You are on page 1of 4

‫القيادات العمالية الجديدة والحركة‬

‫يجب أن نشير في البداية أن سبب حديثنا اليوم عن القدرة على الحشد والتعبئة أو بمعنى آخر التنظيم للعمال‬
‫لخوض معركة ما‪ ،‬هو ما شاهدناه خلل الثلث سنوات الماضية من حالة فوران غير مسبوق وسط الحركة‬
‫العمالية‪ ،‬آلف العمال يتحركون كل يوم في كل المواقع تقريبا‪ ،‬برزت قيادات جديدة‪ ..‬مقاتلة‪ ..‬ولديها قدرات‬
‫خلقت ثقة كبيرة بين العمال وهؤلء القيادات عبر النضال المشترك‪ ،‬خاصة مع إحراز‬ ‫تنظيمية وتعبوية كبيرة‪ ،‬و ُ‬
‫مكاسب كبيرة ‪.‬‬

‫استطاعت هذه الحركة بهذه القيادة انتزاع مكاسب مهمة‪..‬‬

‫فرضت حق الضراب كسلح رئيسي في يد الطبقة العاملة لمواجهة الستغلل‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫عرت التنظيم النقابي وأصبح في نظر غالبية العمال –إن لم يكن جميعهم‪ -‬عدو في صف‬ ‫‪-‬‬
‫رجال العمال والدولة‪.‬‬
‫أصبح الجميع يتحدثون عن العمال ودورهم بالنسبة لمستقبل مصر بعد فترة ظن فيه البعض‬ ‫‪-‬‬
‫أن الطبقة العاملة قد ماتت أو انتهى دورها‪.‬‬
‫أصبح العمال –في لحظة ما‪ -‬قادرون علي تحريك الشارع للنتفاض ضد الفقر والقهر‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫انظروا لما حدث في المحلة في ‪ 6‬أبريل ‪.2008‬‬
‫استطاع نضال عمال المحلة احراز مكاسب ليس فقط لموقعهم ولكن على مستوى قطاع الغزل‬ ‫‪-‬‬
‫والنسيج بأكمله‪ ،‬لول مرة منذ إضراب عمال اسكو عام ‪ 1986‬عندما استطاعوا انتزاع أيام الجمع لكل‬
‫العاملين في مصر‪ ،‬لكن الحركة بعد المحلة استمرت عكس الوضع في ‪ 86‬عندما تم ضرب إضراب‬
‫اسكو‪.‬‬

‫هذه المكاسب هي انجازات بطولية إذا نظرنا إلى الوضع الذي خرجت منه هذه الحركة‪ :‬فبعد سنوات طويلة من‬
‫الهجوم الشرس على الطبقة العاملة المصرية عبر سياسات الليبرالية الجديدة الذي استخدم لتمريرها أبشع أنواع‬
‫القهر الذي مارسه نظام مبارك إلى درجة وصلت إلى حد اقتحام المصانع وإطلق الرصاص الحي على العمال‪،‬‬
‫وجميعنا نتذكر عمال الحديد والصلب سنة ‪ 1989‬وقبلهم عمال اسكو بشبرا الخيمة عام ‪ 1986‬وعمال كفر الدوار‬
‫عام ‪ ..1994‬وغيرها من المثلة‪ .‬خرجت الطبقة العاملة من سنوات الليبرالية الجدية والقمع منهكة بشدة‪ ،‬وكان‬
‫أثر ذلك ظاهرا بوضح في الضعف الشديد لحركتها في التسعينيات‪ ،‬حتى ظن البعض أن الطبقة العاملة وحركتها‬
‫تحللت تحت وطأة هذه التحولت‪ ،‬حتى بدأ الصعود التدريجي لحركة العمال مع نهاية التسعينيات وبداية اللفية‬
‫الجديدة‪ ،‬ثم ربيع الحركة التي شاهدناه على مدار السنوات الثلث الماضية‪.‬‬

