You are on page 1of 49

‫ا‬

‫البابا ثثثثث ثثثثثث‬

‫سلسلة ال والنسان‬
‫]‪[2‬‬

‫‪BEING WITG GOD‬‬


‫‪BY H.H.POPE SHENOUDA III‬‬
‫باسم الب والبن والروح القدس‬
‫الله الواحد – آمين‬
‫تصدير‬
‫نقدم لك أيهيا القيارئ العزييز خميس محاضييرات ألقييت فييى الكاتدرائيية الكيبرى أييام‬
‫الجمعة من أول مايو ‪ 1970‬إلى ‪ 5‬يونيو ‪ ، 1970‬عن " الوجود مييع اللييه "‪ .‬وذلييك فييى‬
‫فترة الخمسين يوما ً المقدسة ‪ ،‬والكنيسة تتذكر وجود التلميذ فى حضييرة الييرب ‪ ،‬فييى‬
‫تلك اليام المملييوءة فرحيا ً ‪ .‬وتطييرق هييذه المحاضييرات إلييى حقيقيية الوجييود مييع اللييه‬
‫والحساس بهذا الوجود ‪ .‬والوقات التى نحس فيهييا أننييا مييع اللييه وشييهوة الوجييود مييع‬
‫الله ‪ .‬والمشاعر والعلمات التى تصحب الوجود مع الله ‪ :‬مثل الحب ‪ ،‬الفرح ‪ ،‬السلم ‪،‬‬
‫الخشوع ‪ ،‬البر والقداسة ‪ ،‬الشجاعة وعدم الخوف ‪..‬‬
‫نقدمها لك بعد مرور أحد عشر عاما ً على إلقائها ‪ ،‬لعلك لم تسمعها فى ذلك الحين ‪.‬‬

‫شنوده الثالث‬
‫]‪[1‬‬

‫" الذين أراهم أيضا ً نفسه حيا ً ‪ ،‬ببراهين‬


‫كثيرة ‪ ،‬بعدما تألم " ‪" ،‬وهو يظهر لهم أربعين‬
‫يوما ً ‪ ،‬ويتكلم عن المور المختصة بملكوت‬
‫الله "‪.‬‬
‫)أع ‪.(3 :1‬‬
‫هذه الربعين يوما ً ‪..‬‬
‫أود أن أكلمكم اليوم عن هذه الربعين يوما ً ‪ ،‬التى قضاها المسيح مع تلميذه بعد‬
‫القيامة ‪ ،‬وعن دللتها ‪ ،‬والفوائد الروحية التى نجنيها منها ‪..‬‬
‫أعمال كثيرة عملها الرب قبل صلبه وموته عنا ‪ ،‬وأعمال أخرى عملها بعد قيامته ‪ ..‬فقد‬
‫هذه الربعين يوما ً مع تلميذه ‪ ،‬يحدثهم عن المور المختصة بالملكوت ‪:‬‬
‫يضع لهم أساس الكنيسة ‪ ،‬ويسلمها عقائد وطقوسها ‪ ،‬يسلمهم المور الخاصة بالرعاية‬
‫‪ ،‬ويثبتهم فى اليمان ‪..‬‬
‫يحولها من الخوف والفزع والضطراب والشك ‪ ،‬إلى اليقين والقوة ‪ ،‬فى صلبة اليمان‬
‫‪ .‬يجعلهم بعد الربعين يوما ً مستعدين أن يجابهوا العالم كله بقلب قوى ‪ .‬لقد أخرج من‬
‫العلية هؤلء الخائفين المختبئين ‪ ،‬لكي ينشروا اليمان فل العالم كله ‪..‬‬
‫كانت أياما ً لزمة لتأسيس الكنيسة ‪ .‬وكانت أيام فرح ‪:‬‬
‫لقد قال لهم الرب من قبل " ولكن حزنكم يتحول إلى فرح ‪ ..‬سأراكم فتفرح قلوبكم ‪.‬‬
‫ول ينزع أحد فرحكم منكم ")يو ‪ .(20،22 :16‬واحتفال ً بهذا الفرح ‪ ،‬ل تصوم الكنيسة ‪،‬‬
‫ول تنقطع عن الطعام ‪ ،‬لن الرب قال ‪ :‬هل يستطيع بنو العرس أن يصوموا والعريس‬
‫معهم ؟! مادام العريس معهم ل يستطيعون أن يصوموا ‪ ،‬ولكن ستأتى أيام ‪ ،‬حين يرفع‬
‫العريس عنهم ‪ ،‬فحينئذ يصومون )مر‬
‫‪ .(19،20 :2‬ولذلك فحتى صوم يومى الربعاء والجمعة ‪ ،‬الذى تصومه الكنيسة على‬
‫مدار السنة ‪ ،‬ول تمنعه سوى العياد السيدية الكبرى ‪ ،‬هذا الصوم يمتنع فى هذه اليام‬
‫التى ل نذكر فيها الصلب ول التآمر ‪ ،‬إنما نذكر وجود الرب مع تلميذه ‪..‬أيام الفرح هذه‬
‫‪ ،‬أيام لقاء الرب بخاصته وأحبائه ‪ ،‬ليس فيها أيضا ً مطانيات تذلل ‪ ،‬ول فيها ألحان‬
‫حزن ‪..‬حتى أنه إذا توفى خللها أحد المؤمنين ‪ ،‬يدخل الكنيسة بلحن الفرح ‪ ،‬بلحن‬
‫القيامة ‪ ،‬ول تسمعون مطلقا ً لحنا ً حزينا ً فى الجنازات… إنها أيام جميلة فى اختبارتها‬
‫الروحية ‪ ،‬وفى أحداثها ‪ ،‬وفى فاعليتها ‪ .‬وأفضل تدريب فيها هو اختبار الوجود مع‬
‫الله ‪..‬‬
‫الله مع أحبائه‪..‬‬
‫كان التلميذ فرحين إذ رأوا الرب )يو ‪.(20 :20‬‬
‫وكان الرب فرحا ً بوجوده وسط أحبائه ‪.‬‬
‫هذا الذى "أحب خاصته الذين فى العلم ‪ ،‬أحبهم حتى المنتهى " )يييو ‪ ..(13:1‬إنييه يريييد‬
‫أن يكون معنا ‪،‬وأن نكون نحن أيضا ً معه ‪ ،‬الن وإلى إنقضاء الدهر ‪..‬‬
‫أليس إسمه عمانوئيل ‪ ،‬الذى تفسيره معنا )مت ‪.(23 :1‬‬
‫ً‬
‫لذلك قال لتلميذه فى يوم الخمسين الكبير ‪ " :‬أنما ماض لعد لكم مكانا ‪ .‬وإن مضيت‬
‫وأعددت لكم مكانا ً ‪ ،‬آتى أيضا ً وآخذكم إلى ‪ ،‬حتى حيث أكون أنا ‪ ،‬تكونون أنتم أيضا ً‬
‫")يو ‪ .(3 :14‬ونفس هذا المعنى ‪ ،‬قاله فى مناجاته للب ‪:‬‬
‫"أيها الب ‪ ،‬أريد أن هؤلء الذين أعطيتنى ‪ ،‬يكونون معى حيث أكون أنا ")يو ‪.(24 :17‬‬
‫إنه ل يريد فقط أن نكون معه فى البدية ‪ ،‬إنما يعدنا بذلك على الرض أيضا ً ‪ ،‬فيقول "‬
‫ها أنا معكم كل اليام وإلى انقضاء الدهر " )متى ‪ .(28:20‬وأيضا ً " حيثما اجتمع اثنان‬
‫أو ثلثة بإسمى ‪ ،‬فهناك أكون فى وسطهم " )متى ‪.(20 :18‬‬
‫وبالنسبة إلى كل فرد يحبه ‪ ،‬يقول " إن أحبنى أحد يحفظ كلمى ‪ ،‬ويحبه أبى وإليه‬
‫نأتي ‪ ،‬وعنده نصنع منزل ً " )يو ‪ .(23 :14‬وليس فقط عن الحباء ههنا ‪ ،‬بل أيضا ً عن‬
‫الذين انتقلوا إلى الفردوس ‪ ،‬قال للص اليمين " اليوم تكون معى فى الفردوس ")لو‬
‫‪ .(42 :23‬ومع الخدام والرعاة ‪ ،‬يقول عنه سفر الرؤيا"الممسك السبعة الكواكب فى‬
‫يمينه ‪ ،‬الماشى فى وسط السبع المنائر الذهبية ")رؤ ‪ (1 :2‬أى أنه فى وسط‬
‫الكنائس ‪ ،‬وفى يديه رعاتها ‪ ...‬هذا الذى يوجد معنا ‪ ،‬على الرض ‪ ،‬وفى الفردوس ‪،‬‬
‫وفى البدية ‪ ،‬وفى وسط الكنائس ‪ ،‬ومع الرعاة ‪ ،‬ومع المصلين فى كل مكان على‬
‫الرض ‪ ،‬ومع كل إنسان يحبه ‪ ..‬ترى على أى شئ يدل هذا ؟‬
‫أيدل هذا على محبته ‪ ،‬أم على لهوته إذ هو فى كل مكان ؟ أم على القل‪ ..‬وجوده‬
‫معنا ‪..‬‬
‫أيضا ً فى مجيئة الثانى ‪ ،‬نلمح نفس هذه الحقيقة ‪ :‬سيأتى على السحاب ‪ ،‬ومعه ربييوات‬
‫قديسيه )يييه ‪ .(14‬وحينمييا يجلييس للييدينونه ‪ ،‬يكييون أحبيياؤه معييه "‪ ..‬علييى اثنييى عشيير‬
‫كرسيا ً ‪ ،‬يدينون أسباط إسرائيل الثنى عشر ")متى ‪ .(19:28‬وفى هذا المجئ الثييانى ‪،‬‬
‫يقول القديس بولس الرسول ‪" :‬ثم نحن الحياء البيياقين‪ ،‬سيينخطف معهييم جميعيا ً فييى‬
‫السحب لملقاة الرب فى الهواء ‪ .‬وهكذا نكون كل حين مع الرب ‪ .‬لذلك عزوا بعضييكم‬
‫بعضا ً بهذا الكلم ")‪1‬اباناالذى فى السموات‬
‫‪.(17،18 : 14‬‬
‫نعم ‪ ،‬ما أحلى هذه النشودة ‪ :‬وتكون كل حين مع الرب ‪.‬‬
‫لذلك عزوا بعضكم بعضا ً بهذا الكلم ‪ ..‬حقا ً ‪ ،‬إن الوجود كل حين مع الرب ‪ ،‬هو "ما لييم‬
‫تره عين ‪ ،‬وما لم تسمع به أذن ‪ ،‬ولم يخطر على قلب بشر ‪. ".‬‬
‫ما أجمل أن الرب فى التجلى ‪ ،‬لم يكن وحده ‪..‬‬
‫ظهر معه فى التجليى موسيى وإيلييا‪ ،‬رميزا ً للميتزوجين والبتيوليين ‪ ،‬ورميزا لليذين ليم‬
‫ً‬
‫يموتوا بعد ‪ ،‬ورمزا ً لهل الوداعة يمثلهم موسى )عد ‪ ،(3 :12‬وأهل الحزم يمثلهم إيليا )‬
‫‪1‬مل ‪ .(40: 18‬الكل مع الرب على جبل التجلى ‪ ..‬ولكى تكمييل الصييورة ‪،‬فيى حادثيية‬
‫التجلى ‪ .‬قال الكتاب إن الرب أخذ معه إلى الجبل بطرس ويعقييوب ويوحنييا )مييتى ‪:17‬‬
‫‪ .. .(1‬فكانوا معه ‪ ..‬رأوا هذا المجد ‪ ،‬وسمعوا الصوت من السييحابة ‪ ..‬ومجييد التجلييى ‪،‬‬
‫يذكرنا أيضا ً بأورشليم السمائية ‪ ،‬حيث نرى الله يسكن مع شغبه ‪ .‬وفييى ذلييك القييديس‬
‫يوحنا الرائى ‪ :‬وسمعت صوتا ً عظيما ً من السماء قائل ً ‪:‬‬
‫" هوذا مسكن الله مع الناس ‪ .‬وهو سيسكن معهم "‪.‬‬
‫" وهم يكونون له شهبا ً ‪ .‬والله نفسه يكون معهم ‪ ،‬إلها ً لهم " )رؤ ‪.(3 :21‬‬
‫إنها نفس الصورة القديمة لخيمة اجتماع " الليه وسييط شييعبه "‪ .‬ولكنهيا هنيا فيى مجييد‬
‫وحب وبر ‪ ،‬حيث ل خطية من الناس تحتيياج إلييى ذبيحيية ‪ ،‬بييل الكييل طيياهر ‪ ..‬كييل هييذا‬
‫نتذكره فى الربعين يوما ً ‪ ،‬ونحن نضع أمامنا صييورة الييرب وسييط تلميييذه القديسييين ‪،‬‬
‫أحبائه وأولده ‪ ..‬إننا فى هذه اليام نحتفل بوجود الله معنا ‪ ،‬أو على القييل نطلييب إليييه‬
‫ذلك ‪ ،‬كما فعل تلميذا عمواس ‪ ،‬إذ" ألزماه قائلين ‪:‬‬
‫أمكث معنا ‪ ،‬لنه نحو المساء ‪ ،‬وقد مال النهار )لو ‪.(29 :24‬‬
‫يقول النجيييل ‪ ،‬مكمل ً هييذا المعنييى الجميييل ‪ ،‬إنييه "دخييل ليمكييث معهمييا ‪ .‬ولمييا اتكيياء‬
‫معهما ‪ ،‬أخذ خبزا ً وبارك وكسر‪ ،‬وناولهما ‪ .‬فانفتحت أعينهميا وعرفياه "‪ ..‬ميا أحيوج كل ً‬
‫منا أن يقول له ‪ :‬امكث معى يييا سيييدى ‪ .‬وكمييا بيياركت فييى ذلييك الزمييان ‪ ،‬الن أيضيا ً‬
‫بارك ‪..‬‬
‫من ذلك الزمان ‪..‬‬
‫إن قصة " الله معنا " هى قصة قديمة ‪ ،‬ودائمة‪ ...‬ما أكثر ما ترددت فى الكتاب ‪،‬‬
‫وسمعها واختبرها آباؤنا القديسون ‪..‬‬
‫بدأت منذ كان الله مع آدم فى الفردوس ‪..‬‬
‫وهناك كان يكلمه ‪ ،‬ويباركه ‪ ،‬ويمنحنا أيضا ً سلطانا ً )تييك ‪ .(1‬وبالخطييية زال الحسيياس‬
‫بالوجود فى الحضرة اللهية ‪ ،‬وشعر الخاطئ بأنفضاله عن الله ‪ .‬وظهر هذا النفضييال‬
‫فى عمقه ‪ ،‬حينما صرخ قييايين قييائل ً للييرب " ذنييبى أعظييم ميين أن يحتمييل ‪ .‬إنييك قييد‬
‫طردتنى اليوم عن وجه الرض ‪ ،‬ومن وجهك أختفى " )تك ‪.(14 ،13 :14‬‬
‫نعم ‪ ،‬إن الخطية تسبب إنفصال ً عن الله ‪..‬‬
‫فيما يصرخ الخاطئ ويقول " ل تطرحنى من قدام وجهك ‪ ،‬وروحك القدوس ل تنزعه‬
‫منى " )مز ‪ " (50‬ل تصرف وجهك عنى " "حتى متى تحجب وجهك عنى ")مز ‪.(12‬‬
‫حينما يبتعد النسان عن الله ‪ ،‬يحس الله مبتعدا ً عنه ‪..‬‬
‫وأحيانا ً يحس ذلك وقت الخوف ‪ .‬والخوف ليس من اليمان ‪.‬‬
‫وهكذا يقول المرتل فى خوفه من مؤتمرات الشرار " لماذا يارب تقف بعيدا ً ‪ .‬لماذا‬
‫تختفى فى أزمنة الضيق ؟ " )مز ‪.(1 :10‬‬
‫لذلك يحرص الله أن يعزى أولده ‪ ،‬ويشعرهم بوجوده معهم فى كل ضيقاتهم ‪ .‬وهكذا‬
‫قال لعبده يشوع موت موسى ‪:‬‬
‫" كما كنت مع موسى ‪ ،‬أكون معك ‪ .‬ل أهملك ول أتركك "‬
‫تشدد وتشجع ‪ .‬ل ترهب ول ترتعب ‪ .‬لن الرب إلهك معك حيثما تذهب ‪ ..‬ل يقف‬
‫إنسان فى وجهك كل أيام حياتك " )يش ‪ .(5،9 :1‬نفس التشجيع ‪ ،‬كان أيضا ً من الله‬
‫لرميا الصغير ‪:‬‬
‫" ل تخف من وجوههم ‪ ،‬لنى أنا معك لنقذك ‪ ،‬يقول الرب " " يحاربونك ول يقدرون‬
‫عليك ‪ ،‬لنى أنا معك يقول الرب ‪ ،‬لنقذك " "هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة حصينة ‪،‬‬
‫وعمود حديد ‪ ،‬وأسوار نحاس على كل الرض" )أر ‪.(1:8،19،18‬‬
‫نفس التشجيع الذى كان ليشوع وأرمياء ‪ ،‬كان أيضا ً لبولس ‪:‬‬
‫قال الرب لبولس لما قاومه اليهود جدا ً فى كورنثوس ‪:‬‬
‫"ل تخف ‪ ،‬بل تكلم ول تسكت ‪ .‬لنى أنا معك ‪ ،‬ول يقع بك أحد ليؤذيك " )أع ‪:18‬‬
‫‪.(9،10‬‬
‫إن الشعور بوجود الله مع النسان ‪ ،‬يعطيه قوة وثقة ‪.‬‬
‫لهذا فإن مراحم الله وتعزياته تشعر إنسان بوجود الله معه ‪ ،‬لكى يتعزى ويتقوى ‪،‬‬
‫وتكون له جسارة قلب ‪ ،‬من النعمة ‪ ،‬لمواجهة كل ضيق ‪ ،‬فل يخاف من أعدائه مهما‬
‫اعتزوا جدا ً ‪ ..‬وفى قصة الثلثة فتية ‪ ،‬لم يكن المر مجرد وعود إلهية ‪ .‬إنما كان الرب‬
‫معهم فعل ً ‪ ،‬وهم فى أتون النار ‪ ،‬فلم تقو على إيذائهم ‪ ،‬وسبحوا الله داخل التون ‪..‬‬
‫إن قصة الثلثة فتية مثال قوى للوجود مع الله ‪.‬‬
‫وقد كانت هذه القصة عزاء للجيال ‪ ،‬ونحن نتغنى بها فى التسبحة كل يوم حينما نرتل‬
‫البصلمودية ‪ ..‬وكما أن الثلثة فتية لم يخافوا النار لشعورهم بأن الله معهم ‪ ،‬كذلك‬
‫لم يخف دانيال من إلقائه فى جب السود ‪ ..‬وكذلك كان المرتل مطمئنا ً ‪ ،‬حينما قال ‪:‬‬
‫" إن سرت فى وادى ظل الموت ‪ ،‬ل أخاف شرا ً ‪ ،‬لنك أنت معى " )مز ‪.(4 :23‬‬
‫وبنفس الروح قال " الرب نورى وخلصى ممن أخاف ؟! ‪ ..‬إن يحاربنى جيش فلن‬
‫يخاف قلب ‪ .‬وإن قام على قتال ‪ ،‬ففى ذلك أنا مطمئن " )مز ‪ .(1،2 :27‬طالما‬
‫السحابة فوق رأسك ‪ ،‬فأنت ل تخاف حتى إن دخلت فى قلب البحر الحمر ‪ ،‬أوتهت‬
‫سنوات فى برية سيناء ‪ ..‬إن الشعور بالوجود فى حضرة الله ‪ ،‬ل يجعل النسان‬
‫يخاف ‪ ،‬مهما كانت الخطاء محدقة ‪ .‬أيضا ً هناك فائدة أخرى ‪:‬‬
‫شعورك بالوجود فى حضرة الله ‪ ،‬يمنحك استيحاء فل تخطئ ‪.‬‬
‫هكذا كان يوسف الصديق ‪ ..‬كان يشعر أنه واقف قدام الله ‪ ،‬والله يراه ‪ .‬فكيف‬
‫يخطئ ‪ ،‬ويفعل ذلك الشر العظيم قدام الله !! وهكذا شعوره بأنه يتعامل مع الله ‪،‬‬
‫أعطاه استيحاء فى قلبه ‪ ،‬وارتفاعا ً عن مستوى الخطية ‪ .‬حقا ً ‪ ،‬إن النسان ارتكابه‬
‫للخطية ل يكون فى حالة شعور بالوجود فى الحضرة اللهية ‪ ..‬ل يكون الله أمام‬
‫عينيه ‪ ،‬ول فى فكره ‪ ،‬ول فى قلبه ‪ ..‬بل يكون فى حالة إنفضال عنه ‪ ،‬لنه ل شركة‬
‫للنور مع الظلمة ‪ .‬على أنه كثيرا ً ما يحيط بنا الله وقت الخطية ‪ ،‬لكى ينقذنا منها ‪،‬‬
‫كما يحيط بنا وقت الخطر أو الخوف لينقذنا منها ‪ ..‬ولكننا للسف قد ل نشعر بيد الله‬
‫التى تلمسنا لنسقط ‪ ،‬أو تلمسنا لنتقوى ‪ .‬ما أعمق قول القديس اوغسطينوس ‪:‬‬
‫كنت يارب معى ‪ ،‬لكننى من فرط شقوتى ‪ ،‬لم اكن معك ‪.‬‬
‫إن وجود الله شئ ‪ ،‬والحساس بوجوده شئ آخر ‪..‬‬
‫يييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي‬
‫عدم إدراك وجود الله ‪..‬‬
‫قد يكون الله مع بعض الناس ‪ ،‬ومع ذلك فهم ل يشعرون بوجوده معهييم ‪ ،‬ربمييا لشييئ‬
‫فى فكرهم ‪ ،‬أو لظروف تحيط بهم ‪ ،‬تعوقهم عن الحساس بوجود الله وعمله ‪..‬‬
‫* مثال ذلك ‪:‬جدعون ‪..‬‬
‫كان الله معه‪ .‬وقد شهد ملك الرب بذلك قائل ً له ‪ :‬الرب معك يا جبار البأس )قض ‪:6‬‬
‫‪ .(12‬أما جدعون الذى لم يكن يشعر بوجود الله فييى حييياة الشييعب ‪ ،‬فقييد رد الملك‬
‫قائل ً " اسألك ياسيدى ‪ :‬إن كان الرب معنا ‪ ،‬فلماذا أصابتنا كل هذه ؟ وأين كل عجائبه‬
‫التى اخبرنا بها آباؤنا ؟ ‪ "..‬كان إيمان جدعون فى بدايته ‪ ،‬يريد أن يلمس بأصابعه ‪..‬‬
‫ولم يكن يتصور وجود الله ‪ ،‬يتفق مع وجود الضيقات !!‬
‫فى منطقه وقتذاك ‪ :‬إما أن يكييون اللييه موجييودا ً معهييم ‪ ،‬وحينئذ ل يمكيين أن تصيييبهم‬
‫الضيقات ‪ !..‬الموجودة دليل ً على عدم وجود الله معهم ‪ !..‬إنه اليمان ‪ ،‬بدون الصليب‬
‫! أو اليمان الذى يريد الحياة سهلة ! أو اليمان الذى يضيع للييه توقيتيا ً عيياجل ً لعملييه ‪،‬‬
‫ول يستطيع الرب من محرس الصبح إلى الليل )مز ‪.(130‬‬
‫*مثال آخر ‪ :‬المجدلية ‪ ،‬وتلميذا عمواس‪..‬‬
‫المجدلية ظهر لها السيد المسيح بعد قيامته ‪ ،‬فظنته البستاني ‪ .‬وكان معها ولكنها لم‬
‫تعرف أنه هو ‪ .‬وعلى الرغم من وجوده معها ‪ ،‬كانت ل تزال تفكر أن جسده قد سرق‬
‫‪ ،‬وربما يكون البستانى سرقه ‪ ،‬وتسأل ‪ :‬قييل لييى أييين وضييعته ؟! )يييو ‪.(14،15 :20‬‬
‫وتلميذا عمواس ‪ ،‬ظهر لهما أيضا ً السيد المسيح ‪ ،‬وتحدث معهما ‪ ،‬ومع أن قلبهييا كييان‬
‫ملتهبا ً فيها أثناء حديثه معهما ‪ ،‬ولكن " أعينهما أمسكت عن معرفته " ‪ .‬ولم يدركا أنييه‬
‫هو ‪ ،‬إل بعد اختفائه عنهما ! )لو ‪ .(32 ،16 :24‬ما لكثر ما يكون الرب معنا ؟‪ ،‬ونحن‬
‫ل ندرك!‬
‫*مثال صموئيل النبى ‪:‬‬
‫تحدث إليه الرب ثلث مرات فى طفولته ‪ ،‬وهييو ل يميييز الصييوت ‪ ،‬ويظيين أنييه صييوت‬
‫عالى الكاهن ‪ ،‬وليس صوت الله ! وفى المرة الرابعة ‪ ،‬لما أجاب " تكلن يييارب فييإن‬
‫عبدك سامع ‪ ،‬كان بناء على نصيحة عييالى ‪ ،‬وليييس لمييوهبته بييالوجود اللهييى ‪ ،‬ويميييز‬
‫صوت الله ‪ ،‬يتكلم إليه أو على فمه ‪.‬‬
‫*مثال أبينا إبراهيم ‪:‬‬
‫زاره الرب مع ملكين ‪ ،‬ولكنه لم يميز أن هذا هو الرب ‪ ،‬ولم يشعر بالوجود اللهى ‪،‬‬
‫بدليل قوله له ‪ " :‬يا سيد ‪ ،‬إن كنت قد وجدت نعمة فى عينيك ‪ ،‬فل تتجاوز عبدك ‪.‬‬
‫ليؤخذ قليل من ماء واغسلوا أرجلكم واتكئوا تحت الشجرة ‪ .‬فآخذ كسرة خبز‬
‫فتسندون قلوبكم ثم تجتازون " )تك ‪ .(5-3 :18‬ولو شعر أنه موجود فى حضرة الله‬
‫وملئكته ‪ ،‬ما كان يحضر كسرة خبز ليسندوا قلوبهم ! ما كان يذبح عجل ً ‪ ،‬ول يصنع‬
‫لهم خبز ملة ‪ ،‬ول يحضر لهم زبدا ً ولبنا ً ‪ ! ..‬على أن أبانا إبراهيم أدرك أنه فى حضرة‬
‫الله فيما بعد ‪ ،‬لما أعلن له الله ذاته ‪.‬‬
‫*مثال اللص الشمال ‪:‬‬
‫كان إلى جوار الرب على الصليب ‪ ،‬ولم يستفيد من هذه العشرة اللهية ‪ ،‬بل كان‬
‫يجدف عليه ‪ .‬ولميدرك أنه هو ‪ ،‬حتى يقول له مع زميله اللص اليمين " اذكرنى يارب‬
‫متى جئت فى ملكوتك " ‪ .‬بل ظل يستهزأ به ‪ .‬ومات هذا اللص فى خطيئته ولم‬
‫يستطيع أن يقول مع بولس الرسول " مع المسيح صلبت " )غل ‪ (20 :2‬لنه لم يؤمن‬
‫أنه المسيح ‪ .‬إنه لم يمت مع المسيح كاللص اليمين وإنما مات إلى جواره ‪ ،‬وقلبه‬
‫بعيد عنه ‪.‬‬
‫* مثال الظلمة لم تدركه ‪:‬‬
‫عاش المسيح وسط أهله وعشيرته ‪ ،‬ولم يدركوا أنه هو ‪ " .‬إلى خاصته جاء ‪ ،‬وخاصته‬
‫لم تقبله " هذا النور الحقيقي أشرق فى الظلمة " والظلمة لم تدركه " )يو ‪:1‬‬
‫‪ .(5،11‬ومع أنه عاش بينهم ‪ ،‬لم يشعروا بوجوده ‪ ،‬بل قالوا عليه إنه ضال ‪ ،‬ومضل ‪،‬‬
‫وكاسر للسبت ‪ ،‬وناقض للشريعة ‪ ،‬وقالوا إنه ببعلزبول يخرج الشياطين ‪ .‬ورفضوه‬
‫وقدموه للصلب ‪ ..‬وحتى أهل قريته لم يومنوا به ‪ ،‬وعيروه بأنه إبن النجار ‪ ،‬حتى قيل‬
‫"ليس نبى بل كرامة إل فى وطنه " ! كل هؤلء وأمثالهم ‪ ،‬كان الله موجودا ً معهم ‪،‬‬
‫ولكنهم لم يتمتعوا بالوجود اللهى ‪ ،‬ولم ينالوا بركته وفاعليته ‪.‬‬
‫إن الوجود مع الله ‪ ،‬ليس مجرد وجود مكانى ‪ ،‬إنما هو وجود قلبى وعاطفي وعملى ‪،‬‬
‫له آثاره ‪..‬‬
‫*مثال الشيطان ‪:‬‬
‫ً‬
‫فى قصة أيوب ‪ ،‬كان الشيطان واقفا فى الحضرة اللهية " جاء بنو الله ليمثلوا أمام‬
‫الرب ‪ .‬وجاء الشيطان أيضا ً فى وسطهم " )أى ‪ .(6 :1‬ومرة أخرى " جاء الشيطان‬
‫أيضا ً فى وسطهم ‪ ،‬ليمثل أمام الرب " )أى ‪ .(1 :2‬وكان له شرف الحديث مع الله ‪.‬‬
‫ولكنه لم يستفيد شيئا ً ‪ ،‬ولم يتمتع بالوجود فى حضرة الله ‪ ،‬بل أضاف إلى شره‬
‫شرا ً ‪ .‬وفى التجربة إلى الجبل ‪ ،‬التقى الشيطان بالرب ‪ ،‬وبنفس السلوب أضاف إلى‬
‫شرة شرا ً ‪ ،‬ولم يتمتع بالوجود مع الله ‪.‬‬
‫وأمثلة بعض الخطاة ‪:‬‬
‫قايين وقف أمام الله مرتين ‪ :‬مرة نصحه فيها الرب وأرشده ‪ ،‬ولكنه لمن يستفيد‬
‫شيئا ً لن قلبه لم يكن مع الله ‪ ،‬واستسلم للخطية الرابضة ‪ .‬والمرة الثانية وقف فى‬
‫الحضرة اللهية ‪ ،‬ولم يتمتع بالوجود اللهى ‪ ،‬إنما استمع إلى دينونته )تك ‪.(6،9 :4‬‬
‫والشاب الغنى تمتع بالحضرة اللهية إلى لحظات ‪ ،‬ونظر إليه الرب يسوع وأحبه‬
‫‪.‬ولكنه خرج من المقابلة حزينا ً ‪ ،‬لنه كان ذا أموال كثيرة ‪ ،‬ولم يستفيد من نصيحته‬
‫الرب ‪ .‬وبالمثل أولئك الذين دعاهم الرب للخدمة فاعتذروا وبالمثل العبد البطال‬
‫صاحب الوزنة الواحدة ‪ .‬ويعوزنا الوقت إن ضربنا أمثلة لشخاص وجدوا فى حضرة‬
‫الله ولم يستفيدوا بل أدينوا ‪ .‬لذلك قلنا إنه ليس وجودا ً مكانيا ً هذا الذى نعينه ‪ ،‬بل‬
‫وجوده فى القلب ‪ ،‬فى حب ‪..‬‬
‫إن كانت مأساة ‪ ،‬أنك توجد فى حضرة الله ‪ ،‬ول تشعر به فمأساة أكثر أن توجد فى‬
‫حضرته وتحاربه ‪ ،‬وتأخذ دينونته ‪ ،‬أو توجد فى حضرته فى ل مبالة ‪.‬‬
‫كالذين يحضرون إلى الكنيسة ‪ ،‬ويقفون أمام الله ‪ ،‬فى بيته ‪ ،‬بتهاون ‪ ،‬أو بفكر شارد ‪.‬‬
‫أو الذين يتناولون من السرار المقدسة ‪ ،‬كعادة ‪ ،‬بل عمق ‪ ،‬ويخرجون من التناول‬
‫ليخطئوا كما كانوا ‪ ..‬لذلك كله ‪ ،‬نحب أن تكون المشاعر متناسبة مع الوجود اللهى ‪.‬‬
‫وكم من مرة ‪ ،‬تقابل مع الرب الكتبة والفريسيون والصدوقيون والكهنة وشيوخ‬
‫الشعب ‪ ،‬ولكن قلوبهم لم تكن معه ‪ ،‬ونيتهم لم تكن صافية للستفادة منه ‪،‬بل أن‬
‫بعضهم كان يسعى أن يصطاده بكلمة ‪.‬لذلك كان وجودهم مع الرب دينونة عليهم‬
‫وليس نفعا ً ‪ .‬كذلك الفريسى الذى استضافه فى بيته وليس فى قلبه ‪ ،‬وكان يرقب‬
‫والمرأة الخاطئة تسكب دموعها على قدميه ‪ ،‬ويدينه فى فكره ‪ .‬ولم يستفيد من‬
‫الوجود فى حضرة الله ‪.‬‬

