You are on page 1of 143

‫‪Ist .

‬‬ ‫الطبعة الولى‬
‫‪Print‬‬
‫‪MaY‬‬ ‫مايو ‪1992‬‬
‫‪1992‬‬
‫القاهرة‬
‫‪Cairo‬‬

‫الكتاب ‪ :‬النسان الروحى ‪0‬‬


‫المؤلف ‪ :‬قداسة البابا المعظم النبا شنوده الثالث ‪0‬‬
‫الناشر ‪ :‬الكلية الكليريكية للقباط الرثوذكس ‪0‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولى ـ مايو ‪1992‬‬
‫المطبعة ‪ :‬النبا رويس الوفست ـ العباسية ـ القاهرة‬
‫‪0‬‬
‫محاضرات كثيرة متفرقة ‪ ،‬ألقيناها فــى الكاتدرائيــة الكــبرى ‪ ،‬و فــى‬
‫القاعة المرقسية بدير النبا رويــس ‪ ،‬وفــى الســكندرية ‪ 000‬ولكنهــا‬
‫بقيت كذلك متفرقة و متنوعة ‪ ،‬ل يجمعها موضوع واحد ‪0‬‬
‫ثم أنتقينا من تلك من تلك المحاضرات العديدة حوالى العشرين‬
‫ليتألف منها هذا الكتاب ‪ ،‬تحت عنوان ] النسان الروحى [‬
‫وربما موضوع ) النسان الروحى ( قد يشمل الحياة كلها ‪ 0‬فيشمل‬
‫كل ما نلقيه من محاضرات روحية ‪ 0‬ولكننا أردنا فى هذا الكتاب أن‬
‫نحدثك عن أساسيات تضم فى داخلها تفاصيل كثيرة ‪00‬‬
‫وكل بند من هذه التفاصيل ‪ ،‬وقد يحتاج إلى كتاب خاص ‪0‬‬
‫وهناك موضوعات أخرى تتعلق بالنسان الروحى أصدرنا لك بهــا كتبــا‬
‫من قبل ‪ ،‬مثل حياة اليمان وحياة الشكر ‪ ،‬و الرجــاء ‪ ،‬و الوجــود مــع‬
‫اللــه ‪ ، ،‬و حيــاة التوبــة و النقــاوة ‪ ،‬والبقظــة الروحيــة ‪ ،‬و الســهر‬
‫الروحى ‪ ،‬الغيرة المقدسة ‪ 00‬الخ ‪0‬‬
‫وموضوعات أخرى فى صفات النسان الروحى ‪ ،‬سأحاول أن أصدر‬
‫عنها كتبا فى هذا العام إن شاء الله مثل المحبة ‪ ،‬وثمار الروح ‪،‬‬
‫ومخافة الله ‪ ،‬و التواضع ‪ ،‬و الوداعة ‪00‬‬
‫وكذلك ]الوسائط الروحية [ التى ينبغى أن يسلك فيها كل إنسان‬
‫روحى ‪00‬‬
‫وموضوعات أخرى قد تصدر فى جزء الثانى لهذا الكتاب ‪0‬‬
‫لكننى أردت فى هذا الكتاب أن أتحدث عن الساسيات ‪ ،‬أو بوجه أصح‬
‫‪ :‬عن بعض الساسيات ‪ ،‬تاركا ما سبق أن نشرنا عنه من قبل ‪00‬‬
‫والكتاب الذى بين يديك هو ثمرة محاضرات ‪ ،‬ألقينا بعضها فى‬
‫الستينات ‪ ،‬و البعض فى و الثمانينات‬
‫وقد شاء الله لها أن تجتمع معا من عبر السنين ‪ 0‬و نشرناها قبل ‪،‬‬
‫فى مقالت اسبوعية متتابعة فى جريجة ) وطنى( ‪ 0‬ثم جمعناها فى‬
‫هذا الكتاب ‪0‬‬
‫وهى تنشر هنا بأسلوب مختصر ‪ 0‬وربما بعض هذه الموضوعات نعيد‬
‫نشرها فى كتاب خاص ‪ ،‬أو فى كتيب صغير أتركك الن أيها القارئ‬
‫العزيز بين صفحات هذا ‪0‬‬
‫وأود فى قراءتك لكل موضوع ‪ ،‬أن تحفظ بعضا من اليات الكتابية المذكورة فيه ‪،‬‬
‫لكى تشكل مبادئ روحية ترسخ فى نفسك ‪0‬‬
‫وهذه اليات تذكرك بالمعلومات الخاصة بها ‪ ،‬وتمثل مبادئ روحية‬
‫تسير بمقضاها فى حياتك ‪ 00‬و ستجد آيات كثيرة جدا فى كل‬
‫موضوع ‪ 0‬اختر منها ما يتحرك به قلبك ‪ ،‬وما يسهل عليك حفظه ‪ 0‬و‬
‫خذه مجال للتأمل ‪00‬‬
‫وإلى اللقاء فى الجزء الثانى ‪ ،‬إن أحبت نعمة الرب ‪0‬‬
‫وأرجو أن تصلى لكى يعطينى الرب وقتا ‪0‬‬
‫كن بخير ‪ ،‬معافى فى الرب ‪00‬‬
‫البابا شنوده الثالث‬
‫لعل هذا السؤال يوجه إلى إنسان ‪ :‬من أنت ؟ وما هو النسان‬
‫ويجيب البعض ‪ :‬النسان جسد وروح ونفس ‪0‬‬
‫ويجيب آخر ‪ :‬إن إنسان كائن حى عاقل ناطق حر مريد ‪ 0‬ويقول‬
‫البعض بشعور من التضاع إن النسان تراب ورماد ‪ ،‬كما قال عن‬
‫نفسه أبو الباء ابراهيم ) تك ‪0 ( 27 : 18‬‬
‫كل هذا يقال عن أى إنسان ‪ 0‬فما هى أدق اجابة نقــول فــى تعريــف‬
‫النسان الروحى حسب الكتاب ‪:‬‬

‫فهكذا قال الرب الله فى قصة خلق النسان ‪ " :‬نعمل النسان على‬
‫صورتنا كشبهنا ‪ ،‬فخلق الله النسان على صورته ‪ ،‬على صورة الله‬
‫خلقه " ) تك ‪0 ( 27 ، 26 : 1‬‬
‫***‬
‫ولعل النسان فى صورته ‪ ،‬هو ما كان يبحث عنه ديوجين‬
‫الفيلسوف ‪ ،‬أو هو ما يقصده المفكرون بعبارة "سوبرمان " ‪Super‬‬
‫‪Man‬‬
‫وطبعا ليس المقصود بالصورة اللهية ‪ ،‬أن النسان يشابه الله فى‬
‫صفاته اللهية ‪ ،‬مثل الزلية ‪ ،‬وعدم المحدودية ‪ ،‬و القدرة على الخلق‬
‫!! حاشا أن يكون هذا ! إنما المقصود هو الصفات النسبية مثل ‪:‬‬

‫النسان الروحى قبل السقوط كان بريئا بسيطا ‪ ،‬ل يعرف الخطية‬
‫على الطلق أعنى أبوينا آدم و حواء قبل السقوط ‪ ،‬حينما كانا‬
‫عريانين ول يخجلن ) تك ‪ 0 ( 25 : 2‬لم يكونا قد أكل بعد من شجرة‬
‫معرفة الخير و الشر ‪ 0‬لذلك ما كانا يعرفان الشر ‪ 0‬كانا كالطفال‬
‫البرياء الذين أحبهم المسيح ‪ ،‬و قال " إن لم ترجعوا وتصيروا مثل‬
‫الطفال ‪،‬فلن تدخلوا ملكوت السموات " ) مت ‪0 ( 3 : 18‬‬
‫الحية خدعت أمنا حواء وكذبت عليها ‪ 0‬وأمنا حواء لم تشك فى كلم‬
‫لنها لم تكن تعرف شيئا اسمة الكذب أو الخداع أو الشك ‪ 0‬هذه‬
‫ألفاظ لم تكن موجودة فى قاموسها الفكرى فى ذلك الوقت ‪0‬‬
‫***‬
‫حقا ما أجمل تلك الوقات التى كان فيها آدم وحواء قديسين قبل‬
‫السقوط ‪ 0‬ولكن الذى حدث هو أنه بالخطية هو أنه بالخطية فقد‬
‫النسان قداسته ‪ ،‬و بالتالى فقد صورته اللهية ‪0‬‬
‫وأصبح النسان أسير ثنائية عجيبة تلزمه ‪ ،‬هى الخير و الشر ‪،‬‬
‫الحلل و الحرام ‪ ،‬وما يتبع ذلك من الحياة و الموت ‪ 0‬و هكذا قال له‬
‫الله " هوذا قد جعلت اليوم أمامك ‪ :‬الحياة و الخير ‪ ،‬و الموت و الشر‬
‫‪ 00‬البركة و اللعنة ‪ 0‬فاختر الحياة لكى تحيا " ) تث ‪( 19 ، 15 : 30‬‬
‫‪0‬‬
‫وإذ فقد النسان صورته اللهية بفقدان القداسة ‪ ،‬فقد النقاوة و‬
‫البساطة ‪،‬بل فقد معرفة هذه الصورة اللهية أيضا ً ‪000‬‬
‫وجاء السيد المسيح " صورة الله غير المنظور ) كو ‪ ، ( 15 : 1‬فأعاد إلينا بتجسده‬
‫صورة الله حتى نحاكيها ‪00‬‬
‫***‬

‫فكيف يصل النسان الروحى إلى هذه الصورة ؟‬


‫يقول القديس يوحنا الحبيب ينبغى " أنه كما سلك ذاك ‪ ،‬هكذا يسلك‬
‫هو أيضا ً " )‪1‬يو ‪ 0 ( 6 : 2‬وبهذا اختار الله قديسية " ليكونوا‬
‫مشابهين صورة ابنه " ) رو ‪ 0 ( 29 : 8‬وإذا سلك البشر هكذا على‬
‫الرض ‪ ،‬فإن سيدنا المسيح ـ فى القيامة العامة ـ سيغير جسد‬
‫تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده " ) فى ‪0 ( 21 : 3‬‬
‫***‬
‫ومن جهة الرجوع إلى صورة الله فى القداسة ‪ ،‬يقول السيد الرب "‬
‫تكونون قديسين لنى أنا قدوس " )ل ‪ 0 ( 45 : 11‬وكرر الرب هذا‬
‫العبارة فى ) ل ‪ 0 ( 26 : 20‬و اقتبسها القديس بطرس الرسول‬
‫حينما قال ‪:‬‬
‫ً‬
‫"نظير القدوس الذى دعاكم ‪ ،‬كونوا أنتم أيضا قديسين فى كل سيرة ‪1) " 00‬بط‬
‫‪( 15 : 1‬‬
‫واضاف " كونوا قديسين لنى أنا قدوس " ) ابط ‪ ( 16 : 1‬أى أرجعوا‬
‫إلى صورتكم اللهية ‪ 00‬وبهذه القداسة نستحق التناول من السرار‬
‫اللهية ‪ 00‬و هكذا يقال " القدسات للقديسين " ونسمى القداس‬
‫الذى يتناول فيه الشعب " قداس القديسين " ‪ 00‬بالقداسة يستعد‬
‫المؤمنون للتناول ‪ 0‬أيضا ً‬
‫يتقدسون ‪ 0‬وما أجمل العبارة التى قالها صموئيل النبي لبيت يسى‬
‫يوم اختياره داود ملكا ‪ 0‬قال " تقدسوا و تعالوا معى إلى الذبيحة " "‬
‫‪1‬صم ‪ 0 ( 4 : 16‬وهنا نسال ‪:‬‬
‫***‬

‫*إنه قديس ‪ ،‬لنه خلق على صورة الله و مثاله ‪0‬‬


‫*وهو قديس ‪ ،‬لنه هيكل للروح القدس ‪ ،‬وروح الله ساكن فيه ) ‪1‬كو‬
‫‪ 0 ( 16 : 3‬ول يمكن أن يسكن روح الله فى الهيكل نجس ‪ ،‬اذ يقول‬
‫المرتل فى المزمور " ببيتك تليق القداسة يا رب "‬
‫) مز ‪( 5 : 93‬‬
‫*و المفروض فى النسان الروحى أن يكون قديسا كابن لله ‪ 0‬و‬
‫الكتاب يقول " المولود منت الله ل يخطئ ‪ 00‬و الشرير ل يمسه " )‬
‫‪1‬يو ‪ " 0 0 ( 18 : 5‬ول يستطيع أن يخطئ ‪ ،‬لنه مولود من الله " )‬
‫‪1‬يو ‪0 ( 9 : 3‬‬
‫*والنسان الروحى قديس بفعل السرار اللهية ‪0‬‬
‫العاملة فيه ‪ 0‬قديس بسر المعمودية الذى صلب فيه النسان العتيق‬
‫) رو ‪ 0 ( 6 : 6‬و غسل من خطاياه ) أع ‪ 0 ( 16 : 22‬بغسل الميلد‬
‫الثانى و تجديد الروح القدس ) تى ‪ 0 ( 5 : 3‬وهو قديس بسر التوبة‬
‫الذى تغفر فيه خطاياه ‪ ،‬وبسر الفخارستيا الذى به يثبت فى‬
‫المسيح ‪ ،‬و يثبت المسيح فيه ) يو ‪0 ( 56 : 6‬‬
‫***‬
‫*وهو قديس ‪ ،‬لنه عضو فى جسد المسيح ‪0‬‬
‫)‪1‬كو ‪ ( 15 : 6‬وجسد المسيح مقدس هو ‪ 0‬فما دام عضوا فيه ‪ ،‬لبد‬
‫أن يكون قديسا ً ‪ 0‬لنه أية شركة للنور مع الظلمة ؟! وأية خلطة للبر‬
‫مع الثم ؟! )‪2‬كو ‪0 ( 14 :6‬‬
‫وهكذا كان المؤمنون يدعون قديسين فى الكنيسة فى أيام الرسل ‪0‬‬
‫وقد تكررت عبارة " الكدعوين قديسين " فى رسائل القديس‬
‫بولس ‪ ،‬كما فى )رو ‪1) ( 7: 1‬كو ‪ ) (2: 1‬أف ‪ ) ( 4: 1‬كو ‪( 22: 1‬‬
‫ويقول فى سالته إلى فيلبى ‪ " :‬سلموا على كل قديس فى المسيح‬
‫يسوع " ) فى ‪0 ( 21 : 4‬‬
‫***‬

‫و المقصود طبعا ً الكمال النسبى ‪ ،‬نسبة لما يستطيع النسان‬


‫الروحى فى جهاده أن يصل إليه ‪ ،‬حسب إمكانية و مقدار عمل‬
‫النعمة فيه ‪ 0‬أما الكمال المطلق فهو لله وحده ‪ 0‬وهكذا قيل عن‬
‫ايوب الصديق أنه " رجل كامل ومستقيم " ) أى ‪ ( 8 : 1‬وقيل " كان‬
‫نوح رجل بارا كاملا " ) تك ‪ 0 ( 9 : 6‬وقال الله لبينا ابراهيم " سر‬
‫أمامى وكن كامل ً " " تك ‪ 0 ( 1 : 17‬وقال الرب فى العظة على‬
‫الجبل‬
‫" كونوا كاملين ‪ ،‬كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل " ) مت ‪0 ( 48 : 5‬‬
‫و السيد المسيح كان كامل ً فى كل مرحلة من مراحل السن ‪ ،‬اثناء‬
‫تجسده على الرض ‪ 0‬و هكذا أظهر لنا كيف نكون فى الصور اللهية‬
‫فى كل فترة من فترات السن ‪ :‬فى الطفولة و الصبوة و الشباب و‬
‫الرجولة ‪ 0‬علينا إذن أن نسعى باستمرار نحو الكمال ‪ ،‬لكى نكون‬
‫صورة اللهو نحقق وصيته لنا ‪00‬‬
‫***‬
‫ونقول كذلك أنه لما خلق الله النسان على صورته ‪ ،‬لم يخلقه على‬
‫صورته فقط فى القداسة و البر و الكمال ‪ ،‬وإنما ‪:‬‬

‫وهكذا قال الرب " اثمروا وأكثروا ‪ ،‬واملوا الرض واخضوعها ‪0‬‬
‫وتسلطوا على سمك البحر ‪ ،‬و على طير السماء ‪ ،‬و على كل حيوان‬
‫يدب على الرض " ) تك ‪ 0 ( 28 : 1‬نفس هذه البركة منحها الله لبينا‬
‫نوح وأولده بعد رسو الفلك ‪ ،‬و قال فى ذلك " ولتكن خشيتكم‬
‫ورهبتكم على على كل حيوانات الرض وكل طيور السماء ‪ 00‬وكل‬
‫اسماك البحر " ) تك ‪ 0 ( 2 : 9‬هكذا كان نوح الفلك ‪ ،‬مع كل الكائنات‬
‫‪0‬‬
‫حينما كان النسان صورة الله ‪ ،‬كان ملك وسيد الخليقة و كاهنها ‪0‬‬
‫ولما فقد الصورة اللهية ‪ ،‬بدأت الخليقة تتمرد عليه ‪ 00‬الحية تسحق‬
‫عقبه ) تك ‪ ( 15 : 3‬وإن عمل فى الرض ‪ ،‬لتعود تعطيه قوتها "‬
‫) تك ‪ 0 ( 12 : 4‬وبدأ النسان يصيد الحيوان و الحيوان يفترس‬
‫النسان الذى فقد احترامه ‪ ،‬إذ فقد صورته اللهية ‪00‬‬
‫***‬

‫فالنسان الروحى هو إنسان قوى ‪ ،‬ل أقصد القوة الشمشونية‬


‫الجسدية ‪ ،‬إنما أقصد قوة الشخصية ‪ :‬قوة الروح ‪ ،‬والفكر و الرادة ‪،‬‬
‫قوة الحتمال ‪ ،‬القوة فى حروب الشياطين وفى الجهاد الروحى ‪0‬‬
‫قوة المعنويات ‪ :‬فالنسان الروحى ل يهتز ول يخاف ول يتردد ول‬
‫تسيطر عليه أفكار اليأس ول الفشل ‪0‬‬
‫و الذى على صورة الله ‪ ،‬ول يمكن أن يخاف ‪0‬‬
‫وفى هذا قال داود النبى " إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبى ‪ 0‬وإن‬
‫قام على قتال ‪ ،‬ففى ذلك أنه مطمئن ) مز ‪ 0 ( 3 : 27‬إن الخائف‬
‫ليس هو صورة الله ‪ 0‬لذلك فالخائفون ل يدخلون المكوت ) رؤ ‪: 21‬‬
‫‪ 0 ( 8‬آدم بعدما أخطأ خاف ) تك ‪ ( 10 : 3‬وقايين بعدما أخطأ أدركه‬
‫الرعب " ) تك ‪ 0 ( 14 : 4‬لن كليهما فقدا الصورة اللهية ‪0‬‬
‫إن القديسين والنبياء قد أعطوا صورة عميقة لعدم الخوف ‪0‬‬
‫القديس النبا أنطونيوس سكن أول فى مقبرة ‪ ،‬ولم يخف من‬
‫حروب الشياطين ‪ 0‬ولم يخف حينما كانوا يظهرون له على هيئه‬
‫وحوش تصيح بأصوات مرعبة وتهجم عليه ‪ 0‬و الشهداء لم يخافوا من‬
‫كل تهديدات الحكام و تعذيباتهم ‪ 0‬ودانيال النبى لم يخف من جب‬
‫السود ‪،‬ول الثلثة فتية من أتون النار ‪0‬‬
‫***‬
‫ولذلك فالنسان الفاشل ‪ ،‬أو الساقط أو الراسب ‪ ،‬ليس هو على‬
‫صورة الله ‪ ،‬فالذى على صورة الله ‪ ،‬يكون " كالشجرة المغروسة‬
‫على مجارى المياه ‪ ،‬تعطى ثمرها فى حينه ‪ 0‬و كل ما يفعله ينجح‬
‫فيه " وهكذا قيل عن الرب مع يوسف ‪ 0‬فكان رجل ناجحا " ) تك‬
‫‪0 ( 2: 39‬‬
‫***‬

‫حقا إن الله هو المتواضع الوحيد بالمفهوم الدقيق الذى للكلمة ‪ ،‬لنه‬


‫وهو العالى فى سمو عله ‪ ،‬يتنازل إلى مستوانا ‪ ،‬ويتعامل معنا ‪،‬‬
‫ويتخاطب معنا ويسمع صلواتنا لكن النسان أيضا ً يمكن أن يكون‬
‫متواضعا حسب مستواه ‪ 0‬على القل يعرف ذاته أنه تراب ورماد ‪،‬‬
‫ول يقبل لنفسه أفكار وتصرفات الكبرياء و التعاظم و المجد‬
‫الباطل ‪ ،‬والنسان المتواضع تخافه الشياطين ‪ ،‬لنها ترى فيه صورة‬
‫الله المتواضع الذى هزمها و حطمها ‪ ،‬حينما أخلى ذاته ) فى ‪( 6 : 2‬‬
‫أما النسان المتكبر فهو فاقد الصورة اللهية ‪0‬‬

‫فمن صفات الله المحبة ‪ 0‬و الذى يكون على صورة الله ‪ ،‬ينبغى أن‬
‫يكون محبا مثله و" من يثبت فى المحبة ‪ ،‬يثبت فى الله ‪ ،‬و الله فيه‬
‫" ) ‪1‬يو ‪ 0 ( 16 : 4‬إنه وديع ومتواضع ‪ 0‬وهو يطلب منا أن نتعلم ذلك‬
‫منه ) متى ‪ 0 ( 29 : 11‬و بالمثل فى باقى الفضائل ‪ 00‬الله هو نور‬
‫العالم ) يو ‪ 0 ( 12 : 8‬بل هو النور الحقيقى ‪ ) 0‬يو ‪ 0 (9 : 1‬وقد‬
‫دعانا أيضا ً أن نكون نورا للعالم ") متى ‪ ، ( 14 : 5‬على اعتبار أننا‬
‫صورته ومثاله ‪0‬‬
‫وقال الرب " أنا هو الراعى الصالح " ) يو ‪ 0( 11: 10‬وفى نفس‬
‫الوقت دعا البعض أن يكونوا رعاة ) أف ‪ 0 (11 : 4‬ومع أنه هو‬
‫المعلم ‪ ،‬وكان يدعى هكذا ‪ ،‬إل أنه أيضا ً دعا البعض أن يكونوا معلمين‬
‫) أف ‪ ) (11: 4‬مت ‪0 ( 20 ، 19 : 28‬‬
‫***‬
‫وقال البعض أن الله خلق النسان على صورته فى تجسده ‪ :‬كان‬
‫يعرف طبعا الصورة التى سيتخذها حينما سينزل لخلصنا ‪ ،‬فخلقنا‬
‫بهذه الصورة بهذه الصورة التى تجسد بها ‪ 0‬و خلقنا على شبهه‬
‫ومثاله ‪00‬‬
‫***‬
‫الله يريدنا أن نكون مثله ‪ ،‬صورته ‪ ،‬حتى فى العمل ‪ 0‬نسير فى‬
‫طريقه ‪ ،‬تكون لنا نفس مشيئته وارادته ‪ " ،‬كما فى السماء كذلك‬
‫على الرض " ) لو ‪ 0(2: 11‬نتكلم كما لو كان الله هو المتكلم على‬
‫افواهنا ‪ 0‬ننطق بكلمة هو " لستم أنتم المتكلمين ‪ ،‬بل روح أبيكم‬
‫هو الذى يتكلم فيكم " ) مت ‪ 0 ( 20 : 10‬وفى تصرفاتنا " كما سلك‬
‫ذاك ‪ ،‬نسلك نحن أيضا " ) ‪1‬يو ‪ 0 ( 6 : 2‬ونعمل عمله ‪ 0‬وفى كل ما‬
‫نعمله ‪ ،‬نسأل أنفسنا أول ‪ :‬لو كان السيد المسيح فى مكاننا ‪ ،‬لكان‬
‫يعمل هذا ‪ 00‬وفى كل حياتنا ‪ ،‬كل من يرانا يقول ‪ :‬حقا هؤلء أولد‬
‫الله ‪ ،‬هم يشبهون أباهم ‪ ،‬كأبناء حقيقيين له ‪00‬‬
‫***‬
‫إن رسالة أولد الله هى أن يحملوا صورة الله فى أشخاصهم إلى‬
‫العالم ‪ 0‬كل من يراهم يعرف الله ويحبه ‪ ،‬لنه أحب صورته ‪0‬‬
‫كل من يراهم فى محبتهم وهدوئهم وشخصياتهم المتكاملة‬
‫وأمثلتهم الحية ‪ ،‬يمجد أباهم الذى فى السموات ‪ 0‬السيد المسيح‬
‫صعد إلى السماء ‪ 00‬ولكنه ترك صورته فى تلميذه ‪ ،‬يحملها جيل‬
‫إلى جيل ‪ ،‬مع تعاليمة ‪0‬‬
‫***‬
‫ولعل البعض يسأل ‪ :‬كيف يكون النسان على صورة الله ‪ ،‬بينما الله‬
‫وحده غير محدود ؟! فهل النسان على صورته فى هذا أيضا ً ؟!‬
‫والجابة هى أن النسان محدود بل شك ‪ 0‬ول يمكن أن يكون مثل‬
‫الله غير محدود ‪ 0‬ومع ذلك فإن الله الذى خلقه على صورته ‪ ،‬وضع‬
‫فى داخله الشتياق إلى كل ما هو غير محدود ‪ 0‬ومن هنا كان‬
‫الطموح عند النسان ‪ ،‬و النمو أيضا ً وعدم الكتفاء ‪ 0‬فهو باستمرار‬
‫ينسى ما هو وراء و يمتد إلى ما هو قدام ‪ ،‬يسعى نحو الغرض ‪،‬‬
‫يسعى لعله يدرك ) فى ‪00 ( 14 – 12 : 3‬‬
‫وطبعا النسان الذى على صورة الله ‪ ،‬يكون له الطموح الروحى و‬
‫النمو الروحى ‪ ،‬وليس الطموح فى الماديات و العالميات ‪0‬‬
‫***‬
‫و السؤال الثانى ‪ :‬كيف يكون النسان على صورة الله و الله‬
‫خالق ؟!‬
‫طبعا الله هو الوحيد الخالق ‪ 0‬ولكن أيضا ً وهب النسان موهبة‬
‫البداع و الفكر الخلق ‪ ،‬الذى يقدم باستمرار شيئا جديدا لم يكن‬
‫موجودا من قبل ‪ 00‬ولكن الفرق هو أن الله يخلق من العدم ‪ 0‬أما‬
‫ألنسان فيستخدم ما خلقه الله ليكون منه شيئا جديدا ‪0‬‬
‫***‬

‫النسان ذات لها عقل وروح ‪ ،‬و الذات و العقل و الروح كيان واحد ‪0‬‬
‫وهو فى ذلك صورة الله ‪ ،‬الذى هو ذات و عقل وروح ‪ ،‬هؤلء الثلثة‬
‫هم واحد ‪ ،‬كائن واحد ‪0‬‬
‫***‬
‫أخيرا أقول أننا مادمنا صورة الله ‪ ،‬ينبغى أن نحتفظ بهذه الصورة ‪،‬‬
‫ونجاهد أل نكون صورة للعالم ‪0‬‬
‫إننى أعجب من الذين يريدون أن يقلدوا أهل العالم فى كل شئ ‪،‬‬
‫حتى يقال عنهم إنهم عصريون ‪ ،‬وليسوا متخلفين ‪ 0‬وينبغى أن‬
‫نكون حكماء هذا المر ‪ ،‬لن القديس بولس الرسول يقول ‪:‬‬
‫" ل تشاكوا أهل هذا الدهر ‪ ) " 00‬رو ‪( 2: 12‬‬
‫أى ل تصيروا شكله ‪ ،‬لن شكلكم أسمى من العالم بكثيرة ‪ ،‬أنتم‬
‫بكثير ‪ ،‬أنتم صورة الله ‪ 0‬وفى هذا يقول القديس يوحنا الرسول "‬
‫بهذا أولد الله ظاهرون " ) ‪1‬يو ‪ 0 ( 10 : 3‬إذن ل يليق بالنسان‬
‫الروحى أن يقلد أهل العالم ‪،‬بل يكون قدوة لهم ‪ ،‬نورا للعالم يرون‬
‫فيه صورة الله ويحبون صورته‬
‫***‬
‫النسان الروحى يقارن نفسه بالصورة اللهية ‪ ،‬يسأل ذاته باستمرار‬
‫‪ :‬أين أنا الن ؟ وإلى أين وصلت ‪ 0‬وفى البدية السعيدة توجد صورة‬
‫واحدة ‪ ،‬و هى الله و من هم على صورته ‪ 0‬أما الذين ليسوا على‬
‫صورته ‪ ،‬فيطرحون فى الظلمة الخارجية ‪0‬‬
‫***‬
‫إنكم يا اخوتى ‪ ،‬لم تخلقوا لتكونوا مجرد تراب ورماد ‪ 0‬فقد خلقكم‬
‫الله ليعطيكم مجده ليكون جمالكم كامل ببهائه الذى جعله عليكم "‬
‫) خر ‪( 14 : 16‬‬
‫و القديس بولس الرسول ‪ ،‬إذ أراد أن يوضح هذه الصورة ‪ ،‬قال فى‬
‫عبارة تحتاج هى الخرى إلى توضيح " لن جميعكم الذين اعتمدتم‬
‫للمسيح ‪ ،‬قد لبستم المسيح " ) غل ‪ 0 ( 27 : 3‬فما معنى عبارة "‬
‫لبستم المسيح " ؟‬
‫اترانى أقف أمامها مفسرا ‪ ،‬أم اقف فى دهش وذهوب ؟ أمام صورة‬
‫الله ‪00‬‬
‫***‬
‫الشواهد ‪ ) :‬أش ‪ ، 6 : 44‬رؤ ‪ ، 17 ، 8 : 1‬رؤ ‪ ، 6 : 21‬رؤ ‪( 13 : 22‬‬
‫إن الله هو الول دائما ‪ 0‬وهو أيضا ً قال عن نفسه " أنا هو الول‬
‫والخر " ) أش ‪0 ( 13 : 22‬‬
‫وكما كان الله الول ‪ ،‬اهتم بأوائل الشياء ‪ ،‬وطلبها وبذلك وضع لنا وصية البكور ‪،‬‬
‫فى تقديمها و مباركتها ‪00‬‬

‫فقال " قدس لى كل بكر ‪ ،‬كل فاتح رحم ‪ ،‬إنه لى " ) خر ‪0 ( 2 : 13‬‬
‫وطلب البكور أيضا ً فى البهائم و الغنام ) خر ‪0 ( 15 ، 12 : 13‬‬
‫وأيضا ً أبكار الغلت ‪ ،‬و الثمار ) خر ‪ 0 ( 16 : 33‬وكان يقدم لله أول‬
‫حزمة من الحصيد ) ل ‪ 0 ( 10 : 23‬وكانت قطاف باكورة الثمار ‪ ،‬أول‬
‫سنة تعطى للرب بل حتى باكورات الجز أيضا ً ) حز ‪ ( 40 : 20‬حينما‬
‫يجزون صوف الغنم وكذلك أوائل كل الباكورات‬
‫ولم يطلب الله البكار فقط ‪ ،‬وإنما باركهم أيضا ً ‪00‬‬
‫كل شئ له هو مبارك ‪ ،‬بل هو مقدس ‪ 0‬لذلك قال " قدس لى كل‬
‫بكر " ‪ 0‬وكان الله يبارك البكر ‪ ،‬له البركة ‪ ،‬وله البكورية ‪ ،‬وله نصيب‬
‫أتنين من اخوته ‪ 0‬وله رئاسة العائلة بعد أبيه ‪ ،‬وله الكهنوت أيضا ً "‬
‫قبل نظام الكهنوت الهارونى "‬
‫كان شعور كل إنسان يقدم البكور ‪ ،‬أن الله فى الول ‪00‬‬
‫خيرات أرضه ‪ ،‬ونتاج غنمة وبهائمة ‪ ،‬بل أول ثمر البطن ‪ ،‬كله لله ‪،‬‬
‫وليس له وكان يفرح بأن يكون الله أول من يأخذ ‪0‬‬
‫***‬
‫وهكذا إذا نظرنا إلى أول وصية ‪ ،‬نجدها للرب ‪00‬‬
‫بل ليست الوصية الولى فقط ‪ ،‬بل الوصايا الربع الول ‪ ،‬كل وصايا‬
‫اللوح الول ‪ ،‬كانت خاصة بالرب ‪ 0‬أما وصايا اللوح الثانى فهى خاصة‬
‫بالعلقات البشرية ‪ ،‬لن الله أول ‪0‬‬
‫كذلك المحبة موجهة لله أول ثم للناس فيما بعد ‪00‬‬
‫الوصية الولى والهم هى هذه " تحب الرب إلهك من كل قلبك ‪،‬‬
‫ومن كل نفسك ‪ ،‬ومن كل فكرك ‪ ،‬ومن كل قدرتك ‪ 0‬هذه هى‬
‫الوصية الولى " ) مر ‪ ( 30 – 28 : 12‬و الثانية هى " تحب قريبك‬
‫كنفسك " فالله أول ‪00‬‬
‫ولن المحبة هى لله أول ‪ ،‬لذلك قال الرب " من أحب ابا أو أما أكثر‬
‫منى ‪ ،‬فل يستحقنى ‪ 0‬ومن أحب إبنا أو ابنه أكثر منى ‪ ،‬فل‬
‫يستحقنى " ) مت ‪0 ( 37 : 10‬‬
‫حتى النفس ل تكون أول ‪ ،‬بل الله ‪00‬‬
‫وهكذا قال أنه من أجل ينبغى أن تنكر ذاتك و تتبعه ‪ 0‬بل قال أكثر‬
‫من هذا " من وجد حياته يضيعها ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " )‬
‫متى ‪( 39 : 10‬‬
‫***‬

‫النسان الروحى يجعل الله باستمرار هو الول فى حياته وفى إهتماماته ‪:‬‬
‫ول يسمح لية اهتمامات أن تعوقه عن محبة الله ‪ ،‬أو أن تحظى‬
‫بالولوية فى حياته ‪0‬‬
‫قال السيد المسيح لمرثا " أنت تهتمين و تضطربين لجل أمور كثيرة‬
‫‪ ،‬ولكن الحاجة إلى واحد " ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 41 : 10‬أما مريم فقد اختارت‬
‫النصيب الصالح ‪ ،‬اهتمت به ‪0‬‬
‫***‬
‫وأنت يا أخى بماذا تهتم ؟ ما هى الولويات فى حياتك ؟ حسب أولوياتك ‪ ،‬يكون‬
‫حماسك ويكون عملك ‪ ،‬و تكون ارادتك ‪0‬‬
‫إن الناس يختلفون فى اهتمامهم ‪ ،‬كما اختلفت مريم ومرثا ‪ 0‬كان‬
‫اهتمام مريم بمجبته ‪ ،‬و الجلوس عند قدمية والستماع اليه ‪0‬‬
‫وصارت احداهما للخدمة ‪ ،‬والخرى مثال للتأمل ‪0‬‬
‫وقليلون ـ مثل القديس بولس الرسول ـ من جمعوا بين المرين‬
‫الرعاة اهتموا بالخدمة ‪ ،‬و الرهبان بحياة التأمل وحسب اهتمام كل‬
‫واحد ‪ ،‬هكذا انت حياته ‪00‬‬
‫***‬

‫ولكى نفهم هذا السؤال نضع أمامنا قصة أبينا ابراهيم ‪ ،‬الذى منحه‬
‫الله إبنا فى شيخوخته ‪ 0‬فلما فرح به قال له " خذ ابنك ‪ ،‬وحيدك ‪،‬‬
‫الذى تحبه ‪ ،‬اسحق ‪ ،‬وقدمه لى محرقة ‪" 00‬‬
‫فماذا فعل أبونا ابراهيم ؟ لم يفكر اطلقا ‪ ،‬بل جعل الله اول ‪،‬‬
‫ومشاعره هو كأب لسحق اخيرا ‪ ،‬وكذلك مشاعر سارة أو الصبى ‪0‬‬
‫الله هو الول ‪ ،‬نحبه و نطيعه ‪ 0‬ثم اسحق يأتى فى محبته بعد ذلك ‪،‬‬
‫ل يتقدم الله إطلقا ‪ 0‬الله يرديه محرقة ‪ ،‬فليكن أمر الله نافذا ‪00‬‬
‫وننفذه بسرعة ورضى ‪0‬‬
‫قصة أخرى هى قصة حنة أم صموئيل ‪ ،‬التى رزقت به بعد عمقها‬
‫سنوات ‪ ،‬وبعد صلوات وبكاء ‪ 0‬ولكنها جعلت الله اول ‪ 0‬وقدمت هذا‬
‫الطفل صموئيل لخدمة الرب فى الهيكل ‪0‬‬
‫إنه درس لكل أم ‪ 0‬تبخل على الله بتقديم ابنها لخدمته ‪0‬‬
‫سواء طلبه الله للرهبنة أو طلبه للكهنوت ‪ 00‬الله أول ‪ ،‬ومشاعر‬
‫المومة ثانيا أو ثالثا بل الواجب أن تقدم هذا البن بفرح ‪ 0‬وهذا‬
‫أيضا ً درس لكل زوجة ‪ ،‬يطلب زوجها للكهنوت ‪0‬‬
‫ل يصح أن يقول ‪ :‬ستشغله الخدمة عنى وعن البيت !! بل يجب أن‬
‫تقدمة للرب ‪ ،‬و تقول ‪ :‬الله أول‬
‫***‬

‫ويقول مع الرسول " ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس " ) أع ‪: 5‬‬
‫‪ 0 ( 29‬وصايا الله أول ‪ ،‬وبعد ذلك كل ما يطلبه الناس ‪ ،‬وبعدئذ كل‬
‫رغباتنا وطلباتنا الخاصة وكل طاعة للناس يجعلها النسان الروحى‬
‫فى نطاق طاعته لله ‪ 0‬أما إن تعارضت معها فينبغى أن يطاع الله‬
‫أول ‪0‬‬
‫وإذ يجعل الله أول ‪ ،‬يضع ذاته أخيرا ‪ ،‬ول ينظر إلى ذاته مطلقا ‪00‬‬
‫انظروا إلى قصة يوحنا المعمدان ‪ ،‬الذى لما ظهر المسيح ‪ ،‬تخلى‬
‫يوحنا عن كل خدمته ‪ ،‬وعن كرازته ‪ ،‬وعن تلميذه أيضا ً ‪ ،‬وسلم‬
‫العروس للعريس ‪ ،‬ووقف من بعيد يفرح كصديق للعريس ‪ ،‬قائل ‪:‬‬
‫ينبغى أن هذا يزيد وأنا أنقص " ) يو ‪( 30 : 3‬‬
‫***‬

‫كان " يجول يصنع خيرا ً " ) أع ‪ " ( 38 : 10‬يكرز ببشارة الملكوت ‪،‬‬
‫ويشفى كل مرض وضعف فى الشعب ) مت ‪ 0 ( 23 : 4‬يتحنن على‬
‫الكل ‪ ،‬ويشبع كل حى من رضاه ‪ 00‬يبشر المساكين ‪ ،‬يعصب‬
‫منكسرى القلوب ‪ ،‬ينادى للمسبيين بالعتق ‪ ،‬و للمأسورين بالطلق‬
‫" ) اش ‪0 ( 1 : 61‬‬
‫وفى نفس الوقت لم يعتم بذاته ‪ ،‬ولم يكن له أين يسند رأسه ) لو ‪9‬‬
‫‪( 58 :‬‬
‫لم يهتم المسيح بكرامته لما أغلقت أحدى قرى السامرة أبوابها فى‬
‫وجهة ‪ ،‬ووبخ تلميذيه اللذين طلبا أن تنزل نار من السماء لتهلكها ‪0‬‬
‫وقال لهما " لستما تعلمان من أى روح أنتما ‪ 0‬لن ابن النسان لم‬
‫يأت ليهلك أنفس الناس ‪ ،‬بل ليخلص " ) لو ‪0 ( 56 : 51 : 9‬‬
‫وحتى على الصليب كان كل اهتمامه بخلص البشر و بالمغفرة حتى‬
‫لصالبيه ‪ ،‬وبالفردوس حتى للص كما اهتم بأمه القديسة العذراء‬
‫وبتلميذه القديس يوحنا ‪ 0‬وأنت ما هو اهتمامك الول ؟ أهو ذاتك ؟!‬
‫***‬
‫النسان الروحى يخرج من دائرة الذات ‪ ،‬لكى يهتم بالخرين ‪ ،‬ويهتم بهم بأسلوب‬
‫روحى ‪00‬‬
‫اهتماما من عمق القلب ‪ ،‬تصل فيه خدمته إلى مستويات عالية من‬
‫العطاء و البذل ‪ ،‬إلى حد بذل النفس أيضا ً ‪ ،‬وبذل راحته من أجل‬
‫راحة غيره‬
‫***‬

‫وربما ل يكون غرضا روحيا ‪ ،‬وإنما هو لثبات الذات ووجودها ‪ ،‬أو "‬
‫لرتفاعها " بطريقة ما ‪00‬‬
‫وفى سبيل هذا الوصول ‪ ،‬ل يهتم بالوسيلة ماذا تكون ‪ :‬روحية أو‬
‫غير روحية ‪ 00‬ل يهمة أن تكون حيل بشرية أو عالمية ‪ ،‬أو طرقا‬
‫خاطئة ‪ 00‬تركيز الهتمام كله فى الوصول إلى الغرض ‪ ،‬حتى لو‬
‫ضيع هذا النسان نفسه ‪ 00‬مثلما فعل آخاب الملك فى الحصول‬
‫على حقل نابوت اليزرعيلى ‪ ،‬وما فعلته الملكة إيزابل فى سبيل أن‬
‫يصل زوجها إلى عرضه ‪ ،‬ولو بالجريمة ‪ ،‬و التهام الباطل لنابوت ‪،‬‬
‫شهود الزور ‪ 00‬حتى نال كلهما عقوبة من الله تناسب ذنوبهما )‬
‫‪1‬مل ‪( 21‬‬
‫وبالمثل ما فعلته رفقة لكى ينال ابنها بركة أبيه ‪ 0‬ومع أن الغرض‬
‫هنا كان روحيا ‪ ،‬إل أن التركيز عليه افقدهما الوسيلة الصالحة ‪0‬‬
‫فاستخدما اسلوب الخداع " ) تك ‪0 ( 27‬‬
‫***‬
‫وبالمثل قد يهتم خادم آخر أن يمل عقول سامعيه بالمعلومات ‪ ،‬دون‬
‫أن يضع اهتمامه فى حياتهم الروحية كيف ينمون ‪ 00‬كل اهتمامه‬
‫فى المعلومات ل فى الروحيات !‬
‫أو أب كل اهتمامه أن يلقن أولده كلما من الكتاب يحفظونه ‪ 0‬ول‬
‫يهتم بالتداريب الروحية التى تعمق صلتهم بالله ‪ 0‬و الكتاب يقول "‬
‫افعلوا هذه ول تتركوا تلك " )‪( 23 : 23‬‬
‫إنسان آخر فى الخدمة ‪ ،‬يهتم كيف تمتلئ الكنيسة بالناس هذا هو‬
‫كل هدفه ‪،‬ول بهتم بأن يصل هؤلء الناس غلى الله ‪ 0‬وربما يلجأ‬
‫إلى وسائل عالمية !!‬
‫مثلما تلجأ بعض الطوائف إلى منح المعونات المالية والجتماعية‬
‫لجذب بعض المحتاجين إليهم ‪ ،‬و يخرجونهم بذلك من كنائسهم !!‬
‫الهتمام كله ليس فى الملكوت إنما فى أن يزيد عددهم ولو على‬
‫حساب كنائس أخرى ‪0‬‬
‫***‬
‫ولعلنا بعد كل هذا ‪ ،‬نسأل بأى شئ يجب أن تهتم ؟ إن ربنا يسوع‬
‫المسيح يقول فى العظة على الجبل ‪ " :‬اطلبوا أول ملكوت الله وبره "‬
‫) مت ‪( 33 : 6‬‬
‫هناك مشكلة نجدها فى انفاقات ومشروعات بعض الكنائس ‪00‬‬
‫غالبية المال قد تنفقه على البناء و التعمير ‪ ،‬أو على تجميل الكنيسة‬
‫وتزيينها بالديكور وباليقونات وبالنجف الغالى ‪ 0‬ول يعطى مجلس‬
‫الكنيسة ول كهنتها نفس الهتمام لخدمة الفقراء و الحالت‬
‫المحتاجه من أجل الحياء المجاورة المحتاجة إلى رعاية روحية ‪،‬ول‬
‫حتى الهتمام بالخدمة الروحية فى نفس الكنيسة ‪ 00‬للسف كل‬
‫الهتمام مركز فى البناء و الديكور ‪00‬‬
‫***‬

‫يقول الب والم ان إهتمامها الول هو تربية أطفالهما ورعاية‬


‫متقبلهم ‪ 0‬وحسنا يقولون ‪ 0‬ولكن أى أنوع من التربية يهتمون به ؟‬
‫إنهم يهتمون بصحة أولدهم ‪ ،‬وأكلهم وشربهم ولبسهم ‪ ،‬وايضا ً‬
‫تعليمهم واعدادهم لوظيفة لئقة ‪ 0‬ثم بعد ذلك بتزويجهم ‪ 00‬ويقول‬
‫الب بعد ذلك ‪ ،‬ويقول الم كذلك ‪ " :‬أشكرك يا رب ‪ ،‬إنى أديت‬
‫رسالتى نحو أبنائى ‪ 0‬الن ضميرى استراح من جهتهم " ‪0‬‬
‫و مع ذلك ل يضعون اهتمامهم الول بتربيتهم الروحية وبمصيرهم البدى ‪!!00‬‬
‫ل يعطونها الغذاء الروحى اليومى ‪ ،‬مثلما يعطونها غذاءهم الجسدى‬
‫‪ 0‬وإن سألتهم عن واجبهم فى ذلك ‪ ،‬ربما يجيبون " إننا أرسلناهم‬
‫الى مدارس الحد" ‪ 00‬دون متابعة لما أخذوه أو حفظوه من دروس ‪،‬‬
‫ودون اضافة شئ خلل السبوع ‪ 0‬كأب الب غير مسئول عن‬
‫معلومات ابنه الدينية ‪ ،‬وعن تربيته روحيا !! وكأن الم غير مسئولة ‪،‬‬
‫وهى التى استلمت ابنها من المعمودية كاشبينة له تتعهده بالعناية‬
‫الروحية ‪ ،‬و بالتعليم الدينى ‪ ،‬و بالتدريب على الفضائل ‪00‬‬
‫***‬
‫وفى الخدمة الجتماعية ‪ ،‬قد نجد نفس الظاهرة ‪0‬‬
‫اهتمامنا الول أو الوحيد هو فى العناية بالفقراء ماديا ‪ ،‬سواء فى‬
‫المساعدات المادية ‪ ،‬أو مشاكل التعطل أو المرض أو السكان ‪00‬‬
‫وما إلى ذلك ‪ 0‬ويندر أن يعطى اهتمام حقيقى بروحيات هؤلء‬
‫المحتاجين ‪ 00‬وإن عقد لهم اجتماع روحى ‪ ،‬قد يكون شكليا ‪ 00‬ل‬
‫اهتمام فيه يربط هؤلء الناس بالله ‪ ،‬و بالطمئنان على حياتهم‬
‫الروحية ‪ ،‬و على تناولهم واعترافاتهم وتوبتهم ‪00‬‬
‫***‬
‫نفس الوضع نقوله بالنسبة إلى الصلة فى مجال الخدمة ‪ ،‬وفى‬
‫حياة كثير من الخدام ‪ 00‬إنهم يهتمون بتحضير الدرس ‪ ،‬أكثر من‬
‫اهتمامهم بتحضير أنفسهم روحيا ‪ 00‬يهتمون بمواعيد الخدمة ‪،‬و‬
‫اجتماعاتها ‪ ،‬و الصور و الهدايا ‪ ،‬و المكتبة و النادى ‪ ،‬و بالفتقاد‬
‫وبالنشطة ‪ 00‬و نادرا ما يهتمون على نفس القياس بصلواتهم ! فل‬
‫نجد اجتماعات الصلة ‪ ،‬مثل اجتماعات الشبان و الشابات‬
‫النشاط يأخذ الهتمام الول ‪ ،‬وليس الصلة ‪0‬‬
‫ولو دخلنا فى التفاصيل ‪ ،‬لوجدنا أيضا ً العمل الروحى ل يأخذ‬
‫الهتمام الول ‪ 00‬فالنادى مثل ‪ :‬قد نهتم بمكانه وترتيبه ‪ ،‬وما توجد‬
‫فيه من ألعاب ومن أنشطة رياضية وتسليات ‪ 0‬وقد نهتم بتنظيم‬
‫الكارنيهات و المواعيد ‪ ،‬و المسابقات ‪ ،‬وفرق التمثيل و الكورال ‪00‬‬
‫وفى كل ذلك قد ل يوجد الشراف الروحى الكامل ‪ 0‬ونجد النوادى‬
‫فى ضوضائها وفى اخطائها ‪ ،‬ول تعطى الصورة الروحية المرجوة ‪،‬‬
‫وربما ل تختلف عن النوادى العادية لعدم وجود المشرف الروحى ‪00‬‬
‫لماذا ؟ الجواب الصريح ‪ 00‬لننا لم نضع الله فى قمة اهتمامنا ‪0‬‬
‫***‬
‫وأنت مثل حينما تستيقظ كل يوم ‪ ،‬بماذا يكون اهتمامك ؟ هل تهتم‬
‫بحياتك اليومية ‪ ،‬تغسل وجهك ‪ ،‬تفطر ‪ ،‬تعد ملبسك ‪ ،‬تستعد للذهاب‬
‫إلى عملك ؟ أم اهتمامك الول كيف نبدأ اليوم مع الرب ‪ ،‬بالصلة و‬
‫القراءة التأمل ‪00‬؟ حسب اهتمامك سيكون تصرفك ‪00‬‬
‫البعض يعتذر احيانا ويقول ‪ :‬لم يكن لدى وقت للصلة ‪ !00‬وأنا دائما‬
‫أرفض هذا العذر ‪ ،‬ول اعتبره السبب الحقيقى ‪ ،‬واقول ‪:‬‬
‫لو وضعت الصلة و التأمل فى قمة اهتماماتك ‪ ،‬لمكنك أن تجد لهما‬
‫وقتا ‪ 00‬لذلك اجعل الله له الولوية ‪ 0‬فى كل شئ ‪00‬‬
‫***‬
‫فى الراحة مثل ‪ :‬ل تفضل راحتك الجسدية ‪ ،‬على عملك الروحى مع‬
‫الله ‪ ،‬سواء فى الصلة أو الخدمة ‪ 0‬ل تستسلم للنوم أو للسترخاء ‪،‬‬
‫وإنما ينبغى أن تضحى براحتك من أجل الرب ‪0‬‬
‫كذلك فى الصوم ‪ ،‬ل تقل " صحتى " ل تقل ‪ :‬احتياجى إلى‬
‫البروتينات ‪ ،‬والحماض المينية الرئيسية ‪ ،‬إنما قل ‪ :‬الله اول ‪ 0‬هكذا‬
‫ليكن الله اول ‪ ،‬فى موضوع العطاء والعشور ‪00‬‬
‫ل تهتم بكل انفاقاتك الخرى ‪ ،‬وتضع الله فى آخر القائمة ‪ ،‬إن بقى‬
‫له شئ ‪ ،‬كان بها ‪ 0‬وإن لم يبق شئ ‪ ،‬تعتذر للرب ‪ ،‬أو نؤجل حقوقه‬
‫‪ 0‬ذلك لن اله ليس هو الول‬
‫***‬
‫كذلك ‪ ،‬ليكن الله فى أول كل عمل ‪ ،‬وكل يوم ‪0‬‬
‫أول شخص تكلمة فى كل يوم ‪ ،‬هو الله ‪ 0‬وكل عمل تعمله ‪ ،‬تضع‬
‫فيه الله أول تصلى فى دخولك ‪ ،‬وفى خروجك ‪ ،‬وفى أكلك وشربك ‪،‬‬
‫وفى عملك ‪ ،‬تكلم الله أول ‪ 00‬إن وضعت الله فى الول ‪ ،‬لن تخطئ‬
‫إليه ‪:‬‬
‫ذلك لنك تضعه فوق رغباتك العالمية ‪ ،‬وفوق كل لذة أرضية ‪0‬‬
‫ويكون الله أمامك باستمرار ‪ ،‬و العالم خلفك ‪00‬‬
‫النسان يخطئ لنه لم يضع الله أمامه ‪ ،‬ولم يسبق فيتذكره قبل كل‬
‫سقوط ‪ 0‬ولم يحسب حسابا لمشاعره ‪0‬‬
‫اجعل الله الول ‪ ،‬من جهة الوقت ‪ ،‬ومن جهة الهمية ‪ ،‬ومن جهة‬
‫الرغبات ‪ 0‬ومن جهة الحب والشتياق ‪ ،‬ومن جهة الطاعة أيضا ً ‪00‬‬
‫ليكن الول فى كل شئ ‪0‬‬
‫وحينما يقول الرب " يا ابنى اعطنى قلبك " إنما يقصد أن تكون له‬
‫هذه الولوية " ماذا يستفيد النسان لوربح العالم كله وخسر نفسه "‬
‫وخسارة نفسه ما هى إل حرماتها من الله ‪00‬‬
‫***‬
‫إن النسان الروحى ليس فقط يجعل الله أول وقبل كل شئ ‪ 0‬بل تكون علقته‬
‫بالله هى كل شئ فى حياته ‪00‬‬
‫ويقول مع الرسول " لى الحياة هى المسيح " ) فى ‪0 ( 21 : 1‬‬
‫ويقول أيضا ً " لحيا ل أنا ‪ ،‬بل المسيح يحيا فى " ) غل ‪0 ( 20 : 2‬‬
‫وأخيرا لست أريد أن ثقل عليك بنصائح كثيرة ‪ 0‬إنما أقول لك نصيحة‬
‫واحدة إن نفذتها تكون قد نفذت جميع الوصايا ‪ ،‬وهى ‪:‬‬
‫اجعل الله فى بدء اهتماماتك ‪ ،‬ول تعش مستقل عنه أو غريبا عنه ‪،‬‬
‫ابدأ به يومك ‪ ،‬ابدأ به كل عمل‬
‫لقد تأثرت جدا من المزمور الذى تضرع فيه داود النبى ) مز ‪ ( 130‬و‬
‫الذى نبدأ به صلة النوم ‪ ،‬ونقول فى أوله ‪:‬‬
‫من العماق صرخت إليك يا رب ‪ 0‬يا رب استمع صوتى ‪0‬‬
‫من العماق صرخت ‪ :‬من عمق القلب و العاطفة ‪ 0‬من عمق‬
‫الستغاثة ‪ ،‬مثلما نقول فى المزمور الكبير " من عمق قلبى طلبتك‬
‫" ) مز ‪ 0 ( 119‬من عمق اليمان و الثقة بأنك ستستجيب ‪ 0‬نعم من‬
‫العماق صرخت ‪ :‬من عمق تعبى و احتياجى ‪ ،‬من عمق صعفى و‬
‫عجزى وعدم قدرتى ‪ 00‬من عمق الهاوية التى أنا فيها ‪00‬‬
‫***‬
‫إنها صلة عميقة ‪ ،‬كصلة يونان وهو فى بطن الحوت ‪0‬‬
‫نعم ‪ ،‬من العماق صرخت إليك ‪ ،‬لنه ل يوجد غيرك مخلص و منقذ‬
‫‪ 00‬تماما كصلة الشعب مثل ‪ ،‬قبل نقل الجبل المقطم ‪ 00‬صلة‬
‫يتوقف عليها مستقبل الكنيسة كلها ‪00‬‬
‫أو لعلها كصلة فى قلب دانيال ‪ ،‬وهم يلقونه فى جب السود ‪ 00‬أو‬
‫صلة فى قلب الثلثة فتية ‪ ،‬وهم يلقونهم فى أتون النار ‪ 00‬من‬
‫عمق القلب ‪ 0‬من عمق الحتياج ‪ 00‬مثل صوت غريق ‪ ،‬وهو ينادى‬
‫قارب النجاة ‪ 00‬ليسرع فى الوصول قبل أن يغرق ‪00‬‬
‫كصلة إيليا ‪ ،‬وهو يطلب نزول الماء على محرقته ) ‪1‬مل ‪ 00 ( 18‬أو‬
‫صلة الشعب وهو يطوف حول أسوار أريحا ) يش ‪0 ( 6‬‬
‫***‬
‫ليس المهم طول الصلة ‪ ،‬أو انتقاء الفاظها ‪ ،‬إنما عمق المشاعر فيها ‪00‬‬
‫صلة الفريسى كانت أطول من صلة العشار ‪ 0‬ولكن العشار " نزل‬
‫إلى بيته مبررا دون ذاك " ) لو ‪ 0 ( 14 : 18‬لماذا ؟ لنها كانت صلة‬
‫من العمق ‪ :‬من عمق التضاع و النسحاق ‪ ،‬والشعور بالندم و الخزى‬
‫‪ 00‬وقف من بعيد ‪ ،‬ولم يجرؤ أن يرفع نظره إلى فوق ‪ 00‬وكانت‬
‫ألفاظه القليلة كافيه ‪ 0‬لن الرب نظر إلى أعماقه ‪00‬‬
‫ومثل صلة العشار ‪ ،‬كانت صلة اللص اليمين ‪0‬‬
‫صلة قصيرة ‪ ،‬ولكنها عميقة ‪ 0‬صلة إنسان فى ساعاته الخيرة ‪،‬‬
‫وهو على حافة الموت ‪ 0‬ومن أعماقه يتطلع إلى أبديته كيف يكون ‪،‬‬
‫فيطلب من الرب أن يذكره ‪ 0‬يقول ذلك وهو فى عمق النسحاق ‪،‬‬
‫وقد قال لزميله من قبل " أما نحن فبعدل لننا ننال استحاق ما‬
‫فعلنا " ) لو ‪ 00 ( 41 : 23‬حقا إنها صلة مصيرية ‪ ،‬لذلك قيلت بعمق‬
‫‪ 00‬واستجيبت ‪0‬‬
‫جملة واحدة يقولها إنسان بعمق " يارب ارحم " مثل ‪ 0‬فيتقدم واحد‬
‫من الربعة و العشرين قسيسا ‪ ،‬فيأخذ هذه الصلة فى مجمرته‬
‫الذهبية ‪ ،‬و يصعد بها إلى عرش الله كرائحة بخور مع صلوات‬
‫القديسين ) رؤ ‪ 0 ( 8 : 5‬وإنسان آخر يقول هذه الصلة عشرات‬
‫المرات ‪ ،‬ول تصل واحدة منها ‪ ،‬كأنه لم يكن يصلى !!‬
‫***‬
‫كيف نميز إذن الصلة التى بعمق ؟‬
‫إنها صلة فيها شعور صلة بالله ‪ 0‬صلة بعاطفة ‪ ،‬بفهم ‪ ،‬بتأمل ‪،‬‬
‫بتركيز ‪ 00‬بحرارة ‪ ،‬بشعور ‪ ،‬بحب ‪ 00‬صلة باتضاع بانسحاق ‪00‬‬
‫بإيمان ‪ ،‬بثقة ‪ ،‬برجاء ‪ 0‬صلة بروح وليست مجرد ألفاظ ‪ 00‬ليس‬
‫المهم فيها مقياس الطول ‪ ،‬بل مقياس العمق ‪ 0‬لن الكتبة و‬
‫الفريسين أمثالهم ‪ ،‬كانوا لعلة يطيلون صلواتهم !! ) مت ‪( 14 : 23‬‬
‫‪0‬‬
‫إن بولس كان يحب أن يقول خمس كلمات بفهم ‪ ،‬أكثر من عشرة‬
‫آلف كلمة بل معنى ) ‪1‬كو ‪ 00 ( 14‬هكذا ينبغى أن نكون فى صلواتنا‬
‫‪ ،‬و نحرص أن تخرج من أعماقنا ‪ 00‬وإن اجتمع الطول مع العمق ‪،‬‬
‫يكون أفضل جدا ً‬

‫ما أجمل قول المرتل فى المزمور ‪ " :‬كل مجد ابنة الملك من داخل "‬
‫) مز ‪0 ( 45‬‬
‫على الرغم من أنها " مشتملة بأطراف موشاة بالذهب ‪ ،‬ومزينة‬
‫بأعمال كثيرة " ولكن كل مجدها فى عمقها ‪ 00‬فى داخلها ‪ ،‬فى‬
‫قلبها ‪0‬‬
‫صدقونى ‪ ،‬إن عمل ً واحدا ً يعمله النسان بعمق ‪ ،‬ربما توزن به حياته‬
‫كلها ويبقى هذا العمل ‪ ،‬يسجل فى التاريخ ‪ ،‬من أجل عمقه ‪0‬‬
‫وسأضرب لذلك مثل ‪:‬‬

