Professional Documents
Culture Documents
ل يمكن أن يوجد إنسان واحد على الرض كلها -بل إستثناء -لم تعمل
فيه النعمة لجل خلصه 0إن الله ،عندما خرج ليلقى بذاره ،ألقاه
فى كل موضع ،حتى الرض المحجرة ،والرض اللملوءة بالشواك ،
قد وصلتها بذاره 0إن النعمة لم تنس أحدا ً 0مبدأ تكافؤ الفرص
توافر بالنسبة إلى جميع الناس ) مت 0 ( 9 - 3 : 13
النعمة دعت لونجينوس الجندى الذى طعن المسيح بالحربة 0
فآمن بالرب وقال " حقا ً ،كان هذا ابن الله " وآمن وانتهى أمره
بأن صار شهيدا ً ،وتهيد له الكنيسة فى يومين 0
النعمة دعت شاول الطرسوسى الذى كان مضهدا ً لكنيسة الله
بافراط ،وظلت تنخسه بمناخس كان صعبا ً عليه أن يقاومها ،وأخيرا ً
استجاب لدعوة الرب وآمن واعتمد ،وصار رسول ً ) أع ( 9
النعمة دعت اللص على الصليب وفتحت له باب الفردوس ) لو ( 43 : 23
بل إن النعمة دعت اللصين كليهما إلى الخلص بنفس التأثير ،
وبنفس المعجزات التى حدثت 00ولكن واحدا ً منهما استجاب لعمل
النعمة ،بينما الثانى لم يستجب ،ورفض الستماع إلى زميله ) لو
( 42 -39 : 23
النعمة ل تترك أحدا ً فى الوجود دون أن تعمل فيييه 0غييير أن الميير يتوقييف علييى
مدى استجابة النسان 0
النعمة واقفة على الباب تقرع 0غير أن هناك من يفتح لها فتدخل )
رؤ ( 20 : 3والبعض قد ل يشاء أن يفتح 0وبكامل إرادته يضيع
الفرصة ،ول يستفيد من عمل النعمة معه !
النعمة تذهب إلى مكان الجباية ،لتدعو متى العشار 0
بل تدخل النعمة إلى بيت زكا رئيس العشارين 0وتقول له لما استجاب اليييوم
حصل خلص لهذا البيت " ) لو ( 9 : 19
بل إن النعمة عملت حتى مع يهوذا السخريوطى ! لذلك ندم وأرجع
المال إلى رؤساء الكهنة والشيوخ ،وقال " أخطأت إذ أسلمت دما ً
بريئا ً " ) مت ( 4 ، 3 : 27ولكنه للسف لم يكمل الطريق إلى
التوبة ،بل استسلم إلى اليأس 0واليأس ل يتفق مع عمل النعمة 0
فمضى وقتل نفسه 0
ليست النعمة قاصرة فى عملها على الببرار 0ببل إنهبا تعمبل أيضبا ً
فى الخطاة وغير المؤمنين ،لهدايتهم 0
فلو ل عمل النعمة فى الخطاة ،ما تابوا 0لن الخاطئ يصرخ إلى
الله قائل ً " توبتى فأتوب " ) أر ( 18 : 31فتمسك النعمة برغبته
وتساعده على التوبة 0
كذلك لول عمل النعمة فى غير المؤمنين ،ما آمنوا 0لنه " ل
يستطيع أحد أن يقول إن المسيح رب ،إل بالروح القدس " ) 1كو
( 3 : 12
ً
نعمة اله تهتم بالكل ،ليس بالبرار فقط بل بالشرار أيضا 0
"إنه يشرق شمسه على الشرار والصالحين ،ويمطر على البرار
والظالمين 0وكان يمنح الخير حتى للملحدين الذين ينكرون وجوده
0ومنهم الشيوعيون الذين تهكموا وجدفوا على الله تبارك إسمه
على مدى عشرات السنوات ،وكذلك الوجوديون !!
ماذا أقول أيضا ً ؟ هل أجرؤ أن أقول إن الشيطان كذلك لم نتتركه نعمة الله علييى
الرغم من شروره التى ل تعد !!
يكفى أنه ل يزال يتمتع بنعمة البقاء حتى الن ! وبنعمة الحرية
أيضا ً ! فل يزال يعمل 0وله قوة أسد يزأر ) 1بط ( 8 : 5كل هذا
على الرغم من أنه يستخدم البقاء والحرية والقوة فى محاربة
ملكوت الله !! ما أعجب هذا 00
وفى قصة أيوب الصديق :نرى نعمة الله تسمح أن يقف الشيطان
مع أولد الله أمام الله 00وأن يتحدث مع الله ،ويطلب طلبات ضد
أيوب البار ،ويستجيب الله لطلباته ،ويسمح له أن يجرب ذلك
القديس !
ولكن الشيطان خائن لنعمة الله التى استبقته حتى الن 0
ولعلنى أقول أيضا ً أن نعمة الله لم يحرم منها يهوذا 0
لص ) مت ( 10بل اختاره الرب تلميذا ً ضمن الثنى عشر رسو ً
وأخذ مثلهم القوة التى يصنع بها العجائب ) مت ( 10وغسل الرب
رجليه م Q Ё ለက
橢橢좃좃 Ё 洡ꋡ 椚
ĉ
]ΒΒΒΒӞӞӞµ
।।।।।က । 紖
ǔက က က က ಬ
类 籽 籽 籽 籽 9 籽
籽 绪 胞 粡 uӞ
99 粡 ߀9 ذه
قائل ً إذهبوا إلى العالم أجمع ،وأكرزوا بالنجيل للخليقة كلها " ) مر ( 15 : 16
وقال لهم إذهبوا وتلمذوا جميع المببم ،وعمببدوهم 00وعلمببوهم أن
يحفظوا جميع ما أوصيتكم به " ) مت 0 ( 19 : 28
ً
ولكن لماذا لم يجعل الله هذه القوة جزءا من بيعتنببا ،بببدل ً احتياجتنببا
إلى قوة من خارجنا تسندنا ؟
أقول إنه قد منحنا هذه القوة حينما خلقنا 0ولكنه وضع إلى جوارها
حرية الرادة 0ونحن بحرية إرادتنا فقدنا تلك القوة بسقوطنا فجدد
الله طبيعتنا ،وفى نفس الوقت ترك لنا حرية الرادة 0
إن الله لم يرد أن يجعلنا مسيرين نحو الخير والبر ،وإل ما كان لنا
أجر إن فعلنا الخير 0إنما منحنا الختيار على أن تسند النعمة ضعفنا
00
وأيضا جعل النعمة قوة من الخارج ،لكى تظهر نية النسان فى
طلب النعمة ،واشترك النسان بإرادته مع عمل النعمة ،وتمسكه بها
،وشكره على ما تعمله النعمة معه 0
على أن النعمة إن لم تصل إلى النسان بصلته ،فقد تأتيه بصلة القديسين ،أو
بصلوات الكنيسة 0
أنت لست وحدك فى جهادك ،إنما هناك قديسون كثيرون يصلون
من أجلك 00سواء من القديسين الحياء أو الذين رحلوا عن عالمنا
الفانى 00ولعلنى أذكر كمثال صموئيل النبى الذى قال " حاشا لى
أن أخطئ إلى الرب ،فأكف عن الصلة من أجلكم " ) 1صم 23 : 12
( وكذلك قول القديس بولس الرسول " ) ذكرى إياكم دائما فى
أدعيتى ،مقدما ً الطلبة لجل جميعكم " ) فى ( 4 ، 3 : 1كذلك
الكنيسة تصلى باستمرار لجلك فى كل احتياجات حياتك وتلب لك
النعمة فى البركة التى تختم بها كل إجتماع ،بقول الب الكاهن "
محبة الله الب ونعمة إبنه الوحيد ،وشركة وموهبة الروح القدس
تكون مع جميعكم " ) 2كو ( 14 : 13ول ننس النعمة التى تأتينا عن
طريق شفاعة الملئكة وصلواتهم 0
النعمة تصل إلينا أيضا ً فى كل سر من أسرار الكنيسة :
فكل سر من أسرار الكنيسة سمى سرا ً لنه يحوى نعمة سرية ينالها
النسان عن طريق الصلة وعمل الكهنوت 0
ففى المعمودية مثل ً ينال نعمة غفران الخطايا ،نعمة البنوة لله
وللكنيسة ،وغير ذلك من النعم السرية التى ل يراها ،ولكنها توهب
له 0فالتبرير الذى يناله ،يقول عنه الكتاب " متبررين مجانا ً بالنعمة
) رو 0 ( 24 : 3
وفى سر الميرون ) المسحة المقدسة ( ينال نعمة أخرى هى سكنى
الروح القدس فيه 0وعن ذلك قال الرسول " أما تعلمون أنكم هيكل
الله ،وروح الله يسكن فيكم " ) 1كو ( 16 : 3وطبعا ً سكنى الروح
فينا هو نعمة سرية ل نراها ،وهى أيضا ً نعمة مجانا ً 0
وفى سر التوبة ينال النسان نعمة المغفرة 0
وفى سر الفخارستيا ينال المتناول نعمة الثبات فى الرب حسب
وعده ) يو ( 56 : 6
وفى سر الكهنوت ،ينال الكاهن الجديد نعمة أخرى سلطان الحل
والربط ،وممارسة السرار الكنيسة 0
وهكذا فى باقى السرار ،ينال ممارسها نعمة خاصة 00
لذلك نحن أيضا ً نعمد الطفال ،ليس فقط من أجل خلصهم ) مر ( 16 : 16إنما
أيضا ً لكى نفتح أمامهم الباب ليقبلوا النعم التى فى السرار الكنسييية
0
لماذا نحرم الطفال من نعمة البنوة ،ومن النعم الخاصة بكل سر
من السرار المقدسة ؟! لماذا ننتظر عليهم إلى يكبروا ،ويقضوا كل
تلك الفترة محرومين من كل تلك النعم ،بينما كلها نعم مجانية ؟!
