Professional Documents
Culture Documents
عَّلق عليها و َ
خّرج أحاديثها
محيي الدين حسين يوسف السنوي
تلميذ المؤلف ومن خريجي الزهر
الطبعة السابعة
) (1/1
) (1/2
ثالثًا:
ولشيخنا رحمه الله ) غير هذه الرسالة ( في تلك القضايا ) الخلفية ( عدة
ن ح ّ
ل مشكلها ،وبي ّ َ كتب ورسائل ،ومقالت ومباحث ،أوضح مبهمها ،و َ
مواضع الخلف فيها ،ووجه الحق بدليله ،حّتى صارت كتاباته كلها -والحمد
لله -مرجعا ً ومرشدا ً لهل الحقّ والصواب .
ومن تلك الكتب والرسائل :
- 1الفهام والفحام ،أو قضايا الوسيلة والقبور .
- 2وظيفة الحديث الضعيف في السلم .
- 3قضية المام المهدي بين الرفض والقبول .
- 4الزيارة النبوية ومشروعية شد الرحال .
- 5الفروع الخلفية ومشروعية العمل بأحد الوجهين فيها بل تعصب .
- 6المشروع والممنوع .
- 7أهل القبلة كلهم موحدون .
وغير ذلك كثير ؛ فقد نافت مؤلفاته عن المائة ،غير ما له من المقالت
والبحاث والخطب والدروس .
ل كتاب من هذه الكتب عالج قضية مهمة اختلف الّناس حولها بين مؤيد وك ّ
ل بدلوه ،فوجب الرجوع إلى الله ورسوله )فإن تنازعتم ومعارض ،وأدلى ك ّ
في شيء فردوه إلى الله والرسول( .
رابعًا:
ل جهدا ًرحم الله تعالى شيخنا المام محمد زكي إبراهيم رحمة واسعة ،لم يأ ُ
أن يجاهد في الله بقلمه ولسانه ،ونفسه ،وماله ،وقد ترك لنا هذا التراث
دد التصوف السلمي ،ووضع منهجا ً واضحا ً للعمل العلمي الكبير ،وج ّ
السلمي ،وكأّني بلسان حاله يقول ما قاله الشيخ المير العمراني
الصعيدي :
ن يدري م ْ ن َدر ولكن أي َ ت الّنظم كال ّ م ُ ن َظ َ ْ
ل ما يمكن بقول السّر والجهر ت بك ُ ّ
وعظ ُ
ن له أمري م ْ فلم يصغوا إلى قولي فحسبي َ
ت بكاتم ٍ علما ً ولم أخزنه في صدري ولس ُ
ر ه في الن ّ ْ
ش ِ جو الل َ ً
سخا وأر ُ فقد سطرُته ن َ ْ
نشر الله علوم شيخنا ،ونفع بها .
) (1/3
خامسًا:
ة وتمهيدا ً بين
وهذه نظرة إجمالية في قضية ) ليلة النصف من شعبان ( تقدم ً
يدي رسالة شيخنا الجامعة الممتعة ،فأقول :
أفرد كثير من العلماء ) في العصور المختلفة ( رسائل وأجزاء حديثية في
بيان فضل ليلة النصف من شعبان ،والرد على منكري إحيائها ،فمن هذه
التآليف :
(1فضل النصف من شعبان لفقيه الحرم المكي محمد ابن إسماعيل بن أبي
الصيف اليمني الشافعي )ت 609هـ( ،ويقال لكتابه ) :فضائل شعبان ( .
(2ما جاء في شهر شعبان للحافظ أبي الخطاب ابن دحية الندلسي )633
هـ( .
(3ليلة النصف من شعبان وفضلها للحافظ أبي عبد الله محمد بن سعيد
الد ّب َْيثي )ت 637هـ( .
(4تحلية الشبعان فيما روي في ليلة النصف من شعبان للحافظ شمس
الدين محمد بن طولون الصالحي الدمشقي )ت 953هـ( .
(5اليضاح والبيان لما جاء في ليلة النصف من شعبان للشيخ العلمة ابن
حجر الهيتمي الفقيه الشافعي )ت 975هـ( .
(6مواهب الكريم المّنان في الكلم على أوائل سورة الدخان وفضائل ليلة
النصف من شعبان للشيخ الفقيه نجم الدين محمد بن أحمد الغيطي
الشافعي )ت 981هـ( .
(7الكشف والبيان عن فضائل ليلة النصف من شعبان للشيخ سالم
السنهوري المالكي ) من علماء القرن العاشر الهجري ( .
(8رسالة في فضل ليلة النصف من شهر شعبان للشيخ العلمة محمد
حسنين مخلوف العدوي الزهري المالكي )ت 1355هـ( .
دث الشيخ عبد الله (9حسن البيان في ليلة النصف من شعبان للعلمة المح ّ
صديق الغماري )ت 1413هـ( . بن ال ّ
(10منحة الرحيم الرحمن في بعض ما ورد في ليلة النصف من شعبان
للشيخ محمود إبراهيم آل محمود البحريني .
ف في ّ َ
ن أل َ وليس المقصود هنا استيعاب جميع ما أ ُل ّ َ
م ْ
ن َ
ف في هذا الباب ،فإ ّ
ن ذكرت -كثيرون ،منهم :شيخ السلم الجهوري المالكي م ْ
هذا الباب -غير َ
،والشيخ أبو الحسن الصديقي ،والشيخ محمد حبيب الله الشنقيطي ،
والشيخ محمد الحافظ التجاني ،والشيخ عمران الشاذلي السيوطي ،وللخ
الشيخ أبي الفضل محمد حبيب الله الّرباني رسالة ) إقامة البرهان ( طبعت
مع رسالة شيخنا في الطبعة السادسة .
) (1/4
) (1/5
) (1/6
ما أنواع العبادات من استغفار ودعاء وقراءة قرآن والصلوات النوافل ...إلخ أ ّ
،فأدلتها أشهر من أن أسردها في هذه التقدمة ،وكل ذلك مطلق ) غير مقيد
سّنة ،في ليلة النصف وغيرها . بوقت ( فمن أتى به في أي وقت فقد أتى بال ّ
سّنة بالدليل العام ،فقد
ن صيامه ُ (3وأنكروا صيام نهار نصف شعبان ،مع أ ّ
ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم صيام شعبان كله ،وصيام أكثر
ن يوم النصف داخل في هذا ،كما ثبت عنه صلى الله عليه شعبان ،ول شك أ ّ
وآله وسلم ،من حديث أبي ذر رضي الله عنه وغيره ،أمره بصيام الثلثة
أيام البيض من كل شهر ،وهي الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر ،
ونصف شعبان داخل فيها أيضا ً .