‫خذوا العمق الذى أخذ به ابراهيم ‪ ،‬ليقدمه محرقة ‪:‬‬


‫كان فى تقدمته فى عمق المحبة الله ‪ 00‬كان يحب الله بكثير من‬
‫ابنه ‪ ،‬وحيدته ‪ ،‬الذى تحبه نفسه ‪ ،‬ابن المواعيد ‪ ،‬الذى ناله بعد صبر‬
‫سنوات طويلة ‪ 00‬وفى تقدمته أيضا ً كان فى عمق الطاعة لله ‪،‬‬
‫وفى عمق التسليم‬
‫ً‬
‫للرادة اللهية ‪ 0‬بل أيضا كان فى عمق اليمان ‪ ،‬لنه كان يؤمن أنه‬
‫على الرغم من تقدمته ‪،‬لبد سيأتيه منه نسل مثل رمل البحر ‪00‬‬
‫وفى تقدمة اسحق ‪ ،‬كان ابراهيم فى عمق العطاء ‪0‬‬
‫ل يوجد عطاء أعمق من هذا ‪ ،‬أن يقدم ابنه الوحيد ‪ ،‬ابن المواعيد ‪0‬‬
‫وكمثال لعمق العطاء أيضا ً الملة التى قدمت فلسين ‪ 0‬لذلك مدحها‬
‫الرب ‪ ،‬وقال إنها أعطت أكثر من الجميع ‪ ،‬ليس لمقدار عطائها ‪،‬‬
‫إنما لعمقه ‪ ،‬لنها أعطت من أعوازها ) مر ‪0 ( 44 – 41 : 12‬‬
‫لعله من أمثلة عمق العطاء أيضا ً ما قدمته أرملة صرفة صيدا ليليا‬
‫النبى ‪ 0‬كل ما قدمته هو " ملء كف دقيق ‪ ،‬وقليل من الزيت فى‬
‫الكوز " ) ‪1‬مل ‪ 0 ( 12 : 17‬ولكن عمق هذه التقدمة ‪ ،‬كان فى أنها‬
‫كل ما كانت تملكه فى وقت المجاعة ‪ 00‬لتأكله هى وابنها ‪ ،‬ثم‬
‫تموت ‪ 00‬ولكنها فضل النبى و على ابنها ‪00‬‬
‫وعمق العطاء نراه ايضا ً فى أمثلة أخرى ‪:‬‬
‫مثل الذى يقدم عشور أمواله ‪ ،‬وهو فى منتهى العوز و الحاجة ‪ ،‬أو‬
‫يقدم بكور مرتب كان ينتظره منذ زمن ليسدد ديونه ‪ 00‬أو خادم‬
‫يقدم وقته للخدمة ‪ ،‬فى أهم أيام المتحانات ‪ ،‬وهو فى حاجة‬
‫المتحانات ‪ ،‬وهو فى حاجة إلى كل دقيقة ‪ 00‬أو الذى يقدم أحد‬
‫أعضاء جسده ‪ ،‬لينقله إلى مريض محتاج إليه حبا فى هذا المريض‬
‫واشفاقا عليه ‪ ،‬أو الذى يستدين ليعطى إنسانا معوزا ً ‪00‬‬
‫إن المسيحية بدأ تاريخها بالعمق فى العمل الكرازى ‪ ،‬الذى تركز فى‬
‫اثنى عشر رسول ‪ ،‬بعضهم من جهال العالم و المزدرى و غير‬
‫الموجود ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 28 ، 27 :1‬ولكنهم بكل جدية وأمانة و التزام ‪،‬‬
‫دخلوا فى الخدمة ‪ ،‬بكل جهد ‪ ،‬و تحملوا الجلد و السجن والضطهاد ‪،‬‬
‫لكى يوصلوا كلمة الله إلى كل أحد ‪ 0‬و هكذا الذين " ليس لهم صوت‬
‫ول إلى أقطار المسكونة بلغت أقوالهم " ) مز ‪0 ( 19‬‬
‫ويعبر بولس الرسول عن عمق هذا العمل الكرازى و احتمالة فيقول ‪:‬‬
‫" فى كل شئ نظهر أنفسنا الله ‪ ،‬فى صبر كثير ‪ ،‬فى شدائد فى‬
‫ضرورات فى ضيقات ‪ ،‬ضربات فى سجون فى اضطهادات ‪ ،‬فى‬
‫أتعاب ‪ ،‬فى أسهار فى أصوام ‪ 00‬كمضلين ‪ 00‬كمجهولين ‪00‬‬
‫كمائتين ‪ 00‬كحزانى " ) ‪2‬كو ‪0 ( 10 _ 4 : 6‬‬
‫وعمقهم ظهر فى غيرتهم المقدسة التى لم تكن تهدأ ‪0‬‬
‫يعملون من أجل الرب فى كل وقت‪ ،‬مناسب و غير مناسب )‪2‬تى ‪: 4‬‬
‫‪ 0 ( 2‬حتى أثناء محاكمتهم أيضا ً ‪ ،‬مثلما وقف بولس أمام فيلكس‬
‫الوالى ) أع ‪ ( 24‬وأمام أغريباس الملك ) أع ‪ ( 25‬وكانوا يتكلمون‬
‫بكلمة الله بكل مجاهرة ) أع ‪0 ( 31 : 28‬‬
‫يذكرنا هذا بالمبشرين الذين نقلوا اليمان إلى بلد شعبها من أكلة لحوم البشر‬
‫‪00‬‬
‫هنا يبدو العمق فى محبة الله و ملكوته ‪ ،‬و العمق فى خدمة الكلمة‬

‫بعض الخدام يقيسون خدمتهم بمقاييس خاطئة ‪ ،‬لها المظهر‬


‫الشكلى من الخارج وليس لها العمق ‪ 0‬مثل من يقيس خدمته بكثرة‬
‫عدد تلميذه ‪ ،‬أو بكمية الدروس و نوعيتها ‪ ،‬و وما يتلقاه التلميذ من‬
‫المعرفة الدينية ‪ 0‬أو خادم يقيم خدمته بارتقائه من خادم ابتدائى‬
‫إلى خدمة ثانوى أو اعداد خدام ‪ ،‬أو بمظهريات أخرى من تنظيمات‬
‫فى الخدمة ‪ ،‬كراسات تحضير الدروس أو كراسات الفتقاد ‪ 0‬و‬
‫ينسى الخادم فى كل ذلك ما يتعلق بعمق الخدمة ‪ ،‬و عملها فى‬
‫قيادة التلميذ إلى التوبة ‪ ،‬و إلى محبة الله‬
‫***‬
‫وقد يوجد خادم بل فصل ‪ ،‬وخدمته أكثر عمقا ‪0‬‬
‫كخادم يشتغل فى العمل الفردى ‪ 0‬وكل من يلتقى به يجذبه إلى‬
‫محبة الله ‪ ،‬ويلهب قلبه بكلمات النعمة التى تخرج من فمه ‪ 0‬وفى‬
‫كل يوم يضم إلى الكنيسة أعضاء جدد ما كانوا يدخلون الكنيسة من‬
‫قبل ‪00‬‬
‫أو أنه يخدم فى حل المشاكل العائلية ‪ ،‬بكل تعب وعمق و مثابرة ‪0‬‬
‫وقد يقضى أيام طويلة ويسهر ويقنع ‪ ،‬لكى يدخل سلم الله إلى‬
‫البيت ‪ 0‬ول أحد من كبار الخدام فى الكنيسة يعرف عن خدمته شيئا‬
‫وأعرف خادم كان يعمل معنا منذ أكثر من أربعين عاما ‪ ،‬كنا نسمى‬
‫فصله ) فصل الشواذ ( ‪ ،‬لنه كان يجذب الولد المتسكعين فى‬
‫الشوارع ‪ ،‬أو فى المقاهى وأمام دور اللهو ويحولهم ليس فقط إلى‬
‫تلميذ ثابتين فى الكنيسة ن بل أن بعضهم صاروا خداما ‪00‬‬
‫***‬
‫ومن أمثلة الخدمة العميقة ‪ ،‬قصة فيلبس مع الخصى الحبشى ‪00‬‬
‫فيلبس ‪ ،‬وهو سائر فى الطريق ‪ ،‬يرى مركبة الخصى و هو يقرأ‬
‫سفر اشعياء ‪ ،‬فيبدأ أن يشرح له فى عمق ‪ ،‬حتى يجذبه إلى‬
‫اليمان ‪ ،‬إذ يعلن الخصى إيمانة من كل قلبه ‪ ،‬ينزل الثنان فيعمده‬
‫‪ 00‬هل أخذت هذه الخدمة ساعة أو أكثر أو أقل ‪ 0‬لكنها كانت عميقة‬
‫و مثمرة ‪00‬‬
‫مثالها أيضا ً خدمة المعمدان واسطفانوس الشماس ‪0‬‬
‫فى عمق شديد خدم المعمدان حوالى ستة أشهر أو أكثر بقليل ‪0‬‬
‫وفى خلل تلك المدة القصيرة ‪ ،‬مهد الطريق أمام الرب ‪ ،‬بشعب‬
‫مستعد ‪ ،‬قادة المعمدان إلى التوبة ومعمودية التوبة ‪ 00‬حتى أن‬
‫الرب قال ‪ :‬لم تلد النساء من هو أعظم من يوحنا المعمدان ‪ ،‬وقال‬
‫إنه أعظم من نبى ) مت ‪0 ( 9 ، 11 : 11‬‬
‫كذلك اسطفانوس الشماس ‪ ،‬كانت خدمته قصيرة ‪ ،‬ولكن عميقة جدا ً‬
‫‪ 0‬سيرته بدأت فى ) أع ‪ ( 6‬واستشهاده فى )أع ‪ 0 ( 7‬واستطاع فى‬
‫تلك الفترة القصيرة أن يجعل جماهير كثيرة تنضم إلى اليمان ‪،‬‬
‫وأفحم كثيرا من المجامع ‪ 0‬ولم يستطيعوا أن يقاوموا القوة ‪ ،‬ول‬
‫الروح الذى كان يتكلم به ) أع ‪0 ( 10 : 6‬‬
‫***‬
‫إن الكلمة العميقة تستطيع أن تأتى بثمر كثير ‪0‬‬
‫عظة واحدة بعمق عمل الروح القدس فيها استطاعت أن تضم إلى‬
‫اليمان ثلثة آلف تعمدوا معا فى يوم الخمسين ‪00‬‬
‫إنسان يكلمك كلمة فتلمس قلبك ‪ ،‬و ل تفارق ذهنك مطلقا ‪ ،‬تتمشى‬
‫معك فى الطريق ‪ ،‬وتصاحبك فى نومك وفى صحوك ‪ 0‬و تعمل فيك‬
‫عمل كثيرا ‪ 0‬إنها كلمة خرجت من العمق ‪ ،‬ووصلت إلى العمق ‪0‬‬
‫وكان لها تأثيرها وفاعليتها وقوتها ‪ 0‬وأصبحت تعمل عمل عميقا‬
‫مثلها ‪00‬‬
‫***‬
‫ننتقل إلى نقطة أخرى وهى العمق فى العبادة ‪:‬‬
‫كثيرون يهمهم المقياس الطولى فى الصوم مثل ‪ ،‬وفى الصلة‬
‫وعدد المزامير ‪ ،‬وفى المطانيات ‪ ،‬دون أن يهتموا بالعمق فى العبادة‬
‫‪ 0‬وقد يصوم النسان أربعين يوما أو خمسة و خمسين ‪ ،‬وربما يشتد‬
‫على نفسه من جهة الطعام ‪ 0‬ولكن بغير عمق فى العمل الروحى ‪،‬‬
‫فى النتصار على النفس ‪ ،‬فى بط الرادة و الحواس ‪ ،‬الفكر أثناء‬
‫الصوم ‪ 0‬وكأن الصوم مظهر خارجى ‪ ،‬وفى الداخل فى العماق ‪ ،‬ل‬
‫شئ على الطلق ‪ 0‬ويخرج من الصوم بنفس الطباع والخطاء ‪ 0‬أما‬
‫الذى يصوم بعمق روحى ‪ ،‬وتصوم نفسه مع جسده ويصحب صومة‬
‫بانسحاق القلب و التوبة و الخشوع و التدرايب الروحية ‪ ،‬فهذا يأتى‬
‫بثمر كثير ‪0‬‬
‫كذلك المطانيات ‪ ،‬فى عمقها ل فى عددها ‪0‬‬
‫إنسان تلصق بالتراب نفسه ‪ ،‬ليست مجرد رأسة تنحنى ‪ ،‬دون أن‬
‫تنحنى كبرياؤه من الداخل ‪0‬‬
‫***‬
‫و نفس الوضع فى القراءة و عمقها وتأثيرها ‪0‬‬
‫ليس المهم أن تقرأ عددا ً كبيرا من الصحاحات ‪ ،‬وإنما ما تتركه هذه‬
‫القراءة فى نفسك من عمق وتأثير ‪ 0‬إن آية واحدة سمعها الشاب‬
‫أنطونيوس ‪ ،‬وأخذها بعمق ‪ ،‬أمكنها أن تغير حياته كلها ‪ ،‬و تنشئ‬
‫منهجا روحيا كبيرا ً اتبعه اللف من الملئكة الرضيين و البشر‬
‫السمائيين ‪ 0‬وامتد تأثيرها إلى أجيال طويلة سارت على نفس النهج‬
‫‪ 00‬فهل أنت تقرأ بنفس العمق الذى استمع به القديس أنطونيوس‬
‫إلى تلك الية ‪0‬‬
‫إن الكتبة و الفريسيين كانوا يقرأون كثيرا ‪ ،‬بل كانوا ‪ ،‬بل كانوا من‬
‫علماء عصرهم بالكتاب ‪ 0‬ولكن لم يكن لهم عمق ‪ ،‬ل فى الفهم ول‬
‫فى التطبيق ‪ 0‬فلم يستفيدوا شيئا ‪ ،‬بل أعثروا غيرهم ‪0‬‬
‫أنظر إلى داود النبى فى عمق قراءاته ‪0‬‬
‫إنه يقول للرب " الكل كمال رايت منتهى ‪ ،‬أما وصاياك فواسعة جدا ً‬
‫) مز ‪ 0 ( 119‬ويقول " اكشف عن عينى ‪ ،‬لرى عجائب من شريعتك‬
‫‪ 0‬وعمقه فى القراءة ‪ ،‬كان يجلب له الفرح و اللذة ‪ ،‬كمن وجد غنائم‬
‫كثيرة ‪ 0‬ويكون كلم الله أحلى من العسل و الشهد فى فمه ) مز‬
‫‪0 (119‬‬

‫كثيرون تابوا ‪ ،‬ورجعوا كما كانوا ‪ ،‬لن توبتهم لم تكن بعمق ‪0‬‬
‫أما الذين تابوا بعمق ‪ ،‬فلم يعودوا إلى الخطية مرة أخرى ‪0‬‬
‫كانت التوبة نقطة تحول مصيرية فى حياتهم ‪ ،‬تدرجوا منها إلى‬
‫النمو فى حياة البر ‪ ،‬حتى وصلوا إلى درجات عالية من الكمال‬
‫المسيحى ‪ ،‬مثل داود النبى فى انسحاقه ودموعه ‪ 00‬واوغسطينوس‬
‫الذى ترهب وصار أسقفا ‪ ،‬ودافع عن اليمان المسيحى ‪،‬وله تأملت‬
‫روحية عميقة جدا ‪ 00‬وموسى السود الذى نما فى الحب و الوداعة‬
‫وخدمة الناس ‪ ،‬وصار من آباء البرية ‪ 00‬ومريم القبطية التى سمت‬
‫فى حياة الوحدة ‪ ،‬حتى صارت فى مرتبة السواح ‪ ،‬وباركت القديس‬
‫زوسيما القس‬
‫***‬
‫الذين لهم خطايا يكررونها فى كل اعتراف ‪ ،‬لم يتوبوا بعد ‪00‬‬
‫و الذين ل تصحب توبتهم مشاعر النسحاق و الندم ‪ ،‬و الشعور بعدم‬
‫الستحقاق هؤلء ليس لهم عمق فى التوبة ‪ ،‬وما أسهل رجوعهم‬
‫إلى الخطية ‪ 0‬ومثلهم أولئك الذين فى توبتهم يسرعون إلى حياة‬
‫الفرح ‪ ،‬دون أن تنضج توبتهم و تثمر ‪0‬‬

‫اليمان العادى يدعية الكل ‪ 0‬ولكن ليس كل مؤمن عميق فى إيمانة‬


‫‪ 0‬بطرس الرسول آمن إلى حين ومشى مع المسيح الماء ‪ 0‬ثم‬
‫ضعف إيمانة فسقط ‪ 0‬ووبخه الرب قائل " يا قليل اليمان ‪ ،‬لماذا‬
‫شككت " ) متى ‪ 0 ( 31 : 14‬اليمان العمق ل يشك ول يخاف ‪ ،‬بل‬
‫يمكن أن ينقل الجبال ) مت ‪ 0 ( 20 : 17‬بل أعظم ما قيل عن‬
‫اليمان العميق ‪ ،‬قول الرب ‪:‬‬
‫كل شئ مستطاع للمؤمن ) مر ‪0 ( 23 : 9‬‬
‫إيمان له قوته ‪،‬و له نصرته ‪ ،‬وله فاعليته حتى يشمل الحياة كلها ‪0‬‬

‫قد يوجد صديق لك ‪ ،‬تدوم صداقته عشرين عاما ‪ ،‬ثم بسبب لفظة‬
‫معينة ‪ ،‬أو وشاية ‪ ،‬أو خبر غير صحيح قد سمعه ‪ ،‬ينقلب و يتغير ‪0‬‬
‫وتقول له " عندى عليك أنك تركت محبتك الولى "‬
‫) رؤ ‪ 0 ( 4 : 2‬أما المحبة العميقة فيقول عنها الكتاب ‪:‬‬
‫" مياه كثيرة ل تستطيع أن تطفئ المحبة " ) نش ‪0 ( 7 : 8‬‬
‫" المحبة قوية كالموت " ) نش ‪ " ( 6 : 8‬المحبة تسقط أبدا ً " ) ‪1‬كو‬
‫‪ ( 8 : 13‬سواء كانت محبة نحو الله أو الناس ‪0‬‬
‫عميقة مثل محبة الم لرضيعها ‪ 00‬مثل المحبة بين داود ويوناثان ‪0‬‬
‫محبة تتبع إلى الصليب ‪ ،‬مثل محبة يوحنا للمسيح ‪ 0‬محبة " ليست‬
‫بالكلم ول باللسان ‪ ،‬بل بالعمل و الحق " ) ‪1‬يو ‪0 ( 18 : 3‬‬
‫اعمق محبة هى التى تبذل ‪ ،‬حتى ذاتها ‪0‬‬
‫كمحبة الرب على الصليب ‪ 0‬أحب جتى بذل ) يو ‪( 16 : 3‬‬
‫هناك أشخاص يتميزون بالعمق ‪ ،‬وآخرون بالسطحية ‪ 0‬فالشخصية‬
‫العميقة ‪ ،‬لها عمق فى التفكير و التدبير ‪ ،‬عمق فى الذكاء و الفهم‬
‫الشخص منهم له ذكاء شمولى ‪ ،‬يشمل كل شئ ‪ 0‬إذا بحث موضوعا ‪،‬‬
‫يفكر فيه من جميع زواياه ‪ ،‬ويعمل حسابا لكل النتائج وردود الفعل‬
‫‪ 0‬وإذا تكلم يتكلم بعمق ‪ 00‬كذلك فى العمل و المسئولية ‪ ،‬يتناول‬
‫كل شئ بعمق ‪ ،‬مثل يوسف الصديق وهو وزير تموين لمصر ‪ 0‬ومثل‬
‫يوكابد فى عمق تربيتها لبنها موسى النبى ‪00‬‬
‫فمثل التلميذ الذى يذاكر بعمق ‪ ،‬يذاكر بفهم و تركيز ‪ ،‬وبعقل منتبه ‪،‬‬
‫ل ينسى ‪ 0‬ليس المهم عدد ساعات مذكراته ‪ ،‬إنما عمق الفهم و‬
‫الحفظ ‪0‬‬
‫النسان الروحى ‪ ،‬حياته ليست مظهرية من الخارج ‪ ،‬ول هى مجرد‬
‫ممارسات يمارسها ‪ ،‬ول مجرد ناموس ) أى وصايا تنفذ حرفيا ً ( ‪،‬‬
‫إنما حياته الروحية قبل كل شئ ‪ ،‬هى " حياة القلب مع الله " ‪ 0‬لن‬
‫الرب يقول ‪ " :‬يا ابنى اعطنى قلبك ‪ ،‬ولتلحظ عيناك طرقى " ) أم ‪( 26 : 23‬‬
‫‪0‬‬
‫المهم أن تعطينى قلبك ‪ 0‬وإن أعطيتنى هذا القلب ‪ ،‬سوف تلحظ‬
‫عييناك طرقى ‪ 0‬ويقول الوحى اللهى فى سفر المثال أيضا ً " فوق‬
‫كل تحفظ احفظ قلبك ‪ ،‬لن منه مخارج الحياة " ) أم ‪00 ( 23 : 4‬‬
‫حياة النسان الروحية كلها تخرج من هذا القلب ‪ 0‬لذلك على‬
‫النسان أن يهتم بقلبه ونقاوته ‪ 0‬ومن اهميته قال الرب فى‬
‫تطويباته فى العظة على الجبل ‪:‬‬
‫" طوبى لنقياء القلب ‪ ،‬لنهم يهاينون الله " ) مت ‪( 8 : 5‬‬
‫حقا ما أعظم مكافاة القلب النقى ‪ 00‬إنه يرى الله !! فليست الحياة‬
‫الروحية كلما ‪ ،‬ول مظهرية خارجية ‪ 00‬فإن المرتل يقول فى‬
‫المزمور " كل مجد ابنة الملك من داخل " على الرغم من أنها "‬
‫مشتملة بأطراف موشاة بالذهب ‪ ،‬و مزينة بأنواع كثيرة " ) مز ‪: 45‬‬
‫‪0 ( 13‬‬
‫***‬
‫ولهذا نجد أن الرب قد قال من جهة وصاياه ‪:‬‬
‫" ولتكن هذه الكلمات التى انا أوصيك بها اليوم على قلبك " ) تث ‪0 ( 6 : 6‬‬
‫وقال المرتل فى ذلك " خبأت كلمك فى قلبى ‪ ،‬لكى ل أخطئ إليك‬
‫" ) مز ‪ 0 ( 119‬و حينما تكون وصية الله داخل القلب ‪ ،‬تكون‬
‫مختلطة بالمشاعر و العواطف و الحاسيس ‪ 0‬وتكون أيضا ً مرتبطة‬
‫بالمحبة التى فى القلب ‪ ،‬كما قال داود فى المزمور " أحببت‬
‫وصاياك جدا " " ممحص قولك جدا ً ‪ 0‬عبدك أحبه " ) مز ‪00 ( 119‬‬
‫القلب هو مركز المشاعر ‪ 0‬والله يريد مشاعر قلبك ‪00‬‬
‫يريد محبتك ‪ 0‬ولذلك قال ‪ :‬تحب الرب إلهك من كل قلبك ‪ ،‬و من كل فكرك‬
‫‪ ) " 00‬مت ‪( 37 : 22‬‬
‫وكذلك ‪ :‬تحب قريبك كنفسك " ‪ 0‬وقال الرب عن هذه المحبة ‪ ،‬إنه‬
‫بها " يتعلق الناموس كله والنبياء " مت ‪ 0 ( 40 : 22‬وعبارة " من‬
‫كل قلبك " تعنى أنه ل يوجد فى القلب أى شخص أو أى شئ ينافس‬
‫الله فى محبة القلب له ‪ 0‬ولهذا قال الرب " من أحب ابا أو أما أكثر‬
‫منى ‪ ،‬فل يستحقنى ‪ 0‬ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر منى ‪ ،‬فل‬
‫يستحقنى " ) مت ‪ 00 ( 37 : 10‬كل القلب لله ‪0‬‬
‫والله يطلب هذا ‪ ،‬فيقول فى سفر النشيد ‪ " :‬اجعلنى كخاتم على‬
‫ساعدك " ) نش ‪0 ( 6 : 8‬‬
‫كخاتم على قلبك من جهة الحب ‪ ،‬وعلى ساعدك من جهة العمل ‪0‬‬
‫وهكذا يكون العمل الذى يقوم به النسان الروحى ‪ ،‬هو نتيجة طبيعية‬
‫لمحبته لله وللناس ‪ 00‬و كلما كان القلب عميقا فى محبته ‪ ،‬فعلى‬
‫هذا القدر يكون عمله لجل الله قويا ‪00‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫و القلب النقى يكون كلمه نقيا ‪ ،‬ويكون فكره ايضا نقيا ‪ ،‬لن الفكر‬
‫يصدر عن القلب ‪ ،‬و الكلم يصدر عن القلب ‪ ،‬و الكلم يصدر عن‬
‫القلب ‪ 0‬وقد قال الرب فى ذلك ‪00‬‬
‫" النسان الصالح ‪ ،‬من كنز قلبه الصالح يخرج الصلح " ) لو ‪0 ( 45 : 6‬‬
‫" و النسان الشرير من كنز قلبه الشرير يخرج الشر " ‪ 0‬إذن المهم‬
‫هو القلب ‪ " ،‬لن منه مخارج الحياة " ‪ 0‬هو النبع الذى يخرج منه‬
‫الفكر و الكلم و العاطفة ‪ ،‬بل هو المؤثر على الحواس أيضا ً ‪ 00‬إن‬
‫البعض قد يدافع عن إنسان غضوب تخرج من فمه ألفاظ قاسية‬
‫شديدة ‪ ،‬فيقول " على الرغم من غضبه ‪ ،‬فإن قلبه أبيض " ! كل ‪،‬‬
‫فالقلب البيض تخرج منه الفاظ بيضاء مثله ‪ 0‬وقد قال الرب‬
‫" من فضلة القلب يتكلم الفم " ) لو ‪ ) ( 45 : 6‬مت ‪ ) ( 34 : 12‬مت ‪( 18 : 15‬‬
‫‪0‬‬
‫ولذلك فخطية اللسان هى خطية ثانية تابعة ‪ 0‬أما الخطية الولى‬
‫السابقة لها فهى فى القلب فيه نفاق تخرج منه ألفاظ نفاق ‪0‬‬
‫القلب فيه غضب ‪ ،‬تخرج منه ألفاظ غضب ‪ 0‬القلب فيه حنو وعطف‬
‫‪ 00‬وهكذا مع باقى المور ‪ 00‬وهكذا يقول المرتل فى المزمور ‪" :‬‬
‫فاض قلبى بكلم صالح " ) مز ‪( 1 : 45‬‬
‫هذا يكون مع الصالحين ‪ ،‬الذين قلوبهم والسنتهم فى مجرى واحد ‪،‬‬
‫كما نقول فى التسبحة " قلبى و لسانى يسبحان القدوس ‪ 0‬وعكس‬
‫ذلك المراءون الذين قلوبهم غير ألسنتهم ! أولئك الذين وبخهم‬
‫الرب قائل " ‪ 00‬كيف تقدرون أن تتكلمو بالصالحات وأنت أشرار ؟! "‬
‫) مت ‪0 ( 34 : 12‬‬
‫هذا المرائى الذى يتكلم بغير ما فى قلبه ‪ ،‬قد تكشفه نظرات عينيه‬
‫‪ 9‬فإن العين كثيرا ما تكون مرأة للقلب ‪ ،‬تظهر فيها أحاسيسه كلها‬
‫‪ 00‬وقد تكشفه ملمح وجهة ‪ ،‬أو نبرات صوته ‪0‬‬
‫***‬
‫والنسان الروحى بسيط القلب ‪ ،‬ل يضمر غير ما يظهر !‬
‫هو إنسان صريح ‪ 0‬ما يقوله بلسانه هو نفس الذى فى قلبه ‪ 0‬إذا‬
‫امتدح إنسانا ‪ ،‬فهو يثق به هكذا فى قلبه ‪ 0‬وإن اعتذر لنسان عن‬
‫خطأ ‪ ،‬يكون هذا العتذار صادرا حقا من قلبه ‪ 00‬بينما غيره قد يعتذر‬
‫‪ ،‬ول يكون اعتذاره مقبول ‪ ،‬لنه لم يصدر من القلب ! وقد يقول‬
‫لشخص " الله يسامحك " ‪ ،‬وهو يقصد " الله يجازيك حسب عملك !!‬
‫" ‪00‬‬
‫إن الله أعلم بما القلب ‪ ،‬فهو وازن القلوب ) أم ‪0 ( 2 : 21‬‬
‫وقد قال الكتاب عن الله إنه " فاحص القلوب الكلى " ) أر ‪( 20 : 11‬‬
‫" هو يعرف خفيات القلب "‬
‫) مز ‪ " ( 21 : 44‬الرب يعرف أفكار والنسان " ) مز ‪0 ( 11 : 94‬‬
‫وقيل " القلب أخدع من كل شئ ‪ ،‬وهو نجس من يعرفه ؟! أنا الرب‬
‫فاحص القلب مختبر الكلى لعطى كل واحد حسب طرقه ‪ ) " 00‬أر‬
‫‪ 00 ( 9 : 17‬أما النسان الروحى ‪ ،‬فقلبه مستقيم أمام الله ‪0‬‬
‫و الرب يعرف القلوب المستقيمة ‪ ،‬و القلوب الملتوية ‪0‬‬
‫ويقول الكتاب " نور أشرق للصديقين ‪ ،‬وفرح للمستقيمى القلب " )‬
‫مز ‪ 0 ( 11 : 97‬و يقول " كراهة الرب ملتوو القلب " ) أم ‪: 11‬‬
‫‪ 0 ( 20‬و المستقيمون بقلوبهم يقول عنهم الكتاب إنهم " يدعون‬
‫الرب من قلب نقى " ) ‪2‬تى ‪ 0 ( 22 : 2‬وعن هذا القلب‬
‫يقول داود النبى فى مزمور التوبة ‪:‬‬
‫" قلبا نقيا أخلق فى يا الله وروحا مستقيما جدد فى أحشائى " ) مز ‪0 ( 10 : 51‬‬
‫***‬
‫وهذه النقطة تنقلنا إلى التوبة وعلقتها بالقلب ‪00‬‬
‫التوبة الحقيقية ليست هى مجرد ترك الخطية بالفعل ‪ ،‬إنما ترك‬
‫الخطية من القلب ‪ 0‬أى أن القلب لم يعد يحبها ‪ 0‬وكمال التوبة هو‬
‫كراهية الخطية ‪ 0‬وإذا كره النسان الخطية ‪ ،‬فلن يعود إليها مرة‬
‫أخرى ‪ 0‬وهكذا تصبح توبته هى خط فاصل بين حياة بعيدة عن الله ‪،‬‬
‫وحياة مع الله ‪ 0‬وهكذا قال الرب فى التوبة ‪:‬‬
‫" ارجعوا إلى بكل قلوبكم " ) يوء ‪0 ( 12 : 2‬‬
‫" مزقوا قلوبكم ل ثيابكم ‪ ،‬وارجعوا إلى الرب إلهكم " ) يوء ‪( 13 : 2‬‬
‫‪ 0‬فالتوبة هى اشتياق للرجوع إلى الله ‪ ،‬واستجابة لصوته ولعمل‬
‫نعمته فى القلب ‪ 0‬أما النسان الذى ل يستجيب لصوت الله ‪ ،‬فهو‬
‫إنسان قاسى القلب ‪ 0‬وفى ذلك يقول الرسول ‪:‬‬
‫" إن سمعتم صوته ‪ ،‬فل تقسوا قلوبكم " ) عب ‪0 ( 15 ، 8 : 3‬‬
‫ويكرز ذلك فى ) عب ‪ 0 ( 7 : 4‬وهذا نفس ما قيل قديما فى‬
‫المزمور " ليوم إن سمعتم صوته ‪ ،‬فل تقسوا قلوبكم " ) مز ‪: 95‬‬
‫‪ 0 ( 8 ، 7‬إذن فالله ينظر إلى عدم التوبة ‪ ،‬من خلل القلب‬
‫الرافض ‪ ،‬قبل العمل العاصى ‪ 0‬و لذلك فهو فى قيادتنا إلى التوبة ‪،‬‬
‫يعدنا بتغيير هذا القلب ‪ 0‬فإن تغير ‪ ،‬يتغير السلوك طبقا ً لذلك ‪ 0‬و‬
‫هكذا يقول الرب ‪ " :‬اعطيكم قلبا جديدا ً ‪ ،‬واجعل روحا ً جديدة داخلكم " ) حز‬
‫‪0 ( 26 : 36‬‬
‫" أنزع قلب الحجر من لحمكم ‪ ،‬و أعطيكم قلب لحم " ‪ 0‬فهو يعتبر‬
‫التوبة تبدأ من القلب ‪ 0‬و القلب التائب هو قلب حجر ‪ ،‬قلب صخر ‪،‬‬
‫قلب قاس ‪ ،‬كما كان قلب فرعون قلبا قاسيا ‪0‬‬
‫ويكرر الرب نفس الكلم فى سفر ارمياء النبى فيقول " وأعطيهم‬
‫قلبا ليعرفونى أنى أنا الرب ‪ ،‬فيكونوا لى شبعا ‪ ،‬وأنا أكون لهم إلها‬
‫‪ 0‬لنهم يرجعون إلى بكل قلوبهم " ) أر ‪0 ( 7 : 24‬‬
‫***‬
‫ورجوع النسان معناه ان ارادة قلبه تتحد مع ارادة الله ‪0‬‬
‫الله يعمل فى قلبه ‪ ،‬و هو يرجع بقلبه إلى الله ‪ 0‬و هكذا يقول الرب‬
‫فى سفر يوئيل لنبى " ارجعوا إلى بكل قلوبكم " ) يؤ ‪0 ( 12 : 2‬‬
‫ويقول فى سفر حزقيال النبى " اطرحوا عنكم كل معاصيكم التى‬
‫عصيتم بها ‪ 0‬واعملوا لنفسكم قلبا جديدا وروحا جديدة " ) حز ‪: 18‬‬
‫‪ 0 ( 31‬وعن نتائج هذا القلب الجديد ‪ ،‬يقول القديس بولس الرسول‬
‫" ‪ 00‬تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم " ) رو ‪ 0 ( 2 : 12‬فإن‬
‫القلب إذا تغير من الداخل ‪ ،‬تتغير افكاره ايضا ً ‪ 0‬لن الفكار الشريرة‬
‫تخرج من القلب ‪ ،‬كما قال الرب ) مت ‪ 0 ( 19 : 15‬إذن لبد من‬
‫تغيير القلب ‪0‬‬
‫عيب الكثيرين أنهم يظنون التوبة مجرد العتراف بالخطايا ‪ ،‬و يستبقون خطية‬
‫محبوبة فى القلب ‪0‬‬
‫وبسبب هذه الخطية المحبوبة يرتدون عن توبتهم ‪ ،‬ويسقطون مرارا‬
‫كثيرة ‪ ،‬لن القلب ليس كله الله ‪ ،‬ولنهم لم يرجعوا غلى الله بكل‬
‫قلوبهم ‪ 00‬ولم تتجدد أذهانهم ‪ ،‬إذ ليزال الفكر متعلقا بالخطية ‪،‬‬
‫كالقلب ايضا ً ‪ 00‬هؤلء توبتهم من الخارج و ليس من الداخل ‪ 0‬و‬
‫ينظر الله إلى الداخل ويقول " يا ابنى اعطنى قلبك " ‪ 00‬جنانيا‬
‫وسفيرا وضعوا المال تحت أقدام الرسل ‪ 0‬ولكن لم يضعوا الله فى‬
‫قلوبهم ‪ 0‬كانت فى قلوبهم محبة المال ‪ ،‬و لو بعض المال ) أع ‪1 : 5‬‬
‫–‪0(4‬‬
‫***‬

‫كثيرا من ندعو أولدنا إلى الحشمة فى ملبسهم ‪ ،‬دون أن ندخل الحشمة إلى‬
‫قلوبهم !‬
‫ً‬
‫بينما لو دخل الله إلى قلوبهم ‪ ،‬لقتنعوا بالحشمة قلبا وفكرا ‪ 0‬و‬
‫حينئذ تأتى الحشمة فى الملبس و الزينة كعمل تلقائى طبيعى ‪،‬‬
‫دون ضغط من الخارج ‪ ،‬يكون فيه القلب مشتاقا ً إلى غير ذلك !‬
‫ينبغى أن نسمو عن مستوى العمال الظاهرة ‪ ،‬إلى مشاعر القلب من الداخل ‪0‬‬
‫يوجد إبن قد طيع أباه خوفا أولمجرد فضيلة الخضوع ‪ ،‬بينما قلبه‬
‫متمرد من الداخل على أوامر ابيه ‪ ،‬ولم يخضع بعد قلبا ول فكرا ‪00‬‬
‫وقد إنسان العشور ‪ ،‬وقلبه غير مستريح ‪ 0‬فهو قد دفعها من جيبه ‪،‬‬
‫وليس من قلبه ‪00‬‬
‫أما النسان الروحى إذا أعطى ‪ ،‬يعطى ‪ ،‬يعطى من قلبه ‪ ،‬برضى‬
‫وسرور ‪ ،‬حسب قول الكتاب " المعطى بسرور يحبه الرب "‪0‬‬
‫وقد يصوم إنسان عن الطعام بفمه ‪ ،‬وقلبه غيرزاهد فى هذا الطعام‬
‫‪ ،‬ويتحايل على الطعام بألوان وطرق شتى ‪ ،‬فيبحث عن المسلى‬
‫الصيامى ‪ ،‬و الجبنة الصيامى ‪ ،‬و الشيكولته الصيامى ‪ 0‬كما يبحث‬
‫عن طريقة الطهى التى تجعل الطعام الصيامى شهيا ً ‪ !!00‬أين‬
‫جوهر الصوم هنا ؟ وما علقته بالقلب ؟!‬
‫وقد يضرب إنسان مطانية بجسده ‪ ،‬بينما قلبه لم ينحن مثل انحناءة رأسه ‪0‬‬
‫ول نكون فى مطانياته روح الندم ‪ ،‬ول روح الخشوع ‪ ،‬ول روح التوبة‬
‫‪ 0‬ولذلك حينما بتعذر لغيره بمطانية ‪ ،‬ل تكون مقبولة منه ‪ 00‬وقد‬
‫يعترف إنسان بخطاياه ‪ ،‬وقلبه غير نادم عليها !‬
‫وقد يصمت إنسان عن الكلم بلسانه ‪ ،‬ويكون فى فكرة كلم كثير !‬
‫وقد يتكلم إنسان بكلم إتضاع ‪ ،‬ول يكون قلبه متضعا ً ‪ ،‬وقد تكون‬
‫كلماته ألين من الزيت ‪ ،‬وهى سهام ) مز ‪ 0 ( 21 : 55‬وفى كل ذلك‬
‫يقول الرب " يا ابنى اعطنى قلبك "‬
‫النسان الروحى يعطى القلب لله ‪ ،‬لن القلب فيه كل المشاعر و الروحيات ‪0‬‬
‫خذوا اليمان مثل ‪ :‬فرق كبير بين المؤمن اسما ‪ ،‬وبين المؤمن من‬
‫أعماق القلب ‪ ،‬الذى يظهر إيمانه فى كل اعماله ) يع ‪00 ( 18 : 2‬‬
‫المؤمن الذى يرى الله أمامه فى كل حين ‪ 0‬ووجود الله بالنسبة‬
‫اليه ‪ ،‬ليس مجرد عقيدة ‪ ،‬بل هو حياة يحياها ويحسها ‪ 00‬و الغيرة‬
‫المقدسة ليست مجرد عمل أو كلم ‪ ،‬بل من القلب تصدر و الوداعة‬
‫و التضاع وباقى الفضائل ‪ ،‬ليست هى مجرد أعمال ظاهرية ‪0‬‬
‫فهناك فرق كبير بين المتواضع بلسانة ‪ ،‬و المتواضع بقلبه المقتنع‬
‫فى داخله بأنه خاطئ وضعيف ‪ ،‬ولول نعمة الله التى تسنده لسقط‬
‫كغيره ‪00‬‬
‫***‬
‫و القلب أيضا ً هو مصدر الحلم و الظنون والفكار و الشكوك ‪ 00‬وهو أيضا ً‬
‫مصدر كل ثمار الروح ) غل ‪0 ( 23 ، 22 : 5‬‬
‫المحبة مثل ‪ ،‬و الفرح ‪ ،‬و السلم ‪ 00‬كلها صادرة من القلب ‪00‬‬
‫وطول الناة و اللطف و الصلح و التعفف ‪ 00‬كلها صادرة عن القلب‬
‫‪ ،‬إل فإنها تفقد معناها وما فيها من بر ‪00‬‬
‫الصلح ليس قبورا مبيضة من الداخل ) مت ‪ ، ( 27 : 23‬وإنما هو‬
‫صلح القلب ‪ 0‬الطهارة ليست مجرد الهرب من الخطية ‪ ،‬وإنما هى‬
‫نقاوة قلب ‪00‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى فى كل عمل يعمله ‪ ،‬يدرك أن الله ناظر غلى قلبه وإلى نيته‬
‫وقصده ‪0‬‬
‫ومن كنز قلبه الطاهر ‪ ،‬يخرج كل عمل طاهر ‪ 0‬حيث يكون كنزه ‪،‬‬
‫يكون قلبه أيضا ً ) مت ‪ 0 ( 21 : 6‬و كنزه الوحيد هو الله ‪ 00‬وهو فى‬
‫كل حين يقول للرب " مستعد قلبى يا الله مستعد قلبى " ) مز ‪: 57‬‬
‫‪ 0 ( 1‬حتى إن نام ‪ ،‬تقول نفسه لله " أنا نائمة ‪ ،‬وقلبى مستقيظ " )‬
‫نش ‪0 ( 2 : 5‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى فى صلته ‪ ،‬تكون خارجة من قلبه ‪0‬‬
‫وليس مثل أولئك الذين قال عنهم الرب " هذا الشعب يكرمنى‬
‫بشفتيه ‪ ،‬أما قلبه فمبتعد عنى بعيدا ً " ) أش ‪ ) ( 12 : 39‬مت ‪: 15‬‬
‫‪ 00 ( 8‬إنما قلبه متصل بالله تماما ‪ 0‬وهو يتكلم ويشعر بوجوده فى‬
‫حضره الله ‪ ،‬وأنه يكلم الله ‪ 0‬و يقول " قلبى و لسانى يسبحان‬
‫القدوس " ويردد مع داود قوله فى المزمور ‪:‬‬
‫" من كل قلبى طلبتك " ) مز ‪0 ( 119‬‬
‫حتى فى القداس ‪ ،‬وفى التسبحة ‪ ،‬ول تكون صلته مجرد لحن ‪ ،‬أو‬
‫مجرد الفاظ يرددها ‪ ،‬أو تلوة ‪ ،‬إنما هى مشاعر قلب انسكب أمام‬
‫الله ‪ 00‬فى انسحاق ‪ ،‬فى خشوع ‪ ،‬فى إيمان ‪ ،‬فى حب ‪ ،‬فى فهم‬
‫فى تأمل ‪ ،‬فى حرارة و التهاب قلب ‪0‬‬
‫ً‬
‫ويتقدم واحد من الربعة و العشرين قسيسا ويأخذ صلته فى‬
‫مجمرته الذهبية ‪ ،‬ويصعد بها إلى فوق‬
‫النسان الروحى هو إنسان قوى ‪ 0‬ونقصد قوة الروح ‪ 00‬كما أن‬
‫القوة غير العنف‬
‫هو إنسان قوى ‪ ،‬لنه صورة الله و مثاله ) تك ‪ ، ( 27 : 1‬والله قوى ‪ 0‬وهو كإبن‬
‫لله ‪ ،‬من المفروض أن يكون قويا فى الروح ‪00‬‬
‫النسان الروحى هو هيكل للروح القدس ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 19 : 6‬و الروح‬
‫القدس ساكن فيه ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 16 : 3‬و هكذا ينال قوة من الروح‬
‫الذى يعمل فيه بقوة ‪ 00‬و يتحقق فيه وعد السيد المسيح الذى‬
‫قال ‪" :‬ولكنكم ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم " ) أع ‪0 ( 8 : 1‬‬
‫وقد قال عنها إنها قوة من العالى " ) لو ‪ 0 ( 49 : 24‬و ظهرت هذه‬
‫القوة فى كرازة الباء الرسل ‪ 0‬و هكذا ورد فى سفر أعمال الرسل‬
‫" وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع ‪ 0‬و‬
‫نعمة عظيمة كانت على جميعهم " ) أع ‪ 0 ( 33 : 4‬وبذلك أيضا ً تحقق‬
‫قول الرب " إن من القيام ههنا قوما ً ل يذوقون الموت ‪ ،‬حتى يروا‬
‫ملكوت الله قد أتى بقوة " ) مر ‪0 ( 1 : 9‬‬
‫***‬
‫قوة النسان الروحى هى من الله نفسه ‪:‬‬
‫كما قال داود النبى فى المزمور " قوتى و تسبحتى هو الرب ‪ 0‬وقد‬
‫صار لى خلصا ً " ) مز ‪ 0 ( 14 : 118‬وكما قال القديس بولس‬
‫الرسول " تقووا فى الرب وفى شدة قوته ‪ ) "0‬أف ‪0 ( 10 : 6‬‬
‫وقال أيضا ً " أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى " ) فى ‪: 4‬‬
‫‪ 0 ( 13‬وعبارة " استطيع كل شئ " تدل على مدى القوة التى‬
‫يحصل عليها النسان الروحى فى المسيح يسوع حتى أن الرب‬
‫يقول ‪:‬‬
‫" كل شئ مستطاع للمؤمن " ) مر ‪0 ( 23 : 9‬‬
‫ومادام كل شئ مستطاعا ً له ‪ ،‬إذا ل يجوز أن يقع إنسان روحى فى‬
‫اليأس أو النهيار أو صغر النفس ‪ 0‬لنه بإيمانه يصير قويا فى‬
‫الداخل ‪ ،‬قوى النفس قوى الروح ‪ 0‬ل يضعف ابدا ‪ ،‬ول ‪ ،‬ول يقلق‬
‫ول يضطرب ‪ ،‬ول يقف عاجزا ‪ 0‬إنه قوى بالله الذى يعمل فيه ‪ ،‬الله‬
‫الذى يقوبه ‪00‬‬
‫***‬
‫هذه القوة تنطبق على الفراد و الجماعات ‪:‬‬
‫تنطبق على النسان الروحى كمؤمن ‪ ،‬وعلى الكنيسة كجماعة‬
‫مؤمنين ‪ 0‬وهكذا ورد فى سفر النشيد عن تحت سليمان الذى يرمز‬
‫غلى الكنيسة " تحت سليمان حوله ستون جبارا من جبابرة اسرائيل‬
‫‪ 0‬كلهم قابضون سيوفا ومتعلمون الحرب ‪ 0‬كل رجل سيفه على‬
‫فخذه من هول الليل " ) نش ‪ 0 ( 8 ، 7 : 3‬وفى سفر النشيد أيضا ً‬
‫من أوصاف القوة التى وصفت بها الكنيسة و النفس البشرية ‪:‬‬
‫" شبهتك يا حبيبتى بفرس فى مركبات فرعون " ) نش ‪0 ( 9 : 1‬‬
‫الفرس – وأيضا ً الفرسان – رمز إلى القوة ) أش ‪ ( 1 : 31‬و الفرس‬
‫فى مركبات فرعون هو " فرس معد ليوم الحرب " ) أم ‪0 ( 31 : 21‬‬
‫ولم يكن فرعون يختار لمركباته إل أقوى الفراس واشدها ‪ 0‬وبهذا‬
‫التشبيه يصف الرب بالقوة كنيسته التى تحبها ‪00‬‬
‫ولعل هذا التشبيه دليل على أن سفر النشيد له رموزه الروحية ‪،‬‬
‫وليس مجرد أغنيات متبادلة بين حبيب و حبيبته كما يتهمه البعض !!‬
‫لنه ل توجد فتاة تقبل أن يصفها حبيبها بفرس فى مركبات فرعون‬
‫‪ 0‬و بنفس المنطق نتحدث عن قول الرب فى سفر النشيد عن‬
‫حبيبته الكنيسة بأنها ‪:‬‬
‫مرهبة كجيش بألوية " ) نش ‪ 6‬ك ‪0 ( 4‬‬
‫وكلمة ألوية هى جمع لواء من لواءات الجيش ‪ 0‬و اللواء يضم عددا‬
‫كبير من الكتائب و السرايا و الليات ‪ 0‬و قد تكرر وصف الكنيسة أو‬
‫النفس البشرية بانها مرهبة كجيش بالوية فى نفس الصحاح من‬
‫سفر النشيد ) نش ‪ 0 ( 10 : 6‬وطبعا ً من المستحيل أن تقبل حبيبة‬
‫أن يصفها حبيبها بأنها مرهبة ‪ ! 00‬وأنها مرهبة كجيش من عدة‬
‫لواءات ‪ !00‬إذن الحديث رمزى عن الكنيسة أو النفس البشرية ‪0‬‬
‫هذه هى النفس التى عاشت مع الله ‪ ،‬وأخذت من قوته قوة لحياتها ‪0‬‬
‫فالنسان الروحى تأخذ روحه قوة من الروح القدس الساكن فيه ‪0‬‬
‫إنه عضو فى جماعة الغالبين المنتصرين ‪ ،‬الذين يحاربون حروب‬
‫الرب بقوة ‪ 0‬ويدعوهم الكتاب المقدس بأنهم " جبابرة باس "‬
‫نقرأ فى سفر القضاة أن ملك الرب خاطب جدعون بقوله " الرب‬
‫معك يا جبار البأس " ) قض ‪ 0 ( 12 : 6‬وداود النبى قيل عنه إنه‬
‫يحسن الضرب بالعود وأنه جبار بأس وفصيح و الرب معه )صم ‪: 16‬‬
‫‪ 00 ( 18‬وقيل عن البنين الصالحين إنهم " كسهام بيد جبار " ) مز‬
‫‪ 0 ( 4 : 128‬وقيل أيضا ً عن رجال يشوع الذين دخل بهم أرض‬
‫الموعد إنهم كانوا جبابرة بأس ) يش ‪ 00 ( 3 : 8‬كل هذ وغيرها‬
‫رموز للذين يدخلون الحروب الروحية ضد " أجناد الشر الروحية " ‪0‬‬
‫إنه القوياء فى الروح يحملون سلح الله الكامل ‪ ،‬ودرع اليمان ‪،‬‬
‫وترس البر ‪ ،‬و خوذة الخلص وسيف الروح ) أف ‪0 ( 17 _ 11 : 6‬‬
‫***‬
‫وقد ضرب الكتاب أمثلة كثيرة من أولئك القوياء ‪0‬‬
‫مثال ذلك ايليا النبى ‪ ،‬الذى طهر البلد من كل أنبياء البعل وأنبياء‬
‫السوارى ) ‪1‬مل ‪ 0 ( 40 ، 19 : 18‬و كذلك يوحنا المعمدان الذى قال‬
‫عنه الملك المبشر به إنه " يتقدم أمام الرب بروح إيليا وقوته ‪00‬‬
‫لكى يهيئ للرب شعبا مستعدا ً " ) لو ‪0 ( 17 : 1‬‬
‫واسطفانوس الشماس الذى كان مملوءا من الروح القدس و اليمان‬
‫‪ 0‬وقد وقف أمامه ثلثة مجامع يحاورنه " ولم يقدروا أن يقاوموا‬
‫الحكمة و الروح الذى كان يتكلم به " ) أع ‪0 ( 10 ، 9 : 6‬‬
‫وقد سرد بولس أسماء سلسلة من هؤلء القوياء ‪0‬‬
‫وقد ختمها بقوله "و ماذا أقول أيضا ً لنه يعوزنى الوقت عن ‪00‬‬
‫الذين باليمان قهروا ممالك ‪ ،‬صنعوا برا ً ‪ ،‬نالوا مواعيد ‪ ،‬سدوا أفواه‬
‫أسود ‪ ،‬أطفأوا قوة النار ‪ ،‬و نجوا من حد السيف ‪ ،‬تقووا من ضعف ‪،‬‬
‫صاروا أشداء فى الحروب ‪ ،‬هزموا جيوش غرباء ‪ 00‬عذبوا ولم يقبلوا‬
‫النجاة ‪ ،‬لكى ينالوا قيامة أفضل ‪ 00‬وهم لم يكن العالم مستحقا لهم‬
‫" ) عب ‪0 ( 38 _ 23 : 11‬‬
‫وشرح لنا تاريخ الكنيسة أمثلة كثيرة من القوياء ‪0‬‬
‫وأمثال أولئك الشهداء ‪ ،‬الذين كانوا أقوياء فى إيمانهم ‪ ،‬أقوياء فى‬
‫احتمالهم ‪ ،‬أقوياء أيضا ً فى العجائب واليات التى أجراها الله على‬
‫أيديهم ‪ 00‬وهناك أمثلة أخرى من أبطال اليمان الذين وقفوا بكل‬
‫قوة ضد البدع و الهرطقات ‪ ،‬و دافعوا عن اليمان بقوة فى الفهم‬
‫وقوة فى القناع ‪ ،‬وفى الصمود ‪ 0‬ومن أمثلة أولئك القديس‬
‫اثناسيوس الرسولى ‪ ،‬الذى وقف ضد الهرطقة الريوسية ‪ ،‬و احتمل‬
‫العزل و النفى و المؤامرات و التهامات ‪ 0‬وقيل له " العالم كل‬
‫ضدك يا أثناسيوس " فقال " وأنا ضد العالم " ‪ 0‬لذلك أسموه ‪:‬‬
‫‪ Athanasius Contramondum‬أى أثناسيوس ضد العالم‬
‫***‬
‫لقد خلق النسان قويا ‪ 0‬له سلطان ‪:‬‬
‫وقال الله " أثمروا وأكثروا واملوا الرض ‪ ،‬واخضعوها ‪ ،‬وتسلطوا‬
‫على سمك البحر و على طير السماء ‪ ،‬وعلى كل حيوان يدب على‬
‫وجه الرض " ) تك ‪ 0 ( 26 ، 28 : 1‬ولكن النسان فقد قوته‬
‫الطبيعية حينما أخطأ ‪ ،‬وبدأ يشعر بالخوف ‪ 00‬وعاد الله يقوى‬
‫النسان بعمل النعمة فيه ‪ ،‬بقوة الروح القدس ‪ 00‬ويقويه بوعوده ‪،‬‬
‫وبأنه معه ‪00‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى يذكرنا بالرواح ‪ ،‬بالملئكة ‪0‬‬
‫أولئك الذين قال عنهم داود النبى " باركوا الرب يا ملئكته‬
‫المقتدرين قوة " ) مز ‪ 0 ( 20 : 103‬هؤلء الملئكة الذين قال‬
‫دانيال النبى عن واحد منهم " إلهى أرسل ملكه ‪ ،‬فسد أفواه‬
‫السود " ) دا ‪ 0 ( 22 : 6‬وقيل فى سفر الملوك ‪ :‬ملك الرب خرج‬
‫وضرب من جيش سنحاريب ‪ 185‬ألفا ً ) ‪2‬مل ‪ 0 ( 36 ، 35 : 19‬قوة‬
‫الملئكة مصدرها أنهم أرواح قريبون من روح الله ‪ 0‬يتشبه بهم كل‬
‫من يسلك بطريقة روحية ‪ ،‬ويدخل فى شركة الروح القدس ‪ ،‬ويعمل‬
‫الله فيه ‪0‬‬
‫لذلك فالنسان الروحى الذى يعمل فيه روح الله ‪ ،‬لبد أن يكون قويا ‪0‬‬
‫داود النبى الذى حل عليه روح الرب ) ‪1‬صم ‪ ( 13 : 16‬كان قويا ‪0‬‬
‫وكان أقوى من شاول الملك ‪0‬وكان حينما يتعب شاول من الروح‬
‫الشرير ‪ ،‬يهدئه داود بعوده ‪ ،‬ويذهب عنه الروح الردئ ) ‪1‬صم ‪23: 16‬‬
‫( ‪ ،‬لن روح الله الذى فى داود هو الذى يطرده ‪ 00‬بل كان داود‬
‫أقوى من الجيش كله الذى خاف من جليات ‪ 0‬أما داود فتقدم‬
‫لمحاربة جليات وقال له " فى هذا اليوم يحبسك الرب‬
‫فى يدى ‪1 ) " 00‬صم ‪0 ( 46 : 17‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى ل يخاف ‪ ،‬لن الله معه ‪:‬‬
‫وهكذا قال داود النبى للرب راعية " إن صرت فى وادى ظل‬
‫الموت ‪ ،‬ل اخاف شرا ً ‪ ،‬لنك أنت معى " ) مز ‪ 0 ( 4 : 23‬واستطاع‬
‫أن يغنى أنشودته الجميلة " إن يحاربنى جيش ‪ ،‬فلن يخاف قلبى ‪0‬‬
‫وإن قام على قتال ‪ ،‬ففى ذلك أنا مطمئن " ) مز ‪ 0 ( 3 : 27‬وقال‬
‫أيضا ً " هولء بمركبات ‪ ،‬وهولء بخيل ‪ ،‬ونحن باسم الرب ننمو ‪ 0‬هم‬
‫عثروا وسقطوا ‪ ،‬ونحن قمنا واستقمنا " ) مز ‪0 ( 7 : 20‬‬
‫هنا قوة قلب النسان الروحى المستمدة من الله ‪0‬‬
‫إنه ل يخاف ‪ ،‬لن الله معه ‪ 0‬الله الذى قال ليشوع " تشدد وتشجع ‪0‬‬
‫ل ترهب ول ترتعب ‪ ،‬لن الرب إلهك معك حيثما تذهب " " ل يقف‬
‫إنسان فى وجهك كل أيام حياتك ‪ 0‬كما كنت مع موسى أكون معك ‪0‬‬
‫ل أهملك ول أتركك ‪ 0‬تشدد وتشجع " ) يش ‪0 ( 5 ، 9 : 1‬‬
‫هو أيضا ً الذى قال لبولس الرسول فى رؤيا بالليل" ل تخف ‪ ،‬بل‬
‫تكلم ول تسكت ‪ 0‬لنى أنا معك ‪ ،‬و ل يقع بك أحد ليؤذيك " ) أع ‪: 18‬‬
‫‪ 0 ( 10 ، 9‬وهو أيضا ً الذى لرميا النبى " هانذا قد جعلتك اليوم مدينة‬
‫حصينة ‪ ،‬عمود حديد ‪ ،‬وأسوار نحاس على كل الرض ‪ 00‬فيحاربونك‬
‫ول يقدرون عليك ‪ ،‬لنى أنا معك ـ يقول الرب ـ لنقذك " ) أر ‪18 : 1‬‬
‫‪( 19 ،‬‬
‫***‬
‫لذلك أنا أعجب ‪ ،‬حينما يضعف الخير ‪ ،‬ويقوى الشر أمامه !!‬
‫أعجب حينما أرى أهل العالم أقوياء ‪ ،‬ولهم شخصية وثقة ‪،‬‬
‫ويجاهرون بآرائهم ‪ ،‬ويصلون إلى أغراضهم ‪ ،‬ول يهتزون أمام‬
‫العواصف ‪ 00‬بينما رجال الله يقفون كضعفاء ول يصمدون ! كما لو‬
‫كان الشر اقوى من الخير ! أو الشر هو الذى يغلب !! فلماذا هذا‬
‫الضعف ؟! ولماذا يقف الخير صامدا ً ‪ ،‬يعلن عن البر ويدعو إليه ‪ ،‬كما‬
‫كان الرسل " بكل مجاهرة وبل مانع " ) أع ‪0 ( 31 : 28‬‬
‫***‬
‫إن القوة الروحية ‪ ،‬ليست مطلقا ضد الوداعة و التواضع ‪0‬‬
‫كثيرون يحبون الوداعة ‪ ،‬ولكنهم يفهمونها بأسلوبا خاطئ ‪00‬‬
‫الوداعة تتصف بالطيبة و الهدوء ‪ 0‬ولكنها ل تمنع مطلقا أن يكون‬
‫النسان قويا فى شخصيته ‪ ،‬ومع ذلك يكون وديعا ومتواضعا ‪ 00‬وهنا‬
‫التكامل و الفضائل ‪ ،‬وليس التناقض ‪00‬‬
‫و السيد المسيح كان مثال لهذا التكامل ‪ 0‬فهو الذى قال " تعلموا‬
‫منى ‪ ،‬لنى وديع ومتواضع القلب " ) مت ‪ 11‬ك ‪ 0 ( 29‬وفى نفس‬
‫الوقت كان قويا فى شخصيته ‪،‬قويا فى حواره مع كل معارضيه من‬
‫الكتبة و الفريسيين و الكهنة و الشيوخ و الصدوقيين ‪ 0‬وكان‬
‫يفحمهم ‪ ،‬و ينشر رسالته فى قوة ‪00‬‬
‫وهو الذى قيل عنه " لبس الجلل ‪ 0‬لبس القوة و تمنطق بها " ) مز‬
‫‪ ( 1 : 93‬وقيل له أيضا ً ‪ " :‬تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار ‪0‬‬
‫أستله وانجح واملك " ) مز ‪ 00 ( 3: 45‬له القوة و المجد ‪0‬‬
‫إذن من الممكن أن يكون النسان وديعا وقويا ‪ 0‬و المهم ما هو‬
‫مفهوم القوة ؟ وما هو أيضا ً مفهوم الوداعة و التواضع ؟‬
‫ما هو مفهوم القوة ؟ وما الفرق بين القوة الزائفة و القوة الحقيقية ؟‬
‫القوة هى قوة الروح فى الدال ‪ ،‬تعبر عن ذاتها فى الخارج باسلوب روحى ‪0‬‬
‫القوة ليست هى العنف ‪ 0‬فالمسيحية ضد العنف ‪ 0‬وليست هى حب‬
‫اليسطرة وإخضاع الخرين ‪ 0‬وليست هى التهور و الندفاع و الجرأة‬
‫على كل ما هو كبير ‪ 00‬كتلميذ يتحدى معلمه ‪ ،‬أو ابن يتجرأ على أبيه‬
‫‪ 00‬وليست القوة هى قوة شمشونية ‪ ،‬فى الجسد و العضلت ‪ 00‬ول‬
‫هى العتداد بالنفس بأسلوب خاطئ ‪ ،‬والفتخار بهزيمة الخرين ‪،‬‬
‫ول هى استخدام السلطان فى غير موضعه ‪00‬‬
‫ول هى الدعاء باللسان ‪ ،‬كما قال بطرس " لو أنكرك الجميع ‪ ،‬فأنا‬
‫ل أنكر "‬
‫" ولو اضطررت أن أموت معك ‪ ،‬ل أنكرك " مت ‪00 ( 35 ، 33 : 26‬‬
‫ولما دخل إلى الواقع العملى ‪ ،‬لم تظهر هذه القوة !!‬
‫***‬
‫و القوة ينبغى أن تكون دائما ومستمرة ‪0‬‬
‫فما أسهل أن يظهر النسان قويا فى موقف معين ‪ 0‬ثم ما يلبث أن‬
‫يفقد قوته فى موقف آخر ‪ 0‬كما أثبت شمشون قوته فى مواقف‬
‫عديدة ‪ 0‬ثم ضعف أخيرا أمام دليلة ) قض ‪0( 16‬‬
‫***‬
‫وما أكثر السباب التى يضعف بها النسان ويفقد قوته ‪0‬‬
‫فقد يضعف النسان أمام رجاء من يحب ‪ ،‬أويضعف أمام دموع البعض‬
‫‪ 00‬وقد يضعف أمام كثرة اللحاح ‪ ،‬أو أمام ضغط عاطفى أو مادى‬
‫‪ 00‬وقد يضعف إذا ما أشتد الغراء ‪ ،‬كما حدث مع داود النبى ‪00‬‬
‫وعموما ً يضعف فى الخارج ‪ ،‬إذا ضعف من الداخل ‪0‬‬
‫والنسان الروحى يصمد أمام كل هذه السباب ‪ 0‬وإن حدث أنه‬
‫ضعف وسقط ‪ ،‬سرعان ما يقول ‪ 0‬ويردد ما قيل فى سفر ميخا‬
‫النبى " ل تشمتى بى يا عدوتى ‪ 0‬فإنى إن سقطت أقوم " ) مى ‪: 7‬‬
‫‪(8‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى ‪ ،‬قوته قوة روحية ‪ 0‬ولهذه القوة أسباب عديدة ‪:‬‬
‫ما هى تلك السباب التى هى مصدر قوته ؟‬
‫وما هى أيضا ً عناصر تلك القوة فى روحه ونفسه وفكره ؟ وما‬
‫مظاهرها فى حياته وفى خدمته وفى فضائله ؟‬
‫***‬