نقول أيضا ً إن الذى يحرم نفسه من بعض السرار المقدسة المتاحة
له -كالعتراف والتناول
إنما يحرم نفسه من نعمة توهب فى كل سر 000
النعمة توهب أيضا ً للنسييان -ميين غييير السييرار ،وميين غييير أن يطلييب -كمجييرد
عطية من الله محبة الله وعنايته 0
الله الذى قيل عنه " من أجل صراخ المساكين وتنهد البائسين الن
أقوم يقوم الرب أصنع الخلص علنية " ) مز ( 5 :12وكما
قال الرب لموسى النبى " قد رأيت مذلة شعبى الذى فى مصر
وسمعت صراخهم بسبب مسخريهم 0إنى علمت أوجاعهم ، ،فنزلت
لنقذهم ) ( 00خر 0 ( 8 ، 7 : 3
مجرد أن الرب رأى مذلة الشعب ،وأنه سمع تنهد البائسين حتى
دون أن يطلب هؤلء أو أولئك ،يقوم الرب ليخلص ولينقذ 00هناك
أمثلة أخرى كثيرة فى الكتاب فيها النعمة توهب دون طلب :
مثال ذلك أنقاذ أسحق ،والسكين مرفوعة عليه :
ل اسحق طلب انقاذه ،ول ابراهيم طلب نجلة ابنه من يده ولكنه
النعمة اللهية تدخلت 0وإذا بابراهيم يسمع ذلك الصوت المملوء
حنوا ًً :ل تمد يدك إلى الغلم ،ول تفعل به شيئا ) " 00تك : 22
( 12إن نعمة الله هى التى افتقدت اسحق فى تلك اللحظة
الحرجة ،وأنقذته ،دون طلب 00
وأنت كذلك ،فى وقت ما ،دون جهد منك ،تزورك النعمة :
تجد قلبك ملتهبا ً نحو الله ،ومشتاقا ً إلى الحياة 0وكأنك تسمع صوت
الله فى داخلك يدعوك إليه 00إنها زيارة من النعمة 0
أو فى وقت ما ،تجد عندك مقاومة للخطية أو كراهية لها لم تكن
عندك من قبل ،وليست بمجهود منك 00بل هبة من النعمة 0وعلى
رأى القديس باسيليوس الكبير الذى سأله أحدهم عن رأيه فى
الشخص الذى كان ينوى أن يرتكب خية ولم يرتكبها ؟ فقال
القديس :ل شك أنه أعين من النعمة 0
ومن الجائز أيضا ً أن تأتيك النعمة ،من أجل رضى الوالدين أو ميين أجييل مسيياكين
قد أنقذتهم او فقراء اشفقت عليهم 0
بسبب بركة الوالدين تأتى النعمة ،لن المر باكرام الوالدين هو أول
وصية بوعد ) أف ( 2 : 6فمن أجل إكرامهما يهبك الله نعمة لن
حبهما لك يعمل كشفاعة فيك 00
كذلك يقول الكتاب " من يرحم الفقير ،يقرض الرب 0وعن معروفه
يجازيه " ) أم ( 17 : 19وكيف يجازيه ؟ ل شك بعمل النعمة فيه 0
وهكذا فى مثل وكيل الظلم ،يقول الرب " إصنعوا لكم أصدقاء بمال
الظلم " ) لو ( 9 : 16هؤلء الفقراء الذين أحسنت إليهم بهذا المال
الذى كنت قدظلمتهم قبل بعدم إعطائهم إياه ،يصيرون بإحسانك
إليهم أصدقاء لك يشفعون فيك فيرسل إليك الرب نعمته 00بل
النعمة أيضا ً تأتيك بسبب أى عمل خير قد فعلته 0وربما تكون قد
نسيته ،ولكن الله لم ينسه 0الله الذى ل ينسى حتى كأس الماء
البارد ) مت 0 ( 42 : 10
وقد تأتيك النعمة بسبب تواضعك 0
وفى ذلك يقول الكتاب إن " الله يقاوم المستكبرين 0أما
المتواضعون فيعطيهم نعمة " ) يع 1 ) ( 6 : 4بط ( 5 : 5عجيبة هذه
الية التى اقتبسها أكثر من رسول 00على أن اللله قد يعطى نعمة
بسبب فضيلة أخرى 00حتى دون أن تطلب 0
ومما يدل على أن النعمة يعطيها الله أحيانا ً ،دون طلب من المنعم عليه ،أن الله
يمنح النعمة حتى للجمادات والعجمادات 0
لقد فكرت مرة كيف استطاع يوسف الصديق أن يخزن خلل السبع
سنوات السمان قمحا ً يكفى للسبع سنوات العجاف ؟! ورأيت فى
ذلك عجبا ً من أعمال النعمة فقلت فى نفسى :
كيف أمكن للقمح المخزون أن يستمر فى المخازن سبع سيينوات أو أكييثر دون أن
يسوس ؟! أليس هذا عمل ً من أعمال النعمة 0
إنها النعمة التى حفظت القمح من السوس ،كما حفظت أجساد
الثلثة فتية فى أتون النار دون أن تحترق ،بل حفظت ملبسهم
أيضا ً ) دا ( 3وكما تحفظ أجساد بعض القديسين دون أن يدركهما
فساد ،فتظل بعد الموت سليمة لمئات السنين أو أكثر 00
إنها النعمة التى افتقدت الرض ،وباركت إلى العام السادس 0
فإذا بغلة العام السادس تكفى لثلث سنوات كما قال الرب إنه يأمر
ببركته للناس فيها ) ل ( 21 : 25تماما ً حسب وعده أيضا ً للنسان
البار " مباركة تكون ثمرة أرضك 00مباركة تكون سلتك ومعجنك "
) تث ( 5 ، 4 : 28إنها نفس النعمة التى باركت كوز الزيت وكور
الدقيق فى بيت أرملة صرفة صيدا ،فلم يفرغا طول مدة المجاعة
أيام إيليا النبى ) 1مل ( 16 : 17
وهكذا كثير من العامة يسمون الخبز نعمة 0
بل يسمون أيضا ً كل خير مادى يأتى للنسان إنه نعمة من الله 0إنها
نعمة الله التى تفتقد حتى العصافير الصغيرة يعطيها طعامها وهى
ل تزرع ول تحصد ول تجمع إلى مخازن ) مت ( 26 : 6وواحد منها ل
يسق بدون أبيكم ) مت " ( 29 : 10وليس واحد منها منسيا ً أمام الله
) لو ( 6 : 12ولذلك دون أن تطلب 0
نعمة الرب تهتم حتى بالدودة التى تسعى تحت حجر 00
ونعمة الرب تهتم بالفراشات وزنابق الحقل 0حتى أنه ول سليمان فى كل مجده
كان يلبس كواحدة منها ) مت ( 29 : 6
النعمة تجول فى كل مكان تصنع خيرا ً ،توزع العطايا والمواهب
وتمنح المعونات 0ل تحرم أحدا ًً من افتقادها له 00
ل يوجد إنسان فى الدنيا لم يأخذ نصيبه منها 0تعامل الكل بمبدأ
تكافؤ الفرص " ،فل يستطيع أحدا ً ،يشكو قائل ً إنه قد حرم منها
ومن أروع المثلة على اهتمام النعمة بالكل :مثل الزارع ) مت ( 13
لقد خرج ليزرع ،فألقى بذاره فى كل مكان 0نقرأ ببساطة أن بعض
البذار وقعت على الطريق ،والبعض على أرض محجرة والبعض
وسط الشوك ،والبعض فى أرض جيدة 0ومن جهة النعمة نرى
معنى عميقا ً ،نسأل فيه :أنت يارب كنت تعلم أن هذه الرض
محجرة ل تنبت نباتا ً ،ول مجال لبذار فيها 0فلماذا ألقيت عليها
بذارا ً ؟
يقول الرب :حتى الرض المحجرة ،ل أحرمها من نعمتى !
لبد للرض الحجرة أن تأخذ فرصتها ،مثل الرض الجيدة تماما ً 0
وكذلك الرض المملوءة شوكا ً ،لبد أن تزورها نعمتى ،ولو يظهر
نباتا ً قليل ً ثم يختنق ! 00وحتى الرض الجيدة ،ألقى بذارى على كل
أنواعها ودرجاتها :ما ينبت ثلثين ،وما ينبت ستين ،وما ينبت مائة
00
إننى ألقى بذارى فى كل موضع ،حتى لو أكله الطير 0أعطى كل إنسان فيضا ً
من نعمتى ،وأترك الباقى لحريته 00
ً
فى اختيار التلميذ :نجد أن النعمة أيضا لم تقتصر على المثالين
مثل يوحنا الحبيب 0إنما أعطت فرصة لنسان شكاك مثل توما ،
ولخر مندفع مثل بطرس 0أعطت الفرصة لجهال العالم وضعفاء
العالم ،وأيضا ً للذدرى وغير الموجود ) 1كو ( 28 ، 27وكذلك
لشخص مثا شاول الطرسوسى الذى قال عن نفسه " أنا الذى كنت
قبل ً مجدفا ً ومضطهدا ً ومفتريا ً 1 ) " 00تى ( 13 : 1بل أكثر من هذا
كله ،زارت النعمة إنسانا ً خائنا ً مثل يهوذا ،وأجاسته فى صحبة
الرسل الول !
ومن جهة النبوة زارت النعمة إنسانا ً خائنا ً ومحبة للمال ،هو بلعام 0
فتنبأ نبوءات صادقة عن المسيح ) عد ( 24 - 22كذلك زارت النعمة
شاول الملك ) الذى رفضه الرب فيما بعد ( فتنبأ هو أيضا ً حتى تعجب
؟! " ) 1صم ( 11 : 10 الناس قائلين " أشاول أيضا ً بين النبياء
ومن جهة الرعاية ،أتت النعمة أيضا ً إلى ديماس 0
فصار من تلميذ بولس الرسول ومن خير معاونيه ) كو ( 14 : 4ول
شك أن كثيرين آمنوا على يديه 00أما كونه فيما بعد ترك الخدمة أو
ترك اليمان ،وأحب العالم الحاضر ) 2تى ( 9 : 4فإن هذا ل يمنع
من أنه قد أخذ نصيبه من النعمة 00
ل يستطيع ديماس أن يقول " تركتنى النعمة ،أو لم تفتقدنى " ! كل
لقد أخذ نصيبه منها ،وكان نصيبا ً وافرا ً 0
ونقصد بها الدعوة إلى الخدمة أو إلى الكهنوت 0هذه التى قيل عنها
:
" ل يأخذ أحد هذه الوظيفة ) أو الكرامة ( بنفسه ،بل المدعو من الله كما هارون
) عب ( 4 : 5
ليس النسان هو الذى يدعو ،أو يقحم نفسه فى هذه الخدمة ،بل
الدعوة تأتيه من الله ،بعمل النعمة 0لهذا قال السيد المسيح
لتلميذه " لستم أنتم الذين اخترتمونى ،بل أنا الذى أخترتكم " ) يو
( 16 : 15وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم " وقال أيضا ً :
" أنا أخترتكم من العالم " ) يو ( 29 : 15
الدعوة إذن عمل من أعمال النعمة 0لذلك يقول الكتاب :
" الذين سبق فعرفهم ،سبق فعينهم 00وهؤلء دعاهم أيضا ً ) رو ( 29 ، 28 : 8
إذن النعمة دعت هؤلء ،بناء على علم الله السابق بما سيكونون
عليه بكامل إرادتهم فى حياتهم المقبلة 0كما حدث مع يعقوب
وعيسو " 0لنهما وهما لم يولدوا بعد ،ول فعل خيرا ً أو شرا ً 00
قيل لها ) لرفقة ( :إن الكبير يستعبد للصغير ) رو ( 12 ، 11 : 9
) تك ( 23 : 25
وهكذا فإن أعجب نوع من الدعوة ،الذين دعاهم الله من بطون أمهاتهم !
مثل ما دعا يوحنا المعمدان من بطن أمه ،ومله من الروح القدس ،
لكى يتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ) لو ( 16 ، 15 : 1ليكون الملك
الذى يهيئ الطريق قدامه ) مر ) ( 2 : 1مل ( 1 : 3
ومثلما دعا شمشون ونذره لنفسه قبل أن يولد ) قض ( 5 : 13
وفيما بعد صار روح الرب يحركه ) قض ( 25 : 13
ومن أجمل هذه المثلة ،قول الرب لرمياء :
" قبلما صورتك فى البطن عرفتك 0وقبلما خرجت من الرحم قدستك 0جعلتك
نبيا ً للشعوب " ) أر ( 5 : 1
حقا ً ،ماذا كانت إرادة أرميا قبل أن يولد ؟ أو ماذا كانت قوته أو
اتجاهاته ! وحتى بعد ولدته 0هذا الذى قال " ل أعرف أن أتكلم
لنى ولد " ) أر ( 6 : 1ولكنها إرادة الله ،ونعمته التى اختارت 00
إنها النعمة التى دعت أشخاصا ً معينين ،بناء على إرادة الله الصالحة
وحكمته 0وفى ذلك قال بولس الرسول :
لما سر الله الذى أفرزنى من بطن أمى ،ودعانى بنعمته ،أن يعلن ابنه ،لبشر
به بين المم ،للوقت لم أستشر لحما ً ول دما ً ) غل ( 16 ، 15 : 1
جميلة هذه العبارة " دعانى بنعمته " وعميقة فى تعبيرها عن هذا
القديس 0حقا ً إن شاول الطرسوسى الذى كان يضطهد الكنيسة
بعمق ،ويسطو على الكنائس ويدخل البيوت ويجر رجال ً ونساء ،
ويدخلهم إلى السجن " ) أع 0 ( 3 : 8هل كان يظن هذا النسان أنه
سوف يصير رسول ً للمسيح ومبشرا ً به بين المم ؟! كان ذلك
مستحيل ً 0ولكن النعمة افتقدته فى طريق دمشق 0وقال له الرب
" صعب عليك أن ترفس مناخس " ) أع 00 ( 5 : 9ولم تكن تلك
المناخس إل عمل النعمة فيه 00
لعل العض يقول :وما ذنبى أن الله لم يدعنى ؟!
