You are on page 1of 127

‫‪1ST‬‬ ‫الطبعة الولى‬

‫‪PRINT‬‬
‫‪July‬‬ ‫يوليو ‪1191‬م‬
‫‪1991‬‬
‫القاهرة‬
‫‪Cairo‬‬

‫الكتاب ‪ :‬حياة الرجاء‬


‫المؤلف ‪ :‬قداسة البابا المعظم النبا شنوده الثالث ‪.‬‬
‫الطبعة ‪ :‬الولي يوليو ‪ 1991‬م ‪.‬‬
‫المطبعة ‪ :‬النبا رويس الوفست – العباسية – القاهرة ‪.‬‬
‫رقم اليداع بدار الكتب ‪ 1991 / 4974 :‬م ‪.‬‬
‫كثيرون جدا ً يحتاجون إي كلمة تعيد إليهم الرجاء … يحتاجون إلي‬
‫نافذة من نور ‪ ،‬تبدد الظلمة التي تكتنف نفوسهم …‬
‫نفوسهم تصغر أمام المشاكل التي تبدو معقدة ‪ ،‬وبل حل … وتزيد‬
‫حروب الشيطان من المخاوف في عدم حلها …‬
‫كذلك يظنون أنه ل فكاك من الخطايا التي استمرت معهم زمانا ً ‪،‬‬
‫حتي صارت شبة مسيطرة عليهم ‪ ،‬يكررونها في كل اعتراف بل توبة‬
‫‪ ،‬مهما حاولوا التوبة … هؤلء يقولون مع داود النبى ما ورده في‬
‫المزمور الثالث ‪:‬‬
‫" كثيرون يقولون لنفسى ‪ :‬ليس له خلص بإلهه ") مز ‪. (3‬‬
‫وللسف ل يكملون باقى المزمور وما فيه من رجاء …‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫ولهمية هذا الموضوع ‪ ،‬ولحاجة الكثيرين إليه ‪ ،‬تكلمت في عظات‬
‫عديدة جدا ً عن الرجاء وودخل الرجاء ضمن عظات أخرى من الصعب‬
‫أن أحصيها ‪ ،‬ولذلك لما اردت أن أجمع كل ما قلته في موضوع الرجاء‬
‫‪ ،‬بدأ المر صعبا ً … مما تسبب في تعطيل صدور هذا الكتاب الذي‬
‫دخلت أجزاء من مقالت في المطبعة وجمعت …وانتظرت اخواتها ‪،‬‬
‫وطال النتظار ‪..‬ز وتحيرت ماذا أقدمه للطبع ‪ ،‬وماذا أتركة أو‬
‫أرجئة ؟؟‬
‫واخيرا ً اكتفيت بهذه المقالت الخمس عشرة التي ضمها هذا‬
‫الكتاب ‪،‬‬
‫حتي يمكن ان يصدر الن ‪ .‬علي أن نستبقى المقالت الخرى الخاصة‬
‫بالرجاء ‪ ،‬لكى تنشر في جزء ثان ‪ ،‬أوتضاف إلي هذا الكتاب عند إعادة‬
‫طبعة بمشيئة الله ‪.‬‬
‫*‬ ‫*‬ ‫*‬ ‫*‬
‫والرجاء هو أحد الفضائل الثلث الكبرى التى ذكرها الرسول في ) ‪1‬‬
‫كو ‪. (13 : 13‬‬
‫وأعنى بها ‪ :‬اليمان و الرجاء‪ ،‬و المحبة ‪.‬‬
‫ولقد أصدرنا لك كتابا ً عن ) حياة اليمان ( في بداية الثمانينات ‪ .‬وها‬
‫هوذا كتاب الرجاء ‪ .‬وبقى كتاب ثالث نصدرة عن المحبة … محاضراته‬
‫كلها جاهزة ‪ ،‬ل تنقصها سوى مراجعة بسيطة وتقدم إلي المطبعة …‬
‫بصلواتك ‪.‬‬
‫وبهذا تكمل المجموعة إن شاء الله ‪.‬‬
‫الرجاء هو أحدي الفضائل الثلث الكبببري الببتي ذكرهببا معلمنببا بببولس‬
‫الرسول‬
‫في رسالته الولى إلي كورنثوس حيث قال …) اليمان والمحبة هذه‬
‫الثلثة ( ) ‪1‬كو ‪ (13:13‬وهذه الثلثة ترتبط بعضها بالبعض الخر‬
‫فاليمان يلد الرجاء ‪ ،‬لن الذي يؤمن بالله ‪ ،‬إنما يكون رجاء فيه ‪،‬‬
‫والذي يكون له رجاء في الله ‪ ،‬يحبه وهكذا يصل إلي قمة العلقة‬
‫بالله في المحبة ‪.‬‬
‫***‬
‫الرجاء قديم قدم البشرية بل أقد منها ‪،‬‬
‫فأول رجاء عرفة البشر هو رجاء في الخلص ‪ ،‬حينما وعد الرب قائل ً‬
‫لدم وحواء ) إن نسل المرأة يسحق رأس الحية ( )تك ‪. (3: 15‬‬
‫وظل هذا الرجاء في قلوبهم آلف السنين حتي تحقق أخيرا ً في‬
‫تجسد الرب‪ ،‬وفي صلبه عن البشرية‪.‬‬
‫وحتي الذين لم ينالوا هذا الرجاء ‪ ،‬عاشوا فيه ‪ ،‬وكما قال معلمنا‬
‫بولس ) لم ينالوا المواعيد ‪،‬ولكنهم نظروها من بعيد وصدقوها ()عب‬
‫‪. (13:11‬‬
‫وهكذا رقدوا علي رجاء ‪ ،‬إلي أن افتقدهم الرب وارجعهم إلي‬
‫الفردوس مرة أخري ‪.‬‬
‫*******‬
‫علي أن الرجبباء كببان موجببوا َ قبببل آدم وحببواء ن فببي قصببة الخليقببة‬
‫الولي ‪،‬‬
‫كان هناك رجاء لتلك الرض الخربة الخاوية المغمورة بالمياه ‪ ،‬وعلي‬
‫وجه الغمر ظلمة )تك ‪(1:1‬‬
‫وحقق الله لها هذا الرجاء حينما قال ) ليكن نور فكان نور ( ورتب‬
‫الله هذه الرض الخربة ‪ ،‬فإذا بها في أجمل صورة ممكنة ‪ ،‬فيها‬
‫الشجار والثمار والزهار والطيار ‪ .‬ورأى الله أن كل شئ فيها‬
‫حسن جدا ً ‪ .‬ولذلك مهما كانت الرض خربة في يوم من اليام ومهما‬
‫كانت خاوية ‪ ،‬ومهما كانت مغمورة بالمياه‪ ،‬ومهما كانت مظلمة ‪،‬‬
‫فهناك رجاء أن الله يخرج منها هذه الصورة الجميلة من الطبيعة‬
‫المملؤة بالجمال التي نراها الن ‪.‬‬
‫*******‬
‫الرجاء إذن هو شئ هام في الحياة ولو فقد النسان الرجاء فقببد كببل‬
‫شئ ‪ ،‬لن‬
‫النسان الذي يفقد الرجاء ‪ ،‬يقع في اليأس ‪ ،‬ويقع في الكآبة ‪،‬‬
‫وتنهار معنوياته ‪ ،‬ويقع في القلق ‪ ،‬والضطراب ومرارة النتظار بل‬
‫هدف وقد يقع بذلك ألعوبة في يد الشيطان ‪ ،‬لذلك نقول إن‬
‫الشيطان‬
‫هو الذي يقطع الرجاء ‪.‬‬

‫أما أولد الله فباستمرار عندهم رجاء ‪ ،‬يعيشون في الرجاء في كل‬


‫وقت … في الضيقة يعيشون في رجاء ‪ ،‬ومهما تعقدت المور ‪،‬‬
‫ومهما بدا أن الله قد تاخر عليهم ‪ ،‬مهما بدا كل شئ مظلما ً ‪ ،‬هناك‬
‫رجاء ‪.‬‬
‫*******‬
‫واولد الله عندهم رجاء أيضا ً في الحياة الخرى ‪،‬‬
‫في العالم الخر في تحقق وعد الرب من حيث ما لم تره عين وما لم‬
‫تسمع به أذن ولم يخطر علي بال إنسان ‪ .‬هذه هي الحياة الخرى‬
‫التي نجاهد على الرض لكى ننالها ‪ .‬وعلى رأى معلمنا القديس بولس‬
‫الرسول " إن كان لنا رجاء في هذا العالم فقط ‪ ،‬فنحن أشقى جميع‬
‫الناس " ) ‪ 1‬كو ‪. (15‬‬
‫وهناك رجاء ايضا ً حتي للخطاه في التوبة ‪ ،‬بل أشر الخطاة على‬
‫الرض لهم رجاء‬
‫*******‬
‫وهناك رجاء للص وهو علي الصليب في أخطر سعات حيبباته ‪ .‬وهنبباك‬
‫رجاء لزكا‬
‫رئيس العشارين الذي كان يمثل قمه الظلم في عهده ‪ ،‬وهناك رجاء‬
‫للمجدلية التي كان فيها سبعة شياطين فإذا بها إحدى المريمات‬
‫القديسات ‪ ،‬وقد استحقت ان تكون مبشرة للحد عشر بالقيامة ‪.‬‬
‫وهناك رجاء حتي للشجرة التي لم تثمر ثلث سنوات فقال الرب "‬
‫انقب حولها وأضع زبل ً ‪ ،‬لعلها تثمر فيها بعد ") لو ‪. (8 : 13‬‬
‫*******‬
‫المسحية تعطي رجاء حتى للقصبة المرضوضة و للفتيلة المدخنه ‪.‬‬
‫القصبة المرضوضة قادر الله أن بعصبها ‪ ،‬والفتيلة المدخنه قادر الله‬
‫ان يرسل لها ريحا ً فتشعل ‪ ،‬ولهذا من جهة الرب " شجعوا صغار‬
‫النفوس " ‪ .‬وأعطى في ذلك رجاء حتي للركب المخلعة ‪ ،‬وحتي‬
‫لليدى المسترخية ‪.‬‬

‫*******‬
‫في المسيحية يوجد رجاء للفراد ويوجد رجاء للهيئات ‪ ،‬ويوجد رجاء‬
‫للكنائس ويوجد رجاء للبلد ويوجد رجاء للعالم كله‬
‫*******‬
‫لنا رجاء في افتقاد الرب للبشرية في كل وقت ‪ .‬هذا الرجاء ل‬
‫يضعف أبدا ً عند المؤمنين مهما بدا المر صعبا ً وكيف ذلك ؟‬

‫*******‬
‫لقد كان هناك رجاء ليونان النبى وهو في بطن الحوت ‪.‬‬
‫هل إنسان يكون في جوف الحوت ويكون له رجاء ؟ ولكن يونان ركع‬
‫علي ركبتيه وصلى وهو في جوف الحوت ‪ .‬وقال للرب " أعود فأرى‬
‫هيكل قدسك "‪ .‬كان له رجاء ‪ ،‬وقد تحقق ‪.‬‬
‫وكان هناك رجاء حتي للثلثه فتية وهم في أتون النار ‪ ،‬ولدانيال وهو‬
‫في جب السود‬
‫*******‬
‫وكان هناك رجاء حتي للعاقر التي لم تلد ‪،‬‬
‫التي قال لها الرب في سفر اشعياء " ترنمى أيتها العاقر ‪ ،‬ووسعى‬
‫خيامك ‪ ،‬لن نسلك سيرثون أمما ً ويعمرون مدنا ً خربة " ) اش ‪. (54‬‬
‫كان هناك رجاء أعطاه لنا الرب في رمز الذين قاموا من بين الموات‬
‫‪ .‬حتي لعازر الذي قالت عنه اخته مرثا أنه قد أنتن ) يو ‪ (11‬قدم لنا‬
‫الرب رجاء في ان يقوم من الموات ‪.‬‬
‫*******‬
‫وهنبباك رجبباء قببدمه الببرب فببي شببفاء الببرب فببي شببفاء المببراض‬
‫المستعصية …‬
‫في اعطاء البصر للعميان ‪ ،‬و الصحه للجدع والعرج و المشلولين ‪،‬‬
‫وكل ذى عاهة ‪ ،‬وصاحب اليد اليابسة ‪ ،‬حتى النسان الذي قضي‬
‫ثمانى وثلثين سنة إلي جوار البركة ل يجد من يلقيه فيها ‪ ،‬كان له‬
‫رجاء ان ياتي له المسيح ويقول له " احمل سريرك وامش ") يو ‪. (5‬‬
‫مهما كان المر مستعصيا ً ‪ ،‬ومهما بدا للناس معقدا ً ‪ ،‬هناك رجاء‬
‫يقدمه الله ‪.‬‬
‫ولعل الرب أعطانا مثال ً جميل ً في هذا حينما قال " غير المستطاع‬
‫عند الله " بل صدقونى هناك آيه اعمق من هذه جدا ً ‪ ،‬وهى قول‬
‫الكتاب " كل شئ مستطاع للمؤمن "‪.‬‬
‫*******‬
‫عبارة " كل شئ مستطاع ") مر ‪ (23 :9‬تعطينا رجاء ل حدود له ‪.‬‬
‫وهكذا يقول بولس الرسول في الرجاء " استطيع كل شئ في‬
‫المسيح الذى يقويني " ) فى ‪ . ( 13 :14‬عبارة كل شئ هي مدى‬
‫أوسع جدا يعطينا فكرة أنه ل حدود للرجاء ‪ ،‬مادام ل حدود لقدرة الله‬
‫ولمحبته ‪.‬‬
‫إذا ل حدود للرجاء في المسيحية ‪.‬‬
‫والنسان المسيحى يجد اختبارا ً لفضيلة الرجاء فيه ‪ ،‬حينما يقع في‬
‫ضيقة أو في تجارب متنوعة ‪ ،‬أو في آلم صعبة ‪ ،‬أو في مشاكل تبدو‬
‫ل حلول لها ‪ ،‬يعرف بالرجاء أن الرب عنده حلول كثيرة ‪ ،‬وان الرب‬
‫لبد أن يأتي مهما بدا امام الناس أنه قد تاخر ‪.‬‬
‫*******‬
‫صدقوني أنني في بعض الحيان كنت اعبباتب أبببى ومعلمببى القببديس‬
‫داود النبى ‪ ،‬حينما كان يقول للرب " اسرع ول تبطئ " ‪.‬‬
‫لن الرب يا أخوتي ليس عنده اسراع ول ابطاء ‪ .‬الله يعمل ‪ ،‬ويعمل‬
‫في كل حين ‪ ،‬وهو ل يتأخر مهما ظن التلميذ أنه قد مر الهزيع‬
‫الرابع من الليل ولم يأت بعد الرب لبد سيأتى ‪ ،‬إذا كان عندنا إيمان ‪،‬‬
‫نؤمن ان الله لبد سيعمل وسيعمل بقوة وسيعمل في الوقت‬
‫المناسب أما عبارة التأخير ‪ ،‬فهى تحمل مفهوما ً نسبيا ً عند البشر ‪،‬‬
‫يظنون أنه قد تأخر ‪ ،‬ولكن مواعيد الله هي ‪ ،‬تحددها حكمته ‪،‬‬
‫وتحددها رؤيته الصادقة للمور علي حقيقتها ‪ .‬فالله يعمل‬
‫باستمرار ‪ ،‬وإن ظننا في وقت من الوقات أنه قد تأخر ‪ ،‬يقول لنا‬
‫المرنم في المزمور " أنتظر الرب ‪ ،‬تقو ليتشدد قلبك ‪ ،‬وأنتظر الرب‬
‫") مز ‪. ( 14 : 27‬‬
‫*******‬
‫وهنا نعرف معني الرجاء على حقيقته …‬
‫إن النسان يرجوا الرب وينتظر الرب ‪ ،‬ليس في قلق ‪ ،‬ولضببجر ‪ ،‬ول‬
‫في تذمر ‪ ،‬ول في شك ‪.‬‬
‫ولكن ينتظر الرب ‪ ،‬وقد تشدد قلبه ‪ ،‬هو قوي القلب في الداخل ‪،‬‬
‫قوى باليمان إن الرب يعمل ‪ ،‬ل أقول أن الرب سيعمل ‪ ،‬فهذا‬
‫مستوى ضعيف ‪ .‬وإنما أقول أن النسان يكون عنده رجاء أن الرب‬
‫يعمل فعل ً ‪.‬‬
‫أنت ل تؤمن أن الله سيعمل في المستقبل ‪ ،‬وإنما ينبغي أن تؤمن‬
‫ان الله يعمل حاليا ً ‪ .‬ولذلك يكون عندك رجاء ‪ ،‬فيما ل تراه من عمل‬
‫الله ‪ ،‬ولكن توقن تماما ً وتثق أن الله يعمل ‪ .‬إن الطائرة قد تبدو لمن‬
‫يستخدمها لول مرة انها واقفة في الجو ‪ ،‬بينما تكون في سرعة‬
‫أكثر من ثمانمائة كيلو مترا في الساعه ‪ ،‬ولكنها تبدو واقفه ! وبعض‬
‫المراوح الشديده الحركة تبدو متوقفة ‪ ،‬وهي تكون في اقوي درجة‬
‫من السرعة ‪ ،‬وكذلك الكثير من الجهزة ‪.‬‬
‫*******‬
‫الله يعمل ‪ ،‬أنت ل تببراه يعمببل لكببن تببؤمن بببذلك ‪ ،‬ويكببون لببك رجبباء‬
‫بنتيجة عمله التي ستراها بعد حين ‪.‬‬
‫في الضيقات … النسان الذي يرجو الله ينفعه قول المزمور " إن‬
‫يحاربني جيش فلن يخاف قلبي ‪ ،‬وأن قام علي قتال ففي هذا أنا‬
‫مطمئن "‪.‬‬
‫ولماذا هو مطمئن ؟ لنه يرجو عمل الله فيه ‪ ،‬ويري كما كان أليشع‬
‫يري ‪ ،‬أن هناك جيوش الرب تحارب حول المدينة " وان الذين معنا‬
‫اكثر من الذين علينا ") ‪ 2‬مل ‪ ( 16 :6‬ويقول مع المرنم " نجت‬
‫أنفسنا مثل العصفور من فخ الصيادين ‪ ،‬الفخ أنكسر ونحن نجونا‬
‫") مز ‪. (124‬‬
‫*******‬
‫النسان الذي عنده رجاء ‪ ،‬ل ينظر إلي الضيقات ‪ ،‬إنما ينظر إلي اللببه‬
‫الذي ينتصر علي الضيقات ‪.‬‬
‫الذي قال " أنا قد غلبت العالم " ويظل فيه هذا الرجاء إلي أخر‬
‫نسمة ‪ ،‬في كل حين ‪ ،‬في كل حال ‪ ،‬في كل موقف ‪ ،‬الرجاء ل‬
‫يفارقة ‪.‬‬
‫وهذا الرجاء ل يعطى النسان سلما ً في القلب ‪ ،‬طمأنينه في‬
‫الداخل ‪ ،‬فرحا ً قلبيا ً علي اساس ‪ ،‬ولهذا يقول الرسول في الصحاح‬
‫الثاني عشر من رسالته إلي رومية " فرحين في الرجاء ) رو ‪. (12‬‬
‫*******‬
‫الرجاء بأن الله ل يعسر امر عليه وأنه قادر علي كل شئ ‪ ،‬الرجاء في‬
‫محبة الله وفي مواعيد الله ‪ ،‬الرجاء في الله الذي قال " ل أهملك ول‬
‫اتركك " الله الذي قال " ها انا معكم كل اليام وألي أنقضاء الدهر "‬
‫الذي قال " نقشتكم علي كفي " الذي قال " إن ابواب الجحيم لن‬
‫تقوي عليها ‪ ..‬الرجاء في الله الذي عمل في القديم ‪ ،‬والذي يعمل‬
‫كل حين ‪ ،‬الذي نقول له مثلما قالوا في القديم قم أيها الرب الله و‬
‫ليتبدد جميع اعدائك ‪ ،‬وليهرب من قدام وجهك كل مبغضى اسمك‬
‫القدوس "‪ .‬الله الذي غلب العالم ‪ ،‬نرجوه ان يغلب العالم ايضا ً مرة‬
‫اخري ‪ ،‬يغلب اللحاد الذي في العالم يغلب الباحية و المادية ‪ ،‬ويغلب‬
‫الحقد و الكراهية التي في العالم و يغلب النقسام و التفكك الذي‬
‫في العالم ويغلب العنف واستخدامة الذي في العالم ‪.‬‬
‫*******‬
‫هذا هو الله الذي نرجوه الذي يعيد الرض إلي صورتها الولي ‪.‬‬
‫وأيضا ً الله الذي يقف إلي جوار اولده باستمرار ‪ ،‬الذي رآه يوحنا في‬
‫رؤياه وهو " في وسط المنائر السبع ‪ ،‬وفي يمينه ملئكة الكنائس‬
‫السبع ") رؤ ‪. (20 :1‬‬
‫فالله ما يزال وسط أولده ‪ ،‬وفي يمينه رعاه الكنائس وقادتها ‪ ،‬وهو‬
‫يقول لنا اغنيته الجميله " ل يخطف احد من يد أبي شيئا ً ") يو ‪:1‬‬
‫‪. ( 29‬‬
‫*******‬
‫لنا رجاء في الله الذي قال عنه يوحنا الحبيب في رؤيا ‪:‬‬
‫" أبصرت وإذا باب مفتوح في السماء ") رؤ ‪.(1 :4‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫فالنسان الذي يعيش في الرجاء باستمرار ينظر بابا مفتوحا في‬
‫السماء ويري الله واقفا ً في هذا البابا يقول إنه يفتح ول احد يغلق‬
‫")رؤ ‪. (7 :3‬‬
‫*******‬
‫الله الذي يسعي لخلصنا دون ان نسعي نحن ‪ ،‬والذي يحبنا اكثر مما‬
‫نعرف الخير لنفسنا الله ضابط الكل الذي يقود الكون كله و الذي‬
‫حياة العالم كله في يدية ‪ .‬هو يدبر المور حسب حكمته التي ل تحد ‪،‬‬
‫نحن نرجوا هذا الله ‪ ،‬ونحن نغني مع الرسول قائلين ‪:‬‬

‫*******‬
‫" كل الشياء تعمل معا ً للخير للذين يحبون الله ") رؤ ‪. (28 :8‬‬
‫ونقصد الخير بالمقاييس اللهية وليس الخير بمفاهيمنا البشرية ‪.‬‬
‫الله هذا صانع الخيرات ‪ ،‬هو الذي نرجوه ‪ .‬وهو الذي نعلق كل رجائنا‬
‫عليه ‪ .‬وهو الذي نقول له في بعض الصلوات القداس اللهي "‬
‫يارجاء من ليس له رجاء ‪ .‬معين من ليس له معين "‪ .‬ونقول في‬
‫المزمور "التكال علي الرب خير من التكال علي البشر ‪ ،‬الرجاء ‪،‬‬
‫بالرب خير من الرجاء بالرؤساء ") مز ‪. ( 118‬‬
‫*******‬
‫الرجاء في مواعيد الله الصادقة و الرجاء في الحياة البدية الجميلة ‪،‬‬
‫في القيامة السعيدة ‪ ،‬الرجاء الذي نعلقة ل في امور العالم ‪ ،‬وإنما‬
‫في ذلك الوطن السماوي ‪ " ،‬المدين التي لها الساسات التي صنعها‬
‫وبارئها الرب " ) عب ‪. (11‬‬
‫ً‬
‫اليمان في حياة أخري جديدة ل تعرف خطية ‪ ،‬ول تعرف أثما ‪،‬‬
‫اليمان في التجديد العجيب الذي نناله في السماء ‪ ،‬حيث ترجع الينا‬
‫الصورة اللهية الولى ‪ ،‬وفي وضع ل يخطئ فيما بعد ‪ ،‬الرجاء في‬
‫الحرية التي ننالها من الرب ‪ ،‬بحيث تكون حرية تفعل الخير فقط ‪،‬‬
‫ول تعود تعرف الخطية بعد ‪ ،‬اليمان بملكوت الله الذي نعيش فيه في‬
‫ذلك البد ‪ ،‬ونعد انفسنا له من الن ‪ .‬هذا هو الرجاء الحقيقي الذى‬
‫نرجوا فيه ما ل يرى ‪ .‬لن الشياء التي ترى تدخل في العيان ‪ ،‬وليس‬
‫الرجاء ‪ .‬غنما نحن نرجو ما ننظره بالصبر ‪ ،‬وليس ما نراه كما يقول‬
‫الرسول " هذا الرجاء المفروض ان ندعو الجميع إليه "‪.‬‬
‫*******‬
‫المفروض أن نقول لكل احد ‪ :‬إن كل باب مغلق له ألف مفتاح ‪ ،‬والله‬
‫يستطيع أن يفتح جميع البواب المغلقة ونقول له أن كل ظلمه لبد‬
‫بعدها نور ‪ ،‬وكل مشكلة لها حل أو عشرات الحلول وكل ضيقة لها‬
‫إله هو إلهنا الصالح الذي يخرج من الجافى حلوة ‪ ،‬ومن الكل آكل ً ‪.‬‬
‫و الذي يحول كل المور إلي الخير ‪ ،‬كل المور التي نمر بنا في‬
‫حياتنا إن كانت خيرا ً ستصل إلينا صانع الخيرات يحول الشر إلي الخير‬
‫‪.‬‬
‫*******‬
‫لذلك نحن نعيش في الرجاء فرحين باستمرار يمل قلوبنا ‪ ،‬لننا ل‬
‫نعتمد علي ذواتنا ول علي وسائط عالمية ‪ ،‬إنما نعتمد علي الله الذي‬
‫يعمل كل خير في هذا الرجاء أحب أن نعيش جميعا ً ‪ ،‬ككنيسة ترجوا‬
‫ملكوت الله وتنتظره ‪ ،‬وترجو عمل الله فيها كل حين ‪ ،‬ونؤمن‬
‫بعمله ‪ ،‬وكعالم واسع الرخاء في كل قاراته ‪ ،‬يرجو من الله ان يسود‬
‫السلم في كل مكان و يسود الخير في كل مكان ‪ ، ،‬ويرجع الحب‬
‫إلي قلوب الناس جميعا ً ‪ ،‬فيرتبطون به ‪ ،‬ويعيشون به وكما قال‬
‫المسيح " بهذا يعرف الناس أنكم تلميذى إن كان لكم حب بعضكم‬
‫نحو بعض "‪.‬‬
‫هذا الرجاء إن لم يكن فينا فلنطلبة كعطية مجانية من الله ‪ ،‬الذي‬
‫يمل القلوب بسلمه وبرجائه ‪ .‬له المجد الدائم من الن وغلي البد‬
‫آمين …‬
‫*******‬

‫حياة الرجاء يلزمها الثقة في الله ‪ ،‬و الثقة في مواعيده ‪ ،‬وفي عمله‬
‫وفي محبتة لك وللكل ‪ ،‬وفي حكمة تدبيرة ‪ .‬لكي يمتلئ قلبك بالرجاء‬
‫‪،‬ينبغى أن تثق بإن الله يحبك أكثر مما تحب نفسك وانه تعرف ما هو‬
‫الخير لك اكثر مما تعرف أنت بما ل يقاس ‪ .‬وأن كل تدابير الله من‬
‫جهتك هي في عمق الحكمة و الخير ‪ ،‬مهما غير ذلك من خلل‬
‫الشك ‪..‬‬
‫*******‬
‫ولبد أنك تعلم انك في يد الله وحده ‪ ،‬و لست في يد الناس ول في‬
‫أيدى التجارب و الحداث ‪ ،‬ول في ايدى الشياطين …‬
‫أنت في يد الله وحده ‪ .‬و الله قد نقشك علي كفه ) إش ‪. (16 :49‬‬
‫وقد يظلل عليك بجناحيه )مز ‪ ( 90‬ويحرسك الليل و النهار ‪ ،‬ويحفظ‬
‫دخولك وخروجك ) مز ‪ . ( 120‬ومن محبته لك ‪ ،‬دعاك أبنا ً له) ‪ 1‬يو ‪: 3‬‬
‫‪ . (1‬وهو الراعي الذى يرعاك فل يعوزك شئ ) مز ‪ . (1 :23‬نحن كلنا‬
‫شعبه وغنم رعيته ‪ .‬ول يمكن لله كراع صالح أن يغفل عن غنمه ‪ .‬ول‬
‫يمكن له كأب أن يغفل عن اولده ‪.‬‬
‫*******‬
‫أما ان كان لديك مشكلة ‪ ،‬فيريحك جدا ً أن تنتظر الرب ‪ .‬ولبد أنه‬
‫سينقذك منها ‪ .‬فهذه نصيحة مباركة يقدمها لنا أحد مزامير صله باكر‬
‫‪ ،‬يقول فيها المرتل ‪: :‬‬
‫" انتظر الرب ‪ .‬تقو و ليتشدد قلبك ‪ ،‬وانتظر الرب ") مز ‪. ( [27] 26‬‬
‫و النصيحة التي يقدمها لنا هذا المزمور ‪ ،‬ليس مجرد أن ننتظر‬
‫الرب ‪ ،‬وإنما أن ننتظره في قوة ‪ ،‬ونحن متشدون في الداخل … ل‬
‫ننتظر الرب في ضيقة ‪ ،‬أو في ضجر و تذمر واحتجاج ‪ :‬لماذا لم يعمل‬
‫الرب حتى الن ؟ أين محبته ؟ أين عمله ؟! ول ننتظر ونحن نشك في‬
‫عمل الله ‪ ،‬أو نشك في قيمه الصلة و فاعليتها !! ول ننتظر الرب‬
‫في ضعف داخلى ‪ ،‬وفي انهيار ‪ ،‬وقد فقدنا معنوياتنا !! كل ‪ ،‬فكل‬
‫هذه المشاعر ضد فضيلة الرجاء … فالنسان المضطرب أو اليائس‬
‫أو الخائف أو المنهار ‪ ،‬يدل علي انه فاقد الرجاء … لن الذي ينتظر‬
‫الرب في رجاء ‪ ،‬إنما يمنحه الرجاء قوة ‪ .‬وكما قال إشعياء النبى ‪" :‬‬
‫واما منتظرو الرب ‪ ،‬فيجددون قوة ‪ .‬يرفعون اجنحة كالنسور ‪.‬‬
‫يركضون ول يتعبون ‪ .‬ويمشون ول يعيون ") إش ‪ ( 31 :40‬فما معني‬
‫عبارة " يجددون قوة " ؟ معناها أنه كلما حاربهم الشيطان بالقلق أو‬
‫بالضعف و الضطراب ‪ ،‬تتجدد القوة فيهم من تذكرهم لمواعيد الله‬
‫الصادقة ‪ ،‬وصفاته اللهية المحبوبة باعتبارة الب و الراعي و الحافظ‬
‫والسائر و المعين … الله الحنون ‪ ،‬المحب ‪ ،‬صانع الخيرات ‪ ،‬الذي ل‬
‫يغفل ول ينام … فكلما يتذكرون صفه من هذه الصفات تتجدد‬
‫القوة فيهم ‪ ،‬ويرفعون أجنحة كالنسور ‪.‬‬
‫إن منتظر الرب يثق ثقة ل تحد بمحبة الله الفائقة للبشر ‪ ،‬وبحكمة‬
‫الله التي هي فوق ادراكنا البشري …‬
‫*******‬
‫يثق أن الله يعطينا باستمرار دون ان نطلب ‪ ،‬وقبل أن نطلب ‪ .‬فكم‬
‫بالحرى إن طلبنا … وهو يثق ايضا ً أن الله يعطينا ما ينفعنا ‪ ،‬وليس‬
‫حرفية ما نطلبه ‪ .‬لنه ربما تكون بعض طلباتنا غير نافعة لنا … وهنا‬
‫تظهر حكمة الله في محبته …‬
‫لذلك في حياة الرجاء ‪ ،‬لبد أن تثق بحكمة الله في تدبيرة‬
‫ل تطلب وتصر ‪ .‬أنما أطلب وقل ‪ :‬لتكن مشيئتك … وحينما تقول ‪" :‬‬
‫لتكن مشيئتك " ليكن ذلك بفرح ‪ ،‬بغير ألم ول حزن ‪.‬‬
‫*******‬
‫هناك أمور كثيرة ل تدريها ‪ .‬وهي معروفه ومكشوفة أمام الله ‪.‬‬
‫ربما الذي تطلبة ‪ ،‬ل يكون مناسبا ً لك ول نافعا ً لك ‪ .‬وربما الوقت‬
‫الذي تحدده ‪ ،‬يعرف الله تماما ً أنه غير صالح ‪ ،‬ويري أن تأجيل‬
‫الستجابة أفضل … لذلك تواضع ‪ ،‬وأترك الحكمه الله أن تتصرف ‪.‬‬
‫وانتظر الرب في ثقة …‬
‫أليس من المخجل أننا نثق بذكائنا وفطنتنا أكثر مما نثق بالله !‬
‫إننا نضع حلول ً للمور ‪ ،‬وأثقين أنها أفضل الحلول ‪ ،‬أو انها الوحيدة‬
‫النافعة ‪ .‬وربما يكون في ذهن الله حل آخر لم يخطر لنا علي بال ‪،‬‬
‫هو أفضل بما ل يقاس من كل تفكيرنا ‪ .‬ليتنا إذن نثق بالله …‬
‫وننتظر حله في رجاء ‪.‬‬
‫*******‬

‫وكما نثق بمحبة الله وحكمته ‪ ،‬نثق بمحبة الله وحكمته ‪ ،‬نثق أيضا ً‬
‫بمواعيده المليئة بالرجاء …‪.‬‬
‫نثق بموعده الصادق " ها أنا معكم كل اليام وإلي إنقضاء الدهر‬
‫") متي ‪ . (20 :28‬نثق بقوله " ل تخف لني معك " ) تك ‪" (24 : 26‬‬
‫ل أهملك ول اتركك ‪ .‬تشدد وتشجع " " ل يقف إنسان في وجهك كل‬
‫أيام حياتك ") يش ‪ " (6 ،5 :1‬تشدد وتشجع ‪ .‬ل ترهب و ل ترتعب ‪،‬‬
‫لن الرب إلهك معك حيثما تذهب " ) يش ‪ " ( 9 : 1‬ل تخف أيها‬
‫القطيع الصغير " ) لو ‪ … " (32 : 12‬أنا معك ‪ ،‬ول تقطع بك احد‬
‫ليؤذيك " ) أع ‪ " ( 10 : 18‬يحاربونك ول يقدرون عليك ‪ ،‬لني ان معك‬
‫– يقول الرب – لنقذك " ) أر ‪.( 19 : 1‬‬
‫وما اكثر عبارات الرجاء التي تحفل بها المزامير …‬
‫ليتك تجمع هذه اليات وتقرآها أو تتذكرها كلما كنت في حاجة إلي‬
‫الرجاء في حياتك ‪ .‬يكفي أن تسترجع مثل ً مزمور ‪ ( 91 ) 90‬أو ‪120‬‬
‫) ‪ ( 121‬حيث يقول لك الوحى اللهي ‪ " :‬يسقط عن يسارك ألوف‪،‬‬
‫وعن يمينك ربوات واما انت فل يقتربون إليك ‪ .‬بل بعينيك تتأمل ‪،‬‬
‫ومجازاة الخطاة تبصر ") لنه يوصى ملئكته بل ليحفظوك في سائر‬
‫طرقك …" " تطأ الفعي وملك الحيات ‪ ،‬وتسحق السد و التنين ‪ ،‬لنه‬
‫علي اتكل انجية ‪ .‬أستره لنه عرف اسمي " ) مز ‪ " (90‬ل يسلم‬
‫رجلك للزلل … الرب يحفظك " " الرب يحفظك من كل سوء ‪ .‬الرب‬
‫يحفظ نفسك ‪ .‬الرب يحفظ دخولك وخروجك ") مز ‪( 120‬‬
‫كلها آيات تبعث الرجاء في النفس ‪ ،‬وتقوي القلب في الداخل‬
‫*******‬
‫ويزيد الرجاء فيك أيضا ً ‪ ،‬تذكرك معاملت الله لقديسيه … إن تذكرت‬
‫كل هذا ‪ ،‬يمتلئ قلبك بالرجاء ‪ ،‬وتنتظر الرب في ثقة ‪.‬‬
‫من محاضرة ألقيت في الكاتدرائية يوم الجمعة ‪20/2/76‬‬

‫كثير من الناس تمر عليهم التجارب و الضببيقات ‪ ،‬فتعصببرهم عصببرا ً ‪،‬‬


‫ويقعون في الكآبة الشديدة ‪ ،‬وربما في اليأس ‪ .‬وهؤلء يريحهم قول‬
‫الكتاب ‪:‬‬
‫ً‬
‫" كل الشياء تعمل معا للخير ‪ ،‬للذين يحبون الرب ") رو ‪. (28 :8‬‬
‫و الكتاب المقدس حافل بقصص كثيرة معزية في هذا المجال ‪:‬‬

‫إنسان يقسو عليه اخوته ‪ ،‬ويلقونه في بئر ‪ ،‬ثم يبيعونه كعبد لتجار‬
‫من السماعيليين ‪ .‬وبعد أن يخلص لسيدة كل الخلص ‪ ،‬وينجح في‬
‫عمله جدا ً ‪ ،‬تلفق ضده تهمة رديئة من امرأة سيدة ‪ ،‬ويلقي في‬
‫السجن ‪ .‬وتطول به اليام في سجنه …‬
‫ولكن كل هذه المور ‪ ،‬كانت تعمل للخير ‪.‬‬
‫فلول التهمه التي أوصلته إلي السجن ‪ ،‬ما كان خبرة يصل إلي‬
‫فرعون فيجعله وزيره الول و الثاني في المملكة ‪.‬‬
‫وطبعا ً لول قسوة اخوته ‪ ،‬ما كان قد بيع إلي بيت فوطيفار ‪ .‬ولول‬
‫أن أمرأة فوطيفار كانت خاطئة ‪ ،‬ما كانت تشتهيه ‪ ،‬ثم تلفق له‬
‫التهمة التي اوصلته إلي السجن ‪ . .‬ولول سجنه ما كان قد تعرف‬
‫علي رئيس سقاه فرعون الذي أخبر فرعون الذي أخبر فرعون الذي‬
‫اخبر فرعون بقدرته علي تفسير الحلم ‪ ،‬فاستدعاه فرعون ‪ .‬وخرج‬
‫من السجن إلي المملكه ) تك ‪. ( 41 -39‬‬
‫*******‬
‫وبدون كل هذا ‪ ،‬ما كان اخوته قد تابوا ‪ ،‬وبكوا ‪ ،‬واعترافوا بخطيئتهم‬
‫‪ ،‬وعادت المحبة إلي السرة ‪ ،‬ونجوا من المجاعة ‪ ،‬واجتمعوا كلهم‬
‫في مصر …‬
‫المشكلة ان الناس تحصرهم المشكله ‪ ،‬ول يكون لهم الرجاء في أنها‬
‫ستؤول إلي الخير ‪ .‬يقفون عند البداية التي تبدو سيئة أو مؤلمه ‪ ،‬ول‬
‫يتابعون العمل اللهي ‪ ،‬الذي يحول الشر إلي خير ‪ ،‬والذي يخرج من‬
‫الجافى حلوة ) قض ‪ . (14 : 14‬ل شك أن قصة يوسف الصديق ‪، ،‬‬
‫هي درس في الرجاء ‪ ،‬وفي أن كل الشياء تعمل معا ً للخير ‪.‬‬
‫نتدرج إلي نقطة أخري تبدو غريبة و عجيبة ‪ ،‬وهي ‪:‬‬

‫إنها خطية ‪ ،‬جرت علي العالم ما ل يحصي من الكوارث ‪ .‬وبها دخلت‬


‫الخطية إلي العالم ‪ ،‬وبالخطية الموت ) رو ‪. (12 : 5‬‬
‫ومع ذلك ‪ ،‬فإن الله الذي يخرج من الجافي حلوة ‪ ،‬استطاع أن يجعل‬
‫كل المور تعمل معا ً للخير ‪.‬‬
‫وكنتيجة لذلك عرفنببا عمليبا ً محبببة اللببه لنببا ) يببو ‪ . (16 : 3‬وبركببات‬
‫الكفارةو الفداء ‪.‬‬
‫ولو كان آدم لم يخطئ ‪ ،‬لبقي في الفردوس ‪ .‬في جنة يأكل فيها‬
‫ويشرب ‪ ،‬ويعيش مع الحيوانات و الطيور و السماك … أما الن ‪،‬‬
‫فقد صار لنا الملكوت بكل ما يحمل من بركات غير مرئية ‪ ،‬فيها ما‬
‫لم تره عين ‪ ،‬وما لم تسمع به أذن ‪ ،‬وما ل يخطر علي قلب بشر " )‬
‫‪ 1‬كو ‪ .. (9 :2‬ولنا فيه عشرة الملئكة القديسين … وهذا يذكرنا‬
‫بنقطة أخري عجيبة وهي ‪:‬‬

‫كل الناس يكرهون الموت ‪ ،‬ويرونه سببا ً للحزن ! و يلبسون لجله‬


‫السواد ‪ ،‬ويقابلونه بالدموع و البكاء … ولكنه أيضا ً من المور التي‬
‫تعمل للخير …‬
‫فالموت هو الطريق إلي حياة أفضل ‪ ،‬وإلببي مسببتوي أعلببي سببتؤول‬
‫إليه البشرية …‬
‫حيث في القيامة ‪ ،‬سنقوم بأجساد سماوية يمكنها أن ترث الملكوت )‬
‫‪ 1‬كو ‪ .. ( 15‬ولول الموت لبقينا في هذا الجسد المادي أليس المببوت‬
‫ايضا ً يعمل معا ً للخير ‪.‬‬
‫فلنتأمل قصة القديس النبا أنطونيوس ‪ ،‬وموت أبيه ‪.‬‬
‫كان موت أبيه درسا ً عميقا ً له في فناء الحياة الدنيوية وبطلنها ‪.‬‬
‫ولقد نظرا الشاب أنطونيوس إلي أبيه الميت ‪ ،‬وقال له " أين هي‬
‫عظمتك و سلطانك ؟! لقد خرجت من الدينا علي الرغم منك ‪ .‬ولكني‬
‫سأخرج منها بارادتي ‪ ،‬قبل ان يخرجوني مثلك كارها ً "… وكانت بداية‬
‫الحياة الرهبانية …‬

‫المرض آفة يحاربها الناس و يهربون منها إلي الطب و الدواء ‪ ..‬و مع‬
‫ذلك فإن المراض " تعمل معا ً للخير ‪ ،‬للذين يحبون الرب ") رو ‪: 8‬‬
‫‪… ( 28‬‬
‫أمراض كثيرة قادت إلي التوبة ‪ ،‬وفعلت ما لم تفعلببه أعمببق العظببات‬
‫…‬
‫وبخاصة المراض الخطيرة و المؤلمه … كم قد أدخلت كثيرين في‬
‫عهود مع الله ‪ ،‬وفي نذور قدموها إلي الله ‪ ،‬وفي حياة جديدة مع‬
‫الله ‪ ،‬أو ادخلتهم في توبه و استعداد للموت … وهكذا كانت تعمل‬
‫معا ً للخير ‪.‬‬
‫*******‬
‫وأمراض قادت الناس إلي الصلة و إلي الصوم ‪.‬‬
‫وإلي زيارة الماكن المقدسة ‪ ، ،‬و التشفع بالملئكة و القديسين ‪،‬‬
‫وإلي إقامه القداسات ‪ ،‬و القيام بأعمال الرحمه نحو الفقراء و‬
‫المساكين ‪.‬‬
‫وهكذا كما استفادة المريض نفسه أقترابا ً إلي الله ‪ ،‬استفاد ايضا ً‬
‫اقاربة ومحبوه فوائد روحية عديدة …‬
‫بل المراض كانت نافعة للقديسين ‪ ،‬لشعارهم بضعفهم ومنع المجببد‬
‫الباطل عنهم ‪.‬‬
‫وفي ذلك يقول القديس الرسول " ولكي ل ارتفع بفرط العلنات ‪،‬‬
‫أعطيت شوكة في الجسد ‪ .‬ملك الشيطان ليلطمني لئل أرتفع ") ‪2‬‬
‫كو ‪. (7 : 12‬‬
‫وقد صلى بولس ثلث مرات ‪ ،‬ليشفيه الله من ذلك المرض ‪ .‬ولكن‬
‫الله قال له " تكفيك نعمتي "‪ .‬واستبقي مع بولس هذه الشوكة التي‬
‫في الجسد ‪ ، ،‬لنه – تبارك اسمه – كان يعرف كم تعمل مع قديسه‬
‫للخير ‪ ،‬وكم تجلب له من اتضاع قلب …‬
‫وقصة القديس بولس مع المرض ‪ ،‬تذكرنا بيعقوب أبي الباء ‪.‬‬
‫لقد صارع مع الله وغلب ) تك ‪ ، ( 28 : 32‬ونال البركة ‪ .‬ومع ذلك‬
‫ضرب الله حق فخذه فانخلع ز وظل يخمع علي فخذه ) تك ‪، 27 : 32‬‬
‫‪ . ( 31‬وبقي هذا المرض معه ‪ ،‬كعطية من الله ‪ ،‬يعمل معه للخير ‪،‬‬
‫ويهبه التضاع إذ يشعر بضعفه ‪ ،‬لئل يرتفع قلبه بسبب أنه نال البركة‬
‫‪ ،‬وأنه صارع مع الله وغلب …‪.‬‬
‫لعل إنسانا ً يسأل ‪ :‬لماذا هذه التجربة تحل علي إنسان قديس ‪ ،‬شهد‬
‫له الله مرتين بأنه " رجل كامل ومستقيم ‪ ،‬وليس مثله في الرض "‬
‫) أي ‪ )( 8 : 1‬أي ‪… (3 :2‬‬
‫و الحقيقية أن هذه التجربة كانت للخير من عدة نواح ‪:‬‬
‫كانت التجربة لخير أيوب ‪ ،‬أوصلته إلي التضاع ‪.‬‬
‫كان محاربا ً بشئ من المجد الباطل … كان بارا ً ‪ ،‬ويعرف عن نفسه‬
‫أنه بار ‪ .‬ولهذا قال " لبست البر فكساني ‪ .‬كجبة وعمامة كان عدلي‬
‫" ) أي ‪ . (9 : 29‬وقيل عنه أنه " كان بارا ً في عيني نفسه " ) أي‬
‫‪ … ( 1 : 32‬فكانت التجربة لزمة له ‪ ،‬لتعمل معه للخير ‪ ، ،‬توصله إلي‬
‫إنسحاق القلب ‪ ،‬وإلي معرفة الله ‪ .‬ولما وصل إلي عبارة " أندم في‬
‫التراب و الرماد ") أي ‪ .. (6 :42‬رفع الله عند التجربة * وكانت‬
‫التجربة نافعه لصحاب أيوب الثلثة ‪:‬‬
‫ذلك لنهم كانوا " معزين متعبين ") أي ‪ . ( 2 :16‬وقد استذنبوا أيوب‬
‫وأساءوا إليه ) أي ‪ . (3 : 32‬وحتي من جهة الله ‪ ،‬لم يتكلموا عنه‬
‫بالصواب ) أي ‪ . (8 : 42‬فكانت التجربة لزمه لهم ‪ ، ،‬لتصحيح‬
‫مفاهيمهم الروحية ‪ . .‬وقد قادتهم إلي التوبة " واصعدوا محرقات‬
‫لجل انفسهم " ) أي ‪. (7 :42‬‬
‫*******‬
‫• وكانت التجربة نافعه للعالم كله ‪.‬‬

