You are on page 1of 73

‫الكتاب ؟ لماذا القيامة ؟‬

‫المؤلف ‪ :‬قداسة البابا المعظم النبا شنوده الثالث ‪0‬‬


‫الناشر ‪ :‬الكلية الكليريكية – العباسية – القاهرة ‪0‬‬
‫الطبعة الثانية مايو ‪1999‬‬
‫المطبعة ‪ :‬النبا رويس الوفست العباسية القاهرة‬
‫رقم اليداع بدار الكتب ‪5199/98 :‬‬
‫‪I.S.B.N. 977-5345-51-0‬‬
‫نشرنا لك كتابا ًُ من قبل عنوانه فى القيامة " كان فى غالبيته عن‬
‫قيامة السيد المسيح له المجد ‪ ،‬وما فى ذلك فى دللت ودروس‬
‫روحية ولهوتية ‪0‬‬
‫أما هذا الكتاب فهو عن القيامة بصفة عامة ‪ ،‬أو عن القيامة العامة‬
‫لجميع الناس فى اليوم الخير‬
‫لماذا القيامة ؟ وما هى أعماقها الروحية ‪ ،‬والدروس التى توحيها‬
‫القيامة لنا ؟ وكيف القيامة ضرورية ولزمة ‪ ،‬والسباب التى تدعو‬
‫إلى ذلك ‪000‬‬
‫وأيضا القيامة ممكنة ‪ ،‬تعتمد فى ذلك على قوة الله القادر على كل‬
‫ش ‪ ،‬الذى استطاع القيامة أن يخلق النسان من العدم ‪ ،‬وهو قادر‬
‫أن يقيمه بعد الموت ‪ ،‬وهو يريد ذلك ‪000‬‬
‫ويتحدث الكتاب عما هو بعد القيامة ‪ :‬عن الدينونة والحساب ‪،‬‬
‫ومجازاة كل إنسان حسب أعماله ‪00‬‬
‫وأنه لبد من القيامة ‪ ،‬لكى يمكن محاسبة النسان كله ‪ :‬روحا ً‬
‫وجسدا ً ‪ 0‬لن الروح والجسد قد اشتركا معا فى الخطية أو البر ‪،‬‬
‫فيجب أن تكون المجازة أو المكافأة لهما معا ً ‪ 000‬بعد القيامة ‪0‬‬
‫كما يتحدث فى ذلك أيضا ًُ عن السماء ‪ ،‬وعن النعيم البدى ‪ ،‬وحياة‬
‫الدهر التى ‪000‬‬
‫كما يتحدث عن الحياة والخلود ‪ ،‬وكيف أن القيامة هى قيامة الجسد‬
‫فقط ‪ 0‬أما الروح فهى حية بطبيعتها ‪ ،‬لم تمت حتى تقوم ‪ 0‬وما‬
‫القيامة بالنسبة إليها ‪ ،‬إل عودة هذه الروح إلى الجسد الذى كانت‬
‫تسكنه من قبل ‪0‬‬
‫ويتحدث أيضا ً عن الستعداد للقيامة ‪0000‬‬
‫هذا الكتاب عبارة عن العظات الت ألقيناها فى الكاتدرائية ‪ ،‬فى أيام‬
‫عيد القيامة بعد سنة ‪0 1986‬‬
‫ونشرت فى جريدة الهرام ‪ ،‬وأذيعت فى تلفزيون مصر ‪0‬‬
‫وها نحن قد جمعناها ‪ ،‬ورتبناها بطريقة تتناسب مع نشرها فى كتاب‬
‫‪ ،‬لكى يمكن أن تصلح لى قارئ ‪000‬‬
‫يمكن أن يقرأها المسلم ‪ ،‬كما يقرأها المسيحى ‪0‬‬
‫وأن يقرأها غير المتدين أيضا ً ‪ 0‬ففيها الفكر الخالص الذى يناسب‬
‫الكل ‪ ،‬دون أن تكون قاصرة على العقيدة المسيحية وحدها ‪000‬‬
‫نقدم لك هذا الكتاب ‪ ،‬مكمل ً للكتاب الول عن القيامة ‪0‬‬
‫وقد تكون له تكملة أخرى ‪ ،‬إن أحبت نعمة الرب وعشنا ‪0‬‬

‫الباب شنوده‬ ‫أبريل سنة ‪1998‬‬


‫الثالث‬
1
‫يسرنى يا أبنائى وأخوتى أن أهنئكم بعيد القيامة المجيد رتجيا ً لكم‬
‫فيه حياة سعيدة مباركة ‪ ،‬ومصليا أن يعم السلم أرجاء المسكونة‬
‫كلها ‪0‬‬
‫وإذ نتحدث عن القيامة ‪ ،‬وإنما نذكر هذه المعجزات المرتفعة جدا ً فى‬
‫مستواها ‪ ،‬إذ كيف يمكن أن تقوم كل تلك الجساد التى امتصتها‬
‫الرض ‪ ،‬وتحولت إإلى تراب ‪ ،‬أو أكلها الدود ‪ ،‬أو أحتراق بعضها ‪،‬‬
‫والبعض أفتراسه الحيوان ‪ 00‬كيف يقيم الله كل هذه الجساد التى‬
‫تعد بمليين المليين ‪ ،‬من شتى العصور والبلد ‪ 0‬ويأتى بأرواحها من‬
‫حيث شاء لها أن تقيم ‪ ،‬ويجعلها تتعرف على أجسادها وتتحد بها ‪،‬‬
‫وتقوم من الموت حية ‪ 00‬إنه أمر مذهل بل شك ‪!! 00‬‬

‫إن كان العقل عاجزا ً أمام فهم القيامة وكيف تكون ‪ ،‬فإن اليمان بالله وقدرته‬
‫قادر على استيعاب ذلك‬
‫فنحن نؤمن أن الله قادر على كل شئ ول حدود لقدرته اللهية ‪0‬‬
‫ومهما كان المر صعبا ً أمام الملحدين أو غير المؤمنين ‪ ،‬أو أمام‬
‫الذين يعتمدون على الفكر والعلم وحدهما ‪ ،‬فليس شئ عسيرا ً أمام‬
‫‪ " 0‬إن غير المستطاع عند الناس ‪ ،‬هو مستطاع عند الله " ) مر ‪: 10‬‬
‫‪0 ( 27‬‬

‫إن عملية قيامة الجساد ‪ ،‬أسهل بكثير جدا ً من عملية خلقها من قبل ‪0‬‬
‫الله الذى أعطاها نعمة الوجود ‪ ،‬هو قادر بل شك على إعادة وجودها‬
‫‪ 0‬هو الذى خلقها من تراب الرض ‪ ،‬وهو قادر أن يعيدها من تراب‬
‫الرض مرة أخرى ‪ 00‬بل ما هو اعمق من هذا ‪ ،‬أن الله خلق الكل من‬
‫العدم ‪ 0‬خلق الرض وترابها من العدم ‪ ،‬ثم من تراب الرض خلق‬
‫النسان ‪0‬‬
‫؟!‬
‫أيهما أصعب إذن ‪ :‬الخلق من العدم ‪ ،‬أم إقامة الجسد من التراب ‍‬
‫إن الذى يقدر على العمل الصعب ‪ ،‬من البديهى أنه يقدر على‬
‫العمل السهل ‪ 0‬والذى منح الوجود يقدر بالحرى على حفظ هذا‬
‫الوجود ‪000‬‬
‫فالذى يتأمل القيامة من هذه الناحية ‪ ،‬إنما يتأمل القدرة غير‬
‫المحدودة التى للهنا الخالق ‪ ،‬الذى يكفى أن يريد ‪ ،‬فيكون كل ما‬
‫يريد ‪ ،‬حتى بدون أن يلفظ كلمة واحدة ‪ 0‬أو يصدر أمرا ً ‪ 00‬إنها‬
‫إرادته ‪ ،‬التى هى جوهرها أمر فعال قادر على كل شئ ‪0000‬‬
‫نسمى القيامة إذن معجزة ‪ ،‬ليس لنها صعبة ‪ ،‬وإنما لن عقلنا‬
‫البشرى القاصر يعجز عن إدراكها وكيف تكون ‪ 00‬ولكن اليمان‬
‫دائرته أوسع وأعمق ‪ 00‬يقبل ذلك بسهولة معتمدا ً على الوحى‬
‫اللهى‬

‫لذلك فالقيامة هى عقيدة للمؤمنين ‪0‬‬


‫الذى يؤمن بالله وقدرته ‪ ،‬يستطيع أن يؤمن بالقيامة ‪ 0‬والذى يؤمن‬
‫بالله كخالق ‪ ،‬يؤمن به أيضا ً مقيما ً للموتى ‪ 0‬أما الملحدون وأنصاف‬
‫العلماء ‪ ،‬فل يصل إدراكهم إلى هذا المستوى ‪ 0‬إنهم ل يؤمنون‬
‫بالقيامة ‪ ،‬كما ل يؤمنون بالروح وخلودها ‪ ،‬كما ل يؤمنون بالله نفسه‬
‫‪ 000‬وعندما أقول أنصاف العلماء ‪ ،‬إنما أبرئ العلماء الكاملين فى‬
‫معرفتهم ‪0‬‬
‫نصف الحقيقة أن الجسد قد تمتص الرض بعض عناصره ‪ ،‬ويتحلل‬
‫جزء منه ‪ ،‬وقد يتداخل فى أجساد أخرى ‪ 0‬والنصف الثانى أن المادة‬
‫ل تفنى ‪ 0‬فأينما ذهب الجسد ‪ ،‬فمكوناته موجودة ‪ ،‬ومصيرها إلى‬
‫الرض أيضا ً ‪ 00‬والله غير المحدود يعرف تماما ً أين توجد عناصر‬
‫الجسد ‪ ،‬ويقدر على إعادتها مرة أخرى إلى حالتها ‪ ،‬الله بقدرته‬
‫اللنهائية ‪ 0‬وبخاصة لنه يريد هذا ‪ ،‬ولنه قد وعد به البشرية على‬
‫ألسنة النبياء ‪ 0‬وفى كتبه المقدسة‬

‫إذن القيامة فى جوهرها ‪ ،‬تعتمد على الله تبارك اسمه ‪ 0‬تعتمد على إرادته ‪،‬‬
‫ومعرفته ‪،‬وقدرته‬
‫فمن جهة الرادة ‪ :‬هو يريد للنسان أن يقوم من الموت ‪ ،‬وأن يعود‬
‫إلى الحياة ‪ 0‬وقد وعده بالقيامة والخلود ‪ 0‬وتحدث عن القيامة‬
‫العامة بصراحة كاملة وبكل وضوح ‪ 0‬وما دام الله قد وعد إذن لبد أنه‬
‫ينفذ ما قد وعد به ‪0‬‬
‫ومن جهة المعرفة والقدرة ‪ :‬فالله يعرف أين يوجد عناصر الجساد‬
‫التى تحللت ‪ ،‬وأين توجد عظامها ‪ 0‬ويعرف كيفية إعادة تشكليها‬
‫وتركيبها ‪ 0‬كما يعرف أيضا ً أين توجد أرواح تلك الجساد ‪ ،‬ويسهل‬
‫عليه أن يأمرها بالعودة إلى أجسادها ‪ ،‬ويسهل عليها ذلك ‪ 0‬وهو‬
‫يقدر على هذا كله ‪ ،‬جل إسمه العظيم ‪ ،‬وتعالت قدرته اللهية ‪0‬‬
‫وبكل اليمان نصدق هذا ‪00‬‬
‫إن الذى ينكر إمكانية القيامة ‪ ،‬هو بالضرورة ينكر المعجزات جملة ‪ 0‬وينكر الخلق‬
‫من العدم ‪ 0‬وينكر قدرة الله ‪ ،‬وقد ينكر وجوده أيضا ً ‪0‬‬
‫مثال ذلك الصدوقيون الذين " يقولون إنه ليس قيامة ‪ ،‬ول روح ‪ ،‬ول‬
‫ملك " ) أع ‪ 0 ( 8 : 23‬حقا ً ‪ ،‬إن عدم اليمان بأمر ما ‪ ،‬يؤدى إلى‬
‫عدم اليمان بأمور أخرى كثيرة ‪0‬‬
‫أما المؤمنون ‪ ،‬الذين يؤمنون بالله ‪ ،‬ويؤمنون بالمعجزة ‪ ،‬ويؤمنون‬
‫بعملية الخلق من العدم ‪ ،‬يؤمنون بالقدرة غير المحدودة التى للخالق‬
‫العظيم ‪ ،‬فإن موضوع القيامة يبدو أمامهم سهل التصديق إلى أبعد‬
‫الحدود ‪0‬‬

‫وكما أن القيامة ممكنة بالنسبة إلى قدرة الله ‪ ،‬كذلك هى ضرورية‬


‫بالنسبة إلى عدل الله وصلحه وجوده ‪0‬‬
‫‪ -1‬إنها لزمة من أجل العدل ‪:‬‬
‫من أجل محاسبة كل إنسان على أفعاله التى عملها خلل حياته‬
‫على الرض ‪ ،‬خيرا ً كانت أم شرا ً‬
‫فيثاب على الخير ‪ ،‬ويعاقب على الشر ‪ 0‬ولو لم تكن قيامة ‪،‬‬
‫لتهالك الناس على الحياة الدنيا ‪ ،‬وعاشوا فى ملذها وفسادها ‪،‬‬
‫غير عابئين بما يحدث فيما بعد ! وأيضا ً‬
‫إن لم تكن قيامة ‪ ،‬لساد الظلم واستبداد القوى بالضعيف ‪ ،‬دون‬
‫خوف من عقوبة أبدية ‪ 0‬أما اليمان بالقيامة وما يعقبها من‬
‫دينونة وجزاء ‪ ،‬فإنه رادع للناس ‪ 0‬إذ يشعرون أن العدل لبد‬
‫سيأخذ مجراه ‪ :‬إن لم يكن فى هذا العالم ‪ ،‬ففى العالم الخر ‪0‬‬

‫‪ – 2‬إن الله قد وعد النسان بالحياة البدية ‪ 0‬ووعده هو للنسان كله ‪ 0‬وليس‬
‫للروح فقط التى هى جزء من النسان ‪0‬‬
‫فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم والبدى ‪ ،‬إذن ل يمكن‬
‫أن نقول إن النسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة ‪ ،‬وإنما جزء واحد‬
‫منه فقط ‪ ،‬بينما قد حرم بالجسد ‪ 0‬إذن لبد بالضرورة أن يقوم‬
‫الجسد من الموت وتتحد به الروح ‪ 0‬ويكون الجزاء البدى للنسان‬
‫كله ‪00‬‬

‫‪ – 3‬ولول القيامة لكان مصير الجسد البشرى كمصير أجساد الحيوانات !‬


‫ما هى إذن الميزة التى لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق ‪ ،‬الذى‬
‫وهبه الله من العلم موهبة التفكير والختراع والقدرة على صنع‬
‫مركبات الفضاء التى توصله إلى القمر ‪ ،‬وتدور به حول الرض‬
‫وترجعه إليها سالما ً ‪ 00‬والذى قد قام بمخترعات أخرى مذهلة‬
‫كالكومبيوتر والفاكس وغيرهما ‪ 00‬هل يعقل أن هذا النسان‬
‫العجيب الذى سلطه الله على نواح عديدة من الطبيعة ‪ ،‬يؤول‬
‫جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعض الهواء ؟! إن‬
‫العقل ل يمكن أن يصدق هذا ‪000‬‬

‫إن قيامة الجسد تتمشى عقليا مع كرامة النسان ‪0‬‬


‫النسان الذى يتميز عن جميع المخلوقات الخرى ذوات الجساد ‪،‬‬
‫والذى يستطيع بما وهبه الله أن يسيطر عليها جميعا ً ‪ ،‬وأن يقوم‬
‫لها بواجب الرعاية والهتمام إذ أراد ‪ ،‬أو أن يقوم عليها بحق‬
‫السيطرة والستخدام ‪ 000‬فكرامة جسد هذا المخلوق العاقل لبد‬
‫أن تتميز عن مصير باقى أجساد الكائنات غير العاقلة وغير‬
‫الناطقة ‪ ،‬التى هى تحت سلطانه ‪000‬‬

‫‪ – 4‬والقيامة لزمة أيضا ً من أجل التوزان ‪0‬‬


‫ففى الرض لم يكن هناك توازن بين البشر ‪ 0‬ففيها الغنى‬
‫والفقير ‪ ،‬المنعم والمعذب السعيد والتعيس ‪ 000‬فإن لم تكن‬
‫هناك مساواة على الرض ‪ ،‬فمن اللئق أن يوجد توزان فى‬
‫السماء ‪ 0‬ومن لم ينل حقه على الرض ‪ ،‬يمكنه أن يناله فى‬
‫العالم الخر ‪ ،‬ويعوضه الرب عما فاته فى هذه الدنيا ‪ 0‬وقصة‬
‫الغنى ولعازر المسكين التى وردت فى النجيل المقدس ) لو‬
‫‪ ( 16‬تقدم لنا الدليل الكيد على التوازن بين الحياة على الرض ‪،‬‬
‫والحياة بعد الموت ‪0‬‬

‫‪ -5‬القيامة ايضا ً لتقدم لنا الحياة المثالية التى فقدناها هنا ‪0‬‬
‫تقدم لنا صورة الحياة الجميلة الرائعة فى العالم الخر ‪ ،‬حيث ل ا‬
‫حزن ول بكاء ‪ ،‬ول فساد ول ظلم ‪ ،‬ول عيب ول نقص ‪ 0‬بل حياة‬
‫النعيم البدى ‪ ،‬والنسان المثالى الذى بل خطيئة ‪ 00‬مع العشرة‬
‫الطيبة مع الله وملئكته وقديسيه ‪ 0‬ما أجمل هذا وما أروع ‪0‬‬
‫ختاما ً فى ظل الحديث عن هذه السعادة ‪ ،‬نرجو لبلدنا حياة‬
‫الرفاهية والرخاء والسلم ‪ ،‬ونرجو لكم جميعا ً حياة سعيدة ‪ ،‬وكل‬
‫عام وأنتم بخير ‪0‬‬
2
‫أهنئكم يا أبنائى وأخوتى جميعا ً بعيد القيامة المجيد ‪ ،‬راجيا ً فيه‬
‫من الرب خيرا ً لبلدنا المحبوبة ‪ ،‬فى كل نواحى الحياة اجتماعية‬
‫واقتصادية وسياسية ‪ 0‬كما نرجو لكم سعادة ورفاهية ‪0‬‬
‫فينا طبيعتان متمايزتان ‪:‬‬

‫وأزد فيما أهنئكم بالعيد ‪ ،‬أن نتأمل معنى القيامة ونرى ما الذى‬
‫يقوم ‪ 00‬إننا حسب تكويننا البشرى فينا طبيعتان متحدتان ‪ ،‬هما‬
‫الجسد والروح ‪ :‬الجسد طبيعة مادية ‪ ،‬والروح طبيعية غير مادية ‪0‬‬
‫الجسد مرئى ‪ ،‬والروح غير مرئية ‪ 0‬الجسد طبيعة قابلة للموت ‪،‬‬
‫والروح حية ل تموت ‪ 0‬هذه ميزة ميزنا بها الله على كل الكانئات‬
‫الى على الرض ‪ :‬أن لنا الروح التى هى دائمة الحياة ‪0‬‬

‫لذلك فل يوجد موت كلى للنسان ‪ 0‬إنما هو موت للجسد فقط بانفصاله عن‬
‫الروح التى تبقى حية بعد موت الجسد ‪0‬‬
‫وعلى هذا القياس ‪ ،‬فالقيامة هى قيامة الجسد وحده ‪ 0‬لن الروح لم تمت‬
‫حتى تقوم وهكذا ل نقول بقيامة الروح ‪ ،‬إنما بعودة الروح ‪ ،‬أى بعودتها إلى‬
‫الجسد ليقوم ‪0‬‬

‫هذه الروح النسانية هى روح حية خالدة ‪ ،‬عاقلة ناطقة وهى‬


‫أسمى وأرقى ما فى النسان ‪ 00‬الجسد هو الغلف الخارجى‬
‫الذى يغلف الروح ‪ ،‬بينما الروح هى الجوهر ‪ 0‬الجسد هو الصدفة‬
‫التى تحوى اللؤلؤة ‪ ،‬والروح هى الؤلؤة ‪ 0‬ومهما كان الجسد‬
‫جميل ً وبهيا ً من الخارج ‪ ،‬فل قيمة لجماله إن لم تكن الروح جميلة‬
‫أيضا ً ‪ 0‬بل إن جمال الروح يعطى ملمح الجسد جمال ً أروع ‪ 0‬بينما‬
‫لو دخل الشر إلى الروح ‪ ،‬تكون ملمح الجسد منفرة ‪0000‬‬

‫الجسد يعتمد فى كيانه ووجوده على الروح ‪ 0‬فإن فارقته الروح ‪،‬‬
‫تفارقه الحياة وكل مظاهرها ‪ 0‬تفارقه الحرارة فيبرد ‪ ،‬والحركة‬
‫فيخمد ‪ 0‬ويصبح بل نبض ‪ ، ،‬بل نفس ‪ ،‬بل شعور بل حس بل صوت‬
‫‪ 0‬توقف المخ والقلب وكل العضاء ‪ 0‬وأصبح جثة هامدة يوارونها‬
‫التراب ‪ 0‬كما قال الرب لبينا آدم " أنت تراب ‪ ،‬وإلى التراب تعود‬
‫"‬
‫إذن كل ما كان للجسد من نشاط ‪ ،‬كان مصدره الروح ‪0‬‬

‫على أن الرواح تختلف فى نوعايتها ودرجاتها ‪0‬‬


‫أعظم الرواح درجة هم الملئكة ‪ ،‬الذين لهم قوة عجيبة جدا ً ‪00‬‬
‫يستطيعون فى لمح البصر أن ينزلوا من السماء إلى الرض ‪ ،‬أو‬
‫أن يصعدوا من الرض إلى السماء ‪ 0‬حسبما يكلفهم الله من‬
‫مهمات يقومون بها فى طاعة كاملة وفى سرعة هائلة ‪ ،‬وأحيانا ً‬
‫بأسلوب معجزى حسب نوع المهمة ‪0‬‬
‫وأرواح الشياطين هى أيضا ً قوية ‪ ،‬ولكنها شريرة ‪ 0‬فقد كان‬
‫الشيطان ملكا ً حينما خلقه الله ولما سقط فقد قداسته وطهارته‬
‫‪ ،‬ولكنه لم يفقد طبيعته ‪000‬‬

‫والروح النسانية هى أيضا ً روح قوية ‪ 0‬ولكننا بمزيد السف لم نستخدم كل‬
‫طاقات أرواحنا ‪ 0‬مثلما استخدمنا طاقات العقل ‪0‬‬
‫فاستطاع العقل أن يصل إلى الكواكب ‪ ،‬وأن يخترع القمار‬
‫الصناعية والكومبيوتر والفاكس والتليفونات عابرة القارات‬
‫والمحيطات ‪ ،‬وأن يستخدم الليزر ‪ ،‬ويرقى فى كل مجالت العلم‬
‫‪ 000‬ولم تلحق به الروح فى رقيه ‪000‬‬
‫ولما لم نستخدم طاقات الروح ‪ ،‬ضعفت مثل آية طاقة أو موهبة‬
‫تضعف بعدم استخدامها أو بقلة استخدامها ‪0000‬‬

‫كثير من النساك وصلوا إلى درجات من شفافية الروح ‪0‬‬


‫ووصلوا إلى قامات روحية عالية فى صلتهم بالله – تبارك إسمه –‬
‫الذى منحهم مواهب عديدة أضيفت إلى القوة الروحية الطبيعية‬
‫التى لرواحهم ‪ 00‬بل إن جماعات من اليوجا ومن الهندوس‬
‫أمكنهم بتدريبات روحية قوية أن يكشفوا الطاقات القوية التى‬
‫لرواحهم حسب طبيعتها البشرية ‪ 0‬وقاموا بأعمال مذهلة يقف‬
‫أمامها العقل متعجبا ً ومبهورا ً ‪00‬‬
‫إن كان المر هكذا ‪ ،‬فكم بالولى أهل اليمان ‪ ،‬الين يتولى روح‬
‫الله قيادة أرواحهم ‪ 0‬وهم قد عاشوا فى تسليم كامل للمشيئة‬
‫اللهية ‪ !‍ 000‬وكما يقول بولس الرسول عنهم إنهم ينقادون‬
‫بروح الله ) رو ‪( 14 : 8‬‬

‫هناك أرواح كبيرة ‪ ،‬فوق المستوى الجسدى والنفسى والمادى ‪0‬‬


‫هذه تستطيع أن تقود نفسها ‪ ،‬وأن تقود غيرها ‪ ،‬وأن يكون لها‬
‫تأثير قوى على المجتمع الذى تعيش فيه ‪ 0‬بل كل من يتقابل مع‬
‫هذه الرواح ‪ ،‬يعر أنه منجذب لتأثيرها ‪ ،‬خاضع للقوة التى فيها ‪00‬‬
‫هذه هى أرواح قيادية ‪ 0‬وأرواح يمكنها أن تحمل مسئوليات ضخمة‬
‫تعجز عن حملها الرواح العادية ‪0‬‬
‫إنها أرواح كبيرة فى قدراتها ‪ ،‬فى مواهبها ‪ ،‬فى شفافيتها ‪ ،‬فى‬
‫معرفتها وحكمتها ‪ ،‬فى صلتها بالله ‪ 0‬كبيرة فى مستواها ‪ ،‬وفى‬
‫عملها ومعاملتها ‪ ،‬وفى تأثيرها على غيرها ‪ 0‬ينطبق على صاحب‬
‫هذه الروح قول المزمور " وكل ما يعمله ينجح فيه ) مز ‪( 1‬‬

