العبد أنه إذا وقع فى معصية اهلل عز وجل لضعف وازع التقوى كم يجد من
حرج فى صدره وضيق ووحشه بينه وبين اهلل عز وجل وبين عباد اهلل المؤمنين ،فلو حصلت له
الدنيا بحذافيرها لم تعوضه هذه الوحشة .
يقول ابن القيم رحمه اهلل واصافاً من ذاق شيئاً من سعادة التقوى ثم حرم ذلك :
" ومن ذاق ٍ
شيئا من ذلك طريقاً موصلة إلى اهلل ثم تركها واقبل على إرادته وراحاته وشهواته
ولذاته وقع فى أثار المعاصب ،وأودع قلبه سجون المضايق ،وعذب فى حياته عذاباً لم يعذب به
احد من العالمين ،فحياته عجز وغم وحزن ،وموته كدر وحسره ،ومعاده أسف وندامه ،قد
فرط عليه أمره وشتت عليه شمله ،وأحضر نفسه الغموم واالحزان ،فال لذة الجاهلين ،
وال راحة العارفين ،يستغيث فال يغاث ،ويشتكى فال يشتكى ،
فقد ترحلت أفراحه وسروره مدبرة ،واقبلت االمه وأحزانه وحسراته ،فقد أبدل بأنسه وحشه ،
ويعزه ذالً ،وبغناه فقراً ،وبجمعيته تشتتاً ،وابعدوه فلم يطظفر بقربهم ،
وأبدلوه مكان األنس إيحاشاً ذلك بأنه عرف طريقه إلى اهلل ثم تركها وناكب عنها مكباً
على وجهه ،فأبصر ثم عمى ،وعرف ثم انكر ،واقبل ثم أدبر ،ودعى فما أجاب وفتح
له فولى ظهره للباب ،وقد ترك طريق مواله ،واقبل بحليته على هواه التوحيد
وميادين األنس ورياض المحبه ،
3 التقـوى
وموائد القرب قد انحط بسبب إعراضه عن إلهه الحق إلى أسفل سافلين ،وحصل فى عداد
الهالكين ،فنار الحجاب تطلع كل وقت على فؤاده ،وإ عراض الكون عنه إذا أعرض عنه مواله
()1
حائل بينه وبن مراده ".
إلى أخر ما ذكره رحمه اهلل فال يستطيل ما ذكرناه واهلل يعصمنا من الزلل ويمن علينا بصالح
القول والعمل ،وكما رزقنا محبة الصالحين نساله تعالى أن يرزقنا سلوك طريقهم وذوق حالوة
مواجيدهم ،ونعوذ به من السلب بعد العطاء ،ومن الحور بعد الكور ،وفى حدائق التقوى ننزه
قلوبنا وجوارحنا برؤية ثمرات التقوى وبشارات المتقين ،واهلل يهدى من يشاء إلى صراط مستقيم
()1
طريق الهجرتين ( ) 180السلفيه .
3 التقـوى
عن ابن عباس رضى اهلل عنه :يجعل له مخرجاً :ينجيه من كل كرب فى الدنيا واألخرة
وقيل :المخرج هو أن يقنعه اهلل بما رزقة على صالح.
وقال الربيع بن خثيم :يجعل له مخرجاً :من كل شء يجعل له مخرجاً من عقوبة أهل البدع
ويرزقه اجنة من حيث ال يحتسب .
قيل :ومن يتق اهلل فى الرزق بقطع العالئق يجعل له مخرجاً بالكفاية .
وقال عمر بن عثمان الصدفى :ومن يتق اهلل فيقف عند حدوده ويتجنب معاصيه يخرجه من
الحرام إلى الحالل ،ومن يضيق إلى السعة ،ومن النار إلى الجنة ،ويرزقه من حيث ال يحتسب
من حيث ال يرجو .وقال ابن عيينه :هو البركه فى الرزق .
وقال أبو سعيد الخدرى :ومن يبرأ من حوله وقوته بالرجوع إلى اهلل يجعل له مخرجاً مما كلفه
()1
بالمعونة له .
()1
باختصار من الجامع ألحكام القرآن ( . ) 6639 ، 6638 / 8
()2
الجامع ألحكام القرآن ( )6644 / 8
3 التقـوى
قال سيد قطب رحمه اهلل :واليسر فى األمر غاية ما يرجوه اإلنسان ،وإ نها لنعمة كبرى أن
يجعل اهلل األمور لعبد من عباده فال عنت وال مشقه وال عسر وال ضيقة يأخذ الألمور بيسر فى
شعوره وتقديره ،وينالها بيسر فى حركته وعمله ،ويرضاها بيسر فى حصيلتها ونتيجتها
()1
ويعيش من هذا ،فى يسر رخى ندى حتى يلقى اهلل .
