You are on page 1of 151

‫خلفــــــــة أمير المؤمنين‬

‫عبد الله بن الزبير‬


‫رضى الله عنه‬

‫تأليف‬
‫جميع الحقوق محفوظة‬
‫الطبعة الولى‪1427 :‬هـ ‪2006 -‬م‬
‫رقم اليداع‪5449/2006 :‬م‬

‫بطاقة الفهرسة‬
‫فهرسة أثناء النشر إعداد الهيئة المصرية العامة‬
‫لدار الكتب والوثائق القومية‬
‫إدارة الشئون الفنية‬
‫الصلبي‪ ،‬على محمد‪.‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير رضى الله عنه‬
‫تأليف‪ /‬على محمد الصلبي‪ .‬ط ‪ -1‬القاهرة‬
‫مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع والترجمة ‪2006 ،‬‬
‫تدمك‪977 - 6119 - 81 -6 :‬‬ ‫‪160‬ص‪ 24 ،‬سم‬
‫‪ -1‬العالم العربي ‪ -‬تاريخ ‪ -‬العصر الموي‬
‫للتجهيزالزبير بن العوام‬
‫السلمالله بن‬
‫الزبير ‪ ،‬عبد‬ ‫‪ - 2‬عبد الله بن‬
‫‪692‬مركز‬
‫‪953.03‬‬ ‫أ‪ -‬العنوان‬ ‫‪- 6 22‬‬
‫الفني‬
‫عبد الحميد عمر‬
‫‪010696‬‬
‫‪2647‬‬
‫مؤسسة اقرأ‬
‫للنشر والتوزيع والترجمة‬
‫‪ 10‬ش أحمد عمارة ‪ -‬بجوار حديقة الفسطاط‬
‫محمول‪5224207/010 :‬‬ ‫القاهرة ت‪5326610 :‬‬
‫مقـــــــدمة‬

‫إلى العلماء العاملين‪.‬‬


‫والدعاة المخلصين‪.‬‬
‫وطلب العلم المجتهدين‪.‬‬
‫وأبناء المة الغيورين‪.‬‬
‫أهدى هذا الكتاب سائل ً المولى‬
‫جل بأسمائه الحسنى‬ ‫ع َّز وَ َ‬
‫صا‬
‫ً‬ ‫خال‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫على‬
‫ُ‬ ‫ال‬ ‫وصفاته‬
‫لوجهه الكريم‪.‬‬
‫ه‬ ‫جو ل ِ َ‬
‫قاءَ َرب ّ ِ‬ ‫ن ي َْر ُ‬‫كا َ‬ ‫من َ‬ ‫ف َ‬ ‫‪َ +‬‬
‫ر ْ‬
‫ك‬ ‫ش ِ‬‫ول َ ي ُ ْ‬‫حا َ‬ ‫م َل ً َ‬
‫صال ِ ً‬ ‫ع َ‬ ‫ل َ‬ ‫م ْ‬‫ع َ‬‫فل ْي َ ْ‬‫َ‬
‫دا" ]الكهف‪.[110 :‬‬ ‫ح ً‬
‫هأ َ‬ ‫ة َرب ّ ِ‬‫عَبادَ ِ‬ ‫بِ ِ‬

‫‪3‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫تنويــــه‬
‫هذا الكتاب جزء من كتاب‬
‫»الدولة الموية عوامل الزدهار وتداعيات‬
‫النهيار«‬
‫رأينا نشره منفصل لهميته ولتعم الفائدة‬

‫‪4‬‬
‫مقـــــــدمة‬

‫مقدمــــــة‬
‫إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره‪ ,‬ونعوذ بالله من‬
‫شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا‪ ,‬من يهده الله فل مضل له‪,‬‬
‫ومن يضلل فل هادي له‪ .‬وأشهد أن ل إله َإل الله وحده ل شريك‬
‫مُنوا‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ ِ‬ ‫دا عبده ورسوله ‪َ+‬يا أي ّ َ َ‬ ‫له‪ ,‬وأشهد أن محم ً‬
‫ن" ]آل‬ ‫مو َ‬ ‫ِ‬
‫ّ ْ ُ‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫تم‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫و‬
‫َ‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫إ‬
‫ّ ِ‬ ‫ن‬ ‫ُ‬ ‫ت‬ ‫مو‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫و‬ ‫َ‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫قا‬ ‫ق تُ َ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫ات ّ ُ‬
‫عمران‪.[102:‬‬
‫خل َ َ‬ ‫َ‬
‫س‬
‫ف ٍ‬ ‫من ن ّ ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫ق ُ‬ ‫ذي َ‬ ‫م ال ّ ِ‬ ‫قوا َرب ّك ُ ُ‬ ‫س ات ّ ُ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫‪َ+‬يا أي ّ َ‬
‫ساءً‬ ‫ون ِ َ‬ ‫جال ً ك َِثيًرا َ‬ ‫ر َ‬ ‫ما ِ‬ ‫ه َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ث ِ‬ ‫وب َ ّ‬ ‫ها َ‬ ‫ج َ‬ ‫و َ‬ ‫ها َز ْ‬ ‫من ْ َ‬ ‫خل َقَ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ة َ‬ ‫حد َ ٍ‬ ‫وا ِ‬ ‫َ‬
‫ن‬
‫ه كا َ‬ ‫َ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫حا َ‬ ‫والْر َ‬ ‫ن ب ِهِ َ‬ ‫ساءَلو َ‬‫ُ‬ ‫ذي ت َ َ‬ ‫ّ‬
‫ه ال ِ‬ ‫وات ّقوا الل َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫قيًبا" ]النساء‪.[1:‬‬ ‫م َر ِ‬ ‫عل َي ْك ُ ْ‬‫َ‬
‫قوُلوا َ‬ ‫َ‬
‫دا‬‫دي ً‬ ‫س ِ‬‫ول ً َ‬ ‫ق ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫قوا الل َ‬ ‫مُنوا ات ّ ُ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ها ال ّ َ ِ‬ ‫‪َ+‬يا أي ّ َ‬
‫ع‬
‫من ي ُطِ ِ‬ ‫و َ‬‫م َ‬ ‫م ذُُنوب َك ُ ْ‬ ‫فْر ل َك ُ ْ‬ ‫غ ِ‬ ‫وي َ ْ‬ ‫م َ‬ ‫مال َك ُ ْ‬ ‫ع َ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ح ل َك ُ ْ‬ ‫صل ِ ْ‬ ‫‪ ‬يُ ْ‬
‫ما" ]الحزاب‪.[71،70:‬‬ ‫ً‬ ‫ظي‬ ‫ِ‬ ‫ع‬ ‫َ‬ ‫زا‬ ‫ً‬ ‫و‬ ‫ْ‬ ‫ف‬ ‫َ‬ ‫ز‬
‫َ‬ ‫فا‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫د‬ ‫َ‬
‫ق‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ل‬‫سو‬ ‫ه َ َ ُ‬‫ر‬ ‫و‬ ‫الل َ‬
‫يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلل وجهك وعظيم سلطانك‪,‬‬
‫ولك الحمد حتى ترضى‪ ,‬ولك الحمد إذا رضيت‪ ,‬ولك الحمد بعد‬
‫الرضا‪ ,‬أما بعد‪:‬‬
‫فهذا الكتاب جزء من كتابي »الدولة الموية عوامل الزدهار‬
‫وتداعيات النهيار« يتحدث عن أمير المؤمنين عبد الله بن‬
‫الزبير‪ ,‬وقد تحدثت فيه عن اسمه ونسبه وكنيته ونشأته ووصفه‬
‫وأهم صفاته‪ ,‬وعن مولده ومبايعته للرسول ×‪ ,‬وعن والده‬
‫الزبير بن العوام رضي الله عنه وعن والدته أسماء بنت‬
‫الصديق رضي الله عنها‪ ,‬وذكرت بعض مواقفها المشهودة‬
‫وآثارها المحمودة في تاريخنا السلمي المجيد‪ ,‬كما ذكرت أولد‬
‫ابن الزبير وزوجاته‪ ,‬وبعض صفاته وفقهه وعلمه وعبادته‬
‫وتقواه‪ ,‬وجرأته وشجاعته‪ ,‬وفصاحته وخطابته‪ ,‬وجوده‪ ,‬وفندت‬
‫ما ذكر عن بخله وبينت الفرق بين البخل والحفاظ عل مال‬
‫المسلمين‪.‬‬
‫وتكلمت عن ابن الزبير في عهد أبي بكر وعمر وعثمان‬
‫وعلي ومعاوية‬
‫رضي الله عنهم‪ ,‬وعن دوره في معركة اليرموك‪ ,‬وفي كتابة‬
‫المصاحف في عهد عثمان وجهاده في شمال إفريقية‪ ,‬ودفاعة‬
‫عن عثمان يوم الدار‪ ,‬وعن موقفه يوم الجمل‪ ,‬وعن مشاركته‬
‫في جيش يزيد بن معاوية الذي سار نحو القسطنطينية‪.‬‬
‫ثم تعرضت لحركة عبد الله بن الزبير في عهد معاوية بن يزيد‬
‫فبينت كيف تمت البيعة ليزيد‪ ,‬وكيف استطاع بسياسته أن يكسب‬
‫‪5‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫قلوب أهل الشام‪ ,‬وعن رفض عبد الله بن الزبير البيعة ليزيد‪,‬‬
‫واستقراره بمكة‪ ,‬وأسباب اختياره لمكة وأسباب خروج ابن الزبير‬
‫ومن معه‪ ,‬وعن الجهود السلمية التي بذلها يزيد لحتواء ابن الزبير‪,‬‬
‫كما أشرت إلى الجهود الحربية ضد ابن الزبير والتي تمثلت في حملة‬
‫عمرو بن الزبير ثم حملة الحصين بن نمير وحصار ابن الزبير وحريق‬
‫الكعبة‪.‬‬
‫وتحدثت عن وفاة يزيد بن معاوية‪ ,‬وخلفة معاوية بن يزيد‬
‫وتنازله عن الحكم وتركه المر للشورى‪ ,‬وتحدثت عن بيعة عبد‬
‫الله بن الزبير بالخلفة وخروج مروان ابن الحكم عليه والقضاء‬
‫على أنصار ابن الزبير في الشام‪ ,‬وأهمية مؤتمر الجابية‬
‫ومعركة مرج راهط‪ ,‬وضم مصر إلى الدولة الموية ومحاولة‬
‫إعادة العراق والحجاز‪.‬‬
‫ثم تكلمت عن تولية العهد لعبد الملك بن مروان‪ ,‬ووفاة‬
‫مروان بن الحكم‪ ,‬وعن صراع عبد الملك مع ابن الزبير‬
‫والحركات التي قامت في عهده مثل حركة التوابين وحركة‬
‫المختار بن أبي عبيد الثقفي وغيرهما‪.‬‬
‫وأخيًرا تحدثت عن نهاية أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬
‫بعد حصاره ومقتله‪ ,‬وعن أسباب سقوط خلفته وما قيل فيه‬
‫من رثاء‪.‬‬
‫والفضل لله من قبل ومن بعد‪ ,‬وأسأله سبحانه وتعالى‬
‫صا‬
‫ً‬ ‫خال‬ ‫بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجعل عملي لوجهه‬
‫ولعباده نافًعا‪ ,‬وأن يثيبني على كل حرف كتبته‪ ,‬ويجعله في‬
‫ميزان حسناتي‪ ,‬وأن يثيب إخواني الذين أسهموا في إتمام هذا‬
‫الجهد المتواضع‪ ,‬ونرجو من كل مسلم يطلع على هذا الكتاب‬
‫عفو َربه ومغفرته ورحمته َورضوانه‬ ‫الفقير إلى‬ ‫أل ينسى العبد‬
‫ت‬ ‫ّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫نأ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫م َ‬‫ع ْ‬‫مت َك الِتي أن ْ َ‬ ‫ع َ‬
‫شكَر ن ِ ْ‬ ‫ني أ َ ْ‬ ‫زع‬
‫ي ْو ِأ َ‬‫و ِ‬‫بأ ْ‬ ‫من دعائه ‪َ+‬ر ّ‬
‫خل ِْني‬‫وأ َدْ ِ‬‫ُ َ‬ ‫ه‬ ‫ضا‬
‫َ‬ ‫ر‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫حا‬‫ً‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫صا‬‫َ‬ ‫َ‬
‫ل‬ ‫م‬
‫َ‬ ‫ع‬
‫ْ‬ ‫أ‬ ‫ن‬
‫ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ‬ ‫د‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫وا‬‫عَلى َ‬‫و َ‬ ‫ي َ‬ ‫عل َ ّ‬
‫َ‬
‫ن"‪.‬‬‫َ‬ ‫حي‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫صا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫د‬ ‫با‬
‫َ ِ‬ ‫ع‬
‫ِ‬ ‫في‬‫ِ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ت‬ ‫م‬
‫بِ َ ْ َ‬
‫ح‬ ‫ر‬
‫وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫الفقير إلى عفو ربه‬
‫محمد محمد علي‬
‫الصلبي‬

‫‪6‬‬
‫اسمه ونسبه‬
‫وكنيته ونشأته‬
‫ووصفه وأهم صفاته‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫‪8‬‬
‫الفصل الول‬

‫الفصل الول‬
‫اسمه ونسبه وكنيته ونشأته‬
‫ووصفه وأهم صفاته‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته‪:‬‬
‫هو عبد الله بن الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن‬
‫عبد العزي بن قصي ابن كلب بن مرة‪ ،‬أمير المؤمنين‪ ،‬أبو‬
‫بكر‪ ،‬وأبو خبيب‪ ،‬القرشي السدي المكي‪ ،‬ثم المدني‪ ،‬أحد‬
‫العلم‪ ،‬ولد حواري رسول الله وابن عمته )‪.(1‬‬
‫ثانًيا‪ :‬مولده ومبايعته لرسول الله ×‪:‬‬
‫عن أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها أنها حملت بعبد‬
‫م فأتيت‬‫مت ّ‬
‫الله بن الزبير في مكة‪ ،‬قالت‪ :‬فخرجت وأنا ُ‬
‫المدينة‪ ،‬فنزلت قباء‪ ،‬فولدت بقباء‪ ،‬ثم أتيت به رسول الله‬
‫×‪ ،‬فوضعته في حجره‪ ،‬ثم دعا بتمرة‪ ،‬فمضغها ثم تفل في‬
‫فيه‪ ،‬فكان أول شيء دخل جوفه ريق رسول الله × ثم‬
‫حنكه بالتمرة‪ ،‬ثم دعا له‪ ،‬فبّرك عليه‪ ،‬وكان أول مولود ولد‬
‫دا‪ ،‬لنهم قيل لهم‪ :‬إن‬ ‫حا شدي ً‬
‫في السلم‪ ،‬ففرحوا به فر ً‬
‫اليهود قد سحرتكم‪ ،‬فل يولد لكم ‪ .‬وسماه عبد الله‪،‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ثم جاء بعد‪ ،‬وهو ابن سبع‪ ،‬أو ابن ثمان سنين‪ ،‬يبايع النبي‬
‫×‪ ،‬أمره‬
‫الزبير ‪ ‬بذلك‪ ،‬فتبسم النبي × حين رآه مقب ً‬
‫ل‪ ،‬وبايعه‪.‬‬
‫وكان أول من ولد في السلم في المدينة بعد مقدم‬
‫رسول الله ×‪ ،‬وكانت اليهود تقول‪ :‬قد أخذناهم‪ ،‬فل يولد‬
‫لهم بالمدينة ولد ذكر‪ ،‬فكّبر أصحاب رسول الله × حين ولد‬

‫عبد الله)‪ ،(3‬وقد طاف به الصديق ‪ ‬بالمدينة بعد ولدته‬


‫‪1‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(363 /3‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البخاري رقم ‪ ،5469‬اليهود في السنة المطهرة )‪.(265 /1‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الحاكم )‪.(548 /3‬‬

‫‪9‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫ليشتهر أمر ميلده على خلف ما زعمت اليهود )‪ ،(1‬وهذا‬


‫أسلوب إعلمي عملي للقضاء على شائعات اليهود التي‬
‫ما للدخول‬ ‫روجوا لها بالمدينة‪ ،‬وكان ابن الزبير ملز ً‬
‫على رسول الله × لكونه من آله‪ ،‬فكان يتردد إلى بيت‬
‫)‪(2‬‬
‫خالته عائشة‬
‫زوج الرسول ×‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬الزبير بن العوام والد عبد الله رضي الله عنهما‪:‬‬
‫هو أبو عبد الله الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن‬
‫عبد العزي بن قصي ابن كلب القرشي السدي)‪ ، (3‬ويجتمع‬
‫مع النبي × في قصي‪ ،‬وهو حواري رسول الله × وابن‬
‫عمته‪ ،‬وأمه صفية بنت عبد المطلب‪ ،‬وأحد العشرة‬
‫المشهود لهم بالجنة‪ ،‬وأحد أصحاب الشورى)‪ ،(4‬أسلم وهو‬
‫حدث وله ست عشرة‬
‫سنة )‪ ،(5‬ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله × ‪ ،‬وقد‬
‫)‪(6‬‬

‫تعرض بعد إسلمه للتعذيب‪ ،‬فقد روى أن عم الزبير‪ ،‬كان‬


‫يعلق الزبير في حصير ويدخن عليه بالنار وهو يقول‪ :‬ارجع‬
‫دا )‪ ،(7‬وقال في حقه‬‫إلى الكفر‪ ،‬فيقول الزبير‪ :‬ل أكفر أب ً‬
‫رسول الله × »لكل نبي حواري‪ ،‬وحواري الزبير«‬
‫)‪ .(8‬أي خاصتى من أصحابي وناصري‪ ،‬ومنه الحواريون‬
‫أصحاب عيسى عليه السلم أي خلصاؤه وأنصاره‪،‬‬
‫فالحواري هو الناصر المخلص‪ ،‬فالحديث أشتمل على هذه‬
‫المنقبة العظيمة التي تميز بها الزبير ‪ ،‬ولذلك سمع عبد‬
‫الله بن عمر رضي الله عنهما رجل ً يقول‪ :‬أنا ابن الحواري‪،‬‬
‫فقال‪ :‬إن كنت من ولد الزبير‪ ،‬وإل فل )‪ ،(9‬وكان الزبير بن‬
‫‪1‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(188 /11‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(365 ،364 /3‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الصابة )‪.(528 -526 /1‬‬
‫‪4‬‬
‫)(الطبقات )‪.(100 /3‬‬
‫‪5‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(41 /1‬‬
‫‪6‬‬
‫)( سير السلف )‪.(1/226‬‬
‫‪7‬‬
‫)( الطبراني في الكبير )‪.(122 /1‬‬
‫‪8‬‬
‫)( مسلم رقم ‪.2414‬‬
‫‪9‬‬
‫)( مصنف ابن أبى شيبه رقم ‪ ،12219‬صحيح‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫الفصل الول‬

‫العوام في عهد رسول الله × رجل المهمات الصعبة‪ ،‬وكان‬


‫في عهد الراشدين من أعمدة الدولة وشارك في فتوحاتها‬
‫الكبيرة )‪ ،(1‬وقد عرض عليه عمر بن الخطاب ولية مصر‬
‫في عهده فقال الزبير‪ :‬ل حاجة لي فيها‪ ،‬ولكني أخرج‬
‫دا وللمسلمين معاوًنا‪ ،‬فإن وجدت عمرو بن العاص‬ ‫مجاه ً‬
‫فتحها )مصر( لم أعرض لعمله‪ ،‬وقصدت إلى بعض‬
‫ت به‪ ،‬وإن وجدته في جهاد كنت معه)‪،(2‬‬ ‫السواحل فرابط ُ‬
‫وقد تحدثت عن سيرته في كتابي عن أمير المؤمنين على‬
‫بن أبى طالب‪ ،‬فمن أراد المزيد فليرجع إليه مشكوًرا)‪.(3‬‬
‫رابًعا‪ :‬أسماء بنت الصديق والدة عبد الله بن الزبير‬
‫رضي الله عنهم جميًعا‪:‬‬
‫هي أسماء بنت عبد الله بن أبى قحافة بن عثمان بن‬
‫عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تميم بن مرة)‪،(4‬‬
‫وكانت من أوائل المسلمات حيث أسلمت وأختها عائشة‬
‫وهي يومئذ صغيرة)‪ .(5‬ولها مواقف مشهودة‪ ،‬وآثار محمودة‬
‫في تاريخنا السلمي المجيد‪.‬‬
‫ومن هذه المواقف‪:‬‬
‫‪ -1‬في الهجرة النبوية‪ :‬قالت السيدة عائشة في حديث‬
‫ما جلوس في بيت أبى بكر‪ ،‬عند‬ ‫طويل منه‪ :‬فبينما نحن يو ً‬
‫الظهيرة‪ ،‬قال قائل لبي بكر‪ :‬هذا رسول الله متقنًعا في‬
‫)‪(6‬‬

‫ساعة لم يكن يأتينا فيها‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬فداء له أبى وأمي‪،‬‬
‫والله ما جاء به في هذه الساعة إل أمر‪..‬إلى أن قالت‪..:‬‬
‫ث وهو السراع( ووضعنا‬ ‫فجهزناهما أحث الجهاز )من الح ّ‬
‫لهما سفرة في جراب‪ ،‬فقطعت أسماء بنت أبى بكر رضي‬
‫الله عنهما قطعة من نطاقها‪ ،‬فربطت به على فم الجراب‪،‬‬

‫‪1‬‬
‫سيرة أمير المؤمنين على بن أبى طالب ص ‪.541‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫فتوح البلدان ص ‪ ،299‬نظام الحكم للقاسمي )‪.(544 /1‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫سيرة أمير المؤمنين على بن أبى طالب ص ‪.550 -535‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الطبقات الكبرى )‪.(119 /3‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫السيرة النبوية )‪ ،(271 /1‬عبد الله بن الزبير‪ ،‬للناطور ص ‪.17‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫متقنًعا‪ :‬مغطًيا رأسه‪.‬‬ ‫)(‬

‫‪11‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫فبذلك سميت بذات النطاقين)‪ .(1‬فقد أسهمت السيدة‬


‫أسماء رضي الله عنها في تموين الرسول × وصاحبه في‬
‫الغار بالماء والغذاء‪ ،‬وكيف تحملت الذى في سبيل الله‪،‬‬
‫فقد حدثتنا عن ذلك فقالت‪ :‬لما خرج رسول الله ×‪ ،‬وأبو‬
‫بكر ‪ ‬أتانا نفر من قريش‪ ،‬فيهم أبو جهل بن هشام‪،‬‬
‫فوقفوا على باب أبى بكر‪ ،‬فخرجت إليهم‪ ،‬فقالوا‪ :‬أين أبوك‬
‫يا بنت أبى بكر؟ قالت‪ :‬قلت‪ :‬ل أدرى والله أين أبى قالت‪:‬‬
‫شا ‪ -‬فلطم خديّ لطمة‪،‬‬ ‫فرفع أبو جهل يده ‪ -‬وكان فاح ً‬
‫طرح منها قرطي‪ ،‬قالت‪ :‬ثم انصرفوا ‪ ،‬فهذا درس من‬
‫)‪(2‬‬

‫أسماء والدة عبد الله بن الزبير رضي الله عنهم‪ ،‬تعّلمه‬


‫لنساء المسلمين جيل ً بعد جيل‪ ،‬كيف تخفى أسرار‬
‫المسلمين عن العداء‪ ،‬وكيف تقف صامدة شامخة أمام‬
‫قوى البغي والظلم‪ ،‬وأما درسها الثاني البليغ‪ ،‬فعندما دخل‬
‫عليها جدها أبو قحافة‪ ،‬وقد ذهب بصره‪ ،‬فقال‪ :‬والله إني‬
‫لراه قد فجعكم بماله ونفسه‪ .‬قالت‪ :‬كل يا أبت‪ ،‬إنه قد‬
‫ترك لنا خيًرا كثيًرا‪ ،‬قالت‪ :‬فأخذت أحجاًرا فوضعتها في كوة‬
‫في البيت كان أبى يضع فيها ماله‪ ،‬ثم وضعت عليها ثوًبا‪ ،‬ثم‬
‫أخذت بيده فقلت‪ :‬ضع يديك على هذا المال‪ ،‬قالت‪ :‬ووضع‬
‫يده عليه فقال‪ :‬ل بأس‪ ،‬إذا كان ترك لكم هذا‪ ،‬فقد أحسن‪،‬‬
‫وفي هذا بلغ لكم‪ ،‬قالت‪ :‬ول والله ما ترك لنا شيًئا ولكني‬
‫أردت أن أسكن‬
‫الشيخ بذلك)‪.(3‬‬
‫وبهذه الفطنة‪ ،‬والحكمة‪ ،‬سترت أسماء أباها‪ ،‬وسكنت‬
‫قلب جدها الضرير‪ ،‬من غير أن تكذب‪ ،‬فإن أباها قد ترك‬
‫قا هذه الحجار التي كومتها‪ ،‬لتطمئن لها نفس‬ ‫لهم ح ً‬
‫الشيخ! إل أنه قد ترك لهم معها إيماًنا بالله ل تزلزله‬
‫الجبال‪ ،‬ول تحركه العواصف الهوج‪ ،‬ول يتأثر بقلة أو كثرة‬
‫في المال‪ ،‬وورثهم يقيًنا‪ ،‬وثقة بل حد لها‪ ،‬وغرس فيهم همة‬

‫‪1‬‬
‫ص ّ‬
‫لبي )‪.(463 /1‬‬ ‫)( البخاري رقم ‪ ،3905‬السيرة النبوية لل ّ‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪ ،(380 ،379 /2‬السيرة النبوية لبن هشام )‪،131 /2‬‬
‫‪.(132‬‬
‫‪3‬‬
‫)( السيرة النبوية لبن هشام )‪ ،(102 /2‬إسناده صحيح‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫الفصل الول‬

‫تتعلق بمعالي المور ول تلتفت إلى سفاسفها )‪ ،(1‬فضرب‬


‫ل أن يوجد‬ ‫بهم للبيت المسلم مثال ً عز أن يتكرر‪ ،‬وق ّ‬
‫نظيره‪ ،‬لقد ضربت أسماء رضي الله عنها بهذه المواقف‬
‫لنساء وبنات المسلمين مثل ً هن في أمس الحاجة إلى‬
‫القتداء به والنسج على منواله )‪.(2‬‬
‫‪ -2‬صلة أسماء لمها المشركة‪ :‬عن أسماء بنت أبى بكر‬
‫رضي الله عنها قالت‪ :‬قدمت أمي وهي مشركة في عهد‬
‫رسول الله ×‪ ،‬فاستفتيت رسول‬
‫الله ×‪ ،‬قلت‪ :‬إن أمي قدمت وهي راغبة‪ ،‬أفأصل أمي؟‬
‫قال‪» :‬نعم‪ ،‬صلي أمك«)‪ ،(3‬قال ابن حجر‪ :‬وفي قولها‪:‬‬
‫وهي راغبة أقوال‪ ،‬والذي عليه الجمهور من هذه القوال‬
‫أنها قدمت طالبة من بر ابنتها لها‪ ،‬خائفة من ردها إياها‬
‫خائبة‪ .‬وفي هذا الحديث من الفوائد ما ذكره الخطابي‪ :‬إن‬
‫الرحم الكافرة توصل بالمال ونحوه كما توصل المسلمة)‪.(4‬‬
‫َ‬
‫م‬ ‫ن لَ ْ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫هاك ُ ُ‬ ‫وقد قال تعالى‪+ :‬ل َ ي َن ْ َ‬
‫م أن‬ ‫رك ُ ْ‬ ‫من ِْدَيا ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫جو ُ‬ ‫ر ُ‬ ‫خ ِ‬ ‫م يُ ْ‬ ‫ول َ ْ‬‫ن َ‬ ‫دي ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫قات ُِلوك ُ ْ‬ ‫يُ َ‬
‫ن‬
‫طي َ‬ ‫س ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه يُ ِ‬ ‫ن الل َ‬ ‫م إِ ّ‬ ‫ه ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫وت ُ ْ‬
‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫سطوا إ ِلي ْ ِ‬ ‫ق ِ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬‫ت َب َّرو ُ‬
‫ن‬
‫دي ِ‬ ‫في ال ّ‬ ‫م ِ‬ ‫ُ‬
‫ن قات َلوك ْ‬ ‫َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫ه َ‬ ‫م الل ُ‬ ‫ُ‬
‫هاك ُ‬ ‫ما ي َن ْ َ‬ ‫‪َ ‬إ ِن ّ َ‬
‫م َأن‬ ‫ُ‬ ‫ك‬
‫ِ َ ِ ْ‬‫ج‬ ‫را‬ ‫خ‬
‫ْ‬ ‫إ‬ ‫لى‬ ‫َ‬ ‫ع‬
‫َ‬ ‫روا‬ ‫َ ُ‬‫ه‬ ‫َ‬
‫ظا‬ ‫و‬ ‫م‬
‫ِ َ ِ ْ َُ‬ ‫ُ‬ ‫ك‬ ‫ر‬ ‫يا‬ ‫د‬ ‫من‬ ‫ّ‬ ‫كم‬ ‫ُ‬ ‫جو‬ ‫خ َ ُ‬
‫ر‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫ن"‬ ‫مو َ‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ل‬‫ظا‬ ‫ّ‬ ‫ال‬ ‫م‬‫ُ‬ ‫ه‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ك‬ ‫ِ‬ ‫ئ‬‫َ‬ ‫ل‬ ‫أو‬ ‫َ‬
‫ف‬ ‫م‬ ‫ه‬
‫َ َ ُ ْ‬‫ّ‬ ‫ل‬‫و‬ ‫َ‬ ‫ت‬‫ي‬ ‫من‬ ‫تَ َ ْ ْ َ َ‬
‫و‬ ‫م‬ ‫ه‬‫ُ‬ ‫و‬ ‫ّ‬ ‫ل‬ ‫و‬
‫]الممتحنة‪ .[9 ،8 :‬وهاتان اليتان رخصة في الذين لم ينصبوا‬
‫الحرب للمسلمين‪ ،‬وجواز برهم‪ ،‬وإن كانت الموالة‬
‫منقطعة )‪.(5‬‬
‫‪ -3‬شجاعتها وجهادها في اليرموك مع زوجها‪ :‬وأما‬
‫شجاعتها وجراءتها وجهادها في سبيل الله‪ ،‬فأمر يفوق‬
‫الخيال؛ فمن ذلك خروجها مع الجيش يوم اليرموك‪ ،‬فلقد‬

‫‪1‬‬
‫)( السفساف‪ :‬الردئ الحقير من كل شيء‪ ،‬والجمع‪ :‬سفاسف‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الهجرة النبوية المباركة ص ‪.128‬‬
‫‪3‬‬
‫)( البخاري رقم ‪.2620‬‬
‫‪4‬‬
‫)( فتح الباري )‪.(277 /5‬‬
‫‪5‬‬
‫)( شرح منظومة الداب )‪ ،(297 /1‬بر الوالدين‪ ,‬أم حفص عبير بنت محمد‬
‫ص ‪.36‬‬

‫‪13‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫شهدت اليرموك مع زوجها الزبير وابنها عبد الله )‪ .(1‬ومن‬


‫شجاعتها استعداُدها التام لمواجهة اللصوص الذين كثروا‬
‫في يوم من اليام بالمدينة‪ ،‬عن فاطمة بنت المنذر أن‬
‫أسماء بنت أبى بكر اتخذت خنجًرا للصوص زمن سعيد بن‬
‫العاص ‪ -‬أي في زمن إمارته المدينة ‪ -‬وكانوا قد كثروا في‬
‫المدينة‪ ،‬فكانت تجعله تحت رأسها )‪.(2‬‬
‫‪ -4‬علقتها بالقرآن الكريم‪ :‬كانت رضي الله عنها قد‬
‫تربت على كتاب الله وهدى النبي ×‪ ،‬وإليك هذه الصورة‬
‫المشرقة من حياتها مع القرآن الكريم؛ فذات يوم دخل‬
‫ن‬‫م ّ‬
‫ف َ‬ ‫عليها ابنها وهي ُتصلى فسمعها تقرأ هذه الية‪َ + :‬‬
‫موم ِ" ]الطور‪ .[27 :‬فبكت‬ ‫س ُ‬‫ب ال ّ‬ ‫ع َ‬
‫ذا َ‬ ‫قاَنا َ‬ ‫و َ‬‫و َ‬‫عل َي َْنا َ‬‫ه َ‬ ‫الل ُ‬
‫واستعاذت‪...‬فقام وهي تستعيذ‪ .‬فلما طال عليه أتى السوق‬
‫وقضى منه حاجته‪ ..‬ثم رجع فوجدها ما تزال في بكائها‬
‫تستعيذ )‪ .(3‬وكانت إذا أصيبت بالصداع تضع يدها على رأسها‬
‫وهي تقول‪ :‬بذنبي وما يغفر الله أكثر)‪ (4‬وهذا فهم عميق‬
‫ما‬ ‫ة َ‬ ‫صاب َ ُ‬ ‫َ‬
‫فب ِ َ‬ ‫صيب َ ٍ‬
‫م ِ‬
‫من ّ‬‫كم ّ‬ ‫ما أ َ‬ ‫و َ‬‫لقول اللهَ تعالى‪َ + :‬‬
‫ر" ]الشورى‪ .[30 :‬وقد‬ ‫َ‬
‫عن كِثي ٍ‬ ‫عفو َ‬ ‫ُ‬ ‫وي َ ْ‬
‫م َ‬‫ديك ُ ْ‬‫ت أي ْ ِ‬ ‫سب َ ْ‬‫كَ َ‬
‫صباغ رسالة قيمة في‬ ‫أفرد الدكتور محمد ابن لطفي ال ّ‬
‫حياة السيدة أسماء رضي الله عنها‪ ،‬وسيأتي الحديث عن‬
‫بعض الدروس والعبر في حصار الحجاج لبنها عبد الله‬
‫بمكة‪،‬‬
‫بإذن الله‪.‬‬
‫سا‪ :‬أولد ابن الزبير وزوجاته‪:‬‬ ‫خام ً‬
‫خبيب وحمزة وعباد وثابت وأمهم‬ ‫كان له من الولد ُ‬
‫تماضر بنت منظور الفزاري‪ ،‬وهاشم وقيس وعروة ‪ -‬قتل‬
‫مع أبيه ‪ -‬والزبير‪ ،‬وأمهم أم هاشم بنت حلة بن منظور‪،‬‬
‫وعامر وموسى وأم حكيم وفاطمة وفاخته‪ ،‬وأمهم جثيمة‬

‫‪1‬‬
‫صباغ ص ‪.33‬‬
‫)(‪ (3) ,‬طبقات ابن سعد )‪ ،(253 /8‬أسماء بنت أبى بكر‪ ،‬لل ّ‬
‫‪2‬‬
‫صباغ ص ‪.33‬‬
‫)( طبقاتـ ابن سعدـ ) ‪ ،(253 /8‬أسماء بنت أبىـ بكر‪ ،‬لل ّ‬

‫‪3‬‬
‫)( الحلية )‪ ,(2/55‬أسماء بنت أبي بكر ص ‪.9‬‬
‫‪4‬‬
‫)( الحلية )‪ ,(2/55‬أسماء بنت أبي بكر ص ‪.33‬‬

‫‪14‬‬
‫الفصل الول‬

‫بنت عبد الرحمن بن الحارث بن هشام‪ ،‬وبكر ورقية وأمها‬


‫عائشة بنت عثمان بن عفان‪ ،‬وعبد الله ومصعب من أم ولد‬
‫)‪.(1‬‬
‫سا‪ :‬وصف ابن الزبير وأهم صفاته‪:‬‬ ‫ساد ً‬
‫فا ليس بالطويل‪ ،‬وكان بين عينيه أثر‬ ‫كان آدم)‪ (2‬نحي ً‬
‫ما‪،‬‬
‫وا ً‬
‫ما ق ّ‬ ‫وا ً‬
‫حا‪ ،‬ص ّ‬ ‫ما فصي ً‬‫دا شه ً‬‫السجود‪ ،‬كثير العبادة‪ ،‬مجته ً‬
‫مة عالية‪ ،‬وكان‬ ‫شديد البأس‪ ،‬ذا أنفة‪ ،‬له نفس شريفة وه ّ‬
‫خفيف اللحية ليس في وجهه من الشعر إل قليل‪ ،‬وكانت له‬
‫دا مهيًبا‬ ‫ما عاب ً‬‫جمة‪ ،‬وكانت له لحية صفراء ‪ ،‬وكان عال ً‬
‫)‪(3‬‬
‫ُ‬
‫ى‬
‫ّ‬ ‫قو‬ ‫الخشوع‬ ‫شديد‬ ‫صلة‬‫ّ‬ ‫وال‬ ‫الصيام‬ ‫كثير‬ ‫را‪،‬‬
‫ً‬ ‫وقو‬
‫السياسة)‪ ،(4‬وكان لبيه الزبير وأمه أسماء وخالته عائشة‬
‫وجده أبى بكر‪ ،‬وجدته صفية عمة رسول الله × أكبر الثر‬
‫على شخصيته من جميع النواحى‪ ،‬وهذا ما نلمسه من‬
‫صفات ابن الزبير التي أهمها‪:‬‬
‫‪ -1‬فقهه وعلمه‪ :‬كان عبد الله بن الزبير ‪ ‬أحد العبادلة‬
‫الربعة الذين تفقهوا في أمور الدين في المدينة المنورة‬
‫وهم‪ :‬عبد الله بن الزبير وعبد الله بن عباس وعبد الله بن‬
‫عمرو بن العاص وعبد الله بن عمر رضي الله عنهم‪ ،‬ولبن‬
‫الزبير في الصحيحين أحاديث اتفقا له على حديث واحد‬
‫وانفرد البخاري بستة أحاديث‪ ،‬ومسلم بحديثين)‪ ،(5‬حدث‬
‫عن رسول الله وهو صغير‪ ،‬وكذلك حدث عن أبيه الزبير‬
‫وعن جده أبى بكر‪ ،‬وعمر وعثمان وخالته أم المؤمنين‬
‫عائشة وغيرهم رضي الله عنهم‪ ،‬وروى عنه مشاهير‬
‫التابعين منهم‪ :‬أخوه عروة‪ ،‬وطاووس بن كيسان وعمرو بن‬
‫دينار‪ ،‬وابن أبى مليكة‪ ،‬وثابت البناني‪ ،‬وغيرهم كثير)‪ ،(6‬وقد‬
‫كان ‪ ‬فقيًها‪ ،‬وقد قال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم‪ :‬لما‬
‫‪1‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(11/213‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫آدم‪ :‬أسمر‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(193 /11‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(204 /11‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(363 /3‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫المصدر نفسه )‪ ،(363 /3‬عبد الله بن الزبير‪ ،‬لمحمد عبد الرضا هادى ص‬ ‫)(‬
‫‪.9‬‬

‫‪15‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫مات العبادلة عبد الله بن عباس‪ ،‬وعبد الله بن الزبير‪ ،‬وعبد‬


‫الله بن عمرو بن العاص صار الفقه في جميع البلدان إلى‬
‫الموالي)‪ ،(2) (1‬وعرف ابن الزبير بأنه واسع المعرفة بالقرآن‬
‫دا ول‬‫ما عاب ً‬
‫والسنة‪ ،‬وكان ‪ ‬من العلماء المجتهدين‪ ،‬عال ً‬
‫غرو في ذلك إذ كان كثير الدخول على خالته عائشة‪ ،‬أم‬
‫المؤمنين‪ ،‬رضي الله عنها‪ ،‬وهي العالمة الفقيهة‪ ،‬وكانت‬
‫تحدثه وهو من أحب الناس إليها بعد رسول الله ×‪ ،‬وبعد‬
‫أبيها أبى بكر الصديق‪  ،‬وعنها‪ ،‬وكانت مدة خلفة عبد الله‬
‫بن الزبير تسع سنوات‪ ،‬وقد حج خللها ثمان مرات‪ ،‬وفي‬
‫السنة الخيرة كان محاصًرا فلم يستطع الحج‪ .‬خطب ابن‬
‫جاج فقال‪ :‬يا معشر الحجاج‪ ،‬سلوني؛ فعلينا‬ ‫ح ّ‬
‫الزبير مرة ال ُ‬
‫كان التنزيل‪ ،‬ونحن حضرنا التأويل‪ ،‬فقال رجل من أهل‬
‫ل جرابي فدخلت فيه فأرة فقتلتها‪ ،‬وأنا محرم‪،‬‬ ‫العراق‪ :‬انح ّ‬
‫فقال‪ :‬اقتلوا الفويسقة‪ ،‬فقال‪ :‬أخبرنا بالشفع والوتر‬
‫والليالي العشر‪ ،‬فقال‪ :‬العشر‪ :‬الثماني وعرفة والنحر‪،‬‬
‫ل في يومين فل إثم عليه‪ ،‬ومن تأخر فل‬ ‫والشفع من تعج ّ‬
‫إثم عليه‪ ،‬والوتر‪ :‬هو هذا اليوم )يعنى عرفة(‪ ،‬ولم يكن أحد‬
‫أعلم بالمناسك من ابن الزبير في عهده)‪ .(3‬وقال عنه ابن‬
‫عباس ‪ :‬كان قارًئا لكتاب الله متبًعا لسنة رسول الله ×‪،‬‬
‫ما في الهواجر من مخافة الله‪ ،‬ابن حواري‬ ‫قانًتا لله صائ ً‬
‫رسول الله‪ ،‬وأمه بنت الصديق‪ ،‬وخالته عائشة حبيب الله‬
‫زوجة رسول الله ×‪ ،‬فل يجهل حقه إل من أعمى الله‬
‫بصيرته)‪ .(4‬وكتب في فقهه رسالة علمية للطالب محمد عبد‬
‫الرضا هادى بالعراق‪.‬‬
‫‪ -2‬عبادته وتقواه‪ :‬تواترت الروايات التي تصور لنا‬
‫حرص ابن الزبير على العبادة من صلة وصيام وغيرها‪،‬‬
‫حتى إنها أصبحت من معالم شخصيته )‪ ،(5‬قال عنه مجاهد‪:‬‬
‫لم يكن أحد يطيق ما يطيقه ابن الزبير من العبادة )‪(6‬‬
‫‪1‬‬
‫)( معجم البلدان‪ ،‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ،‬للناطور ص ‪.31‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫)( تهذيب تاريخ ابن عساكر‪ ،‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ،‬محمود شاكر ص‬
‫‪.202‬‬
‫‪4‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪ ،(367 /3‬البداية والنهاية )‪.(191 /11‬‬
‫‪5‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير للخراشى ص ‪.32‬‬
‫‪6‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(193 /11‬‬

‫‪16‬‬
‫الفصل الول‬

‫وقال‪ :‬جاء سيل مرة فطبق أبنيه الكعبة‪ ،‬فجعل ابن الزبير‬
‫يطوف سباحة )‪ ،(1‬وكان ابن الزبير ‪ ‬كثير العبادة‪ ،‬إذا قام‬
‫إلى الصلة انقطع عن الدنيا ونسى مشاغلها وما فيها من‬
‫حلو ومر وخرج من كل شيء إليها‪ ،‬فقد روى أن ابن الزبير‬
‫ما يصلي فسقطت حية من السقف فطوقت بطن‬ ‫كان يو ً‬
‫ابنه هاشم فصرخ النسوة وانزعج أهل المنزل واجتمعوا‬
‫على قتل تلك الحية‪ ،‬فقتلوها وسلم الولد‪ ،‬فعلوا هذا كله‬
‫وابن الزبير في الصلة لم يلتفت ول درى بما جرى حتى‬
‫سّلم)‪ .(2‬وقال عنه ثابت البناني‪ :‬كنت أمر بابن الزبير وهو‬
‫خلف المقام يصلي كأّنه خشبة منصوبة ل تتحرك )‪ ،(3‬وقال‬
‫يزيد بن إبراهيم عن عمرو بن دينار‪ ،‬قال‪ :‬كان ابن الزبير‬
‫يصلي في الحجر والمنجنيق يصيب ثوبه‪ ،‬فما يلتفت‪ ،‬يعنى‪:‬‬
‫لما حاصروه)‪ ،(4‬وعن ابن أبى مليكة‪ :‬قال لي عمر بن عبد‬
‫العزيز‪ :‬إن في قلبك من ابن الزبير‪ ،‬قلت‪ :‬لو رأيته ما رأيت‬
‫مناجًيا ول مصلًيا مثله )‪ ،(5‬وعن ابن أبى مليكة قال‪ :‬كان ابن‬
‫الزبير يواصل سبعة أيام‪ ،‬ويصبح في اليوم السابع وهو ألي َُثنا‬
‫)‪ .(6‬وعلق الذهبي على ذلك فقال‪ :‬لعله ما بلغه النهي عن‬
‫الوصال ونبيك × بالمؤمنين رءوف رحيم‪ ،‬وكل من واصل‪،‬‬
‫وبالغ في تجويع نفسه‪ ،‬انحرف مزاجه وضاق خلقه‪ ،‬فاتباع‬
‫فا في العبادة‬ ‫صن ً‬
‫ملكه ِ‬
‫السنة أولى‪ ،‬ولقد كان ابن الزبير مع ُ‬
‫)‪.(7‬‬
‫‪ -3‬جرأته وشجاعته‪ :‬كان عبد الله بن الزبير فارس‬
‫قريش في زمانه‪ ،‬وكان يشتد بالسيف وقد ناهز السبعين‬
‫كأنه فتى في ربيع العمر‪ ،‬قال عنه عثمان بن طلحة‪ :‬كان‬
‫ابن الزبير ل ينازع في ثلثة‪ :‬ل شجاعة ول عبادة ول بلغة‬
‫)‪ ،(8‬وعن هشام بن عروة قال‪ :‬كان أول ما أفصح به عمى‬
‫عبد الله بن الزبير وهو صغير‪ :‬السيف‪ ،‬فكان ل يضعه من‬
‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(369 /3‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫المصدر نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(368 /3‬‬ ‫)(‬

‫‪17‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫فيه‪ ،‬فكان أبوه إذا سمع ذلك منه يقول‪ :‬أما والله ليكونن‬
‫لك منه يوم ويوم وأيام )‪ ،(1‬وكان مشهوًدا له بالشجاعة منذ‬
‫كان صغيًرا‪ ،‬وسنعرض لشجاعته في اليرموك وفي حصار‬
‫القسطنطينية وفي فتح إفريقية‪ ،‬وفي دفاعه عن عثمان‬
‫يوم الدار‪ ،‬وفي قتاله في الجمل‪ ،‬وسيأتي الحديث عن‬
‫شجاعته أكثر بإذن الله في حصار الحجاج له بمكة‪ .‬وكان‬
‫يقول‪ :‬والله إني ل أبالي إذا وجدت ثلثمائة يصبرون صبري‬
‫ى أهل الرض )‪ ،(2‬وكان ُيضرب بشجاعته المثل‬ ‫لو أجلب عل ّ‬
‫)‪ ،(3‬وكان ابن الزبير متأثًرا بشجاعة أبيه وإقدامه وشجاعة‬
‫جده الصديق‪ ،‬وأمه وأخواله وعلى رأسهم عبد الرحمن بن‬
‫أبى بكر الصديق‪.‬‬
‫‪ -4‬فصاحته وخطابته‪ :‬كان ابن الزبير ‪ ‬ل ينازع‪ ،‬وكان‬
‫من خطباء قريش المعدودين‪ ،‬وكان إذا خطب يشبه بجده‬
‫أبى بكر الصديق ‪ ‬في حركاته وإشاراته ونبرات صوته‪،‬‬
‫وكان صيًتا إذا خطب‪ ،‬ويروى أن المسلمين عندما انتصروا‬
‫قا كثيًرا وغنموا أموال ً وغنائم‬
‫على البربر فقتلوا منهم خل ً‬
‫دا‪ ،‬بعث ابن أبى سرح بالبشارة مع ابن الزبير إلى‬ ‫كثيرة ج ً‬
‫عثمان فقص على عثمان الخبر وكيف جرى‪ ،‬فقال له‬
‫عثمان‪ :‬إن استطعت أن تؤدي هذا للناس فوق المنبر‪ ،‬قال‪:‬‬
‫نعم‪ ،‬فصعد ابن الزبير فوق المنبر فخطب وذكر لهم كيفية‬
‫ما جرى‪ ،‬قال عبد الله‪ :‬فالتفت فإذا أبى الزبير في جملة‬
‫ى في الكلم من‬ ‫من حضر‪ ،‬فلما تبينت وجهه كاد يرتج عل ّ‬
‫ى ليحضني‪،‬‬ ‫هيبته في قلبي‪ ،‬فرمزنى بعينه وأشار إل ّ‬
‫فمضيت في الخطبة كما كنت‪ ،‬فلما نزلت قال‪ :‬والله لكأني‬
‫أسمع خطبة أبى بكر الصديق حين سمعت خطبتك يا بنى‬
‫)‪ ،(4‬وعن محمد بن عبد الله الثقفي قال‪ :‬شهدت ابن الزبير‬
‫بالموسم خرج علينا قبل التروية بيوم وهو محرم‪ ،‬فلبى‬
‫بأحسن تلبية سمعتها قط‪ ،‬ثم حمد الله وأثنى عليه ثم قال‪:‬‬
‫‪8‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(370 /3‬‬ ‫)(‬
‫‪1‬‬
‫عبد الله بن الزبير فقيًها ص ‪ ،14‬البداية والنهاية )‪.(208 /11‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(376 /3‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(377 /3‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(194 /11‬‬ ‫)(‬

‫‪18‬‬
‫الفصل الول‬

‫أما بعد‪ ،‬فإنكم جئتم من آفاق شتى وفوًدا إلى الله عز‬
‫وجل‪ ،‬فحق على الله أن يكرم وفده‪ ،‬فمن كان منكم‬
‫يطلب ما عند الله فإن طالب ما عند الله ل يخيب‪،‬‬
‫فاصدقوا قولكم بفعل‪ ،‬فإن ملك القول الفعل‪ ،‬والنية النية‪،‬‬
‫القلوب القلوب‪ ،‬الله الله في أيامكم هذه‪ ،‬فإنها أيام تغفر‬
‫فيها الذنوب‪ ،‬جئتم من آفاق شتى في غير تجارة ول طلب‬
‫مال ول دنيا ترجون هاهنا‪ ،‬ثم لبى ولبى الناس‪ ،‬فما رأيت‬
‫باكًيا أكثر من يومئذ)‪ ،(1‬وقال سعيد بن المسيب‪ :‬خطباء‬
‫قريش في السلم‪ :‬معاوية وابنه‪ ،‬وسعيد وابنه‪ ،‬وعبد الله‬
‫بن الزبير)‪ ،(2‬ومن خطبه المشهورة‪ ،‬خطبته في أهل مكة‬
‫بعد مقتل الحسين ‪ ،‬وخطبته في الخوارج حين ناظرهم‪،‬‬
‫وخطبته بعد مقتل أخيه مصعب في العراق)‪ ،(3‬ومن‬
‫مواعظه المشهورة ما كتبه لوهب بن كيسان حيث قال‪:‬‬
‫ى عبد الله بن الزبير بموعظة‪ :‬أما بعد فإن لهل‬‫كتب إل ّ‬
‫التقوى علمات ُيعرفون بها‪ ،‬ويعرفونها من أنفسهم‪ ،‬صدق‬
‫الحديث‪ ،‬وأداء المانة‪ ،‬وكظم الغيظ‪ ،‬وصبر على البلء‪،‬‬
‫ل لحكم القرآن‪ ،‬وإنما‬ ‫ورضى بالقضاء‪ ،‬وشكر للنعماء‪ ،‬وذ ّ‬
‫اليام كالسوق ما نفق فيها حمل إليها‪ ،‬إن نفق الحق عنده‬
‫حمل إليه وجاءه أهله‪ ،‬وإن نفق الباطل حمل إليه وجاءه‬
‫أهله )‪ .(4‬ول شك أن صفة الخطابة والقدرة على القناع من‬
‫أهم المور التي يجب أن يتحلى بها أي زعيم‪ ،‬وقد أفاد ابن‬
‫الزبير من ذلك كثيًرا وكانت فصاحته وقدرته الخطابية عامل ً‬
‫من عوامل نشر أفكاره والقيم التي آمن بها في حياته‪.‬‬
‫‪ -5‬عبد الله بن الزبير ‪ ‬وجوده‪ :‬كان عبد الله بن الزبير‬
‫ما يعطى حقوق الرعية كاملة‪ ،‬ويزيد إلى من يستحق‪،‬‬ ‫كري ً‬
‫ول يدفع إل بطرق مشروعة‪ ،‬ولكن اتهمه بعضهم بالبخل إذ‬
‫لم يكن مبذًرا يعطى عن يمين وعن شمال من ل يستحق‪،‬‬
‫دم‬‫ولم يكن مسرًفا فل يدفع إل قدر الحاجة‪ ،‬ول ُيق ّ‬
‫‪1‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(218 /11‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫تاريخ ابن عساكر‪ ،‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ،‬للخراشي ص ‪.34‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(58 /3‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(219 /11‬‬ ‫)(‬

‫‪19‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫داحين والمتزّلفين‪ ،‬وهم عادة أصحاب ألسنة حادة ومنها‬ ‫للم ّ‬


‫تخرج الشائعات الهادفة‪ ،‬غير أن ابن الزبير لم يكن ُيبالي‬
‫بما ُيقال‪ ،‬ما دام أنه على الجادة)‪ ،(1‬وقد انساق كثير من‬
‫الباحثين وراء روايات الخصوم واتهموا ابن الزبير بالبخل‪،‬‬
‫ن على حقيقة ابن الزبير‪ ،‬وللسف أن‬ ‫وهذا الوصف فيه تج ّ‬
‫أصحاب الدراسات الحديثة لم يلتفتوا إلى الروايات الخرى‬
‫التي تنفى صفة البخل عن ابن الزبير)‪ ،(2‬والذي يظهر أن‬
‫صفة البخل التي وصف بها ابن الزبير كانت بسبب سياسته‬
‫المالية المتشددة‪ ،‬ذلك أن ابن الزبير كان يتأسى بالخلفاء‬
‫كا له‬‫الراشدين وينظر إلى ما بيده من مال أنه ليس مل ً‬
‫م ل ينفقه إل في وجوهه‬ ‫وإنما هو للمسلمين‪ ،‬ومن ث ّ‬
‫الشرعية)‪ (3‬فالذين عاشوا في ذلك العصر ورأوا سياسة ابن‬
‫الزبير المتشددة وقارنوها بسياسة المويين في النفاق‬
‫لكسب النصار والمؤيدين والشعراء‪ ،‬اتهم بعضهم ابن‬
‫الزبير بالبخل‪ ،‬وهذه الثار تدل على كرم وجود ابن الزبير‬
‫‪ ‬وحرصه على أموال المسلمين‪:‬‬
‫أ‪ -‬شهادة السيدة عائشة في كرم ابن الزبير‪ :‬قالت‬
‫عائشة بنت طلحة‪ :‬خرجت مع أم المؤمنين عائشة ‪ -‬وهي خالة‬
‫عائشة بنت طلحة ‪ -‬فبينما نحن كذلك إذا براجز يقول‪:‬‬
‫م‬
‫أنشد من كان يعيد اله ّ‬
‫م‬
‫ابن أ ّ‬ ‫يدلني اليوم على‬
‫م‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫لـــه أب في باذخ أش ّ‬
‫م‬
‫وأمــــه كالبدر ليل ت ّ‬
‫م‬‫مقابل الخال كريم الع ّ‬
‫م‬
‫جّرعه أكؤســـــه بس ّ‬

