You are on page 1of 33

‫‪The 7 Words of Our Lord‬‬

‫‪On the cross‬‬


‫‪By H.H. Pope Shenouda III‬‬
‫‪3rd reprint‬‬ ‫‪Cairo, 1979‬‬

‫كلمات السيد المسيح‬


‫على الصليب‬

‫صاحب القداسة‬ ‫أبريل ‪1979‬‬


‫البابا شنودة الثالث‬ ‫برمودة ‪1695‬‬
‫صاحب القداسة‬
‫البابا شنودة الثالث‬
‫بابا السكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية‬
‫كلمات السيد المسيح على الصليب‬

‫‪12‬‬ ‫‪ -1‬يا أبتاه أغفر لهم ‪ ،‬لنهم ل يدرون ماذا يفعلون‬


‫‪23‬‬ ‫‪ -2‬اليوم تكون معى فى الفردوس‬
‫‪37‬‬ ‫‪ -3‬هودا إبنك ‪ ..‬هودا أمك‬
‫‪42‬‬ ‫‪ -4‬إلهى إلهى لماذا تركتنى‬
‫‪48‬‬ ‫‪ -5‬أنا عطشان‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -6‬قد أكمل‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -7‬يا أبتاه ‪ ،‬فى يديك أستودع روحى‬
‫‪59‬‬ ‫فاعلية هذه الكلمات‬
‫مقدمة‬
‫إنها سبع كلمات ‪ ،‬لفظ بها الرب على الصليب ‪ ،‬فى آلمه… وكانت كلها حياة‪ ..‬لنا‪.‬‬
‫لم يتكلم أثناء المحاكمات ‪ ،‬ول أثناء التعذيب والستهزاء إل نادرا‪ .‬كان يغلب عليه الصمت … لقد تنازل عن‬
‫حقه الخاص ‪ ،‬وكرامته الخاصة‪ " .‬فالمحبة ل تطلب ما لنفسها " )‪1‬كو ‪.(5:13‬‬
‫أما على الصليب ‪ ،‬فتكلم ‪ ،‬حين وجب الكلم‪ .‬تكلم من أجلنا ‪ ،‬لنفعنا وخلصنا‪ .‬وكان لكل كلمةهدف‬
‫ومعنى‪ .‬ولكل كلمة تأثير‪ ..‬وسندخل فى أعماق كل هذا بعد حين‪ ..‬على أننا نلحظ على كلماته بوجه عام عدة‬
‫ملحظات ‪ ،‬منها ‪:‬‬
‫نلحظ فى كلمات المسيح على الصليب عنصر العطاء‪ ..‬عجيب أنه‪ -‬وهو على الصليب‪ -‬فى مظهر‬
‫الضعف والنهزام كان يعطى‪ ..‬أعطى لصالبيه المغفرة ‪ ،‬وأعطى للص اليمين الفردوس ‪ ،‬وأعطى للعذراء إبنًا‬
‫روحيًا ورعاية وأهتمامًا ‪ ،‬وأعطى ليوحنا الحبيب بركة العذراء فى بيته‪ ..‬وأعطى للب ثمن العدل اللهى الذي‬
‫يتطلبه ‪ ،‬وأعطى للبشرية كفارة وفداءا… وأعطانا أيضا اطمئنانا على تمام عمل الخلص… أعطى لكل أحد‪.‬‬
‫وهو الذي لم يعطه أحد شيئا… قدم للبشر كل هذا ‪ ،‬فى الوقت الذي لم يقدموا له فيه سوى مرارة وخل…‬
‫وكلمات المسيح السبع ‪ ،‬كان أولها وآخرها موجها إلى الب‪ꗬÂQЁ4ሀ¿44က 44Ѐ4뤠.‬‬
橢橢좃좃 555555555Ёీీꗬ 5 ꗬ
5ꗬ555555555555555¤5555¤5555¤
55555555
]55ς555ς5ς555ς555ς555ς555ς5µ55555ϖ555ϖ555ϖ555ϖ555ϖ5„5њ5
œ5ϖ555ṩ5Ŋ5ꗬ555ꗬ555ꗬ555ꗬ555ꗬ555က555က555က555 ᶆ 55 ᶈ 55
5 ᶈ 555 ᶈ 555 ᶈ 555 ᶈ 555 ᶈ 5$5ᾳ5Ǵ5↧5|
5ᶬ5½555555555ς555က55555555555॓ 5Ö5က555က555က555 ᶬ 555ឿឿឿ555ς
555ς555ꗬ5555555ꗬ5Щ5ꗬ555ឿឿឿ555ឿឿឿ555ឿឿឿ555က555ς555ꗬ555ς5
55ꗬ555ᶆ55555555555ϖ555ϖ555ς555ς555ς555ς555က555 ᶆ 555ឿឿឿ5Պ
5ឿឿឿ555 ᴉ 5-5 ᵦ 55ς555ς5555555555555555555555555555555ᶆ555ꗬ555
Ӷ545꜀筏㤹
ƿϖ555ϖ555਩5 ਩ 5 ᵾ
55555555555555555555555555555555555555555555555555555555555
5555555555The 7 Words of Our Lord
On the cross
By H.H. Pope Shenouda III
3rd reprint Cairo, 1979

‫كلمات السيد المسيح‬


‫على الصليب‬

‫صاحب القداسة‬ 1979 ‫أبريل‬


‫البابا شنودة الثالث‬ 1695 ‫برمودة‬
‫صاحب القداسة‬
‫البابا شنودة الثالث‬
‫بابا السكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية‬

‫كلمات السيد المسيح على الصليب‬

‫‪12‬‬ ‫‪ -1‬يا أبتاه أغفر لهم ‪ ،‬لنهم ل يدرون ماذا يفعلون‬


‫‪23‬‬ ‫‪ -2‬اليوم تكون معى فى الفردوس‬
‫‪37‬‬ ‫‪ -3‬هودا إبنك ‪ ..‬هودا أمك‬
‫‪42‬‬ ‫‪ -4‬إلهى إلهى لماذا تركتنى‬
‫‪48‬‬ ‫‪ -5‬أنا عطشان‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -6‬قد أكمل‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -7‬يا أبتاه ‪ ،‬فى يديك أستودع روحى‬
‫‪59‬‬ ‫فاعلية هذه الكلمات‬
‫مقدمة‬
‫كلماته الثلث الولى كانت خاصة بالمغفرة والرعاية‪.‬‬
‫وكلماته الربع الخيرة كانت اعلنات لعمل الفداء واتمامة ‪:‬‬
‫فعبارة " إلهى لماذا تركتنى أن الب قد تركه ليدفع ثمن الفداء وتعنى آلمه النفسية من جهة تحمل غضب‬
‫ال على خطايا البشر‪ .‬وعبارة " أنا عطشان " تعنى إعلنا لللم الجسدية من أجل البشر‪ .‬وكل العبارتين‬
‫تعنيان أنه يدفع الثمن‪ .‬وعبارة " قد أكمل " فيها طمأنه للنسان أن الثمن قد دفع‪ .‬وعبارة " فى يديك أستودع‬
‫روحى" تعنى الموت ثمن الخطية ‪ ،‬وبه يكون قد تم الخلص…‬
‫إذن فهذه العبارات الربع الخيرة تحمل طمأنينة للبشر من جهة فدائهم…‬
‫ونلحظ أن الكلمتين الخيرتين فيهما هتاف الفرح والنتصار…‬
‫كما أعلن الرب ألمه الذي به تم الفداء‪ .‬أعلن أيضا فرحه بإتمام الفداء‪ .‬فعبارة " قد أكمل " تحمل معنى أن‬
‫كل شىء خاص بالفداء قد تم‪ .‬لقد فرح الرب بإتمام عمله ولم يسمح لشىء أن يعوقه‪ .‬ونفس الكلم نقوله عن‬
‫عبارة غى يديك أستودع روحى "‪ .‬بهاتين العبارتين أعلن هزيمة الشيطان‪ .‬لقد أنتهت المعركة‪ .‬واستطاع الرب‬
‫بالموت أن يبيد سلطان الموت… وهتف هتاف الفرح والنتصار‪.‬‬
‫كل هذا يعطينا فكرة أن المسيح على الصليب ‪ ،‬كان يعمل ‪ ،‬لجلنا… ليس فقط عمل الفداء‪ .‬وانما كان على‬
‫الصليب‪ -‬كعهده‪ -‬يصنع خيرا… كان معلما ‪ ،‬وكان يعلن إعلنات هامة لجل الخلص…‬
‫فى كلمته الولى أعطانا تعليما عمليا عن التسامح والمغفرة ‪ ،‬ومحبة العداء… وفى كلمته الخيرة " فى‬
‫يديك أستودع روحى" ‪ ،‬أعطانا تعليما عن خلود النفس ‪ ،‬وانتقال الروح البارة بعد الموت آلي ال‪.‬‬
‫وفى كلمته الثالثة أعطانا تعليما عن الرعاية الحقة ‪ ،‬وعن التنفيذ الصادق العملى للوصية الخامسة…‬
‫بإكرامة لمه…‬
‫ما أكثر التعاليم والتأملت التى نجدها فى هذه الكلمات السبع ‪ ،‬التى‬
‫يرمز عددها آلي الكمال… فلننتقل ألن اليها…‬
‫وندخل آلي أعماقها واحدة فواحدة‪.‬‬

‫الكلمة الولى‬
‫يا أبتاه أغفر لهم لنهم ل يعلمون ماذا يفعلون )لوقا ‪(34:23‬‬

‫المسيح الهنا الحنون – وهو فى عمق اللم على الصليب‪ -‬كان منشغل بغيره ل بنفسه‪ .‬لم يذكر آلمه‬
‫ول تعبه ول جراحاته‪ .‬لم يأبه للم السياط على ظهره ‪ ،‬ول بارتكاز المسامير فى يديه وقدميه‪ ،‬ول بوخز‬
‫الشوك فى جبينه ورأسه ‪ ،‬ول بجسده المرضض المنهك … وانما ترك كل ذلك جانبا ‪ ،‬وكان كل ما يشغله هو‬
‫محبته للبشر وأول ما فكر ‪ ،‬فكر فى إنقاذ كارهيه وصالبيه… وهكذا كانت أول كلمة قالها على الصليب " يا‬
‫أبتاه أغفر لهم لنهم ل يدرون ماذا يفعلون " )لو ‪…(24:23‬‬
‫وقد أهتم الرب بأعدائه أول‪ ،‬قبل أحبائه وقبل نفسه… فغفر أول لصالبيه ثم غفر للص الذي عيره أول‬
‫وآمن أخيرا‪ .‬ثم أبدى اهتمامه بأمه‪ .‬وبعد كل ذلك تكلم عن نفسه…‬
‫" يا أبتاه أغفر لهم " قالها وهو منتهى اللم الجسمانى… كان حقا فى عمق المقاساة من هؤلء الذين يطلب‬
‫لهم الغفران !‪ ..‬ولكن محبته لهم ‪ ،‬كانت أكثر من عداوتهم له ‪ ،‬عداوتهم التى ل توصف ‪ ،‬من عمق بشاعتها…‬
‫ومع ذلك لم يطلب لهم الغفران فقط ‪ ،‬وانما أيضا التمس لهم عذرا ! هؤلء الذين كانوا ل يجسرون أن‬
‫يفكروا فى عذر لنفسهم‪ .‬والذين صاحوا فى جرأة مخبولة " دمه علينا وعلى أولدنا" )متى ‪ ، (15:27‬هؤلء‬
‫استطاع المصلوب المجروح منهم أن يوجد لهم عذرا‪ .‬فقال " لنهم ل يدرون ماذا يفعلون " … ما أعجب‬
‫الرب فى محبته " إنه لم يصب عليهم اللعنات ‪ ،‬ولم يطلب النقمة منهم‪ .‬بل أيضا لم يصمت ويأخذ منهم موقفا‬
‫سلبيا… وانما كان حبه ايجابيا من ناحيتهم ‪ ،‬فطلب لهم المغفرة ‪ ،‬وقدم عنهم عذرا ‪ ،‬مدافعا عنهم أمام الب‬
‫السماوى ‪ ،‬معلنا أن خطيئتهم هى مجرد خطية جهل…‬
‫اننا نحن البشر نقول ان فعلتهم هى مجموعة من الخطايا البشعة … انها حسد وكراهية ودس ووقيعة من‬
‫الرؤساء الدينيين ‪ ،‬وخطايا اندفاع ونكران جميل من الشعب الجاحد ‪ ،‬وخطايا قسوة واستهزاء وشتائم واعتداء‬
‫واهانة من الجند وخدام الكهنة‪ ،‬وخطايا جبن وظلم ول مبالة من بيلطس‪ .‬وفوق كل ذلك هى خطية قتل ‪،‬‬
‫وخطية تعذيب ‪ ،‬وخطايا كذب وتلفيق فى المحاكمة… أما المصلوب الحنون الطيب فلم يذكر سوى انها خطية‬
‫جهل ‪ ،‬لنهم ل يدرون ماذا يفعلون !‪ .‬ما أعجب طيبة قلبك أيها المحبوب المصلوب‪ .‬ان أعماق هذه الطيبة هى‬
‫فوق إدركنا…‬
‫ان السيد المسيح فى غفرانه لصالبية ‪ ،‬قد قدم مثال عمليا لتنفيذ وصاياه‪ .‬لقد قال من قبل " احبوا‬
‫اعداءكم ‪ …،‬أحسنوا آلي مبغضيكم ‪ ،‬وصلوا لجل الذين يسيئون اليكم "‪ .‬وها هو ذا ينفذ بنفسه ما سبق ان‬
‫اوصى به الناس‪ .‬ان الرب ل يعطى وصايا للخرين ‪ ،‬ول ينفذها بنفسه ‪ .،‬لقد نفذ هذه الوصية " محبة العداء‬
‫" ‪ ،‬ونفذها عمليا ‪ ،‬فى عمق وفى مثالية عجيبة … فغفر لصالبيه ومضطهديه وللمسيئين اليه…‬
‫وانت ايها الخ المبارك ‪ ،‬ما هو موقفك من هذه اليه " يا أبتاه اغفر لهم " ؟ … ياليتك عندما تسمع هذه‬
‫العبارة فى يوم الجمعة الكبيرة ‪ ،‬وعندما تتذكرها ف آي وقت ‪ ،‬تقول فى صدق " وأنا ايضا يا رب ‪ ،‬سأفعل‬
‫مثلك ‪ :‬كل الذين أبغضونى وأغضبونى ‪ ،‬كل الذين أتعبونى واضطهدونى ‪ ،‬كل الذين ضايقونى وأساءوا آلي ‪،‬‬
‫اغفر لهم لنهم ل يدرون ماذا يفعلون " … وهكذا يا أخى تشترك مع المسيح فى عمله وفى حبه…‬
‫ماذا تستفيد أنت ان كان المسيح قد غفر لعدائه وانت لم تغفر؟‪ .‬ماذا تستفيد ان كان المسيح قد احب‬
‫أعداءه بينما أنت ل تحب أعدائك ‪ ،‬ول تسامحهم؟! ماذا تستفيد؟ … اذن فأنت لم تشترك مع المسيح فى عمله ‪،‬‬
‫ولم تسلك فى صفاته…‬
‫أعلم اذن ان المسيح قد غفر لنا ‪ ،‬لكى نغفر نحن ايضا لغيرنا ‪ ،‬ونتمتع ببركة المغفرة‪ .‬التى تأتى الينا ‪،‬‬
‫والتى تصدر منا…‬
‫كلما تتذكر اساءات الناس إلينا ‪ ،‬فلنقل نحن أيضا من أعماق أعماقنا " اغفر لهم ‪ ،‬لنهم ل يدرون ماذا‬
‫يفعلون "‪ .‬غير أننا عندما نقول هذا ‪ ،‬يختلف موقفنا عن موقف السيد المسيح انه يقول ‪ :‬يا أبتاه اغفر لهم ‪،‬‬
‫لنى دفعت ثمن خطيئتهم‪ .‬من أجل هذا لم يبق عليهم دين‪ .‬أنا قد وفيت العدل اللهى ‪ ،‬وسددت كل ديونهم‬
‫فاغفر لهم إذا‪ .‬هودا أنا أموت عنهم‪ .‬هودا أنا أموت عن الذين صلبونى ‪ ،‬وعن الذين يحبوننى… وعندما أقول‬
‫" اغفر لهم " لست أقصد هؤلء فقط ‪ ،‬وانما كل الذين يحتمون فى دمى‪ ..‬كل الخطاة الذين تابوا من آدم آلي‬
‫آخر الدهور… اغفر لهم ‪ ،‬لنى لهذا جئت )يو ‪…(27:12‬‬
‫واحد من هؤلء الذين انطبقت عليهم عبارة " ل يدرون ماذا يفعلون " ‪ ،‬هو القديس العظيم النبا‬
‫لونجينوس الجندى الذي طعن المسيح بالحربة… هذا القديس تعيد له الكنيسة المقدسة فى يومين ‪ :‬فى اليوم‬
‫الثالث والعشرون من شهر أبيب ‪ ،‬وفى اليوم الخامس من شهر هاتور… انه طعن المسيح بالحربة ‪ ،‬ولم يكن‬
‫يدرى ماذا يفعل ‪ ،‬فغفر الرب له‪ .‬ولم يكتف بهذا ‪ ،‬بل اقتاده إليه أيضا ‪ ،‬فآمن وبشر بالمسيحية فى بلد‬
‫كبادوكية ‪ ،‬ونال أكليل الشهادة على يد طيباريوس قيصر ‪ ،‬وأظهر الرب كرامته بمعجزات بعد موته…‬
‫هناك قديس آخر تنطب ‪ꗬ ÂQЁ11ሀ¿1111਩ 1111Ѐ11뤠‬‬
橢橢좃좃 121212121212121212Ёీీ㤹 12 ꗬ
12㤹 121212121212121212121212121212¤12121212¤12121212¤1