قال العالمه محمد رشيد رضا :أى اتقوا اهلل فى جميع ما أمركم به ونهاكم عنه وهو يعلمكم ما
فيه قيام مصالحكم وحفظ أموالكم وتقوية رابطتكم ،فغنكم لوال هدايته ال تعلمون ذلك ،وو سبحانه
العليم بكل شئ .فإذا شرع شيئاً فإنما يشرعه عن علم محيط بأسباب درء المفاسد وجلب المصالح
()2
لمن تبع شرعه ،وكرر لفظ الجالله لكمال التذكير وقوة التاثير .
وقال البيضاوى :كرر لفظ الجالله فى الجمل الثالث الستقاللها ،فاألولى حث على التقوى ،
والثانية وعد بإنعامه ،والثالثة تعظيم بشأنه ،وألنه أدخل فى التعظيم من الكناية .
وإ ذا علمت أن التقوى عمل يتوقف على علم ،وأن هذا العلم ال بد أن يؤخذ بالتعلم والتلقى ،وان
العلم بالعلم من اسباب المزيد فيه ،وخروجه من مضيق االبهام واإلجمال إلى فضاء الجالء
والتفصيل ،فهمت المراد بالفرقان على عمومه ،
وعملت أن أدعياء التصوف الجاهلين ال حظ لهم من ذلك العلم األول ،وال من هذه التقوى
()2
التى هى أثره ،وال من العلم األخير الذى هو أثر العلم والتقوى جميعاً .
عن أبى هريره عن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أنه قال ( :إذا أحب العبد قال لجبريل :قد
أحببت فالنا فأحبه .فيحبه جبريل عليه السالم ،ثم ينادى فى أهل السماء :إن اهلل قد أحب
( )1
فالناً فأحبوه ،فيحبه أهل السماء ،ثم يوضع له القبول فى األرض ) .
( )1قال الحافظ " :إنما العلم بالتعلم " هو حديث مرفوع أيضا ً أورده ابن أبى عاصم والطبرانى من حديث معاويه – ثم ذكر –
وإسناده حسن إال ان فيه مبهما ً اعتضد بمجيئه من وجه أخر ( فتح الباري ) 161 / 11وقال األلبانى :رواه الخطيب فى تاريخه
( ) 27 / 9عن ابى هريره مرفوعا ً ومحسنا ً وأنظر الصحيحة رقم ( . ) 342
( )2باختصار وتصرف من تفسير المنار ( . ) 131 – 129 / 3
( )1البخارى ( ) 461 / 10األدب ،ورواه مسلم ( ) 184 – 183 / 16البر والصله ،ومالك فى الموطأ ( ) 953 / 2الشعر .
3 التقـوى
وكتب أبو الدرداء إلى مسلمه بن خالد :سالم عليك أما بعد ،فإن العبد إذا عمل بطاعة اهلل أحبه
اهلل ،فإذا أحبه اهلل حببه إلى عباده .
وعن هرم بن حيان قال :ما أقبل عبد بقلبه عبد بقلبه إلى اهلل إال أقبل اهلل بقلوب المؤمنين عليه
حتى يرزقهم مودته .
فقد وعد اهلل عز وجل عبادة المؤمنين الذين يداومون على األعمال الصالحة بهذه المودة والمحبة
ت َسيَجْ َع ُل لَهُ ُم الرَّحْ َم ُن ُو ًّداـ كما قال تعالى ] :إِ َّن الَّ ِذ َـ
ين آ َمنُوا َو َع ِملُوا الصَّالِ َحا ِ
(...مريم ) 96 : [
قال ابن رجب رحمه اهلل :وهذه المعيه الخاصة بالمتقين غير المعيه العامه المذكورة فى
(.......الحديد )4 : قولة تعالى َ ] :وهُ َو َم َع ُك ْم أَي َْن َما ُكنتُ ْم [
ضى ِم َن ْالقَ ْو ِل وقولهَ ] :والَ يَ ْستَ ْخفُ َ
ون ِم َن هّللا ِ َوهُ َو َم َعهُ ْم إِ ْذ يُبَيِّتُ َ
ون َما الَ يَرْ َ
(.....النساء )108 : [
فإن المعيه الخاصة تقتضى النصر والتأييد والحفظ واإلعانة كما قال تعالى لموسى عليه السالم
()1
(........طه ) 46 : ال اَل تَ َخافَا إِنَّنِي َم َع ُك َما أَ ْس َم ُع َوأَ َرى [
وهارون ] :قَ َ
والمعيه العامه تستوجب من العبد الحذر والخوف ومراقبة ،اهلل عز وجل .