ن قال المعترض :فما الحاجة إلى تخصيص ليلة النصف إذا كانت تدخل فإ ْ
فيما سبق؟!.
ت :بل لليلة النصف من شعبان مزيد فضل واهتمام واختصاص ،وهذه قل ُ
ة
الدلة التفصيلية توضحه وتبينه وتؤكده ،وذكرنا للدليل العام إنما هو حج ٌ
وإلزام للمخالف .
وانظر إلى فقه الئمة فيما أورده النجم الغيطي في ) فضل ليلة النصف (
)ص (106 ، 105مما يرويه أبو حاتم الرازي بسنده عن عبد العزيز بن أبي
داود ) (1قال :نظر عطاء إلى جماعة في المسجد الحرام ليلة النصف من
ن الله -عّزشعبان ،فقال :ما هذه الجماعة ؟ ،قالوا :هذا النميري يزعم أ ّ
وجل -ينزل هذه الليلة إلى سماء الدنيا ،فيقول :هل من داع فأستجيب له ؟
هل من سائل فأعطيه ؟ هل من مستغفر فأغفر له ؟ .
فقال عطاء :زيادة على الّناس :هذا في كل ليلة في السنة كلها .
قال الحافظ أبو موسى المديني :وقول عطاء هذا صحيح ،غير أن تخصيص
دم ،ما في تكثير الرحمة كما تق ّ ذكر النزول في هذه الليلة يقتضي تأكيدا ً ،إ ّ
ن الله ينزل فيها لغروب أو زيادة زمانه ،يعني كما في الحديث المتقدم ) إ ّ
الشمس ( بخلف بقية الليالي ،فحين يبقى ثلث الليل الخر .اهـ
) (1/7
) (1/8
ثامنًا:
ب ً
فإلى المسلمين جميعا :في ليلة النصف من شعبان المكرم :اتجهوا بقل ٍ
واحد ،وجسد واحد ،ولسان واحد إلى قبلة واحدة ،ورب واحد ..واذكروا
غربة السلم في أهله ..اذكروا ) بيت المقدس ( أولى القبلتين ،وثالث
الحرمين ،ومسرى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،وما يفعله ) به وبأهله (
اليهود من دمار وتخريب وتغيير لمعالمه ..
أي َّها المسلمون :اذكروا تلك القليات المسلمة التي يقوم أعداء السلم
بإبادتها وتدميرها ،بغية القضاء على السلم وأهله ..
في البوسنة والهرسك ،وفي كوسوفا ،وفي ألبانيا ،وفي داغستان ،وفي
الشيشان ،وفي بورما ،وفي كشمير ،وفي غيرها مليين من المسلمين ،
من أطفال وشباب وشيوخ ونساء ،قتلتهم العنصرية ،وشردتهم الحقاد على
المسلمين .
إّنه ل تكاد توجد بقعة في العالم إل وفيها أقلية مسلمة تسام العذاب
والهوان ..هذه المجازر الجماعية التي حصدت الشيوخ والنساء والطفال ..
وهذه البادة الشاملة التي لم تبق ولم تذر ..وهذا التشريد والعزل والطرد
والتنصير ..إلخ .فأين الحضارة التي يزعمون؟! ،وأين حقوق النسان ؟! ،
وأين الحب والتسامح ..؟! وأين ..وأين ؟! .
ل ما يقدمه المسلم اليوم أن يحافظ على وحدة السلم ،وأن يقبض ن أق ّإ ّ
على دينه ،وأن يعين المسلمين ما استطاع فإن لم يجد فبقلبه ولسانه وإن
بالدعاء .
ي العظيم ،وصلى الله على سيدنا محمد هذا ،ول حول ول قوة إل بالله العل ّ
وآله وصحبه وسلم .
) (1/9
) (1/10
ن حياتنا مملوءة بالمتفق على كفاحه ،وهو أولى بالجهد من يا إخواننا :إ ّ
المختلف عليه الذي يصرفنا عن الهم إلى التافه فنضل ونخزى .
هذه قضية يؤمن بها حّتى أهل المريخ ،ولكنها لم تصل بعد إلى خصوم ليلة
سّنة ! .النصف من شعبان ،وهواة تمزيق المة باسم التوحيد أو اسم ال ّ
أول ً :تمهيد :
أصبح من معتاد الّناس أن يستقبلوا شهر شعبان بالمعركة التقليدية المكررة
بين القائلين باستحباب إحياء ليلة النصف ،والقائلين بالمنع في صلف
وخشونة وجمود .
ن
ونحن هنا نعيد نشر هذا البحث العلمي المنصف ،على يقين مسبق بأ ّ
خصوم هذه الليلة لن يزيدهم هذا الحق إل عنتا ً وتشنجا ً وانطلقا ً في
السباب ،بغير علم ول هدىً ول كتاب منير .وإنما هو التغالي والتعالي ،
وسرطان حب المخالفة ،ودعوى النفراد بالصواب ،والوصاية على دين الله
ن،مِتي ٌ
ن َدي َ
ن هذا ال ّ
دين متين رفيق ) إ ّ )والله يعلم المفسد من المصلح( ،وال ّ
ت ل أرضا ً قطع ول ظهرا أبقى ( ) (4كأن لم يبق
ً من ْب َ ّ
ن ال ُ
ل فيه برفق ،فإ ّ فأوِْغ ْ
من البدع إل إحياء ليلة النصف ،رغم ما ثبت في فضلها من الحاديث والثار
التي سنذكر بعضها إن شاء الله .
ثانيا ً :من فضل ليلة النصف :
ي كرم الله وجهه قال : - 1روى الدارقطني وابن شاهين وابن ماجه عن عل ّ
ة الّنصف من قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) :إذا كانت ليل ُ
ل فيَها لغُُروبه تعالى ينز ُ شعبان ،فقوموا لي ْل ََها وصوموا نَهاَرها ،فإ ّ
ن الل َ
َ
ق
ست َْرزِ ٌ
م ْ فرٍ فأغْ ِ
فَر له ! أل ُ ست َغْ ِم ْ
ن ُ ل :أل َ ِ
م ْ دنيا ،فيقو ُ ماء ال ّ
س َشمس إلى َ ال ّ
ه ! أل كذا ! أل كذا ! حّتى ي َط ْل ُعَ الفجر ( ).(5 ُ َ
مب ْت ًَلى فأ َ
عافِي َ ُ ه ! ،أل َ ُ
فَأْرُزقَ ُ
) (1/11
- 2وروى الطبراني ،عن معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنه قال :قال
ه عََلى عبادِهِ ليلة الّنصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) :ي َط ّل ِعُ الل ُ
ن ( ). (6 ح ٍ
شا ِ م َ ك أو ُ شر ٍ م ْ فُر لجميع خلقه ،إل ل ُ من شعبان ،في َغْ ِ
فس ( ).(7 وفي رواية ) وقاتل ن َ ْ
قلنا :ولو لم يكن في فضلها غير هذا الحديث الصحيح الثابت لكفى في
العناية بشأنها وأنها ليست ككل الليالي ،كما يقوله بعض خلق الله ،وهل كل
الليالي وردت فيها أحاديث؟! .
