Professional Documents
Culture Documents
اللدينية(
الدكتور :محمود أحمد الزين
كبير الباحثين بدار البحوث
للدراسات السلمية بدبي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدى هذه المة بالقرآن ،وجعله
للتمييز بين الحق والباطل أفضل ميزان،
والصلة والسلم على من اصطفاه الله تعالى
لوحيه ،ووكل إليه التفسير والبيان ،وعلى آله
وصحبه الذين بلغوه إلى العالمين ،وشادوا للدين
أعظم البنيان ،ومن تبعهم إلى يوم القيامة
بإحسان.
السلف الصالح وخصوصيتهم:
وقد خص الله تعالى هؤلء الصحاب وتابعيهم
وتابعي تابعيهم بالشهادة على لسان رسوله
صلى الله عليه وسلم أنهم خير القرون من خير
أمة أخرجت للناس ـ لذلك اصطلح المسلمون
على أن يسموهم السلف الصالح) ، ( 1فما جاء
عنهم من علم وعمل فهو خير أساس ،وما خالف
نهجهم فهو أوهام ،وثمرات وسواس ،وقد كان
أئمة الفقه الربعة :أبو حنيفة ،ومالك،
والشافعي ،وأحمد ـ رضي الله عنهم ـ من خيرة
العلماء في آخر تلك القرون ،بل كانوا في ذلك
القرن المبارك أئمة للعلماء العاملين ،وقدوة
للصالحين ،ورثوا علم التابعين ،وورث التابعون
علم الصحابة ،وورث الصحابة علم رسول الله
صلى الله عليه وسلم ،فنعم المورث ،ونعم
ل رسول اللهق قو ُ
الوارث ،يكفيهم شهادة ح ٍ
صلى الله عليه وسلم” :خير الناس قرني ،ثم
الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم“؛ ولجل هذه
الخصوصية اتخذهم الناس في سائر القرون أئمة
في دينهم ،وتدارسوا ما جاء عنهم من علوم
الدين ،فنظموه ورتبوه ،وفصلوا قواعده
وفروعه ،وأقاموا أساسه وأصوله ،وبينوا ما
اجتمعوا عليه ،وما اختلفوا فيه تبعا ً لختيارهم
جدَ من و ِ
مما اختلف فيه الصحابة والتابعون ،أو ُ
المسائل في عصرهم ،وبينوا نهج كل إمام فيما
اختار من الحكام والدلة ،وما يتميز به عن
إخوانه من أولئك الئمة ،وسموا نهج كل منهم
مذهبًا ،وتبعتهم المة ،واختار كل واحد منها ،أو
كل جماعة اتباع من رأوه ـ بحسب اختلف
التقدير والختيار ـ أولى وأفضل ،أو بحسب ما
تيسر لهم تعلمه من هذه المذاهب ،مع حسن
الظن بالئمة الخرين ،قال ابن تيمية” :فهذه
المسائل التي تنازع فيها السلف والئمة ،فكل
منهم أقر الخر على اجتهاده ...فمن ترجح عنده
تقليد الشافعي لم ينكر على من ترجح عنده
تقليد مالك ،ومن ترجح عنده تقليد أحمد لم ينكر
على من ترجح عنده تقليد الشافعي ،ونحو ذلك)
.(2
وقد كان هذا حالهم مع وجود نزر يسير من
الجهال ،أو العلماء ـ الذين لم يزكوا نفوسهم من
العصبية ـ ينظرون إلى غير مذهبهم نظرة
استصغار ،ويجادلونهم جدال من ل يهمه الحق،
ولكن يهمه الظهور والنتصار ،وكان العلماء
التقياء والمخلصون الصلحاء ـ من كل مذهب ـ
يجتهدون في ردع المتعصبين ،ويكفونهم عن
التفرقة بين المسلمين.
ظهور اللمذهبية:
وظل المر على ذلك طول تاريخ المة السلمية
إلى أن صرنا في آخر الزمن ،فإذا فئة من
المسلمين تتهم أكثرية المة السلمية بأنها
خرجت ـ باتباعها هذه المذاهب الربعة ـ عن
طريق السلف الصالح أهل القرون الثلثة ،كأن
أحكام الشريعة التي ورثها الئمة الربعة عن
الصحابة والتابعين ـ ونظمها تلميذ الئمة الربعة
حسب منهاج كل منهم في الترجيح ـ شيء آخر
غير ما ذهب إليه أولئك السلف الصالحون ،وإذا
هتاف شديد يرفعه اللمذهبيون :اتركوا المذاهب
الربعة واتبعوا مذهب السلف ،فإن ترك مذهب
السلف بدعة ضللة.
هل يأذن اللمذهبيون أن نقول لهم :على
رسلكم :إن أصحاب المذاهب الربعة :مالكا ً وأبا
حنيفة والشافعي وأحمد) (3هم من السلف
الصالح ،أهل القرون الثلثة ،التي أثنى عليها
رسول الله صلى الله عليه وسلم ،حين سئل أي
الناس خير؟ فقال) :قرني ثم الذين يلونهم ثم
الذين يلونهم ) .(4
ولكن اللمذهبيين ل يرضون هذا الجواب،
فيقولون :ليس اتباع السلف هو اتباع واحد
منهم ،بل هو اتباع جميع السلف.