‫لكن طبيعة المور أن أي حركة ل تسير دائما في مسار مستقيم طوال الوقت‪ :‬فبعد شوط من الحركة تظهر‬
‫العقبات والتحديات التي تمثل اختبارات تواجه الحركة عموما‪ ،‬ويصبح على عاتق القيادة عبء كبير بشكل خاص‬
‫في الجابة على هذه التحديات لدفع الحركة إلى المام وتطويرها‪ ،‬وربما ذلك ما يجعلنا نتحدث اليوم عن أزمة‬
‫القيادة في هذه المرحلة من حياة الحركة التي تشهد تراجعا مؤقتا‪ ،‬خاصة وأن هذه القيادة تعاني بشكل مضاعف‬
‫من آثار هذه المرحلة‪ ،‬فهم أول من يتعرضون للضطهاد والتعسف عندما تستغل الدولة وأصحاب العمال هذا‬
‫التراجع لتصفية حسابهم مع الحركة‪ .‬فتبدأ حالة من الرتباك والتشتت في صفوف الحركة وتظهر العراض في‬
‫عدم القدرة على خوض معارك ربما أقل من تلك التي خاضها العمال قبل عامين فقط‪ ،‬يصبحون عاجزون عن‬
‫حتى مجرد التضامن مع زميل لهم يتعرض للضطهاد غالبا بسبب مواقفه النضالية‪ ،‬شاهدنا ذلك في مواقف‬
‫كثيرة‪ ..‬في غزل المحلة وطنطا للكتان وغزل شبين وحلج القطان والبريد‪ ..‬وغيرها من المواقع‪.‬‬

‫السؤال الن‪ ،‬كيف أصبحنا غير قادرين على مواصلة ما أنجزنا أكبر منه قبل عامين أو ثلثة؟‪ ،‬بمعنى آخر‪،‬‬
‫لماذا أصبح عمال المحلة الذين نفذوا إضرابين هزا مصر كلها وأشعلوا انتفاضة في مدينة بكاملها‪ ،‬وأجبروا‬
‫الحكومة ذاتها على النزول إليهم وتقديم تنازلت‪ ،‬غير قادرين على التصدي للهجوم والتنكيل الذي يتعرض له‬
‫العمال في الفترة الخيرة؟‪ ،‬كيف استطاعت الحكومة والتنظيم النقابي الرسمي الستيلء على مشروع الصندوق‬
‫الجتماعي للضرائب العقارية‪ ،‬وأصبحت أهم تجربة في التنظيم أفرزتها الحركة وهي النقابة المستقلة لموظفي‬
‫الضرائب في مهب الريح؟‪ ،‬لماذا وصل إضراب طنطا للكتان إلى هذه النهاية رغم الكفاحية الشديدة التي أبداها‬
‫العمال خلل خمسة أشهر هي مدة الضراب؟‪ .‬العمال هم أنفسهم والقيادات هي نفسها‪ ،‬فماذا حدث؟‬
‫قبل الجابة على هذا التساؤل يجب بداية أن أذكركم بالحقيقة التي تقول أننا في صراع‪ ...‬صراع من أجل لقمة‬
‫العيش وتحسين أوضاعنا التي انحدرت إلى الحضيض تحت حكم رجال العمال‪ ،‬بمعنى آخر كل قرش يقتطع من‬
‫أجورنا وكل عامل يتم فصله وكل ساعة زيادة نعملها دون مقابل‪ ..‬كل ذلك يعني ارتفاع ثروة وأرباح السادة‬
‫أصحاب الموال‪ ،‬وهم يستخدمون لتحقيق ذلك جهاز الدولة نفسه بكل إمكاناته المادية والتشريعية والعلمية‬
‫لعتصار العمال وضرب حركتهم بل هوادة‪ ،‬ونحن تحت وطأة الفقر والجوع نقاوم هذه السياسة‪ ،‬ليس سعيا وراء‬
‫تحسين فرصنا في الربح‪ ،‬لكن لمجرد البقاء أحياء‪ .‬لكن بأية أسلحة دخلنا المعركة‪ ،‬وإلى أي مدى سعينا لتصحيح‬
‫ميزان القوى المختل لصالح أصحاب العمال والدولة‪ ،‬حتى نحافظ على مكاسبنا ونحرز المزيد في إطار‬
‫الصراع‪.‬‬