‫لشك أن مصدر القوة الروحية ‪ ،‬هو الله نفسه ‪0‬‬


‫ولذلك يقول المرتل فى المزمور " أحبك يا الله يا قوتى " ) مز ‪: 18‬‬
‫‪ ( 1‬ويقول " قوتى و تسبحتى هو الرب " ) مز ‪ 0 ( 14 : 118‬ويقول‬
‫ايضا ً " الله ملجأ لنا وقوة ) مز ‪ 0 ( 1 : 46‬وكما يقول القديس‬
‫بطرس الرسول عن القوة فى الخدمة " إن كان أحد يخدم ‪ ،‬فكأنه‬
‫من قوة يمنحها الله ‪ ،‬لكى‬
‫يتمجد الله فى كل شئ " ) ‪1‬بط ‪ 0 ( 11 : 4‬ويترنم داود بقوة الله‬
‫العاملة فيه فيقول " الله الذى يمنطقنى بالقوة ‪ 00‬الذى يعلم يدى‬
‫القتال " ) مز ‪0 ( 34 ، 32 : 18‬‬
‫لذلك فإن كل قوة ‪ ،‬ليس الله مصدرها ‪ ،‬هى قوة باطلة ‪ ،‬ومصيرها إلى الزوال ‪0‬‬
‫كقوة فرعون مثل ‪ ،‬وكقوة الشيطان ‪ 00‬وقوة آخاب الذى قتل‬
‫نابوت اليزرعيلى ‪ 00‬وقوة مشورة أخيتوفل ‪ !00‬ومثل قوة جليات‬
‫‪ 00‬وكل القوياء بدهائهم أو بكبريائهم ‪ 0‬أما النسان الروحى ففوته‬
‫من الله العامل فيه ‪ 0‬وعن هذا يقول القديس بولس الرسول ‪ :‬المر‬
‫الذى لجله أتعب أنا أيضا ً مجاهدا ً ‪ ،‬بحسب عمله الذى يعمل فى بقوة‬
‫" ) كو ‪ " ( 29 : 1‬بحسب القوة التى تعمل فينا " ) أف ‪00 ( 20 : 3‬‬
‫إنها قوة الروح القدس ‪0‬‬
‫***‬
‫*مادامت القوة من الله ‪ ،‬فنحن نطلبها بالصلة ‪ ،‬وننالها باليمان ونعمة الله ‪0‬‬
‫النسان الروحى يقف أمام الله ضعيفا ‪ ،‬يلتمس منه القوة يصلى‬
‫قائل " أعطنى يا الله قوتك " " فأنا بدونك ل استطيع شيئا " ) يو ‪15‬‬
‫‪ 0 ( 5 :‬وبالصلة يمنحه الله قوة مثل آخر صلة صلها شمشون ‪،‬‬
‫واستجاب الرب له ) قض ‪0 ( 30 ، 28 : 16‬‬
‫واليمان يمنح النسان قوة ‪ ،‬لن كل شئ مستطاع للمؤمن ) مر ‪: 9‬‬
‫‪0 ( 23‬‬
‫حتى إن أدركه ضعف فى وقت ما ‪ ،‬فإن اليمان يعيد غليه قوته ‪0‬‬
‫ألم يقل الرب " لو كان لكم إيمان مثل حبه خردل ‪ ،‬لكنتم تقولون‬
‫لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل " )مت ‪00 ( 20 : 17‬‬
‫وإن شعر النسان الروحى أن إيمانه قد صعف ‪ ،‬يصرخ إلى الرب‬
‫قائل أؤمن يا رب ‪ :‬فأعن ضعف إيمانى ‪ ) 00‬مر ‪ 0 ( 24 : 9‬وهكذا‬
‫نجد أن اليمان و الصلة يعملن معا فى جلب القوة للنسان ‪0‬‬
‫وبالصلة يصارع الله مع النسان ‪ ،‬ول يتركه حتى ينال منه القوة ‪0‬‬
‫يصلى وهو مؤمن أن القوة ستأنيه ‪00‬‬
‫***‬
‫* وينال النسان قوة بعمل الروح القدس فيه ‪0‬‬
‫وهكذا فإن الذى يشترك مع الروح القدس فى العمل ‪،‬لبد أن يكون‬
‫قويا ‪ 00‬فإن وجدت نفسك ضعيفا فى وقت ما ‪ ،‬راجع شركتك مع‬
‫الروح القدس ‪ 00‬إن سبب فقد شمشون لقوته ‪ ،‬هو أن روح الرب‬
‫فارقه ) قض ‪ 0 ( 20 : 16‬تمسك إذن إلى أبعد حد بعمل الروح فيك‬
‫‪ 0‬وهيئ نفسك بالنقاوة و القداسة ‪ ،‬حتى يكون هيكلك مستحقا ً‬
‫لسكنى روح الله فيك ‪ 00‬فتستمر قويا ‪0‬‬
‫***‬
‫*والنسان يحتفظ بقوته الروحية بثبات كلمة الله فيه ‪0‬‬
‫طالما تضع وصية الله أمامك ‪ ،‬وتحب كلمة الله وتخبئها فى قلبك ‪،‬‬
‫وترددها بلسانك ‪ ،‬ستجد أن كلمة الله ستمنحك قوة ‪ ،‬تمنحك استحياء‬
‫من الخطية ‪ ،‬لن " كلمة الله حية وفعالة وأمضى من كل سيف ذى‬
‫حدين " ) عب ‪ 0 ( 12 : 4‬وما أجمل قول القديس يوحنا الرسول‬
‫للشباب " كتبت إليكم أيها الحداث ‪ ،‬لنكم أقوياء وكلمة الله ثابتة‬
‫فيكم ‪ ،‬وقد غلبتم الشرير " ) ‪1‬يو ‪0 ( 14 : 2‬‬
‫***‬
‫*وينال النسان قوة من الله ‪ ،‬عن طريق التضاع ‪0‬‬
‫لن " الرب يقاوم المستكبرين ‪ ،‬أما المتواضعون فيمنحهم نعمة "‬
‫) يع ‪ 0 ( 6 : 4‬المتكبر يطن أنه بقوته البشرية سينتصر ‪ ،‬فيعتمد‬
‫على قوته فيفشل ‪ 0‬أما المتواضع ‪ ،‬فإن يشعر بضعفه ‪ ،‬يعتمد على‬
‫قوة الله ‪ ،‬فيمنحه الله هذه القوة " ليكون فخر القوة لله ‪ ،‬ل منا " )‬
‫‪2‬كو ‪0 ( 7 : 4‬‬
‫أنظروا كيف قال الشياطين للقديس مقاريوس الكبير " بتواضعك‬
‫وحده تغلبنا " ‪ 0‬وكيف قال القديس النبا أنطونيوس ‪ :‬أبصرت فخاخ‬
‫الشيطان مبسوطة على الرض كلها ‪ 0‬فقلت يا رب من يفلت منها ؟‬
‫فقال ‪ :‬المتواضعون يفلتون منها ‪00‬‬
‫إن المتواضعين الذين يقفون أمام الله كضعفاء ‪ ،‬هم الذين قال‬
‫عنهم الوحى اللهى " اختار الله ضعفاء العالم ‪ ،‬ليخزى بهم القوياء‬
‫" ) ‪1‬كو ‪ " ( 27 : 1‬لكى ل يفتخر كل ذى جسد أمامه "‪00‬‬
‫المتواضع ل يخاف ‪ ،‬لن الله معه ‪ 0‬ولكن متى يخاف النسان بحق ؟‬
‫يخاف عندما يتعجرف قلبه ‪ ،‬ويظن أنه قوى ‪ ،‬وأنه قد ارتفع إلى‬
‫السماء ‪ ،‬وجلس على عرش الله ‪ ،‬و أصبح الشيطان تحت قدميه‬
‫انظروا إلى قول القديس العظيم بولس الرسول " لنى حينما أنا‬
‫ضعيف ‪ ،‬فحينئذ أنا قوى " ) ‪2‬كو ‪0 ( 10 : 12‬‬
‫***‬
‫*النسان الروحى يصير أيضا ً قويا ‪ ،‬بنقاوة القلب ‪0‬‬
‫فالقلب النقى هو حصن ل ينال ‪ ،‬ومنه مخارج الحياة " ) أم ‪( 23 : 4‬‬
‫‪ 0‬و القلب النقى هو الذى ارتفع عن شهوات العالم ‪ 0‬وفى هذا‬
‫المجال ‪ ،‬ما أجمل قول القديس أوغسطينوس" جلست على قمة‬
‫العالم ‪ ،‬حينما أحسست فى نفسى أنى ل اشتهى شيئا ول أخاف‬
‫شيئا " ‪ 00‬حقا إن القلب الزاهد هو قلب قوى ‪ ،‬ل توجد شهوة‬
‫تغلبه ‪ ،‬ول يوجد شئ يخيفه ‪0‬‬
‫وبهذا الزهد وعدم الخوف جاءت قوة الشهداء وقوة الرهبان ‪0‬‬
‫تعرض الشهداء لكل الغراءات و التهديدات ‪ ،‬ولكل ألوان التعذيب ‪،‬‬
‫وبقوا صامدين فى قوة عجيبة ‪ ،‬لنه لم تكن هناك أية شهوة فى‬
‫قلوبهم تستجيب للغراءات ‪ ،‬ول أى خوف تزعجه التهديدات ‪ ،‬ولم‬
‫يكن فيهم خوف الموت أيضا ً ‪ 0‬فاحتفظوا بقوتهم أمام كل الملوك و‬
‫الولةو القضاة ‪ 0‬كانوا أقوى من مضطهديهم ‪0‬‬
‫كذلك الرهبان ‪ ،‬لنهم نجردوا من الشهوات ‪ ،‬أمكنهم أن ينتصروا‬
‫على العالم ‪ ،‬وكانوا أقوياء فى احتمال الوحدة وسكنى الجبال و‬
‫البرارى ‪ ،‬بل وسكنى المقابر أيضا ً وكانوا أقوياء فى حروب‬
‫الشياطين ‪ 0‬كانوا أقوياء أيضا ً فى تأثيرهم الروحى على الخرين ‪0‬‬
‫امراء صاروا رهبانا ‪ ،‬لنهم كانوا أقوى من شهوة الملك ‪ 0‬القديس‬
‫النبا أنطونيوس حاول الشياطين أن يخيفوه بكل المناظر المفزعة ‪،‬‬
‫ولكنه كان أقوى منهم ‪ 0‬وأمكنه أن يغلبهم باتضاعه وبإيمانة ‪ 0‬و‬
‫القديس مقاريوس لم يخف ‪ ،‬حينما بات فى مقبرة وقد أسند رأسه‬
‫على جمجمة ‪ ،‬و تحدث الشياطين معها ‪ 0‬ولكن قلبه كان قويا‬
‫باليمان ل يخاف ‪00‬‬
‫***‬
‫*هناك أيضا ً أشخاص اقوياء بطبيعتهم ‪0‬‬
‫شاء الله أن يولدوا هكذا ‪ ،‬بقلب قوى ‪ ،‬وعقل قوى ‪ ،‬وشخصية قوية‬
‫‪ 00‬مثال ذلك شمشون ويوحنا المعمدان وايليا وداود ‪ 0‬ننتقل إلى‬
‫نقطة أخرى وهى عناصر القوة ‪:‬‬

‫‪-1‬قوة الحب و البذل‬


‫تحدث سفر النشيد عن قوة الحب فقال " المحبة قوية كالموت ‪00‬‬
‫مياه كثيرة ل تستطيع أن تطفئ المحبة ‪ ،‬و السيول ل تغمرها "‬
‫) نش ‪ 0 ( 7 ، 6 : 8‬وقال القديس بولس الرسول " المحبة ل تسقط‬
‫أبدا ً " ) ‪1‬كو ‪0 ( 8 : 13‬‬
‫هذه هى المحبة الحقيقية ‪ ،‬التى ليست بالكلم و اللسان ‪ ،‬بل‬
‫بالعمل و الحق ) ‪1‬يو ‪ 0 ( 18 : 3‬ولعل من أعمقها محبة الم‬
‫لرضيعها ‪ ،‬و محبة داود ليوناثان ) ‪2‬صم ‪ 0 ( 26 : 1‬بل محبته لبنه‬
‫أبشالوم الذى خانة ‪ ،‬وكيف بكى عليه بمرارة لما سمع بموته ) ‪2‬صم‬
‫‪0 ( 33 : 18‬‬
‫وتظهر قوة المحبة فى البذل ‪ 0‬واقوى بذل هو بذل الذات ‪0‬‬
‫ظهر هذا المر واضحا فى سيرة الشهداء ‪ ،‬وكيف بذلوا كل شئ حتى‬
‫الحياة ‪ ،‬من أجل محبتهم لله ‪ 0‬وكذلك ظهرت قوة هذه المحبة فى‬
‫حياة فى حياة الباء الرهبان و السواح ‪ ،‬الذين تركوا العالم وكل ما‬
‫فيه ‪ " 0‬وسكنوا الجبال و البرارى من أجل عظم محبتهم للملك‬
‫المسيح " ‪ 0‬كذلك محبة الباء الرسل الذين من أجل محبتهم للرب‬
‫وملكوته ‪ ،‬احتملوا الجلد و السجن و الرجم و التشريد و الموت أيضا ً‬
‫‪ 00‬وقالوا للرب أيضا ً " تركنا كل شئ و تبعناك " ) مت ‪0 ( 27 : 19‬‬
‫وفى ذلك يقول بولس الرسول أيضا ً " خسرت كل الشياء وأنا‬
‫أحسبها نفاية لكى أربح المسيح " ) فى ‪0 ( 8 : 3‬‬
‫وقوة المحبة تظهر إن كانت من كل القلب ‪0‬‬
‫وفى ذلك قال الكتاب " تحب الرب إلهك من كل قلبك ‪ ،‬ومن كل‬
‫نفسك ‪ ،‬ومن كل فكرك " ‪ )0‬تث ‪ ) ( 5 : 6‬مت ‪ 0 ( 37 : 22‬وعبارة‬
‫"كل " تعنى أنه ل توجد محبة أخرى تنافس محبة الله فى قلبك ‪0‬‬
‫وفى ذلك قال السيد الرب " من أحب أبا ً أو أما ً أكثر منى فل‬
‫يستحقنى ‪ 0‬ومن أحب ابنا أو ابنة أكثر منى فل يستحقنى ‪ ) "0‬مت‬
‫‪ 0 ( 37 : 10‬بل من أحب حياته أكثر من الرب ‪ ،‬ل يستحقه ‪ 0‬وفى‬
‫ذلك قال " من وجد حياته يضيعها ‪ 0‬ومن أضاع حياته لجلى يجدها "‬
‫) مت ‪0 ( 39 : 10‬‬
‫المحبة تقود إلى البذل ‪ ،‬وقوة البذل لها أسباب ‪0‬‬
‫يوجد بذل سببه الحب كما قيل " هكذا أحب الله العالم ‪ ،‬حتى بذل‬
‫ابنه الوحيد " ) يو ‪ 0 ( 16 : 3‬وكما بذل الشهداء لجل محبتهم للرب‬
‫‪ 0‬و هناك قوة فى البذل سببها الطاعة ‪ ،‬كما رفع أبونا ابراهيم‬
‫السكين ليبذل ابنه وحيده ذبيحة للرب ‪ 0‬توجد قوة فى البذل سببها‬
‫الزهد ‪ ،‬كآبائنا الرهبان ‪0‬‬
‫***‬
‫*ننتقل إلى قوة اليمان ‪:‬‬
‫قوة اليمان تظهر فى أنه يصدق كل شئ ‪ 0‬يؤمن أن الرب يمكن أن‬
‫يشق طريقا فى البحر ‪ ،‬وأن يفجر من الصخرة ماء ‪ ،‬وأن يصنع‬
‫المعجزات و العجائب ‪ 00‬اليمان الذى جعل بطرس يمشى على الماء‬
‫) مت ‪ 0 ( 29 : 14‬اليمان بأن الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ) خر‬
‫‪ 00 ( 14 : 14‬اليمان الذى يجعلك تقدم الحياة لجل الرب ‪ ،‬وتقدم‬
‫عشورك وأنت تدفع من أعوازك ‪ 00‬اليمان‬
‫الذى يقول " إن سرت فى وداى ظل الموت ‪ ،‬ل أخاف شرأ لنك أنت‬
‫معى " ) مز ‪ 00 ( 23‬اليمان بأن كل لشياء تعمل معا للخير للذين‬
‫يحبون الرب " )رو ‪ 00 ( 28 : 8‬اليمان القوى بالبدية الذى يجعل‬
‫النسان يستعد لها بكل قوته ‪00‬‬
‫***‬
‫*من عناصر القوة أيضا ً قوة الصلة ‪:‬‬
‫النسان الروحى إذا أخطأ وتاب ‪ ،‬تظهر قوة توبته فى انسحاقه‬
‫العميق ‪ ،‬وندمه ودموعه ‪ ،‬كما حدث مع داود النبى الذى قال " تعبت‬
‫فى تنهدى ‪ 0‬أعوم فى كل ليلة سريرى ‪ ،‬وبدموعى أبل فراشى "‬
‫) مز ‪ 0 ( 6‬وتوبة النسان الروحى تظهر قوتها فى استمرارها ‪،‬‬
‫وعدم عودته مطلقا إلى حياة الخطية بل أكثر من هذا يظل ينمو فى‬
‫الحياة الروحية سائرا نحو الكمال ‪ 0‬ومن أمثلة ذلك توبة‬
‫أوغسطينوس وموسى السود ‪ ،‬ومريم القبطية وبيلجية ‪ 0‬توبة‬
‫تحولوا بها من خطاة إلى قديسين‬
‫***‬
‫*قوة النسان الروحى تظهر فى انتصاره على المحاربات الروحية و على‬
‫الغراءات ‪0‬‬
‫كما ظهرت قوة يوسف الصديق فى انتصاره العجيب على اغراءات‬
‫زوجة فوطيفار ) تك ‪ ( 9 : 39‬قوله فى حزم عملى " كيف أصنع هذا‬
‫الشر العظيم وأخطئ إلىالله ؟! "‬
‫النسان الروحى ل تظهر قوته فى انتصاره على غيره ‪ ،‬إنما فى‬
‫انتصاره على الخطية ‪ ،‬مهما كانت الحروب شديدة ‪ ،‬سواء من‬
‫الشيطان ‪ ،‬أو من الناس الشرار ‪ ،‬أو من أخوة كذبة ) ‪2‬كو ‪( 26 : 11‬‬
‫أما الذى يضعف ويسقط فينطبق عليه قول الكتاب " وزنت‬
‫بالموازين ‪ ،‬فوجدت ناقصا " ) دا ‪0 ( 27 : 5‬‬
‫النسان الروحى إذا أخطأ ‪ ،‬له القوة على العتراف بخطئه ‪0‬‬
‫كثيرون يجدون صعوبة بالغة فى العتراف بأخطائهم ‪ 00‬أما القديس‬
‫أو غسطينوس ‪ ،‬فقد نشر اعترافاته فى كتاب قرأه كل أهل جيله ‪0‬‬
‫وما تلته من أجيال ‪ 00‬والنسان الروحى ايضا ً ‪ ،‬إذا أحس أنه آساء‬
‫إلى أحد ‪ ،‬تكون له القوة على العتذار إليه والعتراف بإساءته ‪ ،‬دون‬
‫محاولة للتبرير أو المجادلة ‪00‬‬
‫وإذا أحس أن رأيه مخطئ ‪ ،‬يكون قادرا بسهولة أن يتنازل عن راية ‪،‬‬
‫بغير عناد كما يفعل البعض‬
‫***‬
‫*القوة فى ضبط النفس ‪:‬‬
‫النسان الروحى قوى من الداخل ‪ 0‬يستطيع أن يضبط نفسه ‪ ،‬كما‬
‫قال الكتاب " مالك نفسه خير ممن يملك مدينة " ) أم ‪0 ( 22 : 16‬‬
‫فهو يضبط افكاره فل تسرح فيما ل يليق ‪ ،‬متبعا قول الرسول "‬
‫مستأسرين كل فكر إلى طاعة المسيح " ) ‪2‬كو ‪ ( 5 : 10‬يضبط أيضا ً‬
‫حواسه ‪ ،‬فل يخطئ بالنظر ول بالسمع ول باللمس ‪ 0‬كذلك يضبط‬
‫مشاعر قلبه وعواطفه ‪ 0‬ويضبط لسانه أيضا ً ‪ ،‬فل تخرج من فمه‬
‫كلمة خاطئة ‪ ،‬ول كلمة زائدة ‪ 0‬وفى ذلك قال القديس يعقوب‬
‫الرسول " إن كان أحد ل يعثر فى الكلم ‪ ،‬فذاك رجل كامل قادر أن‬
‫يلجم كل الجسد أيضا ً " ) يع ‪ ( 2 : 3‬هنا القوة الداخلية فى ضبط‬
‫النفس ‪ ،‬وضبط الفكر و الحواس و المشاعر ‪ ،‬وضبط اللسان ايضا ً ‪0‬‬
‫النسان الروحى يضبط أيضا ً غرائزه و انفعالته ‪ ،‬ويرفع فوق‬
‫مستوى الثارة ‪00‬‬
‫الثارة الخارجية ل تثيره من الداخل ‪ ،‬بل يكون أقوى منها ‪ 0‬ل‬
‫ينفعل مثل إذا تعرض لساءة ما ‪ ،‬ول يقاوم الشر بالشر ) رو ‪: 12‬‬
‫‪ 0 ( 17‬ول يرد على الكلمة الخاطئة بمثلها ‪ 0‬ل يغلبه الشر ‪ ،‬بل‬
‫يغلب الشر بالخير ) رو ‪ 0 ( 21 : 12‬ويستطيع أن يسيطر على‬
‫الغضب ‪ 0‬ويكون قويا فى أعصابه ‪ ،‬ل تفلت منه ‪0‬‬
‫***‬

‫*النسان الروحى يتميز بقوة الحتمال ‪:‬‬


‫يستطيع أن يحتمل الشدائد و الضيقات ‪ 0‬وإن أصابته تجربة ‪ ،‬ل تهزه‬
‫من الداخل ‪ ،‬بل يصمد ‪ 0‬ويمكنه أن يحتملها ‪ ،‬كما فعل ايوب الصديق‬
‫‪ 0‬كما يحتمل ايضا ً أخطاء الخرين ‪ 0‬إن المخطئ هو الضعيف الذى‬
‫لم يضبط نفسه ‪ 0‬و المحتمل هو القوى ‪ 0‬لجل هذا قال الرسول "‬
‫يجب علينا نحن القوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء ‪ ،‬ول نرضى‬
‫أنفسنا " ) رو ‪ 00 ( 1 : 15‬الشخص القوى من الداخل ‪ ،‬يستطيع أن‬
‫يغفر للمسئ أى له القدرة – ليس فقط على الحتمال ـ بل على‬
‫المغفرة ‪ ،‬و على الحسان إلى المسيئين ) مت ‪0 ( 44 : 5‬‬
‫النسان الضعيف يحتاج إلى من ‪ ᐋ‬يحتمله ‪ 0‬أما القوى فيحتمل غيره‬
‫‪ ،‬يحتمل طباعه السيئة وأخطاءه ‪ ،‬و الفاظه و ۼفاته ‪ 00‬هنا تظهر‬
‫القوة الروحية ‪ ،‬فى القدرة على تحويل الخد الخر ‪ ،‬ومشى الميل‬
‫الثانى ‪ ،‬و الصبر على كل شئ ‪00‬‬
‫*النسان الروحى يتميز بقوة لشخصية ‪:‬‬
‫إنه إنسان قوى فى عقله ‪ ،‬فهمه ‪ ،‬فى قدرته على الستيعاب و‬
‫على الستنتاج ‪ ،‬قوى فى ذاكرته ‪ ،‬فى سرعة بديهته ‪ ،‬فى حكمته‬
‫وحسن تصرفه ‪ 0‬هو أيضا ً قوى الرادة ‪ ،‬قوى العزيمة ‪ ،‬قوى فى‬
‫حكمة تصرفه ‪ ،‬حسن إراداته للمور ‪ 0‬وقوى أيضا ً فى أنه ل يهتز‬
‫أمام أى تهديد أو تخويف ‪ 0‬ينطبق عليه قول الكتاب " من أنت أيها‬
‫الجبل العظيم ؟! أمام زربابل تصير سهل" ) زك ‪0 ( 7 : 4‬‬
‫تظهر قوته أيضا ً فى كل عمل يعمله ‪ ،‬وكل مسئولية يحملها ‪0‬‬
‫هو إنسان قادر على تحمل المسئوليات ‪ ،‬مهما بدت كبيرة أو‬
‫خطيرة ‪ ،‬ويقوم بعمله بكل جدية ‪ ،‬وبكل أمانة ودقة و التزام ‪ ،‬ويأتى‬
‫بالنتائج المرجوة فى انجاز سليم ‪ 0‬وهو أيضا ً حازم ‪ ،‬ول يتردد ‪0‬‬
‫ومهما حدثت من عوائق ‪ ،‬ول يلق ول يضطرب و ل يخاف ‪ 00‬بل‬
‫يقف كالجبل الراسخ ‪ ،‬و اثقا ً بأن كل مشكلة لها حل ‪ 0‬وواثقا بالله‬
‫يعمل معه ويعمل به ‪00‬‬
‫له تأثير المجتمع الذى يعيش فيه ‪ ،‬ربما يمتد إلى أجيال ‪0‬‬
‫إن الروحيين القوياء ل يتأثرون باخطاء البيئة التى يعيشون فيها "‬
‫ول يشاكلون أهل هذا الدهر" ) رو ‪ 0 ( 2 : 12‬بل لهم القدرة التأثير‬
‫فى المجتمع ‪ ،‬فى فكره ‪ .‬واتجاهه وروحياته ‪ ،‬كما فعل الباء الول ‪،‬‬
‫حتى ليقال ‪ :‬عصر اثناسيوس ن عصر أنطونيوس ‪ 00‬يؤثرون‬
‫بقدوتهم ‪ ،‬أو بكتاباتهم التى يمتد تأثيرها إلى أجيال و أجيال ‪00‬‬
‫ننتقل إلى نقطة أخرى و هى ‪:‬‬
‫***‬
‫*القوة فى الكلمة و الخدمة و الكرازة ‪:‬‬
‫النسان الروحى ‪ ،‬كل كلمة تخرج منى فمه تكون قوية وفعالة ‪ ،‬ول‬
‫ترجع فارغة ‪ ،‬بل تعمل عمل الرب ) أش ‪ 0 ( 11 : 55‬كلماته قوية‬
‫فى تأثيرها على الخرين ‪ ،‬وخدمته ملتهبة و مثمرة ‪ 0‬بولس الرسول‬
‫‪ ،‬وهو أسير فى سلسل أمام فيلكس الوالى ‪ ،‬حينما تحدث عن البر‬
‫و الدينونة و التعفف ‪ ،‬ارتعب فيلكس ) أع ‪ 0 ( 25 : 24‬ولما تحدث‬
‫أمام أغريباس " بقليل تقنعنى أن أصير مسيحيا" ) أع ‪0 ( 28 : 26‬‬
‫ويعوزنا الوقت أن تحدثنا عن خدمة القديس بولس فو قوتها و‬
‫انتشارها ‪ 0‬وكذلك قوة الخدمة فى ايام الباء الرسل ‪00‬‬
‫فى قوة خدمة الباء ‪ ،‬وقفت المسيحية العزلء أمام المبراطورية الرومانية بكل‬
‫سلطتها وقسوتها ‪0‬‬
‫وأمام اليهود بكل دسائسهم وموامرتهم ‪ 0‬ووقفت أمام فلسفات‬
‫العصر ‪ 0‬وبعظة واحدة من القديس بطرس إنضم إلى اليمان ثلثة‬
‫آلف ‪ ،‬نالوا نعمة العماد فى نفس اليوم ) أع ‪ 2‬ك ‪ 0 ( 41‬وإنها قوة‬
‫الروح القدس العاملة فى الكلمة ‪0‬‬
‫وبقوة ) كو ‪ 0 ( 29 : 1‬إنه قوى فى شهادته للرب ‪ ،‬يقول مع داود‬
‫النبى " تكلمت بشهاداتك قدام الملوك ولم أخز " ) مز ‪( 119‬‬
‫تحدثنا كثيرا عن القوة ‪ ،‬و عن أن النسان الروحى ينبغى أن يتصف‬
‫بالقوة ‪ 00‬ومع ذلك ل ننكر أن هناك ضعفات ‪0‬‬
‫حتى أن بعض الروحيين ـ على الرغم من قوتهم العامة ـ توجد فى حياتهم ضعفات‬
‫‪00‬‬
‫راينا هذا فى حياة إيليا النبى العظيم ) ‪1‬مل ‪ ، ( 19‬وفى حياة داود‬
‫النبى والملك ) ‪1‬صم ‪2 ) ، ( 25‬صم ‪ 0 ( 11‬وأيضا ً رأينا هذا الضعف‬
‫فى حياة شمشون الجبار ) قض ‪ ، ( 16‬وفى حياة سليمان الحكيم )‬
‫‪1‬مل ‪ ، ( 11‬وفى حياة بطرس الرسول ) مت ‪ ) ، ( 26‬غل ‪( 11 : 2‬‬
‫‪ 00‬و غير هؤلء كثيرون ‪0‬‬
‫ما هى إذن أنواع الضعف ؟ وكيف نتخلص منه ؟ وما هى نظرتنا إلى‬
‫الضعفاء ‪ ،‬وما اسلوب معاملتنا لهم ؟‬

‫‪-1‬قد يوجد عند إنسان ضعف ‪ ،‬ل ذنب له فيه ‪0‬‬


‫مثال ذلك ضعف وصل إليه عن طريق الوراثة ‪ ،‬سواء فى جسده ‪ ،‬أو‬
‫فى قواه العقلية ‪ 0‬ولد بصحة ضعيفة ‪ ،‬أو فى مستوى اجتماعى‬
‫ضعيف ‪ ،‬أو شاء الله له هذا ‪ ،‬كما قال عن المولود أعمى " ل هذا‬
‫أخطأ و ل أبواه ‪ ،‬ولكن لتظهر أعمال الله فيه " ) يو ‪( 3 : 9‬‬
‫ضعف الجسد قد يقاسى النسان الروحى منه أيضا ً ‪ 0‬وعن ذلك قال‬
‫الرب لتلميذ فى بستان جثسيمانى " أما الروح فنشيط ‪ 0‬وأما‬
‫الجسد فضعيف " ) مت ‪ 0 ( 41 : 26‬وقد يقف ضعف الجسد عائقا ً‬
‫أمام بعض الممارسات الروحية ‪ 0‬و على النسان الروحى أل يتضايق‬
‫من هذا ‪ ،‬إنما يعمل ما يستطيعه على قدر ما يحتمل جسده ‪ 0‬المهم‬
‫أن تكون روحه قوية وصالحة ‪00‬‬
‫***‬
‫‪-2‬وقد يوجد إنسان أعصابه ضعيفة ‪:‬‬
‫وهو من هذه الناحية ضعيف احتمال ‪ ،‬يثور ويغضب بسرعة ‪ ،‬ويحتاج‬
‫إلى إنسان قوى ليحتمله ‪ 00‬كما قال الرسول " يجب علينا نحن‬
‫القوياء أن نحتمل ضعفات الضعفاء " ) رو ‪ 0 ( 1 : 15‬وإذن النسان‬
‫القوى هو الذى يستطيع أن يحتمل ‪ 0‬أما الغضوب الذى يخطئ إلى‬
‫غيره فى غضبه ‪ ،‬فهو الضعيف ‪00‬‬
‫على أن هذا الغضوب يلزمه أن يعالج الضعف الذى فيه فيه ‪ ،‬أعنى الغضب ‪0‬‬
‫وذلك بأن يبعد عن أسباب الغضب ‪ ،‬وعن المجاملت التى تجعله يقع‬
‫فى النرفزة يمارس تداريب روحية فى البعد عن الغضب ‪ 0‬يقوى‬
‫أعصابه من الناحية الجسدية ‪ 0‬يتأنى فى تصرفاته وفى ثورته ‪،‬‬
‫ويفكر فى النتائج السيئة للغضب ن قبل أن يغضب ‪ 0‬يقرأ كثيرا عن‬
‫الودعاء و الهادئين ‪ 0‬و ل يترك نفسه إلى هذا الضعف ‪ 0‬وليس‬
‫مقبول منه أن يقول " طبعى هكذا " ! فالمفروض أن ينتصر على‬
‫طبعه ‪0‬‬
‫***‬

‫‪ -3‬هناك نوع آخر من الناس ضعيف فى إرادته ‪0‬‬


‫ضعيف فى تنفيذ ما يريده من الخير ‪ ،‬كما يقول الرسول بلسان هذا‬
‫النوع " لست افعل الصالح الذى أريده ‪ ،‬بل الشر الذى لست اريده ‪،‬‬
‫إياه افعل " " حينما أريد ان أفعل الحسنى ‪ ،‬أجد أن الشر حاضر‬
‫عندى " ) رو ‪( 21 ، 19 : 7‬‬
‫أو قد يكون هذا النسان ‪ ،‬من طبعة التردد ‪ 0‬فإرادته ل تستيطع أن‬
‫تقرر ما ينبغى أن يفعله ‪ 0‬وإن قرر شيئا ‪ ،‬ل يستطيع أن يثبت ‪،‬‬
‫تراودة أفكار أخرى ‪0‬‬
‫على أن هناك تداريب كثيرة لتقوية افرادة ‪ 0‬ومنها أن يستشير أبا‬
‫روحيا موثوقا به ‪ ،‬وينفذ ول يبطئ ‪ 0‬ومنها تقوية الرادة عن طريق‬
‫الصوم ‪ ،‬وعن طريق التغصب ‪ ،‬وعن طريق الفهم السليم والقتناع‬
‫القوى ‪ 0‬وإن كان خاضعا لعادة تسيطر عليه ‪ ،‬يقاومها بكل قوته ول‬
‫يستسلم لها ‪ ،‬لن هذا الستسلم يزيده ضعفا على ضعف ‪00‬‬
‫***‬

‫‪-4‬إنسان آخر يتعبه ضعف إيمانه ‪:‬‬


‫له إيمان نظرى ‪ 0‬ولكن هذا اليمان من الناحية العملية يضعف ‪0‬‬
‫وإن تعرض لمشكله ينهار أمامها ويخاف ‪ 0‬ويدل خوفه على ضعف‬
‫إيمانه فى الله الذى يحفظة ويحميه ‪ 0‬وبينما النسان القوى ل‬
‫يضعف مطلقا ‪ ،‬و ل ينهار ول يخاف أمام المشاكل ‪ 0‬لقد خاف بنو‬
‫إسرائيل أمام البحر الحمر بسبب ضعف إيمانهم ‪ 0‬اما موسى النبى‬
‫فلم يخف ‪ ،‬بل كان إيمانة قويا ‪ ،‬وأدخل القوة فى نفوس هؤلء‬
‫الضعفاء الخائفين ‪ 0‬وقال لهم " ل تخافوا ‪ 0‬قفوا وانظروا خلص‬
‫الرب الذى يصنعه لكم اليوم ‪ 00‬الرب يقاتل عنكم ‪ ،‬وأنتم تصمتون "‬
‫) خر ‪0 ( 14 ، 13 : 14‬‬
‫لذلك ‪ ،‬حاول أن تقوى إيمانك ‪00‬‬
‫إقرأ كثيرا ً عن الشخاص الذين لهم إيمان قوى ‪ 00‬واقرأ عن تدخل‬
‫الله فى مشاكل و متاعب أولده ‪ ،‬وعن آياته و معجزاته ‪ 0‬وأن طلبت‬
‫من الله طلبا ً ‪ ،‬ل يضعف إيمانك أن تأخرت استجابة صلتك ‪ .‬بل ثق‬
‫أن الله لبد سيعمل ‪ ،‬ولبد سيأتي لنقاذك ولو في الخير من‬
‫الليل ‪ .‬في إحدي المرات ضعف إيمان بطرس الرسول‪ ،‬وهو يمشي‬
‫مع الرب فوق البحر لنه نظر إلي المواج الشديدة ‪ ،‬ولم ينظر إلي‬
‫الرب ‪ ،‬فخاف وصرخ ‪ .‬فانقذه الرب ووبخه بقوله " يا قليل اليمان ‪،‬‬
‫لماذا شككت ؟" ) مت ‪ 14‬ك ‪ . ( 31‬وإن ضعف إيمانك ‪،‬اصرخ إلي‬
‫الرب مع ذلك النسان الذي قال ‪:‬‬
‫" أؤمن يارب ‪ ،‬فأعن عدم إيماني ") مر ‪. ( 24 :9‬‬

‫***‬
‫‪ -5‬نوع آخر من الضعف هو ضعف النفسية ‪.‬‬
‫ربما يوجد إنسان نفسيته ضعيفة ‪ ،‬من النوع الذى يسميه الكتاب "‬
‫"صغار النفوس " ‪ 00‬يمكن أن يقلق بسرعة و يضطرب وينهار ‪،‬‬
‫ويشك ‪ 0‬إنه ل يستطيع أن يحتمل ‪ ،‬و يحتاج باستمرار إلى من يسنده‬
‫‪ 0‬وقد يكون كبيرا فى السن ‪ ،‬و لكن له نفسية الصغار ‪ 0‬فما هو‬
‫موقفنا من أمثال هذا النوع الضعيف ؟‬

‫إن كنت أنت ضعيفا ً ‪ ،‬فل تيأس من ضعفك ‪ 0‬وإن رايت شخصا‬
‫ضعيفا ‪ ،‬فل تحتقر ضعفه ‪ ،‬هوذا الرسول يقول ‪:‬‬
‫" شجعوا صغار النفوس ‪ 0‬اسندوا الضعفاء ‪ 0‬تأنوا على الجميع " ) ‪1‬تس ‪: 5‬‬
‫‪0 ( 14‬‬
‫افتحوا طاقة من رجاء ‪ ،‬لتضئ على الذين يسيرون فى الظلمة‬
‫خائفين و مضطربين ‪ 0‬حدثوهم عن الرجاء وعن عمل الروح‬
‫القدس ‪ ،‬كيف أن الله يتدخل ولو فى آخر لحظة ‪ 0‬احكوا لهم قصص‬
‫الذين سقطوا وقاموا ‪ ،‬و صاروا من المنتصرين الغالبين ‪0‬‬
‫النسان الروحى القوى ‪ ،‬ل يفتخر على الضعيف و ل يستصغره ‪ ،‬ول‬
‫يشهر به ‪ ،‬بل على العكس يقويه ‪ ،‬يمنحه من القوة التى فيه ‪ ،‬التى‬
‫أعطاه الرب غياها ‪ 0‬يسند الضعفاء الذين سقطوا ‪ ،‬و يعطيهم رجاء‬
‫فى التوبة ‪ 0‬ويذكرهم بأن " الصديق يسقط فى اليوم سبع مرات‬
‫ويقوم " ) أم ‪0 ( 16 : 24‬‬
‫***‬
‫إن الله نفسه يسند الضعفاء ‪ ،‬الذين كالطفال ‪ 0‬ويقول المزمور ‪:‬‬
‫" حافظ الطفال هو الرب " ) مز ‪( 6 : 116‬‬
‫وفى بعض الترجمات يقال " يحفظ البسطاء " ‪ 00‬مهما كانوا صغار‬
‫النفوس ‪ 0‬لقد قال الرب عن الزرع الذى قال الرب عن الزرع الذى‬
‫يعطى ثمرا ً ثلثين وستين ومائة ‪ ،‬إنه زرع جيد ) مت ‪0 ( 23 : 13‬‬
‫ونحن قد نعتبر أن الجيد هو الذى يعطى مائة ‪ ،‬و بالتجاوز الذى‬
‫يعطى ستين ‪ 0‬ولكن حنان الله على الضعفاء ‪ ،‬و اعتبر أن الذى‬
‫يعطى ثلثين فقط ‪ ،‬هو أيضا ً زرع جيد ‪ 0‬يكفى أنه يعطى ثمرا ً‬
‫حقا إنه إله الضعفاء ‪ ،‬و إله المساكين ‪0‬‬
‫كان يزور العشارين و الخطاة ‪ ،‬ويحضررو لئمهم ‪ ،‬ولم يحتقرهم‬
‫مثلما احتقرهم الكتبة و الفريسيون بل دعا واحدا منهم هو متى و‬
‫جعله رسول ً من الثنى عشر ‪ 0‬و دخل بيت زكا ‪ ،‬وقال ‪ :‬اليوم حصل‬
‫خلص لهذا البيت ‪ ،‬إذ هو أيضا ً ابن لبراهيم ) لو ‪ 0 ( 9 : 19‬وبعد‬
‫القيامة ظهر أول لمريم المجدلية التى أخرج منها سبعة شياطين‬
‫) مر ‪( 9 : 16‬‬
‫إن الله لم يقف ضد الضعفاء ‪ ،‬بل ضد المتكبرين ‪0‬‬
‫لذلك يقول الكتاب إن " الله يقاوم المستكبرين " ) يع ‪ 0 ( 6 : 4‬إنه‬
‫هو " المقيم المسكين من التراب ‪ ،‬و الرافع البائس من المزبلة‬
‫ليجلس مع رؤساء شعبه " ) مز ‪ 0 ( 112‬بل إن الرب يقول " إلى‬
‫هذا أنظر إلى المسكين ‪ ،‬و المنسحق الروح ‪ ،‬و المرتعد من كلمى "‬
‫) اش ‪00( 2 : 66‬‬
‫***‬
‫حقا إن كل إنسان معرض للضعف ‪0‬‬
‫وقد حكى لنا الكتاب سقطات للقديسين ‪ ،‬وضعفات للرسل و النبياء‬
‫‪ 0‬فالذى يحتقر سقطة الضعيف ‪ ،‬ما أسهل أن تقوى عليه حروب‬
‫العدو فيسقط ‪ 0‬وما اعمق نصيحة القديس بولس الرسول فى قوله‬
‫" اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون معهم ‪ ،‬و المذلين كأنكم أنتم أيضا ً‬
‫فى الجسد ‪ ) "0‬عب ‪0 ( 3 : 13‬‬
‫النسان الروحى ل يدين أخاه الضعيف ‪ ،‬بل يصلى لجله ‪0‬‬
‫يشفق عليه ‪ ،‬ويطلب له من الرب معونة ‪ 0‬ويعرف أنه ليس كل‬
‫إنسان يصل الى المستويات الروحية العالية ‪ 0‬وليس الكل قد نالوا‬
‫دفعة كبيرة من النعمة ‪ 0‬و المواهب ليست واحدة ‪ " ،‬ونجم يمتاز عن‬
‫نجم فى المجد " ) ‪1‬كو ‪0 ( 41 : 15‬‬
‫بعض نصائح نقولها للنسان الضعيف الشاعر بضعفه ‪:‬‬
‫‪-1‬ابعد عن مجال الخطية التى تضعف ارادتك ‪0‬‬
‫ابعد عن العثرات ‪ ،‬و عن كل السباب التى تقودك إلى الخطية ‪ ،‬و‬
‫التى ل تقوى على مقاومتها ‪ 0‬ابعد عن كل تاثير سئ ‪ 0‬ول تضع فى‬
‫نفسك أنك أقوى من المحاربات ‪ 0‬فقد قيل عن الخطية إنها "‬
‫طرحت كثيرين جرحى ‪ ،‬وكل قتلها أقوياء " ) أم ‪ 0 ( 26 : 7‬مادمت‬
‫ضعيفا ‪ ،‬أعترف بضعفك ‪ ،‬وابحث عن السبب ‪ ،‬و تجنبة ‪00‬‬
‫و نصيحة البتعاد عن اسباب الخطية ‪ ،‬تضعها لك الكنيسة فى أول‬
‫صلة باكر إذ تتلو المزمور الول ‪ " :‬طوبى للرجل الذى لم يسلك فى‬
‫مشورة الشرار ‪ ،‬وفى طريق الخطاة لم يقف ‪ ،‬وفى مجلس‬
‫المستهزئين لم يجلس " ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-2‬اطلب القوة من الله ‪ 0‬واجعل ضعفاتك مجال ً لصلواتك ‪0‬‬
‫وكما قال المرتل فى المزمور " قوتى هو الرب ‪ ،‬وقد صار لى‬
‫خلصا " ) مز ‪ 0 ( 117‬وقال ايضا ً " لول أن الرب كان معنا حين قام‬
‫الناس علينا ‪ ،‬لبتلعونا ونحن أحياء ‪ ) "00‬مز ‪ " 0 ( 123‬إن لم يحرس‬
‫الرب المدينة ‪ ،‬فباطل سهر الحارس " ) مز ‪ 0 ( 126‬ويقول بولس‬
‫الرسول " الجميع تركونى ‪ 00‬ولكن الرب وقف معى وقوانى " )‬
‫‪2‬تى ‪ 0 ( 17 ، 16 : 4‬اطلب إذن قوة من فوق ‪0‬‬
‫وقل " معونتى من عند الرب الذى صنع السماء و الرض " ) مز ‪120‬‬
‫(‪0‬‬
‫عمق صلتك ‪ 0‬فما أكثر الضعفاء الذين نالوا قوة بالصلة ‪ ،‬و انتصروا‬
‫و غنوا قائلين " الحرب للرب " ) ‪1‬صم ‪ " ، ( 47 : 17‬وليس لدى‬
‫الرب مانع أن يخلص بالكثير أو بالقليل " ) ‪1‬صم ‪0 ( 6 : 14‬‬
‫***‬
‫‪-3‬مهما كنت ضعيفا ‪ ،‬ل تياس ‪0‬‬
‫ل تفقد المل مطلقا ‪ 0‬لن الياس يحطم النفس ‪ ،‬و يجعلك تستسلم‬
‫ليد العدو ‪ ،‬و تستمر فى الخطأ ‪ 0‬كأن ل فائدة من الجهاد !! ضع‬
‫أمامك أمثلة كانت أسوأ من حالتك ‪ ،‬و خلصها الرب من خطاياها ‪0‬‬
‫وشجع نفسك وقل ‪ :‬إن الله الذى خلص موسى السود ‪ ،‬ومريم‬
‫القبطية ‪ ،‬وأوغسطينوس ‪ ،‬ومريم المجدلية ‪ 00‬لبد سيخلصنى أنا‬
‫أيضا ً ‪ 00‬ولكن ليس معنى هذا ‪ ،‬أن تركن إلى ضعفك و تستمر فيه ‪،‬‬
‫معتمدا ً على معونة إلهية لبد ستصلك !! وإنما جاهد ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-4‬جاهد بكل ما عندك من قوة ‪ ،‬مهما كانت ضئيلة ‪0‬‬
‫واستمع إلى قول بولس الرسول وهو يوبخ العبرانيين قائل " لم‬
‫تقاوموا بعد حتى الدم ‪ ،‬مجاهدين ضد الخطية " ) عب ‪ 0 ( 4 : 12‬كل‬
‫ما كان يملكه داود ن سلح ‪ ،‬هو مجرد حصاة وضعها فى مقلعه ‪،‬‬
‫وتقدم إلى الصف ‪ ،‬و الرب هزم به جليات الجبار ) ‪1‬صم ‪، 48 : 17‬‬
‫‪0 ( 49‬‬
‫إن جهادك ـ مهما كنت ضعيفا ً ـ يدل على رفضك للخطية ‪ ،‬ورغبتك‬
‫فى التخلص منها ‪ 0‬وهو فى حد ذاته طلب إلى النعمة أن تتقدم ‪0‬‬
‫***‬

‫‪-5‬ركز على مقاومة الخطايا الثابتة المتكررة ‪0‬‬


‫لنها هى نقط الضعف التى فيك ‪ 0‬هذه التى تكررها فى كل اعتراف‬
‫‪ ،‬وتشكو منها باستمرار ‪ 0‬ركز على هذه بالذات ‪ ،‬بتداريب مستمرة‬
‫لمقاومتها ‪ ،‬وبأن تغصب نفسك على ذاتك ‪ ،‬بل و تعاقب نفسك فى‬
‫كل سقوط ‪ ،‬و توبخها ‪ 0‬طالبا معونة الرب ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-6‬تجديد الذهن ‪ ،‬للوصول إلى فهم سليم ‪0‬‬
‫يقول القديس بولس الرسول " تغيروا عن شكلكم بتجديد أذهانكم "‬
‫) رو ‪ 0 ( 2 : 12‬و هذا يعنى أن تتغير نظرتك الى المور التى تخطئ‬
‫فيها ‪ ،‬بتجديد ذهنك ‪ 0‬فكثيرون يسقطون بسبب فهم خاطئ لمعنى‬
‫القوة ‪ ،‬أو لمعنى الكرامة ‪ ،‬أو بسبب فهم خاطئ لمعنى الحرية ‪00‬‬
‫الخ ‪ 0‬هؤلء جميعا يحتاجون إلى تجديد الذهن ‪ 0‬يحتاجون إلى فهم‬
‫سليم لحقيقة القوة و الكرامة و الحرية ‪ 0‬و هذا الفهم الجديد و‬
‫القتناع به ويحفظهم من السقوط ‪0‬‬
‫‪-7‬يزول ضعفك ‪ ،‬إذا دخلت محبة الله فى قلبك ‪:‬‬
‫أنت تضعف أمام الخطية ‪ ،‬إذا كنت تحب الخطية أكثر مما تحب الله‬
‫ووصاياه ‪ 0‬فإن دخلت محبة إلى قلبك ‪ ،‬ستطرد محبة الخطايا من‬
‫داخلك ‪ ،‬وهكذا تصبح قويا ً فى مقاومة كل إغراء ‪ 00‬وصدق ذلك‬
‫القديس الذى قال إن التوبة هى استبدال شهرة بشهوة ‪ ،‬أى أن‬
‫شهوة الروح تحل محل شهوة الجسد ‪ 0‬ومحبة الله ‪ 0‬و عاشر الذين‬
‫يحبونه ‪ ،‬اقرأ عن الذين أحبوه ‪ ،‬و تمثل بهم ‪0‬‬
‫‪-8‬تذكر أن ضعفاء كثيرين ‪ ،‬صارواا أقوياء و قديسين ‪0‬‬
‫بطرس الرسول الذى خاف وضعف أمام جارية ‪ ،‬وانكر المسيح ) مت‬
‫‪ 0 ( 75 – 69 : 26‬هو نفسه الذى وقف فى قوة أمام رئيس كهنة‬
‫اليهود ‪ ،‬وقال له " ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس " ) أع ‪: 5‬‬
‫‪ 0 ( 29‬وقال للرؤساء و الشيوخ و الكهنة " إن كان حقا أمام الله ان‬
‫نسمع لكم أكثر من الله ‪ ،‬فاحكموا !! لننا نحن ل يمكننا أن ل نتكلم‬
‫بما رأينا وسمعنا " ) أع ‪0 ( 20 : 19 : 4‬‬
‫‪-9‬كلما ضعفت ‪ ،‬تذكر نعمة الله العاملة ‪00‬‬
‫النعمة القادرة أن تقوبك ‪ 00‬لذلك تذكر قول القديس بولس‬
‫الرسول " ولكن حيث كثرت الخطية ازدادت النعمة جدا ً " ) رو ‪20 : 5‬‬
‫( ‪ 00‬تزداد النعمة لتحميك من الخطية ‪ 00‬و تذكر أيضا ً قول الرسول‬
‫" لنى حينما أنا ضعيف ‪ ،‬فحينئذ أنا قوى " ) ‪2‬كو ‪00 ( 10 : 12‬‬
‫ضعيف بذاتى ‪ ،‬ولكن قوى بنعمة الله العاملة معى ‪ 00‬التى تقوينى‬
‫‪0‬‬
‫‪-10‬اعلم أن الله دائما مع الضعفاء ‪00‬‬
‫لقد اختار ضعفاء العالم ‪ ،‬ليخزى بهم القوياء ) ‪1‬كو ‪ 00 ( 27 : 1‬فى‬
‫هؤلء تظهر قوته ‪ 0‬ولذلك اتذكر اننى كتبت مرة فى مذكراتى " قال‬
‫الشيطان لله ‪ :‬اترك لى يا رب القوياء ‪ ،‬فإننى كفيل بهم ‪ 0‬أما‬
‫الضعفاء فل أقدر عليهم ‪ 0‬إذا فى شعورهم بضعفهم يلجأون إليك ‪،‬‬
‫ويحاربوننى بقوتك ‪0 "00‬‬
‫كما بالغ البعض فى أهمية النعمة ‪ ،‬حتى اهملوا جانب الجهاد و‬
‫العمل ‪ ،‬كذلك بالغ البعض فى أهمية العمل و الجهاد ‪ ،‬حتى تجاهلوا‬
‫أهمية يد الله فى حياتهم ! و اعتمدوا فى روحياتهم على ذراعهم‬
‫البشرى ‪0‬‬
‫أما النسان الروحى فيؤمن فى أعماق بخطورة العتماد على ذراعه‬
‫البشرى ‪ 0‬إنه يبذل كل جهده ‪ ،‬ولكنه ل يعتمد على جهده ‪ ،‬بل على‬
‫عمل الله فيه ) وكما قال المرتل فى المزمور ‪:‬‬
‫إن لم يبن الرب البيت ‪ ،‬فباطل ً تعب البناؤون وإن لم يحرس الرب المدينة ‪،‬‬
‫فباطل هو سهر الحراس ‪0‬‬
‫***‬

‫حقا إن كل عمل يعمله النسان وحده ‪ ،‬دون أن يشترك الله فيه ‪،‬‬
‫لبد سيكون مصيره إلى المجد الباطل و افتخار الذات ‪ 0‬أما العمل‬
‫الذى تشعر أن الله هو الذى عمل فيك ‪ ،‬وهو بنعمته قد منحك القوة‬
‫لتمامه ‪ ،‬وأنك كنت مجرد أداة فى يديه اللهيتين ‪ 00‬فإن هذا العمل‬
‫هو الذى يكون لتمجيد الله وتسبيحه وشكره ‪ 0‬و تختفى الذات فى هذا‬
‫العمل اللهى ‪ ،‬ويظهر الله وحده ‪00‬‬
‫ولذلك عليك أن تدخل الله فى عملك ‪ ،‬لنه يقول " بدونى ل‬
‫تقدرون أ تعملوا شيئا ً " ‪ 0‬إياك أن تعمل وحدك ‪ ،‬وبدون الله ! فإنك‬
‫ستنب النجاح إلى عزيمتك ‪ ،‬وإلى نجاحك فى تداريبك ‪ 00‬و هكذا‬
‫تتركز ذاتك و يختفى الله !!‬
‫***‬
‫ل شك ان هناك أعمال يعملها الله كلها ‪ ،‬دون أى تدخل للعامل البشرى فيها و‬
‫سنضرب لذلك أمثله ‪:‬‬
‫‪+‬معجزات اقامة الموتى ‪ :‬واضح فيها أن الميت لم يقم ذاته ‪ ،‬وإنما‬
‫الرب قد أقامه ‪ ،‬ل دخل للقوة البشرية هنا ‪ 0‬وأنت أيضا ً ميت أيضا ً‬
‫بالخطية ‪ ،‬وقد أقامك المسيح ‪ 00‬و مثال آخر المراض المستعصية‬
‫التى كانت ترمز للخطية ‪ ،‬مثل مرض البرص ‪ ،‬وصاحب اليد اليابسة ‪،‬‬
‫و المفلوج ‪ ،‬و الشل ‪ ،‬و المقعد ‪ ،‬والعمى ‪ 0‬كلهم قد شفاهم الرب‬
‫بغير ذراعهم البشرى ‪ 0‬لذلك فالنسان الروحى يقول ‪ " :‬اعتبرنى يا‬
‫رب مثل الميت ‪ ،‬الذى ل يقدر على إقامةنفسه ‪ ،‬ومثل البرص الذى ل يستطيع‬
‫تطهير ذاته " ‪0‬‬
‫أنت يا رب الذى تقدر أن تقيم الميت ‪ ،‬وتشفى البرص ‪0‬‬
‫أنت يا رب عملت مع كثيرين كانوا فاقدى القدرة ‪ ،‬ولم يقووا على‬
‫تخليص نفوسهم ‪ ،‬وأنت قد خلصتهم ‪ 0‬مثال ذلك أبونا اسحق ‪ 00‬لقد‬
‫وضع على الحطب فوق المذبح ‪ ،‬وأعدت النار ‪ ،‬و ارتفعت السكين‬
‫فوقه ‪ 0‬ولكنك أنت الذى تدخلت فى اللحظة الحاسمة ‪ ،‬وأنقذت‬
‫اسحق ‪0‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى يذكر أيضا ً مثال العاقر ‪ 0‬التى لم تستطع من ذاتها أن تنجب‬
‫ولكنها بنعمة الله صارت مثمرة أكثر من الجميع ) أش ‪ 0 (54‬ويقول‬
‫للرب ‪ :‬أنت الذى فتحت رحمها المغلق ‪ ،‬وقلت لها فى رفق " ترنمى‬
‫أيتها العاقر التى لم تلد ‪ 00‬لنك تمتدين غلى اليمين وإلى اليسار ‪0‬‬
‫و يرث نسلك معا ً ‪ ،‬و يعمر مدنا خربه ‪ 00‬لحيظة تركتك ن وبمراحم‬
‫عظيمة سأجمعك " ) اش ‪0 ( 54‬‬
‫نعم إن نفسك قد تكون عاقرا ً ‪ ،‬لم تنجب من ذاتها فضيلة واحدة ‪ 0‬ولكنها بالروح‬
‫القدس سيكون لها بنون كثيرون ‪ ،‬ويبارك الله بنيها فيها ‪0‬‬

