You are on page 1of 407

‫‪http://www.shamela.

ws‬‬
‫تم إعداد هذا الملف آليا بواسطة المكتبة الشاملة‬

‫الكتاب ‪ :‬افعال الرسول ودللتها على الحكام‬


‫الشرعية‬
‫تأليف‪ :‬محمد سليمان الشقر‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫فاتحة القول‬
‫الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا ً فيه‪ .‬وصلوات الله‬
‫وتسليمه على نبيه المين‪ ،‬الذي حمل وحيه‪ ،‬وأداه إلينا‬
‫كامًل‪ ،‬مبينًا‪ ،‬ل عوج فيه‪ ،‬فعلمنا به من الجهالة‪ ،‬وهدانا به‬
‫من الضللة‪ ،‬وجمعنا به بعد الفرقة‪ ،‬وجعل لنا في الدنيا‬
‫والخرة مكانا ل تنكره المم‪.‬‬
‫وبعد‪ ،‬فإن نهر الشريعة الخالد ينبع أول من كتاب الله‬
‫العظيم وحي الله المبارك‪ ،‬وكلمته إلى العالمين‪ .‬ويستمد‬
‫هذا النهر بعد من سنن النبى!‪.‬‬
‫منذ أن اختار الله نبيه محمدًا! لحمل الرسالة‪ ،‬استشعر‬
‫عظم المهمة التي ألقيت‬
‫على عاتقه لهداية الب!ثر‪ ،‬وتخلف ثقل الممول ألفي‬
‫كَلف به‪ .‬لقد أهمه‪.‬سر الجموع الزائغة من البشر‪ ،‬في‬
‫الجزيرة وخارجها‪ ،‬من يهديها؟ وتلك الجيال المتلحقة‬
‫عبر الزمان إلى أن تقوم الساعة‪ ،‬من يعلمها أحكام الكهف‬
‫حتى وردت الطمأنينة له من السماء‪ :‬كما ودعك ربك وما‬
‫قلى! وللخرة‬
‫خير لك من الصلى* ولسموه يعطيك ربك فترضى! الله‬
‫معك‪ ،‬أما أنت فاستقم كما أمرت‪ ،‬ول تحد عنه‪ .‬ل تقهر‬
‫اليتيم‪ ،‬ول تنهر السائل‪ ،‬وحيث الناس بما جاءك من‬
‫قه حق تقاته‪ .‬فهذا الذي عليك‪.‬‬ ‫الوحي‪ ،‬واعبد الله وات ِ‬
‫ولست علمهم بمسيطر‪.‬‬
‫إذن المر هين‪ :‬تبليغ واستقامة‪ ،‬بيان بالقول‪ ،‬وضرب مثل‬
‫بالفعل‪ .‬أما الهداية والضللط فهما بيد أفه وحده‪.‬‬

‫) ‪(1/1‬‬
‫فشرح الله صدره للمر‪ ،‬ووضع عنه وزره الذي أنقض‬
‫ظهره‪ ،‬ويسر له ما‬
‫كان عليه عسيرا ً‬
‫ولكن هل كانت المهمة يسيرة حقا ً لقد كلن عليه عن لن‬
‫وم‬‫هية‪ ،‬ويق ّ‬ ‫يقف الليل إل قليل ً يتدبر تلك الكللمات الل َ‬
‫بقيلها فكلمه وقلبه‪ ،‬حتى إذا أصبح‪ ،‬بلغها قومه‪ ،‬واستقام‬
‫دى به‪ ،‬ونفذ ما علمه الّله‪ ،‬ليكلوز شاهدا عليهم‪،‬‬ ‫عليها لي ُ ْ‬
‫قت َ َ‬
‫كما أرسل الله إلى فرعون رسوًل‪ ،‬فعصاه فأخذه الله أخذا‬
‫د‪ ،‬وليس عبثا ً‬ ‫وبيلي‪ -‬فالمر ج ّ‬
‫لقد حرصت المة عله تدوين ما صدر عنه ينهيه من أقواله‬
‫وأفعاله‪،‬‬
‫وحفظ الله الذاكر بتلك الجهود المضنية التي بذلتها المة‪،‬‬
‫في شتم ميادين العلم‪ ،‬والتي تكاد تماثل ما بذلته من‬
‫الجهود في الجهاد والتبليغ‪ .‬فكان في كل النوع!!ن من‬
‫الجهاد‪ ،‬رفع ذكر محمد عنه‪ ،‬وذكر قومه في العالمينا‪.‬‬
‫أفعال النبي يكل!!ا حقيقة المر أكد من أقواله أضعافا‬
‫مضافة‪.‬‬
‫وهذا ملحظ في سائر الب!ثر‪ .‬فقلما ينفك البشر عن‬
‫فعل‪ .‬ولكنه ل يتكللم‬
‫أل إذا بدا له ذلك‪.‬‬
‫والتقرير أكثر من ذلك كله‪ ،‬فإن ما رآه النبي كبر من‬
‫أفعال الصحابة وتروكهم‪ ،‬وما رآه في بيئته من المور فلم‬
‫يغيره‪ ،‬ل يحمى‪ ،‬والذي أنكره من ذلك قليل جدا ً‬
‫لكن ما نقل إلينا في دواوين السنة من الفعال والتقارير‪،‬‬
‫أقل من القوال أو يمساويه‪ .‬وقد جمع السيوطي عامة‬
‫السنن المروية في جامعه الكبير‪ ،‬فكانت الروايات الفعلية‬
‫مساويا تقريبا للروايات القولية‪.‬‬
‫ملت كما‬ ‫م الصوليون الفعال التي ح ّ‬ ‫ومع ذلوا‪ ،‬فهل خدَ َ‬
‫خدموا القوال؟‬
‫إن كتب الصول الشاملة تعرضت للقوال‪ ،‬من جميع‬
‫جوانبها ّلقريبًا‪ .‬فبحثت في المر والنهي‪ ،‬والعموم‬
‫والخصوص‪ ،‬واطقيقة والمجاز‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫) ‪(1/2‬‬

‫ظ معينة ودللتها‪ ،‬فتكلموا في من والى‬‫بل تعرضوا للفا ٍ‬


‫وعن وعل وأمثالها‪.‬‬
‫وهناك المباحث التي تدخل فيها الفعال! مع القوال‪،‬‬
‫كالحلم‪ ،‬والنسخ‪،‬‬
‫والبيان والجمال‪ ،‬وما سواها‪ ،‬كادت هذه المباحث أن‬
‫تكون يخل كلم الصولية مقصورة على القوال‪ ،‬ول يذكر‬
‫الفعل فيها إل ِلمامأ‪ ،‬كانه ضيف زائر‪ ،‬أو حبيب معاَتب‪.‬‬
‫وكتب الباحثون المتخصصون قديما وحديثا في مباسط‬
‫القوال!‪ ،‬وأفردوا‬
‫أكثرها بمؤلفات متخصصة‪ .‬فكتبوا في المر والنهي‪ ،‬وفي‬
‫الحقيقة والمجاز‪ ،‬وفي تفسير النصوص المجملة‪ .‬وكتبوا‬
‫في العموم والخصوص وغيرذلك‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ذلك كانت الدراسات اللغوية في النحو‬
‫والبيان والمعاني تقوم‬
‫بخدمة القوال‪ ،‬وبيان أدق الفروق في دللتها‪،‬‬
‫لقد حرمت الفعال النبوية إل من مجهودات ضئيلة‪ ،‬لقد‬
‫منها الصوليون‬
‫سا ً سريعا ً في مؤلفاتهم الصولية الشاملة‪.‬‬‫م ّ‬
‫فهل ذلك هو الوزن الحقيقي للفعال؟ هل أعطيت‬
‫الفعال بكامل حقوقها‬
‫وما ينبغي لها؟( إن استقراء مواقع الخلف بين الفقهاء‬
‫يظهر بجلء‪ ،‬أن من أسباب الخلف بينهم اختلفهم في‬
‫الحكام المستفادة من الفعال‪ ،‬بل لعتي ل أكون مباِلغأ‬
‫إذا قلت‪ :‬إن الخلف ل قواعد الفعال هذه هو السبب‬
‫الكبر في الخلف الفقهي‪.‬‬
‫ولم نجد‪ ،‬بعد طول البحث‪ ،‬أحدا خض الفعال بمؤلف‬
‫خاص‪ ،‬ما عدا‬
‫اثني من فضلء المتأخرين‪ ،‬أحدهما الشيخ أبو شامة‬
‫المقدسي‪ ،‬من رجال القرن السابع‪ .‬ورسالته في ستيهأ‬
‫ورقة تقريبًا‪ .‬والشخر من رجال القرن الثامن وهو‬
‫الحافظ العلئية‪ ،‬ورسالته في نحو ثلثين ورقة‪.‬‬
‫غط المؤلفان المذكورات جميع نواحي مباحث الفعال؟‬ ‫‪ /‬يُ َ‬
‫وكان بحوثهما في المواضع التي طرقاها قاصرا من‬
‫جهات‪.‬‬

‫) ‪(1/3‬‬

‫لقد كان ذلك كله حافزا ً لختيار الفعال النبوية موضوعا ً‬


‫لدراسة أصولية‪،‬‬
‫أخدم بها السنة المطهرة!‬
‫وقد سرت في عمان بحماس شديد شاعرا بعظم المهمة‪،‬‬
‫ناظرا إلى الفهل!‬
‫الكلبين الذي ينتظر السداد‪.‬‬
‫لقد كان السير في الطريق الممتدة سيرا ً رفيقا ً أما‬
‫ى من‬
‫الفيلم الذي‪ /‬يطر ْ‬
‫قبل فقد كان السير فيه عسيرأمضًلل‪ ،‬لول عودة الله‬
‫وتسديده وتوفيقه‪،‬‬
‫وحرصا عله الطريته الممتدة‪ /،‬أما أن أبدأ السير قبل أن‬
‫طلع على كتابات‬ ‫أ َ‬
‫شاملة في الفعال‪ ،‬فحرصت كل الحرص على الحصول‬
‫على رسالتي الحافظ العلجي وأبو شامة‪.‬‬
‫أما الولى فقد حصلت عليها بيسر‪ ،‬إذ وجدها هنا‬
‫بالقاهرة‪،‬‬
‫وأما الخرى‪ ،‬فقد طال البحث عنها في مكتبات العم‪/‬‬
‫العربي فلم توجد‬
‫فيه‪ .‬ثم يسخر الله الكريم العثور عليها صدفة في إحدى‬
‫المكتبات النائية في أوروبا‪ ،‬ولعلها النسخة الوحيدة في‬
‫العد‪ /‬من المؤلف المذكور‪ .‬فحصلت صورتها بعد عناء‬
‫شديد‪.‬‬
‫أل أنه قد تبين أن كًل من الرسالتيهة المذكورين عجالة‪،‬‬
‫تغني من جرع‬
‫من‪ ،‬وتنقع الغلة دون أن تعطي الريف أو‬ ‫ولكنها ل تس ِ‬
‫تشفا الصدر‪.‬‬
‫واستعنت بالله‪.‬‬
‫ورأت أن من الفعال ما ليس في فعلمته خفاء‪ ،‬كالصلة‬
‫والصوم والجهاد والركوع والسجود والكل والشرب‬
‫والنوم‪.‬‬
‫وأن من الفعال ما اختلف في أنه فعل أو ليمسكه بفعل‬
‫كالترك والكتابة والشارة والسمكرة والقرار‪.‬‬
‫فخصصت النوع الول بباب وسمّيته باب الفعال الصريحة‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫) ‪(1/4‬‬

‫وخصصت النوع الثاني بباب وسميته باب الفعالى غير‬


‫الصريحة‪.‬‬
‫وجعلت للتعارض بي الفعال وما سواها من الدلئل بابا‬
‫ثالثا ً‬
‫وقد مهدت للرسالة بتعريف السنة لغة واصطلحا‪ .‬وبيان‬
‫حجية السنة‬
‫إجمال ومنزلتها من القرآن‪ .‬وفي تحرير المهمات العبرية‬
‫وبمكان درر الفعالى في أدائها على الوجه الكمل‪.‬‬
‫وأما الباب الول وهو باب الفعال الصريحة فقد انتظم‬
‫في تسعة وفصول‪:‬‬
‫الفصل الول تعرضت فيه للبيان بالفعال في حالة‬
‫انفرادها أو اجتماعها‬
‫مختلفة أو متفقة‪ .‬وفي حال اجتماعها مع القوال‪.‬‬
‫والفصل الثاني تعرضت فيه لحكام أفعال النبي !‪.‬‬
‫فأوضحت أق فعله‬
‫قد يصدر عن النصوص القرآنية‪ ،‬أو كن اجتهاد‪ ،‬أو تفويض‪،‬‬
‫وأنه قد يصدر على أساس مرتبة العفو‪ ،‬أي عدم الحكم‪.‬‬
‫وبينت في الفصل الثاني أن الفعال التي تصدر عنه !‪ ،‬إما‬
‫أن تكون من قبيل الواجبات‪ ،‬أو المندوبات‪ ،‬أو المباحات‪،‬‬
‫وتعرضت للعصمة عن الكرويات وا لمحرمات‪.‬‬
‫وذكرت الطرق التي يتعّين بها حكم فعله عن‪ .‬فحصرت‬
‫ذلك‪ ،‬وناقشت النظريات التي أويى!ت في أماكن شتى‬
‫من كلم الصولية حول ذلك‪.‬‬
‫وفي الفصل الثالث بينت أن الفعال النبوية من حيث‬
‫الجملة حجة شرعية‪ .‬وناقشست المخالفين في ذلك‪.‬‬
‫وأوردت الدلة المقنعة‪.‬‬
‫س!مت الفعال النبوية الصريحة‬ ‫وفي الفصل الرابع ق ّ‬
‫عشرة أقسام‪ :‬الفعل الجِبلى‪ .‬والعاطفي‪ .‬والدنيوفي‪.‬‬
‫والخصائص‪ .‬والمعجزات‪ .‬والفعل البيافط‪ .‬واَلمتئال ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫والمتعدي‪ .‬والمفعول لنتظار الوحي‪ .‬ثم الفعل المجرد‪.‬‬
‫وخصصت كل واحد منها بمبحث خاص أوضحت ما يستمل‬
‫ه ذلك‪.‬‬‫به منها وما ل يستدل به‪ ،‬وكيفي ّ‬
‫‪11‬‬

‫) ‪(1/5‬‬

‫غير أفق خصصت الفعل المجّرد بفصل ما وهو الفصل‬


‫الخامس‪ ،‬لما أنه‬
‫لبث باب الفعال‪ ،‬وهو ألفي يقع فيه الخلف‪.‬‬
‫وفي الفصل السادس تحدثت عن الحكام التي يصح‬
‫استفادتها من الفعال‪،‬‬
‫ومن أين يؤخذكل منها‪ ،‬سواء الفعال التكليفية والوضعية‪.‬‬
‫ول الفصل السابع تحدثت عن صفة الدللة الفعلية‪،‬‬
‫بطبيعتها‪ ،‬وهل تتمي إلى الدللة المطابقئة أو التضمنية‬
‫أو اللتزامية‪ .‬وذكرت أن الفعل قد يدل بالفهم‪ .‬وبينت‬
‫كيفية انسحاب حكم الفعل النبوئي على أفعال المة‪-‬‬
‫وتعرضت في الفصل الثامن لدللة متحّلقات الفعل‬
‫النبوي‪ .‬فذكرت دللة‬
‫سبب الفعل‪ ،‬وفاعله‪ ،‬ومفعوله‪ ،‬ومكانه‪ ،‬وزمانه‪ ،‬وهيئته‪،‬‬
‫وما يقارنه‪ ،‬وأدواته الماضية‪ ،‬وعدد الفعل ومقداره‪.‬‬
‫وفي الفصل التاسع ذكرت مباحث متنوعة تتعلق بالفعال‪،‬‬
‫فعقدت مبحثا‬
‫ت فيه للمجتهد الطريق العملي الذي يسلكه لستفادة‬ ‫بئن ْ ُ‬
‫الحكم من الفعل النبوئما؟‬
‫ومبحثأ آخر للعتراضات التي تورد على الستدلل‬
‫بالفعالى‪ ،‬وكيف الجواب عنها‪.‬‬
‫ومبحثأ ثالثا لنقل الفعل الكبري‪ ،‬وما قد يقع عن الخلل‬
‫في‪-‬أدوات النقل وعباراته‪ ،‬وما يحصل من الوهام بسبب‬
‫ذلك‪ ،‬ليحصل التنبه لها‪ ،‬والحذر من الوقوع فيها‪.‬‬
‫أما الباب الثاني‪ :‬فقد عقدته للفعال غير الصريحة وهي‬
‫الكتابة والشارة والوجه الفعلية للقول‪ ،‬والترك‪،‬‬
‫والسكلرت‪ ،‬والتقرير‪ ،‬والهم بالعلى‪ -‬وعقدت لكل منها‬
‫فصل ً ثم عقدت فصل لمورتلحق بالفعاله النبوية‪.‬‬
‫أما الباب الثالث‪ :‬فقد عقدته للمعارض بين الفعال النبوية‬
‫بعضها ببعض‪ ،‬والمعارض بينها وبن الدلة الخرى‪ .‬وانتظم‬
‫ص به قطعة من رسالة‬ ‫ه فصول‪ .‬وألحق َ‬ ‫عندي في أربع ّ‬
‫ي المسقاة بتفصيل الجمال في تعارض‬ ‫الحافظ العلث ّ‬
‫‪13‬‬

‫) ‪(1/6‬‬

‫ي‬
‫القوال والفعال( رأيت من الضروري أن تكون بين يدَ ْ‬
‫من يطلع على هذا البحث‪.‬‬
‫وقد كان مما أخذته على نفسي في هذا البحث أن أزن‬
‫المور بما تستحقه‪ ،‬فل أستقل قول للجهالة بقائله‪ ،‬أو‬
‫لنه ن ُب َِز بوصف غير لئق‪ ،‬ول أغتر بقول نسب إلى‬
‫الجمهور أو الكلثير‪ ،‬أو إلى فلن أو فلن من المشهورين‪.‬‬
‫وقد أوردت من الفروع الفقهية أمثلة تتضح بها القواعد‪،‬‬
‫ويبلمن بها المراد‪ .‬وأخذت على نفسي أل أستطرد وراء‬
‫تلك الفروع نقاشا راستدلل إل بمقدار ما تتضح به‬
‫القاعدة الصولية ويبين به المراد منها‪ .‬والذي يريد دراسة‬
‫الفرع المقهى ينبغي أن يأخذه من مظانه من كتب الفقه‪.‬‬
‫وخرجت ما ورد في هذه الرسالة من اليات والحاديث‪+‬‬
‫وترجمت للعلم المستغربة نوعا ً ما‪ ،‬وتركت الترجمة‬
‫للمشهورين اكتفاء بشهرتهم‪.‬‬
‫ولستم ذوي العصمة‪ ،‬ول أزعم الحاطة‪ .‬وإنما أدعي‬
‫وأزعم أنني بذلت‬
‫جهدا في جمع شمل نواحي هذا الموضوع الهام‪ ،‬وأنني‬
‫حللت جزءا ً من تلك المشكلت‪ ،‬وسلطت الضواء على‬
‫مواضع الشكال الخرى‪.‬‬
‫وليس ذلك بحولي ول بقصتي‪ ،‬وإنما بفضل الله وعونه‬
‫وتي!بحيره لكل صعب‪،‬‬
‫لمست ذلك عندما رأيت تفّتح المقالت‪ ،‬وتيسير الشدائد‪،‬‬
‫وتسهيل كل عسير‪ .‬وأتقدم بالشكر إلى أستاذي فضيلة‬
‫الشيخ عبدالغني محمد عبدالخالق‪ ،‬الذي‬
‫كان لتشجيعه وتوجيهه أثره الكبير ل خروج هذه الرسالة‬
‫عل هذا الوضع‪ ،‬ولكل من أسدى في ذلك يدًا‪.‬‬
‫‪ 9‬والحمد لُله أول وآخرا ً‬
‫القاهرة‪ -‬مدينة نصر‬
‫لوم الخميسي ‪ 17‬من رجب الحرام ‪ 1396‬هـ ‪ 15‬من يوليو‬
‫‪ 1976‬م‬
‫‪13‬‬

‫) ‪(1/7‬‬

‫لمجد‬
‫‪ -1‬السنة في اللغة رفي الصطلح‪.‬‬
‫‪ -2‬حجية السنة إجما ً‬
‫ل‪ ،‬ومنزلتها من القرآن‪.‬‬
‫‪ -3‬تحرير المهمات النبوية وبيان دور الفعال في أدائها‬
‫على الوجه الكمل‪ -4 .‬تعريف )الفعل( وانقسامه إلى‬
‫صريح وغير صريح‪.‬‬
‫‪ -5‬الفعال النبوية في الدراسات الحديثية والصولية‪.‬‬
‫‪15‬‬

‫) ‪(1/8‬‬

‫المبحث الول‬
‫السنة في اللغة وفي الصطلح‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫السنة في اللغة الطريق‪ :‬المسلوك حسيا كان أر معنويا )‬
‫ه‪،‬‬ ‫سن َن ُ ُ‬
‫‪ .(1‬قال صاحب اللسان‪ :‬والسنة‪ ،‬وشنن الطريق و َ‬
‫نهجه‪ .‬وقالت شمر‪ :‬السنة في الصل سنة الطريق‪ .‬وهو‬
‫طريق سنه أوائل الناس فصار مسلكا لمن بعدهم "‪.‬‬
‫وقال الله تعالى‪ :‬حسنة الله في الذين خلوا من قبل ! )‪(2‬‬
‫أي‪ 9 :‬سن الله في الذين نافقوا النبياء وأرجعوا بهم أن‬
‫يقتلوا أينما وجدوا" )‪ .(3‬وقال أيضا ً أفهل ينظرون إل سنة‬
‫الولين جمع فلن تجد لسنة الله تبديل ولن تجد لسنة الله‬
‫تحويل! )‪ ،(4‬أي‪ :‬وإنما ينتظرون العذاب الذي نزل بالكفار‬
‫الولين‪ .‬فقد أجرى الله العذاب على الكفار‪ ،‬وجعل ذلك‬
‫ذب بمثله من استحقها ل يقدر أحد أن‬ ‫سنة فيهم‪ ،‬فهو يع َ‬
‫يبذل ذلك " ْ)(‪.‬‬
‫وسواء أكانت الطريقة حميدة أو ذميمة‪ ،‬فكلهما في اللغة‬
‫سنة‪ ،‬يدل للنوع الول قول لبيد في معلقته ة‬
‫وهم ولكل قوم سنة وإمامها‬ ‫من معشرسنت لهم آبا ْ‬
‫)‪ (1‬المعل!ب الحسية الواردة في اللغة لمادة )سنن(‬
‫ثلثة‪:‬‬
‫ا‪ -‬السن بمعنى تحديد الشكلين ونحوها‪.‬‬
‫‪ -2‬السنة بمعنى الحط‪ .‬وقط ذي قي السمان من مزايا‬
‫السنة الخط في جلد الحمار )الوحشي(‪ -3 .‬السنن‬
‫والسمنة بمعنى الطريق‪.‬‬
‫)‪ (2‬سورة الحزاب‪ :‬آية ‪ 38‬و ‪ (3) 62‬تفسير الية عن‬
‫لسان العرب‪.‬‬
‫)‪ (4‬سورة فاطر‪ :‬آية ‪ (5) 43‬تفسر هذه الية عن‬
‫القرطيى ‪36 0 /1 4‬‬
‫‪17‬‬

‫) ‪(1/9‬‬

‫ويمل للنوع الثاني قول خالد بن زه!ير‪:‬‬


‫ن‬‫م ْ‬‫ت سرَتها )‪ (1‬فأول راض سنة َ‬ ‫ة أن َ‬
‫ن من سير ٍ‬ ‫جب ْ‬‫ع َ‬
‫ول ت َ ْ‬
‫يسيرها‬
‫بل ورد هذه ا الستعمال في السنة‪ ،‬كما في حديث‬
‫الصحيحين‪ ،‬أنه !كل! قال‪:‬‬
‫ومن سن في السليم سّنة حسنة فله أجرها وأجر من‬
‫عمل بها إلى يوم القيامة‪ ،‬ومن سن في السلم سنة‬
‫حه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة"‪.‬‬ ‫سيئة فعل ِ‬
‫ً‬
‫سنن الذين من قبلكم‪ ،‬شبرا بشبر‪،‬‬ ‫عن ُ‬ ‫وقال خمس‪ :‬التتب ُ‬
‫وذراعا بذيل؟ حتى لو دخلوا جحر ضب لدخلتموه ‪.(2) 9‬‬
‫وبهذا يتبين ضعف قول الخطابي‪" :‬إن ‪ 9‬السنة" في اللغة‬
‫للطريقة المحمودة خاصة" )‪.(3‬‬
‫"السنة" في الصطلح‪:‬‬
‫السنة في اصطلح الصوليين ما صدر عن النبي عن غهير‬
‫القرآن من القوالى‬
‫وا أأ فعال‪.‬‬
‫وهي في اصطلح المحدثين لمعنى أوسع من ذلك؟ إذ هي‬
‫عندهم‪ :‬كما أضيف إلى النبي يكن‪ ،‬من قول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو‬
‫خْلقئة‪ ،‬أو خُلقية‪ ،‬وما يتصل بالرسالة من أحواله‬
‫صفة َ‬
‫الشريفة قبل البعثة بنحو ذلك "‪ .(4،‬وإنما جعلوها كذلك‬
‫لنهم أهل العناية برواية الخبار‪.‬‬
‫وتطلق السنة على ما يقابل البدعة‪ .‬وبذلك تصدق على كل‬
‫الشريعة‪ ،‬من قرآن‪ ،‬وحديث ثابت‪ ،‬واجتهاد صحيح‪ .‬ومن‬
‫هنا استعمل الصطلح المشهور‬
‫)‪ (1‬هذه رواية ابن قريبة في )عيرن الخبار ‪ 108/4‬ولكن‬
‫في والشعر والشعراء(‪ :‬و )الغاني‪ .‬ط بولق ‪:(63-62/6‬‬
‫فل تجزعن من سنة أنت سرتها‪ .‬وللبيت قصة‪ ،‬فلتراجع‬
‫يخص هذه المواضع‪.‬‬
‫)‪ (2‬متفق عليه والفتح الكبه!‪ !31 .‬مرشد الفحول ص ‪33‬‬
‫)‪ (4‬محمد عمد أبو زهو‪ :‬ا‪-‬أديث والمحدثون‪10 /‬‬
‫‪18‬‬

‫) ‪(1/10‬‬

‫ة أهل السنة" تمييزا لهم عن البتدعة في العمال أو‬


‫العتقادات‪ ،‬كالمعتزلة‪ ،‬والشيعة‪ ،‬والخوارج‪ .‬ولهذا‬
‫الستعمال أصل في الحديث النبوي‪ ،‬قالي ضم‪ 9 :‬عليكم‬
‫مسكوا بها‪،‬‬ ‫بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي‪ .‬ت َ َ‬
‫ضوا عليها بالنواجذ‪ ،‬والكم ومحدثات المور‪ ،‬فإن كل‬ ‫ع ُ‬
‫و َ‬
‫محدثة بدعة‪ ،‬وكل بدعة ضللة!‪ .(1،‬فقابل السنن بالبدع‪.‬‬
‫وفي الصدر الول كانت السنة تطلق على طريقة الخلفاء‬
‫الراشدين‪ ،‬بالضافة إلى طريقة النبي !‪ .‬وقد روي ذلك‬
‫من قول النبي له وسنة الخلفاء الراشدين( كما في‬
‫الحديث النف الذكر‪ .‬وقال علي بن أبي طالب رضي الله‬
‫عنه‪) :‬جَلد النبي !َني أرسين‪ ،‬وجلد أبو بكر أربعين‪ ،‬وجلد‬
‫عمر ثمانين‪ ،‬وكل سنة" )‪ .(2‬إل أنه لما أخذ الفقهاء فيما‬
‫بعد بللبدأ القائل بأنه ل حجة في قول أحد بعد النبي !‬
‫ل النبي‬ ‫ل وأفعا ِ‬ ‫صرت دللة لفظ )السنة! عل أقوا ِ‬ ‫ئهبئ‪ُ ،‬‬
‫ق ِ‬
‫له وحده‪ .‬قال ابن فارس‪ :‬ذكره العل!! قول من قال‪ :‬سنة‬
‫أبو بكار وعمر‪ ،‬وإنما يقال سنة الله وسنة رسوله !‪.(+‬‬
‫أما في اصطلح الفقهاء فالسنة بمعنى النافلة والمندوب‪،‬‬
‫أي ما يتقرب به‬
‫إلى الله تعالى مما ليس بمتحتم على المسلم‪.‬‬
‫وبعضهم جعله لنوع خاص من القربة هي ما داوم عليه‬
‫النبي عن من التعبدات‪ ،‬كالوتر والزواتجط وصوم الثنين‬
‫والخميس‪ ،‬دون ما لم يداوم عليه‪ ،‬كالنوافل المطلقة‪.‬‬
‫واستعمل الفقهاءأ السنة! في باب الطلق خاصة للدللة‬
‫عله الجواز الشرعي‪ ،‬فقالوا‪ :‬طلق السنة‪ ،‬وقابلوه‬
‫بقولهم‪ :‬طلق البدعة‪ ،‬وهو غير المشروع‪ ،‬كالطلق في‬
‫الحيض‪ ،‬وطلق الثلث دفعة واحدة‪.‬‬
‫هذا ويلحظ على تعريف الصوليين للسنة‪ ،‬أنه يدخل فيه‬
‫ما‪ /‬يكن من‬
‫أقوال النبي ! وأفعاله حجة‪ ،‬كأفعاله وأقواله في شؤون‬
‫الدنيا الصرفة‪ ،‬لقوله‪:‬‬
‫)‪ (1‬رواه أبو!اود ‪ 360 /12‬وحسنه الترمذي !رراه الترمذي‬
‫وأبت هاجمه )الفتع الشبيهه‪ (2) .‬رواه مسلم ونيل‬
‫الوطار ‪ (3) (147/7‬إرشاد الفحول ص ‪19 6‬‬

‫) ‪(1/11‬‬

‫وأنتم أعدم بأمر دنياكم " )‪ .(1‬والولى إخهل! مثل هذا"‬


‫‪ ،(2‬ودعّلهم إنما تركوا التصريح به لظهوره‪ ،‬لن من ترك‬
‫العمل بما ل حجة فيه‪ ،‬ل يقال إنه تارك للسنة‪ .‬ويشير إلى‬
‫هذا قول عائشة‪ :‬يانزول البطح ليس بسنة‪ ،‬إنما نزله‬
‫ريسول الله !ن! لنه كان أسمح لخروجه ! )‪ .(3‬مع أن‬
‫النبي جمع فعله‪،‬‬
‫ويلحظه يضأ أن أقواله وأفعاله !‪ ،‬قبل النبوة‪ ،‬ليست‬
‫بتشريع‪ ،‬وتخرج بقولهم في التعريف بما صدر عن النبيذ‬
‫فإن ما صدر عنه ! قبل النبوة ل يصدق عليه أنه مصادر‬
‫عن النبيذ‪-‬‬
‫وملحظة ثالثة‪ ،‬وهىخ أن قول المحذث!!ن كما أضيف إلى‬
‫النبي !ه( أشمل مما‬
‫قال الصوليون‪ ،‬فالحديثة عند المحدثين سنة بقطع النظر‬
‫عن أبوته‪ .‬ول يكون سنة عند الصولية إل بقيد ثبوته عن‬
‫النبي يكن‪ ،‬ومن أجل ذلك عثروا بقولهم كما صدر عن‬
‫النبي !(‪.‬‬
‫وملحظة رابعة‪ ،‬وهي أن بعضا الصوليين قال في تعريف‬
‫السنة ة إنها ما‬
‫صدر عن النبي ! من قول أو فعل أو تقرير‪ ،‬وبعضهم‬
‫يضيف التراث‪ ،‬وبعضهم يضيف الهام والشارة ونحو ذلك‪.‬‬
‫والولى ترك ذكر ما عدا القوال والفعال‪ ،‬كما صنع‬
‫البيضاوي في المنهاج‪ ،‬لن كل ما ذكر مما سواهما فهو‬
‫فعل على الراجح‪ ،‬كما سنذكره في مواضعه إن شاء الله‪.‬‬
‫وأما من ادعى أن شيئا ً مما ذكر ليس فعل ً وأنه حجة‪،‬‬
‫فيلزمه ذكرت في التعريف‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ‪118/16‬‬
‫)‪ (2‬عبدال!اب خلف نمه على أنه ذلك "من السنة ولكنه‬
‫ليست تشريعا واجيبأ اتباعها‪ .‬وعندي أن ذلك هو من‬
‫ه( في اصطلح المحدثين ل في اصطلح الصوليين‬ ‫)السن َ‬
‫لن الصوليين يعتمدون )الحجية(‪ .‬وقد أشار إلى اعتبار‬
‫قيد الحجية في التعريف صاحب تيسير التحرير ‪20 /3‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم ‪58/9‬‬
‫‪20‬‬

‫) ‪(1/12‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫حجية السنة إجماًل‬
‫الحتجاج بالسنة الواردة عن النبي !‪ ،‬واعتبارها أحد أصول‬
‫الشريعة السلمّية الدالة على الحكام الشرعية‪ ،‬هو دأب‬
‫المسلمين قديما وحديثا ً والذين يعرضون عن اتخاذها‬
‫كذلك‪ ،‬ول يعتبرونها عليهم حجة‪ ،‬قوم زائغون منحرفون‬
‫عن الحق‪ .‬بل قال الشوكاف!‪ :‬فإن ثبوت حجيتها‪،‬‬
‫واستقللها بتشريع الحكام‪ ،‬ضرورة دينية‪ ،‬ول يخالف في‬
‫ذلك إل من ل حد له في دين السلم " )‪.(1‬‬
‫القرآنيون ة‬
‫وقد نبغ بين المسلمين قوم سفوا أنفسهم بالقرآنيين "‪،‬‬
‫ادعوا أن الشريعة ل‬
‫تؤخذ أل من القرآن‪ ،‬وأن المسلمين ليسوا بحاجة إلى‬
‫السنة‪ .‬وصنعوا من فهمهم المجرد للقرآن تركيبة شرعّية‬
‫في الطهارات والصلة والزكاة والحج وغيرها‪ ،‬يعلم‬
‫المطلع عليها يقينا ً أنها محالفة لما كان عليه رسول الله‪-‬‬
‫كيرك وأصحابه‪ .‬ولهؤلء القوم المعاصرين المذكورين‬
‫سلف فيمن مضى‪ ،‬لم يزالوا تذرع نجومهم‪ ،‬فتطمسها‬
‫شموس الحق من أئمة الهدى في كل زمان‪ .‬وقد ألف‬
‫السيوطي رسالته المشهورةإ مفتاح الجنة في الحتجاج‬
‫بالسنة" للرد على من وجد من دعاة هذه الفكرة في زمانه‬
‫من الرافضة‪ .‬وذكر فيه أن أصحاب هذا الرأي من الزنادقة‬
‫والرافضة‪ ،‬كانوا موجودين‬
‫)‪) (1‬رشاد الفحول ص ‪33‬‬
‫‪21‬‬

‫) ‪(1/13‬‬
‫بكثرة في زمن الئمة الربعة فمن بعدهم يتصدى لهم‬
‫الئمة الربعة‪ ،‬وأصحابهم‪ ،‬في دروسهم ومناظراتهم‬
‫وتصانيفهم " )‪.(1‬‬
‫وذكر الشاطبين )‪ (2‬طائفة شبيها حالها بحال هؤلء‪ ،‬إل‬
‫أنها كانت تقبل الحديث إذا وافق القرآن‪ .‬ومع ذلك فقد‬
‫قال الشاطري عنهم‪ :‬ل أنهم قوم ل خلق لهم "‪ .‬ول شك‬
‫أنهم أهل لهذه الحكم‪.‬‬
‫ومما تمسك به هؤلء ظواهرقرآنية‪ ،‬نحو ظاهر قوله‬
‫تعالى‪ :‬وما فرطنا في الكتاب من شيء!"‪ (3‬وقوله‪:‬‬
‫)ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء!‪ .(4،‬والجواب أن‬
‫المة الولى ليس المراد بالكتاب فيها القرآن‪ ،‬بل اللوح‬
‫المحفوظ‪ ،‬كما هو واضح من السياق‪ .‬وكان القرآن تبيانا ً‬
‫لكل شيء بما دل عليه من الدلة الخرى‪ ،‬وها السنة‬
‫والجماع والقياس‪.‬‬
‫ومما تمسكوا به أيضا أحاديث ضعيفة مردودة‪ ،‬كما روي أن‬
‫النبي خط قالت‪:‬‬
‫إ ما أتاكم عني فاعرضحه على كتاب الله‪ ،‬فإن رافق كتاب‬
‫الله فانه قلته‪ ،‬وإن خالف كتاب الله فلم أقله أنا‪ ،‬وكيف‬
‫أخالف كتاب الله وبه هداني الله؟ !‪ .‬قالي عبدالرحمن بن‬
‫مهدوي‪" :‬الزنادقة وضعوا هذا الحديث " ْ)(‪ .‬وقال‬
‫غاني‪:‬أ هذا الحديث موضوع " )‪.(6‬‬ ‫ص َ‬
‫ال ّ‬
‫وعنه ما روي أن النبي ينهض قال‪ :‬ول تكتبوا عني شيئا إل‬
‫القرآن‪ ،‬فمن كتب‬
‫عني شيئا غير القرآن فليمحهأ )‪ .،7‬وهو معارض بقوله !‪:‬‬
‫واكتبوا لبي شاهد "‪ ! .(8،‬أذنه لعبدالله بن عمرو)‪ (9‬قي‬
‫كتابة ما يسمعه منه !‪.‬‬
‫)‪ (1‬السيوطي‪ :‬مفتاح ا‪-‬أنة في الحمتجاج بالسنة ص ‪3‬؟ ‪4‬‬
‫)‪ !2‬الموافقات ‪ (3) 1 8 ،17/4‬سورة النعام‪ :‬آية ‪(4) 38‬‬
‫سورة النحل‪ :‬آية ‪ (5) 89‬الموافقات للشاطب!‪(61 1 8/4‬‬
‫المقاصد الحسنة‪ .‬وانظر أيضا ً السيوطي‪ :‬مفتاح ا‪-‬أنة‪ ،‬ص‬
‫‪14‬‬
‫)‪ (7‬ربه أحمد ومسلمة الفتح ال!بيه!‪.‬‬
‫)‪ !8‬رواه البخاري يفتح البارين ط مصطفى الحلبي ‪/1‬‬
‫‪216‬‬
‫‪ (91‬رواه أحمد و!ّبو داود )ففح الجاري ط مصطفى‬
‫الحلبي ‪(218/1‬‬

‫) ‪(1/14‬‬
‫ا لحديثيون‪:‬‬
‫ونحن ولن كنا ننعى على القوم الذين تقدم ذكرهم‬
‫أسلوبهم في فهم الدين‪،‬‬
‫ل يسعنا أل أن نوجه اللوم‪ -‬منصفين‪ -‬إلى قسم انتسبوا‬
‫إلى الحديث الشريف انتسابا ً جعلهم يعرضون عن كتاب‬
‫الله‪ ،‬ول يتدئرونه حق التدبر لستفادة الحكام منه‪ .‬بل كل‬
‫اعتمادهم على السنة وحدها‪ .‬ولو سألت أحد )علمائهم(‬
‫عرئي على كلم ربه‪ ،‬ول‬ ‫عن حكم شرعي ودليله‪ ،‬لما َ‬
‫التفت إليه‪ ،‬بل يسارع إلى الستشهاد بالحديث والستدلل‬
‫به‪ ،‬ولو كان الحكم في القرآن بئنأ واضحا ً ل لبس فيه‪.‬‬
‫ولست أعني أنهم يعتقدون وجوب تقديم السنة على‬
‫الكتاب‪ ،‬ولكن الذي‬
‫أعنيه تصرفهم العملي في دراساتهم وتكليفهم وفتاواهم‬
‫ونحو ذلك‪ .‬وكان الواجب الهيم إنزال السنة منزلتها‬
‫الحقيقية‪ ،‬منزلة الخادم لكتاب الله‪ ،‬التابع له‪ ،‬الواقف‬
‫ضح ما غمض من معانيه‪.‬‬ ‫حيله‪ ،‬يترجم عنه‪ ،‬ويو ّ‬
‫وليس هناك‪ -‬في ما نعلم‪ -‬طائفة من المسلمين يعتقدون‬
‫تنحية القرآن عن الحتجاج به في الدين‪ ،‬ول طائفة معينة‬
‫يعتقدون تقديم السنة على القرآن‪ ،‬وإن نقل القول بذلك‬
‫عن قوم لم يعينوا )‪ .(1‬بل المسلمون ما بين معتقد‬
‫لمساواة القرآن للسنة في الحتجاج‪ ،‬وبين معتقد لتقديمه‬
‫عليها‪ ،‬وهو الراجح‪ ،‬كما في الحديث المشهور من إقرار‬
‫النبي ! لمعاذ إذ قال‪" :‬أقضي بكتاب الله‪ ،‬فإن لم أجد‬
‫فبسنة برسول الليه‪ ،‬فإن لم أجد أجتهد رأي ول آلون )‪.(2‬‬
‫وروي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬قال في كتابه‬
‫إلى شريح قاضيه على الكوفة‪:‬أ إذا أتالى!ر فاقض بما له‬
‫كتاب الله‪ ،‬فإن أتاك ما ليس في كتاب الله فاقض بما سن‬
‫فيه رسول الله !" )‪ .(3‬وفي رواية‪ :‬وإذا وجدت شيئا في‬
‫كتاب الله فيقضى فيه ول تلتفت إلى غيرها‪.‬‬
‫مله‬
‫)‪ (1‬نجعله القاطعي في الموافقات ‪ 1 5 -8/4‬وح ّ‬
‫الجويئأ أرشاد الفحول ص ‪(273‬‬
‫)‪ (2‬بمعنى ما في سنن أب داود )‪ (509 /9‬وفي عرض‬
‫ي‪ :‬أخرجه الترمذي وقالت ليس أسناد ‪ 8‬بمتصل‪،‬‬ ‫المعن ّ‬
‫ولكن قال الخطيب‪ :‬دل احتجوا به بهيعأ أغنى عن طلب‬
‫السناد لها "‬

‫) ‪(1/15‬‬
‫)‪ (3‬هذا الثر بروايتيه ذكره الشاطري في الموافقات )‬
‫‪ (8/4‬وقد انفرد به النسائي ‪331 /4‬‬
‫‪23‬‬

‫) ‪(1/16‬‬

‫هذا وقد ورد عن بعض أهل العلم أنه قال‪ :‬ل السنة قاضية‬
‫على الكتاب‪،‬‬
‫وليس الكتاب بقادر على الشر" )‪ -(1‬ومعناه أن السنة‬
‫تبين مجمل القرآن‪ ،‬وتخصص عامه‪ ،‬وتقود مطلقه‪ -‬ولكن‬
‫هذا القائل عبر تعبيرا ً غير موفق‪ ،‬أوجد نوعا من التصور‬
‫الفاسد لتقديم السنة على القرآن‪ ،‬وفتح لعداء السلم‬
‫صغدأ‪،‬‬ ‫مطعنا‪ ،‬إذ ادعوا أن تقييم المسلم!س للسنة تطور ُ‬
‫حتى قدموها على القرآن‪ .‬وقد ذكر أن المام أحمد سمع‬
‫مثل هذا القولي‪ ،‬فكان تعليقه عله ذلك أن قالي‪ 9 :‬ل‬
‫أجسر أن أقوله؟ ولكون أقول‪ :‬السنة تفسر القرآن وتبّينه‬
‫" )‪.(2‬‬
‫أدلة حجية السنة النبوية‪:‬‬
‫؟‪ -‬من القرن ن‪:‬‬
‫قوله تعالى‪ :‬نقل أطيعوا الله والرسول ! )‪ .(3‬وقوله‪:‬‬
‫)وأطيعوا الله والرسوله لعلكم ترحمون ! )‪ ،(4‬أومن يطع‬
‫الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيمان ْ)( وهوي أمورنا باتباع‬
‫سنته‪ ،‬والخذ بها‪ ،‬فيلزم طاعته في ذلك‪ ،‬ليتحقق امتثال‬
‫هذه اليام المذكورة وأمثالها‪.‬‬
‫مَرنا أيضا بأمور تفصيلية‪ ،‬ونهانا عن غيرها‪،‬‬ ‫وهوت قدم َ‬
‫فيلزمنا طاعته فيها‬
‫عمل ً باليات المذكورة أعله‪ ،‬وذلك هو الخذ بالسنة‪.‬‬
‫وورد في كتاب أفه تعالى أمره لنا باتباع نبيه عن‪ ،‬وتعليق‬
‫فلحنا على ذلك‪ ،‬وجعله مقتضى محبتنا الله‪،‬‬
‫ومقتضيألمحبة الله لنا‪.‬‬
‫فقد قال تعالى‪ :‬والذين يتبعون الرسول النبي الفيش‬
‫الذي يجدونه مكتوبا ً‬
‫مه ‪ (10 /41‬ونقله أدفأ‬ ‫)‪ (1‬ذكره الشاطري في المهافقاه ّ‬
‫في مادة )السنة( من دائرة المعارف السلمية )‪(284 /13‬‬
‫غير منسوب إلى قائل محين‪ ،‬و‪ /‬نجده في مصدر مسند‪.‬‬
‫مات ‪ (31 26/4‬سورة امل‬ ‫)‪ 12‬نقله الشاطري في المواف ْ‬
‫عمران‪.33 /‬‬
‫)‪ (4‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪ (5) 132‬سورة الحزاب‪ :‬آية ‪71‬‬
‫‪24‬‬
‫) ‪(1/17‬‬

‫عندهم ل التوراة والنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن‬


‫ل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع‬ ‫المنكر ويح ّ‬
‫عنهم إصرهم والغلل التي كانت عليهم فالذين آمنوا به‬
‫زل معه أولئك هم‬ ‫وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي ان ِ‬
‫المفلحون ! )‪.(1‬‬
‫وقال‪) :‬قل إن كنتم تحبون ألمحه فاتبعوني يحببكم الله !‬
‫)‪.(2‬‬
‫ماذا ثبتت مشروعية اتباعه جمة‪ ،‬فإن التباع هو سيولى‬
‫السبيل الذي سلكه المتبوع‪ .‬وسبيل محمد صن هي سنته‪،‬‬
‫وهو المطلوب‪.‬‬
‫بل قد ورد في القرآن الكريم بيان أن تعديل السنة‪،‬‬
‫بالضافة إنما تقديم الكتاب‪ ،‬هو من مهمة محمدي‪ .‬قال‬
‫الله تعالى‪ :‬وهو الذي بعث في الميين رسول منهم يتلو‬
‫عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة‪ ،‬وإن كانوا‬
‫ش وهو )‪*(3‬‬ ‫من قبل لفي ضلل مب! ّ‬
‫قال قتاده‪ 9 :‬الحكمة السنة وبيان الشرائع " )‪.(4‬‬
‫ولكن يحتمل أن يقال‪ :‬إن المراد بالحكمة الفهم العميق‪،‬‬
‫ومعرفة معالجة‬
‫المور بما تستحقه‪ ،‬ل فجرها آخرون‪ .‬وعلى هذا الوجه ل‬
‫تكون الية حجة في هذه المسالة‪.‬‬
‫إل أنه ورد في سورة الحزاب قوله تعالى‪ :‬ويا نساء النبي‬
‫لستن كأحد من‬
‫ن فل تخضعن بالقول فيطمع الذي في‬ ‫النساء إن اتقيت ّ‬
‫قلبه مرض‪ ! ...‬إلى قوله‪ ...) :‬واذكرن ما يتلى في بيوتكن‬
‫من آيات الله والحكمة! )‪ (5‬وهو يبذلن أن الحكمة شيء‬
‫خاص متميز كان )يتلى! أو يصنع به ما هو شبيه بالتلوة )‬
‫‪ (6‬من المذاكرة )‪ (1‬سورة العراف‪ :‬آية ‪ (2) 175‬سورة‬
‫ال عمران‪ :‬آية ‪31‬‬
‫)‪ (3‬سورة الجمعة‪ :‬آية ‪2‬‬
‫)‪ (4‬تفسير القرطبي ‪ 1 3 1 /2‬وهو عند البخاري )فتع‬
‫الجاري ط الحلبي ‪(39/1 0‬‬
‫)‪ (5‬سورة الرض أب‪ :‬آية ‪35 ،34‬‬
‫)‪ (6‬على حد ما ليال النحويون في قول الشمر‪:‬‬
‫ت عمالة عيناها‬ ‫شاة‪ .‬ل تبنا وماءأباردأ حتى شَتس ْ‬
‫‪25‬‬

‫) ‪(1/18‬‬
‫والتحفظ والدراسة‪ .‬وهذا يبّيئ( ن تفسير قيادة للحكمة‬
‫هو الصواب‪ ،‬وتكون الهية دليل على حجية السنة كما‬
‫تقدم )‪ -(1‬ومما يبزكد هذا المعنى أن الصحابة رضي ألك‬
‫عنهم كانوا )يتعلمرن السنة كما يتعلمون القرآني ففي‬
‫صحيح مسلم‪! :‬جط! ناس إلى النبى‪ ،!-‬فقالوا‪ :‬ابعث معنا‬
‫رجال يعلموننا القرآن والسنة" )‪.(3‬‬
‫‪ -2‬من السنة‪:‬‬
‫شهد المسلمون أن محمدأ! هر رسول الله حقًا‪ ،‬بدللة‬
‫المعجزات التي أجراها الله على يعيه‪ ،‬وهذا يقتلهما‬
‫اليمان بعصمته من الكذب فيما يبلغنا إياه عن ربه عز‬
‫وجل‪ ،‬وما جاء به من أمر الدين‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد صح عنه له أنه قال‪:‬أ تركت فيكم ‪ 3‬مرين لن تضلرا‬
‫ماتم!كتم بهما‪،‬‬
‫كتاب ألفه وسنة نبيه !‪.(+‬‬
‫أخبر أن في التمسك بالسنة‪ ،‬كالكتاب‪ (،‬مانع من الضللة‪،‬‬
‫وهذا يقتلهما‬
‫أنها حق ودليل صحيح على الحكام‪.‬‬
‫وقال رسول الله‪" :!-‬أل لني أوتيت القرآن ومثله معه‪ ،‬أل‬
‫وإني أوتيت القرآن ومثله معه‪ ،‬أل يوشك أن يقعد الرجل‬
‫حذث بحديث من حديثي‪ ،‬فيقول‪ :‬بيننا‬ ‫متكئا على أريكته‪ ،‬ي ُ َ‬
‫وبينكم كتاب الله‪ ،‬فما وجدتا فيه من حلل استحللناه‪ ،‬كما‬
‫وجدنا فيه من حرام حرمناه‪ .‬أل وإل ما حرام رسول الله‬
‫مثل ما حرم الله !‪.‬‬
‫)‪ (1‬قال الشافعي رضي الله عنه )‪ ..‬ما من أفه له على‬
‫العباد من تعلم الكتاب والحكمة دليل علج ما الحكمة سنة‬
‫رسول الله وأ الرسالة حما ‪ (32‬فقال‪" :‬سمعت من أرضى‬
‫من ليل العلم بالقرائن يقول‪ :‬الحكمة سنة رسول الله‪.‬‬
‫قالت الشافعية ة "وهذا يشبه ما قاله والله ظلم‪ ،‬لنا‬
‫ة على خلقه‬ ‫القرآن ينكر وأثبتته الحكمة‪ ،‬وذكر الله من ً‬
‫مال الحكمة ها‬ ‫بتعليمهم الي أب وا‪-‬لكمة‪ .‬فلم يجز ألف ع ّ‬
‫هنا إل سنة رسول الله " والية الخرى التي ذكرناها أشد‬
‫وضوحا ً في الدللة على المراد‪ .‬والحمد حثه على توفيقه‪.‬‬
‫)‪ !3‬صحبة وسلم‪46/13 :‬‬
‫!ه! ربه مالك بلغا في المرفا )عبدالباقي( ‪899 /2‬‬
‫‪26‬‬

‫) ‪(1/19‬‬
‫ت القرآن‬ ‫وفي رواية عند أحمد‪ ،‬قال ي‪" :‬أل إفك أوتي ُ‬
‫ومثله معه‪ ،‬أل إني أوتيت القرآن ومثله معه‪ ،‬أل يوشك ربع‬
‫ينثني شجعانا ً هكذا بالصل‪ ،‬عل أريكته‪ ،‬يقول‪ :‬عليكم‬
‫بالقرآن‪ ،‬فما وجدتم فيه من حلل فلوس‪ ،‬وما وجدتم فيه‬
‫من حرام فحرموه‪ .‬أل ل يحل لكلم الحمار الهلي‪ ،‬ول كل‬
‫عل!د‪ ،‬إل أن‬‫م َ‬‫قطة من مال ُ‬ ‫ذجم! ناب من السباع‪ ،‬أل ولئ َ‬
‫يستغني عنها صعبها‪ .‬ومن نزلت بقوم فعليهم أن‬
‫قروهم فلهما ن يعقبوهم بمثل‬ ‫قُروهم‪ ،‬فإن لم ي َ ْ‬ ‫يَ ْ‬
‫قراهم ! )‪.(1‬‬
‫ومعنى قوله !‪ :‬وأل وإني أوتيت القرآن ومثله معه " أي‬
‫ت القرآن وأوتيت مثله من السنة التي‪ /‬ينطق بها‬ ‫أوتي ْ‬
‫القرآن‪ .‬وكمثال عله ذلك نؤكد أن الله آل نبيه‪ ،‬تحريم‬
‫ضل بعضها في القرآن‪ ،‬كالميتة والدم ولحم‬ ‫الخبائث‪ُ ،‬‬
‫ف َ‬
‫الخنزير وبعضها بالسنة‪ ،‬كما ذكر ل هذا الحديث‪ ،‬كلحوم‬
‫الحمر الهلية ولحوم الشباب‪.‬‬
‫وقال‪" :‬العلم ثلثة‪ .‬وما سوى ذلك فهو مضل‪ :‬آية محكمة‪،‬‬
‫َأر صلة قائمة‪،‬‬
‫أر فريضة عادلة" )‪.(2‬‬
‫ل يقال!‪ :‬أن هذا الحتجاج للسنة بالسنة‪ ،‬فكيف يحتج بها‬
‫قبل أن يثبت أنها حجة؟‬
‫لن المراد أنه لما ثبت إخباره في هذه الحاديث وأمثالها‬
‫بكون سنته حقا ً‬
‫ومثل القرآن في لزوم اتباعها‪ ،‬فإما أن يكون خبره هذا‬
‫كذبًا‪ ،‬وهو مستحيلة‪ ،‬لدللة المعجزة على صمته‪ ،‬ولما ثبت‬
‫من عصمته عن الكذب في أمر الدين‪ .‬فل يبقى أل أن‬
‫قوله هذا حق‪ .‬وهو المطلوب‪.‬‬
‫‪ -3‬دللة الجماع‪:‬‬
‫إن المتتبع لتصرفات الصحابة رضي الله عنهم في تعرفهم‬
‫لحكام الدين لجل العمل به‪ ،‬يجد أنهم إذا وجدوا السنة‬
‫في الديني ولم يستجيزوا‬ ‫عملوا بها‪ ،‬وجعلوها حجة ِ‬
‫مخالفتها وإغفالها وا ْ‬
‫طراحها‪.‬‬
‫)‪ 1(1‬لمسند ‪131/4‬‬
‫‪ (21‬رواه أبو داود بعون المعبود ‪ (92 /8‬وابن ماجه‪27 .‬‬

‫) ‪(1/20‬‬

‫!!! !!!!!!! !!! !!!! !!!!! !!!!!!! !!!!! !!! !!!!!!!!! !!!!! !!‬
‫!!!!!! !! !!!!!!!!!! !!! !!! !!! !!!! !!!!!!!!!!!! !!!! !!!!!!‬
‫! !! !!!!!!! !!!!! !!! !!!! !!!!!!! !!! !!!!!! !!!! !!! !!!!!!‬
‫!!! !!!!!!!!!!!!! !!! !!!!!!!!! !!!!! !!!!!! !!!!!!! !!!! !!!!‬
‫!!!! !!!!!!!! (‪28!! !!!! !!! !!!!!! !!!!! !!!!! !!!!!)1/381‬‬

‫) ‪(1/21‬‬

‫وعثمان رضي الله عنه قاد‪ :‬في مملوكة ولدت من زنا‪:‬‬


‫"أقضي بينكما بقضاء‬
‫رسول الله جمع‪ :‬الولد للفراش‪ ،‬وللعاهر الحجر" )‪.(1‬‬
‫كر الناس في يوم الفطر والنحر‪ ،‬وقال‪ :‬أنهى رسول‬ ‫وذ ّ‬
‫الله ! عن صوم‬
‫هذين اليومين " )‪.(2‬‬
‫وكان يعلم الناس الوضوء بفعله‪ ،‬ويقول‪ :‬أرأيت رسول‬
‫الله !ك! توضأ نحو وضوئي هذان )‪،(3‬‬
‫وعلي رضي الله عنه جلد الشارب أربعين‪ ،‬واحتخع بسنة‬
‫النبي يا‪ .‬ورجم‬
‫الزانية محتل ً بان ذلك سنة رسول اله !‪.‬‬
‫في وقائع كثيرة‪ ،‬ل تنحصر كثرة‪ ،‬تبتتة عن الربعة‬
‫الراشدين‪ ،‬وغيرهم من الصحابة الكرمين‪ ،‬مما ل يدع‬
‫مجال للشك أنه كان متقررأ لديهم أن سنة رسول الليه !‬
‫حجة حثه على عباده‪ ،‬لك العمل بها عمل بدين الله‬
‫وشرعه‪ .‬فانعقد على ذلك إجماعهم‪ ،‬ولم يخالف فيه أحد‬
‫منهم‪ .‬واستمرت المة السلمية على ذلك‪ ،‬أولم يخالف‬
‫فيه إل من ل حط له في السلم !‪ ،‬كما قال الشوكاني‪.‬‬
‫أنواع الحديث النبوي من جهة دللته على الحكام‪:‬‬
‫ؤن في‬ ‫ذكر وفي انه الدهلوي أن ما روي عن النبي له و! َ‬
‫كتب الحديث‪ ،‬على قسمين‪ ،‬قال‪ :‬فالول‪ :‬ما سبيله سبيل‬
‫تبليغ الرسالة! )‪ ،(4‬وفيه قوله تعالى‪ :‬روما آتاكم الرسول‬
‫فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا!ا )‪.(5‬‬
‫ومن هذا القسم علوم المعاد وعجسائب الملكوت‪ .‬وهذا‬
‫كّله مستند إلى الوحي‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه أحمد ‪ ،338/1‬وإسناده حسن "حمد شاكها‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد ‪ 427/1‬وإسناده صحيح "حمد شاكر‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم ‪ (4) 1 0 8/3‬حجهم إلة البالغة ‪،272/1‬‬
‫‪ (5) 273‬سورة الحشر‪ :‬آية ‪7‬‬
‫‪29‬‬

‫) ‪(1/22‬‬
‫ومنه شرائع وضبط للعبادات والتفاقات وهذه بعضها‬
‫مستند إلى الوحي‪ ،‬وبعضها مستند إلى الجتهاد واجتهاد‬
‫‪!8‬ه بمنزلة الوحي‪ ،‬لن الله تعالى عصمه من أن يتقرر‬
‫رأيه على الخطة‪.‬‬
‫ومنه حكم مرسلة ومصالح مطلقة لم يوفرها و‪/‬‬
‫يبيهاحدودها‪...‬‬
‫والثاف!‪ :‬ما ليس من باب تبليغ الرسالة‪ ،‬وفيه قوله !‪! :‬‬
‫إنحا أنا شر‪ .‬أل ا أمرتكم بشيء من دينهم فخذوا به‪! ،‬اذأ‬
‫أمرتكم بشيء من رأي فإنما أنا بشر"‪ .‬فمنه البحث؟ ومنه‬
‫باب قوله عن‪ :‬وعليكم بالدهم القرع " )‪ (1‬ومستنده‬
‫الحجر بل‪.‬‬
‫ومنه ما فعله عنه عل سبيل العادة‪ ،‬وبحسب التفاق دون‬
‫القصد‪...‬‬
‫ومنه ما ذكره كما كان يذكره قومه كحديث أم زرع‪.‬‬
‫ومنه ما قصد به مصلحة جزئية يومئذ‪ ،‬وليس من‬
‫الموراللزمة لجميع‬
‫المة‪ ،‬وفلك مثل ما يأمر به الخليفة من تعبئة الجيوش‪،‬‬
‫وتعيين الشعار‪...‬‬
‫ومنه حكم وقضاء خاص‪ .‬وإنما كان يتبع فيه البينات‬
‫واليمان "‪ .‬الـ‪.‬‬
‫وهو تقسيم جيد وتحديد واضح‪ .‬وسوف نفصل القول في‬
‫مثل ذلك في ما يتعلق بالفعال النبوية في ما نستقبله‬
‫من هذا البحث ِإن شاء الله‪.‬‬
‫منزلة السنة من القرآن‪:‬‬
‫يتبين مما تقدم أن في منزلة السنة في القرآن ثلثة‬
‫أقوال‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن القرآن مقيم في الرتبة عله السنة‪ ،‬فل ي ُْنسخ‬
‫القرآن بالسنة‪ .‬وقد‬
‫)‪ (1‬أي من الخيل‪ ،‬والدهم السود‪ ،‬والقرب ألفي في‬
‫جمبهقه بياض دون الغرة‪ .‬والحديث رواه أحمد والترمذي‬
‫والحاكم وابن ماجه عن أبي قتادة مرفوعا بلفظة خير‬
‫الخيل الدهم القرب الرقم المحجل ثلث‪ .‬فإن لم يكن‬
‫ص على هذه الضفة‪ .‬وهو صحيح وصحيح الجامع‬ ‫أ!!م فكمي ّ‬
‫الصغيها‪.‬‬
‫‪30‬‬

‫) ‪(1/23‬‬
!!!!! !! !! !!!!!!!! !!! !!! !!!!!! !!!!!!!!!!!!!!!!!! !!! !!!
!!! !!!!!! !!! !! !!!!!!!! !!! !!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!! !!!!!!
!!! !! !!! !!!!! !!!!! !!! !! !!!!!! !!! !!!!! !!!! !! !!!!!! !
!!!!!!! !! !!! !!!!!!! !!!!! !!!! !!!!!!!! .8411 ! !!!! !!!!!
!!!!!!

(1/24 )

!!!! !!!!! !!! !! !!!!!!!!! !! !!!!!!!!!! !!!!!!!!! !! !!!!!!!


!!! !!!!!! !! !!!!!!!!!!! !!!! !! !!!!!!!! !! !!!!!!! !!!!!! !
! !!!!!!! !!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!! !!!! !! !!!!! !! !!!!!!!!!!!
!!! !!!! !!! !!!!!! !!! !!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!! !!!!!!!!!! !!!
!!!! !!! !!!! !!!! (21!!! !!!!!!!! !!!! !!!! !!!! !!!
194.32 ! !!!!!!!!! !!!! (41

(1/25 )

!!!! !!!! !!!!! !!!!!!!!!!!! !! !! !!!! !!!!!! !!!!!!! !!!!! !!


! .)"
ْ "!! !! !!! !! !!!!! !!!! !!! !!!!! !!!!!!!!!!! ! !!!!!!! !
!!!! !!!!!!! !! !!!!!!!!!! !!!!!! !!! !!!!!! !!!! !!!!! !!! !!!
!!!! !!!!!!!!!!! !!!!!! !!!!! !!!! !!!!!!!!

!!!! !!!!!!!!! !!!


!!!!!! !!!!!!!! !!!!!!! !!!!!!! !!! !!!! !!! !!!!!! !!!! (31

(1/26 )

!!!! !!!! !! !!!!!!! !!!! !!!! !!!!!! !!!!! !!!! !!! !!!!!!!!!!
! !! !!!!! !!!! !!!!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!! !!!!!!!!!! !! !!!!!!
!!! !!! !!!! !!!!!!!! !!! !!!!!!!!!!!!!! !!!!!! !!! !!!!!! !! !
!! !!!!! !!!!!!!!! !!!!!! !!! !!!!!!!!!!!!! !!!!! !!!!!!!!!! !
34!!! !!!!!!!! !!!! !!! !!!!!!!!!!!

(1/27 )

!!!!!!! !!!!!! !!!!!! !!! !!!!!!!!!!! !!!!!!!!!!!!!! !!! !!!!


!!! !!!!!!!!!!!!! !!!!! !!!!!!!! !!!!!!!! !!!!! !!!!!!!!! !!!!
!!! !!!!!! !!!!!!!! !!!!!!!! !!!! !!!!!!! !!!! !!! !!!!!!! !!!
‫!!!! !!!!!!! !!!!!!!! !!!!!!! !!!! !!!!!!!!! !!!!! !!!! !!!!!!‬
‫!!!! !!!! !!!!!!!!!! !‪35‬‬

‫) ‪(1/28‬‬

‫ب‪ -‬وقسم يمكن إرجاعه إلى القرآن على معنى أن القرآن‬


‫أرشد إلى العمل بالسنة‪ .‬ومثاله ما ورد عن عبداللي بن‬
‫مسعود‪ ،‬أنه قال‪ :‬والعن الله الواشمات والمستوشمات‬
‫والنامصات والمتنمصات‪ ،‬والمتفلجات للحسن المغيرات‬
‫خلق الله " )‪ .(1‬فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم‬
‫يعقوب‪ ،‬وكانت تقرأ القرآن‪ ،‬فاتته فقالت‪ :‬ما حديث بلغني‬
‫عنك أنك لعنت كيف وفيت؟ فقال‪ :‬روما لي ل ألعن من‬
‫لعن رسول الله مع‪ ،‬وهو في كتاب الله‪ ...‬أأ‪ .‬قال الله‬
‫تعالى‪ :‬روما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا!‬
‫)‪ (2‬ولو أنه رضي الله عنه أجبا إذ أنكلرت كون ذلك في‬
‫القرآن‪ ،‬بأنه بيان لقوله تعالى عن الشيطان‪) :‬ولمرّنهم‬
‫فليغيرن خلق الله ! )‪ (3‬لكان جوابا ً ولكنه قطع عليها خط‬
‫الرجعة‪ ،‬بما يدل على حجية السنة ولو كانت مستقلة عن‬
‫القرآن في الدللة على الحكام‪.‬‬
‫ومن فلك أن السنة نهت عن أكل كل ذي ناب من السباع‪،‬‬
‫وكل ذي‬
‫مخلب من الطير)‪ ،(4‬وليس ذلك قي القرآن‪.‬‬
‫وحرمت على المحرم لبس الثياب المفضلة المخيطة‪،‬‬
‫وليس ذلك في القرآن‪.‬‬
‫في‬‫وقد ذكر الشاطري أن بعضهم رام أن يرجع ما ِ‬
‫الحاديث إلى النصوص القرآنية بالتفصيل بحيث يجد في‬
‫القرآن دللة تفصيلية‪ ،‬نضال أو إشارة‪ ،‬إلى ما دلت عليه‬
‫الحاديث النبوية‪ .‬قال‪ :‬دي ولكنه ل يفي بما افعله‪ ،‬إل أن‬
‫يتكلف في ذلك مآخذ ل يقبلها كلم العرب‪ ،‬ول يوافقا‬
‫على مثلها السلف الصالح‪ ،‬ول العلماء الراسخون في‬
‫العليا وذكر أن‪) :‬هذأ الرجل المشار إليه نصب نفسه‬
‫لستخراج معافي الحاديث التي أخرجها مسلم في‬
‫"(‪.‬‬
‫صحيحه‪ ،‬دون سواه ْ‬
‫وليت الشاطري أشار إلى اسم هذا المؤلف‪ ،‬ليمكن العثور‬
‫على ما صنعه‪ ،‬إذ‬
‫أنه مبحث جدير بالهتمام‪.‬‬
‫وسنعود ألي هذه المسالة بشيء من التفصيل في الفصل‬
‫الثاف! من الباب الول‬
‫ِإن شاء الّله‪.‬‬
‫)‪ 11‬حديث ابن مرعي‪ ،‬مع قصة الحدسثط؟ رواه مسلم‬
‫‪ 186/13‬ورواه أحمد والبخاري وأبو )‪ (2‬سورة الحشر‪ :‬آية‬
‫‪ (3) 7‬سورة النساء‪ :‬آدهَ ‪119‬‬

‫) ‪(1/29‬‬

‫)‪ (4‬رواه أحمد ومسلم وأبو داود والفتح الكب!!‪(5) .‬‬


‫الموافقاله ‪53 /4‬‬
‫‪36‬‬

‫) ‪(1/30‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫تحديد المهمات النبوية‬
‫وبيان دور الفعال النبوية في أدائها على الوجه ا كمل‬
‫تعرضت آيات الكتاب العزيز‪ ،‬بالتفصيل‪ ،‬للغرض من البعثة‬
‫النبوية الشريفة‪ .‬فذكرت أن الله أرسل رسوله ورحمة‬
‫للعالمين ! )‪ (1‬و )لئل يكون للناس على الله حجة بعد‬
‫الرسل ! )‪ ،2‬و ولينذر من كان حيا ويحق القول على‬
‫الكافرين ! )‪ (3‬و )ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات‬
‫من الظلمات إلى النوري )‪ (4‬و )ليقوم الناس‬
‫"(‪.‬‬ ‫بالقسط ! ْ‬
‫وفي سبيل تحقيقا هذه الهداف السامية‪ ،‬أنزل الله تعالى‬
‫كتابه العظيم‪ ،‬على رسوله الكريم‪.‬‬
‫تدبيران كل منهما بالغ الحكمة‪ :‬أن جعل الله بين أيدي‬
‫البشر كتابا ً مشتمل ً‬
‫على ما يريد لهم أن يعلموه‪ ،‬وما يريد لهم أن يعملوا به‪.‬‬
‫وأن خامل هذا الكتاب بشرا اختاره لكي يؤديه عن الله إلى‬
‫عباد الله‪.‬‬
‫ونان تدبيرا واحدة‪ ،‬هدفه أن‬‫وهما تدبيران متكاملن‪ ،‬يك ّ‬
‫جة‪،‬‬
‫يعلم العباد ما يريدالله منهم‪ ،‬فتكون له عليهم الح ّ‬
‫فيؤمن به من شاء الله له أن يؤمن‪ ،‬فتتحقتا له رحمه الله‪،‬‬
‫ويحق القول عل الكافرين‪ ،‬ولتنفذ شريعة الله ل الرض‬

‫)‪ (1‬سورة النبيا‪ :،‬آية ‪ (3) 107‬سورة يس‪ :‬آية ‪(5) 70‬‬
‫سورة الحديد‪ :‬آية ‪25‬‬
‫)‪ (2‬سورة النساء‪ :‬آية ‪ (4) 165‬سورة الطلق‪ :‬آية ‪11‬‬

‫‪7‬كم‬
‫) ‪(1/31‬‬

‫فيقوم الناس بالقسط‪ ،‬ويخرج النامما من الظلمات إلى‬


‫النور‪ .‬وبذلك تتحقق الهداف المطلوبة من البعثة النبوية‪.‬‬
‫وفي سبيل ذلك عملت الكلمات اللهية محمدأك! مهمات‬
‫جسيمة‪ ،‬وقد استقرأنا اليام التي تعرضت لذلك‪ ،‬فتبين أن‬
‫المهمات الرئيسية التي ذكرتها خمسيه هي سمايلي‪:‬‬
‫أ!لهمة الولى‪ :‬التبليغ‪ ،‬والمراد به تبليغ القرآن‪ ،‬وتبليغ‬
‫أحكلم أخرى زائدة‬
‫عله ما يتضمنه القرآن العظيم‪ .‬قال الله تعالى‪ :‬فإن عليك‬
‫وفي البلغ ! )‪) ،(1‬ما عله الرسول إّل البلغ ! )‪.(2‬‬
‫ومن البلد تلوة القرآن‪ ،‬ليسمع فُيعلم؟ ولُيحرف كيف‬
‫ُيقرأ* قال الله تعالى‪ :‬لقد أنزل الله إليكم ذكرًا! رسول‬
‫يتلو عليهم آيات الله مبينات ! )‪ .(3‬المهمة الثانية‪ :‬بيان‬
‫القرآن‪ ،‬أي تفسير ما غمض من معانيه‪ ،‬وإيضاح ما أشكل‬
‫منه‪ ،‬ورفع ما فيه من إجمال‪ ،‬وتقييد مطلقه‪ ،‬وتخصيص‬
‫ى أراده الله‪ .‬قال‬‫مه‪ ،‬لكيها وفهيم وينفذ عله الوجه الذ ِ‬ ‫عا َ‬
‫ن للناس ما ن َُزل! إليهم‬‫أدّنه تعالي‪) :‬وأنزلنا إليك الذكر لتبإ َ‬
‫ولعلهم يتفكرون ! )‪.(4‬‬
‫ّ‬
‫المهمة الثالثة‪ :‬الدعوة إلى الله‪ ،‬بأن يطلب من الكلفار‬
‫اليمان‪ ،‬وأن يدعو العصاة والمذنبين إلى القلع عما‬
‫يبعدهم عن رحمة الله‪ .‬فكان له مكلفا بال يكون داعيا إلى‬
‫الخلص من الكفر والفسوق والعصيان في الدنيا‪،‬‬
‫والخلص كنتيجة لذلئط من آثارها المدمرة يخص الخرة‪.‬‬
‫كما أته ك ًُلف أن يدعو إلى العمال الصالحة من العبادة‬
‫وفعل الخير‪ ،‬ليكون ذلك موصًل فاعله إلى جنة الله‪-‬‬
‫وفي سبيل ذلك كلف‪ ،‬جمل‪ ،‬بمهمات أخرى معاونة لهذه‬
‫المهمة‪ ،‬وهىخ مهمات‪ :‬ا لتذكير‪ ،‬وا لتبشير‪ ،‬وا ل نذكر‪.‬‬
‫)‪ (1‬سورة الشورك!‪ :‬آية ‪48‬‬
‫)‪ (2‬سورة النور‪ :‬آية ‪ 54‬وسورة العنكبوت‪ :‬آية ‪18‬‬
‫)‪ (3‬سورة الطلق‪ :‬آية ‪1 ،10‬د ‪ (41‬سورة النحل‪ :‬آية ‪44‬‬
‫‪8‬كم‬

‫) ‪(1/32‬‬

‫كر ول لست علي!ِيم‬ ‫قال الله تعالى‪) :‬فذكر إنما أنت مذ ّ‬


‫بمسيطر! )‪ (1‬وقال‪) :‬يا‬
‫أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرأ* وداعيا إلى‬
‫الله بإذنه وسراجا منيرأ! )‪.(2‬‬
‫وامر!ف! بالجهاد‪ ،‬تحقيقا للدع!ق‪ ،‬لزالة كل ما يقف في‬
‫طريقها من ظلم المتعسفين‪ ،‬الذين يحولون بقوتهم‬
‫وسيطرتهم‪ ،‬بين الناس وبين أن يسمعوا كلم ربهم‬
‫ويستجيبوا له‪.‬‬
‫المهمة الرابعة‪ :‬تعليم المة القرآن‪ ،‬والسنن‪ .‬فيعّلمهم‬
‫تلوة القرآن وحفظه‪ ،‬ويعودهم على تدبره وتفهمه‬
‫واستنباط الحكام منه‪ ،‬حتى يصبحوا به علماء من جميع‬
‫الوجوه‪ .‬وكذلك الشأن في السنن التي أراد لها أن تظهر‬
‫وتصدران رسوله مجد‪ .‬وقد روي قي الحديث أن النبي عنه‬
‫قال‪ :‬وإنما بعثت كما" )‪ ،(3‬وقال‪ 9 :‬إنما أنا لكم بمنزلة‬
‫الوالد أعلمكم ! )‪ ،(4‬وقال‪ :‬ولكن الله بعثني معلما ميسرا ً‬
‫ْ)(‪ .‬ا!لهمة الخامسة‪ :‬التزكية‪ ،‬وهي التربية‪ ،‬أي تنمية‬
‫كات والقدرات الصالحة في المؤمنين به‪،‬‬ ‫مل َ َ‬
‫الغرائز وال َ‬
‫وتطهيرهم من خبائث العتقادات والخلق والعادات‬
‫والعمال والقوال‪ ،‬حتى تكون المة أمة قوية نافذة في‬
‫أمورها‪ ،‬متحررة من جميع النحرافات التي تزيغ بها عن‬
‫الطريق‪ ،‬وبذلك يصبحون لمل للخلفة في الرض‪ ،‬فيقوموا‬
‫بحق الخلفة بقوة وصدق‪ ،‬ليستحقوا أن يكونوا هم‬
‫الوارثين والذين يرثون الفردوس ! )‪.(6‬‬
‫هذا وإن المهمة الرابعة والمهمة الخامسة‪ ،‬تكادان أن‬
‫تكونا مهمة واحدة‪،‬‬
‫لشدة الترابط‪ ،‬ولن أولهما تؤدي إلى أخراهما‪ ،‬فمن‬
‫َتعفم الكتاب والسنة حقا ً استقامت حاله في جميع‬
‫النواحي التي ذكرناها‪.‬‬
‫وقد ذكر الله هاتف المهمتين‪ ،‬مع مهمة التبليغ‪ ،‬مجتمعة‬
‫جميعًا‪ ،‬يخص أربعة‬
‫)‪ (1‬سورة الغاشية‪ :‬آية ‪ (2) 21‬سورة الحزاب‪ :‬آية ‪،46‬‬
‫‪47‬‬
‫)‪ (3‬رواه ابن ماجه ‪ 17/1‬وفي الزوائد‪ :‬إسناد ضعيف‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه أحمد وأبو داود وابن حبان )الف! ال!به!‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه أحمد ‪ (6) 328 /3‬سورة المؤمنون‪ :‬آية ‪39 1 1‬‬

‫) ‪(1/33‬‬

‫مواضع من كتابه الكريم‪ .‬منها في سورة الجمعة!هو الذي‬


‫بعث يخص الفشين رسوَل َ منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم‬
‫!يعتمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلله‬
‫مبين ! )‪.(1‬‬
‫ومن الملحظ أن التبليغ‪ .‬والبيان والدعوة‪ ،‬تتم وتعافى‬
‫بلورة الواحدة مع‬
‫المبّلغ والسبق له والمدعو‪.‬‬
‫وأما التعليم والتزكية فأمرهما أشد من ذلك‪ ،‬إذا إن التعّلم‬
‫ل يقتصر على اكتساب الحقائق والمعارف والمعلومات‪،‬‬
‫وإنما هو أوسع من ذلك‪ .‬إذ يشمل اكتساب المهارات‬
‫الحركية‪ ،‬والعادات السلوكية‪ ،‬والتجاهات الجتماعية‪،‬‬
‫والقيم الخلقية‪ ،‬والدوافع الثانويةأ )‪.(2‬‬
‫فم للحقة والمواصلة لعملية‬ ‫وهذا يستدعي من المع َ‬
‫التعليم يوما بعد يوم بل وربما ساعة بعد ساعة‪ .‬وأن ينتهز‬
‫الفرص للقاء المعلومات‪ ،‬وتفسيرها‪ ،‬وتكرارها‪،‬‬
‫والمناقشة فيها‪ ،‬لتصحيح أخطاء المتعليمن عند استذكارها‬
‫وتطبيقها‪ ،‬والثناء عليهم إذا أحسنوا استيعابهما والعمل‬
‫بها‪ ،‬وأن ل تحليهم من ذلك كله إّل بعد أن يطمئن إلى أن‬
‫ما حملوه رسخ لديهم على وجه مستقيم‪ ،‬وأصبحت لهم‬
‫ملكة فيه قرية‪.‬‬
‫وهكذا كان شانه ! مع أصحابه رضي الله عنهم‪.‬‬
‫دور الفعال‪:‬‬
‫هذا وإن القوال كانت هي الوسيلة الرئيسية للنبي عن‬
‫في لداء هذه المهمات‪.‬‬
‫ولكن مع ذلك كانت الفعال النبوية تؤدى دورا بارزا في‬
‫تنفيذ المهمات المطلوبة منه‪ ،‬وخصوصا مهمة البيان‪،‬‬
‫ه التعاليم والتزكية‪.‬‬
‫ومهم ّ‬
‫‪ (11‬سورة الجمعة‪ ،2/‬وانظر المواضع الخرى ة في سورة‬
‫البقرة ز‪ ،‬موضعين‪ :‬اليتام ‪ ،151 ،129‬وفي سورة آل‬
‫عمران‪164 /‬‬
‫ه والمجتمع‬ ‫)‪ ((2‬بو الفتوح رضوان‪ :‬المدرس يخص الممرس ّ‬
‫حما ‪107 ،106‬‬
‫‪40‬‬

‫) ‪(1/34‬‬

‫طرائق التعليم‪:‬‬
‫كشفت الدراسات التربوية عن أن تؤثر شخص ما بشخص‬
‫آخر‪ ،‬في تحصيلي‬
‫أنها من المعرفة والتعلم‪ ،‬واكتساب التجاهات والقيم‬
‫م بثلث طرق‪ :‬الستماع للقوال‪،‬‬ ‫والعادات‪ ،‬يمكن أن يت ٌ‬
‫والمشيدة للفعال والقتداء بها‪ ،‬والممارسة من جانب‬
‫المتعلم مع التصحيح من جانب المعلم‪.‬‬
‫وإن دراسة طبيعة هذه الطرق وخصائصها‪ ،‬يكشف لنا عن‬
‫مدى حاجة‬
‫البشر إلى رسول منهم‪ ،‬يؤدي المهمات المذكورة إليهم‪.‬‬
‫راتبي بها حكمة الله في ذلك‪ ،‬وعظيم منته التي ذكرها‬
‫في سورة آلى عمران في قوله‪ :‬ولقد من الله على‬
‫المؤمنين إذ بعث فيهم رسول من نفسهم يتلو عليهم‬
‫آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة!*‬
‫أول ً طه دقة‪ .‬الستماع للقول‪:‬‬
‫إن القول أساسي في عملية التعليم‪ .‬وبه تنتقل الفكار‬
‫والمعلومات من ذهن‬
‫المعلم إلى ذهن المتعلم‪ ،‬عن طريق حاسة السمع‪ ،‬ويمكن‬
‫بيفن الواسطة نقل معلومات وافرة في برهة قصيرة‪.‬‬
‫وتمتاز هذه الطريقة‪ ،‬بإمكان التحديد الدقيق للمعلومات‪،‬‬
‫وربط السباب بالمسببات‪ ،‬وذكر الصيغ بدرجة العموم‬
‫والخصوص المطلوبة‪ ،‬وذلك بما توفره أداة اللغة من‬
‫إمكانيات ل تكاد تقف عند حد‪ ،‬يستطاع بواسطتها أداء‬
‫الفكرة على درجة عالية من الكمال‪ ،‬بحسب تمكن المعد‬
‫من الفصاحة والبلغة‪ ،‬ووفرة محصوله من اللفاظ‬
‫والتراكيب‪.‬‬
‫وتسمى هذه الطريقة في عالم التدريس بطريقة اللقاء‬
‫والمحاضرة‪.‬‬
‫ومن أجل الميزات المذكورة لهذه الطريقة‪ ،‬جعل الله‬
‫أصل الشريعة الصيل‬
‫ماه )قرآنأ مبينأ!‪ ،‬وجعله مشتمل‬‫ّلول يتلى وشحمه‪ ،‬وس ّ‬
‫ه‪ ،‬وأمر بتلوته !تدئره‬‫على المساْلل الرئيسية في الشريع ّ‬
‫همه‪ ،‬ووعد على فلك الجر الجزيل‪ ،‬وجعل لقناعته‬ ‫وتف ّ‬
‫واستماعه مناس!بات دينية تتكرر بتكلرر الساعات واليم‬
‫والشهور‪،‬‬
‫‪41‬‬

‫) ‪(1/35‬‬

‫كالصلوات الخمس‪ ،‬واللمحات والعياد‪ ،‬وكقيام الليل‪،‬‬


‫وخاصة قيام شهر رمضان شهر القرآن‪.‬‬
‫وجعله عز وجل مكتوبا عفوظأ ليبقى دون تحريف ول‬
‫تغيير‪ ،‬ينتقل بذلن‬
‫ضأ كما‬
‫أيدي البشر جيل بعد جيل‪ ،‬ليستمعوا كلم الله غ ّ‬
‫زل‪ ،‬فتحصل منه المنافع المشار إليها لكل من وفقه‬ ‫ان ْ ِ‬
‫الليه لرفقة القرآن‪.‬‬
‫كما أن القسم الكبر من السنة النبوية هو سنن قولية‪.‬‬
‫فكلم النبي عنه يبلغ بلفظه ما يوحى إليه من أحكام‪،‬‬
‫ويبين بلفظه ما أشكال‬
‫من معاني القرآن‪ ،‬ويجيب على السئلة والستفسلراقة‬
‫الموجهة إليه من صحابته الكرام‪ ،‬ويدعو إلى أله تعالى‬
‫الفراد والجماعات‪ ،‬في لقاءات خاصة‪ ،‬أو اجتماعات عامة‬
‫لمرر واقعة‪ ،‬أو لمناسبات تتكرر‪ ،‬كما في مجالس حديثه‬
‫مع المؤمنيها‪ ،‬في المسجد‪ ،‬والسوق‪ ،‬والمنزل‪ ،‬والسفر‬
‫والقامة‪ ،‬وكما في خطبه قي الجمعات والعياد والحج‬
‫وغير ذلك‪ .‬واتخذ المنبر ليسمع قوله أكبر عدد من‬
‫الحاضرين‪ ،‬بأكبر قمر من الوضوح‪ .‬واتخذ له أصحابه دكة‬
‫من طين في المسجد يجلس عليها إذا أراد أن يكَلمهم‬
‫ويعّلمهم‪.‬‬
‫وواضح أن طريقة اللقاء والقول كانت هي الوسيلة‬
‫الكبرى لداء المهمات‬
‫النبوية الخمس التي أشرنا إليها‪.‬‬
‫الطريقة الثانية للتعّلم‪ :‬مشاهدة الفعل لجل القتداء به ة‬
‫الراغب في تعلم مهنة ما‪ ،‬يدرس أول( سنها نظرئأ‪،‬‬
‫ويتفهم قواعدها وأصولها من القوال المسموعة أو‬
‫المدونة في دواوين تلك المهنة‪ .‬في ا انتهى من ذلك‬
‫وخرج إلى ا‪-‬ليلة العملية مزؤدأ بتلك المعلومات‪ ،‬وهو يظن‬
‫أنه قد أتقن ما سمع وعلمه حق العلم‪ ،‬مجد أنه عند‬
‫المباشرة لتطبيق المعلومات التي حصلها يخفى عليه‬
‫شيء كثير من التفاصيل التي تجدّ عليه‪ ،‬واليد هي بحاجة‬
‫إلى أن يستكشف أسرارها وطرق علجها‪.‬‬
‫والمشاهدة لفعل نموذجي من معلم نموذجه‪ ،‬من أعلى‬
‫المسعتويات في تلك‬
‫و المعلوميات‬ ‫المهنة ذي خبرة بدقائقها وأسرارها‪ ،‬يطب َ‬
‫النظرية‪ ،‬هذه المشاهدة هي‬
‫‪42‬‬

‫) ‪(1/36‬‬

‫وسيلة حية‪ ،‬ومصدر مهتم‪ ،‬يتعلم منه طالب العلم الشيء‬


‫الكثير عن المادة التي يحرسها‪ .‬وخاصة إذا كانت ‪8‬‬
‫مشاهدة قصدية‪ ،‬وموجهة توجيها صحيحا ً لنواحي مختلفة‬
‫من عمل المدرس‪ .‬وهي ضرورية مع الطلبة الصغار‬
‫والكبار على السواء وينبغا أل تتوقف طيلة مدة الدراسة‪.‬‬
‫وهي طريقة ناجحة قي تنمية اتجاهات محمودة نحو‬
‫المهنة موضوع الدرس‪ ،‬وكذلك في تنمية مهارات كافية‬
‫في تلد المهنة"‪،‬؟(‪.‬‬
‫هذا وقد أصبح استخدام وسائل اليضاح المشاهدة جزءا‬
‫لساسيأ من عملية التعليم في العصر الحاضر‪ ،‬وأولتها‬
‫المؤسسات التعليمية الهتمام البالغ‪ .‬إذ إنها تعطي‬
‫للمعلومات مزيدا من الحيوية‪ ،‬وتجعل الطالب متشفقأ إلى‬
‫المادة العلمية‪ ،‬ومتمتعا متلذذا ً بما يصحبه منها‪ ،‬بالضافة‬
‫إلى معاونتها للطالب على تحليل المدة الدراسية‪ ،‬وفهمها‬
‫فهما جيدا ً فإن من طبيعة هذه الوسائل أن توضح ما غمض‬
‫ل المادة‪ .‬وتفسير ما يصعب التعبير عنه بالقول‪.‬‬
‫كما أن هذه الوسائل من ظهر أن تجعل المعلومات‬
‫المدروسة ذات قيمة تطبيقية عملية‪ ،‬يستطيع الطالب أن‬
‫يستفيد منها في فعالياته المختلفة في حياته‪ .‬وكل ذلك‬
‫يعي إنما الميزة البارزة في وسائل اليضاح‪ ،‬وهي ربطها‬
‫للمعلومات الجديدة التي يقدمها المعلم إلى الطالب‬
‫بالمعلومات القديمة‪ ،‬وبذلك تعين الوسائل اليضاحية على‬
‫تثبيت ما يعرضه المدّرس من المادة في ذهن الطالب‪.‬‬
‫وبالضافة إلى ذلك‪ ،‬تثير الوسائل اليضاحية الملحظة‬
‫والحافل في التشيلو والحوادث والمواقف الجديدة‪ ،‬حتى‬
‫تطلب النفسي الجواب على ما يقع من المشكلت التي‬
‫يشاهد الطالب وقوعها‪ ،‬وتتحدد أمامه مجسمة واضحة؟‬
‫فيقع الجواب عنها لديه موقعا مستقرا ً‬
‫وواضح أن المعلومات تصل إلى ذهن الطالب‪ ،‬في طريقة‬
‫المشاهدة‪ ،‬عن‬
‫طريق حاسة البصر‪.‬‬
‫)‪ (1‬محمد حس!ق آل ياسين‪ :‬مبادئ في طرق التمرش!‪.‬‬
‫بيروت‪ ،‬المكتبة العصرية ص ‪284‬‬
‫‪43‬‬

‫) ‪(1/37‬‬

‫ويؤكد عللي النفس ك الدراك الحسي لشيء ما‪ ،‬يقوى‬


‫ويتعاظم لدى الفرد‬
‫كلما اشترك فيه شراكه من الحواس عدد أكبر‪ .‬فما وصف‬
‫صل لديهم فكرة ما عن هذا‬ ‫المدرس للطلبة تهرأ معينا تح ّ‬
‫الشهر‪ .‬ولكون إذا رسم أ!لدرس الظهر‪ ،‬أو أخذهم أليه‪،‬‬
‫تتوسع فكرضه!م عن هذا الشهر‪ ،‬وترسخ معلوماتهم عنه‬
‫حتى ل تكاد تمحي من أف!انهم‪ ،‬فيسهل تذكيرهم له‬
‫واستعادة صورته‪.‬‬
‫فإذا سبحوا في مائه‪ ،‬وشربوا منه‪ ،‬وشعرنا ببرده أو حرة‪،‬‬
‫قويت معرفتهم وازدادت رسوخا ً‬
‫وبذلك تخرج المعلومات بالمشاهدة من ل‪ /‬العقل إلى ما‪/‬‬
‫الواقع‪ ،‬ومن‬
‫القول إلى الفعل‪ ،‬ومن التصور المجرد إلى الحقيقة‬
‫الراقعة )‪.(1‬‬
‫الفعال النبوية!وسيلة بيانية وتعليمية مشاهدة‪:‬‬
‫إن أمه وهو العم‪ /‬بطبائع البشر‪ ،‬الخبير بما يصلح لهم‬
‫ويصلحهم‪ ،‬لم يشأ أن تكلون معرفتهم بالدين عن طريق‬
‫كتاب يلقى إليهم دون بيان رسول وينتهي المر‪ ،‬أو عن‬
‫طريق رسول يبلغهم الكتاب وينتهي المر‪ ،‬ولكن‪ ،‬لكي تتم‬
‫حجة الله على العالمي‪ ،‬جعل هذا الرسول نمي جو بشريا‬
‫لذلك الكتاب‪ ،‬حتى كأن ذلك الرسول قرآن متحرك‪ .‬أو‬
‫كانت المنهج القرآني تحول إلى حقيقة واقعة‪ ،‬تتحرك بين‬
‫ول إلى بشر يترجم بسلوكه وتصرفاته‬ ‫الناس‪ .‬تح ّ‬
‫ومشاعره وأفكاره‪ ،‬مبادئ ذلئ! المنهج ومعانيه "‪ ،،‬ووضع‬
‫الله في شخص ا ذلك الرسول الصورة الكاملة للمنهج‬
‫السلمي‪ ،‬الصورة الحية الخالدة على مدار التاريخ ! )‪.(2‬‬
‫وقد سال سعد بن هشام عائشة أم المؤمنين رضي الله‬
‫خلق رسول الله يا‪ ،‬فقالت‪:‬أ أليست تقرأ‬ ‫عنها‪ ،‬عن ُ‬
‫القرآن؟ " قال‪" :‬بلى!‪ ،‬قالت‪ :‬أفإن خلق‬
‫)‪ (1‬محمد حسينة آل ياسين‪ :‬مبادئ في طرق التدريسي‪،‬‬
‫ص ‪ ،253 ،253‬وأيضا ً أبو الفتوح رضوان وآخرون‪:‬‬
‫المدرس في المدرسة والمجتمع ص ‪225 -232‬‬
‫)‪ (2‬عمد قطب‪ :‬منهج التربية السلمية ص ‪220‬‬
‫‪44‬‬

‫) ‪(1/38‬‬

‫نبي الله يكره كان القرآن "‪ ،‬قال‪" :‬فهممت أن أقوم ول‬
‫أسال عن شيء حتى أموت " )‪.(1‬‬
‫لقد تمثلت في النبي !م! خصائص المنهج الرئاف! في‬
‫الحياة البشرية كما تمثلت‬
‫في حياته تفاصيل ذلك المنهج‪ ،‬فالذي شاهد حياته وأفعاله‬
‫! فقد شاهد ذلك المنهج‪ ،‬ومن قبس منه‪ ،‬فقد قبس من‬
‫النور الذي أرسله الله لهداية الب!ثر‪ .‬رمن هنا نعلم رجه‬
‫وصفه بالسراج في المة التي حددت مهماته !‪ ،‬إذ قال‬
‫الله عز وجل‪ :‬فيا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا‬
‫ونذيرأ! رداعيأ إنما الله بإذنه وسراجا ً منيرأ! )‪.(2‬‬
‫إن مشاهدة الناس للمبادئ القرآنية متمثلة في الواقع‬
‫الرضي البشري‪،‬‬
‫يعطي لهم دفعات من الثقة والتصديق بذلك المنهج‪ ،‬لنهم‬
‫يرونه بعيونهم متحققًا‪ ،‬فُيسارعون إلى تطبيق تلك‬
‫المبادع!‪ ،‬اقتده ‪ 4‬بمن رأوها متمثلة فيه‪ .‬ولو أن القرآن‬
‫نزل مجردا ً عن رسول حامل له ممثل لما فيه‪ ،‬لتعزقت‬
‫كثير من النفوس عن امتثاله‪ ،‬توهما أن ذلك أمر صعب‬
‫المنال‪ ،‬أو ل يمثلن تحقيقه في واقع الحيلة‪.‬‬
‫هذه ان أن الذين شاهدوه عن باعيخهم‪ ،‬تأثروا به‪ ،‬وتعلموا‬
‫منه على أتم ما‬
‫يمكن من أحوال هذه الطريقة‪.‬‬
‫ولكن الذين‪ /‬يشاهدوه يتيسئر لهم الطلع على أفعاله‬
‫وأحواله بما نقل إليهم‬
‫عن طريق الذين شاهدوه‪ ،‬ويكون هذا الطلع وسيلة‬
‫قريبة من المشاهدة‪ ،‬تؤدي‪ .‬إلى ثمارى قريب من ثمار‬
‫المشاهدة‪ .‬فهو قدوة متجددة حيثما ذكرت سيرته وأخباره‬
‫وأحواله !‪.‬‬
‫وقد تمثلت فيه جو صورمتنوعة‪ ،‬كل منها يوضح للبشر‬
‫كيف يكون الملتزم‬
‫بالمنهج الرباني في ناحية معينة من نواحي الحياة‪.‬‬
‫فالعم‪ /‬يرى في محمدا الصورة السامية المثالية للعب‪،/‬‬
‫والعابد يرى فيه‬
‫)‪ (1‬الحديث بأتم من هنا‪ .‬رواه مسلم ‪ 26 /6‬وأحمد وي بو‬
‫داود‪ (2) .‬سورة الحزاب‪ :‬آية ‪45‬‬
‫‪45‬‬

‫) ‪(1/39‬‬

‫صورة المثلى العلى للعابد‪ ،‬وهكذا الداعية‪ ،‬ورجل‬


‫السياسة‪ ،‬ورجل الحرب‪ ،‬والب‪ ،‬والزوج‪ ،‬والقريب‪،‬‬
‫والصاحب والصديق‪ ،‬حتى العدو يستطيع أن يتعلم منه‬
‫كيف ينبغي أنا يعامل عدمه‪.‬‬
‫ولكل هذه الصور كانت مجتمعة في محمد مجد على توافق‬
‫وانسجام !‪ (1،‬وتعادل‪ ،‬ل يطغى بعضها على بعض كما قد‬
‫تطغى بعض الصفات في البطالى على سائر الصفات‪.‬‬
‫هل كلم محمد صلى ارثه عليه وسلم مثل أعلى‪:‬‬
‫يقول جولد تسيير‪ :‬الو أن السلم قد تملك بشهادة‬
‫التاريخ الحق تمسكا ً‬
‫دقيقا لوجد أنه ل يستطيع أن ُيمس المؤمن!!ن به بفكرة‬
‫مثالية للحياة الخلقية‪ ،‬وهي فكرة أتخذ الرسول فيه مثل‬
‫ِأعلى واحتذائه‪ .‬لكن دلؤمنين‪ /‬يتركوا أنفسهم يتأثرون‬
‫ل محلها‬ ‫بصورة محمدا كما رسمها التاريخ الصادق‪ ،‬بل ح ّ‬
‫من أول المر‪ ،‬الصورة المثالية للنبي في رأ!م "‪.‬‬
‫ثم يقول‪ 9 :‬إن علم الكلم في السلم‪ ،‬حقق هذا‬
‫المطلب‪ ،‬بما رسم‬
‫ً‬
‫ي جمع من صورة تمثله بطل ونموذجا لعلي الفضائل‪،‬‬ ‫للنب ّ‬
‫ل مجرد أداة للوحي اللهي ونشره بين غير المؤممين !‬
‫عله أنه يبدو أن هذا‪ /‬يرده عمد عن نفسه‪ ،‬فقد قال إن‬
‫الله أرسله )شاهدأ ومبشرا ونذيرأ! وداعيا ً إلى الله بإذنه‬
‫وسراجا ً منيرأ! أي إنه مرشد‪ ،‬ل نموذج ومثل أعلى‪ ،‬أو‪-‬‬
‫على القل‪ -‬إنه ليس كذلك وأسوة حسنة! إل بفضل رجائه‬
‫وذكره الله كئيرأ بسورة الحزاب‪ :‬آية ‪ (21‬ولعدد كان على‬
‫م كان عمله‬ ‫ما يبدو مدركا بإخلص ضعفه النسافإ‪ ،‬ومن ث َ ّ‬
‫أكد من شخصه "‪ .‬اهـ)‪ .(3‬هذا المعنى ألفي ألح عليه‬
‫المستشرف اليهودي‪ ،‬أشار إليه الخر‪ :‬يوسف شاخت‪ ،‬في‬
‫مادة )‪ 1‬صول الفقه( في )دائرة المعارف السلمية( حي!‬
‫ث ذكر أن‬
‫)‪ (1‬محمد قطب‪ :‬منهج التربية السلمية أيا ‪233‬‬
‫)‪ (2‬جولد تسيير‪ :‬العقيدة والشريعة في السلم‪ -‬درجة‬
‫عمد يوسف موسى وزميليه ط ثنية‪ .‬القاهرة‪ ،‬دار الكتب‬
‫اطديثة ود‪ .‬تم ص ‪35‬‬
‫‪46‬‬

‫) ‪(1/40‬‬

‫أقواله يكن‪ /‬تكن موضع شك منذ البداية‪ ،‬لمما الفعاله‬


‫ل( على َرغما عن أن شريعته ل تدل‬‫فإنما اّتخذ فيها مث ً‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫ونحن سنثبت‪ -‬إن شاء الله‪ -‬حجية أفعال النبي !ك! في‬
‫الفصل الثالث من‬
‫الباب الول‪ .‬ولن نرد على ما في كلمهما من الباطل‬
‫الذي دعاهما إليه الكفر‪ .‬رل!ن جمهمنا هنا إثبات أنه له‬
‫عل الصورة المقتضى بها في الدين‪ ،‬وأن بملحظة‬ ‫ج ِ‬
‫ُ‬
‫أفعاله يحصل تعلم الدين‪ ،‬وأنه كان المثل العلى للبشر‬
‫في حدود البشرية من جهة الدين‪ ،‬وأن ما أشار إليه جودة‬
‫تسيطر و!ل! عنه‪ ،‬وهو قول ‪ 5‬تعالما في الخلق والعبادة‬
‫والمعاملة‪ :‬ولقد كان لكلم في رسول الله أسوة حسنة!‬
‫دليل في ذلكم وسياق الية في النبات قي الحرب‪ ،‬ل في‬
‫مجرد العبادة‪.‬‬
‫وحتى المة التي كفر بها جولد تسيطر‪ ،‬فيها أن الله‬
‫أرسل نبيه )سراجأ منيرًا!‪ ،‬والسراج يضيء من داخله‪.‬‬
‫وقد جاء ثلثة رهط إنما أبيات النبي مجده‪ ،‬يسالوفي عن‬
‫عبادته دربه‪ ،‬فأخبروا‬
‫بها‪ ،‬فكأنهم تقاّلوها‪ .‬فقالوا‪ :‬وأين نحن من رسول أله له‪،‬‬
‫غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر‪ .‬فالتزم بعضهم أن‬ ‫قد ُ‬
‫ل ينكح النساء؟ والخر أن يصوم ول يفطر‪ ،‬والثالث‪ :‬أن‬
‫يقوم فل ينام‪ .‬فأخبر النبي ! بقولهم؟ فقال‪ :‬وأما والله‬
‫إفك لخشاكم دمه وأتقاكم له ! لكني أصوم وأفطر‪،‬‬
‫وأقوم‪ ،‬وأنام‪ ،‬ود تزوج النساء‪ .‬فمن رغب عن سنتي‬
‫فليس منير )‪ .(9‬فلم ينبههم إلى الحق بذكر آية‪ (،‬و تبليغ‬
‫وحي‪ ،‬وأنما نبههم إلى فعل نفسه‪ ،‬والى ما يلتزم به‪ ،‬وأن‬
‫ض مقتل القتداء به في ذلك‪ ،‬فليس على شريعته‪.‬‬ ‫من نا َ‬
‫ق َ‬
‫وأمر آخر يدل على المطلوب دللة واضحة‪ ،‬وهي أن الله‬
‫تعالى قض علينا في‬
‫كتابه قصص أنبيائه والصالحين من عباده‪ .‬وإنما حضهم‬
‫ليكونوا عبرا ً و ُ‬
‫مُثل تحتذى‪ ،‬كما في توبة آدم‪ ،‬ودعوة‬
‫شعيب‪ ،‬والتزام إبراهيم‪ ،‬ووصية يعقوب لبنيه بالتوحيد‪،‬‬
‫وعفة يوسف‪ ،‬واستغفار يونس‪ ،‬وطاعة إسماعيل‪ ،‬وقوة‬
‫موسى‪ ،‬وعبادة مريم‪،‬‬
‫)‪ (1‬يمعني روجيه البخاري يفتح الجاري‪ .‬ط مصطفى‬
‫الحلبي ‪! /11‬ا( ورواه فسلم ‪176/9‬‬

‫) ‪(1/41‬‬

‫‪47‬‬

‫) ‪(1/42‬‬

‫وعبودية عيسى‪ ،‬عليهم جميعا ً صلة الله وسلمه‪ .‬فكيف ل‬


‫تكون أفعال أفضلهم وأكرمهم وأتقاهم دمه‪ ،‬قدرة ومثال‬
‫يحتذى‪ ،‬وهو خادمهم الذي جعل للناس كافة رسول ً وكان‬
‫خاتما للرسل‪ ،‬فهو نبي جميع العصور اللحقة حتى تقوم‬
‫الساعة‪،‬‬
‫ومعلوم أن أفعاله يقتدى بها من حيث هو دليل على أحكام‬
‫الله‪ ،‬ل لذاتها‬
‫من حيث إنها أفعاله‪ ،‬وكونه )مثل أعلى( إنما هو في شرق‬
‫تمسكه بما أمره به ربه‪ ،‬وشدة متابعته للمنهج الذي رسمه‬
‫ضح ئي هذا عندما قال لمنع بي القتداء به في‬ ‫له‪ .‬وقد و ّ‬
‫حكم ديني‪ ،‬مجتزأ بان الله يحل لرسوله ما شاء‪ :‬قالي له‪:‬‬
‫‪ 9‬لكني أخشاكم لُله‪ ،‬ود المكلم بما أَتقي ! فأشار إلى أنه‬
‫قدوة من حيث كونه أعلى الناس في تقوى الله‪ ،‬مع كونه‬
‫أعلمهم بأحكام الله‪ .‬وقال لبعض الصحابة‪ :‬وأما لكم جمة‬
‫قسوة" )‪ (1‬وكلم المستشرق النف الذكر يرهم أن‬
‫المسلمين جعلوه يا مثل أعلى تحتذى أفعاله لذاتها‪ ،‬على‬
‫اعتبار أنه من فعل شيئا ً أصبح شرعا ً ولو لم يقصد به‬
‫التشريع‪ .‬وهذا لم ينهب إليه أحد‪ .‬من المسلمين‪ ،‬إل‬
‫بعضهم في أفعالي محدودة سنبقيها في موضعها إن شاء‬
‫الله‪ .‬بله أكزكلم الصوليين في باب الفعال دائر حول‬
‫تمييز ما هو دليل على الحكم الشرعي مما ليس بدليل‪.‬‬
‫وقد حقق القتداءُ به !ك!ه مستو‪ ،‬ت عالية أخا اليمان‬
‫والخلص والجهاد والعلم والعبادة والدعوة‪ ،‬تمثلت في‬
‫أشخاص الصحابة الكراني‪ ،‬وفي المجاهدين المخلصين دكه‬
‫في كل عصر وجيل من أجياله أهل السلم‪ .‬ول تزال هذه‬
‫ى‬
‫القدوة العظيمة تنبع أبطال في كل عصر‪ ،‬يكونون شج ً‬
‫في حلوق أعداء الله ! وكانت الله عز وجل يش!ير إلى هذا‬
‫بقوله‪ :‬ومحمد رسول الل والذين معها أداء على الكفار‬
‫رحماء بينهم‪ ! ...‬إلى توله‪ ...) :‬ومثلهم في النجيل كزرع‬
‫أخرج خطأه فآزره فاستغلت فاستوى على سوقه يعجب‬
‫الز!ل ليغيظ جهم الكمار وعد الله الذين آمنوا وعملوا‬
‫الصالحات منهم مغفرة وأجرا ً عظيمات"‪*(2‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسالم ‪186/5‬‬
‫مح‪ :‬آخر السورة‪.‬‬ ‫)‪ (2‬سورة الف ّ‬
‫‪ 8‬ما‬

‫) ‪(1/43‬‬

‫الطريقة الثالثة للتعليم‪:‬‬


‫الممارسة للفعل تحت نظر المعلم ليصحح للمتعلم إن كان‬
‫في فعله خطأ‪،‬‬
‫ويقره عليه إن كان صوابا ً ويقابلها في السنة النبوية‬
‫والنكار والتقريه!‪! .‬والممارسة والعمل منهل من مناهل‬
‫التعلم ! وقد نادى ول يزال ينادي جهما‬
‫مربو العصر الحاضر‪ .‬والقول المور والتعلم بالعملة‬
‫يهيمن على فلسفة جميع المدارس المريكية‪ ،‬وشميطر‬
‫على تفكير جميع مدرسيها‪ ،‬حتى إن المتأخرين من المران‬
‫والمشتغلين بالتعليم أخذوا يضعون الهمية العظمى على‬
‫الناحية العملية‪ .‬وما والمدارس التجريبية( إل مؤسسات‬
‫عئت لتطبيق هذه الفكرة‪ ،‬إذ نجد الطلب في مثل هذه‬ ‫أ ِ‬
‫المدارس في غرف مملوكة باللت البخارية أو الكهربائية‪،‬‬
‫كانوا في معمل من المعامل‪ ،‬ل في مدرسة جاء إليها‬
‫الطلب ليتلقوا فيها العلوم‪ .‬ومن أجل هذا فالطلب في‬
‫كل هذه المدارس‪ ،‬يتلذذ دون رر!ل ما يعهد إليهم عمله‪،‬‬
‫ويتعلمون أكثر مما يتعلمه الطلب في المدارس‬
‫التقليدية"‪.(1،‬‬
‫المدرسة النبوية قد طبقت هذه الطريقة بمستوى رفيع‪:‬‬
‫لقد حث القرآن طوائف المة على النفير إل رسول الله‬
‫به‪ ،‬والنفير معه‪ ،‬ليتعلموا( ثناء النفير‪ ،‬ويعملوا بأحكام‬
‫دينهم تحت سمع النبي !حم! وبصره‪ .‬وكان النبي ! يصحح‬
‫لهم ويندد لهم أفعالهم إن كان فيها خطا‪ ،‬ويقر ما هو‬
‫صالح وصحية من أفعالهم‪ ،‬ويثني على ما هو حسن‪ ،‬حتى‬
‫يستقر في نفوسهم الميل إليه واستحسانه‪.‬‬
‫وكان النبي عبد حيثما أقام أو سافر أو غزا‪ ،‬يلحظ أفعال‬
‫صحابته ول يترك‬
‫الخطأ كيميا‪ ،‬بل ينبه عليه‪ ،‬كما حدث في حديث المسيء‬
‫في صلته‪ ،‬وحديث أنهم كانوا يحلفون بآبائهم فنهاهم‪،‬‬
‫وغير ذلك مما هو معروف في دواوين السنة‪ .‬وكان يكل‬
‫إلى أصحابه المهاجم الجسيمة في السرايا والبعوث‬
‫والوليات والوفود في غيبته‪ ،‬بل يكل إليهما حياني الحكم‬
‫والخطابة والمفاوضة في حضرته‪ .‬فيتعّلمون ّبالعمل‪.‬‬
‫وهويئه! يقّر لهم الصواب فيعلمون أنه صواب‪ ،‬وينكر‬
‫عليهم الخطة فيجتنبونه‪.‬‬

‫) ‪(1/44‬‬

‫)‪ (1‬عمد حسين آل ياسين‪ :‬مبادع! في طرق التدريسي ص‬


‫‪283 ،282‬‬
‫‪49‬‬

‫) ‪(1/45‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫تقسيم السنن الئَبوّية‬
‫إلى قولبة وفعلّية صريحة وكير صريحة‬
‫تنقسم السنن النبوية من حيث طبيعتها قسمين رئيسيين‪:‬‬
‫ا لول‪ :‬ا لقوال‪.‬‬
‫وا لها قد‪ :‬ا أأ فعال‪-‬‬
‫والزركشي في البحر المحيط توقع في ذكر أقسام السنن‬
‫بالتفصيل‪ ،‬فجعلها ثمانية‪ :‬الول‪ :‬القول‪ ،‬الثاقب‪ :‬الفعل‪،‬‬
‫الثالث‪ :‬التقرير‪ ،‬الرد بع‪ :‬ما هئت به‪ ،‬الخامس‪ :‬الشارة‪،‬‬
‫السادس‪ :‬الكتابة‪ ،‬السابع‪ :‬الترك‪ ،‬الثامن‪ :‬التنبيه على‬
‫العلة‪ ،‬نقله عن أبي منصور‪ ،‬والحارث المحاسبي )‪.(1‬‬
‫ونحن نرى أن الخمسة التي ذكرها بعد الفعل راجعة إلى‬
‫قسم الفعال‪ ،‬وإن‬
‫كانت ذات صفات خاصة تميزها عن سائر الفعال‪-‬‬
‫وأما الثامن‪ ،‬وهو التنبيه على العلة‪ ،‬فهو ِإما راجع إلى‬
‫الولى‪ ،‬إن كان‬
‫الدليل قولئًا‪ ،‬أو إلى الفعل إن كان الدليل فعليا‪ً-‬‬
‫ومن أجل ذلك فإن تقسيم المسنن إلى أقوال وأفعال هو‬
‫تقسيم حاصر‪ .‬ثم الفعال تنقسم إلى أنو ‪.3‬‬
‫وسوف نسير في رسالتنا هذه على هذه الطريقة‪ .‬فنقسم‬
‫ه‪.‬‬
‫السنن إلى قسمين‪ :‬قولية‪ ،‬وفعلي ّ‬
‫)‪ (1‬البحر المحيط ‪*1260 /2‬‬
‫‪50‬‬

‫) ‪(1/46‬‬

‫تعريف الفعل‪:‬‬
‫الفعل هو حركة البدني و النفس‪.‬‬
‫وعٌر به صاحب اللسان بأنه‪ :‬وكناية عن كل عمل متعد أو‬
‫كير متعدد "‪.‬‬
‫والفعل عند المنطقين "تائ!ير من جرم مختار أو مطبوع‬
‫في جرم آخر‪ ،‬فيحيله‬
‫عن بعض كيفئاته إلى كيفه أت أخرى‪ ،‬كفعل السكن‬
‫والحجر‪ ،‬والقاطع بهما‪ ،‬فإنهما يحيلن المقطوع‪ ،‬كالتفاحة‬
‫مثل ً عن حال الجتماع إلى حال الفتراق‪ .‬وقد يكون‬
‫الفعل مجردًا‪ ،‬كالقيام والتحرك والتفكر‪ ،‬وما أشبه ذلك " )‬
‫‪.(1‬‬
‫وقال الجرجاني في التعريفات‪:‬أ الفعل هو الهيئة العارضة‬
‫للمؤثر في غير ‪8‬‬
‫بسبب التأثير‪ ،‬كالهيئة الحاصلة للقاطع بسبب كونه‬
‫قاطعًا‪ ..‬ومنه الفعل العلجي‪ ،‬وهو ما يحتاج حدوثه إلى‬
‫تحريضا عضو كعالضرب والشتما )‪.(2‬‬
‫ثم ذكر ابن حزم أن الفعل ينقسم إلى ما يبقى أثره بعد‬
‫واق‪ ،‬كما ل يبقى أثره‬ ‫انقضائه‪ ،‬كأعلى التراث والنهار والز ّ‬
‫بعد انقضائه يفعل السابح عالماشي والمتكّلم‪ ،‬ومما أشبه‬
‫ذلك )‪.(3‬‬
‫ي مرشدا ً هنا‪،‬‬
‫هذا وليس كل ما يعبر عنه بالفعل الصرف ّ‬
‫فنحو مات وعاش‪،‬‬
‫م‪ ،‬هذه أفعال عند‬ ‫ح ً‬
‫م وز ِ‬
‫ر ً‬
‫ح ِ‬
‫واسود وابيضت‪ ،‬وكان وصار‪ ،‬و ُ‬
‫الصرفيين ولكنها ليست عند المناطقة والصولي!!ن‬
‫أفعال ً لن من نسبت إليه‪ /‬يفعلها‪.‬‬
‫والقول هو فعل من بعض الوجود‪ .‬وسيأتي بيان ذلك في‬
‫الفصل الثالث من‬
‫الباب الثاني إن شاء الله‪.‬‬
‫فعل كيره بأمره صلى الّله عليه وسلم‪:‬‬
‫لو أمر النبي ! أحد المسلملين أن يفعل شيئا ففعله‪،‬‬
‫فهل يكون ذلك فعل ً‬
‫نبويا حتى يسود‪ /‬به على طريقة الستدلل بالفعال‪ ،‬أم‬
‫هو قول يفهم كغيره من ا لول مر؟‬
‫)‪ (1‬بتصرف عن ابن حزم‪ :‬التقريب لحد المنطته‪ ،‬بيروت‪،‬‬
‫دار مكاتبة الحياة‪ ،‬ص ‪60‬‬
‫مقريب لحد المنطق‪.‬‬ ‫)‪ (2‬ص ‪ (3) 75‬ال ّ‬
‫) ‪(1/47‬‬

‫جم(‬ ‫يمّثل الصوليون في باب الفعال النبوية بأنه جمعه )َر َ‬


‫ماعزا ً و )قطع(‬
‫سارق رداء صفران‪ .‬ومن المعلوم أنه !‪ /‬يباشر ذلك‪ ،‬ولكن‬
‫فعل بأمره‪.‬‬
‫وقد اعترض على التمثيل بذلك ابن الهمم في التحرير‪ ،‬ثم‬
‫قال‪:‬إ إل أن‬
‫ئححل ال ا؟ موركفعله ! ما كان بأمره‪ ،‬وفيه ما فيها )‪،"1‬‬
‫وأنا أقول‪ :‬إن القول النبوي الذي بمعنى الفتاء والخبار‬
‫بحكم الشرع هو )قول(‪ ،‬وما فعل بناء عليه يكون منسوبا ً‬
‫إلى فاعله ل إلى المر به‪ .‬وذلك كما نصلي ونصوم ونحج‬
‫ولينسب فعلنا إلى النبي !‪.‬‬
‫وأما المر التنفيذفي الصادر عن النبي !ك!رو‪ ،‬بوصفه‬
‫وإمام العامة( أو القائد‬
‫أو المير‪ ،‬أو نحو ذلك‪ ،‬فإن ما يفعله المأمور تنفيذا‬
‫مطابقا ً فهو من جهد فعل للمأمور‪ ،‬لنه قام بالحركة‪،‬‬
‫فتنسب إليه حقيقة‪ .‬ويجوز نسبته إلى المر به‪! ،‬ك!‪.‬‬
‫وأهل البيان يجعلون نسبة الفعل إلى الشمر به من‬
‫المجاز العقلي‪ ،‬لماكان المر‬
‫هو السبب في وجود الفعل وليس هو الفاعل الحقيقي‪.‬‬
‫إل أن مرادنا هنا توضيح أن مثل ذلك الفعل هل ينسب إنما‬
‫ي ثم‪ ،‬حتى‬ ‫النب ّ‬
‫يكون من باب الفعال النبوية‪ ،‬وششدلى به كما يستدل‬
‫بالفعال‪ ،‬فيدل مثل ً ِإذا كان مجردا ً على الستحباب في ما‬
‫هو من باب القرب‪ ،‬أو هو أمر فيستدل به على الوجوب؟‬
‫وهي مسالة مهمة تنبني عليها فروع كثيرة‪.‬‬
‫جه إليه المر التنفيذي يلزمه الطاعة‪،‬‬‫إن الشخص الذي و ّ‬
‫لنه )ملمور(‬
‫والمر يقتلهما الوجوب‪ .‬ولكن غيره ممن‪ /‬يؤمر به‪ ،‬يقتدي‬
‫بالفعل‪ ،‬ويعتبره كسائر أفعاله عز‪ ،‬فيجريما عليه قانون‬
‫الستدلل بالفعال النبوية‪.‬‬
‫ووجه ذلك أل المغمور في هذه ا‪-‬للى ل يزيد عن كونه‬
‫كاللة للحمر‪ ،‬وخاصة‬
‫وأنه مجد نبيل ورسول‪ ،‬فتابعه المور ليس له الحيرة من‬
‫ه منه لمر الله‬
‫أمره‪ ،‬ول محيص له من التنفيذ‪ ،‬طاع ّ‬
‫ة بان تقدير رسول الله !كل! للحكم‬ ‫ورسوله‪ ،‬وثق ً‬
‫)‪ (1‬التقرير والنحور ‪303 ،302 /2‬‬
‫‪52‬‬

‫) ‪(1/48‬‬

‫وللظروف والسباب والطريقة والنتائج‪ ،‬تقدير هو الصواب‬


‫بعينه‪ ،‬وليس لحد من البشر أن يعقب على حكمه‪.‬‬
‫وأهل اللغة عندما يسندون الفعال إنما المر بها‪،‬‬
‫المسؤول عن تقدير أسبابها وظروفها ونتائجها‪ ،‬إنما‬
‫يصدرون في ذلك عن قناعة نفسية بان الفعل يعتبر‬
‫صادرا عن الشمر المسؤول كما يعتبر صادرا عن المأمور‬
‫الذي ل يزيد عن كونه مجرد آلة"‪ ،(1‬بل أولى‪.‬‬
‫وكمثال لما تقدم نضرب ما ذكره ابن حزم في مسالة حكم‬
‫إشعارالهدي‪ .‬فقد‬
‫روى ابن حزم )‪ (2‬حديثا من طريق النسائي أن النبي !‬
‫سلت‬ ‫عر في سنامها من الشق اليمن‪ ،‬ثم َ‬ ‫أمر ببدنته فأش َ‬
‫الذم عنها وقلدها نعلين‪.‬‬
‫مر بالشعار‪.‬‬ ‫ثم قال ابن حزم‪ :‬وليس في هذا الخبر أنه أ َ‬
‫ولو كان فيه‪ ،‬لقلنا بإيجابه مسارعين‪ .‬وأنما فيه أنه )‪ 1‬مر‬
‫ت‬
‫ببدنته فاشعر في سنامها(‪ ،‬فمقتضاه أنه أمر بها‪ ،‬فادن ِي َ ْ‬
‫إليه‪ ،‬فاشعر في سنامها‪ ،‬لنه هو عنه أول بيده إشعارها‪.‬‬
‫بذلنا صح الثري‪ .‬الـ‪ .‬أي فيدل على الستحباب‪.‬‬
‫فليت شعري لو أن رسول الله !ع! كان قد‪-‬مر أجير ‪ ،8‬أو‬
‫خادمه أو أحد‬
‫)‪ (1‬ألمح إلى فلك سعد الدين التفتازاني في حاشيته على‬
‫شرح مختمر ابن الحاجب في الصول )‪ !157/1‬حيث يقول‬
‫ما نحو )‪ 1‬نبت الربيع البقلي‪ :‬ليس هنا مجاز وضعي أصل‬
‫ل في المفرد ول في المركب‪ ،‬بل عقلي‪ ،‬بان لشد الفعلي‬
‫إلى غير ما يقتلهما العقلي إسناده إليه‪ ،‬تشبيها له‬
‫بالفاعل الحقيقي‪.‬‬
‫قال ة وليس المقصود بهذا التشبيه هو الذي يقال بالكلم‬
‫وكان ونحوهما‪ ،‬بل ها عبارهّ عن جهة راعيا في إعطاء‬
‫الربيع‪ -‬وهو الجدول‪ -‬حكم القادر المختار‪ ،‬كما قالوا‪ :‬شبها‬
‫مال‬
‫ب اليسر فرفع بهذا السم رنصسب الخبر‪ ،‬الـ‪ .‬فجعله‬
‫التشبيه هنا عبارة عن وجهة راعوها(‪ ،‬نظير لما فكرنا من‬
‫ه النفسية لسى( هل اللغة إذ ينسبون الفعل ألما‬ ‫القناع َ‬
‫المر الواجب الطاعة‪ ،‬رشمند الفعل في كلل من‬
‫الصورتين إلى غير فاعله على سبيل المجاز العقلي‪.‬‬
‫)‪ (2‬المحلى ‪112 ،115 /7‬‬
‫‪530‬‬

‫) ‪(1/49‬‬

‫الحاضرين‪ ،‬أن يتوّلى عنه ما توله هو بنفسه‪ ،‬أكان ينتقل‬


‫ولى‬‫مة من الندب إلى الوجوب؟ إن ال ْ‬ ‫الحكام في حق ال ّ‬
‫ه بالمر يتعين عليه التنفيذ‪ ،‬ولكن‬‫ج َ‬
‫أن يقاوما‪ :‬إن الذي و ِ‬
‫فلك الفعل ينسب إلى النبي ! كسائر أفعاله‪ ،‬ليجري على‬
‫قانونها في حق المة‪.‬‬
‫وبهذا يتبينه أن تمثيل الصوليين للفعال النبوية برجم‬
‫ماعز‪ ،‬وقطع يد السارق‪ ،‬وقتال أهل مكة‪ ،‬وغير ذلك‪ ،‬هو‬
‫تمثيل صحيح‪ .‬واعتراض ابن الهمام الذي تقدم ذكره غزير‬
‫وارد‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫تقسيم الفعل إلى صريح وكير صريح‪:‬‬
‫من الفعال ما هو صريح في الفعلية‪ ،‬فل يختلف في كونه‬
‫فعل ً‬
‫وذلك كالضرب‪ ،‬والمشي‪ 1 ،‬والحب‪ .‬والمثال الول وهو‬
‫الضرب‪ ،‬هو للفعل‬
‫هد‪ ،‬والثالث‬‫المؤتمر في غير فاعله‪ ،‬والثاني للمجرد المشا َ‬
‫للمجَرد النفط ي‪.‬‬
‫ومن الفعالى ما ليس صريحا في الفعلية‪ ،‬فيدور الوهم‬
‫فيه بين أن يكون فعل ً‬
‫أو ل يكون‪ .‬ومن ذلك الكتابة‪ ،‬والشارة‪ ،‬والترك اليجاجم!‬
‫الذي يعبر عنه بالكفر أو المساك‪ ،‬والسكوت عن الجواب‪،‬‬
‫م بالفعل‪ ،‬ونحو ذلك‪ .‬فهناك من يدعي أن‬ ‫والتقرير‪ ،‬واله ّ‬
‫الكتابة قول‪ ،‬وأن الترك والسكوت والتقرير ونحوها‬
‫ليست أفعاًل‪.‬‬
‫والقول فعل غيرصريح* فهو فعل من بعض الوجوه‪ .‬كما‬
‫سيأق! في موضعه‬
‫في الفصل الثالث من البا!بإلثاني‪.‬‬
‫ما بعشر عنه بالفعل وهو قول‪:‬‬
‫كثير من القوال يعبر عنها بما يوهم الفعلية‪ -‬ويجب أن ل‬
‫ل‪ ،‬وذلك مثل‪ :‬تشهد‪،‬‬ ‫يخدعنا ذلك عن حقيقة كونها أقوا ً‬
‫وكّبر‪ ،‬وسّبح‪ ،‬ولّبى‪ ،‬ومدح‪ ،‬وأثنى‪ ،‬ووّبخ فلنًا‪ ،‬ولعنه‪ ،‬ودعا‬
‫هاه‪.‬‬
‫عليه‪ ،‬وأمره‪ ،‬ون ّ‬
‫هد( هو‬‫ودليل كونها أقول أل ً أنها تفسر بالقول‪ .‬ف )التش ّ‬
‫قول‪ :‬أشهد أن ل إله‬

‫) ‪(1/50‬‬

‫إّل الليه‪ ،‬و )التسبيح( هو قول‪ :‬سبحان الله‪ ،‬و )التلبية(‬


‫هي قول‪ :‬لبيك اللهم‪ .‬وهكلذا‪.‬‬
‫ولكن ل يمنع ذلك أن تكون هذه القراص ذات أوجه فعلية‪،‬‬
‫كما يأتي )‪ (1‬كغيرها من القوال‪.‬‬
‫انقسام السنن الفعلية إلى صريحة بكير صريحة‪:‬‬
‫تبعا لما تقدم إيضاحه من أنه ما يصدر عن النسان من‬
‫الفعال ينقسم إلى‬
‫فعل صريح وفعل غير صريح‪ ،‬فإن السنن الفعليق!‬
‫الصادرة عن النعي ! تنقسم إلى أفعال صريحة‪ ،‬وأفعال‬
‫غير صريحة‪.‬‬
‫وحجّية الفعال النبوية الصريحة تثبت بمجرد إثبات حجية‬
‫الفعال النازية‪،‬‬
‫ِإذ إنها لعدم الخفاء في فعليتها‪ ،‬تدخل في ما تثبت حجرته‬
‫من الفعال دخرل أولئك‪ .‬وهذا بخلف الفعال النبوية غير‬
‫الصريحة‪ ،‬كالترلى والسكلوت‪ ،‬إذ إنها‪،‬‬
‫لخفاء فعلئتها بما يميزها عن الصريح من الفعال‪ ،‬بحاجة‬
‫إنما مزيد من الدلة والحتجاج‪ ،‬يبين عدم خروجها عما‬
‫ثبتت حجيته من الفعال‪.‬‬
‫يوضح هذا أننالما أثبتنا حجية السنة بصفتها الجمالية‪،‬‬
‫وكان دخول السنن‬
‫القولية في نطاق والسنة" ظل!رأ ل مرية فيه‪ ،‬بخلف‬
‫الفعال‪ ،‬احتجنا لثبات حجية الفعال ِإلى مزيد من الدلة‪.‬‬
‫وي من أن‪ :‬لطلق‬ ‫وشبيه هكذا كله ما ذكره السن ِ‬
‫الصولي!!ن يقتضي أن‬
‫ح بعضهم بعدم دخوله‬ ‫صَر َ‬
‫و َ‬
‫الفرد النادر يدخل قي العموم‪َ ،‬‬
‫" )‪ (2‬وذكر لذلك فروعا ً منها‪:‬‬
‫‪ -1‬النساب النادرة كاللقطة والهبات ونحوها‪ ،‬هل تدخل‬
‫في المهايرة‪ ،‬والصحيح دخولها‪.‬‬
‫)‪ (1‬في الفصل الثالث من الباب الثاني‪ (2) .‬التمهيدي‬
‫‪155‬‬
‫‪55‬‬

‫) ‪(1/51‬‬

‫‪ -2‬ومنها أن المتمتع يجب عليه صوم ثلثة أيام في الحج‪.‬‬


‫فلو أراد تأخير التحلل الول إلى ما بعد أيلم التشريق؟ بان‬
‫يؤخر الحلق والطواف‪ ،‬ويصومها!ا ملئه الوقت‪ ،‬لكونه زمن‬
‫الحج‪ ،‬فإنه ل يجوز على الصحيح عند الرافعي‪ ،‬وعقله‬
‫لية‪ ،‬بل‬‫بقوله‪" :‬لنها صورة نادرة" فل تكثرن مرادة مت أ َ‬
‫تحمل المة على الغالب المعتاد‪.‬‬
‫هذا ومن أنكور فعلية بعض ما سميناه والفعال غير‬
‫الصريحة(‪ -‬كالترك والسكوت مثل ً فإن افتقاره إلى‬
‫الستدلل على حجئت!ا افتقار حقيقي‪ ،‬وتكون الدلة‬
‫بالنسبة إليه تأسيسَية‪.‬‬
‫أما بالنسبة إلى من يرى فعلتتها‪ -‬وهو ما نسير عليه‪ -‬فإن‬
‫الستدلل على حجرتها يكون للتأكيد على عدم خروجها‬
‫عن حجرة السنن الفعلية بصفتها ا لجمالية‪+‬‬
‫من أجل ذلك رأينا أن نقسم البحث إلى قسم!سن نجعل‬
‫لكل منهما بابل‪:‬‬
‫الول‪ :‬للفعال الصريحة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬للفعال غير البرمجة‪.‬‬
‫ونتبع ذلك بباب ثالث‪ ،‬خادمه بالتعارض ب!!ن السنن‬
‫الفعلية بعضها وبعده‪ ،‬وكذلك للتعارض بينها وبين القوال‬
‫وغيرها من الدلة‪ .‬والله المستعان‪ ،‬وبه التوفيق‪-‬‬
‫مرتبة مباحث الفعال من علم الصول‪:‬‬
‫أصول الفقه هو العلم بأدلة الفقه الجمالية‪ ،‬وكيفّية‬
‫استفادة الحكام الفقهية‬
‫منها‪ ،‬وحال المستفيد‪ .‬ويتعرض فيه الصوليون لربعة‬
‫أمور أساسية‪ ،‬جعلها الغزالي في المستشفى )أقطابأ(‬
‫أدار عليها مباحث هذا العلم‪ ،‬وذلك أنه جعل الحكم‬
‫الشرعي كالثمرة التي ليستثمرها المجتهد من الدلة‪.‬‬
‫ه‪ .‬وكل‬
‫القطب الول‪ :‬قي الحكام الشرعية وهي الثمر ّ‬
‫ثمرة لها صفة وحميمية في نفسها وأقسام‪ .‬فيبحث في‬
‫ب في حقيقة الحكام‪ ،‬وانقسامه إلى‬ ‫مط ّ‬‫هذا ال ّ‬
‫‪56‬‬

‫) ‪(1/52‬‬

‫وا جب‪ ،‬ومحظور‪ ،‬ومنذ وب‪ ،‬ومكر له‪ ،‬ومباح‪ ،‬وقضاء‪ ،‬وج د‬
‫ان‪ ،‬ورخصة‪ ،‬وعز يمق‪ ،‬وصحة‪ ،‬وفساد‪ ،‬ويبين أن الحكم‬
‫الشرعي ل يكون إًل من حاكم‪ ،‬هو الله وحده‪ .‬ويبحث في‬
‫أحوال المحكم عليه‪ .‬ومن يجري تأليفه ومن ل يجوز‪.‬‬
‫القطب الثاني‪ :‬في الدلة إجمال ً الكتاب والسنة والجماع‬
‫مرة للحكام‪ .‬فيبين في هذا القطب خذ‬ ‫وغيرها؟ وهي المث ِ‬
‫الكتاب‪ ،‬وما هو منه وما ليسوا منه‪ ،‬وطريق إثباته‪ ،‬وما‬
‫يجوز أن يشتمل عليه من حقيقة ومجاز‪ ،‬وعربية وعجمئة‪،‬‬
‫ويبحث في السنة عن أنواعها‪ ،‬وطرق ثبوتها‪ ،‬وصفات‬
‫رواتها‪ .‬لم يبحث في الجماع وسائر ما يستدل به على‬
‫الحكلم الشرعية‪.‬‬
‫القطب الثالث‪ :‬في طرق الستثمار‪ ،‬وهي دللت اللفاظ‬
‫عله المعافي بمنطوقها ومفهومها واقتضائها وما يعقل‬
‫منها كالقياس‪.‬‬
‫القطب الرابع‪ :‬في المستثمر وهو المجتهد‪ ،‬يذكر فيه‬
‫صفات المجتهد‪ ،‬والموضع الذي يجري فيه المجتهد‪ ،‬دون‬
‫الذي ل مجال للجتهاد فيه‪ ،‬وسائر مسائل الجتهاد‬
‫والتقليد‪.‬‬
‫ولغير الغزالي من الصول!ن ترتيبات أخرى لمسائل علم‬
‫الصولي يراعون‬
‫فيها جهات مختلفة‪.‬‬
‫وعلى كل حال فإنه لما كانت الفعال النبوية دليل ً على‬
‫الحكم الشرعي ومفيدة له‪ ،‬كان موقع مباحثها ضمن‬
‫حب الغزالي في القطب‬ ‫مباحث الدلة‪ .‬وذلك على ترت ِ‬
‫الثاني‪ ،‬وهو المثمر‪.‬‬
‫والدلة‪ :‬كتاب وسنة وإجماع وقياس‪ ،‬ويتبعها عضد بعض‬
‫الصوليين أدلة أخرى‪.‬‬
‫والسنة أقواله النبي بئه! وأفعاله‪.‬‬
‫ولما كانت القوالي أدل على الحكام‪ ،‬وهي الصل في‬
‫التبليغ والبيالط‪ ،‬فإني مباحث الفعال تؤخر في باب‬
‫السنة‪ ،‬غالبا ً عن مباحث القوال‪.‬‬
‫وإثبات ورود الحاديمث بنوعيها‪ ،‬وهو ما يسمما باب‬
‫)الخبار( أو باب ‪57‬‬

‫) ‪(1/53‬‬

‫أ السنادي يؤخر عن باب الفعال غالبًا‪ ،‬كما فعله‬


‫ى )‪ ،(1‬لن الغرض منه إثبات ورود السنن بصفتها‬ ‫البيضاو ِ‬
‫العامة‪ ،‬أي بشقيها القولي والفعلي‪ .‬وقد يؤخر إلى ما بعد‬
‫ذكور الدليل الثالث وهو الجماع كما فعله الرازي في‬
‫المحصول )‪ .(2‬ولعلى وجهه أد ‪ 5‬باب الخبار الغرض منه‬
‫إثبات ورود الدليل سواء كان كتابا أو سنة أو إجماعًا‪ .‬فكان‬
‫باب الخبار ملحقا بالدلة الثلثة‪.‬‬
‫غيي أن الفعال النبوية تذكرة يضأ في غير باب أدلة‬
‫الحكام‪ .‬فتذكر ضمن مباحث الجمال والبيان ونحوها من‬
‫مباحث الدللة‪ ،‬لبيان كيفية البيان بها‪ .‬وتذكر أيضا في‬
‫باب القياس بإيجاز شديد‪ ،‬لبيان كيفية استخراج عللها‬
‫لجل القياس عليها‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى قد تتعارض دللة الفعال بعضها مع بعض‪،‬‬
‫أو مع القوال‪ ،‬أو مع غيرها من الدلة‪ ،‬فيذكر ملئه ضمن‬
‫مباحث التعارض والترجيح بين الدلة‪.‬‬
‫ولكن كثيرا من الصولييهة يبادرون بذكر التعارض الذي‬
‫للفعل علقة به‪،‬‬
‫ضمن مباحث الفعال من باب السنة؟ لتجتمع مباحث‬
‫الفعاله ما مكان واحد‪ ،‬ما فعله أبو الحسن البصري‬
‫والشوكاني وغيرهما‪.‬‬
‫‪!3‬شملت مباحث الفعال‪:‬‬
‫لن نتعرض في بحثنا في الفعال لما يتعلق بروايتها‬
‫وإثباتها‪ ،‬فذلك أمر تشترك‬
‫فيه القوال والفعال على حد سواء‪ .‬أفرد له المحدثون‬
‫علم لمصطلح الحديثة وتعزضيه له الصوليون في باب‬
‫)الخبار( من مباحث السنة‪ .‬وهو لذلك متروك للباحثة في‬
‫السنة بصفتها العلمة‪ ،‬أو ل الخبار خاصة‪ .‬وسيكون بحثنا‬
‫في والفعال النبوية( بعد افتراض ثبوتها عن النبي له‬
‫ووقوعها منه‪ ،‬وذلك فيما صغ عند أهل الحديث‪ ،‬ثقة بأنهم‬
‫لكل الختصاص في فلك‪.‬‬
‫)‪ (1‬منتهى الموله ‪ 3/2‬وقد تعرض السروي لهذه المسالة‪.‬‬
‫)‪ (2‬المصدر نفسه والصفحة نفسها‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫) ‪(1/54‬‬

‫غير أننا نستثني فنذكر مما يتعلق برواية الفعل أشياء‬


‫يسيرة‪ ،‬لها علقة باستفادة الحكام من الفعال‪ ،‬كتعبير‬
‫الصحابي عن الفعل‪ ،‬وما يمكن أن يستفاد من ذلك من‬
‫تعليل أو تعميم أو غيرهما‪.‬‬
‫ّ‬
‫سيم ٍ لسائر الدلة‪:‬‬ ‫تصنيف الفعال ك َ‬
‫ق ِ‬
‫الدلة المعتمدة في الشريعة أغلبها أقوال‪ ،‬فالكتاب‬
‫العظيم قولي الله لحاله‪ ،‬والسنة النبوية منها أقوال‬
‫ومنهاج فعال‪ ،‬والجماع منه قولي ومنه فعلي‪ .‬ومذهب‬
‫الصحابي عند من قال به‪ ،‬منه قولي ومنه فعل‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكن دليل القياس‪ ،‬وهو العلة‪ ،‬ليس قول ول فعل ولكون‬
‫هي معنى اعتبره الشارع في الصل‪.‬‬
‫فالدلة‪ ،‬إذن‪ ،‬إل أقوال‪! .‬إفا أفعال‪ .‬وأما غيرهما‪ .‬ويقول‬
‫ابن تيميه‪ :‬والصل قول الله‪ ،‬وفعله‪ ،‬وتركه القول‪ ،‬وتركه‬
‫الفعل‪ ،‬وقول ريسول الله لحجم وفعله‪ ،‬وتركه القول‬
‫وتركه الفعل‪ ،‬وإن كانت جرت عادة الصوليين أن يذكروا‬
‫قول الله فقط‪ ،‬ومن جهة النبي عن قوله وفعله وإقراره‬
‫" )‪.(1‬‬
‫فهذا لتقسيم للدلة من وجه طبيعتها‪.‬‬
‫وتقسيما إلى كتاب وسنة وإجماع وقياس وغيرذلك‪ ،‬هو‬
‫تقسيم لها من وجه مصادرها‪ .‬وهو التقسيم السهل‬
‫المعتمد عند الصول!ن‪.‬‬
‫وعلى التقسيم الول ليس كل الفعال داخل في بحثنا‬
‫بصفة أساسية‪ ،‬لق موضوعه والفعال النبوية(‪ .‬فل تدخل‬
‫فيه أفعال الله تعالى‪ ،‬ول أفعال الصحابة رضي الله عنهم‪.‬‬
‫ول أفعال أهل الجماع‪.‬‬
‫ولكننا سنلحق بأبحاث الفعال النبوية بعض ما يشاكلها مما‬
‫يتعلق بأفعاله‬
‫غير النبي ! تتميما للبحث‪ ،‬لنها تشارك أفعال النبى! في‬
‫طبيعتها )الفعلية( وفي الدللة على أحكام عند من يقول‬
‫بها‪.‬‬
‫)‪ (1‬المسودة ص ‪298‬‬
‫‪59‬‬

‫) ‪(1/55‬‬
‫المبحث الخامس‬
‫الفعال النَبوّية‬
‫في التآليف الحديثية والضولّية‬
‫مظان التعرف على الفعال النبوية‪:‬‬
‫تذكر دواوين السنة أفعال النبي يكره مبثوثة بين أحاديثه‬
‫القولية‪ .‬و‪ /‬يفردها‬
‫من المسندين أحد بالرواية فيما نعلم‪ ،‬كما لم يفرد‬
‫القوال أحد عن الفعال‪.‬‬
‫ولما استقرت دواوين السنة المسندة‪ ،‬من الصحاح‬
‫والسنن والمسانيد والموطَات والمستخرجاقرغيرها‪ ،‬في‬
‫القرن الخامس تقريبا ً وبدأ عصر التجميع منها ‪ 6‬جمع‬
‫الشيخ ابن العاقوري‪ ،‬وهو محمد بن محمد بن عبداللي )‬
‫‪ 797 -733‬هو أحد أساتذة الجامعة المستنصرية ببغداد‪،‬‬
‫كتابه والرصف لما روي عن النبي يا من الفعل والوصفة‬
‫اعتمد فيه ما ذكره ابن الفق في جامع الصول‪ ،‬وأضاف‬
‫إليه ما ذكر يخص بعض المصادر الخرى‪ .‬وهو‪ -‬أعني ابن‬
‫العاقوري‪ -‬أولى من اعتنى بجمع الفعال‪ ،‬وإفرادها عن‬
‫القوال‪ ،‬فيما يظهر‪-‬‬
‫وقد قال في مقدمته‪ 11 :‬ما الفعال! فلم نر من اعتنى‬
‫بجمعها مفصلة قبل‬
‫كتابنا هذا‪ ،‬وإنما تذكر في أثناء القوال " )‪ (1‬واكد لنا هندا‬
‫المعنى‪ ،‬وهو إغفاله المتقدمين من المحدثين لفراد‬
‫الفعال )‪.(2‬‬
‫)‪1‬ر ‪ 1‬نظر‪3/1:‬‬
‫مدمة صحيح ابن جبان )‬ ‫)‪ (2‬بعد أن كتبنا هذا اطلعنا على م ّ‬
‫‪ 354‬هو فوجدناه يذكره له اسم كتابه خمسة أقسام‪:‬‬
‫الوامر‪ ،‬والنواهي‪ ،‬والخبار‪ ،‬والباحات‪ ،‬والفعال‪ .‬وانظر‬
‫‪=(58 /1‬‬
‫‪65‬‬

‫) ‪(1/56‬‬

‫ولم يكن هدف ابن العاقوري من تجميع الفعال التهيئة‬


‫لستفادة الحكام الفقهية منها‪ ،‬وإنما كان يريد التعريف‬
‫بالنبي بن )‪ ،(1‬ولذلك لدمج أوصاف النبي أو الخلقية‪،‬‬
‫ونسبه الشريف‪ ،‬ونحر ذلك‪ .‬وأورد في ضمن ذلك أقوال‬
‫يسيرة‪.‬‬
‫وجلس بعد ذلك السيوطي‪ ،‬فافرد الفعال عن القوال‪.‬‬
‫ولم يكن الذي دعاه‬
‫إلى هذا أمرا يتعلق بالحتجاج بها‪ ،‬وإنما كان هدفا ً فنشأ‬
‫صرفا ً وذلك أنه أراد تجميع الحاديث النبوية المأثورة‬
‫بأسرها‪ ،‬من جميع دواوينها المسودة‪ ،‬في كتاب واحد‪،‬‬
‫سماه والجامع الربيع )‪ .(2‬واختار أن يرتبه ترتيبا يمهد‬
‫الطريق للباحثين‪ ،‬للوصول إلى الحديث المطلوب بيسر‬
‫وسهولة‪ .‬فكانت ن رتبه ترتيبا هجائيا ً ك َل ِ ِ‬
‫مئأ"‪،(3‬‬
‫طبع بترتيب المير علء الدين‬ ‫= و‪ /‬يطبع أول كتابه‪ ،‬غانما ُ‬
‫الفارممصي‪ ،‬الذي سمياه "الحسان في تقريب صحيح ابن‬
‫حبان " حيث رتبه على أبواب الفقه‪ ،‬وقد نشر منه الشيخ‬
‫أحمد شاكر رحمه الله الجزء الول‪ ،‬وتقوم الن مؤسسة‬
‫الرسالة بإصداره كامل بتحقيق الشيخ شعيب الرناؤوط‬
‫في ستة عشر جزءا‪.‬‬
‫إل أننا نحمد اللغا عله أن رجعنا بأودية فصل الفعال‬
‫النبوية عن القوال‪ ،‬إلى القرن الرابع‪ .‬ملحظة‪ :‬يبعده ن‬
‫يكون لنضج مباحث الصول في ذلك القرناس ثم عل ابن‬
‫حبان في ترتيبه الذي اختاره‪ .‬فإنه قسم الفعال خمسيها‬
‫نوعا ً يظهر في أكد عناوينها ذلك‪ ،‬من مثل قيه‬
‫فى ص ‪ 105 ،104‬منا المقدمة(‪:‬‬ ‫) ِ‬
‫النوع السادس‪ :‬فعل فعده !‪ /،‬تقم الدللة عل أنه خص‬
‫باستعماله دون أمته‪ ،‬مباح‬
‫لهم استعمال مثل ذلك الفعل‪ ،‬لعدم وجود تخصيص فيه‪.‬‬
‫وقوله أيضا ً‬
‫النوع الثامن عشر‪ :‬أفعاله !‪ ،‬التي تفسر عنه وأمره‬
‫المجملة‪ .‬وذلك ظل!ر أيضا في سائر القسام غير‬
‫الفعال‪.‬‬
‫فإن صدق الظن‪ ،‬فإن كتاب ابن حبان‪ ،‬على أصله الذي‬
‫ألفه عليه‪ ،‬يصلع( ن يكلون بسشانأ للصرلي!!ن‪ ،‬ينتقون‬
‫منه فيتأنقون‪ ،‬أطايب ثماره‪ ،‬كممثلة لمسائلهم الصولية‪.‬‬
‫ماهرة‪.‬‬ ‫)‪ (1‬الرصف ‪ (2) 2/1‬ب!ه! بطبعه بال َ‬
‫) ‪(1/57‬‬

‫)‪ (3‬فرق يخص الترتيب الهجائي بين النظام العلمي‬


‫والنظام الحرفي‪ .‬يراجع للتفصيل رسالتنا والفهرسة‬
‫مرتيب المعجمية نشر دار البحوث العلمية‪ ،‬بالكويت‪،‬‬‫وال ّ‬
‫‪ 1372‬هـ‪.‬‬
‫‪61‬‬

‫) ‪(1/58‬‬
‫بحسب حروف كلمات اللفظ النبوي‪ ،‬الول فالثاني‬
‫فالثالث‪ ،‬كلمة كلمة‪ .‬فاستقام له ذلك في الحاديث‬
‫القولّية الصرفة‪ .‬أما "الحاديث الفعلّية‪ ،‬أو التي فيها قول‬
‫وفعل‪ ،‬أو سبب أو مراجعة! )‪ (1‬له أو نحو ذلك‪ ،‬فلم يمكن‬
‫إدخالها في سلسلة هذا الترتيب‪ .‬فاضطره ذلك إلى‬
‫إفرادها‪ .‬فجمعها جميعا في قسم مستقل‪ ،‬رتبه هجائيا ً‬
‫بحسب أول الصحابة رواة الحاديث‪ .‬فثبت والجامع ال!به!‬
‫عنده كلى قسمين‪ ،‬أولهما للقوال وثانيهما للفعال‪،‬‬
‫ثم اختصر كتابه والجامع الصغيه! من قسم القوال خاصة‬
‫من والجامع الكب!! إل أنه أدخل في الجامع الصغير في‬
‫آخر حرف الكاف منه‪ ،‬ما ورد من الحاديث الفعلية‪،‬‬
‫مبدوعق روايته بلفظ شكلن يفعله‪.‬‬
‫وجاء بعده علي المتقي الهندي‪ ،‬فجمع القسمة من كتاب‬
‫السيوطي مرة أخرى في ترتيب غالي‪ .‬ونفى كتابة وكنز‬
‫العمال من سنن القوال والفعال( فقد رتب كتابه ل على‬
‫)الهجاء(‪ ،‬وإنما على والبواب الموضوعية( كاليمان‬
‫والصلة والنكاح ونحو ذلك‪ ،‬مرتبا بين عناوين تلك البواب‬
‫بحسب حروفها‪ .‬وأما الحاديث يخف داخل كل باب فإنه‬
‫يذكر أوًل ما كان قولئأ‪ ،‬ثم يذكر ما كان فعلّيا‪ .‬فقد بقيت‬
‫الَلوال والفعال يخص كتابه منفصلة بعضها عن بعض‪،‬‬
‫ولكن داخل ا لبواب‪-‬‬
‫ول نجد كتابا ً أفردت فيه الفعال عن القوال سوى ما‬
‫ذكرنا‪،‬‬
‫وعلى هذا فالحاديث الفعلية‪ ،‬التي هي موضوع بحثنا‪،‬‬
‫يرجع إليها في دواوين السنة المسندة‪ ،‬أو التجميعات‬
‫كجامع الصول وغيره‪ ،‬أو في كّتاب ابن العاقوري‪ ،‬أو‬
‫القسم الثاني منا الجامع الكبير أو باب مكان يفعلى( في‬
‫الجامع الصغير‪ ،‬أو كنز العمال‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫وال من مقدمة السيوطي للجامع الكلبين‪ ،‬نقلها صاحب‬
‫كنز العمال‪ ،‬ط الهند ‪9 -6/1‬‬

‫) ‪(1/59‬‬

‫الفعال النبوية في الدراسات الصولّية ة‬


‫يتعرض الصوليون في مؤلفاتهم الشاملة للفعال النبوية‪،‬‬
‫ضمن مباحث السنة‪ ،‬كما ذكرنا‪ .‬وأكثرهم يفرد الفعال‬
‫بباب‪ ،‬أو فصل‪ ،‬أو مسألة‪ .‬يتعرضون للفروق في الدللة‬
‫بينها وب!!ن القوال‪ ،‬ويردون ما يثار حول حجيتها من‬
‫الشبهات‪ .‬وقليل منها يذكر مباحث السنة بصفتها العامة‬
‫ويغفل الفعال‪ ،‬كما فعل ابن قدامه في وروضة النافع‪،‬‬
‫اكتفاء بكلمه على حجية السنة ودللتها‪ ،‬غير إننا نعتبر‬
‫ذلك قصورا ممن فعله‪ .‬بل ينبغي إعطاء الفعال من‬
‫الدراسة حقها‪ ،‬ليفرق الفقيه بين القول والفعل‪ ،‬ويعلم‬
‫كيف يستفيد الحكام من كل منهما على استقامة‪ ،‬وحسب‬
‫ما تقتضيه ما أأ صولة‪.‬‬
‫ولم أجد أحدا ً أفرد أفعال النبي !جمغ بمؤلف خاص‪ ،‬ما عدا‬
‫اثنين من المؤلفين الفضلء‪:‬‬
‫ى‪ ،‬وهو عبدالرحمن بن‬ ‫أحدهما‪ :‬أبو شامة المقدس ِ‬
‫إسماعيل بن إبراهيم الشافعي‪ ،‬نزيل دمشق‪ ،‬والمقتول‬
‫غيلة ببيته سنة ‪ 665‬هو وهر أحد تلمذة الصولي الشهير‬
‫ه مؤرخ‪ ،‬أديب‪ ،‬فقيه‪ ،‬عالم‬ ‫سيف الدين السدي‪ .‬وأبو شام َ‬
‫بالقراءات‪ ،‬بالضافة إلى تطلعه يخص علم الصول‪ ،‬وله‬
‫باع جيد في بيانه حقيقة البدع وإنكارها كما يعلم من كتابه‬
‫المشهور الذي سفاه والباعث على إنكار البدع وا لحوا‬
‫دثد‪.‬‬
‫وتأليفه في الفعال سفاه والمحقق من علم الصول في‬
‫ما يتعلق بأفعال الرسول نم!( وهو كتاب جيد‪ ،‬يدل على‬
‫بصر مؤلفه بعلم الصولي‪ ،‬ولحقته يخص أبحاثه‪ ،‬مع ورع‬
‫مل عنه الزركشي في والبحر المحيطة‬ ‫وأمانة‪ .‬وقد ن ّ‬
‫واعتمد ما نقل عنه‪ .‬ونقل عنه أيضًاا لشوكاني في وإرشاد‬
‫الفحولة فأكد‪ ،‬وخالفه في بعض ما نقل عنه‪ .‬ونقل عنه‬
‫ابن أبي شريوف في حاشيته على جمع الجوامع )‪ (1‬ونقل‬
‫عنه غيرهم‪.‬‬
‫)‪ (1‬ق ‪ 176‬ب‪.‬‬
‫‪63‬‬

‫) ‪(1/60‬‬

‫ثانيهما‪ :‬الحافظ العلجي‪ ،‬وهو خليل بن ك َْيكْلدي بن‬


‫عبداللي‪ ،‬الدمشقي الشافعي )‪ 761 -694‬هو وهو محدث‬
‫فقيه أصولي‪ .‬وكتابه في الفعال ليست شامًل لمباحثها‪،‬‬
‫وإنما هو في باب خادما هو باب التعارض‪ ،‬كما يدل عليه‬
‫اسمه بتفصيل الجمال في تعارض الفعال والقوال( وقد‬
‫بحث بالتفصيل مسالة التعارض ب!!ن الفعل والفعل‪ ،‬ثم !‬
‫ححألة التعارض بين المحلى والقول‪ ،‬وقسم هذه المسألة‬
‫إلى ستين صورة‪ ،‬وبين حكم كل صورة منها وما تقتضيه‬
‫مذاهب الصولية فيها‪ ،‬ومثل لكل تلك الصور‪.‬‬
‫طلع عل كتاب أبو شامة‪ ،‬الذي بحث مسألة‬ ‫ويظهر أنه ا ّ‬
‫التعارض بحثا مجمل ً فاراد العلجي أن يخدم كتابه بتفصيل‬
‫إجماله‪ .‬وهو‪ -‬أعني العلوي‪ -‬ل يذكر كتاب بي شامة‪ ،‬ولكنه‬
‫يوافقه في كث!ير من عباراته بحروفها‪ ،‬وكذلئا تقسيماته‬
‫للبحث‪ ،‬والله أعلم )‪.(1‬‬
‫)‪ (1 (1‬فعال النبي ا!! رسالة لب الحسنة الشعري‪ .‬ذكر‬
‫شعري التي‬ ‫ذلك في قائمة مؤلفات الشيخ إلى الحسن ال ّ‬
‫نقلتها ا!ققة‪ :‬فوقية قسمين‪ ،‬ضمن مقدمتها لرسالة!‬
‫البانة" إى‪ ،‬ونشرتها "دار النصار بالقاهرةأ ص ‪.65‬‬
‫وقالم!!‪" /‬يرد عن الرمسالة المذكورهّ أي تعليق ل‬
‫من القدامى ول من المحدثين " وقد عزت إلى وتبين كذب‬
‫المفتري لبن عساكر ص‬
‫‪ 5‬دم ا‪ .‬فلير اجعل‬
‫‪64‬‬

‫) ‪(1/61‬‬

‫ف!أُل!ف!تحبن‪،‬‬ ‫ولظ أ!بما ْ‬‫بال ّ‬‫الَل ُ‬


‫ا‪ -‬البيان بالفعال‪.‬‬
‫‪ -2‬أحكام أفعال النبي ! بالنسبة إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬حجرة أفعال النبي عن‪.‬‬
‫!‪ -‬أقسام الفعال النبوية الصريحة‪ ،‬ودللتها عل الحلم‪.‬‬
‫‪ -5‬الفعل المجرد‪.‬‬
‫‪ -6‬الحكام المستفادة من الفعال‪.‬‬
‫‪ -7‬صفة الدللة الفعلِئة‪.‬‬
‫‪ -8‬دللة متعلقات الفعل النبوئي‪.‬‬
‫‪ -9‬مباحث متنوعة تتعلق بالفعال‪.‬‬
‫أ‪ -‬الطريتا العملي لستفادة الحكم من الفعل‪.‬‬
‫ب‪ -‬العتراضات التي تورد على الستدلل بالفعال‪ .‬ج‪-‬‬
‫نقل الفعال النبوية‪.‬‬
‫د‪ -‬نية التأسي‪.‬‬
‫‪65‬‬

‫) ‪(1/62‬‬

‫قدمنا في التمهيد أننا نعني بالفعال الصريحة كل أفعال‬


‫النبي نج!مم ما عدا‬
‫الترك والتقرير والسكلوت والكتابة والشارة والوجه‬
‫الفعلية للقول‪ ،‬وأننا سنفرد هذه النا ‪ 3‬من الفعال بباب‬
‫خاص )‪.(1‬‬
‫وأمثلة أفعاله الصريحة نحو صلته وو!صومه وزكاته وحجه‬
‫وسائر أنول عباداته‪ ،‬ونحو بيعه وشرائه‪ ،‬وقيامه وقعوده‪،‬‬
‫ونومه‪ ،‬ومعاشرته لزواجه وأقاربه وأصحابه وأعدائه من‬
‫مين‪ ،‬وغير ذلك مما يساويه في الفعلّية‬ ‫الكفار والمناف َ‬
‫دون غشل! يغطي وجه فعليته‪ ،‬أو يضعف رؤيتها‪.‬‬
‫ونودّ هنا أن نوضح أن كثيرا من مباحث هذا الباب الول‬
‫تنطبق على الفعال‬
‫غير الصريحة‪ ،‬فما يستوي فيه القسمان يذكر في هذا‬
‫الباب‪ .‬وإنما نفرد الفعال كير الصريحة بباب خاص لنذكر‬
‫فروقها‪ ،‬لئل يظن الستواء بينها وبن الفعال الصريحة‬
‫في جميع الحكام‪،‬‬
‫‪ (11‬تنبيه؟‬
‫قد نتساهل في التعبير في أثناء هذه الرسالة‪ ،‬فنقول‬
‫مرير‪ ،‬فيكون المراد‬ ‫أحيانْا‪ :‬فليفعل والترك‪ ،‬أو‪ :‬الفعل والت َ‬
‫الصريح منه خاصة‪ ،‬بقرينة ضمه إلى تسميمه‪ ،‬وليس ذلك‬
‫قمنا ارثها‪ ،‬لمذهب من أخرج الترك والتقرير عن حيز‬
‫الفعل‪.‬‬
‫‪67‬‬

‫) ‪(1/63‬‬

‫ول‬ ‫فضل ا ْل ّ‬ ‫ال َ‬


‫خال‬
‫هي َ‬‫ان كان إل ُ‬
‫تمهيد في القدوة‪ ،‬والقتداء بالفعال النبوية‪ -1 .‬البيان‪.‬‬
‫‪ -2‬البيان الفعلي‪.‬‬
‫‪ -3‬اختلف القول والفعل في البيان‪.‬‬
‫‪ -4‬اختلف الفعلين في البيان‪.‬‬
‫‪69‬‬

‫) ‪(1/64‬‬

‫تمهيد‬
‫في القدوة والقتداء بالفعال النبوّية‬
‫قد ذكرنا أن النبي ! كان مكففأ بمهمات البيان‪ ،‬والتعليم‪،‬‬
‫والتزكية‪.‬‬
‫فمًا"‪.‬‬
‫وأنه ضوء قال‪:‬أ إنما بعثت مع َ‬
‫وقد حمل النبي ! المانة‪ ،‬وإفكا المهمة على أكمل وجه‬
‫وأتمه‪ .‬فاستعمل‬
‫ع الوسائل الممكنة‪ ،‬لبلغ دين الّله تعالى وتمكينه في‬ ‫جمي ٍ‬
‫دى‬ ‫ه َ‬
‫الرضية‪ ،‬حتى كان بحن إماما‪ ،‬بل كان إمام الئمة‪َ ،‬‬
‫دى بقوله‪ ،‬حتى كان فعله نموذجا حيا ً‬ ‫ه َ‬
‫بفعله مجد كما َ‬
‫للمسلم‪ ،‬يتعلم منه الدين‪ ،‬كهذا يتعلمه من أقواله !‪.‬‬
‫درجة المامة في الدين‪:‬‬
‫درجة المامة في الدين درجة عالية‪ ،‬ذكر الله تعالى الذين‬
‫يعملون للوصولى‬
‫إليها بطيب الذكر‪ ،‬وجعلهم ممن سيجزون الغرفة! إذ قالوا‬
‫ة )واجعلنا للمتقي إمامًا! )‪ .(1‬وامتن الله بها عل خليله‬
‫إبراهيم بقوله‪! :‬إف! جاعلئه للناس إمامًا!‪.‬‬
‫ل‪ .‬يقال للطريق إمام‪،‬‬ ‫و )المام( في اللغة المت َّبع الدا ّ‬
‫ولرئيس القوم إمام‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ :‬ويوم ندعو كل أناس بإمامهم ! )‪ (3‬قيل في‬
‫تفسيره‪ :‬بنبّيهم وشرعهم )‪ ! (3‬والمام في الصلة‪ ،‬كما‬
‫م به‪ ،‬فإذا كبر فكئّبروا‪ ،‬ماذا‬ ‫في الحديث‪ 8 :‬إنما جعل ليؤت ّ‬
‫رفع قارفعوا!إ ‪ (4‬يرشد بفعله‪ ،‬فيفعل المؤتمون به كما‬
‫يفعل‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة الفرقان‪ :‬آية ‪ (3) 74‬لسان العربي‪.‬‬


‫)‪ (2‬سورة لسراء‪ :‬آية ‪ (4) 71‬متفق عليه )الفتع ال!ب!!‪.‬‬

‫‪71‬‬

‫) ‪(1/65‬‬

‫وقال !ن! لصحابه‪ :‬يتقدموا فْأتموا به‪ ،‬وليأتئم بكم من‬


‫بعدكم " )‪ (1‬وواضح من هذا أن المام من يتبع فعله كما‬
‫يتبع قوله‪.‬‬
‫ميزة القدرة الملتزمة وأثرها في التباع‪:‬‬
‫المقتدى به الذي هو ما‪ /‬بالمبدأ الذي يدعو إليه‪ ،‬مؤمن به‪،‬‬
‫حريص على‬
‫نشره بين الناس‪ ،‬ل يكاد يتخلف عمله عن علمه‪ .‬إذ إن ما‬
‫يعلمه يصبح كالطبيعة المغروزة فيه‪ ،‬فيفعل ما يفعله بتأثر‬
‫ذلك العلم الذي أصبح كالوصف الراسخ فحصه‪ .‬وذلك أنه‬
‫إذا تعود نقسه‪ ،‬فلم يسمح أن يصدر عنه ما يخالف مقتكما‬
‫ما لمجمله من العدم‪ ،‬ودعاها إلى ممارسة كله ما يدعوه‬
‫إليه العدم‪ ،‬فإنه يتعمد أن يسير حسب المبدأ‪ ،‬وتتقوى فيه‬
‫تلك العادة بالتكرار والضبط‪ ،‬حتى تكاد أن تكون طبيعة‬
‫أخر ى‪-‬‬
‫وحينئل! يكون ما فعله تصديقا لقواله ودعوته التي يدعو‬
‫إليها‪ ،‬وترسيخا لها‬
‫في نفوس أتباعه‪ ،‬وتصح القدوة بفعله كما تصح بقوله‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك من خالف فعله قوله‪ ،‬يكون ذلك‬
‫منه تكذيبألقوله‪،‬‬
‫وعائدا عليه بالبطال في نفوس التباع‪ ،‬ويكون ذلك منفرا‬
‫لهم عن دعوته‪ ،‬وعن استماع كلمه‪ ،‬والنتفاع به‪-‬‬
‫قال الشاطري ‪:(21‬‬
‫"إن المفتي إذا أمر مثل بالصمت عما ل يعني‪ ،‬فإن كان‬
‫صامتا عما ل يعنيه‬
‫ففتواه صادقة‪ ،‬وان كان من الخائض!ين فيما ل يعني‪،‬‬
‫فهي غير جمادقة‪ ! .‬إذا دلك عله الزهد في الدنيا وهو‬
‫زاهد فيها صدقت فتياه‪ ،‬صان كان راغبا ً في الدنيا فهي‬
‫كاذبة‪ .‬وإن دلك على الصلة وكالة محافظا عليها‪ ،‬صدقت‬
‫فتياه‪ ،‬وإل فل‪ .‬وهكذا في ضمائر الوامر!‪.‬‬