212121212121212
]1212ς121212ς12ς121212ς121212ς121212ς121212ς12µ1212121212ϖ121212ϖ121212ϖ121212ϖ121212ϖ12„12
њ12œ12ϖ121212ṩ12Ŋ12ꗬ121212ꗬ121212ꗬ121212ꗬ121212ꗬ121212က121212က121212က121212 ᶆ 1212
ᶈ 121212 ᶈ 121212 ᶈ 121212 ᶈ 121212 ᶈ 121212 ᶈ 12$12ᾳ12Ǵ12↧12|
12ᶬ12½121212121212121212ς121212က1212121212121212121212॓ 12Ö12က121212က121212က121212 ᶬ 1
21212ឿឿឿ121212ς121212ς121212ꗬ12121212121212ꗬ12Щ12ꗬ121212ឿឿឿ121212ឿឿឿ121212ឿឿឿ121212က12
1212ς121212ꗬ121212ς121212ꗬ121212ᶆ1212121212121212121212ϖ121212ϖ121212ς121212ς121212ς121212ς
121212က121212 ᶆ 121212ឿឿឿ12Պ12ឿឿឿ121212 ᴉ 12-12 ᵦ 1212ς121212ς1212121212121212121212121212121
2121212121212121212121212121212ᶆ121212ꗬ121212Ӷ12412꜀筏㤹
ƿϖ121212ϖ121212਩12 ਩ 12 ᵾ 1
2121212121212121212121212121212121212121212121212121212121212121212121212121212121212121212121
2121212121212121212121212121212121212121212The 7 Words of Our Lord
On the cross
By H.H. Pope Shenouda III
3rd reprint Cairo, 1979

‫كلمات السيد المسيح‬


‫على الصليب‬

‫صاحب القداسة‬ 1979 ‫أبريل‬


‫البابا شنودة الثالث‬ 1695 ‫برمودة‬
‫صاحب القداسة‬
‫البابا شنودة الثالث‬
‫بابا السكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية‬

‫كلمات السيد المسيح على الصليب‬


‫‪12‬‬ ‫‪ -1‬يا أبتاه أغفر لهم ‪ ،‬لنهم ل يدرون ماذا يفعلون‬
‫‪23‬‬ ‫‪ -2‬اليوم تكون معى فى الفردوس‬
‫‪37‬‬ ‫‪ -3‬هودا إبنك ‪ ..‬هودا أمك‬
‫‪42‬‬ ‫‪ -4‬إلهى إلهى لماذا تركتنى‬
‫‪48‬‬ ‫‪ -5‬أنا عطشان‬
‫‪51‬‬ ‫‪ -6‬قد أكمل‬
‫‪55‬‬ ‫‪ -7‬يا أبتاه ‪ ،‬فى يديك أستودع روحى‬
‫‪59‬‬ ‫فاعلية هذه الكلمات‬
‫مقدمة‬

‫ابنه الوحيد "… أحب العالم كله ‪ ،‬وبذل البن لجل العالم كله‪ .‬ولكن هل تمتع العالم كله بالخلص ؟ كل‪،‬‬
‫فخلص المسيح لم ينله إل " كل من يؤمن به" … لذلك قيل فى باقى الية " لكى ل يهلك كل من يؤمن به ‪ ،‬بل‬
‫تكون له الحياة البدية " )يو ‪ .(16:3‬هذا هو شرط اليمان … أما عن شرط التوبة فيقول عنه الرب " إن لم‬
‫تتوبوا فجميعكم كذلك تهلكون "‪) .‬لو ‪.(3:13‬‬
‫وهكذا فان عبارة اغفر لهم " ‪ ،‬لتعنى المغفرة ليهود اليوم … لنهم مايزالون باقين على يهوديتهم ‪ ،‬فى‬
‫انكارهم للمسيح ‪ ،‬وفى انكارهم لبتولية العذراء ‪ ،‬وفى اعتقادهم ان يسوع الناصرى الذي ولد منذ ‪1979‬سنة‬
‫كان ضال ومضل ‪ ،‬فاستحق ان يصلبه آباؤهم‪ .‬وبهذا يشتركون فى خطية آبائهم بموافقتهم لهم على ما‬
‫فعلوه… ويستحقون الدينونة‪.‬‬
‫أما ان تابوا وآمنوا ‪ ،‬وصاروا مسيحيين ‪ ،‬فإن الرب يغفر لهم ‪ ،‬وعند ئذ ل يدعون يهودا بعد…‬
‫ان السيد المسيح قد قدم خلصا للعالم كله‪ .‬ولكن ل يتمتع بهذا الخلص سوى المؤمنين التائبين السائرين‬
‫فى طرقه ‪ ،‬المتمتعين بعمل الروح القدس فى أسراره‪.‬‬
‫هؤلء المؤمنون التائبون ‪ ،‬اغفر لهم يا أبتاه … أما الباقون الذين أصروا على عنادهم ‪ ،‬فهؤلء قال‬
‫لهم المسيح " حيث أكون أنا ‪ ،‬ل تقدرون أنتم أن تأتوا" )يو ‪ .(24:7‬وقال لهم ايضا ستطلبوننى وتموتون فى‬
‫خطيتكم… ان لم تؤمنوا انى انا هو ‪ ،‬تموتون فى خطاياكم … ثلث مرات فى الصحاح الثامن من النجيل‬
‫لمعلمنا يوحنا الرسول يقول لهم " أن تؤمنوا بى ‪ ،‬تموتون فى خطاياكم )يو ‪.(21:8،24‬‬
‫اما الذين فيهم بارقة أمل ‪ ،‬ولو من بعيد ‪ ،‬فهؤلء مهما أخطأوا إليه ومهما اضطهدوه ‪ ،‬ومهما طردوه ‪،‬‬
‫فانه يظل يردد فى سمع الب ‪ ،‬تلك العبارة الجميلة " يا أبتاه اغفر لهم ‪ ،‬لنهم ل يدرون ماذا يفعلون "‪.‬‬
‫من بين هؤلء الذين طردوه ورفضوا ان يدخل تخومهم ‪ ،‬أهل السامرة وتحمس تلميذاه يعقوب ويوحنا ‪،‬‬
‫وطلبا اليه أن يأمر فتنزل نار من السماء فتفنى هؤلء الذين طردوه ‪ ،‬أما هو فأجاب تلميذيه قائل " لستما‬
‫تعلمان من آي روح أنتما‪ .‬لن ابن النسان لم يأت ليهلك أنفس الناس بل ليخلص " )لو ‪ .(52:9،56‬هذا ما قاله‬
‫لتلميذيه‪ .‬أما للب‪ .‬فل شك أنه قال نفس العبارة " يا أبتاه اغفر لهم ‪ ،‬لنهم ل يدرون ماذا يفعلون " … وهكذا‬
‫صبر عليهم حتى عرفوه ‪ ،‬فأحبوه ‪،‬وآمنوا به )يو ‪.(42:4‬‬
‫ان عبارة " يا أبتاه اغفر لهم " تحمل عمق الحب ‪ ،‬وعمق المغفرة‪ .‬ولكى تسبر أعماقها ‪ ،‬تصورها‬
‫بالنسبة إلى نفسك …‬
‫قد تستطيع ان تغفر لنسان أتعبك … أما أن يلفق انسان حولك تهما ‪ ،‬ويحكم عليك ظلما ‪ ،‬ويثير عليك‬
‫الشعب والحكام ‪ ،‬ويهزأ بك ‪ ،‬ويجلدك ‪ ،‬ويعلقك على الصليب ‪ ،‬ويدق المسامير فى يدك وقدميك… ثم بعد‬
‫ذلك – وأنت فى عمق اللم – تستطيع أن تغفر له ‪ ،‬وتصلى لجله ‪ ،‬وتدافع عنه… فهذا يحتاج آلي حب فوق‬
‫الطاقة ‪ ،‬وفوق العادة…‬
‫كثيرون أمنوا بالمسيحية من أجل هذه العبارة وحدها…‬
‫يا أبتاه اغفر لهم … لنى من اجل هذا جئت … هذا هو العزاء الذي يفرح قلبى وسط كل الم الصليب ‪،‬‬
‫وسط كل آلم الهزء ‪ ،‬وكل آلم التخلى …‬
‫إنهم مغلوبون من خطاياهم ‪ ،‬مغلوبون من عمل ابليس فيهم ‪ ،‬ومغلوبون ايضا من ضعف ارادتهم ومن‬
‫جهلهم شعورى نحوهم هو شعوراشفاق‪ ..‬لست أذكر ما يعلمونه فى ‪ ،‬فالمحبة ل تطلب ما لنفسها ‪ ،‬انما أذكر‬
‫أمامك حاجتهم آلي المغفرة…‬
‫اغفر لهم لنك بهذا تفرحنى ‪ ،‬اذ أكون قد تممت رسالتى وحققت هدفى…‬
‫حقا ‪ ،‬لماذا تجسد المسيح ؟ اليس من أجل أن الب يغفر لهؤلء ؟‪ .‬لماذا أخذ شكل العبد ‪ ،‬وصار فى الهيئة‬
‫كإنسان " فى ‪"7:2‬؟ اليس لكى يغفر لهم ؟… لماذا حمل خطايانا؟ لماذا علق على خشبة ؟ كل هذا بل شك لكى‬
‫يغفر لهم …‬
‫ان هذه العبارة هى بداية عهد الغفران ‪ ،‬ليس الغفران المدعو به ‪ ،‬وانما الغفران المدفوع ثمنه… انها‬
‫إعلن بأن العدل اللهى قد استوفى حقه على الصليب… انها صك … وثيقة المشترى الذي دفع الثمن ويريد‬
‫أن يستلم … أنه اشترانا بدمه ‪ ،‬وبقى أن يأخذ معه ‪ ،‬لكى ندخل الفردوس معه ‪ ،‬وتتمتع بالملكوت معه ‪ ،‬وحيث‬
‫يكون هو نكون نحن ايضا … وكأنه بهذه العبارة يقول للب ‪ :‬ماذا تريد من هؤلء ؟ ما هو دينك عليهم ؟ اليس‬
‫هو الموت ‪ ،‬أجرة الخطية ؟ هودا أنا أموت عنهم ‪ .‬هودا أنا أوفى دينك عليهم ‪ .‬أطلقهم اذن من حكم الموت‪.‬‬
‫انك تأخذ ألن حقك بالتمام… وبعد قليل سأقول لك " قد أكمل "‪ .‬فأغفر لهم …‬
‫ان السيد المسيح بهذه العبارة يعلن انتصاره على الشيطان‪ .‬كل جهاد الشيطان كان فى ابعاد الناس عن‬
‫ال ‪ ،‬وفى ابعادهم عن المغفرة ‪ ،‬وفى عرقلة طريق الخلص ولكن هو ذا طريق الخلص قد فتح للناس ‪،‬‬
‫واستطاع الرب المجروح لجل معاصينا أن يرش دمه على الخيمة فيقدسها …‬
‫لقد انتصرت محبته على كراهية الناس " وانتصر تواضعه على كبرياء الشيطان…‬
‫كانوا يقولون له ان كنت ابن ال انزل من على الصليب‪ .‬أما هو فأعلن أنه البن بقوله " يا أبتاه "‪ .‬ولكنه‬
‫وهو البن سيبقى على الصليب ‪ ،‬لكى يغفر لهم‪ .‬ولو نزل من على الصليب ما استطاع ان يقول ‪ ،‬اغفر لهم …‬
‫ألن استطاعت ذبيحة الحب ان تؤدى عملها فى المغفرة…‬
‫عبارة يا أبتاه اغفر لهم ‪ ،‬هى العبارة التى كان يشتاق لسماعها كل الراقدين على رجاء من بدء الخليقة‬
‫كلها‪ .‬ان كان هكذا قد أحب الرب صالبيه ومقاوميه وغفر لهم ‪ ،‬فكم تكون بالحرى محبته لحبائه ومريديه ‪،‬‬
‫وكم يكون عمق غفرانه وسمو مكافأته…‬
‫إنها عبارة أذهلت كل الجنود المحيطين بالصليب‪ .‬واذهلت ايضا اللص اليمين الذي توجه آلي الرب بكلمته‬
‫الثانية " اليوم تكون معى فى الفردوس " …‬
‫يا أبتاه أغفر لهم‬