نقول له :ل ذنب لك ،إل لو كانت شخصيتك ل صلحية لها للعمل
بسبب نقائص أو أخطاء 00أو قد أعد لك طريقا ً آخر 00وعلى
العموم ليست الدعوة إلى الخدمة ،سوى إلى صليب تحمله ،وإلى
مسئولية ،وإلى تعب وجهد وعرق ودموع وفيها " كل واحد سيأخذ
أجرته بحسب تعبه " ) 1كو ( 8 : 3
وقد ل تكون رسول ً ول نبيا ً ،ولكن " أجر نبى تأخذ " ) مت ( 41 : 10فل تتضايق
إذن إن لم تكن نبيا ً !
إن الله ل يهمه نوعية العمل الذى تعمله ،بقدر ما يهمه نوعية القلب
الذى يعمل ،وأسلوبه فى العمل وعمقه 0
ً
اسطفانوس الشماس ،لم يكن رسول ً ول اسقفا ،بل مجرد شماس
ومع ذلك كان لعملع عمق كبير ،ورأى الناس وجهه وكأنه وجه ملك
) أع ( 15 : 6واستحق أن يرى السماء مفتوحة ) أع ( 56 : 7
ما نقوله عن الذين يرفضون الكهنوت ،نقوله أيضا ً فى مجال الرهبنة 0
تحرك النعمة قلب إنسان للزهد فى العالم والتفرغ لله ،فليلتهب
قلبه للبدء فى هذا الطريق الملئكى ،فتقوم قائمة أسرته كما لو
كان قد هلك أو سيهلك! كما لو كانت الرهبنة تهمة أو عارا ً !! 00
ولماذا ؟! أليست نعمة أن يسكن فى بيت الرب ،ويستمع إلى قول
المزمور " طوبى لكل السكان فى بيتك 0يبارمونك إلى البد " ) مز
00 ( 4 : 84أو قوله أيضا ً " واحدة طلبت من الرب وإياها ألتمس :
أن
أسكن فى بيت الرب كل أيام حياتى 0لكى أنظر نعيم الرب ،
وأتفرس فى هيكله المقدس ) مز ( 4 : 27
ً
النعمة تعرض على البعض ،فل يرون أنها نعمة 0ويظنون أن حياتهم بعيدا عن
هذه النعمة هى أفضل !!
ينطبق على هؤلء قول المثل الشعبى " ده مش وش نعمة ! ويدخل
فى هذا المجال أيضا ً كل الذين عمل التكريس لخدمة الرب 0بعكس
هؤلء شاول الرسوسى الذى لما أتته النعمة قال " للوقت لم
استشر لحما ً ول دما ً ،ول صعدت إلى أورشليم ،إلى الرسل الذين
كانوا قبلى " ) غل ( 17 : 1
وعكس هؤلء أيضا ً قديسون آخرون قبلوا الدعوة :
متى العشار ،الذى دعى وهو فى مكان الجباية ،فقام وترك كل
شئ وتبع الرب ) مت ( 9 : 9وبطرس وإندراوس ،لما دعاهم الرب ،
تركا السفينة والشباك وسارا وراءه ليصيرا من صيادى الناس ) مت
( 20 - 18 : 4وكذلك فعل يعقوب ويوحنا أخوه ) مت ( 22 ، 21 : 4
وبالمثل فعلت المرأة السامرية التى تركت جرتها ومضت تبشر به
) يو ( 28 : 4ومن قبل ترك موسى قصر فرعون حاسبا ً عار المسيح
غنى أعظم من خزائن مصر " ) عب ( 26 : 11وبالمثل فعل أبونا
ابراهيم ،لما ترك أهله وعشيرته وبلده ،ومضى وراء الله ،وهو ل
يعلم إلى أين يذهب ) عب 0 ( 8 : 11
كل أولئك استجابوا للدعوة وأطاعوا ،وضحوا من أجلها 0
فإن لم تدعوا أنتم دعوة كبيرة كهؤلء 0فعل القل دعيتم لكى
تكونوا هياكل لله ومسكنا ً لروحه القدوس ) 1كو ( 16 : 3ليعمل الله
فيكم وبكم 00فمن منكم يجرؤ أن يرفض تلك الدعوة اللهية ؟! ليت
كل إنسان يصلى بدموع أن ينال هذه الدعوة ،وأن يراه الله مستحقا ً
لها 0ول يكون كالذى تمر به الدعوة اللهية ،فل يراها ول يشعر بها
0كما قيل إن النور أضاء فى الظلمة ،والظلمة لم تدركه " ) يو : 1
00 ( 5
نضرب مثل ً غير هؤلء وهو :
هناك أشخاص يلقون بأنفسهم فى طريق الرب ،فيدعوهم بنعمته :
هم الذين يبدأون 0ثم يدعوهم الله حينما يرى أمانتهم ،أو بعد ان
يعدهم إعدادا ً صالحا ً للخدمة 0مثل موسى المير الذى ألقى بنفسه
فى طريق الخدمة 0ولكنه ارتكب أخطاء فى البداية 0فأخذه الله
وأعده فى البرية ،ثم أرسله ) خر ( 3 ، 2وفى يوم من اليام ،أتاه
صوت الله من العليقة " أنا إله أبيك ابراهيم وإله اسحق ،وإله
يعقوب 00إنى رأت مذلة شعبى الذى فى مصر 00فالن هلم
فأرسلك إلى فرعون ) " 00خر 0 ( 10-3 : 3
اشعياء النبى مثل من أعجب المثلة فى الدعوة 0
سمع صوت الرب قائل ً " من أرسل ؟ ومن يذهب من أجلنا ؟ 00
) أش ( 8 : 6فقدم اشعياء نفسه وقال " هأنذا فأرسلنى " 00
من منكم -كاشعياء -يلقى نفسه أمام الرب قائل ً :هأنذا
فارسلنى ؟
إن الدعوة نعمة من الله 0هناك من يسعى إليها 0وهناك من تأتيه
النعمة دون سعى منه ،فيقبلها 0وهناك من تأتيه فيرفضها 0
وهناك أشخاص يعقدون المور 0وكلما تأتيهم النعمة يشكون 00
ويتساءلون أحقا هذه دعوة ؟! ول يميزون صوت الله 00
نشكر الله الذى دعانا جميعا ً بنعمته ،لكى نكون ابناء الله ،أمة
مقدسة وكهوتا ً مقدسة ،مبنيين كحجارة حية ،بيتا ً روحيا ً 00جنسا ً
مختارا ً وكهنوتا ً ملوكيا ً ) 1بط ( 9 ، 5 : 2
نحن ل نستطيع أن نحمى أنفسنا أو نحفظ أنفسنا ،من أى خطر أو
من أى شر 0الله هو الذى يحافظ علينا 0لهذا نصلى قائلين :
ل تدخلنا فى تجربة ،لكن نجنا من الشرير ) مت ( 13 : 6
لو كنا نحن نستطيع أن ننجى أنفسنا ،ما كنا نطلب من الله فى كل
يوم أن ينجينا من الشرير 0ونقول فى تحليل صلة الغروب يوميا ً :
" نجنا من حيل المضاد ،وابطل سائر فخاخه المنصوبة لنا " 00
وأيضا ً نلب فى صلة النوم قائلين :تفضل يارب أن تحفظنا فى هذا
بغير خطية 00
الحفظ الذى نطلبه من نعمة الله ،هو حفظ من التجارب والضيقات ،وحفظ من
السقوط فى الخططية ،وحفظ من مكايد الشيطان والناس الشرار 0
حقا ً إننا ل نحمى أنفسنا ،وإنما الله هو الذى يحمينا 0وما أكثر
المزامير التى تغنى بها داود النبى فى هذا المعنى 00
إننا كثيرا ً ما نعتمد على عقولنا وعلى قوتنا لتحفظنا ،أو قد نعتمد
على الناس وحيلهم أو على سلطانهم ،ونترك العتماد على نعمة
الله الحافظة 0ويقف أمامنا قول المرتل فى المزمور :
" إن لم يبن الرب البيت ،فباطل ً هو تعب البناءون "
وإن لم يحرس الرب المدينة ،فباطل ً سهر الحارس " ) مز ( 1 : 127
ويقول فى مزمور آخر " :التكال على الرب ،خير من التكال على
البشر 0الرجاء بالرب ،خير من الرجاء بالرؤساء " ) مز ، 8 : 118
(9
كان يعقوب أو الباء هاربا ً من بطش عيسو أخيه 0ثم افتقدته فى
الطريق نعمة الله الحافظة 0وقال له الرب :
" ها أنا معك ،وأحفظك حيثما تذهب ،وأردك إلى هذه الرض " ) تث ( 15 : 28
ووفى الله بوعده 0وكان الحفظ اللهى مع يعقوب طوال رحلته
فى ذلك الهروب حتى أعاده سالما ً إلى بيت أبيه 0حفظه من لبان
الذى جرى وراءه فى هروبه وفتش أمتعته ،وحذر الله لبان من جهة
يعقوب ) تك ( 29 ، 24 : 31وحفظه الله من أهل شكيم ،فلم
ينتقموا منه ) تك ( 31 ، 30 : 34وحفظه الرب من عيسو أخيه فلم
يؤذه بشئ ) تك ( 33على الرغم من أن يعقوب كان خائفا ً منه جدا ً )
تك ( 11 : 32
حقا ً ،لو ل نعمة الله الحافظة ،لهلكنا جميعا ً 0
ما أكثر الخطار التى تقوم علينا ،ونتعرض لها فى عنفها 0ولكننا
فى هذه جميعها يعظم انتصارنا بالذى أحبنا " ) رو ( 37 : 8ونصلى
قائلين فى المزمور " لو ل أن الرب كان معنا -حين قام الناس
علينا ،لبتلعونا ونحن أحياء عند سخط غضبهم علينا 00نجت أنفسنا
مثل العصفور من فخ الصيادين 0الفخ أنكسر ونحن نجونا عوننا من
عند الرب الذى صنع السماء والرض " ) مز ( 124
؟! أكان يستطيع أن يكسر يقينا ،ماذا كان يستيع هذا العصفور المسكين أن يفعل
فخ الصيادين بنفسه ؟! محال 00
ومع ذلك فهو يصلى وقول " الفخ أنكسر ،ونحن نجونا " وتسأله
كيف أنكسر ؟! فيجيب :إنها نعمة الله الحافظة 0النعمة التى نفتقد
الضعفاء 0والتى تغنى بها داود فقال جميع عظامى تقول :يارب ،
من مثلك ؟! المنقذ المسكين ممن هو أقوى منه ،والفقير والبائس
من سالبه " ) مز 00 ( 10 : 35
ويقول نفس المعنى فى مزمور آخر :
كثيرة هى أحزان الصديقين ،ومن جميعها ينجيهم الرب ) مز ( 19 : 34
ويقول بعدها مباشرة " يحفظ جميع عظامهم ،وواحدة منها ل
تنكسر " ) مز ( 10 : 34نعم ،غنها النعمة الحافظة 00وفيها يعدنا
الرب فى المزمور فيقول " ل تخش من خوف الليل ،ول من يطير
بالنهار 0يسقط عن يسارك ألوف ،وعن يمينك ربوات ،وأما أنت
فل يقتربون إليك 00لتصيبك الشرور ،ول تدنو ضربة من مسكنك 0
لنه يوصى ملئكته بك ليحفظوك فى سائر طرقك 0على ايديهم
يحملونك ،لئل تعثر بحجر رجلك " ) مز ( 91حقا ً إنها النعمة
الحافظة 00
والنعمة الحافظة لها مزمور خاص ،تكثر فيه عبارة ) يحفظك( فيقول :
" الرب يحفظك 0الرب يظلل على يدك اليمنى ،فل تضربك
