You are on page 1of 70

‫صفحة‬

‫‪6‬‬ ‫قصة هذا الكتاب‬


‫‪7‬‬ ‫مقدمة‬
‫‪9‬‬ ‫الفصل الول ‪ :‬ماأعظم اليمان‬
‫‪13‬‬ ‫الفصل الثانى ‪ :‬ما هو اليمان‬
‫‪21‬‬ ‫اليقان بأمور لترى‬
‫‪35‬‬ ‫الفصل الثالث ‪ :‬درجات وأنواع من اليمان‬
‫‪47‬‬ ‫الفصل الرابع ‪ :‬علقة اليمان بالسلم وعدم الخوف‬
‫‪57‬‬ ‫الفصل الخامس ‪ :‬علقة اليمان بنقاوة القلب‬
‫‪63‬‬ ‫الفصل السادس ‪ :‬بساطة اليمان‬
‫‪69‬‬ ‫الفصل السابع ‪ :‬طاعة اليمان أو حياة التسليم‬
‫‪79‬‬ ‫وهو ليعلم إلى أين يذهب‬
‫‪83‬‬ ‫الفصل الثامن ‪ :‬مايقوى اليمان‬
‫‪93‬‬ ‫الفصل التاسع ‪ :‬مايضعف اليمان‬
‫‪105‬‬ ‫الفصل العاشر ‪ :‬إختيار اليمان ) هل أنتم فى اليمان (‬
‫إنه ثمرة أكثر من ‪ 15‬محاضرة ألقيت كلها فى الكاتدرائية الرقسية بدير النبا‬
‫رويس بالقاهرة‬
‫) ماعدا الثلث محاضرات الولى ( ‪ .‬وقد حان الن نشرها بناء على دعوة من‬
‫مجلس كنائس الشرق الوسط الذي قرر عقد اجتماع عن اليمان في منتصف‬
‫سبتمبر ‪. 1984‬‬
‫أما هذه المحاضرات – مصدر هذا الكتاب – فهي حسب تواريخها كالتي ‪:‬‬
‫‪ – 1‬محاضرة ألقيت في مؤتمر عن اليمان عقد في كنيسة المنصورة يوم‬
‫‪. 1/6/1966‬‬
‫‪ – 3 – 2‬محاضرتان عن اليمان ألقيتا في القاعة المرقسية بدير النبا رويس‬
‫يومي الجمعة ‪، 8/7/1966‬‬
‫‪. 15/7/1966‬‬
‫ً‬
‫‪ – 7 – 4‬أربع محاضرات ألقيت في الكاتدرائية الكبرى سنة ‪ 1971‬تأمل في " كما‬
‫قسم لكل واحد نصيبا ً من اليمان " ) رو ‪. ( 3 : 12‬‬
‫‪ – 8‬محاضرة عن اليمان ألقيت في الكاتدرائية الكبرى في أواخر مايو سنة‬
‫القديس أثناسيوس إلى القاهرة ‪.‬‬ ‫‪ 1973‬بمناسبة عودة رفات‬
‫‪ – 9‬محاضرة عن عوائق اليمان ألقيت يوم الجمعة ‪. 1975 / 5/ 23‬‬
‫‪ – 10‬محاضرة يوم الجمعة ‪ ، 1980 / 2 / 22‬موضوعها ) ناظرين إلى ما ل يرى (‬
‫‪.‬‬
‫‪ – 11‬محاضرة يوم الجمعة ‪ ، 1980 / 7 / 25‬موضوعها ) بساطة اليمان ( ‪.‬‬
‫‪ – 12‬محاضرة يوم الجمعة ‪ ، 1980 / 9 / 26‬موضوعها ) ليعلم إلى أين‬
‫يذهب ( ‪.‬‬
‫‪ – 13‬محاضرة يوم الجمعة ‪ ، 1980 / 10 / 3‬موضوعها ) اليقان بأمور لترى ( ‪.‬‬
‫‪ – 14‬محاضرة يوم الجمعة ‪ ، 1980 / 8 / 14‬موضوعها ) طاعة اليمان ( ‪.‬‬
‫‪ – 15‬محاضرات متفرقة نشرت فى مجلة الكرازة ‪.‬‬
‫وقد سجلت هنا هذه التواريخ لمن يريد أن يحصل على التسجيلت الصوتية‬
‫الخاصة بحياة اليمان ‪ ،‬راجيا ً للقارئ العزيز حياة مملوءة باليمان ‪.‬‬
‫ليس اليمان هو مجرد اعتناق مجموعة من العقائد ‪ ،‬تتلوها في "‬
‫قانون اليمان " … إنما اليمان هو حياة تحياها أو هو عقيدة تقود‬
‫إلى حياة …‬
‫لنه ما فائدة اليمان بالله ‪ ،‬بدون أن تكون لك علقة بهذا الله ‪ :‬تطيعه وتحبه ‪،‬‬
‫وتكون لك عشرة معه تؤهلك إلى عشرة دائمة في ملكوته ؟!‬
‫وما فائدة اليمان بالبدية والحياة بعد الموت ‪ ،‬إن لم تعد نفسك لها بالتوبة ‪،‬‬
‫وبالسهر الروحي الدائم ‪ ،‬وبمحبة الله ‪ .‬وما فائدة اليمان بالفضيلة ‪ ،‬إن كنت‬
‫لتحياها ‪ .‬لذلك فإن هناك فرقا ً كبيرا ً جدا ً بين اليمان النظري الذي ليخلص‬
‫النفس ‪ ،‬واليمان العملي الذي تظهر ثماره في حياتك ‪ .‬وهكذا تحيا حياة اليمان‬
‫… إننا من أجل حياة اليمان ‪ ،‬وضعنا كتابنا هذا … نشرح لك ما هو اليمان ‪،‬‬
‫وماهى درجاته وأنواعه ‪ ،‬وما أهمية اليمان في حياتنا ‪ ،‬وما عظمته … ؟‬
‫ولقد أردنا أن نقف قليل ً عند قول القديس بولس الرسول ‪:‬‬
‫" جربوا أنفسكم ‪ :‬هل أنتم في اليمان ؟ إمتحنوا أنفسكم " ) ‪ 2‬كو‬
‫‪. ( 5 : 13‬‬
‫فليس كل إنسان يقول إنه مؤمن ‪ ،‬هو مؤمن بالحقيقة ‪ .‬بل القياس لذلك هو قول‬
‫الرب " من ثمارهم تعرفونهم " ) متي ‪. ( 16 : 7‬‬
‫لن هناك من له إسم المؤمن ‪ ،‬وليس له قلب المؤمن ‪ ،‬ول حياة‬
‫المؤمن ‪.‬‬
‫فما هي حياة المؤمن هذه ؟ حياة اليمان ترتبط بالسلم والطمئنان وعدم‬
‫الخوف ‪ .‬فإن وقع في الخوف يقول له الرب " يا قليل اليمان ‪ ،‬لماذا شككت "‬
‫) متي ‪ . ( 31 : 14‬وحياة المؤمن ترتبط بنقاوة السيرة ‪ ،‬لن المؤمن يشعر‬
‫دواما ً أن الله أمامه يرى ويسمع ويسجل كل ما يعمله ‪ .‬لذلك يشعر بالستحياء ‪،‬‬
‫ويخاف أن يخطئ أمام الله ‪ .‬وحياة المؤمن هي حياة التسليم للمشيئة اللهية‬
‫‪،‬في اليمان كامل أن الله هو صانع الخيرات ‪ ،‬وكل ما يسمح به هو خير ‪ .‬لذلك‬
‫باليمان يعيش أولد الله في هدوء وفي فرح وفي رضى بكل ما يريده الرب لهم ‪.‬‬
‫وحياة اليمان ‪ ،‬لترى شيئا ً مستحيل ً على الرب ‪ .‬بل كما يقول ‪ " :‬كل شئ‬
‫مستطاع للمؤمن " ) مر ‪. ( 23 : 9‬‬
‫ً‬
‫لذلك فإن المؤمن ليهتز في أية ضيقة تحل به ‪ ،‬بل يؤمن تماما أن الله‬
‫عنده حلول كثيرة ‪ ،‬وأنه لبد سيتدخل ويصنع مشيئة … المؤمن ليجادل الله ول‬
‫يناقشه فيما ‪ ،‬بل يقبل كل شئ بثقة كاملة في حكمة الله وفى محبته ‪.‬المؤمن‬
‫ينظر دائما ً إلى ليرى ‪ ،‬أكثر مما ينظر إلى المرئيات "لن الشياء التى ترى‬
‫وقتية ‪ ،‬أما التى لترى فأبدية " ) ‪ 2‬كو ‪ . ( 18 : 4‬إن أبطال اليمان ليسوا هم‬
‫فقط الذين دافعوا عن العقيدة ‪ ،‬وإنما هم الذين عاشوا في اليمان الحي المثمر‬
‫العامل بالمحبة … وهذا الكتاب الذي بين يديك يعطيك فكرة مبسطة عن حياة‬
‫اليمان كيف تكون ؟ وكيف تختبر عمليا ً هل أنت في اليمان ‪.‬‬
‫لعل أهمية اليمان تبدو واضحة في قول الرسول عن الرب ‪:‬‬
‫"بدون إيمان ‪ ،‬ليمكن إرضاؤه " ) عب ‪. ( 6 : 11‬‬
‫وتبدو أهمية اليمان أيضا ً ‪ ،‬في أن الرسول قد وصفه بأنه إحدى الفضائل الثلث‬
‫الكبار " اليمان والرجاء والمحبة " )‪ 1‬كو ‪ ، ( 13 : 13‬وذكر أنه الوسيلة التى يحيا‬
‫بها النسان البار فقال ‪:‬‬
‫" أما البار ‪ ،‬فباليمان يحيا " ) عب ‪. ( 38: 10‬‬
‫واليمان هو بدء الطريق الموصل إلى الله ‪ .‬لنه كيف يمكن أن تثبت في الله ‪،‬‬
‫والله فيك ‪ ،‬وكيف يمكنك أن تسير مع الله وتحفظ وصاياه ‪ ،‬إن لم تؤمن أول ً‬
‫بوجوده وبصفاته اللهية ‪ ،‬وتؤمن بكتابه وبكل ما ورد فيه … ؟‬
‫اليمان إذن هو بدء الطريق إلى الله ‪ .‬وأول الشروط اللزمة للخلص‬
‫حسب قول الرب نفسه " من آمن واعتمد خلص " ) مر ‪ " ، ( 16 : 16‬لكي ل‬
‫يهلك كل من يؤمن به ‪ ،‬بل تكون له الحياة البدية " ) يو ‪ " ، ( 16 : 3‬الذي يؤمن‬
‫به ليدان ‪ ،‬والذي ليؤمن به قد دين … "‬
‫) يو ‪ . (18 : 3‬كما وبخ اليهود قائل ً ‪ ":‬إن لم تؤمنوا أنى أنا هو ‪ ،‬تموتون في‬
‫خطاياكم " ) يو ‪( 24: 8‬‬
‫إن دم المسيح موجود ‪ ،‬قادر أن يخلص كل أحد ‪ .‬ولكنه ليخلص بدون إيمان ‪.‬‬
‫ولهذا قال القديسان بولس وسيل لحافظ السجن في فيلبى " آمن بالرب يسوع ‪،‬‬
‫فتخلص أنت وأهل بيتك" ) اع ‪. ( 31 :16‬‬
‫من أجل هذا اليمان كتبت الناجيل ‪ ،‬وكرز بها الرسل ‪.‬‬
‫وهكذا يقول القديس يوحنا النجيلي فيما كتبه بوحي من الروح القدس " … أما‬
‫هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع المسيح إبن الله ‪ ،‬ولكن تكون لكم إذا آمنتم‬
‫حياة بإسمه " ) يو ‪. ( 31 : 20‬‬
‫اليمان هو بدء الحياة مع الله ‪ ،‬وهو رفيق الطريق طول هذه الحياة ‪ ،‬لذلك من‬
‫أهمية اليمان علقته بالبر‪ .‬وهكذا يتحدث الرسول عن البر الذي حسب باليمان‬
‫) عب ‪ ، ( 7 : 11‬وعن اليمان الذي حسب برا ً ) يع ‪ . ( 23 : 2‬ويتحدث الكتاب‬
‫عن التبرير باليمان )رو ‪. ( 1 : 5‬‬
‫واليمان هو العنصر الساسي اللزم لصنع المعجزات ‪ ،‬ولتقبلها ‪:‬‬
‫لهذا ما أعظم قول الرب لعمى أريحا بارتيماوس ‪ " :‬إيمانك قد شفاك " )لو ‪: 18‬‬
‫‪، 42‬مر ‪. (52: 10‬‬
‫وما أجمل قوله لذلك البرص الذي طهر " إيمانك خلصك " ) لو ‪. ( 19 : 17‬‬
‫وهكذا قال أيضا ً لنازفة الدم " ثقي ياإبنة ‪ :‬إيمانك قد شفاك " ) متي ‪( 22 : 9‬‬
‫‪.‬كذلك فإنه لما سمع العميين اللذين صرخا " إرحمنا يا ابن داود " ‪ ،‬قال لهما ‪" :‬‬
‫بحسب إيمانكما ليكن لكما " فانفتحت أعينهما ) متى ‪. ( 29 : 9‬ومن الناحية‬
‫الخرى ‪ ،‬نرى أن السيد الرب لما جاء إلى وطنه " لم يصنع هناك قوات كثيرة‬
‫لعدم إيمانهم " ) متى ‪. ( 58 : 13‬‬
‫إن قوة الله قادرة أن تصنع معك العاجيب ‪ .‬ولكنها تنتظر إيمانك ‪.‬‬
‫وحسب إيمانك يعطيك ‪ .‬ولهذا فإن المعجزات تحدث مع البعض ‪ ،‬ول تحدث مع‬
‫البعض الخر ‪ ،‬مع أن قوة الله هي هي ‪.‬ولكن ماذا عن الشخص ضعيف اليمان ؟‬
‫هذا عليه أن يصلى مع أبى الولد الذي عليه روح الخرس قائل ً ‪ " :‬أؤمن يا سيد‬
‫فأعن عدم إيماني " )مر ‪ . ( 24 : 9‬وهنا نقول إنه في غالبية الحوال يصنع الله‬
‫المعجزة بحسب اليمان ‪ ،‬ولكن … في أحيان أخرى يصنع المعجزة لكي نؤمن‬
‫‪.‬وهكذا في الحالين ‪ ،‬يرتبط اليمان بالمعجزات ‪ :‬فإما أن يكون سابقا ً لها ‪ ،‬وإما‬
‫أن يكون نتيجة لها … إن اليمان – أيا ً كان نوعه – هو قوة ‪ .‬يكفى أن يؤمن‬
‫النسان بفكرة ‪ ،‬فتراه يعمل بقوة المسيح لكي ينفذها ‪ .‬اليمان يعطيه عزيمة‬
‫وإرادة وجرأة ما كانت عنده من قبل ‪ .‬حقا ً حيثما يوجد اليمان ‪ ،‬توجد معه القوة ‪.‬‬
‫فالصلة المملوءة إيمانا ً ‪ ،‬هي الصلة القوية ‪ .‬الذي يؤمن بالصلة وفاعليتها ‪ ،‬تراه‬
‫يصلي بحرارة وإيمان وقوة ‪ .‬والعظة التى يقولها إنسان وهو مؤمن بكل كلمة‬
‫فيها ‪ ،‬تكون عظة قوية ‪ ،‬ينتقل بها إيمانه إلى قلوب الناس ‪.‬‬
‫ومن أهمية اليمان أيضا ً إرتباطه بعديد من الفضائل ‪ ،‬تنبع منه ‪:‬‬
‫فمن نتائج اليمان القوة ‪ ،‬والطمأنينة ‪ ،‬والشجاعة ‪ ،‬والسلم القلبي ‪ ،‬وعدم‬
‫الخوف ‪ ،‬وعدم القلق ‪ .‬ومن ثماره أيضا ً ‪ :‬حياة النقاوة والبر وحياة التسليم‬
‫الكامل لله ‪ ،‬وحياة التجرد والزهد ‪ ،‬وحياة الصلة … وفضائل عديدة أخرى ونحن‬
‫نعدك أيها القارئ العزيز ‪ ،‬أننا ل ننتهي من هذا الكتاب ‪ ،‬حتى نحدثك عن هذا كله‬
‫بمشيئة الله ‪.‬‬
‫أما الن فنريد أن نسأل ‪ :‬ما هو هذا اليمان ؟‬
‫ما هو هذا اليمان ‪ ،‬الذي من نتائجه الخلص والتبرير ؟‬
‫وما هو هذا اليمان الذي من نتائجه كل هذه الفضائل ؟‬
‫وما هو هذا اليمان ‪ ،‬الذي يقدر على صنع اليات والعجائب ‪ ،‬والذي قال عنه الرب‬
‫‪:‬‬
‫" كل شئ مستطاع للمؤمن " ) مر ‪. ( 23 : 9‬‬
‫" جربوا أنفسكم هل أنتم في اليمان …‬
‫إمتـحنوا أنفسكم " ) ‪ 2‬كو ‪( 5 : 13‬‬

‫كلمة ليمان قد يدعيها كل إنسان يعبد الله …‬


‫وربما ل يكون مؤمنا ً بالحقيقة …‬
‫قد يكون له إسم المؤمن ‪ ،‬ولكن ليس له قلب المؤمن ‪.‬‬
‫ليس اليمان هو أن يولد النسان من أسرة متدينة تؤمن بوجود الله ‪ ،‬فيصير‬
‫مؤمنا ً تلقائيا ً بوجود الله ‪ .‬إنما اليمان له معنى أو معان أعمق من هذا بكثير …‬
‫نعم له معنى قد يشمل الحياة الروحية كلها ‪ ،‬وله معنى قد يصنع العاجيب ‪ .‬في‬
‫إحدى المرات لم يستطيع تلميذ الرب أن يخرجوا شيطانا ً من إنسان مصروع ‪،‬‬
‫فسألوا الرب عن سر ذلك فقال لهم " لعدم إيمانكم " ) متى ‪ … ( 20 : 17‬ووبخ‬
‫الجمع قائل ً ‪ " :‬أيها الجيل غير المؤمن الملتوي " ) متى ‪. ( 17 : 17‬ليكن ذلك‬
‫الجيل غير مؤمن ‪ .‬ولكن رسل المسيح نفسه ‪ ،‬أنطلق عليهم حينذاك عبارة "‬
‫عدم إيمانكم " ؟ … يا للهول ‪ .‬وهنا يستطرد المسيح قائل ً لتلميذه ‪ " :‬الحق أقول‬
‫لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل ‪ ،‬لكنتم تقولون لهذا الجبل ‪ :‬إنتقل من هنا‬
‫إلى هناك ‪ .‬فينتقل " ) متى ‪. ( 20 : 17‬‬
‫حقا ً ‪ ،‬ما هو هذا اليمان ‪ ،‬الذي حبة خردل منه ‪ ،‬تستطيع أن تنقل‬
‫الجبل ؟!…‬
‫لذلك حسنا ً قال الرسول ‪ " :‬إختبروا أنفسكم ‪ :‬هل أنتم في اليمان ؟ إمتحنوا‬
‫أنفسكم " )‪2‬كو ‪. (5 :13‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫على أن الكتاب يروى لنا شيئا عجيبا … أخطر من هذا بكثير … فما هو ؟ إنه حال‬
‫إنسان يبدو مؤمنا ً بالرب ويصلى ‪ ،‬ويصنع المعجزات ‪ ،‬وهو غير مؤمن بالحقيقة !‬
‫بل غير مقبول أمام الله ! هوذا الرب نفسه يقول ‪ " :‬ليس من يقول لى‬
‫يارب يارب ‪ ،‬يدخل ملكوت السموات … " ) متى ‪. ( 21 : 7‬‬
‫ويتابع الرب كلمه قائل ً ‪ " :‬كثيرون سيقولون لى في ذلك اليوم ‪ :‬يارب يارب ‪،‬‬
‫أليس باسمك تنبأنا ‪ ،‬وباسمك صنعنا قوات كثيرة ؟ فحينئذ أصرح لهم إني لم‬
‫أعرفكم قط ‪ .‬إذهبوا عنى يا فاعلي الثم "‬
‫) متى ‪ . ( 23 ، 22 : 7‬ماذا نسمى هؤلء الذين يقولون يارب يا رب … باسمك‬
‫صنعنا كذا وكذا … ؟ أهم مؤمنون بالحقيقة ؟!‬
‫ربما يكون هذا إيمانا ً ظاهريا ً ‪ ،‬إيمانا ً شكلياً‪ ،‬أو إيمانا بالسم ‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫َ‬
‫مجرد إيمان عقلي ‪ ،‬ولكنه ليس إيمانا ً حقيقيا ً مقبول ً أمام الله !‬
‫فما هو إذن اليمان الحقيقى المقبول أمام الله ؟ نسأل الرب‬
‫فيجيب ‪:‬‬
‫" ليس كل من يقول لى يارب يارب … بل الذي يفعل إرادة أبى الذي في‬
‫السموات ) متى ‪ . ( 21 : 7‬ويذكرنا هذا أيضا ً بقصة العذارى الجاهلت اللئى‬
‫استعملن أيضا ً عبارة يارب يارب ووقفن وراء الباب المغلق يقلن ‪ :‬ياربنا ياربنا‬
‫إفتح لنا ‪ .‬فسمعن منه تلك الجابة الصريحة المرعبة " الحق أقول لكن إنى ما‬
‫أعرفكن " ) متى ‪. ( 12 : 25‬‬
‫إن عبارة يارب لتفيد مطلقا ً ‪ ،‬إن كنت تنتظر العريس بمصباح ل‬
‫زيت فيه ‪ ،‬أو إن جيئت بعد أن أغلق الباب …‬
‫ما هو ‪ ،‬اليمان إذن ؟ وما علقته بالزيت الذي يرمز إلى الروح القدس ‪ ،‬وإلى‬
‫المسحة المقدسة ؟ وما علقته بمشيئة الب الذي في السموات ؟ إنه هذا‬
‫اليمان الحي ‪ ،‬المقبول من الله ‪ ،‬كما سنشرح بالتفصيل فيما بعد …‬
‫إذن اليمان ليس مجرد عقيدة ‪ ،‬إنما هو أيضا ً حياة ‪.‬‬
‫يمكن أن تختبره بثماره في حياتك … فهكذا قال الرب " من ثمارهم تعرفونهم‬
‫… كل شجرة جيدة تصنع أثمارا ً ردية ‪ .‬ول شجرة ردية أن تصنع أثمارا ً جيدة ‪.‬‬
‫فإذن من ثمارهم تعرفونهم"‬
‫)متى ‪ . (20– 16 :7‬بهذا تختبر نفسك ‪ :‬هل إيمانك له ثمر ؟ لنه من‬
‫ثمارهم تعرفونهم ‪.‬‬
‫وهكذا يعلمنا القديس يوحنا الحبيب ‪ " :‬بهذا نعرف آننا قد عرفنا … " ‪ ،‬كيف ؟ "‬
‫إن حفظنا وصاياه " ‪ " ،‬من قال قد عرفنه ‪ ،‬وهو ليحفظ وصاياه ‪ ،‬فهو كاذب‬
‫وليس الحق فيه … " ) ‪1‬يو ‪ … ( 4 ، 3 : 2‬إذن اليمان يختبر بحياة الطاعة‬
‫لوصايا الله ‪ .‬والذي ل تكون له هذه الطاعة ليعتبر مؤمنا ً بالحقيقة ‪ .‬بل ل نقول‬
‫عنه إنه قد عرف الله …‬
‫إن هناك وسائل كثيرة لختبار اليمان ‪ ،‬سنحدثك عنها في باب خاص‬
‫‪.‬‬
‫والقديس بولس الرسول يقدم لنا قائمة رائعة لرجال اليمان في رسالته إلى‬
‫العبرانيين ) عب ‪ . ( 11‬وكلهم من ذلك النوع الذي ظهر اليمان في حياته الخاصة‬
‫… مثل أبينا أخنوخ الذي لم يقل الكتاب عنه إنه دافع عن عقيدة معينة ‪ ،‬كالقديس‬
‫أثناسيوس الرسول الذي دافع عن العقيدة ضد الريوسية ‪ ،‬أو كالقديس كيرلس‬
‫الكبير الذي دافع عن العقيدة ضد النسطورية ‪ ،‬ومثل باقي أبطال اليمان في‬
‫العقيدة … إنما كان أخنوخ من أبطال اليمان ‪ ،‬لنه " أرضى الله " ) عب ‪: 11‬‬
‫‪ . ( 5‬أو كما قال سفر التكوين " وسار أخنوخ مع الله " ) تك ‪. ( 24 ، 22 : 5‬‬
‫وأنت قد ل تكون لهوتيا ً عميقا ً في المعرفة مثل القديس أثناسيوس أو القديس‬
‫كيرلس ‪ .‬ولكنك بل شك في إمكانك أن تحيا في منهج أبينا أخنوخ الذي سار مع‬
‫الله وأن تحيا مثل باقي رجال اليمان الذين ذكرهم القديس بولس الرسول الذين‬
‫" أقروا بأنهم غرباء ونزلء على الرض … وكانوا يبتغون وطنا ً أفضل أى سماويا ً "‬
‫) عب ‪. (16 ،13 : 11‬‬
‫لقد كان أبونا إبراهيم من رجال اليمان ‪ ،‬لنه " لما دعي أطاع " ) عب ‪، ( 8 : 11‬‬
‫فخرج وراء الله وهول يعلم إلى أين يذهب " ‪ .‬وحسب من رجال اليمان ‪ ،‬لنه‬
‫صدق مواعيد الله حتى وهو يقدم إبنه وحيده ‪ ،‬واثقا ً أن الله قادر على القامة من‬
‫الموات ) عب ‪ . ( 19 – 17 : 11‬ووضعت زوجته سارة في قائمة أبطال‬
‫اليمان ‪ ،‬لنها صدقت قول الرب " إذ حسبت الذي وعد صادقا ً " )عب ‪: 11‬‬
‫‪. ( 11‬‬
‫إذن ليس أبطال اليمان هم فقط أبطال الدفاع عن العقيدة ‪ ،‬إنما‬
‫أيضا ً أولئك الذين صدقوا الرب ‪ ،‬وساروا معه ‪ ،‬وصنعوا برا ً ) عب ‪11‬‬
‫‪. ( 33 :‬‬
‫وأيضا ً أولئك الذين " عذبوا ولم يقبلوا النجاة ‪ ،‬لكي ينالوا قيامة أفضل " ‪ ،‬أولئك‬
‫الذين " طافوا في جلود غنم وجلود ماعز ‪ ،‬معتازين مكروبين مذلين ‪ " ،‬تائهين‬
‫في براري وجبال ومغائر وشقوق الرض ‪ " ،‬وهم لم يكن العالم مستحقا ً لهم " )‬
‫عب ‪ . ( 38 – 35 : 11‬هؤلء كلهم كانوا مشهودا ً لهم باليمان‬
‫)عب ‪ . ( 39 : 11‬في كل هذا يعطينا الكتاب معنى واسعا ً لكلمة‬
‫اليمان ‪ .‬ومعلمنا القديس بولس الرسول يقول لنا في معنى اليمان هذا ‪:‬‬
‫"اليمان هو الثقة بما يرجى ‪ ،‬واليقان بأمور لترى "‬
‫)عب ‪ . ( 1 : 11‬وعبارة أمور ل ترى هي عبارة واسعة جدًا ‪ ،‬سندخل في تفاصيلها بعد حين إن شاء ال ‪ .‬ولكننا نقول كمثال ‪ :‬أنت ترجو أشياء‬
‫كثيرة بعد الموت ‪ .‬ترجو حياة أخرى دائمة ‪ ،‬وعشرة مع الملئكة والقديسين ‪ .‬وترجو رؤية الرب في الفردوس ‪ .‬وترجو القيامة من الموت‬
‫بجسد روحابي غير قابل للفساد )‪1‬كو ‪ . (15‬وترجو النعيم البدى‬
‫بعد القيامة العامة ‪ .‬وأنت تثق بوجود كل هذه المور‬
‫ً‬
‫ثقة يقينية كاملة ل شك فيها ‪ ،‬دون أن ترى من كل ذلك شيئا … إنه اليمان ‪.‬‬
‫وهنا نرى أن اليمان يرتفع فوق مستوى الحواس ‪:‬‬
‫إنه ل يتعارض مع الحواس ‪ ،‬إنما هو مستوى أعلى من مستوى الحواس ‪ .‬وهو‬
‫قدرة أعلى من قدرة الحواس التى لها نطاق معين ل تتعداه فالحواس المادية‬
‫تدرك الماديات ‪ .‬غير أن هناك أشياء غير مادية ‪ ،‬تخرج عن نطاق قدرة الحواس‬
‫المادية ‪ .‬وحتى قدرة الحواس بالنسبة للشياء المادية ‪ ،‬هي محدود أيضا ً ‪ .‬وكثيرا ً‬
‫ما تستعين الحواس بعديد من الجهزة لمعرفة أشياء مادية أدق من أن تدركها‬
‫حواسنا الضعيفة ‪ .‬فكم بالحري إذن المور غير المادية ‪ ،‬التى قال عنها الرسول‬
‫إنها "أمور ل ترى " ؟! إن ما يرى بالعين المادية يدخل في نطاق ) العيان ( وليس‬
‫اليمان ) ‪ 2‬كو ‪ . ( 7 : 5‬فالروح مثل ً ل ترى ول تدرك بالحواس المادية ‪ .‬سواء‬
‫كانت روح بشر أو ملئكة ‪ .‬وعدم إدراك الحواس لها ل يعي عدم وجودها ‪ .‬إنما‬
‫يعني أن قدرة الحواس محدودة ‪ .‬لها نطاق معين تعمل فيه ل يصل إلى مستوي‬
‫الروح ‪ .‬والله روح ) يو ‪ . ( 24 : 4‬لذلك فإنه ل يدرك بالحواس‬
‫المادية ‪.‬‬
‫لذلك فإنني عجبت من رائد الفضاء الذي قال إنه صعد إلى السماء ولم ير الله !‬
‫وقد ظن في تهكمه أنه يمكن أن يرى الله بهذه العين الجسدية القاصرة التى ل‬
‫ترى كثيرا ً من الماديات ! كما أن الله في كل مكان ‪ ،‬في الرض وفي السماء وما‬
‫بينما ‪ ،‬ول يحده مكان ‪ .‬فإن كان لم ير الله على الرض ‪ ،‬فلن يراه أيضا ً في‬
‫السماء ‪ ،‬ول في أى موضع آخر ‪ ،‬لن الله ل يرى إل باليمان … تراه بالروح ) ‪1‬‬
‫كو ‪ . ( 10 : 2‬عدم رؤيتك لله بعينك ‪ ،‬ل يعنى أن الله موجود ‪ .‬إنما نفسير ذلك‬
‫هو أن عينك قاصرة ‪ .‬ومهما قويت ‪ ،‬فإن لها نطاقا ً محدودا ً تعمل فيه ‪ ،‬هو نطاق‬
‫الماديات ‪ .‬ولذلك قلنا إن اليمان أعلى من مستوى الحواس ‪.‬‬
‫في العهد القديم ‪ ،‬كان مستوى الناس ضعيفا ً ‪ ،‬فكان تأثير الحواس‬
‫في الدرجة الولى والهم ‪ ،‬لذلك كان الله يظهر لهم في السحاب‬
‫والضباب والنار ‪.‬‬
‫لقد كلمهم من على الجبل وسط البروق والرعود ‪ ،‬والجبل يدخن ‪ ،‬وقد صعد‬
‫دخانه كدخان التون ‪ .‬وارتجف كل الجبل جدا ً ‪ .‬وكان سحاب ثقيل على الجبل ‪،‬‬
‫وصوت بوق شديد ‪ ،‬فارتعد كل الشعب الذي في المحلة ) خر ‪. ( 18 – 16 : 19‬‬
‫وكان كان المنظر هكذا مخيفا ً حتى قال موسى أنا خائف ومرتعد ) عب ‪: 12‬‬
‫‪ . ( 21‬بهذا السلوب كانوا يفهمون قوة الله وأهمية الوصية المعطاة لهم ‪ .‬أما‬
‫في الحياة اليمان ‪ ،‬فإن القلب يفهم قوة الله في غير حاجة مطلقا ً إلى هذا‬
‫العتماد الكبير على الحواس ‪ .‬إن اليمان مستوى أعلى من الحواس ‪ ،‬ل يعتمد‬
‫عليها ‪ ،‬ول يحتاج إليها ‪.‬‬
‫واليمان مستوى أعلى من العقل ‪:‬‬
‫إن العقل قد يوصلك إلى بداية الطريق ‪ .‬أما اليمان فيكمل معك الطريق إلى‬
‫أقصاه ‪ .‬اليمان ل يتعارض مع العقل ‪ .‬ولكنه يتجاوزه إلى مراحل أبعد بما ل‬
‫يقاس ‪ ،‬ل يستطيع العقل بمفرده أن يصل إليها ‪ .‬وما ل يدركه العقل ‪ ،‬نسميه "‬
‫غير الدرك " ‪ .‬ونحن نصف الله بأنه " غير مدرك " ‪ .‬لنه أيضا ً غير محدود ‪ .‬بينما‬
‫العقل البشرى محدود ول يدرك سوى المور المحدودة ‪ ،‬التى تدخل في نطاقه ‪.‬‬
‫العقل يستطيع أن مجرد معرفة الله ‪ ،‬وإلى بعض صفاته ‪ .‬ولكن باليمان " الروح‬
‫يفحص كل شئ ‪ ،‬حتى أعماق الله " ) ‪ 1‬كو ‪ . ( 10 : 2‬وبالنسبة إلى المؤمن ‪،‬‬
‫يكشف الله له ذاته ‪ .‬أو يكشف له ما يحتمل الطبيعة البشرية أن تدركه …‬
‫العقل قد ل يدرك أشياء كثيرة ‪ ،‬ولكنه يقبلها ‪:‬‬
‫العقل ليس من طبيعته أن يرفض كل ما ل يدركه ‪ .‬بل حتى في المحيط المادي‬
‫في العالم الذي نعيش فيه ‪ ،‬توجد مثل ً مخترعات كثيرة ل يدركها إل‬
‫المتخصصون ‪ .‬ومع ذلك فالعقل العادي يقبلها معها ‪ ،‬دون أن يدرك كيف تعمل ‪،‬‬
‫وكيف تحدث ‪ .‬والموت يقبله العقل ‪ ،‬ويتحدث عنه ‪ ،‬ومع ذلك فهو ل يدركه ‪ ،‬ول‬
‫يعرف كيف يحدث ‪ .‬فإن كان العقل يقبل أمورا ً كثيرة في عالمنا ‪ ،‬وهول يدركها ‪.‬‬
‫فطبيعي ل يوجد ما يمنعه من قبول أمورا ً أخرى أعلى من مستوى هذا العالم ‪.‬‬
‫العقل ل يدرك ) المعجزة ( كيف تتم ‪ .‬ولكنه يقبلها ويطلبها ‪ ،‬ويفرح بها ‪.‬‬
‫لقد سميت المعجزة معجزة ‪ ،‬لن العقل يعجز عن إدراكها وعن تفسيرها ‪ .‬ولكنه‬
‫يقبلها باليمان … اليمان بوجود قوة غير محدودة ‪ ،‬أعلى من مستواه ‪ ،‬يمكنها أن‬
‫تعمل ما يعجز العقل عن إدراكه ‪ .‬وهذه القوة هي قوة الله القادر على كل شئ ‪.‬‬
‫إننا نحترم العقل ‪ .‬ولكننا في نفس الوقت ندرك حدود النطاق الذي يعمل فيه ‪.‬‬
‫ول نوافق العقل ‪ .‬المغرور الذي يريد أن يعي كل شئ ‪ ،‬رافضا ً كل ما هو فوق‬
‫مستوى إدراكه ‪.‬‬
‫ينبغي للعقل أن يتضح ‪ ،‬ويعرف مستواه " ول يرتئي فوق ما ينبغي " ) رو ‪: 12‬‬
‫‪ . ( 3‬وفي المور التى هي فوق إدراكه ‪ ،‬يجب أن يسلم قياده لليمان ‪ .‬أما إن‬
‫أراد العقل أن يحطم كل ما ل يدركه ‪ ،‬فإنه سيحطم نفسه أخيرا ً ‪ ،‬ويفقد اليمان‬
‫ويحصر نفسه في دائرة ضيقة جدا ً ‪،‬هي دائرة إدراكه المحدود ‪ .‬والذين يسلكون‬
‫هكذا ً ‪ ،‬إعتاد البعض أن يسميهم ) العقلنيون ( ‪ ،‬لنهم يعتمدون على العقل‬
‫وحده ‪ ،‬ودون الروح ! إن العاقل يمكنه أن يصل إلى الله ‪ .‬أما العقلني فل يصل ‪.‬‬
‫والمؤمنون عاقلون ‪ ،‬ويحترمون العقل ‪ ،‬ويستخدمونه أيضا ً في المور الدينية‬
‫واللهوتية ‪ .‬ويوجد بين المؤمنين فلسفة وحكماء وأشخاص على مستوى عال من‬
‫الفكر والذكاء ‪ .‬ولكنهم على الرغم من كل هذا ‪ ،‬ل يمزجون العقل بالغرور ول‬
‫يثقون بقدرة العقل على إدراك كل شئ ‪ .‬وإنما في بساطة واتضاع ‪ ،‬يعترفون أن‬
‫عقولهم محدودة ‪ ،‬وقصرة عن إدراك كل ميحيط بالله غير المدرك … وباليمان‬
‫تقبل قلوبهم وعقولهم ماهو فوق مستوى العقل …‬
‫العقل البسيط التواضع ‪ ،‬هو الذي يقبل اليمان ‪ ،‬والمعجزة ‪.‬‬
‫نقصد بعبارة ) التواضع ( إنه ل يعتز بإدراكه الخاص ‪ .‬ول يحطم كل ما هو فوق‬
‫إدراكه ‪.‬ونقصد بعبارة ) البسيط ( ‪ ،‬العقل الذي ل يعقد المور ‪ ،‬ول يصر على‬
‫إدخال كل شئ في حدود معامله ومقاييسه الخاصة ‪ .‬ولعنا سنعود إلى هذه‬
‫النقطة ‪ ،‬حينما نتحدث عن ) بساطة اليمان ( ‪.‬‬
‫اليمان ليس هو مجرد تلوة قانون اليمان ‪ ،‬إنما هو حياة نحياها ‪.‬‬
‫إن كنت تحيا في اليمان ‪ ،‬واليمان له ثماره في حياتك العملية ‪ ،‬فإنك تستطيع أن‬
‫تختبر إيمانك بالفضائل التى تبدو واضحة في حياة المؤمن ‪ ،‬وهي عديدة … وبها‬
‫تنفيذ قول الرسول " إمنحوا أنفسكم ‪ :‬هل أنتم في اليمان ؟ إختبروا أنفسكم " )‬
‫‪ 2‬كو ‪. ( 5 : 13‬‬
‫اليقان بأمور ل ترى‬
‫قال الرسول في معني اليمان إنه " الثقة بما يرجى ‪ ،‬واليقان بأمور ل ترى "‬
‫) عب ‪ . ( 1 : 11‬ونود أن نعرف تفسير هذه العبارة ‪.‬‬
‫اليقان ‪:‬‬
‫ً‬
‫أى التأكيد الشديد ‪ ،‬والثقة ‪ ،‬والعقيدة التى ل تعرف شكا ‪ .‬ليس المر مجرد فكر‬
‫أو رأى ‪ ،‬أو معلومات نتيجة قراءة أو سماع ‪ .‬إنما يقين أكيد بوجود هذه المور‬
‫التى ل ترى ‪.‬‬
‫وهنا يبدو الفرق بين رجال اليمان ‪ ،‬ورجال البحوث العلمية ‪.‬‬
‫أصحاب البحوث العلمية ‪ ،‬ل تدخل في نطاق عملهم كل تلك المور التى ل ترى ‪.‬‬
‫وهم ل يكونون في حالة يقين من شئ إل إذا فحصوه تماما ً بكل أجهزتهم‬
‫ومقاييسهم العلمية ‪ .‬وعلى نفس هذا المنهج كل أصحاب المذاهب المادية ‪ .‬أما‬
‫المؤمنون فهم ليسوا كذلك ‪ .‬إنهم يتعبون قول الرب " طوبى لمن آمن دون أن‬
‫يرى " ) يو ‪ . ( 29 : 20‬المؤمن يقبل مثل ً فكرة الخلق من العدم ‪ .‬أما الباحث‬
‫العلمي ‪ ،‬فترفض أبحاثه هذا المر ‪ ،‬كما ترفض أيضا ً أن يشبع من خميس خبزات‬
‫خمسة آلف رجل ) غير النساء والطفال ( ‪ ،‬وتفيض عنهم إثنتا عشرة قفة‬
‫مملوءة ‪ .‬أما المؤمن فيقبل كل هذا …‬
‫المؤمن يقبل أول ً فكرة الله القادر على شئ ‪ .‬ثم في دائرة يقينه من جهة هذه‬
‫القدرة غير المحدودة ‪ ،‬يقبل كل شئ …‬
‫وهكذا يريح نفسه من شكوك غير المؤمن ومن بحوثه وفحوصه الكثيرة ‪ .‬وهو‬
‫ليس فقط يقبل ما ل ‪ ،‬ويكون موقنا ً بوجود غير المرئيات ‪ ،‬بل إنه أكثر من هذا‬
‫يعايش ما ل يرى ‪ ،‬ويركز فيه كل تفكيره وكل عواطفه ‪ ،‬حسبما قال الرسول "‬
‫غير ناظرين إلى المور التى ترى ‪ ،‬لن التى ترى وقتية ‪ .‬أما التى ل ترى فأبدية "‬
‫) ‪ 2‬كو ‪ . ( 18 : 4‬ولعلك تسأل ‪ :‬كيف ننظر ما ل يرى ؟ فأقول باليمان ‪ .‬ما هي‬
‫إذن هذه المور التى ل ترى ؟ لعل في مقدمتها الله نفسه ‪ ،‬وصفاته ‪ ،‬وعمله ‪،‬‬
‫وكل ما يتعلق به ‪.‬‬

