Professional Documents
Culture Documents
--------------------------------------------------------------------------------
البحث عن المعنى الذي يحمله النص ،أو القصد التبليغي المضمر داخل الموضوع ،أو الرسالة الكامنة
في النص ،والمراد تبليغها إلى طرف بعينه .تلك هي أبرز المعطيات التي يتوقف عندها موضوع
"تحليل المضمون" ،واليات الشتغال ل تتوقف عند نوع بذاته ،أو تكرس تطلعاتها نحو غاية بعينها،
بقدر ما تتوجه نحو التطبيق المباشر و العملي في مختلف وسائل التصال بحثًا عن تحليل المحتوى
والوقوف على المعاني ،من خلل طرق ووسائل استخدام الشفرات والرموز وصوًل إلى مضمون
الرسالة ،التي تتمظهر في أكثر من شكل وصورة وبنية.
مجال التراكم
كان لتراكم المادة العلمية خلل أوائل القرن العشرين ،وتوسع مجالت التصالت ،أثرها البالغ في
التطلع نحو ظهور هذه التقنية المنهجية .إذ لم يعد مجديًا أمام هذا الزحف الهائل من المادة الصحفية
المقروءة والمسموعة ،أن تكون طريقة الوقوف على معطياتها ،من خلل الحصافة والذكاء .فالمر
لم يكن محاولة لمواجهة حالة طارئة ،أو ترفًا منهجيًا يحاول البعض من أصحاب الكفاءات إثبات
قدراتهم وألمعيتهم فيه ،بقدر ما كان محاولة للتواصل مع "حقل" أثبت أهمية وفاعلية في توجيه
الحشود والتأثير على الجماهير .وهكذا كانت الصحافة الميدان البكر ،الذي شهد نشوء طلئع هذا
المنهج ،حيث التركيز على تحليل اتجاهات الصحف من خلل دراسة المادة الخبرية التي تحتويها،
وطريقة إيصال المادة إلى القارئ ،ومدى محاولت التأثير عليه .حيث يرتكز إليه المنهج على طريقة
المقارنة بين التجاهات التي تحملها" "1الصحافة ومدى علقتها بالحقائق الموضوعية المتعلقة
بالقضية المدروسة.
النجاح اللمع الذي تحقق للية منهج تحليل المضمون ،في مجال الصحافة هيأ لها التسلل في ميادين
العلوم النسانية المختلفة ،حيث بدأت آليات التطبيق في مجال علم الجتماع وتحليل النصوص الدبية
وعلم السياسة .ولم يتوقف التطبيق عند هذه العلوم ،بل تخطاها ليشمل العم والغلب من العلوم
النسانية ،حتى غدا منهجًا ذا حضور فاعل ،يتم من خلله الوقوف على معطيات ثابتة ووضعية
للتحليل والتفسير وتحديد الدللت التي يزخر بها النص الذي يؤدي وظيفة التصال وفق الخصائص
المميزة له ،انطلقا من أساس موضوعي ودقيق يتميز بالعلمية ،حيث التوزيع وفقًا لوحدات لها
خصائص ذات فرادة ومعنى خاص بها.
من هنا يمكن الوقوف على العديد من الفكار التي يقدمها النص ،استنادا الى آلية فرز الوحدات،
والتي تقدم تصنيفًا واضح المعالم للمعاني في مجموعات محددة .وبهذا تتيسر عملية المقارنة بين
المجموعات أو الوحدات التي يحملها النص ،حيث يقيض للباحث إمكانية الوصول الى النتائج ،عبر
سلسلة من المقارنات المنهجية الواضحة ،القائمة عل التوزيعات المتكافئة .وليس الستناد الى
الحدس والتخمين أو الذائقة النقدية ،هذا مع العتراف بأهمية هذه العوامل كأسس ثابتة لبد للباحث
أن يتوافر عليها .ولكن تبقى مسألة المنهج ذات حضور وفعالية في كشف الغموض التي تعتري
العديد من الجوانب التي يقوم عليها النص .وهكذا يأتي الستنتاج في تحليل المضمون مستندًا الى
خطوات معلمة واضحة للبس فيها ،غايته الوضوح والتفسير القائم على تحليل المعطيات من خلل
القراءة الفاعلة" ،"2التي ل تتوقف عند الظاهر في النص ،بل تعتمد للغور عميقًا في باطنه وصوًل
الى المعنى .بعبارة أخرى يمكن القول بان "تحليل المضمون" يعد نوعًا من القراءة الخرى ،المختلفة
عن القراءة التقليدية ،غايتها المعاني المضمرة والفكار المسكوت عنها التي يحملها النص .وعدتها
العمل على تأويل الخطاب وتحليل أنساقه ومعانيه ،عبر جميع الموجهات الممكنة من ذاتية أو
موضوعية ،فالمر ل يتوقف عند حدود التطلعات الذاتية ،وجعل النص أو الخطاب خاضعًا لها ،أي
العمل على اعتباره "حمال أوجه" ،ليتم عبر هذا العمل ،تحميل النص مال طاقة له به ،أو تركيب
معطيات ومسلمات وبديهيات لعلقة لها بالغاية الرئيسية التي أعد من أجلها الخطاب.
إن توجهًا كهذا سيعمل على هدم محتوى الخطاب ،وتمزيق أواصر المعنى فيه "ظاهرًا وباطنًا" بل أن
المر بأجمعه لن يتجاوز ،لعبة الخضاع والتمويه والخداع الرخيص .فالنتقاء والبتسار وبتر النص،
كمحاولة للباسه معنى أخر ،لم تكن بالتقنية الجديدة ،بقدر ماهي ممارسة شديدة القدم ،عمد إلى
ممارستها الولون بكثافة من أجل التنكيل بخصومهم والنيل منهم ،وتوكيد خروجهم و مروقهم
وتكذيبهم وتكفيرهم .بل أن هذه الممارسة تتصاعد حمى ممارستها خلل المواجهات والحروب
الناشبة بين الطراف" ،"3حيث يعمد كل طرف إلى انتقاء نصوص بعينها من الطرف المقابل،
وتحميل معاني أخرى ومعطيات مختلفة.
وإذا ما صدقت الحال على "سوء النية" ،فان المنهج الموضوعي في "تحليل المضمون" ل يخلو هو
الخر ،من مزالق ومطبات "حسن النية" ،فعلى اعتبار سعة عملية التأويل وتشعبها ،قد يقع الباحث
في مزالق قلة الوعي بالمادة الخاضعة للتحليل ،لعتبارات نقص المعلومات أو الخبرة ،أو ربما إساءة
تفسير الشفرات والعلمات ،أو الخضوع لمؤثرات نفسية داخلية كامنة في الشعور ،أو حالة التقاطع
في النسق الثقافي وعدم اللمام بطبيعة الخطاب الذي يحمله الخر ،حيث الختلف في أنماط التفكير
وموجهاته.
