Professional Documents
Culture Documents
هـل افتـدانا
المسيح على الصليـب ؟
مقدمة
الحمد لله رب العالمين ،والصلة والسلم على رسل
الله أجمعين ،عليهم وعلى نبينا أفضل الصلة وأزكى
التسليم ،وبعد:
انتهينا في الحلقات الماضية من سلسلتنا -سلسلة
الهدى والنور -إلى حقيقة واضحة وساطعة كما
الشمس في رابعة النهار ،وهي أن الكتاب المقدس -
وكما رأينا -عمل بشري ل يمثل كلمة الله بحال من
الحوال ،وعليه فل يصح الستدلل به على أي من
العقائد أو الحداث الهامة ،ومن ذلك الصلب والفداء.
وتنزل ً مع النصارى في الحوار ،ورغبة في عدم غلق
هذا الباب نعود لطرح سؤالين هامين ،أحدهما تاريخي،
والخر عقدي ،أولهما :هل صلب المسيح عليه السلم
كما تذكر الناجيل ،وكما تجمع الفرق النصرانية
المعاصرة؟
والسؤال الثاني ،وهو متعلق بالسؤال الول ،ونطرحه
جدل ً -إن قلنا بصلب المسيح : -فهل كان صلبه فداء لنا
وللبشرية؟
وتثور تبعا ً لهذا السؤال أسئلة كثيرة :مم الخلص؟
من دينونة جهنم أم من نكد الدنيا وعثراتها؟ وهل
الخلص متعلق بذنب أبوينا )آدم وحواء( فقط أم يسري
إلى كافة ذنوبنا وخطايانا؟ وهل الخلص مشروط أم أنه
منحة محبة من الله ومسيحه ،وهي أعظم من أن يطلب
لها مقابل؟
ثم هل الخلص لليهود الذين اختص المسيح بهم في
رسالته أم يمتد ليشمل الجنس البشري الذي ولد
مسربل ً بالخطيئة؟
هذه السئلة وغيرها نجيب عنها في حلقتنا الرابعة
من سلسلة الهدى والنور ،ونجملها في سؤال يُلم
شعثها :هل افتدانا المسيح على الصليب؟
نجيب عنه بموضوعية ومنهجية علمية ،نقلب صفحات
السفار المقدسة عند النصارى ،ونحتكم وإياهم إلى
العقل المجرد والفطرة السوية ،مستشهدين بدللة
التاريخ وحكمة عقلئه من النصارى.
اللهم اهدنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنك ،إنك
تهدي من تشاء إلى صراط مستقيم.
هل افتدانا المسيح على
)(3
الصليب؟
د.
منقذ بن محمود السقار
مكة المكرمة – شعبان – 1424هـ
mongiz@maktoob.com
)سلسلة الهدى والنور )4
)(4
كيف يأمر نبي بقتل نبي ،فلو صحت نبوته لكان حكمه
ردة ،أو يكون قد حكم على غير المسيح.
وفي محاولة للتبرير قال يوحنا فم الذهب " :إن روح
القدس حرك لسان قيافا ،ل قلبه ،على أن قيافا لم
)(1
يخط ضد اليمان ،بل ضد العدل والتقوى ".
وما اللسان إل ترجمان للقلب ،وإذا كان روح القدس
هو الذي حرك قيافا ،فلم كان قيافا خاطئا ً ضد العدل
والتقوى.