ما أجمع عليه السلف:
فليأذن لنا اللمذهبيون أن نقول لهم :إن كنتم
تدعوننا إلى اتباع ما اتفق عليه السلف فهذا قد
اتفق عليه جميع أهل السنة ،وهو موجود في كل
واحد من المذاهب الربعة ل يتركونه ،واتباع
مذهب منها يكون في ضمنه اتباع ما اتفق عليه
السلف.
لكن بعض اللمذهبين ينكرون علينا هذا القول،
ويقولون :قد خالفتم السلف فيما أجمعوا عليه،
فأنتم تصّلون عند القبور خلفا ً لهم ،وتدعون
عندها ،وتتوسلون بأصحابها ،وتقرؤون القرآن
لصحابها.
والجواب على ذلك :أن دعوى الجماع هنا زعم ل
مستند له ،ويتضح ذلك من موقف بعض أئمة
السلف في المسائل المذكورة:
1ـ الصلة عند القبور :قال عنها المام مالك في
مدونته )” :(1/90ل بأس بالصلة في المقابر“
وهو من كبار أئمة السلف ،وروى مسلم برقم )
(2493عن عائشة&” :أنها كانت تصلي في
حجرتها“ وفيها ثلثة قبور ،وقال ابن تيمية في
الفتاوى )” :(21/304المقبرة وأعطان البل
تصح الصلة فيهما على القول الصحيح“ ،فأين
الجماع؟!
2ـ الدعاء عند القبور سنة نبوية ،كما روى مسلم
عن بريدة برقم ) (975وفيه :أن النبي صلى الله
عليه وسلم كان يعلمهم أن يقولوا إذا خرجوا
إلى المقابر) :أسأل الله لنا ولكم العافية( وهو
دعاء الزائر لنفسه ولغيره وللموات ،ونقل ابن
تيمية في كتابه ”الرد على الخنائي“ ص )(405
دعاءً مطول ً في زيارة قبر النبي صلى الله عليه
وسلم ،وفي جملة هذا الدعاء يقول ص)(536
من الرد” :وسل الله حاجتك متوسل ً إليه بنبيه
تقض من الله عز وجل“ فأين الجماع؟!
3ـ وأما قراءة القرآن :فقال ابن تيمية في
الفتاوى )” :(24/315وأما الصيام عنه ،وصلة
التطوع عنه ،وقراءة القرآن عنه ،فهذا فيه
قولن للعلماء :أحدهما :أنه ينتفع به ،وهو مذهب
أحمد وأبي حنيفة وغيرهما ،وبعض أصحاب
الشافعي وغيرهم“ ،وقال في ):(24/366
”تنازعوا في وصول العمال البدنية كالصوم
والصلة والقراءة ،والصواب أن الجميع يصل
إليه“ فأين الجماع؟!
ما اختلف فيه السلف:
فهذا الذي اختلف فيه السلف ،أو لم يتكلم فيه
بعض السلف كيف يمكن اتباع جميعهم فيه؟
فمن اتبع بعضهم ترك بعضهم الخر؟ ول يعقل
أن يكون أحدهما مذهب السلف دون الخر ،ما
دام القولن مما قاله علماء من السلف!! بل
الجميع من مذهب السلف.
هل القول الراجح هو مذهب السلف:
يقول اللمذهبيون :انظروا في أدلة المختلفين،
واتبعوا الدليل القوى .فنقول لهم :فلنفرض
أنكم وازنتم بين الدلة ،واستطعتم أن ترجحوا
القوى ،هل الترجيح يعطي صاحبه الحق في
تضليل مخالفيه وتبديعهم كما تفعلون؟! وهل
يعطيه الحق في أن يحكم على كل الئمة الذين
خالفوه بأنهم فاتهم أن يطلعوا على الدليل ،أو
فاتهم أن يفقهوه ،مع ما عرف عنهم من التبحر
في العلم والتقوى ،ومع ما نحن عليه من قلة
الحظ منهما؟!
ثم ل بد لنا أن نسألهم :هل القول القوى دليل ً
عند قائله هو مذهب السلف؟ إذا صح هذا فكل
صاحب قول يقتنع بدليله أنه القوى يستطيع أن
يقول :أنا على مذهب السلف ،وإذا تعلم أدلة
جديدة دفعته إلى الرجوع عن قوله ،وترجح ما
كان عنده مرجوحا ً صار هذا الجديد هو مذهب
السلف ،والخر بدعة ضللة مخالفا ً لمذهب
ذ ،وكلالسلف!! ويتعدد مذهب السلف حينئ ٍ
يدعيه لنفسه ،ثم إن ما يقوله أي إنسان بعد
السلف ـ مهما كان دليله قويا ً ـ في نظره ونظر
موافقيه فذلك قوله هو لقول السلف ،ونسبته
إليهم باطلة ،وتزكية للنفس ،والله تعالى يقول:
قى{]النجم/ ن ات ّ َ
م ِ عل َ ُ
م بِ َ و أَ ْ
ه َ سك ُ ْ
م ُ كوا َأن ُ
ف َ فَل ت َُز ّ
} َ
،[32وانتقاصا ً لمخالفيه ،والله تعالى يقول:
} ول تلمزوا أنفسكم {]الحجرات. 11/
وإذا كان مايراه أحدنا أقوى دليل ً هو مذهب
السلف ،فقد صرنا نحن ميزان علم السلف،
وليس علمهم هو الميزان لنا ،وهذا عكس
المقصود من اتباع السلف.