‫إن الله ل يرى ‪ ،‬وقد قال القديس يوحنا النجيلي ‪ " :‬الله لم يره أحد قط … "‬
‫) يو ‪ . ( 18 : 1‬حقا ً من يستطيع أن يرى اللهوت ؟! ل أحد ‪ .‬ومع ذلك فأنت‬
‫تؤمن به من كل قلبك ‪ ،‬وبكل ثقة ‪ .‬ول يعتمد هذا اليمان مطلقا ً على الحواس ‪.‬‬
‫أو قل إنك تراه بتلك الحواس الروحية الدربة ) عب ‪ . ( 14 : 5‬تلك الحواس غير‬
‫المادية التى تدربت أن ترى ما ل يرى ‪ .‬ولنا أمثلة على ذلك من الكتاب ‪:‬‬
‫يقول داود النبي " تقدمت فرأيت الرب أمامي في كل حين ‪ ،‬لنه عن‬
‫يميني فل أتزعزع "‬
‫) مز ‪ . ( 15‬فكيف رأى الرب أمامه وعن يمينه كل حين ؟ ل شك أنه رآه بعين‬
‫اليمان ‪ .‬وفي بعض الترجمات يقول " جعلت الرب أمامي كل حين " ‪ .‬أى أنه‬
‫ناظر إليه باستمرار ‪ ،‬ناظر إلى ما ل يرى ‪ ،‬مركزا ً فيه فكره وشعوره ‪ .‬وبنفس‬
‫المعني يقول إيليا النبي " حي هو رب الجنود الذي أنا واقف أمامه "‬
‫) ‪ 1‬مل ‪ . ( 15 : 18‬فكيف شعر أنه واقف أمام الرب ؟ وكيف كان يرى الرب‬
‫أمامه في كل حين ؟ … ليس بالحواس الجسدية طبعا ً ‪ ،‬لن الحواس الجسدية‬
‫ليست هي التى تحرك قلب المؤمن ‪ .‬بل إن الرب أمامه باليمان ‪ .‬وهو باليمان ‪.‬‬
‫وهو باليمان يرى ما ل يرى ‪.‬‬
‫إن كنت في اليمان ‪ ،‬فل بد ستثق إن الله أمامك في كل حين ‪،‬‬
‫وتتصرف وفق هذا اليمان ‪ :‬إنه يراك ويسمعك …‬
‫وإن عشت في اليمان ‪ ،‬فستثق أن الله في وسط شعبه ‪ ،‬حسب وعده الصادق "‬
‫… هناك أكون في وسطهم " ) متى ‪ " ، ( 20 : 18‬ها أنا معكم كل اليام وإلى‬
‫انقضاء الدهر " ) متى ‪ . ( 20 : 28‬إنك لست تراه بعينك الجسدية ‪ ،‬ولكنك تؤمن‬
‫تماما ً أنه في وسطنا ‪ .‬لست محتاجا ً أن ترى بعينيك لكي تصدق ‪ .‬فأنت تؤمن دون‬
‫أن ترى ‪ .‬أو ترى ما ل يرى ‪.‬‬
‫ما هي حياتنا الروحية يا إخوتى ؟ إنها ليست سوى انتقال من نطاق‬
‫المحسوسات والمرئيات إلى نطاق ما ل يرى ‪.‬‬
‫ونحن نعيش في ما ل يرى ‪ ،‬بملئ الثقة أنه موجود أمامنا ‪ .‬وهذا هو الفرق بين‬
‫المؤمن وغير المؤمن ‪ .‬غير المؤمن يريد أن يرى كل شئ بعينيه ‪ ،‬و ال فإنه ل‬
‫يصدق ‪.‬‬
‫أما المؤمن فإنه ل يجعل من عينيه حكما ً على كل ما يؤمن به … ول‬
‫كل حواسه ‪ ،‬ول المعلومات الظاهرة ‪ .‬بل إن قلبه يوقن بوجود أمور ل يراها‬
‫بعينيه … إن اعتماد النسان على عينيه لكي يصدق ‪ ،‬أمر وبخ الرب عليه تلميذه‬
‫توما قائل ً له " ل تكن غير مؤمن بل مؤمنا ً " " ألنك رأيتني يا توما آمنت‬
‫؟! طوبى للذين آمنوا ولم يروا " ) يو ‪ . ( 29 ، 27 : 21‬قلنا إنه من ضمن اليقان‬
‫بأمور ل ترى ‪ ،‬اليمان بالله … ولكننا ل نعني بهذا ‪.‬‬
‫مجرد اليمان بوجود الله ‪ ،‬وإنما اليمان بصفاته وبعمله ‪.‬‬
‫فتؤمن مثل ً بصلح الله وخيريته ‪ .‬وبأنه ل يصنع إل خيرا ً ‪ .‬وتؤمن أنه ضابط الكل ‪،‬‬
‫يرقب كل شئ وكل أحد ‪ .‬وتؤمن أن الله قادر على كل شئ ‪ ،‬وأن " غير‬
‫المستطاع عند الناس ‪ ،‬مستطاع عند الله "‬
‫) لو ‪ . ( 27 : 18‬وتؤمن بمحبة الله لك ولغيرك … كل هذه الصفات ‪ ،‬ل تراها ‪.‬‬
‫ولكن تؤمن بوجودها ‪ ،‬وتؤمن برعاية الله للكون ‪ ،‬وحفظه له جملة ‪ ،‬ولكل فرد‬
‫فيه على حدة … وتؤمن أن الله يعمل ‪ ،‬سواء رأيت عمله أو نتائج عمله ‪ ،‬أو لم‬
‫تر شيئا ً …‬
‫‪ – 2‬ومن الشياء التى ل ترى أيضا ً مواعيد الله ‪.‬‬
‫وقد حسب من رجال اليمان أولئك الذين " لم ينالوا المواعيد ‪ ،‬بل من بعيد‬
‫نظروها وصدقوها وحيوها ‪ ،‬وأقروا بأنهم نزلء وغرباء على الرض " ) عب ‪3 : 11‬‬
‫( ‪ .‬وهؤلء نظروا باليمان ‪ ،‬صدقوا ما قيل لهم من قبل الرب … ومن هذه‬
‫المواعيد " ما أعده الله للذين يحبونه " وكلها من المور التى ل ترى ‪ ،‬إذ قال عنها‬
‫الرسول " ما لم تره عين ‪ ،‬ولم تسمع به أذن ‪ ،‬ولم يخطر على قلب بشر "‬
‫) ‪ 1‬كو ‪ . ( 9 : 2‬ومن المور التى ل ترى ‪ ،‬إنذارات الله ‪.‬‬
‫لقد آمن نوح بكلم الرب أنه سيحدث طوفان ‪ ،‬مع أن كلمة ) طوفان ( هذه ‪،‬‬
‫كانت جديدة على سمعه وعلى معرفته ‪ .‬ولم يحدث طوفان من قبل في أيامه ‪،‬‬
‫ول في أيام سابقيه ‪ .‬ولكنه آمن بحدوث هذا الشئ الذي لم يره أحد من قبل ‪.‬‬
‫وظل سنوات يعمل في بناء الفلك ‪ ،‬محتمل ً استهزاء الناس به وبفلكه وتهكمهم‬
‫… وكانت سنوات من اليمان ‪ .‬ولذلك أعتبر أبونا نوح من رجال اليمان لنه صدق‬
‫إنذار الله بالطوفان ‪ .‬وباليمان رأى هذا الطوفان قائما ً قبل أن يكون ‪ .‬ولذلك‬
‫دخل الفلك هو وبنوه ونساؤهم ‪ .‬وكما قال معلمنا القديس بولس الرسول "‬
‫باليمان نوح ‪ ،‬لما أوحي إليه عن أمور لم تر بعد ‪ ،‬خاف فبني فلكا ً لخلص بيته …‬
‫" ) عب ‪ . ( 7 : 11‬بينما معاصروه لم يصدقوا إنذار الله ‪ ،‬ولم يؤمنوا بصدق كلم‬
‫الله فهلكوا … ونفس الوضع نقوله عن أبينا لوط وأهل سدوم ‪ .‬هو صدق إنذار‬
‫الله قبل أن يحدث ‪ .‬مع أنها كانت المرة الولى التى تنزل فيها نار من السماء‬
‫كما كانت المرة الولى التى يحدث فيها طوفان في أيام نوح ‪ .‬وهوذا إنذارات الله‬
‫الخاصة بالبدية وبالدينونة قائمة أمامنا ‪ ،‬ومع ذلك فالناس مازالوا في شرورهم‬
‫وأخطائهم ‪ ،‬كأن الله لم يقل شيئا ً … ل مخافة الله في قلوبهم ‪ ،‬ول خشية البدية‬
‫‪ ،‬ول حرصا ً ‪ ،‬ول توبة … تحدثنا عن الله وعن صفاته وعمله ‪ ،‬وعن مواعيده‬
‫وإنذارته ‪ ،‬ضمن المور التى ل ترى ‪ .‬ونضيف على ذلك ‪:‬‬
‫‪ – 3‬سكني الروح وعمله فينا ‪ ،‬من المور التى ل ترى ‪:‬‬
‫صموئيل النبي صب من قنينة الدهن على الصبي داود ‪ ،‬فحل عليه روح الرب‬
‫) ‪ 1‬صم ‪ .( 13 : 16‬ولم ير أحد روح الرب وهو يحل عليه ‪ .‬ولكن هكذا كان ‪ .‬إنه‬
‫من المور التى ل ترى وكان الرسل يضعون أيديهم على الناس ‪ ،‬فيحل عليهم‬
‫الروح القدس ) أع ‪ . ( 17 : 8‬وما كان أحد يرى الروح القدس وهو يحل على‬
‫الناس ‪ .‬ثم أصبح الروح القدس ينال بالمسحة المقدسة‬
‫) ‪ 1‬يو ‪ . ( 27 ، 20 : 2‬وعرفت هذه المسحة باسم ) الميرون ( ‪ .‬ولم يكن أحد‬
‫يرى الروح ‪ ،‬إنما ثماره تظهر في الحياة ‪ .‬أنت تعرف تماما أن هناك قوة خفية‬
‫تعمل فيك وتعمل معك ‪ ،‬دون أن تراها ‪ ،‬هي التى قال عنها الرب " ولكنكم‬
‫ستنالون قوة متى حل الروح القدس عليكم " ) أع ‪ . ( 8 : 1‬هذه القوة ‪ ،‬قوة‬
‫الروح هي التى تعمل فيك كل خير ‪ ،‬وتساعدك في كل خدمة ‪ ،‬وتحميك من كل‬
‫خطية …‬
‫هنا ونقول إن حياتنا كلها تصبح شركة مع الروح القدس ) ‪ 2‬كو ‪. ( 14 : 13‬‬
‫ما هذه الشركة ؟ وكيف تحدث ؟ وكيف نصبح شركاء للطبيعة اللهية في العمل ؟‬
‫إن هذا من المور التى ل ترى ‪ .‬ل نراها ولكن نؤمن بها ‪ .‬نؤمن بروح الله العامل‬
‫في الكنيسة ‪ ،‬الساكن فيها ‪ .‬هوذا الرسول يقول " أما تعلمون أنكم هيكل الله ‪،‬‬
‫وروح الله يسكن فيكم " )‪ 1‬كو ‪ " ، ( 16 : 3‬أم لستم تعلمون أن جسدكم هو‬
‫هيكل للروح القدس الذي فيكم ‪ ،‬الذي لكم من الله " ) ‪ 1‬كو ‪ . ( 19 : 6‬وسكني‬
‫الروح فينا أمر ل نراه ‪ .‬قد نرى ثماره فقط ‪ .‬أما نفس السكني فل نراها ‪ .‬والروح‬
‫ل نراه ‪ .‬ومن عمل الروح فينا قول الرب لنا عن الوقوف أمام الولة والملوك "‬
‫لنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به ‪ .‬لن لستم أنتم المتكلمين ‪ ،‬بل روح‬
‫أبيكم يتكلم فيكم " ) متى ‪ . ( 20 ، 19 : 10‬كيف يتكلم روح الله فينا ؟ إن هذا‬
‫من المور التي ل ترى ‪.‬‬
‫‪ – 4‬وعمل النعمة فينا ‪ ،‬من المور التي ل ترى ‪:‬‬
‫تأتينا زيارات من النعمة ‪ ،‬تشعلنا بمحبة الله ‪ .‬ل نراها ولكن نحسها ‪ .‬ول شك‬
‫أن عمل النعمة فينا هو من المور التي ل ترى ‪ .‬يقول القديس يوحنا للنجيلي "‬
‫أما النعمة والحق فبيسوع المسيح صارا "‬
‫) يو ‪ . ( 17 : 1‬فما هي هذه النعمة العاملة فينا ؟ ما هي هذا النعمة التي عاش‬
‫بها القديس بولس الرسول فقال " … ولكن بنعمة الله ‪ ،‬أنا ما أنا ‪ .‬ونعمته‬
‫المعطاة لي لم تكن باطلة " )‪1‬كو ‪. (10 :15‬‬
‫ويقول عنا جميعا ً " فإن الخطية لن تسود كم ‪ ،‬لنكم لستم تحت الناموس ‪ ،‬بل‬
‫تحت النعمة "‬
‫) رو ‪ . ( 14 : 6‬ويقول لتلميذه تيموثاوس السقف " فتقو أنت يا إبنى بالنعمة‬
‫التي في المسيح يسوع " ) ‪ 2‬تى ‪ . ( 1 : 2‬نحن ل نرى هذا النعمة بعيوننا‬
‫الجسدية ‪ ،‬فهي من المور التي ل ترى ‪ .‬ولكننا نلمسها في حياتنا ‪ .‬وعمل نعمة‬
‫الله فينا هو فوق الحواس ‪ .‬ونحن نتقبل هذه النعمة من الله ‪ .‬ونأخذها بركة من‬
‫الكنيسة التي تردد لنا قول القديس بولس الرسول " نعمة ربنا يسوع المسيح ‪،‬‬
‫ومحبة الله ‪ ،‬وشركة الروح القدس تكون مع جميعكم ‪ ،‬آمين " ) ‪2‬كو ‪: 13‬‬
‫‪ . ( 14‬إن هذا يجعلنا ننتقل إلى نقطة أخرى هي البركة ‪:‬‬
‫‪ – 5‬البركة أيضا ً هي من المور التي ل ترى ‪:‬‬
‫سواء البركة التي من الله نفسه مباشرة ‪ ،‬أو بركة الله التي تأتي عن طريق‬
‫الوالدين ‪ ،‬أو من الكنيسة من الب الكاهن ‪ .‬كلها أمور ل ترى ‪ .‬لقد قال الله لبينا‬
‫ابرآم أبى الباء " أباركك ‪ ،‬وأعظم إسمك ‪ .‬وتكون بركة ‪ .‬وأبارك مباركيك …‬
‫وتتبارك فيك جميع قبائل الرض " ) تك ‪ . ( 3 ، 2 : 12‬لقد رأى ابرآم ثمار هذه‬
‫البركة في حياته ‪ .‬ولكن البركة نفسها ‪ :‬ما هي ؟ إنها من المور التي ل ترى ‪.‬‬
‫واسحق بارك يعقوب إبنه ‪ ،‬فصار مباركا ً ‪ .‬وبكي عيسو لنه لم يحصل على هذه‬
‫البركة ) تك ‪ . ( 27‬ويعقوب بارك افرايم ومنسي قائل ً " الملك الذي خلصني من‬
‫كل شر يبارك الغلمين " ) تك ‪ . ( 16 : 48‬وصار الغلمان مباركين ‪ .‬ولكن افرايم‬
‫صار أكثر بركة من أخيه ‪ ،‬لن أبانا يعقوب وضع عليه يده اليمين ) تك ‪– 17 : 48‬‬
‫‪ . ( 20‬ما هي هذه البركة ؟ وكيف سرت من يد إسحق ومن يد يعقوب ؟ وكيف‬
‫سرت من أيدى الباء الرسل ؟ وكيف تسرى من أيدى خلفائهم ومن رجال الله‬
‫جميعا ً ‪ ،‬كما يروى لنا الكتاب … ؟ إنها كلها أمور ل ترى ‪ .‬ونحن نؤمن بالبركة مع‬
‫أنها ل ترى ‪ ،‬ونسعى إلى طلبها ونواها ‪ .‬ونأخذها من أيدى الباء والمهات ومن‬
‫الباء الكهنة ومن كل رجال الله المباركين ‪ .‬ونعرف تماما ً أن ابرآم كان بركة‬
‫للعالم حسب قول الرب ‪ .‬وأن يوسف الصديق كان بركة في بيت فوطيفار وبركة‬
‫في كل أرض مصر ‪ ،‬وأن إيليا النبي كان بركة في بيت أرملة صرفة صيدا …‬
‫نقول هذا كله ‪ ،‬ونحن ل نستطيع وضع معنى محدد للبركة ‪ ،‬فهي أوسع بكثير من‬
‫اللفاظ المحدودة ‪ .‬وهي أمر ل يرى ‪ .‬نرى ثماره فقط ‪ .‬ولكن البركة نفسها ‪ .‬من‬
‫يستطيع أن يراها و بشخصها ؟! كيف سرت البركة من يد السيد المسيح إلى‬
‫الخمس خبزات و السمكتين ‪ ،‬فصار هذا الطعام البسيط كافيا ً لعدة آلف من‬
‫الناس ‪ ،‬وفاض عنهم إثنتا عشرة قفة مملوءة ؟ كيف حدث هذا المر ؟ وما‬
‫نوعيته ومفعوله وبالضبط…كلها أمور ل ترى ‪...‬‬
‫‪ - 6‬ومن ضمن اليمان أيضا ً بما ل يرى ‪ ،‬اليمان بوجود الملئكة‬
‫وعملهم ‪:‬‬
‫نحن نؤمن بوجود الملئكة ‪ ،‬الملئكة أرواح ل ترى ‪ .‬وربما ل نكون قد رأينا‬
‫ملكا ً في حياتنا كلها ‪ .‬ومع ذلك نؤمن أنهم حولنا وأن " ملك الرب حال حول‬
‫خائفيه وينجيهم " ) مز ‪ . ( 7 : 34‬ونوقن بأن الملئكة تمل الكنيسة ‪ .‬ونثق أنهم‬
‫معنا في كل مواضيعنا " أليسوا جميعهم أرواحا ً خادمة ‪ ،‬مرسلة للخدمة لجل‬
‫العتيدين أن يرثوا الخلص " ) عب ‪. ( 14 : 1‬‬
‫كثيرون يفرحون حينما يرون العذراء في رؤيا ‪ ،‬أو يرون قديسين ‪.‬‬
‫ولكن أعظم من هذا أن تؤمن بأن كل هؤلء حولك ‪ ،‬دون أن تراهم ‪ .‬ليس من‬
‫الضروري أن يرسل لك الله حمامة بيضاء أثناء حضورك اجتماعات المساء في‬
‫الكنيسة … إنما أنت تؤمن – دون أن ترى – أن الكنيسة مملوءة بأرواح الملئكة ‪.‬‬
‫وترفرف عليها أرواح القديسين الذين يرسلهم الله لخدمة البشر …‬
‫إن جيحزى تلميذ أليشع ‪ ،‬خاف لما رأى العداء محيطين بالمكان …‬
‫ولكن أليشع ‪ ،‬الرجل المفتوح العينين ‪ ،‬فكان يرى الملئكة يدافعون عن‬
‫المدينة ضد هؤلء العداء ‪ .‬لذلك طمأن غلمه قائل ً له " لتخف‪ ،‬لن‬
‫الذين معنا أكثر من الذين علينا " )‪ 2‬مل ‪. (16: 6‬‬
‫وصلى من أجله لكي يفتح الرب عينيه فيرى ‪ ،‬إذ كان جيحزى ليس له اليقان‬
‫بأمور ل ترى ‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ – 7‬ومن اليقان بما ل يرى أيضا ‪ :‬اليمان بالروح ‪ ،‬والعالم الخر ‪:‬‬
‫نحن ل نرى الروح ‪ .‬ولكننا نوقن بوجودها‪ .‬وحينما يموت إنسان ‪ ،‬تقول إن‬
‫روحه فارقت جسده ‪ .‬ونحن لم نر هذه الروح تفارق الجسد ‪ .‬كذلك اليمان أيضا ً‬
‫يشمل مصير هذه الروح تفارق الجسد ‪ .‬كذلك اليمان أيضا ً يشمل مصير هذه‬
‫الروح ‪ ،‬في الفردوس أو الجحيم ‪ .‬ويشمل أيضا ً عودة هذه الروح إلى الجسد‬
‫بالقيامة ‪ .‬ومصير هذا النسان القائم من الموات في البدية بعد الدينونة العامة‬
‫… وكل هذه المور ‪ :‬الروح – القيامة – البدية – الدينونة ) الحساب ( – الفردوس‬
‫– النعيم – الجحيم … كلها أمور ل ترى ‪ .‬لذلك فاليقان بوجودها جميعها يدخل في‬
‫نطاق اليمان ‪ .‬حقا ً إن العالم الخر بكل ما فيه ‪ ،‬يتحدث عنه أحد إل باليمان ‪.‬‬
‫والذي يؤمن بالحياة بعد الموت ‪ ،‬إنما يوقن بأمور ل ترى ‪.‬‬
‫‪ – 8‬لقد آمن الناس بمجيء المسيا ‪ ،‬دون أن يروه ‪:‬‬
‫حتى المرأة السامرية ‪ ،‬قالت للرب " أنا أعلم أن المسيا – الذي يقال له‬
‫المسيح – يأتي ‪ .‬فمتي جاء ذاك يخبرنا بكل شئ " ) يو ‪ . ( 25 : 4‬وهكذا كان‬
‫الجميع موقنين بمجيء المسيا ‪ ،‬حسب وعد الرب ‪ .‬وكانوا ينتظرونه بكل شوق ‪.‬‬
‫ويعرفون ما قاله أشياء النبي " ها العذراء تحبل وتلد ابنا ً ‪ ،‬وتدعو إسمه عمانوئيل‬
‫" ) اش ‪ . ( 14 : 7‬وما كانوا قد رأوا من قبل عذراء تلد ‪ ،‬ومع ذلك آمنوا بهذا‬
‫المر فيما بعد … ويشبه اليمان الذي كان به أهل العهد القديم ينتظرون مجيء‬
‫المسيا ‪ ،‬هكذا نحن في العهد الجديد ننتظر مجيء الرب ثانية ‪ ،‬على السحاب ‪،‬‬
‫حسب وعد الرب ) متى ‪ ، ( 25 ، 24‬وحسب بشرى الملكين للتلميذ ) أع ‪: 1‬‬
‫‪ . ( 11‬لم نرى الرب من قبل على سحاب السماء مع ربوات قديسيه ‪ ،‬في مجد‬
‫أبيه ‪ ،‬ومعه ملئكته القديسين ‪ .‬ولكننا نؤمن بمجيئه في هذا المنظر الذي لم نره‬
‫من قبل ‪ .‬لن اليمان هو اليقان بأمور ل ترى ‪.‬‬
‫‪ – 9‬الفداء أيضا ً هو من المور التي ل ترى ‪:‬‬
‫في الفداء ‪ ،‬من محبة المسيح لنا حمل جميع خطايانا ومات عنها " كلنا كغنم‬
‫ضللنا ‪ .‬ملنا كل واحد إلى طريقه ‪ .‬والرب وضع عليه إثم جميعنا " ) اش ‪( 6 : 53‬‬
‫‪ .‬وهكذا قال عنه القديس يوحنا المعمدان " هذا هو حمل الله الذي يرفع خطية‬
‫العالم " ) يو ‪ . ( 29 : 1‬وقال القديس يوحنا الرسول " وهو كفارة لخطايانا ‪،‬‬
‫ليس لخطايانا فقط ‪ ،‬بل لخطايا كل العالم أيضا ً " ) ‪1‬يو ‪ . ( 2 : 2‬وقال القديس‬
‫بولس الرسول " مسامحا ً لكم بجميع الخطايا ‪ ،‬إذ محا الصك الذي علينا " ) كو‬
‫‪ . ( 14 ، 13 : 2‬وقال أيضا ً " عامل ً الصلح بدم صليبه " ) كو ‪ . ( 20 : 1‬ونحن‬
‫نرى الصليب فقط ‪ ،‬وقد يراه البعض عارا ً !! أما ما في الصليب من حب ‪ ،‬ومن‬
‫فداء وكفارة ‪ ،‬ومن مغفرة ومحو للصك المكتوب ‪ ،‬وحمل خطايا العالم ‪ ،‬وأيضا ً ما‬
‫في الصليب من عمل المصالحة … فكل هذه أمور ل ترى ‪ .‬نراها نحن باليمان …‬
‫بطرس الرسول – قبل اليمان بكل هذا – ما كان يرى في الصليب سوى الضياع‬
‫والعار … ! لذلك قال " حاشاك يارب " ) متى ‪ . ( 22 : 16‬فانتهره الرب ‪ ،‬إذ لم‬
‫يكن يرى المور التي ل ترى … إن الصليب كان يمثل عمق إحسانات الرب إلينا ‪.‬‬
‫ولكن الكتبة والفريسيين لم يروا هذا ‪ ،‬لن عيونهم ما كانت تبصر ‪ .‬لنهم " لو‬
‫عرفوا لما صلبوا رب المجد " ) ‪1‬كو ‪. ( 8 : 2‬‬
‫إن هذا يقودنا إلى نقطة أخرى وهي ‪:‬‬
‫‪ – 10‬إحسانات الله الخفية ‪ ،‬هي من المور التي ل ترى ‪:‬‬
‫إننا نشكر الله فقط على إحساناته التي نراها أو التي نعرفها ‪ .‬ولكن هناك‬
‫إحسانات أخرى ل ترى ينبغي أن نشكره عليها أيضا ً ‪ .‬ولذلك عندما ندخل باليمان‬
‫في حياة التسليم ‪ ،‬ندخل تلقائيا ً في حياة الشكر الدائم ‪ .‬كما قال الرسول "‬
‫شاكرين في كل حين ‪ ،‬على كل شئ " ) أف ‪. ( 20 : 5‬‬
‫ً‬
‫وفي هذا الشكر الدائم ‪ ،‬نشكر على التجارب أيضا …‬
‫لننا نشعر أنه توجد فيها إحسانات خفية من الله ‪ ،‬نحن ل نبصرها ‪ .‬وإن‬
‫أبصرناها ‪ ،‬ل بد أن نغني مع القديس يعقوب الرسول قائلين " إحسبوه كل فرح يا‬
‫إخوتى ‪ ،‬حينما تقعون في تجارب متنوعة "‬
‫ً‬
‫) يع ‪ . ( 2 : 1‬وبهذا نرى اليمان يعطى معني روحيا لللم الذي يسمح الله به من‬
‫أجل بركات معينة كامنة فيه ‪ ،‬هي من المور التي ل ترى ‪ ،‬ولكننا نتقبلها‬
‫باليمان ‪ ،‬واثقين من محبة الله الصانع الخيرات ‪ ،‬وواثقين من قول الكتاب " كل‬
‫الشياء تعمل معا ً للخير‪ ،‬للذين يحبون الله‬
‫" ) رو ‪. ( 28 : 8‬‬
‫‪ – 11‬وجود الله في حياتنا ‪ ،‬وقوته العاملة فينا ‪ ،‬من المور التي ل‬
‫ترى‪:‬‬
‫ما أجمل قول الرب لبينا يعقوب " وها أنا معك ‪ .‬وأحفظك حيثما تذهب ‪.‬‬
‫وأردك إلى هذه الرض " ) تك ‪ … ( 15 : 28‬كان الرب معه يحفظه حيثما يذهب‬
‫… ولم يكن يرى الرب وهو معه ‪ .‬ولكن من الريح للنفس أن يشعر النسان بهذا ‪،‬‬
‫ويوقن به ‪ ،‬فيحيا في اطمئنان دائم وفي فرح … ولم يكن هذا المر ميزة لبينا‬
‫يعقوب فقط ‪ ،‬بل أن الرب يقول " ها أنا معكم كل اليام وإلى انقضاء الدهر "‬
‫) متى ‪. ( 20 : 28‬‬
‫إن شعورنا بوجود الله معنا ‪ ،‬يشعرنا بقوة إلهية ترافقنا وتحفظنا ‪:‬‬
‫هذه القوة هي العاملة فيك ومعك منذ أن تدخل في شركة الروح القدس ‪،‬‬
‫فيشترك الروح القدس معك في العمل ‪ .‬وهكذا في الكنيسة الولى كنا نرى أن‬
‫ملكوت الله قد أتى بقوة ) مر ‪ " ، ( 1 : 9‬وبقوة عظيمة كان الرسل يؤدون‬
‫الشهادة بقيامة الرب يسوع ‪ ،‬ونعمة عظيمة كانت على جميعهم " ) أع ‪.( 23 : 4‬‬
‫قيل عن القديس اسطفانوس أول الشمامسة إنه كان " مملوءا ً إيمانا ً وقوة "‬
‫) أع ‪ ، ( 8 : 6‬وإنه وقف ضد عدة مجامع " ولم يقدروا أن يقاوموا الحكمة والروح‬
‫الذي كان يتكلم به ") أع ‪ . ( 10 : 6‬هذه هي القوة في اليمان ‪ .‬أما الذي يؤمن ‪،‬‬
‫ولكنه يخاف من إعلن إيمانه ‪ ،‬فهو إنسان ضعيف اليمان ‪ ،‬ل يؤمن بقوة الله‬
‫العامل معه ‪ .‬المرأة نازفة الدم ‪ ،‬كانت تشعر أنها لو لمست ولو هدب ثوب‬
‫المسيح ‪ ،‬ستخرج قوة من المسيح تشفيها ‪ .‬وقد كان ) متى ‪ ، 21 : 20‬لو ‪46 : 8‬‬
‫(‪.‬‬
‫وأنت إن آمنت بقوة الرب ‪ ،‬والتصقت به ‪ ،‬ستنالها ‪.‬‬
‫ليكن لك هذا اليمان وهذا الشعور ‪ ،‬في كل تفاصيل حياتك ‪ :‬في خدمتك وفي‬
‫صلتك ‪ ،‬وفي عملك ‪ .‬كما قال القديس أنطونيوس عن أبا مقار الكبير " إن قوة‬
‫عظيمة تخرج من هاتين اليد ين ‪.‬‬
‫حتى في حالة سقوطك ‪ :‬آمن أن هناك قوة ستخلصك ‪.‬‬
‫إن كنت أنت أضعف من الشياطين ‪ ،‬آمن أن الله الذي يحبك هو أقوى منهم ‪ ،‬وهو‬
‫قادر أن يخلصك من الخطية ‪ ،‬وفي قوة إيمان تضرع إلى الله أن يمنحك القوة‬
‫التي تنتصر بها في حياتك الروحية ‪ ،‬واطلب إليه أنه هو " يقودك في موكب‬
‫نصرته " ) ‪2‬كو ‪ . ( 14 : 2‬حتى إن طالت بك المدة ‪ ،‬آمن أن قوة الرب ستصلك‬
‫ولو في الهزيع الخير ‪ ،‬لكي تنقذك ‪ .‬قوة الرب هذه غير مرئية ‪ ،‬ولكنها موجودة ‪،‬‬
‫ومستعدة أن تعمل مع كل الذين يطلبونها مؤمنين ‪ .‬عليك أن تبصر هذه القوة‬
‫تصحبك ‪ ،‬ليس في حياة التوبة فقط ‪ ،‬إنما في كل نواحي حياتك الروحية … حتى‬
‫إن تكلمت ‪ ،‬يشعر الناس بقوة الكلمة ومفعولها … إن المؤمن هو إنسان‬
‫قوى ‪ ،‬يؤمن بقوة الله العاملة فيه ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هوذا القديس بولس الرسول يقول " أتعب أيضا مجاهدا ‪ ،‬بحسب عمله الذي‬
‫يعمل في بقوة " ) كو ‪ . ( 29 : 1‬ويقول أيضا ً عن الله " القادر أن يفعل فوق كل‬
‫شئ ‪ ،‬أكثر جدا ً مما نطلب أو نفتكر ‪ ،‬بحسب القوة التي تعمل فينا " ) أف ‪20: 3‬‬
‫( ‪ .‬وبفضل هذا اليمان بقوة الله العاملة ‪ ،‬التي قد ل نراها ولكن نؤمن بها ‪ ،‬عاش‬
‫القديس بولس في ملء الثقة ‪ ،‬وأمكنه أن يقول ‪:‬‬
‫" أستطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني " ) في ‪( 13 : 4‬‬
‫عبارة كلها قوة ‪ ،‬وكلها إيمان ‪ ،‬وكلها ثقة بعمل الله ‪ .‬ونحن نسآل ‪ :‬هل هذه‬
‫العبارة هي من شأن قديس عظيم فقط مثل بولس الرسول ؟ فيجيبنا الرب‬
‫نفسه " كل شئ مستطاع للمؤمن") مر ‪ . ( 23 : 9‬لعل هذه القوة هي اختبار‬
‫لحياتنا الروحية ‪ :‬هل نحن في اليمان ؟ إنها قوة نسعد بها في حياتنا ‪ ،‬ونحيا‬
‫مطمئنين ‪ .‬في حياتنا أيضا ً داخل الكنيسة ‪ ،‬نسعد بأمور كثيرة ل ترى …‬
‫‪ – 12‬من المور التي ل ترى ‪ ،‬ما يحدث في المعمودية ‪:‬‬
‫يقول القديس بولس الرسول " لن جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ‪ ،‬قد‬
‫لبستم المسيح " ) غل ‪ . ( 27 : 3‬حقا ً ما أعجب هذا السر ! من رآه ؟! إنه من‬
‫المور التي ل ترى ‪ .‬وقال حنانيا الدمشقي لشاول الطرسوس " أيها الخ شاول‬
‫… لماذا تتوانى ؟ قم اعتمد واغسل خطاياك " ) أع ‪ . ( 16 : 22‬من رأى هذه‬
‫الخطايا وهي تغسل ؟ إنها أمور ل ترى ‪ ،‬نقبلها باليمان ‪ ،‬كما قال الرسول "‬
‫بمقتضى رحمه خلصنا ‪ ،‬بغسل الميلد الثاني " ) تي ‪ . ( 5 : 3‬هذا الخلص الذي‬
‫نلناه في غسل الميلد الثاني ‪ ،‬أمر لم نره ولكننا نؤمن به حسب قول الرب " من‬
‫آمن واعتمد ‪ ،‬خلص " ) مر ‪. ( 16 : 16‬‬
‫ثم ما معنى هذا الميلد الثاني ؟ وما معنى الولدة من فوق ‪ ،‬والولدة‬
‫من الله ‪ .‬والولدة من الماء والروح ؟ كل هذه التي تحدث عنها الرب بنفسه ) يو‬
‫‪ . ( 6-3 : 3‬كلها أمور ل ترى فعملية الولدة من الله سر ل يرى ‪ .‬نحن نرى‬
‫النسان يغطس في جرن المعمودية ‪ .‬ولكننا ل نرى كيف يولد من الروح ‪ .‬وطوبى‬
‫لمن آمن دون أن يرى ‪ .‬لذلك حسن أن الكنيسة أطلقت على هذا المر إسم‬
‫) سر ( ‪ .‬أتريد أن تدخل العقل هنا ؟ العقل قاصر عن أن يدخل ‪ .‬يقول الرسول "‬
‫مدفونين معه بالمعمودية ‪ ،‬التي فيها أقمتم أيضا ً معه … مسامحا ً لكم بجميع‬
‫خطاياكم " ) كو ‪ . ( 12 : 2‬ويقول نفس المعنى في الرسالة إلى رومية ‪ ،‬ويضيف‬
‫بأن إنساننا بالعتيق قد صلب معه ‪ ،‬وأننا نسلك في جدة الحياة ) رو ‪. ( 6-3 : 6‬‬
‫فمن رأى هذا الوت وهذا الدفن ‪ ،‬والقيامة ‪ ،‬والمسامحة بالخطايا ‪ ،‬والحياة‬
‫الجديدة ‪ ،‬وصلب النسان العتيق … إنها كلها أمور ل ترى ‪ .‬ولكن نؤمن بها …‬
‫‪ – 13‬سر الفخرستيا أيضا ً ‪ ،‬هو من المور التي ل ترى ‪:‬‬
‫فيه ترى باليمان أن الخبز والخمر اللذين أمامك قد صارا جسد الرب‬
‫ودمه)بعد صلة التقديس(‪.‬‬
‫هنا ل تجعل حواسك تحكم ‪ ،‬لن الحواس الجسدية ل تبصر سوى المور التي ترى‬
‫‪ .‬أما الحواس الروحية فتستمع إلى قول المسيح " هذا هو جسدي … هذا هو‬
‫دمى " ) متى ‪ " ، ( 28 ، 26 : 26‬من يأكل جسدي ويشرب دمى ‪ ،‬فله حياة أبدية‬
‫… لن جسدي مأكل حق ‪ ،‬ودمى مشرب حق ‪ .‬من يأكل جسدي ويشرب دمى ‪،‬‬
‫يثبت في وأنا فيه " ) يو ‪. ( 56 – 53 : 6‬‬
‫أنا أجادل الرب فيما يقوله ‪ ،‬إنما أتقبله في إيمان ‪.‬‬
‫فهذا هو اليمان " اليقان بأمور ل ترى " ‪ .‬أما التي ترى فهي الخبز والخمر ‪.‬‬
‫وهكذا يقول القديس بولس الرسول " كأس البركة التي نباركها ‪ ،‬أليست هي‬
‫شركة دم المسيح ‪ .‬الخبز الذي نكسره ‪ ،‬أليس هو شركة جسد المسيح " ) ‪1‬كو‬
‫‪ . ( 16 : 10‬ويقول أيضا ً " إذن أي من أكل هذا الخبز ‪ ،‬أو شرب كأس الرب ‪،‬‬
‫بدون استحقاق ‪ ،‬يكون مجرما ً في جسد الرب ودمه … يأكل ويشرب دينونة‬
‫لنفسه ‪ ،‬غير مميز جسد الرب " )‪ 1‬كو ‪ . ( 29 ، 27 : 11‬وكيف نميز أن هذا‬
‫جسد الرب ‪ ،‬حتى ل ننال دينونة ؟‬
‫هنا نرتفع فوق مستوى الحواس ‪ ،‬وفوق مستوى العقل ‪ ،‬باليمان ‪.‬‬
‫عقولنا هي التي تتعبنا حينما نتقبل أسرار الكنيسة ‪ .‬وحواسنا تتعبنا أيضا ً ‪ .‬ونحتاج‬
‫إلى بساطة اليمان ‪ .‬ما قاله المسيح ‪ .‬ونصدق ما قاله رسوله القديس بولس‬
‫الرسول ول نجادل ‪.‬‬
‫‪ – 14‬وباليمان بما ل يرى نتقبل ما في المسيحية من أسرار ‪:‬‬
‫نتقبل ) وضع اليد ( الذي ناله بر نابا وشاول من الرسل ‪ ،‬لكي يفرزا للخدمة‬
‫)أع ‪ .( 3 ، 2 : 13‬ووضع اليد الذي ناله تيموثاوس من بولس الرسول ) ‪ 2‬تى ‪: 1‬‬
‫‪ . ( 6‬ونوقن أن في ذلك سرا ً ‪ .‬ونتقبل السلطان الذي أعطاه الرب بقوله " إقبلوا‬
‫الروح القدس ‪ .‬من غفرتم خطاياه تغفر له ‪ .‬ومن أمسكتم خطاياه أمسكت " )يو‬
‫‪ " ، ( 13 : 20‬كل ما تربطونه على الرض يكون مربوطا ً في السماء وكل ما‬
‫تحلونه على الرض يكون محلول في السماء " ) متى ‪ . ( 18 : 18‬هذا السلطان‬
‫غير مرئي ‪ ،‬ولكنه سر نراه باليمان ‪ .‬إنه ليس لكل أحد ‪ ،‬ول يأخذه أحد من نفسه‬
‫بل المدعو من الله كما هرون‬
‫) عب ‪ . ( 4 : 5‬وهكذا في السرار التي ل نراها ‪ ،‬ولكن نؤمن بها …‬
‫إن رؤية ما ل يرى ‪ ،‬هي الرؤية الروحية الحقيقية ‪:‬‬
‫لعلها هي التي عناها رب المجد بقوله لتلميذه القديسين " أما أنتم فطوبي‬
‫لعيونكم لنها تبصر"‬
‫‪) ‬متى ‪ .( 16 : 13‬تبصر ماذا ؟ تبصر المسيح وعجائبه ‪ .‬وأيضا ً تبصر ما ل‬
‫يرى ‪ ،‬مثلما أبصر القديس يوحنا رؤياه العجيبة ‪ .‬ومثلما أبصر القديس بولس‬
‫السماء الثالثة وكثرة من الستعلمات ) ‪ 2‬كو ‪ ، ( 7، 2 : 12‬أمور " ل ينطق‬
‫بها ‪ ،‬ول يسوع لنسان أن يتكلم عنها " ) ‪ 2‬كو ‪ . ( 12 : 2‬أما أولئك الذين لم‬
‫تكن لهم هذه الحاسية الروحية ‪ ،‬فقد وبخهم الرب بقوله "أغمضوا عيونهم لئل‬
‫يبصروا "‬
‫) متى ‪ . ( 15 : 13‬وكرر رسوله عنهم نفس التعبير )أع ‪ . ( 27 : 28‬وعبارة‬
‫أغمضوها قد تعني أنهم لم يدربوا نفوسهم على رؤية الروحيات ‪ .‬أو أنهم رفضوا‬
‫أن يروا الروحيات من فرط انشغالهم بالماديات ‪ .‬كان جيحزى ل يبصر ما يبصره‬
‫معلمه أليشع ) ‪2‬مل ‪ . ( 17 : 6‬وأيضا ً مثلما كان مرافقو شاول الطرسوسى في‬
‫وقت الرؤيا اللهية ‪ ،‬وقد قال عنهم الكتاب " وقفوا صامتين ‪ ،‬يسمعون الصوت ‪،‬‬
‫ول ينظرون أحدا ً " )أع ‪. ( 7 : 9‬‬
‫" كما قسم الله لكل واحد‬
‫نصيبا ً من اليمان " ‪.‬‬
‫) رو ‪. ( 3 : 12‬‬
‫يختلف الناس في نوعية إيمانهم ودرجته حسبما " قسم الله لكل واحصد نصصصيبا ً‬
‫من اليمان "‬
‫)رو ‪ . ( 3 : 12‬وقد يبالغ البعض ‪ ،‬وإذ يجد إنسان ناقصا ً في إيمانه ‪ ،‬يقول عنه إنه‬
‫غير مؤمن على الطلق ‪ .‬وهذا الحكم ضد تعليم الكتاب المقدس كما سنرى ‪.‬‬
‫والبعض قد يخلط بين كلمة ) المؤمنين ( وكلمة ) المختارين ( ‪ ،‬كما لو كانتا تدلن‬
‫على معني واحد ‪.‬‬
‫فلنتأمل إذن أنواع اليمان ودرجاته ‪:‬‬
‫‪ – 1‬هناك نوع " حديث اليمان " وهذا قد أمر الرسول بعدم سيامته في درجة‬
‫السقفية " لئل يتصلف " ) ‪1‬تى ‪. ( 6 : 3‬‬
‫‪ – 2‬وهناك نوع " قليل اليمان " أو " ضعيف اليمان " ‪.‬‬
‫وسنضرب أمثلة من النجيل لهذا النوع ‪:‬‬
‫أ – الذين يشكون في عناية الرب بهم في المأكل أو الملبس ‪ .‬هؤلء ضرب الرب‬
‫لهم مثل ً بزنابق الحقل التي ول سليمان في كل مجده كان يلبس كواحدة منها ‪.‬‬
‫ثم وبخهم قائل ً " فإن كان عشب الحقل الذي يوجد اليوم ويطرح غدا ً في التنور ‪،‬‬
‫يلبسه الله هكذا ‪ ،‬أفليس بالحري يلبسكم أنتم يا قليلي اليمان ؟! " ) متى ‪: 6‬‬
‫‪ ، 30 – 28‬لو ‪. ( 28 : 12‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ب – كذلك وبخ التلميذ لما فكروا أنهم لم يأخذوا معهم خبزا ‪ ،‬فانتهرهم قائل " يا‬
‫قليلي اليمان "‬
‫)متى ‪. ( 8 : 16‬‬
‫ج – ووبخ الرب القديس بطرس لما خاف بعدما مشى معه على الماء فبدأ يغرق‬
‫حينئذ أمسكه الرب قائل ً له " يا قليلي اليمان ‪ ،‬لماذا شككت ؟ " ) متى ‪31 : 14‬‬
‫(‪.‬‬
‫د – وبالمثل وبخ التلميذ لما خافوا حينما غطت المواج السفينة أثناء نومه فيها ‪.‬‬
‫حينئذ قال لهم‬
‫" ما بالكم خائفين يا قليلي اليمان " ) متى ‪. ( 26 : 8‬‬
‫إذن الخوف ‪ ،‬والشك في معونة الله دليلن على قلة اليمان ‪.‬‬
‫هص – وقد ضرب الرسول مثل ً في ضعف اليمان بالخ الذي يعثر من أكل ما ذبح‬
‫للوثان ‪ .‬وأمر بأن ضعف اليمان ل يجوز إدانته ول الزدراء به ‪ ،‬وقال " هو‬
‫لموله ‪ :‬يثبت أو يسقط ‪ .‬ولكنه سيثبت لن يثبته " ) رو ‪ . ( 4 – 1 : 14‬هنا‬
‫ويعجبني والد الطفل المصروع ‪ ،‬لما سأله الرب " أتؤمن ؟ " لكي يشفيه ‪ .‬حينئذ‬
‫أجاب " أؤمن يارب ‪ .‬أعن عدم إيمان " ) مر ‪ . ( 24 : 9‬إن اليمان الضعيف‬
‫يحتاج إلى من يصلي لجله ‪ ،‬لكي يعينه الرب ‪ .‬ول يجب مطلقا ً أن نزدريه ‪ .‬فالله‬
‫قادر أن يثبته ‪.‬‬
‫‪ – 3‬هناك نوع ثالث ‪ :‬هو اليمان المحدود ‪:‬‬
‫ونقصد به الذي يؤمن بالرب في حدود معينة ‪ ،‬ول يصل إيمانه إلى ما هو أبعد‬
‫منه … مثال ذلك مريم ومرثا ‪ ،‬اللتان كانتا تؤمنان أن الرب يقدر أن يشفي‬
‫أخاهما من المرض فل يموت ‪ .‬أما إن مات ‪ ،‬فقد كانت إقامته من الموات أمرا ً‬
‫لم يكن إيمانهما قد وصل إليه ‪ .‬لذلك كل منهما قالت للرب " لو كنت ههنا ‪ ،‬لم‬
‫يمت أخي " ) يو ‪ . ( 32 ، 21 : 11‬ولما قال الرب لمرثا " سيقوم أخوك " أجابته‬
‫" أنا أعلم أنه سيقوم في القيامة في اليوم الخير " ) يو ‪ . ( 24 : 11‬ولما ذهب‬
‫الرب إلى القبر وقال " إرفعوا الحجر " قالت مرثا " ياسيد قد أنتن ‪ ،‬لن له أربعة‬
‫أيام " ) يو ‪. ( 24 11‬‬
‫إن الله لم يرفض هذا اليمان المحدود ‪ ،‬إنما أعطاه فرصة لينمو ‪.‬‬
‫لذلك لمرثا " من آمن بي ‪ ،‬ولو مات فسيحيا " ‪ .‬ووبخها عند القبر قائل ً " ألم أقل‬
‫لك إن آمنت ترين مجد الله " )يو ‪ . ( 40 ، 20 : 11‬وأعطاها فرصة أن ترى مجد‬
‫الله في إقامة أخيها لعازر ‪ ،‬لتؤمن أيضا ً اليهود الذين شهدوا المعجزة ‪.‬‬
‫وهنا كان اليمان لحقا ً للمعجزة ‪ ،‬وليس سابقا ً لها ‪.‬‬
‫وربما كان ذلك لن تلك المعجزة كانت الولى من نوعها ‪ ،‬أي إقامة ميت بعد‬
‫أربعة أيام من موته ‪ ،‬بعد أن أنتن ‪.‬‬
‫‪ – 4‬نوع رابع ‪ ،‬من اليمان الضعيف ‪ ،‬هو البطيء القلب في اليمان ‪ .‬وربما يكون‬
‫عن بطء في الفهم ‪ ،‬أو عن عدم إدراك ‪ ،‬فل يأتي إيمانه سريعا ً ‪ .‬وكان هذا هو‬
‫نوعية إيمان تلميذي عمواس من جهة قيامة الرب ‪ .‬ولذلك وبخها قائل ً " أيها‬
‫الغبيان والبطيئا القلوب في اليمان بجميع ما تكلم به النبياء ‪ .‬أما كان ينبغي أن‬
‫المسيح يتألم … " ) لو ‪ . ( 26 ، 25 : 24‬ثم بدأ يشرح لهما المور المختصة به‬
‫في جميع الكتب … لكي يؤمنا ‪ ،‬أو لكي يعالج هذا البطء في إيمانهما ‪ ،‬الناتج عن‬
‫عدم فهم أو عدم معرفة ‪ .‬وفي هذا المثال أيضا ً نقول ‪ :‬إن علج الخطاء الخاصة‬
‫باليمان ‪ ،‬هو الوضع السليم ‪ .‬وهذا أفضل من الزدراء أو التحقير الذي ل يأتي‬
‫بنتيجة ول يوصل إلى اليمان السليم ‪.‬‬
‫‪ – 5‬وهناك حالة خطيرة هي اليمان الميت ‪:‬‬
‫فقد قال القديس يعقوب الرسول " اليمان بدون أعمال ميت " ) يع ‪، 20 : 2‬‬
‫‪ . ( 17‬وقال إن مثل هذا اليمان ل يقدر أن يخلص صاحبه ) يصصع ‪ . ( 14 : 2‬ورأي‬
‫أن اليمان الحي ينبغي أن تكون له أعمال تدل عليه ‪ ،‬فقصصال " أنصصا أريصصك بأعمصصالي‬
‫إيماني " ) يع ‪. ( 18 : 2‬‬
‫‪ – 6‬هناك أيضا ً إيمان غير ثابت ‪:‬‬
‫مثال ذلك أن السيد المسيح ) قبيل القبض عليه ( قال لتلميذه بطصصرس " هصصوذا‬
‫الشيطان طلبكم لكي ل يفني إيمانك " ) لو ‪ . ( 18 : 2‬في ذلصصك الصصوقت‬
‫إهتز إيمان بطرس ‪ ،‬لكنه عاد بعدئذ إلى قوته الولى ‪.‬‬
‫‪ – 7‬وهناك حالت وصفها الكتان بأنها خروج عن اليمان السليم ‪ .‬ومنها ‪:‬‬
‫أ – قال القديس بولس الرسول " إن كان أحد ل يعتني بخاصته ‪ ،‬ول سيما أهل‬
‫بيته فقد أنكر اليمان ‪ ،‬وهو شر من غير المؤمن " ) ‪1‬تي ‪. ( 8 : 5‬‬
‫ب – وقال عن الرمل الحدثات اللتي يرجعن في نذرهن للبتولية " أرفضهن ‪،‬‬
‫لنهن متى بطرن على المسيح ‪ ،‬يردن أن يتزوجن ‪ .‬ولهن دينونة ‪ ،‬لنهن رفضن‬
‫اليمان الول " ) ‪1‬تي ‪. ( 12 : 5‬‬
‫ج – وقال كذلك " محبة المال أصل كل الشرور ‪ .‬الذي إذا ابتغاه قوم ‪ ،‬ضلوا عن‬
‫اليمان ‪ ،‬وطعنوا أنفسهم بأوجاع كثيرة " ) ‪1‬تي ‪. ( 10 : 6‬‬
‫د – وقال " إحفظ الوديعة ‪ ،‬معرضا ً عن الكلم الباطل الدنس … الذي إذ تظاهر‬
‫به قوم ‪ ،‬زاغوا من جهة اليمان " ) ‪1‬تي ‪. ( 21 : 6‬‬
‫هل بعد هذه المثلة نستطيع أن ننكر علقة اليمان بالعمال ؟!‬
‫لنه هنا بعمل خاطئ يقال إن إنسانا ً أنكر اليمان ‪ ،‬أو رفض اليمان ‪ ،‬أو ضل أو‬
‫زاغ عن ليمان … لعلنا بأمثال هذه المقاييس نمتحن أنفسنا ‪ ،‬عمل ً بقول الرسول‬
‫" إختبروا أنفسكم ‪ :‬هل أنتم في اليمان " ) ‪ 2‬كو ‪. ( 5 : 13‬‬
‫‪ – 8‬أخطر حالة هي " الرتداد عن اليمان " ‪:‬‬
‫ً‬
‫يقول الرسول " في الزمنة الخيرة يريد قوم عن اليمان تابعين أرواحا مضلة " )‬
‫‪1‬تي ‪ . ( 1 : 4‬وعبارة الرتداد عن اليمان ‪ ،‬تعني أنهم كانوا في اليمان ثم ارتدوا‬
‫ويتحدث الرسول عن الرتداد العظيم الذي يسبق مجيء المسصصيح فيقصصول إنصصه " ل‬
‫يأتي إن لم يأت الرتداد أول ً " ) ‪ 2‬تس ‪ . ( 3 : 2‬هذا من الجهة العامة ‪ ،‬أما عصصن‬
‫الناحية الفردية فيقول " أما البار فباليمصصان يحيصصا ‪ .‬وإن ارتصصد ل تسصصر بصصه نفسصصي "‬
‫) عب ‪ . ( 38 : 10‬وهنا يتكلم عن ارتداد إنسان مؤمن بار كان باليمان يحيا ‪.‬‬
‫مادام المؤمن يمكن أن يريد ‪ ،‬إذن المؤمنون هم غير المختارين ‪ .‬فالمختارون‬
‫يبقون على إيمانهم كل حياتهم ‪ ،‬حتى ملقاة الرب … كل ما ذكرناه في النواع‬
‫السابقة ‪ ،‬هو عن السلبيات في اليمان ‪ .‬نتابع كلمنا إذن عن اليجابيات اليمانية ‪.‬‬
‫‪ – 9‬النمو في اليمان ‪:‬‬
‫يقول القديس بولس الرسول لهل تسالونيكى " نشكر الله كل حين من جهتكم‬
‫أيها الخوة … لن إيمانكم ينمو كثيرا ً " ) ‪ 2‬تس ‪ . ( 3 : 1‬وقال عن أهل‬
‫كورنثوس إنهم يزدادون في اليمان ) ‪ 2‬كو ‪ . ( 7 : 8‬إذن اليمان فضيلة كسائر‬
‫الفضائل ‪ ،‬يمكن أن ينمو فيها النسان …‬
‫‪ – 10‬حفظ اليمان والثبات فيه ‪:‬‬
‫يقول الرسول عن نفسه في أواخر حياته ‪ ،‬ووقت انحلله ‪ ،‬ووقت انحلله قد‬
‫حضر " … أكملت السعي ‪ ،‬حفظت اليمان ‪ .‬وأخيرا ً وضع لي إكليل البر " ) ‪2‬تي‬
‫‪ . ( 8، 7 : 4‬ويقول لهل كولوسى " … ليحضر كم قديسين وبل لوم ول شكوى‬
‫أمامه ‪ ،‬إن ثبتم على اليمان … " ) كو ‪ . ( 23 : 1‬وأقوى من الثبات في اليمان ‪،‬‬
‫تعبير آخر هو ‪:‬‬
‫‪ – 11‬الرسوخ في اليمان ‪:‬‬
‫يقول القديس بطرس الرسول عن محاربات إبليس " … فقاوموه راسخين في‬
‫اليمان " ) ‪1‬بط ‪. (9 :5‬‬
‫وهناك درجة أخرى من اليمان هي ‪:‬‬
‫‪ – 12‬الغني في اليمان ‪:‬‬
‫يقول القديس يعقوب الرسول " أما اختار الله فقراء العالم أغنيصصاء فصصي اليمصصان ‪،‬‬
‫وورثة الملكوت الذي وعد به الذين يحبونه " ) يع ‪ . ( 5 : 2‬وهناك درجة أزيد من‬
‫الغني في اليمان وهي ‪:‬‬
‫‪ – 13‬المتلء من اليمان ‪:‬‬
‫قيل عن القديس اسطفانوس أول الشمامسة " فاختاروا اسطفانوس رجل ً‬
‫مملوءا ً من اليمان والروح القدس " ‪ " ،‬وأما اسطفانوس فإذ كان مملوءا ً إيمانا ً‬
‫وقوة ‪ ،‬كان يصنع عجائب وآيات عظيمة … "‬
‫)أع ‪ . ( 8، 5 : 6‬كل هذه الصفات تقال عن حالة لزمة لليمان هي ‪:‬‬
‫‪ – 14‬اليمان العامل بالمحبة ‪:‬‬
‫ً‬
‫يقول القصصديس بصصولس الرسصصول " فصصي المسصصيح يسصصوع ‪ ،‬ل الختصصان ينفصصع شصصيئا ول‬
‫الغرلة ‪ ،‬بل اليمان العامل بالمحبة " ) غل ‪ . ( 6 : 5‬ولعلصصه ذكصصر عبصصارة اليمصصان‬
‫بدون أعمال ميت ) يع ‪ . ( 20 : 2‬أما عبارة المحبة ‪ ،‬فلنه بها يتعلق الناموس كله‬
‫والنبياء ) متى ‪ . (40 :22‬وهناك نوع عظيم من اليمان هو ‪:‬‬
‫‪ – 15‬اليمان الذي يصنع العجائب ‪:‬‬
‫تحدث السيد الرب عن " آيات تتبع المؤمنين " ) مر ‪ . ( 17 : 16‬وقصصال القصصديس‬
‫يعقوب الرسول " صلة اليمان تشفي المريض " )يع ‪ . ( 15 : 5‬ولكن لعل قمة‬
‫هذا المر تبدو في قول الرب " كل شئ مستطاع للمؤمن " )مر ‪ . ( 22 : 9‬ولعل‬
‫هناك نوعا ً آخر ‪ ،‬ليس لصانع العجوبة ‪ ،‬إنما للذي يتقبلها وهو ‪:‬‬
‫‪ – 16‬إيمان الثقة والتصديق ‪:‬‬
‫وهو الذي كان يتطلبه الرب ممن تحدث معه المعجزة ‪ .‬وأحيان صا ً يسصصأله " أتصصؤمن؟‬
‫" ‪ .‬وكما قال للعميين اللذين طلبا ً منه الشفاء " أتؤمنان أنى أقدر أن أفعل هذا ؟‬
‫" ) متى ‪ . ( 28 : 9‬وقد طوب الرب هذا النوع من اليمان ‪ ،‬مثلمصصا قصصال للمصصرأة‬
‫الكنعانية " عظيم هو إيمانك " ) متى ‪ . ( 28 : 15‬ومثلما قال عن قصصائد المصصائة "‬
‫لم أجد ول في إسرائيل إيمانا ً بمقدار هذا " ) متى ‪. ( 10 : 8‬‬
‫‪ – 17‬كل اليمان ‪:‬‬
‫يقول القديس بولس الرسول " إن كان لي كل اليمان حتى أنقل الجبال … "‬
‫فاعتبر أن هذا اليمان الذي ينقل الجبال ‪ ،‬هو كل اليمان ‪ ،‬أي قمته ‪ ،‬ول شئ‬
‫بعده ‪.‬‬