‫‪ -1‬ينبغى أول ً أن يكون لنا اليمان بوجود الله معنا ‪.‬‬


‫اليمان بوعوده ‪ ،‬واليمان بعمله ‪ .‬ول يجوز لنا أن نقيس وجييود اللييه معنييا بالراحيية فييى‬
‫العالم ‪ .‬فالمشاكل والضيقات ليست علمات للتخلى ‪ ،‬وليسييت دليل ً علييى عييدم وجييود‬
‫الله معك ‪ .‬الله يسمح بها ‪ ،‬لتأخذ ما فيها من بركة ‪ ،‬ومن أكاليل ‪ ،‬ومن فييوائد روحييية ‪.‬‬
‫وهى تصيبك لكى تظهر معدنك الطيب كما حدث ليوب ‪ ،‬ولكييى تأخييذ منهييا خييبرة فييى‬
‫الحياة ‪ .‬وأيضا ً لكى تتزكى ‪ ،‬ولكي تقويك وتصييقلك ‪ .‬إن أسييعد أوقييات اللييص اليمييين ‪،‬‬
‫كانت وهو مصلوب مع المسيح ‪ .‬كن إذن شديدا ً فى الضيقة ‪ .‬ل تجعل الضيقة ‪.‬تحطمك‬
‫‪ ،‬إنما حطمها أنت بإيمانك ‪ .‬إن الزجاجة إذا وقعيت عليى صيخرة ‪ ،‬ل تحطيم الصيخرة ‪،‬‬
‫وإنما تتحطم الزجاجة ‪.‬كن إذن صخرة‪..‬‬
‫‪ -2‬ل تعتبر وجود الله فى حياتك مؤقتا ً ‪ ،‬بل دائما‪ً.‬‬
‫إن المسيح لم يكن مييع تلميييذه خلل الربعييين يوم يا ً فقييط ‪ ،‬وإنمييا " كييل اليييام وإلييى‬
‫انقضاء الدهر " ‪ ..‬إن كان معهم الربعين يوما ً بطريقة منظورة ‪ ،‬فقد كييانت معهييم كييل‬
‫اليام بطريقة غير منظورة ‪ .‬وكانوا يؤمنون بهذا ‪ ،‬بل أن بولس الرسييول يقييول " لكييى‬
‫أحيا ل أنا ‪ ،‬بل المسيح يحيا فى " )غل ‪ .(20 :2‬إذن كان يؤمن أن المسيح ليييس فقييط‬
‫معه ‪ ،‬وهو بالكثر فيه ‪.‬ز لذلك إن حوربت بأن الله ليس معك ‪ ،‬قييل لنفسييك ‪ :‬كل ‪ ،‬إنييه‬
‫معى ‪ ،‬ولكننى أنا الذى ل أدرك وجوده ‪ ،‬كمييا حييدث مييع المجدلييية ‪ ..‬العيييب إذن فينييا ‪،‬‬
‫وليس فى عدم وجوده‪.‬‬
‫‪ -3‬لييذلك ينبغييى أن تكييون حواسييك الروحييية مدربيية وإن لييم تييدرك وجييوده مباشييرة ‪،‬‬
‫فستدرك ذلك بالتدريج ‪.‬‬
‫المجدلية لم تيدرك وجيوده ‪ ،‬وظنتييه البسييتانى ‪ .‬ولكين اليرب عميل فيهيا فشيعرت بييه‬
‫أخيرا ً ‪ ،‬فقالت له " رابونى " أى يا معلم ‪ .‬والمولود أعمى ظن أنه إنسان بييار ‪ ،‬ثييم لييم‬
‫يكن إلى نبى ‪ .‬ولما حدثه الرب عن إبن الله ‪ ،‬سأل ‪ :‬من هييؤلء وميين بييه ‪ ،‬إذ لييم يكيين‬
‫إلى تلييك السيياعة يعرفييه ‪ .‬علييى أنييه عرفييه أخيييرا ً وآميين وسييجد لييه )يييو ‪.(38-35 :9‬‬
‫السامرية أيضيا ً عرفتييه بالتدريييج وليييس ميين أول وهليية ‪ .‬والتلميييذ ظنييوه أول ً خيييال ً أو‬
‫روحا ً ‪ ،‬ثم آمنوا أخيرا ً )لو ‪ .(37 :24‬ولييم يؤمنييوا فقييط ‪ ،‬بييل نشييروا اليمييان فييى كييل‬
‫مكان ‪ .‬وقالوا عنه ‪ :‬الذى رأيناه وسمعناه ولمسته أيدينا )‪1‬يو ‪ .(1،3 :1‬لا تتضييايق إذن‬
‫إن كان إدراكك ضعيفا ً لوجود الله فى حياتك ‪ .‬إنما عليك إن تصلى وتقول ]أعيين يييارب‬
‫ضعف إيمانى [ وثق أن قوته فى الضعف تكمل )‪2‬كو ‪ .(12:9‬ملحظة أخرى هامة جييدا ً‬
‫أقوالها لك ‪ ،‬وهى ‪:‬‬
‫ً‬
‫‪ -4‬ل يكفى أن يكون الله معك ‪ ،‬إنما يجب بالكثر أن تكون أنت أيض يا معييه ‪ ..‬لييك معييه‬
‫شركة ‪.‬‬
‫ً‬
‫وليتك تأخذ درسا من ملئكة الكنائس السبع فى آسيا لم يكن الرب فقط معهم ‪ ،‬وإنما‬
‫كان أيضا ً ممسكا ً بهم ‪ ،‬وكانوا فى يمينه )رؤ ‪ .(2:1‬وعلى الرغييم ميين هييذا يقييول الييرب‬
‫لملك كنيسة أفسس " عندى عليك أنك تركت محبتك الولى ‪ .‬فاذكر من أين سييقطت‬
‫وتب ‪ ..‬وال فإنى آتيك عن قريييب ‪ ،‬وازحييزح منارتييك ميين مكانهييا إن لييم تتييب " )رؤ ‪:2‬‬
‫‪ ..(4،5‬عجيب أنه فى يمين الله ‪ ،‬وقد سييقط ‪ ،‬ويحتيياج إلييى توبيية ‪ ! .‍.‬وأخييط ميين هييذا‬
‫ملك كنيسة لودكية الذى يقول له الرب " أنا عارف أعمالك أنك لست حارا ً ‪ ..‬هكذا أنا‬
‫مزمع أن أتقيأك من فمى ‪ .‬لنك تقول إنى أنا غنى ‪ ..‬وليسييت تعلييم أنييك أنييت الشييقى‬
‫والبائس وفقير وأعمى وعريان ‪ ..‬فكن غيورا ً وتب" )رؤ ‪ .(19 :15 :3‬وأخطر من هذين‬
‫ملك كنيسة ساردس ‪ ،‬الذى يقول له الرب ‪ :‬إن لك إسما ً إنك حيى وأنييت مييت )رؤ ‪:3‬‬
‫‪ ..(1‬ومع ذلك كان فى يمييين اللييه ‪ ،‬الييرب ممسييك بييه ‪ .‬إذن ل يكفييى بييأن يكييون اللييه‬
‫معك ‪ ،‬إنما معك ‪ ،‬إنما كن أنت أيضا ً معه ‪ ،‬بكل القلب والفكر والحواس والرادة ‪.‬‬
‫‪ -5‬ولتكن لك المشاعر اللئقة بالوجود فى حضرة الله ‪.‬‬
‫ولعل منها الخشوع ‪ .‬فإن يشوع النبى لمييا أحييس أنييه أمييام رئيييس جنييد الييرب ‪ ،‬يقييول‬
‫الكتاب " فسقط على وجهه إلى الرض وسجد ‪ .‬وقال له ‪ :‬بمياذا يكلييم سيييدى عبيده "‬
‫)يش ‪ .(5:15‬وخلع نعله من رجليه ‪ ،‬لن المكان الذى كان واقفيا ً فيييه مقييدس ‪ .‬وهكييذا‬
‫فعل موسى النبى أيضا ً ‪ ،‬حينما ظهر له الرب وكلمه فى العليقة التى ل تشتعل )خيير ‪:3‬‬
‫‪.(5‬‬
‫وكما يليق الخشوع بالوجود مع الله ‪ ،‬كذلك يليق البر ‪.‬‬
‫لنه " أيه شركة للنور مع الظلمة " )‪2‬كو ‪ .(14 :6‬ويليق بالوجود مع الله والفرح ‪ ،‬فقد‬
‫التلميييذ لمييا رأوا الييرب )يييو ‪ .(20:20‬كييذلك تليييق مشيياعر أخييرى كييثيرة ميين الحييب‬
‫والسلم ‪ ..‬وغيرها ‪ .‬وسنتكلم عن هذا كله بالتفصيل فى المحاضييرات المقبليية إن شيياء‬
‫الله ‪ .‬غير إننى أود أن أختم بملحظة هامة وهى أن فترة الوجود مع الله هى فترة حب‬
‫‪ ،‬تليق بها سرية العلقة الشخصية ‪.‬‬