من الذي يرجح بين الدلة:
ثم إن الموازنة بين الدلة واختيار القوى أمر
يحتاج إلى أهلية خاصة ،كما نقل في مسودة آل
تيمية ص ) (515عن المام أحمد في رواية
يوسف بن موسى” :ل يجوز الختيار إل لرجل
عالم بالكتاب والسنة“ فهل هذا ممكن لكل من
يدعيه ،وهل العلم بالكتاب والسنة شيء قليل
ليحصل بزمن يسير؟ فأقل ما يمكن هو أنه يحتاج
إلى معرفة قواعد الحديث في الموازنة بين
الرواية الضعيفة والصحيحة ،وإلى الموازنة بين
الدلة المختلفة من جهة السناد ليقدم القوى
على القل قوة ،وإلى الموازنة بين عامها
وخاصها ،وناسخها ومنسوخها ،وكيف يمكن
الجمع بينها ،أو ترجيح بعضها على بعض ،وهذا
يحتاج إلى خبرة واسعة في علم الحديث ،وإلى
علم الناسخ والمنسوخ ،وعلم اللغة العربية،
وعلم الصول ،وهذا ل يستطيعه أكثر الناس،
ومن يستطيعه يحتاج إلى زمن ليتعلمه ،والترجيح
قبل التعلم أو بدونه إما عدوان على أدلة
الشريعة ،كما روى الترمذي عن ابن عباس عن
النبي صلى الله عليه وسلم) :من قال في
القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار( ،وإما
تقليد لقول شيوخه ،ول يقدر على ترجيحه،
فيزعم الترجيح بدون أهلية ،وهي دعوى ينقضها
الواقع.
واجب من لم يتأهل للترجيح:
وإذا كان النسان قبل الهلية ل يمكنه أن يتبع
الدليل القوى فماذا يفعل؟
قال ابن قيم الجوزية عن الئمة المجتهدين)
” : ( 5في مسائل من العلم لم يظفروا فيها
بنص عن الله ورسوله ،ولم يجدوا فيها سوى
قول من هو أعلم منهم فقلدوه ،وهذا فعل أهل
العلم ،وهو الواجب ،فإن التقليد إنما يباح
للمضطر“ ،وقال قبل ذلك” :وكل من اشتبه
عليه شيء وجب أن يكله إلى من هو أعلم منه،
فإن تبين له صار عالما ً مثله ،وإل وكله إلى
عالمه“) ،( 6وإذا كان هذا واجب العلماء
المجتهدين ،فمن لم يحصل العلوم التي يمكنه
بها الترجيح أولى بالتقليد؛ لن مسائل الخلف
كلها تشتبه عليه قبل أن يحصل القدرة على
الختيار ،وهي العلم بالكتاب والسنة ـ كما تقدم
عن المام أحمد بن حنبل ـ وهذا النوع من الناس
يعبر عنه العلماء باسم المستفتي ،كما نقل في
المسودة)” : ( 7فأما صفة المستفتي فهو
العامي الذي ليس معه ما ذكرنا من آلة
الجتهاد“ .والعامي ليس هو المي ،بل هو كما
صرح به في المسودة ”من ليس معه آلة
الجتهاد“.
ومن لم يقدر على البحث والنظر في الدلة
والترجيح كيف يستطيع أن يناقش المفتي في
الدلة ،ولذا صرح ابن تيمية بمنعه من ذلك فقال
في المسودة) ” : (8ل ينبغي للعامي أن يطالب
المفتي بالحجة فيما أفتاه ،ول يقول له :لم ،ول
كيف ،فإن أحب أن تسكن نفسه بسماع الحجة
سأل عنها في مجلس آخر ،أو فيه بعد قبول
الفتوى مجردة عن الحجة“؛ وذلك لنه ل يعرف
كيف يفقه الحجة ،وإذا قال :أنا ل أتبع إل الحجة
من الكتاب والسنة كان متناقضًا ،ومخالفا ً
لنفسه ،بل هو تابع لجهله بالكتاب والسنة،
ف ما ليس لك به مخالف لقوله تعالى } :ول ت ْ
ق ُ
علم {]السراء.36/
وبهذا يظهر الفرق بين العالم الذي يجب عليه
أن يتبع الدليل ،ويختار الدليل القوى ،وبين
غيره ممن يجب عليه التقليد ،وبه يعلم أيضا ً أن
الئمة ـ الذين أمروا الناس باتباع الدليل،
ونهوهم عن التقليد ـ كانوا يخاطبون بذلك العالم
بالكتاب والسنة ،كما نقل المزني في مقدمة
مختصره :أن الشافعي ينهى عن تقليده وتقليد
غيره.