‫)‪ (1‬رواه مسلم وأبو داود )الفح الكبير‪.‬‬


‫‪72‬‬
‫)‪ 112‬أمو ا فقات ‪ 17 /3 ،252 /4‬س‪.‬‬

‫) ‪(1/66‬‬

‫أ ومثلها النواهي ة فإذا نهى عن النظر إلى الجنبيات‪،‬‬


‫وكان في نفسه منتهيا عنها‪ ،‬صدقت فتياه‪ .‬أو نهى عن‬
‫الكذب‪ ،‬وهر صادق اللسان‪ (،‬و عن الزنا‪ ،‬وهو ل يزني‪ ،‬أو‬
‫عن التفخش وهو ل يتفخش‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬فهو الصادق‬
‫الفتيا‪ ،‬والذي يقتدى بقوله وفعله‪ ،‬وال فل‪ ،‬لن علمة‬
‫صدق القول مطابقة الفعل‪ ،‬بل هو الصديق في الحقيقة‬
‫عند العليا‪ ،‬قال تعالى‪ :‬فيا أيها الذين آمنوا اتقوا الله‬
‫ركرنوا مع الصادقة !‪ (1،‬فهكذا إذا أخبر العم‪ /‬بأن هذا‬
‫راجبن و محرم‪ ،‬فإنما يريد‪ :‬على كل مكلف‪ ،‬ولمعا منهم "‪.‬‬
‫الـ‪.‬‬
‫وقال في موضع آخر‪:‬‬
‫"إذا وقع القول بيانا فالفعل شاهد له ومصداق‪ ...‬وبيانه‬
‫ذلك‪ .+.‬إن‬
‫العالم إذا أخبر عن إيجاب العبادة الفلنية‪ ،‬أو الفعل‬
‫الفلفل‪ ،‬ثم فعله هو و‪ /‬يخل به في مقتل ما قال فيه‪،‬‬
‫قوي اعتقاد إيجابه‪ ،‬وانتهي العمل به عند كل من سمعه‬
‫يخبر عنه ورآه يفعله‪ .‬ماذا أخبر عن تحريمه مثل ً ثم تركه‪،‬‬
‫فلم ي َُر فاعل له‪ ،‬ول دائرا ً حواليه‪ ،‬قوي عند متبعه ما أخبر‬
‫به عنه‪ ،‬بخلف ما إذا أخبر عن إيجابه ثم قعد عن فعله‪ ،‬أو‬
‫أخبر عن تحريمه ثم فعله‪ ،‬فإن نفوس التباع ل تطمئن‬
‫إلى ذلك القول منه‪ ،‬طمأنينتها إذا ائتمر وانتهى‪ .‬بل يعي‬
‫من الفعل إلى القول ما يقدح فيه على الجملة‪ :‬إما من‬
‫تطويق احتمال إلى القول‪ ،‬وإما من تطبيق تكذيب إلى‬
‫الناقل‪ ،‬أو استراحة في بعض مآخذ القول‪ .‬مع أن التالي‬
‫في الفعال! والتروي بالنسبة إلى من يعظم في دين أو‬
‫دنيا كللغررز في الجبلة‪ ،‬كما هو معلوم بالعيان‪ .‬فيصير‬
‫القول بالنسبة إلى القائل كالتبع للفعل ! فعلى حسب ما‬
‫يكون القائل في موافقة فعله لقوله يكون اتباعه‬
‫والتقصي به‪ ! ،‬عدم ذلكم )‪ (2‬الـ‪.‬‬
‫والنبي ! كان أصدق الناس‪ ،‬وأقومهم بحتما المرة‪،‬‬
‫وأسرعهم إلى تنفيذ‬
‫ل‪ ،‬ثم أهل‬‫ما أرسل به من شريعة الله‪ ،‬على نفسه أو ً‬
‫بشر‪ ،‬وأقاربه‪ ،‬وعلى غيره ممن ينفذ أمره عليهم‪ ،‬وانظر‬
‫قوله يوم حجة الودل!‪ 19 :‬لو إن ربا الجاهلية موضوع‪ ،‬إل ّ‬

‫) ‪(1/67‬‬

‫)‪ (1‬سورة التوبة‪ :‬آية ‪119‬‬


‫)‪ 1 (2‬لموا فقات ‪73 .317 /3‬‬

‫) ‪(1/68‬‬

‫خط ل أول ربآ أضع ربا عمي العباس بن عبدالمطلب‪ .‬أل‬


‫وإن دماء الجاهلية موضوعة‪ ،‬وح ول دم أضع دم ابن ربيعة‬
‫بن الحارث بن عبدالمطلب " )‪.(1‬‬
‫ما كان النبي صلى انته عليه وسلم يلحظه في أفعاله من‬
‫حيث إنها قدوة‪ :‬النبي صن الذي أرسله الله إلى هذه المة‬
‫كان هو إمامها في مسيرتها على‬
‫شريعة الله‪.‬‬
‫وهذه الدرجة تأتيها صاحبها أن يلحظ أفعاله من حيث إنها‬
‫قدوة ومتبعة‪ ،‬ومتالئئ بها‪ ،‬فل يسترسل كما قد يسترسل‬
‫غيره ممن ل يقتدى بهم‪.‬‬
‫بقد قال النبي أمه‪ :‬ومن سن في السلم سنة حسنة فله‬
‫أجرها وأجر من‬
‫عمل بها من بعده‪ ،‬من غيرهن ينقص من أجورهم شيء‪.‬‬
‫رمن سن في السلم سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من‬
‫عمل بها من بعده‪ ،‬ل ينقص من أوزارهم شيء"‪.(2‬‬
‫وقال !‪" :‬من دل على خير فله مثل أجر فاعله أأ"(*‬
‫كان النبي ! يلحظ هذا كله‪ ،‬ويعلم أن أفعاله حجة‪ ،‬وأنه‬
‫منظور إليه‪،‬‬
‫ومؤتئم به ومتبع‪ ،‬وهذا دعاه إلى وزن أفعاله وميزانا‬
‫الشرع‪ ،‬بالضفة إلى عناية خاصة تتبع مهمة التعليم‬
‫اقتضت أمورا نفصلها ومما يلي‪:‬‬
‫المر الول‪ :‬أنه ! كان يجتذب مواضع التهم‪ ،‬ول يفعل‬
‫شيئا يتضمن‬
‫نقص مروعة‪ .‬ول يفعل ما يستنكر ظاهرا وإن كان جائزا‬
‫باطنه‪ .‬فإن وقع شيء من ذلك لحاجة أو نحوها أخبر‬
‫بحكمه وعذره ومقصي ه‪ ،‬كيل ينفر عنه مشهده‪ ،‬وليستفيد‬
‫ذلك الحكم ا‪:‬لهل به )‪.(4‬‬
‫دث مع زوجته‬ ‫ولذلك قال النبي بن للرجلين لما رأياه يتح ّ‬
‫صفية في المسجد‬
‫)‪ !1‬صحيح مسلم وجامع الصول ‪ /4‬كم ‪(2‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم وأحمد والترمذي والنسائي عن جرير‬
‫والفتح الكبه!‪.‬‬
‫‪ (31‬رواه مسلم وأحمد وأبو داودي الفعل الغب!!‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر‪ :‬ابن جماعة‪ :‬تذكرة السامع والمتك! م في أدب‬
‫العم‪ /‬والمتن‪ .‬ط الهندي ‪74 20‬‬

‫) ‪(1/69‬‬

‫عي " )‬ ‫ح َ‬ ‫ليل‪ ،‬فوّليا‪ ،‬قال‪:‬أ على رسلكما‪ ،‬إنها صف ِ‬


‫مة بنت ُ‬
‫‪ (1‬ثم قال‪:‬أ إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم‪،‬‬
‫فخفت أن يقفز في قلوبكما شيئًا"‬
‫وقد نوه عبدالكريم زيدان )‪ (2‬إلى قيد جيد في هذه‬
‫المسألة‪ ،‬وهو أن الفعل‬
‫الذي يترك حذرا من الشبهة‪ ،‬ينبغي أن ل يكون من صميم‬
‫الدعوة‪ ،‬فإن كان من صميم الدعوة فينبغي فعله‪ ،‬ولو كان‬
‫فيه تنفير‪ .‬في ظان أن حكمه التحريم وليعد بمحرم‪ ،‬فإنه‬
‫يفعل لبيان الجواز‪ ،‬وإن قال الناس ما قالوا‪ .‬فهذا من‬
‫بيان الحق‪ ،‬كما تزيح النبي عن زينب مطلقة زيد الذي كان‬
‫يدعى ابنه قبل أن ينزل القرآن بإبطاله التبني‪ .‬فكان‬
‫زواجه بها بيانا )‪ /،(3‬يمتنع من فعله خوف حالة الناس‪.‬‬
‫المر الثاني‪ :‬الحرص على خفة الفعل المظهر‪ ،‬فل يكون‬
‫فيه مشقة وعسر‪،‬‬
‫لئل يأخذ التباع أنفسهم بالشدة كما يأخذ بها نفسه‪.‬‬
‫وقد أثنى الله تعالى على نبيه عن بأنه كان يشق عليه ما‬
‫يشق على المة‪ ،‬بقوله‪ :‬ولقد جاءكم رسول من أنفسكم‬
‫عنتم حريص عليكم بالمؤمن!ق رؤوف‬ ‫عزيز عليه ما َ‬
‫ن كان‬
‫رحيم ! )‪ (4‬وتقول عائشة رضي الله كنها‪ :‬فإ ْ‬
‫رسولي الله !! ل َي ََاع العمل وهو يحب أن يعمل به خشية‬
‫أدت يعمل به الناس فيشق عليهم " ْ)(‪ .‬وتقول رضي الله‬
‫عنها في الركعتين اللتين بعد العصر‪ :‬فوالذي ذهب به ما‬
‫تركهما حتى لقي الله‪ ،‬وما لقي الله حتى ثقل عن‬
‫الصلة‪ .‬وكان يصون كلثيرا ً من صلته قاعدا ً وكان‬
‫يصّليهما‪ ،‬ول يبقيهما في المسجد‪ ،‬كافة أن يثقل على‬
‫ب ما خفف عنهم " )‪.(6‬‬ ‫أمته‪ ،‬وكان يح ّ‬
‫وتروي رضي الله عنها الحادثة التالية‪ ،‬قالت‪ :‬فخرج رسول‬
‫الله أو من‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري ومسلم وأبو داود )!بهامع الصول ‪/1‬‬
‫‪(246‬‬
‫)‪ (2‬عبدالكريم زيدان‪ :‬أصول الدعوة‪ ،‬ص ‪404 ،403‬‬
‫مدلل بالية الواردة في ذلها رأي خاص‬ ‫)‪ (3‬لنا في الس ّ‬
‫مذكرة في الفصل الثالث‪ (4) .‬سورة التوبة‪ :‬آخر السورة‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه البخاري ‪ 10 /3‬ومسلم‪ (6) .‬رواه البحاريمما ‪/2‬‬
‫‪64‬‬
‫‪75‬‬

‫) ‪(1/70‬‬

‫عندي‪ ،‬وهو قرير العجين طيب النفس‪ ،‬فرجع وهو حزين‬


‫النفس‪ ،‬فقلت له‪ ،‬فقال‪ :‬إق! دخلت الكعبة وودت أفق‪/‬‬
‫أكن فعلت‪ ،‬إني أخشى أن أكون أتعبت أفتي من بعدي " )‬
‫‪.(1‬‬
‫فإن عمل بما فيه شدة‪ ،‬وكان خاطئا به‪ ،‬بق اختصاصه‬
‫بذلك لئل يقتدوا به‬
‫فيه‪ ،‬كما فعل في الوصال في الصوم‪ ،‬إذ قال‪ :‬فإني لست‬
‫كهيئتكم‪ ،‬إني أبيت لي مطعم يطعمني وشحقيني " )‪.(2‬‬
‫المر الثالث‪ :‬أنه !ك!ه كان في الفعال الشرعية التي‬
‫تتكرر يواظب غالبا ً على‬
‫فعل الشيء على أكمل الوجوه وأتمها‪ ،‬وذلك ليتعلم منه‬
‫من ل يعلم‪ ،‬وليصححوا أفعالهم حسب فعله !‪ .‬ومع ذلك‬
‫الوضؤ!كان أك!ثر وضوئه ثلثا ثلثا ً مع السباغ والمبالغة‪.‬‬
‫وربما توضأ مرة مرة‪ .‬لو مرتب مرتين‪ ،‬لبيان الجواز )‪.(3‬‬
‫ومن ذلك الصلة‪ ،‬يؤديها جماعة أمم الناس على أكمل‬
‫القوه والهيئة‪،‬‬
‫مع تخفيفها‪ ،‬لتتعلم منه كيفية الصلة برؤيته و!ريصلي‪،‬‬
‫بخلف ما إذا صلى حيث ل يراه الناس‪ ،‬فقد كان يترخص‬
‫فيصلي جالسا ً أحميانأ‪ ،‬واتخذ عمودا في مصله يعتمدعليه‬
‫)‪.(4‬‬
‫وقد قال ابن جماعة في مثل ذلك من آداب المعلم‬
‫المقتدى به‪" :‬أن يحافظ على‬
‫القيام بشعائر السلم‪ ،‬وظواهر الحكلم‪ ،*..،‬ول يرضى‬
‫من أفعاله الظاهرة والباطنة بالجائز منها‪ ،‬بل يأخذ نفسه‬
‫بأحسنها وأكملها‪ .‬فإن العجلى هم القدوة‪ ،‬وإليهم المرجع‬
‫وام‪ ،‬وقد يراقبهم من‬
‫في الحد أم‪ ،‬وهم حجة الله على الع ّ‬
‫ل يعلمون " ْ)(‪.‬‬
‫المر الرابع‪ :‬عنايته يكن بان ل يسلم فهم دللها الفعل‬
‫عنه‪ ،‬بان يفهم منه‬
‫)‪ (1‬رواه الترمذي وهذا لفظه‪ ،‬وأبو داود وجامع الصولي‬
‫‪ (54 /4‬ورواه احمد‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري ولبر!ود وجامع الصول ‪(250 /7‬‬
‫)‪ (3‬ذكر ذلك الزركشي في والبحر المحيط( ‪252/2‬‬
‫)‪ (4‬لما أسن وحمل اللحم‪ .‬رواه أبو داود ‪226 /3‬‬
‫)‪ (5‬فقأ ّلذكلرهّ السامع والمتكلمة ط الهند‪ .‬ص ‪76 21‬‬

‫) ‪(1/71‬‬

‫النسخ لقول سابق وهر ل يريده‪ ،‬أر نحو ذلك‪ .‬فيبين ما‬
‫يفرق به رائي العلى بين ما يجوزوما ل يجوز‪.‬‬
‫من ذلك إنه بن طه عندماظن أن سعد بن عبادة مات‪.‬‬
‫وكان قد نهى عن السياحة‪ ،‬وقال‪ :‬فإن أفه ل يعذب بدمع‬
‫العين‪ ،‬ول بحزن القلب‪ .‬ولكن يعذب بهذا أو يرحم ! )‪.(1‬‬
‫وأشار إلى لسانه‪.‬‬
‫ومن ذلك أنه غضب عندما علم أن عليا يريد أن يتزوج‬
‫زوجة أخرى على فاطمة رضي الله عنهما‪ ،‬ولم يؤذن في‬
‫ذلك‪ ،‬ثم قال‪) :‬وإني لست أحرم حلل ً ول أحل حراما ً‬
‫ولكون والله ل تجتمع بنت رسول الله وبنت عدو الله مكانا‬
‫واحدة أبدأ" )‪ .(2‬فبين أن غضبه ليس لكون المر محرمًا‪،‬‬
‫بل هو على الحل‪ ،‬وإن كان يرفضه هو‪.‬‬
‫ولم يتحلل من عمرته في حجة الود!غ‪ ،‬فامتنع بعضه‬
‫الناس من التحلل‪،‬‬
‫فبي لهم أن الذي معه من الحل أنه ساق الهدي‪ ،‬فل يحل‬
‫حتى ينحر‪.‬‬
‫ومن ذلك أنه كان إذا فعل فعل ً بمقتضى الرخصة والعذر‪،‬‬
‫ينبه أحيانا ً على‬
‫ذلك من ل يدري‪ ،‬لئل يظن أن ذلك الفعل هو العزيمة‪.‬‬
‫ومثاله أنه ولما صلى بأصحابه بمكة قصرا ً وكان معهم في‬
‫الصلة مكيون‪ ،‬قالي لهم‪ :‬ويا أهل البلد صلوا "أربعا فإننا‬
‫قوم سفر" )‪.(3‬‬
‫المر الخامس‪ :‬حرصه له على نقل فعاله إلى الناس‬
‫ليقتلوا بها ويتعلموا‬
‫منها أحكام الشريعة‪ ،‬فكثيرا ما كان يعمل العمل في مكان‬
‫بارز‪ ،‬ويستدعي التفات الناس إليه‪ ،‬كما فعل في يوم‬
‫عرفة‪ ،‬إذ شرب وهو يخطب الناس‪ ،‬وهم ينظرون إليه )‪،(4‬‬
‫ليعلم الناس أن سنة الواقف بعرفة الفطر‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري ومسلم وجامع الصول ‪1406/11‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري ومسلم ك الّرمذي وي بو داود وجامع‬
‫الصول ‪(83/10‬‬
‫)‪ (3‬رواه أبو داود والترمذي‪ ،‬وقال‪ :‬حد!يث حسن صحيح‬
‫بعون المسعود ‪ 14) (96 /4‬يفهم من روايات البخاري‬
‫ونيل الوطار ‪77 .(254 ،252‬‬

‫) ‪(1/72‬‬

‫وكما صفه يوما على المنبر‪ ،‬ورجع وسجد بالرض‪ ،‬وقال‪:‬‬


‫وإنما صنعت هذا‬
‫لتاتموا بن ولتعلموا صلتي " )‪.(1‬‬
‫وكان يضفي بمصلى العيد )‪ (2‬أمام جمهور الناس‪.‬‬
‫ود طاف بالبيت وبين الصفا وللقوة‪ ،‬على بعينه‪ ،‬ليراه‬
‫الناس‪ ،‬وليشرف‪ ،‬وليسالوه ي )‪.(3‬‬
‫ومن وسائده ونقله أفعاله إخباره بنفسه عن كثير مما‬
‫يفعل ابتداء‪ ،‬أو جوابا‬
‫وعلى سؤال‪ ،‬أو إنكلرأ على من فعل خلف ذلك‪ ،‬أو ثناء‬
‫على من فعل مثل فعله ! اقرارك له‪.‬‬
‫من ذلها قوله‪) :‬إف! ل آكل متكئا ً )‪.(4‬‬
‫وسأله سائل هل يغتسل إذا أق أهله من كير إنزال‪،‬‬
‫فقال‪:‬إ إفك لفعل ذلك‬
‫ثم اغتسل " ْ)(‪.‬‬
‫وقال لرهط أرادوا التشديد على أنفسهم‪ :‬الفني أصوم‬
‫وأفطر‪ ،‬وأقوم وأنام‪،‬‬
‫وآمل‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن رغب عن سنتي فليس مني "‬
‫)‪.(،‬‬
‫وقالت لجعفر بن أبي طالب‪ 9 :‬أشبهت خلقي وخلقي " )‬
‫‪.(7‬‬
‫ومن وسائله أيضا ً أنه جمعه كان يحاول تكثير مشاهديه‪،‬‬
‫وانتقاعصم من كل‬
‫العلم واليمان ليأخذوا عنه‪ ،‬كما قالي في صفوف الصلة‪:‬‬
‫‪ 9‬ليلني منمنم أولو الحلم‬
‫‪ 1 11‬رواه البخاري ‪ 397/3‬ومسلم ‪35 /5‬‬
‫)‪ (2‬أبو داود والنسائي وجامع الصول ‪ 13) .(146 /4‬رواه‬
‫مسلم وأبو داود والرصف‪ (4) .(5531 /‬رواه البخاري ‪ /9‬هـ‬
‫‪ 54‬وأبو داود ‪ (5) 243/1 5‬رواه مسالم والرصف ‪.(204/1‬‬
‫‪ (61‬رواه البخاري ‪ 1 0 4 /9‬ومسلم ‪176 /9‬‬
‫ي اْ‪78 27 /‬‬
‫)‪ (7‬رواه البخاري ‪ 30 4/5‬واقى! ْ‬
‫) ‪(1/73‬‬

‫والنهى‪ ،‬ثم الذين يلونهم ‪ 4‬ثم الذين يلونهم " )‪ .(1‬وفي‬


‫رواية‪ :‬داليلني منكم الذين يتخذون عني " )‪.(2‬‬
‫موا بي‬
‫خرأ‪ ،‬فقال‪! :‬تقذموا فات ّ‬‫ورأى في أصحابه )‪ (3‬تأ ُ‬
‫م بكم من بعدكم‪ ،‬ول يزال قوم يتأخرون حتى‬ ‫وليأت ّ‬
‫يؤخرهم اللهم )‪.(4‬‬
‫ومن ذلك أيضا ما قال السبكي في ترشيح التوشيح عن‬
‫والده‪:‬أ إن السر في‬
‫نكاح النبي عن أكل منه ربع نسوة‪ ،‬أن الله أراد نقل براون‬
‫المثمريعة وظواهرها‪ ،‬وما ُيستحيا من ذكره وما ل ُيستحيا‪.‬‬
‫والن رسول الله ! أشد الناس حياء‪ .‬فجعل الله له نسوة‬
‫ينقلن من الشرع ما يرينه من أفعاله‪ ،‬ويسمعنه من أقواله‬
‫التي قد يستحيل من ذكرها بحضرة الرجال‪ ،‬فيتكلفل نقل‬
‫الشريعة‪ .‬وهز عدد النساء كتكثير الناقلين لهذا النوع‪.‬‬
‫ومنهن عرف غالب مسائل الغسل والحيض والعزة‬
‫وغيرها‪ .‬وأيضا فقد نقلن ما لم ينقله غيرهن مما رأينه‬
‫في منامه وحالة خلوته‪ ،‬من اليام البيانات على نبوته ! ْ)(‬
‫الـ‪.‬‬
‫ملحظة الصحابة للفعال النبوية من أجل القتداء‪:‬‬
‫كان ما تقدم ذكره داعيا الصحابة رضي الله عنهم إلى‬
‫ملحظة الفعال النبطية الشرعية وتعرف كيفياتها‪ ،‬لجل‬
‫القتداء بها‪.‬‬
‫وتفصيل ذلك أن تؤثر شخص ما بشخص آخر حتى يقلده‬
‫في فعله وأحواله‬
‫على درجات‪:‬‬
‫الدرجة الولى‪ :‬إن أي شخصين تخالطا‪ ،‬ورلي‪ ،‬حدهما ما‬
‫يفعل الخر‪،‬‬
‫فل بد أن يتأثر به ولو قلي َ َ‬
‫ل‪ ،‬ما لم يمنع ذلك مانع‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم والربعة والفتح الكبير ‪.(73/3‬‬
‫مع الكبير ‪.(72/3‬‬ ‫)‪ (2‬أخرجها الكم )الف ّ‬
‫)‪ (3‬المقصود كبار أصحابه المتقدمون على غيرهم قي‬
‫الصحبة‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم وأحمد وأبو داود )الفمع الكبير ‪.(36/2‬‬
‫ماف في الترتيبات الدارية )‪236/2‬‬ ‫‪ (51‬نقله عبداطي الك ّ‬
‫لموطنه نقلنا‪79 .‬‬

‫) ‪(1/74‬‬

‫الدرجة الثانية‪ :‬فإن كان لحد الشخصين فضل على‬


‫الءخر‪ ،‬ومزيد منصب ررياسبما كان تأثر المفضول‬
‫والمرؤوس بأفعال الفاضل والرئيس أظهر وأبين‪ ،‬حتى‬
‫إنه كثيرا ما يقلده في هيئة لباسه‪ ،‬وعاداته في كلمه‬
‫عثم قول الشاطبي‪:‬‬ ‫ومشيه وأكله وشربه ونحو ذلك‪ .‬رقد ت َ‬
‫فإن التالمئي في الفعال والتروي‪ ،‬بالنسبة إلى من يعلم‬
‫في دين أو دنيا‪ ،‬كالمغروز في الجبلة‪ ،‬كما هو معلوم‬
‫بالعيان "‪ .‬وإلى هذا المعنى يشير المثل القائل "الناس‬
‫على دين ملوكهم " فهر يعتر عن هذه الطبيعة البشرية‬
‫تحبيرا ً صادقا ً وقد أشار ابن خلدون في المقدمة نص‬
‫‪ !147‬إلى تعليل ذلك‪ ،‬فليرجع إليه‪.‬‬
‫الدرجة الثالثة‪ :‬فإن كان لدى المتاجر مودة للخر ومحبة‬
‫وألفة‪ ،‬كان التوتر أعظم‪ .‬وكلما كانت المحبة أعظم كان‬
‫التاجر أعظم وأتت‪ ،‬حيث إن المحبة تدعو إلى التفاق‬
‫بفعل ما يفعل المحبوب‪ ،‬ومحبة ما يحبه‪ .‬وقد فضل القول‬
‫في ذلك المتكلمون في المحبة )‪.(1‬‬
‫وقد لمهى أفه تعالى عن في ويب المشركين والتزود ج‬
‫إليهم‪ ،‬وعمل ذلك بقوله‪ :‬فأولئك يدعون إلى النار والله‬
‫يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه ! )‪ (2‬وقال النبي !‪:‬‬
‫والمرء على!ين خليله فلينظر أحدكم من يخالف " )‪.(3‬‬
‫وهذه الدرجات الثلث موجودة في المؤمن بالنسبة إلى‬
‫نبيه ! وكانت في الصحابة رضي الله عنهم على أتهم ما‬
‫يكون‪ ،‬لكثرة غالطتهم له‪ ،‬ورؤيتهم فضله عليهم بالفضائل‬
‫التي حلمه انه بها‪ ،‬ومنصب النبوة والمامة اللذين أكرمه‬
‫الله بهما‪ ،‬والمحبة العظيمة التي خالطت قلوبهم بما‬
‫شاهدوه من رعاية أدبه له‪ ،‬ود ورام الله لهم بان اختارهم‬
‫لصحبته الكريمة‪ ،‬وللنقل عنه إلى العافي‪.‬‬
‫م إلى ذلك عندهم بالنسبة إليه يكره درجتان أخريين‪،‬‬ ‫وانض ّ‬
‫هما‪:‬‬
‫الدرجة الرابعة‪ :‬أن الله تعالى أثنى على والذين يتبعون‬
‫ي‬
‫الرسول النب ّ‬
‫)‪ (1‬راجع مئل‪ :‬ابن القيم ة روضها المحبة ! ط همشته‪،‬‬
‫ص ‪287 -285‬‬
‫‪ (21‬سورة البقرهّ ة آية ‪221‬‬
‫)‪ (3‬رواه اّلرمفي ‪ 49/7‬وقال‪ :‬حديث حمسن صحيح‪80 .‬‬

‫) ‪(1/75‬‬

‫الفق ! وجعل لذلك نصيبا في الحكم عليهم بقوله‪:‬‬


‫فأولئك هم المفلحون ! )‪.(1‬‬
‫الدرجة الخامسة‪ :‬أن الله تعالى جعل من شأن المؤمن‬
‫الذي يرجو الله واليوم الخر أنه يتامى برسول الله !ي!‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪ :‬ولقد كان لكم في رسول الله أسوة‬
‫حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الخرس )‪ ،(2‬وسيأتي‬
‫القول في دللة هذه الية إن شاء الله‪ ،‬في الفصل الرابع‬
‫من هذا الباب‪.‬‬
‫أثر ذلك كله في صحابته رضي الله عنهم حتى كانوا‬
‫يراعون ما يفعل‪ ،‬وينظرون إليه كيف يفعل‪ .‬ويتحينون‬
‫الفرص لذلك لجل أن يقتدوا به‪ .‬فهذا زيد بن خالد يقول‪:‬أ‬
‫قلت لرقبن الليلة صلة رسول الله تم‪ ،‬فصلى ركعتين‬
‫خفيفتين‪ ،‬ثم صلى ركعتين طويلتين طويلتين‪ ،‬ثم صلى‬
‫ركعتين‪ ،‬وهمادون اللون قبلهما‪ (3) " ...‬الحديث‪.‬‬
‫وعن الفضل بن عباس قال‪:‬إ بت ليلة عند رسول الله !ك!‬
‫يم لنظر كيف‬
‫يصلي من الليل‪ (4) " ...‬الحديث‪.‬‬
‫دهم يخص هذه الناحية‪ ،‬وقدومهم عليها‪،‬‬ ‫وكان أش ّ‬
‫وأحرصهم على التحري‬
‫عن أفعاله كي حتى في أدق التفاصيل‪ ،‬عبداللي بن عمر‬
‫رضي الله عنهما* وقد حفظت لنا الوثائته الحديثية نماذج‬
‫كثيرة من ذلك تكشف لنا عن دوافع نفسية عميقة التاجر‪،‬‬
‫بل يكاد يكون هذا المعنى هو مفتاح فقه ابن عمر‪،‬‬
‫والسمة الرئيسية لما ينقل عنه من الداء التشريعية‪.‬‬
‫فمن ذلك أنه لما دخل النبي ! الكعبة ثم خرج‪ ،‬يقول ابن‬
‫عمر‪:‬إ فلما‬
‫فتحوا كنت أول من ولج؟ فلقيت بلل فسألته‪ :‬هل صلى‬
‫فيه رسول الله مجد قال‪ :‬نعم‪ ،‬بين العمودين العمانيين !‪.‬‬
‫قال ابن عمر‪) :‬فذهب عني أن أسأله‪ :‬كم صلى! ْ)(‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة العراف‪ :‬آية ‪157‬‬


‫)‪ (2‬سورة الحزاب‪ :‬آية ‪21‬‬
‫)‪ (4‬رواها بولرد والرصف ‪.(377/1‬‬
‫!ك! رواه مسلم والرصف ‪.(373 /1‬‬
‫)‪ (5‬يراه البخاري ومسلم والرصف ‪81 .(557 /1‬‬

‫) ‪(1/76‬‬

‫وى بين الثنيتين‪ ،‬ثم يدخله‬ ‫وكان ابن عمرت وبيت بذي ط َ‬
‫من الثنية التي‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بأعلى مجلة‪ .‬وكان إذا قدم حادا أو معتمرا ينخ ناقته إل‬
‫عند باب المسجد‪ ،‬وكان يذكر أن النبي ! وكان‪ ،‬يفعل‬
‫ذلل"؟(‪.‬‬
‫وأحيا ابن عمر الماكن التي صفا فيها النبي ! عند سفره‬
‫لحجة الودل!‬
‫من مكة إلى المدينة‪ ،‬وحذر مواقعها بأوصاف دقيقة‪ -‬وقد‬
‫أورد البخاري حديثه في ذلك بتمامه‪ ،‬وهو حديث طريف‬
‫طويل فليرجع إليه )‪.(3‬‬
‫أثر اقتداء المة بأفعال نبيها في نشر دعوة السلم‬
‫والقتناع به‪:‬‬
‫لقد كان اقتداسر المة السلمية بنبيها جمد بعد عصر‬
‫الصحابة‪ ،‬النابع من أحكام دينها‪ ،‬وتأثرها بشخصيته‬
‫وأخلقه الكريمة‪ ،‬دافعا كبيرا لها علما الستقمة على أمر‬
‫الدين على بصيرة من أمرها‪.‬‬
‫ولم تزل سيرة نبيها! تمثل لها أنبل الصفات والعمال!‬
‫والخلق‪ .‬وتجسيم‬
‫المثل والمبادع! السلمية أمام أنظارها‪ ،‬فتعمل بدينها‬
‫حق العمل‪ ،‬اقتداء بتلك السيرة العطرة‪.‬‬
‫ولم تزل تلك السيرة تبدع في الضفة أجيال من‬
‫البطولت ! تحقق القدوة‬
‫بالنبي ! بدرجة عالية‪ ،‬حتى كأنهم تسخ أخرى لتلك‬
‫الشخصية الفذة‪ ،‬في صبرها وبلدها ويقينها بالله‪ ،‬وفي‬
‫تواضعها وزهدها وصدقها مع الله‪ ،‬ويخص معملة الناس‪،‬‬
‫مع الصدق في العلم بدين أله صايصال! منافسه إلى‬
‫البشر‪.‬‬
‫في جذب‬ ‫وقد كان لتلك الشخصيات العظيمة الثر البعيد ِ‬
‫الناس إنما السلم‪ ،‬واقتناعهم به‪ ،‬ورغبتهم في الدخول‬
‫فيه والعمل به‪ ،‬ما لم تؤثره الخطب والمواعظ والقوال‬
‫البليغة‪ .‬لنهم يرون بأعينهم‪ ،‬ويلمسون بأيديهم‪ ،‬مدى‬
‫مفاف! في حب الله‪ ،‬ومقدار النفع الحاصل‬ ‫الخلص وال ّ‬
‫ه‬
‫بتلك الشموس المضيئ ّ‬

‫‪ ،11‬رواه البخاري والرصف ‪.(586 /1‬‬


‫)‪ 1 (2‬لبخارى ‪82 567 /1‬‬

‫) ‪(1/77‬‬

‫المبحث الول البيان‬


‫ماهية البيان‪:‬‬
‫البيان اسم مصدر )ب!ق( فهو بمعنى التبيإ!ن‪ ،‬كالسلم‬
‫والكلم‪ ،‬بمعنى التسليم والتكلليم‪ .‬والتبيين في اللغة‬
‫الكشف عما ليس بمعروف ول معلوم‪،‬‬
‫و )البيان( يستعمل عند الصولي!سن ستعمال!سن؟(‪:‬‬
‫الول‪ :‬بيان المبإق للمعنى الذي في نفسه فيصد!ق عل‬
‫ما يسمى البيان )البتدائا( وهو ما لم يرد بيانا للفظ‬
‫سابق‪ .‬ويصدقه يضأ على البيان بالستعمال الثاني‪.‬‬
‫فعلى هذا كل كلم فهو بيان‪ .‬قال الله تعالى في وصف‬
‫كتابه العظيم‪ :‬وهذا‬
‫بيان للناس ! )‪) ،(2‬ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء! )‬
‫‪ (3‬وقال عز من قائل‪) :‬الرحمن* عام القرآني خلق‬
‫النسان علمه البيان ! )‪.(4‬‬
‫والستعمال الثاني‪ :‬وضحه الصيرفي بقوله‪ :‬والبيان إخراج‬
‫الشيء من حيتز الشكال إلى حيز التجلي والوضوح " ْ)(‪.‬‬
‫ومنه قول الله تعالى‪) :‬وأنزلنا إليك الذكر‬
‫)‪ (1‬أشار إلى ذلك السعد التقازاني‪ ،‬فليراجع‪ :‬التصريح‬
‫على التوضيح ‪ 17/2‬وذكره أيضا أبو الحسين البصري‪:‬‬
‫المتحد في أصول الفقه ‪ 217/1‬رسمي النوع الول البيان‬
‫العام والثاني البيان اطاع‪.‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪ (3) 138‬سورة النحل‪ :‬آية ‪89‬‬
‫)‪ (4‬سورة الرحمن‪ :‬آية ا‪3 -‬‬
‫)‪ (5‬المني ة الحكام نية صول الحكام س‪ 2/‬يم العناني‪:‬‬
‫حاص!ية بها الجوامع ‪66/2‬‬
‫يم ‪8‬‬

‫) ‪(1/78‬‬
‫لتبيهة للناس ما نزل إليهم !"ان فهذا الستعمال أخحئ!‬
‫من الول‪ .‬وهو الغلب في كلم الصولي!لن‪ .‬وهر الذي‬
‫سنجري عليه‪ ،‬ونخص ما خرج عنه‪ ،‬من الستعمال الول‪ ،‬ل‬
‫صطلحأ البيان البعد ائيل‪.‬‬
‫ما يحتاج إلى البيان وما ل يحتاج إليه‪:‬‬
‫ليس كل كلم بحاجة إلى بيانه بل إن أريد بالكلم ظاهره‬
‫وحقيقته كان‬
‫بئنأ لمن يعلم وضع القول‪ .‬وذلك لقوله تعالى‪! :‬وأقيمرا‬
‫الصلة* وآتوا الزكلة! هو بين في إنجاب هاتين العبادتين‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬لشهر رمضان ألفي أنزل فيه القرآن هدى للناس‬
‫وبه ناس من الهدى والفرقان فمن شهد متكلم الشهر‬
‫فليصمه ! )‪ (3‬بين في إيجاب أصل الصوم‪ ،‬لن الوقت‬
‫شهر رمضان‪ .‬وكذا آية تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير‬
‫وما أهل لغير الليه به‪ ،‬هي بّينة في تحريم ما ذكر فيها )‬
‫‪.(3‬‬
‫فإن أراد المتكلم بالكلم غير ظهره فل بد من البيان‪ .‬هكذا‬
‫إن أراد غير حقيقته فهو يحتاج إلى القرينة المبينة‬
‫للمراد‪-‬‬
‫فمن الولي‪ :‬العام إذا أريد به الخصوص‪ .‬نحو فاقتلوا‬
‫المشركين !‪،(4،‬‬
‫أريد به ما عدا النساء والصبيان والرهبان ونحلم‪ ،‬فهو علج‬
‫إلى البيان‪.‬‬
‫ومن الِثافإ‪ :‬نحو قوله تعالى ة!حتى يتب!!ق لكلم الخيط‬
‫ن بقوله ت ومن‬ ‫ب!! َ‬
‫البيض من الخيط السودي ْ)( ُ‬
‫الفجر*!‪-‬‬
‫)ا! سورة النحل‪ :‬آية ‪ (2) 44‬سورة البقرة‪ :‬آية ‪185‬‬
‫)‪ (3‬قال الشافعي رضي الله عنه‪ :‬البيان في الفرائض‬
‫المنصرمة في كتاب أله تعالى من َأحد هذه الوجوه‪،‬‬
‫ه البيان فيه فلم يحتل فيه مع‬ ‫ن الكتاب على غاي ّ‬ ‫منها‪ :‬ما أ ّ‬
‫التنزيل إلى كيره‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما أّىأ الكتبي على غزة البيان في فرف‪ ،‬وافترضيه‬
‫طاعة الرسول‪ ،‬فبين رسول ألد‬
‫ين عن الله كيف فرضه‪ .‬وعلى من فرضه ومتى يزال‬
‫بعضه ويثبت بعضه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬ما بينه عن سنة نبيه بل نص كتاب بالرسالة‪ :‬تحقيق‬
‫أحمد محمد ضاكرص ‪.(32‬‬
‫)‪ (4‬سورة التوبة‪ :‬آية ه )‪ (5‬سورة البقرة‪:‬أ يا ‪84 187‬‬

‫) ‪(1/79‬‬
‫فإن لم يكلن للكللم ظاهر ‪ 6‬بان كان محتمل لمور‬
‫احتمالت متسارعة فهو مجمل‪ .‬والبيان له ل بد منه أيضا ً‬
‫كقوله تعالى‪ :‬توني أموالهم حق معلوم للسائل‬
‫والمحروم ! )‪ (1‬لم يعرف ذلك الحق ما هو‪ ،‬فل بدع من‬
‫بيانه‪.‬‬
‫ويقول الغزالي‪ 9 :‬يحتاج إلى البيان كل ما يتطرق إليه‬
‫احتمال‪ ،‬كالمجمل‪ ،‬والمجاز‪ ،‬والمنقولة بتصرف الشرع‪،‬‬
‫والعام المحتمل للخصوص‪ ،‬والظاهر المحتمل للتمويل‪،‬‬
‫ونسخ الحكم بعد استقراره‪ ،‬ومعنى قول )افعل( أنه للندب‬
‫أو الوجوب‪ ،‬أو أنه على الفور أو على التراخي‪ ،‬أو أنه‬
‫للتكرار أو المرة الواحدة‪ ،‬والجملة المعطوفة إذا عقبت‬
‫باستثناح!‪ ،‬وما يجري مجراه مما يتعارض فيه الحتمال‪،‬‬
‫والفعل من جملة ذلك " )‪ (2‬الـ‪.‬‬
‫وواضح أن الكلم قد يكون بثناء من وجه أو وجره‪ ،‬ولكنه‬
‫محتاج إلى البيان‬
‫من وجه أو وجوه أخرى‪ .‬كما في آية لشهر رمضان الذي‬
‫أنزل فيه القرآن‪ ! ...‬إلى قوله تعالى‪ ...) :‬فمن شهد‬
‫منكم الشهر فليصمه ! فهي بينة من حيث إيجاب أصل‬
‫الصوم‪ ،‬ومن حيث إن وقته شهر رمضان‪ .‬لكن تبقى‬
‫الحاجة إلى بيان الصوم أفي الليل هو أم في النار‪ ،‬ومتى‬
‫يبدأ ومتى ينتهي‪ .‬وأيضا إذا خفي دخول الشهر أو خروجه‬
‫بغيمة و نحوه‪ .‬وكل ذلك قد بقلق في آيات أخرى أو يخص‬
‫السنة المطهرة‪.‬‬
‫الجمال في الفعل‪ ،‬ووجوهه‪:‬‬
‫ح البيان به على الراجح‪ ،‬قد يكون هو في‬ ‫الفعل وإن ص ّ‬
‫ذاته مجمل يحتاج‬
‫إلى بيان‪.‬‬
‫وقد ذكر الصوليون من أنور المجمل الفعل‪ ،‬فقد يكون‬
‫الفعل دائرا بإذن احتمالين فأكثر‪.‬‬
‫ه دون‬ ‫وممثلون لذلك بقيام النبي جمع من الركعة الثاني ّ‬
‫جلوس‪ :‬يحتمل أنه‬

‫)‪ (1‬سورة الذاريات‪ :‬آية ‪19‬‬


‫)‪ (2‬المستشفى ‪85 51/2‬‬

‫) ‪(1/80‬‬
‫ترجمه قصدا فيدل على عدم وجوبه‪ ،‬ويحتمل أنه تركه‬
‫ل على ذلك‪ .‬وقد بين هذا الجمالي بفعل‬ ‫نسيانا ً فل يد ّ‬
‫ى‬
‫آخر‪ ،‬وهو أن النبي ! سجد للسهر في آخر صلته‪ .‬فدل ّ‬
‫طه أن تركه كان عن نسيان‪.‬‬
‫ويمكن حصر وجوه الجمال في دللة الفعل فيما يلي‪:‬‬
‫أول ً أنه قد يدور حكمه بي الختصاص بفاعله‪ ،‬كما في‬
‫ن أن يكلون عافت له وللمة‪ .‬وكذا‬ ‫الخصائص النبوية‪ ،‬وبي ّ‬
‫الختصاص بالمكان والزمان والحال التي فعل فيها وبين‬
‫سائر المكنة والزمنة والحوال‪.‬‬
‫ثانيا ً أنه قد يدور حكمه بي الوجوب والندب والباحة كما‬
‫سيأتي في الفصل التالي إن شاء الله‪.‬‬
‫ثالثا ً أنه قد يدور بين أن يكون مقصودا به التعبد‬
‫والتشريع‪ ،‬ربن أن يفعل‬
‫على حد الباحة العقلية‪،‬‬
‫رابعا ً أنه حتى لو كان مقصودا به التشريع‪ ،‬يدور بين أن‬
‫يكون بيانا لمجمل‬
‫معين أر ل يكون بيانا له‪.‬‬
‫خامسا ً أنه قد يحور ب!!ن الرتباط بسبب معين وبين عدم‬
‫الرتباط به‪ ،‬كالخروج في صلة العيد إلى المصلى في‬
‫الصحرا!و‪ ،‬هل كان لعذر ضيق المسجد فل يسند إل عند‬
‫الضيق‪ ،‬أولم يكن لذلك فيسن مطلقا ً‬
‫وظائف البيان‪:‬‬
‫قام الصوليون البيان من حيث الوظيفة التي يمكنه خط‬
‫ي!ؤديها‪ ،‬بعض أقسام‪،‬‬
‫ا لتقر ير‪ ،‬وا لتفسير‪ ،‬وا لتغيير‪ ،‬وا لتبد يل )‪.(1‬‬
‫ه‪،‬‬
‫)‪ (1‬يقسم الحنفية البيان إلى خمسة أقسام‪ :‬هذه الربع ّ‬
‫وبيان الضرورة‪ .‬ونحن‪ /‬نذكر بيان الضرورة‪ ،‬لنه ل يخرج‬
‫في وظيفته عن الربعة‪ ،‬وإنما سمي أيان الضرورة بالنظر‬
‫إلى سببه ل!الى وظيفته فلم نتعرض لذكره‪.‬‬
‫‪86‬‬

‫) ‪(1/81‬‬

‫النوع الول‪ :‬بيان التقرير‪ ،‬ومعناه تأكيد الكلم بما يقطع‬


‫احتمال المجاز‪،‬‬
‫إن كان المراد بالكلم المؤكسد حقيقته‪ ،‬وبما يقطع‬
‫احتمال الخصوص إن كان المزيد عاما ً فمن الول قوله‬
‫تعالى‪ :‬أول طائر يطير بجناحيه !"؟( فقوله‪) :‬بجناحيه !‬
‫بيان يقرر أن المراد بالطائر حقيقته‪ ،‬وهي الطائر‬
‫المعروف كالحمام والعصافير مثل ً ل مجازه كالبريد مثل ً‬
‫ومن الثاني‪! :‬فسجد الملئكة كلهم أجمعون ! )‪ (2‬فقوله‪:‬‬
‫)كلهم أجمعين !‬
‫بيان يقرر ويؤكد أن المراد بلفظ‪) :‬الملئكة! عمومه‪ ،‬وأن‬
‫الخصوص ليس هو ا لمر ا د‪.‬‬
‫النوع الثاني‪ :‬بشأن التفسير‪ .‬وهو بيان ما كان غير واضح‬
‫الدللة‪ ،‬سواء‬
‫أكان خفاء الدللة فيه راجعا إلى الجهل بأصل الوضع وهو‬
‫الغريب‪ ،‬أو إلي تعدد الوضع وهو المشترك‪ ،‬أو إلى أمر‬
‫عرض عند استعمال اللفظ وارتباطه بغيره من أجزاء‬
‫الكلم‪ ،‬أو عند تطبيقه على بعض الصور‪.‬‬
‫خِلق هلوعأ*‬ ‫فمن بيان التفسير قوله تعالى‪ :‬فإن النسان ُ‬
‫سه الشر جزوعأ* و)ذا منه الخبير منوعأ! فإن الهلوع‬ ‫إذا م ّ‬
‫لفظ كريب‪ ،‬وقد فسرته اليتان بعده‪.‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪ :‬جوا بطلقات يتربصن بأنفسهن ثلثة‬
‫قروء! فإن القرء دائر‬
‫بين الطهر والحيضة‪ ،‬وقد ُبين بقول النبي !‪ :‬إطلق المة‬
‫طلقتان‪ ،‬وعدتها حيضتانأ يا فبإذن ن القرء الحيضة‪.‬‬
‫ومنه قوله تعالى‪) :‬إل أن يعفون أو يعفو الذي بيده عمادة‬
‫النجاح ! فإن الموصول والذي ! يحتمل أن المراد به‬
‫الزوجة و الولي‪ .‬وورد في حديث الدارقطني‪! :‬ولم! عقدة‬
‫النكاح الزوج " )‪.(4‬‬
‫ه ‪(3) 30‬‬‫)‪ (1‬سورة النعام‪ :‬آية ‪ (2) 38‬سورة الحجر‪ :‬آي ّ‬
‫رواه أبو داود والترمذي والحاكم والفتح الكبير‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر تفسير القرطبي ‪206 /3‬‬
‫‪87‬‬

‫) ‪(1/82‬‬

‫ومما يخفى عند تطبيقه على بعض الصور نحو قوله‬


‫تعالى‪) :‬والسارق والسارقة فاقطعوا أيدجهما! فإن دخول‬
‫من أخذ مال كيره على سبيل العارية ثم جحده‪ ،‬في‬
‫مفهوم )السارق(‪ ،‬أمر مشتبه بحاجة إلى بيان )‪ .(1‬فلما‬
‫قطع النبي ي امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده‪ ،‬تبين‬
‫دخوله‪.‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬بيلي التغيير‪ .‬وهو البيان الذي فيه تغيير‬
‫لموجب اللفظ من‬
‫المعنى الظاهر إلى غيره‪ -‬وذلك في المخصصات كالشرط‬
‫والستثنل! ونحوها‪ ،‬وتقييد المطلق‪ .‬نحر قول القائل‬
‫لمرأته‪" :‬أنت طالبه إن دخلت الدار" ونحو‪ :‬لله علي ألف‬
‫ب!!ق أن المراد بأوله كير ما‬ ‫إل مائة" وذلك أن آخر الكلم َ‬
‫دل عليه‪ .‬والشافعية يجعلون التخصيمه من بيان التفسير‪.‬‬
‫النوع الرابع‪ :‬بيان التبديل‪ ،‬وهو النسخ‪ ،‬إذ هو بيان انتهاء‬
‫مدة الحكم )‪(2‬‬
‫وفي اعتبار هذا النوع بيانا اختلف‪ ،‬إذ ليس هناك لفظ‬
‫خفي دبي بالنسخ‪.‬‬
‫ما به يمكن البيان‪:‬‬
‫نقل الشوكاني )‪ (،‬عن السمعاني( ن البيان يقع بستة‬
‫أشياء‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬القول‪ ،‬وهو الكبر‪ .‬والثاف! ة الفعل‪ .‬والثالث‪:‬‬
‫الكتابة‪ ،‬كما بين‬
‫حبه المشهورة‪.‬‬ ‫النبي ! أسنان الديات‪ ،‬ومقادير الزكاة بكل َ‬
‫والرابع‪ :‬الشارة‪ ،‬كقوله‪" :‬الشهر هكذا‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وهكذا! )‬
‫‪ (4‬والخامس‪ :‬التنبيه‪ ،‬وهو المعافي والعلل التي نوه بها‬
‫على الحكام‪ .‬كقوله في بيع الرطب بالتمر‪! :‬أينقص‬
‫الرطب إذا يبس؟ " ْ)ا والسادس‪ :‬الجتهاد من العلماء‪.‬‬
‫)‪ (1‬بيان النصوكا التشريعية ص ‪170‬‬
‫مه‬
‫‪ (2،‬عمد أبيب صالح‪ :‬تفسير النصوصية في الف ّ‬
‫السلمي‪ -‬ص ‪ 1‬ما ‪ 3‬ولدًا‪ :‬بدران أبو العينين بدران ة بيان‬
‫النصوصية النشرعية‪ .‬ص ‪ 215‬وما بعدها‪.‬‬
‫)‪ (3‬أرشاد الفحول ص ‪ (4) 172‬رواه مسلم ونيل الوطار‬
‫‪.(2 0 1 /4‬‬
‫‪ (5،‬رواه الخمسة وصححه الترمذي ونيل الوطار ‪.(211 /5‬‬
‫‪88‬‬

‫) ‪(1/83‬‬

‫قال الشوكاني ش وزاد شارح القمع وجها سابعا ً وهو‬


‫البيان بالتحلى‪ ،‬كما روي‬
‫أن آخر المرين منه ي كان ترك الوضوء مما مست النار‪.‬‬
‫قلت ة‪ /‬يذكروا التقرير في هذا الحصر‪ ،‬ول بد من ذكره‪.‬‬
‫فتتم بالتفصيل ثمانية‪.‬‬
‫فالفعل أحد ما يقع به البيان‪ .‬وسيأتي ذكر من خالف في‬
‫ذلك إن شاء الله‪-‬‬
‫حكم البيان‪:‬‬
‫البيان لما يحتاج إلى البيان واجب‪ ،‬لقوله تعالى‪!) :‬اذ أخذ‬
‫الله ميثاق الذين‬
‫أوتوا الكتاب ليبيننه للناس ول تكتمونه‪ ،‬فنبذوه وراء‬
‫ظهورهم واشتروا به ثمنا ً قليل ً فبئس ما يشترون ! )‪.(1‬‬
‫غانما يجب في حالين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون السائل عن المسألة جاهل بحكمها وهي‬
‫منصوصة! دل‬
‫على ذلك قوله النبي له‪ :‬ومن سئل عن علم فكتمه‪ ،‬ألجمه‬
‫الله يوم القيامة بلجام من ناري )‪.(2‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يأتي وقت العمل بالمجمل‪ ،‬ول يتمكن المكلف‬
‫من امتثاله‪،‬‬
‫ً‬
‫لجهله بالحكم أصل أر لخفائه عليه‪ .‬كمن أسلم‪ ،‬وأف عليه‬
‫رمضان‪ ،‬وهو ل يعلم وجوب صومه‪ ،‬أو كيفيته‪ ،‬فيجب‬
‫البيان له‪.‬‬
‫فل يجوز تأخير البيان عن وقت الحاجة‪.‬‬
‫أما قبل ا‪-‬حاجة ألما التنفيذ‪ ،‬وقبل السؤال عن الحكم‪ ،‬فل‬
‫يجب البيان‪.‬‬
‫ثم حيث وجب‪ ،‬فإن كان في الجهة أكد من عالم واحد كان‬
‫وجوب البيان كفائيا ً و!إدط لم يكن إل واحد تعي ّ‬
‫ن عليه‬
‫)‪ (1‬سورة امل عمران‪ :‬آية ‪187‬‬
‫)‪ 12‬رواه أحمد والربعة والحاكم )الفتع ال!بيى‪89 .‬‬

‫) ‪(1/84‬‬

‫وبالنسبة إنما النبي !غ!رو خاصة كان بيان المجمل الذي ل‬


‫مل‪ ،‬متعينا عليه‪ ،‬تكليفية الصلة‪،‬‬‫يعلم إّل من جهة المج ِ‬
‫وأعداد ركعاتها وشروطها‪ ،‬لنه ليس هناك ( مارة يمكن أن‬
‫يعلم بها الحكم غيره من العلماء‪! ،‬ك!ه‪.‬‬
‫ن لم يكن على التغير دللة موجي ة‬ ‫ومثله بيان التغيير‪ ،‬إ ْ‬
‫يمكن أن ُيعلم من قبلها‪.‬‬
‫ي للحكام الشرعية‬ ‫ويدعي عليه أيضا البيان البتدائ ّ‬
‫الموحى بها إليه مما‪/‬‬
‫يرد في القرآن‪-‬‬
‫ويتعين عليه أيضا سائرة نري البيان حيث وجبت‪ ،‬إن كان‬
‫ل يوجد غيره‪،‬‬
‫ممن يمكن أن يدلل على المطلوب‪.‬‬
‫َ‬
‫فإن وجد غيره كفى‪ .‬كما فعل أبو بكر‪ ،‬إذ بين حكم ال!لب‬
‫أنه يجمع إعادته‬
‫إلى القاتل‪ .‬باقر النبي ! ما قال‪.(1،‬‬
‫هل يجب البيان لجميع الحكام )‪:(2‬‬
‫قد بْيئا أن البيان يجب في حالة‪ :‬أن يسالم العم‪ /‬عن‬
‫المسالة وهي منقوصة؟ وأن تقع الحادثة ويجهل حكمها‪.‬‬
‫فأما في الولى‪ :‬وهي حالة السؤال عن المنصب ع‪:‬‬
‫فالبيان واجب لجميع الحكام الخمسة واجبها ومندوبها‬
‫وأباحها ومكروهها وحرامها‪.‬‬
‫وأما في الثانية‪ :‬وهي حالة الوقوع رالمكئف جاهل‪ :‬فإنه‬
‫إذا جلس وقت المأمور به الواجب‪ ،‬فتركه المكلف‪ ،‬وجب‬
‫بيانه له‪ .‬أو أراد المكلف فعل محرم‪ ،‬وجب بيالي ترجمته‬
‫إى‪ .‬أما بيان المستحب فيستحب‪ ،‬وكذلك بيان المكروه‪،‬‬
‫ن على حصول الجر للفاعل بفعل‬ ‫وذلك حرصا ً من ا!لب َ‬
‫المستحب وترك المكروه‪ ،‬فيصل‬
‫)‪ 11‬انظر القصة في صحيح البخاري ‪ 35/8‬وصحيح مسلم‬
‫‪6" /12‬‬
‫)‪ (3‬هذه المسالة تعرض لها الجدى ‪ ،40 /3‬ونحن أوفيناها‬
‫بحثًا‪ ،‬وعرضناها عرضا أشمل‪ .‬وبحثه التوفيق‪ .‬وانظر أيضًا‪،‬‬
‫ّالمحقق من علم الصرل حق ‪ 11‬به‪.‬‬

‫) ‪(1/85‬‬

‫ن أجر الدللة على الخير‪ -‬ول يكون بيان المستحب‬ ‫للمبإ! ّ‬


‫والمكروه في هذه الحالة الثانية واجبًا‪ ،‬وكذلك بيان‬
‫المباحات‪.‬‬
‫ل هذا هو معنى ما نقله الغزالي عن أقوم من‬ ‫ولع ّ‬
‫القدرية( أنهم قالوا‪:‬إ بيان الواجب واجب‪ ،‬وبيان‬
‫المستحدث مستحدث " وهر قول حق‪ ،‬لكن بالقيود التي‬
‫ذكرناها‪ .‬وقد ألزمهم الغزالي أن يقولوا‪ :‬وبيان الحرام‬
‫حرام‪ ،‬وبيان المكروه مكروه‪ .‬ويظهر أنه لم يفطن إلى‬
‫مقصدهم‪.‬‬
‫ويستثنى مما تقدم حالة واحدة يجب فيها بيان المستحب‬
‫والمكروه‪ ،‬وهي أن‬
‫يكون المكلف يعتقد في الفعل حكما ً غير حكمه الشرعي‪،‬‬
‫كمن يتنفل‪ .‬في الوقت المكروه‪ ،‬أو يتعهد دمه بمباح ليس‬
‫موضرعأ للتعدد‪ ،‬أو يكره سنة من السنن أو يحّرمها‪ .‬ففي‬
‫هذه الحالة يجب البيان )‪.(1‬‬
‫ويمكن إعادة هذا الستثناء إلى النوع الول‪ ،‬وهو بيان‬
‫الواجب‪ ،‬لفي اعتقاد الحكام الصحيحة للفعال واجب‬
‫على المسلم‪ .‬فإذا أخطأ في ذلك العتقاد فقد ترك‬
‫الواجب‪ ،‬ووجب بيانه له‪.‬‬
‫هذا حكم البيان في حق غير النبي !ك!‪-‬‬
‫أما بالنسبة إليه !نه! فالبيان كله واجب ليخرج الحكم كن‬
‫البهام المطلق إذ‬
‫ل يعلم إل من جهته‪ .‬فإدا خرج‪ ،‬فحكمه !ن! حكم غيره إل‬
‫في بيان المكروه‪ .‬أما المكروه فيجب عليه بيانه لئل يعتقد‬
‫الفاعل والمشاهد إباحته كما ياقش في فصل التقرير من‬
‫الباب الثاني إن شاء الله‪.‬‬
‫)‪ (1‬ا نظر‪ :‬الشر طبي‪ :‬ا لموا فقات ‪322 /3‬‬
‫‪91‬‬

‫) ‪(1/86‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫فعلي‬ ‫الب ََيان ال ِ‬
‫ذكرنا في المبحث السابق أحكام البيان إجمال ً ونخصص‬
‫هذا المبحث بالبيان الفعلي‪:‬‬
‫حكم البيان بالفعل‪:‬‬
‫البيان بالفعل أحدث هو‪ ،‬البيان‪ .‬فيمكلن استعماله حيث‬
‫أفاد المطلوب‪.‬‬
‫وواضح عقل أن النبي‪-‬له لما كان واسطة لتبليغ الشريعة‬
‫وبيانها‪ ،‬فإنه يبين بالطريقة التي يختارها‪ .‬فإما أن يبين‬
‫حة البيان بالقوال‬
‫المشكل بأقواله أو بأفعاله‪ .‬فلما ص ّ‬
‫لكلونها!ليل على المطلوب فكذلك يصح البيان بالفعال‬
‫حيث تدل على المطلوب‪.‬‬
‫فما أفاد فيه البيان بالقوالى والفعال‪ ،‬أجزأ بكل منهما"\‬
‫ي الخصلتين فعل فقد أو ما‬ ‫(‪ .‬ويكون ذلك واجبا ً نحئرأ‪ ،‬أف َ‬
‫وجب عليه‪ .‬وهذا مذهب أكر العلماء‪ .‬وقد قاده عبدالجبار )‬
‫‪ (2‬بان ل يختص أحدهما في كونه مصلحة بما ليس في‬
‫الخر‪ ،‬وهو بمعنى ما ذكرناه أعله من اشتراط الفادة‪.‬‬
‫قلى‬‫وقد منع بعض الصولي!!ن وقوع البيان بالفعال‪ .‬ئ ِ‬
‫ذلك عن أبي إسحاق‬
‫)‪ (1‬راجع كتاب أبى ضامة ة المحقق من علم الصول‪ ،‬ق‬
‫‪ 11‬ب‪ 1(2) .‬لمغني ‪250/17‬‬
‫‪92‬‬

‫) ‪(1/87‬‬

‫المركزي الشافعي‪ ،‬رعنا ب الحسن الكرخي الحنفي )‪.(1‬‬


‫ونقله السرخسي )‪ (2‬عن وبعض المتكلمين(‪ ،‬وقال‪) :‬إن‬
‫هذا منهم بناء على أصلهم أن بيان المجمل ل يكون إل‬
‫متصل به‪ .‬والفعل ل يكلون إل منفصل عن القول "‪ .‬تم‬
‫قاله‪) :‬فأما عندنا‪ :‬بيان المجمل قد يكون متصل به‪ ،‬وقد‬
‫يكون منفصل عنه "*‬
‫وذكر البناني‪ (+‬أن محل ا‪-‬خلف إذ‪ /‬يعلق البيان بالفعل‬
‫قرل‪ .‬وال فلو قال‪:‬‬
‫القصد بما كلفتم به من هذه الية ما أفعله‪ ،‬ثم فعله‪ ،‬فل‬
‫خلف أنه بيان‪ ،‬كما ذكره القاضي )الباقلني( في تقريبه‪.‬‬
‫أقول ة فعلى هلل ينبغي أن يكون خلف في أن ما فعله‬
‫النبي ي في حجة‬
‫الودل! مثًل‪ ،‬بيان لغية المر بالحج‪ ،‬ديونه ! قال لهم‪:‬‬
‫أخذوا مناسككم دولي ل أرضى بعد حجتي هذه "‪.(4،‬‬
‫وكذلك لما صلى به جبريل لبيان أوقات الصلوات يومين‬
‫متتالين‪ ،‬يصلي في‬
‫اليوم الول أول الوقت‪ ،‬وفي اليوم الثاني آخره؟ ثم قال‪:‬‬
‫الوقت ما بين هذين‪ .‬أقول‪ :‬وينبغي أن يحصر الخلف أيضا‬
‫في الفعال التي تدل بالسوة‪ ،‬ل فيما يستعمل بمعنى‬
‫المخاطبة‪ ،‬كاليماء‪ ،‬والشارة‪ ،‬فإنها قائمة مقام الولى‪.‬‬
‫كما سئل النبي ! يوم النحر‪) :‬ذبحتة قبل أن أرمي " فأوما‬
‫بيته‪ ،‬قال‪ :‬أل حرج وأ هو‪ .‬وكما قال !‪ :‬كان في الجمعة‬
‫ة ل يوافقها عبد مسلم وهو قائم يصلي‬ ‫ساع ً‬
‫يسال الله فيها خيرا أل أعطاه إياه ‪ .(611‬وأشار بيده‬
‫يقللها‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر النقل عنهما في‪ :‬برشاد الفحرل ما ‪173‬‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬أصوله الرضي ‪27/2‬‬
‫)‪ (3‬حاشية السناني على بيع الجوامع ‪ /2‬مل وقد جعل‬
‫صاحب تيسير الشحرير‪ (176 ،175/3،‬هذا النوع مما فيه ا‪-‬‬
‫آلف وما قاله البياني والباقلني أولى‪.‬‬
‫)‪ (4‬رواه متسلم ‪ 44/9‬وهذا لفظه‪ .‬ورواه النسائي ‪270 /5‬‬
‫بلفظ يا أيها أمناس خذوا مناسككم ل أدري لعلي ل أحج‬
‫بعد عامي هذا‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه أبو داود وجامع الصول ‪.1111 /4‬‬
‫)‪ (6‬رواه مالك واحمد ومسلم والفتح الكب!!‪.‬‬
‫‪93‬‬

‫) ‪(1/88‬‬

‫ومثل الشارة‪ :‬الكتابة والعقد‪ ،‬وسائر ما يؤدي مؤسس‬


‫القول )‪.(1‬‬
‫ووجهة من يمنع كون الفعل بيانا أن البيان بالقول ممكن‪،‬‬
‫والبيان بالفعل أطول زمنا منه بالقول‪ ،‬فيتأخر البيان به‬
‫مع إمكان تعجيله وتياره بالقول‪ ،‬وذلك عبث‪ ،‬والعبث‬
‫ممتنع على الشارع‪.‬‬
‫وقد أجاب الولون عن ذلك بأجوبة )‪:(2‬‬
‫الجواب الول‪ :‬عدم التسليم بالون البيان بالطول عبئا ً‬
‫فإن كون أحد الطريقين إلى الهدف أقصر من الءخر‪ ،‬ل‬
‫يلزم منه وجوب سلوكه‪ ،‬وترك سلوك الطريته الطول‪.‬‬
‫فقد يكون الطول أيسر كما هو معلوم‪ .‬وقد يكون أوضح‬
‫وأثبت في الذهن وقد يتبع سلوكه حصول فوائد أخرى )‬
‫‪ ."3‬وقد تقدم إيضاح ذلك له التعليم بالمشاهد!ة‪ ،‬فل‬
‫نقرره‪.‬‬

‫)‪3) 2‬‬
‫أشار ألي ذلك أبر الحسين البصري في المعتمد ‪338/1‬‬
‫وأيضا الشاطري في الموافقات ‪247 ،346/4‬‬
‫انظر‪ :‬في هذه المسالة كلم أبي الحسيها البصري في‬
‫المعتمد ‪ 338/1‬رالقرافي‪ :‬شرح تنقيح الفصوله دعا ‪،123‬‬
‫‪ .1 24‬وأيضا ً تيسير التحرير ‪ 176 ،175 /3‬والمني ‪34 /3‬‬
‫وانظر كمثال على ذلك هذا الحديث‪:‬‬
‫عن أبي هريرة رضي إلة عنه قلل‪ () :‬قيمت الصلة‪،‬‬
‫وعدلت الصفوف قيامًا‪ ،‬فخرج إلينا رسول ا ضؤ لكرر‬
‫علما ولم في مصله ذي أف جنب‪ ،‬فقاد‪" :‬مكانكم " ثم‬
‫رجع ف!نهتسل‪ 3 ،‬طرح إلينا!رأسه يقطر‪ ،‬فيبر وصلينا‬
‫معه " رواه البخاري ومسلم وغيرهما‪ .‬فقد تبينت بهذا‬
‫الحديث أمور‪ ،‬كما بوب له بها أصحاب كتب الحديث‪.‬‬
‫ى‪ :‬باب إذا ذكر في المسجد أنه جلب يخرج‬ ‫فبوب له البخار ِ‬
‫كما هو ول يتيمم‪.‬‬
‫و‪ :‬باب هل يخرج من المسجدي بعد الذان( لحلة‪.‬‬
‫و‪ :‬باب إذا قال المام‪ :‬مكانكم ثم رجع انتظروه‪.‬‬
‫وفي صحيح مسلم‪ :‬باب متى يقم الناصية إلى الصلة‪.‬‬
‫ولمالك يخص الموطأ‪ :‬باب إعادة الجانب الصلة وغسله‪.‬‬
‫ولبي داود‪ :‬الجنب يصل بالمقوم وهو نايمه‪.‬‬
‫سائى‪ :‬المام يذكر يعد لقيامه أنه على غر طهارة‪.‬‬ ‫وللن ّ‬
‫وقال اطافظ يخص الفتح‪ :‬ويخص هذا ا‪-‬لثلث من الفوائد‪:‬‬

‫) ‪(1/89‬‬

‫جواز النسيان على النبياء‪ .‬قال‪ :‬في أمر العبادة‪ ،‬لجل‬


‫التشريع‪940 .‬‬

‫) ‪(1/90‬‬
‫الجواب الثاني‪ :‬عدم التسليم بكون الزمان الفعل أطول‬
‫في كل حال‪ .‬وخاصة في الفعل ذي الهيئات والكيفيات‬
‫ل‪ ،‬فإن تبيين‬‫التي يصعب تحديدها بالقول‪ ،‬كالوضوء مث ً‬
‫كيفيته بالفعل أخصرمنه بالقول‪ .‬ولو ذهبنا نحدد بالقول‬
‫ما أوضحناه بالفعل لطال المر وتكرر‪ ،‬وصعب على الذهن‬
‫مع ذلك ضبطه )؟(‪ .‬الجواب الثالث‪ (:‬ن ذلك وقع في‬
‫السنة‪ ،‬ومنه شربه عن يوم عرفة وهو راكب على بعيره‬
‫ليعلم الناس أنه مفطر‪.‬‬
‫هل يشترط لعتبار الفعل بيانا ً عدم وجود قول صالح‬
‫للبيان‪:‬‬
‫اشترط ابن فورك )‪ ،2‬لصحة اعتبار الفعل بيانا أن ل يكون‬
‫هناك قول صالح‬
‫لن يكون بيانا ً ووجه ذلك عنده أن الولى هو الصل ل‬
‫البيانو‪ ،‬وأن الفعل يكون بيانا بغيره‪ ،‬والقول يكون بيانا‬
‫بنفسه‪ ،‬فإذا وجد ما هو الصل في البيان امتنع العدول‬
‫عنه إلى غيره‪.‬‬
‫وسياقه في مبحث اختلف القول والفعل في البيان‪ ،‬ما‬
‫يعلم به بطلن هذا‬
‫ا ل شهر ان‪.‬‬

‫)‪1‬‬
‫)‪2‬‬
‫جواز الفصل بين القامة والصلة‪.‬‬
‫جواز انتظار اكمومين مجيء المام قياما للضرورة‪-‬‬
‫ل يجب عل من احتلم في المسجد فاراد الخروج منه أن‬
‫يتيمم‪.‬‬
‫جواز الكللم بين القامة والصلة‪.‬‬
‫جرأة تأخير الجنب الغسل عن وقت الحدث‪.‬‬
‫فانظر هذه الفوائد كدها كيف تحصلت منا فعل‬
‫واحد‪،،‬يمثلن للحاضرين( ن يفقهوها بيسر‪ .‬وكيفا آه لو‬
‫مغل ببيانها قول لحتاج إلى مجل!حا طويل أر‬ ‫اش ّ‬
‫مجالسي‪ ،‬وربما لم تستقر في أذهانهم استقرارها بهذا‬
‫الفعل اليسير‪.‬‬
‫يقول العمدي )‪ (:(36 ،35/3‬ما القول بان البيان بالفعل‬
‫مما يفيهما إلى تأخير البيان مع إمكلون تقدمه بالقول‬
‫فغير مسلم‪ .‬بل التعريف بالقول‪ ،‬وذكر كل فعل بصفته‬
‫بهيئته وما يتعلق به‪ ،‬أبعد عن التشبث بالذهن من الفعل‬
‫المشاهد‪ ...‬وربما احتيج في ذلك إلى تكرير في أزمنة تزيد‬
‫على زمان وقوع الفعل بأزمنة كثيرة‪ ،‬عل ما يشهد به‬
‫العرف والعادة‪ .‬الزركلي‪ :‬البحر المحيط ‪ 181 /2‬بن‬

‫‪95‬‬

‫) ‪(1/91‬‬

‫هل يصلح العلى وحده بيانا دون اضمم قول يدل على أنه‬
‫بيان‪:‬‬
‫ً‬
‫يبتلمن مما تقدم أن الفعل يمكن أن يقع بيانا بقرينة‬
‫تدلى على أنه بيان لكذا‬
‫وكذا من القوال القرآنية( و النبوئية‪.‬‬
‫ثم قد تكون تلك القرينة قرل؟ كمارا الحديث‪ :‬وصلوا كما‬
‫رأيتموف! أصلي !‬
‫و ‪ 8‬خذوا مناسككم " وقد تكون غير ذلك )‪.(1‬‬
‫كليفية بيان كل من الحكام الخمسة بالفعال‪:‬‬
‫تقدم لنا أن البيان بالفعل قد ينفرد عن الولى‪ .‬وقد يرد‬
‫مع القول فيؤيده ويقويه‪ ،‬ويقطع عنه احتمالت شتى‪،‬‬
‫ويدخل معنا هنا البيان البتدائي بالفعل فيصدق عليه ما‬
‫يصدق على بيان المجمل‪.‬‬
‫والمراد هنا أن نوضح الطرق التي بها يكون الفعل بيانا ً‬
‫للحكام الواردة في الكتاب والسنة‪ ،‬بترتيب أحكامها‪ .‬وقد‬
‫اعتنى بذلك الشاطري )‪ .(2‬ونحن نذكر بإيجاز‪ ،‬مع العلم‬
‫أنها قواعد غالبية‪ ،‬ويكفي بها البيان بالقول أحيانا ً‬
‫ا‪ -‬الواجب‪ :‬بيانه بالعلى‪ .‬مع المداومة عليه وعدم الترك‪،‬‬
‫ول يتسامح في‬
‫الترك مطلقا ً‬
‫‪ -2‬المحَرم‪ :‬بيانه بالترك المطلق‪ ،‬ول يتسامح فتى فعله‬
‫ألبتة‪ ،‬سواء أكان‬
‫كبيرا أو صغيرًا‪ ،‬وسيأتي ذلك في مبحث العصمة النبوَية‪،‬‬
‫في فصل راحتي إن شاءالله‪.‬‬
‫‪ -3‬المندوب‪ :‬ينقسم قسم!!ن‪ ،‬بحسب حالي المبين له‪:‬‬
‫أ‪ -‬فإن كان جاهل بأصل الحكم‪ ،‬فالبيان له بالفعل ليقتدي‬
‫به‪.‬‬
‫ب‪ -‬وإن كان المبيت له مظنة أن يعتقد أن ذلك المندوب‬
‫واجب‪ ،‬كما إذا حافظ علمه والتزمه التزام الواجبات‪ ،‬أو‬
‫خيف عليه أن يعتقد ذلك‪ ،‬وجب( ن )‪ (1‬وسيا!ما استيفاء‬
‫الولى في ذلك في مبحث الفعل البياني من الفصل‬
‫الرابع إن شاء الله‪ (2) .‬الموافقا!‪336 -318/3‬‬
‫‪96‬‬
‫) ‪(1/92‬‬

‫يفرق له بينهما بترك التزامه من قبل الطبق‪ .‬وفي حديث‬


‫عيشة‪ :‬د!إن كان رسول الله ف ليدع العمل وهو يحب أن‬
‫يعمل به نحافة أن يعمل به الناس فيفرض عليهم "ا(‪،‬‬
‫ف على الناس " )‪."3‬‬ ‫"وكان يحب ما خ ّ‬
‫وقصة إفطاره ! يوم عرفة بمرأى من الناس تصلح شاهدا ً‬
‫لهذا الصل‪،‬‬
‫ً‬
‫وقام في رمضان ليلتين أو ثلثا‪ ،‬فقاموا خلفه حتى كثروا‪،‬‬
‫فتركه بعد ذلك ‪6‬‬
‫حمله الخطابب‪ (+‬على معنى الترك بيانا ً لئل يظن وجوبه‪.‬‬
‫‪ -4‬المكروه‪ :‬بيانه ينقسم قسمين بحسب حال المبّين له؟‬
‫كما تقدم في المندوب‪.‬‬
‫أ‪ -‬فإن كان المبين له جاهًل بأصل الحكم‪ ،‬فالبيانه له يكون‬
‫بالمتناع من الفعل‪ ،‬وإظهار كراهته‪ ،‬لتعلم‪ .‬والترك في‬
‫المكروهات هو الصلح في حق النبي صل لمقتضى‬
‫العصمة‪ ،‬كما ياقش في مبحث الفعل البياني‪.‬‬
‫ب‪ -‬وإن كان المكروه مظنة اعتقاد لزوم الترك‪ ،‬كمن‬
‫اعتقد المكروه محرما أو‬
‫خيف عليه أن يعتقد ذلك‪ ،‬فإن بيانه يكون بفعل الكروي‪.‬‬
‫وسيأتي أن النبي‪-‬أحلى قد يفعل المكروه بيانا لعدم‬
‫تحريمه‪ .‬وهذا الغرض هو المقصود هنا‪ .‬وعندما علم‬
‫النبي ! أن أناسا ّ كرهوا )‪ (4‬أن يستقبلوا بفروجهم القبلة‬
‫ؤلوا مقعدته إنما القبلة!ْأ(‪.‬‬
‫وقد فعلوها؟ ح َ‬ ‫قال‪َ () :‬‬
‫‪ -5‬المباح‪ :‬بيان إباحته بفعله أحيانا وتركه أحيانا ً ويتأكد‬
‫الفعل إذا كان‬
‫المباح مظنة اعتقاد التحريم أو الكراهة‪ ،‬ويتأكد الترك إده‬
‫ل‪ -‬ن مظنة اعتقاد الوجوب أو الندب‪ .‬وقد قال ابن‬
‫ً‬
‫مسعود‪ :‬أل يجهلن أحدكم للشيطان من نفسه جزءا ل‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري ‪10 /3‬‬
‫‪ (21‬رواه مالك في الموطأ من حديث عائشة )فتع الجاري‬
‫‪.(525/10‬‬
‫لن فتح البارز ‪ /ْ3‬ا‬
‫)‪ (4‬الكراهة هنا بمعنى التحريم‪.‬‬
‫)‪ (5‬رواه أحمد وابن ماجه‪ ،‬وقال النووي‪ :‬إسناده حسن‪.‬‬
‫وقال الذهبي حديث منكر )نيلى الوطار ‪.(96 ،95 /1‬‬
‫‪97‬‬

‫) ‪(1/93‬‬
‫يرى إّل أن حقا ً عليه أَل ينصرف ال ّ عن يمينه ث أكثر ما‬
‫رأيت رسول الله !نه!ه ينصرف عن شماله " )‪.(1‬‬
‫ما يمكن حصوله بالفعال من أنهلك البيان‪:‬‬
‫قال الجمعاني‪" :‬يحصل بالفعل جميع أنو ‪ 3‬البيان "‪.(2‬‬
‫أومأت البيان البتدائي‪ :‬سيأق! ذكر إمكانية كون الفعل‬
‫النبوي بيانا ً ابتدائيات‪ ،‬والخلف حول ذلك؟ في فصله‬
‫الفعل المجرد‪ ،‬مت هذا الباب‪.‬‬
‫ثانيا ً بيان التقرير‪ :‬وهذا واضح من دللة الفعالى‪ .‬فإن‬
‫السنن العملية‬
‫كئيرأ ما تكون مقررة لحقائق ألفاظ الكتاب والسنة‬
‫القولية‪ ،‬وظواهرها‪ .‬فما فعله النبي !ك! تنفيذا ً لما في‬
‫عِلم به يقينا ً أن المراد به حقيقة اللفظ دون‬ ‫الكتاب‪ُ ،‬‬
‫ولة من‬‫مجازه‪ .‬ويمكن بهذه الطريق الرد على المؤ ّ‬
‫الفلسفة والباطنية ودعاة الفاطمي!س وغيرهم من‬
‫الملحدين والمبتدعيها‪ ،‬فيما لخلوه من الحكلم الشرعية‪.‬‬
‫فلو تعرفوا في تأويل القوالى لم يمكنهم ذلك في‬
‫الفعال‪ .‬ومن أجل ذللت يحصل التحقق دون ريب من‬
‫كذبهم في دعاوى كثيرة "‪.(3‬‬
‫هذا وإن فائدة الفعال في هذا النوع من البيان واضحة‬
‫أيضا في قطع استبعاد الحقائق التي تتضمنها القوال !‬
‫ومن ذلك ما قصه الله علينا يخص كتابه‪ :‬وأو كالذي مر عل‬
‫ن يحي هذه الّله‬ ‫قرية وهي خاوية على عروشها‪ ،‬قالت أ ّ‬
‫مَئة عام ثم بعثه‪ ! ...‬إلى أن‬‫بعد موتها فأماته الليه ِ‬
‫قالي‪ ...! :‬فلماتبّين له قال أعلم أن الله على كل شيء‬
‫قديرا )‪ (4‬وفي الية التالية لها‪! :‬وإذا قال إبراهيم رث‬
‫أرفع كيف تحمي )‪ (1‬رواه متسلم ‪ 330 /5‬وروى مسلم‬
‫عن أقصى بمعناه‪.‬‬
‫‪ (21‬الزركشي ة البحر المحيط ‪.1253/3‬‬
‫)‪ (3‬مثل ما ذكر في وقواعد عقائد آل محمد؟ لمحمد بن‬
‫الحسن الديلمي‪ ،‬أستانبول‪ ،‬مطبعة الدولة‪ 1 938 ،‬صهكا‬
‫‪ (47‬من فوله‪ :‬قال صاحب )تاولل الشريعة(‪" :‬ال!لواث‬
‫الخمسلى طاعات الول والثاف! والناطق والساس‬
‫والمام " وقال صاحب )ت!يل الشريعة( )الصوم‬

‫) ‪(1/94‬‬

‫هو السر على إمامك وح!جتكأ ودال "الشجرة الملعونة في‬


‫القرآن بنو أمية! وقال في ))ذ يبايعونك تحت الشجرة(‪:‬‬
‫شجرة المام‪.‬‬
‫)‪ 14‬سورة البقرة‪265 ،359 :‬‬
‫‪98‬‬

‫) ‪(1/95‬‬

‫م تؤمن قال بلى ولكن ليطمكئن قلبي‬ ‫ول ْ‬‫السوق‪ ،‬قالت ا ً‬


‫ن إليك ثم اجعل على كل‬ ‫ه َ‬‫صْر ُ‬‫قال فخذ أربعة من الطير ف ُ‬
‫جبل مخهن جزءا ً ثم ادعهن يقينك سعيا واعلم أن الله‬
‫عزيز حكيم ! فحصل بالفعل من طمانينة القلب واليقين‬
‫بالخبر ما‪ /‬يحصل بالقول‪ ،‬وإن لم يشك في صدقه‪ ،‬إذ هو‬
‫قول رب العالمينا‪.‬‬
‫ثالثا ً بيان التفسير‪ :‬وقوع هذا النوع من البيان‪ ،‬بالعلى‪،‬‬
‫ل‪ ،‬وكذلك الصلة‪ ،‬والحج‪،‬‬ ‫كثير‪ .‬فقد بين يد الوضوء فع ً‬
‫والطواف‪ ،‬والسعي‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫رابعا ً بيان التغيير‪ :‬وهو بيان أن المراد باللفظ خلف‬
‫ظاهره‪ ،‬ومثاله‬
‫خديه عن عن القول في الطرف قبل الندمال! )‪ (1‬وروي‬
‫أنه أقاد قبل الندمال )‪ ،(2‬فتبَيئ بالفعل أنه أراد بالنهي‬
‫الكراهة دون التحريم‪ .‬ومن بيان التغيير التخصيص‪،‬‬
‫وسنفرد لتخصيص الدلة الشرعية بالفعال النبوية مبحثا ً‬
‫خاصا في أوائل باب التعارض وهو الباب الثالث من هذه‬
‫الرسالة‪-‬‬
‫خامسًا‪ :‬بيان التبديل‪ :‬وهو النسخ‪ ،‬وسيأتي ذكره أيضا ً في‬
‫باب التعارض‪.‬‬
‫ي‪:‬‬
‫ي والبيان الفعل ّ‬‫القوة والوضح بين البيان القول ّ‬
‫اختلفت أقوال الصوليين أيهما أقوى دللة‪ :‬القول أم‬
‫الفعل؟ فمن قائل‪:‬‬
‫القول أدل من الفعل‪ ،‬ومن قائل‪ :‬الفعل أدل منه‪،(3،‬‬
‫ومن قائل بالتفصيل في ذلك‪.‬‬
‫المذهب الول‪ :‬احتج القائلون بأن القول أدق‪ ،‬بما يلي‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬أن القول له صيغة‪ ،‬فيمكن أن يعلم المراد به من‬
‫ع الوجوه‪ ،‬والتعب!!ر به عن كل ما يخص النفس‪ ،‬بما‬ ‫جمي ِ‬
‫يكون نضأ في المطلوب أو ظاهران‪ .‬حيث إده اللفاظ‬
‫موضوعة لمدال! معلومة يمكن تركيبها لتدل على المراد‬
‫عينًا‪ ،‬وبدرجة العموم )‪ (1‬روى ذلك الدارقطني ونيل‬
‫الوطار ‪(30 /7‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد والد القطني ونيل الوطار ‪.(35 /7‬‬
‫)‪ (3‬قالت بو الحسين البصري في المعتمد نص ‪ :(340‬إن‬
‫الفعل أكشف لنه ينبىء عنا صفة المبين مشاهدة‪.‬‬
‫‪99‬‬

‫) ‪(1/96‬‬

‫والخصوص المطلوبة‪ ،‬وبما يدل على الحكم المراد‪ .‬وقد‬


‫قال الشاعر‪:‬‬
‫القول ينفد ما ل ينفي الَبر‬
‫أما الفصل فل يقع إل على صورة واحدة‪ ،‬ول يتعدى تلك‬
‫الصورة بنفسه‪،‬‬
‫فل يفهم منه بنفسه درجة الحكم أهي الوجوب‪ ،‬أم‬
‫الستحباب‪ ،‬ل الباحة‪ ،‬ول يعلم قدر انسحابه على أشخاص‬
‫آخرين غير الفاعل‪ ،‬وعلى أحواله أخرى غير الحالة التي‬
‫وقع عليها‪،‬؟(‪.‬‬
‫دل به على أنه بيان للمجمل‪،‬‬ ‫ثانيا ً أن القول يمكن أن ئ َ‬
‫بخلف الفعل‪،‬‬
‫فإنه ل يدل بنفسه على فلك‪ ،‬فل يعلم ذلك إلها بدليل‬
‫غيي فعلي‪ ،‬إما بالولى‪ ،‬وإما بالعقل؟ وإما بان يعلم ذلك‬
‫بالضرورة من قصده‪.‬‬
‫ثالثا ً إن الفعل ل يمكن الدللة به على المعدوم‬
‫والمعقولة‪ ،‬بل على الموجود والمحسوس خاصة‪ ،‬بخلف‬
‫القول‪ ،‬إذ يمكن الشعبي به عن كل ذلك )‪.(2‬‬
‫رابعا ً إن الفعل البياني‪ ،‬قد يلزمه حركات وأوصاف غير‬
‫مراد أن تكون‬
‫بيانا ً ويعرف ذلك بالستقراء )‪ .(3‬وهذا قد مشعل ما كل‬
‫جزء من أجزاء الفعل البياني احتمال ً أنه غير مراد‪ .‬وهذه‬
‫الحتمالت ل يمثلن إزالتها إل بتكرار الفعل مع حذفها‪ ،‬أو‬
‫ى! بعرفة‬ ‫بالقولة‪ ،‬أو بغير ذلك من القرائن‪ ،‬كما وقف النب ِ‬
‫في مكان معين‪ ،‬فلئل يظن ظان أن ذلك المكان مقصود‬
‫قالت‪ ،:‬وقفت هنا وعرفة كلها موقف "‪ .‬وقال في‬
‫مزدلفة مثل ذلوا‪ ،‬وقال قي النحر به‪ 9 :‬نحرت هنا ومنى‬
‫كلها منبر" )‪ .(4‬وفي رواية ْ)(‪" -‬وكل فجاج مكة طريق‬
‫ومنحرف )‪.(6‬‬
‫)‪ (1‬القاضي عبدالجبار بن أحمد الهمداني‪ :‬المغني في‬
‫التوحيد والعدل ‪ ،226 ،265 /17‬وانظر أيصح‪ :‬تيسيير‬
‫شيته على‬ ‫التحرير‪ ،‬حيث حكاه في ‪ 148/3‬والبنائي‪ :‬حا َ‬
‫شرح جمع الجوامع‬
‫‪ (31‬عبدألكه طراز‪ :‬حاشية على المواف!قات ‪314 /3‬‬
‫محرير ‪ 149/3‬والبناف! على شرح جمع‬ ‫)‪ (3‬تيسر ال ّ‬
‫الجوامع ‪ 1 0 0 /2‬والعلجي ة تفصيل المجال ق ‪12‬‬
‫)‪ (4‬تيسر التحرير ‪ (5) 1 76 /3‬رواها بو داود ‪4 1 3/5‬‬
‫رسم ت عنه المنذرة‪ (6) .‬انظر‪ :‬روايات الحديث ل جامع‬
‫الصول ‪75 /4‬‬
‫‪100‬‬

‫) ‪(1/97‬‬

‫والقول يمكن إخلؤه عن مثل هذه الحتمالت‪.‬‬


‫ووجه خامس‪ :‬نضيفه إلى ما ذكره الصوليون‪ ،‬وهر أن‬
‫الولى تتبلور به الحكام والصلة بأن المور‪ .‬وكم من‬
‫حقائقه كانت موجودة بالفعل‪ ،‬ولكن ل يلتفت الناس إلى‬
‫وجودها‪ ،‬ول ينتبهون إلى أنها تمثل دررا فيما يجري‬
‫قيض لها شخص ذو فنانة‬ ‫)بالفعل( أمام أبصارهم‪ .‬فلما ُ‬
‫وذكاء‪ ،‬فلمحها وعبر عنها بالقول‪ ،‬أصبحت شيئا معل!مأ‬
‫يمثلن لغيره من الناس فهمه وتطبيقه والستفادة منه‪،‬‬
‫ويؤكد ذلك حوادث استخراج موانيها الظواهر الطبيعية‪،‬‬
‫كالكهرباء والجاذبية والمغناطيسية والحرارة والبرودة‪،‬‬
‫وتاثيراتها المختلفة‪ .‬وشبيه به ما نراه لعلل الصحابة‬
‫كعائشة رضي الله عنها‪ ،‬في فهمها للحكام وأسبابها من‬
‫أفعال النبي كننا‪ ،‬في شؤون طهارته وصلته بالليل‬
‫والمار وصيامه وغير ذلك‪ ،‬وما نراه لئمة الصوليلين من‬
‫استنباطهم لقوانين الصولي‪ ،‬مع أنها كانت جارية قبلهم‬
‫)بالفعلى( في نصوص الكتاب والسنة وكلم الناس‪ ،‬وهكذا‬
‫الخليل مع قوانين العروض‪ ،‬وهكذا أيضا قوانين كل علم‬
‫وفي مما يوقته الله من شاء من كل المواهب لستخراجه‬
‫والتعبير عنه‪ .‬وبه تعالى التوفيق‪.‬‬
‫المذهب الثاني‪ :‬احتج القائلون بانا الفعل أبلغ في البيان‪،‬‬
‫بأدلة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ل‪ :‬أن يتب!ق بالفعلة من الهيئات والتفصيلت ما يصعب‬ ‫أو ً‬
‫بيانه بالقول‪،‬‬
‫ن بالفعل ليتعذر ر بيانه بالقول أحيانا ً )‬‫حتى أن ما يتبلي َ‬
‫صة وأن من الهيئات الفعلية ما لم يوضع له لفظ‬ ‫‪ ،(1‬خا ّ‬
‫خاص‪.‬‬
‫وثانيًا‪ :‬أن الفعل أفعله في النفس‪ ،‬بحيث تطمئن إليه أكد‪،‬‬
‫ويشمر في الذاكرة زمنا ً أطول )‪ .(2‬وقد تقدم ذكر هذا‬
‫حقريري‬ ‫في التعلم بالمشاهدة‪ ،‬وأيضا في البيان ال ّ‬
‫بالفعل‪.‬‬
‫ومما ذكروه من هذا الباب ما وقع في الحديبية‪ ،‬حين‬
‫أمرهم النبي يئه! بالفسخ‬
‫عيح الفصول‬‫)‪ (1‬انظر تيسير التحريري والقرافي‪ :‬شرح تن ّ‬
‫ص ‪ 124 ،123‬والمني‪ :‬الحرام ‪34/3‬‬
‫)‪ ((2‬شار المدي إلى هذا الدليل‪ ،‬حكاه القاضي عبدالجبار‬
‫في المغنهط‪.‬‬

‫) ‪(1/98‬‬

‫فلم يمتثلوا‪ ،‬حتى اشتد حزن النبي ويهيم لذلك‪ ،‬فلما‬


‫أشارت عليه أم كلمة بأن يحلق دون أن يكلمهم‪ ،‬فحلق‪،‬‬
‫سارعوا إلى المتثال )‪.(1‬‬
‫وثالثا ً أن القول يؤكد بالفعل‪ ،‬والتأكيد أقوى من المؤكسد‪.‬‬
‫وقد كان‬
‫ي هون يؤكد قوله بفعله‪ ،‬كفسخ الحج‪ ،‬والطهارات‪.‬‬ ‫النب ّ‬
‫ّ‬
‫رلكلن هذا الدليل ل يثبت‪ ،‬إذ ليس من المسلم أن التوكيد‬
‫ل يكون إل‬
‫أقوى من المؤكسد‪ ،‬بل قد يؤكد الشيء بأضعف منه‪ ،‬إذ‬
‫الحاصل بالجتماع أقوى مما يحصل بالنفراد‪ ،‬وملئه هو‬
‫المطلوب بالتأكيد‪ .‬وسيأتي لهذا المعنى مزيد بيان ما ما‬
‫يأتي من هذا الفصل‪.‬‬
‫ورابعًا‪ :‬أنا القول يدخله احتمال المجاز والنقل‪ ،‬وغزير‬
‫ذلك‪ .‬والفعل يخلو‬
‫عنها )‪.(2‬‬
‫المذهب الثالث‪ :‬القول بالتفصيل‪:‬‬
‫الشاطري في الموافقات )‪ /3‬نحا منحى آخر غير ما تقدم‪،‬‬
‫فهو يرى أنه ل يصح‬
‫سم المسألة‬‫إطلق الكول بالترجيح بين البيانو‪ .‬وق ّ‬
‫قسمين‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬يستوي فيه البيانالي وملئه أن يكون المور‬
‫به فعَل َ بسيطًا‪ ،‬أو‬
‫وجد له نظير في المعتاد ولو كان مركبا ً لكونه معلومَآ‪،‬‬
‫فينصرف إليه اللفظ‪ .‬فالول‪ :‬كمسألة الغسل من التقاء‬
‫الختانن مثًل‪ ،‬فإنه لبسطاته وقلة‬
‫)‪ (1‬أشار إلى هذا الدليل السرخسي الحنفي؟ انظر‬
‫أصوله؟ ‪27/2‬‬
‫)‪ (2‬لعل هذه الوجوه تفسر لنا لم كانت بعض الحكام تبين‬
‫بالفعل مع طوله‪ ،‬ويترك القول مع إيم!ازه وقصره‪ ،‬ومن‬
‫ذلوا أن الله تعالى اختار أن يبين مواقيت الصلة فعل ً‬
‫وارسل جبريل‬
‫عام النبي ! بالصلوات الخمس في يومنا متواليين‪ ،‬صلى‬
‫في الول في أود الوقت‪ ،‬وفي الجاف في آخر الوقت‪.‬‬
‫وسالم سائل النبي عن عن مواقيت الصلة‪ ،‬فقال له‪:‬‬
‫فعل معنا‪ ،‬فصل معهم يومين‪ ،‬صلى فيها النيل جم!لى‬
‫رسوم الصلوات في اليوم الول أود وقتها وفي‬
‫ص ما بين هذين !‬‫اليوم الثاني آخر وقتها‪ ،‬ثم قال‪ :‬الوق ّ‬
‫فقد استغرق البيان لهذه المسالة يومين كاملين‪.‬‬
‫)‪ 13‬الصفحات ‪315 -311 /3‬‬
‫‪102‬‬

‫) ‪(1/99‬‬

‫تفصيلته‪ ،‬شيء واحد‪ .‬ولكونه معتادا ً ينصرف إليه القول‬


‫في باسمه الخاص‪ .‬فلو أريد تبيان الجنابة الموجبة‬ ‫إذاس َ‬
‫ل‪ ،‬كقوله‪-‬له‪ :‬وإذا التقى الختانان فقد‬‫للغسل بالقول مث ً‬
‫وجب الغسل " )‪ ،(1‬أو اغتسل فعل من التقاء الخزانين‪،‬‬
‫حصل بيان الجنابة بكل منهما على التساوي‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬وهو ما له نظير في المعتاد‪ ،‬ولو كان مركبًا‪ .‬كما‬
‫ت من البناء‬
‫لو طلب ْ َ‬
‫أن يبني لك بيتا على أن يكون مماثل لبيت معين مبين‬
‫ل‪ ،‬وضمان السم الموضوع لذلك النوع يطلق عليه‬ ‫فع َ َ‬
‫بتفاصيل كثيرة ال!ها معتادة ومتعارف عليها‪ .‬فيكفي‬
‫القول‪ ،‬ويقع مقام الفعل‪ ،‬والفعل يقوم مقامه تماما ً‬

‫) ‪(1/100‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬الفعال المركبة الكثيرة التفاصيل‪ ،‬من‬


‫أركان وشروط ومستحسنات‪ ،‬وتلحقها مبطلت رعوأرض‪،‬‬
‫و‪ /‬تجربها عادة بحسن لناس تحَئد المراد باللفظ تحديدا‬
‫وافية‪ .‬فحينئذ يكون البيان لها بالفعل أبلغ ومن جهة بيان‬
‫الكيفي أت المعّينة المخصوصة التي ل يبلغها البيان‬
‫القولي‪ .‬ولفلك بّين النبي ! الصلة بفعله لمته‪ ،‬والحج‪،‬‬
‫والطهارة‪ ،‬وإن جاء فيها بيانا بالولى‪ ،‬فإنه إذا عرض‬
‫نصف الطهارة في القرآن على عين ما تلقي بالفعل من‬
‫ق من الفعل‪ ،‬فوق‬ ‫الرسول به‪ ! ،‬أن المدخلى بالحس َ‬
‫هْبه عن زاد بالوحي‬ ‫المدرك بالعقل من النص‪ ،‬ل محالة‪ .‬و َ‬
‫الخاضكا أمورا ل تدرك من النصر على الخصوص‪ ،‬فتلك‬
‫الزيادات بعد البيان إذا عرضت على النص لم ينافها‪ ،‬بله‬
‫يقبلها‪ ،‬كما في آية الوضوء!‪ .‬فالفعل من هذه الجهة أبلغ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ومثاله من الواقع ما لو أردت أن دبي صفة حيوان‬
‫غريب لم يره السامعون من قبل‪ ،‬فوصفت تفاصيل خلقته‬
‫وحجمه ولونه وطباعه‪ ،‬فمهما أطنبت في ذكر التفاصيل‬
‫قول ً فلن تتم من لدى السامين الصورة المطابقة للحقيقة‬
‫ونة لذلك‬‫بتفاصيلها‪ ،‬فلو أريتهم الصورة الشمسية المل ّ‬
‫الحيوان‪ ،‬اّتضحت الفكرة عنه أكثر‪ ،‬فلو أريتهم تمثال ً‬
‫مجرما للحيوان بنفس حيجمه ولونه تعاظم وضوح الفكرة‪.‬‬
‫ثم لو أريتهم الحيوان نفسه‪ ،‬فرأوه بأعينهم‪ ،‬ولمسوه‬
‫بأيديهم‪ ،‬ورأوا أحواله وحركاته‪ ،‬وشاهدوا طباعه‪ ،‬فإنهم‬
‫يعلمون من تفاصيل ذلك ما لم يعرفوه بسمماع‬
‫)‪ (1‬رواه ابن ماجه )الفتع الكب!!‪.‬‬
‫‪153‬‬

‫) ‪(1/101‬‬

‫الولى‪ ،‬حنى لو حصلت مقارنة بين الصورة الذهنية التي‬


‫ونت بسماع القول ( ول‪ ،‬وبين الصورة التي تكلؤنت‬ ‫تك ّ‬
‫برؤيته )فعل( لكانت الخيرة مختلفة عن الولى بنسبة‬
‫كبيرة‪ ،‬هي بها أقرب إلى الحقيقة‪.‬‬
‫ج تذكر صفته يخص كتب‬ ‫ومثل ذلك في الشريعة أن الح ّ‬
‫الحديث والفقه بالتفصيل‪ ،‬ومع ذلك فإنه ل يتبليق تبّينا‬
‫كامل حتى للمدرس!سنسائر الفقهاء‪ ،‬إل برؤية أفعال‬
‫الحجاج وأماكن الحج وما يفعل في كل منها‪ ،‬فإذا رأى‬
‫عله‪ ،‬أصبحت معرفته ضرورية‪ ،‬على ما هو معلوم‬ ‫ذلك‪ ،‬وف َ‬
‫بالتجربة‪.‬‬
‫ومن جهة أخرى يكون القول أبلغ‪ ،‬وذلك أنا القول بيان‬
‫للعموم والخصوص في الحوال والزمان والشخاص‪ ،‬فإن‬
‫القول ذو صيغ يمكن بها تبي!!ن هذه المور ونحوها‪ ،‬أما‬
‫الفعل فهو قاصر عله فاعله‪ ،‬وزمانه‪ ،‬ومكانه‪ ،‬وحالته‪ .‬قاله‬
‫ركنا بالفعل الذي فعله النبي ئي مثل ً لم‬ ‫الشاطري‪ :‬الو ت ُ ِ‬
‫يحصل لنا‬
‫منه غير العلم بأنه فعله‪ ،‬في هذا الوقت المعين‪ ،‬وعلى‬
‫هذه الحالة المعينة‪ -‬فيبقى علينا‪ :‬هل ينسحب طلب هذا‬
‫ص بهذا‬ ‫الفعل منه في كل حالة لو في هذه الحالة؟ أويخت ٌ‬
‫الزمان أو هو عام في جميع الزمنة؟ أو يختمه به ضده أو‬
‫يكون حكم أمته حكمه؟ ثم بعد النظر في هذا‪ ،‬يتصدى نظر‬
‫آخر في حكم هذا الفعل الذي فعله‪ :‬من أفي نوع هو من‬
‫الحكام الشرعية"‪.‬‬
‫فهذان النتعدد ل يمكن تبيينهما بالفيل‪ ،‬ول بدا من القول‪،‬‬
‫أو وضوح القرائن‪ ،‬لبيان ذلك‪ .‬ومن هنا احتاجت الفعال‬
‫النبوية إنما دليل خارج عنها يبين أنها دليل في حق المة‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬ان البيانين يستويان في الفعل البسيط‪ ،‬أو‬
‫العلى المركب المعتاد‬
‫الذي له لفظ يدل عليه بالتحديد‪.‬‬
‫ويرجح البيان بالفعل من جهة بيان الفعل الكثير التفاصيل‬
‫غير المديد‪ ،‬ومن‬
‫جهة قولوه في عمق التاثيث النفسي‪ ،‬وقوة التشبث‬
‫بالذهن‪.‬‬
‫‪154‬‬

‫) ‪(1/102‬‬

‫ويرجح البيان بالقول من جهة العموم والخصوص‪ ،‬ومن‬


‫جهة درجة حكم الفعل‪ ،‬ومن جهة تعليقه بما هو بيان له‪.‬‬
‫أعلى أول البيان‪:‬‬
‫نقل الزركشي أن بعضهم رتب أنها ما يقع به التبيين‬
‫حسب قوتها‪ ،‬هكذا‪:‬‬
‫القول‪ ،‬ثم الفعل‪ ،‬ثم الشارة؟ ثم الكتابة ثم التنبيه على‬
‫العلة )‪.(1‬‬
‫ولما الشاطري )‪ (2‬فيرى أن اجتماع القول والفعل‬
‫متطابقين هو الغاية في‬
‫البيان‪ ،‬كما حصل بذلك تبيين الطهارة والصلة والضرب‬
‫ج‪ .‬ول شك أن اجتماع البيانين المذكورين أقوى‪ ،‬وذلك‬ ‫والح ّ‬
‫من وجره‪:‬‬
‫الول‪ :‬إن كل من القول والفعل‪ ،‬يسد ما في الخر من‬
‫النقص‪ ،‬برفع الحتمالت التي مر ذكرها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه يضيف إلى الخر ما له من خصائص بيانية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه أصل نوع من التكرار‪ ،‬والتكرار تأكيد وتقوية‪.‬‬
‫ومن الملحظ عملئأ أن ما!رد فيه البيان بالقرل! والفعل‬
‫من العبادات‪ ،‬كالصلوات الخمس مثل ً هو أوضح كثيرا مما‬
‫ورد فيه البيان بالقول خاصة‪ ،‬كصلة الستخارة‪ ،‬أو بالفعل‬
‫خاصة‪ ،‬كصلة الكسوف‪ ،‬وصلة الجنازة‪ ،‬وصلة العيدين‪،‬‬
‫وصلة ا‪-‬فوف‪ ،‬وصلة الستسقلر‪ .‬ولعله لذلك يجري فيها‬
‫من الخلف ما هو أكثر‪ ،‬نسبيا ً من النوع الول‪ ،‬وان كان‬
‫إثبات ذلك بحاجة إلى تتبع وا ستقر ام‪.‬‬
‫أل أننا نرى اجتماع أنو ‪ 3‬أخرى من البيان معهما‪ ،‬يكون به‬
‫البيان أقوى‪.‬‬
‫وأهتم ذلك التقرير‪ ،‬فإن لدل على رضا السبق عن الصورة‬
‫الذهنية التي حصلت لدى المبني له‪ .‬فإن البيان قد ينهون‬
‫وافيًا‪ ،‬ولكّنه فهام بعض السامعين تقصر أو تغفل‪ .‬فإن‬
‫مل المبّين له بما ب َُين‪ ،‬فوافقه السبق على فعله‪ ،‬رأقّره‪،‬‬
‫ع ِ‬
‫َ‬
‫فذلك أقوى ما يكون البيان‪ ،‬كما تقدم في التعلم‬
‫بالممارسة‪.‬‬
‫)‪ (1‬الشوكاني‪ :‬أرشاد الفحولة ص ‪ (2) 1 73‬الموافقات ‪/3‬‬
‫‪31 4 -31 1‬‬

‫) ‪(1/103‬‬

‫رجوع البيان بالقول إلى البيان بالفعل‪:‬‬


‫إن القول المبين عن الفعل قد يرجع إلى الفعل‪ .‬وذلك أن‬
‫الفعل يسمى بألفاظ لغوية‪ ،‬فإن كانت مجملة فسرت‬
‫بألفاظ أخرى تعبر عن أفعال‪ ،‬ف )الصلة( مجمل يفقتر‬
‫بأنها الفعال المعلومة‪ ،‬من القيام رالتكلبير والقراعق‬
‫والركوع والسجود والتسليم وغير ذلك‪ .‬ومعافي هذه‬
‫اللفاظ‪ُ /‬تعلم أل بفعلها‪-،‬لو رؤية من يفعلها‪ ،‬بحيث إن من‬
‫ل يعلمها لوس ريد تفسيرها له‪ ،‬لفعلنا أمامه الركوع مثل ً‬
‫ثم قلنا له‪ :‬هذا الركوع‪ ،‬وهكذا السجود وغيره‪ ،‬فقد عاد‬
‫البيان القولي عن الفعل إلى الفعل‪.‬‬
‫وقد قال الشاطرى‪ 9 :‬هـ)نما يقرب مثل هدا القول الذي‬
‫معناه الفعلي بسيط‬
‫وجد له نظير قي المعتاد‪ ،‬وهو إذ ذاك بحالة على فعل‬
‫فِبه حصل البيان ل ل لقوله )‪.(1‬‬ ‫المعتاد‪َ ،‬‬
‫واللفاظ المعبرة عنه فعال مركبة أشدّ حاجة إلى هذا‬
‫النوع من البيان الفعلي‪.‬‬
‫وهذا شان السماء اللغوية غالبا ً فإن فهمها‪ ،‬أو فهم ما‬
‫في رد به من اللفاظ ل يتم من غير أن تكون لدى‬
‫السامعي خبرات عملّية سابقة(‪ ،‬إذا سمع اللفظ نّزله‬
‫عليها ليفقه المراد به‪ .‬ومن هنا يعلم أن ضيق الفق‪ ،‬وقلة‬
‫الخبرات العملية‪ ،‬وقلة التجارب في الحياة‪ ،‬ينشا عنها‬
‫ضيق فهم اللغة‪ ،‬وعسر تبين المراد باللفاظ ه‬
‫)‪ 1 (1‬لموا فقات ‪313 /3‬‬
‫‪106‬‬

‫) ‪(1/104‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫فعل في الَبيان‬
‫جتماع القول وال ِ‬
‫ا ْ‬
‫الكلم في هذه المسالة ينقسم قسمين‪ ،‬لنه إن لجأ بعد‬
‫المجمل قول وفعل وكلهما صالح لن يكون بيانًا‪ ،‬فإما أن‬
‫يكونا متطابقين ل يزيد أحدهما على الخر‪ ،‬وإما أن ل‬
‫يكونا كذلك‪.‬‬
‫بمعنى صلحيتهما للبيان أن يفعل ما أمر به‪ ،‬وأن يصفه به‬
‫كر أجزائه وأعداده وهيئاته‪ .‬أما إذا أحال بالقول على‬
‫الفعل‪ ،‬كان قال‪ :‬أخذوا مناسككم " ود صلوا كما رأيتموني‬
‫أصلب " )‪ .(1‬ونحو ذلك‪ ،‬فهذا القول ليس بيانا ً وإنما هو‬
‫فق للبيان على الفعل‪ ،‬فُيعلم به كون الفعل بيانا‬ ‫قول مع ً‬
‫)‪ .(2‬فإن علم بالضرورة أو بالعقل‪ ،‬أن الفعل بيان‪ ،‬كان‬
‫مثل هذا مؤ َ‬
‫كدأ لذلك "‪.(3‬‬
‫القسم الول‪ :‬حالة التفاق‪.‬‬
‫و‪-‬أمثلته أن النبي ئمة بّين بقوله عندما أمر به الله من‬
‫الصلوات‪ ،‬فباق بالقول‬
‫أنها خمس صلوات‪ ،‬وصلها فعلكذلك‪ ،‬لم تزفي ولم‬
‫تنقص‪-‬‬
‫ن مقادير ما أمر الله به من الزكاة المفروضة‬ ‫وكذلك ب!! ّ‬
‫في الذهب والفضة أنها‬
‫ربع العشر‪ ،‬وأخذها كذلك‪.‬‬
‫)‪ (1‬سياقه تخريج هذا الحديث بتوسع في فصل الفعل‬
‫البيان‪.‬‬
‫)‪ (2‬أبو الحسين البصري‪ :‬المعتمد ‪ 338/1‬حيث قال‪ 9 :‬ن‬
‫البيان هو الفعل‪ ،‬دون القول المعلق للفعل بالمب!سن‪.‬‬
‫)‪ (3‬تيسير التحرير ‪176 /3‬‬
‫‪107‬‬

‫) ‪(1/105‬‬

‫ومثال هذا القسم‪ ،‬ما روي الم أن النبي ! قرن فطاف‬


‫طوافة‪ ،‬وسعى تعيين‪ .‬وروي عنه أنه قال بعد نزول آية‬
‫الحج‪:‬إ من أحرم بالحج والعمرة‪ ،‬أجزأت طواف وأحد‪،‬‬
‫وسعي وأحد عنهما‪ ،‬حتى يحل منهما جميعأ!‪.‬‬
‫وفي المسألة ثلثة مذاهب‪:‬‬
‫الول‪ :‬مذهب الرازي وابن الحاجب أن القول هو البيان‪،‬‬
‫سواء تقدم أو‬
‫تأخر‪ .‬وقال به أيضا أبو الخطاب الحنبلي )‪ (3‬وغيرهم‪.‬‬
‫ودليل هذا المذهب أن القول يدل بنفسه على أنه بيان‪،‬‬
‫والفعل ل يدل أل بالواسطة‪ .‬وما يدل بنفسه أول )‪.(3‬‬
‫والقول هو الصل في البيان‪ ،‬فينبغي أن يكون هو البيان‪.‬‬
‫ويكون الفعل الزائد عن القول‪ ،‬عل هذا المذهب‪،‬‬
‫كالطواف الثاني في المثال‪ ،‬ندبًا‪ ،‬أو خاصا به به‪.‬‬
‫وقد نقل الزركشي )‪ (4‬عن ابن فورك‪ ،‬أنه يبني على هذا‬
‫القولي اشتراطا ً معينا ً‬
‫في جواز اعتبار القول بيانا ً فرأى أن الفعل إنما يأتي بيانا ً‬
‫إن‪ /‬يكن هنالك قول صالح للبيانو‪ ،‬وال لم يرجع إلى‬
‫الفعل‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫)‪(3) (2‬‬
‫لما الفعل ففي صحيح مسلم أن النبي له قرن فطاف‬
‫طوافيهه‪ -‬طواف القدوم وطواف الزيارة يوم النحر‪.‬‬
‫وسعى سعيا واحدا ً بعد طواف القدس ثم‪ ،‬و‪ /‬يسع بعد‬
‫طواف الزيارة‪ .‬هذا ما يؤخذ عن حديث جابر وغيره‪ .‬وقد‬
‫روى النسائي عن عل أن النبا!! "قرن فطلت بالبيت‬
‫طوافين‪ ،‬وسعى سعييئ "‪.‬‬
‫ربما القتل فما أخرجه أحمد من حديث ابن عمر بلفظ ‪5‬‬
‫هن قرن فيها حجته وعمرته أجزأت لهما طواف واحد"‪.‬‬
‫ولم يذكر الساعي والفصح الكئبيهه وروى الترمذي وابنا‬
‫ماجه عن ابنا عمر أيضا ً أنه له قاله‪ 5 :‬من أحرز بالحجر‬
‫والعمرة! جزاه طواف واحد وسعي واحد عنهما‪ ،‬و‪ /‬يحل‬
‫حتى يقضي حجه ويحل منهما جميعان والفتح الكبيرة‪.‬‬
‫التمهبدق ‪.192‬‬
‫الشوكاني‪ :‬إرشاد الفحولة ص ‪ (4) 73‬البحر المحيط ‪1 /3‬‬
‫‪ 8‬أب‪.‬‬

‫‪115‬‬

‫) ‪(1/106‬‬

‫الثاني‪ :‬مذهب أبي الحسين البصري‪ ،‬وهو أن المتقدم في‬


‫نفس المر هو البيان حقيقة‪ .‬قال‪" :‬لن الخطاب المجمل‪،‬‬
‫إذا تعقبه ما يجوز أن يكونا بيانا له‪ ،‬كان بيانا له " )‪-(1‬‬
‫ثم إن علم المتقدم من القول والفعل فالحكم عنده‬
‫كذلك‪ .‬وإن جهل فالقول عنده هو البيان‪ ،‬لن الفعل ل‬
‫يكون بيانا ً للمجمل إل بما يعلقه به من قوله أو ضرورة‪،‬‬
‫ول ضرورة هنا مع وجود القول المي!ق للمجمل‪.‬‬
‫وقد قدم في أول هذه المسالة‪ ،‬قبل تفصيلها وشرحها‪،‬‬
‫أنه حيث قيل إن القول هو البيان‪ ،‬فالطواف الثاف! في‬
‫المثال المضروب نحب‪ .‬وحيث ليلى بأنه الفعل‪ ،‬فالطواف‬
‫الثاف! واجب‪.‬‬
‫استدراك المني على مذهب أب الحسين‪:‬‬
‫نقل المدي )‪ (3‬مذهب أبي الحيمن البصري المتهم ذكره‪،‬‬
‫ووافقه في حال‬
‫العلم بالتقدم على ما ذكر‪ ،‬غير أنه أضاف‪ ،‬أنه في حال‬
‫تقدم الفعل‪ ،‬فإنه وإن دل على أن الطراز الثاني واجب‪،‬‬
‫إّل أنه ل بد من تقديره منسوخا بالقول‪ ،‬أو خاصا بالنبي‬
‫ي‪ .‬والخصوصية أرجح‪ ،‬لخلوها من نسخ‪ -‬للفعل أو تعطيل‬
‫للقول‪.‬‬
‫وهذا عندي استدراك ل يخفى‪ ،‬وإنما الذي فعله أبو‬
‫الحسين أنه نبهه إلى‬
‫حكم الفعل الزائد عند وروده وقبل ورود القول عليه‪ ،‬و‪/‬‬
‫يذكر فكلمه عند ورود القول بعده مخالفا له‪.‬‬
‫فمذهبهما في الحقيقة شيء واحد‪.‬‬
‫وأماترجهيحه الخصوصية على النساخ فل يوافق عليه‪ ،‬لن‬
‫الصل تساوي الحكام بين النبي صل ود متهم وسيأق!‬
‫ت الخصائص‪.‬‬‫إيضاح ذلك في مبح ّ‬

‫)‪ (1‬المعتمد ‪340/1‬‬


‫)‪ 1 (2‬ل حكام ‪38 /3‬‬

‫) ‪(1/107‬‬

‫الموارنة بنين الذهبي‪:‬‬


‫إن المذهبين متفقان في حال العلم بتقدم القول‪ ،‬أو‬
‫الجهل بالتقدم‪ ،‬أدت‬
‫القول هو المقدم في الحاليهة‪.‬‬
‫وأن ما اختلف فيه المذهبان حالة العلم بتقدم الفعل‪.‬‬
‫فيرى أبو الحسين أنجه‬
‫ل يجوز إهماله‪ ،‬إذ هو نوع من أنول البيان‪ ،‬وقد جاء في‬
‫وقت الحاجة إليه‪ ،‬فوجب أن يكون بيانًا‪.‬‬
‫وأصحاب المذهب الول نظروا إلى أرجحية القول من‬
‫حيث البيان‪ ،‬ووضوح ارتباطه بالسبق‪ -‬فقدموه‪.‬‬
‫ونحن نرى أن ماطل القول!!ن واحد‪ ،‬فعندما ورد الفعل‬
‫وهو صالح للبيان‪،‬‬
‫ً‬
‫فل بد عن اعتباره بيانا‪ ،‬ثم إذا جاء القول بعد ذلك‪ ،‬فل بد‬
‫من الخذ به‪ ،‬لن ))القول بإهمال دللة القول ممتنع ‪9‬‬
‫رد حينئذ على الفعل فيمل عله أن‬ ‫كما قال العمدي‪ .‬فهو ي َ ِ‬
‫ما زاد منه على القول ندب‪ ،‬أو يلغي دللته على الحكم‬
‫في حق المة دون نبيها فيكونا مخصصا ً أو في حق الجميع‬
‫فيكون ناسخًا‪.‬‬
‫فالخلف بينهم في المسالة إنما هو في ما قبل ورود‬
‫القول المتاجر‪ ،‬فانا بعد وروده فالعمل يكون بالقول على‬
‫كل حال بالنسبة للمة‪ ،‬لنه إما أن يكون هو البيان عل‬
‫القول الول‪ .‬أر يكون ناسخا لحكم الفعل‪ ،‬على القول‬
‫الثاني‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬وفي المسالة قول ثالث‪ ،‬وهو الوقف عند الجهل‬
‫بالمتقدم‪ ،‬فل يحكم‬
‫بكون أحدهما هو البيان دون الخر‪ ،‬بل البيان أحدهما ل‬
‫بعينه‪ .‬لن كل منهما أقوى من الخر من وجه‪ ،‬فل يرجح‬
‫عليه بل مرجح‪ .‬وقد رجح هذا القول ابن السمعافإ )‪.(1‬‬
‫وقالت العلئق في إبطال هذا الدليل‪) :‬إدط البيان بالقول‬
‫أكد‪ ،‬وغاية المر‬
‫ان نقله عنه الزركشي‪ :‬البحر المحيط ‪-1253/2‬‬
‫‪112‬‬

‫) ‪(1/108‬‬

‫( نهما متساويان قي البيان )‪ 1‬ي في قوته ووضوحها‬


‫وتسلم بقية الوجهأ( ي في ترجيح القولي وبهذا يظهر‬
‫ترجيح القول تقدميه‪ ،‬فل تعادل حينئذ‪ .‬والله أعلم " )‪(1‬‬
‫الـ‪ .‬كلمه‪.‬‬
‫وعندي أن جعل دللة القول أرجح هو الذي ينبغي اعتماده‪.‬‬
‫وبث لك ل‬
‫يكون القول بالوقف صوابا ً‬
‫والحاصل‪ :‬أننا بعد النظر في هذه المسألة وت!ثحعباتها‬
‫عند الصوليين‪ ،‬نرى‬
‫أن المسالة تلتئم بان يقال‪ :‬إنه بالنظر إلى الواقع في‬
‫نفس المر‪ ،‬وعند من يعلم ذلك الواقع‪ ،‬ل بد من اعتبار‬
‫أول الواردين من قول أو فعل بعد المجمل‪ ،‬هر البيان له‪.‬‬
‫وأما بالنسبة إلى العمل وبالنظر لمن ل يعلم الواقع‪،‬‬
‫فيعمل بالقول‪ ،‬ويقال‬
‫إنه هو البيان‪ ،‬حقيقة إذا تقدم‪ ،‬ومجازا إذا تأخير‪ .‬وما زاد‬
‫من الفعل فهو إما ندب أو خاص أو منسوخ‪.‬‬
‫وهذا التوفيق صادق على حالتي التفاق والختلف‪.‬‬
‫وتكلون القاعدة العامة!أنه إذا ورد بعد المجمل قول وفعل‬
‫كلهما صالح للبيان‪ ،‬فالبيان في الحقيقة المتقدم منهما‪،‬‬
‫والعمل بالقول على كل حال "‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬المثال الذي ذكر في هذه المسالة الفحل فيه أكد‬
‫مَر‬
‫من القول‪ .‬فلو كان العكس‪ ،‬ونقص الفعل‪ ،‬بان أ َ‬
‫عل واحدة‪ ،‬فمقت!ما القول الول‪ ،‬وهو قول‬ ‫بطوافة‪ ،‬و َ‬
‫ف َ‬
‫ص الفعل تخفيف في‬ ‫ق ُ‬‫الرازي ومن معه‪ ،‬البيان القول‪ ،‬ون ْ‬
‫حقه !‪ ،‬تقدم القول أو تأخر‪ ،‬ومقتضى قول أبي الحسين‬
‫أن البيان المتقدم‪ ،‬فإن كان المتقدم الفعل‪ ،‬ما زاده‬
‫القول بعده مطلوب بالقول‪ ،‬وأدت كان المتقدم الولى‬
‫فالنقص تخفيف خاص في حقه !ح!و )‪.(2‬‬

‫)‪ (1‬تفصيل الجمال ق ‪ 52‬ب‪.‬‬


‫)‪ (2‬المحلى‪ :‬شرح جمع الجوامع ‪113 69 /2‬‬

‫) ‪(1/109‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫ما البيان‬
‫إذا اختلف فعلن في البيان فايه َ‬
‫الصوليون لم يذكروا هذه المسألة‪ ،‬وذكرها ابن دقيق‬
‫العيد في شرح العمدة )؟( وواضح أن أول المعين ورودا‬
‫يكون هو البيان ما‪ /‬يدلى على أن البيان هو آخر الفعلين‪.‬‬
‫فإذا اعتبرنا الفعل الول هو البيان‪ ،‬يبقى الزائد من‬
‫الفحل الثاقب فعل مجردا‬
‫ل يدل على وجوب‪ ،‬بل قد يدل عل الندب أو الباحة كما‬
‫يأتي في الفعلد المجردة‪ .‬وهذا إن كان الفعل الثاني‬
‫زائدا ً على الول‪ .‬أما إن نقمه عنه فهو إما ناسخ للزائد‬
‫في حق الجميع‪ ،‬داما تخفيف في حق النبي في خاصة‪.‬‬
‫والنسب أول كما تقدم‪ .‬ول يصار إلى النسخ إل إذا تعذر‬
‫الجمع‪-‬‬
‫وقد يعلم أن الفعل المنقولة إلينا متأخر‪ ،‬ويحلم أن قبله‬
‫فعل هو البيان‪ ،‬لكن‪ /‬ينقل إلينا أول الفعلين‪ ،‬كبعض رواية‬
‫أصاغر الصحابة ومتاخري السلم مخهم هذا رووا بعض‬
‫هيئات الصلة‪ ،‬أو أعمال في الصوم أو غيره من المور‬
‫المستمرة‪ .‬فإن الظاهر تأخر!روياتهم‪ ،‬وهي ل شك قد‬
‫سبقت ببيان‪ ،‬فل تكون مروياتهم تلك بيانا ً ول يمتنع‪ -‬إذا‪/‬‬
‫يحد على التغيير‪ -‬الستدلل بالعلى المتاجر‪ ،‬هذا على أن‬
‫الفعل المتقدم مثله‪ ،‬لن الصل عدم التغير‪ .‬والله( علم‪.‬‬
‫)‪2"6/1(1‬‬
‫‪114‬‬
‫) ‪(1/110‬‬

‫ف! له الخط يوما أبحكَلنماجما"فأ ّ‬


‫ي؟! َبزإل!علدنه‬ ‫ال َ‬
‫ا‪ -‬ما يصدر عنه الفعل النبوي‪.‬‬
‫أ‪ -‬الوحي‪.‬‬
‫مهاد‪.‬‬
‫ب‪ -‬ا لج َ‬
‫ج‪ -‬مسالة التفويض‪.‬‬
‫د‪ -‬مسألة العفو‪.‬‬
‫‪ -2‬أحكام الفعال النبوية‪.‬‬
‫أ‪ -‬ما يكلف به النبي ! من الفعال‪-‬‬
‫ب‪ -‬أحكام ما صدر عنه من الفعال!‪.‬‬
‫ج‪ -‬العصمة عن المحرمات !‬
‫د‪ -‬العصمة عن المكروه‪.‬‬
‫‪ -3‬كيف يعين حكم الفعل إذا صدر عنه صح بالنسبة إليه‬
‫خاصة‪.‬‬
‫‪115‬‬

‫) ‪(1/111‬‬

‫المبحث الول‬
‫ما يصدرون النبي صلى انته عليه وسلم في أفعاله‬
‫يدرك النيل ! أنه مكلف بكذا وجربت أو ندبا ً وبكذا تحريما‬
‫أو كراهة‪ ،‬أو‬
‫أو أنه حلل له كذا‪ ،‬فيفضل أو يترك بناء على ذلك‪.‬‬
‫وربما يفعل الشيء بماء على أنه‪ /‬ينزل عليه فيه شيء‪،‬‬
‫أي على أنه ليس فيه‬
‫حكم شرعه‪..‬‬
‫فينقسم هذا المبحث إلى مطلبين‪ :‬لنه أما أن يفعل بناء‬
‫على التكليف‪ ،‬أوان‬
‫يفعل بناءعلى عدم التكليف‪.‬‬
‫المطلب الول‬
‫أن يفعل بناءعلى التكليف‬
‫إدراكه له لكونه مكلفا بفعل ما‪ ،‬يحصل من طريقين‪:‬‬
‫الول‪ :‬الوحي إليه به‪ ،‬بالطرق التي نصت عليها الهية‬
‫التي في آخر‬
‫سورة الشورى "وما كان لبشر أن يكلمه الليه أل وحيا أو‬
‫من وراء حجاب أو يرسل رسول فيوحي بإذنه ما يشاء إنه‬
‫علي حكيم !‪.‬‬
‫ثم قد يكودط الوحي متلؤًا‪ ،‬وهو القرآن العظيم‪ ،‬بأن يكون‬
‫آية أو آيات خاصة بالواقعة أر شاملة لها‪ ،‬كقوله تعالى‪ .‬ويا‬
‫أيها النبي قل لزوأجد إن كنتن تردن الحياة الدنيا‬
‫وزينتها‪ ...‬اليتيئ ! فإدا فحصهما المر له ! بتخيير أزواجه‪.‬‬
‫‪117‬‬

‫) ‪(1/112‬‬

‫وقد يكون الوحي غير قرآن‪ .‬كما في الحديث‪" :‬أن رجًل‬


‫سأل النبي له‪:‬‬
‫كيف ترى في رجل أحرم بعمرة في جثة‪ ،‬بعدما تضمن‬
‫بطيب؟ فنظر إليه النبي ع!! ساعة ثم سكت‪ ،‬فبلغه‬
‫الوحي‪ ......‬فقالت يا‪ :‬أما الطيب الذي بك فاغسله‪ ،‬وأما‬
‫الفئة فانزعها‪ ،‬ثم اصنع في عمرتك ما تصنع في حجك‬
‫‪"9‬؟(‪.‬‬
‫وكما حصل في موقعة الحزاب‪ .‬فإن النبي !ك!ه بعد‬
‫رحيل المشركين "وضع سلحه واغتسل‪ ،‬فأتاه جبريل‬
‫فقال‪ :‬لقد وضعت السلح؟ والله ما وضعناه‪ ،‬اخرج إليهم‬
‫"‪ .‬قال‪) :‬فإلى أين؟أ قال‪ 9 :‬ها هنا"‪ -‬وأشار إلى بني‬
‫قريظة‪ -‬فخرج النبي ! إليهم " )‪.(2‬‬
‫وهذا النوع كثير ل يخفى على من له خبرة بالسيرة النبوية‬
‫الشريفة‪ .‬وهو‬
‫متفق عليه فيها كل المؤمنين برسالة محمديك!ه‪ ،‬إذ ل بد‬
‫منه لتحقيق اليمان بالرسالة‪-‬‬
‫ً‬
‫ثم إن ما كان من الوحي قرآنا‪ ،‬فإما أن يكون نصا في‬
‫المسالة‪ ،‬فل محتاج إله‬
‫إعمال فكر ونظر‪ ،‬ومنه ما يحتاج إلى ذلك‪ ،‬فهذا الفكر‬
‫والنظر في ما يحتاج إليه من الوحي ندخله في النوع‬
‫التالي وهو الجتهاد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الجتهاد‪ -‬فل أقره الله تعالى عليه كان ذلك من‬
‫الله تعالى بيانا‬
‫لكونه اجتهاده صائبًا‪ .‬ومن أجل ذلك سفا الحنفية الول‬
‫ى الباطن "‪.(3‬‬ ‫الوحي الظاهر‪ ،‬وسموا هذا الطريق‪ :‬الوح ِ‬
‫والجتهاد أول‪:‬‬
‫الول‪ :‬اجتهاد في دللت اللفاظ الموحى بها إليه حكم‪،‬‬
‫من المجمل والمشترك‪ ،‬والحقيقة والمجاز‪ ،‬والعام‬
‫والخاص‪ ،‬وغير ذلك‪ -‬فيجتهد فيها بما يعرفه من لغة قومه‪،‬‬
‫مرآن بلغتهم نزل ليبصق لهم‬ ‫وأساليبهم في القول‪ ،‬لن ال ّ‬
‫!‬
‫)‪ !1‬رواه مسلم‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري ومسلم من حديث عائشة وجمع الصول‬
‫‪.(199 /9‬‬
‫)‪ (3‬أصول البزاوي ‪924 /3‬‬
‫‪118‬‬

‫) ‪(1/113‬‬

‫وليست كل السنة البيانية صادرة عن اجتهلكى‪ .‬بل إن من‬


‫المتفق عليه أن‬
‫ى به‪ ،‬فيدخل في قسم الوحي‬ ‫جز!رأ كبيرا منها منح ً‬
‫السابق الذكر‪ .‬ومنها تبيين جبريل لمواقيت الصلة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الجتهاد القيالصي‪ ،‬بقياس غيي المنصوص على‬
‫المنصوص‪ ،‬فيلحق‬
‫الفروع بالصول بناء على الشتراك في العلل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬الجتهاد في المر الواقع بما يراه دون الرجوع‬
‫إلى نص معين‪ .‬وهي‬
‫المسماة بمسالة التفويض‪.‬‬
‫ونحن نعود إلى هذه الصول‪ ،‬واحدة واحدة‪ ،‬فنبيع مذاهب‬
‫العجلى فيها‪،‬‬
‫وأدلة المثبت!!ن والنفاق )‪.(1‬‬
‫النوع الول‪ :‬الجتهاد البياني‪:‬‬
‫ول يقال هنا أن تفسير النبي عن للقرآن هو عمل‬
‫بالقرآن‪ ،‬فكيف يكون‬
‫زاثدأ عنه كما يقال إنه بالجتهاد؟‪.‬‬
‫لنه لما أمر الله تعالى بالسجود مثل ً لم يبرق أن الساجد‬
‫يسجد على الف السبعة‪ .‬فذلك ليس في القرآن‪ ،‬بل هو‬
‫تفسير له‪ ،‬زائد عليه‪.‬‬
‫ومن هذا النوع رؤيته !ك! تفاصيل كيفيات العمل في كثير‬
‫مما أوحي إليه‬
‫ل‪ ،‬من الزكاة والصوم والحج وغير ذلك‪ ،‬وأسباب ذلوا‬ ‫مجم ً‬
‫شروطه‪ ،‬مما‪ /‬يفصله الوحي الظاهر‪.‬‬
‫ومنه رؤيته انطباق العمومات الواردة قي القرآن على‬
‫أشياء معينة‪ ،‬فيحكم‬
‫عليها بحكم العام الوارد في القرآن‪ .‬ولعل من ذلك أنه !‬
‫كيهه‪ :‬ينهى عن أكل كل ذي ناب من السباع‪ ،‬وكل ذي‬
‫مخلب من الطيرلم )‪*(2‬إ وعن أكل لحوم الحمر‬
‫)‪ (1‬يراجع لستيفاء هذا البحث‪ :‬أبواب الجتهاد من كل‬
‫الصول المشهورة‪ ،‬وأيضا ً عبدالجليل عي!مى‪ :‬اجتهاد‬
‫الرسول‪ ،‬نشر بالكويت‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم وأبو داود والنسائي وجامع الصول ‪ /8‬من‬
‫‪.(2‬‬
‫‪119‬‬

‫) ‪(1/114‬‬

‫الهلّية )‪ ،(1‬وقال‪ :‬إنها ركن " )‪ .(3‬وقاله في القنفذ‪:‬‬


‫ث من الخبائثأ )‪ ."3‬فالظاهر أن ملئه كان باجتهاد‬ ‫فإنه خبي ٌ‬
‫منه‪ ،‬ومن الممكن أنه !ك!يم رآها داخلة في قوله تعالى‪! :‬‬
‫ويحرم عليهم الخبائث ! )‪.(4‬‬
‫منه رؤيته محل المر المسكوت عنه‪ ،‬الدائر بيها أصلي‪ ،‬أنه‬
‫أقرب إلى أحدهما من الءخر‪ ،‬فيعطيه حكامه‪ .‬كهأ في‬
‫ميراث البنتين‪ .‬قال الليه تعالى‪ :‬لفون كن نساء فوق‬
‫اثنتين فلهن ثلثا ما ترك‪ ،‬وإن كانت واحدة فلها‬
‫"( وسكت عن الثنتين‪ .‬فألحق يعني ألثنتيئ بما‬ ‫النصف ! ْ‬
‫فوق الثنتإس فجعل لهما الثلثين‪ .‬كما فب قصة ابنتي‬
‫سعد بن الربيع حين قال لعمهما‪" :‬أعط ابنتي سعد الثلثين‬
‫"‪.‬‬
‫وحرم إلة عز وجل الميتة‪ ،‬وأحل المذكرة‪ ،‬فدار جنين‬
‫المذكرة بين الطرفين‪ ،‬فحكم يكن بأن زكاة أمه زكاة له‪،‬‬
‫بقوله‪" :‬ذكية الجن!!ن زكاة أفه "‪.‬‬
‫ومنه معرفة أن إحدى اليت!من اصصة للخرى دون‬
‫العكس‪ .‬كما في حديث البخاري عن أبي سعيد بن المعلم‬
‫أنه قال‪:‬أ كنت أري في المسجد‪ .‬ودعاني رسوله الله في‪.‬‬
‫فلما جبه‪ ،‬فقلت يا رسول الّله‪ ،‬كنت أصلي‪ .‬فقال للم‬
‫يقل الله عز وجل‪ :‬واستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما‬
‫يحييكلم ! قلت‪ :‬بلى" )‪ .(6‬فيظهر أن أبا سعيد كان يظن‬
‫آية )وقوموا لله قانتين ! مقدمة في موضع التعارض على‬
‫المة التي ذكرها النبي !‪ ،‬فبين له النبي !ك! أن التكلس‬
‫هو الصواب‪.‬‬
‫فهذا النوع من الجتهاد قريب‪ ،‬وذلها أن النبي فنون كان‬
‫أفصح العرب وأعلمهم بكللمهم‪ ،‬وكان نظره ثاقبًا‪ ،‬وفكره‬
‫قادأ‪ ،‬وقدأمر واتبع ما أنزل إليه منا ربه‪ .‬ورعاية ربه‬‫و ّ‬
‫فوقه‪ ،‬إن أخطا صلبه؟ وإن‪ /‬يصحح له يتبين أنه قد عمل‬
‫بالصواب‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر الشاطري‪ :‬الموافقات ‪ -33/4‬حيث ذكر أمثلة‬
‫لهنا النوع‪ 131 .‬رواه النسائي‪ .‬وأصل النهي عنها عند‬
‫البخاري ومسلم وجامع الصول ‪ (3) .(290 /8‬رواه أبو‬
‫داود وجامع الصول ‪ (272/8‬وإسناده ليس بقوي‪.‬‬
‫)‪ (4‬سورة العراف‪ :‬آية ‪ (5) 157‬سورة النساء‪ :‬آية ‪11‬‬

‫) ‪(1/115‬‬

‫)‪ !6‬البخاري ‪!156 /8‬رواه الترمذي وكيره بسيارة آخر‪.‬‬


‫‪125‬‬

‫) ‪(1/116‬‬

‫وبعض المجيزين لجتهاد النبي له يمنع اجتهدت في هذا‪،‬‬


‫ويرى أن هذا‬
‫النوع ل يكون إل بوحي ظاهر‪ ،‬ففي تيسير التحرير )‪ (1‬ما‬
‫يلي‪:‬‬
‫" )وهو( أي الجتهاد شيخا حقه( عن )يخصص القياس‪،‬‬
‫بخلف غير ‪ (8‬من المجتهدين‪ -..‬أما في القياس فظاهر‪،‬‬
‫وأما في غيره جففي دللت اللفاظ( وفي )البحث عن‬
‫نحصل العام‪ ،‬والمراد من المشترك‪ ،‬وباقيها( أي باقي‬
‫القسام التي في دللتها خفاء‪ ،‬من المجمل وأخواته‪.....-،‬‬
‫وكل ذلك ظاهر عندي ي ل يحتاج إلى نظر وفكر" الـ‪.‬‬
‫فهو يميز الجتهاد القيالصي‪ ،‬كما سيأتي في النوع‬
‫الثاني‪ ،‬وأما في هذا النوع‬
‫فهو نرى أن ما حكم به النبي عنه من ذلك هو حكم‬
‫بالوحي‪ .‬ولهذا أوجه‪ :‬الول‪ :‬أن يكون كل ذلك بوحي خاليا‬
‫من الَنه تعالى‪.‬‬
‫الثاقب‪ :‬أن يكون إلهاما منه تعالى‪ ،‬لجل توضيح مرادف‬
‫بكلمه‪.‬‬
‫الثالث‪ -‬أن يقال كان ذلك من أثر نفاذ البصيرة‪ ،‬وسلمة‬
‫الدراك‪ .‬فهو وضاح عنده لجل ذلك‪ ،‬ل يحتاج إلى اجتهاد‪.‬‬
‫وظاهر قوله تعالى‪ :‬ل إن علينا جمعه وقرآنهم فإذا قرأناه‬
‫فاتبع قرآنه كم ثم إن‬
‫علينا بيانه ! )‪ (2‬يؤيد هذا القول )‪ ،(3‬إذ إن الّله تعالى‬
‫جعل على نفسه أن يبينه لنبيه زر‬
‫)‪ (2) 183/4 (1‬من سورة القيامة‪.‬‬
‫)‪ (3‬حكف! الرمحي )‪ (44 ،43/3‬عن بعضهم احتمال في‬
‫آية إثم إن علينا بيانها إن المراد ببيان القرآن إظهاره وهو‬
‫على وفق الظاهر‪ ،‬دون أن لكلود المراد بيان المجمل‬
‫مييد إلخ‪.‬‬
‫بالخصوص والت َ‬
‫وقد أقر العمدي هذا الحتمالي‪ ،‬ومنع دللة الية على ما‬
‫ذكرنا‪.‬‬
‫وعندي أن حمل الية على ذلك تاهلل مردود‪ ،‬لن الظاهر‬
‫أن البيان إنما هو لما في المراد به خفاء‪ ،‬ويؤيده أنه‬
‫عطف البيان ب )ثم( على الجمع والقرآن‪ ،‬فهر بفن شيء‬
‫معيئ‬ ‫آخر‪ ،‬لب ّ‬
‫أنه بيالي المجمل ونحوه‪.‬‬
‫‪121‬‬

‫) ‪(1/117‬‬

‫ونحن نرى أنه يجوز لن يكون بيان النبي مجهر لمجالت‬


‫القرآن بالوجه الثلثة المذكورة آنفًا‪ ،‬بالضافة إلى وجه‬
‫رابع‪ ،‬وهو الجتهاد‪ .‬فثبت جواز اجتهاده له في بيان‬
‫القرآن‪.‬‬
‫وأما قوله تعالما‪ :‬إثم إنه علينا بيانمهـ فإذا أقّرت ألذ تعالى‬
‫رسوله على ما بين‪،‬‬
‫فهو بيان من الله‪ ،‬يوضحه أده تقرير النبي ! لبعض أصحابه‬
‫على عمرو ما‪ ،‬هو بيان لمشروعية ذلك العمل‪ ،‬كما سيأتي‬
‫في فصل التقرير‪ ،‬من الباب الثاني‪ ،‬إن شاءالله‪.‬‬
‫ي‪:‬‬‫النوع الثاني‪ :‬الجتهاد القيال! ّ‬
‫ل جواز كون النبي محغ! متعّبدا ً بالجتهاد القياسية خلف‪-‬‬
‫قالي الصمدي‪) :‬اختلفوأ يخف أن النبي ي هل كان متعبدا‬
‫ص فيه "ان‪.‬‬‫بالجتهاد في ما ل ن ّ‬
‫فقال أحمد بن حنبل والقايها أبو يوسف‪ :‬إنه كان متعبدا‬
‫به‪.‬‬
‫وقال أبو علي الجبالي وابنه أبو هاشم‪ /:‬يكن محعئدأ به‪.‬‬
‫قالت‪ :‬وجوز الشافعي في رسالته ذلك من غير قطع )‪،(2‬‬
‫وبه قال بعض أصحاب الشافعي‪ ،‬والقاضي عبدالجبار‪ ،‬وأبو‬
‫الحسين البصري‪.‬‬
‫والمختار جواز ذلك عقل ووقوعه سمعا ً )‪ 0 (3‬الـ‪ .‬كلم‬
‫لمدي‪.‬‬‫ا َ‬
‫)‪ (1‬هذه العبارة من كلم المديا في ما ل نصها فيه "‬
‫مجملة‪ ،‬لن )النص( يطلق كله اللفظ الدال عل المعنى‬
‫حصدق عل الظاهرة ويطلق‬ ‫سواءكان فيه احتمال أم ل‪ ،‬ف ِ‬
‫على اللفظ الدالة على المنى دون احتمال‪ ،‬فل يصدق‬
‫على الظاهر‪ .‬فإن كان محاور بعبارته الطلق الول‪،‬‬
‫فالخلف عنده في ثحويز الجتهاد القياسى!ون البياني‪.‬‬
‫وان كان مراده بها الطلق الثاني يكون الخلف عنده في‬
‫تجهيز الجتهادين القياسي والبياتي‪ ،‬وتحن حملنا كلمه‬
‫على الول احتياطي‪ ،‬حتى يتبعها لنا‪ ،‬فذكرنا كلمه يخص‬
‫)الجتهلد القياسي(‪.‬‬
‫)‪ (2‬كلم الشافعي في الرسالة وتحقيق أحمد محمد‬
‫شككماص ‪92‬‬
‫)‪ (3‬الحن أم ‪ .222 /4‬وانظر ايضَا‪ :‬أصوله البزاوي ‪/3‬‬
‫محرير ‪1 89 ،1 88 /4‬‬ ‫‪ 933 -936‬وتيسير ال ّ‬
‫‪122‬‬

‫) ‪(1/118‬‬

‫قلت‪ :‬وقد نسب صاحمب تيسير التحرير إلى الشعرية(‬


‫به ! لم يكن متعئدأ‬
‫ي أجازا‬
‫به‪ .‬وحكى صاحب التحرير أن القاضي والجبائ ّ‬
‫اجتهاده له في الحروب فقط‪ ،‬أي دون الحكلم الشرعية )‬
‫‪.(1‬‬
‫والمختار ما نص كليه الحنفية )‪ (2‬أنه ص!!ان عليه العمل‬
‫بالوحي أول ً وكان‬
‫عليه أن ينتظر الوحي في الوقائع‪ ،‬فإن لم يأته الوحي بعد‬
‫النتظار اجتهد رأيه )‪.(3‬‬
‫الدليل العقلي لجواز صدور أفعال النبي صلى ارثه عليه‬
‫وسلم عن اجتهاد‪:‬‬
‫إنا لو فرضنا أن الله تعهده بذلك‪ ،‬بأن قال له‪ :‬حكمي عليك‬
‫أن تقيس فيما‬
‫ل نص فيه‪ /،‬يلزم من ذلك أمر محال‪.‬‬
‫رقد نوقش هذا الدليل بأنه لو كان في الحكام الصادرة‬
‫عنه جمع ما يكون‬
‫عن الجهاد‪ ،‬لجازان ل ُيجعل أصل لغيره‪ ،‬وأن يخالف فيه‪،‬‬
‫وأن ل يكفر مخالفه‪ ،‬لن جميع ذلك من لوازم الحكام‬
‫الثابتة بالجتهاد‪.‬‬
‫وأجاب عن ذلك العمدي بانا ل نسلم أن ما ذكروه من‬
‫لوازم الحكام الثابتة بالجتهاد‪ ،‬بدليل الجماع عن اجتهاد‪،‬‬
‫فإن الجماع معصوم من الخطأ‪ .‬فكذلك اجتهاد النبي دكا‬
‫الذي ل يقر على خطا في الحكم الشرعية‪.‬‬
‫الدلة القرآنية‪ :‬منها‪:‬‬
‫أ‪--‬على أة القياس‪ ،‬كقوله تعالى ة )فاعتبروا يا أولي‬
‫البصار!"‪ (4‬والدامور بالعتبار‪ ،‬وهو القياس‪ ،‬المؤمنون به‬
‫ا وأولهم النبي !‪ .‬فهو مأمور بالقياس‪ .‬والبحث يستولنى‬
‫في باب القياس‪ .‬فمن أثبت القياس أصل في الشريعة‬
‫لزمه القول به هنا‪،‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالما‪ :‬وإنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم ب!!ن‬
‫الناس بما‬

‫‪184/4 (11‬‬
‫‪ (+‬تياسير التحرير ‪190 /4‬‬
‫)‪ (2‬أصول البزاوي ‪ (4) 933 -926 /3‬سورة الحشر‪ :‬آية ‪2‬‬
‫‪123‬‬

‫) ‪(1/119‬‬

‫أراك الله ! )‪ "1‬والذي أراه إياه يعد الحكم بالنص‪،‬‬


‫والستنباط من النصوص‪ ،‬والقياس عليها‪.‬‬
‫ونوقش هذا الدليل بان ما أراه هو ما أنزله إليه‪.‬‬
‫والجواب أن يقال‪ :‬أن ما تكلم به قياسا على المنزل هو‬
‫حكم بالمنزل‪ ،‬لنه‬
‫حكم بمعناه وعلته‪.‬‬
‫وجواب آخر‪ :‬أن حكمه بالجتهاد هو حكم بما أراه الله‪،‬‬
‫فتقييده بالمنزل‬
‫مخالف لطلق المة‪.‬‬
‫‪ -3‬قوله تعالى‪ :‬كما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى‬
‫يثخن فىف الرض ! )‪ (2‬فعاتبه الله عل إطلقهم‪ ،‬كما في‬
‫حديث ابن عباس عن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما‪:‬‬
‫فجئت فإذا رسول الله وأبو بكر يبكيان‪ .‬فقلت‪ :‬يا رسول‬
‫الليه أخبرني من أي شيء تبالي أنت وصاحبك؟ فإن‬
‫وجمت وكلء بكيت‪ ،‬وإن‪ /‬أجد بكاء تباكيت لبكائكما‪ .‬فقال‬
‫عَرض علي أصحابك من أخذهم‬ ‫رسول الله له‪ :‬أبكي للذي َ‬
‫رض علي عذابهم أدق من هو ‪ 8‬الشجرة!‬ ‫ع ِ‬
‫الفداء‪ .‬لقد ُ‬
‫لشجرة قريبة منه‪ -‬وأنزل الله عز وجل‪ :‬كما كان لنبي أن‬
‫ل‬‫يكون له أسرى حتى يثخن في الرضي‪ -،‬اليات ! فاح ّ‬
‫الله الغنيمة لهم "‪ (+‬الـ‪.‬‬
‫فإنه هنا حكم بالمصلحة‪ .‬وإذا جاز الحكم بالمصلحة‪،‬‬
‫فالحكم بالقياس أصلى‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه صد صفا على كبير المنافقين عبداللي بن أبي‪.‬‬
‫فجذبه عمر‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫أليس الله تعالى قد نهاك أن تصان على المنافقين؟‬
‫فقال‪ 11 :‬ما بين خيرتن‪ ،‬قال الله تعالى‪ :‬وأستغفر لهم‬
‫أول تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر‬
‫ن عليى السماعين "‪ .‬فصّلى عليه ْ)(‪.‬‬ ‫الله لهم ! )‪ (4‬فلزيد ّ‬
‫ل على أحد منهم مات أبداه ول‬ ‫فنزل قولي تعالى‪ :‬أول تص ّ‬
‫تقم على قبره ! )‪.(6‬‬
‫)‪ (1‬سورة النساء‪ :‬آية ‪ (2) 105‬سورة النفال‪ :‬آية ‪67‬‬
‫)‪ !3‬رواه مسلم والتبرمذي وجامع الصول ‪.!142 /9‬‬
‫)‪ !4‬سورة التوبة‪ :‬آية ‪ (6) 85‬سورة التوبة‪ :‬آية ‪84‬‬
‫‪ (51‬ح!ريث صلته كل على ابن أبي رواه البخاري ‪138/3‬‬
‫ورواه مسلم والنسائي وابن ماجه‪.‬‬

‫) ‪(1/120‬‬

‫الدلة من السنة النبوية‪:‬‬


‫ما وقع فعًل من النبي عن‪ ،‬من العمل بالجتهاد‪ ،‬في‬
‫مواطن كثيرة‪ ،‬ثم ودت‬
‫لو أنه عمل بطريق آخر‪ .‬ما في قوله !ح! في سوقه‬
‫الهدي في حجة الوفد له‪ :‬أدو استقبلت من أمري ما‬
‫استدارت‪ ،‬ما أهديت‪ ،‬ولول أن معي الهدي لحللت‪ .‬قال‬
‫قي تيسير التحرير‪ :‬ة أي لو علمت قبل سوق الهدي‪ ،‬ما‬
‫علمته بعده من أمري‪ -،‬يريد به ما ظهر عنده من المشقة‬
‫عليه‪ ،‬وعلى من تبعه‪ ،‬في سوقه الهدي‪ ،‬الملزم دوام‬
‫الحرام ألما قضاء مناسك الحج‪ -‬لما سقته‪ ،‬بل كنت‬
‫أحرمت بالعمرة‪ ،‬ثم أحللت بعد أدائها‪ ،‬كهذا هو دأب‬
‫المتمتع‪ .‬فغِلم أنه لم يسق بالوحي‪ ،‬وإّل لم يقل " )‪1(2‬‬
‫هـ‪.‬‬
‫أدلة المانعين‪:‬‬
‫‪ -1‬قالوا‪ :‬يمتنع ذلك لقوله تعالى ة!وما ينطق عن الهوى*‬
‫إن هو إل وحي يوحا! )‪ (3‬وما يؤدي إليه الجتهاد ليس‬
‫بوحي‪ .‬فيلزم على إجازته الخلف في القرآل‪ ،‬وهو‬
‫مستحيل‪.‬‬
‫ويجاب عن ذلك بأن سبب نزول الية أن المشركين كانوا‬
‫يزعمون إن القرآن‬
‫افتراء من محمد عنه‪ ،‬فنزلت‪ .‬فالمقصود بالوحي فيها‬
‫القرآن خاصة‪.‬‬
‫ولو سلم أنها تعم جميع ما قاله تنهض فما يؤدي ِإليه‬
‫الجتهاد‪ ،‬إن أقر عليه‪ ،‬هو‬
‫وحي باطن كما قال الحنفية‪.‬‬
‫خر جوأبأ؟ وقد ثبت‬ ‫‪ -2‬وقالوا‪ :‬لو أمر شبهه بالجتهاد لم يؤ ّ‬
‫أنه كحكم كان يؤخر الجواب في بعض ا!رقائع حتا يأتيه‬
‫الوحي‪ ،‬كما في قصة )‪ (4‬من سأله في عمرة‬

‫)‪ (1‬صحيح البطارفي ‪186 /4 (21 606 ،504 /3‬‬


‫)‪ (3‬سورة النجم‪ :‬آية ‪4 ،3‬‬
‫)‪ (4‬تقدم ذكرها قريبا ً أخرجها مسلم ‪78/8‬‬

‫‪125‬‬

‫) ‪(1/121‬‬

‫الجعرانة‪ :‬كيف ترى في رجل أحرم بعمرة بعد ما تضمن‬


‫بطيب؟ فلم يجبه حتى نزل الوحي‪.‬‬
‫وأجيب عن ذلوا بأنه قد يكون التأخير لنتظار الوحي‪ ،‬إذ ل‬
‫اجتهاد مع النص‪ .‬وربما كان التأخير لغموض الدليل‬
‫المجتهد فيه‪ ،‬فيحتاج إلى زمان مهلة‪ -3 .‬وقالوا‪ :‬ل يجوز‬
‫العلم بالظن مع القدرة على اليقين‪.‬‬
‫ود جيب عن ذلوا بمنع قدرته !كل!ه على اليقين بإنزال‬
‫الوحي‪ ،‬لن إنزال الوحي لم يكن إليه !ك!‪ ،‬بل هو إلى الله‬
‫تعالى‪ .‬فإن لم ينزل عليه وحيا ً في المسألة الواضحة جاز‬
‫له الجتهاد فيها‪-‬‬
‫‪ -4‬قالوا‪ :‬لو كان ! يفعل بالجتهاد‪ ،‬لجازت مخالفته من‬
‫مجتهد آخر‪.‬‬
‫وأجيب عن ذلك‪ ،‬بان اجتهاده‪ ،‬إذا أقر عليه‪ ،‬وحي باطن‪،‬‬
‫فل تجوز مخالفته‪ .‬وأنا قبل تبرق القرار‪ ،‬فقد كان‬
‫الصحابة رضي الله عنهم يشيرون عليه‪ ،‬فيقبل مشورتهم‪،‬‬
‫ويعترضون عليه أحيانا كما تقدم النقل عن عمر رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬فيبيهة وجه اجتهاده )‪.(1‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬مسألة التفويض‪:‬‬
‫وهي أنه هل يجوز أن يكل الَنه إلى نبيه ! أن يحكم في "‬
‫بعض المور بما‬
‫يراه‪ ،‬دون نص ول قياس على منصوص‪ ،‬وأن يفعل بناء‬
‫على ذلك‪ ،‬فما قاله بناء على ذلك أو فعله فهو شرع الّله‪،‬‬
‫ويكون مكّلفة به؟‪.‬‬
‫قدم جاز ذلك كث!ير من أهل العلم منهم أبو علي‬
‫لمدي‪ ،‬وابن‬ ‫الجبالي‪ ،‬وا َ‬
‫ا لسمعا لي‪ ،‬وا ليبكي؟ وا أشير ا زي )‪.(2‬‬
‫)‪ (1‬تيسير التحرير ‪189/1‬‬
‫)‪ (2‬انظر الملس ‪ ،282/4‬وجمع الجوامع ‪ ،39 1 /2‬وتيسير‬
‫التحرير ‪ ،236 /4‬والمعتمدة ‪ 9‬مهم‪ ،‬والفواجع ق ‪ ،1 287‬و‬
‫القمع ص ‪126 78‬‬

‫) ‪(1/122‬‬
‫ومنعه أبو الحسي البصري وأكد المعتزلة‪ ،‬وأبو بكر الرازي‬
‫الرصاص من‬
‫الحنفية‪.‬‬
‫وكثير ممن أجاز ذلك قال إنه مع جوازه‪ /‬يقع‪،‬‬
‫وتردد الشافعي‪ ،‬فقيل إن ترزيه في الجواز‪ ،‬وقيل في‬
‫الوقوع‪(1،‬‬
‫وقد احتج المجيزون لذلك‪:‬‬
‫ا‪ -‬بقوله تعالى‪ :‬أكل الطعام كان حل لبني إسرائيل إّل ما‬
‫حرم إسرائيل‬
‫عل نفسه ! )‪ (2‬أضاف التحريم إلى إسرائيل عليه السلم‪،‬‬
‫فاز على أنه كان مفوضا ً إليه‪ ،‬وإّل لكان قد‪ -‬فعل ما ليس‬
‫له‪ ،‬ومنصب النبوة يلي ذلك‪.‬‬
‫وقد نوقش هذا الدليل‪ ،‬باحتمال كون تحريمه لما حرمه‬
‫عن قياس‪.‬‬
‫ويجابه بأنه لو كان عن قياس‪ ،‬عزم أن ل يكون ما حرمه‬
‫حلل قبل تحريمه‬
‫له‪ ،‬بل يكون حراما ظهرت حرمته بعد اجتهاده‪ .‬وهو خلف‬
‫ظاهر الية‪ ،‬فإنهما نسبت التحريم إليه‪.‬‬
‫‪ -2‬واحتجوا‪:‬لما روي أن النبي صل قالت يوم فتح مكة‪ :‬أأ‬
‫إن الله حبس عن‬
‫مكة الفيل‪ ،‬وسقط عليها رسوله والمسنين‪ .‬وأنها لن‬
‫هكذا‪ ،‬تحل لحد كان قبلي‪ ،‬وإنما أحلت لي ساعة من نهار‪،‬‬
‫خت ََلى‬
‫وإنها لن تحل لحد بعدي‪ ،‬فل ُينفر صيدها‪ ،‬ول ي ُ ْ‬
‫شوكها‪ ،‬ول تحل ساقطتها إل لمنشد‪ " -..‬فقال العباس‪:‬‬
‫خر يا رسول الله‪ ،‬فإنا ْ نجعله في قبورنا وبيوتنا!‪.‬‬ ‫"إل الذْ ِ‬
‫قال‪! :‬إّل الذ ِ‬
‫خر" )‪(3‬‬
‫)‪ (1‬قال الشافعي في الرسالة بعدما ذكر أنا السنة قد‬
‫تأتي بما ليس له أصل في القرآن ومنهم من قال‪ :‬جعل‬
‫أفه له ْ! بما افترض من طاعته وسبق في علمه من‬
‫توفيقه ليضله‪ ،‬أن يسن فيما‬
‫ليس فيه نص كتاب " وهذا هر التفويض‪ ،‬ثم ذكر أنه قد‬
‫قيل أيضا ً إنها صادرة عن القرآن‪ (،‬و بوحي خاص‪ (،‬و‬
‫بالهام ثم قال الشافعي "ولي ذلك كان فقد بين الله أنه‬
‫وه عذرًاأ‬ ‫فرض طاعة رسوله‪ ،‬و‪ /‬يمثل لحمد من خل ّ‬
‫والرسالة ص ‪ (153 -91‬فالتفويصر عنده‬
‫أمر محتمل وجائز‪.‬‬
‫)‪ (2‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪ (3) 93‬مسلم ‪ 1 29 /8‬وهذا‬
‫لفظه ورواه البخاري‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫) ‪(1/123‬‬

‫ذيخر لم يكن إل من تلقاء نفسه‪،‬‬ ‫ومعلم لن استثناؤه ال ْ‬


‫لمحلمنا بأنه يوم إليه‬
‫تله اللحظة‪.‬‬
‫وقد نوقش الستدلل بهذه الواقعة‪ ،‬باحتمال أن يكون‬
‫خر‪ ،‬بوحي كلمح البصر‪.‬‬ ‫جاعه الوحي باستثناء الذْ ِ‬
‫‪ -3‬ومما يجوزان يحتج به لذلك قوله له‪! :‬لقد!ت أن أنهى‬
‫عن الغيلة‪،‬‬
‫حتى ذكرت أن فارس والروم يصنعون ذلك‪ ،‬فل يضّر‬
‫أولدهم "‪،‬؟(‪.‬‬
‫فظاهر أنه عندما هام أن ينهى عن ذلك‪ ،‬لم يكن خديه‬
‫لجل وحي أتاه بذلك‪ ،‬بل لمجرد( به يرى في ذلك مصلحة‪،‬‬
‫وأنه امتنع من النهي عن ذلك عندما علم أن أقواما‬
‫قع عليهم منه ضرر‪.‬‬ ‫يفعلونه ثم ل ي َ‬
‫‪ -4‬واحتجوا بقول النِبا!‪ :‬ولول أن أشق على أمتي لمرتهم‬
‫بالسواك عند‬
‫كل صلةأ )‪ .(2‬وهو صريح في أن المر بالسواك‪ ،‬وعدمه‪،‬‬
‫مفوض إليه‪ ،‬لن مثل هذا القول ل يصدر إل عمن كان‬
‫المر بيده‪.‬‬
‫مال‬‫ومثل ذلك ما في صحيح مسلم أنه ! لمر بالحمى ف َ‬
‫رجل أفي كل عم يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلثا ً‬
‫فقال رسول الله غل‪ :‬الو قلت نعم لوجبت‪ ،‬ولما‬
‫استطعتم‪ .‬ذروني ما تركتكم‪ ،‬فإنما هلك من كان قبلكم‬
‫بكثرة سؤالهم واختلفهم على أنبيائهم ! )‪ *(3‬ولول أن‬
‫مل‪ ،‬لن الوحي ل‬ ‫المر مفوض إليه لماكان هذا الخطر محت َ‬
‫يعجل لعجلة أحد من الناس‪.‬‬
‫ومثله أيضا ً ما في سيرة ابن هشم‪ ،‬أنه جميع قتل النضر‬
‫بن الحارث له السر‬
‫بعد وقعة بدر‪ ،‬فقالت أخته قت َي َْلة أبياتا ً تعاتب النبي له‬
‫تقول منها‪:‬‬
‫مغيط‬ ‫ت ورعبا منه الفتى وهو ال َ‬ ‫ضرك لومنض َ‬ ‫ماكان َ‬
‫ق فقال ي‪ :‬الو سمعت هذا قبل أن أقتله ما قتلته "‪.‬‬ ‫حن َ ُ‬
‫ائم َ‬
‫ً‬
‫فلو لم يكن القتل وعدمه مفوضا إليه‪ ،‬لكانط سماعه لهذا‬
‫الشعر‪ ،‬وعدم سماعه له‪ ،‬سواء‪.‬‬
‫ه والفتح الكب!!‪.‬‬ ‫)‪ (1‬مالك ومسلم وأحمد والربع ّ‬
‫ه )الفتع الكبه! )‪ (3‬صحيح مسلم ‪10 !/8‬‬ ‫)‪ (2‬رواه السبع ّ‬
‫ورواه البخاري‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫) ‪(1/124‬‬