‫هناك فرق كبير بين نوعين من اليمان ‪ :‬إيمان نظري ‪ ،‬وإيمان عملي ‪.‬‬
‫‪ – 1‬اليمان النظري ) العقلي ( ‪:‬‬
‫هو إيمان فكرى ‪ ،‬فلسفي ‪ .‬مجرد القتناع العقلي بوجود اللصصه ‪ ،‬وبوجصصود المصصور‬
‫الصصتي ل تصصرى دون أن يكصصون لصصذلك أي تصصأثير علصصى الحيصصاة ‪ .‬وهنصصاك نصصص يثبصصت أن‬
‫الشياطين لهم هذا النصصوع مصصن اليمصصان ‪ .‬إذ يقصصول القصصديس يعقصصوب الرسصصول عصصن‬
‫اليمان الميت ‪ ،‬الخالي من العمال ‪:‬‬
‫" أنت تؤمن أن الله واحد ‪ .‬حسنا ً تفعل ‪ .‬والشياطين يؤمنون ويقشعرون "‬
‫)يع ‪ . ( 19 : 2‬وسفر أيوب يعطينصصا دليل ً عملي صا ً علصصى هصصذه النقطصصة ‪ .‬لن حصصديث‬
‫الشيطان مع الله تبارك إسمه يثبت هذا اليمان النظري ‪ ،‬إذ يقول الشيطان للرب‬
‫" هل مجانا ً يتقي أيوب الله ؟ أليس أنصصك سصصيجت حصصوله … بصصاركت أعمصصال يديصصة ‪.‬‬
‫ولكن إبسط الن يدك ومس كل ماله ‪ ،‬فإنه في وجهك يجدف عليك " ) أي ‪5 : 2‬‬
‫( ‪ .‬وهذا الكلم كله يثبت أن الشيطان يؤمن عقليا ً بأن هذا هو الله ‪ ،‬وأنه هو الصصذي‬
‫بارك أعمال أيوب ‪ ،‬وهو القادر أن يمس ماله ‪ ،‬وأن يمس لحمه وعظمه ‪ .‬وأن أي‬
‫عبارة تصدر من أيصصوب ضصصد اللصصه تعتصصبر تجصصديفا ً علصى اللصصه … ومصصع كصصل هصصذا كصصان‬
‫الشيطان يحارب ملكوت الله وأولده ‪ ،‬ول يزال ‪.‬‬
‫ً‬
‫إيمان الشيطان العقلي الذي تحدث عنه معلمنا يعقوب ‪ ،‬هو أيضا إيمان ميت ‪،‬‬
‫حسب قول الرسول نفسه " إيمان بدون أعمال ميت " ) يع ‪ . ( 20 : 2‬فإن كان‬
‫اليمان الخالي من العمال الصالحة إيمانا ً ميتا ً ‪ ،‬بالكثر المشحون بالعمال الردية‬
‫ومقاومة كل صلح أيا ً كان …‬
‫إن اليمان العقلي سهل ‪ .‬ما أسهل إثبات وجود الله بالدلة العقلية‬
‫وبالبراهين العديدة ‪ .‬المهم هو اليمان العقلي ‪ .‬هذا يقودنا إلى النوع الهام من‬
‫اليمان ‪ ،‬وهو ‪:‬‬
‫‪ – 2‬اليمان العملي ‪:‬‬
‫هو اليمان الذي تظهر علماته في الحياة العملية ‪ ،‬حياة إنسان يؤمن أن الله كائن‬
‫أمامه ‪ ،‬يراه ويحسه ‪ ،‬ويتصرف بما يليق بهذا اليمان ‪ .‬وهو يحب هذا الله الذي‬
‫يؤمن بوجوده وبعنايته ورعايته وحفظه ‪ ،‬ويكلم هذا الله المحبوب في صلواته‬
‫وتضرعاته ‪ ،‬ويخشى أن يفعل شيئا ً يخرج قلبه المحب … وفي اطمئنانه لعمله ل‬
‫يخاف ول يضطرب ‪ ،‬بل يحيا في سلم دائم ‪ ،‬مسلما ً حياته كلها لتدبيره الحكيم‬
‫…‬
‫وهكذا يقوده اليمان إلى عديد من الفضائل ل تحصي ‪.‬‬
‫وهذا النوع من اليمان سيكون موضوع كتابنا هذا بمشصصيئة الصصرب ‪ ،‬حيصصث سنشصصرح‬
‫كيف يقود اليمان حياتنا كلها لتصبح حياة اليمان ‪ .‬وهذا المفهوم ينقلنا إلصصى صصصفة‬
‫أخرى من صفات اليمان السليم وهي ‪:‬‬
‫‪ – 3‬إيمان دائم ‪:‬‬
‫ونعني بصه أنصه ل يكصصون إلصصه مناسصصبات ‪ .‬فل يظهصر إيماننصصا فقصط حينمصا نكصون فصي‬
‫الكنيسة أو في اجتماع روحي ‪ ،‬أو حينما نصلي ‪ ،‬أو نقرأ الكتاب ‪ ،‬أو نتقدم للتناول‬
‫‪ .‬وإنما يظهر هذا اليمان في كل وقت ‪ ،‬وكل مكان ‪ ،‬في خارج الكنيسصة كمصا فصي‬
‫داخلها ‪ .‬الله أمامنا باستمرار ‪ ،‬وفي فكرنا باستمرار ‪ ،‬باليمان ل يتغير ‪ .‬إنصصه ليصصس‬
‫فقط إله الكنائس وإله الكتاب ‪ ،‬إنما هو إله القلب والفكر جميعا ً ‪ ،‬وإله الحياة كلها‬
‫‪.‬‬
‫‪ - 4‬إيمان دون أن يرى ‪:‬‬
‫إيمان ل يعتمد على الحواس ‪ ،‬وينطبق عليه قول الصرب " طصصوبى للذين آمنوا‬
‫دون أن يروا "‬
‫) يو ‪ . ( 29 :20‬ليس مثل العلماء الذين ل يؤمنون بشيء ‪ ،‬إل إذا أحضروه في‬
‫معاملهم ‪ ،‬وتيقنوا منه بأبصارهم وأجهزتهم ‪ .‬وليس مثل الصدوقيين الذين أنكروا‬
‫وجصصود المصلئكة والقيامة والرواح‬
‫ً‬
‫)أع ‪ ، ( 8 : 23‬لنهم ل يرون شيئا من ذلك كله …‬
‫‪ – 5‬إيمان الثقة والختبار ‪:‬‬
‫إنه ليس اليمان بالله الذي نقرأ عنه في كتب اللهوت ‪ ،‬أو في المعاهد‬
‫الدينية ‪ ،‬أو في الكنائس وفي فصول التعليم الديني على أنواعها ‪ .‬وإنما إيمان‬
‫بالله الذي اختبرناه في حياتنا ‪ ،‬وعاشرناه ‪ ،‬وأدخلناه في كل تفاصيل حياتنا ‪،‬‬
‫واختبرنا عمصليا ً قصصول داود النبي " ذوقوا وانظصروا مصصا أطيب الرب "‬
‫)مز ‪ … ( 8 : 34‬ووجدنا أن الله عجيب عجيب ‪ ،‬إلى أبعد الحدود ‪ ،‬فوق ما يتصور‬
‫العقل … حيصاتنا كلها مجرد عشرة معه ‪ ،‬ذقنا فيها حلوته وحبه ورعايته ‪ ،‬ورأينا‬
‫أيضا ً قوته وجلله ‪ .‬وجربنا كصيف يدخل في مشاكلنا ‪ ،‬بطرق ما كانت تخطر على‬
‫عقولنا ‪ .‬ونتيجة للختبار ‪ ،‬صارت لنا ثقة ‪ ،‬غير مبنية على الكتب ‪ ،‬وإنما على مصصا‬
‫لمسناه بأيدينا … لصصذلك إيماننا إيمصصان حقيقي راسصخ في قلوبنا ‪.‬‬
‫‪ – 6‬إيمان قوى ‪:‬‬
‫وهو اليمان الذي يستطيع كل شئ ) مر ‪ . ( 23 : 9‬ويمكنه أن ينتصر على كل‬
‫عقبة ‪ .‬ول يرى أمامه شيئا ً مستحيل ً ‪ .‬بل كما قيل عن زر بابل " من أنت أيها‬
‫الجبل العظيم ؟! أمام زر بابل تصير سهل ً " )زك ‪ . ( 7 : 4‬إنه اليمان الذي‬
‫يستطيع أن يضع قدمه في الماء ‪ ،‬لكي يعبر البحر الحمر في أيام موسى النبي‬
‫) خر ‪ ، ( 22 : 14‬وأن يعبر نهر الردن في أيام يشوع ) يش ‪ . ( 3‬ويستطيع أن‬
‫يمشي في داخل الغمر العظيم ‪ ،‬والمياه تحيط به مثل سور ‪ ،‬عن يمين وعن‬
‫شمال ‪ ،‬دون أن يخاف … إنه اليمان الذي يستطيع أن يضرب الصخرة فيتفجر‬
‫منها الماء ) خر ‪ . ( 6 : 17‬وهو اليمان الذي يسير في الصحراء بل زاد وبل مرشد‬
‫‪ ،‬يجمع طعامه مصن المن النازل مصن السماء يومصصا ً بيوم‬
‫)خر ‪ . ( 23 – 15 : 16‬إنه اليمان القوى الذي استطاع أن ينقل الجبل المقطم‬
‫على يد سمعان الدباغ ‪،‬أيام البابا ابر آم بن زرعه ‪ .‬وهو اليمان القوى الذي‬
‫استطاع به إيليا النبي أن يقول " ل يكون طل ول مطر في هذه السنين إل عند‬
‫قولي " )‪1‬مل ‪ . ( 1 : 17‬وهكذا " لم تمطر على الرض ثلث سنين وستة أشهر ‪.‬‬
‫ثم صلي فأعطت السماء مطرا ً " )يع ‪ . ( 18 ، 17 : 5‬وهكذا استطاع أن يغلق‬
‫السماء ويفتحها ‪ .‬ما أكثر المثلة عن هذا اليمان القوى ‪ .‬ولكن هناك أمثلة أخرى‬
‫عن هذا اليمان القوى ‪ ،‬تبدو في مظهر آخر هو ‪:‬‬
‫‪ – 7‬إيمان ل يتزعزع ‪:‬‬
‫إنه إيمان ثابت ‪ ،‬ل يتصأثر مطلقصا ً بالعوامصل الخارجيصة ‪ :‬فهصو يصؤمن بمحبصة اللصه‬
‫سواء كان على جبل التجلي أو على جبل الجلجثة ‪ .‬يؤمن بمحبة الله الصصذي يعطيصصه‬
‫من سارة نسل ً في ظروف تدعو إلى اليأس ‪،‬تماما ً تمام صا ً كمصصا يصصؤمن بمحبصصة اللصصه‬
‫وهو يقول له ‪ :‬خذ إبنك وحيدك الذي تحبه إسصصحق ‪ ،‬وأصصصعده هنصصاك محرقصصة علصصى‬
‫الجبل الذي أريك إياه ) تك ‪. ( 2 : 22‬‬
‫ً‬
‫أن إبراهيم وهو يرفع بيده السكين على إبنه اسحق ‪ ،‬ما كان يشك مطلقا في‬
‫محبة الله ‪ ،‬ول في صدق مواعيده …‬
‫لم يتزعزع إيمانه مطلقا ً في هذا الله ‪ ،‬ول في أنه سيكون له من اسحق نسل ً‬
‫مثل نجوم السماء ورمل البحر في الكثيرة … إن اليمان الثابت ل يتغير بالظروف‬
‫الخارجية المحيطة به ‪ ،‬لن ثقته ثابتة في الله ‪ ،‬وسلمه القلبي ل يستمده من‬
‫الظروف الخارجية ‪ ،‬إنما من الله نفسه ومحبته وصدق مواعيده ‪.‬‬
‫‪ – 8‬اليمان كموهبة ‪:‬‬
‫هناك إيمان عادى ‪ ،‬وإيمان يعتبر موهبة من الروح القدس ‪ .‬ول شك أن هذا له‬
‫درجة عالية تفوق اليمان العادي بكثير … يقول القديس بولس الرسول في‬
‫حديثه عن المواهب " فأنواع مواهب موجودة ‪ ،‬ولكن الروح واحد … ولكنه لكل‬
‫واحد يعطى إظهار الروح للمنفعة ‪ .‬فإنه لواحد يعطى بالروح كلم حكمة … ولخر‬
‫إيمان بالروح الواحد ‪ .‬ولخر مواهب شفاء بالروح الواحد … " )‪1‬كو ‪. (9 – 4 :12‬‬
‫وهكذا أيضا ً وضع اليمان ضمن ثمار الروح )غل ‪ . ( 22 : 5‬ويبدو هنا أننا ل‬
‫نستطيع أن نفصل اليمان عن عمل الروح القدس ‪ :‬إما من ثمار الروح ‪ ،‬وإما من‬
‫مواهب الروح ‪ .‬ولكل منهما درجته …‬
‫‪ – 9‬اليمان السليم ‪:‬‬
‫ما أكثر ما يؤمن الناس بأفكار ‪ ،‬أو مذاهب ‪ ،‬سياسية أو اجتماعية ‪ ،‬ويعطيهم‬
‫إيمانهم بها قوة على التنفيذ ‪ ،‬وعلى نقلها إلى عقول الناس … ولكننا نود في هذه‬
‫الصفات أن نتحدث عن اليمان السليم ‪ ،‬الذي يكون له طابع روحي وصلة وطيدة‬
‫بالله " اليمان العديم الرياء " )‪1‬تي ‪ " ، ( 5 : 2‬اليمان المسلم مرة للقديسين "‬
‫) يه ‪ … ( 3‬هذا اليمان الطاهر النقي فكرا ً وسلوكا ً ‪ .‬وهذا يجعلنا نقول ‪:‬‬
‫إن اليمان ‪ ،‬ليس هو مجرد عقيدة ‪ ،‬إنما هو حياة … أو هو حياة مؤسسة على‬
‫عقيدة ‪ .‬أو هو عقيدة إختبارية عاشها الناس ‪ ،‬وليست مجرد أفكار في الكتب ‪.‬‬
‫وما نريد أن نتحدث عنه في هذا الكتاب هو هذه الحياة ‪ ،‬حياة اليمان ‪...‬‬
‫من صفات المؤمن ‪ ،‬أن يكون قلبه مملوءا ً بالسلم والهدوء ‪ .‬ل يضطرب‬
‫مطلقا ً ‪ ،‬ول يقلق ‪ ،‬ول يخاف ‪ ،‬لنه يؤمن بحماية الله له … وهو يحتفظ بسلمه‬
‫الداخلي ‪ ،‬مهما كانت الظروف الخارجية تبدو مزعجة ‪ .‬يخاف الشخص الذي‬
‫يشعر أنه واقف وحده ‪ .‬أما الذي يؤمن أن الله معه فل يخاف …‬
‫‪ – 1‬هوذا داود النبي يقول " إن يحاربني جيش ‪ ،‬فلن يخاف قلبي ‪ .‬وإن قام على‬
‫قتال ‪ ،‬ففي هذا أنا مطمئن " )مز ‪ . ( 3 : 27‬وإن سألته عن السبب في هذا ‪،‬‬
‫يجيب في نفس المزمور " الرب نوري وخلصي ‪ ،‬ممن أخاف ؟! الرب حصن‬
‫حياتي ‪ ،‬ممن أرتعب " )مز ‪ ( 1 : 27‬لقد اختبر الرب ومعونته وحمايته ‪ ،‬فقال‬
‫عندما اقترب إلى الشرار ليأكلوا لحمي ‪ ،‬مضايقي وأعدائي عثروا وسقطوا " )مز‬
‫‪. ( 2 : 27‬‬
‫إنه ليستمد سلمه من تحسن الظروف الخارجية من حوله ‪،‬إنما يستمد سلمه‬
‫من عمل الله فيهاومعه ‪.‬‬
‫لذلك فهو يقول في مزمور الراعي " إن سرت في وادي ظصصل المصصوت ‪ ،‬ل أخصصاف‬
‫شرا ً " لماذا ؟ " لنك أنت معي " )مز ‪ . ( 4 : 23‬إن كان لك هذا اليمان ‪ ،‬أن الله‬
‫معك ‪ ،‬فلن تخاف ‪ ،‬مهما حاربك جيش‪ ،‬أو قام عليك قتصصال ‪ ،‬حصصتى إن سصصرت فصصي‬
‫وادي ظل الموت ‪.‬‬
‫‪ – 2‬ولعل هذا السلم وعدم الخوف ‪ ،‬نراهما في مقابلة إيليا النبي لخاب ‪:‬‬
‫كان آخاب الملك يفتش عن إيليا النبي في كل مكان لكي يقتلصصه ‪ .‬ومصصع ذلصصك فصصإن‬
‫إيليا ذهب ليتراءى لخاب ‪ .‬ولما حذره عوبديا من الخطصر ‪ ،‬أجصصاب إيليصا " حصي هصصو‬
‫رب الجنود الذي أنا واقف أمامه ‪ ،‬إني اليوم أتراءى له " )‪ 1‬مل ‪. ( 15، 14 : 17‬‬
‫وقد كان ‪ .‬قابل إيليا آخاب الملك ‪ ،‬ولم يخف منه ‪ .‬بل وبخه على عبادته للصنام )‬
‫‪1‬مل ‪ . ( 18 : 17‬إيليا لم يكن يخاف ‪ ،‬ليمانه أنه واقف أمام رب الجنود ‪.‬‬
‫‪ – 3‬وبالمثل كان داود في لقائه مع جليات الجبار ‪.‬‬
‫داود – الصبي الصغير – كان باليمان مملوءا ً بالسلم ل يخاف جليات ‪ ،‬بل يتكلم‬
‫بثقة … ويقول لشاول الملك " ل يسقط قلب أحد بسببه " )‪ 1‬صم ‪. ( 32 : 17‬‬
‫أما الملك وكل جيشه فكانوا خائفين ‪ ،‬ومرتاعين جدا ً ‪ .‬لنهم لم يكونوا ناظرين‬
‫إلى الله الذي ل يرى مثلما كان ينظر داود … بل كانوا مركزين أبصارهم في هذا‬
‫الذي يرونه أمامهم " الرجل الصاعد " الذي " طوله ست أذرع وشبر ‪ ،‬وقناة‬
‫رمحه كنول النساجين ‪ ،‬ووزن درعه خمسة آلف شاقل نحاس " )‪ 1‬صم ‪-4 : 17‬‬
‫‪ . ( 7‬داود رجل اليمان ‪ ،‬لما دخل إلى ميدان المعركة أدخل الله معه ‪ ،‬وأدخل‬
‫روح اليمان والطمئنان إلى قلوب رجال الحرب بقوله " من هو هذا الغلف حتى‬
‫يعير صفوف الله الحي … ل يسقط قلب أحد بسببه " ‪ 1‬صم ‪. ( 32 ، 26 : 17‬‬
‫وقال لذلك الجبار " أنت تأتي إلى بسيف ورمح ‪ .‬وأنا آتى إليك باسم رب الجنود "‬
‫)‪1‬صم ‪ .(45 :17‬أعني أنت تأتي إلى بال التي ترى ‪ ،‬وأنا آني إليك بالذي ل يرى ‪.‬‬
‫وسنلحظ أن إسم الله لم يفارق لسان داود ‪ .‬وكان يمنحه سلما ً‬
‫وبهذا اليمان ‪ ،‬وهذا السلم القلبي ‪ ،‬وبهذه الثقة تقدم داود إلى ذلك الجبار‬
‫المرعب ‪ ،‬وقال له في يقين اليمان " اليوم يحبسك الرب في يدي … فتعلم كل‬
‫الرض أنه يوجد إله … لن الحرب للرب " )‪1‬صم ‪ .(46،47: 17‬حقا ً إن الرجل‬
‫المؤمن ل يعرف الخوف ‪ ،‬مهما كانت الظروف مخيفة من حوله … سلمه القلبي‬
‫ل يفارقه مطلقا ً … بل يمنحه اليمان أيضا ً شجاعة وبسالة ‪.‬‬
‫‪ – 4‬في وسط الضيقة ‪ ،‬أيا ً كانت ‪ ،‬نرى اليمان يعطى سلما ً ‪.‬‬
‫ضيقة تحل بإثنين ‪ :‬أحدهما مؤمن والخر غير مؤمن ‪ .‬فيضطرب غير المؤمن‬
‫ويخاف ويقلق ‪ ،‬ويتصور أسوأ النتائج ‪ ،‬وتزعجه الفكار … أما المؤمن فيلقيها بكل‬
‫اطمئنان ‪ ،‬وبسلم قلبي عجيب ‪ .‬وقد تسأله البعض عن شعوره إزاء الضيقة‬
‫فيقول هذه المشكلة ‪ ،‬سيتدخل الله فيها ويحلها ‪ ،‬وستؤول إلى الخير " وقد‬
‫تسأله كيف سيتدخل الله ؟ فيجيبك ‪ :‬أنا ل أعرف ‪ .‬ول يهمني هذا ‪ .‬إنما أعرف أننا‬
‫ل نهتم بمشاكلنا ‪ ،‬فالله هو المتهم بالكل …‬
‫حقا ً إني ل أعرف كيف ستحل المشكلة ‪ .‬ولكني أعرف الله الذي سيحلها ‪.‬‬
‫وهكذا يقوده اليمان إلى الطمئنان ‪ .‬وهكذا أولد الله يعيشون دائما ً في سلم ‪.‬‬
‫بل وفي فرح ‪ ،‬شاعرين أن الله معهم ‪ ،‬هو الذي يتولى كل أمورهم ‪ ،‬ويعمل من‬
‫أجلهم ما ل يستطيعون عمله لجل أنفسهم …‬
‫‪ – 5‬إن يونان – حتى وهو في بطن الحوت – لم يفقد إيمانه وسلمه ‪.‬‬
‫بل إنه صلي إلى الرب وهو في بطن الحوت ‪ ،‬صلة كلها إيمان ‪ ،‬وقال فصصي ثقصصة "‬
‫ولكنني أعود أنظر هيكل قدسك " ) يون ‪ . ( 4 : 2‬ونصصذر للصصرب نصصذر للصصرب نصصذرا ً‬
‫وقال ‪ " :‬أما أنا فبصوت الحمد أذبح لك ‪ .‬وأوفي بما نذرته ‪ .‬للرب الخلص " )يون‬
‫‪ . ( 9 : 2‬حتى وهو في بطن الحوت ‪ ،‬كصصان يصصرى خلص الصصرب ‪ .‬وكصصان يصصرى أنصصه‬
‫سيخرج منه ‪ ،‬ويرى الهيكل المقدس ‪ ،‬ويذبح للرب ويوفي نذوره ‪.‬‬
‫إنه اليمان مصدر كل سلم وراحة ‪ .‬ل خوف فيه ول قلق ‪.‬‬
‫‪ – 6‬فإذا قل اليمان ‪ ،‬حينئذ يخاف النسان ‪.‬‬
‫بطرس في إيمانه استطاع أن يمشى مصصع الصصرب فصصوق المصصاء ‪ ،‬ناسصصيا ً كصصل قصصوانين‬
‫الجاذبية ‪ .‬فلما تذكرها وخاف حينئذ سقط ‪ ،‬فصصوبخه الصصرب قصصائل ً " ياقليصصل اليمصصان‬
‫لماذا شككت " )متى ‪ . ( 31: 14‬وهكذا ربصصط الصصرب بيصصن الخصصوف والشصصك وقلصصة‬
‫اليمان ‪ .‬وحقا ً إنه ترابط عجيب ‪:‬‬
‫الشك يضعف اليمان ‪ .‬وضعف اليمان يؤدى إلى الخوف ‪ .‬والخوف يسبب‬
‫السقوط ‪.‬‬
‫وبنفس الوضع نتحدث عن التلميذ لما هاجت عليهم المواج في السفينة ‪ .‬رؤيتهصصم‬
‫المواج تغطي السفينة ‪ ،‬بينما الرب نائم فيها ‪ ،‬جعلتهم يشكون في اهتمصصام الصصرب‬
‫بهم ‪ .‬والشك أضعف إيمانهم ‪ ،‬فخافوا ‪ .‬لذلك وبخهم الرب قائل ً " ما بالكم خائفين‬
‫يا قليلي اليمان " )متى ‪. ( 26 : 8‬‬
‫في كل مرة تخاف ‪ ،‬وبخ نفسك على قلة إيمانك ‪.‬‬
‫قل لنفسك أين هو إيماني بأن الله موجود ‪ ،‬وبأنه ضابط الكل يرى كل شئ ؟‬
‫وأين إيماني بمحبة الله ‪ ،‬وبتدخله في مشاكل ‪ ،‬وبقدريه على كل شئ ‪ ،‬وأين‬
‫إيماني بأن الله صانع الخيرات ‪ ،‬وبأنه لبد سيصنع معي خيرا ً ؟! هذه الفكار كلها‬
‫تقوى إيمانك ‪ ،‬وتمنك سلما ً ‪ ،‬وثقة بعمل الله ‪.‬‬
‫اليمان مريح للنفس ‪ .‬لن الذي يؤمن بوجود الله ‪ ،‬ل يشعر بالوحدة ‪ .‬بل يثق أن‬
‫هناك قوة إلى جواره‬
‫إنه يؤمن بوجود هذه القوة القادرة على كل شئ ‪ ،‬التي تسانده ‪ ،‬والتي كلها‬
‫حب وعدل ‪ .‬وهي تعمل الخير الجميع ‪ ،‬وتتراءف على كل من هو في ضيقة …‬
‫وإذ يطمئن إلى هذه القوة اللهية الحافظة ‪ ،‬يمتلئ قلبه سلما ً ‪ ،‬ول يقلق ول‬
‫يخاف … أما غير المؤمن ‪ ،‬فإذ ل يثق بقوة خفية تسنده ‪ ،‬نراه يتعب ‪ ،‬ويقف‬
‫وحيدا ً في ضيقاته فاقدا ً للسلم …‬
‫‪ – 7‬القديس بطرس كان في السجن ‪ ،‬وقد نام نوما ً ثقيل ً ‪.‬‬
‫مع أن هيرودس الملك ‪ ،‬لكي يرضي اليهود ‪ ،‬كان قد قتل القديس يعقوب بن‬
‫زبدي أحد الثني عشر ‪ ،‬وأمر بالقبض على القديس بطرس وألقاه في السجن "‬
‫مسلما ً إياه إلى أربعة أرابع من العسكر ليحرسوه " ‪ .‬وكان مزمعا ً قتله بعد الفصح‬
‫)أع ‪ . ( 4 – 1 : 12‬وعلى الرغم من السجن ‪ ،‬ومن الحراسة المشددة ‪ ،‬ومن‬
‫توقع القتل … نام بطرس في السجن ‪ ،‬واثقا ً من وجود حراسة إلهية تحرسه ‪،‬‬
‫أكثر من حراسة العسكر عليه ‪ .‬وكان نوما ً ثقيل ً ‪ ،‬لدرجة أن الملك الذي أتى‬
‫لينقذه ‪ ،‬ضربه في جنبه ليوقظه‬
‫)أع ‪ … ( 7 : 12‬أي سلم قلبي هذا ‪ ،‬الذي يجعل إنسانا ً في مثل هذه الظروف‬
‫ينام ‪ ،‬وهو في السجن ‪ ،‬وفي نفس الليلة التي كان فيها هيرودس الملك مزمعا ً‬
‫أن يقدمه للقتل … !‬
‫إنه اليمان بحفظ الله ‪ ،‬إن أراد له حياة على الرض …‬
‫أو اليمان بالبدية السعيدة ‪ ،‬إن شاء الله له أن يستشهد ‪.‬‬
‫وفي كلتي الحالتين ‪ ،‬المر يدعو إلي الفرح ‪ .‬بذلك كان السلم يمل قلبه ‪ .‬و كان‬
‫ينام في هدوء ‪ .‬و ما كانت المور الخارجية تزعجه … و لعله كان هناك سبب َاخر‬
‫لهذا السلم ‪ ،‬و هو أنه " كان بطرس محروسا ً في السجن ‪ .‬و أما الكنيسة فكانت‬
‫تصير منها صلة بلجاجة إلي الله من أجله " )أع ‪. (5 :12‬‬
‫النسان المؤمن هو الذي يستطيع أن ينام في حضن الله و يستريح ‪.‬‬
‫إنه يسلم حياته وكل مشاكله للرب ‪ .‬ويقول للرب ‪ :‬ما دمت أنت قد استلمت هذه‬
‫الموضوعات ‪ ،‬فأنصصا سصصوف ل أشصصغل نفسصصي بهصصا ‪ .‬إنهصصا قصصد انتهصصت بالنسصصبة إلصصى ‪،‬‬
‫وانتقلت إلى يديك أنت ‪ ،‬وأنا واثق أنصك ستصصنع كصل خيصر ‪ .‬أمصا أنصا فمطمئن إلصى‬
‫عملك ‪ ،‬وسأنام وأستريح ‪ .‬لذلك حسنا ً قيل في المزمور إنه " يعطي أحباءه نومصصا ً‬
‫" )مز ‪. ( 2 : 127‬‬
‫‪ – 8‬دانيال النبي والثلثة فتية ‪ ،‬مثال لليمان المملوء بالسلم ‪.‬‬
‫دانيال كان ينتظر أن يلقى في جب السود ‪ ،‬ومع ذلك لم يفقد سلمه ‪ ،‬ولم يفقد‬
‫أيضا ً شجاعته ‪ .‬واحتفظ بإيمانه ‪ ،‬وصلي إلى الله إلهه بكل مجاهرة ‪ ،‬وبل خوف ‪.‬‬
‫في جب السود ‪ ،‬كان قلب دانيال أقوى من قلوب جميع السود التي معه …‬
‫وكأنه يقول ‪ :‬وماذا إن ألقوننى في جب السود ؟ أليس الرب هناك أيضا ً ‪ .‬أو‬
‫ليس هناك ملكه يسد أفواه السود … وكذلك الثلثة فتية ما خافوا من أتون‬
‫النار ‪ .‬لشك أن اليمان يخلق في قلب كل شجاعة وجرأه ‪ ،‬وينزع منه كل خوف ‪.‬‬
‫‪ – 9‬وهكذا كان القديسون في طريقهم إلى الستشهاد ‪.‬‬
‫كانوا يغنون أغاني الفرح ‪ ،‬ويسبحون الله ‪ ،‬وهم في طريقهم إلى الموت ‪ .‬وما‬
‫كان الموت يزعجهم ‪ ،‬ول العذاب ‪ .‬كان إيمانهم بالحياة الخرى ‪ ،‬وبالبدية‬
‫السعيدة ‪ ،‬وبعشرة الرب في الفردوس ‪ ،‬كل ذلك كان يملهم سلما ً بل وفرحا ً ‪،‬‬
‫بل أيضا ً اشتياقا ً إلى الموت ‪ ،‬مغنين مع بولس الرسول " لي اشتهاء أن أنطلق‬
‫وأكون مع المسيح ‪ .‬فذاك أفضل جدا ً " )في ‪ . ( 23 : 20‬إن الموت ل يخيف‬
‫المؤمن ‪ ،‬بل يفرحه …‬
‫‪ – 10‬في كل ضيقة وصعوبة وعقبة ‪ ،‬المؤمن ل يخاف ‪ ،‬ول يفقد سلمه ‪.‬‬
‫المصصؤمن ينتصصصر علصصى العقبصصات ‪ ،‬دون أن يخصصاف منهصصا ‪ .‬يشصصعر أن اللصصه سصصيحل‬
‫الصعوبات التي تصادفه يتركه وحده فيها ‪ .‬أما غير المؤمن فربما الصعوبات تصيبه‬
‫بالتردد والخصصوف ‪ .‬وبعصصدم إيمصصانه يجبصصن ‪ .‬بصصل عصصدم اليمصصان قصصد يصصصور لصصه صصصعابا ً‬
‫ومخاوف غير موجودة ‪ ،‬كأن " السصصد فصصي الطريصصق ‪ .‬الشصصبل فصصي الشصصوارع " )أم‬
‫‪ . ( 13 : 26‬أما المؤمن فل يخاف مطلقا ً مهما صادفته المصاعب والمتاعب ‪ .‬إنه‬
‫يلقيها كلها في هدوء وفي اطمئنان واثقا ً بعمل الله معه ‪.‬‬
‫‪ – 11‬بهذا اليمان والطمئنان ‪ ،‬وقف القديس أثناسيوس يحارب الريوسية ‪.‬‬
‫بكل ما كان للريوسية من صلة بالمبراطور ‪ ،‬وتأثير عليه وعلى حاشيته ‪ .‬بل بكصصل‬
‫ما كان لها أيضا ً من تضصصليل للشصصعب ‪ ،‬وضصصغط علصصى السصصاقفة وإقنصصاع لبعضصصهم ‪،‬‬
‫وإثارة جو عام من الشك ‪ .‬حتى قيل لهذا البابا المؤمن ‪:‬‬
‫]العالم كله ضدك يا أثناسيوس [ فأجاب ]وأنا أيضا ً ضد العالم [‬
‫وهكذا لم ترهبه قرارات النفي من الباطرة ‪ ،‬ول قرارات الحرم من بعض‬
‫الساقفة ‪ ،‬ول الشكوك المنتشرة في كل مكان ‪ ،‬ول التهامات الباطلة التي‬
‫يلصقونها به ‪ .‬وإنما ظل يطوف من بلد ‪ ،‬بكل ثقة ‪ ،‬يعلم ويقنع ‪ ،‬ويزيل الشكوك ‪،‬‬
‫ويثبت الناس في اليمان ‪ ،‬ويكتب الردود والمقالت ‪ ،‬ويدحض براهين الريوسيين‬
‫… إلى أن انتصر أخيرا ً ‪ ،‬اليمان على يديه ‪ .‬وقال القديس جيروم ‪:‬‬
‫]مر وقت ‪ ،‬كاد فيه العالم كله أن يصبح أريوسيا ً ‪ ،‬لول أثناسيوس [‬
‫هذا هو اليمان الذي ل يعرف خوفا ً ول اضطرابا ً ‪ ،‬ول تهزه الحداث ‪ ،‬بل يحتفظ‬
‫بسلمه وسط النيران المتقدة إلى أن يطفئها الله … إن إيمان القديس‬
‫أثناسيوس بالعقيدة التي كان يدافع عنها ‪ ،‬منحه قوة جبارة ‪ ،‬وقف بها ضد جميع‬
‫المقاومات ‪ .‬وكل قوة أثناسيوس ‪ ،‬إنما تكمن في إيمانه ‪ ،‬اليمان الذي يستطيع‬
‫أن يصنع العاجيب ‪.‬‬
‫‪ – 12‬باليمان بشر أناس بالمسيح في بلد تأكل لحوم البشر ولم يخافوا ‪.‬‬
‫ودخلوا في مجاهل أفريقيا ‪ ،‬وفي الغابات ‪ ،‬وفصصي منصصاطق خطصصرة حصصتى مصصن جهصصة‬
‫طبيعتها ومناخها أهلها ‪ .‬ولم يخافوا ‪ .‬إيمانهم بالله الحافظ لهصصم ‪ ،‬أعطصصاهم‬
‫قوة وشجاعة ‪ .‬وكذلك إيمانهم بخيرية وأهميصة العمصل الصذي يقومصون بصه ‪،‬‬
‫أهمية أن يوصلوا كلمة الله للنفصصوس الصصتي هنصصاك حصصتى ل تهلصصك فصصي عصصدم‬
‫إيمصصان ‪ .‬كصصل هصصذا أعطصصاهم قصصوة ‪ ،‬ونصصزع الخصصوف مصصن قلصصوبهم ‪ ،‬فتممصصوا‬
‫عملهم ‪،‬ولم تثنهم عنه الغربة ‪ ،‬ول قسوة المناخ ‪ ،‬ول وحشية النصصاس ‪ ،‬ول‬
‫خطورة الطبيعة …‬
‫‪ – 13‬باليمان أخذ أبونا نوح معه الوحوش في الفلك ولم يخف ‪.‬‬
‫مادام الله قد قال له خذها معك اثنين ‪ ،‬إذن فسيأخذها ‪ .‬والله الذي أصدر المر‬
‫سيحفظه منها ‪ .‬وستكون معه كما كانت مع آدم في الفردوس ‪ ،‬يعيش معها بل‬
‫خوف ‪ ،‬وبكل سلم في القلب … وقد كان ‪ .‬أبونا نوح كان مؤمنا ً بكلمة الله له ‪،‬‬
‫لذلك لم يخف ‪.‬‬
‫‪ – 14‬بل إن كل من آمن بفكرة ‪ ،‬يعطيه اليمان بها قوة لتنفيذها ‪.‬‬
‫وهكذا كان المصلحون في كل زمان ومكصصان ‪ .‬آمنصصوا بفكصصرة ‪ ،‬فجاهصدوا بكصل قصصوة‬
‫لتنفيذها ‪ .‬وبسبب إيمانهم احتملوا الكثير من الضيق ‪ ،‬حتى أكملوا عملهم ‪ .‬غانصصدي‬
‫مثل ً آمن بحق النسان فصى الحريصة ‪ ،‬وآمصن بسياسصصة عصدم العنصصف ‪ .‬وأعطصصاه هصصذا‬
‫اليمان قوة عجيبة إستطاع بهصصا أن يجصصرر الهنصصد ‪ ،‬وأن يعطصصى الحقصصوق للمنبصصوذين‬
‫متساوين مع إخوتهم ‪ .‬واستطاع أن يحتمل الكثير لكي ل يسلك أتباعه بعنف‬
‫‪ ،‬ول يلقون العنف بالعنف ‪ .‬إيمانه بالفكرة أعطاه القوة على تنفيذها ‪ ،‬فكم‬
‫بالكثر بما ل يقاس ‪ :‬اليمان بالله ‪.‬‬
‫‪ – 15‬بل حتى اليمان بالعلم يصنع العاجيب ‪ .‬مثال ذلك رواد الفضاء ‪.‬‬
‫وأقصد كمثال إيمانهم بما قيل لهم عن منطقة انعدام الصصوزن ‪ .‬وكيصصف أن النسصصان‬
‫فيها يمكن أن يمشى في الجو دون أن يسقط ‪ .‬من من النصصاس يجصصرؤ أن يمشصصى‬
‫فى الجو دون أن يخاف ‪ .‬أما الذي جعلهم ينفذون ذلك فهو إيمانهم الكيصصد ببحصصوث‬
‫العلماء الذين قالوا بهذا ‪ .‬واليمان يعطى قوة وشجاعة ‪ .‬فكم بالكثر اليمان بالله‬
‫‪.‬‬
‫إن الفرق بين أشجع الناس وأخوف الناس ‪ ،‬هو اليمان ‪.‬‬
‫إن الشخص الجريء هو الذى لديه إيمصصان ‪ ،‬بصصأنه لصصن يحصصدث لصصه ضصصرر مصصا ‪ ،‬أو هصصو‬
‫المؤمن بلزوم عمله وضرورته مهمصصا حصصدث لصصه ‪ ،‬أو هصصو المصصؤمن بصصصفة الشصصجاعة‬
‫وعدم الخوف ‪ .‬أما الجبان فهو على عكس هذا كله ‪.‬‬
‫‪ – 16‬أيضا ً اليمان بالبدية ‪ ،‬يعطى النسان راحة وسلما ً ‪.‬‬
‫إذ يوقن أنه لبد سينال حقه ‪ ،‬إن لم يكن على الرض ‪ ،‬ففى السماء ‪ .‬ول يكن‬
‫مظلوما ً هنا وهناك ‪ .‬كذلك سينال سعادته كاملة ‪ :‬مالم يتحقق منها هناء ‪،‬‬
‫سيتحقق بكل تأكيد فى النعيم البدى ‪ .‬وهكذا يعيش مرتاحا ً ‪ ،‬ولو كان مثل لعازر‬
‫المسكين ‪.‬‬
‫‪ – 17‬اليمان بقوة الصليب ‪ ،‬يمنع الخوف ‪.‬‬
‫ً‬
‫الذى يؤمن بالصليب وقوة الصليب وعلمة الصليب ‪ ،‬كثيرا مصصا يشصصعر باطمئنصصان إذ‬
‫يحتمصصي وراء هصصذا الصصصليب ‪ .‬فصصإن تعصصرض لخصصوف أو خطصصر ‪ ،‬ورشصصم ذاتصصه بعلمصصة‬
‫الصليب ‪ ،‬يمتلئ قلبه سلما ً ‪ ،‬ويحس أن قوة تحميه ‪ ،‬وتمنع عنه الخصوف ‪ ،‬ويحصس‬
‫أن قلبه دخلته قوة لم تكن فيه من قبل وصارت له علمة الصليب سلحا ً ‪.‬‬
‫وهناك إنسان آخر له إيمان كبير بفاعلية المزامير ‪.‬‬
‫يتلوها فى أى وقت ‪ ،‬أو فى وقت الحاجة ‪ ،‬فيشعر أن المزمور فيه قوة خاصة ‪،‬‬
‫تطمئن قلبه وتمنحه سلما ً ‪ .‬فإن كان خائفا ً مثل ً ‪ ،‬وتل مزمور ‪ ) 91‬الساكن في‬
‫ستر العلى ( ‪ ،‬أو ‪) 23‬الرب ير عانى ( ‪ ،‬أو ‪) 27‬الرب نوري وخلصي( … للوقت‬
‫يشعر بسلم داخله ‪ ،‬وبأن قوة المزمور قد حلت عليه ‪ .‬نحن نعرف أن المزامير‬
‫قد بالروح ) متى ‪ . ( 44 ، 43 : 22‬وأنها كجزء من الكتاب ‪ ،‬قالها داود مسوقا ً‬
‫القدس ) ‪2‬بط ‪ . ( 21 : 1‬لذلك لها قوة بل شك ‪.‬‬
‫آخرون لهم إيمان في أرواح القديسين وعملها لجلهم ‪.‬‬
‫لذلك يشعرون بسلم ‪ ،‬حينما يطلبون صلة ومعونة قديس يحبونه ويثقون بدالته‬
‫عند الله ‪ .‬أذكر بهذه المناسبة راهبا ً أثيوبيا ً متوحدا ً ‪ ،‬كان يعيش في مغارة في‬
‫وادي النطرون ‪ .‬فى إحدى المرات ضل طريقة بالليل ‪ ،‬إذ كان يشكو وقتذاك من‬
‫ضعف فى بصره ‪ .‬وأقبل عليه الليل والظلم ‪ .‬فرسم دائرة واسعة على أرض‬
‫الصحراء ‪ ،‬وحوطها بعلمة الصليب من كل ناحية ‪ ،‬ونام داخلها ‪ .‬وفي الصباح رأى‬
‫آثار الدبيب والحيوانات خارج الدائرة ‪ ،‬ولم تستطيع أن تدخلها لتؤذيه ‪ .‬أتذكر منذ‬
‫زمن طويل ‪ ،‬أنني كنت مسافرا ً فى سفينة ‪ ،‬وقد هاجت المواج جدا ً عليها ‪،‬‬
‫وخاف الركاب ‪ .‬ونظرت فرأيت من بين الركاب معنا إنسانا ً طيبا ً جدا ً كنت أثق‬
‫كثيرا ً بقداسته ‪ .‬فاطمأن قلبي ‪ .‬وقلت فى داخلي " من المحال يسمح الله بغرق‬
‫السفينة ‪ ،‬وفى داخلها هذا النسان الطيب الذى يحب الله " ‪ .‬ونجت السفينه فعل ً‬
‫‪ ،‬ولم يحدث لها أي ضرر ‪ .‬لقد كان مجرد وجود هذا النسان الطيب سببا ً فى‬
‫السلم وتقوية اليمان ‪ .‬وربما كان هذا شعور ركاب آخرين … إن القصص‬
‫الختيارية فى هذا المجال ‪ ،‬لتدخل تحت حصر ‪ .‬وكلها تقوى اليمان ‪ .‬ولكنى‬
‫لست أرى الن مجالها … نكتفى بهذا الجزء وندخل فى علمة أخرى من علمات‬
‫اليمان …‬
‫لشك أنك تخجل أن تخطئ أمام إنسان بار تحترمه ‪.‬‬
‫وقد تكون في حضرته في منتهي الحرص ‪ ،‬تستحي من أن ترتكب شيئا ً مشينا ً‬
‫أمامه ‪ .‬ل تحب أن يأخذ عنك فكرة سيئة ‪ ،‬أو أن تسقط من نظره ‪ .‬بل قد‬
‫تحترس أيضا ً من الخطأ أمام أحد خدمك أو مرءوسيك ‪،‬لئل يحتقرك في داخله‪ ،‬أو‬
‫يقل احترامه لك …‬
‫لذلك فغالبية الخطايا في الخفاء ‪ ،‬إما بسبب الخوف أو بسبب الستحياء ‪ .‬هكذا‬
‫قيل عن الخطأة إنهم ) أحبوا الظلمة أكثر من النور لن أعمالهم شريرة ()يو‬
‫‪ .(19:3‬وقال الرب عن أعدائه المتآمرين عليه ) هذه ساعتكم وسلطان الظلم (‬
‫)لو ‪.(35:22‬‬
‫فإن كنت تخجل أو تخاف من إنسان يراك ‪ ،‬فكم بالولي الله ؟‪.‬‬
‫فإن آمنت تماما ً بأن الله موجود في كل مكان أنت فيه ‪ ،‬يراك ويسمعك ويرقبك ‪،‬‬
‫فل شك سوف تخجل أو تخاف من أن ترتكصصب أي خطصصأ ‪ .‬أمصصام اللصصه ‪ .‬ولهصصذا فصصإن‬
‫القديس يوسف الصديق عندما عرضت عليه الخطية ‪ ،‬رفض الخطية قائل ً ‪ ) :‬كيف‬
‫أفعل هذا الشر العظيم واخطئ الى الله ()تك ‪.(9:39‬‬
‫إعتبر أنه أخطأ إلي الله ‪ .‬كسر لوصاياه ‪ .‬وعدم احترام له ‪ ،‬إذ يفعل الشر قدامه‬
‫بل حياء … فهل عندك هذا‬
‫الشعور؟ هل تضع الله أمامك في كل خطية تحارب بارتكابها ‪ .‬وهل تذكر ما قاله‬
‫الرب لكل ملك من ملئكة السبع ) في سفر الرؤيا (‪ .‬إذ قال لكل منهم ‪.:‬‬
‫)أنا عارف أعمالك ()رؤ ‪،9،13،19، 2:2‬رؤ ‪.(1:3،8،15‬‬
‫لو عرفت هذا ستخجل وتخاف ‪ ،‬وتمتنع عن الخطية ‪ ،‬لن خوف الله سيكون أمام‬
‫عينيك باستمرار في كل مرة تحاول أن تخطئ ‪.‬‬
‫بل إنك تشعر بالستحياء من أرواح الملئكة والقديسين ‪.‬‬
‫إن كنت اؤمن من كل قلبك أ‪ ،‬ملئكة الله حالة حولنا )مز ‪ .(7:34‬وأننا ) صرنا‬
‫منظرا ً للعالم ‪ ،‬للملئكة والناس (‬
‫)‪1‬كو ‪ ..(9:4‬حينئذ لبد ستخجل من الملك الذي حولك ‪ ،‬والذي لقداسته ل يحتمل‬
‫رؤية بعض الخطايا فيتركك وكذلك لبد ستخجل من أرواح القديسين ومن أرواح‬
‫أقربائك ومعارفك ‪ ..‬وبهذا الخجل تبعد عن الخطية ‪ ،‬وتقتر إلي حياة النقاوة ‪..‬‬
‫وإن كنت تؤمن أن الله قدوس ‪ ،‬ستخشي أ‪ ،‬تظهر نجاساتك أمام هذه القداسة‬
‫غير المحدودة ‪ .‬وفي كل مرة تقول في صلتك ) قدوس قدوس قدوس ( ستشعر‬
‫في داخلك بخزي عظيم علي الماضي ‪ ،‬ول تجرؤ علي ارتكاب الخطية في‬
‫المستقبل ‪ .‬إن اشعياء النبي عندما سمع السارفيم يسبحون الرب بهذه التسبحة‬
‫)قدوس( صرخ قائل ً ) ويل لي قد هلكت ‪ .‬لني إنسان نجس الشفتين ()أش ‪:6‬‬
‫‪.(3،4‬‬
‫إن كنت تؤمن أن الله فاحص القلوب وقارئ الفكار …‬
‫وأنه يعلك كل ما يخطر علي فكرك وفي قلبك من مشاعر وخطط وتدابير ‪ ،‬حينئذ‬
‫كنت تخاف من معرفته لدواخلك وتخجل مصن قدسصيته ‪ ،‬وتبتعصصد عصن هصصذه الفكصصار‬
‫والمشاعر ‪ ،‬فتصل إلي حياة النقاوة ‪.‬‬
‫لعلك تقول ‪:‬‬
‫أنا أؤمن بكل هذا ‪ :‬أؤمن ان الله موجود ‪ ،‬وأنه ير كل شئ ويسصصمع ‪ ،‬وأنصه يفحصص‬
‫القلوب ويقرأ الفكار ‪ .‬ومع ذلك أنا ل أزال في أخطائي ‪ .‬أجيبك علي هذا بأنه ‪:‬‬
‫ربما تؤمن بكل هذا نظريا ً ‪ .‬ولكنك ل تحيا حياة تليق بإيمانك ‪..‬‬
‫إن ‪ ،‬الذي يحيا في هذا اليمان بإن الله يراه ‪ ،‬والملئكة تراه ‪ ،‬وأرواح المنتقلين‬
‫تراه ‪ .‬عمليا ً لو وضع هذا الفكر‬
‫في قلبه ‪ ،‬لكان يخجل ‪ ،‬وتضغر نفسه في عينيه ‪ ،‬ول يجرؤ أن يكمل خطاياه ‪.‬‬
‫ولكن علي رأي أحد الباء – كما ورد في بستان الرهبان كل خطية يسبقها إما‬
‫الشهوة ‪ ،‬أم التهاون ‪ ،‬أو النسيان ‪.‬‬
‫لعل النسان يكون أثناء الخطية ناسيا ً الله وملكوته ‪.‬‬
‫ولعله يكون ناسيا ً أنه صورة الله ومثاله ‪ ،‬إن كان يصصؤمن حق صا ً بهصصذا ‪ .‬ولعلصصه يكصصون‬
‫ناسيا ً أيضا ً كل وصايا الله ‪ ،‬وكل إنذراته ‪ ،‬مع أنه نظريا ً يؤمن بكصصل هصصذا ‪ ،‬ولكصصن ل‬
‫يحياه ‪ .‬هو كما قلنا ‪ :‬له إسم المؤمن ‪ ،‬وليس له حياة المؤمن ‪..‬‬

