Professional Documents
Culture Documents
إن الله ل يرى ،وقد قال القديس يوحنا النجيلي " :الله لم يره أحد قط … "
) يو . ( 18 : 1حقا ً من يستطيع أن يرى اللهوت ؟! ل أحد .ومع ذلك فأنت
تؤمن به من كل قلبك ،وبكل ثقة .ول يعتمد هذا اليمان مطلقا ً على الحواس .
أو قل إنك تراه بتلك الحواس الروحية الدربة ) عب . ( 14 : 5تلك الحواس غير
المادية التى تدربت أن ترى ما ل يرى .ولنا أمثلة على ذلك من الكتاب :
يقول داود النبي " تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين ،لنه عن
يميني فل أتزعزع "
) مز . ( 15فكيف رأى الرب أمامه وعن يمينه كل حين ؟ ل شك أنه رآه بعين
اليمان .وفي بعض الترجمات يقول " جعلت الرب أمامي كل حين " .أى أنه
ناظر إليه باستمرار ،ناظر إلى ما ل يرى ،مركزا ً فيه فكره وشعوره .وبنفس
المعني يقول إيليا النبي " حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه "
) 1مل . ( 15 : 18فكيف شعر أنه واقف أمام الرب ؟ وكيف كان يرى الرب
أمامه في كل حين ؟ … ليس بالحواس الجسدية طبعا ً ،لن الحواس الجسدية
ليست هي التى تحرك قلب المؤمن .بل إن الرب أمامه باليمان .وهو باليمان .
وهو باليمان يرى ما ل يرى .
إن كنت في اليمان ،فل بد ستثق إن الله أمامك في كل حين ،
وتتصرف وفق هذا اليمان :إنه يراك ويسمعك …
وإن عشت في اليمان ،فستثق أن الله في وسط شعبه ،حسب وعده الصادق "
… هناك أكون في وسطهم " ) متى " ، ( 20 : 18ها أنا معكم كل اليام وإلى
انقضاء الدهر " ) متى . ( 20 : 28إنك لست تراه بعينك الجسدية ،ولكنك تؤمن
تماما ً أنه في وسطنا .لست محتاجا ً أن ترى بعينيك لكي تصدق .فأنت تؤمن دون
أن ترى .أو ترى ما ل يرى .
ما هي حياتنا الروحية يا إخوتى ؟ إنها ليست سوى انتقال من نطاق
المحسوسات والمرئيات إلى نطاق ما ل يرى .
ونحن نعيش في ما ل يرى ،بملئ الثقة أنه موجود أمامنا .وهذا هو الفرق بين
المؤمن وغير المؤمن .غير المؤمن يريد أن يرى كل شئ بعينيه ،و ال فإنه ل
يصدق .
أما المؤمن فإنه ل يجعل من عينيه حكما ً على كل ما يؤمن به … ول
كل حواسه ،ول المعلومات الظاهرة .بل إن قلبه يوقن بوجود أمور ل يراها
بعينيه … إن اعتماد النسان على عينيه لكي يصدق ،أمر وبخ الرب عليه تلميذه
توما قائل ً له " ل تكن غير مؤمن بل مؤمنا ً " " ألنك رأيتني يا توما آمنت
؟! طوبى للذين آمنوا ولم يروا " ) يو . ( 29 ، 27 : 21قلنا إنه من ضمن اليقان
بأمور ل ترى ،اليمان بالله … ولكننا ل نعني بهذا .
مجرد اليمان بوجود الله ،وإنما اليمان بصفاته وبعمله .
فتؤمن مثل ً بصلح الله وخيريته .وبأنه ل يصنع إل خيرا ً .وتؤمن أنه ضابط الكل ،
يرقب كل شئ وكل أحد .وتؤمن أن الله قادر على كل شئ ،وأن " غير
المستطاع عند الناس ،مستطاع عند الله "
) لو . ( 27 : 18وتؤمن بمحبة الله لك ولغيرك … كل هذه الصفات ،ل تراها .
ولكن تؤمن بوجودها ،وتؤمن برعاية الله للكون ،وحفظه له جملة ،ولكل فرد
فيه على حدة … وتؤمن أن الله يعمل ،سواء رأيت عمله أو نتائج عمله ،أو لم
تر شيئا ً …
– 2ومن الشياء التى ل ترى أيضا ً مواعيد الله .
وقد حسب من رجال اليمان أولئك الذين " لم ينالوا المواعيد ،بل من بعيد
نظروها وصدقوها وحيوها ،وأقروا بأنهم نزلء وغرباء على الرض " ) عب 3 : 11
( .وهؤلء نظروا باليمان ،صدقوا ما قيل لهم من قبل الرب … ومن هذه
المواعيد " ما أعده الله للذين يحبونه " وكلها من المور التى ل ترى ،إذ قال عنها
الرسول " ما لم تره عين ،ولم تسمع به أذن ،ولم يخطر على قلب بشر "
) 1كو . ( 9 : 2ومن المور التى ل ترى ،إنذارات الله .
لقد آمن نوح بكلم الرب أنه سيحدث طوفان ،مع أن كلمة ) طوفان ( هذه ،
كانت جديدة على سمعه وعلى معرفته .ولم يحدث طوفان من قبل في أيامه ،
ول في أيام سابقيه .ولكنه آمن بحدوث هذا الشئ الذي لم يره أحد من قبل .
وظل سنوات يعمل في بناء الفلك ،محتمل ً استهزاء الناس به وبفلكه وتهكمهم
… وكانت سنوات من اليمان .ولذلك أعتبر أبونا نوح من رجال اليمان لنه صدق
إنذار الله بالطوفان .وباليمان رأى هذا الطوفان قائما ً قبل أن يكون .ولذلك
دخل الفلك هو وبنوه ونساؤهم .وكما قال معلمنا القديس بولس الرسول "
باليمان نوح ،لما أوحي إليه عن أمور لم تر بعد ،خاف فبني فلكا ً لخلص بيته …
" ) عب . ( 7 : 11بينما معاصروه لم يصدقوا إنذار الله ،ولم يؤمنوا بصدق كلم
الله فهلكوا … ونفس الوضع نقوله عن أبينا لوط وأهل سدوم .هو صدق إنذار
الله قبل أن يحدث .مع أنها كانت المرة الولى التى تنزل فيها نار من السماء
كما كانت المرة الولى التى يحدث فيها طوفان في أيام نوح .وهوذا إنذارات الله
الخاصة بالبدية وبالدينونة قائمة أمامنا ،ومع ذلك فالناس مازالوا في شرورهم
وأخطائهم ،كأن الله لم يقل شيئا ً … ل مخافة الله في قلوبهم ،ول خشية البدية
،ول حرصا ً ،ول توبة … تحدثنا عن الله وعن صفاته وعمله ،وعن مواعيده
وإنذارته ،ضمن المور التى ل ترى .ونضيف على ذلك :
– 3سكني الروح وعمله فينا ،من المور التى ل ترى :
صموئيل النبي صب من قنينة الدهن على الصبي داود ،فحل عليه روح الرب
) 1صم .( 13 : 16ولم ير أحد روح الرب وهو يحل عليه .ولكن هكذا كان .إنه
من المور التى ل ترى وكان الرسل يضعون أيديهم على الناس ،فيحل عليهم
الروح القدس ) أع . ( 17 : 8وما كان أحد يرى الروح القدس وهو يحل على
الناس .ثم أصبح الروح القدس ينال بالمسحة المقدسة
) 1يو . ( 27 ، 20 : 2وعرفت هذه المسحة باسم ) الميرون ( .ولم يكن أحد
يرى الروح ،إنما ثماره تظهر في الحياة .أنت تعرف تماما أن هناك قوة خفية
تعمل فيك وتعمل معك ،دون أن تراها ،هي التى قال عنها الرب " ولكنكم
ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم " ) أع . ( 8 : 1هذه القوة ،قوة
الروح هي التى تعمل فيك كل خير ،وتساعدك في كل خدمة ،وتحميك من كل
خطية …
هنا ونقول إن حياتنا كلها تصبح شركة مع الروح القدس ) 2كو . ( 14 : 13
ما هذه الشركة ؟ وكيف تحدث ؟ وكيف نصبح شركاء للطبيعة اللهية في العمل ؟
إن هذا من المور التى ل ترى .ل نراها ولكن نؤمن بها .نؤمن بروح الله العامل
في الكنيسة ،الساكن فيها .هوذا الرسول يقول " أما تعلمون أنكم هيكل الله ،
وروح الله يسكن فيكم " ) 1كو " ، ( 16 : 3أم لستم تعلمون أن جسدكم هو
هيكل للروح القدس الذي فيكم ،الذي لكم من الله " ) 1كو . ( 19 : 6وسكني
الروح فينا أمر ل نراه .قد نرى ثماره فقط .أما نفس السكني فل نراها .والروح
ل نراه .ومن عمل الروح فينا قول الرب لنا عن الوقوف أمام الولة والملوك "
لنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به .لن لستم أنتم المتكلمين ،بل روح
أبيكم يتكلم فيكم " ) متى . ( 20 ، 19 : 10كيف يتكلم روح الله فينا ؟ إن هذا
من المور التي ل ترى .
– 4وعمل النعمة فينا ،من المور التي ل ترى :
تأتينا زيارات من النعمة ،تشعلنا بمحبة الله .ل نراها ولكن نحسها .ول شك
أن عمل النعمة فينا هو من المور التي ل ترى .يقول القديس يوحنا للنجيلي "
أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا "
) يو . ( 17 : 1فما هي هذه النعمة العاملة فينا ؟ ما هي هذا النعمة التي عاش
بها القديس بولس الرسول فقال " … ولكن بنعمة الله ،أنا ما أنا .ونعمته
المعطاة لي لم تكن باطلة " )1كو . (10 :15
ويقول عنا جميعا ً " فإن الخطية لن تسود كم ،لنكم لستم تحت الناموس ،بل
تحت النعمة "
) رو . ( 14 : 6ويقول لتلميذه تيموثاوس السقف " فتقو أنت يا إبنى بالنعمة
التي في المسيح يسوع " ) 2تى . ( 1 : 2نحن ل نرى هذا النعمة بعيوننا
الجسدية ،فهي من المور التي ل ترى .ولكننا نلمسها في حياتنا .وعمل نعمة
الله فينا هو فوق الحواس .ونحن نتقبل هذه النعمة من الله .ونأخذها بركة من
الكنيسة التي تردد لنا قول القديس بولس الرسول " نعمة ربنا يسوع المسيح ،
ومحبة الله ،وشركة الروح القدس تكون مع جميعكم ،آمين " ) 2كو : 13
. ( 14إن هذا يجعلنا ننتقل إلى نقطة أخرى هي البركة :
– 5البركة أيضا ً هي من المور التي ل ترى :
سواء البركة التي من الله نفسه مباشرة ،أو بركة الله التي تأتي عن طريق
الوالدين ،أو من الكنيسة من الب الكاهن .كلها أمور ل ترى .لقد قال الله لبينا
ابرآم أبى الباء " أباركك ،وأعظم إسمك .وتكون بركة .وأبارك مباركيك …
وتتبارك فيك جميع قبائل الرض " ) تك . ( 3 ، 2 : 12لقد رأى ابرآم ثمار هذه
البركة في حياته .ولكن البركة نفسها :ما هي ؟ إنها من المور التي ل ترى .
واسحق بارك يعقوب إبنه ،فصار مباركا ً .وبكي عيسو لنه لم يحصل على هذه
البركة ) تك . ( 27ويعقوب بارك افرايم ومنسي قائل ً " الملك الذي خلصني من
كل شر يبارك الغلمين " ) تك . ( 16 : 48وصار الغلمان مباركين .ولكن افرايم
صار أكثر بركة من أخيه ،لن أبانا يعقوب وضع عليه يده اليمين ) تك – 17 : 48
. ( 20ما هي هذه البركة ؟ وكيف سرت من يد إسحق ومن يد يعقوب ؟ وكيف
سرت من أيدى الباء الرسل ؟ وكيف تسرى من أيدى خلفائهم ومن رجال الله
جميعا ً ،كما يروى لنا الكتاب … ؟ إنها كلها أمور ل ترى .ونحن نؤمن بالبركة مع
أنها ل ترى ،ونسعى إلى طلبها ونواها .ونأخذها من أيدى الباء والمهات ومن
الباء الكهنة ومن كل رجال الله المباركين .ونعرف تماما ً أن ابرآم كان بركة
للعالم حسب قول الرب .وأن يوسف الصديق كان بركة في بيت فوطيفار وبركة
في كل أرض مصر ،وأن إيليا النبي كان بركة في بيت أرملة صرفة صيدا …
نقول هذا كله ،ونحن ل نستطيع وضع معنى محدد للبركة ،فهي أوسع بكثير من
اللفاظ المحدودة .وهي أمر ل يرى .نرى ثماره فقط .ولكن البركة نفسها .من
يستطيع أن يراها و بشخصها ؟! كيف سرت البركة من يد السيد المسيح إلى
الخمس خبزات و السمكتين ،فصار هذا الطعام البسيط كافيا ً لعدة آلف من
الناس ،وفاض عنهم إثنتا عشرة قفة مملوءة ؟ كيف حدث هذا المر ؟ وما
نوعيته ومفعوله وبالضبط…كلها أمور ل ترى ...
- 6ومن ضمن اليمان أيضا ً بما ل يرى ،اليمان بوجود الملئكة
وعملهم :
نحن نؤمن بوجود الملئكة ،الملئكة أرواح ل ترى .وربما ل نكون قد رأينا
ملكا ً في حياتنا كلها .ومع ذلك نؤمن أنهم حولنا وأن " ملك الرب حال حول
خائفيه وينجيهم " ) مز . ( 7 : 34ونوقن بأن الملئكة تمل الكنيسة .ونثق أنهم
معنا في كل مواضيعنا " أليسوا جميعهم أرواحا ً خادمة ،مرسلة للخدمة لجل
العتيدين أن يرثوا الخلص " ) عب . ( 14 : 1
كثيرون يفرحون حينما يرون العذراء في رؤيا ،أو يرون قديسين .
ولكن أعظم من هذا أن تؤمن بأن كل هؤلء حولك ،دون أن تراهم .ليس من
الضروري أن يرسل لك الله حمامة بيضاء أثناء حضورك اجتماعات المساء في
الكنيسة … إنما أنت تؤمن – دون أن ترى – أن الكنيسة مملوءة بأرواح الملئكة .
وترفرف عليها أرواح القديسين الذين يرسلهم الله لخدمة البشر …
إن جيحزى تلميذ أليشع ،خاف لما رأى العداء محيطين بالمكان …
ولكن أليشع ،الرجل المفتوح العينين ،فكان يرى الملئكة يدافعون عن
المدينة ضد هؤلء العداء .لذلك طمأن غلمه قائل ً له " لتخف ،لن
الذين معنا أكثر من الذين علينا " ) 2مل . (16: 6
وصلى من أجله لكي يفتح الرب عينيه فيرى ،إذ كان جيحزى ليس له اليقان
بأمور ل ترى .
ً
– 7ومن اليقان بما ل يرى أيضا :اليمان بالروح ،والعالم الخر :
نحن ل نرى الروح .ولكننا نوقن بوجودها .وحينما يموت إنسان ،تقول إن
روحه فارقت جسده .ونحن لم نر هذه الروح تفارق الجسد .كذلك اليمان أيضا ً
يشمل مصير هذه الروح تفارق الجسد .كذلك اليمان أيضا ً يشمل مصير هذه
الروح ،في الفردوس أو الجحيم .ويشمل أيضا ً عودة هذه الروح إلى الجسد
بالقيامة .ومصير هذا النسان القائم من الموات في البدية بعد الدينونة العامة
… وكل هذه المور :الروح – القيامة – البدية – الدينونة ) الحساب ( – الفردوس
– النعيم – الجحيم … كلها أمور ل ترى .لذلك فاليقان بوجودها جميعها يدخل في
نطاق اليمان .حقا ً إن العالم الخر بكل ما فيه ،يتحدث عنه أحد إل باليمان .
والذي يؤمن بالحياة بعد الموت ،إنما يوقن بأمور ل ترى .
– 8لقد آمن الناس بمجيء المسيا ،دون أن يروه :
حتى المرأة السامرية ،قالت للرب " أنا أعلم أن المسيا – الذي يقال له
المسيح – يأتي .فمتي جاء ذاك يخبرنا بكل شئ " ) يو . ( 25 : 4وهكذا كان
الجميع موقنين بمجيء المسيا ،حسب وعد الرب .وكانوا ينتظرونه بكل شوق .
ويعرفون ما قاله أشياء النبي " ها العذراء تحبل وتلد ابنا ً ،وتدعو إسمه عمانوئيل
" ) اش . ( 14 : 7وما كانوا قد رأوا من قبل عذراء تلد ،ومع ذلك آمنوا بهذا
المر فيما بعد … ويشبه اليمان الذي كان به أهل العهد القديم ينتظرون مجيء
المسيا ،هكذا نحن في العهد الجديد ننتظر مجيء الرب ثانية ،على السحاب ،
حسب وعد الرب ) متى ، ( 25 ، 24وحسب بشرى الملكين للتلميذ ) أع : 1
. ( 11لم نرى الرب من قبل على سحاب السماء مع ربوات قديسيه ،في مجد
أبيه ،ومعه ملئكته القديسين .ولكننا نؤمن بمجيئه في هذا المنظر الذي لم نره
من قبل .لن اليمان هو اليقان بأمور ل ترى .
– 9الفداء أيضا ً هو من المور التي ل ترى :
في الفداء ،من محبة المسيح لنا حمل جميع خطايانا ومات عنها " كلنا كغنم
ضللنا .ملنا كل واحد إلى طريقه .والرب وضع عليه إثم جميعنا " ) اش ( 6 : 53
.وهكذا قال عنه القديس يوحنا المعمدان " هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية
العالم " ) يو . ( 29 : 1وقال القديس يوحنا الرسول " وهو كفارة لخطايانا ،
ليس لخطايانا فقط ،بل لخطايا كل العالم أيضا ً " ) 1يو . ( 2 : 2وقال القديس
بولس الرسول " مسامحا ً لكم بجميع الخطايا ،إذ محا الصك الذي علينا " ) كو
. ( 14 ، 13 : 2وقال أيضا ً " عامل ً الصلح بدم صليبه " ) كو . ( 20 : 1ونحن
نرى الصليب فقط ،وقد يراه البعض عارا ً !! أما ما في الصليب من حب ،ومن
فداء وكفارة ،ومن مغفرة ومحو للصك المكتوب ،وحمل خطايا العالم ،وأيضا ً ما
في الصليب من عمل المصالحة … فكل هذه أمور ل ترى .نراها نحن باليمان …
بطرس الرسول – قبل اليمان بكل هذا – ما كان يرى في الصليب سوى الضياع
والعار … ! لذلك قال " حاشاك يارب " ) متى . ( 22 : 16فانتهره الرب ،إذ لم
يكن يرى المور التي ل ترى … إن الصليب كان يمثل عمق إحسانات الرب إلينا .
ولكن الكتبة والفريسيين لم يروا هذا ،لن عيونهم ما كانت تبصر .لنهم " لو
عرفوا لما صلبوا رب المجد " ) 1كو . ( 8 : 2
إن هذا يقودنا إلى نقطة أخرى وهي :
– 10إحسانات الله الخفية ،هي من المور التي ل ترى :
إننا نشكر الله فقط على إحساناته التي نراها أو التي نعرفها .ولكن هناك
إحسانات أخرى ل ترى ينبغي أن نشكره عليها أيضا ً .ولذلك عندما ندخل باليمان
في حياة التسليم ،ندخل تلقائيا ً في حياة الشكر الدائم .كما قال الرسول "
شاكرين في كل حين ،على كل شئ " ) أف . ( 20 : 5
ً
وفي هذا الشكر الدائم ،نشكر على التجارب أيضا …
لننا نشعر أنه توجد فيها إحسانات خفية من الله ،نحن ل نبصرها .وإن
أبصرناها ،ل بد أن نغني مع القديس يعقوب الرسول قائلين " إحسبوه كل فرح يا
إخوتى ،حينما تقعون في تجارب متنوعة "
ً
) يع . ( 2 : 1وبهذا نرى اليمان يعطى معني روحيا لللم الذي يسمح الله به من
أجل بركات معينة كامنة فيه ،هي من المور التي ل ترى ،ولكننا نتقبلها
باليمان ،واثقين من محبة الله الصانع الخيرات ،وواثقين من قول الكتاب " كل
الشياء تعمل معا ً للخير ،للذين يحبون الله
" ) رو . ( 28 : 8
– 11وجود الله في حياتنا ،وقوته العاملة فينا ،من المور التي ل
ترى:
ما أجمل قول الرب لبينا يعقوب " وها أنا معك .وأحفظك حيثما تذهب .