‫قالت‪ :‬فلما سمعت أم المؤمنين أبياته دعت به‪ ،‬فقالت‬


‫له من وراء حجابها‪ :‬يا عبد الله‪ ،‬سمعت رسول الله ×‬
‫دال على الخير كفاعله«‪ .‬فحاجتك رجل بين‬ ‫يقول‪» :‬ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير ‪ ،‬محمود شاكر ص ‪.2‬‬
‫‪2‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ،‬للخراشي ص ‪.36‬‬
‫‪3‬‬
‫)( المصدر السابق ص ‪.37‬‬

‫‪20‬‬
‫الفصل الول‬

‫يديك‪ ،‬فاسأل عبد الله بن الزبير‪ ،‬فإنه شرطك‪ ،‬فخرج‬


‫الرجل حتى أدرك عبد الله بن الزبير فحمله على راحلة‬
‫وصنع إليه معروًفا )‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬شهادة معاوية بن أبى سفيان في ابن‬
‫الزبير رضي الله عنهم‪ :‬سمع معاوية ‪ ‬رجل ً وهو‬
‫يقول‪:‬‬
‫مْيدع‬
‫س َ‬
‫ابن رقاش ماجــــد َ‬
‫يأتي فيعطى عن يــد ِ أو يمنع‬

‫فقال‪ :‬ذاك عبد الله بن الزبير )‪.(2‬‬


‫ج‪ -‬نابغة بنى جعدة وابن الزبير‪ :‬عن عبد الله بن‬
‫عروة قال‪ :‬أقحمت السنة نابغة بنى جعدة فدخل على عبد‬
‫الله بن الزبير المسجد الحرام فأنشده‪:‬‬
‫وعثمان والفارق فارتاح‬ ‫ديق لما وليتنا‬ ‫حكيت لنا الص ّ‬
‫م‬
‫معْد ِ ُ‬ ‫ُ‬
‫حالك اللون‬‫حا َ‬ ‫فعاد صبا ً‬ ‫ويت بين الناس في‬ ‫وس ّ‬
‫مظلم‬ ‫الحق فاستووا‬
‫ُدجى الليل جوّاب الفلة‬ ‫أتاك أبو ليلى يجوب به‬
‫م‬
‫عثمث ُ‬ ‫َ‬ ‫دجى‬‫ال ّ‬
‫صروف الليالي والزمان‬ ‫ُ‬ ‫ت به‬ ‫لتجبر منه جانًبا دعدع ْ‬
‫مم‬
‫ص ّ‬‫م َ‬ ‫ال ُ‬
‫ون عليك أبا ليلى‪ ،‬فإن الشعر أهون‬ ‫فقال ابن الزبير‪ :‬ه ّ‬
‫ما عفوته فإن‬ ‫ما صفوة مالنا فلل الزبير‪ ،‬وأ ّ‬ ‫وسائلك عندنا‪ ،‬أ ّ‬
‫ما‪ ،‬ولكن لك في مال الله حقان‪:‬‬ ‫ً‬ ‫وتي‬ ‫عنك‪،‬‬ ‫بنى أسد تشغلها‬
‫حق برؤيتك رسول الله ×‪ ،‬وحق لشركتك أهل السلم في‬
‫فيئهم‪ ،‬ثم أخذ بيده فدخل به دار الن َّعم‪ ،‬فأعطاه قلئص‬
‫ل‪ ،‬وأوقر له الركاب بًرا وتمًرا وثياًبا‪ ،‬فجعل‬ ‫سبًعا وجمل ً رحي ً‬
‫صْرًفا‪ ،‬فقال ابن الزبير‪ :‬ويح‬ ‫الحب ِ‬ ‫النابغة يستعجل ويأكل‬
‫أبى ليلى‪ ،‬لقد بلغ الجهد ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫فهذا الخبر ينفى ما روى عن بخل ابن الزبير‪ ،‬ففرق بين‬


‫‪1‬‬
‫)( تاريخ دمشق الكبير )‪.(147 /30‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ دمشق )‪.(146 /30‬‬

‫‪21‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫حا من‬‫البخل والحفاظ على مال المسلمين‪ ،‬فقد بدا واض ً‬


‫كلم عبد الله بن الزبير تبريره حق النابغة الجعدي فيما‬
‫منحه إياه دون أي اعتبار لما مدحه به من شعر)‪.(1‬‬
‫د‪ -‬عبد الله بن عروة ابن أخ ابن الزبير‪ :‬جاء في‬
‫رواية للزبير بن بكار أن‬
‫عبد الله بن الزبير زّوج ابنته أم حكيم من ابن أخيه عبد الله‬
‫بن عروة‪ ،‬فأرسل عروة إلى أخيه عبد الله عشرين ألف‬
‫درهم فردها عبد الله قائ ً‬
‫ل‪ :‬لو أردت المال لوجدته عند‬
‫غيرك )‪.(2‬‬
‫هـ‪ -‬حمزة بن عبد الله بن الزبير في سجن أبيه‪:‬‬
‫قدم حمزة بن عبد الله بن الزبير على أبيه بعد أن عزل من‬
‫العراق‪ ،‬فلما سأله أبوه عن المال أخبره بأنه وزعه على‬
‫قومه فوصلهم به‪ ،‬فقال له ابن الزبير‪ :‬مال ليس لك ول‬
‫لبيك‪ .‬ثم سجنه)‪ (3‬وهكذا يتضح حرص ابن الزبير على المال‬
‫العام‪ ،‬وإنفاقه وكرمه الذي ل تجاوز فيه لشرع الله في‬
‫النفاق‪.‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( موقف الشعر من الحركة الزبيرية ص ‪.47‬‬
‫‪2‬‬
‫)( جمهرة نسب قريش ص ‪.265‬‬
‫‪3‬‬
‫)( المصدر نفسه ص ‪.40‬‬

‫‪22‬‬
‫الفصل الول‬

‫‪23‬‬
‫ابن الزبير‬
‫في عهد أبى بكر وعمر‬
‫وعثمان وعلى ومعاوية‬
‫رضي الله عنهم‬
‫الفصل الثاني‬

‫‪25‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الفصل الثاني‬
‫ابن الزبير في عهد أبى بكر وعمر‬
‫وعثمان وعلى ومعاوية رضي الله عنهم‬

‫‪ -1‬في اليرموك‪:‬‬
‫ل نجد في كتب السيرة أي خبر عن اشتراك عبد الله‬
‫بن الزبير في الحروب والغزوات رغم حضوره مع والده‬
‫غزوة الحزاب وفتح مكة‪ ،‬فقد كان في مقتبل العمر ولم‬
‫يتجاوز عمره عند وفاة الرسول × إحدى عشرة سنة‪.‬‬
‫دا من الغلمان لم يبلغ الخامسة‬ ‫وكان الرسول × ل يجيز أح ً‬
‫عشرة‪ ،‬وأول ما يرد من أخبار تتعلق بخروجه مع الجيوش‪،‬‬
‫ومرافقته لوالده في تحرير بلد الشام وحضوره معركة‬
‫اليرموك إذ يقول عبد الله‪ :‬كنت مع أبى عام اليرموك‪ ،‬فلما‬
‫تعبأ المسلمون للقتال‪ ،‬لبس الزبير لمته ثم جلس على‬
‫فرسه ثم قال لموليين له‪ :‬احبسا عبد الله ابن الزبير معكما‬
‫في الرحل‪ ،‬فإنه غلم صغير)‪.(1‬‬
‫وبعد انتهاء القتال شارك عبد الله في علج الجرحى بعد‬
‫انهزام المشركين)‪ (2‬وإن لم يشارك في القتال لصغر سنه‪،‬‬
‫فإنه ألف القتال والعراك وصليل السيوف منذ نشأته مما‬
‫زاد في شجاعته وخبرته العسكرية )‪.(3‬‬
‫‪ -2‬ابن الزبير مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي‬
‫الله عنهم‪:‬‬
‫مّر أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ‪ ‬وابن الزبير يلعب‬
‫مع الصبيان‪ ،‬ففروا‪ ،‬ووقف ابن الزبير فقال له عمر‪ :‬مالك‬
‫لم تفر معهم؟ فقال‪ :‬لم أجرم فأخافك‪ ،‬ولم تكن الطريق‬
‫ضيقة فأوسع لك )‪ ،(4‬وتروى المصادر حادثة أخرى تبين‬
‫شجاعته منذ صباه الباكر‪ ،‬فقد ذكرت المصادر التاريخية أنه‬
‫‪1‬‬
‫تاريخ الطبري‪ ،‬نقل ً عن عبد الله الزبير‪ ،‬ماجد لحام ص ‪.41‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫تاريخ ابن عساكر‪ ،‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير ص ‪.41‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫عبد الله بن الزبير ص ‪.41‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(75 /2‬‬ ‫)(‬

‫‪26‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫كان ذات يوم يلعب مع الصبيان وهو صبى‪ ،‬فمر بهم رجل‬
‫فصاح عليهم ففروا‪ ،‬ومشى ابن الزبير القهقرى وقال‪ :‬يا‬
‫صبيان‪ ،‬اجعلوني أميركم وشدوا بنا عليه‪ ،‬ففعلوا )‪.(1‬‬
‫‪ -3‬كتابة المصاحف في عهد عثمان ‪:‬‬
‫دا‪ ،‬وابن الزبير‪ ،‬وسعيد بن‬ ‫عن أنس أن عثمان أمر زي ً‬
‫العاص وعبد الرحمن ابن الحارث بن هشام‪ ،‬فنسخوا‬
‫المصاحف‪ ،‬وقال‪ :‬إذا اختلفتم أنتم وزيد في شيء‪ ،‬فاكتبوه‬
‫بلسان قريش‪ ،‬فإنما نزل بلسانهم )‪ ،(2‬ومن أراد التفصيل‬
‫في جمع سيدنا عثمان ‪ ‬للمصاحف فليراجع كتابي عن‬
‫عثمان بن عفان ‪.‬‬
‫‪ -4‬جهاده في شمال إفريقية في عهد عثمان ‪:‬‬
‫انقطع خبر المسلمين في إفريقية عن عثمان بن عفان‬
‫‪ ،‬فسّير إليهم عبد الله ابن الزبير في جماعة ليأتيهم‬
‫ما‬‫دا ووصل إليهم‪ ،‬وأقام معهم‪ ،‬ول ّ‬ ‫مج ً‬‫بأخبارهم‪ ،‬فسار ُ‬
‫وصل‪ ،‬كثر الصياح‪ ،‬والتكبير في المسلمين‪ ،‬فسأل جرجير‬
‫ت ذلك في عضده‪،‬‬ ‫عن الخبر‪ ،‬فقيل‪ :‬قد أتاهم عسكر‪ ،‬فف ّ‬
‫ّ‬
‫ورأى عبد الله بن الزبير قتال المسلمين كل يوم من بكرة‬
‫ظهر فإذا أ ُّذن بالظهر عاد كل فريق إلى خيامه‪،‬‬ ‫إلى ال ّ‬
‫وشهد القتال من الغد فلم ير ابن سعد معهم فسأل عنه‬
‫فقيل‪ :‬إنه سمع منادى جرجير يقول‪ :‬من قتل عبد الله بن‬
‫سعد‪ ،‬فله مائة ألف دينار‪ ،‬وأزوّجه ابنتي‪ ،‬وهو يخاف‪،‬‬
‫فحضر عنده‪ ،‬وقال له‪ :‬تأمر منادًيا ينادي‪ :‬من أتاني‪ ،‬برأس‬
‫فلته مائة ألف‪ ،‬وزوجته ابنته واستعملته على‬ ‫جرجير‪ ،‬ن ّ‬
‫بلده‪ ،‬ففعل ذلك فصار جرجير يخاف أشد ّ من عبد الله )‪.(3‬‬
‫ن أمرنا‬ ‫م إن عبد الله بن الزبير قال لعبد الله بن سعد‪ :‬إ ّ‬ ‫ث ّ‬
‫يطول مع هؤلء وهم في أمداد متصلة وبلد هي لهم‪ ،‬ونحن‬
‫دا‬
‫منقطعون عن المسلمين وبلدهم‪ ،‬وقد رأيت أن نترك غ ً‬
‫هبين‪،‬‬ ‫جماعة صالحة من أبطال المسلمين في خيامهم متأ ّ‬
‫ونقاتل نحن الرّوم في باطن العسكر إلى أن يضجروا‬

‫‪1‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(370 /3‬‬
‫‪3‬‬
‫)( التاريخ السلمي )‪.(388 /12‬‬

‫‪27‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫ويمّلوا‪ ،‬فإذا رجعوا إلى خيامهم ورجع المسلمون‪ ،‬ركب من‬


‫كان في الخيام من المسلمين ولم يشهدوا القتال‪ ،‬وهم‬
‫ل الله أن ينصرنا‬ ‫مستريحون‪ ،‬ونقصدهم على غّرة؛ فلع ّ‬
‫صحابة‪ ،‬واستشارهم‪،‬‬ ‫عليهم‪ ،‬فأحضر جماعة من أعيان ال ّ‬
‫ما كان الغد‪ ،‬فعل عبد الله ما اتفقوا‬ ‫فوافقوه على ذلك‪ ،‬فل ّ‬
‫شجعان المسلمين في خيامهم‪ ،‬وخيولهم‬ ‫عليه‪ ،‬وأقام جميع ُ‬
‫سّرجة‪ ،‬ومضى الباقون‪ ،‬فقاتلوا الرّوم إلى الظهر‬ ‫م َ‬ ‫عندهم ُ‬
‫م الروم بالنصراف على‬ ‫دا‪ ،‬فلما أّذن بالظهر ه ّ‬ ‫قتال ً شدي ً‬
‫العادة فلم يمكنهم ابن الّزبير‪ ،‬وألح عليهم بالقتال‪ ،‬حتى‬
‫أتعبهم‪ ،‬ثم عاد عنهم هو والمسلمون‪ ،‬فكل من الطائفتين‬
‫ألقى سلحه‪ ،‬ووقع تعًبا‪ ،‬فعند ذلك أخذ عبد الله بن الزبير‬
‫حا من شجعان المسلمين‪ ،‬وقصد الرّوم‪،‬‬ ‫من كان مستري ً‬
‫فلم يشعروا بهم حتى خالطوهم‪ ،‬وحملوا حملة رجل واحد‬
‫وكّبروا‪ ،‬فلم يتمكن الرّوم من ليس سلحهم حتى غشيهم‬
‫المسلمون‪ ،‬وقتل جرجير؛ قتله ابن الزبير‪ ،‬وانهزم الرّوم‪،‬‬
‫وقتل منهم مقتلة عظيمة‪ ،‬وأخذت ابنة الملك جرجير سبية‪،‬‬
‫ونزل عبد الله ابن سعد المدينة‪ ،‬وحاصرها حتى فتحها‪،‬‬
‫ورأى فيها من الموال ما لم يكن في غيرها‪ ،‬فكان سهم‬
‫الفارس ثلثة آلف دينار‪ ،‬وسهم الّراجل ألف دينار‪ ،‬ولما‬
‫ث جيوشه في البلد فبلغت قفصة‪،‬‬ ‫فتح مدينة سبيطلة‪ ،‬ب ّ‬
‫فسبوا‪ ،‬وغنموا وسّير عسكًرا إلى حصن الجم‪ ،‬وقد احتمى‬
‫به أهل تلك البلد‪ ،‬فحصره‪ ،‬وفتحه بالمان‪ ،‬فصالحه أهل‬
‫فل عبد الله بن الزبير ابنة الملك‪ ،‬وأرسله ابن‬ ‫إفريقية‪ ،‬ون ّ‬
‫سعد إلى عثمان بالبشارة بفتح إفريقية ‪ .‬قال ابن كثير‪:‬‬
‫)‪(1‬‬

‫فكان هذا أول موقف اشتهر فيه أمر عبد الله بن الزبير‪ ،‬‬
‫وعن أبيه‪ ،‬وأصحابهما أجمعين)‪ .(2‬وكان الشاعر أبو ذؤيب‬
‫الهذلي قد خرج مع ابن الزبير في مغزى نحو المغرب ‪ -‬في‬
‫عهد عثمان ‪ -‬فمات‪ ،‬فد ّ‬
‫له‬
‫عبد الله بن الزبير في حفرته‪ ،‬وقد قال الشاعر أبو ذؤيب‬
‫في تلك الغزاة في‬
‫عبد الله بن الزبير‪:‬‬
‫)‪(5‬‬
‫نجيحا‬ ‫)‪(4‬‬
‫ضَراِء‬
‫ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫)( الكامل في التاريخ )‪.(237 ،236 /2‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(158 /7‬‬

‫‪28‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫)‪(1‬‬
‫ى القفول‬
‫وشيك الفصول بط ّ‬
‫‪ -5‬دفاعه عن عثمان يوم الدار‪:‬‬
‫كان ابن الزبير من الذين كانوا مع عثمان بن عفان يوم‬
‫حصر من قبل الغوغاء‪ ،‬وكان يلح على عثمان أن يسمح له‬
‫بقتال الغوغاء‪ ،‬ولكن عثمان كان يرفض ذلك)‪ ،(2‬ولما أمر‬
‫عثمان من في الدار بالخروج أصر ابن الزبير ومروان بن‬
‫الحكم على البقاء معه والدفاع عنه)‪ ،(3‬وقد أصيب ابن‬
‫الزبير أثناء الحصار بإصابات بالغة كادت تودي بحياته‪ ،‬فقد‬
‫روى المدائني أن كنانة ‪ -‬مولى صفية بنت حي ‪ -‬أخرج‬
‫أربعة محمولين وكان ابن الزبير منهم)‪ ،(4‬وكان ابن الزبير‬
‫حا‬ ‫يخطب بمكة ويقول في خطبته‪ :‬فجرحت بضعة عشر جر ً‬
‫وإني لضع يدي اليوم على تلك الجراحات التي جرحت مع‬
‫عثمان‪ ،‬فأرجو أن تكون خير أعمالي )‪ ،(5‬وفي هذا وضوح‬
‫موقف ابن الزبير من عثمان وأنه يراه إمام حق ورشد‪،‬‬
‫وأن المعتدين عليه مجرمون‪ ،‬وأن قتالهم من أفضل‬
‫العمال عند الله‪ ،‬ومنها نستفيد أن الدفاع عن أولياء الله‬
‫الصالحين بأي وسيلة شرعية من الذب عن أعراضهم وشد ّ‬
‫أزرهم من العمال الصالحة‪ .‬ومما يدل على أهمية الدور‬
‫الذي كان يقوم به ابن الزبير في الذود عن عثمان ما ذكرته‬
‫مر ابن الزبير يوم الدار وقال‪ :‬من‬ ‫الروايات من أن عثمان أ ّ‬
‫كانت لي عليه طاعة فليطع عبد الله ابن الزبير ‪ .‬وفي‬
‫)‪(6‬‬

‫رواية‪ :‬أنه أمره أن يصلي بأهل داره فترة الحصار‪ ،‬وكان‬

‫‪3‬‬
‫سيد‪ :‬الذئب‪.‬‬ ‫ال ّ‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الضراء‪ :‬ما واراك من الشجر‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫حا‪ :‬سريًعا‪.‬‬
‫نجي ً‬ ‫)(‬
‫‪1‬‬
‫الشعر والشعراء لبن قتيبة )‪ ،(653 /2‬وشيك الفصول‪ :‬أي سريع الغزو‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الطبقات )‪ ،(70 /3‬عبد الله بن الزبير‪ ،‬للخراشى ص ‪.41‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫تاريخ خليفة ص ‪.174‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ،(564 /1‬عبد الله بن الزبير‪ ،‬للخراشي ص ‪.42‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫الطبقات‪ ،‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ،‬للخراشي‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫الطبقات )‪.(70 /3‬‬ ‫)(‬

‫‪29‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫ابن الزبير يصلي بهم في صحن الدار )‪.(1‬‬


‫‪ -6‬في معركة الجمل‪:‬‬
‫جالة وقد أصابه‬ ‫كان ابن الزبير يوم الجمل على الر ّ‬
‫يومئذ تسع عشرة جراحة‪ ،‬وقد تبارز يومئذ هو ومالك بن‬
‫الحارث بن الشتر‪ ،‬فاّتحدا فصرع الشتر ابن الزبير‪ ،‬فلم‬
‫يتمكن الشتر من القيام عنه‪ ،‬بل احتضنه ابن الزبير وجعل‬
‫كا واقتلوا مال ً‬
‫كا معي )‪.(2‬‬ ‫ينادى ويقول‪ :‬اقتلوني ومال ً‬
‫ل‪ .‬ثم تفّرقا ولم يقدر عليه الشتر‪ ،‬وقد قيل‪ :‬إنه‬ ‫فأرسلها مث ً‬
‫جرح يومئذ بضًعا وأربعين جراحة ولم يوجد إل بين القتلى‬
‫شرها بأنه لم يقتل‬ ‫وبه رمق‪ ،‬وقد أعطت عائشة لمن ب ّ‬
‫عشرة آلف درهم وسجدت لله شكًرا‪ ،‬وقد كانت تحبه حًبا‬
‫دا‪ ،‬لنه ابن أختها‪ ،‬وكان عزيًزا عليها‪ ،‬وقد رُوى عن‬ ‫شدي ً‬
‫دا بعد رسول الله ×‬ ‫عروة أنه قال‪ :‬لم تكن عائشة تحب أح ً‬ ‫ُ‬
‫حّبها عبد الله بن الزبير‪ ،‬وقال عروة‪ :‬وما‬ ‫وأبى بكر مثل ُ‬
‫رأيت أبى وعائشة يدعوان لحد من الخلق مثل دعائهما‬
‫لبن الزبير)‪.(3‬‬
‫‪ -7‬جهاده أيام معاوية رضي الله عنهما‪:‬‬
‫تولى أمر إفريقية معاوية بن حديج‪ ،‬فكان عبد الله بن‬
‫الزبير ساعده اليمن بالفتح والجهاد‪ ،‬وقد سار معاوية بن‬
‫حديج في جيش قوامه عشرة الف مقاتل‪ ،‬وفتح بنزرت‬
‫سنة إحدى وأربعين‪ ،‬كما دخل )القيروان( سنة خمس‬
‫وأربعين‪ ،‬وبث السرايا في البلد‪ ،‬وبعث إلى )سوسة( عبد‬
‫الله بن الزبير ففتحها )‪ .(4‬وكان عبد الله بن الزبير كذلك‬
‫في جيش يزيد بن معاوية الذي سار نحو القسطنطينية‪،‬‬
‫ضا منهم‪ :‬أبو‬
‫وكان في ذلك الجيش عدد من الصحابة أي ً‬
‫أيوب النصاري‪ ،‬والحسين بن على‪ ،‬وعبد الله بن عمر‪،‬‬
‫وابن عباس )‪.(5‬‬
‫‪1‬‬
‫الطبقات‪ ،‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ،‬للخراشي ص ‪.42‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(196 /11‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(197 /11‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫البيان المغرب )‪ ،(17 ،16 /1‬عبد الله بن الزبير‪ ،‬محمود شاكر ص ‪.43‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫تاريخ الطبري )‪ ،(148 /6‬عبد الله بن الزبير لمحمود شاكر ص ‪.43‬‬ ‫)(‬

‫‪30‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫***‬

‫‪31‬‬
‫حركة‬
‫عبد الله بن الزبير‬
‫في عهد يزيد بن معاوية‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫‪33‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الفصل الثالث‬
‫حركة عبد الله بن الزبير في عهد يزيد بن معاوية‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬بيعة يزيد‪:‬‬
‫كان يزيد غائًبا حين حضر معاوية الموت‪ ،‬فلما حضر‬
‫يزيد كان قد دفن‪ ،‬فقصد يزيد باب الصغير حيث دفن أبوه‪،‬‬
‫وهناك صلى على أبيه ومن خلفه المسلمون‪ ،‬فكبر أربًعا)‪،(1‬‬
‫ولما خرج من المقبرة أتى بمراكب الخلفة فركب‪ ،‬ثم‬
‫دخل البلد‪ ،‬وأمر فنودي في الناس أن الصلة جامعة‪ ،‬ودخل‬
‫الخضراء‪ -‬وهو قصر بناه معاوية ‪ -‬فاغتسل ولبس ثياًبا‬
‫حسنة‪ ،‬ثم خرج فخطب الناس أول خطبة خطبها وهو أمير‬
‫المؤمنين‪ ،‬فقال ‪ -‬بعد أن حمد الله وأثنى عليه‪ :-‬أيها الناس‪،‬‬
‫إن معاوية عبد من عبيد الله‪ ،‬أنعم الله عليه‪ ،‬ثم قبضه إليه‪،‬‬
‫وهو خير ممن بعده‪ ،‬ودون من قبله‪ ،‬ول أزكيه على الله ‪-‬‬
‫عز وجل ‪ -‬فإنه أعلم به‪ ،‬إن عفا عنه فبرحمته‪ ،‬وإن عاقبه‬
‫فبذنبه‪ ،‬وقد وليت المر من بعده‪ ،‬ولست آسى على طلب‪،‬‬
‫ول أعتذر من تفريط‪ ،‬وإذا أراد الله شيًئا كان‪..‬وقال لهم‬
‫في خطبته هذه‪ :‬إن معاوية كان يغزيكم في البحر‪ ،‬وإني‬
‫دا من المسلمين في البحر‪ ،‬وإن معاوية كان‬ ‫لست حامل ً أح ً‬
‫دا بأرض الروم‪ ،‬وإن‬ ‫يشتيكم بأرض الروم‪ ،‬ولست مشتًيا أح ً‬
‫معاوية كان يخرج لكم العطاء أثلًثا‪ ،‬وأنا أجمعه لكم‬
‫دا)‪.(2‬‬
‫كله‪..‬فافترق الناس‪ ،‬وهم ل يفضلون عليه أح ً‬
‫وفي هذه الخطبة شرح يزيد سياسته في قيادة المة‪،‬‬
‫ووضح خطته التي سيلتزمها أثناء خلفته‪ ،‬وهي سياسة‬
‫استطاع أن يكسب بها قلوب أهل الشام‪ .‬وقد أجمعت‬
‫غالبية المة على بيعة يزيد‪ ،‬أو بمعنى آخر جددت له البيعة‬
‫بعد وفاة أبيه‪ ،‬ولم يعارض إل الحسين بن على وعبد الله‬
‫بن الزبير رضي الله عنهما)‪ .(3‬وسيكون لكل منهما مع يزيد‬
‫‪1‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(459 /11‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(460 /11‬‬
‫‪3‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪ ،(467 /11‬العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.130‬‬

‫‪34‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫شأن‪ -‬كما سنرى بإذن الله تعالى‪ ،-‬أما بقية الصحابة فقد‬
‫ظا لوحدة المة وخوف الفتنة‪،‬‬ ‫بايعوا يزيد جمًعا للكلمة وحف ً‬
‫مثل عبد الله بن عباس‪ ،‬وعبد الله بن عمر‪ ،‬ومحمد ابن‬
‫الحنفية )‪ ،(1‬أما أهل الشام والعراق وغيرهما من القاليم‬
‫فقد بايعوا‪ ،‬وكانت المعارضة ليزيد في أهل الحجاز يتزعهما‬
‫الحسين بن على وابن الزبير‪ ،‬ومما قيل من الشعر في‬
‫مام يعّزيه في أبيه‪:‬‬
‫بيعة يزيد ما قاله عبد الله بن ه ّ‬
‫)‪(2‬‬
‫حاباكا‬ ‫اصبر يزيد فقد فارقت ذا‬
‫مقة‬
‫عقبي‬‫كما ُرِزئت ول ُ‬ ‫ل ُرزَء أعظم في القوام‬
‫كُعقباكا‬ ‫نعلمه‬
‫فأنت ترعاهم والله‬ ‫دين‬ ‫أصبحت راعي أهل ال ّ‬
‫ي َْرعاكا‬ ‫كلهم‬
‫إذا نعيت ول نسمع‬ ‫وفي معاوية الباقي لنا خلف‬
‫بمنعاكا‬
‫يعنى معاوية بن يزيد‬
‫)‪(3‬‬

‫تولى يزيد المر بعد أبيه في رجب سنة ‪60‬هـ ‪680 -‬م‬
‫فأقر عمال أبيه على ولياتهم‪ ،‬فكان على المدينة الوليد بن‬
‫عتبة بن أبى سفيان‪ ،‬وأمير مكة عمرو بن سعيد بن العاص‪،‬‬
‫وأمير الكوفة النعمان بن بشير‪ ،‬وأمير البصرة عبد الله بن‬
‫زياد)‪ ،(4‬وركز يزيد في أخذ البيعة من النفر الذين لم يبايعوه‬
‫في حياة أبيه‪ ،‬وكان أهمهم عنده الحسين بن على‪ ،‬فكتب‬
‫إلى أميرها الوليد بن عتبة كتاًبا يخبره فيه بوفاة معاوية‪،‬‬
‫فقال‪ :‬بسم الله الرحمن الرحيم‪ ،‬من يزيد أمير المؤمنين‬
‫دا من عباد‬‫إلى الوليد ابن عتبة‪ ،‬أما بعد‪ ،‬فإن معاوية كان عب ً‬
‫كن له‪ ،‬فعاش بقدر‪،‬‬ ‫وله وم ّ‬
‫الله‪ ،‬أكرمه الله واستخلفه‪ ،‬وخ ّ‬
‫ومات بأجل‪ ،‬فرحمه الله‪ ،‬فقد عاش محموًدا‪ ،‬ومات بّرا‬
‫تقّيا‪ ،‬والسلم )‪ (5‬ونظًرا لتساهل الوليد بن عتبة بن أبى‬
‫‪1‬‬
‫العالم السلمي في العصر الموي ص ‪130‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫ن ول جزاء‪.‬‬
‫م ّ‬
‫المقة‪ :‬المحبة‪ ،‬الحباء بكسر الحاء وضمها‪ :‬العطاء بل َ‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫الشعر والشعراء لبن قتيبة )‪.(652 /2‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(467 /11‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫الشعر والشعراء لبن قتيبة )‪.(11/467‬‬ ‫)(‬

‫‪35‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫سفيان في أخذ البيعة من الحسين وابن الزبير لنه كان‬


‫ما ‪،‬‬
‫)‪(2‬‬
‫رجل ً يحب العافية )‪ ،(1‬وأنه كان رجل ً رفي ً‬
‫قا سرًيا كري ً‬
‫كما أنه كان يخشى عذاب الله وعقابه‪ ،‬فقد امتنع عن‬
‫سجن الحسين أو قتله وقال‪...:‬والله ما أحب أن لي ما‬
‫طلعت عليه الشمس وغربت عنه من مال الدنيا وملكها‬
‫وأني قتلت حسيًنا‪..‬سبحان الله! أقتل حسيًنا أن قال‪ :‬ل‬
‫أبايع؟ والله إني ل أظن أمرأ يحاسب بدم الحسين لخفيف‬
‫الميزان عند الله يوم القيامة‪ .‬فقال مروان‪ :‬فإذا كان هذا‬
‫رأيك فقد أصبت فيما صنعت )‪.(3‬‬
‫كان إصرار يزيد على طلب البيعة من الحسين وابن‬
‫الزبير‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬هو الشرارة الولى في الفتنة‬
‫التي اندلعت بين المسلمين‪ ،‬فقد شعر كل منهما بأنه‬
‫مطلوب‪ ،‬وأنه إذا لم يبايع فسيكون ضحية طيش يزيد‪ ،‬وأن‬
‫سيوف أعوان الخليفة الجديد أصبحت مسلولة عليهما‪،‬‬
‫فعادا إلى البيت الحرام‪ ،‬ولجآ إلى مكة المكرمة يطلبان‬
‫فيها المان‪ ،‬ويحتميان بحمى الله فيها‪ ،‬ولئن أصاب يزيد‬
‫حين أبقى عمال أبيه على الوليات‪ ،‬ليضمن استقرار المور‬
‫فيها‪ ،‬فقد خانته عبقريته في إصراره على طلب البيعة من‬
‫الحسين وابن الزبير‪ ،‬حيث كان إصراره هذا موحًيا بعدم‬
‫تأمين الحياة لهما‪ ،‬وبأن بقاءهما في عهد يزيد محفوف‬
‫بالمخاطر‪ ،‬وذلك أدى بهما إلى أن يبحثا عن المان‪ ،‬ولم‬
‫يجداه إل في تجييش أنصارهما‪ ،‬وحشدهم في مكان يصعب‬
‫على يزيد وأعوانه أن يقتحموه‪ ،‬وكان ذلك في مكة‬
‫ه‬ ‫َ‬
‫خل ُ‬ ‫من دَ َ‬ ‫و َ‬‫المكرمة‪ ،‬في جوار بيت الله الذي قال فيه‪َ + :‬‬
‫مًنا" ]آل عمران‪.[97 :‬ولم يكن لهذا التجمع وذلك‬ ‫نآ ِ‬ ‫َ‬
‫كا َ‬
‫الحشد نتيجة سوى المواجهة التي أودت بحياة اللف من‬
‫المسلمين‪ ،‬وكان على رأس هؤلء جميًعا الحسين بن على‬
‫دا ‪ -‬على يد‬ ‫‪ -‬رضي الله عنهما ‪ -‬حيث قتل في كربلء ‪ -‬شهي ً‬
‫فئة ظالمة من‬
‫‪1‬‬
‫)( الخبار الطوال ص ‪ ،228‬يزيد بن معاوية للعقيلى ص ‪.28‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ خليفة ص ‪ ،233‬يزيد بن معاوية ص ‪.28‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(259 /6‬‬

‫‪36‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫جيوش يزيد)‪.(1‬‬
‫لقد كانت غلطة من يزيد‪ ،‬بدأ بها حياته‪ ،‬وظلت تلحقه‬
‫حتى مماته‪ ،‬ولم يستطع التخلص منها‪ ،‬وبدأت سلسلة‬
‫الخطاء تتوالي في حياة الخليفة‪ ،‬وكلما ادلهمت المور من‬
‫حوله‪ ،‬عظمت الخطاء‪ ،‬وتضخمت المشكلت‪ ،‬وكلما أراد‬
‫حل مشكلة‪ ،‬عرض لها بمشكلة أخطر منها وأفظع‪ ،‬فمن‬
‫الصرار على عدم البيعة إلى تكوين جبهة معارضة تستعد‬
‫للقتال‪ ،‬ومنها إلى معركة كربلء‪ ،‬ثم تتمخض هذه المعركة‬
‫عن قتل ابن بنت رسول الله ×‪ ،‬وتؤدي إلى غضب‬
‫المسلمين‪ ،‬وإعلن ابن الزبير الخروج على الخليفة‪،‬‬
‫وتستمر العداوة والبغضاء حتى تكون وقعة الحرة‪ ،‬وتتشوه‬
‫صورة الخليفة في أعين المسلمين‪ ،‬ثم يتوفى بعد ذلك‬
‫بقليل‪ ،‬أين غاب حلم معاوية عن ولي عهده؟ أغلب الظن‬
‫أن الذي ورط يزيد في هذه الخطاء الشنيعة هو غياب‬
‫المستشارين الحكماء عن مجلسه‪ ،‬وحداثة سنه‪ ،‬وقلة‬
‫خبرته‪ .‬كما أن يزيد كان يفتقد حلم أبيه‪ ،‬وتنقصه قوة‬
‫إرادته في الحلول السلمية‪ ،‬لقد كانت الكوارث الكبرى في‬
‫عهد يزيد‪:‬‬
‫مقتل الحسين ‪ ،‬ووقعة الحّرة بالمدينة‪ ،‬وحصار مكة‬
‫للوصول لبن الزبير‪ ،‬لقد وصم يزيد عهده بوصمة لن‬
‫يمحوها ماء البحار‪ ،‬ولن تزيل مرارتها‬
‫عذوبة النهار )‪.(2‬‬
‫إن أهل السنة والجماعة يعتبرون بيعة يزيد صحيحة ولكنهم‬
‫عابوا عليها أمرين‪:‬‬
‫‪ -1‬قالوا إن هذه بدعة جديدة وهي أنه جعل الخلفة في‬
‫صا‬
‫ولده‪ ،‬فكأنها صارت وراثة بعد أن كانت شورى وتنصي ً‬
‫على غير القريب‪ ،‬فكيف بقريب وابن مباشر؟!‪ ،‬فمن هذا‬
‫المنطلق ُرفض المبدأ بغض النظر عن الشخص‪ ،‬فهم‬
‫رفضوا مبدأ أن يكون المر وراثة‪.‬‬
‫‪ -2‬أنه كان هناك من هم أولى من يزيد بالخلفة كابن‬
‫‪1‬‬
‫)( المويون بين المشرق والمغرب )‪.(198 /1‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المويون بين المشرق والمغرب )‪ ،(199 /1‬بتصرف كبير‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫عمر وابن الزبير والحسين وغيرهم هذا من وجهة نظر أهل‬


‫السنة )‪.(1‬‬
‫أما من وجهة نظر الشيعة فإنهم يرون المامة والخلفة في‬
‫على وأبنائه فقط‪ ،‬فهم ل يعيبون بيعة يزيد بذاتها وإنما يعيبون‬
‫لعل ّوأولده‪ ،‬فهم يعيبون بيعة أبى بكر وعمر‬ ‫كل بيعة ل تكون ى‬
‫وعثمان ومعاوية كلها بغض النظر عن المبايع له‪ ،‬لنهم يرون‬
‫ى ّوأبنائه إلى أن تقوم الساعة )‪ ،(2‬وقد ناقشت‬ ‫أنها نص لعل‬
‫معتقد الشيعة في المامة في كتابي عن أمير المؤمنين على‬
‫بن أبى طالب ‪ ،‬وبينت بطلنه‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬حركة عبد الله بن الزبير في عهد يزيد‬
‫كان ابن الزبير ‪ ‬قد عقد العزم على عدم البيعة ليزيد‪،‬‬
‫واختار الذهاب والستقرار بمكة‪.‬‬
‫أ‪ -‬أسباب اختيار ابن الزبير لمكة‪:‬‬
‫اجتمعت عدة أسباب جعلت مكة أنسب مكان يمكن أن‬
‫يتجه إليه ابن الزبير ‪ -‬في نظره‪ -‬ومن أهمها ما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬أنها المكان الوحيد الذي يمكن اللجوء إليه في هذه‬
‫الفترة؛ وذلك لن القاليم الخرى ليست مناسبة‪ ،‬فالعراق ‪-‬‬
‫بمصرية الكوفة والبصرة ‪ -‬ل يمكن ضمان ولء أهله لي‬
‫زعيم معارضة ضد بنى أمية‪ ،‬وما فعلوه مع الحسين خير‬
‫ما حينما نصح‬ ‫يعي ذلك تما ً‬ ‫دليل على ذلك‪ ،‬وكان ابن الزبير‬
‫الحسين بعدم الذهاب إلى العراق ‪ ،‬فقال له‪ :‬أين‬
‫)‪(3‬‬

‫تذهب؟! إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟ أما مصر‬


‫واليمن فقد كانتا بعيدتين عن مسرح الحداث‪ ،‬ولم يكن‬
‫لبن الزبير في هذين القليمين أنصار ومؤيدون يمكن أن‬
‫يعتمد عليهم‪ ،‬وأما الشام فكما هو معروف كان معقل‬
‫المويين‪.‬‬
‫ما ول‬
‫دا حرا ً‬
‫‪ -2‬إن مكة ‪ -‬لوجود بيت الله فيها ‪ -‬كانت بل ً‬
‫يجوز سفك الدماء بها‪ ،‬وهذا يكفل لمن يعتصم بها حماية‬
‫‪1‬‬
‫)( حقبه من التاريخ ص ‪.124‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( نسب قريش ص ‪ ،239‬للزبيري‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫دا يوجب ذلك‪ ،‬وعلى أقل تقدير‬ ‫من القتل إل إذا ارتكب ح ً‬
‫فوجود هذا الحكم الخاص بمكة يجعل التفكير باستخدام‬
‫القوة آخر حل ُيلجأ إليه‪.‬‬
‫‪ -3‬وكما أن مكة بلد له مكانته وقدسيته في نفوس‬
‫المسلمين‪ ،‬فإن من يتعرض له باليذاء سيواجه معارضة‬
‫من قبل العديد من المسلمين الذين سيهبون للدفاع عن‬
‫بيت الله الحرام بغض النظر عمن يعتصم به‪ ،‬وقد أفاد ابن‬
‫الزبير من هذه النقطة كثيًرا‪.‬‬
‫‪ -4‬أنه يجتمع بمكة في موسم الحج كل عام اللوف من‬
‫المسلمين من مختلف القاليم‪ ،‬ويمكن من خلل هذا‬
‫الموسم التأثير على الرأي العام وتوجيهه‪ ،‬وهو ما ل يمكن‬
‫توافره في أي إقليم‪.‬‬
‫‪-5‬أن مكة بدأت منذ هجرة النبي × والصحابة إلى‬
‫المدينة تفقد دورها السياسي؛ وبالتالي فإن قبضة المويين‬
‫عليها لم تكن قوية بعكس وضع المدينة‪.‬‬
‫‪ -6‬وأخيًرا فإن معارضة ابن الزبير مرتبطة بأهل المدينة‬
‫الذين يقفون معه الموقف نفسه ضد بنى أمية‪ ،‬وبالتالي‬
‫كان من المناسب أن يكون ابن الزبير‬
‫قريًبا من المدينة ليضمن استمرار تأييد أهلها له‪ ،‬ولكي‬
‫يتمكن من التصال المستمر بهم )‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬أسباب خروج ابن الزبير ومن معه‪:‬‬
‫كان مقصد ابن الزبير ‪ ‬ومن معه ‪ -‬ومن بينهم بعض‬
‫الصحابة والتابعين كالمسور بن مخرمة‪ ،‬وعبد الله بن‬
‫صفوان‪ ،‬ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وغيرهم من‬
‫فضلء عصرهم ‪ -‬هو تغيير الواقع بالسيف لما رأوا تحول‬
‫الخلفة إلى وراثة وملك‪ ،‬ولما أشيع حول يزيد من شائعات‬
‫أعطت صورة سيئة للخليفة الموي في دمشق‪ ،‬والذي‬
‫ينبغي أن يفهم أن ابن الزبير قام لله‪ ،‬وليس كما يقول‬
‫البعض‪ ،‬مثل محمد ماهر حمادة عندما قال‪ :‬وعلى الرغم‬
‫من أن حركة ابن الزبير لم تكن سوى مزيج عجيب‪ ،‬من‬
‫عدد من العناصر‪ ،‬يحركها طموح شخصي‪ ،‬وصراع قبلي‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير والمويون ص ‪ ،71 ،70‬عبد الله بن عثمان‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫التقتا في نفس ابن الزبير‪ ،‬وشخصيته )‪ (1‬لقد كان ‪ ‬يهدف‬


‫من وراء المعارضة أن تعود المة إلى حياة الشورى ويتولى‬
‫المة حينئذ أفضلها‪ ،‬وكان يخشى من تحول الخلفة إلى‬
‫ملك‪ ،‬وكان يرى ‪ ‬أنه باستعماله للسيف وتغييره للمنكر‬
‫دا لنتقال الخلفة إلى ملك‬ ‫بالقوة يتقرب إلى الله ويضع ح ّ‬
‫ووراثة‪ ،‬ولهذا لم يدع ُ لنفسه حتى توفى يزيد بن معاوية ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫وكان ابن الزبير يخطب ويقول‪ :‬والله ل أريد إل الصلح‬


‫وإقامة الحق‪ ،‬ول ألتمس جمع مال ول ادخاره )‪ (3‬وكان‬
‫يقول‪ :‬اللهم إني قد أحببت لقاءك فأحبب لقائى‪ ،‬وجاهدت‬
‫فيك عدوك فأثبنى ثواب المجاهدين)‪ .(4‬وقال عبد الله بن‬
‫صفوان بن أمية لبن الزبير‪ :‬إني ‪ -‬والله ‪ -‬ما قاتلت معك إل‬
‫دا‪ ،‬وهي‬ ‫عن ديني)‪ ،(5‬والروايات في هذا المجال كثيرة ج ً‬
‫تدل على النظرة الحقيقية لمعارضة ابن الزبير ‪ -‬وكذلك‬
‫أهل المدينة ‪ -‬حيث اعتبروها جهاًدا في سبيل الله )‪ ،(6‬إن‬
‫الحسين بن على وابن الزبير وأهل الحّرة ‪ -‬رضي الله عنهم‬
‫‪ -‬كان خروجهم من أجل الشورى لسباب‬
‫مشروعة منها‪:‬‬
‫م‬ ‫عا عن حقهم الذي جعله الله لهم ‪َ +‬‬
‫ه ْ‬
‫مُر ُ‬
‫وأ ْ‬ ‫َ‬ ‫‪ -1‬دفا ً‬
‫م"‪.‬‬ ‫ُ‬
‫شوَرى ب َي ْ َ ُ ْ‬
‫ه‬ ‫ن‬
‫‪ -2‬أن هذا الغتصاب منكر وظلم تجب إزالته‪.‬‬
‫كا بالسنة وهدى الخلفاء الراشدين في باب‬ ‫‪ -3‬تمس ً‬
‫الخلفة )‪.(7‬‬
‫وساعد في تحقيق أهداف ابن الزبير والتفاف الناس من‬
‫حوله عدة أمور منها‪ :‬رد الفعل الذي أحدثته معركة كربلء‪،‬‬
‫سوء سيرة يزيد‪ ،‬سرعة يزيد في عزل ولة الحجاز مركز‬
‫‪1‬‬
‫الوثائق السياسية للجزيرة العربية ص ‪.18‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الطبقات )‪.(147 /5‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫أنساب الشراف )‪.(315 /1‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫تاريخ ابن عساكر‪ ،‬نقل عن عبد الله بن الزبير والمويون ص ‪.67‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫أخبار مكة للفاكهي )‪.(364 /2‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫عبد الله بن الزبير والمويون ص ‪.67‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫انظر‪ :‬الحرية أو الطوفان ص ‪.125 ،124‬‬ ‫)(‬

‫‪40‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫الثقل السياسي كما كان زمن الرسول والخلفاء الراشدين)‪.(1‬‬


‫ج‪ -‬الجهود السلمية التي بذلها يزيد لحتواء ابن الزبير‪:‬‬
‫كان ابن الزبير يدرك الخطورة التي ستلحق بالحسين‬
‫إذا خرج إلى الكوفة‪ ،‬ولذا ناشده عدم الذهاب إلى الكوفة‬
‫ل‪ :‬أين تذهب؟! إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟! )‪.(2‬‬ ‫قائ ً‬
‫وكان ابن الزبير يدرك أن الحسين إذا أصيب في العراق‪،‬‬
‫فإن النتائج ستنعكس عليه وسيكون المنفرد في الساحة‪،‬‬
‫وبالتالي يسهل القضاء عليه‪ ،‬وقد حرص ابن الزبير على‬
‫إشعار الحسين بمكانته وأن وجوده في مكة يحظى بالتأييد‬
‫من أهلها وبالخص من ابن الزبير نفسه‪ ،‬ولذا فقد بادره‬
‫بفكرة جريئة فقال للحسين‪ :‬إن شئت أن تقيم أقمت‬
‫فوليت هذا فآزرناك وساعدناك ونصحنا لك‪ ،‬وبايعناك ‪،‬‬
‫)‪(3‬‬

‫ويبدو أن ابن الزبير رغب أن تكون القيادة العامة بيد‬


‫الحسين نظًرا لمكانته ووجاهته‪ ،‬واحترام المسلمين له‪.‬‬
‫ويكون بيده التخطيط لمجابهة يزيد بن معاوية‪ ،‬وبالخص‬
‫دا كبيًرا من المشاركات الحربية الناجحة في‬ ‫أنه يملك رصي ً‬
‫عمليات الجهاد السلمي‪ ،‬وكان يرغب في جعل ركيزة‬
‫النطلق في المعارضة هي بلد الحجاز‪ ،‬وذلك نظًرا لصدق‬
‫أهلها‪ ،‬ووجود العّباد والصالحين والعلماء من الصحابة وكبار‬
‫التابعين بها‪ ،‬ثم وجود الحرمين ومكانتهما‪ ،‬فإذا تمت لهما‬
‫دا‬
‫السيطرة على بلد الحجاز‪ ،‬فإن قضيتهما ستكسب بع ً‬
‫كبيًرا في القاليم السلمية‪ ،‬فالناس تؤم الحرمين للعمرة‬
‫والحج والزيارة‪ ،‬وبالتأكيد سينقلون أخبار المعارضَين‬
‫ومكانتهما‪ ،‬مما سيؤدي إلى تعاطف وتأييد وأنصار من تلك‬
‫القاليم‪ ،‬ولما خرج الحسين ‪ ‬إلى الكوفة وقتل يوم‬
‫عاشوراء من سنة إحدى وستين بكربلء كان لذلك وقع كبير‬
‫على ابن الزبير‪ ،‬فالذي يخشاه ابن الزبير‪ -‬وهو انفراد‬
‫المويين به‪ -‬قد حدث‪ ،‬ثم إن الرجل الذي كان يضفى مكانة‬
‫‪1‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير د‪ .‬شحادة الناطور ص ‪.98 -96‬‬
‫‪2‬‬
‫)( مصنف ابن أبى شيبه )‪ ،(95 -15‬بسند حسن‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪ ،(13 /4‬مواقف المعارضة ص ‪.518‬‬

‫‪41‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫ومنزلة على المعارضة قد قتل‪ ،‬ومع ذلك لم يحدث تحرك‬


‫من الناس ضد المويين بسبب قتل الحسين ‪ ،(1) ‬ولعل‬
‫انفراده بالمعارضة ضد يزيد هو الذي جعل ابن خلدون‬
‫يقول‪ :‬ولم يبق في المخالفة لهذا العهد ‪ -‬الذي اتفق عليه‬
‫الجمهور‪ -‬إل ابن الزبير‪ ،‬وُندور المخالف معروف )‪ ،(2‬وقد‬
‫أحس ابن الزبير بخطورة موقفه‪ ،‬ولكنه حاول أن يستفيد‬
‫من دوافع الكره والمقت التي تعتلج في نفوس الناس ضد‬
‫المويين بسبب قتل الحسين)‪.(3‬‬
‫‪ -1‬أول هجوم مباشر وصريح من ابن الزبير على يزيد‪:‬‬
‫عندما سمع ابن الزبير بمقتل الحسين ‪ ‬قام خطيًبا في‬
‫مكة وترحم على الحسين وذم قاتليه‪ ،‬وقال‪ :‬أما والله لقد‬
‫قتلوا طويل ً قيامه‪ ،‬وكثيًرا في النهار صيامه‪ ،‬أحق بما هم‬
‫فيه منهم‪ ،‬وأولى بما هم فيه منهم‪ ،‬وأولى به في الدين‬
‫دل بالقرآن الغناء‪ ،‬ول البكاء‬‫والفضل‪ ،‬أما والله ما كان يب ّ‬
‫من خشية الله الحداء‪ ،‬ول بالصيام شراب الحرام‪ ،‬ول‬
‫بالمجالس في حلق الذكر الركض في طلب الصيد ‪ -‬يعّرض‬
‫بيزيد ‪ -‬فسوف يلقون غًيا )‪ .(4‬ونظرا ً للمشاعر العاطفية التي‬
‫أثرت على أهل الحجاز عموما ً بسبب قتل الحسين ‪ ‬فقد‬
‫أبدى البعض استعداده لبيعة ابن الزبير )‪ (،5‬ولحظ ابن الزبير‬
‫مت أهل الحجاز بسبب قتل الحسين‬ ‫مشاعر السخط التي ع ّ‬
‫‪،‬فأخذ يدعو إلى الشورى وينال من يزيد ويشتمه ‪ ،‬ويذكر‬
‫)‪(6‬‬

‫شربه للخمر‪ ،‬ويثبط الناس عنه‪ ،‬وأخذ الناس يجتمعون إليه‬


‫فيقوم فيهم‪ ،‬فيذكر مساوئ بنى أمية ويطنب في ذلك)‪.(7‬‬
‫‪ -2‬مساعي يزيد السلمية‪:‬لم يحاول يزيد في بداية المر‬
‫من شأنه أن يعّقد النزاع مع ابن الزبير‪ ،‬ولهذا‬ ‫عم ً‬
‫أن يعمل ل‬
‫كره فيها بفضائله ومآثره في‬ ‫ّ‬ ‫فلقد أرسل إليه رسالة يذ‬
‫السلم‪ ،‬ويحذره من الفتنة والسعي فيها‪ ،‬وكان مما قال له‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫)‪ (2‬مقدمة ابن خلدون )‪.(265 /1‬‬ ‫)( مواقف المعارضة ص ‪.519‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫)‪ (4‬مواقف المعارضة ص ‪.520‬‬ ‫)( مواقف المعارضة ص ‪.520‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫)‪ (6‬المصدر السابق )‪.(304 /4‬‬ ‫)( أنساب الشراف )‪.(304 /4‬‬ ‫‪6‬‬

‫‪7‬‬
‫)( أخبار مكة )‪ ،(201 /1‬بسند كل رجاله ثقات‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫أذكرك الله في نفسك فإنك ذو سن من قريش‪ ،‬وقد مضى لك‬


‫سلف صالح‪ ،‬وقدم صدق من اجتهاد وعبادة‪ ،‬فاربب صالح ما‬
‫مضى ول تبطل ما قدمت منحسن‪ ،‬وادخل فيما دخل فيه‬
‫الناس‪ ،‬ول تردهم في فتنة‪ ،‬ول تحل ما حرم الله‪ .‬فأبى أن‬
‫يبايع )‪.(1‬‬
‫‪ -3‬غضب يزيد على ابن الزبير‪ :‬لم يستجب ابن الزبير‬
‫لدعوة يزيد السلمية‪ ،‬ورفض بيعته‪ ،‬وأقسم يزيد على أنه ل‬
‫يقبل بيعة ابن الزبير حتى يأتي إليه مغلول ً )‪ ،(2‬ولقد حاول‬
‫معاوية بن يزيد أن يثنى والده عن هذا القسم‪ ،‬وذلك‬
‫لمعرفته بابن الزبير‪ ،‬وأنه سيرفض القدوم على يزيد وهو‬
‫عا يجنح‬‫حا تقًيا ور ً‬
‫في الغل‪ ،‬وكان معاوية ابن يزيد صال ً‬
‫للسلم ويخشى من سفك دماء المسلمين‪ ،‬وساند معاوية‬
‫في رأيه عبد الله بن جعفر‪ ،‬ولكن يزيد أصر على رأيه‪،‬‬
‫وحتى يخفف يزيد من صعوبة الموقف على ابن الزبير‪ ،‬فقد‬
‫بعث بعشرة من أشراف أهل الشام‪ ،‬وأعطاهم جامعة من‬
‫فضة‪ ،‬وبرنس خز )‪ ،(3‬وفي رواية أخرى‪ :‬أن يزيد بعث لبن‬
‫الزبير بسلسلة من فضة وقيد من ذهب‪ ،‬وجامعة من فضة‬
‫)‪.(4‬وعند وصول أعضاء الوفد إلى مكة تكلم ابن عضاة‬
‫الشعري‪ ،‬وقال‪ :‬يا أبا بكر‪ ،‬قد كان من أثرك في أمر‬
‫الخليفة المظلوم ‪-‬يعنى عثمان بن عفان ‪ -‬ونصرتك إياه‬
‫يوم الدار ما ل يجهل‪ ،‬وقد غضب أمير المؤمنين بما كان‬
‫من إبائك مما قدم عليك فيه النعمان ابن بشير‪ ،‬وحلف أن‬
‫سا فل‬‫تأتيه في جامعة خفيفة لتحل يمينه‪ ،‬فالبس عليها برن ً‬
‫ترى‪ ،‬ثم أنت الثير عند أمير المؤمنين الذي ل يخالف في‬
‫ولية ول مال )‪.(5‬‬
‫‪ -4‬ابن الزبير يفكر ويستشير في عرض يزيد‪ :‬استأذن‬
‫ابن الزبير الوفد بضعة أيام يفكر ويستشير‪ ،‬فعرض المر‬
‫‪1‬‬
‫أنساب الشراف )‪.(304 ،303 /4‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ،(304 /4‬أخبار مكة )‪ (351 /2‬إسناده حسن‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫تاريخ خليفة ص ‪ 251‬إسناده حسن‪ ،‬مواقف المعارضة ص ‪.521‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الحاد والمثاني )‪ ،(416 /1‬بسند صحيح لبن أبى عاصم‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪ ،(308 /4‬مواقف المعارضة ص ‪.523‬‬