وقد تعارض قيافا في فهمه لعموم الفداء وخصوصه،
فهو يفهم أن موت المسيح فداء لبني إسرائيل ،بينما
يوحنا في رسالته الولى يقول " :هو كفارة لخطايانا،
ليس لخطايانا فقط ،بل لخطايا كل العالم أيضًا" ) يوحنا
).( 2/2 (1
-وتذكر الناجيل أن الجميع وقف ضد المسيح ،وليس
رؤساء الكهنة فحسب ،بل حتى الجماهير كانت تنادي
على بيلطس وتقول " :اصلبه ،اصلبه " وترفض
إطلقه ،وتود إطلق المجرم باراباس " كان بيلطس
يطلب أن يطلقه ،ولكن اليهود كانوا يصرخون قائلين:
إن أطلقت هذا فلست محبا ً لقيصر ،كل من يجعل نفسه
ملكا ً يقاوم قيصر " ) يوحنا ،( 19/12ويقول مرقس:
"فهيج رؤساء الكهنة الجمع لكي يطلق لهم بالحري
باراباس .فصرخوا أيضًا :اصلبه ...فازدادوا جدا ً صراخًا:
اصلبه ،فبيلطس إذ كان يريد أن يعمل للجمع ما
يرضيهم ) "..مرقس .(15 - 15/11
فأين الجموع التي شفاها المسيح من البرص والعمى
وغيره والتي تعد باللوف؟ أين أولئك الذين استقبلوه
وهو يدخل أورشليم راكبا ً على الجحش والتان معًا؟ أين
أولئك " الجمع الكثر فرشوا ثيابهم في الطريق،
وآخرون قطعوا أغصانا ً من الشجر ،وفرشوها في
الطريق ،والجموع الذين تقدموا ،والذين تبعوا كانوا
يصرخون قائلين :أوصّنا لبن داود ..ولما دخل أورشليم
من هذا ؟ " ) متى 10 - 21/8 ارتجت المدينة كلها قائلةَ :
(.
()1انظر :عقيدة الصلب والفداء ،محمد رشيد رضا ،ص )– 94
.(97
هل افتدانا المسيح على
) ( 43
الصليب؟
إبطال صلب المسيح بنبوءات التوراة
تحتل النبوءات في الفكر المسيحي مكانة سامقة،
جعلت بعض النصارى يشترطون لصحة النبوة أن يسبقها
نبوءة.
وحادثة صلب المسيح -كما يعتبرها النصارى -أحد
أهم أحداث المعمورة ،فكان لبد وأن يتحدث عنها
النبياء في أسفارهم ،وأن يذكرها المسيح لتلميذه.
فهل أخبرت النبياء بصلب المسيح وقيامته ؟ وهل
أخبر المسيح تلميذه بذلك؟
والجابة النصرانية عن هذه التساؤلت :نعم ،وأن
ذلك في مواضع كثيرة من الناجيل والرسائل والسفار
التوراتية.
ولعل من نافلة القول أن نذكر بأن النصارى يعتبرون
أسفار التوراة جزءً مقدسا ً كتابهم المقدس ،كيف ل
والناجيل ما فتئت تحيل إلى هذه السفار ،تستمد منها
تنبؤاتها المستقبلية ،التي تحققت في شخص المسيح
في حياته أو حين صلبه .
وللسفار التوراتية دور عظيم في قصة صلب
المسيح ،فقد أكثر النجيليون في سردهم للقصة من
الحالة إلى أسفار التوراة؛ التي يرونها تتنبأ بالمسيح
المصلوب ،وكانت نصف هذه الحالت إلى المزامير
المنسوبة لداود وغيره.
وقد أكد عيسى عليه السلم لتلميذه ضرورة أن
تتحقق فيه النبوءات التوراتية بقوله" :لبد أن يتم جميع
ما هو مكتوب عني في ناموس موسى والنبياء
والمزامير" ) لوقا ،( 26/44وقد قال لهم " :فتشوا
الكتب ...وهي التي تشهد لي " ) يوحنا .( 5/39
يقول جوش مكدويل" :هناك تسع وعشرون نبوءة
في العهد القديم تتحدث عن خيانة المسيح )أي خيانة
يهوذا للمسيح( ومحاكمته وموته ودفنه ...وتحققت
)(1
كلها حرفيا ً في أربع وعشرين ساعة من الزمان".
وبعض هذه النبوءات استشهد بها النجيليون في
سياق روايتهم لقصة صلب المسيح ،ومجموع هذه
النبوءات أربع عشرة نبوءة ،ذكر متى منها ستًا ،ومرقس
أربعًا ،ولوقا اثنتين ،بينما ذكر منها يوحنا سبع نبوءات.
الذى به ،فقد فشلت المؤامرة ،لنه ُرفع " ارتفع يا رب
بقوتك ".