وأردك إلى هذه الرض " ) تك … ( 15 : 28كان الرب معه يحفظه حيثما يذهب
… ولم يكن يرى الرب وهو معه .ولكن من الريح للنفس أن يشعر النسان بهذا ،
ويوقن به ،فيحيا في اطمئنان دائم وفي فرح … ولم يكن هذا المر ميزة لبينا
يعقوب فقط ،بل أن الرب يقول " ها أنا معكم كل اليام وإلى انقضاء الدهر "
) متى . ( 20 : 28
إن شعورنا بوجود الله معنا ،يشعرنا بقوة إلهية ترافقنا وتحفظنا :
هذه القوة هي العاملة فيك ومعك منذ أن تدخل في شركة الروح القدس ،
فيشترك الروح القدس معك في العمل .وهكذا في الكنيسة الولى كنا نرى أن
ملكوت الله قد أتى بقوة ) مر " ، ( 1 : 9وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون
الشهادة بقيامة الرب يسوع ،ونعمة عظيمة كانت على جميعهم " ) أع .( 23 : 4
قيل عن القديس اسطفانوس أول الشمامسة إنه كان " مملوءا ً إيمانا ً وقوة "
) أع ، ( 8 : 6وإنه وقف ضد عدة مجامع " ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح
الذي كان يتكلم به ") أع . ( 10 : 6هذه هي القوة في اليمان .أما الذي يؤمن ،
ولكنه يخاف من إعلن إيمانه ،فهو إنسان ضعيف اليمان ،ل يؤمن بقوة الله
العامل معه .المرأة نازفة الدم ،كانت تشعر أنها لو لمست ولو هدب ثوب
المسيح ،ستخرج قوة من المسيح تشفيها .وقد كان ) متى ، 21 : 20لو 46 : 8
(.
وأنت إن آمنت بقوة الرب ،والتصقت به ،ستنالها .
ليكن لك هذا اليمان وهذا الشعور ،في كل تفاصيل حياتك :في خدمتك وفي
صلتك ،وفي عملك .كما قال القديس أنطونيوس عن أبا مقار الكبير " إن قوة
عظيمة تخرج من هاتين اليد ين .
حتى في حالة سقوطك :آمن أن هناك قوة ستخلصك .
إن كنت أنت أضعف من الشياطين ،آمن أن الله الذي يحبك هو أقوى منهم ،وهو
قادر أن يخلصك من الخطية ،وفي قوة إيمان تضرع إلى الله أن يمنحك القوة
التي تنتصر بها في حياتك الروحية ،واطلب إليه أنه هو " يقودك في موكب
نصرته " ) 2كو . ( 14 : 2حتى إن طالت بك المدة ،آمن أن قوة الرب ستصلك
ولو في الهزيع الخير ،لكي تنقذك .قوة الرب هذه غير مرئية ،ولكنها موجودة ،
ومستعدة أن تعمل مع كل الذين يطلبونها مؤمنين .عليك أن تبصر هذه القوة
تصحبك ،ليس في حياة التوبة فقط ،إنما في كل نواحي حياتك الروحية … حتى
إن تكلمت ،يشعر الناس بقوة الكلمة ومفعولها … إن المؤمن هو إنسان
قوى ،يؤمن بقوة الله العاملة فيه .
ً ً
هوذا القديس بولس الرسول يقول " أتعب أيضا مجاهدا ،بحسب عمله الذي
يعمل في بقوة " ) كو . ( 29 : 1ويقول أيضا ً عن الله " القادر أن يفعل فوق كل
شئ ،أكثر جدا ً مما نطلب أو نفتكر ،بحسب القوة التي تعمل فينا " ) أف 20: 3
( .وبفضل هذا اليمان بقوة الله العاملة ،التي قد ل نراها ولكن نؤمن بها ،عاش
القديس بولس في ملء الثقة ،وأمكنه أن يقول :
" أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ) في ( 13 : 4
عبارة كلها قوة ،وكلها إيمان ،وكلها ثقة بعمل الله .ونحن نسآل :هل هذه
العبارة هي من شأن قديس عظيم فقط مثل بولس الرسول ؟ فيجيبنا الرب
نفسه " كل شئ مستطاع للمؤمن") مر . ( 23 : 9لعل هذه القوة هي اختبار
لحياتنا الروحية :هل نحن في اليمان ؟ إنها قوة نسعد بها في حياتنا ،ونحيا
مطمئنين .في حياتنا أيضا ً داخل الكنيسة ،نسعد بأمور كثيرة ل ترى …
– 12من المور التي ل ترى ،ما يحدث في المعمودية :
يقول القديس بولس الرسول " لن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ،قد
لبستم المسيح " ) غل . ( 27 : 3حقا ً ما أعجب هذا السر ! من رآه ؟! إنه من
المور التي ل ترى .وقال حنانيا الدمشقي لشاول الطرسوس " أيها الخ شاول
… لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد واغسل خطاياك " ) أع . ( 16 : 22من رأى هذه
الخطايا وهي تغسل ؟ إنها أمور ل ترى ،نقبلها باليمان ،كما قال الرسول "
بمقتضى رحمه خلصنا ،بغسل الميلد الثاني " ) تي . ( 5 : 3هذا الخلص الذي
نلناه في غسل الميلد الثاني ،أمر لم نره ولكننا نؤمن به حسب قول الرب " من
آمن واعتمد ،خلص " ) مر . ( 16 : 16
ثم ما معنى هذا الميلد الثاني ؟ وما معنى الولدة من فوق ،والولدة
من الله .والولدة من الماء والروح ؟ كل هذه التي تحدث عنها الرب بنفسه ) يو
. ( 6-3 : 3كلها أمور ل ترى فعملية الولدة من الله سر ل يرى .نحن نرى
النسان يغطس في جرن المعمودية .ولكننا ل نرى كيف يولد من الروح .وطوبى
لمن آمن دون أن يرى .لذلك حسن أن الكنيسة أطلقت على هذا المر إسم
) سر ( .أتريد أن تدخل العقل هنا ؟ العقل قاصر عن أن يدخل .يقول الرسول "
مدفونين معه بالمعمودية ،التي فيها أقمتم أيضا ً معه … مسامحا ً لكم بجميع
خطاياكم " ) كو . ( 12 : 2ويقول نفس المعنى في الرسالة إلى رومية ،ويضيف
بأن إنساننا بالعتيق قد صلب معه ،وأننا نسلك في جدة الحياة ) رو . ( 6-3 : 6
فمن رأى هذا الوت وهذا الدفن ،والقيامة ،والمسامحة بالخطايا ،والحياة
الجديدة ،وصلب النسان العتيق … إنها كلها أمور ل ترى .ولكن نؤمن بها …
– 13سر الفخرستيا أيضا ً ،هو من المور التي ل ترى :
فيه ترى باليمان أن الخبز والخمر اللذين أمامك قد صارا جسد الرب
ودمه)بعد صلة التقديس(.
هنا ل تجعل حواسك تحكم ،لن الحواس الجسدية ل تبصر سوى المور التي ترى
.أما الحواس الروحية فتستمع إلى قول المسيح " هذا هو جسدي … هذا هو
دمى " ) متى " ، ( 28 ، 26 : 26من يأكل جسدي ويشرب دمى ،فله حياة أبدية
… لن جسدي مأكل حق ،ودمى مشرب حق .من يأكل جسدي ويشرب دمى ،
يثبت في وأنا فيه " ) يو . ( 56 – 53 : 6
أنا أجادل الرب فيما يقوله ،إنما أتقبله في إيمان .
فهذا هو اليمان " اليقان بأمور ل ترى " .أما التي ترى فهي الخبز والخمر .
وهكذا يقول القديس بولس الرسول " كأس البركة التي نباركها ،أليست هي
شركة دم المسيح .الخبز الذي نكسره ،أليس هو شركة جسد المسيح " ) 1كو
. ( 16 : 10ويقول أيضا ً " إذن أي من أكل هذا الخبز ،أو شرب كأس الرب ،
بدون استحقاق ،يكون مجرما ً في جسد الرب ودمه … يأكل ويشرب دينونة
لنفسه ،غير مميز جسد الرب " ) 1كو . ( 29 ، 27 : 11وكيف نميز أن هذا
جسد الرب ،حتى ل ننال دينونة ؟
هنا نرتفع فوق مستوى الحواس ،وفوق مستوى العقل ،باليمان .
عقولنا هي التي تتعبنا حينما نتقبل أسرار الكنيسة .وحواسنا تتعبنا أيضا ً .ونحتاج
إلى بساطة اليمان .ما قاله المسيح .ونصدق ما قاله رسوله القديس بولس
الرسول ول نجادل .
– 14وباليمان بما ل يرى نتقبل ما في المسيحية من أسرار :
نتقبل ) وضع اليد ( الذي ناله بر نابا وشاول من الرسل ،لكي يفرزا للخدمة
)أع .( 3 ، 2 : 13ووضع اليد الذي ناله تيموثاوس من بولس الرسول ) 2تى : 1
. ( 6ونوقن أن في ذلك سرا ً .ونتقبل السلطان الذي أعطاه الرب بقوله " إقبلوا
الروح القدس .من غفرتم خطاياه تغفر له .ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " )يو
" ، ( 13 : 20كل ما تربطونه على الرض يكون مربوطا ً في السماء وكل ما
تحلونه على الرض يكون محلول في السماء " ) متى . ( 18 : 18هذا السلطان
غير مرئي ،ولكنه سر نراه باليمان .إنه ليس لكل أحد ،ول يأخذه أحد من نفسه
بل المدعو من الله كما هرون
) عب . ( 4 : 5وهكذا في السرار التي ل نراها ،ولكن نؤمن بها …
إن رؤية ما ل يرى ،هي الرؤية الروحية الحقيقية :
لعلها هي التي عناها رب المجد بقوله لتلميذه القديسين " أما أنتم فطوبي
لعيونكم لنها تبصر"
) متى .( 16 : 13تبصر ماذا ؟ تبصر المسيح وعجائبه .وأيضا ً تبصر ما ل
يرى ،مثلما أبصر القديس يوحنا رؤياه العجيبة .ومثلما أبصر القديس بولس
السماء الثالثة وكثرة من الستعلمات ) 2كو ، ( 7، 2 : 12أمور " ل ينطق
بها ،ول يسوع لنسان أن يتكلم عنها " ) 2كو . ( 12 : 2أما أولئك الذين لم
تكن لهم هذه الحاسية الروحية ،فقد وبخهم الرب بقوله "أغمضوا عيونهم لئل
يبصروا "
) متى . ( 15 : 13وكرر رسوله عنهم نفس التعبير )أع . ( 27 : 28وعبارة
أغمضوها قد تعني أنهم لم يدربوا نفوسهم على رؤية الروحيات .أو أنهم رفضوا
أن يروا الروحيات من فرط انشغالهم بالماديات .كان جيحزى ل يبصر ما يبصره
معلمه أليشع ) 2مل . ( 17 : 6وأيضا ً مثلما كان مرافقو شاول الطرسوسى في
وقت الرؤيا اللهية ،وقد قال عنهم الكتاب " وقفوا صامتين ،يسمعون الصوت ،
ول ينظرون أحدا ً " )أع . ( 7 : 9
" كما قسم الله لكل واحد
نصيبا ً من اليمان " .
) رو . ( 3 : 12
يختلف الناس في نوعية إيمانهم ودرجته حسبما " قسم الله لكل واحصد نصصصيبا ً
من اليمان "
)رو . ( 3 : 12وقد يبالغ البعض ،وإذ يجد إنسان ناقصا ً في إيمانه ،يقول عنه إنه
غير مؤمن على الطلق .وهذا الحكم ضد تعليم الكتاب المقدس كما سنرى .
والبعض قد يخلط بين كلمة ) المؤمنين ( وكلمة ) المختارين ( ،كما لو كانتا تدلن
على معني واحد .
فلنتأمل إذن أنواع اليمان ودرجاته :
– 1هناك نوع " حديث اليمان " وهذا قد أمر الرسول بعدم سيامته في درجة
السقفية " لئل يتصلف " ) 1تى . ( 6 : 3
– 2وهناك نوع " قليل اليمان " أو " ضعيف اليمان " .
وسنضرب أمثلة من النجيل لهذا النوع :
أ – الذين يشكون في عناية الرب بهم في المأكل أو الملبس .هؤلء ضرب الرب
لهم مثل ً بزنابق الحقل التي ول سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها .
ثم وبخهم قائل ً " فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا ً في التنور ،
يلبسه الله هكذا ،أفليس بالحري يلبسكم أنتم يا قليلي اليمان ؟! " ) متى : 6
، 30 – 28لو . ( 28 : 12
ً ً
ب – كذلك وبخ التلميذ لما فكروا أنهم لم يأخذوا معهم خبزا ،فانتهرهم قائل " يا
قليلي اليمان "
)متى . ( 8 : 16
ج – ووبخ الرب القديس بطرس لما خاف بعدما مشى معه على الماء فبدأ يغرق
حينئذ أمسكه الرب قائل ً له " يا قليلي اليمان ،لماذا شككت ؟ " ) متى 31 : 14
(.
د – وبالمثل وبخ التلميذ لما خافوا حينما غطت المواج السفينة أثناء نومه فيها .
حينئذ قال لهم
" ما بالكم خائفين يا قليلي اليمان " ) متى . ( 26 : 8
إذن الخوف ،والشك في معونة الله دليلن على قلة اليمان .
هص – وقد ضرب الرسول مثل ً في ضعف اليمان بالخ الذي يعثر من أكل ما ذبح
للوثان .وأمر بأن ضعف اليمان ل يجوز إدانته ول الزدراء به ،وقال " هو
لموله :يثبت أو يسقط .ولكنه سيثبت لن يثبته " ) رو . ( 4 – 1 : 14هنا
ويعجبني والد الطفل المصروع ،لما سأله الرب " أتؤمن ؟ " لكي يشفيه .حينئذ
أجاب " أؤمن يارب .أعن عدم إيمان " ) مر . ( 24 : 9إن اليمان الضعيف
يحتاج إلى من يصلي لجله ،لكي يعينه الرب .ول يجب مطلقا ً أن نزدريه .فالله
قادر أن يثبته .
– 3هناك نوع ثالث :هو اليمان المحدود :
ونقصد به الذي يؤمن بالرب في حدود معينة ،ول يصل إيمانه إلى ما هو أبعد
منه … مثال ذلك مريم ومرثا ،اللتان كانتا تؤمنان أن الرب يقدر أن يشفي
أخاهما من المرض فل يموت .أما إن مات ،فقد كانت إقامته من الموات أمرا ً
لم يكن إيمانهما قد وصل إليه .لذلك كل منهما قالت للرب " لو كنت ههنا ،لم
يمت أخي " ) يو . ( 32 ، 21 : 11ولما قال الرب لمرثا " سيقوم أخوك " أجابته
" أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الخير " ) يو . ( 24 : 11ولما ذهب
الرب إلى القبر وقال " إرفعوا الحجر " قالت مرثا " ياسيد قد أنتن ،لن له أربعة
أيام " ) يو . ( 24 11
إن الله لم يرفض هذا اليمان المحدود ،إنما أعطاه فرصة لينمو .
لذلك لمرثا " من آمن بي ،ولو مات فسيحيا " .ووبخها عند القبر قائل ً " ألم أقل
لك إن آمنت ترين مجد الله " )يو . ( 40 ، 20 : 11وأعطاها فرصة أن ترى مجد
الله في إقامة أخيها لعازر ،لتؤمن أيضا ً اليهود الذين شهدوا المعجزة .
وهنا كان اليمان لحقا ً للمعجزة ،وليس سابقا ً لها .
وربما كان ذلك لن تلك المعجزة كانت الولى من نوعها ،أي إقامة ميت بعد
أربعة أيام من موته ،بعد أن أنتن .
– 4نوع رابع ،من اليمان الضعيف ،هو البطيء القلب في اليمان .وربما يكون
عن بطء في الفهم ،أو عن عدم إدراك ،فل يأتي إيمانه سريعا ً .وكان هذا هو
نوعية إيمان تلميذي عمواس من جهة قيامة الرب .ولذلك وبخها قائل ً " أيها
الغبيان والبطيئا القلوب في اليمان بجميع ما تكلم به النبياء .أما كان ينبغي أن
المسيح يتألم … " ) لو . ( 26 ، 25 : 24ثم بدأ يشرح لهما المور المختصة به
في جميع الكتب … لكي يؤمنا ،أو لكي يعالج هذا البطء في إيمانهما ،الناتج عن
عدم فهم أو عدم معرفة .وفي هذا المثال أيضا ً نقول :إن علج الخطاء الخاصة
باليمان ،هو الوضع السليم .وهذا أفضل من الزدراء أو التحقير الذي ل يأتي
بنتيجة ول يوصل إلى اليمان السليم .
– 5وهناك حالة خطيرة هي اليمان الميت :
فقد قال القديس يعقوب الرسول " اليمان بدون أعمال ميت " ) يع ، 20 : 2
. ( 17وقال إن مثل هذا اليمان ل يقدر أن يخلص صاحبه ) يصصع . ( 14 : 2ورأي
أن اليمان الحي ينبغي أن تكون له أعمال تدل عليه ،فقصصال " أنصصا أريصصك بأعمصصالي
إيماني " ) يع . ( 18 : 2
– 6هناك أيضا ً إيمان غير ثابت :
مثال ذلك أن السيد المسيح ) قبيل القبض عليه ( قال لتلميذه بطصصرس " هصصوذا
الشيطان طلبكم لكي ل يفني إيمانك " ) لو . ( 18 : 2في ذلصصك الصصوقت
إهتز إيمان بطرس ،لكنه عاد بعدئذ إلى قوته الولى .
– 7وهناك حالت وصفها الكتان بأنها خروج عن اليمان السليم .ومنها :
أ – قال القديس بولس الرسول " إن كان أحد ل يعتني بخاصته ،ول سيما أهل
بيته فقد أنكر اليمان ،وهو شر من غير المؤمن " ) 1تي . ( 8 : 5
ب – وقال عن الرمل الحدثات اللتي يرجعن في نذرهن للبتولية " أرفضهن ،
لنهن متى بطرن على المسيح ،يردن أن يتزوجن .ولهن دينونة ،لنهن رفضن
اليمان الول " ) 1تي . ( 12 : 5
ج – وقال كذلك " محبة المال أصل كل الشرور .الذي إذا ابتغاه قوم ،ضلوا عن
اليمان ،وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة " ) 1تي . ( 10 : 6
د – وقال " إحفظ الوديعة ،معرضا ً عن الكلم الباطل الدنس … الذي إذ تظاهر
به قوم ،زاغوا من جهة اليمان " ) 1تي . ( 21 : 6
هل بعد هذه المثلة نستطيع أن ننكر علقة اليمان بالعمال ؟!
لنه هنا بعمل خاطئ يقال إن إنسانا ً أنكر اليمان ،أو رفض اليمان ،أو ضل أو
زاغ عن ليمان … لعلنا بأمثال هذه المقاييس نمتحن أنفسنا ،عمل ً بقول الرسول
" إختبروا أنفسكم :هل أنتم في اليمان " ) 2كو . ( 5 : 13
– 8أخطر حالة هي " الرتداد عن اليمان " :
ً
يقول الرسول " في الزمنة الخيرة يريد قوم عن اليمان تابعين أرواحا مضلة " )
1تي . ( 1 : 4وعبارة الرتداد عن اليمان ،تعني أنهم كانوا في اليمان ثم ارتدوا
ويتحدث الرسول عن الرتداد العظيم الذي يسبق مجيء المسصصيح فيقصصول إنصصه " ل
يأتي إن لم يأت الرتداد أول ً " ) 2تس . ( 3 : 2هذا من الجهة العامة ،أما عصصن
الناحية الفردية فيقول " أما البار فباليمصصان يحيصصا .وإن ارتصصد ل تسصصر بصصه نفسصصي "
) عب . ( 38 : 10وهنا يتكلم عن ارتداد إنسان مؤمن بار كان باليمان يحيا .
مادام المؤمن يمكن أن يريد ،إذن المؤمنون هم غير المختارين .فالمختارون
يبقون على إيمانهم كل حياتهم ،حتى ملقاة الرب … كل ما ذكرناه في النواع
السابقة ،هو عن السلبيات في اليمان .نتابع كلمنا إذن عن اليجابيات اليمانية .