تحديد التجاهات
لعل الغاية الرئيسة التي يرتكز جهد "تحليل المضمون" كأداة منهجية ،تتعلق بالكشف عن التجاهات
التي تطبع الظاهرة قيد الدراسة .وهذا كله يتم عن طريق التطلع نحو تحليل المواد المتعلقة بالظاهرة
من ؛كتب ووثائق ودراسات أو أية مادة أخرى يمكن حشدها في سبيل الوصول إلى الغاية
الموضوعية ،التي يرومها الباحث ويسعى للكشف عنها .وهكذا يتم التفاعل ما بين اتجاهين منهجيين
يتمثلن في التحليل النوعي المستند إلى الموضوعية ،والتحليل الكمي – الحصائي المعني بتحديد
العناصر التي يحويها الخطاب.
ومن أجل الوصول إلى محددات علمية دقيقة ،يكون للموضوعية طابع التعميم والصدق في التحليل
وإمكانية المطابقة مع دراسة وتشريح ظواهر أخرى تدخل في ذات المجال .مع الخذ بالعتبار أن
المحتوى الموضوعي ل يتوقف عند جهود باحث بعينه ،بقدر ما يجب أن تكون النتائج التي تم
التوصل إليها ،مرتبطة بتوحيد النتائج لدى جميع الباحثين الذين تم لهم العمل على ذات الظاهرة .من
هنا تتمثل المعطيات الموضوعية في التحليل ،بدءًا من دقة النتائج والحياد الذي ينبغي أن يؤكد عليه
الباحث"15" ،بعيدًا عن الميول والهواء والرغبات والتحديدات والمواقف المسبقة.
العناية بالتحليل الكمي – الحصائي ،جعل من بعض الباحثين في هذا المجال يؤكدون ،على أهمية
التشديد والتركيز ،في أن عناية "تحليل المضمون" يجب أن تسعى نحو تحليل المضمون الصريح
والمباشر الذي يفصح عنه النص ،وليس الغور في تفصيلت المحتوى الباطن" ."16لكن مقولة
كهذه سرعان ما تتماثل فيها معطيات التناقض ،حين يتم التعامل بالتحليل الموضوعي ،الذي يفرض
حضوره وأهميته ،باعتبار التوافق بيت الجانبين؛ "الموضوعي – الحصائي".
تحتل القراءة مكانة بالغة الهمية وتوجيه الباحث نحو تحديد معالم الظاهرة المراد دراستها .فالعملية
تقوم على اختبار الفروض التي تعن عليه ،ويسعى من خلل هذه العملية نحو توكيدها أو رفضها من
خلل المنطق الذي تؤيده القرائن والبراهين .من هنا يكون السعي نحو المام والشمول بجوانب
الظاهرة ،سعيًا الى تحديد الفئات ومحاولة تغطية جميع الجوانب المتعلقة بالظاهرة من خلل التركيز
على التجانس في انتقاء واختيار العينات .مع أهمية المواءمة والتوفيق بين المادة المبحوثة
والهداف التي وضعها الباحث .ول يتوقف المر على فعل القراءة فقط ،بل يشتمل على جوانب أخرى
تتمثل في الملحظات التي يستنبطها الباحث من خلل متابعته واتصالته ،والوقوف" "17على
التخمينات الذاتية ،وصوًل الى وضع الصياغات الولية للولوج في متن الدراسة.
الهوامش:
.1د.محمود قاسم ،المنطق الحديث ومناهج البحث ،دار المعارف ،القاهرة ،1967ص .148
.2د.سمير محمد حسين ،تحليل المضمون ،عالم الكتب ،القاهرة ،1983ص .21
.3د.احمد اوزي ،تحليل المضمون ومنهجية البحث ،الشركة المغربية للطباعة ،الرباط ،1993ص
.13
.4السيد يسين ،تحليل مضمون الفكر القومي العربي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت
،1980ص .19
.5هادي نعمان الهيتي ،صحافة الطفال في العراق ،دار الرشيد ،بغداد ،1979ص .12
.6نادية سالم ،إشكاليات استخدام تحليل المضمون في العلوم الجتماعية ،مجلة العلوم الجتماعية،
الكويت ،1983ص .44
.7د.احمد اوزي ،المصدر السابق ،ص .17
.8سعد الدين إبراهيم ،اتجاهات الرأي العام الغربي نحو مسألة الوحدة ،مركز دراسات الوحدة
العربية ،بيروت ،1980ص .21
.9د.حميد لحمداني ،بنية النص السردي ،المركز الثقافي الغربي ،بيروت ،1993ص .36
.10د .إسماعيل نوري الربيعي ،غريماس والنموذج العاملي ،مجلة كتابات معاصرة ،بيروت
،1999ص .154
.11د.احمد اوزي ،المصدر السابق ،ص .37
.12مجموعة من الكتاب ،مدخل الى مناهج النقد الدبي ،سلسلة عالم المعرفة ،الكويت ،1997ص
.17
.13رولن بارت ،درس السيمولوجيا ،ترجمة ع.بنعبد العالي ،دار توبقال ،الدار البيضاء ،1993
ص .21
.14سعيد بنكراد ،مدخل الى السينمائيات السردية ،تانسيفت ،مراكش ،1994ص .32
.15محمد نظيف ،ماهي السيميولوجيا ،افريقيا الشرق ،الدار البيضاء ،1994ص .64
.16السيد يسين ،المصدر السابق ،ص .19
.17د.احمد اوزي ،المصدر السابق ،ص .38
imseer@hotmail.com
للستاذ /أحمد يوسف )أستاذ جامعي من الجزائر مقيم بفرنسا(
لسانيات الجملة:
إذا كانت دللة الخطاب تتضمن في المعجم اللتيني الحوار وكذا معاني الخطابة فإن اللسانيات المعاصرة حددت جغرافية الخطاب عند حدود الجملة ،حيث حظيت
بالهتمام والدرس بوصفها وحدة تتوافر على شرط النظام .وهي غير قابلة للتجزئة ،واذا أمعنا النظر في ماهية الخطاب على أنه ملفوظ يشكل وحدة جوهرية
خاضعة للتأمل .ففي حقيقة المر فإن الخطاب ما هو إل تسلسل من الجمل المتتابعة التي تصوغ ماهيته في النهاية .
وهنا يظهر مأزق اللسانيات أو محدوديتها على الصح .في معالجة إشكالية الخطاب لنها تحصره في نطاق الجملة التي نظر اليها اندريه مارتيني Andre
Martinetأنها أصغر مقطع ممثل بصورة كلية وتامة للخطاب .غير أن هذا ل يفضي الى عجز الدراسات اللسانية في عدم قدرتها على معالجة قضايا أكبر من
الجملة ،وبالتالي عدم عجزها عن تحليل الخطاب .فهناك تباين في تحديد بنية الظاهرة اللغوية .فعلماء اللغة يحددون الكلمة بأنها "وحدة في جملة تحدد معالم كل
منها بإمكانية الوقوف عندها" والجمله هي" .تتابع من الكلمات والمرقمات التنغيمية) (1وهكذا تتداخل الكلمة والجملة في مفهوم متلحم ،وعليه فإن الجملة تتشكل
من "مجموع الوحدات التي يصح أن يقف بينها )الكلمات ( بالضافة الى درجة الصوت والتنغيم والمفصل ،ونحو ذلك مما يدخل في ايضاح المعنى ").(2
إن هذا المعطى التصوري للجملة ل يقلل من قيمة اقترابها من مفهوم الخطاب ،فإذا كانت عناصر مثل الكلمة والصوت والنغم تشكل إطار الجملة ،وتعمل عل بناء
المعنى ،فهذا ل يعوق دراسة الخطاب من وجهة نظر لسانية .