‫تلقي بها العالم درسا ً في الصبر ‪ ،‬كما قال القديس يعقوب الرسول‬
‫" خذوا يا اخوتي مثال ً لحتمال المشقات والناه … ها نحن نطوب‬
‫الصابرين ‪ .‬قد سمعتم بصبر ايوب ‪ ،‬ورأيتم عاقبة الرب ‪ ) "..‬يع ‪:5‬‬
‫‪. (11 ،10‬‬
‫*******‬
‫• وحتي تجربة أيوب ‪ ،‬من الناحيتين العائلية و المادية ‪ ،‬كانت‬
‫نافعة له ‪ .‬فقد " زاد الرب علي كل ما كان ليوب ضعفا ً … وبارك‬
‫الرب آخرة أيوب أكثر من أوله " ) أي ‪ . (12 ، 10 : 42‬اعطاه‬
‫الرب ضعف ما كان له من الخيرات المادية ‪ .‬ووهبة الرب بنين و‬
‫بنات " ولم توجد نساء جميلت ‪ ،‬كبنات أيوب في كل الرض ") أي‬
‫‪ . ( 15 : 42‬ووهب الرب أيوب عمرا ً طويل ً ‪ " ،‬فعاش بعد التجربة‬
‫‪ 140‬سنة ‪ ،‬ورأي بنيه وبني بنيه إلي أربعة أجيال "…‪.‬‬
‫• وهكذا كانت التجربة لخيره ‪ ،‬لما احتملها ‪.‬‬
‫• وكانت تجربة أيوب خجل ً للشيطان ‪.‬‬
‫• أو كانت هزيمة جديدة له ‪ ،‬لن الشيطان قد ل يخجل من‬
‫أخطائة ‪ .‬لذلك نقول كانت هذه التجربة سبب خزي له ‪ .‬فتعبير "‬
‫خزي " أكثر موافقه للمعني …‪ .‬وهكذا كانت تجربة تعمل معا ً للخير‬
‫لكل الطراف …‬
‫*******‬
‫يخاف البعض من التجارب ‪ ،‬وقد يضطرب لها ‪ .‬بينما يقول الرسول ‪:‬‬
‫" احسبوه كل فرح يا أخوتي ‪ ،‬حينما تقعون في تجارب متنوعة " ) يع‬
‫‪.(2:1‬‬
‫المسألة تحتاج إلي ثقة في عمل الله معنا أثناء التجربة ‪ ،‬وكيف‬
‫يجعلها تؤول إلي خيرنا ‪ .‬وهنا نري القديس يعقوب الرسول ‪ ،‬ل‬
‫يدعونا فقط إلي الحتمال و الصبر ‪ ،‬وإنما بالكثر يدعونا إلي الفرح‬
‫بالتجارب ‪.‬‬
‫وهكذا ندخل في حياة الفرح الدائم ‪ .‬في ‪ .‬في النعمة نفرح ‪ ،‬وفي‬
‫التجربة أيضا ً نفرح ‪ .‬ونقول ‪:‬‬
‫المر الذي يختاره الرب لي ‪ ،‬خير من الشهد الذي اختاره لنفسى …‬
‫نقول كل طرقك يارب ‪ ،‬بحكمة قد صنعتها … كله للخير …‬
‫*******‬
‫هيرودس أراد ان يقتل المسيح وهو طفل ‪ ،‬فصار هذا خير لمصر‬
‫جاءها المسيح ‪.‬‬
‫بارك الرب أرض مصر ‪ ،‬وصارت لنا مقادس فيها ‪ .‬وسقطت كثير من‬
‫الصنام ) اش ‪ (22-19 :19‬وكانوا حينما يطردون العائلة المقدسة‬
‫من بلد بسبب سقوط الصنام ‪ ،‬تذهب إلي بلد مصرى آخر ‪ .‬فكثرت‬
‫البلد التي تقدست بزيارة العائلة المقدسة لمصرنا ‪ ،‬وصار ذلك‬
‫تمهيدا ً ل نتشارك اليمان المسيحي فيها …‬
‫بتذكرنا لكل هذا ‪ ،‬نسعد بكل ما يحدث لنا ‪ ،‬مؤمنين أنه ‪:‬‬
‫إن لم يكن المر خيرا ً في ذاته‬
‫فلبد سيكون خيرا ً في نتيجته‬
‫*******‬
‫خذوا كمثال ‪ :‬متاعب داود من شاول الملك ‪.‬‬
‫لقد طارده من مدينة إلي مدينه ‪ ،‬ومن برية إلي أخرى ‪ .‬وعاش بسببه‬
‫هاربا ً في البرارى و القفار ‪ ،‬يترصده الموت في كل خطوة ‪ .‬و لكن‬
‫كل ذلك التعب أعده لتحمل مسئوليات الملك فيما بعد ‪ .‬إذ نضج داود‬
‫سنا ً وشخصية ‪ .‬وصار جبار بأس ‪ ،‬كثير الحتمال ‪ .‬يعرف كيف ينتظر‬
‫الرب بإيمان و يؤمن بتدخله ‪.‬‬
‫و الضيقات التي أحتملها ‪ ،‬صارت نبعا ً لمزاميره ‪.‬‬
‫يغنيها علي العود و القيثار والمزمار ‪ .‬وصارت ينبوعا ً لتأملت روحية‬
‫وصلوات عميقة ‪ ،‬تصليها الجيال من بعده ‪ . .‬وتري فيها كيف يختلط‬
‫الطلب بالشكر باليمان … واعطانا ً أسلوبا ً نصلي به ونحن في‬
‫وقت أللم و الضيقة ‪ .‬وصار داود رجل صلة ‪ ،‬صقلته التجارب ‪،‬‬
‫وصاحب خبرة بالعشرة مع الله ‪.‬‬
‫ولو عاش داود مدلل ً ‪ ،‬ترى ماذا كانت شخصيته ستكون ؟!‬
‫*******‬
‫الضيقات لو لم تنته إلي خير علي الرض ‪ ،‬فعلى القل ستعد لنا‬
‫أكاليل يهبها لنا في ذلك اليوم الديان العادل ‪.‬‬
‫*******‬
‫إن الضيقات هي مدرسة للصلة ‪.‬‬
‫ربما حياة التنعم تبعدنا عن الله ‪ .‬أما حياة اللم فإنها تقربنا إليه ‪.‬‬
‫فتصير صلواتنا أعمق وأكثر ‪ ،‬وتصير أصوامنا أكثر روحانية ‪ .‬كما‬
‫نقترب إلي الله بالتوبة و المصالحة معه ‪ ،‬فنرجع إليه ‪ .‬إن الضيقة‬
‫التي وقع فيها اخوه يوسف ‪ ،‬جعلتهم يتذكرون خطيئتهم إليه "‬
‫وقالوا بعضهم لبعض ‪ :‬حقا ً إننا مذنبون إلي أخينا ‪ ،‬الذي رأينا ضيقة‬
‫نفسه لما استرحمنا ولم نسمع له ‪ .‬لذلك جاءت علينا هذه الضيقة …‬
‫فهوذا دمه يطلب ) منا ( " ) تك ‪. (22 ، 21 : 42‬‬
‫*******‬
‫حتي سقوط الناس في الخطية كان يؤول بالتوبه إلي خير‬
‫عاش أوغسطينوس في الخطية زمنا ً طويل ً ‪ ،‬بكت عليه فيه امه‬
‫القديسة مونيكا …‬
‫ثم تاب أغسطينوس ‪ ،‬وكان من نتائج حياته الولي كتابة الرائع عن‬
‫اعترافاته ‪ ،‬وهو كنز روحي ‪ ،‬وسبب منفعة روحية للمليين ‪ ،‬يعرفنا‬
‫كيف يعترف النسان علنا ً ‪ ،‬ويعترف حتي بخطاياه وهو طفل رضيع‬
‫…‬
‫*******‬
‫و بالمثل يمكن أن نتحدث عن خطية داود النبي ‪.‬‬
‫كيف أوصلته الخطية إلي حاله عجيبة من أنسحاق النفس ‪ ،‬قال فيها‬
‫" ابلل في كل ليله سريرى ‪ .‬بدموعى أبل فراشى ") مز ‪ . (50‬وكيف‬
‫اعترف إلي الرب قائل ً " لك وحدك أخطأت ‪ ،‬والشر قدامك صنعت …‬
‫قلبا ً نقيا ً أخلق في يا الله وروحا ً مستقيما ً جدده في أحشائي "… إلي‬
‫ما حواه المزمور الخمسون ‪ ،‬مزمور التوبة وما حوته باقي مزاميره‬
‫من مشاعر النسحاق … كان ملكا ً عظيما ً ‪ ،‬محترما ً ومبجل ً من الكل ‪.‬‬
‫ولكن الخطية أذلته ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫" خير لي يارب أنك أذللتني ‪ ،‬حتي أتعلم وصاياك ") مز ‪.( 119‬‬
‫وحينما اهانه شمعي بن جيرا إهانة مؤلمه ‪ ،‬وهو هارب من أبشالوم ‪،‬‬
‫لم يمسح لنصاره أن ينتقموا من هذا النسان ‪ ،‬بل قال في اتضاع "‬
‫دعوة يسب ‪ .‬لن الرب قال له ‪ :‬سب داود … لعل الرب ينظر إلي‬
‫مذلته ") ‪ 2‬صم ‪. ( 10 : 16‬‬
‫*******‬
‫و بالمثل ما استفاده خاطئ كورنثوس من خطيئته و عقوبته ‪.‬‬
‫كم أوجد فيه ذلك من الحزن و البكاء ‪ ،‬حتي ان القديس بولس‬
‫الرسول في رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس ‪ ،‬امرهم ان يمنكوا له‬
‫المحبة " لئل يبتلع مثل هذا من الحزن المفروض " ) ‪ 2‬كو ‪… (7 : 52‬‬
‫وكان دسا ً للمدينه كلها في أن " يعزلوا الخبيث من وسطهم ") ‪ 1‬كو‬
‫‪. (13 :5‬‬
‫*******‬
‫سقوط إنسان في خطية ‪ ،‬تدعوه إلي الشفقة علي الذين‬
‫يسقطون ‪.‬‬
‫لنه قد أدرك بالخبرة ‪ ،‬قوة حروب الشياطين وسهوله السقوط في‬
‫الخطية التي " طرحت كثيرين جرحي ‪ ،‬وكل قتلها أقوياء ") أم ‪:7‬‬
‫‪ . (26‬و لذلك يقول القديس بولس " اذكروا المقيدين كأنكم مقيدون‬
‫معهم ‪ ،‬والمذلين كأنكم أنتم أيضا ً في الجسد " ) عب ‪. (3 :13‬‬
‫*******‬
‫و السقوط أيضا ً يكشف للنسان ذاته و ضعفه ‪.‬‬
‫وهذا يؤول إلي الخير ‪ ،‬إذ يجعله يكون أكثر حرصا ً وتدقيقا ً في‬
‫المستقبل ‪ ،‬ويبعد عن التهاون ‪ .‬كما أن اكتشاف ضعفه يعطية فرصه‬
‫للرد علي كل فكر كبرياء أو افتخار يحاربة فيما بعد ‪.‬‬
‫*******‬
‫لذلك عيشوا باستمرار في بشاشة وفرح‬
‫" أفرحوا في الرب كل حين " ) في ‪ . (4:4‬في كل ما يحدث لكم‬
‫قولوا ‪ :‬أننا تحت رعاية الله محب البشر ‪ ،‬الله الذي يحبنا أكثر مما‬
‫نحب أنفسنا ‪ ،‬والذي يعرف خيرنا أكثر مما نعرفه … الله الذي يسخر‬
‫جميع المور لكي تعمل من أجل خيرنا … الذي جعل قوانين الطبيعه‬
‫تعمل معا ً للخير ‪ ،‬و الذي خلق الحيوانات و الطيور و النباتات أيضا ً‬
‫لجل خيرنا ‪ .‬وخلق الهواء و الشمس و القمر و النجوم من اجلنا …‬
‫كلها تعمل معا ً للخير ‪ ،‬من أجل راحتنا و سعادتنا ‪.‬‬
‫*******‬
‫ً‬
‫فلنشكر الله الذي جعل كل الشياء تعمل معا للخير ‪ ،‬لجلنا ‪.‬‬
‫الله صانع الخيرات ‪ ،‬الذي قيل عن ملئكته " أليسوا جميعا ً أرواحا ً‬
‫خادمه ‪ ،‬مرسلة للخدمة لجل العتيدين أن يرثوا الخلص " ) عب ‪:1‬‬
‫‪ . (14‬ولجلنا أيضا ً عين الرب رتبا ً في الكنيسة " أعطي البعض أن‬
‫يكونوا رسل ً ‪ ،‬والبعض أنبياء ‪ ،‬والبعض مبشرين ‪ ،‬و البعض رعاة و‬
‫معلمين ‪ .‬لجل تكميل القديسين ‪ ،‬لعل الخدمه ‪ ،‬لبنيان جسد المسيح‬
‫" ) أف ‪. ( 12 ،11 :4‬‬
‫*******‬
‫عش سعيدا ً مهما حدث لك ‪ .‬قل ‪ :‬كله للخير ‪.‬‬
‫بهذا يكون إنسان الله خاليا ً من كل المراض النفسية ‪ .‬خاليا ً من‬
‫الكآبة ‪ ،‬والضطراب ‪ ،‬و الحزن السئ ‪ ،‬والتعقيد و اليأس ‪ ..‬بل‬
‫باستمرار يملك السلم علي قلبه ‪ ..‬السلم القائم علي اليمان بالله‬
‫وعمله …‬
‫*******‬
‫ولكن كل ذلك علي شروط واضح في الية ‪ ،‬وهو " كل الشياء تعمل‬
‫معا ً للخير ‪ ،‬للذين يحبون الرب " ) رو ‪. (28 :8‬‬
‫إذن الشرط هو ‪ :‬أن تكون ممن يحبون الرب ‪.‬‬
‫لن هناك أناسا ً ل تعمل الضيقات معهم للخير ‪ :‬بل ربما الضيقة‬
‫تسبب له ألوانا ً من التذمر و التعب و التجديف و اليأس ‪.‬‬
‫هناك اناس ل يحبون الرب المحبة التي تجعلهم يثقون به وبمواعيده‬
‫و بتدخله و بحلوله ‪ .‬ليس لديهم اليمان الكافي ‪ ،‬لذلك تعصرهم‬
‫الضيقة ‪ ،‬و تجعل نفوسهم متأزمة معقده ‪ ،‬تعيش في رعب‬
‫المشكلة ‪ ،‬وليس في حلها ‪.‬‬
‫*******‬
‫ليتنا بدل ً من أن ننظر إلي الحاضر المتعب الذي امامنببا ‪ ،‬ننظببر بعيببن‬
‫الرجاء إلي المستقبل المبهج الذى في يد الله‬
‫*******‬
‫كل مشكله تبدو معقده أمامنا ‪ ،‬لها عند الله حلول كثيرة ‪ .‬وكببل ببباب‬
‫مغلق ‪ ،‬له في يد الله مفتاح بل مفاتيح عديدة … هو الذي يفتببح‬
‫ول أحد يغلق ) رؤ ‪. (3:7‬‬
‫*******‬
‫الرجاء يمنع الخوف ‪ ،‬ويمنع القلق و الضطراب ‪ ،‬و يبعث الطمئنان ‪.‬‬
‫بل أننا نكون " فرحين في الرجاء " ) رو ‪. (12 :12‬‬
‫*******‬
‫ل ننظر إلي المتاعب مجردة ‪ ،‬بدون عمل الله ‪ ،‬الذي يقببدر أن يحببول‬
‫الشر إلي خير …‬
‫*******‬
‫الله قادر ان يحول كل مجريات المور ‪ ،‬في اتجاه مشيئته ‪.‬‬
‫*******‬
‫الذي ل يستطيعه الضعف البشري ‪ ،‬تقدر عليببه قببوة اللببه ‪ .‬و الببذي ل‬
‫تستطيعه حكمه الناس ‪ ،‬تقدرون عليه حكمه الله ‪.‬‬
‫*******‬
‫ثق أنك ليست وحدك ‪ .‬انت محاط بمعونة إلهية ‪.‬‬
‫وقوات سمائية تحيط بك ‪ ،‬وقديسون يشفعون فيك ‪.‬‬
‫من محاضرة ألقيت في الكاتدرائية يوم الربعاء ‪. 86 /15/10‬‬
‫كل إنسان في الدنيا له متاعبه الخاصة ‪،‬‬
‫سواء كانت متاعب ظاهرة للخرين ‪ ،‬أو مكتومة في القلب ‪ ،‬سواء‬
‫كانت متاعب روحية ‪ ،‬أو متاعب نفسية ‪ ،‬أو متاعب جسدية ‪ ،‬أو‬
‫متاعب عائلية اجتماعية ‪.‬‬
‫والسيد المسيح قد جاء من أجلي التعابي ‪.‬‬
‫جاء " يطلب ويخلص ما قد هلك " ) متي ‪ . ( 11 : 18‬جاء ليخلص‬
‫العالم من خطيئته كما قال اشعياء النبي " كلنا كغنم ضللنا ‪ .‬ملنا كل‬
‫واحد إلي طريقه و الرب وضع عليه إثم جميعنا ") اش ‪( 6 : 53‬‬
‫وأيضا ً جاء المسيح ليخلص العالم من آلمه ومتاعبه ‪ ،‬ولذا قال نفس‬
‫النبي " لكن أحزاننا حملها ‪ ،‬وأوجاعنا تحملها ) اش ‪ . ( 4 : 53‬وهو‬
‫أيضا ً قال " تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقيلي الحمال ‪ ،‬وأنا‬
‫أريحكم " ) متي ‪. ( 28 : 11‬‬
‫لماذا قال " يا ثقيلي الحمال ؟" ربما لن الذي حمله خفيف يحتمل ويسكت ‪ .‬أما‬
‫الذي حمله ثقيل ‪ ،‬فليس أمامه إل أن يقول ‪ :‬يارب ‪...‬‬
‫ً‬
‫المفروض أن نلجأ إلي الرب ‪ ،‬سواء كان الحمل ثقيل ً أو خفيفا ‪.‬‬
‫ولكن علي القل إذا كان النسان مضغوطا ً جدا ً من ثقل أحماله ‪،‬‬
‫فلن يجد أمامه سوي وعد الرب بأن يريحه ‪.‬‬
‫تعالوا ‪ ...‬وأنا أريحكم ‪ .‬إنها دعوة ووعد ‪.‬‬
‫دعوة من الله ‪ ،‬ووعد إلي عالم تعبان ‪ ،‬مثقل بمشاكل من كل نوع ‪:‬‬
‫مشاكل النشقاقات و الحروب ‪ ،‬ومشاكل السكان و التموين ‪،‬‬
‫ومشاكل الزواج و الطلق ‪ ،‬ومشاكل التطرف والرهاب ‪ ،‬ومشاكل‬
‫الفساد والدمان ‪ .‬وفي كل هذه المشاكل ‪ ،‬يقول الرب تعالوا إلي يا‬
‫جميع المتعبين ‪ ...‬وأنا أريحكم ‪.‬‬
‫*******‬
‫وهنا نجد صفة جميلة من صفات الرب ‪ ،‬وهو أنه مريح ‪.‬‬
‫مريح التعابي و الثقيلي الحمال ‪ ،‬كثيرون في متاعبهم يجلسون مع‬
‫آخرين فيزيدونهم تعبا ً علي تعبهم ‪ .‬وقد يلجأون إلي البعض ‪ ،‬فل‬
‫يجدون منهم سوي الهمال واللمبالة ‪ .‬لكن المسيح المريح ‪ ،‬كل من‬
‫يلجأ إليه تستريح ‪ .‬إنه دائما ً يعطي ‪ .‬يعطي الناس راحة وهدوا ً وعزاءا ً‬
‫‪ ،‬وسلما ً وطمأنينة في الداخل ‪ .‬ويرفع عن الناس أثقالهم ‪ ،‬ويحملها‬
‫بدل ً عنهم ويريحهم ‪ .‬وهكذا يفعل من لهم صورة الله ‪...‬‬
‫قال الرب ‪ :‬أدعني في يوم الضيق ‪ ،‬أنقذك فتمجدني ) مز ‪.( 15 : 50‬‬
‫البعض إذا أصابته ضيقة ‪ ،‬يظل يغلي باللم و الحزن داخل نفسه ‪.‬‬
‫أفكاره تتعبه ‪ ،‬ونفسيته تتعبه ‪ ،‬وربما اليأس يتعبه ‪ .‬وربما ل يجد‬
‫أمامه سوي الشكوى أو التذمر أو البكاء ‪ .‬وفي كل ذلك ل يفكر أن‬
‫يلجأ إلي الله ‪ ،‬ول أن يضع أمامه قول المزمور ‪:‬‬
‫" إلقي علي الرب همك ‪ .‬وهو يعولك ") مز ‪. ( 252 : 55‬‬
‫تعال إذن وكلم الرب عن متاعبك بكل صراحة ‪ ،‬سواء كانت تتعبك‬
‫معاملة الخرين أو ضغوطهم ‪ .‬أو ظلمهم أو قسوتهم ‪ ...‬أو كانت‬
‫تتعبك شكوك أو أفكار ‪ ،‬أو خطايا ‪ ،‬أو عادات مسيطرة عليك ‪ ،‬وتأكد‬
‫أن الرب يعرف متاعبك أكثر مما تعرفها أنت ويريد أن يخلصك منها‬
‫جميعًا‪ .‬فاطلبه في رجاء وثقة ‪ ،‬واضعا ً أمامك قول المزمور ‪:‬‬
‫" يستجيب لك الرب في يوم شدتك ‪ .‬ينصرك إسم إله يعقوب " )مز ‪( 1 : 20‬‬
‫وثق أن الكنيسة أيضا ً تصلي من أجلك ‪ ،‬حينما تقول في آخر صلة‬
‫الشكر " كل حسد وكل تجربة ‪ ،‬وكل فعل الشيطان ‪ ،‬ومؤامرة الناس‬
‫الشرار ‪ ،‬وقيام العداء الخفيين و الظاهرين انزعها عنا وعن سائر‬
‫شعبك "‪ ...‬كذلك تذكر كل متاعبك في صلوات القداس اللهي ‪.‬‬
‫*******‬
‫تأكد أيضا أن الضيقات ليست لونا ً من التخلي ‪.‬‬
‫فالله سمح أن رسله وقديسيه تصيبهم الشدائد ‪ ،‬ولكنه كان واقفا ً‬
‫إلي جوارهم يريحهم ‪ . .‬وهكذا قال القديس بولس الرسول عن‬
‫نفسه وعن زملئه في الخدمة " مكتئبين في كل شي ‪ ،‬لزكن غير‬
‫متضايقين ‪ .‬متحيرين لكن غير يائيسين ‪ ،‬مضطهدين لكن غير‬
‫متروكين ‪ 2 ) "...‬كو ‪. ( 9 ، 8‬‬
‫ً‬
‫نعم ‪ ،‬ما أكثر متاعب الناس ‪ ...‬و المسيح مستعد أن يريحهم جميعا ‪.‬‬
‫هناك شخص يتعبه الخرون ‪ .‬وهناك من تتعبه نفسه ‪ .‬كإنسان مغلوب‬
‫من شهواته ‪ ،‬أو مغلوب من طباعه ‪ ،‬أو من عاداته ‪ .‬أو تعبان من‬
‫أفكاره و ضغطها عليه ويريد أن ينتصر علي نفسه ول تستطيع ‪...‬‬
‫هذا يستند علي قول الرب " تعالوا إلي يا جميع المتعبين ‪ ...‬وأنا‬
‫أريحكم "‬
‫وهناك إنسان تتعبه الخطية ول يستطيع فكاكا ً منها ‪...‬‬
‫كلما يتوب ‪ ،‬يرجع فيخطئ مرة أخري ‪ .‬ومهما اعترف بخطية ‪ ،‬يعود‬
‫إليها ويكرر اعترافاته ‪ .‬يضع لنفسه تداريب روحية ‪ ،‬ولكنه ل يثبت‬
‫فيها ‪ .‬يحاول أن يغصب نفسه علي حياة البر ‪ ،‬ومع ذلك فل يزال‬
‫يحيا في الخطية ‪ .‬خطيته هي هي منذ سنوات ‪ ،‬وطبعه الردئ هو‬
‫هو ‪ ،‬ول تحسن ! إنه مغلوب وساقط ‪ .‬تكاد الخطية أن تصبح طبيعة‬
‫له ‪ .‬وقد لجأ إلي الباء و المرشدين الروحيين ‪ ،‬وإلي القراءات‬
‫وأقوال الباء القديسين وسيرهم ‪ ،‬ول فائدة ‪ .‬هذا النسان ليس‬
‫أمامه سوي قول الرب ‪ " :‬تعالوا إلي يا جميع المتعبين و الثقلي‬
‫الحمال وأنا أريحكم "‪.‬‬
‫*******‬

‫لماذا تجعل الرب آخر من تلجأ إليه ‪ .‬ابدأ به حتي تصل ول تضل ‪.‬‬
‫هوذا الرب يعاتبنا قائل ً ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫" تركوني أن ينبوع المياة الحية ‪ .‬وحفروا لنفسهم آبارا ‪ ،‬آبارا مشققة ل تضبط‬
‫ماء " ) ار ‪. ( 13 : 2‬‬
‫نعم ‪ ،‬كثيرون يلجأون إلي الباء المشققة ‪ ،‬سواء من جهة الخرين أو‬
‫أنفسهم ‪ .‬يقع أحدهم في مشكلة ‪ .‬فيحاول أن يحلها بذكائه الخاص و‬
‫تفكيره ‪ ،‬بحيله و تدبيره ‪ .‬أو يلجأ إلي الخرين لكي يسندوه في‬
‫مشكلته ‪ .‬ول ينتفع من كل ذلك شيئا ً ‪ ،‬لنه لم يلق همه علي الله‬
‫وحده وهو يعوله ‪ .‬لم يطلب المسيح لكي يريحه ‪ .‬إنه يحاول العتماد‬
‫علي الذراع البشري ! ويتجاهل قول الرب " تعالوا إلي " ‪ ...‬لذلك‬
‫يفشل ويبقي في مشاكله بل حل ‪ .‬آخاب الملك اشتهي شهوة ‪.‬‬
‫أشتهي حقل نابوت اليزرعيلي ‪ .‬ولم يلجأ إلي الله ‪ ،‬بل لجأ إلي‬
‫إيزابل ‪ ،‬فضيعته ‪ .‬أسند رأسه المتعبة علي إيزابل فضاع ‪.‬‬
‫كذلك شمشون أسند رأسه المتعبة علي دليل ن فضاع !‬
‫ولم يحدث أن أحدا ً منهما وجد حل ً ‪ ...‬كذلك اليهود لما لجأوا إلي‬
‫فرعون ‪ ،‬لكي يخفف عنهم تعبهم ‪ ،‬لم يخففه ‪ ،‬بل أزاد أثقالهم ‪،‬‬
‫قائل ً لهم ‪ " :‬متكاسلون أنتم متكاسلون " ) خر ‪ .( 17 : 5‬ولما لجأ‬
‫الشعب إلي رحبعام ليخفف عنهم نير سليمان أبيه ‪ ،‬أجابهم " أبي‬
‫أدبكم بالسياط و أنا أؤدبكم بالعقارب ") ‪ 1‬مل ‪. ( 14 : 12‬‬
‫إن الذراع البشري ليس هو الذي ينقذ النسان ‪ .‬إنما الذي ينقذه هو الله ‪.‬‬
‫لذلك إرفع بصرك إلي الله وقل له " كل حملي سألقيه عليك ‪ ،‬ول‬
‫أعود أفكر فيه ثانية ‪ ،‬أنت الذي تحله ‪ ،‬لنك أنت حلل المشاكل‬
‫وليس غيرك ‪ .‬وكلما ألجأ إلي غير تزداد مشاكلي و تتعقد ‪...‬‬
‫*******‬
‫عجيب أن البعض يحاول مشاكله بخطايا !‬

‫هناك من يحاول أن يحل المشكلة بالكذب ‪ ،‬وأحيانا ً يقول إنه كذب‬


‫أبيض ! أو قد يلجأ إلي المكر وإلي الدهاء ‪ .‬بل قد يحاول في بعض‬
‫الوقات أن يحل مشكلته بالعنف أو قد يهرب من مشكلته بتعاطي‬
‫الخمر أو المخدرات لكي ينساها ‪ ،‬أو قد يلجأ إلي المسكنات و‬
‫المنومات ‪ ،‬أو إلي التدخين ‪ .‬وكل ذلك ل يحل مشكلته ‪ ،‬بل يضيف‬
‫إليها مشكلة أخري وأسوأ من ذلك يلجأ إلي السحرة و العرافين و‬
‫الدجالين ‪ .‬و البعض قد يحاول حل مشكلتة بالوهم وأحلم اليقظة ‪.‬‬
‫فيجلس و يتخيل أنه قد صار وصار ‪ ...‬وإذا ل يعجبه الواقع ‪ ،‬يحاول‬
‫علي القل أن يتلذذ بالخيال ! ويقول لنفسه ‪ :‬إن لم أنل النجاح ‪.‬‬
‫فعلي القل أحلم به ! وإن استيقظت من أحلمي ‪ ،‬أنام مرة أخري‬
‫لحلم بها ‪ !...‬ولكن احلم اليقظة ل تحل مشاكله التي تظل باقية ‪.‬‬
‫إنما يحلها قول الرب " تعالوا إلي وأنا أريحكم "‪.‬‬
‫*******‬

‫هناك أشخاص لم يكن لهم حل سوي الله ز مثال ذلك ‪ :‬الثلثة فتية ‪،‬‬
‫حينما ألقوا في أتون النار ‪ .‬ويونان النبي حينما كان في جوف‬
‫الحوت ‪ .‬ودانيال النبي حينما ألقوه في جب السود ‪ .‬حقا ً من كان‬
‫ينقذ كل هؤلء سوي الله وحده ؟ ! الذي أرسل ملكه فسد أفواه‬
‫السود ) دا ‪ ، ( 22 : 6‬وأمر الحوت فقذف يونان إلي البر ) يون ‪: 2‬‬
‫‪ . ( 10‬ولم يسمح للنار أن تؤذي الفتية ‪.‬‬
‫كذلك تدخلت يد الله في المشكلة الريوسية ‪...‬‬
‫لقد قامت الكنيسة كلها علي أريوس الهرطوقي ‪ .‬حرمه المجمع‬
‫المسكوني ‪ ،‬ورد عليه القديس أثناسيوس ‪ .‬ولكنه استمر يشكك‬
‫الناس في اليمان ‪ ،‬ويلجأ إلي سلطة المبراطور لحمايته فأمر‬
‫بإرجاعه ‪ .‬و التفت الرب إلي الكنيسة قائل ً ‪ " :‬تعالوا إلي وأنا أريحكم‬
‫" ‪ .‬وأقيمت الصلوات ‪ ،‬فانسكبت أحشاء أريوس ‪ ،‬ومات ‪...‬‬
‫كذلك فعل الله مع جيش سنحاريب ‪ ،‬ومع فرسان فرعون ‪.‬‬
‫حزقيا ً الملك مزق ثيابه وتغطي بمسح ‪ ،‬ودخل بيت الرب ‪ ،‬ملقيا همه‬
‫ً‬
‫عليه فخرج ملك الرب وضرب من جيش أشور ‪ 185‬ألفا ً ) ‪ 2‬مل ‪: 19‬‬
‫‪ . ( 35 ، 1‬وأغرق الرب فرعون وفرسانه في البحر الحمر ‪ .‬ذلك لن‬
‫موسي النبي قال للشعب " قفوا وانظروا خلص الرب ‪ ..‬الرب يقاتل‬
‫عنكم وأنتم تصمتون ") خر ‪. ( 14 ، 13 : 14‬‬
‫*******‬
‫حقا ً ‪ :‬حينما تفشل جميع الحلول ‪ ،‬يبدو حل الله واضحا ً ‪ .‬و الرب يقاتل عنكم وأنتم‬
‫تصمتون ‪.‬‬
‫إنه أمين في قوله " أنا أريحكم " ‪ .‬ما أجمل الترتيلة التي تقول " لما‬
‫أكون تعبان أروح لمين غيرك "‪ ...‬بنفس الوضع أراح الرب الكنيسة‬
‫من ديوقلديانوس الذي سفك دماء آلف الشهداء بل دماء مدن‬
‫بأسرها ‪ ،‬كشهداء أخميم وشهداء إسنا ‪ .‬وأرواحنا الله من دقلديانوس‬
‫‪ ،‬وجاء قسطنطين بمرسوم ميلن للتسامح الديني ‪ ...‬وأرواح الله‬
‫الكنيسة من اضطهاد شاول الطرسوسي لها ‪ .‬وحوله بنعمته إلي‬
‫أقوي كارز بالمسيحية فصار بولس ‪ .‬ول ننسي أيضا ً كيف أراح الله‬
‫داود النبي من شاول الملك الذي كان يطارده من برية إلي أخري ‪...‬‬
‫*******‬
‫إن حلول الله هي أقوي الحلول وانجح الحلول ‪ .‬فعلينا أن نلجأ إليها ونتمسك بها ‪.‬‬
‫يعقوب أبو الباء ‪ ،‬كان خائفا ً من أخية عيسو ‪ ،‬وعاجزا ً عن ملقاته ‪،‬‬
‫ولكنه عندما تمسك بالرب وقال له " ل أتركك حتي تباركني " ) تك‬
‫‪ " ، ( 26 : 32‬نجني من يد أخي ‪ ،‬من يد عيسو ‪ ،‬لني خائف منه أن‬
‫يأتي ويضربني ‪ ،‬الم مع البنين ) تك ‪ ... ( 11 : 32‬حينئذ ركض عيسو‬
‫للقائه وعانقه وقبله باكيا ً ) تك ‪ 33‬ك ‪. ( 4‬‬
‫وأنت إن استطعت أن تغلب في صراعك مع الله – كيعقوب – لبد سيريحك من‬
‫كل متاعبك ‪.‬‬
‫ً‬
‫لقد تعب سمعان بطرس الليل كله ولم يصطد شيئا ‪ .‬ولكنه لما تلقي‬
‫مع الرب وعلي كلمته ألقي الشبكة ‪ ،‬حينئذ اصطاد سمكا ً كثيرا ً حتي‬
‫كادت الشبكة تتخرق ) لو ‪ . ( 6 – 4 : 5‬و المرأة الخاطئة حينما‬
‫أمسكت بقدمي المسيح وبللتهما بدموعها ‪ ،‬أمكنها أن تتخلص من‬
‫خطاياها ‪ ،‬وتنال المغفرة ‪ .‬وما كان ممكنا ً ‪ ،‬لول ذهابها إليه ‪.‬‬
‫المهم أن تأتي إلي الله ولكن كيف تأتي ؟‪.‬‬

‫‪ -1‬تأتي بقلب منسحق ‪ ،‬مثلما أتي البن الضال ‪:‬‬


‫إنه كان في الكورة البعيدة يعيش في تعب ‪ .‬ثم فكر أن يأتي إلي أبيه‬
‫ليستريح فإتي إليه بقلب منسحق يقول ‪ " :‬أخطأت إلي السموات‬
‫وقدامك ‪ ،‬ولست مستحقا ً أن أدعي لك إبنا ً ") لو ‪ . ( 21 : 15‬وبهذا‬
‫النسحاق قلبه أبوه ‪ ،‬وأقام له وليمه فرح وألبسه الحلة الولي ‪،‬‬
‫وجعل خاتما ً في يده ‪ ...‬بينما أخوه الكبر خسر الموقف ‪ ،‬لنه رفض‬
‫أن يأتي ‪ ،‬وتكلم مع أبيه بكبرياء قلب ‪.‬‬
‫ل تأت إلي الله متكبرا ً ‪ ،‬تقول له ‪ :‬لماذا تتركني و تضطهدني ‪.‬‬
‫ول تنسب إلي الله كل أسباب مشاكلك ‪ ،‬غير معتقد أنك أنت السبب ‪،‬‬
‫بل تنسب السبب إلي تخلي الله عنك !! إنما تعال إليه منسحقا ً ‪ ،‬لكي‬
‫تصطلح معه ‪ .‬وكما قال أحد الباء ‪:‬‬
‫اصطلح مع الله ‪ ،‬تصطلح معك السماء و الرض ‪.‬‬
‫إذن ل تأت إليه فقط لكي يريحك من أتعابك و يحل لك مشاكلك ‪ ،‬إنما‬
‫تعال أول ً لكي تصطلح معه ‪ .‬فربما يكون السبب الصلي في مشاكلك‬
‫‪ ،‬أنك في خصومة مع الله وإن طرقك ل ترضيه ‪ ...‬ويقول لك الله ‪:‬‬
‫أنا مستعد أن أريحك ‪ ،‬إنما المهم أن تترك الطريق الخاطئ الذي‬
‫تسير فيه ‪ .‬وكما يقول ‪:‬‬
‫ارجعوا إلي ‪ ،‬أرجع إليكم ‪ ،‬قال رب الجنود ) مل ‪. ( 7 : 3‬‬
‫*******‬
‫‪ -2‬إذن تعال إليه تائبا ً ‪ ،‬لكي تصطلح معه ‪.‬‬
‫وحينما تصطلح مع الله ‪ .‬تجد الدنيا كلها قد اصطلحت معك ‪ ،‬ويعطيك‬
‫الرب سلما ً وراحه في قلبك ‪ .‬يعطيك هدواءا ً داخليا ً ‪ ،‬وثقة وطمأنينه‬
‫‪ .‬وغالبا ً ما يكون سبب تعب النسان ‪ ،‬هو شئ في داخله يتعبه ‪ .‬هنا‬
‫يعجبني قول القديس يوحنا ذهبي الفم ‪:‬‬
‫ل يستطيع أحد أن يضر إنسانا ً ما لم يضر هذا النسان نفسه ‪.‬‬
‫فمن الجائز أن يكون سبب متاعبك ‪ ،‬هو أنك تضر نفسك ‪ ،‬فإذا ما‬
‫اصطلحت مع الله وأتيت إليه تائبا ً ‪ ،‬ستتخلص من ضررك لنفسك ‪،‬‬
‫وتكون راحتك سهله وممكنه ‪.‬‬
‫*******‬
‫‪ -3‬كذلك ينبغي أن تأتي إلي الله ‪ ،‬باليمان ‪ ،‬وبالصلة ‪.‬‬
‫كثيرون يأتون إلي الله ‪ ،‬ولكن ليس عندهم إيمان أن الله سيحل‬
‫مشاكلهم ! ويصلون وهم ل يحسون إن الصلة ستكون لها نتيجة ‪.‬‬
‫وهكذا يستمرون في تعبهم بسبب عدم إيمانهم ‪ ،‬وبسبب فقدانهم‬
‫للرجاء و الثقة بالله ‪.‬‬
‫لقد قال السيد المسيح للمرأة الخاطئة التائبة " إيمانك خلصك ‪،‬‬
‫فاذهبي بسلم ) لو ‪ ( 50 : 7‬وقال للبرص الذي شفي " قم‬
‫وأمض ‪ ...‬إيمانك خلصك ") لو ‪ . ( 19 : 17‬وقال للعمي المستعطي‬
‫في أريحا " أبصر إيمانك قد شفاك ") لو ‪ ( 42 : 18‬وقال للعميين "‬
‫بحسب إيمانكما ‪ .‬لذلك تعال إليه بإيمان ‪ ،‬واثقا ً أنه سيريحك ‪ ،‬وحينئذ‬
‫ستستريح ‪...‬‬
‫*******‬

‫‪ -4‬تعال إليه أيضا ً ‪ ،‬وأنت تحمل نيره عليك ‪.‬‬


‫فهو الذي قال " احملوا نير عليكم ‪ ،‬وتعلموا مني فإني وديع‬
‫ومتواضع القلب ‪ ،‬فتجدوا راحة لنفوسكم ") متي ‪ . ( 29 : 11‬إذن‬
‫احمل صليبك واتبعه ‪ .‬وحينما تأتي إليه في مشاكلك ‪ ،‬ل تأت متذمرا ً‬
‫متضجرا ً ‪ ،‬بل تعال في حياة التسليم ‪ ،‬خاضعا ً لمشيئته ‪ ،‬متذكرا ً قول‬
‫الرسول ‪:‬‬
‫" واحسبوه كل فرح يا أخوتي ‪ ،‬حينما تقعون في تجارب منتوعة ") يع ‪. ( 2 : 1‬‬
‫بهذا ل يضغط عليك التعب ‪ ،‬لن قلبك سليم من الداخل ‪ .‬لم تستطيع‬
‫المتاعب التي في الخارج أن تتعب القلب من الداخل مملوء بالسلم‬
‫و الطمأنينة و بالفرح ‪ ،‬حتي في وسط الضيقات ‪ ....‬فإن لم يكن لك‬
‫هذا الشعور ‪ ،‬أطلبه من الله ‪.‬‬
‫وهو الذي يهبك السلم ‪ ،‬لنه هو الذي قال " سلمي أترك لكم ‪،‬‬
‫سلمي أنا أعطيكم ") يو ‪27 : 14‬‬
‫( ‪ .‬أن من ثمار الروح " محبة و فرح وسلم ) غل ‪ . ( 22 : 5‬فإن‬
‫كانت لك ثمار الروح هذه ‪ ،‬ستحيا دائما ً مستريحا ً ‪.‬‬
‫‪ -5‬أدخل إذن في شركة الروح القدس ‪ ،‬ولتكن لك ثمار الروح ‪ ،‬وتعال إلي الله‬
‫هكذا ‪ ،‬تجد راحه لنفسك ‪.‬‬
‫قد يفقد النسان رجاءه في الخلص ‪ ،‬لن أعداءه قد اعتزوا أكثر‬
‫منه ‪ ،‬ول قدرة له علي مقاومتهم ‪ ،‬سواء في ذلك أكانوا أعداءه‬
‫الروحيين ‪ ،‬أو مضايقيه في هذا العالم ‪ .‬وهو خلل ذلك يصرخ " إن‬
‫الغرباء قد قاموا علي ‪ ،‬والقوياء طلبوا نفسي ‪ ،‬ولم يسبقوا أن‬
‫يجعلوا الله أمامهم ") مز ‪ " ( 53‬ضاع المهرب مني ‪ ،‬وليس من يسأل‬
‫عن نفسي " ) مز ‪ . ( 141‬أو قد يفقد خاطئ رجاءه في التوبة ‪ ،‬لنه‬
‫ل يقدر علي الوصول إليها ‪ ،‬أو بالكثر ل يريدها ‪ !..‬ولكننا نقول لكل‬
‫واحد من هؤلء و أمثالهم ‪:‬‬
‫ل تفقد رجاءك ‪ .‬فإن الله يهتم بخلصك أكثر مما تهتم أنت ‪ ...‬بل هو الذي يسعي‬
‫لخلصك ‪ .‬وهذا هو اسلوب الله منذ البدء ‪...‬‬
‫*******‬
‫بدأ قصة الخلص منذ أيام أبوينا الولين آدم وحواء ‪ .‬لقد سقط‬
‫ً‬
‫الثنان في الخطية ‪ ،‬واستحقا حكم الموت ‪ .‬وكان الخلص لزما لهما‬
‫جدا ً ‪ .‬ومع ذلك نري أن الله نفسه هو الذي سعي لكي يخلصهما ‪...‬‬
‫ل آدم طلب الخلص ‪ .‬ول حواء ‪ ،‬بل هربا كلهما من وجه الله ‪ ،‬واختفيا خلف‬
‫الشجار ‪!..‬‬
‫ما كان الهروب وسيلة عمليه تؤدي إلي الخلص ‪ .‬ولكن الخلص لم‬
‫يكن يشغلهما في ذلك الحين ‪ .‬وكل ما كان يشغلهما هو الخوف و‬
‫الخجل ‪ . .‬ما سمعنا قط أن آدم قال لله ‪ :‬يارب اغفر ‪ ،‬يارب سامح ‪.‬‬
‫أخطأت إليك ‪ ،‬فامح ذنبي ‪ ...‬ول حواء قالت شيئا ً من هذا ‪ ...‬ولعل‬
‫هذه اللفاظ لم تكن في قاموسهما الروحي في ذلك الحين ‪ ...‬وفيما‬
‫هما ل يبحثان عن خلص نفسيهما ‪ ،‬كان الله يبحث عنهما ‪..‬كان ينادي في‬
‫الجنه " يا آدم ‪ ،‬أين أنت ؟" ) تك ‪ . ( 9 : 3‬كان الله هو الذي يفتش‬
‫عن آدم وحواء ‪ ،‬وهو الذي يفتح الموضوع ‪ ،‬ويستدرجهما إلي الكلم‬
‫ويشرح لهما ما وقعا ً فيه من خطأ ‪ ،‬وما يستحقانه من عقوبة ‪ .‬ثم‬
‫يقدم لهما أول وعد بالخلص ‪ ،‬وهو أن نسل المرأة سوف يسحق‬
‫رأس الحية ) تك ‪. ( 15 : 3‬‬
‫*******‬
‫صدقوني ‪ ،‬لو أن الله ترك النسان إلي حريته وحده ‪ ،‬أو إلي قدرته وحده ‪ ....‬ما‬
‫خلص أحد علي الطلق ‪!...‬‬
‫ولكن الله هو الذي يسعى وراء خلص الكل ‪ ...‬كما أعطانا مثل ً عن‬
‫سعيه وراء الخروف الضال ‪ ،‬ووراء الدرهم المفقود ) لو ‪. ( 15‬‬
‫*******‬
‫كان الخروف سائًر في ضلله ‪ ،‬ل يدري أين هو ‪ ،‬وربما ل يدري ما هو‬
‫فيه وفيما هو كذلك كان الراعي الصالح مهتما ً بخلصه ‪ .‬الراعي هو‬
‫الذي اكتشف ضياع هذا الخروف ‪ ،‬وهو الذي بحث عنه وفتش ‪ ،‬وجرى‬
‫وراءه في الجبال والوديان إلي أن وجده ‪ .‬لعلها كانت مفاجأة له ‪،‬‬
‫حينما وجد راعيه أمامه ‪ ،‬يأخذه في حنان ‪ ،‬ويحمله علي منكبية‬
‫فرحا ً ‪ .‬حقا ً ما أجمل قول الوحي اللهي عن الرب كراع ‪:‬‬
‫" أنا أرعي غنمي وأربضها – يقول السيد الرب – وأطلب الضال ‪ ،‬واسترد‬
‫المطرود ‪ ،‬وأجبر الكسير ‪ ،‬وأعصب الجريح ‪ )"...‬حز ‪. ( 16 ، 15 : 34‬‬
‫هو الذي يطلب ويسترد ‪ ،‬وهو الذي يجبر و يعصب ‪ .‬العمل ‪ ،‬وليس‬
‫عملنا نحن ‪ ...‬أليس هذا أمرا ً يبعث الرجاء في النفس ؟‬
‫*******‬
‫وفي مثال الدرهم المفقود ‪ ،‬نري نفس الوضع ‪ ،‬وبأسلوب أعمق ‪:‬‬
‫الدرهم ل يملك حياة ‪ ،‬ول عقل ً ول فكرا ً ول إرادة ‪ ...‬ول يدري إلي‬
‫إين هم قد تدحرج ‪ ،‬وأين استقر به المر ‪ .‬وإيضا ً ل يعرف كيف يرجع‬
‫إلي كيس صاحبه أ جيبه ‪...‬وقد كان الدرهم المفقود رمزا ً إلي كثيرين من‬
‫نوعه ‪...‬‬
‫كان رمزا ً لكثيرين ممن ل حياة لهم ول إرادة ‪ ...‬وكان رمزا ً أيضا ً‬
‫للضآلة ‪ ...‬فلو أن الرملة كانت فقدت مائه جنيها ً ذهبا ً ‪ ،‬لكان من‬
‫المعقول أن تبحث عنها وتفتش أما مجرد درهم واحد ينال منها كل‬
‫ذلك الهتمام ‪ ،‬فهو أمر يدعو إلي التأمل ‪ ،‬ويضع أمامنا عمقا ً في‬
‫الرجاء وهو ‪:‬‬
‫ً‬
‫إن الله يبحث عن خلصك ‪ ،‬مهما بدا قدرك ضئيل ! لقد ضرب الله لنا مثل الدرهم‬
‫لنعرف قيمة النفس عنده ‪.‬‬
‫لنه قد يسأل بعضهم ما قيمة هذا الدرهم الضئيل ‪ ،‬حتي يصير هذا‬
‫البحث الجاد عنه ‪ ،‬وهذا الفرح وهذه الوليمة عند العثور عليه ؟! ‪ .‬إن‬
‫كل هذا رمز لهتمام الرب بالنفس الواحده ‪ ،‬مهما كانت تبدو ضئيلة‬
‫الشأن ‪ .‬ويعبر المثل عن سعي الله لخلصنا حتي لو لم نسع نحن ‪،‬‬
‫وفرحة بخلصنا وفرح الملئكة أيضا ً ‪ .‬ألست أنت عند الله أفضل من‬
‫درهم واحد مفقود ؟!‬
‫*******‬
‫ثق أن نفسك ثمينة في نظرة الله إليها ‪ ،‬مهما كانت تبدو ضئيلة في‬
‫نظر الناس ‪ ،‬او في نظرك أنت ‪ ...‬مثل المرأة السامرية التي سعي‬
‫الرب لخلصها ‪ ،‬وهي محتقرة في نظر الناس ‪ ...‬ومثل زكا العشار‬
‫الذي ذهب الرب إلي بيته ‪ ،‬وهو في نظر الكل رجل خاطئ ل يستحق‬
‫) لو ‪. ( 7 : 19‬‬
‫*******‬
‫حقا ً أن الرب يسعي لخلصنا ‪ ،‬ويفرح بذلك جدا ‪...‬‬
‫ً‬
‫كما أخذ الخروف الضال ‪" ،‬وحمله علي منكبيه فرحا ً ") لو ‪، ( 5 : 15‬‬
‫وكما قال إنه " يكون فرح في السماء بخاطئ وحد يتوب ") لو ‪7 : 15‬‬
‫( ‪ ،‬وكما فرح برجوع البن الضال ‪ ،‬وذبح له العجل المسمن ‪ ،‬وكما‬
‫فرح بالعثور علي الدرهم المفقود ) لو ‪ . ( 9 ، 23 : 15‬إنه يسعي‬
‫لخلصنا أكثر مما نفتش نحن عن ابديتنا ‪ .‬وما أجمل ما قاله الرسول‬
‫عنه إنه ‪ :‬يريد أن الجميع يخلصون ‪ ،‬وإلي معرفة الحق يقبلون ") ‪ 1‬تي ‪.( 4 :2‬‬
‫وقيل عنه أيضا ً إنه ل يشاء موت الخاطئ ‪ ،‬بل أن يرجع ويحيا ) حز‬
‫‪ . ( 23 : 18‬ونقول عنه في آخر كل صلة من صلوات الجبية ‪" :‬‬
‫الداعي الكل إلي الخلص من أجل الموعد بالخيرات المنتظرة "‪...‬‬
‫*******‬
‫إن عمل الله ليس فقط أن يفرح بتسبيح السارافيم ‪ ،‬أو بنقاوة الملئكة ن أو‬
‫بكرازة الرعاه ‪ ،‬أو بجهاد القديسين ‪ ،‬إنما هو يفرح بخاطئ واحد يتوب أكثر من‬
‫تسعة وتسعين بارا ً ل يحتاجون إلي توبة ) لو ‪. ( 7 : 15‬‬
‫ل تفقد الرجاء إذن مهما ضللك ‪ ،‬لنه هناك درجة أبشع كثيرا ً من‬
‫الضلل قد جاء الرب لخلصها ‪ ،‬كما قال عن نفسه إنه ‪:‬‬
‫" جاء يطلب ويخلص ما قد هلك ") لو ‪. ( 1 : 19‬‬
‫يخلص من ؟ ليس مجرد الضعيف أو الخاطئ أو المتواني أو‬
‫المريض ‪ ...‬وإنما " ما قد هلك " ‪ ! ...‬ليس فقط من هو في طريق‬
‫الهلك ‪،‬إنما ما قد هلك !! ‪ ...‬أي رجاء أعظم من هذا أن الرب " جاء‬
‫يطلب ويخلص ما قد هلك " ‪ ...‬ولم يقل " ويخلص الطالبين ‪"...‬‬
‫إنما هو الذي يطلب ‪ ....‬الذي يسعي لخلص كل أحد ‪...‬‬
‫إذن حتي الذي هلك ‪ ،‬مازال له رجاء في الخلص !‬
‫نعم بل شك ‪ .‬إن المسيح قد جاء ليخلص هذا الهالك وأمثاله ‪ .‬جاء‬
‫يخلص الموتي بالخطايا )أف ‪ . ( 5 : 2‬نعم بل شك ‪ .‬أن المسيح قد‬
‫جاء ليخلص هذا الهالك وأمثاله ‪ . .‬جاء يخلص الموتي بالخطايا ) أف ‪2‬‬
‫‪ . ( 5 :‬ل يقل أحد إذن ‪ ،‬مهما حدث منه ‪ ،‬ومهما حدث له ‪ :‬أنا‬
‫انتهيت ‪ ،‬أنا ضعت وليست هناك فائدة مني ‪ ،‬ول وسيلة لخلصي ‪!...‬‬
‫اطمأن فحتي إن كنت قد هلكت فعل ً ‪ ،‬فاعلم أن باب الخلص ل يزال‬
‫مفتوحا ً أمامك ‪ ،‬والرب قد جاء يطلب ويخلص ما قد هلك ‪....‬‬
‫وهب الله رجاء للمجدلية التي كان عليها سبعة شياطين ‪.‬‬
‫وعندما قام من الموات ‪ ،‬يقول مرقس النجيلي إنه " ظهر أول ً‬
‫لمريم المجدلية التي كان قد أخرج منها سبعة شياطين ") مر ‪: 16‬‬
‫‪ . ( 9‬ولما أراد أن يبشر رسله القديسين بقيامته ‪ ،‬اختار هذه بالذات‬
‫لكي تبشرهم !! ونحن ل ندري هل كان عليها سبعة شياطين فقط‬
‫أم رقم سبعة هنا له معني رمزي يدل علي عدد كبير من‬
‫الشياطين !! ولكن ماضي المجدلية قد نسي ‪ ،‬وقد أصبحت مبشرة‬
‫للرسل ! يا للعجب ! أليس هناك رجاء لك من خلل قصة هذه المرأة‬
‫العجيبة ؟!‬
‫*******‬
‫حقا ً أنظروا ل تحتقروا أحد هؤلء الصغار ) متي ‪. ( 10 : 18‬‬
‫سواء الصغار في سنهم ‪ ،‬أو في روحياتهم ‪ ،‬أو في نوعيتهم ‪ ،‬أو‬
‫أصحاب الماضي الويل الثيم ‪ .‬ل تحتقروا لحدا ً ‪ .‬ول تصغر نفس أحد‬
‫إن كان واحدا ً من هؤلء ول يفقد رجاءه‬
‫صدقوني ‪ ،‬أن الله في اليوم الخير سيرتبنا ترتيبا ً آخر غير الذي نحن عليه الن ‪...‬‬
‫ترتيبنا في العالم الحاضر هو حسب السن أو المركز أو الدرجة ‪ ،‬أو‬
‫المواهب و القدرات ‪ ...‬أما في البدية فسيكون حسب القلب الذي‬
‫يعرفه الله ‪ .‬وربما كثير من الصغار هنا ‪ ،‬ومن المزدري وغير الموجود‬
‫‪ ،‬يسبقون أصحاب الدرجات و الواهب وأصحاب المناصب و‬
‫الرئاسات ‪ .‬فل تحتقروا إذن أحد هؤلء الصغار ‪.‬‬
‫*******‬
‫ولما أراد الله خلص اريحا ‪ ،‬اختار راحاب الزانية ) يش ‪ . ( 2‬ودخلت راحاب‬
‫في شعب الله ‪ ،‬كما دخلت في سلسلة النساب ) متي ‪ ( 1‬وصارت‬
‫قديسة ‪ ،‬ونسي لهال ماضيها ‪ .‬وصارت صورة حية للرجاء لكل من‬
‫يتذكرها ‪ .‬ولعلك تسأل ‪ :‬ما معني اهتمام الله بامرأة زانية ‪ ،‬وبأخري‬
‫كان عليها سبعه شياطين ؟! أقول لك إنه نفس اهتمامه بالشياء‬
‫الصغيرة ‪ ،‬بالمزدري وغير الموجود ) ‪ 1‬كو ‪. ( 28 : 1‬‬
‫إن قصة " المدوسة بدمها " في سفر حزقيال ‪ ،‬تعطي رجاء للكل ‪...‬‬
‫قال عنها الكتاب إنها كانت عريانة وعارية ‪ ،‬ومطروحة علي الحقل‬
‫بكراهة نفسها ‪ ،‬وأنها كانت مدوسة بدمها ‪ ...‬فهل تركها الله هكذا ؟‬
‫كل ‪ ،‬إنه يقول لها وهي في هذه الحالة السيئة ‪:‬‬
‫" مررت بك ورأيتك ‪ ،‬وإذن زمنك زمن الحب "‬
‫أي حب يارب لهذه المكروهة ‪ ،‬العارية من كل فضيلة ‪ ،‬المطروحة‬
‫علي الحقل ؟! نعم إن الله أحبنا ونحن خطاة ‪ ،‬ولهذا بذل نفسه عنا ‪،‬‬
‫ومات لجلنا ‪ ،‬البار من أجل الثمة ‪ .‬وماذا عن هذه الثيمة الخاطئة ؟‬
‫يقول لها " مررت بك " ‪ ،‬وليست هي التي ذهبت إليه ‪ .‬وماذا أيضا ً ؟‬
‫يقول ‪:‬‬
‫" فبسطت ذيلي عليك ‪ ،‬وسترت عورتك "‪ .‬غطي الخطية ولم يحتقر‬
‫صاحبتها ‪...‬‬
‫*******‬
‫" ودخلت معك في عهد ‪ ،‬يقول السيد الرب ‪ ،‬صرت لي "‪...‬‬
‫وفي هذا العهد ‪ ،‬منحها الرب الكثير من نعمة الروحية ‪ .‬يقول ‪" :‬‬
‫فحممتك بالماء " يعني المعمودية ‪ ،‬حيث غسلها من كل خطاياها "‬
‫ومسحتك بالزيت " يعني الميرون ‪ ،‬فنالت المسحة المقدسة ‪ ،‬مسحة‬
‫الروح القدس ‪ ".‬وألبستك مطرزة ‪ ،‬وكسوتك برا ً ") أي البر الجديد‬
‫الذي نالته ‪ .‬وماذا أيضا ً ؟ يقول ‪ ":‬وجملت جدا ً جدا ً ‪ ،‬فصلحت لمملكة‬
‫" أي للملكوت ‪.‬‬
‫" وخرج لك إسم في المم لجمالك ‪ ،‬لنه كان كامل ً ببهائي الذي طرحته عليك ‪،‬‬
‫يقول السيد الرب ") حز ‪.( 14 : 16‬‬
‫عجيب حقا ً هو الله الحنون هذا ‪ ،‬الذي يطرح بهاءه علي هذه‬
‫المدوسة بدمها المكروهة ‪ ،‬فتصير كامله الجمال ‪ ،‬وتصلح لمملكة‬
‫وتدخل في عهد مع الله ‪ ،‬وتنال من كل نعمة ‪ ،‬بل يقول لها ‪ ":‬وتاج‬
‫جمال علي رأسك ") حز ‪ ( 12 : 16‬أليس كل هذا يعطينا درسا ً عجيبا‬
‫في الرجاء ‪...‬؟‬
‫ليس المهم ما نحن فيه ‪ ،‬إنما ما يصيرنا الرب إليه … وفي قصة هذه الخاطئة‬
‫‪ ،‬التي ترمز ل ورأشليم كلها ‪ ،‬كان الرب يعمل كل شئ ‪ .‬ولو تركها‬
‫لنفسها لضاعت ‪ ،‬واستمرت في عبادة الصنام ‪ .‬ولكن مناخس الرب‬
‫كانت تحرك الضمير باستمرار وتقوده إلي التوبة ‪ .‬ولعل هذا المر‬
‫يذكرنا أيضا ً بقصة شاول الطرسوسي ‪.‬‬

‫هل شاول الطرسوسي بحث عن المسيح ‪ ،‬أم بحث المسيح عنه ؟‬


‫كان شاول " " مجدفا ً ومضطهدا ً للكنيسة ومفتريا ً " كما قال عن‬
‫نفسه ) ‪ 1‬تي ‪ ( 13 : 1‬وكان يسطو علي الكنيسة ‪ ،‬وهو يدخل البيوت‬
‫ويجر رجال ً ونساء ويسلمهم إلي السجن ") أع ‪ . ( 3 : 8‬ولكن الله‬
‫كان يفكر في خلص شاول ‪ ،‬وفي استخدام مواهبة للخير ‪ ،‬فظهر له‬
‫في الطريق دمشق ‪ ،‬ودعاه ‪.‬‬
‫إن شاول لم يطلب اليمان ‪ .‬وفي يوم لقائه بالرب ‪ ،‬لم يكن شاول يرتب لهذا‬
‫اللقاء ولم يفكر فيه ‪ ،‬ول طرأ علي ذهنه ‪..‬‬
‫ولكن الله هو الذي سعي إلي شاول ‪ ،‬وطلبه وخلصه ودعاه ‪ .‬إن في‬
‫تحول شاول الطرسوسي مضطهد الكنيسة إلي أعظم رسول في‬
‫المسيحية ‪ ،‬وتعبه لجل الكلمة ‪ ،‬لهودرس عظيم في الرجاء أمام كل‬
‫من هم بعيدين عن الرب ‪ .‬لعل مثله اريانوس والي أنصنا ‪ ،‬أكثر ولة‬
‫مصر عنفا ً في قتل الشهداء وتعذيبهم ‪ ،‬وكيف أمكن أن يتحول هو‬
‫نفسه إلي شهيد … بعمل الرب فيه ولجله ‪..‬‬
‫في سعي الله لخلصنا ‪ ،‬نذكر أيضا ً قصة عذراء النشيد ‪.‬‬
‫*******‬

‫كانت نائمة ومسترخية ‪ ،‬وقد تعطرت وتطيبت ‪ ،‬خلعت ثيابها ‪،‬‬


‫وغسلت رجليهما ‪ ،‬ونامت ‪ .‬وصوت حبيبها يسعي إليها من بعيد "‬
‫ظافرا ً علي الجبال ‪ ،‬قافزا ً علي التلل يقول لها ‪ ":‬قومي يا حبيبتي‬
‫وجميلتي و تعالي ") نش ‪ . ( 10 : 2‬بل هو يقف علي بابها يقرع ‪" :‬‬
‫افتحي لي يا أختي ‪ ،‬يا حبيبتي يا حمامتي يا كاملتي ‪ ،‬لن رأسى قد‬
‫امتل من الطل ‪ ،‬وقصصي من ندي الليل ") نش ‪ …( 2 : 5‬أي سعي‬
‫من الرب أكثر من هذا ‪ ،‬وأي انتظار في الحاح علي طلب النفس ‪،‬‬
‫أكثر من رأسه تمتلئ من ندي الليل ‪ .‬إنه درس في الرجاء لكل نفس‬
‫نائمه ‪ ،‬ل تطلب الله ‪ ،‬بل تهتم بذاتها وراحتها …!‬
‫الله هو الواقف علي الباب ‪ ،‬وهو الذي يقرع …!‬
‫وهو الي يقول في كل حين " هانذا واقف علي الباب وأقرع ‪ .‬إن‬
‫سمع أحد صوتي وفتح الباب ‪ ،‬أدخل إليه معه وهو معي ") رؤ ‪: 3‬‬
‫‪ . ( 10‬إن الله الطيب الذي لم يتركنا حتي في تكاسلنا واهمالنا‬
‫وبعدنا عنه في حياة التراخي واللمبالة ‪ ،‬وإنما بلغ من فرط محبته‬
‫أنه ‪:‬‬
‫سعي حتى الي العشارين و الخطاة ‪ ،‬وجلس علي موائدهم ‪ ،‬ليجذبهم إليه !‬
‫إنه يسعي إلي كل هؤلء ‪ ،‬وينزل إليهم لكي يرفعهم إليه ‪ ،‬ويقول إن‬
‫هؤلء ‪ ،‬وينزل إليهم لكي يرفعهم إليه ‪ ،‬ويقول إن هؤلء أيضا ً أبناء‬
‫لبراهيم ) لو ‪ . ( 9 : 19‬بل إن من أجل اليات في هذا المجال ‪ ،‬هي‬
‫قوله عن نفسه إنه ‪:‬‬
‫" جاء يطلب ويخلص ما قد هلك ") لو ‪… ( 10 : 19‬‬
‫*******‬
‫وسعي الله لخلصنا ‪ ،‬ترمز إليه قصة الخليقة ‪:‬‬
‫تحكي لنا اليات الولي من سفر التكوين أن " الرض كانت خربة‬
‫وخاليه " وكانت مغمورة بالمياة " وعلي وجه الغمر ظلمة " ) تك ‪: 1‬‬
‫‪ . ( 2‬صورة كئيبة بل شك ‪ .‬ولكن الله لم يترك الرض الخربة هكذا ‪،‬‬
‫وإنما " كان روح الله يرف علي وجه المياة " ‪ .‬ثم قال الله ليكن نور‬
‫فكان نور ‪ ..‬وبدأ الله ينظم هذه الرض ‪ ،‬ويمنحها حياة وجمال ً ‪،‬‬
‫ويخلق فيها الشجار والزهار والطيار ‪ ،‬ووضع قوانين الفلك بما فيه‬
‫من شمس وقمر ‪ ،‬ونجوم وكواكب ‪ ..‬ثم خلق النسان ‪ .‬وصارت‬
‫الرض جميلة وعامرة بالحياة ‪..‬‬
‫وفي كل هذا يعطي الرب رجاء لكل أرض خربة تغمرها المياة ‪..‬‬
‫لتيأس مهما وصلت المياه إلي نفسك ‪ ،‬فروح الله يرف علي وجه‬
‫المياه ‪ .‬ول تيأس مهما غمرتك الظلمة ‪ ،‬فل بد سيأتي الوقت الذي‬
‫يقول فيه الله ‪ :‬ليكن نور ‪...‬‬
‫لذلك ليكن لك رجاء مادام الله يسعي بنفسه لخلصك ‪.‬‬
‫*******‬
‫إن البشرية عاجزة عن تخليص نفسها ‪ .‬وما ل تستطيع أن تفعله من أجل‬
‫خلصها ‪ ،‬يعمله الرب من أجلها …‬
‫أليست هذه هي قصة التجسد و الفداء في صميم مفهوما اللهوتي ‪:‬‬
‫الله بنفسه يسعي لخلص البشر ‪ ،‬ويقدم لهم الكفارة و الفداء ‪ .‬أو‬
‫ليس هو أيضا ً الذي أرسل النبياء و الرسل لهذا الغرض ‪ ،‬لكي ينادوا‬
‫داعين الجميع ‪ ":‬اصطلحوا مع الله ") ‪ 2‬كو ‪ . ( 20 : 5‬ومن أجل هذا‬
‫أيضا ً أرسل لنا الوحي اللهي في الكتب المقدسة القادرة أن تحكمنا‬
‫للخلص ) ‪ 2‬تي ‪. ( 15 : 3‬‬

‫أن زيارات النعمة ( تمر علي البيوت الجميع ‪ ،‬ولم تغفل أحدا ً ‪ ،‬بل كل‬
‫خاطئ كان له نصيب منها …! قيل عنه إنه كان يجول يصنع خيرا ً ) أع‬
‫‪ ( 38 : 10‬يفتش عن النفوس الضائعة ‪ ،‬مهما كانت حالتها تدعو إلي‬
‫اليأس ‪ .‬وهنا نقول قاعدة هامة وهي ‪:‬‬
‫إن الله ل ييأس مطلقا ً من خلص الناس ‪ ،‬مهما يئسواهم …‬
‫الله دائما ً يعمل ‪ ،‬ويعمل مع الكل ‪ .‬ليس فقط مع المريض روحيا ً ‪،‬‬
‫وإنما حتي مع الميت الذي قد أنتن ) يو ‪ ،( 39 : 11‬حتي مع اللص‬
‫في آخر ساعات حياته علي الرض ) لو ‪ ، ( 43 : 23‬حتي مع رئيس‬
‫العشارين ‪ ،‬زكا …! ومع السامرية التي عاشت مع خمسة ) أزواج (!!‬
‫) يو ‪.( 18 : 4‬‬
‫وهو يبحث عن هذه المرأة الضائعة ‪ ،‬ويجذبها إلي التوبه …‬
‫هو الذي ذهب إلي البئر حيث تستقي ‪ .‬وهو الذي دببر المقابله‬
‫بحكمته ‪ ،‬ورتب موعد اللقاء ‪ .‬وهو الذي جر الحديث معها ‪ ،‬وكلهما‬
‫عن الماء الحي ‪ ،‬وهو الذي فتح الموضوع وشجعها علي العتراف‬
‫وهو الذي نطق باعترافاتها الصعبة حتي ل تحرج ‪ ،‬وقبل منها مجرد‬
‫الموافقة ولم يبال في كل ذلك بأن اليهود ل يعاملون السامريين‬
‫") ‪ .‬ول بأن تلميذه " كانوا يتعجبون من أنه يتكلم مع إمرأة ") يو ‪: 4‬‬
‫‪. ( 27 ، 9‬‬
‫*******‬
‫حقا ً كما قال القديس يوحنا ذهبي الفم عن محبة الله ‪:‬‬
‫إن الله يجول ملتمسا ً لخلصنا ‪ ،‬ولو دمعة تسكبها … يأخذ هل الله – قبل أن‬
‫يخطفها شيطان المجد الباطل – ويجعلها سببا ً لخلصك … حقا ً أنه ل‬
‫يوجد أحن من قلب الله علينا … أحن منا علي أنفسنا ! إنه هو الذي‬
‫قال ‪ ":‬بسطت يدي طول النهار إلي شعب معاند ومقاوم ") رو ‪:10‬‬
‫‪ ، 21‬أش ‪ ( 2 : 65‬حتي إلي هذا الشعب المتمرد السائر وراء أفكاره ‪،‬‬
‫بسط الله يده ‪ ،‬طالبا ً خلصه …! ولعل هذا يذكرنا بمثل الزارع ‪.‬‬
‫*******‬
‫لقد ققبل الرب دموع المرأة الخاطئة ‪ ،‬وقال لها مغفورة لك‬
‫خطاياك ‪ .‬وقال للمتكئين إن خطاياها الكثيرة قد غفرت لها لنها‬
‫أحبت كثيرا ً ‪ .‬وشرح كيف أنها كانت أفضل من الفرسي …‬
‫هذه الدموع أمام الله محت كل الماضي الثيم الذي للمرأة ‪.‬‬
‫لم يذكر لها كل خطاياها القديمة ‪ ،‬أمام هذا النسحاق الحاضر ‪ .‬حقا ً‬
‫ما اجمل قول الرب عن خطايانا " ل أعود أذكرها "‬