‫الكلمة الثانية‬
‫الحق أقول لك‬
‫إنك اليوم تكون معى فى الفردوس )لوقا ‪(43:23‬‬

‫أول انسان خاطبه الرب على الصليب ‪ ،‬كان هو هذا اللص … لم يبدأ حياته بارا ‪ ،‬بل صحبته الخطية‬
‫حتى إلى الصليب‪ .‬وكان وهو مصلوب يعير الرب ‪ ،‬مشتركا فى ذلك اللص الخر )متى ‪ ..(43:27‬ثم تغير‬
‫ىء آلي رجل صلة وإيمان‪.‬‬ ‫فجأة ودخل اليمان إلى قلبه ‪ ،‬فانقلب من معير آلي مدافع … ومن مستهز ْ‬
‫كيف وصل إلى اليمان ‪ ،‬والى هذا التغير ؟ كيف آمن بالرب ‪ ،‬والرب فى آلمه ل فى مجده ‪ ،‬فى استهزاء‬
‫الناس به وليس فى سعيهم إليه طلبا للشفاء والبركة؟‬
‫لعل مغفرة الرب لصالبية ‪ ،‬أثرت فى اللص القاسى القلب هذا التأثير العميق‪ .‬واذا بلطف ال يغلب‬
‫قسوته… أو لعله تأثر من وجه المسيح نفسة‪ ،‬من ملمحه ‪ ،‬ومن نظراته ‪ ،‬ومن حنان وعمق صوته‪ ..‬ولعل‬
‫الرب نظر إلية ‪ ،‬فأذاب قلبه… لسنا ندرى…‬
‫أو لعل هذا اللص كان عنده استعداد داخلى للتوبه ‪ ،‬كان أرضا صالحة لم تجد بعد من يفلحها ‪ ،‬وينقيها من‬
‫أشوكها ‪ ،‬ويبذر فيها البذار الصالحة ‪ ،‬فتنبت نباتا حسنا…‬
‫لقد استطاع هذا اللص أن يصل آلي المسيح مع أصحاب الساعة الحادية عشرة أو فى الساعة الثانية عشرة‪.‬‬
‫فصلى صلة واستجيبت بأسرع ما تكون الستجابة… كثيرون كانت لهم صلوات طويلة ‪ ،‬بابتهالت وطلبات‬
‫وتضرعات وعرق ودموع… أما هذا اللص فبعبارة واحدة قصيرة ‪ ،‬مركزة عميقة ‪ ،‬استطاع ان يحصل على‬
‫كل شىء… وأصبحت صلته هذه مصدر تأملت لكثيرين ‪ ،‬ترددها الكنيسة كلها معه ‪ ،‬وقد تعلمتها من هذا‬
‫اللص العجيب…‬
‫هذا اللص الوحيد الذي أجابه المسيح بسرعة ‪ ،‬بينما غيره كثيرون لم يرد عليهم الرب بكلمة واحدة…‬
‫تصوروا أن السيد المسيح لم يرد على كثيرين طول مدة المحاكمة والتعذيب والصليب… " لم يفتح فاه ‪،‬‬
‫كشاة تساق إلى الذبح‪ .‬وكنعجة صامته أمام جازيها ‪ ،‬فلم يفتح فاه" )أش ‪ …(7:53‬لم يرد على قيافا رئيس‬
‫الكهنه إل بعد أن استحلفه بال الحى )متى ‪ .(63:26،64‬وبيلطس الوالى الذي حاكمه كان متعجبا جدا من‬
‫صمته )متى ‪ .(14:28‬كثيرون أشتهزأوا به ‪ ،‬فلم يرد عليهم‪ .‬شتموه ‪ ،‬فلم يرد عليهم‪ .‬تحدوه وقالوا له " ان‬
‫كنت ابن ال أنزل من على الصليب " )متى ‪ (40:27‬فلم يرد عليهم كذلك‪ .‬اللص اليسار نفسه المصلوب آلي‬
‫جواره كان يعيره ويتحداه قائل " أن كنت أنت المسيح ‪ ،‬فخلص نفسك وإيانا" )لو ‪ .(39:23‬فلم يرد على هذا‬
‫ايضا‪.‬‬
‫أما هذا اللص اليمين فما ان قال له " أذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك " حتى تلقى الجواب بسرعة‬
‫" الحق أقول لك أنك اليوم تكون معى فى الفردوس" )لو ‪.(42:23،43‬‬
‫ما أعجب صحبة الرب لهذا اللص ! كان زميل على الصليب ‪ ،‬وزميل صالحا!! وبلغت الصحبة مداها ‪،‬‬
‫أن الرب لم يكتف بصحبته له على الصليب ‪ ،‬وانما قرر ان تستمر الصحبة أيضا فى الفردوس! كان يستطيع‬
‫أن يعده قائل " اليوم تكون فى الفردوس "‪ .‬ولكنه قال له " تكون معى "‪ .‬يدخل فى معيته ‪ ،‬وحيثما يكون الرب‬
‫يكون معه أيضا… ما أسعده لصا!… لم يأنف الرب من هذا الص ‪ ،‬ولم يشمئز ‪ ،‬بل على العكس وجد فيه قلبا‬
‫مملوءا بالفضائل‪ .‬فبادله الحديث على خشبة الصليب ‪ ،‬وفرح أن يسعد قلب هذا اللص بوعد يطمئنه على‬
‫مصيره قبل أن يلقى الموت…‬
‫ستكون معى فى الفردوس ‪ ،‬لن قلبك صار معى على الرض‪ .‬لنك سلمتنى قلبك على الصليب ‪،‬‬
‫وسلمتنى مصيرك ولنك تألمت معى ‪ ،‬فلذلك سوف تتمجد معى ايضا… لقد صلبت معى ‪ ،‬وتألمت معى…‬
‫وستحيا معى ايضا‪.‬‬
‫ما أعجب هذا اللقاء… على الصليب‪.‬‬
‫كثيرون التقوا مع الرب فى الكنائس والمعابد وآخرون التقوا به فى مخادعهم المغلقة عليهم ساعة‬
‫الصلة… أما أن يكون مكان اللقاء على الصليب ‪ ،‬فهذا عجيب حقا‪ .‬هل كان هذا اللص يفكر إنه إذا تاب فى‬
‫يوما ما ‪ ،‬والتقى بالرب يكون لقاؤه به فى مثل هذا الموضع!!‬
‫حقا ان " ملكوت ال ل يأتى بمراقبة" )لو ‪ ..(20:71‬ل نستطيع ان نعرف متى تعمل النعمة فى النسان‬
‫وكيف ‪ ،‬ومتى … حقا ان الروح يهب حيث يشاء )يو ‪ …(8:3‬لقد عاش هذا اللص حياته كلها فى الخطية ‪،‬‬
‫ولصقت به الخطية حتى على الصليب عندما كان يعير الرب مع زميله… فهل معنى هذا ان النعمة كانت‬
‫حجبت وجهها عنه‪ .‬أو أن الرب قد نسيه آلي النقضاء… ؟! كل ‪ ،‬مراحم الرب كانت تنتظر الوقت المناسب‬
‫لتعمل فيه… ثم جاء زمان افتقاده ونال الخلص ‪ ،‬وهو على بعد أشبار من الموت …‬
‫نحن ل نعرف من هم المختارون‪ .‬من كان يظن ان هذا اللص سيصير واحدا منهم!! من كان يظن أنه فى‬
‫ساعة واحدة سينال ما ناله غيره بجهاد عشرات السنوات ؟! اننا نحكم حسب الظاهر ‪ ،‬ونحتقر البعض ‪ ،‬ونرثى‬
‫للبعض ‪ ،‬وربما يكونون أفضل منا بمراحل … ومع ذلك نقول فى صدق ان هذا اللص ‪ ،‬قد دخل الفردوس عن‬
‫جدارة واستحقاق‪.‬‬
‫لقد كان عجيبا ‪ ،‬وعجيبا جدا ‪ ،‬فى كل ما فعله…‬
‫اعترف بالمسيح ربا ‪ ،‬فقال له " اذكرنى يا رب "‪.‬‬
‫واعترف به ملكا ‪ ،‬فقال له " متى جئت فى ملكوتك "‪.‬‬
‫واعترف به مخلصا ‪ ،‬قادرا ينقله آلي الفردوس‪.‬‬
‫وعلى الصليب اعترف هذا اللص بخطاياه الشخصية ‪ ،‬واعترف باستحقاقه للموت‪ .‬ووبخ زميله اللص‬
‫الخر قائل له " أما نحن فبعدل " جوزينا " ‪ ،‬لننا ننال استحقاق ما فعلنا "‪.‬‬
‫وانتهر زميله بسبب تجديفه عل السيد المسيح قائل له " أو ل تخاف إذ أنت تحت هذا الحكم بعينه… وأما‬
‫هذا فلم يفعل شيئا فى محلة )لو ‪ .(40:23،41‬وهكذا اعترف ببر المسيح وخلوه من الخطية ‪ ،‬وبالتالى ل يكون‬
‫قد صلب بسبب خطية له ‪ ،‬وبالستنتاج يكون صلبه عن خطية غيره…‬
‫عجيب هذا حقا ‪ ،‬ان يكون الوحيد الذي دافع عن السيد المسيح وسط تلك اللف هو اللص اليمين!! لم‬
‫يدافع عنه واحد من الثنى عشر‪ .‬لم يدافع عنه واحد من التلميذ السبعين‪ .‬لم يدافع عنه واحد من الذين شفاهم‬
‫أو أقام موتاهم أو أخرج منهم الشياطين… لم يدافع عنه أحد… اجتاز المعصرة وحده‪ ..‬والوحيد الذي دافع عنه‬
‫‪ ،‬ولم يقبل كلمة إساءة توجه إليه ‪ ،‬هو اللص اليمين!! من كان يظن فى جميع التلميذ وفى جميع المؤمنين ‪ ،‬أن‬
‫الوحيد الذي يدافع عنه هو اللص !! حقا – كما قال الرب – "انظروا ‪ ،‬ل تحتقروا أحد هؤلء الصغار )متى‬
‫‪.(10:18‬‬
‫فل تظن فى نفسك يا أخى انك شىء ‪ ،‬أو أنك أفضل من أمثال هؤلء… ل تظن فى نفسك أنك كأحد‬
‫الرسل أو أحد الحباء أو المريدين او القريبين من الرب … فقد سكت كل هؤلء ‪ ،‬لم يدافع واحد منهم عن‬
‫المسيح ‪ ،‬والذى دافع عنه هو لص لم يكن يتوقعه أحد ‪ ،‬ولم يكن يسمع به أحد…‬
‫والجميل فى هذا اللص – غير دفاعه عن المسيح – انه كان مشغول بأبديته‪ .‬كان مهتما بإعداد العدة‬
‫لمصيره البدى‪ .‬هو أيضا لم يكن يفكر فى المه الجسدية ‪ ،‬وإنما فى مصيرة بعد الموت‪ .‬لذلك صرخ فى‬
‫استرحام وفى استغفار "اذكرنى يا رب "… اذكرنى فى مراحمك ‪ ،‬وليس فى خطاياى‪ .‬أو كما قال داود النبى‬
‫" اذكر يا رب مراحمك ورأفاتك فإنها ثابته منذ الزل‪ .‬خطايا شبابى وجهالتى ل تذكر‪ .‬كرحمتك اذكرنى أنت‬
‫من أجل جودك يا رب " )مز ‪.(6:25،7‬‬
‫" اذكرنى " ول تدخلنى فى زمرة أولئك الذين قلت لهم " إنى لم أعرفكم قط "‪ ..‬اذكر هذا الجوار… انها‬
‫ساعات خالدة فى حياتى ‪ ،‬تلك التى قضيتها آلي جوارك على الصليب‪ .‬انها أسعد ساعات حياتى ‪ ،‬أتمتع‬
‫بشركة آلمك ‪ ،‬وأفتخر بأنى " مع المسيح صلبت " )غل ‪ .(20:2‬فمن أجل هذا الجوار اذكرنى‪ .‬لقد كان صلبى‬
‫آلي جوارك عارا لك ‪ ،‬ولكنه فخر أبدى لى‪ .‬تكفينى هذه الساعات السعيدة معك ‪ ،‬ولكنى أريد أن أعتبرها‬
‫كمجرد عربون…‬
‫إن عبارة " اذكرنى " التى أقولها لك ‪ ،‬تعنى وجود علقة سابقة‪ .‬تعنى أننى معروف عندك ‪ ،‬ومكتوب فى‬
‫سفرك ‪ ،‬ومنقوش على كفك‬
‫لقد أحصيت مع أثمة )أش ‪ ، (12:53‬وصلبت مع الخطاة‪ .‬وان حسب هذا عارا لك ‪ ،‬لكنه نعمة لى‬
‫وبركة… ما ألذ وجودى إلى جوارك ‪ ،‬إنه ينسينى كل آلمى فل أشعر بها … بل أشعر بروحك تتخلل كيانى‬
‫كله ‪ ،‬وتطهرنى وتقدسنى ‪ ،‬وتجعلنى انسانا آخر… أنك كشعاع الشمس الذي قد يرقد إلى جوار آي جسم قذر‪،‬‬
‫فل يتسخ منه ‪ ،‬بل يطهره‪ ..‬أنا معتز بصحبتك ‪ ،‬ليتنى عرفتك من قبل… فاذكرنى‪.‬‬
‫ليت كل واحد فينا يصيح مع اللص قائل " اذكرنى يا رب " اذكر أن لك ابنا فى كورة بعيدة ‪ ،‬وعبدا ضال‬
‫خارج الحظيرة‪ .‬اذكرنى فى ضعفى ‪ ،‬وفى ذلك ‪ ،‬وف سيبى ‪ ،‬اذكرنى فى سقوطى لكى تقيمنى وترد نفسى‬
‫إليك‪ .‬اذكرنى لنى واحد من الذين " ليس لهم أحد يذكرهم "‪ .‬ليس انسان يلقينى فى البركة فأبرأ )يو ‪.(7:5‬‬
‫ان قصة اللص اليمين هذه تعطينا فكرة ان ساعة الموت تختلف من انسان آلي آخر‪ .‬ل نقل أنه ذكر الرب‬
‫وتاب اذ كان ل بد أن يفعل هكذا فى ساعاته الخيرة‪ .‬كل ‪،‬فاللص الخر كان مثله فى ساعاته الخيرة ومع ذلك‬
‫يقول الكتاب أنه كان يجدف على المسيح ‪ ،‬وما كان يخاف ال ‪ ،‬وما كان يهتم بمصيره البدى‪ .‬وإنما كان كل‬