وفي هذا التفصيل قال ابن قيم الجوزية): ( 9
”أما من قلد فيما ينزل به عالما ً يتفق له على
علمه ...فمعذور؛ لنه قد أدى ما عليه ،وأدى ما
لزمه فيما نزل به لجهله ،ول بد له من تقليد
عالم فيما جهله“ ،وحينئذ يكون متبعا ً للكتاب
والسنة بواسطة من قلده ،ول يستطيع غيره،
ول يكلف الله نفسا ً إل وسعها.
ثم يقول” :ولكن من كانت هذه حاله هل يجوز
له الفتيا في شرائع دين الله؟ فإن أجاز الفتوى
لمن جهل الصل والمعنى لحفظه الفروع لزمه
أن يجيزه للعامة ،وكفى بهذا جهل ً وردا ً
للقرآن“ ،وبهذين الكلمين ،والمقارنة بينهما
يظهر أن الدعوة إلى اتباع الدليل موجهة إلى
من عنده أهلية الفتوى ،أما غيره فل بد له من
تقليد عالم فيما جهله ،كما قال الله تعالى:
سئلوا أهل الذكر إن كنتم ل تعلمون { }ف ْ
ل عما يجهله ،كحافظ ]النحل ،[43/أي يسأل ك ٌ
السنة الذي ل يفقهها ،قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم) :رب حامل فقه ليس بفقيه(،
فهذا ل يسألهم عن السنة؛ لنه يحملها ،ولكن
يسأل عن فقهها.
يقول اللمذهبيون :إن تقليد العالم واجب على
من لم يعرف خطأ العالم ،أما من عرفه ،وعرف
الدليل على خطئه ،فكيف يجوز أن يترك الدليل
ويقلد بعدما عرف أن العالم الذي كان يقلده
مخطئ؟
وجواب هذه الشبهة :أن نسألهم من الذي
يستطيع أن يكشف خطأ العالم ،ويعرف أن قول
غيره هو الصواب؟ أهذا ممكن لكل من قرأ
الدليل أو حفظه ،أم هو خاص بمن هو أهل لن
يفقهه ،كما قال رسول الله صلى الله عليه
وسلم؟ فإن قالوا :خاص بمن له أهلية لن
يفقهه ،وهو الذي عنده أهلية الختيار في
مسائل الختلف ،وليس لمن ليس له الهلية إل
التقليد .قلنا :هذا حق ،ولكن ما يراه الناس
منكم :هو أن كل ً منكم حتى المي يقول :أنا ل
أقلد أحدًا ،بل أتبع الكتاب والسنة ،ول يكتفي
بذلك ،بل يتهم كل من خالفه بالبدعة الضللة،
وبالعراض عن الكتاب والسنة ومذهب السلف.
هل اتباع العلماء للمذاهب عصبية:
يقول اللمذهبيون :نحن ل ننكر هذه القوال
التي قالها العلماء ،ولكن ننكر تعصب العلماء
الذين يستطيعون اتباع الدليل القوى ،ثم
يتركون ذلك ويتبعون المذهب الذي نشؤوا عليه،
وننكر تعصب غير العالم حين يلتزم مذهب عالم
واحد طول حياته ،وكلهما بدعة لم تكن على
عهد السلف الصالح.
وجواب هذه الشبهة يسير :فالعالم الذي
يستطيع الترجيح ل بد أن يكون عالما ً بالكتاب
والسنة ،كما قال المام أحمد ،وهذا أمر كبير
ترونه أنتم هينا ً يسيرًا ،ويرونه هم أمرا ً كبيرًا ،ل
يطيقه إل أولو العزم من العلماء ،والتزامهم
بمذهب أحد الئمة ليس عصبية ،ولكنه خشية من
أن يقولوا في دين الله بل تثبت ،وذلك تقدير
لمسؤولية العلم بالكتاب والسنة ،وفقه الكتاب
والسنة ،وأنتم في الواقع حتى العلماء منكم
ملتزمون بما يقوله جماعة من العلماء ،هم أهل
مذهبكم ،ل تخرجون عن ذلك ،فلم كان التزامكم
حقًا ،وكان التزامهم عصبية؟! فأنتم تزعمون أن
فهم علمائكم للكتاب والسنة هو الكتاب والسنة
نفسهما ،وأن فهم العلماء الخرين ـ وإن كانوا
من الئمة الربعة ـ شيء آخر غير الكتاب
والسنة ،ومخالفكم يمكن أن يدعي ذلك ،ولكن
هذا تزوير في الموازنة يؤدي ـ إذا سمعه من ل
يتفهم المور حقيقة الفهم ـ أن ينحاز إلى فهم
علمائكم ،ويتخذه مذهبًا ،فهذه دعاية كالدعايات
السياسية والتجارية والعصبية ،ثم تزعمون أن
كل ما أنتم عليه هو الحق ،وما سواه ضلل
وبدعة وخروج عن مذهب السلف ،وهو ل يخالف
إل فهمكم وفهم علمائكم ،وتزعمون أنه ل
يتخلص أحد من العصبية إل أن يوافقكم على
ذ فقط يكون أقوال علمائكم وشيوخكم ،فحينئ ٍ
متبعا ً للكتاب والسنة ومذهب السلف!! فأنتم
ميزان العلم والسلف ،وأنتم الحكم في
اختلفهم ،ولكم وحدكم حق تضليل الخرين،
دون أن تسمحوا لتباعكم بالطلع على أدلة
أقوال الخرين؛ لنها عندكم بدعة ،ولن النظر
في كتب البدع محرم ،ويجب مقاطعتها
ومقاطعة أهلها والبراءة منهم ،أليست عصبيتكم
أشد؛ لن ما هم عليه ل تضليل فيه للخرين ،ول
تبديع لمخالفهم.