‫ولكنها بدون روح الرب ‪ ،‬تنجب ‪ ،‬و لن تثمر ‪ 0‬إن " البنين ميراث من‬
‫الرب " كما قال الكتاب ‪ 0‬وهو وحده الذى يستطيع أن يفتح رحم‬
‫العاقر ‪ ،‬كما فعل مع سارة ‪ ،‬ورفقه وراحيل وحنة و اليصابات ‪0‬‬
‫اعتبر نفسك مثل " الميت الذى ليقدر على القيامة من ذاته ‪،‬‬
‫وكالرض الذى يحتاج إلى الرب لتطهيره ‪ ،‬وكالعاقر التى من ذاتها ل‬
‫تلد ‪ ،‬بل الرب يفتح رحمها ‪ ،‬فاطلب الرب إذن من كل قلبك ‪0‬‬
‫***‬
‫انظر شمشون ‪ ،‬فى اعتماده على قوته ‪ ،‬و اعتماده على الرب ‪00‬‬
‫ما مصير قوته البشرية الجبارة ‪ ،‬التى استطاعت أن تخلع باب‬
‫المدينة ‪ ،‬ة تقتل السد ‪ ،‬و تخيف الناس ‪ 00‬لقد انتهى بها المر إلى‬
‫الضياع ‪ 0‬فقبض العداء على شمشون وفقأوا عينيه ‪ ،‬جعلوه يجر‬
‫الطاحون كالحيوان ‪ 0‬ولكنه أخيرا ً عندما قال " يا سيدى الرب ‪،‬‬
‫اذكرنى ‪ ،‬وشددنى هذه المرة فقط ‪ ،‬فأنتقم نقمة واحدة عن عينى "‬
‫) قض ‪ ، ( 28 : 16‬عندئذ أعطاه الرب قوة ‪ ،‬فكان الذين أماتهم فى‬
‫تلك المرة ‪ ،‬أكثر من الذين أماتهم طول حياته ‪ 00‬لن يد الرب عملت‬
‫معه ‪0‬‬
‫***‬
‫اطلب إذن تدخل الرب فى حياتك ‪ 0‬ولكن ليس معنى هذا أن تنام و تكسل ‪ ،‬و‬
‫تطلب الرب ‪ 0‬ولكن جاهد بكل قدرتك ‪ ،‬دون أن تعتمد على هذه القدرة وحدها ‪،‬‬
‫لنها بدون الرب ل تستطيع شيئا َ ‪00‬‬
‫اعمل ‪ 0‬ولكن ل تعمل وحدك ‪ 0‬ل تعتمد على ذراعك البشرى ‪ ،‬وعلى‬
‫قوتك وذكائك وتقواك ‪ 0‬اعرف أنك بدون الله ل يمكن أن تنجح ‪0‬‬
‫وإن نجحت ‪ ،‬يكون نجاحك فشل ‪ ،‬لنه سيصير طعاما ً للذاتية و المجد‬
‫الباطل ‪0‬‬
‫***‬
‫‪+‬تعجبنى عبارة قالها بطرس الرسول ‪ ،‬عندما شفى الله على يديه‬
‫الرجل المقعد عند باب الهيكل ‪ ،‬و التف الناس مندهشين حول‬
‫بطرس ويوحنا ‪ ،‬حينئذ قال لهم بطرس ‪:‬‬
‫" ما بالكم تتعجبون من هذا ؟ ولماذا تشخصون إلينا ‪ ،‬كأننا بقوتنا أو بتقوانا جعلنا‬
‫هذا يمشى ؟ إن إله ابراهيم واسحق ويعقوب ‪ ،‬إله آبالئنا مجد فتاة يسوع ‪" 00‬‬
‫) أع ‪0 ( 12 : 3‬‬
‫‪+‬لقد قال بطرس هذا الكلم ‪ ،‬لنه جرب الذراع البشرى من قبل ‪،‬‬
‫ولم ينتفع شيئا ً ‪ :‬على القل فى حادثتين هامتين ‪:‬‬
‫الول فى صيد السمك ‪ :‬لقد سهر الليل كله ‪ ،‬بكل ما عنده من فن‬
‫فى للصيد ‪ ،‬و من خبرة وقدرة ‪ 0‬و كانت نتيجة ذلك للرب ‪ :‬تعبنا الليل‬
‫كله ‪ ،‬ولم نصطد شيئا " ‪0‬‬
‫ولكنه ‪ ،‬عندما دخل الرب فى سفينته ‪ ،‬وعندما أرشده أين يلقى‬
‫الشبكة و ألقاها حسب مشيئته فى العماق ‪ ،‬حينئذ اتت بصيد كثير ‪،‬‬
‫حتى كادت تتخرق ‪0‬‬
‫و الخبرة الثانية التى اختبرها التى اختبرها بطرس كانت فى حادثة‬
‫انكاره للمسيح ‪ 0‬لقد اعتمد على ذاته كثيرا ‪ ،‬و على محبته للرب ‪،‬‬
‫وعلى تصميماته ‪ :‬قال للرب ‪ :‬لو أنكرك الجميع ‪ ،‬فأنا ل أنكرك ‪00‬‬
‫ولو أدى المر أن أموت معك ‪00‬‬
‫ولكن بطرس المعتمد على ذاته ‪ ،‬انكر المسيح أمام جارية ‪00‬‬
‫لم تنفعه نيته الطيبة و ل عزيمته ‪ ،‬ول مجرد محبته ‪،‬ول تصميماته ‪ ،‬و‬
‫ل حماسته التى قطع بها اذن العبد ‪00‬‬
‫ليته حول تصميماته إلى صلة ‪ 0‬لبته قال ‪ :‬اعطنى يا رب أنا الضعيف‬
‫قوة لكى ل أنكرك ‪ ،‬قوة استطيع بها ـ إذا ما غربلتى الشيطان ـ أن‬
‫صمد ‪00‬‬
‫***‬
‫كثيرون يجاهدون بمفردهم ‪ ،‬يتعبون ‪ ،‬ويفكرون ‪ ،‬ويدبرون ‪ ،‬ويخططون لحياتهم‬
‫الروحية ‪ ،‬دون أن يعنوا بادخال الرب معهم ‪0‬‬
‫ساضرب لكم أمثلة أراد الله بها اثبات فشل الذات فى كافة مواهبها‬
‫ونواحى قوتها ‪ 0‬شمشون الذى فقئت عيناه و هو مثال لفشل‬
‫الذراع البشرى فى القوة ‪ ،‬وسليمان الذى بخر للصنام مثال لفشل‬
‫الذراع البشرى فى الحكمة ‪ ،‬وداود الذى زنى وقتل مثال لفشل‬
‫الذراع البشرى على الرغم من كثرة مواهبه ‪ 0‬و بطرس الرسول فى‬
‫إنكاره للسيد المسيح مثال الذراع البشرى على الرغم من حماسة و‬
‫غيرته واخلصه ‪ 0‬وبطرس الذى سهر الليل كله ولم يصطد شيئا‬
‫مثال لفشل الذراع البشرى عل الرغم من خبرته وفنه ‪0‬‬
‫***‬
‫لذلك إذ عرفت فشل الذراع البشرى ‪ ،‬فى كل قوته ‪ ،‬وحكمته ‪ ،‬مواهبه ‪ ،‬و‬
‫حماسه وغيرته ‪ ،‬وفنه و خبرته ‪ 00‬إن عرفت هذا ‪ ،‬ل تعش مستقل عن الله ‪ ،‬ول‬
‫تجاهد بغير معونته ‪0‬‬
‫ادخل الله معك فى الصغيرة و الكبيرة ‪00‬‬
‫كثيرون يطلبون الله فقط فى المور الخطيرة ‪ ،‬أما المور الصغيرة‬
‫فيثقون بقوتهم فيها ‪ ،‬وفيها يفشلون ويسقطون ‪ 0‬لهذا يهتم‬
‫الشيطان بهذه المور الصغيرة ويركز عليها ليسقطهم بها ‪0‬‬
‫ولذلك يحذر القديسون من شيطان يسمى " شيطان المور الصغيرة "‬
‫من أجل هذا قال النشيد " خذوا لنا الثعالب ‪ ،‬الثعالب الصغيرة‬
‫المفسدة للكروم " ‪ 0‬أما أنت فادخل الرب حتى فى الصغائر ‪ 0‬ل تثق‬
‫بقوتك ‪ ،‬مهما بدا لك المر تافها ‪0‬‬
‫كثير من القديسين سقطوا فى خطايا ظنوها " خطايا المبتدئين " ‪0‬‬
‫أما أنت فل تحتقر خطية معينة ‪ ،‬ول يظن أن هناك خطية تافهة ل‬
‫تحتاج إلى معونة من الرب ‪ 0‬اطلب الرب باستمرار ليعمل معك فى‬
‫كل أمر ‪ ،‬صعبا كان أم سهل ‪0‬‬
‫ل تقل هذا المر سهل ‪ ،‬اعمله بنفسى ‪ 0‬ذاك أمر صعب ‪ ،‬احتاج فيه إلى معونة‬
‫إلهية ‪ ،‬فالمر السهل هو الذى يقف فيه الله معك ‪ ،‬و إل صار صعبا ً ‪ 0‬و المر‬
‫الصعب هو الذى تعمله وحدك بدون الله مهما بدا سهل ‪0‬‬
‫* * *‬
‫تعجبنى قصة خيالية قيلت عن فلك نوح ‪ 0‬كان فيه ثمانية أفراد ‪ :‬نوح وزوجته ‪،‬‬
‫وأولده الثلثة وزوجاتهم الثلث ‪ 00‬ولكن ‪00‬‬
‫قيل أن هناك تاسعا كان فى الفلك ‪ ،‬وكان يدير دفته ‪ 00‬ولوله ما خلص الفلك ‪0‬‬
‫هذا التاسع هو الله‬
‫نعم ‪ ،‬هل يعقل أن يكون نوح قد دخل الفلك دون أن يدخل الله معه ؟!‬
‫لشك أن العناية اللهية هى التى تقودنا ‪ 0‬بدونها ل يمكن لذراعنا‬
‫البشرى أن يعمل ‪ 00‬نحن نغرس ‪ ،‬ونسقى ‪ 0‬ولكن الله هو الذى‬
‫ينمى ‪ 0‬إذن ليس الغرس شيئا ‪ ،‬و ل الساقى ‪ ،‬بل الله الذى ينمى ‪1 ) " 0‬كو‬
‫‪097:3‬‬
‫لوط لو لم ينقذه الملكان ‪ ،‬لهلك فى سدوم ‪ 00‬لقد امسكا بيديه ‪،‬‬
‫وكانا يدفعانه عندما يتوانى ‪ ،‬و يعجلن بخروجه ‪00‬‬
‫دانيال لو لم يرسل الله ملكه ليسد أفواه السود ‪ ،‬لضاع فى الجب ‪0‬‬
‫ولول ملك الله لبقى بطرس فى السجن ‪0‬‬
‫لذلك ل تركز تفكيرك فى ذاتك ‪ ،‬وفى مواهبك وقدرتك وفهمك ‪ ،‬وفى إرادتك و‬
‫عزيمتك و تدابيرك ‪ ،‬و خبرتك و طهارتك ‪ 0‬خف جدا ً لئل تكون معتمدا ً على ذراع‬
‫بشرى ‪00‬‬
‫جاهد ‪ ،‬ولكن ليس بمفردك ‪ 00‬واعمل ‪ ،‬ول يعتمد على عملك ‪0‬‬
‫وفكر ‪ ،‬ولكن " على فهمك ل تعتمد " انظر الى لمبات الكهرباء ‪ :‬قد‬
‫تكون قوية و جميلة ‪ ،‬ومن أجود الصناف ‪ ،‬وكذلك أسلكها جيدة ‪،‬‬
‫وتوصيلتها سليمة ‪ 0‬ولكن إن لم يسر فيها التيار ‪ ،‬فلن تضئ ‪ ،‬كذلك‬
‫أنت ‪00‬‬
‫هناك آية أحب أن تضعها أمامك باستمرار ‪ ،‬كشعار و هى ‪:‬‬
‫" إن لم بين الرب البيت ‪ ،‬فباطل ً تعب البناؤون ‪ 0‬وإن لم يحرس الرب المدينة ‪،‬‬
‫فباطل ً سهر الحارس " ) مز ‪0 ( 1 : 127‬‬
‫صحيح يجب أن تعمل مع الله ‪ 0‬هو يبنى ‪ 0‬وأنت تناوله الطوب و‬
‫الحجارة و المونة ‪ ،‬أو أنت تكون حجرا صالحا فى يديه ‪ 0‬ولكن ل‬
‫تظن أنك أنت الذى تبنى حياتك ‪ ،‬وحدك ‪ ،‬بدونه ‪ ،‬استمع إلى بولس‬
‫الرسول ‪ ،‬هو يقول " استطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى " ‪0‬‬
‫إنه يستطيع كل شئ ‪ ،‬ولكن ليس وحده ‪ ،‬بل فى المسيح الذى يقويه ‪ 0‬وإن لم‬
‫يقوه المسيح ‪ ،‬لن يستطيع شيئا ً ‪0‬‬
‫لذلك نحن فى الترتيلة نقول له " امسك يدى وقدنى " ‪ 0‬قل له يا‬
‫رب أنا بدونك ل استطيع شيئا ‪ 0‬قدنى ارشدنى ‪ " 0‬علمنى يا رب‬
‫طرقك ن فهمنى سبلك " ‪ " ،‬افتح عينى الغلم ليرى " اعطنى القوة‬
‫و المعونة ‪ 0‬اعمل فى ضعفى ‪0‬‬
‫***‬
‫كلمة جميلة قالها المسيح لتلميذه الذين دربهم بنفسه ‪ " :‬ل تبرحوا‬
‫أورشليم ‪ ،‬حتى تلبسوا قوة من العالى " ‪00‬‬
‫وماذا عن كل خبراتنا و معرفتنا وروحياتنا ؟ أو ماذا عن تلمذتنا‬
‫الطويلة ‪ ،‬لك أنت ؟ ‪ 00‬ل تعتمدوا على ذواتكم ‪ 0‬انتظروا موعد الب‬
‫انتظروا حتى تلبسوا قوة من العالى ‪ " 00‬ستنالون قوة متى حل‬
‫الروح القدس عليكم ‪ ،‬و حينئذ تكونون لى سهودا ً حينئذ ‪ ،‬وليس قبل‬
‫‪00‬‬
‫هكذا أنت ‪ ،‬ل تعمل إل بعد أن تناول قوة من فوق ‪ 0‬اسع وراء هذه‬
‫القوة ‪ ،‬بكل ضعفك ‪ ،‬بكل صلواتك وتصرفاتك ‪ ،‬و حينئذ تشهد له ‪00‬‬
‫إذن ليس بذراعك البشرى ‪ ،‬حتى لو كنت رسول ومن الثنى عشر ‪،‬‬
‫بل بالقوة التى تلبسها من العالى ‪ 0‬ليس بقوتك ‪ ،‬ول بتقواك ‪ ،‬بل‬
‫باسم يسوع المسيح ‪ ،‬يمكن لهذا المقعد أن يمشى ‪ 0‬إن لم يبن‬
‫الرب البيت ‪ ،‬فباطل تعب البناءون ‪0‬‬
‫كل خطية تقابلك ‪ ،‬قل لها " أنا آتيك باسم رب الجنود " مثلما قال‬
‫داود لجليات ‪ 0‬ادخل إلى الرب فى المعركة ‪ ،‬لن الحرب للرب ‪ 0‬تأكد‬
‫أن الرب يحارب معك ‪ 0‬وإن لم تشعر به ‪ ،‬صارعه حتى الفجر ‪ ،‬وقل‬
‫له ل أتركك حتى تذهب معى و إن لم تذهب معى فلن أحارب ولن‬
‫اذهب مثلما قال القائد باراق لدبورة النبية ) قص ‪( 8 : 4‬‬
‫كن كالبيت المبنى على الصخر ‪ " ،‬و الصخرة كانت المسيح " ‪ ،‬و‬
‫حينئذ ل تسقط ‪ 0‬و ل تبن بيتك على ذاتك ‪ ،‬لن ذاتك تراب ورماد و‬
‫البيت المبنى على التراب يكون سقوطة عظيما ‪00‬‬
‫***‬
‫ملئكة الكنائس السبع كانوا فى يمين المسيح " )رؤ ‪ 0(2‬فى يمين‬
‫الرب التى صنعت قوة ) مز ‪(117‬‬
‫كن أنت أيضا ً فى يد الله ‪ 0‬كن كالطفل الذى يسير فى الطريق‬
‫مطمئنا ً ‪ ،‬لن أباه ممسك بيده ‪ 0‬قل له " ل تتركنى يا رب لذاتى و‬
‫ذكائى امسك بيدة " ‪ " 0‬آه يا رب لو انفرد بى عقلى و ذكائى بعيدا‬
‫عنك " اذن لكنت هلكت !!‬
‫هوذا الرسول يقول " ل تستكبر ‪ ،‬بل خف " ) رو ‪ 0 ( 20 : 11‬إن‬
‫خفت ‪ ،‬قل له " إن سرت فى وداى ظل الموت ‪ ،‬ل أخاف شيئا ‪ ،‬لنك‬
‫أنت معى ‪ 0‬عطاك و عكازك هما يعزياننى " ) مز ‪0 ( 23‬‬
‫هذا هو النسان الروحى ‪ ،‬الذى يسير فى طريقه المقدس ‪ ،‬معتمدا ً‬
‫على قوة الله التى تستده ‪ ،‬و التى ترشده ‪ ،‬و النى تحميه ‪ ،‬و التى‬
‫تعمل فيه ‪00‬‬
‫ل يعتمد اطلقا على ذراعه البشرى ‪ 00‬و ل أى ذراع بشرى ‪ ،‬بعيدا ً‬
‫عن الله ‪00‬‬
‫راحة الجسد ‪ ،‬وراحة النفس ‪ ،‬وراحة الفكر ن وراحة الضمير ‪ ،‬وراحة الروح ‪ 00‬و‬
‫الراحة من المشاكل و هناك راحة حقيقية ‪ ،‬وراحة زائفة ‪ ،‬وأو خاطئة ‪00‬‬
‫وقد يوجد إنسان ‪ ،‬راحته فى هواية معينة ‪ ،‬فى لون من الرياضة مثل‬
‫‪ ،‬أو فى أحد الفنون كالرسم أو الموسيقى أو الشعر ‪ ،‬أو يجد راحته‬
‫فى القراءة ‪ ،‬أوفى تسلية ما محل اللغاز ‪ 00‬وليس فى هذا كله‬
‫شئ خاطئ ‪ ،‬مادامت وسيلة سليمة ‪ 0‬ولكنه مع ذلك ليس هو الراحة‬
‫الحقيقية ‪0‬‬
‫و البعض قد يجد راحته فى المتعة مع الصدقاء و الصحاب و‬
‫المعارف ‪ ،‬بروح السرة الواحدة ‪ ،‬بأسلوب اجتماعى ‪ ،‬يتسامرون و‬
‫يتسلون ‪ ،‬أو يتعاونون معا ً فى العمل عام ‪ 0‬و هذا لون سليم من‬
‫الراحة ‪ ،‬مادام لخطأ فيه ‪ 0‬ولكنه مستوى معين من الراحة ‪ ،‬يوجد ما‬
‫هو أعلى منه ‪0‬‬
‫***‬
‫و هناك راحة زائفة ‪ ،‬وراحة خاطئه‬
‫لقد استراح آخاب الملك حينما استطاع أن يدبر مؤامرة ظالمة‬
‫استولى بها على حقل نابوت اليزرعيلى ‪ ،‬وساعدته فى ذلك زوجته‬
‫ايزابل ‪ ،‬إذ أرادت أن تحقق له رغبته ‪ ،‬ولو بجملة من الخطايا ولم‬
‫يسترح الثنان ‪ ،‬إذ أرسل الله إيليا النبى إلى آخاب ليقول له " فى‬
‫المكان الذى لحست فيه الكلم دم نابوت اليزرعيلى ‪ ،‬تلحس الكلم‬
‫دمك أنت أيضا ً " ) ‪1‬مل ‪ 0 ( 19 : 21‬و هكذا حدث لزوجته أيضا ً )‬
‫‪2‬مل ‪0 ( 36 : 9‬‬
‫***‬
‫وقد يظن إنسان أنه يريح نفسه بالتدخين أو الخمر ‪:‬‬
‫أو بتعاطى بعض المخدرات ‪ 0‬وقد يصل المر به فى كل ذلك إلى‬
‫الدمان ‪ 0‬وهو ل يدرى أن السجاير أو الخمر ل تحل له مشكلة ‪ ،‬بل‬
‫هى مشكلة أخرى تضاف إلى مشاكله ‪ 0‬و المخدرات إنما تتيهه عن‬
‫نفسه فينسى مشاكله إلى حين ‪ 0‬ولكن هذه المشاكل تظل باقية بل‬
‫حل ‪ ،‬تضاف إليها مشكلة أخطر و هى تعاطى المخدرات ‪00‬‬
‫وإنسان آخر قد يرى راحته فى تحقيق شهوة معينة ‪:‬‬
‫كأن ينتقم لنفسه ممن أهانه أو اساء غليه ‪ ،‬ويرد الكلمة بكلمتين ‪ ،‬و‬
‫عندئذ يستريح !! كذلك إن استطاع أن يهزم منافسه ‪ 00‬وكلها راحة‬
‫زائفة و خاطئة ‪00‬‬
‫ذلك قد يشعر براحة داخلية ‪ ،‬من يحقق لنفسه شهوة فى العظمة ‪،‬‬
‫أو القنية والمتلك ‪ ،‬أو شهوة جسدية ‪ ،‬أوقضاء الوقت فى الهو‬
‫وعبث ‪ !!00‬أو ممارسة باقى عاداته الخاطئة ‪ 00‬ويكون فى كل ذلك‬
‫قد أهلك نفسه ‪00‬‬
‫***‬
‫مادام المر هكذا ‪ ،‬فلنبحث عن الراحة الحقيقية وكيف تكون ‪:‬‬
‫أول ذكر للراحة فى الكتاب المقدس هو الية التى تقول ‪" :‬‬
‫فاستراح الله فى اليوم السابع من جميع عمله الذى عمل ‪ 0‬وبارك‬
‫الله اليوم السابع وقدسه ‪ ،‬لنه فيه استراح من كل عمله الذى عمل‬
‫الله خالقا ً " ) تك ‪ 00 ( 3 ، 2 : 2‬و هنا نجد راحة مصحوبة بالبركة و‬
‫التقديس ‪ ،‬وتقدم لنا مبدأ هاما وهو ‪ :‬الراحة المقدسة فى اتمام عمل‬
‫صالح ‪:‬‬
‫لن الله نظر إلى نظر إلى كل ما عمله ‪ ،‬فإذا هو حسن جدا ً ) تك ‪: 1‬‬
‫‪ ، ( 21‬فاستراح لذلك ‪ 00‬وبنفس الوضع نجد راحة أخرى فى إتمام‬
‫عمل الفداء ‪ ،‬حينما قال وهو على الصليب " قد أكمل " ) يو ‪: 19‬‬
‫‪ 0 ( 30‬وأيضا ً وجد راحته فى قوله للب ‪:‬‬
‫" العمل الذى أعط يتنى لعمل ‪ ،‬قد أكملته " ) يو ‪0 ( 4 : 17‬‬
‫والنسان الروحى يستريح فى أعماقه من الداخل ‪ ،‬حينما يمكنه أن‬
‫يكمل كل عمل صالح يعهد به إليه ‪ ،‬و حينما يكمل خدمته ‪ 0‬مثلما‬
‫قال القديس بولس الرسول ‪ " :‬إنى الن اسكب سكيبا ‪ ،‬ووقت‬
‫انحللى قد حضر ‪ 0‬جاهدت الجهاد الحسن ‪ ،‬اكملت السعى ‪ ،‬حفظت‬
‫اليمان ‪ 0‬وأخيرا قد وضع لى أكيل البر ‪ ،‬الذى يهبه لى فى ذلك‬
‫اليوم الديان العادل " ) ‪2‬تى ‪0 ( 8 – 6 : 4‬‬
‫لقد استراح السيد المسيح ‪ ،‬حينما اكمل عمل الفداء ‪ ،‬وأصعد من‬
‫الجحيم الراقدين على رجاء ‪ ،‬وفتح لهم باب الفردوس ‪ 0‬ثم هزم‬
‫الموت بقيامته فى فجر الحد ‪0‬‬
‫***‬
‫لهذا نقدس يوم الحد ‪ ،‬ونعتبره يوم الرب ‪ ،‬يوم الراحة الحقيقية ‪0‬‬
‫لن فيه اراح الرب البشرية من عقوبة الخطية ‪ ،‬ومن الموت ‪0‬‬
‫واصبح بقيامته باكورة الراقدين ) ‪1‬كو ‪ 00 ( 23 ، 20 : 15‬وهناك‬
‫نستريح فى يوم الحد ‪ 00‬كان يوم السبت هو اليوم الذذى استراح‬
‫فيه الله خالقا ‪ 0‬ويوم الحد هو الذى استراح فيه فاديا و مخلصا ‪00‬‬
‫والراحة فيه ليست مجرد راحة الجسد ‪ ،‬إنما راحة الروح أيضا ً ‪0‬‬
‫فالنسان الروحى يجد راحته فى هذا اليوم ‪ ،‬فى بيت الله ‪ ،‬فى‬
‫القداس اللهى بألحانه وبركاته ‪ ،‬وفى الستماع إلى القراءات‬
‫المقدسة و العظة ‪ ،‬وفى التناول من السرار اللهية ‪ 0‬ويجد راحته‬
‫فيما يقوم به من خدمة فى يوم الرب هذا ‪ 0‬وبهذا كله ترتاح روحه ‪،‬‬
‫ول يشعر بتعب فيما يبذله من مجهود ويذكر ما قاله القديس يوحنا‬
‫الرسول فى مقدمة سفر الرؤيا ‪:‬‬
‫" كنت فى الروح فى يوم الرب " ) رؤ ‪0 ( 10 : 1‬‬
‫لشك أنه حينما كان فى الروح ‪ ،‬كان يجد راحة قلبية ‪ ،‬تنسيه الضيقة‬
‫‪ ،‬و النفى فى جزيرة بطمس ‪ ،‬و ترشحه لتلك الرؤيا اللهية العجيبة‬
‫التى رآها ‪00‬‬
‫الراحة فى يوم الرب ‪ ،‬ليس معناها الكسل أو الخمول ‪ ،‬وليس معناها‬
‫أن النسان ل يعمل أى عمل على الطلق ‪ ،‬كما كان بفهم‬
‫الفريسيون من وصية الرب ) تث ‪ 0 ( 14 ، 13 : 5‬فوصية الرب كانت‬
‫خاصة بالمتناع عن العمل العالمى ‪ ،‬وليس عن العمل الروحى ‪00‬‬
‫إذن كان يحل عمل الخير فى السبوت ) مت ‪0 ( 12 : 12‬‬
‫***‬
‫أرواحنا تستريح فى الله ‪ 0‬والله يستريح فى ارواحنا ‪0‬‬
‫كما قال فى المزمور " ههنا موضع راحتى إلى أبد البد ‪ 0‬ههنا‬
‫أسكن لنى اشتهيته " ) مز ‪ 0 ( 14 : 132‬الله حقا يستريح فى‬
‫القلب الطاهر ‪ 0‬يستريح فى قديسيه ‪ ،‬وأيضا ً يتمجد فيهم ) ‪2‬تس‬
‫‪ 0 ( 10 : 1‬و النسان الروحى كما يرتاح الله فيه ‪ ،‬كذلك ‪:‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى يجد راحته فى إراحة الخرين ‪:‬‬
‫إنه يشعر بلذة وراحه ‪ ،‬كلما أراح غيره ‪ 0‬يستريح قلبه و تستريح‬
‫روحه فى كل عمل محبة يقوم به نحو الخرين ‪ 0‬يجد راحة قلبية ‪،‬‬
‫حينما ينقذ مسكينا ‪ ،‬أو يحسن إلى فقير ‪ ،‬أو يعطف على يتيم ‪ ،‬أو‬
‫يحل مشكلة إنسان فى ضيقة ‪ ،‬أو يعزى حزينا ً ‪ 00‬ويجد راحة فى‬
‫الخدمة الروحية التى يقوم بها ‪ ،‬مهما كلفته من مجهود ‪00‬‬
‫***‬

‫راحة الروح تجعله ل يشعر بتعب الجسد ‪0‬‬


‫عامل الطفاء مثل يخاطر بالقاء نفسه وسط النار و الدخان ‪ ،‬ويشعر‬
‫براحة كبيرة كلما أنقذ إنسان من الحريق ‪ 0‬وكذلك من يتعب لينقذ‬
‫شخصا ً من الغرق ‪ 0‬كذلك من يبذل كل جهده ‪ ،‬ليرد خاطئا عن طريق‬
‫ضلله ‪ ،‬فينقذ نفسا من الموت ‪ ،‬ويستر كثرة من خطايا " ) يع ‪: 5‬‬
‫‪ 0 ( 20‬كل تعبه فى الفتقاد ‪ ،‬وفى الحوار و القناع ‪ ،‬وفى احتمال‬
‫هذا الخاطئ ‪ ،‬كل هذا التعب ل يشعر به ‪ ،‬بل بالحرى يجد فيه لذة إن‬
‫أمكنه أن يخلص نفسه ‪ 0‬و بهذا يشعر براحة كبيرة ‪0‬‬
‫***‬
‫لشك أن أكبر راحة شعر بها المسيح ‪ ،‬كانت على الصليب ‪0‬‬
‫وسط آلم الصلب المبرحة ‪ ،‬كان يشعر براحة ل يعبر عنها ‪ ،‬فى‬
‫تخليص البشرية من حكم الموت ‪ ،‬وفى إرضاء العدل اللهى ‪ ،‬وفى‬
‫بذل نفسه كمحرقة وذبيحة خطية لفداء البشر جميعا ‪ 00‬راحة‬
‫مؤسسة على اللم ‪ ،‬الذى احتمله بسبب الحب ‪00‬‬
‫ولعل نفس الراحة ‪ ،‬شعر بها الشهداء ‪ ،‬و القياس مع الفارق ‪0‬‬
‫وسط عذاباتهم وآلمهم ‪ ،‬كانوا يشعرون براحة ‪ ،‬إذ هم على وشك‬
‫اللتقاء بالرب فى الفردوس ‪ ،‬و التخلص من رباط الجسد و المادة ‪،‬‬
‫والنطلق إلى كورة الحياء ومجمع القديسين ‪000‬‬
‫وهكذا أيضا ً ‪ ،‬وكل من احتمل آلما لجل المسيح ‪ 0‬و هكذا قيل عن‬
‫الباء الرسل القديسين ‪ ،‬بعد جلدهم " وأما هم فذهبوا فرحين ‪،‬‬
‫لنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه " ) أع ‪( 41 : 5‬‬
‫وهكذا الب و الم يشعران براحة من كل تعبهما من أجل تربية أولدهما ‪0‬‬
‫مهما بذل من جهد جسدى فى العناية بهؤلء الطفال ‪ ،‬مهما احتمل‬
‫من تعب فى سهر الليل ‪ ،‬وفى العناية بصحة هؤلء الطفال و‬
‫نظافتهم ‪ ،‬وفى الهتمام بتعليمهم والنفاق عليهم ‪ 0‬فى كل ذلك‬
‫يشعران براحة ‪ 0‬كما تشعر الم براحة و هى تحمل جنينا فى‬
‫أحشائها ‪ ،‬لن الله وهبها ابنا ‪ ،‬مهما كانت متاعب الحبل و الولدة ‪00‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫إن الراحة ليست هى مجرد راحة الجسد ‪ ،‬إنما هى راحة الضمير ايضا ‪00‬‬
‫و الضمير يرتاح حينما يؤدى رسالته ‪ ،‬وحينما يقوم بواجبه ‪ ،‬ويكلمه‬
‫على أحسن وجه ‪ ،‬ول يهتم اطلقا بتعب جسده فى سبيل إكمال‬
‫عمله ‪ ،‬وتحقيق هدفه الصالح ‪ 0‬وكلما كانت آماله عالية ‪ ،‬كلما تعب‬
‫بالكثر ‪ ،‬ووجد راحة فى تعبه ‪ 0‬وكما قال الشاعر ‪:‬‬
‫تعبت فى مرادها الجساد‬ ‫كلما كانت النفوس كبارا‬
‫بعكس ذلك الذى يستريح جسديا ‪ ،‬ويتعب ضميره ‪0‬‬
‫كالنسان الذى يكسل و ل يذهب إلى الكنيسة أو إلى الخدمة ‪ ،‬بحجة‬
‫حاجة جسده الى الراحة ‪ 0‬هذا النسان يستريح جسده ‪ ،‬ولكن ضميره‬
‫يتعب ‪ 0‬أو الخادم الذى يكسل فى افتقاد مخدوميه ‪ ،‬أوبحجة تعب‬
‫الجسد يقصر فى زيارة مريض ‪ ،‬أو فى الذهاب لتعزية حزين ‪ ،‬هذا‬
‫يريح جسده بينما يتعب ضميره ‪0‬‬
‫كذلك التلميذ الذى ل يذاكر ‪ ،‬ويمتع جسده باللهو و الراحة ‪ ،‬تتعب‬
‫نفسيته فيما بعد حينما يفشل فى امتحاناته ‪ ،‬ويتعب ضميره‬
‫لتقصيره فى واجباته ‪ 0‬وبالمثل كل إنسان يهمل عمله ‪ ،‬ويركن إلى‬
‫الرحة ‪ ،‬فيفشل أول يخطى برضى رؤسائه ‪00‬‬
‫***‬
‫تعب الحتمال ايضا ً فيه راحة للروح ‪0‬‬
‫تعب النفس فى تحويل الخد الخر ‪ ،‬وفى مشى الميل الثانى ‪ ،‬و فى‬
‫الصبر على من يخاصمك ‪ ،‬ويأخذ ثوبك فتترك له الرداء ايضا ً ‪ 0‬وفى‬
‫عدم مقاومة الشر ) مت ‪ 0( 41 – 39 : 5‬كل هذه اللوان من‬
‫الحتمال ‪ ،‬حتى إن تعبت فيها النفس ‪ ،‬ولو فى أول الطريق ‪ ،‬إل أن‬
‫الضمير يرتاح لنه نفذ الوصية ‪0‬‬
‫كذلك الذى يسهر الليل فى الصلة ‪0‬‬
‫ويقوم فى نصف الليل ‪ ،‬ليسبح الله على أحكام عدله ‪ 0‬و تسبق‬
‫عيناه وقت السحر ‪ ،‬ليتلو فى جميع أقواله ) مز ‪ 00 ( 119‬هذا تجد‬
‫روحه راحة بكل تعب الجسد ‪ 0‬وكذلك تجد راحة فى جهاده‬
‫ومصارعته لقوى الروحية )أف ‪ ، ( 6‬و الصبر إلى المنتهى حتى‬
‫يخلص ) مت ‪0 ( 13 : 24‬‬
‫***‬
‫ومع كل ذلك ‪ ،‬لم يحرمنا الله من راحة الجسد ‪0‬‬
‫فمنحنا يوم السبت ) الحد حاليا( لنستريح فيه ‪ ،‬جسديا وروحيا ‪0‬‬
‫لن الله الذى خلق أجسادنا ‪ ،‬يعرف أن هذا الجسد يحتاج إلى راحة‬
‫يوم كل أسبوع ‪ 0‬ولذلك قال الرب ‪ " :‬ليست إنما جعل لجل النسان‬
‫‪ 0‬وليس النسان لجل السبت " ) مر ‪0 ( 27 : 2‬‬
‫من حقك إذن ‪ ،‬بل من واجبك ‪ ،‬أن تريح جسدك من الرهاق ‪ ،‬ومن‬
‫المرض ‪ 0‬و تعطية حاجته من النوم ‪ 0‬و ل تسبب له أمراضا ً بإهمالك‬
‫فى القواعد الصحية ‪ 0‬وأيضا ً تعطيه كفافه من الغذاء ‪ 0‬ولكن ‪000‬‬
‫***‬
‫ولكن ل تكون راحة جسدك على حساب تعب روحك ‪0‬‬
‫أنت " تقيت جسدك وتربيه " ) أف ‪ 0 ( 29 : 5‬ولكن فى نفس الوقت‬
‫" تقمع جسدك و تستعبده " ) ‪1‬كو ‪ ، ( 27 : 9‬ول تجعله يتمرد على‬
‫الروح ‪ 00‬تعطى الجسد غذاءه ‪ ،‬ول تعطيه شهواته ‪ 0‬تعطية النوم‬
‫للراحة ‪ ،‬ولكن توقظه للصلة ‪ ،‬لكى تستريح الروح أيضا ‪ 0‬و هكذا‬
‫فإن النسان الروحى يحفظ ميزان الراحة بين الجسد و الروح ‪0‬‬
‫كثير من الناس يرهقون أجسادهم أزيد من احتمالهم ‪ ،‬فترهق‬
‫أعصابهم أيضا ً ‪ 0‬وقد يخطئون بسبب أعصابهم المرهقة ‪ ،‬و تتعب‬
‫أرواحهم بذلك ‪ 0‬والمر يحتاج إلى حكمة وافراز ‪0‬‬
‫***‬
‫وفى إراحة جسدك ‪ ،‬ابعد عنه الخطاء النفسية التى تتعبه ‪0‬‬
‫ً‬
‫فالغضب و النزفزة من أمراض النفس ‪ ،‬ويتعب الجسد أيضا ‪ 0‬و‬
‫كذلك الضطراب و القلب و حمل الهم و الكآبة الزائدة ‪ ،‬كلها متاعب‬
‫فى النفس ‪ ،‬تسبب تعبا للجسد أيضا ً وقد قال الرب فى علج ذلك "‬
‫ل تهتموا بما للغد يهتم بما لنفسه " ) مت ‪ 00 ( 34 : 16‬لذلك‬
‫فالنسان الروحى ‪ ،‬الذى يكون قلبه مرتاحا ونفسه فى سلم ن‬
‫بحياة اليمان و التسليم ‪ 00‬هذا أيضا ً براحة روحه يريح جسده أيضا ً‬
‫من أمراض كثيرة ‪00‬‬
‫***‬
‫و النسان الروحى ‪ ،‬كما يريح نفسه وجسده ‪ ،‬كذلك بالكثر يريح روحه ‪0‬‬
‫يريحها من الخطايا ‪ ،‬ومن العادات السيئة و الطباع الرديئة ‪0‬‬
‫ويريحها من الشهوات ومن الستسلم للغراءات ‪ ،‬و يريحها من‬
‫مقاومة الجسد لها ‪ ،‬الجسد الذى يشتهى ضد الروح ) غل ‪، 16 : 5‬‬
‫‪ 0 ( 17‬ويريحها بالنتصار على حروب الشياطين ‪ ،‬ومقاومتهم‬
‫راسخا ً فى اليمان راسخا فىىاليمان ) ‪1‬بط ‪ 0 ( 9 : 5‬ويريح روحه‬
‫ايضا ً بمنحها الغذاء الروحى الذى يقويها ويقربها إلى الله ويعمق‬
‫محبته فيها ‪ 00‬ويريح روحه ‪ ،‬بأن ل يعمل شيئا يتعب ضميره ‪0‬‬
‫***‬
‫وتستريح روحه فى طاعة الله ‪ 0‬ويستريح الله بطاعته ‪0‬‬
‫إن الله يستريح فى القلوب المؤمنة به ‪ ،‬المحبة له ‪ ،‬التى تصنع‬
‫مشيئته ‪ ،‬و تتمم ارادته ‪ ،‬كالملئكة " الفاعلين أمره عند سماع صوت‬
‫كلمه " ) مز ‪0 ( 20 : 103‬‬
‫النسان الروحى ‪ ،‬تستريح روحه فى شركة الروح القدس ) ‪2‬كو‬
‫‪ 0 ( 14 : 13‬فل يعمل عمل ً إل إذا كان روح الله يشترك معه فيه ‪0‬‬
‫الروح تستريح حينما تقول لله فى كل عمل " لتكن مشيئتك " ‪0‬‬
‫فهذا تريح وتستريح ‪ 0‬ما أجمل ما قيل عن موسى النبى إنه صنع كل‬
‫شئ حسب المثال الذى أراه الرب على الجبل ) عب ‪0 ( 5 : 8‬‬
‫***‬
‫ننتقل إلى النقطة الخيرة ‪ ،‬وهى كيف يتسريح النسان ‪:‬‬
‫ً‬
‫إذا استراح النسان من الداخل ‪ ،‬يتسريح من الخارج ايضا ‪ 0‬وإن تعب‬
‫داخله ‪ ،‬لبد أن يظهر عليه هذا التعب من الخارج ‪ 00‬نظرته إلى‬
‫المور هى التى تتعبه ‪ 0‬لذلك قال القديس بولس الرسول " تغيروا‬
‫عن شكلكم بتجديد أذهانكم " ) رو ‪( 2 : 12‬‬
‫يجب أن يقتنع النسان بفعل الخير ‪ ،‬فتصير تصرفاته خيرة ‪0‬‬
‫يجب أن يستريح قلبه تماما ً للسلوك بالروح ‪ 0‬ول توجد شهوة خاطئة‬
‫تتعب الرادة ‪ 0‬وكما قال القديس ذهبى الفم " ل يستطيع أحد أن‬
‫يؤذى إنسان ‪ ،‬ما لم يؤذ هذا النسان نفسه " ‪ 0‬النسان المستريح‬
‫فى الداخل ل يتعبه أى سبب من الخارج ‪ 0‬وهو أيضا ً ل يتعب أحدا ً ‪0‬‬
‫بعكس النسان غير الروحى ‪ ،‬الذى طبعه النكد ‪ ،‬ونفسيته غير‬
‫مستريحة ‪ ،‬فأقل السباب تتعبه ‪ ،‬و يستقبلها هو بتعب ‪0‬‬
‫التعب فى داخله ‪ ،‬وليس بسبب السباب الخارجية ‪0‬‬
‫لن الروحيين أحاطت بهم من الخارج أسباب متعبة كثيرة ‪ ،‬ومع ذلك‬
‫لم يتعبوا ‪0‬‬
‫***‬

‫ما أكثر الخطايا التى يقع فيها من يبنى راحته على تعب الخرين ‪0‬‬
‫وسنضرب لذلك أمثلة عدية منها‬
‫‪-1‬من يجد لذته فى التهكم و الضحك على غيره ‪0‬‬
‫يتخذه مجال للسخرية و التفكة و التسلية ‪ ،‬غير مبال بجرح مشاعره ‪،‬‬
‫ومشاركة الناس له فى جعل هذا النسان اضحوكة لهم ‪ 00‬وبخاصة‬
‫إن كان ل يستطيع الفاع عن نفسه ‪ ،‬أو يحتشم من ذلك ‪ ،‬لن الذى‬
‫يتندر عليه أكبر منه سنا ً أو مقاما ً ‪ 0‬هذا الساخر هو إنسان يجد راحته‬
‫فى تعب غيره نفسيا ‪00‬‬
‫***‬
‫‪-2‬مثال آخر ‪ :‬من يقيم حفلة ساهرة صاخبة بميكروفونات تنقل الصوت عاليا عبر‬
‫عدة شوارع ‪00‬‬
‫ويستمر على ذلك إلى ما بعد منتصف الليل فى صخب ولهو وغناء‬
‫وضوضاء ‪ 0‬ول يبالى فى كل ذلك بشعور غيره ول بمصلحته ‪0‬‬
‫المحتاج إلى نوم ‪ ،‬ل يستطيع أن ينام ‪ 0‬و التلميذ ل يستطيع أن‬
‫يذاكر ‪ 0‬و المريض يزعجه الصوت ‪ ،‬وربما يكون قد تناول حبوبا ً‬
‫منومة تفقد مفعولها ‪ 0‬و الباقون يفقدون حريتهم فى الكلم وفى‬
‫القراءة و فى الستمتاع بوقتهم ‪ 0‬ولكن صاحب الحفلة مسرور‬
‫بحفلته ‪ ،‬غير عابئ بتأثيرها على غيره ‪0‬‬
‫ومثل ذلك من يفتح راديو أو ترانزستور أوقطار ‪ 0‬هو يريد أن يسمع‬
‫ول يهمه غيره ‪00‬‬

‫‪ -3‬كذلك من يدخن سيجارة ‪ ،‬وبجواره من يكره رائحتها ‪00‬‬


‫ينفخ دخانها فى وجهه ‪ ،‬أو فيما حوله ‪ 0‬وقد يكون بجواره من يكاد‬
‫يختنق من رائحة الدخان ‪ 0‬وبخاصة لو كان ذلك فى مكان مغلق ‪ ،‬فى‬
‫حجرة ‪ ،‬أو أتوبيس ‪ ،‬أو طائرة ‪ 00‬هو يريد أن يتمتع بمزاجه الخاص ‪،‬‬
‫و ل يعبأ بتعب غيره ‪ 0‬وقد يفعل ذلك دون أن يستأذنه وحتى لو‬
‫أستأذن يكون ذلك اجراء شكليا ً ‪ 0‬وما أكثر ما تتعب الزوجات من‬
‫أزواجهن المدخنيين ‪ 00‬يدخل تحت بند التدخين أيضا ً المصانع التى‬
‫تعكر الجو بدخانها ‪ ،‬وتؤذى صحة الناس لكى يكسب أصحابها مال ‪00‬‬
‫وكذلك العربات التى تنفث فى سيرها دخانا ً ‪00‬‬
‫***‬
‫‪-4‬وبالمثل من يتعب غيره بمكالمات تليفونية قد تطول ‪00‬‬
‫يطلب غيره تليفونيا فى أى وقت ‪ 0‬وقد يكون نائما ‪ ،‬أو على مائدة‬
‫الطعام ‪ ،‬أو عنده ضيوف ‪ ،‬أويكو منشغل ً بعمل هام يجب أن يقوم به‬
‫‪ 0‬ويظل هذا النسان يتكلم ويتكلم ‪ ،‬ودون يسأل هل الذى يسمعه‬
‫لديه وقت لسماعه أم ل ‪ 0‬بينما اللياقة تقتضى أن يسأل ‪ !00‬وقد‬
‫يكون صوته عاليا يسمعه الذين حول السامع ‪ ،‬وربما يعرفون به‬
‫أسرارا ً ما كان يجوز أن يسمعوها !‬
‫‪-5‬وبنفس الوضع ‪ :‬الحكم على بعض الزيارات ‪:‬‬
‫إنسان يزوره غيره على غير موعد ‪ ،‬دون أن يعرف هل هذا القريب‬
‫أو الصديق مستعد لستقباله أم ل ! ولكنه يدخل ويجلس ويتكلم ‪0‬‬
‫وقد تطول الجلسة ‪ ،‬وصاحب البيت يخجل من أن يقول له أنه‬
‫منشغل ‪ ،‬أو كان على وشك الخروج لمهمة معينة أو موعد مع‬
‫آخرين ! ويكون هذا الضيف جالسا ً فى بيت صاحبه ‪ 0‬إنما هو جالس‬
‫على أعصابه ‪ 00‬وما أصعب مثل هذا الزيارات إن كانت خلل أيام‬
‫المتحانات ‪ ،‬ويعلو فيها الصوت ‪ ،‬و الطلبة محتاجون إلى هدوء ‪00‬‬
‫ومع ذلك فهؤلء الضيوف يحاولون أن يجدوا راحتهم ‪ ،‬ولو على تعب‬
‫غيرهم ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-6‬و على نفس القياس ‪ :‬بعض الرحلت إلى الديرة و المتوحدين ‪:‬‬
‫كل ما يريده أصحاب الرحلت أن يتمتعوا بالدير ‪ ،‬دون أن يضعوا فى‬
‫ذهنهم راحة الرهبان أو هدوء الدير ‪ 0‬وقد الدير ‪ 0‬وقد يكون فى‬
‫الرحلة أطفال يصيحون ويجرون ويلعبون ‪ 0‬وقد يرتفع صوت أعضاء‬
‫الرحلة ‪ ،‬وقد يتجولون فى الدير بغير نظام ‪ 0‬وأحيانا تكون فى الدير‬
‫عدة رحلت بعدة أتوبيسات مع عربات خاصة ‪ 0‬ويجتمع فى الدير‬
‫مئات ‪ ،‬وتسود الضوضاء أرجاء هذا المكان المقدس ‪ ،‬وأصحاب الرحلة‬
‫سعداء !! ل يفكرون فى تعب الرهبان الذين تركوا العالم إلتماسا ً‬
‫للهدوء ! و تزيد المشكلة إن أصر بعض أعضاء الرحلة على زيارة‬
‫المتوحدين ‪ 00‬إنهم يريدون راحتهم ‪ ،‬ول يفكرون فى طقس الحياة‬
‫التى يعيشها غيرهم ‪00‬‬
‫معروفة قصة البابا ثاوفيلس الذى أراد زيارة القديس النبا‬
‫أرسانيوس المتوحد فلما عرف أن ذلك يؤذى وحدته ‪ ،‬امتنع عن ذلك‬
‫‪000‬‬
‫***‬
‫‪-7‬هناك أيضا ً أشخاص يريدون أن يتكلموا ‪ ،‬وربما فى موضوعات ل يستريح لها‬
‫سامعوهم ‪00‬‬
‫وقد يقصون أسرار أناس آخرين ‪ ،‬أو مشاكل معينة ‪ ،‬أو أخطاء قد‬
‫حدثت ‪ ،‬أو يفتحون أذهان سامعيهم لمعرفة أمور جديدة عليهم من‬
‫الخير لهم أن ل يسمعوها ‪ 00‬ولكنهم يريدون أن يتكلموا ‪ ،‬ولو اتعبوا‬
‫السامعين ‪ ،‬ولو صبوا فى آذانهم معلومات مؤذية ‪ ،‬ولو أتلفوا‬
‫أفكارهم ‪ 0‬وقد يحاول السامع أن يهرب ‪ ،‬ولكنهم يضغطون بالكلم ‪،‬‬
‫لنهم يجدون لذتهم فى الحديث ‪ ،‬شاء السامع أن يسمع أو لم يشأ !!‬
‫هذا بالضافة إلى اضاعه وقته ‪00‬‬
‫***‬

‫‪-8‬فى كل مرة تضغط على غيرك ‪ ،‬تيقن تماما ً أنك تبحث عن راحتك على حساب‬
‫تعبه ‪00‬‬
‫وقد يكون هذا الضغط على إراداته ‪ ،‬لكى ينفذ ما ل يريد ‪ 0‬وقد‬
‫يستخد فيه احيانا ً اللحاح المتعب الذى يشكل ضغطا ً على أعصابه و‬
‫على أذنيه ‪ 00‬وقد يكون الضغط مباشرة أو عن طريق وسطاء ‪ 0‬أو‬
‫يكون ضغطا ً على ضميره بتهديده باللتجاء إلى أخطاء يشارك فى‬
‫مسئوليتها ‪ 00‬المهم أن يصل الشخص إلى تحقيق غرضه بالضغط أو‬
‫الضغوط ‪ ،‬ول يهمه مطلقا شعور من يضغط عليه ‪ ،‬ول تعب أعصابه ‪،‬‬
‫و تعب فكره وتعب إرادته ‪ ،‬و الوقت الذى تستغرقه الضغوط ‪00‬‬
‫***‬
‫‪-9‬هناك أشخاص يستريحون نفسيا ً بالشكوى و البكاء ‪ ،‬ويشركون غيرهم فى‬
‫سماع مشاكلهم ومتعابهم وأحزانهم ‪00‬‬

‫ولو حدث ذلك مرة أو فى بعض مناسبات ‪ ،‬لكان ممكنا ً الحتمال‬


‫بالمشاركة الجتماعية " بكاء مع الباكين " ) رو ‪ 0 ( 15 : 12‬ولكن‬
‫ماذا عن أشخاص تعودوا الشكوى و البكاء و النكد ‪ 00‬ما أن يقابلوا‬
‫صديقا ً ‪ ،‬حتى بنفتح ريكوردر الشكوى و البكاء و الحزن و اليأس و‬
‫التعب ‪ ،‬إلى غير نهاية ومهما حاول السامع أن يخفف عنهم ‪ ،‬ل‬
‫يستطيع ‪ ،‬ويزداد النين و التعب ‪ ،‬وربما لغير سبب ‪ ،‬أو لسبب تافه ‪،‬‬
‫أو بحديث متكرر ‪ ،‬وبل نتيجة ! المهم أنهم يريدون أن ينفسوا عن‬
‫انفسهم ‪ ،‬ولو تعب سامعوهم ‪ 00‬ليتك حينما تتكلم ‪ ،‬أن تنظر غلى‬
‫ملمح سامعك ‪ 00‬هل تعب ؟ هل ضجر ؟ ممكن أن تكمل كلمك أم ل‬
‫‪ 0‬ما أكثر الذين يفقدون أصدقاءهم ومعرفهم ‪ ،‬بمداومة الشكوى و‬
‫البكاء ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-10‬نقطة أخرى هى موضوع العثرات ‪:‬‬
‫إنسانة تقف طويل أمام المرآة قبل أن تخرج ‪ 0‬و ل تفارق المرآة‬
‫حتى ترضى تماما ً عن نفسها ‪ ،‬إنها صارت فى منتهى الفتنة ‪ 0‬كل‬
‫من يراها يعجب بها ‪ 0‬ول يهمها فى كل ذلك انها تعثر ‪ 0‬المهم‬
‫راحتها النفسية فى أن تكون تكون موضوع العجاب ‪ ،‬ولو تعب الذين‬
‫يعجبون بها ‪ 0‬نصيحتى لك ‪ :‬ل تجعلى المرآة تقودك ‪ 00‬بل اهتمى‬
‫أن ل تكونى عثرة لحد ‪00‬‬
‫‪-11‬يشابه هذا بعض المتزينات فى الحفلت ‪:‬‬
‫إنسانة تريد أن تكون الولى فى إحدى الحفلت ‪ 0‬وقد تحضر حفلة‬
‫عرس ‪ ،‬وتحاول أن تكون أجمل وأشيك من العروس نفسها!! تلبس‬
‫ملبس فوق مستوى الكل ‪ ،‬و تتحلى بحلى ل تتحلى بها إمرأة أخرى‬
‫‪ 0‬تريد أن تجذب انتباه الكل ‪ ،‬ولو ألغت وجود غيرها ‪ ،‬ولو أتعبت‬
‫باقى النساء وشعرن بصغر نفس وبضآلتهن إلى جوارها ! هذه أيضا ً‬
‫تبحث عن راحتها بتعب الخريات ‪ 0‬وإن ناقشتها ترد قائلة " إنها‬
‫حفلة ‪ ،‬ويجب أن أحتفظ بأناقتى " ‪ 0‬نعم ولكن فى حدود المعقول ‪0‬‬
‫ودون إثارة الغيرة ‪ ،‬ودون الدخول فى مقارنات ‪ 0‬البسى فى الحفلة‬
‫ما يناسب مستوى المشتركات فى الحفلة ‪ ،‬بأناقة معقولة ‪0‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫‪-12‬ما أكثر المشاكل الزوجية ‪ ،‬التى سببها أيضا من يجعل راحته على تعب‬
‫غيره ‪:‬‬
‫ومثال ذلك الزوجة التى تطلب من زوجها طلبات فوق طاقته المالية‬
‫‪ 0‬فإما أن ترهقة ماليا ً ‪ ،‬أو تضطره إلى الفتراض أو إلى الديون ‪ 0‬أو‬
‫أن يقول ليس معى ! وأحيانا تحرجه بحظها العاثر فى أن تتزوج رجل ً‬
‫ليس معه ما ينفقه عليها ! و هكذا تجرح شعوره ‪ 00‬و نفس الكلم‬
‫ينطبق على البن الذى يطلب من أبويه ما هو فوق طاقتهما ‪ ،‬و‬
‫المواطن الذى يطلب من الدولة ما هو فوق طاقتها‬
‫***‬
‫‪-13‬مثال آخر ‪ :‬هو المهاجر الذى يحضر إلى مصر ‪ ،‬ليطلب من الكنيسة أن تزوجه‬
‫فى ايام الصوم‬
‫وأحيانا ً فى الصوم الكبير !! وإن قيل له أن قوانين الكنيسة ل تسمح‬
‫بإجراء سر الزواج فى الصوم ‪ ،‬يظل يضغط ويضغط ‪ ،‬ويقدم أعذارا ً‬
‫وتبريرات خاصة بالسفر وبالجازات ‪ 0‬وإن وجد أن هذه التبريرات‬
‫غير مقبولة ‪ ،‬يحتج ويغضب ويصيح ويصر ‪ ،‬ويهدد بالزواج عند‬
‫الطوائف الخرى ‪ 0‬و المهم راحته فى أن يتزوج ‪ ،‬ول يهتم بضمير‬
‫الكاهن ‪ ،‬ول بقوانين الكنيسة ‪ ،‬ول بكسر الصوم ‪ 0‬إنه يريد موافقة‬
‫الكنيسة ‪ ،‬وليس بركتها ‪ 0‬يريد راحته على تعب غيره ‪!00‬‬
‫***‬
‫‪-14‬من الشياء العجيبة ايضا ً ‪ :‬من يريد ان يبنى مجده على هدم غيره ‪ ،‬ويظن‬
‫بهذا أنه يظهر تفوقه !‬
‫حتى فى المحيط الكنسى ! كاتب يريد أن يحطم جميع البديهيات و‬
‫المسلمات التى يعرفها الكل ‪ ،‬ومحاول أن يثبت خطأها ‪ ،‬لكى يقدم‬
‫رأيا ً جديدا ً ‪،‬كأنه يفهم أكثر من الكل ‪ 0‬هو الوحيد الذى يفهم ‪ ،‬وكل‬
‫ما ورثناه عن الجيال هو خطأ إلى أن بعثه الله ‪ ،‬ليقدم للناس‬
‫المفاهيم السليمة ‪ 00‬من هنا نشأ المبتدعون الذين شيئا ً جديدا ‪،‬‬
‫ً‬
‫لعله ينى لهم مجدا ً ‪ ،‬يتقديم ما لم يصل اليه الغير ‪ 0‬يحاول أن يظهر‬
‫علمه ‪ ،‬بإعلن جهل الكل ‪ ،‬وقد يسأل غيره أحيانا ً أسئلة محرجة‬
‫المقصود بها أن يظهر جهلة ‪ 0‬ثم يجيب هو عن السئلة ليظهر‬
‫تفوقه ‪00‬‬
‫***‬
‫‪-15‬ومثال ذلك من يخفى مواهب غيره ‪ ،‬لتظهر مواهبه هو ‪:‬‬
‫ل يسمح لغيره بالظهور ‪ ،‬ليبقى وحده فى الصورة ‪ 0‬كالستاذ الذى‬
‫ل يعطى المعيد فرصة و ل شهادة ‪ ،‬إل بشق النفس ‪ 0‬وفى نفس‬
‫الشكال يقع غالبية الناشئين ‪ ،‬فل فرصة سهلة لكاتب ناشئ ‪ ،‬أو‬
‫لمخترع ناشئ ‪ ،‬أو لفنان ناشئ ‪ ،‬لن الكبار يريدون احتكار العبقرية‬
‫ذاتها ‍! ويجدون راحتهم فى أن يخلو الجو لهم ‪ ،‬ولو تعب كل‬
‫الناشئين يحتكرون الجو ويحتقرون الغير ‪ !00‬يدخل فى ذلك أيضا ً‬
‫من يحتكر الكلم اثناء اجتماع ‪ ،‬و ل يعطى غيره فرصة لكى يتكلم !‬
‫***‬
‫‪-16‬من أمثلة الراحة بتعب الخرين ‪ :‬الزوج الغيار ‪:‬‬
‫الذى من أجل غيرته على زوجته ‪ ،‬يكاد يحبسها فى البيت ‪ 0‬ل يراها‬
‫أحد ‪ ،‬ول تتكلم مع أحد ‪ 0‬و ل تضحك على فكاهة قالها الغير ‪ ،‬حتى‬
‫إن كانت فكاهة تضحك الحجر ! وإل يقيم الدنيا ويقعدها ‪ 0‬لماذا‬
‫تنبسطين فى الكلم ؟! كأنما اشترى عصفورة جميلة وحبسها فى‬
‫قفص ‪ 0‬حتى إن غنت داخل القفص ‪ ،‬يمنعها من الغناء ! و هكذا‬
‫يضيق عليها تضييقا يجعلها تكره الحياة بسببه ‪ 0‬وإن جادلته أو عاتبته‬
‫‪ ،‬يقول لها " هذا هو الذى يريحنى " ! ولكنها راحة على تعب غيرك ‪،‬‬
‫ل تقيم فيها أى أعتبار لشعور زوجتك ‪00‬‬
‫وبالمثل الزوجة الغيارة أو النكدية أو الكثيرة التحقيق مع زوجها ‪ ،‬و‬
‫التى ترهقه بأسئلة واحراجات ‪ ،‬لكى تستريح هى ‪ ،‬مهما تعب هو ‪00‬‬
‫***‬
‫‪-17‬تظهر الراحة على تعب الخرين غى موضوع الزحام ‪:‬‬
‫كل شخص يريد أن يسبق غيره ‪ ،‬أو يأخذ مكان غيره ‪ ،‬أويصل هو ‪،‬‬
‫ول يهم أن يصل غيره أو ل يصل ! و العجيب أن ذلك قد يحدث أحيانا ً‬
‫أثناء التناول من السرار المقدسة وبخاصة أيام العياد والمناسبات‬
‫‪ 0‬بينما التناول يليق به إنكار الذات وانسحاق النفس ‪ ،‬ول يليق به‬
‫بتاتا أن يبحث النسان عن راحته بتعب غيرهم ‪ 0‬يشبه هذا إيضا ً من‬
‫يبحث عن الماكن الولى فى الجتماعات ‪ ،‬أو يحجزها قبل مجيئه ‪0‬‬
‫وكذلك من يقف فى اجتماع ‪ ،‬ولو أخفى الرؤية عن غيره ‪ 0‬ومن‬
‫يوقف عريته فى مكان ‪ ،‬ولو عطلت المرور على غيره ‪ 00‬العجيب‬
‫أن الزحام قد يحدث أيضا ً فى الجلوس من أب العتراف فقد يدخل‬
‫معترف إليه ‪ 0‬وهناك طابور طويل ينتظر ‪ 0‬فل يهمه كل هؤلء ‪،‬‬
‫ً‬
‫ويقضىما يشاء من الوقت ‪ ،‬ولو تعب المنتظرون ‪ 0‬العجيب أيضا أنه‬
‫ل يعترف بهذا أثناء جلسته مع أب العتراف !‬
‫‪-18‬وموضوع الزحام يذكرنا بالمنافسات عموما ً ‪:‬‬
‫ومنها المنافسات فى الوظائف و المناصب ‪ ،‬حيث يريد أن يزيح‬
‫شخصا ً من مكانه ومركزه ليحل محله ‪ 0‬أو يأخذ درجة أو علوة بدل‬
‫منه ‪ ،‬ولو بتقديم شكوى ضده ‪ ،‬أو اشاعة المذمة فيه ‪ 0‬أو يتسب فى‬
‫فشله ليضيعه ‪ 0‬وفى مجال السياسة ‪ ،‬حزب ينافس حزبا ً ‪ ،‬ويكره‬
‫الناس فيه ليأخذ مكانه ويدخل فى المنافسات أيضا ً المضاربات فى‬
‫السواق ‪ 0‬ونحن ل نقول إن كل منافسه خاطئة ‪ 0‬بل نقصد‬
‫المنافسات التى تلجأ إلى طرق خاطئة لن تتعب غيرها أو تتخلص‬
‫منه أو تحطمه ‪!00‬‬
‫***‬
‫‪ -19‬و تدخل فى موضوعنا أيضا ً كل أنواع السرقة ‪:‬‬
‫فالنشال يريد أن يأخذ ما فى جيب غيره ليضعه فى جيبه هو ‪0‬‬
‫وكذلك كل سرقة ‪ 0‬ويدخل فى هذا المجال الغش فى التجارة ‪ 0‬و‬
‫احتكار السواق و المضاربات فيه ‪ ،‬و الربا الفاحش ‪ ،‬و السوق‬
‫السوداء ‪ ،‬الهروب من الضرائب و الجمارك ‪ 0‬فى كل هذا يبنى كل‬
‫إنسان راحته على تعب غيره ‪ 0‬ومثلها صاحب العمل الذى يبخس‬
‫أجور عماله ليغتنى هو ‪ ،‬وكأنه يسرق عرقهم و تعبهم ‪ 0‬وكذلك الذى‬
‫يطلب رشوة ليقضى عمل مشروعا ً ‪0‬‬
‫إنها أيضا ً سرقة وقد تكون بالكراه ‪ ،‬وهى راحة خاطئة بتعب الخرين‬
‫نضع مثال آخاب الملك الذى أراد أن يغتصب حقل نابوت اليرزعيلى )‬
‫‪1‬مل ‪ 0 ( 21‬كذلك كل أنواع الظلم و التسخير ‪0‬‬
‫وأيضا ً من يسرق فكر غيره و ينسبه إلى نفسه ‪ 0‬ومن يترجم لمؤلف‬
‫‪ ،‬وينسب الفكر لنفسه ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-20‬نذكر هنا أيضا ً نظرية ) كبش الفداء ( ‪:‬‬
‫حيث تقوم مثل سرقات فى شركة من كبار المسئولين فيها ‪ ،‬وبقدم‬
‫موظف بسيط ‪ ،‬أو مدير ‪ ،‬أو عضو مجلس إدارة منتدب ليحمل‬
‫المسئولية كلها ‪ ،‬ويتبرأ المخطئون الحقيقيون ‪ ،‬فينالون راحتهم‬
‫بتعب غيرهم ‪ 0‬كذلك محاولة النجاة من مسئولية أى خطأ بالصاقة‬
‫بآخر ‪ 0‬ومن يتهم غيره لينجو هو ‪0‬‬
‫***‬
‫‪-21‬اغتصاب الفتيات واغراؤهن يدخل فى موضوعنا أيضا ً‬
‫إذ يجد شاب راحته الجنسية فى أن يضيع فتاة ويغتصبها ‪ 0‬وحتى‬
‫مجرد العلقة التى تشغل عقل الفتاة وعاطفتها ‪ ،‬وتضيع سمعتها ‪،‬‬
‫لمجرد أن يجد الشاب متعته فى مصادقة فتاة ‪ ،‬مهما أساء إليها بهذه‬
‫ة ‍! إنها راحة مبنية على تعب الخرين ‪0‬‬ ‫الصداق ‍‬
‫***‬
‫‪-22‬يدخل فى هذا المر ايضا ً الغضب و النرفزة ‪:‬‬
‫إنسان أعصابه تعبانه ‪ 0‬ينفس عن ضيقه بأن يصب غضبه على‬
‫الخرين كلما ً أو كتابة ‪ ،‬لكى يستريح هو ‪ ،‬مهما تعبوا هم ‪ 0‬وما‬
‫ذنبهم فى تعرضهم لعصابه المرهقة ‪ 0‬وإن عاتبته يقول ‪ :‬لم‬
‫استطع أن استريح إل بعد أن قلت هذه الكلمة ! ولكنها راحة خاطئة‬
‫‪0‬‬
‫***‬
‫‪-23‬يدخل فى هذا الموضوع ايضا ً ‪ :‬الحروب والستعمار ‪:‬‬
‫حيث تجد إحدى الدول راحتها فى تحطيم دولة أخرى ‪ ،‬أو فى‬
‫حصارها اقتصاديا ً ‪ ،‬أو فى استعمارها وقد يفعل الفراد مثل هذا‬
‫فى حدودهم الضيقة ‪0‬‬
‫‪-24‬نذكر ايضا ً الستطلع ومحبى معرفة أسرار الناس ‪0‬‬
‫راحتهم هذه ما أكثر ما تتعب غيرهم ‪ ،‬سواء الذين يريدون معرفة‬
‫أسرارهم ‪ ،‬أو الذين يلحون عليهم بالسؤال ‪ ،‬ليستخرجوا منهم‬
‫المعلومات ‪ ،‬بالسئلة المتواترة ‪ ،‬واللحاح المتعب ‪ ،‬حتى يعصرونهم‬
‫عصرا ً ليستخرجوا كل ما عندهم من من المعلومات من ملومات‬
‫بالضغط والحراج ‪0‬‬
‫***‬
‫هؤلء الذين يبحثون عن راحتهم بتعب غيرهم ‪ ،‬إنما يخطئون فى فهم الراحة ‪0‬‬
‫ويبحثون عن راحة مغشوشة ‪:‬‬
‫فالراحة الحقيقية هى راحة الضمير ‪ ،‬وراحه النسان مع الله ‪،‬‬
‫وكذلك الراحة البدية ‪ 0‬أما الراحة التى يبحث عنها هؤلء ‪ ،‬فهى‬
‫راحة غير حقيقية ‪ 0‬والنسان الروحى يبذل نفسه من أجل غيره ‪،‬‬
‫ويتعب ليريح الناس ‪ 0‬كذلك يجب أن ل تكون الوسيلة إلى الراحة‬
‫وسيلة خاطئة " وقد قيل ما عاش من عاش لنفسه فقط " ‪ 0‬و‬
‫الكتاب يقول " قدموا بعضكم بعضا ً فى الكرامة " ) رو ‪ 0 ( 12‬ويجب‬
‫أن يبعد النسان عن النانية وحب الذات ‪0‬‬
‫هناك استثناء واحد ‪ ،‬وهو العقوبة التى تستلزمها الرعاية ‪ ،‬لجل راحة المجموع ‪،‬‬
‫وتثبيت القيم و الروحيات‬