‫الله شبه نفسه بزارع يلقي بذراه في كل أرض …‬


‫لقد ألقي بذاره علي الرض الجيدة في كل مستوياتها ‪ ،‬التي تنتج‬
‫ثلثين كالتي تنتج ستين كالتي تنتج مائه ‪ .‬الكل سعي الرب لتزويده‬
‫بعمل نعمته ‪ ،‬بتوصيل كلمه الخلص إليه … ولكن ماذا عن الرض‬
‫المتحجرة ‪ ،‬والرض المحاطة بالشواك ؟ كل منها أيضا ً زارته النعمة ‪.‬‬
‫ولكن " من له أذنان للسمع فليسمع ") متي ‪…( 9 : 13‬‬
‫الله يسعي لخلص الكل ‪ .‬ل يمنع كلمته المحيية عن أحد …‬
‫حتي الطريق ‪ ،‬وصلته بذار من الرب ‪ ،‬وكذلك الرض التي لم يكن لها‬
‫عمق ‪ .‬فإن كان الله قد عمل في كل هؤلء … فليكن لك رجاء إن‬
‫الله سيعمل فيك أنت أيضا ً ‪ ،‬لكي تثمر ‪ .‬وإن لم تثمر ‪ ،‬هو " ينقب‬
‫حولك ويضع زبل ً ") لو ‪ ..( 8 : 13‬هنا ونقول ‪ :‬ما أجمل تلك العبارات‬
‫المعزية التي نصليها في القداس الغريغوري " لم تدعني معوزا ً شيئا ً‬
‫من أعمال كرامتك ‪ .‬ربطتني بكل الدوية المؤدية إلي الحياة "…‬
‫*******‬
‫لول طيبة الله ‪ ،‬ما كان يلقي بذاره حتي وسط الشواك …‬
‫لو أن واحدا ً منا في نفس الموقف ‪ ،‬لقال لتلك الرض ‪ ":‬انزعني‬
‫الشوك منك لكي ألقي بذاري فيك " … ولكن الله لم يفعل هكذا ‪..‬‬
‫حقا ً إن بعض الراضي استطاع الشوك أن يخنق زرعها ‪ .‬ولكن الله‬
‫قادر أن ينقي الشوك من كل أرض ‪ .‬هو نفسه ينظفها " ينقب حولها‬
‫"‪ .‬لن كثيرا ً من النفس ل تستطيع أن تنزع الشوك من حولها ‪ ،‬وإنما‬
‫هي تصرخ مع كلمة الوحي قائلة للرب ‪:‬‬
‫" توبني فأتوب ‪ .‬لنك أنت الرب إلهي ") أر ‪. ( 18 : 31‬‬
‫وتقول أيضا ً مع المرتل ‪ ":‬اغسلني فأبيض أكثر من الثلج ‪ ،‬انضح علي‬
‫بزوفاك فأطهر " مز ‪ . ( 50‬أنت يارب الذي تغسلني ‪ ،‬وأنت الذي‬
‫تطهرني ‪ .‬وأنا اقول مع ذلك البرص " ياسيد ‪ ،‬إن أردت ‪ ،‬تقدر أن‬
‫تطهرني ") متي ‪ . ( 2 : 8‬فيجيب الرب – كما قال لذاك – أريد فاطهر‬
‫…‬

‫الله يريد أن يصالحنا ‪ ،‬بكل الوسائل الممكنة …‬


‫من أجل ذلك أرسل الله الرسل و النبياء و الوحي اللهي … ولماذا‬
‫أرسل كل هؤلء ؟ يجيب القديس بولس الرسول قائل ً ‪ " :‬الله الذي‬
‫صالحنا لنفسه بيسوع المسيح‬
‫وأعطانا خدمه المصالحة ‪ ...‬إذن نسعي كسفراء عن المسيح ‪ ،‬كأن‬
‫الله يعظ بنا ‪ .‬نطلب عن المسيح ‪ :‬تصالحوا مع الله ") ‪ 2‬كو ‪، 18 : 5‬‬
‫‪.( 20‬‬
‫*******‬
‫الله الحنون صالحنا لنفسه ‪ ،‬ولم يحسب لنا خطايانا … وفي ذل يقول بولس‬
‫الرسول أيضا ً ‪":‬‬
‫إن الله كان في المسيح مصالحا ً العالم لنفسه ‪ ،‬غير حاسب لهم‬
‫خطاياهم ") ‪ 2‬كو ‪ . ( 19 : 5‬وكما نقول عنه في خاتمة كل صلة ‪":‬‬
‫الداعي الكل إلي الخلص من اجل الموعد بالخيرات المنتظرة "…‬
‫*******‬
‫والله في صلحة معنا وفي غفرانه ‪ ،‬يقدر ضعف طبيعتنا ‪..‬‬
‫يقول المرتل في المزمور ‪ ":‬كبعد المشرق عن المغرب ‪ ،‬أبعد عنا‬
‫معاصينا ‪ .‬كما يترأف الب علي البنين ‪ ،‬يترأف الرب علي خائفيه "‬
‫ولماذا ؟ " لنه يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن ") مز ‪-12 : 103‬‬
‫‪ .. ( 14‬الله ينزل إلي هذا التراب ‪ ،‬ويقيم صلحا ً معنا واضعا ً في‬
‫اعتباره ضعف طبيعتنا ‪.‬‬
‫*******‬
‫صدقوني ‪ ،‬أنه يفعل هذا حتي مع الهاربين منه …!‬
‫ذكرنا قبل ً ‪ ،‬كيف سعي الله إلي آدم وهو هارب منه ومختبئ خلف‬
‫الشجار ) تك ‪ . ( 8 : 3‬ونضيف مثال ً آخر في قصة يونان النبي ‪.‬‬

‫كان يونان النبي هاربا ً من الله ‪ . .‬وسعي الله لخلصه …‬


‫لم يرفضه في ثاني مرة ‪ ،‬حينما تابت نينوي ورحمها الله ‪ ،‬فاغتاظ !‬
‫وإنما عمل الله علي مصالحة يونان واقناعه بالصواب الذي اغتاظ منه‬
‫يونان حتي الموت !! ) يون ‪ . ( 4 ، 3 : 4‬انظر حنو الله علي يونان‬
‫في حزنه الذي لم يكن يتفق مع مشيئة الله ‪ .‬يقول الكتاب ‪ ":‬فأعد‬
‫الرب الله يقطينة ‪ ،‬فارتفعت فوق يونان ‪ ،‬لتكون ظل ً علي رأسه‬
‫لكي يخلص من غمه ") يون ‪. ( 6 : 4‬‬
‫*******‬

‫إن سفر يونان يعينا مثل جميل ً عن سعي الله لخلص البشر ‪:‬‬
‫ما كان أهل نينوي يفكرون في خلص أنفسهم ‪ .‬وما كان بحارة السفينة التي ركبها‬
‫يونان يسعون إلي خلصهم ‪ .‬ول يونان شعر أنه أخطأ وطلب الخلص لنفسه !‬
‫ولكن الله بنفسه سعي لخلص كل هؤلء ‪ ،‬وخلصهم …‬
‫الله هو الذي بدأ ‪ .‬والمبادرة أتت منه ‪ .‬ثم اتت استجابتهم هم لعمله‬
‫اللهي مباشرة من بحارة السفينة وأهل نينوي ‪ ،‬وبعد اقناع وبعد‬
‫وقت من جانب يونان النبي …‬
‫*******‬
‫اجتذب الله أهل السفينه إليه بخطة بارعة …‬
‫بالمواج التي لطمت السفينة حتي كادت تنكسر ‪ ،‬وبالخوف الذي‬
‫أصاب البحارة حتي صرخ كل واحد إلي إلهه ‪ ،‬وليس إلي الله الواحد ‪،‬‬
‫ثم بعمل الله في القرعة التي ألقوها ‪ ،‬وأيضا ً باعتراف يونان ‪ .‬ثم‬
‫بهدوء البحر بعد القاء يونان ونجحت الخطية اللهية مع البحارة "‬
‫فخاف الرجال من الرب خوفا ً عظيما ً ‪ ،‬وذبحوا ذبيحة للرب نذورا ً "‬
‫) يون ‪ . ( 16 : 1‬وكان البحارة قد استخدموا أول ً طرقهم البشرية ‪،‬‬
‫فلم تنجح " إذ طرحوا المتعه التي في السفينة ليخففوا عنهم "‬
‫ولكن " البحر كان يزداد هيجانا ً " كذلك فإنهم " جدفوا ليرجعوا‬
‫السفينه إلي البر ففلم يستطيعوا " ولو استطاعوا ما خلصوا إيمانيا ً ‪.‬‬
‫ولكن الله تدخل بطريقته التي أمكنها أن تخلصهم من البحر‬
‫وتخلصهم من جهة اليمان ‪ .‬ونجحت خطة الله في خلصهم …‬
‫*******‬
‫واجتذب الرب أهل نينوي ‪ ،‬بالنذار اللهي ‪ ،‬ومناداة يونان ‪.‬‬
‫وما كان أهل نينوي قادرين علي خلص أنفسهم إذ كانوا أمميين‬
‫بعيدين عن اليمان ‪ ،‬كما أنهم كانوا جهلة " ل يعرفون يمينهم من‬
‫شمالهم ") يون ‪ . ( 11 : 4‬ولكن انذر الله لهم بأن المدينة ستنقلب‬
‫وتهلك ‪ ،‬اتي بثماره ‪ ،‬فخافوا وتابوا وصاموا " ورجعوا عن طريقهم‬
‫الرديئة ‪ ،‬وقلب الله توبتهم "…‬
‫*******‬
‫وبقي يونان ‪ .‬وخلصه الله أيضا ً ‪ ،‬علي دفعتين …‬
‫في المرة الولي سعي الله لتخليص يونان من عواقب مخالفته‬
‫وهروبة ‪ .‬واستخدم لذلك الخطر الذي تهدده في البحر ‪ .‬والذي قالبه‬
‫يونان أول ً بلمبالة ‪ .‬وكان نائما ً حتي في الوقت الذي صلي فيه كل‬
‫البحارة المميون ‪ ،‬لدرجة أن رئيس النوتية وبخه قائل ً ‪ " :‬ماللك نائما ً‬
‫‪ ،‬قم اصرخ إلي إلهك ‪ ،‬عسي أن يفتكر الله فينا فل نهلك ) يون ‪: 1‬‬
‫‪ . ( 6‬ثم أكمل الله خطته اللهية بإنه " اعد حوتا ً عظيما ً فابتلع يونان‬
‫"‪.‬‬
‫*******‬
‫وتخلص يونان من عصيانه ‪ ،‬وبقي أن يتخلص من محبته لكرامته‬
‫وفعل الله ذلك بالشمس التي ضربت رأس يونان فذبل ‪ ،‬واليقطينة‬
‫التي ظللت عليه ‪ ،‬والدودة التي أكلت اليقطينة ‪ ،‬ثم تفهم الله معه ‪.‬‬
‫وهكذا استطاع الله أن يخلص يونان ‪ ،‬كما خلص نينوي وأهل السفينة‬
‫‪ .‬وكان عند هؤلء جميعا ً استجابة لعمل الله فيهم وعمل الله فيههم‬
‫وعمله من أجلهم ‪ .‬ولعل هذا يقودنا إلي نقطة وهي ‪:‬‬

‫الله يعمل لجلك ‪ ،‬يعسي لخلصك ‪ ،‬فعليك أن تستجيب ‪.‬‬


‫تشترك في العمل معه ‪ .‬ل تقاوم عمل الروح كما فعل اليهود‬
‫وآباؤهم ) أع ‪ . ( 51 : 7‬ول تفعل أيضا ً مثلما ً فعلت عذارء النشيد ‪،‬‬
‫التي رفضت أن تفتح لحبيبها ‪ .‬فكانت النتيجة أنه – بعد طول انتظار –‬
‫" تحول وعبر " ‪ .‬فقال العروس " نفسي خرجت عندما ادبر ‪ .‬طلبته‬
‫فما وجدته ‪ .‬دعوته فما أجابني " ) نش ‪( 6 : 5‬‬
‫*******‬
‫شعب موسي ‪ ،‬كان عاجزا ً عن أن يخلص نفسه من عبوديته فرعون ‪.‬‬
‫والله هو الذي سعي إلي خلصه وخلصه ‪ .‬وكما قال موسي ‪ ":‬الرب‬
‫يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ") خر ‪ .( 14 : 14‬و لكن المهم هو ان هذا‬
‫الشعب استجاب لعمل الله وسار وراءه ‪ ،‬ودخل في البحر الحمر‬
‫حينما شقة الله أمامه ‪.‬‬
‫*******‬
‫واحترس أن تفعل كما فعل اغريباس وفيلكس و الشاب الغني‬
‫اغريباس اتته دعوة الله للخلص ‪ .‬زارته النعمة وتأثر ‪ .‬وقال لبولس‬
‫الرسول " بقليل تقنعني أن أصير مسيحيا ً ") أع ‪ . ( 28 : 26‬ومع ذلك‬
‫لم يخط خطوة إيجابية من جهته ‪ ،‬وانصرف ‪ ،‬ولم يصر مسيحيا ً ‪.‬‬
‫وفيلكس الوالي زارته النعمة حينما تكلم القديس عن البر و التعفف‬
‫و الدينونة ‪ ،‬فارتعد فيلكس ‪ .‬ولكنه أجل الموضوع وقال لبولس ‪":‬‬
‫إذهب الن ‪ .‬ومتي حصل لي وقت استدعيك " ) أع ‪ . ( 25 : 24‬وهكذا‬
‫لم يشترك مع عمل الروح ‪ ،‬وجعل الفرصة تفلت من يده ! وكذلك‬
‫الشاب الغني ‪ ،‬كانت له الفرصة أن يسمع كلمة الخلص من فم‬
‫المسيح ولكنه سمح لشهوة المال أن تقهره " ومضي حزينا ً لنه كان‬
‫ذا أموال كثيرة ") متي ‪. ( 22 : 19‬‬
‫*******‬
‫إذن الله يسعي لخلصك ‪ .‬يبدأ العمل لجلك ‪ .‬ولكن عليك أنت أن‬
‫تستجيب أو تشترك معه أو تخضع لعمله ‪ .‬ولقد صدق القديس‬
‫أوغسطينوس حينما قال ‪:‬‬
‫] الله الذي خلقك بدونك ‪ ،‬ل يشاء أن يخصلك بدونك […‬
‫إذن لبد أن تشترك في العمل معه ‪ :‬الروح القدس يعمل فيك ‪ ،‬وأنت‬
‫تستجيب لعمل الروح ‪ .‬ل تطفئ الروح ) ‪ 1‬تس ‪ ( 19 : 5‬ول تحزن‬
‫الروح ) أف ‪ . ( 30 : 4‬ول تقاوم الروح ) أع ‪ . ( 51 : 7‬وإنما تدخل‬
‫في شركة الروح ‪ ،‬بأن تعمل معه ‪ .‬لن الله ل يريد أن يرغمك علي‬
‫محبته ‪ .‬واعرف أن طول أناة الله ‪ ،‬إنما لكي تقتادك إلي التوبة ) رو‬
‫‪ . ( 4 : 2‬فل تعتمد علي طول أناته وعلي محبته وصبره وسعيه‬
‫إليك ‪ ،‬لكي ل تصل إلي اللمبالة و التهاون ‪ .‬وهوذا الكتاب يقول ‪":‬‬
‫إن سمعتم صوته ‪ ،‬فل تقسوا قلوبكم ") عب ‪. ( 15 : 3‬‬

‫إن الله له طرق كثيرة في اقتياد الناس إلي الخلص …‬


‫البعض يدعوهم إليه و البعض يتركهم إلي حين ‪ ،‬إلي أن يلهب‬
‫قلوبهم بالحب والشتياق إليه ‪ .‬والبعض يجتذبهم بالتجارب و‬
‫الضيقات ‪ ،‬مثلما قاد يونان إلي الطاعة بحوت ابتلعه ‪ ، ،‬واجتذب أهل‬
‫السفينة إلي اليمان بإثارة البحر عليهم ثم تهدئته ‪ ،‬والعبض يقودهم‬
‫بمجرد النذار مثلما فعل مع أهل نينوي ‪.‬‬
‫أتشكو من التجارب و الضيقات ؟ ربما سيخلصك الرب بالضيقات !‬
‫ربما أنت من النوع الذي ل يصلح معه سوي هذا السلوب ‪ ،‬أو يكون‬
‫هذا السلوب أكثر سرعة في اجتذابك إلي الله ‪ .‬فأن أتتك التجارب ‪،‬‬
‫ل تتضايق ‪ .‬لعلها لخيرك‬
‫خذ الخير الذي في التجارب ‪ ،‬ول تركز علي ما فيها من ألم ‪.‬‬
‫أن الله ل يحب أن يستخدم العنف معك ‪ .‬ولكن إذا كان هذا العنف –‬
‫في حدود احتمالك – نافعا ً لك روحيا ً ‪ ،‬فل مانع منه ونفس الوضع‬
‫نقوله إلي حين …‪ .‬ونفس الوضع نقوله من جهة ‪ .‬الله يحددها‬
‫حسب الصالح … هناك طعام ل يحتمل سوي ربع ساعة علي النار‬
‫لكي ينضج ‪ ،‬بينما طعام آخر قد يحتاج انضاجه إلي ساعتين أو أكثر …‬
‫فل تفقد رجاءك لطول المدة ‪ .‬إن ذلك لخيرك …‬
‫*******‬
‫أما ان كنت ضعيفا ً ول تقدر ‪ ،‬فالله قادر أن يعينك ‪.‬‬
‫إن سعي الله لخلصنا ‪ ،‬ليس معناه أن نأخذ موقفا ً سلبيا ً علي طول‬
‫الخط ‪ ،‬وعمل النعمة ل يساعد علي الكسل ‪ .‬فأمامنا قول الرب ‪":‬‬
‫كم مرة أردت … ولم تريدوا …" ) متي ‪ . ( 37 : 23‬قل له ‪ " :‬توبني‬
‫فأتوب " " أرددني فاخلص " ولكن سلم إرادتك له ‪ .‬وثق أنه سيعمل‬
‫فيك ‪ ،‬وسيويك … وسيقودك في موكب نصرته ‪ ،‬بالطريقة التي‬
‫تناسب طبيعتك ‪ .‬وعند الله طرق كثيرة …‬
‫*******‬
‫وإن كان جهدك قليل ً ‪ ،‬كن أمينا ً في هذا القليل ‪.‬‬
‫إن صاحب الوزنتين سر به الله ‪ ،‬وأعطاه نفس الطوبي التي نالها‬
‫صاحب الخمس وزنات ) متي ‪ . ( 21 ، 23 : 25‬وقال له كما قال لذاك‬
‫‪ ":‬ادخل إلي فرح سيدك "‪ .‬طبيعتك ‪ .‬المهم أن تكون أمينا ً في‬
‫القليل الذي عندك ‪.‬‬
‫وأن كنت ل تملك في روحياتك حتي القليل ‪ ،‬الله قادر أن يعطيك ‪ .‬وإن كنت غير‬
‫قادر علي المانه في القليل ‪ ،‬قل له اعطني يارب القدرة والمانه من عندك ‪ .‬إن‬
‫الله الذي نفخ في التراب ‪ ،‬وجعله نفسا ً حية ‪ ،‬قادر أن ينفخ فيك ويجعلك روحا ً‬
‫حية في ملكوته …‬
‫*******‬
‫ألقيت هذه المحاضرة في الكاتدرائية الكبري مساء الجمعة‬
‫‪18/8/1978‬‬

‫كثيرا ً ما ينظر البعض إلي حياة القديسين ‪ ،‬وإلي القمم العالية التي‬
‫وصلوا إليه في حياة الروح ‪ ،‬وإلي عمق الصلة التي عاشوا فيها مع‬
‫الله‬
‫وهنا يشعر النسان بصغر نفس ويتساءل ‪ :‬هل يمكن أن أكون مقبول ً أمام الله ‪،‬‬
‫وأنا في هذا المستوي الضعيف ‪ ،‬وليس لي شئ علي الطلق مما وصل إليه‬
‫القديسون ؟!‬
‫هل يمكن أن تقبل الله حياتي البسيطة الصغيرة التافهة … التي إذا‬
‫قسيت بسير القديسين تكون ل شئ ؟! هنا وأريد أن أحدثكم عن الله‬
‫‪ ،‬الذي هو إله الصغار … الله الذي اهتم بالشياء الصغيرة جدا ً ‪ ،‬وجعل‬
‫لها قيمة كبيرة قدامه … و الذي قيل عنه لتعزيتنا ‪:‬‬
‫" المقيم المسكين من التراب ‪ ،‬والرافع البائس من المزبلة ‪ ،‬لكي يجلس مع‬
‫رؤساء شعبه ") مز ‪.( 8 ، 7 : 113‬‬
‫الله الذي اختار أناسا ً صغارا ً لم تكن لهم قيمة عند الناس ‪ ،‬ولكن الله‬
‫كان يعرف قيمتهم ‪ ،‬أو جعل لهم قيمة وامتدت يد الله فرفعتهم ‪.‬‬
‫*******‬

‫وهكذا قال داود عن نفسه ‪ ":‬صغيرا ً كنت في أخوتي ‪ ،‬ومحتقرا ً كنت‬


‫عند بني أمي "‪ .‬كان كذلك عند اخوته ‪ .‬ولكن ماذا فعل الله " ؟‬
‫أخذ داود الصغير من بين الغنم ‪ ،‬وجعله مسيحا ً للرب عندما دخل صموئيل‬
‫النبي ليمسح ملكا ً من بيت يسي البيلتحمي ‪ ،‬عرض عليه يسي ابناءه‬
‫الكبار السمان … عرض عليه اليآب الطويل القامة الحسن المنظر ‪،‬‬
‫فقال الرب قد رفضته ‪ .‬ثم عرض عليه ابيناداب وشمه وباقي السبعة‬
‫‪ ،‬فكان النبي يقول عن كل منهم " وهذا أيضا ً لم يختره الرب ") ‪1‬‬
‫صم ‪ … ( 10– 5 : 16‬وأخيرا ً قال يسي ‪:‬‬
‫" بقي بعد الصغير ‪ .‬وهوذا يرعي الغنم " ) ‪ 1‬صم ‪ . ( 11 : 16‬نعم هذا الصغير‬
‫الذي احتقره أبوه ‪ ،‬وتركه مع الغنم دون أن يسمح له بحضور الحفل الذي يشرفه‬
‫النبي العظيم صموئيل … هذا الصغير هو الذي اختاره الرب ليكون له مسيحا ً …!‬
‫وحل روح الرب علي داود الصغير من ذلك اليوم فصاعدا ً ‪ ،‬وصار رجل‬
‫المزامير رجل المزمار و القيثارة و العشرة الوتار ‪ ،‬وواحدا ً من‬
‫أشهر أنبياء العهد القديم ‪ .‬حقا ً إن الله ل ينظر إلي العمار ول إلي‬
‫المنظر الخارجي ‪ .‬وكثيرا ً ما اختار الصغار ‪.‬‬
‫*******‬
‫وكما اختار الله داود الصغير اختار أيضا ً يوسف الصديق صغير اخوته ‪.‬‬
‫وجعله ملكا ً عليهم جميعا ً ‪ ،‬وعلي غيرهم ‪ .‬وأتي أخوته إليه ‪ ،‬وسجداو‬
‫عند قدميه وهو صغيرهم ‪ !..‬كما جعله أيضا ً أبا ً لفرعون وسيدا ً لكل‬
‫بيته ‪ ،‬ومتسلطا ً علي كل أرض مصر ") تك ‪. ( 8 : 45‬‬
‫*******‬
‫واختار أيضا ً أرمياء النبي الصغير الذي قال ‪ " :‬ل أعرف أن أتكلم لني ولد ") أر ‪1‬‬
‫‪.(6:‬‬
‫وقال له الرب ‪ ":‬قبلما صورتك في البطن عرفتك ‪ .‬وقبلما خرجت‬
‫من الرحم قدستك ‪ .‬جعلتك نبيا ً للشعوب … ها قد جعلت كلمي في‬
‫فمك ‪ .‬انظر ‪ .‬قد وكلتك اليوم علي الشعوب و الممالك … ها قد‬
‫جعلتك اليوم مدينة حصينة ‪ ،‬وعمود حديد ‪ .‬وأسوار نحاس علي كل‬
‫الرض ‪ ،‬لملوك يهوذا و لرؤساء ولكهنتها ولشعب الرض ) أر ‪، 4 : 1‬‬
‫‪. ( 18 ، 10 ،9 ، 5‬‬

‫*******‬
‫نجد أن أحب التلميذ إلي المسيح كان يوحنا أصغرهم سنا ً …‬
‫وهو الذي جعله الرب أحد العمده الثلثة في رسله ) غل ‪. ( 9 : 2‬‬
‫وأطال عمره أكثر من جميعهم ‪ ،‬وكشف له رؤي السماء ‪ ،‬وجعله‬
‫كاتب النجيل المملوء باللهوتيات ‪ .‬ولعل من الصغار الذي أكرمهم‬
‫الرب القديس مرقس الرسول الذي كتب أول النجيل ‪ .‬وكان شابا ً‬
‫صغيرا ً حدثا ً في فترة كرازة السيد المسيح علي الرض ‪ ،‬وبدأ حياته‬
‫خادما ً مع القديس بولس و القديس بطرس ‪ .‬وبولس الرسول اخا‬
‫شابا ً صغيرا ً ليخدم معه ‪ ،‬هو تيموثاوس الذي صار أسقفا ً لفسس ‪،‬‬
‫وقال له " ل يستهين احد بحداثتك ") ‪ 1‬تي ‪. ( 12 : 4‬‬
‫*******‬
‫ومن الصغار الذين اختارهم الرب القديس العظيم النبا بيشوي ‪.‬‬
‫أختاره الملك من بين اخوته ليكون نذيرا ً للرب ‪ ،‬وكان انحفهم جسما ً‬
‫‪ ،‬واضعفهم وأصغرهم ‪ .‬وعرضت أمه علي الملك أن يختار أحد أخوته‬
‫الكبار القوياء ليخدم الرب بقوة ‪ .‬ولكن هذا الصغير النحيف الضعيف‬
‫كان هو الذي اختاره الرب ليكون " الرجل الكامل حبيب المسيح الذي‬
‫غسل قدمي مخلصنا الصالح "…ل تقل أنا صغير ‪ .‬فعجيب هو الرب‬
‫في اختياره للصغار …‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫القديس أثناسيوس الرسولي كان شابا صغيرا في مجمع نيقية ‪.‬‬
‫وكان في هذا المجمع المسكوني العظيم ‪ 318‬من أشهر الباء‬
‫الساقفة في العالم المسيحي ‪ .‬ومن حيث الرتبة كان أثناسيوس‬
‫مجرد شماس ‪ .‬ومع ذلك وضعه الله في القمة ‪ .‬واعطاه القوة في‬
‫النتصار علي أريوس وفي دحض بدعته ‪ ،‬وفي صياغة قانون اليمان‬
‫المسيحي ‪.‬‬
‫وصار هذا الشماس الصغير أعظم اللهوتيين في تاريخ الكنيسة …‬
‫وفي تاريخ الرهبنة ‪ ،‬من أشهر الصغار العظام القديس تادرس تلميذ النبا‬
‫باخوميوس ‪ ،‬والقديس يوحنا القصير ‪ ،‬والنبا ميصائيل السائح ‪ .‬لقد سمح أن‬
‫يكون الشاب الصغير تادرس هو المرشد الروحي في كل أديرة‬
‫القديس باخوميوس الكبير بل هو الذي أسس كثيرا ً من هذه الديرة ‪،‬‬
‫وعين المسئولين فيها … كذلك اختار الرب شابا ً صغيرا ً آخر ليكون‬
‫المرشد الروحي في برية شيهيت ‪ ،‬ذلك هو القديس يوحنا القصير ‪،‬‬
‫الذي قيل عنه أن السقيط كله كان معلقا ً باصبعه ‪ .‬وكان الرهبان‬
‫يجلسون حوله ويستفيدون من تعليمه … وكان شابا ً حدثا ً ‪ ،‬ولكن له‬
‫نعمة أكثر من الشيوخ ! و القديس ميصائيل صار من الباء السواح‬
‫وعمره حوالي ‪ 17‬عاما ً وأول دير في برية شهيت " دير البراموس " ‪،‬‬
‫تسمي باسم قديسين شابين ‪ ،‬هما مكسيموس ودوماديوس … ومن‬
‫أشهر السواح القديس النبا ميصائيل الذي وصل إلي درجة السياحة‬
‫وهو في حوالي السابعة عشرة من عمره …‬
‫*******‬
‫إن الله حينما شاء هزيمة جليات ‪ ،‬هزمه بفتي صغير ‪.‬‬
‫فتي ل يعرف أن يلبس ملبس الحرب ‪ ،‬لنه لم يتعود عليها ) ‪ 1‬صم‬
‫‪ ، ( 39، 38 : 17‬بل استخدم خمس حصوات ملساء من البرية ‪ .‬وهذا‬
‫الصغير مسحه الرب ملكا ً دون أخوته السبعة الكبار ‪ ،‬وهكذا غني داود‬
‫أغنيته المشهورة " صغيرا ً كنت في اخوتي ‪ ،‬ومحتقرا ً عند بني أمي‬
‫… اخمتي كبار وسمان … ولكن الله لم يسر بهم "…‬
‫*******‬
‫" انظروا ل تحتقروا أحد هؤلء الصاغر ") متي ‪ .( 10 : 18‬اهتمام الرب بالطفال‬
‫واضح جدا ً في الكتاب المقدس ‪ ،‬فهو الذي أقام طفل ً وسط تلميذه‬
‫وقال لهم " إن لم ترجعوا وتصيروا مثل الولد ‪ ،‬فلن تدخلوا ملكوت‬
‫الله " ) لو ‪ ., ( 17 ، 16 : 18‬وقال أيضا ً " أحمدك أيها الب … لنك‬
‫أخفيت هذه عن الحكماء والفهماء وأعلنتها للطفال ") متي ‪25 : 11‬‬
‫( ‪ .‬وقال " من أعثر أحد هؤلء الصغار المؤمنين بي ‪ ،‬فخير له أن‬
‫يعلق في عنقه حجر الرحي ويغرق في لجة البحر " ) متي ‪. ( 6 : 18‬‬
‫أعرف باستمرار ان " الحرب للرب ") ) ‪ 1‬صم ‪ ، ( 47 : 17‬و " ليس‬
‫للرب مانع ان يخلص بالكثير أو القليل ") ‪ 1‬صم ‪. ( 6 : 14‬‬
‫*******‬
‫ما أعظم المواهب الروحية و الذهنية التي وهبها الله للصغار ‪.‬‬
‫ما أكثر مواهبه للطفال و الفتيان ‪ .‬داود النبي مثل ً ‪ :‬وهبة الشعر و‬
‫الموسيقي ‪ .‬فكان رجل القيثار و المزمار و العشرة الوتار ‪ ،‬وهو بعد‬
‫حدث صغير وكان يحسن الضر علي العود ‪ ،‬ويسطيع أن يبعد أن يبعد‬
‫الروح النجس عن شاول الملك ) ‪ 1‬صم ‪ . (23 : 16‬وفوق كل ذلك‬
‫كان رجل حرب وجبار بأس ‪ ،‬وهو بعد فتي صغير …‬
‫*******‬
‫و القديس النبا شنودة رئيس المتوحدين وهبه الله نضوجا ً روحيا ً وهو طفل‬
‫صغير ‪.‬‬
‫فكان يمار الزهد و الصوم و الصلة وهو حدث صغير … إنها موهبة‬
‫إلهية تدل علي اهتمام الله بالصغار ‪ .‬وهكذا كان أيضا ً القديس‬
‫مرقس المتوحد يصوم إلي الساعة التاسعة وهو طفل ‪.‬‬
‫*******‬

‫والقديس تكل هيمانوت وهبه الله صنع المعجزات وهو طفل ‪.‬‬
‫إنها ليست أمرا ً موروثا ً ‪ ،‬وإنما هي هبة إلهية ‪ ،‬ومواهب الله ليست‬
‫قاصرة علي الكبار ‪ ،‬وإنما الصغار أيضا ً يتمتعون بها ‪ .‬وما أكثرها في‬
‫حياة القديسين الذين بدأوا حياتهم صغارا ً ‪ ،‬لن نعمة الله شاءت ان‬
‫تعمل فيهم في هذه السن المبكرة ‪ ،‬كما عملت في أرمياء الذي لم‬
‫يكن يعرف ان يتكلم لنه ولد ‪ ،‬وكما عملت في صموئيل الطفل ‪،‬‬
‫وفي سليمان وهو فتي صغير ‪.‬‬
‫*******‬
‫ونفس النضوج الروحي كان في السيدة العذراء وهي طفلة ‪.‬‬
‫العمق في الصلة وفي التأمل وفي دراسة الكتاب … كل ذلك وهي‬
‫طفلة صغيرة يتيمة تتربي في الهيكل … وتسبحتها المشهورة ) لو ‪1‬‬
‫‪( 55 – 46 :‬تدل علي مدي حفظها للمزامير وآيات الكتاب … كل ذلك‬
‫وهي صغيرة السن ‪ .‬ولكنها نعمة الله العاملة في هذه الممتلئة‬
‫نعمة ‪ ،‬التي أختارها الله صغيرة ‪ ،‬ولكن مملوءة بمواهبه ‪ .‬لعل يوحنا‬
‫المعمدان كان ايضا ً أحد الطفال الموهوبين ‪.‬‬
‫و التفسير الوحيد لذلك هو قول الملك المبشر عنه " ومن بطن أمه‬
‫يمتلئ من الروح القدس ") لو ‪ ... ( 15 :1‬وهكذا كان الروح القدس‬
‫يعمل فيه وهو بعد في بطن أمه لذلك استطاع أن يرتكض وهو جنين‬
‫في بطن امه لها سمعت سلم العذراء ‪ ،‬بل أنه ارتكض بابتهاج ‪ ،‬وهو‬
‫جنين في بطن أمه لما سمعت سلم العذراء ‪ ،‬بل أنه ارتكض بابتهاج‬
‫وهو جنين ) لو ‪. ( 44 – 41 : 1‬‬
‫إن النضوج المبكر للطفال الموهوبين ‪ ،‬ليس له تفسير إل موهبة الله الغنية التي‬
‫تنسكب علي الطفال بغني ل يعبر عنه ‪.‬‬
‫المهم أن المواهب التي يعطيها الله للطفال ‪ ،‬تعطيك رجاء ‪،‬‬
‫وتجعلك تكرر العبارة التي قالها رب المجد ‪ " :‬أحمدك أيها الب …‬
‫لنك أخفيت هذه عن الحكماء و الفهماء وأعلنتها للطفال ") متي‬
‫‪ " ، ( 25 : 11‬لنه هكذا صارت المسرة أمامك "‪.‬‬
‫*******‬

‫ماذا نقول عن النضوج المبكر لثناسيوس وطفولته العجيبة ؟‬


‫ليس شيئا ً سوي موهبة الله التي يمحنها للطفال بغني مذهل ‪ ،‬قد‬
‫تحار فيه العقول البشرية ‪ ،‬وتعللها بأسباب شتى ‪ . .‬ولكنها تستريح‬
‫من حيرتها أن وضعت أمامها عبارتين ‪ ،‬هما ‪ " :‬موهبة الله " و "‬
‫محبة الله للطفال "‪.‬‬
‫هو القديس أثناسيوس الذي لقبوه بالرسولي ‪ ،‬وهو أصغر من جلس‬
‫علي كرسي مارمرقس ‪ ،‬وهو أعظم من جلس علي هذا الكرسي ‪،‬‬
‫وكان بطل ً عظيما ً من أبطال اليمان ‪ ،‬وهو بعد شاب ‪ .‬وصار بطريركا ً‬
‫وهو في حوالي الثلثين ‪ .‬ووضع كتبا ً عظيمة مثل " تجسد الكلمة " و‬
‫" الرسالة إلي الوثنيين " وهو شاب صغير ‪.‬‬
‫*******‬
‫إننا نسعد جدا ً ‪ ،‬ونمتلئ بالرجاء ‪ ،‬حينما نعرف ان نضوج الطفال المبكر سببه‬
‫موهبة الله ومحبته ‪.‬‬
‫فالله الذي كان مع هؤلء الطفال وأعطاهم بغني من مواهبه ‪ ،‬هو‬
‫أيضا ً قادر أن يعطينا ‪ .‬المهم أن نتضع ونصير مثل الطفال حسب‬
‫وصيته ‪ ،‬ونقف أمامه فارغين‬
‫*******‬
‫نكتفي بهذه المثلة عن الصغار في السن ‪ ،‬ونتكلم عن ‪:‬‬
‫*******‬

‫لقد اختار الله الصغار في العدد ‪ ،‬لكي يبارك أو يصنع بهؤلء الصغار‬
‫عجبا ً …‬
‫اختار الله الخمس خبزات و السمكتين ليصنع معجزة عظيمة ‪.‬‬
‫إنه لم يحتقر هذه الكمية الصغيرة ‪ ،‬إنما باركها ‪ ،‬واطعم بها خمسة‬
‫آلف من الرجال ‪ .‬وحتي هذا القدر الضئيل كان يحمله غلم صغير‬
‫) يو ‪ . ( 9 : 6‬وفي معجزة اشباع الربعة آلف من سبعة أرغفة كان‬
‫معهم " قليل من صغار السمك " ) مر ‪ . ( 7 : 8‬وبهذا القليل ‪ ،‬وبهذا‬
‫القليل وبهذه الصغار ‪ ،‬وأشبع الرب تلك اللف من الناس …‬
‫وأختار الله هذه القلة الضئيلة ‪ ،‬ليعطي رجاء لكل قلة ضئيلة ‪.‬‬
‫أن الله يبارك القليل فيصير كثيرا ً ‪ .‬إن العدد ليس هو المهم ‪ ،‬إنما‬
‫الهمية كلها هي في البركة التي في هذا العدد ‪ .‬وبهذه البركة يصنع‬
‫الله عجبا ً ‪.‬‬
‫ففي خدمتك ل تيأس من قلة مواهبك ‪ .‬وقل له " استخدمني‬
‫لطعامهم كأنني من صغار السمك "‪.‬‬
‫*******‬
‫انظروا في مثل الزارع ‪ :‬ماذا قال الرب عن الزرع الذي كان في‬
‫الرض الجيدة ؟ لقد قال ‪:‬‬
‫" فأعطي ثمرا ً ‪ :‬بعض مئة ‪ ،‬وآخر ستين ‪ ،‬وأخر ثلثين " ) متي ‪ . ( 8 : 13‬نحن‬
‫نعقل يارب أن الزرع الذي يعطي مئه هو زرع جيد ‪ .‬ولكن هل يقال‬
‫كذلك عن الذي يعطي ستين ؟ وهل يسمي جيدا ً من يعطي ستين ؟!‬
‫وهل هذا النتاج الضئيل هو مقبول عند الله ؟‬
‫ولعل الرب يجيب ‪ :‬مادامت الرض أعطت ثمرا ً ‪ ،‬إذن فهي أرض جيدة ‪ ،‬حتي إن‬
‫اعطت ثلثين …‬
‫لذلك ل ييأس ول يفقد الرجاء ‪ ،‬أصحاب الثلثين ‪ .‬إن الله يقبل هذا‬
‫القليل منهم ‪ ،‬مادام هذا هو جهدهم ‪ .‬ويبارك الرب هذا الجهد كأنه‬
‫شئ كثير ‪ .‬انظروا ماذا نقول في أوشية القرابين ‪:‬‬
‫أصحاب الكثير وأصحاب القليل ‪ .‬والذين يريدون أن يقدموا وليس لهم مجرد هذه‬
‫الرغبة ‪ ،‬حتي من غير عطاء ‪ ،‬هي شئ مقبول عند الله ‪ ،‬الذي ل‬
‫يحتقر الشئ القليل ‪ .‬عجيب هو الرب في إحكامه ‪ ،‬وفي قبوله‬
‫للقليل ‪ .‬يذكرني هذا بقول أحد القديسين ‪:‬‬
‫العنقود وإن كانت فيه حبة واحدة ‪ ،‬ل تزال فيه ببركة ‪.‬‬
‫ونفس المعني كرره اشعياء النبي ) اش ‪ .( 8 : 65‬إن الله يعمل في‬
‫القليل ‪ ،‬لكي ل نفتخر نحن بقوتنا ‪ ،‬ونظن اننا ننتصر بالكثرة و ليس‬
‫بقوة الله ‪ ،‬فيكسرنا هذا الفكر ‪.‬‬
‫*******‬
‫وهذا واضح من قصة الحرب التي دخلها جدعون بعدد قليل …‬
‫كان جدعون قد جمع من الشعب جيشا ً كبيرا ً من اثنين وثلثين ألفا ً‬
‫ليحارب المديانيين ‪ .‬ولكن الرب قال له ‪ ":‬هذا الشعب كثير علي‬
‫لدفع المديانيين بيدهم ‪ ،‬لئل يفتخر إسرائيل علي قائل ً ‪ :‬يدي‬
‫خلصتني ") قض ‪ ( 2 : 7‬وظل الرب يغربل هذا العدد الكبير حتي‬
‫وصل إلي ثلثمائة جندي فقط ‪ .‬وبارك الله في هذا العدد القليل ‪،‬‬
‫فانتصر علي جيش المديانيين الذي كان منتشرا ً كالجراد علي‬
‫الرض ‪ .‬وماذا أيضا ً ‪:‬‬
‫*******‬
‫ً‬
‫لما اراد الرب الكرازة بالنجيل اختار لذلك اثني عشر رسول فقط …‬
‫واستطاع هؤلء – علي الرغم من قلتهم – أن يكرزوا بالنجيل‬
‫للخليقة كلها ) مر ‪ – ( 15 : 16‬وإلي أقطار المسكونة بلغت‬
‫أقوالهم ‪ .‬من ثمانية أنفس فقط في الفلك ‪ ،‬أعاد الله تكوين‬
‫البشرية من جديد ‪ .‬ولم يختر لغرضه سوي هذا العدد الضئيل …‬
‫ومن ابن واحد هو اسحق ‪ ،‬استطاع الله أن يأتي بنسل مثل نجوم السماء ورمل‬
‫البحر في الكثرة …‬
‫وكما تحدثنا عن اهتمام الله بالصغير في السن ‪ ،‬وبالقليل في‬
‫العدد ‪ ،‬ومباركته هذا وذاك ‪ ،‬ننتقل إلي أخري وهي ‪:‬‬
‫*******‬

‫لما شاء أن يهزم جليات الجبار ‪ ،‬هزمه بحصاة ملساء في مقلع صبي‬
‫صغير هو داود ‪.‬‬
‫فل تفقد أنت رجاءك ‪ ،‬ول تقل مواهبي قليلة ‪ ،‬وأنا صغير ‪ ،‬ضئيل‬
‫الشأن لست علي مستوي قوة من يبغضونني ‪ .‬فلتكن حصاة صغيرة‬
‫في مقلع الرب ‪ .‬وليعمل الرب بك عمل ً ‪ ،‬مهما كان جهدك قليل ً ‪.‬‬
‫لن " الحرب للرب " ) ‪ 1‬صم ‪ . ( 47 : 17‬و" ليس لدي الرب مانع عن أن يلخص‬
‫بالكثير أو القليل ") ‪ 1‬صم ‪. ( 6 : 14‬‬
‫*******‬
‫أنظر كيف نشر الله ملكوته علي الرض … إنه لم يختر لذلك جماعة‬
‫من الفللسفة أو العلماء أو الجبابرة بل اختار مجموعة من الصيادين‬
‫البسطاء ‪ ،‬وعمل فيهم وبهم … وكما قال الرسول "‬
‫" اختار الله جهال العالم ليخزي الحكماء ‪ .‬واختار الله ضعفاء العالم ليخزى‬
‫القوياء ‪ .‬واختار الله ادنياء العالم و المزدري وغير الموجود ‪ ،‬ليبطل الموجود ‪،‬‬
‫لكي ل يفتخر كل ذي جسد امامه ") ‪ 1‬كو ‪. ( 29 – 27 : 1‬‬
‫ونحن نقف أمام هذه العبارة مبهورين ‪ !..‬قد تعبر في فهمنا كلمة‬
‫الجهال و الضعفاء … لكن ماذا عن المزدري وغير الموجود ؟! … ما‬
‫هذا العجب ؟ كيف يمكن للرب أن يختار ؟! ل شك ان هذه العبارة‬
‫تحيي الرجاء في نفس كل إنسان ‪ ،‬مهما كان ضعيفا ً ومهما كان بل‬
‫مواهب وبل امكانيات وبل قدرات من كل ناحية ‪ ...‬لذلك أن حوربت‬
‫بالياس قل له ‪ :‬اعتبرني يارب ضمن المزدري وغير الموجود ‪ ،‬ول‬
‫تحرمني من العمل معك ‪ ...‬ليكن لي كيان قدامك ‪ ،‬مع أنني في نظر‬
‫نفسي وربما في نظر الناس مزدري وغير موجود ‪...‬‬
‫ربما يظن البعض أن السيد المسيح لو كان قد جاء في أيامنا ‪ ،‬لكانا يختار أصحاب‬
‫الشهادات العالية جدا وأساتذة البحوث !‬
‫كل ‪ ،‬صدقوني ‪ ،‬لنه ل يحب أن يفتخر كل ذي جسد أمامه ‪ ،‬ولئل‬
‫تنسب البشارة إلي عقله البشري وليس إلي عمل الروح القدس ‪.‬‬
‫فلو كان المسيح جاء في أيامنا ‪ ،‬ما كنت أستغرب أن يختار بعض من‬
‫البسطاء كما فعل من قبل ‪ ،‬أو مجموعة من عمال التراحيل ‪...‬‬
‫فليس مصدر القوة هو النسان وإنما روح الله العامل فيه ‪.‬‬
‫والله يحب أن يستخدم الصغار ‪ ،‬لكي ليفتخروا ‪ ،‬ولكي ل ييأس أحد‬
‫من عمل الله فيه فل يفشل أحد ‪ ،‬ول تصغر نفس إنسان ما ‪.‬‬
‫الله نشر الكرازة بإثني عشر رجل ً ‪ ،‬وما اصحاب مواهب ‪.‬‬
‫بل كانت غالبيتهم من الصيادين ‪ ،‬إنما المهم هو عمل الله فيهم ‪.‬‬
‫والثالث عشر الذي هو بولس ‪ ،‬لم يعتمد علي الثقافة والمواهب ‪ ،‬بل‬
‫قال لهل كورنثوس " وأنا لما اتيت أليكم أيها الخوة ‪ ،‬أتيت ليس‬
‫بسمو الكلم أو الحكمة " )‪ 1‬كو ‪ . ( 1 : 2‬لماذا ؟ يقول " ليس بحكمة‬
‫كلم ‪ ،‬لئل يتعطل صليب المسيح " ) ‪ 1‬كو ‪ ، ( 17 : 1‬لئل تحسب‬
‫المسيحية فلسفة ‪ ،‬أ‪ ,‬ينسب نجاح الكرازة إلي الحكمة وليس إلي‬
‫عمل النعمة ‪.‬‬
‫*******‬
‫إن باب الملكوت مفتوح للكل ‪ ،‬وكذلك باب الخدمة …‬
‫ليس فقط للذين يقولون إنهم وصلوا إلي الملء ‪ ،‬و يتكلمون‬
‫بألسنة !! ولهم المواهب ‪ ،‬ويرتعشون في الصلة ‪ !..‬بل أن باب‬
‫الملكوت مفتوح أيضا ً أمام المبتدئ ‪ ،‬الحديث في العمل الروحي ‪،‬‬
‫الذي ل يعرف أن يتكلم لنه ولد ) أر ‪. ( 6 : 1‬‬
‫فل تظن أحد أنه إن لم يصعد إلي القمة في الروحيات ‪ ،‬فهو لم يصل بعد إلي الله‬
‫!‬
‫ول تحتقروا امثال هؤلء الذين لم يصلوا إلي القمم ‪ .‬ول تصغر‬
‫نفوس هؤلء ‪ ،‬فإن الله يعمل في الكل ‪ ،‬ويستخدم حتي " القليل من‬
‫صغار السمك "… وما اجمل العبارة المعزية التي قالها القديس يوحنا‬
‫المعمدان ‪:‬‬
‫ً‬
‫إن الله قادر أن يقيم من هذه الحجارة أولدا لبراهيم ) لو ‪. ( 9 : 3‬‬
‫وإلي من ترمز الحجارة ؟ إلي صم بكم ل يتحدثون ‪ ،‬بل حركة وبل‬
‫حياة … هؤلء ‪ ،‬الرب قادر أن يقيم منهم أولدا ً لبراهيم ‪ .‬إذن ل‬
‫تفقد رجاءك مطلقا ً ‪ ،‬مهما كنت بل حياة ‪ .‬فإنت ول شك أفضل من‬
‫حجارة كثيرة …‬
‫*******‬
‫أمامنا مثل آخر في ميلد المسيح يدل علي اهتمام الله بالصغار ‪:‬‬
‫لقد ولد في مزود بقر ‪ ،‬وليس في قصر ضخم ‪ .‬وولد في قرية صغيرة هي بيت‬
‫لحم ‪ ،‬وليس في المدينة العظمي أورشليم ‪.‬‬
‫واستطاع أن يحاول المزود إلي مزار عالمي ومقدس من المقدسات‬
‫الكبري ‪ .‬اما بيت لحم فقال لها ‪ :‬من الن فصاعدا ً " لست الصغري‬
‫بين رؤساء يهوذا " ) متي ‪ . ( 6 : 2‬رفعها فوق بلد كثيرة ‪ ،‬ومنحها‬
‫قيمة بميلده فيها ‪ .‬ولعل هذا يذكرنا بدعوة الرب لجدعون ‪ ،‬الذي‬
‫شعر بصغر نفس ‪ ،‬لضآلة أصله وبلده فقال ‪:‬‬
‫ها عشيرتي هي الذلي في منسي ‪ ،‬وأنا الصغر في بيت أبي ) قض ‪. ( 15 : 6‬‬
‫ولكن الرب كان يبحث عن هذا الصغر ‪ ،‬ليظهر مجد الله فيه ‪.‬‬
‫لذلك ل تفقد رجاءك إن كنت صغيرا ً ‪ .‬إن كنت مزودا ً ‪ ،‬أو قرية صغيرة‬
‫‪ ،‬أو كنت الصغر في بيت أبيك ‪ ،‬أو ان كانت عشيرتك هي الذلي بين‬
‫باقي العشائر …! إن الله قادر أن يعمل فيك ‪ ،‬ويرفع شأنك فتصير‬
‫شيئا ً آخر ما كنت تفكر فيه …‬
‫إنه موقف يشجع الضعفاء و المساكين ‪ ،‬الصغار والذلء …‬
‫*******‬
‫انظروا في اختيار موسي النبي ‪ ،‬تروا موقفا ً عجيبا ً … كان موسي "‬
‫ثقيل الفم و اللسان … وليس صاحب كلم ل من اليوم ول أمسا ً ‪ ،‬ول‬
‫قبل ً من أمس ") خر ‪. ( 10 : 4‬‬
‫ومع ذلك اختار الله هذا الثقيل الفم واللسان ليكون كليم الله …‬
‫لم ينزع منه هذا النقص ‪ ،‬وإنما أرسل له هارون أخاه ‪ ،‬لكي " يكون‬
‫له فما ً " وقال الله لموسي ‪ " :‬وأنا اكون مع فمك ‪ ،‬وأعلمك ما تتكلم‬
‫به " ) خر ‪ . ( 12 ، 16 : 4‬وبهذا النسان الثقيل الفم و اللسان ‪ ،‬أذل‬
‫الله فرعون … إن قلة المواهب ل تعوق عمل الله ‪ ،‬ولتدعو النسان‬
‫إن يفقد الرجاء في القدرة علي القيام بالمسئوليات … فباستمرار‬
‫ثق بالله الذي قيل إنه " يعطي المعيى قدرة ‪ ،‬ولعديم القوة يكثر‬
‫شدة ") إش ‪. ( 29 : 40‬‬
‫*******‬
‫ً‬
‫إن الله يستخدم الصغار و الضعفاء ‪ .‬وهنا نسأل سؤال ‪ :‬عندما قاد الله يونان النبي‬
‫إلي التوبة و الصلح معه ‪ ،‬بماذا هداه ؟‬
‫استخدم الله في هداية يونان ‪ :‬الدودة ‪ ،‬واليقطينة ‪ ،‬والرياح و‬
‫الموج ‪ ،‬وأشعة الشمس ‪ .‬فكانت كل منها تؤدي رسالة إلهية … ) يون‬
‫‪ . ( 4 ، 1‬اليقطينة التي بنت ليلة هلكت ‪ ،‬استخدمها الله في تحقيق‬
‫مقاصده ‪ ،‬وكذلك الدودة التي ل قيمة لها عند أحد ! قل له ‪ :‬احسبني‬
‫يارب دودة ‪ ،‬احسبني يقطينة ‪ ،‬احسبني موجة ‪ ،‬احسبني شعاعا ً ‪.‬‬
‫فلكن أي شئ مهما كان تافها ً في ملكوتك ‪ ،‬ولكن يصنع مشيئتك ‪.‬‬
‫وإن كنت دودة ل تفقد رجاءك ‪ ،‬سيكون لك دورة عند الله … وإن‬
‫كنت يقطينة ل تصغر نفسك ‪ .‬سيأتي وقت تعطي فيه درسا ً لنبي‬
‫كيونان ويكتب إسمك في كتاب الله …!‬
‫*******‬

‫اهتم بالطفال ‪ ،‬وتحدث عنهم بكل حب وتقدير ‪..‬‬


‫كان يحتضنهم ويعطف عليهم ويقول " دعوا الولد يأتون إلي ول‬
‫تمنعوهم ‪ ،‬لن لمثل هؤلء ملكوت السموات ") متي ‪. ( 14 : 19‬‬
‫وأخذ ولدا ً وأقامه في الوسط ‪ ،‬وقال لتلميذه " إن لم ترجعوا‬
‫وتصيروا مثل الولد ‪ ،‬فلن تدخلوا ملكوت السموات ‪ .‬فمن وضع‬
‫نفسه مثل هذا الولد ‪ ،‬فهو العظم في ملكوت السموات ‪ .‬ومن قبل‬
‫ولدا ً واحدا ً مثل هذا بإسمي فقد قبلني ") متي ‪. ( 5 -2 : 18‬‬
‫واهتم بنفسيته هؤلء الصغار ‪ ،‬والبعد عن إعثارهم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫من أعثر أحد هؤلء الصغار المؤمنين بي ‪ ،‬فخير له أن يعلق في عنقه‬
‫حجر الرحي ويغرق في لجة البحر ") متي ‪ . ( 6 : 18‬إن الله يهتم‬
‫بالصغار من كل نوع ‪ ،‬سواء في سنهم ‪ ،‬أو في حياتهم ‪ ،‬أو‬
‫نوعيتهم ‪ ،‬عموما ً ‪ ،‬أو في ضآلتهم وضعفهم ‪ .‬رعايته تشمل الكل ‪.‬‬
‫*******‬

‫لقد اهتم حتي بالقصبة المرضوضة و بالفتيلة المدخنة …‬


‫فقيل عنه في النجيل " قصبة مرضوضة ل يقصف ‪ ،‬وفتيلة مدخنة ل‬
‫يطفئ " ) متي ‪ . ( 20 : 12‬إنه يعطي رجاء لكليهما ‪ .‬فالقصبة‬
‫المرضوضة قد تربط وقد تعصب ‪ .‬والفتيلة المدخنة قد يرسل لها‬
‫ريحا ً فتشعلها ‪.‬‬
‫والشجرة التي لم تعط ثمرا ً ‪ ،‬أعطاها رجاء وفرصة أخري ‪.‬‬
‫فلما امتدت الفأس لتوضع علي رأس هذه الشجرة ‪ ،‬قال في حنوه "‬
‫أتركها هذه السنة أيضا ً ‪ ،‬حتي انقب حولها وأضع زبل ً ‪ .‬فإن صنعت‬
‫ثمرا ً ‪ ،‬وإل ففيما بعد تقطعها ") لو ‪ . ( 9 – 7 : 13‬إنه لم يقطع‬
‫الرجاء حتي بهذه التي استمرت ثلث سنوات بل ثمر ‪.‬‬
‫*******‬
‫وهو يعطي قيمة حتي للنملة الصغيرة ‪ ،‬ويقدمها درسا ً للبشر ‪..‬‬
‫فيقول ‪ ":‬اذهب إلي النملة أيها الكسلن ‪ .‬تأمل طرقها وكن حكيما ً‬
‫…" ونحن نقول ‪ :‬ما هي هذه النملة يارب حتي تخلصها ‪ ،‬وتمنحها‬
‫هذه الطبيعة النشطة ‪ ،‬وتضرب بها المثل فيما وهبتها إياه من نشاط‬
‫ومهارة وقدرة …؟! وكأن الله يجيبنا ويقول ‪ :‬لتظنوا اني فقط‬
‫خالق التنانين ‪ ،‬وإنما أيضا ً خلقت الحشرات و الهوام‬
‫وأرعي هذه وتلك ‪ ...‬وأهتم حتي بالعصافير التي يباع اثنان منها‬
‫بفلس واحد ‪ .‬وأعطي طعاما ً لفراخ الغربان التي تدعوني ) مز ‪: 147‬‬
‫‪ . ( 9‬عجيب هو الرب الذي يخلق هذه الشياء الصغيرة ويهتم بها ‪ .‬بل‬
‫يهتم حتي بالدودة التي تسعي تحت حجر ‪ ،‬وبالزنبقة الشياء التي‬
‫يلبسها أفضل من سليمان في كل مجده ) متي ‪. ( 29 : 6‬‬
‫*******‬
‫إنه يضرب لنا مثل ً لليمان ولملكوت السموات بحبة الخردل التي هي أصغر جميع‬
‫البذور ‪.‬‬
‫فيقول يشبه ملكوت السموات حبة خردل أخذها إنسان وزرعها في‬
‫حقله ‪ ،‬وهي أصغر جميع البذور ‪ .‬ولكن متي نمت فهي أكبر البقول ‪،‬‬
‫وتصير شجرة ‪ ،‬حتي إن طيور السماء تأتي وتتآوي في أغصانها‬
‫") متي ‪. ( 32 – 31 : 13‬‬
‫ويقول أيضا ً " الحق أقول لكم لو كان لكم إيمان مثل حبة الخردل ‪،‬‬
‫لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلي هناك فينتقل ‪ .‬ول يكون‬
‫شئ غير ممكن لكم ") متي ‪ . ( 20 : 17‬إذن ل تفقد رجاءك ولو كان‬
‫إيمانك صغيرا ً كحبة الخردل ‪.‬‬
‫إنه يمكن أن ينمو ويصير شجرة تتآوي إليها الطيور ‪ .‬والله يقبل هذا‬
‫اليمان ويباركه ‪ .‬وأيضا ً …‬
‫*******‬
‫في اليمان و الملكوت يضرب مثل ً بخميرة صغيرة تخمر العجين كله ‪.‬‬
‫فيقول ‪ ":‬يشبه ملكوت السموات خميرة أخذتها إمرأة ووضعتها في‬
‫ثلثة أكيال دقيق حتي اختمر الجميع ") متي ‪ . ( 33 : 13‬وقد تذكر‬
‫بولس الرسول هذا المثل فقال لهل غلطية ‪ ":‬خميرة صغيرة تخمر‬
‫العجين كله ") غل ‪ . ( 9 : 5‬إذن ل تفقد رجاءك مهما كان إيمانك‬
‫قليل ً ‪ ،‬ومهما كان عملك ضئيل ً ‪ ،‬فالله يقبل القليل ويباركه ليصير‬
‫كثيرا ً ‪.‬‬
‫*******‬
‫إن الرب قد أعطي في ملكوته رجاء حتي للعرج والجدع …‬
‫فقال لعبده بعد أعد الوليمة " أخرج عاجل ً إلي شوارع المدينة‬
‫وازقتها ‪ .‬وأدخل إلي هنا المساكين و الجدع و العرج و العمي ") لو‬
‫‪. ( 21 : 14‬‬
‫بل قال أيضا ً كوصية ‪ ":‬إذا صنعت ضيافة فادع المساكين الجدع العرج‬
‫العمي ‪ .‬فيكون لك الطوبي إذ ليس لهم حتي يكافئوك ") لو ‪13 : 13‬‬
‫( ‪ .‬فإن حوربت بفقد الرجاء ‪ ،‬تذكر هؤلء الذين ليس لهم ‪ ،‬والذين‬
‫قبلهم الرب بدون مقابل …‬
‫*******‬
‫هنا ونذكر ملحظة هامة في معجزة الخمس خبزات و السمكتين ‪:‬‬
‫إن الله اهتم بالكسر ‪ ،‬فإمر بجمعها ‪ ،‬وحملها الرسل …‬
‫لعلك تقول ليتني كنت خبزة في يد الرب ‪ ،‬يباركها و يطعم بها‬
‫اللوف ‪ ،‬وهكذا يمكنني أن أصلح لشئ في الخدمة ! أقول لك ‪ :‬حتي‬
‫لو لم تكن خبزة ‪ ،‬وكنت مجرد كسرة ملقاه علي الرض لم تجد من‬
‫يأكلها … ستسمع قول الرب " اجمعوا الكسر وسيأتي وقت تستطيع‬
‫فيه أن تشبع الخرين ‪.‬‬
‫إذن إن كانت أعمالك الروحية ضعيفة ‪ ،‬قل له في اتضاع ‪ :‬ادخلني‬
‫يارب مع المساكين و الجدع و العرج و العمي إلي ملكوتك ‪ .‬وكما‬
‫اهتممت بجمع الكسر في معجزة الخمس خبزات و السمكتين ‪،‬‬
‫اعتبرني أنا أيضا ً من هذه الكسر ‪ ،‬ليأخذني رسلك معهم في سللهم‬
‫وقففهم ‪ .‬انا يارب من هذه الكسر ‪ .‬اجمعني في سلتك المباركة ‪.‬‬
‫*******‬
‫ل تظن أنه يجب أن تصعد إلي أعلي ‪ ،‬لكي تقابل الله ‪.‬‬
‫بل انك كلما شعرت أنك ل شئ ‪ ،‬ول استحقاق لك علي الطلق ‪.‬‬
‫وهبط قلبك أ سفل ‪ ،‬فهناك تلتقي بالله ‪ .‬وهكذا كلما نزلت إلي‬
‫أسفل صعدت إلي أعلي ‪.‬‬
‫حقا ً النسان يصعد في هبوطه ‪ ،‬ويهبط في صعوده ‪.‬‬
‫وقد قال الرب في ذلك " كل من يرفع نفسه يتضع ‪ .‬ومن نفسه‬
‫يرتفع " ) لو ‪. ( 11 : 13‬‬
‫*******‬