‫ل يمكن الجابة بدقة على هذه التساؤلت دون النظر في مسيرة الحركة في العوام الثلثة الماضية‪ ،‬متى نجحت‬
‫ومتى أخففت؟‪ ،‬لنعرف ماذا ينقصنا حتى يكون المستقبل أفضل‪.‬‬

‫في تقديري هناك ثلثة عناصر لعبت دورا هاما في مسار الحركة صعودا وهبوطا وصول إلى المنحدر المؤقت‬
‫الحالي ومثلت القيادة العمالية من خللها مفاتيح رئيسية‪ ،‬هذه العناصر هي‪ :‬التنظيم‪ ،‬والتوحيد‪ ،‬والقاعدية‪.‬‬

‫التنظيم‪:‬‬ ‫‪-1‬‬

‫استطاع العمال في حركتهم خلق أشكال مبتكرة ومبدعة لتنظيم إضراباتهم واعتصاماتهم‪ ،‬برز‬ ‫‪-‬‬
‫في هذه الشكال القيادة الجديدة التي اكتسبت ثقة العمال واعتبروا ممثليهم الحقيقيين في التفاوض على‬
‫المطالب‪ ،‬كما أداروا بكفاءة الحياة اليومية لضرابات دامت أياما وفي بعض الحيان شهورا )إضراب‬
‫طنطا للكتان على سبيل المثال الذي استمر خمسة أشهر(‪ .‬لكن بعد انتهاء الضراب –خاصة عندما‬
‫ينتصر‪ -‬تعثر العمال كثيرا في الجابة على سؤال التنظيم ما بعد الضراب‪ ،‬هل مازال ضروريا؟‪ ،‬وإذا‬
‫كانت الجابة بنعم‪ ،‬لماذا؟‪ ،‬أي نوع من التنظيم نريد؟‪ ،‬مصدر قوة هذا التنظيم؟‪ ،‬شرعيته؟ علقته‬
‫بالسياسة؟‪ ..‬وغيرها من السئلة التي انقسم حولها العمال بعد وحدتهم في الضراب‪ ،‬في وقت كان العدو‬
‫القوي والمنظم بشدة يستعد لخذ دوره في الهجوم لتفتيت الحركة وكسر شوكتها‪.‬‬

‫كان واضحا في أغلب المعارك أن العمال يدركون أهمية استمرار تنظيمهم إلى ما بعد‬ ‫‪-‬‬
‫الضراب‪ ،‬فالمعارك لم تنته‪ ..‬المطالب لم يستجب لها بالكامل ونحن في حاجة لستكمالها ومتابعتها‪..‬‬
‫الثقة التي خلقها النتصار طرح إمكانية الضغط من أجل المزيد من المكاسب‪ ،‬وبالتالي نحن في حاجة‬
‫إلى الحفاظ على تنظيماتنا التي خلقت في الضراب لتصبح ممثلنا والمعبر الحقيقي عن طموحاتنا‪ .‬عبر‬
‫ذلك عن نفسه في البداية بإعلن العصيان الرسمي للتنظيم النقابي والدعوة علنية لسقاطه‪ ،‬كان هذا‬
‫العلن وهذه الدعوة في بدايتها أحد تجليات وأدوات المعركة من اجل التنظيمات العمالية المستقلة‪ ،‬لكن‬
‫مسار الحداث بعد ذلك جعل هذا التكتيك أو الوسيلة هدف في حد ذاته‪ ،‬بمعنى آخر‪ ،‬لم يعد الهدف هو‬
‫تمتين التنظيم العمالي الذي أفرزه الضراب عن طريق ابتكار أدوات وأساليب لتدعيم التفاف العمال‬
‫حوله وكسب مزيد من الثقة فيه‪ ،‬وهو ما لم يمكن تحقيقه إذا لم يشعر هؤلء العمال أن هذا التنظيم قادر‬
‫عن الدفاع عن مصالحهم وينتزع مطالبهم المباشرة التي هم على استعداد للقتال من أجلها في هذه‬
‫اللحظة‪ ،‬لم يعد ذلك هو الهدف‪ ،‬أصبح الهدف التي قاتلت وناضلت من أجله القيادة انتزاع الشرعية من‬
‫النقابة الرسمية‪ ،‬ليس من خلل فرض المر الواقع بقوة العمال على الرض لكن باعتراف الدولة‪،‬‬
‫أصبحت شرعية التنظيم من وجهة نظرهم مرهونة باعتراف الدولة‪.‬‬