وأما الخاصة فتستوجب من العبد األنس باهلل عز وجل والثقة بنصره وتأييده .
()1
نور األقتباس فى مشكاة وصية النبى صلي هللا عليه وسلم البن عباس (. )41
3 التقـوى
قال قتادة :ومن يتق اهلل يكن معه ،ومنيكن باهلل معه فمعه الفئه التى ال تغلب والحارس الذى ال
ينام ،والهادى الذى ال يضل .
وكتب بعض السلف إلى أخيه :أما بعد إن كان اهلل معك فمن تخاف وإ ن كان عليك فمن ترجو .
أي : وا )قال القاسمى رحمه اهلل َ ( :ولَ ْـو أَ َّن أَ ْه َل ْالقُ َرى ( أى :القرى المهلكة ( آ َمنُ ْ
وا ) أى :الكفر والمعاصى (لَفَتَحْ نَا َعلَ ْي ِهم بَ َر َكا ٍ
ت ِّم َن ال َّس َماء باهلل ورسلهم ( َواتَّقَ ْ
ض)َواألَرْ ِ
أى :لوسعنا عليهم الخير ويسرناه لهم من كل جانب مكان ما أصابهم من فنون العقوبات من
()2
السماء وبعضها من األرض .
ويدل على هذا قوله عز وجل َ ]:وأَلَّ ِـو ا ْستَقَا ُموا َعلَى الطَّ ِريقَ ِة أَل َ ْسقَ ْينَاهُم َّماء َغ َدقًا[ ..
(الجن )16 :
يقول ابن القيم رحمه اهلل :فإذا أراد اهلل أن يطهر األرض من الظلمه والخونة والفجرة ،
يخرج عبداً من عباده من أهل بيت نبيه صلى اهلل عليه وسلم فيمأل األرض قسطاً كما ملئت جوراً
،ويقتل المسيح ايهود والنصارى ،ويقيم الدين الذى بعث اهلل به رسوله ،وتخرج األرض بركتها
،وتعود كما كانت ،حتى إن العصابة من الناس ليأكلون من الرمانة ويستظلون بقحفتها ،ويكون
العنقود من العنب وقر بعير ،ولبن اللقحة الواحدة يكفى الفئام من الناس ،وهذا ألن األرض لما
()1
طهرت من المعاصى ظهرت فيها أثار البركة من اهلل تعالى الت محقتها الذنوب والكفر .
فانظر إلى بركات التقوى ،واعلم أن ما نحن فيه من قلة البركة ونقص الثمار وكثرة
()2
محاسن التأويل ( ) 221 / 7باختصار .
()1
الجواب الكافى ( ) 67باختصار -دار عمر بن الخطاب .
3 التقـوى
األفات واألمراض إنما هو نتيجة حتمية لضعف وازع التقوى وكثرة المعاصى كما قال اهلل
ين آ َمنُ ْ
وا ون ( )62الَّ ِذ َـ قال تعالى ] :أَال إِ َّن أَ ْولِيَاء هّللا ِ الَ َخ ْو ٌ
ف َعلَ ْي ِه ْم َوالَ هُ ْم يَحْ َزنُ َ
ر ِة [ ( .......يونس : ون ( )63لَهُ ُم ْالبُ ْش َرى ِفي ْال َحيا ِة ال ُّد ْنيَا َوفِي ِ
اآلخ َ َو َكانُ ْ
وا يَتَّقُ َ
) 64 -62
وعنه صلى اهلل عليه وسلم (:ذهبت النبوة وبقيت المبشرات) ( :)1وقيل :هى محبة الناس
له والذكر الحسن .وعن أبى ذر قال :قلت لرسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم :الرجل
()2
يعمل العمل هلل ويحبه الناس .فقال (:تلك عاجل بشرى المؤمنين) .
وعن عطاء :لهم البشرى عند الموت تأتيهم المالئكة بالرحمة قال اهلل تعالى ] :تَتَنَ َّز ُل َعلَ ْي ِه ُم
ة َ [ (......فصلت ) 30 : ْال َماَل ئِ َكةُ أَاَّل تَ َخافُوا َواَل تَحْ َزنُوا َوأَب ِْشرُوا بِ ْال َجنَّ ِ
وأما البشرى فى األخرة فتلقى المالئكه إياهم مبشرين بالفوز والكرامة ،وما يرون من بياض
()3
وجوههم وإ عطاء الصحائف بأيمانهم وما يقرءون منها وغير ذلك من البشارات .