إن المفهوم السابق للجملة يقترب كثيرا من أطروحات علماء اللغة العربية عندما يعرفون ما .الكلم على أنه كل لفظ مستقل بنفسه مفيد لمعناه .وهو الذي يسميه
النحويون الجمل " ،نحو :زيد أخوك ،وقام محمد ،وضرب سعيد ،وفي الدار أبوك ،وصه ومه ورويدا ...فكل لفظ استقل بنفسه وجنيت منه ثمرة معناه فهو كلم ")
.(3ويشير ابن هشام الى تحديد ماهية الجملة بمنطق اللساني المعاصر ،لن الخطاب اللساني وضع أسسا اللساني المعا هو ،لن الخطاب اللساني وضع أسسا
ابستمولوجية لمنطلقاته المنهجية عندما أوضح الفروق القائمة بين اللغة والكلم ،كما هو الشأن لدى دي سوسير في كتابه دروس في اللسانيات العامة إن "الكلم
هو القول المفيد بالقصد ،والمراد بالمفيد ما دل على معنى يحسن السكوت عليه ") ،(4وهو التصور ذاته الذي نلفيه عند هاريس .
إن اللغويين العرب أولوا أهمية كبرى للكلم وربطوه بماهية الجملة وقسموا عناصرها الى اسمية وفعلية من حيث موقع المسند والمسند اليه وما أنجز عنها من
علقات حددها تمام حسان في العلقات السياقية )القرائن المعنوية وحصرها في السناد( والتخصيص والنسبة والتبعية والمخالفة).(5
إذا كانت الجملة هي الكلم عند ابن جني ،فهي تقابل القول عند سيبويه ،أما جار ال الزمخشري فعرف الكلم بأنه "المركب من كلمتين أسندت احداهما الى
الخرى ...وذلك ل يتأتى إل في اسمين كقولك زيد أخوك ،وبشر صاحبك أو في فعل واسم نحو قولك ضرب زيد وانطلق بكر ويسمى جملة ") ،(6إن تصور اللغويين
العرب للجملة وصلتها بالكلم ل يخلو من غموض وتناقض في بعض الحايين .
هناك تصور آخر للعلقة بين الجملة والكلم نتيجة للفروق التي تكمن بينهما فيقول الرضي "والفرق بين الكلم والجملة أن الجملة ما تضمن السناد الصلي سواء
كانت مقصودة لذاتها أول كالجملة التي هي خبر المبتدأ وسائر ما ذكر من الجمل ..والكلم ما تضمن السناد الصلي وكان مقصودا لذاته فكل كلم جملة ول ينعكس
").(7
هناك إذن _طرخان يتمثلن في لسانيات الجملة ولسانيات الكلم ،فأين نضع مفهوم الخطاب ضمن هذين الطرحين .فإذا قررنا بأن الخطاب مجموعة جمل تتوافر
على شرط النظام ،حتى يتسنى درسه وملحظته فإننا نكون قد صدمنا المنطق الصارم للسانيات التي تحدد موضوعها في الجملة ول تتجاوزه .فإن الخطاب كما
يرى رولن بارت "يمتلك وحداته وقواعده و" نحوه ":
فما بعد الجملة ،ورغم أن الخطاب مكون فقط من جمل ،فمن الطبيعي أن يكون الخطاب )هذا الما بعد( موضوعا للسانيات ثانية .وقد كان للسانيات الخطاب هذه ،
ولفترة جد طويلة ،اسم مجيد )ال وهو (
البلغة .لكن وكنتيجة للعبة تاريخية ،وبانتقال البلغة الى صف الداب الجميلة ،وانفصال هذه الخيرة عن دراسة اللغة فقد أصبح من اللزم حديثا العودة الى
إثارة المشكل من جديد").(8
إن اثارة بارت لها.ا المشكل كان منطلقه القتراب من فكرة البنية السر دية ولفتها وبالتحديد دراسة ما بعد الجملة ويبدو ظاهريا نقد بارت لجمود اللسانيات عند
حدود ضيقة محصورة في الجملة لكنه يرى بأنه ل مندوحة من مقاربة البنية السر دية من منطلق لساني الى درجة إقراره بمعقولية "التسليم )بوجود( علقة تماثلية
بين الجملة والخطاب ،و)ذلك ( اعتبارا الى أن نفس التنظيم الشكلي ،هو ما ينظم ظاهريا كل النساق السيميائية مهما اختلفت موادها وأبعادها :هكذا سيصبح
الخطاب "جملة كبيرة " )ول تكون وحداتها بالضرورة جمل( تماما مثلما ستكون الجملة في استعانتها ببعض المواصفات "خطابا صغيرا") (...فمن المشروع إذن
التسليم بعلقة ثانوية بين الجملة والخطاب ومنسمي هذه العلقة اعتبارا لطابعها الشكلي المحض ،علقة تماثلية ") (9وانطلقا من هذه الفرضية التي وضعها بارت
خلص الى أن السرد من وجهة التحليل البنيوي يعد "طرفا في الجملة دون أن يكون في المستطاع أبدا اختزاله الى "مجرد" مجموعة من الجمل .فالسرد جملة
كبيرة .وهو يكون بطريقة ما مثل كل جملة تقريرية Conaontativeمشروع سرد صغير")(10
ل تزال حقول تحليل الخطاب تتراوح بين الذين يتشبثون بمنطق صرامة اللسانيات وتضييق مجالتها المعرفية وبين من يدعون الى نهج المرونة في القتراب من
فضاءات الخطاب وتوسيع مجالت اللسانيات لتشمل رحابة المعرفة وتشعباتها ولسيما أن فلسفة العصر الحديث هي اللغة بوصفها قناة لكل معرفة متوخاة .
بظهور اللسانيات التاريخية في القرن التاسع عشر كانت القواعد العامة تبحث عن ايجاد تفسير للستعمالت الخاصة للغة وفق قواعد عامة تتأسس حول المنطق .
وقد كان اللغويون العرب القداس سباقين الى رسم هذه الستراتيجية للغة العربية .فتأسس على أيديهم علم أصول النحو مستثمرين المنطق اليوناني وعلم أصول
الفقه .غير أن ميلد اللسانيات التاريخية في أوروبا حدد تصورات جديدة لم تكن متبلورة في السابق ،مثل التغيرات التي تشهدها اللغة فهي ليست رهن الرادة
الواعية للبشر وانما ضرورة داخلية .كما أنها طبيعية وتخضع للتنظيم الداخلي للغات .