‫همه أن يتخلص من الصليب ) لو ‪ ، (39:23‬ليعود فيتمتع بهذا العالم… وهكذا استحق النتهار من زميله‪ .‬وفى‬
‫ساعة الموت ‪ :‬بدل من أن يتوب عن خطاياه ‪ ،‬كان يرتكب خطايا جديدة ‪ ،‬بقسوة قلب !! … كان هذا اللص‬
‫اليسار قريبا من المسيح بالجسد ‪ ،‬كان آلي جواره‪ .‬أما قلبه فكان مبتعدا عنه بعيدا بما ل يقاس ‪ ،‬حتى فى ساعة‬
‫الموت !! ان ساعة الموت لم تستطع أن تذكره بالتوبة ‪ ،‬ول ان تدفعه آلي الستعداد… إطلقا‬
‫إنه لم يتأثر بمغفرة المسيح لصالبيه ‪ :‬ولم تملكه الغيرة من أجل الوعد الذي ناله زميله بدخول الفردوس‪.‬‬
‫ولم يؤمن إذ رأى السماء ‪ ،‬والرض ماجت مرتعدة ‪ ،‬والصخور تشققت ‪ ،‬والظلمة سادت على الكون… بل‬
‫كان منشغل عن أبديته ‪ ،‬حتى فى ساعة الموت‪ .‬مازال يحب العالم ومعاودة المعيشة فيه… ل يريد المسيح ول‬
‫صحبته ‪ ،‬وانما يحب أن يستغله كوسيلة للنزول من على الصليب…‬
‫انه درس قاس لكل من يؤجل التوبة ‪ ،‬وفى ظنه أنه سيتوب فى أواخر أيامه ‪ ،‬التى ل يعرف لها موعدا!‬
‫كثير من الناس يكونون فى ساعة الموت مثل اللص الذي على الشمال ‪ ،‬يجدفون ويتذمرون ويشتهون العالم‬
‫الحاضر !! من كان عبدا لعادة من الصعب أن يبطلها بالتأجيل ‪ ،‬حتى دقت يداه وقدماه بالمسامير ‪ ،‬وكان بينه‬
‫وبين الموت دقائق !! اذا لم يتعاون النسان مع النعمة فى قلبه ساعة الموت ‪ ،‬فمن الممكن أن يخطىء فى تلك‬
‫الساعة ايضا ‪.‬‬
‫كثيرون فى ساعة الموت يبكون بدموع … ليس بكاء على خطاياهم ‪ ،‬وانما لن الموت سيحرمهم من‬
‫ملذ الحياة !! يبكون لن الموت سيفصلهم عن أحبائهم وعن شهواتهم… ما يزال العالم حلوا فى قلوبهم ‪ ،‬حتى‬
‫فى ساعة الموت… ل تظنوا ان الموت – بالضرورة – يجلب للنسان خشوعا !‪ ..‬ليس لكل الناس‪ .‬ان اللص‬
‫اليمين إستفاد من ساعة الموت ‪ ،‬واللص اليسار لم يستفد… وبينما كان اللص اليسار يجدف ويعير ‪ ،‬كان زميله‬
‫يصلى ‪ ،‬ويتضرع قائل " اذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك "‪.‬‬
‫والرب لم يتخل عن هذا اللص التائب‪ .‬ولم يتمهل عليه ‪ ،‬وانما كانت استجابة صلته اسرع مما كان‬
‫يتوقع‪ .‬ان اللص فى آخر ساعاته لم يفقد رجاءه فى مراحم الرب‪ .‬والرب ايضا قوى رجاءه واكده تأكيدا بقوله‪:‬‬
‫" الحق أقول لك أنك اليوم تكون معى‪ ."..‬انك الن معى وبعد قليل ستكون معى‪ .‬ولكن شتان بين الحالتين…‬
‫كما كنت معى فى اللم ستكون معى " فى الفردوس"‪ .‬أنت الن تتعذب ‪ ،‬وهناك تتعزى…‬
‫ويقول الرب " فى الفردوس " انما صحح للص خطأ وقع فيه‪ .‬وصححه له بنفس طريقة المسيح الهادئة‬
‫اللطيفة …‬
‫لقد قال اللص " اذكرنى يا رب متى جئت فى ملكوتك "‪ .‬وحسنا آمن ان للمسيح ملكوتا روحيا فى السموات ‪،‬‬
‫وأن مملكته ليست من هذا العالم كما يطلب العالميون… ولكن ملكوت السموات ل يدخله الناس ال بعد القيامة‬
‫العامة ‪ ،‬أما بعد الموت مباشرة ‪ ،‬فيذهبون إلى مكان النتظار‪ .‬مكان إنتظار البرار هو الفردوس‪ .‬وهكذا لم يقل‬
‫السيد للص " اليوم تكون معى فى ملكوتى " وإنما " فى الفردوس "‪ ..‬وبهذا باشر الرب وظيفته كمعلم صالح ‪،‬‬
‫حتى على الصليب ‪ ،‬بنفس طريقته الوديعة فى التعليم ‪ ،‬شارحا للمخطىء خطأه دون أن يقوله له أنك أخطأت ‪.‬‬
‫ستكون معى فى الفردوس ‪ ،‬كعربون … وستأتى معى على السحاب فى مجيئى الثانى‪ .‬وستقف على يمينى‬
‫فى يوم الدينونة ‪ ،‬كما أنت الن عن يمينى على الصليب ‪ ،‬رمزا للبرار… وستملك أيضا معى فى ملكوتى‪.‬‬
‫وتكون معى فى البدية التى ل تنتهى… ها أنا معك كل اليام والى انقضاء الدهر…‬
‫لعل هذا الموعد قد جعل اللص ينتظر الموت بفرح ‪ ،‬ليكون مع المسيح ‪ ،‬فذاك أفضل جدا… هنا نقول ما‬
‫ألذ الموت ! " اين شوكتك يا موت " !! إن الموت مرعب للشرار لكنه مفرح للذين يرقدون على رجاء ‪،‬‬
‫للذين نالوا المواعيد ‪ ،‬ونظروا الكاليل ‪ ،‬واطمأنوا إلى مصيرهم بعد الموت ‪ ،‬ورن فى آذانهم قول المسيح "‬
‫اليوم تكون معى فى الفردوس " ‪.‬‬
‫وبقوله " تكون معى فى الفردوس " ‪ ،‬لم يعلن للص غفران خطيئته فحسب ‪ ،‬وإنما أعلن ايضا فتح باب‬
‫الفردوس لول مرة بعد خطيئة آدم‪ .‬هذا الفردوس الذي كان مغلقا منذ ذلك الزمان ‪ ،‬ل يستحق أحد دخوله‬
‫بسبب الخطية‪ .‬وهذه العبارة التى قالها الرب للص ‪ ،‬نتذكرها كلما نودع نفسا رحلت عن عالمنا‪ .‬فنقول فى‬
‫صلة الجناز " إفتح لها يارب باب الفردوس كما فتحته لذلك اللص "‪.‬‬
‫إن المغفرة التى نالها اللص هى عمل إلهى ‪ ،‬وفتح باب الفردوس هو عمل إلهى أيضا‪ .‬عملن قام بهما‬
‫الرب على الصليب يثبتان لهوته‪ .‬إنه لم يصل لجل اللص للمغفرة ولدخول الفردوس ‪ ،‬انما قال له بسلطان "‬
‫اليوم تكون معى…"‪ .‬وكأنه بهذا باشر عمله كديان عادل من حقه أن يصدر حكما فى أبدية انسان ‪ ،‬فحكم للص‬
‫بدخول الفردوس فى نفس اليوم‪ .‬من من البشر له سلطان أن يفعل هذا ؟! إنه سلطان إلهى ل يقدر عليه‬
‫انسان… كذلك فتح الفردوس ‪ :‬أمر لم يقو عليه أحد من قبل ‪ ،‬ل رئيس ول نبيا‪ .‬من استطاع أن يفتح باب‬
‫الفردوس المغلق ‪ ،‬أو من استطاع أن يدخله ؟! ل أحد‪ .‬كلهم انتظروا حتى يأتى المخلص فيفتح لهم‪ .‬إنه عمل‬
‫إلهى… وهو ايضا إعلن عن كفاية هذا الدم المسفوك عنا لفتح باب الفردوس‪.‬‬
‫حقا إنه صاحب السلطان‪ " .‬يفتح ول أحد يغلق‪ .‬ويغلق ول أحد يفتح " ) رؤ ‪ 0 ( 18 : 1‬بل بيده مفاتيح‬
‫السماء والرض ‪ ،‬وبسلطانه يهبها لتلميذه ‪ ،‬وكلئه على الرض ‪ 0‬هو الذي فتح للعذارى والحكيمات ‪ 0‬وإليه‬
‫تضرعت الجاهلت قائلت " ياربنا يا ربنا ‪ ،‬افتح لنا " ) متى ‪ ( 11 : 25‬ولكنه ل يفتح فردوسه ‪ ،‬إل للذين‬
‫فتحوا له قلوبهم ‪ ،‬كاللص اليمين الذي استحق أن يقول له " اليوم تكون معى فى الفردوس " ‪000‬‬
‫وعبارة " اليوم تكون معى " دليل أكيد على عدم وجود مطهر‬
‫كما يظن البعض ‪ 0‬فاللص دخل الفردوس فى نفس يوم وفاته ‪ ،‬دون أن يقضى فى هذا المسمى بالمطهر ساعة‬
‫واحدة !!‪ 00‬كما أن عبارة " اليوم " تكون معى ‪ ،‬تنفى الفكرة التى بها يظن البعض أن روح‬
‫الميت تظل باقية تتردد على أماكن سكاناها حتى اليوم الثالث إلى أن تصلى الكنيسة صلة فى‬
‫اليوم الثالث لصرف تلك الروح !‬
‫هل بقيت روح اللص اليمين إلى اليوم الثالث أم فى نفس اليوم كانت فى الفردوس ؟ ! ‪000‬‬
‫وبعبارة الفردوس شرح الرب مصير النسان بعد الموت ‪ ،‬وكيف ان الفردوس هو مكان النتظار للبرار‬
‫وكيف انهم سيكونون هناك مع المسيح يتمتعون به ‪0‬‬
‫اليوم تكون " معى " ‪ 0‬إنها متعه جميلة أن نكون مع الرب " ‪0‬‬
‫إن الوجود مع الرب هو أجمل من الفردوس أو هو أجمل ما فى الفردوس أو هو الفردوس ذاته ‪ ،‬بل هو النعيم‬
‫الحقيقى ‪ ،‬أن نوجد معه ‪ 0‬هذا هو ما قاله الرب ‪ ،‬وما وعد به ‪ " 000‬آتى وآخذكم إلى ‪ ،‬حتى حيث أكون أنا‬
‫تكونون أنتم أيضًا " ) يو ‪ 0 ( 3 : 14‬ما أجمل هذا الوعد ‪ 0‬إنه أملنا الذي نسعى إليه ‪ ،‬وتتشهاه ‪000‬‬
‫إن الحياة الروحية كلها هى " معية مع الرب " ‪000‬‬
‫بهذا الوعد ‪ ،‬أفرح الرب قلب اللص ‪ ،‬ولم تشغله ألم الصلب عن التحدث مع هذا النسان وطمأنته‬
‫وإسعاده… ونسى السيد الرب آلمه المبرحة ‪ ،‬نسى الشوك والمسامير وألم الجروح‬
‫وجسده المنهك ‪ ،‬وشغل وقته بالصغاء آلي هذا اللص والتحدث معه وطمأنة قلبه… حقا إن‬
‫" المحبة ل تطلب ما لنفسها " )‪1‬كو ‪ .(5:13‬بل ما هه للخرين )‪1‬كو ‪ .(24:10‬ما أكثر ما‬
‫يأتى إلينا إنسان فى وقت تعبنا أو مشغوليتنا ‪ ،‬فنتبرم به ‪ ،‬ونتضايق ‪ ،‬ونقول له ‪ "5‬طيب يا‬
‫أخى بعدين ‪ ،‬أنا مش فاضى لك دلوقتى ‪ ،‬إستنى شوية "‪ .‬أما السيد المسيح فحتى على‬
‫الصليب ‪ ،‬لم يقل مثل هذه العبارات‪ .‬وإنما على الرغم من آلمه أعطى اللص الهتمام الذي‬
‫يحتاج اليه ‪ ،‬واستجاب طلبته وأسعد قلبه‪ .‬وأرانا أنه حتى على الصليب يمكن القيام بخدمة‬
‫للخرين …‬
‫وفى الهتمام باللص يظهر لنا الرب أهمية العمل الفردى آلي جوار العمل الجماعى‪ .‬فبالضافة آلي عمل‬
‫الفداء العظيم المقدم للعالم أجمع ‪ ،‬لكل من يؤمن به ‪ ،‬وبالضافة إلى غفرانه لصالبيه ‪ ،‬كان له أيضا عمل‬
‫فردى مع اللص‪ .‬لن الفرد – عند المسيح – ل يتوه وسط الجماعة… ما تزال له قيمته ‪ ،‬وله اهتمامه…‬
‫وهكذا كان السيد المسيح فى كل كرازته على الرض يعمل فى الميدانين معا ‪ :‬العمل الجماعى ‪ ،‬والعمل‬
‫الفردى ‪ :‬العمل الجماعى وسط الجماهير الكثيرة ‪ ،‬وسط الجموع المزدحمة حواليه فى عظته على الجبل ‪،‬‬
‫ووسط الخمسة اللف الذي اشبعهم بخمس خبزات وسمكتين … وله العمل الفردى وسط الثنى عشر ‪ ،‬أو‬
‫وسط ثلثة منهم هم بطرس ويعقوب ويوحنا ‪ ،‬أو مع نيقوديموس ‪ ،‬أو فى بيت مريم ومرثا ‪ ،‬أو المرأة‬
‫السامرية عند البئر…‬
‫إن ال ل ينسى الفرد وسط الجماعة‪ .‬ول يضيع فرد فى زحمة الناس‪ .‬ل يضيع الخروف الضال فى زحمة‬
‫الهتمام بالتسعة والتسعين الباقين… ل يضيع اللص اليمين وسط الهتمام بخلص العالم كله‪.‬‬