– 9النمو في اليمان :
يقول القديس بولس الرسول لهل تسالونيكى " نشكر الله كل حين من جهتكم
أيها الخوة … لن إيمانكم ينمو كثيرا ً " ) 2تس . ( 3 : 1وقال عن أهل
كورنثوس إنهم يزدادون في اليمان ) 2كو . ( 7 : 8إذن اليمان فضيلة كسائر
الفضائل ،يمكن أن ينمو فيها النسان …
– 10حفظ اليمان والثبات فيه :
يقول الرسول عن نفسه في أواخر حياته ،ووقت انحلله ،ووقت انحلله قد
حضر " … أكملت السعي ،حفظت اليمان .وأخيرا ً وضع لي إكليل البر " ) 2تي
. ( 8، 7 : 4ويقول لهل كولوسى " … ليحضر كم قديسين وبل لوم ول شكوى
أمامه ،إن ثبتم على اليمان … " ) كو . ( 23 : 1وأقوى من الثبات في اليمان ،
تعبير آخر هو :
– 11الرسوخ في اليمان :
يقول القديس بطرس الرسول عن محاربات إبليس " … فقاوموه راسخين في
اليمان " ) 1بط . (9 :5
وهناك درجة أخرى من اليمان هي :
– 12الغني في اليمان :
يقول القديس يعقوب الرسول " أما اختار الله فقراء العالم أغنيصصاء فصصي اليمصصان ،
وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه " ) يع . ( 5 : 2وهناك درجة أزيد من
الغني في اليمان وهي :
– 13المتلء من اليمان :
قيل عن القديس اسطفانوس أول الشمامسة " فاختاروا اسطفانوس رجل ً
مملوءا ً من اليمان والروح القدس " " ،وأما اسطفانوس فإذ كان مملوءا ً إيمانا ً
وقوة ،كان يصنع عجائب وآيات عظيمة … "
)أع . ( 8، 5 : 6كل هذه الصفات تقال عن حالة لزمة لليمان هي :
– 14اليمان العامل بالمحبة :
ً
يقول القصصديس بصصولس الرسصصول " فصصي المسصصيح يسصصوع ،ل الختصصان ينفصصع شصصيئا ول
الغرلة ،بل اليمان العامل بالمحبة " ) غل . ( 6 : 5ولعلصصه ذكصصر عبصصارة اليمصصان
بدون أعمال ميت ) يع . ( 20 : 2أما عبارة المحبة ،فلنه بها يتعلق الناموس كله
والنبياء ) متى . (40 :22وهناك نوع عظيم من اليمان هو :
– 15اليمان الذي يصنع العجائب :
تحدث السيد الرب عن " آيات تتبع المؤمنين " ) مر . ( 17 : 16وقصصال القصصديس
يعقوب الرسول " صلة اليمان تشفي المريض " )يع . ( 15 : 5ولكن لعل قمة
هذا المر تبدو في قول الرب " كل شئ مستطاع للمؤمن " )مر . ( 22 : 9ولعل
هناك نوعا ً آخر ،ليس لصانع العجوبة ،إنما للذي يتقبلها وهو :
– 16إيمان الثقة والتصديق :
وهو الذي كان يتطلبه الرب ممن تحدث معه المعجزة .وأحيان صا ً يسصصأله " أتصصؤمن؟
" .وكما قال للعميين اللذين طلبا ً منه الشفاء " أتؤمنان أنى أقدر أن أفعل هذا ؟
" ) متى . ( 28 : 9وقد طوب الرب هذا النوع من اليمان ،مثلمصصا قصصال للمصصرأة
الكنعانية " عظيم هو إيمانك " ) متى . ( 28 : 15ومثلما قال عن قصصائد المصصائة "
لم أجد ول في إسرائيل إيمانا ً بمقدار هذا " ) متى . ( 10 : 8
– 17كل اليمان :
يقول القديس بولس الرسول " إن كان لي كل اليمان حتى أنقل الجبال … "
فاعتبر أن هذا اليمان الذي ينقل الجبال ،هو كل اليمان ،أي قمته ،ول شئ
بعده .
هناك فرق كبير بين نوعين من اليمان :إيمان نظري ،وإيمان عملي .
– 1اليمان النظري ) العقلي ( :
هو إيمان فكرى ،فلسفي .مجرد القتناع العقلي بوجود اللصصه ،وبوجصصود المصصور
الصصتي ل تصصرى دون أن يكصصون لصصذلك أي تصصأثير علصصى الحيصصاة .وهنصصاك نصصص يثبصصت أن
الشياطين لهم هذا النصصوع مصصن اليمصصان .إذ يقصصول القصصديس يعقصصوب الرسصصول عصصن
اليمان الميت ،الخالي من العمال :
" أنت تؤمن أن الله واحد .حسنا ً تفعل .والشياطين يؤمنون ويقشعرون "
)يع . ( 19 : 2وسفر أيوب يعطينصصا دليل ً عملي صا ً علصصى هصصذه النقطصصة .لن حصصديث
الشيطان مع الله تبارك إسمه يثبت هذا اليمان النظري ،إذ يقول الشيطان للرب
" هل مجانا ً يتقي أيوب الله ؟ أليس أنصصك سصصيجت حصصوله … بصصاركت أعمصصال يديصصة .
ولكن إبسط الن يدك ومس كل ماله ،فإنه في وجهك يجدف عليك " ) أي 5 : 2
( .وهذا الكلم كله يثبت أن الشيطان يؤمن عقليا ً بأن هذا هو الله ،وأنه هو الصصذي
بارك أعمال أيوب ،وهو القادر أن يمس ماله ،وأن يمس لحمه وعظمه .وأن أي
عبارة تصدر من أيصصوب ضصصد اللصصه تعتصصبر تجصصديفا ً علصى اللصصه … ومصصع كصصل هصصذا كصصان
الشيطان يحارب ملكوت الله وأولده ،ول يزال .
ً
إيمان الشيطان العقلي الذي تحدث عنه معلمنا يعقوب ،هو أيضا إيمان ميت ،
حسب قول الرسول نفسه " إيمان بدون أعمال ميت " ) يع . ( 20 : 2فإن كان
اليمان الخالي من العمال الصالحة إيمانا ً ميتا ً ،بالكثر المشحون بالعمال الردية
ومقاومة كل صلح أيا ً كان …
إن اليمان العقلي سهل .ما أسهل إثبات وجود الله بالدلة العقلية
وبالبراهين العديدة .المهم هو اليمان العقلي .هذا يقودنا إلى النوع الهام من
اليمان ،وهو :
– 2اليمان العملي :
هو اليمان الذي تظهر علماته في الحياة العملية ،حياة إنسان يؤمن أن الله كائن
أمامه ،يراه ويحسه ،ويتصرف بما يليق بهذا اليمان .وهو يحب هذا الله الذي
يؤمن بوجوده وبعنايته ورعايته وحفظه ،ويكلم هذا الله المحبوب في صلواته
وتضرعاته ،ويخشى أن يفعل شيئا ً يخرج قلبه المحب … وفي اطمئنانه لعمله ل
يخاف ول يضطرب ،بل يحيا في سلم دائم ،مسلما ً حياته كلها لتدبيره الحكيم
…
وهكذا يقوده اليمان إلى عديد من الفضائل ل تحصي .
وهذا النوع من اليمان سيكون موضوع كتابنا هذا بمشصصيئة الصصرب ،حيصصث سنشصصرح
كيف يقود اليمان حياتنا كلها لتصبح حياة اليمان .وهذا المفهوم ينقلنا إلصصى صصصفة
أخرى من صفات اليمان السليم وهي :
– 3إيمان دائم :
ونعني بصه أنصه ل يكصصون إلصصه مناسصصبات .فل يظهصر إيماننصصا فقصط حينمصا نكصون فصي
الكنيسة أو في اجتماع روحي ،أو حينما نصلي ،أو نقرأ الكتاب ،أو نتقدم للتناول
.وإنما يظهر هذا اليمان في كل وقت ،وكل مكان ،في خارج الكنيسصة كمصا فصي
داخلها .الله أمامنا باستمرار ،وفي فكرنا باستمرار ،باليمان ل يتغير .إنصصه ليصصس
فقط إله الكنائس وإله الكتاب ،إنما هو إله القلب والفكر جميعا ً ،وإله الحياة كلها
.
- 4إيمان دون أن يرى :
إيمان ل يعتمد على الحواس ،وينطبق عليه قول الصرب " طصصوبى للذين آمنوا
دون أن يروا "
) يو . ( 29 :20ليس مثل العلماء الذين ل يؤمنون بشيء ،إل إذا أحضروه في
معاملهم ،وتيقنوا منه بأبصارهم وأجهزتهم .وليس مثل الصدوقيين الذين أنكروا
وجصصود المصلئكة والقيامة والرواح
ً
)أع ، ( 8 : 23لنهم ل يرون شيئا من ذلك كله …
– 5إيمان الثقة والختبار :
إنه ليس اليمان بالله الذي نقرأ عنه في كتب اللهوت ،أو في المعاهد
الدينية ،أو في الكنائس وفي فصول التعليم الديني على أنواعها .وإنما إيمان
بالله الذي اختبرناه في حياتنا ،وعاشرناه ،وأدخلناه في كل تفاصيل حياتنا ،
واختبرنا عمصليا ً قصصول داود النبي " ذوقوا وانظصروا مصصا أطيب الرب "
)مز … ( 8 : 34ووجدنا أن الله عجيب عجيب ،إلى أبعد الحدود ،فوق ما يتصور
العقل … حيصاتنا كلها مجرد عشرة معه ،ذقنا فيها حلوته وحبه ورعايته ،ورأينا
أيضا ً قوته وجلله .وجربنا كصيف يدخل في مشاكلنا ،بطرق ما كانت تخطر على
عقولنا .ونتيجة للختبار ،صارت لنا ثقة ،غير مبنية على الكتب ،وإنما على مصصا
لمسناه بأيدينا … لصصذلك إيماننا إيمصصان حقيقي راسصخ في قلوبنا .
– 6إيمان قوى :
وهو اليمان الذي يستطيع كل شئ ) مر . ( 23 : 9ويمكنه أن ينتصر على كل
عقبة .ول يرى أمامه شيئا ً مستحيل ً .بل كما قيل عن زر بابل " من أنت أيها
الجبل العظيم ؟! أمام زر بابل تصير سهل ً " )زك . ( 7 : 4إنه اليمان الذي
يستطيع أن يضع قدمه في الماء ،لكي يعبر البحر الحمر في أيام موسى النبي
) خر ، ( 22 : 14وأن يعبر نهر الردن في أيام يشوع ) يش . ( 3ويستطيع أن
يمشي في داخل الغمر العظيم ،والمياه تحيط به مثل سور ،عن يمين وعن
شمال ،دون أن يخاف … إنه اليمان الذي يستطيع أن يضرب الصخرة فيتفجر
منها الماء ) خر . ( 6 : 17وهو اليمان الذي يسير في الصحراء بل زاد وبل مرشد
،يجمع طعامه مصن المن النازل مصن السماء يومصصا ً بيوم
)خر . ( 23 – 15 : 16إنه اليمان القوى الذي استطاع أن ينقل الجبل المقطم
على يد سمعان الدباغ ،أيام البابا ابر آم بن زرعه .وهو اليمان القوى الذي
استطاع به إيليا النبي أن يقول " ل يكون طل ول مطر في هذه السنين إل عند
قولي " )1مل . ( 1 : 17وهكذا " لم تمطر على الرض ثلث سنين وستة أشهر .
ثم صلي فأعطت السماء مطرا ً " )يع . ( 18 ، 17 : 5وهكذا استطاع أن يغلق
السماء ويفتحها .ما أكثر المثلة عن هذا اليمان القوى .ولكن هناك أمثلة أخرى
عن هذا اليمان القوى ،تبدو في مظهر آخر هو :
– 7إيمان ل يتزعزع :
إنه إيمان ثابت ،ل يتصأثر مطلقصا ً بالعوامصل الخارجيصة :فهصو يصؤمن بمحبصة اللصه
سواء كان على جبل التجلي أو على جبل الجلجثة .يؤمن بمحبة الله الصصذي يعطيصصه
من سارة نسل ً في ظروف تدعو إلى اليأس ،تماما ً تمام صا ً كمصصا يصصؤمن بمحبصصة اللصصه
وهو يقول له :خذ إبنك وحيدك الذي تحبه إسصصحق ،وأصصصعده هنصصاك محرقصصة علصصى
الجبل الذي أريك إياه ) تك . ( 2 : 22
ً
أن إبراهيم وهو يرفع بيده السكين على إبنه اسحق ،ما كان يشك مطلقا في
محبة الله ،ول في صدق مواعيده …
لم يتزعزع إيمانه مطلقا ً في هذا الله ،ول في أنه سيكون له من اسحق نسل ً
مثل نجوم السماء ورمل البحر في الكثيرة … إن اليمان الثابت ل يتغير بالظروف
الخارجية المحيطة به ،لن ثقته ثابتة في الله ،وسلمه القلبي ل يستمده من
الظروف الخارجية ،إنما من الله نفسه ومحبته وصدق مواعيده .
– 8اليمان كموهبة :
هناك إيمان عادى ،وإيمان يعتبر موهبة من الروح القدس .ول شك أن هذا له
درجة عالية تفوق اليمان العادي بكثير … يقول القديس بولس الرسول في
حديثه عن المواهب " فأنواع مواهب موجودة ،ولكن الروح واحد … ولكنه لكل
واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة .فإنه لواحد يعطى بالروح كلم حكمة … ولخر
إيمان بالروح الواحد .ولخر مواهب شفاء بالروح الواحد … " )1كو . (9 – 4 :12
وهكذا أيضا ً وضع اليمان ضمن ثمار الروح )غل . ( 22 : 5ويبدو هنا أننا ل
نستطيع أن نفصل اليمان عن عمل الروح القدس :إما من ثمار الروح ،وإما من
مواهب الروح .ولكل منهما درجته …
– 9اليمان السليم :
ما أكثر ما يؤمن الناس بأفكار ،أو مذاهب ،سياسية أو اجتماعية ،ويعطيهم
إيمانهم بها قوة على التنفيذ ،وعلى نقلها إلى عقول الناس … ولكننا نود في هذه
الصفات أن نتحدث عن اليمان السليم ،الذي يكون له طابع روحي وصلة وطيدة
بالله " اليمان العديم الرياء " )1تي " ، ( 5 : 2اليمان المسلم مرة للقديسين "
) يه … ( 3هذا اليمان الطاهر النقي فكرا ً وسلوكا ً .وهذا يجعلنا نقول :
إن اليمان ،ليس هو مجرد عقيدة ،إنما هو حياة … أو هو حياة مؤسسة على
عقيدة .أو هو عقيدة إختبارية عاشها الناس ،وليست مجرد أفكار في الكتب .
وما نريد أن نتحدث عنه في هذا الكتاب هو هذه الحياة ،حياة اليمان ...
من صفات المؤمن ،أن يكون قلبه مملوءا ً بالسلم والهدوء .ل يضطرب
مطلقا ً ،ول يقلق ،ول يخاف ،لنه يؤمن بحماية الله له … وهو يحتفظ بسلمه
الداخلي ،مهما كانت الظروف الخارجية تبدو مزعجة .يخاف الشخص الذي
يشعر أنه واقف وحده .أما الذي يؤمن أن الله معه فل يخاف …
– 1هوذا داود النبي يقول " إن يحاربني جيش ،فلن يخاف قلبي .وإن قام على
قتال ،ففي هذا أنا مطمئن " )مز . ( 3 : 27وإن سألته عن السبب في هذا ،
يجيب في نفس المزمور " الرب نوري وخلصي ،ممن أخاف ؟! الرب حصن
حياتي ،ممن أرتعب " )مز ( 1 : 27لقد اختبر الرب ومعونته وحمايته ،فقال
عندما اقترب إلى الشرار ليأكلوا لحمي ،مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا " )مز
. ( 2 : 27
إنه ليستمد سلمه من تحسن الظروف الخارجية من حوله ،إنما يستمد سلمه
من عمل الله فيهاومعه .
لذلك فهو يقول في مزمور الراعي " إن سرت في وادي ظصصل المصصوت ،ل أخصصاف
شرا ً " لماذا ؟ " لنك أنت معي " )مز . ( 4 : 23إن كان لك هذا اليمان ،أن الله
معك ،فلن تخاف ،مهما حاربك جيش ،أو قام عليك قتصصال ،حصصتى إن سصصرت فصصي
وادي ظل الموت .
– 2ولعل هذا السلم وعدم الخوف ،نراهما في مقابلة إيليا النبي لخاب :
كان آخاب الملك يفتش عن إيليا النبي في كل مكان لكي يقتلصصه .ومصصع ذلصصك فصصإن
إيليا ذهب ليتراءى لخاب .ولما حذره عوبديا من الخطصر ،أجصصاب إيليصا " حصي هصصو
رب الجنود الذي أنا واقف أمامه ،إني اليوم أتراءى له " ) 1مل . ( 15، 14 : 17
وقد كان .قابل إيليا آخاب الملك ،ولم يخف منه .بل وبخه على عبادته للصنام )
1مل . ( 18 : 17إيليا لم يكن يخاف ،ليمانه أنه واقف أمام رب الجنود .
– 3وبالمثل كان داود في لقائه مع جليات الجبار .
داود – الصبي الصغير – كان باليمان مملوءا ً بالسلم ل يخاف جليات ،بل يتكلم
بثقة … ويقول لشاول الملك " ل يسقط قلب أحد بسببه " ) 1صم . ( 32 : 17
أما الملك وكل جيشه فكانوا خائفين ،ومرتاعين جدا ً .لنهم لم يكونوا ناظرين
إلى الله الذي ل يرى مثلما كان ينظر داود … بل كانوا مركزين أبصارهم في هذا
الذي يرونه أمامهم " الرجل الصاعد " الذي " طوله ست أذرع وشبر ،وقناة
رمحه كنول النساجين ،ووزن درعه خمسة آلف شاقل نحاس " ) 1صم -4 : 17
. ( 7داود رجل اليمان ،لما دخل إلى ميدان المعركة أدخل الله معه ،وأدخل
روح اليمان والطمئنان إلى قلوب رجال الحرب بقوله " من هو هذا الغلف حتى
يعير صفوف الله الحي … ل يسقط قلب أحد بسببه " 1صم . ( 32 ، 26 : 17
وقال لذلك الجبار " أنت تأتي إلى بسيف ورمح .وأنا آتى إليك باسم رب الجنود "
)1صم .(45 :17أعني أنت تأتي إلى بال التي ترى ،وأنا آني إليك بالذي ل يرى .
وسنلحظ أن إسم الله لم يفارق لسان داود .وكان يمنحه سلما ً
وبهذا اليمان ،وهذا السلم القلبي ،وبهذه الثقة تقدم داود إلى ذلك الجبار
المرعب ،وقال له في يقين اليمان " اليوم يحبسك الرب في يدي … فتعلم كل
الرض أنه يوجد إله … لن الحرب للرب " )1صم .(46،47: 17حقا ً إن الرجل
المؤمن ل يعرف الخوف ،مهما كانت الظروف مخيفة من حوله … سلمه القلبي
ل يفارقه مطلقا ً … بل يمنحه اليمان أيضا ً شجاعة وبسالة .
– 4في وسط الضيقة ،أيا ً كانت ،نرى اليمان يعطى سلما ً .
ضيقة تحل بإثنين :أحدهما مؤمن والخر غير مؤمن .فيضطرب غير المؤمن
ويخاف ويقلق ،ويتصور أسوأ النتائج ،وتزعجه الفكار … أما المؤمن فيلقيها بكل
اطمئنان ،وبسلم قلبي عجيب .وقد تسأله البعض عن شعوره إزاء الضيقة
فيقول هذه المشكلة ،سيتدخل الله فيها ويحلها ،وستؤول إلى الخير " وقد
تسأله كيف سيتدخل الله ؟ فيجيبك :أنا ل أعرف .ول يهمني هذا .إنما أعرف أننا
ل نهتم بمشاكلنا ،فالله هو المتهم بالكل …
حقا ً إني ل أعرف كيف ستحل المشكلة .ولكني أعرف الله الذي سيحلها .
وهكذا يقوده اليمان إلى الطمئنان .وهكذا أولد الله يعيشون دائما ً في سلم .
بل وفي فرح ،شاعرين أن الله معهم ،هو الذي يتولى كل أمورهم ،ويعمل من
أجلهم ما ل يستطيعون عمله لجل أنفسهم …
– 5إن يونان – حتى وهو في بطن الحوت – لم يفقد إيمانه وسلمه .
بل إنه صلي إلى الرب وهو في بطن الحوت ،صلة كلها إيمان ،وقال فصصي ثقصصة "
ولكنني أعود أنظر هيكل قدسك " ) يون . ( 4 : 2ونصصذر للصصرب نصصذر للصصرب نصصذرا ً
وقال " :أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك .وأوفي بما نذرته .للرب الخلص " )يون
. ( 9 : 2حتى وهو في بطن الحوت ،كصصان يصصرى خلص الصصرب .وكصصان يصصرى أنصصه
سيخرج منه ،ويرى الهيكل المقدس ،ويذبح للرب ويوفي نذوره .
إنه اليمان مصدر كل سلم وراحة .ل خوف فيه ول قلق .
– 6فإذا قل اليمان ،حينئذ يخاف النسان .
بطرس في إيمانه استطاع أن يمشى مصصع الصصرب فصصوق المصصاء ،ناسصصيا ً كصصل قصصوانين
الجاذبية .فلما تذكرها وخاف حينئذ سقط ،فصصوبخه الصصرب قصصائل ً " ياقليصصل اليمصصان
لماذا شككت " )متى . ( 31: 14وهكذا ربصصط الصصرب بيصصن الخصصوف والشصصك وقلصصة
اليمان .وحقا ً إنه ترابط عجيب :
الشك يضعف اليمان .وضعف اليمان يؤدى إلى الخوف .والخوف يسبب
السقوط .
وبنفس الوضع نتحدث عن التلميذ لما هاجت عليهم المواج في السفينة .رؤيتهصصم
المواج تغطي السفينة ،بينما الرب نائم فيها ،جعلتهم يشكون في اهتمصصام الصصرب
بهم .والشك أضعف إيمانهم ،فخافوا .لذلك وبخهم الرب قائل ً " ما بالكم خائفين
يا قليلي اليمان " )متى . ( 26 : 8
في كل مرة تخاف ،وبخ نفسك على قلة إيمانك .
قل لنفسك أين هو إيماني بأن الله موجود ،وبأنه ضابط الكل يرى كل شئ ؟
وأين إيماني بمحبة الله ،وبتدخله في مشاكل ،وبقدريه على كل شئ ،وأين
إيماني بأن الله صانع الخيرات ،وبأنه لبد سيصنع معي خيرا ً ؟! هذه الفكار كلها
تقوى إيمانك ،وتمنك سلما ً ،وثقة بعمل الله .