الشمس بالنهار ،ول القمر بالليل 0الرب يحفظك من كل سوء 0
الرب يحفظ نفسك 0الرب يحفظ دخولك وخروجك ،من الن وإلى
الدهر ،هللويا " ) مز 0 ( 121
هذه هى النعمة الحافظة التى تتولك فى كل أمورك ،وفى كل
تحركاتك ،فى دخولك وخروجك ،وتحفظ نفسك 0000
الرب هو سور خلصنا ،يرعانا ويحفظنا من كل سوء يحفظنا كلما
أراد العداء إسقاطنا 0وفى ذلك يقول المرتل :
" دفعت لسقط ،والرب عضدنى " ) مز 0 ( 13 : 118
هى النعمة الحافظة ،التى تحفظنا من السقوط 0
لغن وجدت نفسك قائما ً ولم تسقط ،فل تفتخر كأنك أقوى من
السقوط 0فالكتاب يقول عن الخطية " :طرحت كثيرين جرحى ،
وكل قتلها أقوياء " ) أم ( 26 : 7إنما هى النعمة الحافظة ،التى
حفظتك من السقوط فلم تسق 0ولو أن النعمة تخلت عنك ولو
لحظة لشابهت الساقطين فى الجب 0هوذا المرتل يقول :
" فى الطريق التى أسلك أخفوا ً لى فخا ً 0تأملت عن اليمين
وأبصرت ،فلم يكن من يعرفنى 0ضاع المهرب منى ،وليس من
يسأل عن نفسى 0فصرخت إليك يارب بن وقلت أنت هو رجائى
وحظى فى أرض الحياء 00نجنى من الذين يضطهدونى ،فإنهم قد
أعتزوا أكثر منى ) " 00مز ( 6- 3 : 142
إن النعمة الله الحافظة لنا ،يمكن أن تحول حياتنا كلها إلى شكر 0
فنتغنى بعمل النعمة معنا ،فى كل ما نتعرض له من مشاكل 0
ونقول " باركى يا نفسى الرب ،ول تنس كل حسناته " ) مز : 103
( 2ونقول مع المرتل "" سبحى الرب يا أورشليم سبحى إلهك يا
صهيون 0لنه قوى مغاليق أبوابك ،وبارك بنيك فيك 0الذى جعل
تخومك فى سلم ،ويملك من شحم الحنطة " ) مز ( 14 - 12 : 147
0
ونعمة الله الحافظة تجعلنا نعيش فى اطمئنان وإيمان ،واثقين بعمل النعمة من
أجلنا ،فى حفظنا 0
فى هذه الثقة بعمل النعمة الحافظة نقول للرب " إن سرت فى
وادى ظل الموت ،ل أخاف شرأ ً لنك أنت معى 0عصاك وعكازك
هما يعزياننى " ) مز 0 ( 4 : 23أيضا ً نقول أنا مطمئن " ) مز 3 : 27
( 00ولماذا هذا الطمئنان وعدم الخوف ؟ سببه الثقة بالنعمة
الحافظة 0فأنا واثق من قبل بعمل النعمة الحافظة معى 0لنه "
عندما اقترب إلى الشرار ليأكلوا لحمى ،مضايقى وأعدائى عثروا
وسقطوا " ) مز ( 2 : 27
هذه النعمة الحافظة ،هى التى حفظت دانيال فى جب السود 0
وتغنى دانيال بهذا فقال " إلهى أرسل ملكه ،فسد أفواه السود
) دا ( 21 : 6أكان دانيال يستطيع أن ينقذ نفسه من بطش السود
به فى الجب ؟! كل ،طبعا ً 0ولكنها النعمة الحافظة 00
ونفس الوضع بالنسبة إلى الثلثة فتية فى أتون النار 0
وبالنسبة إلى الفتى داود أمام جليات الجبار 0
النعمة التى حفظت الثلثة فتية " ،فلم تكن للنار قوة على
أجسامهم ،وشعرة من رؤوسهم لم تحترق " ) دا ( 27 : 3وخرجوا
من النار أحياء على الرغم من أن نبوخذ نصر كان قد " أمر أن يحموا
التون سبعة أضعاف أكثر مما كان معتادا ً أن يحمى " ) دا ( 19 : 3
ولكنها النعمة الحافظة هى أنقذتهم 0
وهكذا النعمة الحافظة حفظت داود من بطش جليات الجبار الذى لما
رأه " احتقره ،لنه كان غلما ً وأشقر جميل المنظر " ) 1صم : 17
( 42فماذا تستطيع حصاة فى مقلع ذلك الغلم أن تفعل ؟! إنها
النعمة الحافظة 00
النفس البشرية مهما كانت ضعيفة ،تشعرها النعمة الحافظة
بالطمئنان 0فينظر إليه الملئكة وينشدون :
من هذه الطالعة من البرية مستندة على حبيبها ) تش ( 5 : 8
طالعة من برية العالم ،مستندة على النعمة الحافظة التى تحيط بها
الرب الذى تحبه 0لنها بذاتها ل تستطيع شيئا ً ) يو ( 5 : 15ولكنها
فى كل حياتها تستند على الحفظ اللهى الذى تقدمه النعمة 00إنها
ل تدعى القوة 0بل تقف أمام الله كالطفال 00
يقول الوحى اللهى :
" حافظ الطفال هو الرب " ) مز ( 6 : 116
حافظ المتضعين والبسطاء ،الذين ل يعتمدون على ذراعهم
البشرى ،وإنما على نعمة الله الحافظة 0كالطفل الذى حينما يسير
فى ميدان عام مزدحم ،لبد أن يمسك بيد أبيه 0وكالشعب أيام
موسى النبى ،ما كان قادرا ً أن يقف أمام فرعون ومركباته
وفرسانه 0بل اعتمد على نعمة الرب ،حسب قول موسى النبى :
" الرب يقاتل عنكم ،وأنتم تصمتون " ) خر ( 14 : 14
فما معنى عبارة " الرب يقاتل عنكم " ؟ معناه أن نعمة الرب سوف
تحفظكم 0هى التى تشق البحر أمامكم ،وتجعل المياه مثل سور
عن يمينكم ويساركم إلى أن تعبروا بسلم " ) خر 0 ( 22 : 14
انتم ل تستطيعون أن تحافظوا على أنفسكم فى وسط البحر
ومركبات فرعون خلفكم 0إنما نعمة الله هى التى تحفظكم سالمين
0
فل يقوى عليكم فرعون ،ول يقوى عليكم البحر الحمر 00
نعمة الله هى التى حفظت الشهداء أثناء محاكماتهم وأثناء تعذيتهم 0
حفظتهم من كل الغراءات التى تعرضوا لها ،ومن كل
التهديداتالتى هددوهم بها ،وحفظتهم أثناء احتمالهم لللم
والعذابات 0كما حفظتهم من الشكوك وأفكار العدو 00وظل حفظ
النعمة لهم حتى أكملواا جهادهم بسلم 00حفظتهم النعمة من
الخوف ،ومن تأثير العذاب على معنوياتهم 000
ونعمة أيضا ً هى التى حفظت آباءنا المتوحدين فى البرارى والقفار وفى شقوق
الجبال 0
عاشوا فى البرية فى وحدة موحشة ،فحفظتهم النعمة من الضجر
والقلق ،ومن الخوف ،من الوحخوش الضارية ،ومن الحيات
والعقارب والثعابين ودبيب الرض وكل المؤذيات 0وحفظتهم من
حر الصيثف وبرد الشتاء وكل تقلبات الطبيعة 0كما حفظتهم أيضا ً
من خدعات الشياطين وحيلهم وحروبهم ومناظرهم المفزعة 0ل
شك أنها النعمة الحافظةى التى لولها ما استطاع أولئك القديسون
أن يصمدوا عشرات السنوات فى حياة الوحدة 0وبخاصة الباء
السواح الذين كانوا يقضون عمرهم ل يرون وجه إنسان 00
وهى النعمة الحافظة التى حفظت من قال عنهم الرب :
وإن شربوا سما مميتا ً ل يضرهم ) مر 0 ( 18 : 16
كما كما حدث مع القديس الشهيد مارجرجس ،الذى كلفوا ساحرا ً أن
يجهز له سما ً مميتا ً وأمروه بشربه ،فرشم عليه علمة الصليب ،
وشربه ودون أن يضره بشئ 0فآمن الساحر الذى جهز له السم 0
إنها النعمة الحافظة التى حفظته وقتذاك 0
أتقول 0ولكن ليس الجميع يحدث لهم هذا 00أقول لك :ليس بسبب نقص من
جهة عمل النعمة ،ولكن بسبب نقص فى إيمانهم أو بسبب تدبير إلهى من جهة
حياتهم أو رحيلهم 0
اسأل نفسك :هل عندك إيمان بعمل النعمة فيك وبحفظك لك ؟ لو
كان لك هذا اليمان ،لرأيت عجبا ً فى حياتك 00ومع ذلك ،إن لم
يكن لك اليمان ،فعلى القل :لتكن لك الذاكرة 00حاول أن تتذكر
كم عمل الرب معك فى الماضى ،وكم افتقدتك النعمة الحافظة
فأنقذتك تذكر عمل الرب بنعمته ،ول تنس كل أحساناته 0
ليس فقط فى المور المعجزية ،والفائقة للطبيعة ،بل حتى فى
أمور الحياة اليومية وكيف ترى حفظ النعمة لك 00
وهنا أتذكر قول داود النبى عن النعمة الحافظة :
ضع يارب حافظا ً لفمى ،وبابا ً حصينا ً لشفتى " ) مز ( 3 : 141
فإن مر عليك وقت لم تخطئ فيه بشفتيك ،اعرف أن النعمة
الحافظة قد حفظت باب شفتيك حسب قول المزمور 00
أشخاص كثيرون يشكرون على حفظ النعمة لهم فى المور التى
يعرفونها فقط 0أقصد الحفظ اللهى الواضح 0
لكن النعمة تحفظ كثيرين من تجارب ل يعرفونها 0منعتها النعمة قبل وصولها
إليهم 0
وضع الله حدا للناس الشرار ومنعهم من اليذاء 0 ً
وضع حدا ً للشيطان فى تجاربه 0كما قال له أيوب الصديق " ولكن ل
تمس نفسه ) أى ( 6 : 20
ً
إن أيوب حينما قال " ليكن إسم مباركا " كان يقصد التجارب الخاصة
بالملك والبنين 0ولكن هل كان يشكر على حفظ الله لنفسه ،
ومنع الشيطان من أن يقترب إلى قلبه وفكره وروحه 0
كل الخيرات التى تحيط بالنسان هى عطية النعمة 0لذلك فإن الذى
يحيا فى رغد من العيش ،يقول عنه عامة الناس " فلن عايش فى
نعمة " 0
إنها النعمة التى تعطى البركة فى كل ما يمكله النسان ،فيزيد
جدا ً ،ويتسع ،كما قال الرب فى وعوده لمن يطيع وصاياه :
" مباركا ً تكون سلتك ومعجنك " ) تث ( 5 : 28
" مباركة تكون ثمرة بطنك وثمرة أرضك وثمرة بهائمك :نتاج بقرك
وإناث غنمك " ) تث ( 4 : 28يأمر لك الرب بالبركة فى خزائنك وكل
ما تمتد إليه يدك " " يفتح لك الرب كنزه الصالح 0ليعططى مطر
أرضك فى حينه ) " 00تث 0 ( 12 ، 8 : 28
