You are on page 1of 55

‫امتحان القلوب‬

‫امتحان‬
‫القلوب‬
‫أ‪ .‬د ‪.‬ناصر بن سليمان العمر‬

‫‪1‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫)‪( 1‬‬
‫امتحان القلوب‬
‫إن الحمد لله‪ ،‬نحمده‪ ،‬ونستعينه‪ ،‬ونستغفره‪ ،‬ونتوب إليععه‪ ،‬ونعععوذ‬
‫بالله من شرور أنفسنا‪ ،‬وسيئات أعمالنا‪ .‬مععن يهععده اللععه فل مضععل‬
‫له‪ ،‬ومن يضلل فل هادي له‪ .‬وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك‬
‫دا عبععده ورسععوله‪ ،‬صععلى اللععه عليععه وعلععى آلععه‬
‫له‪ ،‬وأشهد أن محم ً‬
‫وصحبه وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬
‫ن إ ِل ّ وََأنت ُععم‬ ‫مععوت ُ ّ‬ ‫حعقّ ت َُقععات ِهِ وَل َ ت َ ُ‬ ‫ه َ‬ ‫من ُععوا ْ ات ُّقععوا ْ الل ّع َ‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬
‫َ‬
‫)َيا أي ّهَععا ال ّع ِ‬
‫س ات ُّقععوا ْ‬ ‫َ‬
‫ن( ]سورة آل عمران‪ ،‬الية‪َ) .[102 :‬يا أي ّهَععا الن ّععا ُ‬ ‫مو َ‬ ‫سل ِ ُ‬‫م ْ‬
‫)‪(2‬‬
‫ّ‬
‫مععا‬ ‫من ْهُ َ‬
‫ث ِ‬ ‫جهَععا وَب َع ّ‬ ‫من َْها َزوْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫حد َةٍ وَ َ‬ ‫س َوا ِ‬ ‫من ن ّْف ٍ‬ ‫كم ّ‬ ‫خل ََق ُ‬‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫َرب ّك ُ ُ‬
‫ه‬‫ن الل ّع َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حععا َ‬ ‫ن ب ِعهِ َوال َْر َ‬ ‫سععاءُلو َ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ه ال ّ ِ‬
‫ساء َوات ُّقوا ْ الل ّ َ‬ ‫جال ً ك َِثيًرا وَن ِ َ‬ ‫رِ َ‬
‫َ‬
‫من ُععوا‬‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫م َرِقيًبا()‪] (3‬سورة النسععاء‪،‬اليععة‪) .[1:‬ي َععا أي ّهَععا ال ّع ِ‬ ‫ن عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫كا َ‬ ‫َ‬
‫اتُقوا الل ّه وُقوُلوا قَوًل سديدا يصل ِح ل َك ُ َ‬
‫م ذ ُُنوب َك ُ ْ‬
‫م‬ ‫م وَي َغِْفْر ل َك ُ ْ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫م أعْ َ‬
‫ْ‬ ‫َ ِ ً ُ ْ ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ّ‬
‫مععا()‪] (4‬سععورة الحععزاب‪،‬‬ ‫ظي ً‬ ‫ه فََقد ْ َفاَز فَعوًْزا عَ ِ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫ه وََر ُ‬ ‫من ي ُط ِعْ الل ّ َ‬ ‫وَ َ‬
‫الية‪.[70 :‬‬
‫أما بعد‪:‬‬
‫فإن الحديث عن القلب وامتحانه وابتلئه حديث بالغ الهمية فععي‬
‫وقت قست فيه القلوب‪ ،‬وضعف فيه اليمان‪ ،‬واشتغل فيععه بالععدنيا‪،‬‬
‫وأعرض الناس عن الخرة‪.‬‬
‫ونحععن نععرى فععي هععذا العصععر تطععورا هععائل فععي جراحععة القلععب‬
‫البشري‪ ،‬حتى كان من آخر ذلك ما نسمع عن زراعة القلععب ونقلععه‬
‫‪ - 1‬أصل هذه الرسالة محاضرة ألقاها المؤلف فأذن لنا مشكورا بإخراجها‪.‬‬

‫‪ - 2‬سورة آل عمران آية‪.102 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة النساء آية‪.1 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الحزاب آية‪.70 :‬‬

‫‪2‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫مع الدقة المتناهية في تحديد المراض الحسية التي تنتعاب القلععب‪،‬‬


‫وبيان طرق مععالجتهعا وتشخيصها‪ .‬ولن أتحععدث هنععا عععن المععراض‬
‫الحسية‪ ،‬وما ينتاب هذا القلب من أدواء‪.‬‬
‫لكنني سأتحدث عما يعرض لهذا القلب خلل سيره إلى الله مععن‬
‫امتحانات وابتلءات وما علمات صحته وعلتعه؟ ومعا معواطن البتلء‬
‫والمتحان لهذا القلب؟‬
‫وسوف أركز خلل الحديث عن القلب على الستشهاد بكلم‬
‫الله وكلم رسوله‪ ،‬وهذا أمر طبيعي؛ لن الصل هو الستقاء من‬
‫منبع الكتاب والسنة؛ وإنما نصصت على هذا حتى يعلم أن الحديث‬
‫عن القلب ليس بالمر الهين ول السهل‪ ،‬فل أحد أعلم بأحوال هذا‬
‫َ‬
‫ق()‪] (1‬سورة الملك‪،‬‬ ‫خل َ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬ ‫القلب وما ينتابه من خالقه )أَل ي َعْل َ ُ‬
‫م َ‬
‫خَفى( ]سورة طه‪ ،‬الية‪) .[7 :‬ي َعْل َ ُ‬
‫م‬ ‫)‪(2‬‬
‫سّر وَأ َ ْ‬
‫م ال ّ‬ ‫الية‪) .[14 :‬ي َعْل َ ُ‬
‫دوُر()‪] (3‬سورة غافر‪ ،‬الية‪ .[19 :‬ومن‬ ‫ص ُ‬ ‫خائ ِن َ َ ْ َ‬
‫في ال ّ‬ ‫خ ِ‬
‫ما ت ُ ْ‬‫ن وَ َ‬ ‫ة العْي ُ ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫وى إ ِ ْ‬ ‫ن ال ْهَ َ‬
‫ما َينط ِقُ عَ ِ‬
‫أنعزل عليه الوحي صلى الله عليه وسلم )وَ َ‬
‫حى()‪] (4‬سورة النجم‪ ،‬اليتان‪.[4-3 :‬‬ ‫ي ُيو َ‬ ‫ح ٌ‬ ‫هُوَ إ ِّل وَ ْ‬
‫ولنبه إلى خطورة دعوى كثير من النععاس معرفععة المقاصععد مععن‬
‫أعمال القلوب مما ل يعلمه إل الله ‪-‬جععل وعل‪ -‬وانشععغلوا بمععا نهععوا‬
‫عنه وتكلموا شططا‪:‬‬
‫ل‬ ‫صَر َوال ُْف َ‬
‫ؤاد َ ك ُ ّ‬ ‫معَ َوال ْب َ َ‬
‫س ْ‬
‫ن ال ّ‬ ‫عل ْ ٌ‬
‫م إِ ّ‬ ‫س لَ َ‬
‫ك ب ِهِ ِ‬ ‫ما ل َي ْ َ‬‫ف َ‬ ‫)وَل َ ت َْق ُ‬
‫ؤول ً()‪] (5‬سورة السراء‪ ،‬الية‪ .[36 :‬وأنى لنا‬ ‫س ُ‬‫م ْ‬
‫ه َ‬ ‫ن عَن ْ ُ‬ ‫ك َ‬
‫كا َ‬ ‫ُأولعئ ِ َ‬
‫بمعرفة أسرار القلوب وخواطرها‪:‬‬
‫متطلفب في المففاء جففذوة‬ ‫ومكلفففف الشفففياء ففففوق‬
‫نفففففففففففففففففففففففففففففففار‬ ‫طباعهفففففففففففففففففففففففففا‬

‫‪ - 1‬سورة الملك آية‪.14 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة طه آية‪.7 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة غافر آية‪.19 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة النجم آية‪.4-3 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة السراء آية‪.36 :‬‬

‫‪3‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫لماذا الحديث عن القلب‬


‫يكتسب الحديث عن القلب أهمية خاصة‪ ،‬لعدة أمور أجملها فيما‬
‫يأتي‪:‬‬
‫أول‪ :‬أن الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬أمر بتطهير القلب‪ ،‬وتنقيته‪،‬‬
‫وتزكيته‪ ،‬بل جعل الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬من غايات الرسالة‬
‫المحمدية تزكية الناس‪ ،‬وقدمها على تعليمهم الكتاب والحكمة‬
‫ُ‬
‫م‬
‫من ْهُ ْ‬‫سوًل ّ‬ ‫ن َر ُ‬ ‫مّيي َ‬ ‫ث ِفي اْل ّ‬ ‫ذي ب َعَ َ‬ ‫لهميتها‪ ،‬يقول الله ‪-‬تعالى‪) :‬هُوَ ال ّ ِ‬
‫ة()‪] (1‬سورة‬ ‫م َ‬ ‫ب َوال ْ ِ‬
‫حك ْ َ‬ ‫م ال ْك َِتا َ‬ ‫م وَي ُعَل ّ ُ‬
‫مه ُ ُ‬ ‫م آَيات ِهِ وَي َُز ّ‬
‫كيهِ ْ‬ ‫ي َت ُْلو عَل َي ْهِ ْ‬
‫الجمعة‪ ،‬الية‪ .[2 :‬قال ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪ -‬في قوله ‪-‬تعالى‪:-‬‬
‫ك فَط َهّْر()‪] (2‬سورة المدثر‪ ،‬الية‪ .[4 :‬جمهور المفسرين من‬ ‫)وَث َِياب َ َ‬
‫السلف ومن بعدهم على أن المراد بالثياب هنا‪ :‬القلب )‪.(3‬‬
‫ن‬
‫ذي َ‬ ‫ويقول ‪ -‬سبحانعه وتعالى‪ -‬عن اليهود والمنافقين‪) :‬أ ُوَْلعئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬
‫ل َم يرد الل ّ َ‬
‫ة‬
‫خَر ِ‬ ‫م ِفي ال ِ‬ ‫خْزيٌ وَل َهُ ْ‬ ‫م ِفي الد ّن َْيا ِ‬ ‫م ل َهُ ْ‬‫ه أن ي ُط َهَّر قُُلوب َهُ ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ ِ ِ‬
‫م( ]سورة المائدة‪ ،‬الية‪.[41 :‬‬ ‫)‪(4‬‬
‫ظي ٌ‬‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫عَ َ‬
‫فهذا سبب بارز ومهم للحديث عن القلب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬أثر هذا القلب في حياة النسان فهو المععوجه والمخطععط‪،‬‬
‫والعضاء والجوارح تنفذ‪.‬‬
‫عنععه"القلععب ملععك‪ ،‬والعضععاء‬ ‫يقول أبععو هريععرة رضي الله‬
‫جنوده‪ ،‬فإذا طععاب الملععك طععابت جنععوده‪ ،‬وإذا خبععث القلععب خبثععت‬
‫جنوده"‪.(5) .‬‬
‫ثالثا‪ :‬ومن السباب الجوهرية للحديث عن هذا الموضععوع غفلععة‬
‫كثير من الناس عن قلوبهم‪ ،‬فتجد ‪-‬مثل‪ -‬بعععض طلبععة العلععم يتوسععع‬
‫‪ - 1‬سورة الجمعة آية‪.2 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة المدثر آية‪.4 :‬‬

‫‪ - 3‬رسالة أمراض القلوب ص ‪.52‬‬

‫‪ - 4‬سورة المائدة آية‪.41 :‬‬

‫‪ - 5‬التحفة العراقية‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫في بحععث بععض العمععال الدقيقععة‪ ،‬ويتفقععه فيهععا فقهععا عجيبععا‪ :‬هععل‬
‫تحريك الصبع سنة؟ ومتى وكيف يحرك؟‪ ...‬إلخ‪ ،‬والبحث فيهععا نععافع‬
‫ومهم ول شك‪ ،‬في حين يغفل البحث في أععمال القلععب وأحوالعععه‪،‬‬
‫م وأج ّ‬
‫ل‪.‬‬ ‫وأدوائه وعلله‪ ،‬وهذا أه ّ‬
‫رابعا‪ :‬أن كثيرا من المشكلت بين الناس‪ ،‬وبععالخص بيععن طلبععة‬
‫العلم‪ ،‬سببها أمراض تعتري القلوب‪ ،‬ول تبنى على حقععائق شععرعية‪،‬‬
‫فهععذه المشكعععلت تععترجم أحععوال قلععوب أصععحابها‪ ،‬ومععا فيهععا مععن‬
‫أمراض مثل‪ :‬الحسععد‪ ،‬والغععل‪ ،‬والكعععبر‪ ،‬والحتقعار‪ ،‬وسعوء الظععن‪...‬‬
‫إلععخ‪ ،‬وسععبيل حلهععا المثععل هععو علج هععذه القلععوب؟ وإل فععالمرض‬
‫سيظهر بين حين وآخر كلما ظهرت دواعيه‪.‬‬
‫ونظععرة إلععى واقععع المجتمععع‪ ،‬ومععا يحععدث فيععه بيععن النععاس مععن‬
‫مشكلت اجتماعية‪ ،‬وخصومات في الحقععوق والمععوال تثبععت صععحة‬
‫ذلك‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬إن سلمعة القلب وخلوصعه سبب لسععادة الدنيا والخرة‪،‬‬
‫فسلمة القلب من الغل والحسد والبغضاء وسائر الدواء سبب‬
‫ل وََل ب َُنو َ‬
‫ن‬ ‫م َل َينَفعُ َ‬
‫ما ٌ‬ ‫للسعادة والطمأنينة في الدنيا والخرة‪) :‬ي َوْ َ‬
‫إّل م َ‬
‫م()‪] (1‬سورة الشعراء‪ ،‬اليتان‪.[89 ،88 :‬‬ ‫سِلي ٍ‬ ‫ه ب َِقل ْ ٍ‬
‫ب َ‬ ‫ن أَتى الل ّ َ‬
‫ِ َ ْ‬
‫وانظر إلى حال أبي بكر رضي الله عنهوغيره ممن رزق قلبا‬
‫سليما‪ ،‬خاليا من الضغائن والعلل‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬يقول المام عبد الله بن أبععي جمععرة‪" .‬وددت أنععه كععان‬
‫من الفقهاء من ليس لعه شععغل إل أن يعلعم النععاس مقاصععدهم فععي‬
‫أعمالهم؛ فما أتي كثير ممن أتي إل من قبل تضييع ذلك )‪.(2‬‬

‫‪ - 1‬سورة الشعراء آية‪.89-88 :‬‬

‫‪ - 2‬محاضرة الشيخ سلمان العودة عن النية‪ .‬المدخل لبن الحاج )‪.(3 /1‬‬

‫‪5‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫حيععث يععبين هععذا المععام أهميععة تعليععم النععاس مقاصععدهم فععي‬


‫أععمالهم‪ ،‬وتنبيههم على مفسعدات العمععال‪ .‬فععإنه كعععما أننعا نشععهد‬
‫من يتخصص في أنواع العلععوم كالحععديث والفقععه والتفسععير والنحععو‬
‫والفرائض وغيرها‪ ،‬فيتقن هذه العلوم‪ ،‬ويبلغها الناس‪ ،‬فنحن بحاجععة‬
‫إلى من يتقن الحديث عن مقامات القلب وأحواله‪ ،‬وأعمععاله وعللععه‬
‫وأدوائه‪ ،‬فيعلمها الناس ويصحح مقاصدهم ونياتهم‪.‬‬
‫سابعا‪ :‬ما أعطي الله لهذا القلب من مكانه في الدنيا والخععرة‪،‬‬
‫وانظر إلى أدلة ذلك من كتاب الله وسنة رسععوله‪-‬صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم‪:-‬‬
‫‪ -1‬يقول الله ‪-‬تعالى‪ -‬على لسان نبيه إبراهيم صلى الله عليه‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ن إ ِّل َ‬‫ل وََل ب َُنو َ‬ ‫ما ٌ‬‫م َل َينَفعُ َ‬ ‫ن ي َوْ َ‬‫م ي ُب ْعَُثو َ‬ ‫وسلم )وََل ت ُ ْ‬
‫خزِِني ي َوْ َ‬
‫َ‬
‫سِليم ٍ()‪] (1‬سورة الشعراء‪ ،‬اليات‪.[89-88-87 :‬‬ ‫ب َ‬ ‫ه ب َِقل ْ ٍ‬
‫أَتى الل ّ َ‬
‫فلن ينجو يوم القيامة إل من أتى الله بقلب سليم‪.‬‬
‫ُ‬
‫ما‬
‫ذا َ‬ ‫ن غَي َْر ب َِعيدٍ هَ َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫مت ِّقي َ‬ ‫ت ال ْ َ‬
‫جن ّ ُ‬ ‫‪ -2‬يقول ‪-‬جل وعل‪) :-‬وَأْزل َِف ِ‬
‫توعَدون ل ِك ُ ّ َ‬
‫ب‬‫جاء ب َِقل ْ ٍ‬‫ب وَ َ‬ ‫من ِبال ْغَي ْ ِ‬ ‫ح َ‬‫ي الّر ْ‬ ‫ش َ‬ ‫خ ِ‬ ‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫ظ َ‬ ‫حِفي ٍ‬ ‫ب َ‬‫ل أّوا ٍ‬ ‫ُ َ‬ ‫ُ‬
‫ب( ]سورة ق‪ ،‬الية‪ .[31 :‬فأين القلب المنيب وما صفته؟‬ ‫)‪(2‬‬
‫مِني ٍ‬
‫ّ‬
‫‪ -3‬وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنهقععال‪:‬‬
‫إن اللععه ل ينظععر إلععى‬ ‫"‬ ‫قال الرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫"‬ ‫صوركم‪ ،‬ول إلى أجسامكم‪ ،‬ولكععن ينظععر إلععى قلععوبكم وأعمععالكم‬
‫)‪.(3‬‬

‫‪ - 1‬سورة الشعراء آية‪.89-88-87 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة ق آية‪.31 :‬‬

‫‪ - 3‬رواه مسلم )‪.(4/1987‬‬

‫‪6‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وفي الصحيحين من حديث النعمان من بشير رضي اللععه‬ ‫‪-4‬‬


‫عنهمرفوعا‪ " :‬أل وإن في الجسد مضغة إذا صععلحت صععلح الجسععد‬
‫)‪.(1‬‬ ‫"‬ ‫كله‪ ،‬وإذا فسدت فسد الجسد كله‪ ،‬أل وهي القلب‬
‫وكفى بهذا الحديث واعظا وزاجرا‪ ،‬وعبرة لولي اللباب‪.‬‬
‫ثامنا‪ :‬أن أقععوال القلععب ‪-‬وهععي تصععديقاته وإقرارتععه‪ ،-‬وأعمععاله‬
‫وحركاته مععن‪ :‬خععوف ورجععاء ومحبععة وتوكععل وخشععية وغيرهععا‪ .‬هععي‬
‫أعظم أركان اليمان عند أهععل السععنة والجماعععة‪ ،‬وبتخلفهععا يتخلععف‬
‫اليمان‪ .‬وها هم المنافقون يقولون الشهعادة بألسنتهم‪ ،‬ويشعاركعون‬
‫المسلمعععن فععي أععععمالهم الظععاهرة‪ ،‬ولكنهععم بتخلععف إقرارهععم‬
‫وتصديقهم كانوا )ِفي الد ّر ِ َ‬
‫صععيًرا(‬ ‫جد َ ل َهُ ْ‬
‫م نَ ِ‬ ‫ن الّنارِ وََلن ت َ ِ‬
‫م َ‬
‫ل ِ‬
‫سَف ِ‬
‫ك ال ْ‬ ‫ْ‬
‫]سورة النساء‪ ،‬الية‪.[145 :‬‬ ‫)‪(2‬‬