اليمان مريح للنفس .لن الذي يؤمن بوجود الله ،ل يشعر بالوحدة .بل يثق أن
هناك قوة إلى جواره
إنه يؤمن بوجود هذه القوة القادرة على كل شئ ،التي تسانده ،والتي كلها
حب وعدل .وهي تعمل الخير الجميع ،وتتراءف على كل من هو في ضيقة …
وإذ يطمئن إلى هذه القوة اللهية الحافظة ،يمتلئ قلبه سلما ً ،ول يقلق ول
يخاف … أما غير المؤمن ،فإذ ل يثق بقوة خفية تسنده ،نراه يتعب ،ويقف
وحيدا ً في ضيقاته فاقدا ً للسلم …
– 7القديس بطرس كان في السجن ،وقد نام نوما ً ثقيل ً .
مع أن هيرودس الملك ،لكي يرضي اليهود ،كان قد قتل القديس يعقوب بن
زبدي أحد الثني عشر ،وأمر بالقبض على القديس بطرس وألقاه في السجن "
مسلما ً إياه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه " .وكان مزمعا ً قتله بعد الفصح
)أع . ( 4 – 1 : 12وعلى الرغم من السجن ،ومن الحراسة المشددة ،ومن
توقع القتل … نام بطرس في السجن ،واثقا ً من وجود حراسة إلهية تحرسه ،
أكثر من حراسة العسكر عليه .وكان نوما ً ثقيل ً ،لدرجة أن الملك الذي أتى
لينقذه ،ضربه في جنبه ليوقظه
)أع … ( 7 : 12أي سلم قلبي هذا ،الذي يجعل إنسانا ً في مثل هذه الظروف
ينام ،وهو في السجن ،وفي نفس الليلة التي كان فيها هيرودس الملك مزمعا ً
أن يقدمه للقتل … !
إنه اليمان بحفظ الله ،إن أراد له حياة على الرض …
أو اليمان بالبدية السعيدة ،إن شاء الله له أن يستشهد .
وفي كلتي الحالتين ،المر يدعو إلي الفرح .بذلك كان السلم يمل قلبه .و كان
ينام في هدوء .و ما كانت المور الخارجية تزعجه … و لعله كان هناك سبب َاخر
لهذا السلم ،و هو أنه " كان بطرس محروسا ً في السجن .و أما الكنيسة فكانت
تصير منها صلة بلجاجة إلي الله من أجله " )أع . (5 :12
النسان المؤمن هو الذي يستطيع أن ينام في حضن الله و يستريح .
إنه يسلم حياته وكل مشاكله للرب .ويقول للرب :ما دمت أنت قد استلمت هذه
الموضوعات ،فأنصصا سصصوف ل أشصصغل نفسصصي بهصصا .إنهصصا قصصد انتهصصت بالنسصصبة إلصصى ،
وانتقلت إلى يديك أنت ،وأنا واثق أنصك ستصصنع كصل خيصر .أمصا أنصا فمطمئن إلصى
عملك ،وسأنام وأستريح .لذلك حسنا ً قيل في المزمور إنه " يعطي أحباءه نومصصا ً
" )مز . ( 2 : 127
– 8دانيال النبي والثلثة فتية ،مثال لليمان المملوء بالسلم .
دانيال كان ينتظر أن يلقى في جب السود ،ومع ذلك لم يفقد سلمه ،ولم يفقد
أيضا ً شجاعته .واحتفظ بإيمانه ،وصلي إلى الله إلهه بكل مجاهرة ،وبل خوف .
في جب السود ،كان قلب دانيال أقوى من قلوب جميع السود التي معه …
وكأنه يقول :وماذا إن ألقوننى في جب السود ؟ أليس الرب هناك أيضا ً .أو
ليس هناك ملكه يسد أفواه السود … وكذلك الثلثة فتية ما خافوا من أتون
النار .لشك أن اليمان يخلق في قلب كل شجاعة وجرأه ،وينزع منه كل خوف .
– 9وهكذا كان القديسون في طريقهم إلى الستشهاد .
كانوا يغنون أغاني الفرح ،ويسبحون الله ،وهم في طريقهم إلى الموت .وما
كان الموت يزعجهم ،ول العذاب .كان إيمانهم بالحياة الخرى ،وبالبدية
السعيدة ،وبعشرة الرب في الفردوس ،كل ذلك كان يملهم سلما ً بل وفرحا ً ،
بل أيضا ً اشتياقا ً إلى الموت ،مغنين مع بولس الرسول " لي اشتهاء أن أنطلق
وأكون مع المسيح .فذاك أفضل جدا ً " )في . ( 23 : 20إن الموت ل يخيف
المؤمن ،بل يفرحه …
– 10في كل ضيقة وصعوبة وعقبة ،المؤمن ل يخاف ،ول يفقد سلمه .
المصصؤمن ينتصصصر علصصى العقبصصات ،دون أن يخصصاف منهصصا .يشصصعر أن اللصصه سصصيحل
الصعوبات التي تصادفه يتركه وحده فيها .أما غير المؤمن فربما الصعوبات تصيبه
بالتردد والخصصوف .وبعصصدم إيمصصانه يجبصصن .بصصل عصصدم اليمصصان قصصد يصصصور لصصه صصصعابا ً
ومخاوف غير موجودة ،كأن " السصصد فصصي الطريصصق .الشصصبل فصصي الشصصوارع " )أم
. ( 13 : 26أما المؤمن فل يخاف مطلقا ً مهما صادفته المصاعب والمتاعب .إنه
يلقيها كلها في هدوء وفي اطمئنان واثقا ً بعمل الله معه .
– 11بهذا اليمان والطمئنان ،وقف القديس أثناسيوس يحارب الريوسية .
بكل ما كان للريوسية من صلة بالمبراطور ،وتأثير عليه وعلى حاشيته .بل بكصصل
ما كان لها أيضا ً من تضصصليل للشصصعب ،وضصصغط علصصى السصصاقفة وإقنصصاع لبعضصصهم ،
وإثارة جو عام من الشك .حتى قيل لهذا البابا المؤمن :
]العالم كله ضدك يا أثناسيوس [ فأجاب ]وأنا أيضا ً ضد العالم [
وهكذا لم ترهبه قرارات النفي من الباطرة ،ول قرارات الحرم من بعض
الساقفة ،ول الشكوك المنتشرة في كل مكان ،ول التهامات الباطلة التي
يلصقونها به .وإنما ظل يطوف من بلد ،بكل ثقة ،يعلم ويقنع ،ويزيل الشكوك ،
ويثبت الناس في اليمان ،ويكتب الردود والمقالت ،ويدحض براهين الريوسيين
… إلى أن انتصر أخيرا ً ،اليمان على يديه .وقال القديس جيروم :
]مر وقت ،كاد فيه العالم كله أن يصبح أريوسيا ً ،لول أثناسيوس [
هذا هو اليمان الذي ل يعرف خوفا ً ول اضطرابا ً ،ول تهزه الحداث ،بل يحتفظ
بسلمه وسط النيران المتقدة إلى أن يطفئها الله … إن إيمان القديس
أثناسيوس بالعقيدة التي كان يدافع عنها ،منحه قوة جبارة ،وقف بها ضد جميع
المقاومات .وكل قوة أثناسيوس ،إنما تكمن في إيمانه ،اليمان الذي يستطيع
أن يصنع العاجيب .
– 12باليمان بشر أناس بالمسيح في بلد تأكل لحوم البشر ولم يخافوا .
ودخلوا في مجاهل أفريقيا ،وفي الغابات ،وفصصي منصصاطق خطصصرة حصصتى مصصن جهصصة
طبيعتها ومناخها أهلها .ولم يخافوا .إيمانهم بالله الحافظ لهصصم ،أعطصصاهم
قوة وشجاعة .وكذلك إيمانهم بخيرية وأهميصة العمصل الصذي يقومصون بصه ،
أهمية أن يوصلوا كلمة الله للنفصصوس الصصتي هنصصاك حصصتى ل تهلصصك فصصي عصصدم
إيمصصان .كصصل هصصذا أعطصصاهم قصصوة ،ونصصزع الخصصوف مصصن قلصصوبهم ،فتممصصوا
عملهم ،ولم تثنهم عنه الغربة ،ول قسوة المناخ ،ول وحشية النصصاس ،ول
خطورة الطبيعة …
– 13باليمان أخذ أبونا نوح معه الوحوش في الفلك ولم يخف .
مادام الله قد قال له خذها معك اثنين ،إذن فسيأخذها .والله الذي أصدر المر
سيحفظه منها .وستكون معه كما كانت مع آدم في الفردوس ،يعيش معها بل
خوف ،وبكل سلم في القلب … وقد كان .أبونا نوح كان مؤمنا ً بكلمة الله له ،
لذلك لم يخف .
– 14بل إن كل من آمن بفكرة ،يعطيه اليمان بها قوة لتنفيذها .
وهكذا كان المصلحون في كل زمان ومكصصان .آمنصصوا بفكصصرة ،فجاهصدوا بكصل قصصوة
لتنفيذها .وبسبب إيمانهم احتملوا الكثير من الضيق ،حتى أكملوا عملهم .غانصصدي
مثل ً آمن بحق النسان فصى الحريصة ،وآمصن بسياسصصة عصدم العنصصف .وأعطصصاه هصصذا
اليمان قوة عجيبة إستطاع بهصصا أن يجصصرر الهنصصد ،وأن يعطصصى الحقصصوق للمنبصصوذين
متساوين مع إخوتهم .واستطاع أن يحتمل الكثير لكي ل يسلك أتباعه بعنف
،ول يلقون العنف بالعنف .إيمانه بالفكرة أعطاه القوة على تنفيذها ،فكم
بالكثر بما ل يقاس :اليمان بالله .
– 15بل حتى اليمان بالعلم يصنع العاجيب .مثال ذلك رواد الفضاء .
وأقصد كمثال إيمانهم بما قيل لهم عن منطقة انعدام الصصوزن .وكيصصف أن النسصصان
فيها يمكن أن يمشى في الجو دون أن يسقط .من من النصصاس يجصصرؤ أن يمشصصى
فى الجو دون أن يخاف .أما الذي جعلهم ينفذون ذلك فهو إيمانهم الكيصصد ببحصصوث
العلماء الذين قالوا بهذا .واليمان يعطى قوة وشجاعة .فكم بالكثر اليمان بالله
.
إن الفرق بين أشجع الناس وأخوف الناس ،هو اليمان .
إن الشخص الجريء هو الذى لديه إيمصصان ،بصصأنه لصصن يحصصدث لصصه ضصصرر مصصا ،أو هصصو
المؤمن بلزوم عمله وضرورته مهمصصا حصصدث لصصه ،أو هصصو المصصؤمن بصصصفة الشصصجاعة
وعدم الخوف .أما الجبان فهو على عكس هذا كله .
– 16أيضا ً اليمان بالبدية ،يعطى النسان راحة وسلما ً .
إذ يوقن أنه لبد سينال حقه ،إن لم يكن على الرض ،ففى السماء .ول يكن
مظلوما ً هنا وهناك .كذلك سينال سعادته كاملة :مالم يتحقق منها هناء ،
سيتحقق بكل تأكيد فى النعيم البدى .وهكذا يعيش مرتاحا ً ،ولو كان مثل لعازر
المسكين .
– 17اليمان بقوة الصليب ،يمنع الخوف .
ً
الذى يؤمن بالصليب وقوة الصليب وعلمة الصليب ،كثيرا مصصا يشصصعر باطمئنصصان إذ
يحتمصصي وراء هصصذا الصصصليب .فصصإن تعصصرض لخصصوف أو خطصصر ،ورشصصم ذاتصصه بعلمصصة
الصليب ،يمتلئ قلبه سلما ً ،ويحس أن قوة تحميه ،وتمنع عنه الخصوف ،ويحصس
أن قلبه دخلته قوة لم تكن فيه من قبل وصارت له علمة الصليب سلحا ً .
وهناك إنسان آخر له إيمان كبير بفاعلية المزامير .
يتلوها فى أى وقت ،أو فى وقت الحاجة ،فيشعر أن المزمور فيه قوة خاصة ،
تطمئن قلبه وتمنحه سلما ً .فإن كان خائفا ً مثل ً ،وتل مزمور ) 91الساكن في
ستر العلى ( ،أو ) 23الرب ير عانى ( ،أو ) 27الرب نوري وخلصي( … للوقت
يشعر بسلم داخله ،وبأن قوة المزمور قد حلت عليه .نحن نعرف أن المزامير
قد بالروح ) متى . ( 44 ، 43 : 22وأنها كجزء من الكتاب ،قالها داود مسوقا ً
القدس ) 2بط . ( 21 : 1لذلك لها قوة بل شك .
آخرون لهم إيمان في أرواح القديسين وعملها لجلهم .
لذلك يشعرون بسلم ،حينما يطلبون صلة ومعونة قديس يحبونه ويثقون بدالته
عند الله .أذكر بهذه المناسبة راهبا ً أثيوبيا ً متوحدا ً ،كان يعيش في مغارة في
وادي النطرون .فى إحدى المرات ضل طريقة بالليل ،إذ كان يشكو وقتذاك من
ضعف فى بصره .وأقبل عليه الليل والظلم .فرسم دائرة واسعة على أرض
الصحراء ،وحوطها بعلمة الصليب من كل ناحية ،ونام داخلها .وفي الصباح رأى
آثار الدبيب والحيوانات خارج الدائرة ،ولم تستطيع أن تدخلها لتؤذيه .أتذكر منذ
زمن طويل ،أنني كنت مسافرا ً فى سفينة ،وقد هاجت المواج جدا ً عليها ،
وخاف الركاب .ونظرت فرأيت من بين الركاب معنا إنسانا ً طيبا ً جدا ً كنت أثق
كثيرا ً بقداسته .فاطمأن قلبي .وقلت فى داخلي " من المحال يسمح الله بغرق
السفينة ،وفى داخلها هذا النسان الطيب الذى يحب الله " .ونجت السفينه فعل ً
،ولم يحدث لها أي ضرر .لقد كان مجرد وجود هذا النسان الطيب سببا ً فى
السلم وتقوية اليمان .وربما كان هذا شعور ركاب آخرين … إن القصص
الختيارية فى هذا المجال ،لتدخل تحت حصر .وكلها تقوى اليمان .ولكنى
لست أرى الن مجالها … نكتفى بهذا الجزء وندخل فى علمة أخرى من علمات
اليمان …
لشك أنك تخجل أن تخطئ أمام إنسان بار تحترمه .
وقد تكون في حضرته في منتهي الحرص ،تستحي من أن ترتكب شيئا ً مشينا ً
أمامه .ل تحب أن يأخذ عنك فكرة سيئة ،أو أن تسقط من نظره .بل قد
تحترس أيضا ً من الخطأ أمام أحد خدمك أو مرءوسيك ،لئل يحتقرك في داخله ،أو
يقل احترامه لك …
لذلك فغالبية الخطايا في الخفاء ،إما بسبب الخوف أو بسبب الستحياء .هكذا
قيل عن الخطأة إنهم ) أحبوا الظلمة أكثر من النور لن أعمالهم شريرة ()يو
.(19:3وقال الرب عن أعدائه المتآمرين عليه ) هذه ساعتكم وسلطان الظلم (
)لو .(35:22
فإن كنت تخجل أو تخاف من إنسان يراك ،فكم بالولي الله ؟.
فإن آمنت تماما ً بأن الله موجود في كل مكان أنت فيه ،يراك ويسمعك ويرقبك ،
فل شك سوف تخجل أو تخاف من أن ترتكصصب أي خطصصأ .أمصصام اللصصه .ولهصصذا فصصإن
القديس يوسف الصديق عندما عرضت عليه الخطية ،رفض الخطية قائل ً ) :كيف
أفعل هذا الشر العظيم واخطئ الى الله ()تك .(9:39
إعتبر أنه أخطأ إلي الله .كسر لوصاياه .وعدم احترام له ،إذ يفعل الشر قدامه
بل حياء … فهل عندك هذا
الشعور؟ هل تضع الله أمامك في كل خطية تحارب بارتكابها .وهل تذكر ما قاله
الرب لكل ملك من ملئكة السبع ) في سفر الرؤيا ( .إذ قال لكل منهم .:
)أنا عارف أعمالك ()رؤ ،9،13،19، 2:2رؤ .(1:3،8،15
لو عرفت هذا ستخجل وتخاف ،وتمتنع عن الخطية ،لن خوف الله سيكون أمام
عينيك باستمرار في كل مرة تحاول أن تخطئ .
بل إنك تشعر بالستحياء من أرواح الملئكة والقديسين .
إن كنت اؤمن من كل قلبك أ ،ملئكة الله حالة حولنا )مز .(7:34وأننا ) صرنا
منظرا ً للعالم ،للملئكة والناس (
)1كو ..(9:4حينئذ لبد ستخجل من الملك الذي حولك ،والذي لقداسته ل يحتمل
رؤية بعض الخطايا فيتركك وكذلك لبد ستخجل من أرواح القديسين ومن أرواح
أقربائك ومعارفك ..وبهذا الخجل تبعد عن الخطية ،وتقتر إلي حياة النقاوة ..
وإن كنت تؤمن أن الله قدوس ،ستخشي أ ،تظهر نجاساتك أمام هذه القداسة
غير المحدودة .وفي كل مرة تقول في صلتك ) قدوس قدوس قدوس ( ستشعر
في داخلك بخزي عظيم علي الماضي ،ول تجرؤ علي ارتكاب الخطية في
المستقبل .إن اشعياء النبي عندما سمع السارفيم يسبحون الرب بهذه التسبحة
)قدوس( صرخ قائل ً ) ويل لي قد هلكت .لني إنسان نجس الشفتين ()أش :6
.(3،4
إن كنت تؤمن أن الله فاحص القلوب وقارئ الفكار …
وأنه يعلك كل ما يخطر علي فكرك وفي قلبك من مشاعر وخطط وتدابير ،حينئذ
كنت تخاف من معرفته لدواخلك وتخجل مصن قدسصيته ،وتبتعصصد عصن هصصذه الفكصصار
والمشاعر ،فتصل إلي حياة النقاوة .
لعلك تقول :
أنا أؤمن بكل هذا :أؤمن ان الله موجود ،وأنه ير كل شئ ويسصصمع ،وأنصه يفحصص
القلوب ويقرأ الفكار .ومع ذلك أنا ل أزال في أخطائي .أجيبك علي هذا بأنه :
ربما تؤمن بكل هذا نظريا ً .ولكنك ل تحيا حياة تليق بإيمانك ..
إن ،الذي يحيا في هذا اليمان بإن الله يراه ،والملئكة تراه ،وأرواح المنتقلين
تراه .عمليا ً لو وضع هذا الفكر
في قلبه ،لكان يخجل ،وتضغر نفسه في عينيه ،ول يجرؤ أن يكمل خطاياه .
ولكن علي رأي أحد الباء – كما ورد في بستان الرهبان كل خطية يسبقها إما
الشهوة ،أم التهاون ،أو النسيان .
لعل النسان يكون أثناء الخطية ناسيا ً الله وملكوته .
ولعله يكون ناسيا ً أنه صورة الله ومثاله ،إن كان يصصؤمن حق صا ً بهصصذا .ولعلصصه يكصصون
ناسيا ً أيضا ً كل وصايا الله ،وكل إنذراته ،مع أنه نظريا ً يؤمن بكصصل هصصذا ،ولكصصن ل
يحياه .هو كما قلنا :له إسم المؤمن ،وليس له حياة المؤمن ..
لذلك :إن كنت تؤمن بالبدية ،فضع البدية أمامك لكي ل تخطئ .
عن الذي يؤمن حقا ً بإن الموت يأتي كلص ) 1تس .(2:5والذي يؤمن بأن الله
عادل .ولقد قال إنه سيأتي ليجازي كل واحد حسب أعماله )رؤ .(12:22والذي
يؤمن بالحياة بعد الموت ،والدينونة ،والثواب العقاب ،والوقوف أمام الله في
ذلك اليوم الرهيب الذي فيه تفتح السفار ،وتكشف النيات والفكار ،وتعلن كل
أعمال
ً ً ً
بني البشر أمام الكل .الذي يؤمن بهذا حقا إيمانا عمليا ،من الصعب عليه أن
يخطئ ،بل يجد رادعا ً داخله يثنيه ،خوفا ً وخجل ً ..وتراه دائما ً يستعد لملقاة
الرب في ذلك اليوم …
ولماذا أتكلم عن الدينونة ،إني أقول من ناحية أخري :
إن كنت تؤمن بمحبة الله ،فإنك تخجل أ ،تجرح محبته .
كثيرا ً ما تقول ) الله محبة ()1يو . (8،16 :4ولكنك أثناء الخطية ،ل تكون في
حالة إيمان عملي بمحبته .بل ربما ل تكون هذه المحبة في فكرك إطلقا ً .أم
كنت تؤمن حقا ً بأن المحبة هي الرباط المقدس الذي يربطك بالله ،فكيف يمكن
أن تخطئ ؟) .المولود من الله ل يخطئ ()1يو .(9:3
بل أنت ل تخطئ ،إن كنت تؤمن بالفضيلة كمنهج حياة .
كثيرون يتحدوثون عن الفضيلة ،ويدعون الخرين إليها ،ويمجدونها كثيرا ً .ولكنهم
ل يجبونها ,.ل يؤمنون عمليا ً بإن تكون الفضيلة هي منهج حياة لهم .وإن آمنوا
بذلك عمليا ً لعاشوا في حياة النقاوة ،منكتين أنفسهم بشدة علي كل ضعف …
أيضا ً الذي يؤمن بفناء هذا العالم ،يزهده ول يخطئ .