فلنفرض أنكم فيما قلدتم وافقتم الصواب ،وإن
كان هذا ل يعلمه إل الله ،ول يعلمه الناس حتى
المجتهد في اتباع الدليل ،كما قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم) ( 10في وصيته لبعض
قادة جيشه) :وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك
على أن تنزلهم على حكم الله ،فل تنزلهم على
حكم الله ،ولكن أنزلهم على حكمك ،فإنك ل
تدري أتصيب حكم الله فيهم أم ل( ،فهل من
حقكم أن تحتكروا الصواب لنفسكم ،وما الفرق
بينكم وبين المقلدين الخرين؟
فالفرق بينكم وبينهم أنهم يعترفون بالتقليد
وأنكم تسمون تقليدكم اتباعا ً للدليل؛ لنكم
تظنون أنه بمجرد أن تطلعوا على أدلة علمائكم
وترجيحهم لها تكونون مرجحين متبعين للدليل،
ل مقلدين لهم.
قراءة الدلة دون أهلية:
و الحاديث دلت على أن الطلع والقراءة ليسا
هما فقه الكتاب والسنة ،فقد قال رسول الله
صلى الله عليه وسلم عمن يحفظ الحديث وليس
لديه أهلية فقه الحديث) :رب حامل فقه ليس
بفقيه( فهو يصرح بأنه ليس كل من حمل
الحديث يصير فقيها ً فيه ،أي ليس كل محدث
فقيهًا ،وأولى من حامل الحديث بهذا من قرأه
ولم يحفظه ،وهذا واضح في كلم المام أحمد.
ففي المسودة) : ( 11نقل عن عبد الله بن
المام أحمد عن أبيه ،أنه قال” :سألت أبي عن
الرجل تكون عنده الكتب المصنفة فيها قول
رسول الله صلى الله عليه وسلم واختلف
الصحابة والتابعين ،وليس للرجل بصر بالحديث
الضعيف والمتروك ،ول السناد القوي من
الضعيف ،فيجوز أن يعمل بما يشاء ،ويتخير ما
أحب منها ،فيفتي به ويعمل به؟ قال :ل يعمل
به حتى يسأل ما يؤخذ به منها ،فيكون يعمل
على أمر صحيح ،يسأل عن ذلك أهل العلم“،
فهذا حكم من قرأ الكتب ،ل يعمل حتى يسأل
أهل العلم عن القوي والضعيف ،ويظل يسأل
حتى يكون عالما ً بالكتاب والسنة ،قادرا ً على
فقههما بنفسه ،فإن زعم قبل ذلك أنه يتبع
الدليل فهو عامل بجهله في الكتاب والسنة ،وقد
سبق ذكر حديث رسول الله صلى الله عليه
وسلم القائل) :من قال في القرآن بغير علم
فليتبوأ مقعده من النار.
هل يجب عدم اللتزام بمذهب:
أما القول فيمن يسألهم :فلم يأت في القرآن
والسنة أن يسأل واحدا ً أو أكثر ،أو أن يسأل في
كل مرة عالمًا ،غير الذي سأله أول مرة؛ لن الله
سئلوا أهل الذكر إن كنتم ل تعالى قال } :ف ْ
تعلمون {]النحل ،[43/واللمذهبيون يزعمون أنه
ل يجوز التزام قول عالم واحد؛ لنه التزام بقول
غير معصوم ،فهل إذا سأل عالما ً آخر في
الخلفيات يكون عامل ً بقول معصوم ،مهما كثر
الذين يسألهم؟! وهم يزعمون هذا دون أن
ل ،أو نقل ً عن أحد من أئمة السلف: يقدموا دلي ً
أن هذا ل يجوز ،فكيف يكون هذا هو مذهب
السلف وقد قال عن عبد الرحمن بن القاسم
تلميذ مالك ـ وهما من السلف ـ إنه لم يكن
يسأل غير مالك؟! إنما هو قولهم هم ،أحدثوه
في آخر الزمان ،وإذا سأل واحدا ً من علمائهم
رضوا عنه ،مهما لزمه من السنين ،كما هم
يفعلون ،فهل هذا التزام بقول المعصوم؟! أم
أن هذا خصوصية لهم؛ لن ما يفهمونه من السنة
هو السنة نفسها ،وما يفهمه مخالفهم من
الئمة وأتباعهم شيء آخر غير الكتاب والسنة،
بل مخالف لهما؟!