وأما هؤلء العداء :فترجع مكيدتهم عليهم " تصيب
يدك جميع أعدائك ،يمينك تصيب كل مبغضيك ..الرب
بسخطه يبتلعهم ،وتأكلهم النار ،تبيد ثمرهم من الرض،
وذريتهم من بين بني آدم ..تفوق السهام على أوتارك
تلقاء وجوههم " ،فهل يقول أحد بعد ذا كله بأن
المصلوب هو المسيح.
رأس الزاوية ،من قبل الرب كان هذا ،وهو عجيب في
أعيننا ،هذا هو اليوم الذي صنعه الرب ،نبتهج ونفرح
فيه ،آه يا رب خّلص ،آه يا رب أنقذ ،مبارك التي باسم
ت الرب" )المزمور ،(26-118/15فالمزمور كما رأي َ
شهادة أخرى بنجاة المسيح وخلصه من يد أعدائه.
وذات الصورة تتكرر في سائر إصحاحات سفر
مص سرجيوس سفر مسّيا المزامير الذي يعتبره الق ّ
الخاص ،ونختم منه باقتباس من المزمور الربعين بعد
المائة ،وفيه" :أنقذني يا رب من أهل الشر ،من رجل
الظلم احفظني .الذين يتفكرون بشرور في قلوبهم،
اليوم كله يجتمعون للقتال ،سّنوا ألسنتهم كحية ،حمة
الفعوان تحت شفاههم .سله .احفظني يا رب من يدي
الشرير ،من رجل الظلم أنقذني ،الذين تفكروا في
تعثير خطواتي .أخفى لي المستكبرون فخا ً وحبا ً
ل،
مدوا شبكة بجانب الطريق ،وضعوا لي أشراكًا.سله،
قلت للرب :أنت إلهي ،أصغ يا رب إلى صوت
تضرعاتي ...ل تعط يا رب شهوات الشرير ،ل تنجح
مقاصده" )المزمور .(8-140/1
خلصة نبوءات المزامير
ويخلص الستاذ العلمة منصور حسين في دراسته
الرائعة إلى نتيجة واضحة بينة ،ويسطرها في قوله" :
من جماع ما تقدم ل نخلص إل بأن المزامير تنبأت بحق ِ
بأن الله مخلص مسيحه ،يستجيبه من سماء قدسه،
يرفعه من أبواب الموت ،يرفعه فوق القائمين عليه،
عل فيأخذه.
يرسل من ال ُ
أما يهوذا السخريوطي الذي حفر له هذه الحفرة،
وأتى على رأس الجمع من جنود وخدام ليقبضوا عليه،
على المسيح سيده ،فإنه في الحفرة نفسها يقع،
وبعمل يديه يعلق ،رجع تعبه على رأسه ،وعلى هامته
ظلمه ،صار عارا ً عند البشر ،فقبض عليه هو بدل ً هبط ُ
من المسيح ،وحوكم هو ،وصلب بدل ً منه.
وهكذا تستقيم النبوءة في المزامير ،وهكذا تتجلى
النبوءة في المزامير ،في أسطع وأروع وأسمى ما
ور معناها، تكون النبوءة ،ليست آية نحرفها ،أو كلمة ُنح ّ
بل صورة كاملة ،عشرات اليات ،عشرات المزامير ،كلها
تنطق بصورة واحدة متكاملة ،تتكرر كثيرًا ،ولكن أبدا ً ل
تتغير.
هل افتدانا المسيح على
) ( 75
الصليب؟
هذه الحقيقة هي تلك التي نطق بها القرآن،
واعتقدها المسلمون ...ولمن يريد أن يزيد يقينًا ،فها
هي المزامير كلها في الكتاب المقدس ،الذي يؤمن به
المسيحيون ،ويتداولونه ،وإليها فليرجع ،ولن يزيده هذا
إل يقينا ً وتقديرا ً لهذه الحقيقة التي انتهينا إليها." ..