وليس هذا فقط فى الخيرات المادية ،بل يقول الكتاب :
كل عطية صالحة ،وكل موهبة تامة ،هى من فوق ،نازلة من عند أبى النوار " )
يع 0 ( 17 : 1
إن مباركة ما عندك ،هى من النعمة التى تعطى ،فل يعوزك معها
شئ " )مز ( 1 : 23النعمة التى تعطى بركة للخمس خبزات
والسمكتين ،فتكفى لطعام خمسة آلف رجل ما عدا النساء
والطفال ،ويفضل عنهم الكثير ) 0 ( 21- 17 : 14
إنها النعمة المعطية التى تنزل المن والسلوى من السماء ،فتغطى الرض ) خر
( 13 : 16
وقال موسى النبى عن ذلك المن " هو الخبز الذى أعطاكم الرب
لتأكلوا " ) خر ( 15 : 16
النعمة أيضا ً فجرت لهم ماء من الصخرة ) مز ( 20 : 78
إنها النعمة التى تفتح كوى السماوات ،فتفيض بركة حتى ل توصع "
) مل ( 10 : 3
ً
نعمة الرب تعطى بسخاء ،وتبارك القليل فيصير كثيرا 0
هى التى باركت كوار الدقيق وكوز الزيت فى بيت أرملة صرفة صيدا ً
،فى عهد إيليا النبى 0فلم يفرغ كوار الدقيق ،ولم ينقص كوز
الزيت طول فترة المجاعة ) 1مل 0 ( 15 ، 14 : 17
إنها النعمة التى عاش بها تلميذ السيد المسيح 0
فخرجوا إلى الخدمة ،بل ذهب ول فضة ول نحاس فى مناطقهم ،
ول مزود للطريق " ) مت ( 10 ، 9 : 10ولم يعوزها شئ ) لو : 22
( 35كانت نعمة الله هى التى ترعاهم فى طريق خدمتهم ،وتسد
كل اختياجاتهم " :كفقراء ،ونحن نغنى كثيرين ! كأن ل شئ لنا ،
ونحن نملك كل شئ " ) 2كو ( 10 : 6بل ما أجمل قول الرب
للقديس بولس الرسول :
" تكفيك نعمتى 2 ) " 00كو ( 9 : 12
إلى هذا الحد ،تكون النعمة كافية ،فى المرض ،فى الضعف فى
الفقر والعوز 0ل يحتاج النسان إلى شئ آخر ،مادامت النعمة تعمل
فيه ،وتعمل من أجله 00
ً
النعمة خرج بها أبونا ابراهيم من أرضه فقيرا 0وعاش بعد ذلك
كأغنى أغنياء الرض 00وخرج بها موسى النبى هاربا ً من أرض مصر
،وهو ل يملك أى شئ 0ثم عاد ليصير " إلها لفرعون " ) خر ( 1 : 7
وخرج بها يوسف الصديق ،وهو عبد للسماعيليين ثم عبد لفوطيفار
00وتولته النعمة حتى صار " أبا ً لفرعون ،وسيدا ً لكل بيته ،
ومتسلطا ً على كل أرض مصر " ) تك ( 8 : 45
أعطته العناية اللهية نعمة فى أعين الكل 0
أعطاه الرب نعمة فى عينى فوطيفار ،فوكله على بيته ،ودغع إلى
يده كل ما كان له ) تك ( 4 : 39ولما ألقى فى السجن " بسط الله
إليه لطفا ً 0وجعل له نعمة فى عينى رئيس السجن " ) تك : 39
( 21فدفع إليه جميع السرى 0ولم يكن رئيس بيت السجن ينظر
شيئا ً البتة مما فى يده " ) تك ( 23 : 39ثم اعطاه الرب نعمة فى
عينى فرعون ،فجعله الثانى فى المملكة 0وخلع خاتمه من يده
وجعله فى يد يوسف " 0وقال له بدونك ل يرفع إنسان يده ول رجله
فى كل أرض مصر " ) تك ( 44 ، 42 : 41
نعمة الرب عملت أيضا ً مع يعقوب أبى الباء :
فقال للرب -عرفانا ً بنعته -صغيرا ً أنا عن جميع ألطافكوجميع
المانة التى صنعت إلى عبدك 0فإنى بعصاى عبرت هذا الردن ،
والن قد صرت جيشين " ) خر ( 10 : 32وأعطاه الرب نعمة فى
عينى أخيه عيسو-وهو خائف منه -فركض عيسو للقائه وعانقه ،
ووقععلى عنقه وقبله ،وبكيا " ) تك ( 10 ، 4 : 33
دائما -فى لغة الكتاب المقدس -يعتبر عن رضى شخص على آخر ،بكلمة " وجد
نعمة فى عينيه " 0
كما قال الكتاب عن دانيال النبى " وأعطى الله دانيال نعمة ورحمة
عند رئيس الخصيان " ) دا ( 9 : 1وكما قال أبونا يعقوب لعيسو أخيه
" إن وجدت نعمة فى عينيك ،تأخذ هديتى من يدى ) 00تك : 33
( 10وكما قال لبنه يوسف " إن كنت قد وجدت نعمة فى عينيك 00
أصنع معى معروفا ً وأمانة :ل تدفئى فى مصر ،بل أضططجع مع
آبائى " ) تك ( 30 ، 29 : 47وكما قال جدعون لملك الرب " إن
كنت قد وجدت نعمة فى عينيك ،فاصنع لى علمة ) قض ( 17 : 6
وقيل عن الكلق " إن أخذ رجل إمرأة وتزوج بها فإن لم تجد نعمة
فى عينيه 00وكتب لها كتاب طلق ) " 00تث ( 1 : 34
النعمة أيضا ً تعطى كلمة للمبشرين والوعاظ 0
كما قيل فى المزمور " انسكبت النعمة على شفتيك " ) مز ( 2 : 45
وقيل عن السيد الرب وهو يتكلم فى المجمع ويشرح ما ورد عنه فى
سفر أشعياء النبى كان الجميع يشهدون له ،ويتعجبون من كلمات
الخارجة من فمه " ) لو ( 22 : 4وهكذا كان بولس الرسول يطلب
أن تعطيه النعمة ما يتكلم بها 0فقال فى رسالته إلى أفسس "
مصلين بكل صلة وطلبة 00لجلى لكى يعطى لى كلم عند افتتاح
فمى ،لعلم جهارا ً بسر النجيل " ) أف ( 19 ، 18 : 6
النعمة أيضا ً تعطى قوة :
كما قال القديس بولس الرسول لتلميذه تيوثاوس " فتقو أنت يا
ابنى بالنعمة التى فى المسيح يسوع " ) 2تى 2ك ( 1وقال عن
فاعلية النعمة فى خدمته " ولكن بنعمة الله أنا ما أنا 0ونعمته
المعطاة لى لم تكن باطلة ،بل أنا تعبت أكثر من جميعهم 0ولكن ل
أنا ،بل نعمة الله التى معى " ) 1كو ( 10 : 15وقيل عن خدمة
أبولس فى أخانية "" فلما جاء ساعد كثيرا ً بالنعمة الذين كانوا قد
آمنوا " ) أع ( 27 : 18
وقيل عن النعمة فى تبشير الرسل بالقيامة " وبقوة عظيمة كان
الرسل يؤدون الشهادة بقيامة الرب يسوع 0ونعمة عظيمة كانت
على جميعهم " ) أع ( 33 : 4إن القوة العظيمة فى شهادتهم ،
كانت بسبب النعمة العظيمة التى عليهم 0
ل شك أن الوعظ يحدث تأثيره ،بسبب عمل النعمة فى كلماته 0
النعمة قوة خفية تعطى للنسان 0
تحرك فيه محبة الله ،تحرك فيه الرغبة فى التوبة 00تعطيه مشاعر
مقدسة 00وتعطيه قوة على السير فى طريق الله ،وقوة على
الصمود أمام حروب العدو واغراءاته 00
النعمة هى التى تعطى المواهب 0وتعطى للمتواضعين 0
فالمواهب هى هبة من الله ،هى عطية من نعمته 0لذلك ل يجوز أن
يفتخر إنسان بمواهبه ،لنها ليست منه بل موهوبة له 0الله أنعم
عليه بها ،إذن هى من عمل النعمة 0
ولذلك فالمواهب وكل عمل النعمة ،إنما يتمتع بها المتواضعون كما
يقول الكتاب " تسربلوا بالتواضع 0لن الله يقاوم المستكبرين أما
المتواضعون فيعطيهم نعمة " ) 1بط ( 5 : 5تكرر نفس الكلم فى
رسالة معلمنا يعقوب الرسول ) يع ( 6 : 4
فالمتكبر إذ يستخدم نعمة الله للفتخار وتمجيد ذاته ،تفارقه النعمة
لنه لل يستخدمها لضرورة روحيا ً 0وهكذا ورد أيضا ً فى العهد
القديم ،فى سفر المثال يعططى نعمة للمتواضعين " ) أم : 3
( 34
أما النعمة التى يعطيها الله كمكأفاة فمثالها ما وهبه الله ليوب
الصديق مكأفاة على صبره واحتماله ) أى ( 42وما وهبه لسليمان
مكافأة له على أنه طلب الحكمة فقط ،ولم يطلب لنفسه غنى ،ول
طلب أنفس اعدائه ) 1مل ( 13 – 11 : 3
هناك أنواع أخرى من جهة عمل النعمة 0نعمة تعمل فينا من الداخل 00ونعمة
تعمل خارجنا من أجلنا :تعمل فى الوساط المحيطة بنا ،وضد القوات
المحاربة لنا 00
نعمة تعمل من أجلنا روحياتنا ،تقودنا للتوبة ،أو ترفعنا فى درجات
اللهية 0ونعمة تهب المعجزات واليات والقوات والعجائب 0
وهكذا توجد نعمة تعطى ما هو فى حدود الطبيعة البشرية ونعمة
تعطى ما هو فوق الطبيعة 0
توجد نعمة تبدأ العمل فينا 0ونعمة حينما نبدأ نحن ،تشترك فى العمل معنا 0
النعمة التى تبدأ ،هى التى تغرس فكرا ً معينا ً فى أذهاننا شعورا ً
معينا ً فى قلوبنا ،ليس مصدره من ذاتنا ،إنما هو هبة من الله 0
ومن أنواع النعمة التى تبدأ بالعمل ،نعمة الدعوة 00
كالنعمة التى دعت شاول الطرسوسى دون أن يطلب أو يفكر 0
والمناخس التى كانت تنخسه دون أن يستجيب لها أول ً ) أع – 1 : 9
( 6والنعمة التى دعت بطرس وأندراوس وهما يصيدان السمك ) مت
( 19 ، 18 : 4كذلك إنسان إسمه لوى أو متى ،كان جالسا ً فى
مكان الجباية 0لم يقل الكتاب إنه كان يصلى ،أو فى حالة روحية
إنما كان فى وسط المال والخزائن والظلم 0وبدأت معه النعمة
بعبارة " إتبعنى " ) مت ( 9 : 9
النوع الثانى هو حالة إنسان يبدأ وتعينه النعمة 0
يريد والنعمة تعطيه قوة 0تنضم إليه النعمة ،وتشاركه وتسنده
تعمل معه 0
ً
يبدأ النسان ثم يصرخ للرب قائل :اعنى فلست قادرا وحدى أن
أعمل شيئا ً 0ويقول له الرب :ل تخف ،أنا معك 0ويمسك بيده
ويقوده فى الطريق 00يبدأ بأن يلقى شباكه فى البحر ،ولو يسهر