‫‪43‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫على والدته أسماء بنت أبى بكر رضي الله عنها‪ ،‬فقالت‪ :‬يا‬
‫ما‪ ،‬ول تمكن بنى أمية من‬ ‫ما ومت كري ً‬ ‫بنى‪ ،‬عش كري ً‬
‫نفسك‪ ،‬فتلعب بك‪ ،‬فالموت أحسن من هذا ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫وكان مروان بن الحكم قد بعث ابنه عبد العزيز وقال له‪:‬‬


‫ظا لحرمتك‪،‬‬ ‫قل لبن الزبير‪ :‬إن أبى أرسلني عناية بأمرك وحف ً‬
‫فابرر يمين أمير المؤمنين‪ ،‬فإنما يجعل عليك جامعة من فضة‬
‫سا ً فل تبدو إل أن يسمع صوتها‪،‬‬ ‫أو ذهب وتكسى عليه برن‬
‫فكتب ابن الزبير إلى مروان يشكره )‪،(2‬وجاء رد ابن الزبير‬
‫على الوفد بالمنع )‪.(3‬‬
‫‪ -5‬تهديد الوفد لبن الزبير ورده عليهم‪ :‬بعدما أجاب ابن‬
‫الزبير على الوفد بالمنع قال لبن عضاه‪ :‬إنما أنا بمنزلة‬
‫ما من حمام مكة؟‬ ‫حمام من حمام مكة‪ ،‬أفكنت قاتل ً حما ً‬
‫قال‪ :‬نعم‪ ،‬وما حرمة حمام مكة؟ يا غلم ائتني بقوسي‬
‫ما فوضعه في‬ ‫وأسهمي‪ ,‬فأتاه بقوسه وأسهمه‪ ،‬فأخذ سه ً‬
‫م سدده نحو حمامة من حمام المسجد وقال‪:‬‬ ‫كبد القوس ث ّ‬
‫يا حمامة‪ ،‬أيشرب يزيد الخمر؟ قولي‪ :‬نعم‪ .‬فوالله لئن‬
‫فعلت لرمينك‪ .‬يا حمامة‪ ،‬أتخلعين يزيد بن معاوية وتفارقين‬
‫أمة محمد × وتقيمين في الحرم حتى يستحل بك؟ والله‬
‫لئن فعلت لرمينك‪.‬‬
‫فقال ابن الزبير‪ :‬ويحك! أو يتكلم الطائر؟ قال‪ :‬ل‪،‬‬
‫ولكنك يا ابن الزبير تتكلم‪ ،‬أقسم بالله لتبايعن طائًعا أو‬
‫ها أو لتعرفن راية الشعريين في هذه البطحاء‪ ،‬ولئن‬ ‫مكر ً‬
‫أمرنا بقتالك ثم دخلت الكعبة لنهدمنها أو لنحرقنها عليك‪ ،‬أو‬
‫كما قال‪ .‬فقال ابن الزبير‪ :‬أو تحل الحرم البيت؟ قال‪ :‬إنما‬
‫يحله من ألحد فيه)‪ .(4‬ثم قال ابن الزبير‪ :‬إنه ليست في‬
‫عنقي بيعة ليزيد‪.‬‬
‫فقال ابن عضاة‪ :‬يا معشر قريش قد سمعتم ما‬
‫قال‪ ،‬وقد بايعتم‪ ،‬وهو يأمركم بالرجوع عن البيعة ‪،‬‬
‫)‪(5‬‬

‫‪1‬‬
‫أخبار مكة )‪.(201 /1‬بسند كل رجاله ثقات‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫نسب قريش ص ‪ ،449‬مواقف المعارضة ص ‪.524‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫مواقف المعارضة ص ‪.524‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫أنساب الشراف )‪.(309 /4‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫عيون الخبار )‪.(196 /1‬‬ ‫)(‬

‫‪44‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫وأخذ ابن الزبير يبسط لسانه في تنقص يزيد وقال‪:‬‬


‫لقد بلغني أنه يصبح سكران ويمسى كذلك‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا‬
‫ابن عضاة‪ ،‬والله ما أصبحت أرهب الناس ول البأس‪،‬‬
‫وإني لعلى بينة من ربى‪ ،‬فإن أقتل فهو خير لي‪ ،‬وإن‬
‫أمت حتف أنفى فالله يعلم إرادتي وكراهتي لن يعمل‬
‫في أرضه بالمعاصي‪ ،‬وأجاب الباقين بنحو جوابه)‪ .(1‬ثم‬
‫قال ابن الزبير‪ :‬اللهم إني عائذ ببيتك )‪ ،(2‬ولقب نفسه‬
‫عائذ الله)‪ ،(3‬وكان يسمى العائذ )‪.(4‬‬
‫د‪ -‬الجهود الحربية ضد ابن الزبير‪:‬‬
‫‪-‬حملة عمرو بن الزبير‪:‬رأى يزيد أنه لبد من القيام‬ ‫‪1‬‬
‫بعمل عسكري‪ ،‬يكون الهدف منه القبض أو القضاء على ابن‬
‫الزبير أو حمله على المتثال لقسم يزيد ووضع الغلل في‬
‫عنقه‪ ،‬ولما حج عمرو بن سعيد بن العاص والى المدينة في‬
‫تلك السنة ‪ -‬والمرجح سنة إحدى وستين ‪ -‬حج ابن الزبير معه‪،‬‬
‫فلم يصل بصلة عمرو‪ ،‬ول أفاض بإفاضته )‪،(5‬وهذا العمل من‬
‫ابن الزبير يعنى المفارقة الواضحة لسلطة الدولة‪ ،‬وعدم‬
‫صا ًأن إقامة الحج تمثل الدليل القوى على‬ ‫العتراف بها‪ ،‬خصو‬
‫شرعية الدولة وقوة سلطانها‪ ،‬مثله مثل إقامته الجهاد في‬
‫ثم منع ابن الزبير الحارث بن خالد المخزومى‬ ‫سبيل الله )‪،(6‬‬
‫من أن يصلي بأهل مكة وكان الحارث بن خالد المخزومي نائًبا‬
‫لعمرو بن سعيد على أهل مكة )‪،(7‬وكان ابن الزبير يتصرف‬
‫را دون المسور بن‬ ‫مستقل عن الدولة‪ ،‬وكان ل يقطع أم ً‬ ‫وكأنه‬
‫ومصعب بن عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬وجبير بن‬ ‫مخرمة ‪،‬‬
‫)‪(8‬‬

‫شيبة‪ ،‬وعبد الله بن صفوان بن أمية‪ ،‬وكان يريهم أن المر‬


‫شورى فيما بينهم‪ ،‬وكان يلي بهم الصلوات والجمع‪ ،‬ويحج بهم‬
‫‪(9)،‬فكتب يزيد إلى عمرو بن سعيد بن العاص واليه على‬
‫‪1‬‬
‫أنساب الشراف )‪.(309 /4‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫مواقف المعارضة ص ‪ ،525‬نقل ً عن ابن عساكر‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫الصابة )‪ (49 /4‬سند صحيح‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫تاريخ الطبري‪ ،‬نقل ً عن مواقف المعارضة ص ‪.525‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫)‪ (2‬مواقف المعارضة ص ‪.526‬‬ ‫أنساب الشراف )‪.(407 /4‬‬ ‫)(‬ ‫‪6‬‬

‫‪7‬‬
‫)‪ (4‬التقريب ‪.533‬‬ ‫)( تاريخ ابن عساكر ‪،‬ترجمة ابن الزبير )‪.(200 /30‬‬ ‫‪8‬‬

‫‪9‬‬
‫)( تاريخ ابن عساكر )‪ ،(200 /30‬مواقف المعارضة ص ‪.527‬‬

‫‪45‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫جندا‪ ،‬فعين عمرو ابن ُ سعيد بن العاص‬‫المدينة أن يوجه له ُ‬


‫على قيادة هذه الحملة عمرو بن الزبير بن العوام أخا عبد الله‬
‫ابن الزبير‪ ،‬وكان عمرو بن الزبير قد ولى شرطة المدينة‬
‫لعمرو بن سعيد‪ ،‬وكان شديد العداوة لخيه عبد الله‪ ،‬وقام‬
‫بضرب كل من كان يتعاطف مع عبد الله بن الزبير‪ ،‬وكان ممن‬
‫ضرب المنذر بن الزبير‪ ،‬وابنه محمد بن المنذر وعبد الرحمن‬
‫بن السود بن عبد يغوث)‪،(1‬وعثمان بن عبد الله بن حكيم بن‬
‫حزام)‪،(2‬وخبيب بن عبد الله بن الزبير)‪ (،3‬وفر منه عبد الرحمن‬
‫بن عثمان‪ ،‬وعبد الرحمن بن عمرو بن سهيل وغيرهما إلى‬
‫مكة فالتجأوا إلى ابن الزبير)‪ (4،‬وكان تعيين عمرو بن الزبير‬
‫على قيادة الجيش المتجه لمحاربة عبد الله بن الزبير جاء بناًء‬
‫على طلب من عمرو بن الزبير نفسه)‪ (،5‬واتجه جيش عمرو‬
‫بن الزبير إلى مكة وكان قوامه ألف رجل‪ ،‬وجعل على مقدمته‬
‫أنيس بن عمرو السلمي في سبعمائة من الجند)‪ ،(6‬فسار‬
‫أنيس بن عمرو السلمي حتى نزل بذي طوى‪ ،‬وسار عمرو بن‬
‫الزبير حتى نزل بالبطح)‪،(7‬وأرسل عمرو بن الزبير إلى أخيه‬
‫)عبد الله( يطلب منه المتثال ليمين يزيد بن معاوية‪ ،‬وحذره‬
‫من القتال في البلد الحرام)‪،(8‬وكان عمرو بن الزبير يخرج من‬
‫معسكره فيصلى بالناس خلل المفاوضات مع أخيه عبد الله‪.‬‬
‫وكان عبد الله يسير معه ويلين له‪ ،‬ويقول‪ :‬إني سامع مطيع‬
‫وأنت عامل يزيد‪ ،‬وأنا أصلى خلفك‪ ،‬وما عندي خلف‪ ،‬فأما أن‬
‫تجعل في عنقي جامعة‪ ،‬ثم أقاد إلى الشام‪ ،‬فإني نظرت في‬
‫ذلك‪ ،‬فرأيت أنه ل يحل لي أن أحله بنفسي‪ ،‬فراجع صاحبك‬
‫واكتب إليه‪ .‬ولكن عمرو بن الزبير اعتذر من عدم الكتابة‬
‫ليزيد‪ ,‬وذلك لنه جاء في مهمة محددة مطلوب منه تنفيذها‪,‬‬
‫وكان عبد الله بن الزبير قد أرسل عبد الله بن صفوان‬
‫الجمحى ومعه بعض الجند‪ ،‬وأخذوا أسفل مكة‪ ،‬وأحاطوا‬
‫بأنيس بن عمرو السلمى‪ ،‬ولم يشعر بهم أنيس إل وقد‬
‫‪1‬‬
‫)‪ (7‬المصدر نفسه ص ‪.233‬‬ ‫)( نسب قريش ص ‪.215 ،214‬‬ ‫‪2‬‬

‫‪3‬‬
‫)‪ (9‬الطبقات )‪.(5/185‬‬ ‫)( المصدر نفسه ص ‪.240 ،923‬‬ ‫‪4‬‬

‫‪5‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ,(4/312‬مواقف المعارضةص ‪.528‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫تاريخ الطبري‪ ،‬نقل ً عن مواقف المعارضة ص ‪.528‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫البطح‪ :‬ما حاز السيل إلى الحناطين يميًنا من البيت الحرام‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪8‬‬
‫تاريخ السلم )حوادث ‪ (80 -61‬ص ‪.199‬‬ ‫)(‬

‫‪46‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫أحاطوا به‪ ،‬فقتل أنيس وانهزم أصحابه‪.‬‬


‫وفي الوقت الذي قتل فيه وانهزم جيش أنيس بن عمرو‬
‫السلمى‪ ،‬كان مصعب بن عبد الرحمن بن عوف‪ ،‬يقود طائفة‬
‫را في‬ ‫أخرى من الجند نحو عمرو بن الزبير‪ ،‬الذي كان معسك ً‬
‫البطح‪ ،‬فانهزم عمرو بن الزبير‪ ،‬ودخل دار رجل يقال له‬
‫علقمة‪ ،‬فجاءه أخوه عبيدة بن الزبير فأجاره‪ ،‬فأخذه إلى عبد‬
‫الله‪ ،‬وذكر له أنه أجاره‪ ،‬فقال عبد الله‪ :‬أما حقي فنعم‪ ،‬وأما‬
‫حق الناس فلقتصن منه لمن آذاه في المدينة)‪ ،(1‬وأقام عبد ُ‬
‫الله عمرو بن الزبير ليقتص الناس منه‪ ،‬فكل من ادعى على‬
‫عمرو بأنه فعل به كذا وكذا وكذا‪ ،‬قال له عبد الله بن الزبير‪:‬‬
‫افعل به مثلما فعل بك‪ .‬وتذكر المصادر أن عمرو بن الزبير‬
‫تعرض لتعذيب شديد من جراء ذلك ومات تحت الضرب)‪.(2‬‬
‫لقد أثبت ابن الزبير ‪‬أنه يملك ذكاء ودهاء بارزين‪ ،‬المر‬
‫كنه ّمن تحويل القضية لصالحه‪ ،‬بعدما كانت في يد يزيد‬ ‫الذي م‬
‫بن معاوية‪ ،‬وكان ابن الزبير في بداية معارضته يعتمد على أن‬
‫البيعة التي تمت ليزيد بن معاوية لم تكن بموافقة الناس‪ ،‬ول‬
‫بد من مشاركة الناس‪ ،‬وكان يدعو إلى الشورى‪ ،‬ولم تحقق‬
‫معارضة ابن الزبير أي نجاح يذكر‪ ،‬فخلل سنتين أو أكثر من‬
‫معارضته ليزيد لم يحدث أي تغير بشأن هيمنة الدولة على‬
‫عن غيره من القطار‪ ،‬ولكن ابن الزبير يهدف‬ ‫فض ً‬
‫الحجاز‪ ،‬ل‬
‫من التحرش بالمويين إلى إيقاع يزيد في مأزق المواجهة‪ ،‬لقد‬
‫حا ًعندما أقسم أن يأتيه ابن الزبير إلى‬
‫ارتكب يزيد خطأ فاد‬
‫دمشق في جامعة‪ ،‬فكيف يعقل من صحابي جليل تجاوز‬
‫الستين من عمره أن يرضخ لطلب يزيد بن معاوية‪ ،‬ولقد‬
‫استطاع ابن الزبير أن يظهر يزيد أمام أهل الحجاز بأنه شخص‬
‫لولية المسلمين‪ ،‬وجعلت هذه الحادثة من‬ ‫أه ً‬
‫متسلط ليس ل‬
‫ابن الزبير‪ -‬في نظر الكثير من المتمردين ‪ -‬طالب حق يواجه‬
‫خليفة يحمل الظلم في أحكامه والتعسف في قراراته‪ ،‬والذي‬
‫كن ّابن الزبير وأكسبه الكثير من التعاطف هو موقف أمير‬ ‫م‬
‫المدينة‪ -‬عمرو بن سعيد ‪ -‬فكان هذا المير ‪ -‬كما تذكر‬
‫‪1‬‬
‫)( الطبقات )‪ ،(185 /5‬أنساب الشراف )‪.(312 /4‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪ ،(316 /4‬تاريخ السلم حوادث سنة ‪61‬هـ‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الروايات ‪ -‬شديدا ً على أهل المدينة معرضا ً عن نصحهم متكبًرا‬


‫عليهم)‪.(1‬‬
‫ثم ذلك الخطأ الكبير الذي وقع فيه عمرو بن الزبير‪ ،‬الذي‬
‫ضا ًبأنه عظيم الكبر شديد العجب‪ ،‬ظلوم قد‬ ‫تصفه الروايات أي‬
‫أساء السيرة وعسف الناس‪ ،‬وأخذ من عرفه بمواله عبد الله‬
‫يكلم‪ ،‬ومن‬ ‫والميل إليه‪ ،‬فضربهم بالسياط‪ .‬ويقال‪ :‬عمرو ل ُ‬
‫ومن الخطاء التي وقع فيها يزيد بن معاوية‪،‬‬ ‫يكلمه يندم)‪.(2‬‬
‫عمرو ابن سعيد بن العاص والى المدينة ‪ -‬واستطاع ابن الزبير‬
‫أن يوظفها لصالحه ‪ -‬غزو مكة بجيش‪ ،‬فمكة لها حرمتها‬
‫وخصوصيتها في الجاهلية ثم جاء السلم فزادها مكانة‬
‫وقداسة على مكانتها تلك التي كانت في الجاهلية‪ ،‬وقام عمرو‬
‫بن سعيد يتحدى مشاعر المسلمين في المدينة حين رقى‬
‫المنبر في أول يوم من وليته على المدينة‪ ،‬فقال عن ابن‬
‫تع ّبمكة‪ ،‬فوالله لنغزونه‪ ،‬ثم والله لئن دخل الكعبة‬ ‫الزبير‪ :‬وذ‬
‫لنحرقنها عليه‪ ،‬على رغم أنف من رغم )‪ .(3‬ولما جهز ّ الحملة‬
‫التي سيوجهها لبن الزبير في مكة‪ ،‬نصحه بعض الصحابة‬
‫كروه بحرمة الكعبة وبحديث رسول الله × في‬ ‫ذروه وذ ّ‬‫وح ّ‬
‫بيان حرمتها‪ ،‬ولكنه رفض السماع لنصحهم ‪ ،‬وكان مروان‬
‫)‪(4‬‬

‫بن الحكم‪ -‬وهو المير المحنك والسياسي الداهية ‪ -‬قد ح ّ‬


‫ذر‬
‫عمرو بن سعيد من غزو البيت وقال له‪ :‬ل تغز مكة‪ ،‬واتق الله‬
‫ول تحل حرمة البيت‪ ،‬وخلوا ابن الزبير فقد كبر‪ ،‬هذا له بضع‬
‫وستون سنة‪ ،‬وهو رجل لجوج‪ ،‬والله لئن لم تقتلوه ليموتن‪،‬‬
‫نه‪ ،‬ولنغزونه ّ في جوف الكعبة على‬ ‫فقال له عمرو‪ :‬والله لنقاتل ّ‬
‫رغم أنف من رغم‪ ،‬فقال مروان‪ :‬والله إن ذلك يسوؤني ‪.‬‬
‫)‪(5‬‬

‫را حين أطلق على‬ ‫وكان عبد الله بن الزبير قد اختار لقًبا مؤث ً‬
‫را ل يوافق‬ ‫نفسه )العائذ بالله( فأصبح المساس بحرمة مكة أم ً‬

‫‪1‬‬
‫)( الموفقيات للزبير بن بكار ص ‪ ،152‬نقل ً عن مواقف المعارضة ص ‪.531‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪ ،(311 /4‬مواقف المعارضة ص ‪.531‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ خليفة ص ‪.233‬‬
‫‪4‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪ ،(312 /4‬مواقف المعارضة ص ‪.532‬‬
‫‪5‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪.(313 /4‬‬

‫‪48‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫عليه الصحابة والتابعون‪ ،‬وكان لبد من الدفاع عن مكة‪ ،‬في‬


‫وجه جيش يريد استحلل حرمتها‪ ،‬وحتى الذي ل يستطيع أن‬
‫يدافع عن مكة فسوفيكون متعاطًفا مع ابن الزبير بصفته‬
‫يدافع عن بيت الله )‪،(1‬وتدافع الناس نحو ابن الزبير من‬
‫نواحي الطائف يعاونونه ويدافعون عن الحرم )‪ ،(2‬وهذه القضايا‬
‫المعنوية والحسية كان لها الثر البالغ في تعاظم مكانة ابن‬
‫را ساحًقا‬‫جعله يحقق نص ً‬ ‫الزبير لدى أهل الحجاز؛ المر الذي‬
‫وسه ًعلى جيش عمرو بن الزبير ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ل‬
‫‪ -2‬حملة الحصين بن نمير وحصار ابن الزبير‬
‫وحريق الكعبة‪:‬‬
‫هلك مسلم بن عقبة النميرى في طريقه لبن الزبير‪،‬‬
‫وتولى القيادة من بعده الحصين بن نمير السكوني‪،‬‬
‫ووصل إلى مكة قبل انقضاء شهر المحرم بأربع ليال‪.‬‬
‫وعسكر الحصين بن نمير بالحجون)‪ (4‬إلى بئر ميمون ‪،‬‬
‫)‪(5‬‬

‫وبذلك فقد عمل الحصين بن نمير على نشر جيشه على‬


‫مسافة واسعة؛ والذي دفعه إلى ذلك طبيعة الحرب التي‬
‫ستدور في مكة‪ ،‬وقام ابن الزبير يحث الناس على قتال‬
‫جيش أهل الشام‪ ،‬وانضم المنهزمون من معركة الحّرة‬
‫ضا نجدة بن‬‫إلى ابن الزبير‪ ،‬وقدم على ابن الزبير أي ً‬
‫عامر الحنفي في ناس من الخوارج‪ ،‬وذلك لمنع البيت‬
‫من أهل الشام )‪ ،(6‬وكان عدد المقاتلين الذين اشتركوا‬
‫مع ابن الزبير أقل بكثير من المقاتلين الذين اشتركوا‬
‫في معركة الح ّ رة‪ ،‬ولم تكن القوات متكافئة‪ ،‬وتحول‬
‫الوضع لصالح الحصين بن نمير‪ ،‬بعد أن منى ابن الزبير‬
‫بفقد خيرة أصحابه‪ ،‬مثل أخويه المنذر وأبى بكر ابني‬
‫الزبير‪ ،‬ومصعب ابن عبد الرحمن‪ ،‬وحذافة بن عبد‬
‫‪1‬‬
‫مواقف المعارضة ص ‪.532‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫أنساب الشراف )‪.(4/313‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫مواقف المعارضة ص ‪.533‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الحجون‪ :‬الجبل المشرف‪ ،‬بينه وبين الحرم ميل ونصف‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫بئر ميمون‪ :‬حفرها ميمون بن الحضرمي ‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ،(4/338‬مواقف المعارضة ص ‪.545‬‬ ‫)(‬

‫‪49‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الرحمن بن العوام‪ ،‬وعمرو بن عروة بن الزبير)‪ ،(1‬وبعد‬


‫ثلثة أيام من ربيع الول سنة ‪ 64‬هـ قام الحصين بن نمير‬
‫بنصب المنجنيق على جبل أبى قبيس)‪ ،(2‬وجبل‬
‫قعيقعان)‪ (3‬وفقد ابن الزبير أهم مستشاريه ومناصريه‪،‬‬
‫وهو المسور بن مخرمة بعد أن أصابه بعض أحجار‬
‫المنجنيق‪ ،‬وانكشفت مواقع ابن الزبير أمام الحصين بن‬
‫نمير‪ ،‬ولم يبق مأمن لبن الزبير من أحجار المنجنيق‬
‫دا ولم‬ ‫سوى الحجر )‪ ،(4‬وحوصر ابن الزبير حصا ًرا شدي ً‬
‫يعد يملك إل المسجد الحرام فقط‪ ،‬بعد أن فقد مواقعه‬
‫المتقدمة في البطح)‪ ،(5‬وفي أثناء احتدام المعارك بين‬
‫ابن الزبير والحصين بن نمير احترقت الكعبة‪ ،‬وهذه‬
‫مصيبة أضيفت إلى مصائب المسلمين التي نتجت عن‬
‫استحلل القتال في البلد الحرام الذي حرم الله ورسوله‬
‫× القتال فيه)‪ ،(6‬وكان يزيد ابن معاوية قد مات في‬
‫منتصف شهر ربيع الول)‪ ،(7‬ولم يعلم أحد بموته نظًرا‬
‫لبعد المسافة بين مكة ودمشق‪ ،‬وقد جاء الخبر بموت‬
‫يزيد إلى مكة لهلل شهر ربيع الخر سنة أربع وستين ‪.‬‬
‫)‪(8‬‬

‫ولم تكن الكعبة مقصودة في ذاتها بالحراق‪ ،‬والدليل على‬


‫ذلك ما أحدثه حريق الكعبة من ذهول وخوف من الله في كلتا‬
‫جيش الحصين بن نمير‪ ،‬وجيش ابن الزبير‪ ،‬فقد‬‫)‪:(9‬‬
‫الطائفتين‬
‫نادى رجل من أهل الشام بعد أن احترقت الكعبة وقال‪ :‬هلك‬
‫الفريقان والذي نفس محمد بيده)‪،(10‬وأما أصحاب ابن الزبير‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫جمهرة نسب قريش ص ‪.362‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫جبل أبي قبيس‪ :‬هو أحد أخشبي مكة‪ ،‬وهو جبل مطل على الصفا‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫قعيقعان ‪ :‬جبل بمكة‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المحن لبى العرب ص ‪.203‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫تاريخ خليفة ص ‪ ،251‬بإسناده صحيح حتى ابن جريج‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫مواقف المعارضة ص ‪.548‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ،(4/344‬تعجيل المنفعة ص ‪.453‬‬ ‫)(‬
‫‪8‬‬
‫مواقف المعارضة ص ‪ ،48‬أخبار مكة )‪.(1/197‬‬ ‫)(‬
‫‪9‬‬
‫أخبار مكة )‪.(1/203‬‬ ‫)(‬
‫‪10‬‬
‫تاريخ خليفة ص ‪ 252‬بإسناد صحيح‪.‬‬ ‫)(‬

‫‪50‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫فقد خرجوا كلهم في جنازة امرأة ماتت في صبيحة ليلة‬


‫خو ًمن أن ينزل العذاب بهم‪ ،‬وأصبح ابن الزبير‬ ‫الحريق فا‬
‫ساج ًويقول‪ :‬اللهم إني لم أتعمد ما جرى فل تهلك عبادك‬ ‫دا‬
‫بذنبي‪ ،‬وهذه ناصيتي بين يديك ‪ .‬وأهلالشام بالرغم من جهل‬
‫)‪(1‬‬

‫بعضهم بابن الزبير ومكانته)‪،(2‬إل أنه من المستحيل أن يجهل‬


‫أحد منهم مكانة الكعبة وأهميتها‪ ،‬كيف وهم يتجهون إليها في‬
‫صلتهم عندما كانوا يحاصرون ابن الزبير‪ ،‬فمن المستحيل أن‬
‫يعمد أحدهم إلى حرق الكعبة‪ ،‬أو كان ذلك يدور في تفكير‬
‫الحصين بن نمير‪ ،‬وقد وردت تصريحات لبعض أقارب ابن‬
‫الزبير وبعض السلف والعلماء المحققين بأنهم لم ينسبوا إلى‬
‫أحد من الطائفتين قصد حريق الكعبة‪ ،‬فهذا هشام بن عروة‬
‫يقول‪ ...:‬فقاتلوا ابن الزبير واحترقت الكعبة أيام ذلك‬
‫وقال ابن عبد البر‪ :‬وفي هذا الحصار احترقت‬ ‫الحصار)‪،(3‬‬
‫الكعبة‪(4)،‬وقال ابن حجر‪ :‬ثم سارت الجيوش إلى مكة لقتال‬
‫ابن الزبير‪ ،‬فحاصروه بمكة وأحرقت الكعبة)‪ .(5‬ول شك أن‬
‫من أهل الشام لم يقصد إهانة الكعبة‪ ،‬بل كل المسلمين‬ ‫أح ً‬‫دا‬
‫معظمون لها‪ ،‬وإنما كان مقصودهم حصار ابن الزبير‪ ,‬والضرب‬
‫بالمنجنيق كان لبن الزبير ل للكعبة ويزيد لم يهدم الكعبة‪ ,‬ولم‬
‫يقصد إحراقها ل هو ول نوابه باتفاق المسلمين)‪.(6‬وهكذا كانت‬
‫إحدى نتائج تلك الحرب التي دارت بين ابن الزبير والحصين بن‬
‫نمير إحراق البيت الحرام)‪.(7‬‬
‫ولما وصل الحصين خبر موت الخليفة بعث إلى ابن الزبير‬
‫فقال‪ :‬موعد ما بيننا الليلة البطح‪ ،‬وكان يريد أن يجتمع به‬
‫ويفاوضه في الخلفة‪ ،‬فالتقيا وتحادثا طويل ًواشتد بينهما‬
‫‪1‬‬
‫مواقف المعارضة ص ‪ ،552‬الغاني )‪.(3/227‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫مواقف المعارضة ص ‪،552‬حلية الولياء )‪.(1/336‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫الصابة )‪ (4/94‬عن الزبير بن بكار بسند صحيح‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الستيعاب )‪.(3/243‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫تعجيل المنفعة ص ‪ ،453‬مواقف المعارضة ص ‪.553‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫منهاج السنة )‪ ،(4/447‬مواقف المعارضة ص ‪.553‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫مواقف المعارضة ص ‪.554‬‬ ‫)(‬

‫‪51‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الجدل‪ ،‬وكان فيما قال الحصين لبن الزبير وهو يدعوه‬


‫للخلفة‪ :‬إن يك هذا الرجل قد هلك فأنت أحق الناس بهذا‬
‫المر‪ ،‬هلم فلنبايعك‪ ،‬ثم اخرج معي إلى الشام‪ ،‬فإن هذا الجند‬
‫الذي معي هم وجوه أهل الشام وفرسانهم‪ ،‬فوالله ل يختلف‬
‫عليك اثنان‪ ،‬وتؤمن الناس‪ ،‬وتهدر هذه الدماء التي كانت بيننا‬
‫وبينك‪ ،‬والتي كانت بيننا وبين أهل هذه الحرة‪ .‬فقال عبد الله‪:‬‬
‫أنا أهدر تلك الدماء؟ أما والله ل أرضى أن أقتل بكل رجل‬
‫را‪ ،‬وهو يجهر جهًرا‬ ‫منهم عشرة منكم‪ ،‬وكان الحصين يكلمه س ً‬
‫ويقول‪ :‬ل والله ل أفعل‪.‬فقال له الحصين‪ :‬قبح الله من يعدك‬
‫يا‪ ،‬أل أراني‬‫با‪ ،‬قد كنت أظن لك رأ ً‬ ‫يا قط أو أري ً‬
‫بعد هذه داه ً‬
‫را‪ ،‬وأدعوك للخلفة وتعدني للقتل‬ ‫را وتكلمني جه ً‬ ‫أكلمك س ً‬
‫وبعد أن افترقا‪ ،‬أدرك عبد الله خطأه في موقفه‬ ‫والهلكة )‪،(1‬‬
‫مع الحصين عندما عرض عليه الخلفة ومرافقته إلى بلد‬
‫الشام‪ ،‬وأراد أن يصحح هذا الموقف‪ ،‬وكان الحصين يستعد‬
‫للعودة بجنده إلى دمشق‪ ،‬فأرسل إليه يقول‪ :‬أما أن أسير إلى‬
‫وأكره الخروج من مكة‪ ،‬ولكن بايعوا لي‬ ‫فاع ً‬
‫الشام فليس ل‬
‫هناك فإني مؤمنكم وعادل فيكم‪ ،‬فردالحصين بقوله‪ :‬أرأيت‬
‫را من أهل هذا‬ ‫سا كثي ً‬
‫إن لم تقدم بنفسك‪ ،‬ووجدت هناك أنا ً‬
‫البيت يطلبونها ويجيبهم الناس‪ ،‬فما أنا صانع؟ وذكر البلذرى‬
‫)‪(2‬‬

‫أن عبد الله بن الزبير طلب من الحصين مهلة لستشارة‬


‫أصحابه عندما عرض عليه الحصين المر‪ ،‬ولكن أصحابه رفضوا‬
‫الخروج إلى الشام)‪.(3‬ويصعب على المرء أن ينفذ إلى أعماق‬
‫ابن الزبير ويعرف ما كان يدور في خلده والسباب التي دفعته‬
‫لرفض عرض الحصين‪ ،‬ولكن هناك مؤشرات عديدة تؤخذ‬
‫بعين العتبار من الواقع السياسي في بلد الحجاز)‪ ،(4‬منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬لم تكن للحصين صفة رسمية عندما عرض الخلفة على‬
‫ابن الزبير‪ ،‬ولم يكن يمثل المويين كلهم‪ ،‬رغم أنه قال إن‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(6/436‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(6/436‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪،(58 ،4/57‬عبد الله بن الزبير‪ ،‬د‪ .‬شحادة الناطور ص‬
‫‪.107‬‬
‫‪4‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ،‬ماجد لحام ص ‪.115‬‬

‫‪52‬‬
‫الفصل ا لثالث‬

‫الجند الذين معه هم وجوه أهل الشام وفرسانهم‪ .‬فكيف يثق‬


‫ابن الزبير بقائد حملة كان يقاتله قبل أيام ويريد أن يفتك به‪،‬‬
‫وقد ظهرت المناقضة عند الحصين بقوله بعد ذلك‪ :‬أرأيت إن‬
‫سا كثيراً من أهل هذا البيت‬‫هناك أنا ً‬ ‫لم تقدم بنفسك ووجدت‬
‫يطلبونها ويجيبهم الناس )‪.(1‬‬
‫ب‪ -‬إن الذي عرض عليه الخلفة هو أحد قادة معركة‬
‫الحّرة‪ ،‬وكان حول ابن الزبير عدد من أهل المدينة الذين‬
‫هربوا من وحشية تلك المعركة‪ ،‬لذلك كان ابن الزبير يرد‬
‫على الحصين بصوت جهوري‪ ،‬يسمعه من حوله من أنصاره‬
‫ليدفع الشك عن نفوسهم‪ ،‬يطمئنهم على موقفه من‬
‫الحصين‪ ،‬فقال إنه ل يرضى قتل عشرة من جيش الحصين‬
‫بكل واحد من أهل المدينة )‪.(2‬‬
‫ج‪ -‬عدم وجود أنصار ‪ -‬حتى الن ‪ -‬له في بلد الشام‬
‫يمكن أن يعتمد عليهم وينصرونه كما هو الحال في بلد‬
‫الحجاز‪ ،‬فأهل الشام كانوا يدينون بالولء والمحبة والتقدير‬
‫للمويين‪.‬‬
‫د‪ -‬عدم وجود جيش منظم حقيقي ‪ -‬كالجيش الموي ‪ -‬عند‬
‫ابن الزبير‪ ،‬وكل ما نستطيع أن نسمى به المدافعين عن ابن‬
‫الزبير وعن مكة‪ ،‬أنهم من المقاتلين الذين يجتمعون وقت‬
‫الشدة ويتفرقون عند زوالها‪ ،‬وهل هناك شدة أكبر من غزو‬
‫الكعبة؟ وأعتقد أنه لو كان لبن الزبير جيش منظم حقيقي‬
‫ومدرب مسلح ‪ -‬بحيث يستطيع هذا الجيش نصرة ابن الزبير‬
‫لتوجه مع الحصين بن نمير‪ ،‬ولتم له النجاح )‪.(3‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(6/436‬‬
‫‪2‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ،‬ماجد لحام ص ‪.116‬‬
‫‪3‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ،‬د‪ .‬شحادة الناطور ص ‪.110 ،109‬‬

‫‪53‬‬
‫بيعـــة‬
‫عبد الله بن الزبير‬
‫بالخـــــلفة‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫‪55‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الفصل الرابع‬
‫بيعة عبد الله بن الزبير بالخلفة‬

‫المبحث الول‬
‫وفاة يزيد بن معاوية وخلفة معاوية بن يزيد‬
‫ل‪ :‬وفاة يزيد بن معاوية‪:‬‬‫أو ً‬
‫‪ 64‬توفى يزيد بن معاوية وكانت وفاته بقرية‬ ‫في عام هـ‬
‫وارين من أرض الشام‪ ،‬لربع‬ ‫من قرى حمص يقال لها ح ّ‬
‫عشرة ليلة خلت من ربيع الول سنة ‪64‬هـ وهو ابن ‪38‬سنة‬
‫في قول بعضهم‪ ،‬وعن هشام بن الوليد المخزومي‪ ،‬أن‬
‫الزهري كتب لجده أسنان الخلفاء‪ ،‬فكان فيما كتب من ذلك‪:‬‬
‫ومات يزيد بن معاوية وهو ابن تسع وثلثين‪ ،‬وكانت وليته ثلث‬
‫سنين وستة أشهر في قول بعضهم‪ ،‬ويقال‪ :‬ثمانية أشهر)‪،(1‬‬
‫وعن أبى معشر أنه قال‪ :‬توفى يزيد بن معاوية يوم الثلثاء‬
‫لربع عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الول‪ ،‬وكانت خلفته‬
‫ثلث سنين وثمانية أشهر إل ثمان ليال‪ ،‬وصلى على يزيد ابنه‬
‫معاوية بن يزيد)‪،(2‬وقيل‪ :‬وكانت خلفته ثلث سنين وتسعة‬
‫ما )‪،(3‬وكان نقش خاتمه‪ :‬ربنا الله )‪.(4‬‬
‫أشهر إل أيا ً‬
‫ثانًيا‪ :‬خلفة معاوية بن يزيد‪:‬‬
‫معاوية بن يزيد هو ثالث الخلفاء المويين‪ ،‬وكنيته أبو‬
‫يزيد أو عبد الرحمن‪ ،‬أبوه يزيد بن معاوية بن أبى سفيان‪،‬‬
‫وأمه أم هاشم بنت أبى هاشم بن عتبة بن ربيعة)‪،(5‬‬
‫ويسمى معاوية الصغر)‪ .(6‬ولد سنة ‪44‬هـ ونشأ في بيت‬
‫الخلفة‪ ،‬بويع له بالخلفة بعد موت أبيه‪ ،‬في الرابع عشر‬
‫‪1‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(6/433‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫تاريخ القضاعى ص ‪.329‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪.332‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(6/434‬‬ ‫)(‬

‫‪56‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫من ربيع الول سنة أربع وستين هجرية‪ ،‬وكان ‪ -‬رحمه الله‬
‫‪ -‬أبيض شديد البياض‪ ،‬كثير الشعر‪ ،‬كبير العينين‪ ،‬جعد‬
‫الشعر‪ ،‬أقنى النف‪ ،‬مدور الرأس‪ ،‬جميل الوجه‪ ،‬كثير شعر‬
‫حا ناس ً‬
‫كا )‪.(1‬‬ ‫الوجه‪ ،‬دقيقه‪ ،‬حسن الجسم‪ ،‬وكان رجل ً صال ً‬
‫‪ -1‬مدة حكمه‪ :‬يختلف المؤرخون كثيًرا في المدة التي‬
‫ما‬
‫حكمها معاوية بن يزيد‪ ،‬ويتراوح الخلف بين عشرين يو ً‬
‫)‪ (2‬وثلثة أشهر‪ ،‬ويبدو أن مدة الثلثة الشهر هي الرجح‪،‬‬
‫ضا‬
‫ما‪ ,‬وكان مري ً‬
‫ويرجح بعض المؤرخين مدة الربعين يو ً‬
‫مدة وليته‪ ،‬ولهذا لم يؤثر له عمل ما مدة خلفته‪ ،‬حتى‬
‫الصلة‪ ،‬فإن الضحاك بن قيس هو الذي كان يصلى بالناس‪،‬‬
‫ويسّير المور‪ ،‬وظل الضحاك يصلى بالناس حتى بعد وفاة‬
‫معاوية‪ ،‬حتى استقر المر لمروان بالشام )‪.(3‬‬
‫‪ -2‬تنازله عن الخلفة وتركه المر شورى‪ :‬ولما أحس‬
‫معاوية بن يزيد بالموت نادى في الناس‪ :‬الصلة جامعة‪،‬‬
‫وخطب فيهم‪ ،‬وكان مما قال‪ :‬أيها الناس‪ ،‬إني قد وليت‬
‫أمركم وأنا ضعيف عنه‪ ،‬فإن أحببتم تركتها لرجل قوى‪ ،‬كما‬
‫تركها الصديق لعمر‪ ،‬وإن شئتم تركتها شورى في ستة كما‬
‫تركها عمر بن الخطاب‪ ،‬وليس فيكم من هو صالح لذلك‪،‬‬
‫وقد تركت أمركم‪ ،‬فولوا عليكم من يصلح لكم‪.‬‬
‫ثم نزل ودخل منزله‪ ،‬فلم يخرج حتى مات رحمه الله‬
‫تعالى )‪ .(4‬لقد أراد معاوية بن يزيد أن يقول لهم إنه لم يجد‬
‫مثل عمر‪ ،‬ول مثل أهل الشورى‪ ،‬فترك لهم أمرهم يولون‬
‫حا في رواية أخرى للخطبة‬‫من يشاءون‪ ،‬وقد جاء ذلك صري ً‬
‫عن ابن الثير قال فيها‪ :‬أما بعد‪ ،‬فإني ضعفت عن أمركم‬
‫فابتغيت مثل عمر بن الخطاب حين استخلفه أبو بكر فلم‬

‫‪6‬‬
‫)( الموين بين المشرق والمغرب )‪.(1/286‬‬
‫‪1‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/663‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(11/662‬‬
‫‪3‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(11/663‬‬
‫‪4‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(664 ،11/663‬‬

‫‪57‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫أجده‪ ،‬فابتغيت ستة مثل ستة الشورى فلم أجدهم‪ ،‬فأنتم‬


‫أولى بأمركم‪ ،‬فاختاروا لها من أحببتم‪..‬ثم دخل منزله‬
‫وتغيب حتى مات )‪.(1‬‬
‫واعتبر هذا الموقف منه دليل ً على عدم رضاه عن‬
‫تحويل الخلفة من الشورى إلى الوراثة )‪ ،(2‬فقد رفض أن‬
‫يعهد لحد من أهل بيته حينما قالوا له‪ :‬اعهد إلى أحد من‬
‫أهل بيتك‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما ذقت حلوة خلفتكم‪ ،‬فكيف أتقلد‬
‫وزرها‪ ،‬وتتعجلون أنتم حلوتها‪ ،‬وأتعجل مرارتها‪ ،‬اللهم إني‬
‫برئ منها‪ ،‬مُتخل عنها )‪ ،(3‬وجاء في رواية‪ :‬قيل له‪ :‬أل‬
‫توصى؟ فقال‪ :‬ل أتزّود مرارتها وأترك حلوتها لبنى أمية )‪.(4‬‬
‫وتعتبر حادثة تنازل معاوية بن يزيد عن الخلفة حادثة نادرة‬
‫في التاريخ النساني؛ لقد عرفت استقالت‪ ،‬فيها إكراه‬
‫كا استقال‪ ،‬لن في أمته من هو‬ ‫مادي أو معنوي‪ .‬أما أن مل ً‬
‫خير منه‪ ،‬فهذا ما لم نقع عليه‪ ،‬وأية محاسبة للنفس أرفع‬
‫من هذه؟!)‪.(5‬‬
‫وإذا كان معاوية بن أبى سفيان ‪ -‬أول الخلفاء المويين ‪-‬‬
‫قد حول الخلفة من الشورى إلى الملك‪ ،‬فإن حفيده‬
‫ضا‪ ،‬قد أعاد الخلفة‬ ‫معاوية الثاني‪ ،‬ثالث خلفاء المويين أي ً‬
‫من الملك العضوض إلى الشورى الكاملة‪ ،‬وإنه لمما‬
‫يستوجب النصاف أن تصاغ القضية على هذا النحو بدل ً من‬
‫التركيز على الشق الول الخاص بتوريث الخلفة فقط)‪.(6‬‬
‫‪ -3‬كم كان عمره لما مات؟ ومن صلى عليه؟‪ :‬مات‬
‫معاوية بن يزيد عن إحدى وعشرين سنة وقيل‪ :‬ثلث‬
‫ما‪ .‬وقيل‪ :‬تسع عشرة سنة‪.‬‬‫وعشرين سنة وثمانية عشر يو ً‬
‫وقيل‪ :‬عشرين سنة‪ .‬وقيل‪ :‬ثلث وعشرين سنة‪ .‬وقيل‪ :‬إنما‬
‫‪1‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(2/605‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.137‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫مروج الذهب )‪.(3/82‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(11/663‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫نظام الحكم في الشريعة والتاريخ )‪.(1/116‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫الدولة الموية المفترى عليها ص ‪.293‬‬ ‫)(‬

‫‪58‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫عاش ثماني عشرة سنة‪ ،‬وقيل‪ :‬خمس عشرة سنة‪ .‬فالله‬


‫أعلم‪ .‬وصلى عليه أخوه خالد‪ ،‬وقيل‪ :‬عثمان بن عنبسة‪.‬‬
‫عتبة‪ .‬وهذا هو الصحيح‪ ،‬فإنه أوصى إليه‬ ‫وقيل‪ :‬الوليد بن ُ‬
‫بذلك وشهد دفنه مروان بن الحكم ‪ ،‬فلما ُفرغ منه قال‬
‫)‪(1‬‬

‫مروان‪ :‬أتدرون من دفنتم؟ قالوا‪ :‬نعم‪ ،‬معاوية بن يزيد‪.‬‬


‫م الفزاري‪:‬‬ ‫فقال مروان‪ :‬هو أبو ليلى الذي قال فيه أْزن َ ُ‬
‫)‪(2‬‬
‫لمن غلبا‬ ‫إني أرى فتنة تغلى‬
‫مراجلها‬
‫‪ -4‬أزمة خطيرة بعد وفاة معاوية بن يزيد‪ :‬كان معاوية‬
‫بن يزيد قد أحدث أزمة خطيرة‪ ،‬فقد كان أخوه خالد بن‬
‫يزيد صبًيا صغيًرا‪ .‬وكان أمر ابن الزبير قد استفحل وبايع له‬
‫الناس من أنحاء الدولة‪ ،‬فرأى فريق من جند الشام ‪ -‬على‬
‫رأسهم الضحاك بن قيس أمير دمشق‪ -‬أن يبايعوا لبن‬
‫الزبير‪ ،‬وحتى مروان بن الحكم كبير بنى أمية فكر في‬
‫الذهاب إلى ابن الزبير ليبايعه ويأخذ منه المان‪ ،‬ولكن‬
‫سائر الجند والقادة بزعامة حسان بن مالك زعيم القبائل‬
‫اليمنية ‪ -‬الذين كانوا أقوى المؤيدين لبنى أمية وهم أخوال‬
‫يزيد ‪ -‬رفضوا أن يخرج المر عن بنى أمية وأن يبايعوا لبن‬
‫الزبير‪ ،‬فحدث خلف شديد ولبث الشام ستة أشهر بدون‬
‫إمام‪ ،‬وأخيًرا اتفق القوم على أن يعقدوا مؤتمًرا للشورى‪،‬‬
‫يبحثون فيه عمن يصلح للخلفة ويصلون في ذلك إلى قرار‬
‫)‪ .(3‬ويعد معاوية بن يزيد بن معاوية بن أبى سفيان آخر‬
‫خلفاء الفرع السفياني‪ ،‬وانتقلت الخلفة بعده إلى الفرع‬
‫الثاني من بنى أمية »المروانيين«‪ ،‬وأولهم مروان بن‬
‫الحكم‪ ،‬ول ُيعد عند كثير من المحققين والمؤرخين خليفة‪،‬‬
‫حيث يعتبرونه باغًيا خرج على أمير المؤمنين عبد الله بن‬
‫الزبير‪ ،‬وكذلك ولده عبد الملك ل يعد خليفة إل بعد موت‬

‫‪1‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(663 ،11/662‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(664 /11‬‬
‫‪3‬‬
‫)( النظريات السياسية السلمية‪ ،‬محمد ضياء الدين الريس ص ‪.202‬‬

‫‪59‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫ابن الزبير‪ ،‬واجتماع المسلمين عليه )‪ ،(1‬وبوفاة معاوية بن‬


‫يزيد انتهت الدولة السفيانية وظهرت الدولة الزبيرية‪،‬‬
‫ولكنها لم تستمر‪ ،‬فقد استطاع بنو مروان القضاء عليها‪،‬‬
‫وسيأتي التفصيل في الصفحات القادمة بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬بيعة ابن الزبير بالخلفة‪:‬‬
‫بعد موت يزيد بن معاوية لم يكن هناك من خليفة‪ ،‬وإذا‬
‫كان يزيد قد أوصى لبنه معاوية فإن هذا ل يكفي للبيعة‪ ،‬إذ‬
‫ل بيعة دون شورى‪ ،‬إضافة إلى أن الذين قد بايعوا معاوية‬
‫بن يزيد ل يزيدون على دمشق وما حولها وأعيان بنى كلب‪.‬‬
‫ل‪ ،‬وترك المر‬ ‫وهذا مع أن معاوية بن يزيد لم يعش طوي ً‬
‫دا‪ ،‬ولم يوص إلى أحد‪ ،‬وكان عبد‬ ‫شورى‪ ،‬ولم يستخلف أح ً‬
‫الله بن الزبير‪ ،‬رضي الله عنهما‪ ،‬قد بويع له في الحجاز‪،‬‬
‫وفي العراق وما يتبعه إلى أقصى مشارق ديار السلم‪،‬‬
‫وفي مصر وما يتبعها إلى أقصى بلد المغرب‪ ،‬وبايعت‬
‫ضا إل بعض جهات منها‪ ،‬ففي دمشق بايع الضحاك‬ ‫الشام أي ً‬
‫بن قيس الفهرى لبن الزبير‪ ،‬وفي حمص بايع النعمان بن‬
‫بشير‪ ،‬وفي قنسرين زفر بن الحارث الكلبي‪ ،‬وفي‬
‫فلسطين بايع ناتل بن قيس‪ ،‬وأخرج منها روح بن زنباع‬
‫ضا بيعة ابن الزبير في الشام إل‬
‫الجذامي‪ ،‬ولم يكن راف ً‬
‫منطقة البلقاء وفيها حسان بن مالك بن بحدل الكلبي ‪،‬‬
‫)‪(2‬‬

‫وهكذا ّتمت البيعة لعبد الله بن الزبير في ديار السلم‪،‬‬


‫وأصبح الخليفة الشرعي)‪ ،(3‬وعين نوّابه على القاليم‪ ،‬وتكاد‬
‫تجمع المصادر على أن جميع المصار قد أطبقت على بيعة‬
‫ابن الزبير خليفة للمسلمين‪ ،‬ولذلك صّرح العديد من‬
‫العلماء والمؤرخين بأن بيعة ابن الزبير بيعة شرعية‪ ،‬وأنه‬
‫أولى بها من مروان ابن الحكم)‪ ,(4‬فيروي ابن عبد البر عن‬
‫مالك أنه قال‪ :‬إن ابن الزبير كان أفضل من مروان وكان‬

‫‪1‬‬
‫المويون بين الشرق والغرب ص ‪.290‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪ ،(3/373‬عبد الله بن الزبير‪ ،‬محمود شاكر ص ‪.66‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫عبد الله بن الزبير‪ ،‬محمود شاكر ص ‪.68‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫عبد الله بن الزبير‪ ،‬للخراشي ص ‪.117‬‬ ‫)(‬

‫‪60‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫أولى بالمر منه‪ ،‬ومن ابنه عبد الملك)‪ .(1‬ويقول ابن كثير‪:‬‬
‫ثم هو ‪ -‬أي ابن الزبير ‪ -‬المام بعد موت معاوية بن يزيد ل‬
‫محالة‪ ،‬وهو أرشد من مروان بن الحكم‪ ،‬حيث نازعه بعد أن‬
‫اجتمعت الكلمة عليه وقامت البيعة له في الفاق وانتظم‬
‫له المر)‪ ،(2‬ويؤكد كل من ابن حزم)‪ (3‬والسيوطي)‪ (4‬شرعية‬
‫ابن الزبير‪ ،‬ويعتبران مروان بن الحكم وابنه عبد الملك‬
‫باغيين عليه خارجين على خلفته‪ ،‬كما يؤكد الذهبي شرعية‬
‫ابن الزبير ويعتبره أمير المؤمنين)‪.(5‬‬
‫‪ -1‬بيعة ابن الزبير بالحجاز‪ :‬كان من الطبيعي أن يكون‬
‫عا وولء لبيعة ابن الزبير؛ لكونه‬‫الحجاز أو المناطق خضو ً‬
‫مركز المعارضة ضد بنى أمية‪ ،‬وقد سارع أهل الحجاز إلى‬
‫مبايعة ابن الزبير‪ ،‬ويروي ابن سعد أن من الوائل الذين‬
‫سارعوا إلى مبايعة ابن الزبير عبد الله بن مطيع العدوى‪،‬‬
‫وعبد الله بن رضوان ابن أمية الجمحى‪ ،‬والحارث بن عبد‬
‫الله بن أبى ربيعة‪ ،‬وعبيد بن عمير‪,‬‬
‫وعبيد الله بن علي بن أبي طالب‪ ,‬وعبد الله بن جعفر ‪,‬‬
‫)‪(6‬‬

‫وكان هناك بعض العناصر الذي امتنعوا عن بيعة ابن الزبير‬


‫وعلى رأسهم ثلث شخصيات لها مكانتها وتأثيرها لسيما‬
‫في الحجاز وهم‪ :‬عبد الله بن عمر بن الخطاب‪ ,‬وابن‬
‫عباس‪ ,‬ومحمد ابن الحنفية‪ ,‬وتكاد تجمع المصادر أن أّيا من‬
‫هؤلء لم يبايع ابن الزبير طيلة حياته)‪.(7‬‬
‫أ‪ -‬موقف ابن عمر من بيعة ابن الزبير‪:‬‬
‫بايع ابن عمر يزيد بالخلفة‪ ,‬والتزم ببيعته‪ ,‬وحاول إقناع‬
‫ابن الزبير بذلك‪ ,‬ونهاه عن إثارة الفتنة والخروج على خلفة‬

‫‪1‬‬
‫الستيعاب )‪.(3/910‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫البداية والنهاية‪ ،‬نقل عن عبد الله بن الزبير‪ ،‬للخراشي ص ‪.117‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المحلى )‪ ،(11/98‬عبد الله بن الزبير‪ ،‬للخراشي ص ‪.117‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ‪ ،212‬ابن الزبير‪ ،‬للخراشي ص ‪.118‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(3/363‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ,(1/352‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.119‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.119‬‬ ‫)(‬

‫‪61‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫يزيد)‪ ,(1‬وبعد وفاة معاوية بن يزيد بويع ابن الزبير بالخلفة‪,‬‬


‫وطلب من ابن عمر أن يبايع له‪ ,‬فرفض ابن عمر البيعة‬
‫معلل ً ذلك بقوله‪ :‬ل أعطي صفقة يميني في فرقة ول‬
‫أمنعها في جماعة)‪ .(2‬ولم يحاول ابن الزبير إجبار ابن عمر‬
‫على البيعة‪ ,‬كما أن المصادر لم تشر إلى أي صدام أو‬
‫مواجهة وقعت بين الثنين)‪ ,(3‬وكان لمتناع ابن عمر على‬
‫بيعة ابن الزبير تأثير سلبي‪ ,‬فقد كان ابن عمر يتمتع بمكانة‬
‫عالية وبالخص في الحجاز‪ ,‬وكان له تأثيره على الناس‪,‬‬
‫فامتناعه عن البيعة يجعل البعض يقتدي به ويتخذ الموقف‬
‫نفسه‪ ,‬ومما يزيد من تأثيره السلبي على حركة ابن الزبير‬
‫أن ابن عمر كان يجبر من له طاعة عليهم أن يتخذوا‬
‫الموقف نفسه الذي يتخذه ومع كل ذلك فلم يكن ابن عمر‬
‫يشكل خطًرا حقيقًيا على ابن الزبير؛ فهو لم يكن ذا طموح‬
‫عا يستطيع أن يواجه بهم ابن‬ ‫للخلفة‪ ,‬كما أنه ل يملك أتبا ً‬
‫الزبير كما هو الحال عند محمد ابن الحنفية ‪.‬‬
‫)‪(4‬‬