‫لقد ضرب لنا ثلثة امثلة في اهتمامه بالصغار في الصحاح الخاص بقبوله للتائبين‬
‫وبحثه عنهم ) لو ‪. ( 15‬‬
‫رجوع البن الضال بانسحاق قلب ‪ ،‬قابله الرب بفرح كبير ومكافآت‬
‫عديدة … ثم ماذا عن الخروف الضال ؟ من ذا الذي يستطيع أن ينظر‬
‫إلي حظيرة فيها مائة خروف فيلمح أنها مجرد ‪ ، 99‬ويبحث عن‬
‫الواحد الناقص إلي أن يحمله علي منكبيه فرحا ً ‪ ،‬بل من ذا الذي يهتم‬
‫بدرهم واحد مفقود ‪ ،‬ويظل يبحث عنه حتي يجده ‪ ،‬ويفرح بوجوده أل‬
‫يعطيك هذا رجاء في عمل الله من أجلك ! هو يبحث عنك ‪ ،‬إن لم‬
‫تبحث انت عنه …‬
‫ومن اهتمام الله بالصغار ‪ ،‬اهتمامه بقرية بيت لحم الصغيرة ‪.‬‬
‫هذه التي قال لها الوحي اللهي " وأنت يا بيت لحم … لست الصغري‬
‫بين رؤساء يهوذا ‪ ،‬لتكوني قدسا ً ومكانا ً للميلد المجيد …"‬
‫ومن اهتمامه بالصغار ‪ ،‬اختاره ليئة المكروهة العينين ) تك ‪. ( 33 ، 17 : 29‬‬
‫ليئة هذه التي كانت صغيرة القدر و المكانة بالنسبة إلي اختها راحيل‬
‫‪ ،‬هي التي اختارها الرب لتكون أما ً ليهوذا سبط الملوك ‪ ،‬وأما ً للوي‬
‫سبط الكهنوت ‪ ،‬وجدة للمسيح ‪ ،‬فأتي من نسلها ولم يأت من نسل‬
‫راحيل …‬
‫*******‬
‫بل اختار الرب راحاب الزانية وكذلك ثامار ضمن سلسة النساب ‪،‬‬
‫واختار راعوث الموآبية ضمن سلسة النساب أيضا ً ) متي ‪( 5 ، 3 : 1‬‬
‫… بل اختار مريم المجدلية التي كان عليها سبعة شياطين لتكون‬
‫مبشرة للرسل ) مر ‪ . ( 10 ، 9 : 16‬بل أنه اختار التراب ليجعل منه‬
‫صورته ومثالة ‪ .‬فل تيأس إذن من عمل الله معك واختياره لك …‬
‫*******‬
‫إنه " المقيم المسكين من التراب ‪ ،‬والرافع البائس من المزبلة ‪ ،‬ليجلسه مع‬
‫رؤساء شعبه ") مز ‪. ( 112‬‬
‫ً‬
‫إذن الله قادر ان يقيمك مهما كانت حالتك ‪ ،‬بل يرفعك أيضا لتجلس‬
‫مع رؤساء شعبه أليس هو الذي ل يحتقر قصبة مرضوضة ‪ ،‬ول فتيلة‬
‫مدخنة ‪ ،‬يأمر بتشجيع صغار النفوس ‪ ،‬وأن نسند الضعفاء و نتأني‬
‫علي الجميع ") ‪ 1‬تس ‪ . ( 15 : 5‬بل ما أجمل قول الكتاب " قوموا‬
‫اليادي المسترخية و الركب المخلعة ") عب ‪ ،( 12 : 12‬حتي إن كنت‬
‫من هذا النوع ‪ ،‬سوف ل يهملك الله ‪ ،‬بل سيرسل لك من يقومك …‬
‫بل خذ مثال اهتمامه بالعصفور ‪ ،‬كرمز لهتمامه بك ‪.‬‬
‫إنه يقول " أليس عصفوران يبعان بفلس وواحد منهما ل يسقط علي‬
‫الرض بدون أبيكم " ) متي ‪ ( 29 : 10‬فالذي يهتم بالعصفور ل شك‬
‫يهتم بك أيضا ً ‪ .‬ولذلك يقول بعدها مباشرة " وأما أنتم فحتى شعور‬
‫رؤوسكم جميعها محصاة ‪ .‬فل تخافوا ‪ ،‬أنتم أفضل من عصافير كثيرة‬
‫") متي ‪ . ( 30 : 10‬ويعجب الرب بالعصافير في إيمانهم بأن الله‬
‫يقوتها ويقول في ذلك " انظروا إلي طيور السماء ‪ .‬إنها ل تزع ول‬
‫تحصد ول تجمع إلي مخازن ‪ .‬وأبوكم السماوي يقوتها ) متي ‪: 6‬‬
‫‪ . ( 26‬وهكذا يذكرها ويضرب بها مثل ً لنا ‪ ،‬هي " وفراخ الغربان‬
‫الغربان التي تدعوه " ) مز ‪ . ( 9 : 147‬إنه يهتم بالدودة التي تسعي تحت‬
‫حجر ‪ ،‬ويعطيها طعامها …‬
‫كم بالولي أنت ‪ ،‬يعطيك طعام الروح ‪ ،‬وطعام الروح ‪ ،‬وطعام الجسد‬
‫أيضا ً ‪ .‬أليس النسان أفضل من ديدان كثيرة ؟! الدودة الصغيرة‬
‫استخدمها الله ليعطي درسا ً ليونان النبي حينما أعدها الله لتضرب‬
‫اليقطينة ) يون ‪ .( 7 : 4‬حسن أن هذه الدودة ذكرت في الكتاب‬
‫المقدس ‪ ،‬وهي تؤدي رسالة تؤول إلي توبة نبي ‪.‬‬
‫*******‬

‫إنه ل ينسي كأس الماء البارد الذي تقدمه لعطشان ‪.‬‬


‫وقد قال في ذلك ‪ ":‬من سقي أحد هؤلء الصغار كأس ماء بارد فقط‬
‫باسم تلميذ‪ ،‬فالحق أقول لكم إنه ل يضيع أجره ") متي ‪ ، 42 : 10‬مر‬
‫‪. ( 41 : 9‬‬
‫ً‬
‫مجرد كأس ماء بارد ‪ ،‬لم تتعب فيه ‪ ،‬ولم يكلفك شيئا ن هذا ل يضيع‬
‫أجرة إذن ل تيأس إن كانت أعمالك‬
‫*******‬
‫هناك أعمال أنت تعملها وتنساها لضآلتها ‪ .‬والله ل ينساها ‪.‬‬
‫حي إن كانت في نظرك بل قيمة ‪ ،‬هي عند الله لها قيمتها ‪ ،‬ويكافئك‬
‫عليها في اليوم الخير ‪ .‬وحسن إنك نسيتها لتأخذ أجرها كامل ً هناك ‪.‬‬
‫لقد مدح الرب ملكة التيمن لمجرد أنها زارت سليمان ‪.‬‬
‫وقال ‪ ":‬ملكة التيمن ستقوم في ) يوم ( الدين مع هذا الجليل وتدينة‬
‫‪ ،‬لنها أنت من أقاصي الرض لتسمع حكمة سليمان ‪ ,‬وهوذا أعظم‬
‫من سليمان ههنا ") متي ‪ . ( 42 : 12‬وبنفس الوضع مدح أرملة‬
‫صرفة صيدا لنها استضافات إيليا النبي في وقت المجاعة ) لو ‪: 4‬‬
‫‪ . (26 ، 25‬ولم ينس الرب زيارة نيقوديموس ‪ ،‬مع أنها ل كانت ليل ً‬
‫وبخوف …‬
‫وسمح أن تسجل هذه الزيارة في النجيل ) يو ‪ . ( 3‬وهذا اليمان‬
‫الخائف المتخفي الذي كان لنيقوديموس ‪ ،‬باركه الرب ونماه حتى‬
‫سمح له أن يكفنه وصار دنيقوديموس من مشاهير المسيحيين فيما‬
‫بعد ‪ ،‬وصار جنديا ً صالحا ً في ميدان الخدمة …‬
‫ولم ينس الرب لزكا مجرد صعوده علي الجميزة ليراه ‪.‬‬
‫ربما لم يحس زكا أن هذا عمل كبير يكافأ عليه من الرب ‪ .‬ولكن الله‬
‫الذي يهتم بكل عمل مهما كان صغيرا ً ‪ ،‬وقف ونادي زكا ‪ ،‬ودخل بيته‪.‬‬
‫وقال له ‪ " :‬اليوم حدث خلص لهل هذا البيت إذ هو أيضا ً ابن‬
‫لبراهيم ") لو ‪ . ( 9: 19‬هل كان يخطر علي بال زكا أن الرب سيقدر‬
‫صعوده إلي الجميزة كل هذا التقدير ؟! أم هو الرب الذي يهتم‬
‫بالعمل مهما كان صغيرا ً ‪.‬‬
‫*******‬
‫إنه لم ينس مطلقا ً عبارة اتضاع تلفظت بها المرأة الكنعانية ‪ .‬وطوبها قائل لها‬
‫ً‬
‫" عظيم هو إيمانك ‪ .‬ليكن لك كما تريدين وشفي إبنتها في تلك‬
‫الساعة ") متي ‪ ، ( 28 : 15‬مع أنهم كانوا في البرية متذمرين‬
‫وقساة القلوب ‪ .‬قال لشعبة ‪:‬‬
‫" قد ذكرت لك ‪..‬ذهابك ورائي في البرية ") أر ‪. ( 2 : 2‬‬
‫قال هذا علي الرغم من أخطاء هذا الشعب في البرية ‪ ،‬وعلي الرغم‬
‫من تذمره وجحوده ‪ ..‬ولكن مجرد خروجه وراء الرب ليعبده في البرية‬
‫لم ينسه الرب ‪.‬‬
‫وقال لتلميذه ‪ ":‬أنتم الذين لم تستطيعوا أن يسهروا معه ساعة واحدة ) متي‬
‫‪ ( 40 : 26‬و البعض منهم خاف وهرب ‪ ...‬ساعة القبض عليه ‪،‬‬
‫وبطرس انكره ثلث مرات ‪ ،‬ولم يقف معه عند الصليب سوي واحد‬
‫فقط هو يوحنا ‪ ،‬إل أن مجرد سيرهم وراءه وتمسكهم به كمعلم‬
‫لهم ‪ ،‬كل هذا الذي كان في نظرهم شيئا ً بسيطا ً لم ينسة الرب‬
‫مطلقا ً ‪ .‬وبنفس السلوب‬
‫*******‬
‫وامتد الرب الذين جاءوا في الساعة الحادية عشرة ‪.‬‬
‫مع أنهم جاءوا في آخر النهار ‪ ،‬ولم يعملوا سوي ساعة واحدة ‪.‬‬
‫ولكنه مع ذلك قبل منهم هذه الساعة ‪ ،‬وأعطاهم اجره كالباقين ‪.‬‬
‫ولم يرفض هذه الساعة ‪ ،‬بل امتدحها ‪ .‬علي القل تدل علي انهم‬
‫مثمرون وقادرون علي العمل ‪.‬‬
‫*******‬
‫وكما قبل القليل من هؤلء ‪ ،‬قبل أيضا ً فلسي الرملة ‪.‬‬
‫ومدحها ‪ ،‬وقال إنها أعطت اكثر من الجميع ‪ ،‬لنها أعطت من‬
‫أعوازها ) مر ‪ . ( 44 : 12‬وقد يكون الفلسان شيئا ً تافها ً ‪ .‬ولكن‬
‫العطاء من العوز هو شئ كبير جدا ً عند الله أيا ً كانت الكمية المعطاة‬
‫‪.‬‬
‫لذلك إن صليت مجرد دقائق من أعوازك ‪ ،‬يقلبها الله …‬
‫إن ضاق بك الوقت جدا ً ‪ ،‬ولم تجد – مرغما ً – سوي لحظات ترفع فيها‬
‫قبلك إلي الله ‪ ،‬فل تصغر نفسك ‪ ،‬ول تفقد رجاءك إذ لم تستطيع أن‬
‫تصلي كما ينبغي ! إن الله يفحص القلب ويعرف ظروفك ‪ ،‬وهل‬
‫المر عن أهمال أو ل مبالة أم أنك تعطي من أعوازك في الوقت ‪.‬‬
‫*******‬
‫كانت صلة العشار قصيرة ‪ ،‬جملة واحدة ‪ ،‬وقبلها الله …‬
‫وخرج هذا العشار مبررا ً دون الفريسي ) لو ‪ ( 14 -9 : 18‬لنه كان‬
‫يصلي من قلبه ‪ ،‬وبانسحاق ‪ ،‬ول يجرؤ أن يرفع نظره إلي فوق ‪.‬‬
‫فكانت الجملة الواحدة التي قالها ‪ ،‬هي عند الله كثيرة الثمن جدا ً‬
‫وغالية عليه ‪ .‬ولم يطالبه الله ببرنامج روحي طويل فوق مستواه ‪،‬‬
‫كما يفعل القديسون ‪ .‬بل اكتفي الرب بانسحاق العشار ‪..‬‬
‫كذلك فإن الله قبل من اللص اليمين توبة قدمها في آخر ساعت‬
‫حياته ) لو ‪ ( 43 : 23‬ورضي من السامرية بما اعتبره أعترافا ً ‪ ،‬مع‬
‫أنها لم تشرح كل شئ ‪ ) ..‬يو ‪ .( 4‬وطوب وكيل الظلم – علي الر غم‬
‫من أخطائه – لمجرد اهتمامه بمستقبله ) لو ‪. ( 8 : 16‬‬
‫*******‬
‫ل تيأس إن كان عملك الروحي ضعيفا ً وثمرك قليل ‪ً.‬‬
‫ل تقل " ل فائدة ‪ .‬أنا لم أعمل شيئا ً " وتيأس بسبب ذلك ‪ .‬واعلم أن‬
‫الله ل ينبس أي عمل بسيط ‪ ،‬ربما تكون أنت قد عملته ونسيته ‪ .‬إنه‬
‫لم ينس لملكة التيمن أنها سافرت لتسمع حكمة سليمان ‪ .‬وبسبب‬
‫هذا العمل الذي يبدو بسيطا ً ‪ ،‬قال إنها ستقوم في يوم الدين وتدين‬
‫ذلك الجيل ) متي ‪. ( 42 : 12‬‬
‫*******‬
‫انظر في اهتمام الرب بالعمل الصغير ‪ ،‬قول القديس ذهبي الفم ‪:‬‬
‫إن الله يجول طاليا ً سببا ً لخلصك ‪ ،‬ولو دمعة واحدة …‬
‫حقا ً إن الرب يرضي بالقليل مادام بروح طيبة ‪ ،‬ومادام النسان اعجز‬
‫من أن يفعل أكثر ‪ .‬ويأخذ الرب هذا القليل وينمه ويجعله كثيرا ً ‪ .‬فل‬
‫تيأس ‪ ،‬ول تجعل الشيطان يحاربك قائل ً ‪ :‬ماذا فعلت ؟! هوذا الله‬
‫يطلب منك الكمال ) متي ‪! ( 48 : 5‬‬
‫نعم إن الله يطلب الكمال ‪ ،‬ولكنه ل يطلب منك أكثر مما تقدر عليه ‪.‬‬
‫إنه يضع في حسابه لك ‪ :‬امكانياتك وظروفك ‪ .‬وهو يقبل منك التدرج‬
‫‪.‬زز المهم ان تكون سائرا ً في الطريق ‪ ،‬وليس أن تكون وصلت إلي‬
‫نهايته ‪ .‬وهو يعطيك فرصة ويطيل أناته عليك ‪ ،‬لكي يقودك إلي‬
‫التوبة ‪.‬‬
‫ولكن طول أناة الله ل يجعلنا نتهاون ونتكاسل !‬
‫وثمرنا القليل ل يعني أن نرضي به ونكتفي ! كل وإنما نجاهد وننمو ‪،‬‬
‫ولكن في رجاء ‪ ،‬غير يائسين ‪ ،‬بل طالبين من الله أن يقوي ضعفنا ‪،‬‬
‫ويمنحنا النعمة و المعونة لكي نعمل في كل حين ما يرضيه …‬
‫في النسان قسوة ‪ ،‬اما الله ففية حنو ورفق ‪ ،‬ولذلك عندما خير‬
‫داود النبي بين ثلث عقوبات قال عبارته الشهيرة " أقع في يد الله‬
‫ول أقع في يد إنسان لن مراحم الله واسعة ") ‪ 2‬صم ‪( 14 : 24‬‬
‫وهكذا نري أن أيوب الصديق لما وقع في أيدي أصحابه الثلثة ‪،‬‬
‫اشبعوه مذمة واتهاما ً ‪ ،‬حتي قال لهم " حتي متي تعذبون نفسي‬
‫وتستحوقنني بالكلم ؟! هذه عشر مرات أخرزيتموني " ) أي ‪، 2 : 19‬‬
‫‪( 3‬أما الله فهو رؤوف ومتحنن ‪ ،‬ومن أمثلة تحننه ‪.‬‬
‫*******‬

‫تدرج معنا تدرجا ً كبيرا ً من وصايا العهد القديم إلي الكما ل العهد‬
‫الجديد ‪ .‬وقد لم الكتبة و الفريسيين لنهم يحملون الناس أثقال ً‬
‫عسرة الحمل ‪ ،‬وهم ل يريدون أن يحركوها باصابعهم وقال لهم أنهم‬
‫في ذلك قد اغلقوا أبواب الملكوت ‪ ،‬فما دخلوا ول جعلوا الداخلين‬
‫يدخلون ) متي ‪ .( 13 : 4 : 23‬وهكذا نري تلميذ الرب في أول مجمع‬
‫لهم في أورشليم الخاص بقبول المم يقولون " ل يثقل علي‬
‫الراجعين إلي الله من المم ‪ ،‬بل يرسل إليهم أن يمتنعوا عن‬
‫نجاسات الصنام و الزني و المخنوق و الدم ") أع ‪( 20 ، 19 : 15‬‬
‫والقديس بولس الرسول يقول لهل كورنثوس ‪:‬‬
‫" سقيتكم لبنا ً ل طعاما ً ‪ ،‬لنكم لم تكونوا بعد تستطيعون " ) ‪ 1‬كو ‪.( 2 : 3‬‬
‫ومن رأفة الله وعطفه ‪ ،‬إنه حينما يعطي معها قوة لتنفيذها ‪،‬‬
‫فترافقنا نعمته لكيما نستطيع ويعطينا روحه القدوس ليعمل فينا ‪،‬‬
‫لكي نستطيع أن نعمل ‪ .‬والله في رأفته يتراءف علي خليقته كلها ‪،‬‬
‫ليس النسان فحسب ‪ ،‬بل حتي الحيوان و الطبيعة ‪.‬‬
‫أن الله الذي منح النسان راحة في السبت ‪ ،‬اعطي ذلك للحيوان‬
‫أيضا ً ‪ ،‬فقال " وأما اليوم السابع فسبت للرب إلهك ‪ ..‬ل تعمل فيه‬
‫عمل ً ما ‪ ،‬أنت وأبنك و أبنتك و عبدك وامتك ن وثورك ‪ ،‬وحمارك وكل‬
‫بهائمك ") تث ‪. ( 14 : 5‬‬
‫*******‬
‫ً‬
‫ولم يهتم فقط براحه الحيوان بل براحة الرض أيضا ‪.‬‬
‫فقال ‪ :‬ست سنين تزرع أرضك وتجمع غلتها … وأما في السابعة‬
‫فتريحها و تتركها " ) خر ‪ ، 11 ، 10 : 23‬ل ‪ .( 5 -3 : 25‬وعلي الرغم‬
‫من التشديد في حفظ السبت ‪ ،‬وعدم العمل فيه ‪ ،‬قال الرب " من‬
‫منكم يسقط حمارة أو ثورة في بئر ‪ ،‬ول ينشله حال ً في يوم‬
‫السبت ؟! " ) لو ‪ ( 5 : 14‬وقال ايضا ً " من منكم له خروف واحد ‪.‬‬
‫فإن سقط هذا في السبت في حفرة ‪ ،‬افما يمسكه ويقيمه ؟! "‬
‫) متي ‪ ( 1 : 12‬وقال كذلك لمن لمه علي ابراء المرأة المنحنية في‬
‫يوم السبت ‪ " ،‬يا مرائي ‪ ،‬أل يحل كل واحد منكم في السبت ثورة او‬
‫حمارة من المذود ويمضي به ويسقيه ( ) لو ‪. ( 5 : 13‬‬
‫هكذا جعل انقاذ أو إطعام ثور أو حمار أو خروف استثناء واجبا ً من وصية عدم‬
‫العمل في السبت ‪.‬‬
‫ومن شفقته علي الحيوان أيضا ً قال " ل تطبخ جديا ً بلبن امه ") خر‬
‫‪ ، 19 : 23‬ثت ‪ ( 21 : 14‬وقال أيضا ً " ل تكلم ثورا ً دراسا ً ") ‪ 1‬كو ‪: 9‬‬
‫‪ . ( 9‬وحتي ا؟لن الثور أثناء الدراسة ل يكمم ‪ ،‬بل يمد فمه ويأكل‬
‫كيفما يشاء ‪ ،‬ومن اهتمام الله بالعطف علي الحيوان ‪ ،‬قال أيضا ً ‪:‬‬
‫" ل تحرث علي ثورك وحمار معا ً ") تث ‪. ( 10 : 22‬‬
‫ذلك لنهما ليسا بقوة واحدة فإن اسرع الثور سيرهق الحمار و الله‬
‫يشفق علي هذا الحمار من الرهاق ‪ .‬وهكذا عندما دخل السيد‬
‫المسيح إلي أورشليم ركب علي أتان وجحش إبن اتان ) متي ‪: 21‬‬
‫‪ ( 5‬حتي يريحهما في الطريق ‪ ،‬إذ يستبدلهما ‪ ،‬فيركب علي الواحد‬
‫ويريح الخر وظهرت شفقة الرب علي الحيوان باشفاقه علي حمار‬
‫بلعام و توبيخه بلعام علي ضرب حماره ظلما ً ") عد ‪. ( 32 : 22‬‬
‫*******‬
‫وظهرت شفقة الرب حتي علي العصافير ‪ :‬يحميها ويقيتها ‪.‬‬
‫وهكذا يقول " أليس عصفوران يباعان بفلس ‪ ،‬وواحد منهما ل‬
‫يسقط علي الرض بدون أبيكم ؟" ) متي ‪ (29 : 10‬أي بدون سماح‬
‫منه ل يسقط عصفور … ويقول أيضا ً " انظروا إلي طيور السماء ‪،‬‬
‫إنها ل تزرع ول تحصد ول تجمع إلي مخازن وأبوكم السماوي يقوتها‬
‫") متي ‪ ( 26 : 6‬وليست هي فقط بل يقول المزمور ‪:‬‬
‫" يعطي البهائم طعامها ‪ ،‬وفراخ الغربان التي تدعوه ") مز ‪. ( 9 : 147‬‬
‫حتي فراخ الغربان يارب ؟! نعم ‪ .‬فالغربان أيضا ً ذكرها الكتاب وكانت‬
‫لها رسالة ! إيليا النبي في وقت المجاعة ‪ ،‬كانت الغربان تأتيه بطعام‬
‫‪ 1 0‬مل ‪ ( 6 -4 : 17‬وهكذا كان يحدث مع النبا بول السائح ‪ ،‬وكما‬
‫اهتم الرب بالطيور ‪ ،‬والعصافير و البهائم " اهتم أيضا ً بالخروف‬
‫الضال وبحث عنه حتي وجده ") لو ‪. ( 15‬‬
‫واهتم الله بالحيوانات و بالطيور في فلك أبينا نوح !‬
‫ادخلها جميعها في الفلك ‪ ،‬ولم يهمل أحدا ً منها حتي الحشرات و‬
‫الهوام ن استبقي لها حياة لتعيش ن وكان أبونا نوح يقدم لها‬
‫الطعام كل يوم … إن في ذلك لعجبا ً ‪ ...‬أقصد هذا العطف العجيب ‪.‬‬
‫*******‬
‫وكما يشفق الله علي الحيوان فيمنحه حماية من الطبيعة ومن الفتراس ‪.‬‬
‫الدب القطبي ‪ ،‬او الثعلب القطبي ‪ ،‬يعيش الواحد منهما في جو بارد‬
‫جدا ً ‪ ،‬لذلك يمنحه الله فراء ثمينا ً لتدفئته ‪ ،‬تشتهيه النساء الثريات ‪،‬‬
‫وتدفع في شرائه ثمنا ً وفيرا ً ‪ ،‬أما حيوانات البلد الحارة فل تحتاج‬
‫إلي فراء فيعفيها الرب منه … ولن الجمل يعيش في الصحراء ‪،‬‬
‫لذلك يعطيه الله قوة عجيبة يتحمل بها العطش و الجوع ‪ ،‬ويعطي‬
‫نفس القوة علي الحتمال للنخلة في الصحراء‪.‬‬
‫*******‬
‫وكما يعطي الحيوانات المفترسة مخالب وأنياب لتعيش كذلك يعطي الحيوانات‬
‫الضعيفة وسيلة للهرب ‪.‬‬
‫السد اقوي من الغزال ‪ ،‬يستطيع أن يفترسه ‪ .‬ولكن الرب يعطي‬
‫الغزال قوة عجيبة في الجرى ‪ ،‬يمكنه أن يهرب من السد ‪ ،‬كذلك‬
‫الكلب يستطيع ان يفترس القط ‪ .‬ولكن الرب يعطي القط القدرة‬
‫التي يمكنه بها القفز علي الشجار و الجدران فينجو من الكلب ‪...‬‬
‫وبنفس الطريقة يعطي العصافير خاصية الطيران فتنجو ‪ ،‬كما يعطي‬
‫الفأر القدرة علي الحفر و الختباء ‪ ،‬فينجو … ما أعجب شفقة الله ‪.‬‬
‫*******‬
‫أنظروا جمال الصوت الذي يعطيه الرب للبلبل و للطيور المغردة ‪...‬‬
‫انظروا جمال الشكل الذي يعطيه الرب للطاووس ‪ ،‬بل للفراشة ‪،‬‬
‫أنظروا جمال الرائحة التي يعطيها الرب للورود و الفل والياسمين ن‬
‫والزهار العطرة ‪ .‬تأملوا القدرات العجيبة التي يعطيها الله للنحلة‬
‫في صنع بيوتها بهندسة دقيقة ‪ ،‬وفي صنع الشهد من الرحيق ‪ ،‬بل‬
‫في صنع غذاء الملكات ‪ ،‬كل ذلك الذي يأخذه البشر منها طعاما ً ودواء‬
‫‪ ...‬بل تأملوا النملة في نشاطها وحركتها الدائبة … إن الله يعطي‬
‫خليقته من هذه الصفات ما يكون أمثولة أمام النسان يشتهي ان‬
‫يحاكيها ‪.‬‬
‫وإن كان هذا عطف الله علي مخلوقاته ‪ ،‬فكم بالولي علي النسان ‪.‬‬

‫يكفي أن الله أوجده بطبيعته ممتازة ‪ :‬له عقل وروح واردة ‪ .‬له العقل الذي‬
‫استطاع أن يصل إلي الختراع ‪ ،‬ويصنع القمار الصناعية وسفن‬
‫الفضاء ويصل إلي القمر ‪ ،‬ويمشي في الجو في مناطق انعدام‬
‫الوزن … واعطاه الراده الحرة التي يمكنه بها أن يفعل ما يشاء …‬
‫واعطاه الذكاء لكي يفهم … ولم يشأ الله أن ينزع الذكاء حتي من‬
‫الشرار الذين يعصونه ‪ ...‬وفوق المواهب الطبيعية ‪ ،‬أعطي الله‬
‫لبعض البشر مواهب فائقة للطبيعة وقدرة علي صنع المعجزات ‪،‬‬
‫بقوة منه … ما أعجب ما قيل إن النسان خلق علي صورة الله‬
‫ومثالة ) تك ‪. ( 1‬‬
‫*******‬
‫ومنح الله للنسان الخلود و الحياة البدية ‪.‬‬
‫منحه ان تكون له حياة دائمة في ملكوته بعد قيامة الجسد من‬
‫الموت ‪ ،‬ووعده بالنعيم البدي‬
‫في عشرة الله وملئكته ‪ ،‬في أورشليم السمائية " مسكن الله مع‬
‫الناس ") رؤ ‪ . ( 3 : 21‬وقال للبرار " حيث أ كون أنا ‪ ،‬تكونون أنتم‬
‫أيضا ً ) يو ‪ ( 4 : 13‬بل وعد الذين يحبونه بأن يتمتعوا بحياة عجيبة في‬
‫البدية ‪ ،‬يكفي أنها قيل عنها " ما لم تره عين ‪ ،‬ولم تسمع به إذن ‪،‬‬
‫ولم يخطر علي بال إنسان ‪ ،‬ما أعده الله للذين يحبونه ") ‪ 1‬كو ‪9 : 2‬‬
‫(‪.‬‬
‫*******‬
‫ومن محبة الله للبشر أنه دعاهم ابناءه ‪:‬‬
‫وفي هذا يقول القديس يوحنا الرسول " انظروا أيه محبة أعطانا‬
‫الب ‪ ،‬أن ندعي اولد الله " ) ‪ 1‬يو ‪ . ( 1 : 3‬وأعطانا أن نصلي له‬
‫قائلين " ابانا الذي في السموات ) متي ‪ ( 6‬بل أنه يقول " ل أعود‬
‫أسميكم عبيدا ً … بل سميتكم عبيدا ً … بل سميتكم أحباء ") يو ‪: 15‬‬
‫‪. ( 15‬‬
‫وهكذا جعل الله الرابطة التي تربطنا به هي رابطة الحب ‪.‬‬
‫وقيل إنه " أحب خاصته الذين في العالم ‪ ،‬أحبهم حتي المنتهي ") يو‬
‫‪ . ( 1 : 13‬وشبه هذا الحب بمحبة الب لبنيه ‪ ،‬وهكذا قال داود النبي‬
‫في المزمور ‪ ":‬كما يتراءف الب علي البنين ‪ ،‬يتراءف الرب علي‬
‫خائفيه ") مز ‪ ( 13 : 103‬بل وصل الحب إلي أن لقبنا الله بعروس له‬
‫‪ ،‬ووصف حبه لنا بطريقة رمزية في سفر نشيد الناشيد ‪.‬‬
‫*******‬
‫ووصلت محبة الله للنسان إلي حد البذل و الفداء ‪...‬‬
‫" هكذا احب الله العالم حتي بذل إبنه الوحيد ‪ ،‬لكي ل يهلك كل من‬
‫يؤمن به ‪ ،‬بل تكون له الحياة البدية ") يو ‪ ( 16 : 3‬وقال السيد‬
‫المسيح " أنتم احبائي إن فعلتم ما أوصيتكم به " ‪ " ،‬وليس لحد‬
‫أعظم من هذا ‪ ،‬أن يضع احد نفسه لجل احبائه " ) يو ‪( 13 ، 14 : 15‬‬
‫وبسبب هذا الحب و البذل و الفداء ‪ ،‬كان التجسد واخلء الذات ) في‬
‫‪ ( 7 : 2‬وقيل عنه في فدائه لنا " كلنا كغنم ضللنا ‪ ،‬ملنا كل واحد إلي‬
‫طريقه ‪ .‬والرب وضع عليه إثم جميعا ً " ) أش ‪. ( 6 : 53‬‬
‫*******‬
‫ومن محبة الله لنا … اعطانا طريق التوبة لمغفرة الخطايا ‪.‬‬
‫فلم يمسكنا في خطايانا ليعاقبنا عليها ‪ ،‬غنما فتح لنا طريقا ً للخلص‬
‫بالتوبة ‪ .‬وقيل في الكتاب ‪ ":‬إن الله أعطي المم ايضا ً التوبة للحياة‬
‫" ) أع ‪ ( 18 : 11‬بل قال أيضا ً ‪ " :‬هكذا يكون فرح في السماء بخاطي‬
‫واحد يتوب أكثر من تسعة وتسعين بارا ً ل يحتاجون إلي توبة … إن‬
‫الله يتوبنا فنتوب ") ار ‪ ( 18 : 31‬بل " يقودنا في موكب نصرته ")‬
‫‪ 2‬كو ‪. ( 14 : 2‬‬
‫*******‬
‫ومن عطف الله علي النسان انه منحه الوحي اللهي ‪.‬‬
‫وهكذا " كلم الله الباء بالنبياء بأنواع وطرق شتي ") عب ‪( 1 : 1‬‬
‫ومنح البشرية وصاياه وتكلم مع موسى النبي فما ً لذن كما تكلم‬
‫أيضا ً مع ابراهيم …‪ .‬وأعطانا الله الشريعة المكتوبة " تكلم بها أناس‬
‫الله القديسون مسوقين من الروح القدس ") ‪ 2‬بط ‪ . ( 21 : 1‬وهكذا‬
‫علمنا الرب طرقه ‪ ،‬وفهمنها سبله وانار بصائرنا حتي ل نضل‬
‫الطريق ‪.‬‬
‫*******‬
‫بل جعل الله روحه فينا ‪ ..‬وجعلنا مسكنا ً لروحه القدوس ‪.‬‬
‫وفي هذا يقول القديس بولس الرسول " اما تعملون أنكم هيكل الله‬
‫‪ ،‬وروح علي الناس وفي الناس صار روح الله يعمل فيهم ‪ ،‬وصارت‬
‫لهم ثمار الروح ) غل ‪ ( 23 ، 22 : 15‬وصارت لهم ثمار الروح ) غل‬
‫‪ ( 23 ، 22 : 15‬وصارت لهم ايضا مواهب الروح المتعددة ) ‪ 1‬كو ‪( 12‬‬
‫و الدخول في شركة الروح القدس ) ‪2‬كو ‪ ( 14 : 13‬بل صاروا "‬
‫شركاء الطبيعة اللهية " ) ‪ 2‬بط ‪ ( 4 : 1‬أي يشتركون معها في عمل‬
‫الخلص … شركاء في العمل ‪ ،‬وليس في الجوهر أو الطبيعة طبعا ً‬
‫*******‬
‫ومن عطف الله علي النسان ان منحه البركة و النعمة ‪.‬‬
‫وبركات الله ل تحصي ‪ ،‬أما نعمته فهي موضوع طويل ‪ ،‬قد احدثكم‬
‫عنه باستفاضة فيما بعد ‪ .‬وبدأت بركة الله للنسان منذ أن خلقه ‪،‬‬
‫وتتابعت البركة علي الباء والبرار ‪ ،‬بل قيل لبينا ابراهيم "‬
‫أباركك ‪ ..‬وتكون بركة " ) تك ‪ ( 2 : 12‬وهكذا سمعنا عن البركة التي‬
‫منحها الباء لبنائها …ز‬
‫*******‬
‫ومن عطف الله علي النسان الحفظ و التدبير وخدمة الملئكة ‪.‬‬
‫ً‬
‫جميع ومعز ما قيل ‪.‬عن الملئكة " أليسوا جميعهم أرواحا خادمة‬
‫مرسلة للخدمة لجل العتيدين ان يرثوا الخلص ") عب ‪( 14 : 1‬‬
‫وعمل الملئكة في انقاذ البشرية الله في السماء ") متي ‪( 30 : 22‬‬
‫وتسمي بعض البشر ملئكة ) رؤ ‪ ( 3 ، 2‬مثل يوحنا المعمدان ) مر‬
‫‪ ( 2 : 1‬وما أجمل ما يقال عن الملك الحارس ‪.‬‬
‫*******‬
‫ومن عطف الله معنا في التجارب ‪.‬‬
‫ل يجربنا فوق ما نطيق ‪ ،‬ويعطي مع التجربة الحتمال ‪ ،‬ويعطي معها‬
‫المنفذ ‪ ،‬واكاليل وبركات المهم أن نقابل محبة الله وعطفه ‪،‬‬
‫بمحبة ‪ ،‬ول يقودنا عطفه إلي اللمبالة ‪.‬‬
‫ألقيت هذه المحاضرة في الكاتدرائية الكبري بالقاهرة مساء الجمعة‬
‫‪1977 / 6 / 3‬‬
‫أريد أن أقرأ لكم عبارة قالها الرب لبينا يعقوب أبي الباء ونأخذها‬
‫مجال ً لتأملنا … قال له الرب ‪:‬‬
‫" وها أنا معك ‪ ،‬وأحفظك حيثما تذهب "‪ " .‬وأردك إلي هذه الرض "‪.‬‬
‫" لني ل أتركك ‪ ،‬حتي أفعل ما كلمتك به " ) تك ‪( 15 : 28‬‬
‫*******‬

‫يعقوب أبو الباء ‪ ،‬كان خارجا ً من بيت أبيه ‪ ،‬خائفا ً من أخيه عيسو ‪.‬‬
‫وكان سائرا‬
‫في الطريق ‪ ،‬ول يعرف ماذا ينتظره ‪ .‬كل ما كان يعرفه ‪ ،‬أنه وضع‬
‫أمامه نصيحة أمه رفقة التي له ‪ ":‬هوذا عيسو أخوك متسل أخوك‬
‫متسل من جهتك بأنه يقتلك … قم أهرب إلي أخي لبان إلي حاران ‪،‬‬
‫وأقم عنده أياما ً قليلة ‪ ،‬حتي يرتد سخط أخيك ‪ ،‬حتي يرتد غضب‬
‫أخيك ‪ ،‬حتي يرتد غضب أخيك عنك ‪ ) "..‬تك ‪ . ( 45 ، 43 : 27‬وفيما‬
‫هو هارب من أخيه المزمع أن يقتله ‪ ،‬طمأنه الرب بقوله ‪ ":‬ها أنا‬
‫معك ‪ ،‬وأحفظك حيثما تذهب ن وأردك إلي هذه الرض "‪.‬‬
‫إنه حنو من الحفظ اللهي ‪.‬‬
‫ً‬
‫إلهنا الحنون الطيب ‪ ،‬يرافق إنسانا في هربه ‪ ،‬ليحفظه ‪ ،‬حيثما‬
‫يذهب ‪ ،‬ويكون معه ‪ ،‬ويرده إلي أرضه ‪ .‬ويظهر حنو الله وحفظة في‬
‫هذه القصة ‪ ،‬مما يأتي ‪:‬‬
‫كان عمل الله رجاء مقدما ً لنسان ضعيف عاجز ‪:‬‬
‫• فأبونا يعقوب ما كان قادرا ً أن يحمي نفسه ‪.‬‬
‫• وكان أضعف من عيسو بكثير ‪ ،‬وعدوه كان قادرا ً علي قتله ‪.‬‬
‫• وما كان يعقوب قادرا ً أن يحفظ نفسه في الطريق ‪ ،‬ول أن‬
‫يرجع بقوته إلي تلك الرض … وهنا تدخل الله ‪ ،‬إله الضعفاء‪،‬‬
‫ليحفظ ويحمي ويرد‬
‫هناك عمل إلهي في حياة كل إنسان …‬
‫• عمل إلهي مصحوب بمواعيد ‪ ،‬تعطي رجاء للنفس المتعبة …‬
‫وسنحاول أن نتتبع أمثلة لهذا العمل اللهي ‪ ،‬وهذا الحفظ‬
‫اللهي ‪ ،‬كما يبدو قصص الكتاب المقدس ‪.‬‬
‫*******‬
‫• حينما أخذ شعب الله مسبيا ً إلي بابل وإلي آشور ‪ ،‬وكانوا هناك‬
‫مستعبدين ‪ ،‬أسري الحرب ‪ ،‬عاجزين عن حماية أنفسهم … وقد‬
‫ملكتهم الكآبة ‪ ،‬وعلقوا قيثاراتهم علي أشجار الصفصاف ‪ ،‬ورددوا‬
‫قول المزمور ‪ " :‬علي أنهار بابل هناك جلسنا ‪ ،‬فبكينا حينما‬
‫تذكرنا صهيون ") مز ‪ . ( 1 : 136‬هنا تدخل الله ‪ ،‬وهمس في إذن‬
‫الشعب بكلمة رجاء ‪ ،‬قال له فيها ‪ ":‬ها أنا معك ‪ .‬وأحفظك حيثما‬
‫تذهب ‪ ،‬وأردك إلي هذه الرض "… وقد كان ‪:‬‬
‫عادوا من المسبي ‪ ،‬وبنوا أسوار أورشليم المهدمة ‪ ،‬وأصلحوا أبوابها المحروقة‬
‫بالنار ‪ ،‬وردهم الرب إلي تلك الرض ‪..‬‬
‫• وقد شرح نحيما في فرح عظيم قصة هذا الرجوع ‪ ،‬وعمل الله‬
‫معه فيه ‪ .‬وكما نفذ الله وعده لفرد واحد هو يعقوب ‪ ،‬نفذ أيضا ً‬
‫نفس الوعد لشعب بأكمله …‬
‫*******‬
‫* هناك شخص آخر ‪ ،‬كانت حالته أسواء ‪ ..‬هو أبونا آدم ‪:‬‬
‫• أخطأ أبونا آدم وكسر الوصية ‪ .‬وطرده الرب من الجنة ‪ .‬وقال‬
‫له بالتعب تأكل من الرض كل أيامك ‪ .‬ووضع الرب الكاروبيم‬
‫بلهيب سيف متقلب لحماية شجرة الحياة ‪ ،‬حتي ‪ ،‬حتي ل يأكل‬
‫منها آدم ول حواء ‪ .‬وأغلقت أبواب الفردوس أمامها ) تك ‪… ( 3‬‬
‫وماذا بعد؟وسط كل هذا المتعب ‪ ،‬ومع هذه العقوبة وهذا الطرد ‪،‬‬
‫كان نفس الوعد اللهي مقدما ً لبينا آدم " ها أنا معك ‪ ،‬وأحفظك‬
‫حيثما تذهب ‪ ،‬وأردك إلي هذه الرض "… ومتي رده الرب إلي‬
‫الفردوس ؟… كان ذلك بعد أكثر من خمسة آلف سنة ؟… ليكن ‪..‬‬
‫• إن وعد الله قائم ‪ ،‬مهما طالت اليام عليه ‪ ..‬لقد مرت آلف‬
‫السنوات ‪ ،‬انقضت وأختفت ‪ .‬ولكن لم تمر أبدا ً ولم تختف عن نظر‬
‫أحد من الباء ‪ ، ،‬تلك العبارة المعزية " ها أنا معك … وأردك إلي‬
‫هذه الرض "‪.‬‬
‫ورقدوا جميعهم علي رجاء ‪..‬‬
‫• يرتل كل منهم عبارة المزمور " وأنا أؤمن أني أعاين خيرات‬
‫الرب في أرض الحياء ‪ .‬انتظر الرب ‪ ) "..‬مز ‪ . ( 13 : 27‬إن‬
‫عقوبة الله لم تستمر ‪ ...‬الله ل يغضب إلي البد ‪ ،‬ول يحقد إلي‬
‫الدهر ) مز ‪ . ( 9 : 103‬لقد طرد آدم لنه أخطأ ‪ .‬ولكنه مع‬
‫الطرد ‪ ،‬أعطاه الوعد بالخلص … وعندما سمر ربنا يسوع المسيح‬
‫علي الصليب ‪ ،‬وحمل جميع خطايانا ‪ ،‬ودفع الثمن كامل ً للعدل‬
‫اللهي ‪ ،‬ماذا حدث ؟‬
‫• فتح الرب أبواب الفردوس ‪ ،‬ورد آدم إلي تلك الرض ورد معه جميع بنيه‬
‫‪ ،‬الذين رقدوا علي رجاء ‪ ،‬وكذلك اللص اليمين الذي مات علي‬
‫رجاء الوعد اللهي " اليوم تكون معي في الفردوس "‪ .‬ونحن‬
‫نسبح الرب ونقول له ‪:‬‬
‫صادقة يار ب هي مواعيدك ‪ .‬وحقيقي كل رجاء تقدمه ‪.‬‬
‫ً‬
‫حينما تقول لحد " أردك إلي هذه الرض ‪ ،‬لبد أن ترده فعل ‪.‬‬
‫يعقوب أبو الباء ‪ ،‬مرت عشرون سنة ‪ ،‬ورددته إلي أرضه ‪ .‬والشعب‬
‫المسبي ‪ ،‬مرت سبعون سنة ورددته ‪ .‬إلي الفردوس ‪ .‬مواعيد الله لبد‬
‫أن تنفذ ‪ .‬ل يهم بعد عشرين سنة ‪ ،‬أو سبعين ‪ ،‬أو خمسة آلف … المهم أن‬
‫يحقق الله وعده ‪ ،‬في الموعد الذي يحدده وفي محبة وقوة ‪ ،‬يرد تلك‬
‫النفس التي وعدها وهنا تظهر قوة العمل اللهي في حياة الفرد ‪،‬‬
‫أو الجماعة ‪ .‬ونلحظ ملحظتين في هذه المثلة الثلثة التي‬
‫ذكرناها ‪.‬‬
‫هذه المثلة الثلثة تدور حول نفوس كانت عاجزة ‪ ،‬وأيضا ً خاطئة …‬
‫ل شك أن أبانا يعقوب كان عاجزا ً عن رد نفسه إلي أرضه ‪ .‬وكذلك‬
‫الشعب في السبي ‪ .‬وأيضا ً آدم كان في عجز مطلق عن رد نفسه‬
‫إلي الفردوس … وهذه المثلة الثلثة ‪ ،‬تدور حول نفوس قد أخطأت‬
‫إلي الرب ‪ ،‬وبالتالي ما كانت مستحقة لوعوده … آدم معروفة خطيته‬
‫أو خطاياه العديدة )‪ . ( 1‬ويعقوب خدع أباه الضرير ‪ ،‬وأخذ البركة‬
‫بالغش والحتيال ‪ ،‬كما سبق أن أخذ البكورية من أخيه باستغلل اعياء‬
‫أخيه في جوعه ‪ .‬وشعب إسرائيل كان قد وقع في عبادة الصنام ‪،‬‬
‫مع خطايا أخري كثيرة جدا ً أغضب بها الرب ‪ ،‬حتي دفعه إلي أيدي‬
‫أعدائه ‪.‬‬
‫*******‬
‫ولكن الله ل يعطي مواعيده وحفظه للبرار فقط ‪..‬‬
‫حتي الخطاة أيضا ً ‪ ،‬ل يسقطهم الرب من رعايته وحفظه ‪ ..‬ولو كان‬
‫الخطاة محرومين من عناية الله ‪ ،‬ما خلص أحد … ولكن الرب جاء‬
‫ليطلب ويخلص ما قد هلك ‪ ..‬وقد أعلن أن المرضي هم الذين‬
‫يحتاجون إلي طيب ‪ ،‬وليس الصحاء ‪ .‬وأنه جاء ليدعو الخطاة – وليس‬
‫البرار – إلي التوبة‬
‫ما أكثر وعود الرب للخطاة ‪ ،‬بردهم إلي تلك الرض ‪..‬‬
‫________________ ) ‪ ( 1‬أنظر كتابنا آدم وحواء‬
‫حتي في سقوط النسان وفي خطيئته ‪ ،‬يقول له الرب ‪ :‬أنا معك ‪،‬‬
‫وأردك إلي هذه الرض ‪ ،‬أرض الحياء ‪.‬‬
‫الخروف الضال الذي خرج من الحظيرة وتاه ‪ ،‬ولم يعرف يعيد نفسه‬
‫إلي حظيرته ‪ ،‬قال له الرب أيضا ً ‪ :‬ل تخف ‪ ،‬انا معك ‪ ،‬واحفظك حيثما‬
‫تذهب ‪ ،‬واردك إلي هذه الرض " ‪ .‬وفعل ً حمله علي منكبية فرحا ً ‪،‬‬
‫وأعاده إلي حيث كان ‪ .‬والدرهم المفقود أيضا ً ‪ ،‬ما كان بقدرته أن‬
‫يرجع إلي جيب صاحبه أو صندوقه ولكن الرب كان معه ‪ ،‬وحفظه‬
‫ورده إلي تلك الرض ‪.‬‬
‫*******‬
‫ولنا مثل آخر ‪ ،‬في قصة يونان النبي ‪:‬‬
‫يونان بخطيئته القي في البحر ‪ ،‬وبخطيئته ابتلعه الحوت ‪ ..‬وظل في‬
‫بطن الحوت ‪.‬‬
‫من الذي يقدر أن يخرجه ؟! ولكنه في بطن الحوت ‪ ،‬صلي إلي الدرب‬
‫‪ ،‬لكي يعود فيري هيكل قدسه ‪ .‬ونظر الله إليه وهو في جوف الحوت‬
‫وقال له ‪ :‬ل تخف ‪ .‬ها أنا معك ‪ ،‬وأردك إلي تلك الرض … وقد كان ‪..‬‬
‫*******‬
‫عجيب هو الله ‪ .‬كل شئ مستطاع عنده …‬
‫حتي ما يبدو مستحيل ً أو غير مستطاع ‪ ،‬عند الناس …‬
‫• هل كان يجول في ذهن الثلثة فتية ‪ ،‬وهو يلقون في أتون النار‬
‫‪ ،‬أنهم سيعودون مرة أخري إلي بيوتهم ؟! ولكن في وسط النار ‪،‬‬
‫كان الرب يهمس في أذن كل واحد منهم " أنا معك … وأردك إلي‬
‫هذه الرض "‪.‬‬
‫• ودانيال أيضا ً ‪ ،‬وهو في جب السود ‪ ،‬ملقي في وسط السود‬
‫الجائعة ‪ ،‬يقول له الرب نفس العبارة ‪ ..‬وفعل ً ‪ ،‬أخرج الله دانيال‬
‫سالما ً من الجب وأخرج الثلثة فتية من أتون النار كما سبق وأخرج‬
‫يونان من جوف الحوت وردهم جميعا ً … حقا ً عجيب هو الرب !‬
‫عجيب في محبته ‪ ،‬وفي حفظه ‪ ،‬وعجيب في عمله اللهي !‬
‫عجيب في كل مرة قال فيها لحد أحبائه ‪ :‬أنا معك ‪ ،‬وأردك إلي‬
‫هذه الرض ‪.‬‬
‫*******‬