‫النسان الروحى ل يهرب من التعب بحثا ً ‪ ،‬بل يفرح كثيرا ً بأن يتعب‬
‫من أجل الله ‪0‬‬
‫إنه يبحث أول عن راحة ضميره ‪ ،‬عن راحته فى الرب ‪ 00‬أما راحة‬
‫الجسد ‪ ،‬فيضعها فى آخر اهتماماته ‪ 0‬ويفضل التعب إن كان فيه‬
‫كسب روحى ‪ 0‬ويرى راحته فى هذا التعب الذى يوصله إلى الله ‪،‬‬
‫والذى يكون فيه بناء الملكوت ‪0‬‬
‫وهنا نميز لونا ً من التعب المقدس ‪ ،‬له أمثلة كثيرة فى الكتاب ‪:‬‬
‫منه التعب فى الكرازة و التعليم ‪ ،‬وفى الخدمة عوما ً ‪ ،‬و التعب فى‬
‫الجهاد الروحى ‪ 0‬و القديس بولس الرسول ‪ ،‬لما ظنه البعض أقل‬
‫من باقى الرسل فى درجه الرسولية ‪ ،‬قال مدافعا ً عن رسوليته "‬
‫وأنا تعبت أكثر من جميعهم ‪ 0‬ولكن ل أنا ‪ ،‬بل نعمة الله العاملة معى‬
‫" ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 10 : 15‬وقال " أهم خدام المسيح ؟ أقول كمختل‬
‫العقل ‪ ،‬فأنا أفضل ‪ :‬فى التعاب أكثر ‪ ،‬فى الضربات أوفر ‪ ،‬فى‬
‫السجون أكثر ‪ 0‬فى الميتات مرارا ً عديدة " ) ‪2‬كو ‪ 0 ( 13 : 11‬وقال‬
‫عن خدمته أيضا ً " فى تعب وكد ‪ ،‬بأسفار مرارا ً كثيرة " ‪ 00‬فكان أهم‬
‫ما افتخر به هو التعب ‪ 0‬وقال عن مكافأة التعب ‪:‬‬
‫"كل واحد سيأخذ أجرته بحسب تعبه " ) ‪1‬كو ‪0 ( 8 : 3‬‬
‫وقد مدح الكهنة الذين " يتعبون فى الكلمة و التعليم " ‪ ،‬وقال عنهم‬
‫" فليحسبوا أهل ً لكرامة أفضل "‬
‫) ‪1‬تى ‪ 0 ( 17 : 5‬وقال لهل تسالونيكى " نسألكم أيها الخوة أن‬
‫تعرفوا الذين يتعبون بينكم‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويدبرونكم فى الرب وينذرونكم ‪ ،‬وأن تعتبروهم كثيرا جدا فى‬
‫المحبة " ) ‪1‬تس ‪0 ( 12 : 5‬‬
‫وفى رسالته إلى رومه ‪ ،‬ذكر أسماء نسوة قديسات تعبن فى الخدمة‬
‫‪ :‬فقال " سلموا على مريم التى تعبت من أجلنا كثيرا ً ‪ 00‬سلموا‬
‫على تريفينا وتريفوسا التاعبتين فى الرب ‪ 0‬سلموا على برسيس‬
‫المحبوبة التى تعبت كثيرا ً فى الرب " ) رو ‪( 12 ، 6 : 16‬‬
‫إن كل تعب يتعبه النسان من أجل الرب ‪ ،‬هو تعب محبوب ل يمكن‬
‫أن ينساه الله ‪ 0‬وذلك كما قال الرسول ‪:‬‬
‫"لن الله بظالم حتى ينسى عملكم وتعب المحبة التى أظهرتموها نحو اسمه "‬
‫) عب ‪0 ( 10 : 6‬‬
‫حسن أن تقول إنك تحب الله ‪ 0‬ولكن محبتك له تظهر فى تعبك من‬
‫أجله ‪ 00‬والله يكافئك على المحبة وعلى التعب ‪ 0‬وهكذا قال‬
‫الرسول " لم اسع باطل ً ‪ ،‬ول تعبت باطل ً " ) فى ‪ 0 ( 16 : 2‬قال‬
‫لهل كورنثوس " كونوا راسخين غير متزعزعين ‪ ،‬مكثرين فى عمل‬
‫الرب كل حين ‪ 0‬عالمين أن تعبكم ليس باطل ً فى الرب " ) ‪1‬كو ‪: 15‬‬
‫‪( 58‬‬
‫***‬
‫إن النسان الذى يتعب ‪ ،‬يفرح بثمار تعبه ‪0‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬الزارع الذى يتعب فى حرث الرض وزرعها وريها ‪،‬‬
‫وتنظيفها من الفات ‪ 00‬إلى أن يأتى وقت الحصاد ‪ ،‬فيفرح ‪،‬‬
‫ويعرف أن تعبه لم يكن باطل ً ‪،‬بل كافأة الرب بالبركة حسب كل تعبه‬
‫إن كل تعب يتعبه النسان بهدف روحى ‪ ،‬وبأسلوب روحى ‪ ،‬من أجل‬
‫الله ‪ ،‬هو تعب محسوب له عندالله ‪ ،‬مسجل عنده ‪ 0‬وهكذا قال الرب‬
‫لملك كنيسة أفسس ‪:‬‬
‫"أنا عارف أعمالك وتعبك وصبرك " ) رؤ ‪0 ( 2: 2‬‬
‫***‬
‫إنه أمر معزى أن الله يعرف كل تعبك ‪ ،‬ويكتبه لك فى سفر الحياة ‪،‬‬
‫ولبد سيكافئك عنه فى البدية السعيدة ‪ ،‬وربما فى هذه الحياة أيضا ً‬
‫‪ 0‬كما يسندك فى تعبك ويقويك ‪ 0‬أويقول لك كما قال للقديس بو‬
‫الطموهى فى جهاده " كفاك تعبا ً يا حبيبى بول " ‪ 00‬وهو يقول‬
‫على الدوام ‪:‬‬
‫" تعالوا إلى يا جميع المتعبين و الثقيلى الحمال ‪ ،‬وأنا أريحكم " ) مت ‪( 28 : 11‬‬
‫‪0‬‬
‫يريحنا بأن يرفع الثقال عنا ‪ ،‬أو يعزينا عزاء روحيا ً فى أتعابنا ‪ ،‬أو‬
‫يقدم لنا ووده الجميلة ‪ ،‬أو يعطينا لذة فى التعب حتى نشتاق إلى‬
‫تعب أكثر ‪ ،‬أو يذكرنا بأن كل عملنا لجله سيتبعنا فى البدية السعيدة‬
‫‪ ،‬كما قيل فى تطويب المنتقلين ‪:‬‬
‫"‪00‬لكى يستريحوا من أتعابهم ‪ ،‬وأعمالهم تتبعهم " ) رؤ ‪0 ( 13 : 14‬‬
‫***‬
‫لذلك فالنسان الروحى ‪ ،‬حينما يتعب من أجل الرب ‪ ،‬يشعر ببركة‬
‫فى هذا التعب ‪ 0‬وإن كل تعب له إكليل ‪ ،‬فل يركن إلى الراحة أبدا ً‬
‫فى هذه الحياة ‪ ،‬متذكرا ً قول الوحى فى سفر المثال ‪ " :‬فى كل‬
‫تعب منفعة " ) أم ‪ 0 ( 23 : 14‬وكما قدم لنا الكتاب المقدس أمثلة‬
‫للذين تعبوا لجل الرب ‪00‬‬
‫***‬
‫كذلك قدم لنا تاريخ الكنيسة أمثلة من التعب المقدس ‪0‬‬
‫القديس أثناسيوس الرسولى مثل ً ‪ ،‬كم تعب من أجل اليمان ‪ ،‬وكم‬
‫اضطهادات لقاها من الريوسيين الهراطقة ‪ 00‬وكم من اتهامات‬
‫باطلة ‪ ،‬ومقاومات كثيرة صدرت " العالم ضدك يا اثناسيوس " ‪!!00‬‬
‫ولكنه احتمل كل هذا التعب فى صبر وفى فرح ‪ ،‬لجل حماية اليمان‬
‫‪ ،‬آخذا بركة هذا التعب ‪00‬‬
‫وبالمثل وأكثر ‪ :‬التعب الذى احتمله الشهداء ‪0‬‬
‫من تهديدات ومحاكمات وسجن ‪ ،‬وألوان مرعبة من التعذيب ‪ ،‬وما‬
‫ذاقوه من آلم فوق الوصف ‪ 00‬لكنه كان تعبا ً مباركا ً من أجل الرب ‪،‬‬
‫نالوا عليه أكاليل ‪ ،‬واستحقوا بسببه الراحة البدية ‪0‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى يفرح بالتعب ‪ ،‬ويجد راحته فيه ‪0‬‬
‫أى أنه يجد راحته الداخلية فى هذا التعب الخارجى ‪ ،‬وأو يجد راحة‬
‫روحه فى تعب جسده ‪ ،‬أو يجد الراحة البدية فى هذا التعب الزمنى‬
‫المؤقت ‪ 00‬فهو مستعد أن يتعب هنا ليستريح هناك ‪0‬‬
‫إن القديس يوحنا المعمدان لقى المتاعب فى توبيخ هيرودس على‬
‫أنه آخذ إمرأة أخيه ‪ ،‬فسجن وقطعت رأسه ‪ 00‬ولكنه أراح ضميره‬
‫ليستريح فى البدية ‪ 0‬وأعطانا جميعا ً مثال ً قويا للشجاعة فى الدفاع‬
‫عن الحق ‪0‬‬
‫***‬
‫ل ننسى أيضا ً تعب الذين كانوا أمناء فى الخدمة ‪ ،‬وقد وضعوا‬
‫أمامهم قول الرب ‪" :‬كن أمينا إلى الموت ‪ ،‬فسأعطيك إكليل الحياة " ) رؤ‬
‫‪0 ( 10: 2‬‬
‫" إلى الموت " ‪ 00‬هل يوجد تعب أكثر من هذا ؟! ولكنه تعبير عن‬
‫محبة النسان لله ‪ 00‬انظر داود النبى وهو يقول ‪:‬‬
‫ً‬
‫" ل أصعد على سرير فراشى ‪ ،‬ول أعطى لعينى نوما ‪ ،‬ول لجفانى‬
‫نعاسا ً ‪ ،‬ول راحة لصدغى ‪ ،‬إلى أن أجد موضعا ً للرب ومسكنا ً إله‬
‫يعقوب " ) مز ‪00 ( 5 -3 : 132‬‬
‫إنه ل يسمح لنفسه بالراحة الجسدية ‪ ،‬إل إذا تم واجبه وحقق‬
‫مسئوليته فى خدمة الرب ‪ 0‬وحينئذ يستريح روحا ً وجسدا ً ‪ 0‬ينام وهو‬
‫مستريح من الداخل ‪00‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى ل يهرب من التعب ‪ 0‬فالذى يهرب من التعب ‪ ،‬إنما يهرب من‬
‫الله ‪00‬‬
‫إنه يهرب من واجبه ومن مسئوليته ‪ ،‬ويهرب من الكاليل المعدة‬
‫‪ ! 00‬بينما الذى يتعب ‪ ،‬إنما يظهر بالتعب مقدار محبته لله ‪ ،‬ومقار‬
‫إهتمامه بملكوت الله على الرض ‪ ،‬واهتمامه بخدمة الله فى أشخاص‬
‫أولده ‪00‬‬
‫***‬
‫لذلك إن أردت أن تستريح فى قلبك ‪ ،‬اعمل على راحة غيرك ‪0‬‬
‫كل الذين أراحوا غيرهم ‪ ،‬شعروا بسعادة داخليه بسب ذلك ‪ ،‬حتى‬
‫فى مجال الحياة الجتماعية ‪ 0‬وما أكثر المثلة على ذلك ‪:‬‬
‫فالطبيب يجد راحة فى ضميره وقلبه عندما يريح المريض الذى‬
‫يعالجه ‪ ،‬ويبعد عنه اللم ‪ 0‬ورسام الكاريكاتير يجد راحته فى أن‬
‫يفرح من يروا رسومه ويقرأوا فكاهاته ‪ 0‬وهكذا كل فنان يجد راحته‬
‫عندما يدخل فنه إلى قلوب الناس ويريحهم ‪0‬‬
‫الشخص الذى يبحث عن راحته الشخصية ‪ ،‬قد يكون أنانيا ً ‪0‬‬
‫أما النسان الروحى فيفكر دائما ً فى راحة الخرين ‪ 0‬هناك نفوس‬
‫يمكن أن نسميها نفوسا ً مريحة ‪ ،‬كل من يختلط بها يستريح ‪ 0‬وهى‬
‫مصدر راحة باستمرار ‪ 0‬ونضرب لذلك أمثلة ‪:‬‬
‫***‬
‫*مثال ذلك المومة والبوة ‪:‬‬
‫الم تتعب جدا ً فى تربية أبنتها ‪ 0‬وتتعب فى تجهيز ابنتها المزواج ‪0‬‬
‫وتفرح بزواجها لنها استقرت فى حياتها ‪ 0‬وعلى الرغم من أنها‬
‫حرمت من عشرتها ‪ ،‬إل أنها تشعر بسعادة لسعادتها وربما تبيع‬
‫مجوهراتها وحليها لتجهيز ابنتها إذا لزم المر ‪ 0‬وهكذا الب فى‬
‫تربية أبنائه وفى الهتمام بتعليمهم ومستقبلهم ‪ 0‬ويشعر إن‬
‫رسالته فى الحياة هى أن يجلب كل وسائل الراحة و السعادة لبنائه‬
‫‪ 0‬ولكل هذا نجد أن إلهنا الصالح لقب نفسه بالب السماوى ‪ 0‬و‬
‫المهم أن الب والم يريحان أبناءهما على أساس سليم ‪0‬‬
‫***‬
‫*مثال آخر فى إراحة الخرين ‪ ،‬هو الراعى وعمله لجل رعيته ‪0‬‬
‫إنه ل يعمل من أجل راحة نفسه ‪ ،‬بل يبذل كل جهده من أجل‬
‫خرافه ‪ ،‬يأتى بها إلى المراعى الخضراء وإلى ماء الراحة ‪ ،‬ويحميها‬
‫من كل اعتداء تتعرض له ومن كل خطر ‪ 0‬ولهذا كله أقام الله رعاة‬
‫لشعبه للهتمام بهم ‪ ،‬ليرعوا رعية الله التى اقتناها بدمه ) أع ‪: 20‬‬
‫‪0 ( 28‬‬
‫بل إن الرب نفسه شبه نفسه بالراعى ‪ ،‬وقال " أنا هو الراعى‬
‫الصالح ‪ 0‬و الراعى الصالح يبذل نفسه عن الخرا " ) يو ‪0 ( 11 : 10‬‬
‫وقال الرب فى العهد القديم ‪ ،‬فى سفر حزقيال النبى " أنا أرعى‬
‫غنمى واربضها – يقول السيد الرب – واطلب الضال ‪ ،‬وأسترد‬
‫المطرود ‪ ،‬وأجبر الكسير ‪ ،‬وأعصب الجريح " ) حز ‪00 ( 16 ، 15 : 34‬‬
‫كله عطاء لراحة غنمه ‪00‬‬
‫***‬
‫*كل هذا يعطينا فكرة عن الراحة فى العطاء ‪0‬‬
‫النسان الروحى يجد سعادته فى أن يعطى ‪ ،‬ويجد راحته فى سعادة‬
‫الذى هو يعطيه ‪ 0‬إن الرضيع يجد راحته فى المرضعة التى ترضعه ‪،‬‬
‫سواء كانت أو غيرها ‪ 0‬و المرضعة تجد راحتها فى راحته وإذا‬
‫ابتسم ‪ ،‬تشعر بسعادة كبيرة ‪ 00‬ما أكثر ما يعمل من أجل الطفولة ‪0‬‬
‫كلها راحه فى العطاء‬
‫***‬
‫وما أكثر العاملين من أجل المجتمع فى كافة المجالت ‪00‬‬
‫كرجال المطافئ ‪ ،‬ورجال السعاف ‪ ،‬ومنقذى الغرقى ‪ 0‬ومثل‬
‫جميعات الصليب الحمر و الهلل الحمر ‪ 00‬كلها تجد راحتها فى‬
‫راحة الخرين ‪ 0‬وتشعر بسعادة فى انقاذ الغير ‪ 00‬وهكذا كل من‬
‫يعمل فى العمل الجتماعى و العمل النسانى ‪0‬‬
‫الطبيب النفسانى يشعر بسعادة حينما يشفى مريضه من القلق أو‬
‫الضطراب أو الخوف أو الوهم أوالشك ‪ ،‬مهما كلفه ذلك من جهد‬
‫مضنى بسبب تعامله مع شخص غير طبيعى ‪00‬‬
‫كذلك العلماء الذين يسهرون ويكدون ‪ ،‬لكى يقدموا للناس مخترعات‬
‫تريحهم فى حياتهم ‪ ،‬أو أدوية تنقذهم من المرض واللم ‪0‬‬
‫فيا ليتك أنت أيضا ً تجد راحتك فى خدمة غيرك وإراحته ‪ 00‬وفى حل‬
‫مشاكل الخرين أو إبعاد المشاكل عنهم ‪0‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى يجد راحته فى الله ‪ ،‬مهما أحاطت به المشاكل ‪0‬‬
‫إنه يضع الله بينه وبين المشاكل ‪ 0‬فل يفكر فى المشكلة ‪ ،‬إنما فى‬
‫الله الذى يحلها ‪ 0‬وفى كل مشكلة تصادفه يقول " ربنا موجود " ‪0‬‬
‫وإيمانه بالله وتدخله لحل المشاكل ‪ ،‬يمنحه راحه داخلية وسلما ً قلبيا ً‬
‫مبنيا ً على اليمان بالله وعمله ‪0‬‬
‫أتذكر أننا فى أواخر سنة ‪ 1967‬إضطررنا إلى نقل اجتماعنا إلى فناء‬
‫الكلية الكليريكية فى الهواء الطلق ‪ 0‬فقال لى البعض " وماذا نفعل‬
‫من جهة المطر ‪ ،‬إذا حل فصل الشتاء ؟ فقلت لهم ‪ :‬إله الشتاء هو‬
‫الذى سيدبر المر " ‪0‬‬
‫النسان الروحى يستريح فى حياة التسليم التى يحياها ‪0‬‬
‫يترك كل أموره الله ‪ ،‬لكى يدبرها ‪ 0‬كما يقول الكتاب " إلق على‬
‫الرب همك وهو يعولك " ) مز ‪ 0 ( 22 : 55‬وأيضا ً " ملقين كل همكم‬
‫عليه ‪ ،‬لنه هو يعتنى بكم " ) ‪1‬بط ‪ 0 ( 7 : 5‬ويثق بوعد الرب القائل‬
‫" تعالوا إلى يا جميع المتعبين و الثقيلى الحمال ‪ ،‬وأنا أريحكم "‬
‫) مت ‪ 0 ( 28 : 11‬فلماذا ل تلجأ إلى الله فى كل مشاكلك‬
‫ومتاعبك ‪ ،‬وهو يريحك ؟‬
‫***‬
‫النسان الروحى يجد راحته فى الصلة ‪0‬‬
‫أو يجدها فى آية معزية تفرح قلبه ‪ ،‬أو يجد راحته فى تذكره لوعود‬
‫الله ‪ 0‬يكفيه مثل ً قوله اللهى " تشدد وتشجع ‪ 00‬ل أهملك ول‬
‫أتركك " ) يش ‪ ( 6 ، 5 : 1‬أو " ها أنا معكم كل اليام وإلى أنقضاء‬
‫الدهر " ) مت ‪ ( 20 : 28‬أو " هوذا على كفى نقشتك " ) أش ‪: 49‬‬
‫‪ 0 ( 16‬فيفرح بكل هذا ‪ ،‬ويجد راحة فى قلبه ‪ ،‬معتمدا ً على وعود‬
‫الله ‪0‬‬
‫***‬
‫ما جمل تلك العبارة التى كتبها القديس أوغسطينوس فى اعترافاته‬
‫قائل ً للرب ‪:‬‬
‫"ستظل قلوبنا قلقة ‪ ،‬إلى أن تجد راحتها فيك " ‪0‬‬
‫النسان البعيد عن الله يعيش فى تعب ‪ ،‬لن الراحة الحقيقية ل‬
‫يجدها إل فى الله ‪ 0‬ولذلك حسنا ً قال داود النبى " أما أنا فحسن لى‬
‫اللتصاق بالرب " ) مز ‪0 ( 28 : 73‬‬
‫وقال " التكال على الرب خير من التكال على البشر ‪ 0‬الرجاء‬
‫بالرب خير من الرجاء بالرؤساء " ) مز ‪ " 0 ( 117‬دفعت لسقط ‪ ،‬و‬
‫الرب عضدنى ‪ 0‬يمين الرب صنعت قوة بالرؤساء " ) مز ‪( 117‬‬
‫***‬
‫كما يستريح النسان فى حياة اليمان ‪ ،‬يستريح فى حياة الرجاء ‪00‬‬
‫الذى يفقد الرجاء ‪ ،‬يقع فى الياس ‪ ،‬ويقترب من الهلك أو الضياع ‪0‬‬
‫أما النسان الروحى ‪ ،‬فيرى بالرجاء أن كل مشكلة لها حل ‪ ،‬وكل‬
‫باب مغلق له مفتاح أو عدة مفاتيح ‪ ،‬وكل سقطه لها قيام بعدها‬
‫المشاكل لها شكل هرم ‪ 0‬ترتفع حتى تصل إلى قمتها ‪ ،‬ثم تنحدر‬
‫نازلة على الجانب الخر ‪ 0‬هكذا كانت مشاكل يوسف الصديق ‪،‬‬
‫وارتفعت حتى أوصلته إلى السجن ‪ ،‬ثم نزلت ووصل إلى المملكة ‪0‬‬
‫وبالمثل كانت تجربة أيوب ‪ :‬ارتفعت حتى فقد كل شئ ‪ ،‬ثم انتهت‬
‫فنال البركة بالضعف ) أى ‪0 ( 10 : 42‬‬
‫راحة النسان الروحى فى حياة التسليم والسلم ‪ ،‬وحياة اليمان و‬
‫الرجاء ‪0‬‬
‫***‬
‫وثق أنك إذا استرحت فى الداخل ‪ ،‬ستستريح من الخارج أيضا ً ‪0‬‬
‫وباستمرار لتكن وسائلك إلى الراحة وسائل روحية ‪ 0‬لن هناك‬
‫إنسانا ً قد يقع فى مشكلة ‪ ،‬فيجد راحته فى كذبة تغطيها ‪ ،‬أو فى‬
‫حيلة كلها خداع كما فعل داود لما سقط ‪ !00‬أو إنسان يتعب ‪ ،‬فيلجأ‬
‫إلى حبوب مسكنة ‪ ،‬ل تحل مشكلته أو تتيهة عنها ‪00‬‬
‫***‬
‫و الراحة ليس معناها التوقف المطلق عن العمل ‪ ،‬إنما البعد عن الرهاق ‪0‬‬
‫فإذا تعبت من التفكير فى موضوع ما ‪ ،‬ل تستطيع أن توقف عقلك‬
‫عن الكر تماما ً إنما تغير مجرى تفكيرك ‪ ،‬و تستبدل فكرا ً بفكر ‪،‬‬
‫فتستريح ‪0‬‬
‫إنه يضع أمامه على الدوام قول الرسول ‪:‬‬
‫" ل الحرف ‪ ،‬بل الروح ‪ 0‬لن الحرف يقتل ‪ ،‬ولكن الروح يحيى " )‬
‫‪2‬كو ‪ 0 (6 :3‬وهذا المبدأ يشمل حياته كلها ‪ 0‬فهو فى كل وصايا الله‬
‫‪0‬‬
‫يهتم بروح الوصية ‪ ،‬وليس بحرفيتها ‪00‬‬
‫إنه ليس فريسيا ً ول ناموسيا ً ‪ ،‬ولكنه شخص روحى ‪ 0‬فالفريسيون‬
‫كانوا يتمسكون بحرفية الوصية ‪ ،‬كما فعلوا مع الرب فى وصية‬
‫السبت مثل ً ‪ 0‬حتى أنه حينما منح البصر للمولود أعمى ‪ ،‬وكان ذلك‬
‫يوم سبت ‪ ،‬قالوا " هذا النسان ليس من الله ‪ ،‬لنهل يحفظ السبت‬
‫" ) يو ‪ 0 ( 16 : 9‬وقالوا للمولود أعمى " إعط مجدا ً لله ‪ 0‬نحن نعلم‬
‫أن هذا النسان خاطئ " ) يو ‪ 0 ( 24 : 9‬ولما شفى السيد مريض‬
‫بيت حسدا ً بعد مرضه ‪ 38‬عاما ً ‪ ،‬يقول الكتاب إن اليهود " كانوا‬
‫يطلبون أن يقتلوه ‪ ،‬لنه فعل ذلك فى يوم سبت " ) يو ‪( 16 : 5‬‬
‫إنه الحرف الذى الذى يقتل ‪ ،‬لنه يدل على عدم فهم لروحانية الوصية ‪0‬‬
‫وسنحاول أن نتأمل بعض نقاط فى الحياة الروحية ‪ ،‬لنرى كيف‬
‫يسلك النسان الروحى بالروح وليس بالحرف ‪0‬‬

‫كثيرون يصومون ‪ ،‬ويظنون أن الصوم هو فقط الطعام النباتى ‪0‬‬


‫ويحاولون أن يجهزوا لنفسهم أطعمة نباتية شهية جدا ً فى أكلها ‪،‬‬
‫ومغذية جدا ً فيما يضيفونه عليها من الوان الطعام النادرة و الغلية‬
‫الثمن ‪ !00‬ويتساءلون عن السمن النباتى ‪ ،‬و الجبنة النباتى ‪ ،‬و‬
‫اللبن النباتى ‪ ،‬والشيكولته النباتى ‪ 0‬وينسون قول دانيال النبى عن‬
‫صومه ‪:‬‬
‫" كنت نائحا ً ثلثة أسابيع أيام ‪ ،‬لم أكل طعاما ً شهيا ً ‪ ،‬ولم يدخل فمى لحم ول خمر‬
‫‪ 0‬ولم أذهن " ) دا ‪( 3 ، 2 : 10‬‬
‫ً‬
‫وأحب أن أركز هنا على عبارة " لم آكل طعاما شهيا " ‪ 00‬لنه حيث‬
‫يأكل النسان أطعمة شهية أثناء صومه ‪ ،‬كيف يمكنه أن يسيطر على‬
‫رغبات الجسد ‪ ،‬وهو يعطيه ما يشتهيه من الطعام ؟!‬
‫***‬
‫النسان الروحى يدرك أن الصوم فى حقيقته هو إذلل للجسد ‪،‬‬
‫وانتصار على شهوة الطعام ‪ ،‬وارتفاع فوق مستوى المادة ‪ 0‬فل‬
‫يعتبر أن الصوم هو مجرد الطعام النباتى ‪ 00‬إنما هو فى صومه يهتم‬
‫بعنصر المنع ‪ ،‬أى منع جسده عنا يشتهيه ‪ ،‬مهما كان ذلك طعاما ً‬
‫نباتيا ً صرفا ً‬
‫ولهذا كثيرون يصومون ول يستفيدون ‪ ،‬لنهم يسلكون فى صومهم بطريقة حرفية‬
‫شكلية ‪0‬‬
‫ولم يدخلوا فى روحانيى الصوم ‪ ،‬ول فى روحانيى الوصية الخاصة‬
‫بالصوم و القصد اللهى منها !‬
‫وهكذا صاموا بالجسد ‪ ،‬وكانت أرواحهم مفطرة ‪0‬‬

‫المطانيات هى السجود ‪ 0‬فما هو المقصود بهذا السجود ؟‬


‫النسان الروحى ل يرى السجود مجرد انحناء الجسد ‪ 0‬وإنما أيضا ً انحناء الروح و‬
‫الجسد ‪0‬‬
‫لذلك يقول مع المرتل فى المزمور " أما أنا فبكثرة رحمتك ادخل‬
‫إلى بيتك ‪ ،‬واسجد قدام هيكل قدسك بمخافتك "‪00‬‬
‫وعبارة " مخافتك " تدل على خشوع الروح أثناء السجود ‪ 0‬وعبارة "‬
‫بكثرة رحمتك أدخل غلى بيتك " تعنى الشعور بعدم استحقاق ‪0‬‬
‫وهكذا يصيح الشماس اثناء القداس‬
‫" أسجدوا الله بخوف ورعدة ‪" 00‬‬
‫هنا المشاعر الروحية تصحب حركة الجسد ‪0‬‬
‫أحيانا ً تعتذر لنسان وتضرب له مطانية ‪ ،‬فل يقبلها منك إذ يشعر أنها‬
‫عمل جسدانى ل روح فيه ‪0‬‬
‫وقد تقول بعد ذلك ‪ :‬مذا أفعل له أكثر من هذا ؟ لقد ضربت له‬
‫مطانية ‪ ،‬و انحنيت برأسى إلى الرض !! يا أخى المهم أن تنحنى‬
‫روحك ‪ 00‬ل تتمسك بحرفية المطانية دون روحها ‪0‬‬
‫أما النسان الروحى ففى سجوده يقول مع داود النبى ‪ " :‬لصقت‬
‫بالتراب نفسى " ) مز ‪( 25 : 119‬‬
‫وليس مجرد رأسى التى لصقت فى سجودها بالتراب ‪ 0‬النفس التى‬
‫تلتصق بالتراب هى مقبولة أمام الله و الناس ‪0‬‬
‫***‬
‫قرأت لحد الرهبان مقال ً فى عيد الغطاس ‪ ،‬شرح فيه كيف أن‬
‫السيد المسيح انحنى أمام المعمدان ‪ ،‬لكى يكمل كل بر ‪ ،‬مع أن‬
‫ً‬
‫يوحنا المعمدان اقل من السيد المسيح بما ل يقاس ‪ ،‬وليس أهل أن‬
‫ينحنى ويحل سيور حذائه ‪ 00‬ثم ختم مقاله بعبارة ‪ " :‬اعطنا يا رب‬
‫أن ننحنى أمام من هم أقل منا ‪ 00‬لكى نكمل كل بر " ‪!!00‬‬
‫إن كنت ترى أنهم أقل منك ‪ ،‬فما معنى النحناء إذن ؟! أهو حرفيات‬
‫بغير روح ؟ إننا نريد إنحناء الروح ‪0‬‬

‫الصلة حرفيا ً هى الحديث مع الله ‪ 0‬وهى روحيا ً ‪ :‬اتصال روح‬


‫النسان بروح الله ‪0‬‬
‫وقد يصلى إنسان ‪ ،‬أو يظن أنه يصلى ‪ ،‬بينما ل توجد هذه الصلة بينه وبين الله !!‬
‫لذلك وبخ الله اليهود بقوله " هذا الشعب يكرمنى بشفتيه ‪ 0‬أما قلبه فمبتعد عنى‬
‫بعيدا ً " ) أش ‪ ) ( 13 : 39‬متى ‪0 ( 8 : 15‬‬
‫إنها صلة غير مقبولة ‪ ،‬لن الله يريد القلب ‪ 0‬أتظن أنك تصلى ‪ ،‬لنك تحرك‬
‫شفتيك أمام الله ؟!‬
‫وقد يكون ذلك بل فهم ‪ ،‬ول روح ‪ ،‬وبل مشاعر ‪ :‬بل حب ‪ ،‬بل‬
‫خشوع ‪ ،‬بل اتضاع ‪!!00‬‬
‫أتريد أن ترضى ضميرك من جهة الصلة ؟! حتى لو كانت هكذا !! أم‬
‫تصلى بروحك ‪ ،‬و تصلى بذهنك ‪ ،‬تقصد كل كلمة تقولها فى صلتك‬
‫‪ 00‬صدق ماراسحق عندما قال عن مثل هذه الصلة ‪:‬‬
‫قل لنفسك ‪ :‬أنا وقفت أمام الله لكى أعد ألفاظا ً ‪0‬‬
‫ذلك لن كثيرين يهمهم أن يطيلوا بغير فهم ‪ ،‬أو أنهم يتلون عددا ً‬
‫كبيرا من المزامير ‪ ،‬بسرعة ل تأمل فيها ‪ ،‬ول يتابعون معنى اللفاظ‬
‫أثناء صلتهم !!‬
‫و المزامير كلها روحانية ‪ ،‬لكنهم يقتصرون على الحرف ‪0‬‬
‫وبالمثل يرددون كلمات التسبحة فى البصلمودية بسرعة عجيبة ‪ ،‬ل‬
‫يتابعون فيها المعنى ‪ 00‬وكذلك بالنسبة إلى كثير من اللحان ‪00‬‬
‫المهم أمامهم هو الحرف وليس الروح ‪ 0‬و الشعور بأن النسان أدى‬
‫) قانونه ( فى الصلة ‪ ،‬واستراح ضميره بذلك ‪ ،‬بينما لم تصعد هذه‬
‫الصلة إلى الله ‪ ،‬لنه لم تكن هناك صلة ‪ ،‬ولم تشترك الروح فيها ول‬
‫القلب ‪00‬‬
‫ً‬
‫أما النسان الروحى فيقول مع الرسول " اصلى بالروح ‪ ،‬أصلى بالذهن أيضا " )‬
‫‪1‬كو ‪ 14‬ك ‪0 ( 15‬‬
‫"أرتل بالروح ‪ ،‬وارتل بالذهن أيضا ً " ‪00‬‬

‫نسمع فى القداس عبارة " قبلوا بعضكم بعضا ً بقبلة مقدسة " ‪ 0‬و‬
‫القبلة هى تعبير عميق عن الحب وعبارة " مقدسة " تعنى أنها تكون‬
‫طاهرة وبغير رياء ‪00‬‬
‫ويسلم كل منا على من يجاوره ‪ ،‬رمزا ً إلى سلمة مع الناس جميعا ً‬
‫‪ 00‬فهل تقتصر على هذا الشكل أو هذا الحرف ؟! بينما ل يكون‬
‫سلم فى قلوبنا مع الناس !!‬
‫يهوذا السخريوطى قبل السيد المسيح ‪0‬‬
‫بالحرف ل بالروح ‪ ،‬و الحرف يقتل ‪ 00‬مظهر خارجى يدل على‬
‫المحبة ‪ ،‬تختفى وراءه خيانه ‪ 00‬لذلك تحرم الكنيسة التقبيل من‬
‫أربعاء البصخة ‪ ،‬احتجاجا ً على قبلة يهوذا الخائنة ‪0‬‬
‫***‬
‫وأنت كلما تقابل أناسا ً تبدا ً بالسلم ‪0‬‬
‫أهى حرفية كلمة سلم ؟ أم هو سلم حقيقى بالمعنى الروحى ؟ ‪00‬‬
‫ما أكثر ما تقول من كلم ‪ ،‬ومن تحيات ‪ ،‬ومن مجاملت ‪ ،‬بمجرد‬
‫الحرف ‪ ،‬وبل روح ‪0‬‬
‫ماذا يفعل النسان الروحى إذن ؟ أيمتنع عن المجاملت ؟ كل ‪ ،‬بل تكون بالروح و‬
‫الحق ‪00‬‬
‫تدل على الحب و التعاطف وحسن التعامل مع الناس وتوقيرهم ‪00‬‬
‫يفعل هذا من كل القلب ‪ ،‬وتظهر مشاعره واضحه فى ملمح وجهة ‪،‬‬
‫وفى نظرات عينيه وفى حرارة ألفاظه ‪ 0‬إنها بالروح ل بالحرف‬
‫النسان الروحى يعطى أول ً من قلبه ‪ ،‬بكامل حبه ‪ ،‬قبل أن يعطى‬
‫من ماله ومن جيبه ‪ 0‬عطاؤه هو مجرد تعبير عن مشاركته القلبية‬
‫فى احتياجات الناس ‪ ،‬وفى احتياجات الكنيسة‬
‫ولكن بعض الناس قد يقدمون العطاء بغير مشاعر لمجرد التنفيذ الحرفى للوصية‬
‫‪! 00‬‬
‫وينسون قول الكتاب " المعطى المسرور يحبه الرب " ) ‪2‬كو ‪( 7 : 9‬‬
‫‪ 00‬العطاء يبدأ من القلب ‪ ،‬وليس بمجرد اليد ‪ 0‬و المعطى روحيا ً هو‬
‫الذى يفرح حينما يعطى ‪ ،‬لنه يشعر أنه اشترك فى اسعاد الناس ‪،‬‬
‫أو أخذ بركة المساهمة فى احتياجات الكنيسة ‪0‬‬
‫***‬
‫غير أن البعض يحاسبون الله حسابا ً عسيرا ً !!‬
‫يقتصرون على العشور ‪ ،‬إن دفعوها !! ويدققون فى حساباتهم‬
‫جدا ً ‪ ،‬حتى ل يزيد العطاء عن العشور ‪ 00‬وقد يدخلون فيها بعض‬
‫واجباتهم الجتماعية اللزمة نحو القرباء و المعارف ‪ ،‬وما اضطروا‬
‫لدفعه من مناسبات معينة لبعض المشروعات ولشئون الخدمة ‪0‬‬
‫ويظهر أن القلب غير مشترك فى العطاء ‪00‬‬
‫وأن محبة المحتاجين غير مرتبطة بالعطاء ‪ 0‬بل قد يصحبه تحقيق‬
‫شديد معهم ‪ ،‬وربما انتهار للفقراء ‪ ،‬وربما شئ من التعالى و‬
‫الكبرياء ‪ ،‬وربما تأخير هذا العطاء فترة قد تطول ‪0‬‬
‫ونظن أننا نعطى ‪ 0‬وننسى عبارة " من يدك أعطيناك " )‪ 1‬أى ‪: 29‬‬
‫‪ 0 ( 14‬وكأن العطاء مجرد ضريبة ندفعها ‪0‬‬

‫أحيانا ً نأخذ من الخدمة حرفيتها أو شكليتها ‪ 0‬ونظن أننا نساهم فى‬


‫عمل الكنيسة ‪ ،‬دون أن ندخل إلى روح الخدمة ‪ 0‬بل حتى من جهة‬
‫الحرف ننسى المعنى الحرفى لكلمة خادم ‪0‬‬
‫ننسى التضاع اللزم للخدمة ‪0‬‬
‫وتصبح الخدمة مجال ً لظهار الذات ‪ ،‬ويختلط بها حب السيطرة و‬
‫النفوذ ‪ ،‬و التنافس بين الخدام ‪ ،‬المر الذى ل يتفق مطلقا ً مع كلمة‬
‫) خادم( ‪ 0‬وكأننا فى الخدمة نركز حول ذواتنا ‪ ،‬وليس حول ملكوت‬
‫المسيح الذى قال عنه يوحنا ‪ " :‬ينبغى أن ذاك يزيد وأنى أنا أنقص " ) يو‬
‫‪0 ( 30 : 3‬‬
‫وتصبح الخدمة مجرد معلومات يلقيها خادم مدارس الحد ‪ ،‬أو مجرد‬
‫أعمال إدارية ومالية يقوم بها مجلس الكنيسة ولجانه ‪ 0‬أو مجرد‬
‫أنشطة تقوم بها الهيئات العاملة فى الكنيسة ‪ 00‬وفى كل هذا‬
‫ننسى روح الخدمة ‪0‬‬
‫***‬
‫أما النسان الروحى فيخدم عن حب لله ولملكوته ‪ 0‬وحب للناس الذين يريد أن‬
‫يوصلهم إلى الله والملكوت ‪0‬‬
‫إنه يخدم بروح الخادم ‪ ،‬وبروح الخدمة ‪ ،‬لكى يصلح المخدومين مع ال ‪ ،‬أو يعمق محبتهم له ‪ 0‬ولذلك‬
‫فخدمته تكون خدمة روحية ‪ ،‬وليست مجرد نشاط أو تعليم أو رسميات ‪ ،‬أو مراكز !‬

‫تقديس يوم الرب هو وصية قديمة ‪ ،‬نفذها اليهود حرفيا ً ‪ ،‬طاعة‬


‫لقول الرب " أما اليوم السابع ففيه سبت للرب ‪ 0‬ول تعمل فيه‬
‫عمل ً ما " )خر ‪ 0 ( 10 : 20‬بالحرف هو أنك ل تعمل عمل ً ما ‪0‬‬
‫أما بالروح فهو سبت للرب ‪ ،‬أى راحة للرب ‪ 0‬يستريح فيه الرب معك وتستريح‬
‫أولده أيضا ً ‪0‬‬
‫***‬
‫وهذا ما يفعله النسان الروحى ‪ ،‬حيث يجد راحته فى إراحة الناس ‪،‬‬
‫وفى راحة قلبه مع الله وفى عمل الخير الذى يستريح به ضميره من‬
‫نحو نفسه ومن نحو غيره ‪ 0‬وبهذا يصبح اليوم سبتا ً أى راحة حسب‬
‫مفهوم الكلمة لغويا ً وروحيا ً ‪ 00‬وهذه النقطة كانت موضع جدل بين‬
‫السيد المسيح و اليهود ‪ :‬هل يحل فعل الخير فى السبوت ؟ ) مت ‪: 12‬‬
‫‪0 ( 12 ، 10‬‬
‫وكانت اجابة الرب أنه يحل فعل الخير فى السبت ‪ ،‬لن فعل الخير‬
‫يريح الناس وهذا هو روح الوصية ‪00‬‬
‫إذن ل تقتصر على الحرف ‪ ،‬الذى هو عدم عمل أى عمل من العمال‬
‫‪ ،‬حتى لو كان خيرا ً ‪! 00‬‬
‫لنك بهذا تريح روحك ‪ ،‬ول تريح الناس ‪0‬‬

‫النسان العادى ‪ ،‬السطحى غير العميق ‪ ،‬ربما ل يدرى الروحيات‬


‫الكامنة فى كل طقس من طقوس الكنيسة ‪00‬‬
‫أما النسان الروحى ‪ ،‬فيدخل إلى العماق هذه الطقوس ورموزها ‪،‬ويشترك‬
‫بروحه فيها ‪00‬‬
‫ويتابع بالروح تحركات الشمامسة والباء الكهنة ‪0‬‬
‫***‬
‫فمثل ً حينما يحمل الكاهن النجيل فوق رأسة ‪ ،‬يدور به حول المذبح ‪،‬‬
‫يدرك النسان الروحى أن هذه الدورة تشير إلى انتشار النجيل فى‬
‫المسكونة كلها ‪ 00‬ويصلى بقلبه من أجل هذا ‪00‬‬
‫وحينما يمسك الشماس شمعة أمام النجيل ‪ ،‬يتذكر النسان الروحى‬
‫قول المرتل فى المزمور ‪ " :‬سراج لرجلى كلمك ونور لسبيلى "‬
‫) مز ‪ 0 ( 119‬ويصلى إلى الله أن ينير بصيرته بما يسمعه من كلمه‬
‫المقدس ‪0‬‬
‫وحينما يرفع رئيس الكهنة تاجة خشوعا ً واحتراما ً أثناء قراءة‬
‫النجيل ‪ ،‬ينتقل نفس الخشوع إلى قلب النسان الروحى وهو يسمع‬
‫‪ 00‬وبصفة عامة تشترك روحه فى صلوات القداس وفى كل صلوات‬
‫الليتورجيات ‪ 0‬ول يقتصر فقط على الشتراك بحواسه ‪ ،‬وإنما بقلبه‬
‫أيضا ً وروحه ‪ ،‬لن الروح هو الذى يحيى ‪00‬‬
‫ونفس الوضع بالنسبة إلى العياد ‪00‬‬
‫النسان الروحى ل ينظر إلى العيد كمجرد يوم فرح ‪ ،‬انتهى الصوم‬
‫فيه ‪ ،‬كما يفعل الكثيرون ‪ 0‬إنما يدخل إلى روحانية المناسبة التى‬
‫من أجلها نحتفل بالعيد ‪ ،‬ويتأملها ويعيش فيها ‪ 0‬ففى عيد الميلد ‪،‬‬
‫يفرح لنه البدء العملى لقصة الخلص ‪ ،‬ويفرح بما فيها من اتضاع‬
‫وحب ويفرح فى عيد القيامة بما يحمل من النتصار على الموت ‪،‬‬
‫وفتح باب الفردوس ‪ ،‬ولنه باكورة القيامة لنا جميعا ً ‪0‬‬

‫هى بالنسبة إلى النسان العادى ‪ ،‬ربما تكون مجرد لهوتيات وأمور‬
‫عقلية ربما تصبح معه موضع جدل مع الطوائف الخرى ‪ 0‬أما بالنسبة‬
‫إلى النسان الروحى ‪ ،‬فهى إيمان يسرى فى دمه ‪ ،‬وله تأثيرها على‬
‫روحياته ‪0‬‬
‫ً‬
‫فالمعمودية مثل ‪ ،‬إذ يؤمن أنها موت مع المسيح وقيامة ) رو ‪: 4 : 6‬‬
‫‪ ( 8‬وفيها صلب للنسان العتيق ) رو ‪ ، ( 4 ، 6 : 6‬يحرص أن يحتفظ‬
‫بصلب هذا النسان العتيق ‪ 0‬وإذ يعرف أن المعمودية ميلد جديد ) يو‬
‫‪ ) ( 5 : 3‬تى ‪ ، ( 5 : 3‬يتذكر قول الرسول إن المولود من الله ل‬
‫يفعل خطية ‪ 00‬ول يستطيع أن يخطئ لنه مولود من الله ) ‪1‬يو ‪: 3‬‬
‫‪ 0 ( 9‬فيبكت نفسه كلما ً أخطأ ‪ ،‬ويحاول أن يحيا فى فاعلية‬
‫المعمودية ‪00‬‬
‫وهكذا مغ باقى أسرار الكنيسة ‪0‬‬
‫يدرك النعمة التى فى كل سر ‪ ،‬ويحيا فيها ‪00‬‬
‫النسان الروحى يرتفع فوق مستوى الجسد و الجسدانيات ‪ ،‬ول‬
‫يسلك حسب الجسد ‪0‬‬
‫وفى ذلك قال القديس بولس الرسول " لشئ من الدينونة الن‬
‫على الذين هم فى المسيح يسوع ‪ ،‬السالكين ليس حسب الجسد بل‬
‫حسب الروح ‪ ) ،‬رو ‪ ( 1 : 8‬وقال أيضا ً " إن عشتم حسب الجسد‬
‫فستموتون ولكن إن كنتم بالروح تميتون أعمال الجسد فستحيون "‬
‫)رو ‪ 0 ( 13 : 8‬وشرح هذا المر بقوله " الذين هم حسب الجسد ‪،‬‬
‫فبما للجسد يهتمون ‪ 0‬ولكن الذين حسب الروح ‪ ،‬فبما للروح ‪ 0‬لن‬
‫اهتمام الجسد هو موت ‪ 0‬ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلم ‪ 0‬لن‬
‫اهتمام الجسد هو عداوة لله " ) رو ‪ 0 ( 7 – 5 : 8‬و هنا يواجهنا‬
‫سؤال‬
‫***‬
‫هل الجسد خطية ؟ و الجواب ‪ :‬كل فلماذا ؟‬
‫*إن الجسد ليس شرا ً فى ذاته ‪ ،‬وإل ما كان الله قد خلقه ‪ 0‬لن الله‬
‫ل يخلق الشر ‪ 0‬بل إن الله بعدما خلق النسان بهذا الجسد ‪ " ،‬رأى‬
‫الله كل ما عمله ‪ ،‬فإذا هو حسن جدا ً " ) تك ‪0 ( 31 : 1‬‬
‫*وإيضا ً لن الجسد يمكنه أن يشترك فى العبادة ويخدم الله ‪ 0‬يركع‬
‫ويسجد ‪ ،‬ويرفع نظره إلى فوق ‪ ،‬يرفع يديه فى الصلة ‪ ،‬ويصوم ‪،‬‬
‫ويتعب فى الخدمة ‪0‬‬
‫*وهكذا فعل كثير من القديسين ‪ 0‬اشتركت أجسادهم مع أروحهم‬
‫فى العمل الروحى ‪ ،‬وعاشوا فى الجسد حياة بارة ‪ 0‬وكانت‬
‫أجسادهم مقدسة ‪0‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫*و الجسد ليس شرا ‪ ،‬وإل ما كان الله يقيمه ‪ ،‬ويمنحه نوعا من‬
‫التجلى ‪ ،‬فيصير جسدا ً روحانيا ً نورانيا سماويا ً ) ‪1‬كو ‪( 49 ، 44 : 15‬‬
‫‪ 0‬يقام فى مجد ‪00‬‬
‫ً‬
‫*ولوكان الجسد شرا ‪ ،‬ما كنا نكرم اجساد ورفات القديسين ‪ 0‬وما‬
‫كانت تحدث معجزات من أجسادهم ‪ ،‬كما حدث مع عظام أليشع النبى‬
‫) ‪2‬مل ‪0 ( 21 : 13‬‬
‫إننا نكرم اجساد القديسين ‪ ،‬ونضع عظامهم فى ايرتنا وكنائسنا ‪،‬‬
‫ونحتفى بها ‪ ،‬ونفرح باقتتنائها ‪ ،‬ونبخر لها ‪ ،‬وندهنها بالطياب ‪0‬‬
‫وننال منها بركة ‪0‬‬
‫*ولو كان الجسد شرا ً ‪ ،‬ما كان الرسول يقول ‪ " :‬مجدوا الله فى‬
‫أجسادكم وفى أرواحكم اللتى هى لله " ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 20 : 6‬إذن يمكن‬
‫أن يكون الجسد أداة لتمجيد الله ‪0‬‬
‫*الجسد ايضا ً ليس شرا ً ‪ ،‬لن الكتاب يقول " ألستم تعلمون أن‬
‫أجسادكم هى أعضاء المسيح ؟‪ 00‬أم لستم تعلمون أن جسدكم هو‬
‫هيكل للروح القدس الذى فيكم " ) ‪1‬كو ‪ " ( 19 ، 15 : 6‬هيكل الله‬
‫مقدس ‪ ،‬الذى أنتم هو " ) ‪1‬كو ‪0 ( 17 ، 16 : 3‬‬
‫***‬
‫الجسد إذن ليس خطية ول شرا ً ‪ 0‬ولكن الخطية هى فى السلوك حسب الجسد ‪،‬‬
‫فى شهواته ورغباته الرضية ‪ 0‬الخطية هى فى تغليب الجسد على الروح ‪0‬‬
‫مادام الجسد إذن ليس شرا ً ‪ ،‬فلماذا الحديث عن الصراع بين الجسد‬
‫و الروح ؟ ولماذا إذن قول الرسول "اسلكوا بالروح ‪ ،‬فل تكملوا‬
‫شهوة الجسد ‪ 0‬لن الجسد يشتهى ضد الروح ضد الجسد " ) غل ‪: 5‬‬
‫‪0 ( 17 ، 16‬‬
‫هنا ل يتحدث الرسول عن الجسد كما خلقه الله ‪0‬‬
‫فآدم وحواء – قبل الخطية – كان لكل منهما جسد ‪ 0‬وكانا يعيشان‬
‫فى براءة كاملة " وكان كلهما عربانيين ‪ ،‬وهما ل يخجلن " ) تك ‪: 2‬‬
‫‪ 0 ( 25‬والطفال الصغار و الرضعان ‪ ،‬لهم أجساد وليست فيها‬
‫شهوة للخطية ‪ 00‬إنما يتحدث الرسول عن الجسد الخاطئ ‪0‬‬
‫***‬
‫الجسد إذن فى ذاته ليس شرا ً ‪ ،‬ولكن ‪00‬‬
‫الجسد من تركيب مادى ‪ 0‬وقد يميل إلى النادة وينفعل بها ‪ ،‬وينفصل عن سيطرة‬
‫الروح ‪ ،‬ويقاومها‬
‫وهنا يبدأ الصراع ‪ 0‬وتبدأ الشهوة الخاطئة ‪00‬‬
‫على أن احتياج الجسد المادة ‪ ،‬بطريقة طبيعية غير شهوانية ‪ ،‬ليس‬
‫فى ذلك خطأ فالجسد مثل ً يحتاج إلى أطعمة مادية وإلى ألوان من‬
‫التغذية ‪ ،‬وليس فى ذلك خطأ ‪ 0‬بل الرسول يقول إن النسان "‬
‫يقيت جسده ويربيه " ) أف ‪ 0 ( 29 : 5‬وقد طوب الرب المهتمين‬
‫بالجياع و العطاش و العرايا ‪00‬‬
‫واعتبر اهتمامهم بهؤلء ‪ ،‬كأنه موجه إليه شخصيا ً ‪ 0‬فقال للذين عن‬
‫يمينه فى اليوم الخير " تعالوا إلى مباركى أبى ‪ 00‬لنى جعت‬
‫فأطعمتمونى ‪ ،‬عطشت فسقيتمونى ‪ 00‬عريانا ً فكسوتمونى " ) مت‬
‫‪ 00 ( 36 – 35 : 25‬وكلها أعمال موجهة إلى صالح الجسد ‪00‬‬
‫هذا هو نصف الحقيقية ‪ 0‬فما هو النصف الخر ؟‬
‫***‬
‫النسان الروحى يردد قول الكتاب ‪ :‬أقمع جسدى وأستعبده ) ‪1‬كو ‪ ( 27 : 9‬أى‬
‫أقمع شهوته ‪0‬‬
‫أن يعطى الجسد احتياجه الطبيعى من المادة ‪ ،‬وليس أكثر ‪ 0‬فإن وصل الجسد إلى اشتهاء المادة و‬
‫التعلق بها ‪ ،‬مما يحزجه عن النطاق الروحى حينئذ فالنسان الروحى يقمع الجسد ويستعبده ‪ ،‬أى يجعله‬
‫عبدًا للروح ‪ ،‬ل يتمرد عليها ‪ ،‬ول يستقل عنها فى تدبير ذاته ‪0‬‬
‫ويصل النسان الروحى إلى ذلك عن طريق النسك و الصوم وصلب الجسد ‪0‬‬
‫وعن هذا المر يقول الرسول " ولكن الذين هم للمسيح يسوع ‪ ،‬قد‬
‫صلبوا الجسد مع الهواء و الشهوات " ) غل ‪ 00 ( 24 : 5‬هؤلء‬
‫يقاومون " شهوة الجسد ‪ ،‬وشهوة العين " ) ‪1‬يو ‪ ( 16 ، 15‬هذه‬
‫التى قال عنها الرسول إنها من محبة العالم ‪00‬‬
‫نحن ل نقتل الجسد ‪ ،‬فقتل الجسد خطيئة ‪ ،‬ولذلك ل نصلى على‬
‫المنتحر ‪ ،‬إل لو كان فى جنون ل يحاسب فيها عن أفعاله ‪ 00‬ولكننا‬
‫نعمل على قتل شهوات الجسد الخاطئة ‪ 0‬أى أننا نخضع شهوات‬
‫الجسد ‪ ،‬لرغبة الروح فى اللتصاق بالله ‪0‬‬
‫وغرض النسك عند النسان الروحى ‪ ،‬هو منح فرصة للروح ‪ ،‬لتعمل عملها‬
‫منطلقة من ثقل الجسد ‪0‬‬
‫النسان الروحى يهتم بجسده ‪ ،‬ولكن بأسلوب روحى ‪ 0‬ويمتنع عن‬
‫الهتمام الذى يغذى شهوات الجسد ‪ ،‬الذى حذر منه الرسول ) رو ‪: 8‬‬
‫‪(7،6‬‬
‫وحينما يقود الجسد فى حياة النسك ‪ ،‬ل يكتفى بهذا الوضع‬
‫السلبى ‪ ،‬إنما من الناحية اليجابية يجعل نسك الجسد فرصة لغذاء‬
‫اروح ‪ 0‬ويشرك الروح مع الجسد فى هذا النسك ‪ 0‬فل يكون مجرد‬
‫زهد من الجسد ‪ ،‬إنما أيضا ً معه زهد النفس ‪0‬‬
‫***‬
‫والنسان الروحى يقيم توازنا ً فى اهتمامه بكل من الجسد و الروح‬
‫ففيما يعطى الجسد غذاءه يعطى الروح أيضا ً غذاءها ‪ ،‬فكما يعطى‬
‫الجسد طعاما ً كل يوم ‪ ،‬بوجبات متعددة ‪ ،‬وعناصر غذائية منوعة ‪،‬‬
‫كذلك يعطى الروح غذاءها من القراءة الروحية و التأمل و الصلة و‬
‫اللحان و الترانيم ‪ ،‬والتناول أيضا ً ‪0‬‬
‫وكما يعالج الجسد إذا مرض ‪ ،‬يعالج الروح أيضا ً من أمراضها ‪ ،‬بل يلجأ‬
‫إلى الوقاية بالكثر ‪ 0‬وكما يمنح الجسد نصيبه من الرياضه ‪ ،‬كذلك‬
‫يستخدم الرياضه الروحية ‪ 0‬وكما يهتم النسان العادى بزينة جسده‬
‫وهندامه وحسن ملبسه ‪ ،‬كذلك يهتم النسان الروحى بزينة الروح‬
‫الوديع الهادئ ‪ 0‬ويجعل روحه تتزين بالفضائل وثمار الروح ) غل ‪: 5‬‬
‫‪0 ( 23 ، 22‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى يجعل اهتمامه الول بروحه وبأرواح الغير أيضا ً ‪0‬‬
‫ويتحاشى كل شئ يعطل طريق الروح ‪ ،‬سواء من الخطأ بالنسبة إلى‬
‫نفسه ‪ ،‬أو العثرة بالنسبة إلى غيره ‪ 00‬يهتم بسلمة روحه ‪ ،‬و بالنمو‬
‫فى الروح ‪ 0‬ذلك لن روحه هى نفخه الله فيه ) تك ‪ ، ( 7 : 2‬بينما‬
‫جسده من التراب ‪ 00‬بالروح يصير مثل ملئكة الله فى السماء ‪،‬‬
‫وتصير له صلة مع الله ومحبة ‪ ،‬وصلة مع العالم الروحانى من‬
‫الملئكة و القديسين ‪0‬‬
‫***‬
‫وباهتمامه بروحه يعود إلى الصورة اللهية التى خلقه بها الله منذ البدء ) تك ‪: 1‬‬
‫‪0 ( 27‬‬
‫على شبه الله ومثاله ) تك ‪ ( 26 : 1‬ما أروع هذا !‬
‫وباهتمامه بروحه ‪ ،‬إنما يهتم أيضا ً بأبديته ‪ ،‬تلك البدية التى ل يقاس‬
‫بها أبدا ً هذا العمر المادى على الرض ‪ 00‬وباهتمامه بروحه أيضا ً ‪،‬‬
‫إنما يدخل فى شركة الروح القدس ويعمل مع الله ‪00‬‬
‫***‬
‫وهنا نسأل سؤال ً اساسيا ً ‪ :‬ما هى الحياة الروحية ‪ :‬ونلخص هذه‬
‫الحياة فى أمرين اثنين ‪:‬‬
‫‪-1‬أن يخضع الجسد للروح ‪0‬‬
‫‪-2‬أن تخضع روح النسان لروح الله ‪0‬‬
‫فى هذين المرين الساسيين تتلخص كل حياة النسان الروحى ‪0‬‬
‫يخضع الجسد للروح ‪ ،‬فل يقاومها ‪ ،‬ول يشتهى ضد ما تشتهى‬
‫الروح ‪ ،‬ول يدخلها فى صراع معه ‪ ،‬كما يحدث مع المبتدئين وغير‬
‫الكاملين ‪ 0‬هذا كله من الناحية السلبية ‪ 0‬اما من الناحية اليجابية ‪،‬‬
‫فيشترك الجسد مع الروح فى عملها الروحى ‪ 0‬وبهذا يكافأ الجسد‬
‫نع الروح فى الحياة البدية ‪ ،‬لنه اشترك مع الروح فى عمل البر ‪0‬‬
‫وسلك فى حياة الروح ‪ ،‬فيستحق لذلك أن يصير جسدا ً روحانيا ً ) ‪1‬كو‬
‫‪0 ( 15‬‬
‫***‬
‫كذلك نقول إن روح النسان تخضع لروح الله ‪ ،‬لن الروح البشرية وحدها لها‬
‫أخطاؤها ‪0‬‬
‫فليست كل أخطاء النسان سببها الجسد ‪ ،‬بل هناك أخطاء للروح ‪0‬‬
‫و الكتاب يقول " قبل الكسر الكبرياء ‪ ،‬وقبل السقوط تشامخ الروح‬
‫" ) أم ‪ 0 ( 18 : 16‬ونحن نصلى من الساعة الثالثة ونقول " طهرنا‬
‫من دنس الجسد و الروح ‪ " 00‬و نقول فى القداس اللهى طهر‬
‫نفوسنا وأجسادنا وأرواحنا‬
‫و الشيطان ‪ ،‬وهو روح ليس له جسد مادى ‪ ،‬له سقطاته وخطاياه‬
‫المستمرة ‪ 0‬فقد وقع فى الكبرياء ) اش ‪ 0 ( 14 : 14‬وقد صار‬
‫المقاوم المتمرد ‪ ،‬وسماه الرب " الكذاب وأبو الكذاب " ) يو ‪( 44 : 8‬‬
‫‪ 0‬ونقول فى القداس اللهى " والموت الذى دخل إلى العالم بحسد‬
‫ابليس " ‪ 0‬إذن وقع وهو روح فى خطية الحسد وطبعا ً وقع فى اعثار‬
‫الخرين وتضليلهم ‪ 00‬كل ذلك وهو روح ‪ 0‬لذلك هو وشياطينه‬
‫يسميهم الكتاب الرواح الشريرة ‪ ،‬والرواح النجسة ‪0‬‬
‫***‬
‫الروح إذن يمكن أن تخطئ ‪ ،‬إذا انفصلت عن الله ‪ 0‬تحتاج الروح إذن إلى شركة‬
‫الروح القدس ‪0‬‬
‫لذلك منحنا الله المسحة المقدسة ) ايو ‪ ، ( 27 ، 20 : 2‬التى بها‬
‫يسكن روح الله فينا ‪ ،‬ويكون معنا إلى البد‪ ،‬ويرشدنا إلى كل الحق )‬
‫يو ‪ 0 ( 3 : 16‬ويعلمنا كل شئ ) يو ‪ ( 26 : 14‬ويبكتنا على الخطية‬
‫) يو ‪ ( 8 : 16‬وباختصار فإن حياتنا الروحية كلها تتوقف على عمل‬
‫الروح القدس فينا ‪ ،‬واستجابتنا لعمله ‪،‬واشتراكنا معه فى العمل ‪00‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى ل يعمل وحده ‪ ،‬إنما روح الله يعمل فيه ‪ ،‬ويعمل معه ويعمل به‬
‫‪0‬‬
‫إنه أداة فى يد الله ‪،‬وأداة طيعة ‪ 0‬هو غصن فى الكرمة ) يو ‪( 1 : 15‬‬
‫تسرى فيه عصارة الكرمة ‪،‬ويأخذ منها حياة ‪ 0‬والله يعمل فيه ‪،‬‬
‫وبدون الله ل يستطيع أن يعمل شيئا ً ) يو ‪0 ( 5 : 15‬‬
‫سلوكه بالروح ‪ ،‬ل يعنى بروحه البشرية وحدها ‪ ،‬وإنما باشتراك‬
‫روحه مع روح الله فى العمل ‪ 0‬وعلى هذا الساس وحده ‪ ،‬يسمى‬
‫أنسانا ً روحيا ً ‪0‬‬
‫روح الله هو الذى يوجهه ويرشده ‪ ،‬وهو الذى يمنحه الحرارة الروحية‬
‫‪ ،‬وهو الذى يمنحه المواهب والمكانيات التى يعمل بها ‪ ،‬ويهبه أيضا ً‬
‫القوة و القدرة ‪0‬‬
‫***‬
‫والنسان الروحى له الروح المطيعة ‪ ،‬ل يحزن روح الله ‪ ،‬ول يقاومه ‪ ،‬ول يطفئ‬
‫الروح ‪0‬‬
‫إنه ل يدعى لنفسه أنه أعمل عمل ً من ذاته ‪ 0‬إنما يسجد أمام الله‬
‫قائل ً ‪ :‬لتكن يا رب مشيئتك ‪ 0‬أنا من ذاتى لم أعمل شيئا ً " فكل شئ‬
‫بك كان ‪ 0‬وبغيرك لم يكن شئ مما كان " ) يو ‪0 ( 3 : 1‬‬

