سيتم في هذا البحث التطرق الى فقرتين أساسيتين الولى ،تطور مفهوم الحكم الراشد والثانية عناصر ومتطلبات الحكم الراشد.
أوًل :نشأة وتطور مفهوم الحكم الراشد:
يعد الحكم الراشد من أكثر المفاهيم التباسا في أدبيات التنمية ،فحتى منتصف عقد التسعينيات من القرن العشرين لم يكن هذا المفهوم منتشرا، اذ كانت أدبيات المم المتحدة تركز على مفهوم التمكين باعتباره احدى الركائز للتنمية البشرية المستدامة ،والذي يعني توفير الوسائل والقدرات التي تمكن الفراد من ممارسة الخيارات التي صيغت بالرادة الحرة ،والمشاركة في القرارات التي تخص حياتهم على مختلف المستويات .وان تحقق التمكين يتطلب وجود الديمقراطية والحرية القتصادية والسلطة اللمركزية ومشاركة جميع الفراد والمؤسسات غير الحكومية في صنع القرار وتنفيذ خطط التنمية . وقد شاع استخدام مجموعة من المصطلحات وهي المشاركة ،التمكين ،الديمقراطية ،الشفافية ،المساءلة ،اللمركزية ،الدارة الصالحة، الحاكمية وغيرها . وفي نهاية عقد التسعينيات من القرن العشرين تم التحول الى الستخدام المكثف لمفهوم الحاكمية من بين المصطلحات التي ذكرت اعله والتي تعني الحكم الصالح أو الراشد باعتباره معبرا عن حسن الدارة وجدية اسلوب الحكم في التعامل مع المجتمع وافراده على أساس الحوار بين الحاكم والمحكوم ،ووجود أدوات المراقبة والمحاسبة وآليات فعالة وسليمة لتخاذ القرارات التي تؤثر في حياة الفراد ،كما يعني إدارة المرافق العامة والموارد الطبيعية وفقًا لحكام القانون وبما يضمن نموها المستدام ويراعي حقوق الفراد والمصلحة العامة بحيث يتم تحقيق هذه المور بطريقة خالية من سوء المعاملة أو الفساد الداري ،وتعد مراعاته لحقوق النسان المدنية والثقافية والقتصادية والسياسية والجتماعية بمثابة المتحان الحقيقي لنزاهته في أية دولة من الدول وحرصه على توفير الخدمات الجتماعية والحاجات الساسية ومنها، السكن الملئم ،المن الغذائي ،جودة التعليم الستقرار المني ،التأمين الصحي ،العدالة والمساواة وغيرها. ان الحكم الراشد السليم هو حكم المؤسسات وحكم القوانين الضامن لحقوق النسان وحقوق الجيال القادمة ،فضل عن ضمان انتقال الموارد والثروات الطبيعية التي يستفيد منها الجيل الحالي لبلد معين الى الجيال القادمة في ذلك البلد. وهناك من يعرف الحكم الراشد ويقيسه بمدى نوعية اسلوب التنظيم والدارة الذي يعني التقاليد والمؤسسات التي تحدد كيفية ممارسة السلطة في اي بلد معين وهذا يشمل ما يأتي: -العملية التي تختار بواسطتها الحكومات وتسأل وتراقب وتستبدل . -قدرة الحكومات على ادارة الموارد بكفاءة عالية. -احترام الفراد والدولة للمؤسسات التي تحكم المعاملت القتصادية والجتماعية المتبادلة بينهم. أما خصائص الحكم الراشد فإنه يرتكز على القواعد التية: -إنقاذ حقوق الملكية بالنسبة لقطاع واسع من المجتمع ليصبح لدى تشكيلة متنوعة من الفراد. -حافز على الستثمار والمشاركة في الحياة القتصادية . -وجود قيود على أعمال النخبة والسياسيين وغيرهم من الجماعات القوية بحيث ل يستطيع هؤلء الفراد انتزاع دخول الخرين أو ايجاد التوزيع اللمتكافئ في الدخول . -وجود قدر ما من تساوي الفرص بالنسبة لفراد المجتمع ،بحيث يستطيعون القيام بالستثمارات خاصة في رأس المال البشري للمشاركة في النشاط القتصادي المنتج . -القيادة بالمشاركة . -ادارة شفافة . -شرعي ومقبول من الفراد -يشجع على العدالة والمساواة -قادر على تطوير الموارد القتصادية والبشرية والستخدام المثل لها . -متسامح ويقبل الراء المخالفة . -قادر على تعبئة الموارد لتحقيق أهداف اجتماعية -يتطابق مع القانون . -يخلق ويحفز الحترام والثقة المتبادلة . -قادر على تحديد حلول وطنية والتكفل بها . -يضبط أكثر مما يراقب . -قادر على معالجة المسائل المؤقتة . -يوجه نحو الخدمة وروح تحمل المسؤولية . -وغيرها . ويمكن القول إن الحكم الراشد هو من اهم أسباب تحقيق التنمية المستدامة في المجتمعات الحديثة ،كما يمثل في المجال القتصادي الكفاءة في استغلل الطاقات وحسن استخدام وتخصيص الموارد القتصادية والعقلنية في توجيه الموارد البشرية ،ال ان تكريس هذا الحكم لن يتأتى في المجتمعات التي تنتشر فيها مظاهر الفساد الداري كالرشوة والختلس