- 3وروى الترمذي في ) النوادر ( ،والطبراني ،وابن شاهين ) بسند حسن (
من حديث عائشة رضي الله عنها قالت :قال رسول الله صلى الله عليه
ل يط ّل ِعُ على ج ّه عّز و َ ن الل َ ة الّنصف من شعبان :إ ّ وآله وسلم ) :هذه ل َي ْل َ ُ
م
ح ُن ،وي َْر َفري َ ست َغْ ِ
م ْفُر لل ُ ف من شعبان في َغْ ِ ص ِ عباده في ل َي ْل َةِ الن ّ ْ
م ( ).(8 ما هُ ْ قد ِ ك َ ل الح ْ خُر أهْ َ ن ،ويؤ ّ مي َ ح ِ
ست َْر ِ
م ْ ل ِل ْ ُ
وحسبنا هنا هذه الحاديث الحسنة المعتمدة عند أهل العلم حّتى في
ه ) الفضائل ( . ) الحكام ( ب َل ْ َ
وحول هذا المعنى تدور عدة أحاديث أخرى تحبب في إحياء هذه الليلة ،
وتجعل قبول الدعاء فيها أرجى والتعبد أفضل ،وتقطع دعوى القائلين بأّنها
ليلة ككل الليالي ،والمسلمون جميعا ً على اتفاق على الخذ بالحديث الحسن
.
ثالثا :توجيه معاني بعض أحاديث ليلة النصف : ً
- 1أخرج البيهقي في كتاب ) الدعوات الكبير ( عن عائشة رضي الله عنها
ن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قام يصلي ليلة النصف من شعبان ، أ ّ
ع َ
ك من بني آدم ،وفيها ت ُْرف ُ ب كل مولود ٍ وهال ٍ ّ ُ ْ
وقال ) :في هذه الليلة ي ُكت َ ُ
أعمالهم ،وتنزل أرزاقهم ( ).(9
) (1/12
ن الكتابة هنا معناها نزول المر من اللوح المحفوظ إلى ونحن نفهم :أ ّ
م كشف ،كان كأّنه ً
ما كان المر مستورا ث ُ ّ الملئكة الموكلين بتنفيذه ،ول ّ
بالنسبة لنا قد كتب في هذه الليلة ،وعلى هذا المعنى وما هو منه ،نحمل
ألفاظ ) الكتابة والنسخ ( التي تدور في أحاديث فضل هذه الليلة ،فتكون
ليلة النصف كالتمهيد والتقديم أو العداد لليلة القدر ،وعليه يحمل رأي
عكرمة وغيره توفيقا ً بين ليلة النصف وليلة القدر .
- 2ومن دليل ذلك ما روى ابن أبي الدنيا عن عطاء قال ) :إذا كان ل َي ْل َ ُ
ة
ن في هذه ك الموت صحيفة ،فيقال :اقِْبض َ
م ْ مل َ ِ
ف من شعبان د ُفِعَ إلى َ ص ِالن ّ ْ
ن
ج ،ويبني الب ُن َْيان ،وإ ّ ح الزوا َس ،وي َن ْك ِ ُس الغَِرا َن العبد لي َغْرِ ُ الصحيفة ،فإ ّ
خ في ديوان الموتى().(10 س َ
ه قد ن ُ ِ م ُ
س َ
ا ْ
م الّنص :أن هذه الصحيفة قد نسخت من اللوح المحفوظ لينفذها ومفهو ُ
الموكلون بها ،وعليه يفهم أيضا ً ما أخرجه الدينوري في ) المجالسة ( عن
راشد بن سعد ) ، (11وقد أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عائشة نحوه )
.(12
- 3وقد أخرج الخطيب في ) التاريخ ( من طريق عامر بن سياف اليمامي ،
عن عائشة رضي الله عنها ،من حديث طويل ،قال صلى الله عليه وآله
ب أجل َُها في ت في سنة إل ك ُت ِ َ س تمو ُ ف ٌ وسلم فيه َ ) :يا عائشة ! إّنه ليس ن َ ْ
ب أجلي وأنا في عبادة رّبي وعمل صالح ( ).(13 ب أن ي ُك ْت َ َح ّ شعبان ،وأ ُ ِ
وقد رواه أبو يعلى ) (14بنحو ذلك .
- 4وأخرج ابن أبي شيبة عن عطاء بن يسار ،قال ) :لم يكن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم في شهر أكثر منه صياما ً في شعبان ،وذلك أّنه
ينسخ فيه آجال من ينسخ في السنة ( ).(15
) (1/13
- 5وأخرج الخطيب في ) رواة مالك ( عن عائشة رضي الله عنها قالت :
ي صلى الله عليه وآله وسلم يقول ) :يفتح الله الخير في أربع ت النب ّسمع ُ
ليال :ليلة الضحى ،والفطر ،وليلة نصف شعبان ينسخ فيها الجال والرزاق
،ويكتب الحاج ،وفي ليلة عرفة إلى الذان().(16
- 6وأخرج الديلمي وابن زنجويه عن أبي هريرة رضي الله عنه ،عن النبي
صلى الله عليه وآله وسلم قال ) :تقطع الجال من شعبان إلى شعبان حّتى
ه في الموَتى ( ).(17م ُ
ج اس ُ ح وُيول َد ُ له ،وقد َ
خَر َ ن الرجل لينك ِ ُ أ ّ
وروى نحوه ابن جرير والبيهقي في الشعب .