‫لذلك ‪ :‬إن كنت تؤمن بالبدية ‪ ،‬فضع البدية أمامك لكي ل تخطئ ‪.‬‬
‫عن الذي يؤمن حقا ً بإن الموت يأتي كلص ) ‪1‬تس ‪ .(2:5‬والذي يؤمن بأن الله‬
‫عادل ‪ .‬ولقد قال إنه سيأتي ليجازي كل واحد حسب أعماله )رؤ ‪ .(12:22‬والذي‬
‫يؤمن بالحياة بعد الموت ‪ ،‬والدينونة ‪ ،‬والثواب العقاب ‪،‬والوقوف أمام الله في‬
‫ذلك اليوم الرهيب الذي فيه تفتح السفار ‪ ،‬وتكشف النيات والفكار ‪ ،‬وتعلن كل‬
‫أعمال‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بني البشر أمام الكل ‪ .‬الذي يؤمن بهذا حقا إيمانا عمليا ‪ ،‬من الصعب عليه أن‬
‫يخطئ ‪ ،‬بل يجد رادعا ً داخله يثنيه ‪ ،‬خوفا ً وخجل ً ‪ ..‬وتراه دائما ً يستعد لملقاة‬
‫الرب في ذلك اليوم …‬
‫ولماذا أتكلم عن الدينونة ‪ ،‬إني أقول من ناحية أخري ‪:‬‬
‫إن كنت تؤمن بمحبة الله ‪ ،‬فإنك تخجل أ‪ ،‬تجرح محبته ‪.‬‬
‫كثيرا ً ما تقول ) الله محبة ()‪1‬يو ‪ . (8،16 :4‬ولكنك أثناء الخطية ‪ ،‬ل تكون في‬
‫حالة إيمان عملي بمحبته ‪ .‬بل ربما ل تكون هذه المحبة في فكرك إطلقا ً ‪ .‬أم‬
‫كنت تؤمن حقا ً بأن المحبة هي الرباط المقدس الذي يربطك بالله ‪ ،‬فكيف يمكن‬
‫أن تخطئ ؟‪) .‬المولود من الله ل يخطئ ()‪1‬يو ‪.(9:3‬‬
‫بل أنت ل تخطئ ‪ ،‬إن كنت تؤمن بالفضيلة كمنهج حياة ‪.‬‬
‫كثيرون يتحدوثون عن الفضيلة ‪ ،‬ويدعون الخرين إليها ‪ ،‬ويمجدونها كثيرا ً ‪ .‬ولكنهم‬
‫ل يجبونها ‪,.‬ل يؤمنون عمليا ً بإن تكون الفضيلة هي منهج حياة لهم ‪ .‬وإن آمنوا‬
‫بذلك عمليا ً لعاشوا في حياة النقاوة ‪ ،‬منكتين أنفسهم بشدة علي كل ضعف …‬
‫أيضا ً الذي يؤمن بفناء هذا العالم ‪ ،‬يزهده ول يخطئ ‪.‬‬
‫مثلما كان يقول داود النبي ) غريب أنا علي الرض ‪ ،‬فل تخف عني وصصصاياك ()مصصز‬
‫‪).(19:119‬غريب أنا عندك ‪ ،‬نزيل مثل جميع آبصصائي ()مصصز ‪ .(12:39‬وهكصصذا عصصاش‬
‫رجال اليمان في كل جيل )أقروا إنهم غرباء ونصزلء علصي الرض ‪ ..‬يبتغصون وطنصا ً‬
‫أفضل ‪ ..‬سماويا ً ()عب ‪ (11:13،16‬زهدوا كل شئ في هذه الدنيا وأطصصاعوا قصصول‬
‫الرسول ()ل تحبوا العالم ول الشياء التي في العالم ‪ .‬لن العالم يمضصصي وشصصهوته‬
‫معه ()‪1‬يو ‪.(15،17 :2‬‬
‫وبهذا اليمان عاشوا في العالم ‪،‬دون أن يعيش العالم فيهم ‪.‬‬
‫وكان هؤلء ) الذين يستعملون العالم ‪ ،‬كأنهم ل يستعملونه ()‪1‬كو ‪.(31:7‬وبهذا‬
‫اليمان علي نطاق أكبر عاش الرهبان والمتوحدين وسكان الجبال زهد ونسك‬
‫)وهم لم يكن العالم مستحقا ً لهم ‪،‬تائهين في براري وجبال وشقوق الرض ()عب‬
‫‪ (38:11‬وشهد لهم باليمان …‬
‫وهكذا يفعل اليمان ‪ ،‬في تنقية القلب ‪ .‬وكما قال الرسول ‪:‬‬
‫)هذه هي الغلبة التي تغلب العالم ‪ ،‬إيماننا ()‪1‬يو ‪.(4:5‬‬
‫إيماننا بأن يعيش علي الرض ) غير ناظرين إلي الشياء التي تري ‪ ،‬بل إلي‬
‫الشياء التي ل تري ‪ .‬لن التي ل تري وقتية ‪ ،‬أما الني ل تري فأبدية ()‪2‬كو‬
‫‪ .(18:4‬د‬
‫نم إن اليمان بفناء العالم ‪ ،‬هو الذي يجعلنا نغلب العالم ‪ ،‬ونتنقي من العالم وما‬
‫فيه ‪.‬‬
‫إن اليمان بالبدية ‪ ،‬يعطي النسان يقظة في ضميره ‪.‬‬
‫وهكذا يكون له باستمرار ضمير حي ‪ :‬يحكم علي كل عمل ‪ ،‬ليس فقط مصصن جهصصة‬
‫نجاحه أو فشله ‪ ،‬أو من جهة نتائجه في حياتنا الحاليصة ‪ .‬وإنمصا يحكصم علصي المصور‬
‫بمنظار البدية ‪ .‬لن كل تصرف يتصرفه ‪ ،‬له داخله في مصيره الدبي ‪ ،‬وبرما فصصي‬
‫مصائر الناس ‪ .‬فكل خير يعمله محفوظ له في السصصماء ‪ .‬وكصصل خطصصأ يقصصترفه فصصي‬
‫حق الناس أو في حق نفسه ‪ ،‬سيعطي عنه حسابا ً في يوم الدين ‪.‬‬
‫وأيضا ً اليمان بوجود الله أمامنا ‪ ،‬يمنح القلب أتضاعا ً‬
‫يمنحه أتضاعا ً في القلب ‪ ،‬واتضاعا ً في التصرف ‪ .‬ويمنحه خشية وخشوعا ً لنه‬
‫واقف أمام الله ‪ .‬مثلما قيل عن القديس بطرس ‪ ،‬إذ كان يصيد ) بعد القيامة (إنه‬
‫لما عرف أن الرب قد أتي ) أئتزر بثوبه ‪ ،‬لنه كان عرنايا ً (‬
‫)يو ‪.(7:21‬‬
‫في حضرة الرب يقف كل إنسان في خشوع ‪ .‬وبقدر إحساسه بوجود الله ‪ ،‬علي‬
‫هذا القدر يكون خشوعه ‪ .‬وهكذا يختلف الناس في شعورهم أثناء الصلة ‪ ،‬فمنهم‬
‫من يركع ومن يسجد ‪ ،‬أمام عظمة الله غير المحدودة ‪ .‬أما الذي يكون جالسا ً‬
‫أثناء الصلة ‪ ،‬فماذا أقول عنه ؟‪.‬‬