‫تاسعا‪ :‬أن كثيرا من النععاس جعلععوا جععل همهععم تفسععير مقاصععد‬


‫الناس‪ ،‬وتحميل تصرفاتهم ما ل تحتمععل‪ ،‬وتجاهععل الظععاهر‪ ،‬وترتيععب‬
‫الحكعام علعى تنبعؤ عمعل القلعوب‪ ،‬ممعا ل يعلمعه إل علم الغيعوب‪،‬‬
‫والغريب أن هناك من يعتبر هذا المر ذكاء وفراسة وفطنععة‪ ،‬وليععس‬
‫هو من الفراسة الشرعية في شععيء‪ .‬فنحععن مأمعععورون أن نؤاخعععذ‬
‫الناس بظواهرهم ونكعل سرائرهم إلى الله‪.‬‬
‫وأخيرا‪ :‬إذا كعانت هذه مكعععانة القلععب وأهميتعه‪ .‬فهل وقفنعا معع‬
‫أنفسنا لننظر كيف عملنا بقلوبنا‪ ،‬بل ماذا عملت بنا قلوبنا‪.‬‬
‫كم ننشغل في أشياء كثيرة من أمععور دنيانععا ومعاشععنا ووظائفنععا‪،‬‬
‫وإذا بقي لنا شيء من الهتمام أعطيناه لعمالنا الظاهرة‪.‬‬
‫‪ - 1‬رواه البخاري )‪ 1/126‬فتح( ومسلم )‪.(3/1219‬‬

‫‪ - 2‬سورة النساء آية‪.145 :‬‬

‫‪7‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وأما هذا القلب فقليل منا من ينظر إليه‪ ،‬ويعطيه الهتمام اللئق‬
‫به‪ ،‬وعسى أن يكون فيما سبق معن ذكعر أهميعة القلعب وأثععره فعي‬
‫حياة النسان ما يدعونا إلى مراجعة هذا القلععب‪ ،‬وإعطععائه المكانععة‬
‫اللئقة به‪.‬‬

‫معنى امتحان القلوب‬


‫قلوبنا ‪-‬أيها الخوة‪ -‬ممتحنة صباح مساء‪ ،‬تمتحن فععي كععل لحظععة‬
‫من لحظات حياتنا‪ ،‬فهل نحن منتبهون لهذا‪ ،‬فغلطة واحدة قد تععودي‬
‫بحياة هذا القلب‪ ،‬وتحبط ذلك العمل‪.‬‬
‫ما ِفي‬ ‫ص َ‬ ‫ح َ‬ ‫م ّ‬ ‫م وَل ِي ُ َ‬‫دورِك ُ ْ‬ ‫ص ُ‬‫ما ِفي ُ‬ ‫ه َ‬ ‫ي الل ّ ُ‬
‫قال ‪-‬تعالى‪) :-‬وَل ِي َب ْت َل ِ َ‬
‫دوِر( ]سورة آل عمران‪ ،‬الية‪:‬‬ ‫ص ُ‬ ‫ت ال ّ‬ ‫ذا ِ‬ ‫م بِ َ‬ ‫ه عَِلي ٌ‬ ‫م َوالل ّ ُ‬
‫قُُلوب ِك ُ ْ‬
‫)‪(1‬‬

‫‪.[154‬‬
‫وى‬
‫م ِللت ّْق َ‬‫ه قُُلوب َهُ ْ‬‫ن الل ّ ُ‬ ‫ح َ‬ ‫مت َ َ‬
‫نا ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫وقال ‪-‬سبحانه وتعالى‪) :-‬أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫م()‪] (2‬سورة الحجرات‪ ،‬الية‪.[3 :‬‬ ‫ظي ٌ‬ ‫جٌر عَ ِ‬ ‫مغِْفَرةٌ وَأ ْ‬ ‫ل َُهم ّ‬
‫فمن هؤلء الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى؟‬
‫هذه اليععة نعععزلت فععي الصحعععابيين الجليليععن أبععي بكعععر الصععديق‬
‫وعمر بن الخطاب ‪-‬رضعي اللعه عنهمعا‪ -‬عنعدما رفععا صعوتيهما عنعد‬
‫فقد روى البخاري عن عبد‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫الله بن الزبير رضي الله عنهأنه‪ " :‬قدم ركععب مععن تميععم علععى‬
‫النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو بكر‪ :‬أ ّ‬
‫مععر القعقععاع بععن‬
‫مر القرع بععن حععابس‪ ،‬فقععال أبعععو‬
‫معبد ابن زرارة‪ ،‬فقال عمر‪ :‬بل أ ّ‬
‫بكعر‪ :‬ما أردت إل خلفي‪ ،‬قال عمر‪ :‬ما أردت خلفك‪ ،‬فتماريععا حععتى‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية‪.154 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الحجرات آية‪.3 :‬‬

‫‪8‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ارتفعت أصواتهما‪ ،‬فنعزلت في ذلك‪) :‬يا أيها الععذين آمنععوا ل تقععدموا‬


‫بين يدي الله ورسوله‪] (...‬الحجرات‪ ،[1 :‬حتى انقضت " )‪.(1‬‬
‫مُنوا َل ت َْرفَُعوا‬ ‫َ‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬‫نعم! ل مجاملة في هذا الدين )َيا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ضك ُ ْ‬
‫م‬ ‫ل كَ َ‬
‫جهْرِ ب َعْ ِ‬ ‫ه ِبال َْقوْ ِ‬ ‫جهَُروا ل َ ُ‬ ‫ي وََل ت َ ْ‬‫ت الن ّب ِ ّ‬ ‫وات َك ُ ْ‬
‫م فَوْقَ َ‬
‫صو ْ ِ‬ ‫ص َ‬
‫أ ْ‬
‫م َل ت َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ل ِبعض()‪ (2‬ثم ماذا؟ )َأن تحب َ َ‬
‫ن( )‪] (3‬سورة‬ ‫شعُُرو َ‬ ‫م وَأنت ُ ْ‬ ‫مال ُك ُ ْ‬
‫ط أعْ َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫َْ ٍ‬
‫الحجرات‪ ،‬الية‪.[2 :‬‬
‫سبحان الله! موقف في نظر الكثيرين ل يستحق‪.‬‬
‫دد في هذه الية؟ أبو بكعر العذي قعال فيعه الرسعول‪،‬‬ ‫من الذي يه ّ‬
‫صلى الله عليععه وسععلم " لععو كنععت متخععذا خليل مععن أمععتي‬
‫)‪.(4‬‬ ‫"‬ ‫لتخذت أبا بكر‬
‫"‬ ‫وعمر الذي قال فيه الرسععول‪ ،‬صلى اللععه عليععه وسععلم‬
‫والذي نفسي بيده ما لقيك الشيطان قط سالكا فجا )أي طريقا( إل‬
‫سلك فجا غير فجععك " )‪ (5‬لكنهمععا ‪-‬رضععي اللععه عنهمععا‪ -‬تابععا‪ ،‬وأنابععا‪،‬‬
‫واستغفرا‪ ،‬وأقسم أحعدهمعا أل يكّلم الرسول‪ ،‬صلى الله عليععه‬
‫وسلم إل سرا كأخي السرار‪.‬‬
‫وى ل َُهم‬ ‫ه قُُلوب َهُ ْ‬
‫م ِللت ّْق َ‬ ‫ن الل ّ ُ‬
‫ح َ‬
‫مت َ َ‬
‫نا ْ‬
‫ذي َ‬ ‫هنا خرجت النتيجة‪) :‬أ ُوْل َئ ِ َ‬
‫ك ال ّ ِ‬
‫م() ( ]سورة الحجرات‪ ،‬الية‪ .[3 :‬أي أخلص‬ ‫َ‬
‫ظي ٌ‬
‫جٌر عَ ِ‬
‫مغِْفَرةٌ وَأ ْ‬
‫‪6‬‬
‫ّ‬
‫قلوبهم للتقوى‪ ،‬حتى أصبحت ل تصلح إل له‪.( ) .‬‬
‫‪7‬‬

‫موقف واحعد يسير في نظرنععا لرجليععن همععا أفضععل أمععة محمععد‪،‬‬


‫وامتحان يسير لغفلةٍ بدرت منهما‪.‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم‬
‫‪ - 1‬رواه البخاري )‪ 9/147‬فتح(‪.‬‬

‫‪ - 2‬سورة الحجرات آية‪.2 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الحجرات آية‪.2 :‬‬

‫‪ - 4‬رواه البخاري )‪ 1/558‬فتح( ومسلم )‪.(4/1856‬‬

‫‪ - 5‬أخرجه البخاري )‪ 6/339‬فتح( ومسلم )‪.(4/1863‬‬

‫‪ - 6‬سورة الحجرات آية‪.3 :‬‬

‫‪ - 7‬قال اللوسي في تفسير الية‪ :‬والمراد أخلصها للتقوى‪ ،‬أي جعلها خالصة لجل التقوى‪ ،‬أو أخلصها لها فلم يبق لغير التقوى فيها حق‪ ،‬كأن القلوب خلصت ملكا للتقوى‪،‬‬

‫انظر روح المعاني تفسير سورة الحجرات‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ولكن! ماذا نقول عن أحوالنا؟‬


‫كم من امتحان رسبنا فيه ونحن ل نشعر‪.‬‬
‫ن()‪(1‬؛ لنه قد يحبط‬ ‫م ل تَ ْ‬ ‫َ‬
‫شعُُرو َ‬ ‫وهنا سّر بديع في هذه الية‪) :‬وَأن ْت ُ ْ‬
‫عمل النسان وهو ل يشعععر‪ ،‬فهععو ل يتصععور أن يحبععط عملععه بععذلك‬
‫العمل‪ ،‬أو ل يلقي لعمله بال‪.‬‬
‫ل أو كلمةٍ أودت بصاحبها وهو ل يشعر‪.‬‬
‫وكم من عم ٍ‬
‫عليععه‬ ‫وإذا كان رفععع الصععوت عنععد رسععول اللععه‪ ،‬صلى الله‬
‫كاد أن يحبط عمل أبي بكر وعمر ‪-‬رضي الله عنهمععا‪ ،-‬فمعا‬ ‫وسلم‬
‫سععيكون حععال مععن يرفععع صععوته فعوق صعوت الحعق؟ أولئك الععذين‬
‫يقدمون شريعة الطاغوت على شععريعة اللععه‪ ،‬أولئك الععذين يعععادون‬
‫ويوالون في سبيل الشيطان‪.‬‬
‫وحععتى نعععزيد فععي إيضععاح معنععى )امتحععان القلععوب( لنتأمععل هععذا‬
‫عنهعن‬ ‫الحديث العظيم الذي رواه حذيفة بن اليمان رضي الله‬
‫النبي‪ ،‬صلى الله عليه وسلم أنه قال‪ " :‬تعععرض الفتععن علععى‬
‫نكععت‬ ‫القلوب عرض الحصير عودا عععودا )‪ (2‬فععأيّ قلععب أشععربها‬
‫)‪(3‬‬

‫فيه نكتة سوداء‪ ،‬وأي قلب أنكرها )‪ (4‬نكت فيععه نكتععة بيضععاء‪ ،‬حععتي‬
‫تصيرعلى قلبين‪ :‬على أبيض مثل الصفا‪ ،‬فل تضععره فتنععة مععا دامععت‬
‫ل‬ ‫)‪(6‬‬
‫جخي ّععا‬
‫م َ‬
‫كععالكوز ُ‬
‫)‪(5‬‬
‫دا‬
‫مْرب َععا ّ‬
‫السععموات والرض‪ ،‬والخععر أسععود ُ‬
‫)‪.(7‬‬ ‫"‬ ‫يعرف معروفا‪ ،‬ول ينكر منكرا‪ ،‬إل ما أشرب من هواه‬
‫‪ - 1‬سورة الحجرات آية‪.2 :‬‬

‫‪ - 2‬عودا عودا أي‪ :‬تعاد وتتكرر شيئا بعد شيء‪.‬‬

‫‪ - 3‬أشربها أي‪ :‬دخلت فيه ولزمته‪.‬‬

‫‪ - 4‬أنكرها أي‪ :‬ردها‪.‬‬

‫‪ - 5‬مرباًدا أي‪ :‬شديد السواد في بياض‪.‬‬

‫‪ - 6‬مجخيا أي‪ :‬كالكأس المنكوس‪ ،‬ل يعلق به خيرا وحكمة‪.‬‬

‫‪ - 7‬رواه مسلم )‪.(129-1/128‬‬

‫‪10‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫جعععل اللععه قلوبنععا بيضععاء‪ ،‬وطهرهععا مععن المعاصععي والععرذائل‬


‫والشبهعات‪ .‬ففي الحعديث التعبعير بالفعل المضارع )تعععرض(‪ ،‬وهععو‬
‫هنا يدل على استمرار البلء والمتحان‪ :‬كما أن هععذه الفتععن ل تععأتي‬
‫دفعة واحدة‪ ،‬وإنما شيئا فشععيئا حععتى يصععبح القلععب أسععود ‪-‬والعيععاذ‬
‫بالله‪ -‬أو يسلمه الله فينجح في المتحان فل تضععره فتنععة مععا دامععت‬
‫السموات والرض‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪" :-‬فععالنفس تععدعو إلععى‬
‫الطغيان‪ ،‬وإيثار الحياة الععدنيا‪ .‬والععرب ‪-‬جععل وعل‪ -‬يععدعو عبععده إلععى‬
‫وهععذا هععو‬ ‫)‪(1‬‬
‫خوفه‪ ،‬ونهي النفس عن الهوى‪ ،‬والقلب بين الداعيين‬
‫موضع الفتنة والبتلء‪.‬‬
‫ملحوظة‪:‬‬
‫وهععا هنععا ملحوظععة مهمععة‪ ،‬وهععي أن بعععض المشععتغلين بالععدعوة‬
‫وطلب العلم يظنون أن غاية البتلء والمتحان هو الذى الجسعععدي‪:‬‬
‫مععن سععجن وتعععذيب وأسععر وقتععل‪ ،‬وغيرهععا‪ ،‬أو أذىً معنععوي مععن‪:‬‬
‫مقاطعععة النععاس لععه‪ ،‬أو عععدم اسععتجابة‪ ،‬أو سععخرية واسععتهزاء بععه‪،‬‬
‫وغيرها‪ ،‬وهذا قصر لمفهوم البتلء على بعض أنواعه‪ ،‬وإل فإن أشععد‬
‫أنواع البتلء هو ابتلء هذا القلب وامتحانه‪ ،‬وكعععم رأينععا ممععن نجعععح‬
‫في امتحان الذى‪ .‬والتعععذيب‪ ،‬لكنهععم أخفقععوا فععي امتحععان القلععب!‬
‫ولذلك كان من دعاء الراسخين في العلم‪َ) :‬رب َّنا ل ت ُزِغْ قُُلوب ََنا ب َعْد َ إ ِذ ْ‬
‫ة إنع َ َ‬
‫ب()‪] (2‬سععورة آل‬ ‫ت ال ْوَهّععا ُ‬‫ك أن ْع َ‬ ‫مع ً ِ ّ‬
‫ح َ‬ ‫ن ل َعد ُن ْ َ‬
‫ك َر ْ‬ ‫ب ل ََنا ِ‬
‫مع ْ‬ ‫هَد َي ْت ََنا وَهَ ْ‬
‫عمران‪ ،‬الية‪.[8 :‬‬
‫‪ - 1‬انظر رسالة مرض القلب وصحته‪.‬‬

‫‪ - 2‬سورة آل عمران آية‪.8 :‬‬

‫‪11‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ونختععم هععذه المقدمععة فععي معنععى امتحععان القلععب وابتلئه بهععذه‬


‫َ‬
‫مُنوا‬
‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫الدعوة الربانية للمؤمنين متضمنة تحذيرا مخيفا‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫حو ُ‬
‫ل‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه يَ ُ‬ ‫موا أ ّ‬ ‫م َواعْل َ ُ‬
‫حِييك ُ ْ‬
‫ما ي ُ ْ‬ ‫عاك ُ ْ‬
‫م لِ َ‬ ‫ذا د َ َ‬ ‫ل إِ َ‬ ‫سو ِ‬ ‫جيُبوا ل ِل ّهِ وَِللّر ُ‬ ‫ست َ ِ‬
‫ا ْ‬
‫َ‬
‫ن()‪] (1‬سورة النفال‪ ،‬الية‪.[24 :‬‬ ‫شُرو َ‬ ‫ح َ‬ ‫ه إ ِل َي ْهِ ت ُ ْ‬
‫مْرِء وَقَل ْب ِهِ وَأن ّ ُ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫ب َي ْ َ‬
‫نسأل الله ‪ -‬سبحانه وتععالى‪ -‬أن يوفقنعا ويعيننعا علعى السعتجابة‬
‫لله وللرسول‪ ،‬وأن يحي قلوبنا‪ ،‬وأل يحال بيننا وبين قلوبنا بمعاصينا‪،‬‬
‫إنه ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة النفال آية‪.24 :‬‬

‫‪12‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫أنواع مما يطرأ على القلب من العلل‬


‫والدواء‬
‫وهذه المضغة الصععغيرة )القلععب( أمرهععا عجيععب‪ ،‬ومععا شععبه هععذا‬
‫القلب إل بالبحر‪ ،‬نراه في الظاهر رؤية سطحية‪ ،‬لكنه في الحقيقععة‬
‫عالم بحد ذاته‪ ،‬ففيه من أنواع الحيوانات والنباتات العجيبة مععا حيععر‬
‫علماء البحار‪.‬‬
‫وهكذا القلب‪ ،‬فععإن مععن تععأمله حععق التأمععل وجععد أن أمععره مععثير‬
‫للعجب بما يحصل له من أحوال وانفعالت‪ ،‬وبما يتباين فيععه النععاس‬
‫من أحوال ومقامات وصفات‪ ،‬وهذا غيض من فيعض فعي ععالم هعذا‬
‫القلب الصغير الكبير‪.‬‬
‫وهعذه إشعارات قرآنيعة لبععض معا يطعرأ علعى القلعب معن علعل‬
‫وأدواء‪ ،‬فمععن ذلعععك‪ :‬الغفلععة‪ ،‬العمععى‪ ،‬العععزيغ‪ ،‬التقلععب‪ ،‬الشععمئزاز‪،‬‬
‫القفال‪ ،‬القسوة‪ ،‬اللهو‪ ،‬الرياء‪ ،‬النفاق‪ ،‬الحسد‪ ..‬وهلم جّرا‪.‬‬
‫سبحان الله! كل هذا على القلب؟ نعم‪ ،‬وأعظم من ذلك بكثير‪.‬‬
‫والنتيجة‪ :‬أن يتعرض هععذا القلععب للطبععع والختععم والمععوت بعععد‬
‫نعزول هذه المراض‪ ،‬وعدم مدافعة النسان لها‪ ،‬فيكون قلبه أسود‪.‬‬

‫أنواع من أحوال القلب السليم وأوصافه‬


‫وكعما أن القلب يتعرض للمراض والعلل‪ ،‬فإن هذا القلب يحصل‬
‫لععه مععن الحععوال اليمانيععة‪ ،‬والمقامععات التعبديععة مععن العصفعععات‬
‫المحمعودة مثعل‪ :‬الليععن‪ ،‬والخبعععات‪ ،‬والخشععوع‪ ،‬والخلص‪ ،‬والحععب‬
‫لله‪ ،‬والتقوى‪ ،‬والثبات‪ ،‬والخوف‪ ،‬والرجاء‪ ،‬والنابة‪ ،‬وغيرها كثير‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫والنتيجة‪ :‬السععلمة )إّل مع َ‬