‫خير‬ ‫وقد نوقش الستدلل بهذه الوقائع باحتمال أنه خط ّ‬


‫فيها تخييره خاصا ً والسياق يابي هذا الحتمالي‪ ،‬كما ل‬
‫يخفه‪.‬‬
‫أدلة المانعين‪:‬‬
‫وقد احتخع القاضي عبدالجبار)‪ (1‬للمنع من التفويض‪ ،‬بأن‬
‫الشرائع إنما‬
‫عّبد الليه بها الناس لكونها مصالح‪ ،‬والنسان قد يختار‬‫ي َت َ َ‬
‫الفساد‪ ،‬فلو أباح الله تعالى للنسان أن حكم بمجرد‬
‫اختياره‪ ،‬لكان ملئه إباحة للحكم بما ل يأمن كونه فسادًا‪.‬‬
‫وقد أكد هذا الستدلل أبو الحسن البصري وأخذ به‪.‬‬
‫لمدي بأنه مبين على رعاية المصلحة في أفعال‬ ‫ونقضه ا َ‬
‫الله تعالى‪ ،‬فمن ل‬
‫يرى ذلك ل يلزمه القول بمقت!ما دليل القاضي ث ومن‬
‫سلم رعاية المصلحة في أفعاله تعالما‪ ،‬فإن التفويض ل‬
‫يكون إل مع التسديد للمصلحة باللطف الخفي‪ ،‬وبذلك‬
‫يؤمن اختيار الفساد‪ ،‬كما هو واضح في الوقائع التي حصل‬
‫الحتجاج بها‪ .‬واختار ابن الجمعاني القول بأنها ينبغي أن‬
‫ُتبنى على مسألة العصمة‪ ،‬فلما كان النبي صل معصومًا‪،‬‬
‫جاز التفويض إليه‪ .‬وهو وجيه‪.‬‬
‫فالحقد أن التفويض إلى النبي‪ !-‬قد وقع‪ ،‬ولو في مسائل‬
‫قليلة‪+‬‬
‫تنبيه ة قال الجمعاني‪" :‬هذه المسالة أوردها متكلمو‬
‫الصول!ن‪ ،‬وليست بمعروفة ب!!ن الفقهاء‪ ،‬وليس فيها‬
‫كبثير فائدة‪ ،‬وقد وجد قي حق النبي حبه!م!م‪ ،‬فقلنا على‬
‫وجد"‪.(2،‬‬ ‫ما ُ‬
‫ولنشا معه في قوله‪" :‬ليس فيها كبر فائدة!‪ .‬فإن معرفة‬
‫المسلم للطرق التي تصحر بها الحكام عن نبيه !ه( مر له‬
‫خطورته‪-‬‬
‫)‪ (1‬المعتمد لية الحسين البصري‪ .9 .‬ل )‪ (2‬القواطع ق‬
‫‪ 289‬ب‪.‬‬

‫) ‪(1/125‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫أن يفعل بناء على عدم التكليف وهي مسألة العفو‬
‫اختلف عللي الصول في هذه المسألة المهمة على‬
‫مذهبه‪:‬‬
‫‪ -1‬فمنهم من رأى أن الشريعة حاكمة على بديع أفحالط‬
‫العباد‪ ،‬فل يخلو‬
‫فعل منهاتن حكم شرعيا ومامن عمل ُيفرض‪ ،‬ولحركة‬
‫دعي‪ ،‬إل والشريعة حاكمة عليه إفرادي وتركيبا‬ ‫ولس!ون ي ّ‬
‫‪ .(1) 9‬وقد أحاطت الشريعة بالفعال إحاطة تامة‪ ،‬فلم‬
‫يشذّ منها شيء‪.‬‬
‫وممن قال بهذا المام الشافعي‪ ،‬وابن السمعافن‪ .‬قال‬
‫ابن السمعاف!‪ :‬أأل بد‬
‫أن يكون له تعالى في كل حادثة حكم‪ ،‬إما بتحليل أو‬
‫بتحريم‪ (2) ،‬وفي موضع آخر‪ 1) :‬ل نعلم قطعا ً أنه ل يجوز‬
‫أن تخلو حادثة عن حكم دمه تعالما منسوب إلى شريعة‬
‫نبينا محمد!ئئ‪ .‬يبينه أنه لم يرد عن السلف الماضين أنهم‬
‫أعربا واقعة عن بيان حكم فيها لله تعالى وتقدس‪ .‬وقد‬
‫استرسلوا في بث الحكام استرسال وافق بانبساطها‬
‫كلى جميع الوقائع‪ .‬ول يخفى على منصف أنهم ما كانوا‬
‫يفترن فتوى من تنق!سم الوقائع عنده إلى ما يعرى عن‬
‫حكم و!إلى ما ل يعرى عنه ! )‪ 0(3‬الـ‪.‬‬
‫‪ -2‬ومنهم من يرى أن الشريعة جاءت باحكام معينة في‬
‫أفعال معينة‪،‬‬
‫أراد الله عّز وجل أن تكون تلك الحكام هي الديني وترك‬
‫ما سموي تلك الفعال‬

‫)‪ (1‬الشاطري في المرافقا!‪ (3) 78/1‬القواطع ق ‪239‬‬


‫ب‪.‬‬
‫‪ (21‬الفواجع ق ‪.1192‬‬

‫‪138‬‬

‫) ‪(1/126‬‬

‫المعينة‪ ،‬فلم يتعَرض له‪ ،‬ل بأمر ول بنهي‪ ،‬ول بتحليل ول‬
‫بتحريم‪ ،‬بل أبقاه على ما كان عليه قبل ورود الشريعة‪.‬‬
‫وأفعال العباد على هذا قسمان‪ :‬قسم فيه حكم شرعي‪،‬‬
‫سواء أكتفي واجبا ً أو مندوبا ً أو مباحا أو مكروها أو محرمًا‪،‬‬
‫وقسم آخر خارج عن نطاق الشريعة‪ ،‬مغفلة من حكم‬
‫شرعي‪ ،‬وهو ما يسمى بالعفو‪.‬‬
‫وقد توقف الشاطري في إثبات مرتبة العفو و‪ /‬يرجح أحدا‬
‫من المذهبين‪.‬‬
‫وبعضهم يسلم ثبوت مرتبة العفو في زمن النصي كفء‬
‫ويمنعها بعده )؟(‪.‬‬
‫وربما وشع بعضهم معنى هذا المصطلح )العفو! ليشمل‬
‫فعل المخطىء والناسي والمضطر ونحو ذلك‪ .‬ونحن‬
‫نقتصر على النوع الول‪ ،‬إذ به يتعلق بحثنا هنا‪.‬‬
‫أدلة المذهب الولى‪:‬‬
‫يحتج للمذهب الولي بأدلة‪:‬‬
‫ا‪ -‬لو‪ /‬تكن أفعال المكلفين بجملتها داخلة تحت خطاب‬
‫التكليف‪ ،‬لكان‬
‫بعض المكلفين خارجا عن حكم خطاب التكليف‪ ،‬ولو في‬
‫وقت أو حالة ما‪ .‬لكن ذلك باطل‪ ،‬لنا فرضناه مكلفًا‪ ،‬فل‬
‫يصح خروجه‪.‬‬
‫ويمكن إبطال هذا‪ ،‬بأّنا نمنع أن يكنون العبد البالغ العاقل‬
‫مكلفا على الطلق‪ ،‬وإنما هو مكتف بما كلفه الله به‪ ،‬ل‬
‫بما سكت عنه فلم يكلفه به‪-‬‬
‫‪ -2‬قول الله تعالما‪) :‬ونّزلنا عليك الكتاب تبيانا َ لكل شيء!‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬واليوم أكملت لكم دينكم ! )‪.(3‬‬
‫وجه الستدلل باحالة الولى‪ :‬أن الكتاب تبيان لكل شيء‪،‬‬
‫وتدخلي أفعال‬

‫)‪ (1‬الشاطري ل الموافقات ‪167/1‬‬


‫‪ (21‬سورة المائدة‪ :‬آية ‪3‬‬

‫‪131‬‬

‫) ‪(1/127‬‬

‫العباد دخوَل َ أولي ًّا‪ .‬إذ إن ضبطها حسب أوامر الّله‪ ،‬هو‬
‫المقصود‪ ،‬الولي من نزول القرآن ! فينبغي أن يكون في‬
‫الكتاب بيان أحكامها جميعا ً‬
‫ويمكن الجواب عن هذا‪ ،‬بأن المة عامة لكل ما من شانه‬
‫أن يدخل فيها قال مجاهد‪) :‬تبيانأ لكلل شيء‪ :‬للحلل‬
‫والحرام " )‪ ،(1‬وهي واردة في شؤون الدين‪ ،‬كالمة‬
‫الثانية‪ -‬فما ليس من الدين خارج عن عمريهما‪ .‬والفعل‬
‫إذا‪ /‬يرد الله تعالى إنزال حكم فيه فهو خارج عن حكيم‬
‫الدين‪.‬‬
‫أدلة المذهب الثاني‪:‬‬
‫‪ -1‬وردته حديثه سلمان الفارسي عن النبي ! أنه سئل عن‬
‫الجبن والسمن والفراء‪ ،‬فقال‪" :‬الحلل ما أحل ألمحه في‬
‫كتابه‪ .‬والحرام ما حرم الله في كتابه‪ ،‬وما سكت عنه فهو‬
‫مما عفي عنه " )‪.(2‬‬
‫‪ -2‬وعن أبي الجرداء عن النبي !! قال‪ :‬لما أح ّ‬
‫ل الله ل‬
‫كتابه فهو حلل‪.‬‬
‫كما حرم فهو حرام‪ .‬وما سكت عنه فهو عفو‪ ،‬فاقبلوا من‬
‫الله عافيته‪ ،‬فإن الله لم يكلن لينسى شيئا ً )‪ .(3‬ثم تل‪:‬‬
‫روما كان ربك نسيًا!‪.‬‬
‫وهذا نص في المسالة‪.‬‬
‫وقال ابن عباس‪ :‬وكان أهل الجاهلية يأكلون أشيله‪،‬‬
‫ويتركون أشياء تجذرًا‪.‬‬
‫فبعث الله نبيه !ع!‪ ،‬وأنزل كتابه‪ ،‬وأحل حلله‪ ،‬وحرم‬
‫حرامه‪ ،‬فما أحلى فهو حلل‪ ،‬وما حرم فهو حرام‪ ،‬وما‬
‫سكت عنه فهو عفو" )‪ .(4‬وتل‪) :‬قل ل أجد في ما أوحي‬
‫إلي محرمآ َ على طاقم يطعمه ! إلى آخر الية‪.‬‬
‫‪ -3‬وعن أبي ثعلبة أن النبي ينا‪ ،‬قال‪ :‬فإن الله حدّ حدودا ً‬
‫فل تعودوها‬
‫)‪ (1‬تعسمير القرطبي ‪164 /10‬‬
‫)‪ (2‬أخرجه الترمذي والحاكمة الفتح الكبير قال الترمذي )‬
‫‪ (297/5‬حديث غريمه‪ .‬ظهر عند ابن ماجد ‪1117/3‬‬
‫)‪ (3‬ذكره الشاطري‪ ،‬و‪ /‬نجده قي الصول من حديث أبي‬
‫الدادا‪.،‬‬
‫)‪ (4‬رواه أبو!اود ‪273/15‬‬
‫‪132‬‬

‫) ‪(1/128‬‬

‫وفرض فرائض فلتضيعوها‪ ،‬وحرم أشياء فلتنتهكوها‪،‬‬


‫وترك أشياء من غير نهيان عن ربكم‪ ،‬ولكن رحمة منه لكم‪،‬‬
‫فاقبلوها ول تبحثوا عنها" رواه ا لحاكم )‪ (1‬وا أد ا ربطني‬
‫)‪.،2‬‬
‫‪ -4‬قول النبي ينه!مه‪ :‬أأ أن أعظم المسلمة في المسلمين‬
‫جرما من سال عن شيء‪ /‬يحرم؟ فحرم من أجل رسالته "‬
‫)‪،(3‬‬
‫ولهذا الحديث شاهد‪ :‬ما ذكره الله في قصة بقرة بني‬
‫إسرائيل حيه!( كثيرا من السؤال فشدد الله عليهم‪ ،‬فقد‬
‫كان اللون خارجا ً عن المحكوم فيه أصل ً دال ً يؤاخذهم‬
‫بالسؤال عنه‪.‬‬
‫‪ -5‬نهي النبي !ف!م عن كثرة السؤال‪ ،‬وحرمه من فعل‬
‫ذلك‪ ،‬ولو كان لكل‬
‫شيء حاكم شرعي لماكان السائل عنه ملومًا‪ .‬رمما ورد‬
‫من ذلك النهي‪ :‬حذروني ما تركتكم‪ ،‬فإنما أهلها من كان‬
‫قبلكم كثرة مسائلهم واختلفهم على أنبيائهم !‪ .(41‬رأينا‬
‫في هذه الم!سالة‪:‬‬
‫الذي نميل إليه صحة العقول بمرتبة العفو‪ ،‬وأن أحكلم‬
‫الشريعة طائفة محدودة‬
‫من الحمكام‪ ،‬سواء أكانت مستفادة بالنص‪ ،‬أو الجتهاد‬
‫البياف!‪ ،‬أو القياصيه‪ ،‬أو غير ذلك‪ .‬وما‪ /‬يدل عليه دليل‬
‫صحيح‪ ،‬يكون خارجا عن جملة الحكام أصل و الله أعلم‬
‫وأحكم‪.‬‬
‫وبناء عل ذلك ل يمتنعن ن يكون النبي !لمجع يفعل التنس‬
‫بناء كلى أنه ل‬
‫حكم فيه من قبل الله تعالى‪ .‬بل هرمسكوت عنه‪.‬‬
‫وعلى هذا يحمل ما كهان يده يفعله مما حرمه الله بعد‬
‫ذلك كالتبني‪ ،‬تلبس المذهب‪ ،،‬ما أقر غيره عليه من ذلك‬
‫كشرب الحيمر‪.‬‬
‫)‪ (1‬الجامع الصغير‪ (3) .‬عبداللي طراز في لتعليمه على‬
‫ى ‪ !(3) 162 /1‬واه وسلم ‪ 11. /13‬ض ر واه‬ ‫مال ّ‬
‫المراف ّ‬
‫البخار يشأ‪ ،‬أبو دان د‪.‬‬
‫)‪ (4‬ر رام مسالم ‪ 101 /8‬سر واه البخار ل‪.‬‬
‫‪133‬‬

‫) ‪(1/129‬‬

‫تنبيه‪:‬‬
‫إنه وإن كان القولي بجواز كون أحكامه ! عن اجتهاد‬
‫قياسي أو مصلحية‬
‫حقًا‪ ،‬وأن أفعاله كاقواله قد تكون صادرة عن ذلك النوع‬
‫من الجتهاد‪ ،‬إلها أنه يجب التنبه إلى أن إرجاع فعله صح‬
‫وقوله إلى القرآن‪ ،‬وصدورهما عن فهمه له للقرآن‪ ،‬هون‬
‫ولى من اعتبارهما اجتهاده مستقل ً وحيث دار الفعل بين‬
‫أن يكون دال على تشريع مستأنف‪ ،‬وبيهم أن يكون تاول‬
‫للقرآن‪ ،‬فاعتباره تاول للقرآن أ ولى‪.‬‬
‫والمسالة خلفية‪ ،‬فقد قال الزركشي‪:‬إ إن السرخسي‬
‫نقل عن الحنفية‪ ،‬أن‬
‫قوله النبي مجخ؟ أو فعله‪ ،‬متى ورد موافقا ّ لما في‬
‫القرآن يجعل صلعرأ عن القرآن‪ ،‬وبيانا لما فيه‪ -‬قال‪:‬‬
‫والشافعية يجعلونه بيان حكم مبتدأ حتى يقوم الدليمى‬
‫على خلفه‪ ...‬لما في ذلك من زيادة الفائدة! )‪.(1‬‬
‫إل أن قول الحنفية يترجح بدون النبي مجد مبعوثا ً في‬
‫الصل لبيان القرآن والعمل به‪.‬‬
‫)‪ (1‬البحر المحيط ‪ 252/2‬ب‪.‬‬
‫‪134‬‬

‫) ‪(1/130‬‬

‫البحث الثاف!‬
‫أحكام الفعال الن ًَبوية‬
‫البحث في هذه ارسالة يتفرع فرعي‪:‬‬
‫الول‪ :‬أحكام الفعال التي يكلف بها النبي !ك!‪ ،‬أي قبل‬
‫صدورها عنه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أحكام الفعال التي صدرت منه‪ .‬أغني ما يحكم به‬
‫على الفعل بعد صدوره عنه عن‪.‬‬
‫فنخ!ئ! كل فرع مخهابمطلب‪.‬‬
‫المطلب الول‬
‫ما يكّلف به النبي صلى الله عليه وسلم من الفعال‬
‫ّ‬
‫النبي عنه بشر من خلق ان‪ ،‬وعبد من عبادالُله‪ ،‬مكّلف‬
‫كغيره من المكلفين‪ .‬فهو مطالب بأفعال يفعلها‪ ،‬على‬
‫وجه الحتم واللزام‪ ،‬وتلك هي الواجبات‪ .‬وأفعال مطلوبة‬
‫منه ل على وجه اللزام‪ ،‬وتلك هي المستحبات‪ ،‬ومطالب‬
‫بأن يترك حتما ً أمورا ً معينة وتلك هي المحرمات‪ ،‬وأن‬
‫يترك‪ ،‬ل على وجه الحتم‪ ،‬أمورا ً وتلك هي المكروهات‪.‬‬
‫وجعل له ا‪-‬أيار في أمور أخرى أن يفعلها ( و ليفعلها‪،‬‬
‫وهي ما أبيح شرعا ً‬
‫ثم قد يوجه التصنيف إلى الناس عامة‪ ،‬أو المؤمنين عامة‪،‬‬
‫فيدخل فيه !ن!‪.‬‬
‫وذلك كقوله تعالى‪) :‬يا!يها الناس اّتقوا ربكم الذي خلقكم‬
‫والذين من قبلكم ‪ 5‬س ا‬

‫) ‪(1/131‬‬

‫لعلكم تحققون !‪ (1،‬وقوله‪! :‬يا!ها الذين آمنوا ل تحرموا‬


‫طيبات ما أح ّ‬
‫ل الله لكم ول تعتدوا!‪+(2،‬‬
‫وقد يوجه التكليف إليه ! بالتعيين‪ ،‬كقوله تعالى‪ :‬فيا أيها‬
‫النبي أتق الله‬
‫ول تطع الكافرين والمنافقين إن الله كانا عليما حكيمًا*‬
‫واتبع ما يوحه إليك من ربك إن الله كان بما تعملون خبيرأ!‬
‫)‪.(3‬‬
‫الفرض والواجب‪ ،‬والحرام والمكلروه‪ ،‬عند الحنفية‪ ،‬ومدى‬
‫انطباقه على التكاليف النبوية‪:‬‬
‫من المعلوم أن الحنفية يفرقون بين الفرض والواجب‪:‬‬
‫فالفرض عندهم ما كان‪.‬دليل التكاليف به قطعيا ً والواجب‬
‫ما كان في دليله‬
‫ا قطر أب‪.‬‬
‫ولكن النبي مجد كان يأتيه الوحي من الله بطريق ل يشك‬
‫فيه‪ ،‬لنه كما قالي تعالى‪ :‬روما كان لبشر أن يكلمه الله‬
‫إل وحيا ً أو من وراء حجاب‪ ،‬أو يرسل رسول فيوحي بإذنه‬
‫ما يشاءه )‪ (4‬فيأتيه الوحي مباشرة كالتعليم وحيا ً أو من‬
‫وراء إجابة‪ ،‬أو بسند هو رواية جبريل الميهأ عن ربه عز‬
‫وجل‪ .‬فليس في الطريته شبهة‪ ،‬ومن أجل ذلك قال بعض‬
‫الحنفية إنه فعاله !م! التي هو مكلف بها حتمًا‪ ،‬كلها من‬
‫مى )واجبًا( في‬ ‫قبيل الفرض‪ ،‬وليس فيها من المس ّ‬
‫اصطلحهم شيء‪.‬‬
‫ولنا البزاوي والسرخسي يثبتان الواجب مع الفرض‪ .‬يقول‬
‫البزاوي‪:‬‬
‫"باب أفعال النبي له‪ .‬وهي أربعة أقسام‪ :‬مباح‪،‬‬
‫ومسمتحب‪ ،‬وواجب‪ ،‬وفرض " ْ)(‪ .‬وقال شارحه البخاري‪:‬‬
‫"الشيغأ يعني البزدوي( وشمس الزمة‬
‫ه ‪(3) .87‬‬ ‫)‪ (1‬سورة البقرة‪ :‬آية ‪ (2) 21‬سورها المائدة‪ :‬آي َ‬
‫سورة الحزاب‪ :‬آية ‪ (4) 2 ،1‬سورها الشورى‪ :‬آية ‪(5) 51‬‬
‫أصول البزاوي مع شرحه كشف السرار للبخاري‪.‬‬
‫‪136‬‬

‫) ‪(1/132‬‬

‫ويعني السرخسي( قسما أفعاله !به!م الربعة أقسام‪.‬‬


‫والقاضي المامة ل(‪ ،‬وسائر الصوليين قسموها ثلثة‪:‬‬
‫واجب ومستحب ومباح‪ .‬وأرادوا بالواجب الفرض‪ .‬وهذا‬
‫أقرب إلى الصواب‪ ،‬لن الواجبة الصطلحي ما ثبت بدليل‬
‫فيه اضطراب‪ ،‬ول يتصور ذلك في حقه هو‪ ،‬لن الدلئل‬
‫الموجبة يخهـ‪ ،‬حقه كلها قطعُية"!‬
‫هذا ما قال‪ .‬ولكون بتدقيق النظر يتبين أن كلم المامين‬
‫البزاوي !السرخسي صواب‪ .‬وذلك أنهم يثبتون أن النبي‬
‫يكن كان متعئدأ بالجتهاد‪ ،‬وأن اجتهاده قد يداخله الخطة )‬
‫‪ ،(2‬كما تقدم‪ .‬وهم وإن قالوا إنه ل يقّر عليه‪ ،‬أل أنه !ك!‬
‫عندما يقدم على الفعل باجتهاد‪ ،‬يقدم عليه بدليل ظمئ‬
‫هر القياس‪ .‬وشبهة الخطأ في القياسي قائمة‪ ،‬بدليل أن‬
‫الخطة رقع فعل ً كما قد أثبتوا ملئه‪.‬‬
‫فهذا يبّين أن ما ذهب إليه البزاوي والسرخسي صحيح‬
‫ثابت‪ ،‬وأن ما‬
‫رجحه البخاري مرجوص!‪.‬‬
‫أقول‪ :‬ويجغا أن يقال مثل هذه ا القول على مذهب‬
‫فف ينص بتركه‬ ‫الحنفية‪ ،‬في المحرم والمكروهة فما ك ُ َ‬
‫حتما نصا فهو محرم‪ ،‬وما رأى اجتهادا منه أنه مكلف‬
‫بتركه‪ ،‬فهو مكرره كراهة تحريم‪ .‬فإذا أقر عليه تبين أنه‬
‫محرم‪ ،‬والله أعلم‪ .‬الحصار أفعاله صلى الّله عليه وسلم‬
‫في الواجب والمحرم‪ ،‬من جهة منصب البيان‪:‬‬
‫ذكر الشاطبي )‪ (3‬أن القائم في مقام البيان عن الشريعة‬
‫له في أفعاله وأقواله‬
‫ا عتباران؟‬
‫أحدهما‪ :‬من حيث إنه واحد من المكلفين‪ ،‬ينقسم حكم‬
‫فعله إلى الحكم الحنمسة وهذا ما قدمنا ذكره في‬
‫المسائل السابقة من هذا المبحث‪.‬‬
‫والثاف!‪ :‬من حيث مدن أفعاله وأحواله صارت بيانا ً وت ّ‬
‫عريرأ‬
‫لما شرع الله عّز‬

‫)‪ (1‬لعله يعني أبا زيد الدبوسي‪ (3) .‬ألموا فقط ل ‪318 /3‬‬
‫)‪ (2‬انظر تفسير التحرير ‪184 /4‬‬

‫‪137‬‬

‫) ‪(1/133‬‬

‫وجل إذ انتصب في هذا المقام‪ -‬فالفعال في حقه‪ ،‬إما‬


‫واجب‪ ،‬وإما محرم‪ ،‬ول ثالث لهما‪ ،‬لنه من هذه الجهة‬
‫وأجب‪ ،‬واللجان واجب ل غير‪ .‬فيجب أن يفعل ما بيانه‬
‫بالفعلة‪ .‬ويجب أن يترك ما بيانه بالترك‪ ،‬ولو كان ما يفعله‬
‫أو يتركه غير واجب كلى الرجل العادي‪ ،‬إل أنه عله المب!!‬
‫ق يجب‪.‬‬
‫ولكون هذا إنما يتعين حيث تظهر الحاجة إلى البيان‪ ،‬وذلك‬
‫في حالين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬عند جهل المشاهد للفعل بحكم الفعل ومع لزوم‬
‫الفعل لها‪-‬‬
‫ظنة اعتقاد خلفه‪.‬‬‫والثانية‪ :‬عند اعتقاد خلف الحكم‪ ،‬أو م ِ‬
‫ث الوارد في الندب إلى‬
‫ومَناله أن يجهل قوم الحدي َ‬
‫التطوع قبل صلة المغرب‬
‫بعد الذان‪ ،‬ويسضنكروأ ذلك‪ ،‬فعلى السبق أن يفعل ذلك‪،‬‬
‫ليحصل البيالي‪ ،‬لن البيان يخص حقه واجب‪.‬‬
‫عم من غير‬‫ولعله من هذا ما فعله النبي !غ! إذ طلب أن ي َطْ َ‬
‫عم من الجعل الذي أخذوه‬ ‫عبد غير المحرم‪ ،‬وطلب أن يطْ َ‬
‫على الرقية‪ .‬قياما بواجب البيان‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪138‬‬

‫) ‪(1/134‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫أحكام الفعال الصادرة‬
‫عن النببم صلى انته عليه وسلم‬
‫إذا صدر عن النبات فعل‪ ،‬احتمل بحسب الصل أن يكون‬
‫فعله عل‬
‫سبيل الرجوع‪ ،‬أر على سبيل الندب‪ ،‬أو على سبيل‬
‫الباحة‪ ،‬ول إشكال في شيء من هذه الثلثة‪.‬‬
‫ويبقى القول في مقاميها‪:‬‬
‫الول‪ :‬هل يمكن أنا يكلون بعض الفعالى الصادرة عنه‬
‫ينهي محرمة‪ ،‬وقد‬
‫فجلها عمدا ً أو خطا‪ ،‬أن نسيانه‪ ،‬أو على نحو ذلك من‬
‫ون عامة بمسالة العصمة‪.‬‬ ‫الطرق؟ وهي المسالة التي تغن ْ‬
‫الئاف!‪ :‬هل يفعل النبي يكن ما حكمه الشراهة؟‪.‬‬
‫المقام الول‬
‫عصمة النبياء عن المحرمات‬
‫أصل البحث يقتضي أن يكون عنوان هذه المسالة وعصمة‬
‫محمد جم!ي(‪ ،‬غير‬
‫أننا أثرنا بحثها نحو عنوان وعصمة النجياء( لنا النبياء‬
‫صله الله عليهم بهيعأ يخص هذه المسالة سواء‪.‬‬
‫ماثد‪ ،‬لنها في ما‬ ‫وتبحث هذه المسعاله أصل في كتاب الع ّ‬
‫يجب للنبي‪-‬لجما‪،‬‬
‫عتضي النبوة‪.‬‬ ‫‪ ،‬يجوز له‪ ،‬ويرم عليه‪ ،‬بم ّ‬
‫‪ 9‬س\‬

‫) ‪(1/135‬‬

‫ويذكرها الصوليون في أوائل مباحث السنة‪ ،‬فعل ذلك‬


‫ابن الهمام‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫إن ذلك من عللي ة الصولية من غير الحنفية )‪.،1‬‬
‫ومنهم من ذكرها في بحث الفعال النبوية من السنة‪ ،‬كما‬
‫فعل البيضاوي في منهاجه )‪ ،(3‬إذ جعلها أولى مسائل‬
‫بحث الفعال النبوية‪ .‬وقالت السروي شارحه‪ :‬يوهي‬
‫مقدمة لما بعدها‪ ،‬لن الستدلل بأفعالهم متوقف على‬
‫عصمتهم ‪ .9‬وفعلي ذلك الزركشي في البحر المحيط )‪،(3‬‬
‫وقال‪ :‬القسم الثاني‪ -‬من السنة‪ -‬الفعاله‪ ،‬وعدتهم‬
‫يقدمون عليها الكلم على العصمة‪ ،‬لجل أنه ينبني عليها‬
‫وجوب التالي بأفعاله‪ .‬أهم‪ .‬وفعله الغزالي في المنخول‬
‫والمستشفى‪.‬‬
‫ونحن نرى أن مسالة العصمة ينبغا بذا ذكرت في الكتب‬
‫الصولية الشاملة ة أن تذكر في أول مباحث السنة‪ ،‬إذ أن‬
‫تعلقها إنما هو بالسنة بصفتها الشاملة للقول والفعل‪ ،‬ل‬
‫بالفعل على وجه الخصوص‪ .‬صارما نذكرها نحن في قسم‬
‫الفعال لنه أحد نوعي السنة‪ ،‬ل لختصاصها به‪.‬‬
‫العصمة في اللغة والصطلح‪:‬‬
‫العصمة في اللغة اسم مصدرعصم‪ ،‬وهي بمعنى‪ :‬المنع‪،‬‬
‫كذا في السفن العرب(‪ .‬وفي )القاموسي عصم‪ :‬منع‬
‫شوقى‪ -‬أقوله‪ :‬ولعلها بمعنى المنع المضمن معنى‬
‫الوقاية‪ ،‬على ما تدل عليه استعمالتها المختلفة ث فليس‬
‫كل منع عصمة‪ ،‬وأنما العصمة أدت تمنع الشيء أن يلحقه‬
‫الضرر‪ .‬قال الله تعالى ة!قال سآوي إلى جبل يعصمني‬
‫من الماء‪ ،‬قال ل عاصم اليوم من أمر الله أل من رحم ! )‬
‫ي إلى صراط‬‫د َ‬
‫ه ِ‬
‫‪ (4‬وقال‪) :‬ومن يعتصم بالله فقد ُ‬
‫مستقيم ! ْ)( أي يتمسك بحبله وهداه خشية النحراف‪ ،‬كما‬
‫قال الله تعالى‪! :‬واعتصموا بحبل الله جميعا ول تفرقوا! )‬
‫‪ (6‬وتقول العرب‪ :‬اعتصم بالفرس‪ ،‬إذا أمسك بعرفه حين‬
‫يخ!تى السقوط‪ .‬وقال الزجاج‪:‬‬

‫)‪ (1‬تيسير التحرير ‪25 /3‬‬


‫لم( ‪.1245/2‬‬
‫)‪ (5‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪101‬‬
‫)‪53/2(2‬‬
‫)‪ (4‬سرية هود‪ :‬آية ‪43‬‬
‫)‪ (6‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪183‬‬

‫‪140‬‬

‫) ‪(1/136‬‬
‫أصل العصمة الحبل‪ ،‬وكل ما أمسها شيئا فقد عصمه‪.‬‬
‫قربة‪ ،‬وعصام الظ!‪ .‬فالعظام‪:‬‬ ‫وتقول العرب‪ :‬عصام ال ِ‬
‫الحبل أو الحلقة التي يعلق بها الشيء فل يسقط‪ .‬أما في‬
‫الصطلح‪ ،‬فالعصمة‪ :‬منع الله عبل!ه من السقوط في‬
‫القبيح من الذنوب والخطاء ونحو ذلك‪ ،‬وهو المعنى المراد‬
‫في هذا المبحث‪.‬‬
‫هذا‪ ،‬وتستعمل العصمة في حق النبي له بمعنى آخر وهو‬
‫أنه تعالى عصمه‬
‫من أن يصله إليه أذى الناس‪ ،‬لجل أن يتمكن من إبلغ‬
‫دعوته‪ .‬ففي الحديث أن عائشة قالت‪:‬أ كان النبي !‬
‫يحرس‪ ،‬حتى نزلت هذه الية‪ :‬فوالله يعصمك من الناس !‬
‫)‪ (1‬فاخرج رسول الله عن رأسه من القمة‪ ،‬فقال لهم‪ :‬يا‬
‫أيها الناس انصرفوا فقد عصمني اللهم )‪.(3‬‬
‫وسيأتي لهذا المعنى مزيد بسط فيه وأخر مسألة العصمة‪.‬‬
‫والعصمة بهذا المعنى‪ ،‬خارجة عن المعنى الصطلحي‬
‫للعصمة‪ ،‬الذي‬
‫قدمنا ذكره‪ ،‬كما ل يخفى‪.‬‬
‫حقيقة العصمة‪:‬‬
‫اختلف علماء الكلم وعللت الصول في حقيقة العصمة‪،‬‬
‫على أقوال )‪.(3‬‬
‫ا‪ -‬قيل ة المعصوم من ليمكنه التيان بالمعصية‪.‬‬
‫وأصحاب هذا القول على طريقتين‪:‬‬
‫أ‪ -‬فقيل‪ :‬حقيقة العصمة أن يختص المعصوم في نفسه أو‬
‫بدنه بخاضئة لمقتضي امتناع إقدامه على المعصية‪.‬‬
‫وهذا القول في حقيقة العصمة مردود‪ ،‬إذ لو كان الذنب‬
‫من المعصوم ممت!نعا ً‬
‫)‪ (1‬رواه الترمذي ‪ 411 /8‬وقال في الشرح‪ :‬قال الحافظ‬
‫وابن حجر ادناور حسن وأخرجه ابن أبي صح!اتم وابن‬
‫جرير ما‪-‬لكم ي مستدركة‪.‬‬
‫ه ‪ (3) 67‬انظر إرشاد الفحرلط ص‬ ‫)‪ (2‬سورة المائدة‪ :‬آي ّ‬
‫‪34‬‬
‫؟‪14‬‬

‫) ‪(1/137‬‬

‫لما استحق المدح بترك الذنب‪ ،‬وأزال تكليفه‪ ،‬إذ ل تكليف‬


‫بما ل يطاق‪ ،‬ول ثواب عليه )‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬وقيل‪ :‬ليس العصمة أن يكون في نفس المعصوم أو‬
‫بدنه خاطئة ليست‬
‫في غير المعصوم‪ ،‬ولكن العصمة القدرة على الطاعة‪،‬‬
‫وعدم القدرة على المعصية‪ .‬وهذا قول الشعري )‪.(2‬‬
‫ومعناه إما أن الله يسلب من المعصوم القدرة على‬
‫المعصية؟ فمفهوم العصمة على هذا عدمي‪ .‬أو يخلق مانعا ً‬
‫يمنع العبد من المعصية‪ ،‬ومفهومها على هذا وجودي )‪.(3‬‬
‫‪ -2‬وليلى المعصم يمكنه التيان بالمعصية‪ ،‬ولكن الله‬
‫ى المعصب عن المعصية‪،‬‬ ‫يمنعه منها باللطف‪ ،‬بصرف دواع ِ‬
‫بما يلهمه إياه من رغبة ورهبة‪ ،‬وكماله معرفة‪ ،‬كالتحقيق‬
‫بقوله تعالى‪ :‬نقل إفك أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم‬
‫عظيم ! )‪ .(4‬وهذا قول المعتزلة‪.‬‬
‫واللطيف عند المعتزلة هو‪:‬أ كل ما يختار المرء عنده‬
‫الواجب‪ ،‬ويجتنب القبيح " أولما يكون العبد عنده أقرب‬
‫إلى اختيار الواجب‪ ،‬أو ترك القبيح‪ ،‬مع تمكنه من الفعل‬
‫في الحالين " ْ)(‪.‬‬
‫واللطف عندهم يسمى ترفيقأ‪ ،‬أو عصمة ث فإذا وافق‬
‫ل الطاعة‬ ‫ع َ‬
‫ف ْ‬
‫ف ِ‬
‫اللط ُ‬
‫يقال له توفيره‪ ،‬وإذا وافق اجتناب القبيح يسمى عصمة )‬
‫‪.(6‬‬
‫العصمة هل هي جائزة أو واجبة‪.‬‬
‫واضح من تعريف العصمة أن كل صدقي الوقوع في الذنب‬
‫فقد عاصم‬
‫منه‪ .‬وفي حديث البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله‬
‫ة إل كان له‬ ‫ف خليف ٌ‬
‫عنه‪ ،‬عن النبي عن أنه قال‪ :‬ما اسُتخل َ‬
‫ضه عليه‪،‬‬ ‫بطانتان‪ ،‬بطانة تأمره بالخير وتح ّ‬
‫)‪ (1‬عضد الدين الهيجا ة المواقف‪ ،‬وطرحه للشريف‬
‫الجرجاني ‪281 /8‬‬
‫)‪ (2‬البحر المحيط للزركشيى ‪ 246/2‬ب‪.‬‬
‫)‪ (3‬لتيسير التحرير ‪ (4) 30 /3‬سورها النعام‪ :‬آية ‪15‬‬
‫)‪ (5‬د‪ .‬عبدالكريم عثمان‪ :‬نظرية التكليف‪ ،‬ص من ‪ ،3‬نقلً‬
‫عن المغني لعبدالجبار ‪ (6) .93/13‬المصدر نفهمه ص ‪387‬‬
‫نقلت عن المغني لعبد الجبار ‪23 8 /2 .‬‬

‫) ‪(1/138‬‬

‫وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه‪ ،‬والمعصوم من عصم‬


‫الله ل )‪ .(1‬فالعصمة أصَل َ في حق البحار بطريق الجواز‪،‬‬
‫والخلف الواقع بين المة في عصمة النبياء إ‪-‬لما هو في‬
‫وجوبها أو عدم وجوبها‪.‬‬
‫لمحة عن تاريخ القول بعصمة النبيل!‪:‬‬
‫لسنا نجد في القرآن العظيم بيانا لعصمة النبياء بطريق‬
‫النص ‪ 4‬وقد ذكر الرازي في كتابه وعصمة النبياء( اثنتي‬
‫عشرة آية‪ ،‬رأى أنها دالة على عصمتهمء ودللتها عنده هي‬
‫بطريق اللزوم‪ ،‬ل بطريق النص‪ ،‬كما هو واضح من‬
‫استقرارها في كتابه المذكور‪ ،‬وكما سيأتي إيضاحه إن‬
‫شلل الليه‪.‬‬
‫ً‬
‫والسنة كذلك فيها إشارات ليست نصوصا‪ .‬ومن أصرح ما‬
‫ورد في ذلك ما‬
‫في الحديث أن النبي له قال‪ :‬كما متكلم من أحد أل وقد‬
‫ركل به قرينه من الجن وقرينه من الملئكة"‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫كاياك؟ قال‪:‬أ وإياي‪ ،‬أل لذ الله أعانني عليه فأسلم فل‬
‫يامرف! إل بخير" )!"ومنذ قوال الصحابة‪ ،‬ما في مسند‬
‫أحمد‪ ،‬من حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه‪ ،‬أنه قال‬
‫ينا أول خطبة له بعد توليه الخلفة‪ :‬ولئن أخذتموني بسنة‬
‫نبيكم يفي ما أطيقها‪ ،‬إن كان لمعصرمأ من الشيطان‪،‬‬
‫وان كان لينزل عليه الوحي من السلى! )‪.(3‬‬
‫ذجمر أن أول من ألف يخت العصمة )الشريف( المرتكز‪،‬‬ ‫و ُ‬
‫وكان من كبار دعاة المامية‪ .‬فقد ألف كتابه وتنزيه‬
‫النبياء( قاله فيه بعصمة النبيل!‪ ،‬وأضاف إلى ذلك أن‬
‫أوجب العصمة لئمة الشيعة‪ .‬بله يرى بعض الكاتبين أنه‬
‫اتخذ القول بعصمة النبياء سلما للقول بعصمة )الوصياء(‬
‫كما ادي عام‪.‬‬
‫ثم ألف الرازي‪ ،‬وهو محمد بن عمر بن الحسيين‪ ،‬المتكلم‬
‫الصولي الشهير‪ 656 -543) ،‬هو كتابه النف الذكري‬
‫عصمة النبياءإ )‪ (4‬الذي أصبح‬
‫)‪ (2) 501 /11 (1‬رواه احمد ومسلما الفرع الطبي‪.‬‬
‫)‪ (3‬قال احمد عمد شاكر‪ :‬إسناده حسيسن‬
‫)‪ (4‬كتاب )عصمة الفبحا‪ ،!،‬طبعت بداره الطباعة المصرية‬
‫بالقاهرة ط!‪ 1355‬هـ أقدم له تعلق علميه عمد منير‬
‫الدمشقي‪.‬‬
‫‪143‬‬

‫) ‪(1/139‬‬

‫عمله الكثرين بعده قي تقرير المسالة والستدلل لها‪.‬‬


‫وقد صنف مباحث المسألة‪ .‬وذكر أقواله العلء فيها‪،‬‬
‫واختار عصمة النبياء في زمان تفوتهم‪ ،‬ل قبلها‪ ،‬عن‬
‫تعميد الكبائر والصغائر‪ .‬وأجاز صدورها عنهم سهوا ً وذكر‬
‫الدولة‪ ،‬ثم تسع قصص النبيل!‪ ،‬وتامل ما ظاهره صدور‬
‫الذنب عنهم مما ذكره الّله تعالى في قصصهم‪.‬‬
‫مذاهب العلماء في العصمة إجا َ َ‬
‫ل‪:‬‬
‫‪ -1‬الشيعة المامية غالت ل إثبات عصمة النبياء‪ ،‬حتى‬
‫منعوا صدور المخالفة عن النبي عن قبل النبوة وبعدها‪،‬‬
‫كبيرة كانت المخالفة أو صغيرة‪ ،‬عمدا كانت أو سهوا )‪،(1‬‬
‫ونقل البعض أن ابن أيا الحديد‪ ،‬من الشيعة المامية‪ ،‬شارح‬
‫منهج البلغة(‪ ،‬مال إلى العتدال؟ فأجاز صدور الذنب‬
‫سهوا أو نسيانا ً ول يقر عليه )‪ ."2‬ويظهر أن الشيعة‬
‫الزيدية‪ /‬يوافقوا المامية على ما ذهبوا إليه )‪-(3‬‬
‫‪ -2‬وأكد المعتزلة يوافق الشيعة في مذهبهم‪ ،‬إل في‬
‫فة‬‫سخ َ‬
‫الصغائر غي ائ َ‬
‫قبل البعثة وبعدها‪ ،‬والكتب صغيره وكبيره‪ ،‬والسهو في ما‬
‫يؤدونه‪ .‬ولخص أبو الحسين البصري ما يمتنع عليهم‬
‫بقوله‪" :‬ل يجوز عليهم ما يؤثر في الداء‪ ،‬ول ما يؤثر في‬
‫التعليم‪ ،‬ول في القبول "‪ .(4،‬وفضل ما ذكرنا‪.‬‬
‫‪ -3‬المتكلمون ومنهم المني والرازي والباقلني ْ)( وبعض‬
‫المعتزلة وغيره‪،‬‬
‫قالوا إنهبم ل يمتنع عليهم قبل النبوة الكبائر ول الصغائر‪،‬‬
‫قال السدي‪ :‬بل ول يمتنع عقل إرسال من أسلم وآمن‬
‫بعد كفره‪.‬‬
‫لمدي ‪242/1‬‬ ‫)‪ (1‬ا َ‬
‫‪ (21‬وهبه الرحيلي "عصمة النبياء" مقالة في مجلة‬
‫الوعي السلمي الكويتية‪ (،‬ى شبه؟ سنة ‪ 95‬صفا هـ ص‬
‫‪25‬‬
‫)‪ (3‬المصدر السابق‪ .‬وانظر هداية العقول‪.‬‬
‫)‪ (4‬أبو الحسيمة البصري ة المعتمد ‪370 /1‬‬
‫)‪ (5‬قاله ابن حزم في والفصل ‪(2/4‬أ ول ما هذا‬
‫الباقلفب‪ ،‬فإنا قد رأينا في كتاب صاحبه أبدا‬
‫‪144‬‬

‫) ‪(1/140‬‬

‫مد‬‫أما بعد النبوة‪ ،‬فقد قالوا إن النبياء معصومون عن تع ّ‬


‫ل بصدقهم‪ ،‬فيما دئ!تا المعجزة القاطعة على‬ ‫كل ما يخ ّ‬
‫صدقهم فيه من دعوى الرسالة والتبليغ عن الله تعالى‪.‬‬
‫أما بطريق الخطأ والنسيان فقد اختلفوا فيها وجوزه‬
‫الباقلفإ‪ ،‬ومال إليه العمدي‪.‬‬
‫وأما الكفر فقد منعوه عمدا ً وسهرت‪.‬‬
‫ود ما المعاصي الكبائر وصغائر ايخ!ة فقد منعوها عمدا‬
‫وجوزوها سهوا ً كما جوزوا الصغائر على سبيل الندرة )‪(1‬‬
‫ولو عمدا ً ومنهم من منع ملئه كله‪ ،‬ومن أولئك السبكي‬
‫وابنه‪ ،‬والسفرائيني والشهرستاف!‪ ،‬والقاضي رياض )‬
‫‪ ! (2‬بل أن القاضي رياض وافق الشيعة المامية في‬
‫دعوى العصمة قبلي النبوة‪ ،‬والعصمة بعد النبوة من‬
‫الصغائر ول سهرا )‪.(3‬‬
‫‪ -4‬والخوارج نقل المني عن الفارقة منهما نهم أجازوا‬
‫بعثة نبي يعلم الله‬
‫أنه يكفر بعد نبوته‪ .‬والفضْيلئة منهم أجازوا صدور الذنوب‬
‫عن النبياء‪ ،‬ركل ذنب فهو عندهم كافر‪ .‬وبذلك يكونون قد‬
‫أجازوا صدور الكفر عنهم‪.‬‬
‫!‪ -‬وأما أهل الحديث؟ فينقل الكلتبرنه في الصول كنهم‬
‫وعن إلزامية‪،‬‬
‫أنهم أجازوا صدور الكبائر عن النبياء عيدا ً وابن تيميه‬
‫ينقل ))ن عصمتهم في ما‬

‫)‪(3) (2‬‬
‫جعفر السحمناف! قاضي الموصل‪ ،‬أت وانا يقول‪" :‬كل‬
‫ذنب‪ ،‬دقة و جمل‪ ،‬فإنه جائز على الرسل‪ ،‬حاشية الكذب‬
‫في التبليغ فقط "‪ .‬قالت‪" :‬رجاثز عليهما ن يكفروا" فال‪:‬‬
‫ة!اذا كما النبع تم رد عن !ئيء‪ ،‬تم فعله‪ ،‬فليس فلك دليًل‬
‫عله أن ملئه أليها قد نسخ‪ ،‬لنه قد يفعله عاص!يأ دمه عز‬
‫رجل " قال ة‪ ،‬وليس لصحابه أنا ينكرها عليه ذلكم ‪ 10‬هـ‪.‬‬
‫ه‬
‫فإنه كانت هذه الناقوس عن الباقلني نفحمه؟ فجا رواي ّ‬
‫أخرى تخالف ما يتناوله الصولييها من منصبه‪.‬‬
‫انظر اله!يى ‪244 ،243/1‬‬
‫ابن السبكي والمحير‪ :‬جمع الجوامع وشرحه ‪93/2‬‬
‫والقاضي رياض ة الشفاء بتعريف حقروا المصطافى ط‬
‫القاهرة‪ ،‬محمد علي ربيع ‪115/2‬‬
‫الشفاء ‪140/3‬‬

‫‪145‬‬

‫) ‪(1/141‬‬

‫يبفغرنه عن الله تعالى ثابتة باتفاق المة" )‪ .(1‬وقال !‪،‬‬


‫موضع آخر‪" :‬النبي معصوم في ما يبلغه عن الليه تعالى‪،‬‬
‫فل يستقر خطا في المبلغة وأما فيما يتعلق بالذنوب‬
‫فليسرا عنده معصومين عن صدورها منهم‪ ،‬ولكون هم‬
‫معصومون من القرار على الذنب‪ ،‬بل ُينّبهونا أو يتوبون‪،‬‬
‫‪ (3‬وظاهر قوله هذا أنه يجيز صدور الذنب منهم كبيرا كان‬
‫أو صغيرا ً عمدا وسهول‪ .‬فل عصمة عنده للنبي عن صدور‬
‫الذنب والمخالفة منه‪ ،‬وأنما العصمة عن استمراره على‬
‫الذنب دون توبة‪ ،‬وعن استقرار ما يؤديه من الشريعة على‬
‫ا‪-‬خطأ‪.‬‬
‫‪ -6‬وأما الظاهرية‪ ،‬فإن ابن حزم ترك ظاهريته هنا‪ ،‬وقال‬
‫بعصمة النبيل!‬
‫ً‬
‫بعد النبوة عن كل ذنب صغير أو كبير عمدا و‪ /‬يمنع أن‬
‫يصدر عنه مجد ذلك سهوا عن غير قصد‪ .‬والتزم أنهم ل‬
‫قرون على ذلك‪ ،‬بل ينبههم الله تعالى عليه ول بد‪ ،‬إثر‬ ‫يُ َ‬
‫وقوعه منهم‪ ،‬ويظهر ذلك لعباده ويبين لهم )‪.(3‬‬
‫ا أأ قلة؟‬
‫لن نستعرض بالتفصيل( صلة القائلين بالعصمة‪ ،‬وأدلة‬
‫ل‪ ،‬ونضرب لها‬ ‫مخالفيهم‪ ،‬وسنكتفي بعرض الدلة إجما ً‬
‫بعض أمثلة تتبين بها طريقة كل طائفة في الستدلل لما‬
‫تقول‪ .‬ونختار ما نراه‪،‬جي‪ .‬سافين ألذ تعالى التوفيق‬
‫والعصمة‪.‬‬
‫ل‪ :‬أدلة القائلين بالعصمة ضن صدور الجنوب عن‬ ‫أو ً‬
‫النبياء‪:‬‬
‫ا‪ -‬آيات قرآنية‪ ،‬من مثل قوله تعالى ت وأل لعنة الله على‬
‫الظالمين ! والعاصي ل‪ ،/‬فلو عمى النبي عن لتوجه إليه‬
‫حكم المة‪ .‬وانقاد ذلك في حق النبي ! كفر‪ .‬وقوله‪ :‬وأل‬
‫إن حزب الشيطان هم الحاسرون ! فلو صدرت‬
‫‪ (11‬مجموعة فتاوى ابن تنمية‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مطبعة كردستان‬
‫العلمية ‪ 283/2‬وليضأ‪ :‬منهاج الشر ‪130/1‬‬
‫)‪ (2‬الفتاوى الكبرى لبن تيميه‪ .‬ط‪ .‬الرياض ‪390 /10‬‬
‫)‪ (3‬ابن حزم ة الفصل في المجله والضحل ‪2/4‬‬
‫‪146‬‬

‫) ‪(1/142‬‬

‫عنهم الذنوب كانوا من حزب الشيطان ولكان من قال الله‬


‫فيهم‪ :‬وأل إن حزب الله هم المفلحون ! من العباد‬
‫والصلحاء‪ ،‬خيرا من النبياء‪ .‬وذلك باطل‪ .‬ويناقش ابن‬
‫تنمية مثل هذا الستدللي‪ ،‬بان الظالم هو من أصل على‬
‫الفني‬
‫ع منه فبادر إلى التوبة والنابة‬
‫ولم يتب منه‪ ،‬أما من وق ِ‬
‫إلى الله‪ ،‬فلعله يكون خيرا ممن‪ /‬يقع منه الذنب أصلن )‬
‫‪1‬إ‪ .‬قال‪:‬إ وفي الثر‪ :‬كان داود بعد التوبة‪ ،‬خيرا ً منه قبل‬
‫الخطيئة! )‪ .،3‬فلم يذكر الله تعالى عن نبي ذنبًاا أأ مقرونا‬
‫ي بالنبي !به!‬ ‫بتوبة واستغفار)‪ -2 .(3‬أنا ماموررن بالتاس ّ‬
‫مع‪ ،‬بقوله تعالى‪ :‬نقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوف! !‬
‫مد المخالفة أو الغلط أو‬ ‫ونحو ذلك من اليام‪ .‬فلو صدر تع ّ‬
‫النسيان عنه لكنا مغمورين بالقتداء به فيه‪ ،‬وهذا ل يجوز‪.‬‬
‫فثبت استحالة صدور المعصية عنه )‪.(4‬‬
‫ي!نتج إل منع استقرار الشرع‬ ‫ونوقش هذا الدليل بأنه ل ُ‬
‫على كيي الوجه الصحيح‪ .‬قال ابن تيميه‪:‬أ حجة التاسئي‬
‫بالنبياء صلوات الله عليهم ل تنتج منع الذنب‪ ،‬ولكن منع‬
‫القرار عليه !‪ .‬قالت‪" :‬المختار أن العصمة ثابتة عن‬
‫القرار على الذنوب مطلقا ً والحجج العقلية والنقلية تنتج‬
‫هذا ل غير" ْ)(‪.‬‬
‫وقالت يضأ‪:‬أ أن هؤلء من أعظم حججهم ما اعتمده‬
‫القاضي عياضة‬
‫وغيره حيث قالوا‪ :‬نحن مأمورون بالتاسئي بهدم في‬
‫الفعالى‪ ،‬وتجهيز ذلك يقدح في التالمتي‪ .‬فأجيبوا بان‬
‫الخالصي هو فيما أقروا عليه‪ ،‬ل أن النسخ جائز في ما‬
‫يبتغونه من المر والنهي‪ ،‬وليس ذلك مانعا من وجوب‬
‫الطاعة‪ ،‬لن الطاعة تجب في ما‪ /‬ينسلخ‪ .‬فعدم النسمة‬
‫يقرر الحكم؟ تعمم النكار يقرر الفعل‪ ،‬والصل عدم كل‬
‫منهما! )‪ 10(6‬هـ‪.‬‬
‫)‪ (1‬القاو!ما الكبر!ط ط الرياض‪ (3) 395 -293/1 ْ.‬منهاج‬
‫السنة‪.‬‬
‫)‪ (3‬الفتاوى الكبرى ط الرياض هـ ‪296/1‬‬
‫)‪ (4‬الرازي‪ :‬عصمة التبيا‪ ،‬ص ه‪ ،‬ورياض‪ :‬الشفا ‪،4‬‬
‫ه‪ :‬الفتاوى الكبرى ‪ (6) 293/1 5‬اب!! تسمية‪:‬‬ ‫)‪ (5‬ابن تيمي ّ‬
‫الفتاوى الكمبرى ‪1 49 /15‬‬
‫‪147‬‬

‫) ‪(1/143‬‬

‫وقال الشيخ محمد خليل هراس ة "الواجب أن نستحي من‬


‫الله أن نقول ما يخالف كلم انه عز رجل‪ .‬وما وقع من‬
‫الكسلى من مخالفات قليلة جدا في أعمارهم الطويلة‬
‫أفي إليها أحيانا غلبة طبع أو نسيان بمقتضى أنهم بشر‪،‬‬
‫ل يمكن أن يغض من أقدارهم‪ ،‬ول لن يخرجهم عن‬
‫منصْبالقدوة التي جعلها الله لهم "‪ .(1،‬ونوقش هذا الدليل‬
‫أيضا مع من أجاز صدور المعصية الكبيرة نسيانا أو سهرا‬
‫أو الصغيرة كمدا وسهول‪ ،‬بانا مأمورون بالقتداء به يكن‬
‫في صغير أعماله وكبيرها‪ .‬فلما‪ /‬يقبض دليل القتداء منع‬
‫النسيان والسهو والصغيرة‪ ،‬فكذلك ل يقتضي منع صدور‬
‫الكبيرة عمدا ً وإنما يقتضي الدديل منع القرار على الكل‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫وقد أجاب أبرهاشم الجنائي عن هذا الستدلل بقوله‪:‬أ إن‬
‫التاسئي بالعاصي قد‬
‫ى به من‬‫يكون طاعة"‪ .‬كالذاهب إلى الكنيسة للكفر‪ ،‬يتاس ً‬
‫يمضي معه لمطالبة غريم واسترجاع وديعة‪.‬‬
‫وهذا الجواب غير مرضي‪ ،‬وقد رفها بو عبد الله البصري‬
‫بان‪) :‬المتاسئي بغيره‬
‫مأ في جنس الفعل‪ ،‬هإنما يكلون كذلك بأن‬ ‫ل يكلون متاش ِ‬
‫يفعله على الوجه الذي فعل "‪ .‬يعني بالرجل‪ :‬غرضه من‬
‫الفعل‪.‬‬
‫وقد راح القاضي عبدالجبار طريقة شيخه أب عبداللي‬
‫البصري )‪ .(2‬وهو‬
‫الصواب‪.‬‬
‫أقول‪ :‬والعجب من الرازي أنه جعل الحاجة إلى التأسي به‬
‫له دليل عصمته‪ ،‬ولكنه في باب الفعال النبوية من كتابه‬
‫المشهور )المحصول( توقف في مسالة التاسيس بها‪،‬‬
‫ورأى أنه غير لزم )‪ .(3‬لحتمالها الخصوصية‪ -‬ما‪ /‬يبين لنا‬
‫بالقول أن الفعل المعد مقصود به التاسئي‪ .‬وهذا تناقض‬
‫من الرازي‪ ،‬عفا الله عنا وعنه‪.‬‬
‫‪ (11‬تعليقه على الخصائص الكبرى السيوطي ‪336/3‬‬
‫)‪ (2‬عبدالجبار‪ :‬المغني ‪ (3) 286 /1 5‬المحصول للرازي ق‬
‫‪.148 .1 48‬‬

‫) ‪(1/144‬‬

‫‪ -3‬دليل التكفير‪ :‬وهو دليل عقلي‪ .‬وهو عمدة المعتزلة‪:‬‬


‫قالوا‪ :‬ك ّ‬
‫ل ما ينفر‬
‫عن القبول من النبي عن‪ ،‬من الكذب فحما يؤديه وفي‬
‫غزير ما يؤديه‪ ،‬والكبائر‪ ،‬وصغائر الخسة ونحو ذلك‪ ،‬فيجب‬
‫أن يكونه معصوما منه‪ ،‬ل يصدر عنه‪ .‬ويكلون لذلك معصوما‬
‫من الفظاظة والغلظة‪ ،‬وحتى عن كث!!رمن المباحات‬
‫القادحة في التعظيم‪ .‬ويدخل فيه قول الشعر والكلتابة‪ ،‬إذ‬
‫كانت معجزة محمد مجمع الفصاحة‪ ،‬والخبار عن الغيوب )‬
‫‪.(1‬‬
‫وقد ناقش الغزالي الستدلل بالتكفير على العصمة‪،‬‬
‫بقوله ة!ل يجب عندنا عصمتهم من جميع ما ينفر‪ ،‬فقد‬
‫سجال ً بينه شبيهة الكفار‪ ،‬مع أنه خفف عن‬ ‫كانت الحرب ِ‬
‫الخط والكتاب لئل يرتاب المبطلون‪ .‬وقد ارتاب جماعة‬
‫بسبب النسب‪ ،‬وجماعة بسبب اليات المتشابهات " )‪0 (2‬‬
‫الـ‪.‬‬
‫وناقشه أيضا صاحب )التحريه! )‪ (3‬في ما قبل البعث‬
‫بقوله‪:‬إ بعد صفاء السريرة‪ ،‬وحسن السيرة‪ ،‬ينعكس حالهم‬
‫في القلوب رأي إلى التعظيم والجللى( ويؤكده دللة‬
‫المعجزة‪ ،‬والمشاهدة واقعة به في آحاد انقادَ الخلق إلى‬
‫بجللهم‪ ،‬بعد العلم بما كانوا عليه‪ .‬فل معنى لنكاره " الـ‪.‬‬
‫فالحقد ن دليل التنفير غير قائم‪ ،‬ول يصح العتماد عليه‬
‫في هذه المسالة‪.‬‬
‫‪ -4‬دليل الجماع‪ :‬قالوا‪ :‬أجمعت المة على عصمة النبياء‪،‬‬
‫ولكن الصوليين وغيرهم اختلفوا فيما ادعوا الجماع عليه‬
‫من ذلك‪ ،‬فالقاضي عيان ذكر الجماع على عصمتهم ‪-10‬‬
‫ه‪ .‬و ‪ -2‬في القوال البلغية‪ ،‬عن العمد والسهو‬ ‫في العقيد ّ‬
‫خلف في‬ ‫والنسحيان والغلط وغزير ذلك‪ .‬و ‪ -3‬من ال ُ‬
‫القوال الدينية عمدا وسهوًا‪ .‬و ‪ -4‬من الذنوب الكلبائر‪.‬‬
‫والرازي أنور الجماع فيها إذا كان سبيله السهر والغلط‪،‬‬
‫دون العمد‪ .‬وادعى‬

‫)‪ (1‬أبو الحسين البصري‪ :‬المعتمد ‪ 25/3(3) 371 /1‬و ‪21‬‬


‫)‪ 1 (2‬لمستشفى ‪49/3‬‬

‫‪49‬؟‬

‫) ‪(1/145‬‬

‫الجماع على العصمة من تعمد الصغائر والكبائرء كما حكى‬


‫شؤية(‪ -‬ولعفه يقصد أصحاب الحديث‪-‬‬ ‫ماهم ٍ )الح ْ‬
‫من س ّ‬
‫ع ّ‬
‫ضْيلئة‬
‫ف َ‬ ‫ً‬
‫إجازتهم صدور الكبائر سهوا وعمدا‪ .‬وحتى عن ال ُ‬
‫جواز صدور السفر عنهم‪ .‬وأيضا حكى الزركشي في البحر‬
‫المحيط‪ ،‬عن مط لك وعن ابن الساعاتي‪ ،‬صحة وقوع‬
‫الصغائر منهم‪ .‬وتتدارك بالتوبة )‪-(1‬‬
‫وابن تيميه حكى الجماع‪ ،‬ولكن جعله إجماعا ً على امتناع‬
‫إقرار النبيل! على الذنوب‪ ،‬وعلى امتناع استقرار الخلف‬
‫في التبليغ‪ ،‬دون ما سوى ذلك‪.‬‬
‫وهكذا نرى أن ما يتحققا فيه الجماع هو العصمة من‬
‫القرار على الذنوب الكبائر للتعمية‪ ،‬ومن استقرار الخلف‬
‫في التبليغ‪.‬‬
‫‪ -5‬دليل اقتضاء المعجزة للعصمة‪ :‬وهو دليل عقلي‪ .‬وبه‬
‫فوَرلى والغزالي له فيما خالف مقتكما المعجزة‪.‬‬ ‫أخذ ابن ُ‬
‫قاله الغزالي‪ :‬بكل ما يناقض مدلول المعجزة فهو محال‬
‫عليهم بطريق العقل‪ .‬ويناقض مدلول المعجزة جهاز‬
‫الكفر‪ ،‬والجهل بالله تعالى‪ ،‬وكتمان رسالة أفه‪ ،‬والكذب‬
‫والخطط والغلط فيما يبلغ‪ ،‬والتقصير في التبليغ‪ ،‬والجهل‬
‫بتفاصيل الشرع الذي أمر بالدعوة إليه "‪.‬‬
‫قال‪ () :‬ما ما يرجع إلى مقارنة الذنب فيما يخصه‪ ،‬ول‬
‫يتعلق بالرسالة‪ ،‬فل‬
‫حل العقل‪ ،‬بل دليل التوقيف‬ ‫يدل على عصمتهم منه دل ِ‬
‫والجماع " ‪ (21‬الـ‪.‬‬
‫إذن فدللة المعجزة على العصمة دللة صحيحة‪ ،‬ولكنها‬
‫دللة محدودة بدعوى الرسالة وما وقع عليه التحدي‪ ،‬وما‬
‫يستقر في الشرع مما يبلغه‪ -‬ك بقوله أو فعله‪ ،‬دون سائر‬
‫القوالى والفعال‪.‬‬
‫‪ -6‬دليل عملي‪ِ :‬إن الذنوب تنافي الكمال‪ ،‬وأن النبياء‬
‫لكرامتهم عل الله ل‬
‫يصدر عنهم ذنب يم(‪.‬‬

‫)‪ (1‬البحر المح!يط ‪) .1246 /2‬س!( جمع ابرامز ‪95 /2‬‬


‫)‪ 1 (3‬لمستشفى ‪49/2‬‬

‫هـ ‪15‬‬

‫) ‪(1/146‬‬

‫ونوقش هذا بأن التوبة النصوح التي يقبلها الله يرفع بها‬
‫صاحبها إلى( عظم‬
‫مما كانا عليه‪.(1،‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أدلة القائلين بإمكان صدور المخالفة عن النبي صلى‬
‫ارثه عليه وسلم‪ -1 :‬استدلوا لذلك بما ورد في كتاب ألد‬
‫وسنة رسوله ! من نسبة والعصيان( و )الذنرب( و )الظلم(‬
‫إلى بعض النبياء‪ .‬ومن ذلك قوله تعالى‪) :‬وعصى آدم ربه‬
‫فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى! )‪ ،(2‬وقوله‬
‫تعالى‪ :‬وليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تاخرا )‪.(3‬‬
‫وقال عن آدم وزوجه‪ :‬فقال ربنا ظلمنا أنفسنال )‪ (4‬وعن‬
‫يونسي له قال‪ :‬فسبحانك إني كنت من الظالميها! ْ)(‬
‫ونحر ذلك من اليات‪.‬‬
‫‪ -2‬وقالوا‪ :‬حدر اللهم نبتاعه من الوقوع في الشرك‬
‫والمعاصي بنحو قوله عز وجل‪) :‬ولقد أرحب إليها وإلى‬
‫الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطنا عملك ولنكونن من‬
‫ك لقد كدت تركن‬ ‫الحاسرين ! )‪ ،(6‬وقال‪! :‬ولرل أن ثًبتنا َ‬
‫إليهم شيئا قلبل! إذا لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات‬
‫! )‪.(7‬‬
‫‪ -3‬قالوا‪ :‬فلو كان ل يتصور أن يقع منهم الذنب‪ ،‬لما كان‬
‫لهذا التحذير معنى‪.‬‬
‫ً‬
‫وذكر الله في قصصيا أنبيائه‪ ،‬قي مواضع كثيرة جدا‪ ،‬وقوع‬
‫الذنودب منهم‪.‬‬
‫ولكن الله عز وجل ل يذكر عن نبي ذنبا إل أتبعه بذكور‬
‫تربة النبي منه‪ ،‬أو تذكيره‪ ،‬وتنبيهه ألي ذلوا كما في قصة‬
‫آدم من الشجرة‪ ،‬وطلب نوح نجاة ابنه‪ ،‬رأي مغاربة‬
‫)؟( ابن فضية‪ :‬مجموع الفتا‪ ،‬ى‪ ،‬طبعة كلرر! وانا العلمية‬
‫‪ 283/2‬ونقله الشيخ عبدالجليل عيصي في ة اجتهاد‬
‫الرسول ول دعا ‪ 43‬دعا بعدهما‪.‬‬
‫ه‪2‬‬ ‫)‪ (2‬سورة طه‪ :‬آية ‪ (3) 131‬سورة الفتح‪ :‬آي ّ‬
‫)‪ (4‬سو ري العراف‪ :‬أية ‪ (5) 23‬صررهّ النبياء‪ :‬آية ‪87‬‬
‫‪ (61‬سورها الزهر‪ :‬أية ‪ (7) 65‬سورها السراء‪ :‬امية ‪،75‬‬
‫‪76‬‬
‫‪151‬‬

‫) ‪(1/147‬‬

‫يونس؟ وقتل موسى للقبطي‪ ،‬وقصة داود مع الخصم‬


‫الذين تسوروا المحراب‪ ،‬وقوله تعالى في قصة ابن أم‬
‫مكتوم‪ :‬دعبس وتوله أن جمع العمى! الذيات‪ .‬في أمثال‬
‫ذلك؟ مما كان فيه التعليم للنبي‪ ،‬الذي وقعت منه‬
‫المعصية‪ ،‬وضرب المثل لغيره من البشر‪ ،‬حتى يكون قدوة‬
‫في المسارعة إلى الخيرات‪ ،‬والتباعد عن المعاصي‪ ،‬بعد‬
‫تعليم الله له‪ ،‬والمسارعة إلى التوبة من المخالفات‪،‬‬
‫والتحصن من ( سبابها المؤدية إليها‪.‬‬
‫يقول محمد قطب في مجال حديثه عن التربية بالقصة‪:‬‬
‫ليستعرض )القرآن(‬
‫في حق النبياء‪ ،‬بعض مظاهر الضعف البشري‪ .‬ولكن ليس‬
‫الحتفال فيها بنقطة الضعف‪ ،‬ولكن بالنابة منها إلى الله‪.‬‬
‫يعرضها القرآني دون مداراة على أصحابها‪ ...‬ولكنه ل‬
‫يصنع منها بطولة‪ ،‬لنها في الحقيقة ليست كذلك‪...‬‬
‫وقصة آدم من ذلك‪ ...‬إنها لحظة ضعف‪ ،‬أصابت آدم‪،‬‬
‫فنسي نفسه‪ ،‬وفهمه مع ربه‪ ،‬وجنح إلى شهوة من‬
‫شهوات نفسه‪ ،‬فاستزئه الشيطان منها‪ ،‬وقاده من‬
‫مقودها" )‪ -4 .(1‬قالوا‪ :‬وفي السنة مواضع تدل على ذلك‪،‬‬
‫منها قول النبي !كيهه‪ :‬حيا أم‬
‫سليم أما تعلمين أني اشترطت على ربي‪ ،‬فقلت‪ :‬إنما أنا‬
‫بشر‪ ،‬أرضى كما يرضى البشر‪ ،‬وأغضب كما يغضب البشر‪،‬‬
‫ففيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل‪ ،‬أن‬
‫تجعلها له طهورا ً وزكاة وقربة تقريبه بها منك يوم القيامة‬
‫‪.(2) 9‬‬
‫ومخها أن النبي يئه!ه قبيل وفاته قام في أصحابه على‬
‫المنبر فقاد‪ :‬وأما بعد‪ ،‬لمجا الناس‪ ،‬إنه قد دنا مني‬
‫ت له ظهرا‬ ‫ن َبين أظهركم‪ ،‬أل فمن كنت جلد ُ‬ ‫م ْ‬
‫خفوقي ِ‬
‫قدْ منه‪ ،‬ومن كنت أخذت له مال فهذا‬ ‫ست َ ِ‬
‫فهذا ظهري فلي َ ْ‬
‫مالي فليأخذ منه‪ ،‬ومن كنت شتمت له عرضا فهذا عرضي‬
‫ف الشحناءَ من قبل رسول‬ ‫ن قائل‪ :‬أخا ُ‬‫د‪ .‬ول يقول َ‬ ‫فليستق ْ‬
‫الله !كل!‪ ،‬فإنها ليست من شماني " )‪.(3‬‬
‫ه السلمية ص ‪341‬‬ ‫)‪ (1‬منهج التربي َ‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد ومسلم والفتح الكلبين ‪ 9 /3‬كل(‪.‬‬
‫مي وي بو‬ ‫)‪ (3‬أخرجه ابن سعد وأبو يعلى والطبراقا والبيه َ‬
‫نعيم من حديث الفضل بن العباس )الحصائما الكبرى‬
‫‪(378/3‬‬
‫‪152‬‬

‫) ‪(1/148‬‬

‫ومعلوم أن ذلك كله لسكان بحق‪ ،‬فل قوة‪ ،‬ول وفاء فيه‪.‬‬
‫ول يجوزان ئظَ ً‬
‫ن‬
‫أن ذلك القول منه صك تخييل‪ ،‬لمجرد التعليم‪ ،‬لن التخييل‬
‫يؤدي إنما اعتقلت خلف الحق‪.‬‬
‫وقد نوقشمت هذه الدلة وأمثالها مناقشات طويلة‪ ،‬حفلت‬
‫بها كتب التفسير‪،‬‬
‫وكتب شروح الحديث‪ ،‬والتماثل‪ ،‬والخصائص‪ ،‬وكتب‬
‫العقائد‪ ،‬وكتب الصول‪ -‬وقد أخذت هذه المناقشات من‬
‫علماء طرائف الملة جهودا ً كبيرة‪ .‬وقد اعتنى بها الرازي‬
‫في كتابه عن العصمة‪ ،‬ورياض في الشفاء )؟(‪ ،‬والعضد‬
‫في المواقف )‪ ،(2‬وغيرهم‪ ،‬واستعرضوا اليات والحاديث‬
‫الدالة على إمكال! وقوع الذنوب من النبياء‪ ،‬واليات‬
‫والحاديث الدالة على أنها رقعت فعل ً ثم شرعوا في‬
‫تحويلها وبيان احتمالت يمكن صرف الكلم إليها‪ .‬وو َ‬
‫فقوا‬
‫في بعض ذلك‪ ،‬ولكن كان كثير من تحويلهم متكفل ً بعيدا ً‬
‫يغلب عند القارىء لكتاب الله أنه لم ي َُرد أصل ً وأنه لو أريد‬
‫لما كان الكتاب والسنة بيانًا‪ ،‬بل كانا يكلونان تعمية عن‬
‫الحق؟ ! ايهامه لخلفه‪.‬‬
‫رمن أمثلة ذلك ما قال الرازي ما قوله تعالى‪! .:‬وع!ما آدم‬
‫ربه فغوى!‬
‫عنه بكونه تاركا للمندوب‪،‬‬
‫ويخص إخراج آدم من الجنة بسبب معصيته قال‪ :‬ليسكه‬
‫في الية أل أنه اخرج‬
‫من الجنة عند إقدامه على هذا الفعل‪ ،‬أو لجل إقدامه عله‬
‫هذا الفعلي‪ ،‬وذلك ل يدلي عل أن ذلك الخراج كان عل‬
‫سبيل التنكيل‪-‬‬
‫وقال في قصة قتله موسى القبطي‪ ،‬وقوله‪ :‬وهذا من‬
‫عمل الشيطان !‪،‬‬
‫قال‪ :‬يحتمل أن المراد‪ :‬عمل المقتول من عمل الشيطان‪.‬‬
‫وفيه قول مولمة‪ :‬حارب إلي ظلمت نفم!ي فاغفر لي‬
‫فغفر له ! اغفر لي‪ :‬أي اقبل مني هذه الطاعة‪.‬‬
‫وقال في قي ل هارودز لخيه‪ :‬حال تأخذ بلحيتي ول‬
‫برأسي ! أخذ برأس‬

‫)‪169 -149/2 (1‬‬


‫)‪28 0 -268/8 (2‬‬

‫‪153‬‬

‫) ‪(1/149‬‬

‫أخيه ليدنيه فيتفحص كيف الواقعة‪ ،‬فخاف هارون أن‬


‫يسبق إلى قلوبهم ما ل أصل له‪ ،‬فقال إشفاقا عله مولمة‬
‫عليه السلم‪ :‬أل تأخذ بلحيتي ! لئل يظن القوم بك ما‬
‫ليعيق‪.‬‬
‫وقال في قوله تعالى‪) :‬ووجدك ضال فهدى! يحتمل‬
‫المراد‪ :‬ضال عن المعيشة وطريق الكسب‪ .‬أو‪ :‬وجدك ضال‬
‫في زمان الصبا في بعض المفاصز* أو مضلول عنه في لم‬
‫ظفار‪.‬‬
‫وقال في قوله تعالى‪ :‬وليغفر لك الليه ما تقدم من ذنبك‬
‫وما تأخرت لي ذنب أمتك‪ ،‬أر ليغفر لمتك ما أذنبوا في‬
‫حقك‪ .‬وقال البناف!‪ :‬قاد ابن السبعلي في قوله تعالى‪:‬‬
‫كما كان لنبي أن يكون له أسرى! أي إنبى كيبك‪ .‬وفي‬
‫قوله تعالما‪ :‬أتريدون عرض الدنيات‪ :‬المخاطب الصحابة‬
‫دون النبي ! )‪.(1‬‬
‫قال ابن تيميه‪:‬أ وفي الكتاب والسنة الصحيحة والكتب‬
‫ى هذا القول ما يتعذر‬ ‫التين نزلت قبل القرآن مما يواف َ‬
‫إحمصاؤه " )‪.(2‬‬
‫وقال أيضًا‪ :‬إثم إن العصمة المعلومة بدليل الشرع‬
‫والجماع‪ ،‬وهي العصمة‬
‫في التبليغ‪ ،‬لم ينتفعوا بها‪ -،‬يعني المتكلمة‪ -‬إذ كانوا ل‬
‫قُرون بموجب ما بلغته النبيلكل‪ ،‬و)نما يقرون بلفظ‬ ‫ئ ِ‬
‫ه التي كانوا ادعوها‪ -‬لو كانت‬ ‫يحرفون معناه‪ .‬والعصم ْ‬
‫ثابتة‪ -‬لم ينتفعوا بها‪ ،‬ول حاجة بهم إليها عندهم‪ ،‬فإنها‬
‫متعلقة بغيرهم ل بما أمروا باليمان به‪ .‬فيتكلم أحدهم‬
‫فيها على النبياء بغير سلطان من الله‪ ،‬ويدع ما يجب عليه‬
‫من تصديق النبياء وطاعتهم‪ .‬وهو الذي تحصل به‬
‫السعادة‪ ،‬وبضده تحصل الشقاوة "‪ .‬ا هـ‪.‬‬
‫وقال نرى موضع ثالث‪) :‬والذين ل يقولون بصدور مخالف‬
‫عن النبياء‪،‬‬
‫تأولوا كل ذلك بمثل تأولت الجهمية‪ ،‬والقدرية‪ ،‬لنصوص‬
‫الصفات والمعاد‪ ،‬وهي‬
‫)‪ (1‬حاشية البناف! على بيع الجوامع ‪ (2) 378/2‬الفتاوى‬
‫الكبرى‪ ،‬ط الرياض ‪295 /10‬‬
‫‪154‬‬

‫) ‪(1/150‬‬

‫من جنس تحويلت الباطنية والقرامطة‪ ،‬التي يعلم‬


‫بالضرورة أنها باطلة‪ ،‬ولذا من باب تحريف الكلم عن‬
‫مواضعه ‪.(191‬‬
‫!!ل‬
‫قدم منا بيانا ً لمذاهب العلماء في عصمة النبياء‪ ،‬وما يحتج‬
‫به لكل قول‪ ،‬ونحن‬
‫نبين ما نختاره‪ ،‬ونَرتب ذلك بحسب ما يقال بالعصمة منه‪.‬‬
‫ل‪ :‬دعا إى الرسالة ومجموع القرآن والشريعة‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫فما وقصت المعجزة مصدقة له من صحة دعوى الرسالة‪،‬‬
‫ود القرآن والشريعة من عند الله تعالى‪ ،‬وما بلغه !به!م‬
‫وأثبته العجزة‪ ،‬فكل ذلك مقطوع بالعصمة من أي خلف‬
‫فيه‪ ،‬بدليل المعجزة المتقدم ذكرها‪.‬‬
‫ثانيَا‪ :‬تبليغ ا‪ ،‬ذات وبيان الحكام بالولى والفعل‪:‬‬
‫تقدم أن هذا المر مجمع عل العصمة من الصرار عليه‪،‬‬
‫فما استقرت في الشرلعه مما أبلغه يكن أمحه ل بد أن‬
‫لكون من عند الله تعالى‪ ،‬بدلله البداع كما تقدم‪ ،.‬بدللة‬
‫قوله تعالى ة جولو تقول علينا بعض القاويل لخذنا منه‬
‫باليمن ثم لقطعنا منه اللتين ل ‪ ،(2‬رقوله‪).:‬فينسخ الله ما‬
‫يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ! )‪ ،(3‬وقوله‪:‬أ وإن‬
‫كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليها لتفتري علينا غيره‬
‫وإل ّ لّتخذوك خليل " ولوله ن ث!ْتناك لقد كدت تركن‬
‫ل! إذا ً لذقناك ضعف الحياة وضعف الممات‬ ‫إليهم شيئا ً قلي َ‬
‫منا نصيرًا! )‪.(4‬‬
‫ثم ل تحدد لك عل ِ‬
‫لكن هل يتصور أن يصدر ما فيه هدف فيصبح‪ ،‬أو ل يتصور‬
‫صدرته أصل؟ هذا موضع الشتبل!‪ ،‬وعنده اختلفت النظار‪.‬‬
‫وظاهر اليات السابقة مشعر بإمكلن ذلك ! ومنهم من‬
‫مل البداع كل امتناعه كما تقدم‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬ ‫ن ّ‬
‫)‪ (1‬يصوغ الفتاوف البىت ق‪ ،‬مطبعة‪ ،‬كردستان العلمية‪،‬‬
‫‪ (3) 283/2‬سلم رد بطاقة‪ :‬أية ‪ (3) 44‬سرية اتت‪ :‬آية ‪2‬‬
‫في )‪ (4‬سو‪ 8/‬الم‪ -‬ا"‪ :‬أية ‪73‬‬
‫‪155‬‬

‫) ‪(1/151‬‬

‫ما لصًا‪ :‬ا لكلباثر‪:‬‬


‫القول فيها كالقول في النوع الثاني المتقدم أعله سواء‪.‬‬
‫ل بعد‪ :‬ا لصغائر‪:‬‬
‫سة فهي والكبائر ول فرق‪.‬‬ ‫أما صغائر الخ ّ‬
‫وأما ما عداها كالنظرة‪ ،‬والكلمة اليسيرة من السب ونحن‬
‫عند الغضب‪ ،‬والضربة بغير حق‪ ،‬فقد قال الغزالي‪ :‬توأما‬
‫الصغائر ففيه تردد بين العلي !‪ ،‬والغالب عل الظن‬
‫وقوعه‪ ،‬وإليه يشير بعض اليات والحكايات ! )‪-"1‬‬
‫وأجازه كثير من المعتزلة والشاعرة )‪ (3‬وهو المعتمد‪،‬‬
‫خلفا ً للمامية والحنفية يا وبعفه متاخرة المتكلمين )‪.(4‬‬
‫ويتدارك بالتوبة أو النكار من جهة الله تعالي‪.‬‬
‫خامسًا‪ :‬الخطأ في العمل بالشريعة‪ ،‬والفتاء‪:‬‬
‫أي قي استنباط الحكام وفي تطبيق الحكام عله الوقائع‪،‬‬
‫في حق‬
‫نفسه عن‪ ،‬وحده غيره‪ ،‬من غير تعضد للمخالفة‪ ،‬لن تعميد‬
‫المخالفة داخل قي الصغائر أو في الكبائر‪ ،‬وحكمها قد‬
‫تقدم‪.‬‬
‫والخطأ مبني على جواز الجتهاد وعدمه‪ ،‬فمن قال بجواز‬
‫اجتهاده ! قال بإمكلن صدور الخطة تاؤًل‪ ،‬وينبه عليه‪ .‬هذا‬
‫على مذهب من يقول‪ :‬المصيب واحد‪ -‬ل على مذهب من‬
‫يقول‪ :‬كل مجتهد مصيب )‪.(5‬‬
‫وصاحب جمع الجوامع صعب أنه جم!يم يجتهد‪ ،‬ولكن ل‬
‫يخطى!ر )‪ ،(،‬مع‬
‫قوله‪ :‬إن المصيب في الجتهاد واحد‪ .‬وهذا الجمع بن‬
‫المرين مستبعد‪.‬‬
‫)‪ (1‬المنخول فيه ‪ (2) 223‬الموافق ‪265 /8‬‬
‫)‪ّ (3‬ليسم!مر التحرير ‪ (4) 21 /3‬انظر ليضأ‪ :‬إرشاد‬
‫الفحول ص ‪ 1 (51 34‬لمستشفى ‪49/2‬‬
‫)‪ (6‬جمع الجوامع لل!سبكي وشرحه للمحلى ‪389 ،387/2‬‬

‫) ‪(1/152‬‬

‫والقول بإمكان وقوع الخطر بالتحول‪ ،‬مع التنبيه عليه‪،‬‬


‫أصوب‪ .‬وهو مذهب الحنفية )‪ ،،1‬فلقد اختاره المني‪،‬‬
‫ونقله عن الحنابلة وأصحاب الحديث وجماعة من المعتزلة‪،‬‬
‫وأكثر المتكلمين )‪.(2‬‬
‫ومن أدلة وقوعه قوله تعالى‪ :‬فعفا الله عنك لم أذنت لهم‬
‫! وقصة استغفاره جمعه للمشركين‪ ،‬وقيامه على قبور‬
‫المنافقين‪.‬‬
‫ربما ورد في قصة أسرى بدر)‪ ،"3‬من أمره سر باستئجار‬
‫السرى‪ ،‬ثم إفاداتهم‬
‫بإشارة أبي بكر رضي الله عنه‪ ،‬حتى نزل قول أرز تعالى‪:‬‬
‫كما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الرض‬
‫تريدون عرض الدنيا والله يريد الخرة والله عزيز حكيم !‬
‫لول كتاب من الله سبق لمسعكم فيمار خاتم عذاب‬
‫عظيم ! )‪.(4‬‬
‫ونحن نرى أن الخطر الذي وقع‪ ،‬على القول بإمكلن‬
‫صدوره‪ ،‬أن الله تعالى‬
‫أمروه سورة القتال في حق العدل قبل الثخان بأمر واحد‬
‫عيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا‬ ‫محمد‪) :‬فإذا ل َ‬
‫دوا الوثيق ! ْ)( وحالة القتال في بدر كانت‬ ‫أثخنتموهم فش َ‬
‫داخلة في هذا الحكم‪ ،‬إذ كان المسلمون فقراء‪،‬‬
‫مستضعفيهة‪ ،‬محتقرين‪ ،‬ل يرهبهم أحد من العرب وخاصة‬
‫أهل مكة‪ .‬وكان ذلك يؤّلب العرب عليهم‪ ،‬ومحالهم مطمعا ً‬
‫لكل حد‪ .‬فكان تأسيس الهيبة والرهبة‪ ،‬التي تكف العدوان‬
‫عنهم‪ ،‬ل بد فيه من ضرب الرقاب وامتناع السر حتى‬
‫د‪ ،‬وتجميع السرى‪ ،‬مخالفا ً‬ ‫يحصل الثخان‪ .‬وكانا شذ الوثا ْ‬
‫للشص‪ .‬فكان السر ومعاداة السرى أجتهادأ‪ ،‬وكان ا‪-‬لمل‬
‫عليه ما قال أبو بكر رضي الله عنه‪ :‬يا رسوله الّله هم‬
‫لذلك وعشيرتك‪ ،‬ولع ّ‬
‫ل الله أن يهديهم ة كما أشار إليه‬
‫)تريدوده عرض الدنيات أي الفدية‪ ،‬وهذا عمل بالقياس أو‬
‫المصلحة في مقابلة النص‪ .‬ومن أجل ذلك وقع العتاب‬
‫فيه‪ ،‬وامشحقه العاملودن به العقاب‪ .‬قال الله تعالى‪:‬‬
‫للول كّتاب الله سبق‬
‫)‪ (1‬كشف السرار علي البزاوي ‪ 929 /3‬وتيسير التحرير‪-‬‬
‫كتاب الجتهاد‪ (2) .‬اليام ‪ (4) 29 1 /4‬سورة النفال‪ :‬آية‬
‫‪ (31 69 ،68‬روضة الناظر بتعليق بدران ‪ (5) 421 /2‬سورة‬
‫حال(‪ :‬آية ‪4‬‬
‫عمد )الق َ‬
‫‪157‬‬

‫) ‪(1/153‬‬

‫لمسكم فيما أخذتم عذاب عظيم ! ولو كان المر مجرد‬


‫خطا في الجتهاد المأذون فيه‪ ،‬لما استحق المجتهد‬
‫العقوبة‪ ،‬لن الدلة الشرعية قد قررت أن المجتهد معذور‪،‬‬
‫بل هو مثاب عله اجتهاده‪.‬‬
‫ول يعني قوله تعالى‪) :‬فكلوا مما غنمتم حلل طيبأ! نسخ‬
‫آية تحريم السر‬
‫قبل الثخان‪ ،‬بل هي باقية ثابتة‪ ،‬تؤيدها العلوم العسكرية‪،‬‬
‫واستقراء الوقائع التاريخية المعلومة عند نشاط الحولة‬
‫الجديدة‪ .‬ولكون الذي وقع هو تسويغ التعاقد الدولي الذي‬
‫تتم مع أهل محلة‪ .‬لن العقد على المناداة كان قد وقع‪،‬‬
‫وكان يخص إلغائه ضرر كبثير يلحق سمعة الدولة‬
‫فر عنها المقبلتين عليها‪ ،‬ويمكن للدعاية‬ ‫السلمية‪ ،‬وين ّ‬
‫المعادية من التأثير على أهلها )‪."1‬‬
‫وقد احتخ! مانع صدور الخطأ عنه غد بأمور‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن اجتهاد أهل الجماع معصم من الخطأ‪ ،‬فاجتهاد‬
‫النبي !غ!يو أصلى بالعصمة من الخطأ‪.‬‬
‫ود جيب عن هذا بان اجتهاد!! أولى بالصواب من اجتهاد‬
‫كل واحد من‬
‫أهل الجماع على انفراده‪ .‬ذكره الرازي الرصاص )‪.(2‬‬
‫وأجيبك يضاف‪ ،‬بأنه ل مانع من أن تختص المة برتبة‬
‫بسبب اتباعها لنعيها‪،‬‬
‫وله جمع من الفضائل من النبوة ة وغيرها‪ ،‬وأصل‬
‫العصمة؟ ما يرجح به على المة‪ .‬ونظروا لذلك بالمام‬
‫الكبر‪ ،‬ل يلزم أدت يكون له رتبة القضاء‪ ،‬وإن كانت رتبة‬
‫القضاء مستفادة منه‪ ،‬ول يعود ذلك عليه بنقص أو‬
‫انحطاط رتبة‪.‬‬
‫وإنما جاز وقوع الخطر منه‪ ،‬لجل مصلحة تشريع الجتهاد‪،‬‬
‫والتشاور‪،‬‬
‫ه‪ ،‬وجدنا‬ ‫)‪ (1‬هذا المعنى الذي أخفنا به فىه هذه الواقع َ‬
‫ه‬
‫الشيخ عبدالرحمن الجفيري قد أخذ به في مقال له بمجل ّ‬
‫الزهر مجلد سنة ‪ 1356‬ص ‪ .680‬وقال السيد رشيد رضا‬
‫يتوجه العتاب إليهم‪ ،‬بعد بيان سنة النبيل ل المسالة‪ ،‬الدال‬
‫باليماء على وممول النكلر رالمتاب له صلوات الّله‬
‫وسلمه عليه وعل آله "‪.‬أ تفسحير المنار ‪.(86/10‬‬
‫‪ (21‬أصول الرصاص ‪ 320‬ب‪.‬‬
‫‪158‬‬

‫) ‪(1/154‬‬

‫واستنباط الحكام‪ ،‬ووراء ذلك الوحي يصحح ما وقع من‬


‫الخطأ‪ ،‬بخلف الجماع بعده يكره )‪ ،،1‬فليس هناك ول‬
‫يصححها‬
‫الثاني‪ :‬يلزم على إجازة الخطر‪ ،‬أن الصحابة كانوا‬
‫مخمورين باتباع جاهز الخطر‪ .‬وذلك باطل‪.‬‬
‫وأجيب بان بطلن ذلك ممنوع‪ ،‬بدليل المر بطاعة الئمة‬
‫وأولي المر في اجتهاداتهم‪ ،‬مع عدم عصمتهم من الخطأ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أنه يلزم‪ ،‬على إجازة الخطر‪ ،‬الشك فيما يقوله‬
‫يئه!رو عن اجتهاد‪،‬‬
‫وذلك يخل بمقصود البعثة‪.‬‬
‫وأجيب عن ذلك بان الشوا في ما يصدر عن اجتهاد ل يح ّ‬
‫ل‬
‫بمقصود البعثة‪.‬‬
‫إ‪:‬لما الذي يخل بمقصودها الشك في نفس الرسالة )‪.(3‬‬
‫وقد عهد من الصحابة مراجعة النبي جمل فيما علموا( له‬
‫صدر عن اجتهاد‪ ،‬كما فعل الشباب بن المنذر‪ ،‬إذ قال ة يا‬
‫رسول اللهم هذا منزل أنزئكة الله‪ ،‬ليس لنا أن نتهم عنه‬
‫أو نتأخر‪ ،‬أم هو الرأي والحرب‪ 1،‬لمكيدة؟ قال‪ :‬بل هو‬
‫الرأجما والحرب والمكيدة‪ .‬قال‪ :‬ليس هذا لما بازل‪ ...‬إلخ‬
‫الحديث )‪ ."3‬وكاعتراض عمر لصلته بل على كبير‬
‫المنافقإق عبدالله بن أبي‪ ،.‬قد تقدمت‪.‬‬
‫فالصح إذن جواز وقوع الحطب‪ .‬كما أشرنا إلى ذلك؟ مع‬
‫عدم القرار عليه‪.‬‬
‫ص ف لكن تيسير الثح!رير ‪191/4‬‬ ‫)‪ (1‬بت ِ‬
‫)‪ (2‬تيسيير التحرير‪190 /،‬‬
‫سرة ابن هشام قي قصة بدر‪.‬‬ ‫‪ (31‬س ِ‬
‫أنني الئحافاء ‪-144 /2‬تيحسو الحرى ‪ 263/3‬وانظر أيضا‬
‫ابن دقيق العيد‪ ،‬الحكم في عمدة إلى‪ ،‬حكام ‪ .282/1‬وقد‬
‫ذهب صواحب تيسر التحرير إلى الحقه أن السهر‬
‫!‪ ،.‬أل ا لثيرء ميت الذات ة مح يقدمه احاقظة‪ ،‬والنسيان‬
‫ذهابه من الذاكرة والحافظة كلمهما‪ .‬فالنسيان كنمه‬
‫أعم!! أثران‪.‬‬
‫‪159‬‬

‫) ‪(1/155‬‬

‫سادسَا‪ :‬السهو والنسيان‪:‬‬


‫أما فيما ل يتعلما بالبلغ وبالتكليف‪ ،‬كانت ينسى ما سمعه‬
‫من القصص والخبار وكلم الناس‪ ،‬فل إشكال في جواز‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ول القرآن إشارات إلى أن الله تعالى قد ُينسي نبيه !حنم‬
‫شيئا ً مما أوحاه إليه من‬
‫القرآن مما يريد تعالما أن ينسخه‪ ،‬كقوله تعالى‪! :‬سنقرئك‬
‫خ من آية‬ ‫فل تنسى إّل ما شاء الله ! )‪ ،(1‬وقوله‪ :‬لما ننس ْ‬
‫سها نأت بخير مخها أومثلها! )‪ .(2‬وأما سائر ما يوحى‬ ‫أو نن ْ ِ‬
‫إليه !ئه! من القرآن‪ ،‬والقوال! التي يأمره بتبليغها‪ ،‬فهو‬
‫معصم من النسيان فيها بالجماع‪ .‬فإن قوله تعالما‪:‬‬
‫)سنقرئك فل تنسى! يدل على أن الله تعالى يعصمه من‬
‫نسيانه‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪ :‬أل تحرك به لسانك لتعجل به‬
‫إن علينا جمعه وقرآنه !‪ (3،‬وجمعه‪ ،‬كما قال المفسرون‪،‬‬
‫جمعه في صدره ! حتما ل يفقد منه لمياء‪.‬‬
‫ولكون ورد جما بعض الحاديث أنه خط نسي بعض اليام‪.‬‬
‫ففي سنن أبي‬
‫داود عن ابن عمر‪ :‬أن رسول الله عن صلى صلة‪ ،‬فقرأ‬
‫فيها‪ ،‬فلنسيا عليه‪ .‬فلما انصرف قال لبي بن كعب‪:‬‬
‫"أصليت معنا؟ ! قال‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬أفما منعك ! قال‬
‫الخطابي‪ :‬إسناده جيد‪-‬‬
‫وروى أبو داود أيضا عن مسور بن يزيد المالكي‪ ،‬قال‪:‬‬
‫شهدت‬
‫رسول الله !ك! يقرأ في الصلة‪ ،‬فترك آية من القرآن‪،‬‬
‫فقيل‪ :‬يا رسولي الله‪ :‬آية كذا وكذا تركتها‪ .‬قال‪) :‬فهل‬
‫ذكرتنيها"‪.‬‬
‫فإن صح الحديث بذلك‪ ،‬فالذي ينبغي أن‪ ،‬يقال‪ :‬إنه إذا أبلغ‬
‫النبي له‬
‫( صحابه ما أوحي إليه به‪ ،‬وخاصة إذا كتب يخص المصحف‪،‬‬
‫دت المانة‪ ،‬فل يمتنع أن ينسى!ه‬
‫وقد حصل البلد وقأ ً‬
‫شيثأ منه‪ .‬قال ذلك ابن عطية )‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬سورة العلى‪ :‬آية ‪6‬‬


‫‪ (31‬سورة القيامة‪ :‬آية ‪16‬‬
‫)‪ (4‬الزركشي ة البحر المحيط ‪ 246/2‬ب‪.‬‬
‫)‪ (2‬سورة البقرة‪ :‬آية ‪186‬‬

‫‪165‬‬

‫) ‪(1/156‬‬

‫وأما ما كّلف به قط من الفعال فهل ينسى فيفعله ما‬


‫نهى عنه‪ ،‬أو يترك ما‬
‫أمر به سهرا ً عنه‬
‫تقدم أن المامية من الشيعة‪ ،‬والرازي في بعض كتبه‪،‬‬
‫وبعض من تابعهم‬
‫رجل في النبي !‪ ،‬منع صدور النسيان عن النبياء عليهم‬
‫الصلة والسلم‪ .‬وقد احتجوا برفعة مقام النبيل!‪ ،‬وأن‬
‫النسيان ينقص منه قدارهم*‬
‫ويجاب عن ذلك بان النبي !ي! ل يخرج عن طبيعته‬
‫البشرية المقتضية لوقوع‬
‫ذلك منه‪ .‬قال النبي يقع‪ :‬وإنما أنا بشر مثلكم‪ -‬في رواية‪:‬‬
‫أذكر كما تذكرون و‪ -‬أنسى كما تنسون " )؟(‪.‬‬
‫وقد استثنى بعض الذاهبيهط إلى امتناع النسيان عليه مج!‬
‫عرر‪ ،‬فاجازرا أن يسهو‬
‫قم أفته كيف يصنعون إذا نسوا‪،‬‬ ‫في أحوال خاصة‪ ،‬ليع َ‬
‫كهذا سها في الصلة‪ ،‬فعلمهم سجود السهو )‪ .(2‬واحتجوا‬
‫بحديث رواه مالك في موطئه "‪ ،(3‬بلغًا‪ ،‬وانفرد به‪ ،‬ونوه‪:‬‬
‫سن !‪ .‬وقد قال بعض الذاهبين‬ ‫فإني لذهب أو أَنسى ل ُ‬
‫إلى ذلك‪ :‬إنه جمع كان يتعمد أل ينسى في الصلة ليسن )‬
‫‪ .(4‬وملئه خطا‪ ،‬فإنا تعمد السلم من اثنتين ل الظهر مثل ً‬
‫يبطل الصلة والبيانو بالقول كاف‪ ،‬فل ضرورة ت ُْلجىء إلى‬
‫ذلك‪ .‬هذا بالضافة إلى عدم معقولية تعقيد النسيان‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬وهو المصوات إن شاء الله‪ :‬جواز نسيالط‬
‫التكليف والسهو‬
‫فيه‪ .‬وبهذا قالت الرازي في كتابه وعصمة النبياء(‪،‬‬
‫والمدي والغزالي والباقلني وغيرهم؟ وهو قوله جمهور‬
‫العلماء‪ ،‬بل ادعى بعضهم الجماع عليه ْ)(‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواها حمد وابن ماجه )الفتع الكبه! ورواه مسلم ‪/5‬‬
‫طا صلة‪31 /‬‬‫‪ 66‬والبخ!ار َ‬
‫)‪ (2‬الزركلي ة البحر المحيط ‪ 246/2‬ب‪.‬‬
‫سه على شرح الجواء ‪95 /2‬‬ ‫)‪ (3‬البنات‪ :‬حاش ّ‬
‫مط ‪!7/2‬ا ‪ ،1 2‬الشفاء ‪ 144 /2‬ونحسب هذا‬ ‫)‪ (4‬البحر المح ِ‬
‫القول إلى أبي المغلفة السنمرائيجا‪) .‬د( الشوكاني‪:‬‬
‫أرشاد الفحول كل ‪33‬‬
‫‪161‬‬

‫) ‪(1/157‬‬

‫والدليل لذلك أنه ل امتناع فيه عقًل‪ .‬وقد ورد في الكتاب‬


‫العظيم نسبته ألما النبياء‪ ،‬كقوله تعالى‪! :‬ولقد تهدف إلى‬
‫آدم من قبل فضلي و‪ /‬نجد له عزمًا! ووقع فعل ما قد ذكر‬
‫في السنة‪ .‬فقد حفظ من سهوه صون في الصلة مواضع‪،‬‬
‫سيها"‪.‬‬ ‫وقوله‪) :‬أريث ليلة القدر ثم ان ِ‬
‫القرار عله النسيان‪:‬‬
‫الذين قالوا بجواز النسيان عليه ! في الفعال التكليفية‪،‬‬
‫قرون عليه‪ ،‬بل ينئهرن عن قرب‪ .‬وهو‬ ‫قاله بعضهم‪ :‬ل ي ُ َ‬
‫قول الجمهور‪ ،‬كما حكاه الزركشي‪ .‬وقيل‪ :‬قد يتراخى‬
‫التصحيح‪ ،‬وإليه مال الجويني‪ ،‬ولكان ل ينقرض زماخه!م‬
‫وهم مستمرون على النسيان‪.‬‬
‫وهذا فيما يترتب عليه تشريع من الفعال‪.‬‬
‫أما الفعال التي ل يترتب عليها تشريع‪ ،‬فقد قال ابن‬
‫القشيري‪ :‬ل ُبعد أن ينسى‪ ،‬ثم ل يتذكر حتى ينقرض‬
‫زمانه‪ ،‬وهو مستمر على النسيان‪ ،‬مثل أق ينسى صلة ثم‬
‫ل يتذكرها )‪.(1‬‬
‫ملحق‪ :‬العوارض البدنية والنفسية‪:‬‬
‫‪ /‬يقل أحد بوجوب عصمة النبياء عن أن تلحقهم العوارض‬
‫التي تلحق غيرهم‪ ،‬من المرض والجوخ والعطش‪ ،‬والنوم‬
‫والغماء )‪ (3‬والتعب‪ ،‬والضعف والكبر‪ ،‬والجراح والموت‪.‬‬
‫وسواء لحقهم ذلك بدون تسبب من البشر أو بتسرب‬
‫منهم‪ ،‬فقدقتل بعفه النبياءقت ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وفي بعض الحوال كان الله عز وجل يعصمهم من‬
‫َأعدائهم‪ ،‬كما عصم‬
‫)‪ (1‬البحر المحيط ‪*(247‬‬
‫)‪ (2‬الذكاء الذي يطرح الشهر والشهرين ود كم‪ ،‬قال‬
‫الدارمي‪ :‬هو غير جائز لنه كالجنون‪ .‬بخلف الساعة‬
‫والساعتين‪ ،‬فهو جائز لنه شيه بالمرض والبحر المحيط‬
‫للزركشي ‪247/2‬‬
‫‪162‬‬

‫) ‪(1/158‬‬

‫إبراهيم من الحتراق بالنار‪ ،‬وعصم مولمة من أذى‬


‫فرعون‪ ،‬وعصم عيسى من القتل والصلب‪ ،‬صلى الله‬
‫عليهم أجمعين‪.‬‬
‫وأما نبينا محمد!ه فقد أصابه ما أصابه في الليه‪ ،‬وناله أذى‬
‫المشركا!ن‪،‬‬
‫كسرت رباعيته )‪ ،(1‬مسقط عن بعيره‪،‬‬ ‫ج يوم أخلت و ُ‬ ‫ش ّ‬ ‫ف ُ‬
‫سحر‪ .‬ومن جهة أخرى عصم يخص بعض‬ ‫شقه‪ ،‬و ُ‬‫حش ِ‬ ‫ج ِ‬ ‫و ُ‬
‫المواقف‪ ،‬فعاصم من أذى أبي جهل‪ ،‬وأنجي ليلة الهجرة‬
‫من المشركين‪ ،‬وفِنع عنه إراقة بن مالك‪ ،‬وبقي سيف‬
‫نورث بن الحارث‪ ،‬واغتيال عثمان بن طلحة العبدلي‪ ،‬رأْرَبد‬
‫بن قيس‪ ،‬وعامر بن الطفيل‪ ،‬وأعدمه الله بان بني النض!‬
‫ير يريدون اغتياله‪ ،‬وأخبرته الذصل! الذي شفت له‪ ،‬إلى‬
‫غير ذلك من الوقائع التي ذكرت ل السيرة‪ ،‬وعصمه الله‬
‫فيها )‪.،2‬‬
‫وهذا فشكل مع قوله تعالى‪ :‬فوالله يعصمك من الناس !‬
‫فإن هذه الية تقتضي عصمته في جمع الحوال‪.‬‬
‫والذكر أرا!( ن الوقائع التي ناله قرر فيها الذى من‬
‫الناس إنما كانت قبلي‬
‫نزول آية العصمة‪ .‬فإنها من سورة المائدة‪ .‬وسورة المائدة‬
‫من أواخر ما نزلت‪ .‬قال القرطبي‪ :‬قي روي لمنها نزلت‬
‫صرف النبي جمعه من الحديبية" )‪ .،3‬وُنقل أدت آية‬ ‫من ْ َ‬
‫ُ‬
‫العصمة المذكورة‪ ،‬نزلت في قصة نورث بن الحارث التي‬
‫وقعت بالحديبية )‪ .(4‬فإن صح الخبر بذلك‪ ،‬دل على أن‬
‫العصمة من أذى الناسخ مر ضمنه الله تعالى لنبيه يخص‬
‫السنة السابعة للهجرة‪ ،‬ل قبل ذلك‪ .‬وحينئذ فل إشكال إل‬
‫في قضية أكله‪-‬جبرا فراغ الشاة المسمومة‪ ،‬وأنه قال عند‬
‫جما أكلها بخيبر‪،‬‬
‫وفاته !مح!‪ :‬وما أزال أجده‪ /‬الطعام الذ َ‬
‫فهذان وأن وجدت انقطاع أزهريا من ذلك الي لم ما رواه‬
‫البخاري ْ)" وانفرد به‪.‬‬
‫)‪ (1‬شرقا البخاري قصة شجته يحور ولمحسر رباعيتهأ‬
‫فتح البارَياط الحلبي ‪ 1375/8‬ريكا سيرة ابن هشام أنه !‬
‫ليممي! صفا الظهر يوم أحد قاعدا ً من الجراح التي‬
‫حه )اليرة النبوية‪ .‬تحكتيق مصطانى المل‪ ،‬زملئه‬ ‫أصاب َ‬
‫‪.(87/2‬‬
‫ماخمصي عيان‪ :‬الشفا ‪ (3) 1 73/2‬الجمع لحكام‬ ‫)‪ (2‬ال ّ‬
‫مرأن ‪3 0 /6‬‬ ‫ال ّ‬
‫) ‪(1/159‬‬

‫)‪ (4‬ا!لمح !اح َ‬


‫طام القرآن ‪ (3) 346 /6‬يا البارقاط‬
‫)مصطفا الحلبي ‪163 (193 /9‬‬

‫) ‪(1/160‬‬

‫خلصة القول في العصمة‪:‬‬


‫قد تبين مما نقلناه من الخلف والحتجاج في المسألة‪ ،‬أن‬
‫التفاق حاصل على‬
‫أنه ل يستقر فيما بلغه النبي ! من الشريعة خطأ ول عمل‬
‫ف من‬ ‫مخالف لما أراد الله تشريعه لهذه المة‪ .‬وهذا كا ٍ‬
‫وجهة نظر الصرلما لن يبني عليه حجية البلغ‪.‬‬
‫( ما الفعال النبوية فل ينبني على الخلف في العصمة‬
‫فيها كبيرأمر‪ -‬فأما من‬
‫قال بجواز صدور الذنب‪ ،‬ولم يلتزم العصمة من القرار‬
‫عليه‪ ،‬فقد قيل بأنه يبني على ذلك عدم حجية الفعل‬
‫النبوي‪ .‬وقد نسب إلى الباقلني في ظاهر ما نقله ابن‬
‫حز!ع! في والفصل( )‪ .(1‬وقال الموي في الفعل الصادر‬
‫و ل‪ ،‬قال‪! :‬‬ ‫عن النبي !‪ ،‬هل يستفاد منه الحكم في حقنا أ ْ‬
‫وبعض من جوز المعاصي على النبياء قال هي على‬
‫الحمرا‪ .‬ورد ذلك تلميذه أبو شامة بقوله‪:‬إ ليس ماخذ‬
‫قولهم إنها على الحظر تجهيزهم المعاصي على النبياء‪،‬‬
‫بل ماخده أنه الشياء باقية على أصلها في التحريم إلى‬
‫أن يقوم دليل الباحة‪ ،‬بصورة الفعلي ل دليل فيها‬
‫جية‬‫بالنسبة إلى المة! )‪ .(3‬ونحن سنذكر إثبات العليا ح ّ‬
‫الفعل النبوي حتى عله افتراض قيام هذا الحتمالي في‬
‫بعفالفعال‪.‬‬
‫وأما من أجاز صدور الذنب والخطأ والسهو منهم‪ ،‬وألتزم‬
‫وجوب العصمة‬
‫ّ‬
‫من القرار عليه‪ ،‬فالمر في حقه واضح‪ .‬إل أنه قد ب ََنى‬
‫عليه ابن عقيل الحنبلي قيدا في الستدللي بالفحل‬
‫النبوي‪ ،‬وهو أن الفعالط الواقعة على غيي جهة القربة‪،‬‬
‫عت ََبة من‬‫م ْ‬
‫ة بان ل تتحقَبها َ‬
‫ي مشروط ً‬ ‫ل تدل على الباحة إل ّ‬
‫الله‪ ،‬أو استغفار منه يا‪ ،‬واستدراك‪ ،‬حيث إنه ل يقر على‬
‫الحنطة‪ .‬قالت‪! :‬وهذا ملحوظ في هذا الفصل على من‬
‫ك على من أجله‪ ،‬بل أطلق القول اطلقًا!‪.‬‬ ‫أغفله‪ ،‬مستدَر ٌ‬
‫وضرب مثل بقيامه يد على قبور المنافقين‪ ،‬واستغفاره‬
‫لبعض المشركين )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬الفصل فخا الملل والنحل ‪2/4‬‬
‫)‪ (3‬المحقق من علم الصول‪ ،‬محطوط‪ :‬الورقة ‪(10‬‬
‫)‪ (3‬الواضح في أصول الفقه ق ‪-1126‬‬
‫‪164‬‬

‫) ‪(1/161‬‬

‫ومن أبي ذلك فتحقيق القول في العصمة‪ ،‬ليس موضعه‬


‫الباحث الصولية‪ ،‬وإنما موضعه كتب العقائد‪ .‬وقد أحسن‬
‫المني بإخراج دقيق هذه المسألة عن مباحث الصول‪،‬‬
‫والحالة بها إلى كتب علم الكلم‪.‬‬
‫هل يجوز أن يرتكب النبي مجد‪ ،‬المحرم للمال ملحة‬
‫الراجحة‪:‬‬
‫ذكر الشاطري أن ذلك قد يقع )‪ .(1‬ومثل ذلك بتقريره له‬
‫للزاف! بصريح‬
‫قر‪" :‬لعلك‪...‬‬‫م ِ‬‫القول‪ .‬يعني الشاطري قول النبي !! لل ِ‬
‫لعلك‪ " ...‬حتى قال له‪ 11 :‬نكتها؟ " ل يكلني )‪ .(2‬مع أن‬
‫ذكر هذا اللفظ في الصل محرم‪ .‬ولكن فعل ذلك لنه‬
‫قر توفر ما ليس‬ ‫ن من أن يكلون الم ِ‬ ‫م ُ‬
‫يترتب على ذكره ال ْ‬
‫بزنا ً زنا‪ ،‬فيفضي إلى رجمه بل حق‪ .‬ولذلك أكده !ك!‬
‫بقوله‪ :‬وكما يغيب الميل في الرحلة‪ ،‬والرجاء في البئر"‪.‬‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪) :‬أتدري ما الزنا؟ " إلى آخر الحديث‪.‬‬
‫وليس معنى ذلك أن النبي ! يكون قد فعل ما فيه الثم‪،‬‬
‫ة الراجحة ألغت التحريم‪ ،‬فعاد الفعل مباحا ً بل‬ ‫بل الصلح ُ‬
‫واجبًا‪ ،‬في تلك الحالة الخاصة‪.‬‬

‫)‪ (1‬ا لمرا فقات ‪1 /3‬كم ‪3‬‬


‫)‪ (2‬رواه البخاري ‪165 135 /12‬‬

‫) ‪(1/162‬‬

‫المقام الثاني‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫هل يفعل النبي صلى اللي عليه وسلم فعل حكمه‬
‫الكراهة؟‬
‫أما أنه‪ !-‬يفعل المكروه سهوا أو غلطا أو تأول‪ ،‬فل‬
‫إشكالي في إمكان ذلك‪ ،‬وخصوصا على قوله من يجيز‬
‫صدور الصغائر على ذلك الوجه‪ ،‬لن صغائر الذنوب من‬
‫جملة المحزمات‪ ،‬وهي أشد من المكلروهات‪ ،‬والمكروه ل‬
‫إثم في فعله ! أن كاد تركه أولما‪.‬‬
‫وأما أنه يفعله عمدًا‪ .‬ففيه تفصيل‪ .‬وذلك أن فعل المكروه‬
‫على وجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪:‬‬
‫أن يفعله ل بقصد بيان الجواز‪ .‬وقده منع هذا النوع كثير‬
‫من الصولية‪.‬‬
‫ومن أجاز صدور الصغائر عنه !‪ ،‬يلزمه إجازة المكلروهات‬
‫صم منه‬‫ع َ‬
‫من باب أولى‪ .‬والذين منعوه أدخلوه يخص ما ئ ْ‬
‫النبي له بدليلين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن المكروه منهي عنه‪ ،‬وقبيح‪ ،‬فكيف يحالف النبا!‬
‫كل! فيرتكب ما‬
‫نهاه الله عنه من القبيح؟ )‪.(1‬‬
‫والثاف!‪ :‬أن التاسيس به مطلوب‪ ،‬فل يقع منه مكروه‪ ،‬إذ‬
‫لو وقع لكان التأسئي‬
‫فيه مطلوبًا‪ ،‬فل يكون مكروهًا"‪(2‬‬
‫)‪ (1‬ابن السبكي‪ :‬انظر النقل عنه عند البناء في حاشيته‬
‫عل شرح جمع الجوامع ‪ 96/2‬ونقده الزركشي في البحر‬
‫عتا ببعضهم‪ 246 /2 ،‬ب وانظر الشاطبي‪ :‬الموافقات‪.‬‬
‫‪ (21‬ابنا أبي شرف‪ :‬حاشيته عله جمع الجوامع‪ .‬نسخ خطية‬
‫بمكبة الوقاف بالكويت ص ‪175‬‬
‫‪166‬‬

‫) ‪(1/163‬‬

‫وبعضهم‪ /‬يستند في منعه إلى العصمة‪ ،‬وإنما‪ /‬يحمل فعله‬


‫قط على الكراهة‬
‫لنا الظاهر وقوفه ين عند النهي ل يتجاوزه‪ .‬قال‬
‫القرافي‪ :‬فإن فعل الدم !ن!‪ ،‬ل يقع فيه محّرم لعصمته‪،‬‬
‫ول مكرره لظاهر حاله "‪ .‬ومعنى هذا وجود احتمال ضئيل‬
‫بكون فعله به مكروها ً ولكن ل أثر لذلك الحتمال في منع‬
‫استفادة الحكام من الفعال‪ .‬ولعل هذا مراد ابن السبكي‬
‫في قوله في جمع الجوامع‪) :‬وفعله ضد غير محزم‬
‫للعصمة‪ ،‬وغزير مكروه للندرة( )‪-(1‬‬
‫الوجه ا‪ -‬لثاني‪:‬‬
‫مدأ ليب!!ق الجواز‪ .‬وذلك أن المكروه‬ ‫ع ْ‬
‫أن يفعل المكروه َ‬
‫جائز‪ ،‬لعدم الثم‬
‫واللوم في فعله‪ ،‬وإن كان تركه أولى لن قي تركه أجرأ‪،‬‬
‫فإذا أريد بيان ذلك‪ ،‬أي بيان أن الفعل غير محرم‪ ،‬فقد‬
‫ه علم أنه غ!يرمحرم‪.‬‬ ‫يبينه !ك! بأن يفعله‪ ،‬فإذا فعل ُ‬
‫رالفعل حيئنذ في حق النبي يكن واجب من جهة البيان كما‬
‫تقدم‪ .‬فل يقال إنه رقع في الكراهة‪ ،‬بل هذا في حقه من‬
‫باب تعارض المصلحة والمفسدة ‪ 4‬فإن نىف فعله مصلحة‬
‫البيان‪ ،‬ومفسدة مخالفة الخفي‪ ،‬ومصلحة البيان أرجح‪-‬‬
‫وقد تكون المصلحة غير البيان‪ ،‬فيفعل المكروه لجلها‪،‬‬
‫كالتهاجر ثلثا ً‬
‫فإنه في الصلي مكروه‪ ،‬ومجوز لمصلحة التأديب‪.‬‬
‫وقد نقل ابن تيميه )‪ (2‬عن القاضي )( بي يعله الحنبلي(‪،‬‬
‫جأ بان فعله !‬ ‫المنع من فعله ! المكروه لبيان الجواز‪ ،‬محت ّ‬
‫َ‬
‫ل أليان‪ .‬وربما اسُتدل لهذا‬ ‫يفهم منه انتفاء الكراهية‪ ،‬فيخت ّ‬
‫القول بقول النبي !ك!‪" :‬ما بال قوم يتنزهون عن الشيء‬
‫اصنعه‪ ،‬فوالْله أني لخشاكم دمه‪ ،‬وأعلمكم بما أتقيأ )‪.(3‬‬
‫والمكروه إنما يترك تنزهت‪ .‬وقد أنكر النبي كك!ع التنزه‬
‫عن مثل فعله‪ ،‬فدل على أنه ل يكون مكروهًا‪.‬‬
‫والصواب جواز هذا النوع‪ ،‬لنه يحصل به البيان المطلوب‪،‬‬
‫ويمكن التنبيه‬
‫عله كراهته بالقول‪ ،‬إذا لم تعلم بالقرائن‪.‬‬

‫)‪ (1‬جمع الجوامع مع شرح المحلي ‪ (3) 96/2‬البخاري‬


‫ومسلم ود حمدا الفتح ال!ب!!‪.‬‬
‫)‪ !2‬المسودة في أصول الفقه ص ‪74‬‬

‫‪167‬‬

‫) ‪(1/164‬‬

‫وقد جعل منه ابن حجر استعانة النمو مجد بالغيرة في‬
‫صب الماء عليه لجل الوضوء‪ -‬وصل عليه أيضا أسامة بن‬
‫زيد )‪ ،(1‬وجعل بعضهم منه القتصار في الوضوء على مرة‬
‫مرة‪ ،‬أو مرتين مرتين ! وهر المكروه الذي بمعنى خلف‬
‫ن جوازه وإجزاحه‪ .‬وجعل منه‬ ‫الولى‪ .‬ركل ذلك ليبي َ‬
‫الحنفية وضرعه ! بسؤر الهرة‪ .‬بالشاطبي جعل في جواز‬
‫فعل المكلروه للبيان شرطا ً هو أن ل يكن الفعل المكروه‪،‬‬
‫ول يواظب عليه‪ ،‬لن ذلك يفيها إلى إيهام إباحته أر‬
‫استحبابه أو وجوبه‪ ،‬فينقلب حكمه عند من ل يعلم‪ .‬قال‪9 :‬‬
‫ول سيما المكروهات التي هي عرضة لن تتخذ سننًا‪ ،‬وذلك‬
‫المكروهات المفتولة في المساجد‪ ،‬وفي مواطن‬
‫الجتماعات السلمية والمحاضر الجمهورية" )‪ .(3‬وهو‬
‫تقييد حسن‪.‬‬
‫وقيد أيضا ً بأنه ! يقتصر على القدر الذي يحصل به البيان‪،‬‬
‫فل يتعداها‬
‫قال‪" :‬إذا ترجح بيان المكروه بالفعل‪ ،‬تائهة الفعل على‬
‫أقل ما يمكن وأقربه لل(‪ .‬وموضع بيان المكروه بفعله هو‬
‫أن يكون مظنة لعتقاد تحريمها ولذلك يكون‬
‫بيانه بفعله أبلغ من بيانه بالقول‪ .‬وقد تقدمت الشارة‬
‫إلى هذا المعنى‪.‬‬
‫‪ (11‬صحيح البارد‪ .‬انظر فتح البارز ‪285 /1‬‬
‫)‪ (2‬ألموا فمئات ‪ (3) 332 /3‬ا لمرا فقات ‪168 32 0 /3‬‬

‫) ‪(1/165‬‬

‫المبحث الجاك‬
‫كليف يعّين حكم الفعل الصادر عنه به بالنسبة إليه خاصية‬
‫قدمنا في المبحث السابق أن الفعال التي تصدر عنه به‬
‫إمساك يكون واجبة‬
‫عليه‪ ،‬أو مندوبة‪ ،‬أر مباحة‪ .‬وقد يفعل المكروه لبيان‬
‫الجواز‪ .‬وأنه عل قول بعض الصوليين قد يفعل ما نهاه‬
‫الله تعالى عنه خطا‪ ،‬أو نسيانًا‪ ،‬أو تعمدا ً للصغائر‪ ،‬ولكنه‬
‫عند جميعهم ل ُيقّر كلى ما ترتب عليه من ذلك شيء من‬
‫التشريع‪ ،‬بل يصبح له لكيما تتم عصمة الشريعة‪.‬‬
‫فانحصرت( فعاله التشريعية التي أقر عليها في الواجب‪،‬‬
‫والمندوب‪ ،‬والمباح‪ ،‬والمكروه الذي يفعله لبيان الجواز‪،‬‬
‫ولكنه في حمقه جائز بل ربما كان راجبن‪ .‬وغرضنا في‬
‫هذا المبحث الذي نحن فيه أن نتعرف الطرقة التي بها‬
‫يتعلق‬
‫لدينا حكم فعله صح‪ ،‬إذ إنا ذلك المعين أساس لستفادة‬
‫الحكم من الفعل في حق المة‪ ،‬كما ياقش في الفصول‬
‫التالية أن شاء الله‪.‬‬
‫المطلب الول‬
‫تعلن الواجب من أفعاله صلى الّله عليه وسلم‬
‫يدعيهما الواجب منا أفعاله مجدو بأمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬القول‪ ،‬بان ينص النبي ! بالقول على أن ها فعله‬
‫واجب عليه‪ .‬الثاني‪ :‬أن يكون الفعل قد ورد مراد البيان‬
‫لقول ما‪ /‬على الوجوب‪.‬‬
‫‪169‬‬
‫) ‪(1/166‬‬

‫ومثاله فعله جمب!م لعداد الرعاة في الصلوات‬


‫المكتوبات‪ ،‬هو بيان لقوله تعالى‪) :‬رأقيموا الصلة! )‪.(1‬‬
‫وسئل ! عن أوقات الصلوات المفروضة‪ ،‬فقال للسائل‪:‬‬
‫ل معنا هذين اليومين "‪ .‬فبيهأ بفعله ‪ 3‬ول الوقت‬ ‫"ص ّ‬
‫وآخره "‪.‬‬
‫وشبيه بذلك أن يقع الفعل امتثال لية دالة على الوجوب‪،‬‬
‫فيعلم أنه واجب‪ -‬ومثاله صوم شهر رمضان‪ ،‬فإنه واجب‪،‬‬
‫لنه امتثال لقوله تعالى‪ :‬أفمن شهد منكم الشهر‬
‫فليصمه !‪.‬‬
‫ذره‪ .‬كما لو قال !ك!‪" :‬إن‬ ‫ً‬
‫الثالث‪ :‬أن يكون موافقا لفعل ن َ‬
‫هزم الله العدوي‬
‫غدا فله علي أن أصوم يرم كذا‪ ،‬فصامه على إثر هزيمة‬
‫العدو‪ ،‬فيعلم أن ذلك وقع ول ‪ 2‬للنذر"‪ .(2،‬وقد قال الزر!‬
‫ثي‪ 1) :‬ن يقع )الفعل( جزاءَ شرط‪ ،‬كفعل ما وجب بالنذر‬
‫إن قلنا إن النذر غير مكلروه " )‪.(3‬‬
‫الراية‪ :‬التسوية بين الفعل وفعل آخر في حكم!ما‪ ،(4،‬بان‬
‫يقول النبيل عن‬
‫فعل ً ثم يقوله‪ :‬هذا الفعل مثل الفعل الفلني‪ ،‬وقد علم‬
‫حكم هذا الفعل الخر‪.‬‬
‫خير! بين فعليها‪ ،‬أحدهما قد علم أنه واجب‪ ،‬فالخر‬ ‫ولو ُ‬
‫مثله‪ ،‬لن التخييريقتيها التسوية ْ)(‪ ،‬إذ ل يمثلن الشخير‬
‫بين الواجب وما ليس بواجب‪ .‬الخامس‪ :‬أن يكون وقوعه‬
‫مع أمارة قد تقرر في الشريعة أخا أمارة للوجوب‪،‬‬
‫كالصلة بأذان داقامة )‪ .(6‬فلم يعهد في الشريعة الذان‬
‫والقامة لصلة غير واجبة‪.‬‬
‫)‪ (1‬القصاص‪ :‬أصوله‪ .‬مخطوط‪ .‬ق ‪ .12150‬وأين حزم‪:‬‬
‫الحل أم ص ‪138‬‬
‫)‪ (2‬السمري‪ :‬نهاية الدول ‪ 63/2‬وأبو شامة‪ :‬المحقق ‪35‬‬
‫‪.1‬‬
‫)‪ (3‬البحر المحيط ‪ 35 1 /2‬ب‪ ،4) .‬ابن السبكي‪ :‬جمع‬
‫الجوامع ‪98/2‬‬
‫)‪ (5‬البيضاوي‪ :‬منهاج الصول‪ ،‬وشرحه نهاية الدول‬
‫للسنوي ‪ ،61 /2‬أبو شامة ة المحقق ىء ‪ 5‬يم أ‪.‬‬
‫)‪ (6‬لو شامة‪ :‬المحقق ق ‪ !135‬ابن السبكي‪ :‬جمع الجوامع‬
‫‪ /2‬ما ‪175‬‬

‫) ‪(1/167‬‬
‫السادس‪ :‬قال بعض الصولي!سن أن يكون الفعل لو لم‬
‫يكن واجبا لكان‬
‫ممنوعا )‪ ،(1‬كالركوع الثاني في صلة الكسوف )‪ .(2‬فإنه‬
‫لو زيد في الصلة ركود قصدا ً ولم يكن من أركانها‪ ،‬كصلة‬
‫الظهر‪ ،‬فإنها تبطل‪ ،‬فلما زيد في صلة الكسوف ركوع‬
‫قصدًا‪ ،‬كان ذلك الركوع واجبة‪ ،‬ل يجوز الخلل به‪.‬‬
‫ومثاله أيضا ً سجود السهو‪ ،‬فإنه لو لم يكن واجبا لما جاز‪.‬‬
‫قال السروي )‪ (3‬بعد ذكره هذه القاعدة ة!هكذا ذكر‬
‫)الرازي( في المحصول‪،‬‬
‫وتبعه على ذلك من بعده "أقول‪ :‬بل قد سبق إلى تقرير‬
‫هو ‪ 8‬القاعدة القاءها عبدالجبا!‪ ،‬كما في المغني )‪،(4‬‬
‫ص ذلك بالعبادات‪ ،‬قال‪ :‬الو أنه ! تعود فعًل لو‪ /‬نجعله‬
‫وخ ّ‬
‫شرعيا لكان منهيا عنه في العبادة‪ ،‬فيجب أن يعلم أنه من‬
‫شرائط تلك العبادة‪ ،‬نحو ما رأي أنه !ك! ركع ركوعيهأ في‬
‫صلة الكسوف "‪.‬‬
‫وتقرير الدليل‪ (:‬ن الفعل‪ .‬كالختان مثل ً هو ممنوع منه‬
‫بحسب الصل‪،‬‬
‫لنه نوع من الجراح‪ ،‬رقد ورد النهي عن دم الغرير بقول‬
‫النبي !‪ :‬وِإن دماءكم ود موالكلم وأعراضكم عليكم حرام )‪.‬‬
‫فل يجوز ارتكاب هذا التحريم إّل بأمر ملزم‪ .‬وهو الوجوبي‬
‫فدار هذا الفعل بين الوجوب والتحريم ل غيره وحين فعله‬
‫النبي كلكم علمنا‬
‫أنه ليس محرما ً لنه !نه!ر ل يفعل المحرم‪ ،‬فلم يبق أل أنه‬
‫واجب‪ ،‬وهو الطلب‪ .‬ومن جهة أخرى‪ :‬يلزم لجراء عملية‬
‫الختان كشف العورة‪ ،‬وذلك محرم‪ ،‬رالمحَرم ل يحوز‬
‫"(‪.‬‬
‫ارتكابه أل لواجب ْ‬
‫)‪ (1‬ذكر ذلك السيوطي ل ا‪ ،‬شباب والنظائر نص ‪،(148‬‬
‫وجعله قاعدة فقهية بعنوان والواجب ل يترك لسنة‪ ،‬و‬
‫بجواز ما لو‪ /‬يشرع‪ /‬يجز‪ ،‬دليل على وجربه(‪.‬‬
‫)‪ (3‬أبو شامة‪ :‬المحقتاق ‪ ،1 35‬أبت السبكي‪ :‬جمع‬
‫الجوامع ‪ 98/2‬أبر السين البصري‪ :‬المع!تمدص ‪386‬‬
‫لن التمهيدي ‪372/17 (4) 134‬‬
‫)‪ (5‬انظر تقرير المسالة والستدلل فيها في المجموع‬
‫للنووي ني فصل الح!تالط من الجزء الول‪171 .‬‬

‫) ‪(1/168‬‬
‫وعندي في هذا الستدلل نظر‪ ،‬فإن الفعل إذا كان‬
‫مستحبا أو مباحًا‪ ،‬فقد‬
‫خرج أيضا عن المنع‪ ،‬ولو كان في الصل منهيا عنه‪ ،‬فإن‬
‫نقيض الحرمة رفع الحرج‪ ،‬وذلك صادق على كل من‬
‫الوجوب والندب والباحة‪ ،‬بل والكراهة كما تقدم‪ .‬فبكل‬
‫منها يخرج الفعل عن الحظر‪-‬‬
‫وحاصله أننا نمنع وجود فعل دائر بين الوجوب والحرمة‪.‬‬
‫ومن قالي به طالبناه‬
‫بان يبين حده لنناقشه فيه‪.‬‬
‫وأيضًا؟ فإن كثيرا ً من الصور في الشريعة خارجة عن هذه‬
‫القاعدة‪ .‬فمن المستحب ألت ختان النساء‪ ،‬بل بختان‬
‫الرجال على قولي‪ ،‬وسجود التلوة أثنل! الصلة‪ ،‬لشعار‬
‫اليحيى‪ ،‬ورفع اليدين على التوالي في تكلبيرات العيد‪ ،‬بل‬
‫والقيام الثاني والركوع الثاني في صلة الكسوف عند‬
‫بعضهم على ما ذكره النووي في المجموع‪ ،‬ونقله عن‬
‫الكثيرين( له مستحب )‪ ،(1‬وسجود السهو ليضأ عند‬
‫الشافعية‪ ،‬وبعضي الرخص كالقصر والفطر للمسافر‪،‬‬
‫والفطر للمريض‪.‬‬
‫ومن المباحات أكل المضطر الميتة‪ ،‬أو مال الغير‪ ،‬وحلق‬
‫الشعر للمحرم المريض‪ ،‬والجمع بين الصلل!ن عند العذر‪،‬‬
‫وذبح البهائم‪ ،‬والصيد بالجوارح‪ .‬وذكر السيوطي أيضا‬
‫النظر إلى المخطوبة‪ ،‬والمكاتبة‪ ،‬وقتل الحية في الصلة‪،‬‬
‫وغير ذلك مما ل يكاد يحصى‪.‬‬
‫وقد ذكر الزركون في البحر المحيط أن هذه الم!سألة‬
‫أخذت عن ابن جريج في إيجاب الختان‪ .‬وأشار إلى عدم‬
‫استقامتها‪ ،‬ثم قال‪) :‬وتنتقض هذه القاعدة بصور كثيرة‪،‬‬
‫منها سجود السهو‪ ،‬وسجود التلوة في الصلة‪ ،‬فإنه‬
‫ممنوع منه‪ ،‬ولما جاز‪ /‬يجب " )‪.(2‬‬
‫وقال السروي أيضًا‪" :‬وهو مناقض بصور كثيرة! )‪.(3‬‬

‫ى‪ :‬التمهيدي ‪ (31 134‬نهاية الدول ‪63/2‬‬


‫)‪ (1‬السنو ِ‬
‫)‪1152/2(3‬ء‬

‫‪172‬‬

‫) ‪(1/169‬‬

‫وأراد المحلفي أن يصححها‪ ،‬ويجعل ما خرج عنها موقوفا ً‬


‫على الدليل‪ ،‬وذلك‬
‫حيث يقولي‪" :‬وقد يتخلف الوجوب عن هذه المارة لدليل‪،‬‬
‫كما في سجود السهو وسجود التلوة"أ ان‪-‬‬
‫وعندي في قوله هذا نظر‪ ،‬إذ الشالط في صحة القاعدة‬
‫أول ً وذلك ما يحتاج‬
‫إلى إثبات‪.‬‬
‫وأي!ضأ فاعتبار الصرر الخارجة عن القاعدة نقضا لها‪،‬‬
‫كما قال الزرك!ثي‪ ،‬هو الصواب‪.‬‬
‫وثالثا ً أر كانت هذه القاعدة صوابا ً فإنها تقتيله وجوب‬
‫سجود التلوة‪ ،‬وتكبيرات العيد‪ ،‬وختان النساء‪ ،‬د أشعار‬
‫الهدي‪ ،‬و‪ /‬يرد دليل يمنع الوجوب‪ ،‬فلم ل يقولون به؟ وان‬
‫ادعوا وجود دليل مانع‪ ،‬فما هو؟‪.‬‬
‫الس!ابع‪ :‬أن يكون الفعل قضاء لواجب‪ ،‬فيعلم أنه واجب )‬
‫‪ ،(2‬لنه قد عهد‬
‫في الشريعة أن قضاء الواجب حيث شرع‪ ،‬فهر واجب‪.‬‬
‫ومثاله قضاء النبي ! لصلة الصبح‪ ،‬بعدما خرجوا من‬
‫الوادي الذي ناموا فيه عن الصلة )‪."3‬‬
‫الثامن‪ :‬وقال به بعض المالكية‪ :‬أن يقيها العبادة إذا خرج‬
‫رقتها دون أداء‪،‬‬
‫أو فجعلت في الوقت على فساد‪ :‬فيعلم بذلك أن العبادة‬
‫المقضَية واجبة‪ ،‬إذ في غير الواجب ل يقرا )‪.(4‬‬
‫ومثاله‪ :‬أن النبي يئه!ور‪:‬أ كان إذا غلبه عن قيام الليل‬
‫نرمم أو وجع صٌلى في‬
‫ْ‬
‫النهار اثنتي عشرة ركعة!أ( فيعلم أنه كان يصلي قيام‬
‫الليل على جهة الوجوب‪.‬‬
‫)‪ (1‬شرح جمع الجوامع ‪98/2‬‬
‫)‪ (2‬السروي‪ :‬نهاية الدول ‪ ،3) ،63/2‬أبو شامة‪ :‬المحقق‬
‫ق ‪.(35‬‬
‫‪ (41‬القرافي‪ :‬شرح تنقيح الفصولص ‪ .138‬وفى الصل‬
‫الذي نقلنا منه قوله‪ 9 :‬و )يستدل( بالقضاء عل عدم‬
‫الرجوع‪ .‬هذا على لفمب مسالك أن النوافل ل تقضيه‬
‫وواضح أن كلمة )عدم( في هذا النص قد دخلت خطا من‬
‫الناسف‪ ،‬أو هو سيق قلم من القناني‪ ،‬كما ل يخفى‪.‬‬
‫)‪ (5‬ذكره في نيل الوطار قي مباحث المتر‪.‬‬
‫‪173‬‬

‫) ‪(1/170‬‬

‫ومثال آخر‪ :‬قضاؤه !ك! لعمرة الحديبية‪ ،‬التي أحصر عنها‪.‬‬


‫فقد عاد في السنة التالية واعتمر‪ ،‬وسميت عمرة القضاء‪.‬‬
‫فيدله على أن عمرة الحديبية كانت واجبة‪ -‬والمراد أنها‬
‫وجبت بالدخول فيها‪.‬‬
‫والصواب أن هذا النوع ليس دليل على وجوب المقضي‪،‬‬
‫لن دعواهم أن‬
‫غير الواجب ل يقضى‪ ،‬دعوى مردودة‪ ،‬لما ثبت في‬
‫الصحيحة عن أم كلمة رضي ايه عنها أنه ! قص الركعتين‬
‫اللتين بعد الظهر‪ ،‬قضاهما بعد العمرا ام‪ .‬وعند الجماعة‪،‬‬
‫إّل البخاري‪ ،‬عنه !‪" :‬من نام عن حزبه من الليل‪ ،‬أو‬
‫عن شيء منه‪ ،‬فقرأه ما بين صلة الفجر وصلة الظهر‪،‬‬
‫كتب له كأنما قرأه من الليل "‪ .‬وهذا حث عله قضاء ما‬
‫رتبه المسلم لنفسه من الذكار‪ .‬فالصلة والصوم ونحوهما‬
‫أول‪ .‬والذي عند الشافعية استحباب قضاء السنن الرواتب‪.‬‬
‫ولو قيل في هذه المارة‪ :‬ما وجب قضاؤه واجب لكلم‬
‫صوابا ً ومنه وجوب قضاء حج التطوع‪ ،‬يدل على أنه وجب‬
‫بالشروع‪ .‬وقد أشار إلى ذلك السرخسي )‪.(2‬‬
‫التاسع‪ :‬ذكره الزركشي في البحر المحيط‪ (:‬ن يداوم !ع!‬
‫على الفعل مع عدم‬
‫ما يدل على عدم الوجوب‪ .‬قال‪ :‬ألنه لو كان غير واجب‬
‫لخل به " )‪ (3‬وذكره أيضا صاحب مسلم الثبوت وصاحب‬
‫تيسير التحرير )‪.(4‬‬
‫وقد وضح ذلك ابن تيميه حين قال في الستدلل على‬
‫وجوب الطمأنينة في الصلة‪" :‬إن مداومته ! على ذلك قي‬
‫كل صلة كل يوم‪ ،‬مع كثرة الصلوات؟ من أقوى الدلة على‬
‫وجوب ذلك‪ ،‬إذ لوران غير واجب لتركه ولو مرة واحدة‬
‫ليبّين الجواز‪ ،‬أو لبينا جواز تربة بقوله‪ ،‬فلما لم يبين‪ -‬ل‬
‫بقوله ول بفعله‪ -‬جواز ترك ذلك‪ ،‬كان ذلك !ليل على‬
‫وجوبه "أن(‪.‬‬
‫)‪ (1‬نيل الوطار ‪ 30 ،29/3‬وفيها ن عند أحمد في رواية‬
‫أنه ! سئل‪ :‬انقضيهما إذا فاتتا‪ ،‬قال‪" :‬لها‪ .‬قال‬
‫الشوكاف!‪ :‬قال البيهقي‪ :‬وهي رواية ضعيفة‪.‬‬
‫)‪ 12‬أصول السرخسي ‪ (+116/1‬ق ‪1252‬‬
‫)‪ (5) 1 27/3 (4‬القواعد النورانية الفقهية ص ‪174 5 2‬‬

‫) ‪(1/171‬‬

‫وعندي في هذا نظر‪ .‬فقد كان يئه!رو يحافظ على‬


‫الرواتب فليخل بها‪ ،‬بل‪:‬‬
‫مكان عمله قيمة" )‪ .(1‬وكان يقول‪ :‬وأحب العمال إلى‬
‫الله أدومها وإن ق ّ‬
‫ل ""‪ .(2‬وكان يقضي ما فاته من‬
‫النوافل المرتبة‪ ،‬كالركعتيئ اللتين بعد الظهر‪ ،‬قضاهما‬
‫غل كنهما‪.‬‬ ‫بعد العصر لما ش ِ‬
‫وما ذكره ابن تيميه مناقض بقراءة سورة بعد الفاتحة‪/.‬‬
‫قل أنه تركها ولو مرة واحدة‬ ‫يبين ! عدم وجودها قول ً ول ن ُ ِ‬
‫فيما نعلم‪ .‬وأما حديث‪ :‬أل صلة لمن لم يقرأ بفاتحة‬
‫الكتاب " )‪ (3‬فيدل على الركنية‪ ،‬ول يدل على جواز ترك‬
‫ما عدا الفاتحة‪ .‬ومع ملئه‪ ،‬فإن قراءة سور؟ بعد الفاتحة‬
‫ليس بواجب‪ ،‬بل خلف )‪ .(4‬ومثل السورة كثير غيرها من‬
‫أفعال الصلة المستحبة‪ ،‬كالجهر في الجهرية‪ ،‬وبعض‬
‫هيئات الركوع والسجود‪ ،‬ورفع اليدين‪ ،‬وغير ذللت‪ .-‬ولم‬
‫ل بان المواظبة‬ ‫فالثبوت القو َ‬ ‫ح مس ٍ‬ ‫ض النصاري شار ُ‬‫يرت َ ِ‬
‫قض ذلك بما‬ ‫مع عدم الترك دليل الوجوب عند الحنفية‪ .‬ون َ‬
‫هو معلوم عندهم من سنية صلة الجماعة‪ ،‬والذان‪،‬‬
‫والقامة‪ ،‬وصلة الكسوف‪ ،‬والخطبة الثانية في الجمعة‪،‬‬
‫والترتيب والوالدة في الرضا والمضمضة‪ ،‬والستنشاق‪،‬‬
‫وغير ذلك مما ثبتت فيه المواظبة من غير تروى‪ ،‬مع عدم‬
‫تبيان بنيتها‪ ،‬بل ثبت عدم التقلى‪ .‬فيعلم أن المواظبة‬
‫ليست دليل الرجوع عددهم ْ)(‪.‬‬
‫وأما قول ابن تيميه‪:‬أ إنه لو كان غير واجب لتركه‪ -‬ولو‬
‫مرة‪ ،‬أو ب!!ن عدم وجوبه بالقول " فإن هذا يلزم لو كان‬
‫هناك ما يجعل هذا النوع من الفعل دال على الرجوب‪،‬‬
‫وفيه الخلف‪ .‬كيف وقد قال الكثيرون ومنهم الظاهرية‬
‫والحنفية ‪ 9‬إن الوجوب ل يؤخذ من الفعل " فيكفي ذلك‬
‫للدللة على عدم الوجوب‪ ،‬فل يلزم البيان بعد ذلك بالقول‬
‫ول بالفعل‪ .‬والله أعلى وأعلم‪،‬‬
‫)‪ 11‬رواه البخاري‪ :‬كتاب الصوم ب ‪ 64‬ومسلم ‪73/6‬‬
‫)‪ 1 (2‬لبخاري ‪ 5 /4‬س ‪ 2‬وسمملم‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه الشيخان والفتح الكبيه!ا‪ (4) .‬ابن قديمة‪ :‬المغني‬
‫‪ (5) 491 /1‬فواّلح الريموت شرح مسلم الثبوت ‪180/2‬‬
‫‪175‬‬

‫) ‪(1/172‬‬

‫وبهذا يتب!!ن أن الفعل النبوي ل يخرج بالمداومة عليه‬


‫عن أن يكون فعًل‬
‫مجردًا‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬ونقله الزرك!ثي عن الصيرفي‪" :‬أن يفعل جمع‬
‫ن فعل ً‬‫ضي ْ‬
‫بين المتدا ِ‬
‫على سبيل الجبر‪ ،‬فيعلمه به واجب‪ .‬قال‪ :‬وكذلك ما أخذه‬
‫من مالي رجلي وأعطاه لخر‪ .‬فيعلم أن ذلك الخذ واجب "‬
‫)‪.(1‬‬
‫وقال القصاص‪" :‬ما فعله به من استخراج حق من رجل‬
‫لغيره‪ ،‬ومن‬
‫عقوبة رجل على فعل كان منه‪ ،‬فهذا على الوجوب‪ ،‬لن‬
‫ذلك ل يجوز على جهة الباحة والندب "‪ -(2،‬قال له‪ :‬فإن‬
‫دماءكم وأموالكم عليكم حرام " )‪ .(3‬وقال الله تعالى‪ :‬أل‬
‫تاكارا أموالكم بينكم بالباطل ! )‪.(4‬‬
‫ولهذا النوع شبه بالنوع السادس المتقدم‪ ،‬أل أن هذا!ه‬
‫القضاء والمور التنفيذية خاصة‪.‬‬
‫والزركشي ذكر النرع!ن كليهما‪.‬‬
‫والذي نقوله في هذا النوع‪ ،‬إنه ل يدل على وجرب الفعل‬
‫على النبي !‪،‬‬
‫وإنما يدل كلى أن من أرقعت به العقربة‪ ،‬أو أخذ منه‬
‫المالك‪ ،‬مستحقه لذلك‪ ،‬لنه قد وجب عليه‪ .‬فل يدل ذلك‬
‫على وجوب القضاء أو التنفيذ‪-‬‬
‫وقد قال الله تعالى‪ :‬أفإن جاؤوك فاحكلم بينهم أوأعرض‬
‫عنهم وإن تعرض‬
‫عنهم فلن يضرولى شيئأ! ْ)( فلو جاعه أهلي الكتاب‪،‬‬
‫ليحكم بينهم‪ ،‬وقد جاؤوه فعل ً فحكم بينهم ترجم الزانية‪،‬‬
‫ى فلسا على أن الحكم بينهم والتنفيذكان واجبة‬ ‫فل يدل ٌ‬
‫عليه‪ ،‬بنمئن الية المذكورة‪.‬‬
‫ونظ!!ر ذلك رفي الدم في جناية العمد‪ ،‬له أن يقتص‪ ،‬فإذا‬
‫اقتمق لم يصح‬

‫)‪ 11‬البحر المحيط ‪ 251 /2‬ب !ك! مسلم وأبو داود والفتح‬
‫الكلبين )‪ (5‬سورها المائدة‪ :‬أية ‪42‬‬
‫)‪ (2‬أصول الجصاصعا ‪12100‬‬
‫مرة‪ :‬من ا‪ ،‬والساءة ‪29‬‬ ‫)‪ (4‬سورة الب ّ‬

‫‪176‬‬

‫) ‪(1/173‬‬

‫القول إنه كان واجبا ً عليه القتصاص‪ ،‬بل يقال‪ :‬إن‬


‫القصاص كان حقا ً له واجبة على الجافة أن يستسلم له‪.‬‬
‫والحاصل أنه !ت! إذا أخذ المال لو عاقب‪ ،‬وكان ذلك جائزا ً‬
‫له أو مندوبا ً‬
‫صح‪ ،‬وخرج وبذلك عن الحرمة‪ ،‬فل يلزم أن يكلون واجبا ً‬
‫عليه !‪.‬‬
‫فذكر هذا النوع في هذا الموضع سوهو مبحث حكم فعل‬
‫النبي يكن بالنسبة‬
‫إليها ليس صوابًا‪ .‬د أنما ينبغي أن يذكر في مباحث‬
‫الحكلع! المستفاد من الفعل في حق المة‪ .‬ونحن سنذكره‬
‫هناك إن شاء اله في مبحث الفعل المتعدي‪.‬‬
‫‪177‬‬

‫) ‪(1/174‬‬

‫المطلب الثاني‬
‫ّ‬
‫تعيين المندوب من أفعاله صلى الله عليه وسلم‬
‫يتعين المندوب من أفعاله ي بأمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬بالقول‪ .‬ومثاله أنه ! سئل عن قيمه ليومي الثنين‬
‫والخميس فقال‪" :‬تعرض العمال يوم الثن!!ن والخميس‪،‬‬
‫فأحب أن يعرض عملي وأنا دائم " )‪-(1‬‬
‫فب!!ق !ك! أنه استحدث صيام اليرم!سن لمذ!ورين‪ .‬ولو‬
‫كان حرمهما واجبا لما‬
‫ذكر هذا‪ ،‬بل كان يبصق وجوده‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون الفعل بيانا لقوله دال على الندب‪ ،‬أو‬
‫امتئال له‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يسري بين الفعل بفعل آخر مندوب‪ ،‬رالتخير‬
‫تسوية‪ ،‬لنه ل يخئرب!ن ما هرمنموب وما ليس بمندوب )‬
‫‪.،2‬‬
‫الرابع‪ :‬أن يكون وقوعه مع قرينة قد تقرر في الشريعة!‬
‫ها أمارة للندب‪،‬‬
‫على وزن ما قالته في الوجوب‪ .‬ومثاله عندنا‪ .‬أنه !‪ 9 :‬كان‬
‫يوتر على البعير" )‪ .(3‬فذلك يقتضي أن الوتر في حقهه‬
‫يكن مندوب‪ ،‬وليس راجبن‪ ،‬كما قاله اذنا أنه كان واجبا‬
‫عليه به خاصة‪ .‬وكذا يرد به على أبو حنيفة في قوله ة!إنه‬
‫واجب عليه ! وعليناأ )‪.(4‬‬
‫)‪1‬د الترمذي‪ ،‬وقال "غريب‪ ،‬لنيل المطار ‪(263 /4‬‬
‫)‪ (2‬أبو شامة‪ :‬المحقق ق ‪ 34‬ب )‪ (3‬متفق عليه )الفتحى‬
‫اركبيها‪ (4) .‬نيل الوطار ‪ /3‬س ‪3‬‬
‫‪178‬‬

‫) ‪(1/175‬‬
‫الخامس‪ :‬أن يقع الفعل قضاء ل!دوب )‪ *(1‬كالركعت!س‬
‫بعد العصر‪ ،‬صلها‬
‫النبي به بدل عن الركعتين اللتين بعد الظهر‪.‬‬
‫ويشكله على ملئه قضاء الحجة والعمرة المتطوع بهما إذا‬
‫فسدا‪ ،‬فإن ذلك القضاء واجب‪.‬‬
‫وحل هذا الشكلل أن الحج والعمر ‪ 6‬يلزمان بالدخول‬
‫فيهما وإن كانا جمع الصل تطوعا ً فإذا فسدا بعد الدخول‬
‫فيهما كان فسادهما بعد الوجوب‪ ،‬فل تنتقل القاعدة‪.‬‬
‫السادس‪ :‬المراقبة على الفعل في العبادة‪ ،‬مع الخلل )‬
‫‪ (2‬به أحيانا لغير عذر‬
‫ول نسخ‪ ،‬أو!رنه بالستقراء مما ل يكون واجبا‪ ،‬يدل عل‬
‫استحبابه بخصوصه‪ .‬ومثاله أن النبي يئه! كان يقرأ في‬
‫الصبح يوم الجمعة ل‪ /‬تنزيل ! وأهل قه على النسالة‪! ...‬‬
‫ل ذلك على استحباب قراءتههأ في تلك الصلة‪ .‬ومثلها‬ ‫فد ّ‬
‫الزراعة ل الجمعة ب يسبح؟ و )الغاشية!‪ ،‬وفي العيوب حق‬
‫! ر!أقتربت !‪ .‬فقد أخل ببعضه ذلك‪ ،‬إذ كان يقرأ أحيانا في‬
‫الجمعة بسورة )الجمعة! وسرعة )المنافقوق ! وفي‬
‫العيدبأ سبح أو )الغاشية!‪.‬‬
‫هذا بالضافة إلى أنه لم يعهد في الشريعة وجوب تخصيص‬
‫صلة معينة بقراعق محيصنة‪.‬‬
‫بخلف ما أر‪ /‬تنقل مواظبته على الفعل‪ ،‬بل نغل مرة‬
‫واحدة‪ ،‬فل يدله ذلك على استحباب التخصيكا‪ .‬ومثاله ما‬
‫ورد أن النبي مجده قرأ في المغرب ب والمرسلت !‪،‬‬
‫وررد( له قرأ فيهاب )الطور!‪.‬‬
‫السابع‪ :‬أن يكون الفعل قربة من المغرب‪ ،‬ويعرف أنه غير‬
‫راغب‪ ،‬لنتفل!‬
‫)‪ (1‬أبر شامة‪ :‬المحقتاق ‪ 34‬ب‪ .‬السمري‪ :‬نهاية الدول ‪/2‬‬
‫رد‬
‫)‪ (2‬ابو!ثامة‪ :‬المحقماق ‪ 34‬ب‪ ،‬والزركشي‪ :‬البحار‬
‫المحيط ‪ (353 /2‬و السروي على البيضاوي‪ :‬نهاية الول‬
‫شرح منهاج الصول ‪ 63/2‬نقل عن المحصود للرازي‪.‬‬
‫‪179‬‬

‫) ‪(1/176‬‬

‫دليل الوجوب‪ ،‬فيثبت الندب )‪ .(1‬لن قصد القربة يدل عل‬


‫ف‬‫طلب الفعل الدائر بين الوجوب والندب‪ ،‬والوجوب منت ٍ‬
‫لجل البراعة الصلية‪.‬‬
‫والحق أن هدا النوع من جنس الفعل المجرد‪ ،‬وفيه خلف‪،‬‬
‫وسيعقب ذكره في الفصل الخاص بالفعل المجرد إن شاء‬
‫الليه‪.‬‬
‫)‪ (1‬المقاضي عبدالجبار‪ :‬المغني ‪272 ،271 /17‬‬
‫شقيح الفصول ص ‪185 1 28‬‬ ‫والقرافي‪ :‬شرح ّ‬

‫) ‪(1/177‬‬

‫المطلب الثالوث‬
‫تعيين المباح من أفعاله صلى انته عليه وسلم‬
‫يعلم أن الفعل مباح بأمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬النص عل أن ما فعده مباح له‪ .‬ثم قد يكون النص‬
‫صم من لينة أو‬ ‫في الكتاب العظيم‪ ،‬كقوله تعالى‪ :‬كما قط َ‬
‫تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وأ؟(‪.‬‬
‫وقد يكون في السنة‪ :‬كقوله ضم‪) :‬استاذنت ربي في أن‬
‫أستغفر لمي فلم‬
‫يأذن لي‪ ،‬واستأذنته في أن أزرر قبرها فأذن لي‪.(3،،‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون بيانا أو امتثاله لية دالة على الباحة يل(‪،‬‬
‫كاهله ي من الغنيمة‪ ،‬امتثال لقوله تعالى ة )فكلوا مما‬
‫غنمتم حلل طيبأ! يأكله من لحم الهدي امثتال لقوله‬
‫تعالى‪) :‬ف!ذا وجبت جنوبها فكلوا منها"‪.‬‬
‫وهذا الوجه ذكره بعضي الصولييهة‪ .‬وفي ذكر ألمتثال!‬
‫في المباح نظر‪ ،‬إذ‬
‫المباح غزير مطلوب حتى يقال لفاعله إنه ممتثل‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التسوية بينه وبين فعل معروفة إباحته‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬انتفاء دليل يدل على الوجوب أو الندب‪ ،‬وذلك‬
‫لنحصار‬

‫‪ 111‬سورة الحهثر‪ :‬آية ه‬


‫)‪ (3‬أبو شامة ة المحقق ق ما ‪ 3‬ب‬
‫‪ (21‬رواه ومسلم ‪ 45 /7‬وأبو داود‪.‬‬

‫‪181‬‬

‫) ‪(1/178‬‬

‫أفعاله !ك! في النف ‪ 3‬الثلثة‪ ،‬فإذا لم يثبت الوجوب ول‬


‫الندب حمل على الباحة لنها الصل )‪.(1‬‬
‫وهذا النوع أيضا هو من الفعل المجرد‪ ،‬وفيه الخلف‪،‬‬
‫وسيأتي القول فيه قي‬
‫فصل الفعل المجرد‪.‬‬
‫)‪ (1‬أبر شامة‪ :‬المحقق ق ‪ 34‬ب‪ .‬الزركشي‪ :‬البحر المحيط‬
‫‪ 352 /2‬أ السنوي‪ :‬نهاية الس!ؤل ‪ 63/2‬ونقله عن‬
‫المحصول للرازي‪.‬‬
‫‪182‬‬

‫) ‪(1/179‬‬

‫افضل ا لحثا!ث بهئرء!!ال‪/‬تن!‬


‫مانَيلمجز‬
‫لمجنىآنملمالىءمبه َ‬
‫ا‪ -‬ا لدلة‪.‬‬
‫‪ -2‬منشأ حجرة الفعال‪ ،‬والشبه التي تورد عليها‪.‬‬
‫يم ‪18‬‬

‫) ‪(1/180‬‬

‫حجرة الفعال النبوية على الحكام‬


‫من حيث الجملة‬
‫أفعال النبي ينهي‪ ،‬من حيث الجملة‪ ،‬حجة على العباد‪ ،‬إذ‬
‫هي دليل شرعه‬
‫يدل على أحكام الله تعالى في أفعال المكلفة‪.‬‬
‫لقد نقل بعضا الصولييها البداع على ذلك‪ ،‬منهم القاضي‬
‫عبدالجبار)‪،(1‬‬
‫وي بو الحسين البصري )‪ .(2‬حيث ذكرا أنه‪ :‬ول خلف بين‬
‫جع إلى ( فعاله صن في ثبوت الحكام‬ ‫أهل العلم أنه ئْر َ‬
‫للفعال الشرعية‪ ،‬ل يرجع إلى قراره‪ ،‬وذلك كله عندهم‬
‫واحد في هذا الباب " )‪."3‬‬
‫ً‬
‫ونقل المني في ذلك خلفا حيث قال‪ :‬لمعظم الئمة من‬
‫الفقهاء والمتكلمين‪ ،‬متفقون على أننا متعودون‬
‫بالتالصتي به !ف! في فعله‪ ،‬راجب!أ كان أو مندوبا أو‬
‫مباحا ً ومنهم من منع من ذلها مطلقأ! )‪.14‬‬
‫ومما يؤكد وجود الخلف‪ ،‬ما ينقله بعض الصوليين من‬
‫القول بان الفعل النبوي على ا‪-‬نظر في حقنا‪ ،‬حتى يقوم‬
‫الدليل على خلف فلك‪ ،‬كما يأتي إن شاءالَله‪.‬‬
‫وتد بسب الخلف في ذلك إلى( بن بكر الدّلق من‬
‫الشافعية‪ ،‬رأيي الحسن‬

‫)‪ 1(1‬لمنمط ‪) 257/17‬مل(‪ 1‬لمنني ‪257/17‬‬


‫)‪ (2‬المعتمد ‪!77/1‬م )‪ 1 (4‬لحكام ‪185 265 /1‬‬
‫) ‪(1/181‬‬

‫الكرخي من الحنفية‪ ،‬والى الشعرية )‪ .(1‬قالوا‪ :‬ليست‬


‫أفعاله !ك!ه حجة في حقنا ما لم يقم دليل الشتراك بيننا‬
‫وبينه ! في حكم ذلك الفعل‪ ،‬وإل فهو خاص به‪ .‬ونقسم‬
‫الكللم في فذا الفصل إلى مبحثين‪ ،‬أولهما في الدلة‪،‬‬
‫وثانيهما في‬
‫الشبه التي يوردها بعض الصوليين‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬تمسحين التحرير ‪ 120 /3‬وهو و)ن خص‬
‫خلفهم بما عدا الجبلي والبياني‪ ،‬فدن لمجلس أمره واضح‬
‫ل يحتاج إلى استدلل‪ ،‬والبياف! يستفاد حكمه من المبين‪.‬‬
‫فالدليل في الحقيقة هو المب!سن فرجع خلفهم إلى أن‬
‫الفعال النبوية ل يحتج بها لذاتها*‬
‫‪186‬‬

‫) ‪(1/182‬‬

‫المبحث الول ا لدّلة‬


‫أما النظر العقلي فل يأتيها كون فعله !نه!ع حجة )‪،(1‬‬
‫بخلف أقواله‪،‬‬
‫لوجهين‪:‬‬
‫الول ة أن القوال معلومة المدلول‪ ،‬فهي موضوعة‬
‫لمعان معينة تفيدها بالوضع‪ ،‬إل الخبر‪ ،‬وإما الطلب‪.‬‬
‫وتصديقنا له مع فيما أخبر‪ ،‬وطاعتنا له فيما طلب‪ ،‬هي‬
‫مقتضى اللفظ بالضرورة‪ ،‬إذ لو‪ /‬يفدنا القول فلك‪ ،‬لخل‬
‫عن أي فائدة‪ ،‬وكان عبئآ َ محضا ً بخلف الفعل‪ ،‬كالصلة‬
‫المعينة‪ ،‬فإنه له قد يفعله لما في الفعل من المصلحة‬
‫الخاصة به‪ ،‬كما يفعل كل منا إذ يقيها مصالحه الخاصة‪،‬‬
‫وقد يفعله لنقتدي به‪ ،‬أو للمقصدين بهيعأ‪ ،‬فلو تصورنا‬
‫خلو فعله من فائدة القتداء به‪ ،‬بقي الفاثب! الخرى؟ وها‬
‫ل فعله عن‬ ‫أدت يكون فعله للمصلحة الخاصة به ! فلم يخ ُ‬
‫فائدة‪.‬‬
‫فافترق الفعل عن القول قي ذلك‪.‬‬
‫ويكلون الفعل الذي‪ /‬يدل على كونه حجة‪ ،‬بمنزلة اللفظ‬
‫كير الموضوع‪،‬‬
‫وأما الذي بمنزلة اللفظ الموضوع‪ ،‬فهو الفعل إذا دلت‬
‫ور في الفعل أن‬ ‫الشرع على أنه حجة"‪ .(3‬ثانيَا‪ :‬أنه ئتص َ‬
‫يكون مصلحة النبي !كي! درن أمته‪ ،‬فيكون مطلوبا ً منه‬
‫دونهم‪ .‬فقد يكون واجبا عليها و مندوبآ َ له أو جمائزَا‪ .‬وهو‬
‫بخلف ذلك‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬في هذه المسالة القاضي عبدالجبار‪ :‬المغني‬
‫‪ .257 .252 ،351 /17‬وأبا الحسيها البصري‪ :‬المعتمد ‪/1‬‬
‫‪!76‬م‬
‫ماضي عبدالجبار‪ :‬المغني ‪ 2 ،33 1 /17‬د ‪3‬‬ ‫)‪ (2‬ال َ‬
‫‪187‬‬

‫) ‪(1/183‬‬

‫في حق المة‪ .‬فقد ثبت للنبي‪ !-‬في الشريعة أحكام خاصة‬


‫به‪ ،‬هي ما يسمى )الخصائطه النبوية(‪ ،‬مخها أن الله أحل‬
‫له أن يتزوج أك!ثر من أربع وحرم ذلك على أمته؟ وأوجب‬
‫عليه قيام الليل وليس ذلك عليهم واجبا‪.‬‬
‫فيدل ذلك على إمكان افتراقه !ك!ه عنهم في سائر‬
‫الحكم‪-‬‬
‫وقد يقع في قلوب بعض الناس شبه عقلية‪ ،‬يظنونها‬
‫قاضية بكون فعله ! حجة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫أول ً أنه ! من حيث هو رسولي‪ ،‬ينبغي متابعته في فعله‪،‬‬
‫ولو‪ /‬تطلب منا‬
‫تلك المتابعة قوًل‪.‬‬
‫والجواب أن ذلك غير لزم‪ ،‬إذ يعقل أن يرسل الله تعالى‬
‫رسول ً يقول‪ :‬أطيعوني في ما آمركم به‪ ،‬ول تقتدوا‬
‫بالعالي‪ ،‬لنها ليست كلها صالحة لكم‪ -‬وأيضأث لما كان‬
‫الفعل غير ما؟ إن كان من غيررسول‪ ،‬فكذلك ل يدل إن‬
‫كان من رسول‪ ،‬ما لم يدل على ذلك دليل‪.‬‬
‫ثانيا ً أننا لو لم نتبعه في أفعاله لكان ذلك مخالف َ‬
‫ة له‪ ،‬ول‬
‫يجوزغالفة الرسول‪ ،‬والجواب‪ :‬أن مخالفة الرسول تكون‬
‫بترك ما أراد منا فعله‪ ،‬أو فعلى مال راد‬
‫منا تركه‪ .‬ونحن ل نعلم أنه يريد منا أن نوافقه في أفعاله‪،‬‬
‫أل بان يقول لنا ذلك‪.‬‬
‫الدلة ‪ 1‬ا‪8،‬ر ‪ 8‬ه؟ ة‬
‫هل حجية السنة كافية في إثبات حجّية الفعال النبوية‪:‬‬
‫قد يسبق إلى بعض الفهام الستدلل لحجّية الفعال‬
‫ي من السنة‪ ،‬وحجّية‬ ‫النبوية بان يقولي‪ :‬إن الفعال النبوف ّ‬
‫ه بدللة الكتاب والجماع‪ -‬وذلك يدل عله أن‬ ‫السمنية ثابت ّ‬
‫الفعال النبوّية حجة‪.‬‬
‫وفي هذا الستدلل نظر؟ فإن اعتبار أفعال النبى!ه من‬
‫السنن‪ ،‬إنما يصح‬
‫‪188‬‬