‫مثال غزل المحلة شديد الدللة على ذلك‪ ،‬فقد استطاع العمال فرض تنظيمهم وممثليهم على‬ ‫‪-‬‬
‫الدولة والتنظيم النقابي في عملية التفاوض التي أعقبت الضرابين وبعد ذلك‪ ،‬جاء السؤال‪ :‬كيف نطور‬
‫ونقوي هذا التنظيم؟‪ ،‬وبدل من أن تأتي الجابة بالسير على طريق استمرار النضال موحدين من أجل‬
‫انتزاع بقية المطالب وتطوير مطالب أخرى لتحسين ظروف العمال‪ ،‬جاءت الجابة‪ ..‬علينا إسقاط‬
‫النقابة الرسمية‪ .‬وكان ذلك وراء حملة سحب الثقة من اللجنة النقابية‪ ،‬ثم الدعوة لتقديم استقالت جماعية‬
‫من النقابة العامة‪ ،‬وسار عمال المحلة في هذا الدهليز قبل الوان فتاهوا في سراديب التنظيم النقابي‬
‫وألعيبه‪ ،‬وانقلبت المعركة من صراع من أجل المطالب إلى معركة من أجل النقابة‪ ،‬التي انتهت بانقسام‬
‫القيادة على نفسها حول كيفية كسب هذه المعركة‪ ،‬خاصة مع نجاح التنظيم النقابي في استمالة الجناح‬
‫من قيادة العمال الكثر تأثير ونفوذا داخل المصنع إلى صفه بوعود عن الصلحات‪ ،‬في الوقت الذي‬
‫كان فيه العمال يتطلعون إلى معركة أخرى تقدموا فيها خطوات ومازال هناك الكثير في سبيل كسبها‬
‫بشكل نهائي‪ .‬المهم كان نتاج هذا النقسام حول المعركة السابقة لوانها حول النقابة‪ ،‬ما شاهدناه من‬
‫مذبحة ‪ 6‬أبريل ‪.2008‬‬