‫أربعين يوما ً قضاها المسيح مع تلميذه ‪ ،‬ومع ذلك لم يسييجل الكتيياب مييا دار فييى هييذه‬
‫اليام من مشاعر ومن أحاديث ‪ ،‬إنما جملها سفر أعمال الرسييل فييى عبييارة بسيييطة ‪.‬‬
‫أما الناجيل فإشارت بالكثر إلى شكوك التلميذ وضعافتهم وكيف عالجهييا الييرب ‪ .‬ولييم‬
‫تذكرنا حتى تفاصيل يوم واحد من الربعين يوما ً ‪..‬‬
‫هنا وأتعجب من الذين يقفون أمام الناس ليحكوا اختبارهم !!‬
‫ً‬
‫أين اختباراتكم هذه من اختبارات آبائنا الرسل ‪ ،‬الذين لم يسجلوا منها شيئا‪ ،‬ولييم كييروا‬
‫سوى ضعفاتهم وشكوكهم ‪..‬‬
‫إن حياة الحب والعشرة مع الله ‪ ،‬هى قدس أقدس ‪ ،‬يليق بها الصمت ‪ .‬والحديث عنهييا‬
‫تعليم غير كتابى ‪..‬‬
‫مريم أخت لعازر ‪ ،‬إختارت النصيب الفضل ‪ ،‬وجلسييت عنييد قييدمى المسيييح ‪ ،‬تتييأمله ‪،‬‬
‫وتستمع إليه ‪ ،‬ولكنها لم تذكر شيئا ً ميين كييل هييذا ‪ ،‬ول سييجل الكتيياب شيييئا ً منييه ‪ ..‬إنييه‬
‫قدس أقداس ‪ .‬وموسى النبى قضى مع الرب أربعين يوما ً على الجبل ‪ ،‬دون أن يحكييى‬
‫ماذا قال له الرب فيها ‪ ،‬وما أعماق تلك العشييرة ‪ ..‬وأخنييوخ الييذى لييم يمييت ‪ ،‬سييجلت‬
‫حياته كلها فى عبارة واحدة تقر يباهى " وسارا أخنوخ مع الرب ‪ ،‬ول اخنوخ تحدث عيين‬
‫هذا إنه قدس أقداس ‪ .‬وبولس الرسول صعد إلى السماء الثالثيية ‪ ،‬ولكنييه لمييا نييزل ميا‬
‫قص علينا شيئا ً مما رآه قال إنه " سمع كلمات ل ينطق بها ‪ ،‬ول يسوغ إنسان أن يتكلم‬
‫بها " )‪2‬كو ‪ .(4 :12‬لماذا يا معلم بولس العظيم ل تحكى لنا اختباراتك ‪ ،‬كما يحكى أيناء‬
‫اليوم ؟! مبارك هو صمتك ‪ .‬إنه أيضا ً قد أقداس ‪ .‬بل أكثر من هذا مريم العييذراء ‪ ،‬فييى‬
‫كل عشرتها مع المسيح قبل خييدمته الجارييية ‪ ،‬تلييك الييتى ختييم عليهييا بالصييمت ‪ ..‬لقييد‬
‫صمتت العذراء ‪ .‬وكانت تحفظ كل هذه الميور متأملية بهيا فيى قلبهيا )ليو ‪ .(51 :2‬إن‬
‫الصمت وليس الكلم ‪ ،‬هو الذى يليق بالروحيات والحب اإلهى والعشرة مع الله ‪ ،‬مثلها‬
‫صمت التاريخ عن تأملت القديس النبا بييول السييائح خلل ثمييانين عاميا ً فييى الوحييدة ‪.‬‬
‫هكذا صمت التلميذ عن الربعين يوما ً ‪ .‬وما حدثهم المسيح عنييه ميين المييور المختصيية‬
‫بملكوت الله ‪ ،‬ظهر فى حياتهم وممارسييتهم ‪ ،‬ووصييل إلينييا بالتقليييد ‪ ،‬أكييثر مميا وصييل‬
‫بالكلم ‪.‬‬
‫ولعلك تقول ‪ :‬لماذا لم يتكلم هؤلء جميعا ً ‪ ،‬لنتعلم من حياتهم ؟ أقول لك ‪ :‬عش مثلهم‬
‫‪ ،‬وأنت تعرف حينئذ ما أخفوه ‪.‬‬
‫إجلس عند قدمى المسيح ‪ ،‬مثلما جلست مريم ‪ ،‬وحينئذ سيقول لك ما قاله لها ‪ ،‬أو مييا‬
‫يناسبك من أحاديث أخرى ‪ ..‬وإن أحببت المسيح ‪ ،‬كما أحبه الرسل ‪ ،‬وتركييوا كييل شييئ‬
‫وتبعوه ‪ ،‬فحينئذ سيحدثك مثلهم عن المور المختصة بملكييوت الليه ‪ ،‬لييس فقيط عليى‬
‫مدى أربعين يوما ً ‪ ،‬وإنما طول الحياة ‪ .‬إفتح قلبك لله ‪ ،‬وهو يملوه حبا ً ‪ .‬وافتح ذهنك له‬
‫‪ ،‬وهو يضع فيه أجمل الحاديث ‪ .‬عش معه بكاياتييك ‪ ،‬يفييض عليييك ميين مييواهبه ونعمييه‬
‫وقوته ‪ ،‬وحينئذ تقول مع داود فى المزمور ‪" :‬إنى اسمع ما يتكلم به الرب الله " ‪.‬‬
‫أما إن أردت أن يحدثك الرب وأن يعطيك ‪ ،‬لكى تشرح للخرين وتحكييى ‪ ،‬فإنييك تكييون‬
‫قد خرجت من سرية الحب ‪ ،‬وبدل ً من المخداع المغلق صرت تبوق قدامك بالبوق ‪.‬‬
‫أما إن احتفظت بقدسية العلقة وسريتها ‪،‬فإن الرب يقول عنك " أخييتى العييروس جنيية‬
‫مغلقة ‪،‬عين مقفلة ‪ ،‬ينبوع مختوم " )نش ‪.(12 :4‬‬
‫ييييييييييييييييييييييييييييييييييييي‬
‫القيت هذه المحاضرة فى الكاتدرائية الكبرى بالقاهرة يوم الجمعة ‪1/5/1970‬م‪.‬‬
‫]‪[2‬‬

‫"حقا ً إن الرب فى هذا المكان ‪،‬‬


‫وأنا لم أعلم " ‪.‬‬
‫)تك ‪.(16 :28‬‬
‫ما هى أوقات الحساس بوجود الله ؟‬
‫متى تشعر النفس بأن الله موجود معها ؟‬
‫فى الحقيقة ‪ ،‬من ضمن الوقات الساسية التى نحس فيها بوجود الله معنا ‪:‬‬
‫‪ -1‬أوقات الضيق والتعب‪:‬‬
‫وقت الضيق ‪ ،‬هو وقت الحتياج إلى الله ‪ .‬وفيه تشعر بوجود الله ‪ ،‬أكثر مما تشعر فييى‬
‫وقت الراحة أو المتعة ‪ .‬تشعر فى الضيقة بيد الله كيف تتدخل وتعمل وتنقذ‪..‬‬
‫يعقوب أبو الباء ‪ ،‬بدأت خبراته فى وقت الضيقة ‪.‬‬
‫لم نسمع له عن خبرات روحية ول مناظر ول رؤى فى بيت أبيييه ‪ ،‬ول صييراع مييع اللييه ‪،‬‬
‫ول وعود إلهية ‪ ،‬ول تغير لسمه ‪ ..‬ولكن لما قال عيسو " أقييوم وأقتييل يعقييوب أخييى "‬
‫)تك ‪ (41 :27‬وهرب يعقوب من وجه أخيه هنا بدأ يشعر بوجود الله فى حياته ‪ ..‬وفييى‬
‫هروبه وضيقته رأى السلم الواصلة بين السماء والرض ‪ ،‬ورأى الملئكة صاعدة ونازليية‬
‫عليها ‪ ،‬وسمع صوت الله يقول له " ها أنا معك ‪ ،‬وأحفظييك حيثمييا تييذهب ‪ ،‬وأدرك إلييى‬
‫هذه الرض " )تك ‪ .(15-10 :28‬وبدأت ليعقييوب سلسييلة ميين الخييبرات الروحييية فييى‬
‫الحياة مع الله ‪..‬‬
‫ونفس الوضع بالنسبة إلى يوسف الصديق ‪:‬‬
‫لم يدخل فى العشرة اللهية كما ينبغى ‪ ،‬وهو إبن مدلل فى بيت أبيه ‪ ،‬له قميص ملون‬
‫‪ ،‬وأحلم جميلة ‪ ،‬تثير حسدا أخيوته وغيرتهيم ‪ ..‬ولكين لمييا ألقييى فيى الييبئر ‪ ،‬ولميا بييع‬
‫كعبد ‪ ،‬بدأ يختبر يد الله معه‪ ،‬كيف ينجح طرقه ‪ ،‬وكيف يعزيه حتى وهييو فيى السييجن ‪،‬‬
‫وكيييف يمنحييه موهبيية تفسييير الحلم ‪ ،‬ويمنحييه نعميية فييى عينييى حييافظ السييجن‬
‫والمسجونين ‪ ،‬بل يمنحه نعمة فى عينى فرعون نفسه " والله أراد بييه خيييرا ً ")تييك ‪:50‬‬
‫‪ .(20‬أفضل أيامه الروحية ‪ ،‬كانت وهو فى الضيقة ‪ .‬أما لما صاروا وزيييرا ً ‪ ،‬فلييم نسييمع‬
‫عنه حينيذ رؤى أو أحلم ‪ ،‬بل كان رجل إرادة وسلطة ‪ .‬ولم تكن إرادة الييرب مكشييوفة‬
‫له وقت مباركة إبنيه افرايم ومنسى ‪ ،‬كما كانت مكشوفة لبيه يعقوب الذى عاش فييى‬
‫الضيق )تك ‪.(19-17 :48‬‬
‫ويونان النبى كانت أعمق روحياته وهو بطن الحوت ‪.‬‬
‫حينما كان طليقا ً ‪ ،‬كان معاندا ً للمر اللهى ‪ ،‬متمسكا برأيه ‪ .‬أما حينما ابتلعييه الحييوت ‪،‬‬
‫ً‬
‫وجازت فوقه التيارات واللجج ‪ ،‬وحينئذ صرخ من جوف الهاوية ‪ ،‬فسييمع الييرب صييوته ‪.‬‬
‫لما أعيت فيه نفسه ‪ ،‬صلى يونان إلى الرب وهو فى جوف الحوت ‪ ،‬وقال " حين أعيت‬
‫فى نفسى ‪ ،‬ذكرت الرب ‪،‬‬
‫فجاءت إليك صلتى ‪ ..‬بصوت الحمد أذبح لك ‪ ،‬واوفى بما نذرته " )يون ‪.(1،7،9 :2‬‬
‫وأمثلة لنبياء وأبرار كثيرين ‪:‬‬
‫الثلثة فتية تمتعوا بوجود الله معهم ‪ ،‬وهم فى أتون النييار ‪ .‬ودانيييال النييبى شييعر بعمييل‬
‫الله لجله وهو فى جب السود ‪ .‬وبطرس الرسول لمس يد الله معه وهو فييى السييجن‬
‫)أع ‪ (6،7 :12‬وكذلك القديس بولس أيضا ً )أع ‪ .(25،26 :16‬ويوحنا لم يبصر تلك الرؤيا‬
‫العظيمة ‪ ،‬إل وهو فى الضيقة ‪ ،‬منفيا ً فى جزيرة بطمس)رؤ ‪ .(9،10 :1‬وتلميييذ الييرب‬
‫أبصروا يده معهم ‪ ،‬لما اضطربت السفينة وهاجت الريح ‪ ،‬فأتاهم فى الهزيع الخير ميين‬
‫الليل ‪ ،‬وانتهر الرياح ‪.‬‬
‫حقا ً ‪ ،‬حينما ل توجد حلول بشرية ‪ ،‬نبصر يد الرب تعمل ‪.‬‬
‫أحيانا ً ‪ ،‬لما يرتفع النسان فى مركزه ‪ ،‬يختفى عمل الله من قاموسه ‪ .‬ومن الجييائز أن‬
‫تجد فى هذا القاموس كلمات الشهرة والمال والعظمة والمركز ‪ ،‬أما كلمة الله فتكييون‬
‫عزيزة ‪ .‬ولكن حينما تحل الضيقة تتعلق عيناه بالرب إلهه ‪.‬‬
‫وهكذا كان بنو إسرائيل فى تاريخهم القديم ‪.‬‬
‫فى فترات المتعة ‪ ،‬كانوا ينسون الرب ‪ ،‬بل كثيرا ً ما عبدوا الصيينام ‪ .‬فلمييا كييان الييرب‬
‫يدفعهم إلى أيدى أعدائهم ‪ ،‬فيذلونهم ‪ ،‬كانوا حينئذ يصرخون إلى الييرب ‪ ،‬فيرسييل لهييم‬
‫من عنده من يخلصهم ‪ ،‬كما يشرح لنا سفر القضاء ‪ .‬بييل مييا أعمييق قييول المرتييل فييى‬
‫هذه الخبرة " امل وجوههم خزيا ً ‪ ،‬فيطلبون وجهك يارب" ‪.‬‬
‫ربما فى قوتنا ‪ ،‬نعتمد على قوتنا ‪ .‬وفى الشدة نختبر الرب ‪.‬‬
‫يقول الرب " ادعنى فى وقت الضيق ‪ ،‬أنقذك فتمجدنى " إن اختبار عبور البحر الحمر‬
‫‪ ،‬كان فى وقييت الشييدة ‪ .‬كييذلك ضييرب الصييخرة الييتى فجييرت ميياء ‪ ،‬كييذلك السييحابة‬
‫المظللة ‪ .‬إن أرملة صرفة صيدا ً ‪ ،‬لم تختييبر الوجييود مييع اللييه وعشييرته ‪ ،‬إل فييى وقييت‬
‫المجاعة ‪ ،‬وحينما مات إبنها ‪ .‬هنا ظهر الله فى حياتها ‪ .‬وبالمثييل المييرأة الشييونمية لمييا‬
‫مات ابنها أيضا ً ‪ ..‬اننا نتمتع بوجييود اللييه فييى وقييت الضيييقة ‪ ..‬ونحييس وجييوده ونطلييب‬
‫وجوده ونلمس جوده ‪ ..‬وكذلك نتمتع بوجوده اللهى فى أوقات الصلة والتأمل والعبادة‬
‫‪.‬‬