‫]سععورة‬ ‫م(‬
‫سعِلي ٍ‬ ‫ه ب َِقْلع ٍ‬
‫ب َ‬ ‫ن أَتعى الّلع َ‬
‫)‪(1‬‬
‫ِ َ ْ‬
‫الشعراء‪ ،‬الية‪ .[89 :‬والحياة‪ ،‬واليمان‪ ،‬وصفة قلب صاحبه أبيض‪.‬‬

‫مواطن امتحان القلوب‬


‫ومععواطن امتحععان القلععوب كثعععيرة‪ ،‬وحسععبنا أن نشعععير إشععارات‬
‫سريعة إلى جملة منها‪ .‬وإنعما أشرنا إلععى هععذه المجععالت لن كععثيرا‬
‫من النععاس يتصععور أن القلععب إنمععا يمتحععن بالشععهوات والمعاصععي‪،‬‬
‫ولكننا سوف نرى أن هذا من المععواطن الععتي يمتحععن فيهععا القلععب‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫ة(‬ ‫ش عّر َوال ْ َ‬
‫خي ْعرِ فِت ْن َع ً‬ ‫واللععه ‪-‬سععبحانه وتعععالى‪ -‬يقععول‪) :‬وَن َب ْل ُععوك ُ ْ‬
‫م ِبال ّ‬
‫]سورة النبياء‪ ،‬الية‪.[35 :‬‬
‫فمن المواطن التي يمتحن فيها القلب )‪.(3‬‬
‫‪ -1‬العبادة‪:‬‬
‫فالعبادة مثل‪ :‬الصلة والصععدقة والصععيام والحععج وغيرهععا موضععع‬
‫امتحان وابتلء‪ ،‬ففيها ابتلء في تحقيق الخلص لله‪ ،‬وععدم مراعععاة‬
‫ل‬
‫مع ٍ‬
‫ن عَ َ‬ ‫مل ُععوا ِ‬
‫مع ْ‬ ‫مَنا إ ِل َععى َ‬
‫مععا عَ ِ‬ ‫الناس بها‪ ،‬يقول الله ‪-‬تعععالى‪) :-‬وَقَعدِ ْ‬
‫من ُْثورًا()‪] (4‬سورة الفرقان‪ ،‬اليععة‪ .[23 :‬وفععي الحععديث‬ ‫جعَل َْناهُ هََباًء َ‬
‫فَ َ‬
‫المرفوع‪ " :‬إياكم وشرك السرائر قالوا‪ :‬يا رسول اللععه‪ ،‬ومععا شععرك‬
‫السرائر؟ قال‪ :‬يقوم الرجل فيصلي جاهرا لما يرى من نظر الرجععل‬
‫)‪.(5‬‬ ‫"‬ ‫إليه‪ ،‬فذلك شرك السرائر‬
‫‪ - 1‬سورة الشعراء آية‪.89 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النبياء آية‪.35 :‬‬

‫‪ - 3‬المواطن غير السباب فهي أعم من ذلك‪ ،‬فالعلم موطنا وليس سببا‪ ،‬والشهوات موطنا وسببا‪.‬‬

‫‪ - 4‬سورة الفرقان آية‪.23 :‬‬

‫‪ - 5‬صحه ابن خزيمة وغيره‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وفععي العبععادة ابتلء بتصععحيحها‪ ،‬وأدائهععا كعععما جععاءت عععن النععبي‬


‫ن ي َن َععال ُ ُ‬
‫ه‬ ‫المععن‪ ،‬وابتلء بتحقيععق التقععوى فيهععا‪ ،‬يقععول‪ -‬تعععالى‪) :-‬وَل َك ِع ْ‬
‫]سعورة الحعج‪ ،‬اليعة‪ .[37 :‬وهعذا جعزء يسعير معن‬ ‫م(‬ ‫من ْ ُ‬
‫كع ْ‬ ‫وى ِ‬
‫)‪(6‬‬
‫الت ّْق َ‬
‫البتلء الذي يحدث في هذا الموطن‪.‬‬

‫‪ - 6‬سورة الحج آية‪.37 :‬‬

‫‪15‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫)‪(1‬‬
‫‪ -2‬العلم‪:‬‬
‫وهذا موطن خصب لمتحان القلوب‪ ،‬وكم فشل أنععاس فععي هععذا‬
‫المتحان‪ ،‬فطائفة طلبوا العلم لله‪ ،‬ثععم تحععولت النيععة إلععى الشععهوة‬
‫الخفيععة‪ ،‬حععب الرئاسععة‪ ،‬الشععهرة‪ ،‬التصععدر‪ ،‬التعععالي علععى القععران‪،‬‬
‫المراء والجدل‪ ،‬القدح في الخصوم‪ ..‬وغيرها‪.‬‬
‫وفي الحديث‪ " :‬من تعلم علما مما ي ُب َْتغى به وجه الله‪ ،‬ل يتعلمععه‬
‫"‬ ‫إل ليصيب به عرضا من الدنيا‪ ،‬لم يجد عععرف الجنععة يععوم القيامععة‬
‫يعني‪ :‬ريحها )‪.(2‬‬
‫‪ -3‬الدعوة‪:‬‬
‫وهعععذا المجعععال مععن أشععد مجععالت امتحعععان القلععوب‪ .‬وأصععحاب‬
‫الععدعوة المشععتغلون بهععا مععن أشععد النععاس معانععاة لهععذا المتحععان‪.‬‬
‫فشععهوة تععوجيه الخريععن‪ ،‬والشععهرة‪ ،‬والتعععالي علععى الخلععق كلهععا‬
‫امتحانات قد تجعل الدعوة وبال على صاحبها ‪-‬والعيععاذ بععالله‪ -‬وفتنععة‬
‫النكوص عن الدعوة‪ ،‬أو توجيهها إلى غير رضى الله داء عضال‪.‬‬
‫‪ -4‬الخلف والجدل‪:‬‬
‫وهو مرتع من مراتع الشيطان‪ .‬ومزرعة من مزارعه‪ ،‬ولذلك نبهنا‬
‫جععادِل ْهُ ْ‬
‫م‬ ‫الله جل وعل إلى السلوب المثل فععي المجادلععة فقععال‪) :‬وَ َ‬
‫َ‬
‫ن()‪] (3‬سععورة النحععل‪ ،‬اليععة‪ .[125 :‬ولنععه قععد يكععون‬‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫يأ ْ‬‫ِبال ِّتي هِ َ‬
‫الباعث للجدال هو النتصار للحق‪ ،‬ثم يتحععول إلععى انتصععار للنفععس‪،‬‬

‫‪ - 1‬انظر رسالة التعالم للعلمة بكر أبو زيد‪.‬‬

‫‪ - 2‬رواه أبو داود )‪ 15/349‬بذل( وابن ماجة )‪ (1/93‬وحسنه التزمذي‪.‬‬

‫‪ - 3‬سورة النحل آية‪.125 :‬‬

‫‪16‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ب إ ِّل ِبال ِّتي‬ ‫جادُِلوا أ َهْ َ‬


‫ل ال ْك َِتا ِ‬ ‫وهنا مكمن الداء قال ‪ -‬سبحانعه‪َ) :-‬ول ت ُ َ‬
‫ن()‪] (4‬سورة العنكبوت‪ ،‬الية‪.[46 :‬‬ ‫َ‬
‫س ُ‬
‫ح َ‬
‫يأ ْ‬‫هِ َ‬
‫عنهحيث قال‪ :‬إن الخلف شر‬ ‫وصدق ابن مسعود رضي الله‬
‫كله‪.‬‬

‫‪ - 4‬سورة العنكبوت آية‪.46 :‬‬

‫‪17‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫‪ -5‬الشهوات‪:‬‬
‫وإنما أخرتها قصدا؛ لن كثيرا من الناس يقصععر امتحععان القلععوب‬
‫على الشهوات‪ :‬المعال‪ ،‬والمركب‪ ،‬والنساء‪ ،‬والبنين‪ ،‬والبنيان‪ ،‬وهذه‬
‫ة()‪] (1‬سعورة‬
‫م فِت َْنع ٌ‬ ‫م وَأ َْولد ُ ُ‬
‫كع ْ‬ ‫وال ُك ُ ْ‬
‫مع َ‬
‫َ‬
‫معا أ ْ‬
‫ل شعك أنهعا فتنعة وابتلء )إ ِن ّ َ‬
‫"‬ ‫يقول‪:‬‬ ‫التغابن‪ ،‬الية‪ .[15 :‬والرسول صلى الله عليه وسلم‬
‫إن الععدنيا حلععوة خضععرة‪ ،‬وإن اللععه مسععتخلفكم فيهععا فنععاظر كيععف‬
‫تعملون‪ ،‬فاتقوا الدنيا‪ ،‬واتقوا النساء‪ ،‬فإن فتنة بنععي إسععرائيل كععانت‬
‫لكن ما سبق أعظم أثععرا وأوقععع فععي أمععراض هععذا‬ ‫)‪(2‬‬
‫"‬ ‫في النساء‬
‫القلب‪ ،‬وسلبه عافيته‪.‬‬
‫‪ -6‬الشبهات والفتن‪:‬‬
‫وهما مجال رحب من مجالت مععرض القلععب وسععبب لكععثير مععن‬
‫العلل كما سيأتي بيانه‪.‬‬
‫‪ -7‬الرياسة والمناصب‪:‬‬
‫فكم تغيرت من نفوس‪ ،‬وتباغضت من قلوب بسبب هذا الموطن‬
‫الذي قل أن يسلم منه أحد‪ ،‬فالحسد والغيرة والحقد والغل أمراض‬
‫مبعثها هذا المر في غالب الحوال والحيان‪.‬‬
‫‪ -8‬النسب والحسب والجاه‪:‬‬
‫وهو أرض مثمععرة لمععراض القلععوب وأدوائه‪ ،‬فالتعععالى والتفععاخر‬
‫والكبر وغيرها من أمراض القلوب تنطلععق مععن هععذه الرض‪ ،‬ففيهععا‬
‫تنبت ومنها تثمر‪.‬‬

‫‪ - 1‬سورة التغابن آية‪.15 :‬‬

‫‪ - 2‬رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري )‪.(4/2098‬‬

‫‪18‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ولعلنا الن نبين شيئا مععن المععراض والدواء الععتي يكععثر امتحععان‬
‫القلب بها‪ ،‬إل إننا سنقدم لها تنبيهات مهمة‪:‬‬

‫تنبيهات مهمة‬
‫أول‪ :‬الحذر‪ ،‬الحذر من قيام الخ إذا علم بهذه المععراض والعلععل‬
‫بتصنيف الناس وينعزل هذه المراض عليهم‪ ،‬فإن فعل ذلك أحد فهو‬
‫أول الراسبين‪ ،‬فإن أعمال القلوب لرب القلععوب ‪-‬جععل وعل‪ -‬يقععول‬
‫ن‬ ‫ك ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬مخاطبا نبيه في حق المنافقين‪ُ) :‬أول َئ ِ َ‬
‫َ‬
‫م فِععي‬ ‫ل ل َهُع ْ‬ ‫عظ ْهُع ْ‬
‫م وَقُع ْ‬ ‫م وَ ِ‬ ‫مععا فِععي قُل ُععوب ِهِ ْ‬
‫م فَعأعْرِ ْ‬
‫ض عَن ْهُع ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫م قَوْل ً ب َِليغًا()‪] (1‬سورة النساء‪ ،‬الية‪ .[63 :‬وإنعما الصواب في‬ ‫َ‬
‫سه ِ ْ‬
‫أن ُْف ِ‬
‫أن نعرفها‪ ،‬فنصحح قلوبنا‪ ،‬ونقيها هذه الدواء‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬وكما يحذر النسان مما سبق‪ ،‬فينبغععي أل ينشععغل بقلععوب‬
‫الناس عن قلبععه‪ ،‬ولنتععدبر أيهععا الخععوة هععذه القصععة المعععبرة‪ ،‬فعععن‬
‫أسامة بن زيد رضي الله عنهقال‪ " :‬بعثنععا رسععول اللععه صلى‬
‫الله عليععه وسععلم إلععى الحرقععة‪ ،‬فصععبحنا القععوم‪ ،‬فهزمنععاهم‪-‬‬
‫ولحقت أنا ورجل من النصار رجل منهم‪ ،‬فلمععا غشععيناه )أي ألحقنععا‬
‫بععه وعلونععاه( قععال‪ :‬ل إلععه إل اللععه‪ ،‬فكععف عنععه النصععاري‪ ،‬وطعنتععه‬
‫برمحي حتى قتلته‪ .‬قال‪ :‬فلما قدمنا بلععغ ذلععك النععبي صلى اللعه‬
‫عليه وسلم فقال لي‪ :‬يا أسامة‪ ،‬أقتلته بعد ما قال‪ :‬ل إله إل الله‬
‫قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬إنما كان متعوذا )أي لجئا ومعتصما بهععا(‪،‬‬
‫وليس بمخلص في إسلمه‪ .‬قال‪ :‬فقال أقتلته بعد ما قال‪ :‬ل إلععه إل‬

‫‪ - 1‬سورة النساء آية‪.63 :‬‬

‫‪19‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫الله‪ .‬قال‪ :‬فما زال يكررها علي‪ ،‬حتى تمنيت أني لععم أكععن أسععلمت‬
‫قبل ذلك اليوم " وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وسععلم‬
‫)‪.(1‬‬ ‫"‬ ‫قال له‪ " :‬أفل شققت عن قلبه‪ ،‬حتى تعلم أقالها أم ل‬
‫َ‬
‫م ِفععي‬ ‫ضَرب ْت ُ ْ‬‫ذا َ‬ ‫مُنوا إ ِ َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫والله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يقول‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫من عا ً‬ ‫سبيل الل ّه فَتبينوا ول تُقوُلوا ل ِم َ‬
‫مؤ ْ ِ‬‫ت ُ‬ ‫سع َ‬ ‫م لَ ْ‬ ‫سععل َ‬ ‫م ال ّ‬ ‫ن أل َْقى إ ِل َي ْك ُ ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ‬ ‫ِ ََُّ‬ ‫َ ِ ِ‬
‫ن‬‫مع ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ك ك ُن ْت ُع ْ‬ ‫م ك َِثي عَرةٌ ك َعذ َل ِ َ‬ ‫مَغان ِ ُ‬ ‫حَياةِ الد ّن َْيا فَعِن ْد َ الل ّهِ َ‬ ‫ض ال ْ َ‬‫ن عََر َ‬ ‫ت َب ْت َُغو َ‬
‫ً )‪(2‬‬
‫خِبيعرا(‬ ‫ن َ‬ ‫مُلعو َ‬ ‫معا ت َعْ َ‬ ‫ن بِ َ‬‫كعا َ‬ ‫ه َ‬ ‫ن الّلع َ‬‫م فَت َب َي ُّنعوا إ ِ ّ‬ ‫ه عَل َي ْ ُ‬
‫كع ْ‬ ‫ن الّلع ُ‬ ‫ل فَ َ‬
‫مع ّ‬ ‫قَب ْ ُ‬
‫]سورة النساء‪ ،‬الية‪ .[94 :‬فل ينبغي التعمادي في ذلععك‪ ،‬والتسععاهل‬
‫فيه‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬أن نعنى ببيان هذه المراض للنععاس‪ ،‬ونععدلهم علععى سععبل‬
‫الوقاية منها‪ ،‬فكثير منهم يعيععش فعي غفلعة تامعة‪ ،‬ويحرصععون علعى‬
‫الوقاية من المراض الحسية‪ ،‬أكثر من اهتمامهم بأمراض قلوبهم‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬هناك أسباب كثيرة لمراض القلوب وفسادها من أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬الجهل‪.‬‬
‫‪ -2‬الفتن‪.‬‬
‫‪ -3‬الشهوات والمعاصي‪.‬‬
‫‪ -4‬الشبهات‪.‬‬
‫‪ -5‬الغفلة عن ذكر الله‪.‬‬
‫‪ -6‬الهوى‪.‬‬
‫‪ -7‬الرفقة السيئة‪.‬‬
‫‪ -8‬أكل الحرام كالربا والرشوة وغيرهما‪.‬‬
‫‪ - 1‬رواه البخاري )‪ 7/517‬فتح( ومسلم )‪ (1/96‬وقد أطال في عرض روايات الحديث‪.‬‬

‫‪ - 2‬سورة النساء آية‪.94 :‬‬

‫‪20‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫‪ -9‬إطلق البصر فيما حرم الله‪.‬‬


‫‪ -10‬الغيبة والنميمة‪.‬‬
‫‪ -11‬النشغال بالدنيا وجعلها جل همه وقصده‪.‬‬

‫من أمراض القلوب‬


‫‪ -1‬النفاق‬
‫‪ -2‬الرياء‬
‫‪ -3‬مرض الشبهة والشك والريبة‬
‫‪ -4‬سوء الظن‬
‫‪ -5‬الحسد والغيرة‬

‫‪21‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫‪ -6‬الكبر والعجاب بالنفس واحتقار الخرين والستهزاء بهم‬


‫‪ -7‬الحقد والغل‬
‫‪ -8‬اليأس‬
‫‪ -9‬الهوى ومحبة غير الله‬
‫‪ -10‬الخشية والخوف من غير الله‬
‫‪ -11‬الوسواس‬
‫‪ -12‬قسوة القلوب‬
‫‪ -13‬التحزب لغير الحق‬
‫النفاق‬
‫وهو من أخطر هذه المراض‪ ،‬وأشدها فتكععا بالنسععان‪ ،‬وأفظعهععا‬
‫عاقبة في الخرة‪.‬‬
‫ول يتصور أحد أن النفاق قد انتهى بنهاية عهد النبي صلى الله‬
‫عليه وسلم ونهاية شخصياته البارزة كعبد الله بن أبي بن سلول‬
‫وغيره‪ ،‬بل إن النفاق الن ل يقل خطورة عنه في الماضي‪.‬‬
‫ولقد كان السلف الصالح من أشد الناس خوفا من النفاق‪ ،‬وهععذا‬
‫عمر بن الخطاب ‪-‬وهو من هو صحبة وعلما وعمل وإخلصععا‪ -‬يناشععد‬
‫مععن‬ ‫حذيفة‪ :‬هل عدني رسول اللععه صلى الله عليععه وسععلم‬
‫المنافقين؟ فقال‪ :‬ل‪ ،‬ول أزكي أحدا بعدك )‪.(1‬‬
‫وهذا ابن أبي مليكة ‪-‬رحمه الله‪ -‬وهو سيد مععن سععادات التععابعين‬
‫يقول‪ :‬أدركت ثلثين من أصحاب النبي‪ ،‬كلهععم يخشعى النفععاق علعى‬
‫نفسه )‪.(2‬‬
‫‪ - 1‬نسبه في كنعز العمال )‪ (13/344‬إلى رسته‪.‬‬

‫‪ - 2‬رواه البخاري تعليقا عنه )‪ (109 /1‬وقال ابن حجر‪ :‬أخرجه المروزي مطول في كتاب اليمان‪ ،‬وأبو زرعة في تاريخه‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ونحن الن نقول‪ :‬هل نجد ثلثين يخافون النفععاق علععى أنفسععهم‪،‬‬
‫ومن تأمل صفات المنافقين مما ذكره الله فععي كتععابه فععي مواضععع‬
‫علععم أن المععر‬ ‫كثيرة‪ ،‬وما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم‬
‫جد خطير‪ ،‬خاصة ونحن نرى تساهل الناس في التصاف بصععفاتهم‪،‬‬
‫مع أمنهم من ذلك‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫أن بعض الناس يتحدث عععن القضععاة وأخطععائهم‪ ،‬ومثععالبهم بحععق‬
‫وبغير حق‪ ،‬ويتعدى الحديث إلى أقضيتهم وأحكعامهم‪ .‬ثم هو يحسععن‬
‫للنعاس أحعوال الغعربيين وأحكامهم ومساواتهم‪ ،‬جاهل أو متجاهل ما‬
‫هم فيه من شقاء وتبرم وضياع‪ ،‬بتركهم شرع الله وكفرهم بآياته‪.‬‬
‫مو َ‬
‫ك‬ ‫حك ّ ُ‬
‫حّتى ي ُ َ‬
‫ن َ‬ ‫مُنو َ‬‫ك ل ي ُؤْ ِ‬ ‫والله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬يقول‪َ) :‬فل وََرب ّ َ‬
‫َ‬
‫ت‬ ‫مععا قَ َ‬
‫ض عي ْ َ‬ ‫حَرج عا ً ِ‬
‫م ّ‬ ‫م َ‬ ‫س عه ِ ْ‬
‫دوا فِععي أن ُْف ِ‬
‫جع ُ‬ ‫م ث ُع ّ‬
‫م ل يَ ِ‬ ‫جَر ب َي ْن َهُ ع ْ‬ ‫مععا َ‬
‫شع َ‬ ‫ِفي َ‬
‫سِليمًا(‬
‫]سورة النساء‪ ،‬الية‪.[65 :‬‬ ‫سل ّ ُ‬
‫موا ت َ ْ‬ ‫وَي ُ َ‬
‫)‪(1‬‬