‫سيناريو المحلة تكرر بصياغات أخرى في تجربة الضرائب العقارية‪ ،‬فقد طرح السؤال حول‬ ‫‪-‬‬
‫مصير اللجنة العليا لضراب الضرائب العقارية بعد النتصار المدوي لعتصام حسين حجازي في‬
‫ديسمبر ‪ ،2007‬ومرة أخرى انقسمت قيادة الموظفين بين من يقولون أنه ل يجب النسحاب من التنظيم‬
‫النقابي الرسمي‪ ،‬بل يمكن الضغط عليه وإصلحه من الداخل‪ ،‬وخاصة ونحن منتصرون‪ ،‬وهذا الفريق‬
‫ضم بشكل أساسي القيادات النقابية التي شاركت في حركة الموظفين‪ ،‬وكان هناك فريق آخر رأى أنه ل‬
‫أمل في التنظيم الرسمي ويجب علينا التخلص منه وبناء "نقابتنا المستقلة"‪ ،‬وعلى عكس المحلة كان‬
‫الجناح القوى في قيادة الموظفين بقيادة كمال أبو عيطة هو من يتبنى وجهة النظر الثانية‪ ،‬لتأتي المرحلة‬
‫الثانية من الجابة على تطوير التنظيم‪ ،‬كيف سنبني النقابة المستقلة‪ ،‬كيف نكسبها الشرعية‪ ،‬كيف نواجه‬
‫التنظيم النقابي الرسمي الذي سيحاربنا بالتأكيد؟‪ ،‬وبدل من أن تأتي الجابة على هذه السئلة بدفع‬
‫التنظيم إلى مزيد من القاعدية‪ ،‬بمعني تمتين جذوره وسط الموظفين‪ ،‬بالشكل الذي يجعل التنظيم الجديد‬
‫جزء من حياتهم العملية يبنونه عبر النضال اليومي المشترك وسط مواقع العمل في المحافظات‬
‫والمكاتب‪ ،‬وبالتالي يصبحون هم الجيش الحقيقي للدفاع عنه والقتال من أجله‪ ،‬تماما كما كانوا الجيش‬
‫الذي دافع عن المطالب وقاتل حتى حصل عليها‪ ،‬لكن قيادة الموظفين راحوا يبنون النقابة من أعلى‪،‬‬
‫ويبحثون عن شرعيتها عن طريق محاولة انتزاع اعتراف من الدولة‪ ،‬فأصبحت هذه هي المعركة الن‪،‬‬
‫وكان هذا التفكير وراء حملة التوقيعات التي تم جمعها وتقديمها لوزيرة القوى العاملة للموافقة على‬
‫إنشاء النقابة‪ ،‬حتى جاءت معركة الصندوق الجتماعي الذي مول الموظفين دراسته التي تكلفت اللف‪،‬‬
‫وتقدمت به النقابة المستقلة لوزارة المالية لقرار الحكومة له باعتباره مشروع النقابة المستقلة التي‬
‫ستشرف عليه بالكامل‪ ،‬وجاء رد الوزارة بإسناد المشروع لنقابة البنوك الرسمية‪ ،‬لتصبح النقابة المستقلة‬
‫الجدية أمام اختبار حقيقي‪ ،‬هل سيدافع الموظفون عن أحقية "المستقلة" في السيطرة على الصندوق‪ ،‬أم‬
‫أن المر ل يعنيهم‪ ،‬والمهم أنهم حصلوا على الصندوق؟‪ ،‬جاء الرد على هذا السؤال في الوقفة‬
‫الحتجاجية التي دعت إليها "المستقلة" في شارع حسين حجازي وقالت أنها حشدت أعضاء النقابة ‪30-‬‬
‫ألف‪ -‬ولن يعودوا إل بعد إلغاء القرار‪ ،‬وكانت المفاجأة‪ ،‬فلم يلب نداء المستقلة سوى بضعة مئات في‬
‫وقفة هزيلة إذا ما قورنت باعتصام العشرة آلف‪ ،‬وعاد الموظفون واستمرار قرار وزارة المالية‪،‬‬
‫استمرت سيطرة النقابة الرسمية على الصندوق‪ .‬وتواجه النقابة المستقلة للضرائب العقارية اليوم تحديا‬
‫آخر كبير بعد إعلن التنظيم الرسمي عن إنشاء نقابة جديدة تابعة له للعاملين في مجال الضرائب‪.‬‬