وغيرها ولبد من وجود التربية الخلقية الصحيحة ،وضرورة احياء الوازع الديني والتربوي لدى الفراد والعودة الى الديان السماوية في مكافحة الفساد وتوفير الحاجات الساسية لفراد المجتمع وحسن أختيار من يتولى المسؤوليات في مختلف المستويات وتفعيل دور هيئات الرقابة والمحاسبة في المجتمع. وينطلق تعريف الحكم الراشد من المشاركة للفراد والجماعات في المجتمع مع الحكومة المركزية والحكومات المحلية في النشطة والصلحيات المختلفة بحيث اذا ما اجتمعت بشكل صحيح اقترن اجتماعها ووجودها مع ممارسات السلطة باحترام حقوق النسان وتقديم المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. واشتمل الدين السلمي الحنيف على فيض من اليات الكريمة والحاديث النبوية الشريفة التي تعكس بشكل مباشر وغير مباشر دللت الستدامة بأبعادها المختلفة ومن هذه الدللت: -محدودية الموارد القتصادية. -ضرورة المحافظة على الموارد والحيلولة دون فسادها واستنزافها لنها محدودة وقابلة للنفاد ،وهذا واجب اساس في الدين السلمي وذلك مصداقا لقوله تعالى :ول تفسدوا في الرض بعد اصلحها )العراف -الية (56وقوله تعالى :ول تبغ الفساد في الرض ان ال ل يحب المفسدين )القصص -الية .(77 ثانيًا :عناصر ومتطلبات الحكم الراشد: لتطبيق الحكم الراشد يشترط توافر العناصر والمتطلبات التية: -الشفافية تعد أساسا للمساءلة والمحاسبة والحد من الفساد وهي حق الفراد في معرفة ما يحدث والكشف عن المعلومات حول أداء موظفي الحكومة وأجهزتها ،وحقوق الفراد والواجبات والقوانين والحكام المفترض بهم مراعاتها ويجب أن يبقى الفرد على علم بالقرارات التي تصدرها الدولة ومبرراتها. -الديمقراطية :تمثل ممارسة الحكم بأسم غالبية الشعب وبالقتراع العام وتهدف الى إدخال الحرية ،وهي حكم الكثرية المنتخبة ،وفي حالة غياب الديمقراطية يسود الحكم المطلق المتمثل بالدكتاتورية والستبداد . -اللمركزية :تمثل نقل المهام من السلطة المركزية الى سلطات المجالس المحلية المنتخبة لتحسين الداء وتأمين الديمقراطية عند اتخاذ القرارات وتنفيذ الحكام . -حكم القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء واللتزام به دون تقديم المصالح الخاصة على العامة . -ضبط الفساد ومحاربته :إن الفساد الداري والمالي مضر لكل من الفراد والمجتمع ول بد من محاربته للتخفيض من آثاره السلبية ،وهناك أربعة عناصر له وهي ،الفساد بين المسؤولين الحكوميين وانتشار الفساد في العمال التجارية وتقديم أموال غير قانونية الى الموظفين والقضاة ،ومدى انتشاره في سلك الخدمة المدنية . -المساءلة مبنية على حق الشعب بمحاسبة السلطة بمستوياتها المختلفة حول كيفية استخدامها للسلطة ولموارد الشعب ولبد من ضمان شرطين اساسيين لتوفير بيئة صالحة للمساءلة وهما الشفافية :اي الوصول التام الى المعلومات والتنافسية اي القدرة على الختيار بين بدائل متعددة فضل عن القدرة على المراجعة والتصويب . -الستقرار السياسي والقتصادي -الستخدام الرشيد والعقلني للموارد القتصادية والبشرية . -العدالة وتكافؤ الفرص بين أفراد المجتمع. -القتصاد المنظم والقتصاد الخفي :أما القتصاد المنظم فيشمل مجموعة النشطة المسجلة في الحسابات القومية والناتج القومي الجمالي والتي يكشف عنها أصحابها للدولة ،في حين يمثل القتصاد الخفي ذلك الجزء من القتصاد الذي يكون مخفيا على نحو متعمد من قبل الفراد تجاه الدولة وذلك لتجنب الضرائب والنظمة والقوانين ،ويشمل النشطة المشروعة وهي )المشروعات الحرفية غير المرخصة ،دخول أصحاب الحرف غير المكشوفة لمحصل الضريبة وغيرها( كما يشمل النشطة غير المشروعة والمحظورة وهي )تجارة المخدرات ،تزوير العملة ،توزيع السلع المهربة ،الموال المحتكرة ،استخدام المال العام السرقة بكل أنواعها وغيرها( .ومن الجدير بالذكر القول انه في الحكم الراشد يتم التجاه نحو القتصاد المنظم والبتعاد عن القتصاد الخفي ببعديه المشروع وغير المشروع . -تمكين المرأة :اي المشاركة الفاعلة للمرأة في الحياة السياسية والقتصادية للمجتمع ،وكذلك توفير المكانيات المتاحة لها لشغال المناصب في مراكز صنع القرار سواء كان في البرلمان أو الدارات العامة للدولة. * استاذ مساعد -كلية الدارة والقتصاد -جامعة الموصل