ومثل هذا كله ل يقال بالرأي كما هو معلوم عند العلماء ،وهذه الحاديث وإن
كان في بعضها ضعف أو لين ،فهي مجبورة ومعتضدة بتعدد طرقها
وشواهدها ،وهكذا تأخذ رتبة ) الحسن ( على القل فيؤخذ بها فيما هو أخطر
من موضوعنا هذا ،وقد وجهناها هنا على ما نرجح ،ول نخالف توجيه غيرنا
فل موجب للجدل ،والمر فرعي اجتهادي ،ل يجوز أن يتفرق عليه
المسلمون .
رابعا ً :حول الحديث الضعيف :
ن ضعف أحاديث فضل هذه الليلة والعمل بها غير وعلى فرض جدلي أ ّ
ن الحديث مجبور ،فقد جاءت في ) باب الفضائل ( ،والمة كلها على أ ّ
الضعيف يؤخذ به في الفضائل ونحوها بل تثريب ،فكيف إذا جبر الضعيف
بالمتابعات والشواهد وتعدد طرق الرواية .
والعمل بالضعيف هنا نقله النووي ،وذهب إليه ابن الصلح ،وهو ما جاء عن
السلف كالثوري ،وابن عيينة ،وابن حنبل ،وابن المبارك ،وابن مهدي ،
وب له ابن عدي في ) الكامل ( ،والخطيب في ) الكفاية ( ... وابن معين ،وب ّ
إلخ ).(18
ن الحديث الضعيف في مفهومنا العلمي حديث تحققت فيه بعض وذلك أ ّ
حة ،شروط الصحة ،وإن تخلفت شروط أخرى فيه ،فهو غير مجرد من الص ّ
وهذا هو الفرق العلمي الكبير بينه وبين الحديث الموضوع !! وإن جهل ذلك
بعض خلق الله .
) (1/14
) (1/15
ك من سخطك ،وأعوذ ُ م عاد ساجدا ً فقال ) :أعوذ ُ برضا َ م رفع رأسه ،ث ُ ّ ثُ ّ
ل كما بعفوك من عقابك ،وأعوذ ُ بك منك :أنت كما أثنيت على نفسك ،أقو ُ
جد َ له ( س َفُر وجهي في التراب لسيدي ،وحق لسيدي أن ي ُ ْ قال أخي داود :أ ُعَ ّ
.
ً ً ً ً
م ارزقني قلبا تقيا ،من الشرك نقيا ،ل جافيا ول ّ
م رفع رأسه فقال ) :اللهُ ّ ثُ ّ
م انصرف ).(20 ً
شقيا ( ث ُ ّ
- 3قلنا :فلم يعد للمعترض وجه للعتراض على إحياء هذه الليلة بالتعبد
والدعاء ،إن اتقى الله وترك التعصب التقليدي الكريه ،ودعوى احتكار
الصواب أو النفراد بالعلم أو خدمة السّنة من دون المة ،أو التحكم فيما
ح عندهم منها .اختار المسلمون لنفسهم من نوافل العبادات بما ص ّ
- 4وهذه الحاديث التي أوردناها على اختلف المفاهيم والمضامين والمراتب
ضها بعضا ً ،فلم يبق شك في صحة محصلها ،وهو فضل ليلة العلمية ،يشد ّ بع ُ
النصف ،وفضل الهتمام بإحيائها ،وبهذا أخذ أكثر السلف ممن ل يتهمهم
الّناس في علم ول عمل ،وهذا ملحظ علمي له وزنه الكبير فتأمله .
سادسا ً :الركعات الست وقراءة يس :
ما ما تعوده الّناس من صلة ست ركعات أحيانا ً بين المغرب والعشاء ،فقد أ ّ
وردت عدة أحاديث ثابتة في سنية هذه الركعات الست ،فإذا توسل العبد
إلى الله بهن في رجاء جلب المنافع ودفع المضار ،فهو متوسل إليه تعالى
بعمل صالح ل اعتراض عليه ،كما أنها تكون في الوقت نفسه نوعا ً من صلة
الحاجة المتفق على صحتها بين جميع أهل القبلة ،وهي في الصل تسمى بـ
) صلة الّوابين ( .
مار ابن ياسر رضي الله - 1وقد أخرج الطبراني في معاجمه الثلثة عن ع ّ
عنه قال ) :رأيت حبيبي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي بعد
ن صّلى بعد المغرب ست ركعات غفرت له م ْ
المغرب ست ركعات ،وقال َ :
ذنوبه ،وإن كانت مثل زبد البحر ( ).(21
) (1/16
- 2وكذلك توسل الّناس إلى الله بسورة ) يس( في هذه الليلة وغيرها ابتغاء
غفران الذنوب وتفريج الكروب ،ونحو ذلك ،فهو توسل إلى الله تعالى بكتابه
وكلمه ،وبصفة مقدسة من صفاته ،وسورة مجيدة فيها ترغيب وتحبيب أكيد
،فل اعتراض ول ملمة ) راجع ما كتبناه عن فضل يس في ) المسلم ( ،
وفي كتابنا ) السكات بركات القرآن على الحياء والموات ( ( .
ن خالفه أخطأ وعصى ، م ْ
ن ذلك شرع ٌ أكيد َ ، قد أ ّوالمهم في المر أل ي ُعْت َ َ
وإنما هي فضائل مباحة لمن يشاء ،بتوفيق الله ،والموفقون قليل .
سابعا ً :صوم نهار النصف :
ي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ) :إذا - 1روى ابن ماجه عن عل ّ
ه تعالى ن الل َ َ
ة الّنصف من شعبان ،فقوموا لي ْلَها وصوموا نَهاَرها ،فإ ّ كانت ليل ُ
فَر فرٍ فأ َغ ِْ غ ت س م ن
ِ ْ ُ ْ َْ ِم َ لأ : ُ
ل فيقو ، دنيا ّ ال ماء س
َ َ إلى شمس ّ ال روب
ل فيَها ُ ُ
غ ل ينز ُ
ُ َ
ه ! أل كذا ! أل كذا ! حّتى ي َط ْل ُ َ
ع عافِي َ ُ مب ْت ًَلى فأ َه ! ،أل َ ُست َْرزِقٌ فَأْرُزقَ ُ
م ْ له ! أل ُ
الفجر ( ).(22
ي
ي ،فبأ ّ وقد قدمنا هذا الحديث من رواية الدارقطني وابن شاهين عن عل ّ
حقّ نمنع الّناس من ذلك ؟! ،وهذه كلها فضائل يؤخذ فيها بالضعيف غير
المجبور بالمرة ،فكيف بالحديث ) الحسن ( الذي نأخذ به في العبادات
والمعاملت ،وكيف بما يرتقي من ) الضعيف ( إلى مقام ) الحسن ( ؟! .