‫التوحيد‬ ‫‪-2‬‬
‫أحد السمات الرئيسية لحركة الثلث سنوات الماضية أنها خلقت فرصا كبيرة –خلف أي‬ ‫‪-‬‬
‫وقت آخر‪ -‬لتوحيد قطاعات رئيسية ومهمة‪ ،‬مثل قطاع الغزل والنسيج‪ ،‬على مطالب مشتركة ومن ثم‬
‫في أشكال تنظيمية أو على القل تضامنية واحدة‪ ،‬وهي الشكال الرقى في تطور أي حركة‪ ،‬كان هناك‬
‫على سبيل المثال فرصة للعمل بشكل مشترك على قضية مواجهة الخصخصة‪ ،‬عندما ظهرت من قلب‬
‫حركة العمال مطالب تنادي بعودة الشركات التي تم خصخصته إلى القطاع العام‪ ،‬بعدما ظهرت‬
‫قاذورات القطاع الخاص ومساؤه على العمال‪ ،‬انظر مثل اضراب طنطا للكتان وحركة عمال غزل‬
‫شبين‪ ،‬ومحالج القطان‪ ،‬جميعهم كانت تسب وتلعن الخصخصة وتلقي بكل اللوم على هذه السياسة لما‬
‫يلقونه من ظلم وتعسف‪ ،‬لكن المتاهة التي دخل فيها العمال على مستوى التنظيم كما ذكرنا‪ ،‬وخاصة‬
‫في المواقع المتقدمة التي كان من المفترض أن تلعب دور رأس الحربة في هذه العملية‪ ،‬وحالة الهجوم‬
‫والقمع التي بدأ يشنها أصحاب العمال بمساعدة الدولة في محاولة لتصفية الحركة حالت دون اتخاذ‬
‫خطوات على هذا الطريق‪ ،‬المر الذي جعل وقع التراجع الحالي في الحركة أفدح‪.‬‬

‫أخيرا‪:‬‬
‫هذا باختصار كان لب المشكلة التي واجهت الحركة وقياداتها ودفعت إلى حالة التراجع –المؤقت‪ -‬التي نشهدها‬
‫حاليا‪ ،‬فهل هناك ما يمكن عمله؟‪ ،‬الجابة على هذا التساؤل يجب أن تنبع من تصورنا عن المستقبل القريب‪ ،‬كل‬
‫المؤشرات تقول أن الحركة تهدئ من حركتها للتقاط النفاس‪ ،‬وأن صعودا مهما قادم‪ ،‬لذلك هناك عبء كبير‬
‫على قيادات الحركة المناضلة للتمهيد لهذا الصعود القادم‪ ،‬عن طريق محاولة تدارك بعض أخطاء الماضي‪ ،‬فعلى‬
‫قيادات الحركة اليوم مواصلة العمل الدءوب والصبور داخل مواقعها مع عمالها‪ ،‬في محاولة للم الشمل من جديد‬
‫وتجديد الثقة في امكانيات النصر عند الحركة‪ ،‬ورغم أن عمل ذلك في هذه المرحلة أمر شاق وصعب للغاية‪ ،‬لكن‬
‫الحقيقة ل مفر منه‪ .‬كذلك هناك مهمة ضرورية أخرى على عاتق هؤلء القيادات‪ ،‬فهم يشكلون القلب الصلب لهذه‬
‫الحركة‪ ،‬باعتبارهم مخزن الخبرة النضالية والقتالية والكثر قدرة على التحرك والتنظيم‪ ،‬لكنهم هم أنفسهم‬
‫متفرقون‪ ،‬ل يجلسون مع بعضهم البعض‪ ،‬ل يتبادلون الخبرات‪ ،‬ل يناقشون ما حدث‪ ،‬ول يفكرون للتخطيط في‬
‫المستقبل بشكل جماعي‪ ،‬هذه الخطوة تكسب أهمية مضاعفة في حالة الهدوء الحالي في الحركة‪ ،‬حتى ل تنجرف‬
‫إلى مزيد من التشتت والرتباك‪ ،‬ومن ناحية أخرى حتى نكون قادرين على استقبال الصعود القادم باستعداد أكبر‪.‬‬

You might also like