‫وهذا أمر أصبح حديث بعععض المجععالس‪ ،‬فععالله اللععه مععن التشععبه‬
‫بصفات المنععافقين‪ ،‬والسععير فععي ركععابهم‪ ،‬مععن كععره الععدين وبغععض‬
‫المتدينيين ونحو ذلك‪.‬‬
‫الرياء‬
‫وهذا مرض جد خطير لخفائه‪ ،‬ولثره في إفساد العمل‪ ،‬وقلة من‬
‫أنععا أغنععى‬ ‫"‬ ‫يسلم منه‪ ،‬وقد جاء فععي الحععديث يقععول اللععه ‪-‬تعععالى‪:-‬‬
‫الشركاء عن الشرك‪ ،‬من عمل عمل أشرك فيه معي غيععري تركتععه‬
‫)‪.(2‬‬ ‫"‬ ‫وشركه‬

‫‪ - 1‬سورة النساء آية‪.65 :‬‬

‫‪ - 2‬رواه مسلم )‪.(4/2289‬‬

‫‪23‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫مع الله به‪ ،‬ومن يراء يراء الله‬ ‫مع س ّ‬


‫وفي الحديث الخر‪ " :‬من س ّ‬
‫س َول‬
‫ن الن ّععا َ‬ ‫به " )‪ (1‬وقد ذكععر اللععه مععن صععفات المنععافقين )ي ُعَرا ُ‬
‫ؤو َ‬
‫ل()‪] (2‬سورة النساء‪ ،‬الية‪.[142 :‬‬ ‫ه إ ِّل قَِلي ً‬
‫ن الل ّ َ‬
‫ي َذ ْك ُُرو َ‬
‫وهو أدق من الشعرة السوداء على الصخرة السوداء فععي الليلععة‬
‫ً )‪(3‬‬
‫جعَل ْن َععاهُ هَب َععاًء َ‬
‫من ْث ُععورا(‬ ‫ل فَ َ‬
‫مع ٍ‬
‫ن عَ َ‬ ‫مُلوا ِ‬
‫م ْ‬ ‫مَنا إ َِلى َ‬
‫ما عَ ِ‬ ‫الظلماء‪) :‬وَقَدِ ْ‬
‫]سورة الفرقان‪ ،‬الية‪.[23 :‬‬
‫مرض الشبهة والشك والريبة‬
‫َ‬
‫ه‬
‫شععاب َ َ‬ ‫مععا ت َ َ‬ ‫ن َ‬ ‫م َزي ْغٌ فَي َت ّب ُِعو َ‬ ‫ن ِفي قُُلوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ما ال ّ ِ‬ ‫يقول الله تعالى‪) :‬فَأ ّ‬
‫ْ‬
‫ه()‪] (4‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[7 :‬‬ ‫ه اب ْت َِغاَء ال ِْفت ْن َةِ َواب ْت َِغاَء ت َأِويل ِ ِ‬‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫ن(‬ ‫دو َ‬ ‫م ي َت َعَرد ّ ُ‬‫م فِععي َري ْب ِهِع ْ‬ ‫م فَهُع ْ‬ ‫ت قُل ُععوب ُهُ ْ‬ ‫ويقول سبحانه‪َ) :‬واْرت َععاب َ ْ‬
‫)‪(5‬‬

‫ة‬‫وا ِريب َع ً‬ ‫ذي ب َن َع ْ‬ ‫م ال ّع ِ‬ ‫ل ب ُن ْي َععان ُهُ ُ‬ ‫]سورة التوبة‪ ،‬الية‪ .[45 :‬ويقول‪) :‬ل ي ََزا ُ‬
‫َ‬
‫م()‪] (6‬سععورة التوبععة‪ ،‬اليععة‪.[110 :‬‬ ‫ن ت ََقط ّععَ قُل ُععوب ُهُ ْ‬ ‫م إ ِّل أ ْ‬ ‫ِفي قُل ُععوب ِهِ ْ‬
‫ض أ َم ِ اْرَتاُبوا()‪] (7‬سععورة النععور‪ ،‬اليععة‪.[50 :‬‬ ‫مَر ٌ‬ ‫م َ‬
‫َ‬
‫وقال‪) :‬أِفي قُُلوب ِهِ ْ‬
‫ه‬ ‫مععا وَعَعد ََنا الل ّع ُ‬ ‫ض َ‬ ‫معَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن فِععي قُل ُععوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن َوال ّع ِ‬ ‫من َععافُِقو َ‬ ‫ل ال ْ ُ‬‫)وَإ ِذ ْ ي َُقععو ُ‬
‫ن‬ ‫ذي َ‬‫ب ال ّ ِ‬ ‫ه إ ِّل غُُرورًا()‪] (8‬سورة الحزاب‪ ،‬الية‪َ) .[12 :‬ول ي َْرَتا َ‬ ‫سول ُ ُ‬
‫وََر ُ‬
‫ُ‬
‫ض‬ ‫مععَر ٌ‬ ‫م َ‬ ‫ن ِفععي قُُلععوب ِهِ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ل اّلعع ِ‬ ‫ن وَل ِي َُقععو َ‬ ‫مُنععو َ‬ ‫ب َوال ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫أوُتععوا ال ْك َِتععا َ‬
‫كافرون ما َ َ‬
‫ل()‪] (9‬سورة المدثر‪ ،‬الية‪.[31 :‬‬ ‫مث َ ً‬‫ذا َ‬ ‫ه ب ِهَ َ‬ ‫ذا أَراد َ الل ّ ُ‬ ‫َوال ْ َ ِ ُ َ َ‬

‫‪ - 1‬رواه البخاري )‪ (11/335‬ومسلم )‪.(4/2289‬‬

‫‪ - 2‬سورة النساء آية‪.142 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الفرقان آية‪.23 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة آل عمران آية‪.7 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة التوبة آية‪.45 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة التوبة آية‪.110 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة النور آية‪.50 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة الحزاب آية‪.12 :‬‬

‫‪ - 9‬سورة المدثر آية‪.31 :‬‬

‫‪24‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وهو من أخطر المراض‪ ،‬وأشدها فتكا‪ ،‬ول يععزال بالنسععان حععتى‬


‫يوقعه في الشرك والكفر‪.‬‬
‫ودواؤه كثرة الستعاذة بالله من الشيطان‪ ،‬وكراهية هععذا الععوارد‪،‬‬
‫ومدافعته بالسععتعانة بععالله‪ ،‬والرجععوع إلععى اليمععان بععالله ورسعععوله‬
‫والعععتراف بوحععدانيته وصععفاته‪ ،‬وفععي الحعععديث‪ " :‬ل يععزال النععاس‬
‫يتساءلون‪ ،‬حتى يقال‪ :‬هذا خلق الله الخلق‪ ،‬فمن خلعق اللعه؟ فمعن‬
‫"‬ ‫وفععي روايععة‪:‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫"‬ ‫وجد من ذلك شيئا فيلقل‪ :‬آمنت بالله ورسععوله‬
‫)‪.(2‬‬ ‫"‬ ‫فليستعذ بالله‪ ،‬ولينته‬
‫سوءالظن‬
‫وسوء الظن بالله من أعظم أمراض القلب ولعلنا هنا نقف وقفة‬
‫يسيرة حوله‪ ،‬للتحذير منه‪ ،‬وبيان خطورته‪.‬‬
‫فمن الناس من يسيء الظن بالله ‪-‬تعالى‪ ،-‬حيععث يسععيء الظععن‬
‫بوعده‪ ،‬ونصره لعباده المؤمنين‪ ،‬ولدعاته المجاهدين‪.‬‬
‫ومن الناس من يسيء الظن بربه أن يرزقه‪ ،‬فتجده يثق بما فععي‬
‫أيدي الناس أعظم من ثقته بما عند الله‪ ،‬ويظععن أن رزقععه إنمععا هععو‬
‫بيد الحكومة أو الشعركة أو النعاس‪ .‬وتجعده يضعع لعذلك الحسعابات‪،‬‬
‫ض إ ِّل عََلععى‬ ‫َْ‬
‫داب ّةٍ ِفي الْر ِ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫ما ِ‬
‫ناسيا التوكل على الله والثقة به‪) ،‬وَ َ‬
‫الل ّهِ رِْزقَُها()‪] (3‬سورة هود‪ ،‬الية‪.[6 :‬‬

‫‪ - 1‬رواه مسلم )‪.(1/119‬‬

‫‪ - 2‬رواه مسلم )‪.(1/120‬‬

‫‪ - 3‬سورة هود آية‪.6 :‬‬

‫‪25‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وقد ذم الله ‪-‬سبحانه وتعالى‪ -‬من يسيئون الظن به‪ ،‬وجعلععه مععن‬
‫ة()‪] (1‬سععورة آل‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫جاهِل ِي ّع ِ‬ ‫ح عقّ ظ َع ّ‬
‫ن ِبالل ّهِ غَي َْر ال ْ َ‬
‫أمر الجاهلية )ي َظ ُّنو َ‬
‫عمران‪ ،‬الية‪.[154 :‬‬
‫م‬‫سوْءِ وَك ُن ْت ُع ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫م ظَ ّ‬ ‫م وَظ َن َن ْت ُ ْ‬ ‫ك ِفي قُُلوب ِك ُ ْ‬ ‫ن ذ َل ِ َ‬
‫وقال سبحانه‪) :‬وَُزي ّ َ‬
‫م‬ ‫ذي ظ َن َن ُْتعع ْ‬ ‫م اّلعع ِ‬ ‫م ظ َن ّك ُ ُ‬ ‫وما ً ُبورًا( ]سورة الفتح‪ ،‬الية‪) .[12 :‬وَذ َل ِك ُ ْ‬ ‫قَ ْ‬
‫)‪(2‬‬

‫َ‬ ‫بربك ُ َ‬
‫ن()‪] (3‬سععورة فصععلت‪ ،‬اليععة‪:‬‬ ‫ري َ‬ ‫سعع ِ‬ ‫خا ِ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫مع َ‬ ‫م ِ‬ ‫حت ُ ْ‬ ‫م فَأ ْ‬
‫صب َ ْ‬ ‫داك ُ ْ‬
‫م أْر َ‬‫َِ ّ ْ‬
‫ن ب ِععالل ّ ِ‬ ‫جَر وَت َظ ُن ّععو َ‬ ‫ب ال ْ َ‬ ‫ت ال ُْقل ُععو ُ‬ ‫صععاُر وَب َل َغَع ِ‬ ‫َ‬
‫ه‬ ‫حن َععا ِ‬ ‫ت اْلب ْ َ‬ ‫‪) .[23‬وَإ ِذ ْ َزاغَع ِ‬
‫َ‬
‫ن‬ ‫م إ ِّل ظ َن ّا ً إ ِ ّ‬ ‫ما ي َت ّب ِعُ أك ْث َُرهُ ْ‬ ‫الظ ُّنوَنا( ]سورة الحزاب‪ ،‬الية‪) .[10 :‬وَ َ‬
‫)‪(4‬‬

‫م‬ ‫س عوِْء عَل َي ْهِ ع ْ‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ن ِبالل ّهِ ظ َع ّ‬ ‫ظاّني َ‬ ‫شْيئًا()‪) (5‬ال ّ‬ ‫حقّ َ‬ ‫ن ال ْ َ‬ ‫م َ‬ ‫ن ل ي ُغِْني ِ‬ ‫الظ ّ ّ‬
‫َ‬
‫جت َن ُِبععوا‬ ‫مُنوا ا ْ‬ ‫نآ َ‬‫ذي َ‬ ‫سوِْء()‪] (6‬سورة الفتح‪ ،‬الية‪َ) .[6 :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬ ‫دائ َِرةُ ال ّ‬ ‫َ‬
‫م()‪] (7‬سععورة الحجععرات‪ ،‬اليععة‪:‬‬ ‫ن إ ِث ْع ٌ‬‫ض الظ ّع ّ‬ ‫ن ب َعْع َ‬ ‫ن إِ ّ‬ ‫ن الظ ّع ّ‬ ‫م َ‬‫ك َِثيرا ً ِ‬
‫‪.[12‬‬
‫ناصحا أمته‪ " :‬إياكم والظععن‬ ‫ويقول صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪.(8‬‬ ‫"‬ ‫فإن الظن أكذب الحديث‬
‫وعلينا أن نحسععن الظععن بععالله‪ ،‬فععالله عنععد ظععن عبععده بععه‪ :‬قععال‬
‫أنا عند‬ ‫"‬ ‫فيما يرويه عن ربه جل وعل‪:‬‬ ‫صلى الله عليه وسلم‬
‫الحديث‪.‬‬ ‫)‪(9‬‬
‫"‬ ‫ظن عبدي بي فليظن بي ما شاء‬
‫الحسد والغيرة‬
‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية‪.154 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الفتح آية‪.12 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة فصلت آية‪.23 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة الحزاب آية‪.10 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة يونس آية‪.36 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة الفتح آية‪.6 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة الحجرات آية‪.12 :‬‬

‫‪ - 8‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪ - 9‬رواه أبو داود‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ومن منا ينجو منهما‪ .‬يقول شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمععه‬
‫الله‪" :-‬والحسذ مرض من أمراض النفععس‪ ،‬وهععو مععرض غععالب‪ ،‬فل‬
‫يخلص منه إل القليععل مععن النععاس‪ ،‬ولهععذا يقععال‪ :‬مععا خل جسععد مععن‬
‫حسد‪ .‬لكن اللئيم يبديه‪ ،‬والكريم يخفيه )‪ (1‬ولذلك يقععول اللععه ‪-‬جععل‬
‫َ‬
‫ه()‪] (2‬سععورة‬ ‫ن فَ ْ‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م الل ّ ُ‬
‫ه ِ‬ ‫س عََلى َ‬
‫ما آَتاهُ ُ‬ ‫ن الّنا َ‬
‫دو َ‬
‫س ُ‬
‫ح ُ‬
‫م يَ ْ‬
‫وعل‪) :-‬أ ْ‬
‫سععدٍ إ ِ َ‬
‫ذا‬ ‫حا ِ‬ ‫ن َ‬
‫شّر َ‬ ‫م ْ‬
‫النساء‪ ،‬الية‪ .[54 :‬وأمرنا بالتعوذ صباح مساء )وَ ِ‬
‫د()‪] (3‬سورة الفلق‪ ،‬الية‪..[5 :‬‬‫س َ‬
‫ح َ‬
‫َ‬
‫وعععن أبععي‬ ‫"‬ ‫وفي الحديث المتفق عليه " ل تباغضوا ول تحاسدوا‬
‫هريععرة رضي الله عنهأن رسععول اللععه صععلى اللععه عليععه‬
‫وسلم قال‪ " :‬إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكععل‬
‫)‪.(4‬‬ ‫"‬ ‫العشب‬ ‫"‬ ‫النار الحطب " أو قال‪:‬‬
‫ويقول الحسن البصري‪ :‬عمه في صدرك‪ ،‬فإنه ل يضرك‪ ،‬ما‬
‫لم تعتد به يد أو لسان )‪.(5‬‬
‫وأما عن علجه‪ ،‬فقد ذكر شيخ السععلم كلمععا طيبععا فععي علجععه‪،‬‬
‫حيث يقول‪" :‬من وجد في نفسه حسعدا لغيعره‪ ،‬فعليعه أن يسعتعمل‬
‫معه التقوى‪ ،‬والصبر‪ ،‬فيكره ذلك من نفسه"‪.(6) .‬‬
‫ولما كان الحسد ل يسلم منه أحعد خاصة النساء والعوام‪ ،‬أحببت‬
‫أن أنبه على الفرق بين الحسد والغبطة‪ ،‬فالول مذموم كما سبق‪،-‬‬
‫والثاني غير مذموم‪.‬‬

‫‪ - 1‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬

‫‪ - 2‬سورة النساء آية‪.54 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الفلق آية‪.5 :‬‬

‫‪ - 4‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬

‫‪ - 5‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬

‫‪ - 6‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫فالول‪ :‬يتمنى أن تزول النعمة من صاحبه‪.‬‬


‫وأما الخر فهو يحب أن يعطاها دون أن يتمنى زوالها مععن أخيععه‪،‬‬
‫ل حسد إل في اثنتين‪ :‬رجل آتاه اللععه مععال فسععلطه‬ ‫"‬ ‫وفي الحديث‪:‬‬
‫على هلكته فععي الحععق‪ ،‬ورجععل آتععاه اللععه الحكمععة فهععو يقضععي بهععا‬
‫)‪ .(1‬أخرجاه‪ .‬وفي رواية‪ " :‬ل حسد إل على اثنععتين‪ :‬رجععل‬ ‫"‬ ‫ويعلمها‬
‫آتاه الله هذا الكتاب‪ ،‬فقام به آناء الليل وآناء النهار‪ ،‬ورجل آتاه اللععه‬
‫)‪.(2‬‬ ‫"‬ ‫مال‪ ،‬فتصدق به آناء الليل وآناء النهار‬

‫الكبر والعجاب بالنفس واحتقار الخرين والستهزاء‬


‫بهم‬
‫]سععورة‬ ‫)‪(3‬‬
‫ه(‬
‫م ب َِبال ِِغي ِ‬ ‫م إ ِّل ك ِب ٌْر َ‬
‫ما هُ ْ‬ ‫دورِهِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ن ِفي ُ‬
‫)إ ِ ْ‬ ‫يقول الله ‪‬‬
‫غافر‪ ،‬الية‪.[56 :‬‬
‫ويقععول ‪-‬جععل وعل‪َ ) :-‬‬
‫ن فِععي‬ ‫ن ي َت َك َب ّعُرو َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ي ال ّع ِ‬‫ن آي َععات ِ َ‬ ‫ف عَع ْ‬ ‫صعرِ ُ‬ ‫سأ ْ‬ ‫َ‬
‫ق()‪] (4‬سورة العراف‪ ،‬الية‪.[146 :‬‬ ‫ض ب ِغَي ْرِ ال ْ َ‬ ‫َْ‬
‫ح ّ‬ ‫الْر ِ‬
‫ن‬‫دو َ‬ ‫ريع ُ‬ ‫ن ل يُ ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫جعَل َُهعا ل ِل ّع ِ‬ ‫خعَرةُ ن َ ْ‬ ‫داُر اْل ِ‬ ‫ك الع ّ‬ ‫ويقول ‪-‬جل وعل‪) :-‬ت ِْلع َ‬
‫َْ‬
‫ن()‪] (5‬سععورة القصعص‪،‬‬ ‫مت ِّقيع َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬
‫سعادا ً َوال َْعاقَِبع ُ‬ ‫ض َول فَ َ‬‫عُلوّا ِفي الْر ِ‬
‫ُ ً‬