‫ب‪ -‬ابن عباس وبيعة ابن الزبير‪:‬‬


‫كان ابن عباس يختلف عن ابن عمر في مواقفه إزاء الفتن‬
‫التي جرت في عصره‪ ,‬حيث خاض فيها وشهد مع علي صراعه‬
‫ضد خصومه في موقعتي الجمل وصفين‪ ,‬ولما جاء المويون‬
‫للحكم واستخلف معاوية يزيد بادر ابن عباس إلى بيعته‪,‬‬
‫والتزم بها‪ ,‬ولم يعرف أنه أيد ابن الزبير الذي رفض البيعة‪,‬‬
‫وفي الوقت نفسه لم يعلن عداءه لبن الزبير‪ ,‬وبدأت العلقة‬
‫دا ًبعد وفاة يزيد بن معاوية‪ ,‬حيث‬ ‫بين الثنين تدخل طوًرا جدي‬
‫هـ‪ ,‬وعندما طلب ابن الزبير‬‫بويع ابن الزبير بالخلفة سنة ‪64‬‬
‫من محمد ابن الحنفية وابن عباس المبايعة قال‪ :‬حتى تجتمع‬
‫لك البلد ويتسق لك الناس)‪ (5,‬ووعداه بعدم إظهار الخلف‬
‫له‪(6).‬لم يحاول ابن الزبير في بداية المر إجبارهما على‬
‫البيعة‪ ,‬وبدأت العلقة بين ابن الزبير وابن عباس في تحسن‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫مصنف ابن أبي شيبة )‪.(15/84‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ,(1/352‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.120‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.121‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.122‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫الطبقات )‪.(5/100‬‬ ‫)(‬

‫‪62‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫نلمس ذلك في العديد من الروايات التي تدلل على شعور ابن‬


‫عباس تجاه ابن الزبير‪ ,‬والمتمثل في تأييده لبعض مواقفه)‪,(1‬‬
‫أو في الثناء المباشر عليه)‪ (2,‬ويروي عبد الرزاق في مصنفه‬
‫أن‬
‫قاض ًلبن الزبير بمكة‪ ,‬إل أن العلقة بينهما‬
‫ابن عباس كان يا‬
‫تعكرت‪ ,‬وقد وردت عدة روايات تدل على مظاهر تردي‬
‫العلقة بين الثنين‪ ,‬وإن كانت في مجموعها ل تخرج عن نطاق‬
‫را ً لتوافق ابن عباس مع محمد ابن‬ ‫المناقشات الحادة)‪ .(3‬ونظ‬
‫الحنفية في رفض بيعة ابن الزبير وتنامي خطر الخير‪ ,‬فقد‬
‫انتهى المر بخروج ابن عباس إلى الطائف‪ ,‬وبقى هناك إلى أن‬
‫توفى‪(4),‬وكان ابن عباس يثني على ابن الزبير‪ ,‬فعندما ذكر‬
‫عنده قال ابن عباس‪ :‬قارئ لكتاب الله‪ ,‬عفيف في السلم‪,‬‬
‫أبوه الزبير‪ ,‬وأمه أسماء‪ ,‬وجده أبو بكر‪ ,‬وعمته خديجة‪ ,‬وخالته‬
‫عائشة‪ ,‬وجدته صفية)‪.(5‬‬
‫ج‪ -‬ابن الحنفية وبيعة ابن الزبير‪:‬‬
‫كان المبدأ الذي صرح به ابن الحنفية بعد وفاة يزيد أل‬
‫دا إل في حالة اجتماع الناس عليه)‪ ,(6‬لم يحاول ابن‬ ‫يبايع أح ً‬
‫الزبير في بداية المر إكراه ابن الحنفية على البيعة‪ ,‬ولم‬
‫يستمر ابن الزبير في سياسته اللينة مع ابن الحنفية‪ ,‬فبعد‬
‫أن عل شأن ابن الزبير وجاءته بيعة المصار‪ ,‬وكادت المة‬
‫تجتمع عليه‪ ,‬أحس أن الوقت قد حان لن يبايع ابن الحنفية‬
‫بناء على وعده‪ ,‬فعاود الكرة مرة أخرى‪ ,‬ودعاه إلى البيعة‬
‫سنة ‪65‬هـ‪ ,‬ولكن ابن الحنفية أبى أن يبايع‪ ,‬فلجأ ابن الزبير‬
‫إلى حبسه في الشعب)‪ ,,(7‬ويبدو أن الزبير تخوف من دعوة‬
‫‪6‬‬
‫)( البداية والنهاية‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.125‬‬
‫‪1‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪ ,125‬الفتح الرباني‪ ,‬للساعاتي )‬
‫‪.(3/167‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ ابن عساكر‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.125‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الفتح الرباني‪ ,‬للساعاتي )‪ ,(12/98‬أخبار مكة )‪.(2/72‬‬
‫‪4‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/358‬‬
‫‪5‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(3/367‬‬
‫‪6‬‬
‫)( مصنف ابن أبي شيبة )‪ ,(15/73‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.127‬‬
‫‪7‬‬
‫)( تاريخ خليفة ص ‪.262‬‬

‫‪63‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫المختار بن أبي عبيد الثقفي بالكوفة‪ ,‬فقد كان المختار من‬


‫أشد المدافعين عن ابن الزبير أيام حوصر في مكة سنة‬
‫‪64‬هـ من قبل جيش الحصين بن نمير السكوني‪ ,‬وكان‬
‫المختار ‪-‬بالضافة إلى شجاعته وجرأته‪ -‬يتمتع بمكر ودهاء‬
‫كبيرين‪ ,‬ويحمل بين جنبيه طموحات عالية للزعامة)‪ ,(1‬لم‬
‫يجد المختار عند ابن الزبير ما يحقق طموحاته‪ ,‬فأخذ يبحث‬
‫عن مكان آخر يمكن أن يحقق فيه ما تصبو نفسه إليه‪,‬‬
‫فترك مكة بعد ستة أشهر من نهاية الحصار الول‪ ,‬ووصل‬
‫العراق في رمضان ‪64‬هـ‪ ,‬واستطاع عن طريق إدعائه‬
‫نصرة آل البيت ورفع شعار الخذ بثأر الحسين أن يجمع‬
‫حوله النصار والمؤيدين والناقمين على حكم بني أمية‪,‬‬
‫واستطاع أن يستولي على الكوفة)‪ ,(2‬وكان المختار على‬
‫علم بما جرى بين ابن الزبير وابن الحنفية في أمر البيعة‪,‬‬
‫وأراد أن يستغل هذا الموقف لصالحه وادعى أنه موفد من‬
‫محمد ابن الحنفية للخذ بثأر آل البيت‪ ,‬والواقع أن ابن‬
‫الحنفية تبرأ من المختار وأنكر أن يكون قد أرسله إلى‬
‫العراق)‪ ,(3‬ودعت الشيعة بالكوفة إلى ابن الحنفية‪ ,‬فخاف‬
‫ابن الزبير أن تفتح بذلك جبهة جديدة عليه مما يزيد المر‬
‫شا في عام ‪66‬هـ‬ ‫دا)‪ ,(4‬وأرسل المختار جي ً‬
‫خطورة وتعقي ً‬
‫إلى مكة في موسم الحج‪ ,‬واستطاع أن يخلص ابن الحنفية‬
‫من سجنه‪ ,‬ومنع ابن الحنفية الجيش من قتال ابن الزبير‬
‫لكونه ل يستحل القتال في الحرم)‪ ,(5‬والواقع أن ابن‬
‫الحنفية أصبح يشكل خطًرا على ابن الزبير بعد وصول‬
‫نجدة العراق‪ ,‬وتروي المصادر أنه كان لبن الحنفية لواء‬
‫في الحج ينافس فيه لواء ابن الزبير)‪ ,(6‬أما بالنسبة لبن‬
‫الزبير فقد أحس أن مصدر قوة ابن الحنفية يكمن في‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.129‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ خليفة ص ‪.263‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الطبقات )‪.(5/98‬‬
‫‪4‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.130‬‬
‫‪5‬‬
‫)( أنساب الشراف‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير ص ‪.131‬‬
‫‪6‬‬
‫)( الطبقات )‪ ,(5/3‬تاريخ خليفة ص ‪.263‬‬

‫‪64‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫مساندة المختار بن أبي عبيد له‪ ,‬ولذلك فكر في القضاء‬


‫عليه‪ ,‬فأرسل أخاه مصعًبا والًيا على البصرة‪ ,‬وأمره أن‬
‫يقاتل المختار وفعل ً استطاع مصعب بن الزبير أن يقضي‬
‫على المختار في الرابع عشر من رمضان سنة ‪67‬هـ)‪,(1‬‬
‫وأدى مقتل المختار إلى تضعضع موقف ابن الحنفية بمكة‪,‬‬
‫ويروي ابن سعد أن ابن الزبير أرسل إلى ابن الحنفية أخاه‬
‫عروة يطلب منه أن يبايع‪ ,‬وهدده بالحرب إن هو أصر على‬
‫رفض البيعة)‪ ,(2‬ولحت لبن الحنفية في هذه الثناء فرصة‬
‫جا من ضغوط ابن الزبير‪ ,‬تمثلت في دعوة‬ ‫رأى فيها مخر ً‬
‫عبد الملك بن مروان له بأن يقدم إلى الشام‪ ,‬فاغتنم ابن‬
‫الحنفية هذه الفرصة وتوجه إلى الشام هو وأتباعه‪,‬‬
‫واختاروا المقام بأيلة)‪ ,(3‬وهذه البلدة وإن كانت من بلد‬
‫الشام منطقة نفوذ عبد الملك بن مروان إل أنها في‬
‫أطرافها نحو الحجاز وأصبح تقريًبا في منطقة بعيدة عن‬
‫الثنين مًعا‪ ,‬ولكن اتضح أن نوايا عبد الملك لم تكن تختلف‬
‫عن نوايا ابن الزبير‪ ,‬فعرض عليه البيعة مقابل أموال‬
‫وأعطيات سخية أو الخروج من بلد الشام‪ ,‬وآثر ابن‬
‫الحنفية الخروج على البيعة؛ حيث اشترط ذلك على ابن‬
‫الزبير من قبل‪ .‬وأراد ابن الحنفية العودة إلى مكة‪ ,‬ولكن‬
‫ابن الزبير منعه من دخولها فتوجه بمن معه إلى الطائف‪,‬‬
‫وقيل المدينة‪ ,‬وبقى بها إلى أن قتل ابن الزبير)‪.(4‬‬
‫‪ -2‬بيعة ابن الزبير في العراق‬
‫أدت وفاة يزيد بن معاوية إلى اضطراب الوضع في‬
‫العراق ونشوب النزاع بين قبائله المختلفة حول السلطة‪,‬‬
‫وهرب عبيد الله بن زياد إلى الشام‪ ,‬وخرج الخوارج قبل‬
‫هروبه من السجن وبدأوا بإشاعة الفوضى والفساد‪ ,‬وبعد‬
‫فتن وقتال اتفقت القبائل بالبصرة على أن يتولى عبد الله‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ خليفة ص ‪ ,264‬عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.131‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الطبقات )‪.(5/106‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أيلة‪ :‬مدينة على ساحل بحر القلزم مما يلي الشام‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( الطبقات )‪.(108 ،5/107‬‬

‫‪65‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب المر)‪ ,(1‬ثم شرع ابن‬


‫الزبير في تعيين نوابه بعد بيعة أهل البصرة له إلى أن‬
‫استقر على وليتها أخوه مصعب‪ ,‬وعين أهل الكوفة عامر‬
‫بن مسعود بن خلف القرشي)‪ ,(2‬وكتبوا بذلك إلى ابن الزبير‬
‫فأقره‪ ,‬وهذا التصرف يعد في حقيقته إقراًرا من أهل‬
‫الكوفة بخلفة ابن الزبير)‪ ,(3‬وتعامل أهل البصرة وأهل‬
‫الكوفة مع ابن الزبير‪ ,‬كخليفة للمسلمين)‪ ,(4‬وقد ساعدت‬
‫عوامل عديدة على نشر بيعة ابن الزبير بالعراق‪ ,‬من‬
‫أهمها‪ :‬الفراغ السياسي في السلطة بعد وفاة يزيد بن‬
‫معاوية‪ ,‬وهروب عبيد الله بن زياد إلى الشام‪ ,‬كما أن‬
‫التنافس القبلي على السلطة‪ ,‬واشتداد شوكة الخوارج‬
‫وتهديدهم للمن‪ ,‬أسهم في حث أهل العراق على توحيد‬
‫كلمتهم والنضواء تحت لواء ابن الزبير)‪.(5‬‬
‫‪ -3‬بيعة ابن الزبير في الشام‬
‫بعد وفاة معاوية بن يزيد وفي مناخ الشام المشوب‬
‫بالفوضى والضطراب وجدت بيعة ابن الزبير منف ً‬
‫ذا لها في‬
‫بلد الشام‪ ,‬لسيما أن أخبار صمود ابن الزبير أمام جيش‬
‫الحصين بن نمير في الحصار الول‪ ,‬وبيعة أهل الحجاز له‪,‬‬
‫قد تنامت إلى بلد الشام‪ ,‬ويصور لنا البلذري مواقف أهل‬
‫الشام من بيعة ابن الزبير في تلك الظروف فيقول‪ :‬فلما‬
‫مات معاوية بن يزيد مال أكثر الناس إلى ابن الزبير‪,‬‬
‫وقالوا‪ :‬هو رجل كامل السن‪ ,‬وقد نصر أمير المؤمنين‬
‫عثمان بن عفان‪ ,‬وهو ابن حواري رسول الله ×‪ ,‬وأمه بنت‬
‫أبي بكر بن أبي قحافة‪ ,‬وله فضل في نفسه ليس لغيره‪,‬‬
‫وتكاد تجمع المصادر على بيعة جميع أقاليم أهل الشام ما‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ خليفة ص ‪ ,258‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.135‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪ ,(1/400‬عبد الله بن الزبير ص ‪.134‬‬
‫‪3‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير ص ‪.134‬‬
‫‪4‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير ص ‪.136‬‬
‫‪5‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.136‬‬

‫‪66‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫عدا الردن‪ ,‬فقد بايع زفر بن الحارث الكلبي)‪ (1‬بقنسرين‪,‬‬


‫وبايع النعمان بن بشير النصاري)‪ ,(2‬بحمص‪ ,‬واستطاع نائل‬
‫بن قيس الجذامي)‪ (3‬أن يسيطر على فلسطين ويدعو فيها‬
‫لبن الزبير‪ ,‬ودعا الضحاك بن قيس الفهري لبن الزبير في‬
‫دمشق)‪ ,(4‬وعين ابن الزبير الضحاك بن قيس والًيا على‬
‫الشام)‪ ,(5‬هذه أهم القاليم التي بايعت ابن الزبير‪.‬‬
‫موقف الخوارج من بيعة ابن الزبير‬
‫تحالف الخوارج مع ابن الزبير في الدفاع عن مكة حتى‬
‫وفاة يزيد‪ ,‬فلما زال الخطر‪ ,‬دخل عليه قادتهم فأرادوا‬
‫معرفة رأيه في عثمان بن عفان ‪ ,‬فأجابهم فيه بما‬
‫فا به من اليمان‬ ‫يسوءهم‪ ,‬وذكر لهم ما كان متص ً‬
‫والتصديق‪ ,‬والعدل والحسان والسيرة الحسنة والرجوع‬
‫إلى الحق إذا تبين له‪ ,‬فعند ذلك نفروا منه وفارقوه‬
‫وقصدوا بلد العراق وخراسان‪ ,‬فتفرقوا فيها بأبدانهم‬
‫وأديانهم ومذاهبهم ومسالكهم المختلفة المنتشرة التي ل‬
‫تنضبط ول تنحصر؛ لنها مفرعة على الجهل وقوة النفوس‬
‫والعتقاد الفاسد‪ ,‬ومع هذا استحوذوا على كثير من‬
‫البلدان)‪ ,(6‬وتصدي لقتالهم الفارس الهمام‪ ,‬البطل الكبير‪,‬‬
‫المهلب بن أبي صفرة‪ ,‬فقد كتب ابن الزبير له بأن يتولى‬
‫حربهم فاستجاب لذلك‪ ,‬وكان على رأس الخوارج الزارقة‬
‫نافع بن الزرق‪ ,‬واستطاع المهلب أن يهزمهم وقتل أميرهم‬
‫نافع بن الزرق‪ ,‬وانهزمت الخوارج نحو فارس)‪ ,(7‬وتسربت‬
‫شائعات إلى أهل البصرة بأن المهلب قتل‪ ,‬فاضطرب‬
‫م أميرهم الحارث بن أبي ربيعة أن يهرب‪ ,‬وأقبل‬ ‫المصر وه ّ‬
‫البشير إلى أهل البصرة بسلمة المهلب‪ ,‬فاستبشروا بذلك‬
‫‪1‬‬
‫العلم‪ ,‬للزركلي )‪.(3/45‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(8/36‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(7/343‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الطبقات )‪ ,(5/38‬العلم )‪.(2/244‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ,(5/132‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.141‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(11/667،668‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫الخبار الطوال ص ‪.249،250‬‬ ‫)(‬

‫‪67‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫واطمأنوا‪ ,‬وأقام أميرها بعد أن هم بالهرب‪ ,‬وبلغ عبد الله‬


‫بن الزبير ما كان من عزم عامله بالبصرة على الهرب‪,‬‬
‫فعزله وولى أخاه مصعًبا‪ ,‬فسار مصعب حتى قدمها وتولى‬
‫أمر جميع العراقين وفارس والهواز‪ ,‬ومما قيل من الشعار‬
‫في قتال المهلب للخوارج الزارقة‪:‬‬
‫ل أن تحمدوه كثيًرا‬ ‫له ٌ‬ ‫إن رًبا أنجى المهّلب ذا‬
‫الطول‬
‫)‪(1‬‬
‫ما عاش بالعراق أميًرا‬ ‫ل يزال المهلب بن أبي‬
‫صفرة‬
‫وقال رجل من الخوارج في قتل نافع بن الزرق‪:‬‬
‫ومتى يمر بذكر نار يصعق‬ ‫إن مات غير مداهن في‬
‫دينه‬
‫من ل يصبحه نهاًرا يطرق‬ ‫والموت أمر ل محالة‬
‫واقع‬
‫)‪(2‬‬
‫المشرق‬ ‫فلئن منينا بالمهلب إنه‬

‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( المصدر نفسه ص ‪.251‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه ص ‪.251‬‬

‫‪68‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫المبحث الثاني‬
‫خروج مروان بن الحكم على ابن الزبير‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬اسمه ونسبه وحياته قبل خروجه على ابن الزبير‪:‬‬
‫هو مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد‬
‫شمس بن عبد مناف‪ ,‬الملك أبو عبد الملك القرشي‬
‫الموي)‪ ,(1‬يكنى أبا القاسم وأبا الحكم‪ ,‬ولد بمكة‪ ,‬وهو‬
‫أصغر من ابن الزبير بأربعة أشهر‪ ,‬وروى عن عمر وعثمان‬
‫وعلي وزيد وروى عنه سهل بن سعد‪ ,‬وسعيد بن المسيب‪,‬‬
‫وعلي بن الحسين‪ ,‬وعروة‪ ,‬وأبو بكر بن عبد الرحمن‪ ,‬وعبيد‬
‫الله بن عمر‪ ,‬ومجاهد بن جبر‪ ,‬وابنه عبد الملك‪ ,‬وكان كاتب‬
‫ابن عمه عثمان ودافع عنه يوم الدار‪ ,‬وسأل عنه علي بن‬
‫أبي طالب يوم الجمل وقال‪ :‬يعطفني عليه رحم ماسة‪,‬‬
‫وهو مع ذلك سيد من شباب قريش)‪ ,(2‬وكان يتتبع قضاء‬
‫عمر)‪ ,(3‬وتولى ولية المدينة في عهد معاوية‪ ,‬وكان الحسن‬
‫والحسين يصليان خلف مروان ول يعيدان)‪ ,(4‬وكان إذا‬
‫وقعت معضلة ‪-‬أثناء وليته على المدينة‪ -‬جمع من عنده من‬
‫الصحابة فاستشارهم فيها‪ ,‬وهو الذي جمع الصيعان فأخذ‬
‫بأعدلها‪ ,‬فنسب إليه فقيل صاع مروان)‪ ,(5‬وكان ذا شهامة‬
‫وشجاعة ومكر ودهاء)‪ ,(6‬وقد ذكرت شيًئا من سيرته في‬
‫كتابي عن عثمان بن عفان ‪ ,‬وكان شديد الحب لبني‬
‫سا لبيعة يزيد بن معاوية‪ ,‬ولما توفى يزيد‬
‫أمية‪ ,‬وكان متحم ً‬
‫خرج مروان وبنو أمية من المدينة إلى الشام بصحبة‬
‫الجيش الموي الراجع من حصار مكة الول‪ ,‬وكان خروج‬
‫بني أمية برغبتهم)‪ ,(7‬ولم يبايع مروان ابن الزبير‪ ,‬والتف‬
‫زعماء القبائل وبنو أمية الموجودون بالشام حوله وبايعوه‪,‬‬

‫‪1‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(3/476‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(3/477‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(3/477‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(3/478‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫البداية والنهاية نقل ً عن العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.140‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫سير أعلم النبلء )‪.(3/477‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.146‬‬ ‫)(‬

‫‪69‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫وكان يحمل بين جنبيه طموحاته للزعامة‪ ,‬وكانت هذه‬


‫الطموحات مع رغبته في بقاء الخلفة في البيت الموي‬
‫هي الدافع لخروجه على ابن الزبير‪ ,‬وخير دليل على ذلك‬
‫إقدامه على مبايعة ابنيه من بعده ‪-‬عبد الملك‪ ,‬وعبد‬
‫العزيز‪ -‬بولية العهد)‪ ,(1‬وهناك روايات تذكر أن مروان بن‬
‫الحكم كان قد عزم على مبايعة ابن الزبير لول أن تدخل‬
‫عبيد الله بن زياد وغيره في آخر لحظة وأثنوه عن عزمه‬
‫وأقنعوه أن يدعو لنفسه)‪ ,(2‬وإن كنا ل نستبعد أن يكون‬
‫مروان قد فكر في ذلك المر لسيما بعد انتشار بيعة ابن‬
‫الزبير في معظم القاليم مع تفرق كلمة بني أمية في بلد‬
‫ضا لما ذهبنا‬
‫الشام‪ ,‬وضعف موقفهم فإننا ل نعتبر ذلك مناق ً‬
‫إليه‪ ,‬لن العبرة ليست فيما عزم عليه مروان بن الحكم‪,‬‬
‫وإنما في الموقف الذي اتخذه‪ ,‬وهو رفض بيعته لبن الزبير‬
‫ومحاربته)‪ (3‬والخروج عليه‪ ,‬ولقد سار مروان في محاربته‬
‫لبن الزبير على الخطوات التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬القضاء على أنصار ابن الزبير بالشام‪ ,‬وأهم الحداث‬
‫بالشام كان مؤتمر الجابية ومعركة مرج راهط‪.‬‬
‫‪ -2‬إعادة مصر إلى المويين‪.‬‬
‫‪ -3‬محاولة إعادة العراق والحجاز‪.‬‬
‫‪ -4‬تولية العهد لعبد الملك وعبد العزيز‪.‬‬
‫ثانًيا‪ :‬القضاء على أنصار ابن الزبير بالشام وأهمية مؤتمر‬
‫الجابية ومعركة مرج راهط‪:‬‬
‫بدأ مروان بن الحكم ‪-‬بعد أن تزعم المعارضة الموية‪-‬‬
‫بتوحيد صفوفه والدخول في صراع ضد ابن الزبير‪ ,‬ولم يبدأ‬
‫مروان بمواجهة ابن الزبير في الحجاز‪ ,‬وإنما لجأ إلى انتزاع‬
‫القاليم البعيدة وذلك ليحسر نفوذه أول ً ومن ثم يتيسر له‬
‫القضاء عليه)‪ ,(4‬وجاء مروان بن الحكم إلى الحكم بعد عقد‬

‫‪1‬‬
‫)( الطبقات )‪ ,(5/226‬عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.151‬‬
‫‪2‬‬
‫)(الطبقات )‪ ,(5/40‬عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.152‬‬
‫‪3‬‬
‫)(عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.152‬‬
‫‪4‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.152‬‬

‫‪70‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫مؤتمر الجابية لهل الشام‪ ,‬ولهمية مؤتمر الجابية إليك‬


‫تفصيل ما جرى فيه‪:‬‬
‫‪ -1‬مؤتمر الجابية‪:‬‬
‫ظلت الردن ‪-‬موطن الكلبيين‪ -‬على ولئها للسرة‬
‫صا على الحتفاظ‬ ‫الموية‪ ,‬وكان بعض زعماء الشام حري ً‬
‫بالخلفة في الشام دون غيرها‪ ,‬ومثال ذلك الحصين بن‬
‫نمير الذي عرض على ابن الزبير مبايعته بشرط النتقال‬
‫للشام‪ ,‬ويبدو أن تمسك بعض زعماء أهل الشام باستمرار‬
‫دمشق مركًزا للخلفة لم يكن أمًرا عاطفًيا غير مبرر‪ ,‬بل‬
‫كان يستند إلى قناعة أكيدة‪ ,‬أثبتت اليام صدقها‪ ,‬بمقدرة‬
‫أهل الشام على تحقيق الحسم التاريخي‪ ,‬وبعمق اللتحام‬
‫بين بنائها القبلي اليماني‪ ,‬والوجود الموي بها‪ ,‬رغم ما‬
‫تعرضت له الوحدة القبلية لبناء الشام من هزات عنيفة‪,‬‬
‫وتشقق مريع‪ ,‬حيث أفرزت الحداث السياسية السريعة‬
‫فا بين القبائل القيسية واليمانية‪ ,‬ظل‬
‫عا عني ً‬
‫‪-‬آنذاك‪ -‬صرا ً‬
‫يرسل انعكاساته على الحياة السياسية بعد ذلك‪ ,‬فقد بايع‬
‫القيسيون في شمال الشام ابن الزبير المرشح الوحيد‬
‫الظاهر القوة والقبول في هذه المرحلة‪ ,‬وازدادت قوة‬
‫القيسيين بانضمام الضحاك بين قيس الفهري إليهم‪ ,‬وهو‬
‫الرجل الذي أمضى تاريخه كله في الشام وفي خدمة‬
‫معاوية وابنه يزيد‪ ,‬والذي كان ُيشرف ‪-‬آنذاك‪ -‬على شئون‬
‫دمشق منذ وفاة معاوية الثاني‪ ,‬بينما تشبث الكلبيون ‪-‬رغم‬
‫الضعف الظاهري لمواقفهم في ظل هذه البيعة الجماعية‬
‫لبن الزبير حتى من إخوانهم الشماليين والمصاهرة بينهم‬
‫وبين المويين منذ تزوج معاوية منهم)‪ (1‬وتربى فيهم‬
‫يزيد)‪..(2‬‬
‫ولكن الكلبيين فيما عدا ذلك يختلفون‪ ,‬فبينما يهوى‬
‫بعضهم البيعة لخالد بن يزيد بن معاوية‪ ,‬وهو غلم صغير‬
‫السن‪ ,‬يستنكف بعضهم من البيعة لغلم‪ ,‬في الوقت الذي‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(6/246‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫يدعو فيه الخرون إلى شيخ قريش عبد الله بن الزبير‪,‬‬


‫ويفضل هذا الفريق البيعة لمروان بن الحكم‪ ,‬وبعد‬
‫محاولت لرأب الصدع بين القيسية واليمنية اتفق الطرفان‬
‫على اللتقاء في الجابية)‪ ,(1‬للتشاور والتفاق‪ ,‬فسار‬
‫الكلبيون والمويون إلى هناك‪ ,‬على حين غلب بعض أنصار‬
‫ابن الزبير الضحاك ابن قيس على رأيه فأطاعهم ومال نحو‬
‫مرج راهط)‪.(2‬‬
‫أ‪ -‬الممارسة الشورية في مؤتمر الجابية‪:‬‬
‫في الجابية عقد الكلبيون مؤتمرهم وتشاوروا في أمر‬
‫البيعة والخلفة‪ ,‬وكان مؤتمر الجابية مؤتم ًرا تاريخًيا‬
‫يمكن أن يوصف بلغة السياسة بأنه كان مؤتمًرا‬
‫دستور ً يا‪ ,‬وقد حضره أصحاب الشوكة والقوة والرأي من‬
‫أهل الشام‪ ,‬وتمت الدعوة إليه بالرضا من عناصر أهل‬
‫الشام المؤثرة في القرار المصيري‪ ,‬ونستطيع أن نلحظ‬
‫صورة لهذه التجربة الشورية النادرة حين نتصور أن‬
‫أسماء المرشحين الخرين للخلفة ‪-‬غير بني أمية‪ -‬قد‬
‫عرضت للبحث‪ ,‬ولكن رجحت كفة مروان لعوامل‪ ,‬كما‬
‫يصور ذلك روح بن زنباع الجذامي أحد زعماء الشام‪,‬‬
‫حيث قال‪ :‬أيها الناس إنكم تذكرون عبد الله بن عمر بن‬
‫الخطاب وصحبته من رسول الله‪ ,‬وقدمه في السلم‪,‬‬
‫وهو كما تذكرون‪ ,‬ولكن ابن عمر رجل ضعيف‪ ,‬وليس‬
‫بصاحب أمر أمة محمد الضعيف‪ ,‬وأمام ما يذكر الناس‬
‫من عبد الله بن الزبير‪ ,‬ويدعون إليه من أمره فهو‬
‫‪-‬والله‪ -‬كما يذكرون‪ ,‬إنه لبن الزبير‪ ,‬حواري رسول الله‬
‫وابن أسماء ابنة أبي بكر الصديق‪ ,‬ذات النطاقين‪ ,‬وهو‬
‫‪-‬بعد‪ -‬كما تذكرون قدمه وفضله‪ ,‬ولكن ابن الزبير منافق‬
‫قد خلع خليفتين‪ ,‬يزيد وابنه معاوية بن يزيد‪ ,‬وسفك‬
‫الدماء وشق عصا المسلمين‪ ,‬وليس بصاحب أمر أمة‬
‫محمد منافق‪ ,‬وأما مروان بن الحكم فوالله ما كان في‬
‫السلم من صدع قط إل كان مروان بن الحكم ممن‬
‫‪1‬‬
‫)( الجابية‪ :‬بلدة من أعمال دمشق من ناحيةالجولن‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن الدولة الموية المفترى عليها ص ‪.266‬‬

‫‪72‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫يشعب ذلك الصدع‪ ,‬وهو الذي قاتل عن أمير المؤمنين‬


‫عثمان بن عفان يوم الدار‪ ,‬وهو الذي قاتل علي بن أبي‬
‫طالب يوم الجمل‪ ,‬وإنا نرى للناس أن يبايعوا الكبير‪,‬‬
‫ويستشبوا الصغير ‪-‬يعني بالكبير مروان بن الحكم‬
‫وبالصغير خالد بن يزيد بن معاوية‪ -‬فاجتمع رأي الناس‬
‫على البيعة لمروان ومن بعده لخالد بن يزيد‪ ,‬ثم لعمرو‬
‫بن سعيد بن العاص بعد خالد)‪ , (1‬فكانت تلك المعادلة هي‬
‫التي جمعت بين مختلف الراء وأرضت جميع‬
‫التجاهات)‪ , (2‬وقد دارت نقاشات كثيرة‪ ,‬وكان العديد من‬
‫زعماء القبائل وقادة بني أمية قد حضروا‪ ,‬ومن هؤلء‬
‫الزعماء‪ ,‬حسان بن مالك بن بحدل الكلبي والحصين بن‬
‫نمير السكوني‪ ,‬وروح بن زنباع الجذامي)‪ , (3‬ومالك بن‬
‫هبيرة السكوني‪ ,‬وعبد الله بن مسعدة الفزاري‪ ,‬وعبد‬
‫الله بن عضاة الشعري‪ ,‬وغيرهم من الشخصيات‬
‫المؤثرة)‪ (4‬والمعارضة لبن الزبير‪ ,‬وقد قلبت آراء عديدة‬
‫وكثيرة حتى استقر الرأي على مروان)‪ , (5‬ولم يمتنع‬
‫مروان عن تقديم امتيازات لقبائل كلب وكندة لكي‬
‫يستميلهم‪ ,‬وكانت له اتفاقات سرية وخاصة مع بعض‬
‫الزعماء مما كان له الثر الكبير في كسب المؤيدين له‪,‬‬
‫فمروان خطط واستطاع بشتى الطرق الوصول إلى‬
‫الحكم في بلد الشام رغم الظروف الصعبة آنذاك)‪.(6‬‬
‫ب‪ -‬أهم قرارات مؤتمر الجابية‪:‬‬
‫كانت أهم قرارات مؤتمر الجابية‪ ،‬عدم مبايعة ابن‬
‫الزبير‪ ,‬واستبعاد خالد بن يزيد من الخلفة لنه غلم والعرب‬
‫ل تحب مبايعة الطفال من ناحية‪ ,‬ومن الناحية الخرى هم‬
‫الن في أزمة‪ ,‬وهم أحوج إلى الرجل المجرب الخبير عّله‬
‫‪1‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(6/472‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الدولة الموية المفترى عليها ص ‪.296‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(6/472‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫عبد الله بن الزبير للخراشي ص ‪.147‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(6/471،472‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫الدور السياسي لهل اليمن في الشام‪ ,‬إسماعيل الجبوري ص ‪.47،46‬‬ ‫)(‬

‫‪73‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫يقودهم إلى النصر وينقذهم من وضعهم المتدهور‪ ,‬ومبايعة‬


‫مروان بن الحكم وهو الشيخ المحنك‪ ,‬وأن يتولى الخلفة‬
‫بعد مروان على هذا الشرط شفوًيا‪ ,‬والستعداد لمجابهة‬
‫وقتال المخالفين أتباع ابن الزبير في الشام بادئ المر ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ج‪ -‬زعامة مروان لمعارضي أهل الشام قامت على‬


‫الشورى‪:‬‬
‫قامت زعامة مروان لمعارضي ابن الزبير على أساس‬
‫الشورى‪ ,‬إذ انتخب بالختيار الحر من الذين شهدوا المؤتمر‬
‫وهم أهل الحل والعقد والشوكة والقوة في الشام‪ ,‬وبويع‬
‫بإجماع الحاضرين‪ ,‬فكانت طريقة توليته‪ ,‬شورية دستورية‬
‫اتخذتها المعارضة لتقوية صفها‪ ,‬وبذلك صار في العالم‬
‫السلمي ‪-‬إذ ذاك‪ -‬خليفتان‪ :‬عبد الله بن الزبير الخليفة‬
‫الشرعي والمنتخب من قبل الغلبية الساحقة للمة‪,‬‬
‫ومروان بن الحكم الزعيم المعارض لبن الزبير والمنتخب‬
‫من أهل الشوكة والقوة في عاصمة الخلفة‪ ,‬ولما كان لبد‬
‫من توحيد الدولة السلمية فقد كان على أحدهما أن يتغلب‬
‫على الخر ويتم التوحيد ويجمع كلمة المة‪ ,‬فكانت الحروب‬
‫والمعارك الطاحنة فيما بعد حتى استقر المر لعبد الملك‬
‫بن مروان بعد مقتل الخليفة الشرعي عبد الله بن الزبير‬
‫‪ ,‬ويبدو أن أهل الشام الذين عارضوا ابن الزبير واجتمعوا‬
‫بالجابية قد ذهبوا إلى أن بيعة أهل الشوكة والقوة من‬
‫عاصمة الخلفة ملزمة لبقية القطار والمصار كلها‪ ,‬وعلى‬
‫الخرين أن يسلموا لمن بايعوه لئل ينتشر المر باختلف‬
‫الراء وتباين الهواء)‪ ,(2‬وقد نسب ابن حزم هذا الرأي لهل‬
‫ل‪ :‬كانوا قد ادعوا ذلك لنفسهم حتى حملهم ذلك‬ ‫الشام قائ ً‬
‫على بيعة مروان وابنه عبد الملك واستحلوا بذلك دماء‬
‫أهل السلم)‪.(3‬‬
‫والصحيح بالنسبة لعهد ابن الزبير هو الخذ بمبدأ‬

‫‪1‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للناطور ص ‪.132‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الحكام السلطانية للماوردي ص ‪.6‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الفصل في الملل والنحل)‪.(4/168‬‬

‫‪74‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫الكثرية أو الغلبية‪ ,‬وإن كانت حجية إقرار بيعة أهل عاصمة‬


‫الخلفة أخذ بها في بيعة الصديق والفاروق وذي النورين‬
‫والحسن بن علي‪ ,‬إل أن المور قد تغيرت كثيًرا‪ ,‬فالخذ‬
‫بمبدأ الكثرية للترجيح في تنازع قد قرره المام الغزالي‬
‫حيث قال‪ :‬يتم الترجيح بينهم بتقديم من انعقدت له البيعة‬
‫من الكثر‪ ,‬والمخالف للكثر باٍغ يجب رده إلى النقياد إلى‬
‫الحق)‪ .(1‬وذلك هو الرأي الذي نؤيده‪ ,‬لن حسم النزاع‬
‫بترجيح أكثرهم حوًزا لرضا المسلمين هو ما يقضي به مبدأ‬
‫حق المة السلمية في اختيار الخليفة)‪ ,(2‬فضل ً عن الدلة‬
‫الشرعية المؤكدة لترجيح رأي الكثرية أو الغلبية‪ ,‬نذكر‬
‫منها‪ :‬أن الرسول × قد أخذ بما انعقد عليه رأي أغلبية‬
‫فا لرأيه‪ ,‬وذلك حيث علم بتحريك‬ ‫المسلمين وإن بدا مخال ً‬
‫قوات المشركين في اتجاه المدينة لحربهم‪ ,‬فاستشار‬
‫المسلمين‪ ,‬فرأى فريق منهم ‪-‬وكان أكثرهم‪ -‬الخروج إليهم‪,‬‬
‫وفريق آخر رأى ما رآه الرسول نفسه وهو أن يظلوا‬
‫بالمدينة‪ ,‬فلما رأى الرسول أن رأي الغلبية مع الخروج‬
‫أخذ برأيهم ووافق على الخروج للمشركين في أحد)‪,(3‬‬
‫وغير ذلك من الدلة‪ ..‬وقد أخذ مشروع الدستور السلمي‬
‫الذي أعده مجمع البحوث السلمية والزهر بفكرة اللزام‬
‫برأي الغلبية‪ ,‬حيث نصت المادة )‪ (46‬منه على أن تكون‬
‫البيعة بالغلبية المطلوبة لصوات المشتركين في البيعة ‪.‬‬
‫)‪(4‬‬

‫‪ -2‬معركة مرج راهط‪:‬‬


‫تمخض مؤتمر الجابية عن انتقال الخلفة الموية من‬
‫البيت السفياني إلى البيت المرواني‪ ,‬وانعقدت البيعة‬
‫لمروان‪ ,‬وحل مؤتمر الجابية مشكلة الخلفة بين بني أمية‪,‬‬
‫وكانت هذه خطوة حاسمة‪ ,‬ولكن لم يكن تثبيت هذا المر‬
‫ل؛ فما زالت تعترضه صعوبات كبيرة‪ ,‬فالضحاك بن‬ ‫سه ً‬
‫‪1‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫نظام الحكم في السلم‪ ,‬د‪.‬أحمد عبد الله ص ‪.131‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المرجع السابق ص ‪.131‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫نحو دستور إسلمي‪ ,‬محمد سيد أحمد‪ ,‬ص ‪ ,173‬نظام الحكم في السلم‪,‬‬ ‫)(‬
‫أحمد عبد الله ص ‪.132‬‬ ‫د‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫قيس‪ ,‬زعيم القيسيين المناصر لبن الزبير قد ذهب إلى‬


‫مرج راهط وانضم إليه النعمان بن بشير النصاري والي‬
‫حمص‪ ,‬وزفر بن الحارث الكلبي‪ ,‬أمير قنسرين‪ ,‬وكان‬
‫حا أنهم يستعدون لمواجهة المويين‪ ,‬فكان على مروان‬ ‫واض ً‬
‫أن يثبت أنه أهل للمسئولية وحمل أعباء الخلفة‪ ,‬والدفاع‬
‫عنها‪ ,‬وقد حقق أنصار مروان أول نجاح لهم بالستيلء على‬
‫دمشق وطرد عامل الضحاك منها‪ ,‬وكان أول فتح على بني‬
‫أمية ‪-‬على حد تعبير ابن الثير‪ (1)-‬ولم يضيع مروان وقًتا‪,‬‬
‫فقد عبأ أنصاره من قبائل اليمن في الشام كلب وغسان‬
‫والسكاسك والسكون‪ ,‬وجعل على ميمنته عمرو بن سعيد‪,‬‬
‫وعلى ميسرته عبيد الله بن زياد‪ ,‬واتجه إلى مرج راهط‪,‬‬
‫فدارت المعركة الشهيرة التي حسمت الموقف في الشام‬
‫لبني أمية ومروان‪ ,‬حيث هزم القيسيون‪ ,‬أنصار ابن الزبير‪,‬‬
‫وقتل الضحاك بن قيس‪ ,‬وعدد كبير من أشراف قيس في‬
‫ما‪ ,‬وكانت في‬ ‫الشام‪ ,‬واستمرت المعركة حوالي عشرين يو ً‬
‫نهاية سنة ‪64‬هـ‪ ,‬وقيل‪ :‬في المحرم سنة ‪65‬هـ ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫أ‪ -‬نتائج مرج راهط‪:‬‬


‫‪ -‬أعادت هذه المعركة الملك لبني أمية بعد أن كان‬
‫مهدًدا بالزوال‪ ,‬وحولت السلطة من الفرع السفياني‬
‫إلى الفرع المرواني‪.‬‬
‫‪ -‬تخلص المويون من الضحاك بن قيس الذي كان يعد‬
‫صا لبن الزبير‪.‬‬
‫ضا قوًيا للمويين‪ ,‬وتابًعا مخل ً‬
‫معار ً‬
‫‪ -‬سقطت قنسرين في يد المويين وهرب واليها زفر بن‬
‫الحارث فتوجه إلى قرقيسيا‪ ,‬وكان عليها عياض‬
‫الحرثي ‪-‬حسب قول ابن الثير‪.-‬‬
‫‪ -‬سقطت فلسطين وهرب ناتل بن قيس الجذامي إلى‬
‫ابن الزبير‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( الكامل لبن الثير )‪.(2/618‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪ ,(6/473‬العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.143‬‬

‫‪76‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫‪ -‬سقطت حمص وقتل واليها النعمان بن بشير)‪.(1‬‬


‫‪ -‬اندلع الصراع بين اليمنية والقيسية ودخلت العصبية‬
‫القبلية مسرح السياسة العليا للدولة‪ ,‬وإذا كان يوم‬
‫مرج راهط قد انتصر فيه الكلبيون فقد كان نصًرا‬
‫مؤقًتا‪ ,‬وكان الصراع بين العصبتين القيسية واليمنية‬
‫من أسباب انهيار الدولة الموية)‪.(2‬‬
‫ب‪ -‬أسباب هزيمة القيسيين‪:‬‬
‫لم يرم ابن الزبير بثقله في تلك المعركة‪ ,‬وكان عليه أن‬
‫يجّيش الجيوش ويمد أتباعه بالرجال والموال والسلح‬
‫ليقضي على المعارضين بالشام عندما كانت المعارضة لم‬
‫توحد صفوفها بعد‪.‬‬
‫‪ -‬اعتماد مروان على رجال دهاة خبراء في الحرب من‬
‫أمثال حصين بن نمير وعمرو بن سعيد‪.‬‬
‫‪ -‬عدم اشتراك أتباع ابن الزبير في الشام كلهم‪ ,‬فقد‬
‫شارك ولة الشام التابعون لبن الزبير بأعداد من‬
‫الجنود فقط‪.‬‬
‫‪ -‬ترك الضحاك مدينة دمشق دون قوة تستطيع‬
‫المحافظة عليها رغم أهميتها‪ ,‬وهذا سهل للمويين‬
‫الستيلء عليها وعلى ما فيها من أموال مكنتهم من‬
‫الستفادة من هذا الخطأ)‪.(3‬‬
‫ج‪ -‬بكاء مروان بن الحكم في مرج راهط‪:‬‬
‫وروي أن مروان بن الحكم لما جيء برأس الضحاك إليه‬
‫ساءه ذلك وقال‪ :‬الن حين كبرت سني ودق عظمي‪,‬‬
‫وصرت في مثل ظمء الحمار)‪ ,(4‬أقبلت بالكتائب أضرب‬

‫‪1‬‬
‫الكامل لبن الثير )‪ ,(2/618‬ابن الزبير للناطور ص ‪.137‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫تاريخ خلفة بني أمية‪ ,‬نبيه عاقل ص ‪.130‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫عبد الله بن الزبير للناطور‪ ,‬ص ‪.138‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(6/474‬‬ ‫)(‬

‫‪77‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫بعضها ببعض)‪ .(1‬وروي أنه بكى على نفسه يوم مرج‬


‫راهط)‪ (2‬وقال‪ :‬أبعد ما كبرت وضعفت صرت إلى أن أقتل‬
‫بالسيوف على الملك)‪ (3‬وفي رواية عن مالك قال‪ :‬قال‬
‫مروان‪ :‬قرأت كتاب الله منذ أربعين سنة‪ ,‬ثم أصبحت فيما‬
‫أنا فيه من إهراق الدماء‪ ,‬وهذا الشأن)‪ .(4‬إن ندم مروان في‬
‫مثل هذا الموقف وبعد أن تحقق له النصر‪ ,‬وتأكدت له‬
‫طرق الحكم‪ ,‬وتمهدت له سبل الوصول إلى غايته‪ ,‬لدليل‬
‫قاطع على ما كان يجيش به قلب مروان من عامل الخير‪,‬‬
‫لقد كان هذا النصر جديًرا أن ينسيه كل منغصات الحياة‪,‬‬
‫قا بأن ينفي عنه كل ما يسبب له‬ ‫وكان فوزه بالخلفة حقي ً‬
‫الندم‪ ,‬ويعكر له الصفو‪ ,‬فما بال مروان يندم وهو‬
‫)‪(5‬‬
‫في هذه الظروف التي تزيل الهم عن النفس وتبعد الندم‬
‫لطالبي الملك‬
‫؟!‬
‫والزعامة والسلطان ‍‬
‫وأغلب الظن أنه تورط في طلبه للخلفة‪ ,‬ودفعه إلى‬
‫هذا المستنقع‬
‫السن أناس لهم مصالح دنيوية ل تخفى‪ ,‬فشعر بوخز‬
‫الضمير‪ ,‬وخاف‬
‫على نفسه من سوء الخاتمة بعد أن ولغت يداه في دماء‬
‫المسلمين من أجل‬
‫الحطام الزائل‪.‬‬
‫ثالًثا‪ :‬ضم مصر إلى الدولة الموية ومحاولة إعادة العراق‬
‫والحجاز‬
‫كن انتصار مروان في معركة مرج راهط لدولته في‬ ‫م ّ‬
‫الشام فبسط نفوذه عليها‪ ,‬وكانت خطوته التالية هي‬
‫المسير إلى مصر لستردادها من عامل ابن الزبير‪ ,‬وكانت‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(6/474‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/676‬‬
‫‪3‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/479‬‬
‫‪5‬‬
‫)( المويون‪ ,‬محمد الوكيل )‪.(1/307‬‬

‫‪78‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫هذه خطوة تدل على ذكاء مروان‪ ,‬فلمصر أهميتها الكبيرة‪,‬‬


‫واستيلؤه عليها يدعم موقفه في مواجهة ابن الزبير‪ ,‬ولم‬
‫يكن استيلؤه عليها صعًبا‪ ,‬فمعظم المصريين هواهم مع‬
‫بني أمية‪ ,‬وبيعتهم لبن الزبير لم تكن خالصة وإنما كانت‬
‫)‪(2‬‬
‫بيعة ضرورة)‪ ,(1‬ودعا مروان شيعة بني أمية بمصر سًرا‬
‫وهذا ما يفسر سهولة استيلء مروان على مصر‪ ,‬فقد سار‬
‫إليها بجيشه‪ ,‬ومعه عمرو بن سعيد‪ ,‬وخالد بن يزيد بن‬
‫معاوية‪ ,‬وحسان بن مالك‪ ,‬ومالك بن هبيرة وابنه عبد‬
‫العزيز)‪ ,(3‬ودارت بين مروان وابن جحدم عدة معارك انتصر‬
‫فيها مروان وهرب ابن جحدم‪ ,‬ثم جاء إلى مروان طالًبا‬
‫العفو على أن يخرج إلى مكة‪,‬‬
‫فعفا عنه‪.‬‬
‫وكان نجاح مروان في استرداد مصر في جمادى‬
‫الخرة سنة ‪65‬هـ)‪ ,(4‬وأقام في مصر شهرين لترتيب‬
‫الوضاع والطمئنان عليها‪ ,‬ولما عزم على العودة إلى‬
‫الشام عين ابنه عبد العزيز والًيا عليها‪ ,‬وأوصاه وصية تدل‬
‫على حنكة سياسية‪ ,‬وخبرة واسعة‪ ,‬وكان عبد العزيز قد‬
‫توجس وأخذته وحشة من بقائه في مصر فقال لبيه‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ,‬كيف المقام ببلد ليس به أحد من بني أبي؟‬
‫فقال له‪:‬‬
‫عمهم بإحسانك يكونوا كلهم بني أبيك‪ ,‬واجعل‬ ‫يا بني‪ُ ,‬‬
‫ف لك مودتهم‪ ,‬وأوقع إلى كل رئيس منهم‬ ‫قا تص ُ‬
‫وجهك طل ً‬
‫قد قومه‬ ‫أنه خاصتك دون غيره‪ ,‬يكن لك عيًنا على غيره‪ ,‬وي َن ْ َ‬
‫سا‪ ,‬وجعلت موسى‬ ‫إليك‪ ,‬وقد جعلت معك أخاك بشًرا مؤن ً‬
‫بن نصير وزيًرا ومشيًرا‪ ,‬وما عليك يا بني أن تكون أميًرا‬
‫بأقصى الرض‪ ,‬أليس أحسن من إغلق بابك وخمولك في‬
‫منزلك؟ )‪.(5‬‬
‫‪1‬‬
‫العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.144‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الولة والقضاء للكندي ص ‪.41،42‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪.42‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪ ,41‬العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.144‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫الولة والقضاء ص ‪.47‬‬ ‫)(‬

‫‪79‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫بعد رجوع مروان بن الحكم قافل ً من مصر أقدم على‬


‫تجهيز حملتين ضد ابن الزبير في محاولة منه لعادة العراق‬
‫والحجاز‪ ,‬فكانت الحملة ضد العراق بقيادة عبيد الله بن‬
‫زيادة‪ ,‬وكانت مهمتها الولى هي محاصرة زفر بن الحارث‬
‫الكلبي والتخلص منه ثم التقدم نحو العراق‪ ,‬حيث مصعب‬
‫بن الزبير‪ ,‬ولكن هذه الحملة لم تحقق شيًئا من أهدافها في‬
‫عهد مروان؛ إذ سارع إليه الجل وتوفى وهي في طريقها‬
‫لمحاصرة زفر بن الحارث في قرقيسيا‪ ,‬وعند مجئ عبد‬
‫الملك أقر هذه الحملة ‪-‬التي سوف نعرض للحديث عنها‬
‫شا من‬ ‫فيما بعد‪ -‬أما ما يتعلق بالحجاز فقد جهز مروان جي ً‬
‫فلسطين يقدر بستة آلف وأربعمائة فارس بقيادة حبيش‬
‫بن دلجة القيني‪ ,‬وكان في الجيش الحجاج بن يوسف‬
‫ووالده‪ ,‬اتجه هذا الجيش نحو الحجاز‪ ,‬ولما وصل إلى وادي‬
‫القرى هرب عامل ابن الزبير على المدينة)‪ ,(1‬واستمرت‬
‫الحملة إلى عهد عبد الملك بن مروان)‪.(2‬‬
‫رابًعا‪ :‬تولية العهد لعبد الملك ووفاة مروان بن الحكم‪:‬‬
‫ختم مروان بن الحكم أعماله بعقد البيعة لولديه عبد‬
‫دا لمبدأ‬‫الملك بن مروان وعبد العزيز بن مروان مجس ً‬
‫التوريث‪ ,‬وكان ذلك قبل وفاته بأقل من شهرين ‪ ,‬وبعد‬
‫)‪(3‬‬

‫نجاحه بإعادة مصر إلى الحكم الموي‪ ,‬بدأ مروان‬


‫بالتخطيط لستبعاد خالد بن يزيد وعمرو بن سعيد الشدق‬
‫من ولية العهد الذي قرر في مؤتمر الجابية‪ ,‬فتزوج أم‬
‫خالد بن يزيد‪ ,‬وعمل للحصول على موافقة حسان بن مالك‬
‫بن بحدل الكلبي بتولية العهد لولديه وإبعاد خالد بن يزيد‬
‫وعمرو بن سعيد الشدق‪ ,‬فوافقه حسان على ذلك‪ ,‬وقد‬
‫كان عمرو بن سعيد الشدق هو الذي يطالب بولية العهد‬
‫بعد مروان‪ ,‬وأعلن ذلك بعد رجوعه من قتال مصعب بن‬
‫الزبير عندما حاول إعادة ناتل بن قيس الجذامي إلى‬
‫‪1‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪ ,(5/150،151‬الدور السياسي لهل اليمن ص ‪.57‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الدور السياسي لهل اليمن ص ‪ ,57‬عبد الملك بن مروان‪ ,‬لضياء الدين‬
‫الريس ص ‪.60‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ خليفة نقل ً عن عبد الملك بن مروان‪ ,‬للريس ص ‪.60‬‬

‫‪80‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫فلسطين)‪ ,(1‬مما دعا مروان بن الحكم إلى أن يعهد لبنيه‬


‫عبد الملك وعبد العزيز وذلك سنة ‪65‬هـ مستعيًنا بحسان‬
‫بن مالك بن بحدل بعد أن أخبره بما يردده عمرو بن سعيد‬
‫ابن الشدق بأن الخير هو ولي العهد‪ ,‬فقال حسان‪ :‬أنا‬
‫أكفيك عمًرا‪ .‬لهذا جمع الناس وخطبهم فبايع الجميع لعبد‬
‫الملك ثم لعبد العزيز ولم يتخلف أحد)‪.(2‬‬
‫ويعتبر بعض المؤرخين أن من أهم أعمال مروان بن‬
‫الحكم تولية ولديه ولية العهد‪ ,‬وذلك لحفظ الخلفة في‬
‫البيت المرواني من جهة‪ ,‬ولوضع حد للتنافس على الخلفة‬
‫بين بني أمية من جهة ثانية‪ ,‬ولتفادي المشاكل التي ربما‬
‫تحدث بشأن الخلفة‪ ,‬كما حدثت بعد موت معاوية الثاني ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫والملحظ أن مروان بن الحكم نقض بعض مقررات‬


