Professional Documents
Culture Documents
يجب أن نشير في البداية أن سبب حديثنا اليوم عن القدرة على الحشد والتعبئة أو بمعنى آخر التنظيم للعمال
لخوض معركة ما ،هو ما شاهدناه خلل الثلث سنوات الماضية من حالة فوران غير مسبوق وسط الحركة
العمالية ،آلف العمال يتحركون كل يوم في كل المواقع تقريبا ،برزت قيادات جديدة ..مقاتلة ..ولديها قدرات
خلقت ثقة كبيرة بين العمال وهؤلء القيادات عبر النضال المشترك ،خاصة مع إحراز تنظيمية وتعبوية كبيرة ،و ُ
مكاسب كبيرة .
هذه المكاسب هي انجازات بطولية إذا نظرنا إلى الوضع الذي خرجت منه هذه الحركة :فبعد سنوات طويلة من
الهجوم الشرس على الطبقة العاملة المصرية عبر سياسات الليبرالية الجديدة الذي استخدم لتمريرها أبشع أنواع
القهر الذي مارسه نظام مبارك إلى درجة وصلت إلى حد اقتحام المصانع وإطلق الرصاص الحي على العمال،
وجميعنا نتذكر عمال الحديد والصلب سنة 1989وقبلهم عمال اسكو بشبرا الخيمة عام 1986وعمال كفر الدوار
عام ..1994وغيرها من المثلة .خرجت الطبقة العاملة من سنوات الليبرالية الجدية والقمع منهكة بشدة ،وكان
أثر ذلك ظاهرا بوضح في الضعف الشديد لحركتها في التسعينيات ،حتى ظن البعض أن الطبقة العاملة وحركتها
تحللت تحت وطأة هذه التحولت ،حتى بدأ الصعود التدريجي لحركة العمال مع نهاية التسعينيات وبداية اللفية
الجديدة ،ثم ربيع الحركة التي شاهدناه على مدار السنوات الثلث الماضية.
لكن طبيعة المور أن أي حركة ل تسير دائما في مسار مستقيم طوال الوقت :فبعد شوط من الحركة تظهر
العقبات والتحديات التي تمثل اختبارات تواجه الحركة عموما ،ويصبح على عاتق القيادة عبء كبير بشكل خاص
في الجابة على هذه التحديات لدفع الحركة إلى المام وتطويرها ،وربما ذلك ما يجعلنا نتحدث اليوم عن أزمة
القيادة في هذه المرحلة من حياة الحركة التي تشهد تراجعا مؤقتا ،خاصة وأن هذه القيادة تعاني بشكل مضاعف
من آثار هذه المرحلة ،فهم أول من يتعرضون للضطهاد والتعسف عندما تستغل الدولة وأصحاب العمال هذا
التراجع لتصفية حسابهم مع الحركة .فتبدأ حالة من الرتباك والتشتت في صفوف الحركة وتظهر العراض في
عدم القدرة على خوض معارك ربما أقل من تلك التي خاضها العمال قبل عامين فقط ،يصبحون عاجزون عن
حتى مجرد التضامن مع زميل لهم يتعرض للضطهاد غالبا بسبب مواقفه النضالية ،شاهدنا ذلك في مواقف
كثيرة ..في غزل المحلة وطنطا للكتان وغزل شبين وحلج القطان والبريد ..وغيرها من المواقع.
السؤال الن ،كيف أصبحنا غير قادرين على مواصلة ما أنجزنا أكبر منه قبل عامين أو ثلثة؟ ،بمعنى آخر،
لماذا أصبح عمال المحلة الذين نفذوا إضرابين هزا مصر كلها وأشعلوا انتفاضة في مدينة بكاملها ،وأجبروا
الحكومة ذاتها على النزول إليهم وتقديم تنازلت ،غير قادرين على التصدي للهجوم والتنكيل الذي يتعرض له
العمال في الفترة الخيرة؟ ،كيف استطاعت الحكومة والتنظيم النقابي الرسمي الستيلء على مشروع الصندوق
الجتماعي للضرائب العقارية ،وأصبحت أهم تجربة في التنظيم أفرزتها الحركة وهي النقابة المستقلة لموظفي
الضرائب في مهب الريح؟ ،لماذا وصل إضراب طنطا للكتان إلى هذه النهاية رغم الكفاحية الشديدة التي أبداها
العمال خلل خمسة أشهر هي مدة الضراب؟ .العمال هم أنفسهم والقيادات هي نفسها ،فماذا حدث؟
قبل الجابة على هذا التساؤل يجب بداية أن أذكركم بالحقيقة التي تقول أننا في صراع ...صراع من أجل لقمة
العيش وتحسين أوضاعنا التي انحدرت إلى الحضيض تحت حكم رجال العمال ،بمعنى آخر كل قرش يقتطع من
أجورنا وكل عامل يتم فصله وكل ساعة زيادة نعملها دون مقابل ..كل ذلك يعني ارتفاع ثروة وأرباح السادة
أصحاب الموال ،وهم يستخدمون لتحقيق ذلك جهاز الدولة نفسه بكل إمكاناته المادية والتشريعية والعلمية
لعتصار العمال وضرب حركتهم بل هوادة ،ونحن تحت وطأة الفقر والجوع نقاوم هذه السياسة ،ليس سعيا وراء
تحسين فرصنا في الربح ،لكن لمجرد البقاء أحياء .لكن بأية أسلحة دخلنا المعركة ،وإلى أي مدى سعينا لتصحيح
ميزان القوى المختل لصالح أصحاب العمال والدولة ،حتى نحافظ على مكاسبنا ونحرز المزيد في إطار
الصراع.