‫) ‪(1/184‬‬

‫حلة‪ ،‬فإن‪ /‬يثبت أنها حجة فليست سننا ً بل‬ ‫إذا ثبت طلخا ُ‬
‫تكون كأفعال غيره من الناس‪.‬‬
‫وفي الستدلل المذكور نظر من جهة أخرى‪ ،‬فإن السنة‬
‫الثابتة حجّيتها بدللة الكتاب هي السنن القولية‪ ،‬وهي الي‬
‫ينطبق عليها قوله تعالى‪ :‬ومن يطع الرسول فقد أطاع‬
‫الله ! )‪ ،(1‬وقوله‪) :‬وما ينطق عن الهوى! )‪ (2‬ونحوهما‬
‫من اليام التي يستدل بها على حجية السنة‪ .‬تدل على‬
‫صدقه !ك! في القول بوجوب طاعته فيه‪ ،‬فيما المتابعة‬
‫في الفعل فل تقتضيها المعجزة‪.‬‬
‫وأما قوله تعالى‪ :‬نقل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني " )‪(3‬‬
‫ونحرها من اليام‪ ،‬وقوله‪ :‬ولقد كان لكم في رسول الله‬
‫ع رالتاسئي صادق على طاعة‬ ‫أسوة حسنة! فإن التبا َ‬
‫القول قطعًا‪ .‬وشمول التباع والتا!ئي للقتداء بالفعل أمر‬
‫فيه خفاء‪ ،‬ولفلك فهو بحاجة إلى إثبات‪ .‬وهو ما يفعله‬
‫الصوليون في باب الفعال‪*!! .‬‬
‫بتدقيق النظر في ما ورد في القرآن العظيم‪ ،‬والسنن‬
‫القبلية‪ ،‬بالجماع‪ ،‬يتبين‬
‫أنها تدل عل حرية الفعل النبوي‪ .‬ونحن نذكر ذلك‬
‫بالترتيب‪ ،‬فحقول ة‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬الدلة القرآنية‬
‫ل من كتاب الليه تعالى على كون أفعاله النبي‬ ‫م ّ‬
‫است ُ ِ‬
‫محمدا حجة على‬
‫عباد الله‪ ،‬بآيات ثلث‪:‬‬
‫الية الولى ة قوله تعالى‪ :‬ولقد كان لكلم في رسول أدبه‬
‫أسرة حسنة لمن كان‬
‫يرجو أدلة واليوم الخر وذكر الليه كثيرأ!‪.‬‬
‫نزلت هذه الية في شان غزوة الخندق‪ ،‬قي سياق لعداد‬
‫نعم الله تعالى على‬

‫ه ‪ !3) 85‬سرية امل عمران‪ :‬آية ‪31‬‬


‫)‪ (1‬سر‪ ،‬ة النساء‪ :‬آي ّ‬
‫ه‪3‬‬ ‫)‪ (2‬سورة النجم‪ :‬آي ّ‬

‫‪189‬‬
‫) ‪(1/185‬‬

‫المؤمنين‪ ،‬بأن أرسل الله على الكافرين جريحا ً وجنودا ً لم‬


‫تروها!‪ .‬ذكر الله المومني بان الكلفار جمعوهم من‬
‫فوقهم ومن أسفل منهم وزاغت البصار‪ ،‬وبلغت القلوب‬
‫الحناجر‪ ،‬حتى ظنوا بالله الظنون وزلزل المؤمنون زلزال ً‬
‫شديدا ً وأرجف المنافقون والذين في قلوبهم مرض‪،‬‬
‫وبدءوا يتسّربون من مواقعهم بأعذار كاذبة يريدون‬
‫الفرار‪ ،‬وانهارت مقاومتهم‪ ،‬لما كانوا عليه من الجبن‬
‫الخالع‪ ،‬لضعف إيمانهم أو انعدامه‪ -‬ثم قال تعالى‪! :‬سبرن‬
‫الحزاب‪ /‬يذهبوا صان يات الحزاب يوفوا لو أنهم باقون‬
‫في العراب يسألون عن أنبائكم !‪-‬لي لو عاد الحزاب إلى‬
‫حصار المدينة‪ ،‬لوذ هؤلء المنافقون‪ ،‬والمرضى القلوب‪،‬‬
‫لو لمنهم في البادية‪ ،‬بعيدين عن موطن القتال‪ ،‬ل يصلهم‬
‫منه إل الخبار‪.‬‬
‫ثم تأتي الية التي معنا ولقد كان لكم في رسوله الله‬
‫أسوة حسنة لمن كلن‬
‫يرجو الله واليم الخرس يحتمل أن الخطاب فيها‬
‫للمنافقن‪ ،‬تب!يتأ لهم على مواقفهم الدنيئة التي‬
‫وقفوها‪ ،‬وتذكيرا ً لهم بما كان ينبغي لهدم أن يفعلوه‪.‬‬
‫ويحتمل أن الخطاب فيها للمؤمنين )‪ (1‬تأييدا ً لموقفهم‬
‫ما َ لهم‪.‬‬
‫وثنا ‪ 2‬عليه وتثبي َ‬
‫والولى أن يقال‪ :‬هو خطاب للمجموعة كلها وزمنها‬
‫ومنافقها‪ .‬وتعني الية‬
‫أن الله رضي من عباده المؤمنين الصبر في مواطن البلء‪،‬‬
‫سيهم به‬ ‫سيا بالنبي !‪ ،‬وكره من المنافقيهأ عدم تأ ّ‬ ‫ْل ّ‬
‫ينهض في فلكه‪.‬‬
‫إل أن لفظ )الس!ق( مما ينظر فيه‪.‬‬
‫فمادة كأس ح تكون بمعنى مداواة الجراح‪ .‬تقول العرب‪:‬‬
‫أسوت الجرح‪،‬‬
‫َ‬
‫وفي كلمهم‪ :‬السد وهو الطبيب‪ ،‬والسية الفاتنة‪،‬‬
‫والنساء الدواء‪.‬‬
‫وتكون بمعنى المساواة‪ ،‬وفي كتاب عمر إلى( بي موسى‪:‬‬
‫مآس بين الناس " أي‬
‫ساو بينهم‪.‬‬
‫مرطبي‪ :‬الجامع لحكام القرآن ‪156 /14‬‬ ‫)‪ (1‬ال ّ‬
‫‪1951‬‬

‫) ‪(1/186‬‬
‫( ما )السوة( فقد وردت في اللغة لمعنيين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما يتسلى به الحزين عن مصابه‪ ،‬والمهموم عن‬
‫مه‪.‬‬
‫ه ّ‬
‫والثاني‪ :‬المماثلة‪ ،‬تقول‪ :‬وجعلته في مالي أسوة‪ ،‬أي‬
‫ت مالي بيني وبينه نصفين‪ ،‬حتى صار مثلي فيه‪.‬‬ ‫قسم ُ‬
‫ومنه جاءت السوة بمعنى القدوة‪.‬‬
‫وبن المعنيين صلة واضحة‪ ،‬فإن المحزون يتسلى بان‬
‫يقولي لنفسه‪ :‬قد أصاب فلنا مثل ما أصابني‪ ،‬فعل أن‬
‫أصبر كما صبر‪.‬‬
‫ويحتمل أن السرة التي بمعنى التسثن عن المصاب‪ ،‬من‬
‫)السا! ألفي بمعنى الدواء والمعالجة‪ ،‬إذ إن المصيبة‬
‫كالجراح‪ ،‬والسلع دواؤها‪.‬‬
‫و )السهة( في المة‪ ،‬لول وهلة‪ ،‬يبدوا ما محتملة‬
‫للمعنيين جميعا ً يقول القرطبي‪" :‬قوله تعالى )أسوة!‬
‫ى به‪ ،‬أي يتعرى به‪،‬‬ ‫السوة‪ :‬القدوة‪ ،‬والسوة‪ :‬ما ُيتام ٌ‬
‫عرى به في جميع أحواله‪،‬‬ ‫فيقتدى به قي جميع أفعاله‪ ،‬وي ُت َ َ‬
‫قتل عمه‬ ‫عي َُته )‪ ،(1‬و ُ‬
‫سَرت َرَبا ِ‬ ‫فقد شخص وجهه !ئه!‪ ،‬وك ُ ِ‬
‫ف أل صابرا ً محتسبا وشاكرا ً‬ ‫حمزة‪ ،‬وجاع بطنه‪ ،‬و‪ /‬ي ُل ْ َ‬
‫راضيًا"‬
‫ولكن إن نحن جعلنا )السوة( في الية بمعنى ما يتصدر به‬
‫الحزين‪ ،‬لم تكن‬
‫وةً بكل‬ ‫المة حجة في القتداء بأفعال النبي !‪ ،‬لن لنا أس َ‬
‫صابر‪.‬‬
‫وإن جعلناه بمعنى القدوة‪ ،‬فهي حجة على المطلوب‪ ،‬وهر‬
‫قبل جمهور الصوليين‪ .‬وهو الصواب‪ ،‬كما نبئنه بعد‪.‬‬
‫وقد أراد بعضهم على الحتجاج بهذه الية‪ ،‬أنها وردت في‬
‫سر خاص هو القتداء به ! في الصبر في الحرب‪ ،‬وليس‬
‫لفظ )أسوة! ل الية من ألفاظ العموم حتى يقتدى به في‬
‫غير هذا الفعل‪.‬‬
‫لقالوا‪ :‬وحتى لو قلنا إنها ليست خاصة بما ذكر في‬
‫و‪ ،‬فل تحوز القول‬ ‫السعيا ّ‬
‫ه‪) ،‬حدي السنان الربع التي تلي الثنايا‪ ،‬بين‬ ‫ا( الرباعي ّ‬
‫الثنية والناب )اللسان(‪191 .‬‬

‫) ‪(1/187‬‬

‫بأنها عمة في كل فعل‪ ،‬بلى هي مطلقة‪ .‬وتتحقق النية‬


‫فيمن اقتدى به ! في بعض المور درن غيرها )؟‪.،‬‬
‫وقد أجاب المدي‪ (2،‬بان تعيين المتاسئي فيه ممتنع‪،‬‬
‫لعدم دللة اللفظ عليه‪.‬‬
‫والقول وإبهام المتاسئي فيه ممتنع لنه على خلف‬
‫الغالب من خطاب الشرع‪ ،‬فلم يبق إل العموم‪.‬‬
‫وهذا الجواب متهافت كما ل يخفى‪ .‬بل القول بتعئنه في‬
‫ما فيه السباق ممكن ومقبول‪ ،‬كما قال أبن دقيق العيد‪:‬‬
‫ق لتخصيص العمومات وبيان ا لمحتملت‬ ‫"إن السياق طري ٌ‬
‫"‪.(+‬‬
‫وجواب أبي الحسين البصري‪ (4،‬أصح‪ ،‬وهو أنه ل يطلق‬
‫في اللغة على النسان أنه أسوة لزيد بذا كان إنما ينبغي‬
‫لزيد أن يتبعه ما فعل واحد‪ ،‬وإنما يطلق ذلك إذا كان ذلك‬
‫النسان قدوة لزيد‪ ،‬يهتدي به في أموره كفها‪ ،‬إل ما خضه‬
‫الدليل‪.‬‬
‫ومما يؤكد العموم أيضا ما!رد في الحديث‪ ،‬مما يدل على‬
‫الصواب من تفسير‬
‫الية‪ ،‬أهم كانوا مع النبي !م! في سفر‪ ،‬فسلموا حتى‬
‫فاتتهم صلة الفجر‪ .‬فصلتها بهم‪ ،‬وذلك بعد ارتفاع‬
‫الشمس‪ .‬فتهامس بعضهم إلى بعض وما كفارة ما صنعنا‬
‫اليم؟ " فقال النبي صن‪:‬إ أما لهم يخص أسوة؟ " ْ)( وملئه‬
‫أنه اكتفى بقضلر الصلة‪ .‬وكانت تلك كفارة ما حصل‬
‫منهم‪ .‬وهذا حكم شرعي حمايل بالقتداء بالفعل‪.‬‬
‫)‪ (1‬تبنى هذه الشبهة الرازي في المحصول حق ‪(152‬‬
‫)‪ 1 (2‬لحد أم ‪ /2‬مل ‪2‬‬
‫)‪ (3‬يرى ابن دقيق العيد أن السياّل أحد مخصصات العموم‪،‬‬
‫رمبينات المراد بللجملت‪ .‬انظر كتابه‪ :‬إحكام الحكام شرح‬
‫عمدة الحكام ‪ ،233 ،19 /2‬كرق بذلن فقد وبن قاعدة‬
‫والعبرة بعموم اللفظ ل بخصوص السببي وبن أن‬
‫الصولييها‪ /‬يذكروا قاعدة التخصيصي بالسياق‪ ،‬أل بعض‬
‫المتأخرين ممن أدرك هو أصحابهم‪.‬‬
‫)‪ 1 (4‬لمعتمد ‪384 /3‬‬
‫)‪ (5‬رواه مسلم ‪186/5‬‬
‫‪192‬‬

‫) ‪(1/188‬‬

‫وسياقه في الستدلل بالجماع‪ ،‬ما يدل على أن الصحابة‬


‫كانوا يحتجون‬
‫بكونه كلفه أسوة‪ ،‬على لمحكلم شرعية مأخ!ة من‬
‫الفعال‪ .‬فهذا يفسر معنى السوة في المة‪.‬‬
‫وقال الصنعاني‪ :‬وأما ما قيل من أن )أسوة! نكرة في‬
‫الثبات ل عموم لها‪،‬‬
‫وإنما هي خاصة في ما نزلت فيه‪ ،‬فغير صحيح‪ ،‬لن قوله‪:‬‬
‫ولقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة! هو في‬
‫المعنى جواب لقوله‪ :‬المن كان يرجو أله واليوم الخرة‪.‬‬
‫وهو شرط )‪(1‬؟ والشرط من ألفاظ العموم " )‪ 0(2‬اهل‪-‬‬
‫وحتى لو قلنا بان السرة هي القدوة في أمور معينة دون‬
‫غيرها‪ ،‬فقد ثبت مطلوبنا هنا وهو أن الفعال النبوية‪ ،‬من‬
‫حيث الجملة‪ ،‬حجة في الشريعة‪ ،‬لن قولنا‪:‬أ من حيث‬
‫الجملة" نعني به‪ :‬بني بعضها دون بعمى"‪.‬‬
‫وسيأتي في الفصل التالي تمييز ما هو منها حجة‪ ،‬مما ل‬
‫يحتج به‪.‬‬
‫الية الثانية‪ :‬قوله تعالى‪ :‬نقل إن كنتم تحبون الله‬
‫فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم ! وشبيه بها قوله‬
‫ي‪ ! ...‬إنما قوله‪:‬‬
‫تعالى‪ :‬والذين يتبعون الرسول النبي الم ّ‬
‫)‪ ...‬واتبعوه لعدكم تهتدون ! )‪.(3‬‬
‫فقد أمرنا الله عز رجل باتباع نبيه !‪ .‬والتباع قي اللغة أن‬
‫يسير النسان خلف آخر‪ .‬والمراد هنا أن نتخذه !نه!ه‬
‫رئيسا ً وقائدا ً إلى أعمال الخير والبر نهتدي بهديه‪.‬‬
‫والتباع يكون في القوال والفعاله‪.‬‬
‫فمن استعمال التباع في طاعة القوال‪ ،‬قوله تعالى‪:‬‬
‫واتبع ما أوحي إليك‬
‫مبعون‬‫من ربك ! )‪ ،(4‬وقوله‪ :‬والذين يستمعون القولي في َ‬
‫أحسنه ! ْ)"‪.‬‬
‫)‪ (1‬هداية العقول‪.‬‬
‫)‪ !2‬أي في المعنى‪ .‬أما في اللفظ في منع موصول‪.‬‬
‫في رسول‬ ‫والمعنى ومن كان يرجو الله واليوم الخر فله ِ‬
‫الله أسوة حسنة(‪.‬‬
‫)‪ (3‬سورة العراف‪ :‬آية ‪158 ،157‬‬
‫)‪ (4‬سورة النعام‪ :‬آية ‪ (5) 106‬سورة الزمر‪ :‬آية ‪193 18‬‬

‫) ‪(1/189‬‬

‫ومن اتباع الفعال قوله تعالى‪" :‬والذين آمنوا واتبعتهم‬


‫ذريتهم بإيمان ألحقنا‬
‫بهم ذريتهم ! )!(‪ ،‬وقوله‪ :‬لروما أنت بتابع قبلتهم وما‬
‫بعضهم بتابع قبلة بعض !‪.(2،‬‬
‫وقدم ورد بعضهم على الحتجاج باليات المذكورة‪ ،‬أنها‬
‫ليست عامة‪ ،‬بل مطلقة‪ ،‬والمطلق يتحقق قي ضمن فرد‬
‫من أفراده‪ ،‬فربما كان المراد اتباعه في القول خاصة‪.‬‬
‫وأجاب أبو الحس!من البصري‪ ،‬بان الطلق يقتضي صحة‬
‫الّتباع في كل ما يصدق عليه‪ .‬قال‪:‬أ إن إطلق قوله !‬
‫واتبعوه ! وإن لم يفد العموم‪ ،‬فإنه يفيد أن لنا اتباعه في‬
‫أفعاله لن ذلك اتباع له‪ ،‬والخطاب مطلق " )‪،(3‬‬
‫ويرى القاضي عبدالجبار‪ :‬لن التباع إذا أطلق انصرف إلى‬
‫اتباع الفعال‪ ،‬كاتبِاع المام‪ ،‬أما طاعة القوال فتسمى‪،‬‬
‫مى واتباعًا" إل مقئدَا" )‪.(4‬‬
‫"امتثال"‪ ،‬ول تس ّ‬
‫الية الثالثة‪ :‬قوله تعالى‪ :‬وفلما قنا زيد منها وطرأ‬
‫زوجناكها لكي ل يكون‬
‫على المؤمنين حرج في أزواج أدعيائهم إذا قضوا منهم‬
‫وطرأت ْ)( قال المستدلرن بها‪ :‬ولول أن اتهمه‪-‬له فيما‬
‫يفعله يفيد الحكم الشرعي في حق المة‪ ،‬لما كان للية‬
‫ح‬
‫معنى‪ ،‬لن معناها‪ :‬أنه ينتفي عنهم الحرج في نكا ِ‬
‫مطلقات أدعيائهم‪ ،‬بكونه مجد تزوج مطلقة دعيه‪ ،‬وهذا ل‬
‫يتسم ما لم يكن متقررا َ أن أفعاله حجة" )‪.(6‬‬
‫وقد اعترض على الستدللي بالية بأنها واردة في متابعته‬
‫! في تزوج مطلقات الدعياء‪ ،‬وليس فيها ما يدل على‬
‫التأسثي قي غير ذلك من الفعال‪.‬‬
‫)‪ (1‬سورة الطور‪ :‬آية ‪ (2) 21‬سورة البقرة‪ :‬آية ‪135‬‬
‫)‪ (3‬المعتمد ‪ (41 384 /1‬المغني ‪26 1 ،26 0 /17‬‬
‫)‪ (5‬سورة الحزاب‪ :‬آية ‪37‬‬
‫)‪ (6‬انظر المدي ‪ ،268 -266/1‬أبو الحسين البصري‪:‬‬
‫المعتمد ‪ ،384 /1‬ابن تيميه مجموع الفتاوى الكبرى‬
‫‪443/15‬‬
‫‪194‬‬

‫) ‪(1/190‬‬

‫وأجيب عن ذلك بأنه ليس فيها دللة على خصوص متابعة‬


‫المؤمنين‬
‫للنبي عنه في ذلك‪ ،‬ولول أن الكائن بالنبى!ه جما ما‬
‫يصنعه قاعدة شرعية عامة‪ ،‬لما فهم الصحابة رضي الله‬
‫عنهم الحكم في ذلك في حقهم‪.‬‬
‫ولذلك قال السدي‪ :‬وهذا من أقوى ما يستدل به ها هنا‪.‬‬
‫وعندي في الستدلل بهذه الهية نظر‪ .‬فإن إباحة التزويج‬
‫كانت معلومة منذ‬
‫نزل تحريم التبني‪ ،‬وبيان فساد ما سبق وقوعه منه‪ ،‬في‬
‫قوله تعالى‪ :‬روما جعلي أدعياءكم أبناءكم ذلك قولكم‬
‫بأفواهكم‪! ..‬إلما قوله‪ ..) :‬وليس عليكم جناح فيما أخطأتم‬
‫به )‪ (1‬مع قوله تعالى في المحرمات )وحلئل أبنائكم‬
‫الذين من ( صلتكم !‪ .‬وإلغاء نظام التبني إلغاء لكل ما‬
‫ترتب عليه‪ ،‬ومن ذلك ما كانوا يعتقدونه من تحريم‬
‫مطلقات الدعياء‪،‬‬
‫إذن ليس الغرض منا تزويجه غد بزينب العلم بالحكم‪،‬‬
‫فإن العلم به حاصل من قبل‪.‬‬
‫ولكون العادات لها سلطان توفي على النفوس‪ ،‬ويصعب‬
‫خالفتها‪ ،‬ويجد النسان في ذلك حرجا ً كبيرًا‪ .‬وكم من‬
‫لباس مباح نافع للناحمه‪ ،‬يمتنع النسان من لبسه‪ ،‬وهو‬
‫يعلمه له حلل‪ ،‬لمجرد أنه أحد الحرج يخل ذلك ‪ 4‬لعدم‬
‫جريان العادة بلبسه في بيئته‪ .‬ركذلئا في المناكب‬
‫والعلقات المجتمعية وغيرها‪ .‬والرماد هم الدين ل يبالون‬
‫ج‪ ،‬فيفعلون الحسن لحسنه‪ ،‬وبذلك يكونون‬ ‫بذلك الحر ِ‬
‫عادات جديدة نافعة‪ ،‬ويوجدون قبولها لها في بيئتهم‪،‬‬
‫وبذلك يفتحون المجال أمام غيرهم لينتفعوا بتلك العادات‬
‫الجديدةغ وهنوا عين ما تشير إليه اليلة ‪.(21‬‬
‫ز أب ة آية ‪4‬‬
‫)‪ (1‬سورة الحم ٍ‬
‫)‪ (/(2‬جد أحدا من المتقدم!ش أشار إلى هذا المعنى‪ -‬ثم‬
‫وجدت الستاذ الفاضل محمد مصطفى شابا ذكوره‪ ،‬وأ كد‬
‫لي ما فهمته‪ ،‬حيث قال في كتابه "تعديله الحكام " أيا ‪17‬‬
‫ما نصه‬
‫عامر ألذ رسوله الكريم بزواجها‪ ،‬معلل هذا الحكم بدفع‬
‫الحرج والضيق عن المؤمنة يخص إقدامهم على ذلك‬
‫الفعل‪ .‬وكيف ل لكون حرج وقد كانت عادة التبني في‬
‫الجاهلية فاشية‪-‬‬
‫‪195‬‬

‫) ‪(1/191‬‬

‫فليس الحرج المطلوب إبطاله في الية إذن هو الحرج من‬


‫جهة الله تعالى‪،‬‬
‫وهو الثم‪ ،‬ولكن الحرج هو الضغط الجتماعي المانع من‬
‫العمل بما أباحه الشرع‪.‬‬
‫وبذلك ل تكون الية دالة على المطلوب قي هذا الموضع‪.‬‬
‫وبالله التوفيق‪.‬‬
‫ثانيا الدلة من السنة‬
‫ل يصلح الحتجاج بالسنة الفعلية في هذا المقام‪ ،‬لنه‬
‫يكون من باب إثبات الشيء بنفسه‪ .‬وإنما يصح الحتجاج‬
‫هنا بالسنة القولية‪.‬‬
‫وقد ورد مما يدل على ذلك أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن تومي سألوا عن عبادة النبي !نن!‪ .‬مكانهم‬
‫تقالوها‪ ،‬وأراد أحدهم‬
‫أن يقم الليل فل ينام‪ ،‬والخر أن يصوم فل يفطر‪،‬‬
‫والثالث أن ل يتزوج النساء‪ .‬فلما علم النبي ! بأمرهم‪،‬‬
‫قال‪ :‬وأنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ ! قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ولكني أقوم وأنام‪ ،‬وأصوم وأفطر‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬فمن‬
‫رغب عن سنتي فليس مني " )‪.(1‬‬

‫)‪(1‬‬
‫فيهم مواصلة‪ ،‬حتى حكلمرا للدعياء بما للبنا ‪ 4‬منا‬
‫الحقوق‪ ،‬فلو اقتصر القرآن في إبطال التبني على قوله‪:‬‬
‫روما جعل أدعيائكم( بنائكم( لشتا عل بعض النفرحما‬
‫القدام عل نكاح حليلة المتبنى مخافة لوم الخرين‪ .‬لذلك‬
‫شلل الله ما كان من زواج زيد لزينب‪ ،‬وحصول الكراهة‬
‫بينهما‪ ،‬ووقوع الشكاية؟ حتى يتم الفراق‪ ،‬وأمر رسوله !‬
‫بنجاحها ليقطع جذور هذه العالة‪ ،‬فإذا أقدم غيره من‬
‫المؤمنين على مثل هذا أجاب بقوله‪ :‬القد كان لكل في‬
‫رسول انه أسوهّ حسنةأ ا هـ‪.‬‬
‫ثم وجدت صاحب مسلم ٍ الثبوت وشارحه )‪(181 /2‬‬
‫يقولنه‪" :‬القول ينفي الحرج شرعا ً ل طبعا ً فإن النسان‬
‫كثيرا ما يتحرج من فعل المباح لما )يرى( فيه من‬
‫مبوع ينظمهما‬ ‫المداهنة‪ .‬ينفر الطبع‪ ،‬وفعل الرسول الم ّ‬
‫جميعَآ" وهو لتوجيه مقبول‪ ،‬إل أنه يلزمه أن هذا الفعل ل‬
‫يتعين بيانا ً شرعيا ً وهو مطلوبنا‪ ،‬خاصة وقد كان الها أن‬
‫القولي في هذه المسالة سابقا للفعل‪ .‬رواه مسلم ‪/9‬‬
‫‪ 176‬والبخاري أول كتاب النكاح‪.‬‬

‫‪196‬‬

‫) ‪(1/192‬‬

‫فقد أنكور عليهم مخالفته فيما يفعله‪ ،‬وذلك دا ّ‬


‫ل على‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫ثم أخبرهم بما يفعله هو‪ ،‬وغرف أن يقتدوا به في ذلك‪،‬‬
‫وفي هذا دللة أخرى‪.‬‬
‫ثم وضع قاعدة عامة ومن رغب عن سنتي فليس مني !‬
‫ولفظ )السنة( هنا‬
‫عام‪ ،‬وقد ورد على سبب معيق هو القتداء بالفعال‪ ،‬وقد‬
‫تقرر في علم الصول أن صورة السبب قطعية الدخول‬
‫في العام‪ .‬فثبت المطلوب‪ .‬ويدل ذلك على أن الفعال‬
‫النبوية جزء من السنة النبوية يحتج به كما يحتج بالقوال‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن النبي ينهي كان إذا عرض المر الذي هو بحبة‬
‫ألما بيان حكمه‪،‬‬
‫ً‬
‫يذكر للقوم أحيانا أن يفعله و ‪ ،"1‬ويرى ذلك كافيا في‬
‫البيان‪ .‬ول يكون كافيا ما‪ /‬يكن متقررأ أن فعله دليل‬
‫وحجة‪ .‬ومن ذلك على سبيل التجميل ل الحصر‪:‬‬
‫‪ -1‬حديث جبهير بن مطعم عن النمى! قي صفة الغسل‪،‬‬
‫أنه قال‪! :‬أما( ما فيفيض على رألصي ثلثًا" وأشار بيديه‬
‫كلتيهما ا )‪.(2‬‬
‫وروي مثله من حديث جابر‪.(+‬‬
‫‪ -2‬وحديث أنس‪! :‬إف! لتوب إلى الله تعالى في اليوم‬
‫سبع!ين مرة" )‪.(4‬‬
‫‪ -3‬وحديث أبي رافع‪ 9 :‬إني ل أليس بالعهد و!* أحبس‬
‫الب ُُرد" )‪.(5‬‬
‫‪ -4‬وحديث عائشة أن رجل قال‪ :‬يا رسول ألد‪ ،‬تدركجما‬
‫الصلة وأنا جنب‪ ،‬فيصوم؟ قال‪:‬إ وفي تدركني الصلة وأنا‬
‫جنب فأصوم "‪.(6‬‬
‫ه‪ :‬الفتاوى الكبرى ‪9 /18‬‬ ‫)‪ (1‬ابن تيمي َ‬
‫)‪ (2‬البخاري )فتح البارز ‪ (367/1‬ومسلم كأصحاب السنن‬
‫والفتح ال!ب!!‪.‬‬
‫)‪ (3‬أحمد ومسلم والفتح الكب!!‪.‬‬
‫)‪ (4‬النسافه وابن حبان والفتح الكبيه!‪.‬‬
‫)‪ (5‬أحمد وابن حبان )‪ 1‬بو داود والنسمائي والفتح الكب!!‬
‫والبرد جمع بريد‪ ،‬وهو الرسول‪ (6) .‬أحمد ومسلم ونيل‬
‫الوطار ‪(225 /4‬‬
‫‪197‬‬

‫) ‪(1/193‬‬

‫وروي مثله عن أم سلطة‪ .‬فقد سأل عمر بن أبي سلمي‬


‫رسول الله !نه!ه‪:‬‬
‫أيقول الصائم؟ قال‪ :‬غسل هذه "‪ -‬لم كلمة‪ .‬فأخبرته أن‬
‫رسول الله !ئه!ه يفعل ذلك )‪.(1‬‬
‫‪ -5‬حديث عائشة‪ ،‬أن رجًل سأل النبي عن‪ ،‬عن الرجل‬
‫يجامع أصله ثم يكسل‪ .‬وعائشة جالسة‪ .‬فقال رسول الله !‬
‫ك!‪ :‬فإني لفعل هذا أنا وهذه ثم نغتسل " )‪.(2‬‬
‫ثالثًا‪ :‬دليل الجماع‬
‫نجد الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من التابعين‬
‫والئمة‪ ،‬قد ورد‬
‫عنهم ما ل يكاد ُيححما كاثرة‪ ،‬الحتجاج بالسنة العملية‪.‬‬
‫والذي عن الصحابة من ذلك صنفان‪:‬‬
‫الول‪ :‬القول الصريح الناطق بان أفعال النبي !ته! حجة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬الحتجاج عملئأ بالفعل النبوي‪،‬‬
‫فمن النوع الول‪:‬‬
‫ا‪ -‬أن أبا بكر رضي الله عنه جاءته فاطمة بنت رسول الله‬
‫سكر‪ ،‬تسأله ميراثها من رسول الله عبده‪ .‬فقالت أبو بكر‪:‬‬
‫إفي سمعت رسول الله به يقول‪ :‬أل نورث‪ ،‬ما تركنا‬
‫صدقة" إنما يأكل آل محمد في هذا المال‪ ،‬وإف! والد ل أن‬
‫أمرا ً رأوا رسول الله !! يصنعه فيه إل صنعته )‪ (3‬وفي‬
‫رواية قال أبو بكر‪ :‬لمست تاركا شيئا ً كانط رسول انه‬
‫نمط يعمل به أل عملته‪ ،‬فإني أخشى إن تركت شيئا ً من‬
‫أمره أن أنى يا )‪.(4‬‬
‫‪ -2‬حديث عمر‪ ،‬هلل له يعلى بن أمية ة أل تستلم هذين؟‬
‫يعني الركنيهأ من‬

‫)‪ (1‬مسلم )نيل الوطار ‪ (3) (223/4‬أحمد في المسند ‪4/1‬‬


‫)‪ (2‬سالم )نيل الوطار ‪ (41 (242 /1‬أحمد في المسند‬
‫‪198 6/1‬‬

‫) ‪(1/194‬‬

‫جر‪ .‬قال عمر‪ :‬ألم تطف مع‬ ‫ح ْ‬


‫الكعبة اللذين من جهة ال ِ‬
‫رسول الله !م!م؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬أليس لك في رسولي‬
‫الله أسوة حسنة؟ قال‪ :‬بلى‪ .‬قال‪ :‬فانفذ عنده !‪ .(1‬فقوله‬
‫رضي الله عنه‪:‬أ أليس لك في رسول الله أسوة حسنة"‬
‫ِإثبات به يربط‬
‫ً‬
‫أن الفعل النبوي حجة‪ .‬ويفيد أيضا أنه يرى الهية دالة‬
‫على ذلك‪ ،‬وأن هذا هو تفسيرها‪ ،‬كما تقدم‪ .‬وهكذا يقال‬
‫في الحاديث التالية‪.‬‬
‫ب على الركن )‬ ‫‪ -3‬عن ابن عباس أن عمر بن الخطاب أك َ ّ‬
‫‪ (2‬فقال‪:‬أ إني‬
‫لعلم أنك حجر‪ ،‬ولو‪ /‬أر حبيبي ! قولك أو استلمك‪ ،‬ما‬
‫استلمتك ول في انك‪ ،‬لقد كان لكم في رسول أدلة أسوة‬
‫حسنة"لن‪.‬‬
‫‪ -4‬حديث علي )‪ "4‬في مناظرته للخوارج‪ ،‬إذ نقموا عليه‬
‫التحكيم‪ ،‬كان في‬
‫ما قال لهم‪ :‬نقموا علي أفق لما كالنبت معاوية‪ ،‬كتبت‪:‬‬
‫عيد بن أبي طالب‪ :‬ويعني‪ :‬لم يكتب‪ :‬أمير المؤمنين! وقد‬
‫جد سهيل بن عمرو‪ ،‬فكتب رسول الليه‪ !-‬وبسم الله‬
‫الرحمن الرحيمي قال‪ :‬ل تكتب بسم الله الرحمن الرحيم‪.‬‬
‫قال‪ :‬وكيف نكتب؟ قاله سهيل‪ :‬أكت‪ :‬باسمك اللهم‪ .‬فقال‬
‫رسول الله عن‪ :‬فاكتب‪ :‬محمد رسول الله‪ .‬فقال‪ :‬لو أعلم‬
‫أنك رسول الله‪ /‬أخالفك‪ .‬فكتب‪ :‬هذا ما صالح عليه محمد‬
‫بن عبداللي قريشا ً قال علي‪ :‬ويقول الله تعالى‪ :‬ولقد‬
‫كان لكم في رسول ألمحه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله‬
‫واليوم الخرس‪.‬‬
‫‪ -5‬حديث عائشة‪ ،‬عندما سئلت عن القبلة للصائم‪ .‬قالت‪:‬‬
‫كان رسول انه ي يفعله‪ ،‬ولهم قي رسول الله أسوة‬
‫حسنة )‪.(5‬‬
‫)‪ (1‬احمد ‪ (2) 422/4‬بعني الركن الذي فيه الحجر ألسود‪.‬‬
‫)‪ (3‬أحمد في المسند ‪ 31/1‬قال أحمد شاكر "صحيح‪ .‬وله‬
‫طرق كثيرةأ قلت هو في الصحاح والسنن من طرق‪ ،‬لكن‬
‫ذكر السرة الحسنة ليس إل في هذه الرواية لحمد‪ .‬وهي‬
‫صسحيحة‪.‬‬
‫)‪ (4‬مجمع الزوائد ‪ 235 /6‬وقال‪ :‬رواه أبو يعلي ورجاله‬
‫ثقات‪ .‬والحاكم في المستدرك ‪ 1 (5) 1 5 2 /3‬حمد ‪192/6‬‬
‫‪199‬‬

‫) ‪(1/195‬‬

‫‪ -6‬أدب ابن عمر سئل عن رجل طاف بالبيت في عمرة‪ ،‬و‪/‬‬


‫يطف بين الصفا والمروة‪ ،‬أياق! امرأته؟ فقال‪ :‬قدم النبي‬
‫! فطاف بالبيت سبعا ً وصّلى خلف المقام ركعتين‪ ،‬وطاف‬
‫بين الصفا والمروة سبعا ً وقد كان لكم في رسولي الله‬
‫أسوة حسنة‪.(1،‬‬
‫ً‬
‫‪ -7‬حديث ابن عمر أيضا أن أحد أصحابه نزلت عن راحلته‬
‫فاولر ثم أدركه‪ ،‬فقال له ابن عمر‪ :‬أين كنت؟ قال‪ :‬خشيت‬
‫الفجر‪ ،‬فنزلت فاخترت‪ .‬فقال ابن عمر‪ :‬أليس لك في‬
‫رسول الله أسوة حسنة؟ قال‪ :‬بلى والله‪ .‬قال‪ :‬إن رسول‬
‫الله عنه كان يوتر على البعير ‪،(2‬‬
‫‪ -8‬عن أنس أنه صلى على حماره لغير القبلة‪ ،‬فلما أنكروا‬
‫عليه قال‪ :‬للول‬
‫أني رأيت رسول الله !م! يفعله ما فعلته " )‪.(3‬‬
‫فهذه آثار مختلفة‪ ،‬يحتج فيها الصحابة‪ ،‬بأن لنا!قي رسول‬
‫اللة!ه أسوة حسنة" على أن الحكم الشرعي يؤخذ من‬
‫فعله به‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪:‬‬
‫ما ورد مما ل يكاد يحسما كثرة‪ ،‬من بيان الصحابة للحكلم‬
‫بنقلهم ما كان رسول الله !ك! يفعله‪ ،‬في طهاراته‬
‫وصلته وصيامه وحجه‪ ،‬ويخص بيعه وشرائه‪ ،‬ومعاشرته‬
‫لزوجاته‪ ،‬ومعاملته لهل الحرب وكيرهم‪ .‬ويرون ذلك دينا‪ً،‬‬
‫ود له تقوم به الحجة على الناس إذا علموا به‪ .‬ونحن يخص‬
‫غنى عن التمثيل لهذا النوع لكونه ل يخفى على أحد ممن‬
‫له صلة بفقه السنة النبوية‪.‬‬
‫ي "‪ (4‬والغزالما ْ)( الستدلل بالسنة‬‫هذا وقد ردّ الراز ّ‬
‫والجماع في هذه‬
‫)‪ (1‬حديث ابن عمر في العمرة‪ :‬رواه البخاري يفتح الجاري‬
‫‪(615 /3‬‬
‫)‪ 12‬حديث ابن عمر في الوتر على الراحلة ة رواه مسلم‬
‫‪ 487/1‬وهو في الموطأ أيضا ً في باب صلة الليل‪.‬‬
‫)‪ (3‬مسلم ا‪ /‬ول ‪ (4) 4‬المحصول ق ‪.(50‬‬
‫)‪ (5‬المستشفى ‪51/2‬‬
‫‪300‬‬

‫) ‪(1/196‬‬

‫المسالة‪ .‬قال الرازي‪ :‬لهله أخبار آحاد ل تفيد العلم "‪.‬‬


‫وأيضا ً أكثر هذه الخبار واردة في الصلة والحج‪ ،‬فلعله !!‬
‫ان قد بّين لهم أن شرعه وشرعهم سواء في هذه الصور‪.‬‬
‫قال يكن‪:‬أ صلوا كما تراني )كذا( أصلي "‪ .‬وقاله‪! :‬خذرا‬
‫عني مناسككم "‪ -‬الـ‪.‬‬
‫والشبهة الولى التي ذكرها‪ ،‬مردودة بان الخبار الواردة‬
‫في ذلك فإن كان‬
‫كل منها بذاته خبر آحاد‪ ،‬إل أنها متواترة معنوئأ‪ ،‬لتفاقها‬
‫على ذلك المعنى‪ .‬والشبهة الثانية مردودة أيضا ً إذ هي‬
‫دعوى محالفة للواقع‪ ،‬وخيال ل حقيقة‬
‫له‪ ،‬فإن أهل العلم والفقه منذ عصر الصحابة‪ ،‬ما زالوا‬
‫يعتبرون القتداء به ضد في أفعاله دينا وشرعا ً ول يخلو‬
‫كتاب من كتب الفقه المدللة من الحتجاج بأفعاله ! في‬
‫غير الصلة والحج‪ ،‬كالطهارة‪ ،‬والبيع‪ ،‬والنكاح‪ ،‬والحرب‪،‬‬
‫قل ذلك عن الصحابة فمن بعدهم‪ .‬وإنكار‬ ‫وغهير ذلك‪ .‬ون ُ ِ‬
‫ملئه مكابرة‪.‬‬
‫وقد أحسن المني بالعراض عن هاتين الشبهتين وإغفال‬
‫ذكرهما!‬
‫‪251‬‬

‫) ‪(1/197‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الشبه التي تورد‬
‫فعل النووي‬ ‫على حجية ال ِ‬
‫ثبت بما ذكرنا ‪ 8‬من الكتاب والسنة القولية والجماع‪ ،‬أن‬
‫الصل في أفعاله‪ !-‬أنها حجة؟ تستفاد منها الحكام في‬
‫حق المة‪ ،‬بالقتداء به فيها رعب‪ .‬ومنشأ حجرة الفعال‬
‫النبوية يمكن إيضاحه كما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬لله تعالى في أفعال نبيه !!كم شرعية معينة‪.‬‬
‫‪ -2‬وهو مجده عالم بتلك الحكم‪.‬‬
‫‪ -3‬ويريد بفعله مطابقتها‪-‬‬
‫‪ -4‬ويعلم أن الفعل مطابق للحكم‪.‬‬
‫فينتج أن فعله مطابق لحكم الله في حقه‪.‬‬
‫‪ -5‬وحكم أفعالنا المماثلة لفعاله‪ ،‬كحكم أفعاله‪.‬‬
‫فها هناخمسة أمور‪ ،‬وما يورد من الشبه على حجية الفعل‬
‫النبرفي‪ ،‬يرد‬
‫في واحلم أو أكثر من هذه المور‪.‬‬
‫فنذكر هذه المور ا‪-‬فمسة بالترتيب‪ ،‬ونذكر ما قد يورد‬
‫على كل منها‪ .‬فيكون الكلم على ذلك في خمسة مطالب‬
‫ة‬
‫‪202‬‬

‫) ‪(1/198‬‬

‫المطلب الولي‬
‫أن لفعله صلى الّلي عليه وسلم‬
‫عند الّله تعالى حكما شرعيا‬
‫وملئه أنه !ك! بشر مكثف كسائر المكلفين‪ ،‬إذ هو عبد‬
‫محبوب‪ ،‬وقد نزل‬
‫عليه الوحي آمرا وناهيك‪.‬‬
‫والذي قد يورد على هذا‪ ،‬أن يبالى‪ -‬ليس كل فعل فيه‬
‫حكم شرعي‪ ،‬وإذا‬
‫‪ /‬يكلن في كل فعل حكم شرعي‪ ،‬احتملت أن يكون ما‬
‫فعله ! صادرأعن العمل على مرتبة الباحة العقلية‪ ،‬أي بناء‬
‫على أن ل تكلم في المسالة‪ ،‬فإذا استفيد من فعله حكام‬
‫الفعل في حقنا‪ ،‬نسب ذلك إلى الشرع‪ .‬فكانت الستفادة‬
‫خطا‪ .‬والذي نقوله في هذه الشبهة‪ :‬إنها ل يمكن إيرادها‬
‫قَزث بها واجب ومندوب‪ ،‬د أنما‬ ‫على أحكام الفعال التي ي ُت َ َ‬
‫على الفعال التي يفعلها! على درجة الباحة‪ ،‬فتلك يحتمل‬
‫فيفا هذا القول‪ .‬فمن قال بوجود مرتبة العفو في‬
‫الشريعة‪ ،‬لزمه أن يقول إن تلك الفعال ل تدل على‬
‫الباحة الشرعية‪ ،‬بل على الباحة العقلية‪ ،‬أعني أن الفعل‬
‫الذي فعله !ك! يكون خاليا عن حكم شرعي‪.‬‬
‫ومن نفى مرتبة العفو أصل لم يلزمه ذلك‪.‬‬
‫وقد تقدم الكللم في مرتبة العفو‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫أنه صلى الّلي عليه وسلم‬
‫عالم بالحكم الشرعبي في حق نفسه‬
‫فقد ضمن له الله تعالى أن ل ينسى شيئا من الكتاب‬
‫الموحما إليه به‪ ،‬وضمن الله ّلعالى أن عليه بيانه لرسوله‬
‫به‪ .‬فالحكام الموحى بها إليه !ف! ظاهرة عنده ل تخفوا‪.‬‬
‫وهذا العنصر الهام هو أحد الدواعي التي تحدو بعل!! الملة‬
‫إلى تتبع أفعاله ! لجل القتداء بها‪ .‬وقد أشار أليه جابر‬
‫بن عبدالله النصاري‪ ،‬رضي الله ‪253‬‬

‫) ‪(1/199‬‬

‫عنه‪ ،‬في سياق وصفه لحجة الودل!‪ ،‬عندما قال‪:‬إ أفن‬


‫رسول الله بما قي الناس )بالحج( في السنة العاشرة‪ :‬أن‬
‫رسول الله ! حاج‪ .‬فقدم المدينة بمقر كث!ير‪ ،‬كلهم‬
‫يلتمس أن ياتَتم برسول اللة!ن!وو‪ ،‬ويعمل مثل عملهم‪،..‬‬
‫ورسول الله بيئة أظهرنا‪ ،‬وعليه ينزل القرآن‪ ،‬وهو يعرف‬
‫تمويله‪ ،‬وما عمل به من شيء عملنا به " الحديث )‪.(1‬‬
‫والذي قد يورد على هذا الصل أنه ! قد يفعل باجتهاد‪،‬‬
‫ويخطىء‪ ،‬في‬
‫ذلك ألجتهاد!ما تقدم‪.‬‬
‫إل أن الجواب عن هذا اليراد واضح وهو أن الله تعالى ل‬
‫يقرأ رسوله على‬
‫خطا في الجتهاد‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫أنه على استه عليه وسلم يريد بفعله‬
‫موافقة الحكم الشرير في حقه‬
‫والذي قد يورد عل هذا شبه أربع‪:‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬أن يقال‪ :‬قد أجاز بعض الصوليين صدور‬
‫المعصية عنه !‬
‫عمدا إذا كانت صغيرة )‪ ،(2‬مع احتمال أن ل ينزل تصحيح‬
‫لذلك ‪ 6‬كما تقدم‪ .‬فلو استفدنا الحكم من فعله لزم‬
‫القتداء به في ما هو محرم‪.‬‬
‫وا‪:‬أواب من وجهين‪:‬‬
‫ا‪ -‬أن يقال‪ :‬إن من أجاز ذلك أجازه على سبيل الندرة‪،‬‬
‫والنادر ل يلغي‬
‫)‪ (1‬حديث جابر في حجة الوصل‪ :‬رواه مسلم ‪ 6/2‬مل‬
‫)‪ (2‬أورد هذاك بو المعالي الجويني على قول من جوز‬
‫رة على النبيل!‪ .‬انظر المحقق لب شامة ق ‪15‬‬ ‫تعمد الصغ ِ‬
‫ولحرصه التميمي اطنبلي وجعله مؤيدا لقول الوقف في‬
‫مهيد لبي الحطاب‪ :‬ق ‪ 95‬ب‪.‬‬ ‫الفحل المجرد‪ .‬انظر الت ّ‬
‫‪204‬‬

‫) ‪(1/200‬‬

‫القانون العام الذي ثبت بالدلة المتقدمة‪ .‬بل الصل في‬


‫أفعاله جمعه أنه يريد بها الموافقة‪ .‬وهذا جواب المازني‪،‬‬
‫وأقره أبو شامة‪ ،‬وقرره المني "‪،(1‬‬
‫‪ -2‬أن يقال‪ :‬من أجاز صدور الصغيرة عنه به إنما أجازها‬
‫فيما ل ينبني عليه تشريع‪ ،‬فإذا انبنى عليها تشريع امتنعت‬
‫عند قوم ر ‪ ،(2‬ولزم التنبيه كند آخرين‪ ،‬كما تقدم‪ ،‬لئل‬
‫يستقر في الشريعة ما هو مخالف لحكام الله‪ ،‬إذ الشريعة‬
‫معصومة بالجماع‪.‬‬
‫هذا وقد تتقوى هذه الشبهة بتدخل عنصر مع!يق‪ ،‬وهو أن‬
‫الله تعالى أمر‬
‫رسوله !‪ ،‬جزاء صبره على تكاليف الدعم كلما أن فتح‬
‫عليه‪ ،‬أمنه بمغارة سابقة لما قد يقع منه من المخالفات‪.‬‬
‫قال تعالى في أول سورة الفتح‪)) :‬نا فتحنا لك فتحا‬
‫مبينًا! ليغفر لك ا!لُله ما تقدم من ذنبك وما تاخرا فقد‬
‫ظن أن ذلك مما يدعوه عد إلى السترسال وعدم‬ ‫يُ َ‬
‫التحرري‪ ،‬اعتمادا على المغفرة السابقة‪.‬‬
‫وقد عرضت هذه الشبهة في الفعال النبوية لبعض‬
‫الصحابة‪.‬‬
‫ففي صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها‪ 11 :‬ن‬
‫رجلجاء إلى النبة! يستفتيه‪ ،‬وهي تسمع من وراء الباب‪،‬‬
‫فقال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬تدركني الصلة وأنا جنب فأصوم‪،‬‬
‫فقال رسولي دمه !‪ :‬وأنا تحركني الصلة وأنا جنب‬
‫فاصويم‪ .‬فقال‪ :‬لست مثلنا يا رسول الله‪ ،‬قد غفر الله لك‬
‫ما تقدم من ذنبك وما تأخر‪ .‬فقال‪ :‬والله إني لرجو أن‬
‫عَلمكم بما أتقي "‪ ،(3‬وفي رواية (‬ ‫أكون أخشاكم لله‪ ،‬وأ ْ‬
‫بن داود‪" :‬وأعلمكم بما أّتبع‪ .،‬وفي مسند أحمد‪8 :‬‬
‫وأعلمكم بحدودها‪ .‬مني رواية‪) :‬وأحفظكم لحدوده !‪.‬‬
‫)‪ 1 (1‬ل حق أم ‪250 /1‬‬
‫)‪ (2‬منهما بو عبداله البصري‪ ،‬والقاضي عبدالجبار‬
‫مزلي‪ ،‬انظر كتابه‪ :‬المغني ‪ /15‬ول ‪ 2‬حيث يقول‪" :‬لم‬ ‫المح ّ‬
‫يثبت لن ل فعل أل ويجب التالي فبه‪ ،‬وإنما يتبرز فلك‬
‫على رجه التاريخ‪،‬‬
‫ه‪ ،‬ر)نما يجوز فلك على‬ ‫وما هذا حاله ل تجوز فيه المعصي ّ‬
‫ى بالشرائع "‪ .‬ونقل مثل ذلك عن‬ ‫وجه التأويل فيما ل يتعل َ‬
‫أيي عبدالله )البصري( ‪287/15‬‬
‫ى ‪781 /2‬‬‫لن صحيح مسلم‪ ،‬ط عبدالبال ّ ِ‬
‫‪205‬‬

‫) ‪(1/201‬‬

‫والحديث في الموطأ أيضًا‪.‬‬


‫فلعل الذي خطر ببال الصحابة السائل أن بقاء النبي في‬
‫أعلى الجنابة أثناء‬
‫الصوم يحتمل أن يكون معصية‪ ،‬وقد أقدم عليها اعتمادا‬
‫على المغفرة السابقة‪ .‬وربما كان ما خطر بباله أنه ! لم‬
‫يهتما بتعّرف الحكم في المسألة‪ ،‬اعتمادا على‬
‫المغفرة المشار إليها‪.‬‬
‫وكان جوابه عن مبطل لكل الحتمالين‪:‬‬
‫فقوله‪:‬إ إني أخشاكم ضد" ردّ للحتمال الولى‪ .‬وهو‬
‫إشارة إلى أن المغفرة‪/‬‬
‫تمنع كمال الخشية ‪ 6‬لعلمه ي بجللي ربه وعظمته‪.‬‬
‫وقوله‪" :‬وأعلمهم بما أتقي "‪ ،‬إذ للحتمال الثاني‪ ،‬إذ هوت‬
‫أعلم المة بمرادات ربه في الوحي المنزل إليه‪ .‬وقد‬
‫أشرنا إلى رد هذا الحتمالي في المطلب الثاني المتقدم‪.‬‬
‫الشبهة المائية‪ :‬أنه ينهي قد يفعل المكروه لبيان الجواز‪،‬‬
‫كما تقدم‪ .‬فما يؤفننا‬
‫أن يكون الفعل الذي نراه مفيدا للباحة‪ ،‬هو في الصل‬
‫مكروه وقد فعله‪ !-‬لبيان الجواز‪ ،‬فتكون استفادتنا للحكم‬
‫خطا‪.‬‬
‫ويجاب عن هذا بأنه ل بد أن تتبين كراهته إما بخفي عنه‬
‫قي موضع آخر‪ ،‬أو‬
‫ما لقر ا من‪.‬‬
‫الشبهة الثالثة ة أنه ! كان يعامل الناس بما يخالفهم ول‬
‫ينفرهم‪ ،‬وقد‬
‫قال الله تعالى له‪) :‬فبمارحمة من الله لنت لهم ولو كنت‬
‫فظا غليظ القلب لنفضوا من حولك ! )‪.(1‬‬
‫حدي به جنيه‬
‫فما يؤفننا أن يكون الفعل النسي نريد أن نق َ‬
‫مكروها ً أو محرما ً عليه‬
‫في الصل‪ ،‬ولكن أبيح له فعله للمصلحة الراجحة من‬
‫تأليف القلوب‪ ،‬وحسن السياسة‪ ،‬والتوصل ألما ما هو أهم‬
‫وأعظم‪.‬‬
‫‪ (11‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪159‬‬
‫‪206‬‬

‫) ‪(1/202‬‬

‫واقماعدة ا!ررة عند الفقهاء بجواز ارتكاب أدق‬


‫المفسدتين لدرء أعلهما" والقاعدة الخرى ‪ 9‬احتمال‬
‫المفسدة المرجوحة لتحصيل المصلحة الراجحة" ولم تولى‬
‫حور الساسة المهرة في كل العصور‪،‬‬ ‫هاتان القاعدتان دس ْ‬
‫وقد اتفقت على صحتهما المم‪.‬‬
‫وقد قال الله تعالى‪ :‬أل يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء‬
‫من دون المؤمنين‬
‫ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء أل أن تتقوا‬
‫منهم تقاة! )‪.(1‬‬
‫وأباح الله تعالى النطق بكلمة الكفر للتخلص من الذى‪ ،‬إذا‬
‫اطمأن القلب‬
‫ل ل يمكن‪.‬‬
‫وقال ابن حجر‪ :‬روينا في مسند الرياني وغيره لسناد‬
‫صحيح عن أبي ذرأن رسول الله ! قال له ة "كيف ترى‬
‫ل؟ " قال‪ :‬كشكله من الناس‪ ،‬يعني المهاجرين‪ .‬قال‪:‬‬ ‫جعي ْ ً‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫"فكيف ترى فلنا؟ " قال ة سيد من سادات الناس‪ .‬قال‪:‬‬
‫‪ 8‬فجعيل خير من ملء الرض من فلن "‪ .‬قال‪ :‬قلت‪:‬‬
‫ففلن هكذا وأنت تصنع به ما تصنع؟ قال‪ 5 :‬إنه رأس‬
‫قومه فانه أخالفهم به " )‪.(2‬‬
‫ً‬
‫فقد كان رسول الله !ح! يكرئم ذلك الرجل تالفا لقومه‬
‫دون أن يكون أهًل للكرامة لذاته‪.‬‬
‫قَية للرسول‪،‬‬ ‫وقد أجاب القاضي عبدالجبار بمنع جواز الت ّ ْ‬
‫في ما أمر بأدائه‪،‬‬
‫يقول‪" :‬ولو كانت مجهزة‪ /‬تعظم رتبة النبي‪ ،‬لنها إنما‬
‫تعظم لنه يتكفل بأداء الرسالة‪ ،‬والصبر على كل عارض‬
‫دونه " )‪.(3‬‬
‫والمعتمد في الجواب أن يقال‪ :‬إن المهمة الولمب‬
‫لرسول الله مجيهيم كانت البيان‬
‫عن الله تعالى‪ .‬فحيث كانت السياسة ل تتعارض مع‬
‫دم بعض المباح ويؤخر بعضه‪.‬‬ ‫البيان‪ ،‬فل إشكال‪ ،‬كان يق ّ‬
‫ومنه عندي حديث جعيل‪ ،‬المتقدم‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪ (3) 28‬المغني ‪284/15‬‬


‫)‪ (2‬فتح البارز ‪80/1‬‬

‫‪207‬‬

‫) ‪(1/203‬‬

‫وحيث تعارضا‪ ،‬فإن كان هناك قرائن تبين انه له فعل ما‬
‫فعل‪ ،‬على سبيل السياسة‪ ،‬فالمر واضح‪ ،‬وإل امتنع أن‬
‫يكون فعله له مكروهأ( و محرمًا‪ ،‬لنه يؤدي إلى أن يستقر‬
‫في الشريعة ما ليس مخها‪ .‬واللهم علم‪.‬‬
‫الشبهة الرابعة‪ :‬أنه جد قد يكون له عذر فيما فعل‪ ،‬أي أن‬
‫يكون فعل‬
‫الفعل على سبيل الرخصة‪ ،‬كأنه يكون أفطر في رمضان‪،‬‬
‫ويكون إفطاره لجل مرنهاخفى‪-.‬‬
‫س دوني‪ ،‬لقلة‬‫ومثاله أيضًا‪ :‬أن يكون قد صلى في ملب َ‬
‫الملبس اللئقة بجلل الصلة‪ ،‬فمن اقتدى به ! في ترك‬
‫الملبس الفاخرة ل الصلة‪ ،‬كان ذلك خطا‪-‬‬
‫ومثاله أيضا ً مما ورد في السنن أن النبي له كان يكن‬
‫النفاق حتى ل يبقي‬
‫شيئا ً ويتقشف في معيشته‪ .‬يحتمل أن يكون ذلوا للحاجات‬
‫والضرورات الواقعة في المجتمع السلمي مما ل بدّ من‬
‫الوفاء به‪ .‬فإن اقتدي به في ذلك في السعة كان خطا‪.‬‬
‫ونظير ذلك في الصرار ما ورد عن أبي بن كعب أنه تال‪:‬‬
‫الصلة في الثوب الواحد سنة‪ ،‬كنا نفعله مع رسول الله !‬
‫ول يعاب علينا‪ ،‬فقال ابن مسعود‪ِ :‬إنما كان ذلئط إذ كان‬
‫في الثياب قلة‪ ،‬فيما إذ وشع الله فالصلة قي الجويين‬
‫أزكى"؟(‪.‬‬
‫ومن هنا وقع الخلف في المنيا ‪ ،‬ففي حليمة عائشة أخا‬
‫كانت تفركه من ثوب رسوله أدبه ! فركا فيصلي فيه )‪.(3‬‬
‫قال الشافعية والحنابلة ة ذاك دليل طهارته‪ .‬وقال‬
‫الحنفية‪ :‬هو نجس؟ ويجزع! فرك يابسه‪.‬‬
‫ومثاله أيضية تعامل النبي له بالدنانير الذهبية‪ ،‬والدراهم‬
‫ه‪! ،‬اقراره التعامل بها‪ ،‬مع ما عليها من صور‬ ‫الكسروي ّ‬
‫القياصرة‪ ،‬ومعابد النيران‪ .‬يحتمل أدت‬

‫)‪ ((1‬حمد في المسند ‪141/5‬‬


‫)‪ 12‬رواه مسلم ‪258 196 /3‬‬

‫) ‪(1/204‬‬

‫يكون فعل ذلك من باب الضرورة لعدم إمكان سك نقود‬


‫جديدة خالية من ذلك على عهده ! )‪.(1‬‬
‫ومثاله أيضا ً تركها ن يصلي العيد بالمسجد‪ ،‬بل خرج إنما‬
‫المصلى‪ ،‬يحتمله‬
‫أنه فعل ذلك لضيق المسجد عن أن يتسع لجميع القارى‬
‫مين لصلة العيد‪ ،‬ريحتملى أن ذلك هو السنة‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن أفعاله هذه موافقة للحكم الشرعي في حقه‬
‫يكه‪ ،‬وهو الرخصة‪ ،‬وليست مخالفة لهاء والواجب الفحص‬
‫عنها على أي وجه رقعت‪ ،‬وما العذر الذي لجله حصلت‪.‬‬
‫وهذا هو ما يصنعه المجتهدون حيال مثل هذه الحاديث‪.‬‬
‫فإذا علموا السبب أناطوا الحكم به‪ .‬وإذا جهل السبب‬
‫فيكون الظاهر أن الحكم مطلق‪ ،‬ويحمل بذلها الظاهر‪.‬‬
‫رالْله أعلم‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫أنه صلى الّله عليه وسلم‬
‫عالم بمطابقة فعله للحكم الشرعي‬
‫ً‬
‫والذي قد يورد على هذا‪ ،‬أن النبي ! لكونه بشرا قد ينسى‬
‫كما تقدم‪.‬‬
‫وربما فعل أثناء ذلك النسيان‪ ،‬أو ترك‪ ،‬ما هو معذور به‪،‬‬
‫فنبني عليه أحكاما ً شرعية‪ ،‬وذلك خطا‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬ما تقدم في بحث العصمة منذ نص !تهفمرو إذا‬
‫فعل نسيانا ما هونحالف للحكام الشرعي‪ ،‬فإنه ينبه لذلك‪،‬‬
‫قتدى به فيه‪.‬‬‫أور ي ُ ْ‬
‫( ما على قول من منع النسيان في ما ينبني عليه حكم‬
‫شرعي‪ ،‬فسالجواب واضح‪.‬‬
‫)‪ (1‬الشيخ عبدالمريد وافي جعل هذا الوضع دليل عل إباحة‬
‫استعمال الصرر وانكسر عل النووي قوله بالتحريم‪ .‬انظر‬
‫عاله يخص كتاب لعمر‪ -‬نظرة عصرية جديدة( ط مؤسسة‬ ‫م ّ‬
‫الدراسات العربية‪ ،‬بيروت ص ‪161‬‬
‫‪209‬‬
‫) ‪(1/205‬‬

‫وقد يورد عليه أيضا عله أصول الحنفية‪ ،‬أنهم أثبتوا!ا‬


‫أفعاله !ك!ه الزقلة‪ ،‬وعرفوها بأنها ‪ 9‬اسم لفعل كير‬
‫مقصود في عينه‪ ،‬لكنه اتصل به الفاعل عن فعل مباح‬
‫ده‪ ،‬جزئه بشغله )به( عنه إلى ما هو حرام لم يقصده‬ ‫ص َ‬ ‫َ‬
‫ق َ‬
‫ل" )‪ .(1‬والجواب‪ :‬عن هذا اليراد أنهم التزموا أن الزلة‬ ‫أص ً‬
‫ل بدل من اقترانها ببيان لمخها‬
‫فئة‪.‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫أن حكام أفعالنا المماثلة لفعاله صلى الّله عليه وسلم‪،‬‬
‫كحكم أفعاله ول فرق‬
‫فما كان واجبا عليه فهو واجب علينا‪ ،‬وما كان مندوبا له‬
‫فهو مندوب لنا‪،‬‬
‫وما هو حلل له فهو لنا حلل‪.‬‬
‫ومقتضى هذا أننا ِإذا علمنا أنه‪ !،‬فعل فعل على وجه‬
‫الوجوب وجوبا علينا‬
‫أن نفعله‪ .‬وإذا فعل فعل على وجه الندب‪ ،‬وجب علينا‬
‫اعتماده مندوبا لنا وصح منا التنفل به‪ .‬وإذا فعله على وجه‬
‫الباحة وجب اعتقاده مباحا لنا وجاز لنا أن نفعله‪.‬‬
‫والذي قد يورد على هذا الصل‪ ،‬أنه قد ثبت للنبي !!‬
‫مننا أن الفعل‬ ‫أفعال خاصة به أجمعت المة عليها‪ ،‬فما يؤ ً‬
‫الذي نريد الستدللي به هو أحد الخصائص‪ ،‬فيكون‬
‫الستدلل به خطا؟‪.‬‬
‫والجواب‪ :‬أن ما علم بدليل‪ ،‬أنه من خصائصه ! خرج عن‬
‫هذه القاعدة‪ ،‬إذ كونه خاضت به يقتضي أدب ل مشاركة‬
‫في حكمه‪.‬‬
‫)‪ (1‬البزاوي‪ :‬أصول البزاوي ص ‪920‬‬
‫‪310‬‬

‫) ‪(1/206‬‬

‫وما علمنا بدليله خاص أنه مشترك بيننا وبينه جم!يم‬


‫ص الدال‬
‫فحكمنا فيه حكمه بالتفاق‪ ،‬لجل ذلك الدليل الخا ّ‬
‫على التاسيس‪.‬‬
‫وأما ما‪ /‬يعلمه له خاضت به‪ ،‬ولم يعلم أنه مشترك بيننا‬
‫وبينه مجد‪ ،‬وهوأكز أفعاله‪ ،‬فهذا محل الشتباه‪ ،‬وعنده‬
‫اختلفت أنظار الصوليين‪.‬‬
‫وسياقه إيضاح الخلف في ذلك واستيفاء القول فيه له‬
‫الفصل التالي والذي‬
‫بعده إن شاء الله‪.‬‬
‫‪211‬‬

‫) ‪(1/207‬‬

‫فصحل ال َّرأب!‬ ‫ال َ‬


‫و على ل!بهط!مَا!ا ل ُ‬
‫ه‬ ‫م! َ‬
‫مرج َ‬ ‫ى! ال‪َ /‬‬
‫فبرقيم ِال ّ‬ ‫أ تمام ال ُ‬
‫جمام‬
‫‪ -1‬الفعل الجبلي‪.‬‬
‫‪ -2‬الفعل العادي‪.‬‬
‫‪ -3‬الفعل في المور الدنيوية‪-‬‬
‫‪ -4‬الفعل الخارق للعادة )المعجزات(‪ -5 .‬الخصائص النبوية‪.‬‬
‫‪ -6‬الفعل البياني‪.‬‬
‫‪ -7‬الفعل المتثالي )التنفيذي(‪.‬‬
‫‪ -8‬الفعل المتعافي‪،‬‬
‫‪ -9‬ما فعله !ك! لنتظار الجما‪.‬‬
‫‪213‬‬

‫) ‪(1/208‬‬

‫أقسام الفعال النبوّية ودللتها على الحكام‬


‫قدمنا في الفصل السابق أن أفعال الرسول مج!م! من‬
‫جة على المة‪ .‬وأن ذلك هو الصل فيها‪.‬‬ ‫حيث الجملة ح ّ‬
‫وأثبتنا ذلك بالدلة‪ ،‬ورددنا الشبه التي قد تورد على‬
‫حجيتها‪.‬‬
‫وفي هذا الفصل نستعرض الفعال! النبوية بأنواعها‪،‬‬
‫ونبليق ما يعرف به كل‬
‫نوع‪ ،‬وهل يدل على حكم أو ل يدل عليه‪ ،‬والحكام التي‬
‫تمل عليها تلك ال!ل!‪.‬‬
‫أقسام الفعال النبوية‪:‬‬
‫فعله !‪ :‬إما متعلق بغيره وهو الفعل المتعدية‪ ،‬أو قاصر‬
‫عليه‪.‬‬
‫وفعله القاصر عليه إما أن يصدر عنه لداعي الجبلة‪ (،‬و‬
‫اتباعت للعادة‪ ،‬أو لتقديره فيه منفعة أو دفع مضرة؟ أو هو‬
‫تابع للشرع‪.‬‬
‫وفعله التابع للشرع إما معجز أو غيي معجز‪.‬‬
‫وفعله غير المعجز إما أن يفعله لنه مطلوب منه خاصة‬
‫وهي الخصائص النبوية‪ ،‬أو هو مشترك بيننا وبينه‪،‬‬
‫والمشترك إما أن يعلم أنه متعلق بوحي معيه!‪ ،‬يفعله‬
‫بغرض تبيين مجمل في‬
‫ذلك الوحي أو مشكل وارد فيه‪ ،‬أو لمجرد امتثال المر‬
‫اللهي في ذلك الوحي‪ .‬وإما أنه ل يعلم تعلقه بوحي‬
‫معين‪.‬‬
‫‪215‬‬

‫) ‪(1/209‬‬

‫وألفي ل يعلم تعلقه به إما أن يفعله مؤقتا ً لنتظار‬


‫الوحي‪ ،‬وإما أن يفعله‬
‫على غير ذلك الوجه‪ ،‬وهو الفعل المبتدأ المجرد‪-‬‬
‫فانحصرت أفعاله كلكم في عشرة أقسام )‪ ،(1‬هي كما‬
‫يلي‪:‬‬
‫جِبل‪.‬‬
‫‪ -1‬الفعل ال ِ‬
‫‪ -2‬الفعل العادي‪.‬‬
‫‪ -3‬الفعل الدنيوي‪.‬‬
‫‪ -4‬الفعل المعجز‪.‬‬
‫‪ -5‬الفعل الخاص‪.‬‬
‫‪ -6‬الفعل الم!مالي‪.‬‬
‫‪ -7‬الفعل المؤقت لنتظار الوحي‪.‬‬
‫‪ -8‬الفعل المتعدي‪.‬‬
‫‪ -9‬الفعل المبتدأ المجرد‪.‬‬
‫ً‬
‫وسوف نعقد لكل قسم منها مبحثأخاصا من هذا الفصل‪،‬‬
‫ونخص الفعل‬
‫المبتدأ بفصل مستقل‪ ،‬نظرا ً لن البحث فيه هو لب باب‬
‫الفعال وأهتم ما فيه‪ ،‬وما عداه إنما يذكره الصوليون مع‬
‫وضوحه‪ ،‬بقصد تحديد المراد بالفعل المبتدأ‪.‬‬
‫وقبل التفصيل نشير إشارة مجملة لما يدل عليه كل قسم‬
‫منها‪ ،‬فنقولى‪ :‬إن‬
‫الفعل الجبلي والعادي والدنيوي ل قدوة فيها‪ ،‬ول تدل‬
‫على أكثر من الباحة‪ ،‬والفعل المعجز والخاص وذلك ل‬
‫قسوة فيهما‪ ،‬لما فيهما من معنى الختصاص به !ك!‪،‬‬
‫والفعل البياني والم!حالي يقتدى بهما‪ ،‬والمؤقت لنتظار‬
‫الوحي ل قدوة فيه إذا جاء الوحي بخلفه‪ ،‬والمجّرد فيه‬
‫تفصيل‪ ،‬يعلم في موضعه‪.‬‬
‫ونقدم قبل ذلك بيان الطرق العامة التي يسلكها علماء‬
‫المة‪ ،‬على اختلف نزعاتهم‪ ،‬في استفادة الحكم من‬
‫الفعل النبوي‪.‬‬
‫)‪ (1‬ذكر أبو الحسم!!ن البصرية المعتمد ‪ (385 /1‬تقسيما‬
‫للفعال‪ ،‬و‪ /‬يحصر عددها‪ ،‬وحصرهما أبو شامة في ستهب‬
‫أقسام )المح!ى ‪ 3‬به ونحن استوفينا حصرها استيفاء‪/‬‬
‫نطلع على مثله‪.‬‬
‫موفيق‪.‬‬‫وبات ال ّ‬
‫‪216‬‬

‫) ‪(1/210‬‬

‫طرق العلماء في حجية أنول الفعال النبوية‪ ،‬ودللة كلل‬


‫منها على ا لحكام‪:‬‬
‫للعلماء يخل ذلك ثلث طرق رئيسية‪:‬‬
‫ل على الحكم‬ ‫ي بمجرده دا َ‬‫الطريقة الولى‪ :‬لن الفعل النبو ّ‬
‫في حقنا‪ ،‬يعني‬
‫سواء علمنا حكمه بالنسبة إلى النبي !‪ ،‬أو‪ /‬تعلم‪.‬‬
‫وأصحاب هذه الطريقة على ثلثة مسالك‪:‬‬
‫فمنهم من قال‪ :‬هي دالة على الوجوب في حقنا‪.‬‬
‫ومنهم من قال‪ :‬هي دالة على الندب في حقنا‪.‬‬
‫ومنهم من قال ت هي دالة على ال باحط‪.‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬أنها ل تدل على شيء في حقنا إل‬
‫باعتبار حكامها بالنسبة‬
‫إليه !‪.‬‬
‫فما فعله على وجه الوجوب فهو علينا واجب‪.‬‬
‫وما فعله على وجه الندب فهو لنا مندوب‪.‬‬
‫وما فعله على وجه الباحة فهو لنا مباح‪.‬‬
‫وما‪ /‬نعلم حكمه بالنسبة إليه ! حملناه عل أدق الحتمالت‪.‬‬
‫ورد ى أبو علي بن خلف أن التساوي بيننا وبينه مجيئه‬
‫حط صل في أحكم العبادات خاصة‪ ،‬وأما فيما عداها فل‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة‪ :‬أنها ليست أداة بمجردها‪ ،‬وليسحت أدلة‬
‫باعتبار حكمها بالنسبة إليه عن‪ ،‬لحتمال أن يكون الفعل‬
‫الذي فعله من خصائصه !ن!"‪.(1‬‬
‫‪ (11‬انظر‪ :‬أبا الحسيها البصري‪ :‬المعتمد ‪ ،377/1‬اليدي‪:‬‬
‫الحكام ‪ 2 47/1‬وما بعدها‪ .‬المحلي‪ :‬شرح جمع الجوامع‬
‫‪ ،99 -97/2‬أبا شامة‪ :‬المحقق ق ‪3 ،2‬‬
‫‪217‬‬

‫) ‪(1/211‬‬
‫تحرير محل النزلة‪:‬‬
‫ليبيا الخلف السابق ذكر ‪ 8‬هو ل جميع الفعال‪ ،‬بل ما كان‬
‫من أفعاله عن‬
‫جبليا أو شبهة‪ ،‬أو كان من خصائص‪ ،‬أو اقترن به دللة‬
‫خاصا ً على أز‪ ،‬المراد به التأسئي‪ ،‬أو وقع بيانا لشيء من‬
‫آي الكتاب‪ ،‬فالمر فيه واضح‪ .‬صارما الخلف فيما وراء‬
‫ذلك وهو الفعل المجراد المبتدأ‪ .‬والقوال المذكورة إنما‬
‫هي في هذا النوع "‪.(1‬‬
‫)‪ (1‬سياف أن أبا شامة رأى أن الفعل الجبلي يندب لنا‬
‫ه فيه‪.‬‬‫الموافق ّ‬
‫‪218‬‬

‫) ‪(1/212‬‬

‫المبحث الول‬
‫فعل الجبلي‬ ‫ال ِ‬
‫إن النبي محمدأ!يئ كغيره من أنبياء الله‪ ،‬بيضر كسائر‬
‫البشر‪ /،‬يتميز عن‬
‫سائر البشر إلها بان الله أوحى إليه برسالته‪ ،‬واختاره‬
‫ليؤدي مهمة البلغ وما يتبعها مما تقدم ذكره‪ .‬قال الله‬
‫تعالى‪ :‬فقل إنما أنا بشر مثلكم يوحي إلمر أنما إفكهم إله‬
‫راحد! )‪) .(1‬قل سبحان ربي هل كنت إّل بشرا رسول! )‬
‫‪.(2‬‬
‫كان اختيار الله تعالما له لحمل الرسالة لم َيسشبم‬
‫انخلى!صن! من رتبة البشرية‪ ،‬بل بقي واحدا من البشر‪،‬‬
‫له مثل ما لهم من الحاجات البدنية والنفسية‪ .‬وذلك‬
‫مقتكما إنسانيته وبحريته‪ ،‬من أجل ذلك كان قضاؤه لتلك‬
‫الحاجات أمرا دعت إليه جبلته البشرية‪ ،‬وليس بمقتضى‬
‫الرسالة‪ ،‬أما الذي بمقتكما الرسالة فهو الفعال‬
‫التشريعية التي يفعلها لتكون مطابقة لشرع الله تعالما‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬إن كان الفعل مما ل تقتضيه الجبلة كالركوع‬
‫والسجود‪ ،‬ورفع اليدين‬
‫في الدط!‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهو خارج كن هذا المبحث‪ ،‬بخلف‬
‫القيام والجلوس والضطجاع والكل والشرب‪.‬‬
‫فإذا وجد المخالف لمقتضى الجبلة في الفعل العبادي‪،‬‬
‫فهو مشروع فيها‬
‫َ‬
‫ب أو واجب‪ ،‬ما ل ي ُظن أن النبي نجده‬ ‫سح ً‬‫قطعًا‪ ،‬إما صم َ‬
‫فعله في أثناء العبادة لغرض بدني أو نحوه فيكون من‬
‫المباح‪.‬‬
‫‪ (11‬سورة فصلت‪ :‬آية ‪6‬‬
‫)‪ (2‬سورة الي بر ان‪ :‬آية ‪93‬‬

‫‪219‬‬

‫) ‪(1/213‬‬

‫ونضرب لذلدُ مثًل بفرعي‪:‬‬


‫الفرع الول‪ :‬تحويل الرداء في الستسقل!‪ ،‬الجمهور أنه‬
‫فعل تشريعي‪.‬‬
‫وعن بي حنيفة وبعده المالكلية‪ :‬ل يستحب من ذلك شيء‬
‫)‪.(1‬‬
‫الفرع الثاف!‪ :‬وضع اليدين على الصدر في الصلة‪ ،‬ل‬
‫تقتضيه الجبلة‪ ،‬وقد‬
‫ثبت عن النبي ! أنه فعله‪ .‬قال الجمهور باستحبابه‪ .‬وهو‬
‫الذي ذكره مالك في الموطأ‪ .‬صروي ابن القاسم عن مالئة‬
‫الرسال‪ ،‬وصار إليه أكثر أصحابه‪ ،‬ومخهم من كره‬
‫المساك‪.(2،‬‬
‫والفعاله الجبلية على ضربن‪:‬‬
‫الضرب الول؟‬
‫فعل يقع منه !! اضطرارا ً دون قصد منه ليقاعه مطلقا ً‬
‫وذلك ما نقل أنه‬
‫سَز استنار وجهه كانه قطعة قمر )‪ ،(3‬ماذا كره‬ ‫كان هذا ُ‬
‫شيئا رئي في وجهه )‪ ،(4‬وكتالمه من جرح يصيبه‪ ،‬أو‬
‫حصول طعم الحلو والحامض في فمه من طعام يأكله‪ ،‬وما‬
‫يحور في نفسه من حيث وكراهة لشخاص أو أشياء‪ ،‬مما‬
‫ل سيطرة له عله منعه أو إيجاده‪ ،‬ككراهيته أكل لحم‬
‫الضب‪ ،‬وكراهيته قاتل حمزة‪.‬‬
‫ومثل هذا أيضا ً ما يقوله في حالت اللوعي‪ ،‬كما يقع منه‬
‫من الحركات وانتقال العضاء في منامه‪ ،‬أو غفلته‪ ،‬أو نحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فهذا النوع ل حكم له شرعًا‪ ،‬لوقوعه دونا قصد منه !ي!‪،‬‬
‫وهو لذلك خارج عن نطاق التصنيف‪ ،‬ومن أجل ذلك ل‬
‫يستفاد منه حكم‪ ،‬ول يتعلق به أمر باقتداء ول نهي عن‬
‫محالفة‪.‬‬
‫ومما يستأنس به لصحة هذه القاعدية ما ‪ 5‬رد أنا النبي !‬
‫ك! كان يقسم بيننا‬
‫نسائه فيعدل‪ ،‬ويقول‪ :‬يا اللهم هذه ا قسمي في ما أملك‪،‬‬
‫فل تلمني في ما تملك ول‬
‫)‪ (1‬فتح البارز‪ ،‬مصطفى الحلبي ‪ (2) 152/3‬ابن حمار‪:‬‬
‫فتح الباري ‪ (3) 224/2‬متفق عليه )الفتع الكبير‪(4) .‬‬
‫الطبراني في الوسط )الف!ح الربيع‪220 .‬‬

‫) ‪(1/214‬‬

‫أملك " )‪ .(1‬والذي ل يملكه !م!ر هنا هو ميل القلب إلى‬


‫إحداهن أكثر من الخرى‪ .‬فهذا ل قدوة فيه‪ ،‬والمطلوب‬
‫العدل قدر المكان‪-‬‬
‫وقد يقع من الفعال ما يشتبه فيه في اضطراري أو غي‬
‫اضطراري‪ ،‬فيقع الشتباه في حكمه على أساس ذلك‪.‬‬
‫ومن ذلك ما ورد عن مشرف بن عبداللي عن أبيه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫أرأيت رسوله الّله ينص يصلي وفي صدره أزيز كأزيز‬
‫حى من البكاء! )‪! (2‬ئه!رر مجتمع أنه كان يستدعي‬ ‫الٌر َ‬
‫البكاء بمناسبته لمقصرد العبادة‪ ،‬فيدلى على جواز‬
‫استدعائه‪ ،‬رمجتمل أنه تم كان يغلبه البكاء وهو ل يريده‪،‬‬
‫فل يخلط على جواز استدعاء البكاء‪ .‬ول بد لنا أن نفرق‬
‫في لمر المحبة والكراهية ونحوها أيضا بين نوعين منهما‪،‬‬
‫لكل نوع حكمه‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬المحبة والكراهية الناشئتان عن تعويد النفس‬
‫على موافقة الشرع‪ ،‬بمحبة المطلوبات الشرعية‪ ،‬وكراهية‬
‫الممنوعات‪ ،‬هما فعلن دالق على الحكام‪ ،‬وينبغي‬
‫القتداء بهما‪ .‬وقد روي عن النبي ! أنه قال ة!ل يؤدي‬
‫أحمدكم حتى يكون هواه تبعا ً لما جئت به ! )‪ .(3‬ففي هذا‬
‫الحديث‪ ،‬إن صحة‪ ،‬حث على لعبة النفس لتستجيب‬
‫للدواعي الشرعية‪ ،‬وتابع ما جاء به الشرع‪.‬‬
‫والنوع الثاني‪ :‬المحبة والكراهية الطبيعيتان؟ من محبة‬
‫المستلذات وكراهية المسلمات‪ .‬فهذا النوع هو المقصود‬
‫هنا‪ ،‬وهر الذي ل قدرة فيه لخروجه عن سلطان الرادة‪.‬‬
‫دنا ما ل قدوة فيه من المحبة والكراهة‬ ‫ومن أجل ذلك قئ ْ‬
‫ب كما ل سيطرة له على منعه أو إيجاده ل‪.‬‬
‫‪ (1‬أحمد والخ بعد والحاكم )الف!ح الكلبير( والنسائي‪،‬‬
‫‪ (3‬أبو داود ‪ 172 /3‬وهذا لفشله رالترمذفي‪.‬‬
‫‪ ،3‬هن حديث عبداله بن عمرو بن العاصية وتفسير‬
‫القرطبي ‪ (167/16‬و‪ /‬يسنده إلى شيء من كتب الحديث‪.‬‬
‫وفي الربعيهأ السورية والحديث ‪ (41‬قال السوري‪ 9 :‬هذا‬
‫حديث صحيح رويناه يا كتاب الحجة بإسناد صحيح " وكاب‬
‫)الحجة( هو ليا الفاتح نصر بن )براهمم المقلصة‬
‫الواقعي‪ ،‬ود واه الطبرايا‪.‬‬
‫‪221‬‬

‫) ‪(1/215‬‬

‫فمن النوع الول من المحبة والكراهة‪ ،‬وهي التي تدل‬


‫على الحكم‪ ،‬ويقتدمم!‬
‫به عز فيها‪ ،‬ما ورد عن عائشة رضي الله عنها أنه !نه!يو‪:‬‬
‫"كان يحب التضامن ما استطاع في طهوره وتنقله وتدخله‬
‫وفي شانه كله " )‪ .(1‬وكالة رجب من أصحابه أبا بكر‬
‫وعمر‪ ،‬وقال لمعاذ‪ :‬فإني أحبوك " )‪.(3‬‬
‫وكان يكوه النفاق والمنافقين‪ ،‬ويكره الكذب والكاذبين‪،‬‬
‫وكان يكره أن عطا‬
‫أحد عقبه )‪.(3‬‬
‫وقي كل ذلك من أمره قدوة‪.‬‬
‫ومن النوع الثاني‪ ،‬وهو المحبة والكراهة الطبيعيتان‪ ،‬ما‬
‫ورد عن عائشة‬
‫"(‪،‬‬
‫أنه عن كان يحب الحلفاء والعسل )‪ ،(4‬ويحب الدتاء ْ‬
‫وكان أحب الشراب إليه الحلو البارد )‪ .(6‬وكان أحب‬
‫الطعام إليه الثريد من الخبز والثرِلد من الحرس "‪.(3‬‬
‫وكان يكره ريح الحناء )‪ .(8‬فل قدوة في شيء من ذلك‪.‬‬
‫ومنه أنه !م! ترك أكل الضب كراهة له‪ .‬قال‪ :‬وأجدني‬
‫د به الصحابة في ذلك‪ ،‬بل أكله خالد بن‬ ‫أعرفه " فلم يقت ِ‬
‫الوليد على مائدته !‪.‬‬
‫الضرب الثاني‪:‬‬
‫الفعال الجوفية الختيارية‪ ،‬وهي ما يفعله عن قصد‬
‫وإرادة‪ ،‬ولكنها أفعال تدعو إليها ضرورته من حيث هو‬
‫بشر‪ ،‬وبوقعها النسان قصدا ً عند شعوره بتلك‬
‫)‪ (1‬متفقا عليه والفتح ال!ب!يع‪.‬‬
‫‪ (2،‬أحمد وي بو داود وابن حبان والفتح الكلبين ‪.(401 /3‬‬
‫)‪ (3‬الحاكم في المستل شك والفتح الكبير‪.‬‬
‫)‪ (4‬البخاري ومسلم والربعة والفتح الربيع‪.‬‬
‫)‪ (5‬أحمد والنسائي وافي ماجه عن أنسيا والفتح الطبع‬
‫والدواء المشرع‪.‬‬
‫)‪ (6‬متفق عليه والفتح الكبير‪.‬‬
‫)‪ (7‬أبو داود والحاكم والفتح البيع والحرس السمر يعجن‬
‫بسمان وأقر ويخرج منه نواه‪ (8) .‬أحمد وأبو داود‬
‫والنسائي )الفثع الكبير‪.‬‬
‫‪222‬‬
‫) ‪(1/216‬‬

‫الضرورة‪ -‬إّل أن إيقاعها تابع لرادته وقصده‪ ،‬بحيث‬


‫يستطيع المتناع عن ذلك في وقت دون وقت‪.‬‬
‫ومثال هذا الضرب‪ :‬تناولي الطعام والشراب‪ ،‬وقضاء‬
‫الحاجة‪ ،‬واتخاذ المنزل‪ ،‬والملبس‪ ،‬والفراش‪ ،‬والمشي‬
‫والجلوس والنوم والتداوي من المرض‪ ،‬والنكال‪.‬‬
‫فإن أصل هذه الشياء ضروركما للنسان من حيث هو‬
‫إنسان‪ ،‬بحيث‬
‫يصيبه الضرر لو امتنع منها كلية‪ .‬فهو يفعلها تحت ضغط‬
‫الضرورة‪ ،‬وبذلك يكون فعله لها خارجا عن التكليف‪ ،‬ول‬
‫قدوة بما ل تكليف فيه‪ ،‬وتكون من الضرب الول الذي‬
‫تقدم ذكره‪ .‬فمن فجل شيئا ً من ذلك وزعم أنه يقتدي‬
‫بالنبي تم فقد أخطأ‪ ،‬لنه سيفعله شاء أم أبى‪.‬‬
‫إّل أنه ل بد من التقائي لمور أربعة تتبع ذلك‪ ،‬هي التي‬
‫تدخل في المراد‬
‫بهذا الضرب الثاف!‪.‬‬
‫أول ً الهيئات التي يمكن أن تقع عليها الفعال المشار إليها‬
‫في هذا الضرب‪.‬‬
‫إذ الفعل يمكن أن يقع على هيئات مختلفة‪ ،‬فيفعل‬
‫النبي ! الفعل عل إحدى تلك الهيئات دولة غيرها‪ ،‬كما ورد‬
‫أنه كان ينام على جنبه اليمن‪ ،‬ويشكل بيمينه‪ ،‬ويشرب‬
‫ثلثا ً ويأق! أهله بطريق أو طرقا معينة‪ .‬فليس ذلك دليل‬
‫على استحباب تلك الطريقة أو وجوبها‪ ،‬لمكان عمله على‬
‫الهيئة أو الهيئات الخرى‪ ،‬ما لم يدل دليلي على أنه ي‬
‫قصد بذلك موافقة المر الشرعي‪.‬‬
‫ووجهه أن هذه الهيئات هي أيضا ً أفعال جبلية اختيارية‪،‬‬
‫وتدل على‬
‫ا ل باحة‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬أن!ل! الشياء المسمتعمدة من الضرورات المشار‬
‫إليها‪ ،‬إذ قد يأكل طعاما معينا ً كما قد أكل التمر والعسل‬
‫وخبز الشعير ونحو ذلك‪ ،‬وليس شي صه من ذلك ضروربأ‪،‬‬
‫إذ قد يترك ما أكله ويادل لدلى شيئا آخر‪223 .‬‬

‫) ‪(1/217‬‬

‫وكذلك اتخذت بيوتا مبنية من طين‪ ،‬ومسقوفة بالجريد‪.‬‬


‫وكان له فراش من‬
‫أدم حشوة ليف‪.‬‬
‫وتزوج نسلم على أوصاف معينة‪ ،‬ومن قبائل معينة‪.‬‬
‫وهذا النوع يدل على الباحة أيضا ً‬
‫ثالثا ً المكنة والزمنة التي يوقع فيها الفعل الجبلي‪ ،‬إذ قد‬
‫يأكل قي وقت‬
‫دون وقت‪ ،‬أو ينام في مكان درن آخر‪.‬‬
‫رابعًا‪ :‬ويلتحق بذلته أن يفعل مما تقتضيه الجبلة ما ليس‬
‫أصله ضروريًا‪.‬‬
‫! أنما هو حاجي‪ ،‬كامل اتخاذ المرافق‪ ،‬أو مراكب منذ !ل!‬
‫خاصة كالخيل والحمير والبغال‪.‬‬
‫وكذلك ما يفعله !ي! لما فيه من المنفعة‪ ،‬وإن‪ /‬تكن‬
‫حامية‪ ،‬كاتخاذ العصا‬
‫وشم الطيب‪-‬‬
‫والفعل الجبلي الختيارفي مهما كان نوعه يدل على‬
‫البل‪ ،‬ول يدل على استحباب أو وجوب‪ ،‬ما‪ /‬يقترن بقول‬
‫أو قرينة‪ ،‬تدل على ذلك‪ ،‬أو يكون له صلة بالعبادة‪ ،‬كما‬
‫سيأتي قي بقية هذا البحث‪.‬‬
‫ي الختياري‪:‬‬‫أقسام الفعل الجبل ّ ّ‬
‫الفعل الجبلي الختياري على قسمين‪ ،‬لنه إما أن يكون له‬
‫صلة بالعبادة‪ ،‬أو حايكون له بفاصلة‪.‬‬
‫القسم الولي‬
‫الفعل الجبلي الصرف‬
‫ئ‬
‫والمراد به ما ليس له صلة بالعبادة‪ ،‬كامل طعام معي ّ‬
‫كالتمر واللحم والعسل‪ ،‬وسير قي طريق معين‪ ،‬ولبست‬
‫ثياب ذات شكل معين‪ ،‬كالوباء والعطاء والقميص‪ ،‬أو من‬
‫مادة معينة كالقطن والصوف‪.‬‬

‫) ‪(1/218‬‬

‫وهذا النوع من الفعال يقع من النبي يكيه! على سبيل‬


‫الباحة‪ .‬والمشهور عند الصوليين أنه ل أسوة فيه‪ ،‬بل من‬
‫شاء أن يفعل مثله فعل‪ ،‬ومن شاء أن يتولى تركه‪ ،‬دون‬
‫أن يكون للفعل ميزة على الترك من ثواب أر غيره‪ ،‬ودون‬
‫أن يكثرن في الترك ذم شرير‪ .‬وبعضهم ادعى الجماع‬
‫على ذلك‪.‬‬
‫أل أن ابن حزم اشترط في جواز التقلى أن ل يكون رغبة‬
‫عما فعله النبي !‪،‬‬
‫فإن كان كذلك كان التارك آثما‪ .‬واحتج بالحديث‪ :‬ألكني أنا‬
‫أصوم وأفطر‪ ،‬ود قام وأنام‪ ،‬وأتزوج النساء‪ ،‬وآكل اللحم‪،‬‬
‫فمن رغب كن سنتي فليس مني "‪ .‬فذكر أكل اللحم‪ ،‬وهو‬
‫فعل جبلي صرف‪-‬‬
‫ورأينا أن الحديث المشار إليه وارد فيمن ترك المباح تدينا‬
‫وتقربا ً إلى الله به‪،‬‬
‫عَبد الله بعبادة لم تشرع‪ ،‬ولن‬ ‫فهذا خلف الشرع‪ ،‬إذ ل ي ُ ْ‬
‫ذلك ترك للمباح مع اعتقاد تحريمها و كراهته‪ ،‬وذلك تغيير‬
‫لشرع الله‪.‬‬
‫ول يصح أن يفهم من الحديث أن من أكل بالملعقة وتولى‬
‫الكل بالصابع‬
‫فقد ركب عن السنة واستحق الوعيد‪ ،‬ول أن من ترضي‬
‫من المغسلة أو البريق وترك الوضوء من إناء صفريغترف‬
‫مة‬‫منه باليد فقد رغب عن السّنة‪ ،‬ولو اعتقد النكل بالملع َ‬
‫والمتوضىء من المغسلة أن ذلك أنظف وأحسن فليس‬
‫ذلك أيضا رغبة عيد السنة‪ ،‬لنه ترك للمباح مع اعتقاد‬
‫إباحته‪ ،‬وليس في ذلك حرج‪.‬‬
‫وأما دعوى الجماع فالصحيح أن المسالة ليست مجمعا‬
‫عليها‪.‬‬
‫فهم‪ ،‬أن‬ ‫فقد نقل الباقلف! في التقريب عن قوم‪ /‬يس َ‬
‫التاسئي به ! في‬
‫أفعاله المباحة مندوب‪ .‬وكذا حكاه الغزالي عن بعض‬
‫المحدثين‪ .‬وبه صرخ السبكي في قواعده )‪ ،(1‬وإليه يميل‬
‫مهم القول‬ ‫ي عن قوم لم يس َ‬‫أبو شامةأ ‪ ،(3‬ونقل المازر ّ‬
‫د‪ ،‬وذلك‬‫بوجوب التألمئي في جميع الفعال على الطل ّ‬
‫يقتضي دخولك هذا النوض!‪.‬‬

‫)‪ (1‬ق ‪.11015‬‬


‫)‪ (2‬أبو شامة‪ :‬المحقق ق ‪ 3‬ب‪225 .14 ،‬‬

‫) ‪(1/219‬‬

‫والقول بالوجوب هنا بعيد جدًا‪.‬‬


‫أما القول بأنه يدل على الندب فله حظ من النظر‪ .‬والندب‬
‫هنا على طريقته للقائلي به‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن يقال‪ :‬إن الظاهر من فعله مجده إنه تشريع‪،‬‬
‫فيحمله عل الظاهر‪ ،‬والوجوب‪ /‬يتحققا‪ ،‬فيبقى حمله على‬
‫الندب منه يكن‪ ،‬ولما كان حكمنا كحكمه‪ ،‬يحمل على الندب‬
‫يخص حقنا أيضًا‪ .‬فالحكم فيه مستو بشا وبينه‪ .‬والثانية‪:‬‬
‫أن يقال‪ :‬الصل عدم التشريع‪ ،‬فهو منه جمعه محمول‬
‫دب لنا إيقاعه على مثل هذه الصورة‬ ‫على الباحة‪ ،‬ولكن ئن ْ َ‬
‫التي توقعها عليها‪ .‬هويئه!ه‪ .‬فالحكم بيننا وبينه عن‬
‫نختلف‪ ،‬هو منه مباح‪ ،‬ومنا مستحب‪ -‬والتألمئي هنا واقع‬
‫في صورة الفعل دون حكمه‪ .‬فيؤجر على القصد ل على‬
‫الفعل‪.‬‬
‫ونحن نفصل القول في هذا القسم ليتبين الحق فيه إن‬
‫لخط ايه‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬إن له أحموال محتلفة الدرجات‪.‬‬
‫الدرجة الولى‪ :‬أن يرشد إلى الهيئة المخصوصة بالقول‬
‫مع الفعل‪ .‬وهذا‬
‫يخرج الفعل عن هذا البحث‪ ،‬لن النظر حينئذ في الدليل‬
‫القولي‪-‬‬
‫ومثاله ما ورد في الحديث‪ :‬إنه كان إذا شرب تنفس ثلثا ً‬
‫ويقول‪ :‬فإنه أهنأ وأمرأأ‪.‬‬
‫ومثاله أيضًا‪ :‬أف كان يأكل بيمينه‪ ،‬وأمَر بذلك‪ ،‬ويأكل مما‬
‫لليه وأمر بذلك‪.‬‬
‫الدرجة الثانية‪ :‬أن يواظب النبي عن على إيقاع العلى‬
‫الجبلي على هيئة مخصوصة ووجه معروف‪ ،‬كما نقل عنه‬
‫ذلك في بعض هيئات الكل والشرب والنوم ونحو ذلك‪.‬‬
‫فهنا ا لمجتمع أن المقصود به التشريع‪ ،‬فيكون مستحبا ً‬
‫ويحتمل أنه فعل فلك لداعي ا‪:‬لبلة وحدها فل يكون‬
‫مستحبا )‪ .(1‬ومن ذلك أنه ئ ن إذا نام‬
‫)‪ (1‬الزركشجما‪ :‬البحر المحيط ‪ 0 (248/2‬الشوكاني‪ :‬إرن!‬
‫ماد الفحول ص ‪226 35‬‬

‫) ‪(1/220‬‬

‫وضع يده اليمنى تحت خده )‪ ،(1‬وينام على جنبه اليمن‪.‬‬


‫وكان يالل بثلث أصابع‪.(3،‬‬
‫ومنشأ التردد فيه قاعدة يتعارض الصل والظاهر‪ ،‬إذ الول‬
‫ه ‪ ،‬وهذا‬ ‫عدم التشريع‪ ،‬وبراعة الذمم من التكاليف الشرعي ٌ‬
‫يقضيها في هذا النوع أن ل يكون واجبا ول مستحبا‪ً.‬‬
‫والظاهر أن فعله لما واظب عليه على طريقة معينة أنه‬
‫شرع يتبع‪ ،‬للف الغالب من فعاله يبه!يو التشريع‪ ،‬إذ هوت‬
‫مبعوث لبيان الشرعيات )‪.(3‬‬
‫وقد نقل الزركشي عنا أبي إسحاق في ذلك وجهن‬
‫للشافعية‪ ،‬أحدهما‪ :‬أنه‬
‫سنة متبعة‪ ،‬والثاني‪ :‬أنه ل يتبع فيه إل بدليل‪ .‬ونقل عنه‬
‫أيضا ً من موضع آخر من !تابه( ن الوجه الثاف! لهما به‬
‫يتوقف فيه لحتمال الخصوصية )‪."4‬‬
‫وقد مال السبكي في القواعد إلى القول بالستحجاب‪.‬‬
‫ول في كتبهم‬ ‫والمشهور عند المحذثيها‪ ،‬وهو المتدا َ‬
‫وشروحهم للحديث‪ ،‬أن‬
‫ذلك الفعل يدل على الندب‪ ،‬ويطلب المأتي به يوم فيه‪.‬‬
‫والرجح عندي القول الثاني‪ ،‬وهو أنه دال على الباحة ل‬
‫أكل‪ .‬ول ت!تهض المواظبة والتكرار دليل على كون الفعل‬
‫مقصودا ً به التشريع‪ ،‬إذ كثيرا ما يقع من النسان أن يفعل‬
‫الفعال التي ميت نوع واحد بطريقة واحدة‪ ،‬بل إن ذلك هو‬
‫الغلب على الناس‪ ،‬لن يخص ذلك اقتصادا ً في المجهود‬
‫الفكري‪ ،‬فالشيء إذا فعله النساني عل الطريقة التي‬
‫جرى عليها في مثله‪ ،‬أمكنه فعله دون إعمال للفكر مجه‪،‬‬
‫في أثناء ذلك الفعل في‬ ‫ويمكن الستفادة من الفكر ِ‬
‫أشياء أخرى‪ .‬فلما كان هذا من طبيعة البشر‪ ،‬فإن ما‬
‫حق بما لم يواظب عليه‪ ،‬ول يستفاد من كل‬ ‫واظب عليه ئل ْ َ‬
‫ذلك حكام أعلى من الباحة‪.‬‬
‫)‪ (1‬أحمد والترمذي والنائي )الفتع الكلئير(‪.‬‬
‫)‪ (2‬مسلم وأحمد وأبو داود )الفتع الكبير(‪.‬‬
‫)‪ (3‬الزركشي‪ :‬البحر المحيط ‪.1 248/2‬‬
‫)‪ (4‬البحر المحيط ‪.1248/2‬‬
‫‪227‬‬

‫) ‪(1/221‬‬

‫ي ل على سبيل‬ ‫الدرجة الثالثة‪ (:‬ن يقع منه الفعل الجبل َ ّ‬


‫المواظبة والتكلرار‪.‬‬
‫ومثاله أن يكون ييل قد سار في أيمن الطريق أو أيسرها‪.‬‬
‫أو جلس تحت شجرة معينة أو تحو ذلك‪ .‬فهذا أضعف‬
‫درجات الفعل الجبلي الختياري‪ .‬ودللته على الباحة‬
‫واضحة‪ .‬أما الندب فالقول به هنا أضعف منه فيما واظب‬
‫عليه !ك!رر‪.‬‬
‫قل عن ابن عمر رضي الله عنهما‪ ،‬ما يدل على في‬ ‫وقد ن ُ ِ‬
‫كان ي َت َت ََبع آثار النبا!ئه!‪ ،‬والمراضع التي سار فيها أر جلس‬
‫فيها‪ ،‬ذكر منها ابن سعد كاتب الواقدفي في الطبقات‬
‫طرفا )‪ .(1‬ومما يرويه المحدثون من ذلك أنه رضي الله‬
‫عنه جر خطام ناقته حتى أبرزها في الموضع الذي بركت‬
‫فيه ناقة النبي !ئبيم‪ ،‬وسار براحلته في جانب من الطريق‬
‫سارت فيه ناقة النبي يا‪ ،‬وقال‪ :‬الحل خفا ً يقع على خط"‬
‫)‪ .(2‬ونزل تحت شجرة كان نزل تحتها النبي !‪ ،‬وصت في‬
‫أصلها اخر‪ .‬وبال في موضع بال فيه النبي !‪ ،‬وقالت‬
‫في منازله‪ ،‬كما‬ ‫عائشة‪ :‬كما كان أحدُ يتبع آثار النبي يكن ِ‬
‫كان يتبعها ابن عمر"يمر‪.‬‬
‫قل عنه أنه كان يلبس النعال السببية‬ ‫وشبيه بذلك ما ن ُ ِ‬
‫اقتداء بالنبي جمة‪.‬‬
‫طرة‪ ،‬وبكافور يطرحه‬ ‫وكان ابن عمر يستجير يالًلؤة غ!يرف َ‬
‫مع الئمة‪ ،‬ثم‬
‫قال‪ :‬هكذا كان يستثمر رسول الله د )‪.(4‬‬
‫وهذا النقصان أشبه بالنوع الذي قبل هذا‪ ،‬وهو ما حصل‬
‫على سبيل التكرار والمواظبة‪.‬‬
‫وابن تيميه يفرق ب!!ن نوعين من المتابعة في هذا‪:‬‬
‫المتابعة في صورة الفعل‪ ،‬والمتابعة في مكان الفعل‪،‬‬
‫فيقر بالخلف في الولى‪ ،‬وأما الثانية فهي عنده ممنوعة‬
‫مات ابن سعد‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار صادر‪ 1377 ،‬هـ ‪4 2/4‬‬ ‫)‪ (1‬طب ّ‬
‫‪ -1‬من\ ‪.‬‬
‫)‪ (2‬نسبه علي الطنطاوي إلى حلقة الولياء ‪ 315/1‬ذكره‬
‫في كتابه )س!رة ضمربن الحطاب ود كبار ضبدالل بن‬
‫دمياط بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ 1385 ،‬ص ‪475‬‬
‫مات ابن سعد ‪ .1 25/4‬وانظر البداية والنهاية ‪/5‬‬ ‫)‪ (3‬طب ّ‬
‫‪179‬‬
‫)‪ (4‬مسلم ‪ 1766/4‬واللوهّ العود الهندي المعروف‪،‬‬
‫وقطرية العرب خلطه بالعنبر أو غيره‪228 .‬‬

‫) ‪(1/222‬‬

‫اتفاقا‪ .‬يقول‪" :‬لو فعل النبي ضد فعًل بحكم التفاق‪ ،‬مثل‬


‫نزوله في السفر بمكان أو أن يفضل في إدارته طن‬
‫فيصبه نية صل شجرة‪ ،‬أو أن تمشي راحلته في أحد جانبا‬
‫ب قصد متابعته في ذلك؟‬ ‫الطريق‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فهل يستح ٌ‬
‫كان ابن عمر يحب أن يفعل مثل ذلك‪ .‬وأما الخلفل!‬
‫الراشدون وجمهور الصحابة فلم يستحبوا ذلك‪ ،‬لن هذا‬
‫ليس بمتابعة لها‪ ،‬إذ المتابعة ل بد فيها من القصد‪ ،‬فإذا‪/‬‬
‫يقصد هر ذلك الفعل‪ ،‬بل حصل له بحكام التفاق‪ ،‬كان غير‬
‫متابع له في قصده‪.‬‬
‫"وابن عمر يقول‪ :‬وإن‪ /‬يقصده‪ ،‬أكلن نفس فعله حسن‬
‫على أفي وجه‬
‫كان‪ ،‬صاحب أنه فعل مثله‪ ،‬إما لن ذلك زيادة في محبته‪،‬‬
‫وإما لبركة مشابهته له‪-..‬‬
‫‪ 5‬وهكذا للناس قولن في ما فعله من المباحات على غير‬
‫وجه القصد‪ ،‬هل متابعته فيه مباحة فقط‪ ،‬أو مستحبة‪،‬‬
‫على قولين في مذهب أحمد وغيره‪.‬‬
‫يقول‪:‬أ ولم يكن ابن عمر ول غيره‪ ،‬يقصدون الماكن التي‬
‫كان ينزل فيها‪ ،‬ويبيت فيها‪ ،‬مثل بيوت أزواجه‪ ،‬يمثل‬
‫مواضع نزوله في مغازيه‪ ،‬وإنما كان الكلم في مشابهته‬
‫في صورة الفعل فقط دان كان هر لم يقصد التعهد به‪.‬‬
‫فيما المكنة نفسها فالصحابة متفقون على أنه ل يعلم‬
‫منها إل ما عظمه الشارع " )‪ (1‬اهـ كلمه‪ .‬وقد يظن لول‬
‫وهلة أن هذا وهم من ابن تنمية‪ ،‬فقد صح عن ابن عمر أنه‬
‫ى حصل الفعل النبوئي فيها بحكم‬ ‫تحرى المكلنة الت ٍ‬
‫التفاق‪ ،‬ومن ذلك الحديث الطويل الذي رواه البخاري‪(2،‬‬
‫في الباب الذي عقده بعنوان شباب المسحاجد التي على‬
‫طرق المدينة والمواضع التي صلى فيها النبي !( ذكر فيه‬
‫المواقع التي كان ابن عمر يتحرى الصلة فيها‪ ،‬ويخبر أن‬
‫النبي عن صّلى فيها في أسفاره إلى مكة‪ -‬وأيضا ً كان ابن‬
‫ه في المكان الذي دليل له‬ ‫عمر يتحّرى أن يصلي من الكعب ّ‬
‫إن‬
‫)‪ (1‬ابن تيميه‪ :‬مجموع الفتاوى الكبرى ‪(2) 415 ،409/15‬‬
‫‪ 1‬لبخا ري‪.569 /2 :‬‬
‫‪329‬‬

‫) ‪(1/223‬‬

‫النبي ي إَلى فيه )‪ ."1‬ويتحّرى أن يقف من عرفة في‬


‫المكان الذي وقف فيه النبى!ك! )‪.(2‬‬
‫ولكن قد بين ابن تيمية مراده في موضع آخر ‪ ،(3‬حيث‬
‫فيها أن ما فعله ابن‬
‫عمر لم يزد على أنه كان يختار إحدى الصورتين الممكنتين‬
‫قي الفعل الواحد‪ ،‬وهي الموافقة لما فعله النبي جو دون‬
‫الخرى‪ ،‬بأن تحضره الصلة مثل في بقعة معينة قد صلى‬
‫النبي ! يل ناحية منها فيختار الصلة يخص تلك الناحية‬
‫ويترك سائر نواحيها‪ .‬والمستنكر عند ابن تنمية‪ ،‬ويدعى‬
‫التفاق على إنكاره‪ ،‬أن تعظم بقعة‪ /‬يقصد النبي سيئ‬
‫تعظيمها‪ ،‬ويظهر ذلك بأن ينشاء المسلم لها سفرا طويل‬
‫أو قصيرا ً‬
‫فهذا تقييد جيد في المسألة وتحرير صحيح لمحل الن!ل!‪.‬‬
‫هذا وقد عوض ما كان يفعله ابن عمر من هذا النوع‪ ،‬بما‬
‫فعله والده‬
‫رضي الله عنهما! قال ابن حجر‪ :‬ثبت عن عمر أنه رأى‬
‫الناس في سفر يتبادلون إلى مكان‪ .‬فسأل عن ذلك‪.‬‬
‫فقالوا‪ :‬قد صلى فيه النبي !‪ .‬فقال‪ ،:‬من عرضت له‬
‫الصلة فليصل‪ ،‬وإل فليمض‪ ،‬فإنما هلك أهل الكتاب لنهم‬
‫تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس وبيعأ!‪.‬‬
‫وقد أؤل ابن حجر هذا الفعل عن عمر رضي الله عنه‪،‬‬
‫بحمله على من ل يعرف حقيقة المر‪ ،‬فيظن الصلة هناك‬
‫واجبة‪ .‬وهو تأويل فيه نظركم فسياقما القصة يابيه‪.‬‬
‫واحتج أيضا بحديث عتبات بنا مالك‪ ،‬الوارد في صحيح‬
‫البخاري‪ ،‬أنه‬
‫طلب من النبي !ن! أن يأتيه في بيته‪ ،‬ليصلي له قي مكان‬
‫منه يتخذه مصل‪ ،‬وفعل ذلك‪.‬‬
‫)‪ (1‬البخاري ‪579 /1‬‬
‫)‪ (2‬ذكره ابن حجر يخص الصابة ‪ 349 /2‬مسيرة عمر‬
‫ه‪ :‬اقتضاء الصراط‬
‫لعلي الطنطاوي(‪ (3) .‬أين تيمي َ‬
‫المستقيم محالفة أصحاب الجحيم ص ‪423‬‬
‫‪230‬‬

‫) ‪(1/224‬‬

‫وهذا خارج عن الموضوع‪ ،‬لن صلته جملي هناك مقصودة‬


‫ولهدف محلوم هو‬
‫أن تتخذ مصلى‪ ،‬وليس ذلك وأردأ على موضع النزلة‪ ،‬لدب‬
‫الن!ل! في ما حصل من الفعال بحكم التفاق‪.‬‬
‫وذكر ابن حجر أيضا ً أن عمر بن عبدالعزيز بنى مساجد عل‬
‫مواضع بالمدينة‬
‫ثبت له أن النبي ! صلى فيها‪.(1،‬‬
‫ورأينا في مثل ذلك أن الفعل الجبلية الصرف ل يدل على‬
‫الستحباب مطلقا ً بل يدل على الباحة‪ .‬وسواء أكان مما‬
‫حه ! كما تقدم الترجيح فيه‪ ،‬أو مما‪ /‬يواظب‬‫واظب عل ِ‬
‫عليه‪.‬‬
‫ورأينا قي ما نقل عن ابن عمر أنه فعل ذلك ل عله سبيل‬
‫التعبيد دمه بلك‪-‬‬
‫أعني ل على سبيل أنه مستحب شرعا ً وإنما فعله بداعي‬
‫عظم المحبة للنبي منى‪ ،‬فهو يسّلي نفسه‪ ،‬أو يستثير‬
‫شوقه‪ ،‬بان يعمل صورة ما عمل النبي !‪ ،‬أو بالكون في‬
‫المكان الذي كان فيه‪ :‬لشعل خفا ً يقع عله خف ! كما قال‬
‫رضي الله عنه‪ .‬فهي مسالة شخصية صرفة‪ ،‬كما يصنع‬
‫المحبة المتهم بآثار حبيبه‪ ،‬إذ يحتفظ بصورته‪ ،‬أو بقطعة‬
‫من ثيابه‪ ،‬أو يذهب إلى المكان الذي قابله فيه‪ ،‬أو نحو‬
‫ذلك‪.‬‬
‫قلت إلينا‬‫وقد حصل بسبب فعله ذاك‪ ،‬وحرصه عليه‪ ،‬أن ئ ِ‬
‫معلومات تاريخية قيمة في بيان أمكنة حصل فيها من‬
‫النبي يكرهه أفعال معينة‪ ،‬كصلته داخل الكعبة مثل ً إذ حدد‬
‫لنا موقع صلته !نه! منها بالضبط‪ .‬وفي مقابل ذلك‬
‫حصلت من أفعاله تلك ما يقابل هفت المصلحة‪ ،‬وهو ما‬
‫حاصل من الوهم عند كثير من الناس أن القتداء يخل ذلك‬
‫مستحبا‪.‬‬
‫وأما الذي يقتدي به يخص هذا منها عمر رضى الله عنه‪،‬‬
‫ي بسنتهم‪ ،‬وهذا من‬ ‫ثلث الراشدين‪ ،‬اللذين أمرنا أن نقتد َ‬
‫سنتهم‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬بعض ما نقلناهُ عن ابن عمر داخل في القاسم‬
‫التالي‪ ،‬وهو ما له علقة‬
‫ان فتح البارز ‪571/1‬‬
‫‪231‬‬

‫) ‪(1/225‬‬

‫بالعبادة‪ ،‬ولكن ذكرناه في هذا القسم استيفل! لما نقل‬


‫عنه‪ ،‬رجمعأ له في مكاني واحد‪.‬‬
‫القسم الثاني‬
‫الفعل الذي له علقة بالعبدة‬
‫وهر ما وقع في أثناء العبادة‪ ،‬أوفي وسيلتها )‪ ،(1‬أر قبلها‬
‫قريبا منها‪ ،‬أو بعدها كذلك‪.‬‬
‫فمما وقع في أثناء العبادة نزوله ئي بالمحضر ليلة النفط‬
‫‪ ،(2‬وقبض الصابع الثلث في التشهد‪ ،‬ووضعها على‬
‫الرض مضطرمة في السجود‪ .‬وجلسة الستراحة )‪ (3‬بعد‬
‫الركعة الولى وبعد الثالثة‪ ،‬والتطيب للحلل من الحرام‪،‬‬
‫واتكاؤه ! أثنل! الخطبة على قوس ! عصا‪ ،‬ولبست النعلين‬
‫في الصلة‪ ،‬يحتمل في فعله لكلونه من سنة الصلة‪،‬‬
‫ويحتمل أنه فعله على سبيل الجواز فقط‪ ،‬كما يلبس في‬
‫الصلة قطنا أو صرفا أو كبير ملئه )‪-(4‬‬
‫ومما وقع في وسيلة العبادة دخوله مهلة من طريق ك ُ ً‬
‫د‬
‫في‪ ،‬وخروجه من طريق‬

‫)‪(3) !2‬‬
‫)‪(4‬‬
‫العناني‪ :‬حاشية على شرح جمع الجو!ع ‪97/2‬‬
‫المنصب بطحاء مكة‪.‬‬
‫قال ابن الس!بكي‪ :‬مما دار بين الجبل والشرعي‪ :‬جلسة‬
‫ه عندما حمل اللحم‪ .‬فقيل فلك جبلي فل‬ ‫الستراح ً‬
‫يستحب‪ ،‬وقيل شرعا وهو الصحيح‪ .‬وقيل يستحب للمبدأ‬
‫وفي معناه العاجز الضعيف دون غيرهما )قراعد ابن‬
‫السبكاق ‪.(1115‬‬
‫وقال ابن دقيق العيد‪ :‬جلسة الستراحة قال بها الرافعي‬
‫في قوله‪ ،‬وأصحاب الحديث‪ ،‬وأباها مالك وي بو حنيفة‬
‫ركيرهما‪ ،‬وعذرهم عن الحديث ويعني حديث مالك بن‬
‫الحريري أنه كان ِبحلس إذا رفع رأسه من السمجود قبله‬
‫ن يغهض( أنه يح!ملى على أنها بسبب الضعف للكبر‪ ،‬فإدا‬
‫تؤيد هذا التمويل‪ ،‬بقرينة‪ ،‬مثل أن يتبين أنه فعاله !ك!‬
‫السابقة على حالة الكلبي ‪ /‬يكن فيها هذه الجلسة فل‬
‫باس بهذا الئا!ل‪ .‬فإن قوي ذلك باستمرار عمل السلف‬
‫عله ترك الجلوس كان زيادة في الرجحان ‪ 10‬هـ بتصرف‬
‫مليل )إحئى م الحكام ‪ .(225/1‬وانظر‪ -‬أبى ري ‪494 /1‬‬ ‫ّ‬

‫‪332‬‬

‫) ‪(1/226‬‬

‫داء ودخوله المسجد الحرام من باب بني شيبة‪ ،‬وطوافه !‬ ‫كَ َ‬


‫بالبيت راكبا على بعير‪ ،‬وكذلك في السعي بين الصفا‬
‫والمروة‪ ،‬ررقوت في الموقف بعرفات على بعير‪ ،‬وعودته‬
‫ي من صلة العيد من طريق غير طريق الذهاب‪ ،‬وذهابه‬
‫إلى العيد ورجوعه منه ماشيا )‪ ،(1‬ووقوع جملنه في‬
‫السفر في مواضع معينة‪.‬‬
‫ً‬
‫ومما وقع قبله العبادة قريبا منها‪ :‬اضطجاعه ! قبل صلة‬
‫الفجر بعدم ق‬
‫يصلي النافلة‪ .‬قالت عائشة رضي الله عنها‪" :‬كان رسول‬
‫الله ! إذا صلى ركعتي الفجر فإن كنتءشء ظل حدثني‪،‬‬
‫فن بالصلقه‪ .‬رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫وال اضطجع حتى يؤ َ‬
‫وفي رواية للبخاري‪ :‬اضطجع على شقه اليمن‪ .‬رقد أنجب‬
‫ابن حزم )‪ (2‬الرجعة بعد ركعتي الفجر‪،‬‬
‫وب‬ ‫وقال الشافعية باستحبابها بنل! على هذا الحديث‪ .‬رب ٌ‬
‫عليه البخاري‪" :‬باب الرجعة على الشق السيئ بعد ركعتي‬
‫الفجر"‪ .‬مما يوحي بأنه يرى استحبابه‪ .‬واستنكاره ابن‬
‫مسعود وابن عمر و)براهيم النخعي والحسن المصرفي‬
‫ممن فعله‪ ،‬وقال ابن عمر هو بدعة )‪.(3‬‬
‫ومما وقع بعد انتهاء العبادة انصرافه ! من الصلة عن‬
‫يمينه أو عن يساره‪.‬‬
‫فهذا القسم الثاني وهو ما له صلة بالعبادة‪ ،‬بأنواعه‬
‫الربعة أعلى من القسم‬
‫الذي قبله‪ ،‬رالقرل بالندب فيه أظهر عن القسم العلى‪،‬‬
‫وهو ما ل صلة له بالعبادة‪ .‬فيفا انضم إلى صلته بالعبادة‬
‫مكلرار رالمراظبة عليه قرب القري بالندب فمه‪.‬‬ ‫عنصر ال َ‬
‫وباستقراء الفروع الفقهية يأتين أن هدا النوع على‬
‫درجات )‪:(4‬‬
‫)‪ (1‬حديث‪ :‬كانا يخرج إلى العيد ماش!يأ‪ :..‬رواه ابن ماجه‬
‫ه ‪ (2) !374 /2‬الحرام ص ‪432‬‬ ‫)المفني لبن قدأم ً‬
‫)‪ (3‬حد يا اضطجاعه ! بعد ركعتي الفجر ة البخاري ‪43/3‬‬
‫ومسلم‪ .‬وذكر الشق اليمن هر عند البخاري خاصة‪.‬‬
‫والعقول عن السلف هي من اللم ابن حجر في فتح‬
‫البخاري ‪43/3‬‬
‫)‪ (4‬وانظر الزر!ثي‪ :‬البحر المحيط ‪ 48/2‬لب‪.‬‬
‫‪233‬‬

‫) ‪(1/227‬‬

‫الدرجة الولى‪ :‬أن الفعل الجبلي ُيلحق فيه أحيانا ً أنه‬


‫مقصود في العبادة‬
‫ليكون جزءا منها‪ .‬وقد قيل بالوجوب في ذلك أحيانا ولو‬
‫لم يرد فيه قول آخر‪ .‬ومن ذلك الجلوس بين الخطبتيهة‪،‬‬
‫قال الشافعي بوجوبه‪ ،‬وقال غيره من الئمة بأنه‬
‫قل عن بعض الصحابة أفهام خطبوا فدم‬ ‫مستحدث‪ ،‬ون ُ ِ‬
‫يجددوا حتى الفرل! )؟ "‪ .‬وكذلك القيام في الخطبتن‪،‬‬
‫واظب عليه النبي !‪ .‬فقيل بوجوبه‪ .‬وهو‬
‫أحد القولين في مذهب أحمد‪ -‬والقول الخر أنه ل يجب‪،‬‬
‫وهو مذهب أبي حنيفة )‪.(2‬‬
‫وعندي أن الوجوب هنا ليس متلقى من مجرد الفعل‪ ،‬بل‬
‫من كونه فعل‬
‫بيانتأ في اعتقاد القائل بالوجوب‪ ،‬أي اعتقاد أن الفعل‬
‫مقصود به بيان صفة خطبة الجمعة المأمور بها قي سورة‬
‫الجمعة‪ ،‬فهذا القصد هو سبب القولي بالوجوب‪ .‬إذ الفعل‬
‫دل به على الوجوب‪ ،‬كما يأتي‪.‬‬ ‫البياف! يمكن أن ئ َ‬
‫الدرجة الثانية‪ :‬ما سبيله الستحباب من ذلك‪ ،‬وهو ما وضح‬
‫غَلب على الظن بأمارة‪،‬‬ ‫علم‪ ،‬أو َ‬
‫فيه أمر التعدد‪ ،‬وذلك أن ُ‬
‫أن المقصود التعهد به‪ ،‬كالقيام في الخطبتين والجلوس‬
‫بينهما كما تقدم‪ ،‬وصلته !م! داخل الكلعبة‪ ،‬وإفطاره على‬
‫ت وترا ً ونحو ذلك‪.‬‬‫رطبا ٍ‬
‫ومن هذا النوع عند الجمهور تحويله النبي جو وداعه في‬
‫دعاء الستسقاء‪/،‬‬
‫يقل أبوحنيفة بمشروعيته‪ .‬وقال من احتج له‪ :‬إنما قلب ي‬
‫وداعه ليكون أثبت على عاتقه عند رفع وليده ين في‬
‫الدعاء‪ ،‬فهو عنده جبلة‪ .‬وأجيب بأن تثبيت الرداء ل يدعو‬
‫لقلبه‪ ،‬فالظاهر أنه قلبه قصدا تعئدأ )‪.(3‬‬
‫الدرجة الثالثة‪ :‬ما حصل التردد فيه بين أن يكون مقصود‬
‫شبه التعبيد أو‬
‫ل‪ .‬فهذا الذي فيه الخلف‪-‬‬
‫)‪ (1‬أبن قدامها‪ :‬المغني ‪.306 /2‬‬
‫)‪ (2‬ابن قدامه‪ :.‬المغنى ‪ .2 /2‬س‪ (3) 303 ،‬ابن لقيته‬
‫العيد‪ .‬الحمكام ‪342/1‬‬
‫‪234‬‬

‫) ‪(1/228‬‬

‫والخلف فيه لشيء عن تعارنهه الصل والظاهر كما‬


‫تقدم‪ .‬إذ الظاهر أن المقصود به التشريع‪ ،‬لصلته بالعبادة‪،‬‬
‫والصل عدم هذا القصد‪ ،‬والذي نرجحه أنه ل يدل على‬
‫الستحباب‪ ،‬و)نما قصاراه أن يدلى على الجواز في‬
‫العبادة‪ ،‬كرفضه يا التنشيف من الغسل بالمنديل‪ ،‬وجعل‬
‫ينفض الماء بيده‪ .‬واستعماله آنية منذ نول معينة في‬
‫الوضع وكالضجعة بعد ركعتي الفجر‪ ،‬وأكله من كبد أضحيته‬
‫يوم عيد الضحى‪ ،‬وذهابه إلى عرفة من طريق ضب‪،‬‬
‫ورجوعه من طريق اللزمين‪ ،‬وركوبه أثناء الطواف‬
‫والسعي والوقوف‪ ،‬وكون الركوب في تلك المواضع على‬
‫ل على الباحة فقط‪ ،‬ول قدوة فيه‪.‬‬ ‫بعير‪ .‬فكل ذلك دا ّ‬
‫وهذا يفسر لنا قفة عناية الصحابة رضي الله عنهم بنقل‬
‫أفعاله التي من هذا النوع‪ ،‬حيث إنها على الباحة‪ ،‬وهي‬
‫الصل ! والله أعلم‪.‬‬
‫وقد قال ابن عباس رضي الله عنهما يخص المبيت‬
‫صب بعد النفر‪:‬‬ ‫بالمح ٌ‬
‫أ المنصب ليس من النسك‪ ،‬أنما هو منزل فزله رسول الله‬
‫يكلنا ليكونا سمح لخروجه !‪.‬‬
‫أل أدت احتماَل يرد هنا‪ ،‬وهو أن يقال ة إن احتمال عدم‬
‫قصد التعّبد بهذا‬
‫النوع يقتضي عدم اعتباره جزءا من العبادة‪ .‬ولكن‬
‫ة ما‬
‫الستحباب فيه وارد في جهة أخرى هي موافقة صور ِ‬
‫عمله النبي حجي‪ ،‬فيثبت الستحباب‪ .‬وقد أشار إلى هذا‬
‫ابن السبيل‪ ،‬قال في مسالة التحصيل‪ :‬وقال أصحابنا‪:‬‬
‫يستحوا النزول به‪ ،‬ولو تركه‪ /‬يؤّثر في نسكه لنه ليس من‬
‫مناسك الحج !أ ‪.(1‬‬
‫دم القول في هذا عند ذكر معابعالت ابن عمر في‬ ‫وقد تق ّ‬
‫القسم الول‪ ،‬وبتنا‬
‫ما نعتمده في ذلك‪ .‬والله ولي التوفيق‪.‬‬
‫ً‬
‫ضح فيها له ليس مقصودا به التعّبد؟‬ ‫والحرجة الرابعة‪ :‬ما و َ‬
‫ي أو نحوه‪ ،‬فل إشكال في أدب ذلك‬ ‫ولكن وقع لغرض جبل ّ‬
‫ً‬
‫يدلى على الباحة مطلقا أو إذا وجد‬
‫)‪ (1‬القواعد ‪.1115‬‬
‫‪235‬‬

‫) ‪(1/229‬‬

‫ظن( ن أحدا ً يقول بالستحباب فيه‪ -‬وذلك‬ ‫سببه‪ ،‬ول ئ َ‬


‫كالتفاته به في الصلة وقت الخطر‪ ،‬وسيره فيها حتى فتح‬
‫الباب لعائشة‪ ،‬وأشار بيده لَيرد السلم ‪ 6‬واعتماده على‬
‫حل عندما أسن وكبر‪ ،‬رقعرده في‬ ‫عمود في صلة الل ِ‬
‫ره ما أكله وشربه أثناء حجه‪،‬‬
‫موضع القيام ولذلك‪ ،‬واختيا ِ‬
‫ونزوله في خيمة حينذاك‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪236‬‬

‫) ‪(1/230‬‬

‫المبحث الثاني الفعل العادي‬


‫كثيرا ما يقصد بالمور )العادية( في كلم الصولي!‬
‫سنالفقهاء ما سرى المور العباسية‪ .‬فيدخل فيه‬
‫المعاملت والداب والمور الجبلية وغيرها‪.‬‬
‫ونحن نقصد بالفعل )العادفي( في هذا المبحث أمرا ً أخص‬
‫من ذلك ‪ 8‬فمقصي ما به ما فعله النبي له جريا على‬
‫جماعة قومه ومالرفهم‪ .‬مما يدل دليل على ارتباطه‬
‫بالشرع‪ ،‬كبعض المور التي تتصل بالعناية بالبدن‪ ،‬أو‬
‫العوائد الجارية بي القوام في المناسبات الحيوية‪! ،‬‬
‫الزراج والولدة والوفاة‪.‬‬
‫خطط‪،‬‬ ‫مَرخل‪ ،‬رالم َ‬‫مْرط ال ُ‬
‫ومن أمثلتها أنه ! لبس ال ِ‬
‫والجنة‪ ،‬بالعمامة‪ ،‬والقضاء‪ .‬ود طال شعره‪ ،‬واستعمل‬
‫القرب الجلدًية في خزن الملك‪ ،‬وكان يكتحل‪ ،‬وششعمل‬
‫الطيب والعطور‪.‬‬
‫رأيضأ كانت العروس تزف إليه في بيته‪ ،‬ل في بيت أبيها‬
‫كما هي عاد ‪ 8‬بعض‬
‫البلد السلمية الن‪ ،‬و!َنن السوق في قبور محفورة في‬
‫التراب دون المبنية بالحجارة أو غيرها‪.‬‬
‫وحكم هذه المور العادية وأمثالها‪ ،‬كنظائرها من الفعالى‬
‫الجبلية‪ ،‬والصل‬
‫فيها جميعا أنها تدل على الباحة ل غير‪ ،‬إل في حالين‪:‬‬
‫غب فيها‪ ،‬فيظهر أنها حينئذ‬‫ا‪ -‬أن يرد قول يأمر بها أو ير ّ‬
‫تكلون شرعية‪.‬‬
‫مولئة‪ .‬كترجيه‬‫‪ -2‬أن يظهر ارتباطها بالشرع بقرية غير ّ‬
‫المي!ت في قبره إلى القبلة‪ ،‬فإن ارّلباط ذلك بالشرع ل‬
‫خفاء به‪.‬‬
‫‪237‬‬

‫) ‪(1/231‬‬

‫ومن هنا يتبّين أن قول بعض المتأخرين‪ ،‬كالشيخ محمد‬


‫أبي زهرة )‪ (1‬رحمه الله‪،‬‬
‫بان إعفاء النبي جمعه لحيته‪ ،‬وتقصير شاربيه‪ ،‬كان أمرا‬
‫عادَيأ وليس شرعيا ً هو قوله يخرج عما يقتضيه العمل‬
‫بالدلة‪ ،‬وذلك لورود القول المر‪ ،‬ولنه ئي عّلقه بأمر‬
‫شرعي هو محالفة أعداء الدين‪ .‬أعني قوله !‪" :‬خالفوا‬
‫المشركين‪ ،‬وفروا اللحى وأوفوا الشوارب " )‪ ."2‬وفي‬
‫رواية‪ :‬وخالفوا المجوس !‪.‬‬

‫)‪(1‬‬
‫)‪(2‬‬
‫قال الشيخ محمد أبو زهرة في كتابه )‪ 1‬صول الفقه ص‬
‫‪ ،:(109‬كثيرون على أنه‪ -‬يعني إعفاء اللحية‪ -‬من السنل‬
‫المتبعة‪ ،‬وزكوا فلك بأن النص ! قال‪ :‬عصرا الغارب‪،‬‬
‫وأعفوا اللحم"‪ .‬فقالوا‪ :‬إن هذا دليل على أنا إبقاء اللحية‪/‬‬
‫يكن عادة‪ ،‬بل كان من قبيل الحكم الشرعي‪ .‬والذين قالوا‬
‫إن من قبيل العادة قررنا أن الغني الذي هكذا بالصيما ل‬
‫يفيد اللزوم بالجماع‪ ،‬وهر معلل بمنع التشبه بالنهي‬
‫والعاجم‪ ،‬الذين كانوا يطيلون شواربهم ويحلقون لحاهم‪.‬‬
‫وهذا يزكي أنه منا قبيل العادة‪ ،‬وذلك ما نختارها ‪ 10‬هـ‪.‬‬
‫ونحن نقول بن تعليله ! بمخلفة اليهود والعاجم هو الذي‬
‫يدل على كونه شرعيا ً لن نحالفتهم مقصد شرعي معتبر‪،‬‬
‫مضاء الصراط المستقيم‬ ‫كما في القبلة‪ .‬وانظر‪) :‬اق ّ‬
‫ّ‬
‫محالفة أصحاب الجحيمي لبن ليمية ففيه البيان الشافية‬
‫حفق عليه بجامع الصول ‪(428/5‬‬
‫م َ‬

‫‪238‬‬

‫) ‪(1/232‬‬

‫المبحث الثالث‬
‫دنيوية‬
‫الفعل في المور ال ّ‬
‫نعطي بالمور الدنيوية ما فعله ! بقصد تحصيل نفع في‬
‫البدن أو المال‪ ،‬له أو لغيره‪ ،‬أو دفع ضرر كذلك‪ ،‬أو دثر‬
‫تدبيرا في شأنه خاصة أو شؤون المسلمة عامة‪ ،‬لغرض‬
‫التوصل ِإلى جلب نفع أو دفع ضرر‪.‬‬
‫ويشمل هذا النوع من الفعال المضرب التالية‪:‬‬
‫الضرب الول‪ :‬الفعال الطبّية‪ ،‬وهي ما يجريه على بدنه‬
‫خاصة‪ ،‬أو أبدان‬
‫قع‪.‬‬‫غيره من الناس بقصد دفع مرضي حاضر أو متو ّ‬
‫فقد تناول النبي يكن‪ ،‬أو أعطى غيره‪ ،‬أطعمه وأشربة‬
‫متنوعة على سبيل‬
‫حة‪ ،‬أو لدرء أمراض معينة‪ ،‬طالبان البل‬ ‫حفظ الص ّ‬
‫وأبطالها )‪.(1‬‬
‫وكذلك تعاطى وأعطت أنواعا مختلفة من العلجي‪ ،‬فقد‬
‫عط )‪ ،(2‬وكانت حجارته قي وسط رأسه‪،(3،‬‬ ‫أحمتجم واست َ َ‬
‫وكانت حجارته من شقيقة كانت به )‪.(4‬‬
‫ولما اشتدت به وجعه يهريق عليه من سبع قرب‪ /‬تحلل‬
‫جرح باحمد‪ ،‬ألقته على جرحه رماد‬ ‫"(‪ .‬ولما ُ‬ ‫أوك ِي َُتفن ْ‬
‫حصير ليرقا الدم )‪ .(6‬وداوى بريقه مع تراب )‪.(7‬‬

‫)‪ (1‬البخاري ‪ (3) 178/105‬البخاري ‪ (5) 152 /10‬ا لبا ري‬


‫‪ 1 (7) 167 /10‬لبخاري ‪308 /10‬‬
‫)‪ (2‬البخاري ‪ 1 (4) 147/15‬لبخاريمما ‪ 116) 153 /10‬لبخا‬
‫ري " ‪174 /1‬‬

‫‪239‬‬

‫) ‪(1/233‬‬

‫ة معينة كاللدرد )‪.(1‬‬


‫ترفض أد!ي ً‬
‫الضرب الثاني‪ :‬الفعال في الزراعة‪ ،‬بان يزرع أنراعأ‬
‫معينة من النبات ‪4‬‬
‫أو يزرع بطريقة ما‪ ،‬أو يسقي المزروعات طفلك‪ ،‬أر يفعل‬
‫بالنبات شيثأ بقصد تكلثير إنتاجه أو تحسينها و نحو ذلك‪.‬‬
‫وشبيه بها ما يفعل بالحيوان بقصد تكلثير إنتاجه‬
‫وتحسينه‪ ،‬كإطعامه أعلفا معينة‪ ،‬أو المزاوجة برس‬
‫سللت منه محتلفة بقصد الحصول على نسل أجود‪.‬‬
‫الضرب الثالث‪ :‬الصناعة‪ ،‬بان يصنع بكافة شيئا ما بقصد‬
‫تحويلها إلى‬
‫شكله ذي أوصاف مخالفة لشكللها الول‪ ،‬لتكون أنفع؟ أر‬
‫يحفل مادة ما إلى حالت أبسط‪ ،‬أو يركب مادة مع مادة‬
‫بقصد الحصول منهما على مدن جديدة‪ ،‬هي أنفع من‬
‫الصل‪-‬‬
‫الضرب الرابع‪ :‬التجارة‪ ،‬بان يعمل في البيع والشراء‪ ،‬في‬
‫أشيله معينة‪،‬‬
‫في ظروف معينة‪ ،‬بقصد تحصيل مكاسب عن فروق‬
‫السعار‪.‬‬
‫الضرب الخامس‪ :‬أنول أخرى من المكلسب كرعي الغانم‪،‬‬
‫أر العمل‬
‫للغير بأجر‪.‬‬
‫الضرب السادس‪ :‬التدابير التي اتخذها عن في الحرب من‬
‫استعمال المجانيق والسيوف والرماح والسهام‪ ،‬وتربية ا‪-‬‬
‫فيل للقتال‪ ،‬وحفر الخنادق‪ ،‬وترتيب الجيوش وتدريبها‪-‬‬
‫الضرب السابع‪ :‬التدابير التي اتخذهايك! في الدارة‬
‫المدنية‪ ،‬من اتخاذ‬
‫الولة والكتاب والحراس والحض ان والسفراء‪ ،‬وكذلك‬
‫العلم والشعارات‪ ،‬والمرافق من الطرق والحصري‬
‫وكيرها )‪.(2‬‬
‫ى ‪ 166/10‬واللدود ما سقيما من‬ ‫)‪ (1‬حديث اللدودة البخار ِ‬
‫الدواء بللسعط في الفم أ الله أن(‪.‬‬
‫)‪ (2‬انظر الكتاب المقيم في لتفاصيل ذلك‪ :‬الّراتيب‬
‫الدارية لمؤلفه عبمالحي الكتاني‪ .‬نثرته ببيروت‪ ،‬دار أحياء‬
‫التراث العربي‪ ،‬صورة بالوفست‪.‬‬
‫‪.‬ل‪2‬‬

‫) ‪(1/234‬‬

‫فهذه الضراب وأمثالها قد وقع من النبي !كفحر الكثير‬


‫من أفرادها ونقل إلينا‬
‫أشياء من ذلك‪.‬‬
‫والنظر في الحكام التي يمكن أن تدل عليها مثل تلك‬
‫الفعال من وجهين‪:‬‬
‫الوجه الول‪ :‬أصل الطب والزراعة والصناعة والتجارة‬
‫والقصد إلى تحصيل المكاسب‪ ،‬والسعي لتحقيق التدابير‬
‫المدنية والعسكلرية المناسبة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬يستفاد من فعله‬
‫! في ذلك إباحته‪ ،‬وأنه ل يحالف العقيدة ول الشريعة‪ .‬وقد‬
‫قى‪ ،‬إلى درجة الستحباب أر الوجوب‪ ،‬بحسب الحوال‬ ‫يتر ّ‬
‫الداعية إليه‪.‬‬
‫وفي الحديث القرني إشارة إلى ذلك حيث قال صون‪ :‬كما‬
‫أجل أحد طعاما ً قط‬
‫خيرا من أن يشكل من عمل يده‪ ،‬لن نبه الله دارد!ان‬
‫يأكل من عمل يدمه )‪ .(1‬رمن قال في المور الجالية أقي‬
‫! زوج اء ورحب ما ا!ال!ئي بها‪ ،‬فكذلك يقال هنا‪ ،‬ومن‬
‫اذنا الرجوع فكلذلك‪ .‬إل( ن الممول بان الصل فيها‬
‫جِبفة الختيارية‪.‬‬
‫الباحة أصوب‪ ،‬كما تقدم في أفعال ال ِ‬
‫الوجه الثاني‪ :‬المر الذي عمله بخصوصه‪ ،‬هو مباح له‪ ،‬رقد‬
‫يكون مستحبا له‪ ،‬أو واجبا عليه‪ ،‬لعتقللى!! أنه هو‬
‫المؤدي إلى غرض مستحب أو واجب‪ .‬ولكن هل يكون‬
‫حكام مثله بالنسبة إلينا كذلك‪ ،‬كما لو شرب دون ‪ 2‬معينا‬
‫لعلج مرض معين‪ ،‬فهل يستحب لنا شرب ذلك الدواء‬
‫لذللث المرضى مثل ً أر يجب‪ ،‬بل هل يباح بناء على ذلك أم‬
‫ل؟‪.‬‬
‫هذا ينبني على أصل‪ ،‬وهو لن اعتقاداته أو ظنونه ! في‬
‫المور الدنيوية هل‬
‫يلزم أن تكون مطابقة للراقع‪ ،‬بمقتضى نبوته‪ ،‬إى أن هذا‬
‫أصر ل صلة له بالنبوة؟‪ .‬اختلف العلي في ذلك على‬
‫مذهبين ة‬
‫المذهب الول‪ :‬أنه ! معصوم من خطا العتقاد له أمور‬
‫الدنيا‪ .‬بل كل‬
‫ما يعتقده في ذلك فهر مطابق للراقع‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري ‪303 /4‬‬
‫‪241‬‬

‫) ‪(1/235‬‬

‫و‪ /‬نجد أحدا ً من قدماء الصوليين‪ ،‬صرخ بمثل هذا المذهب‪-‬‬


‫ولكنه لزم لمن جعل جميع أفعاله به حجة حتى في‬
‫الطبيات والزراعة ونحوها‪ .‬وهو لزم أيضا ً لمن صحح منهم‬
‫أن تقريره مجد لمخبر عن أمر!نيوكا يدلى على صحة ذلك‬
‫الخبر‪ ،‬كما فعل السبكي والده المحلي والبنافإ"‪.(1‬‬
‫والذين عند حصرهم أقسام الفعال النبوية‪ /،‬يذكروا‬
‫الفعل النبوي في‬
‫المور الدنيوية‪ ،‬كقسم من أفعاله ل دللة فيه‪ ،‬يظهر!نهم‬
‫يقولون بهذا القول‪ ،‬إذ يلزمهم أن يكون فعله ! في الطب‬
‫مثل دليل ً شرعيًا‪ .‬من هؤلء مثل ً أبو شامة‪ ،‬والسبعلي‪ ،‬وا‬
‫بن الهمام‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬
‫حخئة‬ ‫وابن القيم في كتابه والطب النبوفيإ )‪ (2‬يذهب إلى ُ‬
‫أفعاله ! في الطب‪ ،‬فيلزمه القول بهذا المنصب‪.‬‬
‫ويظهر أن هذه طريقة المحدثين‪ ،‬فإنا نجد عند البطارفي‬
‫مثل ً هذه البواب‪،‬‬
‫ولم يذكر فيها من الحاديث إّل أحميك فعلّية‪ :‬شباب‬
‫السعوط! شباب أي ساعة يحترم( )باب الحجامة في‬
‫السفعة شباب الحجامة عل الرأس( )باب الحجامة من‬
‫الشقيقة والصدل!( )‪ (3‬وعند غيره من المحدثين‪،‬‬
‫كأصحاب السنن‪ ،‬تبويبات مشابهة‪ .‬ويوافقهم الشراح غالبا‬
‫على ذلك‪ ،‬فيذكرون استحباب أدوية معينة لمراض معينة‪،‬‬
‫بناء على ما ورد في فلك من الفعال النبوية‪.‬‬
‫المذهب الثاني‪ :‬أنه ل يلزم أن يكون اعتقاده في أمور‬
‫الدنيا مطابقا للواقع‪،‬‬
‫في ذلك العتقاد قليل أوكثيرأ‪ .‬بل قد‬ ‫بل قد يقع ا‪-‬خطأ ِ‬
‫يصيب غيره ويحث يخطىء هوع!ه "‬
‫قالوا‪ :‬وليس في ملئه حط من منصبه العظيم الذي أكرمه‬
‫وة منصب على العلم بالمور‬ ‫الله به‪ ،‬لن منصب النب ّ‬
‫الدينية‪ ،‬من العتقاد في الله وملئكته‬
‫‪ (1 1‬انظر بها الجوامع شرحه وحاشيته ‪1 28 ،1 27/2‬‬
‫وألجأ ‪9 5/2‬‬
‫)‪ (2‬هو بعض كتابه المشهور وزاد المعاد قي هدى خير‬
‫العبادة وقد طبع أيضا مفردا ً )‪ (3‬صحيح البخاري ‪-145 /10‬‬
‫‪152‬‬
‫‪242‬‬

‫) ‪(1/236‬‬

‫وكتبه ورسله واليوم الخر‪ ،‬ومن المور الشرعية‪ .‬أما إذا‬


‫اعتقد أن فلنا مظلوم فإذا هو ظالم‪ (،‬و أن دواء معئنأ‬
‫يشفي من مرض معيان‪ ،‬فإذا هو ل يشفى منه‪ ،‬أو أن‬
‫تدبيرا زراعيا أو تجاريا أو صناعيا يؤدي إلى هدف معين‪،‬‬
‫فإذا هو ل يؤدي إليه‪ ،‬أو يؤديها إلى عكلسه‪ ،‬أن تدبيرا‬
‫عسكريا أو إداريا سينتج مصلحة معينة‪ ،‬أو يدفع ضررا ً‬
‫معتنق‪ ،‬فإذا هو ل يفعل‪ ،‬فإن ذلك المعتقد ل دخل له‬
‫بالنبوة‪ ،‬بل هو يعتقده من حيث هو إنسان‪ ،‬له تجاربه‬
‫الشخصية‪ ،‬وتأثراته بما سبق من الحوادث‪ ،‬وما سمع أو‬
‫رأى من غيره‪ ،‬مما أدى إلى نتائج معينة‪ ،‬فكل ذلك يكفيهما‬
‫إلى أن يعتقد كما يعتقد غيره من البشر‪ ،‬ثم قد ينكشف‬
‫الغطاء فإذا المر عل خلف ما ظن أو اعتقد‪.‬‬
‫وقد صرخ بأصل هذا المذهب‪ ،‬دون تفاصيله‪ ،‬القاضي‬
‫عياض )‪ (1‬والقاضي عبدالجبار الهمداف! المنزلي )‪(2‬‬
‫والشيخ محمد أبو زهرة )‪ .(3‬وظاهر الحديث أنه شبهه‬
‫كغيره من الناس في ذلك‪ ،‬بل فيه التصريح بأن أصحاب‬
‫الخبرة في صنائعهم وتجاراضهم وزرعاتهم قد يكونون‬
‫أعلم منه بدقائقها‪ ،‬إل أن القاضي عئاضأ أوجبها أن يكون‬
‫الخطأ في ذلك نادرا ً ل كثيرا يؤذن بالبله والغفلة )‪.(4‬‬
‫ج لهذا المذهب بأدلة‪ ،‬منها‪:‬‬ ‫ويحت َ ّ‬
‫أول ً حديث تأثير النخل‪ .‬ففي صحيح مسلم كن رافع بن‬
‫خديه‪ ،‬أنه‬
‫قال‪ :‬قدم النبي ! المدينة؟ فإذا هم يعبرون النخل‪ -‬فقال‪:‬إ‬
‫ما تصنعون؟ ! قالوا‪ :‬كنا نصنعه‪ " .‬قال‪ :‬للعلكم لو لم‬
‫تفعلوا كان خيرأأ فتركوه‪ .‬فنفضت‪ ،‬فذكروا ذلك له‪،‬‬
‫فقال‪ 9 :‬إنما أنا بشر‪ ،‬إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا‬
‫به‪ ،‬لذا أمرتكلم بشيء من رأي فإنما أنا بشري‪.‬‬
‫)‪ 1 (1‬لشفاء ‪178 /2‬‬
‫)‪ (2‬المغني ‪ 256/17‬حيث جعل من شرط القتداء بالفعل‬
‫‪ 9‬أن يكون مما له مدخل في الشرع ول يكون مما يفعل‬
‫للمنافع والمضار"‪.‬‬
‫)‪ (3‬كتابه‪ :‬تاريخ المذاهب الفقهية ص ‪10‬‬
‫)‪ 1(4‬لشفاء ‪180/2‬‬
‫‪243‬‬

‫) ‪(1/237‬‬

‫وفي رواية طلحة‪ ،‬قال !‪" :‬ما أظن ذلك يغني شيئًا"‬
‫فأخِبروا بذلك‪ ،‬فتركت‪ ،‬فأخبر رسول أله مجد بذلك‪ ،‬فقال‬
‫ة فإن كان ينفعهم ذلك فليصنعوه‪ ،‬فإني إنما ظننت ظنا ً‬
‫فل تؤاخذوني بالظن‪ ،‬ولكن إذا حدثتكم عن أفه شيئا‬
‫فخذوا به‪ ،‬فإني دن أكذب عله الله "‪ .‬وفي رواية أنى‪:‬‬
‫"أنتم أعلم بدنياكم " )‪-(1‬‬
‫وشبيه به حديث ابن عباس قي قصة الخرصىل(‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫فقال رسول الله !ك!‪:‬أ إنما أنا بشر‪ ،‬فما حذثتكلم عن الله‬
‫فهرحق‪ ،‬وما قلت فيه من قبلي نفي فإنما أنا بشر"‪.‬‬
‫رقد إذ الستدلل بهذا الحديث‪ ،‬بان المراد‪ :‬أنتم أعلم‬
‫بدنياكم من أمر دينكلم )‪ .(3‬ويكلون توبيخا لهم‪.‬‬
‫وسياق الحاديث على اختلف رواياته يابي هذا التاريخ‬
‫فيبطله‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬حديث أم كلمة رضي الله عنها‪ ،‬أن النبي ! قال‪ ،:‬إنما‬
‫أنا بشر‪،‬‬
‫وإنكم تختصمون إلي‪ ،‬ولعله بعضكم أن يكون أفي بحجته‬
‫من بعض‪ ،‬فاقضي له على نحوها أسمع‪ .‬فمن قضيت له‬
‫بحق أخيه شيئا ً فل يأخذه‪ ،‬فإنما أقطع له قطعة من النار"‬
‫)‪.،4‬‬
‫وفي رواية الزهري للحديث المذكور‪" :‬إ‪:‬ل أنا بشر‪ ،‬وانه‬
‫يأتيني الخصم‪.‬‬
‫سمث أنه صادق‪،‬‬ ‫فلعله بعضكم أن يكون أبلغ من بعض‪ ،‬فاح ِ‬
‫فاقضي له بذلك(ْ‪.(،‬‬
‫بذا ثبت الصل الذي ذكرناه آنفًا‪ ،‬فإنه ينبني عليه أن ما‬
‫فعله ! من أمرر‬
‫الديني مما مرجعه إلى تجاربه الخاصة‪ ،‬وخبرته الشخصية‪،‬‬
‫رتفكليره وتقديره في المور الدنيوية التي وضحناها‪ ،‬ل‬
‫يدلى على مشروعية ذلك الفعل بالنسبة إلى المة‪.‬‬
‫)‪ (1‬راجع لروايات هذا الحديث‪ :‬صحيح مسلم ‪1835 /4‬‬
‫ومسند احمد ‪1 5 2/3‬‬
‫)‪ (2‬ذكره القاضي رياض‪ :‬الشفاء ‪ 178/2‬و‪ /‬يعزه‪.‬‬
‫‪ (31‬العناني‪ :‬حاشيته على شرح جمع الجوامع ‪128/2‬‬
‫وأيضا ٌ ‪ :‬علي المصري‪ :‬شرح الشفا‪ (4) .‬البخاري ‪157/13‬‬
‫وأصله عند مسلم وأنما داود‪.‬‬
‫)‪ 1 (5‬لبخا ر ى ‪172 /13‬‬
‫‪244‬‬

‫) ‪(1/238‬‬

‫وممن صّرح بهذه القاعدة بصفتها العامة‪ ،‬من الصوليين‬


‫القدامى القاضي‬
‫عبد ا لجدار )‪ (1‬هـ‬
‫يصرخ به حديثا ولي انه الدهلوي )‪ ،(2‬ومحمد أبو زهرة"‪،(3‬‬
‫وعيدالوهاب خلف )‪ ،(4‬بعبدالجليل عيصي"!"‪ ،‬وفتحي‬
‫عثمان )‪.(6‬‬
‫أما من حيث التفصيل‪ ،‬فقد روحه أين خلدون في‬
‫المقدمة‪ ،‬في شان ما ورد‬
‫عنه !ئه! في شان الطب ! حيث قال‪:‬‬
‫ل في الشرعيات من هذا القبيل ويعني‬ ‫أ الطب المنقو ُ‬
‫بحث البادية المبني عله تجارب قاصرة( وليس من الوحي‬
‫في شيء‪ ،‬لنكا هر لمر كان عددأ للعرب‪ ،‬ووقع في ذكر‬
‫أحوال النبي !ك!‪ ،‬من نوع ذكر أحواله التي هي عليه‬
‫وجبلة‪ ،‬ل من جهة أن ذلك مشروع على ذلك النحو من‬
‫العمل‪ ،‬فإنه ! إنما بعث ليعلمنا الشرائع‪ ،‬و‪ ./‬يبعث لتعريف‬
‫حح‬
‫الطب ول غيره من العاديات‪ .‬رقد وقع له في شان تلق ِ‬
‫النخل ما وقع‪ ،‬فقال‪" :‬أنتم أعلم بأمور دنياكم "‪ .‬قال‪:‬‬
‫"فل ينبغي أن يحمل شيء من الطمث الذي وقع في‬
‫الحاديث المنقولة على أنه مشروع‪ ،‬فليس هناك ما يدل‬
‫عليه‪ .‬اللهم الم إذا استعمل على جهة التبرك وصدق‬
‫العقد اليماني فيكون له أثر عظيم النفع‪ ،‬وليس ذلك ل‬
‫الطب المواجه " )‪ 0(7‬الـ‪.‬‬
‫رأينا في ذلك‪:‬‬
‫نختار المذهب القائل بان أفعاله الدنيوية ليست تشريعًا‪،‬‬
‫وذلك لجل الدلة التية‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪ :‬فقل إنما أنا بشر مثلكم يوحه أفي !‬
‫وقوله‪ :‬نقل سبحان‬
‫)‪ 1 (1‬لمانحي ‪269/17‬‬
‫)‪ (2‬حجة أله البالغة ‪ (3) 272/1‬كتاب‪ ،‬تاريخ المذاهب‬
‫الفقهية‪ ،‬ص ‪ (4) 1 0‬ككتابه‪ :‬أصول الفقه ص ‪(5) 43‬‬
‫اجمقللى الرسول !‬
‫)‪ (6‬الفكر القانوني السلمي بين أصول الشريعة وتراث‬
‫الفقه‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مكاتبة وهبة ود‪ .‬تم عن‪(68 ،‬‬
‫أ ى المقدمة ص ‪493‬‬
‫‪245‬‬

‫) ‪(1/239‬‬

‫رب هل كنت إل بشرا ً رسول! وقد تكرر التأكيد في الكتاب‬


‫على بشرية الرسول !ك!ه‪ ،‬وأنه ليس إلها ً ول الكل‪ ،‬ول‬
‫يعلم الغيب‪ .‬ومن المعلوم أنه ! لما نبأه الله عز وجل‪ ،‬لم‬
‫يمنعه من تصرفاته البشرية كما يتصرف غيره من الناس‬
‫على غالب الظنون والتقارير التي تخطى" وتصيب‪ ،‬ول‬
‫تعود له بأن يمنعه من الخطأ في ذلك‪ ،‬فالصل استمرار‬
‫ما‪ /‬يدل على انتقاله‬ ‫حاله في ذلك كما كان قبل النبوة‪ ،‬ل ّ‬
‫كدت السنة النبوية ما بينه القرآن من‬ ‫عن ذلك دليل‪ -‬وقد أ َ‬
‫ذلك‪ ،‬كما يأتي‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله غنيم‪ -:‬وإنما أنا بشر‪ ،‬فإذا أمرتكم بأمر دينكم‬
‫فاقبلوه‪ .‬ماذا أمرتكم‬
‫بشيء مت دنياكم فإنما أنا بشر"‪ .‬وقي رواية ة أنتم أعلم‬
‫بدنياكم‪ .‬وقد تقدم هذا الحدشا‪.‬‬
‫وبهذا الحديث‪ ،‬برواياته المختلفة‪ ،‬يفضل النبي !ئه! أصل‬
‫عظيما ً في الشريعة‪ ،‬ويبينه لنا‪ ،‬ويشعرنا بأن بعض أفراد‬
‫المة قد يكونون أحيانا أعلم منه ! بما يتقنونه من أمور‬
‫الدنيا‪ ،‬والمقصود أهل الخبرة في كله فن وصدمة‪ ،‬وأنه ل‬
‫ي شرعا للتفاتهم إلى ما يصدر عنه مجد من ذلك إل‬ ‫دأع َ‬
‫كما يلتفتون إلى قولي غيره من الناس‪.‬‬
‫‪ -3‬ما ذكر ابن إسحاق في سيرته‪ ،‬في سياق غزوة بحر‪،‬‬
‫قالي‪ :‬خذلت عن‬
‫رجال من بني سلمة‪ ،‬أنهم ذكروا أن الحبيب بن المنذر‪،‬‬
‫قال‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬ورأيت هذا المنزل؟ أمنزل أنزلكله‬
‫ألمه‪ ،‬ليس لنا أن نتقدمه‪ ،‬ول نتسر عنه‪ ،‬أم هو الرأي‬
‫والحرب والمكيدة؟ قال‪ :‬بل هو الرأي والحرب والمكيدة‪.‬‬
‫فقالت‪ :‬يا رسول الله‪ ،‬فإن هذا ليس بمنزل‪ ،‬فانهض حتى‬
‫نادي أدق ماء من القوم‪ ،‬فننزله‪ .‬ثم نغير ما وراعه من‬
‫قُلب‪ .‬ثم نبني عليه حوضا ً فنملؤه ماء لم نقاتل القوم‪،‬‬ ‫ال ُ‬
‫فنشرب ول يشربون‪ .‬فقال رسول الله يكن‪ :‬ولقد أشرت‬
‫بالرأي " )‪.(1‬‬
‫)‪1‬د سيرها ابن هشم‪ ،‬وعليها الروض النف للسهيل‪،‬‬
‫وتحقيقا عبدالرحمن الرحيل‪ .‬القاهرة دار الكتب الحديثةأ‬
‫د‪ .‬شاب ‪97/5‬‬
‫‪246‬‬

‫) ‪(1/240‬‬

‫خلوا على زيد بن ثابت‪،‬‬ ‫‪ -4‬ما ورد في الحديث أن نفرا دَ َ‬


‫فقالوا له‪ :‬حدثنا أحاديث رسول الله عنه‪ .‬قال‪ :‬كنت جارهْ‪،‬‬
‫فكان إذا نزل عليه الوحي بعث إل فكلتبته له‪ .‬فكان إذا‬
‫ذكرنا الدنيا ذكرها معنا‪ ،‬صاذأ ذكرنا الخرة ذكرها معنا‪،‬‬
‫وإذا ذكرنا الطعام ذكره معنا‪ ،‬فكل هذا أحدثكم عن رسوله‬
‫الله محنها )‪.(1‬‬
‫‪ -5‬ما ورد عن هشام بن عروة‪ (،‬ن عروة بن الزبير كان‬
‫يقول لعائشة‪ :‬أيا‬
‫أماه‪ ،‬ل أعجب من فهمك‪ ،‬أقول‪ :‬زوجة رسول الله عن ربنا‬
‫أبي بكر‪ .‬ول أعجب من علمنا بالشعر وأيام الناس‪ ،‬أقول‪:‬‬
‫ابنة أبي بكر‪ ،‬وكان أعلم الناس‪ ،‬أو من أعلم الناس‪ .‬ولكن‬
‫أعجب من علمك بالصمت‪ ،‬كيف هو رمن أي هو؟ قال‪:‬‬
‫ت على منكبه‪ ،‬وقالت‪ :‬إن غَرثة! أن رسول الله !!‬ ‫فضَرب َ ْ‬
‫قم عند آخر عمره‪ ،‬أو في آخر عمره‪ .‬فكانت تقديم‬ ‫س َ‬‫كان ي َ ْ‬
‫عليه وفود العرب من كل وجه‪ ،‬فينعتون له النعام‪ ،‬وكنت‬
‫أعالجها له " )‪.(3‬‬
‫مسائل متهمة لبحث الفعال النبوية الدنيوية‪:‬‬
‫المسالة الولى‪ :‬إذا انضم إلى الفحل الدنيوي قوة آمر‪،‬‬
‫فذلك يخرجه من‬
‫باب الفعال‪ .‬ويعود النظر إلى الدليل القولي‪ ،‬وذلك خارج‬
‫عن موضوع بحثنا‪ .‬وليت بعض الباحثين يتوّلى بحث‬
‫القوال النبوية المتعلقة بالمور الدنيوية‪،‬‬
‫ليصل في شأنها إلى قول فصل‪ ،‬ثم يجمعها من كتب‬
‫الحديث وينص على ما يصل استفادته منها من الحكام‬
‫وما ل يصح‪.‬‬
‫المسألة الثانية‪ :‬إذا نطق القرآن علىا مر دنيوية فهو حق ل‬
‫مرية فيه‪ ،‬لنه‬
‫من الله تعالى الذي ل تخفوا عليه خافية في السموات ول‬
‫في الرض‪-‬‬
‫فإن كان الفعل النبوئي في الشؤون الدنيوية استجابة‬
‫لرشادات القرآن التي تتعّلق بذلك المر‪ ،‬فيكون الفعل‬
‫بيانا ً أو امتثال ً للقرآن‪ .‬ويحمل عله الشرع ّ‬
‫ي‪.‬‬
‫ان ذكره الدهلوي في حجة انه البالغة ‪ 272/1‬و‪ /‬يعزه‪(2 .‬‬
‫رواه أحمد في مسنده )‪(67/6‬‬
‫‪247‬‬

‫) ‪(1/241‬‬

‫ولعل خير مثال على ذلك شرفه ! العسل للتداوي )‪،(1‬‬


‫فإن ذلك تطبيق لقوله تعالى‪ :‬ويخرج من بطونها شراب‬
‫نختلف ألوانه فيه شفاء للناس !‪.‬‬
‫وشبيه بذلك ما أخبريي! أنه فعله عن رأي من الله تعالى‪.‬‬
‫المسالة الثمالثة‪ :‬إذا تردد الفعل بين أن يكلون دنيويا أو‬
‫دينيا ً عمل على الديين‪ ،‬لنه الرز من أفعاله يكن‪ .‬والله‬
‫أعلم‪-‬‬
‫)‪ (1‬الخطيب البغدادي عن أي‪ :‬كان رسول الله ! أفا‬
‫اشتكت ا اقترح كفا من شرنيز وشرب عليه ماءوعس ً‬
‫لأ‬
‫الفرع الكبيرة‪.‬‬
‫‪248‬‬
‫) ‪(1/242‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫الفعال الخارقة للعادة‬
‫بالمعجز أت والكر اماتو‬
‫أجرى الله تعالى هذا الكون عل سنن ثابتة وعوائد مطردة‪.‬‬
‫وربط الشياء بأسبابها‪ ،‬وجعل علقة السببية هذه وسيلة‬
‫إلى توليدو شراء جديدة‪ ،‬ذات صفات موافقة أو مخالفة‬
‫لصولها‪ .‬وبها تتطور الكائنات وتحرير الموجودات‪ ،‬وتتجدد‬
‫ا أحرا دي‪.‬‬
‫ومعنى اطراد السنن الكلنية‪ ،‬أنه إذا أثر شيء في شيء‬
‫تحت ظروف معينة‪،‬‬
‫فينتج شيئا ً آخر‪ ،‬فإنه لو أعيد تسليط المؤثر‪ ،‬أو مثيل له‪،‬‬
‫على المؤثر فيه أرعلى مثيل له‪ ،‬مع وجود ظروف مماثلة‬
‫تماما ً فل بدع أن تحصلي نتيجة مماثلة تماما ً لما نتج في‬
‫الحالة الولى‪.‬‬
‫ومثالها أنا لو أخذنا قضيبا من الحديد‪ ،‬في درجة حرارة‬
‫فعينة‪ ،‬وقسنا طوله‪،‬‬
‫ثم شيناه مئة درجة مئوية‪ ،‬فإنه سيتمدد بالحرارة‪ -‬فلو‬
‫قسنا الزيادة هي الطولى وأثبتناها‪ ،‬ثم أخذنا قضيبا آخر‪،‬‬
‫أيضا من الحديد‪ ،‬مساويا في الطول للول‪ ،‬وفي نفس‬
‫درجة الحرارة‪ ،‬ورفعنا ومرارته مئة درجة مئوية‪ ،‬فل بد أن‬
‫يتمدد‪ ،‬وأن تكون ريادته مساوية تماجما ً للزيادة في حالة‬
‫القضيب الول‪ .‬فإن اختلف مقدار الزيادة بين اسدالتن‪،‬‬
‫فل بد أن عامل آخر مخالفا لما كان في الحالة الول هو‬
‫سبب الختلف‪ ،‬بالي كان الحديد مختلف النوعية مثل ً‬
‫مدم‬‫وهذا الطراد في سجن الكائنات‪ ،‬سب من أسباب الت ّ‬
‫البشري‪ ،‬وسيطرة البشر على الرض‪ ،‬وذلك لن العقل‬
‫الذي أكرم الله به النسان يستطيع‬