- 2نحن نقلد من أجاز ،وهم يقلدون من منع ،ولكل من الجانبين دلي ٌ
ل
يطمئن إليه ،فهل من النصاف العلمي أن يبيحوا لنفسهم تقليد من شاءوا ،
ويمنعوننا من تقليد من نشاء ) ،وسنذكر أسماء من أجاز ومن منع فيما بعد (
.
ن: ثامنا :الدعاء المشهور اللهم يا ذا الم ّ ً
ما الدعاء المشهور ،فقد أخرج ابن أبي شيبة في المصنف )، (68/6 -1أ ّ
وابن أبي الدنيا في الدعاء عن ابن مسعود رضي الله عنه ،وورد كذلك عن
ابن عمر رضي الله عنهما قال :
) (1/17
نما دعا قط عبد ٌ بهذه الدعوات إل وسع الله عليه في معيشته ) :يا ذا الم ّ
فل يمن عليه ،يا ذا الجلل والكرام ،يا ذا الطول والنعام ،ل إله إل أنت ،
ظهر اللجئين ،وجار المستجيرين ،ومأمن الخائفين ،إن كنت كتبتني عندك
في أم الكتاب شقي ّا ً ،فامح عّني اسم الشقاء ،وأثبتني عندك سعيدا ً ،موفقا ً
ي في م الكتاب محروما ً أو مقترا ً عل ّ للخير ) ،وإن كنت كتبتني عندك في أ ّ
ً ً
سر رزقي ،وأثبتني عندك سعيدا ،موفقا للخير ( ، الرزق فامح حرماني ،وي ّ
فإّنك تقول في كتابك الذي أنزلت ) يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم
الكتاب( ( ).(23
ً
- 2وأخرجه ابن جرير وابن المنذر والطبراني عن ابن مسعود أيضا بلفظ :
) اللهم إن كنت كتبتني في السعداء فأثبتني في السعداء ،وإن كنت كتبتني
في الشقياء فامحني من الشقياء وأثبتني في السعداء ،فإّنك تمحو ما تشاء
دث السيد مرتضى وتثبت وعندك أم الكتاب ( ) .(24ونقله المام اللغوي المح ّ
الزبيدي في شرح الحياء بسنده عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
وأقّره .
ن الداعي به يوسع عليه في - 3نقول :ومثل هذا الدعاء مع الخبار بأ ّ
رزقه ..إلخ ،ل يكون أبدا ً إل بتوقيف نبوي ،فليس من شأن صحابي ول غيره
صة أن أن يخبر بجزاء عمل غيبي ] فيكون بذلك له حكم المرفوع [ ،وبخا ّ
ي ،والوحي مخصوص به ،ل ينزل إل عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم ح ّ
؟! وآداب الصحابة ل تأذن لهم بأن يقدموا بين يدي الله ورسوله .
كما أن بعض المراجع ) (25تسند بعض ألفاظ هذا الدعاء إلى عمر بن
الخطاب رضي الله عنه ) ،(26فيكون معنى هذا أّنه دعاء كان معروفا ً
للصحابة متداول ً بينهم ،ولم ينكره منهم أحد ،والله تعالى ل يشترط في
استجابته للدعاء أن يكون نبوي ّا ً .
) (1/18
ما بقية الدعاء من عند قولهم ) :إلهي بالتجلي العظم ( إلى نهايته ؛ -4أ ّ
فقد زاده الشيخ ) ماء العينين الشنقيطي ( وذكره في كتابه ) نعت البدايات (
ة نبوية مقررة .
سن ّ ٌ
،ول بأس به ،فالجتهاد في الدعاء ُ
وعلى الداعي أن يتجاوز عن العبارة التي أثارت الخلف منه ،وهي قوله في
وصف ليلة النصف ) التي يفرق فيها كل أمر حكيم ويبرم ( ،والراجح أنها
مدسوسة عليه ،أو أّنه سار فيها على الرأي غير المشهور ؛ إذ النص القرآني
على أن هذا الفرق يتم في ليلة القدر .
والتعبير بالمضارع في ) يفرق ( يدل على الستمرار ،وفيه الرد على من
ن ليلة القدر كانت مرة واحدة ل تتكرر ،فل داعي للهتمام بها أيضا ً قال :إ ّ
) عندهم ( !! ،ونعوذ بالله من تجلط الفكر ،ولزوجة الذهن وضيق الفق
العلمي .
تاسعا ً :الكلم على ليلة الفرق والبرام :
مل ن ليلة الفرق هي ليلة النصف ،وإليه مال ال ُوقد اختار عكرمة وطائفة أ ّ
علي القاري والمام القرطبي ،لما أخرجه ابن جرير والبيهقي والدينوري
ن الجال والقضية تقطع في هذه الليلة . والمام البغوي بإسنادهم ،أ ّ
وقد حاول الزمخشري والكرماني وأبو الضحى التوفيق بين هذه النصوص
فقالوا :إن ابتداء التقدير يكون في ليلة النصف ،ويكون النزال ) (27في
ليلة القدر ،وهذا القول ينسب أيضا ً إلى ابن عّباس ،ول نحب أن نذهب إلى
ن ليلة )الفرق( هي ليلة ) القدر ( ،وحسبنا من ليلة هذا لصراحة القرآن في أ ّ
النصف البركة وقبول الدعاء !! ورفع العمال ،والتجليات المقدسة ،وما
بشرت به الحاديث الشريفة .
) (1/19
) (1/20
- 3والكلم في مسألة القضاء المبرم والقضاء المعلق تؤيدنا ،وترغيب
ي معّين ،يؤيدل ما ،لجزاٍء ما ،أو عطاٍء ربان ّ ل ما ،أو عم ٍ
المصطفى في قو ٍ
قضية المحو والثبات ،فقوله صلىالله عليه وآله وسلم :من فعل كذا كان له
كذا ،ومن أراد أن يكون كذا وكذا فليفعل كذا وكذا .
ل لما يريد ،تعالى عن معنى ذلك :أن الله تعالى غالب على أمره ،وأّنه فعا ٌ
ل قيد ،حّتى عن قيد الطلق نفسه . ك ّ
م بالحث على ملزمة الدعاء ،رجاء استبدال حال والحديث الشريف مفع ٌ
بحال ،وقد نقل كبار مفسري القرآن هذا الوجه عن أكثرية السلف ،فإّنه
فّر من قدر الله الوجه المناسب لمعقولية الشياء ،وفي حديث الترمذي ) :ن َ ِ
إلى قدر الله ( أي من إثباته إلى محوه ،سواء كان على المعنى الحقيقي أو
المجازي ،وإل وقعنا في عقيدة ) الجبر ( التي ل تجعل للدعاء ول للعمل أثرا ً
فيما سبق به القضاء ،وعندئذٍ يكون أمر الله ورسوله بالدعاء والعمل نوعا ً من
العبث ) وأستغفُر الله ( ،وهذا ما وقع ويقع فيه المعترضون على دعاء ) ليلة
النصف ( .