‫مؤتمر الجابية المتعلقة بولية العهد ولم يلتزم بعهوده‪,‬‬
‫وكان راغًبا في حصر الخلفة في أبنائه‪ ,‬فآثر إسقاط وعوده‬
‫ونقضها على المحافظة على طموحاته ورغباته‪ ,‬وأوجد‬
‫معادلة فيها مطامع ومصالح مشتركة مع المعارضين له‪,‬‬
‫مما جعلهم يستجيبون لدعوته إلى تولية أبنائه ولية العهد‬
‫من بعده‪ ,‬فقد عمل على التحرش بخالد بن يزيد وتعمد‬
‫إهانته أمام الخرين‪ ,‬بغية تحجيمه وإعطاء صورة للناس‬
‫للخلفة‪ ,‬ثم خطا الخطوة التالية فأخذ البيعة‬ ‫بعدم صلحيته‬
‫لولديه عبد الملك وعبد العزيز في بداية سنة ‪65‬هـ ‪ ,‬لقد‬
‫)‪(4‬‬

‫استطاع مروان ‪-‬بدهائه ومكره وجهوده المتوالية‪ -‬الخروج‬


‫بأزمة الحكم الموي من حالة الضياع إلى مركز الصدارة‬
‫والقيادة‪ ,‬وهذا لم يكن حدًثا عاديا ً محدود التأثير‪ ,‬وإنما هو‬
‫عودة جديدة للحكم بعد تثبيته في الشام ومصر من جهة‪,‬‬
‫وتجريد السفيانيين من الخلفة وتحويلها إلى المروانيين من‬

‫‪1‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪.(5/149‬‬
‫‪2‬‬
‫)( النساب للبلذري )‪ ,(5/150‬الدور السياسي لهل اليمن في الشام ص‬
‫‪.58‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الدور السياسي لهل اليمن في الشام ص ‪.58‬‬
‫‪4‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/715‬‬

‫‪81‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫جهة ثانية‪ ,‬ولم يكن ثمة ما يحول دون استمرار التقدم عند‬
‫ابنه عبد الملك لنزع الخلفة من الخليفة الشرعي عبد الله بن‬
‫الزبير‪ ,‬ثم يتفرغ للقيام بالعديد من الصلحات التي جعلته‬
‫المؤسس والمجدد الحقيقي لمؤسسات الدولة الموية‪,‬‬
‫وتعميق الحكم العضوض بها‪ ,‬مع وجود بعض الحسنات التي ل‬
‫تنكر للملك الموي الجديد‪.‬‬
‫توفى مروان بن الحكم بدمشق لثلث خلون من شهر‬
‫رمضان سنة ‪65‬هـ وهو ابن ثلث وستين سنة‪ ,‬وصلى عليه‬
‫ابنه عبد الملك‪ ,‬وكانت مدة حكمه تسعة أشهر وثمانية‬
‫ما‪ ,‬ودفن بين باب الجابية وباب الصغير)‪ ,(1‬وكان‬ ‫عشر يو ً‬
‫آخر ما تكلم به مروان‪ :‬وجبت الجنة لمن خاف النار‪ .‬وكان‬
‫نقش خاتمه‪:‬‬
‫العزة لله‪ ,‬وفي رواية‪ :‬آمنت بالله العزيز الرحيم ‪ ,‬وقد‬
‫)‪(2‬‬

‫اختلف في سبب وفاته؛ إذ وردت ثلث روايات فيها‪ :‬الولى‬


‫ترى أنه توفى بالطاعون)‪ ,(3‬وتذهب الخرى إلى أن زوجته‬
‫ما فمات أو وضعت وسادته على‬ ‫سقته س ً‬ ‫أم خالد بن يزيد‬
‫رأسه حتى مات ‪ ,‬وثالثة ترى أنه توفى وفاة طبيعية ‪ ,‬إن‬
‫)‪(5‬‬ ‫)‪(4‬‬

‫تناقض الروايات يدل على أن الحقيقة غير معروفة‪ ,‬وأما‬


‫الرواية التي تتهم زوجته بالقتل فتبدو كأنها أسطورة‬
‫مختلقة رددتها اللسن‪ ,‬إما حًبا في الثرثرة‪ ,‬وإما طعًنا في‬
‫السرة الموية‪ ,‬وهذه الرواية غير مقبولة للسباب التية‪:‬‬
‫‪ -‬أنه لم يعرف عن نساء العرب مثل هذا الفعل‪,‬‬ ‫‪1‬‬
‫فض ً ل عن كونها سيدة حرة شريفة تلتقي وإياه‬
‫في عبد شمس‪.‬‬
‫‪ -‬مكانة مروان بن الحكم من قومه وتوليته‬ ‫‪2‬‬
‫الخلفة يجعل من الصعوبة بمكان القدام على‬
‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(11/714‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫المصدر نفسه )‪(11/713‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫مروج الذهب )‪ ,(3/89‬الدور السياسي لهل اليمن في الشام ص ‪.59‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫مروج الذهب )‪ ,(3/89‬الدور السياسي لهل اليمن في الشام‪ ,‬ص ‪.60‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫الطبقات )‪.(5/226‬‬ ‫)(‬

‫‪82‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫مثل هذا الفعل له؛ وذلك للنتائج المترتبة عليه‬


‫فيما بعد‪.‬‬
‫‪ -‬لم يظهر أي أثر لهذا الغتيال في السرة‬ ‫‪3‬‬
‫الموية‪ ,‬خاصة بين‬
‫خالد بن يزيد وعبد الملك بن مروان‪ ,‬مما يدل‬
‫على أن هذه الرواية غير صحيحة‪.‬‬
‫أما الرواية التي تشير إلى موته الطبيعي وإصابته‬
‫بالطاعون فإنها محتملة؛ لنه كان قد تجاوز الستين‬
‫من العمر)‪ , (1‬فض ً ل عن الجهد الذي بذله في أواخر‬
‫أيامه‪ ,‬مما يدعم التعويل على موته الطبيعي)‪.(2‬‬
‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( الخبار الطوال ص ‪.286‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الدور السياسي لهل اليمن في الشام ص ‪.60‬‬

‫‪83‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫المبحث الثالث‬
‫عبد الملك بن مروان وصراعه مع ابن الزبير‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته وشيء من حياته‪:‬‬
‫‪ -1‬اسمه ونسبه وكنيته‪:‬‬
‫هو عبد الملك بن الحكم بن أبي العاص بن أمية‪ ,‬أبو‬
‫الوليد الموي‪ ,‬وأمه عائشة بنت معاوية بن المغيرة بن أبي‬
‫العاص بن أمية)‪.(1‬‬
‫‪ -2‬مولده ووصفه‪:‬‬
‫كان مولده ومولد يزيد بن معاوية في سنة ست‬
‫وعشرين‪ ,‬وقد كان عبد الملك قبل الخلفة من العباد‬
‫الزهاد الفقهاء‪ ,‬الملزمين للمسجد‪ ,‬التالين للقرآن‪ ,‬وكان‬
‫ربعة من الرجال أقرب إلى القصر‪ ,‬وكانت أسنانه مشبكة‬
‫وه مفتوح الفم‪ ,‬فربما غفل فينفتح فمه‬ ‫بالذهب‪ ,‬وكان أفْ َ‬
‫ذبان‪ ,‬وكان‬‫فيدخل فيه الذباب‪ ,‬فلهذا كان يقال له‪ :‬أبو ال ّ‬
‫أبيض ربعة ليس بالنحيف ول البادن‪ ,‬مقرون الحاجبين‪,‬‬
‫أشهل)‪ (2‬كبير العينين‪ ,‬دقيق النف‪ ,‬مشرق الوجه‪ ,‬أبيض‬
‫الرأس واللحية‪ ,‬حسن الوجه لم يخضب‪ ,‬ويقال‪ :‬أنه خضب‬
‫بعد ذلك)‪.(3‬‬
‫‪ -3‬طلبه للعلم وعبادته قبل المارة وثناء الناس عليه‪:‬‬
‫را‪ ,‬ول‬
‫قال نافع‪ :‬لقد رأيت المدينة ما فيها شاب أشد ّ تشمي ً‬
‫أفقه ول أقرأ لكتاب الله من عبد الملك بن مروان)‪ .(4‬وقال‬
‫العمش عن أبي الزناد‪ :‬كان فقهاء المدينة أربعة‪ :‬سعيد بن‬
‫المسيب‪ ,‬وعروة‪ ,‬وقبيصة بن ذؤيب‪ ,‬وعبد الملك قبل أن‬

‫‪1‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/377‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أشهل‪ :‬أي يشوب سواد عينه زرقة‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)(‪ (4) ,‬البداية والنهاية )‪.(11/379‬‬
‫‪4‬‬
‫)(‬

‫‪84‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫يدخل المارة‪(1),‬وعن ابن عمر أنه قال‪ :‬ولد الناس أبناء وولد‬
‫با ‪-‬يعني‬
‫مروان أ ً‬
‫عبد الملك‪ -‬ويقصد ابن عمر أن عبد الملك كان يفوق سنه‪,‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ويعلو فوق أقرانه)‪(3,‬وعن يحيى بن سعيد قال‪ :‬أول من صلى‬


‫ما بين الظهر والعصر عبد الملك بن مروان وفتيان معه‪ .‬فقال‬
‫سعيد بن المسيب‪ :‬ليست العبادة بكثرة الصلة والصيام‪ ,‬إنما‬
‫العبادة التفكر في أمر الله‪ ,‬والورع عن محارم الله)‪ .(4‬وقد‬
‫دا إل وجدت‬ ‫صدق رحمه الله‪ .‬وقال الشعبي‪ :‬ما جالست أح ً‬
‫لي الفضل عليه إل عبد الملك بن مروان‪ ,‬فإنني ما ذاكرته‬
‫حديثا ً إل زادني فيه‪ ,‬ول شع ً‬
‫را إل زادني فيه)‪.(5‬‬
‫‪ -4‬تعظيمه لسم الله تعالى‪:‬‬
‫روى البيهقي‪ :‬أن عبد الملك وقع منه فلس في بئر‬
‫قذرة فاكترى عليه‬
‫بثلثة عشر ديناًرا حتى أخرجه منها‪ ,‬فقيل له في ذلك‪,‬‬
‫فقال‪ :‬إنه كان عليه‬
‫اسم الله عز وجل ‪.‬‬
‫)‪(6‬‬

‫‪ -5‬التسبيح والتكبير في السفار‪:‬‬


‫روى ابن أبي الدنيا‪ ,‬أن عبد الملك كان يقول لمن‬
‫يسايره في سفره إذا رفعت له شجرة‪ :‬سّبحوا بنا حتى‬
‫نأتي تلك الشجرة‪ ,‬وكّبروا بنا حتى نأتي ذاك الحجر‪ ,‬ونحو‬
‫ذلك)‪.(7‬‬
‫‪ -6‬هل يصح هجره للقرآن الكريم؟‬
‫قيل‪ :‬إنه لما وضع المصحف من حجره قال‪ :‬هذا آخر‬
‫‪1‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(11/379‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫الخلفة الموية للهاشمي ص ‪.116‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(11/380‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬

‫‪85‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫العهد منك)‪ .(1‬وهذه رواية ضعفها ابن كثير ورواها بصيغة‬


‫التمريض »قيل«)‪ ,(2‬كما أن عبد الملك قال لمؤدب أولده‬
‫‪-‬وهو إسماعيل بن عبيد الله ابن أبي المهاجر‪ :-‬علمهم‬
‫الصدق كما تعلمهم القرآن)‪.(3‬‬
‫‪ -7‬ما آدب هذا الفتى وأحسن مروءته‪:‬‬
‫روى ابن سعد ما يدل على أن عبد الملك كان محبوًبا‬
‫مرغوًبا من عمومته كبار بني أمية‪ ,‬فذكر أن معاوية بن أبي‬
‫ما ومعه عمرو بن العاص رضي الله‬ ‫سا يو ً‬
‫سفيان كان جال ً‬
‫عنهما‪ ,‬فمر بهما عبد الملك بن مروان فقال معاوية‪ :‬ما‬
‫آدب هذا الفتى وأحسن مروءته! فقال عمرو بن العاص‪ :‬يا‬
‫أمير المؤمنين‪ ,‬إن هذا الفتى أخذ بخصال أربع وترك خصال ً‬
‫ثلًثا‪ :‬أخذ بحسن الحديث إذا حدث‪ ,‬وحسن الستماع إذا‬
‫دث‪ ,‬وبحسن البشر إلى لقى‪ ,‬وخفة المؤونة إذا خولف‪,‬‬ ‫ح ّ‬
‫ُ‬
‫وترك من القول ما يعتذر عنه‪ ,‬وترك مخالطة اللئام من‬
‫الناس‪ ,‬وترك ممازحة من ل يوثق بعقله ول مروءته)‪.(4‬‬
‫‪ -8‬وصيته لمؤدب أولده‪:‬‬
‫قال عبد الملك لمؤدب أولده ‪-‬وهو إسماعيل بن عبيد‬
‫الله بن أبي المهاجر‪ :-‬علمهم الصدق كما تعلمهم‬
‫ف َلة فإنهم أسوأ الناس ِرعة ‪,‬‬
‫)‪(5‬‬
‫س ِ‬
‫القرآن‪ ,‬وجنبهم ال ّ‬
‫وأقلهم أد ً با‪ ,‬وجنبهم الحشم‪ ,‬فإنهم بهم مفسدة‪ ,‬وأحف‬
‫شعورهم تغلظ رقابهم‪ ,‬وأطعمهم اللحم يقووا‪ ,‬وعلمهم‬
‫ضا‪,‬‬‫عر ً‬
‫ج ُدوا‪ ,‬ومرهم أن يستاكوا َ‬ ‫دوا وين ُ‬‫ج ُ‬
‫الشعر يم ُ‬
‫صا ول يع ّبوا ع ّ با‪ ,‬وإذا احتجت أن تتناولهم‬ ‫ّ‬ ‫م‬ ‫الماء‬ ‫ويمصوا‬
‫بأدب فليكن ذلك في سر ل يعلم بهم أحد من الحاشية‬
‫فيهونوا عليهم)‪.(6‬‬
‫‪1‬‬
‫)( ‪ (3) ,(2) ,‬البداية والنهاية )‪.(11/381‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‬

‫‪3‬‬
‫)(‬

‫‪4‬‬
‫)( الطبقات لبن سعد )‪.(5/224‬‬
‫‪5‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪ ,(11/389‬الرعة‪ :‬قلة الورع‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/389‬‬

‫‪86‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫‪ -9‬موقفه من ابن الزبير قبل المارة وبعدها‪:‬‬


‫كان له من ابن الزبير موقفان متناقضان‪ :‬أما الول‪:‬‬
‫فكان قبل أن يتولى الخلفة‪ ,‬يستعيذ بالله أن يبعث‬
‫خليفة إلى مكة جي ً شا ليقتل ابن الزبير ومن معه‪ ,‬وكان‬
‫يرى في ذلك إث ًما كبيًرا)‪ , (1‬قال يحيى الغساني‪ :‬لما‬
‫نزل مسلم بن عقبة المدينة‪ ,‬دخلت مسجد رسول الله‬
‫× فجلست إلى جنب عبد الملك فقال لي عبد الملك‪:‬‬
‫أمن هذا الجيش أنت؟ فقلت‪ :‬نعم‪ ,‬قال‪ :‬ثكلتك أمك!!‬
‫أتدري إلى من تسير؟ إلى أول مولود ولد في السلم‬
‫)بعد الهجرة( وإلى ابن حواري رسول الله ×‪ ,‬وإلى‬
‫ابن ذات النطاقين‪ ,‬وإلى من ح ّ نكه رسول الله ×‪ ,‬أما‬
‫والله لو جئته نها ًرا لوجدته صائ ًما‪ ,‬ولئن جئته ليل ً‬
‫لوجدته قائ ً ما‪ ,‬فلو أن أهل الرض أطبقوا على قتله‬
‫لكبهم الله جمي ًعا في النار)‪ . (2‬وأما موقفه الثاني فكان‬
‫بعد الخلفة‪ ,‬ويأتي عكس الول تما ًما‪ ,‬عندما جهز عبد‬
‫الملك جي ً شا يقوده الحجاج بن يوسف الثقفي‪ ,‬وبعث‬
‫به إلى مكة حيث كان يتحصن ابن الزبير بالكعبة‪ ,‬وظل‬
‫محاص ًرا مكة حتى ُ قتل عبد الله ابن الزبير)‪.(3‬‬
‫ثانًيا‪ :‬حياته السياسية قبل المارة‪:‬‬
‫كان أول حادث سياسي أثر في حياته عندما كان عمره‬
‫عشر سنوات‪ ,‬فقد شهد مقتل عثمان ‪ ,‬وكان لهذا‬
‫الحادث أثر في سياسته لما تولى المارة‪ ,‬فقد خطب في‬
‫إحدى خطبه‪ :‬أيها الناس‪ ,‬إنا نحتمل لكم كل اللغوبة ما لم‬
‫يكن عقد راية أو وثوًبا على منبر)‪ .(4‬وأول منصب إداري‬
‫توله في الدولة في عهد معاوية ابن أبي سفيان‪ ,‬فقد كان‬
‫عامل ً على هجر)‪ (5‬ثم تولى ديوان المدينة بعد وفاة زيد ابن‬

‫‪1‬‬
‫الخلفة الموية للهاشمي ص ‪.116‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ‪.217‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الدور السياسي لهل اليمن في الشام ص ‪.64‬‬ ‫)(‬

‫‪87‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫ثابت)‪ ,(1‬وشارك في الجهاد‪ ,‬فقد خرج على رأس حملة إلى‬


‫أرض الروم وشتى هناك في سنة ‪42‬هـ)‪ ,(2‬كما يذكر أنه‬
‫غزا إفريقية مع معاوية بن حديج وكلفه بفتح جلولء في بلد‬
‫الشمال الفريقي‪ ,‬وفي عهد يزيد كان يقول على ابن‬
‫الزبير‪ :‬ما على الرض اليوم خير منه)‪ ,(3‬كما أن علقته‬
‫بمصعب بن الزبير كانت حسنة‪.‬‬
‫وأما عن دوره السياسي في عهد مروان بن الحكم‪ ,‬فقد‬
‫تولى فلسطين‪ ,‬وكان يبعث نائبا ً عنه روح بن زنباع)‪ ,(4‬ويمكن‬
‫أن يكون ذلك ليبقى في دمشق قريبا ً من إدارة الدولة‬
‫لمساعدة والده هناك؛ لسيما أن الفترة التي تولى فيها والده‬
‫الحكم كانت الدولة محاطة فيها بالعداء من الداخل والخارج‪,‬‬
‫وتولى إمرة دمشق عند ذهاب والده لفتح مصر)‪ ,(5‬وهذه‬
‫المهمة تدل على كفايته الدارية وحزمه)‪.(6‬‬
‫ثالًثا‪ :‬العلماء الذين كانوا مع عبد الملك‪:‬‬
‫بايع بعض العلماء لعبد الملك بن مروان بالشام‪ ,‬وكانوا‬
‫قلة ل يعدون شيًئا أمام العلماء الذين بايعوا ابن الزبير أو‬
‫الذين اعتزلوا حتى تجتمع المة على خليفة‪ ,‬وانحصر وجود‬
‫هؤلء في إقليم الشام‪ ,‬وقد ذكر من هؤلء العالم الجليل‬
‫قبيصة بن ذؤيب ‪-‬رحمه الله‪ -‬فكان من المبايعين لعبد‬
‫الملك وأحد المقربين إليه)‪ ,(7‬ومنهم يزيد بن السود‬
‫الجرشي ‪-‬رحمه الله‪ -‬فورد أنه كان مع عبد الملك في‬
‫خروجه لقتال مصعب بن الزبير‪ ,‬وروي عنه أنه حين رأى‬

‫‪5‬‬
‫)( المعارف لبن قتيبة ص ‪ ,355‬الدور السياسي لهل اليمن في الشام ص‬
‫‪.64‬‬
‫‪1‬‬
‫)( الطبقات )‪.(5/225‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ خليفة )‪.(1/69‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الطبقات )‪.(5/226‬‬
‫‪4‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪.(5/127‬‬
‫‪5‬‬
‫)( الكامل في التاريخ‪ ,‬نقل ً عن الدور السياسي لهل اليمن ص ‪.65‬‬
‫‪6‬‬
‫)( الدور السياسي لهل اليمن ص ‪.65‬‬
‫‪7‬‬
‫)( أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الموية ص ‪.542‬‬

‫‪88‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫الجيشين قد التقيا قال‪ :‬اللهم احجز بين هذين الجبلين وول‬


‫المر أحبهما إليك)‪.(1‬‬
‫رابًعا‪ :‬حركة التوابين ومعركة عين الوردة ‪65‬هـ‪:‬‬
‫عندما عم الضطراب أنحاء البلد بعد موت يزيد وفرار‬
‫عبيد الله بن زياد‪ ,‬شرع أنصار الحسين يتصلون ببعضهم‬
‫البعض بهدف وضع خطة للثأر لدمه‪ ,‬إذ بعد استشهاده‬
‫هزتهم الفاجعة وندموا على تقاعسهم عن نصرته والدفاع‬
‫عنه‪ ,‬معترفين بخطيئتهم بحماسة شديدة‪ ,‬لذلك لم يجدوا‬
‫وسيلة يكفرون بها عن هذا التقصير ويتوبون إلى الله بها‬
‫من هذا الذنب الكبر سوى الثأر للحسين)‪ ,(2‬وأخذ الشيعة‬
‫يعقدون الجتماعات برئاسة سليمان بن صرد الخزاعي‬
‫لدراسة الموقف‪ ,‬وأسلوب العمل الذي سيتبعونه‪ ,‬وغلب‬
‫على هذه الجتماعات موضوع التوبة والغفران‪ ,‬ثم شرعوا‬
‫في تجييش الناس‪ ,‬وخرج التوابون من معسكرهم في‬
‫النخيلة في شهر ربيع الول ‪65‬هـ‪ ,‬وهو الموعد الذي حددوه‬
‫لخروجهم‪ ,‬وكانت المحطة الولى في مسيرتهم النتقامية‬
‫في كربلء حيث بلغوا قبر الحسين فاسترحموا عليه وبكوا‬
‫وتابوا عن خذلنهم له‪ ,‬وبعد يوم وليلة من البكاء كان‬
‫الحماس قد أخذ منهم حق العمق‪ ,‬فقرروا السير إلى‬
‫الشام لقتال عبيد الله بن زياد باعتباره الرجل الذي أصدر‬
‫المر بقتل الحسين‪ ,‬لنهم وجدوا أنه الطريق الجدى‬
‫لتحقيق النتقام)‪ ,(3‬ومر جيش التوابين ببلدة هيت على‬
‫الفرات‪ ,‬ثم صعد مع النهر إلى أن وصل إلى قرقيسياء)‪.(4‬‬
‫وكانت هذه المدينة هي أبعد المناطق في هذا التجاه التي‬
‫اعترفت ‪-‬ولو اسمًيا‪ -‬ببيعة ابن الزبير)‪ ,(5‬واستقبل أمير‬
‫قرقيسياء زفر بن الحارث الكلبي‪ ,‬جيش التوابين بحماسة‪,‬‬
‫‪1‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(4/137‬‬
‫‪2‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(2/635‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن تاريخ الدولة الموية‪ ,‬طقوش ص ‪.71‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(2/638‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن تاريخ الدولة الموية‪ ,‬طقوش ص ‪.71‬‬ ‫)(‬

‫‪89‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫خاصة أنه قد جمعت الفريقين مصلحة مشتركة هي مقاتلة‬


‫المويين‪ ,‬واقترح زفر عليهم توحيد صفوفهم مع أنصار ابن‬
‫الزبير‪ ,‬إل أنهم اعتذروا عن عدم قبول اقتراحه كما رفضوا‬
‫نصيحته بالعدول عن قرارهم النتحاري‪ ,‬واكتفوا بالتزود بما‬
‫يحتاجون إليه من المدينة ثم مضوا إلى مصيرهم)‪ ,(1‬والتقى‬
‫التوابون بالجيش الموي في عين الوردة من أرض الجزيرة‬
‫إلى الشمال الغربي من صفين في عام ‪65‬هـ‪ ,‬وخاضوا‬
‫ضده معركة ضارية غير متكافئة بفعل قلة عددهم بالمقارنة‬
‫مع عدد أفراد الجيش الموي‪ ,‬أسفرت عن تدميرهم ومقتل‬
‫زعمائهم باستثناء رفاعة بن شداد الذي تراجع بالبقية‬
‫القليلة منهم إلى الكوفة)‪.(2‬‬
‫وقد علق الذهبي على سليمان بن صرد زعيم جيش‬
‫دا‪ ,‬خرج في جيش تابوا إلى‬ ‫التوابين بقوله‪ :‬كان ديًنا عاب ً‬
‫الله من خذلنهم الحسين الشهيد‪ ,‬وساروا للطلب بدمه‪,‬‬
‫سموا جيش التوابين)‪ .(3‬وعلق ابن كثير على جيش‬ ‫و ُ‬
‫التوابين بقوله‪ :‬لو كان هذا العزم والجتماع قبل وصول‬
‫الحسين إلى تلك المنزلة لكان أنفع له وأنصر من‬
‫اجتماعهم لنصرته بعد أربع سنين)‪ ,(4‬وكان عمر سليمان بن‬
‫صرد ‪ ‬يوم قل ثلًثا وتسعين سنة)‪.(5‬‬
‫والحق أن النسان يقف مبهوًرا أمام شجاعة التوابين‬
‫وجرأتهم‪ ,‬فقد كان عددهم ل يتجاوز أربعة آلف رجل‪,‬‬
‫وخاضوا هذه المعركة بإيمان صادق‪ ,‬وعقيدة راسخة‪,‬‬
‫وشجاعة نادرة‪ ,‬وصبر فائق‪ ,‬مع عشرين ألف جندي ‪-‬على‬
‫أقل تقدير‪ -‬من أهل الشام‪ ,‬وأنزلوا بهم خسائر فادحة في‬
‫الرواح‪ ,‬وقتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى خاضوا في الدماء‪,‬‬
‫ولول كثرة جيش الشام‪ ,‬حتى استطاعوا أن يلتفوا حولهم‪,‬‬
‫ويضربوا عليهم طوًقا‪ ,‬وأحاطوا بهم من كل جانب‪ ,‬ثم‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الدولة الموية‪ ,‬طقوش ص ‪ ,72‬الكامل في التاريخ )‪.(2/639‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن تاريخ الدولة الموية ص ‪.72‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/395‬‬
‫‪4‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/697‬‬
‫‪5‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(11/703‬‬

‫‪90‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫رموهم بالنبل‪ ,‬لما استطاعوا النتصار عليهم)‪.(1‬‬


‫ولكنا إزاء هذا العجاب بشجاعتهم‪ ,‬وإخلصهم وتفانيهم‬
‫في القتال‪ ,‬ل نملك إل أن نتساءل‪ :‬أين كانت هذه الشجاعة‬
‫يوم تركوا الحسين ‪ ‬يواجه الموت هو وأهل بيته‪ ,‬دون أن‬
‫يتحرك منهم أحد؟! )‪.(2‬‬
‫وأما أهم أسباب فشل التوابين فهي‪:‬‬
‫‪ -1‬قلة عددهم إذا قورنوا بجيش الشام‪ ,‬فكان عدد‬
‫التوابين أربعة آلف مقاتل‪ ,‬بينما كان جيش‬
‫فا‪ ,‬عدا من‬‫خصومهم الذين اشتبكوا معهم عشرين أل ً‬
‫كان ينتظر مع عبيد الله بن زياد على سبيل‬
‫الحتياط‪.‬‬
‫‪ -2‬ضعف التوابين من الناحية العسكرية‪ ,‬فل نستطيع أن‬
‫نقارن أي واحد من قادة التوابين بقدرة ابن زياد أو‬
‫حصين بن نمير من حيث الخبرة والقدرة العسكرية‪,‬‬
‫وهذا يتفق مع وصف المختار الثقفي لسليمان بن‬
‫صرد‪ :‬إن سليمان رجل ل علم له بالحرب وسياسة‬
‫الرجال)‪.(3‬‬
‫‪ -3‬تخاذل التوابين عن الشتراك‪ ,‬فعندما أحصى ابن‬
‫فا عدا أهل‬
‫صرد من بايعوا وجدهم ستة عشر أل ً‬
‫المدائن والبصرة الذين لم يتم تنسيقهم مع الخرين‪,‬‬
‫مع أن المشتركين في القتال هم أربعة آلف‪.‬‬
‫‪ -4‬عدم اشتراك المختار الثقفي في القتال وليت المر‬
‫كذلك‪ ,‬ولكنه كان يثبط الناس عن سليمان بن‬
‫صرد)‪.(4‬‬
‫سا‪ :‬حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي‪:‬‬
‫خام ً‬
‫‪1‬‬
‫)( المويون‪ ,‬للوكيل )‪.(1/315‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪.(5/207‬‬
‫‪4‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪ ,(3/540‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للناطور ص ‪.148‬‬

‫‪91‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫ذاب‪ ,‬كان والده‬ ‫هو المختار بن أبي عبيد الثقفي الك ّ‬


‫المير أبو عبيد بن مسعود بن عمرو بن عمير بن عوف بن‬
‫عقدة الثقفي‪ ,‬أسلم في حياة النبي ×‪ ,‬ولم نعلم له صحبة‪,‬‬
‫ش‪ ,‬فغزا العراق‪ ,‬وإليه‬ ‫استعمله عمر بن الخطاب على جي ٍ‬
‫تنسب وقعة جسر أبي عبيد‪ ,‬ونشأ المختار‪ ,‬فكان من كبراء‬
‫ثقيف‪ ,‬وذوي الرأي‪ ,‬والفصاحة‪ ,‬والشجاعة والدهاء وقلة‬
‫الدين)‪ ,(1‬وقد قال النبي ×‪» :‬يكون في ثقيف كذاب‬
‫ومبير«)‪ ,(2‬فكان الكذاب هذا‪ ,‬ادعى أن الوحي يأتيه‪ ,‬وأنه‬
‫يعلم الغيب‪ ,‬وكان المبير الحجاج‪ ,‬قبحهما الله)‪ ,(3‬ظهر‬
‫المختار بن أبي عبيد الثقفي على مسرح الحداث بعد موت‬
‫يزيد بن معاوية سنة ‪64‬هـ‪ ,‬وهو من الشخصيات التي حفل‬
‫بها العصر الموي‪ ,‬والتي كانت تسعى لها عن دور‪ ,‬وتسعى‬
‫إلى السلطان بأي ثمن‪ ,‬فتقلب من العداء الشديد لل‬
‫البيت على ادعاء حبهم والمطالبة بثأر الحسين)‪ .(4‬فقد مر‬
‫بنا في كتابي عن الحسن بن علي بن أبي طالب أنه أشار‬
‫على عمه سعد بن مسعود الثقفي بالقبض على الحسن بن‬
‫علي وتسليمه إلى معاوية‪ ,‬لينال بذلك الحظوة عنده)‪ ,(5‬ثم‬
‫حاول التصال بعبد الله ابن الزبير والنضمام إليه‪ ,‬وشرط‬
‫طا‪ ,‬منها‪ :‬أن يكون أول داخل عليه‪ ,‬وأل يقضي‬ ‫عليه شرو ً‬
‫المور دونه‪ ,‬وإذا ظهر استعان به على أفضل أعماله ‪,‬‬
‫)‪(6‬‬

‫وباختصار أراد أن تكون له كلمة في دولته‪ ,‬ولكنه لم يجد‬


‫تجاوًبا من ابن الزبير‪ ,‬فانصرف عنه إلى الكوفة)‪ ,(7‬حيث‬
‫كان المر فيها مضطرًبا‪ ,‬فأراد أن يصطاد في المياه‬
‫العكرة‪ ,‬ولم يجد فيها ورقة رابحة سوى الدعاء بالمطالبة‬
‫ضا بذلك من‬ ‫بدم الحسين وآل البيت‪ ,‬وادعى أن لديه تفوي ً‬
‫‪1‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/539‬‬
‫‪2‬‬
‫)( مسلم رقم ‪.2545‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/539‬‬
‫‪4‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/66‬‬
‫‪5‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن العالم السلمي في العصر الموي‪ ,‬ص ‪.482‬‬
‫‪6‬‬
‫)( الكامل في التاريخ‪ ,‬نقل ً عن العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.482‬‬
‫‪7‬‬
‫)(البداية والنهاية )‪.(11/66‬‬

‫‪92‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫محمد بن علي بن أبي طالب‪ ,‬الملقب بابن الحنفية‪ ,‬ولكنه‬


‫لم يكن صادًقا في ذلك‪ ,‬بل قرر أن يركب تيار الشيعة‬
‫ليصل إلى هدفه وهو الحكم والسلطان‪.‬‬
‫وقد عبر هو نفسه عن ذلك في حواره مع رجال من‬
‫رجاله الذين أخلصوا له‪ ,‬وكانوا يظنونه صادًقا في دعوته‬
‫للثأر لل البيت‪ ,‬وهو السائب بن مالك الشعري‪ .‬فقد قال‬
‫له المختار عندما ضيق عليه وصعب الخناق واقتربت نهايته‪:‬‬
‫ماذا ترى؟ فقال له السائب‪ :‬الرأي لك؟ قال‪ :‬أنا أرى أم‬
‫الله يرى؟ قال‪ :‬الله يرى‪ ,‬قال‪ :‬ويحك أحمق أنت! إنما أنا‬
‫رجل من العرب رأيت ابن الزبير انتزى على الحجاز‪ ,‬ورأيت‬
‫نجدة انتزى على اليمامة‪ ,‬ومروان على الشام‪ ,‬فلم أكن‬
‫دون أحد من رجال العرب‪ ,‬فأخذت هذه البلد‪ ,‬فكنت‬
‫كأحدهم إل أني قد طلبت وبالغت في ذلك إلى يومي هذا‪,‬‬
‫فقاتل على حسبك إن لم تكن لك نية‪ ,‬فقال السائب‪ :‬إنا‬
‫لله وإنا إليه راجعون)‪ .(1‬قال السائب ذلك لما تبين له أن‬
‫المختار صنع كل ما صنع من أجل السلطان وحده‪ ,‬ولذلك‬
‫يصف الذهبي المختار بالكذب وقلة الدين)‪.(2‬‬
‫ظهر المختار في الكوفة في الوقت الذي كان فيه‬
‫سليمان بن صرد الخزاعي‬
‫‪-‬زعيم التوابين‪ -‬يستعد للذهاب إلى الشام‪ ,‬لقتال عبيد الله‬
‫بن زياد‪ ,‬فحاول تثبيط الناس عنه‪ ,‬وقد نجحت دعايته‬
‫وتجمع حوله نحو ألفين من الشيعة‪ ,‬وبقيت غالبيتهم مع‬
‫سليمان بن صرد‪ ,‬وكانت نتيجة معركة عين الوردة من‬
‫مصلحة المختار‪ ,‬فقد جاءته مصدقة لتوقعاته‪ ,‬كما أنه انفرد‬
‫بزعامة الشيعة‪ ,‬ولجأ إليه الفارون من المعركة‪ ,‬فقويت‬
‫حركته وكثر أتباعه‪ ,‬ثم ازداد مركزه قوة بانضمام إبراهيم‬
‫بن الشتر النخعي إليه‪ ,‬وهو من زعماء الكوفة‪ ,‬فثار على‬
‫عبد الله بن مطيع العدوي‪ ,‬أمير الكوفة‪ ,‬من قبل عبد الله‬
‫بن الزبير‪ ,‬فأخرجه منها وأحكم سيطرته عليها‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(6/677‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/539‬‬

‫‪93‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫قضاء المختار على قتلة الحسين‪:‬‬


‫ولكي يثبت دعواه في صحة دعوته في المطالبة بدم‬
‫الحسين‪ ,‬فقد تتبع قتلته فقتل معظمهم في الكوفة)‪ ,(1‬ثم‬
‫شا جعل على قيادته إبراهيم بن الشتر‪ ,‬وأرسله إلى‬ ‫أعد جي ً‬
‫قتال عبيد الله‪ ,‬فالتقى به عند نهر الخازر بالقرب من‬
‫الموصل‪ ,‬وحلت الهزيمة بجيش ابن زياد‪ ,‬الذي خر صريًعا‬
‫في ميدان المعركة سنة ‪67‬هـ)‪.(2‬‬
‫وقد قال ابن مفّرغ حين قتل ابن زياد‪:‬‬
‫جاب وأبواب‬ ‫ح ّ‬‫هتكن أستار ُ‬ ‫إن المنايا إذا ما ُزرن‬
‫طاغية‬
‫)‪(3‬‬
‫الكابي‬ ‫قا عند‬
‫دا وسح ً‬‫أقول‪ُ :‬بع ً‬
‫مصرعه‬
‫)‪(4‬‬
‫ت إلى قوم بأسباب‬ ‫ول مت َ ّ‬ ‫ملك‬‫حمت عن ُ‬ ‫ل أنت ُزو ِ‬
‫فتمنعه‬
‫وقد شرع المختار في تتبع قتلة الحسين ومن شهد‬
‫قا كثيًرا‪,‬‬
‫الوقعة بكربلء من ناحية ابن زياد‪ ,‬فقتل منهم خل ً‬
‫وظفر برءوس كبار منهم‪ ,‬كعمر بن سعد بن أبي وقاص‬
‫أمير الجيش الذي قتل الحسين‪ ,‬وشمر بن ذي الجوشن‬
‫أمير اللف الذي وَُلوا قتل الحسين‪ ,‬وسنان بن أبي أنس‪,‬‬
‫ق غير هؤلء)‪.(5‬‬ ‫ي بن يزيد الصبحي‪ ,‬وخل ٍ‬ ‫وخول ّ‬
‫وكان مقتل عبيد الله بن زياد في يوم عاشوراء سنة‬
‫سبع وستين‪ ,‬ثم بعث إبراهيم بن الشتر برأس ابن زياد إلى‬
‫المختار)‪ ,(6‬وتعاظم نفوذ المختار بعد انتصار جيشه على‬
‫جيش ابن زياد‪ ,‬وسيطر على شمال العراق والجزيرة‪,‬‬
‫وجعل يولي العمال من قبله على الوليات)‪ ,(7‬ويجبى إليه‬
‫‪1‬‬
‫العراق في العصر الموي‪ ,‬ثابت الراوي ص ‪.250،251‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(2/7‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫الكودن‪ :‬البرذون الهجين أو البغل‪ .‬الكابي‪ :‬المنكب على وجهه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(2/9‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(11/66‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.484‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬

‫‪94‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫الخراج‪ ,‬وانضم إليه عدد كبير من الموالي لبغضهم لبني‬


‫أمية من ناحية)‪ ,(1‬ولنه أغدق عليهم الموال من ناحية‬
‫ثانية)‪ .(2‬وبدا كما لو أنه أقام دولة خاصة به في العراق بين‬
‫دولتي ابن الزبير في الحجاز‪ ,‬وعبد الملك بن مروان في‬
‫الشام)‪.(3‬‬
‫‪ -1‬أسباب نجاح حركة المختار في مرحلتها الولى‪:‬‬
‫نجحت حركة المختار في بداية المر للسباب التية‪:‬‬
‫أ‪ -‬الرضية الملئمة‪ ,‬حيث العواطف ثائرة‪ ,‬والنفوس‬
‫مشحونة‪ ,‬في وقت كانت حركة التوابين تلقى مصيرها‬
‫الذي اختارت‪ ,‬عبر عملية استشهادية في نظر التوابين كان‬
‫لها صداها المأساوي في الكوفة‪ ,‬ومن ناحية أخرى‪ ,‬فإن‬
‫ابن الزبير لم يدعم وجوده بالكوفة بالجيوش وإغداق‬
‫الموال والتلطف للعيان والشراف والزعماء‪ ,‬وكانت‬
‫وجهة نظره معتمدة على ترك تطاحن المويين مع اتباع‬
‫المختار وما يترتب على ذلك من استنزاف لهما‪ ,‬ليكون ابن‬
‫الزبير هو المستفيد من نتائج ذلك التطاحن)‪.(4‬‬
‫ب‪ -‬تودد المختار لبني هاشم‪ ,‬فكان يرسل الهدايا لهم‪,‬‬
‫وعمل على كسبهم)‪.(5‬‬
‫ج‪ -‬الشخصية القيادية البارزة التي تمتع بها المختار‪ ,‬في‬
‫الوقت الذي غابت فيه عن الكوفة الزعامة السياسية‬
‫المحورية‪ ,‬القادرة على توحيد اتجاهات الحركة الشيعية‬
‫واستيعاب التطورات المتلحقة‪ ,‬ول نهمل المكر والدهاء‬
‫والمرونة‪ ,‬والقدرة على استثمار الحداث من مقتل‬
‫الحسين‪ ,‬وحجر بن عدي‪ ,‬والتوابين‪ ,‬وتوظيف ذلك‪ ,‬كما‬

‫‪1‬‬
‫الدولة الموية في الشرق‪ ,‬للنجار ص ‪.143‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.484‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫من دولة عمر إلى دولة عبد الملك ص ‪.205،204‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫عبد الله بن الزبير‪ ,‬للناطور ص ‪.158‬‬ ‫)(‬

‫‪95‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫امتازت شخصية المختار بقدرتها على المناورة)‪.(1‬‬


‫د‪ -‬البرنامج العملي الذي تقدم به‪ ,‬كان المدخل‬
‫الستقطابي لشريحة عريضة في المجتمع كانت مضطهدة‬
‫ومسحوقة؛ وهي شريحة الموالي التي وجدت في حركته‬
‫المتنفس لتحقيق أهدافها في المساواة وتحسين أوضاعها‬
‫الجتماعية)‪.(2‬‬
‫هـ‪ -‬سوء اختيار ابن الزبير لعماله في الكوفة‪ ,‬ويبدو أنهم‬
‫لم يكونوا على قدر المرحلة‪ ,‬ولذلك انفلتت المور من‬
‫أيديهم في الكوفة)‪.(3‬‬
‫‪ -2‬نهاية المختار على يد مصعب بن الزبير‬
‫كان من المتوقع أن تكون نهاية المختار على يد عبد‬
‫الملك الذي وتره بقتل ابن زياد أبرز أعوانه‪ ,‬ولكن عبد‬
‫الملك كان من الدهاء بحيث أدرك أن ابن الزبير‪ ,‬وإن كان‬
‫قد أسعده ظهور المختار في البداية وقهره لجيش عبد‬
‫الملك)‪ ,(4‬إل أنه لن يسمح لنفوذه أن يتسع ويهدد دولته‪,‬‬
‫وأنه لبد أن يتحرك للقضاء عليه‪ ,‬فآثر النتظار وترك ابن‬
‫الزبير يواجه المختار‪ ,‬لن نتيجة المواجهة ستكون في‬
‫صالحه‪ ,‬فسوف يقضي أحدهما على صاحبه‪ ,‬ومن يبقى‪,‬‬
‫تكون قوته قد ضعفت فيسهل له القضاء عليه‪ ,‬وقد حدث‬
‫ما توقعه عبد الملك‪ ,‬فإن المختار لم يكتف بانتصاره على‬
‫جيش عبد الملك وبسط نفوذه على شمال العراق‬
‫والجزيرة‪ ,‬بل أخذ يعد نفسه للسير إلى البصرة لنتزاعها‬
‫من مصعب بن الزبير الذي أصبح والًيا عليها من قبل أخيه‬
‫ما بين‬
‫بايعه أهلها‪ ,‬وهنا أصبح الصدام محتو ً‬ ‫عبد الله بعد أن‬
‫المختار وآل الزبير ‪ ,‬فسار مصعب بن الزبير بنفسه إلى‬
‫)‪(5‬‬

‫‪1‬‬
‫)( من دولة عمر إلى دولة عبد الملك ص ‪.205‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للناطور ص ‪.185‬‬
‫‪4‬‬
‫)( العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.484‬‬
‫‪5‬‬
‫)( العالم السلمي في العصر الموي ص ‪ ,485‬البداية والنهاية )‪.(11/67‬‬

‫‪96‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫قتال المختار في جيش هائل‪ ,‬فحاصره بالكوفة وضيق عليه‬


‫وما زال حتى أمكن الله منه‪ ,‬فقتله واحتّز رأسه‪ ,‬وأمر‬
‫فه على باب المسجد‪ ,‬وبعث مصعب برأس‬ ‫بصلب ك ّ‬
‫شرط على البريد إلى أخيه عبد الله‬ ‫المختار مع رجل من ال ّ‬
‫فل‪,‬‬
‫بن الزبير‪ ,‬فوصل مكة بعد العشاء‪ ,‬فوجد عبد الله يتن ّ‬
‫فما زال يصلي حتى أسحر ولم يلتفت إلى البريد الذي جاء‬
‫بالرأس‪ ,‬فقال‪ :‬ألقه على باب المسجد‪ ,‬فألقاه ثم جاء‬
‫فقال‪ :‬جائزتي يا أمير المؤمنين‪ .‬فقال‪ :‬جائزتك الرأس‬
‫الذي جئت به تأخذه معك إلى العراق‪.‬‬
‫ثم زالت دولة المختار كأن لم تكن‪ ,‬وكذلك سائر‬
‫الدول‪ ,‬وفرح المسلمون بزوالها؛ وذلك لن الرجل لم يكن‬
‫في نفسه صادًقا‪ ,‬بل كان كاذًبا‪ ,‬وكاهًنا‪ ,‬وكان يزعم أن‬
‫الوحي ينزل عليه على يد جبريل يأتي إليه)‪ ,(1‬وعن رفاعة‬
‫بن شداد قال‪ :‬كنت أقوم على رأس المختار‪ ,‬فلما عرفت‬
‫ل سيفي فأضرب عنقه‪ ,‬فذكرت حديًثا‬ ‫س ّ‬ ‫كذبه هممت أن أ ُ‬
‫حدثناه عمرو بن الحمق قال‪ :‬سمعت رسول الله × يقول‪:‬‬
‫من رجل ً على نفسه فقتله‪ ,‬أعطي لواء غدر‬ ‫»من أ ّ‬
‫يوم القيامة« ‪ ,‬وقد قيل لبن عمر‪ :‬إن المختار يزعم أن‬ ‫)‪(2‬‬

‫ن‬
‫وإ ِ ّ‬‫قال الله تعالى‪َ + :‬‬ ‫الوحي يأتيه‪ .‬فقال‪ :‬صدق‪,‬‬
‫َ‬
‫م" ]النعام‪ .[120:‬وعن‬ ‫ه ْ‬ ‫ن إ َِلى أ ْ‬
‫ول َِيائ ِ ِ‬ ‫حو َ‬ ‫ن ل َُيو ُ‬ ‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫ال ّ‬
‫عكرمة قال‪ :‬قدمت على المختار‪ ,‬فأكرمني وأنزلني حتى‬
‫دث‬ ‫كان يتعهد مبيتي بالليل‪ ,‬قال‪ :‬فقال لي‪ :‬أخرج فح ّ‬
‫الناس‪ .‬قال‪ :‬فخرجت‪ ,‬فجاء رجل فقال‪ :‬ما تقول في‬
‫الوحي؟ فقلت‪ :‬الوحي وحيان‪ ,‬قال الله تعالى‪+ :‬ب ِ َ‬
‫ما‬
‫وك َذَل ِكَ‬ ‫ذا ال ْ ُ‬ ‫حي َْنا إ ِل َي ْ َ‬ ‫َ‬
‫ن" ]يوسف‪ [3:‬وقال تعالى‪َ + :‬‬ ‫قْرآ َ‬ ‫ه َ‬‫ك َ‬ ‫و َ‬ ‫أ ْ‬
‫حي‬ ‫ن ُيو ِ‬ ‫ج ّ‬ ‫وال ْ ِ‬‫س َ‬‫ن ال ِن ْ ِ‬ ‫طي َ‬ ‫شَيا ِ‬ ‫وا َ‬ ‫عد ُ ّ‬ ‫ي َ‬ ‫ل ن َب ِ ّ‬ ‫عل َْنا ل ِك ُ ّ‬ ‫ج َ‬ ‫َ‬
‫را" ]النعام‪[112:‬‬ ‫ُ‬
‫ل غُرو ً‬ ‫و ِ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ف الق ْ‬ ‫خُر َ‬ ‫ض ُز ْ‬ ‫َ‬
‫ع ٍ‬ ‫م إ ِلى ب َ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫ض ُ‬‫ع ُ‬ ‫بَ ْ‬
‫موا بي أن يأخذوني‪ ,‬فقلت‪ :‬ما لكم وذلك‪ ,‬إني‬ ‫ّ‬ ‫فه‬ ‫قال‪:‬‬
‫مفتيكم وضيفكم‪ ,‬فتركوني‪ ,‬وإنما أراد عكرمة‪ ,‬أن يعرض‬

‫‪1‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/68‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سنن ابن ماجة رقم ‪ ,2688‬حديث صحيح‪.‬‬

‫‪97‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫بالمختار وكذبه في ادعائه أن الوحي ينزل عليه)‪.(1‬‬


‫ذاب هو المختار بن‬ ‫قال ابن كثير‪ :‬وذكر العلماء أن الك ّ‬
‫أبي عبيد‪ ,‬وكان يظهر التشيع ويبطن الكهانة وُيسر إلى‬
‫أخصائه إلى أنه يوحى إليه‪ .‬ولكن ما أدري هل كان يدعي‬
‫ف‬
‫ح ّ‬‫ظم وي ُ َ‬ ‫ضع له كرسي ي ُعَ ّ‬ ‫النبوة أم ل؟‪ ,‬وكان قد و ِ‬
‫بالرجال ويستر بالحرير‪ ,‬ويحمل على البغال‪ ,‬وكان ُيضاهى‬
‫به تابوت بني إسرائيل المذكور في القرآن‪ ,‬ول شك أنه‬
‫ل‪ ,‬أراح الله المسلمين منه بعدما انتقم به من‬ ‫كان ضال ً مض ً‬
‫وّلي‬ ‫وك َذَل ِ َ‬
‫ك نُ َ‬ ‫قوم آخرين من الظالمين ‪ ,‬قال تعالى‪َ + :‬‬
‫(‬ ‫‪2‬‬ ‫)‬

‫ن" ]النعام‪,[129:‬‬ ‫سُبو َ‬ ‫كاُنوا ي َك ْ ِ‬


‫ما َ‬ ‫ضا ب ِ َ‬
‫ع ً‬
‫ن بَ ْ‬
‫مي َ‬ ‫ض ال ّ‬
‫ظال ِ ِ‬ ‫ع َ‬
‫بَ ْ‬
‫وتسليط الظالم على الظالم سنة من سنن الله في حركة‬
‫المجتمعات واضحة المعالم في دراسة تاريخ النسانية‪.‬‬
‫‪ -3‬أسباب فشل حركة المختار‪:‬‬
‫أ‪ -‬نفور أشراف العرب في الكوفة ‪-‬وما يمثلون من‬
‫حول وقوة‪ -‬وقتالهم له‪ ,‬ثم توجه من سلم إلى‬
‫مصعب بن الزبير في البصرة واشتراكهم معه في‬
‫القتال ضد المختار‪.‬‬
‫ب‪ -‬إصابته بالغرور بحيث إنه طرد عمر بن علي بن أب‬
‫طالب لنه لم يحضر له كتاًبا من ابن الحنفية حيث‬
‫قال له‪ :‬انطلق حيث شئت فل خير لك عندي)‪,(3‬‬
‫فتركه وذهب إلى مصعب ليعود معه ليقاتله‪.‬‬
‫شا كبيًرا وانضمام المهلب بن أبي‬‫ج‪ -‬تجهيز مصعب جي ً‬
‫صفرة واشتراكه معه في القتال‪.‬بينما لم يشترك‬
‫قائد المختار ‪-‬إبراهيم بن الشتر‪ -‬ولذلك لم يكن القتال‬
‫متعاد ً‬
‫ل‪.‬‬
‫د‪ -‬اكتشاف كذب المختار‪ ,‬فقد قال الشعبي‪ :‬إن ابن‬

‫‪1‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/69‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر السابق )‪.(11/71‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ الدولة السلمية‪ ,‬ابن الطقطقي ص ‪ ,121‬عبد الله بن الزبير‪,‬‬
‫للناطور ص ‪.159‬‬

‫‪98‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫الحنفية لم يرسل مع المختار كتابا ً لبن الشتر)‪ ,(1‬ولم‬


‫تخف الرسالة عليه‪ ,‬فقد شك فيها لول من شهد مع‬
‫المختار‪ ,‬وقد عرف أشراف العرب ذلك وقالوا‪ :‬هذا‬
‫كذاب)‪.(2‬‬
‫هـ‪ -‬تخلي ابن الحنفية عن المختار‪ ,‬فقد قام على باب‬
‫الكعبة وقال‪ :‬إنه كان كذاًبا يكذب على الله‬
‫ورسوله)‪ ,(3‬بل أكثر من ذلك‪ ,‬فقد روى الطبري أن‬
‫ابن الحنفية كتب إلى شيعته‪ :‬فاخرجوا إلى المجالس‬
‫والمساجد فاذكروا الله علنية وسًرا‪ ,‬ول تتخذوا من‬
‫دون المؤمنين بطانة‪ ,‬فإن خشيتم على أنفسكم‬
‫فاحذروا على دينكم الكذابين)‪.(4‬‬
‫و‪ -‬ابتداع المختار لمر غريب في السلم؛ أل وهو‬
‫الكرسي‪ ,‬فقد جاء بكرسي ثم قال لصحابه‪ :‬إنه لم‬
‫يكن في المم الخالية أمر إل وهو كائن في هذه‬
‫المة مثله‪ ,‬وإنه كان في بني إسرائيل التابوت فيه‬
‫بقية مما ترك آل موسى وآل هارون ‪ ,‬وإن هذا فينا‬
‫مثل التابوت‪ ,‬اكشفوا عنه‪ ,‬فكشفوا عنه أثوابه‪,‬‬
‫وقامت السبئية فرفعوا أيديهم فكبروا ثلًثا)‪.(5‬‬
‫ز‪ -‬حاجة ابن الزبير الماسة إلى العراق؛ فهو مصدر‬
‫المال والرجال الوحيد بعد ضياع الشام ومصر‪ ,‬وبقاء‬
‫المختار في العراق يهدد مكانته ويقطع عليه الوصول‬
‫إلى بلد فارس التي ل تزال على طاعته)‪.(6‬‬
‫‪ -4‬الفرقة الكيسانية وعلقتها بالمختار‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ,‬للناطور ص ‪.159‬‬
‫‪2‬‬
‫)( إمبراطورية العرب ص ‪ ,156‬غلوب‪ ,‬نقل ً عن ابن الزبير‪ ,‬للناطور ص ‪.159‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الطبقات الكبرى )‪.(5/158‬‬
‫‪4‬‬
‫)(‪ (6) ,‬تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ,‬للناطور ص ‪.159‬‬
‫‪5‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن عبد اللهـ بن الزبير‪ ,‬للناطورـ ص ‪.159‬‬

‫‪6‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للناطور ص ‪.159‬‬

‫‪99‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫أما كيسان المنسوبة إليه فهو مختلف فيه)‪ ,(1‬لكن الذي‬