‫) ‪(1/243‬‬

‫إدراك الصلت السببية بين الشياء بإدراكه خواصها‪،‬‬


‫ىء الظروف المختلفة التي‬ ‫فيستطيع النسان بذلك أن جه َ‬
‫تؤدي إلى نتيجة معينة‪ .‬فإذا كملت تلك الظروف‪ ،‬تولدت‬
‫عنها النتيجة ول بد‪ .‬وذلك حسب قاعدة اطراد السنن‪.‬‬
‫طراد السنن كما هو في العناصر البسيطة للكون وفي‬ ‫وا َ‬
‫مركباته‪ ،‬وفي صفاتها‬
‫العامة من الجاذبية والحرارة والرطوبة واللون والصلبة‬
‫والمرونة وكير ذلك‪ ،‬هو أيضا في الحياء من النبات‬
‫والحيوان‪ ،‬وفي النفوس النسانية‪ ،‬وفي المجتمعات‬
‫البشرية‪ ،‬كذلك‪ ،‬وقد قال الله تعالى ة أفهل ينظرون إل‬
‫سنة الولين فلن تجد لسنة الله تبديل ولن تجد لسنة الله‬
‫تحويل ‪3‬م )‪ (1‬وقد ذكر الله تعالى أنه ل تبديل لسنته في‬
‫ثلثة مواضع أخرى غير هذه الهية )‪.(3‬‬
‫ذا أن قوانا السببية في الحياء أكد تعقيدا ً وأبعد تصورا ً‬ ‫إ َ‬
‫وأصعب‬
‫منال ً‬
‫وليست العلوم الكونية‪ ،‬الكيعياثية‪ ،‬والطبيعية‪ ،‬والحيوية‪،‬‬
‫والنفسمية‪ ،‬إل‬
‫نتائج المساعي لستكشاف القوانين المشار إليها‪ ،‬وال‬
‫تطبيقا لتلك القوانن‪ ،‬واستفادة مخها فيما ينفع الناس أو‬
‫يضرهم‪-‬‬
‫وقد خطط ت ألد خانات السماوية حربا على دعاوى‬
‫السببية الكاذبة‪ .‬فمن ذلك إبطال التطور‪ ،‬وإبطال الزجر‬
‫والعرافة والمخرجة‪ ،‬وإبطال دعاوى عبدة الصنام لجنتا‬
‫تجمع أو تضر‪ ،‬ودعاوى المنظمين بأنة حركات النجوم‬
‫أسباب لعلم الغيب‪ ،‬أو أنها تؤثر على الحوادث الرضية‪ ،‬أو‬
‫طلع على حقائق ما جاء‬ ‫نحو ذلك‪ ،‬مما ل يخفى على الم ّ‬
‫عن النبياء‪.‬‬
‫وأتهم ما ورد من ذلك وأوضحه ما جامو به محمد!ك!‪،‬‬
‫إل أن السلم جاء بأمرين عظيمين يتعلقان بقانون‬
‫السببية‪.‬‬
‫ان سورة فاطر‪ :‬آية ‪62‬‬
‫‪ (2‬سورة السراء‪ :‬آية ‪ ،77‬سورة الحزاب‪ :‬آية ‪ ،62‬سورة‬
‫الفتح‪ :‬آية ‪!23‬‬
‫‪255‬‬

‫) ‪(1/244‬‬

‫أولهما‪ :‬البيان الواضح لكون السباب هي منا وضع الله‬


‫تعالى‪ ،‬فهو مسببها‪ ،‬وهو الذي جعل فيها تأثيراتها‬
‫المعينة‪ .‬وهذا لنه تعالى خالق كل الشيل!‪ ،‬والجاعل فيها‬
‫صفاتها وخصائصها‪ .‬والقرآن مليء بهذا النوع من البيان‪.‬‬
‫ومن أمثلته قوله تعالى‪ :‬وإنا كل شيء خلقناه بقدرة )‪،(1‬‬
‫وقوله‪! :‬والَله جعل لكم مما خلق ظلل ً وجعل لكلم من‬
‫الجبال أ!نانأ وجعله لكم سرابيل تقيكم الحر وسرابيل‬
‫تقيكم بأسكم ! )‪.(3‬‬
‫وثانيهما‪ :‬أنه لما كان الله تعالى هو مسبب السباب‪ ،‬فإنها‬
‫ل شك تحت تصرفه وإرادته وقهره‪ .‬فلو شاء أن يبطلها‬
‫لبطاها‪ ،‬بان يفقدها نتائجها المحتومة‪ ،‬أو يوجد الشيل!‬
‫من دون أسبابها المسنونة‪ ،‬كما قال للنار‪ :‬لكوني بردا‬
‫وسلما على إبراهيم ! )‪ (3‬فيفقدها خاصية الحراق‪ ،‬وكما‬
‫أوجد عيسى من أم بل أب‪.‬‬
‫إّل أن هذا النوع من التصرف اللهي نادر‪ ،‬وأما الكثر‬
‫الذيمما هو الصل‪،‬‬
‫فهو اطراد السنن كما تقدم‪.‬‬
‫أهداف خرق السنن الكونية بالمعجزة‪:‬‬
‫المعجزات التي يؤكد الليه بها أنبياع! خرق للسنن الكونية‪،‬‬
‫لتكون حججا لهم‬
‫على العباد أنهم رسل الله‪ ،‬إذ إن السنن الكونية ل يحرقها‬
‫إل الذي وضعها ورتبوا وهو الله تعالى‪ .‬فإذا جاء ذلك على‬
‫دعي عله الله أن الله أرسله‪ ،‬كان بينة على صدقه‪،‬‬ ‫يد من ي ّ‬
‫حيث أجرى الله ذلك على يده‪ ،‬ول يجريه على يد من يدعي‬
‫الرسالة كذبا عليه تعالما‪ .‬ومن هنا فقد جاء أكد رسل الله‬
‫تعالى بمعجزات‪ ،‬أجريت على أيديهم‪ ،‬وشاهدها أقوامهم‪.‬‬
‫كزر الله تعالى ذكرها في كتابه‪ ،‬لتحصل الطمأنينة‬
‫بصدقهم ويتم النقياد لهم‪.‬‬
‫وقد يأتي خرق العادة إعدادا ً للنبي لتحمل تكاليف الدعم‪،‬‬
‫أو إظهارا ً‬

‫)‪ (1‬سورة القمر‪ :‬آية ‪ (3) 49‬سورة النبا ان‪ :‬آية ‪69‬‬
‫)‪ (2‬سورة النحل‪ :‬آية ‪81‬‬

‫‪251‬‬

‫) ‪(1/245‬‬

‫مه عليه جزاء قيامه بتكاليف الدعوة‪،‬‬‫من الله لكرامة نب ِ‬


‫وبذل نفسه في سبيلها‪ ،‬كالسراء بمحمدييحي!‬
‫وقد يكلون خرق العادة معونة من الله لنبيه على أداء‬
‫تكاليف الدورة‪ ،‬لضعفه‬
‫عنها‪ ،‬كما في إنزاله الملئكية للقتال يوم بدر‪ ،‬رفي‬
‫حفظه نبيه ئي برز شخصه عمن أراد اغتياله‪.‬‬
‫ومثلها إنشاء أنبيائه من كيد أعدائهم بغ!!ر السباب‬
‫المعتمدة‪ ،‬كرفع عيسى*‬
‫وفلق البحر لموسى‪.‬‬
‫حد المعجزة‪:‬‬
‫المعجزة‪ ،‬عند عبل!الجبار المعتزلي‪ :‬أمر واقع من الله‬
‫تعالى‪ ،‬تنتقل به العادة‪ ،‬ويتعذر ر كلى العباد فعله‪ ،‬خاضت‬
‫بمنعي النبوة‪ ،‬على وجه التصميم له )‪ .(1‬والمعجزة عند‬
‫الباقلني الشعري‪ :‬أمر واقع من أله تعالى‪ ،‬تنتقل به‬
‫وة‪،‬‬
‫دعي النب ّ‬ ‫العادة‪ ،‬ويتعذر على العباد فعله‪ ،‬يقع على يد م ّ‬
‫مقترنا بالتحدي‪ ،‬على وجه التصديق له‪.‬‬
‫فاشترط الباقلني اقتران المعجزة بالتحدي لثبات النبوة‪،‬‬
‫لن الخارق عنده‬
‫قد يقع للولي كرامة‪ ،‬ولبهن ل يقع للولي إذا تحدى به‬
‫وة‪ ،‬بل يمنع منه حينئذ )‪ .(2‬وعبدالجبار لم‬ ‫لثبات النب ّ‬
‫يشترط ذلك لنه ينكر الخوارق لغير النبياء أص ً‬
‫ل‪-‬‬
‫حي الكرامة‪:‬‬
‫عرف صاحب المواقف الكرامة بأنها وظهور الخارق عله يد‬
‫العارف بالله‬
‫ّلعالى وصفاته‪ ،‬مقرونا ً بعمل الطاعات‪ ،‬غير مقرون‬
‫بدعوى النبرة" )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬القاضي عبدالجبار‪ :‬المغني ‪ 199/15‬وفي بعض كلمه‬
‫يرافقه الباقلء انظر المغني ‪234 /15‬‬
‫)‪ (2‬الباقلني‪ :‬البيان عن الفرق بين المعجزات والغرامات‬
‫ص ‪-17‬‬
‫)‪ (3‬شرح المواقف ‪.228/8‬‬
‫‪252‬‬

‫) ‪(1/246‬‬

‫وهي عند القشيري‪" :‬فعل ناقض للعادة في أيام التكليف‪،‬‬


‫ظاهر على موصوف بالولية‪ ،‬في معنى تصديقه في حاله‬
‫"لن‪.‬‬
‫خرق السنن الكونية على أيدي الولياء‪:‬‬
‫اختلفت الراء في المة السلمية حوله هذه النقطة‪.‬‬
‫فالمعتزلة وأبو إسحاق السفراييني والسليمي‪ ،‬يرون أن‬
‫النواميس الكونية ل تنخرط إل لنبين ‪ ،‬لتكون معجزة له‪،‬‬
‫وأما ما عدا ذلك‪ ،‬فالسنن مطردة اطرادا منضبطا ل‬
‫يتخفف مطلقا ً فانكررا بذلك كرامات الولياء الخارقة‬
‫للعادة‪ -‬وسواء أكانت صغيرة أم كبيرة )‪ -(2‬وأجازوا أن‬
‫ييسر للولياء نحو ِإجابة دعاء‪ ،‬وموافاة ماء في أرض فلة‬
‫مما ينحط عن رتبة خرق العادات‪.(+‬‬
‫ونسب الرازي في الربعين إلى أبي الحسن المصرفي‬
‫المعتزلي‪ ،‬موافقة أهل‬
‫السنة في إثباتهم كرامات الولياء الخارقة )‪.(4‬‬
‫وصل السنة والصرفية وجمهور المة‪ ،‬عل إثبات كرامات‬
‫الولياء‪ ،‬إل أنهم‬
‫في ذلك على قولين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن كل ما جاز أن يكون معجزة لنصي جاز أن يكلون‬
‫كرامة لرفي‪ .‬ول‬
‫فرق بينهما أل أن النبي يتحدى بخرق العادة ليثبت نبوته‪،‬‬
‫والولي ل يتحقق ْ)(‪ .‬ونسب هذا القول إلى جمع سر العليا‬
‫رممن صرح به النووي في شرح صحيح مسلم‪ ،‬والجويني‬
‫ما الرشاد‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن كرامات الولياء بخرق العادات ثابتة‪ ،‬أل أنها ل‬
‫ترقما إلى مثل‬
‫)‪ (1‬الرسالة البشيرية ص ‪6،0‬‬
‫)‪ (2‬القاضي عبدالجبارة المغني ‪242 ،241 ،325 ،205/15‬‬
‫ه‬
‫ي‪ :‬شرح جمع الجوامع ‪ ،420 /2‬عليش‪ :‬هداي ّ‬ ‫)‪ (3‬المحل ّ‬
‫ّ‬
‫المريدة ‪ (4) 177‬العضد‪ :‬الموالف‪ ،‬وشرحه للجرجاف! ‪/8‬‬
‫من ‪2‬‬
‫)‪ (5‬هداية المريدة ‪177‬‬
‫س ‪25‬‬

‫) ‪(1/247‬‬

‫وجود ولد دون والد‪ ،‬وقلب جماد بهيمة‪ .‬وممن قال بهذا‬
‫القول القشيري )‪ ،(1‬وابن السبكي‪ ،‬وابن حجر‬
‫العسقلفإ)‪ .(3‬ويظهر أن الباقلني يقول به في كتابه في‬
‫التفريق بين المعجزات والكرامات )‪ ،(3‬حيث يرى أن‬
‫السحرة يقدرون على كل ما يقدر عليه النبياء‪ ،‬ما عدا ما‬
‫اجمع على أنهم ل يقدرون عليه‪ ،‬كإخراج ناقة من صخرة‪،‬‬
‫وفلق البحر‪ ،‬وآيات موسى التسع‪ .‬وإنما يقدرون على نحو‬
‫الطيران في الهواء‪ ،‬وموت المسحور وحده أو بغضه‪.‬‬
‫فيظهر أن قوله في خوارق الولياء مثل ذلك‪.‬‬
‫ا لدلة‪:‬‬
‫‪ -1‬قول المعتزلة‪:‬‬
‫الدليل الول‪ :‬احتج عبد الجبار‪ -‬ونقله عن أبي هاشم‬
‫الجنائي‪ -‬لنكار‬
‫خرق العادة على سبيل الكرامة‪ ،‬بأن إثبات ذلك إبطاله‬
‫لدللة المعجزات على صدق النبياء‪ -‬ومن أجل ذلك أنكر أن‬
‫يكون للسحر حقيقة وتأثير في قلب ا لعيان )‪.(4‬‬
‫وقد نوقشكه هذا الدين بأن الولياء ل يتحلون بها لثبات‬
‫"(‪،‬‬
‫دعوى النبؤة ْ‬
‫ولو تحدث وا بها لمنع الله تعالى لتأثيرها‪ .‬ومثل ذلك‬
‫يقوله في حق السحرة من أثبت أن للسحرحقيقة"‪-(6‬‬
‫ن‬‫الدليل الثاني‪ :‬أن إثبات الكرامة مفسدة‪ ،‬لنه ينفر ع ْ‬
‫النظر في دللة‬
‫)‪ (1‬الرسالة البشيرية ص ‪664‬‬
‫)‪ (2‬ابن السبكي‪ ،‬والمحلي‪ ،‬والبنائي‪ :‬جمع ا‪:‬لوامع وشرحه‬
‫وحاشيته ‪420 /2‬‬
‫)‪ (3‬ص ‪48‬‬
‫)‪ (4‬المغني ‪ 226 ،205/15‬وفي بعض كلم عبدالجبار ما‬
‫صمد‪ .‬انظر‬‫يوافق فيه قول الباقلني‪ .‬وقال انه الم ّ‬
‫المغني ‪234/15‬‬
‫)‪ (5‬العضد‪ :‬المواقف ‪ /8‬ههـ ‪ (6) 2‬الباكن!‪ :‬البيان ص ‪-95‬‬
‫‪97‬‬
‫‪254‬‬

‫) ‪(1/248‬‬

‫معجزات النبياء‪ .‬وقد نقل هذا الدليل عن أبي إسحاق‬


‫العتيلي‪ ،‬وهو معتمد لعب عبداللي البصري "‪.(1‬‬
‫والجواب ما تقوم نقله عن الغزالي في رد الستدلل‬
‫بالتنفير‪.‬‬
‫أدلة المثبتين‪:‬‬
‫أوًل‪ :‬لها فعل ممكن في نفسه‪ ،‬لقدرة الله عليه‪ .‬وكل‬
‫ممكن وقوعه فهو جائزْ‪ ،‬ومن زعم أنه ممتنع فعليه بيان‬
‫المانع "‪.(3‬‬
‫وقد تقدم الرد على ما ادعاه الوفاة مانعا ً‬
‫ثانيا ً احتجوا بالوقوع‪ ،‬لما في كتب الحديث من إضاعة‬
‫عئاد بن‬
‫السوط ل َ‬
‫ضْير‪ ،‬وزيادة الطعام لضيوف ل بتلر‪،‬‬ ‫سْيد بن خ َ‬‫شر‪ ،‬وا َ‬‫بِ ْ‬
‫ونحو بدئه ! وكما هو ماثور عن التابعين والولياء!بشر‬
‫وغيره مما يبلغ حد التواتر ‪.(3‬‬
‫وقد أجاب عبدالجبار بان التواتر في ذلك ممنوع؟ إذ التكاثر‬
‫مفيد للعلم‪ .‬وقال‪:‬أ ونحن تعرف خلف ذلك من أنفسنا‪،‬‬
‫وأنتم تعلمون منا أنا ل نعتقد ذلك‪ ،‬وأنا نتدئن بخلفه " أي‬
‫فلو كان يفيد العلم لفادنا‪ ،‬فبقي أنه أخبار أحد‪ ،‬ول يثبت‬
‫بذلك اعتقاد )‪.(4‬‬
‫وناقشه أيضا ً بأنه لو كان حقا لكان ظهوره في الصحابة‬
‫أولى من ظهوره عل‬
‫شعبان الراعي‪ ،‬وبشر الحافي‪ ،‬ومعروف الكرخي‪ ،‬وسهل‬
‫التستري‪ ،‬وأضرابهم‪ -‬أما والمنقول عن الصحابة أقْلى مما‬
‫ي بن أبي‬‫نقل عن هؤلء كثيرا ً بل إنه لم يظهر على عل ّ‬
‫طالب مثًل مع حاجته الشديدمة إليه‪ ،‬وإمكان أن تحقن‬
‫دماء المسلمة بظهور‬
‫)‪ (1‬المغني ‪ (2) 223/1 5‬عليش‪ :‬هداية المريدة ‪179‬‬
‫)‪ (3‬انظر نصوصا ّ مجمعة منها‪ ،‬فيه الفرقان ِبن أولياص!‬
‫الرحمن وأولياء الشيطاني لعبنا ّليمية ص ‪125‬‬
‫)‪ (4‬المغني ‪325/15‬‬
‫‪255‬‬

‫) ‪(1/249‬‬

‫ملئه على يديه في قتاله مع معارضة‪ .‬وأركان حقا لظهر‬


‫حينئذ‪ +‬ولستغنوا أيضا ً عن التحكيم‪.(1،‬‬
‫والذي نختاره‪ ،‬أن ذلك ممكن ود طه راقع‪.‬‬
‫أومأت بدليل ما نقله القرآن العظيم من ذلك‪ ،‬فلو ادعى‬
‫ؤع عمم صحة‬ ‫ف َ‬
‫النقلة فيما سواه‪ /،‬يمثلن من معني إل( ن يضمن بنقل‬
‫ف‪) :‬ولبثوا في‬‫الله‪ .‬والله تعالى ذكر أن أصحاب الكه ِ‬
‫كهفهم ثلثمائة سني وازدادوا تسعأ!‪ (2،‬نائمل!ن‪ /‬يتنازلوا‬
‫طعاما ول شرابًا‪ .‬وذكر ضن صاحب سليمان أنه لتاه بعرش‬
‫بلقيس قبل أن يرتد إليه طرفه‪ .‬وإن كان في هذا الثاني‬
‫احتمال )‪.(3‬‬
‫وأيضا ً ذكر عن مريم أنها كاتب‪!) :‬لما دخل عليها زكريا‬
‫المحراب وجد عندها رزقا ً قال يا مريم أق لك هذا قالت‬
‫هو من عند الله إن الله يرزق من يشد بغير حساب ! )‪.(4‬‬
‫وثانيا ً بما نقل من ذلك في كتب السنة‪ ،‬وفي الصحيح!س‬
‫من ذلك جملة‪.‬‬
‫وانظر أبواب فضائل الصحابة في الصحيحين وغيرهما!من‬
‫كتب السنة‪ ،‬تجد من ذلك أخبارا ً إن‪ /‬تتواتر آحادها‪ ،‬فإنها‬
‫متواترة معنويا ً لنها متفقة في الدللة على أنهم كانوا‬
‫يصدقون بذلك وأمثاله‪.‬‬
‫إل أننا مع ذلك نرى أنه كوثر ما ينقل عن كثير ممن يدعون‬
‫عى‬‫الرواية‪ ،‬أو تذ َ‬
‫لهم‪ ،‬من خرقهم للعادات والسنن الكونية‪ ،‬كذب مفترى ل‬
‫أصل له‪ ،‬أو له أصل من الحق وقد عظمه التباع‬
‫المغلوبود! على عقولهم وأفهامهم‪ ،‬أو هو من الباطل من‬
‫)‪ (1‬المغني ‪ (2) 241/15‬سورة الكهف‪ :‬آية ‪25‬‬
‫ه ‪25‬‬‫)‪ !3‬سورة النمل‪ :‬آي َ‬
‫ّ‬
‫في تفسير الية أن الذي كلما به هر سليمان نفسه‪ ،‬انظر‪،‬‬
‫ل‪ ،‬تفسير البغوي عند قوله تعالى‪ :‬وقال الذي عنده علم‬ ‫مث ً‬
‫من الكتاب أنا آتيك به قبل أن يرتد الييه طرفك ! من‬
‫سورة النمل‪.‬‬
‫)‪ (4‬انظر الرلثاد للجويني ص ‪320‬‬
‫‪256‬‬

‫) ‪(1/250‬‬

‫اللعيب والمخرجات‪ ،‬أو من تصرفات الجن والشياطن‪،‬‬


‫بمعاونتهم أولياءهم وإيحائهم إليهم ‪ ،(11‬مما قد ينخدع به‬
‫م وأشباههم من المنتسبة إلى العلم ممن‬ ‫كث!ير من العوا ّ‬
‫ل فرقان له )‪ ،(2‬حتى عظموا بسبب ذلك كثيرا من‬
‫الحفرة‪ ،‬ممن كفره أعظم من كفر فرعون وقارون‬
‫وهامان‪ .‬واعتقدوا أن أولياءهم هؤلء يتصرفونه في الكون‬
‫مع الله تعالى عما يقولون علوا كبيرًا‪.(3،‬‬
‫وزاد بعض الصوفية المسألة عنفا ً بدعواهم أن الخارق يقع‬
‫بقوة ذاتية في‬
‫نفس الولي‪ ،‬وادعوا أنها قوة إلهية )‪*(4‬‬
‫وكانت من نتيجة ذلك أن انطلت الحقائق عل كثير من‬
‫المسلحلين‪ ،‬وفقد‬
‫قانون السببية عندهم فاعليته الحضارية‪ ،‬حتى أصبحوا في‬
‫مؤخرة الركب العالمي‪ .‬وكان من أعظم العوامل التي‬
‫أفت إنما ذلك‪ ،‬هذا النوع من )اليمان( الكافر‪ .‬ولما كالي‬
‫الخارق نحالفأ للعادات والسنن الكلنية‪ ،‬كانت العادات‬
‫وى منه‪ .‬ولذلك ينبغي‬ ‫والسنن الكونية شاهدا ً مكذبا لما ُير َ‬
‫دقها ما ينقل من ذلك أو يروى من الحوادث‪ ،‬ما‬ ‫أن ل يص ّ‬
‫لم يكن له معهود أكد قوة‪ ،‬بأن يكون النقل على درجة‬
‫عالية من الثبوت‪ ،‬تحصل بها الطمأنينة‪ ،‬ويتم عندها‬
‫الذعان والتسليم‪ ،‬ويكلون الرواة لذلك من أهل البصيرة‬
‫الذين ل ينخدعون باللعب والمطرقة‪.‬‬
‫وها نحن في زماننا نستمع إلى شيء كثيراما ينقل من‬
‫مثل ذلك من حوادث معاصرة‪ ،‬فإذا حقق المر تبق زيف‬
‫الدعوى‪ .‬ولم مجال عندنا اليقين‪ ،‬ولو بحادثة واحدة‬
‫مخالفة للسنن‪ .‬وهذا يؤكد ما قلنا‪.‬‬
‫ويؤكده أيضا ما عرف من طباع النقلة لهذا النوع من‬
‫الخبار‪ ،‬فإنهم يتزودون فيها ويبالغون‪ ،‬فيظهرون بعض ما‬
‫فيه غرابة مما هو عا!يئ‪ ،‬بشكلي الخارق‬
‫)‪ (1‬سورة النعام‪ :‬آية ‪121‬‬
‫)‪ (2‬ابن ّليمية‪ :‬الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء‬
‫الشيطان ص ‪ (3) 150 ،145‬محمد رلثيد رضا‪ :‬الوحي‬
‫المحمدي ص ول\‬
‫)‪ (4‬إبراهيم إبراهيم هلل‪ :‬ولية الله والطريق إليهاص‬
‫‪182‬‬
‫‪257‬‬

‫) ‪(1/251‬‬

‫للعادة‪ ،‬كل ذلك ليجلبوا استحسان الجامعي واستغرابهم‪،‬‬


‫وحتى يكون لكلمهم طلوة‪ ،‬ويعود المستمعون إليه مرة‬
‫بعد مرة‪.‬‬
‫فإذا الن الرواة على درجة عالية من التقوى والبصر‬
‫والثقة والتشرد‪ ،‬وتعددت طرق الرواية‪ ،‬جبر ذلك النقص‪،‬‬
‫وصل الوثوق بهذا النوع من الخبار‪.‬‬
‫القتداء بالفعال النبوية الحارقة للعادة‪:‬‬
‫لهذا القتداء موقعان‪:‬‬
‫لنه إما أن يقتدي بما يسبق الفعل من أسبابه‪.‬‬
‫أو يقتدي بما يلحقه من فوائده‪.‬‬
‫أما الخارق نفسه فهو من فعل الله تعالى‪ ،‬ول ينسب إنما‬
‫الرسول له إل مجازًا‪.‬‬
‫أولية هل للمؤمن أن يعمل على حصول الكرامات‬
‫الخارقة؟‪:‬‬
‫ل‪ ،‬فوقوعه بالنسبة إليه‬ ‫إذا وقع الخارق على يد نبي مث ً‬
‫ي‪ ،‬إذ هو‬
‫اضطرار ّ‬
‫من فعل الله تعالى‪ ،‬ل يقدر عليه إّل الله‪ .‬ولكن الذي بيد‬
‫النبي جمع أسبابه التي جعلها في له أسبابا ً كرميه !نه!م‬
‫التراب في وجوه الكفار‪ ،‬فأوصله الله إنما أعينهم‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫روما رميت إذ رميت ولكن الله رمى! )‪ (1‬وعندما عطش‬
‫الجيش طلب النبي !ت! بقية ماء في قدح فوضع يده فيه‪،‬‬
‫فن ََبع المر من بكين أصابعه حتى مل الجيش كل‬ ‫ودعا الله‪َ ،‬‬
‫ما عنل!م من النية ه‬
‫فهذا الرمي منه صك‪ ،‬وهذا الطلب للماء‪ ،‬ووضع يده فيه‪،‬‬
‫ودعاء الله‪ ،‬هو سبب لحصول المعجزة )‪ .(3‬فهل للمؤمن‪،‬‬
‫ه التوصل إلى التمكن من‬ ‫اقتدأءَ بذلك‪ ،‬أن يحاول بالرياض ّ‬
‫فى؟‪.‬‬ ‫ه إلى الخوار ّ‬
‫ذلك‪ ،‬وأن يفعل السباب الموصل ّ‬
‫)‪ (1‬سورة النفال‪ :‬آية ‪17‬‬
‫)‪ (2‬ا أشا طبي‪ :‬ا لموافقات ‪258 277 /2‬‬

‫) ‪(1/252‬‬

‫من العجلى من ذهب إلى أن كرامة الولي ل تقع بقصد‬


‫منه‪ ،‬بل تقع له دون قصد)‪.(1‬‬
‫ومنهم منه جاز وقوعها بالقصد‪ .‬ومن هؤلء القشيري )‬
‫‪ ،(2‬بالشاطبي‪ .‬فقد‬
‫أجاز للمؤمن أن يعمل ليقاعها )‪ .(3‬ولكن ذلك عنده في‬
‫موضع الرخص‪ ،‬والعزيمة عنده الدخولى في السباب‬
‫ي‪،‬‬
‫المعتادة‪ .‬وإذا طلب وقوع الخارق فليطلبه لمعنى شرع ّ‬
‫ل لحظ نفسه‪ .‬والحجة عند الشاطري لن لك أن النبي !‬
‫كان يظهر المعجزات طلبا ً ليمان الكافرين‪ ،‬وتقوية ليقين‬
‫المتقي !‪ ،(4‬وأفعاله !ك! يقتدى بها‪.‬‬
‫ونحن نرى أن الكلرامات ل تقع على سبيل القصد‪ ،‬وما‬
‫يقع منها يقع ول‬
‫يعلم المؤمن به إل بعد وقوعه‪.‬‬
‫ودليلنا على ذلك أن المعجزات خصائص للنبيل!‪ ،‬والصل‬
‫في الخصوصية‬
‫عدم القتداء‪.‬‬
‫وأيخصا ً فإن دليل إمكان خرق العادات على سبيل‬
‫الكرامات هو وقوعها‪ +‬وباستقراء ما وقع منها لغير‬
‫ن أنه وقع لهم دون قصد‪.‬‬ ‫النبياء مما صح نقله يتب!ل ٌ‬
‫كنوم أهل الكهف‪ ،‬وإنزال الطعام على مريم‪! ،‬اضاءة‬
‫السوط لعباد بن بشر وأسعد بن خضير‪ ،‬وتنزل السكينة‬
‫لبي بن كعب‪.‬‬
‫ومن العلماء من أجاز للويس أن يتحدى بالخارق لثبات‬
‫وليته‪ ،‬كما يتحدى‬
‫النبي بالمعجزة لثبات نبوته ْ)(‪ ،‬بأن يقول‪ 1) :‬ل ولن الله‬
‫سبحانه‪ ،‬وآية وليتي‬
‫)‪ (1‬نقله الجويني في الرشادي ‪ 316‬ونقله محمد عليش‪:‬‬
‫هداية المريد‪ ،‬وشرحه للسنوسي ص‬
‫‪177‬‬
‫)‪ (3‬الرسالة البشيرية ص ‪ 13) 662‬الشاطري‪:‬‬
‫مال!‪355 /1‬‬ ‫الموافي ّ‬
‫مصد ‪ 5‬بالعمل‬‫)‪ (4‬الشاطري‪ :‬الموافقات ‪ 278/2‬وم ّ‬
‫وصول الحارق لذ يطلبه بالدعاء ول يجوز عنده أن يؤدي‬
‫العبادة بنية حصول الخارق‪.‬‬
‫)‪ (5‬الشاطري‪ :‬ألموا فقا!‪ 355 /1‬و ‪253/2‬‬
‫‪259‬‬

‫) ‪(1/253‬‬

‫طيراف! في الهواء‪ ،‬أو تعَلقي به‪ ،‬أو انشقاق القمر"‪ .‬ول‬


‫تفترق الكلرامة عن المعجزة على هذا إّل بدعوى الرسالة‬
‫في المعجزة"ان‪.‬‬
‫وحجة من أجاز ذلك‪ ،‬التألصئي بأفعال النبي عنه‪.‬‬
‫وقد تقدم جوابها‬
‫ثانيًا‪ :‬تصرف النبي !ك!يو بمقتضى الخارق هل يقتدى به‬
‫فيه‪:‬‬
‫يرى الشاطري أن المزايا والمناقب التين عليها النبي !ك!‬
‫كافة كعموبم التكاليف‪ ،‬بل قد زعم ابن العربي أن سنة‬
‫الله جرت أنه إذا أعطى الله نبيا شيئا أعطت أمته منه ‪4‬‬
‫وأشركهم معه فيه )‪-(2‬‬
‫وبنى الشاطري على هذا الصل أن للمؤمن‪ ،‬إذا حصل له‬
‫شيء من ذلك‪،‬‬
‫أن يبني عليه ويتصرف على أساسه‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"ومما ينبني على هذا الصل أنه ما ثبت أن النبي جمعه‬
‫حذر وبشر وأنذر‪ ،‬وتصرف بمقتضى الخوارق‪ ،‬من الفراسة‬
‫الصادقة‪ ،‬واللهام الصحيح‪ ،‬والكشف الواضح‪ ،‬والرؤيا‬
‫ص بشيء من‬ ‫ت اخت ّ‬
‫الصالحة‪ ،‬كان من فعل مثل ذلك ئمي ْ‬
‫هو ‪ 8‬المور على طريق الصواب‪ ،‬وعامل بما ليس بخارج‬
‫عن المشروع ! )‪.(3‬‬
‫واحتجز لذلك أيضا بان الصل عدم الخصوصية‪ .‬فلما كان‬
‫النبي !ئه! يفعل‬
‫أشياء من ذلك‪ ،‬كقوله في خيبر عن علي‪ :‬المعطي الراية‬
‫غدا ً رجل ً يفتح الله على يديه " )‪ .(4‬وإخباره أنه‪:‬إ ستكون‬
‫لكم أ‪:‬أماط ! ْ)( فرّتب على الطلع الغيبة وصاياه النافعة‪،‬‬
‫ومثله ماء خبر به من وصاياه عند الفتن‪ ،‬لحذيفة وغيره‪،‬‬
‫فلنا أن نفعل مثل ذلك‪ ،‬لنه لم يقل إن ذلك خاصة به هو‪،‬‬
‫فيثبت بذلك أعمامه‪.(6" ،‬‬
‫)‪ (1‬لجثة‪ :‬هداية المريدة ‪ ،78‬الجويني‪ :‬الرشادي ‪316‬‬
‫)‪ 1 (2‬أمو أ فقات ‪249 /2‬‬
‫)‪ (3‬الموافقات ‪ (4) 263/2‬مسالم ‪ 178/1 5‬ورواه‬
‫البخاري‪ (5) .‬البخاري )مع فتح البارز ط مصطفا الحلبي‬
‫‪(441 /7‬‬
‫)‪ 1 (6‬لموا فقات ‪265 /2‬‬
‫‪265‬‬

‫) ‪(1/254‬‬

‫واحتوى لذلك ثالثا بفعل الصحابة‪ ،‬من نحو قول عمر‪ :‬أيا‬
‫سارية الجبل " )‪ (1‬وقعئ! على عمر رجل أنه رأى‬
‫الشمس والقمر يقتتلن‪ ،‬فقالت له‪ :‬مع أيهما كنت؟ قال‪:‬‬
‫ت مع المة الممحاة‪ ،‬ل تلي عمل‬ ‫مع القمر‪ .‬قال‪ :‬وكن َ‬
‫أبدًا"‪.‬‬
‫واشترط الشاطري لجواز التصوف على أساس الخارق‪ ،‬أن‬
‫ل يخرم ذلك التصرف حتى شرعئأ ول قاعدة دينية‪ .‬فلو‬
‫حصل للمؤمن مكاشفة أن هذا المد مغصوب أو نجس‪ ،‬فل‬
‫يجوز له النتقال إلى التيمم‪ ،‬لن القاعدة الشرعية أن ل‬
‫ينتقل عن الوضوء إلى التيمم إذا وجد ماء محكوما ً‬
‫ة أن هذا المالك لزيد‪ ،‬وقد‬ ‫بطهارته‪ .‬ولوحصلت له مكاشف ٌ‬
‫تحصل بالحجة لعمرو‪ ،‬لم يجز له أن يشهد به لزيد )‪.(2‬‬
‫والجائز عنده من ذلك نحو أن يترك أحد الجائزين ويفعل‬
‫الخر‪ .‬فهو عمل‬
‫على وفق الحكام الشرعية‪ .‬فموضع العمل بها يتبين‪،‬‬
‫على سبيلي التمثيل‪ ،‬في ثلثة أوجه‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن يكون ما مباح‪ ،‬كان يرى أن فلنا يقصده في‬
‫وقت كذا بخير أو‬
‫شر‪ ،‬فيستعد لذلك‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يكون لحاجة‪ ،‬فكما أن النبي يكن ما كان يخبر‬
‫بكل ما يعلم من المغيبات‪ ،‬بل بحسب الحاجة‪ ،‬فكذلك‬
‫المكاشف بذلك‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يكون فيه تحذير أو تبش!ير‪ ،‬ليستعذ لكل‬
‫دته‪ ،‬كالخبار عن‬ ‫ع ّ‬
‫أمر ينزل إن فعل كذا‪ ،‬أو ل يكون إن فعل كذا‪.‬‬
‫ونحن نوافق الشاطري فيما نقلناه عنه هنا‪ ،‬ل من حيث‬
‫كر‪،‬‬‫إن العمل بذلك مدلول للفعل النبوئي‪ ،‬بل لنه كما ذَ َ‬
‫ّلصرث في حدود المباح‪ ،‬والتصرف في حدود المباح ل‬
‫حرج فيه‪ .‬فإن رأى رؤيا مثل ً وغلب على ظنه صدقها‪ ،‬فل‬
‫حرج عليه أل يعمل بمقتضاها فيما ل يخالف الشرع‪.‬‬
‫)‪ (1‬ابن كثير‪ :‬البداية والنهاية ‪ 131 /7‬من رواية سيف !!‬
‫عمرو الواّلدي‪ ،‬وفي روايتهما مقال‪ ،‬عند أهل الشأن‪.‬‬
‫)‪ (2‬ا لمرا فقات ‪ 266 -263 /3‬ود يضأ ‪86 -83 /4‬‬
‫‪261‬‬
‫) ‪(1/255‬‬

‫المبحث الخامس‬
‫صة به صلى انته عليه وسلم‬ ‫الفعال الخا ّ‬
‫له الخصائص النبوّية‪،‬‬
‫بعض الفعال التي كان يفعلها النبي جمام‪ ،‬هي مما أبيح‬
‫له خاصة من دون‬
‫سائر المؤمنل!ن‪ ،‬أو وجب عليه دونهم ث وبعض ما حرام‬
‫عليه‪ ،‬حرف م عليه خاصة من دونهم‪ .‬وهذا النوع من‬
‫الفعال داخل فيما يسمى الخصائص النبوية‪.‬‬
‫م بين يدي القول في الستدلل بهذا النوع من‬ ‫ونحن نق َ‬
‫الفعال توضيحا للخصائص‪.‬‬
‫الخصائص‪:‬‬
‫ة‪،‬‬
‫صوصي ّ ً‬
‫ضه خطأ وخ ُ‬ ‫خ ُ‬
‫تقول العرب ت خصمه بالشيء ي ُ‬
‫ضصه واختصره‪ :‬أفرده به دون‬ ‫حما‪ ،‬وخ َ‬‫صي َ‬
‫خ ً‬ ‫خضوصئة و ِ‬ ‫و َ‬
‫ئ! فلن بالمر‪ ،‬وتخضع إذا انفرد به )‪.(1‬‬ ‫كيره‪ .‬واختص َ‬
‫فما أفرد أفه تعالما به إنسانا من الناس‪ ،‬من صفة في‬
‫خُلقه‪ ،‬أو من‬ ‫خْلقه أو ُ‬
‫حكم شرعي‪ ،‬أو غفير ذلك‪ ،‬فكل ذلك خصائص‪.‬‬
‫فمن الحكام الخاضعة بغير النبي مج!وو أنه أجاز لبي‬
‫برفع ة هانية بن نهار النيساري‪ ،‬التضحية بعناق‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫‪ 9‬تجزيء عنك ول تجزيء عنان حد‬
‫ان لسان العرب‬
‫‪262‬‬

‫) ‪(1/256‬‬

‫بعدك " )‪ .(1‬ومنها أنه جعل شهادة خزيمة بن ثابت بشر‬


‫أدة رجلي‪ ،‬وحكم بها لنفسه به‪ .‬ومن أجل ذلك سمي‬
‫خزيمة!ذا الشهادتين "‪.‬‬

‫الخصائص النبوية‪:‬‬
‫ص به النبي ! أمور كثيرة‪ ،‬أفردها العجلى بالتكليف )‬
‫ما اخت ّ‬
‫‪ (2‬المؤلفون في السيرة النبوية‪ ،‬وفي الشمائل النبوية‪.‬‬
‫ة ص طع ة‪ ،‬الخصائص النبوية‪:‬‬
‫تقسم الخصائما النبوية بحسب ما يلي‪:‬‬
‫ا‪ -‬بحسب من عنه الختصاص‪.‬‬
‫‪ -2‬بحسب زمن الختصاص‪.‬‬
‫‪ .‬ويذكرها‬

‫)‪(2‬‬
‫رواه الشيخان وأصحاب السنن وجامع الصول ‪(142/4‬‬
‫ذكر حاجي خليفة في كشف الظنون حمادة‪ :‬الخصائص(‬
‫الولى التالية‪:‬‬
‫ا‪ -‬يوسف بن موسى الغذامي الندلسي المعروف بابن‬
‫السري )‪ 663 -‬هو‬
‫‪ -3‬جمال الدين محمد سالم بن نصر انه بن واصل الحموي‬
‫)‪ 697 -‬هو ذكره صاحب ذيل كشف الظنون‪.‬‬
‫‪ -3‬القطب الخيبري‪.‬‬
‫‪ -4‬سراج الدين‪ ،‬عمر بن علي ين الملتهب الشافعي )‪-‬‬
‫‪ 804‬هو‬
‫‪ -5‬جلل الدين عبدالرحمن بن عمر التلقيني )‪ 824 -‬هو‬
‫‪ -6‬كمال الدين‪ ،‬محمد بن محمد الشامي‪ ،‬إمام العاملية )‪-‬‬
‫‪ 874‬هو‬
‫‪ -7‬رالف السيوطي كتابه المشهور بعنوان )الحصاثص‬
‫الكبرى(‪ ،‬واسمه )كفاية الطالب اللبيب في خصائص‬
‫الحبيبة ذكر أنه تتبع هذه الخصائص عشرين سنة حتى‬
‫سه على اللف وذكر أنه قصد به الستيعاب‪ ،‬يعني أف‬ ‫زاد ْ‬
‫يذكر كل ما قيل فصه أنه من الحنصائص‪ .‬ولم يقصد إلى‬
‫تحقيق صحة ما يذكره‪ .‬وقد نشر كّتاب السيوطي محققًا‪.‬‬
‫وقد اختصر السيوطي كّتابه وسمى المختصر )انموذج‬
‫مصره أيضًاا لشيخ‬
‫اللبيب في خصائص الحبيبة واخ ّ‬
‫عبدالوهاب الشعراء )‪ 972 -‬هو‬
‫‪ -8‬أقول‪ :‬وقد خص ابن حبان )‪ 354 -‬هو الحصاثص‬
‫المروية في السنن بفصل من كتابه المشهور بصحيح ابن‬
‫حبان‪ ،‬كما ذكر ذلك في المقدمة‪263 .‬‬

‫) ‪(1/257‬‬

‫‪ -3‬بحسب ما فيه الختصاص‪.‬‬


‫أول ً تنقسم الخصائص النبوية‪ ،‬بحسب من عنه الختصاص‪،‬‬
‫ثلثة أقسام‪:‬‬
‫ا‪ -‬منها ما تشاركه فيه أمته‪ ،‬وينفرد به هو وأمته !ك! عن‬
‫سائر النبياء وأممهم‪ .‬وذلك مثل ما ورد في الحديث‪:‬أ‬
‫أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي‪ :‬نصرت بالرعب‬
‫مسيرة شهرة وجعلت لي الرض مسجدا ً وطهورا‪! ،‬ا!ا‬
‫رجل من أمتي أدركته الصلة فليصل ث وأحلت لي الغنائم‬
‫و‪ /‬تحل لحد قبلي ث وأعطيت الشفاعة؟ وكان النبي‬
‫يبعث إلى قومه خاصة‪ ،‬وبعثت إلى الناس عامة! )‪+(1‬‬
‫ومثل تجهيز الدية في قتل العمدولم تكن لمن قبلنا‬
‫جائزة‪.‬‬
‫‪ -2‬ومخها ما ينفرد به ! عمن ليس بنبي‪ ،‬لكن يشاركه فيه‬
‫كل النبيلص‪ ،‬أو بعضهم‪.‬‬
‫وأمثلة ذلك تأييدهم بالمعجزات‪ ،‬وبالعصمة من المعاصي‬
‫كلى ما تقدم‪ ،‬وتكليم الله لهم‪ .‬ونزول الوحي عليهم‪،‬‬
‫ويدفنون حيث يموتون‪.‬‬ ‫وكونهم ل يورثون‪ُ ،‬‬
‫‪ -3‬ومنها ماينفرد به محمدا عن جميع البشر من النبيل!‬
‫وغيرهم‪ ،‬ككونه‬
‫خاتم النبي!!ن‪ ،‬وامام المرسين‪ ،‬وأنه مبعوث إلى جميع‬
‫العالمين إنسهم وجنهم‪ ،‬وشفاعته العظمى يوم الحساب‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬وتنقسم بحسب زمان الختصاصي قسمين‪:‬‬
‫أ‪ -‬فمنها في الدنيا‪ ،‬كالسراء به‪ ،‬وكإباحة نكاح أك!ثر من‬
‫أربع نسوة‪.‬‬
‫‪ -2‬وفي الخرة‪ ،‬بكونه "أول من يبعث " )‪ (1‬ولول شافع‬
‫وأول مشفع " ولول منا يقرع باب الجنة" و أأ أكثر النبياء‬
‫تابعا ً يوم القيامة! رصيده لواء الحمد يوم القيامة‪ ،‬وأعطي‬
‫الكوثر‪ ،‬والحوض‪-‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري ط مصطفا الحليم ‪453/1‬‬
‫)‪ (2‬وانظر لمثل هذا النوع من الخصائص‪ :‬الفتح الكبير ‪/2‬‬
‫‪ 270‬وما بعدها‪264 .‬‬

‫) ‪(1/258‬‬

‫وتنقسم أيضا من هذا الوجه قسمين‪ ،‬لنها إما دائمة كما‬


‫تقدم‪ ،‬وإما موقوتة‬
‫حَلت له مكة!ساعة من نهار"‪.(11‬‬‫بوقت محدود‪ ،‬ل أ ِ‬
‫ثالثًا‪ :‬وتنقسم بحسب ما فيه الختصاص إلى‪:‬‬
‫ا‪ -‬ما ليس بحكم شرعي‪ ،‬وأمثلته ما كان في خلقته !‪،‬‬
‫كخاتم النبوة بين كتفيه‪ ،‬وتأييده بالمعجزات‪ ،‬والوحي‪،‬‬
‫والنمر بالرعب مسيرة شهر‪.‬‬
‫‪ -2‬وما هيحكم شرعي‪.‬‬
‫وهذا القسم نوعان‪:‬‬
‫لنه إما حكم شرعي لفعل غيره بسببه كرامة له‪ ،‬كتحريم‬
‫نسائه على غيره‪،‬‬
‫وما نسخ من وجوب الصدقة على المؤمنين عند مناجاته‪،‬‬
‫ووجوب احتجاب نسائه )‪ ،(3‬وتحريم أخذ الزكاة على آل‬
‫بيته؟ وأنه ل يورث‪ ،‬وأن الكذب عليه عمدا كبيرة‪ ،‬وتحريم‬
‫رفع الصوت فوق صوته‪.‬‬
‫وإما حكم شرعه لفعله هو!!وجوب قيام الليل‪ ،‬وتحريم‬
‫الصدقة عليه‪ ،‬وإباحة نكاح ما زاد على أربع نسوة‪ ،‬وتحريم‬
‫نجاح من‪ /‬تهاجر معه‪.‬‬
‫الحكومة في تخييص!!! بما خضه الله تعالى به‪:‬‬
‫لم نجد أحدا ً ممن اطلعنا على تكليفهم فصل‪ :‬هذا‬
‫الموضوع بالبحث‪ ،‬والذي‬
‫يظهر عند العامل في المناسبة‪ ،‬أنه ! لما كان يشارك أمته‬
‫في البشرية؟ ويخالفهم في الرسالة‪ ،‬فإن منها‬
‫صه تعالى به عن الخصائص‪ ،‬راجع إلى‬ ‫مصاص بما خ ّ‬ ‫الخ ّ‬
‫الرسالة دون غيرها من الوصاف المشتركة بينه !ب!!ن‬
‫سائر الناس‪-‬‬
‫ى ط الحلب!ا ‪ (216/1‬روبر‬ ‫ان رواه البخاري )ف!ح البار ِ‬
‫داود رالنساْلي‪.‬‬
‫‪ (2‬أكثر العجلى على أن بدن المرأة كله عورة ما عدا‬
‫الوجه والكفين‪ .‬فعلى هذا يكون وجوب تغطية أسماء‬
‫النبي الوجوه واصف من الخصائص‪ ،‬وهو الذي اعتمدناه‬
‫ه عند أحمد‪ :‬يجب تغطية الوجه والكفين‬ ‫أعله‪ .‬وفي رواي َ‬
‫على كل امرأ ة‪ ،‬فعلى هذا ليس في المسألة اختصاص‪.‬‬
‫انظر‪ :‬وبداية المجتهدة الحلبي ‪ .115/1‬تفسير القرطبي‬
‫‪(227/13‬‬
‫‪265‬‬

‫) ‪(1/259‬‬

‫صى به مج!يهيه عن سائر النبيل‪ ،‬فمنشؤه كون‬ ‫أما ما يخت ّ‬


‫رسالته أهم‪ ،‬لنها أعلم بالنظر إلى المدعوين‪ ،‬إذ كان كل‬
‫نبي يبعث إلى قومه خاصة‪ ،‬ومحمد!نه!سيه مبعوث إلى‬
‫الثقلين النس والجن‪ .‬وبالنظر إل الزمان‪ ،‬به رسالته‪-‬فييه‬
‫هي الخاتمة‪ ،‬فوقتها مستمر إلى قيام الساعة‪.‬‬
‫فالخصائص إذن ناشئة من طبيعة الرسالة‪ ،‬ودائرة حولها؟‬
‫لتتم حكمة الله‬
‫بأداء الرسالة على أفضل حال‪.‬‬
‫والوجوه التي عليها تخدم الخصائص الرسالة يظهر لنا أنها‬
‫كما يلي‪:‬‬
‫الول‪ :‬العداد للرسالة قبل مبعث النبي !‪ ،‬وذلك كأخذ الله‬
‫تعالى الميثاق على النبياء أن يؤمنوا به )‪ (1‬ليأخذوا هم‬
‫المطاف على أقوامهم‪ ،‬ويكون ذلك داعيا ً للمم إلى قبول‬
‫رسالته !‪.‬‬
‫ومن هذا أيضا ً ما حصل قبل المبعث من الرهاصات‬
‫بنبوته‪ ،‬والبشائر التي وقعت عندبعثته‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬توثيق رسالته‪ ،‬ومن ذلك ما خضه الله تعالى به من‬
‫المعجزات‪ ،‬والعصمة من المعاصي‪ ،‬وخاتم النبوة بين‬
‫كتفيه !‪ ،‬ومنعه من الكتابة وقول الشعر‪.‬‬
‫ومن ذلك ما أخبر به من المغيبات التي تقع بعد وفاته‪،‬‬
‫لتبقى دلئل التصديق والثقة مستمرة بعده؟ بتجدد تحقق‬
‫ما أخبر به جمعه‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا في أحكام أفعاله‪ :‬تحريم الصدقة عليه‪ ،‬لئل‬
‫يظن به أنه أق‬
‫بما أق له لتحصيل مال‪ .‬وّئمم بالحكم بأنه ل يورث‪ ،‬حتى‬
‫مه منهم لله مال!إن هو إل‬ ‫صل برسال ّ‬
‫تقطع المة بأنه‪ /‬يح ّ‬
‫ذكرى للعالمين ! )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬انظر سورة آل عمران‪ :‬آية ‪ (2) 81‬سورة النعام‪ :‬آية‬
‫‪90‬‬
‫‪266‬‬

‫) ‪(1/260‬‬

‫ومن ذلكم يضاف ما أشار أليه في الحديث‪:‬أ إن كذبا ً عل ّ‬


‫ي‬
‫ليس ككذب عله‬
‫أحد‪ ،‬فمن كذب علي متعمدا فليلج النار" )‪.(1‬‬
‫الثالث‪ :‬تهيئته لداء الرسالة‪ ،‬وإعداده لتحفل( عطائها‪،‬‬
‫م له تدور‬ ‫ومن ذلك ما أوجب اله عليه من قيام الليل‪ ،‬ليت َ‬
‫الوحي اللهي وتعلمه وتفهمه في أنسب الوقات لملئه‪،‬‬
‫قال ألذ تعالى‪ :‬رقم الليل إّل قليل! نصفه أو أنقص منه‬
‫ل* إنا سنلقي عليك‬ ‫قليل* أو زد عليه ورتل القرآن ترتي ً‬
‫ليات له ولغيره من أمته‪ ،‬ثم نسخ‬ ‫ل! )‪ .(3‬هذه ا َ‬
‫قولثقي ً‬
‫الوجوب في حق غيره وبقي قي حقه هو‪ ،‬كما ب َُين ذلك‬
‫في حديث عائشة‪.‬‬
‫ومن ذلك السراء به‪ ،‬قال تعالى* وسبحان ألفي أسرى‬
‫بعبده ليل من المسجد الحرام إله المسجد الق!ما الذي‬
‫باركنا حوله لنريه من آياتنا! )‪ .(3‬الرابع‪ :‬ما اختصه الله به‬
‫كعون له على أداء الرسالة‪ .‬من ذلك عصمته من الناس‪،‬‬
‫وإظهار اليات على يديه‪ ،‬كتكثير الطعام ونبع الماء‪.‬‬
‫ومت ذلك إباحة نجاح ما زاد عل أربع نسوة‪ ،‬ليقمن‬
‫بمعاونته على الداء‪ ،‬باطلعهن على ما خفي من شؤونه‬
‫وإبلغها لكافة‪ ،‬وليكون إصداره إلى قبائل العرب تاليفه‬
‫لهم وتسهيل لدخولهم في السلم‪ ،‬كما حصل يخص‬
‫زواجه ! من جويريه بنت الحارث‪ ،‬من بني المنطلق‪ ،‬فقد‬
‫كان ذلك سببا لسلم قومها‪ .‬ومن ذلك إباحة القتال له‬
‫بمكة‪ ،‬ونصره بالرعب مسيرة شهر‪.‬‬
‫ومن ذلك أيضا تحريم نكاح من‪ /‬تهاجر معه‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يحصل به عملئأ‬
‫ً‬
‫تأكيد قوي لفضل الهجرة‪ ،‬ويكون حث ّا غير مباشر‪ ،‬ولكنه‬
‫ذو مفعولي قوي‪ ،‬على استجابة المسلمين الذين‪/‬‬
‫يهاجروا‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬إدامة الرسالة من بعده !كل!يم‪ ،‬كحفظ الكتاب‬
‫الذي جلب به من التبديل‪ ،‬وأنه ل تزال طائفة من أمته عل‬
‫الحق‪-‬‬
‫‪ (11‬متفق عليه من حديث المغيرة والفتح الكب!ع‪.‬‬
‫)‪ (2‬سورة المزمل‪ :‬آية ‪ -2‬ه )‪ (3‬أول سورة السراء‪267 .‬‬

‫) ‪(1/261‬‬

‫السادس‪ :‬ما أعطاه الله من التوسعة‪ ،‬ومن رفع مكانته‬


‫في الدنيا والخرة‬
‫جزاء على ما تحمله من التكاليف في تبليغ الرسالة‪ .‬قال‬
‫الله تعالى‪ :‬كما ودعك ربك وما قلى حكم وللخرة خير لك‬
‫من الولى‪ !-‬ولسوف يعطيك ربك فترضى! )‪ .(1‬فمما‬
‫أعطاه إباحة نكاح أكد من أربع‪ ،‬وهذا وجه آخر في ذلك‬
‫غير ما تقدم‬
‫ذكره‪ .‬ومنه ما رفع الله عنه من كثير من الحرج في‬
‫مسائله النجاح‪ ،‬قال الله تعالى‪ :‬كما كان على النبي من‬
‫حرج في ما فرض الَنه له سنة الّله في الذين خلوا من‬
‫قبل وكان أمر الله قدرا ً مقدورًا* الذين يبلغون رسالت‬
‫الله ويخشونه ول يخشون أحدا إل ألنه ! )‪.(2‬‬
‫ومنه قرن اسمه باسمه قي الشهادتن‪ ،‬وما أوجب أله‬
‫تعالى على المؤمنين من الصلة عليه في الصلة‪ ،‬والصلة‬
‫عليه كلما ذكر‪ .‬ومن ذلك‪ ،‬بعد موته‪ ،‬تحريم نسائه على‬
‫غيره‪ ،‬وما في الخرة من إعطائه المقلم المحمود‪،‬‬
‫والحوض المطرود‪ ،‬وسائر درجاته الخاصة‪.‬‬
‫الفعل الدائر بين الخصوصية وكيرها‪:‬‬
‫يدور بين الخصوصية وغيرها نوعان من الفعال‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما تلمح فيه الخصوصية‪ ،‬كوضعه بجريدة على‬
‫قبرين بقصد التخفيف من عذاب صاحبيهما‪ .‬وسائر ما‬
‫ُتدعى فيه الخصوصية ونقول محتملة! والثاني‪ :‬ما ل تلمح‬
‫فيه‪ ،‬ولكن يجوز عقل أن يكون خاضت وأن يكلون مشتركا ً‬
‫وهذا النوع الثاني هو سائر الفعال المجردة‪ ،‬ويأتي بيان‬
‫الحكم فيها في الفصل الخامس أن شاء الله‪.‬‬
‫عيت الخصوصية في أفعال‬ ‫أما النوع الول‪ ،‬فقد ادّ ِ‬
‫معدودة‪ ،‬لما حصل‬

‫\ ( سورة الضحى‪ :‬أية ‪4 -2‬‬


‫)‪ (2‬سورة الحزاب‪ :‬آية ‪39 ،38‬‬

‫‪268‬‬

‫) ‪(1/262‬‬

‫التعارض بحق الفعل وغيره من الدلة‪ ،‬فتخلص بعض‬


‫العلماء بدعوى الخصوصية في الفعل‪.‬‬
‫والمعتمد أن الولى في الفعل عدم الخصوصية‪ ،‬لنه ل‬
‫تجوز دعوى الخصوصية بغير!ليل‪ ،‬كما سيأتي إيضاحه إن‬
‫شلل الله‪ .‬وكفلك لو كانت الدللة ضعيفة وأمكن التخلص‬
‫منها‪.‬‬
‫وسبب ذلك أن الخصوصية خلف الصل‪ ،‬لنه جمعه مبعوث‬
‫قسوة وداعيا‬
‫بفعله وقوله كما تقدم‪ .‬فأفعاله هي للقتداء‪ ،‬والخصوصية‬
‫تدفع القتداء‪-‬‬
‫وفي المثال الذي أشرنا إليه قال ابن حجر‪" :‬استنكر‬
‫طابب ومن تبعه‬ ‫الخ ً‬
‫وضع الناس الجريد على القبر عمل بهذا الحديث‪ .‬قال‬
‫الطرطوشي‪ :‬لن ذلك خاص ببركة يده !‪ .‬وقالت عيان‪:‬‬
‫لنه عمل غرزهما على القبر بأمر مغرب‪ ،‬وهو قوله‪ :‬إنهما‬
‫ليعذبان‪ .‬يقول أبن حجر‪ :‬ل يلزم من كوننا ل نعلم أيعذب‬
‫أم ل‪ ،‬أن ل نتسّبب له في أمر يخفف عنه العذاب أر كان‬
‫ى فريدة بن الخصيب السلمي الصحابة‬ ‫يعذب‪ .‬وقد تاس ّ‬
‫بذلك‪ ،‬فأوصى أق يوضع عند قبره جريدتان‪ .‬ذكر ذلك‬
‫البخاري في باب الجنائز تعليقا ً قال ابن حجر‪ :‬وهو أول‬
‫من غيره أن يتبعه )‪ 1(1‬هـ‪.‬‬
‫وكلم ابن حجر راجع إلى القاعدة التي ذكرنا‪.‬‬
‫أدلة الخصوصية‪:‬‬
‫يعلم أن حكم الفعل من خصائصه ! بلفور‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يرد في القرآن النص على الخصوص والمنع من‬
‫الشتراك‪ ،‬وقوله تعالى‪) :‬وامرأة مؤمنة إن رهبت نفسها‬
‫للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون‬
‫المؤتمن أد علمنا ما فرضنا عليهم في أزواجهم وما ملكت‬
‫أممانم ُ!‪(1‬‬

‫)‪ (1‬فتح البارز ‪ 9 /1‬أس‬


‫)‪ (2‬سورة الحزاب‪ :‬امية ‪50‬‬

‫‪269‬‬

‫) ‪(1/263‬‬

‫ل على الخصوصية خفاء فيقع‬ ‫وقد يكون في النمسا الدا ّ‬


‫فيه الخلف‪ .‬ومن ذلك قوله تعالى في صلة الخوف‪ :‬لواذا‬
‫كنت فيهم فأقمت لهم الصلة‪ (1) ! ...‬اليام‪ ،‬يقول‬
‫القرطبي‪:‬أ هذه المة خطاب للنبي !نه!ه‪ ،‬وهو يتناول‬
‫المراء بعده إلى يوم القيامة‪ .‬هذا قول كافة العجلى‪.‬‬
‫وشذ أبو يوسف‪ ،‬وإسماعيل بن علية‪ ،‬فقال‪ :‬ل تصلى‬
‫صا له‬
‫صلة الخوف بعد البي عز‪ ،‬فإن الخطاب كان خا ّ‬
‫بقوله‪!) :‬إذا كنت فيهم ! وإذا‪ /‬يكن فيهم لم يكن لهم ذلك‪،‬‬
‫لن النبي جمعه ليس كغيره في ذلك‪ ،‬وليس أحد بعده‬
‫يقوم مقامه‪ ...‬فلذلك يصلي المام بفريق‪ ،‬ويدمر من‬
‫يصلي بالفريق الخر‪ ،‬وأما أن يصلوا بإمام واحد فل" )‪(3‬‬
‫‪ 0‬الـ‪.‬‬
‫ثم ذكر أن الجمهور يرون اتباعه !ئه!ي! مطلقا حتى يملى‬
‫دليل واسع على الخصوص‪ ،‬ولئل تكون الشريعة قاصرة‬
‫على من خوطب‪ .‬وقد عمل الصحابة بصلة الخوف بعده !‬
‫ثم إن خاطب الله تعالى نبيه بالحكم بضمير المفرد‪ ،‬أو‬
‫بقوله يا أيها النبي‪ ،‬لم‬
‫يدل ذلك على الختصاص‪ ،‬لنه عند قائد أمته في طريقها‬
‫إلى الله‪ ،‬والمر للقائد أمر لتباعه‪ .‬ومن رفض المشاركة‬
‫في الحكم هنا بمقت!ا اللفظ ل يمنع القياس‪ .‬ومثاله‬
‫قوله تعالى ة أل تمدن عينيك إل ما متعنا به أزواجا منهم !‬
‫)‪ (3‬وقوله‪!! :‬وشاورهم في ا!مر! )‪-،4‬‬
‫وسياقه لهذا البحث زيادة بيان في مبحث قوله المساواة‬
‫من فصل الفعل المجرد‪.‬‬
‫الثاقب‪ :‬أن يقول‪-‬فييه ذلك‪ .‬كنهيه لهم عن الوصال لما‬
‫واصل‪ ،‬وقالت‪ :‬أأ إفك‬
‫لست كهيئتكم‪ ،‬إني أبيت يطعمني ربي ويسقيني "‪ .‬وقال‬
‫ل دخولي مكة مقاتل ً إ إن أحد نرخص بقتال وممول الله‬
‫ي‪ ،‬فقولوا إن الله أذن لرسوله ولم يؤذن لكم "‪.‬‬

‫)‪ (1‬سورة النساء‪ :‬آية ‪102‬‬


‫)‪ (2‬الجامع لحكام القرآن ‪ 13) 366 -36 4 /5‬سورة‬
‫الحجر‪ :‬آية لمه‬
‫)‪ (4‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪159‬‬

‫‪270‬‬

‫) ‪(1/264‬‬

‫ما لو ورد الخبار من النبي ! أنه يفعل كذا أو ل يفعل‬ ‫أ ّ‬


‫كذا‪ ،‬فل يدل‬
‫على الختصاص‪ ،‬كقوله !‪ :‬ول آكل مت!ئأأ‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬أن يعلم ذلك بالضرورة‪ ،‬كما إذا فعل فعل ً ثم نهلة‬
‫م عنه ل وقت‬
‫قريب )‪ .(1‬وكما إذا أمرهم بكر‪ ،‬ثم ترك في الحال ما‬
‫نهاهم عنه‪ (،‬و نهارهم عن شيء وفعله في الحال‪ ،‬فيعلم‬
‫أن حكم تركه أو فعله خاص به !ك!ه‪.(3،‬‬
‫وكل هذا على طريقة المعتزلة‪ ،‬لضه!م ل يجيزون النسخ‬
‫قبل التمكن من المتثال‪ .‬أما عند غيرهم فيجوز النسخ‬
‫قبل التمكن‪ ،‬فل يكون هذا النوع دليل الخصوصية‪.‬‬
‫أما إن نهاهم عن الشيء وهو متلمس به‪ ،‬فينبغي أن يكون‬
‫ذلك دليل الختصاص عند المعتزلة وغيرهم‪ ،‬كما نهاهم عن‬
‫الوصال وهو مواصل‪ ،‬ونهاهم عن نكاح أكثر من أربع وهو‬
‫مقيم على ذلك‪.‬‬
‫وعلى قول المعتزلة‪ ،‬إن تاخار الترك أو الفعل طرأ‬
‫احتمال بان الحكام الول‬
‫قد ُنسخ‪ ،‬فل تتحقق الضرورة‪.‬‬
‫ومثاله أن النبي جمعه نهاهم أن يصلوا قياما والمام‬
‫جالس‪ ،‬وصلى بهم في‬
‫مرض موته وهم قائمون وهو جالس‪.‬‬
‫نقيل‪ :‬ذلك من خصائصهأ ‪."3‬‬
‫وهو مردود‪ ،‬لما تقدم‪.‬‬
‫ثم قد قيل‪ :‬إنه فعله ليبين الجواز‪ ،‬فبئهما بفعله أن النهي‬
‫السابق إنما هو للكراهة‪ .‬وهو مذهب الحنابلة‪.‬‬
‫وقيل إن النهي منسوخ )‪.(4‬‬
‫)‪ (1‬أبو اطس!ين البصري‪ ،‬المعتمد ‪ (2) 39 5 /1‬نفس‬
‫المصدر ‪387/1‬‬
‫)‪ 13‬ابن قديمة‪ :‬المغني ‪ (4) 222 -220 /2‬السميوطى‪:‬‬
‫الخصائص الكبرى ‪271 284 /3‬‬

‫) ‪(1/265‬‬

‫الرابع‪ :‬الجماع كلى الخصوصية‪ ،‬كإجماعهم على تحريم‬


‫الزيادة على أربع نسوة‪ .‬واختصاصه !ك!رر بإباحة ذلك‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬القياس الجلي‪ ،‬كتحريم نكاح امرأة تكر ‪8‬‬
‫صحبته‪ .‬لنه إذا وجب‬
‫عليه طلق من تكره صحبته ممن قد تزوجهن‪ ،‬فأن ل‬
‫يبتدىء نكاح الفارهة أول‪ .‬ودليل وجرب الخلف عليه في‬
‫ن‬
‫تلكإلحال قوله تعالى‪ :‬فيا أيها النبي قل لزواجك إن كنت َ‬
‫تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالج أمتعكن وأسرحكن‬
‫سراحا جميل!ال(‪.‬‬
‫الخصائص التي تدخل في موضوع بحثنا‪:‬‬
‫ل يدخل في بحثنا التي‪ ،‬ما شاركته أمته جور فيه‬
‫وانفردوا به عن سائر النبياء ود منهم‪ ،‬لن الغرض بيان ما‬
‫تقتدي به المة فيه من أفعاله جد‪ ،‬والذي تشاركه فيه‬
‫المة أمره واضح ل خفاء بها‬
‫وأيضا ل يدخل في بحثنا ما كان من الخصائص في‬
‫أفعاله ! في السرة‪ ،‬لخروجها عن نطاق التكليف‪.‬‬
‫ول يدخل ما كان صفة من صفاته البدنية‪ ،‬كخاتم النبوة‪،‬‬
‫وسائر ما ليس‬
‫من أفعاله جمة‪.‬‬
‫فانحصرت الخصائص النبوية التي سنبحثها في هذا‬
‫المصلى‪ ،‬في ما كان‬
‫حكما ً شرعيا لفعل من أفعاله !‪ ،‬قي هذه الدنيا‪ ،‬مما ينفرد‬
‫به عن أمته‪ ،‬سواء شاركه فيه غيره من النبياء‪ ،‬أو‪/‬‬
‫يشاركه فيه منهم أحد‪.‬‬
‫وأما ما كان من الخصائص في فعل غيره بسببه‪ ،‬فسنذكر‬
‫الستدلل به بعد‬
‫ذكر الستدلل باسنان من أس!كام أفعاله هو*!‪.‬‬
‫‪ (11‬سورة الحزاب‪ :‬آية ‪38‬‬
‫‪272‬‬

‫) ‪(1/266‬‬

‫درجات خصائصه مج!ا!ا سّلم الحكلم‪:‬‬


‫يقسم الفقهاء خصائصه ! في أفعاله إلى ثلثة أنر ‪:3‬‬
‫‪ -1‬أفعال واجبة عليه خاصة‪ ،‬كتخيير نسائه‪ .‬وفائدة‬
‫تخصيصه بالوجوب‬
‫عند الفقهاء‪ ،‬زيادة الجر والثواب‪ ،‬لن ثواب الفرض أكد‬
‫من ثواب النفل‪ -2 .‬وأفعال محرمة عليه خاصة‪ ،‬كتبذل‬
‫أزواجه‪ ،‬ونجاح من‪ /‬تهاجر معه‪.‬‬
‫وفائدة تخصيصه بالتحريم عندهم كمال التطهير والتنزيه؟‬
‫ولن أجر تراث المحرم ( كل من أجر ترك المكروه‪.‬‬
‫وليس ما ذكر من فائدة تخصيصه بالرجوع والتحريم مطردا‬
‫في كل الخصائص‪ ،‬كما هو واضح‪ .‬وقد ذكرنا الوجه الستة‬
‫لخصائصه في ما تقدم‪.‬‬
‫!ع!‪ -‬وأفعال مباحة له خاصة‪ ،‬كالزيادة على أربع درجات‪.‬‬
‫ولم يذكروا في خصائصه المندوب ول المكروه ة‬
‫أما المندوب‪ ،‬فالظاهر أنه ثابت في خصائصه ضو‪ ،‬وعندي‬
‫ن من ملئه الوصال‪ .‬والفقهاء يذكرون الوصال في قسم‬
‫المباح‪ .‬ونسبه السيوطي إلى الجمهور‪ -‬ولكن ذكره في‬
‫المندوب هو الصواب؟ كما ل يخفى‪ ،‬وبه قال الجويني‪،(1،‬‬
‫وأبو شامة )‪ .(2‬ويفهم من كلم الشاطري أنه ل يرى‬
‫الوصال من الخصوصيات )‪ .(3‬ومثل الوصال في ذلك‬
‫القسم بين الزوجات‪ ،‬فهو مندوب له ل شيئا في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫وأما المكروه له خاصة فلم نظفر له بمثال‪.‬‬
‫ومن أجل وقوع المندوب له في خصائصه !‪ ،‬فالذي نراه‬
‫أن ننقسم‬

‫)‪ (1‬الحصاثص الكبرى للسيوطي ‪ (31 284 /3‬الموافقات‬


‫‪150 ،62 /3‬‬
‫‪273‬‬
‫)‪ (2‬المحقق ق ‪111‬‬

‫) ‪(1/267‬‬

‫خصائصه أربعة أقسام ل ثلثة‪ ،‬إّل أن يعبر بدلي المباح‬


‫بالجائز ليشمل ما ذكرناه في قسم المندوب‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫ونلحظ في النوع الثالث وهو المباح له خاصة أنه ينقسم‬
‫ثلث أقسام )‪:(1‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون مباحا له‪ ،‬وحكمه على المة الوجوب‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يكلون مباحا له وحكمه في حق المة التحريم‪،‬‬
‫وذلك مثل‬
‫الزيادة على أربع نسوة‪ ،‬إذ هو علينا محرم‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬أن يكلون مباحا ً له وحكامه كلى المة الشراهة‪،‬‬
‫وهذا قليل‪ ،‬ومنه‬
‫القضاء والفتيا حال الغضبة‬
‫وأما أن يكلون مباحا ً له وحكمه في حقنا الندب‪ ،‬فلم‬
‫نظفر له بمثال‪.‬‬
‫ما يمتنع الختصاص فيه‪:‬‬
‫‪ -1‬لحظ الحافظ العلجي أن النبي !‪ /‬يختص قي باب‬
‫القربات والتعظيم بالترخص في شيء )‪ ،(2‬يعني بذلك أن‬
‫ما الن واجبا ً على غيره من المة من العبادات‪ ،‬وتعظيم‬
‫الله‪ ،‬وتعظيم شعائر الله‪ ،‬فل يكون له ! خصوصية بان‬
‫يكون ذلك يخص حقه مباحا أو مندوبا ً وذلك واضح‪ ،‬فإنه !‬
‫مهجد‪،‬‬‫يخص بإيجاب ما ندب إليه غيره من العبادات‪ ،‬كال َ‬
‫زيادة في الزلفى والقربة‪ ،‬فكيف يرخص له في ترك ما‬
‫وجب على غيره منها وهو!ئه! أولى الناس بالتزام القرب‬
‫والطاعات والتعظيم‪ ،‬لقوة علمه بالله تعالى‪ .‬وكذلك ما‬
‫حرئم على الناس تعظيما لحرمات الله‪ ،‬ليرخص له شئون‬ ‫ُ‬
‫في فعله‬ ‫ِ‬
‫ورد العلجي بهذه القاعدة قول من زعم أن استدرار‬
‫النبي ! القبلة عند‬
‫ه كان خصوصية له‪ ،‬لن ما ورد من النهي عن‬ ‫قضاء الحاج ّ‬
‫استدباريا إنما هو لتعظيم شعائر الله‪ ،‬وتكريمها!‬
‫)‪ (1‬قسمه الماوردي قسعمين كما عند الزركشي في‬
‫البحر ‪ ،1249 /3‬ونحن أضفنا الثالث‪ (2) .‬انظر رسالته‪:‬‬
‫تفصيل البهار‪ ،‬في أثناء كلمه في الفصل الثاني ز‪49 ،‬‬
‫ب‪.‬‬
‫‪274‬‬

‫) ‪(1/268‬‬

‫وقوله في نجلك وجيه‪.‬‬


‫‪ -2‬ولحظ السرخسي ملحظة أخرى‪ .‬وهي أن ما كان‬
‫واجبا على غيره مع‬
‫من أقوال معينة يخص مواقع معينة‪ ،‬فل مجرد أن يختص‬
‫بعدم إعجابه‪ ،‬قال‪ :‬أفإن معنى الخصوصية هو التخفيف‬
‫والتوسعة‪ .........‬وقد كان ! أفصح الناس‪ ،‬وما كان يلحقه‬
‫حرج في استعمال اللفظ والواجب( )‪ (1‬ورد بهذا الصل‬
‫قول الشافعي إن انعقاد النكاح بلفظ الهبة خاص بالنبي‬
‫يف!!‪.‬‬
‫ونحن نتوسع قي هذه القاعدة‪ ،‬فنقول‪ :‬كل ما لم يكن فيه‬
‫حرج على‬
‫النبي ! في اختيار من قول أو فعل‪ ،‬فل يكون خاصا ً به‪،‬‬
‫بل هو مشترك‪ .‬وممكن الستفادة من ذلك أيضا في رد‬
‫قول من زعم أن استدبارا‪!!-‬‬
‫جه إلى الجهات المختلفة‬ ‫في قضاء الحاجة خاص به‪ ،‬إذ التر َ‬
‫سواء من حيث الخفة والثقل‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫عدد الخصائصر‪:‬‬
‫ذكر صاحب كشف الظنون أن السيوطي ذكر في‬
‫والخصائص الكبرى! أنه‬
‫تتبع الخصائص عشرين سنة حتى زادت عنده على اللفي‬
‫وهو قد قصد أن يكون كتابه‪) :‬مستوعبأ لما تناقلته أئمة‬
‫الحديث باسانيد!ا المعتبرة‪ ،00 ،‬أورد فيه كل ما‬
‫غير أنه‪ /‬يلتزم الصحة‪ ،‬إنما التزم أن ل يذكر خبرا ً في ذلك‬
‫موضوعًا‪ .‬ويفهم من ذلك أنه لم يلتزم ترك الضعيف من‬
‫الخبار‪ ،‬فورد في كتابه أخبار ضعيفة كثيرة‪ .‬بل ادعى‬
‫محقته الكتاب "‪ (3‬أن السيوطي‪ /‬يلتزم بشرطه في تنزيه‬
‫كتابه عن الخبار ا!لوضوعة ‪(41‬‬
‫‪ ((11‬صول السرخسي ‪180 /1‬‬
‫)‪ (2‬الخصائص الكبرى ‪ (+8/1‬الشيخ عمد خليل هراس‪،‬‬
‫ى رقم‬‫رحمه إلة‪ (4) .‬انظر الحصاثص الكبرى ‪ 652/3‬التعلي ّ‬
‫)‪275 !2‬‬

‫) ‪(1/269‬‬

‫كما صحة الخبر فيه مما أورده‪ ،‬كثيرا ما ل يكون داَل على‬
‫الختصاص‪،‬‬
‫كإجابة الدعكاء )‪ ،(4‬فالله تعالى يستجيب لمن أعلى من‬
‫نبي وغيره‪.‬‬
‫وبعض ما ذكره من الختصاص دعوى ل سند لها )؟(‪.‬‬
‫فلو أن ما جعله من الخصائص عويرض على ميزان النقد‬
‫لما ثبت منه في‬
‫مديري أكثر من ثلث اللف أو ربعه‪.‬‬ ‫ت َ‬
‫وهذا في الخصائص بصفتها العامة‪.‬‬
‫أما ما التصق به ! في أحكم أفعاله‪ ،‬فإن يعض فقهل!‬
‫الشافعية والمالكية‬
‫ذكروها في مؤلفاتهم في أوائل كتاب النجاح "‪ ،(2‬لما كان‬
‫كثير من خصائصه مجد هي‬
‫في باب الن!ا!‪.‬‬
‫وأوله من استطرد إليها المدني صاحب الشافعي رضي‬
‫الله عنهما‪.‬‬
‫وقد ذكرها القرطي! المالكي بالتفصيل‪ ،‬وحصرها في ‪37‬‬
‫خاصة‪ ،‬قال‪ :‬إن‬
‫منها المتفق عليه‪ ،‬والمختلف فيه )‪ .(3‬وذكرها السيوطي‪،‬‬
‫فجعلها ‪ 65‬خاصة‪ .‬يذكرها الرملي الشافعي في شرح‬
‫المنهاج فجعلها ‪ 47‬خاصة‪.‬‬
‫ولعله ما يصح دليله من كل ما ذكر قريب من خمس عشرة‬
‫خاصة ل أكل‪.‬‬
‫منها في الواجبات ة التهجد بالليل‪ ،‬وتخيير نسائه‪.‬‬
‫ومنها قي المحرمات تحريم الزكاة عليه وعلى آله‪ ،‬وتحريم‬
‫أكل الطعمة‬
‫الكريهة الرائحة‪ ،‬وتحريم التبدل بازواجه‪.‬‬
‫)‪ (1‬الخصائص الكبرى ‪ 1 -366 /1‬ك ‪3‬‬
‫)‪ (2‬مثل ً أنه كلف من الحلم ما كلفه الناس باجمحهم )‬
‫‪ (264/3‬ول تجب عليه الزكاة )‪ (3‬انظر مثلن من كتب‬
‫الشافعية‪ :‬روضة الطال!نن للنووي‪ .‬ونهاية المحتاج‪،‬‬
‫للزمني‪ ،‬على المنهاج‪ ،‬ط الحليه!‪ 1357‬هـ ‪ 175/6‬ومن‬
‫كتب المالكية‪ :‬حاشية الدسوقي على الشرح‬
‫الكبير‪ -‬كتاب النكاح‪.‬‬
‫مسير القرطبي ‪.212/14‬‬ ‫)‪ (4‬ت ْ‬
‫‪276‬‬

‫) ‪(1/270‬‬

‫س الغنيمة‪ ،‬وخمس الفيء‪،‬‬ ‫خم ِ‬ ‫ومنها في الفائزات‪ :‬خمس ُ‬


‫رالرصال‪ ،‬والزيادة على أربع نسوة‪ ،‬وسقوط القسم بكين‬
‫زوجاته‪ ،‬والقتال بمكة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الستدلل بأفعاله صلى الله عليه وسلم الخاصة به في‬
‫الحكام المماثلة ة إذا ثبتت الخصوصية في فعل من أفعال‬
‫النبي !ك! فإنها تقتضي أن حجم كيره‬
‫ليس كحكلمه وذلك إبداع )‪ ،(1‬إذ لو كان حكمه حكم غيره‬
‫لما كان للختصاص معنى‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك كانت فائدة معرفة الخصائص معرفة أن‬
‫حكم غيره ! ليس كحكمه فيها‪ ،‬ولئل يقتدي بها جاهل إذا‬
‫سمع الحديث مثل أن النبي ! فعل كذا‪ .‬هذا ما يذكره‬
‫الفقهاء من فائدة معرفتها )‪.(2‬‬
‫إل أن المهم ثبوت الخصوصية بدليل صحيح‪ ،‬أعني بصحته‬
‫صحة الثبوت‪ ،‬بالضافة إلى صحة الدللة على الخصوصية‪.‬‬
‫وليس كل ما ذكره المؤلفون من الخصوصيات صحيحا ً كما‬
‫تقدم‪ .‬وقد تتبع ابن حجر في وتلخيص الحبيب يمر ما ذكره‬
‫الرافعي في شرح الوجيز من الخصائص‪ ،‬وهي التي‬
‫يتناقلها الفقهاء‪ ،‬فزحف أدلة بعضها كوجوب ركعتي‬
‫الفجر‪ ،‬وبين عدم صحة دعوى الخصوص في بعير آخر‪،‬‬
‫وأثبت أن الشتراك أصحو ‪.‬‬
‫ثم إنه وأن امتنعت مشاركتنا للنبي مج!رو في خصوصياته‪،‬‬
‫فإن للقتداء به فيها‬
‫وجها ً واضحًا‪ ،‬فإنه إذا امتنع من أكل الثوم والبصل‬
‫لكونهما محرمين عليه خاصة‪ ،‬فيتجه أن يقال ت إن من‬
‫اقتدى به في المتناع من ذلك يؤجر‪ ،‬ويكون في حقله‬
‫دا وجب عليه تخيير نسائه إذا بدا من الضيق‪،‬‬ ‫مكروها ً وإ ّ‬
‫حمث ذلك لغيره‪.‬‬ ‫است ُ ِ‬
‫)‪ (1‬انظر التقرير والتحرر ‪ ،30 2 /2‬المدي‪ :‬الحكام ‪/1‬‬
‫‪247‬‬
‫)‪ (2‬الرملي‪ :‬نهاية المحتابم ‪ (3) 174/6‬تلخيص الحبر ‪17/3‬‬
‫‪ 1‬وما بعدها‪277 .‬‬

‫) ‪(1/271‬‬

‫وفي هذه المسالة للعلماء قولن‪:‬‬


‫الولى الول‪ :‬ما قاله الشوكاف!‪ :‬يتوقف إمام الحرم!!ن )‬
‫‪ (1‬في أنه هل !لمتنع‬
‫الكافي به يكره في ذلك أم ل‪ -‬وقال‪ :‬ليس عندتا تقل‬
‫لفظي أو معنوي قي أن الصحابة كانوا يقتدون في هذا‬
‫النوع‪ ،‬و‪ /‬يتحقق عندنا ما يقتضي ذلك‪ .‬فهذا محل التوقف‬
‫" )‪."2‬‬
‫م الحرم!!‬‫مما إما َ‬
‫وقال أبو شامة‪ :‬تابع القشيرفي والمازري ّ‬
‫ن على ذلكم‬
‫وقال الغزالي‪ :‬ما عرف أنه خاصيته فل يكون دليل في حق‬
‫غيره )‪.(3‬‬
‫أقول‪ :‬وابن السبكي في جمع الجوامع وشارحه‪ ،‬وافقا‬
‫الجويني على ما ذا‬
‫إليه‪ ،‬فقد ذكر ابن السبكي أن حكم الفعل المخصص‬
‫)واضح( وفسره المحلي بأننا السنا متعبدين بها وذكر‬
‫السناني عن وشيخ السلمي )‪ (4‬أن مرادهما أن الفعل‬
‫الخاصة ل يكون دليل ً في حقنا‪ ،‬ول يمتنع أن يكون الدليل‬
‫شيئا آخر كالقول مثل )‪.(5‬‬
‫قل من خصائصه له سيئ الحكام فيه في‬ ‫هذا وإن أكثر ما ن ِ‬
‫حقنا بأدلة مستقلة‪ ،‬كاستحباب الضحى والضحا والوتر‬
‫والتهجد في حقنا للدلة القولية الواردة في ذلك‪ .‬وتخيير‬
‫المرأة الكارهة نوع من الحسان‪ ،‬والحسان مطلوب شرعا ً‬
‫وككراهية أخذ الزكاة رالصمقة في حقنا‪ ،‬وكراهة أن ل‬
‫ماله ريح كريهة والبصل والثوم‪.‬‬
‫ولعل الجويني ومن وافقه ذهبوا إلى ما ذهبوا أليه لهذا‬
‫المعنى‪ ،‬فإن معرفتنا‬
‫بكون هذه المور وأشباهها م!ستحبة لنا أو مكروهة إنما‬
‫منشؤه الدلة الخاصة الواردة‬
‫)‪ (1‬يعني الجويني ‪ (210‬إرشاد الفحول ص ‪35‬‬
‫حغ زكريا النصاري‪) .‬‬ ‫)‪ (3‬المستثنى ‪ (4) 94ْ /2‬يعني الش ِ‬
‫‪ (5‬بها الجوامع وشرحه وحماسية البياني ‪97/2‬‬
‫‪278‬‬

‫) ‪(1/272‬‬

‫بذلك‪ ،‬وإنما الدليل الذي يدل على صحة القاعدة قول‬


‫الشارع‪ ،‬أو القرار‪ ،‬أو عمل الصحابة‪ ،‬ولم يتحقق شيء‬
‫من ذلئ! عند الجويني ومن تبعه‪.‬‬
‫والقول الثاني‪ :‬ما قاله أبو شامة )‪ (1‬فإنه يرى أن القتداء‬
‫به ! ممنوع في ما‬
‫أبيح له خاصة‪ ،‬لدللة الخصوصية عله امتناع ذلك قي حقه‬
‫غيره‪.‬‬
‫وأن الررراء؟‪ !-‬على سبيل الستحباب ثابت فيما فعله‬
‫على سبيل الوجوب‪ ،‬وفي ترك ما تركه على سبيل‬
‫الحرمة‪.‬‬
‫فيندب لنا على هذا القول‪ :‬فعل ما فعله يكن مما اختص‬
‫به من الواجبات‪ ،‬ويندب لنا التنزه عما تركه مما اختص به‬
‫من المحرمات‪.‬‬
‫فخصوصيته جمة‪ ،‬على هذا القول‪ ،‬إنما هي في تحتم‬
‫الفعل أو التقلى بالنسبة‬
‫إليه‪ ،‬والمشاركة بيننا وبينه هي في أصل مطلوبين الفعل‬
‫أو الترك المقتضية للستحباب أو الكراهة‪ ،‬وتمتنع‬
‫المشاركة في ما زاد على ذلك وهو تحّتم الفعل أو الترك‪،‬‬
‫لدللة الخصوصية على هذا المتناع‪-‬‬
‫وقال أبو شامة‪ :‬إن ما ذكره "ل نزلت فيه لمن فهم الفقه‬
‫وقواعده‪ ،‬ومارس‬
‫أدلة الشرع ومعتقده ومعانيه !‪.‬‬
‫وقد نقل الشوكاني بعض كلم أبو شامة‪ ،‬ووافقه على ما‬
‫ذهب إليه "‪.(2‬‬
‫ونقله قبله الزركشي في البحر وأسرة‪.‬‬
‫أل أن الشوكاف! قيد هذه المسالة بأنه إذا علم ودليل‬
‫قوي الحكم في حقنا فهو المعتمد‪ ،‬فإن كارل القول ما‬
‫دم الدليمى القولين ويفهم‬ ‫يستفاد من هذه القاعدة يق ً‬
‫من كلم أبي شامة نمه يدلل لقوله بوجهين‪:‬‬
‫الولي‪ :‬البناء على القواعد الشرعية‪ .‬ولم يبابا القاعدة‬
‫التي يشير إليها‪ .‬ولعله‬
‫يعني أن ما أمر به‪ !-‬ل بد أن يكون مصلحة‪ ،‬وذلك يعني أنه‬
‫قنا كذلك‬‫في ح َ‬
‫)‪ (1‬انظر!تابه )المحفق( ق ‪(5‬‬
‫)‪ (2‬إرشاد الفحول معه ‪ 36 ،35‬وفي كلم الشوكاني هنا‬
‫خفل!‪ ،‬وماله إلى ما ذكرنا‪279 .‬‬

‫) ‪(1/273‬‬

‫مصلحة‪ ،‬فيكون مستحبا ً وإن ما نهى عنه ل بد أن يكون‬


‫مفسدة‪ ،‬فيكون في حقنا مكروهًا‪ .‬وامتنع التحتم الذي هو‬
‫اليجاب والتحريم بدليل الخصوصية‪ .‬فإن كان هذا‬
‫مقصوده‪ ،‬فل يسلم له‪ ،‬إذ قد يكون الشيء مصلحة لشخص‬
‫ول يكون مصلحة لخر‪ ،‬كالصوم‪ ،‬هو مصلحة للطاهر‪،‬‬
‫وليس مصلحة للحائض‪ ،‬وكالقصر هو مصلحة للمسافر‪،‬‬
‫رئيس مصلحة للمقيم‪ .‬وهكذا يقاد في جانب المفسدة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه قد ورد عن الصحابة القتداء به ! في الفعل‬
‫الخاص‪ .‬ومن‬
‫ذلك أن ابن عباس ائتم بالنبي !ع! في صلة الليل‪ .‬وقد‬
‫امتنع النبي نحمل من أكل طعام في منزل أبي أيوب‬
‫النصاري‪ ،‬كان فيه ثوم‪ ،‬فقال أبو أيوب‪ :‬فإني أكره ما‬
‫تكلفه " ولم ينكسر ذلك عليه‪.(1) ! ،‬‬
‫ى جمع‬ ‫وهذا أيضا غير مسلم‪ ،‬أما اهتمام ابن عباس بالني ِ‬
‫في صلة الليل‪،‬‬
‫فإن استحباب صلة الليل معلم بدللة الكتاب والسنة‬
‫القولية كما ل يخفى‪ ،‬فل يكون دليل في المسالة‪.‬‬
‫وأما قول أبي أيوب‪ 8 :‬فإني أكره ما تكره "‪ .‬فهو محمول‬
‫على أنه للكراهة الطبيعية‪ ،‬ل للكراهة الشرعية‪.‬‬
‫وبذلك ل يثبت دليل القاعدة؟ الذي أراد أبو شامة رحمه‬
‫الله إثباتها له‪.‬‬
‫ذا أننا نرى أن استقراء الخصائص الواجبة والمحرمة‬ ‫إ َ‬
‫)وعددها مابين خمس وثلثين عند السيوطي إلى تسع‬
‫عشرة كما غذها الرملي والقرطبي( ُيظهر( ن هذه‬
‫القاعدة الحقة على جميع هذه الجزئيات‪ -‬ما عدا تحريم‬
‫الكتابة والشعرأ ‪ (3‬عليه جمعه‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم وجامع الصول ‪(283/8‬‬
‫)‪ (2‬من عدما كذلك السيوطي والخصائص ‪ (371/3‬ونقله‬
‫عن النووي في الروضة‪ .‬وقد أغفلهما الرملي‪.‬‬
‫‪280‬‬

‫) ‪(1/274‬‬

‫عند من عنهما من الخصائص‪ ،‬والمقصود بتحريمهما عليه‬


‫تحريم تعاطه( سبابها الموصلة إليهما‪ ،‬فإن الكتابة والشعر‬
‫كرهان في حق المة إذا استعمل في مباحث فإن لم‬ ‫لئ ْ‬
‫تْثبت قاعدة أبو شامة‪ ،‬بما استدل‪ /‬به لها‪ ،‬فإن الستقراء‬
‫ئغفب على‬
‫الظن صحتها‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫هذا وإن أغلب ما اختمئ! به النبي ي في باب الوجوب‬
‫والتحريم‪ ،‬يعلم حكمه في حقنا بأدلة غير الفعال‪ .‬ومن‬
‫أجل ذلك كانت فائدة هذه القاعدة ضئيلة في استفادة‬
‫الحكم الشرعية من الفعال الخاصة‪ ،‬إذ إنها تحصيل‬
‫حاصل‪.‬‬
‫ويجوز استعمالها للتوكيد والستئناس‪.‬‬
‫ونحن نرى لها فائدة أخرى‪ .‬وذلك أن كثيرا ً من العلماء!ا‬
‫شروحهم للحاديث‪ ،‬والجمع بين الحاديث القولية‬
‫والفعلية‪ ،‬كثيرا ما يحملون الحديث الفعلي على أنه من‬
‫خصائصه ضد‪ .‬فإن كانت الخصوصية باليجاب أمكن معرفة‬
‫صحة ذلك من عدمها‪ ،‬باستخدام هذه القاعدة‪ :‬فإن وجد أن‬
‫الحكم في حقنا ليس الستحباب‪ ،‬بل الباحة أو الكراهة أو‬
‫التحريم‪ ،‬يتبين أن الحمل عل الخصوصية فاسد‪.‬‬
‫ونظير ذلك يقال في الخصوصية بالتحريم‪.‬‬
‫وكمثال تطبيقي لذلك نذكر مسالة عن تحريم الكتابة‬
‫والشعر من الخصائص النبوية‪ .‬فالمشهور أنه !‪ /‬يكن يقدر‬
‫عليهما‪ ،‬ولو أراد تعلمهما لما أمكنه ذلك‪ .‬فخرجا على هذا‬
‫القول في حقه عن عن نطاق التكليف‪ ،‬وهو الراجح‪.‬‬
‫أما على القول المرجوة‪ ،‬وهو أنه كان قادرا عليهما‪ ،‬فقد‬
‫ادعى قوم تحريمهما‬
‫عليه‪ ،‬وإن ذلك من خصائصه‪ .‬وذلك مردود‪ ،‬بناء على هذه‬
‫القاعدة إذ لو كانا في حقه حراما لكانا في حقنا مكروه!!‬
‫ن‪ ،‬وذلك ممنوع‪ .‬فتنتفي الخصوصية‪ .‬والله أعلم‪ .‬ما‬
‫يختص به صلى الّله عليه وسلم في أفعال غيره‪:‬‬
‫وذلك ما شرعه الله تعالى من الحكام من فعل غيره‬
‫بسببه لمجه‪ّ ،‬لعظيما‬
‫لمقامه ورفعا ً لشانه‪ .‬ومنه أنه ل يرثه أحد من أقاربه ول‬
‫زوجاّله‪ ،‬ومنه أن ما تركه ‪281‬‬

‫) ‪(1/275‬‬

‫من ماله صدقة‪ ،‬وأنه ل يحل لحد نكاح زوجاته بعده‪ ،‬وأنهن‬
‫أمهات المومني‪ ،‬وعن فعل منهن معصية يضاعف لها‬
‫العذاب ضعفي‪ ،‬ومن يقنت مخهن لله ورسوله فلها الجر‬
‫مرتب‪ ،‬وتحريم رفع الصوت فوق صوته‪ ،‬والكذب عليه عمدا‬
‫كبيرة‪ ،‬ويجب القتل عله من سبه أو أجله‪.‬‬
‫هل يصل تعدية هذه الخصائص! إلى كير النبي صلى الّله‬
‫عليه وسلم‪ :‬ينقل عن بعض الصوفية أنه ادعى لنقسه في‬
‫أتباعه أشياء من مثل هذا النوع‬
‫من الخصائص‪.‬‬
‫في أتباعه ومريديه كالنبي‬ ‫فُنقل عن بعضهم أن الويب ِ‬
‫يك!ؤ بي أصحابه؟‬
‫ولهذا يجعلونا لشيوخهم من الخصائص مثل ما هو ثابت‬
‫لرسول الله ! د‪ ،‬فل يجوز عندهم نكاح امرأة الشيخ بعد‬
‫موته‪ ،‬ول يجوزرفع الصوت عنده )‪.(1‬‬
‫إن ما تقدم ذكره من الجماع على عمم جواز الشتراك‬
‫فيما ثبت من خصائصه ينفي دعوى مشاركة )الولياء( في‬
‫خصائصه يكن‪.‬‬
‫ولما كانت خصائصه له ل تدل قي حقنا على المماثلة‪،‬‬
‫فلذلك يكون من‬
‫حرم على الناس لنفسه مثل ما حرم عليهم لرسول الله !‬
‫نه!يه‪ ،‬قد حرم ما ليس حوامل‪ ،‬وذلك ل مجوز‪ .‬وكذا من‬
‫أوجب عليهم لنفسه مثل ما وجب عليهم لرسول الله !‬
‫كل! فقد أوجب ما ليس بواجب وذلك ل يجوز‪.‬‬
‫وقد ورد عن أبي بردة السلمي‪ ،‬قال‪ :‬أغلظ رجل لبي‬
‫بكر الصديق‪.‬‬
‫رث عنقه؟ قال‪ :‬فانتهزه أبو‬ ‫قاله‪ ،‬فقاله أبو بركة‪ :‬أل أض ِ‬
‫بكر‪ ،‬وقال‪ :‬ما هي لحد بعد رسول الله ! )‪.(3‬‬
‫فلو كان للولد أن يكون له مشاركة في هذا النوع من‬
‫الخصائص‪ ،‬لكان أول‬
‫الناس بذلك‪ ،‬صديق المة أفضلها بعد نبيها وأكرم‬
‫)أوليائها( على الله‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ (1‬محمد خليل هراس‪ ،‬نقل عن والعهد الوثيقة للشيخ‬
‫محمود خطاب السبكي وغيره ل‪-‬فصائصكا الكلبرى(‬
‫للسموطى ‪ 306 /3‬حاشية )‪(2‬‬
‫ميقه ‪/1‬‬
‫)‪ (2‬رواه أحمد‪ .‬وصححه أحمد شاكلة والمسند‪ ،‬بتح ّ‬
‫‪(55‬‬
‫‪282‬‬

‫) ‪(1/276‬‬

‫خاصة التبرك بآثاره صلى الّله عليه وسلم‪:‬‬


‫من خصائصه‪ !-‬التبرك بآثاره والستشفاء بها‪ ،‬فقد نقل‬
‫أفه عن دعا بقدح‬
‫فيه ماء‪ ،‬فغسل يديه ووجهه‪ ،‬ومج فيه‪ ،‬ثم قال أأ"ب‬
‫موسى وبلل‪ :‬اشربا منه‪ ،‬وأفرغا على وجوهكما‪،‬‬
‫ونحوركما‪.‬‬
‫وتوضح وصب على جابر‪ ،‬وأمر بشعره أن يقسم بي‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وكان إذا توضأ يقتتلون على وضوئها‬
‫وبعض ثيابه كانت تغسل بعده ويعطي ماؤها للمرضى‪،‬‬
‫وجمعت أم سليم عرقه لتطييب به‪.‬‬
‫وشرب بعضهم دم حجارته !‪.‬‬
‫وحنك بعض صبيانهم بالتمر‪.‬‬
‫والدليل على أن هذا من خصائصه !‪ ،‬أن الصحابة رضي الله‬
‫عنهم‪/‬‬
‫يتبرع كما بأفاضلهم‪ .‬وليس في المة بعد نبئها أفضل من‬
‫أبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي‪ .‬فلم ينقل عن أحد‬
‫منهم‪ ،‬ولو حادثة واحدة‪ (،‬نهم تبركوا بهؤلء الولياء‬
‫الربعة أو غيرهم "ان‪ -‬فهذا إجماع عل التْرك*‬
‫والتبرك كناليس له وجه إل اعتقادهم أن ذلك خاص به !‪.‬‬
‫إذ لو كان للتشريع لعملوا به ليبينوه للمة‪.‬‬
‫وقد ذكر الشاطري احتماَل أنهم تركوه من باب سد‬
‫الذرائع‪ .‬لئل يصل الجهال منه إلى عبادة غير الله‪.‬‬
‫ومن أجل ذلك كانت المسالة عند الشاطري مشتبهةأ ‪.(2‬‬
‫إل أن هذا الحتمال ل ينبغي أن ُيلغي دللة البداع‪ ،‬إذ إن‬
‫أكد الدلة الشرعية ظنية‪ ،‬وتظرقيها بعض الحتمالت‬
‫الضعيفة‪ ،‬ول يبطل ذلك العمل بها‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬الشاطري‪ :‬العتصام ‪11 -6 /2‬‬


‫)‪ (2‬ا أشا طبي‪ :‬ا ل عتصام ‪ 11 /3‬س ‪28‬‬
‫) ‪(1/277‬‬

‫المبحث الي ادست الفعل البياني‬


‫تقدم في الفصل الول أن البيان بالفعل جائز وواقع‪.‬‬
‫ويهمنا هنا أن نذكر ما يستفاد من الحكام من الفعل‬
‫الواقع بيانا ً‬
‫وقد قدمناك مرادنا بالفعل البياني‪ ،‬ما وقع بيانا ً للمشكل‬
‫من مجمل وغيره مما‬
‫ورد في القرآن وتكفلت السنة ببيانه‪ ،‬وهر الذي نقصده‬
‫هنا أيضا ً أما الفعلي الواقع بيانا ابتدائية فهو من الفعل‬
‫المجرد‪ ،‬وسيأتي ذكره في الفصل التالي إن شاءالله‪.‬‬
‫جهات الفعل البياني‪:‬‬
‫للفعل البياني ثلث جهات‪ ،‬يستفاد من كل منها نوع من‬
‫الحكام‪:‬‬
‫الجهة الولى‪ :‬جهة أنه امتثال للمر أو النهي في العبادة‪،‬‬
‫فإذا بق غزو آية‬
‫الحج بان حج وقال لهم‪" :‬خذوا مناسككم لعلي ل ألقاكم‬
‫بعد عامي هذان فإن حقه في حق ذاته امتثال لما أوحت‬
‫اطل عليه من الحج‪ ،‬ويجزيه عنه‪ ،‬فيسقط عنه الفرض‬
‫بذلك‪.‬‬
‫ويعترض هنا سؤال‪ ،‬وهو أنه هل يمكن أن يتجرد الفعل‬
‫البيافط عن جهة المتثال هذه‪ ،‬فيتخصص بيانًا؟‪.‬‬
‫ه‪ ،‬وهو ل‬ ‫وصورة ذلك أن يأتي عن بفعل هيئته هيئة العباد ّ‬
‫يقصد العبادة‪،‬‬
‫مصد مجرد التعليم‪ ،‬كما يفعله المعّلمون أحيانا من‬ ‫وإنما ي ّ‬
‫ممثيل لطلبتهم‪ ،‬دون‬ ‫ة مثل ً على سبيل ال ّ‬‫أداء صورة الصل ِ‬
‫أن يقصدوا الصلة‪.‬‬
‫‪284‬‬

‫) ‪(1/278‬‬

‫يفهم من كلم البياني )‪ (1‬أنه يرى أن البيان والمتثال‬


‫"يحصل بكل منهما الخر" فظاهر هذان له ل يتصور‬
‫انفصال الفعل البياف! عن المتثال‪.‬‬
‫وقد ورد في حديث عند ابن ماجه والبيهقي؟ أنه النبي‬
‫يكن توضع مرة مرة‪،‬‬
‫ثم قال‪" :‬هذا وضوء ل يقبل الله الصلة إل به "‪ .‬ثمة توضأ‬
‫مرتب مرتين‪ ،‬وقالت‪ :‬إ من توجا مرتين آتاه الله أجره‬
‫مرين "‪ .‬ثم توضأ ثلثا ثلتأ‪ ،‬وقال‪ :‬وهذا وضوئي بوضوء‬
‫النبياء قبلي "‪ -‬قال القاضي حسين من الشافعية‪ :‬من‬
‫أصحابنا من قال‪ :‬فعل رسول اللة! هذه الوقوعات في‬
‫مجالس‪ ،‬لنه لو كان في مجلس واحد لصار غسل كل عضو‬
‫ست مرات‪ ،‬وذلك مكروه‪.‬‬
‫قال‪ :‬ومنهم من قال‪ :‬كالي ذلك في مجلس واحد للتعليم‪،‬‬
‫ويجوز مثل ذلك للتعليم‪.‬‬
‫قال النووي‪:‬أ ظاهر رواية ابن ماجه أنه كان في مجلس‬
‫واحد‪ .‬وهذا كالمتعيئ‪ ،‬لن التعليم ل يكاد يحصل إل في‬
‫مجلس واحد" )‪ 0(2‬الـ‪.‬‬
‫فالوضوء الخير من الثلثة كان ةلمثيل لمجرد البيان‪ .‬فإن‬
‫صح الحديث كان‬
‫دليل أنه ! كان يفعل أحيانا لمجرد البيان‪.‬‬
‫ومثال آخر‪ :‬أنه !ئه! قال لعمار بن ياسر حين أراد أن‬
‫يعلمه التيمم‪ :‬هـ إنما يكلفيك أن تقول بيديك هكذا‪! ..‬‬
‫الحديث‪ .‬فل يبعد أنه يكن كان متوضئا وأن ما فعله من‬
‫التيمم صوري‪ .‬وحتى لو لم يكن متوضئا ً فالظاهر أنه كان‬
‫بالمدينة‪ ،‬والتيمم للحاضر ل يجزمح!‪-‬‬
‫ومن جهة أخرى‪ ،‬قد تنفرد جهة المتثال‪ ،‬فيكون الفعل‬
‫امتثاًل مجردا من‬
‫دون أن يكون بيانا ً لشيء‪ .‬ومن ذلك ما كان ونهيئ يفعله‬
‫في خلواته مما ل يطلع عليه أحد من المة!لن ما أريد به‬
‫البيان يلزم إظهاره " )‪،(3‬‬

‫)‪ (1‬حاشية شرخا بها الجوامع ‪ 98/2‬ييل ا لغز ا لي‪ :‬ا‬


‫لمستشفى ‪28 /2‬‬
‫)‪ 1 (2‬لنووي‪ :‬ا لمجموع ‪471 /1‬‬

‫‪285‬‬

‫) ‪(1/279‬‬

‫وما كان الممتثل بئنأ بنفسه كغسل اليدين في الوحل‪.‬‬


‫أو سبق بيانه بقول أو فعل‪ ،‬كما بين المواقيت بصلته‬
‫يوميا متواليلين‪ ،‬فصلة‬
‫اليوم الثالث ليست بيانا للوقت‪.‬‬
‫الجهة الثانية‪ :‬جهة أنه امتثال لما أمر به من البيان‪ .‬وهو‬
‫من هذه الجهة واجب أو مستحب ل تقدم‪ .‬وقد يختلف‬
‫حكام الفعل الواحد من هاتف الجهان‪ ،‬فيكون مندوبا من‬
‫حيث إنه امتثال للمر بعبادة مندوبة‪ ،‬واجبا من حيث إنه‬
‫امتثال للمر بالبيان‪ ،‬كما لو بين بفعله صلة مندوبة‪.‬‬
‫والقدوة حاصلة بأفعاله ! من هذه الناحية‪ .‬والمقتدي به‬
‫فيها هم لك‬
‫العلم والدعاة‪ ،‬والقائمون مقامه في بيانا الحكام للمة‪،‬‬
‫وليس العوام من ل علم عندي‪.‬‬
‫ولم يزل القائمون على الدعوة والتربية يتمشون به ! في‬
‫كيفية بيانه للحكام‬
‫من انتهاز الفرص لها‪ ،‬والدخول بالموعظة‪ ،‬والبداية‬
‫بالهم‪ ،‬والتدرج في البيان‪ ،‬إلى كيي ذلك من النواحي‬
‫التي يذكرها الكاتبون في مباحث التربية السلمية‪،‬‬
‫ومباخما الدعوة‪-‬‬
‫وينظر حكم القتداء به مجده في كيفيات البيان في‬
‫مبحث بالفعل المتثالية‪.‬‬
‫الجهة الثالثة‪ :‬جهة ما يحصل بالفعل من البيان‪ ،‬فيعلم به‬
‫تفاصيل الفعل‬
‫الذي أمرنا به‪ ،‬ويعلم أنه واجب في حقنا أو مندوب أو‬
‫مباح‪ ،‬وذلك بتعلقه بما هو بيان له‪ ،‬فإن تعلق بآية دالة‬
‫على الوجوب‪ ،‬دلى على الوجموب‪ ،‬وإن تعلق بآية دالة‬
‫ط على‬ ‫على الندب في إى على الندب‪ ،‬وإن تعلق بما دل ّ‬
‫ل على الباحة‪ ،‬كما سيأتي وان شاء الله‪.‬‬ ‫الباحة د ّ‬
‫وهذه ا‪:‬لها هي المرارة غالبا ً في كلم الصول!ن عند‬
‫ذكرهم الفعل البياتي‪28، .‬‬

‫) ‪(1/280‬‬

‫الفرق بين الفعل البياني والفعل المتثالي‪:‬‬


‫البيان يكون لغة بمعنى )الظهار( ويكون بمعنى )الظهور(‬
‫والبيان في مصطلح الصوليين اختلفوا فيه على ثلثة(‬
‫وجه‪ :‬إنه بمعنى وتبيين الحكم(‪ ،‬أو بمعنى بدليل الحكم(‪،‬‬
‫أو بمعنى والعلم بالحكم الحاصل عن الدليل( )‪ .(1‬واختار‬
‫البزاوي أنه بمعنى )التبيإسن " وهو الذي نعتمده في هذا‬
‫المبحث‪ .‬فالبيان هو القول أو الفعل الصادر عن المبينة‬
‫بقصد إظهار المراد بالجمل ونحوه‪.‬‬
‫ى قصد به النبي !‬ ‫وعلى هذا فالفعل البياف! هو الفعل الذ ِ‬
‫ئه! بيانا مشكل في الحكام الشرعية‪.‬‬
‫أما ما فعله ! ل بقصد التبيين‪ ،‬غانما لمجرد أن الله أمره‬
‫أن يفعله ففعل‪،‬‬
‫على حد ما يفعل غيره من المكلفين‪ ،‬فذلك هو الفعل‬
‫المتثالية‬
‫وليس المراد القصد العام لبيان الشريعة ككل‪ .‬فإن هذا‬
‫القصد كان ملزما‬
‫للنبي ! طيلة حياته بعد البعثة‪.‬‬
‫وإنما المراد القصد الخاص‪ ،‬بأن يريد أن هذا الفعل المعين‬
‫هو بيان لهذا المشكل المعين‪.‬‬
‫ما يعرف به الفعل البياني‪:‬‬
‫ى‪ ،‬جواز البيان‬‫أنكر المروزفا الشافعي‪ ،‬والكرخي الحنف ِ‬
‫بالفعل‪ .‬والجمهور‬
‫على جوازه‪ .‬وقد تقدم ذكر ذلك‪.‬‬
‫واختلف الجمهور القائلون بج!وازه‪ ،‬يخص أدت الفعل هل‬
‫يكون بيانا بنفسه؟‪.‬‬
‫)‪ (1‬قال البزاوي‪ :‬مالمراد بالبيان يخص هذا الباب عندنا‬
‫كهال البخاري أ وعند بعض أصحابنا‬ ‫الظهار!رن الظهور" و ْ‬
‫وأكد أصسحا! الشافعي معناه ظهور المراد للمخاطب "‪.‬‬
‫سصفى ‪ 153/1‬والبحر المحيط ‪181 /2‬‬ ‫وانظر أيضا ً المس ّ‬
‫وبيان النصوص التشريعية ص ‪25 -23‬‬
‫‪287‬‬

‫) ‪(1/281‬‬

‫فالكثرون على أن الفعل ل يكون بيانا ً إّل بقرينة تد ّ‬


‫ل‬
‫على أنه بيان )‪ .(1‬والقرينة التي تري أن الفعل الواقع هو‬
‫بيان‪ ،‬اشترط صاحب والكبريت الحمهه أن تكلون قول ً‬
‫ورأى أن غير القول ل يقوم مقامه ما‪ /‬يتكرر الفعل )‪(2‬‬
‫أعلى صفة واحدة‪.،‬‬
‫وقد حصر صاحب المحصول القرائن في ثلثة‪ :‬أن يعلم‬
‫ذلك بالضرورة من قصده‪ ،‬أو بالقول‪ ،‬أو بالدليل العقلي‪،‬‬
‫جمل وقت الحاجة إلى العمل به ثم يفعل‬ ‫بأن يذكر المم ْ‬
‫فعل يصلح أن يكون بيانًا‪ .‬وقال‪ :‬ل يحصل البيان إل بأحد‬
‫هذه المور الثلثة‪.(3،‬‬
‫وغيره جعل كل ما فيه دللة بيانا ً وجعل أفي قرينة تدل‬
‫على ذلك داّلة على‬
‫كونه بيانا ً فذكر الغزالم! في المستشفى سبع طرق‪ ،‬وذكر‬
‫أبو شامة ثمانية"‪ .(4‬ونحن نورد منها هنا ما يتعلق بهذا‬
‫الموضوع ونترك باقيها إلى مواضع هي بها أليق‪ -‬وعندي‬
‫أن مبنى اختلفهم في هذا هو اختلفهم في ما يعّبرون‬
‫عنه‬
‫ب والبيان( فمن رأى أن البيان هو )الدليل( لو العلم‬
‫الحاصل عنه جعل كل ما يستدل به من الفعال بيانًا‪ .‬ومن‬
‫جعل )البيان( هو )التبيين(‪ ،‬أي فعل البن‪ ،‬فقد حصر‬
‫طرق معرفة الفعل البياني في ما يدل على قصد الجهاز‬
‫ْ)(‪.‬‬
‫وهذا هو الذي نعتمده رب هذا المبحث‪ ،‬لنا قد خصصناه ب‬
‫بالفعل البياني(‪ ،‬وجعلنا للفعل المتثالي مبحثا ً خاصا ً وبئًنا‬
‫‪ 3‬له يستدل به أيضا ً‬
‫مله عن المازري‪.‬‬ ‫)‪ (1‬الزرك!ثي‪ :‬البحر المحيط ‪ 1/2‬ون َ‬
‫)‪ (2‬الزركشي‪ :‬البحر المحبط ‪.1181 /2‬‬
‫‪ (31‬وأبو الحسمية البصري‪ /‬يذكر غير الثلثة‪ .‬المعتمد ‪1‬‬
‫ْ‪386 ،83‬‬
‫)‪ (4‬المحلى ق ‪ 35‬ب‬
‫)‪ (5‬انظر الحلف في ذلك نموا أصول البزدوي ‪-824 /3‬‬
‫‪ 826‬والمستشفى ‪ 153/1‬والبحر المحيط ‪ 18 1 /2‬وبيان‬
‫مشريعية ص ‪ 25 -23‬وغيرها‪288 .‬‬ ‫المنصوص ال ّ‬
‫) ‪(1/282‬‬

‫أما من جعل كل فعل يستدل به في الحكلم بيانا ً فل‬


‫يستقيم له أن يذكر في‬
‫أقسام الفعل‪ ،‬البيافط والمتثال! كليهما معا ً‬
‫وبندر على ما اعتمدناه‪ ،‬فإن الفعال الواقعة من النبي !‬
‫يستدل على أنها‬
‫بيان بطرق مختلفة‪:‬‬
‫الطريق الولى‪ :‬القول الصريح‪ ،‬بان يقولى!‪ :‬ما فعلته‪(،‬‬
‫و؟ ما سيفعله‪ ،‬هو بيان لكذا‪ .‬وهذه أعلى الطرق‪ .‬ومثاله‬
‫قول النبي !بهيهز لعمار بن ياسر لما أراد أن يعلمه‬
‫التيمم‪ :‬وإنما كان يكفيك أن تقول هكذا‪ ،‬ثم ضرب بيده‬
‫إلى الرض ضربة واحدة‪ ،‬ثم مسح الشمال على اليمن‪،‬‬
‫ن به‬‫وظاهر كفيه‪ ،‬ووجهه " )‪ .(1‬فمسح الكفي يب!! ٌ‬
‫الشكال في المراد باليد في آية التيمم‪.‬‬
‫والبيان هنا هو الفعل‪ ،‬وليس القول هر البيان‪-‬‬
‫والذين قالوا‪ :‬ل يكون البيان بالفعل‪ ،‬قالوا‪ :‬القول هذا هو‬
‫البيان‪.‬‬
‫وقال في تيسير التحرير‪ :‬الولى أن يقال‪ :‬القول لزيادة‬
‫البيان )‪.(2‬‬
‫والصواب ما قاله أبو الحس!!ن البصري من أن القول‬
‫فق للبيان على‬‫مع َ‬
‫الفعل )‪.(3‬‬
‫مدل بها‬‫وهذا ما اعتمدناه‪ ،‬إذ جعلنا القول هنا طريقة ئس َ‬
‫على كون الفعل‬
‫بيانا ً وباله التوفيق‪.‬‬
‫وهذه الطريق مرحلتان‪:‬‬
‫هأ ما هو‬
‫المرحلة الولى‪ :‬أن يقول إن الفعل بيان‪ ،‬ول يعي ّ‬
‫بيان له‪ ،‬ويتعَين بالقرائن‪ .‬كما تقدم من قوله !! في‬
‫التيمم‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه اليخاريمما ومسلم وأبو داود والنسائي وجامع‬
‫الصولي ‪ (2) (148/8‬تيسير الي حرير ‪1 76 ،1 75 /3‬‬
‫ممد ‪338/1‬‬ ‫)‪ (3‬أبو الحسميها البصري‪ :‬المع ّ‬
‫‪289‬‬

‫) ‪(1/283‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬أن يعّين بقوله ما هو بيان له‪ ،‬كأن يقول‪:‬‬


‫هذا الفعل بيان‬
‫لغية كذا وكذا‪ .‬و‪ /‬نظفر لها ‪ 8‬المرحلة بمثال‪.‬‬
‫والعمدة في تعيين السبق على ما يأتي من الطرق سوى‬
‫القول‪.‬‬
‫الطريق الثانية‪ :‬إبداع العل!! على أن الفعل المعينة بيان‬
‫لية معينة‪ .‬كإجماكهم في أعداد الركعات في الصلوات؟‬
‫وما فيها من الركان التي اتفقوا عليها أن ذلئل بيان‬
‫للصلة المأمور بها في الكتاب‪ .‬وأن مقادير الزكاة التي‬
‫أخذها! هي بيان للزكاة المأمور بها‪-‬‬
‫الطريق الثالثة‪ :‬أن يرد خطاب مجمل‪ ،‬ولم يبينه !نه!‬
‫حل ينهي أمامهم فعل صالحا ً‬ ‫بالقول‪ ،‬لك وقت التنفيذ‪ ،‬ر َ‬
‫للبيان‪ ،‬فيعلم الحاضرون أنه بيان لذلك المجمل‪ .‬هذا‬
‫بالنسبة إلى من شاهد الفعل الواقع بعد المجمل‪ .‬أما‬
‫بالنسبة إلى من ‪ /‬يشاهده‪ ،‬كغير الصحابي‪ ،‬فإننا إذا بلغنا‬
‫الفعل الضبوفي يحتمل عندنا أنه عن كان قد بينه بالقولة‬
‫ولم يبلغنا‪ .‬فيكون الظاهر عندنا أن الفعل بيان‪ .‬قاله‬
‫الغزالي‪ .(1،‬ومثاله أنه تعالى أمر بالوقوف بعرفة‪ ،‬و‪ /‬يذكر‬
‫وقت الوقوف‪ ،‬فوقف‬
‫ن بذلها وقته للواقفين‬ ‫النبي ضؤ تاسع ذي الحجة‪ ،‬فتبي ّ‬
‫معه‪.‬‬
‫ومثاله يخص جانب المحّرمات‪ .:‬إن الله حرم الميتة‪،‬‬
‫فاحتمل دخول الجراد في‬
‫فلسا‪ ،‬فلما أكله ! أمامهم‪ ،‬أو أقّر آكليه وهو يراهم‬
‫عِلم عدم دخوله في الميتة المحرمة‪.‬‬ ‫يفعلون‪ُ ،‬‬
‫الطريق الواقعة ة أن ُيسال !لمجغ عن بيان مشكل‪،‬‬
‫فيفعل فعل ً ويعلم بقرائن الحوال أنه يريد جواب السائل‬
‫)‪ ،(2‬كالذي سال النبي جمعه عن مواقيت الصلة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫حصل معنا" فصلى في اليم الول في أولى الوقت‪،‬‬
‫وصٌلى في اليوم الثافط في آخره‪ ،‬فعلم بذلك؟ أول‬
‫الوقت وآخر؟‪ .‬ولما قال جمام‪ :‬وأين الساْلل‪،‬‬
‫)‪ 1(1‬لمستشفى ‪.52/2‬‬
‫ى ق ‪ 36‬ب‪.‬‬‫)‪ (2‬أبو شامة‪ :‬المحع ّ‬
‫‪290‬‬

‫) ‪(1/284‬‬

‫الوقت ما بين هذين " )‪ .(1‬زاد ما علم من الحر لئن‬


‫توكيدًا‪ ،‬وانتقل بذلك إلى الطريقة الول‪.،‬‬
‫الفر يق الخامسة‪ :‬وقد قررها( بو نصر القشيرفي‪،‬‬
‫وخلصتها( ن يعتبر الفعل‬
‫بيانا للمجمل‪ ،‬إن كان المجمل قد ورد‪ ،‬وفعل النبي غد ما‬
‫يصلح أن يقرن بيانا لذلك المجمل‪ ،‬ولم تقترن بالفعل‬
‫قرينة تدل على أنه هو البيان‪ ،‬و‪ /‬يرد بيان آخر توفي ول‬
‫فعل ً وتويخة النبي ومتى قبل أن يرد بيان غير ذلك الفعل‬
‫الصالح للبيان‪ .‬قال القشيري‪ :‬ول ئحَترم مجده مع في‬
‫اللتباس في اللفظ المجمل‪ .‬فيحمله‬
‫فعله على البيان في مثل هذه الصورة إجماعا من المة" )‬
‫‪.(2‬‬
‫ومثاله الجزية‪ ،‬إذ قد وردت مجملة‪ ،‬وأخذها النبي ي‬
‫بمقادير معينة‪.‬‬
‫ما يدل عليه الفعل البياني من الحكام‪:‬‬
‫حكم الفعل البياني عند الصوليين بحسب ما هو بيان له‪،‬‬
‫فيرجع إلى المبيت‬
‫في معرفة حكمه‪.‬‬
‫فإن كان الفعل بيانا لية دالة عل الوجوب‪ ،‬دل على‬
‫الوجوب‪ ،‬كقوله تعالى‪) :‬وأقيمو الصلة! بٌين كل بفعله‬
‫ميقات صلة الظهر‪ ،‬مثل ً فيجب إيقاعها في ذلك الوقت‪.‬‬
‫ن أنها أربع ركعات‪ ،‬فل يجزى غير ذلك‪ .‬وبين ما فيها‬ ‫وبأ ّ‬
‫من القيام والركوع والسجود‪ .‬فوجب التيان بها في‬
‫الصلة‪.‬‬
‫وكذللئ! الجمعة‪ ،‬بين صي بفعله أنها ركعتان‪.‬‬
‫ودليل كون الفعل بيانا في أك!نر هذه الفروع الجماع‪.‬‬
‫ي ندبا ً كإقامة ثالث‬‫وإن كان المبين ندبا كان الفعل البيان ّ‬
‫أيام التشريق به‬
‫إلى ما قبل الغروب‪ .‬وكافعال العمرة‪.‬‬
‫)‪ 11‬رواه مسلم والترمذي وأبو لمحمود وجامع الصيرل ‪/6‬‬
‫‪ (2) (145‬أبو شامة‪ :‬المحقق ىء ‪ 37‬ب‪.‬‬
‫‪.291‬‬

‫) ‪(1/285‬‬

‫وإن كان إباحة كان الفعل عباحأ ً )‪.(1‬‬


‫عذ كانه منطوق به في ذلك‬ ‫ويقول القرافي‪ :‬والبيان ئ َ‬
‫المدن )‪ (2‬فبيانه الحبس‬
‫الوارد في كتاب الله يعد منطوقا به في آية الحج‪ ،‬كان الله‬
‫حضى البيشهـ‪ -‬على هذه‬ ‫تعالى قال ت )ودثه على الناس ِ‬
‫علها!ه بخطوة‬‫ف َ‬ ‫الصفة‪ -‬وكذلك بيانه لغية الجمعة‪َ ،‬‬
‫وجماعة وجامع وغير ذلك‪ ،‬فصار معنى الية‪ :‬ل ليها الذين‬
‫مما للضلة!‪ -‬التي هذا شانها‪ -‬ومن يرم‬ ‫آمنوا إذا نودي َ‬
‫الجمعة فاسعوا إلى ذكر اللة!‪ .‬وإذا كان البيان يعد منطوقا‬
‫به في المدن‪ ،‬كان حكمه حكم ذلك السبق‪ ،‬إن واجبه‬
‫فواجب‪ ،‬أو مندوبا فمندوب‪ ،‬أو مباحا فمباح " )‪ 0 (3‬الـ‪.‬‬
‫الفعل البياني هل هو دليل الحكم؟‪:‬‬
‫قدمنا أن الفعل البياني يفضل المراد بالمجمل‪ ،‬وحكم‬
‫التفاصيل حكم المجمل‪ ،‬فاتبع ركعات في الظهر حكمها‬
‫الوجوب‪ ،‬لن المبني بالفعل فاز على الوجوب‪ ،‬وهو‬
‫وأقيموا الصلة!‪.‬‬
‫ل نفسه؟ وليس في‬ ‫فمأخذ الوجوب على هذا‪ ،‬المجم ُ‬
‫الفعل دللة على الحكام‪ .‬وبهذا صرخ عبدالجبار)‪ ،(4‬وأبو‬
‫الحسين البصري‪ ،‬وأبو يعلى الحنبلي ْ)(‪ .‬قال أبو الحسإ!ن‪:‬‬
‫بكير صحيح أن البيان يدلل على الوجوب كما يدل المبينة ‪،‬‬
‫لن البيان إنما يتضمن صفة المبين‪ ،‬وليس يتضمن لفظة‬
‫يفيد الوجوب " )‪ .(6‬وقاد في موضع آخر‪ :‬وبذا كان الفعل‬
‫بيانا ً لمجمل‪ ،‬وكان المجمل دال على الوجوب‪ ،‬عد الفعل‬
‫للوجوب‪ ،‬لكن اليجاب بالمجمل‪ ،‬ل بالفعل‪ ،‬فالفعل ل يجد‬
‫جملي الوجوب أساسا ً )‪.(7‬‬
‫)‪ (1‬الشوكاني‪ :‬إرشاد الفحول ص ‪ 36‬ابن عقيل‪ :‬الواضح‬
‫‪.1126‬‬
‫)‪ (2‬فمرح تنقيح الفصول ص ‪126‬‬
‫)‪ (3‬أجمل من ناحية البيان والدللة فّرط‪ ،‬ل من كل‬
‫ل‪ ،‬فذلك ممتع‪ .‬وانظر‬ ‫الجهات فل يصح نسخ الكتاب به مث ً‬
‫ابن دقيق العيد‪ :‬إحكام الدنى م ‪186 /1‬‬
‫‪ (41‬المغني ‪ (5) 216/17‬العامة ق ‪.1154‬‬
‫)‪ (6‬المعتمد ‪ (7) 341 /1‬المعتمد )الزيادات( ‪1 0 0 4 /2‬‬
‫‪292‬‬

‫) ‪(1/286‬‬

‫ويرى البناف! أن الحكم يكون له‪ ،‬بورود الفعل البياف!‪،‬‬


‫دليلن‪ :‬المجمل‪ ،‬والفعل نفسه‪ .‬فيكون الفحل دليل‬
‫مؤكدًا‪ ،‬بالضافة إلى أنه يفيد فائدة أخرى تأسيسية‪ ،‬هي‬
‫وجوب الصفة التي لم تعلم إل بالفعل‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك‪ ،‬الطواف الذي فعله النبي ! بيانا لقوله‬
‫تعالى‪) :‬وليطؤفوا بالبيت العتيق ! يستفاد منه‪ ،‬بالضافة‬
‫إلى توكيد الوجوب المستفاد من الهية‪ ،‬وجوب صفته‬
‫عل‬ ‫التي وقع عليها‪ ،‬ككونه سبعا ً والبتداء بالحجر‪ ،‬وج ْ‬
‫الطائف البيت عن يساره )‪.(1‬‬
‫وعندي أن من قال ِإن الرجوع يستفاد من المجمل ل من‬
‫الفعل نظر إلى‬
‫أصل التالي‪ ،‬فإن الفعل ساكت عن الطلب فل يؤثر إيجابا ً‬
‫والمزهر لليجاب هو الخطاب المر‪.‬‬
‫ومن قال إن الوجوب يستفاد أيضا ً مت الفعل فقد نظر‬
‫إلى أن الوجوب‬
‫يمكن أن يعرف بالنظر في الفعل‪ .‬فالفعل علمة على‬
‫الوجوب‪ ،‬وليس هو المؤثر للوجوب‪ .‬ثم هو يفيد أيضا ً‬
‫وجوب الصفة‪.‬‬
‫يت‬ ‫الجزاء غير المرادة من الفعل البيان ّ‬
‫المشكلة الكبرى في الفعال البيانية‪ ،‬وخاصة في‬
‫العبادات‪ ،‬أن النبي !‬
‫كان يفعل الفعل بجميع أجزائه‪ ،‬الواجبة والمندوبة‪ ،‬ويفعل‬
‫ل فنائه بعض الفعال! المباحة أيضًا‪ ،‬ول ينفصل في بادي‬
‫ه من مباحث‪ .‬وقد قالي ابن‬ ‫الرأي واخُبه من مندوب ِ ِ‬
‫الهمام‪ :‬إده الستقراء يدل على أن كثيرا من الفعال‬
‫البيانية تشتمل على أفعال كر مرادة من المجمل )‪.(2‬‬
‫ويمثل كثير من الصوليين للفعل البيافإ ّ بصلة النبي !‪،‬‬
‫جه !‪،‬‬
‫ويجعلونها بيانا ليام المر بإقام الصلة‪ ،‬وبح ّ‬
‫ويجعلونه بيانا لية!ودثه على الناس حجم‬
‫)‪ (1‬حاشية عله شرح جمع الجوامع ‪ (2) 98/3‬تيسير‬
‫التحرير ‪176 /3‬‬
‫‪293‬‬
‫) ‪(1/287‬‬

‫البيت ! ويقولون‪ :‬إن دليلي كون صلته عن‪ ،‬وحجه‪ ،‬بيانا ً‬


‫لليحين‪ ،‬هو الطريق القولي‪ ،‬وهو قوله عن‪ :‬وصلوا كما‬
‫رأيتموني أصلي ‪ 9‬وقوله‪ :‬أخذوا عتي مناسككم "‪.‬‬
‫ففي الصلة كان عن يقوم‪ ،‬فيرفع يديه حذو منكبيه‪،‬‬
‫ويكّبر‪ ،‬ثم يضع يديه‬
‫على صدره‪ ،‬ثم يقرأ الفاتحة وسورة‪ ،‬سرا في بعض‬
‫الصلوات‪ ،‬وجهرا في بعضها‪ ...‬إلى آخر ما يذكر في صفة‬
‫صلته عنه‪.‬‬
‫ومن المعلم أن ذلك كله ليس بواجب‪ ،‬بل قد قاله ابن‬
‫قديمة‪ :‬إن أك!ثر‬
‫أفعال النبي يئه!ه في الصلة مسنونة كير واجبة )‪.(1‬‬
‫ف القدوم‪ ،‬والرمل‪،‬‬ ‫وكذلك صفة أداء المناسك‪ ،‬من طوا ِ‬
‫والنطباع‪ ،‬وركعتي الطواف‪ ،‬والصلة داخل الكعبة‪،‬‬
‫والشرب من ماء زمزم‪ ،‬والسعي مع الهرولة‪ ،‬إلى غير‬
‫ذلك‪.‬‬
‫فما يقوله جمهور الصوليين‪ ،‬من أن الفعل الواقع بيانا‬
‫لواجب فهو واجب‪ ،‬مشكل‪ .‬لنه يقتضي أن جميع ما فعله‬
‫به في الصلة التي صلها بيانا هو واجب‪ ،‬وكذلك جميع‬
‫أفعاله في أخذ" الزكاة‪ ،‬وفي الحج‪ ،‬وغير ذلك مما فحله‬
‫بيانًا‪ .‬وهذا ما ل يقول به من الفقهاء أحد‪.‬‬
‫قال ابن دقيق العيد في ما ورد أن النبي جمع كان يقرأ‬
‫قي الصلة سورة بعد الفاتحة‪ :‬لقد اذن هي في كثير من‬
‫صد إثبات وجوبها أنها بيان لمجمل‪ .‬وهذا‬ ‫الفعال التي ق ِ‬
‫ً‬
‫ع مما يحتاج إلى إخراجه من كونه بيانا أو أن يفرق‬ ‫الموض ِ‬
‫بينه وبي ما ادعي فيه كونه بيانات من الفعال‪ ،‬زمانه‬
‫ليس معه له تلك المواضع إل مجرد الفعل‪ ،‬وهو موجودهنا!‬
‫)‪.(2‬‬
‫وقد تصدى لهذه المسألة أبو يعلى الحنبلي‪ .‬وكان رأيه أن‬
‫ا‪:‬جزء الذي أجمعوا‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫على أنه بيان‪ ،‬يكون بيانا وإل فل؟ قال‪" :‬ليس كل فعله‬
‫ي الصلة‬ ‫يخص فن ّ‬

‫)‪ (1‬المغني ‪553/1‬‬


‫)‪ 1 (2‬لح! أم ‪294 244 /1‬‬

‫) ‪(1/288‬‬
‫والصدقة بيانا للجودة التي في الكتاب‪ ،‬لنه لو صلى‬
‫ل عله أنه بيان لقوله تعالى‪ 1) :‬قيموا الصلة!‪،‬‬ ‫لنفسه‪ /‬يد ّ‬
‫ولو تصدق بصدقة‪ /،‬يدل على أنها مرافق ة بقوله تعالى‪:‬‬
‫مع الناس على أنة‬ ‫)وآتوا الزكاة!‪ .‬وأنما وجه البيان ما ئح ِ‬
‫من المكتوبات‪ ،‬لن ما يفعله في نفسه‪ /‬يثبت أنه فعله‬
‫فرضا ً فل يكون فيه دللة على أنه فعله بيانًا" )‪.(1‬‬
‫وعندي أن هذا ل يكفي لحل الشكال إذ ل يمكن توقف‬
‫فهم الحكام على الجماع‪ .‬بل ما أجمعوا على أنه يعلن‬
‫كعدد ركعات الصلة فهل بيان بل شك‪ ،‬وما أجمعوا على‬
‫أنه ليس بيانا كالتثليث في غسله اليدين‪ ،‬فليس هو بيانا ً‬
‫بل شك‪ .‬وأما ما‪ /‬يجمعوا فيه بنفي ول إثبات فقول أبي‬
‫يعلى يقتضي منع كونه بيانا ً مع أنه اتفق على أنه يمكن‬
‫تعليق البيان بالفعل بقول من النحل‪ !-‬كما تقدم في‬
‫الطريق الولى‪ ،‬والنص عله الحكم كالجماع عليه‪ ،‬بل هو‬
‫أولى‪.‬‬
‫فل يزال الشكال قائما‪ ،‬والقاعدة التي ذكرها الصوليون‬
‫مع قوله !‪:‬‬
‫‪ 9‬صّلوا كما‪ ...‬وخذوا عني‪ " ..،‬تقتلهما أنه بيان‪ ،‬فيكون‬
‫واجبا ً ويكون الصل في ما فعله النبي ! في الصلة‬
‫والحج‪ ،‬أنه للوجوب‪.‬‬
‫وهذه النتيجة مخالفة للواقع‪ .‬بل إن أكل ما فعله !كل!‬
‫في هات!سن لعبادتين هو مستحدث وليس بواجب‪.‬‬
‫وسلك ابن دقيق العيد طريقا ً آخر لحل ذلك الشكال‪،‬‬
‫فقال‪" :‬ما ثبت استمرار فعل النبي صل عليه دائما‪ ،‬دخل‬
‫تحت المر كما هو في قوله ! لمالك بن الحويرب‪ :‬وصّلوا‬
‫كما رأيتموف! أصلي " وكان واجبًا‪ .‬وبعض ذلك مقطوع به‪-‬‬
‫أي مقطوع باستمرار فعله له‪ -‬وما لم يقم دليل على‬
‫ى تعلق المر باتباع الصلة عل‬ ‫وجوده في تلك الصلوات الت ِ‬
‫جَزم بتناول المر لها )‪.(2‬‬‫صفتها‪ ،‬ل ي ُ ْ‬
‫وفي هذا المسلك ما فيه‪ ،‬أتراه !ن! في الصلوات التي‬
‫صلها أثناء!فهد جماعة‬
‫مالك بن الحويرب‪ ،‬ترك ما كان يواظب عليه من‬
‫المستحبات جمع القوال والفعال‬

‫)‪ (1‬أبو يعلي الحنبلي‪ :‬العدة ق ‪17‬‬


‫)‪ (2‬إحكام الحكام ‪295 257/1‬‬

‫) ‪(1/289‬‬
‫والهيئات‪ ،‬كالجهر والسرار‪ ،‬وتعديد التسبيح والذكار‪،‬‬
‫والتحرك في التشهد‪ ،‬وقراءة سورة بعد الفاتحة؟ يغلب‬
‫م لبن دقيق‬ ‫على الظن أنه !‪ /‬يتولى شيئا من ذلك‪ ،‬ول يت ّ‬
‫العيد مسلكه‪.‬‬
‫ونحن رقد أخذنا على عاتقنا بحث مسائل الفعال النبوية‬
‫ل يسعنا إل أن‬
‫نعطي هذه المسألة مزيدا من الهتمام‪ ،‬وخاصة في‬
‫مسائل الصلة والحج‪ ،‬كنموذج لغيرها‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬إن الدين مكون من أربع حلقات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬إن لفظ )الصلة( المور بها في قوله تعالى‪:‬‬
‫)أقيموا ْ الصلة!‬
‫و )الحج( في قوله‪) :‬ولثه على الناس حج البيشهـ هما من‬
‫المجمل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬والمر للوجوب‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬وقوله !‪" :‬صلوا ما رأيتموني أصلي " ود خذوا عني‬
‫مناسككم "‬
‫دليل على أن أفعاله‪ ،‬في الصلة والحج بيان للمجمل‪.‬‬
‫الرابعة‪ :‬والبيان حكمه حكام المبين‪.‬‬
‫فتكون النتيجة‪ :‬أن أفعاله عن في الصلة والحج واجبة‪.‬‬
‫ونجيب عن هذه النتيجة بجوابين‪ :‬مجمل ومفصل‪.‬‬
‫أما المجمل‪ ،‬فلو أنها كانت صحيحة لقتضت وجوب جميع‬
‫أفعاله صلته‬
‫ً‬
‫وحجه عن‪ .‬وهو مردود يقينا وقد تقدم النقل عن ابن‬
‫دقيق العيد في الصلة بخصوصها‪.‬‬
‫وأما الحج فقد قال السبكي في قواعده‪ ،‬في شان ركعتي‬
‫الطواف‪ 9 :‬فأما‬
‫قوله له‪ :‬أخذوا عني مناسككم "‪ ،‬فل دللة له على وجوب‬
‫شيء خاص منها لن المناسك وعامة في( )‪ (1‬الواجب‬
‫والمندوب‪ ،‬وإذا احُتخ! به في وجود فعل شيء‬
‫)‪ (1‬في الصل المخطوط كلمة غر مقروءة‪ ،‬والسياق‬
‫يقتضي ما ذكرنا‪.‬‬
‫‪296‬‬

‫) ‪(1/290‬‬

‫ص لزم طرده في الجميع‪ ،‬كالرمل‪ ،‬والنطباع‪ ،‬وسائر‬‫خا ّ‬


‫المكنونات ل )‪.(1‬‬
‫وأما الجواب المفصل‪ ،‬فإن الخلل ل شك‪ ،‬هو في واحدة‬
‫أو أك!ثر‪ ،‬من هذه الحلقات الربع‪.‬‬
‫فالحلقة الولى‪ :‬صحيحة ول نظير فيها‪.‬‬
‫وأما الثانية‪ :‬فإنه وإن أختلف الصوليون في دللة المر‬
‫على الوجوب؟ فل اشكاله في أن الصلة والحج واجبان‪،‬‬
‫ولكنهما يشتملن على أفعال مندوبة فيه‪ ،‬ول يمكن‬
‫إيقاعهما على الواجب مفصرل من المستحق أت‪ ،‬إل‬
‫بتكق! كث!ير‪.‬‬
‫وأما الثالثة والرابعة‪ :‬ففيهما نظر‪.‬‬
‫فأما الحديث الول‪ :‬وهو قول النبي بع‪ :‬وصلوا كهذا‬
‫رأيتموني أصلي " فهو‬
‫في قصة وفود مالك بن الحويرب ورفاقه‪ ،‬على النبي ئي‪.‬‬
‫أخا آخر العهد المدني‪ .‬وقد أورد قصة وفرده أكد أصحاب‬
‫كتب الحديث المشهورة دون قوله يا لهم‪" :‬صلوا كما‬
‫رأيتموني أصلي " وهذه الزيادة ذكرها البخاري وأحمد‬
‫والدارمي دون غيرهم‪.‬‬
‫وفي أكثر روايات البخاري وأحمد ذكرت القصة بدون هذه‬
‫الزيادة وهي دائرة‬
‫ء!لى أبو قرابة‪ .‬والزيادة من الثقة مقبولة‪.‬‬
‫ونوه في إحدى روايات البخاري كما يلي‪:‬‬
‫قال البخاري‪ :‬حدثنا مسعد‪ ،‬حدثنا إسماعيل‪ ،‬حدثنا أيوب‪،‬‬
‫عن أبي صلبة‪ ،‬عن أبي سليمان مالك بن الحويرب‪ ،‬قال‪:‬‬
‫مقاربون‪ .‬فأقمنا عنده‬‫ئ يد ونحن شب ََبة م ّ‬
‫يأتينا النبي ً‬
‫عشرين ليلة‪ .‬فظن أنا اشتقنا أهلنا‪ ،‬وسألنا عمن تركنا‬
‫في أهلنا‪ ،‬فأخبرناه‪ .‬وكان رقيقا رحيمًا‪ ،‬فقال‪ :‬ارجعوا‬
‫إلى أهليكم فعلموهم‬
‫)‪ (1‬السبكي‪ :‬القواعدي ‪ 116‬ب‪.‬‬
‫‪297‬‬

‫) ‪(1/291‬‬

‫مُروهم‪ ،‬وصلوا كما رأيتموني أصلي‪ ،‬وإذا حضرت الصلة‬ ‫و ُ‬


‫فليؤذن لكم أحدكم‪ ،‬ثم ليؤمكم أكبركم " )؟(‪.‬‬
‫فإن صحت هذه الزيادة؟ فالكلم عنها في باب الفعالى‬
‫متردد بي طريقين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن المر في قوله‪" :‬صلوا كما رأيتموني أصلي !‬
‫للوجوب‪ .‬فيدل على‬
‫أن الصل في أفعاله ! في الصلة الوجوب‪-‬‬
‫الشافي‪ :‬وهو الذي نعتمده‪ ،‬أن المر للمرشد‪ ،‬وهو إرشاد‬
‫لقوم مخصوصين‪ ،‬فهم شباب من البادية‪ ،‬حديث عهدهم‬
‫بالسلم‪ /،‬يقيموا عند النبي جمعه مدة تكفي أن يتعلموا‬
‫جميع الحكلم‪ ،‬بل عشرين يوما فقط‪ ،‬وحملهم الشوق‬
‫إلى أهلهم‪ ،‬لصغر أسنانهم‪ ،‬وعنفوان شبابهم‪ ،‬على أن‬
‫يستعجلوا المسهير‪ .‬فأوصاهم النبي ! تلك الوصية‪.‬‬
‫فهل تصلح تلك الوصية أن تكون قاعدة عامة؟ ويكون‬
‫الحكم في حق سائر الصحابة وضمائر المة كذلك‪.‬‬
‫شكل‪ ،‬بل كما يجوز أن يقال لمن يسير في طريق يجهلها‪:‬‬
‫‪ 9‬سر وراء فلن‪ ،‬واصنع ما يصنع ! لن هذه ها العلمة‬
‫الوحيدة الميسورة‪ ،‬مع أن فلنًاا لمتبوع قد يميل عن‬
‫الطريق يمنة أو يسرة يستطرد لغرض خاص‪ ،‬فيضطر‬
‫التابع له أن يسير خلفه‪ .‬وقد يصنع المتبوع أشياء ليست‬
‫ضرورية فيفعلها التابع‪ ،‬فكذلك المر في قصة مالك بن‬
‫الحويرب رضي الّله عنه‪.‬‬
‫و‪ /‬تحفظ هذه اللفظة!صلرا كما رأيتموني أصلي ! عن غير‬
‫مالك بن الحويرب‪ ،‬فيبعد أن تكون قاعدة عامة ا‪ !،‬علن‪،‬‬
‫ول يبّثها النبي عن في أصحابه‪ ،‬إذ لو بّثها لبعد أدب ل‬
‫ينقلها كبار النقلة من الصحابة‪.‬‬
‫وفي حديث عالك بن الحويرب أنه كان يجلسه بعد الركعة‬
‫الولمب وبعد الثالثة‪ ،‬وهي الجلسة المسمماة جلسة‬
‫ه‪ ،‬والتي يمنعها أكد الفقهاء‪ ،‬كمالك‬ ‫الستراح ّ‬
‫)‪ (1‬فتح البارز ‪!37/1 5‬ا‪ 438 ،‬وانظر أطراف الحديث في‬
‫المصدر نفسه ‪298 1 1 0 /1‬‬

‫) ‪(1/292‬‬

‫رأبي حنيفة والشافعي قي قول "؟( وأحمد في رواية )‬


‫‪ ،(3‬وكان مالك بن الحويرنث يعلمها الناس‪ ،‬ولم ينقل‬
‫فعلها عن أحد من الصحابة غيره "‪.(3‬‬
‫ه‪-‬ريو‪) :‬صلوأ ما رأيتموني‬‫ولت ِ ِ‬
‫وغاية ما يصح أن يقال في ق ْ‬
‫أصلي ! إنها إرشاد‬
‫من النبي به لمالك‪ ،‬ومن كان في مثل حاله رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬ممن‪ /‬يسعفه الوقت للتعلم‪ ،‬والتفريق بين واجبات‬
‫الصلة وسننها‪ ،‬وما ليس من واجباتها‪ ،‬ول من سننها‪،‬‬
‫فيقال له‪ :‬اصنع مثل فعل فلن من الناس‪ ،‬وفلن ممن‬
‫يحسن الصلة‪ .‬فيشابهه قي الصورة دون القصد‪.‬‬
‫أما أن يكون كل ما فعله النبي لمجد في الصلة بيانًا‪،‬‬
‫ويكون بذلك واجبا‪،‬‬
‫فذلك أمر يتجاوز ما يدل عليه هذا الحديث بملبساته‬
‫الواردة!ا كتب السنة‪ .‬بلى هذه واقعة حال‪ -‬ووقائع‬
‫الحوال مشهور الكلم فيها‪ .‬فل عمله على العموم‪ ،‬لن‬
‫الخطاب فيها موجه إلى مالك وصحبه‪ ،‬فل يشاركهم في‬
‫المدلول إل من كان في مثل حالهم )‪.(4‬‬
‫أما من سواهم من أهل العلم‪ ،‬من المجتهدين والمتفرغة‪،‬‬
‫فعليهم أن يعتمدوا في التفريق بين واجبات الصلة‬
‫وسننها على الدلئل الكثيرة المبثوثة في الكتاب والسنة‪.‬‬
‫فإن لم يكن ثم شيء يميز بينها فإنها تكون من الفعال‬
‫المجردة‪ ،‬وسيأتي حكمها إن شاء ألمه‪.‬‬
‫جواب أخر‪ :‬وقد أجاب به أبو شامة‪ :‬سلمنا أن الحديث يدل‬
‫على أن صلته به بيان‪ ،‬لكنها بيان للصلة المطلوبة من‬
‫المسلمة‪ ،‬بواجباتها وسننها وما يجوز فيها‪ ،‬فلماذا يحمله‬
‫فعله ! على أنه للراكب خاصة؟‪.‬‬
‫بل الناتج من كون صلته بيانا ً أن يكون كله فعل فعله !‬
‫في الصلة دائرا ً‬
‫بين هذه النبا الثلثة‪ ،‬والعملق تمييز بعضها عن بعض إما‬
‫القول‪ ،‬وإما‬

‫)‪ (1‬ابن دقيق العيد‪ :‬الحكام ‪ (3) 225/1‬المصدر السابق‬


‫‪529/1‬‬
‫)‪ (2‬ابن قدامها‪ :‬المغني ‪ (41 529/1‬وانظر‪ :‬التحقتا لبي‬
‫ه‪299 .‬‬
‫شام ّ‬
‫) ‪(1/293‬‬

‫الجماع‪ ،‬ربما القرائن الخرى‪ ،‬ول يصلح الفعل وحده دليل ً‬


‫ولذلك قال القصاص‪:‬أ أمرنا بالقتداء به ئع! على وصف‬
‫ّ‬
‫هو أن نصلي كما رأيناه يصلي‪ .‬فنحتاج أن نعلم كيف صلى‬
‫من ندب أرفرف فنفعل مثله " )‪.(1‬‬
‫فإن لم يوجد دليل مميز‪ ،‬فنحن قاطعون بأن الفعل ليس‬
‫بيانا ً للحكم بل يدخل في ما يأتي من الفعل المجرد‪ ،‬في‬
‫الفصل التالي إن شاء اثهء‬
‫وأما الحديث الثاني‪ :‬هو!خذوا عني مناسككلم " فهو‬
‫خطاب عام للمة‪،‬‬
‫ول يمكن فيه دعوى الخصوص‪ ،‬لنه‪ !-‬قاله لجمهور‬
‫الحجاج‪ ،‬وهو على بعيره يرمي جمرة العقبة )‪ *(2‬وفي‬
‫رواية‪:‬أ قاله قبل يوم التروية وخروجهم للحج‪ .‬فل يرد هنا‬
‫ما قلناه في الحديث الول من امتناع دللته على البيان‬
‫العام ! )‪.(3‬‬
‫ولما الوجه الخر الذي قلناه في الحديث السابق فيأتي‬
‫هنا‪ ،‬فإن النبي دون‬
‫فعل في حجته أفعال الحج كلها من واجب‪ ،‬ومندوبه‪ .‬ول‬
‫يتميز بالفعل راتبه من مندوبه‪ ،‬فل يصلح الفعل بيانا في‬
‫ذلك‪ ،‬ما‪ /‬يقترن بكل فعل جزئي قرينة تدل على أنه بيان‪.‬‬
‫ويضاف هنا وجه ثالث‪ ،‬وهو أن قوله عن‪ :‬أخذوا عني‬
‫مناسككم " ل يتفق‬
‫أن يكلون المراد به ملحظة( فعاله بخصوصها‪ ،‬بل يصدق‬
‫على الخذ عنه !خ! من أقواله بسؤاله عما يشكل عليهم‪،‬‬
‫والستماع إلى ما يأمر به ويرشد إليه‪-‬‬
‫فاقمت ما يدل عليه الحديث‪ ،‬أن يدل على مشروعية‬
‫أفعاله يئه! في الحج‪،‬‬
‫أما التفريق بين واجبها ومندوبها فل بد من المصير إلى‬
‫وجه آخر في الدللة على ذلك‪ .‬وحكم أفعاله ! من هذه‬
‫الناحية حكم سائر الفعال المجردة‪ .‬والخلصة‪ :‬أن هذين ا‪-‬‬
‫حديثين ل يصلحان دليل على أن أفعاله ئي في‬
‫)‪ (1‬أصول الرصاص ق ‪.1210‬‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم وكتاب الحج ح ‪ (31 0‬ومسند أحمد‬
‫‪ (3) 328 ،327 ،318/3‬مسند أحمد ‪366/3‬‬
‫‪300‬‬

‫) ‪(1/294‬‬

‫الصلة والحج واجبة‪ ،‬بناء على أنها بيان للواجب‪ .‬بل‬


‫أفعاله جنيه في هاتين العبادتن مختلطة واجبها بمندوبها‬
‫غيي متميزة‪ ،‬والعمدة في تمييز ذلك على الدلة الخرى‪.‬‬
‫وينظر في كل فعل بخصوصه ما يحتف به منه القرائن‪.‬‬
‫لقد كثر في كلم الفقهاء إيجاب كثير من أفعاله ضؤ في‬
‫الصلة والحج اعتمادا‬
‫على أن هذين الحديث!!ن دليل على أن أفعال النبي ي‬
‫في الصلة والحج بيان للمجمل الواجب‪ ،‬ول يوجبون أفعال‬
‫منها كثيرة أخرى‪ ،‬حتى ليعجب الناظر من تفريقهم في‬
‫ذلك‪.‬‬
‫والصواب إن شلل الله ما ذكرناه من أد أفعاله ! فيهما‬
‫ليست مميزة للواجب‬
‫من المندوب إل فعل ً خاصا عليه دللة خاصة‪ ،‬أنه بيان‬
‫لذلك‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫الختلف في أن ما ورد عليه الفعل مجمل أو كير مجمل‪:‬‬
‫إن الفعل إذا ورد وله علقة بنص قرآفإ‪ ،‬فل بد من اعتبار‬
‫ص‬
‫كون الن ّ‬
‫ت أنه مجمل‪/،‬‬ ‫مجمًل حتى يكون الفعل بيانا له‪ ،‬فمن لم ي ُث ْب ِ ْ‬
‫يكن الفعل عنده بيانا ً ويتبين ذلك بمثالب فرعئ!سن‬
‫الولى‪ :‬قوله تعالى!ه آية الوخز‪) :‬وأيديكم إلى المرافق !‪،‬‬
‫مع فعله !‬
‫في وضوئه‪ ،‬فإنه ‪ 9‬أدار الماء عل مرفقيه "‪.‬‬
‫من العلماء من قال إن )إلى( مجمل‪ ،‬لنه يكون بمعنى‬
‫انتهاء الغاية‪ ،‬ويكون‬
‫بمعنى )مع(‪ ،‬فهو مشترك‪ ،‬والمشترك مجمل‪ ،‬فجاء الفعل‬
‫مبينا أن وإلى( بمعنى )معه دون معنى انتهاء الغاية‪،‬‬
‫واقتضى ذلك وجوب غسلي المرفقين )‪.(1‬‬
‫ونهم من قال إن )إل( واضع‪ ،‬لنتهلر الغاية؟ وذلك بين‪،‬‬
‫فل يكلون‬
‫فعله يا بيانا )‪ ،(2‬وبكون غسله ! لمرفقيه منم!بأ‪.‬‬
‫)‪ (1‬ابن قديمة‪ :‬المغني ‪ 122/1‬وانظر تيسير التحرير ‪/3‬‬
‫‪ (2) 121 ،125‬التقرير والتحبير ‪ 3 5 2/2‬ابن دقيق العيد‪:‬‬
‫الحكللم ‪36/1‬‬
‫؟‪30‬‬

‫) ‪(1/295‬‬

‫وقد قال بالوجوب عطاء ومالئه والشافعي وأصحاب‬


‫الرأي‪ .‬وقال بعضا أصحاب مالك وديور ل يجب‪ ،‬وحكى ذلك‬
‫عن زفر‪.‬‬
‫الفرع الثاني‪ :‬أ‪! ،‬ه!نهمة‪ ،‬في الوضوء‪ ،‬هي واجبة عند‬
‫أحمد وابن أب ليلى‪ ،‬مسنونة عند الحنفية والمالكية‬
‫والشافعية‪ .‬فمن قال بوجوبها فوجهته عنده أن الله قال‬
‫في شأن الود )فاغسلوا وجوهكم ! بالفم يحتمل أنه داخل‬
‫في مسمى )الوجه( ويحتمل أنه ليس بداخل لنه غير‬
‫مواجه‪ .‬فكان ما فعله النبي جمع من المضمضة بيانا ً فيدلر‬
‫على أن الفم من الوجه‪ ،‬فيجب غسله‪.‬‬
‫ومن قال بأنها مستحبة فهو يقول‪ :‬الفم كير داخل قطعا‬
‫في مسمى الوجه‪،‬‬
‫وما فعله النبي !ف!ه من المضمضة زيادة فعلية صرفة‪،‬‬
‫فتكون مستحبة‪.‬‬
‫‪352‬‬

‫) ‪(1/296‬‬

‫ي‬
‫المبحث السابع الفعل ألمم!الي الضنفيذ ّ‬
‫ما يفعله عاقة المسلمين الملتزمين‪ ،‬من الفعال التي‬
‫طلبنا الله تعالى منهم في‬
‫كتابه أو على لسان رسوله‪ ،‬يفعلون تنفيذا وامتثال للوامر‬
‫والتوجيهات اللهية‪.‬‬
‫وهم حين يقولون ذلك ل يقصدون تبيين أمر خفي أو‬
‫دعوة معينة‪.‬‬
‫جهت إليه‬ ‫و ّ‬
‫والنبي ! لما كان واحدا من المة‪ ،‬وقد ُ‬
‫التكاليف‪ ،‬وهو أول المسلمين‪ ،‬فهو يؤدي تلك التكاليف‪،‬‬
‫طاعة لمر ربه‪ ،‬وتلبية لدعوته‪ .‬فأفعاله التي يستجيب بها‬
‫للتكاليف اللهية‪ ،‬هي أفعال امتثالية‪.‬‬
‫لكننا نبّين مرادنا بالفعل المتثالي هنا بما يلي‪:‬‬
‫فما فعله في امتثاًل لطلب خاص به‪ ،‬كقيم الليل‪ ،‬فهو من‬
‫الخصائص وقد‬
‫تقدم بحثها‪.‬‬
‫صد به من الفتثال! بيان مجمل أو‬ ‫ق َ‬‫وما فعله امتثاًل‪ ،‬و َ‬
‫مشكل‪ ،‬فهو من‬
‫الفعل البياف! الذي تقدم ذكره‪ ،‬وهو في إفادة الحكام‬
‫أعلى درجة من الفعل المراد به مجرد المتثال‪ .‬ومن أجل‬
‫ذلك فليس مرادا ً هنا‪.‬‬
‫وما احتمل أن يكون امتثال لطلب إلهي‪ ،‬أل أننا لم نعلم‬
‫ذلك الطلب ما‬
‫هو‪ ،‬فليس مرادا هنا‪ ،‬بل يدخل في الفعل المجّرد الذي‬
‫ياقة ذكره بعد هذا الفصل‪.‬‬
‫كل‪ .‬س‬

‫) ‪(1/297‬‬

‫فللراد هنا خاصة‪ ،‬العلى الذي قصد به مجرد المتثال‬


‫لطلب معلوم لم يثبت‬
‫( له خاصة من نجصائص! النبي !نس!‪.‬‬
‫ومثاله التيان بالشهادة‪ ،‬وأداء الصلة‪ ،‬والصوم والحج‪ ،‬وما‬
‫كان يفعله !‬
‫من القربات إلى الليه تعالى‪ ،‬كما كان يفعله من‬
‫المعاملت والعقود ملتزما فيها ما شرع تعالى‪ ،‬وكافا ً عما‬
‫عما عنه‪.‬‬
‫وكل فعل من أفعاله ! صادر عن الوامر اللهية العامة‬
‫للمكلفين‪ ،‬إذا لم‬
‫يكن فيها إجمال ول خفاء‪ ،‬أوزان فيها إجمال لو خفاء‬
‫ولكن‪ /‬يفعله ! للتبيين‪ ،‬فهو امححالي‪.‬‬
‫وقد قال أبو شامة‪:‬إ وهذا القسم ل حاجة إلى النظر فيه "‬
‫)‪.(1‬‬
‫إل أننا نرى أنه بحاجة إلى النظر من جهات‪ ،‬نعرضها في‬
‫مطالب‪:‬‬
‫المطلب الول‬
‫حكم الفعل المتثالي‪:‬‬
‫يتبين حكمه من الطلب الممتثلة‪ ،‬فإن كان إيجابا فالفعل‬
‫واجب‪ .‬و)ن كان استحبابا ً فالفعل مستحب‪ .‬وكذلك يخص‬
‫جانب الترك إن ترك عن امتثال لطلب تحريمه فالترك‬
‫واجب‪ ،‬أو لطلب كراهة فالترك مستحب‪ ،‬وإن كان الخطاب‬
‫تحليل لباحة فالفعل مباحأ ‪.(3‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫معرفتنا للنمو الممتثل بالفعل المعلق فائدتها ربط الفعل‬
‫المتثالي بالنص الممتثل لتتضح أبعاد الحكم‪.‬‬
‫)‪ 1(1‬لمحقق‪ :‬ق ‪ 2‬بن‬
‫)‪ (2‬في تسمية الفعل المباح امتثال نظر‪ ،‬ويذكر هنا‬
‫لتتميم القسام‪.‬‬
‫‪354‬‬

‫) ‪(1/298‬‬

‫المطلب الثالث‬
‫الطرق التي يمكن بها معرفة النص الممتثل‬
‫هي سمايلي‪:‬‬
‫الطريقة الولى‪ :‬القول من النبي !‪ ،‬كقوله لما صلى على‬
‫ب كبير المنافقين‪ :‬فإن الل خبرني فاخترت‪،‬‬ ‫ابن لب َ‬
‫وليزيدن على السبعين "‪ .‬يشير إلى قوله تعالى‪ :‬واستغفر‬
‫لهم أو ل تستغفرلهم‪! ...‬الية‪.‬‬
‫فغله‪،‬‬‫ومن هذا أن يخبر أدب الله تعالى قد أمره بفعل َ‬
‫كقوله !‪ :‬ما أمرت أن أسجد على سبعة أعظم ))‪ 0(1‬أر‬
‫كه‪ ،‬كقوله له في ترك قتل المخنثة‪ :‬ونهيت عن‬ ‫بترفي تَر َ‬
‫قتل المصلين " )‪.(2‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬أن يفعل الفعل بعد نزولي المر مباشرة‪،‬‬
‫بحيث ل يخفى‬
‫أن فعَله امتثال لذلك المر النازل‪ ،‬وخاصة إن كان سبب‬
‫النزول متعّلقأ بذلك‪ .‬كآية‪ :‬فإن الله يأمركم أن تؤدوا‬
‫المانات إلى( هلها! )‪ .(3‬نزلت في ‪ 3‬خذ النبي ! مفتاح‬
‫الكعبة من بني شيبة‪ ،‬فلما نزلت أعاده إليهم وقال‪" :‬اليوم‬
‫يرم وفاء وبّر" )‪ .(4‬ومثاله أيضا آية المر للنبي ي‬
‫بتخيهيرنساثه فخيرهن ْ)(‪.‬‬
‫وشبيه بهذا أن يبيع الصحاب الراوي ذلك‪ ،‬كما قالت‬
‫عائشة‪ :‬كما صلى‬
‫النبي !ئه! صلة بعد أن نزلت عليه وإذا جلس نصر الله‬
‫والفتح ! إل يقول فيها‪ :‬سبحانك اللهم ربنا وبحمدك‪،‬‬
‫اللهم اغفر لي " )‪ (6‬وفي بعض الرواياقه قالت‬
‫)‪ (1‬متفق عليه والفتح ال!ب!!‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه أبو داود ‪ 276 /13‬وانفرد به وفى سنده مجهول‪.‬‬
‫وحمسنه في وصحيح الجامع الصغير من رواية الطبراني‬
‫بلفظة نهيت عن المصلينأ‪.‬‬
‫)‪ (3‬سورة النساء‪ :‬آية ‪58‬‬
‫)‪ (4‬سيرة ابن هشام بتحقيق مصطفي ا السقا!زميليه ط‬
‫ثانية ‪ 412/3‬لتفسير القرطمى ‪ (5) 356/5‬سورة الحزاب‪:‬‬
‫ه ‪28‬‬
‫آي ّ‬
‫)‪ (6‬البخاري )إحكام الحكام لبن دقيقة ‪296 /1‬‬
‫‪305‬‬