‫ْ‬
‫الكلمة الثالثة‬
‫هوذا ابنك … هودا أمك )يوحنا ‪(26:19،27‬‬

‫كان الهتمام بالخرين هو أول ما يشغل الرب على الصليب‪ .‬فكما أهتم بصالبيه ‪ ،‬وقال " يا أبتاه أغفر لهم‬
‫" وكما اهتم باللص اليمين ووعده قائل " اليوم تكون معى فى الفردوس " ‪ ،‬اهتم أيضا بأمه ‪ ،‬وعهد برعايتها‬
‫إلى تلميذه الحبيب يوحنا‪.‬‬
‫عهد بالبتول آلي تلميذه البتول…‬
‫عهد بأمه التى حملته كثيرا على صدرها ‪ ،‬آلي تلميذه الحبيب الذي أتكأ كثيرا على صدره‪ .‬عهد بأمه التى‬
‫وقفت آلي جوار صليبه ‪ ،‬آلي تلميذه الوحيد الذي تبعه حتى الصليب‪.‬‬
‫عهد بأمه التى حملت فى داخلها جمر لهوته ‪ ،‬آلي تلميذه الذي كتب انجل فيما بعد يثبت فيه لهوته‪.‬‬
‫قال لها " هذا هو ابنك‪ .‬وقال له " هذه هى امك "‪.‬‬
‫ومن ذلك الحين أخذها التلميذ إلى بيته )يو ‪.(47:19‬‬
‫وبهذا أعطانا الرب مثال عن الهتمام بالقرباء حسب الجسد ‪ ،‬وبخاصة الم‪ .‬لقد اهتم بهذا المستودع الذي‬
‫حمله تسعة أشهر ‪ ،‬وبهذه الم التى اهتمت به قبل ‪ ،‬والتى عاش خاضعا لها )لو ‪.(51:2‬‬
‫ان الشخص فى آلمه يكون موضع اهتمام الناس به‪ .‬اما المسيح فى آلمه ‪ ،‬فكان هو المهتم بغيره…‬
‫كم بالحرى الن وهو فى راحته ‪ ،‬يهتم بنا بالكثر…‬
‫اهتمامه الول وجهه إلى غفران الخطايا ‪ ،‬وبعد ذلك اهتم بالرعاية الجتماعية‪ .‬وكانت الم هى أول من اهتم‬
‫به فى هذه الرعاية ‪.‬‬
‫لقد ظن البعض – عن سوء فهم – أن السيد الرب فى تركيزه على العلقات الروحية ‪ ،‬قد أبطل الهتمام‬
‫بهذه العلقات العائلية فى قوله " من هى أمى ‪ ،‬ومن هم أخوتى… الذي يفعل مشيئة أبى الذي فى السموات‬
‫هو أخى وأختى وأمى " )متى ‪ .(48:12،50‬ولكن هذا الفهم الخاطىء ألغاه الرب على الصليب‪.‬‬
‫إن التكريس ‪ ،‬والتفرغ لخدمة الرب ‪ ،‬والنشغال بالسرة الكبيرة التى هى الكنيسة الجامعة ‪ ،‬كل ذلك ل‬
‫يعنى إهمال النسان لقربائه وخاصة ‪ ،‬ول سيما أهل بيته‪1) .‬تى ‪ (8:5‬وكل ذلك ل يعفى النسان من أكرام‬
‫والديه أو من الهتمام بأمه‪.‬‬
‫وكأنما كان هناك موعد بين السيد المسيح وأمه القديسة العذراء‪ .‬كان وجهها الطاهر أول وجه يراه عند‬
‫مجيئه آلي هذا العالم بالجسد ‪ ،‬وكان آخر وجه يراه قبيل تسليمه الروح فى يدى الب … إنه قلب الم المحب‬
‫الذي يسعى وراء البن أينما كان ‪ ،‬ويلزمه فى آلمه فى حب‪ ..‬ويناجيه بتلك العبارة المؤثرة " أما العالم‬
‫فيفرح لقبوله الخلص‪ .‬وأما أحشائى فتلتهب بالنار عند نظرى إلى صلبوتك الذي أنت صابر عليه من أجل‬
‫الكل ياإبنى وإلهى" ‪.‬‬
‫وهو أيضا قلب البن الذي يهتم بأمه وهو فى عمق آلمه‪.‬‬
‫وهكذا وجد السيد المسيح من اللزم أن يعتنى بأمه فى آلمه ‪ ،‬ويقول لها كلمة تعزية بينما يجوز فى نفسه‬
‫سيف )لو ‪ …(35:2‬وجد من المناسب له كإبن أن يعزى أمه فى آلمها‪ .‬وقد عزاها بثلثة أمور ‪ :‬بالحديث‬
‫معها ‪ ،‬وبالعناية بها وتدبير أمورها‪ .‬وبمنحها ابنا روحيا يؤنس وحدتها‪..‬‬
‫وحدث الرب مع أمه على الصليب ‪ ،‬يختلف عن حديثه مع اللص اليمين‪ .‬هو الذي بدأ الكلم ‪ ،‬والرب رد‬
‫عليه‪ .‬أما مع القديسة مريم ‪ ،‬فالرب هو الذي بدأ الكلم… إنها أمه‪ .‬ل ينتظر حتى تكلمه فيرد عليها‪ .‬ول ينتظر‬
‫حتى تشكو إليه فينظر فى شكواها… وهى لن تشكو‪ .‬فقد تعودت العذراء أن تصمت‪ .‬حتى إلى جوار الصليب ‪،‬‬
‫لم يقل أحد أنها كانت تصرخ أو تندب ‪ ،‬إنما كانت رصينة ورزينة فى ألمها ‪ ،‬وصامتة‪ .‬وكان الرب يفهم‬
‫صمتها ويسمعه ‪ ،‬ويعرف دواخل قلبها ومشاعرها‪ .‬فكلمها دون أن تطلب‪ .‬وأطاعت كلمه ‪ ،‬وذهبت مع التلميذ‬
‫الحبيب آلي بيته…‬
‫وكانت العذراء بركة ليوحنا ‪ ،‬وبركة لبيته ‪ ،‬منحه المسيح اياها ‪ ،‬مكافأة له على حبه … أخذها التلميذ‬
‫كجوهرة ثمينة أغلى من العالم كله… وظلت فى بيته وديعة غالية حتى تنيحت… ويقال أن يوحنا الرسول لم‬
‫يبرح أورشليم إل بعد نياحة العذراء… إن كان يوحنا قد وصل فى حبه أنه تبع المسيح إلى الصليب ‪ ،‬وظل‬
‫واقفا إلى جواره ‪ ،‬فيجب أن ينال مكافأة على ذلك ‪ ،‬هنا وفى البدية… أما هنا ‪ ،‬فقد نال بركة العذراء ‪،‬‬
‫وإقامتها فى بيته… إن كل الذين يتبعون المسيح ‪ ،‬لبد أن يأخذوا منه شيئا… لبد أن يغترفوا من بركاته ومن‬
‫نعمه‪.‬‬
‫والعذراء أخذت يوحنا لها ابنا‪ .‬اعطاها الرب أكثر تلميذه حبا وعاطفة ورقة وتعلقا واخلصا… يوحنا‬
‫الحبيب أكثر من تكلم من الرسل عن المحبة… هو الذي قال أن " ال محبة " )‪1‬يو ‪ ، (16:4‬هو التلميذ الذي "‬
‫يتكىء فى حضن يسوع " ‪ ،‬وكان " يسوع يحبه "‪ .‬إنه أكثر إنسان يقدم للعذراء صورة إبنها…‬
‫كان يبدو أن المسيح على الصليب ل يملك شيئا‪ .‬حتى ملبسه ‪ ،‬أخذوها واقتسموها فيما بينهم‪ .‬ولكنه كان‬
‫يملك يوحنا ‪ ،‬فأعطاه لمه ‪ ،‬يوحنا الذي وهب قلبه للمسيح ‪ ،‬فأخذ المسيح هذا القلب ‪ ،‬ووهبه لمه… وهكذا‬
‫جمع الرب محبيه معا… واهتم بأمه عاطفيا ‪ ،‬كما اهتم بها ماديا…‬
‫ترى من الذي كان يهتم بالخر ‪ :‬العذراء أم يوحنا … كانت العذراء فى بيت يوحنا ‪ ،‬ل لتأكل منه ‪ ،‬وانما‬
‫لتمله بركة ونعمة… ولكى تمنحه أيضا معرفة بالمسيح ‪ ،‬أعمق من كل ما يعرفونه‪ .‬وأوسع …‬
‫نلحظ أن كون المسيح يعهد بأمه آلي تلميذه يوحنا ‪ ،‬يحمل دللة اكيدة على ان السيدة العذراء لم يكن‬
‫لها أبناء آخرون بعد المسيح كما يدعى البروتستانت‪ .‬ل؟نه لو كان لها أبناء ‪ ،‬لكانوا أولى برعايتها وبنوال‬
‫بركتها من آي شخص غريب… لقد كانت العذراء وحيدة فى ذلك الوقت ‪ :‬ليس لها أبناء ‪ ،‬ويوسف النجار قد‬
‫تنيح منذ زمن ‪ .‬فعهد بها المسيح إلى تلميذه…‬
‫وعبارة " هذا هو أبنك " تعطينا فكرة عن البنوة الروحية كما توضح لنا كرامة العذراء بالنسبة آلي‬
‫آبائنا الرسل انفسهم …‬
‫الكلمة الرابعة‬
‫إلهى إلهى لماذا تركتنى )متى ‪(46:27‬‬
‫هذه العبارة لتعنى أن لهوته قد ترك ناسوته ‪ ،‬ول أن الب قد ترك البن … ل تعنى النفصال ‪ ،‬وانما‬
‫تعنى ان الب قد تركه للعذاب‪.‬‬
‫أن لهوته لم يترك ناسوته لحظة واحدة ول طرفة عين… بهذا نؤمن ‪ ،‬وبهذا نصلى فى القداس اللهى…‬
‫ولو كان لهوته قد انفصل عنه ‪ ،‬ما اعتبرت كفارته غير محدوده ‪ ،‬تعطى فدءا غير محدود ‪ ،‬يكفى لغفران‬
‫جميع الخطايا لجميع البشر فى جميع الجيال… إذن فلم يحدث ترك بين لهوته وناسوته‪.‬‬
‫ومن جهة علقته بالب ‪ ،‬فلم يتركه الب ‪ " ،‬لنه فى الب ‪ ،‬والب فيه " )يو ‪.(11:14‬‬
‫اذن ما معنى عبارة " لماذا تركتنى " ؟‬
‫ليس معناها النفصال ‪ ،‬وانما معناها ‪ :‬تركتنى للعذاب‪ .‬تركتنى اتحمل الغضب اإلهى على الخطية‪ .‬هذا من‬