‫والحساس الدائم بوجود الله – حتي في غير وقت الصلة – يجعل النسان في‬
‫اتضاع دائم ‪ ،‬لن العظمة هي الله وحده ‪ .‬وتعاظم النسان عمل ضد اليمان …‬
‫لذلك فنحن نري الملئكة القديسين في هذا الخشوع الدائم ‪.‬‬
‫يقول الكتاب عن ظغمة السارفيم ) لكل واحد شتة اجنحة ‪ :‬باثنين يغطي وجهه ‪،‬‬
‫وباثنين يغطي رجليه ‪ ،‬وباثنين يطير ()أش ‪ .(2:6‬فإن كان الملك الساراف ‪،‬‬
‫يغطي وجهه ورجليه في حضرة الله ‪ ،‬من بهاء عظمة الله ‪ ،‬فماذا نقول نحن ؟‬
‫وكيف ينبغي أن نكون خاشعين وفي أتضاع قدامه …‬
‫ً‬
‫إلي هذه الدرجة نري اليمان ينقي القلب ‪ ،‬ويمنحه خشية وحياء واتضاعا …‬
‫فالذي يؤمن بأهمية الله بالنسبة إليه ‪ ،‬يخشي من اقتراب الخطية ‪ ،‬لنهصصا انفصصصال‬
‫عن الله ‪ .‬وما أخط أن ينفصل إنسان عن الله ‪.‬‬
‫أما الذي ل يؤمن بخطورة الخطية ‪ ،‬وبخطورة نتائجها الروحية ‪ ،‬فإنه يتساهل معها‬
‫ويسقط ‪ ،‬ويقفد نقاوته ‪ .‬أنظر مدي شعور داود بخطورة الخطية حينما قال الرب‬
‫) لك وحدك أخطأت ‪ ،‬والشر قدامك صنعت ()مز ‪.(51‬وانظروا إلي يوسف‬
‫الصديق ‪ ،‬إذ يؤمن أنه حينما يخطئ إلي أحد ‪ ،‬إنما ) يخطئ إلي الله ()تك ‪.(9:39‬‬
‫كل هذه المشاعر اليمانية إما إنها تجعل النسان يمتنع عن الخطية مثل يوسف أو‬
‫ينسحق بعدها مثل داود ‪ .‬وكل المرين من علمات نقاوة القلب ‪.‬‬
‫بساطة اليمان ‪ ،‬كثير من المفكرين يشتهونها ول يجدونها ‪.‬‬
‫مر أحد الفلسفة علي فلح بسيط ‪ ،‬يصلي في حرارة شديدة وهو ساجد في‬
‫خشوع ‪ ،‬يكلم الله بلجاجة ودالة ‪ ،‬كأنه واقف أمامه ‪ ..‬فقال ‪ :‬أنا مستعد أن أتنازل‬
‫عن كل فلسفتي ‪ ،‬مقابل أن أحصل علي شئ من إيمان هذا الرجل البسيط ‪،‬‬
‫الذي يكلم من ل يراه ‪ ،‬بكل هذه الثقة …‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫لقد شعر الفيلسوف بأن هذا الرجل البسيط ‪ ،‬يمتلك شيئا ثمينا لم يستطع هو‬
‫بكل فلسفته أن يحصل عليه ‪ ..‬وهو اليمان ‪.‬‬
‫بساطة اليمان ) تصدق كل شئ ( يختص بالله ‪ ،‬ويقبله ل فحص وبل جدال ‪..‬‬
‫أعني ذلك الجدال الذي‬
‫يشتهر به العقلنيون …‬
‫وهذه البساطة تذكرنا بإيمان الطفال ‪ ،‬الذين يؤمنون بكل الحقائق اللهوتية‬
‫والروحية ‪ ،‬في ثقة كاملة ل تشك ول تكذب ‪ ،‬ول تقدم أي أعتراض من العقل ‪.‬‬
‫ولعل هذا من السباب التي دعت السيد المسيح يقول لتلميذه ) إن لم ترجعوا‬
‫وتصيروا مثل الطفال ‪ ،‬فلن تدخلوا ملكوت السموات ()مت ‪ .(3:18‬قد يكون‬
‫إيمان الطفل أكثر براءة وبساطة وصدقا ً ‪ .‬إيمان حقيقي ل شك فيه ‪ .‬ليت إيمانك‬
‫يكون قويا ً ‪ ،‬كإيمان طفل ‪.‬‬
‫أنا لست أوافق الذين يقولون إن الطفال غير مؤمنين …‬
‫هوذا بولس الرسول يقول لتلميذه تيموثاوس ) إنك منذ الطفوليصصة تعصصرف الكتصصب‬
‫المقدسة القادرة أن تحمكك للخلص ‪ ،‬باليمان في المسيح يسوع المسيح ()‪2‬تي‬
‫‪ .(15:3‬وما أعظم أمتداح الرب للطفل الذي أممه وسط تلميذه )مت ‪.(2،3 :17‬‬
‫الذي يسلك في بساطة اليمان ‪ ،‬يعيش بعيدا ً عن تعقيدات العقل ‪.‬‬
‫ويعيش بعيدا ً عما يقدمه العقل من شكوك وأفكار ‪ ،‬وربما من أضاليل ‪ .‬حقا ً إن‬
‫العقل من الله ‪ .‬ولكنها كثيرا ً ما تضل إن تعدت عن اليمان ‪.‬‬
‫اليمان هو نوع من التجلي ‪ ،‬يقدمه الله للعقل لكي يستنير ‪.‬‬
‫وإن وقف العقل وحده ‪ ،‬فإنه يتعب صاحبه بإفكاره ‪ ..‬لو كان الصبي داود يعتمد‬
‫علي عقله وفكره لخاف من جليات مثلما شاول وكل الجيش ولكنه أعتمد علي‬
‫اليمان البسيط ‪ ،‬الذي قال به جليات ) اليوم يحسبك الرب في يدي ()‪1‬صم‬
‫‪ .(46:17‬ولكن كيف يحسبه الرب في يده ؟ هذا شئ لم يفكر فيد داود ‪ ،‬وإنما‬
‫تركه إلي الله نفسه ‪ ،‬لن الحرب للرب ما قال )‪1‬صم ‪ .(46:17‬هذا هو اليمان ‪.‬‬
‫وبه انتصر داود أكثر من الذين كانوا يستخدمون العقل ميزانا ً للمور ……‬
‫في اليمان البسيط ‪ ،‬المسألة ليست تفكير ‪ ،‬إنما مسألة ثقة ‪.‬‬
‫وحتى إن قال العقل إن الحرب لبد أن تبحث ما مدي توازن القوي في القتال ‪،‬‬
‫وكيف تتفوق إحداها ؟ فالجابة بسيطة ‪ :‬هي أن الله إذا دخل المعركة فإنه سيغير‬
‫الفكرة البشرية عن ميزان القوي ‪ ،‬فيصبح الطفل داود ومعه قوة الله أقوي بكثير‬
‫من جليات الجبار بدون هذه القوة ‪ .‬وهنا نري أن اليمان – مع بساطته ل يتعارض‬
‫من العقل وموازينه ………‪.‬‬
‫الذي يحيا باليمان البسيط ‪ ،‬يعيش بل هم ‪.‬‬
‫لن الهم غالبا ً ما يأتي نتيجة التفكير الكصصثير ‪ ،‬الصصذي يفكصصر فصصي المشصصاكل بطريقصصة‬
‫عقلنية ‪ .‬ولكن في بساطة اليمان يعمل النسصان مصا يسصصتطيعه ‪ ،‬ويصصترك العنصصصر‬
‫الهم لله نفسصصه ‪ ،‬ول يحمصصل همصا ً ‪ .‬وإيقصصانه بصصإن اللصصه يعمصصل ‪ ،‬يعطيصصه سصصلما ً فصصي‬
‫القلب ‪ ،‬ول يسمح للهم بالسيطرة علي مشاعره ‪.‬‬
‫الذي له اليمان البسيط ل يحمل هما ً ‪ ،‬لنه قد ترك تدبير أموره إلي الله ‪ .‬وإذ‬
‫وثق بحسن تدبير الله لحياته ‪ ،‬صار ل يهتم بالغد ‪ ،‬لن إله الغد هو المهتم به ‪.‬‬
‫وكل ما يحدث له في حياته يتلقاه بعبارة ) كله للخير (‬
‫) كل الشياء تعمل معا ً للخير للذين يحبون الله ()رو ‪.(28:8‬‬
‫اما الذي يضع تفكيره مكان التدبير للهي ‪ ،‬فإنه يتعب كثيرا ً ويحمل همومه بدل ً‬
‫من ان يحملها الله عنه‬
‫كذلك مما ينزع الهم ‪ ،‬ثقة اليمان البسيط باستجابة صلته ‪.‬‬
‫ولعلك جميعكم تعرفون قصة تلك البلدة التي أتعبها الجفاف لعدم سقوط المطر‬
‫فقر أهلها إقامة يوم للصلة من أجل ان يسقط الله مطر علي الرض ‪ .‬وذهب‬
‫الكل لكي يصلوا ‪ .‬ولكن طفلة ذهبت وهي تحمل معها مظلة‬
‫) شمسية ( فلما سألوها عن ذلك ‪ ،‬قالت ‪ :‬أسنا سنصلي من أجل المطر؟ ماذا‬
‫نفعل إذن ‪ ،‬حينما يستجيب صلتنا ويسقط المطر ‪ ،‬وليست معنا شمسيات ؟! لقد‬
‫كان لها اليمان باستجابه الصلة ‪ .‬ومن أجل إيمانها انزل الله المطر ‪.‬‬
‫هذا اليمان البسيط ‪ ،‬له قوته بالنسبة إلي المعجزات والرؤي ‪.‬‬
‫لقد حدث المعجزة بالنسبة إلي شخص ‪ ،‬ول تحدث بالنسبة إلصصي شصصخص آخصصر لن‬
‫الول في بساطة اليمان يصدقها ويقبلها ‪ .‬أما الخر فإن الصصصعوبات الصصتي يقصصدمها‬
‫عقله ‪ ،‬تجعله يشك في داخله من جهة إمكانية حدوثها ‪.‬‬
‫ونفس الوضع يحدث بالنسبة للرؤي ‪ .‬البعض يري المناظر اللهية والستعلنات‬
‫ببساطة إيمان ‪ .‬والبعض ل يراها بتعقيدات عقله ‪ .‬والمر واضح جدا ً كما حدث في‬
‫ظهور السيدة العذراء بكنيستها في الزيتون بالقاهرة ‪.‬‬
‫العقل يحاول ان يحلل كل شئ علميا ً ‪ ،‬وإل فإنه ل يصدق ‪ .‬بينما اليمان يحتاج‬
‫إلي تصديق ‪ ،‬في بساطة بعيدة عن تعقيدات العقل …‬
‫ً‬
‫لذلك فالمعجزات والرؤي تحدث بالكثر مع البسطاء ‪ .‬أما ) العقلء كثيرا (‪ .‬الصصذين‬
‫ينكرونها ويستهزئون بمصدقيها ‪ ،‬فإنها ل تحدث لهم إل نادرا ً ‪ ،‬لكيمصصا تجصصذبهم إلصصي‬
‫اليمان ‪ ،‬أو لتكون شاهدا ً عليهم )يو ‪.(22:15‬‬
‫أن اليهود لم يصدقوا حتي معجزة منح البصر للمولود أعمي ‪ ،‬وقالوا له إن الذي‬
‫شفاه رجل خاطئ !!)يو ‪ .(24:9‬كان العقل يضع أمامهم مشكلة الشفاء في يوم‬
‫السبت ‪ ،‬لكي يضيع بها إيمانهم )يو ‪.(16:9‬‬
‫لذلك حسنا ً قال السيد المسيح عن هؤلء وأمثالهم ‪ ،‬وممجدا ً للبسطاء (أحمدك‬
‫أيها الب ‪ ..‬لنك أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء ‪ .‬وأعلنتها للطفال ()مت‬
‫‪.(25:11‬‬
‫حقا ً هؤلء الطفال يقصد بهم البسطاء في إيمانهم ‪ .‬أما هؤلء الحكماء والفهماء‬
‫في هذه الية ‪ ،‬فهم المعتزون بإدراكهم وفهمهم ‪ ،‬والمعتمدون علي عقلهم وحده‬
‫بعيدا ً عن اليمان ‪ .‬حتي أن بعض الروحيين أمسك رأسه بين يديه وقال )أن هذه‬
‫هي الثمرة التي أكل منها آدم وحواء (‪..‬يقصد المعرفة البعيدة عن الله ……‬
‫في إحدي الليالي ‪ ،‬قبل رهبنتي ‪ ،‬كنت راجعا ً من زيارة أحد الباء في الجبل ‪.‬‬
‫وكان الظلم قد أنتشر فقيل لي‬
‫ً‬
‫)ل ترجع وحدك إلي الدير لئل تضل الطريق ( وكنت أعرف الطريق جيدا ‪ .‬وأؤمن‬
‫بإرشاد الله فيه ‪ ،‬ومع ذلك قلت ) إن ضللت طريقي ‪ ،‬سأبيت في الصحراء حتي‬
‫الصباح ‪ .‬وكنت مؤمنا ً من أعماق بستر الله في هذا ‪ ،‬وبخاصة لن كثيرا ً من‬
‫العراب يبيتون في الصحراء بل خوف ‪ ،‬ولكن قيل لي أنك بسيط أزيد مما يجب ‪،‬‬
‫ول تعرف الجبل ‪ .‬لن الجبل مملوء بالحشرات والدبيب ‪ ،‬وهناك خطر الوحوش‬
‫أيضا ً ‪ ،‬وأخطار أخري من جهة الجو … وظل ) العقل (‪ .‬ينصب في أذني ‪ ،‬ليزيل‬
‫ما في قلبي من بساطة اليمان ‪ .‬ورجعت ليلتها إلي الدير مع أحد الباء ‪ .‬ولم‬
‫يعطني )العقل ( وقتذاك فرصة أختبر فيها عمل الله مع السائرين ليل ً في الصحاء‬
‫‪ ،‬ول حتي اختبار العرابي الذي يبيت كل ليلة هناك ‪ ،‬وتبيت معه عناية الله وستره‬
‫……‪..‬‬
‫أشكر الله انني عوضت ذلك فيما بعد حينما سكنت في الجبل وحدي ‪.‬‬
‫إن العقل يمكنه يصور خطورة في كل مكان ‪ .‬وفي نفس الوقت ل يعطي مجال ً‬
‫للتفكير في عمل الله ‪ .‬ووعلي العكس يطرح غير المؤمن في عقدة الخوف ‪.‬‬
‫ليس معني هذا أن يلقي النسان بنفسه في التهلكة ‪ ،‬بل حكمة ‪ .‬وإنما إذا أحترس‬
‫بقدر طاقته ‪ ،‬ثم وجد فيما يسمونه خطرا ً ‪ ،‬فحينئذ بكل بساطة يثق في حفظ الله‬
‫وستره ‪ .‬ويغني مع داود النبي ) يسقط عن يسارك ألوف ‪ ،‬وعن يمينك ربوات ‪.‬‬
‫وأما أنت فل يقتربون إليك ()مز ‪.(91‬‬
‫اليمان البسيط يثق بأن يد الله تتدخل للنقاذ ولحل كل مشكلة ‪.‬‬
‫هو يثق تماما ً أن الله كمحب للبشر ‪ ،‬وكصانع للخيرات ‪ ،‬لبد سيتدخل في‬
‫المشكلة – حسب وعوده لولده – وتمتد يده لحلها ‪.‬‬
‫أما كيف يحدث هذا ؟ فهذا ما ل يسأل عنه اليمان البسيط ‪.‬‬
‫إنه يتقبل عمل النعمة في بساطة ‪ ،‬دون أن يفحص كيف تعمل ‪.‬‬
‫وكم من مرة حاولنا أن نحل مشاكلنا بطرق بشرية ‪ .‬ثم فشلت هذه الطرق‬
‫جميعها ‪ .‬ولم تأت بنتيجة ‪ .‬وكانت بصمات الله واضحة ‪ ،‬فوق كل فكر ‪.‬‬
‫اليمان البسيط يثق بعمل الله ‪ ،‬عقيديا ً ‪ ،‬وعن طريق الخبرة ‪.‬‬
‫إيمان يدخل النسان في دائرة الختبارات ‪ .‬والختبارات تعمق اليمان وتنبيه علي‬
‫أسس واقعية وليس علي مجرد أسس نظرية‪ .‬واليمان والختبار يقولون بعضهما‬
‫بعضا ً ‪ .‬حتي يصل النسان إلي يقين بديهي وهو بساطة اليمان ‪.‬‬
‫اليمان البسيط يثق أن كل شئ مستطاع ‪ ،‬وليس هناك مستحيل ‪.‬‬
‫إنه يوقن تماما ً أن الله قادر علي كل شئ ‪ ،‬ول يعسر عليه أمر )أي ‪ .(2:42‬مهما‬
‫كان صعب الفهم أو صعب الحدوث ‪ .‬إنه بقول الرب ) غير المستطاع عند الناس ‪،‬‬
‫مستطاع عند الله )لو ‪.(27:18‬‬
‫وأنا ل تدهشني عبارة ) كل شئ مستطاع عند الله ( إنما تذهلني عبارة ) كل شئ‬
‫مستطاع للمؤمن ()مر ‪.(23:9‬‬
‫وهكذا فإن اليمان البسيط الموقن بهذا ‪ ،‬يرتفع فوق كل الشكوك ‪.‬‬
‫إنه إيمان قوق ‪ ،‬أقوي من كل شط ‪ .‬لن الشكوك هي من عمل العقل ‪ ،‬والعقل‬
‫معتز بمقاييسه ‪ .‬أما المؤمن اجتاز مرحلة العقل ‪ ،‬وعاش في مجال ا‘لي منها‬
‫وأعمق ‪ .‬فأعلي من الشكوك توجد بساطة اليمان ‪.‬‬
‫مشكلة الدين ‪ ،‬أن البعض يحاول أحيانا ً أن يحوله إلي فلسفه ‪ ،‬وإن يخرجه من‬
‫القلب ‪ ،‬ومن الروح ليحصره في نطاق العقل ‪.‬‬
‫وهذا هو المر الذي حاربه القديس بولس الرسول بكل قوته ‪،‬فقال إن كرازته‬
‫كانت ) ل بحكمة كلم ‪ ،‬لئل يتعطل صليب المسيح ()‪1‬كو ‪.(20 -17 :1‬‬
‫يقينا ً أن المؤمن البسيط ‪ ،‬الذي يكتنز إيمانه في أعماقه‪ ،‬فوق مستوي الفحص هو‬
‫أقوي إيمانا ً من بعض علماء اللهوت ‪ ،‬الذين يستمدون إيمانهم من الكتب التي‬
‫يظنون أن اهم فيها حياة ‪ ..‬وقد يكون أيمانا ً يمكن أصن تزعزعه أفكار عقلية‬
‫مضادة …‬
‫درب نفسك علي حياة اليمان البسيط ‪ .‬وانتفع بما مر في حياتك أو حياة غيرك‬
‫من خبرات ‪ .‬ول تجعل كثرة التفكير تبعدك عن اليمان ‍!‬
‫إن الذي يؤمن بمحبة الله له ‪ ،‬وسهره علي راحته ‪ ،‬وبحكمة الله وحسن تدبيره‬
‫لحياته ‪ ،‬وبأن الله صانع الخيرات ‪ ،‬يعمل لجله كل خير ‪ .‬هذا يمكنه أن يسلم‬
‫حياته لله ‪ ،‬يديرها كيفما يشاء ‪.‬‬
‫ُ‬
‫بهذا القتناع يحيا باستمرار في طاعة اليمان ‪.‬‬
‫إنه يسلم حياته وهو مطمئن وسعيد ……‬
‫ً‬
‫أما الذي ل يحيا في حياة التسليم ‪ ،‬فإنه علي عكس يعيش قلقا علي حياته ويظل‬
‫يفكر ‪ :‬ماذا أكون ؟ وكيف أكون ؟ ومتي أكون ؟ وهل ينبغي أن أغير ما أنا فيه ؟‬
‫وبأية وسيلة ؟ أم أظل كما أنا ؟ ويتعبه التفكير ‪ ،‬وغالبا ً ما يفقد سلمه ويظل في‬
‫سعي مستمر ‪ ،‬ومناقشة المور مع نفسه ‪ ،‬إلي غير نهاية ‪ .‬ول يفكر مطلقا ً أن‬
‫يستريح ‪ ،‬ويترك المر لله مثل رجل اليمان ‪.‬‬
‫ً‬
‫النسان المؤمن عندما يسلم حياته ‪ ،‬ل يشترط عليه شروطا ‪ ،‬ول يطلب منه‬
‫ضمانات ‪ ،‬ول يراقب‬
‫الله في عمله معه ‪.‬‬
‫إنه واثق بالله كل الثقة ‪ ،‬في محبته ‪ ،‬وفي حكمته ‪ ،‬وفي قدرته ‪ .‬مؤمنا ً أن الله‬
‫يعرف ما هو الخير له أكثر مما يعرف هو ‪ .‬لذلك يسلم حياته في يد ى الله ‪،‬‬
‫وينساها هناك ‪ .‬وهكذا نراه ل يحمل هما ً ‪ .‬مادام هو مؤمنا ً بعمل الله من أجله ‪ .‬ل‬
‫يمكن أن يقلق ويهتم ‪ ،‬ول يمكن أن يتعب نفسه بالتفكير ‪ .‬فالمؤمن يحيا في راحة‬
‫‪ ،‬أكثر من الذي يفكر لنفسه ويتعبه تفكيره …‬
‫كثيرون ل يقبلون التسليم لله ‪ ،‬إل إذا فشلت طرقهم البشرية !‬
‫منهجهم الساسي هو العتماد على الذراع البشرى كل العتماد ‪ :‬إما اعتدادا ً‬
‫بذهنهم وقدراتهم وحيلهم ‪ ،‬أو لتعودهم هذا السلوب ‪ ،‬أو لخطأ عقيدى عندهم ‪ ،‬أو‬
‫اقتناعا ً بأن الله ل يلجأ إليه النسان إل في حالة العجز والفشل الكاملين ! حينئذ‬
‫يأتون إلى الله ‪ ،‬لنهم جربوا حيلة وكل وسيلة وما وصلوا إلى غايتهم ‪ ،‬ولن‬
‫فكرهم تعب وأنهك بل فائدة ‪ .‬فلم يبق سوى الله !‬
‫ليس هذا هو اليمان ‪ ،‬إنما هذا هو الضطرار إلى الله ‪.‬‬
‫اليمان هو أن تلجأ إليه فى الصغائر ‪ ،‬كما تلجأ إليه فى الكبار ‪.‬‬
‫قال السيد المسيح " بد ونى ل تقدرون أن تعلموا شيئا ً " ) يو ‪ . ( 5 : 15‬ذلك‬
‫لن كل طاقة لنا هي من عنده … حتى الفكر الصائب ‪ ،‬وحتى مجرد الرادة‬
‫الطيبة ‪ ،‬وحتى القدرة على العمل ‪ .‬وذ كاؤنا هذا الذي نعتمد عليه ‪ ،‬هو أيضا ً من‬
‫عنده ‪ .‬وما أصدق قول الرسول " لن الله هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا‬
‫لجل تعلموا لجل المسرة " )فى ‪. ( 13 : 2‬‬
‫إن عملنا فى الواقع ‪ ،‬هو أن نشترك مع الله ‪ ،‬فى عمله لجلنا ‪.‬‬
‫وهذه هى شركتنا مع البيعة اللهية ‪ ،‬شركتنا مع الروح القدس ‪ :‬نشترك مع الله‬
‫فى العمل ‪ .‬كما قال القديس بولس الرسول عن نفسه وعن زميله أبولس " نحن‬
‫عاملن مع الله " ) ‪1‬كو ‪ . ( 9 : 3‬وكل عمل ل يشترك الله معنا فيه ‪ ،‬ل يكون‬
‫عمل ً مقدسا ً ‪ ،‬ول عمل ً مباركا ً ‪ .‬وتسليمنا الرادة لله ‪ ،‬هو نوع من الشركة معه ‪،‬‬
‫نكون فيه كالت طيعة بين يدية تعمل مشيئته ‪ .‬هو يسيرها كيفما يشاء ‪ .‬وهى‬
‫تعمل بفكره وإرادته ‪ ،‬أو بتسليم إرادتها لرادته ‪ ،‬كشركة الحواس مع المخ …‬
‫إن أخطر ما يهدد الحياة الروحية ‪ ،‬هو استقلل النسان عن الله ‪.‬‬
‫وهذه هى الخطية الكبرى التى وقع فيها شاول الملك فرفضه الله )‪1‬صم ‪. ( 16‬‬
‫كان يعمل بفكره وبتدبيره ‪ ،‬بعيدا ً عن مشورة الله وعن شركته ‪ .‬ول يرى أنه‬
‫محتاج إلى أن يشترك الله معه في العمل ‪ .‬وكأنه يقول ‪ :‬مادمت أستطيع أن‬
‫أعمل هذا العمل ‪ ،‬فسأعمله ‪ ،‬بكل قوة ‪ ،‬وبكل سرعة ‪ ،‬وحتى بدون صلة … لن‬
‫إرادتى وحدها هى التى سوف تعمله … ! وبدون اعتماد على الله ‪ .‬وإن فشلت ‪،‬‬
‫ألجأ إليه ! مادام الله قد وهبنى عقل ً وإرادة ‪ ،‬فلماذا ل أستخدمهما ؟! … وكثيرون‬
‫مثل شاول …‬
‫الله قد وهب البشرية العقل والرادة ‪ .‬ولكن ليس لتستقل عنه !‬
‫وليس لكى تعتد بذاتها ‪ .‬فالكتاب يقول " وعلى فهمك ل تعتمد " )أم ‪. ( 5 : 3‬‬
‫ً‬
‫ولنتذكر أن خطيئة النسان الول ‪ ،‬كانت محاولته الحصول على المعرفة بعيدا عن‬
‫الله ) تك ‪ ( 3‬ومتى بدأ النسان يقول " أنا أعرف ‪ ،‬وأنا أقدر ‪ ،‬فما الحاجة فى‬
‫هذا المر إلى الله ؟! " يكون حينئذ قد بعد عن اليمان بالله بالنا ) الذات ( ال ‪Ego‬‬
‫…‬
‫أما المؤمن فل يكتفى بالعتماد على الله ‪ ،‬بل يسلمه كل شئ …‬
‫ويقول له ‪:‬حياتى هى صنع يديك ‪ ،‬وهى الن بين يديك ‪ ،‬إفعل بها ما تشاء ‪ .‬حيثما‬
‫تسيرنى أسير ‪ ،‬وكيفما تصيرنى أصير ‪ .‬أنا ليست لى إرادة خاصة ‪ ،‬فإرادتى‬
‫الوحيدة هى أن أصنع إرادتك ‪ ،‬وأن أتحد بإرادتك ‪ ،‬فأريد ما تريده أنت ‪ ،‬أنت يا‬
‫صانع الخيرات … لست أقول عن شئ إننى أعرف ‪ .‬فكل معرفة النسان هى‬
‫جهالة عند الله )‪1‬كو ‪ . ( 20 : 1‬المعرفة الحقيقية هى من عندك يارب وحدك ‪.‬‬
‫أنت هو الحكمة )‪1‬كو ‪ . ( 24 : 1‬أنت " المذخر فيه كل كنوز الحكمة والعلم "‬
‫)كو ‪. ( 3 : 2‬‬
‫ولننى أعترف أننى ل أعرف لذلك سلمت حياتى فى يديك ‪.‬‬
‫أنت تعرف الخير أكثر مما أعرفه ‪ .‬وأنت تعرف الخير لى أكثر مما أعرفه‬
‫لنفسى ‪ .‬وأنا واثق بحكمتك وبحسن تدبيرك لحياتى ‪ .‬حتى إن شئت لى التجربة أو‬
‫الضيقة ‪ ،‬فأنا أقبلها باعتبار أنها خير خالص هو من يديك ‪ .‬ولول ذلك ما كنت أنت‬
‫المحب ترضاها لى ‪ .‬حقا ً فى حالت كثيرة ‪ ،‬ل تعرف أين هو الخير !‬
‫إن حياة التسليم ل تعرف الشكوى ول التذمر ‪ ،‬بل تقبل كل شىء برضى وفرح‬
‫…‬
‫مادمت يا أخى تثق بحكمة الله فى تدبيرك ‪ ،‬فلماذا إذن أنت تشكو أو تتذمر أو‬
‫تتضجر ‪ .‬إذا دخل التذمر إلى حياتك ‪ ،‬فافحص نفسك جيدا ً ‪ ،‬لئل يكون إيمانك قد‬
‫ضعف وأنت ل تدرى ‪.‬‬
‫ً‬
‫الذى يحيا حياة اليمان والتسليم ‪ ،‬يحيا دائما فى فرح وفى شكر ‪.‬‬
‫إنه ل يشكو بل يشكر ‪ ،‬البتسامة ل تفارق شفتيه ‪ ،‬والبشاشة ل تفارق وجهه ‪،‬‬
‫والفرح ل يفارق قلبه ‪ .‬إنه يؤمن بحكمة الله ومحبته ‪ .‬ويؤمن أن مشيئة الله دائما ً‬
‫صالحة ومفيدة ‪ .‬وهو يخضع لمشيئة الله فى فرح …‬
‫ليخضع لمشيئة الله فى تغصب واضطرار‪ .‬وكأن قلبه يقول لله ‪ " :‬ماذا أفعل‬
‫يارب ؟ أنت هو القوى وأنا الضعيف ‪ .‬وكل ما تعمله أنا أقبله ‪ .‬وأنا منتظر نهاية‬
‫هذا المر … !! " ‪ .‬ل شك أن هذا كلم إنسان متعب فى داخله ‪ ،‬يتكلم بكلم تذمر‬
‫فى أسلوب تسليم ‪ .‬وليس التسليم هكذا …‬
‫إذن ما معنى " لتكن مشيئتك " فى حياة اليمان وحياة التسليم ؟‬
‫النسان المؤمن يقول يقول فى رضى قلبى كامل ‪ :‬أنا يارب خاضع لمشيئتك ‪،‬‬
‫لنى أحب مشيئتك من أعماقى ‪ ،‬وأثق بك وبها ‪ .‬مشيئتك هذه أصلحت أفكارى ‪،‬‬
‫وأصلحت أحكامى على بعض المور ‪ ،‬وعدلت مسارى وطريقى … ما أجمل‬
‫طرقك يارب " ما أبعد أحكامك عن الفحص ‪ ،‬وطرقك عن الستقصاء " )رو ‪: 11‬‬
‫‪ . ( 33‬مشيئتك هذه هى أجمل أغنية فى فمى ‪ ،‬وأحلى الخبار فى أذنى ‪ .‬فلتكن‬
‫مشيئتك إذن ‪ ،‬لنه ل توجد مشيئة أخرى أيا ً كانت أصلح منها ‪ .‬إلى جوارها أشعر‬
‫بجهالة أية مشيئة تتعارض معها ‪ ،‬سواء كانت لى أو لغيرى …‬
‫ليست حياة التسليم ‪ ،‬هى الخضوع لسياسة المر الواقع ‪ ،‬دون اقتناع !‬
‫وليست هى الخضوع لسياسة الضغط اللهى ) ! ( الذى يفرض سلطانه عليك‬
‫فرضا ً ! وأنت مضطر أن تخضع له سواء أردت أو لم تردد !! ل يا أخوتى ‪ ،‬ليس‬
‫هذا هو معنى عبارة " لتكن مشيئتك " ‪ .‬فحياة التسليم تعلمنا أن نشعر بأن مشيئة‬
‫الله هى الخير الكامل ‪ ،‬وهى أصلح ما يصلح لنا ‪ ،‬وهى سبب فرحتنا وبهجتنا ‪،‬‬
‫ولهذا كان داود النبى يتغنى بأحكام الله ‪ .‬ويقول للرب ‪ :‬أحكامك هى درسى ‪.‬‬
‫أحكامك هى لذتى ‪ .‬أنا أتأمل أحكامك وأدرسها )مز ‪. (119‬‬
‫التسليم لله ينبغى أن يكون تسليما ً حقيقيا ً ‪ ،‬وليس حسب الظاهر ‪.‬‬
‫البعض يظن أنه يسلم حياته لله ‪ ،‬بينما يفرض على الله خططه !‬
‫كلما يتصرف الله فى حياته ‪ ،‬يحاول أن يستوقف الله ‪ ،‬ويقول له ‪ :‬إنتظر يارب‬
‫لرى ما أنت فاعل بى ‪ .‬ل يصلح هذا المر ‪ .‬إعمل كذا وكذا لستريح ‪ .‬وهكذا يود‬
‫أن يشتغل عند الله وزير تخطيط ‪ .‬هو يخطط ‪ ،‬والله ينفذ !! كل ‪ ،‬ليس التسليم‬
‫هكذا ‪ ،‬إنما هو أن تترك الله يعمل حسبما يشاء ‪ ،‬وترضى بما يعمل ‪ .‬ول تقاوم‬
‫خطط الله بتصرفاتك ‪ .‬ل تقاوم مشيئة بما تعمله حسب هواك …‬
‫النسان المؤمن يترك التدبير الله ‪ .‬ول يقبل أن يدبر نفسه بنفسه ‪.‬‬
‫ماذا كانت خطية أبينا آدم سوى أنه بدأ يدبر نفسه ‪ :‬كيف يصل إلى المعرفة ؟‬
‫كيف يصير مثل الله ؟ كيف يكون نفسه ويبنيها … وهكذا سقط ‪.‬‬
‫وخطية الشيطان ‪ ،‬هى أنه بدأ يدبر نفسه ‪ ،‬ويبنيها ويكبرها حسب هواه !‬
‫" أصعد إلى السموات ‪ .‬أرفع كرسى فوق كواكب الله … أصعد فوق مرتفعات‬
‫السحاب ‪ .‬أصير مثل العلى " )‪1‬ش ‪ . ( 14 ، 13 : 14‬إنها خطط تشبه أحلم‬
‫اليقظة ‪ ،‬رسمها الشيطان لنفسه " فانحدر إلى أسافل الجب " ‪.‬‬
‫وبالمثل الذين بنوا برج بابل ‪ ،‬جلسوا يخططون لبناء أنفسهم ‪ ،‬ففشلوا ‪.‬‬
‫قالوا " هلم نبن لنفسنا مدينة وبرجا ً رأسه فى السماء ‪ .‬ونصنع لنفسنا إسما لئل‬
‫ً‬
‫نتبدد على وجه الرض " )تك ‪ . ( 4: 11‬فكان تخطيطهم ضدهم ‪ .‬وما خشوه ‪ ،‬هو‬
‫الذى صاروا إليه " فبددهم الله على وجه كل الرض " )تك ‪ . ( 9 : 11‬أما النسان‬
‫الروحى فل يفعل هكذا ‪ ،‬بل فى حياة التسليم يقول ‪:‬‬
‫" إن لم يبن الرب البيت ‪ ،‬فباطل ً يتعب البناءون " )مز ‪. (1: 127‬‬
‫الله هو الذى يبنينا وليس نحن ‪ .‬إذن نسلمه أنفسنا ليبنيها ‪.‬‬
‫وهكذا نعيش فى راحة ‪ ،‬مطمئنين إلى عمل الله فينا ‪ ،‬وإلى نجاح عمله ‪ .‬نقف‬
‫ونتأمل ‪ ،‬فنرى عجائب من تدبيره ‪ .‬واثقين أنه يعمل الخير ‪ ،‬مهما كان الذى‬
‫يحدث أمامنا غريبا ً ‪ ،‬أو صعبا ً ‪ ،‬أو ضد ما كنا نرجوه ‪.‬‬
‫ليس المهم أن نفهم ما يعمله الله ‪ .‬إنما المهم أننا باليمان والتسليم نتقبله ‪.‬‬
‫والكتاب المقدس حافل بأمثلة التسليم فى حياة رجال اليمان ‪:‬‬
‫‪ – 1‬أبونا إبراهيم مثل ً ‪ ،‬كانت بداية قصته مع الله ‪ ،‬هى قول الله له " أترك أهلك‬
‫وعشيرتك وبيت أبيك ‪ ،‬إلى الرض التى أريك " )تك ‪. (1: 12‬‬
‫وأبونا إبراهيم لم يسأل لماذا ؟ ول إلى أين ؟ بل أطاع …‬
‫هذه هى حياة التسليم ‪ ،‬التى ل تجادل ول تناقش ‪ ،‬بل تقبل وتطيع ‪ ،‬بل تردد ‪ .‬تدع‬
‫فهمها جانبا ً ‪ ،‬وتركز على أمر الله ‪.‬‬
‫‪ – 2‬وهكذا كان نوح فى الفلك ‪ ،‬وكان يونان فى بطن الحوت ‪ ،‬وكان موسى فى‬
‫البحر الحمر … فى حياة تسليم كامل ‪.‬‬
‫إنها طاعة اليمان ‪ .‬مادام الله يريد هذا ‪ ،‬فنحن ل نناقشه ‪ .‬وما هو عقلنا المحدود‬
‫الضعيف ‪ ،‬حتى يناقش الله غير المحدود ‪ ،‬كلى الحكمة …؟! إن موسى فى بدء‬
‫إرساليته جادل الله فى كيف يدخل إلى فرعون )خر ‪ ، (3‬ولكنه لما نما فى‬
‫اليمان والتسليم لم يجادل فى دخوله البحر الحمر …‬
‫‪ – 3‬القديسة العذراء مريم عاشت كمثال لحياة الطاعة والتسليم ‪.‬‬
‫مع كل محبتها للبترولية ‪ ،‬قيل لها أن تخطب لرجل وتعيش معه فى بيت واحد ‪،‬‬
‫فأطاعت ‪ .‬وأرسل لها الله ملكا ً يقول لها إنها ستحبل وتلد ‪ ،‬فقالت له " هوذا أنا‬
‫أمة الرب ‪ .‬ليكن لى كقولك " )لو ‪ … ( 38 : 1‬ومع ولدتها لله الكلمة ‪ ،‬ورؤيتها‬
‫كل ما أحاط بهذا الميلد من معجزات ‪ ،‬قيل لها أن تهرب به إلى مصر وتتغرب‬
‫هناك ‪ ،‬فقبلت كل ذلك فى طاعة اليمان ‪ .‬وفى تسليم أيضا ً رجعت من مصر ‪،‬‬
‫وقبلت أن تسكن فى الناصرة )متى ‪ ، (23: 2‬التى قيل إنها ل يخرج منها شئ‬
‫صالح )يو ‪ . (46: 1‬وكان شعارها فى حياة التسليم هذه ‪ ،‬عبارتها الخالدة "ليكن‬
‫لى كقولك "‬
‫‪ – 4‬ولعل اليمان والتسليم يظهران فى حياة الرسل فى طاعتهم التلقائية لقول‬
‫الرب‬
‫"إتبعنى" أو "هلم ورائى "‬
‫هكذا قال الرب لمتى ) لوى ( ‪ .‬وهو فى مكان الجباية )مر ‪ (14: 2‬فلم يناقش‬
‫وإنما " ترك كل شئ وقام وتبعه " )لو ‪ . ( 28 : 5‬ولم يفكر مطلقا ً فى كل‬
‫مسئولياته وعمله ‪ .‬وبالمثل لما دعا الرب بطرس وأندراوس وباقي الرسل ‪،‬‬
‫يلخص القديس بطرس كل قصص هذه الدعوة بقوله للرب ) تركنا كل شيء‬
‫وتبعناك ( ) لو ‪ . ( 28:18‬أنها طاعة اليمان التي تتبع الرب حيثما ذهب ‪ ،‬بل‬
‫سؤال ‪ ،‬بل استفسار ‪ ،‬بل تفكير في المستقل\بل ‪ .‬وكما سنشرح أن كل ً منهم‬
‫أطاع وهو ل يعلم إلي ين يذهب ) عب ‪( 8:11‬‬
‫ونحن كثيرا ً ما ندعي ‪ ،‬فنحاول أول ً أن نطمئن على مستقبلنا ‪.‬‬
‫لذلك نسأل الكثير من السئلة ‪ .‬ونحصل على ما نستطيعه من الضمانات وبكل‬
‫هذا تخرج من اليمان إلي العيان … إلي المستقبل الذي نراه بعيوننا ونطمئن إليه‬
‫‪ ،‬وليس إلي المجهول الذي نراه ‪ ،‬ونقبله بحياة التسليم والطاعة …‬
‫‪ -5‬من أمثلة حياة اليمان والتسليم والطاعة ‪ ،‬أرميا النبي‬
‫سار وراء الله باليمان ‪ ،‬في طرق لم يفكر مطلقا ً أن يسير فيها … وأخيرا لخص‬
‫ً‬
‫خبرته في حياة التسليم في عبارة عميقة قال فيها ) عرفت يا رب أنه ليس‬
‫للنسان طريقة ليس لنسان يمشي أن يهدي خطواته ( ) أر ‪ . ( 23:10‬ولماذا ل‬
‫يهدي خطواته ؟ لن الله هو الذي يقود هذه الخطوات ويهديها …‬
‫هذه هي حياة التسليم ‪ ،‬أن تسير وراء الله ‪ ،‬وليس وراء فكرك‬
‫تسير ليس وراء هواك ورغباتك ‪ ،‬وليس وراء مشيئة الناس أو مشورة الناس إنما‬
‫وراء الله نفسه الذي يقود حياتك ‪ .‬يضعها في أي وضع وفي أي موضع ‪ ،‬حسب‬
‫أعماق حكمته ‪ .‬فاسأل نفسك هل الله هو الذي يقود حياتك ؟ أم تقودها رغبة‬
‫معينة ‪ ،‬هي التي تحدد تصرفاتك ومسير خطواتك ؟‬
‫‪ -6‬من المثلة العجيبة في حياة التسليم ‪ :‬يوسف الصديق‬
‫أظهر له الله بالرؤي أنه سيصير سيدا ً لخوته ‪ ،‬وسيجدون له جميعهم ) تك‬
‫‪ (10:37‬فماذا كان تحقيق الوعد ؟ أخذه إخوته وألقوه في بئر ليقتلوه ‪ .‬ثم باعوه‬
‫كعبد ‪ .‬وسحبه المديانيون من البئر ليبيعوه للسماعيليين ) تك ‪ . ( 28:37‬ثم بيع‬
‫لفوطيفار ليخدم في بيته …‬
‫ً‬
‫وفي كل هذا لم يحتج يوسف متذمرا على الرب وعلى أحلمه …‬
‫بل سكت ‪ .‬وسلم في هدوء لما سمح به الرب ‪ ،‬وسلك بكل أمانة وإخلص وقبل‬
‫الحياة كخادم … ولكنه رضى بالبلوى ‪ ،‬والبلوى لم ترض به ! فإذا بتهمة باطلة‬
‫رديئة تلفق ضده ‪ ،‬ويلقي به في السجن كفاعل أثم … !‬
‫ولم يحدث أن يوسف سأل الرب لماذا ؟ … أو أين هي وعودك ؟‬
‫سكت في مثل رائع لحياة التسليم وطاعة اليمان ‪ .‬ولم يتذمر مطلقا ً ‪ .‬وفي‬
‫المرة الوحيدة التي خرج فيها قليل ً جدا ً عن حياة التسليم ‪ ،‬وقال لرئيس السقاه‬
‫بعد أن فسر له حلمه ) حينما يصير لك خير ‪ ،‬تصنع إلي أحسانا ً ‪ ،‬وتذكرنى‬
‫لفرعون ‪ ،‬وتخرجني من هذا البيت ( ) تك ‪ … ( 14:40‬لما فعل هذا ‪ ،‬أجاب‬
‫الوحي اللهي على هذا الطلب بقوله ) ولكن لم يذكر رئيس السقاة يوسف‪ ،‬بل‬
‫نسيه ( ) تك ‪… ( 23:40‬‬
‫ولكن الله لم ينس يوسف ‪ ،‬الذي بقى في السجن في حياة التسليم ‪ ،‬حتى‬
‫أخرجه الله منه بمجد عظيم …‬