‫) ‪(1/299‬‬

‫ول القرآن "‪ .‬وقد بّين ابن دقيق العيد )‪(1‬‬ ‫عائلة ت ‪ 9‬يتأ ً‬
‫م المر؟ أما‬ ‫أن هذا فيما كان من فعله بعد الفتح‪ ،‬إذ به يت َ‬
‫ما قبل الفتح فما فعله من ذلك يكون فعلًيا بتدائيأ‪.‬‬
‫الطريقة الثالثة‪ :‬أن توجد مناسبة ومطابقة بين العلى‬
‫ونمق معين‪ .‬قال أبو‬
‫الحسين البصري‪" :‬أما ما يعلم به أن فعله أو تركه امتثال‬
‫لدللة نعرفها فهو أن يكون مطابقا لبعض الدلة التي‬
‫نعرفها" )‪.(3‬‬
‫ثم قد تكون المناسبة بسنة مقبولة‪ ،‬وقد تكون خفية‬
‫فيكون في قبولها نظر‪،‬‬
‫وذلك على ثلث درجات‪:‬‬
‫الدرجة الولى‪ :‬أن يكون ذلك بئنأ وواضحا تمام الوضوح‪،‬‬
‫بحيث ل‬
‫يخفى ول يحتاج إلى تطلب الدليل عليه‪ .‬ومثاله سجوده له‬
‫وركوعه في الصلة‪ ،‬هو امتثال ليات المر بالركوع‬
‫والسجود‪ .‬ومثل طوافه جمع بالبيت في حجة الود ‪ 3‬يوم‬
‫النحر‪ ،‬هو امتثال لية )وليطؤفوا بالبيت العتيق !‪.‬‬
‫ثم قد تكون المناسبة خفية يقل التفات العم‪ /‬إليها‪ ،‬فإذا‬
‫نبه إلى ذلك أقر به‪،‬‬
‫ولم يشكل فيه‪ ،‬فيكون من هذه الدرجة‪ ،‬ومثاله ما ورد )‪(3‬‬
‫أن النبي ! لما ذبح في حجة العدل مئة ناقة‪ ،‬أخذ من كل‬
‫ناقة بضعة‪ ،‬فجعلت في قدر وطبخت فشرب من مرقها‪،‬‬
‫فهو تنفيذ لغية )فكلوا منهار‪.‬‬
‫الدرجة الثانية‪ :‬أن يكون الفعل مترًررا ً بين أن يكون امتثال‬
‫لغية معينة أو‬
‫يكون فعل ً مبتدأ‪.‬‬
‫والتردد فيه ناشىء من صلحيته ليكون امتثال ً لتلك المة‬
‫نظرا ً لوجود التناسب‪ ،‬مع إمكان أن ل يكون امتثاله لها‪ ،‬بل‬
‫يكون فعلًيا بتدائيأ مجردا ً‬
‫وقد نقل السرخسي عن الحنفّية أن فعل النبي !ئهيرو أو‬
‫قوله إذا ورد موافقا لما‬
‫)‪ (1‬إحكام الحكام شرح عمدة الحكام ‪299 /1‬‬
‫)‪ (2‬المعتمد ‪386/1‬‬
‫)‪ (3‬رواه مسلم وأبو داود والنسائي منا حديث جابر‬
‫الطويل يخص صفها حجهم الودل! وجامع‬
‫ا أأ صرح ‪(245 /4‬‬
‫‪356‬‬

‫) ‪(1/300‬‬

‫يخص القرآن يجعل صادرا عن القرآن‪ .‬قال‪ :‬والشافعية‬


‫يجعلونه مبتدأ حتى يقوم الدليل على خلفه )‪ .(1‬قاله‪:‬‬
‫مم في حق الجنب صادر عهدا‬ ‫وعلى هذا فبيانه صح التي َ‬
‫في القرآن‪ .‬وبه يتبين أن المراد بقوله تعالما‪ :‬وأو لمستم‬
‫النساء! الجماع دون المسح باليد وهم‪ -‬يعني الشافعية‪-‬‬
‫يجعلون ذلك بيان حكم مبتدأ‪ ،‬ومجدلون قوله‪ :‬وأو‬
‫لمستم ! على المس باليد‪ ،‬لنه يحتمله أنه يكونا صادرا‬
‫عما في القرآن‪ ،‬وجمتمل أن يكون شرع حكم مبتدأ‪ ،‬وهو‬
‫في الظاهر غير متصل بالية‪ ،‬فيحمل عل أنه بيان حكم‬
‫مبتدأ باعتبار الظاهر‪ ،‬لما فيه من زيادة الفائدة*‬
‫وقال أبو شامة‪ :‬وإذا فعل جمع فعل يوافق ما ورد به‬
‫القرآن العزيز كالوضوء والغتسال! والصيام فإن ذلئط‬
‫يكون تنفيذا لما أعر به "‪ (2،‬وقال القاضي أبو بكر؟( أ‬
‫يجوز مع ذلك أن يكون فرضا ابتدأ به‪ ،‬وما يلزمنا خاصة‪ ،‬أو‬
‫ل آخر" ! فل بد من إشعار لنا بأنه فعله‬ ‫يلزمنا وإياه‪ ،‬فع ٌ‬
‫ائباعأ لحكم المة‪ ،‬وال فجواز ما قلناه قائم‪ :‬وقال أبو‬
‫شامة وفي هذا الكلم نظري‪.(4،‬‬
‫وهذا المثال ْ)( هو من أفراد الفعل البياف!‪ ،‬ولكن القول‬
‫في المتثالي من نفس الباب‪ ،‬ل فرق في ذلك‪.‬‬
‫وأما أبو يعلى الحنبلي فإنه يرى أن الظاهر!ا الفعل‬
‫الموافق للية أنه امتثال‬
‫لها‪ .‬قال‪ :‬ألنه نجلو ل يترك فعل ً أوجبه أله عليه‪ ،‬أو ندبه‬
‫إليه‪ .،‬وهو بالله يوافق ما نقله السرخسي عن الحنفية‪-‬‬
‫والذي نراه أن قوله الحنفية ومن وافقهم في ذلك أولى‬
‫بالصحة من قول من‬
‫)‪ .(1‬ينقل عن الثافعي( له قال‪" :‬ما سئلت صحاب محمدا‬
‫عن شيء إل وعلمه في القرآن ولكن علمنا قصر عنه "‪.‬‬
‫فإن صح هذا الهتفل كان تحالفا ً لما نقله السرخسي كن‬
‫شافعمة‪ .‬فلينظر وليحرر‪.‬‬ ‫ال ّ‬
‫)‪ (2‬البحر المحيط للزركشي ‪ 252/2‬ب )‪ (3‬هو الباكئب‬
‫ى ق ‪ 5‬ب‪ ،‬كل(‪ (5) .‬المقصود مثال‬ ‫)‪ (4‬أبو!ثامة‪ :‬المحق ّ‬
‫التيمم‪.‬‬
‫‪307‬‬

‫) ‪(1/301‬‬

‫خالفهم نظرا لنه مجده مبعوث بالقرآن ليعمل به ويدعو‬


‫إليه‪ ،‬قالي ألذ تعالى‪ :‬فقل إنما أوجع ما يوحى إلي من‬
‫ربن هذا نجصائر من ربكم !‪.(11‬‬
‫وقد تقدمت الشارة إلى ذلكم‬
‫الدرجة الثالثة‪ :‬أن تكون المناسبة خفية جدا ً بحيث يقرن‬
‫اعتبار الفعل‬
‫تطبيقا للمية المعينة نوعا من التحكم‪ ،‬فل ينبغي المصير‬
‫إليه‪.‬‬
‫المطلب الرابع‬
‫دللة الفعل ألمتئالي‪:‬‬
‫يقال هنا مثل ما تقدم قوله في الفعل البياتي‪ ،‬من أن‬
‫دللته مؤكدة لدللة‬
‫النص الممتثل‪ .‬والفعل حينئذ علمة على الحكام‪ ،‬وليس‬
‫مؤثرا له‪ .‬فيدل على الوجوب إن كان امتثال لواجب‪ ،‬وعلى‬
‫الندب إن كان امتثال ً للندب‪ ،‬وال فعلى الباحة‪ ،‬وقال أبو‬
‫الحسن المصرفي‪ :‬فإن امتثل !نه! فيها ويعني أفعالهم‬
‫طريقة معروفة لنا فإن ذلك ل يمنع من كون فعله دللة‬
‫لنا أيضا على أننا متعبدون بمثله !‪ -‬على حلو لو انفرد‬
‫أحدهما لفعْلنا الفعل لجله ‪.9‬‬
‫وقد يفيد فواثد( قرى‪:‬‬
‫ا‪ -‬فيجوز التخصيص بالفعل المتثالي أي مخالفة العمرة‪،‬‬
‫ومثاله أن‬
‫النبي كل صلى بالمسجد الحرام‪ ،‬والناس‪+‬لجرون بين‬
‫يدبر‪ ،‬خلق به فقيه عن الصلة إل بسترة‪.‬‬
‫‪ -2‬ويجوز الممييد به‪ .‬فالمر القرآني الوارد يغسل‬
‫العضاء في الوضوء مطلق‬
‫من جهها العدد‪ ،‬قيوده عنه بفعله‪ ،‬فغسل مرة ومرتل!ن‬
‫وثلثا ً ولم يزد‪ .‬وقد أبى مالك اعتبار العدد‪ .‬قال ابن‬
‫قديمة‪" :‬الوضوء مرة مرة‪ ،‬والثلث أفضله‪ .‬هذا قول أكثر‬
‫ه ‪203‬‬‫)‪ (1‬سورة المر أف‪ :‬آي َ‬
‫‪308‬‬

‫) ‪(1/302‬‬

‫!!ل العلم‪ ،‬إّل( ن مالكا ً يوقت مرة ول ثلثا ً قال‪ :‬إنما قال‬
‫الله ة )فاغسلوا وجوهكم ! )‪.(1‬‬
‫ومثله التراويح عند الظاهرية‪ ،‬المر بها مطلق من جهة‬
‫العدد‪ ،‬وفي الحديث‬
‫عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت‪ :‬سالم يكن النبي !‬
‫يزيد في رمضان ول في غيره على!حدى عشرة ركعة" )‪(3‬‬
‫ركز الئمة على عدم الوقوف عند هذا العدوى‪ ،‬فاختار‬
‫أحمد والشافعي وأبو حنيفة ثلثا ً وعشرين لفعل عمر‪،‬‬
‫واختار مالك تسعا وثلثين كعمل أهل المدينة‪ ،‬و‪ /‬يقل أحد‬
‫من متقدمي عللي المة بالوقوف عندما فعله ! فيما نعلم‬
‫ما عدا بعض الظاهرية يو‪ .‬قال النووي‪ 9 :‬قال القاضي‪:‬‬
‫ول خلف أنه ليس في ذلك حدث ل يزاد عليه ول ينقص‬
‫منه‪ .‬وإن صلة الليلة من الطاعات التي كلما زاد فيها زاد‬
‫الجر‪ ،‬وإنما الخلف في فعل النبي له وما!تاره لنفسه " )‬
‫‪.(4‬‬
‫ووجه ما رآه الئمة الربعة أن المر الوارد من الله تعالى‬
‫مطلق‪ ،‬يتوفى بالتهجد بأي عدد كان‪ .‬وما فعله جمني ل‬
‫يزيد عن أن يكون اختارعددأ يناسبه‪ ،‬ثم حافظ عليه‪ ،‬لنها‬
‫هة!‪ .‬فل يدل ذلك على وجوب ما اختاره من‬ ‫مُله !ي َ‬
‫ع َ‬
‫كان ً‬
‫العدد‪ ،‬ول استحبابه‪ .‬قال الشافعي‪ :‬ورأيت الناس يقومون‬
‫بالمدينة بتسع وثلثة‪ ،‬وبمكة بثلث وعشرين‪ ،‬وليس في‬
‫شيء من ذلك ضيق " ْ)(‪.‬‬
‫الفرق بحسن حالة الفعل البيافط ودللة الفعل المتثليئ‪:‬‬
‫الفعل البياف! مقصود به البيان يانهار المراد بالمجمل‪،‬‬
‫عتنى به مزيد عناية‪.‬‬ ‫وذلك نوع من التعليم‪ .‬فالصل أن ئ ْ‬
‫فإن كان بيان واجب‪ ،‬فل يعمل فيه بالرخص والتيسيرات‬
‫التي يمكن أن تفهم على غير وجهها‪ .‬ول يضاف إليه ما‬
‫هو مسعتحب وليس بواجب‪.‬‬
‫)‪ (1‬المغني ‪ (2) 1 39/1‬مسلم ‪ 18/6‬والبخاري‪.‬‬
‫)‪ (3‬يلمح من كلم ابن حزم انه يرى التقييد بالصور‬
‫الواردة فىف صلة الليل‪ .‬انظر المحلى س‪42/‬‬
‫)‪ (4‬شرح صحيح مسلم ‪ (5) 19/6‬ابن حجر‪ :‬فتح البارز‬
‫‪309 253/4‬‬

‫) ‪(1/303‬‬

‫ب بيانه لئل ينضم إلى‬ ‫ج َ‬


‫فإن انضم إليه شيء من ذلك و َ‬
‫الواجب ما ليس‬
‫منه‪ .‬وليعتبر في ذلك ببيان النبي مجد مواقيت الصلة‪،‬‬
‫فقد إَلى في اليوم الول في أول الوقت‪ ،‬وصلى في‬
‫اليوم الثاني في آخر الوقت‪ ،‬وقال‪ :‬الوقت ما بين هذين‪.‬‬
‫وأيضا قال يطل في عرفات‪ :‬وقفت هنا وعرفة كلها‬
‫موقف‪ .‬وقال في مزدلفة‪:‬‬
‫وقفت هناوجمع كنها موقف‪ .‬وقال في نحره به‪ :‬نحرت‬
‫هنا فجاج مكة كلها منير‪ .‬لئل يتوهم الختصاص بالموضع‬
‫الذي يقف فيه أو نحر‪.‬‬
‫أما الفعل المتثالي فل يلحظ فيه ما يلحظ في الفعل‬
‫البياني‪ -‬بل هو امتثال‬
‫ه‬
‫مجرد‪ ،‬فيداخل الواجب ما ليس منه لُيفعل على وج ٍ‬
‫أكمل‪ .‬فهو أضعف دللة من الفعل البياني‪.‬‬
‫ي مجمل أو نحوه‪.‬‬ ‫ن بالفعل المتثال ّ‬‫‪ -3‬وقد يتبي ّ‬
‫فعقوبته ! للسارق بقطع يده من المفصل‪ ،‬يستفاد منها‬
‫أمران‪:‬‬
‫الولى‪ :‬تأكيد أصل وجوب القطع المستفاد من الهية‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬وجوب أن يكون القطع من المفصل‪ .‬فل يكفي‬
‫قطع الصابع‬
‫مثل ً ول يجوز التجاوز بقطع الساعد‪ .‬فقد تبين به موضع‬
‫القطعة‬
‫ورجه استفادة هذا الحكم الثاني أن )اليد! في الية لفظ‬
‫)مجملى( على قول‪ ،‬لحتمال أن يكون المراد الذ!ل!‬
‫كدها‪ ،‬أو الكف‪ .‬وعلى القول الخر الظاهر من لفظ باليد(‬
‫ن بهذا الفعل المتثالي أن‬ ‫الذ!ل! )‪ ،(1‬وعلى كل فقد تبي ّ‬
‫المراد به قي المة الكف‪.‬‬
‫ل‪ ،‬لكان‬‫م َ‬
‫ن ذلك من الفعل‪ ،‬أن الواجب لو كان أ ّ‬ ‫ووجه تبي ُ‬
‫النبي يا قد‬
‫زاد على الواجب‪ ،‬وهذا ممتنع لتحريم دم المسلم بغير حق‪.‬‬
‫فذكل ما أمر‬ ‫ولوران الواجمبا أكثَر لكان ي قد نقص‪ ،‬و‪ /‬ين ّ‬
‫الله به‪ ،‬وذلك‬
‫مولن يخص حاشية ابن أبي شريف ص ‪175‬‬‫ان انظر ال ّ‬
‫العناني‪ :‬حاشية جمع الجوامع ‪310 97/2‬‬

‫) ‪(1/304‬‬

‫المبحث الثامن‬
‫الفعل المتعدي‬
‫مد ما فعله النبي ! مما له علقة‬
‫المراد بالعلى المتع ّ‬
‫عوبات والمعاملت والقضاء بين الناس ونحو‬ ‫بالغي‪ ،‬من الع َ‬
‫ذلك‪.‬‬
‫ً‬
‫وقد أفرده بعض الصوليين نوعا خاصا من الفعال‪ ،‬منهم‬
‫أبو الحسين‬
‫ا لبصري )‪ ،(1‬وا أز ركني )‪ ،(2‬وا لشوكا في )‪ ،(3‬وغير‬
‫هم‪.‬‬
‫وهو بالنسبة إلى ومهره عن النبي ! وبالنسبة إليه خاصة‪،‬‬
‫ل يعدو أن‬
‫يكون واحدا ً من النبا الخرى؟ لنه إذا جبان أو خاص أو‬
‫بيان أو امتثال‪ ،‬أو ليس كذلك يخشون من الفعل المجرد‪.‬‬
‫فحكم القتداء به ! في ذلك يعلم في موضعه من المباحث‬
‫المشار إليها‪.‬‬
‫أما بالنظر إلى الغير‪ ،‬أعني الشخص الذي تعليق به الفعل‪،‬‬
‫فللفعل صور‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما يوقعه النبي جمع بشخص من العقوبة حيا ً أو‬
‫تعزيرًا( و غرامة‬
‫يدل على أن ما نسب إنما ذلك الشخص وكان سببا ً فيها‬
‫قب‪.‬‬ ‫هو معصية‪ .‬فيفهم منه حكام الفعل الذي فعله المعا َ‬
‫ويفهم منه استحقاق من فعل ذلك الفعل لمثل تلك‬
‫العقوبة‪.‬‬
‫وليال القاضي الباقلني‪ :‬أل يكون المر كذلك إل بتنبيه‬
‫منه شر على أن من‬
‫فعل مثل ذلك استحق مثل تلك العقوبة‪ .‬وقال‪ :‬لنه‪ ،‬وإن‬
‫تقدم ذلك الفعل‪،‬‬

‫)‪ (1‬المعتمد ‪) 387/1‬س( الرشادي ‪36‬‬


‫)‪ 12‬البحر المحيط ‪.1 249 /3‬‬

‫‪311‬‬
‫) ‪(1/305‬‬

‫ذ المال وإيقاع العقوبة‪ ،‬فإنه‬ ‫جب أخ ِ‬‫فإنه ل يتعّين لكونه مو ِ‬


‫ل يمتنع وجود فعل آخر هو المقتفيى للمال والعقوبة" )‬
‫‪ 0 (1‬الـ‪.‬‬
‫أقول‪ :‬وحصول التنبيه يعلق السببية‪ ،‬وأيضا لو قامت‬
‫قرائن الحال كلى ذلك‬
‫كانت كافية‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫دي )آمرأ( أو )نل!‬‫الصورة الثالثية‪ :‬قد يم من الفعل المتع ّ‬
‫يأ(‪ ،‬بمنزلة الخطاب‪ ،‬فيدل كدللة المر والنهي‪ .‬ومثاله أن‬
‫ابن عباس اهتم وحده بالنبي جمع في صلة الليل‪ ،‬فقام‬
‫عن يساره‪ ،‬فأخذ النبي جمع بيده فأقامه عن يمينه )‪.(2‬‬
‫قال ابن حزم‪ 9 :‬هو على الوجوب‪ ،‬لنه وإن كان فعل فهر‬
‫ممينه ينهي له عن الوقوف‬ ‫أمر لبن عباس بالوقوف عن ِ‬
‫عن يساره " )‪.(3‬‬
‫وقالت أبو شامة‪ :‬وذلك على النحو " )‪ (4‬ولحَله َبنى ذلك‬
‫على قاعدته له أن الوجوب والتحريم ل يمكن استفادته‬
‫من مجْرد الفعل‪.‬‬
‫والصواب عندي جعله بمنزلة المر‪ ،‬إذ إن هذا ليس فعل‬
‫مجردًا‪ ،‬بل تدل ّ‬
‫ى‬
‫طبيعته المتعدية السرة‪ ،‬على المراد به‪ ،‬ويرد عليه الخلف‬
‫في مؤداه كما ترد على المر القولم!‪ .‬وقد قال بالوجوب‬
‫في هذا الفرع الحنابلة والظاهرية‪ ،‬وقالت مالك‬
‫والشافعي والحنفية بصحة صلة المنفرد عن يسار المام‪.‬‬
‫ومأخذهم القرينة الدالة على أن المر ليس للوجوب‪ ،‬هي‬
‫طل تحرياته‪ .‬فاز على الجواب ْ)(‪.‬‬ ‫أن النبي !ك!رر‪ /‬ي ُب ْ ِ‬
‫ومثال آخر‪ :‬أن عبداللي بن مسعود كان يصلي وقد وضع‬
‫يسراه على يمناه‪،‬‬
‫فرآه النبي بيع فوضع يمناه على يسراه )‪ .(6‬فذلك !يدل!‬
‫على استحباب وضع اليمنى على اليسرى وكلراهية‬
‫العكسي‪.‬‬
‫)‪ (1‬أبو شامة‪ :‬المحقق ق ‪ (2) .138‬مسلم ‪50 /6‬‬
‫)س( الحكام ‪ (41 429/1‬المحقق ص س ‪2‬‬
‫)‪ (5‬ابن قديمة‪ :‬المغني ‪ /2‬يلي ‪21‬‬
‫)‪ !6‬ا أبوه أود والنسائي وابن ماجه‪ .‬وقال ابن حجر‪:‬‬
‫إسناده حسن ونيل الوطار‬
‫‪312‬‬

‫) ‪(1/306‬‬
‫الصورة الثالثة‪ :‬قضاؤه جم!هه بين اثنين )‪ (6‬له ثلث‬
‫جهات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬الثبات بالله ذات والشهود والقرائن‪ .‬وهو من‬
‫هذه الناحية فعل كسائر الفعال‪ ،‬يقتدى به فيها حسبما‬
‫تقدم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬تقديره لثبوت الواقعة‪ .‬هو مبني عله الظاهر‪،‬‬
‫رئيس يديه على أن المحكوم عليه هو في الباطن ل‪ ،/‬إل‬
‫أن المحكوم له محقق ويجب على المحكوم عليه التسليم‬
‫والرضا بحكمه لمج!يع‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬ما تكلم به على تقدير ثبوت الواقعة‪ ،‬فهو شرع‪،‬‬
‫فإن ثبت لدى القضاء مثل ماثبت لديه !ن!‪ ،‬تعيق الحكام‬
‫بما تكلم به‪.‬‬
‫الصورة الرابعة‪ :‬لو باع أر اشترى من شخص لم يدل ذلك‬
‫على أن المال‬
‫كان موكله في الباطن إذ إن هذا تعامل على أساس‬
‫الظاهر‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر في هذا البحث‪ .‬الزركشي‪ :‬البحر المحيط ‪/20‬‬
‫‪ 01 249‬الشوكاني‪ :‬الرشادي ‪ 36‬عبدالوهاب خلف‪ :‬علم‬
‫ى ق ‪313 .138‬‬‫أصول الفقه ص ‪ 044‬أبو شامة‪ :‬المحق ّ‬
‫) ‪(1/307‬‬

‫المبحث التاسع‬
‫عله صلى الّله عليه وسلم في انتظار الوحي‬ ‫ما ف َ‬
‫هذا النوع جعله الزركشي والشوكاف! قس!أ مستقل من‬
‫ل النبوية‪ .‬ذكر الزركشي )‪ (1‬أن النبي فيه‬ ‫أقسام الفعا ْ‬
‫أبهم إحرامه في الحج‪ ،‬يعني أنه أحرم دون أن يعيق أنه‬
‫يقرن أو يتمتع أو ُيفرد الحج عن العمرة‪ .‬ونقل عن‬
‫ب التأستي به جمعه‪ ،‬فيكون إبهام‬ ‫ح ّ‬
‫ست َ َ‬
‫الشافعية أنه ي ُ ْ‬
‫الحرام أفضل‪ ،‬تاشيًا*‬
‫والقتداء بهذا النوع‪ ،‬على سبيل الستحباب‪ ،‬غير مرضي‪.‬‬
‫ففي منسابة‬
‫إبهام الحرام أنه‪ -‬وإن ثبت أن النبي !! أجلهم الحرام‬
‫منتظرا ً لوحي خاص‪ -‬ل مساس للقتداء به في ذلك بعد‬
‫ىء الوجه‪ ،‬وتبين المر‪.‬‬ ‫مج ِ‬
‫ولكون يدل على أن البهام مباح ل غير‪ .‬إذ لو كان فاسدا ً‬
‫يفعله !ك!يم‪ .‬وانتظار الوحي ل يبيح فعل ما ل يجوز‪.‬‬
‫ويتأكد الجواز بأن علما ً أحرم عند مجيئه من اليمن بمثل ما‬
‫أحرم به النبي عز وهو ل يعلم ما أحرم به النبي‪ ،!-‬وشرط‬
‫القى بالنبي لمره أن يصنع كما صنع هو‪ .‬فهذا إقرار يدل‬
‫على الجواز‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫)‪ (1‬المقصودة )الصفة( حكم الفعل من وجوب أو غيره‪.‬‬
‫وقد يعبر الصوليون عنها يضأ بي )الوجه(‪.‬‬
‫)‪ (2‬البحر المحيط‪ .1 249 /2 :‬إرشاد الفحول ص ‪36‬‬
‫‪4‬؟‪3‬‬

‫) ‪(1/308‬‬

‫جام!ئهما ان ُ‬
‫ل البر‬ ‫فصغل ال َ‬‫ال َ‬
‫ا‪ -‬الفعل المجرد المعلوم الصفة‪.‬‬
‫‪ -2‬الفعل المجرد المجهول الصفة‪.‬‬
‫‪ -3‬ما ينسب إلى الئمة عن القول في الفعل المجرد‬
‫بنوعيه‪ -4 .‬الدلة والمناقشات‪.‬‬
‫أ‪ -‬مناقشة دعوى امتناع التأسئي في الفعل المجرد‪.‬‬
‫ب‪ -‬قول الوقف‪.‬‬
‫خذ‪ -‬قول التحريم‪.‬‬
‫د‪ -‬قول الباحة‪.‬‬
‫هـ‪ -‬قول الندب‪.‬‬
‫و‪ -‬قال الوجوب‪.‬‬
‫زي قوله المساواة‪.‬‬
‫ح‪ -‬قول المساواة في العبادات خاصة‪.‬‬
‫‪315‬‬

‫) ‪(1/309‬‬

‫جّرد‬
‫الفعل الم َ‬
‫تعريف وتحديد‪:‬‬
‫مرادنا بالفعل المجرد‪ ،‬ما كان من أفعاله !خم! خلفا ً لما‬
‫تقدم من النبا السابق ذكرها‪ .‬نص ‪ 168‬وما بعدها!‪.‬‬
‫ومعنى كونه مجْردًا‪ ،‬أن الفعال السابقة أقترن بكلل منها‬
‫قرينة يتبٌيئ منها حكمه بالنسبة إلينا‪ ،‬فالجبلي يدل على‬
‫الباحة‪ ،‬ولسنا متعهدين بفعلي مثله‪ ،‬والذي غلم أنه بيان‬
‫حكمه مأخوذ من الخطاب المبل!ق‪ ،‬والذي علم أنه امتثال‬
‫كذلك حكمه مأخوذ من الخطاب الممتثل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫والفعل المجرد بالنظر إلى حقيقته على نوعين‪:‬‬
‫الول‪ :‬ما قد يكون في الحقيقة والباطن واحدا ً من النبا‬
‫السابقة‪ ،‬لكن لم‬
‫يظهر لدينا دليل نلحقه به‪ .‬فقد يكون في الحقيقة خاصا‬
‫ولكن‪ /‬نطلع على دليل خصوصيته‪ ،‬أو يكون في حقيقته‬
‫امتثال لمر إلهي معيق‪ ،‬سواء أكان في القرآن العظيم‬
‫ولم نجد ما نحكم بها ن الفعل امتثال لذلك المر‪ ،‬أو كان‬
‫الفعل امتثال لوحي خاص‪ /‬نخَبر به‪ ،‬بل ظهر لنا الفعل‬
‫مجردات‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يكون فعل فعله النبي‪-‬له ابتداء هن ذات نفسه‬
‫مطابقا لما‬
‫فرضه الليه تعالى له من إنشاء بعض الحكام‪ ،‬أو من‬
‫تصرفه في حدود مرتبة العفو‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫‪317‬‬

‫) ‪(1/310‬‬

‫ما يستفاد من الفعال النبوية المجّردة‪ ،‬من الحكام في‬


‫حق المة‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا علمنا أن النبي صل فعل فعل مجردا‪ ،‬فما حكام مثل‬
‫ذلك الفعل يخص حقنا؟‪10‬؟‪.‬‬
‫إن الجابة على هذا السؤال! هي أهتم مسالة في باب‬
‫الفعالى النبوية‪ ،‬وعليها‬
‫يحور أكثر كلم الصوليين في هذا الباب‪ ،‬نظرا لن هذه‬
‫الجابة تتحكم في مسلك الفقهاء عند استنباطهم للحكام‬
‫الفقهية‪ ،‬مما يؤثر عنه يئه!غ من الحاديث الفعلية‬
‫المجردة‪ ،‬وليدا ما تقدم ذكره من أقسام الفعال النبوية‪،‬‬
‫عدا المجرد‪ ،‬أمره واضح ل يكاد يخفى‪.‬‬
‫ولكي نستطيع تبيين دللة الفعل المجّرد بجلء‪ ،‬نقسمه‬
‫قسمين‪:‬‬
‫القسم الول‪ :‬المعلوم الصفة بالنسبة إليه !ي!‪ .‬وهو ما‬
‫علمنا بدليل أنه‬
‫فعله واجبة‪ ،،‬و فعله ندبا ً أو على أنه مباح‪.‬‬
‫وُتعلم صفته بالدلة التي تقدم ذكرها‪.‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬المجهول الصفة‪.‬‬
‫رعى حمبه!حي‬
‫فنعقد لكل مالنوعين مبحثأخاصأ‪.‬‬
‫وُنتبع بمبحث لذكر ما نسب إلى الئمة المتبوعين‪،‬‬
‫والصوليين المشهورين من‬
‫القول في ذلك‪.‬‬
‫وبمبحث آخر نستوفي فيه الدلة‪ ،‬ونختار ما نراه أولى‬
‫بالحق‪ .‬والله ولي التوفيق‪.‬‬
‫‪318‬‬

‫) ‪(1/311‬‬

‫المبحث الول‬
‫فة‬‫ص َ‬
‫الفعل المجرد المعلوم ال ّ‬
‫إذا علمنا بصدور فعل عن النبي جمة‪ ،‬ولم يكن مما تقدم‬
‫من أقسم الفعال النبوية‪ ،‬وتعكس عندنا بدليل أنه جمع‬
‫فعله على سبيل الوجوب أو الندب أر الباحة‪ ،‬فللعلماء قي‬
‫دللته على الحكام في أفعالنا المماثلة لفعله أقواله‬
‫سبعة هي‪:‬‬
‫ا‪ -‬المساواة مطلقا ‪ -40‬الندب‪.‬‬
‫‪ -2‬المساواة في العبادات دون غيرها ‪ -50‬الباحة‪.‬‬
‫صح‪ -‬ا لوجوب ‪ -60‬البحر يم‪.‬‬
‫‪ -7‬الوقف‪.‬‬
‫أما المساواة‪ -‬وبها يقول الجمهوري فمعناها أننا نساوي‬
‫النبي كئف! في أحكام أفعاله المجردة‪ ،‬فها فعله واجبا ً‬
‫فهو علينا واجب‪ ،‬وما فعله ندبا فهوعلينا مندوب‪ ،‬ومافعله‬
‫مستبيحا ً له فهولنامباح‪-‬‬
‫وأما قول الوجوب فمعناه أن ما فعله النبي د‪ ،‬وجب علينا‬
‫أن نفعله على‬
‫كل حال‪ .‬سواء علمنا أنه ! فعله واجبة أر مندوبا أو مباحا‪ً.‬‬
‫ولو جهلنا ذلك فالحكم الوجوب كذلك كما يأتي‪.‬‬
‫وأما قول الندب فمعناها له يندب لنا فعل مثل ما فعله‬
‫النبي عينه مطلقا ً‬
‫أعني سواء علمنا صفة فعله أوجهلناها‪ .‬وحتى لو علمنا‬
‫أنه ! فعله وجوبا ً فإنه ل يجب علينا بل يندب‪.‬‬
‫)‪ (1‬أصول البزاوي وشرح البشاري ‪ 19 925 /3‬س‬

‫) ‪(1/312‬‬

‫ول الباحة فانه يباح لنا مثل فعله !كل!ييه‪ ،‬ول يجب ول‬
‫ينضب‪.‬‬
‫وأما التحريم‪ ،‬فمعنله( له ل يجوز لنا فعل مثل شيء من‬
‫أفعاله المجّردة!‬
‫وأما الوقف‪ ،‬فمعناه أنا ل نحكم على فعلنا المماثل‬
‫لفعله !ن! بحكم ما‪.‬‬
‫سواء جهلناحكم فعله أوعلمناه‪.‬‬
‫منشأ الختلف‪:‬‬
‫هذه القوال النفة الذكر تتجه اتجاه!سنئيس!!ن‪ ،‬ثم‬
‫يتشعبان‪:‬‬
‫التجاه الول‪ :‬أن التأسئي به له في أفعاله المجردة‬
‫مطلوب شرعا ً بدللة ما‬
‫تقحم ذكره قي فصل حجية الفعال النبوية‪ ،‬من اليات‬
‫والحاديث والجماع‪ ،‬الدائر على مشروعية التباع‬
‫والتاسع‪.‬‬
‫والتجاه الذاتي‪ :‬أن التاسئي به ييل فيها غير مطلوب‬
‫شرعا ً ووجهه أنه كان‬
‫ذا أن مانعا منع من التأسئي‬ ‫ت حجية الفعال النبوية‪ ،‬إ َ‬ ‫ش ْ‬‫ثب َ‬
‫بالفعل المجرد‪ ،‬وذلك المانع هو احتمال الخصوصية‪ ،‬فكيف‬
‫ي َُتأسى به ي في أمر قد يكون من خواصه‪ ،‬فنكون قد‬
‫أوجبنا ما ل يجب علينا أوأبحنا ما ل يباح لنا‪.‬‬
‫وأورد بعضهم‪ ،‬أيضا ً احتمال أن يكون فعله !كل! معصية‪،‬‬
‫على قول من‬
‫يجيز صدور الصغائر عن النبياء‪ .‬كما تقدم في الفصل‬
‫الثالث‪ .‬قالوا‪ :‬وذلك مانع من القتداء‪.‬‬
‫ثم تشعب أصحاب التجاه الول شعبتين‪ ،‬بحسب‬
‫حرهم للتاصئي المطلوب شرعا ً‬ ‫تفس ِ‬
‫ي واجب‪ ،‬ومعنى التأسئي‬ ‫حا! ّ‬
‫الشعبة الولى‪ :‬قالوا‪ :‬ال ّ‬
‫عندهم هو مساواة الفعل للفعل‪ ،‬في الصورة والحكم‪.‬‬
‫وهؤلء أصحاب القولين الول والثاني‪) ،‬المسماواة‬
‫المطلقة والمقيدة(‪.‬‬
‫والشعبة الثانية‪ :‬قالوا التأسيس هو المساواة في الصورة‬
‫دون الحكم‪ .‬ثم للفرع هؤلءفرعين‪:‬‬
‫‪320‬‬

‫) ‪(1/313‬‬

‫الفرع الحد‪ :‬قالوا‪ :‬التأسئي مطلوب منا على سبيل‬


‫الوجوب‪ ،‬فيجب علينا‬
‫أن نفعل صورة ما فعل ضد‪ ،‬سواء كان هو قد فعله على‬
‫سبيل الوجوب أوغيره‪ ،‬وهؤلء هم أصحاب القول الثالث‬
‫)الوجوب(‪.‬‬
‫والفرع الثاني‪ :‬قالوا‪ :‬التاسيس مطلوب منا على سبيل‬
‫الندب‪ ،‬وهم أصحاب‬
‫القول الرد بع )الندب(‪.‬‬
‫وأما أصحاب التجاه الثاني‪ :‬وهم الذين قالوا إن التاسثي‬
‫بالفعالى المجردة‬
‫غير مطلوب شرعًا‪ ،‬فقد منعوا بذلك دللة فعله المجرد‬
‫على الحكام في حقنا‪ ،‬فكان وجود الفعل النبوي المجرد‬
‫عندهم كعدمه بالنسبة إلى هذا المر‪ .‬وبقي حكام فعلنا‬
‫كما كان قبل ورود مثيله من الفعال النبوية المجردة‪.‬‬
‫فمن قالي الصل في الفعال الباحة‪ ،‬قال بها هنا وهو‬
‫القول الخامس‪ .‬ومن قال الصل التحريم قال به هنا وهو‬
‫القول السادس‪ -‬ومن نظر إلى أن الفعل المجرد متردد‬
‫ب!!ن أن يكون خاصا ً أو مشتركا ً فقد توقف‪ ،‬وهو القول‬
‫السابع‪.‬‬
‫‪321‬‬

‫) ‪(1/314‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫الفعل المجهول الضيفة‬
‫يجري في الفعل المجرد المجهول الصفة‪ ،‬ما يجري في‬
‫المعلم الصفة من الخلف‪ .‬وترد فيه القوال المتقدمة‬
‫ل المساواة‪ ،‬ففيه هنا‪ -‬أعني في‬ ‫على السواء‪ ،‬ما عدا قو َ‬
‫مجهول الصفة‪ -‬تفصيل‪.‬‬
‫أما في ما عدا قول المساواة فلن العلم بصفة صدوره‬
‫عنه ! ل يؤثر في‬
‫الحكم المستفاد‪ ،‬بل الحكم المستفاد في حقنا على‬
‫القول الثالث هو الوجوب مطلقا ً أعني سواء كان حكم‬
‫الفعل بالنسبة إليه !ئه!ه الوجوب أو غيره‪ ،‬وعلى القول‬
‫الرابع الندب‪ ،‬مطلقا ً وهكذا في سائر القوال‪ .‬ولذلك‬
‫تجري القوال الخمسة في مجهول الصفة‪-! .‬‬
‫أما قول المساواة‪ ،‬فإن المساواة بي حكم فعلنا وحكم‬
‫فعله ! ل يمكن تحقيقها ما لم يتعين لفعله واحد من‬
‫الحكام الثلثة‪.‬‬
‫ومن أجل تحقيق قول المساواة في الفعل المجرد‬
‫المجهول الصفة‪ ،‬كان ل بدل‬
‫من حمل فعله على واحد من الحكلم الثلثة في حقه‬
‫كل‪ ،‬بنوع ترجيح ظاهرتي‪ ،‬مع العتراف بأنه قد يكون في‬
‫الحقيقة والباطن على حكم آخر‪ .‬وبعكس العلماء أبى‬
‫حمله على شيامن الثلثة‪.‬‬
‫من أجل ذلك كان في المسألة أقوال أربعة‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬أنه يحمل على الوجوب في حقه يئهيم‪ ،‬لنه‬
‫الحوط بالنسبة‬
‫إلينا )‪ .(1‬ولن فعله أكظم أجرأ‪ ،‬فيكون أليق بحقه له‪.‬‬
‫)‪ (1‬القاضي أبو يعله‪ :‬العدد ق ‪.1106‬‬
‫‪ 22‬يمر‬

‫) ‪(1/315‬‬

‫والقول بالوجوب في ما ظهر فيه قصد القربة من الفعل‬


‫المجرد‪ ،‬أقوى منه في‬
‫ما لم يظهر فيه ذلوا القصد‪.‬‬
‫ونقل القول بالوجوب فيما ظهر فيه قصد القربة عن‬
‫مالئا"؟( وعن ابن جريج‪ ،‬وأبو سعيد الصطخري‪ ،‬وابن أبي‬
‫هريرة‪ ،‬وابن خيران من الشافعية‪ ،‬وعن الحنابلة )‪(2‬‬
‫ونصره القاضي أبؤيعلى الحنبلي في كتابه بالعدة( )‪(3‬‬
‫وصرخ به من متأخري الشافعية الشيخ زكريا النصاري )‬
‫‪ ،(4‬والتزم أنه للوجوب قي حقه‪-‬كنوع وحقنا حتى في ما‬
‫لم يظهر فيه قصد القربة*‬
‫القول الثاني‪ (:‬له مجمل على الندب في حقه غد‪ ،‬وهو‬
‫أصح القوال في ما‬
‫ظهر فيه قصد القربة‪ -‬إذ إن القربة دائرة بين الوجوب‬
‫والندب‪ ،‬فالمباح ل قربة‬
‫ولما دارت القربة بين الوجوب والندب‪ ،‬وكان حمله كله‬
‫الوجوب ل بد له‬
‫من دليل‪ ،‬إذ هو أمر زائد على مجرد القربة‪ ،‬كان الولى‬
‫حمله على ال ب لنه المتيقن‪ ،‬والوجوب مشكوك فيه‪.‬‬
‫وقال أبو شامة‪ :‬وهو متردد بين أن يكون مندوبا له‪ ،‬أو‬
‫واجبا ً عليه وجوب الخصوصية‪ .‬إذ لو كان واجبا ً مشتر!أ‬
‫لوجب عليه أنه يبلغه المكّلفين‪ .‬فلما لم يفعل دلت على‬
‫أنه غير واجب عليهم‪ .‬ثم إذا وقع التردد بين كونه مندوبا ً‬
‫إليه‪ (،‬و واجبة عليه‪ ،‬غلب على الظن كونه مندوبا ً لغلبة‬
‫ص به من‬ ‫المندوب في أفعاله جمعهم وقلة ما اخت ّ‬
‫الواجبات ! ْ)( وفي هذا التقسيم نظر يعلم مما ياقة في‬
‫قول الندب‪،‬‬
‫وأما القول بالندب في ما لم يظهر في قصد القربة‪ ،‬فقد‬
‫جه بأن الغالب مت أفعاله ! المندوبات‪ .‬وهو توجيه‬ ‫و ْ‬
‫ضعيف‪.‬‬
‫جهه بأن فعل النبي ع!!‬ ‫وقد قال الشوكاني)‪ (6‬بالندب‪ ،‬وو ّ‬
‫ِإن‪ /‬يظهر فيه‬
‫)‪ (1‬تيسير التحرير ‪122 /3‬‬
‫‪ (21‬الجدى‪ :‬الحكام ‪ 248/1‬يمر العدة ق ‪.1105‬‬
‫)‪ (4‬غاية الوصول شرح لب الصول ص ‪92‬‬
‫)‪ (5‬المحقق ود ‪ (6) 111‬إرشاد الفحول ص ‪ 38‬لم ‪32‬‬

‫) ‪(1/316‬‬

‫قصد القوية‪ ،‬فهو ل بد أن يكون لقربة‪ .‬وأقل ما يتقرب به‬


‫المندوب‪ ،‬ول دليلي يدلل على زيادة على الندب‪ ،‬فوجب‬
‫القول به‪.‬‬
‫وهذا أيضا توجيه آخر ضعيف‪ ،‬لن قوله‪:‬إ ل بد أن يكون‬
‫لقربة" مردود‬
‫فالنبي له واحد من البشر‪ ،‬يفعل كغيره من الناس‪ ،‬ما أباح‬
‫الله له‪ .‬وليس فعل المباح عبثا ً فيلزم تنزيهه عنه‪ ،‬بل قد‬
‫يفعل لجلب نفع أو دفع ضرر‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أنه للباحة وهو ضعيف بالنسبة إلى ما ظهر‬
‫فيه قصد القربة‪ .‬ولكان هو أصح القوال فيما لم يظهر‬
‫دعى بعض الحنفية الجماع عليه )‪.(1‬‬ ‫فيه ذلك القصد‪ ،‬وا َ‬
‫ووجهه أن الفعل المجرد ل يفهم منه أكد من رفع الحرج‪،‬‬
‫رك ذلك يخص ما ظهر فيه قصد القربة‪ ،‬وبقي ما ل قربة‬ ‫ت ِ‬
‫فيه خاليا من دليل يدل على أكل من الباحة‪ ،‬فيحمله‬
‫عليها‪.‬‬
‫فإذا دار الفعل بين أن يكون مقصودا به القربة أو ل‬
‫يكون‪ ،‬فمن غلب فيه‬
‫ّ‬
‫قصد القربة استدل بالفعل على الستحباب‪ ،‬ومن غلب‬
‫ل به على الجواز‪.‬‬‫فيه عدم قصد القربة أستد َ‬
‫ومثاله لبس النبي عنه نعليه قي الصلة قال ابنا دقيق‬
‫العيد‪" :‬إنه يدل على الجواز‪ ،‬ول ينبغي أن يؤخذ منه‬
‫الستحباب‪ ،‬لن ذلك ل يدخله في المعنى المقصود من‬
‫الصلة إل أنا في ليل على إلحاقه بما ُيتجمل به للصلة‪،‬‬
‫فيرجع إليه أأ )‪.(2‬‬
‫أقول‪ :‬قد صح فيه الحديث‪ :‬وخالفوا اليهود فإنهم ل‬
‫يصلون في نعالهم ول‬
‫في خلفهم ! )‪ .(3‬فكان قصد القربة فيه من وجه آخر‬
‫مل‪ .‬والله أعلى وأعلم‪..‬‬ ‫غير التج ّ‬
‫القول الرابع‪ :‬التوقف‪ .‬ومعناه المتناع لكن حمل الفعل‬
‫المجهود الصفة‬
‫على حكم معينة‪ -‬فيمتنع المساواة فيه‪ ،‬بناء على ذلك‪،‬‬
‫‪ (11‬انظر تيسير التحرير ‪ (2) 122 /3‬الحكم ‪(31 227/1‬‬
‫رواه أبو داود والكم والبيهقي )الفتح! الكب!!‪324 .‬‬
‫) ‪(1/317‬‬

‫ووجه الوقف فيما ظهر فيه قصد القربة‪ ،‬احتمال أنه !‬


‫فعله وجوبا ً أر‬
‫فعله ندبا ً وعدم الملل عل أنه فعله رجوبا‪ ،‬ل يدل لحظ‬
‫عدم كونه كذلك‪ ،‬فل يدعي الندب‪.‬‬
‫وأما ما لم يظهر فيه قصد القربة‪ ،‬فلحتمال في بل فعله‬
‫وجوبا لو ندبا أو إباحة‪ .‬وعدم الدليل على كونه فعله وجوبا‬
‫أو ندبا ل يدل على عدم كونه كذلئه‪ ،‬فل تتعين الباحة‪! .‬‬
‫ي‪ ،‬والغزالي‪.‬‬
‫وممن قال بهذا‪ :‬الفخر الراز ّ‬
‫فالتوقف في ما ظهر فيه قصد القربة بين الوجوب‬
‫والندب‪.‬‬
‫والتوقف في ما‪ /‬يظهر فيه ذلك القصد‪ ،‬بين الحكام‬
‫الثلثة‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬الوقف بين الثلثة‪ ،‬على!ل حالي )‪.(1‬‬
‫القول المختار في محمل الفعل المجهول الصفة‪:‬‬
‫الذي نختاره إن ما ظهر فيه قصد القربة يحمل على‬
‫الندوب في حقه جمة وما‪/‬‬
‫يظهر فيه ذلك يحمل على الباحة‪.‬‬
‫أما ما احتجوا به لقول الوجوب‪ ،‬من أنه أحوط‪ ،‬فنترك الرد‬
‫عليه إلى موضعه الليق به في المبحث الرابع من هذا‬
‫الفصل‪.‬‬
‫وأما الحتجاج بأل فعل الواجب أعظم أجرأ‪ ،‬وأن ذلك أليق‬
‫بحاله غ!ع‬
‫فهو مردود بما هو معلوم الوقوع من أن أفعاله المندوبة‬
‫قي العبادات أعز من أفعاله الواجبة‪ ،‬ومثال ذلك الصيام‪،‬‬
‫فكان‪-‬فييه يصوم الثنيها والخميس‪ ،‬وثلثا ً من كل شهر‪،‬‬
‫ويصوم من رجب وشمعدان والحرم وغير ذلك‪ ،‬وكان ل‬
‫يلتزم بذلك‪ .‬وهذا يدل على عدم وجوبه‪ ،‬وأن أكد أفعاله‬
‫فيما عدا العبادات على الباحة‪.‬‬
‫ج به الواقفون‪ ،‬فهو حق‪ ،‬لن انتفاسو دليل‬ ‫وأما ما احت ّ‬
‫الوجوب في ما ظهر‬
‫فيه قصد القربة‪ ،‬ل يمنع أنه !ئه!ي! فعلها في الواقع‬
‫ميقة المر عّلى سبيل الوجوب‪ .‬فلذلك ل يتعلق الندب‪.‬‬ ‫وح ّ‬
‫)‪ (1‬جمع الجهوامع ‪99 /2‬‬
‫‪325‬‬

‫) ‪(1/318‬‬
‫ولكن نقول‪ :‬إنما نحمل القربة المجهولة الضفة على‬
‫الندب‪ ،‬لنه لما ثبت‬
‫لدينا وجوب التأسي به عن وكما سياقإ(‪ ،‬وعلمناه قد فعل‬
‫هذه القربة‪ ،‬فكان ل بد لنا من حملها على أحد الحالمين‪،‬‬
‫لنتمكن من التأل!ئي‪ .‬ولما كان حمل القربة على الوجوب‬
‫في حقه يأتيها الوجوب في حقنا‪ ،‬والصل براعة ذممنا‬
‫من ذلك‪ ،‬حملناه على الندب‪ ،‬لنه المتحقق بعد ثبوت‬
‫الطلب "\ (‪-‬‬
‫وكذلك القول فيما فعله يكن‪ ،‬مما‪ /‬يظهر فيه قصد‬
‫القربة‪ ،‬يحمل على الباحة لنها المتيقنة‪-‬‬
‫تنبيه‪ :‬يتضح مما تقدم عرضه في هذا المبحث والذي قبله‪،‬‬
‫أنه حيث قال‬
‫أحد من العلماء في فعل من الفعال النبوية المجردة إنه‬
‫يدل على الوجوب في حقنا‪ ،‬فذلك القول له أحد متخذين‪.‬‬
‫المأخذ الول‪ :‬أن يكون قائله ممن يرى أن الفعل المجرد‬
‫يدل على الوجوب‬
‫في حقنا بالقول الثالثة بقطع النظر عن حكمه بالنسبة‬
‫إليه عن‪.‬‬
‫المأخذ الثاني‪ :‬أن يكون قائله من أصحاب القول الول‬
‫وهو قول المساواة‪،‬‬
‫مع كونه يعتقد في الفعل أنه صدر عن النبي عن واجبه‪،‬‬
‫إن كان معلوم الصفة أو يلحقه بالواجب إن كان مجهول‬
‫الصفة‪.‬‬
‫ول يتعين أحد هذين المأخذين بمجَرد نسبة القول‬
‫بالوجوب ألما قائل معي‪،‬‬
‫ما‪ /‬تقم قرينة تبرق مقصوده‪.‬‬
‫وكذلك القول بالندب يدور بين مأخذين موازي!لن لماخذ!‬
‫قول الوجوب‪-‬‬
‫ومثله أيضا القولي بالباحة‪.‬‬
‫وأما قول الوقف فله في الفعل المعلوم الصفة ماخذ‬
‫واحد‪ ،‬هو احتمال الخصوصية‪ ،‬وقي المجهول الصفة‬
‫ماخذالط‪ :‬الول احتمال الخصوصية والمعصية ونحوها‪.‬‬
‫والشخر‪ :‬عدم تعين الحكم قي حمله جي على دول‬
‫المساواة‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬إرشاد الفحول للشرجماتي ص‪38 /‬‬
‫‪ 26‬س‬

‫) ‪(1/319‬‬
‫البحث الثالث‬
‫مة من القول‬ ‫ب إلى الئ ّ‬ ‫ما يئس ُ‬
‫عْيه‬
‫قي الفعل المجّرد بنو َ‬
‫اضطربت كتب الصول في ما تنسب إلى بعض الئمة من‬
‫القول في دللة الفعل المجرد على الحكام‪ ،‬حتى إننا‬
‫لنجدهم ينسبون إنما المام الواحد أقوال ً متضاربة ينقض‬
‫بعضها بعضا ً‬
‫فالمام مالك مثًل نسب إليه القول بالوجوب‪ ،‬والقتل‬
‫بالندب ع والقول‬
‫ما ل باحة‪.‬‬
‫والثلثة منسوبة إلى المام الشافعي أيضا ً‬
‫وكذلك نسبت القوال الثلثة إلى الثم أحمد بن حنبل‪.‬‬
‫ولعل هذا الضطراب راجع‪:‬‬
‫أولث إلى أن ما السند إليهم ليس منصوصا لهم وإنما هو‬
‫تخريج على بعض أقوالهم في الفروع‪ .‬قال المازني‪:‬‬
‫وأشار ابن بويز مقداد ِإلى أن قوله الوجوب مذهب مالك‪،‬‬
‫وقال‪ :‬وجدته في موطئه يستدل بأفعال النبي سكر كما‬
‫يستدل باقوالهأ‪.‬‬
‫وسنبين أشياء من هذه تريبس إن شاء اله‪.‬‬
‫وثانيا ً ِإلى اختلفهم في مقصودهم بالوجوب أو الندب أو‬
‫الباحة‪ ،‬أهو راجع إلى حكم الفعل في حقه له‪ ،‬أم في‬
‫م بالتالمتي الذي يوجبونه أو يندبون‬ ‫حقنا‪ .‬وفي مقضودهن ْ‬
‫إليه‪ ،‬أهو المساواهّ في مجرد الصورة أو في "الصبورة معا‬
‫! الحكم‪327 .‬‬

‫) ‪(1/320‬‬

‫وكثير من ملئه سيبقى مبهما ً دون حل‪ ،‬نظرا ً لتع ّ‬


‫ذر‬
‫الحصول على نصوص‬
‫لهم أو نسبة أقوال منضبطة محررة‪.‬‬
‫أما متأخرو الصوليين‪ ،‬فكلثير من أقوالهم منضبطة‬
‫محررة نسبيا ً‬
‫وأنا أنسب القوال إلى أصحابها مرتبة بحسب المذاهب‪،‬‬
‫وقد كان بالمكان ترتيبها بحسب القوال أنفسها كما هو‬
‫المعتاد في مثل هذا‪ ،‬إّل( ل غرضي أن أخذ على كثرة‬
‫الضطراب في هذه المسالة المهمة‪ ،‬حتى عند أصحاب‬
‫المذهب الواحد‪ -1 .‬المام أبو حنيفة وأتباعه‪:‬‬
‫لم نجد نقًل عن أبي حنيفة رضي الله عنه في كتب أتباعه‪،‬‬
‫وقاد الغزالي في المنخول‪ 9 :‬غزاي إليها له ي ُت ََلقى من‬
‫الفعل الوجوب مطلقا ً )‪.(1‬‬
‫والجضاص‪ ،‬من الحنفية‪ ،‬يرى أن الصل في أفعاله يا‬
‫الشترالى في معلوم الصفة‪ ،‬فيجب علينا المتابعة فيها‬
‫حتى يقوم دليل الخصوص‪ ،‬وفي مجهول الصفة تثبت‬
‫الباحة حتى يقوم دليل الحكم في حقه )‪.(2‬‬
‫ي اختلف النقل عنه‪ ،‬فبعض‬ ‫وأبو الحسن الكرخي الحنف ّ‬
‫الحنفية نقل عنه أنه‬
‫يثبت الباحة في حقه يكن لنه ل يقدم على معصية‪،‬‬
‫ويحمل الفعال المجّردة كلها على الخصوصية فيمنع‬
‫القتداء بها ما‪ /‬يقم دليل الشتراك‪.‬‬
‫ونقل عنه آخرون أنه يثبت المتابعة يخص معلوم الصفة‪،‬‬
‫صاص إلى‬ ‫ويمنعها في مجهول الصفة )‪ .(3‬وقد أشار الج ّ‬
‫اختلف النقل عن الكرخي‪ ،‬ثم قالي‪:‬إ والذي يغلب عل‬
‫ظني من مذهبه أن علينا اّتباعه فيه على الوجه الذي‬
‫أوقحه عليه )‪ .(4‬ونقل عنه ابن الباقلف! أنها تدل على‬
‫الوجوب ْ)(‪.‬‬
‫)‪ (1‬ص ‪225‬‬
‫)‪ (2‬البخاري‪ :‬شرح البزاوي ‪ 921 /3‬وأصول الرصاص ق‬
‫‪ 255‬ب‪.‬‬
‫)‪ (3‬أصول البزاوي وشرحه ‪ (4) 922 ،921 /3‬أصول‬
‫ا‪:‬رصاص ق ‪ 205‬ب‪ (5) .‬المحقق لبي شامة ق ‪ 6‬ب‪.‬‬
‫‪338‬‬

‫) ‪(1/321‬‬

‫ونقل عنه صاحب مسلم الثبوت )‪ (1‬الولى بالوقف‪.‬‬


‫والذي استقر عند متأخري الحنفية المساواة في معلم‬
‫الصفة‪ ،‬والباحة في مجهولها‪ .‬وخضه ابن الهمام جما لم‬
‫يظهر فيه قصد القربة )‪.(2‬‬
‫‪ -2‬المالكية‪:‬‬
‫نقل ابن بويز مقداد المالكي عن المام مالك أن فعله !‬
‫على الرجوع‪.‬‬
‫وقال‪" :‬وجدته في موطئه يستدل بأفعاله !ن!" أقول‪ :‬إن‪/‬‬
‫يكن عنده دليل يثبت به مذهب مالك ما عدا هذا‪ ،‬فإنه ل‬
‫يثبت مذهبه في المسالة‪ ،‬لحتماله أق مالكا يحتج في‬
‫موطئه على الوجوب بالفعال! البيانية‪ ،‬أو بما علم وجوبه‬
‫في حقه !‪ ،‬على قول المساواة‪ .‬وقد وجدنا مالكا رحمه‬
‫الله ذكر في الموطأ في الوضوء تمضمض النبي !ف!ه‬
‫قبل غسل وجهه‪ ،‬ثم قال‪ :‬وأما الذي غسل وجهه قبل أن‬
‫يتمضمض فليه ض حض ول يعد غسل وجهه "لن‪.‬‬
‫فهذا فعل مجرد‪ /‬يره مالك دال على الوجوب‪ ،‬وال لوجب‬
‫إعادة كسل الوجه‪.‬‬
‫وقال صاحب تيسير التحرير )‪ (4‬ما مفاده أن قول مالك‬
‫هذا هو في ما كان‬
‫قربة من مجهول الصفة‪ ،‬يعني الدائر بين الوجوب والندب‪.‬‬
‫فيحمله على الرجوع في حقه !وحقنا‪" .‬‬
‫ونقل الرازي‪ ،5،‬والمدي "‪ (6‬عنه القول بالباحة في ما‬
‫ظهر فيه قصد القربة‪ .‬وا!اقلف!‪ -‬وهو مالكي‪ -‬يقول‬
‫بالوقف‪.‬‬
‫)‪ (1‬مسلم الثبوت وعليه فوابالرحموت ‪191 ،180 /2‬‬
‫‪ (21‬تيسير التحرير ‪ (3) 1 23/3‬المرطة ‪2 0 /1‬‬
‫)‪ 15) 122 /3 (4‬المحصول ف ‪ 1 (61 .1 48‬لحكلم ‪/1‬‬
‫‪248‬‬
‫‪!29‬ل‬

‫) ‪(1/322‬‬

‫‪ -3‬الشافعّية‪:‬‬
‫أما المام الشافعي نفسه فقد نسب إليه الولى بالوجوب‬
‫)‪ ،(1‬والقتل بالندب )‪ ،(2‬والقول بالباحة*‬
‫وأبر إسحاق الشيرأزي‪ (+‬قال بالمساواة في ما ظهر‬
‫حكمه‪ ،‬وبالباحة فيما‪/‬‬
‫يظهر فيه قصد القربة من مجهول الصحة‪ ،‬وبالوقف في‬
‫ما ظهر فيه ذلك القصد‪ ،‬ب!!ن الوجوب والندب‪.‬‬
‫والمنقول عن جمهور الشافعية أن فعله ع!ع على الندب‬
‫في حقنا ما‪ /‬يدل على‬
‫غير ذلك دليل )‪ ،(4‬رقد تبّنى هذا القول أبو شامة في‬
‫كتابه والمحقق من علم الصول فيما يتعلق بأفعال‬
‫الرسولي وانتصر له‪ ،‬بل بنى كتابه عليه‪.‬‬
‫وفريق من الشافعية‪ ،‬وهم ابن جريج ومن معه ْ)(‪ ،‬قالوا‬
‫بأن فعله !نه! في الحريات‪ ،‬إذا كان مجهول الصفة‪ ،‬يحمل‬
‫على الرجوع في حقه وبالتالي يكون مثله منها واجبا‪.‬‬
‫ومن الشافعية من قال بالمساواة‪ ،‬منهم الصيرفي وابن‬
‫فورك‪ .‬ونقل عنهما الزركشي وأبو شامة قوله الوقف )‬
‫‪.(6‬‬
‫وكثير من المتكلمين صاروا إلى الرقم‪ ،‬منهم الغزالي نية‬
‫المستصفى( وأما في )المنخول( )‪ (7‬فقد أخذ بقول‬
‫المساواة‪ ،‬مع حمل القربة مجهولة الصفة على الندب‪،‬‬
‫وحمل ما عدا القربة من ذلك على الباحة‪.‬‬
‫والرازي قالت بالوقف في كتابه )المحصول‪ ،‬وقال‬
‫بالوجوب في كتابه )المعا‪.(/‬‬

‫)‪ (1‬المنخول ص ‪226‬‬


‫)‪ (2‬المميى ‪248/1‬‬
‫)‪ (4‬ابن حزم‪ :‬الحرام ص ‪422‬‬
‫ى ‪330 .18‬‬‫م ّ‬
‫)‪ (6‬البحر المحيط ‪ 255/2‬ب رالمح ّ‬
‫)‪ (3‬القمع ص ‪40‬‬
‫مام ذكرهم في المبحث السوابق‪ (7) .‬المدخول دعا‬‫‪ (51‬ت ّ‬
‫‪226‬‬

‫) ‪(1/323‬‬

‫ومن الواقفة في ذلدُ أيضا الدقاق )‪-(1‬‬


‫والجريسي يقول في والبرهان( بالندب )‪.(2‬‬
‫وأما العمدي فقد قال بالمسارعة في ما ظهر حكمه‪ -‬وأما‬
‫ما جهل حكمه وظهر‬
‫فيه قصد القربة فإنه يدل عنده على ترجيح الفعل على‬
‫الترك‪ ،‬ولعله يعني النلط ‪ .(3‬وما‪ /‬يظهر فيه قصد القربة‪،‬‬
‫يدل عنده على الباحة في حقنا كما صرخ ‪ () 4‬الحنابلة‪:‬‬
‫نسب أبو الخطاب إلى المام ْ)(‪ .‬أحمد ثلث روايات في‬
‫دللة الفعل المجرد‪ :‬الوجوب‪ ،‬والندب‪ ،‬والوقف‪ ،‬وقال‪ :‬إنه‬
‫استنبط القول بالوقف من قول أحمد بالمر من النبي له‬
‫سرى الفعل‪ ،‬لنه له يقول الشيء على جهة الفضل‪ ،‬وقد‬
‫يفعل الشيء وهو خاص به‪ ،‬وإذا أمر بالشيء فهو‬
‫المسلمي " هذا بينما ادعى أبو يعلى أن هذا القول من‬
‫أحمد نص منه على الحب‪.‬‬
‫وقال أبو الحسن التميمي الحنبلي‪:‬إ الذي انتهى إل من‬
‫قول أبي عبدالّله‪-‬‬
‫يعني المام أحمد‪ -‬إن فعل النبي ! موقوف على ما يضيفه‬
‫من الدليل "ر ‪.(6‬‬
‫وقد نقد ابن تيميه تخريج القول بالوقف وبين أنا التخريج‬
‫باطل ‪.(71‬‬
‫وقد نسب المني إلى الحنابلة القول بالوجوب في‬
‫مجهول الصفة من القرب‬
‫في حقه !ئه! وحقنا )‪ (8‬وممن صرخ به منهم القاضي أبو‬
‫يعلى وقال ة هذا قياس‬
‫)‪ (1‬أبو شامة‪ :‬المحقق ق ‪ 5‬ب‪ (2) .‬أبو شامة‪ :‬المحقق‬
‫‪.(8‬‬
‫)‪ (3‬أكد ابن شريف في حاشيته على جمع الجوامع أن‬
‫مراد المدي بترجح الفعل على التقلى في ما ظهر فيه‬
‫قصد القربة هو الندب‪ .‬وقال‪ :‬كما فهمه عنه ابن الحاجب‬
‫وغيره‪-‬‬
‫)‪ (4‬الحكام ‪264 /1‬‬
‫)‪ (5‬التمهيد لبي الحطاب ق ‪ 89‬ب ونقلها بو يعلى أيضا ً‬
‫في العدة ق ‪.1104‬‬
‫مول( بو يعلى انه وجد كلم‬‫)‪ (6‬العدة ق ‪ 104‬ا‪ .‬وي ّ‬
‫ه‪.‬‬
‫التميمي في سائلة له مفرل ّ‬
‫)‪ (7‬ابن تيميه‪ :‬المسودة ص ‪ (8) 72‬الحرام ‪348/1‬‬
‫‪ 1‬سيما‬

‫) ‪(1/324‬‬

‫المذهب )‪ (1‬ا لمسا وا ة )‪(2‬‬


‫َ‬
‫‪ .‬يعني في القرب خاصة إذا‪ /‬يتعين حكمها بدليل‪ .‬فإن‬
‫تعين فالحكم‬

‫‪ -5‬المعتزلة‪:‬‬
‫ينسب إل طوائف من المعتزلة القولي بالوجوب )‪-(3‬‬
‫والذي عند القاضي عبدالجبار في المغني‪ ،‬المساواة في‬
‫معلوم الصفة‪ .‬وأما مجهولها فما!ان قربة فهو دائر بيئة‬
‫الوجوب والندب‪ ،‬ويحمل على الندب )‪ (4‬وما‪ /‬يكن قربة‬
‫يحمل على الباحة ْ)(‪.‬‬
‫ورأي أب الحسين البصري المساواة في معلوم الصفة‪ .‬و‪/‬‬
‫يتضح لنا قوله له مجهولها‪.‬‬
‫أما ابن خلود المعتزلي)‪ (6‬وقد نقل عنه التفريق في‬
‫ي بين العبادات وغيرها‪ .‬فأعجب القتداء في الفعل‬ ‫التأس َ‬
‫العباسي لمجرد‪ ،‬ومنع القتداء في غير ذلك ! والنقل‬
‫عضه في كتب الصولي!س مضطرب وغير محرر‪.‬‬
‫‪ -6‬الظاهر يا‪:‬‬
‫يقول الظاهرية إن الفعالى المجردة تدل في حقنا على‬
‫الندب خاصة‪ ،‬فإذا‬
‫نقل إلينا فعله ! فل وجوب‪-‬‬
‫قال ابني حزم ونقله وعن جميع أصحاب الظاهيا‪ :‬وليس‬
‫دْبنا إلى أن نتأسئى به‬‫شيء من أفعاله به واجبًا‪ ،‬وإنما ن ِ‬
‫فيها فقط‪ ...‬إّل ما كان بيانا أو تنفيذًا" )‪.(7‬‬
‫)‪ (1‬العدة ق ‪ 105‬النقله ابن تيميه في المسوح حما ‪76‬‬
‫)‪ (2‬العدهَ ق ‪.139‬‬
‫)‪ (3‬البحر المحيط للزركشي ‪ 249/2‬ب‪ (.‬بو يحلى الحنبلي‪:‬‬
‫العدة ق ‪.101 05‬‬
‫ى ‪ (5) 256 /17‬المصدر نفسه ‪271 /17‬‬ ‫)‪ (4‬المغن ِ‬
‫)‪ (6‬له ترجمة قصيرة في كاب والمنية والمل لبن‬
‫المرتضى‪ ،‬نشرته دار صادر‪ ،‬ص ‪ .62‬وزر جعله من الطبقة‬
‫العاشرة من المعتزلة‪ ،‬من أقرانه بما الحسي البصري‪.‬‬
‫وهو تلميذ أبي هاشم الجبائي‪.‬‬
‫)‪ (7‬الحكام ص ‪422‬‬
‫‪332‬‬

‫) ‪(1/325‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫الدّلة والمناقشات‬
‫نتعرض في هذا المبحث لدلة القوالى السبعة المتقدمة‪،‬‬
‫فنوردها؟ رنب!مق أوجه الستدلل بها‪ ،‬ونذكر ما يورد‬
‫عليها‪.‬‬
‫وقد قدمنا أن القوال الثلثة الخيرة‪ ،‬وهي قول الباحة‪،‬‬
‫وقولي التحريم‪.‬‬
‫وقول الوقف‪ ،‬مبناها على عدم التأملي بالفعل النبوئي‬
‫المجرد بدعوى أنه محتمل للخصوصية‪ ،‬والفعل الخاصين‬
‫يمتنع القتداء به‪.‬‬
‫ونحن نناقش هذه الدعوى المشتركة بي الثلثة في‬
‫مطلب‪ ،‬ثم نستعرض القوال الثلثة‪ ،‬واحدا ً واحدًا‪ ،‬ونعقد‬
‫لكل مخها مطلبا ً‬
‫المطلب الول‬
‫في مناقشة دعوى امتناع التاسيس‬
‫لحتمال الخصوصية ونحوها‬
‫ل شك أن للنبي حد خصائص ل يشاركه فيها أحد من أمته‪،‬‬
‫وقد لقدم ذكر‬
‫ذلك‪.‬‬
‫مت المشاركة في أحكامها بين النبي عن‬ ‫وهناك أفعال ثب ّ‬
‫والمة كالسلم والصلة والصوم والحج وصلة الرحم ونحو‬
‫ذلك‪ ،‬وكسائر الفعال البيانية‪ ،‬والفعال التي هي امتثال‬
‫ه عامة للنبي !ك! والمّر‪ .‬ومثلها أيضا‬ ‫وتنفيذ ليات معلوم ّ‬
‫ي فيها بأعيانها‪.‬‬
‫الفعال التي أمرنا بالتاس ّ‬
‫‪333‬‬
‫) ‪(1/326‬‬

‫وأما الواسطة‪ ،‬وهي الفعل المجرد الذي‪ /‬نعلم أنه خاص‪،‬‬


‫ولم يحلم أنه مشترك الحكم‪ ،‬فهل يقتدى به؟ هذا مرضع‬
‫الختلف‪.‬‬
‫فيما الذين منعوا التالمئي به أصل ً وهزم أصحاب القوال‬
‫الثلثة المذكورة‬
‫فقد قالوا‪ :‬إنه لما كان احتمال الخصوصية قائما في كل‬
‫فعل مجرد‪ ،‬فليس لحد أن يدعي جواز أخذ الحكم ا منه‪،‬‬
‫فلعَله( ن يكون مما يجوز له كله ومجرم على غيره‪،‬‬
‫فيكلون من اقتدى به قد فعل حراما ً‬
‫بذا نظرنا‪ -‬منصفين‪ -‬نجد أن خصائصه التي ثبتت بأدلة‬
‫صحيحة قليلة جدا ً وقد قدرناها فيما مضى بخمس عشرة‬
‫خاصة‪ ،‬وجزء كبير منها إنما خصوصيتها بكونها محرمة‬
‫عليه‪ ،‬والمحرم ل يفعله !‪ ،‬فل يبقى من الفعال التي‬
‫فعلها والتي ثبت اختصاصه بأحكامها أكثر من عشر‬
‫خصائص‪.‬‬
‫هذا بينما أكد الحكام الشرعية ت ثبت الشتراك فيها‪،‬‬
‫كانوا العبادات وأركانها وشروطها‪ ،‬وما يستحب فيها من‬
‫الفعال والهيئات وكذلك الداء والمعاملت التي ثبت‬
‫الشتراك فيها‪ ،‬تزيد أضعافا مضاعفة عما ثبت الختصاص‬
‫فيه‪.‬‬
‫ومن هنا فإن الفعل المجرم د ينبغي أل ُتمنع دللته في‬
‫حقنا لجل الحتمال الضئيل لكونه خاصه من خصائصه عن‪.‬‬
‫يقول السدي‪:‬ا وأما بالنسبة إلى أمته‪ ،‬فل له وأن كان‪،‬‬
‫عليه الصلة والسلم‪ ،‬قد اختل عنهم بخصائص ل‬
‫يشاركونه فيها‪ ،‬غير أنها بلدا ة‪ ،‬بل أندر من النادر بالنسبة‬
‫إلى الحكام المشترلى فيها‪ .‬وعند ذلك‪ ،‬فما من أحد من‬
‫آحاد الفعال إل واحتمال مشاركة المة للنبي ! فيه أغلب‬
‫من احتمال عدم المشاركة‪! !،‬راجأ للناظر تحت العم‬
‫الغلب‪ ،‬فكانت المشاركة أظهرت )‪ 0 (1‬الـ‪.‬‬
‫مام أيضأأ ‪.(2‬‬
‫وبمثله أجاب ابن الح ّ‬
‫)‪ (1‬الحكام ‪ّ (2) 250 /1‬ليسعير التحرير ‪127/3‬‬
‫‪334‬‬

‫) ‪(1/327‬‬
‫لقد حاول الغزالي أن يرد هذا الستدلل بقوله‪ :‬أفإن قيل‬
‫التعميم أك!ثر‬
‫فلينزل عليه‪.‬‬
‫و‪ُ /‬يجب التنزيل على ان ز‪ ،‬وإذا اشتبهت أخته بعشر‬ ‫أ قلنا‪َ :‬‬
‫أجنبيات فالك!ثر حلل ول يجوز الخذ به " )‪ 0(1‬الـ‪.‬‬
‫وهذا التنظير كير مستقيم‪ ،‬لن المخالف يدعي ندرة‬
‫الخصوصيات‪ ،‬ل مجّرد قلتها‪ .‬والتنظير الصحيح ينبغي أن‬
‫يكون بما يقوله الفقهاء من أنه لو اشتبهت أخته بنسله‬
‫أهل مدينة أو قرية غير محصورات‪ ،‬لم يحرم عليه الزواج‬
‫منها )‪.(2‬‬
‫ول شكل أن القاعدة والحكم للغلب ول كبرة بالنادي‬
‫قاعدة صحيحة في‬
‫باب الدلة الشرعية‪ .‬ولو نحن أبطلنا كل دليل في الكتاب‬
‫والسنة لحتمال ضئيل؟ لبطلنا بذلك حجرة القسم الكبر‬
‫ليات‬ ‫من الشريعة‪ ،‬من أخبار الحاد والقياس‪ ،‬بلى وا َ‬
‫والحاديث المتواترة التي قد يتطرق احتمال إلى دلللتها‪.‬‬
‫ويقول المازني‪:‬أ وبالجملة فالظهر في هذا أننا مأمورون‬
‫بالتباع عله الجملة فإن الصحابة بلنت تدين بهذا‪ .‬وإذا‬
‫طرقنا إلى مثل هذا الستدلل ما أشار إليه الواقعية من‬
‫التجهيز‪ ،‬فتحنا على أنفسنا مطاعن من طعن علينا في‬
‫استدللنا بَاثارهم في إثبات القياس والعمل بخبر الواحد‪.‬‬
‫وهذا واضح‪)! .‬نما يبقى النظر في مسلكهم اتباعه !ك!رر‬
‫)كذا( هل كانوا يعتقدون الوجوب أو الندب ! )‪.(3‬‬
‫ويقول أبو شامة‪:‬أ مذهب الواقعية مستلزم للترقية له‬
‫أقوال الشا!رع وأفعاله‪ ،‬ولزم من ذلك التوقف في أكثره‬
‫الحكام الشرعية‪ ،‬وهو خلف ما عليه السلف وأئمة الهدى‬
‫من فقهاء المصار" )‪.(4‬‬
‫هذا وقد أحسن أبو الحطاب صياغة الردّ على من منع‬
‫جرا بان ما‬ ‫التاسئي لحتمال الخصوصية‪ ،‬إذ يقول ة )احت ّ‬
‫يفعله يجوز أن يكون مصلحة له دوننا )‪5‬؟‬

‫)‪ (1‬المسحصفه ‪ 131 51/2‬أبو شامة‪ :‬المحضر ق ‪ 13‬ب‪) .‬‬


‫و ‪ 89‬ب !‬
‫‪ (5‬التمهيد َ‬
‫‪335‬‬
‫)‪ (2‬السيوطي‪ :‬الشباه رالنظائرص ‪ (4) 56‬المحقق ق ‪32‬‬
‫ب‪.‬‬

‫) ‪(1/328‬‬
‫!والجراب أنه يجوز أن يكون مصلحة لنا أيضًا‪ ،‬وقد أمرنا‬
‫اتباعه‪ ،‬فوجب ذلك‪ ،‬لن الظن رد ن المصلحة في الفعل‬
‫دد دليل بتخصيصه "‪.‬‬
‫تعضه وإيانا‪ ،‬إل أن ير ّ‬
‫وأما احتمال المعصية ونحوها فقد أجبنا عليه في الفصل‬
‫الثالث‪.‬‬
‫‪336‬‬

‫) ‪(1/329‬‬

‫الطلب الثاني‬
‫قول الوقف‬
‫مبنى هذا القول على أن الفعل المجرد ل دللة له‪ ،‬لن‬
‫حكمه واثر برس الختصاص والشتراك‪ ،‬ولحتمال المعصية‬
‫ونحوها عند من يقول به‪.‬‬
‫جهوه في الفعل المجهول الصفة أيضا بان التأسئي‬ ‫وقد و ّ‬
‫به غير ممكن‪ ،‬أو‬
‫ي يستدعي المساواة في صورة الفعل وحكمه‪،‬‬ ‫التالص ّ‬
‫فلما كان حكمه مجهول امتنع القتداء به ووجب التوقف‪.‬‬
‫فيما الستدلل باحتمال الخصوصية والمعصية فقد‬
‫أبطلنله في ما تقدم‪.‬‬
‫وأما توجيههم الوقف في الفعل المجهول الصفة فقد‬
‫تقدم مناقشتها ينا ً في مبحث الفعل المجهول الصفة‪.‬‬
‫إل أنه يتعين هنا النظر في مقصودهم بالتوقف‪ ،‬والتصرف‬
‫الذي يرون أنه‬
‫ينبغي إزاء الفعل المجرد‪.‬‬
‫فأما قولهم في الفعل المجهول الصفة أنه يتوقف فيه‪،‬‬
‫فيحتمل أنهم عادوا التوقف في حكمه بالنسبة إليه ن!!‪.‬‬
‫وهذا أمُرهُ قريب‪.‬‬
‫ولكنهم قالوا بالوقف أيضا فيما ظهر حكمه‪ ،‬وحينئذ فإما‬
‫أن يمنعوا القتداسو‬
‫به فيؤول إلى قول الحظر التي ذكره‪ ،‬ولكنهم أعني‬
‫الواقعية‪ :‬الغزالي‪ ،‬والرازي‪ ،‬ومن معهما‪ -‬ممن ورد قول‬
‫الحظر‪.‬‬
‫و كما أن يجيزها القتداء به مع الجهل بوجهه‪ ،‬وهذا أيضا‬
‫ما صوتوا ببطلنه ه‬
‫‪337‬‬

‫) ‪(1/330‬‬
‫فل يبقى أل أنهم يعتبرون وجود الفعل المجرد كعدمه‬
‫بالنسبة إلينا‪ ،‬وحينئذ‬
‫نرجع إلى الصل في الفعال قبل فرد الشرع‪ ،‬وهو ارتفاع‬
‫الحرج عن الفعل‪ .‬وليس ذلك عندهم هو الباحة لن‬
‫الباحة عندهم حكم شرعي‪ ،‬وهذا ليس حئى)‪ .(1‬وإنما هو‬
‫خلؤالفعل عن الحكمة ويكون الحكم في حقنا عندهم‬
‫بمعنى الباحة على قولي من يقول‪ :‬الباحة حكم عقلي )‬
‫‪.(3‬‬
‫)‪1‬ر ‪ 1‬لمستشفى ‪40/2‬‬
‫)‪ (2‬انظر!شف السرار على أصول البزاوي ‪ 922/3‬أو‬
‫البحر المحيط للزركشي ‪338 .1 251 /2‬‬

‫) ‪(1/331‬‬

‫الطلب الثالث قول التحريم‬


‫‪ /‬ينسب هذا القول إلى قاتل معيق )‪ ،(1‬وإنما نسب إلى‬
‫بعضا من قال بأن الصل في الشياء قبل ورود السمع‬
‫التحريم‪ .‬فإذا انتفت دللة الفعل النبوي على الحكام بقي‬
‫الفعل على ذلك الصل‪ .‬قال الغزالي ة وهذا خيال من رد‬
‫ى الشيل! قبل الشرع على الحظر" )‪.(2‬‬
‫لمدفي ذكر أن مبناه على قول من يجوز على النبياء‬ ‫وا َ‬
‫المعاصي )‪.(3‬‬
‫ي في بناء هذا القول‪ ،‬ولم‬
‫وقد أب أبو شامة طريقة المص َ‬
‫يذكر وجه رده‪ ،‬ول‬
‫داعي لرده إذ هو محتمل‪ .‬ووجه أنه كيف يقتدى به فيما‬
‫يحتمل أنه معصية؟‪.‬‬
‫ويردّ هذا القول من أصله‪ ،‬بان الصل في المنافع الباحة‪،‬‬
‫كما يعلم في موضعه من كلم الصوليين‪.‬‬
‫وبان النبي ! معصم من المعصية‪ ،‬أو من القرار عليها‪.‬‬
‫وأن من أجاز وقوعها فإنما يقع ذلك عند ‪ 8‬على سبيل‬
‫الفلتة والمر النادر‪.‬‬
‫وقد أجاب الغزالي بجواب آخر‪ ،‬قال‪" :‬يلزم من هذا‬
‫القولي تناقض‪،‬‬
‫)‪ (1‬وجدنا ابن بحزم في الفصل ‪ 2/4‬ينسبه إلى الباقلني‬
‫أو صاحبه أ!! جعفر السمناف! بناء على احتمال كودي‬
‫الفعل النبوي معصية‪.‬‬
‫)‪ 1 (2‬لمستشفى ‪ 1 (3) 49 /2‬لح! أم ‪250 /1‬‬
‫‪339‬‬
‫) ‪(1/332‬‬

‫مدير( ن يفعل النبي‪-‬وجيه فعلين متضادين ل وقتين‪،‬‬‫بت َ‬


‫فيؤدي إلى أن يحرم الشيء وضده‪ ،‬وهو تكليف محال "‬
‫‪.(11‬‬
‫ف رديء‬
‫ومن أجل ذلك قال أبو شامة‪ :‬وهذا قول سخي ٌ‬
‫على أل المين‬
‫ُبني " )‪.(3‬‬

‫)‪ 1 (1‬لمس!صفى ‪49/2‬‬


‫)‪ (3‬المحقق ق ‪340 .115‬‬

‫) ‪(1/333‬‬

‫المطلب الرابع‬
‫قولي الباحة‬
‫ي في‬ ‫ا‪ -‬هو راجع عند بعض القائلة به إلى امتناع التاس ّ‬
‫معلوم الصفة ومجهولها‪ .‬وأن الواجب العودة إلى الصل‬
‫في الفعال‪ ،‬وهو الباحة‪+‬‬
‫ويري عل أصحاب هذا التجاه بما تقدم في إبطال دعوى‬
‫امتناع التأسي‪.‬‬
‫‪ -2‬ويرجع عند آخرين إلى أننا‪ /‬يطلب منا الخالصي به يكن‬
‫في أفعاله المجردة‪ ،‬بل أبيح لنا ذلك‪.‬‬
‫وجوابه بما تقدم في فصل حجّية الفعل النبوي من الدلة‬
‫القاضية بأن التسلحي مطلوب شرعا ً‬
‫‪ -3‬ومبناه عند طائفة ثالثة أننا حملنا فعله يكن المجهول‬
‫الصفة في حقه ي‬
‫على الباحة‪ ،‬وذلك يقتضي الباحة في حقنا‪ ،‬على قول‬
‫المباراة التي‪.‬‬
‫وهذا البناء صواب في الفعل المجهولة الصفة إذا‪ /‬يظهر‬
‫فيه قصد القربة‪ .‬لما‬
‫إذا ظهر قصد القربة فذلك يرقى بالفعل إل الندب‪ .‬ول‬
‫تصح دعوى الباحة فيه‪ ،‬إذ أنها على خلف مقتضى‬
‫الظاهر‪-‬‬
‫* صف"‬
‫انتهينا من استعراض القوال التي تمنع الخالصي بالفعل‬
‫جة احتمال الخصوصية أو غيرها‪ .‬وانتهينا إلى‬ ‫المجرد بح ّ‬
‫بطلنها جميعًا‪.‬‬
‫وبقي أن نستعرض القوال التي تقول بمشروعية‬
‫التاسئي به‪-‬له‪ .‬وهي أربعة‪ :‬القول بالندب‪ ،‬والقول‬
‫بالوجوب‪ ،‬والقول بالتساوي في العبادات خاصة؟ بالقول‬
‫بالتساوي يخصه جميع الفعال المجردة‪.‬‬
‫ونعقد لكل منها مطلبًا‪.‬‬
‫‪341‬‬

‫) ‪(1/334‬‬

‫المطلب الخامس قولي الندب‬


‫المراد بهذا القول عند من قالوا به معنيان‪:‬‬
‫الول‪ :‬من قصر ولقوله بالندب في الفعال المجهول‬
‫الصفة على ما ظهر فيه‬
‫قصد القربة‪ ،‬فهو من القاصين بالتساوي لكن يحمل‬
‫الفعل على أنه صدر منه !نه! مندوبا ً ولذا فإننا سنذكر‬
‫القول بالندب بهذا المعنى مع قول التجاري‪.‬‬
‫ً‬
‫الثاني ت أننا إذا علمنا أن النبي !كل! فعل فعل فإنه يندب‬
‫لنا أن نفعل مثله‪،‬‬
‫سواء‪ ،‬علمنا أنه !كيهه فعل ذلك على سبيل الوجوب‪ ،‬أو‬
‫الندوب‪ ،‬أو الباحة‪ ،‬أو لم نعلم ذلك‪ ،‬وسواء أكان الفعل‬
‫قربة أم لم يكن‪ ،‬كما صرخ بذلك بهذا التفصيل أبو شامة )‬
‫‪.(1‬‬
‫ونقصر القول في هذا المطلب على المعنى الثاني‪.‬‬
‫وقد وضح أبو شامة قول الندب‪ ،‬وما يجري فيه؟ حيث‬
‫يقول‪:‬‬
‫أ كل فعل ظهر فيه قصد القربة‪ ،‬وكان معدوم الصفة من‬
‫وجوب أو ندب‪،‬‬
‫أو لم يكن‪ ،‬فالمة مندوبون ألي إيقاع مثل ذلك الفعل‬
‫مطلقا ً‬
‫وما لم يظهر فيه قصد القربة‪ ،‬وكالة محتمًل للقربة‪ ،‬دن‬
‫خهفيت عنا‪ ،‬فكذلك‪ .‬مثاله رفع اليدين عند التحرك‬
‫بالصلة‪ ،‬وعند الركوع‪ ،‬والرفع عنه‪ ،‬وعند القيام من‬
‫وى ومبيته به‬ ‫جته بذي ط َ‬ ‫الركعتين‪ ،‬وكنزوله !ئه! في ح ّ‬
‫ليلة يوم‬

‫ى ق ‪16‬‬
‫)‪ (1‬المحم ّ‬
‫)‪ (2‬المحقق ق ‪342 12‬‬

‫) ‪(1/335‬‬
‫عرفة‪ .‬فهذا رنص( فعال صدرت منه يا تحتمل القربة‪،‬‬
‫وأن‪ /‬يظهر لنا فاستحدث عللي المذهب متابعته رالتاسئي‬
‫به فيها‪ .‬وهي في هذا الباب بمثابة الوصاف الشبهئة في‬
‫باب القياس‪ ،‬إلانها مخطوطة الدرجة عما ظهر فيه قصد‬
‫القربة‪ .‬فيكون الستحباب فيها أكد مما لم يظهر فيه قصد‬
‫القربة‪ ،‬ويكلون الستحباب فيما رجب عليه ! أكد‪ ،‬لن‬
‫مصلحته أتم بدليل تحتمه عليه‪.‬‬
‫فهذه ثلث درجات‪ :‬أعلها متابعته ! في ما رجب عليه‪.‬‬
‫دب إليه‪ ،‬لو فيما لم تعلم صفته‪،‬‬ ‫وبعدها متابعته في ما ن ِ‬
‫لكن ظهر فيه قصد‬
‫السر بل‪-‬‬
‫بالدرجة الثالثة ما احتمل القربة وإن لم تظهر‪.‬‬
‫وبعد هذه الدرجات درجة رابعة‪ ،‬وهي متابعته ! في‬
‫الفعال التي يكاد‬
‫يقطع فيها بخّلوها من القربة‪ ،‬كهيئة وضع أصابع اليد‬
‫اليمنى في التشهد‪ ،‬فتستحب المحافظة عليها والخذ بها‬
‫ما أمكن‪ ،‬تدريبا للنفس الجموح‪ ،‬وتمرينا ً لها عل أخلق‬
‫صاحب الشرع‪ ،‬لتعتاد ذلك‪ ،‬فل تخل بعده بشيء مما فيه‬
‫قربة‪ .‬فهذا ونحوه هو الذي يظهر لي أن إبداله بن عمر‬
‫رضي الله عنهما كان يلحظه‪ ،‬فأخذ نفسه بالمحافظة‬
‫على جميع آثاره !‪ ..-‬فالمئصف باليمان‪ ،‬من علمات صحة‬
‫إ!لمانه ومحبته لرسول الله ! التبرك بآثاره‪ ،‬والتباع فيها‪-‬‬
‫وفا‪ -‬وإن لم تصدر من رسول الله !ك! قربها‪ -‬قربة‪ .‬فنحن‬
‫نرجو بفعلها التقرب إلى الله تعالى‪ ،‬لما انطوى عليه‬
‫دث‬ ‫ح ِ‬
‫فعلنا لها من محبته يكن التي حملتنا عليها‪ ،‬ربما ي ُ ْ‬
‫ذلك من رقة القلب بتذكره ئي"‪ .‬الـ‪.‬‬
‫ي‬
‫عْبدان قوله‪:‬إ أفعال النبي ! إل ّ‬ ‫ثم نقل أبو شامة عن ابن َ‬
‫لم تحصل منه‬
‫ب التاسيس به فيها‪ ،‬نجد بركلته‪،‬‬ ‫قَرب‪ ،‬يستح َ‬ ‫على وجه ال ُ‬
‫مثل أكله وشربه وعطائه ومعاشرته لنسائه‪ ،‬وجميع أفعاله‬
‫المتعلقة بأمور الدنيا‪ .‬يستصحب التاسيس به في جميع‬
‫ذلك‪ 10،‬هـ‪،‬‬
‫‪343‬‬

‫) ‪(1/336‬‬

‫أدلة القائلين بالندب‪:‬‬


‫القائلون بالندب في الفعل المجرد بأنواعه‪ ،‬استدلوا بما‬
‫ورد في الشريعة من‬
‫طلب الباستي بالنبي ! والتباع له‪ ،‬ومن فعل الصحابة"؟ "‬
‫وقالوا‪ :‬إن الشرع طلب التالي ل على سبيل الوجوب‪ ،‬فل‬
‫يبقى إل أنه دال على الندب‪ .‬واستدلوا على انتفاء‬
‫ي‪ .‬وحاولوا رد أدلة‬‫الوجوب بانتفاء دليل يحّتم التأس َ‬
‫القائلين بالوجوب بما نذكره في المطلب التالي‪.‬‬
‫واستدلوا على انتفاء الوجوب أيضا بأمور)‪:(2‬‬
‫الول‪ :‬أن الفعل أضعف دللة من القول‪ ،‬والقول يدل‬
‫على الوجوب‪،‬‬
‫فينبغي أن ل يكون الفعل دال عليه‪ ،‬بل على الندب )‪.(3‬‬
‫ويجاب عن ذلك بأنه ل يلزم من كونه أضعف دللة خروجه‬
‫من دائرة الدللة على الوجوب‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬حديث أبي هريرة‪ ،‬عن رسول الله !‪ ،‬قال‪ :‬لكل‬
‫ى يدخلون‬ ‫أمت ِ‬
‫الجنة أل من أبى" قالوا‪ :‬ومن باب يا رسول الله؟ قال‪:‬‬
‫ومن أطاعني دخلي الجنة‪ ،‬ومن عصاني فقد أبى" )‪! (4‬‬
‫قالوا‪ :‬والطاعة والعصيان إنما هي بالنسبة إلى القولي‬
‫درن الفعل‪ .‬فدل على أن الوجوب مستفاد من القول دون‬
‫الفعل ْ)(‪.‬‬
‫ويجاب بأنه إذا أمر بالقول باتباع فعله‪ ،‬فلم يّتبع‪ ،‬كان‬
‫عصيانًا‪.‬‬
‫سلمنا أن الطاعة اتباع مقتحما القولي‪ ،‬والعصيان‬
‫مخالفته‪ ،‬لكن ليس في الحديث تعرض ض للفعل أصل‪.‬‬
‫ل هذا الحديث على عدم الوجوب‪ ،‬بالفعل‬ ‫ولو د ّ‬
‫)‪ (1‬تقدم إيضاح فلك في الفصل الثالث‪.‬‬
‫)‪ /(2‬نر أحدا ً تتم هذه الحاديث بالرد على استدلل ابن‬
‫حزم و!! شامة بها أل قليل ً وقد رددنا عليهما بما يسره‬
‫الله‪.‬‬
‫)‪ (3‬أبو شامة‪ :‬المحقته ق ‪ 15‬ب‪ !41 .‬البخاري ‪249/13‬‬
‫)‪ (5‬أبو شامة‪ :‬المحقتاق ‪ 15‬ب‪.‬‬
‫‪!44‬ل‬

‫) ‪(1/337‬‬

‫لزم مثلى ذلك في الدلة الخرى‪ ،‬التي‪ /‬تذكر في هذا‬


‫الحديث‪ ،‬كالجماع والقياس‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬حديث‪ :‬كما تركت شيثأ مما أمركم الله به إل وقدم‬
‫مرتكب به‪ ،‬ول تركت شيئا ً مما نهاكم اله عنه إل رقد‬
‫نهيتكم عنه " )‪ .(1‬قالوا‪ :‬وهذا ظهر في القول دون الفعل‬
‫)‪.(3‬‬
‫ويجاب بأنه إذا دفع بالقول على اتباع فعله فقد بين‬
‫بالقولة‪.‬‬
‫وأيضا ً هذا منتقض! بكل ما يدل عله الوجوب من غير أمره‪،‬‬
‫كالقياس والمفهوم والجماع‪.‬‬
‫وأجاب بعض الحنفية )‪ (3‬أيضا ً بان الستحباب كذلك‬
‫يستدعي التبليغ‪ ،‬فإن‬
‫‪ /‬يكن الفعل تبليغأللوجوب فليكون تبليغا ً للنمو‪.‬‬
‫ك من كان‬ ‫الرابع‪ :‬حديث‪ :‬ليدعوني ما تركتكم‪ ،‬فإنما أهل َ‬
‫قبلكم كثرة مسائلهم واختلفهم على أنبيائهم‪ ،‬فإذا‬
‫نهيتكم عن شيء فاجتنبه‪ ،‬وإذاك مرتكب بشيء فأتوا منه‬
‫ما استطعتم ! )‪ (4‬قالوا‪ :‬فلم يوجب على أحد إل ما‬
‫استطاع‪ ،‬مما أمر به‪ ،‬واجتناب ما نهي عنه فقط‪ ،‬وأسقط‬
‫ما عداه‪ .‬وأمرهم بتركه ما تركهم ْ)(‪ .‬ويجاب عن ذلك بمثل‬
‫ما تقدم في الحديث السابق !‬
‫الخامس‪ :‬قالوا‪ :‬إنا قد علمنا بضرورة الحد والمشل!دة أنه‬
‫له‪ ،‬وكلف حي‬
‫في الرض‪ ،‬ل يخلو طرفة عين من فعل‪ ،‬إما جلوس‪ ،‬أو م!‬
‫ثي‪ ،‬أو وقوف؟ و اضطجاع‪ ،‬أو نوم؟ أو الكلء‪ ،‬أو غير ذلك‬
‫من الفعال‪ .‬وفعله‪ /‬يظهر دائهأ‪ ،‬بلى هو في حال خلوته ل‬
‫يترك الفغان‪ .‬قالوا‪ :‬وهذا يدل على عدم وجوب شيء من‬
‫)‪ (1‬قال أبو شامة‪ :‬رواه الشافعي من حديث المطالب بن‬
‫حاطبا‪.‬‬
‫ه‪ :‬المحقق ق ‪ 15‬ب‪.‬‬ ‫)‪ (2‬أبو شلم ّ‬
‫)‪ (3‬تيسير التحرير ‪ ،1 1 26 /3‬وأيضا ً فراتع الريموت‬
‫‪182/3‬‬
‫)‪ (4‬رواه مسلم ‪ (5) 109/15‬ابن حزم‪ :‬الحكام ‪429/1‬‬
‫‪345‬‬

‫) ‪(1/338‬‬

‫أفعاله‪ ،‬إذا لو كان واجبا لوجب أن يحضر ‪ 8‬أحد منهم‬


‫دائمًا‪ ،‬لينقل إليهم ما فعله ‪ !-‬من الواجبات‪.‬‬
‫وهذا من أقوى ما يحتجزون به )‪.(1‬‬
‫وجوابه‪ ،‬وبالة التوفيق‪ ،‬من وجوه‪:‬‬
‫ا‪ -‬أن ما يفعله ! في غيبته مما كان واجبا‪ ،‬ل يمتنع أن‬
‫يفعل مثله مرة أو‬
‫مرات أخرى بحضرتهم‪ ،‬فيحصل المقصود‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه يكن قد حرص على تكثير نسائه‪ ،‬والحكمة أن يرين‬
‫أحواله في خلوته رينقلنها إلى الناس‪ ،‬وهذا يدل على‬
‫خلف ما ذكروا‪-‬‬
‫‪ -3‬أن دليلهم ينتقل بقولهم هم‪ .‬إذ إنهم يقولون‪ :‬فعله‬
‫يدل على الستحباب‪ +‬والستحباب شرع يجب بيانه‪ ،‬فكان‬
‫يلزم إظهاره كالواجب‪.‬‬
‫‪ -4‬أن ما مثلوا به أفعال جبلّية‪ ،‬ل ترقى إلى مرتبة‬
‫الوجوب‪ ،‬بل ول الستحباب‪ .‬والواجبات من أفعاله في‬
‫قليل‪ ،‬فيمكن إظهارها‪.‬‬
‫السادس‪ :‬واحتج به ابن حزم )‪ ،(2‬أن الفعال لو كانت على‬
‫الوجوب لكان‬
‫ذلك تكليفألما ل يطاق‪ ،‬من وجهين‪:‬‬
‫ا‪ -‬أنه كان يلزمنا أن نضع أيدينا حيث وضع ! يده‪ ،‬وأن‬
‫نمشي حيث مشى‪ ،‬وننظر إلى ما نظر إليه‪ .‬وهذا كله‬
‫خروج عن المعقول‪.‬‬
‫ريجان عن هذا الوجه‪ ،‬بأن هذه مباحات جبلية ل دخل لها‬
‫في الحكام‪،‬‬
‫فل ترد على قول القائلين بالوجوب‪ ،‬والقائلين بالمساواة‪.‬‬
‫ح هذا لكان وأردأ على قول الندب الذي يقول‬ ‫وأيضا لو ص ّ‬
‫به ابن حزم‪ ،‬فما‬
‫كان جواب القائلين بالوجوب‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظري صول الرصاص حق ‪.(1209‬‬


‫)‪ (3‬الحكام ‪ 46 435 /1‬س‬

‫) ‪(1/339‬‬

‫‪ -2‬أن أكثر هذه الشياء‪ -‬يعني الشياء المائتة التي تصرف‬


‫فيها النبي جمئ! بأعيانها‪ -‬قد فنيت‪ ،‬فكنا من ذلك‬
‫مكتفين ما ل نطيق‪.‬‬
‫والجواب أن القائلين بالوجوب‪! !،‬ا!قولون !وجولب إيجاد‬
‫فعل مماثل لفعله‬
‫!‪ .‬والمماثلة تتحقق دون ما ذكر‪.‬‬
‫وأيضا هذا لو صح لكان وأردأ على قتل الستحباب‪.‬‬
‫السابع‪ :‬واستدلوا أيضا ً بحديث العرابي )‪ (1‬الذي حلفإق ل‬
‫يزيد شيئا‬
‫على ما أخبره النبي ! منذ وكان السلم الخمسة‪ .‬فقالت‬
‫النبي عينه‪ :‬أفلح إن صدق‪ .‬قالوا‪ :‬لم ُيلزمه النبي متي‬
‫لغعاله‪ .‬و‪ /‬ينكر عليه القتصار عليها بلى شهد له بالفلح )‬
‫‪-(2‬‬
‫وجوابه ما ثبت من إيجاب أمور أخرى كالجهاد وصلة الرحم‬
‫والمر بالمعروف والنهي عن المنكر‪ ،‬فاحتمل أن يكون‬
‫دما ويكلون كله ما ثبت وجوبه غير‬ ‫هذا الحديث متق ّ‬
‫ً‬
‫الخمسة المذكورة متأخرا ويكلون دليل التألصي متأخر‬
‫الورود عن حديث ا لعر أب‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬واستدلوا( يضأ بحديث عبدالله بن مسعود )؟(‬
‫قاله‪ :‬صلى رسول انه‬
‫!! فزاد وأو قال‪ :‬فنقصد فلما سلم قيل له‪ :‬يا رسولي‬
‫ث في الصلة شيء؟ قال‪ 9 :‬وما ذاك؟ ! قالوا‪:‬‬ ‫الله‪ ،‬أحدَ َ‬
‫ت كذا وغدا‪ .‬قالت‪ :‬فثنى رجله واستقبل القبلة‪،‬‬ ‫صلي َ‬
‫فسجد جهنم سجدتين ثم سلم‪ .‬فلما اْنفَتل أقبل علينا‬
‫بوجهه‪ ،‬فقال‪" :‬أر حدث يخص الصلة شيء أنبائكم به‪،‬‬
‫ت‬
‫ولكن إنما أنا بأثر‪ ،‬أنسى كما تنسون‪ .‬فإذا نسي ُ‬
‫ك أحدكم قي صلته فليتحر الصواب‬ ‫كروتي‪ .‬وإذا ش ّ‬ ‫فذ َ‬
‫فليبني عليه‪ ،‬تم يسجد سجدتين "‪ ! (4‬قالوا‪ :‬معنى قوله‬
‫يكن‪ :‬الو حدث في الصلة شيء سباتكم به !‪ ،‬ما كنت‬
‫أقتصر على بيان ذلك بفعلي‪ ،‬بل كنت أنبئكم به قوّل‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري ‪ 1 0 6/1‬ومسالم ‪ (21 166/1‬أبو شامة‪:‬‬
‫المحّرق ق ‪ 17‬ب‪ (31 .‬رواه البخاري ومسلم وأصحاب‬
‫السنن الثلثة وجامع الصول ‪ (4) (354 /6‬أبو شامة‪:‬‬
‫المحقتاق ‪123‬‬
‫‪347‬‬

‫) ‪(1/340‬‬

‫ى‬‫ف فيها الفعل القول َ‬ ‫والجواب أن مثل هذه الحادثة خال َ‬


‫المتقدم المستقر المعلوم‪ ،‬فل يكفي الفعل لنسخه لو‬
‫قدم القول‪.‬‬ ‫كان المراد النسخ‪ ،‬فلو‪ /‬ينبئهم به ل ُ‬
‫وحينئذ فإذا أريد نسخه ل بد من أن يكون ذلك بقول‪.‬‬
‫وخاصة على قول‬
‫ً‬
‫من يقول‪ :‬الفعل ل ينسخ القول مطلقا‪ ،‬أو ل ينسخه ما‪/‬‬
‫يتكرر‪.‬‬
‫وأيضا ما ذكره النبي ! من أنه يضحى كما ينسون‪ ،‬يجعل‬
‫تركه لما ترك مجمل ً‬
‫لنه يحور بين النسيان وبين التشريع‪ ،‬ومن أجل ذلك ل‬
‫يصلح الفعل بيانا ً في مثل هذا المقام‪ ،‬ويتعين القول‪.‬‬
‫** !‬
‫هذه أدلتهم التين وردوها‪ ،‬وقد زئفناها وبينا أنها ل تدل‬
‫على مطلوبهم‪.‬‬
‫ولقد صربي أبو شامة بأن والقتداء بالواجب من فعله‪-‬له‬
‫ل يكون واجبًا‪ ،‬وأنه ل يعلم شيئا من الحكام الواجبة‬
‫مستندُ وجوبه الفعلي‪ .‬وهذه مجازفة غير مقبولة‪ ،‬كان‬
‫ينبغي له أن يحترز من إطلقها‪ ،‬لعل الذي حمله على ذلك‬
‫اقتفاء خطوات ابن حزم رحمة الله عليهما‪ .‬صالح لفي‬
‫دليل قولمأ يدل على وجوب خطبة الجمعة ‪ 4‬وركنية‬
‫ركعتين في صلة العيد‪ ،‬ووجوب السعي بين الصفا‬
‫والمروة في الحج والعمرة‪ ،‬والبدء بالصفا‪ ،‬ووجوب‬
‫ركوعان صلة الكسوف‪ ،‬وسجود السهو‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫دليل بطلن قول الندب‪:‬‬
‫التاسئي المطلوب شرعا يقتلهما المساواة في صورة‬
‫الفعل‪ ،‬وفي حكم الفحل‪ .‬وبدون ذلك ل يكون الفعل الذي‬
‫ي في‬‫نفعله تأسيا ً فمن‪ /‬يفعل ما يماثل الفعل النبو ّ‬
‫من‬‫مأ‪ ،‬بل يكون مخالفا )‪ .(1‬وكذلك َ‬ ‫الصورة فليس متأس ّ‬
‫ً‬
‫عل ندبا ما فعله النبي ! واجبة‪ ،‬فذلك ليس تأسيا‪ ،‬بل هو‬ ‫ف َ‬
‫نوع من المخالفة‪ ،‬أو هو أقرب إلى أل بتدل‪،‬‬
‫)‪ ((1‬بو الخطاب‪ :‬التمهيدي ‪.190‬‬
‫‪348‬‬

‫) ‪(1/341‬‬

‫وهذا دليل صحيح‪ .‬وهو عمدة القائلين بالساواة قي‬


‫الحكم‪ .‬وهو الذي‬
‫نأخذ به‪ .‬وله يمكن الرد أيضا ً على قول القاثليهة بالوجوب‪.‬‬
‫وقد اعترض على هذا الدليل بشبه أربع‪:‬‬
‫الشبهة الولى‪ :‬وقد اعترض بها أبو شامةأ ‪ .(1‬وحاصلها‬
‫أن تفسير السوة بللساواة في الصورة والحكم تفسير‬
‫غير مقبول‪ ،‬إذ ل يعرفه أئمة اللغة‪ .‬بلى الوارد في‬
‫مصنفاته تفسير السوة بالقتداء‪ ،‬وهو ل يقتضي‬
‫المساواة في الحكم‪ .‬يقول أبر شامة‪ /) :‬أر أحدا ممن‬
‫وقفت على مصنفه في اللغة ذكر في معنى الئتسل!‬
‫والتباع ما ذكروا‪ ،‬ول يشترط ما شرطوا‪ ،‬بل يفكرون‬
‫الثتساء بالقتداء‪ ،‬هكذا مطلقا ً نحوقول الراغب ة السوة‬
‫قدوة والقدوة‪ .‬وهىخ الحالة التي يكون‬ ‫والسوة كال ُ‬
‫النسان عليها في اتباع غيره‪ ،‬إن حسنا وإن قبيحا ً وإن‬
‫سازي وإن ضازأ‪ .‬ولهذا قال تعالى‪ :‬ولقد كان لكم في‬
‫رسول الله أسوة حسنة! فوصفها بالحسنة"‪،‬‬
‫ثم نقل عن غير الراغب مثل ذلك‪ ،‬ثم قال‪) :‬فالتأسي عله‬
‫هذا عبارة عن‬
‫ل لجل فعله‪ ،‬متصل بصفاته‬ ‫فعل يوافق فعل الغير‪ ،‬مفعو ٍ‬
‫الظاهرة دون الموافقة له في النية"‪.‬‬
‫ثم قال‪ :‬فإن دعواهم مقابلة بدعوى أكد مخهم من أهل‬
‫الصول‪ ،‬وهم القائلون بالتعي!س من وجوب أو نطلب‪،‬‬
‫فإنهم ل يفي دون الخالصي والتباع بما ذكروا‪ ،‬فليرجع‬
‫إلى تفسير أهل اللغة فإنه السدي"‪.‬‬
‫وقد تلقف هذا التفسير للسوة المحدد ث الصنعاني )‪،(2‬‬
‫وأكده بالستشهاد‬
‫بقول الخنساء في مرثاة أخيها صخر‪:‬‬
‫ومايبكون مثل أخي ولكن أسَئن النفسي عنه بالتاستى‬
‫بعدقولها‪:‬‬
‫ولولكثرةُ الباكر حولي على إخوانهم ا ة ت ا‪ ،‬حيط‬
‫نفمصي‬

‫)‪ (1‬المحقق ق ‪ ،118‬ب‪.‬‬


‫)‪ (2‬حاشية هداية العقول ‪349 466/1‬‬

‫) ‪(1/342‬‬

‫واحتجوا على القائلين بالمساواة‪ ،‬بأنهم أجازوا التالي‬


‫فيما ل يعلم وجهه‪،‬‬
‫بان يفعل على طريق الندب‪ ،‬أو على طريق الباحة‪ .‬وهذا‬
‫عندهم يدل على أن التالي ل يشترط فيه معرفة حكم‬
‫الفعل‪-‬‬
‫كشف أمر هذه الشبهة‪:‬‬
‫ً‬
‫ونحن تقول‪ ،‬وبالله التوفيق‪ :‬إن !ل من القائلين بالندب‬
‫والعائلي بالوجوب‪ ،‬قد شط‪ ،‬والذي يقتضيه ما أورده أن‬
‫الحتساء والتباع الموافقة في الفعال‪ ،‬كما فسره ليل‬
‫اللغة‪ .‬والموافقة المساواة من جميع الوجوه‪.‬‬
‫فإذا علمناه غد عمل عمل على رجه الوجوب ل نكون‬
‫وافقناه بعملنا إياه‬
‫عن وجه الندب‪ ،‬إذ إن هذه ه مخالفة حقيقية‪ ،‬فل تتحقق‬
‫السوة‪.‬‬
‫ً‬
‫وكذلك عكسه‪ ،‬فإن علمناه قد فعل الفعل ندبا فمن‬
‫المخالفة له أن نفعله‬
‫على وجه الوجوب ونتخذه علينا واجبا‪ ،‬وكذلك لو علمناه‬
‫فعل ما فعل على وجه الباحة يكون من الخطأ اعتبار ذلك‬
‫قربة والتقرب إلى الله تعالما به وجوبا ً أو ندبًا‪ -‬إذ إن ذلك‬
‫نرع من البعد ‪.3‬‬
‫أما إذا لم نعلمه فعله ندبا ً أو وجوبا أو إباحة فإن صفة‬
‫الفعل ل تكون عندنا‬
‫أمرا ظاهرا ً وليس لنا حينئذ إل العمل بالظن‪ ،‬وهو حمل‬
‫قربات على الندب‪ ،‬والتأسي به فيها‪ ،‬وحمل ما عداها‬ ‫ال ُ‬
‫على الباحة‪.‬‬
‫والحاصل أن الولى أن يقال‪ :‬التساوي في الحكم في‬
‫الفعل المعلوم الصفة واجب‪ ،‬لن ذلك ظاهر في الفعل‪،‬‬
‫وتركه مخالفة‪ .‬وأما مجهولها فيعمل بقوله الندب في‬
‫القربة‪ ،‬وبالباحة فيما عداها‪ ،‬وهذا هو عين هود التساوي‬
‫كما يأتي إن شلل الله‪ .‬وأما ما نقلوه من قول الخنساء‪،‬‬
‫فإن التسّلي عن أخيها ل يدخلها في أغراضه الوجوب أو‬
‫الندب‪ ،‬حتى يحتج به في هذه المسالة‪ ،‬أما بالنسبة إلى‬
‫أفعال النبي مجده فإدا التقرب على سبيل الوجوب‪ ،‬أو‬
‫م الغراض‬‫الندب‪ ،‬أو فعلها على سبيل الباحية من أه ّ‬
‫فيه‪ ،‬فل بد من اعتباره‪.‬‬
‫مرض بهذا الفخر الرازي فيه‬ ‫شبهة ثالثية‪ :‬وقد اع ّ‬
‫المعالم(‪ ،‬وهو يقول فيه‬
‫‪350‬‬

‫) ‪(1/343‬‬

‫بالوجوب‪ .‬قال‪ :‬فإن قالوا ة بتقدير أن يعتقد الرسول أن‬


‫تلك الفعال غيرراجبة على المة كان اعتقاد المة وجربها‬
‫عليها مخالفة‪ ،‬وتركز للمتابعة‪ .‬قلنا‪ :‬العتقاد أمر خفة‬
‫متعارض‪ ،‬فثبتت ما إن اعتبرنا العتقاد جاء التعارض‪،‬‬
‫فرجب أطرافه والقتصار على الفعال الظاهرة )‪.(1‬‬
‫وبمثله أجاب أبو الطّيب الطبرسي )‪."2‬‬
‫مر بالتالي فيما ل يعلم‬ ‫ُ‬
‫وهذه شبهة مطرحة‪ .‬لنا من أ ِ‬
‫وجهه‪ ،‬وقد استطاع‬
‫أن يستدل عليه بالمارات‪ ،‬فلم ل يفعل؟ ثم إن فعل‬
‫فأخطأ فل يصح نسبته إلى المخالفة وترك التباع‪ .‬بل هر‬
‫مجتهد ماجور‪ .‬ول يقتضي ذلك جواز المخالفة في معلم‬
‫الحكم‪.‬‬
‫شبهة ثالثة‪ :‬وقد أثارها أبو شامة‪ .‬فقد بي أن من فعل‬
‫فعل من العبادات‬
‫ل يدري وواجب هو أم مندوب‪ ،‬أن عبادته صحيحة‪ .‬ثم إن‬
‫كان الشرع يأتيها وجوبها‪ ،‬وقع فعله واجبة وأجزأ عنه‪ ،‬وإل‬
‫فيقع نلجأ‪ ،‬وله الجر على كل حال‪ .‬وكذلك لو نوى العبادة‬
‫المعلنة مطلقا ً أعني لمحور أن ينوي أنها فرض أو نفل‪،‬‬
‫فعبادته صحيحة‪.‬‬
‫ثم استدل لذلك‪،‬‬
‫ثم احتج بهذا على أن التأسي ل يشترط فيه معرفة حكم‬
‫القربة التي علم أن‬
‫ى عنده معرفة أنها قربة‪،‬‬ ‫النبي مجد تقرب بها‪ ،‬بل يكف ِ‬
‫وتميزها مما ليس بقربة‪ .‬ورأى أن ذلك يأتيها أنه ل‬
‫يشترط في التاسع المساواة في حكم الفعل )‪.(3‬‬
‫وفي سبيل الرد على ذلك نحب أن نبّين‪ ،‬أن قول‬
‫عِلم‬
‫المساواة‪ ،‬وهو الذي نختاره‪ ،‬يوافق قول الندب فيما ُ‬
‫أن النبي مجد فعله ندبا ً وفيما جهل حكمه مما ظهر فيه‬
‫ه‪.‬‬
‫مرب ّ‬
‫قصد ال ّ‬

‫و ‪ 18‬ب‪ .‬لم!( المحّرق ق ‪23-20‬‬


‫)ا! أبو شامة‪ :‬المحّرق َ‬
‫ه‪ :‬المحقق ‪.!18‬‬‫)‪ (2‬أبو شام ّ‬

‫‪351‬‬

‫) ‪(1/344‬‬

‫ويبقى الخلف في نوعين‪ :‬الول ما علم أنه جمعه فعله‬


‫على سبيل الوجوب‪ ،‬والثاني‪ :‬ما علم أنه فعله على سبيل‬
‫الباحة‪ ،‬والمحمول عليه‪.‬‬
‫فيما في الثاني فبطلن دعوى أبو شامة واضح‪ ،‬لن ما‬
‫جاز على سبيل العانى ة والباحة ل مجوز فعله على‬
‫عَبد إل بما شرع‪ .‬والمباحات‬‫سبيل العبادة‪ ،‬فالله تعالى ل ئ ْ‬
‫ل يتعهد بها؟ وذلك أصل مقّرر في الشمريعة‪.‬‬
‫وأما في الولى‪ .‬وهو معلم صفة الوجوب‪ ،‬فإن من التحدي‬
‫والمباينة لرسول الله ! أن يفعل الشيء واجبة‪ ،‬ونحن‬
‫نعلم ذلك‪ ،‬ثم ل نتابعه فيه‪ ،‬فهذا خلف التالي‪ .‬نعم‪ :‬من‬
‫جهل حكم القربة فأطلق النية فل باس بفلك في بعض‬
‫صور العبادات‪ ،‬وكذا مائة علمه فيطلق النية )‪ (.(1‬ما أن‬
‫يعلم صفة النية من رسول الله ي ثم يتعقد أن ينوي‬
‫خلفها‪ ،‬فإنه مشاق ومعاند‪ ،‬بل ومبتدع متباعد‪ .‬والله‬
‫الهادي إلى أقوم طريق‪.‬‬
‫شبهة رابعة‪ :‬قالوا التساوي في حجم الفعل قد ثبت عدم‬
‫اعتباره في صور‬
‫من التا!صي والقتداء معترف بها‪ ،‬فيدل ذلك على أن‬
‫التالي ل يشترط لحصوله ما ذكرتم من المساواة في‬
‫الحكم‪.‬‬
‫فمن الصور المشار إليها اقتداء المصلي المتنقل‬
‫بالمفترض‪ ،‬والتفاق حاصل‬
‫على صحته‪ ،‬واقتداء للفترة بالمتنفل‪ ،‬وهو جائز عند‬
‫الشافعي وغيره )‪ .(2‬وكمن خرج لجهاد فتبعه آخر يريد‬
‫التجارة يسمى متبعا له في سفره‪ ،‬وإن خالفه في قصده‬
‫)‪ (3‬ء‬
‫ونحن نقوله‪ :‬حقيقة التأسي والمتابعة المساواة من جميع‬
‫الوجوه‪ ،‬فإذا دل الدليل على سقوط شيء‪ ،‬بقي ما عداه‬
‫ب الفقهاء الدلة على جواز‬ ‫على الصل )‪ -(4‬ومن هنا ت َ‬
‫طف َ‬
‫اقتداء المفترض بالمتنفل وعكسه‪ .‬وليس حكم الفعل مما‬
‫قام الدليل على سقوطه‪ .‬فيجب التزام المساواة فيه‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬السميوطي‪ :‬الشباه والنظاثرص ‪ (31 18‬أبو‬


‫و ف ‪.1104‬‬ ‫معل‪ :‬العد ّ‬
‫‪ 52‬يلي‬
‫)‪ (2‬ابها قديمة‪ :‬المغني ‪ (4) 226 ،225 /2‬النصاري‪:‬‬
‫فواتح الريموت ‪181 /2‬‬

‫) ‪(1/345‬‬

‫وقال أبو الخطاب الحنبلية ا"‪ :‬إن المتنفلى خلف‬


‫المفترض إن قلنا يكون تابعا ً‬
‫فلن الصلة تجمع قربة وإسقاط فرض والمتنفس‬
‫متقرب‪ ،‬فهو تابع في القربة دون إسقاط الفرض‪.‬‬
‫وعندي أن هذا الرد ل يكفي‪ ،‬بل هو تصحيح لجواب أصحاب‬
‫الندب‪ .‬وأجاب شارح مسلم الثبوت‪ ،‬على طريقة الحنفية‬
‫ت عليه واجبة‪،‬‬
‫بان المتنقل إذا أحرم بالصلة أصبح ْ‬
‫فيستوي المام والمأموم في نية الوجوب‪ .‬وهذا الجواب ل‬
‫يجري على غيرطريق الحنفية‪.‬‬
‫وأما استشهادهم بأن من خرج لجهاد فتبعه من يريد النخع‬
‫يسمى متبعًا‪ ،‬فالجواب أنه متبع له في أصل السفر‪ ،‬وليس‬
‫هو متبعا له في جهاده‪ .‬وكذلك اتباعنا للنبي ئي يجب أن‬
‫يكون اتباعه في مقاصده الشريفة‪ ،‬من التقرب إنما الله‬
‫تعالما بما كان يتقرب به‪ ،‬كل الواجبات والنوافل‪.‬‬
‫* بح!عبم‬
‫وإذ فرغنا من ذكر ما استدل به القائلون بالندب‪ ،‬والرد‬
‫عليهم بما فتح الله‬
‫به‪ ،‬نذكر هنا أن قول الندب إن استضاف أحد في ما وجب‬
‫على النبي !‪ ،‬فل ينبغي أن يستساغ في ما فعله صل على‬
‫عل على وجه‬ ‫وجه الباحة‪ ،‬والفرق أن الواجب قد ُ‬
‫ف ِ‬
‫القربة‪ ،‬فللندب في مثله منا وجه‪ .‬أما ما فعله !س!م عله‬
‫وجه الباحة‪ ،‬فإن في فعده على وجه التعبد نوعا من‬
‫البتدل! في الدين‪ ،‬والتقرب إنما الله تعالى بما‪ /‬يشرعه‪.‬‬
‫وقد تقدم القول في ذلك في مبحث الفعل الجبلي‪.‬‬
‫ممهيد‪ :‬ق ‪ 90‬ب‪.‬‬ ‫)‪ 1(1‬ل ّ‬
‫‪353‬‬

‫) ‪(1/346‬‬

‫المطلب السادس قول الوجوب‬


‫مراد العائلي بالوجوب إن ما ثبت لدينا من الفعال النبوية‬
‫المجردة يجب علينا‬
‫أن نفعل مثله في الصورة‪ ،‬سواء علمنا أن النبي ! فعله‬
‫وجوبا ً أو ندبا أوإباحة‪ ،‬أو جهلنا حكمه بالنسبة إليه به‪.‬‬
‫وبعض القاصين به خصه بالمجهول الصفة من ا لفعال )‬
‫‪.(1‬‬
‫وهذا القول يوافق قول الندب في اعتبار الموافقة يخص‬
‫صورة الفعل دون حكمه‪ .‬ويخالف في الحكم المستفاد في‬
‫حقنا‪.‬‬
‫وقد استدل لهذا القول بلدية عقلية وقرآنية وسنّية‬
‫و)جماعية‪.‬‬
‫الدليل الول‪ :‬أن الفعل النبوي يحتمل أن يكون حكم مثله‬
‫في حقنا الوجوب أو الندب أو الباحة‪ .‬والحتياط أعلى‬
‫المراتب‪ ،‬فوجب الخذ به احتياطي لئل نترك ما وجب‬
‫علينا‪ ،‬كصيام الثلثين من رمضان إذا‪ /‬يَر الهلل‪ ،‬يحتمل أن‬
‫يكون من شوفال‪ ،‬ومع ذلك نصومه احيتاطأ لئل يكون من‬
‫رمضان‪.‬‬
‫وأجب عن ذلك )‪ (3‬بان الحتياط يمكن أن يقال به إذا خل‬
‫عن احتماله الضرر‪ .‬وما نحن فيه يحتمل أن يكون الفعل‬
‫حراما على المة فيكون ضررا ً‬
‫قال الصمدي‪ :‬وهذا الجواب غير صحح‪ ،‬فإنه لو غمس‬
‫الهلل ليلة الثلثين‬
‫دمد ‪382/1‬‬ ‫‪ (11‬أبو الحسين البصري‪ :‬الم ّ‬
‫)‪ (2‬نقل الشوكاني هذا الجواب وأقره وإرشاد الفحول ص‬
‫‪ (36‬ما ‪ 5‬يمر‬

‫) ‪(1/347‬‬
‫من رمضان؟ يجب صومه احتياطا ً للواجب‪ ،‬وإن احتمل أن‬
‫يكون حراما ً بكونه يوم العيد )‪ .(1‬وقاله مثل ذلك صاحب‬
‫تيسيير التحرير )‪.(2‬‬
‫والجواب الصحيح أن يقال‪ :‬إن الحتياط الواجب هو في‬
‫وجوب أداء ما‬
‫ثبت وجوبه وشئنا في أدائه‪ ،‬كمن نسي صلة من الخمس‪،‬‬
‫و‪ /‬يعلم عينها‪ ،‬يجب عليه أن يصلي الخمس احتياطي‪.‬‬
‫ويخص ما كان ثبوته هو الصل‪ ،‬كصوم الثلثين من‬
‫رمضان‪ ،‬إذ الصل إنه من رمضان وإن احتمل أن يكون من‬
‫شوالة‪.‬‬
‫أما ما‪ /‬يثبت وجوبه والصل عدم وجوبه‪ ،‬فل يصح إيجابه‬
‫احتياطي كصوم الثلثة من شعبان )‪."3‬‬
‫الدليل الثاني‪ :‬قالوا‪ :‬النبي صح ل يفعل إل حقا وصوابا ً‬
‫فاتباعه حق وصواب‪ .‬وترك الحق والصواب باطله وخطأ‪.‬‬
‫م انقسامه إلى واجب ومندوب‬ ‫عل ِ َ‬
‫والجواب أن ما يفعله ُ‬
‫ومباح‪ .‬فما فحله عله‬
‫ق إيقاعه على سبيل الندب‪ ،‬وذلك هو‬ ‫سبيل الندب فالح ّ‬
‫الحق والصواب وكذلئا يقال في المباح‪-‬‬
‫مل الثالث‪ :‬قالوا‪ :‬إن الفعل أكد يخل البيان من القول‪،‬‬ ‫الدل ِ‬
‫فلذا أفاد المر الوجوب‪ ،‬فالفعل أولى‪.‬‬
‫ويجاب عن ذلك بأنه يجوز أن يكون الفعلي في بعفن‬
‫الحوال أقوى بيانا ً‬
‫ولكن موضع ذلك هيئات التفاصيل‪ ،‬فأما قوة الطلب‬
‫وتحتمه فليس الفعل موضوعا ً لذلك‪ ،‬بخلف القول‪ ،‬فإن‬
‫القول المر موضوع ل!يجاب‪ ،‬فبطل كون الفعلي أولىأ‬
‫‪*(4‬‬
‫الخليل الراب!ع‪ :‬وهو شبيه بما للقدم‪ ،‬قالوا‪ :‬إن النبي‬
‫ذوو أمر الصحابة عام‬
‫)‪ (1‬المدي‪ :‬الحكام ‪ (21 263/1‬دم‪1 26 /‬‬
‫)‪ (3‬ابن اطاجصب والعضد‪ :‬منتهي السوء وشرحه )‪(24 /2‬‬
‫)‪ (4‬أبو الحسين البصري‪ :‬المعتمد ‪ 0 378/1‬أبو الخطاب‪:‬‬
‫التمهيد ‪355 .1 9 1‬‬

‫) ‪(1/348‬‬

‫الحديبية بالفسخ فلم يفسخوا‪ ،‬حتى غضب وقال لم‬


‫كلمة‪ :‬أما شعرت أنني أمرتهم باهر فإذا هم يترددون‪.‬‬
‫ج‬
‫فأشارت عليه بان يخرج فينحر ورحلته ول يكلمهم‪ .‬فخر ِ‬
‫فنحر وحلق‪ .‬فلما رأوه فعل ذلك نحروا وحلقوا حتى كاد‬
‫بعضهم يقتل بعضات من الغم‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬فلول أن الصحابة علموا أن فعله أشذ استيجابأ‬
‫لمثله منهم‪ ،‬لما ترددوا‬
‫يخص طاعة المر‪ ،‬ثم انصاعوا لدللة الفعل‪.‬‬
‫والذي نقوله في الجواب‪ :‬إنهم استجابوا لجتماع الفعل‬
‫مع الولى‪ ،‬إذ مجموعها أقوى من القول وحده كما ل‬
‫يخفا‪.‬‬
‫وجواب آخر أجاب به الحمدي‪ :(1،‬إن ترددهم كان رجاء أن‬
‫ينزل أمر ينسخ المر بالحلل‪ ،‬فلما حلق هوي يئسوا من‬
‫ذلك فحلقوا‪.‬‬
‫وأجاب بجواب آخر‪ :‬أن فعله وقع بيانا ً لقوله !نه!ه‪ 9 :‬خذوا‬
‫عني مناسككمأ فوجب من حيث هو بيان‪.‬‬
‫ل‬‫وهذا الجواب غيي مرضي‪ ،‬لنه إذا اجتمع القول والفع ِ‬
‫في البيان وتقدم‬
‫القول فهو البيان اتفاقا‪ ،‬كما تقدم‪ .‬فالبيان هنا هو القول‬
‫اتفاقات‪ ،‬والفعل مؤكسد للبيان وهذا يصحح ما أجبنا به‪.‬‬
‫ن سلمنا إن هنا ما يحتاج إلى البيان‪ ،‬ولكن الصواب‬ ‫هذا إ ْ‬
‫ل‪ ،‬لن آية الحصار‬ ‫عدم التسليم بذلك‪ ،‬لعدم وجوده أص ً‬
‫بينة وهي قوله تعالى‪ :‬أفإن أحصرتم فها استفسر من‬
‫الهد!!‪ .‬وقوله يكرهه‪ 9 :‬خذوا عني مناسككم " كان في‬
‫حجة الودل! بعد الحديبية بأعوام‪.‬‬
‫الدليل الخامس‪ :‬قوله تعالى ة!فاتبعوه ! فالتباع له !‬
‫واجب بدللة هذه الية‪ ،‬والتباع المتثال للمثول‪ ،‬والتيان‬
‫بمثله الفعل‪.‬‬
‫)‪ (1‬الحكام ‪261 /1‬‬
‫‪ 56‬س‬

‫) ‪(1/349‬‬

‫وقد أجاب ابن حزم بأن التباع هو طاعة المر‪ .‬وهو جواب‬
‫غيي مرضي‪.‬‬
‫فإن بين الطاعة والتباع فرقا ل يخفى‪.‬‬
‫والجواب الصحيح أن يقال‪ :‬مماثلة الفعل تقتضي المماثلة‬
‫من جميع الوجوه‪،‬‬
‫فهي الواجبة‪ .‬وليس من المماثلة والتباع أن نفعل واجبة‬
‫ما فعله ندبا أو إباحة‪ .‬وبهذا أجاب عبدالجبار والمني "‪.(1‬‬
‫و‪ /‬يرتض ابن الهمام هذا الجواب بالنسبة إلى الفعل‬
‫المجهول الصفة‪ ،‬ورأى‬
‫أن الصواب في الجابة أن يقال‪ :‬المر بالتباع غير محمول‬
‫على عمومه‪ ،‬إذ ل يجب قيام وقعود وسائر الفعال‬
‫الجبلّية‪ .‬وليس ثم مخصص مع!!ن‪ ،‬فتعي حمله على أخض‬
‫الخصوص من معلم صفة الوجوب‪ ،‬ففيه خاصة يجب التباع‬
‫)‪."2‬‬
‫وعندي أن قوله‪ :‬أوليس ثم مخصص معينة مردود‪ ،‬لما‬
‫لمدي‬ ‫تقدم في فصل الفعال الجبلية‪ .‬ولذا فجواب ا َ‬
‫أصلها‪.‬‬
‫الدليل السادس‪ :‬قوله تعالى‪ :‬للقي كان لهم في رسول‬
‫أدلة أسوة حسنة لمن‬
‫لخر! قالوا‪ :‬ل هذه الهية تحذير‬ ‫كان يرجو الله واليوم ا َ‬
‫من المخالفة‪ ،‬لن معناها‪ :‬من كان يرجو الله واليوم‬
‫الءخر فله في رسول الله أسوة حسنة‪ .‬ومفهومها‪ .‬أن‬
‫من‪ /‬يتاسق به‪ ! .‬فليس ممن يرجرالله واليوم الخر‪.‬‬
‫وهذا دال على الوجوب‪ ،‬فل بد لنا من فعل مثل ما فعل‪،‬‬
‫ول يهمنا على أفي‬
‫وجه فعل‪.‬‬
‫والجواب بتسليم دللة الية على وجوب التأسيس‪ ،‬ومنع‬
‫أن يكون معنى التأسي الموافقة في الصورة دون الحكم‪،‬‬
‫بل الخالصي هو الموافقة في الصورة مع التفاق أيضا‬
‫في الحكم‪-‬‬
‫الدليل السابع ت قوله تعالى‪! :‬فليحذر الذين يخالفون عن‬
‫أمره أن تصيبهبم‬
‫)‪ (1‬المني‪ :‬الحكام ‪ 257/1‬عبدالجبار‪ :‬المغني ‪) 26 5 /17‬‬
‫محرير ‪123/3‬‬ ‫‪ (2‬تيسير ال ّ‬
‫‪ 57‬يم‬

‫) ‪(1/350‬‬

‫فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ! )‪ (1‬قالوا‪ :‬والفعل من المر‪،‬‬


‫بدللة قوله تعالى‪ :‬يوما أمر فرعون برشيد( أي أحواله‬
‫وشأنه وأفعاله‪ .‬وإليه يرجع المر كله ! )! إذا كانوا معه‬
‫على أمرجامع ! قالوا‪ :‬فلما كان فعله من أمره لم تجز‬
‫مخالفته‪.‬‬
‫وأجيب عنه بأن المر في المة المستدل بها هو المر‬
‫بالقول‪ ،‬بدليل قوله‬
‫تعالى في أول الية‪ :‬ول تجعلوا دعاء الرسولي بينكم‬
‫كدلح! بعضكم بعضًا! في عّبر عنه أول بالدعاء‪ ،‬عبر عنه‬
‫أخرا بالمر‪.‬‬
‫و )المها يخص اللغة يأتي لمعنيي‪ ،‬الول‪ :‬القول الطالب‪،‬‬
‫والثاني‪ :‬الحالة والشأن‪ ،‬ومنه الفعال‪ .‬والعرب قد فّرقرا‬
‫بينهما‪ .‬فقالوا في جمع الكلمة بللعنى الول )أوامع‪ ،‬وفي‬
‫جمعها بالمعنى الثاني )أمور(‪ .‬فالمور غير الوامر‪ .‬والمر‬
‫واحد المور‪ ،‬غير المر واحد الوامر‪ .‬ف بالمر( مشترك )‬
‫‪ .(2‬والقرينة تبائما أن المراد به في الية القول دون‬
‫الفعل‪.‬‬
‫وأجاب القاضي عبدالجبار بأنه على تقدير أن الفعل داخل‬
‫قي مسمى المر‪،‬‬
‫أو أن المر في الية بمعنى الفعل‪ ،‬فالنهي عن مخالفته‬
‫يقتلهما الموافقة‪ ،‬ول يكون أحدنا موافقا إل إذا فعل على‬
‫الوجه الذي فعله عليه ي )‪ (3‬وهو جواب سديد‪ .‬الدليل‬
‫الثامن‪ :‬قوله تعالى‪ :‬روما آتاكم الرسول فخذومهـ وفعله‬
‫هو مما‬
‫آتيناه‪ ،‬فكان الخذ به واجبًا‪.‬‬
‫والجواب عندنا أن هذه الهية من سورة الحشر‪ ،‬نزلت في‬
‫شان مال الفيء‪،‬‬
‫مَرهم أفه تعالى أن يقبلوا ما أعطاهم رسول الله منه‪،‬‬ ‫أ َ‬
‫‪ .(4‬وأن يكفوا عما نهاهم عن‬
‫)‪ (1‬سورها النور‪ :‬آية ‪63‬‬
‫)‪ (2‬نقل صاحب البحر المحيط )‪ 291/1‬ب( في )المر‬
‫ه في القول والفعل ‪-2‬‬‫خمسة مذاهب‪ -1 :‬أنه حقيق َ‬
‫حقيقة ل القول مجاز في الفعل‪ -‬الصحفية ‪ -3‬مشترلى‬
‫بينهما‪ -‬الشريف المرتضى ‪ -4‬حقيقة يخص القول‬
‫والشالط والطريتا دون آحاد الفعال ‪ -5‬ل يتضمن الفعل‬
‫أمزح‪ -‬ا أشير ا زي‪.‬‬
‫)‪ 1 (3‬لمغني ‪263 ،262/17‬‬
‫)‪ (4‬هذا تفسير الحسن والسدي للية كما في تفسير‬
‫القرطبي ‪17/18‬‬
‫‪ 58‬يم‬

‫) ‪(1/351‬‬

‫أخذه‪ .‬فاليتل! بمعنى العطلر‪ ،‬والمر بأخذ المال أمر‬


‫ِإباحة‪ ،‬وليس أمَر إيجاب قطعا ً فل صلة للية بقضية‬
‫التألمئي بالفعال النبوية‪.‬‬
‫والتفسير الخر للية هو ما قاله ابن جرير من أن معناها‪:‬‬
‫ما آتاكم الرسولي‬
‫من طاعتي فاقبلوه‪ ،‬وما نهاكم عنه من معصيتي‬
‫فاجتنبوه‪.‬‬
‫فعلى هذا التفسير‪ ،‬يجاب عن استدللهم‪ ،‬بأن اليتاء هنا‬
‫بمعنى المر )‪،(1‬‬
‫‪ -‬بدليل مقابلته ! بما بعده )‪ (3‬يوما نهاكم عنه فانتهوا!‬
‫وبدليل أن القولي يتعدى إلينا‪ ،‬فيكون بمعنى العطية )‪.(3‬‬
‫ومثله قوله تعالى!خذوا ما آتيناكم بقوة! أي افعلوا ما‬
‫أمرتم به‪-‬‬
‫ولو سلمنا أن المؤن يصدق على الفعال‪ ،‬فذلك ل يدلى‬
‫على وجوب جميع‬
‫أفعاله !ئه!رو‪ ،‬بل على اّتباعها على ما هي عليه من‬
‫الحكام‪.‬‬
‫الدليل التاسع‪ :‬الجماع‪ ،‬فقد ُروي عن الصحابة‪ ،‬لنهم لما‬
‫اختلفوا في الغسل من الوطء دون إنزال‪ ،‬أرسل عمر إلى‬
‫عائشة رضي الّله عنها فسألها عن ذلك‪ ،‬فقالت‪ :‬فعلُته أنا‬
‫ورسول الله ! واكتسبنا‪ .‬فأخذ عمر بذلك‪ .‬وقالت‪ :‬ل أسمع‬
‫أحدا قال بعد هذا‪ :‬الماء من الماء‪ ،‬إل جعلته ن!ال! )‪.(4‬‬
‫وأجمعت المة عل ذلك بعده‪.‬‬
‫في إنجاب ذلك بمجرد الفعل‪ ،‬دليل على‬ ‫فكان اكتفاؤهم ِ‬
‫أنهم مجمعون على‬
‫أن الفعل دليل الوجوب‪.‬‬
‫وقد أجيب عن ذلك بأجوبة‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -1‬إن ذلك فعل بيافا وليس فعل مجَردا ْ)(‪ ،‬والفعل إذا‬
‫كان بيانا لواجب‬
‫‪ (1 1‬الشوكاني‪ :‬إرشاد الفحولة ص ‪ (2) 36‬أبو الحسيمة‬
‫البصري المعتمد ‪ (3) 38 1 /1‬القاضي عبدالجبار‪ :‬المغني‬
‫‪264 /17‬‬
‫)‪ (4‬الطحاوي في مشكل الدثار بسند فمه ابن لهيعة‬
‫سوهو ضحيف( وأصل الحديث عند مسلم ‪9‬ا!زركثسي‪:‬‬
‫الجابة ص ‪ (78‬قلت‪ :‬هو عند الشافعي وأحمد بسياق آخر‬
‫وانظر كنز العمال‬
‫)‪ (5‬العضد على مختصر ابن الحاجب ‪ ،34 /2‬الصنعاني‪:‬‬
‫هداية العقول ‪467/1‬‬
‫‪359‬‬

‫) ‪(1/352‬‬

‫فهو يدل على الوجوب‪ .‬ووجه كونه بيانا ً أن الله تعالى‬


‫قال‪ :‬مم!وإن كنتم جنبا فاط!روا! والجنابة‪ ،‬وإن كانت‬
‫معلومة المعنى لغة إل أن معرفة المقدار الموجب للغسل‬
‫من العلقة الجنسية أمر مبهم‪ ،‬فئَين بالفعل‪.‬‬
‫وعندي في هذا الجواب نظر‪ ،‬لنه إذا كان قد سبق قوله‬
‫تم‪ :‬وإنما الماء من‬
‫الماء" فقد حصل البيان به‪ ،‬والفعل الزائد مستحب أو‬
‫خاص حسب ما تقيها به القواعد الصولية‪ .‬فلعله عن يكون‬
‫قد اغتسل استحبابا ً أو زيادة في التوظف‪ -2 .‬وأجيب‬
‫أيضًا‪ :‬بأنهم أوجبوه لكونه شرطا في صحة الصلة‪ ،‬فيكون‬
‫مأمورا به‪ ،‬لدخوله تحت المر في قوله عنه‪ :‬لصلوا كما‬
‫رأيتموني أصلية "\ (‪ .‬وليس هذا الجواب بمرضي أيضا ً وقد‬
‫تقدم القول في دلَلة حديث "صلوا كما رأيتموني أصلي‬
‫‪! .9‬‬
‫‪ -3‬وأجيب أيضا أن عائشة لما قالت ذلك في معرض‬
‫الحتجاج على ما يوجب الغسل‪ ،‬وفصله مما ل يوجبه‪،‬‬
‫قصدت بالخبار به الخباَر عن أن النبي لمه كان يراه‬
‫واجبا‪ ،‬فوجا تبعا لذلك‪ .‬فليس ذلك فعل ً بيانيًا‪ ،‬ود ولما هو‬
‫فعل مجرد قام دليل وجوبه في حقه جمعه‪ ،‬فيجب في‬
‫حقنا‪ ،‬على قول المساواة التي‪.‬‬
‫‪ -4‬وأيضا ً لعلها أخبرتهم بما كانت ترويه من قوله !؟ " ‪9‬‬
‫إذا جلس بين شعبها الربع‪ ،‬وممزق الختان الختان‪ ،‬فقد‬
‫ما اختلف‬‫وجب الغسل !‪ .‬فإن أبا مولمة الشعري‪ ،‬ل ّ‬
‫ى‬‫المهاجرون والنصار في ذلك‪ ،‬سألها‪ ،‬فروت له قوة النب ِ‬
‫كصف‪ 9 :‬إذا جلس بين شعبها الربع ثم جهدها فقد وجب‬
‫الغسل "‪ .‬هذه رواية مسلم‪ .‬وفي الموطأ ‪ ،(31‬والحت‪:‬أ‬
‫إذا جاوز الختماق الختان فقد وجب المحتل "‪.‬‬
‫فهذا ما ينبغي أن يعتمد في الجواب عن هذه الشبهة "‪.(4‬‬

‫)‪ (1‬العضد على ابن اطاجب ‪! 24/2‬م( جامع الصول ‪/8‬‬


‫‪160‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم ومالك والترمذي‪.‬‬
‫)‪ (4‬على أن دعوى الجماع في هذا مردودة‪360 .‬‬

‫) ‪(1/353‬‬

‫إبطال قول الوجوب‬


‫قول الوجوب في الفعل المجرد‪ ،‬سواء أكان مجهولي‬
‫الصفة أو معلومها‪ ،‬قول مردود‪ ،‬ل يثبت له أساس‪ .‬ويغلب‬
‫على ظني أنه لو أمكن التنقيب لتبين أن من نسب إليهم‬
‫القول به من الئمة‪ ،‬براء منه‪ .‬وخاصة في ما لم يظهر فيه‬
‫قصد القربة‪ .‬وقد قال الجريسي‪) :‬نسبره‪ -‬يعني القول‬
‫بالوجوب‪ -‬إلى ابن جريج‪ ،‬وهر زلل في النقل عنه‪ .‬وهوت‬
‫جل قدرا من ذلك " )‪.(1‬‬
‫ويكفي في بطلنه عدم الدليل على صحته‪.‬‬
‫ويمكن إبطاله أيضا ً بالدلة التالية‪:‬‬
‫الول‪ :‬أنه يلزمنا على هذا القول تناقض‪ ،‬لن من المعلوم‬
‫أن النبي له كان‬
‫يفعل الشيء من المندوب والمباح في وقت‪ ،‬ثم ل يفعله‪،‬‬
‫أو يفعل ضده‪ ،‬في وقت آخر‪ ،‬فمقتضى قول الرجوع أنه‬
‫يجب علينا فعل الشي سر وضده‪ ،‬أو فعله وتركه‪ .‬وذلك‬
‫إما أن يكلون في وقت واحد‪ ،‬أو في وقتلها مختلفين‪،‬‬
‫فإن كان في وقتن مختلفين فذلك نفي للوجوب‪ ،‬لن‬
‫الواجب ل يجوز تركه‪ .‬و)ن كان في وقت واحد لزم‬
‫التناقض‪ ،‬وهر محال )‪.(3‬‬
‫الثاني‪ :‬أنه يقتضي أن الفعل يجب علينا إن فعله النبي !‬
‫مباحا ً أو مندوبا ً‬
‫وهذا ضد التأسئي والتباع المأمور بهما في القرآن يا‪.‬‬
‫وقد حاول المنتصرون لهذا القول أن ير!را هذا الدليمى‬
‫بمثل ما رفه به أهل مذهب الندب‪ ،‬ولكن ل يتم لهم ذلك‪-‬‬
‫وقد تقدم بيانه‪.‬‬
‫ن كان‬
‫الثالث‪ :‬حديث عائشة رضي الله عنها‪ :‬قالت ة!إ ْ‬
‫رسولي الله يكره‬
‫)‪ (1‬الزركشي‪ :‬البحر المحيط ‪ 255 /2‬أ‪.‬‬
‫)‪ (2‬أشار إلى هذا الستدلل أبو الحسين البصري في‬
‫المعتمد )‪ 1381 /1‬والعضد في شرحه لمختصر ابن‬
‫الحاجب )‪(84 /2‬‬
‫‪ (+‬أبو الخطاب الحنبلي‪ :‬التمهيدي ‪.190‬‬
‫‪361‬‬

‫) ‪(1/354‬‬

‫ب أن يعمل به‪ ،‬خشية أن يعمل به‬ ‫ع العمل وهو يح ّ‬ ‫ليد ُ‬


‫الناس فيفرض عليهم ما‪ .‬ففي هذا الحديث دليل على أن‬
‫الفرض‪ /‬يكن بنفس فعله‪ ،‬بل بفرض‬
‫من الله تعالى إذا اقتدوا به فيه )‪.(1‬‬
‫ول يرد هذا الدليل على قول المساواة‪ ،‬لنه ل يجب علينا‬
‫مثل فعله‪ -‬على‬
‫قول المساواة‪ -‬إل في حالة واحدة‪ ،‬وهي أن يعلم أنه له‬
‫فعلى الفعل على وجه الوجوب خاصة‪ .‬وليس العمل الذي‬
‫كان يتركه !ي! مفروضا عليه‪ ،‬لن الواجب ل يترك‪.‬‬
‫فالحديث وارد في المندوبات قطعا ً‬
‫تشبيه في لك ما قال القصاص في رد دعوى الوجوب‪،‬‬
‫فقد احتخع بان النبي‬
‫! صلى بهم ليلتين في رمضان ثم‪ /‬يخرج إليهم‪ ،‬فلما أصبح‬
‫قال‪ :‬فخشيت أن تكتب عليكم ! يقول القصاص ة قد صلى‬
‫النبي بهم ليلتي‪ ،‬وأخبر مع ذلك أنها لم تجب بفعله‪ ،‬فلو‬
‫كان فعله !كَيئ يقتضي الوجوب لكان وجب بأول ليلة )‪.(2‬‬
‫الـ‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬الزم ابن حزم العائلي بالوجوب )‪ (3‬أن يقولوا‬
‫بوجوب صوم اليام‬
‫التي كان ! يصومها‪ ،‬ووجوب صلة ما كان يصلي‪ ،‬ووجوب‬
‫المشي حيث مشى !ك!ه‪ .‬ومثل هذا ل يقول به من‬
‫الفقهاء أحد‪.‬‬
‫‪ (11‬أبو شامة‪ :‬التحقتا ‪ ،13‬ابن حزم‪ :‬الحغ!ام ‪430 /1‬‬
‫)‪ (2‬أصول الرصاص ق ‪ (3) .1208‬الحكام ‪362 145 /1‬‬

‫) ‪(1/355‬‬

‫المطلب السابع قول المساواة‬


‫ومعناه أن ما فعله النبي ! واجبا ً فإنه يدل على وجوب‬
‫مثله علينا‪ ،‬وما فعله‬
‫ندبا فمثله مندوب منا‪ ،‬وما فعله على سبيل الباحة فهو‬
‫عله عبادة( و كير عبادةء‬
‫ف ْ‬
‫لنا مباح‪ .‬وسراء!ان ِ‬
‫وقد يعبر بعض الصوليين‪ ،‬كما ذكر السروي )؟(‪ .‬عن هذا‬
‫القول بعنوان‪:‬‬
‫أ وجوب التأسئي(‪ .‬ولكنه عنوان يجعل هذا القول يلتبس‬
‫بقول الوجوب الذي سبق ذكره‪ .‬وأفا عنوانا المساوأة(‬
‫الذي حضرناه‪ ،‬فهو عنوان معبر ل يحصل به التباس‪ .‬ثم إن‬
‫كان حكام الفعل بالنسبة إليه يكن معلرمأ فالمساواة فيه‬
‫واضحة‪ ،‬صان‬
‫‪ /‬يكن معلوما فإن المساواة فيه هي بحسب ما يترجح لدى‬
‫جح الوجوب في حقه يكن‪ ،‬فبمقتضى‬ ‫المجتهد‪ .‬فمن ر ّ‬
‫قول المساواة يكون الحكم في حقنا الرجيب‪ ،‬ومن رجح‬
‫الندب فالندب‪ ،‬ومن رجح الباحة فالباحة‪.‬‬
‫ونحن قد ربحنا قول من حمل فعله المجهول الصفة على‬
‫الندب في حقه !‬
‫إن ظهر قصد القربة‪ ،‬وعلى الباحة إن لم يظهر‪ .‬فعله‬
‫قول المساواة يكون الحكم في حقنا كذلئه‪.‬‬
‫ويستدل لهذا القول بالدلة التي سقناها في الفصل الذي‬
‫ظللنا فيه على حجية الفعال النبوية من حيث الجملة‪،‬‬
‫حيائه سقنا اليات والحاديث الدالة على ذلك‪ .‬وذكرنا أن‬
‫الجماع يدل عليه أيضا ً فبذلك يثب!ت أصل التالي‪.‬‬
‫)‪ (1‬نهاية الدول ‪55 /2‬‬
‫‪363‬‬

‫) ‪(1/356‬‬

‫ونضيف هنا أمرين ل بد منهما لثبات قول المساواة‪:‬‬


‫الول‪ :‬إن التباع والتأسيس في الفعال واجب )‪.(1‬‬
‫واحشاني‪ :‬إن التباع والتأسيس يقتضي المساواة في‬
‫صورة الفعل وفي حكمه‬
‫أيضا ً‬
‫فإذا ثبت المران ثبت أنه يجب أن تكلون أحكام أفعالنا‬
‫مساوية لحكام‬
‫أفعاله !كلض‪.‬‬
‫أما الول‪ :‬فإثباته بأدلة‪ ،‬مخها‪:‬‬
‫ا‪ -‬قوله تعالى‪) :‬واتِبعى! أمر‪ ،‬والمر يفيد الوجوب‪.‬‬
‫والقائلون بالندب ادعوا أن هذا المر )اتبعوه( ل يفيد إل‬
‫الندب‪ ،‬كما زعم‬
‫ذلك أبو شامة‪ ،(2،‬قال‪ :‬الصراع حمله على الندب ل على‬
‫الوجوب‪ ،‬لنا لو حملناه على الوجوب لخصصناه بأشياء!‬
‫ثيرة نابحة ل تجب علينا وقد فعلها‪ .‬ودر حملناه كله الندب‪/‬‬
‫يلزمنا مثل ذلك‪.‬‬
‫والجواب على طريقته ة إنا أر حملناه على الندب‬
‫لخصصناه أيضا ً بأشياء كثيرة‬
‫واجبة تستفاد من فعله !ك!‪-‬‬
‫فالصواب حمل هذا المر )اتبعوه( على ظاهره من وجرب‬
‫المتابعة‪ ،‬الذي‬
‫يقتضي المساواة في الحكام‪ -‬فل يخصص بشيء‪ ،‬لن ما‬
‫فعله مجربا ً نفعله وجوبا ً ونعتقد وجوبه‪ ،‬وما فعله ندبا‬
‫نعتقده ندبا في حقتا‪ ،‬وما فعله إباحة نعتقد ‪ 8‬في حقنا‬
‫كذلك‪.‬‬
‫)‪ (1‬قد يشكل القول بوجوب التالي في الفعل المندوب أر‬
‫المباح‪ ،‬فكيف يكون التالي واجبا ول يكون المتاسى فيه‬
‫واجبه‪ ،‬وقد وضح النصاري شارح مسلم الثبوت مقصي‬
‫القيعملين بذلك حيث يقول‪ 9 :‬الماضي واجب يعني أنا‬
‫ه واجبة‪ .‬وهذا كما يقال‪ :‬العمل‬ ‫مراعاة الصف ّ‬
‫على طبق خبر الواحد واجب‪ ،‬مع أن بحض الخبار يفيد‬
‫الندب أر الباحة‪ ،‬يعنى( ن مراعاة حكم الخبر واجب‪ ،‬فكذا‬
‫التالي بمراعاة الصفة واجب‪ ،‬فراّلح الرحمات ‪(2) (185 /2‬‬
‫المحرق ‪ 25‬ب‪.‬‬
‫‪!64‬م‬

‫) ‪(1/357‬‬

‫‪ -2‬ومنها آية التأسيس‪ ،‬وقد تقدم إيضاح وجه دللتها على‬


‫الوجوب‪.‬‬
‫فْرا دللتها على الوجوب‪ ،‬لقوله تعالى‪:‬‬ ‫والقائلون بالندب ن َ َ‬
‫ولقد كان‬
‫لكلم أولم يقل وعليكم( )‪.(1‬‬
‫والجواب أن قوله تعالى‪ :‬المن كان يرجو الله واليوم‬
‫الخرة بكل من الكمأ فيؤول المعنى إلى أن‪ :‬من كان‬
‫مؤعنأ فله برسوله الله أسوة حسنة‪ .‬وفي مفهومه تهديد‬
‫ووعيد لمن ترك ذلك‪ ،‬والتهديد يدل على الوجوب‪.‬‬
‫فأجاب الجمعاني )‪ (2‬أن الذي لنا هو الجر‪ ،‬فالخوة لنا‬
‫من هذا الوجه ل‬
‫من غيره‪ .‬وهو جواب سديد‪ ،‬ويؤيده ما في حديث‬
‫السراء‪:‬إ فأعطاني خمس صلوات "‪ .‬فهي فرائض‪ ،‬وهي‬
‫عطاء‪ ،‬لي ما في فعلها من الجر‪ -‬وأجاب أبو الحس!سن‬
‫لبصري يعد بأن قولك‪ :‬الناس ن نفعل " معناه‪ :‬ل حظر‬
‫علينا في فعله‪ ،‬والواجب ليس بمحظور فعله‪.‬‬
‫وأجاب القاضي لبو يعلى‪ :‬بان الهم( بمعنى )عليهما‪.‬‬
‫كقوله تعالى‪ :‬كلهم ا!ورتهـ وليس هذا الجواب مرضيا ً إذ‬
‫هو خلف الظاهر‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنهاماتقدم من قوله !‪ :‬فمن رغب عن سنتي فليس‬
‫مني "* قي سياق مساواته ! في أحكام أفعاله‪.‬‬
‫وأما الثاني‪ :‬وهو اقتضاء التالمئي والتباع المساواة في‬
‫أحكم الفعال‪ :‬فإن مفهوم المتابعة والتأسي المرافقة‬
‫والمساواة‪ ،‬وذلك ما هر معتبر في صورة الفعل‪ ،‬يعتبر‬
‫أيضا في حكمه‪.‬‬
‫وقد أنكر القائلون بالندب‪ ،‬والقائلون بالوجوب‪ ،‬اقتضاء‬
‫التأسئي والمتابعة المساواة في الحكم‪ .‬وسبق جرابه‪.‬‬
‫فيثبمت المطلوب‪.‬‬

‫)‪ (1‬المحقق ق ‪ 1 (3) .(27‬لمعتمد ‪385 /1‬‬


‫)‪ (2‬القواطع ل ‪ -6‬ب‪،‬‬

‫‪365‬‬
‫) ‪(1/358‬‬

‫من أجل ذلك فقول المساواهَ هو الذي نختاره‪ .‬وبه قال‬


‫الشوكاني )‪ .(1‬وقبله‬
‫قال به أبو الحسن البصري‪ ،‬والمدي‪ ،‬والسبكي في جمع‬
‫الجوامع‪ ،‬وغيرهم‪ .‬ويتائد هذا الذي اخترناه بأن المر إذا‬
‫وجه إلي النبي شبهه من ربه عز وجل‪،‬‬
‫فإن المة تدخل تبعا فيما كان صالحا لهم‪ ،‬ما لم ينص على‬
‫اختصاصه به‪ .‬وكذلك الخير‪ .‬بل ربما نزلت الية بسبب‬
‫صحابي معين ولكن يوجه الخطاب فيها إلى النبي صل‪،‬‬
‫فا ً من الليل‬‫كقوله تعالى‪ :‬واقم الصلة طرفي النهار وزل َ‬
‫أن الحسنات يذهبن السوآت ذلك ذكرى للذاكرين !‪ .‬نزلت‬
‫في أبو اليسار بن عمرو النصاري "‪ .(2‬روى الترمذي أن‬
‫رجل جاء إلى النعيم ي‪ ،‬فقال‪ :‬إني عبت امرأة في أقاما‬
‫المدينة‪ ،‬وإني أصبت منها ما دون أن أمنها وأنا هذا‪،‬‬
‫فاقض فيه ما شئت‪ .‬فذك ََر نزول الية‪ .‬فالخطاب فيها‬
‫بحسب الظاهر موجه إنما النبي !‪ ،‬وهي نازلة في شان‬
‫غيره‪ .‬وما ذاك إل لهذا الصل‪ ،‬وهو الشتراك في الحكام‪.‬‬
‫وليست هذه القاعدة متفقا عليها‪.‬‬
‫بل الواقعية يخالفون فيه أيضا ً ويقولون‪ :‬إن الخطاب‬
‫الموجه إلى النبي ييل بضمير المفرد‪ ،‬ل يدخل فيه غيره‪،‬‬
‫لن لفظ المر وقد خاصا ً ليس يتناوله غيره‪ ،‬فل يجوز‬
‫إثباته‪ .‬يقول الغزالي‪" :‬قوله تعالما لنبئه‪ :‬فيا أيها النبي‬
‫ص به‬‫اتق الله ! رقرله‪ :‬ولئن أشركت ليحبطن عملك ! نحت ّ‬
‫بحكم اللفظ‪ ،‬وإنما يشاركه فيه غيره بدليل‪ ،‬ل بموجب هذا‬
‫اللوفر‪ ،‬كقوله فيا أيها الرسول بلغ ما أنزلت إليك !‬
‫وقوله‪) :‬فاصدع بما تؤمر! قال‪ ،:‬وقال قوم‪ :‬ما ثبت في‬
‫حقه فهو ثابت في حق غيره‪ ،‬إل ما دل الدليل على أنه‬
‫جب الخطاب‪،‬‬ ‫خاص به‪ .‬وهذا فاسد‪ .‬لن الصل اتباع مو َ‬
‫وما ثبت للنبي ! كقوله تعالى‪ :‬فيا أيها النبي ! فيخوض‬
‫به‪ ،‬إل ما دل دليل على اللحاق‪ .‬وكذا قال النبي !نه!ه‬
‫لبن عمر‪" :‬راجعها! إنما يشمل غيره بدليل آخر‪ ،‬مثل‬
‫قولي‪" :‬حكمه على الواحد حكمي على الجماعة! )‪ (3‬أو ما‬
‫جرى مجراه ‪ 10‬هـ‪.‬‬
‫)‪) (1‬رشاد الفحول ص ‪ (2) 36‬تفسير القرطبي ‪111 /9‬‬

‫) ‪(1/359‬‬
‫)‪ (3‬حديث "حكمي على الواحد حكمي على الجماعة" يكثر‬
‫الصوليين من ذكره والحتجاج‪366 -‬‬

‫) ‪(1/360‬‬

‫أقول‪ :‬ومما جرى مجراه قوله !‪ :‬وإنما قولي لمئة امرأة‬


‫كقولي لمرأة واحل!ق! )‪.(1‬‬
‫وهذا الكلم من الغزالي حق‪ ،‬ونحن نقول بمقتضاه‪ ،‬ولكن‬
‫نقوله إن الدلة‬
‫قامت على التساوي في الحكام‪ ،‬بصفتها العامة‪ ،‬وأيضا‬
‫في حق أحكام الفعال خاصة‪ ،‬وهي ما تقدم في حجية‬
‫الفعال النبوية‪.‬‬
‫وأيضا استعمال أهل اللغة يساعد عله ذلك‪ ،‬فإن الرئيس‬
‫العلي إذا قال‬
‫لقائد الجيش‪ :‬انزل في محل كذا‪ ،‬وسْر في وقت كذا‪،‬‬
‫واستعمل من السلح كذا وكذا‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فليس ملئه‬
‫خاصا به‪ ،‬بل له ولمن معه‪ .‬ولو أراد أن ياسر ‪ 8‬في خاصة‬
‫نفسه ب!ثيء فإنه ينصا على الختصاص )‪.(2‬‬
‫ع‪ ،‬ومنه يؤخذ الشرع‪ ،‬إذا أمره الليه‬ ‫فالنبي !ك! صاحب شر ِ‬
‫بالمر من الشرع فهو له وللمة التي هي تَبع لها‬
‫وفي الحديث عن النبي ي‪" :‬ما أمرني الله بشيء إل وقدم‬
‫مرتكب به‪ ،‬ول‬
‫نهاف! عن شيء إل وقد نهيتكلم عنه "‪.‬‬
‫وفي الحديث أيضًا‪ :‬قد كنت نهيتكم عن زيارة القبور‪ ،‬فقد‬
‫ن لمحمد في‬ ‫أذ َ‬
‫زيارة قبر أمه‪ ،‬فزوروها‪ ،‬فإنها تذكركم الخرة" )‪ .(3‬فإنه‬
‫يد لما جاعه الذن بزيارة قبر أمه‪ ،‬بنى على ذلك جواز‬
‫زيارة سائر المسلمين للقبور‪.‬‬
‫ومما يدل على المساواة أيضا ً قول الله تعالى‪ :‬فيا أيها‬
‫النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللتي آتيت أجورهن وما ملكت‬
‫يمينك ممات فاء الله عليها‪ -..‬إلى قوله‪:‬‬
‫‪ -‬به‪ .‬قالت السماوي "ليس له أصل‪ ،‬قاله العراقي‪ .‬ومثلى‬
‫ماصد السنة ص ‪(192‬‬ ‫عنه المضي والذهبي فانكرامه )الم َ‬
‫)‪ 11‬رواه الّرمذي وهو من الحاديث التي ألزم الدارقطني‬
‫الشيخين بإخراجها لثبوتها على شرطهما والمقاصد الحرة‬
‫ص ‪(193‬‬
‫)‪ (2‬نقل المدي هذا الستدللي عنا قرن‪ ،‬ووجهه‪ ،‬ثم رد‬
‫عليه‪ .‬رانظر!تابه‪ :‬الحكام ‪ 8 0 /2‬س‪382 -‬‬
‫يمم رواه الترمذي والفتح ال!ب!!‪.‬‬
‫‪367‬‬