‫جهة النفس‪ .‬أما من جهة الجسد ‪ ،‬فقد تركتنى أحس العذاب وأشعر به‪ .‬كان ممكنا أل يشعر بألم ‪ ،‬بقوة‬
‫اللهوت… ولو حدث ذلك لكانت عملية الصلب صورية ولم تتم اللم فعل ‪ ،‬وبالتالى لم يدفع ثمن الخطية ولم‬
‫يتم الفداء…‬
‫ولكن الب ترك البن يتألم ‪ ،‬والبن قبل هذا الترك وتعذب به‪ .‬وهو من أجل هذا جاء‪ ..‬كان تركا باتفاق‪..‬‬
‫من أجل محبته للبشر ‪ ،‬ومن أجل وفاء العدل… تركه يتألم ويبذل ‪ ،‬ويدفع ‪،‬دون أن ينفصل عنه… لم يكن‬
‫تركا أقنوميا ‪ ،‬بل تركا تدبيريا… تركه بحب ‪ " ،‬سر أن يسحقه بالحزن " )أش ‪.(10:53‬‬
‫مثال لتقريب المعنى ‪:‬‬
‫لنفرض أن طفل اصطحبه أبوه لجراء عملية جراحية له ‪ ،‬كفتح دمل مثل أو خراج‪ .‬وأمسكه أبوه بيديه "‬
‫وبدأ الطبيب يعمل عمله ‪ ،‬والطفل يصرخ مستغيثا بأبيه " ليه سبتنى "‪ .‬وهو فى الواقع لم يتركه ‪ ،‬بل هو‬
‫ممسك به بشدة ‪ ،‬ولكنه قد تركه لللم ‪ ،‬وتركه فى حب … هذا نوع من الترك ‪ ،‬مع عد‪:‬م النفصال‪ ..‬نقوله‬
‫لمجرد تقريب المعنى ‪ ،‬والقياس مع الفارق…‬
‫ان عبارة " تركتنى " تعنى ان آلم الصليب ‪ ،‬كانت آلما حقيقية ‪ 0‬وآلم الغضب اللهى كانت مبرحة ‪00‬‬
‫فى هذا الترك تركزت كل آلم الصليب ‪ ،‬وكل آلم الفداء ‪ 00‬هنا يقف المسيح كذبيحة محرقة ‪ ،‬وكذبيحة اثم‬
‫تشتعل فيه النار اللهية حتى تتحول الذبيحة آلي رماد ‪ ،‬وتوفى عدل ال كامل ‪00‬‬
‫كثير من المفسرين يرون ان الرب بقوله " إلهى إلهى لماذا تركتنى " إنما كان يذكر اليهود بالمزمور‬
‫الثانى والعشرين الذي يبدأ بهذه العبارة ‪ 0‬كانوا " يضلون إذ ل يعرفون الكتب" )متى ‪ (29:22‬بينما كانت‬
‫هذه الكتب " هى التى تشهد له" )يو ‪ (39:5‬فأحالهم السيد المسيح إلى هذا المزمور بالذات‪ .‬وكانوا ل يعرفون‬
‫المزامير بأول عبارة فيه ‪ ،‬كما يفعل الرهبان فى أيامنا…‬
‫وماذا فى هذا المزمور عنه ؟‬
‫فيه " ثقبوا يدى وقدمى ‪ ،‬واحصوا كل عظامى… وهم ينظرون ويتفرسون فى‪ .‬يقسمون ثيابى بينهم ‪،‬‬
‫وعلى قميصى يقترعون" )ع ‪ .(17،18‬وواضح ان داود النبى الذي قال هذا المزمور ‪ ،‬لم يثقب أحد يديه ول‬
‫قدميه ‪ ،‬ولم يقسم أحد ثيابه ‪ ،‬ولم يقترعوا على قميصه… وانما هذا المزمور ‪ ،‬قد قيل بروح النبوة على‬
‫المسيح… وكأن المسيح على الصليب يقول لهم ‪ :‬أذهبوا واقراءوا مزمور " إلهى إلهى لماذا تركتنى"‬
‫وانظروا ما قيل عنى… ترون أنه قيل فيه عنى أيضا ‪:‬‬
‫عار عند البشر ‪ ،‬ومحتقر الشعب‪ .‬كل الذين يروننى يستهزئون بى يفغرون الشفاه وينغضون الرأس‬
‫قائلين ‪ :‬اتكل على الرب فلينجه ‪ ،‬لينقذه لنه سر به )ع ‪…(8-6‬‬
‫ويعوزنا الوقت أن فحصنا كل المزمور… أنه صورة واضحة للم المسيح على الصليب‪ .‬وجههم اليه‪.‬‬
‫وفتح أذهانهم ليفهموا الكتب )لو ‪.(45:24‬‬
‫كل نص المزمور بدأ يتحقق ‪ ،‬لذلك قال بعد حين " قد أكمل "‪ .‬ولكن لماذا لم يقل " قد أكمل " مباشرة بعد‬
‫إلهى إلهى لماذا تركتنى" ؟ لن هناك عبارة أخرى فى المزمور لم تكمل بعد وهى عبارة " يبست مثل شقفة‬
‫قوتى ‪ ،‬ولصق لسانى بحنكى " )ع ‪ .(15‬إن هذه ايضا ستحقق بعد حين عندما يقول " أنا عطشان"‪ .‬لذلك قال‬
‫بعدها " قد أكمل "‬
‫ولكن لماذا قال المسيح " إلهى ‪،‬إلهى" ؟‬
‫لقد قالها بصفته نائبا عن البشرية‪ .‬قالها لنه "أخلى ذاته ‪ ،‬وأخذ شكل العبد ‪ ،‬صائرا شبه الناس ‪ ،‬وقد وجد‬
‫الهيئة كإنسان ‪ ) ،‬فى ‪ (7:2،8‬قالها لنه " وضع نفسه " و"أطاع حتى الموت ‪ ،‬موت الصليب " )فى ‪ (9:2‬أنه‬
‫يتكلم الن كابن للنسان ‪ ،‬أخذ طبيعة النسان‪ ،‬وأخذ موضعه ‪ ،‬ووقف نائبا عن النسان وبديل أمام ال ‪ ،‬كابن‬
‫بشر ‪ ،‬وضعت عليه كل خطايا البشر ‪ ،‬وهو الن يدفع ديونهم جميعا…‬
‫هنا نرى البشرية كلها تتكلم على فمه… واذ وضعت عليه كل خطايا البشر ‪ ،‬والخطية انفصال عن ال ‪،‬‬
‫وموضع غضب ال ‪ ،‬لذلك تصرخ البشرية على فمه " إلهى إلهى ‪ ،‬لماذا تركتنى "…‬
‫لقد ناب السيد المسيح عن البشرية فى أشياء كثيرة ‪ ،‬أن لم يكن فى كل الشياء !!‬
‫ناب عنا فى الصوم ‪ :‬لم يستطيع آدم وحواء أن يصوما عن الثمرة المحرمة ‪ ،‬وقطفا وأكل ‪ ،‬وبدأ السيد‬
‫حياته بالصوم حتى عن الطعام المحلل‪ .‬لم يكن فى حاجة إلى الصوم ‪ ،‬ولكنه " صام عنا أربعين ليلة " كما‬
‫تقول تسابيح الكنيسة‪.‬‬
‫وناب عنا فى طاعة الناموس ‪ " :‬الرب من السماء أشرف إلى بنى البشر ‪ ،‬لينظر هل من فاهم طالب ال‪.‬‬
‫الجميع زاغوا وفسدوا‪ .‬ليس من يعمل صلحا ‪ ،‬ليس ول واحد " )مز ‪ .(2:14،3‬وجاء المسيح ‪ ،‬فناب عن‬
‫البشر فى طاعة الب ‪ ،‬نفذ الناموس لكى " يكمل كل بر" ) متى ‪ .(15:3‬كما ذكرت وقت العماد… وهكذا ناب‬
‫عن البشرية فى تقديم حياة طاهرة مقبولة أمام ال الب…‬
‫وناب عنا أيضا فى الموت وفى العذاب وفى دفع ثمن الخطية و" الذي بل خطية صار خطية لجلنا " )‪2‬كو‬
‫‪ .(21:5‬واحتمل كل لعنة الناموس‪ .‬واحتمل كل غضب ال على الخطاة بكل ما فيه من مرارة‪ .‬وكنائب عن‬
‫البشرية قال " إلهى إلهى لماذا تركتنى "…‬
‫وهذا الذي اعان الكل ولم يترك أحدا ‪ ،‬تركه الكل حتى الب… وبهذا دفع ثمن الخطية ‪ ،‬وتحمل الغضب‬
‫وخرج منتصرا ‪ ،‬بعد أن جاز معصرة اللم وحده ‪ ،‬نفسا وجسدا…‬
‫وفى هذا كله أعطانا درسا‪ .‬لكى نحترس نحن‪.‬‬
‫ان كانت الخطية تسبب كل هذا الترك وكل هذا التخلى ‪ ،‬وكل هذا اللم ‪ ،‬فلنسلك نحن بتدقيق )أف ‪(15:5‬‬
‫ولنخف أن نترك الرب لئل يتركنا‪ .‬فإن البن نفسه قد ترك‪ .‬وألم الترك ل يطاق‪ .‬وفى كل ذلك فلنشكر ربنا‬
‫يسوع المسيح ونسبحه على كل هذاالحب وهذا البذل…‬
‫ان عبارة " لماذا تركتنى" ‪ ،‬تعطينا الكثير من العزاء كلما نقع فى الصيقات… ان كان ال الب" لم يشفق‬
‫على ابنه " )رو ‪ .(22:8‬وسلمه لهذا العذاب والحزن ‪ ،‬فلماذا نتذمر نحن على اللم التى يسمح بها الب؟!…‬
‫ان كان الب قد سر ان يسحق بالحزن ابنه الوحيد الحبيب الذي قال عنه ‪ " :‬هذا هو ابنى الحبيب الذي به‬
‫سررت" )متى ‪ .(17:3‬ومع ذلك فنحن لم نتعرض لشىء من كل آلم المسيح على الرغم من استحقاقنا لكل ألم‬
‫فلماذا اذن نتذمر على الضيقات ؟‪.‬‬
‫ان البن شرب الكأس التى قدمها له الب ‪ ،‬وقال له " لتكن مشيئتك "‪ .‬وأطاع حتى الموت ‪ ،‬موت الصليب‬
‫‪ ،‬بكل خضوع‪ .‬أما عبارة " لماذا تركتنى " ‪ ،‬فلم تكن نوعا من الحتجاج أو الشكوى‪ -‬كما قلنا‪ -‬انما كانت‬
‫مجرد تسجيل للمه ‪ ،‬واثبات حقيقتها ‪ ،‬واعلنا بأن عمل الفداء سائر فى طريق التمام…‬