‫هذه الرواح الكبيرة استطاعت أن تنال قوة من فوق ‪ ،‬من عمل الروح القدس‬
‫فيها ‪0‬‬
‫حسب الوعد اللهى ‪ :‬إنكم " ستنالون قوة متى حل الروح القدس‬
‫عليكم " ) أع ‪ 0 ( 8 : 1‬وأيضا ً قوله " تلبسون قوة من العالى "‬
‫) لو ‪0 ( 49 : 24‬‬
‫ومن أمثلة هذه الرواح ‪ :‬أرواح النبياء والرسل ‪ ،‬وكبار القديسين‬
‫والرعاة ‪ 0‬ومن قد نالوا من الله مواهب فائقة للطبيعة ) ‪1‬كو‬
‫‪0 ( 12‬‬

‫هذه الرواح الكبيرة – حتى بعد الموت يأتمنها الله على مهمات معينة تقوم بها‬
‫على الرض‬
‫كما يحدث بالنسبة إلى بعض القديسين ‪ ،‬يرسلهم الله إلى الرض‬
‫لكى يبلغوا رسالة خاصة ‪ ،‬أو أن يقوموا بمعجزة شفاء ‪ ،‬أو تقديم‬
‫معونة معينة لشخص ما أو لمجموعة من الناس ‪0‬‬
‫ليست كل الرواح يأتمنها الله على صنع معجزة ‪ ،‬لنه توجد أرواح‬
‫ضعيفة إذا أجترحت معجزة ‪ ،‬يدخل العجب إلى قلبها ‪ ،‬وترتفع فى‬
‫داخلها بكبرياء ‪ ،‬لنها لم تحتمل تلك الكرامة ‪ 0‬وكما قال القديس‬
‫النبا أنطونيوس إن أحتمال الكرامة أصعب من احتمال الهانة‬
‫‪000‬‬
‫فإن تكبرت الروح تفقد سموها وتسقط ‪0‬‬
‫كما تكبر الشيطان وسقط ) أش ‪ 0 ( 14 ، 13 : 14‬وكما قال‬
‫الكتاب " قبل الكسر الكبرياء ‪ ،‬وقبل السقوط تشامخ الروح " ) أم‬
‫‪0 ( 18 : 16‬‬

‫الروح تعيش الن محاطة بضباب الجسد وضباب المادة ‪0‬‬


‫وهذا الضباب يمنع عنها الكثير من المعرفة ‪ ،‬ويعوقها فى كثير‬
‫من الحيان عن التأمل فى اللهيات والتأمل فى السماويات ‪ 0‬بل‬
‫قد يجذبها الجسد معه إلى أسفل ‪ ،‬فتستغرق فى أمور العالم‬
‫الحاضر ‪ 0‬أو قد تضعف جدا ً ‪ ،‬فتشترك معه فى شهواته الجسدية‬
‫وتسقط ‪ ،‬أو على القل تستنفذ طاقتها الروحية فى الصراع مع‬
‫الجسد " الروح تشتهى ضد الجسد ‪ ،‬والجسد يشتهى ضد الروح ‪،‬‬
‫ويقاوم أحدهما الخر " ) غل ‪( 17 : 5‬‬

‫الروح الضعيفة تخضع للجسد ‪ ،‬والروح القوية تنتصر عليه ‪ 0‬والروح المتوسطة‬
‫تصارعه ‪ 0‬فأحيانا تعلو عليه ‪ ،‬وأحيانا تنجذب إليه ‪0‬‬
‫الروح القوية تغلب الشيطان أيضا ً ‪ 0‬يحاول أن يجس نبضها لكى‬
‫يعرف كنه معدنها ‪ 00‬مرة بفكر ‪ ،‬وأخرى بإغراء خاص ‪ ،‬أو بمداعبة‬
‫الحواس ‪ 0‬فإن ثبتت صامدة أمامه ‪ ،‬وقد أغلقت كل أبوابها فى‬
‫وجهه ‪ 00‬حينئذ يشعر بأنها من نوع غير عادى ‪ ،‬فيهابها ويخشاها‬
‫‪ 00‬وقد ترتقى مثل هذه الروح إلى الوضع الذى تستطيع فيه أن‬
‫تخرج الشياطين من المصروعين منها ‪ 0‬وتكون لصلواتها قوة‬
‫ترعب الشياطين ‪0‬‬

‫أما الرواح التى خضعت للشياطين ‪ ،‬وسارت فى تيارهم ‪ ،‬فهذه تكون‬


‫للشياطين سلطة عليها فى وقت الموت ‪0‬‬
‫يلتف الشياطين حولها ساعة الموت ‪ ،‬ول يعطونها فرصة للتوبة ‪،‬‬
‫بما يلقونه فى عقلها من أفكار وشهوات وأمنيات ‪ ،‬أو ما يلقونه‬
‫فيها من شكوك إيمانية كثيرة ‪ 0‬حتى إذا ما خرجت هذه الروح من‬
‫الجسد ‪ ،‬يجذبونها معهم إلى الهاوية ‪ ،‬لتكون فى صبحتهم بعد‬
‫الموت كما كانت معهم خلل حياتها الرضية ‪0‬‬

‫أصعب من هذا يا أخوتى ما يحدث لروح الملحد وغير المؤمن ‪0‬‬


‫هذا الذى ل يؤمن بوجود الله ‪ ،‬ول بالحياة الخرى ‪ 00‬يحدث له فى‬
‫ساعة الموت أن ترتعب روحه التى تشعر بأن الموت بالنسبة إليها‬
‫هو فناء وضياع ‪ ،‬ونهاية كاملة لوجودها ‪ 0‬وتتمنى لو كانت‬
‫تستطيع التخلص من أفكار الشك التى عليها ‪ 000‬وفى هذه‬
‫الحالة يغذى الشيطان كل هذه الفكار ‪ ،‬وكأنها نار يلقى عليها‬
‫حطبا ً ‪ 0‬فإذا خرجت روح الملحد من جسده ‪ ،‬ووجد أن هناك حياة‬
‫بعد الموت ‪ ،‬يشعر بخوف كبير بسبب عدم إيمانه ‪ ،‬ويشعر أنه‬
‫غريب فى جو لم يألفه ‪ 0‬فتستطيع أن تجذبه إليها أيضا ً ‪ 0‬وتقول‬
‫له ‪ :‬أنت للنا بجملتك ‪000‬‬
‫أما الرواح القوية فل تخف ‪ 0‬هى أقوى من الخوف ‪0‬‬
‫إنها ل تخاف الموت ‪ ،‬لنها أستعدت له باليمان والتوبة ‪ 0‬ول‬
‫تخاف مما بعد الموت ‪ ،‬إذ لها رجاء فى الحياة البدية والعشرة مع‬
‫الله فيها ‪0‬‬
‫ً‬
‫إنها تدرك تماما أن الموت هو مجرد انتقال من حياة أرضية‬
‫مادية ‪ ،‬إلى حياة سمائية أفضل بكثير ‪ 0‬فتفرح بما يسمونه الموت‬
‫‪ 0‬ولكنها تسميه النطلق من روابط الجسد المادية ‪ 0‬وهى ل‬
‫تخاف أيضا ً من الشياطين الذين ل يجدون لهم مكانا ً فيه ‪0‬‬
‫والجمل من هذا كله أنها فى ساعة الموت ‪ ،‬تحيط بها الملئكة ‪،‬‬
‫وتحملها إلى الفردوس ) لو ‪ ( 22 : 16‬وتزفها فى فرح إلى مجمع‬
‫البرار ‪0‬‬

‫الرواح القوية – فى حياتها على الرض – تستطيع أن تجذب الجسد إلى حياة‬
‫الطهارة ‪ ،‬ويمكنها أن تحمله وتصعد به إلى ما هو فوق مستواه المادى ‪0‬‬
‫أنظروا إلى روح مثل روح يوسف الصديق ‪ ،‬كيف رفعته روحه‬
‫الطاهرة القوية إلى مستوى فوق الجسد وفوق كل شهواته‬
‫وملذه ‪ ،‬فكان ساميا ً جسدا ً وروحا ً على الرغم من الغراءات‬
‫التى أحاطت به ) تك ‪0 ( 39‬‬
‫كذلك فى الصوم ‪ ،‬إذا انشغل النسان بالفكر الروحى ‪ ،‬ل يشعر‬
‫بتعب الجسد مهما صام ‪ 0‬لن الروح حينئذ ترفع الجسد وتحمله ‪0‬‬
‫مثال ذلك من ينشغل بقصة جميلة جدا ً تستهوى روحه وفكره ‪ :‬إن‬
‫قالوا له تعال فالكل معد ‪ ،‬يقول ليس الن ‪ 0‬ول يشعر بجوع‬
‫فروحه منشغلة ‪ 00‬وهكذا أيضا ً من ينشغل بألحان أو قراءات أو‬
‫تأملت روحية ‪ ،‬تجعل روحه فى حالة ل تعبا ً فيها بتعب الجسد ‪0‬‬
‫ومثل هذا يحدث لنا فى أيام مقدسة مثل أسبوع اللم ‪ ،‬وبالذات‬
‫يوم الجمعة البيرة بكل ما تحمل من صوم شديد‬

‫الروح القوية تحمل الخرين أيضا ً ‪ 0‬وتحتمل اساءاتهم ‪0‬‬


‫الروح الضعيفة هى التى يقوى عليها الغضب والضيقة والرغبة‬
‫فى النتقام من اساءات الناس ‪ 0‬أما الروح القوية فهى كالجبل‬
‫الراسخ تصدمه الرياح والزوابع والرمال ‪ ،‬وهو صامد ل يتأثر ‪00‬‬
‫لذلك قال الرسول " يجب علينا نحن القوياء أن نحتمل ضعفات‬
‫الضعفاء ‪ ،‬ول نرضى أنفسنا " ) رو ‪( 1 : 15‬‬
‫ل شك أن الذى يحتمل هو أقوى روحا ً من الذى يعتدى ‍!‬
‫الروح القوية ل تهزها الخبار ول الحداث بل ل يتعبها لمرض‬
‫واللم ‪ 0‬يقول الطباء عن أمثال هؤلء إن روحهم المعنوية قوية‬

‫النسان الذى له روح قوية يتمتع بحرارة الروح ‪0‬‬


‫تكون صلته حارة ومستجابة ‪ ،‬تستطيع أن تفتح أبواب السماء ‪0‬‬
‫وكل عمل طيب تعمله الروح فى حرارة ‪ ،‬بغير تكاسل ول تهاون ‪،‬‬
‫بل بحماس وغيره ونشاط ‪ 0‬وإن قامت بمسئولية معينة أو بخدمة‬
‫للغير ‪ ،‬تفعل ذلك بكل عواطفها ‪ 0‬لذلك ينصحنا الكتاب بأن نكون‬
‫" حارين فى الروح " ) رو ‪0 ( 11 : 12‬‬

‫هذه الروح الحارة الطاهرة ‪ ،‬تكون لها هيبة ‪0‬‬


‫مثل هيبة الباء أمام أبنائهم ‪ ،‬وهيبة المرشدين أمام تلميذهم ‪0‬‬
‫يكون لها هيبة أمام أفكار الخطية ‪ 0‬فأى فكر أو شعور خاطئ ل‬
‫يقوى على القتراب إليها ‪ 0‬بل تكون لها هيبة أمام الشرار وأمام‬
‫الشياطين ‪ 0‬فيخجل الشرار أن يتسهتروا أمام روح طاهرة ‪ ،‬ول‬
‫يجرؤون على ذلك ‪000‬‬

‫يا أخوتى وأبنائى الحباء ‪0‬‬


‫إن كنا ونحن نتحدث عن القيامة نذكر البدية ومصيرنا البدى ‪ ،‬فلنستعد لذلك‬
‫بتقوية أرواحنا والسلوك بالروح ‪0‬‬
‫فقد قال الكتاب " أسلكوا بالروح ‪ ،‬ول تكملوا شهوة الجسد "‬
‫) غل ‪ 0 ( 16 : 5‬فالسلوك بالروح هو الذى يوصلنا إلى الله ‪0‬‬
‫والشخص الذى يسلك بالرجوع ‪ ،‬ل يكون جسدانيا ً ول ماديا ً ول‬
‫شهوانيا ً ‪ 0‬بل تكون حياته روحية ‪ ،‬وأهدافه روحية ‪ ،‬ووسائله‬
‫روحية ‪ ،‬وكلماته روحية ‪ ،‬ومعاملته روحية وأفكاره روحية ‪،‬‬
‫وأحاديثه روحية ‪ 0‬وكل من يتصل به ينتفع بأسلوبه الروحى‬
‫وقدوته الروحية ‪ 000‬مثل هذا يكون له فى القيامة نصيب مع‬
‫البرار الذين لم يسلكوا حسب الجسد ‪ ،‬بل حسب الروح ) رو ‪: 8‬‬
‫‪(1‬‬

‫ولكى نصل إلى هذا علينا بتقوية أرواحنا ‪0‬‬


‫نغذى روحنا بالصلة والتأمل والقراءات الروحية والتفكير الروحى‬
‫‪ 0‬ونغذيها بالفضائل الساسية كمحبة الله ومحبة الناس ومحبة‬
‫الغير ‪ 0‬ونغذيها بالسلم والوداعة واليمان والتضاع ‪ 0‬ونبعد عنها‬
‫كل ما يهدم بناءها على الرض ‪ ،‬ويقوى أرواحنا ‪ ،‬ويجذبنا إليه ‪،‬‬
‫فتسكن محبته فى قلوبنا ونستطيع بنقاوة الروح أن نسكن فى‬
‫السماء مع الله ‪ ،‬ومع أرواح الملئكة والقديسين ‪ ،‬بعد القيامة‬
‫‪000‬‬
‫أهنئكم يا أخوتى الحباء بعيد القيامة المجيد ‪ ،‬راجيا ً لكم فيه‬
‫ولبلدنا العزيزة كل خير وبركة ‪0‬‬
‫وفى مناسبة عيد القيامة ‪ ،‬نود أن يكون لنا تأمل روحى فى‬
‫القيامة ‪ ،‬حتى نستشف ما تحوى من معان عميقة ‪000‬‬
‫المعروف أن القيامة هى قيامة الجسد ‪ ،‬لن الروح عنصر حى ل يموت ‪0‬‬
‫فلماذا اهتم الخالق العظيم بقيامة الجساد ‪ ،‬على الرغم من صعوبة عملية‬
‫قيامة الجساد ؟‬
‫ً‬
‫هذه الجساد التى ماتت وتحللت وامتصت الرض كثيرا من‬
‫عناصرها ‪ ،‬وأكل الدود ما أكله منها ‪ ،‬وتحول الباقى إلى تراب ‪،‬‬
‫حسب قول الرب لبينا آدم بعد أن أخطأ " لنك تراب وإلى التراب‬
‫تعود " ) تك ‪ 0 ( 19 : 3‬وكما قيل فى سفر الجامعة عن الموت "‬
‫يرجع التراب إلى الرض كما كان ‪ 0‬وترجع الروح إلى الله الذى‬
‫أعطاها " ) جا ‪ 0 ( 7 : 12‬والصعب من هذا أن بعض الجساد قد‬
‫حرقت ‪ ،‬والبعض أفترسته حيوانات ‪ ،‬والبعض دخل فى تركيبات‬
‫أخرى معتدة ‪0‬‬

‫إذن معجزة إعادة الجساد إلى وضعها الول هى معجزة خارقة للطبيعة ليس‬
‫من السهل فهمها يضاف إليها مناداة الرواح من مستقرها ‪ ،‬لتتعرف على‬
‫أجسادها وتتحد بها ‪ ،‬فتعود إليها الحياة ‪0000‬‬
‫فقيام الله ‪ -‬جل إسمه – بهذه المعجزة الجبارة التى تشمل‬
‫مليين المليين من الجساد من أيام أبينا آدم حتى يوم القيامة‬
‫‪ 00‬لبد وراء هدف إلهى فى الهتمام بهذه الجساد ‪ ،‬ليكون لها‬
‫وجود واستمرارية فى العالم الخر ‪000‬‬

‫فهل تستحق الجساد من الله كل هذا الهتمام ؟ ولماذا ؟‬


‫أما كان ممكنا ً أن تبقى الرواح وحدها فى العالم الخر ‪ ،‬بينما‬
‫؟! وتكون السماء للرواح فقط ملئكة وبشرا ً‬ ‫تترك الجساد للفناء ‍‬
‫! ول داعى لتلك المعجزة الصعبة فى أقامة الجساد !!‬
‫ولكن الروح وحدها ل تكون إنسانا ً ‪ 0‬فالنسان مركب من روح‬
‫وجسد ‪ 0‬ولبد أن يقوم كله ‪ ،‬ويقف أمام الديان العادل لينال‬
‫حسابه وجزاءه حسبما فعل وهو فى الجسد خيرا ً كان أم شرا " )‬
‫ً‬
‫‪2‬كو ‪( 10 : 5‬‬

‫أحب أن أقول أول ً إن الله قد اهتم بالجسد البشرى منذ بدء خلقه للنسان ‪:‬‬
‫وذلك بما وضعه فى هذا الجسد من آلت دقيقة عجيبة ‪0‬‬
‫مهما أوتى عقل النسان من ذكاء ‪ ،‬ل يستطيع أن يأتى بواحدة‬
‫من هذه الجهزة البشرية ‪0‬‬
‫مثال ذلك ما وضعه الله فى اللسان من النطق ) إن خدش هذا‬
‫اللسان وأصابته لعثمة أو عجز فى النطق ‪ ،‬ل تستطيع كل مهارات‬
‫البشر أن ترجعه إلى وضعه السليم ‪ 00‬ونقول نفس الوضع عن‬
‫جهاز السمع ‪ 0‬إن فقدت الذن البشرية قدرتها ‪ ،‬وأصيب النسان‬
‫بالصم ‪ ،‬هل يمكن لكل التكنولوجيا الحديثة أن تعيد إليه سمعه ؟!‬
‫كل بل شك ) إن جهاز السمع معجزة إلهية ‪000‬‬
‫وكذلك ما وضعه الله فى المخ من مراكز للحركة وللبصر والنطق‬
‫أيضا ً مع مراكز التفكير ‪000‬‬
‫المخ هو هذه اللة الدقيقة العجيبة التى إن توقفت ‪ ،‬توقفت حياة‬
‫الجسد كله ‪ 0‬والتى إن أختل أحد مراكزها ‪ ،‬صار النسان عاجزا ً‬
‫تماما ً من جهة عمل هذا المركز ‪ 0‬إن أختل مركز الحركة مثل ً ‪،‬‬
‫أصيب النسان بالشلل ‪ ،‬وهكذا مع باقى مراكز المخ ‪0‬‬
‫وما نقوله عن المخ ‪ ،‬نقوله عن العصاب ‪ ،‬وما وضعه الله فيها‬
‫من الحساس ‪ 0‬فإن تلفت العصاب تماما ً ‪ ،‬ل توجد قوة بشرية‬
‫تعيدها إلى حالتها الولى ‪000‬‬
‫وبالمثل ما وضعه الله فى كل آلة من آلت جسدنا الدقيقة‬
‫العجيبة ‪ ،‬ومن الوظائف المتنافسة ‪ 00‬التى إن أختل بعضها ‪،‬‬
‫يكون من الصعب جدا ً أن يرجع إلى وضعه الول ‪ ،‬أو إلى دقة‬
‫حالته الولى ‪0‬‬
‫نضيف إلى كل هذا اهتمام الله بالجسد فى القيامة ‪0‬‬
‫حينما يلبس هذا المائت عدم موت ‪ 1 ) ،‬كو ‪0 ( 54 ، 53 : 15‬‬
‫وحينما يتحول الجسد الترابى – فى القيامة – إلى الجسد‬
‫سماوى ‪ ،‬وإلى جسد روحانى ) ‪1‬كو ‪0 ( 44 ، 49 : 15‬‬

‫ثم لماذا أيضا ً يقام الجسد ‪ ،‬على الرغم من كل من يقال ضده ؟!‬
‫ما أكثر الخطايا التى تنسب إلى الجسد ‪ ،‬وما أكثر الفضائل التى‬
‫تنسب إلى الروح ‪ 0‬حتى أنه كثيرا ً ما يوصف الشرير بأنه إنسان‬
‫جسدانى ‪ ،‬ويصف البار بأنه إنسان روحانى ‪ ! 00‬فلماذا يقام‬
‫الجسد إذن ؟!‬
‫ومع أننا ل ننكر أن الجسد طبيعته مادية ‪ ،‬والروح طبيعتها روحية‬
‫‪ 0‬ومع ذلك فغالبية الخطاء يشترك فيها الجسد والروح معا ً ‪0‬‬
‫وأيضا ً قد تكون بعض الخطاء من خطايا الروح وحدها كالكبرياء‬
‫مثل ً أو الحسد ‪ 0‬وإن كان الجسد قد يعبر أحيانا ً عن إحدى هاتين‬
‫الخطيتين وأمثالهما بطريقته الخاصة ‪0‬‬

‫على أننا ل نستطيع أن نقول إن الجسد شر فى ذاته ‪0‬‬


‫لنه لو كان كذلك ما خلقه الله ‪ 00‬فالله ل يمكن أن يخلق شرا ً ‪0‬‬
‫كما أنه مر وقت علىالبشرية – قبل الخطيئة – كان الجسد والروح‬
‫كلهما بارين ‪ 0‬ولو كان الجسد خطيئة فى ذاته ‪ ،‬ما كنا نكرم‬
‫رفات القديسين وعظامهم ونتبارك بها ‪ 0‬أيضا ً لو كان الجسد شرا ً‬
‫فى ذاته ‪ ،‬ما كان يقيمه الله ‪ 00‬إنما الجسد بطبيعته قابل للميل‬
‫إلى الخير والشر ‪ ،‬حسبما توجهه إرادة النسان ‪ 0‬وكذلك الروح‬
‫‪000‬‬

‫" الجسد يمكنه أن يعمل الخير ‪ 0‬ولذلك قال الكتاب " مجدوا الله فى‬
‫أجسادكم وفى أرواحكم التى هى لله " ) ‪ 1‬كو ‪0 ( 20 : 6‬‬
‫إذن يمكن أن نمجد الله بأجسادنا ‪0‬‬
‫مثال ذلك الجسد العابد ‪ ،‬الذى يركع أمام الله ‪ ،‬ويسجد ‪ ،‬ويرفع‬
‫يديه إلى فوق بالصلة ويقرع صدره ندما ً على خطاياه ‪ 0‬الجسد‬
‫الذى يضبط نفسه بالصوم ‪ 0‬والذى يستخدم لسانه فى التسبيح‬
‫والترتيل والصلة ‪ ،‬وفى تلوة كلم الله وإنشاده ‪ 00‬كما يستخدم‬
‫لسانه فى الوعظ والتعليم والنصح والكلمة الطيبة ‪ 000‬وهو الذى‬
‫يبذل ذاته من أجل وطنه ‪ ،‬وهو الذى يمد يده ليعطى للفقير‬
‫وللمسكين ‪0‬‬
‫فلماذا ننظر إليه فى إقلل لشأنه ؟! أليست أصابع الفنان هى‬
‫التى تتحرك على آلة موسيقية ‪ ،‬فتتحرك معها القلوب ‪ ،‬ويمكنها‬
‫أن تحركها نحو الخير ‪ 0‬أليست أصابع الفنان تتحرك بالرسم أو‬
‫النحت أو التصوير ‪ ،‬فتقدم فنا ً – إن أرادت – تحرك به القلوب نحو‬
‫الخير‬
‫الجسد إذن ليس شرا ً فى ذاته ‪ ،‬إنما يمكن أن يعمل فى مجالت‬
‫الخير أو الشر ‪ ،‬والروح كذلك تعمل فى كليهما ‪ 0‬ويشتركان معا ً ‪0‬‬

‫إن بعض الذين ينكرون القيامة ‪ ،‬يبدون فى أسلوبهم احتقار الجسد ‪0‬‬
‫على اعتبار أن الجسد هو من المادة ‪ ،‬بينما الروح لها جوهر يسمو‬
‫بما ل يقاس عن طبيعة الجسد ‪ 0‬ولكننا نقول إنه على الرغم من‬
‫أن النسان من طبيعتين أحداهما روحية والخرى مادية ‪ ،‬وإل‬
‫أنهما اتحدا فى طبيعة واحدة هى الطبيعة البشرية ‪0‬‬
‫والجسد على الرغم من أنه من المادة ‪ ،‬إل أنه يستطيع أن يسلك‬
‫بطريقة روحانية ‪ ،‬إذا اشترك مع الروح فى العمل الروحى ‪0‬‬