‫يوجد هنا صورة العذراء‬


‫‪ -2‬أوقات الصلة والتأمل‪..‬‬
‫الوقات الروحية مناسبة جدا ً للشعور بالوجود فى حضرة الله ‪ .‬وهكييذا مييا كييان يحسييه‬
‫آباونا القديسون فى خلوتهم ووحدتهم ‪ .‬لذلك كانوا يتركون ضجيج العالم إلى الييبرارى ‪،‬‬
‫حيث ينفردون بالله ‪ .‬ويشعرون بأنهم وجدوه هناك ‪ ،‬وأحسوه فى صلواتهم وتأملتهم ‪.‬‬
‫رؤيا يوحنا ورؤيا بولس‪:‬‬
‫فى سفر الرؤيا ‪ ،‬القديس يوحنا الحبيب‪ ،‬لم يحد الله فى الضيقة فقييط ‪ ،‬إنمييا يقييول "‬
‫كنت فى الروح فى يوم الرب" )رؤ ‪ .(10 :1‬كان فى حالة روحية ‪ ،‬ملتصقا ً بروح الله ‪،‬‬
‫مرتفعا ً بقلبه إليه ‪ ،‬فى يوم مقدس ‪ .‬وفى هذا الجييو الروحييى ‪ ،‬رأى السييماء مفتوحيية ‪،‬‬
‫وأبصر عرس الله ‪ ،‬والقوات السمائية تسبحه ‪ .‬القديس بولس الرسول أيضييا ً ‪ ،‬يعطينييا‬
‫نفس الصورة أيضا ً فى صعوده إلى السييماء الثالثيية ‪ .‬كييان هييو أيض يا ً فييى حاليية روحييية‬
‫وصفها بقوله " أفى الجسييد أم خييارج الجسييد ؟ لسييت أعلييم ‪ ،‬اللييه يعلييم " )‪2‬كييو ‪:12‬‬
‫‪ .(2،3‬إن النسان يحس وجود الله فى الوساط الروحية ‪ ،‬عنييدما يلتصييق قلبييه بييالله ‪،‬‬
‫وتتلمس روحه مع الله ‪ .‬القديس غريغورس أسقف نيصص ‪ ،‬كان أثناء خدمته للقييداس‬
‫اللهى ‪ ،‬يبصر الروح القدس على هيئة حماميية ‪ .‬وأحيانييا كييان الييرب يعليين لييه ميين هييو‬
‫مستحقا ً للتناول ومن هو غير مستحق ‪..‬‬
‫وكثير من الباء الكهنة ‪ ،‬أثناء القداسات ‪ ،‬يكون فى حالة روحية غييير عادييية ‪ ،‬يشييعرون‬
‫أثناءها بالوجود الفعلى مع الله ‪.‬‬
‫هنا جو روحى خاص ‪ :‬من جهة الستعداد لهذه الخدمة المقدسة ‪ ،‬والستعداد للتنيياول ‪،‬‬
‫وهيبة الهيكل والمذبح والذبيحة ‪ ،‬وجو البخور والصلوات ‪ ،‬والقيييام الفعلييى أمييام اللييه ‪.‬‬
‫كل ذلك يعطى شعورا ً خاصا ً يندر وجييوده فييى أوقييات أخييرى ‪ ...‬لييذلك أنييا أعجييب ميين‬
‫الذين يطلبون أن يسجل لهم أحد الباء الكهنة قطعة من القداس فى وقييت يختييارونه ‪.‬‬
‫إنه حينئذ سيسجل لحنيا ً ‪ ،‬ول يقييدم نفييس الييروح شييتان بييين تسييجيله اللحيين فييى أى‬
‫وقت ‪ ،‬وتسجيله فى وقت القداس اللهى ‪ ،‬فى جييو روحييى خيياص‪ ،‬وفييى حاليية روحييية‬
‫خاصة ! وفى شعور بالوجود أمام الله ‪ ،‬بتأثير الذبيحة المقدسة‪ ..‬بنفس المنطق أيضا ً ‪،‬‬
‫نقول إن هناك فرقا ً جوهريا ً بين أن تسمع فى بيتك من الذاعة أو من جهيياز تسييجيل ‪..‬‬
‫فى وقت الصلة والتأمل ‪ ،‬يشعر النسان بالله يمل قلبه ‪ ،‬ويشعر بييأن اللييه يحيييط بييه ‪،‬‬
‫كما يشعر أنه واقف أمام الله يكلمه ‪ .‬أنظروا كيييف أن المسيييح يقييول " حيثمييا اجتمييع‬
‫اثنان أو ثلثة بإسمى ‪ ،‬فهناك أكون فى وسطهم " ‪ .‬هذا الشعور بأن الله فى وسييطنا ‪،‬‬
‫هو شعور روحى يشعر به إنسان فى وقت الصلة ‪ .‬ويشعر أيضيا ً بييأن الملئكيية حييوله ‪،‬‬
‫وبأن أرواح القديسين أيضا ً تحيط به ‪ ،‬بأن روحا ً عميقا ً فى داخله يعطيه ما يقوله ‪ ..‬لهذا‬
‫كانت لجتماعات الصلة قوتها وتأثيرها ‪ ،‬ولهذا كييانت لليييالى الصييلة وسييهراتها فاعلييية‬
‫عميقة داخل النفس وقييوة غييير عادييية ‪ ..‬وفييى أحييدى المييرات وهييم يصييلون ‪ ،‬تزعييزع‬
‫المكان من قوة الصلة ‪ ،‬أو من الوجييود اللهييى أثنيياء الصييلة ‪ ،‬وامتل المشييتركون فييى‬
‫الصلة من الروح القدس)أع ‪ .(31 :4‬الصييلة جعلييت الييرب يحييل بمجيده فيى المكيان‬
‫فشعر المصلون بوجود اللييه ‪ ،‬وبييأن السييحابة قييد اسييتقرت علييى الخيميية ‪ .‬هنييا يشييعر‬
‫النسان بالعزاء‪ ،‬وبالفرح والسلم ‪ ،‬ويشعر بلذة البقاء فى الصلة ‪ ،‬وأنه يييود لييو كييانت‬
‫الصلة ل تنتهى ‪ ..‬وكمييا قييال أحييد البيياء عيين الصييلة ‪ :‬وميين فييرط حلوة الكلميية فييى‬
‫أفواههم ‪ ،‬ما كانوا يريدون أن ينتقلوا منها إلى كلمة أخرى فى صييلواتهم ‪ .‬الييذى يشييعر‬
‫بلذة الصلة ‪ ،‬وبوجود الله معه فى الصلة ‪ ،‬ليجب أن ينتقل من جو الصلة إلى أى جييو‬
‫أخر بعيد عنها ‪ .‬ولو انتهت صلته ‪ ،‬قد يظل واقفا ً ‪ ،‬ولو صامتا ً ‪ ،‬يعز عليه أن ينزع نفسه‬
‫من هذا الجو الروحى ‪ ...‬ولو يقول عبارة واحدة ‪ :‬ل أريد يارب أن أتركك إلى عمل آخر‬
‫‪ .‬ول أريد أن أختم الحديث معك ‪ ،‬لكى أتحدث مع أحد سواك ‪ ..‬ميين هنييا كييانت الصييلة‬
‫الدائمة ‪ .‬ليست كعمل تعصبى أو مجرد تدريب ‪ ،‬إنما رغبيية فيى البقياء ميع اللييه أطييول‬
‫وقت ‪ ..‬هناك أوقات كيثيرة فيهيا بيالوجود ميع الليه ‪ ،‬ولكين وقيت الصيلة والتأمييل هييو‬
‫أعمقها وأقواها ‪ ..‬وماذا أيضا ً يشعرك بالوجود فى حضرة الله ‪.‬‬
‫‪ -3‬الماكن المقدسة‪..‬‬
‫إن جو الكنيسة والماكن المقدسة ‪ ،‬يشعرك بالوجود مع الله ‪ ،‬أكييثر ميين شييعورك فييى‬
‫أى مكان آخر ‪..‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫ولهذا نجد إنسانا روحيا مثل داود النبى ‪ ،‬يستطيع أن يكون روحيا فى أى مكييان ويتمتييع‬
‫بالله ‪ ..‬إل أنه مع ذلك يقول " مساكنك محبوبة أيها الرب إلييه القييوات ‪ .‬تشيياق وتييذوب‬
‫نفسى للدخول إلى ديار الرب ‪ .‬قلبى وجسمى قد ابتهجا بإله الحييى " ‪ " .‬مييذابحك أيهيا‬
‫الرب إله القوات ملكى وإلهى ‪ .‬طوبى لكل السكان فى بيتييك ‪ ،‬يباركونييك إلييى البييد "‬
‫)مز ‪ .(83‬ويقول " واحدة طلبت من الرب وإياها التمس ‪ ،‬أن أسكن فى بيت الرب كل‬
‫أيام حياتى ‪ ،‬لكى أنظر إلى الرب وأتفرس فى هيكله" )مز ‪ .(26‬وهكييذا يييترنم المرتييل‬
‫بالجبييل المرتييل بالجبييل المقييدس ‪ ،‬ومدينيية اللييه ‪ ،‬ويقييول " أساسيياته فييى الجبييال‬
‫المقدسة ‪ .‬أحب الرب أبواب صهيون أكثر من جميع مساكن يعقوب " " أعمييال مجيييدة‬
‫قد قيلت عنك يا مدينة الله " )مز ‪ "(86‬ههنا موضع راحتى إلى البد ‪ .‬ههنا أسكن لنييى‬
‫اشييتهيته " )مييز ‪ " (131‬ببيتييك تليييق القداسيية يييارب " )مييز ‪ " (92‬رفعييت عينييى إلييى‬
‫الجبال ‪ ،‬من حيث يأتى عونى " )مز ‪.(120‬‬
‫إن زيارة لمكان مقدس ‪ ،‬لدير لمغارة قديس ‪ ،‬لكنيسة قديمة ‪ ،‬قييد تكييون لهييا تييأثيرات‬
‫روحية عميقة داخل النفس‪.‬‬
‫تشعر النسان بوجود الله فى هذا المكان ‪ ،‬كما قيال أبونيا يعقيوب عين بييت إييل " إن‬
‫الله فى هذا المكان" )تك ‪ .(28‬ولهذا يحدث أحيانا ً كلمييا أحييس النسييان باحتييياجه إلييى‬
‫دفعة روحية قوية ‪ ،‬يقوم بزيارة لمكان مقدس ‪ ،‬ترجع إليه الشعور بوجود الله معه ‪ ،‬أو‬
‫بوجوده أمام الله ‪ ،‬فيلتهب قلبه ‪ ،‬لمجرد نظر البناء ‪ ،‬أو مجييرد نظيير أيقونيية معينيية لهييا‬
‫ن عاش مع الله فييى هييذا المكييان ‪ ..‬أو‬ ‫تأثير فى النفس ‪ ،‬أو لمجرد تذكر أن قديسا ً معي ً‬
‫قد يلجاء النسان إلى أية واسطة تشعل محبة اللييه فييى قلبييه ‪ ،‬وتشييعره بهييذا الوجييود‬
‫اللهى داخل القلب ‪ ..‬وإن اجتمع تأثير المكان ‪ ،‬وتأثير العمييل الروحييى معيا ً ‪ ،‬فييإن هييذا‬
‫يكون أنفع جدا ً ‪ ..‬بل هناك أمكنة تدفع النسان دفعا ً إلى الصلة ‪ ،‬أو تعطية عمقا ً خاص يا ً‬
‫فى صلواته ‪ ،‬أو فى تراتيله وألحييانه ‪ ،‬أوفييى تييأملته وقراءاتييه ‪ ..‬علييى أن الوجييود فييى‬
‫الحضرة اللهية ‪ ،‬قد ل يأتى سببه منا ‪ ،‬وإنما من زيارة النعمة لنا ‪ ،‬فى وقت ل نعلمييه ‪،‬‬
‫أو ل نتوقعه ‪ ،‬أو نعد أنفسنا له ‪..‬‬
‫‪-4‬وقت ل نعلمه ‪..‬‬
‫حقا ً كما قال الرب فى النجيل المقدس " إن ملكوت اللييه ل يييأتى بمراقبيية " )لييو ‪:17‬‬
‫‪ .(20‬الروح ل نعلم متى يتحدث الله إلينا ‪ ،‬متى يعلن لنا ذاته ‪ ،‬متى تزورنا نعمته ‪ ،‬متى‬
‫نجد أنفسنا أمام الله ‪ ..‬إنما فييى وقييت ل نعلمييه ‪ ،‬يعمييل اللييه فييى قلوبنييا ميين حيييث ل‬
‫ندرى ‪ ،‬ويشعرنا بوجوده ‪ .‬وهكذا فعل مع القديسين ‪ .‬فى وقت ما كان يتييوقعه موسييى‬
‫النبى ‪ ،‬وبطريقة لم تخطر له على بال ‪ ،‬كلمه اللييه مين النيار المشييتعلة فيى العليقيية ‪،‬‬
‫وأعلن له ذاته ‪ ،‬وأرسله ليخلص الشعب ‪)..‬خر ‪ .(3‬وفى وقت ما ‪ ،‬كلم الله أبانا إبييرام ‪،‬‬
‫ودعاه للحياة معه )تك ‪ .(12‬وجد ابرام نفسييه أمييام اللييه ‪ ،‬دون أن يسييعى إلييى ذلييك ‪،‬‬
‫ودون أن يخطر له هذا على بال ‪ .‬وتكرر المر فييى حييياته مييرات ‪ ..‬إن ملكييوت اللييه ل‬
‫يأتى بمراقبة ‪ .‬كذلك صموئيل النبى وهو طفل ‪ ،‬ميا كيان ينتظيير مطلقيا ً ‪ ،‬أن يكيون ليه‬
‫حديث مع الله ‪ ،‬أو أن يختاره لرسالة معينة أو نبوة ‪ ،‬ولكنه وجد نفسييه أمييام اللييه فييى‬
‫وقت ل يعلمه ول يتوقعه ‪ ..‬وبنفس السلوب ‪ ،‬شاول الطرسوسى فى طريق دمشييق ‪،‬‬
‫وجد نفسه أمام النور ‪ ،‬وأمام دعييوة ‪ ،‬وأمييام عتيياب ‪ ،‬وأمييام المسيييح شخصيييا ً ‪ .‬وصييار‬
‫رسول ً من حيث ل يدرى ‪ ،‬بل وفى عكس الطريق إنسان ‪ ،‬فتشعله ‪ .‬كمييا هييو مطلييوب‬
‫منه ‪ ،‬أن يتجاوب ويستغل الفرصة ‪ .‬أنت ل تدرى متى يطرق الله علييى بابييك ‪ .‬كييل مييا‬
‫تدريه أنك أن سمعت صوته ل تقسى قلبك ‪ ،‬بل تفتح بابك مباشرة ‪ ،‬وتقول له فى حب‬
‫‪ :‬تعال أيها الرب يسوع ‪ .‬مشيكلة عيذراء النشييد ‪ ،‬إنهيا ليم تفتييح لليرب ‪ ،‬حينمييا أتاهيا‬
‫ظافرا على الجبال ‪ .‬لذلك قالت فى ألم شديد ‪ " :‬حبيبى تحول وعبر ‪ .‬نفسييى خرجييت‬
‫حينما أدبر ‪ .‬طلبته فما وجدته ‪ .‬دعوته فما أجابني " )نش ‪ .(6-2 :5‬فييى فييترات زيييارة‬
‫النعمة ‪ ،‬يشعر النسان بوجود الله معه ‪ .‬يشعر بحرارة غبر عادية ‪ ،‬وإقييترب قلبييه إلييى‬
‫إلهه ‪ ،‬وبحب عجيب للرب وملكييوته ‪ ،‬وبرغبيية فييى الصييلة ‪ ،‬وعمييق فييى التأمييل ‪ ،‬كمييا‬
‫يشعر بسيطرته على فكره وتوجيهه توجيها ً روحيا ً ‪ .‬إن رأيت هييذا فييى نفسييك ‪ ،‬فتييذكر‬
‫قييول الرسييول " ل تطفئوا الييروح " )‪1‬تييس ‪ .(19 :5‬وإن لييم تكيين فييى هييذه الحاليية‬
‫الروحية ‪ ،‬فل تحاول أن ترقبها متى تجئ ‪ .‬إنما يكفى أن تقول فى مزاميييرك " مسييتعد‬
‫قلبى بييالله ‪ ،‬مسيتعد قلييبى " )ميز ‪ .(56‬وباسييتمرار كلميا وجييدت فييى داخليك اشييتياقا‬
‫روحيا ً ‪ ،‬حاول أن تلهبه بالكثر ‪ .‬إن وجدت فى داخلك رغبة فى التوبة أو فى العتراف ‪،‬‬
‫فل تتييوان ول تؤجييل ‪ .‬وإن وجييدت رغبيية ملحيية أن تصييلى ‪ ،‬فل تتكاسييل ‪ .‬وإن وجييدت‬
‫نفسك قد تأثرت بعظة أو صلة أو لحن أو ترتيلة ‪ ،‬فل تجعل هذا التأثير يضيييع بل ثميير ‪.‬‬
‫إستفيد من وجود الله معك ‪ ،‬لنموك الروحي ‪.‬‬
‫واحترس من أن يكبر قلبك خلل زيارات النعمة ‪.‬‬
‫وجودك فى حضرة الله ‪ ،‬يناسبه التواضيع بييالكثر ‪ ،‬وانسييحاق القلييب ‪ ،‬والشيعور بعيدم‬
‫الستحقاق ‪ ،‬فبهذا يمكن أن يعطيك الرب أكثر فأكثر ‪ ،‬لنه يعطى المتواضعين نعمة )يع‬
‫‪ .(6 :4‬وكلما تجد نفسك مع الله ‪ ،‬قل ‪ :‬إنه من أجل إحتياجى سمح الرب أن يفتقييدنى‬
‫بنعمته ‪ ،‬وليس ذلك بسبب إستحقاقى ‪.‬‬
‫إنه ليس بجهدنا نكون مع الرب ‪ ،‬إنما بحنانه وجوده ‪.‬‬
‫من أجل محبته لبنى البشر ‪ ،‬من أجل عدم مشيئته أن يموت الخاطئ ‪ .‬من أجل رعايته‬
‫وعنايته وأبوته ‪ ،‬يفتقدنا معنا ‪ ،‬حتى دون طلب منا ‪ ،‬كما فعل مع تلميذى عمييواس ومييع‬
‫شاول الطرسوسى ‪ .‬تبارك الرب فييى عظييم محبتييه ‪ .‬لييه المجييد ميين الن وإلييى البييد‬
‫آمين ‪.‬‬
‫يييييييييييييييييييييييييييييييييييييييييي‬
‫القيت هذه المحاضرة فى الكاتدرائية الكبرى ‪ ،‬مساء يوم الجمعة ‪1970 /15/5‬م‪.‬‬
‫يوجد هنا صورة للسيد المسيح والخراف ‪.‬‬
‫]‪[3‬‬