هل الخلف المذهبي يفرق المة؟
هنا يقول لنا اللمذهبيون :إن الخلفات المذهبية
جعلت هذه المة أحزابًا ،والله تعالى يقول} :إن
الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا ً لست منهم في
شيء{]النعام ،[159/ويقول } :ول تكونوا
كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم
البينت وأولئك لهم عذاب عظيم {]آل عمران/
،[105فترك المذاهب واجب حفاظا ً على وحدة
المة ،وهذه المذاهب فرضتها السياسات
الغاشمة ،كل ملك يفرض على الناس مذهبًا،
حتى فرقوا الناس هذا التفرق الكبير.
ونقدم المعذرة إلى اللمذهبين عن قبول هذه
المغالطة ،فهاتان اليتان وضعوهما في غير
الموضع الذي أنزلتا فيه ،فهاتان اليتان في
تفريق الدين ،والختلف عليه بعد مجيء البينات،
التي تقطع الخلف ،كما صرحت الية الكريمة،
وهذا شيء آخر غير الخلف الجتهادي ،والدليل
على ذلك أمران:
أولهما :أن الخلفات الجتهادية كانت موجودة
في القرون الثلثة ،التي قال فيها رسول الله
صلى الله عليه وسلم) :خير الناس قرني ،ثم
الذين يلونهم ،ثم الذين يلونهم( ،فمن دعا المة
إلى أن تكون كلها على القول الذي ترجح عنده،
وزعم أن ذلك مذهب السلف ،فهو مناقض لما
كانوا عليه.
فصاحب هذه الدعوة يريد أن يحقق للمة الوحدة
في الخلفات الفقهية ،ويحقق لهم ما عجز عنه
السلف ،ولم يهتموا به ،ولم يسعوا إليه ،وإذا
كان السلف مع تمام علمهم وتقواهم قد
اختلفوا في هذه المسائل ،فهل يمكننا أن نتفق
مع نقص العلم والتقوى ،أم أن اختلفنا سيكون
أشد؟ ترى أهذه دعوة تؤدي إلى الوحدة ،أم إلى
تمزيق المة وصراعها ،لدرجة إراقة الدماء ،كما
هو واقع ومشاهد من آثار هذه الدعوة؟!
ثانيهما :أن ابن تيمية سئل عن صلة أهل
المذاهب الربعة خلف بعضهم؟ فقال في
الفتاوى )” :(23/374نعم تجوز صلة بعضهم
خلف بعض ،كما كان الصحابة ،والتابعون لهم
بإحسان ،ومن بعدهم من الئمة الربعة يصلي
بعضهم خلف بعض ،مع تنازعهم في هذه
المسائل المذكورة وغيرها ،ولم يقل أحد من
السلف إنه ل يصلي بعضهم خلف بعض ،ومن
أنكر ذلك فهو مبتدع ضال ،مخالف للكتاب
والسنة وإجماع سلف المة وأئمتها ،وقد كان
الصحابة والتابعون ومن بعدهم منهم من يقرأ
البسملة ،ومنهم من ل يقرؤها ...ومنهم من
يقنت في الفجر ،ومنهم من ل يقنت ،ومنهم
من يتوضأ من الحجامة والرعاف والقيء ،ومنهم
من ل يتوضأ ،ومنهم من يتوضأ من مس الذكر
ومس النساء بشهوة ،ومنهم من ل يتوضأ ...ومع
هذا فكان بعضهم يصلي خلف بعض“ ،ثم قال
ص )” :(377وقول القائل :إن المأموم يعتقد
بطلن صلة المام خطأ منه ،فإن المأموم يعتقد
أن المام فعل ما وجب عليه ،وأن الله قد غفر
له ما أخطأ فيه ،وأن ل تبطل صلته لجل ذلك“،
فمن زعم أنها بدعة فقد رد على قول رسول
الله صلى الله عليه وسلم) :إذا حكم الحاكم
فاجتهد ثم أخطأ فله أجر( ،والله ل يأجر على
البدعة ،بل هي في النار ،وصاحبها له عذاب
عظيم ،كما قال الله تعالى في الية السابقة:
} لهم عذاب عظيم { ،فاليتان في الخلف
المعاند للبينات ،ل في الخلف الناشيء عما
يشتبه من الحاديث واليات ،وكيفية فقهه،
والفرق بين المرين عظيم جدا ً ل تقارب فيه،
وبهذا يظهر أن الصلة خلف المتوسلين برسول
الله صلى الله عليه وسلم بعد موته صحيحة؛
لنهم اتبعوا في هذه المسألة إمام هدى ،هو
أحمد بن حنبل رحمه الله ،سواء أخطأ في
اجتهاده أو أصاب ،والقائل بأن الصلة خلفهم ل
تصح مخالف لئمة الهدى.