‫علي أن هذه العبارة ‪ ،‬يمكن أن تؤخذ بطريقة روحية أخري ‪ .‬ولنبدأ ببطرس‬
‫الرسول كمثال ‪.‬‬
‫ً‬
‫• إنه بعد أن أنكر السيد المسيح ‪ ،‬بكي بكاء مرا ‪ ،‬إذ شعر أنه قد‬
‫أنفصل عن الرب وعن محبته ‪ .‬وانفضل عن باقي الرسل ‪ ،‬وعن‬
‫الخدمة وكل العمل الرعوي … ول شك أنه قد زنت في اذنيه عبارة‬
‫الرب " من أنكرني قدام الناس ‪ ،‬ينكر قدام ملئكة الله " ) لو‬
‫‪ . ( 9 : 12‬ولكن الرب عزاه بنفس العبارة ‪ ،‬التي سبق فعزي بها‬
‫أبانا يعقوب " أنا معك وأردك ‪ ."..‬ولكن كيف رده الرب ‪ ،‬ومتي ؟‬
‫حينما ظهر له ‪ ، ،‬وقال له في حنو " إرع غنمي ‪ .‬وارع خرافي‬
‫") يو ‪ … ( 15 : 21‬وحينئذ شعر بطرس أن الرب قد رده إلي‬
‫جماعة الرسل ‪..‬‬
‫*******‬
‫• وداود النبي ‪ ،‬حينما زني وقتل ن وسقط من ذلك العلو العظيم الذي كان‬
‫فيه ‪ .‬ولعله كانت في فكره عبارة أوريجانوس ] أيها البرج العالي ‪،‬‬
‫كيف سقطت ؟![ وبكي داود بكاء شديد مستمرا ً ‪ ،‬وفي كل ليلة‬
‫كان يبلل فراشة بدموعه ‪ ،‬ولكن إلهنا الحنون الطيب ‪ ،‬لم يتركه‬
‫وحيدا ً في أحزانه ‪ ،‬بل قال له ‪ " :‬أنا معك ‪ ،‬وأردك إلي تلك الرض‬
‫"‪..‬‬
‫أردك إلي أرض التوبة و النقاوة ‪ ،‬والمصالحة مع الله ‪ .‬واستطاع الرب أن يرد‬
‫داود ‪ ،‬وأن يغسله فيبيض أكثر من الثلج ‪ ،‬وأن يرد له بهجة خلصه ) مز ‪( 12 : 51‬‬
‫‪.‬‬
‫*******‬
‫وبنفس الوضع رد الرب شمشون بعد سقوطه ‪..‬‬
‫ولعله بنفس الوضع أيضا ً رد سليمان بن داود ‪ ،‬الذي قال له عنه ‪":‬‬
‫إن تعوج اؤدبه … ولكن رحمتي ل تنزع منه ‪ ،‬كما نزعتها من شاول ")‬
‫‪ 2‬صم ‪. ( 15 ، 14 : 7‬‬
‫لقد مر وقت علي داود ‪ ،‬ظن أنه ل خلص ‪..‬‬
‫وهكذا صرخ إلي الرب قائل ً ‪ ":‬يارب لماذا كثر الذين يحزنونني ؟‬
‫كثيرون قاموا علي كثيرون يقولون لنفسي ‪ :‬ليس له خلص بإلهه ")‬
‫مز ‪ . ( 3‬ووسط هذه الفكار التي يزرعها الشياطين ‪ ،‬تبدو وعود‬
‫الرب مملوءة رجاء " أنا معك ‪ ،‬وأردك إلي هذه الرض " …‬
‫هذه العبارات هي أقوي سلح في التوبة و الرجوع … كثيرين أنهم يظنون‬
‫بأنهم سيعودون إلي الله ‪ ،‬بقوة إرادتهم ‪ ،‬وبعزيمتهم ‪ ،‬وبصدق‬
‫عزمهم علي الرجوع ‪ ،‬دون أن يضعوا العامل اللهي في قصة‬
‫عودتهم إلي الله !!‬
‫كل ‪ ،‬صدقوني … فلو كان النسان الخاطئ هو الذي يعيد نفسه إلي الله ‪ ،‬ما عاد‬
‫أحد …‬
‫إنما النسان يصرخ إلي الله ‪ :‬توبني فأتوب ‪ ،‬خلصني فإخلص ) أر ‪17‬‬
‫‪ . ( 14 :‬والسيد المسيح يقول في وضوح " بدوني ل تقدرون أن‬
‫تعملوا شيئا ً ") يو ‪ . ( 5 : 15‬إن النفس الميالة إلي الخطية ‪ ،‬وكذلك‬
‫الرادة الضعيفة ‪ ،‬وحروب الشياطين و المعطلت الروحية … كل هذه‬
‫تصد النسان ‪ ،‬وتحاول منعه عن الرجوع إلي الله ‪ .‬ولكن نعمة الله‬
‫تقف أمام هذه المعطلت ‪ .‬وصوت الرب يقول في حنو للخاطئ ‪ ":‬ل‬
‫تخف ‪ .‬أنا معك ‪ .‬أحفظك … وأردك إلي تلك الرض "‪.‬‬
‫أنا أردك إلي تلك الرض ‪ ،‬مهما بعدت أنت وضللت …‬
‫ومهما كان يبدو لك أو لغيرك ‪ ،‬أن الخلص بعيد عنك او مستحيل ‪ ،‬أو‬
‫أن التوبة غير ممكنة …‬
‫أنا معك ‪ ،‬عندما يحاربك الشيطان باليأس …‪.‬‬
‫حينما يحاربك عدو الخير ‪ ،‬ويقول لك ‪ :‬أن الخطية لم تعد مجرد عادة‬
‫عندك ‪ ،‬بل صارت طبيعة فيك ‪ .‬ولن تقدرعلي تركها ‪ .‬لقد صارت‬
‫ملتصقة بك ‪ .‬أكثر من التصاق جلدك بلحمك ‪ .‬وصارت تسري فيك‬
‫أكثر من سريان دمك في عروقك …!!ل تخف منه ومن افكاره ‪ ،‬بل‬
‫قل له في ثقة ‪:‬‬
‫أنا لن أرجع إلي الله وحدي ‪ ،‬أو بقوتي …‬
‫هو الله الذي سيردني إليه ‪ ،‬الله الذي قال ‪ " :‬أنا معك ‪ .‬وأحفظك ‪.‬‬
‫وأردك إلي تلك الرض "‪ .‬مادام الله هو الذي يردني ن إذن فغير‬
‫المستطاع عند الناس ‪ ،‬هو مستطاع عند الله ) مر ‪. ( 27 : 10‬‬
‫إن الله يقول لنا في وعوده ‪:‬‬
‫" أعطيكم قلبا ً جديدا ً ‪ ،‬وأجعل روحا جديدة في داخلكم ‪ .‬وأنزع قلب‬
‫ً‬
‫الحجر من لحمكم ‪ ،‬وأعطيكم قلب لحم ‪ .‬وأجعل روحي في داخلكم ‪.‬‬
‫وأجعلكم تسلكون في طرقي وتحفظون أحكامي " ) حز ‪، 26 : 36‬‬
‫‪ . ( 27‬ويقول أيضا ً " هلم نتحاجج – يقول الرب – إن كانت خطاياكم‬
‫كالقرمز ‪ ،‬تبيض كالثلج " ) إش ‪. ( 18 : 1‬‬
‫إنه الرب الذي يعمل العمل كله ‪ ،‬ويردنا إليه …‬
‫*******‬
‫بأنواع وطرق شتي ‪ ،‬يردنا الرب إلي أرضه ‪:‬‬
‫بالحب و الحنان ‪ ،‬يردنا الرب إلي تلك الرض … وإل … فبالشدة و‬
‫العقوبة يردنا ‪ ،‬أو بالتجارب و الضيقات ‪ .‬أو بالتعليم والرشاد…‬
‫أوبصبره علينا وطول أناته ‪ .‬بأيه الطرق … بالوسيلة المناسبة لكل‬
‫نفس علي حدة … المهم ‪ ،‬أنه يخلص علي كل حال قوما ً ‪ .‬لنه يريد‬
‫أن الجميع يخلصون ‪ ،‬وإلي معرفة الحق يقبلون ) ‪ 1‬تي ‪ . ( 4 : 2‬وهو‬
‫ل يسر بموت الخاطئ ‪ ،‬بل بالحري أن يرجع ويحيا ) حز ‪. ( 11 : 33‬‬
‫إنه الرب الراعي الشفوق ‪ ،‬الذي يحافظ علي غنمه ‪ ..‬هو الذي يحنن عليك قلوب‬
‫الناس … وهو الذي يحنن عليك قلوب الناس … وهو الذي من أجلك‬
‫يربط الشيطان ‪ ،‬فل يستطيع أن يؤذيك ‪ .‬هو الذي يحوط حولك من‬
‫كل ناحية ‪ ،‬فتغني وتقول سبحي الرب يا أورشليم ‪ ،‬سبحي إلهك يا‬
‫صهيون لنه قوي مغاليق أبوابك ‪ ،‬وبارك بنيك فيك الذي جعل تخومك‬
‫في سلم ‪ ،‬ويملك من شحم الحنطة ‪ .‬الله هو الذي يقوي مغاليق‬
‫أبوابك ‪ ،‬ويجعل تخومك في سلم ‪ .‬ضع امامك باستمرار ‪ ،‬عمل الله في‬
‫حياتك ‪ ،‬وليس عملك أنت ‪.‬‬
‫ما هو عمل الله في حياتك ؟ ماذا عن يد الله معك ‪ ،‬يمين الله التي‬
‫صنعت قوة التي تمسك بك وتسندك … ماذا يفعل الروح القدس من‬
‫أجلك ؟ وماذا تعمل قوة الله ونعمة ربنا يسوع المسيح من أجلك ؟…‬
‫ماذا تفعل تشفعات الملئكة وصلوات القديسين من اجلك ؟‬
‫أما عملك أنت ‪ ،‬فله المكان الثاني ‪ ،‬أو المكان الخري …‬
‫أما المكان الول ‪ ،‬والمكانة الولي ‪ ،‬فلعمل الله ‪ ،‬ولوعد الله‬
‫القائل ‪ :‬أنا معك ‪ .‬أحفظك ‪ ،‬وأردك إلي تلك الرض ‪.‬‬
‫*******‬
‫ياليت هذا الوعد اللهي ‪ ،‬يكون ثابتا ً في ذاكرتنا ‪:‬‬
‫نضعة امامنا باستمرار ‪ ،‬فنتعزي ونتقوي … كلما تيأس أنه ل خلص ‪،‬‬
‫أو أنه ل فائدة من كل جهادك ‪ ،‬تذكر هذه العبارة اللهية ‪.‬‬
‫كلما يضغط عليك الشيطان ‪ ،‬ويقول أنت في قبضتي !‬
‫أو يقول لك ‪ :‬لن أتركك ‪ ،‬لقد وقعت في يدي ! قل له ‪ :‬ما هي‬
‫قضيتك ؟ وما هي قوتك ؟! أين شوكتك يا موت أين غلبتك يا‬
‫هاوية ؟! ) ‪ 1‬كو ‪ . ( 55 : 15‬هناك الوعد اللهي ‪ " :‬انا معك ‪،‬‬
‫وأحفظك حيثما تذهب "‪.‬‬
‫حسن يارب قولك ‪ .‬ولكن ماذا عن عيسو أخي ؟‬
‫عيسو الشديد القاسي الذي يتهددني ‪ ،‬الذي قال في غضبه " أقوم‬
‫وأقتل يعقوب أخي " ؟ يرد الرب ويقول ‪ " :‬ل تخف ‪ .‬انا معك ‪.‬‬
‫أحفظك حيثما تذهب " ‪ .‬مبارك أنت يارب ‪ ،‬ومبارك هو حنوك ‪ .‬ليكن‬
‫لي كقولك ‪.‬‬
‫*******‬
‫ولتكن قويا ً من الداخل ‪ ،‬مهما أطبقت حولك الضيقات … مهما تآمر عليك‬
‫الشرار‪ ،‬وماجت حولك المياة الكثيرة … مهما تفكرت الشعوب‬
‫بالباطل ‪ ،‬تآمر الرؤساء معا ً علي الرب وعلي مسيحه ‪ ،‬قائلين ‪:‬‬
‫لنقطع اغللهما ‪ ،‬ولنطرح عنا نيرهما ‪ .‬ل تلتفت إلي كل هذا ‪ ،‬بل‬
‫ضع أمامك الوعد اللهي ‪ :‬أنا معك ‪ ،‬واحفظك حيثما تذهب ‪..‬‬
‫حقا ً ‪ ،‬مادامت انت يارب معي ‪،‬فالدنيا بأسرها كل شئ قدامي … هذه الدنيا‬
‫كلها ‪ ،‬كقبض الريح ‪ ،‬كالهباء ‪ ،‬بكل ما فيها من مؤامرات الناس‬
‫الشرار ‪ ،‬وكل الهياج ‪ ،‬وصوت المياة الكثيرة …‬
‫بما فيها من مكر لبان خالي ‪ ،‬الذي غير اجرتي عشر مرات ) تك ‪: 31‬‬
‫‪ . ( 7‬واعطاني ليئة بدل ً من راحيل ) تك ‪ …( 29‬مادام وعدك يارب‬
‫قائما ً أمامي ‪ ،‬فلن أخاف البحر الحمر أن اعترض سبيلي ‪ .‬أنت قادر‬
‫أن تشقه ‪ ،‬وتمهد لي طريقا ً في داخله ‪ ،‬وتقول لي ‪ :‬امش فيه ‪ ،‬وأنا‬
‫معك ‪ ،‬أحفظك حيثما تذهب … حتي إن وقف أمامي جليات الجبار ‪،‬‬
‫وعيرني طول النهار ‪ ،‬وهددني برمحه الذي مثل نول النساجين ‪،‬‬
‫وبسيفه وقوته وشماتته ‪ ..‬أقول له ‪ :‬أنت تأتيني بسيف ورمح ولكن‬
‫الحرب للرب ‪ ،‬فإنا لذلك أتيك ومعي الوعد اللهي القائل ‪ :‬أنا‬
‫معك ‪ ، ،‬احفظك حيثما تذهب …‬
‫*******‬
‫لهذا كله ‪ ،‬كان أولد الله دائما ً فرحين ومطمئنين ‪.‬‬
‫عاشوا بقلب مطمئن في جهادهم الروحي ‪ ،‬وفي كل الحروب‬
‫الروحية ‪ .‬ولم يتعبوا من حروب الشياطين ‪ ،‬ومن صراعهم مع أجناد‬
‫الشر ‪ ،‬قوات هذا العالم المظلم ‪ .‬بل تركوا العالم يضطرب حولهم‬
‫كما يشاء ‪ ،‬وتمسكوا بالوعد اللهي المملوء رجاء وعزاء ‪ .‬وأنت كذلك‬
‫في كل حروبك الروحية ‪ ،‬وفي كل ضيقاتك ومشاكلك ‪ ،‬ل تنظر إلي‬
‫القوي الخارجية التي تحاربك ‪ ،‬ول تفكر من سيقابلك في الطريق و‬
‫يعترضك ‪ .‬بل ركز فكرك ومشاعرك في وعود الله ‪ ،‬التي تشجعك‬
‫وتسندك وتعزيك ‪.‬‬
‫كم انت حنون ياإلهي وطيب …‬
‫وكم هي معزية ‪ ،‬وعودك التي ترافق أولدك طول مسيرتهم في‬
‫غربة هذه الحياة ‪.‬زز كم انت تعمل ‪ ،‬وقوتك الحافظة تعمل … مفرحة‬
‫هي أقوالك ‪ ،‬التي تشجع بها أولدك … لقد كثر العداء حول داود‬
‫النبي ‪ ،‬حتي قال ذات مرة " أكثر من شعر رأسي ‪ ،‬الذين يبغضونني‬
‫بل سبب ") مز ‪ ( 4 : 69‬ز ومع ذلك نراه في كل ضيقاته ‪ ،‬ومع كثرة‬
‫أعدائي ن ينسي كل هذا ويقول للرب ‪ ":‬ناموسك هو درسي "‬
‫) شهاداتك هي تلوتي ") مز ‪. ( 119‬‬
‫أيه شهادات يا داود ‪ ،‬تعزيك في كل ضيقاتك ؟‬
‫يجيب ‪ :‬أنها كثيرة جدا ً ‪ ،‬ولكن تكفيني منها واحدة ‪ ،‬وهي قول‬
‫الرب ‪ ":‬انا معك ‪ ،‬وأحفظك حيثما تذهب ‪ ،‬وأردك إلي هذه الرض "‪.‬‬
‫لست أريد سوي هذه العبارة ‪ .‬ومادمت معي أيها الرب الله ‪،‬‬
‫ومادامت وعودك في فكري ‪ ،‬فلن أخاف شرا ً ‪ ،‬حتي ان سرت في‬
‫وادي الموت ‪ ،‬لنك أنت معي ) مز ‪ . ( 23‬ستجدني كلي شجاعة‬
‫وإيمان ‪ ،‬ورجاء ‪ ،‬بموعدك اللهي ‪ ..‬حقا ً يارب أنك عجيب ‪ .‬وحسن‬
‫قولك لمنوح والد شمشون ‪.‬‬
‫" لماذا تسأل عن أسمي ‪ ،‬وهو عجيب ") قض ‪.( 18 : 13‬‬
‫إنه منظر عجيب حقا ً ‪ ،‬أن نري أولد الله سائرين في طريق الحياة ‪،‬‬
‫ونري الله ممسكا ً بيد كل منهم ‪ ،‬يقول له وهو يشجعه ‪ :‬ها أنا معك ‪،‬‬
‫واحفظك حيثما تذهب …‬
‫*******‬
‫إن قوة المسيحية ‪ ،‬في أنها ل تعتمد علي بشرية أو إنسانية أو ذاتية ‪ ،‬إنما تعتمد‬
‫علي الموعد اللهي ‪ :‬أنا معك ‪ ،‬وأحفظك ‪..‬‬
‫احفظك من الشياطين ‪ ،‬ومن الناس الشرار واحفظك من نفسك…‬
‫احفظك من كل سوء ‪ .‬احفظ نفسك ‪ .‬أحفظ دخولك وخروجك ) مز‬
‫‪ . ( 121‬ويسقط عن يسارك ألوف ‪ ،‬وعن يمينك ربوات ‪ .‬وأما أنت‬
‫فل يقتربون إليك ) مز ‪ " ( 91‬ل تخشي من خوف الليل ‪ ،‬ول من‬
‫سهم يطير في النهار ‪ ،‬ول من أمر يسلك في الظلمة ") مز ‪. ( 91‬‬
‫وإن سرت في وادي ظل الموت ‪ ،‬ل تخاف شرا ً ‪ .‬لماذا ؟‬
‫لني انا معك – بعد الموت – أحفظك حيثما تذهب – وأردك إلي هذه الرض‬
‫‪..‬وهنا ونتأمل ‪:‬‬
‫*******‬
‫إننا من عند الله خرجنا ‪ .‬نفخة قديسة خرجنا من فمه اللهي ‪ ،‬ودخلنا‬
‫في هذا التراب ‪ ،‬وعشنا فيه زمنا ً ‪.‬‬
‫وجودنا في التراب ‪ ،‬هو فترة غربة ‪،‬‬
‫يصرخ فيها المرتل قائل ً في المزمور ‪ ":‬ويل لي ‪ ،‬فإن غربتي قد‬
‫طالت علي ") مز ‪ ( 120‬وفيما نحن نعيش في هذا التراب ‪ ،‬ونتعب‬
‫من هذا الجسد الترابي ‪ ،‬نصرخ مع القديس بولس الرسول ‪ ":‬من‬
‫ينقذني من جسد هذا الموت ") رو ‪ ، ( 24 : 7‬حينئذ يقول الله لكل‬
‫منا " ها انا معك ‪ ،‬واحفظك حيثما تذهب ‪ ،‬وأردك إلي هذه الرض "‪.‬‬
‫وماهي هذه الرض ؟‬
‫ً‬
‫يقول القديس يوحنا الرائي ‪ ":‬أبصرت وإذا سماء جديدة وأرضا جديدة‬
‫‪ .‬لن السماء الولي والرض الولي قد مضتا ‪ ،‬والبحر ل يوجد فيما‬
‫بعد ") رؤ ‪ . ( 1: 21‬وينظر النسان مبهورا ً إلي هذه الرض الجديدة ‪،‬‬
‫التي بارئها وصانعها الرب ) عب ‪ … ( 10 : 11‬الرض المقدسة ‪ ،‬التي‬
‫ل توجد فيها خطية ول موت ‪ .‬ول تحتاج إلي شمس ول إلي قمر‬
‫ليضيئا فيها ‪ ،‬لن مجد الرب ينيرها ) رؤ ‪( 23 : 21‬‬
‫ويشير الله إلي هذه الرض ويقول ‪:‬‬
‫" ها انا معك ‪ ،‬وأحفظك حيثما تذهب ‪ ،‬واردك إلي هذه الرض " ليكن‬
‫إسم الرب مباركا ً ‪ ،‬من الن وإلي البد ‪ ،‬آمين‬
‫*******‬
‫القيت هذه المحاضرة في الكاتدرائية الكبري بالقاهرة مساء الجمعة‬
‫‪11/1980/ 14‬‬

‫لعل أحدكم يقول ‪ :‬كيف يكون لي رجاء ‪ ،‬و أنا ل أصلي ‪ ،‬ول أطلب من الله نعمة‬
‫ول قوة ول ملكوت الله وبره ؟ هلي مثلي يكون له خلص ؟!‬
‫نعم ‪ ،‬إن الخلص للكل ‪ .‬وإن كنت أنت ل تطلب خلصك ‪ ،‬فإن السيد‬
‫الرب قد قيل عنه إنه ‪ ":‬جاء لكي يخلص ما قد هلك ") لو ‪. ( 10 : 19‬‬
‫إنه يسعي لخلصك أكثر مما تسعي أنت إليه ‪ .‬وهو في كل مجال‬
‫يعطينا دون أن نطلب ‪.‬‬
‫إنه شئ مفرح أن يعطينا الله ما نطلب ‪ .‬ولكن عمق الفرح يظهر في أنه يعطينا‬
‫دون أن نطلب …‬
‫هنا عمق المحبة اللهية نحو البشر ‪ .‬بل هنا أبوة الله الحانية ‪ ،‬التي‬
‫تدرك تماما ً ما نحتاجه وما يلزمنا ‪ ،‬فيعطينا من فيض محبته ‪ ،‬وليس‬
‫لمجرد استجابته لصلواتنا ‪ .‬وسأحاول يا أخوتي أن أثبت لكم هذه‬
‫الحقيقة بأمثلة عديدة ن حتي يكون لكم عمق الرجاء في عمل الله‬
‫لجلكم ‪.‬‬

‫*******‬
‫طبيعة الله الذي يعطي دون أن نطلب ‪ ،‬ظهرت واضحة منذ البدء ‪ ،‬من أول قصة‬
‫الخليقة بل في عملية الخلق ذاتها‪.‬‬
‫إنه منحنا الوجود دون أن نطلب ‪ .‬ومنح الوجود لكل الكائنات التي‬
‫خلقها العاقلة و الجامدة ‪ ،‬التي لها حياة و التي ليس لها ‪ ،‬طبعا ً دون‬
‫أن تطلب ‪ .‬لقد خلقها كلها من العدم ‪ .‬و العدم ليس له كيان لكي‬
‫يطلب ‪.‬‬
‫*******‬
‫وخلقنا الله علي صورته ومثاله دون أن نطلب ‪..‬‬
‫حتي علي فرض المستحيل ‪ ،‬لو كانت لنا المكانية أن نطلب الصورة‬
‫التي نخلق عليها ‪ ،‬ما كنا نطلب أن نخلق علي صورة الله ومثاله ‪ ،‬كما‬
‫شاء الله وتحنن ) تك ‪.( 27 ، 26 : 1‬‬
‫*******‬
‫ودون أن نطلب خلق الله لنا هذه الطبيعة و سلطانا عليها ‪.‬‬
‫ً‬
‫أعد لنا كل شئ قبل أن نكون ‪ .‬بسط لنا السماء سقفا ‪ ،‬ومهد لنا‬
‫الرض كي نمشي عليها ‪ .‬وكما قال القديس غريغوريوس في قداسه‬
‫‪ ":‬لم تدعني معوزا ً شيئا ً من أعمال كرامتك … من أجلي اخضعت‬
‫طبيعة الحيوان " … ومن أجلنا خلق الله الشجار والثمار ‪ ،‬والعشب‬
‫و البقول ن والزهار والطيار ‪ .‬ومن أجلنا خلق النور ‪ ،‬ووضع قوانين‬
‫الفلك … كل ذلك دون أن نطلب … ولم يكتف بهذا وإنما قال لنا في‬
‫حنوه " اثمروا وأكثروا واملوا الرض واخضعوها ‪ .‬وتسلطوا علي‬
‫سمك البحر ‪ ،‬وعلي طير السماء ‪ ،‬وعلي كلي حيوان يدرب علي‬
‫الرض ") تك ‪. ( 28 : 1‬‬
‫*******‬
‫وخلق الله حواء لدم دون أن يطلب ‪..‬‬
‫كان يعلم أن آدم ل يجد له معينا ً نظيره ‪ ،‬مثلما تجد باقي الكائنات‬
‫) تك ‪ . ( 20 : 2‬فخلق له حواء ‪ .‬وهكذا أمكن أن تنمو البشرية وتمل‬
‫الرض وتعمرها ‪ ،‬وكل ذلك دون أن نطلب‬
‫*******‬
‫إن هذه هي طريقة الله كأب محب وكراع صالح …‬
‫أنه ل ينتظر من أولده ومن رعيته ومن خليقته ان يطلبوا فيعطيهم ‪.‬‬
‫بل هو من تلقاء ذاته يعرف ما يحتاجون إليه ‪ ،‬فيعطيهم دون أن‬
‫يطلبوا …‬
‫*******‬
‫حقا ً ماذا يدركه الطفل الصغير من احتياجاته حتي يطلبها ؟!‬
‫ولكن أباه يعلم ويفهم ماذا يحتاج إليه ابنه ‪ ،‬فيعطيه دون أن يطلب ‪.‬‬
‫هكذا نحن مع أبينا السماوي ‪،‬أنه أدري بما نحتاج إليه ‪ .‬وهو كأب‬
‫حنون يدبر احتياج كل إنسان ‪ ،‬ويدبر احتياجات المم و الشعوب‬
‫والجماعات ‪ .‬ول ينتظر من كل هؤلء حتي يطلبوا … وربما ل يطلبون‬
‫ما يفيدهم وما يفيد غيرهم معهم ‍‬
‫*******‬
‫إن كان الكاهن العادي يفتقد رعيته ‪ ،‬ويوفي احتياجاتها دون أن تطلب فكم بالولي‬
‫الله رئيس الكهنة العظم وراعي الرعاة ‍‬
‫؟‬
‫*******‬
‫نعم كم بالولي الله ‪ " :‬راعي نفوسنا واسقفها " ) ‪ 1‬بط ‪( 25 : 2‬‬
‫الذي قال في حنوه ط أنا أرعي غنمي وأربضها ‪ -‬يقول السيد الرب –‬
‫وأطلب الضال ‪ ،‬واسترد المطرود ‪ ،‬وأجبر الكسير وأعصب الجريح‬
‫") حز ‪. ( 16 ، 15 : 34‬‬
‫إنه يرعي شعبه ‪ ،‬لن هذا هو عمله ‪ ،‬وهذا هو حبه ‪.‬‬
‫ولينظر أن ينبهه احد إلي هذا ‪ .‬إنما نحن نطلب ‪ ،‬لن هذا الطلب‬
‫يشعرنا ببنوتنا لله ‪ ،‬ويعمق الدالة بيننا وبينه ‪ ،‬ويعطينا فرحا ً داخليا ً‬
‫حينما تستجاب طلبتنا ‪ .‬ولهذا قال الرب لتلميذه ‪:‬‬
‫" إلي الن لم يطلبوا شيئا ً باسمي ‪ .‬اطلبوا تأخذوا ليكون فرحكم‬
‫كامل ً " ) يو ‪. ( 24 : 16‬‬
‫*******‬
‫فرح الستجابة أو فرح الدالة ‪ ،‬هو الذي يجعلنا نطلب ‪.‬‬
‫ولكن الله يمنحنا كل شئ ‪ ،‬حتي دون أن نطلب‪ .‬وفي الكتاب‬
‫المقدس توجد أمثلة عديدة ‪ ،‬تثبت لنا هذه الحقيقة ‪ ،‬فلنحاول أن‬
‫نتأمل بعضها حتي يكون لنا من ذلك عزاء ‪ ،‬وحتي يكون لنا رجاء‬
‫باستمرار في يد الله الذي يعمل من أجل سعادتنا كأب وراع وخالق‬
‫…‬
‫*******‬
‫لوط ‪ :‬أنقذه الله مرتين دون أن يطلب …‪.‬‬
‫مرة حينما سبي مع أهل سادوم في حرب أربعة ملوك مع خمسة‬
‫ملوك التي وردت في ) تك ‪ ( 14‬ودون أن يطلب لوط ‪ ،‬حرك الله‬
‫قلب إبرآم عمه فجمع رجاله المدربين ‪ ،‬وأنقذه من السبي ‪ ،‬كما أنقذ‬
‫أهله و المدينة كلها ‪ .‬والمرة الثانية حينما قرر الله حرق سادوم ‪.‬‬
‫ودون أن يطلب لوط أرسل الله له ملكين ‪ ،‬فأخذاه هو وأسرته بقوة‬
‫‪ ،‬وكانا يدفعانه إلي الخارج دفعا ً وهو متوان ) تك ‪ . ( 16 : 19‬وذلك‬
‫لشفقة الرب عليه ورغبته اللهية في أنقاذه ‪.‬‬
‫*******‬
‫أن الله ل ينتظر حتي يصرخ النسان إليه ‪ ،‬وإنما … من أجل شقاء المساكين‬
‫وتنهد البائسين ‪ ،‬الن أقوم – يقول الرب – أصنع الخلص علنية ") مز ‪. ( 11‬‬
‫لم يقل " من أجل صلواتهم وطلباتهم "‪ ،‬وإنما من أجل حالتهم التي‬
‫رآها ‪ ،‬من أجل شقائهم وتنهدهم ‪ ،‬يقوم الرب ويصنع الخلص ‪ ،‬سواء‬
‫طلبوا أو لم يطلبوا لم يطلبوا ‪ ...‬وهكذا في كل مرة يري فيها الله‬
‫مذلة شعبه ) خر ‪ ، ( 7: 3‬يرسل لهم مخلصا ً يخلصهم ‪ ،‬كما فعل أيام‬
‫موسي وأيام جدعون ) ضق ‪ . ( 6‬وأنقذ إسحق من الذبح ‪ ،‬في‬
‫اللحظة الخيرة ‪ ،‬والسكين فوق رقبته ‪ ،‬دون أن يطلب ) تك ‪… ( 22‬‬
‫*******‬
‫والله يشبع كل حي من رضاه ‪ ،‬دون أن يطلب … يرسل المطر و‬
‫الشمس ‪ ،‬ويعطي الطعام لكل ذي جسد ‪ ،‬حتي للملحدين الذين ل‬
‫يطلبون منه شيئا ً ‪ .‬ويعطي جمال ً لزنابق الحقل ‪ .‬إنه يمنح الكل من‬
‫أجل جوده وهو وخيريته ‪ ،‬وليس بسبب استحقاق الناس ول بسبب‬
‫طلبهم ‪ ..‬ونذكر في هذا المجال بعض النعم العظيمة التي منحها الله‬
‫‪:‬‬

‫خذوا مثال ً لذلك حبل السيدة العذراء بالله الكلمة ‪.‬‬


‫؟! محال طبعا ً ! وما‬ ‫هل تظنون أن العذراء كانت تطلب هذا المر ‍‬
‫كان حتي يخطر بذهنها ‪ ،‬بل قد تعجبت له وقالت للملك ‪ ":‬كيف‬
‫يكون لي هذا ؟! …" ) لو ‪ . .( 34: 1‬ولكن الرب منحها هذه النعمة‬
‫العظيمة ‪ ،‬و القدير صنع بها عظائم ) لو ‪ ( 49 : 1‬دون أن تطلب ‪...‬‬
‫*******‬
‫وعملية الفداء و الخلص علي الصليب هل طلبها النسان ؟!‬
‫إن أول وعد بالخلص إنما منحه الله للنسان دون أن يطلب ‪ ،‬حينما‬
‫قال إن نسل المرأة يسحق رأس الحية ) تك ‪ .. ( 15 : 3‬والخلص‬
‫بهذا الشكل ‪ ،‬ما كان يفكر أو يحلم به أحد هل كان أحد يفكر ظان‬
‫الله يتجسد من أجلنا ‪ ،‬ويخلي ذاته ‪ ،‬ويتألم ويموت علي الصليب؟! أن‬
‫بطرس الرسول لما سمع هذا الكلم من المسيح " ابتدأ ينتهره قائل ً‬
‫حاشاك يارب ") متي ‪ . ( 22 : 16‬إذن هذا المر ما كان يطلبه أحد ‪.‬‬
‫ولكن الله منحنا هذا الخلص دون أن نطلب …‪.‬‬
‫*******‬
‫وتظهر نعمة الله العظيمة في رفع إيليا و أخنوخ إلي السماء ‪.‬‬
‫هل كان أخنوخ يحلم أو يفكر في أن يكون أول إنسان يرفعه الله إلي‬
‫السماء ويأخذه إليه ؟! )تك ‪ . ( 24 : 5‬أو هل طلب إيليا أن يرفعه الله‬
‫في مركبة نارية إلي السماء ؟!) ‪ 2‬مل ‪ . ( 11 : 2‬إنها نعم ل تخطر‬
‫علي بال ‪ ،‬ولذلك من المحال أن يطلبها إنسان ‪ .‬بل يعطيها الله لمن‬
‫يشاء من أولده دون أن يطلب ‪...‬‬
‫*******‬
‫ونفس الكلم نقوله أيضا ً عن النعيم البدي ‪.‬‬
‫هذا الذي يقول عنه الكتاب ‪ ":‬ما لم تره عين ‪ ،‬ولم تسمع به أذن ‪،‬‬
‫ولم يخطر علي بال إنسان ‪ ،‬ما أعده الله للذين يحبونه ") ‪ 1‬كو ‪9 : 2‬‬
‫( ‪ .‬وطبعا ً من المستحيل أن يطلب أحد ما لم يخطر علي بال إنسان ‪.‬‬
‫إننا قد نطلب نعيما ً ‪ .‬ولكن هذه الصورة بالذات ‪ ،‬هي شئ فوق ما‬
‫نطلب ‪ ،‬كل ما فيه من تفاصيل لم ترها عين ولم تسمع بها إذن‬
‫ننالها دون ان نطلب …‬
‫أكان بولس الرسول يطلب أن يصعد إلي السماء الثالثة …!‬
‫هذه التي رأي نفسه فيها‪ ،‬أفي الجسد ليس يعلم ‪ ،‬أم خارج الجسد‬
‫ليس يعلم … أو كان يطلب أ ن يسمع هناك كلمات ل ينطق بها ‪ ،‬ول‬
‫يسوغ لنسان أن يتكلم بها ‪ ...‬؟! من يطلب هذا ؟! ل أحد طبعا ً ‪.‬‬
‫ولكن الله في كل اعلناته للبشر ‪ ،‬يعطي دون أن نطلب …‬

‫كلها ‪ ،‬قد منحها الله للناس دون أن يطلبوا …‬


‫أكان أبونا يعقوب يطلب أن يري سلما ً واصلة بين السماء والرض ؟!‬
‫أو كان يطلب أن يري ملئكة الله صاعده ونازلة علي هذا السلم ‪،‬‬
‫وصوت الله ينادية ويمنحه الطمأنينة و الهدوء ) تك ‪.. .( 15 -12 : 28‬‬
‫كل ذلك بعد أن خدع أباه وأخذ منه البركة بمكر …‬
‫إليس أن هذه الرؤيا جاءت ليعقوب دون ان يطلب ؟!‬
‫*******‬
‫وبنفس الوضع الرؤيا التي رآها القديس يوحنا في بطمس‬
‫إنه لم يطلب مطلقا ً في منفاه أن يري المسيح ‪ "،‬ووجهه كالشمس‬
‫وهي تضئ في قوتها ‪ ،‬وعيناه كلهيب نار " بل أن يوحنا لم يحتمل‬
‫هذا المنظر وسقط علي الرض كميت ) رؤ ‪ . ( 17 – 12 : 1‬حيوانات‬
‫غير المتجسدين ‪ ،‬والملئكة السبعة أصحاب البواق ‪ ،‬وأصحاب‬
‫الجامات ‪ ،‬وكل ما هو عتيد أن يكون … وهو لم يطلب أن يري السماء‬
‫مفتوحة ‪ ،‬ويرى عرش الله ‪ ،‬والربعة و العشرين كاهنا ً ‪ ،‬والربعة‬
‫وكيف يطلب شيئا ً من هذا ‪ ،‬وهو ل يعلمه ‪ .‬ونفس الكلم ينطبق علي‬
‫رؤئ دانيال ‪ ،‬ورؤي حزقيال ‪ ،‬وباقي الرؤى وكل الحلم المقدسة ‪،‬‬
‫وكل النبوءات أيضا ً ‪ .‬كل ذلك كشف إلهي ‪ ،‬ل يعقل أن يطلبه أحد‬
‫لنه طبعا ً ل يعرفه ول يدور بذهنه …‬
‫*******‬
‫أحلم يوسف الصديق عن مستقبل حياته ‪ ،‬ما كانت تدور بذهنه ‪.‬‬
‫ما كان يجول بذهنه – وهو صغير اخوته – أن يأتي إليه اخوته‬
‫ويسجدوا له ‪ ،‬وكذلك أبواه ‪ .‬لذلك فالحلم الخاص بسجود الشمس و‬
‫القمر والحد عشر كوكبا ً له ‪ ،‬ما كان يطلبه ‪ .‬ول الحلم الخاص‬
‫بسجود حزم اخوته لحزمته ) تك ‪ .( 37‬إنها رئاسة يمنحه الله أياها ‪،‬‬
‫ويعلنه بها ‪ ،‬دون أن يطلب ‪.‬‬
‫ونفس الكلم نقوله عن موهبة يوسف في تفسير الحلم ‪.‬‬
‫ونقول هذا عن كل موهبة أخري يمنحها الله لنسان ‪ .‬مثل موهبة‬
‫الموسيقي و المزامير التي وهبها الله لداود دون أن يطلب ‪ ،‬ومثل‬
‫موهبة القوة التي وهبها لشمشون دون أن يطلب ‪ .‬ومثل موهبة‬
‫الجمال التي وهبها ليوسف ) تك ‪ ( 6 : 39‬ولموسي ) أع ‪( 20 : 7‬‬
‫ولداود ) ‪ 1‬صم ‪.( 15 : 16‬‬
‫*******‬
‫والحلم المقدسة هي موهبة أخري من الله لسباب روحية ‪.‬‬
‫بعضها للمعرفة و البعض للنقاذ ‪ ،‬أو للتعزية أو للبشارة … حلم‬
‫ليوسف النجار لينقذه و العائلة من سيف هيرودس ) متي ‪. ( 13 : 2‬‬
‫وحلم آخر للمجوس ) متي ‪ . ( 12 : 2‬واحلم لبيمالك لنقاذ سارة‬
‫زوجة إبراهيم ) تك ‪ ( 3 : 20‬وحلم لسيلمان ليمنحه الرب بركة ) ‪1‬‬
‫مل ‪ . ( 5 : 3‬وحلم لنبوخذ نصر فسره له دانيال لكي يتضع ويتوب‬
‫) دا ‪ .( 27 – 4 : 4‬واحلم البشارة كثيرة مثل الحلم الذي ظهر‬
‫ليوسف النجار يبشره بميلد المسيح ‪.‬‬
‫كل هذه الحلم منحها الله لصحابها دون أن يطلبوا …‬
‫وقد قدم الله الرؤي والحلم كموهبة من روحه القدوس ‪ ،‬مثلها مثل‬
‫النبوءه وحينما قال في سفر يؤئيل النبي ‪ ":‬اسكب روحي علي كل‬
‫بشر ن فيتنبأ بنوكم وبناتكم ‪ ،‬ويحلم شيوخكم احلما ً ويري شبابكم‬
‫رؤي ") يوء ‪ ( 28 : 2‬وتكررت هذه العبارة في سفر أعمال الرسل‬
‫) أع ‪. ( 17 : 2‬‬
‫*******‬
‫النبواءت أيضا ً منحها الله للنبياء دون أن يطلبوا …‬
‫ومنحنا أيضا ً هذه النبواءات لفائدتنا دون أن نطلب ‪ .‬وكل الذين‬
‫أرسلهم الرب كأنبياء ‪ ،‬ما كانوا سيرون هكذا ‪ .‬وإنما في لحفظة ل‬
‫يعرفها أحد نسمع مثل ً أنه " كانت كلمة الرب إلي أرمياء النبي ") دا‬
‫‪ ( 2 : 9‬أو صارت كلمة الرب لحزقيال ) حز ‪ ( 16 : 3‬أو " صارت كلمة‬
‫الرب إلي صفنيا ") صف ‪ … ( 1 : 1‬كل ذلك دون أن يطلب واحد‬
‫منهم …‬
‫…‬ ‫واضح أن الرب يكلم البشر متي يشاء ‪ ،‬دون أن يطلبوا‬
‫أنه يقدم الحلم أو الرؤيا أو النبوءة ‪ ،‬أو الموهبة ‪ ،‬دون أن نطلب ‪،‬‬
‫وربما في وقت ل نتوقعه علي الطلق ‪.‬‬
‫وإن كان هذا بصفة عامة ‪ ،‬فبالكثر مواهب العهد الجديد …‬

‫إنها مواهب ما كان يحلم بها أحد ن وليس فقط أن يطلبها ‪ .‬ولعل‬
‫في مقدمة كل هذه المواهب ‪ :‬التبرير و التجديد ‪ ،‬والتقديس ‪ .‬وكل‬
‫ما نناله في المعمودية المقدسة ‪ .‬وكما قال بولس الرسول ‪ ":‬الذين‬
‫دعاهم ‪ ،‬فهؤلء بررهم أيضا ً ‪.‬والذين بررهم فهؤلء مجدهم أيضا ً "‬
‫) رو ‪ . ( 30 : 8‬بل أننا نقف مذهولين أمام قول هذا الرسول ‪:‬‬
‫" لنكم جميعكم الذين اعتمدتم للمسيح ‪ ،‬قد لبستم المسيح ") غل ‪.( 27 : 3‬‬
‫وقوله أيضا ً إننا أعضاء جسد المسيح " ألستم تعلمون أن أجسادكم‬
‫هي أعضاء جسد المسيح ") ‪ 1‬كو ‪ . 15 : 6‬من ذا الذي يطلب ‪ ،‬أو‬
‫يفكر أن يطلب ‪ ،‬أن يكون جسده هو أعضاء المسيح ‪ ،‬أو أن يلبس‬
‫المسيح ؟! ولكن الله يهبنا دون أن نطلب ‪.‬‬
‫*******‬
‫بل من كان يطلب أن يكون جسده هو هيكل الروح القدس ؟!‬
‫ولكن هوذا الرسول يؤكد لنا هذه الحقيقة ) ‪1‬كو ‪ ( 19 : 6‬ويكررها‬
‫أيضا ً قائل ً ‪ ":‬أما تعلمون أنكم هيكل الله ‪ ،‬وروح الله يسكن فيكم ")‬
‫‪ 1‬كو ‪ . ( 16 : 3‬إنها حقا ً هبة مقدسة معطاه لنا من الله ‪ ،‬دون أن‬
‫نطلب … كذلك أعطانا أن نكون شركاء الروح القدس ) ‪ 1‬كو ‪: 13‬‬
‫‪ ( 14‬وشركاء الطبيعة اللهية ) ‪ 2‬كو ‪ ( 4 : 1‬في العمل زز كل ذلك‬
‫دون أن نطلب ‪.‬‬
‫*******‬
‫وموهبة أخري اعطينا إياها أن نصير أولد الله ‪.‬‬
‫أنظروا أيه محبة أعطانا الب ‪ ،‬حتي ندعي أولد الله " ) ‪ 1‬يو ‪: 3‬‬
‫‪ . ( 1‬بل أن ندعي أيضا ً أخوة المسيح ‪ .‬وأصبح هو ل يستحي أن‬
‫يدعونا أخوة ) عب ‪ .( 12 ، 11 : 2‬وهناك موهبة أخري عظيمة جدا ً‬
‫أعطينا إياها في العهد الجديد وهي ‪:‬‬
‫*******‬
‫اعطينا أيضا ً سر الفخارستيا ن دون أن نطلب …‬
‫في ساعة لم يكن يتوقعها التلميذ ‪ ،‬وهبهم المسيح سر الفخارستيا‬
‫) متي ‪ . ( 28 – 26 : 26‬أعطانا أن نأكل جسده ونشرب دمه ) يو ‪: 6‬‬
‫‪ ( 56 -54‬لكي نثبت فيه وتكون لنا فيه حياة ‪ .‬أكنا نتخيل أن نطلب‬
‫طلبا ً كهذا ‪ .‬ولكنها منحة مجانية فوجئنا بها ‪ ،‬كسائر نعم الله التي‬
‫يهبها حسب عمق جودة ‪ ،‬دون أن نطلب ‪.‬‬