‫الوجود مع الله ‪ :‬شهوة‬


‫دعوة للخرين‬
‫فرح بالبدية‬
‫شهوة الوجود مع الله ‪..‬‬
‫الوجود مع الله شهوة فى القلب النقى ‪.‬‬
‫النسان الروحى يشتاق أن يوجد باستمرار مع الله لذلك نجييد داود النييبى يقييول " كمييا‬
‫يشتاق البل إلى جداول المياة ‪ ،‬كذلك إشتاقت نفسى إليك يييا اللييه ‪ ،‬عطشييت نفسييى‬
‫إلى الله ‪ ،‬إلى الله الحى ‪ .‬متى أجئ وأتراءى قدام الله " )ميز ‪،1 :42‬ي ‪ " (2‬ييا الليه ‪،‬‬
‫أنت إلهى ‪ ،‬إليك أبكر ‪ .‬عطشت نفسى إليك ‪ ..‬باسمك أرفع يدى ‪ ،‬فتشبع نفسى كأنهييا‬
‫من شحم ودسم " )مز ‪" (62‬إليك يارب رفعت نفسى ‪ ..‬إياك انتظرت النهار كله " )مز‬
‫‪ " (24‬طلبت وجهييك ‪ ،‬ولوجهييك يييارب التمييس ‪ .‬ل تحجييب وجهييك عنييى " )مييز ‪" (26‬‬
‫التحقت نفسى وراءك " )مز ‪ (62‬أى جرت وراءك ‪.‬‬
‫وكما يشتاق المرتل إلى الله ‪ ،‬يشتاق إلى كل ما يتعلق به ‪ ،‬إسمه ‪ ،‬بيته ‪ ،‬وصاياه ‪..‬‬
‫يقول " محبوب هو إسمك يارب ‪ ،‬فهو طول النهييار وتلوتييي " )مييز ‪ .(118‬ونقييول فييى‬
‫البصلمودية " إسمك حلو ومبارك ‪ ،‬فييى أفييواه قديسيييك " ‪ .‬وعيين كلم الييرب يقييول "‬
‫وجدت كلمك كالشهد فى فمى " )مز ‪ .(118‬عن بيت الرب يقييول " فرحييت بالقييائلين‬
‫لى إلى بيت الرب نذهب " )مز ‪ " (1 :121‬تشيتاق وتيذوب نفسيى لليدخول إليى دييار‬
‫الرب " )مز ‪ " (2 :83‬واحدة طلبت من الرب وأيها التمس ‪ ،‬أن أسكن فى بيت الييرب‬
‫كل أيام حياتى ‪ ،‬لكى أنظر إلى نعيم الرب ‪ ،‬وأتفرس فييى هيكلييه " )مييز ‪ .(26‬النسييان‬
‫الذى يحب الله ‪ ،‬يشتاق أن يكون معه فى كل حين ‪ ،‬ناموسه هو درسييه ‪ ،‬وصيياياه هييى‬
‫تلوته ‪ ،‬محبته هى الغذاء التى تتغذى به الروح ‪ ،‬ويتغذى بييه الفكيير ‪ ..‬أمييا الييذى يصييخر‬
‫بسرعة ‪ ،‬إن جلس مع الله ‪ ،‬ويدركه السأم والملل إن طال به الوقت فييى الصييلة ‪ ،‬أو‬
‫فى الكنيسة ‪ ،‬أو فى قراءة الكتاب أو التأمل الروحى ‪ ،‬فهييذا إنسييان جيياف فييى قلبييه ‪،‬‬
‫بعيد عن حياة الروح ‪ ..‬بعكس هذا ‪ ،‬النسان الروحييى الييذى يمتلييئ قلبييه بمحبيية اللييه ‪،‬‬
‫فإنه ليس فقط يشتاق إلى الله ‪ ،‬وإنما يدعو الخرين أيضا ً ‪..‬‬
‫دعوة الخرين‪..‬‬
‫إنه يدعو الكل إلى عشرة اللييه ‪ ،‬ويقييول لهييم مييا قيياله المرتييل فييى المزمييور " ذوقييوا‬
‫وانظروا ما أطيب الرب " )مز ‪ .(33‬المييرأة السييامرية ‪ ،‬لمييا تمتعييت قليل ً بييالوجود مييع‬
‫المسيح ‪ ،‬ذهبت تبشر به فى كل المدينة ‪ ،‬وتدعو الناس قائلة " تعالوا وانظييروا إنسييانا ً‬
‫قال لى كل ما فعلت " )يو ‪ ..( 29 :4‬لقد أرادت لهييم أن يييذوقوا مييا ذاقتييه ميين حلوة‬
‫الوجود معه ‪ ،‬ولذة الحييديث معييه ‪ ،‬وجمييال عشييرته ‪ ،‬وحلييو حييديثه ‪ .‬وهنييا الفييرق بييين‬
‫المحبة الروحية ‪ ،‬والمحبة الدنيوية ‪ ..‬محبة العالم ‪ ،‬هى محبة أنانية ‪ ،‬تريد أن يكييون مييا‬
‫تحبه لها وحدها ‪ .‬أما المحبة الروحية ‪ ،‬محبة الله وعشرته ‪ ،‬فإنها تشرق على الجالسين‬
‫فى الظلمة ‪ ،‬وتريد أن يشاركها الكل فى حبها ‪ ،‬وفى الله الذى تتمتع به ‪ .‬ل تريييده لهييا‬
‫وحدها ‪ ،‬إنما للكل ‪ ..‬لما فليبس تعرف على المسيح ‪ ،‬قال لنثنائل " وجدنا الييذى كتييب‬
‫عنه موسى فى النيياموس ‪ ،‬والييذى كتييب عنييه النبييياء " )يييو ‪ .(45 :1‬ولمييا ذاق يوحنييا‬
‫الرسول حلوة العشرة مع المسيييح ‪ ،‬كتييب فييى رسييالته الولييى "إن الحييياة أظهييرت ‪،‬‬
‫ونشهد ونخبركم به ‪ ،‬لكى تكون لكم أيضا ً شركة معنا ‪..‬لكى يكون فرحكم كامل ً " ) ‪1‬يو‬
‫‪ .(4-2 :1‬كل من يمتلئ بمحبة الله ‪ ،‬تراه يفيض من هذا الحب على الخرين ويدعوهم‬
‫لمشاركته ‪ ..‬وماذا أيضا ً ؟‬
‫الذى يحب الله ‪ ،‬يحب البدية ‪ .‬وليس فقط يحييب اللييه علييى الرض ‪ ،‬إنمييا يحبييه أيض يا ً‬
‫هناك فى العالم الخر ‪.‬‬
‫وإذا بمحبة الوجود مع الله ‪ ،‬تتحول إلى فرح بالبدية ‪.‬‬
‫فرح بالبدية‪..‬‬
‫إن سمعان الشيخ ‪ ،‬لما حمل المسيح على يده ‪ ،‬وفرح بهذا الخلص ‪ ،‬صرخ ميين عمييق‬
‫قلبه قائل ً " الن يارب تطلق عبدك بسلم ‪ ،‬لن عينى قد أبصرتا خلصك ‪) ..‬لو ‪-28 :2‬‬
‫‪ .(30‬الذين يحبون عشرة الرب حقا ً ‪ ،‬ويرون ما فى العالم من عوائق المادة والجسد ‪،‬‬
‫يشتاقون أن ينطلقوا من هذا الجسد ‪ ،‬لكى تكون لهم فرصة أوسييع فييى عشييرة اللييه ‪،‬‬
‫ولكي يكونوا فى كل حين مع الرب )‪1‬تس ‪ .(17 :4‬وهكذا نرى القديس بولس الرسول‬
‫يقول " لى اشتهاء أن أنطلق ‪ ،‬وأكون مع المسيح ‪ ،‬فذاك أفضييل جييدا ً " )فييى ‪.(23 :1‬‬
‫إذن شهوة النطلق هنا هدفها هو الوجود مع الله ‪ ،‬فذاك أفضل جدا ً ‪ ..‬إن الييذى يشييعر‬
‫بلذة الوجود مع الله ‪ ،‬ل يهمه الموت ‪ ،‬بل على العكس يرى أن الموت هو جسر ذهييبى‬
‫جميل ‪ ،‬يوصل إلى حياة أفضل ‪ ،‬إلى الفردوس ‪ ،‬إلى النعيم ‪ ،‬إلى الوجود مع الب كييل‬
‫حين ‪ ،‬إلى التخلص من الحياة فى المادة وما تسببه من معوقات ‪ .‬لذلك يكييون تفكيييره‬
‫فى أورشليم السييمائية ‪ ،‬مسييكن اللييه مييع النيياس ‪ ،‬تفكيييرا ً لييه أعميياقه العاطفييية فييى‬
‫القلب ‪ ..‬إن اسطفانوس أول الشمامسة ‪ ،‬لما اقترب مين المييوت ‪ ،‬اعنييى لميا اقييترب‬
‫من النتقال إلى عشرة الله الدائمة ‪ ،‬كان فرحا ً ومتهلل ً ‪ .‬ويقول عنه الكتيياب فييى تلييك‬
‫اللحظات إنهم شخصوا إليه " ورأوا وجهه كوجه ملك " )أع ‪ .(15 :6‬أمييا هييو فشييخص‬
‫إلى السماء ‪ ،‬وهو ممتلئ من الروح القدس ‪ ،‬فرأى مجييد اللييه ‪ ..‬وقييال " هييا أنييا أنظيير‬
‫السموات مفتوحة ‪ ،‬وإبن النسان قائما ً عن يمين الله " )أع ‪ ..(55،65 :7‬وبهذا الفييرح‬
‫انتقل إلى الوجود الدائم مع الله ‪ ،‬حيييث ل مييؤتمرات ‪ ،‬ول حنييق أعييداء ‪ ،‬ول رجييم ‪ ..‬ل‬
‫شك أن الذين يحزنهم الموت والنتقال إلى الرب ‪ ،‬لم يتيقنوا من لذة الحياة مييع اللييه ‪،‬‬
‫والوجود فى عشرته المحببة إلى النفس ‪ .‬أو أن البعض يخافون الموت ‪ ،‬لنييه يحرمهييم‬
‫من الحياة فى الجسد وفى المادة ومع النيياس‪ ..‬فييى القرنييين الثييانى والثييالث للميلد ‪،‬‬
‫حيث كانت أشواق المؤمنين متعلقة فى عمق بالملكوت ‪ ،‬كانوا يسعون إلى الموت من‬
‫أجل الله ‪ ،‬وكانوا يحبون الستشهاد ‪ .‬بل أن العلمة أوريجييانوس والعلميية ترتليييانوس ‪،‬‬
‫وضع كل منهما كتابا ً عنوانه " حث على الستشهاد " ‪ .‬فهذا الستشهاد سيوصييلهم إلييى‬
‫الوجود الدائم مع الله ‪ ..‬تحول الستشهاد فى تلك العصور إلى شهوة ‪ ،‬لنه يحمييل فييى‬
‫طياته شهوة أعمق ‪ ،‬هى الوجيود اليدائم ميع الليه ‪ ،‬حييث يتغنيون ميع القيديس بيولس‬
‫قائلين " ونكون كل حيين ميع اليرب " ‪ .‬هيذه الشيهوة المقدسية ‪ ،‬نزعيت مين قليوبهم‬
‫الخوف من الموت ‪ .‬فكانوا ينشدون تلك النشودة الجميلة ‪ " :‬إن عشنا ‪ ،‬فللرب نعيش‬
‫‪ .‬وإن متنا فللرب نموت ‪ .‬إن عشنا وإن متنا ‪ ،‬فللرب نحن " )رو ‪.(8 :14‬‬
‫هؤلء ل تهمهم سوى عشرة الله ‪ ،‬سواء هنا أو هناك ‪.‬‬
‫ً‬
‫فى السماء ‪ ،‬يكونون كل حين مع الرب ‪ .‬وعلى الرض أيضا يشعرون أنهم مع الله فييى‬
‫كل مكان ‪ .‬كيانهم كله معه ‪ .‬هوذا داود النبى يقول " تأملت فرأيييت الييرب أمييامى فييى‬
‫كل حين ‪ ،‬لنه عن يمين فى اتزعزع " )مز ‪ .(8 :16‬الرب أمامه ‪ ،‬والييرب عيين يمينييه ‪،‬‬
‫يحيط به كل ناحية ‪ .‬فما تأثير هذه عليه إذن ‪ .‬يقول بعد ذلك مباشييرة " ميين أجييل هييذا‬
‫فرح وتهلل لسانى ‪ .‬وأيضا ً جسدى يسكن على الرجاء " عرفتني يبييل الحييياة ‪ .‬تملنييي‬
‫فرحا ً مع وجهك " ‪ ..‬إنه يشعر بوجود الله معه ‪ ،‬هنا وفى البدية ‪ ،‬لذلك أنت معى " )مز‬
‫‪ .(22‬ما أجمل شعور المؤمن بأن الله معه ‪ ،‬حتى فى وادى ظل الموت ‪ ..‬لييذلك يرتييل‬
‫هؤلء المؤمنون ترتيلة " حيث قادنى أسير " ‪ .‬ل يهم أن يقود الله النفس ‪ ،‬لكن المهييم‬
‫أن تكون معه حيثما قداها ‪ .‬ومادامت معه ‪ ،‬تشعر بالسعادة والثقة والطمئنان ‪.‬‬
‫يوجد هنا صورة للسيد المسيح مع الخراف‬
[4]
‫لكى نفهم الوجود مع الله ‪ ،‬ينبغى أن نفهم أول ً ما هو الله بالنسبة إلينا ؟ ‪ ..‬وبالتالى مييا‬
‫هى طبيعة العلقة معه ‪ .. .‬وهنا نفهم حالة الوجود مع الله ‪ ..‬إن الله ل يشيياء أن يكييون‬
‫مجرد سيد يحكم عبيدا ً ‪ ،‬ول يشاء أن يكون خوف العبيد وطيياعتهم هييو أسيياس العلقيية‬
‫التى تربط البشرية به ‪ .‬لذلك قال فى وضوح ‪:‬‬
‫"ل أعود أسميكم عبيدا ً ‪ ..‬بل أحباء " )يو ‪.(15 :15‬‬
‫وفى هذا الحب ‪ ،‬ودرجته وعمقه ‪ ،‬قيل عنه إنه " أحب خاصته الذين فى العالم ‪ ،‬أحبهم‬
‫حييتى المنتهييى " )يييو ‪ .(1 :13‬بييل إن هييذا الحييب كييان هييو السييبب المباشيير للتجسييد‬
‫والفداء ‪ ،‬لنه " هكذا أحب الله العلم ‪ ،‬حتى بذل إبنييه الوحيييد ‪ ،‬لكييى ل يهلييك كييل ميين‬
‫يؤمن به ‪ ،‬بل تكون له الحياة البدية " )يو ‪.(16 :3‬‬
‫وفى محبة الله لنا ‪ ،‬دعانا أبناء له ‪..‬‬
‫ويتغنى القديس يوحنا الرسول بهذه الحقيقة فيقول " انظروا أيييه محبيية أعطانييا الب ‪،‬‬
‫حتى ندعى أولد الله " )‪1‬يو ‪ .(1 :3‬وأصبحنا حينما نصلى ‪ ،‬نوجه صلواتنا إلى هذا الب‬
‫السماوى ‪ ،‬ونقول له " يا أبانا الذى فى السموات " ‪ .‬حتى جاء السيد المسيح ‪ ،‬فأظهر‬
‫بجلء ووضوح ‪ .‬أنظروا كيف أن الله يعاتب البشر فى العهد القديم فيقول " ربيت بنييين‬
‫ونشأتهم ‪ ،‬أما هم فعصوا على " )أش ‪ .(2 :1‬وكأب فى العهد القديم ‪ ،‬يخاطب النسان‬
‫بعبارة " ياإبنى أعطنى قلبك " )أم ‪ .(26 :23‬وقد أدرك أشعياء النبى أبوة الله ‪ ،‬فقييال‬
‫له " تطلع من السماء ‪ ،‬وانظر من مسكن قدسك ‪ ،‬فإنك أنت أبونا ‪ ..‬أنت يارب أبونييا ‪،‬‬
‫ولينا منذ البد إسمك " )أش ‪ .(16 :63‬وقال أيضا ً "والن يارب أنت أبونا ‪ ..‬وكلنا عمل‬
‫يديك " )أش ‪ ..(8 :64‬والمثلة كثيرة ‪..‬‬
‫إذن فنحن حينما نتواجد مع الله ‪ ،‬نتواجد مع أب يحبنا ‪..‬‬
‫ونقضى الوقت معه ‪ ،‬كمييا يسييلك البنييا مييع أبيهييم المحييب لهييم ‪ ،‬بنفييس الداليية الييتى‬
‫للبناء ‪ .‬ومن الناحية الخرى ‪ ،‬حينما نخطييئ ‪ ،‬نشييعر ليييس مجييرد شييعور العبيييد الييذين‬
‫يخافون العقوبة ‪ ،‬بل بالكثر شعور البناء الذين يؤلمه ويحزنهم أنهم جرحييوا قلييب أبيييه‬
‫المحب معه ‪ ..‬وماذا أيضا ً ؟ هل نحن مجرد أبناء وأحباء ؟ كل ‪ ،‬بل هناك ما هو أكثر ‪:‬‬
‫من محبة الله ‪ ،‬دعا النفس التى تحبه عروسا ً له ‪..‬‬
‫هذا واضح تماما ً فى العهد القديم ‪ ،‬فى سفر نشيد الناشيد ‪ ..‬وفى العهد الجديد يتكلييم‬
‫يوحنا المعمييدان عين الكنيسيية كلهيا كعييروس للمسيييح ‪ ،‬ويقييول عنييه وعنهييا " ميين لييه‬
‫العروس فهو العريس " )يو ‪ .(26 :3‬وفى المجئ الثاني ‪ ،‬شبه الرب كل النفوس التى‬
‫تحبه بخمس عذارى حكيمات ‪ ،‬أخذن مصابيحهن وخرجن لستقبال العريس )مييت ‪.(25‬‬
‫ويقول بولس الرسول عن كرازته " خطبتكييم لقييدام عييذراء عفيفيية للمسيييح الكنيسيية‬
‫كعروس له ‪ ،‬وكيف قدسها وطهرها وأسييلم نفسييه لجلهييا ‪ ،‬وقييال عيين وحييدة المسيييح‬
‫بالكنيسة " هذا السر عظيم " )أف ‪.(32-22 :5‬‬
‫ً‬
‫إذن نحن أبناء وأحباء ‪ ،‬وعروس للرب ‪ ،‬وماذا أيضا ؟‬
‫أقول بالكثر ‪ :‬إنه ونحن كيان واحد ‪ ،‬كالرأس والجسد‪..‬‬
‫حقا ً ‪ ،‬هذا السر العظيم ! إن الرب لم يفصلنا عنه ‪ .‬فنحن جسده وهو رأسيينا ‪ .‬المسيييح‬
‫هو رأس الكنيسة )أف ‪ ،(23 :5‬ورأس كل رجل هو المسيح )‪1‬كييو ‪ .(3 :11‬وأجسييادنا‬
‫هى أعضاء المسيح )‪1‬كو ‪ .(15 :6‬ونحن " أعضاء جسمه ‪ ،‬ميين لحمييه وميين عظييامه "‬
‫)أف ‪ .(30 :5‬إننى أقف هنا مذهول ً أمام هذه العبارات العجيبة ‪ ،‬الييتى أراد بهييا الييوحى‬
‫اللهى توضيح علقتنا بالمسيح ووحدتنا معه ‪ ..‬وقيد وضيح اليرب هيذه الوحيدة‪ ،.‬بعلقيية‬
‫أخرى غير الرأس والجسد ‪،‬‬
‫" إثبتوا فى ‪ ،‬وأنا فيكم ‪ ..‬أنا الكرمة ‪ ،‬وأنتم الغصان " )يو ‪.(15‬‬
‫الكرمة والغصان ‪ ،‬كيان واحد ‪ ..‬كالرأس والجسييد ‪ ..‬والغصيين ل حيياة ليه ‪ ،‬إل بالثبيات‬
‫فى الكرمة ‪ .‬وهكذا قال الرب " كما أن الغصن ل يقدر أن يأتى بثمر من ذاتييه ‪ ،‬إن لييم‬
‫يثبت فى الكرمة ‪ ،‬كذلك أنتم إن لم تثبتوا فى ‪ ..‬الذى يثبييت فييى وأنييا فيييه ‪ ،‬هييذا يييأتى‬
‫بثمر كثير " )يو ‪.(5 ،4 :15‬‬
‫إذن أكثر من الوجود فى الله ‪ ،‬الثبات فى الله ‪.‬‬
‫نثبت فى اللييه ‪ ،‬كمييا يثبييت الغصيين فييى الكرميية ‪ ،‬وتعطيييه حييياة ‪ ..‬وإن لييم تسيير فيييه‬
‫الكرمة ‪ ،‬يجف ويموت ‪ ..‬ولكن كيف نحصل على هذا الثبوت فى الله؟‬
‫لقد قدم لنا الرب أربع وسائط للثبوت فيه ‪:‬‬
‫* فقال " من يأكل جسدى ويشرب دمى ‪ ،‬يثبت فى وأنا فيه " )يو ‪.(56 :6‬‬
‫* وقال القديس يوحنا الرسول فى رسالته الولى " من اعترف أن يسوع هو ابن الله ‪،‬‬
‫فالله يثبت فيه ‪ ،‬وهو فى الله " )‪1‬يو ‪ .(15 :4‬وهنا قدم اليمان كواسييطة للثبييوت فيى‬
‫الله ‪.‬‬
‫*وقال أيضا " الله محبة ‪ .‬ومن يثبت فى المحبة ‪ ،‬يثبت فى الله ‪ ،‬والله فيييه " )‪1‬يييو ‪:4‬‬ ‫ً‬
‫‪.(16‬‬
‫وأيضا " من يحفظ وصاياه ‪ ،‬يثبت فيه ‪ ،‬وهو فيه " )‪1‬يو ‪.(24 :3‬‬ ‫ً‬
‫إذن هناك وسائط للثبوت فى الله ‪ ،‬هى ‪ :‬اليمان ‪ ،‬والمحبة ‪ ،‬والتناول من جسده ودمه‬
‫‪ ،‬وحفظ وصاياه ‪.‬‬
‫فهل حرصت على هذه الوسائط الربع ؟ وهييل شييعرت فيهييا بييالثبوت فييى اللييه ؟ هييل‬
‫شعرت فيها بوجود الله فيك ؟ هذا إن كنت قد مارستها كما ينبغى ‪..‬‬
‫هل رأيتم علقة فى قوة هذا الثبوت المتبادل ؟‬
‫ثبوت كالجسد فى الرأس ‪ ،‬وكالغصن فى الكرمة ‪ ..‬فيه الحياة ‪ ،‬ول حياة بدونه ‪ ..‬وماذا‬
‫أيضا ً ؟ لعلنى أتجرأ وأقول ‪ ،‬فى خشية واتضاع قلب ‪:‬‬
‫الوجود مع الله ‪ ،‬هو الوجود فى الله‬
‫أو هو وجود الله فينا ‪..‬‬
‫وجود الله فينا ‪ ،‬كقول السيد الرب للب " أنا فيهم ‪ ،‬وأنت فييى ‪ ،‬ليكونييوا فييى مكملييين‬
‫إلى واحد " )يو ‪ .(3 :17‬وقوله أيضا ً " وعرفتهم إسمك وسأعرفهم ‪ ،‬أيكون فيهم الحب‬
‫الذى أحببتنى به ‪ ،‬وأكون أنا فيهم " )يو ‪ .(26 :17‬وقول بولس الرسول " لكى أحيييا ل‬
‫أنا ‪ ،‬بل المسيح يحيا فى " )غل ‪ .(20 :2‬هل يوجد مجد أكثر من هذا ؟ ‍! أو هييل توجييد‬
‫متعة روحية أعمق من هذا ؟! آن يؤدى وجودك مع الله إلى وجوده هو فيك ‪ ..‬على أننييا‬
‫نلحظ هنا أن المر ل يقتصر على السيد المسيح فقط ‪ ،‬وإنما ‪:‬‬
‫كما يكون المسيح فيك ‪ ،‬يكون أيضا ً الب والروح القدس ‪:‬‬
‫أما عن روح الله فيك ‪ ،‬فيقييول الرسييول " أمييا تعلمييون أنكييم هيكييل اللييه ‪ ،‬وروح اللييه‬
‫ساكن فيكم " )‪1‬كو ‪ " .(16 :3‬أم لستم تعلمون أن جسدكم هو هيكييل للييروح القييدس‬
‫الذى فيكم " )‪1‬كو ‪ ..(19 :6‬حقا ً إن هييذا السيير عظيييم ‪ .‬أمييا عين الب فيقييول السيييد‬
‫المسيح " إن أحبنى يحفظ كلمى ‪ ،‬ويحبه أبى ‪ ،‬وإلييه نيأتى ‪ ،‬وعنيده نصيينع منيزل ً " أى‬
‫الب والبن معا ً )يو ‪.(23 :11‬‬
‫هذا عن وجود الله فيك ‪ .‬فماذا عن وجودك فيه ؟‪..‬‬
‫يقيول بيولس الرسيول " ‪..‬لكيى أربيح المسييح ‪ ،‬وأوجيد فييه " )فيى ‪ .(8،9 :3‬ويوحنيا‬
‫الرسول يقول " بهذا نعرف أننا فيه " )‪1‬يو ‪ .(5 :2‬والسيد المسيح يجمييل هييذا الوجييود‬
‫المتبادل فى قوله " فى ذلك اليوم تعلمون أنى أنا فى لبى ‪ ،‬وأنتييم فيى ‪ ،‬وأنييا فيكييم "‬
‫)يو ‪ .(20 :14‬ويؤكد هذا المعنى أيضيا ً قييوله " إثبتييوا فييى ‪ ،‬وأنييا فيكييم " )يييو ‪.(4 :15‬‬
‫ولكنى ل أزال حائرا ً أمام عبارة " إثبتوا فى ‪ ،‬وأنييا فيكييم " ‪ .‬مييا معناهييا ؟ مييا كنييه هييذا‬
‫الثبوت ؟ قطعا ً ليمكن أن نثبت فى جوهره ‪ ،‬وإل صرنا آلهة ‪ !..‬وما نحيين سييوى تييراب‬
‫ورماد ‪ ..‬على أن الرب يجيب فى نفييس الصييحاح فيقييول ‪ :‬نعييم ‪ ،‬بييالحب نثبييت فيييه ‪،‬‬
‫وبالحب يثبت هو فى قلوبنا ‪ ..‬ألم يقل الرسول " الله محبة ‪ .‬ميين يثبييت فييى المحبيية ‪،‬‬
‫يثبت فى الله ‪ ،‬والله فيه " ‪ ..‬إنه الحب المبنى على اليمان ‪ ،‬كما قال القييديس بييولس‬
‫" ليحل المسيح باليمان فى قلوبكم ‪ ،‬وأنتم متأصلون ومتأسسون فى المحبة " )أف ‪:3‬‬
‫‪.(17،18‬‬
‫إذن نحن بالحب ‪ ،‬وفى الحب ‪ ،‬نشعر بالوجود فى الله ‪..‬‬
‫ً‬
‫ل نشعر فقط بوجود الله معنا ‪ ،‬أو وجودنا معه ‪ ،‬وإنما نشعر أيض يا – فييى محبتنييا لييه –‬
‫بوجوده فينا‪ ،‬ووجودنا نحن فيه ‪ .‬نشعر أننا أعضاء فى جسده ‪ ،‬وأننا ثابتون فيييه كثبييوت‬
‫الغصن فى الكرمة ‪ ،‬ثبوتا ً نأخذ به حياة ‪ ،‬ونضارة ‪ ،‬ونصنع به ثمرا ً ‪ ..‬فهييل أنييت كييذلك ‪،‬‬
‫تشعر أن حب الله يسرى فيك ‪ ،‬ويعطيك حياة ‪ ،‬لهييا متعيية روحييية خاصيية ‪ ،‬غييير الحييياة‬
‫لهذا العالم ؟ وهل تشعر أن هذا الحييب اللهييى يغييذيك ويقويييك ‪ ،‬ويثبتييك فيييه ‪ ،‬ويشييبع‬
‫نفسك تماما ً ‪..‬؟‬
‫فى الحب ‪ ،‬نشعر بالوجود مع الله ‪..‬‬
‫ً‬
‫وفى الوجود مع الله نشعر بالحب ‪ .‬وبماذا أيضا ؟‬
‫لعله من المناسب ‪ ،‬أن تكون لهذا ‪ ،‬أن تكون لهذا الموضوع محاضرة خاصة ‪.‬‬
‫)‪(5‬‬