‫الكلمة الخامسة‬
‫أنا عطشان )يوحنا ‪(28:19‬‬

‫من أجل خطاياى‪ -‬ايها الخ‪ -‬ومن أجل خطاياك ‪ ،‬جف حلق الرب عل الصليب ‪ ،‬و " لصق لسانه بحنكه "‬
‫ويبست مثل شقفة قوته " )مز ‪…(15:22‬‬
‫مياه جسده قد تصفت ونزفت ‪ ،‬وذلك لسباب كثيرة ‪:‬‬
‫بعضها لجل العرق الكثير الذي سال منه كقطرات دم ‪ ،‬وهو يجاهد لجلنا فى بستان جثسيمانى‬
‫) لو ‪ .(44:22‬والعرق الذي سال منه فى الطريق وهو يحمل الصليب ‪ ،‬وطوال المدة تحت أشعة الشمس‬
‫المحرقة فى نصف النهار‪ ..‬وبخاصة من أجل التعب والرهاق والنهاك الذي تعرض له فى كثيرة المحاكمات‬
‫وكثرة اللطمات‪.‬‬
‫يضاف آلي كل هذا الدم الكثير الذي نزف منه ‪ ،‬بسبب الجلد المريع ‪ ،‬وبسبب اكليل الشوك ‪ ،‬وبسبب‬
‫المسامير…‬
‫لكل ذلك جف حلقه ‪ ،‬واحتمل حتى لم تبق فى جسده قوة ‪ ،‬فقال " أنا عطشان"…‬
‫وبهذا أعلن ان الطريق اخذ سبيله آلي الحديد المحمى بالنار ‪ ،‬أو أعلن ان النار بدأت تلتهم ذبيحة‬
‫المحرقة… أو اعلن ان العدل اللهى يتقاضى أجره ‪ ،‬وان اللهوت‪ -‬كعهده‪ -‬لم يتدخل لتخفيف اللم عن‬
‫الناسوت ‪ ،‬فكان ألما كامل ‪ ،‬تنسم منه الب رائحة الرضا ‪ ،‬وعبر عنه البن بعبارة " أنا عطشان "… فليخز‬
‫الن أوطيخا الذي قلل من حقيقة ناسوت الرب‪ .‬فلو لم يكن ناسوته كامل ‪ ،‬ما قال " أنا عطشان" …‬
‫عجيب ان يعطش الينبوع ‪ ،‬الذي يهب الماء الحى لجميع العطاش )يو ‪ .(37:7‬الذي قال للمرأة السامرية‬
‫" من يشرب من الماء الذي أعطيه أنا ‪ ،‬فلن يعطش آلي البد‪ .‬بل الماء الذي أعطية ‪ ،‬يصير فيه ينبوع ماء ينبع‬
‫آلي حياة أبدية ‪) .‬يو ‪.(14:4‬‬
‫ماذا كان يقصد بعبارة " أنا عطشان " ؟‬
‫ل شك أنه كان عطشانا فعل من الناحية الجسدية‪ .‬ومن الناحية الروحية كان عطشانا ايضا لهذا الخلص‬
‫الذي يقدمه للعالم ‪ ،‬كان عطشانا لعبارة " قد أكمل " التى سيقولها بعد… مثلما قال للمرأة السامرية " اعطينى‬
‫لشرب " ولم يكن يقصد هذا الماء المادى " الذي كل من يشرب منه يعطش ايضا )يو ‪ ، (7:4،13‬والذى لم‬
‫يأخذه منها‪ .‬وانما كان عطشانا اليها هى والى أهل السامرة ‪ ،‬آلي خلصها وخلصهم‪.‬‬
‫ولم يقل " أنا عطشان " لكى يأخذ من الناس ماء‪ ..‬كان يعرف انهم سيقدمون له خل! )متى‬
‫‪ .(44:27،48‬كان يعرف ذلك بلهوته الذي ينكشف أمامه الغيب والمستقبل‪ .‬وكان يعرف ذلك من حيث‬
‫معرفته بالنبوءة التى تقول "وفى عطشى يسقوننى خل " )مز ‪.(21:69‬‬
‫لم يقل " أنا عطشان " ليطلب منهم ماءا ‪ ،‬فال ل يمكن أن يلتمس معونة من البشر‪ .‬وايضا لنه كان عازما‬
‫ان يشرب كأس اللم حتى التمام‪ .‬لذلك اكتفى عندما قدموا له خل ممزوجا بالمر ‪ ،‬كنوع من التخدير لتخفيف‬
‫ألمه ‪ ،‬و" لم يرد أن يشرب "‪) -‬متى ‪.(34:27‬‬
‫انما اراد الرب ان يتمم النبوءات عنه وان يعلن ان الثمن قد دفع ‪ ،‬لكى يطمئن البشر…‬
‫اما البشرية الخاطئة فاستهزأت به فيما هو يدفع ثمن خلصها‪ .‬فقدموا له خل فى عطشه ‪ ،‬لكى يزيدوا المه‬
‫ألما‪ ..‬أترانا نحن نفعل ذلك أيضا ‪ ،‬وكلما يطلب الرب أن يرتوى بخلصنا ‪ ،‬ويشرب من نتاج كرمته التى‬
‫يسرى عصيرها فى عروقنا ‪ ،‬أترانا نقدم له خل بأفعالنا الردئية وبلهونا وعبثنا واهمالنا ؟!‬
‫يا أخى اخفض تلك القصبة التى ترفعها آلي فم المسيح ‪ ،‬وابعد عن شفتيه تلك السفنجه المملوءة خل ‪،‬‬
‫واندم على جرحك لمشاعر من أحبك واعمل اعمال تليق بالتوبة‪ .‬واذا سمعت الرب يقول " أنا عطشان " فقل‬
‫له ‪ :‬أنا يا رب الذي جففت حلقك بخطاياى ليتنى أستطيع أن أرويك بدموعى‪ .‬ليتك تضرب بعصاك هذه‬
‫الصخرة الصلبة – التى هى قلبى – وتفجر منها ماءا يرويك…‬

‫الكلمة السادسة‬
‫قد أكمل ) يوحنا ‪(30:19‬‬

‫المسيح إلهنا البار ‪ ،‬الكامل فى كل شىء ‪ ،‬القدوس الذي بل خطية وحدة ‪ ،‬الذي عاش على الرض حياة‬
‫كاملة استطاع أن يرضى بها ال الب ‪ ،‬هو ايضا كان كامل فى كرازته وفى خدمته‪ .‬استطاع أن يكمل رسالته‬
‫التى أعطاها الب إياها ‪ ،‬ويصيح صيحة النصرة الولى‪.‬‬
‫" العمل الذي اعطيتنى لعمل ‪ ،‬قد أكملته "‪) .‬يو ‪.(4:17‬‬
‫لقد استطاع ان يكمل كل بر‪ .‬كمل بر الناموس كله ‪ ،‬وصاح أمام الناس "من منكم يبكتنى على خطية " )يو‬
‫‪ .(46:8‬كما كمل ايضا جميع النبوءات الخاصة به والخاصة بعمل الفداء العظيم… فى سنوات قليلة ‪ ،‬حوالى‬
‫ثلث سنوات وبضعة شهور ‪ ،‬استطاع ان يعمل أعمال لم يعملها احد من قبل ‪ ،‬واستطاع أن يكرز ببشارة‬
‫الملكوت ويقول للب " أنا مجدتك على الرض… أنا أظهرت اسمك للناس الذين أعطيتنى من العالم‪ ..‬الكلم‬
‫الذي أعطيتنى قد أعطيتهم‪ ..‬الذين اعطيتنى حفظتهم ‪ ،‬ولم يهلك منهم أحد… عرفتهم أسمك ‪ ،‬وسأعرفهم )يو‬
‫‪.(17‬‬
‫وهكذا أكمل النبوءات ‪ ،‬وأكمل الطاعة وأكمل كل بر ‪ ،‬وأكمل عمله الكرازى ‪ ،‬وأكمل الحب اذ أحب‬
‫خاصته الذين فى العالم ‪ ،‬احبهم حتى المنتهى )يو ‪ (1:13‬ثم صعد على الصليب ليكمل عمل البذل ‪ ،‬ويكمل‬
‫الفداء والكفارة والخلص… ويكمل عمل المصالحة الذي به يصلح السمائيين مع الرضيين…‬
‫وفوق هذا المذبح ‪ ،‬وضع ال عليه اثم جميعنا… وضع ال عليه جميع الخطايا ‪ ،‬لجميع الناس ‪ ،‬فى جميع‬
‫الجيال ‪ ،‬من آدم إلى آخر الدهور بكل ما فيها من بشاعة ومن دنس ومن خيانة ومن ضعف بكل ما فيها من‬
‫زنا وفجور وكذب وسرقة وقتل وحسد وكبرياء… حتى صاح البن قائل " قدأكمل "… ونحن نضع أيدينا‬
‫على هذه الذبيحة الطاهرة ‪ ،‬ونعترف كل يوم بخطايا جديدة ‪ ،‬نضيفها آلي آلمه لكى يمحوها بدمه الكريم‬
‫وكما كملت الخطايا على كتفيه ‪ ،‬كمل ايضا العار الواقع عليه… وهكذا قال فى ذلك " بذلت ظهرى‬
‫للضاربين ‪ ،‬وخدى للناتفين ‪ ،‬وجهى لم استره عن خزى البصاق " )أش ‪ .(6:50‬وقال ايضا " كل الذين‬
‫يروننى يستهزئون بى‪ .‬عار عند البشر ومحتقر الشعب " )مز ‪ .(7:22،6‬فى كل هذا تعرض للضرب والهانة‬
‫والجلد والستهزاء ‪ ،‬وكل صنوف التحقير والتهكم ‪ ،‬وكلمات التجديف والتعيير وكانوا يلطمونه قائلين تنبأ لنا‬
‫أيها المسيح من لطمك )متى ‪ !!(67:26،68‬وألبسوه الثوب الرجوانى وأكليل الشوك ‪ ،‬وصلبوه بين لصين‬
‫ليحققوا فيه قول الكتاب ملعون كل من علق على خشبه )غل ‪) (13:3‬تث ‪ …(23:21‬وهكذا‬
‫" صار لجلنا " ‪ .‬وفوق الخشبة ايضا أشبعوه إهانات وسبا ‪ ،‬حتى لينظر آلي كل هذا العار ويقول ‪ :‬قد أكمل‪..‬‬
‫وكما كمل عاره كملت آلمه بالجسد ‪ ،‬وكمل الغضب الواقع عليه‪ .‬دفع الثمن كله ‪ ،‬وقدم نفسه فدية ‪ ،‬وظلت‬
‫النار تشتعل فى ذبيحة المحرقة حتى حولتها إلى رماد )ل ‪ .(10:6‬ولما رأى الرب انه قد أكمل عمل الكفارة‬
‫والفداء ‪ ،‬وأنه أعطى العدل اللهى كل ما يطلب ولم يعد له شىء بعد ‪ ،‬صاح فى نصرة قائل‬
‫" قد أكمل" …‬
‫قد أكمل عمل الخلص للجميع ‪ ،‬وتم الفداء ‪ ،‬واستطاع نسل المرأة أن يسحق رأس الحية… استطاع ال‬
‫وقد " ملك على خشبة " )مز ‪ (10:96‬ان يدمر مملكة الشيطان‪ .‬الن أصبحت الكفارة كاملة كافية للكل‪ .‬الن‬
‫ينشق حجاب الهيكل ‪ ،‬ويفتح الطريق أمام قدس القداس… لقد كمل الصلح ‪ ،‬وكمل الرجاء أمام القديسين‬
‫الراقدين‪ .‬ولم يبق ال أن يقوم الرب كجبار ‪ ،‬يتقلد سيفه على فخذه ‪ ،‬ويستله وينجح ويملك )مز ‪ .(3:45‬لذلك‬
‫صاح الرب فى فرح " قد أكمل"…‬
‫ان عبارة " قد أكمل " هى هتاف الفرح والنتصار‪ .‬هتف به الرب الذي صارع وملك‪ .‬واستطاع أن‬
‫يشترينا بثمن ‪ ،‬ويؤسس ملكوته الروحى ‪ ،‬ويحطم مملكة الشيطان الذي كان يدعى من قبل " رئيس هذا العالم"‬
‫)يو ‪.(30:14‬‬
‫هل تستطيع يا أخى أن تنجح مثل الرب ؟ هل تستطيع أن تصعد على الصليب ‪ ،‬وتسحق رأس الحية ؟ هل‬
‫تستطيع أن تنظر آلي عملك الذي اعطاك الرب إياه وتقول " قد أكمل "‪ .‬ليتك تضع أمامك كل حين هذا الشعار‬
‫الجميل " العمل الذي أعطيتنى لعمل قد أكملته "…‬
‫ضع أمامك باستمرار صورة الرب الذي أكمل عمله‪.‬‬
‫قد أكمل‬
‫الكلمة السابعة‬
‫ياأبتاه في يديك أستودع روحى )لوقا ‪(46:23‬‬