ل يمكن الجابة بدقة على هذه التساؤلت دون النظر في مسيرة الحركة في العوام الثلثة الماضية ،متى نجحت
ومتى أخففت؟ ،لنعرف ماذا ينقصنا حتى يكون المستقبل أفضل.
في تقديري هناك ثلثة عناصر لعبت دورا هاما في مسار الحركة صعودا وهبوطا وصول إلى المنحدر المؤقت
الحالي ومثلت القيادة العمالية من خللها مفاتيح رئيسية ،هذه العناصر هي :التنظيم ،والتوحيد ،والقاعدية.
التنظيم: -1
استطاع العمال في حركتهم خلق أشكال مبتكرة ومبدعة لتنظيم إضراباتهم واعتصاماتهم ،برز -
في هذه الشكال القيادة الجديدة التي اكتسبت ثقة العمال واعتبروا ممثليهم الحقيقيين في التفاوض على
المطالب ،كما أداروا بكفاءة الحياة اليومية لضرابات دامت أياما وفي بعض الحيان شهورا )إضراب
طنطا للكتان على سبيل المثال الذي استمر خمسة أشهر( .لكن بعد انتهاء الضراب –خاصة عندما
ينتصر -تعثر العمال كثيرا في الجابة على سؤال التنظيم ما بعد الضراب ،هل مازال ضروريا؟ ،وإذا
كانت الجابة بنعم ،لماذا؟ ،أي نوع من التنظيم نريد؟ ،مصدر قوة هذا التنظيم؟ ،شرعيته؟ علقته
بالسياسة؟ ..وغيرها من السئلة التي انقسم حولها العمال بعد وحدتهم في الضراب ،في وقت كان العدو
القوي والمنظم بشدة يستعد لخذ دوره في الهجوم لتفتيت الحركة وكسر شوكتها.
كان واضحا في أغلب المعارك أن العمال يدركون أهمية استمرار تنظيمهم إلى ما بعد -
الضراب ،فالمعارك لم تنته ..المطالب لم يستجب لها بالكامل ونحن في حاجة لستكمالها ومتابعتها..
الثقة التي خلقها النتصار طرح إمكانية الضغط من أجل المزيد من المكاسب ،وبالتالي نحن في حاجة
إلى الحفاظ على تنظيماتنا التي خلقت في الضراب لتصبح ممثلنا والمعبر الحقيقي عن طموحاتنا .عبر
ذلك عن نفسه في البداية بإعلن العصيان الرسمي للتنظيم النقابي والدعوة علنية لسقاطه ،كان هذا
العلن وهذه الدعوة في بدايتها أحد تجليات وأدوات المعركة من اجل التنظيمات العمالية المستقلة ،لكن
مسار الحداث بعد ذلك جعل هذا التكتيك أو الوسيلة هدف في حد ذاته ،بمعنى آخر ،لم يعد الهدف هو
تمتين التنظيم العمالي الذي أفرزه الضراب عن طريق ابتكار أدوات وأساليب لتدعيم التفاف العمال
حوله وكسب مزيد من الثقة فيه ،وهو ما لم يمكن تحقيقه إذا لم يشعر هؤلء العمال أن هذا التنظيم قادر
عن الدفاع عن مصالحهم وينتزع مطالبهم المباشرة التي هم على استعداد للقتال من أجلها في هذه
اللحظة ،لم يعد ذلك هو الهدف ،أصبح الهدف التي قاتلت وناضلت من أجله القيادة انتزاع الشرعية من
النقابة الرسمية ،ليس من خلل فرض المر الواقع بقوة العمال على الرض لكن باعتراف الدولة،
أصبحت شرعية التنظيم من وجهة نظرهم مرهونة باعتراف الدولة.