أما مسألة أن هذه المذاهب فرضتها السياسات
ل منها انتشر حيث وجد الغاشمة :فالمذاهب ك ٌ
العلماء الذين يعلمونه للناس ،ولكن أخبرونا كيف
نشرتم اللمذهبية؟ ألم تفرضوها في كل موضع
لكم فيه سلطة ،فتمنعون العلماء الخرين أن
يعلموا الناس ما عندهم ،وتفرضون علماءكم
على الناس ،وتؤذون العلماء الذين ليسوا على
منهجكم ،وتبعدونهم عن كل بلد لكم فيه سلطة،
فأنتم تتهمون الناس بما هم برآء منه وبما أنتم
واقعون فيه.
ما هو مذهب أهل الحديث؟
وكثيرا ً ما يقول اللمذهبيون :لماذا تتركون
مذهب أهل الحديث ،وتتبعون مذاهب الفقهاء،
فأهل الفقه كل واحد منهم يتعصب لمذهبه،
وأهل الحديث ل يتعصبون إل لحديث رسول الله
صلى الله عليه وسلم؟!
والجواب :أن هذه مغالطة ،فإن الئمة الربعة
كانوا من علماء الحديث ،والمحدثون أكثرهم تابع
لمذهب واحد من الربعة ،فالمام مالك كان في
عصره إمام أهل الحديث ،وكذلك المام أحمد،
والشافعي مع أنه لم يكن مثلهما في الحديث،
لكن كان من كبار أهل الحديث ،حتى سمي ناصر
السنة ،ول يمكنه أن ينصر السنة دون علم واسع
صل من الحديث ـ إل أنه لزم بها ،ولو لم يكن ح ّ
فترة طويلة كل ً من المامين مالك وسفيان بن
عيينة ،يأخذ عنهما ـ لكان عنده حديث كثير جدًا،
وأما المام أبو حنيفة فيكفيه عمل ً بالحديث ما
بينه المام المحدث الطحاوي من موافقته
للحاديث في كل فقهه ،وأما شهرته بالرأي
فلمرين :أولهما :كثرة تدقيقه وتعمقه في فهم
السنة والقياس عليها .وثانيهما :كثرة اعتماده
على فقه سيدنا عبد الله بن مسعود ومنهجه،
حيث كان ابن مسعود يتجنب الرواية عن رسول
الله صلى الله عليه وسلم مهما أمكنه؛ خوفا ً من
الخطأ في الرواية ،فالناس يستطيعون أن يردوا
عليه في الفقه إذا أخطأ ،ولكن إذا أخطأ في
الرواية عن النبي صلى الله عليه وسلم يتناقل
ذلك الناس ،ويستمر الخطأ ،وقد بين العلماء
تفصيل موقف المام أبي حنيفة في كتب
خاصة ،من تأملها عرف حرصه على اتباع
الحاديث النبوية ،وقد اشتهر عنه أنه يرجح
العمل بالحديث الضعيف على القياس ،خلفا ً لما
يشيعه خصومه.
وأما أولئك الذين يهاجمون مذاهب الفقهاء
الربعة ،ويزعمون أنهم ينتصرون للحديث
الشريف ،فقد أظهرت مؤلفاتهم تعصبهم
للعلماء الذين يحبونهم ،بحيث ضعفوا ما
يخالفهم ،وإن كان صحيحًا ،وصححوه وإن كان
ضعيفًا ،مع أنهم يزعمون أنهم ل يتعصبون إل
للحديث الشريف ،فهي دعوى ينقضها واقعهم.
هل اتباع المذاهب بديل للدلة؟
بعد هذا كله بقيت أشد التهم التي يرميها
اللمذهبيون على سائر أمة السلم ـ التي ل
تسير على خطاهم ،ول ترضى أن تجعلهم قادتها
ـ وهي أنهم يقولون لهم :إن الله تعالى فرض
طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم،
وأنتم جعلتم طاعة الئمة بديل ً عن طاعة الله
ورسوله صلى الله عليه وسلم ،ولو كانت طاعة
العلماء مقبولة لكان الصحابة أحق بهذا من
الئمة الربعة وغيرهم من العلماء.
وجواب هذا أن الئمة الربعة ليسوا بديل ً عن الله
ورسوله ،وليست كتبهم مزاحمة لكتاب الله
وسنة رسوله ،ولكنها شرح لهما ،وبيان وعون
لمن يريد أن يفقه عن الله ورسوله آيات الكتاب
والسنة.