‫ل خلف عليه أن المختار بن أبي عبيد الثقفي تزعم الفرقة‬
‫سنة ‪66‬هـ بالكوفة‪ ,‬وكانت الفرقة الكيسانية من الشيعة‬
‫الغلة‪ ,‬وكان المختار الثقفي أول من أكد فكرة المهدية في‬
‫شخص محمد ابن الحنفية‪ ,‬حيث أطلق عليه لقب‬
‫»المهدي«‪ ,‬كما استخدم فكرة )البداء( وقد اشتهرت هذه‬
‫المقولة قبيل قتل المختار سنة ‪67‬هـ‪ ,‬وكان المختار‬
‫ضا‪ -‬يقول بالبداء الذي هو من أصول الرافضة الولى‪,‬‬ ‫‪-‬أي ً‬
‫فإن المختار كان قد تكهن بنصر أصحابه‪ ,‬فلما انهزموا زعم‬
‫أن الله بدا له)‪ ,(2‬وهذه الفكرة الشيطانية مكنته من تغيير‬
‫آرائه من حين لخر‪ ,‬هذا فضل ً عن إظهار نفسه بمظهر‬
‫النبي‪ ,‬وإقراره لفكرة الكرسي الذي ادعى أنه يعود للمام‬
‫علي ‪ ,‬إلى غير ذلك من الراء المبتدعة)‪ ,(3‬وقد تطورت‬
‫معتقدات الكيسانية ودخلوا في النفق الشيطاني المظلم‪,‬‬
‫وكانوا يقولون بإمامة محمد بن علي المعروف بابن‬
‫الحنفية‪ ,‬لنه دفع إليه الراية بالبصرة)‪ .(4‬وقالوا بالتناسخ‪,‬‬
‫ويزعمون أن المامة جرت في علي ثم في الحسن ثم في‬
‫الحسين ثم في محمد ابن الحنفية‪ ,‬ومعنى ذلك أن روح‬
‫الله صارت في النبي ×‪ ,‬وروح النبي × صارت في علي‪,‬‬
‫وروح الحسين صارت في محمد ابن الحنفية‪ ,‬وروح ابن‬
‫الحنفية صارت في ابنه أبي هاشم)‪ .(5‬ويعتقدون في ابن‬
‫الحنفية اعتقاًدا فوق حده ودرجته‪ ,‬من إحاطته بالعلوم كلها‪,‬‬
‫واقتباسه من )السيدين( السرار بجملتها من علم التأويل‬
‫والباطن‪ ,‬وعلم الفاق والنفس)‪ .(6‬والحق أن ابن الحنفية‬
‫لم يقر الغلو الذي قيل فيه‪ ,‬ولم يعترف بأنه المهدي‬
‫المنتظر‪ ,‬وروى ابن سعد حديًثا رفعه إلى أبي العريان‬
‫‪1‬‬
‫)( أهو كيسان مولى علي بن أبي طالب الذي قتل يوم صفين؟ أم كيسان‬
‫تلميذ محمد ابن الحنفية؟ أم كيسان رئيس حرس المختار بن عبيد الثقفي؟‬
‫أم هو المختار نفسه لنه كان يسمى كيسان ويكنى أبا عمرة وأبا إسحاق؟‬
‫)الملل والنحل ‪.(1/133‬‬
‫‪2‬‬
‫فرق ص ‪ ,56،55‬دراسات في الهواء والفرق ص ‪.248‬‬
‫فرق بين ال ِ‬
‫)( ال َ‬
‫‪3‬‬
‫)( نشأة الحركات السياسية والدينية في السلم‪ ,‬د‪.‬فاروق فوزي ص ‪.101‬‬
‫‪4‬‬
‫)( المقالت والفرق ص ‪ ,26‬الشيعة العربية والزيدية ص ‪.258‬‬
‫‪5‬‬
‫)( الملل والنحل )‪.(1/131‬‬
‫‪6‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫دا أنهم يقولون إن عندهم شيًئا‬ ‫المجاشعي قال‪ :‬فبلغ محم ً‬


‫‪-‬أي من العلم‪ -‬قال‪ :‬فقام فينا وقال‪ :‬إنا ‪-‬والله‪ -‬ما ورثنا من‬
‫رسول الله × إل ما بين هذين اللوحين‪ .‬ثم قال‪ :‬اللهم خل‬
‫وهذه الصحيفة في ذؤابة سيفي‪ .‬فسألت‪ :‬وما كان في‬
‫الصحيفة؟ قال‪ :‬من أحدث حدًثا أو آوى محدًثا)‪.(1‬‬
‫وقال محمد للرجل الذي قابله وسأله عن أشياء سرية‬
‫نميت إلى الرجل عن محمد‪ :‬أما بعد‪ ,‬فإياكم وهذه‬
‫الحاديث فإنها عيب عليكم‪ ,‬وعليكم بكتاب الله‪ ,‬فإنه به‬
‫دي أولكم وبه ُيهدى آخركم)‪ ..(2‬ويظهر أن المختار هو‬ ‫هُ ِ‬
‫الذي روج فكرة مهدية محمد لسباب سياسية‪ ,‬أي أنه أراد‬
‫أن يحكم باسمه دون إشراكه بالسلطة الفعلية‪ .‬وعندما هم‬
‫ابن الحنفية أن يقدم إلى الكوفة‪ ,‬وبلغ ذلك المختار ثقل‬
‫عليه قدومه‪ ,‬فقال‪ :‬إن في المهدي علمة‪ ,‬يقدم بلدكم هذه‬
‫فيضربه رجل في السوق بالسيف فل تضره‪ ..‬فبلغ ذلك ابن‬
‫الحنفية فأقام)‪.(3‬‬
‫وقال كثير عزة في ابن الحنفية‪:‬‬
‫ولة الحق أربعة سواء‬ ‫إل إن الئمة من قريش‬
‫هم السباط ليس بهم‬ ‫ي والثلثة من بنيه‬
‫عل ّ‬
‫خفاء‬
‫وسبط غيبته كربلء‬ ‫فسبط سبط إيمان وبّر‬
‫يقود الخيل يقدمها لواء‬ ‫وسبط ل تراه العين‬
‫حتى‬
‫)‪(4‬‬
‫وماء‬ ‫تغيّب ل ُيرى عنهم زماًنا‬
‫سا‪ :‬حركة عمرو بن سعيد بن العاص )الشدق( ومقتله‪:‬‬
‫ساد ً‬
‫نصت مقررات مؤتمر الجابية ‪-‬كما أشرنا‪ -‬على أن تكون‬
‫الخلفة لعمرو بن سعيد الشدق بعد مروان بن الحكم‬
‫وخالد بن يزيد بن معاوية‪ ,‬وتجاوز مروان عمًرا وبايع لبنيه‬
‫‪1‬‬
‫)( الشيعة العربية والزيدية ص ‪.259‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الطبقات )‪.(5/70‬‬
‫‪3‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(4/118‬‬
‫‪4‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(4/112‬‬

‫‪101‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫عبد الملك‪ ,‬وعبد العزيز‪ ,‬المر الذي أثار نقمة عمرو‪,‬‬


‫بعكس خالد بن يزيد الذي انصرف إلى العلم‪ ,‬لسيما‬
‫الكيمياء)‪ ,(1‬وفي أول سنة ‪69‬هـ خرج عبد الملك بجنوده‬
‫يريد قرقيسيا‪ ,‬ليحاصر فيها زفر بن الحارث‪ ,‬واستخلف‬
‫على دمشق عمرو بن سعيد بن أبي العاص‪ ,‬ولم يكد عبد‬
‫الملك يخرج بجيشه من دمشق‪ ,‬حتى تحصن عمرو بن‬
‫سعيد‪ ,‬وأخذ ما في بيت المال من الموال‪ ,‬وتذكر رواية‬
‫أخرى أن عمرو بن سعيد كان مع عبد الملك حين خرج إلى‬
‫قرقيسيا‪ ,‬ولكنه استغل فرصة الليل‪ ,‬وانخذل هو وجماعة‬
‫معه من الجيش‪ ,‬ورجعوا إلى دمشق‪ ,‬ففر والي دمشق من‬
‫قبل عبد الملك ‪-‬عبد الرحمن بن أم الحكم الثقفي‪ -‬ودخلها‬
‫عمرو بن سعيد واستحوذ على ما فيها من الخزائن)‪ (2‬وبعث‬
‫عمرو إلى عبد الرحمن ابن أم الحكم فلم يجده‪ ,‬فأمر بهدم‬
‫بيته‪ ,‬واجتمع الناس وصعد عمرو المنبر فحمد الله وأثنى‬
‫عليه ثم قال‪ :‬أيها الناس‪ ,‬إنه لم يقم أحد من قريش قبلي‬
‫على هذا المنبر إل زعم أن له جنة وناًرا‪ ,‬يدخل الجنة من‬
‫أطاعه‪ ,‬والنار من عصاه‪ ,‬وإني أخبركم أن الجنة والنار بيد‬
‫ي حسن‬ ‫ي‪(3‬من ذلك شيء‪ ,‬غير أن لكم عل ّ‬ ‫الله‪ ,‬وأنه ليس إل ) ّ‬
‫المواساة والعطية ‪ ,‬وأصبح عبد الملك فسأل عن عمرو‬
‫بن سعيد فلم يجده‪ ,‬فكر راجًعا إلى دمشق‪ ,‬فوجد عمًرا‬
‫وقد تحصن بها‪ ,‬ودارت بينهما معركة استمرت ستة عشر‬
‫ما)‪ ,(4‬ويبدو أن عبد الملك قد رأى موقف عمرو قوًيا حيث‬ ‫يو ً‬
‫كان متحصًنا بقلعة رومية منيعة‪ ,‬فعرض الصلح فتصالحا‬
‫على ترك القتال)‪.(5‬‬
‫‪ -1‬شروط عمرو بن سعيد بن العاص‪ :‬كانت شروطه‬
‫كالتي‪ :‬على أن لعمرو بن سعيد الخلقة بعد عبد الملك ‪,‬‬
‫)‪(6‬‬

‫وأن يكون له عامل مع كل عامل لعبد الملك‪ ,‬وأن‬


‫‪1‬‬
‫)( تاريخ خلفة بني أمية‪ ,‬نبيه عاقل ص ‪.152‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/114‬‬
‫‪3‬‬
‫)(‪ (2) ,‬البداية والنهاية )‪.(11/115‬‬
‫‪4‬‬
‫)(‬

‫‪5‬‬
‫)( المويون‪ ,‬للوكيل )‪.(1/369‬‬

‫‪102‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫يستشيره في كل صغيرة وكبيرة)‪ (1‬ويوليه الديوان وبيت‬


‫المال)‪ .(2‬وتبرز كتب التاريخ أسباًبا عديدة دعت عبد الملك‬
‫للقبول بهذه الشروط منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬انقسام قبيلة كلب ‪-‬ذات القوة والتأثير السياسي في‬
‫الحداث‬
‫آنذاك‪ -‬بين عبد الملك وعمرو الشدق مما جعل‬
‫كسب المعركة بالقوة يؤدي إلى خسائر فادحة لكل‬
‫الطرفين‪ ,‬ولم يكن لصالح كلب التي فرضت‬
‫الصلح)‪.(3‬‬
‫ب‪ -‬سيطرة عمرو الشدق على مدينة دمشق التي تعد‬
‫العاصمة ‪-‬آنذاك‪ -‬وفيها بيت المال وديوان الجند‬
‫اللذان يعدان عصب الحياة وكسب المؤيدين آنذاك‪.‬‬
‫ج‪ -‬وقوف أكثر القبائل اليمانية الخرى على الحياد‪,‬‬
‫وعدم تدخلها في الصراع‪ ,‬مما يجعل القرار الفعلي‬
‫للصلح بيد قبيلة كلب ذاتها)‪.(4‬‬
‫د‪ -‬قوة عمرو بن الشق في الشام ‪-‬خاصة في دمشق‪-‬‬
‫فقد أيدته دمشق‪ ,‬فضل ً عن زعيم بجيلة عبد الله بن‬
‫كريز القسري الذي كان مع شرطته)‪.(5‬‬
‫هـ‪ -‬ويمكن أن يكون قبول التفاقية من قبل عبد الملك‬
‫لحل النزاع سلمًيا‪ ,‬ثم القيام بقتل عمرو بن الشدق‬
‫بعد اتفاقه مع بعض زعماء الشام وبني أمية)‪.(6‬‬
‫‪ -2‬غدر عبد الملك بابن عمه عمرو بن سعيد‪ :‬وبعد عقد‬

‫‪6‬‬
‫)( الدور السياسي لهل اليمن في الشام ص ‪.85‬‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ خليفة‪ ,‬نقل ً عن الدور السياسي لهل اليمن ص ‪.85‬‬
‫‪2‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪.(4/139‬‬
‫‪3‬‬
‫)( نهاية الرب )‪ ,(21/102‬الدور السياسي لهل اليمن ص ‪.86‬‬
‫‪4‬‬
‫)(‪ (2) ,‬الدور السياسي لهل اليمن ص ‪.87‬‬
‫‪5‬‬
‫)(‬

‫‪6‬‬
‫)( الكامل في التاريخ‪ ,‬نقل ً عن الدور السياسي لهل اليمن ص ‪.87‬‬

‫‪103‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الصلح ودخول عبد الملك دمشق بأربعة أيام‪ ,‬أرسل إلى‬


‫عا بين‬ ‫عمرو أن ائتني‪ ..‬فلما كان بعد الظهر لبس عمرو در ً‬
‫ثيابه‪ ,‬وتقلد سيفه‪ ,‬فلما نهض عثر في البساط‪ ,‬فقالت‬
‫امرأته وبعض من كان حاضًرا عنده‪ :‬إنا ل نرى أن تذهب‬
‫إليه‪ ,‬فلم يعبأ بكلمهم‪ ,‬ومضى في مائة من عبيده‪ ,‬وكان‬
‫عبد الملك قد أمر بني مروان بالحضور عنده‪ ,‬وأمر حاجبه‬
‫غلقت‬ ‫أن يدخل ابن سعيد ويغلق الباب دون من معه‪ ..‬ثم ُ‬
‫البواب واقترب عمرو من عبد الملك‪ ,‬فرحب به وأجلسه‬
‫ل‪ .‬ثم إن عبد الملك‬ ‫معه على السرير‪ ,‬ثم جعل يحدثه طوي ً‬
‫قال‪ :‬يا غلم‪ ,‬خذ السيف عنه‪ ,‬فقال عمرو‪ :‬إنا لله يا أمير‬
‫دث معي‬ ‫المؤمنين‪ ,‬فقال له عبد الملك‪ :‬أو تطمع أن تتح ّ‬
‫دا سيفك؟ فأخذ الغلم السيف عنه‪ ,‬ثم تحدثا ساعة‪,‬‬ ‫متقل ً‬
‫ثم قال له عبد الملك‪ :‬يا أبا أمية‪ .‬قال‪ :‬لبيك يا أمير‬
‫المؤمنين‪ ,‬قال‪ :‬إنك حيث خلعتني آليت بيميني إن ملت‬
‫عيني منك وأنا مالك لك أن أجمعك في جامعة‪ .‬فقال بنو‬
‫مروان‪ :‬تم تطلقه يا أمير المؤمنين؟ قال‪ :‬ثم ُأطلقه‪ ,‬وما‬
‫عسيت أن أفعل بأبي أمية؟ فقال بنو مروان‪ :‬أبّر قسم‬
‫أمير المؤمنين‪ ,‬فقال عمرو‪ :‬فأبّر قسمك يا أمير المؤمنين‪.‬‬
‫فأخرج عبد الملك من تحت فراشه جامعة فطرحها إليه‪ ,‬ثم‬
‫قال‪ :‬يا غلم‪ ,‬قم فاجمعه فيها‪ .‬فقام الغلم فجمعه فيها‪,‬‬
‫فقال عمرو‪ُ :‬أذك ُّرك الله يا أمير المؤمنين أن تخرجني فيها‬
‫على رءوس الناس‪ ,‬فقال عبد الملك‪ :‬أمكًرا يا أبا أمية عند‬
‫الموت؟ لها الله إًذا‪ ,‬ما كنا لنخرجك في جامعة على‬
‫رءوس الناس ولما نخرجها منك إل صعدًا)‪ .(1‬ثم اجتذبه‬
‫اجتذابة أصاب فمه السرير فكسر ثنيته‪ ,‬فقال عمرو‪:‬‬
‫كرك الله يا أمير المؤمنين أن يدعوك كسر عظيم إلى ما‬ ‫ُأذ ّ‬
‫هو أعظم من ذلك‪ .‬فقال عبد الملك‪ :‬والله لو أعلم أنك إذا‬
‫بقيت تفي لي وتصلح قريش لطلقتك‪ ,‬ولكن ما اجتمع‬
‫رجلن قط في بلد على ما نحن عليه إل أخرج أحدهما‬
‫صاحبه)‪ ,(2‬وجاء في رواية‪ :‬أن عبد الملك كلف أخاه عبد‬

‫‪1‬‬
‫)( الصعد‪ :‬المشقة‪ .‬وعذاب صعد‪ :‬شديد‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/117‬‬

‫‪104‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫العزيز بقتله‪ ,‬وخرج لصلة العصر‪ ,‬ولما رجع من صلته وجد‬


‫أخاه لم يقتله‪ ,‬فلمه وسبه وسب أمه ‪-‬ولم تكن أم عبد‬
‫العزيز أم عبد الملك‪ -‬فقال‪ :‬إنه ناشدني الله والرحم ‪-‬وكان‬
‫ابن عمة عبد الملك بن مروان‪ -‬ثم إن عبد الملك قال‪ :‬يا‬
‫غلم‪ ,‬ائتني بالحربة‪ ,‬فأتاه بها‪ ,‬فهزها وضربه بها فلم تغن‬
‫شيًئا‪ ,‬ثم ثنى فلم تغن شيًئا‪ ,‬فضرب بيده إلى عضد عمرو‬
‫ضا‪ ,‬إن كنت‬‫فوجد مس الدرع فضحك وقال‪ :‬ودارع ٌ أي ً‬
‫دا‪ ,‬يا غلم‪ ,‬ائتني بالصمصامة‪ ,‬فأتاه بسيفه ثم أمر‬ ‫لمع ً‬
‫صرع‪ ,‬فجلس على صدره فذبحه وهو يقول‪:‬‬ ‫بعمرو ف ُ‬
‫أضربك حيث تقول الهامة‬ ‫يا عمرو إن لم تدع شتمي‬
‫اسقوني‬ ‫ومنقصتي‬
‫وانتفض عبد الملك بعد ما ذبحه كما تنتفض القصبة‬
‫دا‪ ,‬بحيث إنهم ما رفعوه عن صدره إل‬ ‫برعدة شديدة ج ً‬
‫ل‪ ,‬فوضعوه على سريره وهو يقول‪ :‬ما رأيت مثل هذا‬ ‫محمو ً‬
‫قط قبله‪ ,‬صاحب دنيا ول طالب آخرة‪ .‬ودفع الرأس إلى‬
‫عبد الرحمن بن أم الحكم‪ ,‬فخرج به للناس فألقاه بين‬
‫أظهرهم‪ ,‬وخرج‬
‫عبد العزيز بن مروان ومعه البدُر من الموال تحمل‪,‬‬
‫)‪(1‬‬

‫فُألقيت بين الناس فجعلوا يختطفونها‪ ,‬ويقال‪ :‬إنها‬


‫استرجعت بعد ذلك إلى بيت المال‪ ,‬ويقال‪ :‬إن الذي ولى‬
‫قتل عمرو بن سعيد مولى عبد الملك أبو الّزعيزعة بعد ما‬
‫خرج عبد الملك في الصلة)‪ .(2‬وهكذا تخلص عبد الملك من‬
‫منافس قوي له‪ ,‬ولم يبال بنقض العهود‪ ,‬وسفك الدماء‪,‬‬
‫فالطريق نحو الملك جعله يتخلص من ابن عمته عمرو بن‬
‫سعيد‪ ,‬ومن أحب الصدقاء إليه مصعب بن الزبير‪ ,‬ومن‬
‫أفضل أهل الرض في زمانه ‪-‬على حد تعبيره‪ -‬عبد الله بن‬
‫الزبير‪.‬‬
‫سابًعا‪ :‬مصالحة عبد الملك للروم والتضييق على الجراجمة‪:‬‬
‫را ً للضطرابات الداخلية في دولة عبد الملك اضطر‬ ‫نظ‬
‫إلى مصالحة الروم على أن يدفع لهم ‪365‬ألف قطعة ذهبية‪,‬‬
‫دا أصيل ً سنو ً‬
‫يا‪ ,‬وأن تقتسم الدولة‬ ‫دا و ‪ 330‬جوا ً‬
‫و ‪ 360‬عب ً‬

‫‪1‬‬
‫)( البدر‪ :‬جمع بدرة‪ :‬وهي كيس فيه مقدار من المال يتعامل ويقدم في‬
‫العطايا‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/119‬‬

‫‪105‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫البيزنطية والدولة الموية خراج قبرص وأرمينيا)‪ ,(3‬وارتهن‬


‫منهم رهائن وضعهم في بعلبك)‪(4‬في مقابل ذلك يسحب ملك‬
‫الروم الجراجمة إلى وسط المبراطورية البيزنطية)‪ ,(5‬ولم‬
‫يمتنع عبد الملك عن مصالحة الجراجمة في جبل اللكام‪,‬‬
‫ووافق على أن يدفع لهم ألف دينار كل جمعة)‪ ,(6‬ولكن‬
‫سرعان ما سنحت الفرصة لعبد الملك للتخلص من‬
‫الجراجمة‪ ,‬فبعد أن عقد الصلح معهم أرسل أحد قادته‬
‫الثقات ‪-‬سحيم بن المهاجر‪ -‬إلى القائد البيزنطي الذي كان‬
‫على رأس الجراجمة‪ ,‬ونجح في كسب ثقته‪ ,‬ثم كاده بقوات‬
‫دبرها لهذا الشأن‪ ,‬فقتل القائد البيزنطي وهرب أصحابه‬
‫وأمن الباقين‪ ,‬فرجع العبيد إلى أسيادهم‪ ,‬والنباط إلى‬
‫قراهم)‪ (7,‬كما أن التفاقية مع الدولة البيزنطية لم تدم طوي ً‬
‫ل‪,‬‬
‫لن الروم نقضوا العهد‪ ,‬كما أن عبد الملك استطاع القضاء‬
‫على ابن الزبير وتوحيد الدولة تحت زعامته؛ مما جعله يفكر‬
‫بالرد على تحديات البيزنطيين المتكررة‪ ,‬فعين أخاه محمد بن‬
‫مروان سنة ‪73‬هـ)‪ ,(8‬فشرع في غزوهم سنة ‪ 74‬هـ)‪.(9‬‬
‫ثامًنا‪ :‬زفر بن الحارث الكلبي‪:‬‬
‫ظل القيسيون الموتورون في مرج راهط على ولئهم‬
‫لبن الزبير‪ ,‬وكان أحد كبار زعمائهم ‪-‬زفر بن الحارث‬
‫الكلبي‪ -‬قد فر إلى قرقيسيا‪ ,‬وتحصن بها‪ ,‬وثابت إليه قيس‪,‬‬
‫زا لشن الغارات على كلب في‬ ‫وأصبح تجمعه هناك مرك ً‬
‫غا لعبد‬
‫جا بال ً‬
‫المناطق المجاورة له‪ ,‬مما كان يسبب إحرا ً‬
‫الملك الذي كان يطمح إلى استعادة بقية بلدان العالم‬
‫السلمي تحت سيادته وسلطانه‪ ,‬وكان في هذه الفترة يوجه‬
‫كل جهوده لستعادة العراق من سيطرة مصعب بن الزبير‪,‬‬
‫وكان لبد لعبد الملك إذا أراد أن يضم إليه العراق‪ ,‬وينهي‬
‫‪3‬‬
‫الدولة البيزنطية ص ‪ ,158‬الدور السياسي لهل اليمن ص ‪.90‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫فتوح البلدان )‪.(1/190‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫فتوح البلدان )‪ ,(1/190‬الدور السياسي لهل اليمن ص ‪.90‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ,(5/300،299‬الدور السياسي ص ‪.90‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫أنساب الشراف )‪.(5/301‬‬ ‫)(‬
‫‪8‬‬
‫الكامل لبن الثير‪ ,‬نقل ً عن الدور السياسي ص ‪.92‬‬ ‫)(‬
‫‪9‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪(3/84‬‬ ‫)(‬

‫‪106‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫سيطرة الزبيريين عليه‪ ,‬من أن ينهي اعتصام زفر ابن‬


‫الحارث في قرقيسيا‪ ,‬فسار إليه في جيشه الذي كان قد‬
‫جهزه لحرب مصعب ابن الزبير‪ ,‬وبدأ بزفر أول ً فحاصره‪,‬‬
‫ولكن رجال زفر أبدوا بطولة عجيبة‪ ,‬وانتزعوا إعجاب عبد‬
‫الملك الذي قال‪ :‬ل يبعد الله رجال مضر‪ ,‬والله إن قتلهم‬
‫لذل‪ ,‬وإن تركهم لحسرة)‪.(1‬‬
‫ولجأ عبد الملك إلى المسالمة‪ ,‬وكتب إلى زفر يدعوه‬
‫إلى طاعته ويرغبه فيها‪ ,‬ويهدده إن لم يقبل ذلك‪ ,‬وبعد جهود‬
‫ومفاوضة أرسل إليه زفر يجيبه إلى طلبه‪ ,‬ويشترط عليه أن‬
‫صا لبن الزبير أو ينضم إلى‬ ‫يبقى له الخيار في أن يظل مخل ً‬
‫عبد الملك‪ ,‬ورغم ذلك فقد وافق على شرطه‪ ,‬وأعطاه‬
‫المان هو وابنه وقائده الهذيل بن زفر‪ ,‬وجميع أتباعهما‪ ,‬ولم‬
‫يأخذ بمال أو دم أهدره‪ ,‬بل أعطى عبد الملك الزعيم‬
‫القيسي مبلغا ً من المال يوزعه بين أتباعه‪ ,‬ثم اختتم ذلك‬
‫العمل بأن زوج ابنه مسلمة بن عبد الملك بالرباب بنت زفر‬
‫بن الحارث‪ ,‬كما أمر زفر ابنه الهذيل أن ينضم إلى جيش‬
‫عبد الملك المتجه إلى حرب مصعب ابن الزبير‪ ,‬إذ لم يكن‬
‫على ولده ما عليه هو من بيعة ابن الزبير)‪ ,(2‬وحرص عبد‬
‫الملك على تحقيق التوازن بين القبائل اليمانية والقيسية‪,‬‬
‫وجعل في أصحابه زفر بن الحارث الكلبي وابنيه الهذيل‬
‫وكوثرا ً وعبد الله بن مسعدة الفزاري وغيرهم من زعماء‬
‫قيس‪ ,‬كما كان في أصحابه حسان بن مالك الكلبي‪,‬وروح بن‬
‫زنباع الجذامي‪ ,‬ورجاء بن حيوة الكندي وغيرهم من زعماء‬
‫اليمانية‪ ,‬وكما عدل بين الفريقين في مجلسه عدل بينهم في‬
‫وظائفه؛ فكان يختار ولته على المصار من القيسية غالًبا‬
‫بينما يختار موظفي بلطه من اليمانية‪ ..‬وهكذا)‪.(3‬‬
‫تاسًعا‪ :‬ضم العراق والقضاء على مصعب بن الزبير‪:‬‬
‫بعد أن استعاد ابن الزبير نفوذه على العراق أصبحت‬
‫‪1‬‬
‫)( الكامل في التاريخ )‪.(3/61‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(3/62‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الدولة الموية المفترى عليها ص ‪.386‬‬

‫‪107‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫المواجهة محتومة بينه وبين عبد الملك‪ ,‬الذي قرر أن يقود‬


‫المعركة بنفسه بعد أن شاور خاصته في ذلك‪ ,‬فمنهم من‬
‫دا من أهله‬
‫أشار عليه أن يقيم في الشام‪ ,‬ويرسل واح ً‬
‫ليقود الجيش‪ ,‬ومنهم من أشار عليه بأن يسير بنفسه‪,‬‬
‫فمال هو إلى هذا الرأي‪ .‬وقال‪ :‬إنه ل يقوم بهذا المر إل‬
‫قرشي له رأي‪ ,‬ولعلي أبعث من له شجاعة ول رأي له‪,‬‬
‫وإني بصير بالحرب‪ ,‬شجاع بالسيف‪ ,‬إن احتجت إليه‪,‬‬
‫ومصعب شجاع من بيت شجاعة ولكنه ل علم له بالحرب‪..‬‬
‫ومعه من يخالفه‪ ,‬ومعي من ينصح لي)‪.(1‬‬
‫عزم عبد الملك ‪-‬إذن‪ -‬على السير إلى العراق لنتزاعه‬
‫من ابن الزبير‪ ,‬وكان ذلك في سنة ‪71‬هـ‪ ,‬أي بعد أربع‬
‫سنين من القضاء على المختار‪ ,‬ولعله أخر الصدام مع ابن‬
‫دا‪ ,‬فهو لم يشأ أن يسير إلى‬ ‫الزبير إلى هذا الوقت متعم ً‬
‫العراق إل بعد أن يوطد دعائم حكمه في الشام‪ ,‬فقضى‬
‫هذه السنين في تحقيق هذا الهدف‪ ,‬فقد حل مشاكله مع‬
‫ما في قرقيسيا ‪,‬‬
‫)‪(2‬‬
‫زفر بن الحارث الكلبي الذي كان معتص ً‬
‫مهدًدا بذلك إقليم الجزيرة كله‪ ,‬وقد عالج عبد الملك‬
‫مشكلة زفر بالحكمة والسياسة‪ ,‬واصطلح معه‪ ,‬وأنهى بذلك‬
‫مسألة قرقيسيا التي استمرت حوالي سبع سنين كالشوكة‬
‫في جنب دولته‪ ,‬وأحكم سيطرته على إقليم الجزيرة)‪ ,(3‬ثم‬
‫تخلص من منافسه الخطير‪ ,‬وهو عمرو بن سعيد‬
‫الشدق)‪ ,(4‬ولما أراد الخروج للعراق ودع زوجته عاتكة بنت‬
‫يزيد بن معاوية‪ ,‬فبكت وبكى جواريها لبكائها‪ ,‬فقال‪ :‬قاتل‬
‫الله كثير عزة لكأنه يشاهدنا حين قال‪:‬‬
‫عقد ُ د ُرٍ يزينها‬
‫ن عليها ِ‬ ‫حصا ٌ‬ ‫إذا ما أراد الغزو لم‬
‫يثن همه‬
‫)‪(5‬‬
‫قطينها‬ ‫نهته فلما لم تر النهي‬
‫عاقه‬
‫‪1‬‬
‫)( الكامل في التاريخ )‪.(3/51‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(3/59‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الكامل في التاريخ‪ ,‬نقل ً عن العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.501‬‬
‫‪4‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/119‬‬

‫‪108‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫وسارع عبد الملك إلى العراق بجيشه‪ ,‬وجعل على‬


‫مقدمته أخاه محمد بن مروان‪ ,‬ونزل بمسكن‪ ,‬وكان مصعب‬
‫قد علم بمسيره‪ ,‬ونزل بمسكن مقدمته إبراهيم بن الشتر‪,‬‬
‫ونزل باجميرا)‪ (,1‬وأخذ عبد الملك يكاتب زعماء أهل العراق‬
‫من جيش مصعب يعدهم ويمنيهم‪ ,‬وكان إبراهيم بن الشتر‬
‫قائد جيوش المختار الثقفي قد انضم إلى مصعب بعد مقتل‬
‫ما‬‫ضا‪ ,‬فأخذ الكتاب مختو ً‬‫المختار‪ ,‬وكتب إليه عبد الملك أي ً‬
‫ودفعه إلى مصعب‪ ,‬فقال له‪ :‬ما فيه؟ فقال له‪ :‬ما قرأته‪,‬‬
‫فقرأه مصعب فإذا هو يدعوه إلى نفسه‪ ,‬ويجعل له ولية‬
‫العراق‪ ,‬فقال لمصعب‪ :‬إنه ‪-‬والله‪ -‬ما كان من أحد آيس منه‬
‫مني‪ ,‬ولقد كتب إلى أصحابك كلهم بمثل الذي كتب إلي‪,‬‬
‫فأطعني فيهم فاضرب أعناقهم‪ ,‬قال‪ :‬إ ً‬
‫ذا ل تنصحنا‬
‫دا‪ ,‬وابعث بهم إلى أبيض‬ ‫عشائرهم‪ ,‬قال‪ :‬فأوقرهم حدي ً‬
‫كسرى فاحبسهم هناك‪ ,‬ووكل بهم على عشائرهم‪ ,‬فقال‪ :‬يا‬
‫أبا النعمان‪ ,‬إني لفي شغل عن ذلك‪ ,‬يرحم الله أبا بحر‬
‫‪-‬الحنف بن قيس‪ -‬إنه كان ليحذرني غدر أهل العراق‪ ,‬كأنه‬
‫ينظر إلى ما نحن فيه)‪.(2‬‬
‫وهذا ليس غريًبا على أهل العراق‪ ,‬فلهم في الغدر‬
‫وتغيير المواقف سجل حافل‪ .‬بل لقد صرح عبد الملك بأن‬
‫كتبهم كانت تأتيه يدعونه إليهم قبل أن يكتب هو إليهم)‪.(3‬‬
‫ولم يكن هذا خافًيا في معسكر مصعب‪ ,‬فعندما استدعى‬
‫المهلب بن أبي صفرة ‪-‬وكان من رجاله في ذلك الوقت‪-‬‬
‫يستشيره‪ ,‬قال له‪ :‬أعلم أن أهل العراق قد كاتبوا عبد‬
‫الملك وكاتبهم‪ ,‬فل تبعدني عنك‪ .‬فقال مصعب‪ :‬إن أهل‬
‫البصرة قد أبوا أن يسيروا حتى أجعلك على قتال الخوارج‪,‬‬
‫وهم قد بلغوا سوق الهواز‪ ,‬وأنا أكره إذا سار عبد الملك‬
‫ي أل أسير إليه‪ ,‬فاكفني هذا الثغر)‪ .(4‬في الوقت الذي‬
‫إل ّ‬
‫‪5‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪ ,(3/51‬قطينها‪ :‬خدمها‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪1‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(7/43‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(3/52‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المصدر نفسه )‪.(3/52‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(3/51‬‬ ‫)(‬

‫‪109‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫كان عبد الملك يكاتب فيه زعماء أهل العراق من قواد‬


‫مصعب والذين قبلوا التخلي عنه والنضمام إليه)‪(1‬؛ كان‬
‫صا على أل يقاتل مصعًبا‪ ,‬للمودة والصداقة القديمة‬ ‫حري ً‬
‫التي كانت بينهما‪ ,‬فأرسل إليه رجل ً من كلب‪ ,‬وقال له‪:‬‬
‫أقرئ ابن أختك السلم ‪ -‬وكانت أم مصعب كلبية‪ -‬وقل له‬
‫يدع دعاءه إلى أخيه‪ ,‬وأدع دعائي إلى نفسي‪ ,‬ويجعل المر‬
‫شورى‪ ,‬فقال له مصعب‪ :‬قل له‪ :‬السيف بيننا)‪.(2‬‬
‫ثم حاول عبد الملك محاولة أخرى؛ فأرسل إليه أخاه‬
‫دا ليقول له‪ :‬إن ابن عمك يعطيك المان‪ ,‬فقال‬ ‫محم ً‬
‫مصعب‪ :‬إن مثلي ل ينصرف عن مثل هذا الموقف إل غالًبا‬
‫أو مغلوًبا)‪ .(3‬ثم دارت المعركة فبدأت خيانات أهل العراق‬
‫تظهر‪ ,‬فقد أمد مصعب إبراهيم بن الشتر بعّتاب بن ورقاء‪,‬‬
‫وهو من الذين كانوا كاتبوا عبد الملك‪ ,‬فاستاء إبراهيم من‬
‫ذلك وقال‪ :‬قد قلت له ل تمدني بعتاب وضربائه‪ ,‬إنا لله وإنا‬
‫إليه راجعون‪ ,‬فانهزم عتاب بالناس‪ .‬فلما انهزم صبر ابن‬
‫الشتر فقتل)‪ ,(4‬فكان مقتله خسارة كبرى لمصعب‪ ,‬لنه‬
‫صا له غاية الخلص‪ ,‬ولذلك لما‬ ‫‪-‬فوق شجاعته‪ -‬كان مخل ً‬
‫ً‬
‫اشتد القتال على مصعب وتحرج موقفه صاح قائل‪ :‬يا‬
‫إبراهيم ول إبراهيم لي اليوم)‪ ,(5‬تخلى أهل العراق عن‬
‫)‪(6‬‬
‫مصعب وخذلوه‪ ,‬حتى لم يبق معه سوى سبعة رجال‬
‫ولكنه ظل يقاتل في شجاعة وبسالة‪ ,‬حتى أثخنته الجراح‪,‬‬
‫وأخيًرا قتله زياد بن ظبيان‪.‬‬
‫وكان مقتله في المكان الذي دارت فيه المعركة على‬
‫قصر دجيل عند دير الجاثليق)‪ (7‬في جمادى الخرة سنة‬
‫‪72‬هـ‪ .‬فلما بلغ عبد الملك مقتله قال‪ :‬واروه‪ ,‬فقد ‪-‬والله‪-‬‬
‫‪1‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(7/44‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(3/52‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(7/45‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(3/53‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(7/45‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫الكامل في التاريخ )‪.(3/54،53‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫تاريخ الطبري )‪.(7/44‬‬ ‫)(‬

‫‪110‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫كانت الحرمة بيننا قديمة‪ ,‬ولكن هذا الملك عقيم)‪ ,(1‬وبمقتل‬


‫مصعب انتهت المعركة‪ ,‬فدخل عبد الملك الكوفة‪ ,‬وبايعه‬
‫أهلها‪ ,‬وعاد العراق إلى حظيرة الدولة الموية‪ .‬وعين عبد‬
‫شا‬‫الملك أخاه بشًرا والًيا عليها‪ ,‬وقبل أن يغادرها أعد جي ً‬
‫للقضاء على ابن الزبير بمكة‪.‬‬
‫‪ -1‬أسباب هزيمة مصعب بن الزبير‪ :‬هناك أسباب كثيرة‬
‫أسهمت في هزيمة مصعب بن الزبير منها‪:‬‬
‫أ‪ -‬عدم اشتراك المهلب بن أبي صفرة ومن معه من‬
‫الجنود‪ ,‬وهو المقاتل العنيد والخبير في شئون‬
‫الحرب‪ ,‬وإصرار مصعب بن الزبير على بقائه في‬
‫ما بأن‬
‫قتال الخوارج بناء على رغبة)‪(2‬أهل البصرة‪ ,‬عل ً‬
‫المهلب قال‪ :‬ل تبعدني عنك ‪ ,‬ولو لم يبعد مصعب‬
‫مت الستفادة من جيشه ومن قدرة‬ ‫المهلب لت ّ‬
‫وخبرة هذا القائد‪.‬‬
‫ب‪ -‬خيانة قادة الفصائل من الجيش الزبيري من‬
‫العراقيين بناء على الماني التي مناهم إياها عبد‬
‫الملك‪ ,‬وعدم قدرة مصعب على ثنيهم بعد اكتشاف‬
‫خيانتهم‪.‬‬
‫ج‪ -‬عدم إغراق أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬
‫الموال والعطيات على أعيان وأشراف أهل العراق‬
‫لما جاءوا إلى مكة مع مصعب‪.‬‬
‫د‪ -‬غضب بعض الشيعة لمقتل المختار‪ ,‬فلقد رأوا فيه أنه‬
‫هو الذي انتقم من قتلة الحسين‪ ,‬بحيث لم يترك‬
‫دا‪ ,‬ولهذا عبر زائدة بن قدامة عن ذلك عندما‬‫أح ً‬
‫طعن مصعب وقال‪ :‬يالثارات المختار! ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫هـ‪ -‬قلة الخبرة العسكرية لدى مصعب على الرغم من‬


‫شجاعته وإقدامه وبطولته التي اعترف بها خصمه‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(7/47‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الكامل في التاريخ )‪.(3/51‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الكامل في التاريخ )‪.(3/54‬‬

‫‪111‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫و‪ -‬إنهاك جيش الزبيريين‪ ,‬فقد خاضوا معارك عدة في‬


‫حا‪ ,‬فلما رأوا‬ ‫العراق بينما كان جيش المويين مرتا ً‬
‫جنود خصمهم تواكلوا وشملهم الرعب ‪.‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ز‪ -‬عدم مد الخليفة ‪-‬عبد الله بن الزبير‪ -‬أخاه بالقوات‬


‫والجند‪ ,‬وكان الجدر به أن يمده بكل ما يستطيع‪,‬‬
‫لن ضياع العراق من يديه يعني فقدان الموارد‬
‫المالية وبداية النهيار السياسي)‪.(2‬‬
‫‪ -2‬أثر مقتل مصعب على ابن الزبير وخطبته‪ :‬لما بلغ‬
‫عبد الله بن الزبير قتل أخيه مصعب‪ ,‬قام فخطب في‬
‫الناس‪ ,‬فقال‪ :‬الحمد لله الذي له الخلق والمر‪ ,‬يؤتي الملك‬
‫من يشاء‪ ,‬وينزع الملك ممن يشاء‪ ,‬ويعز من يشاء‪ ,‬ويذل‬
‫من يشاء‪ ,‬أل إنه لن يذل الله من كان الحق معه‪ ,‬وإن كان‬
‫فرًدا‪ ,‬ولم يعز من كان وليه الشيطان وحزبه وإن كان معه‬
‫النام ط ُّرا‪ ,‬أل وإنه قد أتانا من العراق خبر أحزننا وأفرحنا‪,‬‬
‫أتانا قتل مصعب ‪-‬رحمه الله‪ -‬فأما الذي أفرحنا فعلمنا أن‬
‫قتله له شهادة‪ ,‬وأما الذي أحزننا فإن لفراق الحميم لوعة‬
‫يجدها حميمه عند المصيبة‪ ,‬ثم يرعوي بعدها ذوو الرأي إلى‬
‫جميل الصبر‪ ,‬وكريم العزاء‪ ,‬ولئن أصبت بمصعب لقد‬
‫أصبت بالزبير قبله‪ ,‬وما أنا من عثمان بخلو مصيبة‪ ,‬وما‬
‫مصعب إل عبد من عبيد الله وعون من أعواني‪ ,‬إل أن أهل‬
‫العراق ‪-‬أهل الغدر والنفاق‪ -‬أسلموه وباعوه بأقل الثمن‪,‬‬
‫فإن يقتل فإنا ‪-‬والله‪ -‬ما نموت على مضاجعنا كما تموت‬
‫بنو العاص‪ ,‬والله ما قتل منهم رجل في زحف في الجاهلية‬
‫صا)‪ (3‬بالرماح وموًتا تحت‬ ‫ول السلم‪ ,‬وما نموت إل قع ً‬
‫ظلل السيوف‪ .‬أل إنما الدنيا عارية من الملك العلى الذي‬
‫ل يزول سلطانه‪ ,‬ول يبيد ملكه‪ ,‬فإن تقبل ل آخذها أخذ‬
‫رق المهين‪.‬‬ ‫ح ِ‬
‫شر البَطر‪ ,‬وإن تدبر ل أبك عليها بكاء ال َ‬
‫ال ِ‬

‫‪1‬‬
‫)( تجديد الدولة الموية‪ ,‬للناطور ص ‪.80‬‬
‫‪2‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫‪3‬‬
‫)( القعص‪ :‬الموت السريع‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم)‪.(1‬‬


‫‪ -3‬رأي عبد الملك في مصعب بن الزبير‪ :‬لما وضع‬
‫رأس مصعب بين يدي عبد الملك‪ ,‬بكى وقال‪ :‬ما كنت أقدر‬
‫أن أصبر عليه ساعة واحدة من حبي له‪ ,‬حتى دخل السيف‬
‫بيننا‪ ,‬ولكن الملك عقيم)‪ .(2‬لقد نسي عبد الملك كل ما كان‬
‫بينه وبين مصعب‪ ,‬ولم يذكر إلى الكرسي وسلطة الحكم‪,‬‬
‫حتى إذا ما تم له المر‪ ,‬وخلص له الحكم‪ ,‬أخذ يتحدث عما‬
‫خلة‪ ,‬وراح يذكر محاسنه في‬ ‫كان بينهما من المودة وال ُ‬
‫مجالسه‪ ,‬وهو يعلم أن ذلك لن يضر ملكه شيًئا ‪ .‬روى ابن‬
‫)‪(3‬‬

‫ما لجلسائه‪ :‬من أشجع العرب؟‬ ‫كثير أن عبد الملك قال يو ً‬


‫قالوا‪ :‬شبيب‪ ,‬قطري بن الفجاءة‪ ,‬وفلن‪ ,‬وفلن‪ .‬فقال عبد‬
‫الملك‪ :‬إن أشجع العرب لرجل جمع بين سكينة بنت‬
‫الحسين‪ ,‬وعائشة بنت طلحة‪ ,‬وأمة الحميد بنت عبد الله بن‬
‫كريز‪ ,‬وأمه رباب بنت ُأنيف الكلبي‪ ,‬سيد ضاحية‬ ‫عامر بن ُ‬
‫العرب‪ ,‬وولي العراقين خمس سنين‪ ,‬فأصاب ألف ألف‪,‬‬
‫وألف ألف‪ ,‬وألف ألف‪ ,‬وأعطى المان فأبى ومشى بسيفه‬
‫حتى مات؛ ذلك مصعب بن الزبير‪ ,‬ل من قطع الجسور مرة‬
‫ها هنا ومرة ها هنا)‪ .(4‬إن مدح مصعب الن ل يضر عبد‬
‫الملك شيًئا‪ ,‬فقد مضى إلى ربه‪ ,‬وترك له الدنيا بزخارفها‪,‬‬
‫فهو الن‪ ,‬وبعد أن لم يعد مصعب يشكل خطًرا على ملك‬
‫عبد الملك‪ ,‬فل بأس بأن يذكر محاسنه‪ ,‬ول بأس بأن يؤبنه؛‬
‫ولهذا لما جيء برأس مصعب إلى عبد الملك قال‪ :‬وراوه‪,‬‬
‫فقد ‪-‬والله‪ -‬كانت الحرمة بيننا قديمة‪ ,‬ولكن هذا الملك‬
‫عقيم‪ .‬وأمر به وابنه عيسى فدفنا)‪.(5‬‬
‫‪ -4‬ما قيل من رثاء في مصعب بن الزبير‪:‬اشتهر عبيد‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(7/53‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(7/47‬‬
‫‪3‬‬
‫)( المويون )‪.(1/380‬‬
‫‪4‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(11/152‬‬
‫‪5‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬المويون‪ ,‬للوكيل )‪.(1/381‬‬

‫‪113‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الله بن قي س الرقيات بالدفاع عن الحركة الزبيرية‪ ,‬وكان‬


‫شاعرها الول‪ ,‬ومما قاله في رثاء مصعب بن الزبير‪:‬‬
‫ن عاري‬‫دا بمسك ِ َ‬
‫جس ً‬ ‫ن ََعت السحائب والغمام‬
‫الوصال‬ ‫بأسرها‬
‫بمنازل أطللهن بوالي‬ ‫ُتمسى عوائده السباع‬
‫وداره‬
‫)‪(1‬‬
‫شمال‬ ‫رحل الّرفاق وغادروه ثاوًيا‬

‫‪ -5‬سكينة بنت الحسين زوجة مصعب بن الزبير‪ :‬كتب‬


‫مصعب إلى زوجته سكينة بنت الحسين بن علي بن أبي‬
‫طالب بعد خروجه من الكوفة بليال‪:‬‬
‫حجاب فقد أصبحت مني‬ ‫وكان عزيًزا أن أبيت وبيننا‬
‫على عشر‬
‫إذا ازددت مثليها فصرت‬ ‫وأبكاهما للعين والله‬
‫على شهر‬ ‫فاعلمي‬
‫أخاف بأل نلتقي آخر الدهر‬ ‫وأبكي لقلبي منهما أنني‬

‫وقيل‪ :‬دخل مصعب على سكينة يوم قتل‪ ,‬فنزع ثيابه‬


‫ولبس غللة‪ ,‬وتوشح بثوب‪ ,‬وأخذ سيفه‪ ,‬فعلمت سكينة أنه‬
‫ل يريد أن يرجع‪ ,‬فصاحت‪ :‬واحزناه عليك يا مصعب!‬
‫فالتفت إليها ‪-‬وقد كانت تخفي ما في قلبها عنه‪ -‬فقال‪:‬‬
‫أوكل هذا لي في قلبك؟ قالت‪ :‬وما أخفي أكثر‪ ,‬فقال‪ :‬لو‬
‫كنت أعلم هذا كانت لي ولك حال‪ ,‬ثم خرج فلم يرجع‪ ,‬ولما‬
‫قتل مصعب خرجت سكينة تطلبه في القتلى فعرفته‬
‫بشامة في خده‪ ,‬فأكبت عليه وقالت‪ :‬يرحمك الله‪ ,‬نعم‬
‫‪-‬والله‪ -‬خليل المسلمة‪ ,‬كنت أدرك والله ما قال عنترة‪:‬‬
‫بالقاع لم يعهد ولم يتكلم‬ ‫وحليل غانية تركت‬
‫مجندل ً‬
‫)‪(2‬‬
‫بمحرم‬ ‫فهتكت بالرمح الطويل‬
‫إهابه‬
‫وقالت سكينة في رثاء مصعب‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/156‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المنتظم لبن الجوزي )‪.(6/115،114‬‬

‫‪114‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫يرى الموت إل بالسيوف‬ ‫فإن تقتلوه تقتلوا الماجد‬


‫ما )‪(2‬‬‫حرا ً‬ ‫الذي‬
‫ما‬‫حما ً‬ ‫وقبلك ما خاض الحسين‬
‫منية‬
‫***‬

‫‪2‬‬
‫)( موقف الشعر من الحركة الزبيرية ص ‪.60‬‬

‫‪115‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫المبحث الرابع‬
‫نهاية أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير ‪‬‬
‫أو ً‬
‫ل‪ :‬محاولت المويين إخضاع الحجاز قبل حصار ابن الزبير‬
‫الخير‪:‬‬
‫كانت المناوشات مستمرة بين ابن الزبير وعبد الملك‬
‫بن مروان على الجبهة الحجازية ومن أهم الحملت التي‬
‫شنها الطرفان‪:‬‬
‫‪ -1‬حملة حبيش بن دلجة القيني‪ :‬تكاد تجمع الروايات‬
‫على أن مروان بن الحكم هو الذي أرسل هذه الحملة إلى‬
‫الحجاز‪ ,‬وذلك بعد مقدمه من مصر)‪ .(1‬والذي يظهر أن هذه‬
‫الحملة أرسلت في أواخر عهد مروان بن الحكم حيث توفي‬
‫مروان قبل أن تكمل مهمتها‪ ,‬المر الذي حدا ببعض‬
‫المؤرخين أن يذكروا أن عبد الله بن مروان هو الذي أرسل‬
‫هذه الحملة)‪ ,(2‬وكان عدد أفراد هذه الحملة يتراوح ما بين‬
‫‪6400‬و ‪ 7000‬رجل)‪ ,(3‬واستطاع ابن الزبير أن يتغلب على‬
‫هذا الجيش‪ ,‬فقد أرسل الحارث بن أبي ربيعة ‪-‬وكان والًيا‬
‫شا بقيادة الحنتف بن السجف التميمي‬ ‫على البصرة‪ -‬جي ً‬
‫لمواجهة جيش حبيش بن دلجة‪ ,‬ومن جهته أرسل ابن‬
‫شا آخر بقيادة عباس بن سهل بن سعد النصاري‬ ‫الزبير جي ً‬
‫ليلتقي بجيش الحنتف ويتحدا للقضاء على جيش حبيش‪,‬‬
‫وهذا ما تم فعل ً)‪ ,(4‬بالربذة)‪.(5‬‬
‫‪ -2‬حملة نائل بن قيس الجذامي‪ :‬أرسل ابن الزبير نائل ً‬
‫بحملة بعد وفاة الحنتف بن السجف بوادي القرى‪ ,‬وأمره‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.181‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‪ (3) ,‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.181‬‬
‫‪3‬‬
‫)(‬

‫‪4‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(6/553‬‬
‫‪5‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪.(153-5/151‬‬

‫‪116‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫ون مسلحة بها)‪ ,(1‬وفي‬ ‫أن يعبر إلى نواحي الشام وأن يك ّ‬
‫رواية أخرى أن ابن الزبير بعث نائل ً بعد وفاة مروان‪ ,‬وأمره‬
‫أن يأت فلسطين)‪ ,(2‬وعلى أية حال فكل الروايتين تتفقان‬
‫على أن عبد الملك بن مروان استطاع أن يقضي على نائل‬
‫بن قيس )بأجنادين( )‪ ,(3‬وقد قتل نائل وأصحابه بفلسطين‬
‫سنة ‪66‬هـ‪.‬‬
‫‪ 3‬حملة عروة بن أنيف‪:‬بعث عبد الملك عروة بن أنيف‬ ‫‪-‬‬
‫في ستة آلف إلى المدينة‪ ,‬وأمرهم أل ينزلوا على أحد‪ ,‬ول‬
‫رصة«)‪,(4‬‬‫يدخلوا المدينة إل لحاجة ضرورية أو يعسكروا »بالعَ ْ‬
‫وسار عروة بن أنيف وعسكر بالعرصة‪ ,‬وتشير الرواية إلى أن‬
‫الحارث بن حاطب ‪-‬عامل ابن الزبير على المدينة‪ -‬هرب منها‪,‬‬
‫وكان عروة يدخلها ويصلي الجمعة بالناس ثم يعود إلى‬
‫را‪ ,‬ولم يبعث إليه‬ ‫معسكره‪ ,‬ومكث عروة على هذا الوضع شه ً‬
‫دا‪ً ,‬ولم تحدث أي مواجهة بين جيشي عروة وابن‬ ‫ابن الزبير أح‬
‫الزبير‪ ,‬عندها أمر عبد الملك هذا الجيش بالعودة إلى الشام‬
‫فرجع)‪.(5‬‬
‫‪ -4‬حملة عبد الملك بن الحارث بن الحكم‪ :‬أرسل عبد‬
‫الملك بن مروان هذه الحملة ‪-‬وقوامها أربعة آلف‪ -‬إلى‬
‫المدينة‪ ,‬وكانت مهمتها الحفاظ على المنطقة ما بين الشام‬
‫والمدينة‪.‬‬
‫عسكر عبد الملك بن الحارث بوادي القرى‪ ,‬ومن هناك‬
‫أرسل فرقة قوامها خمسمائة رجل بقيادة أبي القمقام إلى‬
‫سليمان بن خالد ‪-‬عامل ابن الزبير على خيبر وفدك‪-‬‬
‫للقضاء عليه‪ ,‬وقد حاول سليمان الهرب منهم لكنهم أدركوه‬

‫‪1‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪.(5/158‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(5/159‬‬
‫‪3‬‬
‫)( أجنادين‪ :‬من نواحي فلسطين‪ ,‬ياقوت؛ معجم البلدان )‪.(1/103‬‬
‫‪4‬‬
‫)( العرصة‪ :‬البقعة الواسعة بين الدور ل بناء فيها‪ ,‬وهما عرصتان بنواحي‬
‫المدينة بالعقيق‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫)( الطبقات‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.185‬‬

‫‪117‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫وقتلوه)‪ ,(1‬ولم يستطع ابن الزبير عمل شيء حيال ذلك‬


‫سوى عزل الحارث بن حطاب وتولية جابر بن السود‬
‫مكانه‪ ,‬وأرسل جابر بن السود من جهته‬
‫حملة بقيادة أبي بكر بن أبي قيس إلى أبي القمقام بخيبر‪,‬‬
‫واستطاع أبو بكر أن يلحق بخصمه الهزيمة)‪.(2‬‬
‫‪ -5‬حملة طارق بن عمرو‪ :‬كانت هذه الحملة هي آخر‬
‫حملة وجهها‬
‫عبد الملك بن مروان تجاه الحجاز‪ ,‬وكان الهدف منها أن‬
‫يسيطر فيما بين »أيلة« و »وادي القرى« ويكون مدًدا لمن‬
‫يحتاج إليه من عمال عبد الملك بن مروان‪ ,‬وفي الوقت‬
‫دا أمام تحركات ابن الزبير‪ ,‬وطلب ابن‬ ‫نفسه تكون س ّ‬
‫الزبير من واليه على البصرة إرسال قوات لحماية المدينة‪,‬‬
‫فأرسل إليه ألفي رجل بقيادة ابن رواس‪ ,‬واستطاعت تلك‬
‫القوات حماية المدينة‪ ,‬ولكن ما لبث ابن الزبير أن أمر ابن‬
‫رواس بالمسير إلى طارق بن عمرو‪ ,‬وكانت نتيجة الصدام‬
‫ما‬
‫طارق إلى أم القرى ملتز ً‬ ‫انتصار طارق بن عمرو‪ ,‬وعاد‬
‫بالمهمة التي أوكلها له عبد الملك ‪.‬‬
‫)‪(3‬‬