‫مشاعر الحب‬
‫مشاعر الفرح‬
‫مشاعر السلم‬
‫مشاعر كثيرة‬
‫ما أعمق المشاعر التى تنبييع ميين الوجييود مييع اللييه ‪ ...‬ومييا أكثرهييا ‪ .‬مجييرد الحسيياس‬
‫بالوجود مع الله ‪ ،‬يجعل النفس ترتفع إلى فوق ‪ ،‬فى مسييتوى أعلييى ميين هييذا العييالم ‪،‬‬
‫وأسمى من الماديات ‪.‬‬
‫وتصبح كل مشاعرها روحية‪ ..‬فى عمق ‪..‬‬
‫ينجذب القلب إلى الله ‪ ،‬ويلتصق به فى حب ‪ ،‬ويرى أن سعادته كلها فى البقاء هكييذا ‪.‬‬
‫ويغنى مع داود " أما فخير لى اللتصاق بالرب " )مز ‪.(28 :73‬‬
‫ويود أن يبقى هكذا ‪ ،‬ل يفارقه ‪ ،‬ول ينفصل عنه ‪..‬‬
‫يفرح أنه وجد الله ‪ ،‬فتتعلق به نفسه ‪ ،‬ويقول مع عذراء النشيد " أمسكته ولييم أرخييه "‬
‫)نش ‪ .(4 :3‬ويود أن تدوم حياته فى هذا اللقاء مع اللييه والحسيياس بوجييوده ‪ .‬وتصييبح‬
‫كل الرغبات الخرى تافهة فى عينيه ‪ ،‬ل تستطيع أن تفصيله عين هيذه المتعية الروحيية‬
‫التى يجدها مع الرب ‪ ،‬فيصيح من أعماقه ‪ ،‬مع بولس الرسول ‪:‬‬
‫من سيفصلنا عن محبة المسيح ‪..‬؟!)رو ‪.(39-35 :8‬‬
‫" ‪..‬ل موت ول حياة ‪ ،‬ول ملئكة ول رؤساء ول قوات ‪ ،‬ول أمور حاضييرة ول مسييتقبلة ‪،‬‬
‫ول علو ول عمق ‪ ،‬ول خليقة أخرى ‪ ،‬تقدر أن تفصلنا عن محبة الليه اليتى فيى المسييح‬
‫يسوع " ‪ ..‬أتستطيع أن تقول هكذا ‪ ،‬ول تسمح لشئ أن يفصلك عن الوجود مييع اللييه ؟‬
‫يروى فيى قصييص القديسيين عين أحييد البياء الرهبيان ‪ ،‬أنييه كيان سييائرا ً فيى البريية ‪،‬‬
‫مستغرقا ً فى صلته بكل قلبه وعييواطفه ‪ ،‬فييأتى ملكييان وأحاطييا بييه ميين هنييا وهنيياك ‪.‬‬
‫ولكننه لم يسمح لنفسه بأن يترك صلته وينظر إلى أى منهما ‪ ،‬بل استمر فييى صييلواته‬
‫وتأملته وهو يقول " من يفصلنى عن محبة المسيح ؟ ل ملئكة ول رؤساء ملئكة "‪..‬‬
‫إن مشاعر الوجود مع الله ‪ ،‬مشاعر ل ينطق بها ‪..‬‬
‫ً‬
‫تحسها وإن أرادت أن تصفها ‪ ،‬ل تستطيع ‪ ..‬تصل أحيانا إلى مرحلة يبهيير فيهييا النسييان‬
‫ويذهل ‪ ..‬فإن استيقظ يشعر بفرح يغمره ‪ ،‬ويشعر بميل إلى الصمت ‪ ،‬ل يريد أن يخرج‬
‫من احساساته الداخلية إلى مستوى الحديث مع الناس ‪..‬‬
‫وكعينة من المشاعر ‪ ،‬سنتكلم عن ثلثة منها ‪:‬‬
‫هى مشاعر الحب ‪ ،‬والفرح والسلم ‪ .‬وكلها من ثمار الروح القدس ‪ ،‬الذى يكسن قلب‬
‫النسان بسكناه وثماره فى أوقات الوجود مع الله ‪..‬‬
‫يوجد هنا صورة للسيد المسيح‬
‫يكفيك أيها الخ المبارك أن تتقابل مع المسيح ‪ ،‬تتحدث إليه ‪ ،‬تستمع إليه ‪ ،‬تون علقيية‬
‫معه وتجد فيه كل كفايتك ول يعوزك معييه شييئ‪ ..‬تعطيييه قلبييك ‪ ،‬وحينئذ تشييعر بتفاهيية‬
‫العالم كله ‪ ،‬وتسعد بمحبة الله ‪.‬‬
‫هذا هو الوجود مع الله ‪ ،‬حب فى حب ‪ ،‬قلب بشرى يتلمس مع الله ‪..‬‬
‫قلب محدود ‪ ،‬يتلمس مع القلب غير المحدود ‪ .‬وحب بسيط ‪ ،‬يتقابل مع حب ل نهائى ‪.‬‬
‫نحن فى حياتنا مع الله ‪ ،‬مثل الجداول البسيط الذى يسير حتى يلتقى بييالبحر ‪ ،‬ويصييب‬
‫فيه ‪ ،‬ويختلط بمياهه التى ل تنتهى ‪ .‬نحن قطييرة مياء ‪،‬تسييخن بحييرارة الحييب ‪ ،‬وتتبخيير‬
‫فترتفع ‪ ،‬لكى تنزل إلى أعماق النهر الكبير ‪ ..‬حياتنا مع الله حياة حب‪.‬‬
‫العشرة مع الله ‪ ،‬هى عشرة الحب ‪..‬‬
‫إنها ليست مجرد نظام روحى ‪ ،‬أو جداول روحى تضييعه لنفسييك فييى الصييلة والقييراءة‬
‫والتأمل والجتماعات والمطانيات ‪ ..‬كل هذا حسيين وجميييل ‪ .‬ولكيين هييل هييو نييابع عيين‬
‫حب؟ هل فيه اشتياق إلى الله ‪ ،‬وعشرة مع الله ؟ هل علقتك بالله هى علقيية حييب ؟‬
‫هل تشتاق إليه كمييا يشييتاق الغصيين إلييى عصييير الكرميية يسييرى فييى خليياه ؟ أم كييل‬
‫جداولك الروحية رسميات بل عاطفة؟!‬
‫ً‬
‫هل أنت تشعر بوجود الله فى حياتك ‪ ،‬وجودا يلهب قلبك بالحب ‪ ،‬فتتقييد عاطفتييك نحييو‬
‫الله باستمرار‪..‬؟‬
‫هل فى وجودك مع الله ‪ ،‬وقت صلتك ‪ ،‬وقت تأملتك ‪ ،‬وقت إحساسييك بيييده تمسييكك‬
‫وتوجهك ‪ ،‬أو وقت إحساسك بيده ترتب على كتفك فييى حنييو ‪ ،‬هييل فييى هييذه الوقييات‬
‫تشعر بمحبة إلهية تمل قلبك ‪ ،‬وتشبعك ‪ ،‬وتلهف عواطفييك الروحييية ‪ ،‬فل تعييد إلييى أييية‬
‫محبة أخرى إلى جوارها ؟ هل فى صييلواتك لهجيية الحييب ‪ ،‬وأسييلوب الحييب ؟ وهييل إذا‬
‫صليت ل تريد أن تنتهى من الصلة ‪ ،‬لن المحبة تجذبك إلييى البقيياء فييى حضييرة اللييه ؟‬
‫هل قلبك المحب للمسيح ‪ ،‬مملوء بالفرح لنك قد وجدته ؟‬
‫هل وجودك مع الله ‪ ،‬أصبح حياة ‪ ،‬وليس فترات ؟‬
‫أى أنه من شدة محبتك للييه ‪ ،‬ورغبتييك فييى أن توجييد معييه باسييتمرار ‪ ،‬ازدادت فييترات‬
‫وجودك معه ‪ ،‬وظلت تنمو ‪ ،‬حتى أصبحت تحس بوجودك فييى حضييرة اللييه كييل حييين ‪،‬‬
‫وليس لفترت محدودة تأتى وتنتهييى ‪ ..‬وهكييذا تقييول مييع معلمنييا داود " تييأملت فرأيييت‬
‫الرب أمامى فى كل حين ‪. "..‬‬
‫ً‬
‫إن الذى يحب الله ‪ ،‬ويحييب أن يوجييد دواميا معييه‪ ،‬ل يكييون اللييه بالنسييبة إليييه هييو إلييه‬
‫مناسبات ‪!..‬‬
‫الله ‪ ،‬ليس هو الله الذى يجده النسان فى الكنيسة فقط ‪ ،‬فإن فارقها فارقه ! وليييس‬
‫هو الله الذى يجده فى الكتاب المقدس ‪ ،‬فإن أغلييق هييذا الكتيياب إنتهييت علقتييه بييه !‬
‫وليس هو فقط الله الذى ل يجده إل فى الصلة والتأمييل والتراتيييل ‪ ،‬وبعييدها ل يحييس‬
‫بوجوده ‪ !..‬إنما هو الله الذى يحس وجوده معه فى كل مكان ‪ ،‬وفى كل وقييت ‪ ،‬وفييى‬
‫كل عمل ‪ ..‬هو فى حياته على الدوام ‪ .‬وهنا نسييأل ‪ :‬ميين يكييون المسيييح بالنسييبة إلييى‬
‫حياتنا ؟‬
‫إن المسيح ليس غريبا ً عنا ‪ ..‬إنه فينا ‪:‬‬
‫ليس هو مجرد شخصية تاريخية ‪ ،‬قرأنا عنها فى النجيل ‪ ،‬فعرفنا قصة تجسده وصييلبه‬
‫وقيامته وصعوده إلى السموات ‪ ..‬بل المسيح حى بيننا ‪ ،‬معنا كييل اليييام وإلييى إنقضيياء‬
‫الدهر ‪ ،‬حسب وعده الصادق )مت ‪ .(20 :28‬إنه الممسك السبعة الكواكب فييى يمينييه‬
‫)أى جميع الرعاة (‪ ،‬الماشى فى وسط السبع المنيياير الذهبييية )رؤ ‪ (1 :2‬أى الموجييود‬
‫فى وسط الكنائس كلها ‪ ..‬حقا ً إننا نشييعر بوجييوده معنييا فييى صييلواتنا ‪ ،‬حسييبما قييال "‬
‫حيثما إجتمع إثنان أو ثلثة بإسمى فهناك أكون فييى وسييطهم " )مييت ‪ .(20 :18‬ولكيين‬
‫وجوده معنا ل يقتصر على أوقات الصلة فقط ‪..‬‬
‫وجوده فى حياتنا ‪ ،‬أعمق من هذا وأشمل ‪..‬‬
‫ما أروع تلك العبييارة الييتى قيلييت عيين معموديتنييا ‪ ،‬الييتى فيهييا متنييا مييع الرسييول " لن‬
‫جميعكم الذين اعتمدتم بالمسيح ‪ ،‬قد لبستم المسيح " )غييل ‪ ..(27 :3‬وأمييام عبييارة "‬
‫لبسييتم المسيييح " اقييف مبهييورا ً ‪ ،‬أحيياول أن اتشييرب المعنييى علييى مهييل ‪ ،‬بييالروح ل‬
‫بالعقل ‪ ..‬وفى حياتنا الروحية ‪ ،‬إن كنا قد صولحنا مع الله بموته عنييا ‪ ،‬فإننييا ونحيين الن‬
‫مصالحون " نخلص بحياته " )‪2‬كو ‪ .(14 :2‬فنحيين ل نعمييل شيييئا ً ميين ذواتنييا ‪ ،‬بييل هييو‬
‫العامل فينا ‪ .‬أليس هو القائل " لنكم بدونى ل تقدرون أن تفعلوا شيئا ً " )يو ‪.(5 :15‬‬
‫إذن نحن ل نستطيع أن نفصل حياتنا عن المسيح ‪.‬‬
‫حياتنا الروحية ما هى إل " رائحة المسيح الذكية " )‪2‬كو ‪ .(15 :2‬ونحن فى حياة الحب‬
‫معه ‪ ،‬وحياة الوجود معه ‪ ،‬نحاول أن تكون لنا معه وحده فييى الفكيير ‪ ،‬وفييى المشيييئة ‪،‬‬
‫وفى العمل ‪ ..‬وبهذا ندخل فى حياة شركة معه ‪.‬‬
‫فالوجود مع الله ‪ ،‬يعنى أيضا ً الشركة معه ‪.‬‬
‫هذه الشركة التى قال عنها معلمنا يوحنا الرسول " وأما شركتنا نحيين ‪ ،‬فهييى مييع الب‬
‫ومع إبنه يسوع المسيح " )‪1‬يو ‪ .( 14 :13‬وأما معلمنا بطييرس الرسييول ‪ ،‬فيدمييج كييل‬
‫هذا معا ً واجدة هى " شركاء الطبيعة اللهية " )‪2‬بط ‪ ..(4 :1‬حقا ً مييا أعجييب مييواهبه !‬
‫ونح طبعا ً ل نشترك مع الطبيعة اللهية فى الجوهر ‪ ،‬أى فى اللوهية ‪ ،‬وإل صرنا إلهيية ؟‬
‫فماذا إذن ؟‬
‫إنها شركة مع الطبيعة اللهية ‪ ،‬فى الفكر والعمل ‪.‬‬
‫من جهة الفكر ‪ ،‬يعبر بولس الرسول فييى عمييق وإيجيياز فيقييول " أمييا نحيين فلنييا فكيير‬
‫المسيح " )‪1‬كو ‪ .(16 :2‬أما عن العمل ‪ ،‬فيقول عن نفسه وعن زميله أبييولس " نحيين‬
‫عاملن مع الله " )‪1‬كو ‪ .(9 :3‬ونحيين نصييلى فييى أوشييية المسييافرين فنقييول للييرب "‬
‫لشترك فى العمل مع عبيدك ‪ ،‬فى كل عمل صييالح " ‪ .‬والشييركة فييى العمييل ‪ ،‬تحتيياج‬
‫أيضا ً إلى شركة فى المشيئة ‪ ،‬حيث نقييول للييرب فييى كييل صييلة " لتكيين مشيييئتك " ‪.‬‬
‫وتشمل من معناها " لتكن مشيئتك هى مشيئتنا ‪ .‬ولكنه مشيئتنا هى مشيئتك " ‪.‬‬
‫ففى الوجود مع الله ‪ ،‬تتحد مشيئة الله والنسان ‪.‬‬
‫ويقبل النسان مشيييئة اللييه فييى حييب ‪ ،‬وفييى رضييى ‪ ،‬وفييى فييرح ‪ .‬وفييى شييركة هييذه‬
‫المشيئة ‪ ،‬وفى شركة العمل والفكر ‪ ،‬يحيا فى بر دائم ‪ .‬لن الله هييو النييور الحقيقييى "‬
‫ول شركة للنور مع الظلمة " )‪2‬كو ‪ .(14 :6‬وهكذا كل من يتمتع بالوجود مع الله ‪ ،‬يحيا‬
‫فى النور ‪ ،‬ويصير ميين أبنيياء النييور ‪ ،‬لنييه " إن قلنييا أن لنييا شييركة معييه ‪ ،‬وسييلكنا فييى‬
‫الظلمة ‪ ،‬نكذب ولسنا نعمل الحق " )‪1‬يو ‪.(6 ":1‬‬
‫إذن الوجود مع الله ‪ ،‬هو الوجود فى البر ‪.‬‬
‫وجودك مع الله ‪ ،‬يطهرك من كل خطية ‪ ،‬ويثبتك فى الحيق ‪ ،‬والحيق يحيررك ‪ .‬وتشيعر‬
‫وأنت موجود مع الله بمحبة كاملة لكل ما هو طاهر ومقدس ‪ .‬لذلك فيأنت تحيب اليرب‬
‫لجل أنه منحك هذا النعتاق من أسر الخطية ‪ ،‬وجعل الحياة الروحية سهلة عليك ‪ ،‬كما‬
‫تحبه من أجل أنه الخلص العظيم الذى قدمه لك وللعالم كله ‪.‬‬
‫تحبه لنك وجدته ‪ ،‬ولنه تنازل ليكون معك ‪.‬‬
‫ومع أنه مرتفع عن السموات ‪ ،‬فإنه يجد لذته فى بنى البشر ‪ ،‬ويحب أن يكييون معنييا ‪،‬‬
‫ويعمل فينا وبنا ‪ .‬يكلمنا ونكلمه ‪ ،‬يحوطنا بعمل رعايته فى حب وإشفاق ‪ ..‬نحبييه ‪ ،‬لنييه‬
‫هو الذى يبحث عنا ‪ ،‬حتى إن ضللنا عنه ‪ ،‬يأتى بنا إليه ‪ ،‬حامل ً إيانا على منكييبيه فرحييا ً ‪،‬‬
‫هذا الذى أحبنا قبل ً ‪ ،‬واشفق علينا حتى ونحن فى عمق خطايانا ‪ .‬نحب هييذا القييدوس ‪،‬‬
‫الذى منح نعهمة الوجود معه حتى للخطاة والعشارين ‪ ،‬وحضر ولئمهييم ‪ ،‬وتعشييى فييى‬
‫بيت زكا ‪ ،‬وسمح للمييراة الخيياطئة أن تلمييس قييدميه وتقبلهييا ‪ ،‬تلييك الييتى أشييمئز ميين‬
‫وجودها الفريسى ‪ ..‬نحب هذا الكامل ‪ ،‬الذى سيمح بيالوجود معيه للمجدليية اليتى كيان‬
‫عليها سبع شياطين ‪ ،‬فخلصها منهم ‪ ،‬وجعلها من خاصييته ‪ ،‬ونعمييت بيالوجود معييه حييتى‬
‫وهو على الصليب ‪.‬‬
‫إن أسعد أوقاتنا فى الحياة ‪ ،‬هى أوقات الوجود معه ‪.‬‬
‫حتى لو كنا مصلوبين معه كاللص اليمين ‪ ،‬أو لو كنا نتألم معه كبولس ‪ ،‬يكفى أننا معه ‪.‬‬
‫أما أتعس أوقاتنا فهي نحس الحرمان معه ‪ .‬لذلك نحرص أن نكييون معييه كييل حييين ‪ ،‬ل‬
‫فى علقة رسمية ‪ ،‬إنما فى مشاعر الحب ‪ ،‬التي بها اتكأ يوحنا على صدره ‪ ،‬والتى بهييا‬
‫سكبت الخاطئة دموعها على قدميه ‪ ،‬لنها أحبت كثيرا ً ‪.‬‬
‫من أجل الوجود معه ‪ ،‬عاش آباؤنا فى البراري ‪.‬‬
‫وكما نقول فى القسمة فى القداس اللهى " سكنوا الجبال والبراري وشييقوق الرض ‪،‬‬
‫من أجل عظم محبتهم للملك المسيييح " ‪ .‬مييا أجييل متعيية الوجييود معييه ‪ ،‬تركييوا الهييل‬
‫والمال ‪ ،‬وعاشوا فيى وحييدة كامليية ‪ ،‬ليتمتعييوا فيهيا بحبيه ‪ ،‬منفردييين معيه فيى البرييية‬
‫الفقرة ‪ ،‬جاعلين شييعارهم " النحلل ميين الكييل للرتبيياط بالواحييد " ‪ .‬وميين أجييل حبييه‬
‫والوجود معه ‪ ،‬ترك آباونا الرسل كل شئ وتبعوه ‪ ،‬وقالوا لييه "إلييى ميين نييذهب ؟ كلم‬
‫الحياة البدية هو عندك " )يو ‪.(68 :6‬‬
‫إنها نفوس هائمة ‪ ،‬ليس فى قلوبهم سوى محبة المسيح ‪.‬‬
‫ً‬
‫إن المسيييحية فيهييا الكييثير ميين المبييادئ والقيييم ‪ ،‬والفضييائل السييامية جييدا ‪ ،‬والعقييائد‬
‫الروحية السليمة العميقة ‪ .‬ولكن أجمل ما فى المسيحية هييو شييخص المسيييح نفسييه ‪.‬‬
‫حتى أن البدية بكل أفراحها ‪ ،‬ل تعتبر نعيما ً بدون المسيح ‪ .‬المسيح هو فرحها الكامل ‪،‬‬
‫وهو نعيمها الحقيقى ‪.‬‬
‫والوجود مع المسيح فى البدية ‪ ،‬هو النعيم البدى ‪.‬‬
‫إنه هو الذى علمنا الحب ‪ ،‬وهو الذى ربطنا مع الله برباط الحب ‪ ،‬ونرع كييل خييوف ميين‬
‫قلوبنا ‪ ،‬ولم تعد وصايا الله مجرد أوامر ‪ ،‬إنما مجرد تعبير عن الحب ‪ ،‬كما نقييول " ميين‬
‫يحبنى يحفظ وصاياى " )يو ‪.(15،21 :14‬‬
‫الذى يحب الرب ‪ ،‬يحب الوجود معه ‪ ،‬والذى يوجد معه يحبه ‪ ..‬ويشييعر بفييرح ل ينطييق‬
‫به لوجود مع الله ‪.‬‬
‫يوجد هنا صورة للسيد المسيح‬
‫حياتنا مع الله ‪ ،‬هى حياة فرح به ‪ ،‬كما فرح التلميذ إذ رأوا الرب ‪ .‬الذين يعيشييون مييع‬
‫الرب ‪ ،‬يفرحييون لنهييم وجييدوه ‪ ،‬ويفرحييون لنهييم عرفييوه ‪ ،‬ويفرحييون لنهييم صييادقوه‬
‫وأحبوه ‪ ،‬ولنهم ذاقوا ونظروا ما أطيب الرب ‪ ..‬حتى فى اللييم الييتى تحيييط بهييم ‪ ،‬هييم‬
‫يفرحون فى الرب على الدوام ‪ .‬قال الرسول ‪:‬‬
‫إفرحوا فى الرب كل حين ‪ ،‬وأقول أيضا ً افرحوا)فى ‪.(4 :4‬‬
‫تسأله ‪ :‬وأنت يا بولس ‪ ،‬هل تفرح بالرب كل حين ؟ فيقول نعم ‪ .‬وتسييأل ‪ :‬وميياذا عيين‬
‫السجون والضيقات واللم والضعفات التى تحتملها كل وقت ؟ فيخلص الموضييوع فييى‬
‫عبارة واحدة هى " كحزانى ‪ ،‬ونحن دائما ً فرحون " )‪2‬كييو ‪ .(10 :6‬أمييام النيياس ‪ ،‬فييى‬
‫ظروفنا الخارجية ‪ ،‬فى ضيقاتنا الكثيرة ‪ ،‬نبدو كحزانى ‪ .‬أما فى الداخل ‪ .‬فنحن فرجون‬
‫‪.‬‬
‫أولد الله ‪ ،‬يفرحون على جبل الجلجثة ‪ ،‬كما على جبل التجلى ‪.‬‬
‫يفرحون وهم أتون النار ‪ ،‬كالثلثة الفتية الذين كييانوا يسييبحون اللييه داخييل التييون ‪ ،‬لن‬
‫سبب فرحهم كان هو إحساسهم بوجود الله معه ‪ ،‬فكانوا فرحيين بيه ‪ ..‬يفرحيون ‪،‬وهيم‬
‫داخل البحر الحمر ‪ ،‬يحيط بهم الماء من هنا وهناك ‪ ،‬يحيط بهم ‪ ،‬ولكيين ل يغطيهييم ول‬
‫يطغى عليهم ‪ .‬المهم أنهم فرحون بخلص الرب ‪ ،‬وبيد الرب معهم ‪ ..‬تماما ً مثلمييا كييان‬
‫بولس وسيل فرحين فى السجن الييداخلى ‪ ،‬وأرجلهييم مضييبوطة فييى المقطييرة ‪ ،‬وهمييا‬
‫يسبان الله بصييوت مسييموع )أع ‪،24 :16‬ي ‪ ،(25‬شيياعرين بوجييود اللييه معهمييا ‪ ..‬كييان‬
‫بطرس فى السجن ‪ .‬وكان الله معه فى السجن ‪ .‬لييذلك اسييتطاع أن ينييام نوم يا ً ثقيل ً ‪،‬‬
‫بينما كان هيرودس مزمعا ً أن يقتله! )أع ‪ .(6 :12‬من يستطيع أن ينييام فييى مثييل هييذه‬