ومن أبرز معالم اللسانيات التاريخية ظهور مؤلف اللماني في .بوب " F-Boppنظام التصريف للغة السنسكريتية مقارنة مع اللغات الغريقية واللتينية
والفارسية والجرمانية " عام .1816فقد كان إعلنا عن ميلد النحو المقارن ،رفقة الخوة شليجل وجريم وشليغر .فسمح بايجاد القرابة بين اللغة السنسكريتية
المقدسة للهند القديمة وأغلب اللغات الوروبية القديمة والحديثة .وأخذت الدراسات اللسانية هذا المنحى حتى مع "النحويين الجدد" في النصف الثاني من القرن
التاسع عشر ،الذين تطلعوا الى تجديد النحو المقارن .بحيث دعوا الى تفسير التغيرات الحاصلة داخل اللغة وعدم الوقوف عند وصفها ،ورأوا أن السباب الوحيدة
القابلة للمراجعة هي البحث عن نشاط الفاعلين المتكلمين ،وفضلوا تحديد مسافة لدراسة التغيرات اللغوية .وكما هو واضح فإن طبيعة اللسانيات التاريخية
وموضوعاتها لم تسمح بمعالجة موضوع الخطاب معالجة ذات صلة بجوهر اللفة .فالتحليل التعاقبي الذي طبع المنهج التاريخي في الدراسات اللغوية فرض على
الباحث السويسري فرديناند دي سوسير F desoussure.أن يؤسس معالم اللسانيات البنيوية ،ويرسم خطابا ابستمولوجيا يتعامل مع نظام اللغة بمنطق علمي
جديد ل يخفي أصوله الفلسفية والعلمية )علم القتصاد /علم الجتماع ..الخ ( .وأبرز المقولت اللسانية التي انتهى اليها هي:
إن التحليل البنيوي للغة ترك مجال واسعا وفضاء خصبا لدراسة الخطاب من مستويات عديدة - :المستوى الصوتي
-المستوى التركيبي.
-المستوى الصرفي
-المستوى الدللي
-المستوى المعجمي
إن مصطلح الخطاب يرادف الكلم لدى سوسير ،إن مصطلح الخطاب يرادف الكلم لدى سو سير ،وبالتالي يعارض اللغة ومن سمات الكلم التعدد والتلون والتنوع ،
لهذا فإن اللسانيات لم تر فيه حدة الموضوع التي يمكن للعلم أن يقبل عليها بالدرس والملحظة .
لقد فرق فرديناند دي سوسير بين اللغة والكلم " :إن اللغة والكلم عندنا ليسا بشي ء واحد ،فإنما هي منه بمثابة قسم معين وان كان أساسيا ،والحق يقال ،فهي
في الن نفسه نتاج اجتماعي لملكة الكلم ومجموعة من المواضعات يتبناها الكيان الجتماعي ليمكن الفراد من ممارسة هذه الملكة .واذا أخذنا الكلم جملة بدا لنا
متعدد الشكال متباين المقومات موزعا في الن نفسه ،الى ما هو فردي ،والى ما هو اجتماعي ...أما اللغة فهي على عكس ذلك ،كل بذاته ومبدأ من مبادي،
ويمكن استنتاج خصائص الخطاب بالمفهوم السوسيري بأنها تتوافر على العنصر الفيزيائي )الموجات الصوتية ( والعنصر الفيزيولوجي )التصويت والسماع (
والعنصر النفسي )الصور اللفظية والمتصورات ( وتنحصر طبيعة دراسته في قسمين :
أول 0قسم جوهري يرتكز موضوعه على اللغة ذات الطابع الجماعي المستقل عن الفرد .وهو أقرب الى الدراسات النفسية التي تحلل الخطاب تحليل نفسيا بحتا.
ثانيا :قسم ثانوي ينحصر موضوعه في الجانب الفردي من الكلم )اللفظ بما في ذلك عملية التصويت ( ويتعلق بالجانب النفسي الفيزيائي .ولكن مهما يكن من
فروق بين اللغة والكلم فإنهما متلزمان ومتواصلن وعلى الرغم مما يبدو للوهلة الولى من أن دي سوسير قد أهمل لسانيات الكلم وأبعدها من صفتها العلمية
لفتقارها لعنصر النسجام والوحدة ،ويرى بعض الباحثين بأن "سوسير لم ينف الكلم ،ولم يبعده من الدراسة اللسانية ،كما قد توهم البعض ،وال لما كان مقبول
حديثه عن لسانيات الكلم ،والمراد بذلك أن الكلم -أي الذات المتكلمة -ل يغيب في الدراسة اللسانية إل مؤقتا وفقا لمتطلبات منهجية مادام يستحضر ويخصص له
حيزا في الدراسة اللسانية .صحيح أنه ليس من صميم الدراسة اللسانية الصارمة لن دراسته ل تقوم إل بتدخل عدة علوم ،أي عدة مناهج تختلف من حيث
الطبيعة والجوهر مع المنهج اللساني المقترح .لهذا السبب أكد سوسير على ضرورة التمييز بين هذين النوعين من الدراسه ").(12
إن الوقائع الكلمية في واقع المر لم تحظ بالهتمام العلمي الكبير من قبل سوسير كما هو الحال بالنسبة للغة ،لهذا فإننا ل نحصل على متصورات منهجية وأسس
ابستمولوجية لعلم الخطاب في دروس سوسير .،وقد أثر ذلك سلبا في الدرس اللساني حيث مال الى التضييق والحصر .وقد دعا بعض علماء اللغة المعا هوين الى
تخليص اللسانيات من الجمود والضيق ،والنتقال بها الى مجال الحركة والسعة .وقد دافع نوام تشومسكي عن هذا التجاه حين حدد واحدة "من الشكاليات
الستراتيجية الرئيسية عندما يتساءل عن المدى الذي يحرز هذا التضييق المتعمد كمصدر للتبصر العلمي العميق ،وهل ينتفىر بانتفاشه ثم عن المدى الذي يقلل به
هذا التضييق إمكانيات الكتشافات الهامة").(13
لكي تحقق اللسانيات استكشافات جديدة في مجال علم "تحليل الخطاب" ينبغي أن تفك عزلتها بالتفاعل مع حقول العلوم النسانية .ول تبقى حبيسة زاوية ضيقة
ومحدودة ،وهذا الطموح يسمح بإبراز قضايا كثيرة تتعلق بالشكالية اللسانية وموقع تحليل الخطاب ،وسيفني ال إثارة أسئلة جوهرية ذات صلة بنظرية النص
ونظرية القراءة ،والشروط التي تحيط بفضاء الخطاب منها ما هو معرفي ومنها ما يتصل بالسوسيو تاريخي عندما أشار دي سوسير الى السيميولوجية ،ذلك العلم
الذي لم يكن سوى تصور أتاح إمكانات دمج اللسانيات في منظومة العلوم النسانية واحتكاكها بالعلوم الخرى .وهكذا فإن اللغة بالمفهوم السيميولوجي أضحت
مجموعة من العلمات وأن الظاهرة اللغوية هي ظاهرة سيميائية ستكون مادة خصبة للمنهج السيميائي في تحليله للخطاب مع تجاوز الثنائية السوسيرية )اللغة
الكلم ( مع التركيز على اهتمام السيميائي بالجتماعي ،وحينئذ سيصير الكلم بوصفه انجازا فرديا غير زي أهمية في مجال البحوث السيميائية ..وقبل هذا فإن
التحليل البنيوي استفاد من المنهجية اللسانية فصار تحليل بنية النصوص في ذاتها ولذاتها ،وذلك بفضل المقولة التزامنية في دراسة اللغة .