‫لقد أكمل الرب عمله على الصليب ‪ 0‬كما أكمل عمله الذي كان له قبل الصليب ‪0‬‬
‫وبقى له عمل آخر ليعمله بعد أن يسلم الروح على الصليب ‪0‬‬
‫بقى أن " يسبى سيبا ‪ ،‬ويعطى الناس عطايا " ) أف ‪ 0( 8 : 4‬بقى أن ينزل إلى الجحيم ويبشر الراقدين على‬
‫الرجاء ‪ 0‬وينقل هؤلء القديسين الراقدين من الجحيم إلى الفردوس ‪ ،‬فاتحا أبواب الفردوس المغلقة منذ أيام‬
‫الخطية الولى ‪000‬‬
‫لذلك اذا أتم الفداء ‪ ،‬لم يعد هنك داع للتأخير ‪ 0‬عليه إذن أن يخرج من هذا الجسد ليكمل عمل الخلص‬
‫الخاص بالراقدين أيضًا‪ 0‬فليسلم الروح إذن فى يدى الب حتى يمكنه أن يعمل العمال التى موعد عملها بعد‬
‫الموت ‪ 0‬وهكذا صرخ بصوت عظيم " يا أبتاه فى يديك أستودع روحى " ‪00‬‬
‫فى يديك أنت استودعها ‪ ،‬وليس فى يدى غيرك … " رئيس هذا العالم يأتى ‪ ،‬وليس له فى شىء " )يو‬
‫‪ (30:14‬أنا من عند الب خرجت ‪ ،‬وأتيت إلى العالم ‪ ،‬وايضا أترك العالم وأرجع إلى الب )يو ‪.(28:16‬‬
‫كم أشتاق رئيس هذا العالم أن يحصل على هذه النفس ‪ ،‬أن يقبض عليها كسائر الرواح التى فى السجن‪.‬‬
‫ولكنه لن يقدر على هذه النفس بالذات التى سيستقبلها الب فى يديه‪ .‬نفس هذه ل يستطيع أحد أن أن يأخذها‬
‫منى‪ .‬لى سلطان أن أضعها ‪ ،‬ولى سلطان أن آخذها أيضا )يو ‪.(17:10،18‬‬
‫أن روح لعازر المسكين‪ -‬عندما خرجت من جسده‪ -‬حملتها الملئكة )لو ‪ .(22:16‬وروح العذراء حملها‬
‫المسيح أما روح المسيح فيحملها ال الب‪.‬‬
‫يقول معلمنا متى الرسول أن المسيح " صرخ بصوت عظيم " )متى ‪ (50:27‬وأسلم الروح‪ .‬فماذا نفهم من‬
‫عبارة " صرخ بصوت عظيم "‬
‫ل شك أنه من الناحية الجسدية كان فى منتهى النهاك والرهاق‪ .‬بعد كل تعبه فى حمل الصليب حتى وقع‬
‫تحته ‪ ،‬وبعد تعب الجلد واللطم والصلب ‪ ،‬وبعد أن سال ما فى جسده من دم وماء ‪ ،‬وبعد أن جف حلقه حتى‬
‫قال " أنا عطشان"‪ .‬كيف صرخ بصوت عظيم وقد لصق لسانه بحنكه ‍؟‬
‫ان صراخه فى ساعة الموت " بصوت عظيم " دليل على أنه له قوة أخرى فوق قوة الناسوت ‪ ،‬اى دليل‬
‫على لهوته‪.‬‬
‫صراخه بصوت عظيم دليل على انتصاره ‪ ،‬لنه بالموت داس الموت وقهره‪ .‬هذه الصرخة زعزعت‬
‫الشيطان وقهرته‪.‬‬
‫حقا كان فى موت المسيح ‪ ،‬نصرة ‪ ،‬نصرة الفادى الذي أستطاع أن يخلص العالم كله ‪ ،‬ويسحق رأس الحية‪...‬‬
‫وفى عبارة " فى يدك استودع روحى " طمأنينة عظيمة لنا من جهة خلود الروح‪ .‬إنها ل تنتهى بالموت…‬
‫الموت بالنسبة له محرد عبور أو انتقال من حياة آلي حياة‪ .‬انما المهم فى الموضوع كله هو ‪ :‬اين تستقر الروح‬
‫بعد موتها‪ .‬إن اطمأن النسان على هذه النقطة‪ ،‬استقبل الموت بفرح‪ ،‬وقال‪ :‬لى اشتهاء أن انطلق‬
‫وانت أيها الخ ‪ :‬هل انت مطمئن على مصير روحك ؟هل عندما تلفظها‪ -‬بعد عمر طويل‪ -‬ستودعها فى‬
‫يدى المسيح ‪ ،‬أو ستحملها الملئكة مثل روح لعازر؟ أم سيقبض عليها الشيطان ويقول "انها لى‪ .‬كانت من‬
‫جندى ‪ ،‬تعيش فى طاعتى… لذلك سآخذها لتكون معى " ياللهول!! اطمئن يا أخى إذن أين ستذهب روحك‪.‬‬
‫وضع أمامك باستمرار تلك الغنية الجميلة " لتمت نفسى موت البرار ‪ ،‬ولتكن آخرتى كآخرتهم" )عدد‬
‫‪.(109:23‬‬
‫استودعها فى يديه من الن بالبعد عن كل دنس ‪ ،‬وباللتصاق كل حين بالرب‪ .‬كن كملئكة الكنائس السبع‬
‫الذين كان الرب ممسكا بهم فى يده اليمنى‪ .‬ضع نفسك أنت ايضا فى يدى المسيح‪ .‬وتأكد أنه سيسمعك صوته‬
‫الجميل وهو يغنى" أنا أعطيها حياة أبدية‪ ،‬ولن تهلك إلى البد‪ ،‬ول يخطفها أحد من يدى" )يو ‪.(28:10،29‬‬
‫وكلما تحاربك الخطية بفكر أو شهوة ‪ ،‬أسأل نفسك فى صراحة ‪ :‬هل روحى الن فى يدى الب…‬
‫هذه الكلمات الغالية التى قالها المسيح على الصليب ‪ :‬فلنضعها نحن فى قلوبنا ‪ ،‬ولتكن ذات فاعلية فى‬
‫حياتنا‪ ..‬لنقرأ كل كلمة منها فى إمعان ‪ ،‬ونتفاعل معها…‬
‫وسنضرب الن مثال لتفاعل القلب مع كلمتين منها ‪:‬‬
‫• يا أبتاه أغفر لهم ‪00‬‬
‫لقد علمنا الرب أن نقول فى الصلة الربية " اغفر لنا خطايانا ‪ ،‬كما نغفر نحن ايضا لمن أخطأ إلينا "‪.‬‬
‫فأصبحت عبارة "يا أبتاه اغفر لهم " شرطا لزما للمغفرة ‪ ،‬لك أنت‪.‬‬
‫فل يظن أحد منكم انه يمنح المغفرة لغيره عندما يقول " يا أبتاه اغفر لهم "‪ .‬فى الواقع انه يأخذ‬
‫المغفرة لنفسة‪ .‬لن شرط الغفران الذي تأخذه انت ‪ ،‬هو أن تغفر لغيرك‪" .‬اغفروا يغفرلكم" )لو ‪.(37:6‬‬
‫ان السيد المسيح عندما علمنا الصلة الربية ‪ ،‬لم يعلق على أية طلبة منها سوى هذه الطلبة الواحدة ‪ ،‬وهكذا‬
‫قال " فإنه ان غفرتم للناس زلتهم ‪ ،‬يغفر لكم أبوكم أيضا زلتكم " )متى ‪.(14:6،15‬‬
‫لذلك فإن لم تغفر أنت للخرين ‪ ،‬انما تمنع المغفرة عن نفسك ‪ ،‬وليس عن الخرين‪.‬‬
‫فإن قلت " يا أبتاه أغفر لهم " ‪ ،‬يرد عليك قائل " وأنا ايضا أغفر لك "‪ .‬إذن فمغفرتك للناس أمر أنت مضطر‬
‫إليه ‪ ،‬لكى تنال المغفرة أنت ايضا… فالفضل أذن أن تغفر من أجل المحبة‪ -‬كما فعل المسيح‪ -‬بدل من أن‬
‫تغفر اضطرارا من أجل ان يغفر لك …‬
‫من الجائز أن هذه المغفرة تتعبك من الداخل ‪ ،‬ول تكون سهلة على قلبك… كيف أغفر لمن فعل بى كذا‬
‫وكذا ‪ ،‬وأهاننى وأتعبنى وألصق نفسى بالتراب ؟! أقول لك ‪ :‬أحتمل… أنت فى الواقع فيما تعطى لهذا النسان‬
‫المغفرة ‪ ،‬إنما تعطيها ايضا لنفسك ‪ ،‬فاغفر ‪ ،‬لكى يغفر الرب لك‪ .‬وأقول مرة أخرى ‪ :‬ليتك تغفر عن حب ‪،‬‬
‫وليس عن اضطرار‪.‬‬
‫السيد المسيح على الصليب تقدم ليأخذ مغفرة من الب عن كل خطايا البشر ‪ ،‬فغفر لصالبية اول‪.‬‬
‫وكانه يقول للب " سأغفر لهم كل ما فعلوه بى ‪ ،‬لكى تغفر أنت لى "… ليس لكى يغفر له خطاياه ‪ ،‬فالمسيح‬
‫بل خطية "يو ‪ .(46:8‬ولكن يغفر له الخطايا التى يحملها ‪ ،‬لنه " حمل ال الذي يحمل خطايا العالم كله " )يو‬
‫‪ ،(29:1‬إذ قد " وضع عليه إثم جميعنا" )أش ‪.(6:53‬‬
‫قد تقول ‪ :‬كيف أغفر كل ما فعلوه بى… يكفى أنني صامت ل أرد الشر بالشر…‬
‫ل ياأخى… أن هذا الصمت ل يكفى‪ .‬يجب أن تنتصر على نفسك من الداخل ‪ ،‬وتغفر ‪.‬‬
‫وعندما تنتصر على نفسك من الداخل ‪ ،‬وتغفر ‪ ،‬تكون قد صعدت على الصليب‪.‬‬
‫وعندما تصعد على الصليب‪ .‬تستطيع أن تقول "لعرفه وقوة قيامته وشركة آلمه" )فى ‪ .(10:3‬لقد دخلت فى‬
‫شركة آلمه ‪ ،‬صعدت معه على الصليب وغفرت للمسيئين لنهم ل يدرون ماذا يفعلون‪.‬‬
‫• اليوم تكون معى فى الفردوس ‪:‬‬
‫قل لنفسك ‪ :‬لكى اسمع هذا الوعد من المسيح ‪ ،‬ينبغى أن اقول كما قال اللص " نحن بعدل جوزينا" ‪...‬‬
‫ان اللص اليمين لم يعتف من اللم التى وقعت عليه ‪ ،‬إنما طلب مغفرة فى البدية ‪ ،‬فكن مثله ‪ ،‬ول تكن مثل‬
‫اللص الذي طلب أن ينزل المسيح من على الصليب وينزله معه " يخلص نفسه وإيانا "…‬
‫مسكين هذا الجاهل ‪ ،‬ان فى نزول المسيح عن الصليب هلكا للعالم أجمع‪ .‬لو كان هذا اللص يسعى‬
‫لخلص نفسه ‪ ،‬لقال ‪ :‬انتظر يارب قليل على الصليب ‪ ،‬من أجلى ‪ ،‬لكى ل أهلك… أرجوك يا رب احتمل من‬
‫أجلى ‪ ،‬أحتمل حتى الموت لتدفع ثمن خطاياى…‬
‫كن يا أخى روحانيا كاللص اليمين الذي فكر فى أبديته ‪ ،‬ول تكن جسدانيا كاللص الشمال الذي فكر فى‬
‫خلص جسده فقط…‬
‫ول تهرب من الضيقات التى تقع عليك ‪ ،‬بل فى كل ضيقة قل عبارة اللص التائب " نحن بعدل جوزينا "…‬
‫وكما تطلب من الرب ان يذكرك فى ملكوته ‪ ،‬اذكره انت ايضا على الرض ‪ ،‬والصق قلبك بمحبته…‬
‫ول تطلب ان يذكرك الرب فقط على الرض بل فى ملكوته ان كان فى الرض مسامير أو صليب ‪ ،‬ل يهم‪..‬‬
‫المهم هو مصيرك فى الملكوت‪.‬‬
‫ليهم ان نقضى حياتنا الرضية هنا على الصليب … انما المهم ان نكون مع الرب فى فردوسه…‬
‫ل تفكر ان تنزل من على صليبك ‪ ،‬بل احتمل واصبر‪ .‬لقد قال الرب للص " اليوم تكوةن معى فى الفردوس"‪،‬‬
‫لنه قبل إيمانه واعترافه وتوبته‪.‬‬
‫وأنت ‪ ،‬هل قدمت للرب اعترافا وتوبه وايمانا حتى تستحق ان تكون معه فى الفردوس ؟‬
‫إن لم تكن قد فعلت ‪ ،‬فابدأ من الن…‬
‫أشترك فى اللم معه ‪ ،‬لكى تتمجد ايضا معه‪.‬‬
‫وتذكر ان عبارة "اليوم تكون معى فى الفردوس" هى عبارة مشجعة جدا‪ ،‬تمنع اليأس ‪ ،‬وتهب الرجاء‪.‬‬
‫ان كان اللص قد نال الوعد بالفردوس ‪ ،‬على الرغم من كل شرورة وخطاياه ‪ ،‬فل تيأس انت مهما كانت‬
‫خطاياك‪.‬‬
‫ان كانت توبة اللص قد قبلت ‪ ،‬وهو فى آخر ساعات حياته ‪ ،‬فل تيأس أنت إن كانت حياتك السابقة كلها قد‬
‫أكلها الجراد وضاعت هباءا‪.‬‬
‫عبارة " اليوم تكون معى فى الفردوس " تعطينا ايضا مثال عمليا لسرعة استجابة الصلوات‪.‬‬
‫حالماقال اللص اذكرنى يا رب " ‪ ،‬أتاه الرد سريعا " اليوم تكون معى فى الفردوس"… إذن ل تمل من‬
‫الصلة والطلبة ‪ ،‬ول تبرح من فمك عبارة " أذكرنى يا رب…"… قلها فى كل حين ‪ ،‬ومن أعماق قلبك ‪،‬‬
‫وبإيمان‪ .‬وثق أنه سيستجيب‪.‬‬
‫لتترك العدو يحاربك بالخجل ‪ ،‬حتى ل تطلب‪ .‬ان العشار فى عمق خجله قال " ارحمنى يا رب "‪.‬‬
‫واللص وهو عارف بخطيئته ‪ ،‬قال " أذكرنى يارب "‪.‬‬
‫هكذا نحن ايضا ‪ ،‬مع أن الخزى يغطى وجوهنا بسبب خطايانا ‪ ،‬ومع أنه ليس لنا وجه نرفعه آلي الرب ‪،‬‬
‫وليست لنا دالة ول حجة ول معذرة ‪ ،‬إل أننا من أجل حنانه هو ومحبته هو وغفرانه ‪ ،‬سنظل نقول عبارة‬
‫" أذكرنى يا رب " ‪ ،‬إلى أن ننال منه الوعد بالفردوس…‬
‫ان الرب لم يكتف فقط بأن يعطى اللص وعد بالفردوس ‪ ،‬وانما بالكثر اعطاه وعدا أن يكون معه‪ .‬لن‬
‫أهم ما فى الفردوس أن نكون مع الرب…‬
‫نعم ‪ ،‬ان الفردوس بدون الرب ل قيمه له ‪ ،‬ول نعيم فيه ‪ ،‬ول يصح أن يدعى فردوسا… ان النعيم الحقيقى هو‬
‫ان نكون مع الرب… يكون الرب وسط شعبه… يتمتعون به ‪ ،‬بحبهه‪ ،‬وبصحبته ‪ ،‬وبنوره… وبأبوته ‪،‬‬
‫وحنانه… لذلك ل تطلب الفردوس ‪ ،‬بل أطلب الرب نفسه…‬
‫اطلب ان تكون معه ‪ ،‬تتأمل وجهه المفرح البشوش ‪ ،‬كما قال داود ‪ :‬لوجهك يارب التمس‪ .‬ل تحجب‬
‫وجهك عنى …‬
‫والعجيب فى قصة هذا اللص ‪ ،‬أنه أخذ وعدا بالوجود مع ال فى الفردوس ‪ ،‬على الرغم من أنه لم يعش مع ال‬
‫على الرض…‬
‫بل مجرد ساعات قليلة قضاها مع الرب حسنا ‪ ،‬استطاعت ان تمنحه صحبة الرب آلي البد‪ .‬لنها كانت‬
‫ساعات ذات عمق ‪ ،‬عمق شديد ‪ ،‬وصل بها آلي أعماق قلب ال‪.‬‬
‫ليس المهم إذن فى طول الوقت الذي نقضيه مع الرب ‪ ،‬بل فى عمقه‪ .‬كلمة واحدة بعمق تقتدر كثيرا فى‬
‫فعلها… قل هذه الكلمة…‬
‫وعش فى عمق الصلة ‪ ،‬لتصل إلى أعماق الله ‪000‬‬

You might also like