‫ومثل الجسد العابد ‪ ،‬الجسد الحر غير المستعبد لعادة ‪0‬‬


‫ل تستعبده عادة رديئة ‪ ،‬كالتدخين ‪ ،‬أو السكر ‪ ،‬وإدمان الخمر أو‬
‫إدمان المخدرات ‪ ،‬وغير خاضع لية عادة شهوانية ‪ ،‬ل شهوة الزنا‬
‫أو البطنة ‪ 00‬إنما هو جسد منضبط ‪0‬‬
‫مثل هذا الجسد ‪ ،‬هو جسد طاهر‬
‫ل يسمح لنفسه أن يقع فى دنس أو نجاسة ‪ ،‬ول أن يوقع غيره‬
‫فى خطيئة ما ‪ 0‬ل يسعى إلى الخطيئة ‪ 0‬وإن طرقت بابه ‪ ،‬ل‬
‫يقبلها ‪ 0‬كما فعل يوسف الصديق الذى رفض الدنس حينما سعى‬
‫ذلك إليه ‪ 0‬وقال " كيف أفعل هذا الشر العظيم ‪ ،‬وأخطئ إلى‬
‫الله ؟! " ) تك ‪0 ( 9 : 39‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وهكذا يكون الجسد الطاهر محتشما أيضا ‪0‬‬

‫ومن الجساد الخيرة ‪ ،‬الجسد الذى يتعب لجل عمل الخير ‪000‬‬
‫سواء فى رفع مستواه النسانى ‪ ،‬كما يقول الشاعر ‪:‬‬
‫تعبت فى مرادها‬ ‫وإذا كانت النفوس كبارا ً‬
‫الجساد‬
‫ومن هذا النوع أيضا ً ‪ :‬الجسد الذى ل يتكاسل ول يهمل فى أداء ‪،‬‬
‫أو فى القيام بمسئولية تعهد إليه ‪ ،‬أو يتطوع من ذاتها لدائها ‪0‬‬
‫والذى يسرع لنقاذ غيره بكل همة ‪ 0‬ويكون موضع ثقة فى كل ما‬
‫يقوم به من عمل ‪ 0‬إنه جسد خير ‪0‬‬
‫إنه جسد خدوم ‪ ،‬يبذل ذاته وراحته لكى يريح غيره ‪0‬‬
‫نوع آخر من الجساد الخيرة ‪ ،‬الجسد الذى يقبل تحمل اللم ‪0‬‬
‫مثل ذلك الشهداء الذين يضحون بأجسادهم ‪ ،‬أو يفقدون بعض‬
‫أعضائهم من أجل وطنهم أو دينهم ‪ ،‬أو من أجل إنقاذ الخرين‬
‫كعمال المطافئ مثل ً ‪ ،‬أو منقذى الغرقى ‪ ،‬أو المتبرعين بدمائهم‬
‫أو بأعضائهم لجل حياة غيرهم ‪ 00‬كلها أجساد تعمل فى مجال‬
‫الخير لنفع الغير بأسلوب من التضحية أو الفداء ‪0‬‬

‫نوع آخر من الجساد الفاضلة ‪ :‬الجسد الوديع المتواضع ‪0‬‬


‫ً‬
‫الذى ل يتعالى على غيره ‪ ،‬ول يمشى فى الرض مرحا ‪ ،‬ول‬
‫يجلس فى كبرياء ‪ ،‬ول يسعى إلى الرفاهية والمتعة على حساب‬
‫غيره ‪ ،‬ول يتهافت على المتكآت الولى ‪ ،‬ول يزاحم الناس فى‬
‫طريق الحياة ‪ 0‬بل يقدم غيره على نفسه إيثارا ً وحبا ً وتواضعا ً‬
‫‪0000‬‬

‫وبالضافة إلى كل هذا نقول إن الجسد هو المعبر العملى عن مقاصد الروح ‪0‬‬
‫إن كانت الروح هى السلطة التشريعية فى حياة النسان ‪ ،‬يكون‬
‫الجسد هو السلطة التنفيذية ‪ ،‬والضمير هو السلطة القضائية ‪0‬‬
‫الجسد هو الكيان المرئى للنسان ‪ ،‬وهو العنصر العامل ‪0‬‬
‫الروح العاقل تفكر ‪ ،‬ولكن الذى ينفذ هو الجسد ‪ 0‬ولول الجسد ‪،‬‬
‫لكان عمل الروح هو مجرد وضع نظرى ل يزيد عنه شيئا ً ‪0‬‬

‫كل العنصر العملى واقع على الجسد ‪0‬‬


‫قد يضع الفكر خططا ً لمخترعات أو تصميمات لها ‪ 0‬ولكن الجسد‬
‫هو الذى يحولها إلى واقع عملى ‪ 0‬والمور النظرية التى تشاءها‬
‫الروح ‪ ،‬الجسد هو الذى يجعل لها وجود عملى ‪0‬‬
‫الروح والعقل يقدمان مفهوما ً للخير ‪ 0‬والجسد هو الذى يعمل‬
‫الخير ‪ 0‬هو شريك للروح يعملن معا ً ‪ :‬الروح للتخطيط ‪ ،‬والجسد‬
‫للتنفيذ ‪0‬‬

‫الجسد هو الذى يعمر الرض ‪ ،‬لوله ما عمرت ‪0‬‬


‫الفكر وحده ل يقوم بتعمير ‪ ،‬بدون جهاز تنفيذى ‪0‬‬
‫الروح قد يكون لها بعض المانى والحلم ‪ 0‬ولكن الذى يحققها‬
‫لها هو الجسد ‪ 0‬وإل بقيت فى حدود الرغبات وليس غير ‪00‬‬

‫الجسد أيضا ً هو سبب التكأثر فى الكون ‪0‬‬


‫الروح وحدها ليست مصدرا ً للتكأثر ‪0‬‬
‫إذن لول الجسد ما عمرت الرض ‪ ،‬سواء من جهة العمارة أو‬
‫الصناعة أو الزراعة وما إلى ذلك ‪ 0‬ولوله ما عمرت أيضا ً بالبشر‬
‫‪000‬‬

‫إننا ل نستطيع أن نفصل الجسد عن الروح فى كل تلك المور والعمال ‪0‬‬


‫والله ل يفصلهما أيضا ً فى البدية ‪0‬‬
‫فى العالم الخر يعود التحاد بين الجسد والروح ‪ 0‬فلول هذا‬
‫التحاد ل يكون النسان إنسانا ً ‪ 0‬طبيعته خلقها الله هكذا ‪000‬‬
‫ولول فنى الجسد ولم يقم ‪ ،‬فأى فرق إذن بينه وبين جسد‬
‫الحيوان ؟! بينما جسد النسان هو أكثر الجساد سموا ً فى‬
‫تركيبه ‪ ،‬وهو أيضا ً أجمل الجسام وأكثرها قدرة ‪ ،‬وله طاقات‬
‫متعددة ‪0‬‬

‫الجسد هو الوعاء الذى يحوى الروح ‪0‬‬


‫وكثيرا ً ما يكون الجسد مطيعا ً للروح منقادا لها ‪ ،‬شريكا لها فى‬
‫ً‬
‫الخير ‪ ،‬غير مقاوم لها ‪ 000‬متساميا ً فوق مستوى المادة فى‬
‫نسكياته وزهده ‪0‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫بل إن الروح تزداد درجة ‪ ،‬حينما تسلك سلوكا روحيا ساميا على‬
‫الرغم من اتحادها بمادة الجسد ‪ 0‬فتنتصر على هذا العائق المادة ‪،‬‬
‫وتجعل الجسد المادى يسلك معها سلوكا ً روحيا ً ‪ 0‬فيتقدس‬
‫باشتراكه معها فى محبة الله ‪ ،‬وفى محبة الناس ‪ ،‬وفى عمل‬
‫الخير ‪000‬‬

‫بالقيامة يلتقى هذا الصديقان – الروح والجسد – اللذان عاشا فى‬


‫عشرة عجيبة طوال العمر الرضى ليكمل عشرتهما معا ً فى‬
‫العالم الخر ‪ ،‬مشتركين فى دينونة واحدة ‪0‬‬
‫وفى القيامة سيتحول هذا الجسد المادى إلى جسد روحى ) ‪ 1‬كو ‪( 15‬‬
‫ويتجلى فى طبيعته ‪ ،‬ويسلك كما يليق بسكان السماء ‪0‬‬
‫مبارك هو الرب الحكيم فى خلقه للنسان ‪ ،‬العادل فى معاملته له‬
‫جسدا ً وروحا ً ‪ ،‬الذى يستخدم الكل للخير ‪0‬‬
‫أعود فأكرر تلك الية الجميلة " مجدوا الله فى أجسادكم وفى‬
‫أرواحكم التى هى لله " ) ‪ 1‬كو ‪ 00 ( 19 : 6‬نعم لقد خلق الله‬
‫الجسد لكى يكون له ‪ :‬ينفذ مشيئته على الرض ‪ ،‬ويقوم لينال‬
‫مكأفأته فى السماء ‪0‬‬
‫وانتهز فرصة هذا العيد ‪ ،‬لطلب أن يعيده الله علينا كل عام‬
‫بالخير والبركة ‪ ،‬وأن يقدسنا الله جسدا ً وروحا ‪ ،‬وأن يجعل السلم‬
‫يسود منطقة الشرق الوسط ‪ ،‬هذه التى شهدت أول قيامة‬
‫ممجدة ‪ 00‬نطلب من الله القادر على كل شئ ‪ ،‬أن يعيد إليها‬
‫الهدوء والسلم وكل عام وجميعكم بخير ‪0‬‬
‫حينما يموت النسان ‪ ،‬تنفصل روحه عن جسده ‪ 0‬ولكن الروح تظل تنتظر‬
‫الجسد إلى يوم القيامة ‪ ،‬فتتحد به ‪ ،‬ويدخلن معا إلى السماء ‪ 0‬إذن السماء‬
‫هى أملنا وهدفنا ومصيرنا البدى ‪0‬‬
‫وقد وجه الله أبصارنا إلى السماء من أول آية فى الكتاب‬
‫المقدس ‪ ،‬إذ تقول " فى البدء خلق الله السموات والرض " ) تك‬
‫‪ 0 ( 1 : 1‬والمقصود بالبدء هنا ‪ ،‬بدء قصة الخليقة ‪ 0‬ونلحظ أنه‬
‫ذكر السموات قبل الرض لسموها وعلوها وقداستها ‪0‬‬

‫وتحدث عن السموات بصيغة الجمع ‪ ،‬لنه توجد أكثر من سماء ‪:‬‬


‫أ – سماء طيور ‪ :‬وهى المجال الجوى الذى تسبح فيه‬
‫الطائراتوالطيور والكتاب يقول عن الطيور " طيور السماء " ) مت ‪6‬‬
‫‪0 ( 26 :‬‬
‫ب – سماء الفلك ‪ :‬التى توجد فيها الشمس والنجوم والكواكب ‪ ،‬وقد‬
‫وضع لها الله قوانين دقيقة تحكمها ‪ 0‬وعنها قيل فى المزمور "‬
‫السموات تحدث بمجد الله ‪ 0‬والفلك يخبر بعمل يديه " ) مز ‪( 1 : 19‬‬
‫‪0‬‬
‫ج – سماء الرواح والملئكة ‪ 0‬وقد أشار إليها القديس بولس‬
‫الرسول وسماها الفردوس أو السماء الثالثة ‪0‬‬
‫د – وهناك ما هو أعلى وأسمى من هذا كله ‪ 0‬وهو ما سماه الكتاب "‬
‫سماء السموات " ) مز ‪ ( 4 : 148‬وهى عرش الله ‪ 0‬وعنها قال‬
‫السيد المسيح فى العظة على الجبل " السماء كرسى الله ‪00‬‬
‫والرض موطئ قدميه " ) مت ‪ 0 ( 35 ، 34 : 5‬وهنا نسأل ‪:‬‬

‫ما دام الله فى كل مكان ‪ ،‬فما معنى أن السماء هى عرش ؟‬


‫معنى ذلك ‪ :‬أن السماء هى موضع مجده ‪000‬‬
‫الله مطاع فى السماء طاعة مطلقة وسريعة من كل القوات‬
‫السمائية ومن ملئكته " الفاعلين أمره عند سماع صوت كلمه " ) مز‬
‫‪ 0 ( 20 : 103‬فى السماء مشيئة الله منفذة من الكل ‪ ،‬بل نقاش ‪،‬‬
‫بل إبطاء ‪ ،‬بل بكل طاعة وحب ‪ 0‬ولذلك نقول للرب فى صلواتنا "‬
‫لتكن مشيئتك ‪ 0‬كما فى السماء ‪ ،‬كذلك على الرض " ) مت ‪( 10 : 6‬‬
‫‪0‬‬
‫ً‬
‫على الرض نجد أناسا ينكرون وجود الله ‪ ،‬وآخرين يقاومونه‬
‫ويعصون وصاياه ‪ ،‬ويدنسون الرض بخطاياهم ‪ 00‬أما السماء فهى‬
‫مكان مقدس ‪ ،‬يليق بمجد الله ‪ ،‬ويتم كل شئ فيه حسب مشيئة الله‬
‫الصالحة ‪0‬‬
‫والله فى السماء مركز التسبيح من الجناد السمائية ‪0‬‬

‫إن تأملنا فى السماء يرفع مستوى تفكيرنا ‪ ،‬ويجعلنا نعيش فى جو روحى ‪0‬‬
‫لننا طالما ننشغل بالرض ‪ ،‬وتصبح هى مركز تفكيرنا واهتماماتنا ‪،‬‬
‫فإننا نعيش فى جو مادئ ‪ ،‬غرباء عن الله وعن الروحيات‬
‫والسماويات ‪ 0‬أما القديسون الذين ركزوا فكرهم فى الله وفى‬
‫السماء وما فيها من ملئكة وأرواح البرار ‪ ،‬فهؤلء شعروا أنهم‬
‫غرباء على الرض ‪ ،‬موطنهم الصلى هو السماء ‪ ،‬يشتاقون إلى‬
‫الرجوع إليه ‪0‬‬

‫ونحن ‪ ،‬أترانا نفكر فى عرش الله ومجده ‪ ،‬أم أننا ننشغل بالرض والتراب‬
‫والرماد والمادة ‪0‬‬
‫ونظل هكذا للسف الشديد ‪ ،‬حتى يدركنا الموت ‪ ،‬فندرك أننا قد‬
‫ضيعنا العمر فى أمور عديدة ل نأخذها معنا فى أبديتنا ‪0‬‬
‫وفى مناسبة الحديث عن السماء وعرش الله ‪ ،‬أتذكر إننى قلت فى‬
‫إحدى قصادنى لله‬
‫تبارك إسمه ‪:‬‬
‫فى سكوت الصمت‬ ‫ما بعيد أنت عن روحى التـى‬
‫تستوحى نداك‬
‫كل قلب عاش فى الحب‬ ‫ً‬
‫فى سماء أنت حقـا ‪ ،‬إنـتما‬
‫سمـاك‬
‫من هوى الدنيا فل يحوى‬ ‫عرشك القدس قلب قد خـل‬
‫سواك‬
‫عن رؤى الشياء على أن‬ ‫هى ذى العين وقد أغمضهـا‬
‫أراك‬
‫من حديث الناس حتى أسمعك‬ ‫وكــذا الذن لقد أخليـتها‬
‫‪00‬‬

‫فى مرة من المرات يا أخوتى ‪ ،‬التقى بأحد القديسين واحد من‬


‫الملحدين ‪ 0‬وسأله الملحد " أين يوجد الله ؟ فوضع القديس يده على‬
‫قلبه ‪ ،‬وقال " يوجد هنا " ‪ 000‬نعم ‪ ،‬يوجد الله فى كل قلب يحبه ‪،‬‬
‫لن الله موجود فى كل مكان ‪ ،‬ل تحده سماء ول أرض ‪000‬‬
‫ولكن الله يريدنا أن تتعلق قلوبنا وأفكارنا بالسماء ‪ ،‬لكى نسمو ‪0‬‬
‫وهكذا دعانا أن نصلى ونقول ‪ " :‬أبانا الذى فى السموات " لكى‬
‫نتذكر السموات أيضا ً فى صلواتنا ‪ ،‬بينما الله موجود فى كل مكان ‪0‬‬
‫ولكننا نذكره بالكثر فى سمائه ‪ ،‬حيث هو ممجد ومسبح ‪ 0‬كما نذكره‬
‫فى سمائه التى سينقلنا إليها ‪ ،‬لنكون معه فى كل حين ‪ ،‬فى حياة‬
‫قدسية طاهرة ‪00‬‬

‫وهكذا فنحن دائما حينما نصلى ‪ ،‬نرفع أنظارنا إلى فوق ‪ ،‬إلى السماء ‪0‬‬
‫وفى ذلك نتذكر أن لنا أسرة كبيرة هناك ‪ ،‬من الملئكة ومن أرواح‬
‫القديسين الذين سبقونا إلى السماء ‪ ،‬بعد أن انتصروا فى جهادهم‬
‫على الرض ضد الخطايا والشهوات ‪ 0‬وأصبحوا من " أهل‬
‫بيت الله " ) أف ‪0 ( 19 : 2‬‬
‫ً‬
‫ونجد أن النجيل المقدس يحدثنا كثيرا عن " ملكوت السموات " ‪ ،‬أى‬
‫مملكة الله التى فى السموات ‪ ،‬من كل الذين أحبوه وأطاعوه ‪،‬‬
‫وجعلوا قلوبهم هياكل مقدسة له ‪0‬‬

‫إن السماء ل يدخلها إل الطاهرون ‪0‬‬


‫أما الخطاة ‪ ،‬فيبقون فى الظلمة الخارجية ) مت ‪ 0 ( 30 : 25‬يكفى‬
‫أنهم نجسوا الرض بخطاياهم ‪ 0‬فلم يعودوا مستحقين للوجود مع‬
‫الطهار فى السماء ‪0‬‬
‫لذلك حينما نذكر السماء ‪ :‬إنما نضع فى أذهاننا كيف نستعد لها ‪0‬‬
‫وكيف نسلك بالروح ‪ ،‬ونتعلق بالمور الروحية التى تقربنا إلى الله ‪،‬‬
‫ونجد لذة فى الصلة وفى التأمل وفى الحديث عن اللهيات ‪ ،‬وفى‬
‫محبة اله وكل ما يوصلنا إليه ‪0‬‬

‫وهكذا ندخل فى مذاقة الملكوت ونحن على الرض ‪0‬‬


‫نذوق شيئا ً – مهما كان ضيئل ً – من الجو الروحي الموجود فى‬
‫السماء ‪ ،‬ونتمتع بالعشرة اللهية خلل حياتنا الرضية ‪ ،‬ونذوق محبة‬
‫الله ‪ ،‬ونجد عمقا ً فى كلمه اللهى يغذى أرواحنا ‪ 0‬ونحيا تلك العبارة‬
‫التى قالها الكتاب التى قالها الكتاب وهى " غير ناظرين إلى الشياء‬
‫التى ترى ‪ ،‬بل إلى التى ل ترى ‪ ،‬لن الشياء التى ترى وقتية ‪ 0‬أما‬
‫التى ل ترى فأبدية " ) ‪ 2‬كو ‪0 ( 18 : 4‬‬
‫نتدرب أيضا ً كيف نغذى أرواحنا بمحبة الله ‪0‬‬
‫ونغذيها أيضا ً بكلمة الله ‪ ،‬لنه " ليس بالخبز وحده يحيا النسان ‪ ،‬بل‬
‫بكل كلمة تخرج من فم الله " ) مت ‪ 0 ( 4 : 4‬ونغذيها بالحديث مع‬
‫الله فى الصلة بعمق وحب ‪ ،‬وفهم وروحانية ‪ 0‬كما كان القديسون‬
‫يصلون ‪ ،‬فتسبح أرواحهم فى كلمات الصلة ويجدون فيها أعماقا ً‬
‫للتأمل ‪ 0‬حتى أنهم من حلوة كلم الصلة فى أفواهم ‪ ،‬ما كانوا‬
‫يستطيعون بسهولة أن ينتقلوا من كلمة إلى أخرى ‪000‬‬

‫إن لم ندرب الروح على كل هذا ‪ ،‬ماذا يكون مصيرها حينما تنتقل إلى‬
‫السماء ؟ كيف تحيا هناك وكيف تسلك ؟!‬
‫نعم ‪ ،‬إن كانت الروح مرتبطة بالجسد كل الرتباط ‪ ،‬وكل متعتها فى‬
‫شهواته ‪ 0‬فعندما تفارق الجسد ‪ ،‬كيف تحصل على متعتها بعيدا ً عنه‬
‫إلى يوم القيامة ؟ وماذا يكون عملها ؟ إنه سؤال يحتاج إلى جواب‬
‫‪ ! 000‬والجواب الذى أعرفه ‪ ،‬هو أنه يجب أن نتدرب ونحن هنا على‬
‫متعة الروح ‪ 0‬أى متعتها وهى قائمة بذاتها ‪ ،‬وليس من خلل الجسد‬
‫‪000‬‬
‫ومتعة الروح تجدها بل شك فى الروحيات فى الله ‪ ،‬فى التأمل فى‬
‫اللهيات ‪ ،‬فى الغذاء الروحى كما قال الكتاب " اعملوا ل للطعام‬
‫البائد ‪ ،‬بل للطعام الباقى للحياة البدية " ) يو ‪ 0 ( 27 : 6‬هل فكرتم‬
‫يا أخوتى فى طعام الروح وكيف يكون ومما يتكون ؟‬

‫على قدر محبة الروح لله هنا ‪ ،‬تكون متعته به فى السماء ‪0‬‬
‫ففى السماء ل يكون الجميع فى درجة واحدة ‪ ،‬ول على مستوى‬
‫واحد فى المتعة الروحية ‪ 0‬بل كما يقول الكتاب " لن نجما ً يفوق‬
‫نجما ً فى المجد " ) ‪ 1‬كو ‪ 0 ( 41 : 15‬كل سكان السماء يتمتعون‬
‫بالنعيم البدى ‪ 0‬ولكن كل واحد منهم تكون له درجته الخاصة ‪ 0‬مثل‬
‫قوارير مختلفة الحجام ‪ ،‬وكلها ممتلئة ل تشعر واحدة منها بنقص ‪0‬‬
‫ولكن الكمية التى فى واحدة ‪ ،‬غير التى فى الخرى ‪ 0‬فى هذه أكثر‬
‫من تلك بكثير ‪ 0‬ولكن الكل ممتلئ ‪0‬‬

‫يذكرنى هذا برسالة أرسلها أحدهم برسالة أحدهم إلى شيخ روحانى ‪0‬‬
‫ً‬
‫يستأذنه فيها بلقاء قبل تدركه الوفاة ‪ ،‬إذ كان ذلك الشيخ كهل وفى‬
‫أيامه الخيرة ‪ 0‬فقال له رسالته " هنا يا أبى يمكننى أن أراك ‪ ،‬قبل‬
‫أن تغادر عالمنا ‪ ،‬وتكون فى درجة عالية فى السماء ليس بإمكانى‬
‫القتراب منها "‬

‫ومع ذلك فإحدى المتع فى السماء أن نتعرف على القديسين هناك ‪ 0‬ولكن‬
‫هل سنتعرف فقط على أشخاصهم ‪ ،‬أم على أعمالهم أيضا ً ؟‬
‫هل سنتعرف على كل ما عملوه من خير فى الخفاء زاهدين فى‬
‫مديح الناس ؟ وهل سنتعرف على ما كان لهم من تأملت ومن أفكار‬
‫روحية ؟ وهل سنتعرف على كل النبياء والرسل بكل تفاصيل سير‬
‫حياتهم التى لم يذكر التاريخ عنها شيئا ً ‪ 0‬وكذلك ما فى السماء من‬
‫الشهداء والرعاة وأبطال التاريخ والنساك والعباد وكل الذين عاشوا‬
‫حياة مثالية من كل الشعوب ‪000‬‬
‫ل شك أن معرفة كل هؤلء متعة روحية فى حد ذاتها ‪ ،‬تضاف إليها‬
‫متعة التعرف على الملئكة بكل درجاتهم ‪0‬‬

‫ولكن كيف سنتعرف على الملئكة وطبيعتنا غير طبيعتهم ؟‬


‫إنهم جميعا ً أرواح قدسية ) مز ‪ ( 4 : 104‬ونحن ل نراهم بحواسنا‬
‫الجسدية ‪ 0‬فكيف سنراهم إذن فى البدية ؟ هل ستقترب طبيعتنا‬
‫من طبيعتهم ‪ ،‬ونكون كملئكة الله فى السماء ‪ ) ،‬مت ‪ ( 30 : 22‬نعم‬
‫‪ ،‬هذا سيحدث لنا جميعا ً حينما تتجلى طبيعتنا البشرية فى السماء ‪0‬‬
‫وتكون لنا أجساد روحانية ‪ ،‬أسمى من المستوى المادى الذى نعيشه‬
‫الن ‪ 000‬أجساد تليق بالسماء وسموها وقدسيتها ‪0 00‬‬

‫فى السماء ‪ ،‬سوف يمنح لنا الله أكليل البر ‪ ،‬الذى وعدنا الكتاب به‬
‫) ‪ 2‬تى ‪0 ( 8 – 6 : 4‬‬

