You are on page 1of 4

‫البحوث وأهمية التصال والنشر العلمي‬

‫خليل منصور الشرجبي‬


‫الدارة العامة لنشر التقنيات‬
‫الهيئة العامة للبحوث والرشاد الزراعي‪ ،‬ذمار‬

‫توطئة‪:‬‬
‫من المور المتعارف عليها في مختلف بقاع العالم المتقدم والنامي على حدٍ سواء‪،‬‬
‫أن أي عمل أو نشاط بحثي ل يعتبر كامل ً ما لم يتم نشر نتائجه وإيصالها إلى فئات‬
‫المستفيدين من تلك النتائج وذلك في الوقت المناسب والمكان المناسب وعبر الوسيلة أو‬
‫القناة التصالية المناسبة‪.‬‬
‫ينطبق ذلك‪ ،‬ربما بصورة أكثر أهمية‪ ،‬على الدول النامية ومنها بلدنا باعتبار أن‬
‫معظم ما يتم تنفيذه من البرامج والنشطة البحثية ل تندرج ضمن البحوث النظرية أو‬
‫الساسية‪ ،‬ول تتم لمجرد إشباع رغبة الفضول العلمي أو تحقيق التراكم المعرفي بحد‬
‫ذاته‪ .‬بل أن تنفيذها يجري في الغالب العم لسباب عملية تطبيقية‪ ،‬وبهدف إيجاد حلول‬
‫للمشكلت التي تواجه العمل والنتاج‪ ،‬وتعترض مسارات جهود التنمية بكافة أبعادها‬
‫وجوانبها القتصادية الجتماعية‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ،‬ورغم تنفيذ الكثير من البرامج والنشطة البحثية والدراسات الحقلية‬
‫والمسوحات الميدانية في بلدنا على مدى العقود القليلة الماضية‪ ،‬من قبل مؤسسات‬
‫عديدة في قطاعات مختلفة‪ ،‬فقد لوحظ أنه ل يتحقق وصول معظم نتائج البحوث إلى‬
‫سلسلة طويلة من فئات المستفيدين لسباب عديدة‪ .‬ومن بين أهم تلك السباب على‬
‫سبيل المثال ل الحصر‪ :‬مشكلة غياب آلية فاعلة لتدفق المعلومات داخل وخارج الجهزة‬
‫البحثية والكاديمية‪ ،‬وكذا مشكلة الفتقار لمقومات ولركائز ومتطلبات التصال العلمي‬
‫العلمي والنشر التخصصي النوعي الكفء والفاعل كالطار المؤسسي أو الكوادر‬
‫المتخصصة في هذا المجال‪ ،‬أو الموازنات‪ ،‬أو التجهيزات والمعدات أو حتى فهم القيادات‬
‫العليا وتأمين التشجيع والدعم المعنوي‪.‬‬
‫فمثل هذه المشكلت وما شابهها‪ ،‬تعيق عملية انتشار نتائج البحوث العلمية‬
‫ووصولها حتى إلى باحثين ومتخصصين وأكاديميين وسواهم من فئات المجتمع الخرى‬
‫داخل البلد ناهيك عن خارجه‪ .‬وحينما تحدث هذه العاقة أو العرقلة لتدفق وتداول النتائج‬
‫البحثية والمعلومات العلمية‪ ،‬فذلك يعني ببساطة وإيجاز غياب الوعي وضعف المعرفة بها‪،‬‬
‫وكنتيجة بالتالي‪ ،‬تعذر إمكانية تطبيقها والستفادة منها‪ ،‬إضافة إلى غير ذلك من السلبيات‬
‫والعواقب غير المحمودة‪.‬‬