مثلما كان يقول داود النبي ) غريب أنا علي الرض ،فل تخف عني وصصصاياك ()مصصز
).(19:119غريب أنا عندك ،نزيل مثل جميع آبصصائي ()مصصز .(12:39وهكصصذا عصصاش
رجال اليمان في كل جيل )أقروا إنهم غرباء ونصزلء علصي الرض ..يبتغصون وطنصا ً
أفضل ..سماويا ً ()عب (11:13،16زهدوا كل شئ في هذه الدنيا وأطصصاعوا قصصول
الرسول ()ل تحبوا العالم ول الشياء التي في العالم .لن العالم يمضصصي وشصصهوته
معه ()1يو .(15،17 :2
وبهذا اليمان عاشوا في العالم ،دون أن يعيش العالم فيهم .
وكان هؤلء ) الذين يستعملون العالم ،كأنهم ل يستعملونه ()1كو .(31:7وبهذا
اليمان علي نطاق أكبر عاش الرهبان والمتوحدين وسكان الجبال زهد ونسك
)وهم لم يكن العالم مستحقا ً لهم ،تائهين في براري وجبال وشقوق الرض ()عب
(38:11وشهد لهم باليمان …
وهكذا يفعل اليمان ،في تنقية القلب .وكما قال الرسول :
)هذه هي الغلبة التي تغلب العالم ،إيماننا ()1يو .(4:5
إيماننا بأن يعيش علي الرض ) غير ناظرين إلي الشياء التي تري ،بل إلي
الشياء التي ل تري .لن التي ل تري وقتية ،أما الني ل تري فأبدية ()2كو
.(18:4د
نم إن اليمان بفناء العالم ،هو الذي يجعلنا نغلب العالم ،ونتنقي من العالم وما
فيه .
إن اليمان بالبدية ،يعطي النسان يقظة في ضميره .
وهكذا يكون له باستمرار ضمير حي :يحكم علي كل عمل ،ليس فقط مصصن جهصصة
نجاحه أو فشله ،أو من جهة نتائجه في حياتنا الحاليصة .وإنمصا يحكصم علصي المصور
بمنظار البدية .لن كل تصرف يتصرفه ،له داخله في مصيره الدبي ،وبرما فصصي
مصائر الناس .فكل خير يعمله محفوظ له في السصصماء .وكصصل خطصصأ يقصصترفه فصصي
حق الناس أو في حق نفسه ،سيعطي عنه حسابا ً في يوم الدين .
وأيضا ً اليمان بوجود الله أمامنا ،يمنح القلب أتضاعا ً
يمنحه أتضاعا ً في القلب ،واتضاعا ً في التصرف .ويمنحه خشية وخشوعا ً لنه
واقف أمام الله .مثلما قيل عن القديس بطرس ،إذ كان يصيد ) بعد القيامة (إنه
لما عرف أن الرب قد أتي ) أئتزر بثوبه ،لنه كان عرنايا ً (
)يو .(7:21
في حضرة الرب يقف كل إنسان في خشوع .وبقدر إحساسه بوجود الله ،علي
هذا القدر يكون خشوعه .وهكذا يختلف الناس في شعورهم أثناء الصلة ،فمنهم
من يركع ومن يسجد ،أمام عظمة الله غير المحدودة .أما الذي يكون جالسا ً
أثناء الصلة ،فماذا أقول عنه ؟.
والحساس الدائم بوجود الله – حتي في غير وقت الصلة – يجعل النسان في
اتضاع دائم ،لن العظمة هي الله وحده .وتعاظم النسان عمل ضد اليمان …
لذلك فنحن نري الملئكة القديسين في هذا الخشوع الدائم .
يقول الكتاب عن ظغمة السارفيم ) لكل واحد شتة اجنحة :باثنين يغطي وجهه ،
وباثنين يغطي رجليه ،وباثنين يطير ()أش .(2:6فإن كان الملك الساراف ،
يغطي وجهه ورجليه في حضرة الله ،من بهاء عظمة الله ،فماذا نقول نحن ؟
وكيف ينبغي أن نكون خاشعين وفي أتضاع قدامه …
ً
إلي هذه الدرجة نري اليمان ينقي القلب ،ويمنحه خشية وحياء واتضاعا …
فالذي يؤمن بأهمية الله بالنسبة إليه ،يخشي من اقتراب الخطية ،لنهصصا انفصصصال
عن الله .وما أخط أن ينفصل إنسان عن الله .
أما الذي ل يؤمن بخطورة الخطية ،وبخطورة نتائجها الروحية ،فإنه يتساهل معها
ويسقط ،ويقفد نقاوته .أنظر مدي شعور داود بخطورة الخطية حينما قال الرب
) لك وحدك أخطأت ،والشر قدامك صنعت ()مز .(51وانظروا إلي يوسف
الصديق ،إذ يؤمن أنه حينما يخطئ إلي أحد ،إنما ) يخطئ إلي الله ()تك .(9:39
كل هذه المشاعر اليمانية إما إنها تجعل النسان يمتنع عن الخطية مثل يوسف أو
ينسحق بعدها مثل داود .وكل المرين من علمات نقاوة القلب .
بساطة اليمان ،كثير من المفكرين يشتهونها ول يجدونها .
مر أحد الفلسفة علي فلح بسيط ،يصلي في حرارة شديدة وهو ساجد في
خشوع ،يكلم الله بلجاجة ودالة ،كأنه واقف أمامه ..فقال :أنا مستعد أن أتنازل
عن كل فلسفتي ،مقابل أن أحصل علي شئ من إيمان هذا الرجل البسيط ،
الذي يكلم من ل يراه ،بكل هذه الثقة …
ً ً
لقد شعر الفيلسوف بأن هذا الرجل البسيط ،يمتلك شيئا ثمينا لم يستطع هو
بكل فلسفته أن يحصل عليه ..وهو اليمان .
بساطة اليمان ) تصدق كل شئ ( يختص بالله ،ويقبله ل فحص وبل جدال ..
أعني ذلك الجدال الذي
يشتهر به العقلنيون …
وهذه البساطة تذكرنا بإيمان الطفال ،الذين يؤمنون بكل الحقائق اللهوتية
والروحية ،في ثقة كاملة ل تشك ول تكذب ،ول تقدم أي أعتراض من العقل .
ولعل هذا من السباب التي دعت السيد المسيح يقول لتلميذه ) إن لم ترجعوا
وتصيروا مثل الطفال ،فلن تدخلوا ملكوت السموات ()مت .(3:18قد يكون
إيمان الطفل أكثر براءة وبساطة وصدقا ً .إيمان حقيقي ل شك فيه .ليت إيمانك
يكون قويا ً ،كإيمان طفل .
أنا لست أوافق الذين يقولون إن الطفال غير مؤمنين …
هوذا بولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس ) إنك منذ الطفوليصصة تعصصرف الكتصصب
المقدسة القادرة أن تحمكك للخلص ،باليمان في المسيح يسوع المسيح ()2تي
.(15:3وما أعظم أمتداح الرب للطفل الذي أممه وسط تلميذه )مت .(2،3 :17
الذي يسلك في بساطة اليمان ،يعيش بعيدا ً عن تعقيدات العقل .
ويعيش بعيدا ً عما يقدمه العقل من شكوك وأفكار ،وربما من أضاليل .حقا ً إن
العقل من الله .ولكنها كثيرا ً ما تضل إن تعدت عن اليمان .
اليمان هو نوع من التجلي ،يقدمه الله للعقل لكي يستنير .
وإن وقف العقل وحده ،فإنه يتعب صاحبه بإفكاره ..لو كان الصبي داود يعتمد
علي عقله وفكره لخاف من جليات مثلما شاول وكل الجيش ولكنه أعتمد علي
اليمان البسيط ،الذي قال به جليات ) اليوم يحسبك الرب في يدي ()1صم
.(46:17ولكن كيف يحسبه الرب في يده ؟ هذا شئ لم يفكر فيد داود ،وإنما
تركه إلي الله نفسه ،لن الحرب للرب ما قال )1صم .(46:17هذا هو اليمان .
وبه انتصر داود أكثر من الذين كانوا يستخدمون العقل ميزانا ً للمور ……
في اليمان البسيط ،المسألة ليست تفكير ،إنما مسألة ثقة .
وحتى إن قال العقل إن الحرب لبد أن تبحث ما مدي توازن القوي في القتال ،
وكيف تتفوق إحداها ؟ فالجابة بسيطة :هي أن الله إذا دخل المعركة فإنه سيغير
الفكرة البشرية عن ميزان القوي ،فيصبح الطفل داود ومعه قوة الله أقوي بكثير
من جليات الجبار بدون هذه القوة .وهنا نري أن اليمان – مع بساطته ل يتعارض
من العقل وموازينه ……….
الذي يحيا باليمان البسيط ،يعيش بل هم .
لن الهم غالبا ً ما يأتي نتيجة التفكير الكصصثير ،الصصذي يفكصصر فصصي المشصصاكل بطريقصصة
عقلنية .ولكن في بساطة اليمان يعمل النسصان مصا يسصصتطيعه ،ويصصترك العنصصصر
الهم لله نفسصصه ،ول يحمصصل همصا ً .وإيقصصانه بصصإن اللصصه يعمصصل ،يعطيصصه سصصلما ً فصصي
القلب ،ول يسمح للهم بالسيطرة علي مشاعره .
الذي له اليمان البسيط ل يحمل هما ً ،لنه قد ترك تدبير أموره إلي الله .وإذ
وثق بحسن تدبير الله لحياته ،صار ل يهتم بالغد ،لن إله الغد هو المهتم به .
وكل ما يحدث له في حياته يتلقاه بعبارة ) كله للخير (
) كل الشياء تعمل معا ً للخير للذين يحبون الله ()رو .(28:8
اما الذي يضع تفكيره مكان التدبير للهي ،فإنه يتعب كثيرا ً ويحمل همومه بدل ً
من ان يحملها الله عنه
كذلك مما ينزع الهم ،ثقة اليمان البسيط باستجابة صلته .
ولعلك جميعكم تعرفون قصة تلك البلدة التي أتعبها الجفاف لعدم سقوط المطر
فقر أهلها إقامة يوم للصلة من أجل ان يسقط الله مطر علي الرض .وذهب
الكل لكي يصلوا .ولكن طفلة ذهبت وهي تحمل معها مظلة
) شمسية ( فلما سألوها عن ذلك ،قالت :أسنا سنصلي من أجل المطر؟ ماذا
نفعل إذن ،حينما يستجيب صلتنا ويسقط المطر ،وليست معنا شمسيات ؟! لقد
كان لها اليمان باستجابه الصلة .ومن أجل إيمانها انزل الله المطر .
هذا اليمان البسيط ،له قوته بالنسبة إلي المعجزات والرؤي .
لقد حدث المعجزة بالنسبة إلي شخص ،ول تحدث بالنسبة إلصصي شصصخص آخصصر لن
الول في بساطة اليمان يصدقها ويقبلها .أما الخر فإن الصصصعوبات الصصتي يقصصدمها
عقله ،تجعله يشك في داخله من جهة إمكانية حدوثها .
ونفس الوضع يحدث بالنسبة للرؤي .البعض يري المناظر اللهية والستعلنات
ببساطة إيمان .والبعض ل يراها بتعقيدات عقله .والمر واضح جدا ً كما حدث في
ظهور السيدة العذراء بكنيستها في الزيتون بالقاهرة .
العقل يحاول ان يحلل كل شئ علميا ً ،وإل فإنه ل يصدق .بينما اليمان يحتاج
إلي تصديق ،في بساطة بعيدة عن تعقيدات العقل …
ً
لذلك فالمعجزات والرؤي تحدث بالكثر مع البسطاء .أما ) العقلء كثيرا ( .الصصذين
ينكرونها ويستهزئون بمصدقيها ،فإنها ل تحدث لهم إل نادرا ً ،لكيمصصا تجصصذبهم إلصصي
اليمان ،أو لتكون شاهدا ً عليهم )يو .(22:15
أن اليهود لم يصدقوا حتي معجزة منح البصر للمولود أعمي ،وقالوا له إن الذي
شفاه رجل خاطئ !!)يو .(24:9كان العقل يضع أمامهم مشكلة الشفاء في يوم
السبت ،لكي يضيع بها إيمانهم )يو .(16:9
لذلك حسنا ً قال السيد المسيح عن هؤلء وأمثالهم ،وممجدا ً للبسطاء (أحمدك
أيها الب ..لنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء .وأعلنتها للطفال ()مت
.(25:11
حقا ً هؤلء الطفال يقصد بهم البسطاء في إيمانهم .أما هؤلء الحكماء والفهماء
في هذه الية ،فهم المعتزون بإدراكهم وفهمهم ،والمعتمدون علي عقلهم وحده
بعيدا ً عن اليمان .حتي أن بعض الروحيين أمسك رأسه بين يديه وقال )أن هذه
هي الثمرة التي أكل منها آدم وحواء (..يقصد المعرفة البعيدة عن الله ……
في إحدي الليالي ،قبل رهبنتي ،كنت راجعا ً من زيارة أحد الباء في الجبل .
وكان الظلم قد أنتشر فقيل لي
ً
)ل ترجع وحدك إلي الدير لئل تضل الطريق ( وكنت أعرف الطريق جيدا .وأؤمن
بإرشاد الله فيه ،ومع ذلك قلت ) إن ضللت طريقي ،سأبيت في الصحراء حتي
الصباح .وكنت مؤمنا ً من أعماق بستر الله في هذا ،وبخاصة لن كثيرا ً من
العراب يبيتون في الصحراء بل خوف ،ولكن قيل لي أنك بسيط أزيد مما يجب ،
ول تعرف الجبل .لن الجبل مملوء بالحشرات والدبيب ،وهناك خطر الوحوش
أيضا ً ،وأخطار أخري من جهة الجو … وظل ) العقل ( .ينصب في أذني ،ليزيل
ما في قلبي من بساطة اليمان .ورجعت ليلتها إلي الدير مع أحد الباء .ولم
يعطني )العقل ( وقتذاك فرصة أختبر فيها عمل الله مع السائرين ليل ً في الصحاء
،ول حتي اختبار العرابي الذي يبيت كل ليلة هناك ،وتبيت معه عناية الله وستره
……..
أشكر الله انني عوضت ذلك فيما بعد حينما سكنت في الجبل وحدي .
إن العقل يمكنه يصور خطورة في كل مكان .وفي نفس الوقت ل يعطي مجال ً
للتفكير في عمل الله .ووعلي العكس يطرح غير المؤمن في عقدة الخوف .
ليس معني هذا أن يلقي النسان بنفسه في التهلكة ،بل حكمة .وإنما إذا أحترس
بقدر طاقته ،ثم وجد فيما يسمونه خطرا ً ،فحينئذ بكل بساطة يثق في حفظ الله
وستره .ويغني مع داود النبي ) يسقط عن يسارك ألوف ،وعن يمينك ربوات .
وأما أنت فل يقتربون إليك ()مز .(91
اليمان البسيط يثق بأن يد الله تتدخل للنقاذ ولحل كل مشكلة .
هو يثق تماما ً أن الله كمحب للبشر ،وكصانع للخيرات ،لبد سيتدخل في
المشكلة – حسب وعوده لولده – وتمتد يده لحلها .
أما كيف يحدث هذا ؟ فهذا ما ل يسأل عنه اليمان البسيط .
إنه يتقبل عمل النعمة في بساطة ،دون أن يفحص كيف تعمل .
وكم من مرة حاولنا أن نحل مشاكلنا بطرق بشرية .ثم فشلت هذه الطرق
جميعها .ولم تأت بنتيجة .وكانت بصمات الله واضحة ،فوق كل فكر .
اليمان البسيط يثق بعمل الله ،عقيديا ً ،وعن طريق الخبرة .
إيمان يدخل النسان في دائرة الختبارات .والختبارات تعمق اليمان وتنبيه علي
أسس واقعية وليس علي مجرد أسس نظرية .واليمان والختبار يقولون بعضهما
بعضا ً .حتي يصل النسان إلي يقين بديهي وهو بساطة اليمان .
اليمان البسيط يثق أن كل شئ مستطاع ،وليس هناك مستحيل .
إنه يوقن تماما ً أن الله قادر علي كل شئ ،ول يعسر عليه أمر )أي .(2:42مهما
كان صعب الفهم أو صعب الحدوث .إنه بقول الرب ) غير المستطاع عند الناس ،
مستطاع عند الله )لو .(27:18
وأنا ل تدهشني عبارة ) كل شئ مستطاع عند الله ( إنما تذهلني عبارة ) كل شئ
مستطاع للمؤمن ()مر .(23:9
وهكذا فإن اليمان البسيط الموقن بهذا ،يرتفع فوق كل الشكوك .
إنه إيمان قوق ،أقوي من كل شط .لن الشكوك هي من عمل العقل ،والعقل
معتز بمقاييسه .أما المؤمن اجتاز مرحلة العقل ،وعاش في مجال ا‘لي منها
وأعمق .فأعلي من الشكوك توجد بساطة اليمان .
مشكلة الدين ،أن البعض يحاول أحيانا ً أن يحوله إلي فلسفه ،وإن يخرجه من
القلب ،ومن الروح ليحصره في نطاق العقل .
وهذا هو المر الذي حاربه القديس بولس الرسول بكل قوته ،فقال إن كرازته
كانت ) ل بحكمة كلم ،لئل يتعطل صليب المسيح ()1كو .(20 -17 :1
يقينا ً أن المؤمن البسيط ،الذي يكتنز إيمانه في أعماقه ،فوق مستوي الفحص هو
أقوي إيمانا ً من بعض علماء اللهوت ،الذين يستمدون إيمانهم من الكتب التي
يظنون أن اهم فيها حياة ..وقد يكون أيمانا ً يمكن أصن تزعزعه أفكار عقلية
مضادة …
درب نفسك علي حياة اليمان البسيط .وانتفع بما مر في حياتك أو حياة غيرك
من خبرات .ول تجعل كثرة التفكير تبعدك عن اليمان !
إن الذي يؤمن بمحبة الله له ،وسهره علي راحته ،وبحكمة الله وحسن تدبيره
لحياته ،وبأن الله صانع الخيرات ،يعمل لجله كل خير .هذا يمكنه أن يسلم
حياته لله ،يديرها كيفما يشاء .
ُ
بهذا القتناع يحيا باستمرار في طاعة اليمان .
إنه يسلم حياته وهو مطمئن وسعيد ……
ً
أما الذي ل يحيا في حياة التسليم ،فإنه علي عكس يعيش قلقا علي حياته ويظل
يفكر :ماذا أكون ؟ وكيف أكون ؟ ومتي أكون ؟ وهل ينبغي أن أغير ما أنا فيه ؟
وبأية وسيلة ؟ أم أظل كما أنا ؟ ويتعبه التفكير ،وغالبا ً ما يفقد سلمه ويظل في
سعي مستمر ،ومناقشة المور مع نفسه ،إلي غير نهاية .ول يفكر مطلقا ً أن
يستريح ،ويترك المر لله مثل رجل اليمان .
ً
النسان المؤمن عندما يسلم حياته ،ل يشترط عليه شروطا ،ول يطلب منه
ضمانات ،ول يراقب
الله في عمله معه .
إنه واثق بالله كل الثقة ،في محبته ،وفي حكمته ،وفي قدرته .مؤمنا ً أن الله
يعرف ما هو الخير له أكثر مما يعرف هو .لذلك يسلم حياته في يد ى الله ،
وينساها هناك .وهكذا نراه ل يحمل هما ً .مادام هو مؤمنا ً بعمل الله من أجله .ل
يمكن أن يقلق ويهتم ،ول يمكن أن يتعب نفسه بالتفكير .فالمؤمن يحيا في راحة
،أكثر من الذي يفكر لنفسه ويتعبه تفكيره …
كثيرون ل يقبلون التسليم لله ،إل إذا فشلت طرقهم البشرية !
منهجهم الساسي هو العتماد على الذراع البشرى كل العتماد :إما اعتدادا ً
بذهنهم وقدراتهم وحيلهم ،أو لتعودهم هذا السلوب ،أو لخطأ عقيدى عندهم ،أو
اقتناعا ً بأن الله ل يلجأ إليه النسان إل في حالة العجز والفشل الكاملين ! حينئذ
يأتون إلى الله ،لنهم جربوا حيلة وكل وسيلة وما وصلوا إلى غايتهم ،ولن
فكرهم تعب وأنهك بل فائدة .فلم يبق سوى الله !
ليس هذا هو اليمان ،إنما هذا هو الضطرار إلى الله .
اليمان هو أن تلجأ إليه فى الصغائر ،كما تلجأ إليه فى الكبار .
قال السيد المسيح " بد ونى ل تقدرون أن تعلموا شيئا ً " ) يو . ( 5 : 15ذلك
لن كل طاقة لنا هي من عنده … حتى الفكر الصائب ،وحتى مجرد الرادة
الطيبة ،وحتى القدرة على العمل .وذ كاؤنا هذا الذي نعتمد عليه ،هو أيضا ً من
عنده .وما أصدق قول الرسول " لن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا
لجل تعلموا لجل المسرة " )فى . ( 13 : 2
إن عملنا فى الواقع ،هو أن نشترك مع الله ،فى عمله لجلنا .
وهذه هى شركتنا مع البيعة اللهية ،شركتنا مع الروح القدس :نشترك مع الله
فى العمل .كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولس " نحن
عاملن مع الله " ) 1كو . ( 9 : 3وكل عمل ل يشترك الله معنا فيه ،ل يكون
عمل ً مقدسا ً ،ول عمل ً مباركا ً .وتسليمنا الرادة لله ،هو نوع من الشركة معه ،
نكون فيه كالت طيعة بين يدية تعمل مشيئته .هو يسيرها كيفما يشاء .وهى
تعمل بفكره وإرادته ،أو بتسليم إرادتها لرادته ،كشركة الحواس مع المخ …
إن أخطر ما يهدد الحياة الروحية ،هو استقلل النسان عن الله .