‫الظروف ؟! ولكن يقول ‪" :‬إن كانت لى صداقة بإله هيرودس ‪ ،‬فإن هيرودس سييوف ل‬
‫يضرنى بشئ "‪..‬‬
‫ً‬
‫الشعور بوجود الله ‪ ،‬يمل القلب فرحا ‪ ،‬وينسيه آلمه ‪..‬‬
‫أحد القديسين ‪ ،‬علقوه على خشبة وصييلبوه ‪ .‬فميين فييوق صييليبه ‪ ،‬كييان يعييظ النيياس ‪،‬‬
‫ويدعوهم إلى اليمان بالمسيح ‪ .‬وحدث فى إحدى المييرات أن ثلثييين ألفيا ً خرجييوا ميين‬
‫دمنهور إلى السكندرية ‪ ،‬لينييالوا إكليييل الشييهادة ‪ ،‬وهييم يسييبحون اللييه فييى الطريييق ‪،‬‬
‫ويغنون الغانى الروحية ‪ ،‬فرحا ً بالرب ‪ ،‬لشعورهم بوجوده معهم ‪ ..‬وهكذا فعل القديس‬
‫أبافام الجندى ‪ ،‬حينما لبييس أفخيير ثيييابه ‪ ،‬وامتطييى جييواده وذهييب لمقابليية أريييانوس ‪،‬‬
‫ليستشهد على يديه ‪ ،‬قائل ً " هذا يوم عرسى " ‪ .‬إذن إفرحوا بالرب كل حين ‪ ،‬كما فرح‬
‫القديسون بالرب ‪ ،‬فى كل ظروفهم وأحوالهم ‪.‬‬
‫ولكن ما أسباب فرح القديسين بالرب ؟‬
‫إنهم فرحون بصحبته له ‪ ،‬وبعشرتهم له ‪ ،‬فرحون بالتجديد الذى أخذوه فى المسيييحية ‪،‬‬
‫بهذه الحياة الجديدة الثابتة فى الييرب ‪ ،‬إذ وجييدوا " الشييياء العتيقية قيد مضييت ‪ ،‬هيوذا‬
‫الكل قد صار جديدا ً " ‪ .‬إنهم فرحون بالحب ألهى الذى لمييس قلييوبهم ‪ ،‬فطهرهييم ميين‬
‫كل شركة بلعيم للبترول شرق القاهرة ومن كييل شييبه شييركة بلعيييم للبييترول شييرق‬
‫القاهرة ‪ .‬إنهم –فيى تمتعهيم بيالوجود اللهيى – فرحيون بعميل اليروح القيدس فيهيم ‪،‬‬
‫فرحون بنعمة الله التى ل تفارقهم ‪ .‬إن كما يقول الرسول " فرح ل ينطق به ومجيييد "‬
‫)‪1‬بط ‪.8 :1‬إنه فرح النفس بالرب ‪ ،‬فرح لما وجده ‪ ،‬بيياعوا كييل واشييتروه ‪ ..‬إنييه فييرح‬
‫روحانى ‪ ،‬يختلف عن كل أفراح العالم ‪..‬‬
‫فرح بملكوت الله داخل النفس ‪ ..‬قد يعجب العالم له ‪ :‬كيف تفرحييون ‪ ،‬وانتييم بعيييدون‬
‫عن كل شهوات العالم وملذه وترفيهاته ومتعه‪ ،‬بعيدا ً عن مباهج المادة ‪ ،‬ولذة الحواس‬
‫؟‪ ..‬إن الفرح بالرب هو أعمق ‪ ..‬ل يستطيع العالم أن يفرحه ‪.‬‬
‫إنه فرح من الداخل ‪ ،‬ل يعتمد على أسباب خارجية ‪..‬‬
‫أهل العالم يحصلون على أفراحهم من مصادر خارج نفوسهم ‪ ..‬أسباب تحتضن بالمادة‬
‫‪ ،‬أو إكرام النياس ‪ ،‬أو ميا يجيذب الحيواس ‪ ،‬أو بأسيباب تتعليق بالسيرة أو بيالمركز أو‬
‫بالجاه والغنى ‪ ..‬أمييا أولد اللييه ‪ ،‬فيفرحييون ميين الييداخل ‪ ،‬بسييكنى اللييه فييى قلييوبهم ‪،‬‬
‫وإحساسييهم بوجييوده معهييم ‪ ،‬فييى داخلهييم ‪ .‬يشييعرون بيييده فييى حييياتهم ‪ ،‬فيفرحييون‬
‫باستلمه لهذه الحياة وتدبيره لها ‪ .‬يحسون بتعزيات الروح داخلهم فيفرحون ‪ .‬يشعرون‬
‫بالله يعمل فى قلييوبهم ‪ ،‬ويغييرس فيهييا مشيياعر مقدسيية ‪ ،‬ويغسييلها فتييبيض أكييثر ميين‬
‫الثلج ‪ ،‬فيفرحون ‪ .‬يحسون أنهم فى حالة روحية ‪ ،‬ل يستطيعون التعبير عنها ‪ ،‬ويكفيهييم‬
‫أنهم يتمتعون بها ‪..‬‬
‫حتى فى مشاكلهم ‪ ،‬يشعرون بأنهم فرحون بالرب ‪..‬‬
‫فرحون بالرب الذى يرونه أثناء المشيياكل ‪ ،‬يتييدخل ‪ ،‬ويعطييى عييزاء وصييبرا ً وطمأنينيية‬
‫وسلما ً ‪ ،‬ويعطى حلول ً ما كانت تخطر على فكر إنسان ‪ ،‬ل طابعها الخيياص الييذى يقنييع‬
‫النفس أنها من عند اللييه ‪ ..‬يفرحييون بييالرب الييذى ل يييتركهم وحييدهم ‪ ،‬وإنمييا يحسييون‬
‫وجوده معهم ‪ .‬فى داخل البرية القفرة ‪ ،‬فى متاهة سيناء ‪ ،‬يرون الله ‪ ..‬يرسل سييحابته‬
‫تظللهم وترشدهم نهارا ً ‪ ،‬ويرسل عمود النور يضئ لهم ليل ً ‪ ..‬إنه معهم ‪ ،‬ييرون وجيوده‬
‫فى تابوت عهده ‪ ،‬كمييا يرونييه فييى الصييخرة الييتى تفجيير ميياء ‪ ،‬وفييى الميين ينزلييه ميين‬
‫السماء ‪ ،‬وفى صوته يتحدث من فييوق الجبييل ‪..‬كييل ذلييك فيى متاهيية القفيير ‪ ..‬إن أولد‬
‫الله ‪ ،‬دائما ً فرحون ‪ ..‬فرحون بوجوده معهم ‪..‬‬
‫حالة واحدة تخزن النسان الروحي ‪ ،‬وهى النفصال عن الله ‪.‬‬
‫والنسان الروحى ل يشعر بالنفصال عن اللييه ‪ ،‬فهييو معييه فييى كييل حييين ‪ .‬ولكيين هييذا‬
‫النفصال عن الله ‪ ،‬وبالتالى هى انفصال عن كل فرح ‪ ..‬وهكذا هى انفصال عيين اللييه ‪،‬‬
‫وبالتالى هى انفصييال عيين كييل فييرح ‪ ..‬وهكييذا إن سييقط إنسييان روحييى ‪ ،‬لضييعف ‪ ،‬أو‬
‫لخديعة العدة ‪ ،‬أو لى سبب ‪ ،‬فإنه يسرع بالقيام والرجوع إلى الله ‪.‬‬
‫حتى فى سقوطه ‪ ،‬يشعر بالله يناديه ‪ ،‬ويساعده على القيام ‪..‬‬
‫ولول وجود الله معه ‪ ،‬ما قام ‪ .‬إنه هو الذى ينضح عليه بزوفاه فيطهر ‪ ،‬ويتوبه فيتوب ‪،‬‬
‫بييل يبحييث عنييه كمييا يجييده ‪ .‬وكمييا يقييول فييى سييفرحزقيال النييبى " أنييا أرعييى غنمييى‬
‫وأربطها ‪ ..‬وأطلب الظال ‪ ،‬وأسترد المطرود ‪ ،‬وأجبر الكسير ‪ ،‬وأعصب الجريييح " )حييز‬
‫‪.(16 ،15 :34‬‬
‫فماذا إن شعر أن بعيد وليس معهم ؟‬
‫يفرحون بالله الذى سيأتي ‪ ،‬ولو فى الهزيع الخير ‪..‬‬
‫إن لم تفرح بوجوده الن ‪ ،‬أفرح بوجوده التي " هوذا آت طييافرا ً علييى الجبييال ‪ ،‬قييافرا ً‬
‫على التلل " )نش ‪ .(8 :2‬إنه على الباب يقرع ‪ .‬فلنفتح له ‪ ،‬ونتمتييع بوجييوده ‪ ،‬يكشييف‬
‫لنا ذاته ‪ ،‬ويكشف لنا محبته ‪ ،‬ويفتح لنا قلبه ‪ ،‬ويشعرنا برعايته واهتمامه ‪..‬‬
‫إننا تراب ورماد ‪ .‬ومع ذلك يشعرنا باهتمامه ‪..‬‬
‫عجيب هذا الله المحب ‪ ،‬الذى يعطى أهمية لخليقته بهييذا المقييدار ‍ " يقيييم المسييكين‬
‫من التراب ‪ ،‬ويرفع البائس من المزبلة ‪ ،‬ليجلسه مع رؤساء شعبه " )مييز ‪.(7،8 :113‬‬
‫هذا الكائن غير المحدود ‪ ،‬الله العظيم وحده ‪ ،‬ينظيير ميين علييوه المقييدس ‪ ،‬يهتييم بييه ‪،‬‬
‫ويبحث عنه إلى أن يجده ‪ ،‬فيفرح به ‪ ،‬ويدعو الجميع ليفرحييوا معييه ‪ ،‬ويشييعره بوجييوده‬
‫فى حضرة الله المحب ‪..‬‬
‫الله موجود معك ‪ ،‬فى البر وفى السقوط‪..‬‬
‫إنه موجود معك ‪ ،‬حينميا يعطييك القيوة أن تمشيى معيه فيوق المياء ‪ ،‬مثلميا فعيل ميع‬
‫بطرس ‪ ،‬وأحس هذا القديس بوجوده مع الله ‪ .‬وحينمييا يضييعف إيمانييك ‪ ،‬وتسييقط فييى‬
‫الماء ‪ ،‬مثل بطرس أيضا ً ‪ ،‬تشعر بوجوده الله ‪ ،‬الذى يجذبك ميين الميياء ‪ ،‬لتمشييى معييه‬
‫مرة أخرى ‪ ..‬فوق الماء ‪ .‬لذلك نحن نفرح بالرب كل حين ‪ ،‬لنه موجييود معنييا فييى كييل‬
‫حين ‪ ،‬سواء كنا معه أو لم نكن ‪ ،‬شعرنا بوجوده أو لم نشعر ‪..‬‬
‫إنه موجود فى حياتنا ‪ .‬ونحن نفرح بوجوده فيها ‪..‬‬
‫ونصلى باستمرار أن نشعر كل حين بوجوده معنا ‪ ،‬لكى يزداد فرحنا به ‪ ..‬ولكييي نشييعر‬
‫نحن بهذه الشركة المقدسة ‪ ،‬شركة الله فى حياتنا ‪ ،‬وشركتنا نحن معه ‪ ،‬فييى الحييب ‪،‬‬
‫وفى العمل ‪..‬‬
‫يوجد هنا صورة الملئكة‬
‫ثثثثث‬
‫ثثثثث‬
‫ث‬
‫ثث‬
‫ثثثثث‬
‫ث ثث‬
‫ثثثث‬
‫إن أول عبارة كان يقولها الرب‪ ،‬حين يلتقى بأحبائه هى " سلم لكم " )لييو ‪،36 :24‬يييو‬
‫‪ .(18 :20‬وقبل صلبه ‪ ،‬لكى يعزى تلميذه بأنه سيكون معهم كل اليييام وإلييى انقضيياء‬
‫الدهر ‪ ،‬قال لهم " سلمى أترك لكم ‪ ،‬سلمى أترك لكييم ‪ ،‬سييلمى أنييا أعطيكييم " )يييو‬
‫‪.(27 :14‬‬
‫كل من يوجد فى حضرة الله ‪ ،‬يشعر بسلم عميق ‪.‬‬
‫يشعر باطمئنان داخلى ‪ ،‬لوجوده مع الله ‪ .‬يشعر بالسلم الذى يشعر به البحييارة حينمييا‬
‫يصلون إلى الميناء ‪ ،‬فيسترحون فيه ‪ .‬كذلك من يجد راحته فى الرب ‪ ،‬يشعر بسييلم ‪..‬‬
‫مثال ذلك قول القديس أوغسطينوس للرب " سييتظل قلوبنييا فييى قلييق ‪ ،‬إلييى أن تجييد‬
‫راحتها فيك "‪.‬‬
‫فى هذا السلم ‪ ،‬يختفى كل خوف ‪ ،‬وكل قلق واضطراب ‪.‬‬
‫إن كانت حالة الوجود مع الله ‪ ،‬تعنى الحساس بسكنى الييروح القييدس داخييل القلييب ‪،‬‬
‫فإن من ثمييار الييروح محبيية وفييرح وسييلم )غييل ‪ .(22 :5‬ول شييك أن المحبيية والفييرح‬
‫ينشئان سلما ً داخليا ً ‪ ..‬أخيرا ً وجدتك يارب ‪ ،‬فامتل قلبى فرحا ً ‪ ،‬ولسانى تهليل ً ‪ ،‬وأصييبح‬
‫فى قلبى سلم ‪ .‬سلم معك ‪ ،‬إذ قد تصالحنا ‪ ،‬مادمت أنت موجودا ً فى وأنا فيك ‪.‬‬
‫يفقد النسان سلمه بالخطية ‪ ،‬فالخطية هى انفصال عن الله ‪.‬‬
‫فى حالة الخطية ‪ ،‬يبتعد النسان عن الله ‪ ،‬ل يشعر بالوجود معييه ‪ ،‬لييذلك يفقييد سييلمه‬
‫حقا ً " ل سلم –قال الييرب – للشييرار " )أش ‪ .(22 :48‬هكييذا حييدث لدم لميا أخطييأ ‪،‬‬
‫خاف ‪ ،‬أختباء ‪ ،‬لنه انفصل عن الله ‪ .‬وكان من قبل فى سلم ‪ ،‬وهو شاعر بالوجود فى‬
‫حضرة الله ‪ .‬وقايين أيضا ً فقد سلمه ‪ ،‬وأصييبح قلق يا ً ‪ ،‬وتائه يا ً وهارب يا ً فييى الرض ‪ ،‬لنييه‬
‫انفصل بالخطية عن الله ‪ ،‬كما قال " من وجهك أختفى ‪ ،‬وأكون تائها ً وهاربا ً فى الرض‬
‫" )تك ‪ .(14 :4‬إن الوجود مع الله هو سلم الحقيقي ‪ ،‬لذلك قال المرتل فى المزمور "‬
‫صرفت وجهك عنى فصرت قلقيا ً " )مييز ‪ .(7 :30‬ميين أجييل هييذا كييانت أعمييق صييرخة‬
‫يوجهها المصلى إلى الله هى ‪:‬‬
‫ل تحجب وجهك عنى ‪ ،‬ل تطرحنى من قدام وجهك )مز ‪.(50‬‬
‫إن داود النبى ‪ ،‬وهو شاعر بوجوده مع الله ‪ ،‬كان يغنى على المزمار والقيثار فييى فييرح‬
‫وتهليل ‪ ،‬ويدعو الناس إلى مشاركته ‪ ،‬فيقول " هلوا للرب يأكل الرض ‪ .‬اعبييدوا الييرب‬
‫بالفرح ‪ .‬ادخلوا دياره بالتهليل " )ميز ‪ .(1،2 :100‬ولكنيه لميا أخطيأ ‪ ،‬وليم يعيد يشيعر‬
‫بالوجود السابق فى حضرة الله ‪ ،‬قال " إشفنى يا لييرب فييإن عظييامى قييد اضييطربت ‪،‬‬
‫ونفسى قد انزعجت جدا ً " )مز ‪ .(6‬هذا الضطراب وهذا النزعاج ‪ ،‬ما كان لهما وجود ‪،‬‬
‫وهو مع الله ‪ .‬فبالخطية يفقيد النسيان سيلمه " الشيرار كيالبحر المضيطرب ‪ ،‬لنيه ل‬
‫يسييتطيع أن يهييدأ ‪ ،‬مييياهه حمييأة وطينييا ً ‪ .‬ل سييلم ‪ ،‬قييال إلهييى للشييرار " )أش ‪:57‬‬
‫‪ .(20،21‬ولكن متى يرجع إلى الخاطئ سلمه ؟‬
‫عندما يتوب ‪ ،‬ويعود للوجود مع الله ‪ ،‬يعود إليه سلمه ‪..‬‬
‫لهذا عندما يتوب الخاطئ ‪ ،‬ويتخلص من حمل خطاياه ‪ ،‬ويسمع صلة التحليل ‪ ،‬ويشييعر‬
‫أنه قد اصطلح مع الله ‪ ،‬وعاد إلى أحضانه مرة أخرى ‪ ،‬حينئذ يشعر بالفرح وبالسييلم ‪..‬‬
‫كان فاقدا ً سلمه لشعوره بأنه قد أحزن روح الله داخله ‪ ،‬وانفصييل عيين الييرب ‪ ،‬وفقييد‬
‫العزاء الداخى النابع من الوجود مع الليه ‪ ،‬وليم تعيد ليه دالية معيه ‪ ،‬وليم يعيد ليه وجيه‬
‫يستطيع أن يرفعه إليه ‪ .‬أم التوبة فقد استعاد كل هذا ‪ ،‬ورجع إلى الله وإلييى عشييرته ‪.‬‬
‫إن الشعور بالحرمان مع الله ‪،‬ي قد يفعل ما هو أكثر من فقدان السلم ‪ .‬قد يوصل إلى‬
‫الكآبة الدائمة ‪ ،‬وإلى فقد العصاب ‪ ،‬وإلى اليأس القاتل ‪ ،‬وقد يؤدى إلييى النتحييار كمييا‬
‫حدث ليهوذا ‪..‬‬
‫ً‬
‫أمييا الييرب – فييى وجييوده معنييا – فيعطييى سييلما لكييل ميين يعتصييم بييه ‪ ،‬حييتى لدنييس‬
‫الخطاة ‪...‬‬
‫أنظروا إلى المرأة التى ضبطت فى ذات الفعل ‪ ،‬كيف كانت فى خجل مميت وفى عار‬
‫‪ ،‬وقد أمسك بها القاة لكى يرجمها بالحجارة ‪ ..‬ولكنها لميا وجييدت فيى حضيرة الييرب ‪،‬‬
‫أعاد إليها ‪ .‬دافع عنها ‪ ،‬وخلصها من الييذين أدانوهييا ويريييدون قتلهييا ‪ .‬وقييال لهييا عبييارته‬
‫المملوءة عزاء " وأنا أيضا ً ل أدينك " )يو ‪ ،(11 :8‬فمضت من عنده بسلم ‪ ،‬سلم ميين‬
‫تخلص من الدينونة ‪ ..‬كما قال أيضا ً للخاطئة التى بلت قييدميه بييدموعها " مغفييورة لييك‬
‫خطاياك ‪ ..‬إذهبى بسلم " )لو ‪.(48،49 :7‬‬
‫وفى الوجود مع الله ‪ ،‬كما يشعر النسان بسلم من جهة دينونة خطاييياه ‪ ،‬يشييعر أيض يا ً‬
‫بسلم فى ضيقاته ومخاوفه ‪:‬‬
‫حتى إذا " تزعزعت الرض ‪،‬وانقلبت الجبال إلى قلب البحار " يصيح المرتل فى ثقة "‬
‫الرب إله القوات معنا ‪ ،‬ناصرنا هو إله يعقوب " ويدعو الناس إلى مشاركته فييى فرحييه‬
‫قائل ً لهم " هلموا فانظروا أعمييال الييرب ‪ ،‬الييتى جعلهييا آيييات علييى الرض ") مييز ‪.(46‬‬
‫أليشع الذى كان يرى الله وعمله معييه ‪ ،‬لييم يخييف حينمييا كييانت جنييود العييداء محيطيية‬
‫بالمدينة ‪ ،‬أما تلميذه جيحزى فخاف ‪ ،‬لذلك صلى أليشع ميين أجلييه قييائل ً ‪ ":‬إفتييح يييارب‬
‫عينى الغلم فيرى "‪.‬‬
‫نحن محتاجون أن يفتح الله أعيننا ‪ ،‬لنرى وجوده معنا ‪..‬‬
‫حينئذ نطمئن ونحيا فى سلم ‪ ،‬واثقين بعمله ‪ ،‬وبأن قوة سمائية تحيط بنييا ‪ ،‬وبييأن اللييه‬
‫قد أرسل ملئكته لتحفظنا ميين كييل شييركة بلعيييم للبييترول شييرق القيياهرة وميين كييل‬
‫ضربة ‪ ،‬وأننا دائما ً فى حمى الله الذى نشييعر بوجييوده معنييا ‪ .‬وهكييذا فييى كييل مشييكلة‬
‫تصادفنا ‪ ،‬نقول هذه العبارات الثلث ‪:‬‬
‫مصيرها تنتهى – ربنا موجود – كله للخير ‪..‬‬
‫باليمان أن ربنا موجود معنا ‪ ،‬نثق أن كل مشكلة ل بد ستنتهي وأن " كل الشياء تعمل‬
‫معا ً للخير للذين يحبون الرب " )رو ‪ .(28 :8‬نضع اللييه بيننييا وبييين الضيييقة ‪ ،‬فتختفييى‬
‫الضيقة ‪ ،‬ونرى الله وحده ‪ ،‬فى محبته وحنانه ورعايته ‪.‬‬
‫وهكذا سلمنا ل ينبع من أسباب خارجية ‪ ،‬وإنمييا ميين إيمييان داخلنييا ‪ ،‬بوجييود اللييه معنييا‬
‫لجلنا ‪.‬‬
‫الله الضابط الكل ‪ ،‬الصانع الخيرات ‪ ،‬الحافظ المعين المنفذ ‪ ..‬إننا ل نفكر فى الضيقة‬
‫‪ ،‬بل فى الله الذى يحلها ‪ .‬أما الذى يركز فى الضيقات ‪ ،‬ناسيا ً وجود الله ‪ ،‬فإنه يتعييب ‪.‬‬
‫وهذا واضح فى الحياة ‪ ،‬بأمثلة كثيرة ‪ :‬أم يتأخر ابنها الصغير ليل ً ‪ ،‬فتضرب جدا ً ‪ ،‬وتفكر‬
‫فى حوادث السيارات ‪ ،‬وحوادث الخطف ‪ ،‬وأذية الناس لبنها ‪ ..‬وتقلق ‪ .‬ترى أييين ابنهييا‬
‫الن ؟ فى المستشفى ؟ أم مات ؟ أم فى بيت غريب ‪..‬؟ على أن هذه الم ‪ ،‬لو فكرت‬
‫فى الله الذى " يحفظ الطفال " )مز ‪ (116‬ل استراحت واطمأنت ‪ .‬مثال آخيير ‪ :‬إثنييان‬
‫يبيتان فى مغارة فى الجبل ‪ :‬أحدهما يفكيير فيى الييذئاب والثعيابين والحييات والعقيارب‬
‫ودبيب الرض ‪ ،‬فيخاف ول يقدر إن ينام ‪ ،‬وينتظيير شييرا ً وخطييرا ً فييى كييل لحظيية!! أمييا‬
‫الخر إذ يؤمن بوجود الله معه وحفظه له ‪ ،‬يبيت مطمئنا ً ‪.‬‬
‫إن الظروف الخارجية واحدة ‪ ،‬ولكن مشاعر القلوب تختلف !‬
‫فيفقد النسان سلمه ‪ ،‬إن فقد شعوره بوجود الله معه ‪ .‬طفل فى ميدان عييام ‪ ،‬يمييوج‬
‫بوسائل المواصلت ‪ ،‬ل يخاف مادام يشعر بأن يد أبيه ممسكة بيده ‪ .‬أمييا إن شييعر أنييه‬
‫وحده ‪ ،‬وأباه ليس موجودا ً ‪ ،‬فإنه يصرخ فى فزع ‪ .‬هكذا نحن فييى شييعورنا بوجييود الب‬
‫السماوي معنا ‪ .‬وهكذا بطرس على الماء ‪ ،‬فى شعوره بيد المسيح ممسكه بيده ‪..‬‬