يثني لويس يامسليف L. Hjelmslevعلى جهود دي سوسير ويعده المؤسس الول للسانيات البنيوية ،على الرغم مما يبدو من اخلصه العلمي لدى سو سير،
إل أن توجهاته العلمية واهتمامه بالمنطق الرياض ومعر فته الواسعة باللغات القديمة والحديثة ،مكنته من صياغة لسانيات موسومة بالروح الرياضية فكانت
منظوميته Glossématiqueإضافة نوعية للدراسات اللسانية المعاصرة .فاللغة ل يمكن -في نظره .فصلها عن النسان ،فهي الداة التي بفضلها يمكن
صياغة مشاعره وانفعالته وجهوده وارادته وحالته ،فبها يمكن أن يؤثر ويتأثر) .(14وتتركز اهتمامات اللسنية حول مسالة البنيه ) ،(15لهذا يتجاوز المستوى
الفونولوجي ليهتم بمشكلت التعبير ووحدات المحتوى .فاللغة هي قبل كل شي ء شكل وهي في أن واحد تعبير ومحتوى .وقد استطاع يا سليف تأسيس حلقة
كوبنهاجن وتشكيل فرق للعسل ،وتكوين نظرية prolegomenesلمدة عشر سنوات من البحث العلمي المبني على النظرة التجريبية القائمة على الملحظة
والختيار .فالدرس اللساني يتسم في رأيه بالنسجام والشمول والبساطة ولهذا يرى أن النظرية اللغوية انظرية استنباطية تشتمل على مبدأ الكلية Totaliteفهي
قابلة للتطبيق على جميع اللغات النسانية .
إن يامسليف يحدثنا عن مبدأ التحليل وصيفه ونلفي حديثا عن النص في كتاباته ول نجد تصورا علميا واضح المعالم عن الخطاب ،باستثناء حديثه عن محتوياته
السيميائية وعن اللغة اليحائية .
حتى اللسانيات الوظيفية التي تراهن على مفهوم التواصل بوصفه أهم الوظائف الساسية للغة وارتباط التطور اللغوي بمبدأ القتصاد .لم تعالج موضوع الخطاب .
وهكذا بدا وكأنه ليس من صميم الشكالية اللسانية .وان كانت المدارس اللسانية تعالج قضايا جوهرية ذات صلة بتحليل الخطاب .فنجد اندريه مارتيني يتحدث عن
التحليل التركيبي للمدونة أو المتن على أنه مجموعة علقات الترابط ،في الفصل الرابع من كتاب "عناصر اللسانيات العامه " الذي خصصه للوحدات الدالة نجد
تحليل للملفوظات ولكن انطلقا من مفهوم التواصل للغة ،فهناك مقاربات لتحليل مستويات الخطاب ،دون الحديث عن ماهيته ويمكن أن نخلص الى نتيجة أن
موضوع الخطاب وجد فراغا كبيرا في أطروحات بعض المدارس اللسانية الحديثة .على الرغم من أنه أصبح حقيقة فرضت استعمالها في حقل علم المصطلحات
وأصبحت متداولة في أدبيات العلوم النسانية ،حتى لزمت بعضا منها .فنجد
حديثا شائعا لدى العامة عن الخطاب السياسي .وتحولته وخصائصه ،وأصبح بديل لمفهوم الخطبة والخطابة في التراث الغريقي والتراث العربي السلمي.
إن إميل بنفيست على . E . Benvenisteيعالج مشكل الخطاب معالجة لسانية فالجملة بالنسبة اليه وحدة لسانية ل تؤلف صنفا شكليا من الوحدات المتعارضة
بينها ،مثل تعارض القونيمات الفونيمات أو الفونيمات مع المورفيمات ،أو المفردات مع المفردات .
هناك طرح منهجي مهم جدا يشير اليه جان ديبوا Jean duboisعندما يقول "مع الجملة نترك إطار اللغة بوصفها أداة للتواصل .في هذا المجال تتوقف الجملة
أن تكون موضوعا ...وتصير وحدة فالجملة هي وحدة الخطاب ").(17
يركز إميل بنفيسة على قيمة عملية التلفظ التي لم تنل اهتمام اللغويين القدامى ،فقد كان ينظر اليها بوصفها موضوعا ل يندرج في نقاط الدراسة اللسانية .ولكنها
أضحت مادة جديرة بالهتمام نظرا لنها تنقل اللغة من سكونيتها الى حركية الستعمال الفردي )الكلم والخطاب ( ،إن الجهاز الشكلني للتلفظ عنصر من عناصر
اللغة التي تشكل ماهية الخطاب .فتحديد العلقة بين الباث والمتلقي ،تسمح للفاعل المتلفظ أن يجد منزلة في الخطاب ،وقد يجد أيضا الفلسفة ضألتهم في البحث
عن الذاتية التي تتجل في حرية كلم الفاعل المتلفظ الفردية .إن بنفيسة يراهن على مركز الفاعل المتلفظ في الخطاب ،وهذا ل يعني تطابق الذاتية المغلقة مع
الجهاز الشكلني لعملية التلفظ ،فهو بذلك يكون قد أسهم في إدخال عالم الخطاب الى اللسانيات ،ويعد من الموضوعات الجديدة في حقل دراسات اللسانيات
المعاصرة ،التي ما فتشت تعرف استكشافات علمية ،وصعوبات منهجية ،وهكذا تم توسيع نطاق موضوع اللسانيات ولسيما عملية التلفظ وصلتها بالخطاب الذي
حفز الدراسات على البحث عن مناهج التحليل .إن ربط تصور الملفوظ بالخطاب كان يقتضي وضع قواعد للتسلسل وللمسار الذي يتوافر على قابلية التعبير بالكلم ،
غير أنه ينبغي الشارة الى أن الملفوظ وحده ل يحدد الخطاب إل إذا أضيفت اليه وضعية التصال .
التحليل التوزيعي
إن النظرية التوزيعية في اللسانيات الحديثة ،أسهمت بفضل جهود بلومفيلد ( (Ploomfieldوهاويس ( (Z. S. Harrisفي دراسة قواعد الجمل ،وتحليلها
بوصفها وحدات ممكنة في لغة معينة بمعنى يجب أن تتوافر فيها القابلية للتحقيق بهذا التصور لقواعد الجمل يظل تحليل الخطاب يبحث عن معرفة المقاييس
وبنائها ،وكذلك اعتبار مجموعة من السلسلت الوصفية على أنها متتاليات لجمل ملفوظة ( Phrases - enonces).فهي تشكل في نظر هاريس مؤسسة
لشبكات من التكافؤ بين جمل وجمل متتالية .ويحيلنا ريمون طحان ودينين بيطار طحان الى التجريد الذي لزم غراما طيق الجمل وما تفرع منها من مفاهيم استقتها
من اللسانيات وعلم الدللة فمنها:
-مفهوم الصولية :هي الجملة التي تتمتع بالصحة الدللية والمنطق اللغوي ،فهي تخلو من التنافر الصوتي ،وتخضع بنيتها التركيبية لقواعد
اللغة .