‫مت َك َب ّع ٍ‬
‫ر‬ ‫ب ُ‬ ‫ل قَل ْع ِ‬ ‫ه عََلى ك ُ ّ‬ ‫ك ي َط ْب َعُ الل ّ ُ‬ ‫الية‪ .[83 :‬وقال ‪-‬سبحانه‪) :-‬ك َذ َل ِ َ‬
‫ن(‬‫ري َ‬ ‫سعت َك ْب ِ ِ‬‫م ْ‬‫ب ال ْ ُ‬ ‫حع ّ‬ ‫ه ل يُ ِ‬ ‫جّباٍر( ]سورة غافر‪ ،‬الية‪ .[35 :‬وقال‪) :‬إ ِن ّ ُ‬
‫)‪(6‬‬
‫َ‬

‫‪ - 1‬رواه البخاري )‪ (1/165‬ومسلم )‪ (1/559‬عن ابن مسعود‪ -‬رضي الله عنه‪.‬‬

‫‪ - 2‬رواه البخاري )‪ (9/73‬ومسلم )‪ (1/559‬عن ابن عمر‪ -‬رضي الله‪.‬‬

‫‪ - 3‬سورة غافر آية‪.56 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة العراف آية‪.146 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة القصص آية‪.83 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة غافر آية‪.35 :‬‬

‫‪28‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ن إ ِذ ْ‬
‫حن َي ْع ٍ‬
‫م ُ‬
‫]سععورة النحععل‪ ،‬اليععة‪ .[23 :‬وقععال ‪ -‬سععبحانه‪) :-‬وَي َعوْ َ‬
‫)‪(1‬‬

‫شْيئًا()‪] (2‬سورة التوبة‪ ،‬الية‪.[25 :‬‬ ‫َ‬


‫م َ‬ ‫ن عَن ْك ُ ْ‬ ‫م فَل َ ْ‬
‫م ت ُغْ ِ‬ ‫م ك َث َْرت ُك ُ ْ‬
‫جب َت ْك ُ ْ‬
‫أعْ َ‬
‫مَرحعًا()‪] (3‬سععورة‬ ‫َْ‬
‫ض َ‬‫ش فِععي الْر ِ‬
‫م ِ‬ ‫ومن وصايا لقمان لبنه‪َ) :‬ول ت َ ْ‬
‫لقمان‪ ،‬الية‪ .[18 :‬وتزكيععة النفععس بلء وأي بلء‪ :‬قععال ‪-‬جععل وعل‪:-‬‬
‫َ‬ ‫)َفل تز ّ َ‬
‫ن ات َّقععى()‪] (4‬سععورة النجععم‪ ،‬اليععة‪:‬‬ ‫مع ِ‬ ‫م بِ َ‬‫م هُوَ أعْل َع ُ‬ ‫سعك ُ ْ‬‫كوا أن ُْف َ‬ ‫َُ‬
‫‪.[32‬‬
‫وقعال‪) :‬أ َل َم تر إَلى ال ّعذين يزك ّععو َ‬
‫ن‬‫مع ْ‬ ‫ه ي َُزك ّععي َ‬ ‫ل الل ّع ُ‬‫م ب َع ِ‬‫س عه ُ ْ‬‫ن أن ُْف َ‬ ‫َ‬ ‫ِ َ َُ‬ ‫ْ ََ ِ‬
‫شاُء()‪] (5‬سورة النساء‪ ،‬الية‪ .[49 :‬ونهى ‪ -‬سبحانه‪ -‬عععن السععخرية‬ ‫يَ َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫كون ُععوا‬ ‫ن يَ ُ‬‫سععى أ ْ‬ ‫ن قَ عوْم ٍ عَ َ‬ ‫م ْ‬‫م ِ‬ ‫خْر قَوْ ٌ‬
‫س َ‬
‫مُنوا ل ي َ ْ‬‫نآ َ‬‫ذي َ‬‫فقال‪َ) :‬يا أي َّها ال ّ ِ‬
‫َ‬
‫ن()‪] (6‬سععورة‬ ‫من ْهُع ّ‬‫خْيرا ً ِ‬‫ن َ‬ ‫ن ي َك ُ ّ‬
‫سى أ ْ‬ ‫ساٍء عَ َ‬‫ن نِ َ‬
‫م ْ‬ ‫ساٌء ِ‬
‫م َول ن ِ َ‬ ‫خْيرا ً ِ‬
‫من ْهُ ْ‬ ‫َ‬
‫الحجرات‪ ،‬الية‪ .[11 :‬والستهعزاء مرض مهلك‪) :‬قُ ع ْ َ‬
‫ل أب ِععالل ّهِ َوآي َععات ِ ِ‬
‫ه‬
‫م(‬‫مععان ِك ُ ْ‬ ‫ن ل ت َعْت َعذُِروا قَ عد ْ ك ََفْرت ُع ْ‬
‫م ب َعْ عد َ ِإي َ‬ ‫س عت َهْزُِئو َ‬ ‫م تَ ْ‬‫سععول ِهِ ك ُن ْت ُع ْ‬
‫وََر ُ‬
‫)‪(7‬‬

‫]سورة التوبة‪ ،‬اليتان‪) .[66-65 :‬إن ال ّذي َ‬


‫ن‬ ‫ن اّلعع ِ‬
‫ذي َ‬ ‫م َ‬‫كاُنوا ِ‬ ‫موا َ‬ ‫جَر ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫ِ َ‬ ‫ِ ّ‬
‫ن()‪] (8‬سععورة المطففيععن‪،‬‬ ‫مُزو َ‬ ‫م ي َت َغَععا َ‬
‫معّروا ب ِهِ ع ْ‬ ‫ذا َ‬ ‫ن وَإ ِ َ‬‫كو َ‬‫ح ُ‬ ‫ضع َ‬ ‫من ُععوا ي َ ْ‬
‫آ َ‬
‫الية‪.[29 :‬‬

‫‪ - 1‬سورة النحل آية‪.23 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة التوبة آية‪.25 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة لقمان آية‪.18 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة النجم آية‪.32 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة النساء آية‪.49 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة الحجرات آية‪.11 :‬‬

‫‪ - 7‬سورة التوبة آية‪.66-65 :‬‬

‫‪ - 8‬سورة المطففين آية‪.29 :‬‬

‫‪29‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ل يععدخل الجنععة مععن كععان‬ ‫"‬ ‫ويقول صلى الله عليه وسلم‬
‫فععي قلبععه مثقععال ذرة مععن كععبر "‪ (1) ،‬ويقععول صلى الله عليه‬
‫وسلم " بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم " )‪.(2‬‬
‫وقد كثر فععي زماننععا احتقععار الخريععن‪ ،‬والتعععالي والتكععبر عليهععم‪،‬‬
‫فتجد أحدهم يحتقععر فلنععا لنععه دونععه فععي العلععم‪ ،‬أو لنععه دونععه فععي‬
‫المرتبة أو الوظيفة‪ ،‬أو لنه فقير‪ ،‬أو لنه من قبيلة كذا‪ ...‬وهلم جرا‪.‬‬
‫أنععه قععال‪ " :‬ل يععزال‬ ‫وقد ورد عنه‪ ،‬صلى الله عليه وسلم‬
‫"‬ ‫الرجل يذهب بنفسه حتى يكتب في الجبارين فيصععيبه مععا أصععابهم‬
‫)‪.(3‬‬
‫وبعض الناس يتأفف من أن ينادي من هو أقل منه درجة أو رتبععة‬
‫باسم الخوة‪ ،‬بل يصدر إليععه المععر دون تهععذيب أو حسععن أسععلوب‪،‬‬
‫ودون مراعععاة لنفسععيته‪ ،‬كععل ذلععك بععدعوى المحافظعة علععى الهيبععة‬
‫والهيمنة‪.‬‬
‫وما روى المسكين أنه ربما أن يكون من يراه فراشععا أحععب عنععد‬
‫الله وأفضل بآلف المرات‪ ،‬يقععول الرسععول‪ ،‬صلى اللععه عليععه‬
‫وسلم " رب أشعث أغبر مدفوع بالبواب لو أقسم على الله لبره‬
‫)‪.(4‬‬ ‫"‬

‫وممعا ينبغي التنبيعه عليه أيضعا قضية الستهزاء بالصالحين‪ ،‬وهي‬


‫قضية خطيرة‪.‬‬

‫‪ - 1‬رواه مسلم )‪.(1/93‬‬

‫‪ - 2‬رواه مسلم )‪.(4/1986‬‬

‫‪ - 3‬رواه الترمذي وقال‪ :‬حديث حسن‪.‬‬

‫‪ - 4‬رواه مسلم )‪.(4/2024‬‬

‫‪30‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫يقول الله ‪-‬تعالى‪) :-‬قُ ْ َ‬


‫نل‬‫س عت َهْزُِئو َ‬
‫م تَ ْ‬ ‫ل أِبالل ّهِ َوآَيات ِهِ وََر ُ‬
‫سول ِهِ ك ُن ْت ُع ْ‬
‫م()‪] (1‬سورة التوبة‪ ،‬اليتان‪.[66-65 :‬‬ ‫مان ِك ُ ْ‬ ‫ت َعْت َذُِروا قَد ْ ك ََفْرت ُ ْ‬
‫م ب َعْد َ ِإي َ‬
‫وكععذلك السععتهزاء ببعععض الشعععائر كاللحيععة والحجععاب وتقصععير‬
‫الثوب مما يخشى على من يستهزئ بها مععن الععردة ‪-‬والعيععاذ بععالله‪-‬‬
‫فلننتبه ولننبه إخواننا‪ ،‬فالمر جد خطير‪.‬‬
‫الحقد والغل‬
‫م‬
‫ن ب َْعععدِهِ ْ‬
‫م ْ‬ ‫جاُءوا ِ‬ ‫ن َ‬‫ذي َ‬ ‫فمن دعاء المؤمنين التابعين بإحسان‪َ) :‬وال ّ ِ‬
‫ل فِععي‬ ‫جع َ ع ْ‬‫ن َول ت َ ْ‬‫ما ِ‬ ‫سب َُقوَنا ِبا ْ ِ‬
‫لي َ‬ ‫ن َ‬ ‫وان َِنا ال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫ن َرب َّنا اغِْفْر ل ََنا وَِل ِ ْ‬
‫خ َ‬ ‫ي َُقوُلو َ‬
‫مُنوا()‪] (2‬سورة الحشر‪ ،‬الية‪.[10 :‬‬ ‫نآ َ‬ ‫قُُلوب َِنا ِغّل ً ل ِل ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫مععا فِععي‬
‫ويقول تعالى مخععبرا عععن إكرامععه لهععل الجنععة‪) :‬وَن ََزعْن َععا َ‬
‫ن()‪] (3‬سععورة الحجععر‪،‬‬ ‫مت ََقععاب ِِلي َ‬ ‫وانعا ً عَل َععى ُ‬
‫سعُررٍ ُ‬ ‫خ َ‬ ‫ن ِغع ّ‬
‫ل إِ ْ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬
‫دورِهِ ْ‬
‫ص ُ‬
‫ُ‬
‫م‬
‫حت ِهِع ُ‬
‫ن تَ ْ‬
‫مع ْ‬
‫ري ِ‬
‫جع ِ‬ ‫ن ِغع ّ‬
‫ل تَ ْ‬ ‫مع ْ‬
‫م ِ‬‫دورِهِ ْ‬
‫صع ُ‬
‫مععا فِععي ُ‬
‫الية‪) .[47 :‬وَن ََزعَْنا َ‬
‫اْل َن َْهاُر()‪] (4‬سورة العراف‪ ،‬الية‪.[43 :‬‬
‫ولعلنا نقتصر في الحديث عن هذا المرض بهذه القصة المعععبرة‪:‬‬
‫قصة عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬ذلك الشاب الذي رباه الرسععول‬
‫وأدبععه وعلمععه‪ ،‬ربععاهم علععى مععواطن‬ ‫صلى الله عليه وسلم‬
‫العزة والقوة والعلم‪ ،‬ل كحال كثير من شبابنا اليوم ممن اسعتهوتهم‬
‫الرياضة أو الفن أو غيرها مما ل ينفعهم‪ ،‬بل يضرهم‪.‬‬
‫عنهقععال‪ :‬كنععا‬ ‫روي المام أحمد من حديث أنس رضي اللععه‬
‫جلوسا مع رسول الله صلى الله عليه وسععلم قععال‪ " :‬يطلععع‬
‫‪ - 1‬سورة التوبة آية‪.66-65 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الحشر آية‪.10 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الحجر آية‪.47 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة العراف آية‪.43 :‬‬

‫‪31‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫عليكم الن رجعل من أهعل الجنة فطلع رجععل مععن النصععار‪ ،‬تنطععف‬
‫لحيته )أي‪ :‬تقطر( من وضوئه‪ ،‬قد علق نعليععه بيععده الشععمال‪ ،‬فلمععا‬
‫مثععل ذلععك‪،‬‬ ‫كان الغد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫فطلع ذلك الرجل مثل المرة الولى‪ ،‬فلمععا كعان اليععوم الثععالث قعال‬
‫مثععل مقععالته أيضععا‪ ،‬فطلععع‬ ‫رسول الله صلى الله عليه وسلم‬
‫ذلك الرجل على مثل حاله الولععى‪ ،‬فلمععا قععام رسععول اللععه صلى‬
‫الله عليه وسلم تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص‪ ،‬فقال‪ :‬إني‬
‫لحيت أبي )أي‪ :‬خاصمت( فأقسمت أني ل أدخععل عليععه ثلثععا‪ ،‬فععإن‬
‫رأيت أن تؤويني إليك حتى تمضععي فعلععت‪ ،‬قععال‪ :‬نعععم‪ .‬قععال أنععس‪:‬‬
‫فكان عبد الله يحدث أنعه بععات مععه تلعك الليعالي الثلث‪ ،‬فلععم يعره‬
‫يقوم من الليل شيئا غير أنععه إذا تعععار )أي‪ :‬اسععتيقظ( وتقلععب علععى‬
‫فراشه ذكر الله وكبر حتى يقوم لصلة الفجر‪ .‬قعال عبععد اللعه‪ :‬غيعر‬
‫أني لم أسمعه يقول إل خيرا‪ ،‬فلما مضت الليالي الثلث وكعععدت أن‬
‫أحتقر عمله‪ ،‬قلت‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬لم يكععن بينععي وبيععن أبععي غضععب ول‬
‫هجرة‪ ،‬ولكن سععمعت رسععول اللععه صلى الله عليععه وسععلم‬
‫يقععول لععك ثلث مععرات‪ :‬يطلععع عليكععم الن رجععل مععن أهععل الجنععة‬
‫فطلعت أنت الثعلث المرات‪ ،‬فأردت أن آوي إليك لنظر ما عملععك‪،‬‬
‫فأقتدي بك‪ ،‬فلم أرك تعمل كبير عمل‪ .‬فما الععذي بلععغ بععك مععا قععال‬
‫رسول الله ‪-‬صلى الله عليه وسلم؟ قال‪ :‬ما هو إل مععا رأيععت‪ ،‬فلمععا‬
‫وليت دعاني فقال‪ :‬ما هو إل ما رأيت‪ ،‬غير أنععي ل أجععد فععي نفسععي‬

‫‪32‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫لحد من المسلمين غشا‪ .‬ول أحسد أحدا على خير أعطاه الله إياه‪.‬‬
‫)‪.(1‬‬ ‫"‬ ‫قال عبد الله‪ :‬فهذه التي بلغت بك‪ ،‬وهي التي ل تطاق‬
‫إذن ! هذا هو قدر امتلء القلب بمحبة المسلمين‪ ،‬والصفح عنهم‪،‬‬
‫والصبر عليهم‪.‬‬
‫ولنتععدبر أخععي المسععلم ‪-‬هععذا الحععديث الععذي يرويععه مسععلم فععي‬
‫صحيحه عن أبي هريرة مرفوعا‪ " :‬تفتععح أبععواب الجنععة يععوم الثنيععن‬
‫ويوم الخميس‪ ،‬فيغفر لكل عبد ل يشرك بالله شععيئا‪ ،‬إل رجععل كععان‬
‫بينه وبيععن أخيععه شععحناء‪ ،‬فيقععال‪ :‬أنظععروا )أي‪ :‬أخععروا( هععذين حععتى‬
‫)‪.(2‬‬ ‫"‬ ‫يصطلحا‪ ،‬أنظروا هذين حتى يصطلحا‬
‫وقد ذكر الطباء أن الغل يؤدي بصاحبه في الععدنيا لثععره السععيء‬
‫على صحعة النسان وسلمته‪ ،‬وهعذه هعي العقوبعة العاجلعة والجلعة‬
‫أشد وأنكى‪.‬‬
‫اليأس‬
‫وهو مرض ينشأ عند استحكام البلء‪ ،‬واستبطاء نصر الله‪ ،‬فييأس‬
‫بمععا يععؤدي عنععد بعضععهم إلععى‬ ‫)‪(3‬‬
‫بعض الناس من نصر الله ووعععده‬
‫ترك الدعوة والعمل‪ ،‬وأعظم من ذلععك اعتقععاد تخلععف وعععد اللععه أو‬
‫وعيده في الدنيا أو الخرة‪.‬‬
‫ول نعزال نسمعع أن بعض الناس تخلفوا عن الطريععق لعتقععادهم‬
‫‪-‬مثل‪ -‬أنععه فععي ضععوء هععذا الواقععع المععر‪ ،‬واسععتحكام أعععداء اللععه‪،‬‬

‫‪ - 1‬رواه أحمد )‪ 19/238‬فتح( والنسائي في عمل اليوم والليلة‪ ،‬وقال ابن كثير في رواية النسائي‪ ،‬هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين‪ ،‬تفسير ابن كثير )‪ (4/337‬ط‬

‫المعرفة‪.‬‬

‫‪ - 2‬رواه مسلم )‪.(1987 /4‬‬

‫‪ - 3‬وتحسن الشارة هنا إلى أن معنى قوله تعالى‪) :‬حتى إذا استيأس الرسل وظنوا أنهم كذبوا جاءهم نصرنا( ]يوسف‪ ،[110 :‬أي حتى استيأسوا من قومهم‪ ،‬أي يئسوا من‬

‫إسلمهم وإجابة دعوتهم‪ ،‬وهذا تفسير عائشة‪ -‬رضي الله عنها‪ -‬كما في صحيح البخاري‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وقبضتهم على زمام المور‪ ،‬وسععيطرتهم علععى الوضعععاع السياسععية‬