وهذه هى الخطية الكبرى التى وقع فيها شاول الملك فرفضه الله )1صم . ( 16
كان يعمل بفكره وبتدبيره ،بعيدا ً عن مشورة الله وعن شركته .ول يرى أنه
محتاج إلى أن يشترك الله معه في العمل .وكأنه يقول :مادمت أستطيع أن
أعمل هذا العمل ،فسأعمله ،بكل قوة ،وبكل سرعة ،وحتى بدون صلة … لن
إرادتى وحدها هى التى سوف تعمله … ! وبدون اعتماد على الله .وإن فشلت ،
ألجأ إليه ! مادام الله قد وهبنى عقل ً وإرادة ،فلماذا ل أستخدمهما ؟! … وكثيرون
مثل شاول …
الله قد وهب البشرية العقل والرادة .ولكن ليس لتستقل عنه !
وليس لكى تعتد بذاتها .فالكتاب يقول " وعلى فهمك ل تعتمد " )أم . ( 5 : 3
ً
ولنتذكر أن خطيئة النسان الول ،كانت محاولته الحصول على المعرفة بعيدا عن
الله ) تك ( 3ومتى بدأ النسان يقول " أنا أعرف ،وأنا أقدر ،فما الحاجة فى
هذا المر إلى الله ؟! " يكون حينئذ قد بعد عن اليمان بالله بالنا ) الذات ( ال Ego
…
أما المؤمن فل يكتفى بالعتماد على الله ،بل يسلمه كل شئ …
ويقول له :حياتى هى صنع يديك ،وهى الن بين يديك ،إفعل بها ما تشاء .حيثما
تسيرنى أسير ،وكيفما تصيرنى أصير .أنا ليست لى إرادة خاصة ،فإرادتى
الوحيدة هى أن أصنع إرادتك ،وأن أتحد بإرادتك ،فأريد ما تريده أنت ،أنت يا
صانع الخيرات … لست أقول عن شئ إننى أعرف .فكل معرفة النسان هى
جهالة عند الله )1كو . ( 20 : 1المعرفة الحقيقية هى من عندك يارب وحدك .
أنت هو الحكمة )1كو . ( 24 : 1أنت " المذخر فيه كل كنوز الحكمة والعلم "
)كو . ( 3 : 2
ولننى أعترف أننى ل أعرف لذلك سلمت حياتى فى يديك .
أنت تعرف الخير أكثر مما أعرفه .وأنت تعرف الخير لى أكثر مما أعرفه
لنفسى .وأنا واثق بحكمتك وبحسن تدبيرك لحياتى .حتى إن شئت لى التجربة أو
الضيقة ،فأنا أقبلها باعتبار أنها خير خالص هو من يديك .ولول ذلك ما كنت أنت
المحب ترضاها لى .حقا ً فى حالت كثيرة ،ل تعرف أين هو الخير !
إن حياة التسليم ل تعرف الشكوى ول التذمر ،بل تقبل كل شىء برضى وفرح
…
مادمت يا أخى تثق بحكمة الله فى تدبيرك ،فلماذا إذن أنت تشكو أو تتذمر أو
تتضجر .إذا دخل التذمر إلى حياتك ،فافحص نفسك جيدا ً ،لئل يكون إيمانك قد
ضعف وأنت ل تدرى .
ً
الذى يحيا حياة اليمان والتسليم ،يحيا دائما فى فرح وفى شكر .
إنه ل يشكو بل يشكر ،البتسامة ل تفارق شفتيه ،والبشاشة ل تفارق وجهه ،
والفرح ل يفارق قلبه .إنه يؤمن بحكمة الله ومحبته .ويؤمن أن مشيئة الله دائما ً
صالحة ومفيدة .وهو يخضع لمشيئة الله فى فرح …
ليخضع لمشيئة الله فى تغصب واضطرار .وكأن قلبه يقول لله " :ماذا أفعل
يارب ؟ أنت هو القوى وأنا الضعيف .وكل ما تعمله أنا أقبله .وأنا منتظر نهاية
هذا المر … !! " .ل شك أن هذا كلم إنسان متعب فى داخله ،يتكلم بكلم تذمر
فى أسلوب تسليم .وليس التسليم هكذا …
إذن ما معنى " لتكن مشيئتك " فى حياة اليمان وحياة التسليم ؟
النسان المؤمن يقول يقول فى رضى قلبى كامل :أنا يارب خاضع لمشيئتك ،
لنى أحب مشيئتك من أعماقى ،وأثق بك وبها .مشيئتك هذه أصلحت أفكارى ،
وأصلحت أحكامى على بعض المور ،وعدلت مسارى وطريقى … ما أجمل
طرقك يارب " ما أبعد أحكامك عن الفحص ،وطرقك عن الستقصاء " )رو : 11
. ( 33مشيئتك هذه هى أجمل أغنية فى فمى ،وأحلى الخبار فى أذنى .فلتكن
مشيئتك إذن ،لنه ل توجد مشيئة أخرى أيا ً كانت أصلح منها .إلى جوارها أشعر
بجهالة أية مشيئة تتعارض معها ،سواء كانت لى أو لغيرى …
ليست حياة التسليم ،هى الخضوع لسياسة المر الواقع ،دون اقتناع !
وليست هى الخضوع لسياسة الضغط اللهى ) ! ( الذى يفرض سلطانه عليك
فرضا ً ! وأنت مضطر أن تخضع له سواء أردت أو لم تردد !! ل يا أخوتى ،ليس
هذا هو معنى عبارة " لتكن مشيئتك " .فحياة التسليم تعلمنا أن نشعر بأن مشيئة
الله هى الخير الكامل ،وهى أصلح ما يصلح لنا ،وهى سبب فرحتنا وبهجتنا ،
ولهذا كان داود النبى يتغنى بأحكام الله .ويقول للرب :أحكامك هى درسى .
أحكامك هى لذتى .أنا أتأمل أحكامك وأدرسها )مز . (119
التسليم لله ينبغى أن يكون تسليما ً حقيقيا ً ،وليس حسب الظاهر .
البعض يظن أنه يسلم حياته لله ،بينما يفرض على الله خططه !
كلما يتصرف الله فى حياته ،يحاول أن يستوقف الله ،ويقول له :إنتظر يارب
لرى ما أنت فاعل بى .ل يصلح هذا المر .إعمل كذا وكذا لستريح .وهكذا يود
أن يشتغل عند الله وزير تخطيط .هو يخطط ،والله ينفذ !! كل ،ليس التسليم
هكذا ،إنما هو أن تترك الله يعمل حسبما يشاء ،وترضى بما يعمل .ول تقاوم
خطط الله بتصرفاتك .ل تقاوم مشيئة بما تعمله حسب هواك …
النسان المؤمن يترك التدبير الله .ول يقبل أن يدبر نفسه بنفسه .
ماذا كانت خطية أبينا آدم سوى أنه بدأ يدبر نفسه :كيف يصل إلى المعرفة ؟
كيف يصير مثل الله ؟ كيف يكون نفسه ويبنيها … وهكذا سقط .
وخطية الشيطان ،هى أنه بدأ يدبر نفسه ،ويبنيها ويكبرها حسب هواه !
" أصعد إلى السموات .أرفع كرسى فوق كواكب الله … أصعد فوق مرتفعات
السحاب .أصير مثل العلى " )1ش . ( 14 ، 13 : 14إنها خطط تشبه أحلم
اليقظة ،رسمها الشيطان لنفسه " فانحدر إلى أسافل الجب " .
وبالمثل الذين بنوا برج بابل ،جلسوا يخططون لبناء أنفسهم ،ففشلوا .
قالوا " هلم نبن لنفسنا مدينة وبرجا ً رأسه فى السماء .ونصنع لنفسنا إسما لئل
ً
نتبدد على وجه الرض " )تك . ( 4: 11فكان تخطيطهم ضدهم .وما خشوه ،هو
الذى صاروا إليه " فبددهم الله على وجه كل الرض " )تك . ( 9 : 11أما النسان
الروحى فل يفعل هكذا ،بل فى حياة التسليم يقول :
" إن لم يبن الرب البيت ،فباطل ً يتعب البناءون " )مز . (1: 127
الله هو الذى يبنينا وليس نحن .إذن نسلمه أنفسنا ليبنيها .
وهكذا نعيش فى راحة ،مطمئنين إلى عمل الله فينا ،وإلى نجاح عمله .نقف
ونتأمل ،فنرى عجائب من تدبيره .واثقين أنه يعمل الخير ،مهما كان الذى
يحدث أمامنا غريبا ً ،أو صعبا ً ،أو ضد ما كنا نرجوه .
ليس المهم أن نفهم ما يعمله الله .إنما المهم أننا باليمان والتسليم نتقبله .
والكتاب المقدس حافل بأمثلة التسليم فى حياة رجال اليمان :
– 1أبونا إبراهيم مثل ً ،كانت بداية قصته مع الله ،هى قول الله له " أترك أهلك
وعشيرتك وبيت أبيك ،إلى الرض التى أريك " )تك . (1: 12
وأبونا إبراهيم لم يسأل لماذا ؟ ول إلى أين ؟ بل أطاع …
هذه هى حياة التسليم ،التى ل تجادل ول تناقش ،بل تقبل وتطيع ،بل تردد .تدع
فهمها جانبا ً ،وتركز على أمر الله .
– 2وهكذا كان نوح فى الفلك ،وكان يونان فى بطن الحوت ،وكان موسى فى
البحر الحمر … فى حياة تسليم كامل .
إنها طاعة اليمان .مادام الله يريد هذا ،فنحن ل نناقشه .وما هو عقلنا المحدود
الضعيف ،حتى يناقش الله غير المحدود ،كلى الحكمة …؟! إن موسى فى بدء
إرساليته جادل الله فى كيف يدخل إلى فرعون )خر ، (3ولكنه لما نما فى
اليمان والتسليم لم يجادل فى دخوله البحر الحمر …
– 3القديسة العذراء مريم عاشت كمثال لحياة الطاعة والتسليم .
مع كل محبتها للبترولية ،قيل لها أن تخطب لرجل وتعيش معه فى بيت واحد ،
فأطاعت .وأرسل لها الله ملكا ً يقول لها إنها ستحبل وتلد ،فقالت له " هوذا أنا
أمة الرب .ليكن لى كقولك " )لو … ( 38 : 1ومع ولدتها لله الكلمة ،ورؤيتها
كل ما أحاط بهذا الميلد من معجزات ،قيل لها أن تهرب به إلى مصر وتتغرب
هناك ،فقبلت كل ذلك فى طاعة اليمان .وفى تسليم أيضا ً رجعت من مصر ،
وقبلت أن تسكن فى الناصرة )متى ، (23: 2التى قيل إنها ل يخرج منها شئ
صالح )يو . (46: 1وكان شعارها فى حياة التسليم هذه ،عبارتها الخالدة "ليكن
لى كقولك "
– 4ولعل اليمان والتسليم يظهران فى حياة الرسل فى طاعتهم التلقائية لقول
الرب
"إتبعنى" أو "هلم ورائى "
هكذا قال الرب لمتى ) لوى ( .وهو فى مكان الجباية )مر (14: 2فلم يناقش
وإنما " ترك كل شئ وقام وتبعه " )لو . ( 28 : 5ولم يفكر مطلقا ً فى كل
مسئولياته وعمله .وبالمثل لما دعا الرب بطرس وأندراوس وباقي الرسل ،
يلخص القديس بطرس كل قصص هذه الدعوة بقوله للرب ) تركنا كل شيء
وتبعناك ( ) لو . ( 28:18أنها طاعة اليمان التي تتبع الرب حيثما ذهب ،بل
سؤال ،بل استفسار ،بل تفكير في المستقل\بل .وكما سنشرح أن كل ً منهم
أطاع وهو ل يعلم إلي ين يذهب ) عب ( 8:11
ونحن كثيرا ً ما ندعي ،فنحاول أول ً أن نطمئن على مستقبلنا .
لذلك نسأل الكثير من السئلة .ونحصل على ما نستطيعه من الضمانات وبكل
هذا تخرج من اليمان إلي العيان … إلي المستقبل الذي نراه بعيوننا ونطمئن إليه
،وليس إلي المجهول الذي نراه ،ونقبله بحياة التسليم والطاعة …
-5من أمثلة حياة اليمان والتسليم والطاعة ،أرميا النبي
سار وراء الله باليمان ،في طرق لم يفكر مطلقا ً أن يسير فيها … وأخيرا لخص
ً
خبرته في حياة التسليم في عبارة عميقة قال فيها ) عرفت يا رب أنه ليس
للنسان طريقة ليس لنسان يمشي أن يهدي خطواته ( ) أر . ( 23:10ولماذا ل
يهدي خطواته ؟ لن الله هو الذي يقود هذه الخطوات ويهديها …
هذه هي حياة التسليم ،أن تسير وراء الله ،وليس وراء فكرك
تسير ليس وراء هواك ورغباتك ،وليس وراء مشيئة الناس أو مشورة الناس إنما
وراء الله نفسه الذي يقود حياتك .يضعها في أي وضع وفي أي موضع ،حسب
أعماق حكمته .فاسأل نفسك هل الله هو الذي يقود حياتك ؟ أم تقودها رغبة
معينة ،هي التي تحدد تصرفاتك ومسير خطواتك ؟
-6من المثلة العجيبة في حياة التسليم :يوسف الصديق
أظهر له الله بالرؤي أنه سيصير سيدا ً لخوته ،وسيجدون له جميعهم ) تك
(10:37فماذا كان تحقيق الوعد ؟ أخذه إخوته وألقوه في بئر ليقتلوه .ثم باعوه
كعبد .وسحبه المديانيون من البئر ليبيعوه للسماعيليين ) تك . ( 28:37ثم بيع
لفوطيفار ليخدم في بيته …
ً
وفي كل هذا لم يحتج يوسف متذمرا على الرب وعلى أحلمه …
بل سكت .وسلم في هدوء لما سمح به الرب ،وسلك بكل أمانة وإخلص وقبل
الحياة كخادم … ولكنه رضى بالبلوى ،والبلوى لم ترض به ! فإذا بتهمة باطلة
رديئة تلفق ضده ،ويلقي به في السجن كفاعل أثم … !
ولم يحدث أن يوسف سأل الرب لماذا ؟ … أو أين هي وعودك ؟
سكت في مثل رائع لحياة التسليم وطاعة اليمان .ولم يتذمر مطلقا ً .وفي
المرة الوحيدة التي خرج فيها قليل ً جدا ً عن حياة التسليم ،وقال لرئيس السقاه
بعد أن فسر له حلمه ) حينما يصير لك خير ،تصنع إلي أحسانا ً ،وتذكرنى
لفرعون ،وتخرجني من هذا البيت ( ) تك … ( 14:40لما فعل هذا ،أجاب
الوحي اللهي على هذا الطلب بقوله ) ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف ،بل
نسيه ( ) تك … ( 23:40
ولكن الله لم ينس يوسف ،الذي بقى في السجن في حياة التسليم ،حتى
أخرجه الله منه بمجد عظيم …
-1هكذا سار أبونا إبراهيم وراء الله ،إلى المجهول … لم يكن يعلم إلى أين
الطريق ،إنما كان واثقا ً أن الله يصحبه فى الطريق ،ويرشد خطاه …
-2وهكذا حدث مع آبائنا الرسل الطهار ،لما دعاهم الرب فتبعوه .
وهم ل يعلمون إلى أين … إذ لم يكن للمسيح مقر معروف ،بل لم يكن له أين
يسند رأسه
) لو . ( 58: 9كان يطوف المدن والقرى يعلم ويشفى ،مع أنه لم تكن له وظيفة
رسمية فى المجتمع اليهودى … ولم يكن له دخل مالى معروف .وحتى لما دعا
تلميذه ،قال لهم " ل تحملوا ذهبا ً ول فضة ول نحاسا ً فى مناطقكم … ول تحملوا
معكم شيئا ً للطريق " )متى ، 9: 10مر . ( 8 : 6
ولو سألت أحد تلميذه وقتذاك :ما هو عملك ؟ وما هو مستقبلك مع المسيح ؟
لوقف وأوقفك معه ،أمام علمة استفهام كبيرة ل يعرف لها جوابا ً ،سوى حياة
التسليم … يكفيه أنه سائر مع المسيح ،مع أنه معه وفى وجوده ليعمل شيئا ً …
المسيح يعمل كل شئ ،وتلميذه مجرد متفرجين .
-3 -3خذوا مثال ً لذلك القديس مار مر قس الرسول حينما دخل السكندرية :
دخلها وهو ل يعلم إلى أين يذهب ،إذ لم تكن هناك كنيسة يستقر فيها ،ولم يكن
له هناك شعب ،ول مسكن … بل على العكس كانت الوثنية فى كل مكان ،
وكانت اليهودية تقاوم اليمان جاء مارمرقس إلى مصر ،وأرشد الله خطاه إلى
إنيانوس ،وما كان فى فكره هذا المر … وما حدث لمارمرقس ،حدث تقريبا ً
لباقى الرسل .تتنوع المكنة والسماء ،ولكن قلب الموضوع واحد .وكأن كل
رسول كان يقول :
لو كانت الخدمة عمل ً بشريا ً ،لكان يهمنى أن أعرف خطية مسيرى .أما والخدمة
عمل إلهى ،فل يهمنى إلى أين أذهب .أنا مع الله .حيث قادنى أسير .
– 4يوحنا المعمدان كان يرى أن واجبه هو أن يشهد للحق .فشهد للحق وقال
لهيرودس الملك " ليحل لك " ولم يهتم بعد ذلك إلى أين يذهب :إلى السجن ،
إلى الموت … ليكن ما يكون .رسالة الله تتم فى طاعة إيمانية كاملة .أما الحياة
،وأما المصير ،فهما مسلمان الله … إلى التمام .وهكذا كان بولس الرسول
يشهد للرب … وبعد ذلك ل يهمه إلى أين يذهب " :أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم
جوع أم عرى أم خطر أم سيف " ،يقول فى ثقة بحياة التسليم " لكننا فى هذه
جميعها ،يعظم انتصارنا بالذى أحبنا " ) رو . ( 37، 35 : 8بهذا السلوب ،سار
أولد الله جميعهم فى طريق الحياة فى حياة التسليم .
كل ما يهمهم هو أن الله يقودهم .ولكن ل يعنيهم إلى أين … ولكنهم واثقون
باليمان ،أنه سيقودهم إلى المراعى الخضراء ،وإلى ينابيع الماء الحى .خبرتهم
مع الله تجعلهم مسرورين بقيادته ،واثقين بمحبته .
– 5إسحق بن ابراهيم حمل الحطب وراء أبيه ،ولم يعلم إلى أين يذهب .
كل ما تعلمه فى حياته ،هو التسليم والطاعة ،وبهما سار حتى إلى المذبح .
وربطه إبراهيم أبوه ووضعه على المذبح فوق الحطب ) تك ، ( 22ورفع عليه
السكين .كل هذا وإسحق فى تسليم كامل .لم يشك فى محبة الله … وانتصر
على طول الخط .بتسليمه هذا ،كسب طاعة اليمان ،وكسب حياته ،وكسب
وعود الله …
– 6لعازر الدمشقى لما سافر ليختار زوجة لسحق ،ما كان يعلم إلى أين
يذهب .
ولكنه سلم خطاه لله ليرشده .ودبر الله له كل شئ بطريقة عجيبة وقف أمامها
مذهول ً .وتم كل شئ حسبما طلب منه سيده ابراهيم .ولهذا قال " الرب أنجح
طريقى " )تك . ( 56 : 24ولعل لعازر الدمشقى كان يقول " لم أكن أعلم إلى
أين أنا أذهب .لكنى كنت أعلم تماما ً أن الله ذاهب معى " .ونفس الوضع تقريبا ً
حدث ليعقوب فى رحلته إلى خاله ل بان .وما أجمل قول الرب له " هاأنا معك .
أحفظك حيثما تذهب " ) تك . ( 15: 28
– 7الشعب فى البرية ،أتراه كان يعلم إلى أين يذهب ؟!
ما كان يعلم شيئا ً .كان الله يقوده يوما ً بيوم .وكان يرتحل بإرشاد إلهى ،ويقف
بإرشاد إلهى ،ويقف بإرشاد إلهى .وكان هذا الرشاد يتمثل فى السحابة تظلله
نهارا ً ،وعمود النار يهديه ليل ً … والشعب فى تسليم كامل لقيادة الله ،ل يسأله
إلى أين … ؟ وما كانت أمام موسى النبى خطة لمسيرة ،وكأنه يقول :يكفينا
يارب أن تكون سحابتك فوق رؤوسنا ،وعمود النار أمامنا .نحن ل نحدد مسارنا ،
إنما تحدده مشيئتك الصالحة .أما نحن فيسعدنا أننا تحت قيادتك .حيثما سارت
سحابتك نسير .وحيثما حلت نستظل تحتها … يفرحنا أننا نرى فوق تابوت العهد
الضباب الذى يمثل وجودك .فلتتحرك خيمة الجتماع فى البرية نحو المجهول .