‫أطر مؤسسية للتصال والنشر العلمي‪:‬‬


‫لذلك‪ ،‬تنبهت بعض الجهات والمؤسسات البحثية‪ ،‬وبدأت تنظم أنشطة مختلفة‬
‫لستكمال البناء المؤسسي‪ ،‬وتعمل على تطوير الموارد البشرية في مجال التصال‬
‫والنشر أو العلم العلمي‪ ،‬وتتبنى برامج تدريبية وفعاليات أخرى متنوعة تصب في نفس‬
‫التجاه كالدورات أو ورش العمل التدريبية ولسيما في المجالت ذات الصلة المباشرة‬
‫كمهارات التصال‪ ،‬المعلوماتية ونظم المعلومات‪ ،‬مهارات التصال والنشر العلمي‪ ،‬كتابة‬
‫التقارير الفنية والمقالت والوراق العلمية‪ ،‬أو طرق وأساليب عرض وتقديم المعلومات‪،‬‬
‫بل حتى مهارات التصال الشخصي والجتماعي للباحثين والعلماء في أوساط الفراد‬
‫والجماعات والمجتمع إجما ً‬
‫ل‪.‬‬
‫لكن من الجدير الشارة إلى أن استحداث وحدات نوعية تخصصية تعنى بهذه‬
‫المسألة )كأقسام العلم أو النشر والمعلومات(‪ ،‬سيساعد على ردم الفجوة التصالية من‬
‫خلل ما تستطيع القيام به من أنشطة مختلفة وما تستخدمه من وسائل وقنوات اتصالية‪،‬‬
‫بحسب ما هو متاح لها من متطلبات العمل الضرورية سواًء كانت مؤسسية تنظيمية أو‬
‫كانت بشرية أو مادية‪.‬‬
‫وبهذا الشأن‪ ،‬ينبغي التنويه إلى أن مثل هذه الدارات أو الوحدات المختصة‬
‫والعاملين فيها من إعلميين أو كوادر مؤهلة ومدربة في مجالت التصال والعلم والنشر‬
‫التثقيفي أو التعليم غير الرسمي‪ ،‬ومهما كانت طاقاتها وإمكاناتها‪ ،‬ل تستطيع أن تحل محل‬
‫الباحث نفسه أو أن تعمل بمعزل عنه‪ .‬حيث أنها لم تنشأ اصل ً لهذا الغرض‪ ،‬بل على‬
‫العكس من ذلك‪ ،‬كان الغرض من وجودها هو أن تكون بمثابة خدمات إضافية داعمة‬
‫للباحث‪ ،‬ومساندة لدوره ولتعزيز مستوى أداءه لمهامه ومسئولياته‪.‬‬

‫دور الباحث في التصال والنشر العلمي‪:‬‬


‫هناك بطبيعة الحال مهام ومسئوليات واضحة ومحددة للباحث ينبغي عليه القيام‬
‫ل أساس على الجوانب البحثية كتخطيط البحوث ومتابعة تنفيذ‬ ‫بها‪ ،‬وهي تتمحور بشك ٍ‬
‫التجارب وإجراء الملحظة المنهجية المنتظمة لها في المختبر أو الحقل‪ ،‬وكذا رصد وجمع‬
‫وتحليل البيانات‪ ،‬والتفكير العميق بها ومحاكمتها الذهنية المتأنية بهدف تفسيرها‬
‫واستخلص مغازيها وبلورة واستنباط دللتها‪ ،‬ومقارنة نتائج أعماله البحثية بما توصلت إليه‬
‫أعمال الخرين من خلل مراجعة واستعراض الوثائق والكتب والمراجع الخرى المتوفرة‬
‫وغير ذلك من العمال الخرى التي تصب في هذا التجاه‪.‬‬
‫مع ذلك‪ ،‬فإن هناك مسئوليات أخرى يتحمل الباحث أعباء القيام بها أو يتولى‬
‫المشاركة فيها بصفة دورية منتظمة متكررة‪ ،‬أو بصفة أقل انتظاما ً وتكرارًا‪ .‬ومن بين أبرز‬
‫تلك المهام ما يتصل بـ "إعداد التقارير" و"عرض وتقديم نتائج البحوث" و"تدريب كوادر‬
‫بحثية وفنية" داخل وخارج جهة عمله‪ ،‬وكذا تقديم "محاضرات وحلقات دراسية أو‬
‫سمنارات" أو "إعداد وكتابة مقالت وأوراق علمية ودراسات" و"كتابة المقالت العلمية‬
‫الفنية العامة" و"تقديم أحاديث وتصريحات صحفية وإعلمية مختلفة أو عمل مقابلت‬
‫وحوارات إذاعية أو تلفازية" أو غير ذلك من العمال والنشطة المماثلة المتصلة بالعمل‬
‫البحثي والمكملة له‪ .‬فكما سبق القول في بداية هذا الموضوع‪ ،‬أن أي عمل بحثي ل يعتبر‬
‫ل‪ ،‬ما لم يتم نشر نتائجه والتعريف بمخرجاته وتعميم توصياته‪.‬‬‫منجزا ً أو مستكم ً‬
‫ويلحظ‪ ،‬على أية حال‪ ،‬من خلل إعادة قراءة تلك المهام والدوار أو النشطة‬
‫والتفكير بماهيتها‪ ،‬أنها جميعا ً عبارة عن أنشطة "اتصال ونشر علمي"‪ .‬ول يستطيع أي‬
‫باحث العتذار عن عدم القيام بها والسهام في تنفيذها‪ .‬وذلك ببساطة شديدة نظرا ً لن‬
‫الباحث‪ ،‬في واقع المر‪ ،‬هو أفضل قناة لنشر نتائج تجاربه وأبحاثه‪ ،‬والتعريف بتفاصيلها‬
‫وشرح وإيصال مضامينها للخرين على اختلف فئاتهم وشرائحهم‪ ،‬في إطار من العمل‬
‫التصالي أو العلمي أو التدريبي التعليمي المدروس والمخطط بشكل دقيق وبصورة‬
‫علمية ومهنية عالية وفي نطاق من الستخدام المثل لمختلف الفنون والصيغ البداعية‬
‫التي سترفده بها وحدة التصال التخصصية في مرفقه أو جهة عمله‪.‬‬
‫ولكي يكون الباحث مقتدرا ً على أداء تلك المهام والقيام بذلك الدور‪ ،‬فل مفر له‪،‬‬
‫بل ولمؤسسته‪ ،‬عن تطوير قدراته ورفع مستوى مهاراته ومعارفه في مجالت التصال‬
‫والنشر العلمي والعلم النوعي التخصصي‪ .‬حيث من المتوقع أن يؤدي إدراكه لها وإلمامه‬
‫بأسسها ومنطلقاتها وسيطرته على زمامها‪ ،‬إلى جعله خير من يتولى تسويق افكاره ونتائج‬
‫بحوثه ودراساته وعرض مخرجاتها من التقنيات والطرق والساليب وتحديد إمكانية وكيفية‬
‫تطبيقها والستفادة منها‪ .‬بل أن الباحث سيؤدي كل ذلك بكفاءة وفاعلية ونجاح كبير‪ ،‬وبما‬
‫ينعكس إيجابا ً على مستوى تميزه العلمي وتقدمه المهني وارتقاءه الوظيفي‪ ،‬وبما يعود‬
‫عليه بسمعة إيجابية جيدة لنجازاته العلمية والفنية أو الكاديمية وكذا لمجاله أو حقل‬
‫تخصصه الرئيسي الدقيق‪ ،‬وبما يحقق كذلك صورة حسنة ومشرقة للمؤسسة البحثية التي‬
‫ينتمي إليها‪.‬‬