-مفهوم دللة الجملة :هناك إشكال معرفي تجده اللسانيات في تحديد ماهية الجملة .فإذا كانت "تتألف من عناصر تعود الى ثبت مغلق ،ومن أصوات محدودة
العدد ترتبط بالمعنى ) (...ولكن ...هناك بنى وجمل تختلف في معناها وتتحقق بأشكال متشابهة ،وهناك أيضا بنى وجمل
إن تحليل الخطاب دفع هاريس الى تعريف مجموعة التكافؤ والتقارب .بين ملفوظين حتى يبرز طريقته المنهجية التي ركزت على النص الشهاري ،ويشير ديبوا
الى المفهوم الجديد عن طريق نص تم بناؤه .فالخطاب السياسي لحرب الجزائر مثل قد درس على أساس أنه الخطاب الذي دفع الى تمثيل العلقة الموجودة بين
موضوعات الجزائر وفرنسا ).(19
لقد ارتبط التحليل التوزيعي بالنزعة السلوكية ( (Behavieorismeالتي راجت في الوليات المتحدة المريكية بداية منذ سنة ،1920فكان من أهدافها تحقيق
الموضوعية في دراستها ،وقد حمل لواءها ليونار بلومفيلد ،وتجلت مبادي ،المدرسة التوزيعية في محا ولتها لتحليل الخطاب ودراسة توزيع الوحدات اللسانية عن
طريق المدونة ( (Corpusوالوحدات كما أسلفنا القول _ غير أن الذي يميز هاريس اختياره لطرائق التعامل مع النصوص اللغوية .فالنص الشهاري يمتاز
بتكرار الشكال التي بالوصول الى بنيته .وكذلك تأكيده على العلقات القائمة بين الجمل وتفضي الى سلسلة من الجمل المتكافئة ،وعليه فإن مبدأ التحويل الذي
أقره هاريس يتضح في تحليل العلقات التي تؤلف بين الجمل ،وهذا التصور أضفى الصفة الجرائية لعملية تحليل الخطاب ،بل يعد لبنة من لبنات "علم
الخطاب ".
تعد إضافات المدرسة التوليدية التحويلية امتدادا لجهود بلومفيلد وهاريس ويمكن وضع مفهوم الخطاب في مقابل ثنائية نو شمسكي ( (N. Chomskyالكفاية
والداء اللغوي .إن ما يمكن استخلصه من نظرية نو شمسكي تخطيها للدراسة السطحية التي تنتهجها اللسانيات البنيوية ول تتعداها للبحث عن المستوى العميق
للكلم ول تأخذ مبدأ التأويل في حسبانها .إن الدرس التوليدي التحويلي يعالج عملية التكلم ومكانيزماتها التي تظهر في الستعمال المبدع للغة .
يربط باختين M.Bakhtineنظرية اليللفظ بمستويات التركيب ،لن كل تحليل للخطاب في تصوره تحليل لمتن اللتلفظ الحي .وهو سمة من السمات المحسوسة
لفعال الكلم كما أنه يلحظ قصور اللسانيات في احتواء موضوع التلفظ ،ويبدو هذا لعجز اللساني واضحا في الهتمام بالجملة وعدم القتراب من الخطاب .إن
اللساني يشعر بارتياح أكثر وسط الجملة ،وكلما اقترب من تخوم الخطاب من )التلفظ ( العام ،فهو ليس مسلحا لتناول الكل ،ليس من بين مقولت اللسانيات مقولة
تصلح لتحديد الكل .والواقع أن المقولت اللسانية ل يمكن تطبيقها في حالتها هذه إل داخل )التلفظ ("
).(20
إن الخطاب في مفهوم باختين يعيد مسألة خطاب الخر ويتجسد في الخطابات اللسانية )خطاب مباشر ،خطاب غير مباشر ،خطاب غير مباشر حر( ،لهذا يراهن
على المنهج الجتماعي في اللسانيات ،وضرورة تفسير واقعة خطاب الغير تفسيرا سوسيولسانيا ويعرف الخطاب المروي بأنه "خطاب في الخطاب ،وكفظ في
التلفظ .. ،لكنه في الوقت ذاته خطاب عن الخطاب وتلفظ عن التلفظ ") .(21كما أنه يتمتع باستقلله البنيوي والدللي .
إن مصطلح الحوارية الذي استثمرته _ فيما بعد -جوليا كريستيفا وشاع في أدبيات الخطاب النقدي الجديد وعرف بالقناص Inter****uelleيشير الى اقتحام
اللسانيات للمجالت التي كانت تعتقد أنها ليست موضوعا لبحثها"،فالوحدة القاعدية الحقيقية للسان -الكلم ليست هي التلفظ -الحوار الداخلي الوحيد والمعزول ،
كما هو معروف ،ولكنها تفاعل تلفظين على القل أي الحوار") .(22ويثير باختين أسئلة جوهرية في مسألة علقة الخطاب بالحوارية .
"كيف ندرك ،في الواقع خطاب الغير؟ كيف تحس الذات المتلقية ،في وعيها بتلفظ الغير ،هذا الوعي الذي يعبر بواسطة الخطاب الداخلي ؟ كيف يستوعب الوعي
الخطاب بفعالية ،وما هو التأثير الذي يمارسه الخطاب على توجيه الكلم الذي يكفظ به المتلقي من بعد ؟ ") (23لقد طورت هذه المفاهيم تحليل الخطاب الروائي
ووثقت الصلة بين ´ اللسانيات والتحليل السوسيولوجي .ونجد تحديدا لنماط الحوارية في الرواية لدى باختين وتتصل في التهجين والعلقة المتداخلة ذات الطابع
الحواري بين اللفات والحوارات الخالصة .
إن مفهوم الحوارية معرفه تدورون T.Todorovبقوله "كل علقة بن ملفوظين تعثبر ثناصا ..فكل نثاجين شفويين ،أو كل ملفوظين محاور أحدهما الخر،
يدخلن في نوع خاص من العلقات الدلليه نسميها علقات حوارية").(24
وانطلقا من هذا التصور وجه باختين نقدا للسلوبية ،وقدم قراءة لتاريخ الساليب من منطلق سوسيولوجي.
- 1الوثوقية السلطوية )العصور الوسطى( وتتميز بالسلوب الفخم السطري وغير مسند الى شخص في بث خطاب الغير.
-2الوثوقية العقلنية )القرنان 17و (18وتتميز بالسلوب السطري الدق والرق والوضح .
-3النزعة الفردية الواقعية والنقدية )نهاية القرن 18والقرن (19وتتميز بأسلوب مجازي منسق والميل الى تسريب الخطاب المروي من خلل أجوبة وتعليقات
المؤلف .