وإذا أراد القارئ المزيد من اليقين فليقرأ ما جاء في
سفر المثال " :الشرار يكونون كفارة لخطايا البرار "
) المثال ،(21/18وليتأمل بمزيد عناية قوله " :بر
الكامل يقوم طريقه ،أما الشرير فيسقط بشره ،بر
المستقيمين ينجيهم ،وأما الغادرون فيؤخذون
بفسادهم ،الصديق ينجو من الضيق ،ويأتي الشرير مكانه
" ) المثال .( 8 - 11/5
ول يفوتنا في خاتمة هذا المبحث أن نذكر أن
الحتجاج بنبوءات المزامير على نجاة المسيح قديم ،بل
يرجع للمسيح -إن صح ما في إنجيل برنابا ،-فقد جاء
فيه أن المسيح قال " :إن واحدا ً منكم سيسلمني ،فأباع
كالخروف ،ولكن ويل له ،لنه سيتم ما قاله داود أبونا
عنه ،أنه سيسقط في الهوة التي أعدها للخرين"
) برنابا .( 26 - 213/24
وإذا قلنا :إن المزامير بشرت بنجاته ،فللنصارى أن
يقولوا :كيف لم يعرف المسيح ذلك من العهد القديم؛
لم قال عن نفسه بأنه سيصلب كما في الناجيل؟
والجابة عن هذا التساؤل ل تلزمنا نحن المسلمين
الذين ل نعتد بما جاء في هذه الكتب ،إل ما قام على
صدقه وتوثيقه دليل من ديننا.
ثم القصة هي امتحان للمسيح عليه السلم ،كما كان
المر بالذبح امتحانا ً لبراهيم وابنه الوحيد ،ولو عرف
المسيح نتيجة المتحان مقدما ً لما كان له أي معنى ،كما
لو عرفها إبراهيم ،فلذلك خفيت عليه ،وليس لقصور
فهمه أو إدراكه ،حاشاه ،ولكن لتتحقق إرادة الله
بامتحانه ،ونجاحه في المتحان.
ثم ل يمكن القطع بأن المسيح لم يعرف المعنى
الصحيح الذي تدل عليه النبوءات ،بل قد يكون المسيح
عرف ذلك ،فلجأ إلى الله يتضرع إليه ويسأله صرف هذه
الكأس ،لنه عرف أن الله يستجيب دعاءه وتضرعه ،بينما
لو وافقنا الرواية النجيلية بأن المسيح علم أنه سيصلب
)سلسلة الهدى والنور )4
) ( 76
()1انظر :عقيدة الصلب والفداء ،محمد رشيد رضا ،ص )- 106
،(196 ،122فقد ضمنه كتاب الفندي.
)سلسلة الهدى والنور )4
) ( 82
()1انظر :منهجية جمع السنة و الناجيل ،عزية طه ،ص )– 259
.(260
)سلسلة الهدى والنور )4
) 16
4
لم ُأرسل المسيح ؟
يحصر النصارى مهمة المسيح المتجسد بالصلب
ليتحقق الحب اللهي للبشر ،والمتمثل بالفداء والخلص
من خطيئة أبينا آدم والخطية الموروثة لذريته ،كما قال
يوحنا" :هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد،
لكي ل يهلك كل من يؤمن به ،بل تكون له الحياة البدية
" )يوحنا .(3/16
وهو " الذي لم يشفق على ابنه ،بل بذله لجلنا
أجمعين " ) رومية .( 8/32
ونص يوحنا قول مهم في بيان مهمة المسيح ،لكن
أحدا ً لم يذكره غير كاتب يوحنا المجهول ،فإما أن يكون
القول من عنده كذبا ً وزورًا ،وإما أن نقول بأن
النجيليين الثلثة فرطوا أيما تفريط في ذكر أهم
مقتضيات إرسال المسيح.