إنه مجهول بالنسبة إلينا .ولكنه فى علمك ومعرفتك منذ الزل .وهذا يكفينا ،
لكى نسلم خطانا لهذا المجهول ،ونحن فى ملء الثقة بأننا فى طريق كنعان
– 8القديس النبا أنطونيوس أب جميع الرهبان ،حينما دخل إلى الجبل ،أتراه
كان يعلم إلى أين يذهب ؟! وكذلك القديس النبا بول أول السواح …
وأيضا ً كل السواح والمتوحدين حينما توغلوا فى البرية الجوانية ،ما كان أمامهم
هدف مكانى معين يقصدونه .كل ما كان أمامهم هوالهدف الروحى وهو أن
ينفردوا بالله فى حياة السكون والهدوء ،مسلمين حياتهم بالكلية له " تائهين فى
البرارى والجبال وشقوق الرض " … تسأل كل واحد من التائهين فى البرارى :
أتعلم أين أنت ؟ فيجيبك :
على خريطة المكان ،لست أعلم أين أنا …
ولكن على خريطة الحب ،أعلم أننى فى حضن الب .
– 9ولعل البعض يسأل :أما ينبغى أن يحسب كل إنسان حساب النفقة ،حسب
وصية الرب نفسه )لو ( 28: 14؟ إن حياة اليمان ،هى أبعد ما تكون عن علم
الحساب الذى يقصدونه .إذن ما الذى يقصده الرب بأن يجلس النسان أول
ويحسب النفقة ؟
حساب النفقة هو :هل عندك من اليمان ما يكفى ؟
هل عندك من اليمان ما تسلم به المر كله لله لكى يدبره ؟ إنك تفعل ما
تستطيعه .ولكن هذا هو أقل المطلوب .أما العنصر الساسى فهو إيمانك بما
يفعله الله ،وتسليمك له كل المر … وهذا كان منهجنا ،حينما كنا نريد أن نبنى
كنيسة أو أى مشروع للخدمة والرعاية .لم يكن السؤال الساسى هو " من أين
التكاليف ؟" ،إنما كان السؤال الساسى هو :هل الله موافق على هذا البناء أم
ل ؟ فإن كان موافقا ً فهو الذى سيقوم بكل تكاليفه .وما علينا إل أن نبدأ ،ويد
الله تكمل العمل معنا " وإن لم يبن الرب البيت ،فباطل ً يتعب البناءون " ) مز
. ( 1 : 127
اليمان هو أن تغمض عينيك ،وتبصر الله .
طالما أنت تفتح عينيك ،فأنت تسير بالحواس الجسدية .أما إن أغمضت هذه
العين الجسدانية ،حينئذ سوف تسلك بالقلب والروح .إن تأكدت بحواسك
الروحية أن الله سيذهب معك فى طريق سر فيه ولو كان فى وادى ظل الموت .
يقنينا ً هناك سوف ل تخاف شرا ً لن الرب معك )مز . (23
– 10هذه هى حياة التسليم ،التى فيها يختار الرب لنا ما نشاء ،دون أن نختار
نحن لنفسنا .آخذين درسا ً من قصة لوط وإبراهيم .
لوط اختار لنفسه السكنى فى سادوم ،الرض المعشبة ) تك . ( 11، 10: 14
وكان يعلم إلى أين يذهب .أما إبراهيم فلم يختر لنفسه شيئا ً .إنما قال له الرب
" إرفع عينيك وانظر … جميع الرض التى أنت ترى ،لك أعطيها " ) تك : 10
… ( 15، 14وماذا كانت النتيجة ؟ لوط سبى وهو فى سادوم وأنقذه إبراهيم
) تك . ( 14ثم احترق كل ماله فى سادوم وخسر الكل … وهكذا كانت حياة
التسليم التى لبراهيم ذات نتيجة أفضل …
اليمان فضيلة كسائر الفضائل ،يمكن أن تقوى أن تضعف .وعلينا نحن ،ليس
فقط أن تحفظ إيماننا ،وإنما أيضا ً أن نسلك فى كل الوسائل التى تجعله ينمو
ويزداد ) 2تس 2 ، 3 : 1كو . ( 7 :8فما هى الوسائل التى تقوى إيماننا ؟ إنها :
أ – ضع فى قلبك باستمرار ،أن الله صانع الخيرات ،وذلك لكي تقوي إيمانك
برعايته وحفظه .قل لنفسك باستمرار ) كل الشياء تعمل معا ً للخير ،للذين
يحبون الله ( ) رو . (28:8وثق أن كل ما يصنعه الله هو خير ،وأن كل ما يسمح
به لبد يؤول إلي خير ،مهما بدا المر غير هذا .
لقد كان الله يصنع خيرا مع يوسف ،حينما سمح أن يباع كعبد ،وأن يلقي في
السجن ظلما ً .وكانت كل تلك الضيقات ضمن الخطة اللهية لخير يوسف ،ولخير
المنطقة كلها .وهكذا قال يوسف لخوته الذين باعوه ) لستم أنتم أرسلتموني
إلي هنا ،بل الله ( ) تك ) ، ( 8:45أنتم قصدتم لي شرا ً .أما الله فقصد به خيرا ً
) تك (20:50
ب -ثق أيضا ً أن الله أب ،وأنه محب ،وأنه في محبته ،لبد أن يعامل أولده
بحنان ،ويعطيهم عطايا صالحة .وقد قال في أبوته الحانية أنه نقشنا على كفه
) أش (16:49وفي أبوته يعطينا كل ما نحتاجه ،دون أن نطلب .
جص – مما يقوي إيمانك أيضا ً ،أن تثق بأن الله قادر على كل شيء .هو يحبك .
وهو يريد لك الخير ،وهو قادر على صنع هذا كله ،مهما كان المر صعبا ً …
إن أبانا إبراهيم ،حينما رفع يده بالسكين ليذبح إبنه وحيده أسحق ،كان مؤمنا ً
بأن الله محب ،وأنه لبد من وراء ذلك خيرا ً .وكان مؤمنا ً كل اليمان بأنه سيكون
له نسل من أسحق كنجوم السماء حسب وعد الله له …
نعم كان مؤمنا ً أنه حتى لو مات أسحق ،فإن الله قادر أن يقيمه من الموات ،
ويحقق به وعده ) إذ حسب أن الله قادر على القامة من الموات أيضا ً ( ) عب
. ( 19:11هذا هو الله الذي آمن به ،الذي يحيي الموتى ،ويدعو الشياء غير
باليمان كأنها موجودة ( ) رو (17:4
باليمان بقدرة الله على كل شيء ،دخل موسى في البحر الحمر وعبره .ودخل
يشوع في نهر الردن وعبره ،كل منهما مع شعبه …
يحدد بمقدار حرف -كذلك ينبغي أن تثق بحكمة الله ،وبأن كل تدابيره صالحة ،
حتى لو كنت لم تفهم بعد أعماق هذه الحكمة …
إن أمنت بحكمة الله ،تعيش في سلم ،وتقبل كل شيء برضى .أما إن كانت
) حكمتك ( البشرية ل تثق بحكمة الله ،ستعيش في تذمر وشكوى وتعب نفسي
… لذلك في كل ما يحدث لك ،قل له :أنا واثق يا رب بحكمتك وحسن تدبيرك .
وإن كان فهمي الن عاجزا ً ،لبد أنني سأعرف بعد حين ما قصدته بي ،كما عرف
يوسف الصديق .
إن ثقتك بأن الله صانع الخيرات ،وأنه أب محب ،وحكيم في تدابيره ،ويريد لك
الخير وقادر على ذلك … كل هذا يعمق إيمانك ،ويمنحك سلما ً في قلبك …
هناك وسيلة أخرى لتقوية اليمان وهي :
لقد وعد الله أبانا ابرام بأنه سوف يعطيه نسل ،وأعطاه ولو بعد زمن .ووعده
بأن نسله سيكون كنجوم السماء في الكثرة ،وقد كان … مع أن زوجته كانت
عاقرا ً ،وكان هو قد تقدم في اليام وشاخ .
ووعد الله شعبه بأنه سيرده من السبى .ورده كما وعد .
ووعد إيليا وقت المجاعة ،بأنه سيعوله .وعاله بأعجوبة ) 1مل . ( 6– 3:17
ووعد الله أمنا حواء بأن نسلها سيسحق رأس الحية ) تك . (15:3وقد حقق هذا
الوعد على الصليب في ملء الزمان .
ووعد الله بأنه سيسكب روحه على كل بشر ) يؤئيل . (28:2وفعل ذلك في يوم
الخمسين ،وما زلنا هياكل لروحه القدوس ) 1كو … (16:3
وعود الله كلها صادقة .ويعوزنا أن نتتبع وعود الله منذ القديم .
ولكن هناك وعودا ً دائمة ،يريحنا أن نحيا فيها باليمان .
وذلك كقوله ) ها أنا معكم كل اليام وإلي أنقضاء الدهر ( ) متى ، ( 20:28حيثما
اجتمع أثنان أو ثلثة باسمي ،فهناك أكون في وسطهم ) متى ، (20:18
) أعطيكم فما ً وحكمة ل يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها ( ) لو ) (15:21ل
تهتموا كيف أو بما يتكلمون ،لنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به .لنكم
لستم أنتم المتكلمين ،بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم " ) متى . ( 20 ، 19 : 10
وكذلك قوله عن الكنيسة إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها ) متى . ( 18 : 16
ليتنا نعيش فى هذه الوعود بكل قلوبنا ،لكى تقوى إيماننا .
وليتك :أيها القارئ المحبوب تجمع كل وعود الله وتقرأها باستمرار .وتقول
لنفسك :لبد أن يكون الله صادقا ً فى وعوده .وبالتالى لبد أن أعيش سعيدا ً
بهذه الوعود اللهية … إن دوام التذكار لوعود الله ،يطمئن النفس ،ويقوى
اليمان … وأيضا ً مما يقوى اليمان :
قبيل عبور البحر الحمر ،كل الظروف المحيطة كانت تدعو إلى اليأس .أما
موسى النبى فإنه دعا الناس أن ينظروا إلى الله ،وقال لهم " قفوا وانظروا
خلص الرب … الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون " ) خر . ( 14 ، 13 : 14كذلك
فى حرب داود وجليات .لو نظر إلى الجبار القوى المتحدى ،ليئس .لكنه
باليمان نظر إلى الله الذى سيحبسه فى يده ) 1صم . ( 17نفس الوضع فى
معجزة الخمس خبزات والسمكتين .لما نظر التلميذ إلى الطعام الموجود ،
واللف المنتظرة ،قالوا " ما هذا لمثل هؤلء ؟! " .ولكن المسيح نظر إلى فوق
وبارك .ولو نظر التلميذ هكذا باليمان إلى فوق ،ل طمأنوا ورأوا قوة الله .مرثا
نظرت إلى قبر أخيها الميت منذ أربعة أيام ،فقال قد أنتن .أما الرب فقال لها :
ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله ) يو . ( 40 ، 39: 11
إذن علينا أن ننظر دائما ً إلى فوق ،فيدخل اليمان إلى قلوبنا .
ننظر إلى الله المحب القادر على كل شئ ،ول نركز أفكارنا فى الظروف
المحيطة .لتنظر إلى قوة أعدائك ،إنما أنظر إلى الله الذى ينقذك منهم .ل
تنظر إلى الخطية التى " طرحت كثيرين جرحى ،وكل قتلها أقوياء " ) أم : 7
، ( 26إنما أنظر إلى الرب يسوع الذى " يخلص شعبه من خطاياهم "
) متى . ( 21: 1كذلك من المور التى تقوى اليمان :
وهكذا عندما أراد الله أن يعطى دروسا ً فى اليمان ،قال " تأملوا زنابق الحقل …
ول سليمان فى مجده كان يلبس كواحدة منها " )متى . ( 29 ، 28 : 6فإن كان
عشب الحقل … " يلبسه الله هكذا " " أفليس بالحرى يلبسكم أنتم ياقليلى
اليمان " .وقال أيضا ً " أنظروا إلى طيور السماء " .وفى إحدى المرات ،فعلت
كما أمر الرب ،ونظرت إلى عصفورة فى حقل الدير … أمامها الكثير من
التقطت اثنتين أو ثلثا ً ،وتركت الباقى كله وطارت " لم الحبوب .ولكنها
تجمع إلى مخازن " كما قال الرب ،كانت واثقة أنها فى كل مكان تحل فيه ،
سيرزقها الله قوتها ،فلماذا تخزن إذن ؟ أو لماذا تترك الجو العالى الفسيح ،
وتقبع إلى جوار الحبوب لتخزن كما تفعل زميلتها النملة ) القليلة اليمان ! ( التى
ل ترتفع إلى فوق …
ً ً
وقد أعطانا الرب مثال شبيها فى قصة ) المن ( وجمعه .
كانوا يجمعونه ،على قدر حاجتهم ،يوما ً بيوم ،دون أن يخزنوا … والذين خالفوا
هذه القاعدة وخزنوا منا ً " تولد فيه الدود وأنتن " ) خر . ( 20 : 16كلما يقرأ
النسان قصصا ً عن اليمان ،والثقة بالله ،والعاجيب التى تحدث مع قديسيه ،
يمتلئ قلبه إيمانا ً ،ويحب هذه الحياة المملوءة إيمانا ً … كذلك كلما يعاشر رجال
اليمان ،يتعلم منهم ،وتثيره حياتهم وعمل الله معهم ،لكى يتمثل بإيمانهم "
) عب . ( 7 : 11لذلك قال أحد الباء " شهية هى أخبار القديسين " …
من أجل هذا سجل لنا الكتاب سيرا ً من اليمان ،لنتأثر بها ونتعلم .
ولكى تقوى إيماننا ،إذ نرى أمامنا أمثلة عملية لحياة اليمان التى نشتهيها .ونرى
أمامنا الطريق الذى سلكه رجال اليمان .وكيف عاملهم الله ،وكيف تعاملوا هم
معه … وماذا أيضا ً ؟
إن كانت القراءة ،فإن المعاشرة تأثيرها أعمق بل شك .
لذلك عاشروا الذين يتصفون باليمان ،وامتصوا اليمان منهم .فإن اليمان يناله
النسان بالتسليم ،أكثر مما يناله بالتعليم .أنظروا كيف يعيشون ،وكيف يظهر
اليمان فى حياتهم ،وكيف يتعاملون مع الله ،وكيف يتصرفون إذاء الحداث…
وإن أردتم أن تقووا إيمانكم ،لبد من صفة تتصفون بها وهى :
النسان المتضع يقبل كل ما ياتى من الله برضى .أما الفكر المعتد بذاته فإن
يناقش ويجادل ،ويرفض ما ل يعجبه ،فل يصل إلى اليمان الذى يصل إليه
المتضع .
النسان المتضع يعترف أن عقله محدود ،وكل قدراته محدودة ،ول يمكنه أن
يستوعب الله غير المحدود ،ول يدرك أعماق حكمته وصفاته .لذلك يقبل فى
إيمان ول يشك .وإن ضغط عله الفكر ،ينسكب أمام الله ويقول " أحكامك يارب
فوق فهمى ،وأعمالك فوق معرفتى .من أنا قدامك ؟ وكل معرفتى هى جهالة
أمامك .
أنا آخذ منك عن طريق التسليم ،وليس عن طريق الفحص …
أعطينى يارب إيمان الطفال ،وليس إيمان الفلسفة والحكماء ) لو . ( 21 : 10
حادثة مثل إلقاء الثلثة فتية فى أتون النار ،دون أن يحترقوا ) دا . ( 25 : 3
هذه ،هل نخضعها لفهمنا المحدود ،أم نتقبلها باليمان فى اتضاع الفكر الذى
ينحنى أمام المعجزة ؟! والمعجزة هى عمل الله القادر على كل شئ … اليمان
كل ما يحدث فى هذا العالم ،يرجعونه إلى أسباب عديدة ول يذكرون إسم الله
كأنما الكون يدور … بدون الله .
أ – مثال :العالم يستطيع أن يحطم الذرة ،ويستخدم القوة النووية ،ويصنع سفن
الفضاء ،ويصل إلى القمر ،ويدور حول الكون ،ويتعامل مع اللكترونات …
ويصرخ الناس ويقولون :ما أعظم العقل البشرى ! أو ما أعظم الشعب الذى
اخترع كل هذه المخترعات … ! ول يذكرون إسم الله إطلقا ً … أما المؤمن
فيقول :مبارك أنت يارب الذى خلقت هذا العقل البشرى ،ووهبته كل هذه
المكانيات ،وكشفت له ما وضعته فى الطبيعة من قوى … إن كان عبيدك
الترابيون يعرفون كل هذا ،فكم وكم تكون أنت يا غير المحدود ،القادر على كل
شئ ؟! وهكذا يقوى إيمان المؤمن بإرجاعه كل قوة وكل عجيبة إلى الله …
ب – مثال آخر :يمرض إنسان بمرض خطير .ويستطيع طبيب أن ينقذه من
الموت فيشفى .وينذهل المريض وأقرباؤه من مهارة الطبيب ،ويشكرونه فى
الجرائد ويمدحونه سبب الشفاء .أما الله فل يتردد إسمه مطلقا ً على أفواههم .
ولكن المؤمن يقول :نشكر الله الذى شفى المريض ،وكانت يده مع يد الطبيب .
ج – مثال ثالث :إنسان يتعرض لحادث تصادم يكاد يودى بحياته ،لول أن سائق
العربة يوقفها بمهارة على بعد سنتيمترات من الرجل .ويصرخ الناس :يا لمهارة
السائق ! بينما المؤمن يقول :لقد منح الله هذا النسان عمرا ً جديدا ً …
ليتك فى كل حادث ،تبحث عن أصبح الله فيه ،ليقوى إيمانك .
إبحث عن حكمة الله وعمل الله فى كل ما يمر بك من الحداث اليومية ن حينئذ
ستجد الله كائنا ً أمامك كل يوم ،تلمسه وتتعامل معه ،وتشعر بوجوده فى كل ما
يمر بك من صغيرة وكبيرة .وبهذا يزداد إيمانك يوما ً بعد يوم .
د – مثال رابع :المؤمن إذا مر على حديقة ورأى زهرة من الزهور ،ل يكتفى
بالتمتع بشكلها ورائحتها كما يفعل العلمانيون … إنما يقف أمامها منذ هل ً ويقول :
ما هذا الجمال الذى خلقته يارب ؟! وما اللوان العجيبة التى يعجز أمهر الفنانين
عن أن يصنعوا مثلها … لشك أن الزهور الصناعية جميلة ومتقنة ،ولكنها ليست
فى هذا التناسق ،كما أنها ل حياة فيها ،ول نضارة ،ول رائحة لها .إنها جمال
ميت … !
حقا ً ،إن التأمل فى البيعة بهذا السلوب ،يقوى اليمان …
أهل العالم يتأملون البيعة منفردة ،قائمة بذاتها ،وقد فصلوها عن الله .أما الذى
يريد أن يقوى إيمانه فإنه يرى الله فى الطبيعة … أليست هى صنعة يدية ؟ …
وهكذا كان داود النبى يقول " السموات تحدث بمجد الله ،والفلك يخبر بعمل
يديه ) مز . ( 1 : 19أتراك تعجب بليلة قمرية جميلة ،دون أن تمجد الله خالق
القمر ؟! تذكر الله هكذا ،ليكون الله بالنسبة إليك حقيقة عملية ،وليس مجرد
حقيقة عقلية تثبتها البراهين … بهذا تحيا مع الله كل يوم .
إن أردت أن يقوى إيمانك ،ل يفضل مخلوقات الله على الله .
ل تبهرك الطبيعة ،ول تنسى الله خالقها .ل يبهرك العقل البشرى وتصرفه فى
المادة .وإنما قل :عجيب أنت يارب ! كيف خلقت المادة هكذا ،بهذا الخاصية
وبهذا المفعول ،بحيث يمكن للعقل أن يستخدمها فى كل هذه الغراض … !
أترانا نعجب بطبيب يستخلص دواء من مادة معينة ،بينما ننسى الله الذى وضع
هذه الخاصية فى تلك المادة ،حتى يمكنها أن تخدم غرض الطبيب … ! أمر آخر
يمكنه أن يقوى إيمانك وهو :
لو فعلت هذا ،لمكن أن يقوى إيمانك ،لنك ستكون علقة مع الله وتتحدث معه
بدالة بل خوف ،فتتوطد صلتك به .كثيرون ينظرون إلى الرب كمجرد إله أو
سيد .ولكن هل نظرت إليه أيضا ً كصديق ومحب ،تثق به وبمحته وبإخلصه لك .
إنه يقرع على بابك ،ويطلب إليك أن تفتح له كصديق ،فيدخل ويتعشى معك
وأنت معه ) رؤ . ( 20 : 3إن قيلت صداقة الله ومحبته ،ستدخل فى اليمان
الحقيقى … تشتاق إلى رؤياه كصديق ،وتحكى له أسرارك ،وتتمتع بعشرته
ومحبته … وتحرص كصدق له أل خدش شعوره أو تغضبه .وهو نفسه سيكشف
لك أسراره ،كما كشف لبراهيم ) تك . ( 17 : 18إن الله يريدك هكذا ،لنه قال
" ل أعود أسميكم عبيدا ً … بل أحباء " ) يو … ( 15 : 15إتخذه إذن كصديق أو
كأب ،تؤمن بأبوته ومحبته ،كما تؤمن بسلطانه وقدرته .تحدثه عن أسرارك ،
ويحدثك عن أسراره .
ً
من قصص الصداقة والصراحة مع الله ،مسح إيليا لليشع نبيا .