الليل كله دون أن يصطاد شيئا ً 0ثم تفتقده النعمة ،وترشده أن
يلقى شباكه فى العمق ) لو ( 6 -4 : 5
المهم أن يشترك النسان فى العمل مع النعمة 0
سواء بدأ هو ،ثم أعانته النعمة واشتركت معه 0أو بدأت النعمة
معه ،واشترك هو فى العمل معها 00
نقول هذا ،لنه ل يمكن أن يكون الكسل هو مقدمة لمعونة الله 0ل
الكسل ول النوم ول التهاون ول التواكل 0بل العمل مع الله بكل
جهد 00أو بكل ما تمنحه النعمة من القوة 00
ابدأ إذن بأية بداية ،مهما كانت ضعيفة أو ناقصة أو ضئيلة 0وثق أن
النعمة ستفتقدك وتقويك وتعمل نعك 0ول تقل :سأنتظر ل أبدا ً
إلى أن تأتى النعمة وتعمل 0إن بدايتك هى إشارة إلى النعمة أن
تأتى 00
ومع ذلك فكثيرا ً ما تبدأ النعمة ،حتى مع الذين ل يستجيبون 0مثل
قول عروس النشيد صوت حبيبى 0هوذا آت ،ظافرا ً على جبال
وقافزا ً على التلل " ) نش ( 8 : 2ومثل قولها أيضا ً " صوت حبيبى
قارعا ً :افتحى لى يا أختى ،يا حبيبتى ،يا حمامتى ،يا كاملتى 0
لن رأسى قد امتل من الطل ،وقصص من ندى الليل " ) نش : 5
( 2وكقوله أيضا ً " هأنذا واقف على الباب وأقرع إن سمع أحد
صوتى وفتح الباب ،أدخل إليه وأتعشى معه وهو معى " ) رؤ 20 : 3
(0
إن ميدان عمل النعمة شامل ،وله أمثلة كثيرة :
منها قول القديس بولس الرسول " ايس أننا كفاه من أنفسنا أن
نفتكر شيئا ً كأنه من أنفسنا ،بل كفايتنا من الله 2 ) " 000كو : 3
( 5إذن حتى الفكر الطيب ،يقول عنه الرسول أن مرجعه هو الله
وكذلك الكفاءة على العمل 0فنحن ل نملك هذه الكفاءة ،بل هى
من نعمة الله علينا 00يقول الرسول أيضا ً :
"لن الله هو العامل فيكم ،أن تريدوا وأن تعملوا ،من أجل المسرة " ) فى : 2
( 13
ً
إذن فالرادة الصالحة هى من عنده 0وعملنا أيضا مرجعه إليه ،فهو
العامل فينا 0
بل إن الرسول يعتبر أن كل شئ حسن فينا ،قد أخذنا من الله أنعم
به علينا 0فيقول " أى شئ لك ،لم تأخذه ؟! وإن كنت قد أخذت
فلماذا تفتخر كأنك لم تأخذ ؟! " ) 1كو ( 7 : 4لذلك فشعور النسان
أن الخير الذى فيه يرجع إلى بشريته أو إلى ذاته هو شعور يؤدى إلى
المجد الباططل والفتخار البشرى ! وهذا ترد عليه الية القائلة " كل
عطية صالحة ،وكل موهبة تامة ،هى من فوق نازلة من عند أبى
النوار " ) يع ( 17 : 1
نستنتج من هذا :أن كل عمل صالح ،نعمله ،إنما مصدره عمل
النعمة فينا ،أو على القل اشتركنا مع عمل النعمة 0
ً
يؤيد هذا قول الرب " بدونى ل تقدرون أن تعملوا شيئا " ) يو 5 : 15
( وقوله أيضا ً " كما أن الغصن ل يقدر أن يأتى بثمر من ذاته ،إن لم
يثبت فى الكرمة ،كذلك أنتم أيضا ً إن لم تثبتوا فى " ) يو ( 4 : 15
وهذا حق 0لن عصارة الكرمة تجرى فى عروق الغصن وتعطيه حياة
،وتعطيه قدرة على الثمار 0وهو من ذاته بدون الثبات فى الكرمة
-ل يستطيع شيئا ً ،بل يجف 00
النعمة تعمل فى البشر ،ولكن هناك وزنات متفارته :
هناك من أعطى وزنة واحدة ،ومن أعطى إثنين ،ومن أعطى خمسا ً
) مت " ( 14 : 25كل واحد على قدر طاقته " 0إذن المواهب
تتنوع ،وليست واحدة فى عددها 0وإنما " كما قسم الله لكل واحد
مقدارا ً من اليمان " ) رو ( 3 : 12ولذلك " لنا مواهب مختلفة
بحسب النعمة المعطاة لنا " ) رو ( 6 : 12
عطايا النعمة ليست واحدة للجميع 0لن الرب " أعطى البعض أن يكونوا
رسل ً ،والعض أنبياء ،والبعض مبشرين ،والبعض رعاة ومعلمين "
) أف ( 11 : 4وهكذا أيضا ً من جهة المواهب " أنواع مواهب موجودة
،ولكن الروح واحد" ) 1كو ( 4 : 14فإنه لواحد يعطى بالروح كلم
حكمة ،ولخر كلم علم بحسب الروح الواحد 0ولخر مواهب شفاء
بالروح الواحد ولخر عمل قوات ،ولخر نبوة 00هذه كلها يعملها
الروح الواحد بعينه ،قاسما ً لكل واحد بمفرده كما يشاء " ) 1كو : 14
( 11 - 8
وبهذا يختلف مقياس كل إنسان ،وتختلف قامته الروحية 00
والمفروض فى كل إنسان أن يصل إلى ملء قامته 0
سواء كانت هذه القامة صغيررة أم كبيرة 0وكمثال لذلك :لنفرض
أن أمامنا أنواعا ً من الوانى متفاوتة فى حجمها وسعتها ،وهى
جميعا ً ممتلئة تمثل البشر الذين قيل لهم " امتلئوا بالروح " ) أف
( 18 : 5فالكل تساعده النعمة على المتلء ،مع تفاوت الوزنات 0
الكل يمتلئ حسب ططاقته ،وحسب قامته ،وحسبما قسم الله لكل
واحد نصيبا ً من اليمان 00
كلنا أعضاء فى جسد واحد ) 1كو ( 12 : 12ولكن ليس كل إنسان
رأسا ً ،ول الكل عينا ً ،ول الكل ذراعا ً 0يتنوعون جميعهم حسب
تدخل النعمة ،وحسب ما تعطيه من مواهب ومن قدرات 0ولكن
المفروض أن يمتلئوا ،كل منهم حسب طاقته 0
ولنعلم أن صاحب الوزنتين الذى ربح وزنتين ،نال نفس الكافأة
والبركة مثل صاحب الخمس وزنات الذى ربح خمس وزناات ) مت 25
( 23 - 20 :
لهذا فيما نتكلم عن النعمة اللهية ،ينبغى أن نذكر إلى جوارها الرادة البشرية 0
والرادة البشرية تقوم بأعمال هى حرة فيها 0فإن اتحدت إرادة
النسان مع عمل النعمة فيه ،تكون نتيجتها الخير فيما يعمل 0أما
إذا أنحرفت إرادته وانفصلت عن قصد النعمة فيه 0فما أسهل أن
يضيع ويهلك 0
لذلك فإن عبارة ) كلمة بالنعمة ( التى يقولها البعض ،ليست عبارة دقيقة 0
لو كان كل شئ بالنعمة ،ما أخطأ أحد ،وما هلك أحد 0هذا من
جهة ،ومن جهة أخرى يكون النسان مسلوب الرادة تسيره النعمة
كما تشاء !! وهذا خلف الواقع ،وخلف الرادة اللهية التى تركت
للنسان الحرية فيما يعمل 00
إن اتحاد النسان مع عمل النعمة فيه ،هو اتحاد اختيارى
ولذلك يبعد أن أعطى الله للشعب الوصايا فى سفر التثنية ،قال
له :أنظر ،قد جعلت اليوم قدامك الحياة والموت ،والبركة واللعنة
فختر الحياة لكى تحيا أنت ونسلك ،إذ تحب الرب إلهك وتسمع
لصوته وتلتصق به " ) تث ( 20 ، 19 : 30
لو كانت النعمة تعمل كل شئ ،ما كان هناك لزوم ليوم الدينونة 0
وإنما المحاسبة تدل على حرية الختيار ،وعلى أن النعمة لم ترغم
أحدا ً على سلوك معين 0ربما تدفعه إلى الخير 0ومع ذلك تبقى
إرادته حرة ،مثلما حدث مع لوط وأسرته 0دفعهم الملكان إلى
خارج سدوم لنقاذهما 0وعلى الرغم من هذا ،لغن إمرأة لوط
اختلت لنفسها الهلك فهلكت ،وصارت عمود ملح " ) تك ( 26 : 19
النعمة إذن تعمل 0ولكن يتوقف عملها على مدى استجابة النسان أو رفضه لها
00
إن بدأ النسان ،تشترك العمل معه ،تعينه وتقويه ،وترشده طوال
الطريق 00وإن لم يبدأ تحثه ،ولكنها ل ترغمه 0تثير فى قلبه
اشتياقا ً إلى الله وإلى عمل الخير 0ولكن تبقى إرادته حرة تماما ً
فى أن تستجيب لعمل النعمة أو ل تستجيب 00
ما أعظم عمل النعمة وما أقواه 0ولكن النعمة ل تلغىالحرية البشرية
0
حقا ً إننا أدوات فى يد الله 0ولكننا أدوات عاقلة حرة مريدة 00
علينا أن نسلم إرادتنا إلى يديه الطوبانتين ،عن اختيار ،وفى حب ،
وباقتناع ،لكى يتمم بنا مشيئنته الصالحة 0لسنا آلت جامدة ،وإنما
كائنات حية 0تعمل النعمة مع مشاعرنا ومع أفكارنا وحواسنا
وأحاسيسنا 0هى تحرك اختيارنا 0ولكن بإرداتنا تحريكها لنا
فنشترك معها أو ل نشترك
إن النعمة تعمل فى الساقطين لكى يتوبوا ،إن استجابوا 00
أما إن رفضوا ،فسوف يستمرون فى سقوطهم ،ل بسبب رفض
النعمة لهم ،إنما بسبب قساوة قلوبهم التى ترفض عمل الله فيهم
00ولذلك يقول القديس بولس الرسول أكثر من مرة " إن سمعتم
صوته فل تقسوا قلوبكم " ) عب 0 ( 15 ، 7 : 3
نعم ،إن النعمة تعمل فى الساقطين 0ولول عملها ما تاب أحد 0
سواء افتقدت هؤلء الساقطين أو هم تضرعوا فاستجيبوا ،ونالوا
قوة افتقدت هؤلء الساقطين أو هم تضرعوا فاستجيبوا ،ونالوا
قوة على التوبة 0وفى ذلك يقول ماراسحق " من يظن أن هناك بابا ً
آخر للتوبة غير الصلة فهو مخدوع من الشياطين " 0
النعمة تعمل فى الساقطين فى مجالت متعددة :
تعمل فى العقل لكى تقوده إلى الستنارة والمعرفة ،وتنقذه من
خطايا الجهل 0وتعمل فى الرادة والعزيمة ،فتقويها وتبعد عنها
التردد والضعف 0بل تعمل النعمة أيضا ً فى إبعاد حروب شيانية
كثيرة عن هؤلء الخطاة ،أو تخفيف الحروب عنهم 00ولكن للسف
ما أكثر الخطاة الذين أحبوا الظلمة أكثر من النور 00
النعمة عملت حتى فى يهوذا الخائن !!