- 4وعلى هذا ينكشف أن الزوبعة المفتعلة حول ليلة النصف وما حولها
زوبعة مذهبية مغرضة ،وليس في جانبها دليل قاطع ،اللهم إل الهوى ،وحب
الظهور بالمخالفة وادعاء العلم بتجهيل خلق الله ،وادعاء الوصاية على دين
الله ،بل على الله !! فلو أنهم حاربوا في هذه الليلة السهر في البارات
والملهي ،والسينمات ،وعلب الليل ،والكباريهات ،والمسارح ،والنشغال
بمغاضب الله وموجبات سخطه ،لكان ذلك من المفهوم والمقبول ،ولكنهم
داعين عن الدعاء ،ورد الطائعين عن الطاعة ، في شغل عن ذلك بدفع ال ّ
وتشكيك العابدين في كل عبادة !! بإشاعة عقيدة ) الجبر ( ،وأّنه ل فائدة
ن ما سبق في علم الله ل يتغير . في الدعاء ،ل ّ
) (1/21
ما أنهم يعمون عن هذه المناكر الموبقة ،ويتجهون تلقاء رّواد المساجد
-5أ ّ
دونهم عن السبيل ،ويحسبون أنهم مهتدون ،فذلك ما ل يقبله علم ول يص ّ
إيمان ول خلق ،ول عقل عاقل .
فأحيوا عباد الله ليلتكم بما يوفقكم الله إليه من الطاعات على أنها من نوافل
ن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء )الخير ،وادعوا الله لنفسكم ومخالفيكم فإ ّ
ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا ( .
) (1/22
ن السلف اهتموا بإحياء هذه الليلة باتفاق ،وإنما اختلفوا فيل هذا أ ّفثبت بك ّ
سلم به ،وبهذاّ م َ ْ
صورة الحياء وموضعه ،وهو اختلف فرعي على الصل ال ُ
تنقطع حجة القائل بأنها ليلة كالليالي ،أو أن إحياءها غير وارد ،وكيف يكون
ذلك كذلك وفيها كل هذا الجتهاد العلمي العريض ؟! الذي يشد بعضه بكل
قوة ! .
م جاءح الخبر عن هؤلء الئمة المتفق على علمهم وتقواهم ،ث ُ ّ ثُ ّ
م إّنه إذا ص ّ
خبر مخالف له ،عن ) عويلمة ( هذا الزمان ومتعالميه من المقلدة
والمتعصبة ،وطلب الشهرة والدنيا ،فأي فريق نتبع ؟! ...بعض الحياء أيها
الّناس !! .
) (1/23
ثالث عشر :تحويل القبلة وليلة النصف
ن في نهارهاّ أ ، معنى ذات تاريخية ن مما يضفي على هذه الليلة قداسة وإ ّ
ول الله القبلة ،من بيت المقدس إلى البيت العتيق ) ، (31استجابة لرغبة ح ّ
رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ،حين أكثر اليهود اللغط بسبب اتجاهه
صلى الله عليه وآله وسلم إلى بيت المقدس شأن أبيه إبراهيم عليه السلم ،
فكان صلى الله عليه وآله وسلم يقلب وجهه في السماء يطلب من الله أن
يوليه قبلة يرضاها ،قطعا ً للجاجة اليهود .
فبينما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي في مسجده صلة
الظهر مستقبل ً المسجد القصى بالشام ،إذ نزل قوله تعالى ) :قد نرى تقلب
وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام
وحيث ما كنتم فولوا وجوهكم شطره( اليات ،وكان رسول الله صلى الله
عليه وآله وسلم قد صلى الركعتين الوليين من الظهر فاتجه في الركعتين
الخريين إلى المسجد الحرام ).(32
] وروى الحافظ أبو بكر ابن مردويه عن نويلة بنت مسلم قالت :صلينا
الظهر أو العصر في مسجد بني حارثة فاستقبلنا مسجد إيلياء ) أي بيت
المقدس ( فصلينا ركعتين ،ثم جاء من يحدثنا أن رسول الله صلى الله عليه
وآله وسلم قد استقبل البيت الحرام فتحول النساء مكان الرجال ،والرجال
مكان النساء ،فصلينا السجدتين الباقيتين ونحن مستقبلون البيت الحرام ،
فحدثني رجل من بني حارثة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال :
ل يؤمنون بالغيب ( [ ).(33 ) أولئك رجا ٌ
) (1/24
ولذلك سمي ) مسجد القبلتين ( بهذا السم ،يزوره من زار مدينة رسول
الله صلى الله عليه وآله وسلم فيما يزور هناك من آثار هي في سبيل الهدم
البطىء ).(34
وبهذا يصح التوفيق بين الروايات في أحاديث تحويل القبلة من بيت المقدس
إلى البيت العتيق ،وهل كانت في جزء من صلة ،أو في صلة كاملة ،وهل
كانت صلة الظهر أو العصر ؟ وكلها فرعيات على الصل الثابت وهو التحويل
.
وهنا قال السفهاء من الّناس من اليهود والمشركين :ما ولهم عن قبلتهم
التي كانوا عليها ) ما ولهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ( ،وكان الجواب
الحاسم من السماء ) :قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط
مستقيم ( .
ولم يكن هذا الحدث الكبير ليجري بالصدفة ) فليس في علم الله صدفة ! (
ل ما في علمه سبحانه موقوت بوقته ،مرهون بحكمته ،محوط وإنما ك ّ
ن
بسّره ،فدل على ما لهذه الليلة المباركة من منزلة وقدسية وفضل ،وإ ْ
أنكره المنكرون وقلدهم ) العويلمة ( والببغاوات المتعالمة ،بل تمحيص ول
إنصاف ،ولكنه داء المخالفة والتعالم .
ربنا اغفر لنا ذنوبنا ،وإسرافنا في أمرنا ،وثبت أقدامنا ،وانصرنا على القوم
الكافرين..
ب العالمين .