‫‪ -7‬ومن أمثلة حياة التسليم وطاعة اليمان ‪ :‬داود النبي ‪.‬‬


‫كان ) يرعى الغنيمات القليلت في البرية ( ‪ .‬وأرسل له الله صموئيل النبي‬
‫ومسحه ملكا ً ‪ .‬ولكنه لم يسلمه من الملك شيئا ً … وبقى يرعي الغنيمات القليلت‬
‫‪ ،‬دون أن يتذمر ‪ .‬ثم اختير خادما ً للملك شاول المرفوض من الله الذي بغته روح‬
‫ردئ من قبل الرب ) ‪ 1‬صم ‪ … ( 14:16‬ولم يحتج داود‬
‫لم يقل أنا الملك المختار من الله ‪ .‬فكيف أخدم هذا المرفوض ؟!‬
‫بل في حياة التسليم تقبل الوضع ‪ .‬وكان يهدئ شاول الملك حينما تبغته‬
‫الشياطين … وظل شاول يطارد داود ناقش الله ‪ ،‬أو قال له أين مواعيدك ؟ أين‬
‫أستحق كل هذا ؟! … بل انتظر ‪ ،‬في هدوء وفي تسليم ‪ ،‬خلص الرب ‪ .‬وقد كان‬
‫…‬
‫‪ -8‬ومن أمثلة حياة التسليم ‪ :‬تلميذ الرب‬
‫دعاهم الرب للخدمة كما قال لبطرس وأندراوس ) هلما ورائي فأجعلكما صيادي‬
‫الناس() متى ‪ ( 19:4‬ومرت ثلث سنوات وهم يتبعونه ‪ ،‬دون أن يخدموا ‪ .‬ولم‬
‫يصيدوا أحد ‪ .‬ثم صلب الرب ‪ .‬وخافوا ‪ ،‬وأغلقوا على أنفسهم في العلية لئل‬
‫يصيدهم اليهود … ومع كل ذلك لم يشكوا ‪ .‬وبقوا في حياة اليمان والتسليم ‪.‬‬
‫وأخيرا ً بعد حلول الروح القدس ‪ ،‬تمم الرب وعده ‪ .‬وفي يوم واحد تمكن بطرس‬
‫بعظة واحدة من أن يصيد ثلثة آلف نفس … ولو أنه كان كل يوم يصيد نفسين ‪،‬‬
‫ما وصل إلي هذا الرقم كله ‪ ،‬ولكن حياة التسليم تقول للرسول ‪ . :‬وانتظر‬
‫الرب ( ) إنتظروا الرب ‪ .‬تقو وليتشدد قلبك‬
‫) مز ‪ ( 14:27‬نعم يا رب سأنتظر وعدك في صيد الناس ‪ .‬ولكن هل إلي ثلث‬
‫سنوات وأكثر ؟ أنه لكذلك ‪ .‬ولكن ) ليس لكم أن تعرفوا الزمنة والوقات التي‬
‫جعلها الله في سلطانة وحده ( ) أع ‪(8:1‬‬
‫أن حياة التسليم ل تناقش الرب في مدى النتظار الطويل لمواعيده‬
‫أنها ل تقول له لماذا يا رب تجعل بطرس ينتظر أكثر من ثلث سنوات ليصير‬
‫صيادا ً للناس ؟ ولماذا تترك إبراهيم ينتظر خمسة وعشرين عاما ً حتى تحقق له‬
‫وعدك في ميلد أسحق ؟ ولماذا تترك داود في مذلته من شاول عشرات‬
‫السنوات ‪ ،‬حتى تحقق له اختيارك له ملكا ً … ؟‬
‫إن حياة التسليم ل تشك ‪ ،‬وتري في النتظار جكمة إلهية ‪.‬‬
‫فقد كان داود صبيا ً حين اختياره ‪ .‬وكان النتظار نافعا ً له حتى يكبر وينضج ‪ ،‬وحتى‬
‫يزداد الناس حبا ً له يوما ً ‪ .‬كذلك كان النتظار نافعا ً لبطرس حتى تكتمل تلميذته‬
‫للرب ‪ ،‬وحتى يحبن موعد حلول الروح القدس لينال به قوة هو وسائر الرسل ‪.‬‬
‫كذلك كان النتظار نافعا ً اسحق ‪ ،‬ليصير إبنا ً للموعد …‬
‫‪ – 9‬من أجمل المثلة فى حياة التسليم ‪ :‬تقديم اسحق محرقة ‪.‬‬
‫لقد صبر ابرآم خمسا ً وعشرين سنة ‪ ،‬حتى ولد له اسحق ‪ ،‬إبنه المحبوب الذى‬
‫أخذ المواعيد من أجله ‪ .‬وفرح به فرحا ً ل يوصف ‪ .‬وكبر اسحق ‪ .‬وإذا بالرب يقول‬
‫لبينا إبراهيم " خذ إبنك وحيدك ‪ ،‬الذى تحبه ‪ ،‬إسحق … وأصعده محرقة على أحد‬
‫الجبال الذى أريك " ) تك ‪ … ( 2: 22‬أى قلب يمكنه أن يحتمل هذا ؟! وأى عقل‬
‫يسمع هذا ول يشك … ؟!‬
‫ولكن ابانا إبراهيم فى حياة التسليم ‪ ،‬لم يناقش ‪ ،‬ولم يتردد فى التنفيذ ‪ .‬بل بكر‬
‫صباحا ً ‪ ،‬وأخذ إسحق ليذبحه … ولم يحسب نفسه أحن من الله … ولم يشك فى‬
‫محبة الله ول فى حكمته … إن الطاعة ل تكون فى المور السهلة فقط ‪ ،‬وإنما‬
‫تظهر فى قمة سموها فى المور التى تبدو صعبة جدا ً فى التنفيذ ‪.‬‬
‫حياة التسليم تظهر فى الدخول من الباب الضيق والطريق الكرب ‪.‬‬
‫مادمت أنت يا رب موافقًاعلى هذا الباب الضيق ‪ ،‬فإنه يكون أصلح البواب‬
‫للدخول ‪ ..‬ول نناقشك بل نفرح بذلك ‪ ،‬ونرى أنك تختبر به محبة أولدك ‪ ،‬ونقاوة‬
‫قلوبهم ‪ ،‬وتعد به لهم أكاليل ملكوتك …‬
‫وبهذا اليمان ‪ ،‬استقبل الشهداء والمعترفون كل أنواع اللم في فرح ‪ .‬وكل‬
‫أولدك يا رب كانوا ) يحسبونه كل فرح حينما يقعون في تجارب متنوعة ( ) يع‬
‫‪(2:1‬‬

‫‪ -1‬هكذا سار أبونا إبراهيم وراء الله ‪ ،‬إلى المجهول … لم يكن يعلم إلى أين‬
‫الطريق ‪ ،‬إنما كان واثقا ً أن الله يصحبه فى الطريق ‪ ،‬ويرشد خطاه …‬
‫‪ -2‬وهكذا حدث مع آبائنا الرسل الطهار ‪ ،‬لما دعاهم الرب فتبعوه ‪.‬‬
‫وهم ل يعلمون إلى أين … إذ لم يكن للمسيح مقر معروف ‪ ،‬بل لم يكن له أين‬
‫يسند رأسه‬
‫) لو ‪. ( 58: 9‬كان يطوف المدن والقرى يعلم ويشفى ‪ ،‬مع أنه لم تكن له وظيفة‬
‫رسمية فى المجتمع اليهودى … ولم يكن له دخل مالى معروف ‪ .‬وحتى لما دعا‬
‫تلميذه ‪ ،‬قال لهم " ل تحملوا ذهبا ً ول فضة ول نحاسا ً فى مناطقكم … ول تحملوا‬
‫معكم شيئا ً للطريق " )متى ‪ ، 9: 10‬مر ‪. ( 8 : 6‬‬
‫ولو سألت أحد تلميذه وقتذاك ‪ :‬ما هو عملك ؟ وما هو مستقبلك مع المسيح ؟‬
‫لوقف وأوقفك معه ‪ ،‬أمام علمة استفهام كبيرة ل يعرف لها جوابا ً ‪ ،‬سوى حياة‬
‫التسليم … يكفيه أنه سائر مع المسيح ‪ ،‬مع أنه معه وفى وجوده ليعمل شيئا ً …‬
‫المسيح يعمل كل شئ ‪ ،‬وتلميذه مجرد متفرجين ‪.‬‬
‫‪-3 -3‬خذوا مثال ً لذلك القديس مار مر قس الرسول حينما دخل السكندرية ‪:‬‬
‫دخلها وهو ل يعلم إلى أين يذهب ‪ ،‬إذ لم تكن هناك كنيسة يستقر فيها ‪ ،‬ولم يكن‬
‫له هناك شعب ‪ ،‬ول مسكن … بل على العكس كانت الوثنية فى كل مكان ‪،‬‬
‫وكانت اليهودية تقاوم اليمان جاء مارمرقس إلى مصر ‪ ،‬وأرشد الله خطاه إلى‬
‫إنيانوس ‪ ،‬وما كان فى فكره هذا المر … وما حدث لمارمرقس ‪ ،‬حدث تقريبا ً‬
‫لباقى الرسل ‪ .‬تتنوع المكنة والسماء ‪ ،‬ولكن قلب الموضوع واحد ‪ .‬وكأن كل‬
‫رسول كان يقول ‪:‬‬
‫لو كانت الخدمة عمل ً بشريا ً ‪ ،‬لكان يهمنى أن أعرف خطية مسيرى ‪ .‬أما والخدمة‬
‫عمل إلهى ‪ ،‬فل يهمنى إلى أين أذهب ‪ .‬أنا مع الله ‪ .‬حيث قادنى أسير ‪.‬‬
‫‪ – 4‬يوحنا المعمدان كان يرى أن واجبه هو أن يشهد للحق ‪ .‬فشهد للحق وقال‬
‫لهيرودس الملك " ليحل لك " ولم يهتم بعد ذلك إلى أين يذهب ‪ :‬إلى السجن ‪،‬‬
‫إلى الموت … ليكن ما يكون ‪ .‬رسالة الله تتم فى طاعة إيمانية كاملة ‪ .‬أما الحياة‬
‫‪ ،‬وأما المصير ‪ ،‬فهما مسلمان الله … إلى التمام ‪ .‬وهكذا كان بولس الرسول‬
‫يشهد للرب … وبعد ذلك ل يهمه إلى أين يذهب ‪" :‬أشدة أم ضيق أم اضطهاد أم‬
‫جوع أم عرى أم خطر أم سيف " ‪ ،‬يقول فى ثقة بحياة التسليم " لكننا فى هذه‬
‫جميعها ‪ ،‬يعظم انتصارنا بالذى أحبنا " ) رو ‪ . ( 37، 35 : 8‬بهذا السلوب ‪ ،‬سار‬
‫أولد الله جميعهم فى طريق الحياة فى حياة التسليم ‪.‬‬
‫كل ما يهمهم هو أن الله يقودهم ‪ .‬ولكن ل يعنيهم إلى أين … ولكنهم واثقون‬
‫باليمان ‪ ،‬أنه سيقودهم إلى المراعى الخضراء ‪ ،‬وإلى ينابيع الماء الحى ‪ .‬خبرتهم‬
‫مع الله تجعلهم مسرورين بقيادته ‪ ،‬واثقين بمحبته ‪.‬‬
‫‪ – 5‬إسحق بن ابراهيم حمل الحطب وراء أبيه ‪ ،‬ولم يعلم إلى أين يذهب ‪.‬‬
‫كل ما تعلمه فى حياته ‪ ،‬هو التسليم والطاعة ‪ ،‬وبهما سار حتى إلى المذبح ‪.‬‬
‫وربطه إبراهيم أبوه ووضعه على المذبح فوق الحطب ) تك ‪ ، ( 22‬ورفع عليه‬
‫السكين ‪ .‬كل هذا وإسحق فى تسليم كامل ‪ .‬لم يشك فى محبة الله … وانتصر‬
‫على طول الخط ‪ .‬بتسليمه هذا ‪ ،‬كسب طاعة اليمان ‪ ،‬وكسب حياته ‪ ،‬وكسب‬
‫وعود الله …‬
‫‪ – 6‬لعازر الدمشقى لما سافر ليختار زوجة لسحق ‪ ،‬ما كان يعلم إلى أين‬
‫يذهب ‪.‬‬
‫ولكنه سلم خطاه لله ليرشده ‪ .‬ودبر الله له كل شئ بطريقة عجيبة وقف أمامها‬
‫مذهول ً ‪ .‬وتم كل شئ حسبما طلب منه سيده ابراهيم ‪ .‬ولهذا قال " الرب أنجح‬
‫طريقى " )تك ‪ . ( 56 : 24‬ولعل لعازر الدمشقى كان يقول " لم أكن أعلم إلى‬
‫أين أنا أذهب ‪ .‬لكنى كنت أعلم تماما ً أن الله ذاهب معى " ‪ .‬ونفس الوضع تقريبا ً‬
‫حدث ليعقوب فى رحلته إلى خاله ل بان ‪ .‬وما أجمل قول الرب له " هاأنا معك ‪.‬‬
‫أحفظك حيثما تذهب " ) تك ‪. ( 15: 28‬‬
‫‪ – 7‬الشعب فى البرية ‪ ،‬أتراه كان يعلم إلى أين يذهب ؟!‬
‫ما كان يعلم شيئا ً ‪ .‬كان الله يقوده يوما ً بيوم ‪ .‬وكان يرتحل بإرشاد إلهى ‪ ،‬ويقف‬
‫بإرشاد إلهى ‪ ،‬ويقف بإرشاد إلهى ‪ .‬وكان هذا الرشاد يتمثل فى السحابة تظلله‬
‫نهارا ً ‪ ،‬وعمود النار يهديه ليل ً … والشعب فى تسليم كامل لقيادة الله ‪ ،‬ل يسأله‬
‫إلى أين … ؟ وما كانت أمام موسى النبى خطة لمسيرة ‪ ،‬وكأنه يقول ‪ :‬يكفينا‬
‫يارب أن تكون سحابتك فوق رؤوسنا ‪ ،‬وعمود النار أمامنا ‪ .‬نحن ل نحدد مسارنا ‪،‬‬
‫إنما تحدده مشيئتك الصالحة ‪ .‬أما نحن فيسعدنا أننا تحت قيادتك ‪ .‬حيثما سارت‬
‫سحابتك نسير ‪ .‬وحيثما حلت نستظل تحتها … يفرحنا أننا نرى فوق تابوت العهد‬
‫الضباب الذى يمثل وجودك ‪ .‬فلتتحرك خيمة الجتماع فى البرية نحو المجهول ‪.‬‬
‫إنه مجهول بالنسبة إلينا ‪ .‬ولكنه فى علمك ومعرفتك منذ الزل ‪ .‬وهذا يكفينا ‪،‬‬
‫لكى نسلم خطانا لهذا المجهول ‪ ،‬ونحن فى ملء الثقة بأننا فى طريق كنعان‬
‫‪ – 8‬القديس النبا أنطونيوس أب جميع الرهبان ‪ ،‬حينما دخل إلى الجبل ‪ ،‬أتراه‬
‫كان يعلم إلى أين يذهب ؟! وكذلك القديس النبا بول أول السواح …‬
‫وأيضا ً كل السواح والمتوحدين حينما توغلوا فى البرية الجوانية ‪ ،‬ما كان أمامهم‬
‫هدف مكانى معين يقصدونه ‪ .‬كل ما كان أمامهم هوالهدف الروحى وهو أن‬
‫ينفردوا بالله فى حياة السكون والهدوء ‪ ،‬مسلمين حياتهم بالكلية له " تائهين فى‬
‫البرارى والجبال وشقوق الرض " … تسأل كل واحد من التائهين فى البرارى ‪:‬‬
‫أتعلم أين أنت ؟ فيجيبك ‪:‬‬
‫على خريطة المكان ‪ ،‬لست أعلم أين أنا …‬
‫ولكن على خريطة الحب ‪ ،‬أعلم أننى فى حضن الب ‪.‬‬
‫‪ – 9‬ولعل البعض يسأل ‪ :‬أما ينبغى أن يحسب كل إنسان حساب النفقة ‪ ،‬حسب‬
‫وصية الرب نفسه )لو ‪ ( 28: 14‬؟ إن حياة اليمان ‪ ،‬هى أبعد ما تكون عن علم‬
‫الحساب الذى يقصدونه ‪ .‬إذن ما الذى يقصده الرب بأن يجلس النسان أول‬
‫ويحسب النفقة ؟‬
‫حساب النفقة هو ‪ :‬هل عندك من اليمان ما يكفى ؟‬
‫هل عندك من اليمان ما تسلم به المر كله لله لكى يدبره ؟ إنك تفعل ما‬
‫تستطيعه ‪ .‬ولكن هذا هو أقل المطلوب ‪ .‬أما العنصر الساسى فهو إيمانك بما‬
‫يفعله الله ‪ ،‬وتسليمك له كل المر … وهذا كان منهجنا ‪ ،‬حينما كنا نريد أن نبنى‬
‫كنيسة أو أى مشروع للخدمة والرعاية ‪ .‬لم يكن السؤال الساسى هو " من أين‬
‫التكاليف ؟" ‪ ،‬إنما كان السؤال الساسى هو ‪ :‬هل الله موافق على هذا البناء أم‬
‫ل ؟ فإن كان موافقا ً فهو الذى سيقوم بكل تكاليفه ‪ .‬وما علينا إل أن نبدأ ‪ ،‬ويد‬
‫الله تكمل العمل معنا " وإن لم يبن الرب البيت ‪ ،‬فباطل ً يتعب البناءون " ) مز‬
‫‪. ( 1 : 127‬‬
‫اليمان هو أن تغمض عينيك ‪ ،‬وتبصر الله ‪.‬‬
‫طالما أنت تفتح عينيك ‪ ،‬فأنت تسير بالحواس الجسدية ‪ .‬أما إن أغمضت هذه‬
‫العين الجسدانية ‪ ،‬حينئذ سوف تسلك بالقلب والروح ‪ .‬إن تأكدت بحواسك‬
‫الروحية أن الله سيذهب معك فى طريق سر فيه ولو كان فى وادى ظل الموت ‪.‬‬
‫يقنينا ً هناك سوف ل تخاف شرا ً لن الرب معك )مز ‪. (23‬‬
‫‪ – 10‬هذه هى حياة التسليم ‪ ،‬التى فيها يختار الرب لنا ما نشاء ‪ ،‬دون أن نختار‬
‫نحن لنفسنا ‪ .‬آخذين درسا ً من قصة لوط وإبراهيم ‪.‬‬
‫لوط اختار لنفسه السكنى فى سادوم ‪ ،‬الرض المعشبة ) تك ‪. ( 11، 10: 14‬‬
‫وكان يعلم إلى أين يذهب ‪ .‬أما إبراهيم فلم يختر لنفسه شيئا ً ‪ .‬إنما قال له الرب‬
‫" إرفع عينيك وانظر … جميع الرض التى أنت ترى ‪ ،‬لك أعطيها " ) تك ‪: 10‬‬
‫‪ … ( 15، 14‬وماذا كانت النتيجة ؟ لوط سبى وهو فى سادوم وأنقذه إبراهيم‬
‫) تك ‪ . ( 14‬ثم احترق كل ماله فى سادوم وخسر الكل … وهكذا كانت حياة‬
‫التسليم التى لبراهيم ذات نتيجة أفضل …‬
‫اليمان فضيلة كسائر الفضائل ‪ ،‬يمكن أن تقوى أن تضعف ‪ .‬وعلينا نحن ‪ ،‬ليس‬
‫فقط أن تحفظ إيماننا ‪ ،‬وإنما أيضا ً أن نسلك فى كل الوسائل التى تجعله ينمو‬
‫ويزداد ) ‪ 2‬تس ‪2 ، 3 : 1‬كو ‪ . ( 7 :8‬فما هى الوسائل التى تقوى إيماننا ؟ إنها ‪:‬‬

‫أ – ضع فى قلبك باستمرار ‪ ،‬أن الله صانع الخيرات ‪ ،‬وذلك لكي تقوي إيمانك‬
‫برعايته وحفظه ‪ .‬قل لنفسك باستمرار ) كل الشياء تعمل معا ً للخير ‪ ،‬للذين‬
‫يحبون الله ( ) رو ‪ . (28:8‬وثق أن كل ما يصنعه الله هو خير ‪ ،‬وأن كل ما يسمح‬
‫به لبد يؤول إلي خير ‪ ،‬مهما بدا المر غير هذا ‪.‬‬
‫لقد كان الله يصنع خيرا مع يوسف ‪ ،‬حينما سمح أن يباع كعبد ‪ ،‬وأن يلقي في‬
‫السجن ظلما ً ‪ .‬وكانت كل تلك الضيقات ضمن الخطة اللهية لخير يوسف ‪ ،‬ولخير‬
‫المنطقة كلها ‪ .‬وهكذا قال يوسف لخوته الذين باعوه ) لستم أنتم أرسلتموني‬
‫إلي هنا ‪ ،‬بل الله ( ) تك ‪ ) ، ( 8:45‬أنتم قصدتم لي شرا ً ‪ .‬أما الله فقصد به خيرا ً‬
‫) تك ‪(20:50‬‬
‫ب‪ -‬ثق أيضا ً أن الله أب ‪ ،‬وأنه محب ‪ ،‬وأنه في محبته ‪ ،‬لبد أن يعامل أولده‬
‫بحنان ‪ ،‬ويعطيهم عطايا صالحة ‪ .‬وقد قال في أبوته الحانية أنه نقشنا على كفه‬
‫) أش ‪ (16:49‬وفي أبوته يعطينا كل ما نحتاجه ‪ ،‬دون أن نطلب ‪.‬‬
‫جص – مما يقوي إيمانك أيضا ً ‪ ،‬أن تثق بأن الله قادر على كل شيء ‪ .‬هو يحبك ‪.‬‬
‫وهو يريد لك الخير ‪ ،‬وهو قادر على صنع هذا كله ‪ ،‬مهما كان المر صعبا ً …‬
‫إن أبانا إبراهيم ‪ ،‬حينما رفع يده بالسكين ليذبح إبنه وحيده أسحق ‪ ،‬كان مؤمنا ً‬
‫بأن الله محب ‪ ،‬وأنه لبد من وراء ذلك خيرا ً ‪ .‬وكان مؤمنا ً كل اليمان بأنه سيكون‬
‫له نسل من أسحق كنجوم السماء حسب وعد الله له …‬
‫نعم كان مؤمنا ً أنه حتى لو مات أسحق ‪ ،‬فإن الله قادر أن يقيمه من الموات ‪،‬‬
‫ويحقق به وعده ) إذ حسب أن الله قادر على القامة من الموات أيضا ً ( ) عب‬
‫‪ . ( 19:11‬هذا هو الله الذي آمن به ‪ ،‬الذي يحيي الموتى ‪ ،‬ويدعو الشياء غير‬
‫باليمان كأنها موجودة ( ) رو ‪(17:4‬‬
‫باليمان بقدرة الله على كل شيء ‪ ،‬دخل موسى في البحر الحمر وعبره ‪ .‬ودخل‬
‫يشوع في نهر الردن وعبره ‪ ،‬كل منهما مع شعبه …‬
‫يحدد بمقدار حرف‪ -‬كذلك ينبغي أن تثق بحكمة الله ‪ ،‬وبأن كل تدابيره صالحة ‪،‬‬
‫حتى لو كنت لم تفهم بعد أعماق هذه الحكمة …‬
‫إن أمنت بحكمة الله ‪ ،‬تعيش في سلم ‪ ،‬وتقبل كل شيء برضى ‪ .‬أما إن كانت‬
‫) حكمتك ( البشرية ل تثق بحكمة الله ‪ ،‬ستعيش في تذمر وشكوى وتعب نفسي‬
‫… لذلك في كل ما يحدث لك ‪ ،‬قل له ‪ :‬أنا واثق يا رب بحكمتك وحسن تدبيرك ‪.‬‬
‫وإن كان فهمي الن عاجزا ً ‪ ،‬لبد أنني سأعرف بعد حين ما قصدته بي ‪ ،‬كما عرف‬
‫يوسف الصديق ‪.‬‬
‫إن ثقتك بأن الله صانع الخيرات ‪ ،‬وأنه أب محب ‪ ،‬وحكيم في تدابيره ‪ ،‬ويريد لك‬
‫الخير وقادر على ذلك … كل هذا يعمق إيمانك ‪ ،‬ويمنحك سلما ً في قلبك …‬
‫هناك وسيلة أخرى لتقوية اليمان وهي ‪:‬‬