ما أكثر التنبيهات والنذارات التى وصلته من نعمة البن الوحيد 0
وما أشد العقوبة التى تحدث عنها ليحذره قائل ً " ويل لذلك الرجل
الذى يسلم به ابن النسان 0كان خيرا ً لذلك الرجل لو لم يولد ) مت
0 ( 24 : 26
ونتيجة لعمل النعمة :ندم يهوذا 0ورد الثلثين من الفضة إلى
رؤساء الكهنة والشيوخ قائل ً :قد أخطأت إذ أسلمت دما ً بريئا ً ) مت
( 4 ، 3 : 27ولكن مشكلة يهوذا أنه لم يكمل مع النعمة ،بل يئس
وقتل نفسه 00أوقعه الشيطان فى اليأس ،ولما يئس أجهز عليه
00
فمن جهة عمل النعمة والعمل البشرى ،ننصح بعدم التطرف 0
البعض من حماسهم لهمية النعمة ،أنكروا العمل البشرى !!
وركزوا على النعمة قائلين ) كله بالنعمة ( ! وجعلوا موقف النسان
سلبيا ً ،كما لو كانوا يشجعون على الكسل ،متحدثين عن العمل بكل
تحقير !
ومن غير المعقول أن ننكر أهمية العمل ،لنه دليل على تجاوب
النسان مع عمل النعمة واشتراكه معها 0كما قال القديس بولس
عن عمله هو وزميله أبلوس " نحن عاملن مع الله " " وكل واحد
سيأخذ أجرته بحسب تعبه " ) 1كو ( 8 ، 9 : 3وبرهن بهذا على
الشركة مع الله فى العمل 00
والبعض من حماسة للعمل ،يتناسى أو يتجاهل عمل النعمة !!
وكثير من هؤلء ل يتحدثون عن النعمة ! ول يستخدمون هذه الكلمة
فى عظاتهم أو فى كتبهم 0وأمثال هؤلء يوبخهم القديس بولس
الرسول بقوله " سقطتم من النعمة " ) غل 0 ( 4 : 4
فما أكثر حديث القديس بولس عن النعمة ،وما أكثر استعماله لهذه
الكلمة فى رسائله :
سواء فى بدء رسائله أو فى ختامها ،او فى حديثه عن النعمة
المعطاة له ) رو ) ( 3 : 12غل ( 9 : 2والنعمة التى معه ) 1كو : 15
( 10أو النعمة التى وهبت له من الله ) رو ( 15 : 15ويقول "
لستم تحت الناموس بل تحت النعمة " ) رو ( 14 : 6ويقول لتلميذه
تيموثاوس " فتقو أنت يا ابنى بالنعمة " ) 2تى ( 1 : 2ويقول له "
النعمة التى أعطيت لنا " ) 2تى ( 9 : 1ويتحدث عن "اختيار النعمة "
) رو ( 5 : 11وعن عرش النعمة " ) عب ( 16 : 4وعن روح النعمة "
) عب ( 29 : 10وعن ازدياد النعمة ) رو ( 20 : 5وكثرتها ) رو 1 : 6
( وعن الرجاء بالنعمة ) 2تس ( 16 : 2
الوضع السليم بين التطرفين هو أن نعطى النعمة حقها ونعطى العمل البشرى
حقه 0
النعمة هى صاحب العمل الكبر 0ولكن ل نغفل العمل البشرى فى
تجاوبه مع النعمة واشتراكه معها 0فكثيرون هلكوا بسبب تكاسلهم ،
أو بسبب رفضهم لعمل النعمة 0أولئك الذين ينطبق عليهم قول
ً
الرب " كم مرة أردت 00ولم تريدوا 0هوذا بيتكم يترك لكم خرابا "
) مت ( 28 ، 7 : 23
ً
والبعض يخطئ فى فهم قول الرسول " ليس الغارس شيئا ،ول الساقى 0بل
الله الذى ينمى " ) 1كو ( 7 : 3
وطبعا ً الله ينمى ما قد غرس وسقى 0إنما قال هذا لكى ل يهتم
أحد بالعمل البشرى أكثر من عمل الله بنعمته ! 00وبالمثل عبارة "
ليس لمن يشاء ،ول لمن يسعى ،بل الله الذى يرحم " ) رو : 9
( 16
وواضح أن الله يرحم من يشاء ومن يسعى 0والرسول نفسه يقول
اسعى لعلى أدرك الذى لجله أدركنى أيضا ً المسيح 00اسعى نحو
الغرض " ) فى ( 14 ، 12 : 3إنما المهم هو التركيز على عمل الله
لجلنا وليس على مجرد مشيئتنا وسعينا 00
والبعض يفهم خطأ قول المزمور " إن لم يبن الرب البيت ،فباطل ً تعب البناءون
0إن لم يحرس الرب المدينة ،فباطل ً سهر الحارس " ) مز ( 127
كما لو كان يعنى إننا ل نبنى ول نحرس !! طبعا ً علينا أن نعمل ذلك
0فالرب قال " طوبى لولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم ،يجهدهم
ساهرين ) لو ( 37 : 12وضرب لنا مثل ً بنحميا وهو يتعب هو ورجاله
فى البناء وفى الحراسة ) نح ( 17 ، 16 : 4إنما على الرغم من كل
ذلك الجهد ،كان العتماد الكامل على الله ،الذى يحمى البناء
والحراس 0
حقا ً إن الله هو الذى يبنى البيت 0ولكن واجبك أنت أن تكون حجرا ً
حيا ً فى يد الله يبنى به ) 1بط ( 5 : 2وأن تشترك مع الله فى البناء
00
وحقا إن الله هو الذى يحرس المدينة 0ولكن فيما يحرسك الله ، ً
عليك أن تكون أمينا ً ،فل تخونه وتسمح بدخول الغرباء الغرباءإلى
مدينته المقدسة 0
نتكلم بنفس المنطق عن جيش يشوع الذى كان يحارب عماليق ،
ويدا موسى مرفوعتين فى الصلة ) خر ( 13 - 8 : 17
وتم النصر بصلة موسى وجيش يشوع 0وهكذا اشتركت النعمة التى
تنصر ،وتستجيب الصلة 0مع الجيش الذى كان يحارب ،نعمة الرب
كانت تعمل 0وكانت هى العامل الاسى فى النصر 0ولكن عمل
النعمة لم يكن يعنى أن يتكاسل يشوع فى الحرب أو ل يحارب !!
كذلك انتصار داود على جليات كان بعمل النعمة 0
كما قال داود " الحرب للرب ،وهو يدفعكم فى يدى " ) 1صم : 17
( 47 - 45وعلى الرغم من ذلك تقدم داود الصفوف ،ومقلعه فى
يده ،وضرب ،وانتصر 00
النعمة تعمل ،ومعها الستجابة البشرية التى تشترك مع النعمة فى
العمل 0
البعض يركز فقطط على اليمان بعمل النعمة ،ويقول " آمن فقط " و أقول
هنا إن اليمان نفسه هو عمل ،و هو يحتاج غلي نعمة ...و العمل
أيضا ً يحتاج كذلك غلي نعمة .و لكن النعمة وحدها ل تشجع عل
الكسل .و من أهمية العمل ايضا ً أن يبعد النسان عن السلبيات التي
تعطل نعمة الله الي تعمل لجله .
في مثل الوزنات ،و بخ الرب صاحب الوزنة الذي لم يعمل .
و بخه قائل ً له أيها العبد الشرير و الكسلن " ثم قال " والعبد
البطال أطرحوه إلى الظلمة إلى الظلمة الخارجية ،هناك يكون
البكاء وصرير السنان " ) مت ( 30 ، 26 : 24
"ب"
كم من أناس زراتهم النعمة ،فلم يشعروا بها 0أو شعروا وأهملوا !!
النور أضاء فى الظلمة ،والظلمة لم تدركه ) يو ( 5 : 1أو أن الناس
" أحبوا الظلمة أكثر من النور " ) يو " ( 19 : 3إلى خاصته جاء ،
وخاصته لم تقبله " ) يو ( 11 : 1
أنت بل عذر أيها النسان 0فالنعمة تأتيك 00
ولكن المر يتوقف عليك 0تدرك مجيئها أو ل تدرك 0تقبلها أو ل
تقبل 0تفتح لها قلبك أو ل تفتح أو ل تعمل 0إن أمرك فى يدك 0
لك الحق أن ترفض 0ولكنك قد تندم ،وتقول " حبيبى تحول وعبر 0
نفسى خرجت عندما أدبر "
النعمة افتقدت اللص على الصليب فى آخر ساعات حياته 0
فقبلها ،وفتح قلبه لها ،وآمن واعترف بإيمانه 0وصرخ قائل ً "
أذكرنى يارب متى جئت فى ملكوتك " ) لو ( 42 : 23بعكس زميله
الذى كان معلقا ً معه 0وظل يجدف حتى هلك 00ولم يتسجب
كزميله الذى تأثر بما كان يحدث ! 00
النعمة انتشلت أناسا ً كانوا كجمرات مشتعلة فى النار ) زك ( 2 : 3
افتقدتهم النعمة 0قد كادوا أن يحترقوا ،ولكن النعمة أنتشلتهم فى
آخر فرصة 0عملت من أجلهم بقوة 0وما كانوا يعملون لجل
أنفسهم 0
النعمة افتقدت شاول الطرسوسى ،وما كان هو يطلب النعمة !