وكذلك ليس الئمة الربعة بديل ً عن الصحابة
رضي الله عنهم ،ول منازعين مزاحمين لهم،
فالصحابة لم يكتبوا كتبًا ،وما تكلموا من الفقه،
إل في المسائل التي وجدت في زمانهم ،ول
تكلم كل منهم في كل المسائل ،فمن يريد أن
يتبعهم ل يمكنه ذلك إل إذا جمع كل ما قالوه،
وهذا ما فعله الئمة المجتهدون الربعة
وأمثالهم ،فالذي فعله كل منهم هو أنه جمع ما
تفرق من فقه الصحابة والتابعين للكتاب
والسنة ،وعمل بما اتفقوا عليه ،ورجح عند
اختلفهم ما رآه راجحا ً حسب قواعد الرواية
وقواعد فقه الكتاب والسنة ،التي علمها
واختلفوا في الترجيح كما اختلف الصحابة ،فهم
خدموا علم الصحابة والتابعين ،وما فضلت المة
اتباعهم على غيرهم إل لخدمتهم الكتاب والسنة
وفقه الصحابة رضوان الله عليهم ،وأما العراض
عن فقههم فهو تفريط بعلم الكتاب والسنة،
كما يأتي تفصيله في رسالة العلمة الكوثري ـ
رحمه الله ـ.
ل ينكر على من اختار إماما ً دون الخرين:
فإن قيل لنا :لماذا اقتصرتم على هؤلء الربعة،
مع أن أئمة الجتهاد في عصر السلف كثيرون؟!
فالجواب :أن المة فضلت اتباعهم من باب
الختيار فيما تختلف وجهات النظر فيه ،ول يلزم
فيه المرء بشيء ،ولم يكن ذلك انتقاصا ً للئمة
الخرين ،ولكن لنها رأتهم جمعوا أكثر ما يمكن
من فقه الصحابة والتابعين ،ووثقوا ما ثبت ،
وتركوا ما لم يثبت ،وشرحوا ذلك ،ووفقوا بين
المختلف منه إذا أمكن ،واعتمدوا في الترجيح
على موازين دقيقة أمنية ،ولنها رأتهم أفضل
في العمل والتقوى من معاصريهم ،ووجدت أكثر
علماء عصرهم وما بعده وافقوهم ،ووجدت أن
مذاهبهم خدمت كثيرا ً بالمراجعة والمدارسة،
وطول البحث ،والنظر فيما هو أنسب لوقائع
الحياة ،فاختارتهم دون غيرهم ،وهذا واقع
يعرفه كل العلماء ،وإن غاب عن غيرهم ،فالذي
يريد أن يستغني عنهم يضيع هذا الجهد العلمي
الكبير الواسع ،الذي جمعه وحققه الئمة الربعة،
وتبعهم تلميذهم في دراسته وتنقيحه ،هذا إذا
كان من أهل العلم.
وأما فتح الباب لنصاف العلماء وأشباه العلماء،
أو عموم الناس أن يتكلموا في الفقه ،ويختاروا
ما يشاؤون منه ،دون أهلية ،ودون معرفة
بقواعد فهم الدلة ،فهو أمر ينتهي إلى التلعب
بآيات القرآن وأحاديث النبي صلى الله عليه
وسلم وضياع الدين كله ،والعياذ بالله تعالى.
وهذه هي القنطرة التي ُيتخذ فيها الهوى دينًا،
وتؤدي إلى اللدينية.
والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وبعد فهذه كلمة قدمتها بين يدي رسالة العلمة
المحدث الفقيه الصولي الشيخ )زاهد الكوثري(:
”اللمذهبية ، “...وهو وكيل الشيخ )مصطفى
صبري( في منصب شيخ السلم في الخلفة
العثمانية ،وقد نال الشيخ زاهدا ً أذى كثير بسبب
هذه الرسالة وأمثالها ،مما رد فيه على
اللمذهبيين ،ووجهت إليه حملت تشويه كبيرة،
فكل من رد على اللمذهبيين رموه بتهم كثيرة،
أقلها تهمة البدعة الضللة ،والمنصف من بحث
ونظر ،وخشي الله في بحثه ونظره ،ثم حكم من
المبتدع ،ومن تابع السنة ،والجميع سيقفون بين
يدي الله أحكم الحاكمين
)ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت أحكم الحاكمين (
)ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا(
ومن المغالطة في ترويج اللمذهبية أن كتابها يطلقون في كثير من الحيان اسم السلف على العلماء )(1
الذين اختاروا اتباعهم وعلى مشايخهم في هذا العصر فهي تسمية لو صحت لغة لما صحت ورعًا لنها من
تزكية المرء لنفسه وترفعه على إخوانه المسلمين بلحق.
مجموع الفتاوى )(20/292 )(2
لم يعد الحافظ ابن حجر المام أحمد في أهل القرون الثلثة وهذا ليطعن في منزلته حديثًا أوفقهًا )(3
على أن حديث خير القرون له رواية ذكرت القرن الرابع فيكون المام أحمد منهم بل من كبارهم.
صحيح البخاري برقم ) (6282وصحيح مسلم برقم )(2533 )(4
إعلم الموقعين )(2/184 )(5
إعلم الموقعين )(2/177 )(6
ص )(517 )(7
ص )(554 )(8
إعلم الموقعين )(2/138 )(9
) (10رواه مسلم برقم 1731
) (11ص 517