( )2رواه الترمذى ( ) 128 / 9أبواب الرؤيه وقال :هذا حديث حسن ،ومالك فى الموطأ ( ) 958 / 2الرؤيا ،والحاكم ( / 4
) 391الرؤيا وصححه ووافقه الذهبى .
( )1رواه البخارى ( ) 375 / 12التعبير ،والترمذى ( ) 127 / 9أبواب الرؤيا عن أنس
( )2رواه مسلم ( ) 189 / 16البر والصله ،وأحمد ( ، ) 168 – 157 – 256 / 5وابن ماجه ( ) 4225الزهد ،وقال العلماء :
معناه هذا البشرى المعجله له بالخير وهى الدليل على رضاء هللا تعالى ومحبته له فيحببه إلى الخلق كما سبق فى الحديث ثم يوضع
له القبول فى األرض هذا كله إذا حمده الناس من غير تعرض منه لمحامدهم وإال فاتعرض مذموم -شرح النووى على صحيح
مسلم ( . ) 189 / 16
( )3الكشاف ( ) 356 / 2باختصار
3 التقـوى
قال ابن كثير رحمه اهلل :يرشدهم تعالى إلى السالمه من شر األشرار وكيد الفجار باستعمال
الصبر والتقوى والتوكل على اهلل الذى هو محيط بأعدائهم ،فال حول وال قوة لهم إال به ،وهو
()4
الذى ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن .
وقال الزمخشرى رحمه اهلل :وإ ن تصبروا على عدواتهم وتتقوا ما نهيتم عنه من مواالتهم ،أو
إن تصبروا على التكاليف الدين ومشاقة ،وتتقوا اهلل فى اجتناب محارمه ،وكنتم فى كنف اهلل فال
يضركم كيدهم .
وهذا تعليم من اهلل وإ رشاد إلى أن يستعان على كيد العدو بالصبر والتقوى ،
وقد قال الحكماء :إذا أردت أن تكبت من يحسدك فازدد فضالّ فى نفسك ( إِ َّن هّللا َ بِ َما يَ ْع َملُ َ
ون
()1
) من الصبر والتقوى وغيرهما محيط ففاعل بكم ما أنتم أهله .
ض َعافًا َخافُ ْ
وا َعلَ ْي ِه ْم وا ِم ْن َخ ْلفِ ِه ْم ُذرِّ يَّةً ِ
ين لَ ْو تَ َر ُك ْ قال اهلل تعالى َ ] :و ْليَ ْخ َ
ش الَّ ِذ َ
س ِدي ًداـ [ ( .........النساء ) 9 : فَ ْليَتَّقُوا هّللا َ َو ْليَقُولُ ْ
وا قَ ْوالً َ
وعن عامر بن عبد اهلل أنه بكى حين حضرته الوفاة فقيل له :مايبكيك فقد كنت وكنت ؟ قال :
()1
ْال ُمتَّقِ َ
ين ) . إنى أسمع اهلل يقول ( :إِنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هّللا ُ ِم َن
وقال الغزالى رحمة اهلل :
()2
محاسن التأويل ( ) 47 / 5
()1
الكشاف ( . ) 624 / 1
3 التقـوى
تأمل أصآل واحداً وهو أنه هب أنك قد تعبت جميع عمرك فى العبادة ,وكابدت حتى حصل لك ما
تمنيت ,أليس الشأن كله فى القبول ,ولقد عملت أن اهلل تعالى يقول ( إِنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هّللا ُ ِم َن
()2
ين ) فرجع األمر كله الى التقوى .ْال ُمتَّقِ َ
وقال بعض السلف :لو أعلم أن اهلل يقبل منى سجدة بالليل وسجدة بالنهار لطرت شوقاً إلى الموت
ْال ُمتَّقِ َ
ين ) . ,إن اهلل عز وجل يقول ( :إِنَّ َما يَتَقَبَّ ُل هّللا ُ ِم َن
-13ما يجعله اهلل لهم من الشرف وهيبة الخلق وحالوة المعرفة واإليمان :
()2
منهاج العابدين (. )72
()1
تفسير القرآن العظيم ( . ) 95 / 4
3 التقـوى
الدنيا من شرف التقوى وهيبة الخلق لهم فى الظاهر ,ومن حالوة المعرفة واإليمان والطاعة فى
الباطن ,وهى الحياة الطيبة التى وعدها اهلل لمن عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن ,وهذه
الحياة الطيبة لم يذقها الملوك فى الدنيا وال أهل الرياسات والحرص على الشرف .