ويكذب هذا النص المهمات التي أطبقت على ذكرها
الناجيل ،فإن آدم والخطيئة الصلية لم يردا على لسان
المسيح أبدًا ،فضل ً عن الزعم بأنه جاء من أجل تكفير
هذه الخطيئة ،يقول فيلسيان شالي" :ومن الغريب أن
هذه الفكرة ل توجد ،ل في أعمال النبياء ،ول في
الناشيد ،ول في الناجيل ،ول يشير إليها يسوع بأي
إشارة ،والقديس بولس هو الذي يؤكد أن الخطيئة قد
دخلت العالم بسبب آدم ،ثم إن القديس أوغسطين هو
)(1
الذي أعطى هذا التصور أهمية من الطراز الول".
ولقد قصر عيسى عليه السلم مهمته التي جاء من
أجلها بتذكير الناس بالقيامة والحساب وبعثة النبي
الخاتم "قد تم الزمان واقترب ملكوت الله ،فتوبوا
وآمنوا بالنجيل" ) مرقس .( 1/14
ُ
ل" :إنه ينبغي لي أن أبشر واستمر في دعوته قائ ً
ُ
المدن الخر أيضا ً بملكوت الله ،لني لهذا قد أرسلت"
) لوقا .( 4/43
ومن مهماته إتمام الناموس ،لذا تجده يقول " :ل
تظنوا أني أتيت لنقض الناموس ،أو النبياء ،ما جئت
لنقض ،بل لكمل " ) متى .( 5/17
وأعظم مهماته عليه السلم الدعوة لتوحيد الله "
وهذه هي الحياة البدية أن يعرفوك أنت الله الحقيقي
وحدك ،ويسوع المسيح الذي أرسلته ،أنا مجدتك على
()1موجز تاريخ الديان ،فيلسيان شالي ،ص ).(248
هل افتدانا المسيح على
) 16
الصليب؟
5
الرض ،العمل الذي أعطيتني لعمل ،قد أكملته "
) يوحنا .( 4 - 17/3
ونص يوحنا السالف )يوحنا (3/16معارض أيضا ً
بسؤال المسيح الله أن يجيز عنه كأس الصلب ،فلو
كانت تلك مهمته لما جاز سؤاله بإجازة الكأس عنه.
وأما قول بولس في ) رومية ( 8/32فهو ل يشعر
برضا المسيح ،بل ناطق بظلم وقسوة ل يصح أن ينسبا
رد على نص يوحنا. رد عليه ما ي ِإلى الله ،وي ِ
وقد زعم يوحنا أن محبة الله للبشرية هي سبب صلب
المسيح فداء عن العالمين .فماذا عن محبة الله للمسيح
الذي لم يشفق عليه ،وأسلمه لشنع قتلة وإهانة .فكان
كما وصفه بولس " :لم يشفق على ابنه ،بل بذله لجلنا
أجمعين" )رومية .(8/32
أفما كان له نصيب في هذا الحب؟ ولم يصر النصارى
على الحب الممزوج بالدماء؟ هل أرسل الله خالق الكون
العظيم ابنه الوحيد إلى هذه البشرية التي ل تساوي
في مجموعها كوكبا ً من الكواكب المتناهية في الصغر،
لكي يعاني موتا ً وحشيا ً قاسيا ً على أعواد الصليب،
لترضية النقمة اللهية -المزعومة -على البشر ،ولكي
يستطيع أن يغفر للبشرية ذنبها ،على شرط أن تعلن
البشرية اعترافها بهذا العمل الهمجي؟ هل هذا ما يريد
منا النصارى تصوره!
يقول رتشارد هوكنز )1585م( وهو يلحظ ما يكتنف
صلب البريء من القسوة والظلم ،فيقول " :فليحسبه
البعض جهالة أو جنونا ً أو ثورة غضب ...أو مهما كان
)(1
فإنا نحسبه حكمة وتعزية ".
ثم إن كان خطأ آدم قد احتاج لتجسد إله وصلبه من
أجل أن ُيغفر ،فكم تحتاج معاصي بنيه من آلهة تصلب؟
إن جريمة قتل المسيح التي يدعيها النصارى أعظم
وأكبر من معصية آدم ،وأعظم منها ما نسبه القوم إلى
أنبيائهم من القبائح التي ل تصدر إل عن حثالة البشر.