مثال غزل المحلة شديد الدللة على ذلك ،فقد استطاع العمال فرض تنظيمهم وممثليهم على -
الدولة والتنظيم النقابي في عملية التفاوض التي أعقبت الضرابين وبعد ذلك ،جاء السؤال :كيف نطور
ونقوي هذا التنظيم؟ ،وبدل من أن تأتي الجابة بالسير على طريق استمرار النضال موحدين من أجل
انتزاع بقية المطالب وتطوير مطالب أخرى لتحسين ظروف العمال ،جاءت الجابة ..علينا إسقاط
النقابة الرسمية .وكان ذلك وراء حملة سحب الثقة من اللجنة النقابية ،ثم الدعوة لتقديم استقالت جماعية
من النقابة العامة ،وسار عمال المحلة في هذا الدهليز قبل الوان فتاهوا في سراديب التنظيم النقابي
وألعيبه ،وانقلبت المعركة من صراع من أجل المطالب إلى معركة من أجل النقابة ،التي انتهت بانقسام
القيادة على نفسها حول كيفية كسب هذه المعركة ،خاصة مع نجاح التنظيم النقابي في استمالة الجناح
من قيادة العمال الكثر تأثير ونفوذا داخل المصنع إلى صفه بوعود عن الصلحات ،في الوقت الذي
كان فيه العمال يتطلعون إلى معركة أخرى تقدموا فيها خطوات ومازال هناك الكثير في سبيل كسبها
بشكل نهائي .المهم كان نتاج هذا النقسام حول المعركة السابقة لوانها حول النقابة ،ما شاهدناه من
مذبحة 6أبريل .2008
سيناريو المحلة تكرر بصياغات أخرى في تجربة الضرائب العقارية ،فقد طرح السؤال حول -
مصير اللجنة العليا لضراب الضرائب العقارية بعد النتصار المدوي لعتصام حسين حجازي في
ديسمبر ،2007ومرة أخرى انقسمت قيادة الموظفين بين من يقولون أنه ل يجب النسحاب من التنظيم
النقابي الرسمي ،بل يمكن الضغط عليه وإصلحه من الداخل ،وخاصة ونحن منتصرون ،وهذا الفريق
ضم بشكل أساسي القيادات النقابية التي شاركت في حركة الموظفين ،وكان هناك فريق آخر رأى أنه ل
أمل في التنظيم الرسمي ويجب علينا التخلص منه وبناء "نقابتنا المستقلة" ،وعلى عكس المحلة كان
الجناح القوى في قيادة الموظفين بقيادة كمال أبو عيطة هو من يتبنى وجهة النظر الثانية ،لتأتي المرحلة
الثانية من الجابة على تطوير التنظيم ،كيف سنبني النقابة المستقلة ،كيف نكسبها الشرعية ،كيف نواجه
التنظيم النقابي الرسمي الذي سيحاربنا بالتأكيد؟ ،وبدل من أن تأتي الجابة على هذه السئلة بدفع
التنظيم إلى مزيد من القاعدية ،بمعني تمتين جذوره وسط الموظفين ،بالشكل الذي يجعل التنظيم الجديد
جزء من حياتهم العملية يبنونه عبر النضال اليومي المشترك وسط مواقع العمل في المحافظات
والمكاتب ،وبالتالي يصبحون هم الجيش الحقيقي للدفاع عنه والقتال من أجله ،تماما كما كانوا الجيش
الذي دافع عن المطالب وقاتل حتى حصل عليها ،لكن قيادة الموظفين راحوا يبنون النقابة من أعلى،
ويبحثون عن شرعيتها عن طريق محاولة انتزاع اعتراف من الدولة ،فأصبحت هذه هي المعركة الن،
وكان هذا التفكير وراء حملة التوقيعات التي تم جمعها وتقديمها لوزيرة القوى العاملة للموافقة على
إنشاء النقابة ،حتى جاءت معركة الصندوق الجتماعي الذي مول الموظفين دراسته التي تكلفت اللف،
وتقدمت به النقابة المستقلة لوزارة المالية لقرار الحكومة له باعتباره مشروع النقابة المستقلة التي
ستشرف عليه بالكامل ،وجاء رد الوزارة بإسناد المشروع لنقابة البنوك الرسمية ،لتصبح النقابة المستقلة
الجدية أمام اختبار حقيقي ،هل سيدافع الموظفون عن أحقية "المستقلة" في السيطرة على الصندوق ،أم
أن المر ل يعنيهم ،والمهم أنهم حصلوا على الصندوق؟ ،جاء الرد على هذا السؤال في الوقفة
الحتجاجية التي دعت إليها "المستقلة" في شارع حسين حجازي وقالت أنها حشدت أعضاء النقابة 30-
ألف -ولن يعودوا إل بعد إلغاء القرار ،وكانت المفاجأة ،فلم يلب نداء المستقلة سوى بضعة مئات في
وقفة هزيلة إذا ما قورنت باعتصام العشرة آلف ،وعاد الموظفون واستمرار قرار وزارة المالية،
استمرت سيطرة النقابة الرسمية على الصندوق .وتواجه النقابة المستقلة للضرائب العقارية اليوم تحديا
آخر كبير بعد إعلن التنظيم الرسمي عن إنشاء نقابة جديدة تابعة له للعاملين في مجال الضرائب.