‫أقصي ما كانت تطلب القديسة اليصابات ‪ ،‬أن يكون لها ابن ‪ .‬ولعلها‬
‫نسيت هذه الطلبة بعد أن شاخت ‪ ،‬بل أن زوجها زكريا الكاهن‬
‫استصعب هذا المر حينما بشره به الملك ولم يصدقة ) لو ‪(18 : 1‬‬
‫كأن أوان طلبه قد فات ‪.‬‬
‫ولكن الرب وهب زكريا و اليصابات ‪ ،‬أعظم من ولدته النساء‬
‫وهبهما هذا المر العظيم دون أن يطلباه ‪ .‬وهبهما الملك الذي يهيئ‬
‫الطريق قدامه ) مر ‪ . ( 2 : 1‬وهبهما إنسانا ً يكون عظيما ً أمام الرب ‪،‬‬
‫ومن بطن أمه يمتلئ من الروح القدس ‪ ،‬ويتقدم امام الله بروح إيليا‬
‫وقوته ) لو ‪ . ( 17 – 15 : 1‬وهبهما إنسانا ً قال عنه المسيح إنه "‬
‫أعظم من نبي " و أنه " لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من‬
‫يوحنا المعمدان ") متي ‪. ( 11-9 : 11‬‬
‫كل هذا ما كانت تطلبه اليصابات ‪ ،‬ول طلبه زكريا ‪..‬‬
‫*******‬
‫أنه عظم كرم الله الذي يعطي بسخاء فوق ما نطلب … مهما طلبنا‬
‫ستكون طلباتنا أقل بكثير من مستوي جود الله وكرمه ‪ ،‬الذي يعطي‬
‫بسخاء ‪.‬‬
‫كل ما تطلبه العاقر أن يكون لها ولد ‪ .‬ولكن الرب يقول لها في سفر إشعياء‬
‫النبي ‪ ":‬أوسعي مكان خيمتك ‪ ،‬ولتبسط شقق مساكنك … لنك تمتدين إلي‬
‫اليمين وإلي اليسار ‪ .‬ويرث نسلك أمما ً ‪ ،‬ويعمر مدنا ً خربة ") إش ‪. ( 3 -1 : 54‬‬
‫كل هذا يعطيه لها دون أن تطلب ‪.‬‬
‫ألعل هذا يشير إلي كنيسة المم العاقر التي لم تطلبه ؟!‬
‫أو ألعل هذا يشير إلي أيه أقلية ضئيلة ‪ ،‬أو إلي أيه نفس خالية من‬
‫الفضائل ‪ ،‬عاقرا ً من جهة عمل الروح فيها ‪!..‬‬
‫*******‬
‫ومثال أخر تلك الخاطئة المدوسة بدمها في سفر حزقيال ‪.‬‬
‫لعل كل ما كانت تطلبه أن يغسلها الرب فتطهر ‪ ،‬مجرد أن تتوب و‬
‫يقبل توبتها أما الرب الحنون الكريم في عطاياه فيقول لها ‪ ":‬حليتك‬
‫بالحلي … ووضعت تاج جمال علي رأسك … وجملت جدا ً جدا ً فصلحت‬
‫لمملكة ‪ .‬وخرج لك أسم في المم لجمالك ‪ ،‬لنه كان كامل ً ببهائي‬
‫الذي جعلته عليك يقول السيد الرب") حز ‪. ( 14-11 : 16‬‬
‫إنها درس في الرجاء ‪ .‬التي لم تنتظر شيئا ً ‪ ،‬نالت كل شئ …‬
‫إن الله ل يستح من بنوتنا له ‪ ،‬إن وجد نفوسنا مطروحة علي‬
‫الحقل ‪ ،‬مدوسة بدمها ‪ ،‬عارية ومكروهة ) حز ‪ . ( 6 ، 5 : 16‬بل إنه‬
‫يغسلنا و يطهرنا ‪ ،‬وينزع عنا عارنا ‪ ،‬فنصير له ‪ ،‬ويطرح علينا بهاءه‬
‫… ويضع تاج جمال علي رؤوسنا … حقا ً ما أعظم الرجاء بالرب ‪.‬‬
‫*******‬
‫ً‬
‫إن الله ل يعطي بمكيال ‪ ،‬بل يسكب سكبا ‪ ،‬بسخاء ‪ ،‬إنه يفتح لنا كوي‬
‫السماء ‪ ،‬ويفيض علينا بركه ل توسع ) مل ‪ ( 10 : 3‬حتي نقول له ‪:‬‬
‫كفانا كفانا … كل هذا دون أن نطلب …‬
‫إنه ل يغسل الخاطئ فقط ‪ ،‬بل يجعله أبيض من الثلج …‬
‫لم يسمح فقط بقبول البن الضال ‪ ،‬بل اغدق عليه من كرمه وحنوه ‪،‬‬
‫حتي جعل خاتما ً في اصبعه ‪ ،‬والبسوه الحلة الولي ‪ ،‬وذبحوا له‬
‫العجل المسمن ‪ ،‬وأقاموا فرحا ً برجوعه ) لو ‪ . ( 23 ، 22 : 15‬أكان‬
‫هذا البن يطلب شيئا ً من هذا كله ‪ ،‬وهو الذي فكر أن يقول لبيه "‬
‫إجعلني كأحد أجرائك ") لو ‪ .( 19 : 15‬ولكن أباه اعطاه كل هذا دون‬
‫ان يطلب ‪ ،‬وفي وقت كان يستحي فيه أن يطلب شيئا ً …‬
‫إن الله ل يعطي من أجل طلباتنا أو استحقاقنا … إنما يعطي من أجل جوده‬
‫وكرمه ‪ ،‬وزمن اجل احتاجاتنا ‪.‬‬
‫طبعه هكذا كريم وحنون وطيب ‪ .‬وطبعه هذا يغرس في قلوبنا الرجاء‬
‫مهما كان حالنا ‪ ،‬ومهما كنا غير مستحقين لشئ ‪ .‬وقصص الكتاب ل‬
‫تنتهي في هذا المجال ‪ ،‬إنما نحن نذكر منها مجرد مثال أو بعضا ً من‬
‫مثال …‬
‫*******‬
‫يوسف الصديق كل ما كان يطلبه أن يخرج من السجن … ولكن الله جعله الوزير‬
‫الول في مصر و الثاني في المملكة …‬
‫أكان يوسف الصديق يطلب هذا أو يحلم به ‪ ،‬كل بل شك ‪ .‬ولكن الله‬
‫الحنون يعطي دائما ً دون أن نطلب ‪ .‬وقصة يوسف تبعث الرجاء في‬
‫كل قلب … هذا الذي ساءت حالته إلي أبعد حد وبيع كعبد ‪ ،‬وإلقي‬
‫في السجن ‪ ،‬وطالت به المدة في سجنه ‪ ،‬ولحقته تهمة هو برئ‬
‫منها … ومع ذلك أصلح له الله كل أموره ‪ ،‬وأعطاه ما لم يخطر له‬
‫علي بال …‬
‫*******‬
‫ويظهر كرم الله وعطاياه في مواعيده العجيبة ‪.‬‬
‫هذا الذي قال ‪ ":‬ها أنا معكم كل اليام وإلي أنقضاء الدهر ") متي‬
‫‪ " ( 20 : 28‬حيثما اجتمع إثنان أو ثلثة باسمي ‪ ،‬فهناك أكون في‬
‫وسطهم ") متي ‪ . ( 20 : 18‬إنه يعطينا هذه الوعود المعزية كلها‬
‫دون ان نطلب ‪.‬‬
‫ً‬
‫وتظهر محبة الله لنا أيضا في دعوته اللهية ‪.‬‬
‫كل تلميذ المسيح اعطاهم شرف الرسولية ‪ ،‬دون أن يطلبوا ‪ ..‬أكان يطلب‬
‫هذا بطرس واندرواس وهما مشغولن بالصيد و الشباك ؟! أكان‬
‫يطلب هذا متي وهو في مكان الجباية ؟! … وهكذا كل الباقين ‪.‬‬
‫والرب قد وضح هذا المر حينما قال لتلميذه ‪ " :‬لستم أنتم‬
‫اخترتموني ‪ ،‬بل أنا أخترتكم ‪ ،‬وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ‪ ،‬ويدوم‬
‫ثمركم ") يو ‪. (16 : 15‬‬
‫*******‬
‫وكذلك ايضا ً النبياء نالوا جميعهم النبوة ‪ ،‬دون أن يطلبوا …‬
‫داود ‪ ،‬وهو صبي صغير يرعي الغنيمات القليلت في البرية ‪ ،‬أكان‬
‫يفكر أو يطلب أن يصير مسيح الرب ‪ ،‬وأن يختاره الرب دون أخوته‬
‫الكبار ودون كل الشعب ليصير نبيا ً له ‪ ..‬أما اختاره الله دون أن‬
‫يطلب ؟! وكذلك أرمياء الصغير الذي قال ‪ ":‬ل أعرف أن اتكلم لني‬
‫ولد " أكان يحلم أن يصير نبيا ً للشعوب ‪ ،‬او اكن يطلب هذا ‪ .‬أم أن‬
‫الله دعاه دون ان يطلب ؟! وهكذا إبراهيم أبو الباء ‪ ،‬الله هو الذي‬
‫دعاه ) تك ‪ ( 1 : 12‬و بالمثل كل النبياء ‪ ،‬الذين انطبق عليهم قول‬
‫الكتاب ‪ " :‬الذي سبق فعرفهم ‪ ،‬سبق فعينهم ‪ ...‬والذين سبق‬
‫فعينهم ‪ ،‬هؤلء دعاهم أيضا ً " ) رو ‪ ( 30 ، 29 : 8‬هو الله الذي اختار‬
‫كل هؤلء دون أن يطلبوا …‬
‫*******‬
‫ومثال واضح جدا ً هو شاول الطرسوس الذي كان يضطهد الكنيسة ‪.‬‬
‫أكان شاول يفكر أن يصير رسول ً من رسل المسيح ؟! مستحيل ‪ .‬بل‬
‫إنه كان يقاوم المسيحية بافراط ‪ .‬ومع ذلك نقرأ ان السيد المسيح‬
‫ظهر له في الطريق دمشق ‪ ،‬ودعاه دون أن يطلب ‪ ،‬وأختاره رسول ً‬
‫للمم ‪ .‬ونسمع الروح القدس يقول للرسل ‪ " :‬افرزوا لي برنابا‬
‫وشاول للعمل الذي دعوتهما إليه " ) اع ‪.( 12 : 13‬‬
‫*******‬
‫وبالمثل ‪ ،‬هل كانت راعوث تفكر ان تكون جدة للمسيح ؟!‬
‫قطعا ً ما كان يخطر لها هذا ببال ‪ ،‬وهي إمرأة أممية غريبة الجنس !‬
‫ولكن الله " يدعو الشياء غير الموجودة كانها موجودة " ) رو ‪: 4‬‬
‫‪ . ( 17‬أل يعطي هذا الرجاء للناس ؟!‬
‫*******‬
‫وأكثر من هذا راحاب ‪ .‬أكانت تطلب أن تصير جدة للمسيح ؟!‬
‫لعل اقصي ما كانت تطلبه المان لنفسها ولهلها في وقت اقتحام‬
‫أريحا ‪ .‬أما أن تصير ضمن شعب الله ‪ ،‬فقد كان هذا كثيرا ً عليها جدا ً ‪.‬‬
‫ولكن أن تصير جدة للمسيح فهذا لم تطلبه اطلقا ً ‪ ،‬بل لم يخطر‬
‫علي بالها ‪ ،‬ولم تحلم به ولكن الله الحنون يعطي دون أن نطلب ‪.‬‬
‫يحتاج المر أن نؤمن بمحبة وكرمه واهتمامه بنا‬
‫القديسون ليمانهم بأن الله يعطي دون ان نطلب ‪ ،‬كانوا يخجلون أن يطلبوا‬
‫شيئا ً ‪ .‬طلبتهم الوحيدة كانت هي الله نفسه …‬
‫ولهذا يقول داود النبي في صلته ‪ ":‬طلبت وجهك ‪ ،‬ولوجهك يارب‬
‫التمس ‪ .‬ل تحجب وجهك عني ") مز ‪ . ( 26‬ويقول في نفس‬
‫المزمور " واحدة طلبت من الرب وإياها التمس ‪ ،‬أن أسكن في بيت‬
‫الرب كل أيام حياتي ‪ ،‬لكي أنظر نعيم الرب واتفرس في هيكله‬
‫") مز ‪ . ( 26‬أما باقي المور فهي بسيطة يقضيها لنا الرب دون أن‬
‫نطلب أليس هذا هو ما قاله لنا السيد الرب ‪:‬‬
‫" اطلبوا أول ً ملكوت الله وبره ‪ .‬وهذه كلها تزاد لكم " ) متي ‪ ( 33 : 6‬لم‬
‫يقل ‪ ":‬وهذه تطلبوها بعد ذلك " وإنما قال ‪ :‬هذه تزاد لكم ‪ .‬أي‬
‫يعطيها الله لكم دون أن تطلبوا ولهذا أيضا ً كانت كل طلبتنا في‬
‫الصلة الربية ‪ ،‬هي صوات روحية تتعلق بملكوت الله وبره ‪ .‬والباقي‬
‫يزاد لنا من الله دون أن نطلب ‪ .‬هو يعلم اننا نحتاج إلي هذه كلها ‪،‬‬
‫فيعطيها لنا من عنده كأب شفوق يعرف احتياجات اولده ‪ ،‬دون أن‬
‫يجشمهم اللحاح عليه في طلبها …‬
‫*******‬
‫ومع ذلك ‪ ،‬اعطي الله الضعفاء أن يطلبوا ما يشاءون …‬
‫اطلبوا تجدوا ) متي ‪ ( 7 : 7‬فتفرح قلوبكم بالله الذي يعطي ‪ ،‬ويزداد‬
‫إيمانكم به ‪ .‬وكلما تعمق إيمانكم في أن الله يعطي كل شئ ‪ ،‬حينئذ‬
‫سوف ل تطلبون سوي الله وحده ‪ ،‬وملكوته وبره … " أطلبوا‬
‫تأخذوا ‪ ،‬لكي يكون فرحكم كامل ً ") يو ‪ . ( 24 : 16‬وكل طلبه‬
‫يسمعها الله منكم يتقبلها بحنو ‪ ،‬كما من أفواه أطفاله الصغار ‪.‬‬
‫عجيب هو إلهنا الحنون ‪ ،‬المعطي ‪ ،‬والمستجيب لطلبه أولده ‪.‬‬
‫*******‬
‫أن الذي يؤمن بالله وعطائه ‪ ،‬ينام في حضن الله ويستريح ‪..‬‬
‫ويكون واثقا ً أن الله يدبر له كل شئ ‪.‬زز كما كان بطرس نائما ً في‬
‫السجن مطمئنا ً إلي عمل الله من أجله ‪ .‬وكان نومه ثقيل ً لدرجه أن‬
‫الملك الذي انقذه ‪ ، ،‬لكزه أول ً وأيقظة ) أع ‪ ( 7 : 12‬بينما كان‬
‫هيرودس مزمعا ً أن يقتله ) أع ‪ . ( 4 : 12‬ومع ذلك نام ‪ ،‬واثقا ً أن الله‬
‫مستيقظ وساهر علي خلصه ‪ .‬ولهذا أيضا ً نسمع داود النبي يقول‬
‫في المزمور ‪:‬‬
‫" الرب يرعاني ‪ ،‬فل يعوزني شئ ") مز ‪ ( 1 : 23‬ومادام ل عوزه شئ ‪ ،‬إذن‬
‫فهو ل يطلب ‪ ،‬لن الله لم يتركه معوزا ً شيئا ً يطلبه ولهذا نقول نحن‬
‫أيضا ً في القداس الغريغوري ‪ ":‬لم تدعني معوزا ً شيئا ً من أعمال‬
‫كرامتك "‪.‬‬
‫*******‬
‫فإن قال لك الله ماذا تطلب ‪ ،‬أتراك تجيب قائل ً ‪:‬‬
‫وهل تركت لي شيئا ً أطلبه ؟! إنني لو قضيت عمري كله شاكرا ً ‪ ،‬فلن يكفي ‪.‬‬
‫لذلك أن رأيتني يار ب احتاج شيئا ً ‪ ،‬أعطني إياه ‪.‬‬
‫إنك اغرقتني بعطاياك ‪ ،‬وأعطيتني فوق ما أطلب ‪ .‬ولم تدعني معوزا ً‬
‫شيئا ً … كما إنك أدري بما ينقصني ‪ ،‬إن كان هناك شئ ينقصني ‪.‬‬
‫عملي الوحيد هو أن أشكر وان أسبحك علي كرمك ‪ ،‬ل أن أطلب ‪...‬‬
‫*******‬
‫ولعل البعض يسأل ‪ :‬ماذا إذن عن الضيقات ؟ نقول ‪ :‬إن أولد المؤمنين‬
‫برعايته وعطاياه ‪ ،‬ل ينزعجون ول يقلقون ‪ .‬ويرون أنه مادام المر في يد الله ‪،‬‬
‫فهذا يكفي …‪.‬‬
‫هذا يكفي لطمئنانهم وسلمهم ‪ .‬لنه ل يوجد أحب من الله لهم ‪ ،‬ول‬
‫يوجد من هو أكثر عناية منه بهم ‪ .‬مادام الله قد تسلم كل أمورهم ‪،‬‬
‫لم يعد لهم شئ يقولونه أو طلب يطلبونه ‪.‬‬
‫*******‬
‫يكفي للنسان أن يطلب محبة الله ‪ ،‬لنه يريد قلوبنا ‪.‬‬
‫هو ل يرغمنا علي محبته ‪ .‬يريدنا أن نحبه برضانا ‪ .‬وأن احوجتنا‬
‫المحبة نطلبها منه ‪ .‬وهو يسكبها في قلوبنا بالروح القدس ‪ .‬إنه ل‬
‫يرهبنا بلهوته ‪ ،‬بل يجذبنا بمحبتها ويريدنا أن نبادله حبا ً بحب ‪ ،‬لذلك‬
‫يقول ‪ ":‬يا أبني اعطني قلبك ") أم ‪ ( 23‬والذي تملك محبة الله علي‬
‫قلبه ‪ ،‬ل يشتهي في العالم شيئا ً ليطلبه ‪.‬‬
‫بل هو يقول للرب ‪ ":‬معك ل أريد شيئا ً علي الرض ") مز ‪( 25 : 23‬‬
‫ويقول مع القديس بولس الرسول ‪ " :‬خسرت كل الشياء وانا‬
‫أحسبها نفاية ‪ ،‬لكي أربح المسيح وأوجد فيه ") في ‪. ( 9 ، 8 : 3‬‬
‫*******‬
‫هذا هو طلبك الوحيد ‪ :‬الله ومحبته وملكوته وبره ‪ ،‬وكفي وكل المور‬
‫الخري ‪ ،‬يمتلئ قلبك بالرجاء أن الله سيحلها دون أن تطلب ‪ .‬هو‬
‫يعلم ما تحتاجه ‪ ،‬له المجد في محبته ورعايته ‪.‬‬
‫*******‬
‫هناك أسباب جوهرية … تجعل عمل الله معنا ضرورة ‪:‬‬
‫منها قول الرب " ما أضيق الباب وأكرب الطريق الذي يؤدي إلي‬
‫الحياة … وقليلون هم الذين يجدونه " ) متي ‪ ، ( 14 :7‬فإن كان المر‬
‫هكذا ‪ ،‬فإن العدل اللهي يقتضي أن توجد معونة إلهية ‪ ،‬يمكننا بها‬
‫أن نجتاز الباب الضيق … ولهذا يقول الرب ‪:‬‬
‫" بدوني ل تقدرون أن تفعلوا شيئا ً ") يو ‪:( 5 : 15‬‬
‫مادام المر هكذا ‪ ،‬إذن لبد أن يكون الله معنا في كل عمل نعمله ‪،‬‬
‫وإل فإننا سنقف عاجزين تماما ً في كل ما تكافح فيه ارادتنا سواء‬
‫في الجهاد ضد الخطية ‪ ،‬أو في خدمتنا للملكوت ‪ ،‬أو في اكتساب أيه‬
‫فضيلة ‪.‬‬
‫ً‬
‫وبخاصة لننا مطلبون بالقداسة ومطلبون أيضا بالكمال … إذ يقول الكتاب " نظير‬
‫القدوس الذي دعاكم ‪ ،‬كونوا أنتم أيضا ً قديسين في كل سيرة لنه‬
‫مكتوب ‪ :‬كونوا قديسين لني أن قدوس " ) ‪ 1‬بط ‪ ( 16 ، 15 : 1‬نحن‬
‫لسنا مطالبين بالقداسة فقط ‪ ،‬بل أيضا ً بالكمال في هذه القداسة‬
‫‪.‬ز‪ .‬وذلك حسب قول الرب " كونوا أنتم كاملين ‪ ،‬كما أن أباكم الذي‬
‫في السموات هو كامل ") متي ‪ ( 48 : 5‬ولكي نصل إلي القداسة و‬
‫الكمال ‪ ،‬لبد بالضرورة أن معونة إلهية تحملنا في الطريق ‪.‬‬
‫*******‬
‫يضاف إلي هذا أن عدونا قوي … وحيله كثيرة وماكرة ‪.‬‬
‫قال عنه الكتاب " ابليس عدوكم مثا أسد زائر … فقاوموه راسخين‬
‫في اليمان " ) ‪ 1‬بط ‪ . ( 9 ، 8 : 5‬تري بأي إيمان نقاومه ؟ باليمان‬
‫أن الله هو الذي يغلبه في حربه معنا ‪ . ..‬كما قيل في سفر أيوب "‬
‫الله يغلبه ل النسان ") أعي ‪ . ( 13 : 32‬نعم إننا ل نستطيع بغير‬
‫عمل الله معنا أن نغلب تلك الخطية التي قيل عنها إنها طرحت‬
‫كثيرين جرحي ‪ ،‬وكل قتلها أقوياء " ) أم ‪ ( 26 : 7‬الضرورة إذن‬
‫تلزم وجود معونة لنه بالضافة إلي قوة عدونا طبيعتنا أيضا ً ضعيفة ‪.‬‬
‫وهكذا فإن داود النبي في حديثة عن عظم مغفرة الله ‪ ،‬يقول " لنه‬
‫يعرف جبلتنا يذكر أننا تراب نحن " ) مز ‪ . ( 14 : 103‬ويقول في‬
‫كثير من مزاميره " ارحمني يارب فإني ضعيف ") مز ‪ . (2 : 6‬هذا‬
‫الضعيف الذي بسببه تحدث الكتاب عن أخطاء النبياء … فإن كان‬
‫هؤلء العظام قد أخطأوا ‪ ،‬فماذا يحدث لنا ‪ ،‬أن لم تسندنا معونة الله‬
‫… وهي لبد تفعل ‪ ،‬حسب قول الرسول ‪:‬‬
‫" حيث كثرت الخطية ‪ ،‬ازدادت النعمة جدا ً ") رو ‪.( 9 20 : 5‬‬
‫نعم تزداد النعمة ‪ ،‬لكي تنقذنا من هذه الخطية ‪ ...‬وهكذا يصرخ داود‬
‫النبي إلي الرب ويقول " وانت يارب عرفت سبلي ‪ ..‬في الطريق‬
‫التي أسلك ‪ ،‬اخفوا لي فخا ً … تأملت عن اليمين وأبصرت ‪ ،‬فلم يكن‬
‫من يعرفني ‪ .‬ضاع المهرب مني ‪ ،‬ولي سمن يسأل عن نفسي …‬
‫فصرخت إليك يارب وقلت انت هو رجائي وحظي في أرض الحياء ‪..‬‬
‫نجني من الذين يضطهدونني لنهم قد اعتزوا اكثر مني ") مز ‪( 141‬‬
‫وأحمني من قوتهم ومن ضعفي ‪.‬‬
‫*******‬
‫ومن ضعف الطبيعة البشرية ‪ :‬الجهل و الشهوة وعدم الرادة ‪.‬‬
‫أحيانا ً يجهل النسان الطريق إلي الله ‪ ،‬يجهل الوسيلة التي بها‬
‫يخلص ‪ .‬لهذا يقول المرتل في المزمور " علمني يارب طرقك …‬
‫فهمني سبلك ") مز ‪ "( 119‬علمني يارب الطريق التي اسلك فيها …‬
‫علمني أن اصنع مشيئتك ") مز ‪ ( 143‬ويتغني بارشاد الرب فيقول ‪:‬‬
‫" الرب صالح ومستقيم … لذلك يرشد الذين يخطئون في الطريق …‬
‫يعلم الودعاء طرقه ") مز ‪ ( 25‬إذن لبد ان يتدخل الله ‪ ،‬ليرشد‬
‫النسان في الطريق ‪.‬‬
‫والنسان قد يعرف … ومع ذلك إرادته ل تساعده ‪.‬‬
‫أما أنه ل يريد الخير ‪ ،‬بسبب محبته للخطية ‪ ،‬وإما انه يريد ول‬
‫يستطيع … وهكذا يقول القديس بولس الرسول " إني اعلم أنه ليس‬
‫ساكنا ً في – أي في جسدي – شئ صالح ‪ .‬لنه الرادة حاضرة عندي ‪،‬‬
‫وأما ان أفعل الحسني فلست اجد ‪ ،‬لني لست افعل الصالح الذي‬
‫أريده ‪ ،‬بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل ‪ ..‬لست بعد أفعله انا‬
‫بل الخطية الساكنة في " ) رو ‪. ( 20 – 18 : 7‬‬
‫لذلك فإن الله – بنعمته يعمل في النسان ‪.‬‬
‫وهكذا فإن القديس بولس الرسول ينسب كل ما يعمله إلي نعمة الله‬
‫العاملة فيه فيقول " ولكن ل أن ‪ ،‬بل نعمة الله التي معي " …"‬
‫ولكن بنعمة الله انا ما أنا …" ) ‪ 1‬كو ‪… ( 10 : 15‬ولهمية النعمة … فإن‬
‫الباء الرسل يبدأون بها رسائلهم ‪ .‬هكذا في رسائل القديس بولس تتكرر‬
‫في مقدمتها عبارة " نعمة لكم وسلم ") رو ‪ 1، 7 : 1‬كو ‪2 ، 3 : 1‬‬
‫كو ‪ ( 3 : 1‬غل ‪ ، 3 : 1‬أف ‪ ، 2 : 1‬في ‪ ..( 2 : 1‬و القديس بطرس‬
‫الرسول يقول في بدء رسالتيه لتكثر لكم النعمة و السلم ) ‪ 1‬بط‬
‫‪ 2 ، 1 : 1‬بط ‪ ، ( 2 : 1‬والقديس يوحنا يقول للسبع الكنائس في‬
‫مقدمة سفر الرؤيا " نعمة لكم وسلم " ) رؤ ‪ ( 4 : 1‬ويميز النعمة‬
‫التي نلناها في العهد الجديد بقوله الجديد بقوله " لن الناموس‬
‫أعطي … وأما النعمة و الحق ‪ ،‬فبيسوع المسيح صارا ") يو ‪: 1‬‬
‫‪. ( 17‬‬
‫هذه النعمة هي قوة من الله تعمل معنا وفينا ‪.‬‬
‫وهي أيضا ً التي كانت تعمل في آبائنا الرسل ‪ ،‬حتي امكنهم ان‬
‫يقوموا برسالتهم ‪ ،‬ويشهدوا للرب " وبقوة عظيمة كانوا يؤدون‬
‫الشهادة … ونعمة عظيمة كانت علي جميعهم ") أع ‪ ( 33 : 4‬و‬
‫القديسة الطاهرة العذراء مريم ‪ ،‬حياها الملك بعبارة ‪ " ،‬سلم لك‬
‫أيتها الممتلئة نعمة الرب معك ") لو ‪. ( 28 : 1‬‬
‫*******‬
‫الله يعمل فينا بنعمته … وبشركة روحه القدوس ‪.‬‬
‫فالروح القدس يشترك معنا في العمل ‪ ،‬ويعطينا قوة … ولذلك‬
‫السيد المسيح لتلميذه القديسين " ولكنكم ستنالون قوة متي حل‬
‫الروح القدس عليكم ‪ ،‬وحينئذ تكونون لي شهودا ً ") أع ‪. ( 8 : 1‬‬
‫وبهذا كانت " شركة الروح القدس " بركة توهب للمؤمنين إذ يقول‬
‫القديس بولس الرسول في آخر رسالته الثانية إلي أهل كورنثوس "‬
‫نعمة ربنا يسوع المسيح ومحبة الله ‪ ،‬وشركة الروح القدس مع‬
‫جميعكم ") ‪ 2‬كو ‪ ، ( 14 : 13‬وهذه هي البركة التي تمنحها الكنيسة‬
‫لولده في أخر كل اجتماع ‪.‬‬
‫*******‬
‫وبالضافة إلي شركة الروح القدس ‪ ،‬يقول لنا السيد المسيح ‪:‬‬
‫" ها أنا معكم كل اليام وإلي أنقضاء الدهر ") متي ‪. ( 20 : 28‬‬
‫إنه وعد عظيم يمنحنا رجاء أن يكون الرب معنا كل اليام ‪ .‬ويقول‬
‫أيضا ً " حيثما اجتمع إثنان أو ثلثة بإسمي فهناك أكون في وسطهم‬
‫") متي ‪ . ( 20 : 18‬وقد صور لنا سفر الرؤيا السيد الرب في وسط‬
‫الكنائس السبع ورعاة هذه الكنائس عن يمينه ) رؤ ‪: 16 ، 13 : 1‬‬
‫‪ . ( 20‬إنه معنا ‪ ،‬يعمل فينا ‪ ،‬ويعمل بنا ‪ ،‬ويعمل معنا … هذا عن‬
‫البن ‪ ،‬وماذا عن الب ؟ يقول الرب ‪:‬‬
‫" أبي يعمل حتي الن ‪ ،‬وأنا أيضا ً أعمل ") يو ‪. ( 17 : 5‬‬
‫إن عمل الله لم ينته بالخلق ‪ ،‬حينما استراح الله في اليوم السابع !‬
‫فالله يعمل باستمرار يري كل شئ ويرقب ‪ ،‬كضابط للكل ‪ ..‬وهو‬
‫يعمل في رعاية هذه البشرية ‪ ،‬ويسند ويساعد ويعين ويحفظ … وقد‬
‫قيل عن الباء الرسل " فخرجوا ‪ ،‬وكرزوا في كل مكان ‪ .‬والرب‬
‫يعمل معهم ‪ ،‬ويثبت الكلم باليات التابعة ") مر ‪ . ( 20 : 16‬وقال‬
‫داود النبي عن عمل الرب " ما أعظم اعمالك يارب … كلها بحكمة‬
‫صنعت " ) مز ‪. ( 24 : 104‬‬
‫الثالوت القدوس إذن يعمل معنا ‪ ،‬وتعمل معنا ملئكته ‪.‬‬
‫قال الرسول عن الملئكة ‪ ،‬أليسوا جميعا ً أرواحا خادمة مرسلة‬
‫ً‬
‫للخدمة لجل العتيدين أن يرثوا الخلص ") عب ‪ ( 14 : 1‬ملك من‬
‫السارافيم طار بسرعة وأخذ جمرة من علي المذبح ومسح بها شفتي‬
‫اشعياء النبي لما سمعه يقول " ويل لي قد هلكت ‪ ،‬لني إنسان‬
‫نجس الشفتين ") اش ‪ ( 7 – 5 : 6‬وملك آخر وقف يدافع عن يهوشع‬
‫الكاهن لما رأي الشيطان وقال له " لينتهزك الرب ") زك ‪.( 2 : 3‬‬
‫ويعوزني الوقت إن تحدثت عن عمل الملئكة من أجل البشر بأمر من‬
‫الرب ‪ :‬مثل قول دانيال النبي " إلهي ارسل ملكه فسد أفواه السود‬
‫") دا ‪ ، ( 22 : 6‬ومثل انقاذ الملك لبطرس من السجن ) أع ‪( 12‬‬
‫ومثل قول الكتاب " ملك الرب حال حول خائفيه و ينجيهم ") مز ‪34‬‬
‫‪ . ( 7 :‬ومثل قول الكتاب عن عمل الله من أجلنا في ضيقتنا " في‬
‫كل ضيقهم تضايق وملك خلصهم ") )اش ‪( 9 : 63‬‬
‫*******‬
‫الله يعمل لجلنا في كل ضيقاتنا وتجاربنا …‬
‫إنه يقول لكل منا " ل أهملك ول أتركك ‪ ،‬تشدد وتشجع ‪ .‬لترهب ول‬
‫ترعب لن الرب إلهك معك حيثما تذهب ") يش ‪ . ( 9 ، 5 : 1‬وقال‬
‫لرمياء النبي " ل تخف من وجوههم لني أنا معك لنقذك ") أر ‪8 : 1‬‬
‫( ‪ .‬وقال القديس بولس الرسول " ل تخف ‪ ،‬بل تكلم ول تسكت ‪،‬‬
‫لني أنا معك ‪ .‬ول يقع بك أحد ليؤذيك " ) أع ‪. ( 10 ، 9 : 18‬‬
‫*******‬
‫حتي في الكلم ‪ ،‬الله يكون معنا ‪ ،‬ليتكلم علي ألسنتنا ‪.‬‬
‫إنه يقول لنا " ل تهتموا كيف أو بما تتكلمون ‪ ،‬لنكم تعطون في تلك‬
‫الساعة ما تتكلمون به لن لستم انتم المتكلمين ‪ ،‬بل روح أبيكم الذي‬
‫يتكلم فيكم " ) متي ‪ . ( 20 ،19 : 10‬وبولس الرسول يطلب طلة‬
‫أهل أفسس لكي يعطي له كلم عند افتتاح فمه ) أف ‪، ( 19 : 6‬‬
‫وداود النبي يقول " افتح يارب فتي ‪ ،‬لكي يخبر فمي بتسبيحتك‬
‫") مز ‪ ( 50‬وأرمياء النبي قال له الرب " ها قد جعلت كلمي في‬
‫فمك " ) ار ‪.( 9 : 1‬‬
‫*******‬
‫ومن جهة التوبة ‪ ،‬الله هو الذي يعمل فينا لنتوب ‪ ،‬لذلك يقول الكتاب ‪:‬‬
‫" توبني فأتوب ‪ ،‬لنك أنت الرب إلهي ") ار ‪( 18 : 21‬‬
‫روح الله هو الذي يبكتنا علي خطية )يو ‪ ( 8 : 16‬وهو الذي يرشدنا‬
‫إلي طريق البر ‪ .‬والمرنم يقول عن عمل الرب في التوبة "‬
‫انضج علي بزوفاك ‪ ،‬فاطهر واغسلني فأبيض أكثر من الثلج " ) مز‬
‫‪ . ( 50‬ونحن نصلي في قداستنا ونقول " طهر نفوسنا وأجسادنا‬
‫وأرواحنا " ) والله هو الذي منحنا في المعمودية غسيل الميلد الثاني‬
‫) تي ‪ . ( 5 : 3‬ووعدنا في سفر اشعياء بهذا التطهير ) اش ‪: 1‬‬
‫‪ ، ( 18‬وكذلك في سفر حزقيال ) حز ‪ ( 25 : 36‬ومن العبارات التي‬
‫تستحق شيئا ً من التأمل قول المرتل في المزمور ‪:‬‬
‫" قلبا ً نقيا ً أخلق في يا الله وروحا ً مستقيما ً جدده في أحشائي ")مز ‪( 50‬‬
‫إذن فوجد هذا القلب النقي هو من عمل الله ‪ ،‬يخلقه خلقا ً من ل‬
‫شئ ‪ ،‬ويجدد الروح … ويقول الرب في سفر حزقيال " وأعطيكم‬
‫قلبا ً جديدا ً ‪ ،‬وأجعل روحا ً جديدا ً في داخلكم … وأجعل روحي في‬
‫داخلكم … وأجعلكم تسلكون في فرائضي ‪ .‬وتحفظون احكمي‬
‫وتعلمون بها " ) حز ‪ ( 27 ، 26 : 36‬واضح أنه عمل الرب فينا ‪.‬‬
‫*******‬
‫" أنه الله الذي يريد أن الجميع يخلصون وإلي معرفة الحق يقبلون " ) ‪ 1‬تي ‪4 : 2‬‬
‫(‪.‬‬
‫وهو ل يريد فقط ‪ ،‬وإنما يريد ويعمل علي خلصنا ‪ .‬وهو الذي دبر‬
‫طريقة الفداء و الكفارة … وهو الذي أخلي ذاته وتجسد … هو الذي‬
‫أحب " أحب العالم حتي بذل إبنه الوحيد ‪ ،‬لكي ل يهلك كل من يؤمن‬
‫به ‪ ،‬بل تكون له الحياة البدية ") يو ‪.( 9 14 : 3‬‬
‫*******‬
‫هو الذي أعطي الرسل المصالحة … ليصالحونا معه ‪ .‬وفي ذلك يقول‬
‫القديس بولس الرسول "… الله الذي صالحنا لنفسه بيسوع المسيح‬
‫وأعطانا خدمة المصالحة … إذن نسعي كسفراء عن المسيح ‪ ،‬كأن‬
‫الله يعظ بنا … نطلب عن المسيح ‪ :‬تصلحوا مع الله ") ‪2‬كو ‪، 18 : 5‬‬
‫‪. ( 19‬‬
‫*******‬
‫هو الذي قال ‪ :‬أنا واقف علي الباب وأقرع ) رؤ ‪. ( 20 : 3‬‬
‫إنه يقرع علي باب كل نفس ويبحث عن خلص علي كل نفس ‪ ،‬كما‬
‫بحث عن الخروف الضال و الدرهم المفقود ) لو ‪ ( 15‬وهو من أجل‬
‫هذا الخلص أرسل النبياء و الرسل ‪ ،‬والرعاة و المعلمين ‪ ،‬وارسل‬
‫لنا كلمه بالوحي اللهي ‪.‬‬
‫الله أيضا ً يعمل لجلنا بالحفظ اللهي …‬
‫وبهذا يتغني المرتل فيقول في المزمور " لول أن الرب كان معنا‬
‫حين قام الناس علينا لبتلعونا ونحن احياء … مبارك الرب الذي لم‬
‫يسلمنا لسنانهم … نجت أنفسنا مثل العصفور من الصادين " ) مز‬
‫‪ ، ( 123‬وداود النبي يقول لجليات " الحرب للرب ‪ ،‬وهو يدفعكم ليدنا‬
‫") ‪ 1‬صم ‪ .( 47 : 17‬وموسي النبي قال للشعب " قفوا وانظروا‬
‫خلص الرب …‪ .‬الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ") خر ‪، 14 : 4‬‬
‫‪. ( 14‬‬
‫إن الشيطان يريد أن يوقعنا في اليأس …بأن ينسينا عمل الله من أجلنا ‪.‬‬
‫ومن السهل أن نرد عليه ‪ .‬إن قال لنا ان طريق الرب صعبة نقول له‬
‫يكفي أن الله معنا في الطريق ‪ ...‬وهو يجعل الصعب سهل ً …وإن‬
‫قال لواحد منا أن نفسك ل تريد التوبة ‪ ،‬نقول له ‪ :‬يكفي أن الله‬
‫يريدها لنا وهو ل شك سيقودنا إليها … وإن أخفنا من العداء‬
‫الكثيرين نقول له ‪ :‬إن الذين معنا أكثر من الذين علينا ‪.‬‬
‫*******‬
‫إن الله يعمل لجلنا ‪ .‬ولكن يجب علينا الستجابة له … و الشركة معه ‪.‬‬
‫وفي هذا يقول الرسول ‪ "،‬إن سمعتم صوته ‪ ،‬فل تقسوا ققلوبكم ")‬
‫عب ‪ ( 8 : 3‬الله يعمل … ولكن ينبغي أن نشترك معه في العمل ‪...‬‬
‫هو يرسل روحه القدوس لجل تقويتنا ‪ ،‬وارشادنا ‪ .‬ولكن ينبغي لنا‬
‫أن ندخل في شركة الروح القدس ‪.‬‬
‫وبهذا يكون الخلص هو نتيجة عمل الله فينا ‪ ...‬ومعه قبولنا لهذا العمل …‬
‫واشتراكنا مع الروح في وسائط النعمة ‪.‬‬
‫وكل ذلك يبعث الرجاء في النفس ‪ .‬ولكن …‬
‫لعل إنسانا ً يقول إنني طلبت من الله وهو لم يستجب ! ومازلت في‬
‫ضيقة ‪ ،‬والله لم يتدخل ! فأين الرجاء إذن ؟ لمثل هذا النسان ‪ ،‬قال‬
‫المرتل في المزمور ‪:‬‬
‫" انتظر الرب ‪ .‬تقو وليتشدد قلبك ‪ ،‬وأنتظر الرب ") مز ‪. ( 27‬‬
‫عن محاضرتين ألقيتا في الكاتدرائية الكبري بدير النبا رويس بالقاهرة أحدهم‬
‫مساء الجمعة ‪1976 / 12 : 10‬م ‪ /‬والثانية نساء الجمعة ‪2/5/1980‬م‬
‫ل شك أن الله يعمل ويعمل في هدوء ‪ ،‬من أجل كل مخلوقاته ‪ ،‬كراع‬
‫صالح للجميع ‪ ،‬يريد الخير للكل ‪.‬‬
‫غير أن البعض إذا تعبوا ‪ ،‬أو إذ ظنو أن الله قد تأخر عليهم ‪ ،‬يخيل إليهم أنه ل‬
‫يعمل !!‬
‫يظنون هذا خلل مشاكلهم ‪ ،‬بينما يكون الله في عمق العمل من‬
‫أجلهم ‪ ،‬وهم ل يعملون ‪ .‬أو أن هؤلء يعوزهم ان ينتظروا ليروا عمل‬
‫الرب ‪ ،‬أو ليروا نتيجة عمله علي وجه أصح … ليروا بالعيان ما كان‬
‫يجب ان يصدقوه باليمان … " انتظر الرب ‪ .‬تقو و ليتشدد قلبك ‪،‬‬
‫وانتظر الرب ") مز ‪. ( 27، 26‬‬
‫*******‬

‫الذي ينتظر في رجاء ‪ ،‬إنما ينتظر الرب بقلب مملوء باليمان و‬


‫بالثقة ‪ .‬في غير شك وبغير قلق ول اضطراب ول تضايق ‪ .‬ينتظر وهو‬
‫مؤمن أن الرب لبد سيتدخل ‪ ،‬ولبد سيعمل ‪ ،‬وأن المور لبد تنتهي‬
‫إلي خير ‪ ،‬حسب قول الكتاب ‪:‬‬
‫" كل الشياء تعمل معاص للخير للذين يحبون الله ") رو ‪. ( 28 : 8‬‬
‫وهكذا يصف لنا الكتاب الرجاء العظيم لمنتظري الرب فيقول " وأما‬
‫منتظرو الرب فيجدون قوة ‪ .‬يرفعون أجنحة كالنسور ‪ .‬يركضون ول‬
‫يتعبون ويمشون ول يعيون " )أش ‪ ... ( 31 : 40‬القوة التي هزتها‬
‫الضيقة ‪ ،‬تتجدد بالرجاء ‪ ،‬بانتظار الرب ‪ .‬كما قيل في المزمور " يجدد‬
‫مثل النسر شبابك ‪ .‬إذن ينبغي إن النسان ينتظر الله ‪ ،‬بقلب قوي‬
‫متشدد ‪ ،‬بإيمان واثق ‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫واثق أن الله لبد سيعمل ‪ .‬وسيظهر عمله واضحا وقويا ‪ .‬والله يعمل في الوقت‬
‫المناسب ‪ ،‬وبالطريقة المناسبة النافعة ‪.‬‬
‫ليس من اللئق أن نفرض علي الله وقتا ً معينا ً أو أسلوبا ً خاصا ً ‪ .‬فقد‬
‫قال الرب " ليس لكم ان تعرفوا الزمنة والوقات التي جعلها الب‬
‫في سلطانه وحده ") أع ‪ . ( 7 : 1‬يكفي أن تترك مشكلتك في يد الله‬
‫وتنساها هناك ‪ ،‬وانت واثق أن الله سيحلها … اما متي ؟ فهذا ليس‬
‫لك أن تفحصه ‪ .‬يكفي أنها ستحل بيد الله ‪ ،‬فلي الحين الحسن ‪ .‬وما‬
‫عليك إل أن نتظر الرب ‪.‬‬
‫*******‬

‫‪-1‬رجاؤك في انتظار الله يرتكز علي إيمانك بمحبة الله لك ‪.‬‬


‫الله الذي يحبك ‪ ،‬أكثر مما تحب أنت نفسك ‪ .‬والذي يعمل من اجلك‬
‫الخير ‪ ،‬أكثر مما تستطيع أن تعمل أنت من أجل نفسك ‪ .‬الله الذي‬
‫يريد أن الجميع يخلصون ‪ ،‬وإلي معروفة الحق يقبلون ") ‪1‬تي ‪( 4 : 2‬‬
‫‪ .‬الله الذي نقشك علي كفه ‪ ،‬وحفظك في يمينه الحصينة ‪ ،‬والذي‬
‫يقول لك " لهملك ول أتركك ")يش ‪. ( 5 : 1‬‬
‫*******‬

‫ب‪ -‬رجاؤك أيضا ً في انتظار الرب ‪ ،‬يرتكز علي إيمانك بحكمته ‪:‬‬
‫حكمته غير محدودة ‪ ،‬التي هي فوق مستوي تفكيرك ‪ ،‬وفوق مستوي‬
‫تفكيرغيرك الحكمة التي تعرف ما هو الخير لنها تري كل شئ ‪،‬‬
‫وتبصره مال تبصره أنت هذه الحكمة التي أدركها أيوب الصديق‬
‫أخيرا ً ‪ ،‬فقال " قد نطقت بما لم أفهم ‪ .‬بعجائب فوقي لم أعرفها ")‬
‫أي ‪ . ( 3 : 42‬تأكد إذن أن الله يدبر امورك بحكمة ‪ ،‬سواء فهمتها أم‬
‫لم تفهمها … سلم قلبك لحكمته وانتظر …‬
‫*******‬
‫ج – رجاؤك أيضا ً في انتظار الرب ‪ ،‬يرتكز علي إيمنك بمواعيده ‪:‬‬
‫مواعيده التي قال فيها " ها انا معكم كل اليام وإلي انقضاء الدهر‬
‫") متي ‪ . ( 20 : 28‬إن نسيت الم رضيعها أن ل أنساكم ) اش ‪: 49‬‬
‫‪ " ( 15‬نقشتكم عب كفي ) اش ‪ . ( 16 : 49‬ط تشدد وتشجع ل‬
‫ترهب ول ترتعب ‪ .‬لن الرب إلهك معك حيثما تذهب ") يش ‪" ( 9 :1‬‬
‫ل يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك ") يش ‪ " ( 5 :1‬أنا معك ول‬
‫يقع بك أحد ليؤذيك ") أع ‪. ( 10 : 18‬‬

‫الذي ييأس من انتظار الرب ب‪ ،‬قد يلجأ إلي الطريق البشرية ‪ .‬يعتمد‬
‫علي الذكاء أو المكر و الدهاء ‪ .‬كما فعلت رفقة ‪ ،‬عندما ظنت أن‬
‫الوقت قد فلت ‪ ،‬وسوف تضيع البركة التي وعد بها ليعقوب ) تك‬
‫‪ ، ( 23 : 25‬فلجأت إلي طريق بشري ‪ ،‬خدع فيه يعقوب أباه القديس‬
‫اسحق ) تك ‪ . ( 27‬وأيضا ً أبونا ابراهيم لما يئس من انتظار الرب ‪،‬‬
‫لجأ إلي الطرق البشرية ‪ ،‬فأخذ هاجر لتلد له ثم عاد ابراهيم واخذ‬
‫قطورة ) تك ‪ . ( 1 : 25‬وكانت طرقا ً مرفوضة من الرب ‪.‬‬
‫*******‬
‫و البعض حينما ييأس من انتظار الرب ‪ ،‬قد يلجأ إلي السحرة و العرافين ‪ ،‬وإلي‬
‫طرق بشرية كاللجوء إلي استشارة الموتي !!‬
‫المر الذي اعتبره الرب من رجس المم ‪ .‬وقال في ذلك "… ل تتعلم‬
‫أن تفعل مثل رجس تلك المم ‪ .‬ل يوجد فيك من يجيز إبنه او تبنته‬
‫في النار ‪ ،‬ول من يعرف عرافة ‪ ،‬ول عائف ‪ ،‬ول متفائل ‪ ،‬ول ساحر ‪.‬‬
‫ول من يرقي رقية ‪ ،‬ول من يسأل جانا ً ول تابعة ول من يستشير‬
‫الموتي ‪ .‬لن كل من يفعل ذلك مكروه عند الرب ") تث ‪( 12-9 : 18‬‬
‫كلها طرق بشرية مرفوضة من الله ‪ .‬وبعضها طرق شيطانية ‪.‬‬
‫ومثل ذلك من يلجأ إلي التنويم المغناطيسي ‪ ،‬وما يعرف بالسلة ‪ .‬ومن يؤمن‬
‫بالعمل وإبطاله ‪ ،‬ومن يلجأ إلي من يقرأ الفنجان ‪ ،‬ومن يقرأ الكف ‪ ،‬ومن "‬
‫يضرب الرمل " ومن " يعرف البخت "‪ ،‬وأمثال هذه الطرق …‬
‫ً‬
‫إن الله يريدك أن تكون تحت قيادته ‪ :‬تأخذ معرفتك منه ‪ .‬وكثيرا ما‬
‫تغني داود النبي بأن خلصه من عند الرب أو أن الرب نفسه قد صار‬
‫له خلصا ً ‪ .‬والعجيب أن بعض الذين يلجأون إلي هذه المور يريحون‬
‫ضمائرهم الثائرة عليهم أو ضمائر الناس الساخطة عليهم ‪ ،‬بأن هذه‬
‫المور تدخل تحت نطاق العالم ‪ ،‬وأن الكنيسة ل يجوز لها أن تقاوم‬
‫العلم !!‬
‫*******‬
‫في الكتاب المقدس يقول الرب إن استشارة الموتي هي من رجس المم ‪ ،‬وأنها‬
‫مكروهة عند الرب ‪ ،‬فيقول البعض إنها علم ‪ ،‬ول يجوز للكنيسة أن تقف ضد العلم‬
‫!!‬

‫حتي إن كان علما ً ‪ ،‬فهو رجس ومروه عند الرب ‪.‬‬


‫و العجيب أن السحر نفسه ‪ ،‬الذي هاجمه الكتاب ‪ .‬وقال الرب " ل‬
‫تدع ساحرة تعيش ") خر ‪ .( 18 : 22‬وقال أن خارج الملكوت "…‬
‫السحرة وعبدة الوثان ‪ ....‬نصيبهم في البحيرة المتقدة بالنار و‬
‫الكبريت ") رؤ ‪ … ( 8 : 21‬السحر يري البعض أن هناك نوعا ً مقبول ً‬
‫خنه يسمونه " السحر البيض " ولم أقرأ في الكتاب اطلقا ً عبارة "‬
‫السحر البيض !!‬
‫*******‬
‫أما أنت فل تلجأ إلي أمثال هذه الطرق ‪ ،‬إنما لجأ إلي الله وانتظره ‪ .‬ومهما تأخر ل‬
‫تلجأ إلي السحر واشباهه ‪.‬‬
‫إنها تعبير إما عن فشل ويأس أو هي دليل عملي علي اللجوء إلي‬
‫غير الله ‪ .‬أو هي ضيق في القلب ل يستطيع ان ينتظر الرب ‪ .‬أو هي‬
‫استهانة بأمر الله الصريح الوارد في ) تث ‪ ( 18‬ز لقد ضرب الرب‬
‫شاول الملك واماته لنه لجأ إلي مثل هذا الطريق … ) ‪ 1‬صم ‪. ( 28‬‬
‫اما انت فاستمع لمر الرب الصريح ‪ .‬ول تلجأ إلي طرق خاطئة كهذه‬
‫مهما ظننت أنه قد تأخر عليك ‪ .‬ولكن لعل إنسانا ً يسأل ‪ :‬إلي متي‬
‫أنتظر الرب ؟…‪.‬‬

‫يقول المرتل في المزمور " صبرت نفسي للرب ‪ .‬صبرت نفسي‬


‫لناموسك انتظرت نفسي الرب من محرس الصبح حتي الليل ") مز‬
‫‪ ( 129‬ويضيف بعدها " لن الرح مة من عند الرب ‪ ،‬وعظيم هو خلصه‬
‫"… وربما عبارة " من محرس الصبح حتي الليل " – في معناها‬
‫الرمزي – تعني العمر كله ‪ ،‬أو تعني الوقت كله ‪ .‬او عبارة " حتي‬
‫الليل قد تعني ‪ :‬حتي الظلمة ‪ ،‬حتي عمق اشتداد المشكلة … ننتظر‬
‫الرب ‪ ،‬ونحن متأكدون تماما ً أنه لبد سيجئ ويصنع خلصا ً ‪ .‬اما متي‬
‫يجئ ؟ أصباحا ً ‪ ،‬أم ظهرا ً ‪ ،‬أم في نصف الليل ‪ ،‬أم في الهزيع‬
‫الرابع ؟ لسنا ندري …‬
‫*******‬
‫ل نعرف متي يجئ ‪ .‬ولكن ما يسعدنا حقا ً ‪،‬أنه لبد سيجئ …‬
‫الوقت أو الميعاد ‪ ،‬نتركه لحكمته اللهية ‪ .‬ولكن نفرح بانتظار‬
‫مجيئه ‪ ،‬حسب وعده الصادق " ل أترككم يتامي ‪ .‬أني آتي إليكم ") يو‬
‫‪ " . ( 18 : 14‬سأراكم أيضا ً فتفرح قلوبكم ‪ .‬ول ينزع أحد فرحكم‬
‫منكم ") يو ‪ . ( 22 : 16‬إن الصليب قد يحمل ألما ً ‪ .‬والقيامة معها‬
‫فرح الرجاء …‬
‫وكل صليب لبد بعده قيامة ‪ .‬والوعد بالقيامة يحمل الرجاء …‬
‫لذلك كن واثقا ً ‪ ،‬ول تيأس ‪ .‬وانتظر الرب في عمق السلم الداخلي ‪.‬‬
‫وكلما احاطت بك ضيقة ‪ ،‬قل ‪ :‬إنني اسمع صوت حبيبي " هوذا آت ‪،‬‬
‫ظافرا ً علي الجبال قافزا ً علي التلل ") نش ‪.( 8 : 2‬‬
‫*******‬
‫وإن صادفتك مشكلة ‪ ،‬ل تجعلها تتعبك كما يحدث لفاقدي الرجاء‪ .‬بل‬
‫قل في ثقة ‪ :‬أن الله لبد سيحلها ‪ .‬وإن لم تحل في هذه اليام ‪،‬‬
‫ستحل في السابيع المقبلة ‪ .‬وإن لم تحل في هذه السابيع ‪ ،‬ستحل‬
‫في الشهور المقبلة ‪ .‬أنها لبد ستحل ‪ ،‬مهما مر الوقت عليها ‪ .‬أنا‬
‫واثق يارب في تدخلك ‪ .‬واثق في حكمتك وفي عملك ‪ ،‬وأنك لن‬
‫تتخلي ‪ .‬لذلك مهما مر الوقت ‪ ،‬نحن ل نحزن ‪ ،‬كما قال الرسول ‪:‬‬
‫" ل تحزنوا كالباقين الذين ل رجاء لهم ") ‪ 1‬تس ‪. ( 13 : 4‬‬
‫إن ثقتنا بعمل الله ‪ ،‬ل تسمح أبدا ً للحزن أن يدخل إلي قلوبنا ‪ .‬فلنثق‬
‫به إذن ‪ .‬عجيب أننا نثق أحيانا ً بالطرق البشرية ‪ ،‬وبالوسائط‬
‫العالمية ‪ ،‬ونثق بالخريين ‪ ،‬ونثق بأنفسنا ‪ ،‬بذكائنا وفهمنا وقدراتنا ‪..‬‬
‫أما الله ‪ ،‬فكثيرا ً ما تهتز ثقتنا ونحن ننتظره !! فلماذا ؟ ألعله‬
‫) التأخير ( في الستجابة هو الذي يجعلنا نشك أو نحزن ‪.‬‬
‫*******‬
‫إذن فلنبحث موضوع التأخير هذا لنفهمه جيدا ً … وكمقدمة له نقول ‪:‬‬
‫إن الله يعمل ‪ ،‬مهما بدأ لنا أنه قد تأخر علينا …‬

‫الله ل يتأخر مطلقا ً ‪ .‬عبارة " تأخر " هنا لها معني نسبي ‪ ،‬بالنسبة‬
‫إليك ! وكذلك عبارة " ل تبطئ " ) مز ‪ .( 69‬أي ل تجعلني أشعر أنك‬
‫قد أبطأت علي وتأخرت !‬
‫ً‬
‫إن الله يعمل بطريقة هادئة متزنة ‪ ،‬قد نحسبها نحن بطئا ‪.‬‬
‫كل أعمال الله تكون في وقتها المناسب ‪ .‬ل سرعة فيها ول تأخير ‪.‬‬
‫وتوقيتها محسوب بحكمة إلهية عجيبة ‪ ،‬بكل دقة ‪.‬‬
‫*******‬
‫لقد وعد الله آدم وحواء بالخلص … ومرت آلف السنوات …‬
‫قال لهما أن نسل المرأة سوف يسحق رأس الحية ‪ .‬ومرت آلف‬
‫السنوات ‪ ،‬والحية ل تزال رافعة رأسها في شموخ ! وبدا أن نسل‬
‫المرأة في انهيار ستمر ‪ ...‬حتي أن الله اغرق العالم بالطوفان ‪،‬‬
‫وأحرق سادوم بالنار ‪ ،‬وأمر الرض أن تفتح فاها لتبتلع قورح ودثان‬
‫وابيرام … وبقي وعد الله قائما ً …‬
‫هلك هذا النسل ‪ .‬ولو !! لنا رجاء في نسل آت للخلص ‪..‬‬
‫كان الرجاء معلقا ً في أولد نوح ‪ .‬أفسد أغلبهم ؟! يبقي الرجاء في‬
‫أولد إبراهيم ‪ .‬أفسد أغلبهم ؟ يبقي الرجاء في أولد يعقوب … لبد‬
‫سيحقق الله وعده بالخلص‪ ..‬ومهما انتظر سمعان الشيخ طويل ً ‪،‬‬
‫لبد سيأتي عليه الوقت الذي يقول فيه – وهو يحمل المسيح – " الن‬
‫يارب تطلق عبدك بسلم ‪ ،‬لن عيني قد ابصرتا خلصك ") لو ‪، 29 : 2‬‬
‫‪ . (30‬حتي المرأة السامرية – علي الرغم من كثرة خطاياها – لم‬
‫يفارقها مطلقا ً هذا الرجاء في مجئ المسيح ‪ ،‬المسيح ‪ ،‬لذلك‬
‫قالت ‪ ":‬أنا أعلم أن مسيا ‪ ،‬الذي يقال له المسيح ‪ ،‬يأتي …") يو ‪: 4‬‬
‫‪. ( 25‬‬
‫وكثيرون رقدوا قبل أن يبصروا الخلص ‪ .‬ولكن رقدوا علي رجاء …‬
‫وفي ذلك يقول معلمنا القديس بولس الرسول ‪ " :‬في اليمان مات‬
‫هؤلء اجمعون وهم لم ينالوا المواعيد ‪ .‬بل من بعيد نظروها ‪،‬‬
‫وحيوها وأقروا بأنهم غرباء ونزلء علي الرض ") عب ‪. ( 13 : 11‬‬
‫هؤلء رتلوا مع المزمور " لنك لن تترك نفسي في الجحيم ‪ ،‬ولن‬
‫تدع قدوسك يري فسادا ً ") مز ‪ . ( 10 : 16‬وفي كل ذلك سنسأل‬
‫سؤال ً هاما ً وهو ‪:‬‬
‫*******‬
‫هل حقا ً تأخر الله في تنفيذ وعده بخلص العالم ؟‬
‫كل ‪ ،‬إنه لم يتأخر الوقت علي الرغم من مرور آلف السنين ‪ .‬بل انه‬
‫كان يعد البشرية لستقبال هذا الخلص … يعدهم بالنبوات وبالرموز‬
‫وبالتوبة وباليمان ‪ .‬كم من الذبائح و المحرقات قدموها ‪ ،‬حتي صارت‬
‫عقيدة الكفارة و الفداء راسخة في أذهانهم ‪ ،‬وصارت المغفرة بالدم‬
‫أمرا ً سهل ً مقبول ً … وانتظر الرب حتي اصبح اليمان أذهانهم ‪،‬‬
‫وصارت المغفرة بالدم أمرا ً سهل ً … وانتظر الرب حتي اصبح اليمان‬
‫ممكنا ً ‪ ،‬حتي وسط المم ‪ .‬وانتظر الرب حتي يوجد المعمدان الذي‬
‫يعد الطريق قدامه وحتي توجد العذراء الطاهرة التي تكون اناء‬
‫للتجسد ‪ ،‬والتي تقدر علي احتمال ذلك المجد العظيم ‪.‬إذن لم تكن‬
‫مرحلة تأخير ‪ ،‬إنما مرحلة إعداد تقوي الرجاء ‪ ..‬ونفذ الله وعده الذي لم‬
‫ينسه مطلقا ً خلل آلف السنين ‪ ،‬بل كان يمهد له … وأخيرا ً استطاع‬
‫نسل المرأة ان يستحق رأس الحية ) تك ‪ . ( 15 : 3‬وتم فعل ً ما قاله‬
‫لبينا إبراهيم ‪ ":‬بنسلك تتبارك جميع قبائل الرض ") تك ‪، 18 : 22‬‬
‫أع ‪. ( 25 : 3‬‬
‫لقد خلصهم " في ملء الزمان ") غل ‪( 4 : 4‬‬
‫*******‬

‫نحن نقول انتظر الرب ‪ .‬فهل ننتظر الرب حتي يبدأ العمل ‪ ،‬واثقا ً أنه‬
‫سوف يعمل ؟ كل ‪ .‬فهذه تعبيرات مقدمة للمستوي البشري في‬
‫الفهم ‪ .‬فما الحقيقة إذن ؟‬
‫انتظر الرب واثقا ً ‪ ،‬ليس أنه سيعمل ‪ ،‬بل واثقا أنه يعمل فعل ً ‪ .‬وربما قبل أن‬
‫ً‬
‫نطلب منه نحن ‪.‬‬
‫ربما كنيسة محتاجة إلي كاهن يرعاها ‪ ،‬وتطلب من الرب هذا ‪ ،‬ويبدو‬
‫أن الرب قد تأخر عليها عامين أو ثلثة ‪ ،‬حتي أرسل لها الكاهن‬
‫المطلوب …! بينما تكون الحقيقة أن الله كان يعد لها هذا الكاهن منذ‬
‫ثلثين أو أربعين عاما ً مضت ‪ ،‬قبل أن تطلب يعده بروحيات معينة ‪،‬‬
‫ويعلم ومعرفة وحكمة وتداريب ‪ ،‬ويعده ربما بتجارب وضيقات ‪،‬‬
‫وبخبرات روحية ‪ ،‬تجعله الشخص النافع و المناسب لهذه الكنيسة …‬
‫ونحن الذين ل نري ول نعرف اعدادت الله ‪ ،‬ونظنة قد تأخر !!‬
‫*******‬

‫‪ -1‬ربما يكون مجال ً لتعميق صلواتك وروحياتك ‪.‬‬


‫هذا ) التأخير ( يجعلنا نصلي ‪ ،‬ونتضرع ونداوم اللجاجة بقوة ومن‬
‫ً‬
‫عمق القلب ‪ ،‬ومن عمق الحتياج ‪ ،‬وربما نضيف إلي الصلة صوما ‪،‬‬
‫وتذلل ً أمام الله ونذرا ً ‪ .‬مثال ذلك حنة أم صموئيل ‪ :‬لما كانت عاقرا ‪،‬‬
‫ً‬
‫وقد تأخر عليها النجاب وكانت ضرتها تغيظها ‪ ،‬يقول الكتاب إنها "‬
‫صلت غلي الرب ‪ ،‬وبكت بكاء ‪ ،‬ونذرت نذرا ً " ) ‪ 1‬صم ‪( 12 – 9 :1‬‬
‫وتعهدت بأن البن الذي يعطيها الرب إياه يكون نذيرا ً للرب يخدمه كل‬
‫أيام حياته ‪ .‬وهكذا استفادت من هذا ) التأخير ( ‪ .‬أو قل أن الرب وجد‬
‫أن الوقت المناسب لمنحها نسل ً ‪ ،‬هو الوقت الذي تصل فيه إلي هذه‬
‫الحالة الروحية ‪ ،‬بدون تأخير ‪.‬‬
‫*******‬
‫‪ -2‬ربما يكون السبب أن الرب يعد طريقا ً أفضل ‪:‬‬
‫لو استجاب الرب ليوسف الصديق منذ أول إلقائه في السجن ‪ ،‬ربما‬
‫كان مصيره أن يخرج ليخدم فوطيفار أو سيدا ً أخر ‪ ،‬او في أية‬
‫وظيفة مماثلة ولكن ) التأخير ( لم يكن تأخيرا ً ‪ ،‬وإنما انتظارا ً للحلم‬
‫الذي يحلمه فرعون ‪ ،‬ويفشل في معرفة تفسيره ‪ ،‬ويكون رئيس‬
‫سقاته معه ‪ ،‬فيخبره بيوسف ‪ ،‬ويوسف الحلم بحكمة ويصير الوزير‬
‫الول لمصر وأبا ً لفرعون إذن ما بدا تأخيرا ً ‪ ،‬كان إعداد لوضع أفضل ‪.‬‬
‫*******‬
‫‪ -3‬وربما يكون السبب هو اختيار إيماننا ‪:‬‬
‫هل نتضايق حينما ل تستجاب صلواتنا في ذات الوقت ؟ هل نتذمر ؟‬
‫هل نلجأ إلي غيره ؟ هل يشكو للكل ؟ هل نجدف عليه ؟ أم أننا نصبر‬
‫في إيمان وفي رجاء وثقة ؟… إنه اختبار من الله ليماننا ‪ ،‬اختبار منا‬
‫لنفسنا ‪ .‬حتي إن وجدنا في أنفسنا ضعفا ً ‪ ،‬نعالجة ‪.‬‬
‫*******‬
‫‪ -4‬وربما يكون السبب هو أن نحصل علي انسحاق القلب ‪:‬‬
‫إن استجابة كل صلة في وقتها ‪ ،‬ربما تؤدي بنا إلي الفتخار و‬
‫المجد الباطل ‪ .‬بينما هذا ) التأخير ( قد يوصلنا إي التواضع‬
‫والنسحاق ‪ ،‬فندرك أننا لسنا شيئا ً …‬
‫*******‬
‫‪ -5‬وقد يكون السبب هو أن نصطلح مع الله ‪:‬‬
‫فإن ) تاخر ( علينا في الستجابة ‪ ،‬قد نراجع أنفسنا ‪ ،‬هل نحن‬
‫أخطأنا إلي الرب ‪ ،‬فلم يستجب بسبب خطايانا ؟ وهنا نتذكر قول‬
‫الرب " ارجعوا إلي فارجع إليكم ") مل ‪ ( 7 : 2‬يقودنا هذا المر إلي‬
‫التوبة ‪ .‬ويكون وصلنا إلي التوبة هو الموعد المناسب الذي حدده‬
‫الله ‪ ،‬بل تأخير ‪.‬‬
‫*******‬
‫‪ -6‬ربما يكون السبب هو أن ما نناله بسرعة ‪ ،‬ل نشعر بقيمته ‪:‬‬
‫وقد ل نشكر عليه ‪ ،‬فإن ) تأخرت ( الستجابة ‪ ،‬يزداد تعلقنا‬
‫بالمطالبة وشعورنا بقيمة تحقيقها ‪ ،‬فإذا ما استجيبت بعد حين ‪،‬‬
‫يزداد شكرنا لله ول ننسي احسانه إلينا ‪ .‬وهذا يعمق ارتباطنا به ‪،‬‬
‫كذلك نحرص علي ما نلناه منه فل نفقده بسرعة …‬
‫*******‬
‫‪ -7‬وربما يصبر الله علينا في الضيقة ‪ ،‬لننال بركاتها ‪:‬‬
‫إن استجاب لنا الله في التو واللحظة ن ورفع عنا الضيقة ‪ ،‬فل يمكن‬
‫أن ننال البركات التي ننالها كلمة طالت مدة الضيقة ‪ ،‬واحتملنا‬
‫وصبرنا ونأخذ بسبب ذلك أكاليل ‪ ،‬بل نأخذ خبرات روحية أيضا ً ‪ .‬ونأخذ‬
‫فضيلة الصبر و التسليم وانتظار الرب‪.‬‬
‫*******‬
‫‪ -8‬وقد يكون السبب فيما نظنه تأخيرا ً ‪ ،‬هو أن الله يعد لنا بديل أفضل مما‬
‫ً‬
‫نطلبه ‪:‬‬
‫ً‬
‫ذلك لن الله يعطينا دائما ما ينفعنا وما يناسبنا ‪ ،‬وليس مجرد الذي‬
‫نطلبه ‪.‬‬
‫إن الله ل يستجيب حرفية صلواتنا ‪ ،‬بل روحها ‪ .‬هو يعرف احتياجاتنا‬
‫أكثر مما نعرف نحن ‪ .‬وهو يعرف الصالح لنا أكثر مما نعرف نحن ‪.‬‬
‫ويكفي أن نقول له إننا نريد ‪ ،‬وهو يختار بحكمته ما يراه نافعا ً لنا ‪،‬‬
‫وما يراه مطابقا ً لمشيئته المقدسة المملوءة حكمة ‪.‬‬
‫*******‬
‫‪ -9‬ربما شعورنا أن الله قد تاخر علينا ‪ ،‬هو تعبير عن عدم اجادتنا لعبارة " لتكن‬
‫مشيئتك "‪.‬‬
‫ً‬
‫إننا نقولها في الصلة ‪ .‬ولكننا غالبا ل ندخل إلي عمقها ولندركها‬
‫ول نغنيها ‪ .‬فإن تأخرت استجابة ما نطلب ‪ ،‬علينا أن نقول له ‪ :‬نحن‬
‫يارب ل نفرض عليك مشيئتنا ‪ ،‬إنما نصارحك بما في داخلنا من‬
‫رغبات ومن طلبات ‪ .‬فإن وجدتها نافعة حققها في الوقت الذي‬
‫تختاره ‪ .‬وإل فلتكن مشيئتك ‪ ،‬بكل رضي قلوبنا …‬
‫إنه تدريب علي حياة التسليم ‪ ،‬و المبنية علي الثقة بتدابير الله ‪.‬‬
‫المهم أن ننتظر الرب ‪ ،‬بقلب مملوء بالسلم والطمئنان ‪ ،‬شاعرين‬
‫أن قضيتنا قد استقرت في يد الله المينة وفي قلب الله الحنون ‪.‬‬
‫وهذا يكفي‬
‫عن محاضرتين القيتا بالكاتدرائية يومي الجمعة ‪/ 30 ، 76 /10 /22‬‬
‫‪1980 / 10‬‬
‫حقا ً أن الله يحب أن يكون النسان قويا\ص في شخصيته ‪ ،‬قويا ً في‬
‫حياته الروحية ‪ ،‬قويا ً في احتماله ‪ ،‬في خدمته ‪ ،‬في فهمة ‪ ،‬في كي‬
‫شئ ‪.‬‬
‫ً‬
‫ولكنه مع ذلك هو إله الضعفاء أيضا ‪.‬‬ ‫‪-10‬‬
‫يسندهم في ضعفهم ‪ ،‬يشجعهم ويقويهم ‪ ،‬ول يتركهم … بل عن‬
‫مثل هؤلء ‪ ،‬قال السيد المسيح " روح السيد الرب علي ‪ .‬لن الرب‬
‫مسحني لبشر المساكين ‪ ،‬أرسلني لعصب منكسرى القلب ‪ ،‬لنادي‬
‫للمسبيين بالعتيق ‪ ،‬وللمأسورين بالطلق … لعزي كل النائحين ‪..‬ز‬
‫لعطيهم جمال ً عوضا ً عن الرماد ‪ ،‬ودهن فرح عوضا ً عن النوح ‪،‬‬
‫ورداء تسبيح عوضا ً عن الروح اليائسة ") أ ‪. ( 3-1 : 61‬‬
‫*******‬
‫نعم إنه يسند هؤلء اليائسين و المنكسرين و النائحين ‪ .‬ويقول عنه ‪:‬‬
‫معين من لي سله معين ‪ ،‬ورجاء من ليس له رجاء ‪.‬‬
‫عزاء صغيري النفوس ‪ ،‬ميناء الذين في العاصف ز أي انه ميناء‬
‫السلمة للذين في سفن تتقاذفها المواج و العواصف …‪ .‬كما حدث‬
‫للتلميذ ‪ ،‬في يوم ريح شديدة وكانت ‪ .‬سفينتهم في وسط البحر‬
‫معذبة من المواج ‪ .‬فأبصروه قادما ً إليهم ماشيا ً علي الماء وقال لهم‬
‫" أنا هو ‪ ،‬ل تخافوا "… وسكنت الريح ) مت ‪. ( 32 – 24 : 14‬‬
‫*******‬
‫حقا ً إنه معين من ليس له معين ‪ ،‬وكمثال ذلك ‪:‬‬
‫شفاؤه مريض بيت حسدا الذي له إنسان يلقيه في البركة …‬
‫حينما تقف وحيدا ً ‪ ،‬وليس لك إنسان يهتم بك ‪ ،‬ستجد الله حتما إلي‬
‫ً‬
‫جوارك حينما تهرب من عيسو الجبار الذي يريد ان يقتلك ‪ ،‬حينئذ‬
‫ستري لسما ً بين السماء والرض ‪ ،‬صوت الله يطمئنك قائل ً " ها أنا‬
‫معك ‪ ،‬واحفظك حيثما تذهب ‪ ) "..‬تك ‪ . ( 15 : 28‬حينما يطاردك‬
‫فرعون حتي إلي البحر ‪ ،‬وتصغر نفسك ‪ ،‬سيشق لك الله في البحر‬
‫طريقا ً … لتصغر نفسك امام الشدائد ‪ .‬وإن صغرت ‪ ،‬اسمع قول‬
‫الرسول ‪:‬‬
‫" شجعوا صغار النفوس ‪ ،‬اسندوا الضعفاء ") ‪ 1‬تس ‪( 14 : 5‬‬
‫*******‬
‫كذلك أنت ‪ ،‬إن رأيت إنسانا ً حائرا ً يائسا منهارا ‪ ،‬ل تستصغره ‪ .‬وإن‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫رأيته ساقطا ً ‪ ،‬ل تحتقره ‪ ،‬وقل له كلمة ترفع معنوياته ‪ ،‬أعطه كلمة‬
‫رجاء ‪ .‬افتح له طاقة من نور تضئ له الطريق ‪.‬‬
‫يا أخي إن كنت علي قمة الجبل ‪ ،‬فل تحتقر الذين علي السفح أو‬
‫في الوادي ‪ ،‬أو حتي الذين في المستنقع … وإن أعطاك الرب نعمة‬
‫ووصلت ‪ ،‬فل تنظر إلي الناس من فوق ‪ ،‬ول تحتقر الذين لم‬
‫يصلوا ‪ .‬أو حتي اليائسين وصغار النفوس ‪ .‬بل تذكر قول الرب ‪:‬‬
‫" انظروا ‪ .‬ل تحتقروا أحد هؤلء الصغار ") مت ‪. ( 10 : 18‬‬
‫مهما وصلت إليه حالتهم ‪ ،‬فالله قادر أن يقيمهم ‪ ،‬كما أقام من قبل‬
‫أوغسطينوس وبيلجية وموسي السود ‪ ..‬حتي إن كان شجرة غير‬
‫مثمرة ‪ ،‬وعلي وشك أن تقطع ‪ ،‬فإن الكرام الحنون يشاء أن يتركها‬
‫هذه السنة أيضا ً ‪ ،‬وينقب حولها ويضع زبل ً ‪ ،‬فريما تأتي بثمر فيما‬
‫بعد ) لو ‪ … ( 9-6 : 13‬إنه إلهنا الطيب الذي قيل عنه ‪:‬‬
‫قصبة مرضوضة ل يقصف ‪ ،‬وفتيلة مدخنة ل يطفئ ) مت ‪( 20 : 12‬‬
‫ربما يعصب القصبة المرضوضة فتستقيم ‪ ،‬وينفخ في الفتيلة‬
‫المدخنة فتشتعل …‬
‫إن الله يعطي فرصة لكل أحد ‪ .‬لنه ل يشاء موت الخاطئ ‪ ،‬بل أن‬
‫يرجع ويحيا ) حز ‪ … ( 32 ، 23 : 18‬وطالما النسان علي قيد الحياة ‪،‬‬
‫ل تزال أمامه فرصة للتوبة ‪ ،‬ول يفقد الرجاء ‪ .‬فاللص اليمين آمن‬
‫وعاد إلي الله ‪ ،‬وهو في الساعات الخيرة من حياته علي الرض ‪..‬‬
‫لقد كان هو أيضا ً قصبة مرضوضة ‪.‬‬
‫*******‬
‫عبارة جميلة معزية قالها ربنا يسوع المسيح وهي ‪:‬‬
‫ما جئت لدين العالم ‪ ،‬بل لخلص العالم ) يو ‪. ( 47 : 12‬‬
‫ليست في فمي كلمة دينونة ‪ ،‬بل كلمة حب ‪ ،‬كلمة خلص ومغفرة ‪..‬‬
‫بل الدينونة التي عليكم أنتم ‪ ،‬سأحلها ان بدل ً منكم ‪ ،‬وأمحوها عنكم‬
‫بدمي … حقا ً يارب فمك حلوة وكله مشتهيات ) نش ‪. ( 16 : 5‬‬
‫تقول ما جئت لدين ‪ ،‬بينما الدينونة كلها للبن !) يو ‪( 22 : 5‬‬
‫*******‬