كان حجاج بن أرطاة يقول :قتلنى حب الشرف ,فقال له سوار لو اتقيت اهلل شرفت .وفى هذا
المعنى قيل :
وحبك للدنيا هو الذل والسقم أال إنما التقوى هى العز والكرم
حقق التقوى وإن حاك أو حجم وليس على عبد تقى نقيصة إذا
وقال صالح الباجى :الطاعة إمرة ,والمطيع هلل أمير مؤمر على األمراء ،أال ترى هيبته
فى صدورهم إن قال قبلوا ،وإ ن أمر أطاعوا ,ثم يقول :يحق لمن أحسن خدمتك ومننت عليه
بمحبتك أن تذلل له الجبابرة حتى يهابوه لهيبته فى صدورهم من هيبتك فى قلبه ,وكل الخير من
عندك بأوليائك .
وقال ذا النون المصرى :من أكرم وأعز ممن انقطع إلى من ملك األشياء بيده .
كان مالك بن أنس يهاب أن يسأل حتى قال فيه القائل :
والسائلون نواكس األذقان يدع الجواب وال يرجع هيبة
()1
فهو المهيب وليس ذا سلطان نور الوقار وعز سلطان التقى
قال أبو الدرداء رضى اهلل عنه :ياحبذا نوم األكياس وفطرهم وكيف يغبنون به قيام الحمقى
وصومهم ،والذرة من صاحب تقوى أفضل من أمثال الجبال عبادة من المغترين وهذا من جواهر
الكالم وأدله على كمال فقه الصحابة وتقدمهم على من بعدهم فى كل خير رضى اهلل عنهم .
فاعلم أن العبد إنما يقطع منازل السير الى اهلل بقلبه ال ببدنه والتقوى فى الحقيقه تقوى الروح ال
تقوى الجوارح .
()1
باختصار من شرح حديث ( ما ذئبان جائعان ) البن رجب الحنبلى ( - ) 22-21دار الفتح .
3 التقـوى
فالكيس يقطع من المسافة بصحة العزيمة وعلو الهمة وتجريد القصد وصحة النية مع العمل القليل
,أضعاف أضعاف ما يقطعه الفارغ من ذلك مع التعب الكثير والسفر الشاق ,فإن العزيمة
والمحبة تذهب المشقة وتطيب السير والتقدم والسبق الى اهلل سبحانه إنما هو بالهمم وصدق
الرغبة والعزيمة فيتقدم صاحب الهمة مع سكونه صاحب العمل الكثير بمراحل ,
()1
فإن ساواه فى همته تقدم عليه بعمله .
فاألعمال تتفاضل بحسب ما فى قلوب أصحابها من إيمان وتقوى هلل عز وجل ,وإ ن الرجلين
ليكونان فى صف واحد وخلف إمام واحد يكبران بتكبيره ويسلمان بتسليمه وبين صالتيهما كما
بين السماء واألرض ,وكم من قائم محروم وكم من نائم مرحوم ,هذا قام وقلبه فاجر وهذا نام
وقلبه عامر فالسير سير القلوب والسبق سبق الهمم .
()1
الفوائد ( ) 187 – 186البن القيم باختصار .
3 التقـوى
الثمراتـ األجله
-1تكفير السيئات وهو سبب النجاة من النار ,وعظم األجر وهو سبب
الفوز بدرجات الجنة :
( ....الطالق ) 5 : ْظ ْم لَهُ أَجْ رًا [ قال تعالى َ ] :و َمن يَتَّ ِ
ق هَّللا َ يُ َكفِّرْ َع ْنهُ َسيِّئَاتِ ِه َويُع ِ
قال ابن كثير رحمه اهلل :أى :يذهب عنهم المحظور ,ويجزل لهم الثواب على العمل اليسير
()1
.
وقال ابن جرير رحمه اهلل :ومن يخف اهلل فيتقه باجتناب معاصيه وأداء فرائضه يمحو اهلل عنه
) يقول ويجزل له الثواب على عمله ذلك وتقواه , ْظ ْم لَهُ أَجْ رًا
ذنوبه وسيئات أعماله ( َويُع ِ
()2
ومن إعظامه له األجر أن يدخله جنته فيخلده فيها .