‫ثانًيا‪ :‬الحصار الثاني وسقوط خلفة ابن الزبير‪:‬‬


‫كان انتصار عبد الملك بن مروان على مصعب بن الزبير‬
‫في معركة دير الجاثليق إيذاًنا بانتهاء دولة عبد الله بن‬
‫الزبير؛ فقد استقرت له المور في جميع المصار‬
‫السلمية‪ ,‬وانحصرت دولة ابن الزبير في الحجاز‪ ,‬ولم يكن‬
‫في استطاعته الصمود‪ ,‬لفتقاره إلى المال والرجال‪ ,‬كما‬
‫أن مقتل أخيه مصعب قد فت في عضده وأصابه الحباط‪,‬‬
‫ولكنه لم يلق رايته‪ ,‬وظل يقاوم حتى النهاية‪ ..‬لم يضيع عبد‬
‫الملك بن مروان وقًتا بعد انتصاره على مصعب‪ ,‬وقرر أن‬
‫يقضي نهائًيا على دولة ابن الزبير)‪ (4‬ووقع الخيار لقيادة‬
‫الجيش للقضاء على ابن الزبير على الحجاج بن يوسف‪,‬‬
‫وتوجه بجيشه إلى الحجاز‪ ,‬واستقر بالطائف‪ ,‬وبدأ يرسل‬
‫‪1‬‬
‫)( الطبقات‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.185‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الطبقات‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.186‬‬
‫‪3‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.187‬‬
‫‪4‬‬
‫)( العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.503‬‬

‫‪118‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫بعض الفرق العسكرية إلى مكة‪ ,‬وكان ابن الزبير يرسل‬


‫إليه بمثلها فيقتتلون وتعود كل فرقة إلى معسكرها)‪ ,(1‬وأمر‬
‫عبد الملك طارق بن عمرو ‪-‬الذي كان مراب ً‬
‫طا بوادي‬
‫القرى‪ -‬أن ينضم إلى جيش الحجاج‪ ,‬فتوجه طارق إليه‬
‫وكان معه خمسة آلف رجل)‪.(2‬‬
‫‪ -1‬الحصار القتصادي‪ :‬وفي محاولة لنهاك ابن الزبير‬
‫قام الحجاج بفرض حصار اقتصادي على مكة‪ ,‬ويروي ابن‬
‫حزم أن عبد الملك بن مروان كان يسهم في فرض هذا‬
‫الحصار؛ فقد أوكل إلى خالد بن ربيعة مهمة قطع الميرة‬
‫عن ابن الزبير وأهل مكة)‪ ,(3‬وقد أثر هذا الحصار على ابن‬
‫الزبير وأصابت الناس مجاعة شديدة حتى إن ابن الزبير‬
‫اضطر إلى ذبح فرسه ليطعم أصحابه)‪ ,(4‬وفي الوقت نفسه‬
‫كانت العير تحمل إلى أهل الشام من عند عبد الملك‪,‬‬
‫السويق‪ ,‬والكعك والدقيق)‪ ,(5‬وقد ترتب على تردي الحوال‬
‫داخل مكة‪ ,‬أن بدأ التخاذل يدب بين أنصار ابن الزبير‪,‬‬
‫دا تلو الخر‪ ,‬ومما شجع على‬ ‫وبدأوا ينسحبون واح ً‬
‫تخاذل هؤلء إعطاء الحجاج المان لكل من كف عن القتال‬
‫وانسحب من جيش ابن الزبير)‪.(6‬‬
‫‪ - 2‬نصب المنجنيق على جبال مكة‪ :‬أراد الحجاج بن‬
‫يوسف الثقفي أن ينهي أمر ابن الزبير فكتب إلى عبد‬
‫الملك بن مروان يطلب منه الذن بقتاله ومناجزته‪ ,‬فأجابه‬
‫عبد الملك بقوله‪ :‬افعل ما ترى)‪ . (7‬وهذه الجابة تحمل في‬
‫مضمونها الموافقة على طلب الحجاج المتحفز لقتال ابن‬
‫الزبير‪ ,‬وتوجه الحجاج ابن يوسف بجميع جيشه إلى مكة‬
‫ونصب المنجنيق على جبالها‪ ,‬وبدأ يضرب ابن الزبير داخل‬
‫الحرم ضر ًبا متواص ًل‪ ,‬وفي الوقت نفسه كانت بقية جيشه‬
‫‪1‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.189‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الطبقات لبن سعد‪ ,‬نقل ً عن عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.189‬‬
‫‪3‬‬
‫)( جمهرة أنساب العرب ص ‪.244‬‬
‫‪4‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪ ,(5/361‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.190‬‬
‫‪5‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪.(5/360‬‬
‫‪6‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪ ,(5/366‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.190‬‬
‫‪7‬‬
‫)(أنساب الشراف )‪.(5/358‬‬

‫‪119‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫يقاتلون البقية الباقية مع ابن الزبير)‪ , (1‬وتوسط بعض‬


‫أعيان مكة وعلى رأسهم ابن عمر لدى الحجاج طالبين‬
‫إليه أن يكف عن استعمال المنجنيق فأجابهم‪ :‬والله إني‬
‫لكاره لما ترون ولكن ماذا أصنع وقد لجأ هذا إلى البيت؟‬
‫وكانت وفود الحج قد جاءت إلى مكة من كافة القطار‬
‫السلمية‪ ,‬وقد منعهم من الطواف حول البيت ما يتعرض‬
‫له الطائفون من خطر المنجنيق‪ ,‬ولما كان في ذلك‬
‫تعطيل لركن من أركان الحج فقد تدخل في المر ابن‬
‫عمر فكتب إلى الحجاج يقول له‪ :‬اتق الله فإنك في شهر‬
‫حرام وبلد حرام‪ ,‬وقد قدمت وفود الله من أقطار الرض‬
‫ليؤدوا فريضة الله ويزدادوا خيًرا)‪ , (2‬فأرسل الحجاج إلى‬
‫طارق بن عمرو بأن يكف عن استعماله حتى ينتهي الناس‬
‫من الحج‪ ,‬وقال لهم‪ :‬والله إني لكاره لما ترون‪ ,‬ولكن ابن‬
‫الزبير لجأ إلى البيت)‪ ,(3‬وأ ّيا ما كان فقد كف عن استعمال‬
‫المنجنيق حتى انتهى الناس من الطواف)‪,(4‬‬
‫وبعدما انتهى موسم الحج نادى الحجاج في الناس‬
‫بالنصراف إلى البلد‬
‫وأن القتال سيستأنف ضد ابن الزبير ‪.‬‬
‫)‪(5‬‬

‫ويروي البلذري أن العديد ممن كانوا مع ابن الزبير‬


‫حاولوا إقناعه بقبول أمان الحجاج بن يوسف‪ ,‬فلم يستجب‬
‫ابن الزبير لمحاولتهم وأصر على القتال‪ ,‬وقد سطرت‬
‫الروايات مواقف بطولية رائعة لبن الزبير ‪ ‬في مواجهة‬
‫كتائب الحجاج‪ ,‬ولم يمنعه كبر وخذلن من حوله‪ ,‬من الثبات‬
‫على مبدئه الذي‬
‫قاتل من أجله)‪.(6‬‬
‫‪ -3‬أسماء بنت الصديق ترسم لبنها طريق الحرار‪ :‬بعد‬
‫‪1‬‬
‫المصدر السابق نفسه‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ,(5/376‬الحجاج بن يوسف المفترى عليه ص ‪.53‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المنتقى في أخبار أم القرى ص ‪ ,26‬الحجاج المفترى عليه ص ‪.53‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫الحجاج بن يوسف المفترى عليه ص ‪.54‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫أنساب الشراف )‪ ,(5/376‬الحجاج بن يوسف المفترى عليه ص ‪.54‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.191‬‬ ‫)(‬

‫‪120‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫انتهاء موسم الحج نادى الحجاج في الناس أن يعودوا إلى‬


‫بلدهم لنه سيعود إلى ضرب البيت بالحجارة)‪ ,(1‬وبالفعل‬
‫بدأ يضرب الكعبة‪ ,‬وشدد على ابن الزبير‪ ,‬وتحرج موقفه‬
‫وانفض عنه معظم أصحابه‪ ,‬ومنهم ابناه حمزة وخبيب‪,‬‬
‫اللذان ذهبا إلى الحجاج وأخذا منه المان لنفسيهما)‪ .(2‬فلما‬
‫رأى ذلك دخل على أمه فقال لها‪ :‬يا أمه‪ ,‬خذلني الناس‬
‫حتى ولديّ وأهلي‪ ,‬فلم يبق معي إلى اليسير ممن ليس‬
‫عنده من الدفع أكثر من صبر ساعة‪ ,‬والقوم يعطونني ما‬
‫أردت من الدنيا‪ ,‬فما رأيك؟ فقالت‪ :‬أنت ‪-‬والله‪ -‬يا بني‬
‫أعلم بنفسك‪ ,‬إن كنت تعلم أنك على الحق وإليه تدعو‬
‫فامض له‪ ,‬فقد قتل عليه أصحابك‪ ,‬ول تمكن من رقبتك‬
‫يتلعب بها غلمان بني أمية‪ ,‬وإن كنت إنما أردت الدنيا‬
‫فبئس العبد أنت‪ ,‬أهلكت نفسك‪ ,‬وأهلكت من قتل معك‪,‬‬
‫وإن قلت‪ :‬كنت على حق فلما وهن أصحابي ضعفت‪ ,‬فهذا‬
‫ليس من فعل الحرار ول أهل الدين‪ ,‬وكم خلودك في‬
‫الدنيا‪ ,‬القتل أحسن‪ .‬فدنا ابن الزبير فقبل رأسها وقال‪ :‬هذا‬
‫‪-‬والله‪ -‬رأيي‪ ,‬والذي قمت به داعًيا إلى يومي هذا ما ركنت‬
‫إلى الدنيا‪ ,‬ول أحببت الحياة فيها‪ ,‬وما دعاني إلى الخروج إل‬
‫الغضب لله أن تستحل حرمه‪ ,‬ولكني أحببت أن أعلم رأيك‪,‬‬
‫فزدتني بصيرة مع بصيرتي‪ ,‬فانظري يا أمه فإني مقتول‬
‫من يومي هذا‪ ,‬فل يشتد حزنك وسلمي المر لله‪ ,‬فإن ابنك‬
‫لم يتعمد منكًرا‪ ,‬ول عمل ً بفاحشة‪ ,‬ولم يجر في حكم الله‪,‬‬
‫ولم يغدر في أمان‪ ,‬ولم يتعمد ظلم مسلم ول معاهد‪ ,‬ولم‬
‫يبلغني ظلم عن عمالي فرضيت به بل أنكرته‪ ,‬ولم يكن‬
‫شيء آثر عندي من رضا ربي‪ ,‬اللهم إني ل أقول هذا تزكية‬
‫مني لنفسي‪ ,‬أنت أعلم بي‪ ,‬ولكن أقوله تعزية لمي لتسلو‬
‫عني‪ ,‬فقالت أمه‪ :‬إني لرجو من الله أن يكون عزائي فيك‬
‫حسًنا إن تقدمتني‪ ,‬وإن تقدمتك ففي نفسي‪ ,‬اخرج حتى‬
‫أنظر إلى ما يصير أمرك‪ .‬قال‪ :‬جزاك الله يا أمه خيًرا‪ ,‬فل‬
‫دا‪ ,‬فمن قتل‬ ‫تدعي الدعاء لي قبل وبعد‪ .‬فقالت‪ :‬ل أدعه أب ً‬

‫‪1‬‬
‫)( الكامل في التاريخ )‪.(3/69‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(3/70‬‬

‫‪121‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫على باطل فقد قتلت على حق‪ ,‬ثم قالت‪ :‬اللهم ارحم‬
‫طول ذلك القيام في الليل الطويل‪ ,‬وذلك النحيب والظمأ‬
‫في هواجر المدينة ومكة‪ ,‬وبره بأبيه وبي‪ ,‬اللهم قد سلمته‬
‫لمرك فيه‪ ,‬ورضيت بما قضيت فأثبني في عبد الله ثواب‬
‫الصابرين الشاكرين)‪ ,(1‬فتناول يديها ليقبلها فقالت‪ :‬هذا‬
‫عا لني أرى هذا آخر‬ ‫وداع فل تبعد‪ .‬فقال لها‪ :‬جئت مود ً‬
‫أيامي من الدنيا‪ ,‬قالت‪ :‬امض على بصيرتك وادن مني حتى‬
‫أوّدعك‪ .‬فدنا منها فعانقها وقبلها فوقعت يدها على الدرع‪,‬‬
‫فقالت‪ :‬ما هذا صنيع من يريد ما تريد‪ .‬فقال‪ :‬ما لبسته إل‬
‫لشد منك‪ .‬قالت‪ :‬فإنه ل يشد مني‪ ,‬فنزعها ثم أدرج كميه‪,‬‬
‫وشد أسفل قميصه‪ ,‬وجبة خز تحت القميص‪ ,‬فأدخل‬
‫أسفلها في المنطقة‪ ,‬وأمه تقول‪ :‬البس ثيابك مشمرة‪ ,‬ثم‬
‫انصرف ابن الزبير وهو يقول‪:‬‬
‫حر‬‫وإنما يعرف يومه ال ُ‬ ‫إني إذا أعرف يومي‬
‫أصبر‬
‫فسمعت والدته قوله فقالت‪ :‬تصبر والله إن شاء الله‪,‬‬
‫أبوك أبو بكر والزبير‪ ,‬وأمك صفية بنت عبد المطلب)‪.(2‬‬
‫‪ -4‬استشهاد ابن الزبير ‪ :‬إن الثبات على المبدأ ‪-‬وإن‬
‫كان يعارض مصالح الشخص‪ ,‬ويعرضها للخطر‪ -‬يعتبر من‬
‫أنبل الصفات‪ ,‬وقد تأصلت هذه الصفة في ابن الزبير‪ ,‬فما‬
‫وهن وما ضعف وما استكان في سبيل المبادئ التي نادى‬
‫من أجلها‪ ,‬ففي آخر يوم من حياته صلى ركعتي الفجر ثم‬
‫قل َم ِ"‬‫وال ْ َ‬
‫تقدم وأقام المؤذن فصلى بأصحابه فقرأ‪+ :‬ن َ‬
‫حرًفا حرًفا‪ ,‬ثم سلم فقام فحمد الله وأثنى عليه ثم خطب‬
‫خطبة بليغة جاء فيها‪ ...:‬فل يرعكم وقع السيوف فإني لم‬
‫أحضر موطًنا قط إل ارتثثت فيه من القتل‪ ,‬وما أجد من‬
‫أدواء جراحها أشد مما أجد من ألم وقعها‪ .‬صونوا سيوفكم‬
‫كما تصونون وجوهكم‪ ,‬ل أعلم أمرأ كسر سيفه‪ ,‬واستبقى‬
‫نفسه‪ ,‬فإن الرجل إذا ذهب سلحه فهو كالمرأة أعزل‪,‬‬
‫غضوا أبصاركم عن البارقة‪ ,‬وليشغل كل امرئ قرنه‪ ,‬ول‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(7/76‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(7/77‬‬

‫‪122‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫يلهينكم السؤال عني‪ ,‬ول تقولن‪ :‬أين عبد الله ابن الزبير؟‬
‫أل من كان سائل ً عني فإني في الرعيل الول‪.‬‬
‫ملقي المنايا أي صرف‬ ‫أبي لبن سلمى أنه غير‬
‫ما‬‫تيم ً‬ ‫خالد‬
‫مرَتق من خشية‬ ‫ول ُ‬ ‫مبتاع الحياة‬ ‫فلست ب ُ‬
‫سّلما‬
‫الموت ُ‬ ‫سّبة‬
‫ب ُ‬
‫احملوا على بركة الله‪ .‬ثم حمل عليهم حتى بلغ بهم‬
‫الحجون‪ ,‬فُرمي بآجرة فأصابته في وجهه فأرعش لها‪,‬‬
‫ودمي وجهه‪ ,‬فلما وجد سخونة الدم يسيل على وجهه‬
‫ولحيته قال‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫الدما‬ ‫فلسنا على العقاب‬
‫تدمى كلومنا‬
‫دا‪ ,‬فتعاونوا عليه فقتلوه يوم الثلثاء‬ ‫ً‬
‫وقاتلهم قتال شدي ً‬
‫من جمادى الخرة وله ثلث وسبعون سنة ‪ ,‬وتولى قتله‬
‫)‪(2‬‬

‫رجل من مراد‪ ,‬وحمل رأسه إلى الحجاج‪ ,‬وسار الحجاج‬


‫وطارق بن عمرو حتى وقفا عليه‪ ,‬فقال طارق‪ :‬ما ولدت‬
‫النساء أذكر من هذا‪ .‬فقال الحجاج‪ :‬أتمدح مخالف أمير‬
‫المؤمنين؟ قال‪ :‬نعم هو أعذر لنا‪ ,‬ولول هذا لما كان لنا‬
‫عذر‪ ,‬إنا محاصروه منذ سبعة أشهر وهو في غير جند ول‬
‫حصن ول منعة فينتصف منا‪ ,‬بل يفضل علينا‪ ,‬فبلغ كلمهما‬
‫عبد الملك فصوب طارًقا)‪ ,(3‬ولما صلب ابن الزبير ظهرت‬
‫منه رائحة المسك)‪ ,(4‬وقد ذكر أن ابن الزبير في يوم‬
‫ل‪ ,‬لقد رأيت في‬ ‫استشهاده قال‪ :‬ما ُأراني اليوم إل مقتو ً‬
‫ليلتي كأن السماء فرجت لي‪ ,‬فدخلتها‪ ,‬فقد ‪-‬والله‪ -‬مللت‬
‫الحياة وما فيها)‪.(5‬‬
‫‪ -5‬أسماء رضي الله عنها تقيم الحجة على الحجاج‪ :‬لما‬
‫قتل عبد الله خرجت إليه أمه حتى وقفت عليه‪ ,‬وهي على‬
‫‪1‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(7/79‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(3/73‬‬
‫‪3‬‬
‫)(‪ (4) ,‬المصدر نفسه )‪.(3/73‬‬
‫‪4‬‬
‫)(‬

‫‪5‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/378‬‬

‫‪123‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫دابة‪ ,‬فأقبل الحجاج في أصحابه فسأل عنها فأخبر بها‪,‬‬


‫فأقبل حتى وقف عليها فقال‪ :‬كيف رأيت نصر الله الحق‬
‫وأظهره؟ قالت‪ :‬ربما ُأديل الباطل على الحق‪ ,‬وإنك بين‬
‫فرشها والجّية‪ ,‬فقال‪ :‬إن ابنك ألحد في هذا البيت‪ ,‬وقد قال‬
‫ن‬‫م ْ‬‫ه ِ‬ ‫ق ُ‬ ‫حاٍد ب ِظُل ْم ٍ ن ّ ِ‬
‫ذ ْ‬ ‫ه ب ِإ ِل ْ َ‬
‫في ِ‬‫ردْ ِ‬ ‫من ي ُ ِ‬
‫و َ‬‫تعالى‪َ + :‬‬ ‫الله‬
‫ب أِليم ٍ" ]الحج‪ [25:‬وقد أذاقه الله ذلك العذاب الليم‪,‬‬ ‫َ‬ ‫ع َ‬
‫ذا ٍ‬ ‫َ‬
‫قالت‪ :‬كذبت‪ ,‬كان أول مولود ولد في السلم بالمدينة‪,‬‬
‫سّر به رسول الله ×‪ ,‬وحنكه بيده وكبر المسلمون يومئذ‬ ‫و ُ‬
‫ت أنت وأصحابك‬ ‫رح َ‬‫حا به‪ ,‬وقد ف ِ‬ ‫حتى ارتجت المدينة فر ً‬
‫بمقتله‪ ,‬فمن كان فرح يومئذ خير منك ومن أصحابك‪ ,‬وكان‬
‫حرم‬ ‫ما ل ُ‬ ‫ما بكتاب الله معظ ً‬ ‫ما قوا ً‬ ‫مع ذلك بّرا بالوالدين صوا ً‬
‫الله‪ ,‬ي ُب ِْغض أن ُيعصى الله عز وجل)‪ ..(1‬وقد دافعت عن‬
‫دا‪ ,‬فانكسر الحجاج وانصرف‪ ,‬فبلغ ذلك عبد‬ ‫عا مجي ً‬ ‫ابنها دفا ً‬
‫الملك‪ ,‬فكتب إليه يلومه في مخاطبته أسماء وقال‪ :‬مالك‬
‫ولبنة‬
‫الرجل الصالح ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫‪ -6‬ابن عمر وثناؤه على ابن الزبير بعد استشهاده‪ :‬مر‬


‫عبد الله بن عمر على ابن الزبير بعد صلبه فقال‪ :‬السلم‬
‫خبيب‪ ,‬السلم عليك أبا‬ ‫عليك أبا خبيب‪ ,‬السلم عليك أبا ُ‬
‫خبيب‪ ,‬أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا‪ ,‬أما والله لقد كنت‬
‫أنهاك عن هذا‪ ,‬أما والله لقد كنت أنهاك عن هذا‪ ,‬أما والله‬
‫ما وصول ً للرحم‪ ,‬أما والله‬ ‫ما قوا ً‬ ‫إن كنت ‪-‬ما علمت‪ -‬صوا ً‬
‫لمة أنت شرها لمة خير‪ ,‬ثم نفذ عبد الله بن عمر فبلغ‬
‫الحجاج وقوف ابن عمر عليه وقوله‪ ,‬فأرسل إليه فأنزله‬
‫ذعه)‪.(3‬‬ ‫عن ج ِ‬
‫‪ -7‬بيعة ابن عمر لعبد الملك‪ :‬لما أجمع الناس على‬
‫البيعة لعبد الملك بن مروان كتب إليه ابن عمر‪ :‬أما بعد‪,‬‬
‫فإني قد بايعت لعبد الملك أمير المؤمنين بالسمع والطاعة‬
‫ي قد‬ ‫على سنة الله وسنة رسوله فيما استطعت‪ ,‬وإن بن ّ‬

‫‪1‬‬
‫)(‪ (2) ,‬البداية والنهاية )‪.(11/209‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‬

‫‪3‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(11/210‬‬

‫‪124‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫أقروا بذلك)‪ ,(1‬وجاء في رواية أن ابن عمر كتب إلى عبد‬


‫الملك بن مروان فبدأ باسمه‪ ,‬فكتب إليه‪ :‬أما بعد‪ ,‬فـ‬
‫ة لَ‬‫م ِ‬ ‫وم ِ ال ْ ِ‬
‫قَيا َ‬ ‫م إ َِلى ي َ ْ‬
‫عن ّك ُ ْ‬‫م َ‬ ‫و ل َي َ ْ‬
‫ج َ‬ ‫ه ل َ إ ِل َ َ‬
‫ه إ ِل ّ ُ‬
‫ه َ‬ ‫‪+‬الل ُ‬
‫ه" إلخ ]النساء‪ .[87:‬وقد بلغني أن المسلمين‬ ‫ب ِ ِ‬
‫في‬ ‫َري ْ َ‬
‫اجتمعوا على البيعة لك‪ ,‬وقد دخلت فيما دخل فيه‬
‫المسلمون‪ ,‬والسلم)‪ ,(2‬وحاول بعض بطانة الخليفة أن‬
‫يوغروا صدره على ابن عمر لنه بدأ باسمه قبل اسم‬
‫الخليفة‪ ,‬فقال عبد الملك‪ :‬إن هذا من أبي عبد الرحمن‬
‫كثير)‪ .(3‬وكان مما كتب به عبد الملك إلى الحجاج بن‬
‫يوسف أل يخالف عبد الله بن عمر في الحج)‪ (4‬لما يعرفه‬
‫من فضله وفقهه)‪.(5‬‬
‫‪ -8‬ابن عمر ‪ ‬والحجاج‪ :‬بقى الحجاج بن يوسف‬
‫الثقفي والًيا على مكة بعد مقتل ابن الزبير‪ ,‬وكان عبد الله‬
‫جا أو معتمًرا‪ ,‬ويرى أو‬ ‫بن عمر يترك المدينة ويأتي مكة حا ً‬
‫يسمع من أفعال الحجاج وأقواله المخالفة للشرع‪ ,‬فيأمره‬
‫بالمعروف وينهاه عن المنكر‪ ,‬ويرد عليه بكل جرأة‬
‫وشجاعة)‪ (6‬وبعدما قتل الحجاج عبد الله بن الزبير وتمت له‬
‫السيطرة على مكة خطب الناس‪ ,‬وكان مما قال‪ :‬إن ابن‬
‫الزبير حّرف كتاب الله‪ ,‬وفي رواية غّير كتاب الله‪ ,‬فقام‬
‫ابن عمر وقال‪ :‬كذبت كذبت كذبت‪ ,‬ما يستطيع ذلك‪ ,‬ول‬
‫أنت معه)‪ ,(7‬وخطب الحجاج الناس يوم الجمعة‪ ,‬فأطال‬
‫حتى كاد يذهب وقت الصلة‪ ,‬فقام ابن عمر‪ :‬فقال‪ :‬أيها‬
‫الناس‪ ,‬قوموا إلى صلتكم‪ ,‬فقام الناس‪ ,‬فنزل الحجاج‬
‫فصلى‪ ,‬فلما انصرف قال لبن عمر ما حملك على ذلك؟‬
‫ل الصلة لوقتها‪ ,‬ثم بقبق)‪ (8‬بعد‬ ‫فقال‪ :‬إنما نجئ للصلة فص ّ‬
‫‪1‬‬
‫الطبقات )‪.(4/152‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الطبقات )‪.(4/152‬‬
‫)( ‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫عبد الله بن عمر‪ ,‬محيي الدين مستو ص ‪ ,108‬الطبقات )‪.(4/152‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫نسب قريش ص ‪.108‬‬ ‫)(‬
‫‪5‬‬
‫عبد الله بن عمر‪ ,‬محيي الدين مستو ص ‪.108‬‬ ‫)(‬
‫‪6‬‬
‫نفس المصدر السابق‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪7‬‬
‫الطبقات الكبرى )‪ ,(4/184‬سير أعلم النبلء )‪.(3/230‬‬ ‫)(‬
‫‪8‬‬
‫بقبق الرجل‪ :‬كثر كلمه‪.‬‬ ‫)(‬

‫‪125‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫ذلك ما شئت من بقبقة)‪ ,(1‬كما أنكر ابن عمر على الحجاج‬


‫تهاونه في إشاعة حمل السلح في مكة وتركه لرجال‬
‫جيشه يضايقون به المسلمين ويعرضون حياتهم بذلك‬
‫للخطر‪ ,‬ففي الصحيح عن سعيد بن جبير قال‪ :‬كنت مع ابن‬
‫عمر حين أصابه سنان الرمح في أخمص قدمه‪ ,‬فلزقت‬
‫قدمه بالركاب‪ ,‬فنزلت فنزعتها وذلك بمنى‪ ,‬فبلغ الحجاج‬
‫فجعل يعوده‪ ,‬فقال الحجاج‪ :‬لو نعلم من أصابك! فقال ابن‬
‫عمر‪ :‬أنت أصبتني‪ ,‬قال‪ :‬وكيف؟ قال‪ :‬حملت السلح في‬
‫يوم لم يكن يحمل فيه‪ ,‬وأدخلت السلح الحرم ولم يكن‬
‫السلح يدخل الحرم‪.‬‬
‫وفي رواية عن إسحاق بن سعيد عن أبيه قال‪ :‬دخل‬
‫الحجاج على ابن عمر وأنا عنده فقال‪ :‬كيف هو؟ فقال‪:‬‬
‫صالح‪ .‬فقال‪ :‬ما أصابك؟ قال‪ :‬أصابني من أمر بحمل‬
‫السلح في يوم ل يحل فيه حمله؛ يعني الحجاج)‪ (2‬ولما خرج‬
‫الحجاج قال ابن عمر‪ :‬ما آسى على شيء من هذه الدنيا إل‬
‫على ثلث‪ ,‬وذكر منها‪ :‬أل أكون قاتلت هذه الفئة الباغية‬
‫التي حلت بنا)‪ ,(3‬يقول الذهبي في تعليقه‪ :‬يعني بالفئة‬
‫الباغية الحجاج)‪ (4‬وأنا أزيد‪ :‬ومن أرسله‪.‬‬
‫‪ - 9‬منهج ابن عمر في الفتن‪ :‬لم يكن ابن عمر‬
‫بمنأى عن الحداث السياسية من حوله‪ ,‬بل كانت له‬
‫نظراته وتحليلته لتلك الحداث‪ ,‬وتميز ابن عمر‬
‫بمواقفه في الفتن تمي ًزا واض ًحا‪ ,‬فقد عايش عد ًدا من‬
‫الفتن التي ابتليت بها المة السلمية آنذاك‪ ,‬وقد‬
‫كشفت تلك الفتن عن حكمة بالغة ونظرة ثاقبة‬
‫للحداث‪ ,‬مما جعله بحق مدرسة مليئة بالدروس‬
‫المفيدة والداب الجمة التي اهتدى بها كثير من الناس‬
‫في عصره‪ ,‬وأصبحت بعده معل ًما يقتدى به من‬

‫‪1‬‬
‫)( الطبقات )‪ ,(4/186،185‬سير أعلم النبلء )‪.(3/230‬‬
‫‪2‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/232‬‬
‫‪3‬‬
‫)( نفس المصدر السابق‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)(الطبقات )‪. (4/185‬‬

‫‪126‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫‪ ,‬كما قال سفيان الثوري ‪-‬رحمه الله‪ :-‬يقتدي‬ ‫)‪(1‬‬


‫بعده‬
‫بعمر في الجماعة وبابنه في الفرقة ‪.‬‬
‫)‪(2‬‬

‫ومن أبرز ما يميز منهج ابن عمر في التعامل مع الفتن‬


‫ما يلي‪:‬‬
‫أ‪ -‬تجنب القتال والحرص على حقن دماء المسلمين‪:‬‬
‫وقد وردت عدة روايات توضح موقف ابن عمر رضي‬
‫الله عنهما من ذلك القتال الدائر في الفتنة الولى والثانية‪,‬‬
‫فعن القاسم بن عبد الرحمن قال‪ :‬قالوا لبن عمر في‬
‫الفتنة الولى‪ :‬أل تخرج فتقاتل؟ فقال‪ :‬قد قاتلت والنصاب‬
‫بين الركن والباب حتى نفاها الله عز وجل من أرض‬
‫العرب‪ ,‬فأنا أكره أن أقاتل من يقول‪ :‬ل إله إل الله‪ .‬قالوا‪:‬‬
‫والله ما رأيك ذلك‪ ,‬ولكنك أردت أن يفنى أصحاب رسول‬
‫ضا‪ ,‬حتى إذا لم يبق غيرك قيل‪ :‬بايعوا‬ ‫الله × بعضهم بع ً‬
‫ي‪,‬‬
‫لعبد الله بن عمر بإمارة المؤمنين‪ .‬قال‪ :‬والله ما ذلك ف ّ‬
‫ولكن إذا قلتم‪ :‬حي على الفلح أجبتكم‪ ,‬وإذا افترقتم لم‬
‫أجامعكم‪ ,‬وإذا اجتمعتم لم أفارقكم)‪ ,(3‬وجاءه رجلن في‬
‫فتنة ابن الزبير فقال‪ :‬إن الناس قد صنعوا ما ترى‪ ,‬وأنت‬
‫ابن عمر وصاحب رسول الله‪ ,‬فما يمنعك أن تخرج؟ فقال‪:‬‬
‫ي دم أخي المسلم‪ ,‬قال‪ :‬ألم يقل‬ ‫يمنعني أن الله حرم عل ّ‬
‫ة" ]البقرة‪ [193:‬فقال‪:‬‬ ‫ن‬ ‫ت‬‫ف‬ ‫ن‬
‫َ ِ ْ َ ٌ‬ ‫ُ‬
‫كو‬ ‫َ‬ ‫ت‬ ‫َ‬ ‫ل‬ ‫حّتى‬
‫م َ‬ ‫قات ُِلو ُ‬
‫ه ْ‬ ‫و َ‬
‫الله‪َ + :‬‬
‫قاتلنا حتى لم تكن فتنة وكان الدين لله‪ ,‬فلما رأى أنه ل‬
‫يوافقه فيما يرد قال‪ :‬فما قولك في علي وعثمان؟ قال ابن‬
‫عمر‪ :‬ما قولي في علي وعثمان؟ أما عثمان فكان الله قد‬
‫عفا عنه فكرهتم أن تعفوا عنه‪ ,‬وأما علي‪ ,‬فابن عم‬
‫رسول الله × وختنه‪ ,‬وأشار بيده‪ ,‬وهذا بيته حيث ترون ‪.‬‬
‫)‪(4‬‬

‫ولم يكتف ابن عمر ‪ ‬بالحرص على كف نفسه‬


‫‪1‬‬
‫)( أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الموية ص ‪.325‬‬
‫‪2‬‬
‫)( عبد الله بن عمر‪ ,‬محيي الدين مستو ص ‪.212‬‬
‫‪3‬‬
‫)( حلية الولياء )‪.(1/294‬‬
‫‪4‬‬
‫)( هناك رواية‪ :‬وهذه بنته ‪-‬أو بنتيه‪ -‬ولعل ذلك تصحيف‪.‬‬

‫‪127‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫وتجنيبها إراقة‬
‫دماء المسلمين‪ ,‬بل سلك بعض السبل التي تؤدي إلى‬
‫تجنب المسلمين إراقة‬
‫الدماء فيما بينهم‪ ,‬من ذلك محاولته الجادة ‪-‬خلل الخلف‬
‫بين ابن الزبير‬
‫وعبد الملك بن مروان‪ -‬لنهاء القتال بينهما حقًنا لدماء‬
‫المسلمين)‪ .(1‬فروى المدائني أن عبد الله بن عمر كتب إلى‬
‫عبد الملك بن مروان يأمره بتقوى الله وأن يكف نفسه‪,‬‬
‫فكتب إليه عبد الملك أنه سيخرج نفسه ويجعل المر‬
‫شورى‪ ,‬فلما كتب ابن عمر إلى ابن الزبير بذلك لم يلتفت‬
‫إليه)‪.(2‬‬
‫ب‪ -‬الحث على السمع والطاعة للمام القائم ونهيه عن‬
‫إثارة الفتنة وتفريق الكلمة‪:‬‬
‫قال ابن عمر رضي الله عنهما‪ :‬جاءني رجل في‬
‫خلفة عثمان‪ ,‬فإذا هو يأمرني أن أعتب على عثمان‪,‬‬
‫فلما قضى كلمه قلت له‪ :‬إنا كنا نقول ورسول الله ×‬
‫حي‪ :‬أفضل أمة محمد بعده‪ :‬أبو بكر وعمر ثم عثمان‪,‬‬
‫وإنا ‪-‬والله‪ -‬ما نعلم عثمان قتل نف ًسا بغير حق‪ ,‬وجاء من‬
‫الكبائر شي ً ئا‪ ,‬ولكنه هذا المال‪ ,‬إن أعطاكموه رضيتم وإن‬
‫أعطاه قرابته سخطتم‪ .‬إنما تريدون أن تكونوا كفارس‬
‫والروم‪ ,‬ل يتركون أمي ً را إل قتلوه‪ ,‬ففاضت عيناه بأربع‬
‫من الدمع ثم قال‪ :‬اللهم ل ُترد ذلك)‪ , (3‬وروى سالم بن‬
‫عبد الله بن عمر أن أباه قال‪ :‬لقد عتبوا على عثمان‬
‫أشياء لو فعلها عمر ما عتبوا عليه)‪ . (4‬فانظر إلى أي مدى‬
‫كان حرص عبد الله بن عمر رضي الله عنهما على‬
‫الدفاع عن عثمان والذب عن عرضه والتصدي لما يثيره‬
‫أهل الفتنة ضد عثمان بن عفان ‪ ‬؛ لما كان يعلم من‬

‫‪1‬‬
‫أثر العلماء في الحياة السياسية ص ‪.328‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫أنساب الشراف )‪.(5/195‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫المعجم الكبير للطبراني )‪ ,(12/285‬ابن عمر‪ ,‬محيي الدين مستو ص ‪.82‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫العواصم من القواصم ص ‪ 105،104‬ابن عمر‪ ,‬محيي الدين مستو ص ‪.83‬‬ ‫)(‬

‫‪128‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫خطورة مثل هذا المنحى وما يؤدي إليه من النيل من‬


‫الخليفة من فساد‪ ,‬وفرقة‪ ,‬لذا فإن عثمان منحه ثقته‬
‫فكان يستشيره إبان محنته مع الغوغاء‪ ,‬فحين دخل عليه‬
‫ابن عمر قال له عثمان‪ :‬انظر ما يقول هؤلء؛ يقولون‪:‬‬
‫اخلع نفسك أو نقتلك‪ .‬قال له ابن عمر‪ :‬أمخلد أنت في‬
‫الدنيا؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬هل يزيدون على أن يقتلوك؟ قال‪:‬‬
‫ل‪ .‬قال‪ :‬هل يملكون لك جنة أو نا ًرا؟ قال‪ :‬ل‪ .‬قال‪ :‬فل‬
‫تخلع قميص الله عليك فتكون سنة‪ ,‬كلما كره قوم‬
‫خليفتهم خلعوه أو قتلوه)‪ . (1‬وهذا الرأي من ابن عمر ينم‬
‫عن بعد نظره وتقديره لعواقب المور‪ ,‬وقد أبدى‬
‫استعداده لحمل السلح للدفاع عن أمير المؤمنين‬
‫عثمان والتصدي للغوغاء المحاصرين لعثمان في داره‪,‬‬
‫فقد ذكر ابن سعد عن نافع أن ابن عمر لبس الدرع يوم‬
‫الدار مرتين‪ .‬ولما قتل عثمان رأى ابن عمر أن المة‬
‫وقعت في محنة‪ ,‬وأن قتل الخليفة بهذه الصورة معصية‬
‫شؤمها على المة خطير‪ ,‬لذا لما عرض عليه الغوغاء‬
‫ما‪,‬‬
‫لهذا المر انتقا ً‬ ‫الخلفة بعد مقتل عثمان قال‪ :‬إن‬
‫والله ل أعترض له‪ ,‬فالتمسوا غيري ‪ ,‬وكان ابن عمر ‪‬‬
‫)‪(2‬‬

‫كثي ً را ما يركز في نصائحه للعامة على لزوم الجماعة‬


‫والعراض عن دماء المسلمين وأموالهم‪ .‬فكتب له‬
‫رجل‪ :‬اكتب إلي بالعلم كله‪ ,‬فكتب إليه‪ :‬إن العلم كثير‪,‬‬
‫ولكن إن استطعت أن تلقى الله خفيف الظهر من دماء‬
‫الناس خميص البطن من أموالهم‪ ,‬كا ّفا لسانك عن‬
‫أعراضهم‪ ,‬لز ً ما لمر جماعتهم‪ ,‬فافعل‪ ,‬والسلم)‪.(3‬‬
‫ج‪ -‬استجابته لكل من دعاه إلى خير وتعاونه مع أطراف‬
‫الخلف فيما يخدم المصلحة‪:‬‬
‫ورد أنه كان ل يأتي أميًرا ‪-‬في زمان الفتنة‪ -‬إل صلى‬

‫‪1‬‬
‫)( العواصم من القواصم ص ‪.130‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ الطبري‪ ,‬نقل ً عن أثر العلماء في الحياة السياسية ص ‪.332‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تاريخ دمشق‪ ,‬نقل ً عن أثر العلماء في الحياة السياسية ص ‪.334‬‬

‫‪129‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫خلفه وأدى إليه زكاة ماله)‪ ,(1‬وقيل له‪ :‬أتصلي مع هؤلء‬


‫ضا؟ فقال‪ :‬من قال‪ :‬حي على‬ ‫ومع هؤلء وبعضهم يقتل بع ً‬
‫الصلة أجبته‪ ,‬ومن قال‪ :‬حي على الفلح أجبته‪ ,‬ومن قال‪:‬‬
‫حي على أخيك المسلم وأخذ ماله قلت ل)‪ ,(2‬وكان ابن عمر‬
‫يتبوأ مكانة رفيعة في المة لصحبته لرسول الله وعلمه‬
‫وعبادته وزهده‪ ,‬وكان عبد الله بن محيريز ‪-‬رحمه الله‪ -‬يراه‬
‫أماًنا في الرض حيث قال‪ :‬والله إن كنت أعد بقاء ابن عمر‬
‫أماًنا لهل الرض)‪.(3‬‬
‫د‪ -‬إن ابن عمر ‪ ‬لم يدع ُ إلى وجوب الخضوع المطلق‬
‫للسلطان‪:‬‬
‫أو جواز البيعة القهرية‪ ,‬أو أن في حياته ما يدل على‬
‫عدم اهتمامه بأمور المسلمين السياسية أو عدم المشاركة‬
‫ما أحد الطراف‬ ‫فيها‪ ,‬بل على العكس‪ ,‬فهو كان دائ ً‬
‫الرئيسية في المعادلة السياسية في العهد الموي‪ ,‬وكان‬
‫أسلوبه هو الحوار واللجوء إلى الشورى‪ ,‬والبتعاد عن‬
‫القتتال‪ ,‬وعندما بدأت النشقاقات تظهر بين المسلمين‬
‫دا وأن يعتزل القتتال‪ ,‬ل أن يعتزل‬ ‫اختار أن يكون محاي ً‬
‫عا من التأمل‬
‫الحياة السياسية‪ ,‬وكان حياده واعتزاله نو ً‬
‫والتفكر والطلع على مواقف الفئات المختلفة والبعد عن‬
‫المشاركة في سفك دماء بسبب التصارع على السلطة‪ ,‬مع‬
‫العمل على تهيئة الظروف‪ ,‬والمناخ السياسي الملئم الذي‬
‫يجمع شمل المة‪ ,‬فموقف ابن عمر المحايد كان في‬
‫البداية بسبب صعوبة تكوين رأي قاطع‪ ,‬فضل ً عن خشية‬
‫الوقوع في الفتن)‪ ,(4‬وكان يقول‪ :‬كففت يدي عن القتال‬
‫فلم أندم‪ ,‬والمقاتل على الحق أفضل)‪ ,(5‬وهناك دلئل‬

‫‪1‬‬
‫)( الطبقات الكبرى )‪.(4/149‬‬
‫‪2‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(4/170‬‬
‫‪3‬‬
‫)( تهذيب التهذيب )‪ ,(5/331‬أثر العلماء في الحياة السياسية ص ‪.337‬‬
‫‪4‬‬
‫)( مع المسلمين‪ ,‬مصطفى حلمي ص ‪.54‬‬
‫‪5‬‬
‫)( الطبقات )‪.(4/164‬‬

‫‪130‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫وحقائق تاريخية تثبت أن ابن عمر‪ ,‬عندما رأى ما يقوم به‬


‫الحجاج من مظالم عظيمة في الحرم المكي‪ ,‬وسفك‬
‫الدماء به‪ ,‬والتعدي على حرمته غير رأيه في اعتزال الفتنة‪,‬‬
‫بل وندم على أنه لم يقاتل في جيش علي بن أبي طالب‬
‫جا عن شرعية علي‬ ‫ضد معاوية‪ ,‬الذي كان في نظره خار ً‬
‫وباغًيا عليه‪ ,‬فقد روى حبيب بن ثابت أن ابن عمر عندما‬
‫حضرته الوفاة قال‪ :‬ما أجد في نفسي شيًئا إل أني لم‬
‫أقاتل الفئة الباغية مع علي)‪ ,(1‬وقد مر معنا قول ابن عمر‪:‬‬
‫ما آسى على شيء من هذه الدنيا إلى على ثلث‪ ,‬ظمأ‬
‫الهواجر‪ ,‬ومكابدة الليل‪ ,‬وأني لم أقاتل الفئة الباغية التي‬
‫نزلت بنا)‪ ,(2‬قال الذهبي‪ :‬يعني الحجاج)‪ ,(3‬وقد جاء في كتب‬
‫التاريخ أن ابن عمر كان يرى‬
‫ضا يندرج تحت مسمى الفئة الباغية‪,‬‬ ‫عبد الله بن الزبير أي ً‬
‫وأنه ندم على عدم قتاله لخروجه على بني أمية وبغيه‬
‫عليهم ونكثه عهدهم)‪ ,(4‬وهذه الرواية يؤخذ‬
‫عليها عدة أمور‪:‬‬
‫‪ -‬أن عبد الله بن عمر لو كان يعتقد بأحقية بني أمية‬
‫بالخلفة من ابن الزبير في وقت الفتنة لبايعهم‪ ,‬ولكنه لم‬
‫يفعل‪ ,‬فكيف يندم على عدم قتاله معهم‪ ,‬وهو لم يبايعهم‬
‫‪-‬في الصل‪-‬؟!‬
‫‪ -‬أن أقوال عبد الله بن عمر الخرى‪ ,‬التي تؤكد أن‬
‫الفئة الباغية هي بنو أمية ورجالتهم‪ ,‬خاصة الحجاج‪ ,‬كانت‬
‫آخر أقواله‪ ,‬وهي ما يعتمد عليه‪ ,‬وأسانيدها صحيحة)‪.(5‬‬
‫إن مواقف ابن عمر السابقة تدحض وتبين ضعف الرأي‬
‫دا لمدرسة الخضوع السياسي للسلطان‪,‬‬‫الذي يعتبره رائ ً‬

‫‪1‬‬
‫)( سير أعلم النبلء )‪.(3/232‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‪ (5) ,‬سير أعلم النبلء )‪.(3/232‬‬
‫‪3‬‬
‫)(‬

‫‪4‬‬
‫)( المصدر نفسه )‪.(3/229‬‬
‫‪5‬‬
‫)( الفقهاء والخلفاء‪ ,‬سلطان بن حثلين ص ‪.66‬‬

‫‪131‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫خاصة أن ابن عمر هو الذي روى عن رسول الله ×‬


‫الحديث‪» :‬على المرء المسلم السمع والطاعة فيما‬
‫أحب أو كره إل أن يؤمر في معصية فل سمع ول‬
‫طاعة«)‪ ,(1‬والحديث يدل على عدم طاعة الحاكم إذا أمر‬
‫بمعصية أو خرج عن حكم الله‪ ,‬ول يمكن لبن عمر أن‬
‫يخالف حديًثا رواه‪ ,‬وعلى ذلك فإن نظرة ابن عمر تقوم‬
‫على أن الطاعة للخليفة الشرعي‪ ,‬الذي بويع بالجماع أو‬
‫اتفاق الغلبية‪ ,‬واجبة ما لم يأمر بمعصية‪ ,‬فإن ظلم أو جار‬
‫فل طاعة له‪ ,‬بل يجب مناصحته‪ ,‬فإن لم ُتجد ِ المناصحة‬
‫يجب ‪-‬عندئذ‪ -‬اللجوء إلى المعارضة الصريحة‪ ,‬ولكنه كان‬
‫يكره اللجوء إلى العنف والقتتال‪ ,‬لما في ذلك من سفك‬
‫الدماء وإضعاف لوحدة الجماعة)‪.(2‬‬
‫‪ -10‬منهج أهل الحق في ابن الزبير‪:‬‬
‫قال النووي في شرح مسلم‪ :‬مذهب أهل الحق أن ابن‬
‫ما‪ ,‬وأن الحجاج ورفقته خارجون عليه‪.‬‬ ‫الزبير كان مظلو ً‬
‫ودخل الحجاج على أمه بعد قتله فقال‪ :‬كيف رأيتني صنعت‬
‫بابنك؟ فقالت‪ :‬أفسدت عليه دنياه وأفسد عليك آخرتك‪,‬‬
‫وقد أخبرنا رسول الله ×‪ ,‬أن في ثقيف مبيًرا وكذاًبا‪ ,‬فأما‬
‫الكذاب فرأيناه ‪-‬تعني المختار‪ -‬وأما المبير)‪ ,(3‬فل أخالك إل‬
‫إياه)‪.(4‬‬
‫‪ -11‬هدم الكعبة وبناؤها في عهد ابن الزبير‪:‬‬
‫في سنة ‪64‬هـ هدم ابن الزبير الكعبة وكانت قد مالت‬
‫حيطانها‪(5),‬وتهدمت‪ ,‬وتشعثت من حجر المنجنيق الذي كان‬
‫يرمي به الحصين بن نمير وأصحابه)‪ (,6‬ولما أراد ابن الزبير‬
‫‪1‬‬
‫)( مسلم‪ ,‬رقم ‪.1839‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الفقهاء والخلفاء ص ‪.66‬‬
‫‪3‬‬
‫مهِْلك‪.‬‬
‫)( المبير‪ :‬ال ُ‬
‫‪4‬‬
‫)( مسلم‪ ,‬رقم ‪.2545‬‬
‫‪5‬‬
‫)( تاريخ الطبري )‪.(6/520‬‬
‫‪6‬‬
‫)( شذرات الذهب )‪.(1/308‬‬

‫‪132‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫هدم البيت شاور الناس في هدمها‪ ,‬فأشار عليه جابر بن عبد‬


‫الله وعبيد بن عمير بذلك وقال ابن عباس‪ :‬أخشى أن يأتي‬
‫بعدك من يهدمها‪ ,‬فل تزال تهدم حتى يتهاون الناس بحرمتها‪,‬‬
‫ولكن أرى أن تصلح ما وهي منها‪ ,‬وتدع بيتا ً أسلم الناس عليه‪,‬‬
‫بعث رسول الله × عليها‪ .‬فقال ابن الزبير‪ :‬لو احترق‬ ‫وأحجاًرا ُ‬
‫يجدده‪ ,‬فكيف ببيت ربكم؟! ‪ ,‬ثم‬
‫)‪(1‬‬
‫بيت أحدكم ما رضي حتى ُ‬
‫إن ابن الزبير استخار الله ثلثة أيام ‪ ,‬ثم عزم في اليوم‬
‫)‪(2‬‬

‫الرابع على ذلك فرقت الناس وخرج بعضهم هاربا ً إلى الطائف‬
‫دا‬
‫وإلى عرفات ومنى وطلع ابن الزبير بنفسه واتخذ معه عب ً‬
‫دقيق الساقين رجاء أن يكون ذا السويقتين الحبشي‬ ‫حبش ً‬
‫يا‬
‫ركن إلى الساس‪ ,‬فلما‬ ‫الذي يهدم الكعبة ‪ ,‬فبدأ ينقض ال ّ‬
‫)‪(3‬‬

‫وصلوا إلى الساس وجدوا أصل ًبالحجر مشبكا ً كأصبع اليدين‪,‬‬


‫رج ًوأشهدهم على ذلك‪ ,‬ثم بنى‬ ‫فدعا ابن الزبير خمسين ل‬
‫البيت وأدخل الحجر فيه)‪ (4,‬وجعل للكعبة بابين موضوعين‬
‫يخرج منه‪ ,‬ووضع الحجر السود‬ ‫بالرض‪ ,‬باب يدخل منه‪ ,‬وباب ُ‬
‫ده ّبفضة‪ ,‬لنه كان قد تصدع‪ ,‬وجعل الكعبة سبعة‬ ‫بيده وش‬
‫عا‪ ,‬وكان طولها سبعة عشر ذراعاً فاستقصروه‪,‬‬ ‫وعشرين ذرا ً‬
‫وزاد في وسع الكعبة عشرة أذرع ولطخ جدرانها بالمسك‪,‬‬
‫وسترها بالديباج‪ ,‬ثم اعتمر من مساجد عائشة)‪ ,(5‬وطاف‬
‫بالبيت‪ ,‬وصلى وسعى‪ ,‬وأزال ما كان حول البيت وفي المسجد‬
‫من الحجارة والزبالة‪ ,‬وما كان حولها من الدماء‪ ,‬وكانت الكعبة‬
‫قد وهت من أعلها إلى أسفلها من حجارة المنجنيق واسوَد ّ‬
‫الركن‪ ,‬وانصدع الحجر السود من النار التي كانت حول‬
‫الكعبة‪ ,‬وكان سبب تجديد ابن الزبير لها ما ثبت في الصحيحين‬
‫سنن من طرق‪ ,‬عن عائشة أم‬ ‫وغيرهما من المسانيد وال ّ‬
‫لول حدثان قومك بكفر‬ ‫المؤمنين‪ ,‬أن رسول الله × قال‪» :‬‬
‫لنقضت الكعبة ولدخلت فيها الحجر ‪-‬فإن قومك قصرت‬

‫‪1‬‬
‫)(‪ (6),‬البداية والنهاية )‪.(11/691‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‬

‫‪3‬‬
‫)( شذرات الذهب )‪.(1/309‬‬
‫‪4‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/692‬‬
‫‪5‬‬
‫)( مساجد عائشة‪ :‬المقصود بها التنعيم‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫يا يدخل‬ ‫با غرب ً‬


‫يا وبا ً‬
‫با شرق ً‬
‫بهم النفقة‪ -‬ولجعلت لها با ً‬
‫الناس من أحدهما ويخرجون من الخر‪ ,‬وللصقت بابها‬
‫بالرض‪ ,‬فإن قومك رفعوا بابها ليدخلوا من شاءوا‬
‫ويمنعوا من شاءوا«)‪(1,‬فبناها ابن الزبير على ذلك كما‬
‫أخبرته به خالته عائشة أم المؤمنين‪ ,‬عن رسول الله ×‪,‬‬
‫را‪ ً ,‬ثم لما غلبه الحجاج بن يوسف في سنة‬ ‫فجزاه الله خي‬
‫‪ 73‬وقتله وصلبه‪ ,‬هدم الحائط الشمالي وأخرج الحجر كما‬ ‫هـ‬
‫ضها‬
‫أو وأدخل الحجارة التي هدمها إلى جوف الكعبة فر ّ‬ ‫ً‬ ‫كان ل‪,‬‬
‫ي‪ ّ ,‬وتلك آثاره إلى الن‪ ,‬وذلك‬
‫فيها‪ ,‬فارتفع الباب‪ ,‬وسد ّ الغرب‬
‫بأمر عبد الملك بن مروان له في ذلك‪ ,‬ولم يكن بلغه الحديث‪,‬‬
‫فلما بلغه الحديث بعد ذلك قال‪ :‬وددنا أنا تركناه‪ ,‬وما تولى من‬
‫ذلك)‪.(2‬‬
‫ثالًثا‪ :‬أسباب سقوط خلفة ابن الزبير‪:‬‬
‫من خلل الدراسة تظهر للباحث أسباب عديدة‬
‫لسقوط خلفة ابن الزبير وانتصار المويين‪ ,‬ومن‬
‫أهم هذه السباب‪:‬‬
‫‪ -1‬اتخاذ الزبير الحجاز مقًرا لخلفته‪:‬‬
‫يجمع عدد من الباحثين على أن بقاء ابن الزبير في مكة‬
‫كان من أهم أسباب إخفاقه)‪ ,(3‬ولئن كان توجه ابن الزبير‬
‫إلى مكة في بداية المر له مبرراته)‪ ,(4‬فإن إصراره على‬
‫البقاء فيها واتخاذها عاصمة لخلفته لم يكن في مصلحته‪,‬‬
‫وذلك لن مكة بصفة خاصة والحجاز بصفة عامة لم تعد‬
‫حا ليكون مركًزا لدولة كبيرة مترامية الطراف‪,‬‬ ‫مكاًنا صال ً‬
‫فمكة بعد هجرة النبي × وأصحابه منها‪ ,‬فقدت دورها‬
‫السياسي الذي قامت به المدينة إلى عهد عثمان بن عفان‪,‬‬
‫ولما نشبت الفتنة وانتقل علي بن أبي طالب إلى الكوفة‪,‬‬
‫واتخذها عاصمة له‪ ,‬ثم اتخذ معاوية ابن أبي سفيان دمشق‬
‫‪1‬‬
‫)( البخاري رقم ‪. 4484 ،1583‬‬
‫‪2‬‬
‫)( البداية والنهاية )‪.(11/693‬‬
‫‪3‬‬
‫)( مثل‪ :‬الناطور‪ ,‬والقبلن‪ ,‬والخراشي وغيرهم‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫)(‪ (3) ,‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.193‬‬