يقول فولتير " :إذا كانت المسيحية تعتبرنا خطاة
حتى قبل أن نولد ،وتجعل من خطيئة آدم سجنا ً للبريء
()2انظر :حوار صريح بين عبد الله وعبد المسيح ،عبد الودود
شلبي ،ص ).(23
هل افتدانا المسيح على
) 16
الصليب؟
7
من الذي خلص بصلب المسيح ؟
حار المحققون في فهم نصوص الفداء المتناقضة،
كما حاروا في فهم ما يريده النصارى من الغفران ،هل
الغفران خاص بالنصارى أم أنه عام لكل البشر ،وهل هو
خاص بذنب آدم الموروث أم أنه عام في جميع الخطايا؟
كما تبقى في ذمة النصارى أسئلة تحير الجابة عنها،
إن كان من إجابة.
منها :لماذا تأخر صلب المسيح طوال هذه القرون ؟
هل كان ثمة حيرة في البحث عن الحل فكان سببا ً في
التأخير .لماذا لم يصلب المسيح بعد ذنب آدم مباشرة ؟
أو لماذا لم يتأخر الصلب إلى نهاية الدنيا بعد أن يذنب
جميع الناس ليكون الصلب تكفيرا ً لذنوب هؤلء جميعًا.
ثم ما هو مصير أولئك الذين ماتوا قبل الصلب ،ماتوا
وقد تسربلوا بالخطيئة؟ أين كان مصيرهم إلى أن جاء
المسيح فخلصهم؟ لماذا تأخر خلصهم؟
والسؤال الهم تحديد من الذين يشملهم الخلص ؟
هل هو لكل الناس أم للمؤمنين فقط؟ وهل هو خلص
من جميع الخطايا أم من خطيئة آدم فقط؟
لعل الجابة عن هذين السؤالين من أصعب النقاط
التي تواجه الفكر المسيحي ،فالكنيسة تقول " :آمنوا
بأن المسيح صلب لخلصكم فتخلصون ،لن صلبه فداء
لكل خطايا البشر وتكفير لها".
ولنتأمل في إجابة النصارى عن هذه السئلة التي
طرحناها.
يقول أوغسطينوس بأن النسان وارث للخطيئة ،غير
مفدي إل إذا آمن بالمسيح ،ودللة اليمان التعميد ،فمن
عمد فدي ونجا ،ومن لم ُيعمد ل ينجو ،ولو كان طف ً
ل،
فإن الطفال الذين ماتوا قبل التعميد يقول عنهم
أكونياس في كتابه " :"The Summa Theologica" :سوف ل
يتمتعون برؤية ملكوت الرب ".
ول ندري كيف يبرر أوغسطينوس وأكويناس وسائر
النصارى تعذيب هؤلء الطفال وحرمانهم من الملكوت،
ل بذنب أذنبوه ،بل بخطيئة أورثوها من غير حول لهم
ول قوة ،ثم قصر آباؤهم فلم يعمدوهم.
)سلسلة الهدى والنور )4
) 16
8
وأما الذين ماتوا قبل المسيح فإن أوغسطينوس يرى
في كتابه " "On Original Sinبأنهم أيضا ً ل ينجون إل
)(1
باليمان بالمسيح.
ولم يبين أوغسطينوس كيف يتسنى لهؤلء اليمان
بالمسيح وقد ماتوا ،ولعله أراد ما قاله بطرس عن أن
المسيح " ذهب فكرز للرواح التي في السجن ،إذ عصت
قديمًا ،حين كانت أناة الله تنتظر مرة في أيام نوح "...
) بطرس ) ،( 3/19 (1ومراده ما يقوله النصارى بدخول
المسيح إلى الجحيم وإخراجه أرواح الناجين من الجحيم.