‫إن البشرية الضعيفة المسكينة الساقطة ‪ ، ،‬سندها الله بالنبياء ‪.‬‬


‫حتي عندما رفضوه ‪ .‬أتي ليجتذبهم إليه … عندما تركوه ‪ ،‬وحفروا له‬
‫آبارا ً مشققة ل تضبط ماء ) أر ‪ ، ( 13 : 2‬لم يتركهم بل حدثهم عن‬
‫ينبوع المياة الحية … ولما عبدوا العجل الذهبي ‪ ،‬وقالوا هذه آلهتك يا‬
‫أسرائيل التي أصعدتك من ارض مصر ) خر ‪ … ( 4 : 32‬لم يفنهم‬
‫الرب ‪ ،‬بل رجع عن حمو غضبه ‪ ،‬وقبل شفاعة موسي النبي فيهم …‬
‫ول يزال الرب يصبر ويحتمل ن ويقيم الساقطين ويحل المربوطين )‬
‫مز ‪.( 145‬‬
‫*******‬
‫في صغر نفسك قد تيأس من خلصك ! ولكن الله ل ييأس من اجتذابك إليه ‪.‬‬
‫لقد جاء يطلب ويخلص ما قد هلك ) لو ‪ . ( 10 : 19‬سعي وراء‬
‫العشارين والخطاة وجلس علي موائدهم ‪ .‬وقال " ما جئت لدعو‬
‫أبرارا ً بل خطاة إلي التوبة " " ل يحتاج الصحاء إلي طبيب بل‬
‫المرضي ") لو ‪ .… ( 32 ، 31 : 5‬مدح العشار الذي لم يجرؤ ان يرفع‬
‫عينيه إلي فوق ‪ ،‬وقد وقف من بعيد …‪ .‬وفضله علي الفريسي ‪،‬‬
‫وخرج من عنده مبررا ً ) لو ‪. ( 14 ، 13 : 18‬‬
‫*******‬
‫حتي المرأة الخاطئة المضبوطة في ذات الفعل ‪.‬‬
‫المرأة الغارقة في الخزي وصغر النفس ‪ ،‬التي اجتمع ‪ ،‬حولها الكتبة‬
‫و الفريسيون ليرجموها … أنقذها الرب من هؤلء ‪ ،‬وقال لها " ول‬
‫أنا أدينك ‪ .‬اذهبي ول تخطئ أيضا ً ") يو ‪.( 11 – 3 : 8‬‬
‫وكذلك الخاطئة التي بللت قدميه بدموعها ‪ ،‬ومسحتهما بشر‬
‫رأسها ‪،‬رفع معنويتها ‪ ،‬وفضلها علي الفريسي ‪ ،‬وقال إن خطاياها‬
‫الكثيرة قد غفرت لها ) لو ‪. ( 47 – 37 : 7‬‬
‫*******‬
‫من أجل معرفة داود النبي ‪ ،‬بحنان الله الذي يشجع صغار النفوس ‪،‬‬
‫قال له في توبته ‪:‬‬
‫اغسلني ‪ ،‬فأبيض أكثر من الثلج ) مز ‪ . ( 50‬وعبارة " أكثر من الثلج " توضح‬
‫مدي غني حنان الله علي الخطاة ‪ ،‬حتي قال عنه المرتل في مزموره‬
‫الجميل المعزي " باركي انفسي الرب ‪ ،‬ول تنسي كل حسناته ‪"..‬‬
‫قال ‪ " :‬كما يتراءف الب علي البنين ‪ ،‬يتراءف الرب علي خائفيه " "‬
‫لم يصنع معنا حسب خطايانا ‪ ،‬ولم يجازنا حسب آثامنا ‪ .‬لنه مثل‬
‫ارتفاع السموات فوق الرض ‪ ،‬قويت رحمته علي خائفيه ‪ .‬كبعد‬
‫المشرق عن المغرب ‪ ،‬ابعد عنا معاصينا … لنه يعرف جبلتنا يذكر أننا‬
‫تراب نحن ") مز ‪.( 14 -10 : 103‬‬
‫*******‬
‫إن الله ليس فقط يغفر لنا خطايانا ‪ ،‬بل يقول ‪:‬‬
‫" ول أذكر خطيتهم بعد ") أر ‪. ( 34 : 31‬‬
‫يقول عن الخاطئ التائب " كل معاصيه التي فعلها ل تذك عليه ") حز‬
‫‪ " ( 22 : 18‬كل خطيته التي أخطأ بها ل تذكر عليه ") حز ‪. ( 16 : 33‬‬
‫ويقول بولس الرسول عن عمل الفداء " إن الله كان في المسح‬
‫مصالحا ً العالم لنفسه ‪ ،‬غير حاسب لهم خطاياهم ") ‪ 2‬كو ‪. ( 19 : 5‬‬
‫ويقول المرتل في المزمور " طوبي للذي غفر إثمه وسترت خطيته ‪.‬‬
‫طوبي لرجل ل يحسب له الرب خطية " ) مز ‪ . ( 2 ، 1 : 32‬ويكرر‬
‫القديس بولس الرسول هذه الية في رسالته إلي رومية ) رو ‪( 8 : 4‬‬
‫‪.‬‬
‫فالذي يصيبه صغر نفس بسبب خطاياه ‪ ،‬فليتذكر انها ل تحسب عليه في توبته ‪.‬‬
‫الله يمحوها في التوبة ‪ ،‬ول يعود يذكرها " إن كانت خطاياكم‬
‫كالقرمز ‪ ،‬تبيض كالثلج ") اش ‪ . ( 18 : 1‬بل أكثر من الثلج ) مز ‪( 50‬‬
‫‪.‬‬
‫*******‬
‫ولنأخذ مثال ً لبطرس الرسول الذي انكر المسيح ‪:‬‬
‫بل أنه أخذ " يلعن ويحلف أني ل أعرف هذا الرجل الذي يقولون عنه‬
‫" ) مر ‪ ) ( 17 : 14‬مت ‪ . ( 74 : 26‬ونسي قوله للسيد " وإن شك‬
‫فيك الجميع ‪ ،‬فإنا ل أشك " " أضطررت أن أموت معك ل أنكرك‬
‫") مر ‪ ) ( 31 ، 29 : 14‬مت ‪ … ( 35 ، 33 : 26‬وهوذا الن وقد انكره‬
‫ثلث مرات … لذلك وقع في صغر النفس ‪ ،‬وبكي بكاءً مرا ً ) مت‬
‫‪. ( 75 : 26‬‬
‫ولكن الرب لم يترك تلميذه بطرس لصغر النفس ‪ ،‬بل شجعه بأساليب كثيرة ‪.‬‬
‫فبعد القيامة قال للمريمات " اذهبن وقلن لتلميذه ولبطرس أنه‬
‫يسبقكم إلي الجليل هناك تروني ") مر ‪ . ( 7 : 16‬ولم يدمج بطرس‬
‫وسط التلميذ ‪ ،‬لنه كان محتاجا ً إلي اهتمام خاص ليرفع نفسيته بعد‬
‫إنكاره ‪.‬زز ولما ظهر السيد المسيح لسبعة من تلميذه عند بحر‬
‫طبرية ‪ ،‬قال لبطرس " أتحبني أكثر من هؤلء ؟ أرع غنمي … أرع‬
‫خرافي …" ) يو ‪ . ( 17-15 : 21‬ليظهر له أنه لم يسقط من درجته‬
‫الرسولية بإنكاره له … بل إن بولس الرسول يقول عن ظهورات‬
‫الرب بعد قيامته ‪ ،‬أنه ظهر لصفا ثم للثني عر ) ‪ 1‬كو ‪. ( 5 : 15‬‬
‫*******‬
‫وبالمثل فعل الرب مع توما في شكه ‪.‬‬
‫كانت نفسه أصغر من أن تؤمنون أن تري ‪ ..‬كل التلميذ آمنوا ‪ ،‬ما‬
‫عداه فلم يتركه الرب إلي شكه وصغر نفسه ‪ ،‬بل ظهر له وأراه‬
‫جروحه ‪ .‬وقال له " هات يدك وضعها في جنبي ‪ .‬ول تكن غير مؤمن‬
‫بل مؤمنا ً " فآمن توما وقال " ربي وإلهي " ) يو ‪. ( 28 ، 27 : 20‬‬
‫*******‬
‫لننظر معاملة الرب لموسي الثقيل الفم واللسان ) خر ‪. ( 10 : 4‬‬
‫كان موسي يعرف عن نفسه هذا الضعف ‪ ،‬وأنه ل يصلح بسببه وقد‬
‫قال للرب " لست أنا صاحب كلم ‪ ،‬منذ أمس ول أول من أمس ‪ ،‬ول‬
‫من حين كلمت عبدك ")خر ‪ . ( 10 : 4‬وقال له أيضا ً " ها أنا أغلف‬
‫الشفتين ‪ ،‬فكيف يسمع لي فرعون ") خر ‪ . ( 30 : 6‬ولكن الله‬
‫شجعه ‪ ،‬ولم يتركه لصغر النفس ‪.‬‬
‫بل إن هذا الغلف الشفتين صار كليم الرب ‪.‬‬
‫وقال له اذهب الن ن وأن أكون مع فمك ‪ ،‬وأعلمك ما تتكلم به "‪.‬‬
‫وها هو هارون أخوك " تكلمه وتضع الكلمات في فمه ‪ .‬وأنا أكون مع‬
‫فمك ومع فمه ‪ .‬وأعملكما ماذا تصنعان ‪.‬زز هو يكون لك فما ً ‪ ،‬وأنت‬
‫تكون له إلها ً ") خر ‪. ( 16 -12 : 4‬‬
‫*******‬
‫كذلك شجع الله صغار السن ‪ ،‬والخائفين من المسئولية ‪:‬‬
‫لما قال أرميا " إني ل أعرف أن أتكلم لني ولد " قال له الرب " ل‬
‫تقل إني ولد … ل تخف من وجوههم ‪ ،‬لني أنا معك لنقذك يقول‬
‫الرب " ومد الرب يده ولمس فم ارميا وقال له " ها قد جعلت كلمي‬
‫في فمك ‪ .‬انظر ‪ .‬قد وكلتك هذا اليوم علي الشعوب وعلي‬
‫الممالك ‪،‬لتقلع وتهدم ‪ ،‬وتهلك وتنقض ‪ ،‬وتبني وتغرس ") أر ‪-6 : 1‬‬
‫‪ .( 10‬ثم شجعه بالكثر وقال له " هأنذا قد جعلتك اليوم مدينة‬
‫محصنه وعمود حديد وأسوار نحاس علي كل الرض ‪.‬زز فيحاربونك‬
‫ول يقدرون عليك ‪ ،‬لني انا معك يقول الرب لنقذك " ) أر ‪، 18 : 1‬‬
‫‪. ( 19‬‬
‫وبنفس الوضع شجع الرب يشوع بعد موت موئسي ‪.‬‬
‫لم يكن سهل ً علي يشوع أن يمل المكان الكبير الذي كان يشغله‬
‫موسي النبي العظيم ‪ ،‬لذلك كان صغيرا ً في عيني نفسه ‪ .‬ولكن‬
‫الرب شجعه قائل ً ‪:‬‬
‫" ليقف إنسان في وجهك كل أيامك ‪ .‬كما كنت مع موسي ‪ ،‬أكون‬
‫معك ‪ .‬ل اهملك ول أتركك ‪ .‬تشدد وتشجع … اما أمراتك ‪ .‬تشدد‬
‫وتشجع ‪ .‬ل ترهب ول ترتعب ‪ ،‬لن الرب إلهك معك حيثما تذهب‬
‫") يش ‪.. ( 9 – 5 : 1‬‬
‫*******‬
‫قصة عن القديس النبا ايسيذيروس قس القللي ‪:‬‬
‫قيل عنه في البستان ‪ :‬إن أي أخ كان يفشل الباء في إصلحه و‬
‫يطرودنه كان النبا ايسيذيروس يأخذه ويطيل أناته عليه حتي‬
‫يخلص ‪ .‬ولذلك فإن النبا موسي ‪ ،‬حينما جاء إلي الدير ن وكان‬
‫منظره مخيفا ً ‪ ،‬حولوه إلي القديس ايسيذيروس احدي عشرة مرة ‪.‬‬
‫فلما نصحه بالذهاب إلي قليته ‪ ،‬أجاب ‪ ":‬ل أستطيع يا معلم "‬
‫لن الفكار كانت تضغط عليه بشدة ‪ .‬وأطال القديس أناته عليه ‪،‬‬
‫حتي تحول موسي السود إلي قديس ‪.‬‬

‫حاولوا دائما ً أن ترفعوا من نفسية النا ومعنوياتهم " اسندوا الضعفاء‬


‫" إن رأيتم إنسانا ً يبكته الكثيرون ‪ ،‬وينتقدونه ‪ ،‬ويتهكمون عليه ‪ ،‬وهو‬
‫ذليل امامهم ‪ :‬حاولوا أن تحتضنوه ‪ ،‬وتقولوا فيه إن أمكنكم كلمة‬
‫طيبة … تأكدوا أنه لن ينسي هذا الموقف النبيل منكم كل أيام حياته‬
‫… إن هذه رسالة القلوب الكبيرة المحبة الحنونة ‪ ،‬نحو صغار النفوس‬
‫*******‬
‫إن وجدت إنسانا ً مربوطا ً بالخطية ‪ ،‬فل تعيره ‪ ،‬بل فكه من رباطاته ‪.‬‬
‫ل تكن مثل رجل رأي شابا ً يصارع الغرق في البحر ‪ .‬فظل يوبخه‬
‫ويقول له ‪ :‬يا ابني ‪ ،‬مادمت ل تتقن العوم ‪ ،‬فلماذا تنزل إلي‬
‫البحر ؟! فقال له الشاب ‪ :‬انقذني يا سيدي من الغرق ‪ ،‬ثم وبخني‬
‫بعد ذلك كما تشاء ‪ !..‬هكذا أنت ل تعير أحد بفشله ‪ .‬بل اعطه رجاء‬
‫في النجاح ‪.‬‬
‫*******‬
‫لتقل ‪ :‬نصحت كثيرا ً ول فائدة ‪ .‬بل أطل اناتك ‪ .‬هوذا الرسول يقول "… اسندوا‬
‫الضعفاء ‪ .‬تابوا علي الجميع " ) ‪ 1‬تس ‪ ( 14 : 5‬إن النتصار علي‬
‫خطية متأصلة ‪ ،‬يحتاج إلي وقت وإلي صبر فأصبر علي الضعفاء ‪،‬‬
‫ريثما تفتقدهم النعمة و تنجيهم ‪ .‬واذكر أنك أيضا ً تحت اللم مثلهم ‪.‬‬
‫ضع أمامك قول الرسول " اذكروا المقيدين كأنك مقيدون معهم ‪،‬‬
‫والمذلين كأنكم أيضا ً في الجسد ") عب ‪.… ( 3 : 13‬‬
‫*******‬
‫تذكر أن الذين ثبطوا همة الشعب ‪ ،‬لم يسمح لهم الله بدخول أرض‬
‫الموعد ‪ .‬أولئك الذين قالوا " ل نقدر أن نصعد إلي الشعب لنهم أشد‬
‫منا ‪..‬ز قد رأينا هناك الجبابرة بني عناق … فكنا في أعيننا كالجراد "‬
‫) عد ‪ … ( 33 ، 31 : 13‬ولم يدخل الرض سوي يشوع بن نون وكالب‬
‫بن يفنه ‪ ،‬الذي قال في رجاء " إننا نصعد ونمتلكها ‪ ،‬لننا قادرون‬
‫عليها ") عد ‪… ( 30 : 13‬‬
‫*******‬
‫ابحث عن النقط البيضاء في حياة النسان الخاطئ أو الضعيف ‪ .‬اظهرها‬
‫وامتدحها ‪.‬‬
‫فهكذا فعل السيد المسيح مع المرأة السامرية ‪ ،‬علي الرغم من‬
‫خطاياها ‪ .‬قال لها " حسنا ً قلت ليس لي زوج …" " ها قلت بالصدق‬
‫" ) يو ‪ . ( 18 ، 17 : 4‬ووسط هذا المديح شجعها علي العتراف ‪.‬‬
‫وربح نفسها للتوبة …‬
‫*******‬
‫هناك إنسان تشجعه بكلمة طيبه ‪ ،‬وآخر صالحة ‪ ،‬أو بذكر قصص‬
‫وآيات أو بتهوين المر عليه ‪ ،‬أو بالتحدث عن نعمة الله وعملها …‬
‫كذلك بالتغاضي عن كثير من أخطائه ‪ .‬لن التوبيخ علي كل خطأ قد‬
‫يوقع في اليأس ‪.‬‬
‫من محاضرتين ‪ :‬الولي في ‪ ، 6/77 / 10‬و الثانية في ‪. 3/2/88‬‬
‫هناك أسلوبان في حياة التوبة ‪ ،‬وفي العلقة بين الله والنسان ‪:‬‬
‫‪-1‬أن يأتي النسان إلي الله ‪ ،‬فيقله الله …‬
‫ً‬
‫وذلك حسب وعد الله الصادق " من يقبل إلي ‪ ،‬ل أخرجه خارجا ") يو‬
‫‪ . ( 37 : 6‬وهذا هو الذي حدث للبن الضال ‪ :‬شعر بسوء حالته ‪،‬‬
‫ً‬
‫وقال أقوم واذهب إلي أبي ‪ .‬وفعل ً ذهب إليه ‪ ،‬فقبله أبوه فرحا ) لو‬
‫‪ . ( 24 – 17 : 15‬ويطلب الله منا هذه التوبة وهذا الرجوع إليه ‪،‬‬
‫فيقول " ارجعوا إلي فأرجع إليكم ") مل ‪.( 7 : 3‬‬
‫‪-2‬السلوب الثاني ‪ :‬أن يبدأ الله العلقة مع النسان ‪.‬‬
‫هو الذي يذهب إليه ‪ .‬يسعي إلي خلصه ‪ ،‬كما سعي وراء الخروف‬
‫الضال حتي وجده وحمله علي منكبيه فرحا ً ) لو ‪ ، ( 5 ،4 : 15‬وعن‬
‫هذه المبادرة اللهية ‪ ،‬يقول " أنا واقف علي الباب أقرع ‪ .‬من يفتح‬
‫لي ‪ ،‬ادخل واتعشي معي ‪ ،‬وهو معي ") رؤ ‪ . ( 20 :3‬ونود في هذا‬
‫الفصل ‪ ،‬أن نركز علي بدء الله بالعمل معنا ‪.‬‬
‫*******‬
‫النسان قد ل يبدأ مع الله ‪ ،‬لسباب عديدة ‪:‬‬
‫ربما لنه مغلوب من شهواته ‪.‬‬
‫تضغط عليه الشهوة من داخل قلبه ‪ ،‬أو تحاربه بشدة من الخارج ‪،‬‬
‫وتؤثر عليه وتأسره ‪ .‬بحيث أصبح يحب الخطية ‪ ،‬ول يريد ان يبرأ منها‬
‫) يو ‪ . ( 6 :5‬فماذا يفعل مثل هذا النسان ؟ هل ييأس ويفقد‬
‫الرجاء ؟ أم ان الله يبدأ العمل معه ‪ :‬يفتقده ‪ ،‬ويقرع علي بابه ‪،‬‬
‫ويجتذبه إليه ؟ يقينا ً إن هذا يحدث ‪.‬‬
‫*******‬
‫وربما النسان ل يبدأ ‪ ،‬لنه مشغول عن الله بامور كثيرة ‪:‬‬
‫وهذه المشغوليات ل تترك له وقتا ً يتفرغ فيه لله … كما قال الرب‬
‫لمرثا ‪ ":‬أنت تهتمين وتطربين لجل أمور كثيرة ‪ ،‬ولكن الحاجة إلي‬
‫واحد ") لو ‪ … ( 42 ، 41 : 10‬إنسان ليس لديه وقت لله … ليس‬
‫وقت للصلة ‪ ،‬ول للقراءة و التأمل ‪ ،‬ول للخدمة … يحتاج إلي يد‬
‫قوية ن تنزعه من كل هذا …‬
‫*******‬
‫وربما النسان ل يبدأ ‪ ،‬بسبب الجهل ‪ .‬ل يعرف كيف يبدأ ‪.‬‬
‫مثل اهل نينوي الذين قيل عنهم إنهم " ل يعرفون يمينهم من‬
‫شمالهم ") يون ‪ .( 11 : 4‬فبدأ الله معهم ‪ ،‬وأرسل إليهم يونان النبي‬
‫ليهديهم إليه ‪ .‬ومثل شاول الطرسوسي ‪ ،‬الذي كان بجهل يضطهد‬
‫الكنيسة ) ‪ 1‬تي ‪ . ( 13 : 1‬فكان لبد أن يظهر له المسيح ويجتذبه‬
‫إليه ‪ .‬وإيضا ً حينما تأثر بهذا الظهور وآمن ‪ ،‬قال " ماذا تريد يارب أن‬
‫أفعل ؟ ") أع ‪ . ( 6 :9‬عبارة " ماذا أفعل ؟" قالها أيضا ً الشاب الغني‬
‫) مت ‪ . ( 16 : 19‬وقالها أيضا ً اليهود في يوم الخمسين ) اع ‪( 37 : 2‬‬
‫‪ .‬ويقولها كثيرون …‬
‫*******‬
‫وربما النسان ل يبدأ ‪ ،‬بسبب الضعف ‪.‬‬
‫• فهو يقول " الشر الذي لست أريده إياه أفعل "" الرادة حاضرة‬
‫عندي ‪ ،‬وأما أن أفعل الحسني فلست أجد " " أري ناموسا ً آخر في‬
‫أعضائي ‪ ،‬يحارب ناموس ذهني ‪ ،‬ويسبيني إلي ناموس الخطية ""‬
‫ويحي أنا النسان الشقي ‪ ،‬من ينقذني من جسد هذا الموت ") رو‬
‫‪. ( 24 – 18 : 7‬‬
‫• إذن لبد أن يبادر الله ‪ ،‬وينقذ مثل هذا النسان …‬
‫*******‬
‫وهنا لعل إنسانا ً يسأل ‪:‬‬
‫إذا لم استطيع أنا أن أبدأ ‪ ،‬هل الله مستعد أن يبدأ معي ؟‬
‫نعم يا أخي ‪ ،‬هو مستعد أن يبدأ ‪ .‬بل هذا هو أسلوبه باستمرار ‪.‬‬
‫والكتاب المقدس مزدحم بأمثلة كثيرة فيها كان الله هو الذي يبدأ ‪،‬‬
‫منذ خلق النسان ‪ ،‬وقبل خلقه أيضا ً ‪ .‬ولنحاول أن نتأمل كل هذا معا ً‬
‫…‬
‫*******‬
‫هناك حقيقة ثابته ‪ ،‬يسجلها الكتاب المقدس ‪ ،‬وهي ‪:‬‬
‫علقة الله بالنسان ‪ ،‬الله هو الذي بداها …‬
‫ً‬
‫• بدأت العلقة بأن الله خلق النسان ‪ .‬وطبعا لو لم يخلقه ما‬
‫كانت هناك علقة ‪ .‬واضاف الله إلي هذا ‪ ،‬إنه خلقه علي صورته‬
‫ومثاله كشبهه ‪ ،‬ومنحة الروح الذي به ينشئ علقة معه …‬
‫وإلي جوار الخلق ‪ :‬لما سقط النسان الله هو الذي بدأ العلقة ‪.‬‬
‫لم يبدأ النسان بالسعي إلي الله ليعترف بخطيته ويطلب المغفرة و‬
‫المصالحة ‪ ،‬بل العكس لقد هرب من الله وأختبأ وراء الشجر ‪ .‬فذهب‬
‫الله إليه ‪ ،‬وكلمة وشجعه علي العتراف ‪ .‬ووعده بالخلص ‪ ،‬حينما‬
‫قال إن نسل المرأة يسحق رأس الحية ) تك ‪ . ( 3‬وكأن الله كان‬
‫يقول لدم ‪ :‬هل أنت خائف مني يا آدم ؟ ل تخف ‪ ،‬أنا سأغفر لك ‪.‬‬
‫سأعد لك طريق الخلص …‬
‫ول شك أن الله هو الذي بدأ بإعداد هذا الخلص العجيب ‪.‬‬
‫هو الذي علم البشرية عقيدة الفداء و الكفارة‪ ،‬وموت نفس بريئة‬
‫طاهرة عن نفس خاطئة مستحقة للموت ‪ .‬وهو الذي وضع للنسان‬
‫شرائع الذبائح و المحروقات ‪ ،‬وقواعد النجاسة و التطهير ‪ .‬وهو الذي‬
‫أعطانا التوبة للحياة )أع ‪. ( 18 : 11‬‬
‫* والله هو الذي بدأ بالوحي ن وأرسل إلينا النبياء ‪.‬‬
‫كل ذلك لتعليمنا وارشادنا ‪ ،‬وتوصيل كلمته إلينا ‪ .‬وهو الذي أعطي‬
‫هؤلء الرسل " خدمته المصالحة ") ‪ 2‬كو ‪ .( 18 : 5‬حتي أن القديس‬
‫بولس الرسول قال " نسعي كسفراء عن المسيح ‪ ،‬كأن الله يعظ‬
‫بنا ‪ .‬نطلب عن المسيح ‪ :‬تصالحوا مع الله " ) ‪ 20‬كو ‪ . ( 20 : 5‬إذن‬
‫الله هو الذي يبدأ عملية المصالحة ‪ ،‬ويرسل رسله لتمهيدها ‪.‬‬
‫هو الذي تجسد ‪ ،‬ونزل إلينا ‪ ،‬ليفدينا ويخلصنا ‪.‬‬
‫وما كنا نحن نعرف شيئا ً عن التجسد و الفداء ‪ ،‬وما كنا نطلبه ‪ .‬ولكن‬
‫الله أظهر محبته لنا ‪ ،‬بهذا الخلص العجيب" هكذا أحب الله العالم ‪،‬‬
‫حتي بذل إبنه الوحيد ‪ ،‬لكي ل يهلك كل من يؤمن به ‪ ،‬بل تكون له‬
‫الحياة البدية ") يو ‪.( 16 : 3‬‬
‫*******‬
‫وفي علقته بالنسان ‪ ،‬الله هو الذي بدأ بالدعوة ‪.‬‬
‫سواء بالنسبة إلي النبوة ‪ ،‬أو الرسولية ‪ ،‬أو الكهنوت … الله هو الذي‬
‫دعا أبانا نوح ‪ ، ،‬وكلفه بصنع الفلك ‪ ،‬و الدخول فيه ‪ ،‬ليخلص هو‬
‫وأسرته ‪ ،‬ولكي يستبقي الله حياة علي الرض ) تك ‪ . ( 8-6‬وكان‬
‫الفلك في الماء رمزا ً إلي المعمودية " الذي فيه خلص قليلون ‪ ،‬أي‬
‫ثماني أنفس بالماء ‪ .‬الذي مثاله يخلصنا نحن الن ‪ ،‬أي المعمودية ")‬
‫‪ 1‬بط ‪.( 21 ،20 : 3‬‬
‫وكما دعا الله نوحا ً ن دعا أبانا ابراهيم ‪ ،‬ليكون له شعبا ً يسير في‬
‫طريق الخلص ‪.‬‬
‫إبراهيم لم يبدأ هذه العلقة ‪ ،‬غنما بدأها الله معه ‪ .‬دعاه ليتبعه في‬
‫الرض التي يريه إياها ‪ ،‬وباركه ‪ .‬وقال له تتبارك فيك جميع قبائل‬
‫الرض ") تك ‪ . ( 3 – 1 : 12‬وأيضا ً " تتبارك في نسلك جميع أمم‬
‫الرض ") تك ‪( 18 : 22‬‬
‫ونفس الموعد أعطاه الرب لبينا يعقوب ‪ ،‬فقال له " ويتبارك فيه‬
‫وفي نسلك جميع قبائل الرض ") تك ‪. ( 14 : 28‬‬
‫الله هو الذي بدأ ‪ ،‬فمنح البركة ‪.‬‬
‫منح البركة منذ البدء لبوينا الولين ىدم وحواء ) تك ‪ .( 28 : 1‬وكرر‬
‫نفس البركة لبينا نوح وبنيه ) تك ‪ . ( 1 : 9‬ومنح البركة لبينا‬
‫ابراهيم ) تك ‪ ) ( 12 : 12‬تك ‪ . ( 18 ، 17 : 22‬ولبينا اسحق ) تك ‪26‬‬
‫‪ ،( 24 :‬ولبينا يعقوب ) تك ‪ . ( 14 : 28‬وكانت أعظم بركة ‪ ،‬أن‬
‫ينتهي من نسلهم المسيح ‪ ،‬وبه تتبارك جميع قبائل الرض بالخلص‬
‫الذي يقدمه للعالم ‪ .‬فالخلص هو الهبة العظمي ‪ ،‬الذي بدأ الله بها ‪،‬‬
‫وأكملها من أجل محبته للنسان ‪،‬لنه ‪:‬‬
‫" يريد ان الجميع يخلصون ‪ ،‬وإلي معرفة الحق يقبلون ") ‪ 1‬تي ‪. ( 4 :2‬‬
‫*******‬
‫ومن أجل هذا الخلص دعاء النبياء و الرسل ‪:‬‬
‫• دعا موسي النبي ‪ ،‬حينما كلمه من العليقة ) خر ‪ . ( 4 : 3‬وذلك‬
‫لكي يرسله لخلص الشعب ‪ ،‬وما كان موسي مفكرا ً وقتذاك في‬
‫هذه الدعوة ‪ ،‬ول في السعي لتخليص الشعب ‪ ،‬بل اعتذر عن ذلك‬
‫أكثر من مرة ) خر ‪. ( 13 ، 10 : 4‬‬
‫ودعا الله أنسا ً من بطون أمهاتهم ‪.‬‬
‫كما قال لرمياء الطفل " قبلما صورتك في البطن عرفتك ‪ ،‬وقبلما‬
‫خرجت من الرحم قدستك ‪ .‬جعلتك نبيا ً للشعوب " ) أر ‪. ( 15 : 1‬‬
‫ومثل أبينا يعقوب ) رو ‪ ) ( 13 -1 : 9‬تك ‪ . ( 23 : 25‬ومعلمنا‬
‫القديس بولس الرسول قال عن دعوته " لما سر الله الذي أفرزني‬
‫من بطن أمي ‪ ،‬ودعاني بنعمته ‪ )"..‬غل ‪ . ( 15 :1‬ثم لما حل الوقت‬
‫المناسب ‪ ،‬كان الله أيضا ً هو الذي بدأ ‪ ،‬فقابله في طريق دمشق ‪،‬‬
‫وظهر له بنور مبهر ودعاه )أع ‪( 9‬‬
‫*******‬
‫وجميع رسل السيد المسيح ‪ ،‬هو الذي دعاهم ‪ ،‬بل قال لهم ‪:‬‬
‫" لستم أنتم اخترتموني ‪ ،‬بل أن أخترتكم …") يو ‪.( 16 : 15‬‬
‫وأكمل قائل ً " وأقمتكم لتذهبوا وتأتوا بثمر ويدوم ثمركم "‪ .‬وكما‬
‫اختار الرسل الثني عشر ) مت ‪ ، ( 1 : 10‬كذلك اختار السبعين أيضا ً‬
‫) لو ‪ . ( 1 : 10‬ما فكر بطرس واندراوس أن يتبعا المسيح ‪ ،‬وهما‬
‫مشغولن بشباكهما ‪ .‬وما فكر متي أن يكون أحد تلميذ المسيح ‪،‬‬
‫وهو موظف في مكان الجباية ‪ ،‬وهكذا بالنسبة إلي الباقين … ولكن‬
‫الرب هو الذي بدأ بتكوين علقة ودعاء كل هؤلء …‬
‫" الذين سبق فعرفهم ‪ ،‬سبق فعينهم … وهؤلء دعاهم أيضا ً ") رو ‪( 30 ، 29 : 8‬‬
‫هو الذي يناديك من حيث ل تعلم ‪ ،‬وحيث ل تتوقع ‪ ،‬ويقول لك " هلم‬
‫ورائي " ‪ .‬وهو الذي يقودك في الطريق ‪ ،‬ويمنحك القوة … المهم أن‬
‫يكون قلبك مستعدا ً ‪.‬‬
‫*******‬
‫إن ظهورات الرب لتلميذه بعد القيامة ‪ ،‬تعطينا فكرة جميله عن الله الذي يبدأ …‬
‫• في تلك الفترة ‪ ،‬كان السيد هو الذي يذهب إلي تلميذه ‪ ،‬وما‬
‫كانوا هم الذين يأتون إليه ‪ .‬ولعل من الشياء الجميلة التي‬
‫تستدعي التأمل ‪ :‬أنه ظهر لهم وهو جلوس في العلية ‪ ،‬والبواب‬
‫مغلقه ) يو ‪. ( 19 : 20‬‬
‫هل جربت وقتا ً ‪ ،‬كانت فيه أبوابك مغلقة ‪ ،‬ثم اخترقها المسيح ليتحدث إليك ؟!‬
‫معقول ومقبول ‪ ،‬أن يتحدث المسيح إلينا ‪ ،‬حينما تكون أبوابنا‬
‫مفتوحة له ) رؤ ‪ . ( 20 : 3‬أما أن يدخل ويظهر و يتحدث إلينا ‪،‬‬
‫والبواب مغلقة ‪ ،‬فهذا هو المر العجيب الذي يناسب محبته ‪ .‬علي‬
‫أنه بالنسبة إلي الرسل ‪ ،‬كانت ابوابهم مغلقة بسبب الخوف ‪ ،‬ل‬
‫بسبب الرفض …‬
‫ً‬
‫وظهر السيد لتلميذه أيضا ‪ ،‬وهم منهمكون في أمور مادية ‪:‬‬
‫الصحاح الخير من انجيل يوحنا ‪ ،‬يشرح لنا كيف ظهر السيد المسيح‬
‫لسبعة من تلميذه كانوا يصطدون السمك ‪ ،‬ومنهم بطرس ويوحنا …‬
‫فقد حدث انهم رجعوا إلي صيد السمك ) يو ‪ . ( 3 : 21‬ومع ذلك ظهر‬
‫لهم الرب أثناء الصيد ‪ .‬وفي ذلك يقول القديس أغسطينوس " إن‬
‫المسيح ظهر لبطرس ‪ ،‬ليس وهو منهمك في صيد النفوس إنما ظهر‬
‫له المسيح ‪ ،‬وهو منهمك في صيد السمك ‪ . "..‬لعل في ذلك تعزية لنا‬
‫أن الرب مستعد ان يظهر لنا ‪ ،‬ليس فقط ونحن في عمل روحي ‪، ،‬‬
‫بل حتي ونحن في العمل المادي أيضا ً … هو الذي يبدأ ‪ :‬يظهر ‪ ،‬و‬
‫يبدأ الحديث ‪ ،‬لصالحنا ‪.‬‬
‫وظهر أيضا ً لتلميذين ‪ ،‬وهما ل يعرفانه …‬
‫إنهما تلميذا عمواس ‪ .‬ظهر لهما وهما ل يعرفانه ‪ .‬بل لما سألهما‬
‫عن موضوع حديثهما ‪ ،‬أجاباه " هل أنت متغرب وحدك في أورشليم ‪،‬‬
‫ولم تعلم المور التي حدثت في تلك اليام "…‪.‬وبدأ المسيح من‬
‫موسي ومن جميع النبياء ‪ ،‬يفسر لهما المور المختصة به في جميع‬
‫الكتب ) لو ‪ … ( 27 – 18 : 24‬وأخيرا ً انفتحت أعينهما وعرفاه ) لو‬
‫‪.( 31 : 24‬‬
‫إن كنت بعد لم تعرفه ‪ ،‬هو مستعد أن يظهر لك ‪ ،‬ويكشف لك ذاته ‪،‬‬
‫ويفسر لك المور المختصة به … ويجعل قلبك ملتهما ً فيك ‪ ،‬وهو‬
‫يوضح لك الكتب ) لو ‪ .( 33 : 24‬هو الذي يبدأ …‬
‫*******‬
‫حتي في التوبة ‪ ،‬غالبا ً ما يبدأ الله عمله فينا ‪ .‬وكل ما يطلبه أن نتجاوب معه ‪.‬‬
‫هو الذي بدأ فأعطانا الضمير ‪ ،‬وأعطانا التمييز ‪ .‬وأيضا ً روحه‬
‫القدوس يبكتنا علي خطية ) يو ‪ …( 8 : 16‬كل ذلك لك يدفعنا إلي‬
‫التوبة ‪ .‬وإن كنا متراخين ‪ ،‬ويرسل لنا كلمه تحثنا ‪ ،‬عظة مؤثرة ‪ ،‬كتابا ً‬
‫نافعا ً ‪.‬‬
‫وتتابعنا زيارات النعمة ‪ ،‬تدفعنا إلي التوبة ‪.‬‬
‫وربما يسمح الله لنا بمرض أو ألم ‪ ،‬ليجعلنا نفيق من غفلتنا ‪ ،‬أو‬
‫يسمح بحادث معين يكون له تأثيره ‪ .‬أو يتكلم في قلوبنا خلل تأثرنا‬
‫بوفاة أحد أحبائنا ‪ .‬وهكذا إلي سائر الوسائل التي نشعر فيها أن الله‬
‫ينخس قلوبنا لنتوب ‪ .‬إنما المهم أن نتجاوب ‪ ،‬ول نرفس مناخس ) أع‬
‫‪ . ( 5 : 9‬أترانا نستطيع أن نصل إلي التوبه بمجرد مجهودنا الخاص ؟‬
‫كل ‪ ،‬فالرب يقول ‪:‬‬
‫ً‬
‫بدوني ل تقدرون أن تعملوا شيئا ) يو ‪.( 5 : 15‬‬
‫لنا رجاء إذن أنه يعمل فينا لجل خلصنا ‪ .‬حتي إن كنا ل نريد ‪ ،‬نرجوا‬
‫أن يمنحنا هذه الرادة ‪ .‬ألم يقل القديس بولس الرسول " ‪ ..‬لن الله‬
‫هو العامل فيكم أن تريدوا وأن تعملوا لجل المسرة ")في ‪( 13 : 2‬‬
‫لذلك " تمموا خلصكم بخوف ورعدة "…‬
‫*******‬
‫داود النبي أخطأ ‪ ،‬وما كان يشعر بخطورة خطيئته ‪:‬‬
‫وظلت خطية تقودة إلي أخري ‪ ،‬وهو يتمادي ول يشعر بما هو فيه ‪،‬‬
‫إلي أن أرسل الله إليه ناثان النبي ‪ ،‬فضرب له مثل شعر به بعمق‬
‫جرمه …ومن هنا بدأت معه قصة التوبة و الدموع والندم ‪ ،‬والتي‬
‫سجلها في كثير من مزامير ‪ .‬وكان الله هو البادئ ليقوده إل‬
‫يانسحاق النفس …‬
‫مثال آخر هو لوط في أرض سادوم ‪.‬‬
‫لقد أختار لوط الرض المعشبة ‪ ،‬مع بيئتها الخاطئة المعثرة ‪ ،‬وسكن‬
‫في سادوم وتمادي فزوج بناته من اهلها ‪ .‬ويقول القديس بطرس‬
‫في رسالته الثانية عن عمل الرب معه " وأنقذ لوطا ً البار مغلوبا ً من‬
‫سيرة الردياء في الدعارة ‪ .‬إذ كان البار بالنظر و السمع – هو ساكن‬
‫بينهم – يعذب يوما ً نفسه البارة بالفعال الثيمة " ) ‪ 2‬بط ‪( 8 ، 7 : 2‬‬
‫‪.‬‬
‫أوقع الله أهل سادوم ‪ .‬ولما أراد الله حرق المدينة أرسل ملكين‬
‫يعجلن لوطا للخروج منها " ولما تواني امسك الملكان بيده وبيد‬
‫امرأته وبيد ابنتيه ‪ ،‬لشفقة الرب عليه ‪ ،‬وأخرجاه ووضعاه خارج‬
‫المدينة ‪ )"..‬تك ‪. ( 16 : 19‬‬
‫ثق أن الله مستعد ان يعمل معك كما عمل مع لوطا و يخرجك من‬
‫أرض الخطية فعليك أن تستسلم لقيادته ‪،‬ول تنظر إلي الوراء كما‬
‫فعلت امرأة لوط …‬
‫*******‬
‫ً‬
‫صل إذن وقل ‪ :‬اعمل يارب معي ‪ .‬ول تنتظر حتي أبدأ انا ‪ ،‬فربما ل أبدا !‬
‫ابدأ معي كما فعلت مع هؤلء وغيرهم ‪ .‬خذني من سادوم اخرجني‬
‫منها ‪ ،‬بواسطة ملئكتك القديسين ‪ .‬وليظل يدوي في أذني صوتك‬
‫الحنون " اهرب لحياتك ول تقف في كل الدائرة … لئل تهلك ") تك‬
‫‪. ( 17 : 19‬‬
‫اما نحن فليتنا نغني مع المرتل " نجت أنفسنا مثل العصفور من فخ‬
‫الصيادين ‪ .‬الفخ أنكسر ونحن نجونا ‪ .‬عوننا من عبد الرب ") مز‬
‫‪. ( 123‬‬
‫أنت يارب الذي كسرت الفخ ‪ .‬إذ ل يستطيع عصفور أن يكسر فخ الصيادين …‬
‫هل كانت مريم القبطية تفكر في التوبة ؟! كل ‪ ،‬بل كانت ماضية‬
‫لرتكاب مزيد من الخطايا ‪ .‬ثم تدخل الله في حياتها ‪ ،‬وحدثت معجزة‬
‫منه أيقظتها ودفعتها إلي التوبة ‪ .‬واستمر عمل الله معها حتي‬
‫تحولت إلي ناسكة سائحة … وبالمثل تدخل الله في حياة‬
‫أوغسطينوس وبيلجية وسارة ‪ ،‬وحول دفة الحياة إلي طريقه هو‬
‫وكان هو البادئ …‪.‬‬
‫*******‬
‫حتي في الخدمة ‪ ،‬هو الذي يدعو ويرسل ‪ ،‬ويمنح قوة من روحه‬
‫القدوس لنعمل بها ‪ ،‬بل قد يعد لنا كل شئ ويقول لنا ‪:‬‬
‫" أنا ارسلتكم لتحصدوا ما لم تتعبوا فيه " ) يو ‪.( 38 : 4‬‬
‫" أخرون تعبوا ‪ ،‬وانتم دخلتم علي تعبهم "…‪ .‬كل شئ يعده لنا حتي‬
‫الكلمة ‪ :‬هو يمنحنا كلمة عند افتتاح فمنا ") أف ‪ . ( 19 : 6‬وهو الذي‬
‫يعطي التأثير للسامعين لكي يعملوا بما سمعوه … فإن كان احد‬
‫يخاف الخدمه فليذكر دائما ً عمل الله فيها …‬
‫*******‬
‫حتي البدية الله هو الذي فيقول عن نصيبنا فيها ‪:‬‬
‫" أنا ماض لعد لكم مكانا ً …") يو ‪( 2 : 14‬‬
‫مباركة هي محبتك يارب ‪ .‬ليتك تعد لنا هذا المكان ‪ .‬حتي تأتي‬
‫وتأخذنا إليك وحيثما تكون أنت ‪ ،‬نكون نحن ايضا ً ) يو ‪. ( 3 : 14‬‬
‫في قصة القيامة نري كيف أن تعب التلميذ وخوفهم في يوم‬
‫الجلجثة و الصلب ‪ ،‬قد انتهي بفرحهم واطمئنانهم في يوم القيامة ‪.‬‬
‫ولعل هذا يذكرنا بآية هامة وردت في سفر الجامعة ‪:‬‬
‫" نهاية أمر خير من بدايته " ) جا ‪ . ( 8 : 7‬طبعا ً علي شرط أن تكون نهاية طيبة‬
‫…‬
‫و النهاية الطيبة تجعل النسان كل تعبه ‪ ،‬ول يذكر سوي هذه النهاية‬
‫المفرحة التي تعزيه ‪ .‬تماما ً ‪ .‬كما أن قيامة السيد المسيح محث من‬
‫مشاعر التلميذ كل ما قاسوه في يوم الصلب ‪.‬‬
‫*******‬
‫وهكذا نري الناس دائما ً يبحثون عن النهاية ‪ ،‬ويهتمون بها ‪.‬‬
‫وذلك في كل نواحي الحياة ‪ :‬تروي قصة أو تشاهد رواية ‪ ،‬وكل ما‬
‫يهمك هو كيف انتهت القصة أو الرواية …‪ .‬قضية ‪ ،‬أو خلف بين‬
‫زوجين ‪ ،‬أو حدث ‪ ،‬ولكنك تسأل في لهفة ‪ :‬و النهاية ؟ … نفس‬
‫الوضع في أية مباراة ‪ ،‬او أية منافسة ‪ ،‬او أية حرب بين دولتين ‪ ،‬أو‬
‫أي حوار أو تفاوض ‪.‬زز السؤال المهم هو ‪ :‬وماذا كانت النهاية أو‬
‫النتيجة …‪.‬‬
‫*******‬
‫حتي في الحياة الروحية ‪ :‬الهمية كلها هي في النهاية …‪ .‬ولذلك‬
‫فإن القديس بولس الرسول يقول عن رجال الله ‪:‬‬
‫انظروا إلي نهاية سيرتهم ‪ ،‬فتمثلوا بإيمانهم ) عب ‪ . ( 7 : 13‬إنه نفس الوضع‬
‫الذي تذكره الكنيسة في اعياد القديسين … قليل هم الذين تعيد الكيسة‬
‫لميلدهم ‪ :‬كالعذراء ) أول بشنس ( والمعمدان ) ‪ 30‬بؤنة ( والنبا شنوده‬
‫المتوحدين ) ‪ 7‬بشنس ( ‪ .‬ولكن كل أعياد القديسين تقريبا ً هي في أيام نياحتهم أو‬
‫أيام استشهادهم ‪ ،‬في نهاية سيرتهم ‪ ،‬حيث اكملوا جهادهم بسلم ‪ .‬لن هناك‬
‫أشخاصا ً بدأوا بداية طيبة وانتهوا بنهاية سيئة ‪.‬‬
‫من امثلة اولئك ديماس تلميذ بولس الرسول ‪ ،‬الذي كان يذكره ضمن‬
‫أعمده الكنيسة مع القديسين مرقس ولوقا واسترخس ‪ .‬ولكنه قال‬
‫عنه اخيرا ً " ديماس تركني لنه احب العالم الحاضر " ) ‪ 2‬تي ‪: 4‬‬
‫‪ .( 10‬وقال أيضا ً عن أمثال ديماس هذا "… كثيرين ممن كنت اذكرهم‬
‫لكم مرارا ً ‪ ،‬والن أذكرهم أيضا ً باكيا ً ‪ ،‬وهم أعداء صليب المسيح ‪،‬‬
‫الذين نهايتهم الهلك … ومجدهم في خزيهم ") في ‪. (19، 18 : 3‬‬
‫عجيب عن هؤلء ‪ ،‬أن نهايتهم الهلك ! إذن المهم هو النهاية ‪.‬‬
‫لن كثيرين بدأوا بالروح وكلموا بالجسد ‪ ،‬مثل أهل غلطية …‬
‫وسليمان الحكيم ‪ ،‬بدأ بحكمة فائقة ‪ ،‬وانتهي بالصنام )‪ 1‬مل ‪… ( 11‬‬
‫نرجوا أن تكون له نهاية أخري فاضلة ‪ ،‬وهي زهدة الذي ورد في‬
‫سفر الجامعة دليل ً علي توبته وهنا نقول " نهاية أمر خير من بدايته "‬
‫أو هكذا قال الوحي اللهي علي فم سليمان …‬
‫*******‬

‫ويحكي لنا الكتاب قصص نهايات طيبة ‪ ،‬نذكر من بينها ‪:‬‬


‫‪ -1‬قصة يوسف الصديق ‪ ،‬التي بدأت بخيانة اخوته وقسوتهم ‪ ،‬وبيعهم‬
‫له كعبد ‪ ،‬واشغاله خادما ً في بيت فوطيفار ‪ ،‬ثم تلفيق تهمة له ‪،‬‬
‫والقائه في السجن ‪ .‬ولكن المهم هو النهاية ‪ ،‬التي صار فيها أبا ً‬
‫لفرعون ) تك ‪ ( 8 : 45‬و المتسلط علي كل أرض مصر ‪ ،‬وفرحته‬
‫بلقاء أبيه واخوته الذين بكوا بين يديهه طالبين المغفرة ‪ .‬حقا ً إن‬
‫نهاية أمر خير من بدايته ‪ :‬نفي الوضع نقوله عن دانيال و الثلثة‬
‫فتيه ‪:‬‬
‫دانيال القي في جب السود ‪ .‬ولكن انتهي المر بأن الله أرسل ملكه‬
‫فسد أفواه السود ) دا ‪ .( 22: 6‬والثلثة فتية ألقوهم في أتون‬
‫النار ‪ ،‬ولكن انتهي المر بان راوهم وسط النار بل أذي ‪ ،‬وقد سار‬
‫معهم رابع شبيه بابن اللهة ) دا ‪ .( 5 : 3‬وانتهي المر في القصتين‬
‫بعبادة الله الحق ‪ ،‬وتمجيده في كل المملكة أكثر من كل آلهة المم ‪.‬‬
‫حقا أن نهاية أمر خير من بدايته ‪.‬‬
‫*******‬
‫ونفس الكلم نقول عن أيوب الصديق الذي تعرض لتجربة قد تفوق‬
‫احتمال البشر ‪ ،‬وفقد اولده وماله وصحته وكرامته … وبلغت التجربة‬
‫ذروتها ‪ .‬ولكن ماذا كانت النهاية ؟ يقول الكتاب " ورد الرب سبي‬
‫أيوب ‪ .‬وزاد الرب علي كل ما كان ليوب ضعفا ً … وبارك الرب آخرة‬
‫أيوب أكثر من اوله … وعاش أيوب بعد هذا مائة وأربعين سنة ‪.‬‬
‫ورأي بنيه إلي أربعة أجيال …" ) أي ‪ .… ( 17 -10 : 42‬حقا ً إن نهاية‬
‫أمر خير من بدايته ‪.‬‬
‫*******‬
‫ويعوزني الوقت أن تحدثت عن النهايات الطيبة التي ذكرها الكتاب‬
‫في تقديم اسحق محرقة ‪ ،‬وفي بناء نحميا لسوار أورشليم بعد ان‬
‫تهدمت واحرقت أسوار المدينة بالنار ) نح ‪ ، ( 1‬وكيف نصره الله‬
‫أخيرا ً ‪ .‬كذلك قصة المسبين في بابل ‪ ،‬وكيف عادوا اخيرا ً ‪ ،‬بعد أن‬
‫بكوا علي أنهار بابل ‪ ،‬وعلقوا قيثاراتهم علي الصفاف ‪ ،‬وقالوا كيف‬
‫نسبح الرب في أرض غريبة ) مز ‪ ( 136‬كلها نهايات طيبة ‪ ،‬نقول‬
‫فيها أمر خير من بدايته "‪.‬‬
‫*******‬
‫نفس الوضع نقوله أيضا ً في كل قصص التائبين ‪.‬‬
‫كلما نذكر حياة القديس اوغسطينوس ‪ ،‬وكيف بدأ حياة مستهتره‬
‫ماجنة وكذلك القديس موسي السود وكيف بدأ قائل ً قاسيا ً ‪.‬‬
‫والقديسة مريم القبطية والقديسة بيلجية ‪ ،‬والقديسة سارة ‪ ،‬وكيف‬
‫بدأن بحياة الزنا ‪ ،‬وانتهت حياتهن كقديسات عظيمات ‪ .‬ألسنا نقول‬
‫عن حياة كل من هؤلء التائبين و التائبات " نهاية امر خير من بدايته‬
‫"…‬
‫إذن علي كل واحد ان يبحث في كل أمر ‪ :‬كيف تكون النهاية ؟‪.‬‬
‫كل طريق تسلك فيه أسأل نفسك ‪ :‬ما نهاية هذا الطريق ؟ وكذلك‬
‫فكر بنفس التفكير في كل مشروع تبدؤه ‪ ،‬وكل علقة تكون مع‬
‫آخرين … شاب مثل ً يحب فتاه ليست من دينه ‪ ،‬عليه ان تفكر ماذا‬
‫تكون نهاية هذه العلقة ؟ ما مصيرها وما مصيره ؟! إنسان يختلف مع‬
‫زوجته ‪ ،‬ويحتدم الخلف بينهما بل صلح ‪ ،‬فليفكر أيضا ً ‪ :‬ماذا ستكون‬
‫نهاية هذا الخلف ‪ ،‬وإلي أين يقوده ؟! شاب يبدأ التدخين ‪ ،‬ولو‬
‫بسيجارة واحدة مجاراة لزملئه ‪ ،‬أو تجربة لطعم التدخين ‪ ،‬عليه أن‬
‫يفكر كثيرا ً ‪ :‬ما نهاية هذا المر ‪.‬‬
‫وبنفس الطريقة في كل ممارسة يمكن ان تتحول إلي عادة‬
‫يسأل النسان نفسه ‪ :‬وما نهاية هذه الممارسة ‪.‬؟ بل كل لفظة‬
‫يقولها ‪ ،‬وكل غضب يشتغل في داخله‪ ،‬فليسأل نفسه ‪ :‬وما النهاية ؟‬
‫وماذا ستكون ردود الفعل وتصرفات الطرف الخر ؟ وإلي أين ينتهي‬
‫به الغضب ؟ وإلي أين تنتهي به الكلمة غير المنضبطة ‪.‬‬
‫ذلك أيضا ً في مشكلة تحل بك ‪ ،‬ل تيأس ول تضطرب ‪ ،‬بل قل لنفسك‬
‫" نهاية أمر خير من بدايته "‪.‬‬
‫قل لنفسك " مصيرها تنتهي "… هذا الموضع لبد ستكون له نهاية ‪.‬‬
‫والنهاية في يد الله ‪ .‬والله رؤوف وحنون ‪ .‬وبل شك " نهاية المر‬
‫ستكون خيرا ً من بدايته "… وهذا اللون من التفكير ‪ ،‬ل يكون فقط‬
‫بالنسبة إلي مشاكلك أنت وحدك ‪ ،‬وإنما أيضا ً بالنسبة إلي كل مشكلة‬
‫او ضيقة تحل بمعارفك واصدقائك ‪ ،‬بل و بالكنيسة نفسها …‬
‫*******‬
‫لعل فكر الشهداء و المعترفين أيضا ً كانت تدور به هذه الية ‪:‬‬
‫ما نهاية العذاب و الموت ؟ أليس هو الوصول إلي العالم الخر ؟ إلي‬
‫الفردوس ‪ ،‬إلي الكاليل ‪ ،‬إلي النعيم البدي في نهاية المر كله ‪.‬‬
‫وهذا بل شك أفضل جدا ً ‪ .‬إذن أين شوكتك يا موت ؟ لقد زالت ‪.‬‬
‫ونهاية المر خير من بدايته … البدية بلشك هي نهاية أفضل …‬
‫العالم الخر هو عالم أفضل ‪ ،‬حيث " ما لم تره عين ولم تسمع به‬
‫إذن ‪ ،‬ولم يخطر علي بال إنسان ‪ ،‬ما أعده الرب لمحبي إسمه‬
‫القدوس ") ‪ 1‬كو ‪.. ( 9 : 2‬ز والجسد الروحاني السماوي الذي نعيش‬
‫به بعد القيامة ) ‪ 1‬كو ‪ ( 49 : 44 : 15‬ل شك إنه أفضل من جسدنا‬
‫النادي هذا ‪..‬ز وفي البدية عشرتنا مع الله وملئكته وقديسيه ‪ ،‬هي‬
‫أفضل من جسدنا المادي هذا … وفي البدية عشرتنا مع الله‬
‫وملئكته وقديسيه ‪ ،‬هي أفضل بما ل يقاس من عشرة هذا العالم‬
‫الحاضر ‪ .‬ووجودنا في عالم كله خير ‪ ،‬هو أفضل من وجودنا هنا ‪،‬‬
‫حيث يوجد الخير و الشر ‪ ،‬وحيث يعيش الزوان إلي جوار الحنطة …‬
‫إذن البدية أفضل ‪ .‬فلماذا نخافها ؟ ولماذا ل نستعد لها ‪.‬‬
‫*******‬
‫ولعلنا في الضيقات نذكر العتاب الذي قدمه أرمياء النبي لرب المجد‬
‫قائل ً له " أبر أنت يارب من أن اخاصمك ‪ .‬ولكن أكلمك من جهة‬
‫أحكامك ‪:‬‬
‫ً‬
‫لماذا تنجح طريق الشرار ؟ اطمئن كل الغادرين غدرا ؟! ") أر ‪. ( 1 : 12‬‬
‫ويجيب القديس أغسطينوس عن هذا السؤال بالنظر إلي النهاية ‪:‬‬
‫فيقول إن الشرار كالخان ‪ ،‬يرتفع دائما ً إلي فوق ‪ .‬وفيما يرتفع‬
‫وتتسع رقعته يتبدد ‪ .‬بينما النار تبقي اسفل ‪ ،‬ولكنها ثابته وقوية ‪.‬‬
‫لذلك فعلي النسان أن يهتم بالنهاية قبل كل شئ ‪ ،‬مهما كان بدء‬
‫المر فيه تعب أو ضيق …‬

‫الحياة الروحية ‪ ،‬تبدأ بالباب الضيق و الطريق الكرب ) متي ‪، 13 : 7‬‬


‫‪ , ( 14‬ولكن هذا الضيق يؤدي إلي النعيم البدي بينما " واسع الباب ‪،‬‬
‫ورحب الطريق الذي يؤدي إلي الهلك "… ولذلك ما أجمل قول‬
‫المرتل ‪:‬‬
‫" الذين يزرعون بالدموع ‪ ،‬يحصدون بالبتهاج ") مز ‪.( 125‬‬
‫ألقيت في الكاتدارائية الكبري بالقاهرة مسا ء الجمعة ‪1976 /9 / 24‬م‬

‫أن أعمال الهه عجيبة ‪ ،‬تدل علي قوته الفائقة للعقل … يقف‬
‫أمامها النسان منذهل ً ‪ ،‬ل يملك إل إن يردد عبارة قالها من قبل‬
‫القديس أيوب الصديق ‪:‬‬
‫" علمت أنك تستطيع كل شئ ول يعسر عليك أمر ") أي ‪ . ( 2 : 42‬إننا نقرأ‬
‫في الكتاب المقدس عجبا ً ‪ ..‬من قصص المعونة ‪ ،‬وقصص التوبة‬
‫وتغيير الحياة ‪ ،‬ومن قصص اليمان أيضا ً ‪..‬ز حتي ليقف النسان‬
‫منذهل ً ‪ ،‬يقول من أعماقه ‪ :‬من كان يظن ‪ ،‬أن مثل هذا سيحدث ؟…‬
‫من كان يظن ؟‬
‫خذوا كمثال الطفل موسي …‬