‫نكلل بالبر حينما ينزع الله من قلوبنا ومن أفكارنا ومن ذاكرتنا كل‬
‫ما يتعلق بالخطيئة وشهواتها ‪ 0‬مجرد معرفتها تزول من أذهاننا انثى‬
‫وكذلك كل ذكرياتها واخبارها ‪ 0‬ول يبقىة فى ذاكرتنا سوى البر‬
‫فقط ‪0‬‬
‫ولسنا نعود فقط إلى بساطة وبراءة النسان الول ‪ ،‬بل إلى ما هو أسمى من‬
‫ذلك بكثير ‪0‬‬
‫حقا ً كان أبونا آدم وحواء حينما خلقهما الله فى حالة بر عجيبة ‪ ،‬فى‬
‫بساطة وبراءة ‪ ،‬وكانا عريانين ول يخجلن ) تك ‪ ، ( 25 : 2‬إذ لم يكن‬
‫فى ذهنهما أية معرفة عن الخطية ول الشهوة ‪ 00‬ولكنهم مع ذلك‬
‫كله كانت لهما حرية إرادة يمكن بها أن يسقطا ‪ ،‬وقد كان ‪000‬‬
‫‪0‬‬
‫ولكن أكليل البر فى السماء سيشمل الرادة كما يشمل المعرفة ‪0‬‬
‫فل يصبح بإمكاننا أن نخطئ فيما بعد ‪ 0‬بل نكون كالملئكة الذين‬
‫تكللوا قبلنا بالبر ‪ ،‬وما عاد ممكنا ً أن يخطئوا ‪ 0‬فالخطية ل تناسب‬
‫السماء مطلقا ً والحياة فيها ‪ 000‬ما أجمل هذا وما أروعه ‪ ،‬أن تنتهى‬
‫الخطية إلى البد ‪ 0‬ليس فقط ينتهى ارتكابها ‪ ،‬بل تنتهى معرفتها‬
‫أيضا ً ‪000‬‬
‫هذه هى الحياة فى السماء ‪ 0‬وأود أن أقدم لكم تدريبا ً روحيا ً ‪0‬‬

‫فلنتدرب أن تكون لنا أفكار سماوية خالصة ‪ ،‬ولو يوما ً واحدا ً ‪0‬‬
‫بحيث أن كل فكر أرضى أو مادى يزحف إلى أذهاننا ‪ ،‬نطرحه جانبا ً ‪،‬‬
‫ونتخلص منه ‪ 0‬ونحيا خلل هذا اليوم مفكرين فى السماويات ‪ :‬فى‬
‫الله وملئكته وفردوسه ووصاياه ‪ ،‬وفى الحياة البدية ‪00‬‬
‫حينئذ نعيش فى هذا اليوم وكأننا فى السماء ‪ ،‬على الرغم من أننا‬
‫على الرض تكون السماء بمعناها الروحى قد هبطت إلينا ‪00‬‬
‫ما دمنا لسنا الن فى وقت الذهاب إلى السماء ‪ ،‬فعلى القل ليتنا‬
‫نرسل إليها أفكارنا وتأملتنا ‪ 00‬ولو بعض أفكارنا ‪ ،‬ولو إلى يوم ‪00‬‬

‫تدريب آخر ‪ :‬هو أن نكنز لنا كنوزا فى السماء ‪0‬‬


‫كما قال السيد المسيح له المجد " ل تكنزوا لكم كنوزا ً على الرض ‪،‬‬
‫بل أكنزوا لكم كنوزا ً فى السماء " ) مت ‪ 000 ( 20 ، 19 : 6‬عالمين‬
‫أن كل شئ مادى نقدمه ‪ ،‬سيتحول إلى شئ روحى فى السماء ‪0‬‬
‫وسيعوضنا الله عن الفانيات بالباقيات ‪ ،‬وعن الرضيات بالسماويات‬
‫‪000‬‬
‫فما الذى أرسلناه إلى السماء ‪ ،‬لكى يسبقنا إلى هناك ؟ ‪ 00‬ما هو‬
‫رصيد كل منا فى حساب السماء ؟‬

‫فوق كل كما قلناه ‪ ،‬وأعلى وأسمى من كل ما قلناه ‪ ،‬هناك الله فى السماء ‪0‬‬
‫الله – تبارك أسمه – الذى سنعود إليه بعد غربة طويلة على الرض ‪0‬‬
‫كيف سنلقاه وبأى وجه ؟ وهل اعددنا قلوبنا لهذا اللقاء ؟ وإن كنا‬
‫قد أخطأنا ‪ ،‬فهل اصطلحنا مع الله ؟‬
‫وكيف ستكون علقتنا به فى البدية ؟ هل سننسى كل شئ‬
‫ونذكره ؟ أترى سيكون الله هو متعتنا الوحيدة فى السماء ؟ وكيف‬
‫سنعرفه ؟ وكيف سيكشف لنا عن ذاته ما تحتمل طبيعتنا البشرية أن‬
‫تعرفه ؟‬
‫هنا ويصمت قلمى ‪ ،‬لن الموضوع أكبر من اللغة ومن اللفاظ ‪،‬‬
‫وأقوى من العقل ومن الفكر ‪0‬‬
‫أترك هذا الذى ل أعرف ‪ ،‬وأتكلم أخيرا ً عما أعرف ‪0‬‬
‫فأرجو لكم جميعا ً حياة سعيدة وموفقة ‪ ،‬وليحفظ الله كل الشعوب‬
‫التى خلقها ‪ ،‬والتى يرعاها بعنايته وكل عام وجميعكم بخير ‪0‬‬
‫أبنائى وأخوتى الحباء ‪:‬‬
‫يسرنى أن أهنئكم جميعا ً بعيد قيامة السيد المسيح من بين الموات‬
‫‪ 0‬المسيح قام ‪ ،‬وكانت قيامته عربونا ً لقيامة الكل ‪ 0‬فالبشر سوف‬
‫ل تنتهى حياتهم بالموت ‪ ،‬وإنما سيقومون لحياة أخرى ‪ 0‬ويلذ‬
‫للنفس أن تتأمل كثيرا ً فى هذه القيامة العامة ‪ ،‬معاينتها عميقة‬
‫جدا ً ‪ ،‬ول تنضب ‪000‬‬

‫‪ - 1‬إنها أول ً ‪ :‬لقاء صديقين متحدين ‪:‬‬


‫هذان الصديقان عاشا ً معا ً العمر كله ‪ ،‬منذ الولدة ‪ ،‬بل وقبلها‬
‫أيضا ًُ ‪ ،‬أثناء الحمل فى بطن الم ‪ ،‬لم يفترقا لحظة واحدة ‪،‬‬
‫وأعنى بهما الجسد والروح ‪ 0‬كل منهما طبيعة متميزة تماما ً ‪:‬‬
‫الجسد طبيعة مادية ‪ ،‬والروح طبيعة روحية ‪ ،‬اتحدا فى طبيعة‬
‫واحدة هى الطبيعة البشرية ‪ ،‬ل تستطيع أن تفصل بينهما فتقول‬
‫هنا الجسد وهنا الروح ‪ 0‬عاشا بهذه الوحدة العجيبة ‪ ،‬التى يعبر‬
‫فيها الجسد عن كل مشاعر الروح ‪ :‬إن فرحت الروح ‪ ،‬يبتسم‬
‫الجسد ويتهلل ‪ 0‬وإن حزنت الروح ‪ ،‬يظهر حزنها فى عينيه ‪000‬‬
‫وبعد عمر واحد ‪ ،‬انفصل الثنان بالموت ‪ 0‬وأخيرا ً يلتقيان فى‬
‫القيامة ‪ 00‬بعد غربة طويلة ‪ ،‬ويتحدان مرة أخرى ‪! 000‬‬

‫ترى ما هى مشاعر الروح وهى تلتقى بجسدها ‪ ،‬شريك العمر ‪ ،‬ربما بعد آلف‬
‫أو مئات السنين ‪ ،‬مثلما تلتقى أرواح آدم ونوح وإبراهيم بأجساها ‪!! 000‬‬
‫تلتقى الروح بجسدها ‪ ،‬بعد أن رأته يتحول إلى حفنة تراب ‪ ،‬ثم‬
‫يعود ‪ ،‬وفى صورة أبهى من الول ‪ ،‬بل أى عيب ‪ ،‬ول نقص ‪ ،‬حتى‬
‫العيوب التى كانت فيه أثناء ذلك الزمان السحيق ‪ 00‬نعم ‪ ،‬يقوم‬
‫بل عيب ‪ ،‬لن العيوب ل تتفق مع النعيم البدى ) وأيضا ً يعود وهو‬
‫أكثر صداقة ‪ ،‬فل يختلف إطلقا ً فى الحياة الخرى مع الروح ‪ ،‬إذ‬
‫يقوم جسدا ً روحانيا ً‬
‫‪00‬‬

‫‪ -2‬اللقاء العجيب الثانى فى القيامة ‪ ،‬هو لقاء شعوب وأجناس التاريخ ‪0‬‬
‫إنها قيامة عامة منذ آدم ‪ ،‬تجتمع فيها كل الشعوب والجناس ‪،‬‬
‫التى عاشت خلل أجيال وقرون ‪ ،‬بكل ملحهما ولغاتها ‪ ،‬بكل‬
‫أبطالها وقادتها ‪ 0‬ألعلها تتعارف وتتفاهم ؟! نعم ‪ ،‬بل شك ‪ 0‬لنه‬
‫ستكون للكل لغة واحدة هى لغة الروح ‪ ،‬او لغة الملئكة ‪ 0‬حقا ً ما‬
‫أعجب هذا اللقاء ! إنه قصة القصص ‪ ،‬وحكاية دهور طويلة ‪0‬‬
‫وأجمل ما فيه موكب المنتصرين ‪ ،‬الذين جاهدوا خلل حياتهم فى‬
‫العالم وغلبوا ‪ 0‬انتصروا للحق والقيم ‪ 0‬يلتقون ووراء كل منهم‬
‫رواية روتها الجيال ‪ 00‬ويعود العالم شعبا ً واحدا ً كما كان ‪ ،‬قبل‬
‫أن يفترق ويتشتت ‪0‬‬
‫ترى كيف سيكون لقاء الشعوب التى كانت متصارعة من قبل ؟‬
‫أترى تبدو أمامهم تافهة جدا ً ‪ ،‬تلك السباب التى دعتهم من قبل‬
‫إلى الصراع ؟!‬

‫‪ – 3‬اللقاء الثالث العجيب ‪ ،‬هو لقاء البشر والملئكة ‪0‬‬


‫وهم طبيعة أخرى أسمى من طبيعتنا ‪ ،‬ولكن اللقاء بهم إحدى متع‬
‫البدية ‪00‬‬

‫‪ -4‬وأسمى من هذا كله بما ل يقاس ‪ :‬لقاؤنا مع الله ‪000‬‬


‫التقاؤنا به – تبارك إسمه – هو النعيم البدى ‪ ،‬ول نعيم بدون الله‬
‫‪ 00‬هنا ويقف قلمى فى صمت خاشع ‪ ،‬لنى أمام أمر ل تستطيع‬
‫اللفاظ أن تعبر عنه ‪ ،‬لنه فوق مستوى اللغة فى التعبير ‪ ،‬وفوق‬
‫مستوى العقل فى التفكير ‪000‬‬
‫ً‬
‫القيامة إذن هى لقاء عجيب ‪ 00‬وماذا أيضا ؟‬

‫‪ -1‬هى انتقال من المحدود إلى الل محدود ‪0‬‬


‫انتقال من هذا العمر المحدود بأيام وسنين ‪ ،‬إلى حياة غير محدودة ‪،‬‬
‫بل إلى مجال هو فوق الزمن ‪ 0‬أترى هل توجد هناك أرض تدور حول‬
‫نفسها وحول الشمس ‪ ،‬وتترجم دوارتها إلى أيام وسنين ؟! أم أننا‬
‫سنرتفع فوق الزمن ‪ ،‬بدخولنا فى عالم آخر جديد ‪ ! 000‬مقاييس‬
‫الزمن ستنتهى ‪ 0‬لحظة واحدة فى البدية ‪ ،‬هى هى أطول وأعمق‬
‫من حياة الرض كلها ‪0‬‬
‫‪ -2‬القيامة أيضًاهى انتقال من المرئيات إلى ما ل يرى ‪0‬‬
‫هى دخول فيما قال عنه الكتاب " ما لم تره عين ‪ ،‬ولم تسمع به إذن‬
‫‪ ،‬ولم يخطر على قلب بشر ‪ ،‬ما أعده الله لمحبى اسمه القدوس " ‪0‬‬
‫إنه دخول فى عالم الرواح ‪ ،‬والتقاء مع الملئكة ‪ ،‬وهم أرواح ل‬
‫ترى ‪ 0‬مع أفراح لم تعرف من قبل فى هذا العالم المادى المرئى ‪0‬‬
‫وهنا تكون القيامة سموا ً فوق مرتبة ما تدركه الحواس ‪ ،‬بارتفاع إلى‬
‫ما ل تدركه سوى الروح ‪0‬‬

‫‪ -3‬هى إذن انتقال من عالم الحواس إلى عالم الروح ‪0‬‬


‫أو هى اقتناء حواس روحية غير الحواس المادية الحالية ‪ ،‬حواس ترى‬
‫الروح والروحيات ‪ ،‬وتبهر بها ‪ 0‬وهنا أصمت مرة أخرى ‪000‬‬
‫هنا نوع من التجلى للطبيعة البشرية ‪0‬‬
‫ً‬
‫تدرك فيه ما لم تدركه من قبل ‪ ،‬وتكتسب خواصا روحية لم تكن‬
‫تمارسها قبل ً ‪ ،‬وتصبح فى القيامة فى وضع تستطيع به أن ترى ما‬
‫ل يرى ‪ ،‬أو بعضا ً منه ‪ ،‬أو تتدرج فى الرؤية ‪ ،‬منتقلة من شبع‬
‫روحى ‪ ،‬إلى شبع أسمى وأسمى ‪ ،‬فى حياة التجلى ‪000‬‬

‫‪ – 4‬والقيامة هى انتقال من عالم الباطل إلى عالم الحق ‪0‬‬


‫من عالم الفناء إلى عالم البقاء ‪ 0‬من عالم كل ما فيه يبطل بعد‬
‫حين ‪ ،‬إلى عالم باق إذ ليس فيه بطلن ‪ 0‬عالم كل ما فيه حق وثابت‬
‫‪ 0‬انتهت منه الخطيئة ‪ ،‬وأصبح كل ما فيه بر وفيه أيضا ً ينتقل‬
‫النسان من عشرة إلى عشرة ‪ ،‬أنقى وأبقى وأصفى ‪000‬‬
‫وماذا عن القيامة أيضا ً ؟‬

‫‪ -1‬إنها معجزة ممكنة ‪:‬‬


‫هنا قدرة الله العجيبة ! كيف يجمع الجساد مرة أخرى بعد أن‬
‫تحولت إلى تراب ؟! أليس هو الذى خلقها من قبل من تراب ‪ ،‬بل‬
‫من عدم ‪ ،‬فالتراب كان عدما ً قبل أن يكون ترابا ً ‪ 0‬والذى يتأمل‬
‫القيامة من هذه الناحية ‪ ،‬إنما يتأمل القدرة غير المحدودة التى‬
‫للهنا الخالق ‪ ،‬الذى يكفى أن يريد ‪ ،‬فيكون كل ما يريد ‪ ،‬حتى‬
‫بدون أن يلفظ كلمة واحدة ‪ 0‬إنها إرادته التى هى فى جوهرها‬
‫أمر فعال قادر على كل شئ ‪000‬‬
‫نسمى القيامة إذن معجزة ‪ ،‬ليس لنها صعبة ‪ ،‬وإنما لن عقلنا‬
‫يعجز عن أدراكها كيف تكون ‪ 0‬وإن كان العقل يعجز عن الفهم ‪،‬‬
‫فاليمان يستطيع بسهولة أن يفهم ‪000‬‬
‫لذلك فالقيامة هى عقيدة للمؤمنين ‪0‬‬
‫الذى يؤمن بالله وقدرته ‪ ،‬يستطيع أن يؤمن بالقيامة ‪ 0‬والذى‬
‫يؤمن بالله كخالق ‪ ،‬يؤمن يه أيضا ً مقيما للموتى ‪ 0‬أما الملحدون ‪،‬‬
‫فل يصل أدراكهم إلى هذا المستوى ‪ 0‬إنهم ل يؤمنون بالقيامة ‪،‬‬
‫منا ل يؤمنون بالروح ‪ ،‬وخلودها ‪ ،‬كما ل يؤمنون بالله نفسه ‪000‬‬

‫‪ – 2‬القيامة معجزة ممكنة ‪ 0‬وأيضا ً هى معجزة لزمة ‪ ،‬لجل العدو ولجل‬


‫التوازن ‪:‬‬
‫إنها لزمة من أجل العدل ‪ 0‬من أجبل محاسبة كل إنسان على‬
‫أفعاله التى عملها خلل حياته على الرض ‪ ،‬خيرا ً كانت أم شرا ‪،‬‬
‫ً‬
‫فيثاب على الخير ‪ ،‬ويعاقب على الشر ‪ 0‬ولو لم تكن قيامة ‪،‬‬
‫لتهالك الناس على الحياة الدنيا ‪ ،‬وعاشوا فى ملذها وفسادها ‪،‬‬
‫غير عابئين بما يشعرون أن العدل لبد أن يأخذ مجراه فى العالم‬
‫الخر ‪0‬‬

‫وهذا الجزاء لبد أن يكون بعد القيامة واتحاد الرواح بالجساد ‪0‬‬
‫لنه ليس من العدل أن تجــازى الــروح وحــدها ‪ ،‬ويــترك الجســد بل‬
‫جزاء على كل ما فعله فى عصــيان أو فـى طاعتهــا ‪ 0‬إذن لبـد أن‬
‫يقوم الجسد ‪ ،‬وتتحد به الروح ‪ ،‬ويقف الثنان معا ً أمام اللــه ‪ 0‬لن‬
‫كل أعمالهم على الرض كانت معا ً كشريكين ملتزمين ‪000‬‬
‫والقيامة لزمة أيضا ً من أجل التوزان ‪0‬‬
‫ففــى الرض لــم يكــن هنــاك تــوزان بيــن البشــر ففيهــا الغنــى‬
‫والفقير ‪ ،‬السعيد والتعيس ‪ ،‬وامنعم والمعذب ‪ 000‬فــإن لــم تكــن‬
‫هنــاك مســاواة علــى الرض ‪ ،‬فمــن اللئق أن يوجــد تــوزان فــى‬
‫السماء ‪ 0‬ومن لم ينل حقه على الرض ‪ ،‬يمكنه أن يناله بعــد ذلــك‬
‫فى السماء ‪ ،‬ويعوضه الرب ما قد فاته فى هــذه الــدنيا ‪ ،‬إن كــانت‬
‫أعماله مرضية للرب ‪ 0‬وقصة الغنى ولعازر فى النجيل المقدس )‬
‫لو ‪ ( 16‬تقدم لنا الدليل الكيد عن التوازن بين الحياة على الرض‬
‫والحياة فى السماء ‪0‬‬

‫‪-3‬القيامة أيضا ً هى معجزة جميلة رائعة ‪0‬‬


‫لنها تقدم للعالم الخر الحياة المثالية ‪ 0‬فالنسان المثــالى الــذى‬
‫تحدث عنه الفلسفة ‪ ،‬والذى بحث عنه ديوجين ولم يجــده ‪ ،‬والــذى‬
‫فكر العلماء كيف يكون ‪ 00‬هذا النسان المثالى تقدمه لنا القيامة‬
‫فى العــالم الخــر ‪ ،‬فـى عـالم ليســت فيــه خطيئة علـى الطلق ‪،‬‬
‫وليس فيها حزن ول بكاء ‪ ،‬ول فساد ول ظلم ‪ ،‬ول نقص ول عيــب‬
‫‪0‬‬
‫إنها معجزة تقدمها القيامة ‪ ،‬أو هى شهوة فى حيــاة الــبر تتحقــق‬
‫بالقيامة ‪0‬‬

‫‪ – 4‬ولذلك فالقيامة معجزة مفرحة ‪0‬‬


‫مفرحة ‪ ،‬لن بهـا تكمـل الحيـاة ‪ ،‬وينتصـر النسـان علـى المـوت ‪،‬‬
‫ويحيا إلى البد ‪ 0‬إن الحياة البدية هى حلم للبشرية التى يهــددها‬
‫الموت بين لحظة وأخرى ‪ ،‬والتى تحيا حياة قصــيرة علــى الرض ‪،‬‬
‫وعلى قصــرها مملــوءة بالمتـاعب والضــيقات ‪ 0‬لـذلك يكـون فـرح‬
‫عظيم للنسان أن يتخلص من التعب ومــن المــوت ‪ ،‬ويحيــا ســعيدا ً‬
‫فى النعيم البدى ‪0‬‬
‫إنه حلم يتحقــق بالقيامــة ‪ 000‬مــن هنــا نصــل إلــى حقيقــة هامــة‬
‫وهى ‪:‬‬

‫لول القيامة لكان الموت حكما ً بالفناء ‪0‬‬


‫والفناء هو أمر مخيف ‪ 0‬وهو نهاية مؤلمة تعتــبر أقســى مأســاة ‪0‬‬
‫ولكن الله عندما خلق النسان ‪ ،‬لم يخلقه للفناء ‪ ،‬وإنمــا للحيــاة ‪0‬‬
‫وإن كان النسان قد تعرض للموت بسبب خطيئته ‪ ،‬فإن الله رسم‬
‫له طريق الخلص ‪ 0‬وأقامه من هذا الموت ‪0‬‬
‫بل إن الله عندما خلق النسان ‪ ،‬خلق له يئا ً خالدا ً هو الروح ‪0‬‬
‫والروح ل تموت بموت النسان ‪ ،‬بل تبقى حية بطبيعتهــا ‪ 0‬وبهــذا‬
‫يختلف النسان عن باقى المخلوقات الخــرى علــى الرض ‪ ،‬الــتى‬
‫تنتهى حياتها وتبيد ‪ 0‬أما النسان فإنه بالقيامة يبدأ من جديد حياة‬
‫أخرى ل تنتهى ‪ 0‬وهنا تبدو قيمة النسان وأفضليته على غيره من‬
‫المخلوقات الرضية ‪0‬‬

‫ولن الروح حدها ‪ ،‬ل تكون إنسانا ً كامل ً ‪ ،‬لذلك لبد أن يقوم الجسد ويتحد بها‬
‫‪0‬‬
‫وهكذا ل تكون الحياة البدية لجزء واحد مــن النســان هــو الــروح ‪،‬‬
‫بل تكون للنسان كلــه روح ـا ً وجســدا ً ‪ 0‬فيعــود النســان كلــه إلــى‬
‫الحياة ‪0‬‬

‫وبهذا تكون القيامة يقظة للنسان بعد نوم طويل ‪0‬‬


‫ونقصد بها يقظة لهذا الجســد ‪ ،‬أو للنســان بمعنــاه الكامــل ‪ 0‬أمــا‬
‫الروح فهى فى يقظة دائمة ‪0‬‬

‫إن القيامة هى نهاية للموت ‪ 0‬فل موت بعدها ‪0‬‬


‫إنها نهاية لهذا العدو المخيــف ‪ 0‬لقــد انتصــر النســان علــى أعــداء‬
‫كثيرة للبشرية ‪ ،‬ما عدا هذا العــدو الــذى غلــب الجميــع ‪ ،‬لنــه كــان‬
‫عقوبــة مــن اللــه الــذى ل رد لحكمــه ‪ 0‬ولكــن اللــه بالقيامــة نجــا‬
‫البشرية من هذا العدو ‪ ،‬وقضى عليه إلى البد ‪0‬‬
‫وأصبحنا أمام جسر يفصل بين حياتين ‪ :‬على أولــه المــوت ‪ ،‬وفــى‬
‫نهايته القيامة ‪ 0‬فالموت هو نهاية الحياة الولى ‪ ،‬والقيــامى هــى‬
‫بدايــة الحيــاة الخــرى ‪ 0‬والمســافة بينهمــا هــى فــترة أنتظــار ‪،‬‬
‫تنتظرها أرواح الــذين ســبقوا ‪ ،‬حــتى يكمــل علــى الرض جهــادهم‬
‫واختبارهم ‪0‬‬

‫على ان البدية التى تقدمها القيامة لبد تسبقها الدينونة ‪0‬‬


‫بيــن القيامــة والبديــة يقــف يــوم الدينونــة الرهيــب ‪ ،‬حيــث يقــف‬
‫الجميع أمام الله ‪ ،‬ليقدموا‬
‫حسابا ً عن كل ما فعلــوه بالجســد ‪ ،‬خيــرا ً كــان أم شــرا ً ‪ 0‬يقــدمون‬
‫حسابا ًُ عن كل عمل ‪ ،‬وكل فكر ‪ ،‬وكل إحساس وشعور ‪ ،‬وكـل نيــة‬
‫نووها ‪ ،‬وكل كلمة لفظوها ‪0‬‬
‫ويمضى البرار إلى النعيم البدى ‪ ،‬ويمضى الشــرار إلــى العــذاب‬
‫البدى ‪0‬‬