...... وا َواتَّقَ ْو ْا لَ َكفَّرْ نَا َع ْنهُ ْم َسيِّئَاتِ ِه ْم [ وقال تعالى َ ] :ولَ ْـو أَ َّن أَ ْه َل ْال ِكتَا ِ
ب آ َمنُ ْ
( المائده ) 65 :
وال يصدر عن النار بعد ورودها إال المتقون قال اهلل تعالى َ ] :وإِن ِّمن ُك ْم إِاَّل َو ِ
ار ُدهَا َك َ
ان
ين فِيهَا ِجثِيًّا [
ين اتَّقَوا َّونَ َذ ُر الظَّالِ ِم َـ
ضيًّا ( )71ثُ َّم نُنَجِّ ي الَّ ِذ َـ
َعلَى َرب َِّك َح ْت ًما َّم ْق ِ
( ......مريم ) 72 – 71
ين آ َمنُ ْ
وا َوالَّ ِذ َ
ين ُون ِم َن الَّ ِذ َ ُوا ْال َحيَاةُ ال ُّد ْنيَا َويَس َ
ْخر َ قال اهلل تعالى ُ ] :زي َِّن لِلَّ ِذ َ
ين َكفَر ْ
ة [ ( ......البقره ) 212 : وا فَ ْوقَهُ ْم يَ ْو َم ْالقِيَا َم ِ
اتَّقَ ْ
()1
تفسير القرآن العظيم ( . ) 382 / 4
()2
جامع البيان فى تفسير القرآن ( . ) 93 / 12
3 التقـوى
قال الحدالى :ففى ضمنه إشعار بأن استحسان بهجة الدنيا كفر ما ,من حيث إن نظر العقل
واإليمان يبصر طيتها ويشهر جيفتها فال يغتر بزينتها وهى أفة الخلق فى انقطاعهم عن الحق ,
فأبهم تعالى المزين فى هذه االية ليشمل أدنى التزيين الواقع على لسان الشيطان .وأخفى التزيين
ك َزيَّنَّا لِ ُكلِّ أُ َّم ٍة َع َملَهُ ْم [
] َك َذلِ َ الذى يكون من استدراج اهلل كما فى قوله تعالى:
( ............األنعام ) 108 :
ْالقِيَا َم ِة ) وجهين : ولذا قال الراغب :يحتمل قوله تعالى ( فَ ْوقَهُ ْم يَ ْو َم
أحدهما :أن حال المؤمنين فى االخرة أعلى من حال الكفار فى الدنيا .
()1
والثانى :أن المؤمنين فى االخرة فى الغرفات ,والكفار فى الدرك األسفل من النار
انتهى .
()1
محاسن التأويل ( ) 185 : 182 / 3باختصار .
3 التقـوى
-3ميراث الجنة فهم أحق الناس بها وأهلها , 8بل ما اعد اهلل الجنة إال ألصحاب هذه
الرتبة العلية والجوهرة البهية
-4وهم ال يذهبون الى الجنة سيراً على أقدامهم بل يحشرون اليها ركباناً :
مع أن اهلل عز وجل يقرب اليهم الجنة تحية لهم ودفعاً لمشتقهم كما قال تعالى :
( .......ق ) 31 : ين َغي َْر بَ ِعي ٍد [ ] َوأُ ْزلِفَ ِ
ت ْال َجنَّةُ لِ ْل ُمتَّقِ َ
( .....مريم ) 85 : ين إِلَى الرَّحْ َم ِن َو ْف ًدا [وقال تعالى ] :يَ ْو َم نَحْ ُش ُر ْال ُمتَّقِ َ
()1
الكشاف ( . ) 28 / 3
()2
تفسير القرآن العظيم ( . ) 137 / 3
3 التقـوى
-5وهم ال يدخلون أدنى درجاتها بل يفوزون فيها بأعلى الدرجات وأفضل النعيم
نسأل اهلل من فضله العظيم
وبين اهلل عز وجل قربهم من الحضرة واللقاء والرؤية والبهاء .فقال عز وجل :
..... يك ُّم ْقتَ ِد ٍر [ ت َونَهَ ٍر ( )54فِي َم ْق َع ِد ِ
ص ْد ٍ
ق ِعن َد َملِ ٍ ] إِ َّن ْال ُمتَّقِ َ
ين فِي َجنَّا ٍ
( القمر ) 55 – 54 :
ص ْد ٍ
ق ) أى :مجلس حق ال لغو فيه وال تأثيم ,وهو الجنة ِ قال القرطبى ِ ( :في َم ْق َع ِد
ر ) أى :يقدر على ما يشاء وعند هاهنا عندية القربة والزلفة والمكانة يك ُّم ْقتَ ِد ٍ
( ِعن َد َملِ ٍ
()2
والرتبة والكرامة والمنزلة .
( )1الكشاف ( ) 42 / 3وأثر عل ّى رضى هللا عنه أخرجه ابن أبى شيبه ،وعبد هللا بن أحمد فى زيادات المسند ،والطبرى وابن
أبى حاتم من رواية عبد الرحمن بن أسحق بن النعمان بن سعد بن عل ّى نحوه ،وأخرجه ابن أبى داود -فى كتاب البعث من هذا
الوجه مرفوعا ً ،ورواه ابن عدى عن حديث ابن عباس رضى هللا عنهما مرفوعا ً أيضا ً .