‫والقتصعادية‪ ،‬ل يمكن أن ينتصر السلم أو تقوم له قائمة‪.‬‬
‫وهذه قصة أخبرني بها أحد الصدقاء عن رجل صالح خير مععارس‬
‫الدعوة إلى الله‪ ،‬ثم تخلى عن ذلععك‪ .‬فجععاءه محبععوه‪ ،‬وسععألوه عععن‬
‫ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬هل نستطيع أن ندعو إلى الله فععي غفلععة عععن أمريكععا‪،‬‬
‫وأجهزة تصنتها ومخابراتها‪ ،‬فهل يخفى عليها شيء‪ ،‬وعلى هذا فلععن‬
‫نستطيع عمل شيء‪ -‬هكذا قال‪.‬‬
‫ن أ َك ْث َعَر‬
‫م عرِهِ وَل َك ِع ّ‬
‫َ‬
‫ب عَل َععى أ ْ‬
‫وقد نسي هذا المسكين أن الله )غَععال ِ ٌ‬
‫ن()‪] (1‬سورة يوسف‪ ،‬الية‪.[21 :‬‬ ‫س ل ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬ ‫الّنا ِ‬
‫وهذه قصة موسى ‪-‬مثل‪ -‬تحكي في كل مرحلة من مراحل حياته‬
‫أو دعوته عناية الله به وبالععدعوة‪ ،‬وإملء اللععه للظععالمين‪ ،‬والتمكيععن‬
‫ن ل ِي َك ُععو َ‬
‫ن‬ ‫لهذه الدعوة ولنتأمل قععوله ‪-‬تعععالى‪) :-‬فَععال ْت ََقط َ ُ‬
‫هآ ُ‬
‫ل فِْرعَعوْ َ‬
‫)‪(2‬‬
‫ن(‬‫خععاط ِِئي َ‬ ‫مععا ك َععاُنوا َ‬ ‫جُنود َهُ َ‬ ‫ن وَ ُ‬ ‫مععا َ‬
‫ها َ‬‫ن وَ َ‬ ‫حَزن عا ً إ ِ ّ‬
‫ن فِْرعَعوْ َ‬ ‫م عَد ُوّا ً وَ َ‬‫ل َهُ ْ‬
‫ُ‬
‫معهِ ك َع ْ‬
‫ي‬ ‫]سورة القصص‪ ،‬الية‪ .[8 :‬وقوله ‪-‬تعالى‪) :-‬فََرد َد ْن َععاهُ إ ِل َععى أ ّ‬
‫تَق عر عَينهععا ول تح عزن ول ِتعل َعم أ َن وعْ عد الل ّعه ح عق ول َك ع َ‬
‫مل‬ ‫ن أك ْث ََرهُ ع ْ‬ ‫ِ َ ّ َ ِ ّ‬ ‫َ‬ ‫َ ّ َُْ َ َ ْ َ َ َ َْ َ ّ َ‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ل ِ‬ ‫ج ٌ‬ ‫جاءَ َر ُ‬ ‫ن()‪] (3‬سورة القصص‪ ،‬الية‪ .[13 :‬وقوله ‪) :‬وَ َ‬ ‫ي َعْل َ ُ‬
‫مو َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ك ل ِي َْقت ُُلععو َ‬‫ن ِبعع َ‬
‫مُرو َ‬ ‫مَل َ ي َأت َ ِ‬
‫ن ال ْ َ‬ ‫سى إ ِ ّ‬ ‫مو َ‬ ‫سَعى َقا َ‬
‫ل َيا ُ‬ ‫دين َةِ ي َ ْ‬ ‫صى ال ْ َ‬
‫م ِ‬ ‫أقْ َ‬
‫]سورة القصص‪ ،‬اليععة‪ .[20 :‬ولمععا‬ ‫ن(‬‫حي َ‬
‫ص ِ‬
‫ن الّنا ِ‬ ‫م َ‬ ‫ج إ ِّني ل َ َ‬
‫ك ِ‬ ‫)‪(4‬‬
‫َفا ْ‬
‫خُر ْ‬
‫ن()‪] (5‬سورة الشعراء‪ ،‬الية‪ .[61 :‬قععال‬‫كو َ‬ ‫قال بعض قومه )إ ِّنا ل َ ُ‬
‫مد َْر ُ‬

‫‪ - 1‬سورة يوسف آية‪.21 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القصص آية‪.8 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة القصص آية‪.13 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة القصص آية‪.20 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الشعراء آية‪.61 :‬‬

‫‪34‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫]سععورة الشعععراء‪ ،‬اليععة‪:‬‬ ‫)‪(1‬‬


‫ن(‬‫دي ِ‬
‫س عي َهْ ِ‬
‫ي َرب ّععي َ‬
‫مع ِ َ‬
‫ن َ‬ ‫لهم واثقا‪) :‬ك َّل إ ِ ّ‬
‫‪ .[62‬وهكذا قصص النبياء تبين حفظ الله لعدعوته‪ ،‬وإملءه للطغعاة‬
‫ن عَل َععى‬ ‫َ‬
‫مع ّ‬‫ن نَ ُ‬‫ريعد ُ أ ْ‬ ‫الظلمة‪ ،‬حععتى تتمكععن هععذه الععدعوة الربانيععة )وَن ُ ِ‬
‫ال ّذين استضعُِفوا فععي اْل َرض ونجعل َه ع َ‬
‫ن(‬ ‫م ال ْع َ‬
‫وارِِثي َ‬ ‫جعَل َهُ ع ُ‬‫ة وَن َ ْ‬
‫مع ً‬
‫م أئ ِ ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫ْ ِ ََ ْ َ ُ ْ‬ ‫ِ‬ ‫ِ َ ْ ُ ْ‬
‫]سورة القصص‪ ،‬الية‪.[5 :‬‬
‫ويعجبني أن أذكر هنا قصة مشهورة تععبين نقععاء النظععرة‪ ،‬وصععفاء‬
‫السريرة لرجل من عامة الناس‪ ،‬فإن آباءنا يععذكرون أنععه فععي أثنععاء‬
‫حصار إحدى المدن‪ ،‬حدث أن بععدء النععاس يتحععدثون عععن الطععائرات‬
‫التي قد يستخدمها العدو‪ ،‬ففزع بعض النععاس وخععافوا‪ ،‬ولععم يكونععوا‬
‫رأوا الطائرات بععد‪ ،‬فجععاء هعذا العرابععي‪ ،‬وسعأل النعاس ععن هعذه‬
‫الطععائرات؟ قععالوا‪ :‬شععيء يععأتي مععن فععوق يرمينععا بالقنابععل‪ ،‬فقععال‪:‬‬
‫بفطرته السليمة ‪ -‬أهي فوق الله أم الله فوقها؟! فلما أجععابوه بععأن‬
‫الله أعلى منها‪ ،‬قال‪ :‬ل تهمكم‪ .‬وما أحوجنا إلى أمثال أصحاب هععذه‬
‫الفطر السليمة‪.‬‬
‫وهذه قصة أخرى تتميمععا للفععائدة‪ ،‬إل إن صععاحبها شععاعر فاسععق‬
‫ماجن وهي أنه لمععا قععام أحععد رؤسععاء الععدول العربيععة‪ ،‬وقعععال‪ :‬إن )‬
‫‪ (%99‬من أوراق القضية الفلسطينية بيد أمريكعا‪ ،‬ومعنععى هععذا‪ :‬أن‬
‫نستسلم لمريكا‪ ،‬ونسلمها مقاليد المععور‪ ،‬فععرد عليععه هععذا الشععاعر‬
‫الفاسق قائل‪:‬‬

‫‪ - 1‬سورة الشعراء آية‪.62 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة القصص آية‪.5 :‬‬

‫‪35‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ولن تمنففع الطففائر مفن‬ ‫ولتعلم أمريكا أنها ليست‬


‫أن يطففير‬ ‫هي الله العزيز القدير‬

‫)وصدق وهو كذوب(‪.‬‬


‫س‬ ‫فلننتبه إلى هذا المرض‪ ،‬ولنستشعر قععوله ‪-‬تعععالى‪) :-‬ال ْي َعوْ َ‬
‫ي َئ ِ َ‬
‫م‬
‫شعون ال ْيعو َ‬
‫م‬‫ل َك ُع ْ‬
‫ت‬‫مل ْع ُ‬‫م أك ْ َ‬
‫خ َ ْ ِ َ ْ َ‬ ‫م َوا ْ‬ ‫خ َ‬
‫شعوْهُ ْ‬ ‫م َفل ت َ ْ‬ ‫ن ِدين ِك ُ ْ‬ ‫ن ك ََفُروا ِ‬
‫م ْ‬ ‫ذي َ‬‫ال ّ ِ‬
‫م ِدين عًا()‪] (1‬سععورة‬ ‫َ‬
‫م اْل ِ ْ‬
‫سععل َ‬ ‫ت ل َك ُ ُ‬
‫ضي ُ‬ ‫مِتي وََر ِ‬ ‫م ن ِعْ َ‬‫ت عَل َي ْك ُ ْ‬ ‫م ُ‬
‫م ْ‬ ‫ِدين َك ُ ْ‬
‫م وَأت ْ َ‬
‫المائدة‪ ،‬الية‪.[3 :‬‬
‫َ‬
‫هل‬ ‫ح الل ّعهِ إ ِن ّع ُ‬
‫ن َروْ ِ‬
‫مع ْ‬
‫سععوا ِ‬
‫وأخيرا فلنتأمل قععوله ‪-‬تعععالى‪َ) :-‬ول ت َي ْأ ُ‬
‫َ‬
‫ن()‪] (2‬سععورة يوسععف‪ ،‬اليععة‪:‬‬ ‫م ال ْك َععافُِرو َ‬
‫ح الل ّهِ إ ِّل ال َْق عوْ ُ‬
‫ن َرو ِْ‬
‫م ْ‬
‫س ِ‬
‫ي َي ْأ ُ‬
‫‪.[87‬‬
‫الهوى ومحبة غير الله‬
‫فإنه آفة الفات‪ ،‬والسم الزعاف لهذا القلب‪ ،‬يوم أن تكون محبة‬
‫الشخص لغير الله‪ ،‬ومععوالته ومعععاداته فععي سععبيل دنيععاه‪ ،‬وأهععوائه‪،‬‬
‫وأطماعه الشخصية‪ .‬وهذا ل شك موصل صاحبه إلى الهلك والبععوار‬
‫وى‬‫مععا ت َهْع َ‬
‫ن وَ َ‬‫ن إ ِّل الظ ّع ّ‬‫ن ي َت ّب ِعُععو َ‬
‫وتأمل معععي فععي هععذه اليععات‪) (3):‬إ ِ ْ‬
‫م ال ْهُ َ‬ ‫س وَل ََقد ْ َ‬ ‫َ‬
‫دى()‪] (4‬سععورة النجععم‪ ،‬اليععة‪[23 :‬‬ ‫ن َرب ّهِ ُ‬ ‫م ْ‬
‫م ِ‬ ‫جاَءهُ ْ‬ ‫اْلن ُْف ُ‬
‫ن()‪] (5‬سععورة النعععام‪،‬‬ ‫حي ْعَرا َ‬‫ض َ‬ ‫َْ‬ ‫ه ال ّ‬ ‫كال ّ ِ‬‫) َ‬
‫ن فِععي الْر ِ‬ ‫طي ُ‬‫شَيا ِ‬ ‫ست َهْوَت ْ ُ‬
‫ذي ا ْ‬
‫ى()‪] (6‬سععورة‬ ‫ضعع ّ‬ ‫اليععة‪) [71 :‬ومعع َ‬
‫هععد ً‬ ‫واهُ ب ِغَْيععرِ ُ‬
‫هعع َ‬ ‫ن ات َّبعععَ َ‬ ‫معع ِ‬
‫م ّ‬‫ل ِ‬ ‫نأ َ‬ ‫َ َ ْ‬
‫‪ - 1‬سورة المائدة آية‪.3 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة يوسف آية‪.87 :‬‬

‫‪ - 3‬دللة هذه اليات أعم مما ذكر فينتبه لذلك‪.‬‬

‫‪ - 4‬سورة النجم آية‪.23 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة النعام آية‪.71 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة القصص آية‪.50 :‬‬

‫‪36‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ه عَل َععى‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬


‫ه الل ّع ُ‬‫ض عل ّ ُ‬
‫واهُ وَأ َ‬‫ه هَ َ‬‫خذ َ إ ِل َهَ ُ‬
‫ن ات ّ َ‬
‫م ِ‬ ‫القصص‪ ،‬الية‪) [50 :‬أفََرأي ْ َ‬
‫ت َ‬
‫ه عَل َععى‬ ‫ن ط َب َععَ الل ّع ُ‬ ‫م()‪] (1‬سععورة الجاثيععة اليععة‪ُ) [23 :‬أول َئ ِ َ‬
‫ك ال ّع ِ‬
‫ذي َ‬ ‫عل ع ٍ‬
‫ِ ْ‬
‫ن ك َِثيعرا ً‬ ‫م()‪] (2‬سعورة محمعد‪ ،‬اليعة‪) [16 :‬وَإ ِ ّ‬ ‫واَءهُ ْ‬
‫هع َ‬ ‫م َوات ّب َُعوا أ َ ْ‬‫قُُلوب ِهِ ْ‬
‫م ب ِغَي ْرِ ِ ْ‬ ‫َ‬
‫م()‪] (3‬سورة النعام‪ ،‬اليععة‪ [119 :‬والهععوى‬ ‫عل ٍ‬ ‫وائ ِهِ ْ‬
‫ن ب ِأهْ َ‬ ‫ضّلو َ‬ ‫ل َي ُ ِ‬
‫مرض من أمراض القلب سواء أكان الهوى بمعناه العام أو الخاص‪.‬‬
‫يقول شيخ السلم ابن تيمية ‪-‬رحمه الله‪ -‬فععي بيععان كعون الحععب‬
‫يعمي ويصم‪ .." :‬ولذلك قال الشاعر‪:‬‬
‫ومن قربت ليلى أحب‬ ‫عففدو لمفن عفادت‪,‬‬
‫)‪(4‬‬
‫وأقربا‬ ‫وسفلم لهلهفا‬

‫فهذا جعل الولء والبراء في ليلى‪ ،‬وليس في الله‪.‬‬


‫وذكر شيخ السلم أيضا قصة رجل أحب امرأة سوداء حبا عجيبا‪،‬‬
‫أخذت عليه مجامع قلبه‪ ،‬فيقول هذا الرجل‪:‬‬
‫أحفففففب لحفففففبها سفففففود‬ ‫أحفففب لحفففبها السففودان‬
‫الكففففففففففففففففففففففففففلب‬ ‫حففففففففففففففففففففففففففففتى‬

‫والواجب أن يكون حبنا وبغضنا‪ ،‬وعطاؤنععا ومنعنععا‪ ،‬وفعلنععا وتركنععا‬


‫لله ‪-‬سبحانه وتعععالى‪ -‬ل شععريك لععه‪ ،‬ممتثليععن قععوله‪ ،‬صلى الله‬
‫عليه وسلم " من أحب لله‪ ،‬وأبغض لله‪ ،‬وأعطى لله‪ ،‬ومنع اللععه‪،‬‬
‫)‪.(5‬‬ ‫"‬ ‫فقد استكمل اليمان‬
‫‪ - 1‬سورة الجاثية آية‪.23 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة محمد آية‪.16 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة النعام آية‪.119 :‬‬

‫‪ - 4‬انظر رسالة أمراض القلوب وشفاؤها لشيخ السلم‪.‬‬

‫‪ - 5‬رواه أحمد عن معاذ بن أنس وغيره‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وأسوأ أنواع الحب محبة أعداء الله‪.‬‬


‫الخشية والخوف من غير الله‬
‫ن()‪] (1‬سعورة المعائدة‪،‬‬ ‫خ َ‬
‫ش عو ْ ِ‬ ‫س َوا ْ‬‫وا الّنعا َ‬
‫شع ُ‬ ‫يقول تعععالى‪َ) :‬فل ت َ ْ‬
‫خ َ‬
‫َ‬ ‫اليععة‪ [44 :‬ويقععول‪ -‬عععز وجععل‪) :-‬فَععالل ّ َ‬
‫ن ك ُن ْت ُع ْ‬
‫م‬ ‫خ َ‬
‫ش عوْهُ إ ِ ْ‬ ‫ن تَ ْ‬
‫ح عق ّ أ ْ‬‫هأ َ‬‫ُ‬
‫]سورة التوبة‪ ،‬الية‪.[13 :‬‬ ‫)‪(2‬‬
‫ن(‬
‫مِني َ‬ ‫مؤ ْ ِ‬ ‫ُ‬
‫ن‬ ‫ومن صفعات الععذين فععي قلععوبهم مععرض أنهععم يقولععون )ي َُقول ُععو َ‬
‫ة()‪] (3‬سورة المائدة‪ ،‬الية‪ [52 :‬ومععن صععفات‬ ‫دائ َِر ٌ‬ ‫َ‬ ‫خ َ‬
‫صيب ََنا َ‬
‫ن تُ ِ‬ ‫شى أ ْ‬ ‫نَ ْ‬
‫س قَ عد ْ‬ ‫ن الن ّععا َ‬ ‫س إِ ّ‬ ‫ل ل َهُ ُ‬
‫م الن ّععا ُ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫ذي َ‬‫الذين سلمت قلوبهم وآمنت )ال ّ ِ‬
‫م‬ ‫س عب َُنا الل ّع ُ‬
‫ه وَن ِعْ ع َ‬ ‫ح ْ‬‫مان عا ً وَقَععاُلوا َ‬ ‫م فََزاد َهُ ع ْ‬
‫م ِإي َ‬ ‫ش عوْهُ ْ‬ ‫م َفا ْ‬
‫خ َ‬ ‫معُععوا ل َك ُع ْ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫ل()‪] (4‬سورة آل عمران‪ ،‬الية‪.[173 :‬‬ ‫كي ُ‬‫ال ْوَ ِ‬
‫وهناك خوف جبلععي ل يقععدح فععي المعتقععد كخععوف النسععان مععن‬
‫عدوه إنسانا أو حيوانا‪ ،‬أما الخشية فل تكون إل من الله‪.‬‬
‫وعدم الخوف دليل على قععوة القلععب وجسععارته‪ ،‬كعععما أنععه دليععل‬
‫على اليمان‪ ،‬قال المام أحمد‪" :‬لو صححت لم تخف أحدا"‪ ،‬أي من‬
‫المخلوقين‪.‬‬
‫الوسواس‬
‫م‪ ،‬وصار يلعب بكثير من الناس‪ ،‬ويضععيع عليهعععم‬ ‫م وط ّ‬
‫وهو بلء ع ّ‬
‫فرائضهم وعبعاداتهم‪ ،‬يقول الشيعععخ السعععدي ‪-‬فععي جععواب لععه عععن‬
‫دواء الوسواس‪ :‬ليس له دواء إل سؤال اللععه الععععافية‪ ،‬والستععععاذة‬
‫بععالله مععن الشععيطان الرجيععم‪ ،‬والجتهععاد فععي دفععع الوسععاوس‪ ،‬وأن‬
‫‪ - 1‬سورة المائدة آية‪.44 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة التوبة آية‪.13 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة المائدة آية‪.52 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة آل عمران آية‪.173 :‬‬

‫‪38‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫يتلهى عنها ول يجعلها تشغل فكره‪ ،‬فإنه إذا تمععادت فيععه الوسععاوس‬
‫اشتدت واستحكمت‪ ،‬وإذا حرص على دفعها والتلهي عن الععذي يقععع‬
‫في القلب اضمحلت شيئا فشيئا‪ ،‬والله أعلم )‪.(1‬‬
‫وقد أمرنا بالتعوذ منه كما فععي سععورة النععاس‪) :‬قُ ع ْ َ‬
‫ل أعُععوذ ُ ب ِعَر ّ‬
‫ب‬
‫ذي‬‫س ال ّع ِ‬ ‫س ال ْ َ‬
‫خن ّععا ِ‬ ‫وا ِ‬ ‫شعّر ال ْوَ ْ‬
‫سع َ‬ ‫ن َ‬ ‫مع ْ‬ ‫س ِ‬ ‫َ‬
‫س إ ِلعهِ الن ّععا ِ‬
‫ك الّنا ِ‬
‫مل ِ ِ‬‫س َ‬
‫الّنا ِ‬
‫س()‪] (2‬الناس‪.[6 -1 :‬‬ ‫ن ال ْ ِ‬
‫جن ّةِ َوالّنا ِ‬ ‫م َ‬
‫س ِ‬
‫دورِ الّنا ِ‬ ‫ص ُ‬
‫س ِفي ُ‬ ‫سو ِ ُ‬
‫ي ُوَ ْ‬
‫قسوة القلب‬
‫وهو مرض تنشأ عنه أمراض‪ ،‬وتظهر لععه أعععراض ول يسععلم مععن‬
‫ذلك إل من سلمه الله وأخذ بالسععباب‪ :‬وتظهععر خطععورة هععذا الععداء‬
‫من خلل هذه اليات‪:‬‬
‫سععوَةً (‬ ‫شععد ّ قَ ْ‬ ‫جاَرةِ أ َوْ أ َ َ‬ ‫كال ْ ِ‬
‫ح َ‬ ‫ي َ‬‫ك فَهِ َ‬ ‫ن ب َعْدِ ذ َل ِ َ‬
‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫ت قُُلوب ُك ُ ْ‬ ‫س ْ‬ ‫م قَ َ‬ ‫)ث ُ ّ‬
‫م‬ ‫ن ل َهُ ع ُ‬
‫م وََزي ّع َ‬ ‫ت قُل ُععوب ُهُ ْ‬‫سع ْ‬ ‫ن قَ َ‬‫]سععورة البقععرة‪ ،‬اليععة‪) [74 :‬وَل َك ِع ْ‬
‫)‪(3‬‬