‫لذلك فكما أن القيامة فرح للبرار ‪ ،‬هى أيضا رعب للملحدين وللشرار ‪0‬‬
‫وحتى بالنسبة إلى البرار يعيد الله ترتيب مراكزهم ‪ ،‬بحسب أعمالهم ‪0‬‬
‫فيعطى كل إنســان مركــزا جديــدا ً بحســب مــا كــان لــه مــن نقــاوة‬
‫القلب والفكر ‪ ،‬وبحسب ما كان له من دقة وصايا الله ‪ ،‬ومن جهاد‬
‫فى نشر الخير ومحبة النسان ‪ ،‬وأيضا ً بحســب مــا كــان فــى قلبــه‬
‫من حب لله واشتياق إليه ‪0‬‬
‫نسأل الله وسط ذكرى القيامة وأفراحها ‪ ،‬أن يفــرح بنعمتــه قلــب‬
‫كل أحد ‪ 0‬نصلى إليه أن يرفع عن العــالم الحــروب والغلء والوبــاء‬
‫وشتى الخطايا والمــراض ‪ 0‬وأن يمتــع العــالم بالهــدوء ‪ ،‬ويحقــق‬
‫فكرة مؤتمر السلم فتسعى كل الدول لنجاحه ‪0‬‬
‫ونصــلى مــن أجــل أن يســود الرخــاء ويحــل الــرب كــل مشــاكلنا‬
‫القتصادية ‪ 0‬ونصلى من ا>ل وحدتنا الوطنيــة أن يحفظهــا الــرب‬
‫عميقة ونامية ‪ ،‬وأن تسود المحبة بي القلوب ‪ ،‬بنعمة إلهنا الصالح‬
‫الذى له المجد الدائم ‪ ،‬من الن وإلى البد ‪000‬‬
‫أبنائى وأخوتى الحباء ‪:‬‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫أهنئكم بعيد القيامة المجيد ‪ ،‬راجيا فيه لكم جميعا مباركــة ســعيدة‬
‫وراجيا ً لبلدنا كل خير وسلم ‪0‬‬
‫تكلمنا فى كـل عـام مـن العـوام السـابقة عـن جـانب معيـن مـن‬
‫جوانب القيامة وفاعليتها فى حياتنا ‪ 0‬ونتابع اليوم تأملتنا فنقول‬
‫‪:‬‬

‫‪-1‬إن كلمة القيامة كلمة جميلة ‪ ،‬فيها تعزية للقلوب ‪0‬‬


‫ول شك أن قيامة المسيح كانت معزية لتلميذه ‪ ،‬وكانت لزمة لهم‬
‫‪ ،‬لتثــبيت إيمــانهم ‪0‬ولبنــاء الكنيســة ‪ 0 0‬وأتــذكر إننــى فــى هــذا‬
‫المعنى ‪ ،‬كنت منذ أكثر من أربعين سنة ‪ ،‬قد كتبــت قصــيدة قلــت‬
‫فى مطلعها ‪:‬‬
‫تبق لدولته بقيـــة‬ ‫قد حطـم الشيطان ل‬
‫قبر الضللة والخطـية‬ ‫قد نفذ الرواح مــن‬
‫قـــم روع الحــــراس وابهـــرهم بطــلعتك البــهــــية‬
‫ة ولم اشتات الرعـية‬ ‫قم قو إيمان الرعــا‬
‫توما فريبته قويـــة‬ ‫ً‬ ‫واكشف جراحك مقنعا‬
‫وامسح دموع المجدلية‬ ‫واغفر لبطرس ضعفه‬

‫وقد كان هذا ‪ ،‬وفى قيامة السيد المسيح ‪ ،‬عزى تلميذه ‪ ،‬وفرحوا‬
‫بقيــامته ‪ ،‬وآمنــوا بالقيامــة ‪ ،‬وبأنهــا ممكنــة ‪ ،‬وآمنــوا أنهــم أيض ـا ً‬
‫سيقومون بعد الموت ‪ ،‬فمنحهم كل هذا عزاء فــى حيــاتهم وعــدم‬
‫خوف من الموت ‪000‬‬
‫على أنى أريد اليوم أن أطرق موضوع القيامة مــن ناحيــة أخــرى ‪،‬‬
‫وهى ‪:‬‬

‫‪ -2‬القيامة هى رمز للتوبة ‪:‬‬


‫أو أن التوبة تشبه بالقيامة ‪:‬‬
‫فنحــن نعتــبر أن الخطيــة هــى حالــة مــن المــوت ‪ ،‬وأقصــد المــوت‬
‫الروحي ‪ 0‬وقال القديس أو غســطينوس " إن مــوت الجســد ‪ ،‬هــو‬
‫انفصال الجسد عن الروح ‪ ،‬أما موت الروح ‪ ،‬فهــو انفصــال الــروح‬
‫عن الله " فالله هو ينبوع الحياة ‪ ،‬أو هو الحياة الكليــة ‪ 0‬كمــا قــال‬
‫فى النجيل " أنا هو الطريق والحق والحياة " ) يو ‪ " 0 ( 6 : 14‬أنا‬
‫هو القيامة والحياة " ) يو ‪( 25 : 11‬‬

‫من يثبت فى الله ‪ ،‬يكون بالحقيقة حيا ً ‪ 0‬ومن ينفصل عن الله يعتبر ميتا ً ‪0‬‬
‫والخطيئة هى انفصال عن الله ‪ ،‬لنه ل شركة بين النور والظلمــة‬
‫" ) ‪ 2‬كو ‪( 14 : 6‬‬
‫فالخاطئ إذن هو ميت روحيا ً ‪ ،‬مهما كانت له أنفاس تتحرك وقلب‬
‫ينبض ‪ 00‬قد يكون جسده حيا ً ‪ 0‬ولكن روحه ميته ميته ‪ 00‬وهكــذا‬
‫فى مثل البن الضال ‪ ،‬الذى شــرد بعيــدا ً عــن أبيــه ثــم عــاد إليــه ‪،‬‬
‫وقال عنه أبوه فى هذه التوبة ‪:‬‬
‫ابنى هذا كان ميتا ً فعاش ‪ 0‬وكان ضال فوجد ) لو ‪0 ( 24 : 15‬‬
‫ً‬
‫وقيل فى الكتاب عن الرملة المتنعمة إنها ماتت وهــى حيــة " ) ‪1‬‬
‫تى ‪ 0 ( 6 : 5‬وقال القديس بولس الرسول لهــل أفســس " إذ‬
‫كنتم أمواتا ً بالذنوب والخطايا التى سلكتم فيهـا قبل ً ‪ ) 00‬اف ‪: 2‬‬
‫‪ ( 1‬وقال أيضا ً " ونحــن أمــوات بالخطايـا ‪ ،‬أحيانــا مــع المســيح ‪00‬‬
‫وأقامنا معه ‪ ،‬وأجلسنا معه فى السماويات " ) أف ‪ 0 ( 5 : 2‬وقال‬
‫السيد المسيح موبخا ً راعى كنيسة ساردس ‪:‬‬
‫" إن لك إسما ً إنك حى ‪ ،‬وأنت ميت " ) رؤ ‪0 ( 1 : 3‬‬
‫فحياته الظاهرية حياة حقيقية ‪ ،‬لن الحياة الحقيقيــة هــى الحيــاة‬
‫مع الله ‪ ،‬أو الحياة فى الله ‪ ،‬هى الحيــاة فــى الحــق ‪ ،‬وفــى النــور‬
‫والبر ‪ 0‬أما ذلك الخاطئ ‪ ،‬فإن له اسما ً أنه حى ‪ ،‬وهو ميت ‪00‬‬

‫لذلك كنت أقول فى معنى الحياة الحقيقية ‪:‬‬


‫" أحقا ً نحن أحياء ‪ 00‬؟ "‬
‫إن الحيــاة ل تقــاس بالســنين واليــام ‪ ،‬وإنمــا بــالفترات الروحيــة‬
‫الحلوة التى نقضـيها مـع اللـه ‪ 00‬هـى وحـدها الـتى تحسـب لنـا ‪،‬‬
‫والتى يقاس بها عمرنا الروحى ‪ ،‬وبهـا يكـون تقريــر مصــيرنا فـى‬
‫القيامة ‪ 0‬لذلك أيها الخ بماذا تجيب حينما يسألك الملئكة كم هى‬
‫أيام عمرك على الرض ؟ هل ستحسبها بالجسد أم بالروح ؟ ‪00‬‬

‫ومع ذلك ‪ ،‬فإن الخاطئ المعتبر ميتا ً ‪ :‬إذا تاب تعتبر قيامة ‪000‬‬
‫وعن هذا المعنى يقول القديس بولس الرســول للخــاطئ الغافــل‬
‫عن نفس " استيقظ أيها النائم ‪ ،‬وقــم مــن المــوات ‪ ،‬فيضــئ لــك‬
‫المسيح " ) أف ‪ 0 ( 14 : 5‬مشبها ً التوبة هنا ‪ ،‬بأنها يقظة روحية ‪،‬‬
‫وأنها قيامة من الموات ‪000‬‬

‫وقد ذكر النجيل للسيد المسيح ثلث معجزات أقام فيها أمواتا ً ‪ 0‬ويمكن اعتبار‬
‫كل منها رمزا ً لحالة من التوبة ‪:‬‬
‫أقام ابنه يايرس وهى ميتة فى بيت أبيها ) مر ‪ 0 ( 5‬وأقــام ابــن‬
‫أرملـة نـاين مـن نعشـه فـى الطريـق ) لـو ‪ ( 7‬وأقـام لعـازر وهـو‬
‫مدفون فى القبر من أربعة أيام ‪ 00‬وكانت كل إقامــة هــذه الداث‬
‫الثلثة تحمل رمزا ً خاصا ً فى حالت التوبة ‪0‬‬
‫ابنه يايرس وهى فى البيت ‪ ،‬ترمز إلى الذى يخطئ وهو ل يييزال‬ ‫‪-1‬‬
‫فى بيت الله ‪ ،‬فى الكنيسة ‪ ،‬لم يخرج منها ولم يخرج عنها ‪ 0‬ولذلك‬
‫قال السيدعن ابنة يايرس " إنها لم تمــت ‪ ،‬ولكنهــا نائمــة ) مــر‬
‫‪ 0 ( 39 : 5‬ولما أقامها أوصاهم أن يعطوها لتأكل ) مــر ‪: 5‬‬
‫‪ 0 ( 43‬لن هذه النفس تحتاج إلى غذاء روح يقويهــا ‪ ،‬حــتى ل‬
‫تعود فتنام مرة أخرى ‪0‬‬

‫ب – أما ابن أرملة نايين وهو ميت محمول فى نعش ‪ 00‬فهذا ميييت خييرج مين‬
‫البيت ترك بيت اللييه ‪ ،‬وأمه تبكــى عليــه ‪ ،‬أى تبكــى عليــه الكنيســة أو‬
‫جماعة المؤمنين ‪ 0‬هذا أقامه المسيح ‪ ،‬ثم " دفعه إلى أمــه " ) لــو‬
‫‪ 0 ( 15 : 7‬أرجعه إلى جماعة المؤمنين مرة أخرى ‪000‬‬

‫ج – لعازر المدفون فى القبر ‪ ،‬يرمز إلى الحالت الميئوس منها ‪:‬‬


‫حتى أن أخته مرثا لــم تكــن تتخيــل مطلقـا ً أنــه ســيقوم ‪ 0‬وقــالت‬
‫للسيد أنتن ‪ ،‬لنه له أربعة أيام "‬
‫) يو ‪ 0 ( 39 : 11‬إنه يرمز للذين ماتوا بالخطية وتركوا بيت الله ‪،‬‬
‫بل تركوا الطريق كله ‪ ،‬ومرت عليهــم مــدة طويلــة فــى الضــياع ‪،‬‬
‫ويئس من رجوعهم حتى أقــرب النــاس إليهــم ‪ 0‬ومــع ذلــك أقــامه‬
‫المسيح ‪ ،‬وأمر أن يحلوه من الرباطات التى حوله ) يو ‪( 44 : 11‬‬
‫‪0‬‬
‫فمثل هذا النسان يحتاج أن يتخلص من رباطاته التى كانت له فى‬
‫القبر ‪0‬‬
‫كل هذه أمثلة تدعونا إلى عدم اليأس من عودة الخيياطئ ‪ ،‬فلبييد أن لييه قياميية‬
‫‪000‬‬

‫إننى فى مناسبة قيامة السيد المسيح ‪ ،‬أقول لكل خــاطئ يســعى‬


‫إلى التوبة ‪:‬‬
‫مثل المسيح تراك قمت‬ ‫قام المسيح الحى هل‬
‫فى القبر ترقد حيث أنت‬ ‫أم ل تزال موسدا ً‬
‫والحديث عن القيامة من الخطية ‪ ،‬هو نفس الحــديث عــن القيامــة‬
‫من أية سقطة ‪0‬‬
‫وقد يحتاج المر إلى دعوة للقيامة ‪ ،‬أى إلى حافز خارجى ‪0‬‬
‫مثال ذلك كرة تدحرجت من على جبل ‪ 0‬تظل هذه الكرة تهوى من‬
‫أسفل إلى أسفل ‪ ،‬دون أن تملك ذاتها ‪ ،‬أو تفكــر فــى مصــيرها ‪0‬‬
‫وتظل تهوى وتهــوى تباعـا ً ‪ ،‬إلــى ان يعــترض طريقهــا حجــر كــبير‬
‫‪،‬فيوقفها ‪ ،‬وكأنه يقول لها " إلى أين أنت تتدحرجين ؟! وماذا بعد‬
‫؟! " فتقف ‪ 0‬إنها يقظــة أو صــحوة ‪ ،‬بعــد مــوت وضــياع ‪ 00‬تشــبه‬
‫بالقيامة ‪000‬‬
‫ً‬
‫أو مثال ذلك أيضا فكر يسرح فيما ل يليق ‪000‬‬
‫كإنسان يسرح فى فكر غضب أو انتقام ‪ ،‬أو فى خطة يــدبرها ‪ ،‬أو‬
‫فى شهوة يريد تحقيقها ‪ ،‬أو فى حلم من أحلم اليقظة ‪ 0‬ويظــل‬
‫ساهما ً فى سرحانه ‪ ،‬إلى أن يوقفه غيره ‪ ،‬فيستيقظ إلى نفسه ‪،‬‬
‫ويتوقف عن الفكر ‪ 0‬إنها يقظة أو صحوة ‪ ،‬أو قيامة من سقطة ‪0‬‬

‫‪ – 3‬هناك أيضا ً القيامة من ورطة ‪ ،‬أو من ضيقة ‪0‬‬


‫قد يقع النسان فى مشكلة عائلية أو اجتماعية يرزخ تحتها زمنــا ً ‪،‬‬
‫أو فى مشكلة مالية أو أقتصادية ل يجد لهــا حل ً ‪ 0‬أو تضــغط عليــه‬
‫عادة معينة ل يملك الفكاك من سيطرتها ‪ 0‬أو تملــك عليــه جماعــة‬
‫معينة أو ضغوط خارجية ‪ ،‬ل يشعر معها بحريته ول بشخصيته ‪ ،‬ول‬
‫بأنه يملك إرادة أو رايا ً ‪000‬‬
‫وفى كل تلك الحالت يشعر بالضياع ‪ ،‬وكــأنه فــى مــوت ‪ ،‬يريــد أن‬
‫يلتقط أنفاسه ول يستطيع ‪ 000‬إلى أن فتقده عناية الله وترســل‬
‫له من ينقذه ‪ ،‬فيتخلص من الضيقة التى كان فيها ‪ 0‬ولسان حــاله‬
‫يقول ‪:‬‬
‫" كأنه قد كتب لى عمر جديد " ‪ 0‬أليســت هــذه قيامــة ؟ إنهــا حق ـا ً‬
‫كذلك ‪0‬‬

‫‪ – 4‬القيامة هى حياة من جديد ‪ 0‬ما يسمونه بالنجليزية ‪Revival 0‬‬


‫حياة جديدة يحياها إنسان ‪ ،‬أو تحياها أمة أو دولة ‪ ،‬أو أية هيئة من‬
‫الهيئات ‪ 00‬أو يحياهــا شــعب بعــد ثــورة مــن الثــورات الــتى تغيــر‬
‫مصيره إلى أفضل ‪ ،‬وتحوله إلى حياة ثانية ‪ ،‬حياة من نوع جديــد ‪0‬‬
‫فيشعر أن حياته السابقة كانت موت ـا ً ‪ ،‬وأنــه عــاد يبــدأ الحيــاة مــن‬
‫جديد ‪000‬‬
‫ويود أن حياته السابقة ل تحســب عليــه ‪ 0‬إنمــا تحســب حيــاته مــن‬
‫الن ‪0‬‬

‫هذه القيامة رأيناها فــى حيــاة الفــراد ‪ ،‬ورأيناهــا فىحيــاة المــم ‪:‬‬
‫رأيناها فى أوروبا بعد عصر النهضة والنقلب الصناعى ‪ ،‬ورأيناها‬
‫فى فرنسا بعد الثورة الفرنسية المعروفة ‪ 0‬ورأيناها فــى روســيا‬
‫بع إللن البروستوكيا ‪ 0‬ورأيناها أيضا ً فى الهند علــى يــد غانــدى ‪،‬‬
‫وأيضا ً فى كل دولة تخلصت من الستعمار أو الختلل أو النتــداب‬
‫‪000‬‬
‫ورأيناها فى مصر ‪ ،‬مرة بعد التخلــص مــن حكــم المماليــك ‪ ،‬ومــرة‬
‫أخرى بعد ثورة سنة ‪ ، 1919‬ومرة ثالثة بعد ثورة سنة ‪ . 1952‬كما‬
‫رأيناها كذلك فــى الثــورة القتصــادية أو فــى النهضــة القتصــادية‬
‫التى قادها طلعت حرب ‪...‬‬

‫إن القيامة يا أخوتى ‪ ،‬ليست هى مجرد قيامة الجسد ‪ 0‬إنما هنــاك‬


‫حالت أخرى كثيرة توحى بها القيامة ‪ ،‬أو تكون القيامة رمــزا ً لهــا‬
‫‪ 00‬وتبدو فيها سمات حياة أخرى ‪0‬‬
‫‪ – 5‬ونحن نرجو من الله أن يجعل سمات القيامة فى حياتنا باستمرار ‪0‬‬
‫عمليات تجديد وحياة أخرى ‪ ،‬تسرى فى دمائنــا أفــرادا ً وهيئات ‪00‬‬
‫كما قال الكتاب عن عمل الله فى النسان إنه " يجدد مثــل النســر‬
‫شبابه " ) مز ‪ 0 ( 103‬وأيضا ً كما قيــل فــى نبــوة اشــعياء " وأمــا‬
‫منتظــرو الــرب ‪ ،‬فيجــددون قــوة ‪ 0‬يرفعــون أجنحــة كالنســور ‪0‬‬
‫يركضون ول يتعبون ‪ 0‬يمشون ول يعيون " ) أش ‪( 31: 40‬‬
‫إلهنا الصالح ‪ ،‬نسأله فى روح القيامة ‪ ،‬أن يهبكم جميعا ً قــوة فــى‬
‫حيــاتكم ‪ ،‬ونســأله أن تحيــا بلدنــا حيــاة متجــددة باســتمرار ‪ ،‬فيهــا‬
‫الصحوة وفيها النهضة وفيها روح القيامة ‪ ،‬فــى عــزة وفــى مجــد‬
‫وفى قوة ‪0‬‬
‫ً‬
‫وأمنياتى لكم جميعا بالسعادة والبركة وكل عام وجميعكم بخير ‪0‬‬
‫أهنئكم يا أبنائى وأخوتى الحباء بعد القيامــة المجيــد ‪ ،‬راجي ـا ً لكــم‬
‫حياة سعيدة مباركة ‪ ،‬ثابتة فى الله ومحبتــه ‪ 0‬وراجي ـا ً للعــالم كلــه‬
‫سلما ً وهدوءا ً وحل ً للمشاكل القليمية والمحلية ‪ 00‬وما أجمــل أن‬
‫ننتهز مناسبة هذا العيد ‪ ،‬لكى نتأمل فى القيامــة ‪ :‬مــا هــى ؟ ومــا‬
‫بعدها ؟‬

‫القيامة هى انتصار على الموت الذى ساد على جميع البشر ‪0‬‬
‫بل هى نهاية للموت كما قال الكتاب " آخر عدو يبطل هو الموت "‬
‫) ‪1‬كو ‪ 0 ( 26 : 15‬فيها تهتف قلوب الجميع ‪ :‬لقد مات إلى البد‬
‫‪ 0‬وانفتح أمام البشرية طريق البدية السعيدة ‪ ،‬بكل مــا فيهــا مــن‬
‫أفراح ومتعة روحية ‪0000‬‬
‫الموت الذى انتصر على كل إنســان ‪ ،‬ســوف تنتصــر عليــه القيامــة‬
‫العامة ‪ 0‬ول يوجد فيما بعـد ‪ ،‬سـيغنى الجميـع قـائلين ‪ :‬لقـد مـات‬
‫الموت ‪0‬‬
‫وما أجمل ما قيل عــن ذلــك فــى ســفر الرؤيـا " والمــوت ل يكــون‬
‫فيما بعد ‪ ،‬ول يكون حزن ول صراخ ول وجع فيما بعد ‪ 0‬لن المور‬
‫الولى قد مضت " ) رؤ ‪0 ( 24 : 21‬‬
‫وقد يقول البعض إن القيامة هى عودة النسان إلى الحييياة ‪ 0‬وفييى الواقييع إن‬
‫هذا التعبير غير دقيق ‪0‬‬
‫فالنسان يتكون من عنصرين ‪ :‬أحدهما حى بطبيعته وهو الــروح ‪0‬‬
‫والعنصر الخر قابل للموت والتحلل وهو الجسد ‪ 0‬وعنــدما يمــوت‬
‫النسان ‪ ،‬إنما يموت جسده ويعود إلى التراب كما كان ) جــا ‪: 12‬‬
‫‪ ( 7‬وتعود روحه إلى الله ‪ ،‬وتبقى حية فى مكان النتظار إلى يوم‬
‫القيامة ‪ ،‬حين تعود إلى الجسد المقام ‪0‬‬
‫ولن روح النسان تبقى حيــة بعــد مــوته ‪ ،‬تكــون لنــا صــلة بلرواح‬
‫القديسين فى العــالم الخــر ‪ ،‬نطلــب صــلواتهم مــن أجلنــا ‪ 0‬كمــا‬
‫يحدث أحيانا ً أن الله – تبارك إسمه ‪ 0‬يرسل بعض هذه الرواح إلى‬
‫عالمنا ‪ ،‬لتبليغ رســالة أو لجــراء معجــزة ‪ 00‬ولن روح النســان ل‬
‫تموت بموته ‪ ،‬لذل نقول لك فى صلواتنا " ‪ 00‬ليس موت لعبيدك ‪،‬‬
‫بل هو انتقال " ‪ 0‬ونقصد انتقال الروح إلى العالم الخر ‪0‬‬

‫بالقيامة ينتهى تاريخ الموت إلى البييد ‪ ،‬ول يكييون لييه فيمييا بعييد سييلطان علييى‬
‫الناس ‪0‬‬
‫ً‬
‫فأجساد القيامة ستكون أجسادا روحية ل يقوى عليها الموت ‪0‬‬
‫كما أن الموت كان فى الحياة قبــل القيامــة ‪ ،‬هــو عقوبــة الخطيــة‬
‫منذ أيام أبينا آدم ‪ 0‬وبعد القيامة ل تكون هنــاك خطيــة ‪ ،‬ول يكــون‬
‫هناك موت ‪0‬‬
‫البدية – بعيد القيامة – هى موطن الحياة الدائمة ‪ 0‬لذلك قيل عن‬
‫البرار إنهم يحيون إلــى البــد ‪ ،‬أو تكــون لهــم حيــاة البديــة " ) دا‬
‫‪( 2 : 12‬‬
‫وقيل " يمضى البرار إلى حياة أبدية " ) مت ‪0 ( 46 : 25‬‬
‫وهناك نوع آخر من الموت سينتهى ‪ ،‬هو موت الخطية ‪0‬‬
‫فالخطية تعتبر حالة موت ‪ ،‬موت روحى ‪ ،‬لنهــا انفصــال عــن اللــه‬
‫الذى هو مصدر الحياة الحقيقية ) يو ‪ ) ( 4 : 1‬يو ‪( 6 : 14‬‬
‫ولذلك حسنا ً قال الرب لراعــى ســاردس المخطــئ " إن لــك إســما ً‬
‫أنك حى ‪ ،‬وأنت ميت ! " ) رؤ ‪ ( 1 : 3‬وقــال الب عــن توبــة ابنــه‬
‫الخاطئ " ابنى هذا كان ميتا ً فعاش " ) لو ‪ ( 24 : 15‬فمــا دامــت‬
‫الخطيــة هــى حالــة مــوت أدبــى وروحــى ‪ ،‬وفــى البديــة ل تكــون‬
‫خطية ‪ ،‬إذن سوف يزول هــذا المــوت بعــد القيامــة ‪ ،‬ول يكــون لــه‬
‫وجود فى عالم البرار ‪000‬‬
‫والقيامة هى لون من التجلى للطبيعة البشرية ‪ 0‬ويشمل ذلك التجلييى الجسييد‬
‫والروح كليهما معا ً ‪0‬‬
‫فنقوم بأجساد روحانية نورانية سماوية ‪ ،‬غير قابلة للفساد ) ‪ 1‬كو‬
‫‪ 0 ( 49 – 42 : 15‬فهى غير قابلة للتحلل ول للموت ‪ 0‬أجساد ل‬
‫تمرض ول تتعب ‪ ،‬ول تشكو ألما ً ول وجع ـا ً ‪ 0‬ول تتعبهــا شــهوة ول‬
‫غريزة ‪ 0‬ول تنتقلها المادة ‪ ،‬بل تكــون خفيفــة فــى كــل تحركاتهــا‬
‫وتنقلتها ‪0‬‬
‫نقوم أيض ـا ً بأجســاد ل عيــب فيهــا ول نقــص ‪ 0‬فــالعمى ل يقــوم‬
‫أعمـى ‪ ،‬بـل يعـود إليــه البصــر ‪ 0‬والضــعيف ل يقـوم ضــعيفا ً ‪ ،‬بـل‬
‫يمنحه الله قوة ‪ 0‬والمشــوه وغيــر الجميــل ‪ ،‬ل يقــوم هكــذا ‪ 0‬بــل‬
‫يلبــس فــى القيامــة جمــال ً وبهــاء ‪ 00‬ففــى القيامــة يعــوض اللــه‬
‫النسان علــى كــل نقــص قاســى منــه فــى هــذا العــالم الحاضــر ‪0‬‬
‫ويعطيه أن يقوم بجسد ممجد ‪ " ،‬على صورة جســد مجــده " ) فـى‬
‫‪( 21 : 3‬‬

