You are on page 1of 2

‫د‪ .

‬سعد محمود الكواز*‬


‫سيتم في هذا البحث التطرق الى فقرتين أساسيتين الولى‪ ،‬تطور مفهوم الحكم الراشد والثانية عناصر ومتطلبات الحكم الراشد‪.‬‬

‫أوًل ‪ :‬نشأة وتطور مفهوم الحكم الراشد‪:‬‬


‫يعد الحكم الراشد من أكثر المفاهيم التباسا في أدبيات التنمية‪ ،‬فحتى منتصف عقد التسعينيات من القرن العشرين لم يكن هذا المفهوم منتشرا‪،‬‬
‫اذ كانت أدبيات المم المتحدة تركز على مفهوم التمكين باعتباره احدى الركائز للتنمية البشرية المستدامة ‪ ،‬والذي يعني توفير الوسائل‬
‫والقدرات التي تمكن الفراد من ممارسة الخيارات التي صيغت بالرادة الحرة‪ ،‬والمشاركة في القرارات التي تخص حياتهم على مختلف‬
‫المستويات‪ .‬وان تحقق التمكين يتطلب وجود الديمقراطية والحرية القتصادية والسلطة اللمركزية ومشاركة جميع الفراد والمؤسسات غير‬
‫الحكومية في صنع القرار وتنفيذ خطط التنمية ‪.‬‬
‫وقد شاع استخدام مجموعة من المصطلحات وهي المشاركة‪ ،‬التمكين‪ ،‬الديمقراطية‪ ،‬الشفافية‪ ،‬المساءلة‪ ،‬اللمركزية‪ ،‬الدارة الصالحة‪،‬‬
‫الحاكمية وغيرها ‪.‬‬
‫وفي نهاية عقد التسعينيات من القرن العشرين تم التحول الى الستخدام المكثف لمفهوم الحاكمية من بين المصطلحات التي ذكرت اعله والتي‬
‫تعني الحكم الصالح أو الراشد باعتباره معبرا عن حسن الدارة وجدية اسلوب الحكم في التعامل مع المجتمع وافراده على أساس الحوار بين‬
‫الحاكم والمحكوم ‪ ،‬ووجود أدوات المراقبة والمحاسبة وآليات فعالة وسليمة لتخاذ القرارات التي تؤثر في حياة الفراد ‪ ،‬كما يعني إدارة‬
‫المرافق العامة والموارد الطبيعية وفقًا لحكام القانون وبما يضمن نموها المستدام ويراعي حقوق الفراد والمصلحة العامة بحيث يتم تحقيق‬
‫هذه المور بطريقة خالية من سوء المعاملة أو الفساد الداري ‪ ،‬وتعد مراعاته لحقوق النسان المدنية والثقافية والقتصادية والسياسية‬
‫والجتماعية بمثابة المتحان الحقيقي لنزاهته في أية دولة من الدول وحرصه على توفير الخدمات الجتماعية والحاجات الساسية ومنها‪،‬‬
‫السكن الملئم‪ ،‬المن الغذائي‪ ،‬جودة التعليم الستقرار المني‪ ،‬التأمين الصحي‪ ،‬العدالة والمساواة وغيرها‪.‬‬
‫ان الحكم الراشد السليم هو حكم المؤسسات وحكم القوانين الضامن لحقوق النسان وحقوق الجيال القادمة‪ ،‬فضل عن ضمان انتقال الموارد‬
‫والثروات الطبيعية التي يستفيد منها الجيل الحالي لبلد معين الى الجيال القادمة في ذلك البلد‪.‬‬
‫وهناك من يعرف الحكم الراشد ويقيسه بمدى نوعية اسلوب التنظيم والدارة الذي يعني التقاليد والمؤسسات التي تحدد كيفية ممارسة السلطة‬
‫في اي بلد معين وهذا يشمل ما يأتي‪:‬‬
‫‪ -‬العملية التي تختار بواسطتها الحكومات وتسأل وتراقب وتستبدل ‪.‬‬
‫‪ -‬قدرة الحكومات على ادارة الموارد بكفاءة عالية‪.‬‬
‫‪ -‬احترام الفراد والدولة للمؤسسات التي تحكم المعاملت القتصادية والجتماعية المتبادلة بينهم‪.‬‬
‫أما خصائص الحكم الراشد فإنه يرتكز على القواعد التية‪:‬‬