هل لغير السرائيليين خلص ؟
إن المتأمل في سيرة المسيح وأقواله يرى بوضوح
أن دعوة المسيح كانت لبني إسرائيل ،وأنه خلل سني
دعوته نهى تلميذه عن دعوة غيرهم ،وعليه فالخلص
أيضا ً يجب أن يكون خاصا ً بهم ،وهو ما نقرأه جليا ً في
قصة المرأة الكنعانية التي قالت له " :ارحمني يا سيد يا
ابن داود .ابنتي مجنونة جدًا ،فلم يجبها بكلمة واحدة،
فتقدم إليه تلميذه ،وطلبوا إليه قائلين :اصرفها لنها
تصيح وراءنا ،فأجاب وقال :لم أرسل إل إلى خراف بيت
إسرائيل الضالة ،فأتت وسجدت له قائلة :يا سيد أعني،
فأجاب وقال :ليس حسنا ً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح
للكلب" )متى ،(26 - 15/22فالمسيح لم يبادر إلى
شفاء ابنة المرأة الكنعانية ،وهو قادر عليه ،وعلل سبب
توقفه عن شفاء البنة المريضة ،بأنها ليست من خراف
بيت إسرائيل التي أرسل لها ،فامتنع أول مرة عن
شفائها ،لنها ليست من شعبه ،فمن كان هذا فعله
فكيف يقال بأنه قدم روحه بالفداء عن البشرية جمعاء؟
ويوضح عبد الحد داود -في كتابه النجيل والصليب -
هذا المعنى بقوله " :فها أنذا أقول لهؤلء المسيحيين
الذين يبلغ عددهم المليين ،وهم ليسوا من
السرائيليين :انظروا ،إن مسيحكم لم يعرفكم قطعًا،
ولم ينقل عنه أنه قال عنكم حرفا ً واحدًا ،بل إنه سمى
غير السرائيليين كلبا ً ...أتعلمون ماذا أنتم حسب
شريعة موسى؟ إن الذين لم يختتنوا إنما يعدون ملوثين
)نجسًا( ".
وراثة الذنب
مسألة وراثة الذنب مسألة معروفة في الفكر
اليهودي قبل المسيحية بقرون عدة ،وقد وردت عدة
نصوص تتحدث عنها وتؤكدها ،منها " صانع الحسان
للوف ،ومجازي ذنب الباء في حضن بنيهم بعدهم،
الله العظيم الجبار رب الجنود اسمه " ) إرميا .( 32/18
ومثله ما جاء في سفر التثنية " :ل يدخل ابن زنى
في جماعة الرب حتى الجيل العاشر " ) التثنية .( 23/2
وجاء في سفر العدد " الرب طويل الروح كثير
الحسان يغفر الذنب والسيئة ،ولكنه ل يبرئ ،بل يجعل
ذنب الباء على البناء إلى الجيل الثالث والرابع "
) العدد .( 19 - 14/18
وفي سفر الخروج " غافر الثم والمعصية والخطيئة،
ولكنه لن يبرئ إبراء ،مفتقد إثم الباء في البناء ،وفي
أبناء البناء في الجيل الثالث والرابع " ) الخروج
.( 34/7
ومثله ما نسبوه إلى دواد أنه قال " :هأنذا بالثم
صورت ،وبالخطيئة حبلت بي أمي " ) المزمور .( 51/5
)(1
رقم الموضوع
الصفحة
1 مقدمة
2 صلب المسيح عند النصارى
3 صلب المسيح عند المسلمين
7 نقد الروايات النجيلية لحادثة الصلب
28 إبطال وقوع صلب المسيح بالدليل
التاريخي
32 إبطال صلب المسيح بنبوءات التوراة
64 إبطال صلب المسيح بنبوءات وأخبار
الناجيل والرسائل
73 كيفية نجاة المسيح من المؤامرة
86 بولس واختلق قصة صلب المسيح
89 قصة الصلب عند المم الوثنية
92 وثيقة تبرئة اليهود من دم المسيح
94 عقيدة المسلمين في الخطيئة والخلص
96 عقيدة الخلص عند النصارى
101 خطيئة آدم والذنب الموروث
106 فلسفة النصارى لمسألة الخطيئة
والكفارة ونقضها
114 مبررات صلب المسيح عند النصارى
ونقضها
123 من الفادي ؟
129 من الذي خلص بصلب المسيح ؟
132 نقض الناموس
141 مصادر عقيدة الفداء والخلص
153 خاتمة
154 المصادر والمراجع