‫وهكذا الروح أيضا ً ‪ ،‬سوف تتجلى بالنقاء والصفاء والبساطة ‪0‬‬


‫تتجلى بنقاء أكثر مما كان لدم وحواء قبل الســقوط ‪ ،‬حينمــا كانــا‬
‫فى الجنة عريانين ول يخجلن ) تــك ‪ ( 25 : 2‬إذ كانــا فــى بــراءة‬
‫عجيبة ل تعرف الخطية ‪ 0‬ولكن طبيعتهمــا مــع ذلــك كــانت تحتمــل‬
‫الخطأ ‪ ،‬وفعل ً أخطأ الثنان ‪0‬‬
‫أما فى البدية فسوف توجد براءة غيــر قابلــة للســقوط ‪ 0‬وتــزول‬
‫من الذهن كل معرفة الخطية ‪ 0‬بل تنتهــى الخطيــة إلــى البــد ‪00‬‬
‫وهذا هو الذى قصده القديس بولس الرسول بقوله " وأخيرا ً وضع‬
‫لى إكليل البر الذى يهبه لى فى ذلك اليوم الديان العادل ‪ ،‬وليــس‬
‫لى فقط ‪ ،‬بل لجميع الذين يحبون ظهوره أيضا ً " ) ‪ 2‬تى ‪( 8 : 4‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫إذن تجلى الرواح فييى البدييية هييو أن تتكييل بييالبر ‪ ،‬وتصييير كملئكيية اللييه فييى‬
‫السماء ) مت ‪( 30 : 22‬‬
‫براءة كاملة ل تعرف الخطية ‪ ،‬ول تشتهيها ‪ ،‬ول تجول فــى ذهنهــا‬
‫إطلقا ً ‪ 0‬وذلك بأن ينسى النسان نسيانا ً كــامل ً كــل مــا كــان فــى‬
‫العالم من خطيئة ومن شر ‪ ،‬أثناء حياته فيه ‪ 0‬وهكذا يتنقى القلب‬
‫والفكــر تمامـا ً ‪ 0‬ويعيــش الكــل فــى حيــاة روحيــة ‪ ،‬لهــم البصــيرة‬
‫الروحية ولهم الحس الروحى‬
‫ً‬
‫وليسوا فقط يتنقون من الخطأ ‪ 0‬وأنما أيضا من الناحية اليجابيــة‬
‫تكون لهم ثمار الــروح ‪ ،‬الــتى شــرحها الكتــاب بقــوله " وأمــا ثمــر‬
‫الروح فهو محبة فرح سلم ‪ 00‬لطف صلح إيمان ‪ ) " 00‬غــل ‪: 5‬‬
‫‪0 0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪( 23 ، 22‬‬
‫يزول تماما ً الصراع الذى كان فى العييالم ‪ ،‬سييواء الييذى بييين النيياس ‪ ،‬أو الييذى‬
‫كان بين الروح والجسد ‪0‬‬
‫حينما كــان " الجســد يشــتهى ضــد الــروح ‪ ،‬والــروح ضــد الجســد ‪0‬‬
‫وهذان يقاوم أحدهما الخر " ) غل ‪ 00 ( 17 : 5‬إذ يصبح الجسد‬
‫والروح فى البدية ‪ ،‬فــى خــط واحــد ومســيرة واحــدة ‪ ،‬ل تنــاقض‬
‫بينهما ول صراع ‪000‬‬
‫كما تزول الخصومات والمشاكل والمتاعب ‪ 00‬ويعيش الناس فــى‬
‫عالم حب وتفاهم ‪ 0‬ويكون للكل لغة واحـدة يتفـاهمون بهـا معـا ً ‪،‬‬
‫لعلها لغة الروح ‪ 0‬وفى حديثهم وتسبيحهم يكون لهم لسان واحــد‬
‫وفهم واحد ‪000‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫وتزول الثنائية التى عاش فيها النسان بعد الخطيئة ‪0‬‬


‫ثنائية الجــق والباطــل ‪ ،‬والحلل والحــرام ‪ ،‬والصــواب والخطــأ ‪00‬‬
‫لنه سوف ل يكون فى البدية بعد القيامة سوى الحق فقــط ‪ 0‬ول‬
‫يكون مجال للختيار بيــن طريقــتين ‪ 0‬فليــس ســوى طريــق واحــد‬
‫يسير فيه الجميع ول يعرفون غيره ‪000‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫وبعد القيامة يعيش البرار فى فرح دائم ‪ ،‬نسميه النعيم البدى ‪0‬‬
‫فما هى ألوان هذا الفرح الذى يتمتع به البرار ‪0‬‬
‫أول فرح الدخول إلى ملكوت السموات ‪ 0‬فرح النتصار‬ ‫•‬
‫على العــالم وعلــى الخطيــة والشــيطان ‪ 0‬هــذا النتصــار الــذى‬
‫يؤهل الروح إلى الدخول فى الملكوت ‪ 0‬ذلك لن ملكــوت اللــه‬
‫ل يدخله إل الغالبون المنتصرون ‪ ،‬الذين استطاعوا خلل فــترة‬
‫عمرهم على الرض ‪ ،‬أن ينجحــوا فــى كــل الحــروب الروحيــة ‪،‬‬
‫ويظهروا أن محبتهم للــه كــانت فــوق كــل إغــراء وكــل شــهوة‬
‫أخرى ‪ 0‬فاجتازوا فترة اختبارهم بسلم ‪0‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫يفرحون فى البدية أيضا ً بعشرة الملئكة والقديسين ‪0‬‬


‫إنها متعة عظيمة بل شك أن يتعرف النسان فى البدية على كــل‬
‫النبياء والرسل الذين وردت أسماؤهم فى الكتب المقدسة ‪ ،‬أن‬
‫تعرف على كل الشهداء فى كافة عصــور التاريــخ ‪ ،‬ةتعــرف علــى‬
‫كل الباء القديسين ‪ ،‬وكل الرعاة الصالحين ‪ ،‬وكل الذين أتصــفوا‬
‫بفضائل عميقة ميزت حياة كــل منهــم عــن غيرهــا ‪ 0‬كمــا يتعــرف‬
‫أيضا ً على كل أبطــال التاريــخ الــذين عاشــوا حيــاة صــالحة ‪ ،‬وكــل‬
‫الشخصيات البارزة قرأ عنها من قبل فى الكتب ‪ ،‬وكانت مقبولــة‬
‫أمام الله ‪000‬‬
‫معرفة كـل هـؤلء وأمثـالهم تمل القلـب فرحـا ً ‪ 0‬أمـا معاشـرتهم‬
‫والحياة معهم والصلة بهم ‪ ،‬فهذه متعة أعمق ‪0‬‬
‫هؤلء البرار يمثلون ما يقول عنه الكتاب " كــورة الحيــاء " ) مــز‬
‫‪ ، ( 13 : 27‬أى الذين فى الحياة الحقيقية الدائمة التى ل خــوف‬
‫عليها من موت فيما بعد ‪000‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫على أن المتعة فى النعيم البدى ‪ ،‬لبد أن تتفاوت فى الدرجة ‪0‬‬


‫الكل يكونون فى فرح وفى مجــد ‪ ،‬ولكــن ليــس الكــل فــى درجــة‬
‫واحدة ‪ 0‬وكما قال الكتاب عن ذلك " لن نجما ً يمتاز عن نجم فــى‬
‫المجد " ) ‪ 1‬كو ‪ 0 ( 41 : 15‬إن الله فى البدية سيكافئ كل واحد‬
‫حسب أعماله ) رؤ ‪0 ( 12 : 22‬‬
‫أو كما قيل " لينال كل واحد ما كــان بالجســد ‪ ،‬بحســب مــا صــنع‬
‫خيرا ً كان أم شرا ً " ) ‪ 2‬كو ‪ 0 ( 10 : 5‬ول شك أن أعمال الناس‬
‫تختلــف فــى الدرجــة وفــى النــوع والعمــق ومقــدار الروحانيــة ‪،‬‬
‫ومقدار المحبة نحو اللــه ‪ 000‬فعلــى حســب جهــاد النســان علــى‬
‫الرض ‪ ،‬تكــون مكافــأته فــى الســماء ‪ ،‬ويكــون نــوع إكليلــه فــى‬
‫الملكوت ‪00‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬


‫وحتى القل درجة فى السماء ‪ ،‬ل يشعرون بنقص ‪0‬‬

‫لن الشعور بالنقص يجلب الحزن ‪ 0‬والحــزن ل يتفــق مــع النعيــم‬


‫البدى ‪ ! ‍ 000‬يمكننا تشــبيه المــر بعــدد كــبير مــن الوانــى منهــا‬
‫الكبير ومنها الصغير ‪ ،‬والكبير جدا ً ‪ ،‬والصغير جــدا ً ‪ ،‬والمتوســط ‪0‬‬
‫وكلها ممتلئة ‪ 0‬أصغر واحدة فيها ل ينقصها شئ ‪000‬‬
‫هكذا البرار فــى البديــة ‪ 0‬كلهــم ممتلئون فرح ـا ً ‪ ،‬ل يشــعر أحــد‬
‫منهم بنقص ‪ 0‬وكـل منهــم فـى مجـد ‪ ،‬يشـعر بالمكافـأة ‪ 0‬ولكـن‬
‫درجة الواحد غير درجة الخر ‪0‬‬
‫مثال آخر ‪ :‬لنفرض أن جماعة من الرفاق والقارب ‪ ،‬ذهبوا للقــاء‬
‫إنسان عزيز عليهم جدا ً قد عاد من غياب طويل فى سفر ‪ 0‬الكــل‬
‫يحبونه ‪ ،‬والكل مشتاق إليه ‪ ،‬والكل فى فرح بعودته ‪ 0‬ولكن فرح‬
‫كل منهم تكون درجته بحسب ما فى قلبه من حب وشوق ‪ 0‬وقــد‬
‫تتفاوت درجة حبهم ‪ ،‬ولكن الكل شعر بالفرح ‪0‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬


‫إننا نفرح بالقيامة ‪ ،‬لنه فرح بالخلود ‪ ،‬وبيالنعيم ‪ 0‬ولكننيا ل نسيتطيع أن نصيف‬
‫تماما ً كنه هذا الفرح ‪0‬‬
‫اللغــة قاصــرة عــن التعــبير ‪ ،‬والفهــم أيضـا ً قاصــر ‪ ،‬والخــبرة غيــر‬
‫موجودة لن ساعتها لم تأت بعــد ‪ 0‬ويكفينــا مــا قــاله الكتــاب عــن‬
‫النعيم البدى ‪ " :‬ما لم تره عين ‪ ،‬ولم تسمع بــه أذن ‪ ،‬ولــم يخطــر‬
‫على بال إنسان ‪ ،‬ما أعده الله للذين يحبونه " ) ‪1‬كو ‪00 ( 9 : 2‬‬
‫مهمــا يخطــر علــى فكــرك مــن أوصــاف ‪ ،‬ل يمكــن أن تعــبر عــن‬
‫الحقيقة ‪ ،‬لن ما أعده الله للبرار " لم يخطر على بال إنسان "‬
‫ولعل فى قمة متع البدية ‪ :‬معرفتنا لله ‪0‬‬
‫الن " تعرف بعض المعرفة " ) ‪ 1‬كو ‪ 0 ( 12 : 13‬ولكن معرفتنا‬
‫هذه تعتبر كل شئ بالنسبة إلى اللــه غيــر المحــدود ‪ 0‬ولــذلك قيــل‬
‫فى النجيل المقدس " هذه هى الحياة البديــة ‪ ،‬أن يعرفــوك أنــت‬
‫الله الحقيقى وحدك ‪ ) " 00‬يو ‪ 00 ( 3 : 17‬كل يوم يمر علينــا‬
‫فى البديــة ‪ ،‬ســنعرف فيــه شــيئا ً جديــدا ً عــن اللــه ‪ ،‬يبهــر عقولنــا‬
‫ويشبع قلوبنا ‪ 0‬ونقف فى دهش وذهول ‪ ،‬ونقول ‪ :‬كفانا كفانا ‪0‬‬
‫نحتاج إلى زمن حتى نستوعب هذا الذى كشفه الرب لنـا عـن ذاتـه‬
‫‪0‬‬
‫ثم يوسع الله عقولنا وقلوبنا لنعرف أكثر ‪ ،‬علــى قــدر مــا تحتمــل‬
‫طبيعتنا البرية ‪ 0‬ومع كــل ذلــك تبقــى طبيعتنــا محــدودة ‪ ،‬تحــاول‬
‫القتراب من الله غير المحدود ‪ ،‬لتعرف وتبتهج بالمعرفة ‪000‬‬
‫حقا ً متى نصير من العارفين بالله ؟! ‪ 00‬يقول الكتاب " هــذه هــى‬
‫الحياة البدية ‪ ،‬أن يعرفوك أنت اللــه الحقيقــى وحــدك ‪ ) " 00‬يــو‬
‫‪( 3 : 17‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫هنا وأقول ‪ :‬إن المتعة فى البدية ستكون فى نمو مستمر ‪ ،‬وتعدد ‪000‬‬
‫لنه لو وقف نمــو متعتنــا ‪ ،‬أو تنوعهــا ‪ ،‬قــد تتحــول مشــاعرنا إلــى‬
‫روتيــن أو إلــى جمــود ‪ 000‬ولكــن مخــازن اللــه مملــوءة خيــرات ‪،‬‬
‫ومنـابعه ل تنضـب ‪ 00‬وكـل متعـة سـوف نتمتـع بهـا سـتكون فـى‬
‫البدية مثل نقطة فى محيط ‪00‬‬
‫يكفى الشبع الروحى ‪ ،‬والشبع بالله نفسه ‪ ،‬هذا الذى سنكون فى‬
‫دوام الشوق والحرقة إليه ‪ 0‬وكما قال السيد المسيح لــه المجــد "‬
‫طوبى للجياع والعطاش إلى البر ‪ ،‬لنهم يشبعون " ) مت ‪( 6 : 5‬‬
‫ومهما اشبعنا الله ‪ ،‬سيبقى شوقنا إليه قائما ً ‪ 00‬إلى مـتى ؟ إنهــا‬
‫البدية ‪000‬‬

‫إن كانت البدية هكذا ‪ ،‬فما هو استعدادنا لها ؟‬


‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫ليتنا نضع القيامة البدية أمامنا فى كل حين ‪ ،‬ونعمل لملقاتها ‪0‬‬


‫نعمل باليمان بالله ‪ ،‬وبنقاوة القلب ‪ ،‬وبنمو محبتنــا للــه ‪ ،‬وصــفاء‬
‫معاملتنا مع الناس ‪ 0‬ونعمل للبدية بعمل الخير كــل حيــن ‪ ،‬علــى‬
‫قدر ما نستطيع من قوة وعلى قدر ما ننال من النعمة ‪0‬‬
‫لئل مع وجود البدية والنعيم ‪ ،‬يوجد إنسان محروما ً منهما ‪000‬‬
‫آباؤنا الذين التصقت قلوبهم بالبدية ‪ ،‬حسبوا أنفسهم غرباء على‬
‫الرض ) عــب ‪ ، ( 13 : 11‬مشــتاقين باســتمرار إلــى الســماء ‪،‬‬
‫يعملــون مــن أجــل اســتحقاق الوجــود فــى عشــرة اللــه والملئكــة‬
‫والقديسين ‪0‬‬
‫‪0 0‬‬ ‫‪0‬‬
‫أرجو لكم يا أخوتى جميعا ً حياة ســعيدة علــى الرض ‪ ،‬وعمل ً دائمـا ً‬
‫من أجل البدية ‪00‬‬
‫وليتنا ننتهز هذه الفرصة لنصلى من أجل عالمنا أن يسوده السلم‬
‫وتسوده معرفة الله ‪ 0‬فى كل مكان ‪00‬‬
‫إلهنا الصالح قادرأن يتولى بعنايته هذا العالم المضــطرب ‪ ،‬ويمنــح‬
‫معونة وحكمة من عنده ‪ 000‬وكل عام وأنتم بخير ‪0‬‬
‫أهنئكم يا أخوتى وأبنائى جميعا ً بعيــد اقيامــة ‪ ،‬راجيــا مــن اللــه أن‬
‫يعيده عليكــم بــالخير والبربكــة ‪ ،‬وأن يعيــده علــى بلدنــا المحبوبــة‬
‫وهى فى سلم ورخاء ‪0‬‬
‫وأتابع معكــم فــى هــذه المناســبة الســعيدة أحاديثنــا عــن القيامــة‬
‫العامة ‪000‬‬
‫فــأقول إن القيامــة تتبعهــا الدينونــة العامــة ‪ 0‬فلنســان ل ينــال‬
‫جزاءه بعد الموت مباشرة ‪ ،‬لن الجسد يكون وقتــذاك فــى القــبر ‪،‬‬
‫ويتحول بالوقت إلى تراب ‪0‬‬
‫ولكن فى القيامة ‪ ،‬حينما يقوم الجسد وتتحد بييه الييروح ‪ ،‬يمكيين حينئذ أن يبييدأ‬
‫الحساب للنسان بكامل تكوينه جسدا ً وروحا ً ‪ 0‬وذلك لن ما فعله النسان ميين‬
‫خير وشر ‪ ،‬اشترك فيه الجسد والروح معا ً ‪ 0‬فيلزم إذن محاسبة الثنييين معيا ً ‪:‬‬
‫ينالن المكافأة معا ً ‪ ،‬أو يتحملن العقوبة معا ً ‪0‬‬
‫وهكذا شاء الله أن يكون الحساب أو الدينونة بعد القيامة العامة ‪ ،‬حينمييا تتحييد‬
‫الرواح بالجساد‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ويكون الحساب أيضا لكل البشر معا ‪0‬‬
‫‪0 0‬‬ ‫‪0‬‬
‫كل شئ مسجل امام الله ‪ ،‬وسوف يعلن فى يوم الحساب ‪ ،‬وسف‬
‫يعرف من الكل ‪ 00‬كل أفعــال النــاس ‪ ،‬وكــل أفكــارهم وأقــوالهم‬
‫ونياتهم وأحاسيسهم ‪ ،‬الخفيات والظــاهرات ‪ 0‬ولــذلك صــدق ذلــك‬
‫الديب الروحى الذى قال " فكر كما لو كانت أفكارك مكتوبة علــى‬
‫سحاب السماء بحروف من نور ‪ ،‬وإنها لكذلك ‪" 000‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫النيياس حينمييا يموتييون ‪ ،‬يييتركون أمييوالهم وأملكهييم ‪ ،‬وأقيياربهم ومعييارفهم ‪0‬‬


‫ويفارقون الكل ‪ 0‬ولكن الشييئ الييذى ل يفييارقهم هييو أعملهييم ‪ 0‬لن أعمييالهم‬
‫تتبعهم ‪0‬‬
‫تلصق بهم كــل أخطــائهم ‪ ،‬بكــل صــورها ‪ ،‬وكــل تفاصــيلها ‪ ،‬وكــل‬
‫بشاعتها ‪ ،‬فتقلق قلوبهم ‪ ،‬وتتعب أفكارهم ‪ 00‬وفى يوم الدينونــة‬
‫العامة يجدون كل ذلك أمامهم ‪ 0‬فيكونون مدانين أمام أنفســهم ‪،‬‬
‫ل ينفعهم عذر ول تبرير‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫ل يمحو هذه الخطايا والثام سوى التوبة الصادقة الحقيقية ‪0‬‬


‫فالخطأ الذى تاب عنه النسان توبة قلبية بغير رجعة ‪ ،‬هــذا تــدركه‬
‫مراحم الله الواسعة ومغفرته للتائبين ‪0‬‬
‫والتوبــة الحقيقيــة ليســت مجــرد تــرك الخطيــة ‪ 0‬فقــط يتركهــا‬
‫النسان من حيث الفعل والممارسة ‪ ،‬ولكن يســتمر يشــتهيها فــى‬
‫قلبه ‪ ،‬ويقبلهــا فــى فكــره ‪ 0‬أمــا التوبــة الحقيقيــة فهــى كراهيــة‬
‫الخطية قلبا ً وفعل ً ‪000‬‬
‫بكراهية الخطية وعدم اقترافها ‪ ،‬يستحق النسان المغفييرة ‪ ،‬ول تحسييب عليييه‬
‫خطاياه فى يوم الدين ‪0‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬
‫ويبقى للتوبة شرط آخر ‪ ،‬وهو معالجة نتائج الخطايا ‪0‬‬
‫ً‬
‫فمثل ً ل يقل الظالم " لقد تبت ‪ ،‬وما عدت أظلم أحدا ‪ ،‬بــل صــرت‬
‫أكره الظلم " هذا ل يكفى ‪ ،‬لنه خاص فقط بالحاضر والمســتقبل‬
‫‪ 0‬ولكن ماذا عن الماضى ‪ ،‬وعن حال المظلومين الــذين ل يزالــون‬
‫يقاسون من نتائج ظلمــه ؟! عليــه أن يعالــج هــذه النتــائج بكــل مــا‬
‫يستطيع من قدرة وإن كان قد سرق من أحد شيئا ً ‪ ،‬عليه أن يرده‬
‫إلى صاحبه ‪ 0‬وإن كان قد أساء إلى سمعة إنسان ‪ ،‬عليه أن يصــلح‬
‫ذلك ويرد إليه إعتباره ‪0‬‬
‫‪0 0‬‬ ‫‪0‬‬
‫هنا يقف أمامنا سؤال قد يكون محيرا ً ‪ ،‬وهــو ‪ :‬مــاذا عــن القاتــل ‪،‬‬
‫وهو ل يستطيع أن يصلح ما فعله ؟‬
‫والجــواب هــو أنــه إذا أخــذ عقوبــة علــى الرض ‪ ،‬وقبلهــا برضــى‬
‫وبشعور أنه مستحق للعقوبة ‪ 00‬فإنه يستريح من عقوبة فى يــوم‬
‫الدينونة الرهيب ‪000‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫النسييان فييى يييوم الدينونيية ينييال عقوبيية علييى الخطايييا الييتى لييم يتييب عنهييا ‪،‬‬
‫والخطايا التى لم ينل عنها عقوبة على الرض ‪0‬‬
‫إما لنها كانت خطايا فى الخفاء لم يعرفها أحد عنه ‪ ،‬أو لــم تثبــت‬
‫أدلة عليه ‪ ،‬أو أمســك فيهــا أحــد غيــره ظلمـا ً ‪ 0‬وفـى هــذه الحالــة‬
‫يعاقبه الله على خطيئتين ‪ :‬الخطيئة التى ارتكبها ‪،‬‬
‫يضاف إليها تركه لغيره يعاقب ظلم على ما اقترفه هو مــن إثــم ‪،‬‬
‫دون أن ينقــذه بــاعترافه ‪ 0‬ومــن الخطايــا الخفيــة أيض ـا ً ‪ :‬النيــات‬
‫والفكـــار والمشـــاعر ‪ 0‬وهــذه كلهــا ينبغـــى أن تــدركها التوبــة‬
‫لتمحوها ‪ ،‬مع الجهاد الروحى لتنقية القلب والفكر ‪0‬‬
‫ومن الخطايا التى تتعب النسـان أيضـا ً فـى يـوم الحسـاب ‪ ،‬وهنـا‬
‫أيضــا ً علــى الرض ‪ ،‬أن يوقــع غيــره فــى خطيــة ‪ ،‬ويتســبب فــى‬
‫إفساده ‪ 0‬ثم يتوب هو ‪ ،‬ويبقى هذا الغير فــى الخطيئة والفســاد ‪،‬‬
‫دون أن يقدر على إرجاعه !!‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫وفى يوم الحساب ‪،‬ل يعاقب النسان فقط على ما فعله من شر ‪ ،‬وإنمييا أيضيا ً‬
‫على ما كان بإمكانه أن يفعله من الخير ولم يفعله ‪000‬‬
‫ً‬
‫والكتاب المقدس يقول فى ذلك " مــن عــرف أن يعمــل حســنا ول‬
‫يفعل ‪ ،‬فتلك خطية له " ) يع ‪ ( 17 : 4‬بل من الخطايا أيضا ً ‪ :‬تأخير‬
‫عمــل الخيــر ‪ ،‬أو تــأخير أعطــاء الحقــوق لصــحابها ‪ 0‬ومــن وصــايا‬
‫الكتاب فى هذا الشأن ‪:‬‬
‫" ل تمنع الخير عن أهله ‪ ،‬حين يكون فى طاقة يدك أن تفعله ‪ 0‬ل‬
‫تقل لصاحبك اذهب وعد فأعطيك غدا ً ‪ ،‬وموجود عندك " ) ام ‪: 3‬‬
‫‪0 ( 28 ، 27‬‬