والحمد لله ر ّ
م بتوفيق الله ما أردنا كتابته عن ) ليلة النصف من شعبان ( ،ول ندعي ت ّ
العصمة من الخطأ ،ونستغفر الله ونتوب إليه .
* تمت )الطبعة السابعة ( ،وكان الفراغ من صفها ومراجعتها ومقابلة أصولها
فى يوم الثنين 9من شهر شعبان 1421هـ ،الموافق 2000/11/6م .
دم لها المفتقر إلى الله :محيي الدين حسين اعتنى بها وعّلق عليها وق ّ
يوسف السنوي تلميذ المام الرائد ومن خريجي الزهر الشريف ،والله
الموفق .
) (1/25
ختم السترحام:
من دعاء المام الرائد في ليلة نصف شعبان
بعد أن دعا فضيلة المام الرائد رحمه الله بالوارد عن النبي صلى الله عليه
م بالوارد عن السلف الصالح رضي وآله وسلم في هذه الليلة الشريفة ،ث ُ ّ
جلت آلت التسجيل التي كانت منتشرة في أيدي رواد المسجد الله عنهم ،س ّ
هذا الدعاء الذي دعا به شيخنا المام الرائد فبكى وبكى معه كل من كان
منا ً عليه مبتهل ً معه ،مشاركا ً بكل بالمسجد في هذه الليلة المباركة مؤ ّ
عواطفه ووجدانه فيه ؛ وهذا هو نص الدعاء المؤّثر :
َ َ
ن. حِني ُن َوال ْ َ ن ،وَك َث َُر الِني ُ جِبي ُ مّنا ال ْ َ ن ،وَعَرِقَ ِ قي ُ مَنا إَذا أَتاَنا اْلي ِ ح ْ م اْر َ الل ّهُ ّ
بري ُ ق ِ خّلى عَّنا ال ْ َ ب ،وَت َ َ حِبي ُ كى عََليَنا ال ْ َ ب ،وَب َ َ مّنا الط ِّبي ُ س ِ مَنا إَذا يئ ِ َ ح ْ م اْر َ الل ّهُ ّ
ب. حي ُ ج َوالن ّ ِ شي ُ فعَ الن ّ ِ بَ ،واْرت َ َ ري ُِ َوال ْغَ
ت، عا ُ ت الّروْ َ ق ِ ت ،وَأ َط ْب َ َ سَرا ُ ح َ ت ال ْ َ وال َ ِ ت ،وَت َ َ سك ََرا ُ ت ال ّ شت َد ّ ِ مَنا إَذا ا ْ ح ْ م اْر َ الل ّهُ ّ
ت. قد َْرا ُ قوى َوال ْ ُ ت ال ْ ُ ت ،وَت َعَط ّل َ ِ ت ال ْعَوَْرا ُ ف ِ ش َ ت ،وَت َك َ ّ ت ال ْعَب ََرا ُ ض ِ وََفا َ
َ ْ َ َ
ل
ق للهْ ِ فَرا ِ ة ال ِ جيعَ ُ ت فَ ِ ّ
ق ،وَت َأكد َ ْ ن َرا ٍ م ْ ل َ ق ،وَِقي َ ت الت ََرا ِ مَنا إَذا ب َلغَ ِ ح ْ م اْر َ الل ّهُ ّ
ق. من َوا ٍ س ِ ضاُء فََلي َ ق َ م ال ْ َ ح ّ ق ،وَقَد ْ ُ َوالّرَفا ِ
ديا ً َ ً ْ َ َ َ ْ
ساقُ ،وََداعا أب َ ِ م َ مئ ِذٍ ال َ َ
ق ،إلى َرب ّك يوْ َ ملَنا عَلى العَْنا ِ ح ِ مَنا إَذا ُ ح ْ م اْر َ الل ّهُ ّ
َ َ َ َ
جَباه ُ َوالعَْناقُ . ه ال ْ ِ ل لَ ُ من ت َذ َ ّ ق ،إَلى َ ق َ ،والقْل َم ِ َوالوَْرا ِ وا ِ س َ
دورِ َوال ْ لل ّ
َ َ ْ ّ
لض الهْ ُ ف ّ ب َ ،وان َ وا ِ قُبورِ الب ْ َ ن ال ُ م َ ت ِ ق ْ ُ
ب ،وَغل َ مَنا إَذا ُووِريَنا الت َّرا ُ ح ْ م اْر َ الل ّهُ ّ
ب. سا ِ ح َ ل ال ْ ِ حد َة ُ وَهَوْ ُ ة َوال ْوَ ْ ش ُ ح َ ب َ ،فإَذا ال ْوَ ْ حَبا ُ َوال َ ْ
ك ال ْك َ ِ
ريم ِ ك ب َِرب ّ َ ما غَّر َ لَ : م ،وَِقي َ سي ُ قط َعَ الن ّ ِ م َ ،وان َ مَنا إَذا َفاَرقََنا الن ِّعي ُ ح ْ م اْر َ الل ّهُ ّ
.
) (1/26
ُ
ل وَل َما ٌ جاه ٌ وَل َ َ فع ْ َ م ين َ ل ،وَل َ ْ قا ُم َ خان ََنا ال ْ َ
ل ،وَ َ س َ
ؤا ِ مَنا لل ّ مَنا إَذا أقِ ْ ح ْ م اْر َ الل ّهُ ّ
ل. مت ََعا ِ ل ال ْك َِبيرِ ال ْ ُ س إل ّ فَ ْ
ض ُ ل ،فََلي َ حا ُ ل ال ْ َ حا َ ل ،وَقَد ْ َ عيا ٌ ِ
َ َ ّ
مَنا .س ُ مَنا وَوَ ْس ُ حاط ب َِنا قَ ْ مَنا ،وَأ َ س ُ س َر ْ مَنا ،وَد ُرِ َ س ُ يا ْ س َ مَنا إَذا ن ُ ِ ح ْ م اْر َ اللهُ ّ
َ َ َ ْ ُ
من قُوّةٍ وَل َ ما لَنا ِ م يذ ْكْرَنا َذاك ٌِر ،وَ َ ُ م يُزْرَنا َزائ ٌِر ،وَل ْ ملَنا فَل ْ مَنا إَذا أهْ ِ ح ْ م اْر َ الل ّهُ ّ
َ
سات ِرِ . قادِرِ ،ال َْغافِرِ ال ّ قاهِرِ ال ْ َ ل إل ّ ِفي ال ْ َ م َ صٌر ،فَل َ أ َ َنا ِ
فعْ ِفيَنا ش ّفا ،وَ َ فا وَغ َ َ ج َ َ
ن إَذا وَعَد َ وَّفى َ ،وإَذا أوْعَد َ ع َ َ
فا وَ َ ن هَ َ م ْم َ ح ْ فا ،اْر َ م ْ يا َ
فى . ْ
فا وَوََفا ،وَِباللهِ اكت َ َ ص َ من َ م ّ جعَلَنا ِْ فى َ ،وا ْ َ
صط َ م ْ ْ
ب ال ُ حِبي َ ال ْ َ
ن )ثلثًا( . َ
مي َ ح ِ م الّرا ِ ح َيا أْر َ
ل َوالك َْرام ِ .جل َ ِض ،يا َذا ال ْ َ
ِ ت َوال َْر وا ِم َ
س َ
ديعَ ال ّ
م ،يا ب َ ِ ي يا َقيو ُ
ح ّيا َ
َ ُ َ ّ
ن.