قال الرب يوما ً ليليا النبى العظيم إذهب " مسح ياهو بن نمشى ملكا على
ً
إسرائيل … وامسح أليشع بن شافات ،نبيا ً عوضا ً عنك " ) 1مل . ( 16 : 19لم
يقل إيليا :حسنا ً يارب أن أمسح ياهو ملكا ً .ولكن كيف أمسح نبيا ً عوضا ً عنى ؟
وهل استغنيت عن خدماتى ؟ هل يحدث هذا بعد تعنى الكثير من أجلك ،وبعد
وقوفى ضد آخاب الملك وزوجته إيزابل ،وبعد تخليصى البلد من كل أنبياء العل
وأنبياء السوارى ؟ … هل تغيرت محبتك لى ؟! لم يقل شيا ً من هذا ،ولم يشك
فى محبة الله ،بل فعل كما أمره ،واثقا ً من محبة الله ومن حكمته .بل اعتبرها
دالة وصداقة بينه وبين الله ،بها يشركه الله معه فى تنفيذ الخطة اللهية ،حتى
لو كان منها مسح نبى عوضا ً عنه .فهذا ل يدل على أن الصداقة بينه وبين الله قد
انتهت أو نقصت .بدليل أن الله رفعه إليه إلى السماء فى مجد ) 2مل ( 11 : 2
.وبدليل أنه ظهر معه بعد زمن على جبل التجلى يتحدث إليه ) . ( 4: 9إنها
المحبة التى يصارحه بها الله ،حتى فى المور التى تمسه .وكان مسح نبى عوضا ً
وقد قلنا قبل ً إن العقل له حدود ل يتعداها ،وإن اليمان مستوى أعلى منه .ولكن
هناك أشخاصا ً يريدون أن تعى عقولهم الل محدود ،والمعجزات ،وما هو فوق
إدراكهم ،وإل فانهم يرفضون كل هذا ! … يريدون أن تخضع اللهوتيان كلها
للفحص العلمى … وهذا غير ممكن منطقيا ً .وليس من العقل ،أن يخضع غير
المحدود للعقل الذى هو محدود ! ولعل من أمثلة هذا فى أيامنا ما يعرف فى
بعض المعاهد باسم علم اللهوت الجديد N e w Theologyحيث يريدون إخضاع
الوحى والمعجزة للبحث العلمى البحث ،أو لمجرد التفسير الرمزي .وبهذا
ينكرون كثيرا ً من المعجزات ومن قصص الكتاب ،ويدخلونها فى علم الساطير
!! حقا ً إن العقل يضل ،إذا حاول أن يرتئى فوق ما ينبغى له أن Mythology
يرتئى ) رو . ( 3 : 12وبهذا ينحرف عن اليمان ،ويحاول أن يقود غيره فى نفس
النحراف .
كما أن معاشرة رجال اليمان تقوى اليمان ،كذلك معاشرة الشكاكين تغرس
الشك فى العقول والقلوب ،إن كانت بمداومة ،أو من النوع العميق التأثير ،أو
كان المستوى الخاضع للشكوى أقل فى المعرفة أو المستوى العقلى ،أو كان
غير عميق فى اليمان .
ولهذا فإن الكتاب يمنع من مخالطة المنحرفين فى إيمان
هم وفى أفكارهم .
يقول القديس يوحنا الرسول " إن كان أحد يأتيكم ول يجئ بهذا التعليم ،فل
تقبلوه فى البيت ،ول تقولوا له سلم .لن من يسلم عليه يشترك فى أعماله
الشريرة " )2يو . ( 11 ، 10وهكذا منعت الكنيسة الخلطة بالهرطقة والمبتدعين
… وكم من أناس خالطوا جماعات غير مسيحية مثل شهود يهوه والسبتيين ،
فكانت النتيجة أنهم انحرفوا فى تياراتها .وكم من أعضاء فى الكنيسة خالطوا
طوائف غريبة أو ملحدين ،فتأثرت معتقداتهم بهم إلى حد بعيد .
وحتى من جهة السلوك والروحيات ،مخالطة الشكاكين تضعف اليمان :
ً
قد تحدث لك تجربة أو مشكلة وتقبلها فى إيمان ،وتسلم المر لله شاكرا إياه
على كل حال .ثم يزورك شخص قليل اليمان ،فيظل يشرح لك خطورة
الموضوع ،ويخيفك جدا ً من نتائجه ،حتى تفقد سلمك القلبى ،ويضعف إيمانك
فى حفظ الله وتقلق … لذلك كن حريصا ً جدا ً فى اختبار من تعاشرهم وتختلط
بأفكارهم .وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى تضعف اليمان وهى :
من هذا النوع ،مريم المجدلية :لقد رأت القبر الفارغ ،وسمعت بشارة الملك ،
بل إنها رأت السيد المسيح نفسه بعد قيامته ،وأمسكت بقدميه ،وسمعت
صوته ،وكلفها برسالة … ولكنها مع ذلك قالت ثلث مرات " أخذوا سيدى ،
ولست أعلم أين وضعوه " ) يو . ( 15 ، 13 ، 2 : 20وفى هذا إنكار للقيامة .
فما السر فى هذا التحول ؟ وكيف ضعف إيمانها بعدما رأت المسيح وكلمته ؟
) مر ، 9 : 16مت ( 9 : 28كانت المجدلية صغيرة فى سنها .وقد ضعفت
شخصيتها أمام الشائعات التى نشرها كهنة اليهود ضد القيامة.كما ضعفت أمام
عدم تصديق التلميذ أول ً للقيامة )مر . ( 14 ،13 ،11 : 16
فبدأت تلعب بها الشكوك والوهام ،ورددت بفمها ما سمعته من شائعات .
لم يستطيع إيمان المجدلية أن يصمد أمام الشائعات وكلم الناس …
فاهتزت من الداخل بسبب التأثير الخارجى الضاغط ،وانقادت إليه … ! وكثير من
الناس يهتزون من الداخل ،ويتحولون عن إيمانهم الول ،عقيدة أو سلوكا ً ،
بسبب استهزاء الناس .وبسبب أن شخصيتهم أضعف من أن تصمد .إن الله يريد
أن تكون شخصياتكم قوية .وكما يقول الرسول :
مستعدين كل حين ،لجابة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذى فيكم " ) 1
بط . ( 15 : 3إن أولد الله ل يليق بهم أن يكونوا ضعفاء ،من النوع الذى يهتز
إيمانه ،أو تهتز رو حياته ،وينقاد لى فكر خارجى .بل إنهم يعملون بقول
الرسول " إذن يا إخوتى الحباء ،كونوا راسخين غير متزعزعين … " ) 1كو : 15
. ( 58أيضا ً من النوع الذى تحول عن إيمانه بسبب النقياد :أمنا حواء .فالكلم
الذى سمعته من الحية ،جعلها تتحول عن إيمانها ،وينتهى المر بطردها من الجنة
!
ما أكثر الذين ينقادون وراء الشائعات ويصدقونها .وما أكثر من يرددون كلما ً عن
المجئ الثانى ويصدقه الناس .ويقولون إن ) المسيح الدجال ( Anti Christقد
ولد ،وأنه فى ولية بأمريكا ،وأن عمره الن 17سنة !! وأن العالم سينتهى فى
هذه السنه أو غيرها !! وما أكثر التواريخ التى حددها شهود يهوه والسبتيون عن
المجئ الثانى ،ولم يتم منها شئ …
وقد يضعف إيمان البعض وينقادون وراء من يدعى الرؤى والحلم .
ويظنون أن ما يدعيه من الرؤى والحلم ،كلها حقيقية ومن الله ! ثم ينخدعون
بما يقوله من كلم ،ولو ضد معتقداتهم أو مبادئهم الروحية .ولقد حذر الرب من
هؤلء منذ أيام موسى النبى فقال " :إذا قام فى وسطك نبى أو حالم حلما ً ،
وأعطاك آية أو أعجوبة ،ولو حدثت الية أو العجوبة التى كلمك عنها ،قائل ً :
لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها .فل تسمع لكلم ذلك النبى أو الحالم
ذلك الحلم .لن الرب إلهكم يمتحنكم لكى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل
قلوبكم … ")تث (3 –1 :13
إن النقياد من السباب التى تضعف اليمان .وكذلك من أسبابه :
قيصر … أما النسان الروحى ،فهو يفقد إطلقا ً ،لنه ل يخاف … ومن المور
التى تضعف اليمان أيضا ً :
كثيرون فقدوا إيمانهم بسبب الشهوة .ولعل من أمثلتهم ديماس مساعد بولس
الرسول فى الكرازة والتبشير ،الذى قال عنه القديس بولس أخيرا ً " ديماس قد
تركنى ،لنه أحب العالم الحاضر "
) 2تى . ( 10 : 4ومحبة العالم تضعف اليمان ،لنها عداوة لله ) يع . ( 4 : 4
ومن أمثلة الذين فقدوا إيمانهم بسبب الشهوة :الشاب الغنى … هذا ترك
المسيح " ومضى حزينا ً " لنه " كان ذا أموال كثيرة " ) متى . ( 22 : 19إذن
شهوة المال يمكن أن تضعف اليمان :وما أكثر الذين تركوا المسيح من أجل
إمرأة أو منصب …
شهوة النساء ضيعت إيمان سليمان الحكيم ،أحكم أهل الرض …
وذلك أنه " أحب نساء غريبة " ) 1مل . ( 1 : 11وكان فى زمان شيخوخة
سليمان وأن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى .ولم يكن قلبه كامل ً مع الرب إلهه
كقلب داود أبيه .فذهب سليمان وراء عشتاروت الهة الصيدونيين ،وملكوم رجس
العمونيين .وعمل سليمان الشر فى عينى الرب … "
) 1مل … ( 6 – 3 :11إلى هذا الحد سقط هذا الحكيم العظيم ،ولو أننا نؤمن
أنه تاب فى أواخر أيامه .وكان سفر الجامعة من دلئل توبته .
وشهوة المال أضاعت إيمان حنانيا وسفيرا ً ،فهلكا .
فوقعا فى " الكذب على الله " ) أع ، ( 4 : 5وأيضا ً فى " تجربة روح الرب " ) أع
. ( 9 : 5ومات الثنان هالكين …
وشهوة المال أيضا ً ضيعت إيمان بلعام .وكان نبيا ً وله نبوءات جميلة عن المسيح
)عدد . (24 – 22وأخيرا ً وقع فى ضللة لجل أجرة الثم " ) 2بط . ( 15 : 2
وهكذا كان معثرة لكل الشعب ،وعلم بالق طريق الخطية ) رؤ … ( 14 : 2
فهلك وأهلك غيره …
وشهوة العظمة والتقدم على الخرين ،أضاعت إيمان كثيرين :
لعل من بين هؤلء " ديوتر يفس " الذى كان " يحب أن يكون الول " .لذلك
قاوم القديس يوحنا الحبيب ،وطرد إخوة كثيرين من الكنيسة ) 3يو . ( 10
وشهوة اللوهية ضيعت إيمان كاروب عظيم ،فتحول إلى شيطان ،وكان من قبل
ملكا ً من نور ،له بهاء ومجد …
إن الشهوات من أكبر المور التى تضعف اليمان أو تضيعه .ومن السباب التى
تضعف اليمان ،الضيقات وضغط الظروف الخارجية .
ولعل من أمثلة هذا المر جدعون لما ضعف إيمانه فى عناية الله :قال له الملك
" الرب معك يا جبار البأس .فقال له جدعون :أسألك يا سيدى إذا كان الرب
معنا ،فلماذا أصابتنا كل هذه ) البليا ( ؟ وأين كل عجائبه التى أخبرنا بها آباؤنا …
والن قد رفضنا الرب وجعلنا فى كف مديان " ) قض . ( 13 ، 12 : 6
وهكذا قد تضعف اليمان الضيقة إذا طالت ،أو إذا اشتدت .
التلميذ لما اشتدت عليهم المواج فى السفينة ،ضعف إيمانهم وشكوا قائلين
للرب " أما يهمك أننا نهلك " ) مر . ( 40 – 38 : 4وبنو إسرائيل لما طالت بهم
المدة فى عبودية فرعون ،صغرت نفوسهم وضعف إيمانهم فى الخلص ) خر : 4
هناك طرق كثيرة لختبار اليمان ،يمكن استنتاجها من كل ما سبق .ونريد أن
نقول ههنا إن الرسول – فى حياة اليمان – ل يتكلم عن مجرد اليمان ،أى
العتراف باسم الرب ،وإنما يذكر بالتخصيص :
ولماذا ؟ لن الذى يؤمن أن الله كائن أمامه ،وأن الله قدوس يكره الخطية ،وأنه
عادل يجازى كل إنسان حسب أعماله ،هذا يخاف أن يخطئ أمام الله ،ويستحى
أن يخطئ ،كما يستحى أن يجرح قلب الله المحب ،إن كان يؤمن بمحبة الله .
هوذا الرسول يقول " كل من يخطئ ،لم يبصره ول عرفه " ) 1يو . ( 6 : 3
يقينا ً إن الذى يخطئ ،ل يكون فى فكره أثناء الخطية أن الله يرى ويسمع
ويسجل … ويقينا ً أن الذى يظلم ،ل يكون مؤمنا ً تماما ً أن هناك إلها ً موجودا ً "
يحكم للمظلومين " )مز . (7 :146
ً
ولذلك إذا قيل لظالم " ربنا موجود " يخاف ويرتعش .ويقينا إن المتكبر ،أو
المنتفخ بالمديح ،ل يشعر مطلقا ً أنه قائم أمام الله .إن هيرودس لما خاطب
الشعب ومدحوه قائلين " هذا صوت إله ،ل صوت إنسان " فابتهج بهذا المديح ،
لم يكن عنده إيمان أن الله أمامه ،ذلك " ضربه ملك الرب ،لنه لم يعط مجدا ً
لله .فصار يأكله الدود ومات " ) أع . ( 23 – 21 : 12المؤمن الحقيقى يمكن
اختباره أيضا ً بالزهد وعدم اشتهاء المور التى فى العالم ،فالمؤمنون مكتفون بما
هم فيه ) فى . ( 11 : 4
وبالنسبة لحتياجاتهم ،ل يحتجون على شئ ،ول يحتاجون إلى شئ
نقطة أخرى فى حياة اليمان هى :
الضيقات تحل بكل أحد .ولكن هناك فرقا ً كبيرا ً بين المؤمن وغير المؤمن فى
الروح التى تستقبل بها الضيقة .
إن كانت الضيقة تفقدك سلمك ،فاعرف أن إيمانك ضعيف .
المؤمن يستقبل الضيقة مؤمنا ً أنها للخير ،وأن الله سيحلها .فل يتضايق فى
داخله ،ول يضطرب ،ول تنشغل أفكاره بها ،ول يتعب قلبه بالحزن واللم .إنما
يواجه الضيقة بثلث آيات هى " كل الشياء تعمل معا ً للخير ،للذين يحبون الرب
" ) رو ، ( 28 : 8و " إحسبوه كل فرح ياخوتى ،حينما تقعون فى تجارب متنوعة
" ) يع . ( 2 : 1وأيضا ً " كل شئ مستطاع للمؤمن " ) مر . ( 23 : 9وبهذا
اليمان يفرح قلبه فى الضيقة ،ويتعزى الناس بفرحه .
المؤمن يضع بينه وبين الضيقة ،فتختفى الضيقة ويظهر الله .
ويذكر يد الله التى كانت مع القديسين فى كل ضيقاتهم " وملك حضرته خلصهم
" ) اش . ( 9 : 63ويذكر ما حدث لموسى ويوسف وداود وأيوب ودانيال وللثلثة
فتية .وكل هذه الذكريات تزيده إيمانا ً بالله وثقة فى تدخله وعمله .وهكذا ل
يتزعزع فى الضيقة ،ول شك ول يحزن ول يحمل هما ً … بل يقول مع المرتل "
نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصادين .الفخ انكسر ونحن نجونا ،عوننا من
عند الرب الذى صنع السماء والرض " ) مز . ( 124
يقول للرب :مادمت أنت موافق على الضيقة ،فأنا أفرح بها .
ليس فقط أقبلها ،أو أرضى بها ،إنما أحسبه كل فرح أن الرب يعطيني بركة هذه
الضيقة … ما أجمل ما قيل عن الباء الرسل بعد أن جلدوهم " وأما هم فذهبوا
فرحين … لنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل إسمه " ) أع . ( 41 : 5
المؤمن مهما بدت كل البواب مغلقة ،يرى باب الله مفتوحا ً .
إنه يؤمن بالله ،الذى بيده مفاتيح السماء والرض " الذى يفتح ول أحد يغلق "
) رؤ . ( 7 : 3ويرتل هذا المؤمن مع القديس يوحنا الرائى قائل ً " بعد هذا
نظرت ،وإذا باب مفتوح فى السماء ") رؤ . (1 : 5بل اختبار ٌاليمان بأن ترى
جميع البواب مفتوحة أمامك .وكلما ترى أمامك بابا ً مغلقا ً :ليس هذا هو الباب
الذى يريدنى الله أن أدخل منه .هناك أبواب أخرى كثيرة مفتوحة عند الله .
وهناك أبواب مغلقة الن سيفتحها فيما بعد … وبهذا اليمان تستريح .
أ – من الوسائل التى يختبر بها اليمان :العشور أو العطاء عموما ً .
وبخاصة إذا كان هذا المؤمن محتاجا ً ،أو مطلوب منه أن يعطى من أعوازه .
ضعيف اليمان يقول " إن كان المرتب كله أو اليراد كله أو ل يكفى ،فكيف
يكون الحال إن نقص أيضا ً عشرة ؟! .أما المؤمن فإنه يقول :إن إعطائى
العشور ،يجعل الباقى مباركا ً فيكفى ويزيد …
إن العشور إختبار روحى عرضه الرب نفسه فى سفر ملخى فقال :
هاتوا جميع العشور … وجربونى بهذا ،قال رب الجنود :إن كنت ل أفتح لكم كوى
السماء ،وأقيض عليكم بركة حتى ل توسع … ) مل . ( 10 : 3فإن كان الشخص
– على الرغم من هذا الوعد اللهى – ل يدفع ، ،فل شك أن إيمانه يكون ضعيفا ً
فى وعد الله وفى بركته .وقبل ذلك فى وصيته …
إن كان هذا فى العشور ،فماذا عن وصيته :من سألك فاعطه ؟
) متى . ( 42 : 5وماذا عن وصية " إذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء " ) متى
. ( 21 : 19وماذا عن وصية " بيعوا أمتعتكم ] أو مالكم [ واعطوا صدقة " ) لو
( 33 : 12؟ بهذا يختبر إيمانك :هل الله قادر أن يعولك بما يبقى بعد دفع نصيب
الفقراء ؟ وأيضا ً هل هو قادر أن يعولك دون أن تكنز لك كنوزا ً على الرض ) متى
. ( 19 : 6
ب – من الوصايا التى يختبر بها اليمان أيضا ً :حفظ يوم الرب .
هل أنت تفرح بيوم الرب لكى تقضيه مع الرب ؟ أم أنت تفضل عليه مشغوليات
أخرى عديدة ؟ هل أمورك العالمية أهم فى نظرك ؟ وهل تأجيلها أمر ل تحتمله
ول تستطيع ترتيبه بتنظيم وقتك ؟ إنه إختبار ليمانك .
ج – وكذلك من الختبارت الهامة :مدى محبتك للصلة :
هل تنساها وتمر عليك أوقات كثيرة ل تصلى فيها ؟ وهل إذا وقفت للصلة ،تفكر
كيف تنتهى منها لتنشغل بأمور أخرى تهمك بالكثر ؟ وهل أثناء صلتك تسرح فى
أمور أخرى ،وتنسى أنك واقف أمام الله تخاطبه ؟ إن كنت كذلك فل يكون
إيمانك قويا ً بالله وبعشرته وبلذة الحديث معه … وهكذا إن وضعنا باقى أمور
الصلة ،وباقى بنود العمل الروحى ،لتكون مجال ً ل ختبار إيمانك .
هل أنت مركز كل فكرك وقلبك فى هذا العالم الحاضر ،ومدى نجاحك فيه ،
ومدى تمتعك به ؟ أم أنت تهمك أبديتك ،ويهمك مصيرك فى العالم الخر ،وتعد
العدة لتلك الحياة كما يقول الرب " لتكن أحقاؤكم ممنطقة ،ومصابيحكم
موقدة .وأنتم تشبهون أناسا ً ينظرون سيدهم متى يرجع من العرس ،حتى إذا
جاء وقرع يفتحون له للوقت .طوبى لولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم ساهرين
" ) لو . ( 37 – 35 : 12
إن السهر الروحى إختبار عميق لليمان .
أما الغافل عن أبديته ،فأين هو إيمانه ؟! أين إيمانه بالحياة الخرى ،والستعداد
لها بالتوبة والعمل الصالح ،وبعشرة الله ومحبته ،وبالزيت جاهزا ً فى مصباحه …
؟!
هل هو إيمانك سليم بعيد عن البدع وأخطاء العقيدة ،وعن المفاهيم الخاصة ؟
وهل هو " اليمان المسلم مرة للقديسين " ) يه . ( 3الذى أودعه الرسل أناسا ً
أمناء كانوا أكفاء أن يعملوا آخرين أيضا ً ) 2تى . ( 2 : 2وهل هو موافق لكل
تعليم الكتاب ،أم تتبع فيه أناسا ً يعلمون فكرهم الخاص ؟ بهذا إختبر إيمانك .
أقول هذا لن العقيدة لها تأثير عملى فى حياة النسان الروحية .