( )2الجامع ألحكام القرآن ( . ) 6320 / 7
3 التقـوى
ص ْد ٍ
ق ) فى مكان مرضى ,وقرئ فى مقاعد صدق عند ِ وقال الزمخشرى ( :فِي َم ْق َع ِد
مليلك مقتدر مقربين عند مليك مبهم أمره فى الملك واالقتدار ,فال شئ إال وهو تحت ملكه وقدرته
وال عجب فى ذلك ()1
,فاى منزلة أكرم من تلك المنزلة وأجمع للغبطة كلها والسعادة بأسرها
فقد جمع اهلل عز وجل للمتقين كل نعيم االخرة فقال تعالى َ ] :واآْل ِخ َرةُ ِعن َد َرب َِّك لِ ْل ُمتَّقِ َ
ين
( ......الزخرف ) 35 : [
( ......القصص ) 83 : ين [ وقال تعالى َ ] :و ْال َعاقِبَةُ لِ ْل ُمتَّقِ َ
ين [ ( .....النحل ووصف دارهم فقال عز وجل َ ] :ولَ َدا ُر ِ
اآلخ َر ِة َخ ْي ٌر َولَنِ ْع َم َدا ُر ْال ُمتَّقِ َ
) 30 :
()1
الكشاف ( . ) 442 / 4
( ()2
الكشاف ( . ) 263 / 3
3 التقـوى
ومن بركة التقوى كذلك ينزع اهلل عز وجل ما قد يعلق بقلوبهم من الضغائن والغل فتزداد مودتهم
ُون ( )45ا ْد ُخلُوهَات َو ُعي ٍ ين فِي َجنَّا ٍ وتتم محبتهم وصحبتهم كما قال تعالى ] :إِ َّن ْال ُمتَّقِ َ
ين ور ِهم ِّم ْن ِغلٍّ إِ ْخ َوانًا َعلَى ُسر ٍ
ُر ُّمتَقَابِلِ َ ص ُد ِ ين (َ )46ونَ َز ْعنَا َما فِي ُ
بِ َسالَ ٍم آ ِمنِ َ
[ (...... ......الحجر ) 47 - 45 :
قال ابن الجوزى :قال ابن االنبارى :ما مضى من التأخى قد كان تشوبه ضغائن وشحناء ,
()1
وهذا التاخى بينهم الموجود عند نزع الغل هو تأخى المصافاة واإلخالص .
– 7وهم يسعدون بالصحبه والمحبه وهم يساقون إلي الجنة زمراً زمرا :
ين اتَّقَ ْوا َربَّهُ ْم إِلَى ْال َجنَّ ِة ُز َمرًا َحتَّى إِ َذاـ َجا ُؤوهَا َوفُتِ َح ْ
ت قال تعالى َ ] :و ِسي َ
ق الَّ ِذ َـ
ين [ ( ....الزمر : ال لَهُ ْم َخ َزنَتُهَا َساَل ٌم َعلَ ْي ُك ْم ِط ْبتُ ْم فَا ْد ُخلُوهَا َخالِ ِد َأَب َْوابُهَا َوقَ َ
) 73
وقيل كل جماعة أو طائفة تعاونت على الخير والطاعة فإنهم ينادون يوم القيامة ويكونون زمرة
من الزمر المساقه الى الجنة .
()1
الجامع ألحكام القرآن ( . ) 5729 - 5728 / 7
3 التقـوى
وقد سعدناً بصحبة التقوى وأهلها وثمارها بين طيات هذا الكتاب المبارك ,فهل لك يأخى القارئ
الكريم فى أن تحقق لنفسك السعادة فى لحظة واحدة ,وهى لحظة صدق يجلس فيها العبد الى
نفسه فال يخدعها وال تخدعه ,يفكر فيما مضى من عمره ,ويتذكر قول القائل :
ما مضى من أعمارنا وإ ن طالت أوقاته فقد ذهبت لذاته وبقيت تبعاته ,وكانه لم يكن إذا جاء
الموت وميقاته ,قال اهلل عز وجل :
ين ( )205ثُ َّم َجاءهُم َّما َكانُوا يُو َع ُد َـ
ون (َ )206ما ] أَفَ َرأَي َ
ْت إِن َّمتَّ ْعنَاهُ ْم ِسنِ َ
ُون [ ( ......الشعراء ) 207 - 205 : أَ ْغنَى َع ْنهُم َّما َكانُوا يُ َمتَّع َ
3 التقـوى
تال بعض السلف هذه األية وبكى وقال :إذا جاء الموت لم يغن عن المرء ما كان فيه من اللذة
والنعيم ,وفى هذا المعنى ما أنشده أبو العتاهية للرشيد حين بنى قصره واستدعى إليه ندماءه .