‫عمل مشترك وأدوار محددة متكاملة‪:‬‬


‫وفي هذه الحالة‪ ،‬يلحظ أن إنشاء وحدات أو أقسام وإدارات – بل ومراكز ومعاهد ‪-‬‬
‫العلم والتصال العلمي‪ ،‬أو المعلومات والنشر الداعمة في المؤسسات البحثية‬
‫والكاديمية‪ ،‬يهدف إلى إخراج ونشر نتائج البحوث وتقنياتها والتوصيات المنبثقة عن نتائجها‬
‫وتعميمها والتعريف بها في أوساط كافة فئات وشرائح المعنيين في الوقت المناسب‬
‫والمكان والزمان المناسب‪ ،‬ومن خلل القنوات والوسائل المناسبة‪ ،‬ولكن ليس بدون‬
‫الباحث أو بمنأى عنه‪ ،‬بل بمشاركته المدروسة والمنهجية الفاعلة‪ ،‬كونه المصدر الهم‬
‫والقناة الفضل لنشر بحوثه ونتائج دراساته وتجاربه‪ ،‬خاصة عندما يستند على قواعد‬
‫معرفية ومهارية اتصالية مناسبة وكافية كما سلف القول‪ ،‬وعندما يحظى بدعم فني‬
‫ومؤسسي في نفس المجال‪ ،‬وفي إطار من الدوار المحددة والمسئوليات الواضحة‬
‫القائمة على حشد الموارد والطاقات وتكامل المكانات والجهود والتنسيق والدارة‬
‫الديناميكية الفاعلة‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فكما تمثل تلك الوحدات سندا ودعما للباحث‪ ،‬فإنه هو بدوره أيضا‪ ،‬يعتبر الداعم‬
‫الهم والركيزة القوى والعامل الكثر حسما ً لبلوغ لنجاح المطلوب وتحقيق الغايات‬
‫المنشودة التي أنشأت من أجلها تلك الطر التخصصية على اختلف مسمياتها‪ .‬فالمفترض‬
‫أن تصب القدرات والمكانيات والنشطة المتنوعة للجميع‪ ،‬في نهاية المطاف‪ ،‬في خدمة‬
‫الغايات النهائية للمؤسسة التي يعملون في إطارها‪.‬‬
‫انطلقا ً مما تقدم‪ ،‬فإن المر يتطلب من كافة المؤسسات البحثية والكاديمية ليس‬
‫انشاء أو استحداث وحدات التصال والنشر العلمي فقط‪ ،‬بل والعمل على رفع مستوى‬
‫جاهزيتها وتأهيلها ماديا ً وبشريًا‪ ،‬وكذا تطوير قدرات الباحثين والكاديميين للمساهمة‬
‫في أنشطة التصال والنشر العلمي المؤسسية وفيما بين المؤسسات وعلى مستوى‬
‫المجتمع عبر مختلف الوسائل والقنوات العلمية‪ ،‬بصورة منهجية مدروسة لتحقيق‬
‫التواصل المستمر والفاعل مع أفراد وجماعات ومنظمات مختلف فئات وشرائح‬
‫المجتمع المعنية بل وعموم الجمهور من المهتمين‪.‬‬