‫إن نظرت إلى البحر تخاف ‪ .‬أنظر إلى عصا موسى ‪..‬‬
‫حينئذ تطمئن ‪ ،‬وتشعر بقوة إلى جوارك هى قوة الله العاملة ميع موسيى وعصياه ‪ ،‬وإذ‬
‫تتأكد من وجود الله وعمله ‪ ،‬تتذكر قول موسى " الرب يقاتل عنكم وأنتم تصييمتون " ‪.‬‬
‫بكل اطمئنان وسلم قلبى ‪ ،‬كييان الشييهداء يتقييدمون إلييى المييوت ‪ ،‬غييير مفكرييين فييى‬
‫العذابات ‪ ،‬إنما كان يفكرون فى الوجود مع الله فى البدية فيمتلئون سلما ً ‪.‬‬
‫فى الوجود مع الله قوة وشجاعة وعدم خوف ‪..‬‬
‫إن القديس بيولس الرسيول ‪ ،‬اليذى يشيعر بوجيود الليه معيه وفييه ‪ ،‬اليذى قيال " بيل‬
‫المسيح يحيا فى " )غل ‪ (2‬والذى قال " وأوجد فيييه " )فييى ‪ (3‬وهييو أيض يا ً قييال عبييارته‬
‫الخالدة " أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقوينى " )فى ‪ .(13 :4‬كان يشييعر بقييوة‬
‫معه‪ ،‬أو بقوة الله معه ‪ ..‬لذلك كان بكل جرأة يشهد لكلمة الله ‪ ،‬وكانت لكلماته قييوة ‪.‬‬
‫وفيما هو يتكلم عن البر والدينونة والتعفف ‪ ،‬إرتعب فيلكس الوالى ‪ ،‬الذى كييان بييولس‬
‫أسيرا ً أمامه !)أع ‪ .(25 :24‬وإيليا النبى ‪ ،‬الذى كان أيضا ً يشعر باستمرار بوجييوده فييى‬
‫حضرة الله ‪ ،‬وكان يقول " حى هو رب الجنود الذى أنا واقف أمامه " ) ‪1‬مل ‪.(15 :18‬‬
‫إيليا هذا ‪ ،‬استطاع بكل الشجاعة ‪ ،‬يوحنا المعمدان بكييت هيييرودس ‪ .‬بنفييس الشييجاعة‬
‫دانيال النبى ‪ ،‬صعد إلى علية منزله ‪ ،‬وفتح نافدته المطلة علييى أورشييليم ‪ ،‬وسييجد للييه‬
‫العلى ‪ ،‬ولم يخف السود ‪ ..‬إن كان آله موجودا ً فى كييل مكييان ‪ ،‬فهييو موجييود أيض يا ً بل‬
‫شك فى جب السود‪ ،‬يستطيع أن يحمى وأن ينقذ‪..‬‬
‫الذين يشعرون بالوجود مع الله ‪ ،‬ل يخافون حتى من الشياطين ‪..‬‬
‫إن حييياة القييديس النبييا انطونيييوس مثييال واضييح لييذلك ‪ ..‬بييل لييه مقاليية عيين ضييعف‬
‫الشييياطين ‪ .‬الييذين لهييم وجييود مييع اللييه ‪ ،‬ليييس فقييط ل يخييافون الشييياطين ‪ ،‬بييل‬
‫يطرودنهم ‪ ،‬لن الله أعطاهم سلطانا ً على قوة العييدو ‪ ،‬وكمييا قييال الرسييول " قيياوموا‬
‫إبليس فيهرب منكم " )يع ‪ .(7 :4‬جميليية عبييارة " يهييرب منكييم " !‪ ..‬منظيير رائع نييرى‬
‫الشيطان يهرب من إنسان ! ولكنه النسان الذى يكون الله موجييودا ً معييه ‪ .‬كمييا كييانت‬
‫تهرب من داود النبى الشياطين التى تحارب شاول ‪ ،‬ذلك لن داود حل عليه روح الرب‬
‫‪ .‬وكان الرب معه ‪ ،‬وبوجوده معه تخافه الشياطين ‪..‬‬
‫إن الوجود مع الله ‪ ،‬وجود فى حالة البر والقداسة ‪..‬‬
‫وهييذه الشييياطين تخافهييا الشييياطين ‪ .‬إن مجييرد ذكيير إسييم القديسيية يوسييتينة ‪ ،‬جعييل‬
‫الشيطان يهرب ‪ ،‬فآمن كيريانوس الساحر ‪ ..‬كل إنسان يشعر بوجودة حضرة اللييه ‪ ،‬ل‬
‫يستطيع أن يخطئ ‪ ،‬والشرير ل يمسه ‪ .‬مثلما كان يقول يوسف الصديق " كيف أخطئ‬
‫‪ ،‬وأفعل هذا الشر العظيم أمام الله "؟! النسان الموجييود مييع اللييه ‪ ،‬يسييكن فيييه روح‬
‫الله ‪ ،‬وبسناه فيه ‪ ،‬تظهر ثمار الروح فى حياته ‪ ،‬ومنها الصييلح أى الييبر ‪ ،‬ومنهييا الفييرح‬
‫والسلم ‪ ..‬لذلك إن أخطأ إنسان ‪ ،‬بدل ً من أن نبحث السباب الخارجية التى دعتييه إليى‬
‫الخطية ‪ ،‬علينا أن نسأل سؤال ً واحدا ً وهو ‪ :‬هل الله موجود فييى حييياة هييذا النسييان أم‬
‫ل؟‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫إن كان الله موجودا فى حياته ‪ ،‬تكون حياته برا وفرحا ‪..‬‬
‫وتكون حياة محبة وسلما ً ‪ .‬بل تكون حياته هى صورة لملكوت اللييه علييى الرض ‪ ..‬مييا‬
‫أجمل الوجود مع الله ‪ .‬إنه متعة الروح هنا على الرض ‪ .‬وهو أيض يا ً نعيمهييا البييدي فييى‬
‫السماء ‪.‬‬
‫صفحة‬
‫‪5‬‬ ‫تصدير‬
‫‪7‬‬ ‫‪1‬ي الوجود مع الله‬
‫‪31‬‬ ‫‪2‬ي أوقات الحساس بالوجود مع الله‬
‫‪45‬‬ ‫‪3‬ي شهوة الوجود مع الله‬
‫‪53‬‬ ‫‪4‬ي طبيعة العلقة مع الله‬
‫‪61‬‬ ‫‪-5‬مشاعر الوجود مع الله‬
‫‪65‬‬ ‫مشاعر الحب‬
‫‪75‬‬ ‫مشاعر الفرح‬
‫‪83‬‬ ‫مشاعر السلم‬
‫‪93‬‬ ‫فهرست الكتاب‬
‫إحرص أن تحفظ بمجموعة كاملة من ‪:‬‬
‫مؤلفات البابا شنــــــــوده الثالث‬
‫ييييييييييييييييييي‬
‫‪ -1‬انطلق الروح‬
‫‪ -2‬الوصايا العشر )أربعة أجزاء(‪.‬‬
‫‪ -3‬صلة الشكر ‪ ،‬وحياة الشكر ‪.‬‬
‫)نفذ(*‬ ‫‪ -4‬حياة مارمرقس الرسول‬
‫‪-5‬مثل من الرعاية ]حياة القمص ميخائيل إبراهيم[ )نفذ(‬
‫‪-6‬آدم وحواء ي قايين وهابيل ‪.‬‬
‫‪7‬ي تأملت فى حياة النبا أنطونيوس ‪.‬‬
‫‪8‬ي تأملت فى حياة الميلد ‪.‬‬
‫‪9‬ي تأملت فى يونان النبى ‪.‬‬
‫‪10‬ي من وحى الميلد ‪.‬‬
‫‪11‬ي أسبوع اللم ‪.‬‬
‫‪12‬ي تسبحة البصخة )لك القوة والمجد (‪.‬‬
‫‪13‬ي كلمات المسيح على الصليب ‪.‬‬
‫‪14‬ي خميس العهد ‪.‬‬
‫‪15‬ي الجمعة الكبيرة ‪.‬‬
‫‪16‬ي شريعة الزوجة الواحدة ‪.‬‬
‫‪17‬ي حياة السكون )نفذ(*‬
‫‪18‬ي ا لغضب والحتمال )نفذ(*‬
‫‪19‬ي كلمة منفعة )‪3‬أجزاء(‪.‬‬
‫‪20‬ي حياة التوبة والنقاوة ‪.‬‬
‫‪21‬ي الرجوع إلى الله ‪.‬‬
‫‪22‬ي اليقظة الروحية ‪.‬‬
‫‪23‬ي السهر الروح ‪.‬‬
‫‪24‬ي سنوات مع أسئلة الناس ي الجزء الول ‪.‬‬
‫‪25‬ي سنوات مع أسئلة الناسي الجزء الثانى ‪.‬‬
‫‪26‬ي الوجود مع الله ‪.‬‬
‫‪27‬ي الله وكفى ‪.‬‬
‫‪28‬ي تأملت فى مزامير صلة الغروب‪.‬‬
‫‪29‬ي يستجيب لك الرب فى يوم شدتك ‪.‬‬
‫‪30‬ي الخلص فى المفهوم الرثوذكسي ‪.‬‬
‫‪31‬ي سبحوا الله )كتاب تراتيل ي إعداد (‪.‬‬
‫‪32‬ي حياة اليمان ‪.‬‬
‫‪33‬ي حروب الشياطين ‪.‬‬
‫‪34‬ي اللهوت المقارن )للكلية الكليريكية(‪.‬‬
‫‪35‬ي تأملت فى القيامة ‪.‬‬
‫‪36‬يحياة السكون عند ماراسحق‪.‬‬
‫‪37‬ي الغضب والحتمال ‪.‬‬
‫‪38‬ي محبة المديح والكرامة ‪.‬‬
‫‪39‬ي نبذات روحية متعددة‪.‬‬
‫ييييييييييي‬
‫*الكتب التى نفذت سيعاد طبعها قريبا ً إن شاء الله ‪.‬‬

‫رقم اليداع بدار الكتب ‪1981 /2973‬‬

You might also like