وخصص في كتابه "الماركسية وفلسفة اللغة " الفصلين الخيرين للخطاب غير المباشر والخطاب المباشر ومتغيراتهما ،والخطاب غير المباشر الحر في الفرنسية
واللمانية والروسية وهي دراسة مقارنة .لقد كان ميخائيل باختين نموذجا لما ينبغي أن يسلكه اللساني لكي يتخلص من الجمود والعزلة .ولقد وجدت السيميائيات
المعاصرة في مفاهيمه حول تحليل الخطاب والحوارية ما جعلها تحقق تقدما نوعيا في تحديد مسار البنية الجديدة لعلم مازالت تتنازعه عدة حقول معرفية .
بعد ان تستعرض جوليا كريستيفا مفاهيم الخطاب لدى اللسانيين التي سبقت الشارة اليها تخلص الى أن الخطاب "يدل على كل كفظ يحتوي داخل بنياته الباث
والمتلقي مع رغبة الول في التأثير على الخر") .(25وتقدم في مؤلفها )النص المغلق ( أيضا تعريفا للنص على أنه جهاز فوق لساني يعيد توزيع نظام اللغة ،كما
أنه يتحدد عن طريق تبادل النصوص أي القناص ،داخل فضاء النص هناك عدة ملفوظات مأخوذة من نصوص أخرى تكون متقاطعة ومحايدة .إن مفهوم الخطاب
وعلقته بالنص والقناص يعد امتدادا لمفاهيم باختين .
إن التحليل السيميائي هو ذاته تحليل للخطاب ،وهو يميز بين "السيميوتيقا النصية " وبين اللسانيات البنيوية "الجملية .0ذلك أن هذه الخيرة حين تهتم بالجملة
تركيبا وانتاجا _ وهو ما يسمى بالقدرة الجملية _ فإن السيميوتيقا تهتم ببناء نظام لنتاج القوال والنصوص .وهو ما يسمى بالقدرة الخطابية .ولذلك ،فمن
المناسب الن وضع القواعد والقوانين التي تتحكم في بناء هذه القوال وتلك النصوص ").(26
إن التحليل السيميائي للخطاب ينطلق مما انتهت اليه جهود اللسانيين حول النظرية العامة للغة ،وبمسائل التصورات التي أحيطت بالخطاب ويقتضي أن يكون
متجانسا مع الثنائيات الساسية ) :اللغة /الكلم ( _ )النسق /العملية () ) _ (processالكفاية /الداء الكلمي( ،كما أنه ل يغفل العلقة التي تربطه بمقوله التلفظ
.فالمعجم السيميائي لجريماس وكور تيس وهو يناقش مصطلح الكفاية من وجهة نظر تشومسكي ينظر اليها على أنها مجموعة من الشروط الضرورية في عملية
التلفظ ،كما أنه يتوافر على صورتين مستقلتين لهذه الكفاية :
بالنسبة لكفاية السرد السيميائي حسب منظور يامسليف وتشو مسكي يمكن تصورها على أنها تمفصلت تصنيفية وتركيبية -في الن ذاته -وليس بوصفها استبدال
بسيطا على منوال دي سوسير للغة فالتحليل السيميائي ينظر لهذه الشكال السر دية نظرة كونية مستقلة عن كل مجموعة لسانية وغير لسانية لنها مرتبطة
بالعبقرية النسانية .وهنا ينبغي الشارة الى فضل مدرسة الشكلنيين الروس وعلى وجه الخصوص مؤلف "مورفولوجية الحكاية الخرافية" وتأثيره في المدرسة
الفرنسية ذات التوجه البنيوي )كلود بريمون :منطق الحكاية ،جريماس :البنيوية الدللية ،وكلود ليفي ستروس :البنيوية النثروبولوجية ( .ول يستطيع أن ينكر
أي باحث بأن عبقرية بروب وبحوثه العلمية كانت تمهيدا لظهور التركيب السردي وقواعده .
أما فيما يخص الكفاية القابلة للوصف ،فبدل من أن تقام على ساقلة النهر ،فإنها تتأسس وفق عملية التلفظ مسجلين صياغة الشكال الملفوظة القابلة للتعبير عنها
بالكلم ،ويرى مؤلفا المعجم السيميائي بأن الحديث عن الطبيعة المزدوجة للكفاية تعد ضرورة لنجاز تصور جديد ومضبوط للخطاب .
وفي كل الحوال فإن الخطاب يطرح مسألة علقته بالتلفظ وبالتواصل .ولكن المجال السيميائي يهتم بأطره المرجعية مثل اليحاء الجتماعي ونسبته للسياق الثقافي
المعطى المستقل داخل تحليله التركيبي أو الدللي .إن نمطية الخطابات القابلة للتشكل داخل هذا المنظور ستكون إيمائية خالصة ،ومهما كانت التعريفات اليمائية
للخطاب مجردة فإن مشكلة معرفة ماهية الخطاب تبقى مطروحة ،وحتى عندما يحدد الخطاب الدبي بأدبيته) ( Litterariteكما نادى بها الشكلنيون الروس .
فالدب في تصورهم " :نظام من العلمات Signesدليل مماثل للنظم الدللية الخرى ،شأن اللغة الطبيعية والفنون والميثولوجيا ..الخ .ومن جهة أخرى ،وهذا ما
يميزه عن بقية الفنون ،فإنه يبني بمساعدة بنية أي لغة ،إنه ،إذن ،نظام دللي في الدرجة الشانية ،وبعبارة أخرى إنه نظام تعبيري خلق Comrotatifوفي
نفس الوقت ،فإن اللفة تستخدم كمادة لتكوين وحدات النظام الدبي ،والتي تنتمي إذن ،حسب الصطلح اليامسليفى) (Hjelmslsvimeالى صعيد التعبير ،ل
تفقد اللتها الخاصه ،مضمونها ").(28
إن الشكلنية الروسية حددت المعطيات الخاصة التي يمكن أن نسمي بها خطابا ما أنه أدبي .إن رومان جاكبسون هو الذي أعطى لهذه الفكرة صيغتها النهائية حين
قال "إن موضوع العلم الدبي ليس هو الدب ،وانما "الدبية " Litteraritأي ما يجعل من عمل ما عمل أدبيا").(29
لقد عرفت سيميائيات التواصل تقدما فعليا في مجال تحليل الرسالة ،وذلك بتحديد وظائفها الست .على الرغم من الهمال الواضح لموضوع "الدللة " ،الذي وجد
حرصا كبيرا لدى رولن بارت في إبرازها ضمن توجهات سيميائيات الدللة ،إن وصف اللغة بأنها نظام للتواصل يتضمن قدرا كبيرا من النسجام سمح للدراسة
اللسانية بالهتمام بالنموذج الذي رسمه جاكبسون " :الباث _الرسالة _المتلقي _ سنن الرسالة -مرجعيتها( .ذلك لنه مكنها من تجاوز التطبيق اللساني المحصور
عل جملة محدودة من الخصائص التي تشتمل على الظاهرة اللغوية الى القراءة اللسانية للنصوص ومظاهر التعبير الخرى .واذا كان جاكبسون حصر الخطاب بين
مرسل ومرسل اليه إل أن لوتمان أشار الى نموذج آخر من التلقي ل يكون بين الباث والمتلقي ،وانما هناك خطاب يتجل فيه الحوار الداخلي مثلما هو الشأن بالنسبة
الى السيرة الذاتية فيكون بين الباث وذاته ..وهذا ما نلحظه في خطاب طه حسين في مذكراته "اليام ".