‫لقد وعد الله أبانا ابرام بأنه سوف يعطيه نسل ‪ ،‬وأعطاه ولو بعد زمن ‪ .‬ووعده‬
‫بأن نسله سيكون كنجوم السماء في الكثرة ‪ ،‬وقد كان … مع أن زوجته كانت‬
‫عاقرا ً ‪ ،‬وكان هو قد تقدم في اليام وشاخ ‪.‬‬
‫ووعد الله شعبه بأنه سيرده من السبى ‪ .‬ورده كما وعد ‪.‬‬
‫ووعد إيليا وقت المجاعة ‪ ،‬بأنه سيعوله ‪ .‬وعاله بأعجوبة ) ‪ 1‬مل ‪. ( 6– 3:17‬‬
‫ووعد الله أمنا حواء بأن نسلها سيسحق رأس الحية ) تك ‪ . (15:3‬وقد حقق هذا‬
‫الوعد على الصليب في ملء الزمان ‪.‬‬
‫ووعد الله بأنه سيسكب روحه على كل بشر ) يؤئيل ‪ . (28:2‬وفعل ذلك في يوم‬
‫الخمسين ‪ ،‬وما زلنا هياكل لروحه القدوس ) ‪1‬كو ‪… (16:3‬‬
‫وعود الله كلها صادقة ‪ .‬ويعوزنا أن نتتبع وعود الله منذ القديم ‪.‬‬
‫ولكن هناك وعودا ً دائمة ‪ ،‬يريحنا أن نحيا فيها باليمان ‪.‬‬
‫وذلك كقوله ) ها أنا معكم كل اليام وإلي أنقضاء الدهر ( ) متى ‪ ، ( 20:28‬حيثما‬
‫اجتمع أثنان أو ثلثة باسمي ‪ ،‬فهناك أكون في وسطهم ) متى ‪، (20:18‬‬
‫) أعطيكم فما ً وحكمة ل يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها ( ) لو ‪ ) (15:21‬ل‬
‫تهتموا كيف أو بما يتكلمون ‪ ،‬لنكم تعطون في تلك الساعة ما تتكلمون به ‪ .‬لنكم‬
‫لستم أنتم المتكلمين ‪ ،‬بل روح أبيكم الذى يتكلم فيكم " ) متى ‪. ( 20 ، 19 : 10‬‬
‫وكذلك قوله عن الكنيسة إن أبواب الجحيم لن تقوى عليها ) متى ‪. ( 18 : 16‬‬
‫ليتنا نعيش فى هذه الوعود بكل قلوبنا ‪ ،‬لكى تقوى إيماننا ‪.‬‬
‫وليتك ‪ :‬أيها القارئ المحبوب تجمع كل وعود الله وتقرأها باستمرار ‪ .‬وتقول‬
‫لنفسك ‪ :‬لبد أن يكون الله صادقا ً فى وعوده ‪ .‬وبالتالى لبد أن أعيش سعيدا ً‬
‫بهذه الوعود اللهية … إن دوام التذكار لوعود الله ‪ ،‬يطمئن النفس ‪ ،‬ويقوى‬
‫اليمان … وأيضا ً مما يقوى اليمان ‪:‬‬

‫قبيل عبور البحر الحمر ‪ ،‬كل الظروف المحيطة كانت تدعو إلى اليأس ‪ .‬أما‬
‫موسى النبى فإنه دعا الناس أن ينظروا إلى الله ‪ ،‬وقال لهم " قفوا وانظروا‬
‫خلص الرب … الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون " ) خر ‪ . ( 14 ، 13 : 14‬كذلك‬
‫فى حرب داود وجليات ‪ .‬لو نظر إلى الجبار القوى المتحدى ‪ ،‬ليئس ‪ .‬لكنه‬
‫باليمان نظر إلى الله الذى سيحبسه فى يده ) ‪1‬صم ‪ . ( 17‬نفس الوضع فى‬
‫معجزة الخمس خبزات والسمكتين ‪ .‬لما نظر التلميذ إلى الطعام الموجود ‪،‬‬
‫واللف المنتظرة ‪ ،‬قالوا " ما هذا لمثل هؤلء ؟! " ‪ .‬ولكن المسيح نظر إلى فوق‬
‫وبارك ‪ .‬ولو نظر التلميذ هكذا باليمان إلى فوق ‪ ،‬ل طمأنوا ورأوا قوة الله ‪ .‬مرثا‬
‫نظرت إلى قبر أخيها الميت منذ أربعة أيام ‪ ،‬فقال قد أنتن ‪ .‬أما الرب فقال لها ‪:‬‬
‫ألم أقل لك إن آمنت ترين مجد الله ) يو ‪. ( 40 ، 39: 11‬‬
‫إذن علينا أن ننظر دائما ً إلى فوق ‪ ،‬فيدخل اليمان إلى قلوبنا ‪.‬‬
‫ننظر إلى الله المحب القادر على كل شئ ‪ ،‬ول نركز أفكارنا فى الظروف‬
‫المحيطة ‪ .‬لتنظر إلى قوة أعدائك ‪ ،‬إنما أنظر إلى الله الذى ينقذك منهم ‪ .‬ل‬
‫تنظر إلى الخطية التى " طرحت كثيرين جرحى ‪ ،‬وكل قتلها أقوياء " ) أم ‪: 7‬‬
‫‪ ، ( 26‬إنما أنظر إلى الرب يسوع الذى " يخلص شعبه من خطاياهم "‬
‫) متى ‪ . ( 21: 1‬كذلك من المور التى تقوى اليمان ‪:‬‬

‫وهكذا عندما أراد الله أن يعطى دروسا ً فى اليمان ‪ ،‬قال " تأملوا زنابق الحقل …‬
‫ول سليمان فى مجده كان يلبس كواحدة منها " )متى ‪ . ( 29 ، 28 : 6‬فإن كان‬
‫عشب الحقل … " يلبسه الله هكذا " " أفليس بالحرى يلبسكم أنتم ياقليلى‬
‫اليمان " ‪ .‬وقال أيضا ً " أنظروا إلى طيور السماء " ‪ .‬وفى إحدى المرات ‪ ،‬فعلت‬
‫كما أمر الرب ‪ ،‬ونظرت إلى عصفورة فى حقل الدير … أمامها الكثير من‬
‫التقطت اثنتين أو ثلثا ً ‪ ،‬وتركت الباقى كله وطارت " لم‬ ‫الحبوب ‪ .‬ولكنها‬
‫تجمع إلى مخازن " كما قال الرب ‪ ،‬كانت واثقة أنها فى كل مكان تحل فيه ‪،‬‬
‫سيرزقها الله قوتها ‪ ،‬فلماذا تخزن إذن ؟ أو لماذا تترك الجو العالى الفسيح ‪،‬‬
‫وتقبع إلى جوار الحبوب لتخزن كما تفعل زميلتها النملة ) القليلة اليمان ! ( التى‬
‫ل ترتفع إلى فوق …‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد أعطانا الرب مثال شبيها فى قصة ) المن ( وجمعه ‪.‬‬
‫كانوا يجمعونه ‪ ،‬على قدر حاجتهم ‪ ،‬يوما ً بيوم ‪ ،‬دون أن يخزنوا … والذين خالفوا‬
‫هذه القاعدة وخزنوا منا ً " تولد فيه الدود وأنتن " ) خر ‪ . ( 20 : 16‬كلما يقرأ‬
‫النسان قصصا ً عن اليمان ‪ ،‬والثقة بالله ‪ ،‬والعاجيب التى تحدث مع قديسيه ‪،‬‬
‫يمتلئ قلبه إيمانا ً ‪ ،‬ويحب هذه الحياة المملوءة إيمانا ً … كذلك كلما يعاشر رجال‬
‫اليمان ‪ ،‬يتعلم منهم ‪ ،‬وتثيره حياتهم وعمل الله معهم ‪ ،‬لكى يتمثل بإيمانهم "‬
‫) عب ‪ . ( 7 : 11‬لذلك قال أحد الباء " شهية هى أخبار القديسين " …‬
‫من أجل هذا سجل لنا الكتاب سيرا ً من اليمان ‪ ،‬لنتأثر بها ونتعلم ‪.‬‬
‫ولكى تقوى إيماننا ‪ ،‬إذ نرى أمامنا أمثلة عملية لحياة اليمان التى نشتهيها ‪ .‬ونرى‬
‫أمامنا الطريق الذى سلكه رجال اليمان ‪ .‬وكيف عاملهم الله ‪ ،‬وكيف تعاملوا هم‬
‫معه … وماذا أيضا ً ؟‬
‫إن كانت القراءة ‪ ،‬فإن المعاشرة تأثيرها أعمق بل شك ‪.‬‬
‫لذلك عاشروا الذين يتصفون باليمان ‪ ،‬وامتصوا اليمان منهم ‪ .‬فإن اليمان يناله‬
‫النسان بالتسليم ‪ ،‬أكثر مما يناله بالتعليم ‪ .‬أنظروا كيف يعيشون ‪ ،‬وكيف يظهر‬
‫اليمان فى حياتهم ‪ ،‬وكيف يتعاملون مع الله‪ ،‬وكيف يتصرفون إذاء الحداث…‬

‫وإن أردتم أن تقووا إيمانكم ‪ ،‬لبد من صفة تتصفون بها وهى ‪:‬‬
‫النسان المتضع يقبل كل ما ياتى من الله برضى ‪ .‬أما الفكر المعتد بذاته فإن‬
‫يناقش ويجادل ‪ ،‬ويرفض ما ل يعجبه ‪ ،‬فل يصل إلى اليمان الذى يصل إليه‬
‫المتضع ‪.‬‬
‫النسان المتضع يعترف أن عقله محدود ‪ ،‬وكل قدراته محدودة ‪ ،‬ول يمكنه أن‬
‫يستوعب الله غير المحدود ‪ ،‬ول يدرك أعماق حكمته وصفاته ‪ .‬لذلك يقبل فى‬
‫إيمان ول يشك ‪ .‬وإن ضغط عله الفكر ‪ ،‬ينسكب أمام الله ويقول " أحكامك يارب‬
‫فوق فهمى ‪ ،‬وأعمالك فوق معرفتى ‪ .‬من أنا قدامك ؟ وكل معرفتى هى جهالة‬
‫أمامك ‪.‬‬
‫أنا آخذ منك عن طريق التسليم ‪ ،‬وليس عن طريق الفحص …‬
‫أعطينى يارب إيمان الطفال ‪ ،‬وليس إيمان الفلسفة والحكماء ) لو ‪. ( 21 : 10‬‬
‫حادثة مثل إلقاء الثلثة فتية فى أتون النار ‪ ،‬دون أن يحترقوا ) دا ‪. ( 25 : 3‬‬
‫هذه ‪ ،‬هل نخضعها لفهمنا المحدود ‪ ،‬أم نتقبلها باليمان فى اتضاع الفكر الذى‬
‫ينحنى أمام المعجزة ؟! والمعجزة هى عمل الله القادر على كل شئ … اليمان‬

‫يحتاج إلى اتضاع الفكر وبساطة القلب ‪ ،‬وأيضا ً إلى ‪:‬‬


‫إلق نفسك فى دائرة الله ‪ .‬عش معه واختبره ‪ .‬جرب التكال عليه ‪ .‬حينئذ سترى‬
‫عجائب من عمله معك ‪ .‬أما إن كنت طول حياتك تحصر نفسك فى دائرة‬
‫إمكانيات الفكر ‪ ،‬والذكاء البشرى ‪ ،‬وخبرات المجتمع ‪ ،‬ومشورات الناس ‪ ،‬بعيدا ً‬
‫عن الله ‪ ،‬تأكل كل يوم من شجرة معرفة الخير والشر ‪ ،‬فكيف تصل إذن إلى‬
‫اليمان ؟! إذن إختبر عمليا ً وجود الله فى حياتك ‪ .‬عاشره لتعرف من هو ‪ .‬وكما‬
‫قال داود النبى " ذوقوا وانظروا ما أطيب الرب " ) مز ‪ . ( 8 : 34‬ولعل سائل ً‬
‫يسأل ‪ :‬وكيف ندخل فى الخبرة مع الله ؟ أقول ‪:‬‬
‫الناس ليقوى إيمانهم ‪ ،‬لنهم يعيشون فى عالم ‪ ،‬فصلوه عن الله ‪.‬‬

‫كل ما يحدث فى هذا العالم ‪ ،‬يرجعونه إلى أسباب عديدة ول يذكرون إسم الله‬
‫كأنما الكون يدور … بدون الله ‪.‬‬
‫أ – مثال ‪ :‬العالم يستطيع أن يحطم الذرة ‪ ،‬ويستخدم القوة النووية ‪ ،‬ويصنع سفن‬
‫الفضاء ‪ ،‬ويصل إلى القمر ‪ ،‬ويدور حول الكون ‪ ،‬ويتعامل مع اللكترونات …‬
‫ويصرخ الناس ويقولون ‪ :‬ما أعظم العقل البشرى ! أو ما أعظم الشعب الذى‬
‫اخترع كل هذه المخترعات … ! ول يذكرون إسم الله إطلقا ً … أما المؤمن‬
‫فيقول ‪ :‬مبارك أنت يارب الذى خلقت هذا العقل البشرى ‪ ،‬ووهبته كل هذه‬
‫المكانيات ‪ ،‬وكشفت له ما وضعته فى الطبيعة من قوى … إن كان عبيدك‬
‫الترابيون يعرفون كل هذا ‪ ،‬فكم وكم تكون أنت يا غير المحدود ‪ ،‬القادر على كل‬
‫شئ ؟! وهكذا يقوى إيمان المؤمن بإرجاعه كل قوة وكل عجيبة إلى الله …‬
‫ب – مثال آخر ‪ :‬يمرض إنسان بمرض خطير ‪ .‬ويستطيع طبيب أن ينقذه من‬
‫الموت فيشفى ‪ .‬وينذهل المريض وأقرباؤه من مهارة الطبيب ‪ ،‬ويشكرونه فى‬
‫الجرائد ويمدحونه سبب الشفاء ‪ .‬أما الله فل يتردد إسمه مطلقا ً على أفواههم ‪.‬‬
‫ولكن المؤمن يقول ‪ :‬نشكر الله الذى شفى المريض ‪ ،‬وكانت يده مع يد الطبيب ‪.‬‬
‫ج – مثال ثالث ‪ :‬إنسان يتعرض لحادث تصادم يكاد يودى بحياته ‪ ،‬لول أن سائق‬
‫العربة يوقفها بمهارة على بعد سنتيمترات من الرجل ‪ .‬ويصرخ الناس ‪ :‬يا لمهارة‬
‫السائق ! بينما المؤمن يقول ‪ :‬لقد منح الله هذا النسان عمرا ً جديدا ً …‬
‫ليتك فى كل حادث ‪ ،‬تبحث عن أصبح الله فيه ‪ ،‬ليقوى إيمانك ‪.‬‬
‫إبحث عن حكمة الله وعمل الله فى كل ما يمر بك من الحداث اليومية ن حينئذ‬
‫ستجد الله كائنا ً أمامك كل يوم ‪ ،‬تلمسه وتتعامل معه ‪ ،‬وتشعر بوجوده فى كل ما‬
‫يمر بك من صغيرة وكبيرة ‪ .‬وبهذا يزداد إيمانك يوما ً بعد يوم ‪.‬‬
‫د – مثال رابع ‪ :‬المؤمن إذا مر على حديقة ورأى زهرة من الزهور ‪ ،‬ل يكتفى‬
‫بالتمتع بشكلها ورائحتها كما يفعل العلمانيون … إنما يقف أمامها منذ هل ً ويقول ‪:‬‬
‫ما هذا الجمال الذى خلقته يارب ؟! وما اللوان العجيبة التى يعجز أمهر الفنانين‬
‫عن أن يصنعوا مثلها … لشك أن الزهور الصناعية جميلة ومتقنة ‪ ،‬ولكنها ليست‬
‫فى هذا التناسق ‪ ،‬كما أنها ل حياة فيها ‪ ،‬ول نضارة ‪ ،‬ول رائحة لها ‪ .‬إنها جمال‬
‫ميت … !‬
‫حقا ً ‪ ،‬إن التأمل فى البيعة بهذا السلوب ‪ ،‬يقوى اليمان …‬
‫أهل العالم يتأملون البيعة منفردة ‪ ،‬قائمة بذاتها ‪ ،‬وقد فصلوها عن الله ‪ .‬أما الذى‬
‫يريد أن يقوى إيمانه فإنه يرى الله فى الطبيعة … أليست هى صنعة يدية ؟ …‬
‫وهكذا كان داود النبى يقول " السموات تحدث بمجد الله ‪ ،‬والفلك يخبر بعمل‬
‫يديه ) مز ‪ . ( 1 : 19‬أتراك تعجب بليلة قمرية جميلة ‪ ،‬دون أن تمجد الله خالق‬
‫القمر ؟! تذكر الله هكذا ‪ ،‬ليكون الله بالنسبة إليك حقيقة عملية ‪ ،‬وليس مجرد‬
‫حقيقة عقلية تثبتها البراهين … بهذا تحيا مع الله كل يوم ‪.‬‬
‫إن أردت أن يقوى إيمانك ‪ ،‬ل يفضل مخلوقات الله على الله ‪.‬‬
‫ل تبهرك الطبيعة ‪ ،‬ول تنسى الله خالقها ‪ .‬ل يبهرك العقل البشرى وتصرفه فى‬
‫المادة ‪ .‬وإنما قل ‪ :‬عجيب أنت يارب ! كيف خلقت المادة هكذا ‪ ،‬بهذا الخاصية‬
‫وبهذا المفعول ‪ ،‬بحيث يمكن للعقل أن يستخدمها فى كل هذه الغراض … !‬
‫أترانا نعجب بطبيب يستخلص دواء من مادة معينة ‪ ،‬بينما ننسى الله الذى وضع‬
‫هذه الخاصية فى تلك المادة ‪ ،‬حتى يمكنها أن تخدم غرض الطبيب … ! أمر آخر‬
‫يمكنه أن يقوى إيمانك وهو ‪:‬‬

‫لو فعلت هذا ‪ ،‬لمكن أن يقوى إيمانك ‪ ،‬لنك ستكون علقة مع الله وتتحدث معه‬
‫بدالة بل خوف ‪ ،‬فتتوطد صلتك به ‪ .‬كثيرون ينظرون إلى الرب كمجرد إله أو‬
‫سيد ‪ .‬ولكن هل نظرت إليه أيضا ً كصديق ومحب ‪ ،‬تثق به وبمحته وبإخلصه لك ‪.‬‬
‫إنه يقرع على بابك ‪ ،‬ويطلب إليك أن تفتح له كصديق ‪ ،‬فيدخل ويتعشى معك‬
‫وأنت معه ) رؤ ‪ . ( 20 : 3‬إن قيلت صداقة الله ومحبته ‪ ،‬ستدخل فى اليمان‬
‫الحقيقى … تشتاق إلى رؤياه كصديق ‪ ،‬وتحكى له أسرارك ‪ ،‬وتتمتع بعشرته‬
‫ومحبته … وتحرص كصدق له أل خدش شعوره أو تغضبه ‪ .‬وهو نفسه سيكشف‬
‫لك أسراره ‪ ،‬كما كشف لبراهيم ) تك ‪ . ( 17 : 18‬إن الله يريدك هكذا ‪ ،‬لنه قال‬
‫" ل أعود أسميكم عبيدا ً … بل أحباء " ) يو ‪ … ( 15 : 15‬إتخذه إذن كصديق أو‬
‫كأب ‪ ،‬تؤمن بأبوته ومحبته ‪ ،‬كما تؤمن بسلطانه وقدرته ‪ .‬تحدثه عن أسرارك ‪،‬‬
‫ويحدثك عن أسراره ‪.‬‬
‫ً‬
‫من قصص الصداقة والصراحة مع الله ‪ ،‬مسح إيليا لليشع نبيا ‪.‬‬
‫قال الرب يوما ً ليليا النبى العظيم إذهب " مسح ياهو بن نمشى ملكا على‬
‫ً‬
‫إسرائيل … وامسح أليشع بن شافات ‪ ،‬نبيا ً عوضا ً عنك " ) ‪1‬مل ‪ . ( 16 : 19‬لم‬
‫يقل إيليا ‪ :‬حسنا ً يارب أن أمسح ياهو ملكا ً ‪ .‬ولكن كيف أمسح نبيا ً عوضا ً عنى ؟‬
‫وهل استغنيت عن خدماتى ؟ هل يحدث هذا بعد تعنى الكثير من أجلك ‪ ،‬وبعد‬
‫وقوفى ضد آخاب الملك وزوجته إيزابل ‪ ،‬وبعد تخليصى البلد من كل أنبياء العل‬
‫وأنبياء السوارى ؟ … هل تغيرت محبتك لى ؟! لم يقل شيا ً من هذا ‪ ،‬ولم يشك‬
‫فى محبة الله ‪ ،‬بل فعل كما أمره ‪ ،‬واثقا ً من محبة الله ومن حكمته ‪ .‬بل اعتبرها‬
‫دالة وصداقة بينه وبين الله ‪ ،‬بها يشركه الله معه فى تنفيذ الخطة اللهية ‪ ،‬حتى‬
‫لو كان منها مسح نبى عوضا ً عنه ‪ .‬فهذا ل يدل على أن الصداقة بينه وبين الله قد‬
‫انتهت أو نقصت ‪ .‬بدليل أن الله رفعه إليه إلى السماء فى مجد ) ‪2‬مل ‪( 11 : 2‬‬
‫‪ .‬وبدليل أنه ظهر معه بعد زمن على جبل التجلى يتحدث إليه ) ‪ . ( 4: 9‬إنها‬
‫المحبة التى يصارحه بها الله ‪ ،‬حتى فى المور التى تمسه ‪ .‬وكان مسح نبى عوضا ً‬

‫عنه ‪ ،‬مقدمة لترقيته إلى حالة أفضل ‪ ،‬هى أعظم من نبى …‬


‫أطلب من أجل إيمانك فى صلتك ‪ ،‬لكى ينمو ويزداد ‪.‬‬
‫قل له ‪ :‬إعطنى يارب أن أؤمن بك اليمان كله ‪ .‬إعطنى أن أحبك وأثق بك فى‬
‫كل شئ ‪ ،‬وأؤمن أنك تفعل بى خيرا ً مهما كانت الدنيا مظلمة أمامى ‪ .‬إشعرنى‬
‫بأن عقلى أصغر بكثير من أن يفهم حكمتك وأحكامك ‪ .‬أنا أعرف أنك صانع‬
‫الخيرات ‪ ،‬وأنك محب ‪ ،‬وأنك ترى كل شئ ‪ ،‬وقادر على كل شئ ‪ .‬ومع ذلك كثيرا ً‬
‫ما أضعف … فأعن ضعف إيمانى …‬
‫الشيطان يعمل باستمرار ‪ ،‬وبكل جهده ‪ ،‬على إضعاف إيمان المؤمنين ‪.‬‬
‫ويحاول هو وأعوانه أن يضلوا ولو أمكن المختارين أيضا ً " ) متى ‪ . ( 24 : 24‬ول‬
‫يكفى هؤلء مجرد إضعاف اليمان ‪ ،‬بل يحاولون أن يوصلوا فريستهم حتى إلى‬
‫الرتداد ‪ .‬وهكذا فى آخر اليام يرتد كثيرون عن اليمان " تابعين أرواحا ً مضلة‬
‫وتعاليم شياطين " ) ‪ 1‬تى ‪ . ( 1 : 4‬وما أخطر قول الكتاب فى المجئ الثانى‬
‫للمسيح " ولكصن متى جصصاء ابن النسان ‪ ،‬ألعله يجد اليمان على الرض‬
‫) لو ‪ . ( 8 : 18‬فما هى وسائل الشيطان فى إضعاف اليمان ؟ إنها كثيرة ‪:‬‬
‫بعضها عنيف جدا ً ‪ .‬وبعضها هادئ قد ل يحسه أحد ‪:‬‬
‫كثيرا ً ما تقف الذات ضد الله ‪ ،‬وترفضه لنه ضد رغباتها الخاطئة ‪:‬‬
‫تشعر الذات أن الله يحد حريتها ‪ ،‬التى تشتهى أشياء ل يوافق الله عليها فلكى‬
‫تتمتع بهذه ) الحرية ( أو بهذا التسيب ‪ ،‬تنفصل عن الله ‪ ،‬كما انفصل البن الضال‬
‫عن بيت أبيه ) لو ‪ ، ( 14 – 11 : 15‬لكى ينفق ماله حسب هواه … أو ترفض‬
‫الله ‪ .‬ولعل الوجوديين الملحدين من أمثلة الرافضين لله ‪ .‬وهؤلء صار شعارهم‬
‫هو ‪:‬‬
‫من الخير أن الله ل يوجد ‪ ،‬لكى أوجد أنا …‬
‫وهؤلء قد أخطأوا فهم المعنى الحقيقى للوجود ‪ ،‬والمعنى الحقيقى للحرية ‪.‬‬
‫فليست الحرية هى أن يفعل النسان ما يشاء ‪ ،‬فقد تكون مشيئته خاطئة ‪ .‬إنما‬
‫الحرية الحقيقية هى أن يتحرر النسان من كل شئ يشينه … يتحرر من العادات‬
‫الرديئة التى تستعبده ‪ ،‬ومن الشهوات الدنسة التى تنجسه ‪ .‬ويتحرر من سيطرة‬
‫المادة عليه ‪ ،‬هذه التى تمنع روحه من إنطلقها ومن العشرة مع الله التى هى‬
‫الجود الحقيقى … ومن معوقات الذات لليمان ‪ ،‬رغبة النسان فى الشعور بذاته ‪،‬‬
‫فى القوة والعظمة والكبرياء … وهنا يرى الله منافسا ً له …‬
‫وهكذا وجد هيرودس أن مولود بيت لحم سينافسه الملك ‪ ،‬فرفض اليمان‬
‫به ‪ ،‬وحاول أن يتخلص منه بقتله … وكان من أمثال هيرودس أيضا ً ‪ ،‬الكتبة‬
‫والفريسيون ‪ ،‬الذين رأوا أن المسيح قد أخذ مكانتهم وشعبيتهم كمعلم ‪ .‬فقال‬
‫بعضهم لبعض " أنظروا إنكم ل تنفعون شيئا ً ‪ .‬هوذا العالم قد ذهب وراءه " ) يو‬
‫‪ . ( 19 : 12‬ومن أجل الذات أيضا ً رفض كل هؤلء اليمان بقيامة المسيح ‪ ،‬لئل‬
‫تكون دليل ً يجلب عليهم دم ذلك البار ) أع ‪ … ( 28 : 5‬إن الذات من أكبر‬
‫معرقلت اليمان ‪ ،‬لذلك قال الرب ‪:‬‬
‫" من أراد أن يتبعنى ‪ ،‬فلينكر ذاته … " ) متى ‪. ( 24 : 16‬‬
‫وقال أيضا ً " من وجد حياته يضيعها ‪ .‬ومن أضاع حياته من أجلى يجدها " ) متى‬
‫‪ . ( 39 : 10‬وهكذا نجد أن القديس بولس الرسول ‪ ،‬من أجل اليمان ‪ ،‬يقول "‬
‫لست أحتسب لشئ ‪ ،‬ول نفسى ثمينة عندى " ) أع ‪ " ، ( 24 : 20‬بل أنى أحسب‬
‫كل شئ أيضا ً خسارة ‪ ،‬من أجل فضل معرفة المسيح يسوى ربى ‪ ،‬الذى من أجله‬
‫خسرت كصصل الشياء وأنا أحسبها نفاية ‪ ،‬لكصصى أربح المسيح وأوجصصصصد فيه "‬
‫) فى ‪ . ( 9 ، 8 : 3‬فهل أنت كذلك ؟ أم …‬
‫هل إيمانك يتعطل بسبب ذاتك ؟ بسبب رغباتك وغرائزك وأفكارك وشهواتك ؟!‬
‫هل هناك تعارض بين الله وذاتك ؟ إن كان كذلك ‪ ،‬إنكر ذاتك ‪ .‬قاومها ‪ .‬إنتصر‬
‫عليها ‪ .‬لن مالك روحه خير من مالك مدينة ) أم ‪ . ( 32 : 16‬إن الكتبة‬
‫والفريسيين والكهنة والشيوخ ‪ ،‬كانوا يحرصون على ذاتهم حرصا ً خاطئا ً ‪ .‬كانت‬
‫فى ذات كل منهم عيون ‪ ،‬وكان المسيح يكشفها ‪ ،‬حتى دون أن يتكلم عنها ‪.‬‬
‫بمجرد المقارنة تنكشف ‪ .‬لذلك كانوا يكرهونه ‪ ،‬ولم يؤمنوا به ‪ ،‬لنه نور يهتك‬
‫ظلمتهم … ووقفت ذاتهم – التى تود أن تتغطى – عقبة فى طريق إيمانهم ‪.‬‬
‫ل ننس أن الشيطان نفسه ‪ ،‬كانت سببا ً فى ضياع إيمانه ‪.‬‬
‫وذلك حين فكر كيف تكبر هذه الذات … كيف يصعد إلى السموات ‪ ،‬ويرتفع فوق‬
‫كواكب الله ‪ ،‬ويصير مثل العلى ) اش ‪ . ( 14 : 14‬فوقفت ) عظمة ( ذاته ضد‬
‫اليمان بالله ‪ .‬أما الملئكة الطهار فاحتفظوا بمكانتهم ‪ ،‬لنهم فى إيمانهم بالله‬
‫حسبوا أنفسهم " خدامه العاملين مرضاته ")مز ‪. ( 21: 103‬‬
‫كثيرون أنفسهم جميلة فى أعينهم ‪ .‬ذاتهم هى صنمهم ‪.‬‬
‫يمنعهم عن حياة اليمان ‪ :‬محبة الذات ‪ ،‬والعتداد بالذات ‪ ،‬والرغبة فى تكبير‬
‫الذات وتفخيم الذات ‪ ،‬وتحقيق شهوات الذات ‪ ،‬والهروب من كل من يكشف هذه‬
‫الذات أو يظهر مساوئها … وهكذا ير يدون أن تحيا ذاتهم فى جو من التدليل‬
‫والمجاملة والمديح ‪ .‬يتضايقون من كل كلمة صريحة ومن كل تأنيب وكل تأديب ‪.‬‬
‫فكيف يمكنهم أن يحيوا فى اليمان ؟!إن كنت كذلك أصلح ذاتك لكى تتضع أمام‬

‫الله ‪ ،‬فتحيا فى اليمان … كذلك من المور التى تضعف اليمان ‪:‬‬


‫وفى هذا وقع القديس توما الرسول حينما رفض اليمان بقيامة الرب ‪ ،‬وقال " إن‬
‫أبصر فى يديه أثر المسامير ‪ ،‬وأضع يدى فى جنبه ‪ ،‬ل أؤمن " ) يو ‪( 25 : 20‬‬
‫وقد تنازل الله لضعف توما ‪ ،‬وسمح له أن يتأكد بحواسه قائل ً له " ول تكن غير‬
‫مؤمن بل مؤمنا ً " ‪ ،‬ووبخه قائل ً " لنك رأيتنى يا توما آمنت ؟! طوبى للذين آمنوا‬
‫دون أن يروا " ) يو ‪ . ( 29 ، 27 : 20‬هذا الذى يبصره النسان ‪ ،‬نسميه عيانا ً ل‬
‫إيمانا ً ‪ .‬ولكنه فد يؤدى إلى اليمان …‬
‫أهدا إيمان ضعيف ؟ هناك ما هو أسوأ ‪ :‬أى الذى يرى ول يؤمن ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬الكهنة الذين رأوا القبر الفارغ ولم يؤمنوا بالقيامة ‪ .‬والكتبة‬
‫والفريسيون الذين رأوا معجزات المسيح كشفاء المولود أعمى وإقامة الموتى‬
‫ولم يؤمنوا ‪ .‬هؤلء رافضون لليمان لسباب فى قلوبهم ‪ .‬وينطبق عليهم قول أبينا‬
‫إبراهيم لغنى لعازر " ول إن قام واحد من الموتى يصدقون "‬
‫) لو ‪. ( 31 : 16‬‬

‫وقد قلنا قبل ً إن العقل له حدود ل يتعداها ‪ ،‬وإن اليمان مستوى أعلى منه ‪ .‬ولكن‬
‫هناك أشخاصا ً يريدون أن تعى عقولهم الل محدود ‪ ،‬والمعجزات ‪ ،‬وما هو فوق‬
‫إدراكهم ‪ ،‬وإل فانهم يرفضون كل هذا ! … يريدون أن تخضع اللهوتيان كلها‬
‫للفحص العلمى … وهذا غير ممكن منطقيا ً ‪ .‬وليس من العقل ‪ ،‬أن يخضع غير‬
‫المحدود للعقل الذى هو محدود ! ولعل من أمثلة هذا فى أيامنا ما يعرف فى‬
‫بعض المعاهد باسم علم اللهوت الجديد ‪ N e w Theology‬حيث يريدون إخضاع‬
‫الوحى والمعجزة للبحث العلمى البحث ‪ ،‬أو لمجرد التفسير الرمزي ‪ .‬وبهذا‬
‫ينكرون كثيرا ً من المعجزات ومن قصص الكتاب ‪ ،‬ويدخلونها فى علم الساطير‬
‫!! حقا ً إن العقل يضل ‪ ،‬إذا حاول أن يرتئى فوق ما ينبغى له أن‬ ‫‪Mythology‬‬
‫يرتئى ) رو ‪ . ( 3 : 12‬وبهذا ينحرف عن اليمان ‪ ،‬ويحاول أن يقود غيره فى نفس‬
‫النحراف ‪.‬‬
‫كما أن معاشرة رجال اليمان تقوى اليمان ‪ ،‬كذلك معاشرة الشكاكين تغرس‬
‫الشك فى العقول والقلوب ‪ ،‬إن كانت بمداومة ‪ ،‬أو من النوع العميق التأثير ‪ ،‬أو‬
‫كان المستوى الخاضع للشكوى أقل فى المعرفة أو المستوى العقلى ‪ ،‬أو كان‬
‫غير عميق فى اليمان ‪.‬‬
‫ولهذا فإن الكتاب يمنع من مخالطة المنحرفين فى إيمان‬
‫هم وفى أفكارهم ‪.‬‬
‫يقول القديس يوحنا الرسول " إن كان أحد يأتيكم ول يجئ بهذا التعليم ‪ ،‬فل‬
‫تقبلوه فى البيت ‪ ،‬ول تقولوا له سلم ‪ .‬لن من يسلم عليه يشترك فى أعماله‬
‫الشريرة " )‪2‬يو ‪ . ( 11 ، 10‬وهكذا منعت الكنيسة الخلطة بالهرطقة والمبتدعين‬
‫… وكم من أناس خالطوا جماعات غير مسيحية مثل شهود يهوه والسبتيين ‪،‬‬
‫فكانت النتيجة أنهم انحرفوا فى تياراتها ‪ .‬وكم من أعضاء فى الكنيسة خالطوا‬
‫طوائف غريبة أو ملحدين ‪ ،‬فتأثرت معتقداتهم بهم إلى حد بعيد ‪.‬‬
‫وحتى من جهة السلوك والروحيات ‪ ،‬مخالطة الشكاكين تضعف اليمان ‪:‬‬
‫ً‬
‫قد تحدث لك تجربة أو مشكلة وتقبلها فى إيمان ‪ ،‬وتسلم المر لله شاكرا إياه‬
‫على كل حال ‪ .‬ثم يزورك شخص قليل اليمان ‪ ،‬فيظل يشرح لك خطورة‬
‫الموضوع ‪ ،‬ويخيفك جدا ً من نتائجه ‪ ،‬حتى تفقد سلمك القلبى ‪ ،‬ويضعف إيمانك‬
‫فى حفظ الله وتقلق … لذلك كن حريصا ً جدا ً فى اختبار من تعاشرهم وتختلط‬

‫بأفكارهم ‪ .‬وهذا يقودنا إلى نقطة أخرى تضعف اليمان وهى ‪:‬‬

‫من هذا النوع ‪ ،‬مريم المجدلية ‪ :‬لقد رأت القبر الفارغ ‪ ،‬وسمعت بشارة الملك ‪،‬‬
‫بل إنها رأت السيد المسيح نفسه بعد قيامته ‪ ،‬وأمسكت بقدميه ‪ ،‬وسمعت‬
‫صوته ‪ ،‬وكلفها برسالة … ولكنها مع ذلك قالت ثلث مرات " أخذوا سيدى ‪،‬‬
‫ولست أعلم أين وضعوه " ) يو ‪ . ( 15 ، 13 ، 2 : 20‬وفى هذا إنكار للقيامة ‪.‬‬
‫فما السر فى هذا التحول ؟ وكيف ضعف إيمانها بعدما رأت المسيح وكلمته ؟‬
‫) مر ‪ ، 9 : 16‬مت ‪ ( 9 : 28‬كانت المجدلية صغيرة فى سنها ‪ .‬وقد ضعفت‬
‫شخصيتها أمام الشائعات التى نشرها كهنة اليهود ضد القيامة‪.‬كما ضعفت أمام‬
‫عدم تصديق التلميذ أول ً للقيامة )مر ‪. ( 14 ،13 ،11 : 16‬‬
‫فبدأت تلعب بها الشكوك والوهام ‪ ،‬ورددت بفمها ما سمعته من شائعات ‪.‬‬
‫لم يستطيع إيمان المجدلية أن يصمد أمام الشائعات وكلم الناس …‬
‫فاهتزت من الداخل بسبب التأثير الخارجى الضاغط ‪ ،‬وانقادت إليه … ! وكثير من‬
‫الناس يهتزون من الداخل ‪ ،‬ويتحولون عن إيمانهم الول ‪ ،‬عقيدة أو سلوكا ً ‪،‬‬
‫بسبب استهزاء الناس ‪ .‬وبسبب أن شخصيتهم أضعف من أن تصمد ‪ .‬إن الله يريد‬
‫أن تكون شخصياتكم قوية ‪ .‬وكما يقول الرسول ‪:‬‬
‫مستعدين كل حين ‪ ،‬لجابة كل من يسألكم عن سبب الرجاء الذى فيكم " ) ‪1‬‬
‫بط ‪ . ( 15 : 3‬إن أولد الله ل يليق بهم أن يكونوا ضعفاء ‪ ،‬من النوع الذى يهتز‬
‫إيمانه ‪ ،‬أو تهتز رو حياته ‪ ،‬وينقاد لى فكر خارجى ‪ .‬بل إنهم يعملون بقول‬
‫الرسول " إذن يا إخوتى الحباء ‪ ،‬كونوا راسخين غير متزعزعين … " ) ‪1‬كو ‪: 15‬‬
‫‪ . ( 58‬أيضا ً من النوع الذى تحول عن إيمانه بسبب النقياد ‪ :‬أمنا حواء ‪ .‬فالكلم‬
‫الذى سمعته من الحية ‪ ،‬جعلها تتحول عن إيمانها ‪ ،‬وينتهى المر بطردها من الجنة‬
‫!‬
‫ما أكثر الذين ينقادون وراء الشائعات ويصدقونها ‪ .‬وما أكثر من يرددون كلما ً عن‬
‫المجئ الثانى ويصدقه الناس ‪ .‬ويقولون إن ) المسيح الدجال ( ‪ Anti Christ‬قد‬
‫ولد ‪ ،‬وأنه فى ولية بأمريكا ‪ ،‬وأن عمره الن ‪ 17‬سنة !! وأن العالم سينتهى فى‬
‫هذه السنه أو غيرها !! وما أكثر التواريخ التى حددها شهود يهوه والسبتيون عن‬
‫المجئ الثانى ‪ ،‬ولم يتم منها شئ …‬
‫وقد يضعف إيمان البعض وينقادون وراء من يدعى الرؤى والحلم ‪.‬‬
‫ويظنون أن ما يدعيه من الرؤى والحلم ‪ ،‬كلها حقيقية ومن الله ! ثم ينخدعون‬
‫بما يقوله من كلم ‪ ،‬ولو ضد معتقداتهم أو مبادئهم الروحية ‪ .‬ولقد حذر الرب من‬
‫هؤلء منذ أيام موسى النبى فقال ‪ " :‬إذا قام فى وسطك نبى أو حالم حلما ً ‪،‬‬
‫وأعطاك آية أو أعجوبة ‪ ،‬ولو حدثت الية أو العجوبة التى كلمك عنها ‪ ،‬قائل ً ‪:‬‬
‫لنذهب وراء آلهة أخرى لم تعرفها ونعبدها ‪ .‬فل تسمع لكلم ذلك النبى أو الحالم‬
‫ذلك الحلم ‪ .‬لن الرب إلهكم يمتحنكم لكى يعلم هل تحبون الرب إلهكم من كل‬
‫قلوبكم … ")تث ‪(3 –1 :13‬‬
‫إن النقياد من السباب التى تضعف اليمان ‪ .‬وكذلك من أسبابه ‪:‬‬