‫الروحانية هى أول السلوك بالروح ‪0‬‬


‫وقد ورد الكثير عن هذا المر فى رسالة بولس الرسول إلى رومية‬
‫إذ قال " ل شئ من الدينونة الن على الذين هم فى المسيح يسوع ‪،‬‬
‫السالكين ليس حسب الجسد ‪ ،‬بل حسب الروح " ) رو ‪0 ( 1 : 8‬‬
‫وقال ايضا ً " فإن الذين هم حسب الجسد ‪ ،‬فبما للجسد يهتمون ‪0‬‬
‫ولكن الذين حسب الروح ‪ ،‬فبما للروح ) يهتمون ( ‪ 0‬لن اهتمام‬
‫الجسد هو موت ‪ 0‬ولكن اهتمام الروح هو حياة وسلم ‪ 0‬لن إهتمام‬
‫الجسد هو عداوة لله ‪ 0‬فالذين هم فى الجسد ل يستطيعون أن‬
‫يرضوا الله ‪0‬‬
‫***‬
‫إذن الروحانية هنا هى ارتفاع عن مستوى السلوك بالجسد ‪0‬‬
‫هنا وأحب أن أقول لكم إن النسان يتكون من ثلثة عناصر‪ :‬الروح و‬
‫النفس و الجسد ‪ 0‬وقد وضح القديس بولس هذا المر ‪ ،‬حينما قال‬
‫فى رسالته الولى إلى أهل تسالونيكى " إله السلم نفسه يقسكم‬
‫بالتمام ‪ 0‬و لتحفظ روحكم ونفوسكم وجسدكم كاملة بل لوم ‪) " 00‬‬
‫‪1‬تس ‪0 ( 23 : 5‬‬
‫إذن النسان يتكون من روح ونفس وجسد ‪ 0‬وهنا تقول إن النسان‬
‫الروحانى ل يسلك حسب الجسد ول حسب النفس ‪ 0‬السلوك حسب‬
‫الجسد واضح جدا ً للجميع ‪00‬‬
‫كالنسان الذى يسلك فى شهوات الجسد كشهوة الزنى ‪ ،‬أو شهوة‬
‫الطعام ‪ ،‬أو شهوة الملبس ‪ 00‬إلخ ولكن ماذا إذن عن السلوك‬
‫النفسانى ؟ نقول أول ً ‪:‬‬
‫***‬
‫لقد حارب الباء الباء الرسل السلوك النفسانى وأدانوه‬
‫فالقديس يهوذا الرسول يقول فى رسالته " إنه فى الزمان الخير‬
‫سيكون قوم مستهزئون سالكون بحسب شهوات فجورهم ‪ 0‬هولء‬
‫هم المعتزلون بأنفسهم نفسانيون ل روح لهم " ) يه ‪( 19 : 18‬‬
‫لحظوا إذن قوله ‪:‬‬
‫نفسانيون ‪ ،‬ل روح لهم ‪0‬‬
‫هؤلء " سالكون بحسب شهوات فجورهم " ‪ 0‬ولعله يفهم من هذا‬
‫أن شهوات الجسد تقودها عوامل نفسانية خاطئة ‪ ،‬بعيدة عن اتجاه‬
‫الروح ‪00‬‬
‫و القديس يعقوب الرسول يفرق بين الحكمة اللهية ‪ ،‬وحكمة أخرى‬
‫يقول عنها إنها " ليست نازلة من فوق بل هى أرضية نفسانية‬
‫شيطانية " وإنها تسبب الغير المرة و التحزب و التشويش وكل أمر‬
‫ردئ ) يع ‪ 00 ( 16 – 14 : 3‬لحظوا أن وصف نفسانية ارتبط أيضا ً‬
‫بعبارة " أرضية شيطانية " ‪ 00‬ما أصعب هذا الوصف ‪00‬‬
‫ربما هذا التفصيل غير مستخدم كثيرا ً ‪ 0‬فالناس غالبا ً ما يتحدثون‬
‫فقط عن السلوك الروحانى ‪ ،‬و السلوك الجسدى ‪ 0‬ونادرا ً ما‬
‫يتحدثون عن السلوك النفسانى الممقوت ‪00‬‬
‫***‬
‫النسان النفسانى تقوده النفس وغرائز النفس وعقلية النفس ومشاعرها بدون‬
‫روح ‪0‬‬
‫وهذا أمر فيه أخطاء وخطايا كما سنرى ‪0‬‬
‫والنسان الجسدانى تقوده شهوات الجسد ورغباته ‪ 0‬فماذا إذن عن‬
‫النسان الروحانى‬
‫***‬
‫النسان الروحانى يتصف بصفتين وهما ‪:‬‬
‫‪-1‬ينتصر على الجسد وعلى النفس ‪ ،‬ويسلك حسب الروح ‪0‬‬
‫‪-2‬الصفة الثانية أن روحه تخضع لروح الله ‪00‬‬
‫يوجد إنسان فى داخله صراع بين شهوات الجسد وشهوات الروح‬
‫) غل ‪ 0 ( 17 ، 16 : 5‬أما الروحانى فقد خضع فيه الجسد تماما ً‬
‫للروح ‪ 0‬ولكن هذا وحده ل يكفى ‪ ،‬لن أخطاء النسان ليس سببها‬
‫فقط شهوات الجسد ‪ 0‬فهو قد يخطئ بروحه وحدها ‪ 00‬ول تتعجبوا‬
‫من هذا فالشيطان روح ‪ ،‬ومع ذلك فقد أخطأ ‪ 0‬فهو روح متمردة‬
‫وروح شريرة ‪0‬‬
‫ً‬
‫و الكتاب يتحدث كثيرا عن الرواح الشريرة ‪0‬‬
‫و السيد المسيح أعطى تلميذ سلطانا ً على اخراج الرواح الشريرة ‪،‬‬
‫أى أرواح الشياطين ‪ 0‬إذن ممكن أن الرواح ل تخطئ ‪ 0‬وممكن أن‬
‫النسان يخطئ بروحه ‪00‬‬
‫أما النسان الروحى ‪ ،‬فإنه ل يخطئ بروحه ‪ ،‬لن روحه خاضعة تماما ً لروح الله‬
‫‪00‬‬

‫إذن النسان الروحى ‪ :‬نفسه وجسده يخضعان لروحه ‪ ،‬وروحه تخضع لروح الله ‪.‬‬

‫ولذلك نقرأ فى الرسالة إلى رومية عبارة جميلة جدا ً وهى " لن كل‬
‫الذين ينقادون بروح الله ‪ ،‬فاؤلئك هم أولد الله " ) رو ‪0 ( 14 : 8‬‬
‫هؤلء هم الروحانيون ‪ ،‬الخاضعون لروح الله ‪ 0‬الذين يقودهم روح‬
‫الله ‪ ،‬وهم طائعون لقيادة روح الله ‪ 0‬ولكى تنقاد بروح الله ينبغى‬
‫أن يكون روح الله ساكنا فيك‬
‫من أجل هذا ‪ ،‬جعل الله روحه يسكن فينا ‪0‬‬
‫فقال الكتاب " أما تعلمون أنكم هيكل الله ‪ ،‬وروح الله ساكن فيكم "‬
‫) ‪1‬كو ‪ 0 ( 16 : 3‬وروح الله الذى فيك يعطى روحك معرفة ‪،‬‬
‫ويعطيها إرشادا ً ‪ 0‬يقودها فى الطريق ‪ 00‬يوبخها على خطية ‪،‬‬
‫ويحثها على الخير ‪ ،‬ويذكرها بكل ما قاله الرب ويعلمها كل شئ ) يو‬
‫‪0 ( 26 : 14‬‬
‫لذلك الكنيسة تمنحك المسحة المقدسة ‪ ،‬مسحة الروح ‪0‬‬
‫وعن هذه المسحة تحدث القديس يوحنا الحبيب مرتين فى رسالته‬
‫الولى ‪ ،‬فقال " وأما أنتم فلكم مسحة من القدوس و تعلمون كل‬
‫شئ " " وأما أنتم فالمسحة التى أخذتموها منه ‪ ،‬ثابتة فيكم " ) ‪1‬يو‬
‫‪ 0 ( 27 ، 20 :2‬ونحن ننال هذه المسحة فى سر الميرون المقدس ‪0‬‬
‫وكانوا ينالونها فى بداية العصر الرسولى بوضع اليد ‪0‬‬
‫***‬
‫إذن تعتمد على قيادة روح الله لك ‪ ،‬وليس على الحكمة البشرية‬
‫وحدها الحكمة البشرية وحدها هى جهالة عندالله ) ‪1‬كو ‪0 ( 19 : 3‬‬
‫وقد شرح القديس بولس الرسول هذا المر بعمق شديد وتفصيل ‪،‬‬
‫فى رسالته الولى إلى أهل كورنثوس ‪ ،‬فى الصحاح الثانى ‪0‬‬

‫هناك شهوات للجسد و النفس و الروح ‪0‬‬


‫شهوة الجسد هى الخطية كشهوة الحواس ‪ ،‬شهوة الزنى ‪ ،‬وشهود‬
‫البطن ‪0‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫وشهوة النفس أحيانا تكون نوعا من حب الذات وحب النفس ‪ 0‬ولنضرب مثال فى‬
‫كل ذلك بسليمان الحكيم ‪:‬‬
‫لقد سلك فى هذه الشهوات فقال " مهما إشتهته عيناى ‪ ،‬لم أمنعه‬
‫عنهما " ) جا ‪ 2‬ك ‪ 0 ( 1‬وشرح تفاصيل ذلك فقال " بنيت لنفسى‬
‫بيوتا ً ‪ 0‬غرست لنفسى كروما ً ‪ 0‬عملت لنفسى جنات وفراديس ‪ ،‬و‬
‫غرست فيها اشجارا ً من كل نوع ثمر ‪ 0‬عملت لنفسى برك مياه ‪0‬‬
‫قنيت عبيدا ً وجوارى ‪ 00‬جمعت لنفسى فضة وذهبا ً ‪ 00‬اتخذت‬
‫لنفسى مغنين ومغنيات و تنعمات بنى البشر سيدة وسيدات " ) جا ‪2‬‬
‫‪0(8–4:‬‬
‫هنا شهوة الجسد ‪ ،‬وشهوة العيون ‪ ،‬وشهوات باقى الحواس ‪ 00‬هذه هى شهوة‬
‫الجسد ‪ ،‬ووجدها باطلة وقبض الريح ‪0‬‬
‫وماذا إذن عن شهوات النفس ؟ يقول " لم أمنع قلبى من كل فرح‬
‫‪ 0‬لن قلبى فرح بكل تعبى ‪ 0‬و هذا كان نصيبى من كل تعبى ‪" 00‬‬
‫‪ 00‬وهنا نقول ‪:‬‬
‫فرح سليمان بكل غناه وشهوات جسده كان فرحا ً نفسانيا ‪0‬‬
‫ولم يكن فرحا ً روحيا ً على الطلق ‪ 0‬فما هو الفرح الروحى ؟‬

‫الفرح النفسانى ‪ ،‬هو فرح بشهوات الجسد ‪ ،‬كما فرح سليمان بكل‬
‫متعه وغناه أما فرح الروح فهو الذى يقول عنه الكتاب ‪ " :‬افرحوا فى‬
‫الرب كل حين ‪ ) " 00‬فى ‪0 ( 4 : 4‬‬
‫ً‬
‫تقرأ عن فرح سليمان فى ) جا ‪ 0 ( 2‬فل تجد إسم الرب إطلقا ‪! 00‬‬
‫إنه فرح بالجنات و الفراديس ‪ ،‬والشجر ‪ ،‬و البقر ‪ ،‬و الذهب ‪ ،‬و‬
‫الفضة ‪ ،‬والسيدات و المغنيات ‪ 00‬وليس بروحه وصلة روحه بالله ‪0‬‬
‫إنه مجرد فرح نفسانى ‪ ،‬باطل وقبض الريح ‪ 00‬لهذا نحن نفرق فى‬
‫أمور الفرح بين تعبيرات عديدة مثل اللذة ) وهى خاصة بالجسد و‬
‫الحواس ( ‪ ،‬و السرور ‪ ،‬و الفرح ) وبعضها خاص بالنفس والخر‬
‫بالروح ( ‪0‬‬
‫الفرح بالرب هو فرح روحانى ‪:‬‬
‫تفرح لنك عرفت الله ‪ ،‬تفرح لن لك صلة بالله وعشرة ‪ ،‬تفرح‬
‫بسكنى روح الله فيك وارشاده لك ‪ 0‬تفرح لنك نلت مذاقة‬
‫الملكوت ‪ ،‬تفرح لنتصار روحك التى حررها الله ) يو ‪0 ( 36 : 8‬‬
‫تفرح لنك استطعت أن توصل الناس غلى الله ‪0‬‬
‫***‬

‫تلميذ المسيح وقعوا أحيانا ً فى الفرح النفسانى ‪0‬‬


‫إنه فرح من نوع فرح سليمان ‪ ،‬بل هو نوع أرقى منه ‪ ،‬ولكنه‬
‫مرفوض ايضا ً‪ 0‬رجع السبعون إلى الرب فرحين ‪ ،‬بعد إرساليتهم‬
‫التبشيرية ‪،‬وقالوا له " حتى الشياطين يا رب تخضع لنا باسمك " ) لو‬
‫‪ ( 17 : 10‬فوبخهم الرب على هذا الفرح النفسانى ‪ ،‬وقال لهم " ل‬
‫تفرحوا بهذا ‪ ،‬إن الرواح تخضع لكم ‪ 0‬بل افرحوا بالحرى أن‬
‫اسماؤكم قد كتبت فى السموات " ) لو ‪ 0 ( 20 : 10‬وهكذا فرق‬
‫الرب بين نوعين من الفرح ‪ :‬نوع وبخ عليه ‪ ،‬ونوع دعا إليه ‪0‬‬
‫***‬
‫مثال آخر وهو فرح البعض بموهبة اللسن وما يشابهها ‪0‬‬
‫إنه فرح بشئ يمجده أمام الناس ويرفع شأنه !! يريد أن يتعظم على‬
‫حساب مواهب الله ‪ 00‬وكان الفضل أن يهتم بنقاوة قلبه وامتلء‬
‫القلب بثمار الروح ‪ 0‬وفى ذلك قال الرسول " لو كنت اتكلم‬
‫ً‬
‫بأللسنة الناس و الملئكة ‪ ،‬وليس له محبة ‪ ،‬فقد صرت نحاسا يطن‬
‫وصنجا ً يرن " ) ‪1‬كو ‪0 ( 13‬‬
‫***‬
‫إذن افرح بثمار الروح ‪ ،‬أكثر تفرح بالمواهب ‪0‬‬
‫ثمار الروح التى هى " محبة وفرح وسلم ‪ ،‬وطول أناة ولطف‬
‫وصلح وإيمان ووداعة وتعفف " ) غل ‪ 0 ( 23 ، 22 : 5‬وهذه توصلك‬
‫إلى الملكوت بينما المواهب واليات و الرؤى ربما ل توصل ‪!00‬‬
‫يقول السيد الرب ‪:‬‬
‫" كثيرون سيقولون لى فى ذلك اليوم " يا رب يا رب ‪ ،‬أليس باسمك‬
‫تنبأنا وباسمك أخرجنا شياطين ‪ ،‬وباسمك صنعنا قوات كثيرة ‪0‬‬
‫فحينئذ أصرح لهم ‪ :‬إنى لم أعرفكم قط ‪ 0‬اذهبوا عنى با فاعلى‬
‫الثم " ) متى ‪0 ( 23 ، 22 : 7‬‬
‫قيل عن القديس يوحنا المعمدان ‪ ،‬إنه لم يصنع آية واحدة ) يو ‪: 10‬‬
‫‪ 0 ( 41‬ومع ذلك شهد له الرب إنه أعظم من ولدته النساء ) يو ‪: 11‬‬
‫‪ 0 ( 11‬وفى التبشير بمولده قيل عنه إنه " من بطن أمه يمتلئ من‬
‫الروح القدس " ) لو ‪ 0 ( 15 : 1‬فل تفرح إذن باليات ‪0‬‬
‫القديس بولس الرسول خاف من كثرة الرؤى والستعلنات ‪0‬‬
‫لنها خطيرة ‪ ،‬ربما ترفع قلبه ‪ 0‬ولذلك قال " وائل ارتفع بفرط‬
‫العلنات ‪ ،‬أعطيت شوكة فى الجسد ‪ ،‬ملك الشيطان ليلطمنى لئل‬
‫ارتفع " ) ‪2‬كو ‪ 0 ( 7 : 12‬وصلى ثلث مرات أن يرفع الله عنه هذه‬
‫الضربة ‪ ،‬ولم تقبل صلته فى ذلك ‪00‬‬
‫***‬
‫أم يعقوب ويوحنا الرسولين وقعت فى الفرح النفسانى الباطل ‪0‬‬
‫فجاءت إلى السيد الرب تطلب إليه أن يجلس أحد إبنيها عن يمينه ‪،‬‬
‫والخر عن يساره فى ملكوته ) متى ‪ 0 ( 21 ، 20 : 20‬ولكن الرب‬
‫لم يشأ أن يكون لها فرح بالعظمة ‪ ،‬بل أن يكون لبنيها فرح باللم ‪0‬‬
‫فقال لهما " لستما تعلمان ما تطلبان ‪ 0‬أتستطيعان أن تشربا ً الكأس‬
‫التى أشربها ‪ ،‬وأن تصطبغا بالصبغة التى أصطبغ بها " ) متى ‪: 20‬‬
‫‪0( 22‬‬
‫***‬
‫حقا ً إن الفرح باللم هو جزء من الفرح الروحى ‪0‬‬
‫ولذلك بعدما سجنوا التلميذ وجلدوهم ‪ ،‬يقول الكتاب عنهم " وأما‬
‫هم فذهبوا فرحين ‪ ،‬لنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل‬
‫اسمه " ) أع ‪ 0 ( 41 : 5‬ويقول القديس بولس الرسول " لذلك أسر‬
‫بالضعفات و الشتائم و الضرورات والضطهاده لجل المسيح " )‬
‫‪2‬كو ‪ 00 ( 10 : 12‬وهكذا كان سرور الشهداء و المعترفين‬
‫القديسين بملقاة العذابات و الموت ‪ 0‬إنه فرح روحانى ‪0‬‬
‫***‬
‫إن الذى يفرح بأن ينال موهبة المعجزات واليات ‪ ،‬هو ما يزال فى مستوى الفرح‬
‫النفسانى ‪ 0‬أما الفرح الروحانى ‪ ،‬فهو الفرح بالرب وليس بمواهبه ‪ ،‬وما تجلبه‬
‫المواهب من عظمة ‪00‬‬
‫*ولعل من المثلة البارزة تلك القديسة العظيمة التى ذبحوا أبناءها‬
‫الخمسة على حجرها وهى تشجعهم على الستشهاد ‪ ،‬لكى يفرحوا‬
‫مع الرب فى ملكوته ‪ 0‬وهى أيضا ً فرحت باستشهادهم ‪00‬‬
‫من ضمن الصفات الساسية التى يتصف بها النسان الروحى "‬
‫ضبط النفس " ‪ 0‬فهو ل يترك نفسه تخضع لرغبات الجسد وشهواته‬
‫بل كلما اشتهت نفسه شهوة خاطئة ‪ ،‬يخضعها بكل حزم لقيادة‬
‫الروح ‪ 0‬و كما يقول الكتاب ‪ " :‬مالك روحه خير ممن يملك مدينة " ) أم ‪16‬‬
‫‪0 ( 32 :‬‬
‫يملك نفسه أو يضبطها ‪ ،‬أى ل يعطيها كل ما تريد ‪ 0‬بل يقف ضدها ‪،‬‬
‫عمل ً بقول السيد الرب " من يحب نفسه يهلكها ‪ 0‬ومن يبعض نفسه‬
‫فى هذا العالم ‪ ،‬يحفظها إلى حياة أبدية " ) يو ‪0 ( 25 : 12‬‬
‫إن ضبط النفس يشمل بل شك عناصر كثيرة ‪:‬‬
‫‪-2‬صبط الفكر ‪0‬‬ ‫‪-1‬صبط اللسان ‪0‬‬
‫‪-3‬ضبط القلب ‪،‬يضبط الرغبات و الشهوات ‪0‬‬
‫صبط البطن من‬ ‫‪-4‬ضبط العصاب ‪0‬‬
‫جهة الكل ‪0‬‬
‫***‬
‫و الذى يحكم نفسه ‪ ،‬يجعلها خاضعة لقيم ومبادئ ‪ ،‬وأنظمة وقوانين‬
‫‪ 0‬لن الذى ل يحكم نفسه ‪ ،‬إنما يسلمها فى الواقع إلى الضياع ‪00‬‬
‫و الذى يضبط نفسه ‪ ،‬يحبها المحبة الحقيقية ‪00‬‬
‫لن الذى يدلل نفسه ‪ ،‬يضيعها ويضيع غيرها معها ‪ 0‬أما الذى يكون‬
‫حازما ً مع نفسه ‪ ،‬فإنه بهذا الحزم ينقذها ‪ ،‬وينقذ غيرها منها ‪،‬‬
‫ويحفظها فى علقة طيبة مع الله وينظم اهتماماته وعلقاته هكذا ‪:‬‬
‫الله ‪ ،‬الناس ثانيا ً ‪ ،‬نفسه أخيرا ً ‪00‬‬

‫النسان الروحى ل يتكلم بكل ما يأتى على فكره من كلم و أفكار ‪0‬‬
‫بل يزن كل كلمة قبل أن يقولها وميزانه ل يقتصر فقط على كنه‬
‫الكلمة هل هى فى حد ذاتها خطأ أم صواب ‪00‬‬
‫إنما يهمه أيضا ً تأثير الكلمة على الخرين ‪ ،‬ودود فعلها ‪ ،‬ونتائج ذلك‬
‫‪00‬‬
‫فالذى يعرف نتائج أخطاء اللسان ‪ ،‬وأى نار يحرق ‪ ،‬وكيف يدنس‬
‫الجسم كله ) يع ‪ 00 ( 6 ، 5 : 3‬هذا النسان يحترس جدا ً قبل أن‬
‫يتكلم ‪ ،‬ويقول ‪ " :‬ضع يا رب حافظا ً لفمى ‪ ،‬وبابا حصينا لشفتى " ) مز ‪: 141‬‬
‫‪0(3‬‬
‫إنه يعرف أن الكلمة التى تخرج من فمه ‪ ،‬ل يمكن أن ترجع مرة‬
‫أخرى ‪ ،‬لنها قد وصلت إلى آذان السامعين وحسبت عليه ‪ ،‬مهما‬
‫حاول أن يسحبها أو يعتذر عنها أو يحاول إصلح نتائجها ‪ !00‬بل‬
‫أصبحت سببا ً للدنيونة ‪ ،‬حسب قول الرب إنه " بكلمك تتبرر ‪،‬‬
‫وبكلمك تدان " ) مت ‪0 ( 37 : 12‬‬

‫النسان الروحى ‪ ،‬كما يضبط لسانه ‪ ،‬يضبط فكره أيضا ً ‪ 0‬فل يترك‬
‫عقله يسرح فى أى فكر ‪ ،‬ول يقبل أى فكر خاطئ يأتى إليه ‪ ،‬بل‬
‫يطرده بسرعة ‪ ،‬ول يتساهل أبدا ً معه ‪00‬‬
‫كذلك ل يقبل الفكار التى تبدو بسيطة فى أولها ‪ ،‬ثم تتدرج إلى ما‬
‫ل يليق ‪ 00‬إنه يكون حازما ً مع هذه الفكار التى تلبس ثياب الحملن‬
‫وهى ذئاب خاطفة ‪ 00‬ويقول فى داخله عن الشيطان ‪ ،‬مثلما قال‬
‫الرسول " نحن ل نجهل أفكاره " ) ‪2‬كو ‪0 ( 11 : 2‬‬

‫وإن خدعه فكر ثم اكتشفه ‪ ،‬يوقفه بسرعة ‪0‬‬


‫لن التمشى مع الفكر الخاطئ خيانة للرب ‪ ،‬وإعطاء الفكر لن يثبت‬
‫أقدامه ‪ ،‬ويكبر ويتطور ‪ ،‬إلى أن يؤثر على القلب ‪ ،‬ويتحول إلى‬
‫شهوة فيه ‪ 0‬فالفضل التخلص منه من بادئ المر ‪0‬‬
‫والنسان الروحى ل يكتفى يضبط الفكر ومنعه من الخطأ ‪ ،‬إنما‬
‫بالكثر يشغل عقله بأفكار روحية نقية ‪ 0‬حتى إذا جاء الشيطان‬
‫ليحاربه بفكر ردئ ‪ ،‬يجد عقله منشغل ً بتأمل روحى وغير متفرغ له‬
‫‪ 00‬ويستطيع الجو الروحى الذى فى عقله ‪ ،‬أن يمنع أى الفكر‬
‫خاطئ من لقتراب إليه ‪ 00‬كحصن حصين ‪00‬‬

‫لما كانت اللحواس هى أبواب للفكر ‪ ، 00‬لذلك فالنسان الروحى‬


‫يضبط حواسه ‪ 0‬لكى يضبط فكره فهو يحفظ عينيه ‪ ،‬ويحفظ سمعه‬
‫‪ 0‬وإن وصل إلى حواسه شئ يجلب الفكر يخليه خارجا ً بسرعة ‪0‬‬
‫يلجأ إلى سياسة الحلل ‪ 0‬فيضع فكرا ً بدل ً من فكر ‪0‬‬
‫كما كان القديس النبا يوحنا القصير يفعل ‪ ،‬إن سمع شيئا ً غريبا ً ‪00‬‬
‫أو كما قال النبا أور لتميذه " أنظر با أبنى ‪ ،‬ل تدخل هذه القلية‬
‫كلمة غريبة " ‪00‬‬

‫كثيرون يهتمون بضبط أنفسهم فيما يختص بالكل بما اصطلح على‬
‫تسميته بالريجيم ‪ ،‬لتخفيف الوزن إما للعلج من السكر ‪ ،‬أو من‬
‫الكلوسترول ‪ ،‬أو بسبب مرض القلب ‪ ،‬أو لتحاشى السمنة ‪ 00‬إلخ ‪0‬‬
‫أما النسان الروحى فيضبط نفسه فى الكل و الشرب لسباب‬
‫روحية ‪ ،‬يدخل فيها النسك و الصوم ‪ 0‬ويتخذ من ضبطه لنفسه‬
‫وسيلة لخضاع الجسد ‪ ،‬لكيما يعطى فرصة للروح ‪00‬‬
‫***‬
‫إن أمنا حواء لم تضبط نفسها من جهة الكل ‪ ،‬فخالفت وصية الرب‬
‫وأكلت من الشجرة المحرمة ‪ ،‬وهكذا فعل ابونا آدم أيضا ً ‪ 00‬وكانت‬
‫الخطيئة الولى ‪00‬‬
‫وسبق ذلك السقوط عدم ضبط الحواس ‪ ،‬سواء فى السماع للحية ‪،‬‬
‫أو فى النظر إلى الشجرة المحرمة ‪ ،‬وهكذا فعل أبونا آدم أيضا ً ‪00‬‬
‫وكانت الخطيئة الولى ‪00‬‬
‫وسبق ذلك السقوط عدم ضبط الحواس ‪ ،‬سواء فى السماع للحية ‪،‬‬
‫أو فى النظر إلى الشجرة ‪ ،‬فإذا هى " جيدة للكل ‪ ،‬وبهجة للعيون ‪،‬‬
‫وشهية للنظر " ) تك ‪ 00 ( 6 : 3‬حقا ً إن خطيئة يمكن أن تقود إلى‬
‫خطيئة أخرى ‪ 00‬فتنتقل من الحواس ‪ ،‬إلى الفكر ‪ ،‬إلى القلب ‪ ،‬إلى‬
‫العمل ‪0‬‬
‫أو ما يمكن أن نسميه " ضبط العصاب " ‪0‬‬
‫النسان الروحى يحاول أن يبعد عن الغضب ‪ ،‬عمل ً بقول الكتاب " إن‬
‫غضب النسان ل يصنع بر الله " ) يع ‪0 ( 20 : 1‬‬
‫وإن وجد الغضب تحرك فى قلبه ‪ ،‬ل يتركه يسيطر على لسانه وعلى‬
‫أعصابه‬
‫وهكذا يبذل جهده فى السيطرة على اللفاظ فى وقت الغضب ‪ 0‬إما‬
‫أن يصمت ‪ ،‬أو يتحكم فى كلمه ‪ ،‬أو بالكثر يصرف الغضب من داخل‬
‫قلبه ‪ 00‬وبكافة الطرق يحاول أن يهدئ نفسه ‪ ،‬فل يثور ‪ ،‬ول يرتفع‬
‫صوته ‪ ،‬ول يحتد ‪ 00‬كما يحاول أن يهدئ ملمحه أيضا ً ‪ 00‬ويعمل‬
‫بقول الرسول " ليكن كل إنسان مبطئا ً فى التكلم ‪ ،‬مبطئا ً فى‬
‫الغضب " ) يع ‪ 0 ( 19 : 1‬فالذى يسرع إلى الغضب ‪ ،‬يقع فى‬
‫التهور ‪ ،‬ويسقط فى خطايا كثيرة ‪ 0‬وقد يتصرف تصرفات يندم‬
‫عليها جدا ً حينما يهدأ ‪ 0‬ويشعر أنه فى غضبه قد فقد صورته‬
‫اللهية ‪ ،‬وصار عثرة لكثيرين ‪00‬‬
‫***‬
‫والنسان الروحى ل يكتب خطابا ً فى ساعة غضب ‪ 0‬ول يتخذ قرارا ً فى ساعة‬
‫غضب ‪0‬‬
‫ولو كتب خطابا ً فى وقت غضبه ‪ ،‬ل يسرع بارساله ‪ ،‬إنما يتركه يوما ً‬
‫أو يومين ‪ ،‬ثم يعود إلى قراءته و تنقيحه ‪ ،‬أو يمزقه ويكتب غيره ‪،‬‬
‫حتى ل يصبح وثيقه خطية ضده ‪ ،‬و تكون له نتائجه غير المرضية ‪0‬‬
‫وبالمثل بالنسبة إلى القرارات التى يتخذها إنسان فى ساعة غضب ‪،‬‬
‫وتسمى قرارات انفعالية ‪ ،‬غاليتها مخطئة وغير حكيمة ‪ 0‬ويقول‬
‫الكتاب إن " الغضب يستقر فى حضن الجهال " ) جا ‪0 ( 9 : 7‬‬

‫والنسان الروحى يضبط نفسه أيضا ً من جهة العقيدة و التعليم ‪:‬‬


‫فل يسرع بنشر أى فكر يدخل غلى ذهنه ‪ ،‬نتيجة للقراءة مثل ً ‪00‬‬
‫فيعلم به ‪ ،‬أو يكتبه فى مقال ‪ ،‬أو يصدره فى كتاب ‪ ،‬أو يلقيه فى‬
‫دروس ‪ 00‬فكثير من الفكار تحتاج إلى فترة حضانة طويلة ‪ ،‬يأخذ‬
‫فيها النسان مع الفكر ويعطى ‪ ،‬ويناقش الفكر داخل ذهنه ‪ ،‬قبل أن‬
‫يصدره إلى أذهان الناس ‪00‬‬
‫الفكر داخل ذهنك هو تحت سيطرتك ‪ 0‬فإذا نشرته ‪ ،‬أصبح تحت سيطرة الناس ‪0‬‬
‫خرج من نطاقك إلى نطاق أوسع ‪ ،‬يحكم فيه عليه وعليك ‪ 0‬وما‬
‫أصدق القديس مقاريوس الكبير حينما قال " احكم يا أخى على‬
‫نفسك ‪ ،‬قبل أن يحكموا عليك " ولعله أخذ هذه العبارة من القديس‬
‫بولس الرسول " لننا لو حكمنا على أنفسنا ‪ ،‬لما حكم علينا " ) ‪1‬كو‬
‫‪ 00 ( 31 : 11‬لذلك فافنسان الروحى يضبط نفسه ‪ ،‬فهذا خير من‬
‫أن يضبطه غيره ‪00‬‬
‫وهو يضبط نفسه أيضا ً من جهة اللترام ‪ ،‬ومن جهة الطاعة و‬
‫الخضوع‬
‫لن هناك نوعا ً من الناس ‪ ،‬باسم الحرية ‪ ،‬وباسم الكرامة الشخصية‬
‫أو العتداد بالنفس ‪ ،‬يفعل كل ما يريد ‪ ،‬ول يبالى بنظام ‪ ،‬أو تقاليد ‪،‬‬
‫أو قواعد معينة ‪ !00‬حقا ً إننا نؤمن بديمقراطية منضبطه ‪0‬‬
‫وما أجمل مثال النهر ‪ ،‬يجرى فى مجراه ولكن يحده شاطئان ‪ 0‬ل‬
‫يعتديان على حريته فى مجراه ‪ ،‬وإنما يضبطانه ‪ 0‬فل يفيض ويتحول‬
‫إلى مستنقعات ‪00‬‬
‫النسان الروحى هو إنسان ملتزم ‪ 0‬يحترم النظام و القواعد المرعية ‪ ،‬ويحترم‬
‫غيره أيضا ً ‪0‬‬
‫ويطيع الرسول حينما يقول " اعطوا الجميع حقوقهم ‪ 00‬الكرام‬
‫لمن له الكرام ‪ ،‬و الخوف لمن له الخوف " ) رو ‪ 00 ( 7 : 13‬أما‬
‫الذى يسير على هواه ‪ ،‬ول يخضع لحد ‪ ،‬ل يخضع لكبير ول لنظام ‪،‬‬
‫بل لفكره فقط ‪ 00‬فهذا ليس إنسانا ً روحيا ً ‪ ،‬وهو أيضا ً ل يطيع‬
‫تعليم الكتاب ‪ ،‬ول يلتزم بشئ ‪00‬‬
‫النسان الروحى يضبط نفسه من جهة الطاعة ‪00‬‬
‫طاعة الوالدين ‪ ،‬طاعة أب العتراف ‪ ،‬وطاعة النظام ‪ ،‬وطاعة‬
‫المواعيد ‪ ،‬وطاعة الله قبل الكل ‪ 00‬ول يرى فى الخضوع أى إنقاص‬
‫من كرامته إطلقا ً ‪ 0‬فالخضوع دليل على التضاع ‪ ،‬والتضاع فضيلة‬
‫‪ 0‬والنسان الذى ل يخضع لحد ‪ ،‬هو بالضرورة خاضع لكبريائه ‪ ،‬أو‬
‫خاضع لنزواته ‪0‬‬

‫النسان الروحى يضبط نفسه من جهة الطموح وحب العظمة والرتفاع ‪0‬‬
‫كلما يجد ذاته حكيما ً فى عينى نفسه ‪ ،‬أو بارا ً فى عينى نفسه ‪،‬‬
‫يحاول أن يضبط نفسه حتى ل يرتئى فوق ما ينبغى ) رو ‪0 ( 3 : 12‬‬
‫ول يرتفع نفسه فوق ما قسم له الله ) رو ‪0 ( 3 : 12‬‬
‫إن الشيطان لم يستطع أن يضبط نفسه من جهة محبة الرتفاع ‪،‬‬
‫ففيما اراد أن يرتفع فوق كواكب الله ) أش ‪ ( 14 : 14‬سقط وكان‬
‫سقوطه عظيما ً ‪00‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى يضبط نفسه ليس فقط من جهة محبة الرتفاع ‪ ،‬إنما حتى من‬
‫جهة المواهب ‪0‬‬
‫ً‬
‫أو أن الله نفسه يقيم له ضابطا حتى ل يرتفع ‪ 0‬انظر إلى بولس‬
‫الرسول وهو يقول " ولئل ارتفع من فرط العلنات ‪ ،‬اعطيت شوكة‬
‫فى الجسد ‪ 0‬ملك الشيطان ليلطمنى لكيل ارتفع " ) ‪2‬كو ‪( 7 : 12‬‬
‫كلما يرتفع فكرك يا أخى ‪ ،‬اضبطه ‪ 0‬ول تظن فى نفسك أكثر من‬
‫حقيقتك ‪ 0‬وضع حدودا ً لطموحاته التى قد تدفعك إلى مقارنة نفسك‬
‫بغيرك ‪ 0‬فتجد أنك أعلى وأكبر ‪ ،‬فتفقد الطاعة ‪ ،‬وتفقد التضاع ‪،‬‬
‫وتفقد اللتزام ‪ ،‬وتفقد احترامك لغيرك ‪ 00‬بل ضع أمامك باستمرار‬
‫قول الكتاب " وقبل السقوط تشامخ الروح " ) أم ‪0 ( 18 : 16‬‬

‫إن ضبط النفس يشمل الحياة كلها ‪00‬‬


‫فالنسان الروحى يضبط نفسه من جهة محبة الراحة أو المتهة ‪0‬‬
‫يضبط نفسه من جهة الوقت وحسن توزيعه على المسئوليات ‪،‬‬
‫واحترام المواعيد ‪ 00‬يضبط نفسه من جهة النتقام لنفسه إذا‬
‫لحقته إهانة أو إساءة ‪ 0‬يضبط نفسه من النواحى المالية ‪ ،‬ومن جهة‬
‫أخذه وعطائه ‪ 0‬يضبط نفسه فى علقاته مع الخرين ‪ ،‬وإلى أى حد‬
‫تكون ‪ 00‬يضبط مشاعر قلبه وأحاسيسة ‪ ،‬فل تنحرف يمنه ول يسره‬
‫‪ 00‬وحتى من جهة العبادة ‪ ،‬ومن جهة الخدمة ‪ ،‬وفى اشرافه على‬
‫الغير ‪ ،‬وفى جميع مسئولياته ‪ ،‬يضع لنفسه ضوابط ‪0‬‬
‫***‬

‫وأخيرا ً أن أقول ملحظة هامة وهى ‪:‬‬


‫الذى ل يضبط نفسه ‪ ،‬قد يأتيه الضبط اللزم من الخارج ‪:‬‬
‫إن لم ينضبط داخليا ً ‪ ،‬يأتيه النضباط على الرغم من إرادته ‪ :‬من‬
‫المجتمع الذى يرقب تصرفاته ويحاسبه ‪ ،‬من عيون الناس التى ترى ‪،‬‬
‫وآذانهم التى تسمع ‪ 00‬يضبطه الخوف أو الخجل ‪ ،‬أو تضبطه‬
‫القوانين و العقوبات ‪ ،‬أو يضبطه القوانين و العقوبات ‪ ،‬أو يضبطه‬
‫التأديب من سلطة أعلى‬
‫أو يضبطه المرشدون الروحيون ‪ 0‬أو تضبطه مقاومة خارجية توقفه‬
‫عند حده ‪ ،‬وتمنعه من أى تصرف خاطئ ‪ 00‬عجيب أن داود النبى ‪،‬‬
‫لما لم يستطع أن يضبط نفسه ويمنع نفسه من النتقام لذاته ‪ ،‬اتاه‬
‫النضباط من الخارج ‪ ،‬من توبيخ ابيجايل له ‪ ،‬فى حكمة وأدب ) ‪1‬صم‬
‫‪0 ( 25‬‬
‫خير للنسان أن يضبط نفسه روحيا ً ‪ ،‬وينال أجرا ً إلهيا ً على ذلك ‪ ،‬من أن يضطر‬
‫إلى النضباط بقوة خارجية ‪ ،‬أو أن ينضبط بغير إرادته ‪00‬‬
‫أما النسان الروحى ‪ ،‬فإنه يضبط نفسه من الداخل ‪ 0‬وإن وجد‬
‫مقاومة ‪ ،‬يلجأ إلى التغصب وإلى التداريب الروحية ‪ ،‬ساعيا ً باستمرار‬
‫إلى نقاوة القلب ‪ ،‬وإلى قداسة التصرف ‪00‬‬
‫المور التى ترى وقتية ‪ 0‬أما التى ل ترى فأبدية ‪0‬‬
‫المادة و العالم و الجسد ‪ ،‬من المور المرئية الزائلة ‪ 0‬عش فى العالم ‪ ،‬ول تجعل‬
‫العالم يعيش فيك ما هى الشياء التى ل ترى ‪ ،‬لنهتم بها ؟‬
‫قال القديس بولس الرسول " ونحن غير ناظرين إلى الشياء التى ترى ‪ ،‬بل إلى‬
‫التى ل ترى ‪ 0‬لن التى ترى وقتية ‪ ،‬أما التى ل ترى فأبدية " ) ‪2‬كو ‪( 18 : 4‬‬

‫فما هى إذن الشياء التى ل ترى ؟ نذكر منها البدية !‬


‫الذى يفكر فى أبديته إنما يفكر ما ل يرى ‪ ،‬لنه ل يرى هذه البدية‬
‫بعينيه ‪ 0‬ولن هذه البدية كما قال بولس الرسول هى " ما لم تره‬
‫عين ‪ ،‬وما لم يسمع به أذن ‪ ،‬وما لم يخطر على قلب بشر " ‪0‬‬
‫و الذى ينظر إلى أبديته ‪ ،‬لشك أنه سوف ل يهتم بهذا العالم الحاضر‬
‫‪ ،‬بل يزهده ول يتمسك به ‪0‬‬
‫***‬
‫وفى البدية ننظر الله بالروح ‪0‬‬
‫الله الذى قال عنه الكتاب " الله لم يره أحد قط ‪ 0‬البن الوحيد الذى‬
‫فى حضن الب ‪ ،‬هو خبر " ) يو ‪0 ( 18 : 1‬‬
‫و المتعة بالله شئ ل يدخل تحت نطاق الحواس ‪ ،‬لذلك فهى أبدية ‪0‬‬
‫هى فرح ل ينطق به وعجيب ‪ ،‬ول يستطيع أحد أن ينزعه منا ‪00‬‬
‫ليتنا ننشغل بالله ‪ ،‬المحيط بنا ‪ ،‬الحالل فى وسطنا ‪ ،‬القارع على‬
‫أبوابنا ‪ ،‬الذى قال لنا " ها أنا معكم كل اليام و إلى انقضاء الدهر " و‬
‫الذى قال " إذا اجتمع إثنان أو ثلثة بإسمى فهناك أكون فى‬
‫وسطهم " ) مت ‪0 ( 20 : 18‬‬
‫هو إذن معنا وفى وسطنا ‪ ،‬إن كنا ل نراه ‪ ،‬ولكننا نحس وجوده ‪0‬‬
‫وفى البدية سنراه " وجها لوجه " كما قال الرسول ) ‪1‬كو ‪: 13‬‬
‫‪0 ( 12‬‬
‫***‬
‫سنراه ونرى ملئكته وأرواح قديسيه ‪ ،‬الذين ل نراهم الن ‪0‬‬
‫ملئكة الرب حالة حول خائفيه و تنجيهم ‪ ،‬وتمل الكنيسة ‪ ،‬وكلهم "‬
‫أرواح خادمة ‪ ،‬مرسلة للخدمة ‪ ،‬لجل العتيدين أن يرثوا الخلص "‬
‫) عب ‪ 0 ( 14 : 1‬ومع ذلك فنحن ل نراهم بهذه العيون المادية ‪،‬‬
‫ولكننا سنراهم فى البدية ‪ ،‬وكذلك أرواح القديسين ‪0‬‬
‫أما الن ‪ ،‬فنحن ننظر إلى هؤلء بالروح ونراهم باليمان ‪ ،‬ونستحى‬
‫من حضرتهم معنا إن فعلنا خطية ‪0‬‬
‫***‬

‫الروح من الشياء التى ل يرى ‪0‬‬


‫أما الجسد فإنه من المرئيات ‪00‬‬
‫ً‬
‫لذلك فالشخص الروحى المحب لله ‪ ،‬ل يعيش ناظرا إلى الجسد‬
‫وطلباته ‪ ،‬إنما إلى الروح التى ل ترى ‪ 0‬بهتم بها وبغذائها الروحى ‪،‬‬
‫وبمصيرها البدى وبكل ما يريطها بالله الذى ل يرى ‪ ،‬ويجعلها‬
‫ملتصقة به ‪00‬‬
‫***‬
‫و الذى ينظر إلى ما ل يرى ‪ ،‬يهتم باللمعنويات و باليمان و الخير ‪0‬‬
‫فاليمان هو " الثقة بما يرجى ‪ ،‬اليقان بأمور ل ترى " ) عب ‪1 : 11‬‬
‫(‪0‬‬
‫والنسان الروحى الذى يعيش فى اليمان ‪ ،‬إنما يعيش ناظرا ً دائما ً‬
‫إلى ما ل يرى ‪ ،‬لن المور التى ل ترى هى خاصة بالعيان و ليس‬
‫باليمان ‪ 0‬وقد قال الرسول " لننا باليمان نسلك ل بالعيان " ) ‪2‬كو‬
‫‪0(7: 5‬‬
‫وبالروح نعيش فى المعنويات التى ل ترى ‪ ،‬السلم الذى نحسه ول‬
‫نراه ‪ ،‬الخير الذى نتبعه ول نراه ‪ 00‬وكذلك كل الفضائل غير المرئية‬
‫‪0‬‬
‫***‬
‫وفى كل أمورنا ‪ ،‬ننظر غلى قوة الله غير المنظورة العاملة معنا ‪0‬‬
‫و ل ننظر إلى ضعفنا الظاهر ‪ 00‬وإلى المشاكل التى أمامنا ‪00‬‬
‫وإنما ننظر إلى معونة الله ‪ ،‬كما صلى أليشع النبى من أجل تلميذه‬
‫جيحزى " إفتح يا رب عينى الغلم ليرى أن الذين معنا أكثر من الذين‬
‫علينا " ‪ 0‬وأهم شئ معنا هو قوة الله ‪ ،‬التى نراها باليمان عاملة‬
‫فى الكون ‪ 0‬وبهذه القوة نفرح ونغنى مع الرسول " أستطيع كل‬
‫شئ فى المسيح الذى يقوينى " ‪00‬‬
‫***‬
‫فما هى هذه الشياء التى ترى ‪ ،‬التى ينبغى على افنسان الروحى‬
‫أل ينظر إليها ‪0‬‬

‫المادة من الشياء التى ترى ‪ ،‬لذلك فهى وقتية ‪ ،‬ل تدوم إلى البد ‪0‬‬
‫وإن لم نفارقها نحن ‪ ،‬فلبد أنها هى ستفارقنا ‪ 0‬لذلك قال الله‬
‫للغنى الغبى من جهة كل أمواله ‪ ،‬ومخازنه " هذا الذى أعددته ‪ ،‬لمن‬
‫يكون ؟! " ‪0‬‬
‫لذلك سعيد من يكنز له كنوزا ً من السماء ‪ ،‬فى نطاق ما ليرى ‪00‬‬
‫فتتحول كنوزه من أشياء مرئية ‪ ،‬إلى أشياء غير مرئية ‪ 00‬تتحول‬
‫إلى روحيات ‪00‬‬
‫***‬
‫العالم أيضا ً من الشياء التى ل ترى ‪ ،‬من الشياء الوقتية ‪0‬‬
‫لذلك قال الرب إن السماء و الرض تزولن ‪ 0‬وقال يوحنا الرائى "‬
‫أبصرت سماءا ً جديدة ‪ ،‬وأرضا ً جديدة ‪ 0‬لن جديدة ‪ 0‬لن السماء‬
‫الولى و الرض الولى مضتا ‪ ،‬و البحر ل يوجد فيما بعد " ) رؤ ‪: 21‬‬
‫‪0(1‬‬
‫كلها أمور زائلة ‪ ،‬لنها من المرئيات لهذا فإن الكنيسة تردد على‬
‫آذاننا فى كل قداس قول الرسول ‪:‬‬
‫" ل تحبوا العالم ول الشياء التى فى العالم ‪ 0‬لن العالم يبيد ‪ ،‬وشهواته معه " )‬
‫‪1‬يو ‪( 17 ، 15 : 2‬‬
‫من هنا وجدنا أن آباءنا القديسين قد بدأوا حياتهم الروحية بالموت‬
‫عن العالم ‪ 0‬وفترة حياتهم فى العالم ‪ ،‬قضوها فيه كغرباء وليست‬
‫لهم هنا مدينة باقية ‪ ،‬بل يبتغون وطنا ً أفضل سماويا ً " ) عب ‪: 11‬‬
‫‪ 0 ( 16 ، 13‬غير ناظرين المرئيات ‪0‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫ولعل البعض يسأل ‪ :‬ماذا أفعل عمليا ؟ كيف أترك العالم و المادة ‪،‬‬
‫وأنا أحيا فيهما ؟ إن الرسول يجيب على هذا بقوله " يكون الذين‬
‫يستعملون العالم كأنهم ل يستعملونه ‪ ،‬لن هيئة هذا العالم تزول " )‬
‫‪1‬كو ‪0 ( 31 : 7‬‬
‫إذن عش فى العالم ‪ ،‬لكن ل تجعل العالم يعيش فيك ‪ 0‬يمكنك أن تملك المادة‬
‫ولكن ل تجعل المادة تملكت ‪0‬‬
‫العالم مكانه فى الخارج ول يدخل إلى داخل قلبك أو فكرك أو‬
‫مشاعرك تستعمل ما فيه من مادة ‪ ،‬وأنت متحرر فى الداخل من‬
‫سيطرتها ومن محبتها ‪0‬‬
‫وكل ما تفقده من أمور العالم ‪ ،‬ل تحزن عليه ‪ ،‬لنه ل يصحبك فى‬
‫اليوم الخير وبالتالى ل تشتهى أن تقتنى من العالم شيئا ً ‪ ،‬فقد قال‬
‫الرب ‪:‬‬
‫" ماذا ينتفع النسان ‪ ،‬لو ربح العالم كله ‪ ،‬وخسر نفسه " ) مت ‪0 ( 26 : 16‬‬
‫وعبارة " غير ناظرين " تعنى عدم الهتمام ‪ ،‬وعدم النشغال ‪ ،‬بشئ‬
‫من أمور المادة و العالم ‪ ،‬لن الفكر منشغل بشئ آخر روحى من‬
‫المور التى ل ترى ‪ 0‬وكما قال الرسول " أريد أن تكونوا بل هم " )‬
‫‪1‬كو ‪0 ( 32 : 7‬‬
‫***‬
‫ً‬
‫والنسان الذى ل يهتم بشئ من المرئيات ‪ ،‬يعيش بل شك سعيدا ‪،‬‬
‫ويتحرر من الشهوة ومن الخوف ‪00‬‬
‫وفى ذلك قال القديس أوغسطينوس جلست على قمة العالم حينما‬
‫أحسست فى نفسى أنى ل أشتهى شيئا ً ول أخاف شيئا ً ‪0‬‬
‫***‬
‫إن النسان الذى ارتفع فوق مستوى الماديات ‪ ،‬هو حصن منيع ل‬
‫ينهدم ‪ ،‬هو فوق العالم ‪ ،‬وهو فوق الجسد أيضا ً ‪0‬‬
‫فهذا الجسد المادى هو أيضا ً من المور الوقتية الزائلة ‪ ،‬لنه خاضع‬
‫للحواس ‪ 0‬وسيأتى وقت ننطلق فيه منه ‪ ،‬حينما نخلعه ‪ ،‬ونلبس‬
‫جسدا ً آخر روحانيا ً نورانيا ً غير قابل للفساد هو جسد القيامة الممجد‬
‫أما هذا الجسد فسيأكله الدود ‪ ،‬ويتحول إلى تراب ‪ ،‬وحينما يقوم‬
‫سوف يقام جسدا ً روحانيا ً قد تخلص من سيطرة المادة و متطلباتها‬
‫وضعفاتها ‪0‬‬
‫***‬
‫أنت على صورة الله ومثاله والله روح ‪ 0‬عش إذن فى الروح ‪0‬‬
‫و الروح من الشياء التى ل ترى ‪ 0‬وفى حياة الروح ‪ ،‬تخلص من‬
‫شهوة الجسد وشهوة العين وتعظم المعيشة وتمسك بالشياء التى‬
‫تبقى معك فى البدية ‪ 0‬أما المور المرئية فل تهتم بها ‪ ،‬ول تجعلها‬
‫تسبب لك هما ً ‪00‬‬
‫كان السيد المسيح على الجبل ‪ ،‬مع الب ‪ ،‬منشغل ً باللمور التى ترى‬
‫فماذا كانت تجربة الشيطان له ‪ ،‬فى صورها الثلثة المتحدة فى‬
‫الهدف ؟‬
‫كانت التجربة هى محاولة جذبه مما ل يرى ‪ ،‬إلى عالم المرئيات ‪00‬‬
‫جذبه إلى الحجارة التى يصيرها خبزا ً لطعام الجسد ‪ 00‬إلى المناظر‬
‫التى تستهوى الحواس ‪ ،‬إلى ممالك الرض ومجدها ‪0‬‬
‫أما السيد المسيح ‪ ،‬فتمسك بالشياء التى ل ترى ‪ 00‬بالروح التى‬
‫تتغذى بكل كلمة تخرج من فم الله لذلك رفض كل تلك الماديات ‪،‬‬
‫ولم تترك فى نفسه أثرا ً ‪0‬‬
‫***‬
‫إن الغراء الذى تعرض له أبوانا الولن كان هو المرئيات ‪00‬‬
‫إنه الشجرة ‪ ،‬و الثمرة ‪ ،‬التى كانت أمامهما " شهية للنظر وبهجة‬
‫للعيون " ) تك ‪ 0 ( 6 : 3‬وبنفس الوضع كانت سادوم بالنسبة إلى‬
‫لوط ‪ ،‬أرضا ً معشبة ‪ ،‬صالحة للمرعى " كجنة الله ‪ ،‬كأرض مصر " )‬
‫‪0 ( 10 : 13‬‬
‫***‬
‫أنظروا إلى قصة يوسف وإمرأة فوطيفار ‪ ،‬كانت هى ناظرة إلى‬
‫المور التى ترى ‪ ،‬إلى جمال الجسد وشهوته ‪ 0‬أما يوسف فكان‬
‫ناظرا ً إلى الرب " كيف أخطئ إلى الله ؟! " ) تك ‪ 0 ( 9 : 39‬ولم‬
‫ينظر مطلقا ً إلى الشياء التى ترى ‪ ،‬الوقتيه ‪ 00‬لذلك خلص يوسف ‪،‬‬
‫وسقطت المرأة ‪00‬‬
‫***‬
‫وبنفس الوضع سقط سليمان ‪:‬‬
‫إن مأساه سقوطه كان سببها قوله " مهما أشتهته عيناى ‪ ،‬لم أمنعه‬
‫عنهما " ) جا ‪0 ( 10 : 2‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لذلك قال " بنيت لنفسى بيوتا ‪ 0‬غرست لنفسى كروما ‪ 0‬عملت‬
‫النفسى جنات وفراديس ‪ 00‬جمعت لنفسى أيضا ً فضة وذهبا ً ‪00‬‬
‫أتخذت مغنين ومغنيات ‪ ،‬وتنعمات بنى البشر سيدة وسيدات ‪" 00‬‬
‫) جا ‪ 0 ( 10 – 4 : 2‬وماذا كانت النتيجة ؟ قادته كلها إلى البعد عن‬
‫الله ) ‪1‬مل ‪0 ( 11‬‬
‫واكتشف أخيرا ً أن كل هذه المرئيات هى " باطل الباطيل ‪ 0‬الكل‬
‫باطل وقبض الريح ‪ ،‬ول منفعة تحت الشمس " ‪ ) 0‬جا ‪0 ( 11 : 2‬‬
‫ولكنه أكشف هذه الحقيقة متأخرا ً بعد أن أثرت على روحه ‪ ،‬وبردت‬
‫نفسه وأسقطته فيما ل يسقط فيه الحكماء !‬
‫إن الغنى قد أتلف سليمان ‪ ،‬وأوقعه فى شهوات متعددة ‪ ،‬وأمال‬
‫قلبه إلى النساء ‪ 0‬و الغنى أيضا ً أبعد الشاب الغنى عن المسيح ‪،‬‬
‫فمضى حزينا ً ‪00‬‬
‫***‬
‫ولكن بعض الغنياء احتفوا بمحبتهم لله ‪ ،‬لنهم لم يحبوا المال ‪ ،‬ولم‬
‫ينشغلوا بجمعه وتكويمة وخزنه ‪ ،‬وإنما باعوا كل أموالهم أعطوها‬
‫للفقراء ‪ ،‬كما فعل القديس أنطونيوس الكبير و القديسة ميلنيا ‪،‬‬
‫وكما كان يفعل أيضا ً أيوب الصديق ‪0‬‬
‫العيب إذن ليس فى المال ذاته ‪ ،‬إنما فى النظر إليه ‪ ،‬فى محبته ‪،‬‬
‫وفى التكال عليه ‪ ،‬وفى الكبرياء بسببه ‪ 0‬كل هذا عن الشياء إلى‬
‫ترى ‪0‬‬
‫بالنظر إلى ما ليرى عاش الرهبان و النساك و السواح ‪0‬‬
‫نظروا إلى كل ما يرى ‪ ،‬فإذا هو زائل وفان ‪ ،‬ل يستحق اهتمامهم ‪0‬‬
‫فارتفعوا فوق مستواه وفوق كل رغبة فيه ‪ 0‬وماتوا عن العالم ‪ ،‬عن‬
‫المرئيات ‪ ،‬ناظرين إلى ما ل يرى ‪ ،‬من فرط محبتهم للملك المسيح‬
‫‪0‬‬
‫وبالمثل عاش آباؤنا ‪ ،‬الذين حسبوا أنفسهم غرباء على الرض ‪0‬‬
‫ناظرين إلى المدينة التى لها الساسات التى صانعها وبارئها الله‬
‫) عب ‪ 0 ( 10 ، 13 : 11‬كانت نظرتهم مركزة فى البدية التى‬
‫وعدهم الرب بها ‪ 0‬لم يروها بالعين ‪ ،‬ولم ينالوا المواعيد ‪ ،‬لكنهم‬
‫نظروها من بعيد وصدقوها ‪ 0‬وهكذا كان داود النبى يقول " غريب‬
‫أنا على الرض " ) ونزيل مثل جميع آبائى " ) مز ‪ ) ( 12 : 39‬مز‬
‫‪00 ( 119‬‬
‫ً‬
‫كذلك موسى النبى ‪ ،‬الذى كان ألميرا فى القصر الملكى ‪ 0‬ولكنه‬
‫لما كبر لم ينظر إلى هذه العظمة المرئية ‪ ،‬حاسبا ً عار المسيح غنى‬
‫أعظم من خزائن مصر ‪ ) 00‬عب ‪0 ( 26 : 11‬‬
‫نفس الوضع بالنسبة إلى الشهداء و المعترفين ‪0‬‬
‫تقدموا إلى الموت ‪ ،‬غير ناظرين إلى العالم وكل ما فيه ‪ 0‬ورافضين‬
‫الغراءات التى عرضت عليهم ‪ ،‬لنهم كانوا مركزين نظرهم فى ما‬
‫ل يرى ‪ ،‬فى الحياة البدية التى ل ترى ‪ ،‬فى ما لم تره عين ‪) 00‬‬
‫‪1‬كو ‪ 00 ( 9 : 2‬ماذا نقول إذن عن الذين ل يدفعون العشور ‪ ،‬لنهم‬
‫ينظرون إلى ما يرى ‪ 0‬ول يلتفتون التى ل ترى ‪0‬‬
‫السيد المسيح كان مثال ً فى النظر إلى ما ل يرى ‪0‬‬
‫فى معجزة الخمس خبزات و السمكتين ‪ ،‬لم ينظر المسيح إلى الخبز‬
‫الذى يرى ‪ ،‬إنما رفع نظره إلى فوق ‪ ،‬وبارك ‪ 0‬وفى حديثه مع‬
‫السامرية ‪ ،‬لم يهتم بهذا الماء الذى يرى ‪ ،‬إنما إلى الماء الحى الذى‬
‫ل يرى ‪ 00‬وهكذا فى السجود ‪ ،‬ل أورشليم التى ترى ‪ ،‬أو ذلك‬
‫الجبل ‪ ،‬إنما الروح و الحق وهما أمور ل ترى ‪ 00‬وفى الملكوت لم‬
‫يهتم بالملكوت الرضى الذى ل يرى ‪ ،‬بل بالملكوت الروحى ‪0‬‬
‫إن النظر إلى ما ل يرى ‪ ،‬ينجى العالم من المذاهب المادية ‪ ،‬ومن الباحية‬
‫واللاخلقية ‪ ،‬ومن ومن الوجودية التى تهتم فقط فقط بالوجود فى هذا العالم‬
‫الرضى ‪0‬‬
‫النسان الروحى إنسان يجمع بين الفضائل حتى التى تبدو متضادة ‪0‬‬
‫الفضائل عنده ل تناقض فيها ول تناقص ‪ ،‬بل تكامل ‪0‬‬
‫ل يقتصر على فضيلة واحدة ‪ ،‬بل يجاهد لجل اكتساب الكل ‪ ،‬حسب‬
‫قول الرب " كونوا كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل‬
‫" ) مت ‪0 ( 48 : 5‬‬
‫والنسان الروحى ل يكتسب فضيلة على حساب ضياع فضيلة أخرى‬
‫‪0‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فضائله ل يهدم بعضها بعضا ‪ ،‬بل يتمشى الكل معا ‪0‬‬
‫الله تبارك اسمه ‪ ،‬فيه كل الفضائل ‪ ،‬تتمشى معا ً ‪ 0‬وقد اظهر لنا‬
‫ربنا يسوع المسيح هذا المثال الكامل ‪ 0‬ففى شخصيته نرى الحب و‬
‫الحزم ‪ ،‬الرحمة و العدل ‪ ،‬الوداعة و الشجاعة ‪ ،‬البساطة و الحكمة ‪،‬‬
‫الطيبة و القوة ‪ ،‬الخدمة و التأمل ‪ 00‬إلخ ‪ 0‬وسنبدأ الحديث الن عن‬
‫التكامل بين الفضائل‬

‫من الخطاء الواضحة أن إنسان قد يوصف بالبساطة ‪ ،‬ول تكون له‬


‫حكمة ‪ ،‬بل تكون بساطته لونا ً‬
‫من السذاجة ‪ 00‬وتؤخذ عليه بعض التصرفات ‪ 0‬ويحاول الناس أن‬
‫يعذروه ‪ 0‬قائلين أنه بسيط ‪00‬‬
‫ليست هذه البساطة الحقيقية ‪ ،‬فالنسان الروحى يكون بسيطا ً‬
‫وحكيما ً ‪ ،‬كما دعانا الرب قائل كونوا بسطاء وحكماء " ) مت ‪: 10‬‬
‫‪ ( 16‬ول تناقض ‪0‬‬
‫فالبساطة هى عدم التعقيد ‪ ،‬وليست عدم الحكمة ‪0‬‬
‫البساطة المسيحية بساطة حكيمة ‪ 0‬و الحكمة المسيحية حكمة‬
‫بسيطة ‪ 0‬ومن الجائز أن يقول إنسان كلما ً حكيما ً جدا ً ‪ ،‬ويأسلوب‬
‫بسيط ‪0‬‬
‫تكون له حكمة فى عقله ‪ ،‬وبساطة فى قلبه ‪00‬‬
‫يتصرف فى عمق الحكمة ‪ ،‬وبكل بساطة ‪ ،‬حكمة ليس فيها تعقيد‬
‫الفلسفة وإنما فى بساطة يمكن أن يفهمها الكل ‪0‬‬
‫كذلك ليست البساطة أن تصدق كل شئ بل تفكير ‪ ،‬أو تعطى مجال ً‬
‫للبعض أن يخدعك أو يلهوبك ‪ 0‬إنما مع بساطتك مع الناس تكون‬
‫مفتوح العينين حاضر الذهن ‪ 0‬تستطيع أن تميز الذئاب التى تلبس‬
‫ثياب الحملن ‪00‬‬
‫وفى حكمته ل يعيش فى جو من الشك و الحذر و الظنون ‪0‬‬
‫إنه ل يخلط الوراق ‪ ،‬ولكن يرتبها ‪00‬‬
‫عبارة " المحبة تصدق كل شئ " ) ‪1‬كو ‪ ( 7 : 13‬يفهمها من جهة‬
‫الله ‪ ،‬ففى محبته لله ‪ 0‬يصدق كل وعوده وكل معجزاته ‪ 0‬ويصدق أن‬
‫التجارب التى يسمح بها للخير ‪ 0‬أما من جهة الناس ‪ ،‬فإلى جوار "‬
‫المحبة تصدق كل شئ " يضع قول الرسول " ل تصدقوا كل روح ‪،‬‬
‫بل ميزوا الرواح هل هى من الله ‪1 ) " 00‬يو ‪ ( 1 : 4‬وأيضا ً " امتحنوا‬
‫كل شئ ‪ ،‬وتمسكوا بالحسن " ) اتس ‪0 ( 21 : 5‬‬
‫ببساطة يطيع ‪ 0‬ولكن ايضا ً يخلط الطاعة بالحكمة ‪0‬‬
‫كما قال الرسول " اطيعوا والديكم فى الرب " ) أف ‪ 0 ( 1 : 6‬وايضا ً‬
‫" ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس " ) أع ‪0 ( 29 : 5‬‬