‫) ‪(1/361‬‬

‫ي إن أراد النبي أن‬ ‫وامرأةً مؤمنة إن وهبت نفسها للنب ّ‬


‫يستنكرها خالصة لك من دون المؤمنين ! )‪.(1‬‬
‫قال ابن تيميه )‪2‬؟ فإنها تدل على هذا الصل من وجهن‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أنه قال مخالصة لك !ليبٌين اختصاصه بل لك‪ ،‬فعلم‬
‫أنه حيث سكت عن الختصاص كان الشتراك ثابتًا‪ ،‬وإل فل‬
‫معنى لتخصيص هذا الموضع ببيان الختصاص‪.‬‬
‫والثاني‪ (-‬ن ما أحّله له من الزواج والمملوكات أطلق‪،‬‬
‫ْ‬
‫سكت كن‬ ‫وفي الراهبة قادها بالخلوص له‪ ،‬فعلم أنه حيث َ‬
‫التقييد فذلك دليل الشتراك "‪.‬‬
‫ويتاثد أيضا بما بينه الشاطري )‪ (3‬من أن الدلة الجزئية‬
‫في الشريعة يمكن أخذها كلية إل ما خضه الدليل‪.‬‬
‫واستدل على ذلك بأدلة‪.‬‬
‫منها‪ :‬أن الصل عموم التشريع‪ ،‬كقوله تعال‪ :،‬نقل يا!يها‬
‫الناس إني رسول الله أليكم جميعأ! )‪ (4‬بقوله‪) :‬وما‬
‫أرسلناك إل كافة للناس !"ْ‪ (1‬وقولي النبي !‪:‬أ بعثت إلى‬
‫كل أحمر وأسود" )‪.(6‬‬
‫ومخها‪ :‬أصل شرعية القياس‪ ،‬إذ ل معنى له إل جعلي‬
‫الخاصئ! الصيغة عاما ً‬
‫في المعنى‪ .‬قال وهو معنى متفق عليه‪..‬‬
‫ومنها‪ :‬قالوا‪ :‬إن النبي ي قال‪) :‬ح!مي على الواحد حكمي‬
‫ى أو ُأنسى لشن " )‬ ‫على الجماعة! )‪ (7‬وقال‪) :‬إني لْنس َ‬
‫‪.(8‬‬
‫)‪ (1‬سورة الحزاب‪ :‬آية‪ .‬ه )‪ 12‬الفتاوكل الكرة ‪.444 /4‬‬
‫)‪ (3‬الموافقال!‪ (4) 53 -51 /3‬سورة العراف‪ :‬أل ‪158‬‬
‫)‪ (5‬سرية سبا‪ :‬آية ‪ (6) 28‬رواه مسلم ‪1 /5‬‬
‫)‪ (7‬تقدم آنفا الشارة إلى أدب الحديث ل أصل له‪.‬‬
‫)‪ (8‬رواه مالك )‪ (100 /1‬بلزا‪ ،‬وانفرد به‪ .‬انظر الكلم‬
‫ميق محمد‬ ‫عليه في مقدمة تنوير الحوالة للسيوطي‪ ،‬وع ّ‬
‫فؤاد عبدالبارى للموطن )‪(105 /1‬‬
‫‪368‬‬

‫) ‪(1/362‬‬
‫ومنها‪ :‬ما بأنه في موضع آخر )‪ (1‬من أن الشريعة‬
‫موضوعة في الصل لمصالح العباد‪ ،‬واحكامها على العموم‬
‫ل على الخصوص‪ ،‬إل ما ثبت فيه الخصوحمه بالدليل‪ ،‬وأن‬
‫دليل الختصاص يذكر في الحكم المختص إعلما بان‬
‫الشريعة خارجة عن قانون الختصاص‪.‬‬
‫)‪ (1‬المرافقات ‪53 -51 /3‬‬
‫‪369‬‬

‫) ‪(1/363‬‬

‫المطلب الثامن‬
‫قول المساواة في العيادات الخاصة‬
‫قول ابن خلود المنسوب إليه قي كتب الصوليين أن‬
‫ي في العبادات واجب‪ ،‬وفي العادات ل يجب بل‬ ‫التالص َ‬
‫ّ‬
‫ل غير محرر‪ .‬ولم يطلع على ما قاله‬ ‫يستحب‪ ،‬هو قو ٌ‬
‫بحروفه لنرد عليه‪.‬‬
‫قال القرافي‪ :‬ووجه تخصيص الرجوع بالعادات قوله !‪:‬‬
‫أخذوا عني مناسككم " و )صلوا!ما رأيتموني أصلي "‬
‫وظاهر المنطوقة الوجوب‪ ،‬لنه أمر‪ ،‬ومفهومه أن غير‬
‫المذكور ل يجب "ان‪.‬‬
‫وواضح أن قوله مجد‪ 9 :‬صلوا كما رأيتموني أصلي "‬
‫ونحوه ل تخصيص فيه‬
‫حتى يكون له مفهوم‪ .‬وآية التاسئي عامة‪ ،‬فيجب العمل‬
‫بها في العبادات وغيرها‪ -‬والله أعلم‪.‬‬
‫فائدة مهمة نلحقها بقول المساواة‪:‬‬
‫قاله ابن تيميه‪:‬‬
‫)مسمائل الفعال لها ثلثة أصول‪:‬‬
‫أحدها‪ :‬أن حكم أمته دون كحكمه في الوجوب والتحريم‬
‫وَلوابعهما‪ ،‬إل أن‬
‫يأتي دليل يخالف ذلك‪.‬‬
‫م‬
‫الصل الثاني‪ :‬أن نفس قوله يدل على حكمه ينته إما حك ٌ‬
‫محيو‪ ،‬أو حكم‬
‫)‪ (1‬شرح تتقيح الفصولص ‪127‬‬
‫‪370‬‬

‫) ‪(1/364‬‬

‫مطلق‪ ،‬وأدق الدرجات الباحة‪ ...،..‬فمتى ثبت أن الفعل‬


‫يدل على حكم كذا‪ ،‬وثبت أنا مساوون له يخص الحكم‪ ،‬ثبت‬
‫الحكم في حقنا‪.‬‬
‫الصل الثاء‪ :‬أن الفعل هل يأتيها حتى قي حقنا من‬
‫ل!ان‪/‬‬‫الوجوب هث ً‬
‫يكن واجبا عليه كتب‪ ،‬كما يجب على المأموم متابعة المام‬
‫في ما ل يجب على المام‪ ،‬وعلى الجيش متابعة المام‬
‫في ما ل يجب على المام‪ ،‬وعلى الحجيج موافقة المام‬
‫في المقام بالمعطف إلى إفاضة المام؟ هذا ممكن أيضا ً‬
‫بل من الممكلن أيضا ً أن يكلون سبب الوجوب في حقه‬
‫معدوما ً قي حقنا‪ ،‬ويجب علينا لجل المتابعة ونحوها‪ ،‬ل‬
‫يجب علينا الرمال والنطباع مع عدم السبب الموجب له‬
‫في حق الولين‪ ،‬أو سبب الستحباب منتفيا ً في حقنا‪-‬‬
‫وقد نبه القرآن على هذا بقوله‪ :‬كما كان لهل المدينة‬
‫فوأ عن رسول الله ول‬ ‫ومن حولهم من العراب أن يتخل َ‬
‫يرغبوا بأنفسهم عن نفسه ! فصار واجبا عليهم‬
‫لموافقته‪ ،‬ولو‪ /‬يكن قد تعي الغزو في ذلك الوقت إلى‬
‫ذلك ا لوجه " )‪ -(1‬اهـ كلمه !‬
‫فابن تنمية يرى أنه يخرج عن هذا الصل‪ -‬وهو الشترالى‬
‫في الحكم‪ -‬ثلثة أمور‪.:‬‬
‫الول‪ :‬ما دلى عليه دليل‪ ،‬وهر الخصائص‪ .‬وقد تقدم‬
‫القول فيها‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ما يجب علينا‪ ،‬وهو عليه !ي! غير وأجب‪ ،‬وإنما!جب‬
‫علينا لجلى المتابعة‪ .‬كالخروج معه في الغزو‪.‬‬
‫ونحن نرى أدي هذا النوع ل ينبغي أن يستثنى‪ ،‬لن‬
‫المتابعة له جمع إنما وقع‬
‫من جهة كونه إمامًا‪ ،‬ل من جهة الرسالة‪ ،‬بدليل أنها تجب‬
‫مع كل إمام في الغزو‪ ،‬ومع كل إمام في الصلة‪ .‬وإنما‬
‫وجب من لتلك المتابعة ما وجب‪ ،‬مؤقتا حالة حياته وتوليه‬
‫السحلية‪ .‬ل بعد ذلك‪.‬‬
‫أما أن يجيب ملئه في شيء من أفعاله به من حيث هو‬
‫رسولي‪ ،‬فل نجد له مثال ً وهو‪ -‬أعني ابن تيمية‪ -‬لم يمثل‬
‫له‪.‬‬
‫)‪ (1‬السورة في أصول الفقه ص ‪ ،74‬ص ‪) 192‬مكرع‬
‫‪371‬‬

‫) ‪(1/365‬‬

‫الثالث‪ :‬وقد ذكر في بقية كلمه‪ :‬ما يستحب لنا‪ ،‬و‪ /‬يكن‬
‫بالنسبة إلى النبي‬
‫! مستحتأ‪ .‬وقد مثله لها بان أحمد بن حنبلي تسري لجل‬
‫المتابعة‪ ،‬واحتجت ثلثا لجل المتابعة‪ ،‬وقال‪ :‬ما بلغني‬
‫حديث إَل عملت به‪ ،‬حتى( عطي الحجم دينارًا" فمن أصل‬
‫هذه الفعال من النبي يكن مباحة؟ وقد فعلها أحمد على‬
‫سبيل ا ل ستحباب‪.‬‬
‫ونحن قد سبق أن بئَنا الرأي في مثل هذه الفعال في‬
‫قول الندب‪ ،‬فليرجع‬
‫إليه‪.‬‬
‫أما ما ذكره ابن تنمية من أن الحكم في حق النبي ينج قد‬
‫يكون معلقا بسبب‬
‫وهو منا مطلق‪ ،‬فسنذكره في مبحث السبب من الفصل‬
‫الثامن‪.‬‬
‫‪372‬‬

‫) ‪(1/366‬‬

‫ما ِددعغ‬‫عل ا ل َ‬
‫فص ْ‬‫ال َ‬
‫حال‬
‫ملنل ن َ‬ ‫ست َ‬
‫ظ رد ِ‬ ‫ا في جمام ا ل ْ‬
‫ا‪ -‬الوجوب‪.‬‬
‫‪ -2‬الندب‪.‬‬
‫‪ -3‬ا ل باحة‪.‬‬
‫‪ -4‬ا لكر ا هو‪،‬‬
‫‪ -5‬التحريم‪.‬‬
‫‪ -6‬الحكللم الوضعية‪.‬‬
‫‪373‬‬

‫) ‪(1/367‬‬

‫عال‬‫ن الف َ‬
‫م َ‬
‫الحكام المسَتفادة ِ‬
‫مما تقم في الفصول السابقة من هذا الباب‪ ،‬وعله أساس‬
‫القول المختار‪،‬‬
‫وهو قول المساواة في الفعل المجرد‪ ،‬نلخص الحكام‬
‫التي تستفاد من أفعال النبي دون بما فيها من بحث‪ ،‬في‬
‫مطالب‪! :‬‬
‫المطلب الول‬
‫الوجوب‬
‫يستفاد الوجوب من الفعل النبوي من مواضع‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكلون فعله صن قد صدر عنه بيانا لية دالة على‬
‫الوجوب في حقه وحفنا‪ .‬ب‪ -‬أن يكون امتثال لية دالة‬
‫على الوجوب كذلك‪.‬‬
‫بر‪ -‬أن يكلون مجّردًا‪ ،‬وقد علمنا بدللة أنه يكلف فعله‬
‫واجبة‪.‬‬
‫ويلحظ أن الواجب إما أن يكون فعل متكلمل‪ ،‬يجب إيجاده‬
‫من أصله كصلة الظهر مثل ً‬
‫وإما أن يكون خارجا عن العبادة تتوقف صحته ا عليه‪ ،‬وهو‬
‫مقدور للمكلف‪ ،‬وهو الشرط‪ ،‬فيجب من حديث إن الواجب‬
‫ل يتيم إل به‪ ،‬كالوضوء للصلة‪ .‬ونذكر أمثلته في بحث‬
‫الشرط‪ ،‬وسيأتي‪.‬‬
‫ً‬
‫لما أن يكون جزءا ل العبادة‪ ،‬وهو قسمان‪:‬‬
‫‪ -1‬الركن‪ ،‬ظهر جزء الماهية الذي ل تتحقق إل بوجوده‪،‬‬
‫ول يسقط عمدا‬
‫ول سهوا ً ول يجَبر‪ ،‬ومثاله الركوع‪ ،‬وهو ركن في الصلة‪،‬‬
‫والطواف بالبيت‪ ،‬ركن في الحج‪.‬‬
‫‪375‬‬

‫) ‪(1/368‬‬

‫‪ -2‬الواجب الذي ليس بركن‪ ،‬وهو ما يجوز سقوطه سهوًا‪،‬‬


‫ويجبر‪ ،‬كالتشقد الول عند الحنابلة‪ ،‬يجبر في الصلة‬
‫ج بدم‪ ،‬كما في ترك الحرام من‬ ‫بسجود السهو‪ ،‬وفي الح ّ‬
‫الميقات‪.‬‬
‫ثم قد يكون الجزء واجبه في العبادة المسنونة‪ .‬وكونه‬
‫قف صحتها عليه‪ ،‬كالركوع في صلة‬ ‫واجبة فيها يعني تو ّ‬
‫النافلة‪ ،‬ل من حيث إنه يعاقب على تركه‪ ،‬إذ يجوز ترك‬
‫النافلة أصل ً فهو بمعنى الشرط إل أنه جزء من العبادة‪.‬‬
‫ول يدل الفعل على الركنية بمجرده‪ ،‬بل على مجرد‬
‫الوجوب‪ .‬وكأمثلة على استفدت الوجوب من الفعلي نذكر‬
‫مسائل‪:‬‬
‫‪ -1‬منها‪ :‬صلة العيد‪:‬‬
‫قال الحنابلة وبعض الشافعية‪ :‬ها فرض على الكلفاية‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬واجبة على العيان‪.‬‬
‫وقال مالك وأكد أصحاب الشافعي‪ :‬سنة مؤكدة غير واجبة‪.‬‬
‫نقل ذلك ابن قدامه )‪ ،(1‬ثم قال‪ :‬لنا على رجليها في‬
‫الجملة أمر الله تعالى بها بقوله‪ :‬يفصل لربك وانحرف‬
‫والمر يقتيهه الوجوب‪ ،‬ومداهمة النبي ! على فعلها وهذا‬
‫دليل الوجوب‪ .‬واحتوى الحنفية لوجوبها بللواظبة عليها"‬
‫‪.(2‬‬
‫‪ -2‬ومنها‪ :‬مسألة السعي في الحج‪:‬‬
‫ففي السعي ثلثة أوجه‪ ،‬وهي ثلث روايات غن أحمد )‪:(3‬‬
‫الول‪ :‬أنه ركن ل يتم الحمى إل به‪ .‬وهو قول عائشة‬
‫ب إلى‬ ‫وعروة ومالك والمشافعي‪ ،‬وغّلط السوري من ن ً َ‬
‫س َ‬
‫الشافعي القول بأنه واجب غير ركن‪ .‬قالت عائشة‪.‬‬
‫وطاف رسول الله ي وطاف المسلمون‪ -‬تعني بين الصفا‬
‫والمروة‪-‬‬
‫)‪ (1‬المغمس ‪ /2‬هل ‪ (213‬فواتح الريموت ‪(31 180 /2‬‬
‫انظر ابن قدامة‪ :‬المغني ‪ /3‬ول ‪ ،389 ،3‬النووي‪ :‬المجموع‬
‫‪376 87 ،86 /8‬‬

‫) ‪(1/369‬‬

‫فكانت سنة‪ ،‬ولعمري ما أتم أفه حجر من‪ /‬يطف بين‬


‫جَرا؟ مرفوعا‬‫الصفا والمروة ولحديث حبيبة بنت أبي ت َ ْ‬
‫"اسعوا فإن الله كاتب عليكم السعي "ل"‪.‬‬
‫الثاني ت أنه واجب‪ .‬وهو قول أبي حنيفة‪ ،‬والثوري‪،‬‬
‫والقاضي أر‪ ،‬يعلى الحنبلي‪ .‬نقل عن أبي حنيفة أنه يجبر‬
‫بدم ! ونقل النووي أنه الصح كن أحمد‪ .‬الثالث‪ (:‬له سنة ل‬
‫يجب بتركه دم‪ .‬روى عن ابن عباس وابن مسعود وأبو‬
‫ابن كعب وأنس وابن الزبر‪.‬‬
‫واما القول بأنه ركن فل يصح استفادته من الفعل‪ ،‬وقد‬
‫قل النووي عن‬ ‫نَ َ‬
‫ابن المنذر تعليق القول بركنئته على ثبوت حديث حبيبة‪،‬‬
‫وإل فيكون تطوعا ً صرخة ابن قدامه أنه واجب‪ .‬وقال‪ :‬لن‬
‫دليل من أوجبه دل على مطلق الرجيب‪ ،‬ل على كونه ل‬
‫يتم النخع إل به‪.‬‬
‫‪ -3‬ومنها‪ :‬مسالة ركعتي الطواف‪:‬‬
‫في ركعتي الطواف خلف هل هما واجب أو تطلع‪ .‬وقيل‬
‫أنا الطواف ل‬
‫يصح إل بهما فهما على هذا في معنى الركنل(‪ .‬رمن‬
‫أسباب الخلف فيهما الخلف في دللة الفعل‪ .‬وقال‬
‫السبكي فىف قواعده‪ :‬وفي ركعتي الطواف قولن‬
‫مشهوران‪ ،‬أصلهما أنها سنة‪ ،‬والثاني أنها واجبة‪ ،‬ول‬
‫راجعان إنما دللة الفعل المجرد‪ .‬فأما قوله !‪ :‬أخذوا أمني‬
‫مناسككم " فل دللة له على وجوب شيء خاص منها!‪10‬‬
‫هـ )‪.،3‬‬
‫حل على وجوبه بالفعال مما ذكره السبكي في‬ ‫ومما است ُ ِ‬
‫القواعد‪ :‬الموالة في الوضوء‪ ،‬وفي الغسل والتيمم‪،‬‬
‫والموالة بين أشراط الطواف‪ ،‬والموالة بين الطواف‬
‫‪ (11‬قال النووي في المجموع )‪ (73/8‬حديث حبيبة ليس‬
‫بقوي‪ ،‬في إسناده ضعف‪ .‬ونقل أن ابن عبدالبّر قال‪ :‬فيه‬
‫اضطراب‪ ،‬وقال‪ :‬قد رواه الشافعي وأحمد والدارقطني‬
‫والبيهقي‪ .‬ثم‬
‫قال النووي )‪ (87/8‬رواه الدارقطني والبيهقي للسناد‬
‫حسن من حديث صفية بنت شيبة مرفوعا ً‬
‫)‪ (2‬انظر المجموع ‪ (3) 61 ،60 /8‬ق ‪ 116‬ب‪.‬‬
‫‪377‬‬

‫) ‪(1/370‬‬

‫والسعي‪ ،‬والموالة بين الخطبة وصلة الجمعة‪ ،‬والموالة‬


‫بين كتب الجمع في وقت الولى أو وقت الثانية‪ ،‬والقيام‬
‫في خطبة الجمعة مع القدرة‪ ،‬والفصل بين الخطبت!س‬
‫بجلسة‪ ،‬وقراءة شيء عن القرآن في الخطبة‪ ،‬والترتيب‬
‫بين أركانها‪ ،‬والجمع بين الوقوف بالنهار والليل بعرفة‪،‬‬
‫والمبيت في للمزدلفة‪.‬‬
‫وأعز هذه المسائل يستدل فيها بالفعل المجرد خاصة‪،‬‬
‫وفي أكثرها قولن بالوجوب والستحباب‪ ،‬والستحباب‬
‫أرجح إل فيما ورد فيه دليل غير الفعل يمل على الوجوب‪.‬‬
‫ويحتمل أن تكون هذه الفعال التي ذكرها من أفراد‬
‫الفعل البياتي‪ ،‬ل من الفعال المجردة‪ .‬ونحن نرجح أن‬
‫ن الفعال المجردة كما تقدم بحثه في مبحث‬ ‫تكون م ْ‬
‫الفعل البياني‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪378‬‬

‫) ‪(1/371‬‬

‫الطلب الثاني الندب‬


‫ويستفاد من مواضع‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن يكون قد فعله كله على سبيل الوجوب‪ ،‬وعلم أن‬
‫الرجوع خاص به‪ .‬ب‪ -‬أن يكون قد فعله على سبيل البيان‬
‫لمر ما‪ /‬على الندب‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن يكون قد فعله على سبيل المتثال لمر دال على‬
‫الندب‪.‬‬
‫ل فعل ً مجردا ً دل الدليل على أنه فعله‬‫د‪ -‬أن يكون قد فع َ‬
‫ندبا ً‬
‫هـ‪ -‬أن يكون قد فعل فعل مجردا ً ولم يعلم حكمه بالنسبة‬
‫إليه‪ ،‬ولكن يظهر فيه قصد القربة‪ ،‬بأن يكون مما فعله في‬
‫العبادة‪ ،‬وكان على خلف مقتل الجبلة‪ ،‬أو ظهر فيه ذلك‬
‫بقرينة أخرى‪.‬‬
‫مسألة تابعة للندب‪ :‬دللة العلى على الفضلية‪:‬‬
‫إذا كانت العبادة أو غيرها من الفعال الجاهزة أو المندوبة‬
‫أو الواجبة يمكن‬
‫علها النبي ! مرة واحدة أو‬ ‫عملها على صور مختلفة‪ ،‬و َ‬
‫ف َ‬
‫مرات كثيرة‪ ،‬فهل يحمل فعله عل أنه صادر على أفضل‬
‫الوجه لبيان الكمالي فيها‪ ،‬أو يحمل عل الق ّ‬
‫ل لبيان‬
‫المجزية؟‪.‬‬
‫قال ابن تيميه في دللة الفعل النبوئي على الفضلية‪:‬‬
‫هي مسألة كثيرة المنفعة‪ ،‬وذلك قي صفات العبادات وفي‬
‫مقاديرها وفي العادات‪ ،‬وفي الخلق والحوال ‪ 10‬هـ)‪.(1‬‬
‫فمثال ما‪ /‬يكثر فعله‪ :‬إحرامه من الميقات‪ ،‬مع أنه يجوز أن‬
‫يحرم من المدينة‬
‫ول خلف في جواز الحرام قبل الميقالت )‪ ،(2‬فهل‬
‫يقال‪ :‬إحرام ا‪-‬لن والمعتمر من )‪ !1‬المسودة معه ‪(3) 74‬‬
‫ابن قديمة‪ :‬المغني ‪379 264 /3‬‬

‫) ‪(1/372‬‬

‫منزله أفضل‪ ،‬لكثرة العمل‪ ،‬أو من الميقات لن النبي‬


‫جمعه أحرم منه؟‪.‬‬
‫قال الحنابلة بأفضلية الحرام من الميقات استنادا ً إلى‬
‫فعل النبي من‪.‬‬
‫عَله‬
‫وقال أبو حنيفة ومالك الحرام من البلد أفضل‪ .‬وف َ‬
‫بعض الصحابة‪.‬‬
‫وعن الشافعي قولن كالمذهب!سن‬
‫ومثله الضحية‪ :‬فقد ورد أن النبي يا ضحى بكبشين أقررن‬
‫أملحين ذََبحهما بيده‪ .‬استفاد منه بعض الفقهاء أفضلي َ‬
‫ة‬
‫الذكور في الضاحي؟ وأن تكون باللون المذكور في‬
‫الحديث‪ .‬وعن مالك‪ :‬الفضل أن تكون من الغنم‪ ،‬بخلف‬
‫الهدي فالفضل عنده البل‪.‬‬
‫ضلوا البل‪ ،‬أخذا ببعض الحاديث القولية )؟(‪.‬‬ ‫والحنابلة ف َ‬
‫عَيت الفضلية بناء على فعله ! في الركوب في‬ ‫وقد اذُ ِ‬
‫الحج‪ ،‬وهي الوقوف بعرفة‪ ،‬والقتصار في الضحى على‬
‫ثمان‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫ومما واغلب عليه‪-‬جمحس! قصر الصلة في السفر‪،‬‬
‫وجعله بعض الفقهاء راجبن وبذلك يخرج عن رسالتنا‪ .‬أما‬
‫القائلون بأن القصر جائز ويجوز التمام‪ ،‬فمنهم من قال‪:‬‬
‫القعر أفضل‪ ،‬أخذا بالدليل الفعلي‪ ،‬وهو قولك أحمد‬
‫ومالك‪ ،‬وأحد قولي الشافعي‪ .‬وقوله الخر‪ :‬التمام أفضل‬
‫لكونه أكد عمًل وعددا وهو الصل )‪ .(2‬والستدلل بالفعل‬
‫على الفضلية‪ ،‬قي الحالة الثانية‪ ،‬وهي المواظبة‪ ،‬أقوى‬
‫وأتهم‪.‬‬
‫ويرى النووي التفريق بين النوعيها‪ ،‬فما وقع مرة واحدة‬
‫فإنه يقع على أكمل الوجوه وأتموا‪ ،‬وأما ما يتكرر فإنه‬
‫يفعل أحيانا على القدر المجزمح! لبيان الجواز‪ ،‬والكل‬
‫على الكمل‪ ،‬لما صنع !! يخص الوضوء مرة مرة‪ ،‬وثلثا ً‬
‫ثلثًا‪ ،‬أكد عمله الثلث‪.‬‬
‫ونحن نميل إلى الخذ بالتجاه الناظر إلى طبيعة العمل‪،‬‬
‫فما كان أكثر عمل‬

‫)‪ (1‬ابن قديمة‪ :‬المغني ‪621 /2‬‬


‫)‪ 1 (2‬لمغني ‪38 " 270 /2‬‬

‫) ‪(1/373‬‬

‫فهو أفضل ما"‪ ،‬فعله هذا‪ :‬الحرام من البعد أفضل‪،‬‬


‫والتضحية بالبقر أفضلي من الغنم‪ ،‬وبالبل أفضل‪ ،‬وكلما‬
‫كان أكثر فضل فهر خير‪ ،‬ما‪ /‬يخرج إلى حيز التشديد‬
‫والرهاق‪ .‬وكذلك نرى أن إتمام الصلة في السفر أفضل‪،‬‬
‫على القولي بأنه جائز‪ .‬وإنما يكون هذا في حق من ل‬
‫يقتل!ى به‪ ،‬أما من ُيقَتدى به فينبغي( ن يعمد إلى‬
‫التيسير والتسهيل لئل يشق على المقتدين‪ ،‬ويكون في‬
‫حقه من هذه الناحية أفضلي‪ ،‬ويحمل فعله يا بالجتزاء من‬
‫بعض العمال بالقليل‪ ،‬على هذا المحمل‪ ،‬أو غيره من‬
‫المحتمل‪ .‬والّله أعلم وأحكم‪.‬‬
‫في الدرجة‪ ،‬ودللة الفعال على ذلك‪:‬‬ ‫تمايز المندوبات ِ‬
‫من المعلوم أن المندوبات تتمايز في القوة‪ ،‬فبعضها أكد‬
‫من بعض؟ وقد يتبين‬
‫التأكد بالقول‪ ،‬وهو كثير‪ .‬وقد يتبع بالفحل‪ ،‬وذلك عل أنو‬
‫‪ 3‬فمنها‪:‬‬
‫أول ً أن يحافظ به عل المندوب حتى مع قيام العذار‪،‬‬
‫وذلك كركعتي‬
‫الفجر والوتر‪ ،‬فقد قره ركعتي الفجر في السفر لما نام‬
‫هدا ً منه‬
‫عنهما‪ ،‬ود‪ /‬يكن على شيء من النوافل أشذ تعا ُ‬
‫على ركعتي الفجر"‪ (2،‬وكذلك حافظ على الوتر‪ ،‬حتى إنه‬
‫أرتب على بعيره )‪ ،(3‬فإن ذلك يمل من جهة تركه ينه!م!‬
‫لما عداها من الرواتب وإفرادها بالمحافظة عليها‪ ،‬على‬
‫أنها أكد من غيرها‪ .‬وقد قيل بوجوبها عليه ئت! خاصة‪ ،‬ول‬
‫يثبت ذلئط‪.‬‬
‫ثانيا ً أن يظهره العتناء بالمندوب والحتفال به‪ ،‬كهذا في‬
‫صلة العيد عند‬
‫من يقول بندبئتها‪ ،‬هرصلة الكسوف‪ ،‬وصلة الستسقل!‪،‬‬
‫كدها‪،‬‬‫فبن فعلها!ا جماعة‪ ،‬ودعا الناس لها‪ ،‬مظهرانه لتا ْ‬
‫حتى لقد قال الحنابلة بوجوب صلة العيد على الحماية‪،‬‬
‫وقال الحنفية بوجوبها على العيان )‪.(4‬‬
‫)‪ (1‬هذه بحدي القواعد الفقهية المشهورة‪ ،‬ذكرها‬
‫السيوطي بهذه الصيغة ‪ 8‬ما كان أكد فعل ً كان أكد فضل ً‬
‫والشباه والنظائرص ‪.(143‬‬
‫)‪ (2‬متفق علمه ونيل الوطار ‪ (31 0 (2 1 /3‬رواه‬
‫الجماعة )ثبل الوطار ‪(33/3‬‬
‫)‪ (4‬المغنى لبن قدامه ‪ 367/2‬والقول بأنها سنة مؤكدة‬
‫هر قول الشافعية والمالكية‪381 .‬‬

‫) ‪(1/374‬‬

‫الطلب الثالث ا ل باحة‬


‫وتستفاد من مواضع‪:‬‬
‫‪ -1‬ما فعله ! من المور الجبلية الختيارية‪.‬‬
‫‪ -2‬ما فعله من المور العادية والدنيوية‪.‬‬
‫ثم‪ -‬ما فعله بيانا ً لية دالة على الباحة‪.‬‬
‫‪ -4‬ما فعله امتثاًل لية دالية على الباحة‪.‬‬
‫‪ -5‬ما فعله وعلمناه قد فعله على سبيل الباحة لقرينة‬
‫تدل على ذلك‪.‬‬
‫‪ -6‬ما فعله وجهلنا حكمه وليعد مماظهر فيه قصد القربة‪.‬‬
‫نظرة في استفادة الباحة من الفعال النبوية‪:‬‬
‫إن الباحة تؤخذ من الفعل النبوي من جهة الفعل خاصة‬
‫دون جهة الترك‪ ،‬فبالفعل النبوي يتبين أن ل حرج في‬
‫فعل ذلك المر‪ ،‬وأما ارتفاع الحرج عن الترك فيستفاد من‬
‫عدم وجود دليل طالب‪ ،‬أو من جهة وقوع الترك أيضًا‪.‬‬
‫ومبنى الدللة الولى أن النبي !كل!ه يعلم أن ما يفعله‬
‫ليس معصية‪ ،‬وهو معصوم من المعصية‪ ،‬وعلى القول‬
‫بعدم عصمته في حالة أو عن نوع منها‪ ،‬فإنه يعاتب على‬
‫قر عليه فيما انبنى عليه تشريعي وقد تقدم ذلك‬ ‫ذلك ول ي ُ َ‬
‫في مواضع‪ .‬غير أنه ل بد من معرفة وجه تلك الباحة هل‬
‫هي إباحة عقلية أو إباحة شرعية‪-‬‬
‫وللتفريق بينهما نقوله‪ :‬إده المعتزلة يرون أن الشياء قبل‬
‫ورود الشرع تحت‬
‫حكم العقل‪ ،‬ثم يفصل العقل بان الفعل واجب إذا كان‬
‫في تركه مفسدة وحرام ‪382‬‬

‫) ‪(1/375‬‬

‫إذا كان ل فعله مفسدة‪ ،‬وإن كان في تركه مصلحة‬


‫فمكروه‪ ،‬أو كان في فعله مصلحة فمندوب أو‪ /‬يشتمل‬
‫على مصلحة أر مفسدة فمباح )‪.(1‬‬
‫وأما عند غير المعتزلة فل حكم قبل مجيء الشريعة أصل ً‬
‫وأما بعد مجيء الشريعة؟ فالباحة العقلية عند المعتزلة‪،‬‬
‫هي رفع الحرج‬
‫عن الفعل والترك‪ ،‬مستمرة‪ .‬فليست الباحة عندهم حتى‬
‫شرعيا بل عقلي‪ .‬وأما عند غيرهم‪ ،‬فالباحة شرعية‪ ،‬وهي‬
‫الخطاب الشرعي الدال على التخي!يربيئ فعل الشيء‬
‫وتركه‪.‬‬
‫وأقر العمدي بان الباحة بعد مجيء الشريعة قسمان‪:‬‬
‫إباحة شرعية‪ ،‬د!لجئ عقلية‪ ،‬وهي بقاء الشيء دون حكم‬
‫يقتضي المنع منها و إيجابه )‪ .(2‬وصرح بذلك الغزالي أيضا ً‬
‫)‪ (3‬ولقولهما وجه بين‪ ،‬وهو معنى ما قدمناه يخص مرتبة‬
‫العدو‪.‬‬
‫والصل في الشياء بعد مجيء الشرع الباحة في ما ينفع‪،‬‬
‫والمنع في ما يضر‪.‬‬
‫وهذا ما قرره الرازي‪ ،‬واتبعه فيه كثير من الصوليين‪.‬‬

‫‪ (11‬جمع الجوامع بشرح المحلي ‪ (3) 62/1‬شفاء الغليل‬


‫ص ‪633‬‬
‫)‪ 1 (2‬لح! أم ‪176 /1‬‬

‫‪383‬‬

‫) ‪(1/376‬‬

‫ويقرر ابن تيميه أصل آخر‪ ،‬وهو أن الصل في العبادة بعد‬


‫مجيء الشرع‬
‫المنع حتى يرد دليل شرعيتها‪ ،‬وجواز الشيء على سبيل‬
‫العادهَ ل يعني أنه يجوز على سبيل العبادة‪ .‬وأما العاديات‬
‫من العقود وغيرها فالصل لها عدم المنع ما‪ /‬يرد دليل‬
‫المنع‪ .‬قرر ذلك في مواضع من كتبه ينسبه إلى فقهاء‬
‫الحديث أحمد وغيره‪ -(1،‬الباحة المستفادة من الفعل‬
‫النبوي‪:‬‬
‫إن الباحة التي يدل عليها الفعل النبوي‪ .‬إن كان بيانا أو‬
‫امتثال ً أدا‪ /‬عليها‪ ،‬فهي إباحة شرعية‪ .‬وأما ما فعله من‬
‫المباحات الجبلية والعادية‪ ،‬وما حكمنا بإباحته من الفعال‬
‫المجردة‪ ،‬فإن إباحته عقلية‪ ،‬أو‪ -‬كما قرر الغزالي‪ -‬ل حكم‬
‫فيه من جهة الشرع‪ ،‬وذلك أن غاية ما في الفعل الدللة‬
‫على أن ليس في الشرع ما يدلل على المنع منه‪.‬‬
‫فائدة استفادة الباحة من الفعال النبوية المجردة‪:‬‬
‫قد يقال‪ :‬إن الباحة هي الصل في المعاملت والمور‬
‫الجبلية والدنيوية والعادية ونحوها‪ .‬ل فائدة الفعل النبوئي‬
‫في ذلك المجال؟‪.‬‬
‫فالجواب أن فائدته من جهات‪:‬‬
‫الولى‪ :‬أن الباحة المستفادة من الفعل أقوى من‬
‫المستفادة من العمومات الواسعة‪ ،‬فأكله ! من لحم العنبر‬
‫الميت أدل على إباحته من عموم الهية لخلق لكلم ما في‬
‫الرض جميعأ! بل ومن عموم الية‪ :‬وأحل لكم صيد البحر‬
‫في الدللة على‬ ‫وطعامه ! وهي‪ ،‬من باب أولما‪ ،‬أقوى ِ‬
‫إباحة الفعل المعيق من الباحة العقلية‪ ،‬التي يقول بها‬
‫المعتزلة‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬نفي احتمال أن تكون الصورة مشمولة بنص مانع‬
‫أن قياس مانع‪،‬‬
‫)‪ (1‬شفاء الغليل ص ‪633‬‬
‫القاهرة ‪ 326 /2‬ابن القيم‪ :‬إعلم الموقعيها ‪384 336 /2‬‬

‫) ‪(1/377‬‬

‫كما في قصة أكله عنه من لحم العنبر الميت‪ .‬وقصة‬


‫صذق به على بحيرة فعهدت إليه‬ ‫أكله !! من لحم شاة ت ُ ُ‬
‫منها‪.‬‬
‫ومثل تشبيكه ! بين أصابعه في المسجد بعد الصلة‪ ،‬كما‬
‫في حديث ذي اليدين‪ ،‬يدل على إباحته وعدم القياس على‬
‫ما ورد من نهيه هو القادم إلى المسجد عن التشبيك )‪.(1‬‬
‫ومثل خروجه من المسجد دون تيمم‪ ،‬عندما تذكر أنه جنب‪،‬‬
‫وقد أوجب‬
‫بعض الفقهاء التيمم في مثل هذه الحال )‪ .(3‬ومثل‬
‫إخراجه !نش! رأسه فلما عائشة لتدخله وهي حائض وهو‬
‫معتكف في المسجد‪ .‬فقد شبيهة به أنها من المباحات‪.‬‬
‫ومن هنا كوثر نقل الصحابة للفعاله التي من هذا النوع‬
‫لبيان الباحة حيث‬
‫ظن الممل‪ ،‬كما في أحاديث مسح الخفيفة‪ ،‬كل نقلها لما‬ ‫يُ َ‬
‫في المة من المر بالغسل‪ ،‬بل كثيرا ما كان في التحريم‬
‫لمر من المور من بعضه الناس‪ ،‬حافزا للصحابة على‬
‫رعاية الفعال لثبات الباحة‪ .‬وبهذا السبب ظهر جزء كبير‬
‫من السنن‪ .‬الثالثة‪ :‬إثبات الجواز في ما الصل فيه المنع‪.‬‬
‫وهي قاعدة مهمة جدا في باب العبادات‪ ،‬فإن الولى فيها‬
‫المنع كما تقدم‪ ،‬فل يعبد الله إل بما شرع‪ ،‬وحيت فعل ئمة‬
‫العبادة الخاصة علم أنها جائزة من أصلها‪ ،‬ولو فعل العبادة‬
‫في حال معينة أفاد جواز فعلها في تلك الحال‪ ،‬كالصلة‬
‫على الميت الغائب‪ ،‬وفعل صلة الفرض على الراحلة عند‬
‫المطر إذا كانت الرض مبتلة‪ ،‬وفعل النافلة عل الراحلة‪،‬‬
‫وأنه يتجه حيثما توجهت ركابه‪.‬‬

‫)‪ (1‬انظر في أبى ري ‪566/1‬‬


‫!‪ !2‬ابن روجر‪ :‬فتح البارجما ‪383/1‬‬

‫‪ 85‬س‬

‫) ‪(1/378‬‬

‫اغلب الرابع الكر ا هو‬


‫الفعل ل يدل على الكلراهة‪ ،‬وقد يدل الترك عليها كما‬
‫يأتي إن شلل الليه‪.‬‬
‫المطلب الخامس‬
‫التحريم‬
‫ل يدل الفعل )‪ (1‬على التحريم بطريق التائي‪ .‬ولكن يدل‬
‫على ذلك الفعل المتعدي‪ ،‬أحيانا ً كما تقدم‪ ،‬كالعقوبة‬
‫بالحق أو التعزير‪ ،‬تدل على تحريم ما كان سببا لها‪.‬‬
‫وقديدل نزعه عن للشيء وي لك كسره وتحطيمه‬
‫ونحوذلك‪ ،‬على تحريم‬
‫لبسه واتخاذه‪ .‬كمارا حديث عقبة بن عمر‪ :‬وأهدي لرسول‬
‫فروج حرير‪ ،‬فدبسه ثم صل فيه‪ ،‬ثم أتصرف‪ ،‬ثم‬ ‫الله جمع َ‬
‫نزعه نزعا شديدا كالكاره له‪ ،‬ثم قالت‪ :‬أل ينبغي هذا‬
‫للمتقيئ " )‪.(2‬‬
‫و )كان ل يترك في بيته شيئا ً فيه تقاليب إل نقضه )‪" (3‬‬
‫ومثله ما ورد أن‬
‫النبي صل اتخذ خاتما ً من ذهب ثم ن ََزعه ورمى به " )‪ .14‬و‬
‫‪ 9‬رأى رجل يطوف بالكعبة بخزانة ل أنفه فقطعها‪.()ْ ،‬‬
‫وفي رواية "رأى في المطاف رجلين بزمام بينهما فقطعه‬
‫‪.(6) 9‬‬
‫)‪ (1‬أما الشرك فقد يدل على التحريم‪ .‬وسياقه بحث ذلك‬
‫في فصل الترك منا الباب الثريا‪ (2) .‬البخاري ومسلم‬
‫وجامع الصول ‪ (281 /11‬والفروج‪ :‬القضاء‪.‬‬
‫)‪ (3‬البخاري ‪ (4) 385 /1 0‬انظر صحمع مسلم ‪،6 /1 4‬‬
‫ى‬
‫رالبخارى ‪ ،5) 3 1 5 /1 0‬البخاري ‪ (6) 586 /1 1‬البخار ِ‬
‫‪386 482/3‬‬

‫) ‪(1/379‬‬

‫وإنما يدل على ذلك إذا عرف أنه صنع ما صنع بقصد بيان‬
‫الشرع أو المتثال له‪.‬‬
‫فإنه نْزع الثوب نزكي معتادا ل دللة فيه‪ ،‬وكذا لو كسر‬
‫شيئا ً تالفا ل يحتاج‬
‫إليه‪.‬‬
‫ً‬
‫وإن‪ /‬يعلم أنه قصد البيان لو المتثال فل يدل أيضا على‬
‫التحريم‪-‬‬
‫ومثاله ما ورد في الصحيح أنه النبي يكلف فرق ما جاع!!‬
‫من مال البحرين حتى‬
‫‪ /‬يبق منه شيء‪ .‬فقال ابن حجر‪ :‬ليما الحديثما بيان أن‬
‫المام ينبغي له أن يفرق مال المصالح في مستحقيه ول‬
‫يؤخرم!را(‪.‬‬
‫ونحن ل نرى دللة الحديث على تحريم التأخير ول كراهته‪،‬‬
‫لحتماله أنه‪/‬‬
‫يقصد امتثال حكم خاص بذلك‪ ،‬بل لكثرة المحتاج!سن أو‬
‫لوجود مالي غيره مخزون لديه‪ ،‬ينفق منه عند الحاجة‪.‬‬
‫دمه و يؤخر بحسب المصلحة‪ .‬وقد كان‬ ‫فللمام إذن أن يق ّ‬
‫النبي ! يحتبس بعض الموال لنوائبه‪.‬‬
‫)‪ (1‬فتح البارز ‪517/1‬‬
‫‪ 87‬س‬

‫) ‪(1/380‬‬

‫المطلب السادس‬
‫دللة الفعل النبوي على الحكام الوضعية‬
‫ما تقدم قبل هذا كله راجع إلى دللة الفعال النبوية على‬
‫الحكام التكليفية‪ .‬أما دللتها على الحكام الوضعية فهي‬
‫دللة خفية‪ ،‬وقلما يمكن بيافا بالفعل دون قول يوضح‬
‫ارتباط الحكم بسببه ونحوه‪ .‬فأما مع القول فهو في‬
‫الشريعة كث!!ر‪.‬‬
‫فمن ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬السببية‪:‬‬
‫مثالي بيالي السببية بالفعل دون القول أنه عن‪ :‬لقاء‬
‫فتوضأت‪ ،‬هوسها فسجد"‪.‬‬
‫‪ -2‬الشرطية ة‬
‫من بيان الشرطية بالفعل وحده‪ ،‬في شرط الوجوب‪ ،‬بأن‬
‫يترك الفعل في‬
‫حال ويفعل في حاله آخر‪ ،‬فيعلم أن ذلك الحال شرط‪.‬‬
‫ومثال ما روي عن الزهرثمما عن أبي سلمي تال‪:‬أ تلت‬
‫لبي هريرة‪ :‬على كم تجب الجمعة من رجل؟ قال‪ :‬لما بلغ‬
‫أصحاب رسول الل جمع خمسين جمع بهم رسول الله به !‬
‫استدل بذلك أن شرط وجوب الجمعة وجود خمسين إجلل"‬
‫‪.(1‬‬
‫ومن أمثلته أيضا ً أن النبي ي كان يقيم الجمعة في‬
‫المدينة‪ ،‬ول يقيمها في أسفاره‪ ،‬فعلم بذلك أن شرط‬
‫وجوبها القامة‪.‬‬
‫)‪ (1‬اجتماع الحميمين شرط وجوب الجمعة عل رواية في‬
‫مذهب احمد والمغني ‪ 88 .(328/2‬يلي‬

‫) ‪(1/381‬‬

‫وقد يتبّين بالفعل عدم الشرطية؟ وهو كثير في الشريعة‪.‬‬


‫وذلك أن يفعل الشيء ومجتزع! به مع انعدام ما يظن‬
‫شرطا ً كفعله ! صلة الجمعة قبل الزوال‪ ،‬فيعلم بذلك أن‬
‫الزوال ليس شرطًا‪ .(1،‬وكإجرائه عقد البيع دون إشهاد‪،‬‬
‫فيعلم أن الشهاد ليس شرطا ً لصحة البيع‪.‬‬
‫وقد استفاد بعض العلماء الشرطية من الفعل الذي ل‬
‫قول معه‪ ،‬كما في تقدم الطواف لصحة السعي‪ ،‬قاله‬
‫النووي‪ :‬وقال أصحابنا‪ :‬يشترط كون السعي بعد طواف‬
‫صحيح سواء أكان بعد طواف القدوم أو طواف الزيارة‪...‬‬
‫واستدلت للماوردي بأن النبي يا سعى بعد الطواف‪ .‬مع‬
‫أنه قد قالي يس‪! :‬لتاخذوا عني مناسككم ! وبإجماع‬
‫المسلمين‪ -‬قالت‪ :‬وشذ الجويني فقاله في كتابه‬
‫دم السعي عله‬ ‫"الساليب "‪ :‬قال بعض أئمتنا‪ :‬لو ق ّ‬
‫الطواف أعوذ بالسعي‪ .‬قال النووي‪ :‬وهذا النقل غلط‬
‫ظاهر‪ ،‬مردود بالحاديث الصحيحة وبالجماع الذي قدمناه‬
‫عن نقل للماوردي والله أعلم ! )‪.(2‬‬
‫أقول‪ :‬وقد نقل عدم الشرطية في ذلك عن عطاء‪ ،‬ونقل‬
‫عن أحمد بن حنبل‪ :‬يجزئه إن سعى قبل الطواف ناسيًا‪.‬‬
‫واختار صاحب المغني )‪ (3‬إنه شرط‪ ،‬واحتج بالفعل النبوي‬
‫مع قوله صكنيع‪ ،:‬لتأخذوا عتي مناسككمأ‪.‬‬
‫فإن ثبت الجماع فهو حجة‪ .‬وأل فإن الحديث ل يدلى على‬
‫الوجوب كما‬
‫تقدم‪ .‬والشرط هنا من الواجب‪ .‬ولهذا!نإن القول‬
‫بالشتراط في هفت المسألة خارج عن القاعدة الصولية‪.‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫ومثله قوله من قاله باشتراط جعل البيت عن يسارك في‬
‫الطوافة‬
‫يقول النووي‪ :‬الترتيب عندنا شرط لصحة الطواف بأن‬
‫يجعل البيت عن‬
‫يساره ويطوف عن يمينه تلقاء وجهه‪ .‬فإن عكسه لم يصح‪،‬‬
‫وبه قال مالئه وأحمد‬
‫ى!اود‪ :‬كنا نصلي الجمعة ثم‬‫)‪ (1‬في حديمث كلمة عند أب ِ‬
‫ننصرف وليس للحيطالنا كل‪ (2) .‬المجموع ‪ ،3) 8 1 /8‬ابن‬
‫قديمة‪ :‬المغني ‪39 5 /3‬‬
‫‪389‬‬

‫) ‪(1/382‬‬

‫وجمهور العلماء‪ .‬وقال أبو حنيفة يعيده إن كان بمكة‪ ،‬فإن‬


‫رجع إلى وطنه و‪ /‬يعده لزمه دم لجزأه طوافه )‪.(1‬‬
‫والحجة لوجوبه حديث جابر أن النبي مجد لما قبلي الحجر‬
‫السود طاف على‬
‫يمينه‪ .‬مع قوله مجد‪ :‬أخذوا عني مناسككم ! وبهذا احتج‬
‫الشيرازي )‪.(2‬‬
‫وأما ابن حزم فلم يستدل بالفعل في هذه المسألة‪ ،‬وإنما‬
‫رأى"‪ (3‬إن النبي !بحمم‬
‫لما أمرهم بالخيبة‪ ،‬فل بد أنه لمرهم من أين يبتدئون‬
‫وكيف يصنعون فالوجوب عنده بالقول المنقول بطريق‬
‫اللزوم‪.‬‬
‫والولى القول بالوجوب‪ .‬ومأخذه عندي أن فعله !! بيان‬
‫لغية المر بالطواف‪ .‬فمن هنا وجبت الكيفية‪ ،‬والعيد أيضا ً‬
‫‪ -3‬المانوية‪:‬‬
‫وأما بيان المانعئة بالفعل مع القول فهو كثير‪ ،‬ومنه أن‬
‫النبي أو رد هدية الصيد لما كان محرمًا‪ .‬وقال للمهدي‪:‬‬
‫حرم " )‪.(4‬‬
‫وإنا‪ /‬نرلمحه عليك أل أّنا ُ‬
‫وأما بالفعل دون قول‪ ،‬فإن كان الفعل نبيًا‪ ،‬فكثير‪ ،‬كما‬
‫في حديث ابن عباس في تحويل النِبا جمع له من موقفه‬
‫عن يسار المام إلى يمينه‪.‬‬
‫وأما الفعل الذي ل نهي فيه‪ ،‬فيرد قليل ً وذلك كصلته !‬
‫ن المرض المنع وجوب‬ ‫ي!!ا مرضه جالسا ً يدل على أ ْ‬
‫القيام‪.‬‬
‫وقد يدل الفعل على عدم المانوية‪ ،‬وذلك أن يفعله العبادة‬
‫أو العقد مع التلبس بما يظن مانعا من الصحة‪ ،‬فيعلم بذلك‬
‫أنه ليس مانعا ً وهو كثير‪ .‬ومنه غلم أن العمل اليستير فيه‬
‫ه وهو‬ ‫الصلة ل يبطلها‪ ،‬كما صنع !م! إذ فتح الباب لعائش َ‬
‫)‪ 1 (1‬لمجموع ‪67/8‬‬
‫)‪ (2‬المجموع ‪ (3) 34 /8‬المحلى ‪ (4) 97 /7‬رواه البخاري‬
‫ومسلم ومالك وجامع الصول ‪ 90 .!419 /3‬س‬

‫) ‪(1/383‬‬

‫في الصلة ل"‪ ،‬وحملت مهمة ابنة ابنته زينب‪ .‬فكان إذا‬
‫قام رفعها وإذا ركع وضعها وهو في الصلة‪.‬‬
‫ومنه علم أيضا أن الكلم اليسرى في شان الصلة سهوا ل‬
‫يبطلها‪ ،‬صنع !‬
‫ملئه إذ تكليم سهوًا‪ ،‬بعد أن سلم من نقص ‪ 6‬كما في‬
‫حديث ذي اليدين‪.‬‬
‫ومنه علم أيضا أن السفر ل يمنع صحة الصوم‪ ،‬فقد كان‬
‫قرر يصوم أحيانا ً‬
‫قي السفر )‪.(2‬‬
‫وكذلك في المنع من الوجوب‪ .‬فقد أقاد النبي !ئه! يهوديا‬
‫من امرأة قتلها باحمجار)‪ ،(3‬فعلم أنه ل يمنع وجوب‬
‫القصاص كون القاتل يهوديا ً ول كون القاتلة رجًل‬
‫والمقتول امرأة‪ ،‬ول كون آلة القتل مثقًل غير محدد‪.‬‬
‫‪ -4‬الرخصة والعزيمة‪:‬‬
‫أما الرخمه فبيانها بالفعل الذي معه قولي‪ ،‬كثير‪ ،‬كنيته !‬
‫ك! صوم النفل بالنهار‪ ،‬والمسح على الخفين‪ .‬قال مجد‬
‫للمغيرة حينما لراد أن ينزع خفيه‪:‬إ دعهما فإف! أدخلتهما‬
‫طاهرتين أأ‪ .‬فمسح عليهما‪.‬‬
‫وكذلك بيانها بالفعلة الذي ل قول معه كثير‪ ،‬ووجه كثرتها‬
‫هنا لنما على خلف الصل‪ ،‬فكلم ذلك كافيا في بيان أنها‬
‫رخص‪ ،‬ومثاله جمحه ! بين الصلت!ق في السفر‪ ،‬وصلته‬
‫في ملف جالسا ً وتطوره على الدابة‪ ،‬وتوجهه خليها إلى‬
‫غير القبلة‪ ،‬والستثمار‪ ،‬واستدرار القبلة عند قضاء الحاجة‬
‫في البنيان‪-‬‬
‫‪ -5‬الصحة والفساد‪:‬‬
‫إذا فعل النبي له عبادة عل وجه ما فإنه يدله على صحة‬
‫عملها عله مثل‬
‫ذلك الوجه‪ .‬ولكن ل يدله على فسادها إذا عملت كله وجه‬
‫آخر‪ ،‬ما لم يكن دليل‬
‫)‪ (1‬روى القصة أبو داود والترمذي والنسائية وجامع‬
‫الصولي ‪ (2) (329 /6‬رواه البخاري ومسلم ثابت دقيق‬
‫العيد‪ :‬شرح العمدة ‪ (3) (18/2‬رواه الجماعة ونيل الوطار‬
‫‪(18/7‬‬
‫‪391‬‬

‫) ‪(1/384‬‬

‫على أن ملئه الوجه الذي عملها عليه ! بعينه واجب‪ .‬وكذلك‬


‫في العقود ونحوها‪ ،‬ما فعله منها دل على صحته بأنه‬
‫مرافق للشرع ومستكلمل لجميع أركانه وشروطه‪،‬‬
‫رمنتفية عنه الموانع‪.‬‬
‫ومن هذا الباب مسالة القرعة‪ ،‬فقد ثبت أن النبي ! كان‬
‫إذا سافر سفرا ً‬
‫أقرع بين نسائه‪ ،‬فأيتهن خرج سهمها سافر بها معه )‪.(1‬‬
‫عئل! ستة أعتقهم رجل عن فئة‪ /‬يكن له‬ ‫وأيضا أتبع بين أ ْ‬
‫مال غيرهم فمات‪ .‬فاقرع بينهم النبي !ئه!‪ ،‬فاعتق‬
‫بالقرعة اثني‪ ،‬رأَرق سبعة )‪ -(2‬يدلي هذا الفعل منه مجد‬
‫على أن القرعة طريق صحيح لتعيين الحقوق إذا تساوت‬
‫و‪ /‬يكن للترجيح طريق آخر‪ .‬وللفقهاء تفصيل جما تمييز ما‬
‫تجري فيه القرعة مما ل تجري فيه يمر‪.‬‬
‫ومن هذا أيضا اكتفاؤه كغ عن القول في قبول الهبة‬
‫بالقبض‪ ،‬وفي تصرفه بالذن العرفي عن الذن القولي‪،‬‬
‫كما في مبايعة نفسه عن عثمان‪ ،‬وإدخاله أهل الخندق إلى‬
‫طعام أب طلحة‪ ،‬وأيضا إلى طعام جابر‪ .‬ونحو ذلك‪ .‬كل‬
‫ذلك يدلى على الصحة في مثله منالتصرف )‪.(4‬‬
‫ومن هذه الجهة‪ ،‬وهي جهة دللة الفعل على الصحة‪،‬‬
‫يمكن استنباط أن‬
‫س! ركنا ً أو أنه ليس شرطا ً كما تقدم‪-‬‬ ‫شيئا معينا ل ِ‬
‫)‪ (1‬متسلم ‪!103/17‬رواه البخاري‪.‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم ‪ 145 /11‬ررواه( بر داود والترمذي‬
‫والنسائي‪ (3) .‬انظر‪ :‬الفروق للقرافي ‪113/4‬‬
‫مواعد النورانية ص ‪ 114‬وما‬ ‫)‪ (4‬يراجع‪ :‬ابن تيميه‪ :‬ال ّ‬
‫بعدها‪.‬‬
‫‪392‬‬

‫) ‪(1/385‬‬

‫شائ!‬‫صل ا ل َ‬‫ع ْ‬
‫ال َ‬
‫! ل لرَلىلتر المجد‬
‫الدللة وأنواعها‬
‫‪ -1‬طبيعة الدللة الفعلية‪.‬‬
‫‪ -2‬وجه انسحاب حكم فعله ! على أفعال المة‪.‬‬
‫‪393‬‬

‫) ‪(1/386‬‬

‫فة الدللة الفعلّية‬‫ص َ‬


‫تمهيد‬
‫ا لدل لة!أنوأ عهدا‬
‫الدللة كون الشي بحالة يلزم من العلم به العلم بشيء‬
‫آخر‪ .‬والمل هو الدال‪ ،‬والثاف! هر المدلول‪.‬‬
‫والبحث في الدللة من جهتين‪ :‬جهة الرتباط والتلزم بين‬
‫الدار والمدلولى والثانية جهة الدار‪.‬‬
‫أول ً جهة الرتباط بين الدال والمدلول‪:‬‬
‫الرابطة بين الدال والمدلول على أنها‪ ،‬لنها تكون عقلية‪،‬‬
‫وطبيعية؟‬
‫دعا د يم‪ ،‬ووضعية‪.‬‬
‫أ‪ -‬فالعقلَية‪ ،‬كدللة وجود الشيء على عدم نقيضه‪ ،‬ودللة‬
‫الثر على أن له مؤثرًا‪..‬‬
‫ب‪ -‬والطبيعية أن يكون الترابط بينهما بسبب الطبع‬
‫والخلق‪ ،‬ومثاله دللة الدخان على النار‪ ،‬ودللة الصوت ذي‬
‫الصفة الخاصة اللشيء من النقر‪ ،‬على أن المضروب‬
‫نحاس‪ ،‬أو حديد‪ ،‬ودللة العراض على المراض عند‬
‫الطباء‪ ،‬ودللة الرتجاف أو قول )إح( على إصابة صاحبه‬
‫بشدة البرد‪.‬‬
‫ن تكون جرت العادة أن يقع أمران‬ ‫أمي‪ -‬وأما العائلة‪ ،‬فكأ ْ‬
‫معينان متحدين‬
‫قي الوقت أو مع سبق أحدهما للخر‪ ،‬فإن علم وقوع‬
‫أحدهما دل على وقوع السمر‪395 ،‬‬

‫) ‪(1/387‬‬
‫ومثاله الستدلل بوجوده ص إلزوج!ن في بلد على وجود‬
‫الخر فيه‪ ،‬وبالولدة على السرور بها‪ ،‬وبالموت على‬
‫الدفن‪ ،‬وعكسه‪ ،‬وعلى التعزية‪.‬‬
‫د‪ -‬وأما الوضعية فبان يجعل أحذ أو طائفة من الناس‪،‬‬
‫شأ ليدل على شيء‪ ،‬كالشارات الضوئية التي ترضع‬ ‫ش ِ‬
‫لتنبيه سائقي السيارات أو السفن أو الطائرات‪ ،‬وكدللة‬
‫الخط والعقد والشارة‪ ،‬على ما أريد أن تدل عليه‪.‬‬
‫وكاللفاظ المستعملة في اللغة‪ ،‬وضعت لتدل على معافا‬
‫تعرف من كتب اللغة‪+‬‬
‫ثانيًا‪ :‬جهة الدال‪:‬‬
‫الدال إما أن يكون لفظه‪ ،‬أو فعل ً أو صفة‪ ،‬أو شيثأ ما ّ‬
‫ديأ‪.‬‬
‫وغرضنا يتعلق بالدليل إذا كان فعل ً ولكن نقدم تقسيم‬
‫المنطقيين للدللة اللفظية‪ ،‬ليتب!!ق حكم الدللة الفعلية‬
‫إذا قورنت بها‪.‬‬
‫"!*‬
‫الدللة اللفظية‪:‬‬
‫اللفاظ الصادرة تختلف دللتها‪ ،‬فقد تكون عقلية كدللة‬
‫الكلم على متكلم‪ ،‬وطبيعية‪ ،‬مقرل )آه( على شدة أل‪،/‬‬
‫وعادية كدللة قولهم وكل عام وأنتم بخير على أن اليوم‬
‫عيد‪ .‬ووضعية وهر الرز‪.‬‬
‫ثم الدللة الوضعية في اللفاظ تنقسم ثلثة أقسام‪ ،‬لنها‪:‬‬
‫أما‪ :‬دللة مطابقة‪ ،‬وها دللة اللفظ عل كل معناه‬
‫الموضوع له‪ ،‬كدللة )البيت( على البيت‪.‬‬
‫وأما‪ :‬دللة تضمن‪ ،‬وهي دللة اللفظ على بعض معناه‪،‬‬
‫كدللة )البيت(‬
‫على السقف أو الباب‪.‬‬
‫لما‪ :‬دللة التزام‪ ،‬ول دللة اللفظ عل خارج عن معناه لزم‬
‫له‪ ،‬كدللة )السقف( على الحائط )‪."1‬‬
‫)‪ (1‬وانظر لستكمال هذا البحث القت على الثممسية‪،‬‬
‫رحاشمة الجرجاني ص ‪ ،22‬رأيضأ السبكي والمحلي‪ :‬بها‬
‫الجوامع وشرحه ‪ ،*9/1‬والمستص!ى‪ :‬المقدمة‪.‬‬
‫‪396‬‬

‫) ‪(1/388‬‬

‫ومن الدللة اللتزامية‪:‬‬


‫ا‪ -‬القتضاء‪ :‬وهو دللة المذكور على مقصود للمتكلم‬
‫مضمر‪ ،‬يتوقف عليه‬
‫ه ! أي أهلها‪،‬‬ ‫صدق الكللم‪ ،‬كقوله تعالى ة )واسال القري َ‬
‫أر تتوقف عليه صحة الكلم‪ ،‬كحديث "رفع عن أمتي الخطأ‬
‫والنسيان " أي المؤاخذة بهما‪.‬‬
‫‪ -2‬واليماء‪ :‬وهر دللة اللفظ على لزم مقصي للمتكلم ل‬
‫يتوقف عليه‬
‫صمت الكلم ول صحته‪ ،‬كقوله تعالى‪) :‬والسارق والسارقة‬
‫فاقطعوا أيديهما! لي لجل السرقة‪.‬‬
‫‪ -3‬والشارة‪ :‬وهي دللة اللفظ على ما ليس مقصود‬
‫للمتكلم‪ ،‬لكنه يعلم‬
‫من كلمه‪.‬‬
‫‪ -4‬والمفهوم‪ :‬وهو أن يدل اللفظ على حكم في غير‬
‫محلى النطق‪.‬‬
‫وهو نوعان‪ :‬وهرم مخالفة‪ ،‬رمقهم موافقة‪.‬‬
‫أ‪ -‬فمفهوم المخالفة‪ ،‬أن يكون المسكوت عنه مخالفا ً في‬
‫الحكم للمنطوق‪،‬‬
‫كدللة قوله ضد‪:‬أ في قائمة الغنم الزكاة" على أن ما عدا‬
‫القائمة من الغنم ل زكاة فيها‪.‬‬
‫ب‪ -‬ومفهوم الموافقة‪ :‬نوعان‪:‬‬
‫الول‪ :‬وتحمى )فحرى الخطابة وقد سماه يعض الحنابلة‬
‫)التنبيه(‪ ،‬ظهر‬
‫أن يكون المسكوت عنه أولى بالحكم من المنطوق‪ ،‬كدللة‬
‫قوله تعالى‪ :‬أول تقل لهما أف ! على تحريم ضرب‬
‫الوالدين‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬وشممت ألحن الخسطاب( أر )دليل الخطابة وهر‬
‫أن يكون المسكوت عنه مساويا في الحكم للمنطوق‪،‬‬
‫كدللة تحريم؟ كل مال اليتيم على تحريم إحراّله "لو‬
‫إغراقه‪،‬‬
‫‪397‬‬

‫) ‪(1/389‬‬

‫المبحث الول‬
‫عة الدللة الفعلية‬
‫طبي َ‬
‫قد يكون للفعل دللت محتلفة‪ ،‬وغرضنا يتعلق بذكر دللة‬
‫أفعال النبي ! خاصة‪.‬‬
‫وليست دللة أفعاله !نه! على الحكام في حقنا عقليه‪.‬‬
‫وقد تقدم سيضع‬
‫ذلك قي فصل حجية أفعال النبي مجد‪.‬‬
‫وليست كذلك طبيعية‪ ،‬ول عادلة‪ ،‬إذ ل دخل للطْبع ول‬
‫للعادة في شيء من ذلك‪.‬‬
‫غانما هي دللة وضعية‪ ،‬بمعنى أن الشرع جعلها لنا علمة‪،‬‬
‫إذا رأيناها علمنا‬
‫ما الحكم في حقنا‪.‬‬
‫وأمثاله أننا إذا علمنا أنه !‪ ،‬صلى بعد الجمعة ركعتين ندبا ً‬
‫كان ذلك لنا علمة موضوعة تدلّنا على أن حكم ركعتين بعد‬
‫الجمعة في حقنا الندب‪.‬‬
‫ويقول القاضي عبدالجئار‪ :‬الو كان الفعل بمجرده‪ -‬يعني‬
‫من غير دللة شرعية على حجيته‪ -‬يدل‪ ،‬لكان القول بذلك‬
‫ح أن القول ل يدل إل بالمواضعة على‬ ‫أولى‪ ،‬فإذا ص ّ‬
‫الوجوه التي تقدم ذكرها‪ ،‬فالواجب مثل ذلك في الفعل "‬
‫)‪ .(1‬والذي يدلنا على هذا الوضع في الفعال النبوية‬
‫أمران‪:‬‬
‫الول‪ :‬أمر غر شرعي‪ ،‬بل هو مواضعة عامة‪ ،‬وذلك في‬
‫أفعال نجاعة من‬
‫‪ (11‬المغني ‪351/17‬‬
‫‪398‬‬

‫) ‪(1/390‬‬

‫أفعاله ينه!يه‪ ،‬كالكتابة‪ ،‬والخط‪ ،‬والعقد‪ ،‬والشارة ونحو‬


‫ذلك كدللة دفعه جميهي!فه من مر أمامه على منعه من‬
‫ذلك‪ ،‬وككلسره التقاليب في الدللة على النص منها‪-‬‬
‫فهذه الدللة ليست شرعية‪ ،‬أعنيه ن مثل هنا الفعال دالة‬
‫على مراد الفاعل بفعلها مطلقا ً سواء أكانت من نصي أم‬
‫سر غي نبي إظؤ معينألعلمنا أنه ل يريد‬ ‫من غيره‪ .‬ولوك َ‬
‫بقاعه‪ .‬وذلك كالكللم سواء‪ ،‬فليس كون الكلم دال على‬
‫مراد المتكلم خاصا بنبي دون غيره‪ ،‬ومتى صدر من‬
‫النبي ! دل عله الحكم الشرعي‪.‬‬
‫وكذلك استفيدت الحكام الشرعية من هذا النوع من‬
‫الفعال من حيث‬
‫إنها صدرت عن النبي !‪ ،‬أما المواضعة فهي عامة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أمر شرعي‪ ،‬وهو ما تقدم من الدلة القاضية‬
‫بحجية الفعال النبوية‬
‫من حيث الجملة‪ ،‬مع ما قدمناه من البيان لنها الحكام‬
‫التي تؤخذ من الفعل‪ -‬فهذا وضع شرعي‪.‬‬
‫أول الدللة الوضعية الفعلية‪:‬‬
‫من الفعال ما يدل مطابقة‪ ،‬وتضمنًا‪ ،‬والتزامه‪ -‬وهو‬
‫الكلتابة‪ ،‬لنها بمنزلة القول‪ ،‬فيمكن أن تدل عله ما يدل‬
‫عليه القول سواء بسواء‪ .‬وسياقه إن شاء الله في الباب‬
‫الثاف! الكلم على الكتابة‪.‬‬
‫وأما ما سواها من الفعال‪ ،‬ففيه تفصيل‪:‬‬
‫أول ً دللة المطابقة‪:‬‬
‫تتصوردللة الفعل مطابقة عل الحكم الشهير في‬
‫موضعي‪:‬‬
‫ان‪ -‬الشارة‪ ،‬والعقد‪ ،‬ونحوه من الفعال )المرة والناهية(‪.‬‬
‫‪ -2‬الفعل البياني‪ ،‬على ما قدمنا ذكره من أنه دال على‬
‫الحكم بالقصد‪.‬‬
‫كبيانه ! هيئة الطواف بفعله‪ ،‬وهيئة الحج‪ ،‬وأوقات‬
‫الصلوات الخمس‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬دللة التضمن‪:‬‬
‫ل تتفق دللة التضمن على الحكام في الفعال‪ .‬ولو دلى‬
‫العلى البياني كطوافه ‪ 99‬يم‬

‫) ‪(1/391‬‬

‫جمعه‪ ،‬على جزء من الطواف‪ ،‬كالبدء من عند الحجر‪ ،‬فإن‬


‫تلك دللة مطابقين‪ ،‬لن حقيقتها دللة ذلك الجزء من‬
‫فعله يكن على حكم مثل ذلك الجزء في حقنا‪ .‬ثالثا ً دللة‬
‫الليز أم‪:‬‬
‫تتفق دللة الفعل التزاما‪ ،‬كلى الحكم في حقنا‪ ،‬في صور‪:‬‬
‫‪ -1‬الفعال الجبلية والعادلة‪ ،‬والفعال المتثالية‪ .‬فإنه يلزم‬
‫من فعله ينه!ع لها‬
‫انها مطابقة للشرع‪ ،‬ومن معرفة أن حكمنا كحكمه فيها‬
‫معرفة حكمنا‪.‬‬
‫‪ -2‬ما تقدم في الفعل المتعدي‪ ،‬من أنه ! إذا عاقب أحدا‬
‫بحث أو تعزير‪،‬‬
‫علمنا أن ذلك الشخص قد فعل كبيرة‪ ،‬بطريق اللتزام‪ ،‬ثم‬
‫يعلم أن مثل ذلك الفعل في حقنا أيضا كبيرة‪ ،‬بناء على‬
‫أصل الستواء في الحكام الشرعية‪.‬‬
‫ويقول القرافي‪:‬إ إن إقدام الحاكم على بيع عبد كان قد‬
‫أعتقه من أحاط‬
‫الدين بماله‪ ،‬يستلزم الحكم ببطلن ذلك العتق !‪ .‬ويقول‪:‬‬
‫بالفعل الذي هو البيع ونحوه ل تتفق فيه دللة التضمن‬
‫ألبتة‪ ،‬فإن الحكم ل يقع إل لزما ً له " )‪ .(1‬وقوله هذا هو‬
‫في الدللة على الحكم القضائي‪ .‬والحكم الشركي أيضا ً‬
‫مثله‬
‫سراء‪.‬‬
‫‪ -3‬رمما يدل عليه الفعل باللتزام أيضا باب الطهارة‬
‫والنجاسة‪ ،‬فمن ذلك‬
‫أنه ! توضح‪ ،‬فادخل يديه في الظن واغترف منه‪ ،‬فإن ذلك‬
‫يدل باللتزام على عدم فقدان الماء الجهورية بمثل ذلك‪.‬‬
‫وحديث عائشة أنه كم كان يصلي‪ :‬توني ثوبه بقع الماعز‬
‫تعني الميت بعد أن تحكه يابسًا‪ .‬استولى به على طهارة‬
‫المني الشافعية والحنابلة‪ ،‬وقال الحنفية‪ :‬هو نجس‬
‫ويكفي في تطهيره الفرك‪ ،‬كتطهير النعل بكلكلها بالتراب‬
‫)‪.(2‬‬
‫ومثله طوافه ! بالبيت على بعير‪ ،‬استدل به باللتزام على‬
‫طهارة فضلت‬
‫)‪ (1‬في رسالته‪ :‬الحكام في تمييز الفتاوى عن الحكام‬
‫ص ‪ (2) 124‬ابن دقيق العيد‪ :‬الحكام ‪104 -151 /1‬‬
‫‪400‬‬

‫) ‪(1/392‬‬

‫البل‪ ،‬إذ لو كانت نجسة‪ /‬يعرض النبي لمجه المسجد‬


‫للتنجيمسل(‪.‬‬
‫أنهل الدللة اللتزامية الفعلية‪:‬‬
‫أرجأ‪ -‬دللة القتضاء‪:‬‬
‫ل تتفق دللة القتضاء في الفعال‪ .‬ول تكون إل لفظية‪.‬‬
‫ثانيا ً ا ل يشاء‪:‬‬
‫هذه الدللة تتلق من الفعل‪ ،‬كان يفعل النبي له شيئًا‪/‬‬
‫يكلن من عادته‬
‫فعله‪ ،‬بعد لمحة حادث‪ ،‬فيدل ملئه على السبئية‪ ،‬كصلته‬
‫ثمان ركعات بعد فتح مكة‪ ،‬استدل به على أن الفتح كان‬
‫سببا لذلك‪ .‬وكوجي ه بعد صلة سها فيها‪ ،‬فيعلم أن‬
‫السهو سبب للسجود‪.‬‬
‫و!سجوده عقب تلوة آية فيها ذكر السجود دمه‪ ،‬يدلى‬
‫على أن التلوة سبب للسجاد‪.‬‬
‫ثالثًا‪ -‬ا ل شارة‪:‬‬
‫الدللة الشارية كثيرة في الفعال‪ ،‬فبيانه به للصلة على‬
‫المنبر‪ ،‬ورجوعه وسجل ه بالرض‪ ،‬كانط القصد منه بيان‬
‫هيئات الصلة‪ ،‬و‪ /‬يقصد منه بيان جواز ارتفاع المام عن‬
‫الماجموم‪ ،‬ول بيان جواز الحركة خطوات قليلة أثناء‬
‫الصلة‪ ،‬وقد حصل العلم لنا بذلك بدللة الشارة‪.‬‬
‫رابعا ً مفهوم الفعل‪:‬‬
‫أول ً مفهوم المخالفة بدليل الفسل(‪:‬‬
‫قد تتفق استفادة الحكام من الفعال النبوية بطريقة‬
‫المفهوم المخالف‪ .‬وقد رضع ذلك القاضي أبو يعلى ا‪-‬‬
‫لنبلي في السدة )‪ ،(2‬حديث يقول‪ (! :‬فعال النبي بل لها‬
‫‪ (11‬أين دقيق العيد‪ :‬الحرام ‪ (2) 76/2‬العدة ق ‪.64‬‬
‫‪401‬‬

‫) ‪(1/393‬‬

‫دليلل(‪ ،‬وقد قال أحمد رحمه الله‪ :‬ل يصلى على القبر بعد‬
‫شهر‪ ،‬على ما فعل بملغ إذ صلى على قبر أم سعد بعد‬
‫شهر‪ .‬فجعل صلته بعد شهر دليل على المنع في ما زاد‬
‫عليه‪ ،‬لن الفعل كالقول في أنه يقتيه! اليجاب‪ ،‬ويخصص‬
‫بها )كذا( العموم "‪ .‬وقال ابن تيميه إ ‪"(3‬قال ابن عقيل‪:‬‬
‫ذكر )بعض( أصحابنا عن أحمد أنه جعل للفعل دليل ً وأخذه‬
‫من مسألة الصلة على القبر‪ ،‬وأحال هو‪ -‬يعني ابن عقيل‪-‬‬
‫ذلك‪ ،‬وجوز أن يكون المستند استصحاب الحال‪ .‬وبسط‬
‫الولى‪ ،‬وسلم الدللة إذا كل الفعلي" )‪.(3‬‬
‫وهذا يعني أن ابن عقيل يرفض نظرية القاضي أبو يعلى‬
‫في نسبة القول بذلك‬
‫َ‬
‫إلى مذهب أحمد‪ ،‬للحتمال الذي ذَكر‪ ،‬فيما عدا حالة‬
‫واحدة‪ ،‬وهي أن يكثر فعله ! على صفة معينة‪ ،‬أو يخص‬
‫حال أو وقت معين‪ ،‬فيفهم المنع في ما سواها‪ .‬ويظهر‬
‫أن ما سلمه من القول بالمفهوم المخالف ِإذا كل الفعل‬
‫مستقيم في صرركثيرة نص الفقهاء فيها على المنع‪ ،‬ول‬
‫يظهر مستند إل مفهوم المخالفة‪ .‬فمن ذلك منعهم‬
‫الزيادة في الوضوء على مرات ثلث استدلل بالفعل‪.‬‬
‫وفيه حديث قبلي‪ ،‬أنه ! توضح ثلثا ثلثا ً ثم قال‪ :‬بهذا‬
‫الوضوء‪ ،‬فمن زاد على هذا فقد أساء وظلم؟ )‪ .(4‬ول يصح‬
‫هذا الحديث‪.‬‬
‫ومن ذلك كراهية بعضهم لصلة العيد في المسجد‪ ،‬واعتبار‬
‫أن السنة فعلها بالمصلى‪ ،‬أخذا من الفعل‪.‬‬
‫ئانيأ‪ -‬دللة الفحوى‪:‬‬
‫تتفق دللة الفحوى بالفعال كثيرًا‪ ،‬ويقول مجد الدين ابن‬
‫دي‪:‬‬
‫تسمية أ الج ّ‬
‫أ قد يستفاد التنبيه من الفعل كما يستفاد من المثول‪،‬‬
‫ومثله ابن عقيل بقوله تعالى‪:‬‬
‫)‪ (1‬يعني‪ :‬كدليل الخطاب‪ ،‬وهو مفهوم المخالفة‪.‬‬
‫)‪ (2‬المسودة ص ‪ 353‬لن ابن قديمة‪ :‬المغني ‪(4) 140 /1‬‬
‫أخرجه أحمد وأبن ماجه‪ ،‬والتسلي بنحوه )‪.(145‬‬
‫) ‪(1/394‬‬

‫أومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ! )‪ (1‬نّبه‬


‫بأدائهم القنطار على أداء ما دونه " ا هـ‪،‬‬
‫وعندي أن هذه دللة قوليةء لن الل تعالى يدلنا بالقول‬
‫على ذلك‪ ،‬ل بالفعل‪ ،‬ولو قال‪! :‬نئهرا بأدائهم للقنطار‬
‫على أدائهم لما دونه ! لكان لقول ابن عقيل وجه‪.‬‬
‫ويقول الجد‪ :‬مثله هو‪ :‬ويعني ابن عقيل " بالبصاق في‬
‫المسجد‪ ،‬والى القبلة‪ ،‬على البول‪ .‬ولعفه يعني أن حك‬
‫النبي هيكله للفخامة من قبلة المسجد يدل على المنع من‬
‫التبول من باب أولى‪.‬‬
‫ويقول )‪" :(2‬وأحسن من هذا ما أشار إليه أحمد بن حنبل‬
‫واستدل به‪ ،‬من أن‬
‫النبي ! جمع بين الصلت!س بالمدينة من غير خوف ول‬
‫سفر‪ ،‬فإنه يفيد الجمع للخرف والسفر والمطر" )‪.(3‬‬
‫وهذا استغلل مستقيم‪.‬‬
‫ثالثًا‪ -‬مفهوم الموافقة المساعي ألحن الفعلي‬
‫وهذا كثير في الفعال‪ ،‬وهو نوعان‪:‬‬
‫الول‪ :‬كرضخه ! من الفيء لمن كان معه في الحرب من‬
‫النساء )‪ (4‬فكذلك ينبغي أن يرضخ لغيرهم ممن يماثلهم‬
‫في ذلك إذا حضروا الحرب‪ ،‬كالصبيان‪ .‬ومثل اتخاذه طبيعة‬
‫سيفه من فضة‪ ،‬يدل على جواز اتخاذ رأس الدواة‪ ،‬وحلقة‬
‫المرآة‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬من الفضة‪.‬‬
‫)‪ (1‬سورة آل عمران‪ :‬آية ‪75‬‬
‫)‪ (2‬ابن تيميه‪ :‬المسودة في أصول الفقه ص ‪348‬‬
‫)‪ (3‬انظر الحديث في ذلكم عند أحد ‪ 38 0 /6‬وأبو داود ‪/7‬‬
‫‪4 0 2 ،4 0 1‬‬
‫)‪ (4‬رواه أبو داود والترمذي وقال‪ :‬حديث حسن والمغني‬
‫لبن قدامها ‪453، (322 /8‬‬

‫) ‪(1/395‬‬

‫وضابط هذا النوع أن يفهم من حكم فعله !ك! حكم فعلى‬


‫من نوع آخر‪،‬‬
‫مسافر له‪ ،‬بخلف النوع التي‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وهو أن يقال‪ :‬ما فعله غد فحكمنا فيه كحكلمه؟‬
‫وهو ما تقدم من‬
‫قول المساواة في الفعل المجرد‪.‬‬
‫وهذا النوع‪ ،‬وهو انسحاب أحكام أفعاله عن على أحكام‬
‫أفعال المة بطريق المساواة‪ ،‬هو الدللة الرئيسية للفعال‬
‫النبوية المجردة‪ ،‬وإذا أطلقت الدللة الفعلية فإنما يراد بها‬
‫هذا النوع خاصة‪.‬‬
‫ويتعلق بهذه الدللة خاصة‪ ،‬أعني دللة المساواة في‬
‫الحكم بيننا ربينه !‪ ،‬مسائل مهمة‪ ،‬نستعرضها في المبحث‬
‫التالي‪.‬‬
‫‪404‬‬

‫) ‪(1/396‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫عال المية‬
‫على أف َ‬‫ي َ‬
‫عل النبو ّ‬
‫ف ْ‬
‫حكم ال ِ‬‫حاب ُ‬‫س َ‬
‫جه أن ِ‬
‫و ْ‬
‫قدمنا أن ملئه من دللة مفهوم الموافقة‪ -‬وهذا هر ما‬
‫نميل إليه‪.‬‬
‫ولكن قد اختلف تكييف الصولي!س لذلك النسحاب على‬
‫وجهي‪ .‬فمنهم‬
‫من قال بان ذلك بطريق العموم‪ ،‬ومنهم من قال بأنه‬
‫بطريق القياس‪.‬‬
‫أول ً القول بالعموم‪:‬‬
‫نسب الزركشي في البحر المحيط‪ ،‬القول بجريان العموم‬
‫في الفعال إلى أصحاب مالك )‪ (1‬وبعض أصحاب‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫وقال الشوكلني‪ :‬الفعل ل عموم له‪ ،‬فل يشمل جميع‬
‫الوقات المستقبلة‪.‬‬
‫ونسب ذلك إلى وجمهور أهل الصول على اختلف‬
‫طبقاتهم " )‪.(2‬‬
‫وقد وجه الغزالي ذلك‪ (+‬بان الفعل ل يقع إل على وجه‬
‫معين‪ ،‬فل يجوزان‬
‫يحمل على كل وجه يمكن أن يقع عليه‪.‬‬
‫وقد ب!!ق غيره أنه كما ل عموم للفعل بالنسبة إلى‬
‫الزمان والمكان والسباب فكذلك ل عموم له بالضافة إلى‬
‫غير فاعله من الفاعلين‪ ،‬ول غفير مفعوله من‬

‫)‪ (1‬البحر المحيط للزركشي ق ‪ 1 (3) 14‬لمستشفى ‪22/2‬‬


‫)‪ (2‬إرشاد الفحول ص ‪38‬‬

‫‪455‬‬
‫) ‪(1/397‬‬

‫المفعولية‪ ،‬ول غير السبب الذي وقع من أجله‪ .‬ومعلوم أن‬


‫الفاعل‪ /‬يفعل ذلك الفعل إل مرة واحدة‪ ،‬في زمان واحد‪،‬‬
‫ومكان واحد‪ ،‬وبمفعول واحد‪ ،‬وعلى هيئة وا حدة‪ .‬وهاذ ا‪.‬‬
‫فالفعل إذْ يقع إنما يقع خاصا ً بفاعله‪ ،‬وعلى الهيئة‬
‫والحال التي وقع عليها‪.‬‬
‫هذا بالنظر إنما الفعل في ذاته من حيث هو فعل‪.‬‬
‫ثم إن دل الدليل على أنه !بهبه!ه يبين بذلك الفعل مجمل‬
‫عافت لنا وله‪ ،‬كقوله‬
‫!!ة ما صلى على المنبر "إنما فعلت هذا لتاتموا بي‬
‫ولتعلموا صلق! ! )‪ (1‬وكقوله‪" :‬خذوا عني مناسككم "‬
‫فإن فعله يكون عاما ً بحسب عمره المدن‪ ،‬لنه يكون‬
‫حينثل! بمنزلة القول‪ .‬وقال ابن الهمام‪ :‬العموم هنا‬
‫للمحل ل لنقل الفعل )‪-(3‬‬
‫مة به !‬ ‫ود ما فيما سوى ذلك مما دل الدليل على تأتي ال ّ‬
‫كالفعل المجرد‪،‬‬
‫فإن القول بالعموم فيه ل يصح إل على نوع من‬
‫المسامحة* ربما في الحقيقة فإن العموم إنما هو يخص‬
‫الدلة الدالة على وجمرك تاسئي المة به !‪ ،‬في الحالت‬
‫المماثلة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬القول بالقياس‪:‬‬
‫لم نجد أحدا ً صرح ن ن إلحاق غير النبي !م! بالنبي في‬
‫لمدي‪ .‬فإنه يرى أن معنى‬ ‫حكم أفعله هر قياس‪ ،‬ما عدا ا َ‬
‫التأسي الذي أمرنا به هو القياس عينه‪ .‬فقد ذكر في‬
‫شباب حجية القياسي حديث أم كلمة أنها سئلت عن قبلة‬
‫ه أني أهّبل وأنا‬ ‫الصائم‪ ،‬فسألته به‪ ،‬فقال لها‪ :‬وهل أخبرت ِ ِ‬
‫صائم؟أ ثم قال السدي‪ :‬وإنما ذكر ذلك تنبيها ً لقياس‬
‫غيره عليه " )‪ .(3‬وذكر اعتراض من يعترض على ذلك بان‬
‫هذا يدل على أدب فعل النبي ! حجة متبعة‪ ،‬وليسن‬
‫بقياس‪ .‬قالت الصمدي‪ 1) :‬له‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري ‪ 397/2‬رواه مسلم ‪38/5‬‬
‫)‪ (2‬انظر تيسير التحرير ‪!8/1‬ا ‪!2‬ك! التحكم ‪456 44 /4‬‬

‫) ‪(1/398‬‬

‫ح ‪ ،‬وذلك لنه لو‪ /‬يكن اتباعنا له في‬


‫اعتراض غير صحي ٍ‬
‫فعله بطريق التاسئي به‪ ،‬لما كان حكم فعله ثابتا في‬
‫حقنا‪ ،‬ول معنى للقياس سوى ذلك أأ ‪.(11‬‬
‫وقال المني أيضا ً فإن العمل بخبر فرك المني‪ ،‬والغسلى‬
‫من التقاء الخزانين‪ ،‬وقبلة الصائم‪ ،‬كل ذلك مستند إلى‬
‫القياس‪ ،‬ل إلى عموم الفعل‪ ،‬لتعذره ! )‪.(2‬‬
‫ويفهم من كلم الغزالي أنه يذهب إلى مثل ما ذهب إليه‬
‫الحمدي‪ ،‬قال الغزالي في حديث أم كلمة المتقدم ذكره ة‬
‫ما إن ذلك تنبيه لقياس غيره عليه مجد" وهذا يدلل على‬
‫أنه يرى مساواتنا له عن في أحكام أفعاله قياسا ً )‪.(3‬‬
‫رأينا في ذلك‪:‬‬
‫إننا نرى أن الذين عّبروا بعموم الفعل إنما عبروا به على‬
‫طريق المسامحة‪ ،‬ل‬
‫على اعتقاد أن الفعل في الحقيقة عام‪ .‬ونرى أن م إنما‬
‫يقصدون العموم من حيث انطباق مثل حكم فعله ! على‬
‫أفعالنا‪ .‬فليس هناك صيغة تنطبق على أفرادا حتى يقال‬
‫بالعموم‪.‬‬
‫أما القائلون بأن الحكم ينسحب على أفعالنا بطريق‬
‫القياس‪ ،‬كما قال العمدي وأشار إليه الغزالي‪ ،‬فيكودط‬
‫القياحمه حيحئل! من القياس بنفي الفارق‪ ،‬ل من قياس‬
‫العلة‪ .‬فما يحتخ! به من أفعاله بمحرر ل يحتاج إلى‬
‫الستدللي على علته لجل اللحاق بهما‪ ،‬بل يكفي أن‬
‫نعرف أن ل فارق بيننا وبينه ضر إل النبوة‪ ،‬ثم نعلم أن‬
‫الندوة ليسكت فارقا مؤثرا في الحكام التشريعية‪ .‬ودليل‬
‫ذلك ما تقدم في فصل إثبات حجية أفعاله‪-‬له من آيات‬
‫التاسيس والتباع ونحوها‪ ،‬فإنها تدل عله أن النبوة ليست‬
‫فارقًا‪ ،‬فيما سوى ما ثبت بالدليل من الخصائص النبوي ّ‬
‫ه‪.‬‬
‫ثم ينبغي أن يقال‪ :‬إن تلفا الدللة هي من باب مفهوم‬
‫الموافقة‪ ،‬ل قذمنله‬
‫)‪ (1‬المصدر نفسه ‪ (2) 5 1 /4‬المصدر نفسه ‪(3) 372/2‬‬
‫المستصفى ‪ /2‬ل ‪ 6‬ود شاحال مثل ذلك يخص شفاء‬
‫الغليل ص ‪407 645 -640‬‬

‫) ‪(1/399‬‬

‫قبل هذا الفصل‪ .‬وهو أولى من جعلها قياسًا‪ ،‬وذلك أن‬


‫الصول!ن ذكروا في حد القياس العشواء في العلة‪ .‬لذلك‬
‫قال ابن الهمام‪" :‬إن الجمع بنفي الفارق ليس من حقيقة‬
‫القياس " ل" فالولى اعتبار الدللة الفعلية من باب‬
‫مفهوم الموافقة‪.‬‬
‫ولما اتفقا الحكام بينه ييل ربان غيره‪ ،‬صار ذلك هو عموم‬
‫الفعل على سبيل المسامحة كما تقدم ذكره‪.‬‬
‫فأما ما كان الجمع فيه بالعلة‪ ،‬فإنه قياس‪ ،‬ول إشكال يخل‬
‫ذلك‪ .‬ويتفق ذلك‬
‫في الفعل كثيرًا‪ ،‬كقياس جواز التمام في السفر على‬
‫جواز صوم الفرض فيه‪ ،‬للستياء في العلة‪ ،‬وهي ترك‬
‫الترخص‪.‬‬
‫محرير ‪77/4‬‬‫)‪ (1‬تيسير ال ّ‬
‫‪408‬‬

‫) ‪(1/400‬‬

‫من‬ ‫خا ِ‬ ‫ا لفن ل ا ي ّ‬


‫فَبوقي‬‫حل َ‬‫ف ْ‬
‫ما ضال ِ‬ ‫عل ِ َ‬‫على لنم !ت َ‬
‫‪ -1‬سبب الفعل‪.‬‬
‫‪ -2‬الفاعل وجهاته‪.‬‬
‫‪ -3‬المفعول به وجباته‪.‬‬
‫‪ -4‬مكان الفعل وزمانه‪.‬‬
‫‪ -5‬هيئة الفعل‪.‬‬
‫‪ -6‬دللة القتران‪،‬‬
‫‪ -7‬الدوات والعناصر المادية‪ -8 .‬العدد والمقدار‪.‬‬
‫‪409‬‬

‫) ‪(1/401‬‬

‫ي‬
‫عل النَبو ّ‬‫ف ْ‬
‫دللة مَتعلقات ال ِ‬
‫ه‬
‫ذكرنا فيما تقدم من هذا الباب أن الدللة الرئيسي َ‬
‫ه عل‬‫للفعاله هي الدلل َ‬
‫أن أحكلم أفعالنا مساوية لحكم أفعاله‪-‬كيف فما وجب‬
‫عليه رجب علينا‪ ،‬وما ندب له ندب لنا‪ ،‬وما أبيح له أبيح لنا‪.‬‬
‫ثم بينا أن ذلك هو من مفهم الموافقة لفعله !‪ ،‬أو من‬
‫القياس بنفي‬
‫ا لفا رقم‬
‫والذي يراد بيانه في هذا الفصل‪ ،‬أن فعل النبي له ل يقع‬
‫إل مع التلّبس‬
‫بأمور مختلفة‪ ،‬فكما أنه وقع ‪ -1‬لسبب معين‪ ،‬كذلك ‪-3‬‬
‫يقع من فاعله ‪ -3‬وقد يتعدى إلى مفعول‪ -4 ،‬ول بد أنه‬
‫واقع في زمان معين؟ ومكان معي‪ -8 ،‬وعلى هيئة معينة‪،‬‬
‫‪ -6‬وقد تستعمل فيه آلة وعناصر مادية معينة ‪ -7‬وقد‬
‫يقارنه أمورتقع معه‪ -8 ،‬وقد يقع الفعل مرة أو مرات‬
‫معلومة أو مجهولة‪.‬‬
‫فلما قلنا إن استفادة الحكم من فعله ! تقتيله أن نفعل‬
‫مثل ما فعل‪،‬‬
‫وجوبا أو ندبا أو إباحة‪ ،‬على التفصيل المتقدم بيانه‪ ،‬فهل‬
‫يعني ذلك أن السوة المطلوبة شرعا ً تقتضي مماْلله فعلنا‬
‫لفعله ي يخص هذه المور؟‪.‬‬
‫لم يتعرض أحد من الصوليين الذين اطلعنا على كلمهم‬
‫لهذه المسألة بالتفصيل‪ ،‬ونحن نرجو أن نتمكن بعون الله‬
‫من إيضاح فلك‪ ،‬مسترشدين بتصريحات وإشارات مجملة‪،‬‬
‫وردت ل مواضع متفرقة من كلم القوم‪.‬‬
‫فنقول‪ :‬أما أصل الفعل فل بد من التفاق فيه‪ ،‬صال فل‬
‫تتحقق المماثلة أصل ً وذلك كصلة وصلة‪ ،‬وصوم وصوم‪،‬‬
‫ول يتم الستدلل بفعل صلة على فعل صوم إل بنوع من‬
‫القياس عند الستواء في العلة‪-‬‬
‫‪!11‬ا‬

‫) ‪(1/402‬‬

‫وأما ما سوى ذلك‪ ،‬فإن القول الجامع أن يقال‪ :‬إن‬


‫المطلوب المماثلة فيه ما‬
‫الن من المتعلقات المذكورة غرضا مفصودأ على سبيل‬
‫أنه شرع‪ ،‬عندما فعل النبي من ذلك الفعل‪.‬‬
‫يقوله أبو الحسلسن لبصري في شرح قولهم‪ :‬وعلى‬
‫الوجه الذي فعلى( )أما‬
‫الوجه الذي وقع عليه الفعل‪ ،‬فهو الغراض والنيات‪ ،‬فكل‬
‫ما عرفناه أنه غرض في الفعل اعتبرناه‪ .‬ويدخل في ذلك‬
‫نية الوجوب والنفل " )‪ .(1‬ويقول ابن أمبير الحاج‪ :‬بمعنى‬
‫على وجهه أن يكون مشاركا له في الصفة والغرض‪،‬‬
‫والنية" )‪ .(2‬فإن علمنا أن شيئا َ مخها ليس مقصودا ً فل‬
‫يدخل في التألصي‪ ،‬ويقول أبو الخطاب الحنبلي‪ 4 :‬إذا‬
‫فعل النبي نحو الفعل في زمان ومكان‪ ،‬وعلمنا أن في‬
‫ذلك غرضا ً مثل صلة الجمعة‪ ،‬وصوم رمضان‪ ،‬والوقوف‬
‫بعرفة )ف!ننا ل نكون مطعن د ‪! !4‬ا!نناه ل غير الزمان‬
‫والمكانة وإن‪ /‬نعلم أن فيه غرضًا؟ مثل أن ينقل أن تصدق‬
‫بيمينه وقت الظهر بباب مسجده‪ ،‬فإن التالي يحصلن‬
‫بالصدقة‪ ،‬وإن تصدق بشماله‪ ،‬في غير باب مسجده‪ ،‬وغير‬
‫وقت الظهر"‪.(3،‬‬
‫والحاصل أن ما علمناه مقصردأ!ا الفعل‪ ،‬من المتعلقات‬
‫المذكورة فهو معتبر‬
‫في القتداء‪+‬‬
‫وما علمناه غير مقصود فهو خارج‪.‬‬
‫وما‪ /‬نعلم أنه مقصود‪ ،‬ول أنه غير مقصود‪ ،‬فهو موضع‬
‫الشكال‪ ،‬وهو موضع البحث في هذا المصلى‪.‬‬
‫وقبل الشروع به التفاصيل نقوم مسائل تتعلق بهذا‬
‫الصل العام‪.‬‬
‫المسألة الولى‪ :‬أن المراد بالقصد والغرض فيما تقدم‪،‬‬
‫قصد المتعمق من حي!ث‬
‫الموافقة للشريعة‪ ،‬ل قصد المتعلق لذاته‪ ،‬أو لمصلحة‬
‫عارضة‪ ،‬فبذا صلى‪ ،‬يكن‪ ،‬في‬

‫)‪ (1‬المعتمد ‪372/1‬‬


‫‪ (31‬أبو الخطاب‪ :‬التمهيدي ‪.(89‬‬
‫)‪ (2‬التقرير والتحبير ‪353/2‬‬

‫‪412‬‬

‫) ‪(1/403‬‬

‫ل‪ ،‬فقد قصد أن يصلي فيها‪ ،‬ل شك‬ ‫بقعة من المسجد مث ً‬


‫دها لنه يريد موافقة الشرع‬ ‫ص َ‬ ‫في ذلك‪ ،‬لكن قد يكون َ‬
‫ق َ‬
‫بشخص‪ :‬علء ا‪ ،‬كالصلة عند المقام‪ ،‬فيكون تخصيصها‬
‫مطلوبا في حقنا شرعا‪ ،‬رقد يكون قصدها مع أنها عنده‬
‫كي متميزة شرعا عما سواها بشيء‪ ،‬وإنما قصده قصد‬
‫عاطفي لغرض موقوت‪ ،‬كان تكون أقرب إليه مما سواها‪،‬‬
‫أو لن فيها ظل يستظل به من الشمس مثًل‪ (،‬و لغيرذلك‪.‬‬
‫فل يدل على استحباب تخصيصها أو وجوبه‪.‬‬
‫وبهذا يرد على من زعم استحباب الصلة عند أساطين‬
‫معينة من المسجد النبوي‪ ،‬أو في بقاع معينة من أنحاء‬
‫المدينة وغيرها‪ ،‬لمجرد أنه قد نقل أن النبي ! قد صلى‬
‫فيها‪ ،‬أوعال فيها عمل ً ما )‪.(1‬‬
‫و‪ /‬يفرق ابن تيميه بين القصدين‪ ،‬فقد ذكر تحري كلمة بن‬
‫الكوع الصلة‬
‫عند سارية المصحف من المسجد النبوي‪ -‬قال كلمة‪8 :‬‬
‫إني رأيت النبي له يتحرى الصلة عندها" )‪ .(7‬يقول ابن‬
‫تيمية‪ :‬أوقد ظن بعفالمصنفين أن هذا مما اختلف فيه‪،‬‬
‫وليس بجعد‪ ،‬فإنه هنا قد أخبر أن النبي ! كان يتحرى‬
‫البقعة‪ ،‬فكيف ل يكون هذا القصد مستحبا ً )‪ 13‬ا هـ‪.‬‬
‫حبه بما تقدم من التفريق بين القصدين‪ .‬وأما ما‬ ‫ونحن نج ِ‬
‫فعله كلمة‬
‫رضي حدثه عنه‪ ،‬فليس نعله حجة‪ .‬ولعله نعله بناء منه على‬
‫أن ذلك التحري من النبي عن كان لقصد!مرعي ! فإن تلك‬
‫البقعة المعينة واقعة ب!!ن المنبر والبيت‪ ،‬وقد قالت إن‪:‬أ‬
‫ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة‪ ،‬ومنبري على‬
‫حوضي "‪ .‬المسالة الثانية‪ :‬أنه عن قد يقصد في الفعل‬
‫الواحد بعض متعلقاته على سبيل الوجوب‪ ،‬وبعضها على‬
‫سبيل الندب‪ ،‬وبعضها على سبيلي الباحة‪ ،‬فتختلف‬
‫الحكام ا!لستفادة بحسب ذلك‪ .‬فعندما صلى صلة‬
‫الستسقاء ركعتين؟ كان لبسا ملبس بذلة‪ ،‬لها ل شك‬
‫لون خاص‪ .‬فأما كون الصلة ركعتين فذلك واجب‪ ،‬وأما‬
‫التبذل في الثياب في صلة الستسقاء فمستحب؟ وأما‬
‫اللون فمباح‪.‬‬

‫) ‪(1/404‬‬

‫)‪ (1‬ذكر في )الرصف( مراضع نقلت فيها أفعال النبي‬


‫بالمدينة وغيرها )‪ (2) (175 -163/1‬رواه البخاري يفتح‬
‫ا‪.‬لباري ‪ (3) 1577/1‬اقتضاء الصراط ص ‪389‬‬
‫‪!13‬‬

‫) ‪(1/405‬‬

‫وبهذا يتبّين أن لكل متعلق من المتعلقات الثمانية حكمه‬


‫المنفرد‪ ،‬ثم قد تتفق‬
‫تلك الحكام أو تختلف‪.‬‬
‫المسألة الثالثة‪ :‬أن القصد أمر قلبه‪ ،‬ثم قد يعلم إذا دلت‬
‫عليه الدلة القولية أو الحالية؟ وقد يكون خفيا فيستدل!‬
‫عليه بالمارات‪ .‬ويستعان أؤلك بالصول التي نذكرها في‬
‫ما يأتي‪.‬‬
‫المسألة الرابعة‪ :‬الصل التأسي في المتعلق الذي نعلم أنه‬
‫مراد‪ ،‬أو غلب على‬
‫الظن إرادته بأمارة‪ ،‬فإنه يعتبر في التاسئي‪ .‬ول يصل‬
‫التأل!ي فيما علم أنه غير مراد من جهة الشرع‪ .‬وأما ما‪/‬‬
‫تعلم إرادته ولم يغلب على الظن إرادته‪ ،‬فيختلف باختلف‬
‫نوع المتعلق‪ .‬وسيتبين أن الصل في بعضها العتبار‪ ،‬وفي‬
‫بعضها عدم ا ل متبار‪.‬‬
‫المسألة الخامسة‪ :‬ما كان من المتعلقات اتفاقية‪ ،‬وقد‬
‫تعلق به الفعل مصادفة‬
‫دون قصد أصل ً فهو أبعد ما يكون عن العتبار في التأصيل‬
‫‪ .‬ول يجوز إفي خاله في التأسي وقصده في العبادة أو‬
‫غيرها‪ .‬ويتولى ابن تيميه‪" :‬متابعة النبي عنه في فعله بان‬
‫نفعل مثل ما فعل على الوجه الذي فعله‪ .‬فإذا قصد‬
‫النبي ! العبادة في مكان‪ ،‬كان قصد العبادة فيه متابعة له‬
‫كقصد المشاعر والمساجد‪ .‬أما إذا نزلت في مكان بحكم‬
‫التفاق‪ ،‬لكونه صادف وقت النزول‪ ،‬أو غير ذلك مما يعلم‬
‫أنه‪ /‬يتحر ذلوا المكان‪ ،‬فإنا إذا تحرينا ذلك المكان لم نكن‬
‫متبعين له‪ ،‬فإنما العمال بالنيات ‪.(1) 9‬‬
‫ويقول‪ :‬يجب الفرق بي الستناد به ضد في ما فعله غ‬
‫وبيهم ابعد ‪ 3‬بدعة لم يسندها‪ ،‬لجل تعلقها به )‪،(2‬‬
‫ونحن نرى أن مما يندرج تحث هذه القاعدة المثال!!ن‬
‫التيين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن النبي‪ !-‬حج حجة العدل‪ ،‬فوافق وقوفه بعرفة‬
‫يوم الجمعة‪.‬‬

‫)‪ (1‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪387‬‬


‫)‪ (2‬اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪389‬‬

‫) ‪(1/406‬‬

‫ومن المعلوم أنه ي لم يقصد ذلك‪ ،‬فقد خرج من المدينة‬


‫وهول يعلم متى يقف‪ -‬لنه خرج قبل أن يدخل شهر ذي‬
‫عة‪-‬‬‫ما َ‬
‫ج َ‬
‫الحجة‪ .‬فمن ادعى‪ -‬والسيوطي )؟( ونقله عن أبن َ‬
‫أن الوقوف بعرفة إذا وافق يوم الجمعة أفضل‪ ،‬من جهة‬
‫أن النبي مج!وقف وقوفه الجمعة؟ فقوله مردود‪.‬‬
‫وبحسبنا!ا رده أنه يستلزم تتبع أعياده ! أي اليام وافقت؟‬
‫ومسيره وحركاته متى حصلت‪ ،‬لنخضها بمزيد من العمل‪.‬‬
‫وملئه غير مستقيم شرعا ً‬
‫وقد احتج السيوطي لما ذهب‪ -‬إليه بأدلة أخرى ل كلم لنا‬
‫فيها في هذا المقام‪.‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬قالت عائشة‪ :‬تزوجني النبي له في شوال‪،‬‬
‫وبنى به في شوال‪،‬‬
‫فان نسائه كان أحظى مني عنده؟ وكانت عائشة تستحب‬
‫أن يبنى بنسائها في شوال‪" .‬‬
‫وقال النووي في شرح صحيح مسلم‪ :‬وفيه استحباب‬
‫التزويج والدخوله في شوال‪ .‬قد نص أصحابنا )‪ (2‬على‬
‫استحبابه‪ ،‬واستدلوا بهذا الحديث "‪ 1 (3‬هـ‪.‬‬
‫ومن المعلوم أنه جميعه‪ /‬يقصد شوال بالبنا‪ -‬فيه‪ ،‬ولو‬
‫استحب ذلك لكان علينا‬
‫تتبع شهور بنائه بزوجاته الباقيات‪ ،‬واعتبارها مواسم‬
‫يستحب فيها الزواج !‬
‫فما قاله النووي مردود‪ ،‬ول يصح بنا!و الستحباب على‬
‫التعلق التفاقي‪-‬‬
‫ولعل عائشة قالت ذلك ردا عل من تطور من شوال فكره‬
‫الزواج فيه؟ وقد‬
‫ذكر النووي ذلك نفسه‪ ،‬فيكون قولها دال على إثبات‬
‫الجواز‪ ،‬ونفي تطور الجاهلين بشوال‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر رسالته أنور اللمعة يخص خصائص الجمحة( ضمن‬
‫مجموعة الرسائل المديرية ‪ 220 /1‬قال فيه ‪ 9‬وقفة‬
‫الجمعة لفضل كيرها من خمسة( وجه‪ ،‬أحلها‪ :‬موافقها‬
‫النبي !‪ ،‬فإن وقفته كانوت يوم الجمعة‪ ،‬وإنما يا دار‬
‫الفضل " ثم ذكر باقي الوجه‪.‬‬
‫ه‬
‫)‪ (2‬صحيح مسلم بشرح النووي ‪ (31 259 /9‬وانظر‪ :‬نهال ّ‬
‫المحتاج ‪182/6‬‬
‫‪415‬‬

‫) ‪(1/407‬‬

‫المبحث الولى‪.‬‬
‫عل‬
‫سَبمث الف ْ‬‫َ‬
‫السبب ما يضاف إليه الحكم‪ ،‬لتعلق الحكم به من حيث إنه‬
‫معروف للحكم‪ ،‬أو مؤثر في حصوله‪ ،‬أو باعث على‬
‫اشتراكه‪ .‬وهي القوالى الثلثة التي تنكر!يخا علة‬
‫القياس‪ .‬وسواء ظهرت المناسبة في ذلك أو لم تظهر‪،‬‬
‫فكل ذلك وإضافة الحكام إليه أن يقال‪ :‬وجب الجلد للزنا‪،‬‬
‫ووجبت الظهر بزوال الشمس‪.‬‬
‫فإذا فعل جمع فعل ما‪ ،‬لسبب من السباب‪ ،‬فإن الذي‬
‫يقتدي به فيه هر من‬
‫وجد مثل ذلك السبب في حقه‪ ،‬أما من لم يوجد فليس له‬
‫أن يفعل مثل ذلك الفعل‪ ،‬بدعوى القتداء والتأسي به‬
‫عبده‪،‬‬
‫فاعلة التأسي والمتابعة والقتداء‪ ،‬مقيدة بحصوله سبب‬
‫الفعل‪ ،‬فإذا وجد السبب وجب القتداء‪ ،‬مقيدة بحصول‬
‫سبب الفعل‪ ،‬فإذا وجد السبب وجب القتداء‪ ،‬دال فل‪.‬‬
‫وسواء أكان الفعل المنوط بالسبب واجبا ً أو مستحبا أو‬
‫مباحًا‪.‬‬
‫ويمكن توضيح القتداء به ي عند وجود السبب بالتمثيل‬
‫بأنه ! قطع يد‬
‫)‪ (1‬جمع الجوامع للسبكي‪ ،‬وشرحه للمحلي ‪ .94/1‬وهذا‬
‫محديده‪.‬‬
‫الذي اعتمدناه في السعبب هر أحد قولي في ّ‬
‫ه‪ .‬والقول الخر أن المسبب مباين‬ ‫وعليه يكون شامل للعل ّ‬
‫ب ماتان موصل ً دون تأثير‪ ،‬والعلة ما لوصلت‬‫ه‪ ،‬فالسب ّ‬‫للعلل ّ‬
‫مع التأثير‪.‬‬
‫‪416‬‬

‫) ‪(1/408‬‬

‫رجلي سرق رداء صفران‪ .‬فالسبب هنا هو السرقة‪ .‬ول‬


‫يجوز القتص اء به مجيهغ في قطع يد إنسان ما لم يوجد‬
‫سبب القطع‪ ،‬وهو السرقة‪ .‬فإذا وجد ذلك السبب وجب‬
‫القتداء بإقامة الحد على السارق‪.‬‬
‫ومثاله أيضا أن النعي ! وقف يصلي بأصحابه‪ ،‬فذكر أنه‬
‫جنب‪ ،‬فانصرف فاغتسل ثم جد‪ ،‬فلم ينصرفا حدمنهم‬
‫ليغتسل‪ .‬ووجه ذلك أن سبت الغسل وهو الجنابة‪ ،‬نجد في‬
‫حقه هر‪ ،‬و‪ /‬يوجد في حقهم‪ .‬وإنما يقتدي به في ذلك من‬
‫وجد في حقه السبب المماثل‪.‬‬
‫ومثال ثالث‪ :‬لن رسول الله يا‪ :‬ة قرأ عام الفتح ساحة‪،‬‬
‫فسجد الناس‬
‫كلهم‪ ،‬منهم الراكب والساجد في الرض‪ ،‬حتى إن الراكب‬
‫ليسجد على يده ! )‪ .(1‬يحتمل أنهم سجدوا لكونه له قرأ‬
‫سجدة التلوة‪ ،‬أو سجدوا لكونه قارئا ساجدا ً للتلوة‪.‬‬
‫فعلى الحتمال الول يسجد كل من استمع للقراعق التي‬
‫فيها السجدة‪،‬‬
‫سواء سجد القارئ أو لم يسجد‪.‬‬
‫وعلى الحتمال الثاني‪ :‬يسجد المستمعون إن سجد القارة‬
‫‪ 6‬ول يسجدون‬
‫إن لم يسجد‪.‬‬
‫ويظهر أن مذهب ة لبخاري الخذ بالحتمال الثاني‪ ،‬فقد‬
‫باب على الحديث‪ :‬شباب من سجد لسجود القارع!!‬
‫واحتخع بقول ابن مسعود للقارىء اسجد كانت إمامنا‬
‫فيها‪.‬‬
‫ومن الحجة لذلك أيضا رواية زيد بن أسلم‪ ،‬أن غلما قرأ‬
‫عند النبي ست السجدة‪ .‬فانتظر الغلم النبي ! أن سجد‪،‬‬
‫فلما‪ /‬يسجد قال‪ :‬يا رسوله اللهم أليس في هذه السجدة‬
‫سجود؟ قال‪" :‬بلى‪ ،‬ولكنك كنت إماضخا فيها ولو سجدت‬
‫لسجدنا" )‪.13‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري‪ .‬فتح الباريمط ‪556 /2‬‬
‫)‪ (2‬رواه ابن أيا شيبة )فتع الجاري ‪417 (556/2‬‬

‫) ‪(1/409‬‬

‫المطلب الول‬
‫أنواع الفعال من حيث تعلقها بالسباب‬
‫الفعال من حيث تعلقها بالسباب على أنو ‪:3‬‬
‫الول‪ :‬ما هو مرتبط بالعبادة ارتباط الجزء بالكل‪ ،‬فهذا ل‬
‫يطلب له سبب‪،‬‬
‫وذلك كالركوع والسجود بالنسبة إلى الصلة‪ ،‬وكغسل‬
‫الوجه أو اليدين بالنسبة إلى الوضوء‪ ،‬وإنما ينظر في‬
‫سبب العبادة ككلل‪.‬‬
‫وليس كل أجزاء العبادة يجري هذا المجرى‪ ،‬بل منها ما‬
‫يتبع سببا خاصا ً كالركوعات الزائدة عن الول في صلة‬
‫الكسوف‪ ،‬فإنها منوطة بالكسوف‪ .‬والقنوت‪ ،‬فإنه مرتبط‬
‫بالوتر‪ ،‬وسجود السهو‪ ،‬فإنه مرتبط بالسهو في الصلة‪.‬‬
‫ها‪ ،‬فسببه تلوة السجدة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫وكسجود التلوة في َ‬
‫الثاف!‪ :‬النوافل المطلقة‪ ،‬من صلة وصوم وصدقة وأذكار‬
‫مطلقة‪ ،‬وغير‬
‫ذلك‪ .‬فإنها ليست منوطة بسبب من السباب‪.‬‬
‫وكذلك ما يفعله به من المباحات عل الطلق‪ ،‬ل يطلب لها‬
‫سبب لنها‬
‫تفعل لملئمة الطبيعة البشرية كما تقدم‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬ما هو مقيد بسبب زماف! كالصلوات الخمس‪،‬‬
‫والرواتب‪ ،‬وقيام‬
‫الليل‪ ،‬وبعض الصوم كصوم رمضان‪ ،‬وصوم يوم عاشوراء‪،‬‬
‫ي‪ ،‬كتحية المسجد‪،‬‬‫وست من شوال‪ .‬أو بسبب مكان ّ‬
‫والطواف بالبيت‪ ،‬والوقوف بعرفة‪.‬‬
‫ن القرافي )‪ (1‬إن الصوم ل يكون منوطا بالمكان‪ ،‬أما‬ ‫وب ّ‬
‫ّ‬
‫الصلة فقد لثاط بالزمان وقد لتناط بالمكان‪ ،‬كما تقدم‬
‫في المثلة‪.‬‬
‫)‪ 1 (1‬لفر وق ‪418 170 /2‬‬

‫) ‪(1/410‬‬

‫أو بسبب حادث من الحوادث‪ ،‬كصلة الكسوف‪.‬‬


‫أو بسبب مناسب يتضمن تحصيل مصلحة أودري مفسدة‪،‬‬
‫كصلة الستسقاء عند القحط‪ ،‬وقطع يد السارق‪ ،‬وسائر‬
‫الحدود التين قامها‪ ،‬وتولى الكل من الميتة‪ ،‬وأكل الميتة‬
‫للضرورة‪ ،‬وسائر الرخص‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫طرق معرفة سبب الفعل‬
‫ذكر الصوليون في أبواب القياس طرق استخراج علة‬
‫الحكم‪ .‬وكان ما صرفوا إليه جل لهم استخراج علل الحكم‬
‫دلول عليها بالدلة القولية‪ .‬أما الفعال فقد حظيت من‬ ‫الم ْ‬
‫اهتمامهم بحظ بخس‪ -‬وقد كانت جديرة بمزيد من‬
‫الهتمام‪ ،‬لتفتح أمام الفقهاء باب تفهم العقول الفعلية‪،‬‬
‫ووضعها!ا مواضعها السليمة‪.‬‬
‫وأننا نقتفي‪ -‬هنا في بيان طرق استخراج أسباب أحكام‬
‫الفعال‪ -‬آثارهم في بيانهم لسباب الحكام القولية‪،‬‬
‫مسترشدين بما وضحوه‪ .‬والله الموفق والوعي‪ ،‬فنقول‪:‬‬
‫إن سبب الفعل يعرف بطرق‪ :‬إما أن يرف بالنص القوِلى‬
‫الصريح أو غير الصريح‪ ،‬أو بالجماع‪ ،‬أو اليماء‪ ،‬أو قول‬
‫الصحابي‪ ،‬أو الستنباط‪ ،‬أو المناسبة‪ .‬الطريقة الولى‪:‬‬
‫إثبات العلة بالنص الصريح أو الظاهر‪ ،‬أو بالغ الماء‬
‫مول‪.‬‬
‫لل َ‬
‫والنمو إما من كتاب الله تعالي‪.‬‬
‫وإما من رسول الّله عز‪ ،‬كقوله بعد أن صلى على المنبر‪:‬‬
‫موا يا ولتعلموا صلتي "‪.‬‬ ‫وإنما فعلت هذا لتاةل ّ‬
‫‪419‬‬

‫) ‪(1/411‬‬

‫مت الخر‪ :‬فإن‬ ‫مت أحد العاطسين ولم يش ّ‬ ‫وكقوله‪ ،‬إذ ش ّ‬


‫هذا حمد ازا فشفاه‪ ،‬و)نك‪ /‬أحمدالله ! )‪.(1‬‬
‫ع نعليه قي الصلة‬ ‫ومثال اليماء بالقول‪ :‬أنه عن خل َ‬
‫فخلعوا نعاهم‪ .‬فلما‬
‫سلم قال لهم في ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬رأيناك خلعت نعليك‬
‫فخلعنا نعالنا‪ .‬فقال‪ 9 :‬إن جبريل أخبرني إن فيهما أذى"‪.‬‬
‫وكقوله عندما قام لجنازة يهودي‪:‬أ أليست نفسا ً "‪.(21‬‬
‫وكقوله عندما وضع الحجر على قبر عثمان بن ملعون‪:‬‬
‫وأعلم به قبر أخي‪،‬‬
‫ود دفن إليه من مات من أهلي "‪-‬‬
‫الطريقة الثانية‪ :‬اليماء بالفعل‪ .‬ومثاله أن يفعل النبي‬
‫عنه فعل بعد أمر طلرع!‪ .‬فيعلم أنه سبب الفعل‪ ،‬ومن ذلك‬
‫أنه عن نقص من الصلة سهوا ً وسّلم‪ .‬فلما قيل له‪ ،‬قم‬
‫الصلة‪ ،‬وسجد سجدتيها وسلم‪ .‬فإن إيقاعه سجدتين في‬
‫آخر الصلة ل يعهد في الصلة‪ ،‬فارتباطهما بالنقص سهوا‬
‫أمر واضح‪ ،‬وإل لجانا لغوي ليعيق به‪-‬جمي!‪.(+‬‬
‫الطريقة الثالثة‪ :‬إثبات السبب بالجماع‪.‬‬
‫فإذا أجمعت المة على أن فعل من أفعاله ! كان لسبب‬
‫كذا‪ ،‬فإنه يتعين‪ .‬الطريقة الرابعة‪ :‬إثبات السببية بقول‬
‫الصحابي‪ .‬وذلك أن الصحابة يرى الفعل‪ ،‬ويشاهد ما يحتف‬
‫به‪ -‬من القرائن الدالة على سببه‪ ،‬وهو عدل عارف باللغة*‬
‫فالظاهر أدر ما أخبر بسلبيته هو السبب حقا ً بله ل يبعد‬
‫أدن يكون سمع من النبي كتب قول يدل على السمببية‬
‫فنقل إلينا السبب ولم ينسبه إلى قول النبي ينهض‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري ومسلم وجامع الصول ‪(396 /7‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري ومسلم وجامع الصول!‪(435 /1‬‬
‫مريب بسجن السهو‬ ‫‪ (31‬مثل المقاضي الباقلني في الت ّ‬
‫للستدلل على علة الحكم بفعل النبي يا‪ .‬فذكر هذا‬
‫المثال‪ ،‬ونحن بينا أن ذلك من قبيل الذكاء‪ .‬وانتظر‬
‫الشوكلف!‪ :‬ارشيد الفحول حما ‪213‬‬
‫‪420‬‬

‫) ‪(1/412‬‬

‫وهذا النوع‪ -‬وهو إثبات السببية بفول الصحابي‪ -‬هو في‬


‫الحقيقة‪ -‬راجع إلي طريقة أو أك!ثر من الطرق الخرى‬
‫المذكورة فتئ هذا المبحث‪ ،‬لن الصحابة يفهم السببية‬
‫أول ً ثم يعبر عنها‪ .‬وطريقة فهمه لها راجعة إلى طريق من‬
‫الطرق المذكورة ول!!ك‪.‬‬
‫إل أن قوله بالنسبة إلينا طريق‪ ،‬من حيث الجملة‪.‬‬
‫ويحتمل أن الصحابة ظنت ما ليس بسبب سببًا‪ .‬ولكنه‬
‫احتمال ضئيل ل‬
‫يصح الذهاب إليه‪ ،‬ما‪ /‬يتبين أن الصحابة كان يخص فهمه‬
‫ذاك نحطئأ )‪-!6‬‬
‫وأمثلة هذا النوع كثيرة‪ ،‬كقول جابر بن عبدالله في ميعاد‬
‫صلة العشاء‪:‬‬
‫‪ 9‬كان ضيف إذا رآهم اجتمعوا عمل‪ ،‬وإذا رآهم أبطلوا‬
‫أخر" )‪ (2‬فغرف بذلك سبب تعجيله سر العشاء وسبب‬
‫تأخيرها‪.‬‬
‫وقول عائشة‪ :‬وكان النبي له إذا كان جنبا ً وأراد أن يأكل‬
‫لو ينم توضأ"‪.(3‬‬
‫فبينت أن الكل والنوم على الجنابة سببان لوضوئه‪.‬‬
‫وقولها‪" :‬كان بذا دخل العشر شذ مئزره‪ ،‬وأحيا ليله‪،‬‬
‫وأيقظ أهله " "‪ .(4‬فبّينت‬
‫أن سبب الجتهاد في العبادة عشر رمضان الخير‪.‬‬
‫وقول ابن عباس‪ :‬لما ذكر أن النبي ! جمع بالمدينة بين‬
‫الظهر والعصر‪،‬‬
‫وجمع بين المغرب والعشاء من غي خوف ول سفر‪(8) .‬‬
‫فسئل‪ :‬ما أراد إلى ذلك؟ فقال‪ :‬بأن ل يحرج أحذر من أمته‬
‫" )‪ .(6‬فإنه يدلل على أن الجمع منوط بالحرج‪ ،‬الطريقة‬
‫ر‬
‫الخامسة ة أنا يعرف السبب بالستنباط‪ .‬وذلك إما بال!ب ْ ِ‬
‫والتقسيم‬
‫وران‪.‬‬‫أو بالمناسبة‪ ،‬أو بالذ َ‬

‫)‪ (1‬انظر تبسبر التحرير ‪40 /4‬‬


‫)‪ (3‬رواه أحمد ومسلم لنيل الؤطار( ‪ (4) 235 /2‬رواه‬
‫مسلم ‪ 70 /8‬ورواه البخاري‪ (6) .‬انظر فتح البارز ‪24 /2‬‬
‫)‪ (2‬متفق عليه ونيل الوطار ‪(13/2‬‬
‫‪ (51‬رواه الجماعة تجمع الصولي ‪(459 /6‬‬

‫‪421‬‬

‫) ‪(1/413‬‬

‫فمثال الول‪ ،‬وهو معرفة السبب بالسبر والتقسيم‪ ،‬أنه‬


‫يئهيهلى صلى يوم عرفة ركعتي وخطب‪ .‬فقيل كانت‬
‫خطبته للجمعة لنه وافقه يوم جمعة‪ .‬وقيل إنها خطبة‬
‫لعرفة‪ ،‬والركعتان ظهر مقصورة‪.‬‬
‫ع في الركعتي بالقراءة‪ ،‬علمنا أن‬‫فلما علمنا أنه أس َ‬
‫الخطبة ليست للجمعة‪،‬‬
‫فل يبقى إل للوقوف بعرفة‪ .‬وعليه فيقتدى به عمرو‪،‬‬
‫فيثبت للوقوف بعرفة خطبة‪.(1،‬‬
‫ومثال آخر‪ :‬رأت أم هانيه أن النبي !! صلى يوم فتح مكة‬
‫ثماني ركعات‪،‬‬
‫وذلك وقت الضحى )‪ .(2‬فاختلف في سببه هل هو الوقت‪،‬‬
‫فيدل على استحباب صلة الضحى‪ ،‬أو الفتح‪ .‬وقد ذكر ابن‬
‫القيم أن المراء كانوا يصلونها وش!مونها صلة الفتح )‬
‫‪.(3‬‬
‫فلما صلى‪! ،‬كل! الضحى قي غير هذا‪ .‬الموطن‪ ،‬وعلم من‬
‫شانه الترغيب في صلة الضحى‪ ،‬عرف ارتباطها بهذا‬
‫السبب‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫ومثال الثاني‪ :‬وهو المناسبة‪ ،‬أنه عن حسم يد السارق‪ ،‬بعد‬
‫القطع‪ ،‬والغرض‬
‫حفظ العضو من التلف‪.‬‬
‫ومثال إثباته بالدوران‪ :‬حديث عبداللي بن عمر رضي الله‬
‫عنهما قال‪" :‬عرضت عل النبي مجد يوم أحد وأنا ابن أربع‬
‫عشرة‪ ،‬فلم يجزني‪ ،‬وعرضت عليه يوم الخندق‪ ،‬وأنا ابن‬
‫خمس عشرة فأجازني ‪.9‬‬
‫احتج به لمذهب الشافعي وأحمد في أن المدة التي إذا‬
‫بلغها النسان و‪ /‬يحتلم‬
‫‪ (11‬انظر مناظرة طريفه بين القاضي أبي يوسف ة أبيها‬
‫ه‪ .‬ذكرها‬‫مالك‪ ،‬بمحضر هارون الرشيد‪ ،‬في هذه الممسال ّ‬
‫القضايا في الفروق ‪125 /2‬‬
‫سفق‬ ‫)‪ (2‬حديث أم هافإء في صلته الضحى يوم الفتح ّ‬
‫عليه ونيل الوطار ‪(75 /3‬‬
‫)‪ (3‬انظر الشوكاني ة نيل الوطار ‪67/3‬‬
‫‪422‬‬

‫) ‪(1/414‬‬

‫ن عمر‬‫م ببلوغه‪ ،‬هي خمس عشرة سنة‪ ،‬فقد أجاز اب َ‬ ‫حك َ‬


‫ُ‬
‫في القتال بخمس عشرة سنة‪ ،‬ولم يجزه فيما دوخها‪ ،‬فإذ‬
‫عله ذلك )‪.(1‬‬
‫وأما أبو حنيفة ومالك فلم يتخذا بذلك‪ .‬وقال أبو حنيفة‪:‬‬
‫يحرم ببلوغ الجارية ببلوغ سبع عشرة‪ ،‬وإما الغلم ففيه‬
‫روايتان‪ :‬أحدهما‪ :‬بسبع عشرة كالجارية؟ والخرى بثمان‬
‫عشرة‪ .‬وقاله مالك‪ :‬ل حل للبلوغ بالسن )‪*(3‬‬
‫وقد اعتذر لمن لم يتخذ بحديث ابن عمر كل ذلك‪ :‬بان‬
‫الجازة في القتال حكمها منوط بإطاحته والقدرة عليه؟‬
‫وأن إجازة النصي له لبن كمر فىف الخمس عشرة‪ :‬لنه‬
‫رآه مطيقا ً للقتال و‪ /‬يكن مطيقا له قبلها )‪.،3‬‬

‫)‪ (1‬ابن دقيق العيد‪ :‬الحكام ‪ (3) 335 /2‬ابن دقيق‪:‬‬


‫الحكام ‪335 /2‬‬
‫)‪ !2‬أبت قديمة‪ :‬المغني ‪460 /4‬‬

‫‪!23‬ا‬

‫) ‪(1/415‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫هل يتوقف القتداء بالفعالى النبوية على معرفة أسبابها‬
‫إن الفعال بالنسبة إلى هذا المر علىا حسام‪:‬‬
‫لن الفعل إما أن يكون مما يتوقف على سبب‪ ،‬أو ل‪.‬‬
‫والول‪ :‬إما أن يعلم سببه‪ ،‬أو ل‪.‬‬
‫والول‪ :‬إما أن يكون السبب مستمرا بعده؟ أو ل‪.‬‬
‫فهي أربعة( حسام‪:‬‬
‫‪ -1‬ما ل يتوقف على سبب‪ -2 .‬ما فعله لسبب معلوم‬
‫وهومستمر بعده‪ -3 .‬ما فعله لسبب فزال‪ -4 .‬ما جهل‬
‫سببه‪.‬‬
‫القسم الول‪ :‬ما ل يكون مرتبطا بسبب أصل ً بل هو‬
‫مطلق‪ ،‬كنوافل الصوم والصلة‪:‬‬
‫َ‬
‫فهذا يفعل اقتداء به يكن‪ .‬ويفعل مطلقا ً كما أن المتأمئي‬
‫به مطلق‪ .‬فل يجوز‬
‫ربط نوافل بأسباب لم يربط بها النبي نمو فعله‪ .‬فمن‬
‫اقتدى به جل في نوافل الصلة المطلقة ل يجوز أن‬
‫يفعلها مرتبطة بأسباب من عنده‪ .‬كما لو تداعى قوم‬
‫لتخصيص الثلثاء أو الرلج! على سبيل القربة بصوم أن‬
‫صلة‪ ،‬أو تخصيص مكان لم يخصه به النبي له بشيء من‬
‫ذلك‪ .‬ووجه ذلك أن سببية السبب الشرعي‪ ،‬هي حكم‬
‫شرعي‪ .‬والحكم الشرعي ل يجوز إثباته إل بدليل‪.‬‬
‫‪424‬‬

‫) ‪(1/416‬‬

‫القسم الثاف!‪ :‬ما علم ارتباطه بالسبب‪ .‬وهو مما كان‬


‫الفعل في الصل ممنوعا أو مكروهًا‪ ،‬وقد فعله ! لسبب‪.‬‬
‫وهذا القسم ل يجوز فعله بل سبب‪ ،‬لنه لو!لمتين لغير‬
‫سبب مماثل لنتقل من حيز الممنوعات إلى حيز‬
‫المباحلى‪ ،‬فيكلرن نسخا ً وإبطاله للحكم الصلي‪ ،‬وذلك‬
‫غير مراد‪.‬‬
‫ويدخل في هذا القسم أنر ‪:3‬‬
‫ا‪ -‬الرخص‪ :‬كجمعه صل بين الصلتين‪ .‬إذ أن فيه تقديم‬
‫الصلة عن‬
‫وقتها‪ ،‬أو تأخيرها ضن رقتها‪ ،‬وكلنا حرام‪ .‬وإنما يجوز‬
‫الجمع عند سببه‪.‬‬
‫ومثال آخر‪ :‬تقريره الذاتي باللفظ الصريح‪ ،‬والتصريح بمثل‬
‫ذلك‪ ،‬لنه من الفحش وهو محرم‪ ،‬وإنما جاز لسبب هو‬
‫المن من إقامة الحج عل بريء‪-‬‬
‫ومثال ثالث‪ :‬ما رولي الترمذي‪ 11 :‬نهم كانوا مع النبي !‬
‫في مسير‪ ،‬فانتهوا‬
‫إلى مضيق‪ ،‬فحضرت الصلة‪ ،‬أمطروا‪ ،‬السلع من فوقهم‬
‫والِبفة من أسفل منهم‪ .‬فاتن رسول الله رتبه وهو على‬
‫راحلته‪ .‬وأقام‪ ،‬فتقدم على راحلته فصلى بهم‪ ،‬يومىء!‬
‫قطر‪ ،‬يجعل السجود أخفضت من الركوعأ )‪.(1‬‬
‫فالصل أنا صلة الفريضة ل تجوز على الراحلة‪ ،‬لما في‬
‫ذلل من نقعا‬
‫بعض الركان‪ ،‬ولكن جاز لما ذكر في الحديث‪.‬‬
‫‪ -2‬العقوبات‪ :‬وهي منوطة بأفعال معينة صدرت هن‬
‫المكلفيهة الذين أوقعت بهم‪ ،‬كقطع يد السارق‪ ،‬ورجم‬
‫الزاني الثيب‪ ،‬وجلد القاذفين لعائشة رضي ألذ عنها‪ .‬قاعة‬
‫الشوكاني‪ :‬وما يفعله !ن! مع غيره عقوبة له اختلفوا فيه‬
‫هل يقتدى به أم ل؟ فقيل يجوز‪ ،‬وقيل هو بالجماع‬
‫موقوف على معرفة المسبب‪ ،‬وهذا هو الحق ! فإن وضح‬
‫لنا السبب الذي فعله لجله‪ ،‬كان لنا أن نفعل مثل فعله‬
‫عند وجود مثل ذلك السبب‪ ،‬وإن‪ /‬يظهر السبب‪ /‬يجز‪.(31،‬‬

‫)‪458/2(1‬‬
‫)‪ (2‬لرشاد الفحول صر‪39 ،‬‬

‫) ‪(1/417‬‬

‫والمر كما قال!*‬


‫‪ -3‬ما أخذه ! من مال إنسان‪ :‬فإن الصل تحريمه‪ ،‬لقوله‬
‫تعالما‪ :‬أول تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ! فإذا أخذت مال‬
‫إنسان فل يؤخذ مثله من مثله‪ ،‬حتى يعرف هل أخذه على‬
‫وجه الزكاة‪ ،‬أو الصدقة‪ ،‬أو الهدية أو غير ذلك‪ .‬وقد قال‬
‫القاضي عبدالجبار‪ :‬الو أنه !ئه! أكره غيره على أخذ شيء‬
‫من ماله لعلمناه حقا ً فإذا علمنا سببه صح التاسئي به " )؟‬
‫"‪.‬‬
‫‪ -4‬العبادات الخاصة المرتبطة بالسباب‪ ،‬فل تفعل إل عند‬
‫وجرد سببها‪ ،‬كصلة الحسنى‪ ،‬ل تفعل إل عند وجرد‬
‫السبب‪ .‬وكسجود السهو‪ ،‬وسجود التلوة‪ ،‬وكالقنوت في‬
‫الصبح على رأي ابن تيميه ومن وافقبما‪ ،‬فإنه يراه منوطا‬
‫بالنرازل‪ ،‬بناء على حديث أنس )‪ (2‬أنه !ن!‪ :‬لقنت شهرا‬
‫ن")‬ ‫عل وذَ ْ‬
‫كول َ‬ ‫بعد الركوع في صلة الصبح‪ ،‬يدعو على يى ْ‬
‫‪ .(3‬قال ابن تنمية‪ ،‬بعد أن ذكر حكم القنوت‪ :‬إ هذا النزلة‬
‫الذي وقع في القنوت‪ ،‬له نظائر كثيرة في الشريعة‪.‬‬
‫فكثيرا ما يفعله النبي ي لسبب‪ ،‬فيجعله بعض الناس سنة‪،‬‬
‫ول يميز بين السنة العارضة والد أئمة " )‪.(4‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬ما فعله لسبب فزال‪.‬‬
‫ما فعله النبي ! لمعنى معين‪ ،‬ثم زال ذلك المعنى نقل‬
‫فيه الزركشي ْ)( عن للماوردي حكاية قولين للشافعيل‪:‬‬
‫القول الول‪ :‬وقد قاله أبو إسحاق المركزي‪ ،‬أننا ل نفعله‪،‬‬
‫لزوال معناه‪،‬‬
‫إل بدليل يدل على فعله بعد زوال المعنى‪ -‬وبمثل هذا‬
‫القول يقول لبو شامة )‪.(،‬‬
‫)‪ (1‬المغني ‪ (2) 272 /17‬البخاري ‪ ،49 0 /2‬ومسلم ‪/5‬‬
‫‪179‬‬
‫)‪ (3‬رجل وذكران اسمان لقبيلتين‪ ،‬تعرضوا ليصل النيل !‬
‫فقتلوهم‪ .‬فكلن يقنت ويدعو عليهم‪.‬‬
‫)‪ (4‬مجموع الفتاوى ‪ (5) 1 1 4 ،1 13/23‬البحر المحيط‬
‫‪ 248/2‬ب‬
‫)‪ (6‬المحق!ق ‪ 17‬ب‬
‫‪426‬‬

‫) ‪(1/418‬‬

‫القول الثاني‪ :‬ونسبه إلى أبن أبي هريرة‪ :‬يقتدى به وإن‬


‫زال معناه‪ ،‬نظرا إلى مطلق المالمئي ! لقوله تعالى‪:‬‬
‫)واتبعره !‪ .‬ولما ورد قي السنة من أن النبي يك!!ه عمرة‬
‫القضاء‪ ،‬وأصحابه‪ ،‬اضطلعوا بأرديتهم وعملوا في الطواف‬
‫من الحجر السود إلى الركن اليماني‪ ،‬ومشوا من اليماني‬
‫إلى السود‪ ،‬فعلوا ذلك ثلث مرات‪ ،‬وبئس عن الغرض من‬
‫ذلك بقوله‪" :‬رحم الله أمرا أرضهم من نفسه اليوم قمة"‪.‬‬
‫وكان المشركون قد وقفوا في المسجد الحرام من جهة‬
‫جر‪ ،‬وقد قالوا فيما بينهم‪ :‬إنه يقدم عليكم قوم قد‬‫ح ْ‬
‫ال ِ‬
‫وهنتم حمى يثرب‪ .‬فأمر النبي ضد أصحابه بفلك ليظهروا‬
‫الجَلد والقوة والنشاط‪ ،‬إرغاما للمشركين‪ ،‬وكسرا لحده‬
‫سخريتهم‪ .‬ثم بعد ذلك فتحت مكة‪ ،‬وقيها على قوة‬
‫الشولى‪ ،‬ففعل النبي !‪ ،‬هو!أصحابه في طواف القدوم ما‬
‫فعلوه في عمرة القضية‪ ،‬مع زوال السباب‪ .‬فلم يكن‬
‫جر‪ ،‬ينظرون إلى‬ ‫ح ْ‬
‫هناك مشركلرن يقفون من جهة أل ِ‬
‫المسلمين تلك النظرة‪ .‬فدزذلك على أن ما فعله لغرض‬
‫فزال‪ ،‬أنه يستمر حكمه‪.‬‬
‫وقد يعترض على ذلك بان يقال ت‪ /‬تخل مكة عند حجة‬
‫الودل! أيضًا‪ ،‬من‬
‫قوم حاقدين من ليل مكة‪ ،‬يتربصون بالمسلمين الدوائر‪،‬‬
‫ولو‪ /‬يروا من المسلميها قوة وشوكة ترهبهم لنتفضوا‬
‫عليهم‪ .‬وبهذا يتب!ق أن السبب‪ /‬يزل في حجة العدل‪.‬‬
‫فلصحاب القول الثاني أن يجيبوا عن ذلك بجوابين‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن ما ذكرتم‪ ،‬لو سلم‪ ،‬يقتضي المحافظة على‬
‫الضطلع والرمل أما‬
‫المشي من الركن اليماني إلى السود‪ ،‬فذلئه ل يقتضيه‪،‬‬
‫إذ كان‪ ،‬بالمكان أن يستمّر الرمل الشواط الثلثة‪ ،‬أو أن‬
‫نكون الستراحة بالمشي في كير الموضع الذي مشوا فيه‬
‫أول ً فلما حافظوا على المشي في المكان عينه الذي‬
‫مشوا فيها ول‪ ،‬وعملوا في المكان الذي عملوا لديه أول ً‬
‫دل ذلك على أن الفعل يستمر حكامه صان زال سببه‪.‬‬
‫القاق‪ :‬إنه حتى بعد أن قوى السلم‪ ،‬وزالت العداوات‬
‫حن‪427 ،‬‬ ‫وال َ‬

‫) ‪(1/419‬‬

‫واجتعع! كلمة أهل مكة على السلم‪ ،‬لم يترك المسلمون‬


‫علم خلف بين كل العلم في بنيته )‪.،1‬‬ ‫الرمال و‪ /‬ي ُ ْ‬
‫والنطباع سنة كذلك عند الجمهور‪ ،‬وخالف فيه المام‬
‫مالك‪ .‬وعندما حجي عمر بن الخطاب‪ ،‬وأن المطاف‪ ،‬قال‪:‬أ‬
‫ما لنا وللرمل‪ ،‬إنما!ناراءينا به المشركين " )‪2‬؟ ثم قال‪:‬‬
‫"شيء فعله رسول الله !‪ ،‬ل نحدث أن نتركه "‪ -‬وفي رواية‬
‫أبو داود‪ :‬قال عمر بن الخطاب‪ 9 :‬فيم الرميلن والكشف‬
‫عن المناكب وقد عطا الله السلم‪ ،‬ونفس الكفر و‪-‬كله؟‬
‫مع ذلك ل ندع شيئأكنا نفعله مع رسول اللة!"‪ .‬وذلك يدل‬
‫على المطلوب‪.‬‬
‫وقد تقل السبكي في قواعده )‪ (3‬القولسن ومثل‬
‫للمسالة برجوعه يئه! في‬
‫صلة العيد في طريتي آخر‪ .‬ثم ذكر المعافي المحتملة‬
‫لفلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬وإن رجح معنا مما ذكر‪ ،‬فمن وجد فيه ذلك‬
‫المعنى كان مستحئأ‪ ،‬في حمقه‪ ،‬ومن‪ /‬يوجد فيه فوجهان‪،‬‬
‫والصح الستحباب "‪.‬‬
‫وهذا من السبكي يقتضي ترجيح القول الثاني‪ ،‬وهو قول‬
‫ابن أبي هريرة أن‬
‫الفعل النبوي يقتدى به‪ ،‬ول يعتبر السبب‪،‬‬
‫رأينا في هذه المسالة‪:‬‬
‫الذي نراه ترجيح القول الول‪ ،‬وهو أن الفعل إذا زالي‬
‫سببه‪ ،‬فل يّتبع‪،‬‬
‫عل لغرض‪ ،‬إنما يكون اتبعه لتحصيل ذلك‬ ‫لن الفعل الذي ف ِ‬
‫الغرض‪ .‬فإن علم أنه ل يحصل‪ ،‬فإدا فعل مثله ل يكلون‬
‫اتباعه رتأسئأ‪ ،‬وإنما يكون غفلة ومخالفة‪ .‬وأيضا فإن‬
‫السببية حكم شرعي‪ ،‬فإن كان الشيء مما ل يفعل إل عند‬
‫السبب لم يجز فعله بعد زوال السبب‪.‬‬
‫ونستدل لذلك أيضا ً بان النبي ! خلع نعليه في الصلة‬
‫فخلعوا نعالهم‪.‬‬
‫فلما سلم قال لهم ة ألم خلعتم نعالكم؟ " قالوا‪ :‬رأيناك‬
‫خلعت نعليك فخلعنا‬

‫ه‪ :‬المغنى ‪ (2) 373/3‬جامع الصول ‪12 /4‬‬


‫مدام ّ‬
‫)‪ (1‬ابن ّ‬
‫)‪ (3‬قواعد السبكي ق ‪ ،1 ،115‬ب‪428 .‬‬

‫) ‪(1/420‬‬

‫ى‪.‬‬
‫نعالنا‪ .‬قال‪ :‬فإن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذ ُ‬
‫فإذا جاء أحدكم المسجد فلينظر في نعليه‪ ،‬فإن وجد‬
‫ى أرقذرأ فليمسحه‪ ،‬وليصل فيهما"‪ +‬فلم يصْر‬ ‫فيهما أس ً‬
‫خلع النعال في الصلة سنة بخلع النبي ! لنعليه‪ ،‬إل أن‬
‫يكون عند وجود الذى فيهما‪ .‬أما إذا زال ذلك المعنى فل‪،‬‬
‫كما يشير ِإليه الحديث‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما وجه استمرار الرمل والنطباع سنة؟ حتى‬
‫بعد أن انقضى السبب؟‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬أن هذا نوع من الفعال غيي ما تقدم ذكره‪.‬‬
‫كذلك أن الشرع دلى‬
‫على أنه يراد لهذا الفعلي أن يكلون صفة من صفات‬
‫الصراف‪ ،‬مشروعة فيه‪ .‬وإيضاح ذلك‪ ،‬أن أفعال الحج مثل ً‬
‫كث!ير منها اتخذت فيه أفعالي وأحوال متقدمة‪ ،‬من أيام‬
‫إبراهيم عليه الصلة والسلم وأسرته‪ ،‬رقعت منهم‪،‬‬
‫فاتخذت نموذجا ً وضعت على مثاله أفعال الحج !‬
‫ي بين الصفا والمروة‪ .‬فاصله سعي أبو‬ ‫ع ِ‬
‫ولنعتبر ذلك بال! ْ‬
‫غو عند‬ ‫إسماعيل بينهما‪ ،‬لتطلب الماء لبنها الذي تركته يض ُ‬
‫فض الذي‬ ‫زمزم‪ .‬فعلت ذلك سبعا‪ ،‬وقد هرولت في المنخ َ‬
‫ضع السعر على مثاله ذلك‪ ،‬تجعل جزءا‬ ‫هو بطن الوادي‪ .‬فز ِ‬
‫من أجزاء الحج‪ .‬يقول ابن عباس مشيرا إلى هذه القصة‪،‬‬
‫كما روى عنه البخاري‪ ،‬قال رسول ان عمه‪ 9 :‬فذلئ!‬
‫سعي الناس بينهما" )‪.(1‬‬
‫وكذلك تضحية إبراهيم بالكبش اتخذت أساسا ً لمشروعية‬
‫الهدي‪ .‬وقد أمرنا‬
‫باتخاذ مقامه مصله‪.‬‬
‫وهذه الفعال أبقيت في العبادات مستمرة دائمة‪ ،‬كما‬
‫تبقى المم بعض‬
‫الثار الحسية المشاهدة‪ ،‬لتدلها على عظمة أسلفها‬
‫السابق!!ن‪ ،‬ولتكون ذكراها ماثلة أمام البناء‪ ،‬تثيرهم نحو‬
‫التضحية والفداء‪ ،‬والقتداء بسمابقيهم من المعظمين‪.‬‬
‫مفاف!‬ ‫فهذه آثار من الحجارة والط!!ن‪ ،‬وتلك آثار من ال ّ‬
‫في طاعة ام‪.‬‬
‫)‪ (1‬البخاري بشرحه فتح البارز ط اطلبي ‪429 259/7‬‬

‫) ‪(1/421‬‬

‫يقول ابن دقيق العيد في شان بقاء الرمل والنطباع‬


‫ونحوهما مما بقي من الحكام بعد زوال سببه‪:‬‬
‫في ذلك من الحكمة تذكر الوقائع الماضية للسلف الكرام‪.‬‬
‫ي تذكرها‬ ‫وفي ط ّ‬
‫مصالح دينية‪ .‬إذ يتبين في أثناء كثير منها ما كانوا عليه من‬
‫امتثاله أمر الله‪ ،‬والمبادرة إليه‪ ،‬وبذل النفس في ذلك‪.‬‬
‫وبهذه النكتة يظهر لنا أن كثيرا من العمال التي وقعت ل‬
‫النخع‪ ،‬ويقال بفنها )تعبد(‪ ،‬ليست كما قيل‪ .‬أل ترى أنا إذا‬
‫فعلناها وتذكرنا( سبابها‪ ،‬حصل لنا من ذلك تعظيم‬
‫الولين‪ ،‬وما كانوا عليه من احتمال المشاق في امتثال‬
‫أمر الّله‪ ،‬فكان هذا التذكر باعثا لنا على مثل ذلك‪ ،‬ومقررا‬
‫في أنفسنا تعظيم الولين‪ .‬وذلك معنى معقول " )‪ 0(1‬الـ‪.‬‬
‫ثم ذكر أن السعي بين الصفا والمروة اقتداء!بفعل هاجر‪،‬‬
‫وأن رمي الجمار‬
‫ل إبراهيم‪ ،‬إذ رمى إبليس بالجمار في هذا‬ ‫سببه فع ُ‬
‫الموضع " ‪ 10‬هـ‪.‬‬
‫فالذي نقوله إذن في فعله !ك! الرمال والنطباع‪ ،‬إنه اتخذ‬
‫أساسا ً رضعت‬
‫العبادة على مثاله‪.‬‬
‫فإن قيل‪ :‬هذا يدل كلى أن أفعاله ينته يقتدي بها حتى بعد‬
‫زوال السبب‪.‬‬
‫فالجواب‪ :‬إن ما جعل منها مثال فوالذي يتبع‪ .‬كالرمل‬
‫والنطباع‪ ،‬دون‬
‫ل‪ ،‬أو قعقعة السلح‪،‬‬ ‫ل‪ ،‬كحمل السيوف مث ً‬ ‫ما لم يجعل مثا ً‬
‫أو غير ذلك‪ .‬والفرق بين النوعي أن الول وضعته الشريعة‬
‫أسلوبا للعبادة‪ ،‬ولم تضع الثاني‪ .‬وإن كان هذا الثاني‬
‫مستحثا ً عند وجود سببه وهو إخافة المشركين‪ .‬لكن لم‬
‫تجعله الشريعة جزءا ً من عبادة الحج‪ .‬ولو جعلته لصار منها‪.‬‬
‫والحاصل‪ ،‬أن الفعل النبوي إذا فعل لسبب‪ ،‬ثم زال‬
‫السبب‪ ،‬فإنه ل‬
‫يقتدى به إل بدليل يدل على ذلك‪ ،‬وهو قول أبي إسحاق‬
‫المروزقي المتقدم ذكره‪ .‬والله أعلى وأعلم‪.‬‬
‫)‪!1 (1‬إحكام ‪75 /2‬‬
‫‪430‬‬

‫) ‪(1/422‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬ما فعله ولم نعلم سببه‪:‬‬


‫ويدخل في هذا القسم ما جهل سببه بالشللية‪ .‬ويدخل‬
‫أيضا ما دار بين شعور‬
‫ل يدري أيها هو السبب ولم يترجح واحد منها‪.‬‬
‫والقتداء بأفعال هذا القسم أعله من القتداء يافعان‬
‫القسم السابق‪ ،‬لنه ما‬
‫علم زوال معناه قطعا ل يوازي ما جهل معناه مع احتمال‬
‫أن يكون باقيا في حق المقتدي‪ ،‬إذ إنه قد يفعله حينئل!‬
‫احتياطا ً لعفه أن يصادف السبب‪-‬‬
‫ومن أجل ذلك كان حكمه أخفما‪+‬‬
‫وقد قال أبو إسحاق المروزقي في هذا النوع‪ :‬يقتدى به‪،‬‬
‫‪ *(1‬رفضه إلى ما‬
‫ً‬
‫علم معناه وكان باقيا‪ .‬ولم يضمه إلى ما زال معناه‪.‬‬
‫وكذلك قال السبكي‪ :‬يقتدى به بالطلق )‪.(2‬‬
‫وقال النووي أيضا ً يستحب التاسئي به قطعا ً )!‪.‬‬
‫وهذا هو الحق‪ ،‬ول يجوز سواه‪ .‬لننا قد افترضنا أنه فعل‬
‫شرعي‪ ،‬ليس‬
‫ّ‬
‫جبلئأ ول هو من الخوارق‪ .‬فل شك أنه دكه فعله لمصلحة‬
‫مشروعة‪ ،‬إما لذاته د أما منوطا بسبب‪ .‬فإذا جهلنا السبب‬
‫بقي احتمال حصول المصلحة بفعله قائما‪ ،‬مرجحا ً للفعل‬
‫على الترك‪ ،‬وذلك معنى الستحباب* ويفارق أفعال القدم‬
‫السابق‪ ،‬فإننا علمنا أن المصلحة ل تحصل بالفعل منها إل‬
‫عند سبب معدين‪ ،‬فل معنى ليجاد الفعل مع القطع بين‬
‫المصلحة المطلوبة ل تحصل به‪ .‬بخلف أفعال هذا القسم‬
‫الذي نحن فيه‪ ،‬فإن رجاء حصول المصلحة به‪ /‬ينعدم‪.‬‬
‫وقد مثل له السبكي في قواعده بالذهاب للعيد من طريق‬
‫والرجوع من طريق آخر‪ .‬وجعل تكرار ذلك منه !ئه!فه دليل‬
‫شرعيته‪ .‬وذكر أن الشافعية قالوا في معناه أقوال ً‬
‫)‪ (1‬الزركشي‪ :‬البحر المحيط ‪ 248 /2‬ب‪.‬‬
‫)‪ (2‬السبكي‪ :‬القواعد ‪ ،1 1 15‬ب‪ (3) .‬الزركشي‪ :‬البحر‬
‫المحيط ق ‪ 48/2‬لب ‪431‬‬

‫) ‪(1/423‬‬

‫منها‪ :‬أنه كان يطيل طريق الذهاب لتحصيل الفضيلة‪ ،‬ثم‬


‫يرجع من طريق أقصر‪ .‬قال وهذا هو الراجح عند الكثرين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليتصدق فيهما‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليسعى بين أهل الطريقين‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬لتشهد له الطريقان‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬ليغيظ المنافقين بإظهار الشعار‪.‬‬
‫وقيل غير ذلك‪.‬‬
‫فهو مثال لما تردد فيه الفعل ب!!ن أسباب‪.‬‬
‫ومثال ما لم ينقده فيه سبب أصل ً تقبيل النبي يا للحجر‬
‫السود‪ ،‬قال‬
‫عمر بن الخطاب رضي الله عنه‪ ،‬لما وقف عند الحجر‪:‬‬
‫فإني لقبفك‪ ،‬وإق! لعلم أنك حجر‪ ،‬وأنك ل تضرب ول‬
‫تنفع‪ ،‬ولول أني رأيت رسول الله له قبلك ما قبلتك "‪.‬‬
‫وهذه قاعدة ينبني عليها القتداء بأفعال كثيرة مما فعله‬
‫النبي ! من المور المشروعة التي لم تعلم أسبابها‪ .‬لجمها‬
‫ينبغي أن تكون محّل للقدرة ول ينبغي أن يقال‪ :‬ل نفعلها‬
‫إل بعد معرفة السبب‪ .‬فلو قيل ذلك لسقطت دللة أفعال‬
‫كثيرة تتصل بالشرع ولم تعلم أسبابها‪ ،‬تعلم من تتبع كتب‬
‫الحديث ولكن الشرط أن يعدم أن الفعل خارج عن الجبلة‬
‫ونص مما تقدم‪ ،‬مما ل يقتد!ى به أصل ً والله أعلم‪.‬‬
‫ا سيدراك؟‬
‫يلوح لنا في هذه المسالة تغيير‪:‬‬
‫فإن الفعل إذا جهل معنياه‪ ،‬ولكن دار بين احتمالت بعضها‬
‫باق وبعضها‬
‫ه القتداء به‪ .‬ومما هو‬ ‫زائل‪ ،‬فيتال القولي السحابة بصح ّ‬
‫زائد في المثال السابق الذي ذكره الس!بكى‪ :‬قصد‬
‫التصدق في الطريقين‪ ،‬فإنه زائد بالنسبة إلى من أأ يريد‬
‫أن ‪ (11‬رواه مسلم ‪ 17/19‬والبخاري‪.‬‬
‫‪432‬‬

‫) ‪(1/424‬‬

‫يتصدق‪ .‬وكذلك التسوية برس ليلى الطريقين‪ ،‬فقد يكون‬


‫أحد الطريقين ل ساكن به‪ .‬وأما إذا قلنا‪ :‬سببه تحصيل‬
‫الفضيلة بالحد الطريق!سن فذلك يأتيها أن ليرجع أيضا ً‬
‫في الطريق البعد لحصل القتداء‪ .‬وإن قلنا‪ :‬المعنى أن‬
‫يشهد له الطريقان‪ ،‬فذلك باتي ل يتصور زواله‪.‬‬
‫ولكن إذا دار الفعل بين احتمالت كلها باقية فذلك يتأسئى‬
‫به قطعا ول مجاله للتردد‪ ،‬لحصول المصلحة قطعا ً‬
‫وكذلك إن دار بين احتمالت كلها زائلة بالنسبة إلى‬
‫المقتدي‪ ،‬فل يكثرن الفعل بالنسبة إليه من هذا القسم‪،‬‬
‫بل من القسم السابق وهو ما زال حكمه‪ -‬واله أعلم‪.‬‬
‫استدراك آخر‪:‬‬
‫ما تقدم اختياره في أفعال هذا القسم هو ما كان الصل‬
‫في العلى الباحة‪ ،‬والسبب يقتسما فيه الستحباب أو‬
‫الرجوب‪ ،‬لول ذلك السبب لكان من المباح‪ .‬فيصح أن يقال‬
‫حينئل‪ :‬يقتدى بفعله ! صان جهل السبب‪،‬‬
‫أما إن كان أصل الفعل التحريم أو الكراهة والسبب‬
‫يقتضي الباحة أو غيرها‪ ،‬فإنه إن جهل السبب‪ /‬يصح‬
‫القتدار‪ .‬ومثال ذلك الرخصة التي تبيح المحرم‪ .‬فلو أنه !‬
‫ن! أفطرته رمضان لسبب ل ندري ما هو‪ /،‬يصح القتداء‬
‫به‪ ،‬وكذلك أر عاقب إنسانا ً لسبب‪ /‬ندره‪.‬‬
‫وحاصل هذه ‪ 10‬لقاعدة‪ ،‬أن ما كان الصل فيه المنع‪ ،‬فل‬
‫ننتقل عن هذا الصل إذا صدر عن النبي ! فعل خارج عن‬
‫ذلك لسبب‪ /‬يعلم‪.‬‬
‫مة‬ ‫َ‬
‫ريَرةَ كانت أ َ‬ ‫وشبيه بذلك في الستدلل بالقوال‪ ،‬أن ب َ ِ‬
‫مملوكة كات ََبها أهلها‪ ،‬فارا!ت عائشة أن تشتريها لتعتقها‪،‬‬
‫وأراد أهلها أن يشترطوا أن يكون لهم ولؤها بعد سحقها‪.‬‬
‫وذكرت عائشة ذلك للنبي !ن!‪ ،‬فقال‪ :‬ل اشتريها وأعتقيها‬
‫واشترطي لهم الولء‪ ،‬فإن الولء لمن أعتق " )‪.11‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسلم ‪ 144/15‬والبخاري ومالك و‪ ،‬المرطب‪.‬‬
‫لم ‪43‬‬

‫) ‪(1/425‬‬

‫فليس لغيره ركض أن يشترط للبائعين شرطا ً لهم فيه‬


‫مصلحة وهو يعلم أنه ل‬
‫يلزمه شرعا ً ويزعم أنه فعله بناء على إذنه ينهيه في ذلك‪،‬‬
‫" في !!ك من ا!خا!ىة الممنوعة شوعأ‪.‬‬
‫فإن علم السبب جاز‪ .‬والسبب على ما ذكره الشافعي في‬
‫الم "\ ( وما رجحه‬
‫ابن القيم )‪ :(2‬استحقاقهم للعقوبة‪ ،‬جزاء على أقدامهم‬
‫على مخالفة الشريعة‪ ،‬وهم يعلمون حكمها القاضي بأن ‪9‬‬
‫الولء لمن أعتق " فمن اقتدى به عند حدود مثل هذا‬
‫السبب جاز‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬فتح البارز ‪191/5‬‬


‫)‪) (2‬علم الموقعين ‪434 338/4‬‬

‫) ‪(1/426‬‬

‫هاته‬
‫وج َ‬ ‫عل َ‬ ‫المبحث الثاني ال َ‬
‫فا ِ‬
‫النبي‪-‬له بعث مبينا بقوله وفعله‪ ،‬وملتزما فيهما بالمنهج‬
‫الرباني‪ .‬وكان من‬
‫تمام البيان الفعلي أن النبي ! قام في حياته بأدوار‬
‫مختلفة في البيئة الجتماعية التي كان واحدا من أفرادها‪.‬‬
‫وكان في كل دور من تلك الدوار قدوة لمن يأتي بعده !‬
‫ممن يمثل ذلك الدور‪.‬‬
‫فكان النسان المسلم‪ ،‬ورب أسرة‪ ،‬وكان رئي!س الدولة‪،‬‬
‫ومتولي السلطات‪ ،‬والمحتسب‪ ،‬وقائد البيشى‪ ،‬والقاضي‪،‬‬
‫والمفتي‪ ،‬وكان إمام الصلة‪ .‬وكان كثير من هذه الدوار‬
‫ممتزجا ً بعضه ببعض‪ ،‬في شخصه كون‪.‬‬
‫والتصرف الذي كان وتصرفه كان ينتمي إلى واحد أو أكل‬
‫من هذه الجهات‬
‫من شخصه الشريف‪.‬‬
‫ً‬
‫والقتداء به !ي!ه في فعل من أفعاله يكون صحيحا إذا‬
‫كان المقتدي به مساويا ً له في الجهة التي صدر عنها ذلك‬
‫الفعل‪.‬‬
‫فالتصرفات الصادرة عنه بوصفه رئيس الدولة‪ ،‬يقتدي به‬
‫فيها من كلن بعده‬
‫رئيس دولة‪.‬‬
‫وما فعله بوصفه مفتيًا‪ ،‬يقتدي به فيه المفتي‪.‬‬
‫متدي به فيه المقاضي‪.‬‬ ‫وما فعله بوصفه قاضيًا‪ ،‬ي ّ‬
‫وما فعله بوصفه إماما ً في الصلة يقتدى به فيه الئمة‬
‫مقحمة‬ ‫بعده‪ ،‬وذلك ك ّ‬
‫‪435‬‬

‫) ‪(1/427‬‬

‫أمام الصف‪ ،‬ونيته المامة‪ ،‬وجهره بالقراءة بصوت مرتفع‪،‬‬


‫وسبقه لهم بأفعال الصلة‪ ،‬واتخاذه سترة‪ ،‬وتركه التطوع‬
‫مكان الفريضة‪.‬‬
‫وسائر المصلي يقومون به في ما يفعله بوصفه مصليا‬
‫مطلقًا‪ ،‬كرفع اليدوي‪ ،‬والتكلبر‪ ،‬وقول آمن والركوع‬
‫والسجود ونحو ذلك‪.‬‬
‫التمييز ب!!ن جهات الفاعلية‪:‬‬
‫لكن تمييز ما ينتمي إليه الفعل من هذه الجهات المختلفة‬
‫قد يكون أمرا بئنأ ل يختلف فيه‪ ،‬كما تقدم في ما ذكرناه‬
‫من أفعال إمام الصلة‪ ،‬وقد يكون مشكوكا فيه فيقع‬
‫الختلف فيه‪.‬‬
‫وقد تبينت الحاجة إلى التمييز بين أوصافه التي ترجع‬
‫إليها أفعاله ! بل وأقواله‪ ،‬عندما انفصلت العمالى في‬
‫ن أو‬
‫المجتمع السلمي‪ ،‬واختص بكل دور شخعمع!م ّ‬
‫طائفة من الناس‪ .‬وبعض ذلك حصل في زمنه !ن!ه‪.‬‬
‫لقد حاول اِلقرافي محاول جادة‪ ،‬وضع قاعدة التمييز بين‬
‫الجهات المختلفة‬
‫المشار إليها‪ ،‬لكن في حيز الحكام القضائية‪ ،‬وما يمكن‬
‫أن تشتبه به‪ ،‬وذلك في رسالته والحكام في تمييز‬
‫الفتاوي عن الحكم وتصرفات القاضي والمامة ميز فيها‬
‫)‪ (1‬بين أنول من التصرفات‪:‬‬
‫الول‪ :‬تصرفه ! بمقتضى الرسالة‪ .‬ومقتضاها التبليغ‪.‬‬
‫يقول القرافي‪:‬‬
‫أ أما الرسالة فليس يدخل فيها إل مجرد التبليغ‪ ...‬وهذا ل‬
‫ؤض‬ ‫يستلزم أنه ُ‬
‫ف َ‬
‫أليه أمر السياسة العامة‪ .‬فكم من رسل لْله تعالى لم‬
‫يؤمروا بالنظر في المصالح العامة"‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬تصرفه بمقتضى المامة والسلطة العامة(‪،‬‬
‫ومقتضاها الي سياسة العامة‪ ،‬وتنفيذ الحهكام‪ ،‬والقيام‬
‫بالصالح‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر الرسالة المذكورة ص ‪94 -87‬‬
‫‪436‬‬