‫لذلك كله ولغيره ‪ ،‬على النسان أن يحاسب نفسه بكييل دقيية ‪ ،‬قبييل أن يييدركه‬
‫يوم الحاب وهو غافل عن نفسه ‪0000‬‬
‫وصدق ذلك القديس الذى قال لحد الخطاة ‪ " :‬احكم يا أخى علــى‬
‫نفسك ‪ ،‬قبل أن يحكم عليك "‬
‫ينبغى إن أن يتدرب كل إنسان علـى محاســبة النفــس ‪ ،‬وأن يــدين‬
‫نفسه ‪ ،‬على أخطائها ‪ ،‬ويحاول أن يصلح ذاته ‪ 0‬فالفرصة ل تــزال‬
‫قائمة ‪ ،‬والتوبة بإمكانه ‪ ،‬قبل أن يغلق باب التوبة بالموت ‪ ،‬ويقــف‬
‫فى ذلك اليوم الرهيب مدانا ً أمام الله ‪ 0‬وصدق ذلك الشاعر الــذى‬
‫قال ‪:‬‬
‫ونحن ما تبنا‬ ‫قبورنا تبنى‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫وفى محاسبة النسان لنفسه ‪ ،‬عليه أن يلتفت إلى الخطايييا المركبيية والخطايييا‬
‫الصلية ‪0‬‬
‫وأعنى بالخطايا المركبــة ‪ ،‬تلــك الــتى تحــوى مجموعــة كــبيرة مــن‬
‫الخطايا ‪ ،‬بينما نلقى عليها إسما ً واحدا ً ‪ 00‬كما توجــد أيضـا ً خطايـا‬
‫أمهات ‪ ،‬تلد كل منها عددا ً كبيرا ً من الخطايا ‪0‬‬
‫فل نستهن بالمر ‪ ،‬ونظن أننا قد ارتكبنا شيئا ً بسيطا ً ‍!!‬
‫كذلك ل ننسى الخطايا الصلية ‪ 0‬فغالبيـة خطايـا اللسـان وخطايـا‬
‫الحواس ‪ ،‬يكون سببها خطية أصلية موجودة فى القلب ‪000‬‬
‫فالذى ينظر نظرة حسد ‪ ،‬أو نظــرة شــهوة ‪ ،‬أو نظــرة حقــد ‪ ،‬ومــا‬
‫أشبه ‪ ،‬ليست كل هذه مجرد خطية نظر ‪ ،‬وإنمــا الحســد والشــهوة‬
‫والحقد وغير ذلــك ‪ ،‬موجــود كلــه فــى القلــب قبــل أن يظهــر فــى‬
‫العين ‪ 0‬فخطية القلب هى الخطيئة الصلية ‪ 0‬وخطيئة النظر هــى‬
‫الخطية اللحقة ‪ ،‬أو الثانية فى الــترتيب ‪ 0‬وهكــذا عليــه أن يطهــر‬
‫قلبه أول ً ‪ ،‬فتتطهر حواسه تلقائيا ً ‪000‬‬
‫كذلك الذى يوجه إلى غيره كلمــة قاســية ‪ ،‬القســوة موجــودة فــى‬
‫قلبه أصل ً ‪ ،‬قبل أن تكون خطية لسان ‪ ،‬عليه أن يتوب عن كلتيهما‬
‫‪000‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫النسان الدقيق فى محاسبة نفسه ‪ ،‬يمكنــه التخلــص مــن نقائصــه‬


‫وخطاياه ‪ 0‬وهكذا يقف أمام الله طاهرا ً فى يوم القيامة ‪ ،‬ل يبكته‬
‫ضميره على شئ ‪ 00‬والنسان الروحى ل يتساهل مع نفســه ‪ ،‬ول‬
‫يغطى خطاياه بالتبريرات والعذار ‪ 0‬لن الذى يــبرر نفســه علــى‬
‫الرض ‪ ،‬سيكون مكشوفا ً تماما ً أمام الله فى يوم الحســاب ‪ ،‬حيــث‬
‫يستند كل فم ‪ ،‬ول تنفع العذار ‪000‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫تقول عن الله رحيم ‪ ،‬فأقول لك وهو أيضا ً عادل ‪0‬‬


‫رحمة الله سوف تدرك التائبين فيغفر لهــم ‪ 0‬وعــدل اللــه لبــد أن‬
‫يلحق المستهترين ‪ ،‬الذى يستغلون رحمة الله ومغفرته ‪ ،‬للتمادى‬
‫فى خطاياهم وشرورهم ‪ ،‬وعصيانهم لله أولئك الــذين لــم يجعلــوا‬
‫الله أمامهم !‬

‫يوم الحساب إذن هو يوم العدل اللهى ‪ ،‬الذى فيه سيجازى كل واحييد بحسييب‬
‫اعماله مكافأتهم على برهم وحرصهم وطاعتهم ‪0‬‬
‫هــؤلء البــرار ســيكافئهم اللــه علــى كــل شــئ ‪ ،‬ليــس فقــط عــن‬
‫العمال العظيمة التى عملوها ‪ ،‬بل حتى لى خير مهما بدا أمامهم‬
‫ضئيل ً ‪0000‬‬
‫يكافئهم ليس فقط على أعمال الرحمــة الكــبيرة ‪ ،‬وأنقــاذ غيرهــم‬
‫مــن المشــاكل والورطــات ‪ ،‬إنمــا ينــالون ثواب ـا ً حــتى علــى كلمــة‬
‫التشــجيع ليــائس ‪ ،‬وبســمة الحنــان الصــغار النفــوس ‪ ،‬وزيــارة‬
‫لمريض ‪ ،‬ونظرة حب لطفل ‪0‬‬
‫‪0 0‬‬ ‫‪0‬‬
‫وسوف يعوضهم الله عن كل خير عملوه ‪ ،‬ولم ينالوا عنه جزاء على الرض ‪0‬‬
‫إمــا بســبب ظلــم أو جاهــل أو إهمــال ‪ ،‬أو بســبب أنهــم أخفــوا‬
‫فضائلهم عن الناس ‪ ،‬حتى ل يستوفوا خيراتهم علــى الرض ‪ ،‬بــل‬
‫نالوا جزاءهم كامل ً من يد الله يعرف الخفيات ‪000‬‬
‫بل إنهم ينالون مكافأة عــن الخيــر الــذين أرادوا أن يفعلــوه ‪ ،‬ولــم‬
‫يستطيعوا لسباب خارجة عن إرادتهم ‪0‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫وكييل تعييب احتملييوه عليى الرض ‪ ،‬ميين أجييل محبتهييم للييه ومحبتهييم للنيياس ‪،‬‬
‫سيكون سبب راحة أبدية لهم‬
‫ستتبعهم فى يوم الحساب أعمال برهم ‪ ،‬وتكون شاهدة لهم أمــام‬
‫الله فطوبى لمن يتعب الن فى عمل الخير ‪ ،‬وفى خدمــة الغيــر ‪،‬‬
‫لكى يستريح فى ذلك اليوم ‪ ،‬وينال أجره بحســب تعبــه ) ‪1‬كــو ‪: 3‬‬
‫‪ ( 8‬فى النعيم البدى ‪000‬‬
‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫ليتنا نضــع يــوم القيامــة والحســاب أمــام أعيننــا باســتمرار ‪ ،‬حــتى‬


‫نسلك بحرص أمام الله ‪ ،‬وحتى نقف أمامه فــى يــوم الــدين ‪ ،‬دون‬
‫أن تبكتنا ضمائرنا ‪0‬‬
‫وليتنا نبذل كل جهد وتعــب مــن أجــل راحــة الخريــن ‪ ،‬ســواء فــى‬
‫محيــط الســرة أو المجتمــع أو الــوطن أو البشــرية جمعــاء ‪ ،‬حبــا ً‬
‫للكل ‪ ،‬وليس لمجرد الجزاء ‪ 0‬وهذا الحب سيقف إلـى جوارنـا فـى‬
‫اليوم الخير ‪0‬‬
‫ولن يدخل ملكوت الله فى ذلك اليوم ‪ ،‬إل القلوب العامرة بالحب ‪ ،‬ليين يييدخله‬
‫إل الذين أحبوا الله ‪ ،‬وأحبوا الخير ‪ ،‬وأحبوا الغير ‪000‬‬
‫بهذا الحب نصلى جميعا ً من أجل بلدنا ‪ ،‬ومن أجل أمنها وسلمتها‬
‫‪ ،‬ومن أجــل البلد الــتى تســودها الحــروب أو النزاعــات الداخليــة ‪،‬‬
‫لكى يمنح الرب سلما ً للعــالم ‪ 0‬ولكــى يعطــى الــرب الغــذاء للبلد‬
‫التى تسودها المجاعات ‪ ،‬ويمنح النقاوة والتوبة للمجتمعــات الــتى‬
‫يسودها الفساد ‪ 0‬ونطلب أن يبارك الرب كل من يعمل خيرا ً فيعم‬
‫الخير كل مكان ‪ 0‬وكل عام وجميعكم بخير ‪000‬‬
‫مبارك هو الله الذى منحنا الوجود إذ لــم تكــن ‪ ،‬وميزنــا عــن بــاقى‬
‫الكائنات بالعقل والنطق ‪0‬‬
‫وأعطانا الله الحياة ‪ 0‬وهى ســر يغــوص النــاس فــى أعمــاقه ‪ ،‬ول‬
‫يصلون إلى مكنوناته ‪0‬‬
‫وأعطى الله الحياة لكائنات حية عديدة جدا ً تعيــش معنــا علــى هــذا‬
‫الكوكب ‪ ،‬من طيور وحيوانات وحشرات وهوام وأسماك ‪ ،‬كل منها‬
‫له طبيعته ‪ 00‬ولكن الحياة فى النسان تميزت بميــزة أســمى مــن‬
‫كــل تلــك الكائنــات ‪ 00‬تميــزت بــالروح الــتى تختلــف عــن أنفــس‬
‫الحيوانات ‪000‬‬

‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬ ‫‪0‬‬

‫فتلييك الكائنييات الحييية معنييا حييياة ‪ 0‬أمييا نحيين فلنييا حييياة ‪ ،‬وحييياة أخييرى ‪ 0‬إذ‬
‫أعطامنا الله حين خلقنا أرواحا ً خالدة ‪000‬‬
‫الخلود عطية عجيبة وعميقة جدا ً ‪ ،‬منحها الله للبشرية ‪ 0‬فكان إذن‬
‫من أهم عطاياه لنا ‪ :‬الوجود ‪ ،‬والحياة ‪ ،‬والخلــود ‪ 0‬مــع ســمو فــى‬
‫كل من هــذه المــور الثلثــة ‪ ،‬نتفــوق فيهــا علــى كــل المخلوقــات‬
‫الرضية ‪ 0‬يضيف لها الله مجموعة من المواهب والقدرات ‪ ،‬تتنــوع‬
‫من إنسان لخر ‪ ،‬حسبما قسم الله لكل واحد كمــا شــاءت مــواهبه‬
‫اللهية ) ‪ 1‬كو ‪( 11 : 12‬‬
‫‪0 0‬‬ ‫‪0‬‬
‫خروج الحياة من النسان سر ل ندريه ‪ 0‬ورجوع الحياة إليه سر أعظم ‪000‬‬
‫كل مــا نــدريه عــن خــروج الحيــاة مــن النســان هــو بعــض مظــاهر‬
‫خارجية ‪ ،‬مثــل توقــف المــخ ‪ ،‬وتوقــف القلــب ‪ ،‬وتوقــف النفــس ‪،‬‬
‫وتوقف النبض ‪ ،‬وتوقف الحرارة ‪ ،‬وتوقف الحس ‪ ،‬وبالتالى توقف‬
‫كل أجهزة الجسد ‪0‬‬
‫أما خروج الروح من الجسد ‪ ،‬فهو سر ‪ 0‬كيف يحدث ‪ ،‬ومتى ؟ ومــا‬
‫تحيط به من مشاعر وأحاسيس ‪ ،‬أو من مناظر ‪ 0‬ومــا يتبــع ذلــك ‪،‬‬
‫ومسيرة الروح ‪ 00‬كل هذه أسرار ‪ 00‬حتى الذين عادوا إلى الحياة‬
‫‪ ،‬وأقامهم النبياء فى العهد القديم ‪ ،‬أو أقامهم السيد المسيح لــه‬
‫المجد ‪ ،‬لم يخبرونا بما حدث لهــم ‪ ،‬وكيــف خرجــت منهــم الحيــاة ‪،‬‬
‫وكيف عادت إليهم ‪ ،‬وكيف كانوا بين الحالين ؟! ‪ 00‬كل ذلك بقــى‬
‫سرا ً مختوما ً عليه بسبعة ختوم ‪0‬‬

‫‪0‬‬ ‫}‬ ‫}‬

‫كل ما نستطيعه ‪ ،‬هو أن نشكر الله ‪ ،‬لنه وعد أن يعطينا حياة أخرى ‪000‬‬
‫إنها حياة بعد الموت ‪ ،‬ننالها فى القيامة العامة ‪ ،‬التى تقـوم فيهـا‬
‫جميع البشر ‪ 0‬ترجع الرواح إلى اجسادها فتقوم ‪ ،‬لتقف فى يــوم‬
‫الدينونة العظيم ‪ ،‬الذى فيــه يجـازى اللــه كـل نفـس بمـا عملـت ‪0‬‬
‫وينال كل واحد منا حسبما صنع بالجسد كان أم شرا ً ) ) ‪ 2‬كــو ‪: 5‬‬
‫‪( 10‬‬
‫ولكن كيف تعود الرواح إلى الجساد ؟ هنا نقف باليمان أمام قدرة الله القادر‬
‫على كل شئ ‪0‬‬
‫الله الذى خلق الكون كله من العدم ‪ ،‬أتكون القيامة صعبة عليه ؟ حاشا ‪00‬‬
‫القيامة تعطينا إذن فكرة عن قدرة الله ‪0‬‬
‫اللــه القــوى المتنــاهى فــى قــوته ‪ ،‬الــذى يســتطيع أن يعيــد هــذه‬
‫الجسام مرة أخرى بعد أن تتحلل وبعد أن نتحول إلى تراب ‪000‬‬
‫ويعيدها فى نوع من التجلى ‪ ،‬أجسادا ً روحانية ‪،‬سماوية ‪ ،‬نورانية )‬
‫‪ 1‬كو ‪ 0 ( 49 : 15‬ل يدركها الموت فيما بعد ‪ ،‬ول يدركها تعب ‪،‬‬
‫ول مرض ‪0‬‬
‫}‬ ‫}‬ ‫}‬

‫فالله وعد النسان بييالخلود ‪ ،‬وليييس بييالخلود لجييزء منييه فقييط هييو الييوح ‪ ،‬بييل‬
‫الخلود للنسان كله ‪ ،‬روحا وجسدا ً ‪0‬‬
‫فلو أن الروح فقط أتيح لها الخلود والنعيم البــدى ‪ ،‬إذن ل يمكــن‬
‫أن نقول إن النسان كله قد تنعم بالحياة الدائمة ‪ ،‬وإنما جزء منــه‬
‫فقط ‪ ،‬وهــو الــروح ‪ 0‬فبالضــرورة إذن لبــد أن يقــوم الجســد مــن‬
‫الموت ‪ ،‬وتتحد بــه الــروح ‪ ،‬لتكــون إنســانا ً كــامل ً تصــير لــه الحيــاة‬
‫الدائمة ‪0‬‬

‫القيامة عقيدة أساسية فى جميع الديان ‪0‬‬


‫ولولها ما يثبت ديــن إطلق ـا ً ‪ 0‬فنحــن نــؤمن بقيامــة الجســد مــن‬
‫الموت وبالحياة الخرى والنعيم البدى وعقوبة الشرار ‪0‬‬
‫} }‬ ‫}‬

‫إن قيامة الجساد ضرورة تستلزمها عدالة الله ‪:‬‬


‫فالنسان مخلوق عاقل ذو إرادة ‪ 0‬وبالتــالى هــو مخلــوق مســئول‬
‫عن أعماله ‪ 0‬وسيقف أمام الله ‪ ،‬لينــال ثوابـا ً أو عقايـا ً عمــا فعــل‬
‫خلل حياته بالجسد علــى هــذه الرض ‪ 0‬فهــل يعقــل أن يقــع هــذا‬
‫الجزاء على الروح فقط ‪ ،‬أم يقع على النسان كله بروحه وجسده‬
‫؟‬
‫}‬ ‫}‬ ‫}‬

‫إن الروح والجسد اللذين اشتراكا ً معا ً فى العمييل ‪ ،‬تقتضييى العداليية اللهييية أن‬
‫يتحمل الجزاء معا ً ‪ ،‬أو أن يتنعما ً بالمكافأة معا ً ‪0‬‬
‫الجسد هو الجهاز التنفيــذى للــروح أو للنفــس أو للعقــل ‪ 0‬الــروح‬
‫تميل إلى عمل الخير ‪ ،‬والجسد هو الذى يقوم بعمل الخير ‪ ،‬يجرى‬
‫ويتعب ويشقى ويسهر ويحتمل ‪ 0‬أفل تكون له مكافأة عن كل مــا‬
‫اشترك فيه من خير مع الروح ؟ أم تتنعم الروح وحدها فى البديـة‬
‫‪ ،‬وكل تعب الجسد يضيع هبــاء ؟! وهــل يتفــق هــذا مــع عــدل اللــه‬
‫الكلى العدالة ؟!‬
‫ونفس الوضع نذكره أيضا ً عن عمل الشر الذى يشترك فيه الجســد‬
‫مع الروح ‪ 0‬بل قد يكون له فى الشر النصيب الوفر ‪0‬‬
‫فالجسد الذى ينهمك فى الملذ العالمية ‪ ،‬من أكل وشــرب وســكر‬
‫ومخدرات وزنى ورقص وعبث ومجون ‪ ،‬ويلــذذ حواســه بــاللهو ‪00‬‬
‫هل بعد هذا كله ‪ ،‬تدفع الروح الثمن وحدها فى البدية ‪ ،‬ول يلحــق‬
‫بالجسد شـئ مـن العـذاب أو مـن المجـازاة ؟! كل ‪ ،‬فهـذا ل يتفـق‬
‫مطلقا ً مع العدل اللهى ‪ ،‬الذى لبد أن يجازى النســان كلــه روحـا ً‬
‫وجســدا ً ‪ 00‬إذن لبــد أن يقــوم الجســد ليشــترك فــى المجــازاة ‪،‬‬
‫ويكون الحساب لكليهما معا ً ‪0‬‬
‫لنهما أشتركا فى العمل معا ً ‪ ،‬سواء بدأت الروح ‪ ،‬وأكمــل الجســد‬
‫‪ 0‬أو أشتهى الجسد واستسـلمت الـروح لـه ‪ ،‬واشـتركت معـه فـى‬
‫شهواته ‪0‬‬
‫} }‬ ‫}‬

‫إن الجسد ينفذ ما تريده الروح ‪ ،‬ويبر أيضا ً عن مشاعرها ‪0‬‬


‫ولنأخذ الجندى فى الميدان مثال ً لنا ‪0‬‬
‫الجندى تدفعه روحه إلى أعمال البسالة والبذل والفداء ‪ ،‬وتشــتعل‬
‫روحه بمحبــة وطنــه ومــواطنيه ‪ 0‬ولكــن الجســد هــو الــذى يتحمــل‬
‫العبء كله ‪ ،‬ويدفع الثمـن كلـه ‪ 0‬الجســد هـو الــذى يتعــب ويســهر‬
‫ويحارب ‪ ،‬وهو الذى يجرح ويتمزق وتسيل دماؤه ‪ 0‬فهــل بعــد كــل‬
‫هذا تتمتع الروح وحدها ‪ ،‬والجسد ل يشترك معها فى المكافــأة ؟!‬
‫وكأنه لم ينل أرضا ً ول سماء ؟! إن العدل اللهى ل يوافق إطلقــا ً‬
‫على هذا ‪ 0‬إذن لبــد أن يقــوم الجســد مــن المــوت ‪ ،‬ليشــترك مــع‬
‫الروح فى أفراحها ‪0‬‬
‫}‬ ‫}‬ ‫}‬

‫ولنضرب مثل ً واحدا ً للشركة بين الروح والجسد ‪ ،‬وهو العين ‪:‬‬
‫الروح تحب أن تشفق ‪ ،‬ويظهر الحب والشفاق فى نظرة العين ‪0‬‬
‫والروح تغضب أو تميل إلى النتقام ‪ 0‬وترى العيــن نظــرة الغضــب‬
‫أو نظرة النتقام ‪ 0‬الروح تتجه إلى الله بالصلة ‪ ،‬وترى فى العين‬
‫نظرة البتهال ‪ ،‬أو تغرورق العين بالدموع من تأثر الروح ‪000‬‬
‫الروح الوديعة المتضعة يشترك معها الجسد بنظرات وديعة متضعة‬
‫‪ 0‬والروح المتكبرة المتغطرســة المتعاليــة ‪ ،‬يشــترك معهــا الجســد‬
‫أيضا ً بنظرات التكبر والغطرسة والتعالى ‪0‬‬
‫وكما تشترك العين ‪ ،‬تشترك أيضا ً كل ملمح الــوجه ‪ ،‬كمــا تشــترك‬
‫دقات القلب ومراكز المخ ‪ ،‬وأعضاء أخرى من الجسد ‪00‬‬

‫}‬ ‫}‬ ‫}‬


‫هذه أمثلة من الشركة بين الروح والجسد ‪0‬‬
‫وفى مجال الجد والجتهـاد ‪ ،‬نـرى هـذا أيضـا ً ‪ 0‬ويوضـح هـذا قـول‬
‫الشاعر ‪:‬‬
‫تعبت فى مرادها‬ ‫وإذا كانت النفوس كبارا ً‬
‫الجساد‬
‫إذن تكون المكافأة فى البديــة للــروح الكــبيرة الــتى أرادت الخيــر‬
‫وصــممت علــى عملــه ‪ ،‬وأيض ـا ً للجســد الــذى حمــل عبــء وجاهــد‬
‫واحتمــل وصــبر ‪ ،‬حــتى حقــق حقــق للــروح رغبتهــا ‪ 0‬وهكــذا كمــا‬
‫اشترك معها فى العمل ‪ ،‬ينبغى أن يقوم ليشترك معها فى الجزاء‬
‫وفى حمل المسئولية ‪ 000‬فالمجازاة هى للنسان كله ‪000‬‬

‫}‬ ‫}‬ ‫}‬

‫ونحن على الرض نكافئ الجسد ‪ ،‬ونعتبر هذا أيضيا ً مكافيأة فيى نفييس الييوقت‬
‫للروح التى ل نراها‬
‫ً‬
‫ألسنا نمجد أجســاد الشــهداء والبــرار ‪ ،‬ونجعــل مقــابرهم مــزارا ‪،‬‬
‫ونضع عليها الورود والزهار والطياب ‪ ،‬ونصلى هناك مــن أجلهــم‬
‫‪ 00‬؟ ول نعتبر هذا كله مجرد إكرام للجســد أو للعظــام أو للرفــات‬
‫أو للتراب ‪ ،‬وإنما للنسان كله ‪ 0‬لننا فيما نفعل هــذا ‪ ،‬إنمــا نكــرم‬
‫روحه أيضا ً ‪000‬‬
‫وإن كان النسان ل يستحق الكرام ‪ ،‬ينسحب الهمال على جسده‬
‫وعلى روحه مع ـا ً ‪ 0‬فــالمجرمون الــذين يحكــم عليهــم بالعــدام أو‬
‫بالســجن ‪ ،‬تنــال أجســادهم جزاءهــا ‪ 0‬وفــى نفــس الــوقت يلحــق‬
‫بأرواحهم سوء السمعة ‪ ،‬وتتأثر أرواحهم بما يحدث لجسادهم ‪0‬‬
‫فإن كانت عدالتنا الرضية تفعل هكذا ‪ ،‬فكم بالحرى عدالة الله ‪000‬‬
‫عدالة الله تشمل النسان كله ‪ ،‬روحا ً وجسدا ً ‪ ،‬لذلك لبد أن يقــوم‬
‫الجسد الذى عاش على الرض مشتركا ً مــع الــروح فــى أعمالهــا ‪0‬‬
‫وليس فى مجرد العمال فقط ‪ ،‬بل حتى فى الفكار والمشاعر‬
‫فإن الجسد ينفعل بحالة الروح ‪ ،‬بفكرها ومشاعرها ونياتها ‪0‬‬
‫الروح تقدم المهابة أو الخشــوع فينحنــى الجســد تلقائيــا ‪ 0‬الــروح‬
‫تحــزن فتبكــى العيــن ‪ ،‬ويظهــر الحــزن علــى ملمــح الــوجه وفــى‬
‫حركات الجسد ‪ 0‬الروح تفرح ‪ ،‬فتظهر البتسامة على الــوجه ‪0 0‬‬
‫الروح تخاف فيرتعش الجسد ‪ ،‬ويظهر الخوف فى ملمحه ‪ 0‬الروح‬
‫تخجل ‪ ،‬فيعرق النسان ‪ ،‬أو يبدو الخجل فى ملمحه ‪0000‬‬
‫إنها شركة فى كل شئ ‪ ،‬ليس من العدل أن تتحملها الروح وحدها‬
‫أو الجسد وحده إنما يتحملها الثنان معا ً ‪ ،‬وهذا هو الذى يحدث فى‬
‫القيامة ‪0‬‬
‫ً‬
‫كذلك من العدالة أن تقوم الجساد لتنال تعويضا عما كان ينقصها ‪0‬‬
‫فالعميان مثل ً والمعوقون أصحاب العاهــات ‪ ،‬والمشــوهون ‪ ،‬وكــل‬
‫الذين لم تنل أجسادهم حظا ً مــن الجمــال أو الصــحة أو القــوة ‪00‬‬
‫من العادلة أن تقوم أجسادهم فى اليوم الخير ‪ ،‬وتقوم بل عيب ‪،‬‬
‫حتى يعوضها الله عما قاسته على الرض من نقص وألم ‪0‬‬
‫كذلك الذين عاشوا على الرض فى فقر وعوز ‪ ،‬وفى جوع ومرض‬
‫‪ ،‬كان له تأثيره على أجسادهم ‪ ،‬يحتاجون أن تقوم أجســادهم فــى‬
‫حياة أخرى ل تشعر فيها أجسادهم بما كــان لهــا علــى الرض مــن‬
‫ألم ‪000‬‬