‫الشخصية المتكاملة ل تقاد بفضيلة واحدة ‪0‬‬


‫بل كل فضيلة يمزجها بالحكمة و المحبة والتضاع ‪0‬‬

‫كان السيد المسيح طيب القلب جدا ً ‪ 0‬ل يخاصم ول يصيح ول يسمع‬
‫أحد فى الشوارع صوته ‪ 0‬قصبة مرضوضة ل يقصف ‪ ،‬وفتيلة مدخنة‬
‫ل يطفئ " ) مت ‪ 0 ( 20 ، 19 : 12‬وفى نفس الوقت كان فى‬
‫منتهى القوة ‪ 0‬شخصيته قوية ‪ 0‬كان قويا ً فى كلمه ‪ ،‬اقناعه ‪ ،‬فى‬
‫محبته ‪ ،‬فى تأثيره على الخرين ‪00‬‬
‫كان طيب القلب ‪ ،‬يحب الطفال ويحتضنهم ويحنو عليهم ‪ ،‬وبتكئ‬
‫تلميذه يوحنا فى صدره ‪ ،‬ويدافع عن المرأة الخاطئة ‪ 0‬وفى نفس‬
‫الوقت لم تفارقه هيبته ‪0‬‬
‫سمح للشيطان أن يجربه ‪ 0‬ولما زاد عن حده ‪ ،‬انتهره فمضى ) مت ‪0 ( 4‬‬
‫سمح للجند أن يقبضوا عليه ‪ 0‬وفى نفس الوقت لما قال لهم " أنا‬
‫هو " سقطوا على الرض من هيبته ) يو ‪ 0 ( 6 : 18‬المفروض فى‬
‫الباء و المدرسين أن يكون فى طبعهم الحنو ‪ ،‬وتكون لهم أيضا ً‬
‫الهيبة ‪0‬‬
‫وليس من الصالح أن حنوهم يفقدهم هيبتهم ‪0‬‬
‫الهيبة لومة لحفظ النظام وحفظ القيم ‪ 0‬و الحنو لزم حتى يطيع‬
‫الناس بدافع من الحب ‪ ،‬وليس بدافع من الرعب ‪0‬‬
‫قد يقال عن راهب أنه إنسان طيب ‪ ،‬يصلح أن يكون اسقفا ً ‪ ،‬لنه‬
‫تنقصه الدارة ‪ ،‬وضميره يتعبه إن أخذ موقفا ً حازما ً !!‬
‫كأنما الدارة ضد الروحيات ‪0‬‬
‫النسان الروحى يمكن أن يجمع المرين معا ً ‪ :‬الحنو و الحزم ‪ ،‬و‬
‫الطيبة والدارة ‪ ،‬والبوة و الرئاسة ‪00‬‬
‫يوسف الصديق كان حازما ً جدا ً ‪ ،‬حتى أن أخوته خافوه وارتعبوا منه ‪،‬‬
‫لما قال لهم " أنا يوسف ‪ 0‬أحى أبى بعد ؟" ) تك ‪ 0 ( 3 : 45‬ومع‬
‫ذلك لم يستطع أن يضبط نفسه لما عرف أخوته بنفسه ‪ ،‬واطلق‬
‫صوته للبكاء ) تك ‪0 ( 2 ، 1 : 45‬‬
‫وصفة الطيبة مع القوة ‪ ،‬و الحب مع الحزم ‪ ،‬تظهر فى السيد‬
‫المسيح ‪ 0‬وقيل عنه فى تطهيره للهيكل ‪:‬‬
‫كفه و الحب يدمى مدمعك‬ ‫ياقويا ممسكا ً بالسوط فى‬
‫هذا هو التكامل فى الشخصية الذى يلزم للسير فى الفضائل ‪0‬‬
‫السيد المسيح كان يحب تلميذه ‪ ،‬وكان ينتهرهم أحيانا ً ‪0‬‬
‫قيل إنه " أحب خاصته الذين فى العالم ‪ ،‬أحبهم حتى المنتهى " ) يو‬
‫‪ 0 ( 1 : 13‬ومع ذلك لما أراد بطرس أن يمنعه عن الصلب ‪ ،‬قال له "‬
‫أذهب عن يا شيطان ‪ 0‬أنت معثرة لى " ) مت ‪ 0 ( 23 : 16‬هنا نجد‬
‫الحزم واضحا ً ‪ 0‬وبنفس الحزم وبخ الرب تلميذيه لما قال له " أتشاء‬
‫أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة " ) لو ‪0 ( 55 : 9‬‬
‫من الشياء الغريبة فى محيط السرة أن الوالدين يوزعان أحيانا ً‬
‫الحب و الحزم فيما بينهما ‪ ،‬فيكون للم الحب وللب الحزم !! بينما‬
‫الحب و الحزم ينبغى أن تكونا ً لكل منهما ‪00‬‬
‫فإذا أخطأ البن ‪ ،‬أو حاول أن يخطئ تقول له الم " ‪ 00‬لئل يغضب‬
‫أبوك ويعاقبك " ) دون أن تقول له إنها هى أيضا ً ل ترضى عن هذا‬
‫المر !! ويختلط المر على البن ‪ ،‬ول يعرف أين الحق ‪ 0‬كل ما فى‬
‫المر أنه يتقى غضب الب‬
‫يحدث أحيانا أن كاهنا ً يريد أن يكسب محبة شعبه ‪ ،‬أو رئيس يحب أن‬
‫يكسب محبة مرؤسيه ‪ 00‬من أجل هذا الحب يتهاون فى حقوق‬
‫العمل وفى وصية الله ‪ ،‬و ويفقد الحزم ‪ 0‬وربما تكون لذلك نتائج‬
‫سيئة جدا ً ‪00‬‬

‫كان السيد المسيح وديعا ً جدا ً ‪ ،‬حتى قال " تعلموا منى فلنى وديع‬
‫ومتواضع القلب " ) مت ‪ 0 ( 29 : 11‬ومع ذلك كان فى منتهى القوة‬
‫و الشجاعة ‪ 0‬وقد وقف ضد الكتبة و الفريسيين وأظهر رياءهم‬
‫ووقف ضد الصدوقيين واخجلهم وضد الشيوخ ووبخهم ‪0‬‬
‫داود النبى كان وديعا ً ‪ ،‬وكان شجاعا ً ‪0‬‬
‫كان شجاعا ً إذ وقف ضد جليات الجبار وهزمه ‪ ،‬فى وقت كان فيه‬
‫فيه كل الجيش خائفا ً " ) ‪1‬صم ‪ 0 ( 17‬وكان وديعا ً إذ يقال عنه فى‬
‫المزمور " اذكر يا رب داود وكل دعته " ) مز ‪0 ( 1 : 131‬‬
‫وموسى النبى كان وديعا ً وشجاعا ً وقويا ‪0‬‬
‫وديعا ً إذ قيل عنه " وكان الرجل موسى حليما ً جدا ً أكثر من جميع‬
‫الناس الذين على وجه الرض " ) عد ‪ 0 ( 3 : 12‬وكان شجاعا ً وقويا ً‬
‫إذ وقف ضد الشعب كله لما عبد العجل الذهبى ‪ ،‬الذى صنعوه ‪ ،‬و‬
‫أحرقه النار ‪ ،‬وطحنه حتى صار ناعما ‪ ،‬وذراه على وجه الماء " ) خر‬
‫‪0 ( 20 : 32‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وإبراهيم أبو الباء كان وديعا وشجاعا ‪0‬‬
‫وديعا ً إذ سجد أمام بنى حث لما أشترى منهم مغارة المكفيلة لتكون‬
‫قبرا ً لسارة ) تك ‪ 0 ( 12 : 23‬ومع ذلك تظهر شجاعته ‪ ،‬إذ أنه " لما‬
‫سمع أن أخاه لوط قد سبى ‪ ،‬جمع رجاله المدربين " ) تك ‪( 14 : 14‬‬
‫‪ 0‬وقام ضد أربعة ملوك وهزمهم ورد سبى لوط وسادوم ‪ ،‬ولما أراد‬
‫ملك سادوم أن يعطيه من الغنائم ‪ ،‬قال له فى عزة نفس " ل آخذن‬
‫خيطا ً ول شراك نعل ‪ 00‬فل تقول أنا أغنيت أبرآم " ) تك ‪( 23 : 14‬‬
‫‪0‬‬
‫كان الرهبان ودعاء ‪ ،‬وكانوا شجعانا ً فى الدفاع عن اليمان ‪0‬‬
‫من الخطأ أن تظن أن صفة الوداعة تمنعك من الشجاعة ‪ ،‬وتحولك‬
‫إلى جثة هامدة ل نخوه فيها ول شهامة ول حياة ‪ !00‬إنما اكتسب‬
‫الفضائل ‪ 0‬وضع أمامك قول الكتاب ‪:‬‬
‫" الكل شئ زمان ‪ 0‬ولكل أمر تحت السماوات وقت " ) جا ‪0 ( 1 : 3‬‬
‫تستخدم الوداعة حين تحسن الوداعة ‪ 0‬وتستخدم الشجاعة حين تلزم‬
‫الشجاعة كلهما فيك ‪ 0‬ويظهر كل منهما فى الحين الحسن‬
‫المناسب لها ‪00‬‬
‫الوداعة ليس معناها الضعف ‪ 0‬والقوة ليس معناها العنف ‪0‬‬
‫و الوداعة و القوة تمتزج كل منهما بالحكمة و الفهم ‪ 0‬النسان‬
‫الضعيف ل يمكن أن يكون صورة الله مثاله ‪ 0‬ولكن لكى قويا ً ل‬
‫ينحرف إلى التهور ‪ ،‬ول يفقد وداعته وأدبه ‪0‬‬
‫و الوداعة ل تدفع إلى الخمول و الطيبة ل تدفع غيرك إلى اللعب بك ‪0‬‬
‫فإن كان إنسان طيبا ً ‪ ،‬ليس معنى هذا أن يلعب به الناس ‪ ،‬ويفقد كرامته وحقوقه‬
‫وهيبته ‪0‬‬
‫وإل فإن البعض سيكرهون الطيبة ‪ ،‬ويرون أن الناس سيستغلونها‬
‫ضدهم ‪ 0‬المشكلة ليست فى الطيبة ‪ ،‬إنما فى اساءة فهمها ‪ ،‬وفى‬
‫عدم مزجها بالحكمة وقوة الشخصية ‪00‬‬
‫كل فضيلة تزنها بميزان دقيق ‪ 0‬ول تمارسها منفردة عن باقى‬
‫الفضائل ‪ 0‬وإن رأيت من نتائجها سلبيات ‪00‬‬
‫اعرف أن السلبيات ليست نتيجة للفضيلة ‪ ،‬إنما لسوء فهمها ‪ ،‬أو لسوء‬
‫استخدامها ‪ ،‬أو لنقص الحكمة فيها ‪0‬‬
‫يمكن أن تكون طيب القلب ولكن ليس معنى الطيبة أن تسلم‬
‫قيادتك لغيرك ‪ 0‬أو أن تشرك يضعف شخصية فى أخطاء الخرين ‪0‬‬
‫أو أنك خوفا ً من أن تغضب غيرك ‪ ،‬تشترك معه فى خطأ ‪ ،‬أو تجامله‬
‫فى ذنب واضح ‪00‬‬
‫نحن نحب الله ‪ 0‬ولكن محبتنا له ل تمنع فضيلة المخافة ‪ ،‬ومعاملتنا‬
‫لجلله القدس بكل ما يستحق من مهابة وتوقير ‪0‬‬
‫نحبه ونسجد له ‪ 0‬ندخل إلى الكنيسة بحب وفرح ‪ 0‬وفى نفس‬
‫الوقت للرب " أما أنا فبكثرة رحمتك ‪ ،‬أدخل إلى بيتك ‪ ،‬وأسجد قدام‬
‫هيكل قدسك بمخافتك " ‪0‬‬
‫نحب كتابه المقدس ووصاياه ونقول له فرحت بكلمك كمن وجد‬
‫غنائم كثيرة ) مز ‪ 0 ( 119‬ومع ذلك يصيح الشماس قبل قراءة‬
‫النجيل " قفوا بخوف من الله ‪ ،‬وانصتوا لسماع النجيل المقدس "‬
‫‪0‬‬
‫نعامل الله كأب ‪ ،‬ولكن فى السموات ‪0‬‬
‫تمتزج المحبة و المخافة ‪ 00‬وتتحول إلى حب بمهابة ‪0‬‬
‫لن هناك كثيرين فى إيمانهم بمحبة الله ‪ ،‬يفقدون مخافتهم له ‪،‬‬
‫وبالتدريج يتحولون إلى الستهتار والستهانة ‪ ،‬حتى ألنهم يتحدثون‬
‫مع الباء بغير توقير ‪00‬‬
‫ما أكثر اليات عن مخافة الله ‪ 0‬إن نسيناها يقول لنا الرب ‪ " :‬تضلون‬
‫إذ ل تعرفون الكتب " ) مت ‪0 ( 29 : 22‬‬
‫أما عبارة " المحبة الكاملة تطرح الخوف إلى خارج " ) ‪1‬يو ‪( 18 : 4‬‬
‫‪ 0‬الخوف هنا أى الرعب ‪ 0‬ولكنه ليس الخوف بمعنى المهابة ‪ 0‬فنحن‬
‫فى صلة الشكر فى كل يوم نقول " أمنحنا أن نكمل هذا اليوم‬
‫المقدس وكل أيام حياتنا بكل سلم مع مخافتك " ‪00‬‬

‫هناك أشخاص من اهتمامهم بالخدمة وانشغالهم الكثير بها ‪ ،‬يفقدون‬


‫أهمية الصلة و التأمل فى حياتهم ‪ ،‬ويهملون هذه الروحيات ‪0‬‬
‫ولشك أن هذا ضد التكامل فى حياة الروح ‪0‬‬
‫إن السيد المسيح كان يطوف المدن و القرى يكرز ببشارة الملكوت ‪،‬‬
‫ومع ذلك كان بقضى الليل كله فى الصلة ‪ ،‬وكانت له خلواته فى‬
‫جبل الزيتون ) يو ‪ 0 ( 1 : 8‬وفى بستان جثسيمانى ‪0‬‬
‫ويوحنا المعمدان كانت له خدمته الناجحة جدا ً التى بها أعد الطريق‬
‫أمام الرب ‪ ،‬ومع ذلك قضى ‪ 30‬سنة من حياته فى البرية حتى ظهر‬
‫لسرائيل ‪0‬‬
‫وإيليا النبى كانت له خدمته التى قضى بها على أنبياء البعل و‬
‫السوارى ‪ ،‬ووبخ فيها آخاب الملك ‪ 0‬وكانت له فى نفس الوقت‬
‫خلواته على جبل الكرمل ‪0‬‬
‫بولس الرسول كانت له حياة التأمل التى صعد بها إلى السماء الثالثة‬
‫) ‪2‬كو ‪ 0 ( 2 : 12‬ومع ذلك كانت له خدمته القوية التى بشر بها‬
‫فىآسيا وأوروبا ‪ ،‬وكتب ‪ 14‬رسالة ‪ ،‬بل كتب رسائل حتى وهو فى‬
‫السجن ‪0‬‬
‫النسان المتكامل يجمع بين الحياتين ‪ 0‬ل تكون الخدمة على حساب التأمل ‪ 0‬ول‬
‫يكون التأمل على حساب الخدمة ‪0‬‬

‫قد يتكلم إنسان كثيرا ً ‪ ،‬فيفقد فضائل الصمت و التفكير و التأمل ‪0‬‬
‫وقد يصمت إنسان ‪ ،‬فيفقد فائدة كلمة المنفعة ‪ ،‬وكلمة التعزية ‪،‬‬
‫وكلمة النصح ‪ ،‬كما يفقد الشهادة للحق ‪ 0‬أما أما النسان المتكامل‬
‫فيعرف متى يصمت ومتى يتكلم ‪0‬‬
‫ل يصمت حين يحسن الكلم ول يتكلم حين يحسن الصمت ‪0‬‬
‫إذا صمت فعن حكمة ‪ ،‬وإن تكلم فعن فائدة ‪ 0‬إنه يستطيع المرين‬
‫معا ً ‪ ،‬ويستخدم كل ً منهما فى حينه الحسن ‪0‬‬

‫قد يحاول إنسان أن يكتسب فضيلة الدموع ‪ ،‬فل تراه إل باكيا ً كثيرا ً ‪،‬‬
‫مما يعطى صورة مشوهة عن التدين بينما النسان المتكامل ‪،‬‬
‫للدموع عنده وقتها ‪ ،‬غالبيتها أمام الله ‪ ،‬فى مخدعه وفى خلوته ‪ ،‬أو‬
‫أمام مذبح الله ‪ 0‬ومع ذلك تجده فى حياته مع الناس بشوشا ً لطيفا ً ‪،‬‬
‫يكسب محبة الكل ‪ 0‬يضع أمامه القاعدين معا ً ‪0‬‬
‫افرحوا فى الرب كل حين ) فى ‪ 0 ( 4 : 4‬وأيضا ً بكآبة الوجه يصلح القلب " ) جا‬
‫‪0(3:7‬‬
‫يستخدم كل منهما فى الحين المناسب ‪ ،‬وبالسلوب الروحى ‪0‬‬

‫هاتان الفضيلتان تلقيتا على الصليب ‪ 0‬كان الرب عادل ً ورحيما ً ‪0‬‬
‫عادل ً دفع ثمن الخطية ‪ ،‬ورحيما اشفق على البشرية المحكوم عليها‬
‫بالموت ‪ ،‬فمات عنها ول تناقض اطلقا ً بين عدل الله ورحمته ‪0‬‬
‫رحمته مملوءة عدل ً ‪ ،‬وعد له الله ورحمته ‪ 0‬هو عادل فى رحمته ‪ ،‬ورحيم فى‬
‫عدله ‪0‬‬
‫إنها فضائل تتكامل ول تتناقض ‪ 0‬بغير بعض بنى البشر ‪ 0‬يتحول‬
‫عدل البعض إلى قسوة فى غير رحمة ‪ 0‬أو تتحول رحمته إلى‬
‫استهانة بحقوق العدل ‪ ،‬و لتشجيع الخر على الخطأ ‪ ،‬ولو عن غير‬
‫قصد ‪0‬‬
‫فى هذا التكامل الذى شرحنا بعض صوره ‪ ،‬نلحظ أمرا ً هاما ً وهو ‪:‬‬

‫كما نلحظ خطورة استخدام الية الواحدة فى أمور اللهوت و‬


‫العقيدة ‪ ،‬كذلك خطورة الفضيلة الواحدة فى الروحيات ‪00‬‬
‫فقد يسلك إنسان فى التضاع بغير حكمة ‪ ،‬فتتعب نفسه من‬
‫معاملت الناس له ‪ ،‬ومن ضياع كرامته وفقدانه لحترام الغير ‪ 00‬ول‬
‫يكون السبب هو فضيلة التواضع ! وإنما عدم ارتباطها بالفراز و‬
‫الفهم السليم ‪0‬‬
‫كذلك إنسان مسئول عن عمل وإدارة ‪ ،‬قد يسلك فى فضيلة التسامح‬
‫و العفو عن المخطئين ‪ ،‬باسلوب تضيع به إدارة العمل ‪ ،‬ويسوده‬
‫التسيب واللمبالة ‪ 0‬ذلك لنه فقد فضيلة العدل ‪ ،‬و الحزم ‪ ،‬وظن‬
‫أن المعاقبة خطية ‪00‬‬
‫ً‬
‫والمثلة على خطورة الفضيلة الواحدة عديدة جدا ‪ 00‬والنسان‬
‫الروحى ينبغى أن يكون متكامل ً فى فضائله ‪0‬‬
‫يعرف كيف يستخدم كل فضيلة فى الوقت المناسب لها ‪ 0‬وكيف يستخدم‬
‫الفضيلة الخرى فى مناسبة أخرى ‪ 00‬بغير تناقص ‪ 00‬بل بتكامل ‪00‬‬
‫يعرف متى يعفو ‪ ،‬ومتى يعاقب ‪ 0‬ويكون روحيا ً فى كل الحالين ‪0‬‬
‫يعرف متى يختلط بالناس ويخدمهم ويبتسم ف وجوهم ‪ ،‬ومتى يهدأ‬
‫إلى نفسه فى وحدة وخلوة ل يقابل أحدا ً ‪00‬‬
‫يعرف ممتى يعظ ‪ 0‬ومتى يقول للخاطئة اذهبى بسلم ‪ 0‬يعمل‬
‫العمل المناسب ‪ ،‬فىالوقت المناسب ‪ ،‬و السبب الداعى إليه‬
‫كل نجاح هو سبب فرح ‪ ،‬لكثيرين ‪0‬‬
‫فرح للشخص الناجح ‪ ،‬وفرح لسرته وأحبائه ‪ ،‬وفرح للكنيسة كلها‬
‫وربما للمجتمع بوجه عام ‪ ،‬وفرح للملئكة وأرواح القديسين ‪ ،‬ولله‬
‫نفسه ‪0‬‬
‫القديس يوحنا الرسول يرسل إلى تلميذه غايس ‪ ،‬فيقول له " أروم‬
‫أن تكون ناجحا ً وصحيحا ً ‪ ،‬كما أن نفسك ناجحة ) ‪3‬يو ‪0 ( 2‬‬
‫و النحاج صفة من صفات النسان الروحى‬
‫هذا الذى يقال عنه فى المزمور الول " يكون كشجرة مغروسة على‬
‫مجارى المياه ‪ ،‬تعطى ثمرها فى حينه ‪ ،‬ورقها ل ينتثر ‪ 0‬وكل ما‬
‫يعمله ينجح فيه " ) مز ‪ 0 ( 3 : 1‬وقد قيل عن يوسف الصديق "‬
‫وكان الرب مع يوسف ‪ ،‬وكان رجل ً ناجحا ً " " وكل ما يصنع كان الرب‬
‫ينجحه بيده " ) تك ‪( 3 ، 2 : 39‬‬
‫نلحظ هنا أنه نجاح فى كل شئ‬
‫" كل ما يعمله ينجح فيه " ‪ " 00‬كل ما يصنعه كان الرب ينجحه " ‪00‬‬
‫نعمة الرب ل تتخلى عنه فى أى عمل ‪ ،‬فتكون كل أعماله ناجحة ‪0‬‬
‫كذلك فإن مقومات النجاح فى شخصيته ‪ ،‬ل تفارقه فى كل ما‬
‫ممارسة من أعمال ‪ 0‬فيكون ناجحا ً فى كل شئ ‪ 0‬سواء فى حياته‬
‫الروحية ‪ ،‬أو عمله ‪ ،‬أو فى حياته العائلية ‪ ،‬أو فى كافة معلوماته ‪0‬‬
‫ونضرب مثال ً لذلك ‪:‬‬
‫يوسف الصديق ‪ :‬كان ناجحا ً ومحبوبا ً ‪ ،‬فى كل عمل ‪:‬‬
‫فى أسرته كان محبوبا ً من والديه ‪ ،‬حتى اعطاه والده قميصا ً ملونا ً ‪0‬‬
‫وكان ناجحا ً فى افتقاد أخوته ‪ 0‬وكخادم فى بيت فوطيفار كان‬
‫ناجحا ً جدا ً ‪ ،‬ومحبوبا ً منه " فوكله على كل بيته ‪ ،‬ودفع إلى يده كل ما‬
‫كان له " ) تك ‪ 0 ( 4 : 39‬ولما ألقى فى السجن ‪ ،‬كان أنجح سجين ‪،‬‬
‫فأجيه رئيس بيت السجن " ودفع إلى يده جميع السرى ‪ 00‬ولم يكن‬
‫رئيس بيت السجن ينظر شيئا ً البتة مما فى يده ‪ 00‬ومهما صنع كان‬
‫الرب ينجحه " ) تك ‪ 0 ( 23 ، 22 : 39‬حتى أن المسجونين أيضا ً كانوا‬
‫يستشيرونه فى أمورهم ‪ ،‬كما فعل رئيس السقاة ورئيس الخبازين )‬
‫تك ‪( 40‬‬
‫ولما صار وزير تموين لمصر ‪ ،‬كان ناجحا ً جدا ً ‪ ،‬فأنقذ مصر من‬
‫المجاعة ‪ ،‬وأنقذ معها كل البلد المحيطة ‪ 0‬وكان محبوبا ً من‬
‫فرعون ‪ ،‬فترك له كل شئ وصيره الثانى فى المملكه ) تك ‪40 : 41‬‬
‫– ‪0 ( 44‬‬
‫ً‬
‫و النجاح يقدمه الكتاب باعتباره لونا من البركة ‪0‬‬
‫وهكذا فى ) تث ‪ ( 28‬اصحاح البركة و اللعنة ‪ ،‬نجد النجاح بركة من‬
‫الله ‪ ،‬كما نرى الفشل من العناية وعقوباته ‪00‬‬
‫ويقدم لنا الكتاب أمثلة من الناجحين ‪:‬‬
‫داود مثل ‪ ،‬كان وهو فتى إنسانا ً ناجحا ً ‪ ،‬أمكنه أن ينتصر على جليات‬
‫الجبار ‪ 0‬وكان ناجحا ً فى طرد الروح الشرير عن شاول الملك ) ‪1‬صم‬
‫‪ 0 ( 32 : 16‬وقيل عنه إنه حيثما يخرج كان يفلح ) ‪1‬صم ‪0 ( 5 : 18‬‬
‫ونفس النجاح كان حليف دانيال فى أرض السبى ‪ ،‬فأعطاه داريوس‬
‫الملك سلطانًاى كل أصحاب السلطة فى مملكته ‪ 0‬ونجح دانيال فى‬
‫ملك داريوس ) دا ‪0 ( 28 : 6‬‬
‫ونحميا نجح مع ارتحشستا الملك ‪ ،‬ونجح فى بناء سور أورشليم ‪0‬‬
‫وكذلك زميله عزرا ً الكاتب ‪ 0‬أيضا ً زربابل الذى قال عنه الوحى‬
‫اللهى فى سفر زكريا النبى " من أنت أيها الجبل العظيم ؟! أمام‬
‫زربابل تصير سهل ً " ) زك ‪0 ( 7 : 4‬‬
‫وبولس الرسول مثل ً من أعظم الذين نجحوا فى الخدمة ‪ 0‬وهنا‬
‫يسأل البعض سؤال عكسيا ً ‪:‬‬
‫أل يوجد بعض من أولد الله كانوا محطمين فى حياتهم ‪ ،‬ولم ينجحوا ؟!‬
‫أقول لك إن أولد الله كثيرا ً ما تحيطهم المشاكل و الضيقات و‬
‫الضعفات من الخارج ) ‪2‬كو ‪ ( 5 : 6‬ولكنهم مع ذلك يكونون ناجحين‬
‫فى مقابلة الضيقات ‪ 0‬ل تهزهم من الداخل ول تعصرهم ول ينهار‬
‫أمامها ‪ 0‬بل كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زملئه‬
‫فى الخدمة " كحزانى ‪ ،‬ونحن دائما ً فرحون ‪ 00‬كأن ل شئ لنا ‪،‬‬
‫ونحن نملك كل شئ " ) ‪2‬كو ‪0 ( 10 : 6‬‬
‫شئ لنا ‪ ،‬ونحن نملك كل شئ " ) ‪2‬كو ‪0 ( 10 : 6‬‬

‫وهنا أحب أن أضع قاعدة هامة فى النجاح وهى ‪:‬‬


‫ل تهتموا بالبداية ‪ ،‬إن بدت فاشلة ‪ 0‬فالمهم أن تكون النهاية هى‬
‫النجاح ‪0‬‬
‫*يوسف الصديق مثل ً ‪ ،‬كانت تبدو بداية حياته ضائعة باستمرار ‪ :‬من‬
‫إلقائه فى بئر جاف ‪ ،‬إلى بيعه عبدا ً ‪ ،‬إلى تهمة ظالمة دبرت ضده‬
‫ألقت به فى السجن ‪ 00‬ولكن المهم أن النهاية كانت طيبة إلى أبعد‬
‫الحدود ‪ 00‬فل نحكم إذن بالبدايات ‪00‬‬
‫*القديس أثناسيوس الرسولى كانت بدايات حبريته متعبة جدا ً فيها‬
‫قويت شوكة الريوسيين ‪ ،‬واستطاعوا أن يدبروا مكائد ضده ‪،‬‬
‫ويحاكموه وينفوه بالتفاق مع السلطه الحاكمة ‪ 0‬وعزل عن كرسيه‬
‫أربع مرات ‪ 00‬ومع ذلك انتهت حياته كبطل عظيم من أبطال اليمان‬
‫‪ ،‬استطاع أن يقف ضد العالم كله وينتصر ‪0‬‬
‫*داود النبى ‪ :‬بدأ حياته ‪ ،‬وبعد المسحة المقدسة وبعد انتصاره على‬
‫جليات ‪ ،‬مضطهدا ً من شاول الملك ‪ ،‬مشردا ً من برية إلى أخرى ‪،‬‬
‫حتى ظن أنه لبد سيقع فى يد شاول فى يوم ‪ 00‬ولكن كل تلك‬
‫البدايات المتعبة انتهت ‪ ،‬وأنتصر داود أخيرا ً ‪0‬‬
‫*السيد المسيح نفسه ‪ ،‬فى فترة تجسده على الرض ‪ :‬كيف كانت‬
‫البداية ‪ :‬ضيقات كثيرة مها قتل هيرودس للطفال ‪ ،‬و الهرب إلى‬
‫مصر ‪ 0‬وبدأت خدمته بمضايقات من زعماء اليهود ومؤامرات وصلت‬
‫إلى صلبه ‪ 00‬المهم فى النهاية ‪ :‬القيامة و الصعود ‪ ،‬و الجلوس عن‬
‫يمين الب ‪ ،‬وأنتشار و اليمان ‪00‬‬
‫***‬
‫*موسى مع فرعون ‪ :‬كانت البداية قد أتت بنتيجة عكسية ‪ 0‬فاشتد‬
‫فرعون بالكثر ‪ 0‬وتضايق الشعب و تذمروا على موسى وهرون ‪،‬‬
‫وقالوا لهما " ينظر الرب إليكما ويقضى ‪ ،‬لنكما أنتنتما رائحتنا فى‬
‫عينى فرعون ‪ ) " 00‬خر ‪ 0 ( 7 : 5‬وعشر ضربات يستخدمها الرب‬
‫ضد فرعون ‪ ،‬و الرجل فى نفس قسوته ليلين ‪ 00‬وحتى الشعب ‪،‬‬
‫تذمر لما خرج فرعون وراءهم ‪ 0‬وقالوا لموسى " هل لنه ليست‬
‫قبور فى مصر ‪ ،‬أخذتنا لنموت فى البرية ؟! " ) خر ‪00 ( 11 : 14‬‬
‫ومع كل تلك البدايات المتعبة لم يضعف إيمان موسى مطلقا ً ‪00‬‬
‫ونجح أخيرا ً فى انقاذه من عبودية فرعون ‪00‬‬
‫***‬
‫لهذا كله ل تتعبوا مطلقا ً ‪ ،‬إن لم تحصلوا على النجاح فى بداية‬
‫الطريق ‪ 0‬واذكروا باستمرار قول الكتاب ‪ " :‬بصبركم اقتنوا أنفسكم "‬
‫) لو ‪0 ( 19 : 21‬‬
‫إن النجاح يحتاج إلى صبر و إلى مثابرة ‪ 0‬والنسان الذى يدركه‬
‫الملل الضجر و الضيق ول يستمر ‪ 00‬هذا ل يستطيع أن ينجح ‪00‬‬
‫انتظر الرب حتى يجئ لمعونتك ‪ ،‬ولو فى الهزيع الخير من الليل ‪00‬‬
‫كل عمل تعمله ل تقلق على نتيجته ‪ 00‬انتظر الثمرة حتى تنضج ‪،‬‬
‫وحينئذ تجدها فى يديك ‪ ،‬بغير صعوبة ‪00‬‬
‫***‬
‫أهم صفة للنسان الناجح ‪ ،‬أن يكون ناجحا ً من الداخل ‪0‬‬
‫ناجحا ً فى قلبه ‪ ،‬وفى عقله ‪ ،‬وفى أعصابه ‪ ،‬وفى إرادته ‪ 0‬وقبل كل‬
‫شئ ناجحا ً فى صلته بالله ‪ 00‬يكون ذا نفسية قوية ‪ ،‬ل تتزعزع ول‬
‫تضطرب ول تخاف ‪ 0‬يسير فى طريقه ‪ ،‬كسهم نحو هدف ‪0‬‬
‫مهما هاجت المواج على سفينته ‪ ،‬حتى أن انقلبت الجبال فى وسط‬
‫البحار ‪ ،‬هو ل يضعف ‪ ،‬ول يفشل من الداخل ‪ 0‬ول يفقد إيمانه فى‬
‫إمكانية النجاح على الرغم من كل العراقيل ‪ ،‬التى تحاول أن تسد‬
‫الطريق قدامه ‪0‬‬
‫النسان الناجح ‪ ،‬ينجح ‪ ،‬ينجح مهما كانت العقبات بنعمة من الله ‪،‬‬
‫ونجاحه على الرغم من الصعاب ‪ ،‬تكون له لذة أكبر ‪ ،‬ويعطى خبرة‬
‫روحية عميقة فى عمل يد الله معه ‪00‬‬
‫مرقس الرسول كانت أمامه صعاب ل تحصى فى كرازته لمصر ‪ :‬لم‬
‫تكن فيها كنيسة ‪ ،‬ول شعبمؤمن بالمسيحية ‪ 0‬وكانت هناك ديانات‬
‫عديدة ‪ :‬الديانات الفرعونية و اليونانية و الرومانية و الشرقية ‪ ،‬و‬
‫الديانة اليهودية ‪ ،‬و الفلسفة الوثنية ‪ 00‬إلى جوار السلطة الحاكمة‬
‫الرومانية بكل بطشها ‪ 00‬وعلى الرغم من كل هذا ‪ ،‬نجح مرقس‬
‫الرسول فى نشر اليمان بالمسيح فى مصر ‪0‬‬
‫لعل البعض تتعبه هذه المشكلة التى أزعجت أرميا النبى فى وقت ما‬
‫‪ ،‬فعاتب الله قائل " أبر أنت يا رب من أن أخاصمك ‪ 0‬ولكنى أكلمك‬
‫من جهة أحكامك ‪ :‬لماذا تنجح طريق الشرار ‪ 0‬اطمأن كل الغادرين‬
‫غدرا ً " ) أر ‪0 ( 1 : 12‬‬
‫نجاح الشرار هو نجاح زائف ‪ ،‬مؤقت ‪ ،‬وبطرق شريرة ‪0‬‬
‫*هيرودس الملك ظن أنه نجح لما قتل كل أطفال بيت لحم ‪ 0‬ولكنه‬
‫كان نجاحا ً زائفا ً ‪ 0‬فالشخص الوحيد الذى اراد قتله ‪ ،‬كان حيا ل‬
‫يموت ‪ 0‬كما أن وسيلة هيرودس كانت خاطئة ‪0‬‬
‫*هيرودس الذى أتى بعده ‪ ،‬قتل يوحنا المعمدان ‪0‬فهل نجحت‬
‫هيروديا وسالومى وهيرودس بقتل يوحنا ‪ ،‬أم كان نجاحا ً زائفا ‪ ،‬ظل‬
‫ً‬
‫بعده هيرودس منزعجا ً من يوحنا حتى بعد قتله ) مت ‪0 ( 2 ، 1 :: 14‬‬
‫وانتهى أمر هيرودس بأن ضربه الملك فمات وأكله الدود ) أع ‪: 12‬‬
‫‪0 ( 23‬‬
‫*أخاب استطاع أن يقضى على نابوت اليزرعيلى ويدبر له مؤامرة‬
‫ويقتله ويستولى على حقله ) ‪1‬مل ‪ 0 ( 21‬وكان نجاحا ً مؤقتا ً ورائفا ً‬
‫وأثيما ‪ 0‬وبعده أتى غضب الله على آخاب وكان كلم الرب ‪ " :‬فى‬
‫المكان الذى لحست فيه الكلب دم نابوت اليزرعيلى ‪ ،‬تلحس دمك "‬
‫) ‪1‬مل ‪0 ( 19 : 21‬‬
‫*اليهود ظنوا أنهم تخلصوا من المسيح بصلبه ‪ ،‬ونجحت مؤامراتهم‬
‫وأتت بنتيجتها وصلبوا المسيح ‪ 0‬وكان نجاحا ً زائفا ً ومؤقتا ً ‪ ،‬انتهى‬
‫بمجد القيامة ‪00‬‬
‫*هامان ظن أنه قد قضى على مردخاى ‪ ،‬ودبر له المؤامرة ‪ ،‬وأعد له‬
‫صليبا ً ‪ 0‬وكاد أن يقضى ل على مردخاى وحده ‪ ،‬إنما على الشعب كله‬
‫‪ 0‬وتدخل الله أخيرا ً بعد الصوم الذى أمرت به استير الملكة ‪ 0‬وتحول‬
‫الموفف إلى العكس تماما ً ‪ 0‬وصلب هامان على النفس الصليب‬
‫الذى أعده لمردخاى )إس ‪0 ( 10 : 7‬‬
‫*القديس أوغسطينوس قال إن الشرار كالدخان الذى يرتفع وتتسع رقعته ‪ ،‬وفى‬
‫كل ذلك يتبدد ‪0‬‬
‫أما النار فتبقى تحت ‪ ،‬ل تعلو مثل الدخان ‪ 0‬ولكنها تظل فى قوتها‬
‫وحرارتها وفاعليتها ‪ ،‬ل تتبدد مثله فى ارتفاعه ‪00‬‬
‫كذلك فإن نجاحهم فى أمور مادية عالمية ‪ ،‬ليس نجاحا ً بالحقيقة ‪0‬‬
‫قارن فى ذلك مع قصة الغنى و لعازر ) لو ‪ 0 ( 16‬ومع قصة الغنى‬
‫الذى اتسعت كورته ‪ ،‬فقال " أهدم مخازنى وأبنى أعظم منها ‪00‬‬
‫وأقول لنفسى استريحى وكلى وأشربى ‪ ) " 00‬لو ‪0 ( 20 – 16 : 12‬‬
‫إن النجاح الحقيقى هو النجاح الروحى ‪ 0‬إن كان الماديات ‪ ،‬يكون باسلوب روحى‬
‫‪0‬‬
‫لذلك ل تغر من الشرار غذا نجحوا ‪ 0‬وبخاصة إلى كانت وسائل‬
‫نجاحهم بعيدة عن الله ‪ 0‬كمن يلجأ إلى الكذب و المكر و الحيلة ‪00‬‬
‫أو إلى الغش ‪ 00‬أو إلى الرشوة ‪ 00‬أو إلى التملق و النفاق و الرياء‬
‫و المحسوبية ‪ 00‬أو التاجر الذى يحتكر السواق ‪ 0‬و يبالغ فى الرباح‬
‫‪ 0‬وينجح ماليا ً ‪ ،‬ويفشل روحيا ً ‪ 0‬هؤلء ينطبق عليهم قول الرسول ‪:‬‬
‫" مجدهم فى خزنهم ‪ ،‬الذى يفتكرون فى الرضيات " ) فى ‪0 ( 19 : 3‬‬
‫وقال عنهم أيضا ً نهايتهم الهلك ‪:‬‬
‫***‬

‫ومن أكبر المثلة على النجاح الزائف ‪ :‬الشيطان وجنوده ‪0‬‬


‫*الشيطان حينما يحل من سجنه ‪ ،‬سيخرج " ليضل المم الذين فى‬
‫أربع زوايا الرض " ) رؤ ‪ 0 ( 7 : 20‬ويحاول أن يضل لو أمكن‬
‫المختارين أيضا ً " ) مت ‪ 0 ( 24 : 24‬فهل نجح الشيطان ؟!‬
‫*وقيل عن الوحش أنه " أعطى أن حربا ً مع القديسين ‪ ،‬ويغلبهم "‬
‫) رؤ ‪ 0 ( 7 : 13‬فهل نجح الوحش بعد هذه الغلبة المؤقته ‪0‬‬
‫لقد حسم الكتاب هذا المر فقال " وابليس الذى كان يضلهم ‪ ،‬طرح‬
‫فى بحيرة النار ‪ ،‬حيث الوحش و النبى الكذاب ‪ ،‬و سيعذبون نهارا ً‬
‫وليل ً إلى أبد البدين " ) رؤ ‪0 ( 20 : 10‬‬
‫*كذلك ضد المسيح " المقاوم و المرتفع على كل ما يدعى إلها ً " "‬
‫الذى مجيئه بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة وبكل‬
‫خديعة الثم فى الهالكين " الذى سيتسبب فى ارتداد الكثيرين )‬
‫‪2‬تس ‪ 0 ( 10-3‬ونجاحه أيضا ً مؤقت وزائف شرير ‪ 0‬وسوف يبيده‬
‫الرب ينفخة فمه ) ‪2‬تس ‪( 8: 2‬‬

‫*أول شئ هو بركة وطاعة الوصية ‪0‬‬


‫كما قيل عن يوسف الصديق فى نجاحه " وكان الرب معه ‪ ،‬فكان‬
‫رجل ً ناجحا " ) تك ‪ 0 ( 2 : 39‬وكل ما كان يصنعه ‪ ،‬كان الرب ينجحه "‬
‫) تك ‪0 ( 3 : 39‬‬
‫ابحث عن النجاح الذى يأتيك من الله |‪ ،‬من شركة الله معك فى‬
‫عملك ‪ ،‬أو من هبة الله لك ‪ ،‬أو من مكافأة الله لك على طاعتك‬
‫لوصاياه ‪00‬‬
‫وتذكر قول الله ليشوع بن نون " ل يبرح سفر هذه الشريعة من‬
‫فمك ‪ ،‬بل تلهج فيه النهار و الليل ‪ 00‬لكى تتحفظ للعمل حسب كل‬
‫ما هو مكتوب فيه ‪ ،‬لنك حينئذ تصلح طريقك ‪ ،‬و حينئذ تفلح " ) يش‬
‫‪0(8:1‬‬
‫*اهتم قبل كل شئ بالنجاح الروحى ‪0‬‬
‫نجاحك فى حروبك ضد الشياطين ‪ ،‬وفى انتصارك على نفسك من‬
‫الداخل ‪ 0‬ونجاحك فى التخلص من عاداتك الرديئة ‪ ،‬ومن كل‬
‫ضعفاتك ونقائصك وسقطاتك ‪ 00‬كذلك نجاحك فى عدم مقابلة الشر‬
‫بالشر ‪ ،‬إنما كما قال الكتاب " ل يغبنك الشر بل اغلب اللشر بالخير‬
‫" ) رو ‪00 ( 21 : 12‬‬
‫نجاحك فى صبط لسانك ‪ ،‬فى ضبط مشاعرك ‪ ،‬فى ضبط أعصابك‬
‫‪ 00‬هذا هو النجاح الحقيقى ‪0‬‬
‫*النجاح أيضا ً يحتاج إلى قلب قوى ‪ 0‬يحتاج إلى شخصية غير ضعيفة – إلى إنسان‬
‫ل تهزمة المشاكل ‪ ،‬بل هو الذى ينتصر عليها ‪ 0‬و ل ينزعج أمامها ول يخاف ‪ 0‬كما‬
‫قال داود النبى " إن يحاربنى جيش فلن يخاف قلبى ‪ 0‬وإن قام على قتال ‪ ،‬ففى‬
‫هذا أنا مطمئن " ) مز ‪ 00 ( 26‬الفكر الهادئ العصاب الهادئة ‪ ،‬و النفس الهادئة‬
‫‪ 00‬كل هذه من مقومات النجاح ‪00‬‬
‫***‬
‫*النجاح أيضا ً يحتاج إلى حكمة وذكاء ‪0‬‬
‫فكثيرون يفشلون فى حياتهم الروحية أو المادية أو العائلية أو‬
‫معاملتهم ‪ ،‬بسبب نقص فى الحكمة وحسن التصرف ‪ ،‬أو بسبب‬
‫عدم افراز فى السلوك الروحى ‪ 0 0‬أمثال هؤلء يحتاجون إلى‬
‫إرشاد ‪ ،‬وخضوع لبوة واعية حكيمة ‪ 0‬ويحتاجون إلى لكى يرشدهم‬
‫الرب فى طرقه ‪ ،‬ويمنحهم حكمة من فوق من عند أبى النوار ‪00‬‬
‫*و النجاح أيضا ً يرتبط بعدل غلهى يقول ‪:‬‬
‫الذى يرزعه النسان ‪ ،‬إياه يحصد أيضا ً ) غل ‪( 7 : 7‬‬
‫*النجاح أيضا ً يحتاج إلى إيمان وصلة ‪0‬‬
‫وهكذا كما قال الرب " كل شئ مستطاع للمؤمن " ) مر ‪0 ( 23 : 9‬‬
‫وكما قال القديس بولس الرسول " استطيع كل شئ فى المسيح‬
‫الذى يقوينى " ) فى ‪ ( 13 : 4‬لذلك التصق بالرب ‪ ،‬وكن معه ‪ ،‬ليكون‬
‫هو ايضا ً معك ‪ ،‬ويمنحك بركة من عنده ‪ 0‬ومن بركاته النجاح ‪00‬‬
‫اطلب معونة الرب باستمرار ‪ ،‬وهو يساعدك على النجاح ‪00‬‬
‫*لكى تكون ناجحا ً ‪ ،‬أصمد حتى النهاية ‪0‬‬
‫وإن فاتتك فرصة فالتمس غيرها ‪ 0‬وإن هاج عليك الشيطان ‪ ،‬وكل‬
‫جنده ‪ ، ،‬ودبروا كل مكائدهم لكى تفشل ‪ 00‬ل تخف ‪ ،‬وقل مع‬
‫المرتل فى المزمور " لول أن الرب كان معنا ‪ ،‬حين قام الناس علينا‬
‫‪ ،‬لبتلعونا ونحن أحياء ‪ 00‬مبارك الرب الذى لم يسلمنا فريسة‬
‫لسنانهم ‪0‬‬
‫ً‬
‫النسان الناجح ل ييأس أبدا ‪ ،‬حتى إن فشل فى الخطوات الولى ‪،‬‬
‫فإنه يعود ويقوم ‪ 00‬كما قيل عن الصديق إنه يسقط سبع مرات‬
‫ويقوم ) أم ‪ 0 ( 31 : 24‬أى مهما سقط يقوم‬
‫*لكى تنجح ‪ ،‬ضع أمامك دائما ً سير الناجحين ‪0‬‬
‫وذلك لكى يكونوا مثل عليا ً أمامك تقتدى بهم ‪ ،‬ولكى تعرف وسائل‬
‫نجاحهم فى الحياة ‪ ،‬و أسلوب ذلك النجاح ومظاهره ‪00‬‬
‫سواء فىذلك أمثلة النجاح فى كل نواحى الحياة ‪ :‬الروحية ‪،‬‬
‫والجتماعية ‪ ،‬و العائلية ‪ ،‬و الحياة الخاصة ‪ 00‬ول تنس تأثير سير‬
‫القديسين ‪0‬‬
‫تذكر أنك صورة الله ‪ 0‬والذى على صورة الله يكون ناجحا ً ‪0‬‬
‫ولذلك فالنسان الفاشل ‪ ،‬أو الساقط أو الراسب ‪ ،‬ليس هو على‬
‫صورة الله ‪ ،‬الذى على صورة الله ‪ ،‬يكون " كالشجرة المغروسة على‬
‫مجارى المياه ‪ ،‬تعطى ثمرها فى حينه وكل ما يفعله ينجح فيه ‪0‬‬
‫هكذا قيل عن يوسف الصديق " وكان الرب مع يوسف فكان رجل ً‬
‫ناجحا ً " ) تك ‪0 ( 2 : 39‬‬
‫قل لنفسك ‪ :‬إذا لم أنجح فى حياتى ‪ ،‬فل شك أككون فاقدا ً لصورتى‬
‫اللهية ‪ ،‬بل أفقد ايضا ً الكمال الذى طلبه منا الرب قائل ً " كونوا‬
‫كاملين كما أن أباكم الذى فى السموات هو كامل " ) مت ‪0 ( 48 : 5‬‬
‫هذا من الناحية اليجابية ‪ 0‬أما من الناحية السلبية ‪ ،‬فل تنس أنك إذا‬
‫تكن ناجحا ً فى حياتك ‪ ،‬فبالتالى ستكون عشرة فى كل وسط تعبش‬
‫فيه ‪ ،‬سواء فى وسط العائلة ‪ ،‬أو فى الكنيسة ‪ ،‬أ‪ ,‬فى الخدمة ‪ ،‬أو‬
‫فى محيط العمل ‪ 0‬ستعثر الناس الذين سوف يتساءلون متعجبين ‪:‬‬
‫أهكذا يكون أولد الله‬
‫***‬
‫كتب القديس بولس الرسول إلى أهل رومية يقول " إن عشنا‬
‫فللرب نعيش ‪ ،‬وإن متنا فللرب نموت ‪ 0‬فإن عشنا أو متنا ‪ ،‬فللرب‬
‫نحن " ) رو ‪( 8 : 14‬‬
‫ليس المهم إذن أن نحيا أو نموت ‪ ،‬إنما المهم أن نكون للرب فى حياتنا وفى‬
‫موتنا ً ‪0‬‬
‫إن كلنا ‪ ،‬فللرب نأكل ‪ ،‬لكى نأخذ طاقة للجسد نستطيع بها أن نعمل‬
‫ما يرضيه ‪ ،‬وإن صمنا ‪ ،‬فللرب نصوم ‪ ،‬لكى تقوى الروح ‪،‬وتكون فى‬
‫صلة قوية بالله إذن طاقة الجسد من أجله ‪ ،‬وقوة الروح من أجله ‪0‬‬
‫تماما ً كما قال الرسول " فمجدوا الله فى أجسادكم ‪ ،‬وفى أرواحكم‬
‫التى هى الله " ) ‪1‬كو ‪0 ( 20 : 6‬‬
‫***‬
‫كذلك إن تكلمنا ‪ ،‬فللرب نتكلم ‪ 0‬وإن صمتنا فللرب نصمت ‪0‬‬
‫من أجله نتكلم ‪ ،‬ومن أجله نصمت ‪ 0‬ومن أجله نتكلم ‪ ،‬فنشهد للحق‬
‫ولليمان وللملكوت ‪ ،‬ونعلن وصاياه للناس ‪ ،‬ونعزى الخرين‬
‫ونقويهم ‪ ،‬وننطق بكلم الحكمة النافع للبنيان ‪ 00‬وكما قال الكتاب‬
‫" فم الصديق ينبوع حياة " ) أم ‪ 0 ( 11 : 10‬ومن أجل الله نصمت ‪،‬‬
‫عاملين بقول الكتاب " كثرة الكلم ل تخلو من معصية ‪ 0‬أما الضابط‬
‫شفتيه فعاقل " ) أم ‪ ( 19 : 10‬نتكلم حينما يفتح الله شفاهنا ‪،‬‬
‫فتنطق أفواهنا بتسبحته ) مز ‪ 0 ( 50‬ونصمت حينما نخشى الخطأ‬
‫ونقول " ضع يا رب حارسا ً لفمى ‪ ،‬اخفظ باب شفتى " ) مز ‪: 141‬‬
‫‪0(3‬‬
‫***‬
‫كل عمل نعمله ‪ ،‬ومن أجل الله نعملة ‪ 00‬نعمله له ‪ ،‬ومعه وبه ‪00‬‬
‫نعمله له ‪ ،‬لجل ملكوته ‪ ،‬ولمجد إسمه ‪ 0‬ونعمله معه ‪ ،‬فى شركة‬
‫الروح القدس الذى يشترك معنا فى العمل ‪ ،‬ونعمله به ‪ ،‬أى بنعمته‬
‫وقوته ومعونته ‪ ،‬وهكذا ل يكون أى عمل من أعمالنا مستقل ً عن الله‬
‫‪ 00‬ذلك لننا للرب نعيش ‪ 0‬ل لنفسنا ‪ ،‬ول للعالم ول لهداف خاطئة‬
‫كما يحدث للبعض‬
‫هناك أشخاص يعيشون لذواتهم فقط ‪ ،‬وبطريقة خاطئة ‪ :‬كل ما‬
‫يريده فى الحياة ‪ ،‬هو أن يبنى ذاته وليته يفعل ذلك بطريقة روحية‬
‫وإنما بأسلوب مادى أو عالمى أوجسدى ! وفى سبيل ذلك قد يضيع‬
‫الخرين ‪ ،‬إذ يزيحهم من طريقة ليبقى هو ‪ 00‬والعجب من ذلك ‪،‬‬
‫أنه فيما يحاول أن يبنى نفسه ‪ ،‬يضيعها ويهلكها ‪ 0‬كما قال السيد له‬
‫المجد‬
‫" من وجد حياته يضيعها ‪ 0‬ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " ) متى ‪( 39 : 10‬‬
‫‪0‬‬
‫وهكذا تحدث السيد الرب عن إنكار الذات ) تى ‪ ، ( 24 : 16‬وعن بذل‬
‫الذات " يو ‪ ) ( 11 : 10‬يو ‪ 0 ( 13 : 15‬إن مشكلة الغنى الغبى هو أنه‬
‫أراد أن يمتع ذاته على الرض " بخيرات كثيرة " ) لو ‪0 ( 19 : 12‬‬
‫ومشكلة غنى لعازر أنه كان " يتنعم كل يوم مترفها " ) لو ‪( 19 : 16‬‬
‫‪ 0‬وسليمان الحكيم جرب كل متع العالم ‪ ،‬فإذا الكل باطل وقبض‬
‫الريح ) جا ‪ 00 ( 11 : 2‬إن الذى يعيش لنفسه فقط ‪ ،‬هو شخص‬
‫أنانى ‪ 0‬وقد صدق المثل القائل ‪:‬‬
‫ما عاش قط ‪ ،‬من عاش لنفسه فقط ‪0‬‬
‫ينبغى أن توضع الذات فى آخر القائمى ‪ ،‬حينما نرتب الولويات ‪0‬‬
‫فنقول الله أول ‪ 0‬ثم الخرين ‪ 0‬ثم الذات ‪ 0‬على أن هذا الترتيب‬
‫ليكون سليما ً ‪ ،‬إن كانت فيه انفصالية ‪ 0‬فالعمل لجل الخرين ‪ ،‬و‬
‫العمل لجل الذات ‪ ،‬ينبغى أن يكون كلهما داخل الحياة لجل الله ‪،‬‬
‫وليسا منفصلين عنه ‪ 0‬وهكذا يكون الله هو الكل فى الكل ) ‪1‬كو ‪15‬‬
‫‪0 ( 28 :‬‬
‫وقد يقول إنسان ‪ :‬أنا أعيش لجل أولدى ‪0‬‬
‫ً‬
‫من أجلهم يعمل ويتعب ويشفى ‪ 0‬ومن أجلهم يكنز مال ‪ ،‬ليترك لهم‬
‫ميراثا ً ‪ 0‬و العناية بالولد واجب مقدس ‪ 0‬ولكن الخطأ هو أن يركز‬
‫النسان على أولده ‪ ،‬ويهمل وواجباته تجاه لله ‍ فيهمل نصيب الله‬
‫فى ماله ‪ ،‬ونصيب الفقراء أيضا ً ‪ ،‬ويجعل الكل لولده ‪ ،‬يقول‬
‫سليمان الحكيم " فكرهت كل تعبى الذى تعبت فيه تحت الشمس ‪0‬‬
‫حيث اتركه للنسان الذى يكون بعدى ‪ 0‬ومن يعلك هل يكون حكيما ً‬
‫أو جاهل ً ‍ ويستولى على كل تعبى الذى تعبت فيه و أظهرت فيه‬
‫حكمتى ‪ 00‬هذا أيضا ً باطل ) جا ‪( 19 ، 18 : 2‬‬
‫إن الخير الذى يحسب لك عندالله ‪ ،‬هو الخير الذى تفعله أنت ‪ ،‬وليس الذى يفعله‬
‫أولدك ‪00‬‬
‫ً‬
‫إذن أهتم بأولدك ‪ ،‬واهتم بباقى الناس أيضا ‪ 0‬عش لولدك ‪00‬‬
‫وعش للمجتمع كله ‪ 00‬بحيث تحب أولدك ‪ ،‬وتعطيهم من تعبك‬
‫وكدك ‪ 0‬وتحب المجتمع كله ‪ ،‬وتخدمه ‪ ،‬وتبذل لجله ‪ ،‬وتحب الكنيسة‬
‫وتخدمها وتكون محبتك للكل هى داخل محبتك لله ‪0‬‬
‫***‬
‫و ل تكن لك محبة خاطئة ‪ ،‬خارج محبة الله ‪ ،‬ول محبة طاهرة أزيد من محبتك لله‬
‫‪0‬‬
‫فهوذا الرب يقول " من أحب أبا ً وأما ً أكثر منى ‪ ،‬فل يستحقنى ‪0‬‬
‫ومن أحب إبنا أو أبنة أكثر منى ‪ ،‬فل يستحقنى " ) مت ‪( 37 : 10‬‬
‫وهكذا يكون الحب كله لله ‪ ،‬و القلب كله الله ‪ ،‬ومحبة الولد و‬
‫الناس داخل محبة الله ‪ 0‬وتكون محبتك الولى لولدك ‪ ،‬هى أن‬
‫تجعلهم يعرفون الله ويحبونه ‪ ،‬حتى تستطيع أن تقول له كما قال‬
‫السيد " عرفتهم إسمك وسأعرفهم ‪ ،‬ليكون فيهم الحب الذى‬
‫أحببتنى به " الكلم الذى أعطيتنى قد أعطيتهم " ) يو ‪( 8 ، 26 : 17‬‬
‫‪0‬‬
‫***‬
‫ل تجعل لله منافسا ً فى قلبك ‪ ،‬سواء كان المنافس شخصا أو شيئا ‪0‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لهذا نرى الرب قد شبه القديسين بخمس عذارى حكيمات ) متى‬
‫‪ 0 ( 25‬ذلك لن العذراء ليس لها تعلق بإنسان آخر ‪ 0‬وعذراوية‬
‫القلب تعنى أنه ليس له تعلق بشهوة أخرى غير اللتصاق بالرب ‪0‬‬
‫وهكذا قال القديس بولس الرسول " خطبتك لرجل واحد لقدم‬
‫عذراء عفيفة للمسيح " ) ‪2‬كو ‪ 0 ( 2 : 11‬أنظروا إلى داود النى و‬
‫الملك‬
‫‪-‬على الرغم مما يحيط به من كل عظمة الملك ورفاهيته – نراه‬
‫يقول ‪:‬‬
‫" أما أنا فخير لى اللتصاق بالرب " ) مز ‪0 ( 28 : 73‬‬
‫ويقول للرب " معك ل أريد شيئا ً على الرض " ) مز ‪ 0 ( 25 : 73‬إنه‬
‫يهذا يصل إلى فضيلة " الكتفاء بالله " فيقول " ول يعوزنى شئ " )‬
‫مز ‪ 0 ( 1 : 23‬وحينما عبرعن الرغبة التى تشبع قلبه ‪ ،‬لم يلتفت‬
‫إلى رفاهية الملك ‪ ،‬وإنما قال " واحدة طلبت من الرب وأتفرس فى‬
‫هيكله " ) مز ‪ 0 ( 4 : 27‬و لذلك قال " طلبت وجهك ‪ ،‬ولوجهك يا رب‬
‫ألتمس ‪ 0‬ل تحجب وجهك عنى " ) مز ‪ 0 ( 9 ، 8 : 27‬كانت هذه هى‬
‫الطلبة الوحيدة التى للملك العظيم داود ‪00‬‬
‫***‬
‫الذى يعيش للرب ‪ ،‬ل تهمه الوضاع الخارجية ‪ ،‬بل يعيش للرب فى أى وضع ‪،‬‬
‫وفى كل موضع ‪0‬‬
‫ولعل من المثلة الواضحة فى هذا المر ‪ :‬يوسف الصديق كان يعيش‬
‫للرب وهو إبن فى اسر ‪ 0‬فتغير وضعه إلى عبد فى بيت رجل ثرى ‪،‬‬
‫فظل يعيش للرب فى وضعه الجديد تغير وضعه أيضا ً إلى سجين ‪ ،‬ثم‬
‫غلى وزير ‪ 0‬ولكن الوضاع الخارجية لم تؤثر على علقته بالرب‬
‫إطلقا ً ‪ 0‬إنه يعيش للرب كإبن ‪ ،‬أو كعبد ‪ ،‬أو كسجين ‪ ،‬أو كوزير ‪0‬‬
‫إنه هو هو ‪ 0‬يتغير الوضع و الموضع ‪ 0‬أما هدفه الوحيد أن يعيش‬
‫للرب ‪ ،‬فهو هدف ل يتغير ‪0‬‬
‫نقول هذا لن أناسا ً يرفضون أن يعيشوا للرب ‪ ،‬إل إذا كان لهم وضع معين ‪‍ 00‬‬
‫إنا أن يكون لهم فى الكنيسة مركز خاص ‪ ،‬وإل فإنهم يغضبون‬
‫وينعزلون ويرفضوا أن يعملوا ‪ 00‬إما أن يعاملهم الله معاملة خاصة ‪،‬‬
‫ويداللهم باسلوب معين ‪ ،‬وإل يتخذون من الله موقفا ً مضادا ً ‪‍ 00‬‬
‫وهكذا يشترطون شروطا ً للمعيشة مع الله ‍! وإل يتركونه ‪ 00‬ما هذا‬
‫يا أخى ؟! ما هذا يا أخى ؟! لنفرض حتى أنهم طردوك من الكنيسة ‪،‬‬
‫أترفض‬
‫لهذا السبب أن تعيش مع الله ؟!‬
‫ينبغى أن تكون للحياة مع الله أهمية كبرى فى قلبك ‪ ،‬ل تتخلى عنها‬
‫مهما كانت السباب و الدوافع و الظروف المحيطة ‪0‬‬