‫‪134‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫عاصمة له‪ ,‬بعد أن آلت إليه الخلفة ولم يعد للحجاز ‪-‬خاصة‬
‫المدينة ومكة‪ -‬دوره السياسي السابق‪ ,‬ويمكن أن نجمل‬
‫أثر بقاء ابن الزبير في مكة على حركته في النقاط‬
‫التالية)‪:(1‬‬
‫أ‪ -‬الموقع‪ :‬فمكة ‪-‬كما هو معروف‪ -‬من حيث الموقع‬
‫بعيدة عن الشام والعراق‪ ,‬وهما القليمان اللذان شهدا أهم‬
‫مراحل الصراع بين ابن الزبير وبني أمية‪ ,‬فهذا البعد لم يتح‬
‫لبن الزبير الطلع ومتابعة ما يحدث من صراع بين‬
‫الموالين له وخصومه‪ ,‬لسيما مع ضعف إمكانات التصال‪,‬‬
‫وبالتالي فإن ذلك ل يتيح لبن الزبير اتخاذ القرارات‬
‫المناسبة إزاء ما يجري على الساحة بعكس خصومه‬
‫المويين الذين كانوا يعيشون الحداث مباشرة‪ ,‬ومن جانب‬
‫آخر فإن مكة تقع في واد محصور بين عدة جبال شاهقة‬
‫وهي أشبه ما تكون بالمصيدة لمن يعتصم بها حينما‬
‫تحاصرها الجيوش من كل جانب‪ ,‬ويقطعون عنها‬
‫المدادات‪ ,‬وكادت حركة ابن الزبير تخمد منذ وقت مبكر‬
‫حينما حاصر الحصين بن نمير ابن الزبير داخل مكة سنة‬
‫‪64‬هـ لول أن الله أنقذه بوفاة يزيد بن معاوية وانسحاب‬
‫جيش الحصين إلى الشام‪.‬‬
‫ب‪ -‬الناحية القتصادية‪:‬تعتمد مكة ‪-‬بشكل خاص‪-‬‬
‫والحجاز ‪-‬بشكل عام‪ -‬في مواردهما القتصادية على ما يأتيهما‬
‫من خارجهما‪ ,‬خاصة من الشام ومصر‪ ,‬وانقطاع هذه الموارد‬
‫يتسبب في إحداث مجاعة ترهق المقيمين فيهما‪ ,‬وقد أفاد بنو‬
‫أمية من هذا العامل إفادة كبيرة في صراعهم مع ابن الزبير‪,‬‬
‫فبعد سقوط مصر والشام في أيدي المويين انقطعت المدادات‬
‫المدينة)‪(2‬وبطبيعة الحال فإن مكة سينالها ما‬
‫‪,‬‬ ‫التي تصل إلى‬
‫نال المدينة‪ ,‬كما لجأ المويون إلى هذا السلح أيام الحصارين‬
‫الول والثاني)‪.(3‬‬

‫‪1‬‬
‫)(‬

‫‪2‬‬
‫)( فتوح البلدان للبلذري ص ‪ ,218‬عبد الله بن الزبير ص ‪.194‬‬
‫‪3‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.194‬‬

‫‪135‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫ج‪ -‬الموارد البشرية‪ :‬تبع قيام حركة الفتوح السلمية‬


‫هجرة العديد من القبائل إلى القاليم المفتوحة‪ ,‬وتركزت‬
‫معظم هذه القبائل في العراق‪ ,‬والشام‪ ,‬ومصر)‪ ,(1‬وقد‬
‫ترتب على ذلك اختلل معادلة التوزيع السكاني لترجيح كفة‬
‫هذين القليمين على الحجاز الذي عانى من نقص الكوادر‬
‫البشرية‪ ,‬وهذا النقص في الواقع لم يتح لبن الزبير تكوين‬
‫دا في أية لحظة لمهاجمة الخصم‪,‬‬ ‫جيش قوي يكون مستع ً‬
‫أو أقل تقدير لصد هجومه‪ ,‬ولذلك نجد أن ابن الزبير إزاء‬
‫ما إلى طلب المدادات من العراق‪ ,‬هو‬ ‫هذا الوضع يلجأ دائ ً‬
‫بذلك يربط تحركاته بما يكون عليه الوضع في هذا القليم‬
‫من حيث استقراره‪ ,‬واستعداد واليه لرسال المدد‪ ,‬وهذا‬
‫مما يفوت على ابن الزبير الكثير من الفرص)‪.(2‬‬
‫‪ -2‬سياسة ابن الزبير الدارية والمالية‪:‬‬
‫لئن وفق ابن الزبير في تعيين بعض ولته فإن هذا‬
‫التوفيق لم يكن حليفه في جميع الحوال‪ ,‬ويبدو أن بقاء‬
‫ابن الزبير في الحجاز وعدم خروجه إلى القاليم السلمية‬
‫لم يتح له التعرف على أهل هذه القاليم‪ ,‬وطبائعهم‬
‫واتجاهاتهم‪ ,‬وتكوين تصور عام عنهم يعينه على اختيار‬
‫الولة المناسبين‪ ,‬ولعل أبرز مثال على اضطراب سياسة‬
‫ابن الزبير في هذا المجال هو العراق ‪-‬بمصريه الكوفة‬
‫والبصرة‪ -‬ذلك القليم الذي كان يعج بالتيارات المختلفة‬
‫‪-‬العقدية والقبلية‪ -‬والذي يحتاج إلى نوعية خاصة من الولة‬
‫تحسن التعامل مع أهله‪ ,‬فلو نظرنا إلى ولة ابن الزبير‬
‫على إقليمي العراق وسيرتهم لوجدنا ما يدلل على ذلك‪,‬‬
‫ومن ولته على الكوفة عبد الله بن مطيع العدوي الذي لم‬
‫يستطع أن يواجه المختار ابن أبي عبيد الثقفي‪ ,‬وهرب من‬
‫أمامه وخّلى بينه وبين الكوفة)‪ ,(3‬وبشكل عام لم يستطع‬
‫ولة ابن الزبير ضبط هذا القليم الحيوي والستفادة من‬
‫‪1‬‬
‫)( هجرة القبائل العربية إلى البلد المفتوحة‪ ,‬للعلي ص ‪.23،57‬‬
‫‪2‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.195‬‬
‫‪3‬‬
‫)( الطبقات )‪.(5/148‬‬

‫‪136‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫طاقات أهله في حرب المويين‪ ,‬فقد كان فيه الرجال‬


‫والموال‪ ,‬بل على العكس من ذلك‪ ,‬فقد كان هذا القليم‬
‫سبًبا مباشًرا في سقوط خلفة ابن الزبير‪ ,‬وذلك حينما‬
‫تواطأ أهله مع المويين ضد مصعب بن الزبير‪ ,‬أما فيما‬
‫يتعلق بصلة ابن الزبير بولته‪ ,‬فيلحظ أن ابن الزبير كان‬
‫يخلي بين واليه والقليم الذي حكمه‪ ,‬ويكل إليه إدارته‬
‫والقيام بشئونه حتى في القتال ضد الخصوم‪ ,‬ولم يكن ابن‬
‫الزبير يتدخل في ذلك‪ ,‬فالصلة بين ابن الزبير وبعض ولته‬
‫تكاد تكون مقطوعة مما ترتب عليه سقوط بعض القاليم‬
‫في يد المويين‪ ,‬في الوقت الذي كان ابن الزبير يقيم في‬
‫مكة‪ ,‬ولعل ما حدث لقرقيسيا يدل على ذلك‪ ,‬فقد كان زفر‬
‫بن الحارث الكلبي والًيا على هذا القليم وكان يقاتل عبد‬
‫الملك بن مروان عدة سنوات‪ ,‬وعاق تقدمه إلى العراق‪,‬‬
‫ولما طال عليه المد ولم يقدم له ابن الزبير أي عون‬
‫اضطر في النهاية إلى التسليم لعبد الملك بن مروان بعد‬
‫أن أقنعه ابنه الهذيل بن زفر بأن عبد الملك بن مروان خير‬
‫له من ابن الزبير)‪.(1‬‬
‫وأما عن سياسية ابن الزبير القتصادية فبالضافة إلى‬
‫قلة موارده القتصادية‪ ,‬يلحظ أنه كان متأثًرا في نظرته‬
‫لما بين يديه من المال بأسلفه من الخلفاء الراشدين‬
‫خاصة عمر بن الخطاب ‪ ,‬وأراد أن يسلك مسلكهم في‬
‫طريقة النفاق‪ ,‬فأصبح ينظر إلى هذا المال على أنه مال‬
‫الله‪ ,‬وهو حق المسلمين‪ ,‬ول يجوز أن يصرف إل في أوجهه‬
‫الشرعية‪ ,‬وتشدد في ذلك‪ ,‬وهذه السياسة لم ترق‬
‫للكثيرين في ذلك العصر‪ ,‬لن الناس‪-‬كما يقول د‪ .‬العش‪-‬‬
‫لم يكونوا قادرين على فهم هذه السياسة وقبولها)‪ ,(2‬فلم‬
‫يسخر ابن الزبير هذا المال في توطيد حكمه‪ ,‬وتقوية صفه‪,‬‬
‫وكسب النصار من العيان والمؤيدين واستمالتهم‬
‫لمشروعه الشوري‪ ,‬وبطبيعة الحال لقد خسر ابن الزبير‬

‫‪1‬‬
‫)( أنساب الشراف )‪.(5/305‬‬
‫‪2‬‬
‫)( الدولة الموية ص ‪.207‬‬

‫‪137‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫صا إذا عرفنا أن المويين كانوا‬


‫الكثير من المناصرين‪ ,‬خصو ً‬
‫يغدقون الموال على الشعراء والعيان والزعماء لكسبهم‪.‬‬
‫‪ -3‬عدم استيعابه لزعماء العراق‪:‬‬
‫كثير من زعماء القبائل يمكن للحكام أن يستوعبوهم‬
‫بالموال والعطايا‪ ,‬فسلح المال خطير يجذب القلوب ويؤثر‬
‫في النفوس‪ ,‬فقد روى أن أخاه مصعًبا ذهب إليه ‪-‬بعد مقتل‬
‫المختار‪ -‬بزعماء أهل العراق وقال له‪ :‬يا أمير المؤمنين‪ ,‬قد‬
‫جئتك بزعماء أهل العراق وأشرافهم‪ ,‬كل مطاع في قومه‪,‬‬
‫وهم الذين سارعوا إلى بيعتك‪ ,‬وقاموا بإحياء دعوتك‪,‬‬
‫ونابذوا أهل معصيتك‪ ,‬وسعوا في قطع عدوك‪ ,‬فأعطهم من‬
‫هذا المال‪ .‬فقال له‪....:‬جئتني بعبيد أهل العراق وتأمرني أن‬
‫أعطيهم مال الله‪ ,‬ل أفعل‪ ,‬وايم الله لوددت أن أصرفهم‬
‫كما تصرف الدنانير بالدراهم‪ ,‬عشرة من هؤلء برجل من‬
‫أهل الشام)‪ ,(1‬وجاء في رواية‪ :‬فقال له أبو حاضر السيدي‬
‫‪-‬وكان قاضي الجماعة بالبصرة‪ :-‬إن لنا ولكم مثل ً مضى يا‬
‫أمير المؤمنين وهو ما قال العشى‪:‬‬
‫ّ‬
‫غيري وع ُلق أخرى غيرها‬ ‫قت‬‫ضا وع ُل ّ َ‬
‫ع ُّلقناك عر ً‬
‫الرجل‬ ‫رجل ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ع ُلقناك يا أمير المؤمنين وع ُلقت أهل الشام‪ ,‬وع ُلق أهل‬ ‫ّ‬
‫الشام إلى مروان‪ ,‬فما عسانا أن نصنع؟ قال الشعبي‪ :‬فما‬
‫سمعت جواًبا أحسن منه)‪ ,(2‬ثم بعد ذلك خلعوا ابن الزبير‬
‫وكتبوا إلى عبد الملك بن مروان أن أقبل إلينا)‪.(3‬‬
‫‪ -4‬عدم بيعة زعماء بني هاشم له ومعارضتهم لدولته‪:‬‬
‫فقد امتنع عن بيعته عبد الله بن عباس‪ ,‬ومحمد بن علي‬
‫بن أبي طالب ‪-‬ابن الحنفية‪ -‬وغيرهما‪ .‬ولم يعاملهم بالرفق‬
‫واللين‪ ,‬بل اشتد عليهم في بعض الحيان)‪.(4‬‬
‫‪ -5‬إسراف أخيه مصعب في الدماء بعد القضاء على‬
‫‪1‬‬
‫العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.506‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫البداية والنهاية )‪.(11/147،146‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫العالم السلمي في العصر الموي ص ‪.506‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪ ,505‬مروج الذهب )‪.(3/86،85‬‬ ‫)(‬

‫‪138‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫المختار‪:‬‬
‫فقد جاء مصعب إلى ابن عمر فسلم عليه فقال‪ :‬من‬
‫أنت؟ قال‪ :‬أنا ابن أخيك‪ ,‬مصعب بن الزبير‪ .‬قال‪ :‬صاحب‬
‫العراق؟ قال‪ :‬نعم‪ .‬ثم قال لبن عمر‪ :‬أسألك عن قوم‬
‫خالفوا وخلعوا الطاعة وقاتلوا حتى إذا غلبوا دخلوا قصًرا‬
‫وتحصنوا فيه وسألوا المان على دمائهم فأعطوا‪ ,‬ثم قتلوا‬
‫بعد ذلك‪ ,‬قال‪ ...:‬يا مصعب‪ ,‬لو أن امرأ أتى ماشية الزبير‬
‫فذبح منها خمسة آلف شاة في غداة كنت تعده مسرًفا؟‬
‫فسكت مصعب‪ .‬فقال‪ :‬أجبني‪ ,‬قال‪ :‬نعم‪ ,‬إني لعد رجل ً‬
‫يذبح خمسة آلف شاة في يوم مسرًفا‪ .‬قال‪ :‬أفتراه إسراًفا‬
‫حد‬‫في البهائم؟ ل تعبد الله وما تدري ما الله‪ ,‬وقتلت من و ّ‬
‫الله؟ أما كان فيهم مستكره يراجع به التوبة أو جاهل ترجى‬
‫رجعته)‪(1‬؟‪ .‬فهذا القتل الكثير في أهل العراق أوغر عليه‬
‫صدور عشائرهم وليس ببعيد أن يكون موقفهم منه في‬
‫معركة دير الجاثليق له علقة بهذه الحداث‪ ,‬فالذي قتل‬
‫مصعًبا هو زياد بن ظبيان‪ ,‬فلما ذهب إلى عبد الملك أمر له‬
‫بألف دينار فرفض ابن ظبيان أن يأخذ شيًئا وقال لعبد‬
‫الملك‪ :‬لم أقتله على طاعتك وإنما قتلته على قتل أخي‬
‫النابئ)‪ ,(2‬وقيل‪ :‬اشترك في قتله زائدة بن قدامة الثقفي‬
‫وقال حين قتله‪ :‬يا لثارات المختار! )‪.(3‬‬
‫‪ -6‬تهاون ابن الزبير في أمر المويين‪:‬‬
‫كان الولى أن يعمل ابن الزبير على منع المويين من‬
‫الخروج من المدينة إلى الشام‪ ,‬وبخاصة مروان بن الحكم‬
‫وابنه عبد الملك‪ ,‬ولو فعل ابن الزبير ذلك لما وجد المويون‬
‫من يلم شعثهم‪ ,‬ويعيد السلطة ثانية‪ ,‬فلم يفكر مروان بن‬
‫عبد الملك في الخلفة إل بعد أن خرج من المدينة ووصل‬
‫الشام‪ ,‬ولم يبذل الجهد المطلوب في دعم مناصريه في‬
‫الشام‪ ,‬كخروجه على جيش كبير لضبط المور بها والقضاء‬
‫‪1‬‬
‫)( مصنف ابن أبي شيبة )‪.(15/85‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‪ (3) ,‬الكامل في التاريخ )‪.(3/54‬‬
‫‪3‬‬
‫)(‬

‫‪139‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫على فتنة المويين عند ظهورها‪.‬‬


‫‪ -7‬إهماله الدعاية والعلن‪ :‬وأقصد بذلك عدم اهتمامه‬
‫بالشعراء وإغداق الهدايا عليهم‪ ,‬صحيح أن دعوة عبد الله‬
‫بن الزبير أيدها مجموعة من الشعراء كعبيد الله بن قيس‬
‫الرقيات)‪ ,(1‬الذي قال‪:‬‬
‫كد َّيها فك َ َ‬
‫دائها‬ ‫أنت ابن معتلج البطاح‬
‫فالمستن من بطحائها‬ ‫فالبيت ذي الركان‬

‫إلى أن قال‪:‬‬
‫كالبدر وسط سمائها‬ ‫ولدت أغّر مبار ً‬
‫كا‬
‫سحريها وعشائها‬ ‫في ليلة ل نحس فيه‬
‫ضاق عرض فضائها‬ ‫إن البلد سوى بلدك‬
‫فأنت خير رعائها‬ ‫فاجمع بني إلى بنيك‬
‫ضن ً‬
‫كا على أعدائها‬ ‫دا‬
‫نشهدك منا مشه ً‬
‫)‪(2‬‬
‫يوم جد لقائها‬ ‫نحن الفوارس من قريش‬

‫إلى أن المعركة العلمية انتصر فيها المويون انتصاًرا‬


‫كبيًرا على ابن الزبير‪ ,‬فقد كانوا يعطون الشعراء ويشترون‬
‫الناس بالموال‪ ,‬فهذا أعشى ربيعة من الشعراء المويين‬
‫يقول‪:‬‬
‫عجل النتاج بحملها فأحالها‬ ‫آل الزبير من الخلفة كالتي‬
‫ما ل تطيق فضيعت‬ ‫أو كالضعاف من الحمولة‬
‫أحمالها‬ ‫حملت‬ ‫ُ‬
‫م إمهالها‬
‫كم للغواة أطلت ُ‬ ‫م‬
‫قوموا إليهم ل تناموا عنه ُ‬

‫‪1‬‬
‫)( ديوان عبيد الله بن قيس‪ ,‬تحقيق محمد يوسف ص ‪.117‬‬
‫‪2‬‬
‫)( موقف الشعر من الحركة الزبيرية ص ‪.26‬‬

‫‪140‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫م أركانها وثمالها‬
‫ما زلت ُ‬ ‫م‬
‫م ل فيه ُ‬
‫إن الخلفة فيك ُ‬
‫أقفالها‬
‫)‪(1‬‬ ‫أمسوا على المعروف قفل ً‬
‫قا‬
‫مغل ً‬
‫‪ -8‬استخدام الشدة والقوة مع أخيه عمرو بن الزبير‪ :‬إن‬
‫الطريقة التي اتبعها ابن الزبير في القضاء على أخيه عمرو‬
‫بن الزبير بعد أن وقع في السر جعلت الناس ينظرون إليه‬
‫على أنه رجل تنقصه العاطفة والشفقة‪ ,‬وكان لذلك مرده‬
‫السيئ على تعاطف الناس مع قضيته‪ ,‬فعمرو بن الزبير‬
‫كان يضرب الناس في المدينة بناء على تهم موجهة إليهم‬
‫بشأن تعاطفهم وتعاملهم مع ابن الزبير‪ ,‬وكان معيًنا من‬
‫قبل الدولة‪ ,‬وكانت قراراته يتخذها بطبيعة عمله‪ ,‬وإن كان‬
‫فيها شيء من التجني والخطأ والظلم‪ ,‬وبالتأكيد كان الكثير‬
‫من الناس يتمنون أن يقوم ابن الزبير‪ ,‬نفسه بحبسه‪ ,‬أو أن‬
‫دعون على عمرو بن الزبير بأنه‬ ‫يطلب من كل الذي ي ّ‬
‫ظلمهم أن يسامحوه ويصفحوا عنه‪ ,‬ويغفروا له خطأه ‪,‬‬
‫)‪(2‬‬

‫لقد اعتبر البعض أن ابن الزبير ما هو إل طالب سلطة‬


‫ودولة‪ ,‬وإل لما تعامل مع أخيه بتلك القسوة)‪ ,(3‬واستغل تلك‬
‫الحادثة شعراء الخصوم‪ ,‬فقد قال الضحاك بن فيروز‬
‫الديلمي ساخًرا من اّدعاء عبد الله بن الزبير الزهد‬
‫والصلح‪:‬‬
‫ل من‬ ‫وبطنك شبٌر أو أق ّ‬ ‫تخبرنا أن سوف تكفيك‬
‫الشبر‬ ‫قبضة‬
‫كما قضمت نار الغضا حطب‬ ‫وأنت إذا نلت شيًئا قضمته‬
‫السدر‪(4‬‬
‫)‬
‫عمرو‬ ‫فلو كنت تجزي أو تبيت‬
‫بنعمة‬
‫وقال عبد الله بن الزبير السدي مؤلًبا على ابن الزبير‬
‫داعًيا عليه‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫)( موقف الشعر من الحركة الزبيرية ص ‪.87‬‬
‫‪2‬‬
‫)(‪ (3) ,‬مواقف المعارضة في خلفة يزيد ص ‪.535‬‬
‫‪3‬‬
‫)(‬

‫‪4‬‬
‫)( الحزب الزبيري في أدب العصر الموي‪ ,‬ثريا ملحس ص ‪.225‬‬

‫‪141‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫وصرعت قتلى بين زمزم‬ ‫تحدث من لقيت أنك عائذ‬


‫والركن‪(1‬‬
‫)‬
‫والفن‬ ‫قتلتم أخاكم بالسياط‬
‫سفاهة‬
‫إلى أن قال‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫المخافة بالمن‬ ‫قطعت من الرحام ما‬
‫جا‬
‫كان واش ً‬
‫‪ -9‬تفوق خصوم ابن الزبير‪ :‬ليس بمستغرب أن يتفوق‬
‫بنو أمية على ابن الزبير‪ ,‬الذي لم تتح له الفرصة لن يتولى‬
‫ما من القاليم ليكتسب الخبرة‪ ,‬في حين أن بني أمية‬ ‫إقلي ً‬
‫تهيأت لهم العديد من الفرص‪ ,‬خاصة بعد أن آلت الخلفة‬
‫إليهم في عهد معاوية بن أبي سفيان‪ ,‬وفي الجانب‬
‫العسكري نلمس تفوق بني أمية على ابن الزبير من حيث‬
‫التكتيك الحربي‪ ,‬وقيادة الجيوش‪ ,‬ولعل من أبرز ما يلحظ‬
‫في ذلك أن مروان بن الحكم قد خرج بنفسه على جيش‬
‫كبير لضم مصر‪ ,‬ثم باشر ابنه عبد الملك حرب العراق‬
‫بنفسه‪ ,‬وهذا أتاح لهما التعرف على ما يدور في ساحة‬
‫القتال عن كثب‪ ,‬كما أنه يعطي المقاتلين دفعة معنوية‬
‫كبيرة‪ ,‬وفي المقابل نجد ابن الزبير يعتمد على قواده أو‬
‫ولة القاليم في حروبه ولم يغادر مكة قط‪ ,‬وقد انتقد عبد‬
‫الملك بن مروان هذه السياسة فقال‪ :‬إن عبد الله بن‬
‫الزبير لو كان خليفة كما يزعم لبدى صفحته‪ ,‬وآسى‬
‫أنصاره بنفسه‪ ,‬ولم يغرز ذنبه في الحرم)‪.(3‬‬
‫ضا أن بني أمية منذ صراعهم مع ابن الزبير‬
‫ويلحظ أي ً‬
‫ما في موضع المهاجم‪ ,‬بعكس ابن الزبير الذي ظل‬ ‫كانوا دائ ً‬
‫في موقف الدفاع ‪.‬‬
‫)‪(4‬‬

‫‪ - 10‬الظروف التي نشأت فيها حركة ابن الزبير‪ :‬إن‬


‫من النصاف أن نذكر أن الظروف السيئة التي وجدت‬
‫‪1‬‬
‫المصدر نفسه ص ‪ ,228‬الفن‪ :‬ضعف الرأي‪.‬‬ ‫)(‬
‫‪2‬‬
‫الحزب الزبيري في أدب العصر الموي‪ ,‬ثريا ملحس ص ‪.228‬‬ ‫)(‬
‫‪3‬‬
‫الطبقات )‪.(5/232‬‬ ‫)(‬
‫‪4‬‬
‫عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.199‬‬ ‫)(‬

‫‪142‬‬
‫الفصل ا لرابع‬

‫فيها حركة ابن الزبير أسهمت إلى حد كبير في سقوط‬


‫خلفته‪ ,‬تمثلت هذه الظروف بظهور التيارات والتجاهات‬
‫المذهبية‪ ,‬والقبلية‪ ,‬وانعدام الستقرار السياسي الذي هو‬
‫من أهم الشروط لقيام حكم مستقر‪ ,‬لقد شغل الخوارج‬
‫ابن الزبير كثي ً را‪ ,‬كما أن حركة المختار أخذت من جهده‬
‫ووقته ورجاله‪ ,‬فهذه الحركات ذات المنطلقات العقائدية‬
‫شغلت ابن الزبير كثي ً را عن التفكير في تنظيم دولته‪,‬‬
‫كما استنزفت الكثير من طاقاته المادية والبشرية)‪.(1‬‬
‫رابًعا‪ :‬رثاء عبد الله بن الزبير‪:‬‬
‫رثي ابن الزبير بقصائد كثيرة مبكية حزينة حفظها لنا‬
‫التاريخ‪ ,‬ولم تهملها الليالي‪ ,‬ولم تفصلها عنا حواجز الّزمن‪,‬‬
‫ول أسوار القرون‪ ,‬ومما قيل في رثائه ما قاله عبد الله بن‬
‫أبي مسروح‪:‬‬
‫لعبد الله طرًفا غير وعل‬ ‫لقد أدركت كتائب أهل‬
‫حمص‬
‫وللحادين خيُر محل رحل‬ ‫دت‬ ‫شجاع الحرب إذ ش ّ‬
‫وقوًدا‬
‫قا غير‬‫إذا اعتنشوا طري ً‬ ‫ومن ذا يكره البطال منه‬
‫سهل)‪(2‬‬
‫ل‬
‫لمث ِ‬ ‫فما للشامتين بنا أصيبوا‬

‫وقال قيس بن الهيثم السلمي‪:‬‬


‫حول‬
‫ت سماؤهما الم ُ‬
‫نفَ ْ‬ ‫فقدنا مصعًبا وأخاه لما‬
‫حب في مجالسنا‬ ‫ُتس ّ‬ ‫وكنا ل يرام لنا حريم‬
‫الذيول‬
‫ركبنا الخيل واجتنبنا‬ ‫إذا أمن الجناب وإن فزعنا‬
‫شليل‬ ‫ال ّ‬
‫ونوطئهم بها وطأ ثقيل ً‬ ‫ونرمي بالعداوة من رمانا‬
‫لقد أصبحت بعدهما ذليل‬ ‫فيا لهفي ولهف أبي وأمي‬
‫ذ‬
‫‪1‬‬
‫)( عبد الله بن الزبير‪ ,‬للخراشي ص ‪.199‬‬
‫‪2‬‬
‫)( تاريخ دمشق‪ ,‬لبن عساكر )‪.(30/193‬‬

‫‪143‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫أل أصبحت في القتلى‬ ‫فا على ما فات مني‬


‫ويا له ً‬
‫قتيل ً‬
‫يذكرني ابن مروان‬ ‫ولم أصبح لهل الشام‬
‫ذحول‬ ‫ال ّ‬ ‫صًبا‬
‫نَ ْ‬
‫سا جميل ً‬
‫ً‬ ‫حب‬ ‫ول‬ ‫نا‬
‫ً‬ ‫إذ‬ ‫ول‬ ‫دا يعد ول غناء‬
‫فل رف ً‬
‫)‪(1‬‬
‫السبيل‬ ‫ولكن بين ذلك بين بين‬

‫***‬

‫‪1‬‬
‫)( تاريخ دمشق‪ ,‬لبن عساكر )‪.(30/194،193‬‬

‫‪144‬‬
‫المراجـــــــــــع‬

‫أهم المصادر والمراجع‬


‫‪ -1‬أثر العلماء في الحياة السياسية في الدولة الموية د‪ .‬عبد الله بن‬
‫عبد الرحمن بن زيد الخركــان‪ ,‬مكتبــة الرشــد‪ ,‬الريــاض‪ ,‬الطبعــة‬
‫الولى ‪1424‬هـ‪.‬‬
‫‪ -2‬أخبار مكة للفاكهي‪ ,‬عبد الله بن محمــد‪ ,‬تحقيــق عبــد الملــك بــن‬
‫دهيش‪.‬‬
‫‪ -3‬أسماء بنت أبي بكر الصديق‪ ,‬محمد بن لطفــي الصــباغ‪ ,‬المكتــب‬
‫السلمي‪.‬‬
‫‪ -4‬الحاد والمثاني لبن عاصــم‪ ,‬تحقيــق باســم فيصــل الجــوابرة‪ ,‬دار‬
‫الراية‪ ,‬الرياض‪.‬‬
‫‪ -5‬الخبار الطوال لبي حنيفــة أحمــد بــن داود الــدينوري‪ ,‬دار القلــم‪,‬‬
‫بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -6‬الستيعاب في معرفة الصحاب لبن عبد البر‪ ,‬تحقيق علي محمد‬
‫البجاوي‪ ,‬مكتبة نهضة مصر‪.‬‬
‫‪ -7‬العلم لخير الدين الزركلي‪ ,‬دار العلــم‪ ,‬بيــروت‪ ,‬الطبعــة الثالثــة‪,‬‬
‫‪1389‬هـ‪.‬‬
‫الغاني‪ ,‬أبو الفرج الصفهاني‪ ,‬علي بن الحسين بن محمد الموي‪ ,‬طبــع‬ ‫‪8 -‬‬
‫دارالكتب المصرية‪.‬‬
‫‪ -9‬المويــون بيــن المشــرق والمغــرب‪ ,‬دار القلــم‪ ,‬دمشــق‪ ,‬الــدار‬
‫الشامية‪ ,‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -10‬البداية والنهاية‪ ,‬الحافظ ابن كثير الدمشقي‪ ,‬دار الريان‪.‬‬
‫‪ -11‬البيان المغرب في أخبار الندلس والمغرب‪ ,‬أبو عبد الله محمــد‬
‫عذارى(‪.‬‬ ‫المراكشي )ابن ِ‬
‫التاريخ الســلمي‪ ,‬عبــد العزيــز بــن عبــد اللــه الحمي ــدي‪ ,‬دار الــدعوة‪,‬‬ ‫‪12 -‬‬
‫السكندرية‪1998 ,‬م‪.‬‬
‫‪ -13‬التقريب‪ ..‬تقريب التهذيب‪ ,‬لبن حجر‪ ,‬تحقيق محمد عوامــة‪ ,‬دار‬
‫الرشيد‪ ,‬حلب‪.‬‬
‫‪ -14‬الحجاج بن يوسف المفترى عليه‪ ,‬محمود زيادة‪ ,‬دار السلم‪.‬‬
‫‪ -15‬الحرية أو الطوفان د‪ .‬حاكم المطيري‪.‬‬
‫‪ -16‬الحزب الزبيــري فــي أدب العصــر المــوي‪ ,‬د‪ .‬ثريــا عبــد الفتــاح‬
‫ملحــــــــــــــــــــــــــــــس‪ ,‬دار البشــــــــــــــــــــــــــــــير‪,‬‬
‫عمان ‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ -17‬الدور السياسي لهــل اليمــن فــي الشــام‪ ,‬إســماعيل الجبــوري‪,‬‬
‫هاشم يحيــى الملح‪ ,‬جامعــة الموصــل‪ ,‬رســالة الماجســتير‪ ,‬عــام‬
‫‪1407‬هـ‪1987 -‬م‪.‬‬
‫الدولة المويــة‪ ,‬فرســت مرعــي الــدهوكي‪ ,‬ألــوان للطباعــة‪ ,‬الجامعــة‬ ‫‪18 -‬‬

‫‪145‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الجديدة‪ ,‬صنعاء ‪2000‬م‪.‬‬


‫‪ -19‬الدولــة المويــة‪ ,‬يوســف العــش‪ ,‬دار الفكــر‪ ,‬دمشــق‪ ,‬الطبعــة‬
‫الثالثة‪1406 ,‬هـ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ -20‬الدولــة المويــة المفــتى عليهــا‪ ,‬حمــدي شــاهين‪ ,‬دار القــاهرة‬
‫للكتاب‪ ,‬سنة ‪2001‬م‪.‬‬
‫‪ -21‬الدولة الموية في المشرق بين عوامــل البنــاء ومعــاول الهــدم‪,‬‬
‫محمد الطيب النجار‪.‬‬
‫‪ -22‬السيرة النبوية لبن هشام‪ ,‬دار إحياء التراث‪.‬‬
‫‪ -23‬السيرة النبوية‪ ,‬د‪ .‬علي الصلبي‪ ,‬دار المعرفــة بيــروت‪ ,‬الطبعــة‬
‫الولى‪2004 ,‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬الشعر والشعراء لبن قتيبة‪ ,‬دار الحديث القاهرة‪ -‬تحقيق أحمــد‬
‫شاكر‪1998 ,‬م‪.‬‬
‫‪ -25‬الشيعة العربيــة والزيديــة‪ ,‬محمــد إبراهيــم الفيــومي‪ ,‬دار الفكــر‬
‫العربي‪.2002 ,‬‬
‫‪ -26‬العالم السلمي في العصر الموي‪ ,‬د‪ .‬عبد الشافي محمــد عبــد‬
‫اللطيف‪ ,‬الطبعة الثالثة‪1417 ,‬هـ‪1996 -‬م‪ ,‬دار التحاد التعــاوني‬
‫للطباعة بمصر‪.‬‬
‫‪ -27‬العراق في العصر الموي‪ ,‬ثابت الرواي‪ ,‬مكتبة الندلس‪ -‬بغــداد‪,‬‬
‫رسالة ماجستير‪.‬‬
‫‪ -28‬العواصم من القواصــم‪ ,‬القاضــي أبــو بكــر بــن العربــي‪ ,‬تحقيــق‬
‫محب الدين الخطيـب‪ ,‬إعـداد محمـد سـعيد مـبيض‪ ,‬دار الثقافـة‪,‬‬
‫قطر‪ -‬الطبعة الثانية ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ -29‬الفتح الرباني في ترتيب مسند المام أحمد‪ ,‬أحمد عبد الرحمــن‬
‫البنا الشهير »بالساعاتي«‪.‬‬
‫‪ -30‬الفرق بين الفرق‪ ,‬أبو منصور عبد القــاهر بــن طــاهر البغــدادي‪,‬‬
‫تحقيق طه عبد الـرءوف سـعد‪ ,‬طبـع مؤسسـة الحلـبي وشـركاه‬
‫بالقاهرة‪.‬‬
‫‪ -31‬الفقهاء والخلفــاء‪ ,‬ســلطان حثليــن‪ ,‬دار عمــان‪ ,‬الردن‪ ,‬الطبعــة‬
‫الولى ‪2000‬م‪.‬‬
‫‪ -32‬الكامل في التاريخ أبو الحسن على بن أبــي المكــارم الشــيباني‬
‫المعروف بــابن الثيــر‪ ,‬تحقيــق‪ :‬علــي شــيري‪ ,‬دار إحيــاء الــتراث‬
‫العربي‪ ,‬بيروت الطبعة الولى‪1989 ,‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬المحلــى‪ ,‬علــي بــن أحمــد بــن ســعيد بــن حــزم‪ ,‬المتــوفي ســنة‬
‫‪456‬هـــ‪ ,‬تحقيــق لجنــة إحيــاء الــتراث العربــي فــي دار الفــاق‬
‫الجديدة‪ ,‬وهو أحد منشوراتها‪ ,‬بيروت‪.‬‬
‫المحن لبي العرب‪ ,‬محمد بــن أحمــد التميمــي‪ ,‬دار العلــوم‪ ,‬الريــا ض‪,‬‬ ‫‪34 -‬‬
‫الطبعة الولى‪1404 ,‬هـ‪.‬‬

‫‪146‬‬
‫المراجـــــــــــع‬

‫المعجم الكبير للطبراني‪ ,‬لبي القاسم ســليمان بــن أحمــد الطــبراني‪,‬‬ ‫‪35 -‬‬
‫مكتبة العلوم والحكم‪.‬‬
‫‪ -36‬المعارف لبن قتيبة‪ ,‬تحقيق ثروت عكاشــة‪ ,‬الطبعـة الثالثــة‪ ,‬دار‬
‫المعارف‪ -‬مصر‪.‬‬
‫‪ -37‬المنتظم في تاريخ الملوك والمم لبي الفرج عبــد الرحمــن بــن‬
‫علي بن الجوزي‪ ,‬دار الكتب العلمية بيروت‪ ,‬لبنان‪.‬‬
‫النظريات السياسية السلمية‪ ,‬محمد ضياء الري س‪ ,‬الطبعــة الســابعة‪,‬‬ ‫‪38 -‬‬
‫دار التراث ‪1979‬م‪.‬‬
‫ي‪ ,‬دار طيبة ‪ -‬الريا ض‪-‬‬ ‫‪39‬اليهود في السنة المطهر‪,‬ة د‪ .‬عبد الله الشقار‬ ‫‪-‬‬
‫الطبعة الولى ‪1417‬هـ‪.‬‬
‫‪ -40‬أنســاب الشــراف‪ ,‬أحمــد بــن يحيــى بــن جــابر البلذري‪ ,‬طبــع‬
‫بيروت‪ ,‬عام ‪1989‬م‪.‬‬
‫‪41‬ــخ الســلم‪ ,‬محمــد أحمــد الــذهبي‪ ,‬دار الكتــاب العربــي‪ ,‬بيــروت‪,‬‬ ‫‪ -‬تاري‬
‫الطبعة الولى‪1989 ,‬م‪.‬‬
‫دار ص ــادر بيــروت‪ ,‬الطبعــة‬ ‫‪ 42‬تاريــخ الخلفــاء‪،‬لجلل ال ــدين الســيوطي‪،‬‬
‫‪-‬‬
‫الولى ‪1417‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -43‬تاريــخ الطــبري‪ ,‬المســمى بتاريــخ المــم والملــوك لبــي جعفــر‬
‫الطبري‪ ,‬دار الفكر‪ ,‬بيروت‪ ,‬الطبعة الولى ‪1407‬هـ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬تاريخ القضــاعي‪ ,‬كتــاب عيــون المعــارف وفنــون أخبــار الخلئف‬
‫للمام القاضي محمد بن سلم ابن جعفــر الشــافعي‪ ,‬مطبوعــات‬
‫أم القرى‪.‬‬
‫‪ -45‬تاريخ خلفة بني أميــة‪ ,‬نــبيه عاقــل‪ ,‬دار الفكــر‪ ,‬الطبعــة الثالثــة‪,‬‬
‫‪1394‬هـ‪1975 -‬م‪.‬‬
‫‪ -46‬تاريخ خليفة بن خياط‪ ,‬أبو عمر خليفة بن خياط بــن أبــي هــبيرة‬
‫الليــثي‪ ,‬تحقيــق أكــرم ضــياء العمــري‪ ,‬الطبعــة الثانيــة‪ ,‬مؤسســة‬
‫الرسالة‪ ,‬دار القلم‪ ,‬بيروت‪1397 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪ -47‬تجديد الدولة الموية‪ ,‬شحادة الناطور‪ ,‬دار الكندي‪ ,‬إربد‪ ,‬الطبعة‬
‫الولى‪1996 ,‬م‪.‬‬
‫‪ -48‬حقبة من التاريخ‪ ,‬عثمان الخميس‪ ,‬دار اليمان‪ ,‬السكندرية‪.‬‬
‫‪ -49‬حلية الولياء وطبقات الصفياء لبــي نعيــم أحمــد بــن عبــد اللــه‬
‫الصفهاني‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -50‬دراسات في الهواء والفرق والبــدع‪ ,‬وموقــف الســلف منهــا‪ ,‬د‪.‬‬
‫تامر عبد الكريم العقل‪ ,‬مركــز الدراســات والعلم‪ ,‬دار إشــبيليا‪,‬‬
‫الرياض الطبعة الولى ‪1418‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -51‬ديوان عبيد الله بن قيس الرقيات‪ ,‬تحقيق محمد يوسف‪.‬‬
‫‪ -52‬سنن ابن ماجه‪ ,‬للحافظ أبي عبد الله محمد بن يزيد القزوينــي‪,‬‬
‫تحقيق‪ :‬محمد فؤاد عبد الباقي‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬بيروت‪.‬‬

‫‪147‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫سير أعلم النبلء‪ ,‬شم س الدين محمد بن أحمــد بــنعثمــان الــذهبي‪,‬‬ ‫‪53 -‬‬
‫مؤسسة الرسالة‪ ,‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -54‬سيرة علي بن أبي طالب‪ ,‬د‪ .‬علي محمد الصلبي‪ ,‬دار بن كثير‪,‬‬
‫دمشق‪ ,‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -55‬شذرات الذهب في أخبار من ذهب‪ ,‬لبي الفلح عبــد الحــي بــن‬
‫العماد الحنبلي‪.‬‬
‫‪ -56‬صحيح البخاري‪ ,‬لبي عبد الله محمد بن إسماعيل البخــاري‪ ,‬دار‬
‫الفكر‪.‬‬
‫ـحيح مسـلم‪ ,‬تحقيـق‪ :‬محمــد فـؤاد عبـد البـاقي‪ ,‬دار إحيـاء الــتراث‬ ‫‪57‬‬
‫‪ -‬صـ‬
‫العربي‪ ,‬بيروت‪ -‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -58‬طبقات ابن سعد‪ ,‬دار صادر‪ ,‬بيروت‪ ,‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -59‬عبد اللــه بــن الزبيــر‪ ,‬ماجــد لحـام‪ ,‬دار القلـم‪ ,‬دمشــق‪ ,‬الطبعــة‬
‫الولى ‪1415‬هـ‪.‬‬
‫‪ -60‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬د‪ .‬شحادة الناطور‪ ,‬دار ابن رشد‪ ,‬عمان‪.‬‬
‫‪ -61‬عبــد اللــه بــن الزبيــر فقيهًــا‪ ,‬محمــد عبــد الرضــا هــادي‪ ,‬رســالة‬
‫ماجستير‪ ,‬العراق‪.‬‬
‫‪ -62‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬عبد الله عثمان الخراشي‪ ,‬رسالة ماجستير‪,‬‬
‫جامعة الملك سعود‪ ,‬كلية الداب‪1408 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪ -63‬عبد الله بن الزبير‪ ,‬محمود شــاكر‪ ,‬المكتــب الســلمي‪ ,‬الطبعــة‬
‫الولى‪1998 ,‬م‪.‬‬
‫‪ -64‬عبــد اللــه بــن عمــر‪ ,‬محيــى الــدين مســتو‪ ,‬دار القلــم‪ ,‬دمشــق‪,‬‬
‫الطبعة الرابعة‪1987 ,‬م‪.‬‬
‫‪ 65‬الملك بن مروان والدولة الموية‪ ,‬د‪ .‬محمد ضــياء الــدين الري ـ س‪,‬‬ ‫‪ -‬عبد‬
‫الطبعة الثانية‪1969 ,‬م‪.‬‬
‫‪ -66‬عيون الخبار‪ ,‬لبي محمــد عبــد اللــه بــن مســلم بــن قتيبــة‪ ,‬دار‬
‫الكتب العلمية‪.‬‬
‫‪ -67‬فتح الباري‪ ,‬لبن حجر العسقلني‪ ,‬دار المعرفة‪ -‬بيروت‪ ,‬لبنان‪.‬‬
‫‪ -68‬فتـوح البلـدان للبلذري‪ ,‬أحمـد بـن يحيـى بـن جـابر‪ ,‬دار الكتـب‬
‫العلمية‪ ,‬بيروت‪1403 ,‬هـ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪ -69‬مروج الذهب ومعادن الجوهر‪ ,‬لبي الحســن علــي بــن الحســين‬
‫المســعودي‪ ,‬دار المعرفــة‪ ,‬بيــروت‪ ,‬لبنــان‪ ,‬طبعــة ‪1402‬هـــ‪-‬‬
‫‪1982‬م‪.‬‬
‫‪ -70‬مستدرك الحاكم على الصحيحين‪ ,‬لبي عبد الله محمد بــن عبــد‬
‫الله النيسابوري‪ ,‬دار الكتب العلمية‪ ,‬بيروت لبنان‪ ,‬الطبعة الولى‬
‫‪1411‬هـ‪.‬‬
‫‪ -71‬مصنف ابن أبي شيبة‪ ,‬للمام أبي بكر عبــد اللــه بــن محمــد بــن‬
‫أبــي شــيبة العبســي‪ ,‬دار القــرآن والعلــوم النســانية‪ ,‬كراتشــي‪,‬‬

‫‪148‬‬
‫المراجـــــــــــع‬

‫باكستان‪1406 ,‬هـ‪.‬‬
‫‪ -72‬مع المسلمين الوائل‪ -‬د‪ .‬مصطفى حلمــي‪ ,‬دار العلــوم‪ ,‬جامعــة‬
‫القاهرة‪ ,‬الطبعة الثانية ‪1409‬هـ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ -73‬من دولة عمر إلى دولة عبد الملك‪ ,‬إبراهيم بيضون‪ ,‬دار النهضة‬
‫العربية‪.‬‬
‫‪ -74‬منهاج السنة ‪ -‬لبن تيمية‪ ,‬تحقيق‪ :‬محمد رشاد سـالم‪ ,‬مؤسسـة‬
‫قرطبة‪.‬‬
‫‪ -75‬مواقف المعارضة في خلفة يزيــد‪ ,‬محمــد بــن عبــد الهــادي بــن‬
‫رّزان الشيباني‪ ,‬المكتبة المكية‪ ,‬دار البيارق‪ ,‬الطبعة الولى‪.‬‬
‫فـي‪ ,‬دار المعـالم‬ ‫موقف الشعر من الحركة الزبيرية‪ ,‬محمد علـي الهر‬ ‫‪76 -‬‬
‫الثقافية‪ ,‬الطبعة الثانية ‪1418‬هـ‪.‬‬
‫‪ -77‬نسب قريش‪ ,‬لبي عبد الله مصعب عبد الله الزبيري‪ ,‬طبــع دار‬
‫المعارف‪.‬‬
‫‪ -78‬نحو دستور إسلمي‪ ,‬محمد سيد أحمد‪.‬‬
‫‪ -79‬نشأة الحركات السياسية والدينية في السلم‪ ,‬د‪ .‬فاروق فوزي‪.‬‬
‫‪ -80‬نظام الحكم في السلم بين النظريــة والتطــبيق‪ ,‬د‪ .‬أحمــد عبــد‬
‫الله مفتاح‪ ,‬دار التوزيع والنشر السلمية‪.‬‬
‫‪ -81‬نهاية الرب في فنون الدب‪ ,‬شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب‬
‫النويري‪ ,‬الهيئة المصرية للكتاب‪.‬‬
‫‪ -82‬هجرة القبائل العربية إلى البلد المفتوحة‪ ,‬صالح العلي‪.‬‬
‫‪ -83‬يزيد بن معاوية‪ ,‬حياته وعصره‪ ,‬عمر سليمان العقيلــي‪ ,‬الريــاض‬
‫‪1408‬هـ‪.‬‬
‫‪ -84‬نظام الحكم في الشريعة والتاريخ السلمي‪ ,‬ظــافر القاســمي‪,‬‬
‫دار النفائس‪ ,‬بيروت‪.‬‬
‫‪ -85‬الصابة في تمييز الصحابة‪ ,‬أحمد بـن حجـر العسـقلني‪ ,‬تحقيـق‬
‫علي محمد البجاوي‪ ,‬دار نهضة مصر‪.‬‬
‫‪ -86‬الهجــرة النبويــة المباركــة‪ ,‬د‪ .‬عبــد الرحمــن الــبر‪ ,‬دار الكلمــة‪,‬‬
‫المنصورة‪ -‬مصر‪ ,‬الطبعة الولى‪1418 ,‬هـ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -87‬الوثــائق السياســية للجزيــرة العربيــة‪ ,‬محمــد حميــد اللــه‪ ,‬دار‬
‫النفائس‪ ,‬الطبعة الخامسة‪1405 ,‬هـ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ -88‬الفصل في الملل والنحل‪ ,‬لبن حزم‪ ,‬مكتبة السلم العالمية‪.‬‬
‫‪ -89‬تاريخ دمشق‪ ,‬لبي القاسم علي بن الحسن بن عساكر‪ ,‬تحقيق‪:‬‬
‫مطاع الطرابيشي‪ ,‬مطبوعات مجمع اللغة العربية‪ -‬دمشق‪.‬‬
‫‪ -90‬ســير الســلف لبــي القاســم الصــفهاني‪ ,‬دار الرايــة‪ -‬الريــاض‪,‬‬
‫‪1420‬هـ‪.‬‬
‫***‬

‫‪149‬‬
‫خلفة أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‬

‫الفهرس‬
‫الصف‬ ‫الموضوع‬
‫حة‬
‫مقدمة‪5 ................................................................‬‬
‫الفصل الول اسمه ونسبه وكنيته ونشأته ووصفه وأهم صفاته‬
‫أول‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته‪9 .........................................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬مولده ومبايعته لرسول الله ×‪9 ...........................‬‬
‫ثالًثا‪ :‬الزبير بن العوام والد عبد الله رضي الله عنهما‪10 ......‬‬
‫رابًعا‪ :‬أسماء بنت الصديق والدة عبد الله بن الزبير رضي الله‪11‬‬
‫عنهم‪..................................................................‬‬
‫سا‪ :‬أولد ابن الزبير وزوجاته‪15 ................................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬وصف ابن الزبير وأهم صفاته‪15 ........................‬‬ ‫ساد ً‬
‫الفصل الثاني‪ :‬ابن الزبير في عهد أبي بكر وعمر وعثمان وعلي‬
‫ومعاوية رضي الله عنهم‪.........................................‬‬
‫‪ -1‬في اليرموك‪27 ....................................................‬‬
‫‪ -2‬ابن الزبير مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله ‪27‬‬
‫عنهم‪..................................................................‬‬
‫‪ -3‬كتابة المصاحف في عهد عثمان ‪28 ........................‬‬
‫‪ -4‬جهاده في شمال إفريقية في عهد عثمان ‪28 ............‬‬
‫‪ -5‬دفاعه عن عثمان يوم الدار‪30 ..................................‬‬
‫‪ -6‬في معركة الجمل‪31 .............................................‬‬
‫‪ -7‬جهاده أيام معاوية رضي الله عنهما‪32 ........................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬حركة عبد الله بن الزبير في عهد يزيد بن معاوية‬
‫ل‪ :‬بيعة يزيد‪35 .......................................................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬حركة عبد الله بن الزبير في عهد يزيد‪39 .................‬‬
‫أ‪ -‬أسباب اختيار ابن الزبير لمكة‪40 ................................‬‬
‫ب‪ -‬أسباب خروج ابن الزبير ومن معه‪41 ........................‬‬
‫ج‪ -‬الجهود السلميةالتي بذلها يزيد لحتواء ابن الزبير‪43 .......‬‬
‫د‪ -‬الجهود الحربية ضد ابن الزبير‪47 ...............................‬‬
‫‪ -1‬حملة عمرو بن الزبير‪47 .........................................‬‬
‫‪ -2‬حملة الحصين بن نمير وحصار ابن الزبير وحريق الكعبة ‪52‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬بيعة عبد الله بن الزبير بالخلفة‬
‫المبحث الول‪ :‬وفاة يزيد بن معاوية وخلفة معاوية بن يزيد ‪59‬‬
‫ل‪ :‬وفاة يزيد بن معاوية‪59 ........................................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬خلفة معاوية بن يزيد‪59 .......................................‬‬
‫ثالًثا‪ :‬بيعة ابن الزبير بالخلفة‪63 ....................................‬‬
‫المبحث الثاني‪ :‬خروج مروان بن الحكم على ابن الزبير‪73 . .‬‬
‫ل‪ :‬اسمه ونسبه وحياته قبل خروجه على ابن الزبير‪73 .....‬‬ ‫أو ً‬
‫القضاء على أنصار ابن الزبير بالشام وأهمية مؤتمر الجابية‪75‬‬ ‫ثانًيا‪:‬‬
‫ومعركة مرج راهط‬

‫‪150‬‬
‫الفهــــــرس‬

‫الصف‬ ‫الموضوع‬
‫حة‬
‫‪83‬‬ ‫ثالًثا‪ :‬ضم مصر إلى الدولة الموية ومحاولة إعادة العراق‬
‫والحجاز‪..............................................................‬‬
‫رابًعا‪ :‬تولية العهد لعبد الملك ووفاة مروان بن الحكم‪85 ......‬‬
‫المبحث الثالث‪ :‬عبد الملك بن مروان وصراعه مع ابن الزبير ‪89‬‬
‫ل‪ :‬اسمه ونسبه وكنيته وشيء من حياته‪89 ...................‬‬ ‫أو ً‬
‫ثانًيا‪ :‬حياته السياسية قبل المارة‪93 ...............................‬‬
‫ثالًثا‪ :‬العلماء الذين كانوا مع عبد الملك‪94 ........................‬‬
‫رابًعا‪ :‬حركة التوابين ومعركة عين الوردة ‪65‬هـ‪94 .............‬‬
‫سا‪ :‬حركة المختار بن أبي عبيد الثقفي‪97 ...................‬‬ ‫خام ً‬
‫سا‪ :‬حركة عمرو بن سعيد بن العاص )الشدق( ومقتله ‪108‬‬ ‫ساد ً‬
‫سابًعا‪ :‬مصالحة عبد الملك للروم والتضييق على الجراجمة ‪112‬‬
‫ثامًنا‪ :‬زفر بن الحارث الكلبي‪113 ...................................‬‬
‫تاسًعا‪ :‬ضم العراق والقضاء على مصعب بن الزبير‪115 ........‬‬
‫المبحث الرابع‪ :‬نهاية أمير المؤمنين عبد الله بن الزبير‪123 ....‬‬
‫ل‪ :‬محاولت المويين إخضاع الحجاز قبل حصار ابن الزبير ‪123‬‬ ‫أو ً‬
‫الخير‪.................................................................‬‬
‫ثانًيا‪ :‬الحصار الثاني وسقوط خلفة ابن الزبير‪125 ...............‬‬
‫ثالًثا‪ :‬أسباب سقوط خلفة ابن الزبير‪142 ..........................‬‬
‫رابًعا‪ :‬رثاء عبد الله بن الزبير‪152 ....................................‬‬
‫أهم المراجع والمصادر‪154 ............................................‬‬
‫الفهرس‪159 ..............................................................‬‬

‫‪151‬‬

You might also like