‫إننـا نفـرح بالقيامـة ‪ ،‬ونراهـا لزمـة وضـرورية وممكنـة ‪ 0‬ونراهـا‬


‫تعبيرا ً عن محبة الله للبشر ‪ ،‬وتعبيرا ً أيضا ً عن عدله ‪0‬‬
‫‪0‬‬
‫}‬ ‫}‬
‫‪0‬‬
‫القيامة أيضا ً تعطينا فكرة عن محبة الله للبشرية ‪،‬‬
‫الله الذى أحبنا حتى أنعم علينا بالخلود ‪ ،‬كما أحبنا من قبل وأنعــم‬
‫علينا بالوجود ‪ 0‬الله المحــب منــح البشــرية هــذا الخلــود العجيــب ‪،‬‬
‫فيحيون إلى البد فى نعيم دائم ‪0‬‬
‫القيامة أعطت النسان قيمة معينة ‪ ،‬أعطت لحياته قيمة ‪0‬‬
‫فلو كانت حياة النسان تنتهى عند القــبر ‪ ،‬لصــبح مخلوف ـا ً فاني ـا ً‬
‫زائل ً ‪ ،‬مثله مثل الحيوان تمام ـا ً ‪ ،‬ومثــل بــاقى الكائنــات الــتى لهــا‬
‫مجرد حياة أرضية فقط ‪0‬‬
‫ما هى إذن الميزة التى لهذا الكائن البشرى العاقل الناطق ‪ ،‬الذى‬
‫وهبه الله من العلم موهبة التفكير والختراع ‪ ،‬والذى سلطه علــى‬
‫كل الكائنات الرضــية الخــرى ‪ ! 000‬هــل يعقــل أن هــذا النســان‬
‫العجيب ‪ ،‬يؤول جسده إلى مصير كمصير بهيمة أو حشرة أو بعــض‬
‫الهوام ؟! إن العقل ل يمكنه أن يصدق هذا ‪000‬‬
‫إذن قيامة الجسد تتمشى عقليا ً مع كرامة النسان ‪0‬‬
‫النسان الذى يتميز على جميع المخلوقات ذوات الجساد ‪ ،‬والــذى‬
‫يستطيع بما وهبه الله أن يســيطر عليهــا جميعـا ً ‪ ،‬وأن يقــوم لهــا‬
‫بواجب الرعاية والهتمام إذ أراد ‪ 0‬فكرامــة الجســد هــذا المخلــوق‬
‫العاقــل ‪ ،‬لبــد أن تتميــز عــن مصــير بــاقى أجســاد الكائنــات غيــر‬
‫العاقلة غير الناطقة ‪0‬‬
‫وهذه الميزة تظهر فى قيامة الجسد وتجليه ‪0‬‬
‫}‬
‫}‬ ‫}‬

‫لذلك نشكر الله لنه بالقيامة أعطى لحياتنا امتدادا ً كبيرا ً إلى غيــر‬
‫نهاية ‪ ،‬حيث يعيش النسان فى حياة أخرى ل تنتهى إلى البد ‪0‬‬
‫عندما خلق الله النسان خلقه حيا ً ‪ ،‬ذا نفس حية ‪ ،‬ولم يكــن تحــت‬
‫سلطان الموت ‪0‬‬
‫إذن المــوت دخيــل علــى العــالم ‪ ،‬والحيــاة هــى الطبيعــة الصــلية‬
‫للنسان ‪0‬‬
‫وبالقيامة يرد الله النسان إلــى رتبتــه الولـى ‪ ،‬إلـى الحيـاة الــتى‬
‫خلق بها ولجلها ‪0‬‬

‫بالقيامة تتثبت المبادئ الروحية ‪ ،‬ويصبح النسان صاحب رسييالة وصيياحب قيييم‬
‫‪0‬‬
‫لنه مع القيامة توجد المسئولية وتوجد الدينونة ‪ ،‬والنســان يقــوم‬
‫من الموت لكى يقف أمام منبر الله العادل ليعطى حسابا ً عن كــل‬
‫ما فعله بالجسد إن خيرا ً وإن شرا ً ‪ 0‬يعطى حسابا ً ليس فقط عــن‬
‫أعماله ‪ ،‬وإنما أيضا ً عن أعماله ونياته وحواسه ومشاعره الباطنيــة‬
‫‪0‬‬
‫ً‬
‫ومادام النسان سيقوم وسيعطى حسابا عن كل شئ ‪ ،‬ينبغى إذن‬
‫له أن يحيا حياة التدقيق والحرص ‪ ،‬حياة البر والقداسة التى يقــف‬
‫فيها بل خجل ول خــزى ول خــوف أمــام اللــه ‪ ،‬وأمــام النــاس فــى‬
‫اليوم الخير ‪0‬‬
‫}‬ ‫}‬ ‫}‬

‫لو لم تكن قيامة لساد الفساد العالم ‪ ،‬ولنتشر الظلم ‪ ،‬ولكييل النيياس بعضييهم‬
‫بعضا ً ‪0‬‬
‫لو لم تكن هناك قيامة للجســاد ‪ ،‬وحيــاة أخــرى ‪ ،‬لنتشــر الفســاد‬
‫والربيقوريــة الــتى تقــول " لنأكــل ونشــرب لننــا غــدا ً نمــوت " ‪،‬‬
‫ولتهالك النسان علــى ملذ الــدنيا وعلــى المــادة ‪ 0‬لكــن بالقيامــة‬
‫أصبحت هناك قيــم ‪ ،‬وهنــاك مبــادئ ‪ ،‬وهنــاك أهــداف روحيــة يحيــا‬
‫يســعى النســان إليهــا‬ ‫ـرة ال}ــتى }‬
‫النسان لهــا ‪ ،‬وهنــاك الحيــاة الخـ}‬
‫بهدف واسع كبير غير الهداف القصيرة المؤقتة الــتى يعيــش لهــا‬
‫الناس ‪0‬‬

‫وبالقيامة دخلت إلى النسان مشاعر الشجاعة والجرأة وعدم الخوف ‪0‬‬
‫وأصبح النسان ل يخاف الموت ‪ ،‬وهكذا على رجــاء القيامــة تقــدم‬
‫الشهداء إلى الموت غيـر هيـابين إنهـم يعرفـون أن المـوت ليـس‬
‫نهاية حياتهم ‪ ،‬ويرون أن بعد الموت بابا ً واسعا ً لحياة ل تنتهى‬
‫على رجــاء القيامــة عــاش النــاس علــى هــذا الرجــاء فــى فكرهــم‬
‫السماء ‪ ،‬وفى فكرهم النعيم البدى ‪ ،‬وفى فكرهم سعادة تفــوق‬
‫سعادة الدنيا ‪ ،‬وهى ما عبر عنها الكتاب بقوله " ما لم تــره عيــن ‪،‬‬
‫وما لم تسمع به أذن ‪ ،‬وما لم يخطر على قلب بشر مــا أعــده اللــه‬
‫لمحبى اسمه القدوس "‬
‫إن الناس كلما يودعون راحل ً عن الدنيا يودعونه على رجاء القيامة‬
‫‪ ،‬باعتبار أنهم سيرونه هناك ‪0‬‬
‫} }‬ ‫}‬

‫بل إن القيامة أعطت رجيياء أوسييع ميين هييذا ‪ ،‬ليييس فقييط فييى تلقييى الحبيياء‬
‫والقرباء ‪ ،‬وإنما فى تلقى الجيال كلها ‪0‬‬
‫حيث يلتقــى النــاس هنــاك فــى الســماء مــع أبينــا آدم وأبينــا نــوح‬
‫والنبياء ‪ ،‬ومع جميع البرار فى جميع العصور ‪ 0‬ســتلقى الجيــال‬
‫كلها هناك فــى القيامــة ولــول القيامــة مــا كــان مثــل هــذا اللقــاء‬
‫ممكنا ً ‪ ،‬ولعــاش النــاس فــى جيــل محــدود ‪ ،‬وفــى زمــن محــدود ل‬
‫يتعدونه ‪0‬‬
‫}‬ ‫}‬ ‫}‬

‫ومن هنا رأينا أناسا ً يعيشون حياة الزهييد والنسييك والتجييرد ميين الماديييات فييى‬
‫العييالم ‪ ،‬لنهــم يعرفــون تمام ـا ً أن وراء هــذا النســك والزهــد توجــد‬
‫مكافأة أبدية تعوض كل شئ ‪0‬‬

‫ولكن ولكن هذه القيامة يا أخوتى هى فـرح للبـرار ‪ ،‬وهـى خـوف‬


‫ورهبة للمخطئين والشرار الذين يخافون من القيامة لنهــا تفتــح‬
‫بابا ً أبديا ً فىعقاب الله ‪0‬‬
‫لذلك إذ نتذكر القيامة ‪ ،‬وإذ نتذكر هذا العمر الطويل غير المتناهى‬
‫الذى ينتظرنا فى البدية ‪ ،‬نســتعد لهــذه الحيـاة بحيـاة الــبر وحيــاة‬
‫اليمان ‪ ،‬لكى نستحق هذا الخلود السعيد ‪ 0‬لنه لن يدخل فى نعيم‬
‫الله البدى إل المؤمنون الذين عاشوا بالحب ‪ ،‬وعاشــوا بالســلم ‪،‬‬
‫وعاشــوا فــى خيــر ‪ ،‬ينشــرون الخيــر أينمــا وجــدوا ‪ ،‬وأينمــا حلــوا‬
‫ويبحثون عن سعادة غيرهم أكثر من ســعادتهم الشخصــية ‪0‬هــؤلء‬
‫النقياء البرياء ‪ ،‬البرار هم الذين يعيشون فى النعيم البدى ‪0‬‬

‫}‬ ‫}‬ ‫}‬


‫علينا أن نحيا فى هذا البر ما دامت لنا أنفاس تتردد فينا ‪ ،‬ولنبــذل‬
‫كل طاقاتنا لكى نسعد الجيــال الــتى نعيــش فيهــا ‪ ،‬ولكــى نتمثــل‬
‫بالسيد المسيح الذى قيل عنه " كان يجول يصنع خيرا ً "‬
‫إننا نقول فى ) قانون اليمان ( ‪ " :‬ننتظر قيامة الموات ‪ ،‬وحيــاة‬
‫الدهر التى " ‪000‬‬
‫فبالقيامة ننتقل إلى السماء ‪ ،‬إلى الييدهر التييى ‪ 0‬إلييى عييالم آخيير غييير عالمنييا‬
‫الحالى فما هو ؟ وما طبيعة الحياة فيه ؟‬
‫لو كانت الحياة فى الخرة مثل حياتنا ههنــا علــى الرض ‪ ،‬إذن مــا‬
‫هــو الفــرق ؟! ومــا معنــى النعيــم البــدى ؟ ومــا معنــى ملكــوت‬
‫السموات ؟ وما هى المكافآت التى تعطى للمؤمنين الغالبين ؟‬
‫طبيعى أن الحياة على الرض ‪ ،‬غير الحياة فى السماء ‪0‬‬
‫والحياة فى هذا الدهر ‪ ،‬غير الحياة فى الدهر التى ‪0‬‬
‫بل إننا نقول فى صلتنا بالمزامير " أنت يــارب تنجينــا ‪ ،‬وتحفظنــا‬
‫من هذا الجيل وإلى الدهر " ) مز ‪0 ( 7 : 12‬‬
‫لقد لخص السيد المســيح الحيــاة فــى الــدهر التــى بعبــارة جميلــة‬
‫دققة موجزة قال فيها ‪:‬‬
‫" ‪ 00‬يكونون كملئكة الله فى السماء " ) مت ‪0 ( 30 : 22‬‬
‫هنا عجيب شــديد ‪ ،‬وهنــا الفــارق الساســى بيــن الــدهر الحاضــر ‪،‬‬
‫والــدهر التــى ‪ 0‬بيــن هــذا العــالم المــادى ‪ ،‬والعــالم الســماوى‬
‫الروحانى بعد القيامة ‪0‬‬
‫الشرار فى الدهر التى ‪ ،‬سوف يلقون فى جهنــم ‪ ،‬فــى الظلمــة‬
‫الخارجية ) مت ‪ ، ( 30 : 25‬أى خارج مجمع البرار ‪0‬‬
‫وحديثنا حاليا ً هو عن حالة البرار فى الدهر التى ‪ :‬كيف يجدونه ؟‬
‫فى الدهر التى سكون كل البرار معا ً ‪ ،‬فى وحدة شاملة ‪0‬‬
‫تجتمع كل الشعوب والمم والبائل والجناس ‪ ،‬بل تمايز بينهــا ‪ 0‬ل‬
‫تمايز مــن جهــة الجنــس أو اللــون ‪ ،‬ل خلف عرقــى ول قبلــى ول‬
‫قومى ‪ 0‬الكل معا ً فى سلم ‪ ،‬وفى وحدة القلب والفكر ‪0‬‬
‫تبطل العدوات والحقــد والحــروب ‪ 0‬ول يكــون صــراع ول منافســة‬
‫‪000‬‬
‫الكل بلغة واحدة ‪ 0‬أهى لغة الروح ‪ ،‬أم لغة الملئكة ؟‬
‫ً‬
‫لست أدرى ‪ 00‬المهم أنهم سيفهمون بعضهم بعضا ‪ ،‬ول يحتاجون‬
‫إلى مترجم ‪ 0‬بل لهم فهم واحد ‪ ،‬ومفاهيم واحدة وفكر واحد ‪0‬‬
‫تبطل اللسنة واللغات التى تميز مجموعة عن أخرى ‪000‬‬
‫إن وجد تمايز ‪ ،‬فإنه يكون فى الدرجة الروحية ‪0‬‬
‫وفى درجة المكافأة ‪ 0‬لن كل إنسان سينال جزاءه بحسب أعماله‬
‫) مت ‪0 ( 27 : 16‬‬
‫وطبيعى أن أعمال الناس علــى الرض كــانت متفاوتــة فــى النــوع‬
‫والعمق والدرجة ‪ 0‬فعلى هذا القدر تكــون مكافــأتهم فــى الســماء‬
‫أيضا ً متفاوتة ‪ 0‬ولكن الكل يكونون سعداء ‪0‬‬
‫ويتكون المجتمع السمائى فى الدهر التى ‪ ،‬من الملئكــة والبشــر‬
‫‪0‬‬
‫الكل يكونون معا ‪ 0‬وهنا نوع آخر من النعيم البــدى ‪ ،‬وهــو عشــرة‬‫ً‬
‫البشر مع الملئكة بكافة درجاتهم وطغمــاتهم الســمائية ‪ ،‬ومعهــم‬
‫جموع النبيـاء والرســل ‪ ،‬والشـهداء والبــرار ‪ ،‬فـى حفلــة تعـارف‬
‫كبرى تضم الجميع ‪000‬‬
‫حياة الدهر التى تتميز بالفرح الدائم‬
‫لذلك يطلق عليها لقب ) التعب البدى ( ‪ 0‬وكلمة ) البــدى ( تعنــى‬
‫ل نهاية لها ‪ 0‬فالدهر الحالى له نهاية ‪ 0‬وحتى عندما تطول ســنى‬
‫حياة إنسان على الرض ‪ ،‬تدركه الشيخوخة بكل ما فيها من تعــب‬
‫وضعف ‪0‬‬
‫أمــا البديــة فهــى الفــرح الــدائم الــذى ل ينقــص ول يهــتز ‪ 0‬إنــه‬
‫الموضع الذى ل حزن فيه ول كآبة ‪ ،‬ول خوف ول دمــوع ‪ ،‬ول عــوز‬
‫ول فقر ‪0‬‬
‫إنه يقدم أروع مثال لما حاول الفلسفة يتخيلوه ‪ 0‬كما كتبوا عن )‬
‫المدينة الفاضلة ( أو) مدينة الله (‬
‫فى الدهر التى سوف يبطل عمل الشيطان وتبطل حريته ‪ ،‬وينتهى الشر ‪0‬‬
‫ل تكون خطية فيما بعد ‪ 0‬ل تكون هناك أية شــهوة بطالــة ‪ ،‬ول آى‬
‫فكر شرير ‪ 0‬الدهر التــى ســوف يتميــز بالهــارة الكاملــة ‪ ،‬وبحيــاة‬
‫القداسة التى تشبه ملئكة الله فى السماء ‪00‬‬
‫وطبعا ً سوف ل توجد حروب روحية مــن عــدو الخيــر يجاهــد البشــر‬
‫فى النتصار عليها ‪0‬‬
‫بل سوف يتمتع الجميع بنقاء تلقائى وصفاء فى الروح والعقل ‪ 0‬لخصه الكتيياب‬
‫فى عبارة " إكليل البر " ) ‪ 2‬تى ‪( 8 : 4‬‬
‫يتكلل البشر بالبر ‪ ،‬أى تصبح طبيعتهم فى حالة من القداسة غيــر‬
‫قابلة للخطأ ‪ ،‬ومنزهة عن كل شر ‪0‬‬
‫فى هذا الدهر نعيش فى عييالم مييادى ‪ 0‬فهييل فييى الخييرة فييى الييدهر التييى ‪،‬‬
‫سنعيش فى عالم مادى أيضا ً ‍‬
‫؟!‬
‫هل سنعيش فى ثقل هذا الجســد المــادى وفــى شــهواته ؟! وهــل‬
‫شهوات الجسد تتفق مع طهر السماء وقدسية السماء ؟!‬
‫ً‬
‫ل شك أن الجسد فى السماء ‪ ،‬سوف ل يكون كما هــو حالي ـا علــى‬
‫الرض ‪ 0‬إنه ستخلص طبعا ً من الجاذبية الرضية ‪0‬‬
‫محال أن تجذبه الرض وهو فى السماء !! وإل فييإنه يسييقط ميين السييماء إلييى‬
‫الرض ‪0‬‬
‫لذلك نؤمن أن الجساد – فى القيامة – ستقوم بطبيعــة ســماوية ‪،‬‬
‫لكى يكون هناك تجانس بينها وبين البيئة السماوية الــتى ســتعيش‬
‫فيها بعــد القيامــة ‪ 0‬وهكــذا يعلمنــا النجيــل أننــا ســنقوم بأجســاد‬
‫سماوية ) ‪ 1‬كو ‪( 49 : 15‬‬
‫ستكون الجساد فى الدهر التى غير قابلـة للتعـب ‪ ،‬ول للمـرض ‪،‬‬
‫ول للموت ول للتحلل ‪ ،‬ول للفساد ‪ 0‬أجساد لها الطابع الروحــانى‬
‫) ‪ 1‬كو ‪0 ( 53 ، 44 : 15‬‬
‫المتعة فى السماء ‪ ،‬ستكون غير المتعة على الرض ‪0‬‬
‫لنه لو كانت المتعة فى الدهر التى من نوع المتعة الرضية ‪ ،‬فمــا‬
‫الفرق إذن بين مباهج الرض ومباهج السماء ؟! ومــاذا عــن الــذين‬
‫جربوا كــل أنــواع المتعــة الرضــية ‪ ،‬وملوهــا وســئموها ؟! وارتفــع‬
‫النقياء عن مستواها ! هنا يقدم لنا الكتاب نوع ـا ً أســمى مــن هــذا‬
‫كله ‪ ،‬فى قوله ‪:‬‬
‫" ما لم تره عين ‪ ،‬ولم تسمع به أذن ‪ ،‬ولم يخطر على بييال إنسييان ‪ ،‬مييا أعييده‬
‫الله للذين يحبونه " ) ‪ 1‬كو ‪( 9 : 2‬‬
‫هنـــا إذن ارتفـــاع عـــن كـــل الرضـــيات وكـــل الماديـــات ‪ ،‬وكـــل‬
‫الجسدانيات ‪ 0‬فكلها قد رأتها العيــون ‪ ،‬وســمعت بهــا الذان ‪ 0‬ول‬
‫يستطيع أحد أن يقترح أو يستنتج نوعا ً آخر من المتعة ‪ ،‬وإل يكــون‬
‫قد خطر على بال إنسان !‬
‫وفى حياة الدهر التى ‪ ،‬ل يوجد تزواج ول توالد ‪0‬‬
‫فمن غير المعقول أن يولد إنسان جديد ‪ ،‬ويجد نفسـه فـى النعيـم‬
‫البدى دون أن تختبر إرادته ويثبت استحقاقه لهذا النعيم ‪ 0‬حينمــا‬
‫خلق الله آدم وحواء ‪ ،‬كانا عريانين فى الجنة وهما ل يخجلن ) تك‬
‫‪ 0 ( 25 : 2‬ما كانت الهوة الجنسية قد دخلت إلى طبيعتهما ‪ ،‬ول‬
‫حتى مجرد معرفة الجنس والتمايز الجنسى ‪ 00‬لكنهما عرفــا ذلــك‬
‫بعد الخطية والسقوط ‪ 0‬فهل سيعود البشر إلى السمو الذى كــان‬
‫له قبل السقوط ؟ أم ســيبقى فــى عبوديــة ) الجنــس ( وشــهواته‬
‫وضغطاته ؟!‬
‫فى الدهر التى سيرجع النسان إلى البساطة الولى والنقاوة الولى ‪0‬‬
‫ولكن بوضع ثابت ل يتحول عنه ول ينحرف ‪0‬‬
‫حياة الدهر التى هى الشهوة الروحية التى اشتهاها القديسون ‪0‬‬
‫واعتبروها انطلقا ً للروح من ضباب الجسد ورباطاته ‪ ،‬ومن الحياة‬
‫على المستوى المــادى ‪ 0‬حــتى قــال ســمعان الشــيخ " الن يــارب‬
‫تطلق عبدك بسلم حسب قولك " ) لو ‪ ( 29 : 2‬كما قال القديس‬
‫بولس الرسول " لى اشتهاء أن انطلق وأكــون مــع المســيح ‪ 0‬ذاك‬
‫أفضل جدا ً " ) فى ‪0 ( 23 : 1‬‬
‫إذن حياة الدهر التي هى حياة النطلق من قيود الجسد والمادة ومن رباطات‬
‫هذا العالم الحاض ‪0‬‬
‫إنها حياة الحرية الحقيقية ‪ ،‬حرية مجد أول الله ) رو ‪( 21 : 8‬‬
‫‪5‬‬

‫‪7‬‬ ‫‪ -1‬القيامة معجزة ضروية تدل على قدرة الله اللنهائية‬


‫‪8‬‬ ‫إمكانية القيامة‬
‫‪10‬‬ ‫ضرورة القيامة‬
‫‪13‬‬ ‫‪ -2‬القيامة هى قيامة الجسد وحده أما الروح فهى دائمة الحياة‬
‫‪14‬‬ ‫فينا طبيعتان متمايزتان‬
‫‪15‬‬ ‫أنواع الرواح‬
‫‪16‬‬ ‫الرواح الكبيرة‬
‫‪17‬‬ ‫ضباب الجسد – الرواح الضعيفة‬
‫‪18‬‬ ‫الرواح القوية‬
‫‪21‬‬ ‫‪ -3‬لماذا يهتم الله بالجساد ويمنحها القيامة من الموت ؟‬
‫‪29‬‬ ‫‪ -4‬القيامة هى الباب الموصل للسماء‬
‫‪37‬‬ ‫‪ -5‬القيامة وأعماقها الروحية‬
‫‪38‬‬ ‫القيامة هى لقاء عجيب‬
‫‪39‬‬ ‫القيامة هى انتقال عجيب‬
‫‪41‬‬ ‫القيامة معجزة متعددة الجوانب‬
‫‪42‬‬ ‫القيامة هى باب البدية‬
‫‪45‬‬ ‫‪ -6‬القيامة تعزية ورمز‬
‫‪47‬‬ ‫القيامة كرمز‬
‫‪51‬‬ ‫‪ – 7‬القيامة تعلن أنه قد مات الموت وانفتح الطريق إلى البدية‬
‫بأفراحها‬
‫‪59‬‬ ‫‪ -8‬القيامة تتبعها الدينونة وساعة الحساب والثواب والعقاب‬
‫‪65‬‬ ‫‪ – 9‬تأملت فى أهمية القيامة‬
‫‪66‬‬ ‫الحياة والخلود‬
‫‪68‬‬ ‫الجسد والروح معا ً‬
‫‪71‬‬ ‫كرامة النسان‬
‫‪72‬‬ ‫فوائد أخرى للقيامة‬
‫‪73‬‬ ‫الستعداد‬
‫‪75‬‬ ‫‪ – 10‬نؤمن بقيامة الموات وحياة الدهر التى ) قانون اليمان (‬

You might also like