‫ل‪ :‬لننا خليقه ‪ 0‬هو الذى منحنا هذه الحياة ‪:‬‬ ‫أو ً‬
‫وهكذا أصبحنا له ‪ 0‬وهذه الحياة هى أيضا ً له ‪ 0‬كان يمكن أن ل‬
‫نوجد ‪ ،‬ولكنه أوجدنا ً ‪ 0‬ومنحنا هذا الوجود ‪ ،‬فصرنا له ‪ 00‬إن عشنا‬
‫فللرب نعيش ‪ 00‬وبخاصة لنه خلقنا ‪ ،‬كشبهه ‪ ،‬وعلى صورته ومثاله‬
‫) تك ‪ 00 ( 26 : 1‬ول يمكن أن نحتفظ بهذه الصورة ‪ ،‬إل إذا عشنا له‬
‫ومعه ‪0‬‬
‫***‬
‫ثانيا ً ‪ :‬لنه فدانا ‪ ،‬واشترانا بثمن ‪ ،‬فصرنا له ‪0‬‬
‫وفى هذا يقول الرسول " أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكل‬
‫للروح القدوس الذى فيكم ‪ ،‬الذى لكم من الله ‪ 0‬وأنكم لستم‬
‫لنفسكم ‪ ،‬لنكم قد اشتريتم بثمن ‪ 0‬فمجدوا الله فى أجسادكم‬
‫وفى أرواحكم التى هى لله " ) ‪1‬كو ‪( 20 ، 19 : 6‬‬
‫***‬
‫ثالثا ً ‪ :‬لننا أولده ‪ 00‬دعى علينا إسمه ‪00‬‬
‫فينبغى أن نعيش له ‪ ،‬لنه بهذا " أولد الله ظاهرون " ) ‪1‬يو ‪: 3‬‬
‫‪ 0 ( 10‬يعيشون له ‪ ،‬وبهذا ل يخطئون ‪ 0‬لن " كل من هو مولود من‬
‫لله ل يخطئ " " ل يستطيع أن يخطئ ‪ ،‬لنه مولود من الله " ) ‪1‬يو ‪3‬‬
‫‪ 0 ( 9 :‬إن لم نعش له ‪ ،‬وعشنا لنفسنا أو العالم أو الجسد أو للمادة‬
‫‪ ،‬حينئذ سنخطئ ‪ ،‬ول نصير أولدا ً لله ‪ 00‬فنحن نعيش لله ‪ ،‬لكى‬
‫نحتفظ ببنوتنا له ‪ ،‬ولكى نحتفظ بصورته ‪ 0‬فالبن الضال قال له "‬
‫لست مستحقا ً مستحقا ً أن أدعى لك إبنا " ) لو ‪0 ( 19 : 15‬‬
‫***‬
‫رابعا ً ‪ :‬نعيش للرب ‪ ،‬لن هذه هى الحياة الحقيقية ‪0‬‬
‫الله هو الحياة ) يو ‪ ) ( 25 : 11‬يو ‪ 0 ( 6 : 14‬من يلتصق به ‪ ،‬يلتصق‬
‫بالحياة ‪ ،‬ويكون حيا ً بالحقيقة ‪ 0‬ومن ينفصل عنه يعتبر ميتا ً ‪ ،‬مهما‬
‫كانت له حياة بالحقيقة ‪ 00‬وقد قيل عن البن الضال أنه –فى حالة‬
‫خطيته – " كان ميتا ً " ) يو ‪ 0 ( 24 : 15‬وقال الرب لراعى كنيسة‬
‫ساردس " أن لك أسما ً أنك حى ‪ ،‬وأنت ميت " ) رؤ ‪0 ( 1 : 3‬‬
‫المفروض إذن أن نفهم المعنى الحقيقى للحياة ‪ ،‬وأنه هو أن نعيش‬
‫للرب ‪ 0‬فى هذا أتذكر أننى وأنا شاب صغير متبت مرة قصيدة‬
‫عنوانها " حقا ً نحن أحياء " ؟‬
‫***‬
‫ليتنا إذن نذوق الحياة مع الرب ‪00‬‬
‫كما قال المرتل فى المزمور " ذوقوا وأنظروا ما أطيب الرب " ) مز‬
‫‪ 0 ( 8 : 34‬الذى يذوق هذه الحياة ‪ ،‬يشعر بلذتها ‪ ،‬وييرى أنه حينما‬
‫يعيش للرب ‪ ،‬إنما يحيا الحياة الطيبة المثلى المشتهاة ‪ ،‬وأن ذاك‬
‫أفضل جدا ً ) فى ‪ 0 ( 23 : 1‬بل أن هذه الحياة مع الرب هى عربون‬
‫الحياة البدية السعيدة‬
‫نعيش للرب هنا ‪ ،‬لكى نستحق أن نعيش معه فى البدية السعيدة‬

‫ليس معنى ذلك حياة التكريس الكامل ‪0‬‬


‫مثل حياة الرهبان و الراهبات ‪ ،‬ورجال الكنوت ‪ ،‬وكل المكرسين و‬
‫المكرسات ‪ 00‬فليس الجميع مكرسين للرب ‪ ،‬بينما هذه الية " إن‬
‫عشنا فللرب نعيش " هى للجميع ‪ ،‬لكل مؤمن ‪ ،‬لكل عضو فى مدينة‬
‫الله ‪ ،‬لكل مؤهل للملكوت ‪0‬‬
‫وأيضا ً ل نعيش للرب ‪ ،‬بالعبادة الشكلية ‪00‬‬
‫فكثيرون يواطبون على الصلة و الصوم و القراءة والجتماعات‬
‫الدينية ‪ 00‬ولهم علقة بالكنيسة ‪ ،‬ولكن ليست لهم علقة بالله ‪ 0‬ل‬
‫يعيشون معه ول يعيشون له ‪ 00‬وكأن كل عبادتهم مجرد مظاهر‬
‫خارجية ل ترقى إلى مستوى المعيشة مع الله ‪ 0‬وعن هؤلء قال‬
‫الرب " هذا الشعب يكرمنى بشفتيه ‪ ،‬أما قلبه فمبتعد عنى بعيدا ً "‬
‫) متى ‪ ) ( 8 : 15‬اش ‪ 0( 13 : 29‬عليك إذن أن تعيش للرب ‪ ،‬بالقلب‬
‫و العمل ‪ ،‬وبالروح و الحق ) يو ‪ 0 ( 23 : 4‬فتشعر فى عبادتك بوجود‬
‫الله فى حياتك ‪ ،‬وبوجودك فى حضرته ‪ ،‬وصلتك به ‪00‬‬
‫إن الذى يعيش للرب ‪ ،‬يظهر ذلك فى فضائل كثيرة يحياها ‪ ،‬أو‬
‫تتميز به حياته ‪:‬‬
‫إنه يحيا حياة التسليم وحياة الطاعة ‪ 0‬لنه معيشته للرب ‪ ،‬يسلم له‬
‫حياته ومشيئته ‪ 0‬وبالتالى يحيا حياة الطهارة و النقاوة ‪ ،‬وحياة الحب‬
‫التى ينفذ فيها وصايا الرب عن حب ل عن تغصب ‪ 0‬فيقول للرب مع‬
‫المرتل " فرحت بكلمك كمن وجد غنائم كثيرة " ) مز ‪" ( 117‬‬
‫فرحت بالقائلين لى إلى بيت الرب نذهب " ) مز ‪ 0 ( 1 : 122‬وهكذا‬
‫يعيش فى حياة الفرح بالله ‪0‬‬
‫***‬
‫و الذى يعيش للرب ‪ ،‬يحيا فى العالم كغريب ‪0‬‬
‫إنه " ليس من هذا العالم " ) يو ‪ 0 ( 15 : 15‬يضع أمامه قول‬
‫الرسول ‪ 00 ) :‬و الذين يستعملون العالم كأنهم ل يستعملونه ‪ ،‬لن‬
‫هيئة العالم تزول " ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 31 : 7‬و هكذا عاش آباؤنا " أقروا‬
‫بأنهم غرباء ونزلء على الرض " ) عب ‪ 00 ( 13 : 11‬إنهم يعيشون‬
‫للرب ‪ 0‬أما العالم فيبيد وشهوت معه ) ‪1‬يو ‪ 0 ( 17 : 2‬ما شأنهم‬
‫إذن به ؟! قال أحد الباء ‪:‬‬
‫خير الناس من ل يبالى بالدنيا فى يد من كانت ‪0‬‬
‫وهكذا فإن الذى يعيش للرب ‪ ،‬سيصل بالضرورة إلى الزهد فى الدنيا‬
‫) ‪1‬يو ‪ 0 ( 16 ، 15 : 2‬و الناس فى هذا الزهد على درجات متفاوتة‬
‫‪ 00‬و الذى يعيش للرب ل يهتم ويضطرب لجل أمور كثيرة ‪ ،‬كما‬
‫كانت تفعل مرثا ) لو ‪ 0 ( 41 : 10‬متيقنا ً أن الحاجة إلى واحد وهو‬
‫الله ‪ 0‬و البعض‬
‫الذى يختار هذا النصيب الصالح ن قد يصل إلى حياة التكريس ‪0‬‬
‫***‬
‫و الذى يعيش للرب ‪ ،‬ل يخاف الموت ‪ ،‬بل يقابله بفرح ‪:‬‬
‫وهذا النقطة تنقلنا إلى الجزء الثانى من الية وهو " ‪,‬إن متنا ‪،‬‬
‫فللرب نموت " ‪00‬‬

‫نموت له ‪ ،‬لكى نلتقى به ‪ ،‬و" ونكون كل حين مع الرب " ) ‪1‬تس ‪00 ( 17 : 4‬‬
‫لذلك فالذى يعيش للرب ‪ ،‬يسر أن يخلع هذا الجسد ‪ ،‬ويلبس عدم‬
‫الفساد ‪ ،‬يلبس الجسد الروحانى السماوى ) ‪1‬كو ‪0 ( 49 ، 44 : 15‬‬
‫ويكون كل حين مع الرب ‪ 0‬وهذا هو الذى اشتهاء القديس بولس‬
‫الرسول حينما قال " لى اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ‪ 0‬ذاك‬
‫أفضل جدا ً " ‪ 0‬فى ‪ 00 ( 23 : 1‬نكون معه فى الفردوس ‪ ،‬وفى‬
‫أورشليم السمائية ‪ ،‬فى الملكوت ‪ ،‬حسب وعده الصادق " حيث أكون‬
‫أنا ‪ ،‬تكونو أنتم أيضا ً " ) يو ‪0 ( 3 : 14‬‬
‫نموت له ‪ ،‬لكى نراه وجها لوجه ) ‪1‬كو ‪0 ( 12 : 13‬‬
‫وكما قال الرسول " إننا ننظر الن فى مرآة فى الغز ‪ ،‬ولكن حينئذ‬
‫وجها لوجه ‪ 0‬الن اعرف بعض المعرفة ‪ ،‬لكن حينئذ سأعرف كما‬
‫عرفت " ) ‪1‬كو ‪( 12 : 12‬‬
‫***‬
‫نموت له ‪ ،‬تعنى أيضا ً أن نموت من أجله ‪0‬‬
‫كما مات الشهداء وكل المدافعين عن اليمان ‪ 0‬وايضا ً كما قال‬
‫الرسول " لننا نحن الحياء نسلم دائما للموت من أجل يسوع ‪ ،‬لكى‬
‫تظهر حياة يسوع أيضا ً فى جسدنا المائت ‪ 0‬إذن الموت يعمل فينا "‬
‫) ‪2‬كو ‪ 0 ( 12 ، 11 : 4‬أو كما قال الكتاب " لتمت نفسى موت‬
‫البرار ‪ 0‬ولتكن آخرتى كآخرتهم " ) عد ‪0 ( 10 : 23‬‬
‫***‬
‫أخيرا ً ‪ ،‬ليتنا نجرب أن نعيش للرب ‪ ،‬لكى نموت أيضا ً له‬
‫نجرب أن نعيش للرب ‪ ،‬ولو يوما ً كتداريب ) اليوم المثالى ( الذى كان‬
‫يعطى لنا ونحن شباب ‪ 0‬وإن نجحنا فى هذا التدريب نكثر منه ‪ 0‬و‬
‫لنتأمل مثال اللص اليمين ‪ 0‬إنها ساعات عاشها مع الرب ‪ 0‬ثم مات‬
‫معه ‪ ،‬ونال الفردوس ‪ 0‬كذلك مثال القديسة بائيسة ‪ 0‬لعلها ساعات‬
‫أو أقل عاشتها معه فى توبتها ‪ ،‬ونالت الحياة ‪ 0‬فلنبدأ إذن أن نعيش‬
‫للرب ‪0‬‬
‫نحن أعضاء الكنيسة المجاهدة على الرض ‪ ،‬نجتاز هنا فترة اختبار‬
‫نتعرض فيها لحروب روحية كثيرة ‪ ،‬شرحها القديس بولس الرسول‬
‫فقال " إن مصارعتنا ليست مع لحم ودم ‪ ،‬بل ‪ 00‬مع أجناد الشر‬
‫الروحية فى السماويات " ) أف ‪ 00 ( 12 : 6‬وقال إنها حرب تحتاج‬
‫إلى " سلح الله الكامل ‪ ،‬لكى نقدر أن نثبت ضد مكايد ابليس " ) أف‬
‫‪0 ( 11 : 6‬‬
‫إن الله يريدنا أن ننتصر فى هذه الحرب ‪ 0‬و السماء كلها ترقب جهادنا ‪ ،‬وتفرح إذ‬
‫ترانا ً غالبين‬
‫الملئكة وأرواح القديسين فى السماء ‪ ،‬يصلون لجلنا لكى ننتصر ‪" ،‬‬
‫ويكون فرح فى السماء بخاطئ‬
‫واحد يتوب " ) لو ‪ 0 ( 7 : 15‬كذلك نعمة الله تعيننا لكى ننتصر ‪،‬‬
‫وروح الله يعمل فينا لكى نغلب ‪ 00‬أما إن سقطنا وانهزمنا ‪ ،‬فإننا‬
‫بهذا نحزن روح الله القدوس الذى ختمنا به " ) أف ‪( 30 : 4‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى هو إنسان منتصر ‪0‬‬
‫لن روحه قد انتصرت على شهوات الجسد ‪ ،‬وقد انتصرت فى حروب‬
‫الشياطين ‪ 0‬وقد غلبت العالم و المادة ‪ 0‬روحه تزفها الملئكة‬
‫بتهليل إلى السماء ‪ ،‬حينما تأتى ساعته ‪0‬‬
‫ةالنسان الروحى ينتصر ‪ ،‬لنه إنسان قوى ‪ ،‬يعمل فيه روح الله‬
‫بقوة ‪ 0‬وقد صارت إرادته فى تسليم كامل لرادة الله ‪0‬‬
‫النسان الروحى ل يحاول أن ينتصر على غيره ‪0‬‬
‫لنه يحب غيره ‪ ،‬ويقدمه على نفسه فى الكرامة ) رو ‪، ( 10 : 12‬‬
‫بينما يأخذ هو المتكأ الخير ) لو ‪ 0 ( 10 : 14‬إنه يحب أن ينتصر على‬
‫الشر ‪ ،‬وليس على الشرار ‪ 0‬يحب أن ينتصر على نفسه ‪ ،‬وليس‬
‫على الخرين ‪ 0‬وهو ل يحب أن ينتصر على الضعفاء و المخطئين ‪،‬‬
‫بل بالكثر أن يحتملهم ‪ 0‬كما قال الرسول " يجب علينا نحن القوياء‬
‫أن نحتمل ضعفات " ) رو ‪0 ( 1 : 15‬‬
‫***‬
‫هناك مجالت كثيرة ينتصر فيها النسان الروحى ‪:‬‬
‫*إنه ينتصر أول ً على نفسه ‪0‬‬
‫ينتصر فى الداخل أول ‪ ،‬لن أنتصاره الداخلى هو الذى يساعده فى النتصار على‬
‫الحروب الخارجية‬
‫البن الضال ) لو ‪ ( 15‬لم يستطع أن يرجع إلى أبيه ‪ ،‬إل بعد أن‬
‫انتصر من الداخلى ‪ ،‬ولم تعد له شهوة فى الكورة البعيدة ‪ ،‬بل شعر‬
‫فيها بسوء حالته ‪00‬‬
‫ومن أعظم المثلة على النتصار الداخلى ‪ ،‬يوسف الصديق ‪ 0‬لقد‬
‫كانت الغراءات من الخارج قوية جدا ً ‪ ،‬وكانت تلح عليه كل ) تك ‪: 39‬‬
‫‪ 0 ( 10‬كانت الخطية هى التى تسعى إليه ‪ 0‬ومع ذلك رفض كل تلك‬
‫الغراءات ‪ ،‬لن كان منتصرا ً من الداخل ‪ ،‬فاستطاع فى نقاوة قلبه‬
‫أن يقول " كيف افعل هذا الشر العظيم ‪ ،‬و أخطئ غلى الله " ) تك‬
‫‪ 0 ( 9 : 39‬صدق القديس ذهبى الفم حينما قال ‪:‬‬
‫ل يستطيع أحد أن يضر إنسانا ً ‪ ،‬ما لم يضر هذا النسان نفسه ‪0‬‬
‫أى أن العوامل الخارجية ل تهزمه إل إذا كان مهزوما ً من الداخل أول ً‬
‫‪ 0‬ولهذا يقول الرب " فوق كل تحفظ احفظ قلبك ‪ ،‬لن منه مخازج‬
‫الحياة " ) أم ‪0 ( 23 : 4‬‬
‫إن القديس أوغسطينوس كان يعيش فى الخطية حينما كان مغلوبا ً‬
‫منها ‪ ،‬أى حينما كان يشتهيها ‪ 0‬ولكنه حينما انتصر على نفسه من‬
‫الداخل ‪ ،‬حينئذ قال عبارته الجميلة " جلست على قمة العالم ‪ ،‬حينما‬
‫أحسست فى نفسى إنى ل أشتهى شيئا ً ول أخاف شيئا ً " ‪0‬‬
‫***‬
‫فإن تعبت يا أخى يوما ً ‪ ،‬تأكد أنك متعب من الداخل ‪ 0‬هناك ثقب فى‬
‫نفسك تدخل منه المتاعب الخارجية ‪ 0‬لذلك قال الرب عن النسان‬
‫الروحى المنتصر إنه " جنة مغلقة ‪ ،‬عين مقفلة ‪ ،‬ينبوع مختوم "‬
‫) نش ‪ 4‬ك ‪0 ( 12‬‬
‫الخطية الخارجية ‪ ،‬تبحث عن خطية داخلك ‪ ،‬لكى تتحد معها ‪ ،‬وتفتح لها ابواب‬
‫القلب وابواب الفكر‬
‫و النسان الروحى الذى يود داخله روح الله ‪ ،‬هذا ل تجد الخطية التى‬
‫فى الخارج مكانا ً لها فى داخله ‪ 0‬تطرق على بابه فل يفتح لها ‪،‬‬
‫فتتركه وترحل ‪ 00‬عدو مثل ً يريد أن يثيرك لكى تخطئ ‪ ،‬فيجدك غير‬
‫قابل للستثارة لنك قوى فى الداخل ‪ 0‬ماذا يفعل إذن ؟ أما أن‬
‫يخجل ويتركك ‪ ،‬أو أن يعتذر لك ‪ ،‬أو يكف عن استخدام هذا السلوب‬
‫معك ‪00‬‬
‫***‬
‫*النسان الروحى ينتصر على الخطية و الشيطان ‪00‬‬
‫مادام قد انتصر على شهوة القلب من الداخل ‪ ،‬فلبد أن ينتصر على‬
‫الخطية من الخارج ‪ ،‬على كل حروبها وكل أفكارها ‪ 0‬ول تخدعه‬
‫مطلقا ً حيل الشيطان نبل كما قال القديس بولس الرسول عنه ‪ :‬ل‬
‫يطمع فينا الشيطان ‪ ،‬لنن ل نجهل أفكاره ) ‪2‬كو ‪0 ( 11 : 2‬‬
‫والنسان الروحى إن حاربته الخطية ‪ ،‬يقاومها بكل قوة ‪0‬‬
‫مستفيدا ً بذلك من توبيخ القديس بولس الرسول للعبرانيين " لم‬
‫تقاوموا بعد حتى الدم ‪ ،‬مجاهدين ضد الخطية " ) عب ‪0 ( 4 : 12‬‬
‫ومستمعا ً إلى قول القديس بطرس الرسول " اصحوا واسهروا ‪ ،‬لن‬
‫ابليس خصمكم كأسد زائر ‪ 00‬فقاوموه راسخين فى اليمان " ‪ 0‬إن‬
‫النسان الول انخدع من حديث الحية ) تك ‪ ، ( 3‬و فقد صورته‬
‫اللهية ‪ ،‬منهزما ً أمام الخطية ‪ 0‬أما النسان الروحى فليس كذلك ‪0‬‬
‫إنه يحب أن ينتصر ‪ ،‬مستفيدا ً من دروس الماضى ‪0‬‬
‫***‬
‫إن أسوأ ما فى هزيمة الشرار ‪ ،‬افتخارهم بخطاياهم ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هؤلء الذين قال عنهم القديس بولس " والن أذكرهم أيضا باكيا ‪،‬‬
‫وهم أعداء صليب المسيح ‪ ،‬الذين نهايتهم الهلك ‪ 00‬ومجدهم فى‬
‫خزيهم ‪ ،‬الذين يفتكرون فى الرضيات " ) فى ‪0 ( 19 ، 18 : 3‬‬
‫أما النسان الروحى ‪ ،‬فإن مجده فى اللم التى يتحملها لجل‬
‫الرب ‪ ،‬منتصرا ً على ذلك الخزى الذى يفرح به الخطاة ‪0‬‬
‫***‬
‫*النسان الروحى ينتصر على العوائق التى تقف فى طريق حياته‬
‫الروحية ‪ 0‬وينتصر ايضا ً على العوائق التى تعترض نموه الروحى ‪0‬‬
‫إنه ل يسمح لشئ أن يعطله لغيره انظروا ماذا قال القديس بولس ‪:‬‬
‫" من سيفصلنا عن محبة المسيح ؟! أشدة أم ضيق أم اضطهاد ‪ ،‬أم‬
‫جوع أم عرى ‪ ،‬أم خطر أم سيف ؟! ولكننا فى هذه جميعها يعظم‬
‫انتصارنا بالذى أحبنا ‪ 0‬فإنى متيقن أنه ل موت ‪ ،‬ول حياة ‪ ،‬ول‬
‫ملئكة ول رؤساء ول قوات ‪ ،‬ول أمور حاضرة ول مستقبلة ‪ ،‬ول علو‬
‫ول عمق ‪ ،‬ول خليقة أخرى ‪ ،‬تقدر أن تفصلنا عن محبة الله التى فى‬
‫المسيح يسوع ربنا " ) رو ‪0 ( 39 _ 35 : 8‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى ل يقدم أعذارا ً إذا لم ينتصر ‪ 0‬بل يقدم اعترافا بالخطأ وتوبة ‪0‬‬
‫إن العذار ل تبرر الهزيمة أمام العدو ‪ 0‬لقد لجأ كل من آدم وحواء‬
‫إلى تقديم العذار ‪ ،‬فلم تكن مقبولة منهم الله ‪ 0‬فالله قد وضع‬
‫أمامنا كل وسائل النصرة وهو مستعد أن يقودنا فى موكب نصرته "‬
‫) ‪2‬كو ‪ 00 ( 14 : 2‬العيب إذن إرادتنا ‪ 0‬وكل محاولة لتبرير هزيمتنا‬
‫فى حروبنا الروحية ‪ ،‬هى خطية أخرى تضاف غلى هذه الهزيمة ‪00‬‬
‫***‬

‫*النسان الروحى ينتصر أيضا ً على الضيقات و المشاكل‬


‫المشكلة ل تهزه ‪ ،‬ول تهزمه ‪ ،‬ول تضعف معنوناته ‪ ،‬ول تعكر نفسيته‬
‫‪ ،‬ول يستطيع أن تلقيه فى دوامات القلق و الضطراب و الشك ‪0‬‬
‫إنما هو ينتصر على المشكلة ول يضيق قلبه به ‪ ،‬ول يفقد سلمه‬
‫بسببها ‪0‬‬
‫إنه ينتصر على المشاكل باليمان و بالصلة و الصبر ‪0‬‬
‫ولعل من المثلة البارزة فى هذا المجال ‪ :‬أيوب الصديق ‪ 0‬كانت‬
‫المشاكل التى حلت عليه ‪ ،‬أصعب من أن يحتملها قلب إنسان عادى‬
‫‪ 0‬من ذا الذى يستطيع أن يحتمل فقد كل بنيه وبناته فى يوم احد ؟‬
‫ويفقد معهم كل ثروته وغناه ؟! ولكن هذا النسان الروحى لما سمع‬
‫هذه الخبار المحزنة قال " الرب أعطى ‪ ،‬الر أخذ فليكن اسم الرب‬
‫مباركا ً " " عريانا ً خرجت من بطن أمى وعريانا ً أعود إلى هناك " ) أى‬
‫‪ 1‬ك ‪ 0 ( 21‬لذلك حسنا ً قال الله عنه إنه " ليس مثله فى الرض ‪0‬‬
‫رجل كامل ومستقيم " ) أى ‪0 ( 3 : 2‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى ‪ ،‬ل ينتصر فقط على الضيقة ‪ ،‬بالحتمال ن بل أكثر من هذا يفرح‬
‫بها ‪0‬‬
‫كما قال القديس يعقوب الرسول " احسبوه كل فرح يا أخوتى ‪،‬‬
‫حينما تقعون فى تجارب متنوعة " ) يع ‪ 0 ( 2 : 1‬كما قال القديس‬
‫بولس الرسول " بكل سرور أفتخر بالحرى فى ضعفاتى ‪ ،‬لكى تحل‬
‫على قوة المسيح ‪ 0‬لذلك أسر بالضعفات و الشتائم و الضرورات‬
‫والضطهادات و الضيقات لجل المسيح ‪2 ) " 00‬كو ‪0 ( 10 ، 9 : 12‬‬
‫و ما أجمل ما قيل عن الباء الرسل بعد أن سجنوهم ‪ ،‬ثم جلدوهم‬
‫وأطلقوهم ‪ 00‬قيل " وأما فذهبوا فرحين ‪ 00‬لنهم حسبوا‬
‫مستأهلين أن يهانوا من أجل اسمه " ) أع ‪0 ( 41 : 5‬‬
‫***‬
‫النسان الروحى إذا حلت به ضيقة ‪ ،‬يقول فى إيمان ‪ :‬إنها للخير ‪:‬‬
‫متذكرا ً قول الرسول " كل الشياء تعمل معا ً للخير للذين يحبون الله‬
‫" ) رو ‪ 0 ( 28 : 8‬لذلك فالضيقة ل تهزه ‪ ،‬بل تقوى إيمانه ‪ ،‬لنه‬
‫يعرف تماما ً أن الطريق الموصل إلى الله ‪ ،‬هو طريق ضيق ) مت ‪: 7‬‬
‫‪ 0 ( 14‬فهو يتوقع إذن هذا الضيق ‪ ،‬ويسر به لنه دليل على أنه سائر‬
‫فى طريق الله ‪ 0‬ثم هو باليمان ينتظر تدخل الله لخراجه من‬
‫الضيقة ‪ 0‬وعلى أية الحالت فإنها تحمل له اكليل ً ‪ 00‬وبهذه المشاعر‬
‫كلها ينتصر على الضيقة ‪000‬‬
‫***‬
‫*و النسان الروحى ل يجد لذته فى العالم ‪ ،‬بل يفرح بالنتصار على العالم وما‬
‫فيه من المادة و الشهوات ‪00‬‬
‫وما أجمل ما قاله أحد الدباء " افرحوا ل لشهوة و نلتموها ‪ ،‬بل‬
‫لشهوة أذللتموها " ‪ 0‬وبالنتصار على الشهوات يثبت النسان‬
‫الروحى إنه ابن لله ‪ ،‬لن " كل الذين ينقادون بروح الله ‪ ،‬أولئك هم‬
‫أولد الله " ) رو ‪ 0 ( 14 : 8‬إذا ينقادون بروح الله ينتصرون على‬
‫الخطية ويفعلون البر ‪ " ،‬المولود من الله ل يخطئ " ) ‪1‬يو ‪0 ( 5 ، 4‬‬
‫***‬
‫وحياة النتصار مفرحة ‪ ،‬لن النسان الروحى يصبح بها قدرة لغيره‬
‫ويقدم للناس مثال ً على إمكانية حياة البر ‪ ،‬و على أن حياة النتصار‬
‫هى واقع عملى يلمسونه‬
‫أمامهم ‪ 0‬كما يعطى مثال ً عن قوووة أولد الله التى ساعدتهم على‬
‫النتصار ‪ ،‬كما قال القديس يوحنا للشباب " كتبت إليككككم أيها ً‬
‫الشباب " كتبت إليكم أيها الشباب ‪ ،‬لنكم أقوياء ‪ ،‬وكلمة الله ثابتة‬
‫فيككم ‪ ،‬وقد غلبتم الشرير " ) ‪1‬يو ‪ 0 (1 : 2‬وكرر أيضا ً تلك العبارة "‬
‫وقد غلبتم الشرير " ) ‪1‬يو ‪0 ( 13 : 2‬‬
‫***‬
‫*وحياة النتصار مفرحة من أجل الوعود التى أعطاها الرب للغالبين‬
‫‪0‬‬
‫وقد سجلت فى الرسائل التى أرسلهها الرب إلى الكنائس السبع‬
‫التى فى آسيا ) رؤ ‪( 3 ، 2‬‬
‫فقال لملك كنيسة أفسس " من يغلب فسأعطية أن يأكل من‬
‫شجرة الحياة التى فى وسط فردوس الله " ) رؤ ‪ 0 ( 7 : 2‬وقال‬
‫لملك كنيسة سميرنا " من يغلب فل يؤذيه الموت الثانى ) رؤ ‪11 : 2‬‬
‫( ‪ 0‬و المعروف أن الموت الول هو مفارقة الروح للجسد ‪ 0‬أما‬
‫الموت الثانى فهو الموت البدى ‪ ،‬أو هو الحرمان من الله ‪ ،‬واللقاء‬
‫فى الظلمة الخارجية حيث البكاء وصرير السنان ) مت ‪0 ( 42 : 13‬‬
‫وقال لملك كنيسة برغامس " من يغلب فسأعطيه أن يأكل من‬
‫المن المخفى ‪ 00‬وأعطيه اسما جديا ً " ) رؤ ‪0 ( 17 : 2‬‬
‫وقال لملك كنيسة ثياترا " من يغلب ويحفظ أعمالى غلى النهاية ‪،‬‬
‫فسأعطيه سلطانا ً على المم ‪ 00‬آخذت أنا أيضا ً من عند أبى ‪،‬‬
‫وأعطيه كوكب الصبح " ) رؤ ‪( 28 – 26 : 2‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقال لملك كنيسة ساردس " وم يغلب سيلبس ثيابا بيضا ‪ ،‬ولن‬
‫أمحو اسمه من من سفر الحياة ‪ ،‬وسأعترف باسمه أمام أبى وأمام‬
‫ملئكته " ) رؤ ‪( 5 : 3‬‬
‫ً‬
‫وقال لملك كنيسة فيلدلفيا " من يغلب فسأجعله عمودا ‪ ،‬فى هيكل‬
‫إلهى " ) رؤ ‪0 ( 12 : 3‬‬
‫وقال لملك كنيسة لوديكية " من يغلب فسأعطيه أن يجلس معى‬
‫فى عرش ‪ ،‬كما غلبت أنا أيضا ً وجلست مع أبى فى عرشه " ) رؤ ‪: 3‬‬
‫‪( 21‬‬
‫***‬
‫ما أجمل هذا ‪ 00‬السيد المسيح يريدك أن تغلب ‪ ،‬وأن تجلس معه فى عرشه ‪،‬‬
‫فى الملكوت البدى‬
‫وإن كنت من الغالبين ‪ ،‬تأكل من شجرة الحياة ‪ ،‬ومن المن المخفى ‪،‬‬
‫وتلبس ثيابا ً بيضا ً ‪ ،‬وتصير عمودا ً فىهيكل الله ويصبح لك سلطان ‪،‬‬
‫وأسمك فى سفر الحياة ‪ ،‬بل يكون لك اسم جديد ‪00‬‬
‫وإن غلبت تسكن فى مدينة الله ‪ ،‬فى أورشليم السمائية مع الله و‬
‫المئكة و القديسين ) رؤ ‪ ، ( 21‬وترث الملك المعد للبرار منذ‬
‫تاسيس العالم ) مت ‪ ، ( 34 : 25‬وحيث يكون المسيح ‪ ،‬تكون المسيح‬
‫‪ ،‬تكون أنت أيضا ً ) يو ‪ ، ( 3 : 14‬و تتمتع بما لم تره عين ‪ ،‬ولم تسمع‬
‫به إذن ‪ ،‬ولم يخطرعلى قلب بشر ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 9 : 2‬ول يقوى عليك‬
‫الموت الثانى ‪ ،‬بل تقوم فى مجد ‪ ،‬بجسد سماوى روحانى ) ‪1‬كو‬
‫‪ 0 ( 49 ، 44 ، 43 : 15‬كل هذه المجاد للغالبين ‪0‬‬
‫***‬
‫لقد قدم لنا السيد المسيح فى تجسده الصورة المثالية لحياة الغلبة والنتصار إذ‬
‫كان منتصرا فى كل شئ ‪:‬‬
‫لقدانتصر فى كل كل حروب الشيطان ‪ ،‬كما فى التجربة على الجبل‬
‫) مت ‪ ( 4‬و انتصر فى كل حوار له مع الكتبة و الفريسيين و‬
‫الصدوقيين وكل قيادات اليهود ) مت ‪ 0( 23 _ 21‬وانتصر وهو على‬
‫الصليب ‪ ،‬إذ أمكنه أن يقدم فداء وخلصا ً للعالم كله ‪ ،‬وداس على‬
‫الموت بموته )) عب ‪ 0 ( 15 ، 14 : 2‬كما انتصر على الموت بقيامته‬
‫‪ 0‬زانتصر على العالم ‪ ،‬إذ قال ‪:‬‬
‫" ثقوا أنا قد غلبت العالم " ) يو ‪ ( 33 : 16‬ومن جهة البر كان‬
‫منتصرا ً ‪ ،‬فقد شابهنا فى كل شئء ما عدا الخطية ) عب ‪0 ( 15 : 4‬‬
‫وقد تحدى اليهود قائل ً " من منكم يبكتنى على خطية ؟! " ) يو ‪: 8‬‬
‫‪ 0 ( 46‬و انتصر فى كسب محبة الناس ‪ ،‬فقيل عنه " هوذا العالم قد‬
‫ذهب وراءه " ) يو ‪ 0 ( 19 : 12‬ودخل أورشليم منتصرا ً كملك ‪،‬‬
‫وارتجت المدينة كلها ) يو ‪ 0 ( 10 : 21‬وقيل عن مجمل انتصاراته ‪:‬‬
‫" هوذا قد غلب السد الذى من سبط يهوذا " ) رؤ ‪( 5 : 5‬‬
‫وقيل أنه يغلب كل الموك الذين يحاربونه " لنه رب الرباب وملك‬
‫الملوك ) رؤ ‪ 0 ( 14 : 17‬وإذ قد انتصر باستمرار وعدنا الكتاب أنه "‬
‫يقودنا فى موكب نصرته " ) يه ‪ " ( 114‬بقوة ومجد كثير " ) مت‬
‫‪0 ( 30 : 24‬‬
‫***‬
‫وكما قدم لنا الكتاب مثالية انتصارات ربنا يسوع المسيح ‪ ،‬كذلك قدم‬
‫لنا الكتاب وتاريخ الكنيسة أمثلة لنتصار القديسين ‪:‬‬
‫نذكر فى مقدمة هؤلء المنتصرين أبا الباء ابراهيم ‪:‬‬
‫لقد انتصر انتصارا ً عميقا ً وعجيبا ً ‪ ،‬حينما أخذ ابنه وحيده اسحق‬
‫ليقدمه محرقة لله ) تك ‪ 0 ( 22‬انتصر على مشاعر البوة ‪ ،‬وعلى‬
‫آماله فى نجوم السماء ورمل البحر ) تك ‪ 0 ( 5 : 15‬و) تك ‪: 13‬‬
‫‪ 0 ( 16‬بل انتصر من جهة افيمان أيضا ً " إذ حسب أن الله قادر على‬
‫القامة من الموات " ) عب ‪0 ( 19 – 17 : 11‬‬
‫و انتصر ابراهيم أيضا ً على مشاعر القرابة و الوطن ‪ ،‬حينما قال له‬
‫الله " اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت ابيك إلى الرض التى‬
‫أريك " ) تك ‪ 0 ( 1 : 12‬فأطاع " وخرج وهو ل يعلم إلى أين يذهب "‬
‫) عب ‪0 ( 8 : 11‬‬
‫***‬
‫نذكر مثال ً آخر فى النتصار هو أبونا يعقوب ‪ :‬أنتصار من نوع آخر ‪ ،‬هو‬
‫الصراع مع الله ‪ ،‬إذ أمسك به ‪ ،‬وصارعه حتى الفجر ‪ ،‬وقال له " ل‬
‫أطلقك إن لم تباركنى " ) تك ‪ ( 26 : 32‬ونال البركة فعل ً ‪ ،‬وقال له‬
‫الرب " لنك جاهدت مع الله و الناس وقدرت " ) تك ‪0 ( 28 : 32‬‬
‫كان يعقوب خائفا ً من أخيه عيسو ‪ 0‬ولكنه لم يعتبر أن الصراع قائم‬
‫بينه وبين عيسو ‪ 0‬وإنما صارع مع الله ‪ ،‬مؤمنا ً أنه إذا انتصر فى‬
‫صراعه مع الله ‪ ،‬ونال منه البركة و الوعد و القوة ‪ ،‬حينئذ لبد‬
‫سينتصر فى علقته مع أخيه ‪ ،‬وقد كان ‪00‬‬
‫كان فى صراعه مع الله ‪ ،‬قد أخذ اليمان الذى يقابل به عيسو ‪ 0‬إنه‬
‫درس لنا فى الصراع مع اللهىة ‪ ،‬حتى ننال منه وعده " يحاربونك ول‬
‫يقدرون عليك ‪ ،‬لنى أنا معك –يقول الرب – لنقذك " ) أر ‪( 19 : 1‬‬
‫‪0‬‬
‫***‬
‫مثال ثالث فى النصرة ‪ ،‬هو أبطال اليمال ‪0‬‬
‫بولس الرسول الذى قال " جالهدت الجهاد الحسن ‪ ،‬أكملت السعى ‪،‬‬
‫حفظت اليمان ‪ 0‬وأخيرا ً وضع لى أكليل البر " ) ‪2‬تى ‪0 ( 7 : 4‬‬
‫بولس الذى وقف أمام ولة وملوك ‪ ،‬وخرج منتصرا ً ) أع ‪0 ( 28 : 21‬‬
‫أثناسيوس الرسولى الذى بكل قوة انتصر على أريوس والريوسية ‪،‬‬
‫ورد على كل هرطقاتهم ‪ 0‬وقيل له " العالم كله ضدك يا اثناسيوس‬
‫" فقال " وأنا ضد العالم "‬
‫***‬
‫مثال رابع للنتصار ‪ ،‬هو الشهداء و المعترفون ‪:‬‬
‫انتصروا على كل التهديدات ‪ ،‬وعلى السجون ‪ ،‬وعلى العذابات التى‬
‫تفوق احتمال البشر ‪ 0‬وثبتوا على اليمان ‪ ،‬وقابلوا الموت ببسالة‬
‫عجيبة ‪ 0‬وكانوا مثال ً رائعا ً جذب الكثيرين إلىاليمان ‪ 0‬لذلك تكرمهم‬
‫الكنيسة تكريما ً عظيما ً ‪ ،‬و نقول إن دماء الشهداء هى بذار افيمان ‪0‬‬
‫***‬
‫مثال خامس فى النصرة ‪ ،‬هو قديسو الرهبنة و النسك‬
‫القديس النبا ألنطونيوس مثل ‪ ،‬كيف اتنتصر على محبة المال ‪،‬‬
‫ووزع كل أمواله على الفقراء ‪ 0‬وانتصر فى حروب الشكوك وفى‬
‫كل المخاوف و المفزعات التى وضعها الشيطان فى طريقه ‪0‬‬
‫وانتصر فىاحتمال الوحدة و الفقر و النسك ‪ ،‬وفى بقائه فى البرية‬
‫بل مرشد أو أنيس لعشرات السنوات ‪ 0‬وانتصر ايضا ً فى قيادته‬
‫لكثيرين فى هذا الطريق الملئكى ‪ ،‬حتى أصبح نورا ً للعالم‬
‫ونضع مع القديس انطونيوس فى موكب المنتصرين ‪ ،‬كل ىباء‬
‫الرهبنة الكبار ‪ ،‬و النساك و المتوحدين و السواح و العموديين ‪0‬‬
‫وكل صفوف هؤلء " الملئكة الرضيين أو البشر السمائيين " كما‬
‫سماهم التاريخ ‪ 00‬هؤلء الذين انتصروا ثابتين فى حياة الوحدة و‬
‫الصلة و التأمل و الموت عن العالم ‪ ،‬و البعد عن تلمناصب و‬
‫الشهرة ‪00‬‬
‫كل هذه وغيرها أمثلة من نوعيات عاشت حياة الغلبة و النصرة ‪،‬‬
‫وتركوا لنا مثال ً لنتبع خطواتهم ‪ 0‬بقى علينا أن نسأل ‪ :‬كيف يمكننا‬
‫نحن أيضا ً أن نغلب و ننتصر ‪0‬‬
‫ل يمكننا إطلقا ً أن ننتصر ‪ ،‬إل إذا حارب الرب عنا ‪00‬‬
‫إذا اعتمدنا على مجرد إرادتنا ‪ ،‬وقوتنا ‪ ،‬وخبرتنا ‪ ،‬وذكائنا فل يمكن‬
‫أن ننتصر ‪ ،‬لن العدو أكثر قوة وخبرة وحيلة ‪ ،‬و الرب نفسه قال "‬
‫بدونى ل تقدرون أن تعملوا شيئا ً " ) يو ‪0 ( 5 : 15‬‬
‫إذن ل بد أن يحارب عنا ‪ ،‬هو الذى يدافع عنا وينتصر ‪ 0‬وكما قال‬
‫الكتاب " الحرب للرب ‪ 00‬و الرب قادر أن يغلب بالكثير و بالقليل " )‬
‫‪1‬صم ‪ 0 ( 6 : 14‬وأما النصرة فهى من الرب ) أم ‪0 ( 31 : 21‬‬
‫أما أنتصار فكقول الرسول " يعظم انتصارنا بالذى أحبنا " ) رو ‪0 ( 37 : 8‬‬
‫الرب ينتصر فيها ‪ ،‬حينما نسلمه إرادتنا ‪ ،‬نسلمه تدبير أمورنا‪،‬‬
‫وحينئذذ " يقودنا فى موكب نصرته " ) ‪2‬كو ‪0 ( 14 : 2‬‬
‫***‬
‫قال السيد المسيح " فى العالم سيكون لكم ضيق ‪ 0‬ولكن ثقوا أنا‬
‫قد غلبت العالم " ‪ 0‬لم يقل " ثقوا أنكم ستغلبون " وإنما " أنا قد‬
‫غلبت " فما فما بمعنى هذا ؟ معناه إنى أنا الذى سأغلب ) فيكم (‬
‫هذا العالم مرة أخرى إن سكنت فيكم ‪ 0‬كما قال بولس الرسول "‬
‫أحيا ل أنا بل المسيح يحيا فى " ) ‪ 00‬غل ‪0 ( 20 : 2‬‬
‫إذن إن أردت أن تنتصر ‪ ،‬التصق بالمسيح ‪ ،‬اجعله يحارب عنك خذ منه‬
‫القوة التى بها غلب العالم ‪ ،‬فتغلب ‪00‬‬
‫) بدونى ل تقدورن أن تعلموا شيئا ً ( بدونى ل تنتصرون ) يو ‪( 5: 12‬‬
‫‪0‬‬
‫إذن تمسك بالرب ‪ ،‬بكل قوتك ‪ 0‬قل له ‪ :‬ل تتركنى ول تتخل عنى ‪0‬‬
‫أنا بدونك ل أستطيع أن أقاتل اصغرهم ‪ ،‬كما قال القديس‬
‫انطونيوس ‪ ،‬ولكننى بك أقول مع القديس بولس الرسول " أستطيع‬
‫كل شئ فى المسيح الذى يقوينى " ‪0‬‬
‫إذن الغلبة الحقيقية هى التصاقك بالرب كل حين ‪0‬‬
‫***‬
‫مشكلتنا الكبرى ‪ ،‬هى أننا نريد أن ننتصر بقوتنا الخاصة ‪ ،‬بارادتنا بخبرتنا ‪ ،‬بذكائنا ‪،‬‬
‫دون أن ندخل ربنا فى المعركة ‪00‬‬
‫وفى كل ذلك ننسى قول الرسول " شكرا ً الله ‪ ،‬الذى يعطينا الغلبة‬
‫بربنا يسوع المسيح " ) ‪1‬كو ‪ 0 ( 57 : 15‬نعم ‪ ،‬هذا هو سر الغلبة ‪،‬‬
‫ربنا يسوع المسيح ‪ ،‬إن قاتل معك ‪ ،‬ولهذا يقول بولس أيضا ً " يعظم‬
‫انتصارنا بالذى أحبنا " ) رو ‪0 ( 37 : 8‬‬
‫***‬
‫ما أجمل قول الكتاب " الحرب للرب ‪ ،‬و الرب قادر أن يغلب بالقليل وبالكثير " )‬
‫‪1‬صم ‪0 ( 6 : 14‬‬
‫مادامت الحرب للرب ‪ ،‬إذن هو الذى سيقابل وليس أنت ‪ 0‬يجب إذن‬
‫أن تسلمه قيادة المعركة فى قتالتك مع العدو ‪ ،‬مع العالم ‪ ،‬مع‬
‫الخطية ‪ ،‬مع ذاتك ‪00‬‬
‫عبارة رائعة قيلت فى حروب موسى " للرب حرب مع عماليق " ) خر‬
‫‪ 0 ( 16 : 17‬إذن موسى لم يكن هو الذى يحارب عماليق ‪ ،‬ول‬
‫يشوع ‪ ،‬بل الرب ‪ 00‬ل تقل ‪ :‬أتركنى يا رب أحارب عماليق ‪ ،‬كل ‪0‬‬
‫بل قل تواضع ‪ ،‬أنا ل أستطيع فحاربه أنت ‪00‬‬
‫***‬
‫نفس الوضع رأيناه واضحا ً فى الحرب بين داود وجليات ‪00‬‬
‫قال داود لذلك الجبار " اليوم يحبسك الرب فى يدى " ) ‪1‬صم ‪: 17‬‬
‫‪ 0 ( 46‬لست أنا الذى يغلبك ‪ ،‬وإنما الرب ‪ 0‬الرب هو الذى سيحبسك‬
‫فى يدى ‪ 0‬وعندئذ أستطيع أن أجعل لحمك طعاما ً لطيور ال السماء‬
‫‪ 00‬هذه هى الغلبة ‪00‬‬
‫" أنت تأتينى بسيف ورمح ‪ ،‬وأنا آتيك باسم رب الجنود " ) ‪1‬صم ‪: 17‬‬
‫‪ 0 ( 45‬لقد فهم داود السر ‪ ،‬فأدخل الله غلى ميدان المعركة ‪0‬‬
‫قبل مجئ داود ‪ ،‬كان الناس يتحدثون عن " الرجل الصاعد " عن‬
‫الجبار وقوته ‪ ،‬ومكافأة من يغلبه ‪ 0‬فلما وصل داود ‪ ،‬بدأ يتحدث عن‬
‫الرب ويدخل الرب إلى ميدان القتال ‪000‬‬
‫هل انتصر داود إذن لن يده كانت ماهر فى القتال ‪ ،‬أم لن الرب‬
‫حبس جليات فى يد داود ؟ السر كله فى الرب نفسه ‪ 0‬لذلك ما‬
‫أجمل قول داود فى كل حروبه " مبارك الرب الذى علم يدى القتال ‪،‬‬
‫وأصابعى الحرب " ) مز ‪0 ( 1 : 144‬‬
‫***‬
‫وأنت يا أخى ‪ ،‬هل تحارب وحدك ‪ ،‬أم الله يحارب عنك ؟‬
‫مسكين أنت ‪ ،‬إن حاربت وحدك ‪ 0‬لن الشيطان أكثر منك خبرة ‪ 0‬له‬
‫أكثر من سبعة آلف سنة يحارب البشر ‪ 0‬وهو أيضا ً أكثر منك حيلة‬
‫ومعرفة وقوة ‪ ،‬فحذار أن تجاربه بمفردك ‪0‬‬
‫خذ معك إذن سلح الله الكامل ‪ ،‬الذى تستطيع به أن ترد كل سهام‬
‫العدو الملتهبة ) أف ‪ 0 ( 16 ، 13 : 6‬وإن كان قائد الجيش لم‬
‫يستطع أن يخرج للحرب وحده ‪ ،‬دون أن تخرج معه دبورة النبية‬
‫) قض ‪ 0 ( 8 : 4‬فأنت ل تخرج للحرب بدون الله معك ‪00‬‬
‫وقبل أن تحارب ‪ ،‬أطلب من الرب أن يدربك ‪ ،‬أن يعلم يديك القتال ‪،‬‬
‫وأصابعك الحرب ‪ 00‬تتلمذ على الرب ‪ ،‬فيستطيع مقلعك أن يفعل‬
‫العاجيب ‪ 0‬وبحصاة واحدة تكسب الحرب ‪ 0‬وفى كل حروبك ‪،‬‬
‫استمع إلى قول نبى بطل كموسى ‪:‬‬
‫قفوا وانظروا خلص الرب ‪ 0‬الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ) خر ‪0 ( 14 : 14‬‬
‫الرب يقاتل عنك فى كل حروبك ‪ :‬فى الحروب الذى هى داخل‬
‫القلب ‪ ،‬وداخل القلب ‪ ،‬وداخل الفكر ‪ ،‬وفى الحروب الخارجية أيضا ً‬
‫‪ 00‬و الروح يشفع فيك بأنات ل ينطق بها ‪ 0‬الله يرسل ملكه إليك‬
‫فى كل جب ‪ ،‬فيسد أفواه السود ‪0‬‬
‫***‬

‫النسان الروحى الذى يختبر الصلة القوية ‪ ،‬ل يعرف الهزيمة إطلقا ً ‪00‬‬
‫لنه بالصلة يأتى بالرب ‪ ،‬ويدخله الميدان ن ويسلمه المعركة ‪ 0‬لهذا‬
‫قال داود " جعلت الرب أمامى فى كل حين ‪ ،‬لنه عن يمينى فل‬
‫أتزعزع ‪ 00‬ل أتزعزع طالما الرب عن يمينى ‪00‬‬
‫كان فى كل معاركه يصرخ إلى الرب ‪ :‬إلى متى يا رب تنسانى ؟ يا‬
‫رب لماذا كثر الذين يحزنونى ؟ أسرع وأعنى ‪ ) 00‬مز ‪ 0 ( 69 : 3‬أنك‬
‫تتعب إن قمت بمفردك ‪ ،‬تحارب عدوك بقوتك ‪00‬‬
‫ولكنك تغلب إن قلت ) الله يغلبه ل النسان ( ) أى ‪0 ( 13 : 32‬‬
‫كذلك نرى خبرة روحية عميقة فى قصة أبينا القديس أنطونيوس‬
‫الذى حاربته الشياطين بقوة وعنف ‪ ،‬وزلزلت المقبرة التى كان‬
‫يعيش فيها فى بدء نسكه ‪ 0‬فقال لهم القديس " إن كان الله قد‬
‫أعطاكم سلطانا ً على ‪ ،‬فمن أنا حتى أقاوم الله ؟ وإن لم يكن الرب‬
‫قد أعطاكم سلطانا ً ‪ ،‬فلن يستطيع أحد منكم أن يغلبنى " ‪00‬‬
‫إذن الحرب ليست بينك وبين العداء ‪ ،‬وإنما هى أول وقبل كل شئ مع الله ‪ 0‬إن‬
‫صارعته حتى الفجر ‪ ،‬وأخذت منه القوة ‪ ،‬فلن يستطيع عدو أن يغلبك ‪00‬‬
‫الحرب أول ً فى قلبك ‪ 0‬هل أنت واثق أن الله واقف معك ‪ ،‬يحارب‬
‫ويقاتل أعداءك إن وثقت بهذا تقول مع داود النبى " إن يحاربنى‬
‫جيش فلن يخاف قلبى ‪ ،‬وإن قام على قتال ‪ ،‬ففى هذا أنا مطمئن "‬
‫) مز ‪0 ( 26‬‬
‫الله يحارب عنك ‪ ،‬هذا حق –ولكن ينبغى أن تجاهد ‪0‬‬
‫***‬
‫عمل الله معك ‪ ،‬ليس معناه أن تكسل ‪ 0‬بل جاهد بكل قوتك ‪ 0‬قاوم‬
‫كل شهوة وكل رغبة خاطئة ‪ 0‬كما قال الرسول " قاوموا ابليس‬
‫فيهرب منكم " ) يع ‪ ( 7 : 4‬وايضا ً " قاوموه راسخين فى اليمان " )‬
‫‪1‬بط ‪ 0 ( 9 : 5‬إن مقاومتك تدل على رفضك للخطية ‪ 0‬وبذلك‬
‫تستحق معونة النعمة ‪00‬‬
‫قاوم نقط الضعف التى فيك ول تستسلم لها ‪ 00‬واثبت فى الجهاد ‪ ،‬إلى أن‬
‫تنتشلك يد الله ‪0‬‬
‫ول تيأس أبدا ً فى جهادك ‪ ،‬مهما بذت الحرب صعبة ‪ ،‬ومهما كثرت‬
‫الفخاخ من حولك ‪ 0‬وثق أن السماء ترقب جهادك ‪ ،‬وملئكة‬
‫وقديسون كثيرون يشفعون فيك ‪00‬‬
‫وليكن جهادك مسنودًَابافيمان بيد الله القوية وذراعه الحصينة ‪ ،‬التى‬
‫تغنى بها داود قائل ً ‪:‬‬
‫"دفعت لسقط و الرب عضدنى ‪ 0‬قوتى وتسبحتى هو الرب وقد‬
‫الرب وقد صار لى خلصا ً " " يمين الرب صنعت قوة ‪ 0‬يمين الرب‬
‫رفعتنى " ‪0‬‬
‫جاهد إذن مع الله ‪ ،‬وجاهد مع نفسك ‪ ،‬وجاهد الشيطان ‪ 0‬وكن قوى‬
‫القلب ‪ 0‬وتذكر أن الله كان يختار جبابرة البأس لحروبه ‪ ،‬مثلما‬
‫استخدام جدعون ) قض ‪ ( 12 : 6‬وداود ) ‪1‬صم ‪ 0 ( 18 : 16‬وكما‬
‫قال عن الكنيسة فى سفر النشيد إنها " مرهبة كجيش بألوية "‬
‫) نش ‪ ، ( 10 : 6‬وهكذا النفس البشرية أيضا ً ‪00‬‬
‫***‬
‫واستخدام أيضا ً كل وسائط النعمة ‪:‬‬
‫التصق باستمرار بمزاميرك ‪ ،‬بصلواتك ن وبقراءاتك الروحية‬
‫وتأملتك ‪ ،‬بالترانيم و التسابيح ‪ ،‬و التداريب ومحاسبة النفس و‬
‫اليقظة الروحية ‪ 0‬التصق بالكنيسة ‪ ،‬بأب العتراف ‪ ،‬بالتناول ‪،‬‬
‫بالجتماعات الروحية ‪ 0‬فإن هذه كلها توقد الحرارة فى قلبك ‪،‬‬
‫وتعمق محبة الله فيك ‪ ،‬وتمنحط قوة للنتصار ‪ 0‬أما إن بعدت عن‬
‫هذه الوسائط الروحية ‪ ،‬فما أسهل أن تفتر ‪ ،‬ويجد العدو مدخل ً إليك‬
‫‪! 00‬‬
‫‍‬
‫***‬

‫ثق أن كلمة الله سلح قوى يساعدك على الغلبة ‪0‬‬


‫وما أصدق وأعمق قول داود النبى فى اختباراته ‪ " :‬لو لم تكن‬
‫شريعتك هى تلوتى ‪ ،‬لهكت حينئذفى مذلتى " " لن قولك أحيانى "‬
‫) مز ‪ 0 ( 119‬تذكر أن السيد فى تجربته علىالجبل ‪ ،‬كان يرد على‬
‫الشيطان بآيات من الكتاب ‪ ،‬فأرانا أم كلمات الكتاب تصلح سلحا ً‬
‫للرد على افكار العدو ‪ 0‬وكما قال داود النبى " كلمة الرب مضيئة‬
‫تنير العينين من بعد " ) مز ‪0 ( 19‬‬
‫***‬
‫ردد المزامير واليات التى تشجعك وتقويك ‪0‬‬
‫مثل المزمور التسعين ‪ ،‬ومزمور الراعى ) ‪ ( 23‬وتغنى مع الرسول‬
‫فى قوله " يعظم أنتصارنا بالذى أحبنا " ) رو ‪ 0 ( 37 : 8‬وتذكر وعود‬
‫الله وتشجيعه لولده ‪ ،‬وقوله لزربابل " من أنت أيها الجبل‬
‫العظيم ؟! أما زربابل تصير سهل ً " )زك ‪ ، ( 7 : 4‬وقوله للقديس‬
‫بولس "ل تخف ‪ 00‬لنى أنامعك ‪ ،‬و ل يقع بك أحد ليؤذيك " ) أع ‪: 18‬‬
‫‪ 0 ( 10 ، 9‬وقوله من قبل لرميا " يحاربونك ول يقدرون عليك ‪،‬‬
‫لنى أنا معك ‪ ،‬يقول الرب ‪ ،‬لنقذك " ) أر ‪ 0 ( 19 : 1‬وقوله كذلك‬
‫ليشوع " ل يقف إنسان فى وجهك كل أيام حياتك " ) يش ‪00 ( 5: 1‬‬
‫***‬
‫عش فى محبة الله ‪ ،‬فتنتصر ‪ 0‬وعلى القل عش فى وخافته ‪0‬‬
‫واستعن فى جهادك بالصبر و الصمود ‪ 0‬وإن اخافك عدو الخير ‪ ،‬تذكر‬
‫قول بولس الرسول " أستطيع كل شئ فى المسيح ‪ 0‬الذى يقوينى‬
‫" ) فى ‪0 ( 13 : 4‬‬
‫وثق أنك كلما نلت خبرة فى حروبك الروحية ‪ ،‬سوف تزداد قوة‬
‫وإيمانا ً بالنتصار ‪ 0‬وحاول أن نعيش باستمرار فى جو روحى ‪ ،‬وأن‬
‫تبعد عن الجواء التى تبرد محبة الله فى قلبك ‪ 0‬بهذا سوف تحتفظ‬
‫بحراراتك الروحية ‪ ،‬وتقوى على محاربات العدو ‪ 0‬وليكن الرب معك‬
‫‪0‬‬
‫صفحة‬
‫‪5‬‬ ‫مقدمة الكتاب‬
‫‪7‬‬ ‫النسان الروح صورة الله‬
‫‪8‬‬ ‫هو صورة الله‬
‫‪17‬‬ ‫النسان الروحى يجعل الله الول فى كل إهتماماته‬
‫‪27‬‬ ‫النسان الروحى من صفاته العمق‬
‫‪33‬‬ ‫العمق فى العبادة‬ ‫العمق فى الصلة‬
‫‪28‬‬
‫‪34‬‬ ‫عمق التوبة‬ ‫أهمية العمق‬
‫‪29‬‬
‫‪35‬‬ ‫عمق اليمان‬ ‫عمق العطاء‬
‫‪30‬‬
‫‪35‬‬ ‫العمق فى الصداقة و الحب‬ ‫العمق فى الكرازة‬
‫‪31‬‬
‫‪36‬‬ ‫عمق الشخصية‬ ‫العمق فى الخدمة‬
‫‪32‬‬
‫‪37‬‬ ‫النسان الروحى قلبه مع الله‬
‫‪45‬‬ ‫النسان الروحى إنسان قوى‬
‫‪53‬‬ ‫مصادر القوة الروحية واسبابها ومظاهرها وعناصرها‬
‫‪63‬‬ ‫أنواع من الضعف‬ ‫مصادر القوة‬
‫‪53‬‬
‫‪66‬‬ ‫موقفنا من الضعفاء‬ ‫عناصر القوة‬
‫‪56‬‬
‫‪68‬‬ ‫أنواع الضعف ‪ ،‬أسبابها وعلجها ‪ 63‬معالجة الضعف‬
‫‪71‬‬ ‫النسان الروحى ل يعتمد على‬
‫ذراعه البشرى‬
‫‪79‬‬ ‫النسان الروحى فى مفهوم الراحة‬
‫و التعب‬
‫‪80‬‬ ‫هناك أنواع كثيرة من الراحة‬
‫‪88‬‬ ‫ل تجعل راحتك على تعب الخرين‬
‫‪96‬‬ ‫ما معنى الراحة‬
‫‪97‬‬ ‫التعب المقدس و الراحة الغير‬
‫‪105‬‬ ‫النسان الروحى يحيا بالروح ل‬
‫بالحرف‬
‫‪111‬‬ ‫الخدمة‬ ‫الصوم‬
‫‪106‬‬
‫‪112‬‬ ‫يوم الرب‬ ‫المطانيات‬
‫‪107‬‬
‫‪113‬‬ ‫الطقوس‬ ‫الصلة‬
‫‪108‬‬
‫‪114‬‬ ‫العقيدة‬ ‫القبلة المقدسة‬
‫‪110‬‬
‫العطاء‬
‫‪110‬‬
‫‪115‬‬ ‫النسان الروحى بين الروح و النفس و الجسد‬
‫‪122‬‬ ‫المستوى الروحى و المقاونة بالمستوى النفسانى و الجسدانى‬
‫‪125‬‬ ‫أمثلة للمستويات الثلثة‬
‫‪126‬‬ ‫الفرح‬ ‫الشهوة‬
‫‪125‬‬
‫‪129‬‬ ‫النسان الروحى من صفاته ضبط‬
‫النفس‬
‫‪133‬‬ ‫فى العقيدة و التعليم‬ ‫ضبط اللسان‬
‫‪130‬‬
‫‪134‬‬ ‫فى الطاعة واللتزام‬ ‫ضبط الفكر‬
‫‪131‬‬
‫‪135‬‬ ‫فى الطموح والرفعة‬ ‫ضبط الحواس‬
‫‪132‬‬
‫‪136‬‬ ‫فى الحياة كلها‬ ‫ضبط الكل و الشرب‬
‫‪132‬‬
‫من جهة الغضب‬
‫‪133‬‬
‫‪137‬‬ ‫النسان الروحى يحيا فوق مستوى المرئيات‬
‫‪140‬‬ ‫الشياء التى ترى‬ ‫الشياء التى ل ترى‬
‫‪138‬‬
‫‪145‬‬ ‫النسان الروحى له الشخصية المتكاملة‬
‫‪152‬‬ ‫الخدمة و التأمل‬ ‫أهمية التكامل‬
‫‪146‬‬
‫‪152‬‬ ‫الكلم و الصمت‬ ‫البساطة و الحكمة‬
‫‪146‬‬
‫‪153‬‬ ‫الدموع و البشاشة‬ ‫الطيبة و القوة‬
‫‪147‬‬
‫‪153‬‬ ‫الرحمة و العدل‬ ‫الحب و الحزم‬
‫‪148‬‬
‫‪154‬‬ ‫خطورة الفضيلة الواحدة‬ ‫الوداعة و الشجاعة‬
‫‪149‬‬
‫المحبة و المخافة‬
‫‪150‬‬
‫المحبة و المخافة‬
‫‪151‬‬
‫‪155‬‬ ‫النسان الروحى من صفاته النجاح‬
‫‪160‬‬ ‫مشكلة نجاح الشرار‬ ‫أهمية النجاح وصفاته‬
‫‪156‬‬
‫‪162‬‬ ‫مقومات النجاح‬ ‫البداية و النهاية‬
‫‪158‬‬
‫‪165‬‬ ‫النسان الروحى يحيا بمبدأ إن‬
‫عشنا فللرب نعيش‬
‫‪171‬‬ ‫كيف نعيش للرب‬ ‫أهداف خاطئة‬
‫‪167‬‬
‫‪173‬‬ ‫ما معنى للرب نموت‬ ‫لماذا نعيش للرب‬
‫‪170‬‬
‫‪175‬‬ ‫حياة الغلبة والنتصار‬
‫‪183‬‬ ‫حياة النصرة و الحرب للرب‬
‫‪185‬‬ ‫كيف ننتصر‬

You might also like