‫‪-‬إنقاذ حقوق الملكية بالنسبة لقطاع واسع من المجتمع ليصبح لدى تشكيلة متنوعة من الفراد‪.‬‬
‫‪ -‬حافز على الستثمار والمشاركة في الحياة القتصادية ‪.‬‬
‫‪ -‬وجود قيود على أعمال النخبة والسياسيين وغيرهم من الجماعات القوية بحيث ل يستطيع هؤلء الفراد انتزاع دخول الخرين أو ايجاد‬
‫التوزيع اللمتكافئ في الدخول ‪.‬‬
‫‪ -‬وجود قدر ما من تساوي الفرص بالنسبة لفراد المجتمع‪ ،‬بحيث يستطيعون القيام بالستثمارات خاصة في رأس المال البشري للمشاركة في‬
‫النشاط القتصادي المنتج ‪.‬‬
‫‪ -‬القيادة بالمشاركة ‪.‬‬
‫‪ -‬ادارة شفافة ‪.‬‬
‫‪ -‬شرعي ومقبول من الفراد‬
‫‪ -‬يشجع على العدالة والمساواة‬
‫‪ -‬قادر على تطوير الموارد القتصادية والبشرية والستخدام المثل لها ‪.‬‬
‫‪ -‬متسامح ويقبل الراء المخالفة ‪.‬‬
‫‪ -‬قادر على تعبئة الموارد لتحقيق أهداف اجتماعية‬
‫‪ -‬يتطابق مع القانون ‪.‬‬
‫‪ -‬يخلق ويحفز الحترام والثقة المتبادلة ‪.‬‬
‫‪ -‬قادر على تحديد حلول وطنية والتكفل بها ‪.‬‬
‫‪ -‬يضبط أكثر مما يراقب ‪.‬‬
‫‪ -‬قادر على معالجة المسائل المؤقتة ‪.‬‬
‫‪ -‬يوجه نحو الخدمة وروح تحمل المسؤولية ‪.‬‬
‫‪ -‬وغيرها ‪.‬‬
‫ويمكن القول إن الحكم الراشد هو من اهم أسباب تحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات الحديثة ‪ ،‬كما يمثل في المجال القتصادي الكفاءة في‬
‫استغلل الطاقات وحسن استخدام وتخصيص الموارد القتصادية والعقلنية في توجيه الموارد البشرية ‪ ،‬ال ان تكريس هذا الحكم لن يتأتى في‬
‫المجتمعات التي تنتشر فيها مظاهر الفساد الداري كالرشوة والختلس وغيرها ولبد من وجود التربية الخلقية الصحيحة ‪ ،‬وضرورة احياء‬
‫الوازع الديني والتربوي لدى الفراد والعودة الى الديان السماوية في مكافحة الفساد وتوفير الحاجات الساسية لفراد المجتمع وحسن أختيار‬
‫من يتولى المسؤوليات في مختلف المستويات وتفعيل دور هيئات الرقابة والمحاسبة في المجتمع‪.‬‬
‫وينطلق تعريف الحكم الراشد من المشاركة للفراد والجماعات في المجتمع مع الحكومة المركزية والحكومات المحلية في النشطة‬
‫والصلحيات المختلفة بحيث اذا ما اجتمعت بشكل صحيح اقترن اجتماعها ووجودها مع ممارسات السلطة باحترام حقوق النسان وتقديم‬
‫المصلحة العامة على المصلحة الخاصة‪.‬‬
‫واشتمل الدين السلمي الحنيف على فيض من اليات الكريمة والحاديث النبوية الشريفة التي تعكس بشكل مباشر وغير مباشر دللت‬
‫الستدامة بأبعادها المختلفة ومن هذه الدللت‪:‬‬
‫‪ -‬محدودية الموارد القتصادية‪.‬‬
‫‪ -‬ضرورة المحافظة على الموارد والحيلولة دون فسادها واستنزافها لنها محدودة وقابلة للنفاد‪ ،‬وهذا واجب اساس في الدين السلمي وذلك‬
‫مصداقا لقوله تعالى ‪ :‬ول تفسدوا في الرض بعد اصلحها )العراف ‪ -‬الية ‪ (56‬وقوله تعالى‪ :‬ول تبغ الفساد في الرض ان ال ل يحب‬
‫المفسدين )القصص ‪ -‬الية ‪.(77‬‬
‫ثانيًا ‪ :‬عناصر ومتطلبات الحكم الراشد‪:‬‬
‫لتطبيق الحكم الراشد يشترط توافر العناصر والمتطلبات التية‪:‬‬
‫‪ -‬الشفافية تعد أساسا للمساءلة والمحاسبة والحد من الفساد وهي حق الفراد في معرفة ما يحدث والكشف عن المعلومات حول أداء موظفي‬