فى ظل شاهقة القصور عش مابدل لك سالماً
لدى الرواح وفى يسعى عليك بما اشتهيت
البكور
فى ضيق حشرجة فإذا النفوس تقعقعت
الصدور
ما كنت إال فى غرور فهناك تعلم موقنا
()1
فالدنيا معبر ال مقر وراحلة ال مكث ,والسعيد من اتعظ بغيره وانتهز فرصة الحياة فى التزود
لألخرة .
قال الحسن :نعمت الدار كانت للمؤمن ,وذلك ألنه عمل فيها قليالً وأخذ منها زاده الى الجنة ,
وبئست الدار الدنيا كانت للكافر والنافق وذلك آلنه أضاع فيها لياليه وأخذ منها زاده الى النار ,
وكل نفس من أنفاس العمر جوهرة ثمنية تستطيع أن تشترى بها كنزاً ال يقنى ابد اآلباد :
وغره طول االمل يامن بدنياه انشغل
والقبر صندوق العمل الموت يأتى بغته
فهل لك ياعبد اهلل فى الفالح والنجاح والفوز والنجاة فى لحظة واحدة ,لحظة صدق تتذكر ما
مضى من جنايات ومخالفات فتصلح الماضى بتوبة ,وتصلح الحاضر بعمل صالح ,وتصلح
المستقبل بعزيمة صادقة ونية مخلصة على االستمرار فى طاعة اهلل عز وجل والتزود بالتقوى.
قال اهلل عز وجل :
] إِ َّن الَّ ِذ َـ
ين قَالُوا َربُّنَا هَّللا ُ ثُ َّم ا ْستَقَا ُموا تَتَنَ َّز ُل َعلَ ْي ِه ُم ْال َماَل ئِ َكةُ أَاَّل تَ َخافُوا َواَل
ون ( )30نَحْ ُن أَ ْولِيَا ُؤ ُك ْم فِي ْال َحيَا ِة تَحْ َزنُوا َوأَب ِْشرُوا بِ ْال َجنَّ ِة الَّتِي ُكنتُ ْم تُو َع ُد َ
ون ( )31نُزُاًل ال ُّد ْنيَا َوفِي اآْل ِخ َر ِة َولَ ُك ْم فِيهَا َما تَ ْشتَ ِهي أَنفُ ُس ُك ْم َولَ ُك ْم ِفيهَا َما تَ َّد ُع َ
يم [ ( ......فصلت ) 32 - 30 : َّح ٍ
ور ر ِِّم ْن َغفُ ٍ
()1
باختصار وتصرف من ( لطائف المعارف ) البن رجب الحنبلى ( ) 317 ، 315دار الجيل
3 التقـوى
نسأل اهلل أن يختم لنا بخاتمة السعادة وأن يرزقنا الحسنى وزيادة ,وأن يجعلنا من عباده المتقين
الذين يسعدون فى الدنيا بالطاعات ومحبة رب العالمين ,وفى األخرة بالجنات والنظر الى وجه
اهلل الكريم ,
( )1رواه مسلم ( ) 9 - / 2األيمان ،وأحمد ( ) 385 / 4 ( ، ) 413 / 3وفيه زيادة قال :وما أتقى فأومأ إلى لسانه ،ورواه
الترمذى ( ) 249 / 9الزهد ،وابن ماجه ( < . ) 3972بلفظ :قل ربى هللا >
( )1الفوائد ( ) 152 ، 151دار الدعوه .
3 التقـوى
مراجع البحث
أ -تفاسير :
ب -حديث :
-1بلوغ المرام فى تخريج الحالل والحرام ,لأللبانى ,المكتب االسالمى .
-2جامع األصول ,البن األثير ,دار الفكر .
-3سنن النسائى بشرح السيوطى وحاشية السندى ,دار الكتب العلمية .
-4سنن ابن ماجة بترقيم محمد فؤاد عبد الباقى ,المكتبة العلمية .
-5سنن الدرامى ,دار الكتب العلمية .
-12عون المعبود شرح سنن أبى داود لشمس الحق أبادى المكتبة السلفية.
-13عارضة األحوذى شرح سنن الترمذى البن العربى ,دار الوحى المحمدى .
-14فتح البارى شرح صحيح البخارى البن حجر طبعة السلفية .