Professional Documents
Culture Documents
لبن القيم
وسوف يقتصر هنا على نشر الباب الول منها ،وهو الباب
الحادي والعشرين في تنزيه القضاء اللهي عن الشر ودخوله
في المقضي .
وتضمنت :أن هذه التصرفات كلها بيده ،وأنها كلها خير :
ك عمن يشاء وإذلله من يشاء خير ،وإن كان شرا فسلُبه المل َ
بالنسبة إلى المسلوب الذليل ،فإن هذا التصرف دائر بين
العدل والفضل ،والحكمة والمصلحة ،ل يخرج عن ذلك ،وهذا
كله خير يحمد عليه الرب ويثنى عليه به ،كما يحمد ويثني عليه
بتنزيهه عن الشر ،وأنه ليس إليه ،كما ثبت في صحيح مسلم
أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يثني على ربه بذلك
في دعاء الستفتاح في قوله :
" لبيك وسعديك ،والخير ]كله[ في يديك ،والشر ليس إليك ،
أنا بك وإليك ،تباركت وتعاليت"
قال ميمون بن مهران ) :سبحان الله ( كلمة ُيعظم بها الرب ،
ويحاشى بها من السوء .
وقال ابن عباس :هي تنزيه لله من كل سوء .
ولهذا وصف سبحانه ليلة القدر بأنها سلم ،والجنة بأنها دار
السلم ،وتحية أهلها السلم ،وأثنى على أوليائه بالقول
السلم ؛ كل ذلك :السالم من العيوب .
قال قتادة وغيره :هو الذي تكبر عن السوء ،وقال أيضا :
الذي تكبر عن السيئات .
وقال مقاتل :المتعظم عن كل سوء .
وقال أبو إسحاق :الذي تكبر عن ظلم عباده .
مع أنه سبحانه الخالق لكل شيء ،فهو الخالق للعباد وأفعالهم
وحركاتهم وأقوالهم .
والعبد إذا فعل القبيح المنهي عنه كان قد فعل الشر والسوء .
فإن الصانع الخبير إذا أخذ الخشبة العوجاء ،والحجر المكسور ،
واللبنة الناقصة ،فوضع ذلك في موضع يليق به ويناسبه ،كان
ذلك منه عدل وصوابا يمدح به .
قلت :ل تنقضها ،لن وجوده وإن كان خيرا من عدمه ،فقد
يستلزم وجوده فوات محبوب له ،هو أحب إليه من وقوع هذا
المأمور من هذا المعنى .
والرب سبحانه إذا أمر بشيء فقد أحبه ورضيه وأراده إرادة
دينية ،وهو ل يحب شيئا إل ووجوده خير من عدمه.
وما نهى عنه فقد أبغضه وكرهه ،وهو ل يبغض شيئا إل وعدمه
خير من وجوده .