‫ل‬ ‫ن()‪] (4‬سعورة النععام‪ ،‬اليعة‪) [43 :‬فَوَْيع ٌ‬ ‫مُلعو َ‬ ‫كعاُنوا ي َعْ َ‬ ‫معا َ‬ ‫ن َ‬ ‫طا ُ‬‫شي ْ َ‬ ‫ال ّ‬
‫َ‬
‫م عد ُ‬‫م اْل َ‬ ‫ل عَل َي ْهِ ع ُ‬ ‫طعا َ‬ ‫ه()‪] (5‬الزمر‪) [22 :‬فَ َ‬ ‫ن ذِك ْرِ الل ّ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫م ِ‬ ‫سي َةِ قُُلوب ُهُ ْ‬‫ل ِل َْقا ِ‬
‫]سورة الحديد‪ ،‬الية‪.[16 :‬‬ ‫ت قُُلوب ُهُ ْ‬
‫م(‬ ‫فََق َ‬
‫س ْ‬
‫)‪(6‬‬

‫وأبعد القلوب من الله القلب القاسي‪.‬‬


‫التحزب لغير الحق‬
‫وهو مععرض خطيععر‪ ،‬وداء يقتععل ويهلععك الفععراد والمععة علععى حععد‬
‫سواء‪ ،‬وهو على نوعين‪:‬‬

‫‪ - 1‬ينصح في هذا المجال الرجوع إلى كتاب العلمة ابن القيم إغاثة اللهفان‪ ،‬وكذلك محاضرة‪" :‬رسالة إلى موسوس" للشيخ سلمان العودة‪.‬‬

‫‪ - 2‬سورة الناس آية‪.6-1 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البقرة آية‪.74 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة النعام آية‪.43 :‬‬

‫‪ - 5‬سورة الزمر آية‪.22 :‬‬

‫‪ - 6‬سورة الحديد آية‪.16 :‬‬

‫‪39‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫‪ -1‬التحزب لبعض المبادئ الرضية‪:‬‬


‫كالقومية والوطنية والعلمانية وغيرها من المبادئ الضعالة‪ ،‬وهععذه‬
‫قد راج سوقها وكثر‪ ،‬خاصة في هذه اليام‪ ،‬ونحن نسمع عما يسمى‬
‫)الوحدة الوطنية(‪ ،‬وهي الحب على أساس المواطنة‪ ،‬فما كان مععن‬
‫وطنععك تحبععه سععواء كععان مسععلما أو فاسععقا أو كععافرا‪ ،‬فععالمهم أنععه‬
‫مواطن مثلك‪ ،‬بينما ل تحمل هذا الشعور لخ مسلم من غير وطنك‪،‬‬
‫ولو كان من أتقى الناس‪.‬‬
‫فهي موالة ومعاداة على أساس الوطن‪ .‬حتى قال أحدهم ‪-‬فض‬
‫الله فاه‪ :-‬كل حب يذهب ويتلشععى إل حععب الععوطن‪ .‬يعنععي إل حععب‬
‫التراب‪ ،‬حب الرض‪ ،‬مل الله جوفه قيحا وصععديدا‪ ،‬هكععذا‪ :‬كععل حععب‬
‫إل‬ ‫يذهب حتى حب الله ‪ ‬ورسوله صلى الله عليه وسععلم‬
‫حب الوطن‪ ،‬فهو شرك من نوع جديد‪.‬‬
‫دا‬
‫ت ي َع َ‬
‫وما دري هذا المسكين أننا ل نعزال نقرأ فععي القععرآن‪) :‬ت َب ّع ْ‬
‫ب()‪ (1‬وقعد نعزلت في عععم النععبي صلى الله عليععه‬ ‫َ‬
‫أِبي ل َهَ ٍ‬
‫ب وَت َ ّ‬
‫أبي لهب‪ ،‬ونحن نتععبرأ منععه ونبغضععه‪ .‬ونحععن ل نعععزال نثنععي‬ ‫وسلم‬
‫على بلل الحبشي وصهيب الرومي‪ ،‬وسععلمان الفارسععي‪ ،‬ونترضععى‬
‫عنهم‪ ،‬ونسأل الله أن نحشر في زمرتهم‪.‬‬
‫ول يفهم من هذا الكلم أننا ل نحب الوطن‪ ،‬كل‪ ،‬فهععو أمععر جبلععي‬
‫مركوز في النفس‪ ،‬لكن حب الععوطن ل بععد أن يكععون خاضعععا لحععب‬
‫الله ورسوله‪ .‬وهل هاجر رسول الله صلى الله عليععه وسععلم‬

‫‪ - 1‬سورة المسد آية‪.1 :‬‬

‫‪40‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫من وطنه وأفضل بقاع الرض )مكة( إل لما كان فععي ذلععك مرضععاة‬
‫لله ورسوله‪ ،‬وهكذا المهاجرون وغيرهم‪.‬‬
‫‪ -2‬التحزب من بعض المسلمين ضد بعض‪:‬‬
‫فنجععد بعععض الععدعاة يتحزبععون ضععد بعععض‪ ،‬وبعععض طلبععة العلععم‬
‫يتحزبون ضد بعض‪ ،‬فيحب هذا أكثر مععن هععذا لن الول مععن حزبععه‪،‬‬
‫ولو كان الثاني أتقى منه وأفضل‪ .‬وهذا خطأ كععبير‪ ،‬وهععذا يحععب ذاك‬
‫لنه يتبع شيخه أو إمامه‪ ،‬ويعادي الخر لنه يتبع إماما أو شيخا آخر‪.‬‬
‫فالواجب موالة المسلمين ليمانهم‪ ،‬ومعاداة الكفار لكفرهم‪ ،‬ول‬
‫يجوز التحزب لغير الحق‪ ،‬فعإنه يععورث المععة التفعرق والتشععتت )َول‬
‫ت وَُأول َئ ِ َ‬
‫ك‬ ‫م ال ْب َي َّنعا ُ‬
‫جعاَءهُ ُ‬
‫معا َ‬
‫ن ب َْععدِ َ‬ ‫خت َل َُفوا ِ‬
‫مع ْ‬ ‫ن ت ََفّرُقوا َوا ْ‬ ‫كال ّ ِ‬
‫ذي َ‬ ‫كوُنوا َ‬‫تَ ُ‬
‫م()‪] (1‬سورة آل عمعران‪ ،‬اليعة‪ [105 :‬وهنعاك فعرق‬ ‫ظي ٌ‬ ‫ب عَ ِ‬ ‫ذا ٌ‬ ‫ل َهُ ْ‬
‫م عَ َ‬
‫كععبير بيععن التحععزب وبيععن التنععافس فععي الخيععر فالتنععافس مطلععوب‬
‫ة()‪] (2‬سععورة آل‬
‫جن ّع ٍ‬ ‫ن َرب ّك ُع ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫مع ْ‬ ‫عوا إ ِل َععى َ‬
‫مغِْف عَرةٍ ِ‬ ‫سععارِ ُ‬
‫ومحمععود )وَ َ‬
‫]سورة‬ ‫ة(‬
‫جن ّ ٍ‬ ‫ن َرب ّك ُ ْ‬
‫م وَ َ‬ ‫م ْ‬ ‫ساب ُِقوا إ َِلى َ‬
‫مغِْفَرةٍ ِ‬ ‫عمران‪ ،‬الية‪َ ) [133 :‬‬
‫)‪(3‬‬

‫الحديد‪ ،‬الية‪ [21 :‬أما التحزب فمذموم‪ ،‬وكم أودى بأمم وجماعععات‬
‫وأفراد‪ .‬حتى صار حال بعضهم كما قال الشاعر‪:‬‬
‫وإن ترشفففففففد غزيفففففففة‬ ‫وهل أنا إل مففن غزيففة إن‬
‫أرشفففففففففففففففففففففففففففد‬ ‫غففففففففففوت غففففففففففويت‬

‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية‪.105 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة آل عمران آية‪.133 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الحديد آية‪.21 :‬‬

‫‪41‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وعلج التحععزب بععالتجرد للععه ‪-‬جععل وعل‪ ،-‬والسععلمة مععن الهععوى‬


‫والتحري فعي المنهعج‪ ،‬وأن نععرف الرجعال بعالحق‪ ،‬ل الحعق‪ ،‬بقعول‬
‫الرجال‪.‬‬
‫"‬ ‫في الحععديث‪:‬‬ ‫واذكر الدعاء بقوله صلى الله عليه وسلم‬
‫إن الشيطان قد أيس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب‪ ،‬ولكععن‬
‫)‪.(1‬‬ ‫"‬ ‫في التحريش بينهم‬
‫وأخيرا‪ :‬قد يقول قائل‪ :‬ولكن ما العلج؟ فأنت شخصععت الععداء‪،‬‬
‫فهل بينت الدواء‪ ،‬وعلمتنا طريق النجاة‪.‬‬
‫فل أدعي أنني سوف أحيط بجعوانب علج أمراض القلوب‪ ،‬ولكن‬
‫حسبي أن أذكر شيئا من الوسععائل لعلج هععذه المععراض‪ ،‬اختصععرها‬
‫بما يأتي‪:‬‬

‫علج أمراض القلوب‬


‫أول‪ :‬إن أساس صحة القلب وسلمته فععي إيمععانه بععالله ويتفععرع‬
‫عنه ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -1‬كمال محبة الله‪ :‬بأن يكون حبه للععه‪ ،‬وفععي اللععه‪ ،‬وأن يكععون‬
‫بغضه ومعاداته لله‪ ،‬وقد بين شيخ السلم ابن تيمية أن مععن أعظععم‬
‫ن‬
‫ذي َ‬‫وسائل علج القلب‪ :‬أن يمتلععئ قلعب النسعان بحععب اللعه‪َ) ،‬واّلع ِ‬
‫ه()‪] (2‬سورة البقرة‪ ،‬الية‪ [165 :‬وأما وسائل محبععة‬ ‫حب ّا ً ل ِل ّ ِ‬ ‫مُنوا أ َ َ‬
‫شد ّ ُ‬ ‫آ َ‬
‫الله فكثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪ - 1‬هناك خلط كبير بين الحزبية والنتماء‪ ،‬حتى أصبح الحديث عن أحدهما يراد به المعنى الخر‪ ،‬مع أن هناك فرقا بينهما‪ ،‬فالحزبية مذمومة‪ ،‬إل تحزب المؤمنين ضد الكافرين‪،‬‬

‫والنتماء لهل السنة والجماعة مشروع‪ ،‬ول يذم منه إل ما كان انتماء بدعيا أو جاهليا‪.‬‬

‫‪ - 2‬سورة البقرة آية‪.165 :‬‬

‫‪42‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫قراءة القرآن وتدبره وفهم معانيه‪ ،‬والتقععرب إلععى اللععه بالنوافععل‬


‫بعد الفرائض‪ ،‬ودوام ذكر الله على كل حال‪ ،‬وإيثار محابه على هوى‬
‫نفسك ومحابها‪ ،‬ومطالعة القلب لسماء اللععه وصععفاته‪ ،‬ومشععاهدتها‬
‫وغيرهععا مععن الوسععائل‬ ‫ومعرفتها‪ ،‬وانكسار القلب بين يدي اللععه ‪‬‬
‫)‪.(1‬‬
‫ثانيا‪ :‬الخلص‪:‬‬
‫مععاِتي ل ِل ّعهِ َر ّ‬
‫ب‬ ‫م َ‬ ‫حي َععايَ وَ َ‬
‫م ْ‬‫كي وَ َ‬ ‫سع ِ‬ ‫صععلِتي وَن ُ ُ‬ ‫ن َ‬ ‫يقععول ‪) ‬قُ ع ْ‬
‫ل إِ ّ‬
‫ن()‪] (2‬سععورة‬ ‫مي َ‬ ‫س عل ِ ِ‬ ‫ل ال ْ ُ‬
‫م ْ‬ ‫ت وَأ َن َععا أ َوّ ُ‬‫مْر ُ‬
‫ك ل َه وبذ َل ِ َ ُ‬
‫كأ ِ‬ ‫ري َ ُ َ ِ‬ ‫نل َ‬
‫ش ِ‬ ‫ال َْعال َ ِ‬
‫مي َ‬
‫النعام‪ ،‬اليتان‪.[163-162 :‬‬
‫أخلصوا لله ‪ ‬في أعععمالكم‪ ،‬وسعتجدون راحعة فعي صعدوركم‪،‬‬
‫ُ‬
‫ن‬
‫دي َ‬ ‫ن ل َع ُ‬
‫ه ال ع ّ‬ ‫صي َ‬
‫خل ِ ِ‬
‫م ْ‬ ‫دوا الل ّ َ‬
‫ه ُ‬ ‫مُروا إ ِّل ل ِي َعْب ُ ُ‬ ‫ولذلك يقول الله ‪) ‬وَ َ‬
‫ما أ ِ‬
‫حن ََفاَء()‪.(3‬‬
‫ُ‬

‫‪ - 1‬انظر مدارج السالكين )‪ (3/18‬لبن القيم ج ‪ 1‬دار النفائس‪.‬‬

‫‪ - 2‬سورة النعام آية‪.163-162 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة البينة آية‪.5 :‬‬

‫‪43‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫ثالثا‪ :‬حسن المتابعة‪:‬‬


‫بأن يكون عمله واعتقاده وفق ما أمر اللعه ورسعوله‪ .‬يقععول اللعه‬
‫ه()‪] (1‬سععورة‬‫م الل ّع ُ‬
‫حب ِب ْك ُ ُ‬ ‫ن الل ّ َ‬
‫ه َفات ّب ُِعوِني ي ُ ْ‬ ‫حّبو َ‬ ‫ن ك ُن ْت ُ ْ‬
‫م تُ ِ‬ ‫‪-‬تعالى‪) :-‬قُ ْ‬
‫ل إِ ْ‬
‫مععا‬
‫ذوهُ وَ َ‬‫خع ُ‬ ‫ل فَ ُ‬ ‫سو ُ‬
‫م الّر ُ‬ ‫آل عمران‪ ،‬الية‪ .[31 :‬ويقول ‪) ‬وَ َ‬
‫ما آَتاك ُ ُ‬
‫ه َفان ْت َُهوا()‪] (2‬سورة الحشر‪ ،‬الية‪.[7 :‬‬ ‫م عَن ْ ُ‬‫ن ََهاك ُ ْ‬
‫َ‬ ‫ذا قَضى الل ّه ورسول ُ َ‬
‫ن‬
‫كو َ‬ ‫مرا ً أ ْ‬
‫ن يَ ُ‬ ‫هأ ْ‬ ‫ُ ََ ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫من َةٍ إ ِ َ‬
‫مؤ ْ ِ‬
‫ن َول ُ‬ ‫م ٍ‬‫مؤ ْ ِ‬‫ن لِ ُ‬ ‫ما َ‬
‫كا َ‬ ‫)و َ َ‬
‫خيرةُ م َ‬
‫م()‪] (3‬سورة الحزاب‪ ،‬الية‪.[36 :‬‬ ‫مرِهِ ْ‬‫نأ ْ‬ ‫م ال ْ ِ َ َ ِ ْ‬ ‫ل َهُ ُ‬
‫فلو سألنا أنفسنا‪ :‬هل ننطلق في كععل تصععرفاتنا وأعمالنععا ونياتنععا‬
‫وفق ما شرع الله؟‬
‫إن بعض الناس ينطلق في تصرفاته من هععوى زوجتععه‪ ،‬وبعضععهم‬
‫من هوى رئيسه‪ ،‬وبعضهم أعراف قععبيلته أو نظععام جمععاعته وهكععذا‪،‬‬
‫ولو خالف أمر الله ورسوله‪.‬‬
‫ولو ناقشت أحدهم مرة‪ ،‬فقلت له‪ :‬لم يا أخي تعمل هذا العمل؟‬
‫لقال‪ :‬رئيسي هععو الععذي أمرنععي بععه‪ ،‬فقلععت‪ :‬ولكنععه حععرام‪ ،‬لجععاب‪:‬‬
‫أعرف أنععه حععرام‪ ،‬ولكععن مععاذا أعمععل؟ لععو لععم أفعععل لمععا رشععحني‬
‫للترقيععة‪ ،‬أو لفصععلني مععن الوظيفععة أو‪ ...‬الععخ‪ .‬فععأين المتابعععة للععه‬
‫ولرسوله من هذا الذي قدم هوى رئيسه على مرضاة ربه؟‬
‫إننا بحاجة إلى مراجعة أعمالنا‪ ،‬وتحقيق صدق المتابعععة للرسععول‬
‫ل يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا‬ ‫"‬ ‫صلى الله عليه وسلم‬
‫)‪.(4‬‬ ‫"‬ ‫لما جئت به‬
‫‪ - 1‬سورة آل عمران آية‪.31 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة الحشر آية‪.7 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الحزاب آية‪.36 :‬‬

‫‪ - 4‬قال النووي‪ :‬حديث حسن صحيح رويناه في كتاب الحجة‪ ،‬بإسناد صحيح‪ ،‬وأعله ابن رجب كما في جامع العلوم والحكم ص ‪ 1574‬ط دار الفرقان‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وفي الحديث الصحيح‪ " :‬من أحدث في أمرنا هععذا مععا ليععس منععه‬
‫فهو رد "‪.‬‬
‫ومما يعين على تحقيق هذه الصول ليسععلم القلععب‪ ،‬وينمععو ممععا‬
‫يعرض له من ابتلء وامتحان ما يأتي‪:‬‬

‫‪45‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫‪ -1‬ذكر الله‪:‬‬
‫فإنه يجلو صدأ القلوب‪ ،‬ويذهب ما ران عليها مععن آثععام ومعععاص‪،‬‬
‫ويزيد من قرب النسععان لربععه ل سععيما إذا كععان مستشعععرا للععذكر‪،‬‬
‫مصاحبا له في كل أحواله وحركاته وهيئاته‪.‬‬
‫َ‬ ‫يقول الله ‪) ‬أ َل َم يأ ْ‬
‫م ِلعذِك ْرِ الّلع ِ‬
‫ه‬ ‫شعَ قُُلعوب ُهُ ْ‬
‫خ َ‬
‫ن تَ ْ‬
‫مُنوا أ ْ‬ ‫نآ َ‬ ‫َ‬ ‫ذي‬‫ِ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬‫ِ‬ ‫ل‬ ‫ن‬
‫ْ َ ِ‬
‫ق()‪] (1‬سورة الحشر‪ ،‬الية‪ [16 :‬ويقول ‪) ‬وَن ُن َّز ُ‬
‫ل‬ ‫ن ال ْ َ‬
‫ح ّ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬‫ما ن ََز َ‬
‫وَ َ‬
‫ن()‪] (2‬سورة السراء‪ ،‬اليععة‪:‬‬ ‫مؤ ْ ِ‬
‫مِني َ‬ ‫ة ل ِل ْ ُ‬‫م ٌ‬‫ح َ‬ ‫شَفاٌء وََر ْ‬ ‫ما هُوَ ِ‬ ‫ن َ‬‫ن ال ُْقْرآ ِ‬
‫م َ‬‫ِ‬
‫‪ [82‬وقد ذم الله المنافقين في كتابه لقلة ذكرهععم للععه‪ .‬فععذكر اللععه‬
‫َ‬
‫)‪(3‬‬
‫ن ال ُْقل ُععو ُ‬
‫ب(‬ ‫علج حاسم لبتلء القلب وامتحانه )أل ب ِذِك ْرِ الل ّهِ ت َط ْ َ‬
‫مئ ِ ّ‬
‫]سورة الرعد‪ ،‬الية‪[28 :‬‬
‫ومن أعظم أنواع ذكر الله‪ :‬قراءة القرآن‪ ،‬يقول ‪ -‬تعععالى ‪) :-‬أ ََفل‬
‫ب أ َقَْفال ُهَععا()‪] (4‬سععورة محمععد‪ ،‬اليععة‪:‬‬
‫م عَل َععى قُل ُععو ٍ‬
‫يتدبرون ال ُْق عرآ َ‬
‫نأ ْ‬‫ْ َ‬ ‫ََ َُّ َ‬
‫‪.[24‬‬
‫ونحن نرى كثعيرا من المسلمعين يستغرق فععي قععراءة‪ ،‬الصععحف‬
‫والجرايد‪ ،‬ومطالعة وسائل العلم وقتا طععويل بل تعععب ول كلععل ول‬
‫ملل‪ .‬بينما تجد الواحد منهم ل يقرأ ولو جزءا يسيرا من القرآن‪ ،‬بععل‬
‫لو جلس وقتا لقراءة القرآن لم يلبث أن يمل ويعدوه إلى غيره‪.‬‬
‫يقول أحد السلف‪ :‬والله لو طهععرت قلوبنععا مععا مللنععا مععن قععراءة‬
‫القرآن‪.‬‬
‫‪ -2‬المراقبة والمحاسبة‪:‬‬
‫‪ - 1‬سورة الحديد آية‪.16 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة السراء آية‪.82 :‬‬