‫الحكومة وأجهزتها‪ ،‬وحقوق الفراد والواجبات والقوانين والحكام المفترض بهم مراعاتها ويجب أن يبقى الفرد على علم بالقرارات التي‬
‫تصدرها الدولة ومبرراتها‪.‬‬
‫‪ -‬الديمقراطية ‪ :‬تمثل ممارسة الحكم بأسم غالبية الشعب وبالقتراع العام وتهدف الى إدخال الحرية ‪ ،‬وهي حكم الكثرية المنتخبة ‪ ،‬وفي حالة‬
‫غياب الديمقراطية يسود الحكم المطلق المتمثل بالدكتاتورية والستبداد ‪.‬‬
‫‪ -‬اللمركزية ‪ :‬تمثل نقل المهام من السلطة المركزية الى سلطات المجالس المحلية المنتخبة لتحسين الداء وتأمين الديمقراطية عند اتخاذ‬
‫القرارات وتنفيذ الحكام ‪.‬‬
‫‪ -‬حكم القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء واللتزام به دون تقديم المصالح الخاصة على العامة ‪.‬‬
‫‪ -‬ضبط الفساد ومحاربته ‪ :‬إن الفساد الداري والمالي مضر لكل من الفراد والمجتمع ول بد من محاربته للتخفيض من آثاره السلبية ‪ ،‬وهناك‬
‫أربعة عناصر له وهي ‪ ،‬الفساد بين المسؤولين الحكوميين وانتشار الفساد في العمال التجارية وتقديم أموال غير قانونية الى الموظفين‬
‫والقضاة ‪ ،‬ومدى انتشاره في سلك الخدمة المدنية ‪.‬‬
‫‪ -‬المساءلة مبنية على حق الشعب بمحاسبة السلطة بمستوياتها المختلفة حول كيفية استخدامها للسلطة ولموارد الشعب ولبد من ضمان‬
‫شرطين اساسيين لتوفير بيئة صالحة للمساءلة وهما الشفافية‪ :‬اي الوصول التام الى المعلومات والتنافسية اي القدرة على الختيار بين بدائل‬
‫متعددة فضل عن القدرة على المراجعة والتصويب ‪.‬‬
‫‪ -‬الستقرار السياسي والقتصادي‬
‫‪ -‬الستخدام الرشيد والعقلني للموارد القتصادية والبشرية ‪.‬‬
‫‪ -‬العدالة وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع‪.‬‬
‫‪ -‬القتصاد المنظم والقتصاد الخفي ‪ :‬أما القتصاد المنظم فيشمل مجموعة النشطة المسجلة في الحسابات القومية والناتج القومي الجمالي‬
‫والتي يكشف عنها أصحابها للدولة ‪ ،‬في حين يمثل القتصاد الخفي ذلك الجزء من القتصاد الذي يكون مخفيا على نحو متعمد من قبل الفراد‬
‫تجاه الدولة وذلك لتجنب الضرائب والنظمة والقوانين‪ ،‬ويشمل النشطة المشروعة وهي )المشروعات الحرفية غير المرخصة ‪ ،‬دخول‬
‫أصحاب الحرف غير المكشوفة لمحصل الضريبة وغيرها( كما يشمل النشطة غير المشروعة والمحظورة وهي )تجارة المخدرات ‪ ،‬تزوير‬
‫العملة ‪ ،‬توزيع السلع المهربة ‪ ،‬الموال المحتكرة ‪ ،‬استخدام المال العام السرقة بكل أنواعها وغيرها( ‪ .‬ومن الجدير بالذكر القول انه في الحكم‬
‫الراشد يتم التجاه نحو القتصاد المنظم والبتعاد عن القتصاد الخفي ببعديه المشروع وغير المشروع ‪.‬‬
‫‪ -‬تمكين المرأة ‪ :‬اي المشاركة الفاعلة للمرأة في الحياة السياسية والقتصادية للمجتمع ‪ ،‬وكذلك توفير المكانيات المتاحة لها لشغال‬
‫المناصب في مراكز صنع القرار سواء كان في البرلمان أو الدارات العامة للدولة‪.‬‬
‫* استاذ مساعد ‪ -‬كلية الدارة والقتصاد ‪ -‬جامعة الموصل‬

You might also like