قال له الرب " صعب عليك أن ترفس مناخس " ) أع 0 ( 5 : 9وماذا
كانت تلك المناخس سوسوى النعمة التى كانت 0تنخسه فيقاومها 0
بعكس اليهود يوم الخمسين الذين نخسوا فى قلوبهم ) ،أع : 2
( 37فاستجابوا وقالوا للرسل " ماذا نصنع أيها الرجال الخوة ؟"
وتعمدوا على أن شاول لم يعد يقاوم أكثر ،بل قال للرب فيما بعد
نفس العبارة " ماذا تريد يارب أن أفعل ؟" ) أع 0 ( 6 : 9
عمل من النعمة ،أن تنخس القلوب ،فتتأثر 0
حتى إن رفست هذه المناخس زمنا ً ،تعود فتستجيب 00
قد تأتى النعمة لنسان يطلبها مثل كرنيلوس قائد المئة ) أع : 2
( 10وقد تأتى لنسان ل يطلبها شاول الطرسوسى 0وتعمل فى
كل منهما لخلص نفسه 0
ولكن النعمة -كما قلنا ل ترغم أحدا ً على عمل الخير 0
النعمة لم ترغم الناس أيام نوح على الدخول إلى الفلك ليخلصوا 00
ولم ترغم أهل سادوم على الخروج من المدينة قبل حرقها 00ولم
ترغم يونان على الطاعة 0ولم ترغم يهوذا على أن يكون أمينا ً
لمعلمه وسيده 00
لم تمنع الشرار من فعل الشر 0ولم ترغم أحدا ً على فعل الخير 0
بل إن كثيرين نالوا نعمة بوفرة وسقطوا ،وبععضهم هلكوا !!
هذه النعمة التى تعمل فى الكل ،أل يأتى وقت تتخلى فيه عن
العمل فى البعض تخليا ً جزئيا ً أو كليا ً ؟! مثلما حدث لشاول الملك
الذى قال عنه الرب " :وأنا قد رفضته " ) 1صم ( 1 : 16
فمتى تتخلى النعمة ؟ ولماذا ؟
وهكذا نرى أن تخلى النعمة هنا ،كان تخليا جزئيا ً 0كالم التى تعمل
إبنها المشى 0فتقوده ثم تتخلى عنه قليل ً فيقع ويجاهد ليقوم 0
وهكذا تشيتد عظامه 0ولو أن الم حملت فلها باستمرار ،لصيب
بلين العظام 00فيكون التخلى بنوع من السياسة والتدبير لتعليم
الطفل كيف يمشى 00وبالمثل الب الذى يعلم إبنه العوم :يحمله
على يديه فى الماء ،ثم يتركه ورقبه ،لكى يحرك يديه وقدميه
ويتعلم السباحة 0فإن رآه فى خطر ،ويعود إليه 00
ومثال مشابه :النسر حين يعلم صغاره الطيران 00
النعمة إذن تتخلى جزئيا ً ،لفائدة وليس للهاك 0تتخلى بسبب
الكبرياء أو بسبب التدريب 0أما إن هلك إنسان :فإن ذلك يكون
بسبب رفضه هو النعمة ،وليس بسبب رفض النعمة له 00
وقد تتخلى النعمة حينا ً عن المتراخين فى روحياتهم بإهمال ول
مبالة 0حتى إذا سقطوا بسبب تهاونهم ،ويصرخون إلى الله
ويطلبونه بكل قلوبهم 00فتعود إليهم حرارتهم ،وتعود إليهم
النعمة 0ويطلبونه بكل قلوبهم 00فتعود إليهم حرارتهم ،وتعود
إليهم النعمة 0
ومن أمثلة ذلك عذراء النشيد :
قرع الرب على بابها قائل ً " افتحى لى يا أختى ،يا حبيبتى ول
كاملتى 0فإن رأسى قد أمتل بالطل ،وقصص من ندى الليل "
ولكنها لم تفتح له وتكاسلت وقدمت عذرا ً وتبريرا ً لتكاسلها 0فما
الذى حدث بعد ذلك ؟ قالت " حبيبى تحول وعبر طلبته فما وجدته
دعوته فما أجابنى " ) نش ( 2 : 5هنا التخلى واضح كنتيجة
للتكاسل 0ولكن هذا التخلى الجزئى ألهب مشاعر هذه العروس ،
فخرجت تطلب حبيبها وهى مريضة حبا ً 0
وقد تتخلى النعمة بسبب رفض النسان لها واستمراره فى الخطأ أو الخطيئة أو
فى الفساد 0
وعن مثل هؤلء ،قال القديس بولس الرسول " وكما لم يستحسنوا
أن يبقوا الله فى معرفتهم ،أسلمهم الله إلى ذهن مرفوض ليفعلوا
ما ل يليق " ) رو ( 28 : 1فما معنى كلمة " ذهن مرفوض هنا ؟
معناها ذهن مرفوض من النعمة ،ترفض النعمة أن تعمل فيه 0
وهذه حالة أصعب بكثر جدا ً من حالة التخلى 00قد تكون لونا من
التخلى العام 0
تتخلى النعمة أيضا ً بسبب قساوة القلب 0
القلب القاسى الذى ل يستجيب لصوت الله ،ويصر على عدم
الشتراك مع النعمة فى العمل 0هذه الحالة التى حذر الرسول منها
يقوله " إن سمعتم صوته ،فل تقسوا قلوبكم ) " 00عب 15 ، 7 : 3
(
قال هذا عن الشعب الذى أسخط الرب فى البرية 0فمنعه الرب من
دخول أرض الموعد ،هؤلء الذين سقطت جثثهم فى القفر ،ولم
يدخلهم الرب إلى راحته ) عب ( 18 ، 17 : 3
وما دمنا قد وصلنا إلى نقة قساوة القلب هذه ،فلنضع أمامنا مثال ً
مشهورا ً ،وهو قساوة قلب فرعون :فلنبحث هذا المر لنعرف
معنى عبارة :
" قسى الله قلب فرعون " ) خر 0 ( 3 : 7
كان قلب فرعون قاسيا ً من ذاته ،مقاوما ً لكل عمل النعمة 00
كان قاسيا ً فى تعامله مع الناس وفى تعامله مع الله 0
كان قاسيا ً بطبعه ،وليس الله الذى قساه 0
كان قاسيا ً على الشعب فى أعمال السخرة 0ولما طلبوا منه
الرفيق بهم ،أزاد نيره عليهم ثقل ً ،وقال لهم " متكاسلون أنتم
متكاسلون " ) خر ( 17 : 5
وقسى قلبه فلم يسمع لصوت الرب ،ولم يستفد من كل العجائب
التى أجراها الرب على يد موسى النبى 0ومع ذلك لم يتركه الرب
00
كانت النعمة تعمل فى قلبه ،فيعرف بخطئه 0ويطلب المغفرة ،
ويعد بأن يسلك حسنًاص 0ثم يرجع قلبه إلى قسوته فل يفى بما
وعد به 00
فى ضربة الضفادع ،دعا فرعون موسى وهارون وقال :صليا إلى
الرب ليرفع الضفادع عنى وعن شعبى ،فالق الشعب ليذبحوا للرب
" ) خز ( 8 : 8إن ططلبه للصلة هو من عمل النعمة فيه 0وليمانه
بأن الرب قادر على رفع ضربة الضفادع عنه ،هو أيضا ً من عمل
النعمة 0واستجابة الرب لطلبه هو أيضا ً من عمل النعمة فيه 0
وإيمانه بأن الرب قادر على رفع ضربة الضفادع عنه ،هو أيضا ً من
عمل النعمة 0واستجابة الرب لطلبه هو أيضا ً من عمل النعمة وبعد
ذلك يقول الكتاب " فلما فرعون أنه قد حصد على الفرج ،أغلظ
قلبه ولم يسمع لهما " ) خر ( 15 : 8
وبعد ضربة الذبان قال فرعون " أنا أطلقكم 00صليا لجلى " ولما
رفع الرب الضربة " أغلظ فرعون قلبه هذه المرة أيضا ً فلم يطلق
الشعب " ) خر ( 32 ، 28 : 8فلماذا حدث كل هذا ؟ هل لن الرب
؟ كل 0 قسى قلبه
بل كانت هناك شهوة فى قلب فرعون ،فى الحتفاظ بهذه
العشرات من آلف العبيد لتخدمه بالسخرة فى أعمال ملكه 0وهذه
الشهوة قست قلبه 0
فكلما كانت يفكر فى طاعة الرب ،وفى الخوف من ضربات الرب
وانذارته ،كانت شهوته فى الحتفاظ بالعبيد تقف حائل ً بينه وبين
التوبة ،وتقسى قلبه 00إذ كيف يمكنه التخلى عن كل هؤلء ؟ لذلك
لم يستجب للرب على صوت موسى وهارون 0وتكررت القصة مرارا ً
:يعترف بخطئه ،ويعد ول يفى 00
ففى ضربة البرد " دعا موسى وهارون وقال لهما " أخططأت هذه
المرة 0الرب هو البار ،وأنا وشعبى الشرار 0صليا إلى الرب 0
وكفى حدوث رعود الله والبرد " " ولكن فرعون لما رأى لن المطر
والبرد والرعود انقطعت ،عاد يخطئ ،وأغلظ قلبه هو وعبيده
واشتد قلب فرعون " ) خر ( 35- 27 : 9
نلحظ فى كل النصوص السابقة ،أن فرعون هو الذى أغلظ قلبه
فما معنى أن الرب قسى قلب فرعون ؟ معناه كالتى :
لما رأى الله عدم إستجابة فرعون إلى كل أعمال نعمته ،تركه الرب إلى قساوة
قلبه ،أى تخلت عنه النعمة ،فتصرف بقساوة قلبه ،وأغلظ قلبه 0
يذكرنى هذا بقول الرب المزمور عن بنى إسرائيل أيضا ً " فلم يسمع
شعبى لصوتى 0وإسرائيل لم يرض به 0فسلمتهم إلى قساوة
قلوبهم ،ليسكلوا فى مؤامرات أنفسهم " ) مز ( 12 ، 11 : 81
ويذكرنى هذا أيضا ً بقول الكتاب عن الفسقة الشواذ " :وكما لم
يستحسنوا أن يبقوى الله فى معرفتهم ،أسلمهم الله إلى ذهن
مرفوض ،ليفعلوا ما ل يليق " ) رو ( 28 : 1أى أنه أسلمهم إلى
ذلك الذهن المرفوض من النعمة ،الذى رفضت النعمة أن تعمل
فيه ،لصراره على فساده ،وإصراره علىعدم الشركة مع النعمة فى
العمل 0
إذن تقسية قلب فرعون ،معناها تخلى النعمة عنه 0
ولما تخلت النعمة عنه 0انكشف ما فى قلبه من قساوة 0
فقول الرب " اقسى قلب فرعون " ) خر ( 3 : 7معناه :تتخلى
نعمتى عنه ،فتظهر القسوة التى فى قلبه 00
وسبب تخلى النعمة عنه ،هو أنه رفض النعمة التى عملت لجله فى
كثير من العجائب ،وفى استجابة الصلوات ورفع الضربات 0
فلم تكن قسوة القلب شيئا ً جديدا ً عليه ،ولم تأت إليه من خارجه 0
ول تؤخذ عبارة " أقسى قلب فرعون " بالمعنى الحرفى ،وإنما
بالمعنى الروحى ،كما شرحنا 00
بل هو كان قاسيا ً ،وتركه الرب إلى قسوته 0
وقد صبر الرب عليه طويل ً 0ولكنه اتخذ طول أناة الرب مجال ً
للستهتار بوعوده 00حتى فى آخر لحظة ،بعد أن أطلق الشعب
فعل ً ،سعى وراءهم حتى البحر الحمر 0
هذا القلب القاسى 0أسلمه الرب إلى طبعه القاسى 0
أخيرا ً ،أود أن أقف معكم قليل ً هنا فى موضوع النعمة هذا 0وهناك
باب عن ] الجهاد والنعمة [ نشرته لكم فى كتابى ] الخلص فى
المفهوم الرثوذكسى [ يمكن أن تضيفوه إلى معلوماتكم عن النعمة
0
نود أن نتكلم عن الحياة الروحية ما بين الناموس والنعمة 0
الباب السادس:
ل تطرف 88