دي ِ
مت ِهِ إلى يوْم ِ ال ّ حِبه وَأ ّص ْمدٍ وآل ِهِ وَ َح ّ
م َ سيدَِنا ُ ْ
م وَب َا ِرِك عَلى َ سل ْصل وَ َّ م َالل ّهُ ّ
***
) (1/27
) (10وأورده عبد الرزاق في المصنف ) (316/4عن عطاء بن يسار بلفظ ) :
تنسخ في النصف من شعبان الجال حّتى أن الرجل يخرج مسافرا ً وقد نسخ
من الحياء إلى الموات ،ويتزوج وقد نسخ من الحياء إلى الموات ( .
) (11يقصد ُ شيخنا رحمه الله ما أخرجه الدينوري في المجالسة )(303/3
ه
ن الل َن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال ) :إ ّ عن راشد بن سعد ،أ ّ
تبارك وتعالى ي َط ّل ِعُ إلى عباده ليلة النصف من شعبان ،فيغفر لخلقه كلهم ؛
ّ
ك الموت مل َ ِ
ه تبارك وتعالى إلى َ
ن ،وفيها يوحي الل ُح َ م َ
شا ِ ك وال ُ إل المشر َ
ضها في تلك السنة ( ،وهو من مرسل راشد بن سعد س يريد ُ قب َف ٍل نَ ْلقبض ك ّ
،وهو ثقة .
) (12أخرج ابن مردويه وابن عساكر عن عائشة رضي الله عنها قالت ) :لم
يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في شهر أكثر صياما ً منه في
شعبان لّنه ينسخ فيه أرواح الحياء في الموات حّتى أن الرجل يتزوج وقد
رفع اسمه فيمن يموت ،وأن الرجل ليحج وقد رفع اسمه فيمن يموت ( ،
وهو في حكم المرفوع .
) (13رواه الخطيب في تاريخ بغداد ). (437/4
) (14مسند أبي يعلى ). (312/8
) (15أورده في الدر المنثور ) ، (401/7وعزاه لبن أبي شيبة .
) (1/29
) (1/30
) (1/31
ت :وهو ما أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره ) (168/13عن عمر بن قل ُ
م إن كنت الخطاب رضي الله عنه أّنه قال وهو يطوف بالبيت ويبكي ) :الله ّ
ي شقاوة أو ذنبا ً فامحه فإّنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أ ّ
م الكتاب كتبت عل ّ
فاجعله سعادة ومغفرة ( .وعزاه السيوطي في الدر المنثور ) (662/4إلى
عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر ،وأورده ابن كثير في تفسيره )(520/2
.
وأخرج البيهقي في شعب اليمان ) ، (488/7والديلمي في فردوس الخبار )
(252/3عن عمر رضي الله عنه أّنه ذكر خطبة للنبي صلى الله عليه وآله
وسلم جاء فيها ) :استعينوا بالله على أعمالكم فإّنه يمحو ما يشاء ويثبت
م الكتاب ( . وعنده أ ّ
) (27في النسخة المخطوطة ) :النتهاء ( بدل ) النزال ( .
مل هذه الحاديث النبوية الشريفة : ) (28وتأ ّ
-أخرج أبو نعيم في الحلية ) ، (145/6والديلمي في الفردوس )، (262/5
ي كرم الله وجهه ،أّنه سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن عل ّ
عن هذه الية ) يمحو الله ما يشاء ويثبت( فقال له :لقرن عينيك بتفسيرها
ن عين أمتي بعدي بتفسيرها :الصدقة على وجهها ،وبر الوالدين ، ولقر ّ
واصطناع المعروف يحول الشقاء سعادة ،ويزيد في العمر ،ويقي مصارع
السوء .
-أخرج الحاكم في المستدرك ) (380/2وصححه ووافقه الذهبي ،عن عبد
الله بن عباس رضي الله عنهما قال :ل ينفع الحذر من القدر ،ولكن الله
يمحو بالدعاء ما يشاء من القدر .
-وروى أحمد في مسنده ) (277/5وابن ماجه ) (35/1وغيرهما عن ثوبان
ن
رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ) :إ ّ
الرجل ليحرم الرزق بالذنب يصيبه ،ول يرد القدر إل الدعاء ،ول يزيد في
العمر إل البر ( .
-وروى البخاري ) ، (1961ومسلم ) (2557عن أنس بن مالك رضي الله
عنه قال :سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول ) :من سّره
أن يبسط له في أثره فليصل رحمه ( .
) (1/32
) (1/33
الفهرست
مقدمة بين يدي الرسالة ............................
ليلة النصف من شعبان ،الدلة الحاسمة على مشروعية
إحيائها...................................................
بين يدي مشكلة ليلة النصف ......................
أول ً :تمهيد ........................................
ثانيا ً :من فضل ليلة النصف ......................
ثالثا ً :توجيه معاني بعض أحاديث ليلة النصف ..
رابعا ً :حول الحديث الضعيف ....................
خامسا ً :فضل الدعاء في هذه الليلة ..............
سادسا ً :الركعات الست وقراءة يس .............
الموضوع
سابعا ً :صوم نهار النصف .........................
ن .............ثامنا ً :الدعاء المشهور اللهم يا ذا الم ّ
تاسعا ً :الكلم على ليلة الفرق والبرام ..........
عاشرا ً :مسألة المحو والثبات ......................
حادي عشر :السلف وليلة النصف ..............
ثاني عشر :بدعية صلة الرغائب ................
ثالث عشر :تحويل القبلة وليلة النصف ..........
ختم السترحام :من دعاء المام الرائد في ليلة النصف من
شعبان.................................
***
) (1/34