‫طفل صغير ‪ ،‬ولد في عصر مظلم ‪ ،‬واكن محكوما ً عليه بالموت قبل‬
‫أن يولد ‪ ،‬وقد أخفاه أبواه خوفا ً لمدة ثلثة أشهر ن وإذ لم يستطيعا‬
‫اخفاءه أكثر ‪ ،‬وضعاه في سفط ) سبت ( ‪ ،‬وألقياه عند حافة النهر ‪،‬‬
‫في المياه …‬
‫من كان يظن أن هذه الطفل المحكوم عليه بالموت ‪ ،‬و الملقي في الماء ‪ ،‬يصير‬
‫نبي الله العظيم ‪ ،‬وكليم الله ‪..‬؟!‬
‫يصير موسي النبي ‪ ،‬الذي نسبت الشريعة إلي اسمه ‪ ،‬فيقال شريعة‬
‫موسي ‪ ،‬وناموس موسي … بل يصير رجل المعجزات واليات ‪ ،‬الذي‬
‫شق البحر الحمر بعصاه ‪ ،‬وضرب الصخرة فتفجرت ماء ‪ ،‬وأنزل من‬
‫السماء المن و السلوي ‪!..‬‬
‫من كان يظن أن هذا المحكوم عليه بالموت من فرعون ‪ ،‬يعيش أربعين سنة في‬
‫قصر فرعون ‪ ،‬كأحد المراء ‪ ،‬ويدعي ابن ابنة فرعون … ويصبح فيما بعد‬
‫القوة الجبارة التي يعمل لها ألف حساب … يصير النسان الذي‬
‫يصرخ أمامه فرعون ويقول أخطأت ) خر ‪ ، ( 27 : 9‬ويتضرع إليه أكثر‬
‫من مرة أن يصلي من أجله ‪ ،‬ليرفع الرب عنه الضربات ‪ .‬من كان‬
‫يظن أن أن الطفل الصغير الملقي مصيره هكذا ؟ ولكنها يد الله‬
‫حينما تتدخل في الحداث وتدبر مصائر الناس … إنه اله الذي قال له‬
‫أيوب الصديق " علمت أنك تستطيع كل شئ ‪ ،‬ول يعسر عليك أمر "‪.‬‬
‫قصة الطفل موسي تعطينا دسا ً في الرجاء ‪ ،‬أن الله يستطيع أن يحول الضعف‬
‫إلي قوة ويغير المصائر حسبما يشاء …‬
‫حقا ً إن الله يستطيع أن يعمل أعمال عجيبة ل تخطر علي بال ‪.‬‬
‫ً‬
‫إننا ننظر إلي الحاضر فقط ‪ .‬وقد نري فيه أمورا ً صعبة معقدة ‪،‬‬
‫تجلب الحزن أو اليأس ‪ .‬أو قد نري فيه أمورنا صعبه معقدة ‪ ،‬تجلب‬
‫الحزن أو اليأس ‪ .‬أو قد نري مخاطر ليس من السهل الخروج منها …‬
‫بينما يكون المستقبل ‪ ،‬الذي يمسكه الرب في يده ‪ ،‬هو غير الذي‬
‫نراه في الحاضر ‪ ،‬غيره تماما ً ‪ ،‬وربما عكسه تماما ً‬
‫ليتنا بدل ً من أن نظر إلي الحاضر المتعب الذي أمامنا ‪ ،‬ننظر بالرجاء إلي‬
‫المستقبل المبهج الذي في يد الله …‬

‫*هذا الرجاء وضعه الله امامنا ‪ ،‬منذ اليات الولي التي تتحدث عن‬
‫قصة الخليقة ‪ ،‬حيث يقول الوحي اللهي ‪:‬‬
‫• " كانت الرض خربة وخالية ‪ ،‬وعلي وجه الغمر ظلمه ") تك ‪: 1‬‬
‫‪ . ( 2‬إنها صورة كئيبة للطبيعة من أول القصة ‪ .‬ولكن ليس من‬
‫الصالح أن نقف عند حدود هذه الصورة فالقصة لم تتم فصولها …‬
‫فمع وجود هذه الصورة الكئيبة ‪ ،‬كان هناك ما يبعث الرجاء … كانت‬
‫هناك عبارة " وروح الله يرف علي وجه المياه " وماذا أيضا ً ؟‬
‫• " وقال الرب ليكن نور ‪ ،‬فكان نور ‪ ،‬ورأي الله النور أنه حسن‬
‫") تك ‪ .( 1‬وهكذا فتحت امام الصورة الكئيبة المظلمه نافذة من نور ‪.‬‬
‫• وإذا كل شئ قد تغير ‪ ..‬وبدأت يد الله تعمل ‪ :‬تنظم هذه‬
‫الطبيعة ‪ ،‬وتنقسها ‪ ،‬وتخلق فيها الحياة ‪ ،‬وتضع لها النظم ‪،‬‬
‫وتلبسها ثوبا ً من الجمال و البهاء ‪ ،‬وينظر الله إلي كل ما عمله ‪،‬‬
‫فإذا هو حسن جدا ً … من كان يظن أن الطبيعة الخربة ‪ ،‬الخاوية ‪،‬‬
‫المغمورة بالمياة ‪ ،‬المغطاة بالظلمة ‪ ،‬تتحول إلي هذا الجمال الذي‬
‫نعيش فيه ‪ ،‬الشجار والزهار وألثمار ‪ ،‬والبحار والنهار ‪ ،‬والطيور‬
‫و الفراشات ذات اللوان ‪ ،‬وجمال السماء و القمر و النجوم ‪،‬‬
‫والجبال و التلل و البحيرات ‪ ،‬جمال يتغني به الشعراء ‪ .‬ويبدع في‬
‫رسمه الفنانون ‪.‬‬
‫إن قصة الطبيعة في نشأتها ‪ ،‬فيها رمز ‪ ،‬وفيها رجاء ‪.‬‬
‫أنها رمزا ً لكل حياة خربة وخالية ومظلمة ‪ ،‬وتنتظر في رجاء قول‬
‫الرب " ليكن نور "… تنتظر يد الله في اليام السته … حتي تتكامل‬
‫صورتها ‪ ،‬وتنتهي إلي عبارة " حسن جدا ً "… فل تقف يا أخي عند‬
‫عبارة " خربة وخالية " وتكتئب ‪.‬زز إنما تطلع إلي المستقبل في‬
‫رجاء ‪ ،‬وانتظر الرب ‪..‬ز وفي كل يوم يمر عليك ‪ .‬كلما يقول الوحي‬
‫اللهي " وكان مساء وكان صباح " ن اهتف من كل قلبك " يا جميع‬
‫المم صفقوا بأيديكم‪ . .‬هللوا لله بصوت البتهاج " )مز ‪، ( 1 : 46‬‬
‫قد علمت يارب أنك تستطيع كل شئ ‪ ،‬ول يعسر عليك أمر …‪.‬‬
‫الله قادر أن يغير كل شئ … إلي أفضل ‪ ،‬وإلي العكس ‪ .‬وليس المهم عنده‬
‫البدايات ‪ ،‬وإنما ما تنتهي إليه المور ‪.‬‬

‫من اليات الجميلة في الرجاء ‪ ،‬نشيد العاقر في سفر اشعياء ‪:‬‬


‫" ترنمي أيتها العاقر التي لم تلد ‪ .‬أشيد بالترنم ‪ .‬لن بني‬
‫المستوحشة ) التي ليس لها زوج ( أكثر من بني ذات البعل …‬
‫أوسعي مكان خيمتك ‪ ،‬ولتبسط شقق مساكنك … لنك تمتدين إلي‬
‫اليمين وإلي اليسار ‪ .‬ويرث نسلك أمما ً ‪ ،‬ويعمر مدنا ً خربة ‪ .‬ل تخافي‬
‫لنك ل تخزني ") اش ‪. ( 4-1 : 54‬‬
‫ً‬
‫هناك إذن رجاء للعاقر ‪ ،‬ليس فقط أن تلد ‪ ،‬إنما بالكثر أن يرث نسلها مدنا ‪.‬‬
‫هذه العاقر ترمز إلي المم الذين كانوا غرباء من الله ‪ ،‬مستوحشين ‪.‬‬
‫وترمز إلي كل نفس خاطئة بعيدة عن شركة الروح وثمار الروح ‪.‬‬
‫هذه لم يعطها الرب مجرد رجاء أن يكون لها نسل وثمر … إنما قال‬
‫لها بالكثر " وسعي خيامك ‪ ..‬ستمتدين يمينا ً ويسارا ً "‪ .‬ليس فقط‬
‫يكون لك صبر ورجاء ‪ ،‬إنما ترنمي ‪ .‬افراحي بالرجاء ‪ .‬ليس بعقمك ‪ ،‬إنما‬
‫بالوعد الذي سيتحقق ‪.‬‬
‫حقا ً يارب أنك تستطيع كل شئ ‪ ،‬ول يعسر عليك أمر ‪.‬‬

‫• من كان يظن أن داود الطفل سينتصر علي جليات الجبار ؟‬


‫ولكن داود كان عنده الرجاء ‪ ،‬الذي به قال لجليات ‪ :‬اليوم يحسبك الرب في‬
‫يدي ‪ 1 )"..‬صم ‪. ( 46 : 17‬‬
‫ً‬
‫ولول هذا الرجاء ما تقدم داود في ثقة لمحاربته ‪ .‬ولم يخف مطلقا ‪،‬‬
‫بينما كان الجيش كله خائفا ً ‪.‬‬
‫*******‬
‫وبالرجاء دخل مارمرقس الرسول كارزا ً في مصر ‪.‬‬
‫لم يكن له فيها شعب ول كنيسة ‪ .‬وكانت هناك العبادات الفرعونية ‪،‬‬
‫واليونانية ‪ ،‬و الروماانية ‪ ،‬والديانة اليهودية ‪ ،‬والفلسفة الوثنية ‪،‬‬
‫ومدرسة السكندرية ‪ .‬وسيف الدولة الرومانية الحاكمة ‪ ،‬ودسائس‬
‫اليهود …‬
‫من كان يظن ان مرقس الشاب ‪ ،‬ينتصر علي كل المعوقات ‪ ،‬وينشر‬
‫اليمان في كل مصر ؟ حقا ً عن الله يستطيع كل شئ ‪ ،‬ول يعسر‬
‫عليه أمر ‪ .‬ويعجبني هنا قول الكتاب ‪:‬‬
‫من أنت أيها الجبل العظيم ؟ اما زر بابل تصير سهل ً ) زك ‪.( 7 : 3‬‬
‫*******‬
‫حقا ً إننا بالرجاء نري كل شئ سهل ً ‪.‬‬
‫بالرجاء ‪ ،‬نري طريقا ً مفتوحا ً لنا داخل البحر ‪ .‬ونسمع قول موسي‬
‫النبي ‪ :‬الرب يقاتل عنكم وأنتم تصمتون ) خر ‪ . ( 14 : 14‬بالرجاء‬
‫نثق ان عصا اليشع ‪ ،‬إن وضعت علي الغلم سيقوم ‪ .‬بالرجاء نثق أننا‬
‫سندخل الرض ‪ ،‬حتي أن تهنا في البرية أربعين عاما ً ‪ .‬بالرجاء صلي‬
‫يونان وهو في بطن الحوت ‪ .‬كان له رجاء أنه سيخرج ويعود يري‬
‫هيكل الله مرة أخري ) يون ‪.( 4 : 2‬‬
‫*******‬
‫بالرجاء بطرس لم ييأس بعد إنكاره ‪.‬‬
‫ً‬
‫كان له رجاء أن الرب سيغفر ويقبله كما كان رسول ً … حقا من كان‬
‫يظن أن هذا الذي خاف ‪ ،‬أنكر الرب امام جارية ‪ ،‬سيمكنه أن يقف‬
‫أمام رؤساء الكهنة ‪ ،‬ويقول لهم في شجاعة " ينبغي ان يطاع الله‬
‫اكثر من الناس ") أع ‪ . ( 29 : 5‬ويحتمل من أجل الرب ‪ ،‬ويكرز‬
‫ويموت شهيدا ً ‪.‬‬
‫*******‬
‫إن قصص كرازة الرسل – يعطينا دروسا ً في الرجاء ‪.‬‬
‫اختار الله جهال العالم ليخزي بهم الحكماء ) ‪ 1‬كو ‪ .( 27 :1‬وهذه‬
‫الفئة القليلة ‪ ،‬استطاعت ان تقف أمام جبروت الدولة الرومانية‬
‫ودسائس اليهود ‪ .‬والذين ل قول لهم ول كلم ‪ ،‬إلي أقطار‬
‫ً‬
‫المسكونة بلغت أقوالهم ) مز ‪ . ( 4 ، 3 : 19‬وفي حوالي ‪ 34‬عاما ‪،‬‬
‫استطاعوا ان ينشروا المسيحية في كل الشرق الوسط ‪ ،‬ومصر ‪،‬‬
‫وتركيا ‪ ،‬واليونان ‪ ،‬ورومه ‪ ،‬وبقاع كثيرة في أوربا وأسيا وأفرقيا …‬
‫أل يعطينا هذا الرجاء في عمل الله فينا لجل ملكوته‬
‫*******‬
‫من كان يظن أن نحميا السير ‪ ،‬يأخذ معونة يعيد بها بناء سور أورشليم ؟‬
‫ولكن الله ل يعسر عليه أي أمر ‪ .‬حتي إن إلقي دانيال في جب‬
‫السود ‪ ،‬يمكن ان يرسل الله ملكه فيسد أفواه السود ) دا ‪: 6‬‬
‫‪ .. ( 22‬حتي إن ألقي الفتية في أتون النار ‪ ،‬ل يصيبهم ضرر‬
‫ويتمشي الرب معهم وسط النار ) دا ‪ … ( 25 : 3‬حتي إن إلق يوسف‬
‫في السجن ‪ ،‬يخرج منه للحكم ‪.‬‬
‫*******‬
‫من كان يظن أن شاول الطرسوسي مظطهد الكنيسة ‪ ،‬يتحول إلي أكبر كارز‬
‫بالمسيحية ‪ ،‬ويتعب أكثر من جميع الرسل ) ‪ 1‬كو ‪ . ( 10 : 15‬ومن كان يظن‬
‫أن أريانوس والي أنصنا ‪ ،‬أقسي ولة ديوقلديانوس وأعنفهم في‬
‫تعذيب الشهداء ‪ ،‬يؤمن أخيرا ً ويصير شهيدا ً … وكذلك لونجينوس‬
‫الجندي الذي طعن المسيح بالحربة … علمت يارب أنك تستطيع كل‬
‫شئ ‪ ،‬ول يعسر عليك أمر …‬
‫حقا ً إنه من أعظم معجزات الرب ‪ ،‬قدرته علي تغيير النفوس ‪.‬‬
‫*******‬
‫إن قصص التوبة تعطينا رجاء عجيبا ً ‪ .‬وهي كثيرة جدا ‪ .‬من كان يظن‬
‫ً‬
‫ان مريم المجدلية التي أخرج الرب منها سبعة شياطين ) لو ‪، ( 4 : 8‬‬
‫تصير مبشرة للرسل بالقيامة ؟ من كان يظن أن مريم القبطية‬
‫الزانية تصير من السواح ؟ ونفس السلوب نتحدث به عن‬
‫أوغسطينوس وموسي السود وغيرهما ‪.‬‬
‫*******‬

‫كونوا أن الله يستطيع كل شئ ) مت ‪ ( 26 : 19‬هذا أمر طبيعي …‬


‫ولكن هوذا بولس الرسول يقول " استطيع كل شئ في المسيح‬
‫الذي يقويني " ) في ‪ . ( 13 :4‬ولكن اكبر آية تدعو إلي الرجاء هي ‪:‬‬
‫" كل شئ مستطاع للمؤمن ") مر ‪. ( 23 :9‬‬
‫بهذا الرجاء ننال قوة ننتصر بها في حياتنا ‪ .‬أما الشيطان فطريقته‬
‫أن يدفع الناس إلي اليأس ‪ ،‬وإلي الخوف ‪ ،‬والتردد ‪ ،‬والشعور‬
‫بالضعف و العجز‪ ،‬لكي يشل حركتهم … ويشدهم بثقل الصليب‪،‬‬
‫وخيفهم من الباب الضيق و الطريق الكرب ‪ ، ،‬حتي ما يستطيعون‬
‫التقدم خطوة واحدة ‪ .‬أما انت فقل مع بولس الرسول ‪:‬‬
‫استطيع كل شئ في المسيح الذي يقويني ‪.‬‬
‫الذي حول الطرسوسي يستطيع أن يحولني ‪ .‬والذي منح التوبة‬
‫لوغسطينوس يمكنه أن يتوبني ‪ .‬والذي اعان داود علي جليات يمكنه‬
‫أن يعينني ‪ .‬والذي قبل المزدري وغير الموجود يقبلني ‪.‬‬
‫الرجاء يعطي قوة علي العمل ‪ ،‬وعدم التفكير في الفشل ‪ .‬إننا ل‬
‫نعترف بالفشل إطلقا ً ‪ ،‬مادامت يد الله معنا ‪ .‬كل شئ يدعو لليأس ‪،‬‬
‫نضع أمامه قوة الله غير المحدود‪ ،‬وتدخل الله بكل محبته لتغيير‬
‫المور إلي أفضل ‪..‬‬
‫ما أكثر قول الله ‪ :‬ل تخف ‪ .‬لتخافوا …‬
‫إنه لم يسمح لموسي أن يخاف ‪ .‬من ملقاة فرعون ) خر ‪ .( 4‬ولم‬
‫يسمح لرميا أن يخاف لصغر سنه ‪ .‬وقال ليشوع بن نون بعد موت‬
‫موسي النبي " ل يقف إنسان في وجهك كل أيام حياتك … ل أهملك‬
‫ول أتركك ‪ .‬تشدد وتشجع … ل ترهب ول ترتعب لن الرب إلهك معك‬
‫") يش ‪ … ( 9 ، 5 : 1‬إن إيمانك بعمل الله معك يعطيك رجاء ثم انظر‬
‫إلي هذا الوعد العجيب جدا ً ‪ ،‬في قول الرب ‪:‬‬
‫" من يؤمن بي ‪ ،‬فالعمال التي أنا اعملها ‪ ،‬يعملها هو أيضا ً ‪ ،‬ويعمل اعظم منها ")‬
‫يو ‪. ( 12 : 14‬‬
‫من نحن يارب أمام هذا الوعد ؟ إنه الوعد ؟ إنه أكبر منا ‪ .‬ولكن‬
‫عجيبة هي محبتك ووعودك ‪ .‬ولكننا نؤمن بمحبتك وبكرمك في‬
‫العطاء ‪ ،‬و تدخلك للمعونة ونؤمن أيضا بأن الحرب للرب ) ‪ 1‬صم ‪: 17‬‬
‫‪ ، ( 47‬والله ليس لديه مانع ان يخلص بالكثير أو القليل ) ‪ 1‬صم ‪: 14‬‬
‫‪.(6‬‬
‫الله قادر أن يغلب بجيش يشوع ‪ .‬وقادر أن يغلب بحصاة داود ‪ .‬مهما كنت‬
‫ضعيفا ً أو صغيرا ً ‪ ،‬الله قادر أن يعمل بك وفيك ‪ ،‬كما عمل في ارميا‬
‫الطفل ‪ ،‬وداود الصبي ‪ .‬واستخدم صموئيل الطفل ليبكت به عالي‬
‫الكاهن العظيم ) ‪ 1‬صم ‪ . ( 18 – 10 :3‬مادامت الحرب للرب ‪ ،‬اعتمد‬
‫عليه اذن ‪ ،‬وليكن رجاؤك فيه ‪ ،‬مهما وقفت ضدك خطية أو شهوة ‪،‬‬
‫تجربة أو مشكلة ‪ .‬ومهما وقف ضدك الناس الشرار ‪ .‬وتذكر قصص‬
‫رجال الله ‪ ،‬الذين تقوا من ضعف ) عب ‪ ( 34 ، 33 : 11‬وصاروا‬
‫اشداء في الحرب ‪ ،‬وقهروا ممالك …‬
‫هؤلء هم جبابرة ‪ ،‬الذين ل يخافون ‪.‬‬
‫ل تضعف ‪ .‬لتهزك التجارب ول الضيقات ‪ ،‬ول الخطايا ول الشهوات ‪،‬‬
‫ول العداء ‪ .‬كن كالبيت المبني علي الصخر ‪ ،‬الذي لم تقو عليه‬
‫المطار ول الرياح ) مت ‪ . ( 25 : 27‬كن كالجنادل التي في مجرى‬
‫النيل ‪ ،‬ثابتة ل تقوي عليها المياة ‪.‬‬
‫ضع امامك بعض اليات التي تعزيك وتقويك ‪.‬‬
‫ً‬
‫" أن سرت في وادي ظل الموت ‪ ،‬ل أخاف شرا لنك أنت معي ") مز‬
‫‪ " ( 4 : 23‬إن يحاربني جيش فلن يخاف قلبي ‪ .‬وإن قام علي قتال ‪،‬‬
‫ففي هذا أنا مطمئن ) مز ‪ " ( 3 : 27‬مرارا ً كثيرة حاربوني منذ صباي‬
‫‪ ،‬وأنهم لم يقدروا علي … الرب صديق هو يقطع أعناق الخطاة ") مز‬
‫‪ " . ( 4 ، 2 : 129‬الفخ انكسر ونحن نجونا ‪ .‬عوننا من عند الرب ‪"..‬‬
‫) مز ‪ " ( 8 ،7 : 124‬دفعت لسقط و الرب عضدني ‪ .‬قوتي من عند‬
‫الرب ") مز ‪.( 117‬‬
‫ُ‬
‫تذكر سير القديسين الذين لم يخافوا مطلقا ‪ ،‬ولم يفشلوا …‬
‫قال هذه العبارة وهو منفاه في جزيرة بطمس ‪ ،‬وفي الرؤيا الذي يقول في‬
‫أوله " أنا يوحنا أخوكم وشريككم في الضيقة ‪ ،‬وفي ملكوت يسوع‬
‫المسيح وصبره …" ) رؤ ‪ . ( 9 : 1‬وعلي الرغم من أنه كان بعيدا ً عن‬
‫كل التعذيات و المعونات البشرية ‪ ،‬إل أن التعزيات اللهية لم تبتعد‬
‫عنه ‪ .‬فرأي السيد في تلك الجزيرة ‪ ،‬وتسلم منه رسائل ‪ .‬ثم يقول‬
‫بعد تلك الرؤيا ‪:‬‬
‫" بعد هذا ابصرت ‪ ،‬وإذا باب مفتوح في السماء … وإذا عرش موضوع‬
‫في السماء …" ) رؤ ‪ . ( 2 ،1 : 4‬إنها تعزية عجيبة لهذا الرسول‬
‫العظيم ‪ ،‬وهو في ضيقته وفي منفاه ‪ ،‬تذكرنا بقول الرب لملك‬
‫كنيسة فيلدلفيا ‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫هأنذا قد جعلت أمامك بابا مفتوحا ‪ ،‬ول يستطيع أحد أن يغلقه ") رؤ ‪.( 8 :3‬‬
‫إنها كلمة من الله يفتح ول أحد يغلق ‪ ،‬ويغلق ول احد يفتح ") رؤ ‪:3‬‬
‫‪ . ( 7‬كلمة عزاء ‪ ،‬كلما نتذكرها نمتلئ بالرجاء ‪ ،‬ونجد فرحا ً بهذا الباب‬
‫المفتوح في السماء ‪.‬‬
‫*******‬
‫حقا ً حينما جميع البواب ن يبقي باب الله مفتوحا ‪ ،‬ول يستطيع أحد أن يغلقه …‬
‫ً‬
‫وهكذا يطمئن النسان مهما كانت جميع البواب مغلقة في وجهه ‪.‬‬
‫فالله الحنون المحب بمكنه أن يفتح ول أحد يغلق ‪..‬ز من أجل هذا‬
‫يعيش أولد الله في فرح كامل ‪ ،‬ل تهتز ثقتهم بأية ظروف خارجية‬
‫ضاغطة …‬
‫ويقدم لنا الكتاب مثال داود النبي ‪ ،‬وهو مطارد من شاول الملك ‪:‬‬
‫شاول بكل سلطانه ‪ ،‬وكل قسوته ‪ ،‬وكل حيله ‪ ،‬وكل كراهيته لداود ‪،‬‬
‫كان يطارده من برية إلي أخري ‪ ،‬ومن مغارة إلي أخري ‪ ،‬يريد قتله ‪،‬‬
‫ويحيك حوله المؤامرات ومع ذلك حفظ الرب داود ‪ ،‬وبقي حيا ً ‪ .‬ومات‬
‫شاول الملك دون أن يؤذيه ‪.‬‬
‫وكذلك لم يقدر علي إيذائه أبشالوم بكل خيانته …‬
‫ذلك لن الله كان قد جعل أمام داود بابا ً مفتوحا ‪ ،‬دخل منه إلي المجد‬
‫ً‬
‫‪ ،‬متذكرا ً خبراته الكثيرة في في قيام العداء ضده ‪ ،‬حتي أنه قال ذات‬
‫مرة " يارب لماذا كثر الذين يحزنونني ‪..‬ز كثيرون قاموا علي ‪.‬‬
‫كثيرون يقولون لنفسي ‪ :‬ليس له خلص بإلهه ) مز ‪ . ( 3‬بل أنه‬
‫قال ‪ ":‬أكثر من شعر رأسي الذين يبغضونني بل سبب " ) مز ‪ . ( 4 : 69‬ونحن‬
‫نسأل " وماذا فعلت أمام كل اولئك يا داود ؟ وهل حطموا حياتك ؟! "‬
‫يجيب " الرب هو ناصري ‪ .‬مجدي ورافع رأسي ‪ .‬بصوتي إلي الرب‬
‫صرخت ‪ ،‬فاستجاب لي من جبل قدسه ") مز ‪ " ( 3‬نظرت ‪ ،‬وإذا باب‬
‫مفتوح في السماء "‪ .‬هؤلء الكثيرون الذين قاموا علي داود ‪ ،‬لم‬
‫يستطيعوا أن يغلقوا هذا الباب المفتوح أمامه من الرب ‪ .‬ألست‬
‫تستطيع أن تخرج من هذه القصة بقاعدة روحية وهي ‪:‬‬
‫*******‬
‫إن حياتك هي في يد الله ‪ .‬ولست في أيدي الناس …‬
‫لقد قال عيسو " أقوم وأقتل يعقوب أخي ") تك ‪ . ( 41 : 27‬ولكنه‬
‫لم يستطع لن يعقوب أبصر ‪ ،‬وأذا باب مفتوح في السماء ‪ .‬وقد رأي‬
‫سلما ً بين الرض و السماء ‪ ،‬وملئكة الله صاعدة ونازلة عليها ) تك‬
‫‪ . ( 12 : 28‬من أجل هذا حدث أنه في رجوعه " ركض عيسو للقائه ‪،‬‬
‫ووقع علي نقه ‪ ،‬وبكيا " ) تك ‪. ( 4 : 33‬‬
‫حقا ً إن الله يستطيع أن يغير المواقف ‪ ،‬وبغير القلوب ‪.‬‬
‫وكما قال الكتاب " إذ ارضعت الرب طرق إنسان ‪ ،‬جعل أعداءه أيضا ً‬
‫سالمونه " ) أم ‪ . ( 7 : 16‬وحتي إن لم سالموه ‪ ،‬فلن يقدروا عليه ‪،‬‬
‫كما قال الرب لرمياء النبي " يحاربونك ول يقدرون عليك ‪ ،‬لني أنا‬
‫معك ‪ ،‬لنقذك ") أر ‪. ( 19 :1‬‬
‫ما أكثر الذين قاموا علي رسل المسيح وتلميذه !‬
‫قام ضدهم الكتبة و الفريسيون و الصدوقيون ‪ ،‬وكهنة اليهود‬
‫ورؤساء كهنتهم وشيوخ الشعب وولة الرومان وحكمهم … وألقوهم‬
‫في السجون ‪ ،‬وجلدوهم ‪ .‬ولكن الله كان قد جعل أمامهم بابا ً‬
‫مفتوحا ً ‪ ،‬فانتشرت الكرازة في كل مكان ‪ .‬و " الذين ليس لهم صوت‬
‫ول كلم ‪ ،‬إلي أقطار المسكونة بلغت أقوالهم ") مز ‪،( 4 ، 3 : 19‬‬
‫حتي " الذين تشتتوا ‪ ،‬جالوا مبشرين بالكلمة ") أع ‪ . ( 4 : 8‬كانت كل‬
‫البواب مغلقة أمامهم ‪ .‬ولكن الله كان مفتوحا ً ‪ .‬وهذا يكفي لذلك‬
‫نصيحتي أقولها لكل إنسان تواجهه متاعب وضيقات وتعقيدات ‪.‬‬
‫*******‬
‫ل تنظر إلي البواب المغلقة ‪ ،‬إنما أنظر إلي المفتاح الذي في يد الله ‪.‬‬
‫إنه يستطيع أن " يفتح ول أحد يغلق "‪ . .‬هو القادر علي كل شئ ‪،‬‬
‫وهو الذي يحبك ويحب لك الخير ‪ .‬كل الذين يقومون ضدك ‪ ،‬قوتهم‬
‫محدودة كبشر ‪ .‬حتي الشيطان أيضا ً ‪ ،‬قوته محدودة كمخلوق ‪ .‬أما‬
‫الله فغير محدود ‪ ،‬وقوته غير محدودة ‪.‬‬
‫لذلك فإن الله غير المحدود ‪ ،‬قال لبولس الرسول " تكفيك نعمتي " ) ‪ 2‬كو ‪: 12‬‬
‫‪ .( 9‬إنها نعمة الله القادرة أن تفتح لك في البحر طريقا ً ) خر ‪( 14‬‬
‫وتفجر لك من الصخرة ماء ) خر ‪ ،( 6 : 17‬وتهدم أمامك جبال ً ‪ .‬كما‬
‫قال الرب عن معونته لعبده زر بابل " من أنت أيها الجبل العظيم ‪.‬‬
‫امام زر بابل تصير سهل ً ") زك ‪. ( 7 : 4‬‬
‫*******‬
‫يعوزنا الوقت أن تحدثنا عن قصص القديسين مع باب الله المفتوح ‪ :‬هل أتحدث‬
‫عن القديس أثناسيوس الرسولي ‪ ،‬الذي قيل له " العالم كله ضدك يا‬
‫أثناسيوس " ومع ذلك وقف ضد العالم الهرطوقي وانتصر ‪ ،‬لن الرب‬
‫جعل إمامه بابا ً مفتوحا ً ‪ .‬أم أتحدث عن لعازر الدمشقي ‪ ،‬وكيف‬
‫أرشده الرب إلي رفقه ليختارها زوجة لسحق إبن سيده ‪ ،‬بارشاد‬
‫إلهي عجيب !! حتي قال لتعوقوني و الرب قد انجح طريقي ") تك‬
‫‪.( 56 : 24‬‬
‫*******‬
‫كذلك ما أكثر البواب المفتوحة للتوبة … من كان يظن أن سينفتح باب‬
‫للتوبة أمام مريم القبطية التي أعثرت المئات وأسقطتهم ‪ .‬ولكن‬
‫الله فتح أمامها بابا ً بمعجزة ‪ ،‬لمست فيها يد الرب وتابت … ومن كان‬
‫يظن أنه سينفتح باب أماما أوغسطينوس وبيلجية وموسي السود ‪،‬‬
‫بعد أن وصلت حال كل منهم إلي وضع سئ للغاية في البعد عن الله‬
‫… وهكذا أيضا ً شاول الطرسوسي مضطهد الكنيسة ‪ .‬من كان يظن أنه‬
‫سيتحول إلي رسول وإناء مختار للرب ‪ ،‬هذا الذي كان ينفث تهديدا ً ‪،‬‬
‫ويجر رجال ً ونساء إلي السجن ) أع ‪ . ( 2 ، 1 : 9‬وإذا باب في السماء‬
‫ينفتح أمامه وهو في الطريق إلي دمشق ‪ ،‬برؤيا عجيبة ‪ ،‬كلمة فيها‬
‫الرب ‪ ،‬فآمن وتحول إلي العكس ‪ ،‬وتعب اكثر من جميع الرسل ‪،‬‬
‫ونال أكليل الشهادة …‬
‫ً‬
‫كذلك المم فتح لهم الله بابا للتوبة و القبول …‬
‫وكانوا معتبرين غرباء ‪ ،‬أجانب عن رعوية الله ‪ ،‬فصاروا هم الزيتونة‬
‫الجديدة التي طعمت في الزيتونة العتيقة ‪ .‬وأصبحت الغالبية‬
‫العظمي من المؤمنين نابعة من هؤلء المم وانفتح الباب بمعجزة‬
‫أمام كرنيليوس ) أع ‪ : 10‬ثم أمام الكل ) أع ‪. ( 15‬‬
‫*******‬
‫ماذا أقول أمثلة عجيبة امتدحها الكتاب ‪:‬‬
‫ارملة صيدا التي أطعمت إيليا ن و المراة الكنعانية التي شفي السيد‬
‫المسيح إبنتها راحاب الزانية ‪ ،‬وراعوث ‪ ،‬وملكة سبأ التي جات من‬
‫أقاصي الرض لتسمع حكمة سليمان …‪ .‬كل أولئك اللئي تسجلت‬
‫أسماؤهن في التاريخ ‪ ،‬وطوبهن الكتاب ‪ ،‬لمجرد أن الله جعل أمام‬
‫كل واحدة بابا ً مفتوحا ً ‪.‬‬
‫بل ماذا أقول عن يونان النبي الذي ابتلعه حوت ؟!‬
‫من كان يظن أن مثل هذا يمكنه أن يخرج من جوف الحوت ‪ ،‬ويحيا ‪،‬‬
‫ويبشر نينوي وتؤمن علي يديه؟! ولكن الحل الوحيد أن الله قد جعل‬
‫أمامه بابا ً مفتوحا ً ‪ ،‬ففتح الحوت فاه ‪ ،‬وألقاه إلي البر ‪ ،‬ليؤدي‬
‫رسالته !! حقا ً كما يقول الكتاب ‪:‬‬
‫" غير المستطاع عند الناس مستطاع عند الله " ) لو ‪.( 27 : 18‬‬
‫إن الله قادر علي كل شئ ‪ .‬وإن اعتمدت عليه تحيا في رجاء ثابت ل‬
‫يتزعزع ‪ .‬هو قادر أن يفتح البواب المغلقة ‪ ،‬ويحل كل المشاكل‬
‫المعقدة ‪ .‬بيده كل المفاتيح ‪ "،‬يفتح ول أحد يغلق " وهناك مثل‬
‫عجيب لباب مغلق فتحه الله ‪:‬‬
‫لقد فتح الرب باب الفردوس بعد آلف السنين …‬
‫ً‬
‫وهكذا أدخل فيه آدم وحواء ‪ ،‬بعد أن طردا قديما من الجنة ‪ ،‬وأدخل‬
‫فيه كل الراقدين علي الرجاء ‪ ،‬وجعل هذا الباب مفتوحا ً أيضا ً أمام‬
‫اللص اليمين ‪ ،‬وامام جميع التائبين ‪ ،‬لكي يصيروا جميعا ً فرحين في‬
‫الرجاء ) رو ‪. ( 12 : 12‬‬
‫*******‬
‫لكل هذا ‪ ،‬أطلب من الرب أن يفتح أمامك البواب ‪:‬‬
‫قبل أن تخرج من بيتك كل يوم ‪ ،‬أطلب من الرب أن يفتح أمامك كل‬
‫القلوب ‪ ،‬وكل الذان ‪ ،‬وأن يفتح أمامك أبواب الرزق وأبواب الخير ‪.‬‬
‫وما أجمل تلك الصلة التي يصليها الب الكاهن أمام الهيكل ويقول ‪:‬‬
‫" أجعل باب بيتك مفتوحا ً أمانا في كل زمان … "‬
‫ويقول أيضا ً " ل تغلق باب بيتك في وجوهنا "‪ .‬بل في كل يوم يصلي‬
‫كل منا ويقول " افتح يارب شفتي ‪ ،‬فيخبر فمي بتسبيحك ") مز‬
‫‪ . ( 50‬ذلك لننا ل نضمن إن فتحنا أفواهنا من ذواتنا ‪ ،‬أي كلم‬
‫سنقوله ؟ وهل سيكون مرضيا ً أمام الله أم ل يكون ؟ وماذا ستكون‬
‫نتائجه ؟… ولعل من الصلوات العجيبة التي صلها أليشع النبي لجل‬
‫تلميذه جيحزي هي قوله ‪:‬‬
‫" افتح يارب عيني الغلم فيري "…) ‪ 2‬مل ‪( 17 : 6‬‬
‫فيري أن الذين معنا أكثر من الذين علينا ‪ ،‬فيطمئن ‪ ،‬ويؤمن ‪ .‬نعم‬
‫نحن لن عيون ولكنها ل تبصر ‪ ،‬وآذان ولكنها ل تسمع … وتحتاج أن‬
‫يفتح الرب عيوننا وآذاننا وقلوبنا أيضا ً ‪ .. .‬ألسنا نقول في صلواتنا "‬
‫اكشف عن عيني فأري عجائب من ناموسك ") مز ‪ . ( 119‬وبعد ‪،‬‬
‫أترانا قلنا كل ما يفتحه الله أمامنا ؟ كل ‪ ،‬بلشك … فالموضوع أطول‬
‫من أن يسعه مقال ‪ ،‬عن الله الذي قال ‪:‬‬
‫افتح لكم كوي السماء ‪ ،‬وأفيض عليكم بركة ‪ ،‬حتي ل توسع "‪.‬‬
‫*******‬
‫باب الله مفتوح أمامنا علي الدوام ‪ ،‬مهما أغلقت باقي البواب ‪ .‬يقول لنا كما‬
‫قال لملك كنيسة فيلدلفيا " هأنذا قد جعلت أمامك ابا ً مفتوحا ً ‪ ،‬ول‬
‫يستطيع أحد أن يغلقه ") رؤ ‪ . ( 8: 3‬هذا هو قلب الله الحنون ‪ ،‬الذي‬
‫ازال الحجاب الحاجز وفتح الطريق إلي قدس القداس ‪ ،‬وفتح باب‬
‫الفردوس أمام آدم وبنيه ‪.‬‬
‫*******‬
‫إنها عبارة معزية ‪ ،‬نتذكرها في بدء العام الجديد ‪.‬‬
‫مهما ضاقت الدنيا أمامك ‪ ،‬ومهما تعقدت السبل ‪ ،‬وأغلق الناس‬
‫قلوبهم وأحشاءهم ‪ ،‬ودعوت وليس من مجيب ‪ ،‬وبحثت وليس من‬
‫صديق ‪ ،‬حينئذ تتعزي بقول القديس يوحنا الحبيب‪ "،‬نظرت وإذا باب‬
‫مفتوح في السماء "‪.‬‬
‫يقولها لكل من في ضيقة ‪ ،‬ولكل خاطئ أتعبته الخطية ‪.‬‬
‫لكل خاطئ سيطرت الخطية عليه … حاول أن يتخلص منها مرارا ً ولم‬
‫يستطيع وكاد ييأس … طرق باب التداريب الروحية ‪ ،‬وكل جهاد‬
‫شخصي ‪ .‬وطرق أبواب الصوم وضبط النفس … ولم يجد طريق‬
‫التوبة مفتوحا ً أمامه … حينئذ يرفع هذا " الخاطئ نظره إلي فوق ‪،‬‬
‫ويقول " رأيت بابا ً مفتوحا ً في السماء "‪ " ،‬عوني من عند‬
‫الرب الذي صنع السماء والرض ") مز ‪. ( 2 : 121‬‬
‫*******‬
‫المهم في مشاكلنا أن نرفع نظرنا إلي فوق ‪ ،‬وإلي السماء لكي نري الباب‬
‫المفتوح ‪ ،‬فنتعزي …‬
‫مشكلنا أننا في كل ضيقتنا ‪ ،‬نتجه إلي المعونة الرضية ! نتجه إلي‬
‫ذكائنا وحيلنا وإلي الذراع البشري في مساعدة الناس لنا ‪ .‬نتجه إلي‬
‫الظروف والمكانيات وبسبب هذا نقع في الحيرة و القلق‬
‫والضطراب ‪ .‬ولكن كل هذا يزول ‪ ،‬ونطمئن ‪ ،‬أن رفعنا نظرنا إلي‬
‫فوق ‪ ،‬لنري الباب المفتوح في السماء ‪ ،‬كما فعل القديس يوحنا‬
‫الحبيب ‪ ،‬شريكنا في الضيقة …‬
‫*******‬
‫لحظوا أنه رأي الباب بصلواته ‪ ،‬إنما هو باب مفتوح بطبيعته مفتوح بالحب اللهي‬
‫… لم يقل يوحنا " افتح لي بابا ً في السماء ‪ ،‬لري عرشك وجندك ‪.‬‬
‫إنما أاه الله كل هذا من حنانه ‪ ،‬لكي يعرف أن عطايا الله إنما تنبع‬
‫من محبته ومن أنعامه … حقا ً إنه يقول بالنسبة إلي التعابي " اقرعوا‬
‫يفتح لكم "‪ .‬لكنه يقول للذين يحيون في اليمان " وكل هذه‬
‫تزدادونها ") متي ‪ . ( 33 : 6‬تأتيكم بدون طلب ‪ ،‬من الب السماوي‬
‫الذي يحب اولده ويعرف أحتياجاتهم …‬
‫*******‬
‫هذا الباب يفتحه الله ‪ ،‬ول يستطيع أحد أن يغلقه ‪.‬‬
‫حسب وعده المين ‪ ..‬ذلك لنه " يفتح ول أحد يغلق ") رؤ ‪. ( 7 : 3‬‬
‫فغن فتح أمامك بابا ً ‪ ،‬تجد كل أمورك بابا ً ‪ ،‬تجد كل أمورك ميسرة ‪" ،‬‬
‫ل يقف أحد في وجهك ") يش ‪ . ( 5 : 1‬ط ول يقع بك أحد ليؤذيك‬
‫") أع ‪ . ( 10 : 18‬وأبواب الجحيم لن تقوي عليك ) متي ‪. ( 18 : 16‬‬
‫إذن ل تضيع وقتك منقبا ً في الرض ‪ ،‬تحفر لك أبارا ً مشققة ل تضبط‬
‫ماء ) ار ‪ . ( 13 : 2‬إنما يكفي أن تضمن المعونة اللهية ‪ ،‬تضمن‬
‫الباب السماوي المفتوح ‪ ،‬وحينئذ يصير لك كل شئ …‬
‫*******‬
‫هذا الباب المفتوح رآه يوحنا وهو في ضيقة منفيا ً في جزيرة بطمس ‪ ،‬ومضطهدا ً‬
‫لجل الكلمة ‪.‬‬
‫في وقت لم يكن يجد فيه علي الرض حنانا ً ول عدل ً ‪ ،‬ولم يجد من‬
‫البشر معونة ول سندا ً … حينما بدا أن كل إنسان قد تخلي عنه ‪،‬‬
‫أوعجز عن معونتة ‪ ،‬فترك إلي أعدائه يحكمون عليه … في هذا‬
‫الوقت الذي أغلقت فيه أبواب الرض ‪ ،‬نظر وإذا باب مفتوح في‬
‫السماء ‪ ،‬وسمع ‪ ،‬صوتا ً يقول له " اصعد إلي ههنا فأريك …" وأراه‬
‫عرش الله في الرؤيا ‪ ،‬وقوات السماء …‬
‫عجيب هو الله حقا ً في عمق عطاياه ‪ ،‬الله المقيم المسكين من التراب ) مز‬
‫‪.( 7 : 113‬‬
‫ولعل القديس يوحنا كان يقول للرب ‪ :‬من أنا يارب الذي تصنع معي‬
‫كل هذا أنا البائس الملقي في هذه الجزيرة النائية ‪ ،‬أنا غير‬
‫المستحق أن أري عرش المبراطور تراجان ‪ ،‬كيف استحق أن أرص‬
‫عرش ملك الملوك ورب الرباب ؟! ‪ .‬نعم تعال يا يوحنا واصعد لتري‬
‫هذا العرش ‪ ،‬لكي تعرف أن كل أباطرة الرض هم حفنة من تراب …!‬
‫ويقف أمانا سؤال ‪:‬‬
‫كيف صعد يوحنا إلي السماء ‪ ،‬ليري هذه الرؤيا ؟‬
‫هنا تقف اللغة عاجزة … نعم كيف صعد ؟ أنا لست بمستطيع أن‬
‫أجيب … أفضل أجابة هي أن أقول ‪ :‬ل أعرف … لست أجد ألفاظا ً‬
‫في اللغة العربية ‪ ،‬ول في أية لغة أخري تستطيع ان تعبر عن هذا‬
‫المعني …لذلك اكتفي بأن أتركه إلي تأملتكم الخاصة ‪" .‬أصعد إلي‬
‫هنا " ‪ .‬هذا أمر ‪ .‬كيف فذه يوحنا ؟ أو كيف نفذ في يوحنا ؟‬
‫كيف صعد إلي السماء ؟ وكيف دخل من هذا الباب المفتوح ؟ وكيف‬
‫رأي ؟ بالعين أم بالروح أو بعين روحية ؟ وكيف ؟ المهم أن الله حول‬
‫ضيقته إلي فرح ‪ ،‬وجهله إلي معرفة ‪ ،‬ونفيه إلي ترقية ‪ ،‬وأنعام‬
‫عربونا ً لحياة أخري ستكون بع القيامة ‪ ،‬ومنحنا نحن رجاء في تلك‬
‫الحياة …‬
‫كل هذا حدث ليوحنا ‪ ،‬وهو في المنفي …‬
‫لم يحدث هذه الرؤيا وهو في أورشليم ‪ ،‬مدينة الملك العظيم ‪ ،‬ول‬
‫وهو في الهيكل ول حتي في قدس القداس ‪ ،‬ول إلي جوار تابوت‬
‫العهد ليس في كل تلك الماكن العظيمة و المقدسة ‪ ،‬حيث ينتظر‬
‫النسان أن يري رؤي … إنما في الضيقة ‪ ،‬وفي النفي …‬
‫*******‬
‫حقا ً إن ملكوت الله ل يأتي بمراقبة ) لو ‪.( ( 20 : 17‬‬
‫أننا ل نعرف متي ول أين يفتقدنا الله بنعمته ‪ ،‬بعمل روحه القدوس ‪.‬‬
‫ل نعرف متي تفتح السماء أبوابها ؟ ومتي يأتينا الصوت كبوق ‪ ،‬أو‬
‫كريح عاصف ‪ ،‬أو كصوت مياة كثيرة …؟ إنه يأتي بانتظارنا أو‬
‫توقعنا ‪ ،‬أو مراقبتنا … لسنا نعرف متي يأتي الرب لمعونتنا ومتي‬
‫يعلن لنا ‪.‬‬
‫المهم أن نكون مستعدين لعمل الروح فينا … نفتح نحن قلوبنا ‪ ،‬فيفتح لنا الرب‬
‫بابا ً في السماء ‪.‬‬
‫نصعد بأرواحنا إلي السماء ‪ ،‬بينما أجسادنا ل تزال علي الرض ‪ ،‬حينئذ‬
‫يصعدنا الرب إلي السماء ‪ ،‬حتي لو بقينا ظاهريا ً علي الرض …" في‬
‫الجسد أم خارج الجسد ؟ لست أعلم ‪ .‬الله وحده يعلم " ) ‪ 2‬كو ‪: 12‬‬
‫‪ .( 3‬هنا ونقول أن رؤيا يوحنا تحمل لنا أعظم رجاء مفرح وهو ‪:‬‬
‫*******‬
‫أن أبواب السماء صارت مفتوحة ‪ .‬وقد رآها القديس اسطفانوس الماس من‬
‫قبل ‪ :‬وذلك حينما حنق عليه اليهود ليقتلوه ‪ .‬يقول الكتاب ‪ ":‬أما هو‬
‫فشخص إلي السماء ‪ ،‬وهو ممتلئ من الروح القدس ‪ .‬فرأي مجد الله‬
‫و الرب يسوع عن يمين الله فقال ‪ :‬ها أنا أنظر السموات مفتوحة ‪،‬‬
‫وإبن النسان قائما ً عن يمين الله ") أع ‪. ( 56 ، 55 : 7‬‬
‫هذه السماء المفتوحة أمامنا هي أملنا الكبير الذي نسعي إليه لكي نري فيها مجد‬
‫الله ونبصر الرب يسوع ‪.‬‬
‫رآها اسطفانوس أول الشمامة ‪ ،‬ورآها يوحنا الحبيب ن مفتوحة ‪.‬‬
‫وأبصرا شيئا ً من المجد العتيد ‪ ،‬كعربون للملكوت البدي … والعجيب‬
‫أن كل منهما قد رآها وهو في ألم واضطهاد ‪ ،‬مرذول ً من الناس ‪،‬‬
‫أحدهما في وقت رجمه ‪ ،‬وىلخر أثناء نفيه … وذلك لكي نفهم أن‬
‫طريق هذه السماء هو الصليب ‪ ،‬وأنه بضيقات كثيرة ينبغي أن ندخل‬
‫ملكوت الله ") أع ‪. ( 22 : 14‬‬
‫*******‬
‫وقبل اسطفانوس ويوحنا ‪ ،‬أبصر السماء حزقيال النبي ‪:‬‬
‫رأي عرش الله محمول ً علي الكاروبيم ) حز ‪ . ( 1‬ورأي هذا المنظر‬
‫حينما كان ضمن المسبيين ‪ ،‬عند نهر خابور ‪ .‬وقال في ذلك " كان …‬
‫وأنا بين المسبيين عند نهر خابور أن السموات انفتحت ‪ .‬فرأيت رؤي‬
‫الله …" وشرح ما رآه ‪ …،‬ثم فال " هذا منظر شبه مجد الرب ‪ .‬ولما‬
‫رأيته خررت علي وجهي وسمعت صوت متكلم ) خر ‪ . ( 28 : 1‬عجيب‬
‫أن يري هذه الرؤيا وهو في السبي ‪.‬زز كيوحنا في النفي ‪.‬‬
‫بنفس الوضع رأي دانيال النبي شبه المنظر وهو في السبي ‪:‬‬
‫رأي إبن النسان وهو علي سحاب السماء ‪ ،‬أمام الب ‪ ،‬وقد اعطي‬
‫سلطانا ً ومجدا ً وملكوتا ً ‪ ،‬لتتعبد له كل الشعوب والمم واللسنة ‪.‬‬
‫سلطانه سلطان أبدي ما لن يزول وملكوته مال ينقرض ) دا ‪، 13 : 7‬‬
‫‪ . ( 14‬ورأي رؤي أخري ‪ ،‬وأرسل له الله الملك جبرائيل ليفسرها‬
‫له ) دا ‪. ( 16 : 8‬‬
‫كل هذه الرؤي رآها انبياء وقديسون في ضيقاتهم ‪.‬‬
‫سماء الله وعرشة رآهما يوحنا في النفي ‪ ،‬اسطفانوس قبل قبل‬
‫رجمه ‪ .‬وحزقيال ودانيال وهما في سبي ‪ .‬ول شك أن هذه المناظر‬
‫التي يسمح الله لقديسيه أن يروها أثناء ضيقاتهم لجل إسمه ‪ ،‬إنما‬
‫هي لون من العزاء اللهي أثنا اللم …‬
‫ً‬
‫وأنتم أيها الخوة ‪ ،‬هل رأيتم هذه السموات المفتوحة ؟ أما ان لكم عيونا ولكنها ل‬
‫تبصر ؟‬
‫وإن كان كذلك ‪ ،‬فمتي تنقشع تلك الغشاوة عن أعيننا ‪ ،‬حتي نري ما‬
‫يمكن أن يراه الروحانيون … كأشخاص في الجسد ‪ ،‬نحن ل نري ‪،‬‬
‫ولكن متي صرنا في الروح ‪ ،‬مثلما كان يوحنا " في الروح في يوم‬
‫الرب ") رؤ ‪ ، ( 10 : 1‬حينئذ سنري ‪.‬‬
‫طالما عيوننا مشغولة بالجسد و بالمادة و بالعالم ‪ ،‬ومغلقة بالهيولنيات ‪ ،‬فل يمكن‬
‫أن تري الروحيات ‪.‬‬
‫السماء المفتوحة رآها القديسون في ضيقاتهم ‪ ،‬أما المترفون الذين‬
‫يعيشون في المتعة و الفرح واللذة ‪ ،‬فإنهم ل يشعرون بالحاجة إلي‬
‫باب مفتوح في السماء ! وإن طلبوا من الله ‪ ،‬فسيقولون ‪ :‬افتح لنا‬
‫أبوابا ً علي الرض ‪ .‬فالسماء لم يأت موعدها بع … افتح لنا أبواب‬
‫الكنوز والرزق و الترقيات ‪ .‬هؤلء المترفون ‪ ،‬أخشي أنهم في‬
‫السماء أيضا ً سيسمعون تلك العبارة المخيفة " الحق أقول لكم إنكم‬
‫قد استوفيتم أجركم ") متي ‪ .( 5 : 6‬ومثل المترفين ‪ ،‬كذلك ل يطلب‬
‫المنشغلون بابا ً في السماء إن كل تفكيرهم مركز في العالم وفي‬
‫الرضيات ‪ .‬ليس لديهم وقت ول رغبة لكي يرفعوا نظرهم إلي‬
‫فوق ‪ .‬مثالهم ذلك الغني الغبي ‪ ،‬الذي قال " أهدم مخازني وأبني‬
‫أعظم منها ‪ ،‬وجمع هناك جميع غلتي وخيراتي ‪ ،‬وأقول للنفسي ‪ :‬يا‬
‫نفسي خيرات كثيرة موضوعة لسنين عديدة ‪ .‬فاستريحي وكلي‬
‫واشربي وافرحي ") لو ‪. ( 19 ، 18 : 12‬‬
‫*******‬
‫إذن علينا أن نرتفع فوق الرضيات ‪ ،‬لنري الباب السماوي المفتوح … مثال ذلك ‪:‬‬
‫فلك نوح الذي تغرب عن العالم ‪ ،‬وارتفع فوق المياة التي غطت ككل‬
‫شئ ‪ .‬وفتح أبونا نوح فيه طاقة ‪ ،‬تشبه الباب المفتوح في السماء ‪.‬‬
‫وخرجت من الطاقة حمامة جاءت بغصن زيتون ‪ ،‬رمزا ً للسلم اللهي‬
‫في الرض الجديدة التي باركها الرب …‬
‫إن لم تستطيع أن ترتفع فوق الرضيات بصفة دائمة ‪ ،‬فليكن ذلك علي القل في‬
‫فترات ‪ ،‬كيوم الرب ‪.‬‬
‫لقد منحك الرب هذا اليوم ‪ ،‬ليكون لك معه ‪ ،‬تنحل فيه من الرضيات ‪،‬‬
‫لكي ترتبط بالواحد الذي هو الله ‪ :‬تفكر فليه ‪ ،‬تكلمه ‪ ،‬تستمع إلي‬
‫صوته في قلبك ‪ ،‬وقد تطهر ذهنك – ولومؤقتا ً – من كل ما هو مادي‬
‫… حينئذ ستبصر الباب ‪.‬‬

‫‪ -4‬مارمرقس‬ ‫‪ -1‬آدم وحواء ‪ /‬قايين وهابيل‬


‫‪ -5‬النبا‬ ‫‪ -2‬موسي وفرعون‬
‫أنطونيوس ‪.‬‬
‫‪ -6‬القمص ميخائيل‪.‬‬ ‫‪ -3‬يونان‬

‫‪ -6‬اسبوع اللم ‪.‬‬ ‫‪ -1‬كيف نبدأ عاما ً جديدا ً‬


‫‪-7‬خميس‬ ‫‪ -2‬تأملت في الميلد‬
‫العهد ‪.‬‬
‫‪ -8‬الجمعة الكبيرة ‪.‬‬ ‫‪ -3‬من وحي الميلد‬
‫‪ -9‬كلمات علي‬ ‫‪ -4‬روحانية الصوم ‪.‬‬
‫الصليب‬
‫‪ -10‬تأملت في‬ ‫‪-5‬تسبحة البصخة‪.‬‬
‫القيامة ‪.‬‬
‫‪ -4‬يارب‬ ‫‪ -1‬صلة الشكر و المزمور الخمسين ‪.‬‬
‫لماذا ؟‬
‫‪ -5‬سبحوا الله ‪.‬‬ ‫‪ -2‬مزامير الغروب‬
‫‪ -3‬يستجيب لك الرب ‪.‬‬

‫‪ -7‬الهدوء‬ ‫‪ -1‬انطلق الروح ‪.‬‬


‫‪ -8‬مقالت روحية‬ ‫‪ -2‬حياة الكر ‪.‬‬
‫‪-9‬‬ ‫) الجمهورية ( ‪ -3 .‬حياة اليمان ‪.‬‬
‫الدموع ‪.‬‬
‫‪ -10‬العظة‬ ‫‪ -4‬معالم الطريق الروحي ‪.‬‬
‫علي الجبل ‪.‬‬
‫‪ -11‬خبرات روحية ج‬ ‫‪ -5‬الوجود مع الله ‪.‬‬
‫‪.1‬‬
‫‪ -12‬حياة الرجاء ‪.‬‬ ‫‪ -6‬الله وكفي ‪.‬‬

‫‪ -3‬الغضب‬ ‫‪ -1‬حروب الشياطين ‪.‬‬


‫‪ -4‬الدانة ‪.‬‬ ‫‪ -2‬الحروب الروحية ‪.‬‬

‫‪ -4‬المطهر ‪.‬‬ ‫‪ -1‬الزوجة الواحدة ‪.‬‬


‫‪ -5‬الكهنوت‪.‬‬ ‫‪ -2‬الخلص في المفهوم الرثوذكسي‬
‫‪ -6‬لهوت‬ ‫‪ -3‬بدعة الخلص في لحظة ‪.‬‬
‫المسيح ‪.‬‬

‫‪ 4‬كتب ‪.‬‬
‫‪4‬كتب ‪.‬‬

‫‪ -3‬السهر الروحي ‪.‬‬ ‫‪ -1‬حياة التوبة والنقاوة ‪.‬‬


‫‪ -4‬الرجوع إلي‬ ‫‪ -2‬اليقظة الروحية ‪.‬‬
‫الله ‪.‬‬

‫‪5‬كتب ‪.‬‬

‫‪ -2‬الغيرة‬ ‫‪ -1‬التلمذة ‪.‬‬


‫المقدسة ‪.‬‬

‫‪ -3‬اسئلة‬ ‫‪ -1‬اللهوت المقارن ‪.‬‬


‫الناس ج ‪. 6‬‬
‫‪ -4‬خبرات روحية ج‬ ‫‪ -2‬طبيعة المسيح‬
‫‪.2‬‬
‫‪5‬‬ ‫المقدمة‬
‫‪7‬‬ ‫الرجاء‬
‫‪19‬‬ ‫كل الشياء تعمل معا ً للخي‬
‫‪31‬‬ ‫تعالوا إلي يا جميع المتعبين‬
‫‪41‬‬ ‫سعي الله لخلصنا‬
‫‪59‬‬ ‫اهتمام الله بالشياء الصغيرة‬
‫‪81‬‬ ‫الله حنون وعطوف‬
‫‪89‬‬ ‫احفظك حيثما تذهب‬
‫‪103‬‬ ‫دون أن نطلب‬
‫‪121‬‬ ‫الله يعمل معنا‬
‫‪129‬‬ ‫انتظر الرب‬
‫‪141‬‬ ‫شجعوا صغار النفوس‬
‫‪151‬‬ ‫الله الذي يبدأ‬
‫‪161‬‬ ‫نهاية أمر خير من بدايته‬
‫‪167‬‬ ‫ل يعسر عليك أمر‬
‫‪177‬‬ ‫باب في السماء‬
‫‪190‬‬ ‫مؤلفات قداسة البابا شنوده‬
‫‪192‬‬ ‫فهرست‬

You might also like