‫‪ - 3‬سورة الرعد آية‪.28 :‬‬

‫‪ - 4‬سورة محمد آية‪.24 :‬‬

‫‪46‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫وقد ذكر ابن القيععم ‪-‬رحمععه اللععه‪ :-‬أنهععا مععن أهععم العوامععل لعلج‬
‫القلب واستقامته‪.‬‬
‫يقععول ابععن القيععم‪ :‬وهلك النفععس مععن إهمععال محاسععبتها‪ ،‬ومععن‬
‫موافقتهععا واتبععاع هواهععا‪ ،‬ولععذلك ورد فععي الثععر‪" :‬الكيععس مععن دان‬
‫نفسه‪ ،‬وعمل لما بعد الموت‪ ،‬والعاجز من أتبع نفسه هواها‪ ،‬وتمنععى‬
‫وكان عمر يقول‪:‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫على الله الماني"‬
‫"حاسععبوا أنفسععكم قبععل أن تحاسععبوا‪ .‬وزنععوا أنفسععكم قبععل أن‬
‫ويقععول الحسععن‪" :‬ل تلقععى المععؤمن إل وهععو يحاسععب‬ ‫)‪(2‬‬
‫توزنععوا"‬
‫نفسه"‪ ،‬ويقول أيضا‪" :‬إن العبد ما يزال بخير ما كان له واعععظ مععن‬
‫نفسه‪ ،‬وكانت المحاسبة من همته"‪ ،‬وقال ميمععون بععن مهععران‪" :‬إن‬
‫التقي أشد محاسبة لنفسه من شريك شحيح" )‪.(3‬‬
‫فيراقععب النسععان نفسععه قبععل العمععل‪ :‬فععي إخلصععه‪ ،‬ومتععابعته‪.‬‬
‫ويراقب قلبه في تحقيقه للمحبة لله وفي الله‪ ،‬ويجاهدها على ذلك‪.‬‬
‫كعما يحاسبها بعد العمل على التقصير فيه‪ ،‬وعدم كعمال الخلص‪.‬‬
‫ول ريب أن هذين من أهم الوسائل لعلج أمراض القلب‪ ،‬يقول ‪-‬‬
‫س عب ُل ََنا()‪] (4‬سععورة العنكبععوت‪،‬‬ ‫دوا ِفيَنا ل َن َهْدِي َن ّهُ ْ‬
‫م ُ‬ ‫جاهَ ُ‬
‫ن َ‬ ‫تعالى‪َ) :-‬وال ّ ِ‬
‫ذي َ‬
‫الية‪.[69 :‬‬
‫‪ -3‬وسائل أخرى‪:‬‬
‫فمنها العلم‪ ،‬تحقيق التقوى‪ ،‬قيام الليل‪ ،‬كثرة الدعاء خاصععة فععي‬
‫الثلث الخير من الليل‪ ،‬فإن سهام الليل ل تخطيء‪ ،‬فليكثر النسان‬
‫‪ - 1‬رواه أحمد )‪ ،(124 /4‬وابن ماجة )‪ (2/1423‬والترمذي )‪ (550 /4‬وحسنه‪ ،‬وضعفه غيره‪ ،‬وليس فيه )الماني(‪.‬‬

‫‪ - 2‬الثر رواه الترمذي )‪.(550 /4‬‬

‫‪ - 3‬انظر رسالة مرض القلب وصحته‪.‬‬

‫‪ - 4‬سورة العنكبوت آية‪.69 :‬‬

‫‪47‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫فيععه مععن التضععرع إلععى اللععه‪ ،‬وسععؤاله الصععفح والمغفععرة والسععتر‬


‫والتجاوز‪.‬‬
‫م‬ ‫خذ ْ م َ‬
‫وال ِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫نأ ْ‬ ‫ومنها إطابة المطعم والملبس‪ ،‬وكثرة الصدقعة‪ْ ِ ُ ) ،‬‬
‫م ب َِها()‪] (1‬سورة التوبة‪ ،‬الية‪.[103 :‬‬ ‫م وَت َُز ّ‬
‫كيهِ ْ‬ ‫ة ت ُط َهُّرهُ ْ‬
‫صد َقَ ً‬‫َ‬
‫ضوا‬‫ن ي َغُ ّ‬ ‫مِني َ‬ ‫ل ل ِل ْ ُ‬
‫مؤ ْ ِ‬ ‫ومن أعظمها‪ :‬غض البصر‪ ،‬قال ‪ -‬سبحانه‪) :-‬قُ ْ‬
‫م()‪] (2‬سعورة النعور‪،‬‬ ‫ك أ َْز َ‬
‫كعى ل َُهع ْ‬ ‫م ذ َِلع َ‬ ‫ظوا فُُرو َ‬
‫جه ُ ْ‬ ‫حَف ُ‬ ‫م وَي َ ْ‬‫صارِهِ ْ‬
‫م َ‬
‫ن أب ْ َ‬‫ِ ْ‬
‫الية‪ [30 :‬وهنا‪ ،‬وبعد أن ذكرنععا علج أمععراض القلععوب‪ ،‬نععذكر كلمععا‬
‫نفيسا لبن القيم‪.‬‬
‫علمات صحة القلب وسلمته‪ ،‬وعلمات موته وشقاوته‪.‬‬

‫علمات صحة القلب وسلمته‬


‫قال ابن القيم ‪-‬رحمه الله‪ -‬في علمات صحة القلب ونجاته‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ل يزال يضرب على صاحبه حتى يتوب إلى الله وينيب‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه ل يفتر عن ذكر ربه‪ ،‬ول يسأم من عبادته‪.‬‬
‫‪ -3‬أنه إذا فاته ورده وجد لفواته ألما أشد من فوات ماله‪ .‬وهنععا‬
‫وقفة! رحم الله ابن القيم‪ ،‬فما عساه يقول فيمن ليس له ورد‪ ،‬بععل‬
‫مععا عسععاه يقععول فيمععن إذا فععاتته الصععلة المفروضععة ل يجععد ألمععا‬
‫وحسرة‪ ،‬وكأنه لم يسمع حديث رسععول اللععه صلى اللععه عليععه‬
‫وسلم " من فاتته صلة العصر فكأنما وتععر أهلععه ومععاله " )‪) (3‬أي‪:‬‬
‫كأنما فقد أهله وماله وهلكوا(‪.‬‬
‫‪ - 1‬سورة التوبة آية‪.103 :‬‬

‫‪ - 2‬سورة النور آية‪.30 :‬‬

‫‪ - 3‬رراه البخاري )‪ (30 /2‬ومسلم )‪.(436 /1‬‬

‫‪48‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫‪ -4‬أنه يجد لذة في العبادة كثر من لذة الطعام والشراب ]فهل‬


‫يجد أحدنا لذة في العبادة‪،‬؟![ أو يجد اللذة إذا خرج منها؟!‪.‬‬
‫‪ -5‬أنه إذا دخل في الصلة ذهب غمه وهمه في الدنيا ]ونحععن ل‬
‫تجتمع المور والعمععال علينععا إل فععي الصععلة‪ ،‬حععتى قععال لععي أحععد‬
‫الخععوة‪ :‬إنععه رأى رجل بعععد أن دخععل فععي الصععلة أخععرج فععاتورة‬
‫للحساب‪ ،‬وأخذ يراجععع الحسععابات ‪-‬وهععو فععي الصععلة‪ -‬إلععى قصععص‬
‫في الصلة‪.‬‬ ‫كثيرة تبين ذهاب الخشوع‪ ،‬والخضوع بين يدي الله ‪‬‬
‫فأين لذة الصلة عند هععؤلء؟ وأيععن الصععلة الععتي كععان الرسععول‪،‬‬
‫)‪(1‬‬
‫يقول فيها‪ " :‬أرحنا بالصلة يععا بلل‬ ‫صلى الله عليه وسلم‬
‫فإن لسان حال كثير‬ ‫)‪(2‬‬
‫"‬ ‫وجعلت قرة عيني في الصلة‬ ‫"‬ ‫ويقول‪:‬‬ ‫"‬

‫من المصلين "أرحنععا مععن الصععلة" وتجععد أحععدهم لععو أطععال المععام‬
‫القراءة‪ ،‬سرد عليه محفوظاته في الحاديث التي تأمر برعاية حععال‬
‫المأمومين‪ ،‬بينما لو أخل المام بأدائها وواجباتها لم يجععد مععن ينبهععه‬
‫‪-‬إل ما شاء الله‪ -‬والله المستعان‪.‬‬
‫‪ -6‬أن يكون همه لله وفي ذات الله‪ ،‬وهذا مقام رفيع‪.‬‬
‫‪ -7‬أن يكون أشح بوقته أن يذهب ضائعا أشهد من شععح البخيععل‬
‫بماله‪.‬‬
‫‪ -8‬أن يكون اهتمامه بتصحيح العمل أكثر مععن اهتمععامه بالعمععل‬
‫]وهذه نقطة مهمة جدا‪ .‬فيجععب أن يكععون اهتمععام النسععان‬ ‫)‪(3‬‬
‫ذاته‬
‫بتصحيح العمل كبيرا في‪ :‬تصحيح القصد‪ ،‬وتحقيق المتابعة‪ ،‬وتحقيق‬
‫العبودية في العمل؛ فإن هذا هو الغاية من العمل‪.‬‬
‫‪ - 1‬رواه أحمد ‪ (371 ،5/364‬وأبو داود )‪ 223 /19‬بذل(‪.‬‬

‫‪ - 2‬رواه أحمد )‪ (185 ،199 ،128 /3‬والنسائي )‪ (61 /7‬وغيرهما‪.‬‬

‫‪ - 3‬انظر رسالة مرض القلب وصحته‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫فهععذه علمععات لسععلمة القلععب وصععحته‪ ،‬وإليععك ‪-‬أخععي القععارئ‪-‬‬


‫علمات شقاوته وعلته‪.‬‬

‫علمات مرض القلب وشقاوته‬


‫حيث ذكر ابن القيم من علمات مرضه جملة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪ -1‬أنه ل تؤلمه جراحات القبائح‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫فهل نتألم نحن لجراحات قلوبنا‪ ،‬ومععا نقععترفه مععن معععاص وآثععام‬
‫في الليل والنهار؟‬
‫وهل نندم ونعزم على التوبة كلما أذنبنا؟‬
‫وهل آلمنا ما نراه في مجتمعنا من معاص ومنكرات؟‬
‫وهل عملنا على تغييرها ما استطعنا‪ ،‬وهذا أمر ‪-‬ل شك‪ -‬عظيععم‪-‬؛‬
‫فإن القلب الذي ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا في نفسه ول فععي‬
‫مجتمعه قلب يحتاج صاحبه إلى تدارك نفسه قبل فوات الوان‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه يجد لذة فععي المعصععية‪ ،‬وراحععة بعععد عملهععا ]وإنمععا حععال‬
‫المؤمن إذا عصى الله أن ينععدم ويسععتغفر ويتحسععر علععى مععا فععات‪،‬‬
‫ويسارع في التوبة إلى الله[‪.‬‬
‫وهناك من النععاس ‪-‬للسععف‪ -‬مععن ينطبععق عليععه كلم ابععن القيععم‪،‬‬
‫فبعععض مشععاهدي الفلم نجععده يجععد لععذة فععي مشععاهدتها‪ ،‬ول تكععاد‬
‫تفارقه تلك اللذة لمدة طويلة‪.‬‬
‫وكذلك نجد من متابعي المباريات مععن يجععد لععذة فععي مشععاهدتها‬
‫وحضورها‪ ،‬ول تفارقه النشععوة لفععترة ‪-‬خاصععة إذا فععاز فريقععه‪ -‬فهععل‬
‫نعي بعد ذلك خطورة هذا المر؟‬
‫‪ -3‬أنه يقدم الدنى على العلععى‪ ،‬ويهتععم بععالتوافه علععى حسععاب‬
‫معالي المور ]فماذا نقول عن بعض المسلمين ممن أصععبح ل يهتععم‬
‫بحال إخوانه وشئون أمته‪ ،‬بينما يعرف من التوافه أكثر ممععا يعععرف‬
‫عن أمور دينه‪ ،‬وأخبار علماء السلم وأئمته[‪.‬‬
‫وكم يتأسف النسان علععى أمععوال كععثير مععن شععبابنا ممععن أغععرم‬
‫بحب الرياضة والفن‪ ،‬ويهتم لها ويحزن ويغتم‪ ،‬أكثر مما يهتم لقضايا‬

‫‪51‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫إخوانه في‪ :‬أفغانستان‪ ،‬فلسطين‪ ،‬الفلبين‪ ،‬أريتربا‪ ...‬الخ‪ .‬فهععل هععذا‬


‫قلبه سليم؟ بل نقول لهذا‪ :‬أدرك قلبك فهو على شفا هلكة‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يكره الحق ويضيق صدره به‪ ،‬وهذا بداية طريععق النفععاق‪،‬‬
‫بل غايته‪.‬‬
‫‪ -5‬أنه يجد وحشة مععن الصععالحين‪ ،‬ويععأنس بالعصععاة والمععذنبين‬
‫]فتجد من الناس مععن ل يطيععق الجلععوس مععع الصععالحين‪ ،‬ول يععأنس‬
‫بهم؛ بل يستهزئ بهم ومجالسهم‪ ،‬ول ينشرح صدره إل في مجالسة‬
‫أهل السوء وأرباب المنكرات‪ ،‬ول شك أن هععذا دليععل علععى مععا فععي‬
‫قلب صاحبه من فساد ومرض[‪.‬‬
‫‪ -6‬قبوله الشبهة‪ ،‬وتأثره بها‪ ،‬وحبه للجدل‪ ،‬وعزوفه عععن قععراءة‬
‫القرآن‪.‬‬
‫‪ -7‬الخوف من غير الله‪ ،‬ولذلك يقول المام أحمد‪ :‬لععو صععححت‬
‫قلبك لم تخف أحدا‪] ،‬وهذا العز بععن عبععد السععلم يتقععدم أمععام أحععد‬
‫الملععوك الطغععاة‪ ،‬ويتكلععم عليععه بكلم شععديد‪ ،‬فلمععا مضععى قععال لععه‬
‫الناس‪ :‬أما خفت يا إمام‪ ،‬فقال‪ :‬تصورت عظمة الله‪ ،‬فأصبح عنععدي‬
‫كالهر‪ ،‬والن نرى من النععاس مععن يخععاف مععن‪ :‬المسععئول‪ ،‬الضععابط‬
‫وغيرهما أكثر من ‪+‬خوفه من اللععه‪ ،‬وهععذا ل شععك دخععن فععي قلععب‬
‫صاحبه‪ ،‬والعاقل خصيم نفسه[‪.‬‬
‫‪ -8‬وجود العشق في قلبه‪ ،‬قال شيخ السلم‪ :‬وما يبتلى بالعشق‬
‫أحد إل لنقص توحيععده وإيمععانه‪ ،‬وإل فععالقلب المنيععب فيععه صععارفان‬
‫يصرفانه عن العشق‪ ،‬إنابته إلى الله ومحبته له‪ ،‬وخوفه من الله‪.‬‬
‫‪ -9‬أنه ل يعرف معروفا ول ينكر منكرا ول يتأثر بموعظة‪.‬‬

‫‪52‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫‪53‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫خفاتمة‬
‫لئن كنت قد أطلت في عرض هذا الموضوع‪ ،‬فمرد ذلععك إلععى أن‬
‫يستأثر باهتمامكم‪ ،‬فالله الله في قلوبكم‪ ،‬بالرفق بها وحملهععا علععى‬
‫الخير‪ ،‬والعناية بها أو منعها وحمايتها مما يضرها‪.‬‬
‫وكم يصاب النسان بالحزن عندما يعلم أنه مصاب بمرض حسي‬
‫في قلبه‪ ،‬فهل حزنا مثل ذلك مععن جراحععات القلععب وأمراضععه‪ ،‬مععن‬
‫المععاصي والثام‪ ،‬مععن المتحععان الععذي يعععرض علععى قلوبنععا صععباح‬
‫مساء‪.‬‬
‫مععا ٌ‬
‫ل َول‬ ‫م ل ي َن َْفععُ َ‬
‫فلنتق الله في قلوبنا‪ .‬ففي صلحه النجععاة )ي َعوْ َ‬
‫م()‪] (1‬سورة الشعراء‪ ،‬اليتععان‪-88 :‬‬ ‫لي‬
‫ِ‬ ‫س‬
‫َ‬ ‫ب‬
‫ٍ‬ ‫ه ب َِقل ْ‬
‫َ‬ ‫ن أ ََتى الل ّ‬ ‫ن إ ِّل َ‬
‫م ْ‬ ‫ب َُنو َ‬
‫ٍ‬
‫‪.[89‬‬
‫هل راقبنا الله فيما انتشر من الذنوب من‪ :‬أكل الربا‪ ،‬والمعاونععة‬
‫عليه‪ ،‬وأخععذ الرشععوة وإعطائهععا‪ ،‬ومععن الولععوغ فععي أعععراض النععاس‬
‫بالغيبة والنميمة‪ ،‬في ذنوب ل يحصيها محص ول يعدها عاد؟‬
‫ولنرحم هذه القلوب‪ ،‬ولنحملهععا علععى طاععععة اللععه بإكثععار قععراءة‬
‫القرآن ومدارسته‪ ،‬وكثرة النوافل والعبادات‪ ،‬وكثرة الصعدقة‪ ،‬وذكععر‬
‫حتى نلقى الله بقلوب سععليمة مخبتععة أواهععة أوابععة‪ ،‬وأكععرر‬ ‫الله ‪‬‬
‫التحذير من انشغعال كثير من الناس بقلععوب إخععوانهم غععافلين عععن‬
‫قلوبهم‪ ،‬فالنجاة النجاة‪.‬‬
‫اللهم إنا نسألك الثبات في المر‪ ،‬والعزيمة على الرشد‪ ،‬ونسألك‬
‫شكر نعمتك‪ ،‬وحسن عبادتك‪ ،‬ونسألك من خير ما تعلم‪ ،‬ونعععوذ بععك‬

‫‪ - 1‬سورة الشعراء آية‪.89-88 :‬‬

‫‪54‬‬
‫امتحان القلوب‬

‫من شر مععا تعلععم ونسععتغفرك لمععا ل نعلععم‪ ،‬اللهععم إنععا نسععألك قلبععا‬
‫سليما‪ ،‬ولسانا صادقا‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫‪55‬‬

You might also like