إن علم الدللة وهو يصنف أنواعها الى طبيعية وعقلية ووضعية لم تفته الشارة الى مجالت التصال سواء أكانت صوتية أم سيميائية ،ويكون إسهام العرب جليا
في هذا الميدان ولسيما في احتكاكهم بالفلسفة اليونانية منها المشائية والميغارية -الرواتية .ويذهب عادل فاخوري الى الدرس المقارن بين علم الدللة عند العرب
والسيميائيات الحديثة .ويعطي مثل مقارنا بين تقسيمات علم الدللة وتصنيف بيرس المريكي للعلمة).(30
يمتد طموح الدرس السيميائي بوصفه علما يقارب النساق الهلمية الى تخليص حقول المعرفة النسانية من القيود الميتافيزيقية التي تكبلها ،وتعوق أبحاثها من
الوصول الى نتائج تجعل منها علوما ذات سلطان لها مكانتها المرموقة في وسط المعرفة النسانية المعا هوة .وتمكنها من القراءة العلمية الدقيقة لكثير من
الشكاليات المطروحة ،والظواهر النسانية التي لم تتعد إطار التأمل العابر ،والتفسير الفقي الساذج .ولكي يكتسب الدرس السيميائي مشروعية العلم القادر على
فحص البنى العميقة للمادة التي يتناولها ،ويقترب من عمقها والقوانين التي تركبها ،كان لزاما عليه كأي علم أن يحدد منطلقاته المنهجية ومرتكزاته النظرية
ويؤسس مقولته ويمتحن أدواته الجرائية ويستكشف الحدود التي تفصل بينه وبين العلوم الخرى ،أو التي تقربه منها.
يبدو أن التواصل البشري أعقد من أي تواصل آخر ،لن استعمال العلمة في هذا المجال ل تتم كما قال فريدينا ند دي سوسير إل داخل الحياة الجتماعية ،لهذا
يشترط التعاون قصد إيصال الرسالة الى المتلقي ولن يتحقق ذلك أيضا إل بالتواضع المتبادل والتوافق حتى يتسنى لي حوار يقوم بين الباث والمتلقي تقديم أفكار
في شكل شيفرات متواضع عليها .لهذا فإن بعض علماء الدللة انتهوا الى أن "عملية التصال ل تظهر بوضوح في العالم الحيواني ،إل عندما يكون هناك تعاون أو
نشاط اجتماعي ،إن أي اتصال مرتبط في أساسه بالتعاون ...وأن كل حوار اجتماعي مرتبط بالتعاون ").(31
إن التحليل السيميائي للنسق الجتماعي يهدف الى استكشاف نظام العلقات داخل المجتمع وعلى الخصوص علقات الفراد وحاجاتهم لهذا نلقى أن النظمة التي
سادت في المجتمع البشري لها من العلمات والنظمة الرمزية الثقافية ،ما تمكن للسيميائي من تحديد شريحة أو فئة أو طبقة اجتماعية ،ففي التنظيم العشائري
نرى طقوسا وعادات تتجل في جملة من العلمات والرموز ما تتميز به عن نظام اجتماعي آخر في طر اثق الحفلت والعراس والمأتم والعياد وغير ذلك من
المظاهر الثقافية .
إذا كنا قد أشرنا سابقا الى طبيعة التواصل باشكاله المتعددة فإن هناك شيفرات لكل شكل من هذه الشكال التواصلية ،فالتواصل الحيواني له علمات خاصة به منها
ما استكشفه البحث ومنها ما بقي مجهول ،وكذلك الشأن بالنسبة للشيفرات الطبيعية التي تحدد علمات الطبيعة أو إشاراتها ،فيتمكن من تلقي رسالتها ،سواء عن
طريق الدراك الحسي أو العقلي .
فإذا كان الطقس باردا فوق العادة في منطقة يمتاز مناخها بالعتدال يدرك النسان أن مصدر قسوة البرد آتية من سقوط الثلج .أو العكس بالنسبة لشتداد الحرارة
غير العادية والتي تفوق معدلها الفصلي فيدرك بأن مصدرها قد يعود الى وجود حريق .وهذا كله ينتج من وجود علئق قد تكون معقدة بين الشيفرات الطبيعية
والتكوين البيولوجي ،والحساسية الفسيولوجية للنسان .ومهما يكن من أمر تبقى -كما أكدنا آنفا -الشيفرات الجتماعية ،أكثر تعقيدا ،وتتطلب جهدا عمليا ،وذكاء
فطنا لفهم العلمات الجتماعية ومحاولة تفسيرها ،وفهمها فهما عميقا ،فالعلمة كما يعرفها أو لمان هي " نتاج اجتماعي واع يتكون من دال ومدلول يمثلن بوجه
عام شيئا أومفهوما غير العلمة -ذاتها").(32
إن التحليل السيميولوجي يمتد ليشمل جميع النظمة السيميوطيقية سواء تمثلة في العلوم الطبيعية أم الجتماعية أم الثقافية إن هذا العلم كما تنبأ به دي سوسير
وتصوره تشارلز سندرس بيرس يطمح الى أن يكون علما لجميع أنساق العلمات لغوية كانت أو غير لغوية ،وما زال المشروع السيميائي يبحث عن معالم تحدد
أطره المرجعية ،وموضوعاته وممارساته الجرائية وعلقاته بالعلوم الخرى لرسم منهجه ،وتوضيح مقولته بدقة .وهو ما حدا بر ولن بارت في كتاباته
)ميثولوجيات وامبراطورية العلمات عناصر السيميولوجية ( الى إثارة هذه القضايا التي تتعلق بنضج هذا المشروع ،فيقون إن "السيميولوجيا ما تزال بحاجة الى
تصميم ونعتقد أنه ل يمكن أن يوجد أي كتاب وجيز لمنهج التحليل هذا ،وذلك على الكثر بسبب سمته المتسعة )لن السيميولوجيا ستكون علم كل أنساق العلمات (.
وان السيميولوجيا لن تعالج مباشرة إل عندما تصمم هذه النساق على نحو تجريبي" .وأمام هذا التراكم السيميائي وما أحدثه من ثورة حقيقية في مناهج العلوم
بعامة والنسانية بخاصة ،يجد الباحث تنوعا في الطرح وتباينا في التصور ،وتعددا في الممارسة التطبيقية ،تلتبس فيها السيميائيات -في بعض الحالت ~
بالنظرية التأويلية ،ولكن علم العلمات لم يعد حديثا ال بتحديد معالمه وبناء مقولته ،وتبيان أدبياته ،واختبار نظرياته وأدواته الجرائية .وال فإننا نصادف في
تاريخ التفكير الفلسفي على كثير من تصوراته عند الشعوب القديمة التي أسهمت في بناء الحضارة النسانية كالفراعنة والبابليين وال غريق والعرب والمسلمين
والرومان ..الخ ،إن ميلد هذا العلم اقترن بثورة التفكير اللساني المعاصر نتيجة ارتباطه الوثيق بالمنجزات والستكشافات التي حققها العلم الحديث .
تحياتي
المهنــد