التوحيد -2
أحد السمات الرئيسية لحركة الثلث سنوات الماضية أنها خلقت فرصا كبيرة –خلف أي -
وقت آخر -لتوحيد قطاعات رئيسية ومهمة ،مثل قطاع الغزل والنسيج ،على مطالب مشتركة ومن ثم
في أشكال تنظيمية أو على القل تضامنية واحدة ،وهي الشكال الرقى في تطور أي حركة ،كان هناك
على سبيل المثال فرصة للعمل بشكل مشترك على قضية مواجهة الخصخصة ،عندما ظهرت من قلب
حركة العمال مطالب تنادي بعودة الشركات التي تم خصخصته إلى القطاع العام ،بعدما ظهرت
قاذورات القطاع الخاص ومساؤه على العمال ،انظر مثل اضراب طنطا للكتان وحركة عمال غزل
شبين ،ومحالج القطان ،جميعهم كانت تسب وتلعن الخصخصة وتلقي بكل اللوم على هذه السياسة لما
يلقونه من ظلم وتعسف ،لكن المتاهة التي دخل فيها العمال على مستوى التنظيم كما ذكرنا ،وخاصة
في المواقع المتقدمة التي كان من المفترض أن تلعب دور رأس الحربة في هذه العملية ،وحالة الهجوم
والقمع التي بدأ يشنها أصحاب العمال بمساعدة الدولة في محاولة لتصفية الحركة حالت دون اتخاذ
خطوات على هذا الطريق ،المر الذي جعل وقع التراجع الحالي في الحركة أفدح.
أخيرا:
هذا باختصار كان لب المشكلة التي واجهت الحركة وقياداتها ودفعت إلى حالة التراجع –المؤقت -التي نشهدها
حاليا ،فهل هناك ما يمكن عمله؟ ،الجابة على هذا التساؤل يجب أن تنبع من تصورنا عن المستقبل القريب ،كل
المؤشرات تقول أن الحركة تهدئ من حركتها للتقاط النفاس ،وأن صعودا مهما قادم ،لذلك هناك عبء كبير
على قيادات الحركة المناضلة للتمهيد لهذا الصعود القادم ،عن طريق محاولة تدارك بعض أخطاء الماضي ،فعلى
قيادات الحركة اليوم مواصلة العمل الدءوب والصبور داخل مواقعها مع عمالها ،في محاولة للم الشمل من جديد
وتجديد الثقة في امكانيات النصر عند الحركة ،ورغم أن عمل ذلك في هذه المرحلة أمر شاق وصعب للغاية ،لكن
الحقيقة ل مفر منه .كذلك هناك مهمة ضرورية أخرى على عاتق هؤلء القيادات ،فهم يشكلون القلب الصلب لهذه
الحركة ،باعتبارهم مخزن الخبرة النضالية والقتالية والكثر قدرة على التحرك والتنظيم ،لكنهم هم أنفسهم
متفرقون ،ل يجلسون مع بعضهم البعض ،ل يتبادلون الخبرات ،ل يناقشون ما حدث ،ول يفكرون للتخطيط في
المستقبل بشكل جماعي ،هذه الخطوة تكسب أهمية مضاعفة في حالة الهدوء الحالي في الحركة ،حتى ل تنجرف
إلى مزيد من التشتت والرتباك ،ومن ناحية أخرى حتى نكون قادرين على استقبال الصعود القادم باستعداد أكبر.