‫) ‪(1/428‬‬

‫الثالث‪ :‬تصرفه بمقتضى الفتاء‪ ،‬وهو تطبيق الحكم‬


‫الشرعية على الوقائع‬
‫دون إلزام‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬تصرفه بمقتضى الحكم‪ ،‬يعني القضاء‪ ،‬وملئه‬
‫يقتضي أن له سلطة‬
‫إنشاء الحكام القضائية‪.‬‬
‫ونحن قد توقعنا في بيان جهلت الخرى غيرها ذكره‬
‫القرافي‪.‬‬
‫ه في جمعه ! لهذه المناصب‪،‬‬ ‫ونضيف أيضا بيان الحكم ْ‬
‫رفاثدتها من جهة التبليغ‪.‬‬
‫فقد ُيقال‪ :‬إنه كان بالمكان أن يقوم !ن! بمهمة الرسالة‬
‫وحدها‪ ،‬أي بمجرد التبليغ‪ .‬فيبّيئ بقوله ما على رئيس‬
‫الدولة أق يفعله وما على القاضي أن يفعله‪ ،‬وهكذا‬
‫المحتسب‪ ،‬وإمام الصلة‪ ،‬والمفتي وكيرهم‪ ،‬وما لهم أن‬
‫يفعلوه أيضا ً والجواب ما تقدم من أن وظيفة النبي !‬
‫ومهمته التي حددت في القرآن‬
‫ليست مقصورة على التبليغي‪ .‬بل منها التعليم والتزكية‬
‫أيضا ً وذلك يتئ! بان يكون ما بلغه ! بالقول‪ ،‬مطلقا‬
‫تطبيقا حّيا مشل!دأ‪ ،‬ليحصل تمام الدراك والتعقل لما‬
‫يبلغه بالقول‪.‬‬
‫فحصل بجمعه ! منصب القضاء إلى منصب الرسالة البيان‬
‫الفعلي لما‬
‫يراعى في القضاء من الحكام الشرعية‪ .‬وبجمعه منصب‬
‫الفتاء إلى منصب الرسالة البيان الفعلي لما يراعيه‬
‫المفتي عند إصداره الفتيا‪ .‬وبجمعه إمامة الصلة البيان‬
‫الفعلي كذلك‪ .‬وكذلك يقال في المامة العامة والدارة‪،‬‬
‫وما سواها من المناصب‪ .‬وكان هذا أظهر في الحكمة من‬
‫أن يكون متولدا منصب الرسالة وحده‪ ،‬إذ ل‬
‫تتبين حيسئل! الحكام الشرعية المتعلقة بسائر المناصب‬
‫إل قول فقط‪ ،‬وذلك يكون قصورا في البيالي والتعليم‪.‬‬
‫والله عليم حكيم‪-‬‬
‫ولكن قد حصل بسبب هذا الجمع بيئة المناصب أشتبله في‬
‫بعض الحيكام المستفادة من الفعل‪ :‬أهي أحكام شرعية‬
‫عاقة تلزم المة‪ ،‬أم هي أحكم خاصة مؤقتة‪ ،‬تلزم من‬
‫تعلقت بثه وحده‪.‬‬
‫‪437‬‬

‫) ‪(1/429‬‬

‫أ" صتبارة أخرى‪ :‬هل هي صادرة عن النبي يبه!حيه بوصفه‬


‫رسو ً‬
‫ل‪ ،‬أو بغير‬
‫ذلك من صفات‪ ،‬منا الجهات التي تقدم ذكرها‪.‬‬
‫لقد ذكر السروي من هذه الجهات ثلثًا‪ :‬منصب النبوة‪،‬‬
‫ومنصب المامة العامة‪ ،‬ومنصب الفتاء‪ .‬ثم قال‪:‬إ إن ما‬
‫ورد بلفظ يحتمل رده إلى المناصب الثلث يحمل عند‬
‫الشافعي على التشريع العام‪ ،‬لنه الغالب من أحواله يا‬
‫ولنه المنصب الشرف‪ ،‬ولن الحمل كليه أك!ثر فائدة‪،‬‬
‫فوجب المصير إليه‪ .*.‬وقال أبو حنيفة‪ :‬يحمل على الثاف!‬
‫لنه المتيقن " )‪.(1‬‬
‫ً‬
‫وقال القرافي أيضا‪ :‬فإن غالب تصرفاته ! بالتبليغ‪ ،‬لن‬
‫وصف الرسالة‬
‫غالب عليه دم )‪.(2‬‬
‫ونحن نضرب أمثلة يتبين منها ما تقدم ذكره في هذا‬
‫المطلب‪:‬‬
‫المثال الول‪:‬‬
‫عن عبداللي بن مسعود أنه كان يصلي‪ ،‬فوضع يده اليسرى‬
‫على اليمنى‪ ،‬فرآه رسول الله ! فوضع يده اليمني على‬
‫اليسرى )‪.(3‬‬
‫باب عليه النسائي‪ :‬باب في المام إذا رأى رجل قد وضع‬
‫شماله على‬
‫يمينه‪ .‬وهو تبويب حمسن‪ .‬لن هذا الحكيم د أن كان من‬
‫باب تبليغ الشريعة‪ ،‬وهو لئق بمنصب النبوة‪ ،‬ويقتدي به‬
‫كل أحد‪ ،‬إل أن ذلك ألصق بمهمة إمام الصلة المرتب لها‪،‬‬
‫فكما أنه يقيم للناس صلتهم بمتابعتهم إى‪ ،‬فكذلك ينبغي‬
‫أن يعلمهم إتقان صلخمهم‪،‬‬
‫ت المسيء‬ ‫وكما قيل قي هذا الحديث‪ ،‬يقال في حعدي َ‬
‫صلته‪ ،‬وحديث مسح‬
‫النبي ي مناكبهم في الصلة ليستروا‪ ،‬وأنه عن كان‬
‫وتخولهم بالموعظة‪ ،‬وسائر ما فيه وعظ أو إنكاره و تعليم‬
‫من النبي غد في شأن الصلة والوضوء وغيرهما من‬

‫)‪ (1‬السروي‪ :‬التمهيدي ‪ (2) 156‬الفروق ‪ 209 ،208/1‬و‬


‫دعا‪8/‬‬
‫)‪ (3‬رواه النسائي ‪ 126 /2‬وأبو داود‪438 .‬‬

‫) ‪(1/430‬‬

‫الحكام الشرعية‪ ،‬والداب والخلف الدينية‪ ،‬مما وقع منه‬


‫يكرهه في مسجده‪ ،‬ينبغي أن يجعل مثل ذلك من مهمة‬
‫إمام المسجد‪ ،‬ووظيفته‪.‬‬
‫ويمكن البحث من هذه الجهة‪ ،‬في كثير من أفعاله !‬
‫المتعلقة بالمسجد‪،‬‬
‫كبناء بيوته أو ملتصقة بالمسجد‪ ،‬فإن ذلك يمكن جعله أصل‬
‫لتقريب بيت المام من المسجد‪ .‬ومناسبة ذلك ظاهرة‪.‬‬
‫المثال الثاني‪:‬‬
‫قصة حديث ذي اليدين في تسليم النبي ! من نقص‪ ،‬وما‬
‫جرى من السؤال والجواب بينه عنه وبحسن ي اليدين وأبو‬
‫بكير وعمر‪ ،‬ثم أتَئم الصلة وسجد للسهو‪.‬‬
‫قيل إن ذلك يدل على أن من سلم من نقص ثم تكلم؟‬
‫يظن أن صلته قد‬
‫تمت لم تفسد صلته‪ .‬وهر مروي عن مالكي‬
‫وقيل تفسد صلة الجميع‪.‬‬
‫وقيل إن عدم فساد الصلة بذلك نحرص بالمام‪ .‬وتفسد‬
‫صلة من‪ -‬تكلم‬
‫غيره‪ .‬وهر مذهبإلحنفية‪ .‬واعتذروا عن تسلم أبو بكر وعمر‬
‫بأن كلمهما كان جوابا ً للنبي عز‪ ،‬وقد كانت إجابتهما‬
‫للنبي له واجبة عليهما ولو في الصلة؟ أو كان جوابهما‬
‫باليماء ل بالقول‪.‬‬
‫وعن تكلم ذي اليدين بأنه تكلم سائل عن نقص في الصلة‬
‫يخص وقت يمكن‬
‫ذلك فيها‪ .‬قالوا‪ :‬والنبي ده كان إماما ً فيدل ما فعله على‬
‫حكم فعل المام‪ ،‬ويبقى ما عداه على الصل )؟(‪.‬‬
‫المثال الثالث‪:‬‬
‫حديث عبداللي بن زيد أن النبي خرج يستسقي‪ ،‬فحول‬
‫ه‪ ،‬ثم حاول خداعه‪.‬‬ ‫مبل ّ‬
‫ألما الشاسيه ظهره‪ ،‬واستقبل ال ّ‬
‫ى العيد‪:‬‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬ابن قدامه ة المغنى ‪ ،08 /2‬ابن لمحقي ّ‬
‫الحكام ‪256/1‬‬
‫‪439‬‬

‫) ‪(1/431‬‬

‫قال جمهور الفقهاء‪ :‬يستحب لكل من حضر صلة‬


‫الستسقاء‪ ،‬من إمام ومامرم تحويل أرديتهم‪.‬‬
‫وقال الليث‪ ،‬وأبو يوسف‪ ،‬ومحمد‪ :‬يستحب ذلك للمام درن‬
‫‪ 81‬مهم لنه‬
‫نقل عن النبي به دون أصحابه )‪.(1‬‬
‫فالخلف هنا راجع إلى الحتمال الذي ذكرنا في أول هذا‬
‫المطلب‪.‬‬
‫المثال الرابع‪:‬‬
‫عن كلمة بن الركوع قال‪ :‬قالى!!‪:‬أ من ضخا منكم فل‬
‫يصبحن بعد‬
‫ثالثة وبقي في بيته منه شيء"‪ -‬فلما كان العام المقبل‬
‫قالوا‪ :‬يا رسول انه‪ ،‬نفعل كما فعلنا العام الماضي؟ قال‪:‬‬
‫وكلوا‪ ،‬وأطعموا‪ ،‬وادخروا‪ ،‬فإن ذلك العام كان بالناس‬
‫جهد‪ ،‬واردت أن تعينوا فيها" )‪."2‬‬
‫فإن آخر القصة يدل على أن النهي الول كان صادرا عنه‬
‫يكن بوصفه صاحب السلطة الدارية‪ ،‬وكان هذا منه إجراء‬
‫موقتا لعلئي حالة اجتماعية طارئة بما يحقق المصلحة‬
‫ويدرأ المفسدة‪.‬‬
‫ولكن باجتماع منصب السلطة مع منصب الرسالة يدل هذا‬
‫الحديث أنه‬
‫ِبحوز لصاحب السلطة الي دراية أن يتخذ مثل هذا الجراء‪،‬‬
‫بللنع من بعض المباحات‪ ،‬ول يكون ذلك نحالفأ لعقيدة‬
‫السلم ول شريعته‪.‬‬
‫ومثل ذلك قال النبي !ك!ي! يوم حنين‪ :‬ومن قتل قتيل ً‬
‫فله سلبه ! هو عند الحنفية من باب تصرفات الئمة‪.‬‬
‫ويمكن البناء عليه أن للمام أن يضع مثل هذا القانون‬
‫لتحصيل مصلحة معينة عسكرية أو مدنية‪.‬‬
‫المثال الخامس‬
‫حديث غضبه ! حين علم أنه علي بن أبي طالب يريد أن‬
‫يتزوج بنت أبي‬
‫جهل على فاطمة بنت محمديفيئ‪ ،‬ورفضه ! الموافقة‬
‫على ذلك )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬ابن قديمة‪ :‬المغمس ‪ (2) 434 /2‬رواه البخاري ‪/1 0‬‬
‫‪24‬‬
‫)ك! راجع صحيح البخاري وشرحه فتح البارز ‪327/9‬‬
‫وصحيح مسلم ‪3/1 6‬‬

‫) ‪(1/432‬‬

‫وقد ذكر ابن حجر أن ذلك يحمل على ثلثة أوجه‪:‬‬


‫الول‪ :‬أنه ! حرم ذلك على علي خاصة‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬لن الجمع كان مباحا لعله‪ ،‬ولكن منعه بل من ذلك‬
‫قِبل علي ذللت امتثال لمر‬‫رعاية لخاطر فاطمة‪ ،‬و َ‬
‫النبي !‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬إنه من خصائص النبي ! أن يحرم التزوج على‬
‫بناته‪ .‬أو على فاطمة خاصة‪ ،‬وهو راجع إلى الول‪.‬‬
‫ولما!ان الصل عدم الخصوصية كما تقدم فإني أصوب ما‬
‫تحمل آلية القصة‬
‫الوجه الثاني‪ ،‬ويكون ما وقع من النبي !ك! وقع بصفته‬
‫واحدا من المسلمين‪ ،‬وغضب كما يغضب الواحد منهم‪،‬‬
‫ضزة‪.‬‬
‫ورفض كما يرفض الواحد منهم‪ ،‬أن يكون لبنته َ‬
‫ويؤيد ذلك أن في إحدى روايات هذه القصة‪ ،‬أن النبي ضد‬
‫ل حراما ً )‪ .(1‬فهو إذن‬ ‫قال‪ :‬أ وإني لست أحرم حلل ً ول أ ِ‬
‫ح ّ‬
‫أمر شخصي بحت‪ ،‬ل علقة له بالتشريع‪ .‬بل كما لو‬
‫استؤذن أي رجل من سائر الناس في أن يتزوج صهره‬
‫على ابنته فإنه قد يرفض‪ ،‬وإن لم يكن ذلك ممنوعا ول‬
‫مكروها ً ثم قد يطيعه صهره ويعبر خاطره إن كان له فضل‬
‫عليه‪ .‬وذلك كله في حّيز المباح‪ .‬ويؤيد هذا ما وقع قي‬
‫بعض روايات البخاري الحديث‪ ،‬أن فاطمة قالت له له‪) :‬إد!‬
‫الناس يزعمون أنك ل تغضب لبناتك " أي‪ :‬كما يغضب سائر‬
‫الناس‪ .‬فقال !كل!ع ما قال‪ -‬ويؤيده أيضا أن في رواية‬
‫رِيئني ما رابها‪،‬‬
‫مسلم‪ ،‬قال !‪! :‬وإن فاطمة بضعة مني ي ِ‬
‫ويؤذيني ما آذاها"‪.‬‬
‫المثال السادس‪:‬‬
‫قالت هند بنت عتبة‪ :‬يارسول!الله‪ ،‬إن أبا سفيران رجل‬
‫شحيح وليس يعطيني ما يكفيني وولدي إل ما أخذت منه‬
‫وهول يعلم‪ ،‬فقال عمه‪) :‬خذى ما يكفيك وولدك بالمعروف‬
‫! )‪.(2‬‬
‫)‪ (1‬رواه مسالم ‪4 /16‬‬
‫)‪ (2‬حديث هند رواه البخاري ‪557/9‬‬
‫‪441‬‬

‫) ‪(1/433‬‬

‫ق أبي سفيان وهو‬ ‫فقد بين النبي غبه! الحكم في ح ّ‬


‫غائب‪ .‬فهل يدل هذا على‬
‫جواز التكلم على الغائب؟‪.‬‬
‫قال بعض الشافعية‪ :‬يجوز‪ ،‬واحتجوا بهذا الحديث‪ .‬وترجم‬
‫عليه البخاري‪ :‬شباب القضاء على الغائبة‪.‬‬
‫وقال أبو حنيفة‪ :‬ل يجوز‪.‬‬
‫وقال النووي ة ل يصح الستدلل‪ ،‬بل هو إفتاء‪.‬‬
‫والذي عين جهة الفتل! ما تبت من أن أبا سفيان كان‬
‫حاضرا بمكة )‪ .(1‬فلو‬
‫كان ذلك القول قضاء للزم أن يحضر المجلس‪.‬‬
‫المثال السابع‪:‬‬
‫أحاديث القطاع‪ ،‬منها أنفه خط أقطع الزبير حضر فرسه‪،‬‬
‫وأقطع وائل بن‬
‫حجر معدن القبلية‪ .‬وغير ذلك‪.‬‬
‫وهذا بالتفاق صادر عنه به بوصفه إماما للعامة‪ .‬وينبني‬
‫على ذلك أن للمام‬
‫جر عليه ملك لحد‪ ،‬يخص‬ ‫أن يقطع من الراضي التي‪ /‬ي َ ْ‬
‫حدود المصلحة‪.‬‬
‫)‪ (1‬ابن حجر‪ :‬فتح البارز ‪510 /9‬‬
‫‪442‬‬

‫) ‪(1/434‬‬

‫ه‬
‫عول ب ِ‬ ‫ت المف ُ‬‫ها ُ‬
‫المبحث الثالث ج َ‬
‫الكول هنا شبيه من بعض الوجوه بما تقدم من الولى في‬
‫جهات الفاعلة‪ ،‬غير‬
‫أن المجال هنا أضيق‪.‬‬
‫ومما اختلف فيه من الفعل بسبب اختلف جهات المفعول‬
‫به‪ ،‬صلة النبي‬
‫عن على النجاشي عندما مات بأرض الحبشة‪ ،‬فمن منع‬
‫الصلة على الغائب‪ ،‬اعتذر عن هذا الحديث بأن النجاشي‬
‫لم يصل عليه ببلده أحد )‪.(1‬‬
‫ومن ذلك في باب صلة الجنازة أيضاء أنه ! قام عند صور‬
‫الرجل ووسط‬
‫المرأة‪ .‬فذهب الحنابلة والشافعية إلى استحباب ذلك‬
‫لظاهر الحديث‪ .‬وقالت أبو حنيفة‪ :‬يقوم عند صدر الرجل‬
‫وصدر المرأة لنههما سواء )‪.(2‬‬
‫ومثله أن النبي دون أتي بصبي لم يأكل الطعام فأجلسه‬
‫في حماره‪ ،‬فبال عل‬
‫ثيابه‪ .‬فدعا بماء فنضحه و‪ /‬يغسله )‪ .(3‬فقيل بناء عليه‪:‬‬
‫ينضح بولي الغلم والجارية‪ ،‬ول يجب غسلهما‪ .‬وقيل‬
‫يغسلن جميعا ً وقيل ينضحان جميعا ً وهو الصح ما‪ /‬يأت‬
‫من فرق بينهما بحجة قائمة‪ .‬لن الولى المساواة‪.‬‬

‫)‪ (1‬ابها لقيته‪ :‬الحكام ‪ 52/1‬يعد‬


‫)س( صحيح البخاري وفتح الجاري ‪337/1‬‬
‫)‪ (2‬ابن قديمة‪ :‬المني ‪90 /2‬‬

‫‪443‬‬

‫) ‪(1/435‬‬

‫المبحث الرابع‬
‫وزماِنه‬
‫عل َ‬‫مكان الف ْ‬
‫َ‬
‫يعلم مما تقدم في الفصول السابقة حكم أفعال النبي‬
‫يكن بالنسبة إلينا ‪ 4‬على أساس استواء الحكم بيننا وبينه‬
‫بل‪ .‬ومن المعلم أن فعله يفي يقع في ظرف زماني‬
‫وميلني‪ ،‬ول بد‪ .‬فهل القتداء به ! يقتضي أيضا ً مساوَته‬
‫في زمان الفعل ومكلنه؟‪.‬‬
‫ولكي نوضح المقصود بهذا السؤال‪ ،‬نقول أن النبي !‬
‫صلى بأصحابه الجمعة مثل في مسجده‪ ،‬وفتى الوقت‬
‫المعلوم‪ .‬وفهم الفقهاء أن المسجد معتبر‪ ،‬وأن الوقت‬
‫معتبر كذلك‪ ،‬فتفعل صلة الجمعة في المسجد في الوقت‬
‫الذي صلى فيه‪ ،‬وذلك مستفاد من قضية التساوي‪ .‬ومن‬
‫أجل ذلك يبحثون عن الرقام التي صلى فيها‪ ،‬لتكون‬
‫القدوة على أتمها بإيقاع الصلة في مثل ذلك الوقت‪.‬‬
‫ومثل ذلك في اعتبار المكان‪ :‬الوقوف خاص بعرفة‪،‬‬
‫والطواف خاص بالبيت‪ ،‬وركعتا الطواف خاصتان بمقام‬
‫إبراهيم‪ ،‬ونحر الهدي خاص بمكة‪ .‬ومثل ذلك في الزمان ة‬
‫ألبوم خاص برمضان‪ ،‬وركعتا الفجر بعد طلوعه‪ ،‬وبعض‬
‫الصوم خاص بالثنين والخمسة وعاشوراء‪.‬‬
‫ومما لم يعتبر فيه المكان‪ :‬الصوم‪ ،‬والذكر‪ ،‬وصلة النفل‬
‫المطلق‪ ،‬والبيع والشراء وعقد النكاح‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫الدلة الدالة على اعتبار الزمان والمكان‪ ،‬أو إلغائهما‪:‬‬
‫ا‪ -‬قد يدل على اعتبار المكان أو الزمان بالقول‪.‬‬
‫ومثاله في المكان‪ ،‬ما قاله !ئ! أي حجة العدل‪ ،‬في عرفة‬
‫‪ 9‬وقفت هنا وعرفة‬

‫) ‪(1/436‬‬

‫كلها موقف ل فدل على اعتبار عرفة في الوقوف‪ ،‬وألغى‬


‫خصوصية المكان الذي وقف فيه من عرفة‪ .‬وقال كذلك‬
‫ع كلها‬
‫ومزدلفة توقفت هنا‪ -‬يعني عند جبل قَزح‪ -‬وجم ٌ‬
‫موقف ! وقال بئر‪:‬أ نحرت هنا ومنى!لها منبر"‪ .‬وفي‬
‫رواية‪" :‬وكل فجاج مكة منير )‪.‬‬
‫ومثاله في الزمان‪ :‬ما في حديث عائشة‪ ،‬أنه يكن صام‬
‫عاشوراء وأمر بصيامه‪.‬‬
‫ومثاله إلغائه أنه ! كان يصلى بعد العصر‪ ،‬وينهي عنه )‪.(1‬‬
‫‪ -2‬أن يفعله‪ !-‬بالمكان المعيق‪ ،‬قاصدا ً أن تتخذ من بعده‬
‫لمثل ذلك الفعل‪ .‬ومثاله أن عتبات بن مالك طلب منه ! أن‬
‫يصلي في بيته في مكان يتخذه مصلى )‪ .(2‬ففعل‪-‬‬
‫‪ -3‬التكرار‪ :‬فقد قيل بأنه يحب اعتبارهما في التأسي إذا‬
‫كرر الرسول ! الفعل في ذلك المكائن أو الزمان‪ .‬نقله‬
‫الباقلفإ )‪ (3‬عن قوم‪ ،‬وضعفه‪.‬‬
‫وإذا ترك الفعل في الزمان أو المكان فلم يفعله مرة‬
‫أخرى مع التمكن والسعة فقد يدل ذلك على عدم‬
‫اعتبارهما‪ .‬كتركه ! قصد غار حراء وغار ثوبي لن ذاتيهما‬
‫للتعود فيهما‪ ،‬في أيام الفتح وحجة الودلء‬
‫وتركه‪-‬طيور الفعل المعّين له مكان آخر‪ ،‬تم عوده إلى‬
‫الفعل في المكان الول‬
‫يدلل على اعتباره‪ ،‬كتركه الجمعة في السفر والعودة إليها‬
‫في الحضر‪ ،‬يدلى عله أن الحضر معتبر‪ ،‬بخلفه في صلة‬
‫الجماعة‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬نقل الصحابة للفعل مقرونا بذكر الزمان أو المكان‪ .‬و‪/‬‬
‫أجد أحدا ً ذكر‬
‫)‪ (1‬حديث‪ :‬كان يصلي بعد العصر وينهي عنه‪ :‬رواه أبو‬
‫داود من حديث عائشة‪ (2) .‬رواه البخاري في مواضع‬
‫ومسلم ‪ 242/1‬ومالئا ‪173/1‬‬
‫)‪ (3‬أبو شامة‪ :‬المحققان ‪139‬‬
‫‪445‬‬

‫) ‪(1/437‬‬

‫هذا النوع‪ .‬وهو واضح من ذكرهم لنظائره في مواضع‬


‫أخرى‪ .‬ووجهه أن الصحابة قد رأى قرائن الحال‪ ،‬وربما‬
‫سمع من النبي له ألفاظا تدل على اعتبار الظرف لم‬
‫ينقلها إلينا* وهوعدل‪ ،‬فيقتلها أن المر كما قال‪ .‬وخاصة‬
‫إذا احتج به‪ ،‬أو أمر به‪.‬‬
‫ومع ذلك فهذه أمارة ضعيفة‪ .‬ووجه ضعفها احتمال أن‬
‫مراده بنقل الزمان‬
‫أو المكان مجرد الخبار‪ ،‬دون الحتجاج‪ .‬ولو وضح أنه يريد‬
‫الحتجاج‪ ،‬فذلك رأيه‪ ،‬وليس قوله حجة! وكونه رأى قرائن‬
‫تدل على ذلك ليس إل مجرد احتمال‪ .‬ثم إذا انضمت هذه‬
‫المارة إلى التكرلمر قويت الدللة على ذلك‪ ،‬ومثاله حديث‬
‫جابر‪" :‬كان النبي !ك!ه يصلي الظهر بالهاجرة‪ ،‬والعصر‬
‫والشمس نقية‪ ،‬والمغرب إذا وجبت‪ ...‬والصبح كان يصليها‬
‫بغلسإ‪ ،‬ان‪ .‬يدل ذلك على أفضلية إيقاع الصلة في هذه‬
‫الوقات‪.‬‬
‫ومثاله أيضا حديث ابن عمر‪ :‬لنه‪!-‬ه! كان يأتي مسجد قبله‬
‫مين " )‪ .(2‬وقد اعد مشروعيته‬ ‫كله سبت فيصلي فيه ركع َ‬
‫قوله تعالما‪ :‬المسجد أسس على التقوى من أول يوم أحق‬
‫أن تقوم فيه ! على القول بأن المراد بللسجد في الية‬
‫مسجد قبل!‪+‬‬
‫ما يعتبر من زمان الفعل النبوي ومكانه‪:‬‬
‫أما مار دل دليل خاص على اعتباره في التألصي عن‬
‫الزمان أو المكان‪ ،‬فإنه يعتبر‪ ،‬اتفاقات‪.‬‬
‫وما دل الدليل الخاص على إلغاء التأكصي فيه‪ ،‬فهو ملغى‬
‫اتفاقا‪.‬‬
‫وما لم يدل دليل خاص عل اعتباره ول عل إلغائه فقد‬
‫اختلف فيه عسلي مذاهب‪:‬‬
‫المذهب الول‪ :‬أدت الصل عدم اعتبار الزمان ول‬
‫المغالط‪ .‬وهذا مذهب‬

‫)‪ (1‬حديث جابر‪ :‬متفق عليه‪.‬‬


‫)‪ 1 (2‬لبخا ريما ‪69 /3‬‬

‫‪446‬‬

‫) ‪(1/438‬‬

‫القاضي عبدالجبار الهمداني المعتزلي "ا"؟ وتلميذه أبي‬


‫الحسين‪ ،‬وابن الهمام الحنفي )‪ (3‬والقاضي ألبا قباني‪ ،‬وا‬
‫لغز ألي )‪ (3‬وا لي مدي )‪.،4‬‬
‫ي‬
‫استدل عبدالجبار بان اعتبارهما يؤدي إلى نقض التالص َ‬
‫وإبطاله‪ ،‬لنه يقتضي‬
‫أن المراسي ل بد أن يفعل الفعل في الوقت نفسه الذي‬
‫ى به‪ ،‬وقد فات‪ ،‬فيؤدي إلى أن التأسي‬ ‫فعل فيه المتألم ٌ‬
‫مستحيل‪.‬‬
‫وكذلك في المكان‪ ،‬إذ من المستحيلة جمع الناس في‬
‫مكان واحد‪ ،‬هو المكان‬
‫الذي حصل فيه الفعل المتأسس به‪ .‬فيؤدي ذلك إلى نقض‬
‫التالي وإبطاله وقد قال أبو الحسن ْ)( في إبطال هذا‬
‫الستدلل‪ :‬وهذا إنما يمنع من اعتبار زمان معين‪ ،‬ول يمنع‬
‫من اعتبار مثل الزمان كما يخص صلة الجمعة‪ ،‬ول يمنع‬
‫من اعتبار ذلك المكان في زمان آخر‪ ،‬ول يمنع من اعتباره‬
‫إذا كان المكان مستعد كعرفة"‪.‬‬
‫واحتج عبدالجبار بأن الواجب القتصار في صفات الفعل‬
‫ومتعلقاته على أقل‬
‫قدر‪ ،‬لننا لو اعتبرنا الكبر من الصفات لكان قي ذلك‬
‫التضييقا النفي ل يقف عند حد‪ ،‬حتى يؤدي إلى امتناع‬
‫التأسي‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫يقول عبدالجبار‪" :‬يلزم على ذلك أن يعتبر محل الفعل كما‬
‫اعتبر الميلن والوقت‪ .‬وأن تعتبر البلة‪ .‬وأن تعتبر أعيان‬
‫الشخاص‪ ،‬حتى بما أخذ‪-‬له الزكاة من العربي يعتبر النسب‬
‫في ذلك وسائر الصفات‪ .‬وهذا باطل‪ .‬فل بد إذن من‬
‫اعتبار القل في ما يمكن معه التاسئي‪ ،‬وإنما يقال بما‬
‫زاد عليه لجل الدليل الذي يقتضيه !‪.‬‬
‫المذهب الثاني‪ :‬أن الصل أعتيلر الزمان والمكان كليهما‬
‫في التأكصي‪ .‬وإلى هذا‬
‫ذهبت أبو عبداللي البصري )‪ (8‬كما نقله عنه أبو الحسين‬
‫في المكان خاصة وسكت )‪ (1‬المغني ‪ (2) 269 /17‬التح!‬
‫محبير ‪ 3/2‬هـ ‪ (3) 3‬أبو شامة‪:‬‬
‫مقردر وال َ‬
‫رير‪ ،‬وعليه ال ّ‬
‫و ‪ (4) (39‬الحكام ‪245 /1‬‬ ‫المحقق َ‬
‫)‪ 1 (5‬لمعتمد ‪372 /1‬‬
‫)!( أبو عبداللي البصري هر السن بت علي‪ .‬أخذ عن ابن‬
‫خلود وعت أبي هاشم الجيائا وأبو السن الكرخي‪ .‬له تربية‬
‫في والمنية والمل( لبن المرتضى اليماني ص ‪447 62‬‬

‫) ‪(1/439‬‬

‫عن الزمان )‪ (1‬ونقله الباقلني عن قوم لم يسمهم )‪.(2‬‬


‫المذهب الثالث‪ :‬يعتبر المكان‪ ،‬ول يعتبر الزمان‪ .‬نقله أبو‬
‫نصر القشيري )‪(3‬‬
‫عن )قوم من الصوليين(‪ /‬يسمهم‪ ،‬ولم يبين الوجه في‬
‫تفريقهم بينهما‪.‬‬
‫ويمكن الستدلل لعتبار المكان بفعل ابن عمر ول‪ /‬ابنه‪،‬‬
‫إذ كانا يتحريان الصلة في المواضع التي صلى فيها‬
‫ى! في أسفاره إلى مكة‪.‬‬ ‫النب ِ‬
‫ولكن ذلك معارض بما ثبت عن عمر أنه رأى الناس‬
‫يتبادلون إلى مكان‬
‫فسأل عن ذلك‪ ،‬فقالوا‪ :‬قد صلى الشعب فيه ي‪ .‬فقال‪:‬‬
‫دامت عرضت له الصلة فليصل‪ ،‬وإل فليمض‪ ،‬فإنما هلك‬
‫أهل الكتاب لنهم تتبعوا آثار أنبيائهم فاتخذوها كنائس‬
‫وبيعا ً )‪.(4‬‬
‫المذهب الرابع‪ :‬اعتبار الزمان دون المكان‪ .‬وإليه يميل ابن‬
‫تيميه‪ .‬فقد ذكر‬
‫ً‬
‫عن جابر أن النبي ! دعا في مسجد الفتح ثلثا يوم الثنين‪،‬‬
‫ويوم الثلظ!‪ ،‬ويوم الربعاء‪ ،‬فاستجيب له يوم الربعل!‬
‫بين الصلتن فعرف البشر في وجهه‪ .‬قال جابر‪ :‬فلم ينزل‬
‫به أمر مهم غليظ إل توخيت تلك الساعة‪ ،‬فيدعو فيها‪،‬‬
‫فاغرف الجابة‪ ،‬يقول ابن تيميه‪" :‬هذا الحديث يعمل به‬
‫طائفة من أصحابنا وغيرهم‪ ،‬فيتحرون الدعاء في هذا‬
‫الوقت‪ ،‬كما نقل عن جابر‪ .‬ولم ينقل عن جابر أنه تحرى‬
‫الدعاء في المكان‪ ،‬ولكن تحرى الزمان " ْ)(‪.‬‬
‫رأينا في ذلك‪ :‬الذي نراه ترجيح القول الول‪ ،‬وهو أن‬
‫الصل عدم اعتبار الزمان والمكان في التأسي‪ ،‬ما لم‬
‫ى شرعًا‪،‬‬
‫نعلم أنه مقصود ومتحر ً‬
‫‪11‬ه المعتمد ‪ (2) 373/1‬أبو شامة‪ :‬المحقق ق ‪.1 39‬‬
‫)‪ (3‬أبر شامة‪ :‬التحقتا ‪139‬‬
‫)‪ (4‬ابن حجر‪ :‬فتحي الجاري ‪ 569/1‬وانظري يضأ‪ :‬ابن‬
‫تيميه اقتضاء الصراط المستقيم ص ‪386‬‬
‫ميم ص ‪433‬‬ ‫)‪ (5‬ابن تيميه ة اقتضاء الصراط المست َ‬
‫‪448‬‬

‫) ‪(1/440‬‬

‫وترجيحه من وجوه‪:‬‬
‫فالول‪ :‬ما تقدم عن القاضي عبدالجبار من أن اعتبارهما‬
‫تضييق وتحجير في أقاسي‪ .‬فينبغي إلغاؤهما ليتسع‬
‫الحكم‪،‬‬
‫الثاني‪ :‬أن الزمان والمكان طوفان للفعال‪ ،‬ول بد لكل‬
‫فعل مهما كانه‪ ،‬من‬
‫أن يقع في زمان ومكان‪ .‬ول شك أن الذي يقصد أعتبلره‬
‫من ذلك هو القل‪ ،‬فيجب بيانه‪ .‬ويبقى الرز وهو غير‬
‫المعتبر‪.‬‬
‫الثالث ت أن يقال‪ :‬إن تخصيصنا للمكانة و الزمالك بنا‪-‬‬
‫على أن النبي !‬
‫فعل فيه‪ ،‬إما أن يكلون لخاصية نشأت من إيقاعه جمد‬
‫ن يفعل فيه !‬ ‫العمل فيه صاما لخاصية موجودة فيه قبل أ ْ‬
‫فعله‪.‬‬
‫فيما الحتمال الول فقد تقدم إبطاله في المطلب‬
‫الخاصية بسبب الفعل‪-‬‬
‫وأما الثاف! وهو أن يكون في الظرف خاصية تقتضي‬
‫تخصيصه بالعبادة‪ ،‬فل‬
‫يصح بناء الحكلم الشرعية عليه‪ ،‬لوجهين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬أن احتمال وج!لى الخاصية المذكورة معارض‬
‫باحتمال عدم وهي خاصية أصل ً وأن وقوع الفعل في ذلك‬
‫حض كتغئم السماء ونحوها‪ ،‬وخاصة إذا‬ ‫الظرف طردني م ْ‬
‫خل من المناسبة‪ ،‬كما في عقد النجاح في حوالى‬
‫والدخول فيه‪.‬‬
‫وثانيهماة أدت البناء على مجرد احتمال الخاصّية ل يصلح‬
‫ول بد من بيانه ذلك بالقول أو غيره‪ .‬أما مجرد إيقاع‬
‫الفعل في الظرف فل يكفي بيانًا‪ ،‬لما تقدم من أن‬
‫الظرف ضروري للفعل من حيث هو فعل‪.‬‬
‫ول تبنى الحكام الشرعية إل على علم أوين‪ ،‬نا!ثيء عن‬
‫دليل‪.‬‬
‫فالقاعدة إذن عدم اعتبار المكان والزمان في التأسي‪ ،‬إل‬
‫بدليل خاص يدل‬
‫على ذلك‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪449‬‬

‫) ‪(1/441‬‬

‫أمثلة تطبيقية‪:‬‬
‫المثال الول‪ :‬مكان نحر الهدي للمحرر‪ .‬قال تعالى‪ :‬أول‬
‫تحلقوا رؤوسكم حتى يبلغ الهدي محله‪ ...‬فإن أحصرتم‬
‫فما استفسر من الهدي ! ونحر النبي ! وأصحابه هديهم‬
‫حيث احصروا‪.‬‬
‫ذهب أبو حنيفة إلى أن هدي المحور ينحر بالحرم‪ ،‬كهدي‬
‫كير المحور‪ .‬وذهب مالك والشافعي علما أنه ينحر في‬
‫مكان الحصار)‪.(1‬‬
‫وعن أحمد روايتان كالمذهبين )‪.(2‬‬
‫محلها إلى البيت‬ ‫استدل لبي حنيفة )‪ (3‬بقوله تعالى‪ :‬إثم َ‬
‫العتيق ! وبتسميته‬
‫هديا ً والهدي ما يهدى إلى البيت‪.‬‬
‫واستدل لمالك والشافعي بفعل النبي عن وأصحابه )‪.(4‬‬
‫قال القرطبي‪:‬‬
‫‪ 9‬ينحر حيث حل‪ ،‬اقتداء بفعله عليه الصلة والسلم‬
‫بالحديبية"‪-‬‬
‫ومقتكما القاعدة التي ذكرناها‪ ،‬وهو الراجح عندنا قي هذه‬
‫المسألة‪ ،‬أن هذا المحور يجب نحره بالحرم‪ ،‬وأما الفعل‬
‫النبوي من ذبحه خارج الحرم فهو خارج على سبب‪ ،‬وهو‬
‫أنه قد حيل بينه وبن إرساله الهدي إنما الحرم‪ .‬ودليل ذلك‬
‫قوله تعالى‪ :‬وهم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد‬
‫محّله ! يعنيه وصلوا‬‫ما معكوفا لن يبلغ َ‬ ‫الحرام والهدي َ‬
‫ديمما(‪.‬‬
‫ه ْ‬
‫ال َ‬
‫يقول القصاص ْ)(لهذا من أدل الدليل عل أن محّله‬
‫عّله‪ ،‬خلط‬ ‫ي عن بلوغ ِ‬‫الحرم‪ ..:‬فلما أخبر عن منعهم الهد َ‬
‫حل له "‪.‬‬
‫م ِ‬
‫حل ليس ب َ َ‬‫ذلك على أن ال ِ‬
‫)‪ (1‬تفسير القرطبي ‪ (2) 379/2‬ابن قدامه ة المغني‬
‫‪ (3) 358/3‬ابن الهمام‪ :‬فتح البحر ‪297/2‬‬
‫)‪ (4‬المجموع ‪ 267 /8‬وا نظر أيضا ً ا لشافعي‪ :‬ا لم ‪59 /2‬‬
‫‪1‬‬
‫مرآلط\ ‪ /‬أهل ‪2‬‬
‫)‪ 15‬أحكام ال ّ‬
‫‪450‬‬

‫) ‪(1/442‬‬

‫وعلى إنما يكون المستفاد من الفعل النبوي جواز ذبحه‬


‫في مكان الحصار في‬
‫حالة عدم القدرة على إرساله إلى الحرم‪ .‬والّله أعلم‪.‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬إقامة صلة الجمعة بالقرى‪-‬‬
‫قال الحنفية‪ :‬ل تقام إل بمصر جامع‪.‬‬
‫وقال الشافعية والحنابلية والمالكية‪ :‬تقام بالقرى‪.‬‬
‫احتج الحنفية بحجج منها‪ :‬أما في بدائع الصنائع‪ ،‬أن‬
‫النبي !ن! كان يقيم الجمعة بللدينة‪ ،‬كما روي إقامتها‬
‫حولها‪ ،‬وكذا الصحابة رضي الله عنهم‪ ،‬فتحوا البلد‪ ،‬وما‬
‫نصبوا المنابر إل في المصار)‪.(1‬‬
‫واحتج الخرون بحجج منها ما روي عن ابن عباس‪ ،‬أنه‬
‫قال‪ :‬فإن أوله‬
‫ة في مسجد النبي يا‪ -.‬في مسجد‬ ‫جمعة جمعت بعد جمع ٍ‬
‫عبدالقيس بجواثى من قرى البحرين "‪.،3،‬‬
‫وقال الحنفية في رد هذا الستدلل‪ :‬القرية قي عرف‬
‫المتقدمين المصر‪.‬‬
‫المثال الثالث ش جاءت إلى النبي ! امرأة‪ ،‬وهو جالس بين‬
‫أصحابه‪ .‬فوهبت نفسها له ليتزوجها‪ ،‬فكانه‪ /‬يرد ذلك‪،‬‬
‫فقال بعض أصحابه‪ :‬إنا‪ /‬يكن لك بها حاجة فزوجْنيها‪،‬‬
‫جه بها‪ ،‬وفي رواية‪ :‬كان ذلك ل المسجد!‪ .(3‬واضح أن‬ ‫فزؤ َ‬
‫الفعل يدل على الجوهر‪ ،‬فل حرج في بجرامح! عقد‬
‫النكلح في المساجد‪ .‬ولكن لتصح القول بأنه مستحب‬
‫فيها‪ ،‬لعدم الدليل على ذلك‪.‬‬
‫)‪ (1‬بدائع الصنائع ‪361 /1‬‬
‫)‪ (2‬رواه البخاري وهذا لفظه‪ .‬ورواها بو داود بمعناه‬
‫وجمع الصول ‪ (3) (،43/6‬فتح البارز ‪256 /9‬‬
‫‪451‬‬

‫) ‪(1/443‬‬
‫هيَئة الفعل‬
‫المبحث الخامس َ‬
‫قد قال البلقاني في هيئة الفعل كلمة تناقلها من بعده‬
‫كالغزالي وأبو شامة والزركشي )‪ .(1‬وهي أن ما يقتدى به‬
‫من الفعال النبوية تتبع هيئته‪ .‬يقولي الغزالي‪ :‬أ إن قيل‪:‬‬
‫ل والنبي !( فعل‪ ،‬وكان بيانًا‪ ،‬يرقع في زمان‬ ‫ع َ‬
‫من ف َ‬
‫وميلن وعلى هيئة‪ ،‬فهل يتبع الزمان والمكان والهيئة؟‬
‫قيل‪ :‬أما الهيئة والكيفية فنعم‪ ،‬وأما الزمان والمكان فل‬
‫مدخل له إل أن يكون لئقا به بدليل "‪.‬‬
‫و‪ /‬يبينوا لنا ما الهيئة التي يشيرون إليها‪ .‬ول أنها تتبع‬
‫وجوبا أو استحبابًا‪.‬‬
‫ويظهر أن المقصود بالهيئة أن يتركب الفعل من أجزاء‬
‫ذات أوضاع خاصة‪،‬‬
‫مع الخذ في العتباركيفية ترتب تلك الجزاء بموقع‬
‫بعضها من بعض‪.‬‬
‫فإن كان هذا هو المراد‪ ،‬فأوضح ما يمثل به لذلك هيئة‬
‫الصلة من كونها‬
‫ن بينهما جلسة‬ ‫ذات قيام بعده ركوع بعلى رفع ثم سجودا ِ‬
‫إلها آخر ما يذ كر في صفة الصلة‪.‬‬
‫ولكن هذا المر‪ ،‬وهو اتباع الهيئة‪ ،‬هوذا الصلة واضح ل‬
‫إشكال فيه‪،‬‬
‫وذلك لن لها هيئة اجتماعية علمت من قرائن كثيرة‪،‬‬
‫وإشارات في الكتاب والسنة‪ ،‬هي دليل الترتيب‪.‬‬
‫ً‬
‫أما ما لم يكن كذلك من الفعال فهل تتبع هيئته أيضا؟‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر‪ :‬المستشفى ‪ 0 5 2 /2‬المحقق ‪ 0 1 39‬البحر‬
‫المحيط ‪452 .1 2 5 2 /2‬‬

‫) ‪(1/444‬‬

‫والذي نقوله إن إتباع الهيئة‪ ،‬إذا‪ /‬يجئ ل عليها إل بالفعل‬


‫النبوئي المجرد‪ ،‬ل‬
‫يزيد عن أن يكثرن مستحبا‪.‬‬
‫فيما إن كان الفعل بيانا لهيئة مامور بها فيدل على وجوب‬
‫تلك الهيئة‪ ،‬وذلك‬
‫كما أن الله أمر بالسجود‪ ،‬فعلمنا النبي ! السجود بهيئته‬
‫المطلوبة التي يتحققا بها كونه سجودًا‪ .‬لكن ما خرج عن‬
‫و يطة‪ ،‬وضَئم‬‫خ ٍ‬
‫تبيين حقيقة المجرد من الهيئات‪ ،‬كالت ْ‬
‫الصابع‪ ،‬وتوجيهها إلى القبلة‪ ،‬فيكون مستحّبا ل غير‪ ،‬أخذ‬
‫من قاعدة الفعل المجرد الذي ظهر فيه قصد القربة‪،‬‬
‫فهي وإد كانت من أجزاء الصلة‪ ،‬إل ! ها هي ذاتها أفعال‬
‫يراد بها القربة‪ ،‬إذ إنها تعين عله الخشوع واستحضار‬
‫التوجه إلي الله‪.‬‬
‫وكذلك هيئة الطواف‪ .‬فقد تبين بفعله له وجوب البدء من‬
‫عند الحجر السود‪ ،‬وجعل البيت عن يساره وهذا ما يتحقق‬
‫به دون الفعلي طوافًا‪ .‬وأما ما زاد عن ذلك كالرمل بين‬
‫الركنين والضطباخ‪ ،‬والذكارغ فهي أمور خارجة عن‬
‫حقيقة الطواف‪ ،‬فتكون من قبيل الفعال المجردة‪،‬‬
‫ويقتدى بها استحبابا إن وضحت ن المراد بها القربة‪.‬‬
‫س ‪45‬‬

‫) ‪(1/445‬‬

‫ة القتار بنّية‬
‫س الدلل َ‬
‫المبحث ال!اد ْ‬
‫مراهنا بالقتران أن يقع الفعل النبوي مقلرنأ أو سابقا أو‬
‫لحقا لفعل آخر‬
‫مع كون الفعليهة ليسا جزأين لفعل واحد‪ .‬فإن الفعال‬
‫ؤق فعل واحدة قد تقدمت في المبحث الخاص‬ ‫التي تك َ‬
‫بالهيئة‪.‬‬
‫والذي يظهر لنا أن الفعل إذا اقترن بفعل آخر علم‬
‫ارتباطه به حتى يكون كالوصف له )‪"1‬؟ بدليل قولي‪ ،‬فإنه‬
‫يؤخذ بذلك‪.‬‬
‫وإن لم يكن دليل قولي؟ فالولي النظر إلى ذلك حاسب‬
‫ن قاعدة الفعل‬ ‫قاعدة التاسئي بالفعال المجردة دو ِ‬
‫البياني‪ ،‬والّله أعلم‪.‬‬
‫مثل لم أر لي‪:‬‬
‫ومن أوضح المثلة لذلك ما روى ابن مسعود‪ :‬بأن‬
‫المشرك!س شغلوا رسول الله ! عن أربع صلوات يوم‬
‫فن‪.‬‬‫الخندق‪ ،‬حتى ذهب من الليل ما شاء الّله‪ ،‬عامر بلًل فأ َ‬
‫ثم أقام فصلى الظهر‪ ،‬ثم أل آ فصلى الحصر‪ ،‬ثم أقام‬
‫فصلى المغرب‪ ،‬ثم أقام فصله العشاحه )‪.(2‬‬
‫فقال المالكية والحنفية والحنابلة‪ :‬يجب الترتيب بين‬
‫الفوائد‪ ،‬حتى لو قدم العصر عل الظهر مثل فإنه يعيد‬
‫العصر‪.‬‬
‫وقال الشادنعية‪ :‬ل يجب ذلك بل هو مستحب‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر الموافقات الشاطبى ‪38 -35 /3‬‬
‫)‪ (2‬حديث ابن مسعود رواها الترمذي والنسائي وجامع‬
‫الصول ‪(141 /6‬‬

‫) ‪(1/446‬‬
‫استدل الولون بالفعل الئبوئمما‪ ،‬مع قوله نجيهكله‪:‬‬
‫لصلوا كما رأيتموني أصلي أأ فادخلوا في دللة الفعل‬
‫الدللة القتراضية‪ ،‬وحملوها كلى الوجوب‪ .‬رقد تقدم أن‬
‫الصواب من حديث‪" :‬صلوا كما رد يتموف! أصلي " ل يصلح‬
‫دليل للتمييز بي واجبات الصلة ومستحباتها‪ ،‬بل تبقى‬
‫أفعال الصلة من هذه الناحية في حكم العلى المجرد‪-‬‬
‫وبئّنا أن الفعل المجرد بذا‪ /‬يتقدم دللة عله أنه ! فعله‬
‫على سبيلي الوجوب فل يكون واجبًا‪ .‬ولم تقم قرينة على‬
‫أنه ! رتب بين الفوائد على سبيل الوجوب‪ ،‬فل يبقى إل‬
‫أنه فعل ذلك استحبابه‪.‬‬
‫فهذه طريق من طرق الستدلل على كون مذهب‬
‫الشافعية قي مسالة الترتيب بي الصلوات المقضية أرجح‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫مثال آخر‪:‬‬
‫حديث ابن عمر‪ :‬صليت مع النبي له سجدتين قبل الظهر‬
‫وسجدتين بعدها‪ ،‬وسجدتين بعد الجمعة‪ ،‬وسجدتن بعد‬
‫المغرب‪ ،‬وسجدتين بعد العشاء‪ .‬فأما المغرب والعشاء‬
‫ى بيته‪ -‬وحدثتني حفصة أنه !بهحييه كان يصل ركعتين‬ ‫فف ِ‬
‫بعدما يطلع الفجر" )‪.(1‬‬
‫وروي نحوه عن عائشة )‪.(2‬‬
‫فقد تضمن هذا الحديث من متعلقات الفعل ثلثة أشياء‪:‬‬
‫ا‪ -‬العدد‪ ،‬وسيأق! يخص مطلب خاص إن شاء الّله‪.‬‬
‫‪ -2‬والمكان‪ ،‬وقد تقدم أدت الفعل ل يدل عل اعتباره في‬
‫التأسي إل بقرينة‪.‬‬
‫ت على أن فعل‬ ‫دل بهذا الحدي َ‬
‫وقد قال ابن حجر‪ :‬اسئ ِ‬
‫النوافل الليلية في البيوت أفضل منه في المسجد‪ ،‬بخلف‬
‫رواتب النهار‪ .‬قالت‪ :‬وفي الستدللي بهذا الحديث لذلك‬
‫نظر‪ ،‬والظاهر أدي ذلك‪ /‬يقع عن عمد‪.‬‬
‫)‪ (1‬رواه البخاري )‪(50 /3‬‬
‫)‪ (2‬رواية عائشة عند مسلم لنيل الولد ‪455 (16 /3‬‬

‫) ‪(1/447‬‬

‫أقول‪ :‬ولعل هذا من تتبعات ابن عمر لمكنة العبادة‬


‫النبوّية‪ ،‬مما‪ /‬يكلن‬
‫غيره من الصحابة يعيرها باله‪ ،‬ول يلتفت إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬القتران بالفريضة‪ ،‬قبلها أو بعدها‪ ،‬وهو المراد هنا‪.‬‬
‫والتفاق واقع على‬
‫أن هذا الرتباط بين الرواتب والفرائض معتبر‪ ،‬وإنما‬
‫اختلف الفقهاء في العدد والمكان‪ .‬ولعل الذي دل على أن‬
‫هذه المقارنة معتبرة في هذا المثال اتفاق ابن عمر‬
‫وعائشة على ملحظتهما‪ ،‬مع الستمرار من النبي !ك!‬
‫على رعايتها‪ ،‬وخاصة في الركعت!سن للطن قبل صلة‬
‫الفجر‪ .‬قالت عائشة‪ /! :‬يكن رسولي الدمغ على شيء من‬
‫النوافل أشذ تعاهدا منه على ركعتي الفجر"‪.‬‬
‫* !!‬
‫مثال رابع‪ :‬النظائر القرآنية عند ابن مسعود‪:‬‬
‫ورد من حديث ابن مسعود أنه قال‪ 9 :‬كان النبي له!! يقرأ‬
‫النظائر سورتين في الركعة‪ :‬الرحمن والنجم‪ ،‬في ركعة‪.‬‬
‫واقتربت والحاقة‪ ،‬في ركعة والطور والذاريات‪ ،‬في ركعة‪.‬‬
‫وقيل للمطففين وعبس‪ ،‬في ركعة" قال أبو داود‪ :‬هذا‬
‫تكليف ابن مسعود‪.‬‬
‫ول يحل هذا القتران على وجرب ول استحباب‪ ،‬والغالب‬
‫أنه وقع عرضا ً‬
‫فليس هو مما ظهر فيه قصد القربة‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪456‬‬

‫) ‪(1/448‬‬

‫المبحث السابع‬
‫صر المادّية‬‫ت والعنا ِ‬
‫الدوا ُ‬
‫إن النبي ! إذا استعان في إيجاد الفعل بأدوات معينة فذلك‬
‫غالبا للمصلحة‬
‫التي تحصل بتلك الدوات‪ ،‬فالتأستي بفعله ل يقتل‬
‫الستعانة أصل بأذى وات مماثلة‪ ،‬وذلك كالعصا أو القول‬
‫مرة التي كان يضعها فيسجد عليها‪،‬‬ ‫في الخطبة‪ ،‬وكالخ ْ‬
‫واستلمه الركن بالمحجر‪ ،‬واستناده إلى الجذع عندما كان‬
‫يخطب‪ ،‬قبل أن يصنع له المنبر‪ .‬فل يجب ذلك ول يستحب‪،‬‬
‫وإنما يدل ذلك على الجواز‪.‬‬
‫ص!نما قلنا في ما سبق‪ ،‬يستحب اتخاذ المنبر‪ ،‬لما ورد من‬
‫القرن السمو باتخاذه‪،‬‬
‫ولنه جعل من شعائر المسجد‪ .‬وأجمعت المة عليه‪.‬‬
‫وكما قلنا في الدوات‪ ،‬كذلك يقوله في جنس المواد‬
‫المستعملة‪ ،‬إنما تختار بحسب المصلحة‪ ،‬فلذا بني !‬
‫مسجده من يد وسعف النخيلة‪ ،‬وفرشه بالرمل أو الحصباء‪،‬‬
‫وكان منبره ثلث درجات‪ ،‬ومصنوعة من أهل الغابة‪ ،‬فل‬
‫يدلي ذلوا على أكل من الباحة؟ ما ل يعلم أنا تخصيصه‬
‫ذلك الجنس لغرض شرعي‪ ،‬فيكون بخصوصه مستحبًا‪ .‬وأما‬
‫ما سوى ذلك فينظر يخص ما يحقق المصلحة عله وجه‬
‫أتهم‪ ،‬فيكون أولى من غيره‪ ،‬كبناء المسجد الن بالسمنت‬
‫المسلح والرخام ونحوها‪ .‬وتستخدم فيه مكّبرات الصوت‪،‬‬
‫والنارة الكهربائية؟ والسجاجيد‪ ،‬وغير ذلك‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪457‬‬

‫) ‪(1/449‬‬

‫المجد الثامن‬
‫العد د والمقدار‬
‫ً‬
‫يتضمن البحث في عدد الفعل ومقداره أمورا‪ ،‬نعقد لكل‬
‫منها مطلبا ً‬
‫المطلب الول‬
‫الفعل الواحد‪ ،‬إن كان يمكن عمله بقدر طويل أر قصير‪،‬‬
‫فهل يعتبر طول‬
‫الفعل وقصره في التأيمئي؟‪.‬‬
‫نقل أبو الحسين المصرفي )‪ (1‬عن القاضي عبدالجبار أنه‬
‫ل اعتبار بطول العلى وقصره جمع التاسئي‪ .‬ومقصوده‬
‫أنه لما ثبت وجوب التاسئي في أصلى الفعل فإن ذلك ل‬
‫يستلزم وجوب التاسئي في طول الفعل وقصره‪ ،‬و‪ /‬يمنع‬
‫أن يقتدي بطول الفعل وقصره على وجه الستحباب‪.‬‬
‫ثم قال أبو الحسن البصري‪ :‬لقائل أن يقرلى‪ :‬يجب اعتبار‬
‫ذلك‪ -‬يعني طول‬
‫الفعل وقصره‪ -‬بحسب المكان‪ ،‬إذا علم دخولهما في‬
‫الغراض ! يعني إذا علم أن طول الفعل أو قصره مقصود‪.‬‬
‫فل شك إذا علم أن القدر مقصود‪ ،‬أنه يقتدى به‪ ،‬ولكن هل‬
‫يجب لمجرد علمنا أنه مقصود‪ ،‬أول يجب أل إذا علمنا أنه‬
‫عن قصد فعله على وجه الوجوب ‪.3‬‬
‫والفرق بين المرين أن المقصود الول مجرد التعّبد‪،‬‬
‫والمقصود الثاني‪ :‬التعهد‬
‫على وجه الوجوب‪.‬‬
‫)‪ 1 (1‬لمعتمد )‪(374 /1‬‬
‫‪458‬‬

‫) ‪(1/450‬‬

‫ولنضرب المثال بسجوده ! في الصلة‪ .‬فإنه يتحقق بوضع‬


‫الرأس على الرض لحظة ل يطمئن فيها )‪ ،(1‬وكان عن‬
‫أحيانا يخففه مع الطمأنينة رأحيانأ كان يطيله جدًا‪.‬‬
‫فأما القدر الول فهو واجب ل شكل في ذلك‪ ،‬وهو مجمع‬
‫عليه‪ ،‬إذ ل يتحقته المأمور به إل بفلك‪.‬‬
‫وأما القمر الثاني‪ ،‬وهو قدر الطمأنينة فقد اختلف فيه‪،‬‬
‫فقال أبو حنيفة بأن الطمأنينة في الركوع والسجود غزير‬
‫واجبة‪ ،،‬خطأ بالمر!ا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا!‪! .‬‬
‫وقال الحنابلة والشافعية‪ :‬الطمأنينة واجبة‪ ،‬بدليلين‪.‬‬
‫الول‪ :‬الفعل النبوئي‪ ،‬فإنه وقع تفسيرا للسجود الواجب‪،‬‬
‫فيدلى على أنها‬
‫مرادة بالمر‪ .‬وقد حافظ !ئ! على الطمأنينة فلم يتركها‬
‫مرة واحدة‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬حديث المسيء صلته‪ ،‬وفيها ن النبي يا قال له‪:‬‬
‫ل اسجد حتى تطمئن ساجدًا" )‪.(2‬‬
‫والقول الثاني‪ ،‬وهو قوله الحنابلة والشافعية‪ ،‬أراجع‪ ،‬لن‬
‫هذه قرائن تله ز‬
‫على أنه ي فعل ذلك على سبيل الوجوب ع وقاعدة‬
‫الخالصي تنتج أنه واجب علينا أيضًا‪ ،‬هذا إن اعتبرناه فحل ً‬
‫مجرفة‪ .‬فيما إن اعتبرناه بيانا للمر والرجوب أظهرت وأما‬
‫القدر الثالث‪ :‬وهو إطالة السجن بما يزيد على القدر الذي‬
‫تتحقق به الطمأنينة‪ ،‬فهذا ل يدل على وجوبه دليل‪ .‬بل هو‬
‫مستحدث أخذا من قاعدة الستحباب في الفعل المجرد‬
‫الذي قصدت به القربة‪.‬‬
‫والذي نستنتجه من ذلك أنه ينبغي أن ينظر لطول الفعل‬
‫وقصره نظرة‬
‫)‪ (1‬انظر ابن قديمة‪ :‬المغني ‪500 /1‬‬
‫ى‬‫)‪ (2‬حديث الصين صلته‪ ،‬رواه البخاري ‪ 549/1 1‬والترهذ ِ‬
‫‪ 308/2‬رقال! هفا حديث حسين صحيح‪.‬‬
‫‪459‬‬

‫) ‪(1/451‬‬

‫مستقلة عن أصل الفعل‪ ،‬علها ساس قاعدة الفعل‬


‫المجرد‪ ،‬فإن علم أنه يغره قصد في الفعل قدرا معينا‬
‫على سبيل الوجوب أو الستحباب أو الباحة فالحكم في‬
‫حقنا ى لك‪ ،‬وإن‪ /‬يعلم ذلك فالستحباب إن ظهر قصد‬
‫القربة‪ ،‬وال فالباحة‪ .‬ومن هنا ينشا القول باستحب!اب‬
‫التخفيف في ركعتي الفجر‪ ،‬وفي صلة الفرائض جماعة‪،‬‬
‫وخاصة عند ظهور حاجة بعض المصلين إلى ذلك‪ ،‬كان‬
‫يبكي طفل وأمه مع المصلين‪ .‬واستحباب تقصير الخطبة‬
‫لطالة الصلة يرم الجمعة‪ ،‬واستحباب الطالة في صلة‬
‫الليل‪ ،‬مع تخفيف الركعت!سن لرليين منها‪ .‬إلى غير ذلك‬
‫مما ورد ذكره في السنة من مقاديرها‪.‬‬
‫وكذلك استحباب القدر الذي وقفه النبي ! بعرفة‪ .‬قاله‬
‫أعلمه‬
‫‪465‬‬

‫) ‪(1/452‬‬

‫الطلب الثاني‬
‫الكثرة والقلة في مرات وجود الفعل‬
‫ويدخل في هو ‪ 8‬المسالة أن يفعل النبي ! الفعل دائما‪ً،‬‬
‫أو مرات كثيرة‪ ،‬أو قليلة‪.‬‬
‫فقد قال ابن أمير الحاج‪ :‬أل يخل بالتايمئي أن يكون فعل‬
‫الغير متكررا أرض‬
‫ل" )‪.(1‬‬
‫والصواب أن في المسالة تفصيل ً‬
‫فإن علم للفعل سبب ارتبط به‪ ،‬فكثر العلى أو قل تبعا‬
‫لكثرة مجرد السبب‬
‫أو قلته‪ ،‬فالمر راضح( ن القتداء به يكون بفعله عند ورود‬
‫سعاة على الزكاة كل عام‪ ،‬و)قامته‬ ‫السبب‪ .‬كلرساله ! ال ً‬
‫الجمعات والعياد منحهما‪ ،‬وصيام رمضان‪ ،‬ورجم الزاني‪،‬‬
‫وقطع السارق‪.‬‬
‫وأما ما سوى ذلك فهر عل قسمي‪:‬‬
‫القسام الول‪:‬‬
‫ً‬
‫( ن يعمل به ! دائما أو كثيرا )‪ .(2‬فيقتضي ذلك في حقنا‬
‫الكثار من ذلك الفعل‪ ،‬وخاصة إن كانت صل الفعل امتثال‬
‫للوأمر اللهية‪ ،‬كاجمثار من نوافل الصلة‪ ،‬والصوم‪،‬‬
‫والصدقات‪ ،‬وأجمثار من الجهود‪ .‬فهذا النوع عمل للقتداء‪،‬‬
‫يستحب الكثار‪ .‬من الفعل كما أكد النبي ! منه‪.‬‬
‫)‪ (1‬التقرير والتحبير على التحرير ‪353/2‬‬
‫ى بحث‪.‬‬‫)‪ (2‬أشار الشاطبي الىن شراء من ذلك في سيا ّ‬
‫انظر‪ :‬الموافقات ‪ 56/3‬وما بعدها‪461 .‬‬

‫) ‪(1/453‬‬

‫القسم الثاني ة‬
‫أن يقع العمل به قليل ً شهر نوعان‪:‬‬
‫النوع الول‪ :‬ما علم سبب قلته‪ .‬فيعلم حكمه بذلك‪ ،‬وله‬
‫أمثلة‪:‬‬
‫المثال الول‪ :‬صلته قيام رمضان بالمسجد‪ ،‬فإنه فعلها‪،‬‬
‫ثم تركها خشية أن تفرض فدل ذلك على مشروعية فعلها‬
‫بالمسجد لزوال السبب‪ ،‬ول باس بالكثار منها فيه‪ ،‬بل‬
‫السنة المحافظة عليها في المساجد بدليل فعل الصحابة‬
‫والتامين‪ .‬المثال الثاني‪ :‬صلة الضحى‪ ،‬قالت عائشة‪ :‬كما‬
‫رأيت رسول الله !‬
‫يصلي سبحة الضحك‪ ،‬داني لسئحها‪ ،‬وإن كان ليدع العمل‬
‫وهو يحب أن يعمل به خشية أن يعمل به الناس فيفرض‬
‫عليهم "‪ -‬فقد تبّين سبب القلة‪ .‬فل مانع بالنسبة إلينا من‬
‫المثار منها بل والدوام عليها )‪ .(1‬وقد كانت عائشة تداوم‬
‫شر لي أبواي ما تركتها" )‪.(2‬‬
‫عليها وتقول‪ :‬الو ن ِ‬
‫النوع الثاني‪ :‬أن ل يعلم للقلة سبب‪ .‬فالذي يقتضيه‬
‫التأسيس والقتداء‬
‫عدم الكثار منه‪ ،‬بل تقليله بحاسب ذلك‪ .‬ولهذا النرع(‬
‫مثل‪-‬‬
‫المثال الول‪ :‬قيامه ي لزيد بن حارثة‪ ،(+‬فلم يكن ي!!‬
‫يقوم لكل قادم‪،‬‬
‫بل‪ /‬ينقل عنه إل هذه المرة‪ ،‬وأمرهم بالقيام لسعد بن‬
‫معاذ )‪ ،(4‬فل يصح اتخذ القيام‪ -‬بناء على ذلك‪ -‬سنة‪.‬‬
‫المثال الثاني‪ :‬تقبيل بعض الناس يده !ك!ه‪ ،‬قد وقع ذلك‬
‫مرات معدودة إن صحت الروايات بذلك ْ)(‪ ،‬ولم يكن ذلك‬
‫دأب الصحابة معه ئمة‪ .‬فل ينبغي أدت‬
‫)‪ (1‬انظر تيسير التحرير ‪ 0255 /1‬الموافقات ‪65 /3‬‬
‫)‪ (2‬رواه مالك )جمامع الصول ‪(77 /7‬‬
‫)‪ (3‬رواه الترمذي ‪ (4) 523/7‬سيرة ابن هشام ‪24 5 /2‬‬
‫ى ‪/8‬‬‫مبيل بعض اليهود يديه ورجليه )الترمذ ِ‬ ‫)‪ (5‬منها أول ً ل ّ ّ‬
‫‪ 580‬وقال‪ :‬حمسن صحيح وأحمد ‪ 23.9 /4‬وابن ماجه ‪1 /2‬‬
‫‪(1 22‬‬
‫ثانيا ً تقبيل ابن عمر يده ! )‪ 1‬حمد ‪ 70 /2‬وأبوداود ‪307/7‬‬
‫وابن ماجه ‪463 (1221 /2‬‬

‫) ‪(1/454‬‬

‫يتخذ ذلك سنة‪ .‬بل الكثر من فعلهم معه له هو السنة وهو‬


‫ا!افحة‪ .‬فإن حصل التقبيل على سبيل الندرة والقلة‬
‫تكريما للدين وأهله جاز إن صحت الرواية‪ ،‬ما‪ /‬يدل على‬
‫خصوصيته بذلك !‪.‬‬
‫المثال الثالث‪ :‬سجل الشكر‪ ،‬ورد عن النبي !ئن! فعله عل‬
‫قلة‪ .‬مع كثرة ما‬
‫فتح الله عليه من الفتوح‪ .‬كرهه مالك وأبو حنيفة‪،‬‬
‫واستحقه الشافعي وأحمد )‪ .(1‬المثال الرابع‪ :‬العمرة‪.‬‬
‫فإن النعي ! اعتمر بعد الهجرة( ربع عمر‪ ،‬عمرة الحديبية‬
‫سنة ست‪ ،‬والقضية سنة سبع‪ ،‬بالجعرانة سنة ثمان‪،‬‬
‫وعمرة مع حجة الودل! سنة عشر‪ -‬فدم يزد عن عمرة‬
‫واحدة في السفرة‪ (،‬و عمرة في سناء‬
‫وقد اختلف الفقهاء في ذلك‪.‬‬
‫فقال مالك‪ :‬يكرهه ن يعتمر في السنة مرتين )‪ .،3‬ومثله‬
‫قول النوعي‪.‬‬
‫وقال أحمد والشافعي‪ :‬ل باس بذلك‪ .‬احتجاجا ً بقصة‬
‫عائشة فقد اعتمرت‬
‫في شهرمرجمة‪.‬‬
‫وأما الموالة بين العمر والكثار منها فقد قال ابن‬
‫قدامة‪:‬أ أقوال السلف‬
‫ود حوارهم تدل على أنه ل يستحب ذلك‪ .‬ولن النبي لم‬
‫وأصحابه‪ /‬ينقل عنهم الموالة فيها‪ ..-‬ولو كان في هذا‬
‫فضلى ما اتفقوا عله ترك!‪.(+‬‬
‫المثال الخمس ت صلة التطؤخ جماعة‪ .‬فعله النبي ! في‬
‫قيم رمضان كما‬
‫تقدم‪ ،‬فكان سنة‪ ،‬وأما ما سوى ذلك فقد صلى نمل جماعة‬
‫بأنس وأمه‪ ،‬وصلى بابن أم مكتوم ! وصلى بابن عباس ه‬
‫غيرانه يعلم أن الكثرون فعله أق يصليها منفردا ً فكانت‬
‫تلك هي السنة‪ .‬وقال الشاطري‪ :‬وهو الذي أخذ به مالك‬
‫أنه يجيز الجماعة في النافلة في الرجلين والثلثة‪ ،‬ول‬
‫مظنة اشتهار‪ ،‬وما عدا هذا فإنه يكرهه ! )‪.(4‬‬ ‫يكودط ذلك ّ‬

‫)‪ (1‬انظر المغني لبن قدامه ‪! 628/1‬ك! المغني لين‬


‫تهامة ‪226/3‬‬
‫)‪ (2‬الممونة ‪ (4) 374/1‬ا لمرا فقات ‪463 62 /3‬‬

‫) ‪(1/455‬‬

‫وبين ابن تسمية ما يبنيه على ذلك‪ ،‬فقال‪:‬إ من الناس من‬


‫يجعل هذا في ما يحدث من صلة اللفية ليلة النصف من‬
‫شعبان‪ ،‬والرغائب‪ ،‬ونحوها‪ ،‬يداومون فيه عله الجمرات‪.‬‬
‫رمن الناس من يكر ‪ 8‬التطوع جمعة‪ .‬ومعلوم أق الصراع‬
‫فيما جاءت به السنة‪ .‬فل يكلفه أن يتطوع في جماعة‪ ،‬كما‬
‫فعل النبي !ن!‪ .‬ول يجعل ذلك سنة راتبة‪ ،‬ومن يقيم‬
‫للمسجد إماما ً راتبا ً يصلي بالناس بين العشاءين‪ ،‬أو في‬
‫جوف الليل‪ ،‬كما يصلي جهم الصلوات الخمس ! )؟(‪.‬‬
‫المطلب الثالث‬
‫دللة الفعل النبوي على الحد العلى‬
‫أو الحد الدق في التقديرات الشرعية‬
‫من ذلك أنه !‪ /‬يكن يزيد في الوخز على ثلث غسلت‪،‬‬
‫وفي صلة‬
‫جَلد في الخمر تحو أربعين‬ ‫الليل عن إحدى عشرة ركعة‪ ،‬و َ‬
‫)‪ ،(2‬وأقام بمكة تسعة عشر يرمي يقهر‪ ،‬فهل ذلك حد‬
‫أعلى ل يجوز الزيادة عليه؟‪.‬‬
‫وكذلك قطع في مجن ثمنه ثلثة دراهم‪ ،‬فعلى يمتنع‬
‫القطع في ما دونه؟‪.‬‬
‫فأما الوضوء‪ :‬فقد قال البخاري‪ :‬كره أهل العلم السراف‬
‫فيه وأن يجاوزوا‬
‫فعل النبي يكن )‪ .(3‬وقال الشافعي ل أحب الزيادة على‬
‫الثلث‪ ،‬فإن زاد‪ /‬أكرهه‪ ،‬أي لم أحرمه‪ .‬قال ابن حجر‪ :‬وهذا‬
‫هو الصح عند الشافعية‪ .‬وعند بعض الحنفية‪ :‬إن اعتقد أن‬
‫الزيادة سنةط خطا‪ ،‬وال فل لوم‪ .(4،‬وقال أخمد‪ :‬ل يزيد‬
‫على الثلث إل رجل مبتلى ْ)(‪.‬‬
‫)‪ (1‬الفتاوى الكبرى س ‪ /2‬س!‪4 ،11‬م ا‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم )فتع الجاري ‪ (70 /12‬ود بر داود‬
‫والترمذي‪.‬‬
‫عح الجاري ‪234/1‬‬ ‫)‪ (3‬ف َ‬
‫)‪ (4‬المصدر نفسه ‪ (5) 234/1‬المصدر نفسه ‪464 234/1‬‬

‫) ‪(1/456‬‬

‫ويرى ال لية أن الوضوء يجب فيه السباغ‪ ،‬ول تحديد فيه‬


‫من حيث عدد الغسلت في حدود الثلث‪ ،‬ويكره أن يزيد‬
‫عليها )‪.(1‬‬
‫وأما قيام الليل‪ :‬فقد كره بعض المحذث!ش الزيادة عل‬
‫إحدى عشرة ركعة‪،‬‬
‫و‪ /‬يكرهه أحد منذ قمة المذاهب الربعة‪.‬‬
‫ْ‬
‫وأما الجلد قي الخمر‪ :‬فقد زاد عمر الحد إلى لمانن‪،‬‬
‫بإشارة علي رضي الله عنهما‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬الحد أربعون‪ ،‬استدلل بالفعل النبوئي‬
‫ويجرزعندي الزيارة‬
‫على سبيل التعزير إلى ثمانين‪ .‬وقال مالك وأبو حنيفة‪:‬‬
‫الحدث ثمانون ع لجماع الصحابة‪ .‬وعن أحمد روايتان !‬
‫المذهب!ن )‪.(2‬‬
‫وأما القصر‪ :‬فقد قال ابن عباس‪ :‬أقام النبي‪ !-‬تسعة عشر‬
‫يوما يقصر‪،‬‬
‫فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا‪ ،‬وإن زدنا أتممنا )‪.(3‬‬
‫وقال ابن حجر‪ :‬صبري في هذا الحديث‪ :‬بخمسة عشر"‪-‬‬
‫فرأى الحنفية أن المسافر إذا أق بلدا فعزم على القامة‬
‫فيه خمسة عشر يوما‬
‫فإنه يتم الصلة‪ ،‬فإن نوى أقل من ذلك قصر‪-‬‬
‫وقال الحنابلة‪ :‬من نوى أكهثر من أربعة يقهر‪ .‬واحتجز‬
‫وبإقامته ! بمكة‬
‫عام حجة الود ‪ 3‬أربعا ً يقصر فيهن‪ ،(4،‬ونقل نحوه عن‬
‫الشافعي )‪.(5‬‬
‫وأما القطع في السرقة‪ :‬فإن النبي ينهي قطع في مجن‬
‫ثمنه ثلثة!راهم‪.‬‬
‫)‪ (1‬ابن قديمة‪ :‬المغني ‪ (2) 184 /1‬المصدر نفسه ‪140 /1‬‬
‫)‪ (3‬ابن دقيق؟ الحكام‪ .‬وابن رشد‪ :‬مقدمات للدولة ‪2 /1‬‬
‫)‪ (4‬ابن قديمة‪ :‬المغنى ‪ 307/8‬ابن حجر‪ :‬فحيح الجاري‪.‬‬
‫)‪ (5‬حديث ابن عباسي رواه البخاري ‪561 /2‬‬
‫‪465‬‬

‫) ‪(1/457‬‬

‫قالي ابن لقيته العيد‪:‬إ جمهور الفقهاء على اعتبار‬


‫النصاب‪ ،‬وشذ الظاهرية‬
‫فلم يعتبروه‪ ،‬ولم يفرقوا بين القليل والكثير )‪ .(1‬ونقل‬
‫في ذلك وجه في مذهب الشافعي " ‪! (21‬‬
‫ثم النصاب ربع دينار أو ثلثة دراهم‪ .‬وعند الحنفية عشرة‬
‫دراهم لحاديث رويت في ذلك‪ .‬ونقل ابن حجر في مقدار‬
‫النصاب ما يقرب من عشرين قول )‪ .(3‬القاعدة في‬
‫استفادة الحق في التقديرات من الفعل النبوي‪:‬‬
‫إنه متى كان الصل المنع‪ ،‬فجاء الفعل داًل على الجواز‪،‬‬
‫فإنه يدل على الجواز في نفس المقدار الوارد ذكره بيريتا‬
‫المطابقة‪ ،‬وفي ما ساواه بالقياس بنفي الفارق‪ ،‬ويدل‬
‫على ما سوى ذلك بطريق الحرى‪ ،‬أعني في ما هو أولى‪،‬‬
‫ويبقى ما سوى ذلك على المنع‪.‬‬
‫وأما إن كان الصل الجواز‪ ،‬فإن الفعلة ل يدل على تحديد‬
‫أص ً‬
‫ل‪.‬‬
‫وإيضاح هذه القاعدة في المثلة المتقدمة كما يلي‪:‬‬
‫ففي مسألة الوخز رأوا أن السراف ممنوع‪ ،‬وبنوا على‬
‫ذلك الكراهة‪ ،‬في ما‬
‫زاد عن ثلث غسلت‪ .‬بناء على أنه إسراف‪ ،‬كهذا ذكره‬
‫البخاري‪ ،‬والسراف ممنوع‪ .‬ومن لم ينظر إلى السراف‬
‫أجاز الزيادة على ثلث !‬
‫وفي مسالة قيام الليل‪ :‬ليس الصل المنع بل‪ -‬كما في‬
‫الحديث‪:-‬إ الصلة‬
‫خهير موضوعا دندن استطاع أن يرتكز فليستكز" )‪ ! (4‬فل‬
‫كراهة في الزيادة على إحدى عشرة‪ .‬ومن كرهه فقوله‬
‫مردود‬
‫)‪ 1 (1‬لح! أم ‪264 /3‬‬
‫)‪ (2‬فرقه ابن حزم بين الذهب وغيره‪ ،‬فجعل للفمب نصابا‬
‫هو ربع دينار‪ ،‬ول نصاب عنده فيما عداه يفتح الجاري‬
‫‪(107/12‬‬
‫)‪ (3‬فتح الباريما ‪106 /12‬‬
‫مع الكبح ‪466‬‬
‫)‪ (4‬رواه الطبراف! في الوسط )الف ّ‬
‫) ‪(1/458‬‬

‫وفي مسالة زيادة الصحابة في حد الخمر على أربعين‪:‬‬


‫الولى المنع‪ ،‬فالصح‬
‫اعتبار ما زاد تعزيرا ً كما قال الشافعي‪ ،‬ووجهه أن بعض‬
‫الناس تحاوروا العقوبة‪ .‬وأما في مسالة القصر‪ :‬فإنه كان‬
‫كان مشروعية القصر هي الصل في صلة‬
‫المسافر لنا الية‪ ،‬أل أن ذلوا منوط في المة بالسفر‪،‬‬
‫وذلك يقتضي جواز القصر ما دام حكم السفر قائمًا‪ .‬لكن‬
‫من أجمع إقامة ببلد غيي بلده‪ ،‬أياما ً كثيرة أو فليلة‪ ،‬اشتبه‬
‫أن يكون في حكم المسافر‪ ،‬أو حكم المقيم‪ .‬والمغلب في‬
‫ما زاد على الفعل جانب القامة لن القصر على خلف‬
‫الصل‪.‬‬
‫أما الشوكاني فإنه يقول في تحقيق أمر هذه المسالة‪ :‬أأ‬
‫الحق أن الصلي في المقيم التمام‪ ،‬لن القصر لم‬
‫يشرعه الشارع أل للمسافر‪ ،‬والمقيم غير مسافر‪ ،‬فلول‬
‫ما ثبت عنه فما من قصره بمكة وتبوك مع القامة‪ ،‬لكان‪-‬‬
‫يعني التمام‪ -‬هر المتعينة‪ ،‬فل ينتقل عن ذلك الولى إلها‬
‫بدليل‪ ..‬ول شك أن قصره في تلك المدة‪ ،‬ل ينفي‪ -‬يعني‬
‫من حيث هو دليل فعلي‪ -‬القصر في ما زاد عليها‪ ،‬ولكن‬
‫ملحظة الصل المذكور هي القاضية بفلئطأ )‪ 0 (1‬الـ‪.‬‬
‫هنري ما قاله الشوكاني‪ ،‬وهو استدلل بالقاعدة التي‬
‫ذكرنا‪ ،‬ولكن فيه نظر‪ ،‬لخراجه من أقام في أثناء سفره‪،‬‬
‫اليوم واليوم!لن‪ ،‬عن مسمى المسافر‪ .‬وذلك معاندة للغة‪.‬‬
‫وأيضا يلزم من قوله إجازة القصر لمن هو غزير مسافر‪،‬‬
‫وذلك خلفه ما دل عليه القرآن‪ .‬بل الصواب ما قلنا منذ ن‬
‫من أقام بغ!يربل!ه فهو من جهة مسافر‪ ،‬ومن جهة‬
‫مقيم‪ ،‬ويغلب جانب السفر في القليل‪ ،‬وجانب القامة‬
‫ما كان الكثير ل حد له لمبدئه‪ ،‬حدوا القليل‬
‫في الكلثير‪ .‬ول ّ‬
‫حه وتسعة‬ ‫وحده بالفعل لنه متيقن‪ ،‬فأخذ ابن عباس برواي َ‬
‫عشر يومًا( وأخذ الحنفية برواية وخمسة عشر يومأ! وأخذ‬
‫الشافعية والحنابلة بصلته !ئن! بمكة قبل الخروج إلى‬
‫الحج أربعة أيام‪.‬‬
‫وأما القطع في السرقة‪ ،‬فإن الصل القطع في القليل‬
‫والكثيرة‪ ،‬للية‪ ،‬ولو‪/‬‬

‫) ‪(1/459‬‬

‫يردال الدليل الفعلي لكان قول أهل الظاهر هو الظاهر‪.‬‬


‫قاله ابن دقيق‪:‬إ الستل!لل! )‪ (1‬نيل الوطار ‪224 /30‬‬
‫‪467‬‬

‫) ‪(1/460‬‬

‫بهذا الحديث‪ -‬يعني أنه يكفيه قطع في مجن ثمنه ثلثة‬


‫دراهم‪ -‬على اعتبار النصاب‪ ،‬ضعيف‪ ،‬فإنه حكاية فعل‪ .‬ول‬
‫يلزم من القطع في هذا المقدار فحل ً عدم القطع في ما‬
‫دونه " )‪ .(1‬بل الذي دل على اعتبار النصاب أحاديث‬
‫قولية‪ ،‬من مثل مارفعت عائشة‪" :‬تقطع اليد في ربع‬
‫دينارفصاعدًا" )‪.(2‬‬
‫وبهذا يظهر الحكام في ما شابه هذه المثلة‪ .‬والله أعلم‪.‬‬

‫)‪ (1‬أحكام الحكام ‪263/3‬‬


‫مطع اليد‪ 100 .‬البخاري ‪468 96/12‬‬
‫ْ )‪ (2‬حديث )ت ّ‬
‫) ‪(1/461‬‬

‫صل ا لها ست‬ ‫ال ً‬


‫ف ْ‬
‫خال‬‫ب حدث ! ّزئي تمّلق إُلي َ‬ ‫آ َ‬
‫ا‪ -‬الطريق العملي لستفادة الحكام من الفعل‪.‬‬
‫‪ -2‬العتراضات التي تورد على الستدلل بالفعال‪-3 .‬‬
‫نقل الفعال النبوية‪.‬‬
‫‪ -4‬نية التامري‪.‬‬
‫‪469‬‬

‫) ‪(1/462‬‬

‫وعة تتعّلق بالفعال الصريحة‬ ‫مباحث متن ّ‬


‫المبحث الول‬
‫الطريق العملي لستفادة الحكام من الفعل‬
‫تعرض الغزالي لهذه المسالة في المستصفى‪ ،(1،‬فرأى‬
‫أن المجتهد إذا نقل إليه‬
‫فعل النبي عن فل يجب عليه البحث أل عن أمر واحد‪ ،‬هو‬
‫أنه‪ :‬وهل ورد الفعل بيانا ً لخطاب عام‪ ،‬أو تنفيذا لحكم‬
‫لزم ثم‪ ،‬فيجب علينا اتبعه‪ ،‬أو ليس كذلك فيكون قاصرا ً‬
‫عليه يكن‪ .‬أما إن لم يقم دليل على!ونه كذلك‪ ،‬فالبحث‬
‫عن كونه ندبا ل حقه غش أو واجبة‪ ،‬أو مباحا ً أو محظورا ً ل‬
‫يجب‪ ،‬بل هو زيادة درجة وفضل في العلم يستحب للعب‪(/‬‬
‫ن يعرفه "‪.‬‬
‫وهذا القول من الغزالي رحمه الله مبين على مذهبه و‪،‬‬
‫الفعل المجرد‪ ،‬أنه ل‬
‫يدل على شيء قي حقنا‪ ،‬إذ إن مذهبه التوقف في الفعل‬
‫المجرد كهذا تقدم‪ .‬وهو لزم لمن قال بذلك القول‬
‫كالباقلني والرازي‪ ،‬وغرتهم‪ .‬وهو لصا ً لزم لكل من منع‬
‫التاسئي به مجدو في أفعاله المجردة من أصحاب قبل‬
‫التحريم‪ ،‬وقوله الباحة على الوجه الذي ذكرناه في‬
‫موضعه‪.‬‬
‫ه فلما كان مذهبه أن الفعل المجرد يدل على‬ ‫وأما أبو شام ّ‬
‫الندب‪ ،‬بقطع‬
‫قل قول‬ ‫النظر عن صفة صدوره عن النبي !‪ ،‬فإنه ن َ‬
‫الغزالي المتقدم‪ ،‬ثم قال‪ :‬إ على ما اخترناه يبحث‬
‫مل لن الفعل ليس ببيان‪ ،‬عن أنه فيه ‪.‬‬ ‫)المجتهد( بعدما تح ّ‬
‫قربة أو ل‪ ،‬فإن كان فيه قربة قضى بأنه مندوب ألمة‪،‬‬
‫وال فهو مباح !‪ .‬يعني على التفصيل الذي ذكره في‬
‫المباح‪ ،‬من أنه يستحب لنا من وجه‪.‬‬
‫)‪ (1‬المستشفى ‪51/2‬‬
‫‪471‬‬

‫) ‪(1/463‬‬
‫وهذا القول من أبي شامة مبني أيضا على مذهبه في أن‬
‫الفعل المجرد يمل على الستحباب في حقنا متهما لو‬
‫بلن قد فعله النبي له على سبيل الوجوب‪.‬‬
‫أما على القول الذي صار إليه الجمهور في الفعل المجرد‪،‬‬
‫وهو الذي اخترناه‬
‫فإن المر يختلف‪.‬‬
‫ونحن نفصل القول في ذلك‪ ،‬فنقول وبابه التوفيق‪ ،‬إن‬
‫المجتهد يسير في استفادة الحكم عن الفعل النبوي‪،‬‬
‫الخطوات التالية بالترتيب‪:‬‬
‫الخطوة الولى‪ :‬أن ينظر‪ :‬هل الفعل من جملة الفعال‬
‫الجبلية ونحوها‪ .‬فإن‬
‫كان كذلك‪ ،‬فل يستفاد في حقنا منه أكثر من الباحة‪ .‬وإل‪:‬‬
‫فالخطوة الثانية‪ :‬أن يبحث هل هناك ما يمنع تعدية حكم‬
‫الفعل إلى المة‪،‬‬
‫كان يوجد ما يدل على كون الفعل خاصا به له فإن وجد‬
‫ذلك وقف عنده‪ .‬والي‪ :‬فالخطوة الثالثة‪ :‬هل يرد ما يدل‬
‫على كون الفعل بيانا لخطاب عام‪ ،‬أو‬
‫تنفيذا وامتثال لحكم عام‪ ،‬فيعلم بذلك‪ .‬وهو ما ذكره‬
‫الغزالي‪ .‬والي‪:‬‬
‫فالخطوة الرابعة‪ :‬أن يعتقد أن الفعل المجرد‪ ،‬فليبحث هل‬
‫يرد ما يدلى على‬
‫حكم الفعل في حقه !‪ ،‬من وجوب أو ندب أو إباحة‪ ،‬فيكون‬
‫المبهم في حقنا مساويا للحكام في حقه !ي! بناء على‬
‫قتل المساواة‪ ،‬وهو قول الجمهور‪ -‬وسواء أكان الفعل‬
‫في العبادات أو غيرها من الداء والمعاملت والعقوبات‬
‫وغزير ذلك‪ .‬وقد تقدم بيان طرق معرفة الحكم في‬
‫حمقه !‪-‬‬
‫فإن لم يكن الفعل معلوم الحكم‪:‬‬
‫فالخطوة أن مسة‪ :‬أن يعتقد أن الفعل من المجهول‬
‫الصفة‪ ،‬فلينظر هل هو‬
‫مما يظهر فيه قصد القربة‪ .‬فإن كان كذلك حمله على‬
‫الستحباب في حقه له‪ ،‬وبالتالي يدل على الستحباب في‬
‫حقنا بناء على قاعدة المساواة‪+‬‬
‫والخطوة السادسة‪ :‬إن لم لظهر للمجتهد أن النبي ! قصيد‬
‫القربة‪ ،‬فليحمل الفعل على الباحة في حقه !س!‪ ،‬فيدل‬
‫على السبعة ني حقنا أيضًا‪.‬‬
‫‪472‬‬

‫) ‪(1/464‬‬
‫بالخطوة السابعة‪ :‬إن تبين الحكم في حق المة‪ ،‬فلينظر‬
‫المجتهد‪ ،‬هل رقع الفعل لسبب معين‪ ،‬فإن وجد ما يدل‬
‫على ذلك‪ ،‬وكان السبب باقيًا‪ ،‬علم ارتباطه السبب في‬
‫حقنا أيضا ً دان كان السبب زائل ً فل‪ .‬وإن جهل السبب‬
‫فلتأ!ئي مستحب‪.‬‬
‫الخطوة الثامنة‪ :‬لينظر المجتهد بعد ذلك بأي وصف أرقع‬
‫النحى!! ذلك الفعل‪ ،‬أمن جهة المامة العامة‪ ،‬أم من جملة‬
‫إمامة الصلة‪ ،‬أم من جهة القضاء‪ .‬أم غير ذلك من الجهات‬
‫التي تقدم ذكرها‪ .‬فبهذا يعلم المجتهد من يلزمه حكم‬
‫الفعل‪ ،‬من سائر المسلمين‪ .‬فإن‪ /‬تتعين جهة ما‪ ،‬فالصل‬
‫العمم‪.‬‬
‫فهذا مسلك بيئة يتبعه المجتهد في استفادة الحكم من‬
‫الفعل النبوئي‪ .‬وهناك‬
‫زوايا ومنعطفات أخرى في هذا الطريق‪ ،‬تعلم مما تقدم‬
‫بيانه‪ .‬والله الموفق‪-‬‬
‫‪473‬‬

‫) ‪(1/465‬‬

‫المبحث الثاني‬
‫العتراضات التي تورد على الحتجاج بالفعال‬
‫عقد ابن عقيل الحنبلي )‪ (1‬في ذلك فصل ممتعا ً فذكر‬
‫فيه ثمانية اعتراضات‬
‫تتوجه على الستدلل بالفعل‪ .‬ونحن نذكرها بالجاز ملخصة‬
‫من كلمه مع مزيد توضيح‪:‬‬
‫ل ل يقول به‪ .‬ومثاله‬ ‫العتراض الول‪ :‬أن يبين أن المستد ّ‬
‫أن يستدل الحنفي في قتل المسلم بالكافر بان النبي ييل‬
‫قتل مسلما بكافر وقاله‪ :‬وأنا أحق من وفى بذمته " )‪.(2‬‬
‫ول الشافعي أو الحنبلي‪ :‬هذا ل تقول به‪ ،‬فإن الذي‬ ‫فيق ِ‬
‫قتله به كان رسول ً ول يقتل مسلم بالرسول عند أبو‬
‫حنيفة!‬
‫قال ابن عقيل ت وقد تكفف بعض أصحاب أبي حنيفة‬
‫الجواب عن ذلك‪،‬‬
‫ً‬
‫فقال‪ :‬لما قتل المسلم بالرسول كان ذلك دال على قتل‬
‫ي من طريق الولى‪ ،‬فنسخ قتل المسلم‬ ‫المسلم بالذم ّ‬
‫بالرسول‪ ،‬وبقي العمى على مقتضاه الول‪.‬‬
‫العتراض الثاني‪ :‬المنازعة في مقتضى الفعل‪ .‬ومثاله أن‬
‫يستدعى الشافعي سر الحنبلي على وجوب الطمأنينة في‬
‫الركوع والسجود بفعله أمه‪ .‬فيقول المخالف‪ :‬فعله ل‬
‫يقتضي الوجوب‪ .‬والجواب عنه من ثلثة أوجه‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يقول ة فعله عنى يقتسما الوجوب‪ ،‬وإن لم‬
‫تسلم دللت عليه‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬أن يقول‪ :‬هذا بيان لمجمل واجب في القرآن‪،‬‬
‫فيدلر على كونه واجبًا‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر كتابه )الواضح( ق ‪ 157‬ب وما بعدها‪.‬‬
‫ً‬
‫)‪ 12‬الحديث نقله في بدائع الصنائع ‪ 337/6‬معزواا إى‬
‫محمد بن الحسن بيممناده‪474 .‬‬

‫) ‪(1/466‬‬

‫الثاء‪ :‬أن يقول‪ :‬قد اقترن به ما يدلى على وجوبه‪ ،‬وهو‬


‫قوله !‪! :‬صلرا‬
‫كما رأيتموف! أصلي "‪.‬‬
‫أقول‪ :‬في الوجه الولي والوجه الثالث نظر عندنا بالنسبة‬
‫إلى هذا المثال خاصة يعلم مما تقدم‪.‬‬
‫ويمكن أن يجاب عن هذا العتراض أيضا بان يقال‪ :‬هذا‬
‫الفعل صدر من‬
‫النبي لمجه واجبًا‪ ،‬وحكمنا فيه كحكمه‪.‬‬
‫العتراض الثاء‪ :‬دعوى الجمال في الفعل‪ .‬ومثاله أن‬
‫يستدل الشافعي‬
‫على طهارة المني بان عائشة رضي الله عنها قالت‪8 :‬‬
‫كنت أفركه من ثوب رسول الله ! وهو يصلي "‪ .‬فلو كان‬
‫نجسا لقطع الصلة‪ .‬فيقول المعترض‪ :‬هذا مجمل‪ ،‬لنه‬
‫في قضية عين فيحتمل أنه كان كثيرا أو قليًل‪ ،‬فربما كان‬
‫ما فرضته عائشة قليل ً وقليل النجاسات معفو عنه‪.‬‬
‫والجواب عنه يكون بان يبين المستدل! أن الفحل متعمق‬
‫في الوجه الذي وقع به الستدلل‪ .‬ففي المثال المتقدم‬
‫يليق بالدليل أن المني كان كثيرا ً لن عائشة احتجت بهذا‬
‫الخبر على طهارته‪ ،‬فل"يجوز أن تحتج بما يعفى عنه مع‬
‫نجاسته‪ .‬ولنها أخبرت عن دوام الفعل وتكرره‪ ،‬ويبعد أن‬
‫يستوي حاله في القلة مع تكرره‪،‬‬
‫العتراض الرابع‪ :‬المشاركة في الدليل‪ .‬ومثاله أن يستدل‬
‫الحنفي في جواز‬
‫ترك قسمة الراضي الغنيمة بان النبي ! ترك قسمة بعير‪،‬‬
‫الي خيبر‪ -‬فيقوله الشافعي والحنبلي‪ :‬هذا حجة على‬
‫قسمته‪ ،‬لنه قسم بعضه‪ ،‬وفعله هذا امتثال للمية‪ ،‬وذلك‬
‫يقتضي الوجوب‪ .‬وأما تركه لما تركه فربما كان لنرائبه‬
‫ومهمات ا ل سلم‪.‬‬
‫العتراض الخامس‪ :‬اختلف الرواية‪ .‬وذلك مثل أن يستمل‬
‫الحنفي على‬
‫وج ميمونة‬
‫رم بما وردت ن النبي لهطل تز ّ‬
‫ح ِ‬
‫م ْ‬
‫جواز نكاح ال ُ‬
‫وهو عام‪ .‬فيقولط الشافعي أو الحنبلي‪ :‬روي أنه ليزوجها‬
‫وهما حليلن‪.‬‬
‫‪475‬‬

‫) ‪(1/467‬‬

‫والجراب عنه من وجهي‪ :‬أحدهما أن يجمع بين الروايتين‬


‫إن أمكنه‪ .‬والثاني‪ :‬أن يرشح روايته على رواية المخالف‪.‬‬
‫العتراض السادس ة دعوى النسخ‪ .‬مثل أن يستدل‬
‫الحنفي على أن سجود السهو بعد السلم‪ ،‬بما روي )‪ ،1‬أن‬
‫النبي !ك!‪ ،‬سجد بعد السلم‪ .‬فيتولى الشافعي‪ :‬هذا‬
‫منسوخ بما روى الزهري‪ ،‬قالت‪ :‬آخر المرين من رسول‬
‫الله !‪ ،‬السجود قبل السلم )‪.(2‬‬
‫وجوابه بالجمع بين المرين إذا أمكن‪ ،‬فإن الجمع مقدم‬
‫على النسخ‪.‬‬
‫العتراض السابع‪ :‬التمويل‪ .‬مثل أن يستدل المنفى بأن‬
‫النبي !‪ ،‬تزوج ميمونة وهو محرم‪ ،‬فيتاوله الشافعي‬
‫والحنبلي بان المراد بالحرام هنا أنه في الحرم أر في‬
‫الشهر الحرام ل إحرام الحج والعمرة‪ ،‬فإن الصيغة قابلة‬
‫لذلك‪ ،‬ومنه قولهم‪ :‬أخذهم‪ ،‬وأنجد‪ ،‬وأصبح‪ ،‬لمن دخل في‬
‫شهامة‪ ،‬أو نجد‪ ،‬أو الصبح‪ .‬وقد قالي الشاعر في قتل‬
‫عثمان رضي الله عنه بالمدينة‪:‬‬
‫رمأ ودعا‪ ،‬فلم أَر مثله مخذولً‬ ‫مح ِ‬
‫ة ُ‬
‫ن الخليف َ‬
‫قتلوا ابن عفا َ‬
‫والجواب أن يتكللم المنفى على دليل التأويل بما‬
‫يسقطه‪ ،‬فيسلم له الظاهر‪ .‬العتراض الثامن‪ :‬المعارضة‪:‬‬
‫ومثاله أن يستدل الشافعي في رفع اليدين برواية( بن‬
‫حميد الساعدي "‪ (3‬أن النبي عن رفع يديه حذو منكبيه‪.‬‬
‫فيعترف المنفى بما روى وائل بن حجر أن النبي !ك!‪،‬‬
‫رفع يديه حياد أذنيه )‪.،4‬‬
‫وجوابه بان يرجح دليله على دليل المعترض‪ ،‬بما يعلم قي‬
‫باب الترجيح من أصوله الفقه‪ (.‬و يتكلم على رواية‬
‫المعترض بوجه من الوجوه السابق ذكرها في هذا المبحث‪.‬‬
‫‪ (2) (11‬انظر‪ :‬جامع الصول ‪350 /6‬‬
‫)‪ (3‬رواها( بو داود والترمذي‪ ،‬والنسائي وجامع الصول ‪/6‬‬
‫‪ (4) (209‬رواها مسلم وأبر داود والنسائي وجامع الصول‬
‫‪476 (209 /6‬‬
‫) ‪(1/468‬‬

‫المبحث الجاك نقل الفعالى النبوية المطلب الول طرق‬


‫النقل‬
‫‪ -1‬الغلب أن أفعال النبي ينهي تثبت لدى المة بنقلي‬
‫صحابته رضي الله عنهم‪ .‬فينقلون أفعاله كما ينقلون‬
‫أقواله‪ .‬وسنعود إلى هذه الطرق بشيء من التفصيل‪ .‬وقد‬
‫تثبت بطرق أخرى‪.‬‬
‫‪ -2‬منها‪ :‬النقل القرآني‪ .‬كقول الله تبارك اسمه‪ :‬ومحمد‬
‫رسول الله والذين‬
‫معه أشداء على الكفار رطل بينهم‪ ! .-.‬المة )‪ ،(1‬وقوله‪:‬‬
‫فعفا الله عنك لم أذنت لهم ! )‪ ،(2‬وقوله‪) :‬يا أهمها النبي‬
‫لم تحزم ما أحل الله لك ! )‪ ،"3‬وقوله‪) :‬وإذا رأوا تجارة أو‬
‫لهوا انفضوا إليها وتركوك قائمان )‪.(4‬‬
‫‪ -3‬ومنها‪ :‬إخباره ي عن فعل نفسه‪ ،‬كقوله‪) :‬إتي ل أليس‬
‫بالعهد ول أحبس البارد"‪ .‬وكإخباره بما رقع منه ليلة‬
‫السراء‪.‬‬
‫‪ -4‬ومخها ما ذكوره الزركشي ْ)(‪ ،‬أن ينعقد الجماع على‬
‫أن إحدى صورتي الفعل أفضل من الخرى‪ .‬فنقول‪ :‬هذه‬
‫الصورة أفضل بالجماع‪ ،‬والنبي‪-‬له ل‬

‫)‪ (1‬سورة الفتح‪ :‬آية ‪ (3) 29‬سورة التحريم‪ :‬آية\ )‪(5‬‬


‫البحر المحيط ‪ 252/2‬ب‪.‬‬
‫)‪ (2‬سورة التوبة‪ :‬آية ‪ (4) 43‬سورة الجمعة‪ :‬آية ان‬

‫‪477‬‬

‫) ‪(1/469‬‬

‫يواظب على ترك الفضل‪ ،‬فيلزمه له واظب على الفضل‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬الوضوء المرتب المنوفي‪ ،‬هو بالجماع أفضل من‬
‫الوضوء المنكلوس‪ ،‬أو غير المنوفي‪ .‬ورسول أله !‪ ،‬ل‬
‫يواظب على ترك الفضل‪ ،‬فيلزم أنه فعل الوضوء مرتبا ً‬
‫منوية‪.‬‬
‫أقول‪ :‬للمخالف أن يقول إن التقسيم غير حاصر‪ ،‬فهناك‬
‫حال سوى المواظبة كلى الفعل والمواظبة على الترك‪،‬‬
‫هيا ن يفعل دون مواظبة ويترك دون مواظبة‪.‬‬
‫وهي الكثر في الفعال المندوبة‪ ،‬كتثبيت الوضح‪.‬‬
‫فهذا الدليل ل ينتج أكد من أن النبي يكره‪ ،‬كان يغلب في‬
‫عمله الخذ بالفضل‪.‬‬
‫وقد استخدم ابن إدامة هذا الدليل لثبات أن وقت العيد‬
‫بعد ارتفاع الشمس‬
‫قيد رمح‪ ،‬ل عند طلوع الشمس‪ .‬قال‪ :‬ولن النبي ! ومن‬
‫بعده‪ /‬يصلوا حتى ارتفعت الشمس‪ .‬بدليل الجماع على أن‬
‫الفضل فعلها في ذلك الوقت‪ .‬ولم يكن للنبي !ك! يفعل‬
‫أل الفضل والولى" )‪.(1‬‬
‫م يكن يفعل إل الفضل ! ممنوع‪.‬‬ ‫ونحن نرى أن قوله‪ :‬لل َ‬
‫إذ قد كان يفعل ما‬
‫ل‪ ،‬حياني‪ ،‬توسعة وتيسيرا على أمته‪ .‬والله‬ ‫هو أقل فض ً‬
‫أعلم‪.‬‬
‫‪ -5‬ومنها ما ذكره الزر!َني أيضا ً وهو أن يقال في المثال‬
‫السابق‪ :‬لو‬
‫ترك ! النية والترتيب في الوضوء‪ ،‬لوجب علينا تركه‪ ،‬بدليل‬
‫القتداء به‪ ،‬لن المتابعة كما تكون في الفعال‪ ،‬كذلك‬
‫تكون في الترولي‪ .‬ولما‪ /‬يجب علينا تركه يثبت أنه ماتر!ه‬
‫بل فعله‪-‬‬
‫وهذا الدليل مبني على مقدمة هي وجوب المساواة في‬
‫الترك‪ .‬ويأتي بحثها في‬
‫فصل التروي من الباب الثاف! إن شاء الله‪ .‬وليممست‬
‫مطردة في كل التكرلى‪ ،‬بل في‬
‫)‪ 1 (1‬لمغني ‪377 /2‬‬
‫‪478‬‬

‫) ‪(1/470‬‬

‫بعضها كما أن الفعال كذلك‪ .‬وليس هذا المثال مما بجب‬


‫فيه الترك‪ .‬لنه قد ينوي ويرتب أحيانا ويترك ذلك أحيانا ً‬
‫أخرى‪ .‬ولنه لم يأتنا دليل على أنه ! تركه على سبيل‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫المطلب الثاني‬
‫إدراك الصحابة للفعل المنقول‬
‫لمحا القوال فإن الصحاب يدركها بحاسة السمع‪ ،‬ويسمع‬
‫ألفاظا ً محددة‪ ،‬فيتمكن من نقلها كما سمعهاْ‪ ،‬وقد يرويها‬
‫بالمعنى‪.‬‬
‫وأما الفعال فإن إدراكها يتم في الغلب بحاسة البصر‪.‬‬
‫وقد يتهم بغيرها كعلمهم باستعماله يكن‪ ،‬للطيب‬
‫والعطور‪.‬‬
‫وما يدركه الصحابي فن ذلك بحاسة البصر قد يكونا !راكأ‬
‫مباشرا ً وهو الغلب وقد يكون إدراكا كير مباشر‪ ،‬ولعل من‬
‫ذلك ما روى عبداله بن عمر في رأى النبي ي يصبغ‬
‫بالصفرة )‪ ،(1‬وقالت أنس‪ :‬لم يخضب )‪ .(3‬قال أبن حجر‪:‬‬
‫"فيحتمل أن يكون الذين أثبتوا الخضاب شاهدوا الشعر‬
‫البيض‪ ،‬ثم لما واراه الدهن ظنوا أنه خضبه !‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإن النقل للفعل يكون أتهم وأصر إن كان‬
‫الصحابة ورآه وهو يفعله ل أن يكون ورأى ما يستدل به‬
‫على أنه فعل وقال ابن عمر‪ :‬ورأيته ! يصبغ بالصفرةأ ل‬
‫يعني أنه رآه أثناء مباشرة عملية الصبغ‪ ،‬بل يحتمله أنه‬
‫رأى الصفرة فظنها صبغًا‪ ،‬كما قال أين حجر‪.‬‬
‫سة( صلح‪ ،‬وإنما تدرك‬ ‫وبعض الفعال ليس مما يدرك بحا َ‬
‫آثاره‪ .‬فل بدّ أن يلحظ الناقل لها تلك الثار‪ ،‬ويلحظ‬
‫تكررها‪ ،‬وعدم صدور مخالف لها جمع الدللة‪ ،‬ليتمكن من‬
‫إثبات الفعل‪ ،‬وذلك كقول عائشة رضي الله عنها‪" :‬كان‬
‫يحب ‪ (11‬حديث ابن عمر في الخضاب بالصفرة‪ :‬البخاري‬
‫ه‪ .‬ا‪304/‬‬
‫)‪ (2‬حديث أنس في نفي الخضاب‪ :‬البخياري ‪479 351 /10‬‬

‫) ‪(1/471‬‬

‫عله وفي شانه كله "‪.‬‬ ‫التضامن ما استطاع في طيوره رتن ّ‬


‫فإن المحبة والكراهية ونحوهما ليست مما يرى"‬
‫كما أن بعض الفعال ل تقع دفعة واحدة‪ ،‬وإنما يقع من‬
‫الفعل أجزاء محتلفة‬
‫في أزمان متفاوتة‪ ،‬فيجمع الصحابة بعض تلك الجزاء إلى‬
‫بعض‪ ،‬ليكلّرن منها صورة متكاملة للواقعة أو العادة‪ .‬وقد‬
‫يكون ذلك التجميع على قدر كبهير من المطابقة للواقع‪،‬‬
‫ولكن قد يفوت الراوي بعض التفصيلت التي تكمل‬
‫الصورة‪ ،‬ويكون لذلك أثر في الحكام المستفادة‪.‬‬
‫فمن ذلك الجمع قول أنس‪ :‬وكان إذا كان يوم عيد خالف‬
‫الطريق "‪،‬؟( فإن‬
‫هذا‪ ،‬إن لم يكن أصله من قوله !‪ ،‬يقتضي أن أنسا ً لحظ‬
‫طريق ذهابه بمنه‪ ،‬ثم طريق رجوعه‪ ،‬والمخالفة بينهما‪،‬‬
‫ن وثالث‪ ،‬حتى استطاع أن يخبر عن‬ ‫ولحظ ذلك في عيد ثا ٍ‬
‫هذه العادة من فعله !‪.‬‬
‫ومثله قول أنس أيضًا‪ :‬وكان إذا كان مقيما اعتكف العشر‬
‫الواخر من رمضان‪ .‬لذا سافر اعتكاف من العام المقبل‬
‫عشرين "‪.‬‬
‫وقول ابن مسعودة!كان رسول الله له يتخؤلنا بالموعظة‬
‫في اليام كراهة السآمة علينا"‪.‬‬
‫ومما تب!!ق فيه خفل! بعض التفصيلت على الراوي‬
‫قولي أبيب‪ :‬والصلة في‬
‫الثوب الواحد سنة‪ ،‬كنا نفعله مع النبي !ئه! ول يعاب‬
‫علينا!! فقال ابن مسعود‪ :‬وكان ذاك إذ كان في الثياب‬
‫قلة‪ ،‬فانا إذ وشع الله عليكم فالصلة في الحربين أزكى"‪.‬‬
‫فتحول أنه ل بدّ في مثل هذا الدراك من أمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬ملحظة الفعل‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬ملحظة تكرره‪.‬‬
‫ان البخاري من حديث جابر والفتح الكب!!‪.‬‬
‫‪480‬‬

‫) ‪(1/472‬‬

‫الثالث‪ :‬محاولة ربطه بسببه‪.‬‬


‫الرابع‪ :‬معرفة أن ذلك الرتباط مقصودة‬
‫ومن هذا يتيحها أنا‪ .‬تحصيل هذا الدراك بحاجة إلى نوع‬
‫من السلوب العلمي للصرفة‪.‬‬
‫المطلب الثالث ! سر النقل‬
‫إذا أدرك الصحابة فعل النبي !‪ ،‬وحصلت لديه صورته‪ ،‬فإنه‬
‫ينقله إلى‬
‫قله حينئل! إما بفعل داما‬ ‫غيره ممن‪ /‬يشهد ذلك الفعل‪ -‬ون ْ‬
‫بقول‪.‬‬
‫هذا ومن المعلوم أن القوال تنقل بطريقتين‪:‬‬
‫الولى‪ :‬نقل اللفظ باللفظ المساوي له‪ ،‬أي النقل‬
‫الحرفي‪ .‬وهر جائز‬
‫بأني جماع بل هو الصل‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬نقل اللفظ بمعناه‪ ،‬بأن يبدل لفظا ً مكان لفظ ي!‬
‫ساريه في الدللة‪ ،‬أو يسقط من اللفاظ ما يراه غير ذي‬
‫علقة بالحكم‪.‬‬
‫وبعض الصوليين يمنع هذا النوع بالكلية‪ ،‬وبعضهم يجيزه‬
‫من العارف بما‬
‫يحيل المعنى على أن ل يبذل الخاص بعام‪ ،‬ول المطلق‬
‫بمقيد‪ ،‬ول عكس ذلك‪ .‬وبعضهم أجاز الرواية بالمعنى في‬
‫أنول من الحاديث ومنع جما أنها أخرى )‪ .(1‬فمنزلة رواية‬
‫اللفاظ حرفيا ً أعله من روايتها بالعنف‪ ،‬اتفاقا‪ ،‬وذلك لن‬
‫الرواية الحرفية تصل أمها اللفاظ النيلية بأعيانها إلى‬
‫المجتهد‪ ،‬فل تتحّرك معانيها تبعا ً لفروق اللفاظ‪ .‬وقد دعا‬
‫النبي ضرر‪ ،‬إلى الرواية الحرفية بقوله‪" :‬نضر الله امرأ ً‬
‫مفصيله في كتب الصول في أبواب الخبار‪،‬‬ ‫)‪ (1‬انظر ال ّ‬
‫إرشاد الفحولة للشوكاق ص ‪481 57‬‬

‫) ‪(1/473‬‬

‫سمع مقالتي فوعاها‪ ،‬فأداها كما سمعها‪ ،‬فرب حامل فقه‬


‫غير فقيه‪ ،‬ورب حامل فقه إلى من هوأفقه منه " )؟ "‪.‬‬
‫هذا وأما نقل الفعال‪ ،‬فقد يظن لول وهلة أنه ل يتصور‬
‫فيه النقل )الحرفي(‪ ،‬ولكن يبدو لنا أن نقل الفعل بالفعل‬
‫المشابه له في الصورة هو نظير لنقل اللفظ باللفظ‪ .‬ود‬
‫ما نقل الفعل بالقول‪ ،‬فإنه نظير لنقل اللفظ بمعناه‪ .‬بل‬
‫هو من النقل بالمعنى بل شك‪ ،‬إذ ليس هناك لفظ حتى‬
‫ينقل بحروفه‪ .‬ومن أجل ذلك يرد في نقله باللفظ !ث!ير‬
‫من نحاور الرواية بالمعنى‪ .‬وهو ما سنحاول أن ثبير إلى‬
‫بعضه في ما ياقة من هذا المبحث‪.‬‬
‫وليس يلزم مما ذكرنا من التنظير‪ ،‬أن يكون نقل الفعل‬
‫بالفعل أعلى من نقله بالقول‪ ،‬فإن من طبيعة النقل‬
‫بالفعل أن يحصل فيه اشتباه يسقطه عن درجة رواية‬
‫اللفظ باللفظ‪ ،‬بل عن رواية الفعل باللفظ‪ .‬ولنعتبر ذلك‬
‫بالواقع قي التمثيليات المسرحية التاريخية‪ ،‬كيف يتوّلد‬
‫عند مشاهديها أوهام كثيرة في تصور الوقائع؟ ولول‬
‫مراجعتنا للتصوير اللفظي للواقعة في الوثائق التاريخية‪،‬‬
‫لحصلت لدينا بالتمثيلية صورة تبعد قليل أوكثيرا عن‬
‫حقيقة الواقعة‪.‬‬
‫أول ً نقل الفعل بالفعل‪:‬‬
‫وذلك ما نقل إلينا عبداله بن زيد وعثمان وعلي وأبو‬
‫هريرة "وابن عباسي وضوء النبي غبهعع‪ ،‬بأفعالهم )‪ (2‬ثم‬
‫يحتاج التابعة إلى اللفاظ لكي يعبر عما يراه‪ -‬وقد يكون‬
‫بعض أجزاء فعل الصحابة مما لم يقصد به الحكاية‪ ،‬بل‬
‫يكون قد صدر ابتداء‪ .‬فيتوهم التابعي أن المقصود به‬
‫الحكاية‪.‬‬
‫ومثاله حديث أبي هريرة في حكايته لوضوء النبي !ن!‪،‬‬
‫وفيه أنه غسل يديه‬
‫حتى أشرع في العضدين‪ ،‬وغسل رجليه حتى أشرع في‬
‫الساكن‪ .‬وقال في آخر‬
‫)‪ (1‬رواه أبو لود ‪ 94 /15‬والترمذي ‪ 417/7‬وأحمد بالقاء‬
‫مغايرة‪ (2) .‬انظر‪ :‬ذلك في كتب السنة في نيل الوطار‬ ‫م ّ‬
‫مثل ‪180 -163/1‬‬
‫‪482‬‬

‫) ‪(1/474‬‬

‫حديثه‪ :‬هكذا رأيت رسول الله شبهه يتوضأ‪ .‬يحتمله أن‬


‫إشراكه في العضدين والساخن مما فعله هو ابتداء‪ ،‬وتكون‬
‫إشارته )بهكذا( إنما ما عدا ذلوا‪ .‬فل يكون حجة على‬
‫استحباب الشرل! في العضاء المذكورة‪.‬‬
‫ويحتمل أنه مما رأى النبي ! يفعله فيكون حجة‪.‬‬
‫ومثاله أيضا ً حديث المعتمر بن سليمان أنه كان يتهرب‬
‫وبسم الله الرحمن الرحيم ! قال بعد صلته‪" :‬ما آلو أن‬
‫أقتدي بصلة أبي‪ .‬وقال أبو‪ :‬ما آلو أن أقتدي بصلة أنس‪.‬‬
‫وقال أنس‪ :‬ما آلو أنه قتلي بصلة رسول الله !‪ .(1) ،‬فهذا‬
‫في النقل بالفعل‪ .‬وقد صح عن أنس قول‪ 9 :‬صليت خلف‬
‫رسول الله عيد وأبو بكر‪ ،‬وعمر‪ ،‬وعثمان‪ ،‬فكانوا‬
‫يستفتحون بالحمد دمه رب العالمي‪ ،‬ل يذكرون لبسط‬
‫الله الراكن الرحيم ! في دول قراءة ول في آخرها" )‪.(3‬‬
‫وحيث تعارضت الرواية الفعلية عن الصحابي‪ ،‬مع الرواية‬
‫القولية‪ ،‬يقدم‬
‫القرض لنه نص‪ ،‬والفعل محتمل كما بينا‪.‬‬
‫قل الفعل بالفعل أن يرى الصحابي رجًل‬ ‫ومن قبيل ن ِ‬
‫يفعله فعًل‪ ،‬فيقول‪:‬‬
‫رأيت النبي ! يفعل مثله‪ .‬ومنه أن عمران بن حصين صلى‬
‫خلف علي بنك به طالب‪ ،‬فكلم إذا سجد كَبر‪ ،‬وإذارفع‬
‫رأسه كبر‪ ،‬وإذا نهض من الركعتين كبر‪ ،‬فقال عمران‪:‬إ‬
‫ذكرف! هذا صلة محمد!! )‪.(3‬‬
‫ومن نقل الرواة أفعاله يكن بالفعل واحدة بعد الخر‪ ،‬ما‬
‫يبني عليه مالئا‬
‫بعض مذهبه من العمل المستمر بالمدينة بعد نبيها؟ !‪.‬‬
‫ومنه كما قاله ابن القيم‪ :‬لنقلهم الوقوف‪ ،‬والزارعة‪،‬‬
‫والذان على المكان المرتفع‪ ،‬والذان للصبح قبل الفجر‪،‬‬
‫وتثنية الذان وإفراد القامة‪ ،‬والخطبة بالقرآن والسنت‪،‬‬
‫دون الخطبة‬
‫)‪ (1‬ذكر الحكم أن رواته عن آخرهم ثقات وابن دقيقا‪:‬‬
‫شرح العمدهّ ‪.(249 /1‬‬
‫)‪/6 (2‬اية ‪ 2‬م!محلم‪ .‬وبمعنل! ا رواية البخاري والموطن‬
‫والنسائي وأبي داودي جامع الصول )‪ (3‬حديث علي‪:‬‬
‫متفق عليها‬
‫‪483‬‬

‫) ‪(1/475‬‬

‫الصناعية بالتسجيل والترجيع‪ ،‬ونقلهم بعض العيان التي‬


‫له فيها فعل كالصاع والمخ‪ ،‬وموضع المنبر‪ ،‬وموضع‬
‫موقفه للصلة‪ ،‬بالبقيع رالمصّلىأ )‪.(1‬‬
‫وهذا شبيه بنقل المة تعيينه !ئه! لموضع الضفة والمرأة‬
‫ومنى ومراضع الجمرات بمزدلفة وعرفة‪ .‬وهذه النقود من‬
‫نرع التواتر المنقول فعليًا‪.‬‬
‫ثانيًا‪ :‬نقل الفعل بالقول‪:‬‬
‫وهو في الجملة‪ ،‬أعلى درجة من نقله بالفعل كما سبقت‬
‫الشارة إليه‪.‬‬
‫وقد تعرض الغزالي في المستشفى‪ ،‬كغيره منذ الصرلييئ‬
‫)‪ ،(2‬للفاظ الرواية‪ -‬قريبها الغزالي درجات‪ ،‬بحسب‬
‫قوتها‪ ،‬وبين وجو؟ تميز بعضها عن بعض‪ .‬وكان أعز كلمه‬
‫منصبا على رواية القوال‪ .‬ونحن نبي على وزان ذلك‬
‫ألفاظ رواية الصحابة للفعل‪ .‬فنقول إنها على درجات‪:‬‬
‫الدرجة الول‪ :‬أن يقول الصحابي‪ :‬رأيت رسول الله !ت!‬
‫يفعل كذا‬
‫وكذا‪ .‬فهذا صريح في الدراك الحسئئ المباشر وهو ينفي‬
‫احتمال الواسطة‪.‬‬
‫وقد تتقصى هذه الدرجة بأمور‪:‬‬
‫الول‪ :‬أن يكون الراوي كثير الصحبة لرسول الله !ك!‪.‬‬
‫وذلك حرفي أن‬
‫يجعله يفرق بين الفعال المقصي ة في التشريع وبين‬
‫غير المقصودة‪ .‬ومن هنا‪ /‬يا كثير من الفقهاء برواية مالك‬
‫بن الحويرب لجلسة الستراحة‪ .‬وكان ة ض‪ !!4-‬لها من‬
‫هذا الوجه‪.‬‬
‫الثاني "‪ :‬أن يكون رأى النبي له‪ ،‬يفعل مثل ذلك الفعل‬
‫مرات كثيرة على‬
‫صورة واحدة‪ .‬ومن هنا كنز الخلف في أحكام أفعاله ! في‬
‫الحج‪ ،‬لما أنه سر لم يحخع إل مرة واحدة‪.‬‬
‫)‪ (1‬إعلم الموقعين ‪372/2‬‬
‫)‪ (2‬انظر‪ :‬المستشفى ‪ 83/1‬إرشاد الفحول ص " ‪ ،6‬جامع‬
‫الصول لبن‪ .‬الثير\ ‪ /‬ها ابن قديمة‪ :‬روضة الناظرة‪:‬‬
‫الس!لفية ‪ 8‬كل ا هـ ص ‪484 61‬‬
‫) ‪(1/476‬‬

‫الثالث‪ :‬أن يكون الراوي فقيهًا‪ -‬وللفقه في هذا العام‬


‫مكانته‪ ،‬نظرا ً إلى أن نقل‬
‫الفعل هو من باب الرواية بالمعنى ل سبقت الشارة إليه‪-‬‬
‫رأيضأ فإن كثيرا من الفعال منوطة بأسبابها‪ ،‬ويحتاج إلى‬
‫معرفة حصولي شروطها لنتفاء مصانعها‪ ،‬فإنه إن لم يكن‬
‫فقيها ً فربما فاته النتباه إلى ذلك‪ .‬ولكن الفعلي ل يخرج‬
‫بذلك عن أن يكون حجة‪ .‬ويقول المني في قضية فهم‬
‫السببية‪:‬أ إن كان )الراوي( فقيها كان الظن بقوله أظهر‪،‬‬
‫وإذا‪ /‬يكن فقيها ً وإن كان في أدق الرتب‪ ،‬غيره له مغفل‬
‫ن "‪.(1،‬‬‫على الظ ّ‬
‫الدرجة الثانية‪ :‬أن يقول‪ :‬فعل النبي‪-‬طه كذا وكذا‪ .‬يحتمل‬
‫أن الصحابة‬
‫أرسله عن صحايى آخر‪.‬‬
‫وهو مع ذلك حجة لق مراسيل الصحابة مقبولة عند‬
‫جمهور العجلى‪.‬‬
‫وفي هذه الدرجة احتمال آخر‪ ،‬وهو أن يكون استنبط‬
‫الفعل من آثاره ولوازمه‪.‬‬
‫عل كذا وكذا‪ ،‬من المور‬ ‫الدرجة الثالثة ة أن يقول‪ُ :‬‬
‫ف ِ‬
‫الشرعية المضافة إنما‬
‫عصر النبي صل‪ ،‬يقول بعضهم‪ :‬كنا نطرد عن الصف بي‬
‫السواري‪.‬‬
‫ففي هذه الدرجة مع الحتمالت السابقة‪ ،‬احتمال آخر‪،‬‬
‫وهور ن يكون العل لذلك كير النبي !‪ .‬ثم إن كان مع‬
‫علمه ! بذلك‪ /،‬يخرج عن أن يكون حجة‪ ،‬كما يظهر ذلك في‬
‫المثال المتقدم‪ ،‬لنه يكون من القرار‪ .‬وأما إن‪ /‬يظهر‬
‫أنه !ل! علم بذلك‪ ،‬فإنه يخرج عن الحجية‪ ،‬والله أعلم‪،‬‬
‫ي‪ :‬من السنة كذا‪ .‬وهذا‬ ‫الدرجة الرابعة‪ :‬أن يقول الصحا ِ‬
‫يمكن أن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫يكون أصله فعل‪ ،‬أو يكون قول وفيه احتمال أن يكون‬
‫المقصي به ساحة أحد الخلفاء الراشدين المهدي!سن وهو‬
‫مع ذلك حجة‪ ،‬لن الظاهر أنه سنة النبي ! بخلف ما لو‬
‫قال ذلك التابعي‪.‬‬
‫)‪ (1‬أحكام الحكام ‪368 ،367/3‬‬
‫‪485‬‬

‫) ‪(1/477‬‬
‫تكييف الصحابة للفعل النبوي ة‬
‫تقدم أن الفعل النبوي جزئي واقع في الخارج‪ ،‬ل عموم‬
‫له‪ ،‬وليس له صيغة لفظية‪ ،‬وإن كان ل بد للراوي من صيغة‬
‫يعبر بها عن ذلك الفعل‪.‬‬
‫وإن الصحابة إذ يعبرون عن تلك الفعال بذلك‪ ،‬إنما‬
‫)يصّنفون( تلك الفعال‪ ،‬بتفهم الفعل إلى مجموعة‬
‫الجزئيات التي ينتمي إليها هذا )العنصر( الجديد‪ ،‬وهو‬
‫الفعل الحادث الذي يخبرون عنه‪ ،‬واللفظ الذي يختار ‪8‬‬
‫الصحابي للتعبيرعن تلك المجموعة له فيه عند الفقهاء‬
‫قي تبني الحكم الشرفي الذي يستنبط من الفعل‪.‬‬
‫وكمثال على ذلك نشير إلى الخلف الذي نشا من قول‬
‫لعب هريرة‪ :‬فإن رجل‬
‫أفطر يخص رمضان؟ فأمره النبي مججحم بالكفارة!‪ .‬فإن‬
‫استعماله هذه الصيغة )( فطرة دعت بعض الفقهاء‪،‬‬
‫كالمالكية‪ ،‬إلى أن يقولوا‪ :‬كل فطر في رمضان يوجب‬
‫كفارة‪ .‬وغيرهم‪ ،‬والشافعية‪ ،‬أبوا ذلك‪ ،‬وقالوا‪ :‬من‬
‫المعلوم أن ذلك الرجل لم يفطر بكل أنها المفطرات‪،‬‬
‫وإنما بمفطر واحد‪ ،‬هو الجماع‪ ،‬كما بّين في بعض‬
‫الروايات الخرى‪ .‬فيكون هو السبب الموجب للكفارة‪ ،‬ل‬
‫غيره )‪.(1‬‬
‫فهذا مثال يدل على المقصود‪ ،‬وإن لم يكن المعبر عنه ب‬
‫)‪ 1‬فتح من فعل‬
‫النبي مج!ير‪.‬‬
‫وواضح أن الطريقة التي سلكها الشافعية يخص هذا‬
‫المثال هي الطريقة الصحيحة لن الفعل ل عموم له‪.‬‬
‫ومثال آخر‪ :‬قاله ابن عباس‪ :‬إن رفع الصوت )بالذكهه‬
‫حيهم ينصرف النادى‬
‫من المكتوبة كان على عهد رسول الله كم وقال‪" :‬كنت‬
‫أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته " )‪ .(2‬وهذا يحتكما رفع‬
‫الصوت بعد الصلة بكل ذكر ولكن الرواية الخرى للحديث‬
‫صوت بالتكبير‪ .‬يقول فيها‪ :‬وكنت أعرف‬ ‫ص رفع ال ّ‬‫تخ ّ‬
‫انقضت صلة النبي !كل!ه بالتكبير! )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬انظر‪ :‬الزركشي‪ :‬البحر المحيط ‪ (2) .14 /2‬البخاري ‪/2‬‬


‫‪ 325‬وي بو داود‪.‬‬
‫)‪ (3‬رواه البخاري ‪325 /2‬‬

‫‪486‬‬

‫) ‪(1/478‬‬
‫هذا وقد استعرض الصوليون ألفاظًاا ستعملها الصحابة‬
‫في التعبير عن الفعال العبرية‪ ،‬وحاولوا تحديد دللتها‪،‬‬
‫ونحن نذكرها تتميما لبحثنا‪ ،‬في مسائل‪ :‬المسألة الولى‪:‬‬
‫عل( والمراد )الفعل الصرفية المثبت‪ ،‬المعبر به‬ ‫لفظ ) َ‬
‫ف َ‬
‫عن فعل نبوشي )‪،(1‬‬
‫كقول ابن عباس‪ :‬فصلى رسول أله ! الظهر والعصر‬
‫غيى خوف ول سفر" )‬ ‫جميعا ً والمغرب والعشاء جميعا ً من ْ‬
‫‪.(2‬‬
‫فهذا اللفظ مطلق عن ذكر الزمان‪.‬‬
‫يحتمل أنه جمع بحق العصرين في وقت الظهر‪ ،‬أرضا‬
‫وقت العصر‪ ،‬أو إَلى الظهر في آخر وقتها والعصر في‬
‫أول وقتها‪ ،‬وهر ما يسمى الجمع الصوري‪-‬‬
‫ول يصح حمله على العموم‪ ،‬لن اللفظ يدل علىا له فعله‬
‫مرة واحدة‪ ،‬رقد وقعت بل شك في أحد المواعيد الثلثة‪.‬‬
‫فحمله أبو الشعثاء راويه عن ابن عباس على الجمع‬
‫الصربي‪ .‬د أليه ذهب القرطبي المالكي‪ ،‬والجويني‬
‫ى من الحنفية‪ .‬ويؤدجمهم أن الجمع‬ ‫الشافعي‪ ،‬رالطحار ِ‬
‫الصوري ل يخرج عن دللة الية فإن الصلة كانت على‬
‫المؤمنين كتابا موقوتأ! قال ابن حجر‪ 9 :‬يقضي حمله على‬
‫الجمع الصربي أن طرق الحديث كلها ليسكه فيها تعرض‬
‫لوقت الجمع‪ ،‬فإما أن تحملي عله مطلقها‪ ،‬فيلزم إخراج‬
‫الصلة عن رقتها المحدود بغير عذر‪ ،‬وإما أن تحمل على‬
‫صفة مخصوصة ل تستلزم الخرل!‪ .‬والجمع الصوري‬
‫أصلى‪ .‬والله أعلم " )‪3‬؟‪.‬‬
‫‪ (11‬انظر الزر!ثي‪ :‬البحر المحيط ‪ ،160 /2‬والشوكاف!‪:‬‬
‫)رثاد الفحول فيه ‪ ،135‬أبو الحسين البصري‪ :‬المعتمد ‪/1‬‬
‫‪ ،205‬تيسير التحرير ‪ ،248 ،247/1‬اليدي‪ :‬الحدى م‬
‫‪369/2‬‬
‫)‪ (2‬رواه مسلم ‪ 215 /5‬وأبو داود والترمذي والنسائي‪.‬‬
‫عح ‪24 /2‬‬
‫)‪ 1 (3‬لف ّ‬
‫‪487‬‬

‫) ‪(1/479‬‬

‫وبعض العلماء‪ ،‬من غير هؤلء‪ ،‬قالوا‪ :‬إن ابن عباس شاهد‬
‫الفعل‪ ،‬وعرف‬
‫أنه وقع في واحد من المواعيد الثلثة‪ ،‬فعثر بما يدل‬
‫بظاهره على عدم التفريق بينها‪ ،‬وذلك يقتضي أنه جمعه‬
‫جمع إما في وقت الظهر‪ ،‬أو في وقت العصر‪ .‬ول يريد‬
‫الجمع الصوري‪ ،‬إذ لو كان كذلئه لما أغفل ذكره‪ .‬ولنه‬
‫عّلل بما يقتضي ظاهره عدم التقييد بالجمع الصوري؟‬
‫وهو أنه مثل‪ :‬ما أراد!ك!هه إلى ذلك؟ فقاله‪" .‬أراد أن ل‬
‫يحرج أمته أأ‪ .‬فعمل برفع الحرج؟ ول يزول الحرج بالجمع‬
‫الصربي‪ ،‬بل بكل صور الجمع‪ .‬والله أعلم‪ .‬فلهذه القرينة‬
‫منا الحكم في الصور الثلث ليشمل كل زمن الصلتيها‪.‬‬ ‫عف ْ‬
‫فإن لم يكن ثم قرينة‪ ،‬فل يصح تعميم حكم الفعل المثبت‬
‫المطلق في أقسامه أول وجهه‪ .‬بل يحمل على أولى‬
‫الصور بالحكم‪ ،‬ونترقفل في الصرر الخرى‪ .‬وإن تساوت‬
‫توقفنا فيه‪ .‬وقد قال الشوكاني‪:‬أ الفعل المثبت إذا كان‬
‫له جهات فليس بعام في أقسامه‪ ،‬لنه يقع على صفة‬
‫واحدة‪ ،‬فإن عرفت تعّين وكاال كان مجمل يتوقف فيه "‪.‬‬
‫ففما نحمله على أولى الصور‪ ،‬ما ورد أنه !‪ :‬لصٌلى قي‬
‫الكلعبة! فإن عبارة الصحابة يحتمل أنه عليه الصلة‬
‫والسلم صلى الفرض أو صّلى امل‪ ،‬واللفظ مطلق‪،‬‬
‫فيحمل على الولى بذلك‪ ،‬وهو النفل‪ ،‬لما كان قد عهد‬
‫التخفيف فيه‪ .‬فل يدل على جواز صلة الفرض داخل‬
‫الكعبة‪ ،‬بل يتوقف نفى ذلك‪.(1،‬‬
‫ومثله أنه يكن‪:‬إ جمع في السفر" فالسفر إما طويل وإما‬
‫قصير‪ .‬فل تكون‬
‫عبارة الصحال! عامة للجمع فيهما‪ ،‬فالطويل داخل في‬
‫مفهوم اللفظ‪ .‬والقصير مشكوك فيه‪ ،‬فيتوقف فيه‪.‬‬
‫ة الفعال المثبتة التي ذكرناها في‬ ‫هذا ويستثنى من جمل ْ‬
‫هذه المسألة أن يرد‬
‫ه‪.‬‬
‫الفعل مقترنا مكان‪ ،‬فنعقد لها المسمألة الثاني َ‬
‫تنبيه‪ :‬الفعال )أمهه و أنهى( و )قضى( ونحوها‪ ،‬ألفاظ قد‬
‫يعبتر بها الصحابة عما صدر عن النبي يكن‪ ،‬كقولهم‬
‫قفتى(‬ ‫هى( عن بيع الغرر‪ ،‬و ) َ‬ ‫)ض َ‬
‫‪ (11‬انظر ابن الجمعاني‪ :‬القواطع ق ‪49‬‬
‫‪488‬‬

‫) ‪(1/480‬‬

‫بالشفعة للجار‪ .‬وقد اختلف فيها على قولين‪ ،‬وسوف نبين‬


‫مبنى الخلف فيها في الباب التالي في الفصل الثالث منه‬
‫إن شاء الله‪.‬‬
‫الول‪ :‬أنها عبارة عن فعل صدر عن النبي لمجه‪ .‬فعلى‬
‫هذا ل يصح فيها دعوى العموم‪ ،‬كما قدم مناه في سائر‬
‫الفعل المثبت‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬وهو الصوب‪ ،‬أنها عبارة عن قول صدر منه !!‪.‬‬
‫فإنه الراوي سمع‬
‫لفظة هو‪ :‬آمركم بكذا‪ ،‬أو‪ :‬افعلوا كذا‪ ،‬أو‪ :‬أنهاكم عن كذا‪،‬‬
‫أوت ل تفعلوا كذا‪ ،‬أو نحو ذلك‪ .‬فعبر عنه بما ذكر‪ .‬وقد‬
‫اختلف فيها القائلود! بذلها‪ :‬هل يجوز أن تدل على عموم‬
‫أم ل‪ .‬وعلى هذا المذهب يكون هذا النوع خارجا عن باب‬
‫الفعال النبوية‪ ،‬فل نستطرد إليه‪ .‬فليرجع إليه في مظانه‬
‫من كتب الصول "ا(‪ ،‬في مباحث القوال‪،‬‬
‫المسألة الثانية‪:‬‬
‫وكان يفعله والمراد به الفعل للضارب الذي دخلت عليه‬
‫كان إذا عبر به الصحابي عن شيء من أفعال النبي !‪،‬‬
‫فهل هي دالة على مجرد وقوع الفعل‪ ،‬أم على التكرار‬
‫والمواظبة‪ ،‬وهل تدلل على العموم؟‪.‬‬
‫‪ -1‬ا لتكر أر‪:‬‬
‫أما دللتها على التكرار‪ ،‬فنه لك واضح ل خفاء به‪ ،‬وقال‬
‫ابن دقيقه العيد‪:‬‬
‫‪ 9‬يقال‪ :‬كان يفعل كذا‪ ،‬بمعنى أنه تكلرر منه فعله وكان‬
‫عدة له‪ ،‬كما يقوله‪ :‬كان فلن يجري الضيف " )‪.(2‬‬
‫وقد اختلف الصوليون من أين جاءت الدللة عل التكرار‪:‬‬
‫فقيله من )كان(‪ ،‬وهو ظاهر كلم الشاطري )‪ 0 (3‬إذ أورد‬
‫حديث عائشة‪ :‬وكان نجمع يصلي العصر والشمس في‬
‫حجرتها! )‪ .(4‬ثم قال‪ :‬لفظ‪ ،‬كانت فعل يقتضي الكثرة"‪.‬‬
‫وبه قال ابن الحاجب ْ)(‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر مثًلة أرشاد الفحول للشوكاف! ص ‪،125‬‬
‫الزركشي‪ :‬البحر المحيط‪60 /2 :‬‬
‫)‪ (2‬أحكلم الحكام ‪ ،3) 90 /1‬أول فقات ‪59 /3‬‬
‫)‪ (4‬البخاري ‪ 6 /2‬ومسلم ‪158/5‬‬
‫)‪ (5‬وقد ذكرت فيه القوال الثلثة جميعا ً‬
‫‪489‬‬

‫) ‪(1/481‬‬

‫وقيل من مجموع كان والفعل المضارع‪ .‬وهو ظاهر كلم‬


‫المحلي )‪ .(1‬ونقله صاحب تيسير التحرير‪.‬‬
‫وقيل من الفعل المضارع حده‪ .‬وهذا عندي هو الصحيح من‬
‫هذه القوال‪ ،‬وما عداه وهم من هؤلء العلم رحمة الله‬
‫عليهم‪ ،‬وجلى من ل يستدرلى عليه قوله‪ .‬فإن المضارع‬
‫وحده يدل على التكرار والعادة المستمرة‪ ،‬كقولهم فلن‬
‫ل على‬ ‫يجري الضيف‪ ،‬وينفق ماله كل أبواب الخير‪ .‬وقد يد َ‬
‫المرة الواحدة لكن بشرط استمراره برهة قبل زمن التكلم‬
‫ضارع نقلت‬ ‫حتى وقت التكلم‪ .‬فإذا جات )كان( قبل الم ِ‬
‫معنى التكرار من الحاضر إلى الماضي‪ ،‬و‪ /‬تزد على ذلك‪،‬‬
‫فمن أين جاعت بالذكر ا ر؟ )‪.(2‬‬
‫وأيضا ً لو أنها دعت على التكرار مع المضارب صدئت عليه‬
‫مع الفعل الماضي‪ ،‬لكنها‪ /‬تدل‪ ،‬عليه‪ ،‬كما يخص قوله‬
‫تعالى‪ :‬لودقد كانوا عد!دوا الل من قبله ل يودون الدبار!‬
‫ل يعني أنهم عاهدوه أكثر من مرة‪.‬‬
‫هذا وإن فائدة معرفة دللتها على التكرار في أحكام‬
‫الفعال النبوية أمر‬
‫مهم‪ ،‬نظرا إلى أن الفعل المجرد إذا تكرر عله صفة‬
‫واحدة‪ ،‬وكان ذا صلة بالعبادة‪ ،‬فإنه يقرب أن الفعل المجّرد‬
‫على وجه الشرع‪ ،‬فيصلح دليل على الستحباب أو على‬
‫تأكد الستحباب‪ .‬وقد تقدمت الشارهً إليه في مواضع من‬
‫هذا الباب‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن دقيق العيد أنه يجوز أن تستعمل وكان يفعله‬
‫لفادة مجرد وقوع الفعل‪ ،‬وذلك صادق بالمرة الواحدة‪ ،‬فل‬
‫يدل على التكرار‪ .‬ولكنه يقرلط‪ :‬الول‪ -‬وهو إفادة التكرار‪-‬‬
‫أكد في الستعمالي )‪.(3‬‬
‫)‪ (1‬شرح جمع الجوامع ‪425/1‬‬
‫ه‪ ،‬خالية من الدللة على البحث‪،‬‬ ‫)‪) (2‬كانا‪ ،‬الناقص ّ‬
‫ومتمحضة للدللة على الزمان‪ ،‬وهذا معنى نقصها‪ .‬وها‬
‫تقلب معنى الجملة السمية إلى الماضي‪ .‬فإن قلنا‪) :‬زيد!‬
‫ه من‬‫ى معنى الجمل ّ‬‫ن( حول ّ‬‫ريم( ثم دخلت عليها )كا ّ‬
‫الحاضر إلى الماضي‪.‬‬
‫!م( أحكام الحرام ‪95 /1‬‬
‫‪490‬‬

‫) ‪(1/482‬‬

‫وأشار إلى ذلك أيضا ً صاحب تيسير التحرير‪ ،‬فإنه قال‪ :‬إدا‬
‫إفافى ة وكان يفعله التكرار أكثرية ل كلية‪.‬‬
‫وعندي أن إفادة وكان يفعل كل للمرة الواحدة‪ ،‬حق‪ ،‬ولكن‬
‫في بعض المواقع‬
‫دون بعض‪ .‬فإنا قد ذكرنا أن المضارع المجرد من )كان! قد‬
‫يدلل على المرهف إنا كان الفعل مستمرا إنما زمن‬
‫التكلم‪ ،‬فإذا دخلت عليه )كان( أفادت ذلك الستمرار يخص‬
‫الزمن الماضي إلى لحظة معينة من الماضي‪ -‬ومثاله أن‬
‫تقول والخطيب يتكلم الن عل المنايا فإذا أردت نقل ذلك‬
‫إلى الماضي مع استمرار الفعل إنما وقت معين‪ ،‬تقوله‬
‫مثل ً ودخلت المسجد وكان الخطيب يتكلم "‪.‬‬
‫فهذا استعمال آخر غير الستعمال الول‪ ،‬ولكل منهما‬
‫موضعه‪ ،‬ول يتوارد الشتعمالن على موضع واحد‪.‬‬
‫وعلمة هذا النوعي ن يذكره مر كالدخول ما المثال‬
‫السابق‪ ،‬ويكلفه الفعل سابقا له مستمرا إليه‪ .‬فما عدا هذا‬
‫النوع تكون دللته على التكرار كلية ل أكثرية فقل‪-‬‬
‫فهذا توضيح لما في كلم ابن دقيق العيد من الجمالي‪.‬‬
‫ومن هذا يتبين أيضا أن بعض المؤلفة )؟( في الحدي!ث‬
‫النبوئي مجطئودا حيث ينقلون الحديث الفعلي بعبارة‬
‫)كافا رسول أدبه يخ!يم يفعل كدا أو يقول كدار من أصل‬
‫عل رسول الله ي كذا(‪ ،‬لما بين العبارتيها‬ ‫ليس فيه إل ) َ‬
‫ف َ‬
‫من الفرق في المعنى‪ ،‬وقد علم أن من شرط الرواية‬
‫بمعنى التساوي بيها اللفظين في معنييهما‪.‬‬
‫)‪ (1‬انظر مثل كتاب بصفة صلة النبي وأ ط ‪ 7‬ص ‪126‬‬
‫الحديث ة كانه أحيانا يرجع صوته كما فعل يوم فتح مكة‪،‬‬
‫مود‪ :‬بنها العمال بالنيات‪ ،‬ص ‪ "77‬كانه‬ ‫ص ‪" :76‬وكان ي َ‬
‫إذا مرض رفع أبو بكر صوته بالتكنرحتى يسمع من خلفه‪،‬‬
‫رليسى شيء من ذلك في الصول‪،‬‬
‫إنما فيها )رجع(‪) ،‬قالت )رفعت بدون كان‪.‬‬
‫‪491‬‬

‫) ‪(1/483‬‬

‫‪ -2‬المواظبة والمواد‪:‬‬
‫ومعنا ‪ 8‬عدم تمثل الترك‪ .‬فهو أخض من التكرار‪ .‬فإن‬
‫تكرار الشيء هو فعله‬
‫مرتين أو ثلثا أو أكثر‪ ،‬وهو واضح في مكان يفعلى(‪ .‬أما‬
‫دعاه في هذا التركيب‪،‬‬ ‫الدوام الذي ل يتخيله ترك‪ ،‬فقد ا ّ‬
‫كان يفعله بعض الحنابلة‪ ،‬ونسبه ابن تيميه )‪ (1‬إلى أبو‬
‫يعلى وأبو الخطاب الحنبليبن‪ .‬واستدل به أبو يعلى على‬
‫الوجوب‪ ،‬قال في حديث عبدأدّنه بن زيد في استيعاب‬
‫مسح ألر( سي‪) :‬هذا إخبار عن دوام فعله‪ ،‬وإنما يداوم‬
‫على الواجب " ويعني بالدوام ما‪ /‬يتركه ولو مرة‪.‬‬
‫رقد تقدم أنه ل يعلى يقول بالوجوب في الفعل المجرد‪،‬‬
‫وتقدم الرد عليه‪.‬‬
‫وتقدم أيضا ذكر أن الدوام على الفعل المجّرد ل يدل على‬
‫وجوبه‪.‬‬
‫ولكن الذي نريد هنا بيانه أن سكان يفعله ل تدل عل‬
‫الدوام‪ ،‬وإنما تدل‬
‫عل التكرار والعادة الماضية‪ .‬ومن أجل ذلك ول تصلح هذه‬
‫العبارة من الصحابة في رواية فعل نبوشي دليًل على‬
‫وجوب الفعل‪ ،‬حته! عند من يقوله إده المواظبة دليل‬
‫الوجوب‪.‬‬
‫ودليلنا على( ن )كان يفعله ل تدل على الدوام‪ ،‬أنها تدلى‬
‫يخص الماضي على ما‬
‫يدل عليه )يفعل( في الحاضر‪ ،‬وقولنا يزيد يجري الضيفة‬
‫ل يدل على أن قراه للضيف ل يتخلف البتة‪ ،‬بل يدل عل أن‬
‫عادته وأغلب أحواله أن يجري الضيف‪ .‬فكذلك وكان يجري‬
‫الضيف(‪ ،‬تدل على مثل ذلك في الماضي‪ .‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪ -3‬العموم‪:‬‬
‫وقد ادعى الكثيرون أنه كانا يفعلها تدل أيضا ً على العموم‬
‫في أقسام الفعل وأوجهه وهي مسالة مهمة في فهم‬
‫ة الرويهب بهذه الصيغة‪ .‬وهي‬ ‫كثير من الحاديث الفعلي ّ‬
‫غير مسالة دللة هذا التركيبة على المواظبة‪ .‬فإن‬
‫المواظبة تعني تكرار‬
‫)‪ (1‬الجودة في أصول الفقه ص ‪115‬‬
‫‪492‬‬

‫) ‪(1/484‬‬

‫الفعل دائما عند تكرر المناسبات‪ ،‬وأما العموم فان يفعله‬


‫بجميع أقسامه‪ ،‬وعلى جميع الوجه من الهيئات أو الماكن‬
‫أر غير ذلك‪-‬‬
‫وروي القول بالعموم في صيغة وكان يفعله أبو يعلى؟‬
‫وهو ظاهر كلم‬
‫ا أأ مدي )‪.(1‬‬
‫وقد روى البخاري الحديث‪ :‬وكان !لمجغ مجمع الصلحي‬
‫في السفر" فقال البعثى بان ذلك يدعم الجمع في السفر‬
‫القصير‪ ،‬وفي السفر الطويل‪.‬‬
‫وقول من العط العموم مردود بما قال ابن قاسم في‬
‫شرح الورقات‪ :‬ويمكن‬
‫أن يجاب بان وكان يفعل‪ ،‬وإن أفادت التكرار‪ ،‬فإنه كل‬
‫مرة من مرات التكرار ل عموم فيها‪ ،‬لنها إنما تقع في‬
‫أحد السفرين‪ .‬فالمجموع ل عموم فيه‪ ،‬إذ المركب مما ل‬
‫عموم فيه ل عموم فيه‪ .‬واحتمال أن بعض المرات في أحد‬
‫السفرين‪ ،‬وبعضهما قي الخر‪ ،‬غيي معلوم ول ظاهر‪.‬‬
‫فصار اللفظ مجمَل َ بالنسبة للسفر القصيركما أشار إليه‬
‫الشيخ أبو إسحاق في الّلمع ‪.(2،1‬‬
‫وشبيه بهذه المسالة‪ ،‬وإن‪ /‬يكن منها‪ ،‬ما قال الشوكاف!‬
‫فىف حديث عامر بن ربيعة‪ :‬قال‪" :‬رأيت رسول الّله !‪ ،‬ما‬
‫وك وهو صائم "‪ ،‬قال الشوكلني‪ 5 :‬الحديث‬ ‫ل أحدا يتس َ‬
‫ميد بوقت‬ ‫يدل على استحباب السواك للصائم من غير تق ِ‬
‫درن وقت‪ .‬وهو يرد عله الشافعي قوله بكراهة التسوك‬
‫بعد الزوال للصائم‪ ،‬مستدًل بحديث‪ :‬لخلوف فم الصائم‬
‫أطيب عند الّلهم من ريح المسك ! )‪.(3‬‬
‫فما قاله الشوكاف! مردود‪ ،‬فإن حديث عمر يحل على‬
‫لكرر وقوع السواك من‬
‫النبي صن أثناء الصوم مرات كثيرة‪ .‬ولكن ل ينبغي أن‬
‫يفهم من ذلك العموم بالنسبة للوقت‪ ،‬إذ يحتمل أن تكون‬
‫المرات كلها وقعت قبل الزوال‪ ،‬فكيف يصلح أن يكون هذا‬
‫الحديث ردا لكلم الشافعي رضي الّله عنه؟‪.‬‬

‫)‪ 1 (1‬أأ حكام ‪370 /3‬‬


‫)‪ (2‬شرض! الورقاء ص ‪105‬‬
‫)‪ 13‬نيل الوطار ‪493 121 /1‬‬

‫) ‪(1/485‬‬

‫المسألة الثالثة‪ :‬اختلف النقل بين الطلق والتقييد‪:‬‬


‫قد ينقل صحابي فعل غيرال‪ ،‬له به رأسه وأمني في‬
‫الوضوء*‪ /‬يتعرض الراوي لكونه مسح الذنين بماء جديد‪ ،‬أو‬
‫رد رواية أخرى للصحابة‬ ‫بفضل ما مسح به رأسه‪ .‬ثم قد ت ِ‬
‫نفسه أو لغيره مفصلة‪ ،‬كما روى أنه يكو توضأ فمسح‬
‫أذنيه بماء خلف ما مسح به رأسه )‪.(1‬‬
‫قال الغزالي‪" :‬هذا يزيل الجمال عن الول‪ .‬ولكن يحتمل‬
‫أن الواجب ماء واحد‪ ،‬والمستحب ماء جديد‪ ،‬فيكون أحد‬
‫الفعلي على القل‪ ،‬والثاني على الكملى وجعل الغزالي‬
‫هذا نوعا من أنها البيان بالفعل‪ ،‬يعني بيان إجمال العلى‬
‫بالفعل " )‪.(3‬‬
‫وقد اعترض أبو شامة على ذلك قائل ً "أورد الغزالي هذا‬
‫ضلع أنه نوع من‬
‫أنو ‪ 3‬البيان بفعل النبي !كي!‪ ،‬وإنما هو عبارة الراوي‪.‬‬
‫والراوي الول أطلق ولم يقيمان أنه مسح أذنيه بفضل ما‬
‫قل‬ ‫مسح به رأسه‪ ،‬أو بماء جديد‪ .‬وكلهما محتمل‪ .‬فلما ن َ‬
‫الراوي الثاني أنه مسحهما بماء جديد‪ ،‬تعلّين حمل ذاك‬
‫المطلق‪ ،‬على هذا المقيد‪ ،‬فقلنا ل بل منا ماء جديد‬
‫للذنيها‪ .‬أما لو صح أنه مسح الجميع‪:‬طن واحد‪ ،‬فيمكن‬
‫حمله على القل‪ ،‬ويكون الكمل رواية من أفرد الرأس‬
‫عن الذنين بماء جلزيد" )‪ 0 (3‬الـ‪.‬‬
‫قولنا في ذلك‪ :‬إن الروايت! خ إذا أوردت إحداهما مطلقة‬
‫والخرى مقيدة فإما‬
‫أن يكونا في واقعة واحدة‪ ،‬أول واقعتين‪ ،‬أو يكون المر‬
‫مبهمًا‪.‬‬
‫أول ً فإن كانا يخص واقعة واحدة‪ ،‬يجب حمل المطلق حينئذ‬
‫على المقيد‪ ،‬وهو إطلق وتقييد في كلم الرواة‪ .‬ومثاله‬
‫وإن لم يكن مت باب الفعالى‪ ،‬قصة من )أفطر( في‬
‫رمضان‪ ،‬واوجب النبي ! عليه الكفارة‪ ،‬ورد في رواية‬
‫أخرى‪ ،‬أدت‬
‫)‪ (1‬لم تثبت هنا الرواية‪ ،‬كما في نيل الوطار ‪1(2) 178/1‬‬
‫لمسصفا ‪52/2‬‬
‫)‪ (3‬المحقتاق ‪ 38‬أ‪.‬‬
‫‪494‬‬

‫) ‪(1/486‬‬

‫إفطاره كان )بالجماخ!‪ .‬فتختص الكفارة به‪ ،‬ول تجب في‬


‫الفطار بالكل والشرب‪ ،‬إل قياسًا‪.‬‬
‫ومن أمثلته أيضا عندي حديث المغيرة بن شعبة في‬
‫المسح‪ ،‬ففي بعض رواياته‪ :‬أن النبي ست مسح رأسه‪،‬‬
‫وفي أخرى أنه مسح لحا العمامة؟ وفي ثالثة أنه مسح‬
‫على ناصيته وعمامته )‪ .(1‬فإن حديث المغيرة هذا هو ما‬
‫وصف به وضوء النبي ! في غزوة تبوك ذات ليلة لصلة‬
‫الصبح‪.‬‬
‫وقد قاله ابن حزم ة وبهذا تعّلق المانعون من المسح على‬
‫العمامة‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫ذكره المسح عل العمامة‪ ،‬هو حديث واحد مع الذي فيه ذكر‬
‫الناصية والعمامة‪ .‬قال ابن حزم‪ :‬وهذا خطأ‪ ،‬لن الوضوء‪/‬‬
‫يكن مرة واحدة منه لمجه فمن ادعى أن ذلك كله في‬
‫وضوء واحدة في وقت واحد‪ ،‬فقد دخل تحت الكذب‪،‬‬
‫والتوله بما ل يعلم‪ .‬وهذا ل يحله لمسلم أأ )‪.(2‬‬
‫أقول‪ :‬قوله هذا مردود‪ ،‬وهو من تفرعاته العبودة‪ ،‬عفا‬
‫الله عنا وعنه‪ ،‬فبن‬
‫ه يطلق عله أن الحادثة واحدة‪ -‬وذلك يمنع‬‫سياق القص َ‬
‫صحة الستدللي بهذا الحديث على الجتراء في الوضوء‬
‫بمسح بعض الرأس‪ ،‬كما فعل ابن قدامة )‪ ،3‬أو بمسح‬
‫العمامة وحدها‪ .‬ول بدّ لثبات ذلك من أدلة أخرى غير‬
‫حديث المغيرة‪ .‬ثانيًا‪ :‬وإن كان في واقعتين لم يجب حمل‬
‫المطلق عله المقيد‪ ،‬فإن الواقعة التي‬
‫محتمل أنه له فعل فيها كما فعل في‬ ‫أطلق فيها ذلئط ِ‬
‫الخرى‪ .‬لكن الراوي أطلق ولم يبين‪ .‬ومجتمع أنه لة ترك‬
‫فيها ما فعله في الثانية‪ ،‬فيكون ذلك من باب التعارض بين‬
‫الفعل والترك‪ ،‬ويكون ملئه نسخًا‪ ،‬أو يكون القل واجبة‬
‫والزائد مستحبًا‪ .‬وسيأتي في باب التعارض إن شاء الله‪.‬‬
‫)‪ (1‬ذكرت الروايات الثلث في جامع الصولي ‪ 130 /8‬أما‬
‫ف ومسلم‪ .‬وأما شكر‬ ‫ذكر الرأس وحلى فعند البخار ِ‬
‫ه وحدها فعند الترمذي وحده‪ .‬وأما الجمع بين‬ ‫العمام ّ‬
‫العمامة والخاصية فعند مسلم وأبو داود والنسائي‪.‬‬
‫)‪ (2‬الحكام ‪ 4 /1‬س لم )‪ (3‬المغني ‪495 125 /1‬‬

‫) ‪(1/487‬‬

‫ول يترجح أحد المسحين إّل بقرينة تدل عليها‬


‫وقد يصح أن يقال‪ :‬الولى الحتمال الثاني ليجوز كل‬
‫المرين‪ ،‬دوق الول‪ ،‬لنه يمنع الترك ويدل على الوجوب‪،‬‬
‫والصل عدمه‪ .‬والله أعلم‪،‬‬
‫ثالثَآ‪ :‬و)ن أبهم المر فلم يعرفه به في واقعة واحدة أو‬
‫راقعتين‪ .‬فالحتمالن واردان أيضا ً‬
‫وعلى هذا فإن ما عّينه أبو شامة‪ ،‬مما نقلناه عنه آنفا ً غير‬
‫متعين‪ .‬ويكلون‬
‫كلم الغزالي من أن في مسألة مسح الذنين احتمالين‪،‬‬
‫هو أصوب‪ .‬وبالته التوفيق‪ .‬والحاصل‪ :‬أن الخذ بالمقْيد ل‬
‫إشكال فيه‪ ،‬وأما الخذ بالمطلق على إطلقه فيمتنع إن‬
‫كانا في واقعة واحدة‪ ،‬وإل فيحتمل أن يصح‪ ،‬ومجتمع أن ل‬
‫يصحح والله أعلم‪.‬‬
‫‪496‬‬

‫) ‪(1/488‬‬

‫المبحث الرابع فئة الَتامئي‬


‫في الحديث عن النبي له‪ ،:‬إنما ولعماله بالنيات‪ ،‬وأنما‬
‫لكل أمرع! ما‬
‫نوى"‪،‬‬
‫وقد اعتبر الفقهاء هذا الحديث إحدى القواعد ال!حاسية‬
‫للشريعة‪-‬‬
‫وتدخل النية في العبادات‪ ،‬وكل المباحات إذا قصد بها‬
‫التقني على‬
‫طاعة الليه‪ -‬والمقصود الهتم منها في العبادات تمييز‬
‫العبادة من غير العبادة‪ ،‬وتمييز رتب العبادات بعضها من‬
‫بعض )‪.(1‬‬
‫وتتميز العبادة عن غيرها باستحضار نيات مختلفة كنية‬
‫التعّبد بها لفه تعالما‪،‬‬
‫ونية الخلص له فيها‪ ،‬وأية امتثال أحكامه من الوجوب‬
‫والندب والباحة‪ -‬وكذلك نية التأسئي فيها بعباد الله‬
‫الصالحين ممن فعلها‪ ،‬وخاصة نبينا محمدأ!‪ -‬ثم إن كان‬
‫دليل مشروعية العبادة فعله جمعه لها‪ ،‬فقد ذكر كثيرون‬
‫من الصوليين أن التالي ل يتحقق إل بنية التأسي‪ ،‬حتي‬
‫لقد جعلوا ذلك من حقيقة التأسئي‪ .‬يقول أبو الحسن‬
‫ي في الفعل أن نفعل صورة ما فعل‪ ،‬على‬ ‫البصري‪) :‬التأ! ّ‬
‫الوجه الذي فعل‪ ،‬لجل أنه فعل "‪ ،(3‬وبعضهم عبر عن‬
‫ذلك بأنه شرط‪ .‬يقول القاجمما عبدالجبار‪ :‬بشرط‬
‫التاسيس اعتبار الفعل‪ ،‬واعتبار الوجه الذي عليه وقع‪ ،‬ول‬
‫بد مع ذلك أن يفعله من أجل أنه ! فعله ! )‪.(3‬‬

‫)‪ (1‬السيوطي‪ :‬الشباه والنظائر ‪ (2) 25 -9‬المعتمد‬


‫‪373/1‬‬
‫)‪ 1 (3‬لمغني ‪497 268/17‬‬

‫) ‪(1/489‬‬

‫ومقصودهم بالفعل صورته‪ ،‬كصلة مع صوم‪ .‬فل يتحقق‬


‫القتداء بصومه يكن بفعل صلة‪.‬‬
‫ومقصه!م بالوجه‪ :‬الغراض في الفعل من نية حكمه‪،‬‬
‫وزمانه ومكانه وسببه وغير ذلك‪ ،‬كما تقدم‪.‬‬
‫ومقصودهم بقولهم ة "من أجل أنه فعله ! أن المقتدي ل‬
‫يحصل منه التاسيس‬
‫وأنه يفعل فعله ذاك من أجل أن النبي كل فعله "‪،‬‬ ‫ما لم ين ِ‬
‫وذكر مثل هذا المدفي )‪ (1‬وابن تيمية )‪ (3‬وغيرهما‪ .‬و‪/‬‬
‫ينه كره البيضاوي في منهاجه‪.‬‬
‫وقد قال عبدالجبار في الستدلل على ذلك‪ :‬فإنه لو لم‬
‫يفعل على هذا الوجه‪ ،‬لكنه فعله امتثال أو لغيره من‬
‫الوجوه‪ /،‬يوصف بأنه متأ!ز به ‪ .9‬وقالوا‪" :‬إن التفاق‬
‫صدفة ليس تاشيأ!‪.‬‬
‫والذي يظهر أن التاسئي يتحقق بفعل مثل ما فعله‪-‬كمم‬
‫إن كان على الوجه‬
‫الذي فعله مع نية المتثال‪ ،‬أفا أن ينوي أنه يفعل ذاك‬
‫الشيء لجل أنه عن فعله فل يتعلق‪ ،‬فلو لم ينو ذلك‪ ،‬لكن‬
‫نوى إخلص العبادة دمه‪ ،‬أو التقرب إليه‪ ،‬أو امتثال أحكامه‪،‬‬
‫فإن عبادته صحيحة‪ .‬وكذلك لو نوى التاسئي بالنبي لمجه‪.‬‬
‫فكل هذه نيات صالحة يتخفى بها المقصود ويصح بها‬
‫العمل‪ ،‬ويثبت بها الجر‪ .‬ويحصل بها التأسيس‪ .‬والله ولي‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫وأما قول عبدالجبار‪ :‬أن من قصد المتثال فقط ل يكون‬
‫متأشيأ‪ ،‬فإنه قول‬
‫فيه نظر‪ ،‬لنه إن نوى المتثال‪ ،‬وكان الحكيم‪ /‬يعلم إل من‬
‫جهة فعله مجد‪ ،‬فإن نية التامري متضمنة‪ ،‬والمتضمن في‬
‫الحاصل حاصل‪.‬‬

‫)‪ 1 (1‬ل حكاما ا‪245 /‬‬


‫ى ‪498 9ْ4 /1‬‬
‫)‪ (2‬مجرمو‪-‬م الفتاو ْ‬
‫) ‪(1/490‬‬

‫وقولي من قال‪ :‬التفاق صدفة ل يكون تاسيا‪ ،‬هو صواب‬


‫ل يرد على ما‬
‫نحن فيه‪ ،‬لننا إذنمتثل حكام أفه الذي دل عليه فعل‬
‫رسول الله !ك!‪ ،‬فليس اتفاق فعلنا وفعله صدفة‪ .‬والْله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫انتهى الجزء الول‪ -‬بحملة تعالى‪ -‬وسيلي الجزء الثاف!‬
‫‪499‬‬

‫) ‪(1/491‬‬

‫وقولي من قال‪ :‬التفاق صدفة ل يكون تاسيا‪ ،‬هو صواب‬


‫ل يرد على ما‬
‫نحن فيه‪ ،‬لننا إذنمتثل حكام أفه الذي دل عليه فعل‬
‫ْ‬
‫رسول الله !ك!‪ ،‬فليس اتفاق فعلنا وفعله صدفة‪ .‬والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫انتهى الجزء الول‪ -‬بحملة تعالى‪ -‬وسيلي الجزء الثاف!‬
‫‪499‬‬

‫) ‪(1/492‬‬

You might also like