‫أبرز آثار غياب أو ضعف التصال والنشر العلمي‪:‬‬


‫وما لم يتحقق ذلك على أرض الواقع فعليًا‪ ،‬فإنه سيؤدي بل أدنى شك إلى تفاقم‬
‫الوضع وإحداث آثار سلبية كبيرة ل تنعكس على الباحثين وأنشطة النشر والعلم‬
‫العلمي أو على الجهات التي يعملون فيها فحسب‪ ،‬بل على المجتمع بأسره‪ ،‬وعلى‬
‫جهود البناء والتنمية في البلد بصورة عامة‪ .‬ويمكن الستدلل على عمق وفداحة تلك‬
‫الثار‪ ،‬من خلل الشارة إلى أهمها كالتالي‪:‬‬
‫فقدان وضياع الكثير من العمال والنتائج والمعلومات والتقانات البحثية‬ ‫‪.1‬‬
‫وعدم التعريف بها والستفادة منها‪ ،‬وبالتالي عدم الستفادة من كل الجهود‬
‫والطاقات والموال التي تم إنفاقها على تخطيط وتنفيذ البحوث والتجارب‬
‫والدراسات بل طائل ول جدوى‪.‬‬
‫تشتت وبعثرة المعلومات البحثية‪ ،‬وعدم تجانسها وتوحيد أنماط إعدادها‪،‬‬ ‫‪.2‬‬
‫وتعدد الجهات والماكن والشخاص المحتفظين بها‪ .‬ويؤدي كل ذلك‪ ،‬بالتالي‪ ،‬إلى‬
‫صعوبة تنظيمها وإدارتها‪ ،‬وإلى تعاظم الحاجة لموارد وجهود وأوقات إضافية من‬
‫أجل البحث والتنقيب عنها وتنظيمها أو حفظها وأرشفتها وتوثيقها وتسهيل العودة‬
‫إليها عند الضرورة‪ ،‬ناهيك عن بلورتها في الصورة المناسبة للستخدام والتطبيق‬
‫في الوقت المناسب والمكان والشكل المناسب أيضًا‪.‬‬
‫تأخر حل بعض مشكلت العمل والنتاج الزراعي‪ ،‬وفرض استمرارها كأمر‬ ‫‪.3‬‬
‫واقع والدفع باتجاه تفاقمها على نحو أكبر‪ ،‬واستمرار حدوث الكثير من الضرار‬
‫والخسائر المادية والمعنوية على مستوى الباحث والمؤسسة البحثية أو الجهة‬
‫الكاديمية والمجتمع والقتصاد الوطني بصورة عامة‪.‬‬
‫حرمان مختلف فئات المستفيدين من تقانات ونتائج البحوث في مختلف‬ ‫‪.4‬‬
‫قطاعات العمل والنتاج الحكومية والهلية )كقطاعات الزراعة والسماك والصناعة‬
‫والصحة والتربية( وغيرهم من العاملين والمنتجين ومتخذي القرار من سائر شرائح‬
‫المجتمع في حضر وريف البلد‪ .‬وعلى وجه الخصوص‪ ،‬أولئك الذين يمكن أن‬
‫تساعدهم مثل تلك التقانات والنتائج والتوصيات البحثية‪ ،‬للتغلب على مشكلتهم‬
‫الحقلية والنتاجية أو تضاعف من إنتاجيتهم وتزيد من دخولهم‪ ،‬وبالتالي تؤدي إلى‬
‫تحسين أوضاعهم القتصادية والجتماعية والصحية والثقافية وغيرها من جوانب‬
‫معيشتهم‪.‬‬
‫تكرار تخطيط وتنفيذ بعض العمال والنشطة البحثية المشابهة لما جرى‬ ‫‪.5‬‬
‫تنفيذه فعليًا‪ ،‬وذلك من قبل باحثين آخرين في مؤسسات أو قطاعات أخرى‪ ،‬غالبا ً‬
‫بسبب عدم وعيهم أو علمهم بتنفيذها أو بوجود نتائج منشورة حولها‪ .‬وهو المر‬
‫الذي يعني خسارة البلد الكثير من الوقت والجهد والمكانات المادية والمالية التي‬
‫يتم ضياعها في تكرار أعمال ل داٍع لتكرارها أص ً‬
‫ل‪.‬‬

‫وللحديث وقفة تكميلية أخرى‬

‫نشرت في مجلة "آفاق زراعية"‪ ،‬العدد ‪ ،2‬مايو ‪2006‬م‪ ،‬ص ‪.120-117‬‬

You might also like