‫الخوف يضعف اليمان يؤدى إلى الخوف ‪.‬‬


‫القديس بطرس ‪ ،‬الرسول العظيم ‪ ،‬لما خاف أنكر المسيح ‪ ،‬وسب ولعن وحلف‬
‫أنه ل يعرف الرجل‬
‫) متى ‪ . ( 74 : 26‬وهكذا ضعف إيمانه ‪ .‬بل قال له المسيح قبلها " طلبت من‬
‫أجلك لئل يفنى إيمانك " ) لو ‪ . ( 32 : 22‬كثيرون فقدوا إيمانهم بسبب خوفهم ‪.‬‬
‫ولهذا فإن سفر الرؤيا وضع الخائفين فى مقدمة الهالك فقال " وأما الخائفون‬
‫وغير المؤمنين والرجسون … فنصيبهم فى البحيرة المتقدة بالنار والكبريت "‬
‫) رؤ ‪ . ( 8 : 21‬ووضعه الخائفين قبل غير المؤمنين ‪ ،‬ربما المقصود بها الخائفين‬
‫الذين الذين بسبب خوفهم يصيرون غير مؤمنين ‪ .‬بيلطس البنطى ‪ ،‬كان مؤمنا ً‬
‫فى أعماقه أن يسوع الناصرى برئ من التهم التى ألصقها به اليهود ‪ .‬وكان واثقا ً‬
‫أنهم أسلموه حسدا ً ‪ .‬وقد حاول أن يطلقه ‪ .‬وقال عنه " هذا البار " … ولكنه‬
‫أخيرا ً استلم لضعفه ‪ ،‬وأسلم المسيح للصلب ‪ ،‬إذ خاف أن يقال عنه إنه ضد‬

‫قيصر … أما النسان الروحى ‪ ،‬فهو يفقد إطلقا ً ‪ ،‬لنه ل يخاف … ومن المور‬
‫التى تضعف اليمان أيضا ً ‪:‬‬
‫كثيرون فقدوا إيمانهم بسبب الشهوة ‪ .‬ولعل من أمثلتهم ديماس مساعد بولس‬
‫الرسول فى الكرازة والتبشير ‪ ،‬الذى قال عنه القديس بولس أخيرا ً " ديماس قد‬
‫تركنى ‪ ،‬لنه أحب العالم الحاضر "‬
‫) ‪ 2‬تى ‪ . ( 10 : 4‬ومحبة العالم تضعف اليمان ‪ ،‬لنها عداوة لله ) يع ‪. ( 4 : 4‬‬
‫ومن أمثلة الذين فقدوا إيمانهم بسبب الشهوة ‪ :‬الشاب الغنى … هذا ترك‬
‫المسيح " ومضى حزينا ً " لنه " كان ذا أموال كثيرة " ) متى ‪ . ( 22 : 19‬إذن‬
‫شهوة المال يمكن أن تضعف اليمان ‪ :‬وما أكثر الذين تركوا المسيح من أجل‬
‫إمرأة أو منصب …‬
‫شهوة النساء ضيعت إيمان سليمان الحكيم ‪ ،‬أحكم أهل الرض …‬
‫وذلك أنه " أحب نساء غريبة " ) ‪ 1‬مل ‪ . ( 1 : 11‬وكان فى زمان شيخوخة‬
‫سليمان وأن نساءه أملن قلبه وراء آلهة أخرى ‪ .‬ولم يكن قلبه كامل ً مع الرب إلهه‬
‫كقلب داود أبيه ‪ .‬فذهب سليمان وراء عشتاروت الهة الصيدونيين ‪ ،‬وملكوم رجس‬
‫العمونيين ‪ .‬وعمل سليمان الشر فى عينى الرب … "‬
‫) ‪1‬مل ‪ … ( 6 – 3 :11‬إلى هذا الحد سقط هذا الحكيم العظيم ‪ ،‬ولو أننا نؤمن‬
‫أنه تاب فى أواخر أيامه ‪ .‬وكان سفر الجامعة من دلئل توبته ‪.‬‬
‫وشهوة المال أضاعت إيمان حنانيا وسفيرا ً ‪ ،‬فهلكا ‪.‬‬
‫فوقعا فى " الكذب على الله " ) أع ‪ ، ( 4 : 5‬وأيضا ً فى " تجربة روح الرب " ) أع‬
‫‪ . ( 9 : 5‬ومات الثنان هالكين …‬

‫وشهوة المال أيضا ً ضيعت إيمان بلعام ‪ .‬وكان نبيا ً وله نبوءات جميلة عن المسيح‬
‫)عدد ‪ . (24 – 22‬وأخيرا ً وقع فى ضللة لجل أجرة الثم " ) ‪2‬بط ‪. ( 15 : 2‬‬
‫وهكذا كان معثرة لكل الشعب ‪ ،‬وعلم بالق طريق الخطية ) رؤ ‪… ( 14 : 2‬‬
‫فهلك وأهلك غيره …‬
‫وشهوة العظمة والتقدم على الخرين ‪ ،‬أضاعت إيمان كثيرين ‪:‬‬
‫لعل من بين هؤلء " ديوتر يفس " الذى كان " يحب أن يكون الول " ‪ .‬لذلك‬
‫قاوم القديس يوحنا الحبيب ‪ ،‬وطرد إخوة كثيرين من الكنيسة ) ‪3‬يو ‪. ( 10‬‬
‫وشهوة اللوهية ضيعت إيمان كاروب عظيم ‪ ،‬فتحول إلى شيطان ‪ ،‬وكان من قبل‬
‫ملكا ً من نور ‪ ،‬له بهاء ومجد …‬
‫إن الشهوات من أكبر المور التى تضعف اليمان أو تضيعه ‪ .‬ومن السباب التى‬
‫تضعف اليمان ‪ ،‬الضيقات وضغط الظروف الخارجية ‪.‬‬

‫ولعل من أمثلة هذا المر جدعون لما ضعف إيمانه فى عناية الله ‪ :‬قال له الملك‬
‫" الرب معك يا جبار البأس ‪ .‬فقال له جدعون ‪ :‬أسألك يا سيدى إذا كان الرب‬
‫معنا ‪ ،‬فلماذا أصابتنا كل هذه ) البليا ( ؟ وأين كل عجائبه التى أخبرنا بها آباؤنا …‬
‫والن قد رفضنا الرب وجعلنا فى كف مديان " ) قض ‪. ( 13 ، 12 : 6‬‬
‫وهكذا قد تضعف اليمان الضيقة إذا طالت ‪ ،‬أو إذا اشتدت ‪.‬‬
‫التلميذ لما اشتدت عليهم المواج فى السفينة ‪ ،‬ضعف إيمانهم وشكوا قائلين‬
‫للرب " أما يهمك أننا نهلك " ) مر ‪ . ( 40 – 38 : 4‬وبنو إسرائيل لما طالت بهم‬
‫المدة فى عبودية فرعون ‪ ،‬صغرت نفوسهم وضعف إيمانهم فى الخلص ) خر ‪: 4‬‬

‫‪ . ( 1‬هناك سبب خطير آخر يسبب ضعف اليمان ‪ ،‬وهو ‪:‬‬


‫ومن هذه الضللت ‪ :‬الرؤى الكاذبة ‪ .‬فإن الشيطان – لكى يخدع البشر‪ -‬يستطيع‬
‫أن " يغير شكله إلى شبه ملك نور " ) ‪ 2‬كو ‪ . ( 14 : 11‬بل يستطيع أن يقدم‬
‫عجائب كاذبة كما قيل عن المقاوم ضد المسيح فى آخر الزمان " الذى مجيئه‬
‫بعمل الشيطان بكل قوة وبآيات وعجائب كاذبة ‪ ،‬وبكل خديعة الثم فى الهالكين "‬
‫) ‪ 2‬تس ‪ . ( 10 ، 9 : 2‬وقال الرسول إن كل هذا سوف يسبب الرتداد قبل مجئ‬
‫المسيح ) ‪ 2‬تس ‪ ، ( 3 : 2‬أى ضياع اليمان بسبب هذه الضللت الشيطانية التى‬
‫تخدع الناس ‪ .‬إن الشيطان قد يخدع الناس بأحلم وبنبوءات كاذبة ‪ ،‬وبأفكار‬
‫ضللت وبدع ‪ ،‬لكى يحطم اليمان فى قلوبهم … بل قد يرسل إليهم " مسحاء‬
‫كذبة وأنبياء كذبة ‪ .‬ويعطون آيات عظيمة وعجائب ) متى ‪ . ( 24 : 24‬وقد يقول‬
‫لهم هذا هو المسيح ‪ .‬ولذلك سبق الرب فأنذر وقال " إن قال لكم أحد ‪ :‬هوذا‬
‫المسيح هنا أو هناك ‪ ،‬فل تصدقوا " ) متى ‪. ( 23 : 24‬وكل هذا يحتاج إلى إفراز ‪،‬‬
‫وكما قال الرسول " ل تصدقوا كل روح ‪ .‬بل امتحنوا الرواح هل هى من الله ‪.‬‬
‫لن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم‬
‫" ) ‪1‬يو ‪ . ( 1 : 4‬ومن الشياء الساسية التى تحارب اليمان ‪:‬‬
‫الشك يضعف اليمان ‪ .‬وضعف اليمان يولد الشك …‬
‫تماما ً كما قلنا عن الخوف ‪ .‬وكلهما يسبب الخر ‪ ،‬أو ينتج عنه ‪.‬‬
‫أ – وكان الشك من الحروب التى حارب بها الشيطان أبوينا الولين ليضيع إيمانهما‬
‫‪ .‬فقال لهما " أحقا ً قال لكما الله … ؟! كل ‪ ،‬لن تموتا " ) تك ‪. ( 4 – 1 : 3‬‬
‫فإن حاربتك الشكوك من جهة وجود الله أو بعض العقائد الساسية ‪ ،‬فل تخف ‪.‬‬
‫هذه محاربات من العدو ‪ ،‬وليست إنكارا ً منك لليمان ‪.‬‬
‫وبخاصة إن كان قلبك رافضا ً لها ‪ .‬لذلك فى مثل هذه الحالت يجب أن تصلى‬
‫لكى يرفع الرب عنك هذه الحروب ‪ .‬وأن تغير مجرى تفكيرك بأن تنقل أفكارك‬
‫إلى موضوع آخر تنشغل به ‪ .‬أما إن كانت الشكوك منك ‪ ،‬وأنت مقتنع بها ‪ ،‬فعليك‬
‫أن تعالجها بفهم إيمانى سليم ‪ ،‬بسؤال المتخصصين فى اللهوت ‪ ،‬وبقراءة الكتب‬
‫المفيدة فى موضوعك ‪ .‬على أن هناك حروبا ً أخرى للشك أخف من هذه ‪ ،‬نذكر‬
‫منها ‪:‬‬
‫ب – الشك فى معونة الله ‪ ،‬أو فى أن الله قد تخلى عنك ‪.‬‬
‫إن الرب يوبخ على هذا الشك قائل ً " يا قليل اليمان ‪ ،‬لماذا شككت " ) متى ‪: 14‬‬
‫‪ . ( 31‬وهنا يربط بين الشك وقلة اليمان ‪ .‬لن النسان القوى اليمان ل يمكن‬
‫مطلقا ً أن يشك فى محبة الله ورعايته ‪ .‬ولكن الضيقات الكثيرة المستمرة ‪ ،‬قد‬
‫تضغط على القلب أحيانا ً فيقول ‪ " :‬لماذا يارب تقف بعيدا ً ‪ ،‬لماذا تختفى فى‬
‫أزمنة الضيق " ) مز ‪ . ( 1 : 10‬أنه عتاب ‪ ،‬وليس ضعفا ً فى اليمان ‪ .‬وقد يبدو‬
‫للمرتل أن الرب يقف بعيدا ً ‪ .‬ولكنه يرقب بكل حب ‪ ،‬وبكل حرص على سلمة‬
‫أولده ‪ .‬كالنسر الذى يعلم فراخه الطيران ‪ ،‬وكالب الذى يعلم إبنه العوم ‪ .‬يتركه‬
‫قليل ً ليتدرب ويكسب خبرة ‪ .‬ويرقبه بكل حرص ‪ .‬فإن رأى خطرا ً يحيق به ‪،‬‬
‫يسرع إلى حمله وإنقاذه ‪ .‬هناك أيضا ً مثال الم التى تعلم إبنها المشى ‪ .‬فتتركه‬
‫ليقوم ويسقط وتشتد عظامه وتقوى عضلته ويتعلم ‪ .‬أما إن كانت فى كل صرخة‬
‫منه ‪ ،‬تسرع وتحمله على كتفها فإنها بهذا ستضره ‪ .‬لنه لن يتعلم ‪ ،‬ولن تقوى‬
‫عظامه كما ينبغى …‬
‫إن أزمنة الضيق ‪ ،‬هى مدرسة لنا ‪ ،‬نتدرب فيها على الصلة والتمسك بالله ‪.‬‬
‫ونتدرب فيها على اليمان ‪ ،‬ونرى فيها كيف أن الله يعمل ‪ ،‬وبقوة …‬
‫ويقينا ً أن الله يعمل ‪ ،‬مهما كنت ل تراه ول تلمس عمله ‪ .‬إن النسان قد يشك إن‬
‫نظر فقط إلى المتاعب ‪ ،‬وليس إلى الله ‪ .‬وهكذا نرى أن بطرس قد شك حينما‬
‫نظر إلى الماء الذى تحت قدميه ‪ ،‬ولم ينظر إلى المسيح الذى يمسك بيديه ‪ .‬وإذ‬
‫هبط إيمان بطرس ‪ ،‬هبط هو أيضا ً إلى الماء ‪ ،‬ولكن إلى لحظة ‪ ،‬وأنقذه الرب ‪.‬‬
‫قد يكون أولد الله " كحملن وسط ذئاب " ‪ ،‬ولكنهم ل يشكون ول يخافون ‪.‬‬
‫فمادام الراعى الصالح وسط الحملن ‪ ،‬فلن تقوى عليهم الذئاب ول حتى السود ‪.‬‬
‫إن أبانا إبرام لم يشك فى محبة الله وعنايته ‪ ،‬على الرغم من صعوبة المر‬
‫الصادر اليه بتقديم إبنه اسحق محرقة ‪ .‬وكأنه يقول ‪:‬‬
‫إن قلبى ليس أحن من قلب الله على إبنى إسحق ‪،‬‬
‫ول أنا أستطيع أن أدبر مستقبل إسحق كما يدبره الله ‪،‬‬
‫فمادام الرب موافقا ً على شئ ‪ ،‬فل بد أن أوافق أنا عليه أيضا ً بالضرورة ‪ ،‬لنى‬
‫لست فى حكمة الله ول فى محبته ‪ .‬لتكن إذن مشيئته ‪.‬‬
‫إن الذى ليشك ‪ ،‬يعيش دائما ً فى راحة وفى سلم ‪.‬‬
‫يحيا دائما ً مطمئنا ً ‪ ،‬ل تتعبه العوامل الخارجية ‪ .‬ول يفرض على الله حلول ً معينة ‪،‬‬
‫يتضايق إن لم ينفذها الله ! بل هو يرضى بكل حل يأتى من عند الله حسب وافر‬
‫حكمته اللهية ‪ .‬ما أكثر المتاعب التى تولدها الشكوك فى القلب وفى الفكر …‬
‫مثل القلق والخوف والضطراب وقلة المحبة ‪ .‬مجرد الشك نفسه هو تعب ‪ .‬نار‬
‫تحرق …‬
‫ً‬
‫الشك يعالج بالثقة ويعالج بالحب ‪ .‬فمن يحب شخصا ل يشك فيه ‪ .‬وهكذا‬
‫ً‬
‫نحن مع الله ‪ ،‬ل نشك فيه ‪ ،‬لننا نحبه ونثق به ‪ .‬وإيماننا به ل يسمح لنا مطلقا أن‬
‫نشك فى معاملته اللهية لنا وفى معاملته البوية لنا ‪ .‬مبارك هو فى كل ما يعمله‬
‫‪.‬‬
‫إن اليمان يقتل الخوف والشك ‪ .‬والخوف والشك قد يقتلن اليمان ‪.‬‬
‫تمسك إذن بإيمانك ‪ ،‬لنه هو العنصر القوى ‪ ،‬وهو العنصر المنتصر دائما ً ‪ .‬حينئذ‬
‫سوف تحيا فى فرح وسلم واطمئنان ‪ ،‬بل خوف ‪ ،‬بل شك ‪ ،‬كل أيام حياتك ‪.‬‬
‫هل أنتم فى اليمان‬
‫" جربوا أنفسكم ‪ :‬هل أنتم فى اليمان ؟‬
‫امتحنوا أنفسكم " ) ‪ 2‬كو ‪. ( 5 : 13‬‬

‫هناك طرق كثيرة لختبار اليمان ‪ ،‬يمكن استنتاجها من كل ما سبق ‪ .‬ونريد أن‬
‫نقول ههنا إن الرسول – فى حياة اليمان – ل يتكلم عن مجرد اليمان ‪ ،‬أى‬
‫العتراف باسم الرب ‪ ،‬وإنما يذكر بالتخصيص ‪:‬‬

‫إختبر إذن إيمانك بالمحبة حسبما شرحها الرسول فى ) ‪ 1‬كو ‪ … ( 13‬المحبة‬


‫تتأنى ‪ ،‬وتترفق ‪ ،‬ول تحسد ‪ ،‬ول تتفاخر ‪ ،‬ول تنتفخ ‪ ،‬ول تقبح ‪ ،‬ول تطلب ما‬
‫لنفسها ‪ ،‬ول تحتد ‪ ،‬ول تظن السوء ول تفرح بالثم … وتحتمل كل شئ ‪ ،‬وتصدق‬
‫كل شئ ‪ ،‬وترجو كل شئ ‪ ،‬وتصبر على كل شئ " ) ‪ 1‬كو ‪ . ( 7 – 4 : 13‬فهل‬
‫توجد فيك كل هذه الصفات ‪ ،‬ليكون إيمانك سليما ً ؟ لقد قال الرسول " إن كان‬
‫لى كل اليمان حتى أنقل الجبال ‪ ،‬ولكن ليست لى محبة ‪ ،‬فلست شيئا ً " ) ‪ 1‬كو‬

‫‪ . ( 2 : 13‬بهذه المحبة يمكنك أن تختبر إيمانك … بل إنك تختبر اليمان بالعمال‬


‫عموما ً ‪.‬‬
‫ذلك لن الرسول يقول " وأنا أريك بأعمالى إيمانى " ) يع ‪ . ( 18 : 2‬فبالعمال‬
‫تختبر إيمانك هل هو إيمان حى أم ميت لن " اليمان بدون أعمال ميت " ) يع ‪: 2‬‬
‫‪ . ( 20‬و اليمان الميت ل يقدر أن يخلص أحدا ً ) يع ‪ . (14 : 2‬والقديس بولس‬
‫الرسول أكثر من تحدث عن أهمية اليمان‪،‬نراه يقول ‪:‬‬
‫" يعترفون بأنهم يعرفون الله ‪ ،‬ولكنهم بالعمال ينكرونه " ) تى ‪. ( 16 : 1‬‬
‫وفى رسالته إلى تيموثاوس يشدد كثيرا ً على هذه النقطة ‪ ،‬فيقول إن " الذى ل‬
‫يعتنى بخاصته … قد أنكر اليمان وهو شر من غير المؤمن " ) ‪ 1‬تى ‪. ( 8 : 5‬‬
‫وإن الرمل اللئى رفضن نذر البتولية قد " رفضن اليمان الول " ) ‪ 1‬تى ‪: 5‬‬
‫‪ . ( 12‬وإن الذين يحبون المال ‪ ،‬قد " ضلوا عن اليمان " ) ‪ 1‬تى ‪ . ( 10 : 6‬وإن‬
‫المهتمين بالكلم الباطل الدنس " قد زاغوا من جهة اليمان " ) ‪ 1‬تى ‪. ( 21 : 6‬‬
‫إذن سلوك النسان يمكن أن يكون اختبارا ً ليمانه ‪.‬‬
‫هوذا القديس يوحنا الرسول يقول " من قال قد عرفته ‪ ،‬وهو ل يحفظ وصاياه ‪،‬‬
‫فهو كاذب وليس الحق فيه " ) ‪ 1‬يو ‪ " ، ( 4 : 2‬من قال إنه ثابت فيه ‪ ،‬ينبغى أنه‬
‫كما سلك ذاك يسلك هو أيضا ً " ) ‪ 1‬يو ‪ . ( 6 : 2‬وبهذا نقول ‪:‬‬

‫ولماذا ؟ لن الذى يؤمن أن الله كائن أمامه ‪ ،‬وأن الله قدوس يكره الخطية ‪ ،‬وأنه‬
‫عادل يجازى كل إنسان حسب أعماله ‪ ،‬هذا يخاف أن يخطئ أمام الله ‪ ،‬ويستحى‬
‫أن يخطئ ‪ ،‬كما يستحى أن يجرح قلب الله المحب ‪ ،‬إن كان يؤمن بمحبة الله ‪.‬‬
‫هوذا الرسول يقول " كل من يخطئ ‪ ،‬لم يبصره ول عرفه " ) ‪ 1‬يو ‪. ( 6 : 3‬‬
‫يقينا ً إن الذى يخطئ ‪ ،‬ل يكون فى فكره أثناء الخطية أن الله يرى ويسمع‬
‫ويسجل … ويقينا ً أن الذى يظلم ‪ ،‬ل يكون مؤمنا ً تماما ً أن هناك إلها ً موجودا ً "‬
‫يحكم للمظلومين " )مز ‪. (7 :146‬‬
‫ً‬
‫ولذلك إذا قيل لظالم " ربنا موجود " يخاف ويرتعش ‪ .‬ويقينا إن المتكبر ‪ ،‬أو‬
‫المنتفخ بالمديح ‪ ،‬ل يشعر مطلقا ً أنه قائم أمام الله ‪ .‬إن هيرودس لما خاطب‬
‫الشعب ومدحوه قائلين " هذا صوت إله ‪ ،‬ل صوت إنسان " فابتهج بهذا المديح ‪،‬‬
‫لم يكن عنده إيمان أن الله أمامه ‪ ،‬ذلك " ضربه ملك الرب ‪ ،‬لنه لم يعط مجدا ً‬
‫لله ‪ .‬فصار يأكله الدود ومات " ) أع ‪ . ( 23 – 21 : 12‬المؤمن الحقيقى يمكن‬
‫اختباره أيضا ً بالزهد وعدم اشتهاء المور التى فى العالم ‪ ،‬فالمؤمنون مكتفون بما‬
‫هم فيه ) فى ‪. ( 11 : 4‬‬
‫وبالنسبة لحتياجاتهم ‪ ،‬ل يحتجون على شئ ‪ ،‬ول يحتاجون إلى شئ‬
‫نقطة أخرى فى حياة اليمان هى ‪:‬‬

‫هل لديك قوة اليمان التى تشعر بها أن كل شئ مستطاع ؟‬


‫وكما قال الرب " كل شئ مستطاع للمؤمن " ) مر ‪ . ( 23 : 9‬هل تشعر أن هناك‬
‫شيئا ً صعبا ً أو مستحيل ً ‪ ،‬أو ل يصدق إيمانك بأن الله يمكن أن يعمله ؟ هل تقف‬
‫فى شك أمام الشياء التى تحتاج إلى معجزة ؟! هل يمكنك أن تقول كما قال‬
‫القديس بولس الرسول " أستطيع كل شئ فى المسيح الذى يقونيى " ) فى ‪: 4‬‬
‫‪ . ( 13‬هل تهزك العقبات والصعوبات بحيث تقول " ل فائدة " ؟! هل يحاربك‬
‫اليأس ؟‬
‫إن اليأس ضد اليمان ‪ ،‬وضد الرجاء ‪ ،‬من كل ناحية ‪.‬‬
‫لشك إن المنتحرين فقدوا إيمانهم ورجاءهم ‪ ،‬وشعروا أنه ل حل ‪ ،‬كما فقدوا‬
‫اليمان بحقيقة الحياة بعد الموت فى البدية ومصير المنتحرين فيها ‪ .‬وكذلك‬
‫الذين استسلموا للمر الواقع ‪ ،‬أو للضغوط الخارجية ‪ ،‬وخضعوا للخطية ‪ ،‬لم‬
‫يؤمنوا إطلقا ً أن هناك قوة يمكن أن تسندهم وتخلصهم ‪ .‬إن اليمان قوة لمن‬
‫يستطيع أن يستخدمها فى ثقة بل شك ‪.‬‬
‫أخشى أن يكون اليمان فى أيدى البعض كعصا أليشع فى يد جيحزى‬
‫) ‪ 2‬مل ‪ . ( 31 : 4‬وأخشى أن يكون الصليب فى أيدى البعض كذلك ‪ :‬يحسنون‬
‫حمله ورشمه وليس اليمان به ‪ .‬معهم الصليب وليست معهم قوته التى هى‬
‫كامنة فى اليمان به وبعمله … هل تظنون أن عصا موسى هى التى شقت البحر‬
‫الحمر ؟ أم هو إيمان موسى حامل هذه العصا ومستخدمها باسم الرب ؟‬
‫فهل لك اليمان التى كانت لموسى حينما ضرب البحر بعصاه ؟‬
‫إنك كثيرا ً ما تصلى ‪ .‬ولكن هل فى صلتك اليمان الذى يعطى لهذه الصلة قوة ؟‬
‫ما أعجب قول الكتاب حين قال عن إيليا إنه " صلى صلة " صلى صلة " ) يع‬
‫‪ . ( 17 : 5‬وهذه الصلة لم تكن عادية كصلوات باقى الناس ‪ ،‬إذ أنها استطاعت‬
‫أن تغلق السماء مرة ‪ ،‬وأن تفتحها مرة أخرى …‬
‫إختبر إيمانك إذن بالقوة التى لك نتيجة علقتك بالله ‪.‬‬

‫الضيقات تحل بكل أحد ‪ .‬ولكن هناك فرقا ً كبيرا ً بين المؤمن وغير المؤمن فى‬
‫الروح التى تستقبل بها الضيقة ‪.‬‬
‫إن كانت الضيقة تفقدك سلمك ‪ ،‬فاعرف أن إيمانك ضعيف ‪.‬‬
‫المؤمن يستقبل الضيقة مؤمنا ً أنها للخير ‪ ،‬وأن الله سيحلها ‪ .‬فل يتضايق فى‬
‫داخله ‪ ،‬ول يضطرب ‪ ،‬ول تنشغل أفكاره بها ‪ ،‬ول يتعب قلبه بالحزن واللم ‪ .‬إنما‬
‫يواجه الضيقة بثلث آيات هى " كل الشياء تعمل معا ً للخير ‪ ،‬للذين يحبون الرب‬
‫" ) رو ‪ ، ( 28 : 8‬و " إحسبوه كل فرح ياخوتى ‪،‬حينما تقعون فى تجارب متنوعة‬
‫" ) يع ‪ . ( 2 : 1‬وأيضا ً " كل شئ مستطاع للمؤمن " ) مر ‪ . ( 23 : 9‬وبهذا‬
‫اليمان يفرح قلبه فى الضيقة ‪ ،‬ويتعزى الناس بفرحه ‪.‬‬
‫المؤمن يضع بينه وبين الضيقة ‪ ،‬فتختفى الضيقة ويظهر الله ‪.‬‬
‫ويذكر يد الله التى كانت مع القديسين فى كل ضيقاتهم " وملك حضرته خلصهم‬
‫" ) اش ‪ . ( 9 : 63‬ويذكر ما حدث لموسى ويوسف وداود وأيوب ودانيال وللثلثة‬
‫فتية ‪ .‬وكل هذه الذكريات تزيده إيمانا ً بالله وثقة فى تدخله وعمله ‪ .‬وهكذا ل‬
‫يتزعزع فى الضيقة ‪ ،‬ول شك ول يحزن ول يحمل هما ً … بل يقول مع المرتل "‬
‫نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ الصادين ‪ .‬الفخ انكسر ونحن نجونا ‪ ،‬عوننا من‬
‫عند الرب الذى صنع السماء والرض " ) مز ‪. ( 124‬‬
‫يقول للرب ‪ :‬مادمت أنت موافق على الضيقة ‪ ،‬فأنا أفرح بها ‪.‬‬
‫ليس فقط أقبلها ‪ ،‬أو أرضى بها ‪ ،‬إنما أحسبه كل فرح أن الرب يعطيني بركة هذه‬
‫الضيقة … ما أجمل ما قيل عن الباء الرسل بعد أن جلدوهم " وأما هم فذهبوا‬
‫فرحين … لنهم حسبوا مستأهلين أن يهانوا من أجل إسمه " ) أع ‪. ( 41 : 5‬‬
‫المؤمن مهما بدت كل البواب مغلقة ‪ ،‬يرى باب الله مفتوحا ً ‪.‬‬
‫إنه يؤمن بالله ‪ ،‬الذى بيده مفاتيح السماء والرض " الذى يفتح ول أحد يغلق "‬
‫) رؤ ‪ . ( 7 : 3‬ويرتل هذا المؤمن مع القديس يوحنا الرائى قائل ً " بعد هذا‬
‫نظرت ‪ ،‬وإذا باب مفتوح فى السماء ") رؤ ‪ . (1 : 5‬بل اختبار ٌاليمان بأن ترى‬
‫جميع البواب مفتوحة أمامك ‪ .‬وكلما ترى أمامك بابا ً مغلقا ً ‪ :‬ليس هذا هو الباب‬
‫الذى يريدنى الله أن أدخل منه ‪ .‬هناك أبواب أخرى كثيرة مفتوحة عند الله ‪.‬‬
‫وهناك أبواب مغلقة الن سيفتحها فيما بعد … وبهذا اليمان تستريح ‪.‬‬
‫أ – من الوسائل التى يختبر بها اليمان ‪ :‬العشور أو العطاء عموما ً ‪.‬‬
‫وبخاصة إذا كان هذا المؤمن محتاجا ً ‪ ،‬أو مطلوب منه أن يعطى من أعوازه ‪.‬‬
‫ضعيف اليمان يقول " إن كان المرتب كله أو اليراد كله أو ل يكفى ‪ ،‬فكيف‬
‫يكون الحال إن نقص أيضا ً عشرة ؟! ‪ .‬أما المؤمن فإنه يقول ‪ :‬إن إعطائى‬
‫العشور‪ ،‬يجعل الباقى مباركا ً فيكفى ويزيد …‬
‫إن العشور إختبار روحى عرضه الرب نفسه فى سفر ملخى فقال ‪:‬‬
‫هاتوا جميع العشور … وجربونى بهذا ‪ ،‬قال رب الجنود ‪ :‬إن كنت ل أفتح لكم كوى‬
‫السماء ‪ ،‬وأقيض عليكم بركة حتى ل توسع … ) مل ‪ . ( 10 : 3‬فإن كان الشخص‬
‫– على الرغم من هذا الوعد اللهى – ل يدفع ‪ ، ،‬فل شك أن إيمانه يكون ضعيفا ً‬
‫فى وعد الله وفى بركته ‪ .‬وقبل ذلك فى وصيته …‬
‫إن كان هذا فى العشور ‪ ،‬فماذا عن وصيته ‪ :‬من سألك فاعطه ؟‬
‫) متى ‪ . ( 42 : 5‬وماذا عن وصية " إذهب بع كل مالك وأعطه للفقراء " ) متى‬
‫‪ . ( 21 : 19‬وماذا عن وصية " بيعوا أمتعتكم ] أو مالكم [ واعطوا صدقة " ) لو‬
‫‪ ( 33 : 12‬؟ بهذا يختبر إيمانك ‪ :‬هل الله قادر أن يعولك بما يبقى بعد دفع نصيب‬
‫الفقراء ؟ وأيضا ً هل هو قادر أن يعولك دون أن تكنز لك كنوزا ً على الرض ) متى‬
‫‪. ( 19 : 6‬‬
‫ب – من الوصايا التى يختبر بها اليمان أيضا ً ‪ :‬حفظ يوم الرب ‪.‬‬
‫هل أنت تفرح بيوم الرب لكى تقضيه مع الرب ؟ أم أنت تفضل عليه مشغوليات‬
‫أخرى عديدة ؟ هل أمورك العالمية أهم فى نظرك ؟ وهل تأجيلها أمر ل تحتمله‬
‫ول تستطيع ترتيبه بتنظيم وقتك ؟ إنه إختبار ليمانك ‪.‬‬
‫ج – وكذلك من الختبارت الهامة ‪ :‬مدى محبتك للصلة ‪:‬‬
‫هل تنساها وتمر عليك أوقات كثيرة ل تصلى فيها ؟ وهل إذا وقفت للصلة ‪ ،‬تفكر‬
‫كيف تنتهى منها لتنشغل بأمور أخرى تهمك بالكثر ؟ وهل أثناء صلتك تسرح فى‬
‫أمور أخرى ‪ ،‬وتنسى أنك واقف أمام الله تخاطبه ؟ إن كنت كذلك فل يكون‬
‫إيمانك قويا ً بالله وبعشرته وبلذة الحديث معه … وهكذا إن وضعنا باقى أمور‬

‫الصلة ‪ ،‬وباقى بنود العمل الروحى ‪ ،‬لتكون مجال ً ل ختبار إيمانك ‪.‬‬
‫هل أنت مركز كل فكرك وقلبك فى هذا العالم الحاضر ‪ ،‬ومدى نجاحك فيه ‪،‬‬
‫ومدى تمتعك به ؟ أم أنت تهمك أبديتك ‪ ،‬ويهمك مصيرك فى العالم الخر ‪ ،‬وتعد‬
‫العدة لتلك الحياة كما يقول الرب " لتكن أحقاؤكم ممنطقة ‪ ،‬ومصابيحكم‬
‫موقدة ‪ .‬وأنتم تشبهون أناسا ً ينظرون سيدهم متى يرجع من العرس ‪ ،‬حتى إذا‬
‫جاء وقرع يفتحون له للوقت ‪ .‬طوبى لولئك العبيد الذين إذا جاء سيدهم ساهرين‬
‫" ) لو ‪. ( 37 – 35 : 12‬‬
‫إن السهر الروحى إختبار عميق لليمان ‪.‬‬
‫أما الغافل عن أبديته ‪ ،‬فأين هو إيمانه ؟! أين إيمانه بالحياة الخرى ‪ ،‬والستعداد‬
‫لها بالتوبة والعمل الصالح ‪ ،‬وبعشرة الله ومحبته ‪ ،‬وبالزيت جاهزا ً فى مصباحه …‬

‫؟!‬
‫هل هو إيمانك سليم بعيد عن البدع وأخطاء العقيدة ‪ ،‬وعن المفاهيم الخاصة ؟‬
‫وهل هو " اليمان المسلم مرة للقديسين " ) يه ‪ . ( 3‬الذى أودعه الرسل أناسا ً‬
‫أمناء كانوا أكفاء أن يعملوا آخرين أيضا ً ) ‪2‬تى ‪ . ( 2 : 2‬وهل هو موافق لكل‬
‫تعليم الكتاب ‪ ،‬أم تتبع فيه أناسا ً يعلمون فكرهم الخاص ؟ بهذا إختبر إيمانك ‪.‬‬
‫أقول هذا لن العقيدة لها تأثير عملى فى حياة النسان الروحية ‪.‬‬

‫هل إيمانك إيمان عملى ؟ هل هو ثابت ل تزعزعه الظروف ؟ هل هو ل يضعف ول‬


‫يشك ؟ هل هو مملؤ بالسلم ل يعرف خوفا ً ؟ وهل تعرف حياة التسليم وطاعة‬
‫اليمان ‪ ،‬وهل إيمانك إيمان حى مثمر ؟ وهل هو ينمو ويزداد ؟ وهل … لست‬
‫أريد أن أذكر باقى صفات اليمان لتمتحن بها نفسك ‪.‬‬
‫إنما إن أردت مزيدا ً من الموازين ‪ ،‬يمكن أن تعيد قراءة هذا الكتاب من أوله ‪.‬‬

You might also like