You are on page 1of 157

‫جمعه الفقير إلى الله تعالى‬

‫عبد الله بن جار الله بن إبراهيم‬


‫آل جار الله‬
‫غفر الله له ولوالديه ولجميع‬
‫المسلمين‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫النبوي في‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫مقدمة‬

‫الحمد لله رب العالمين والصلة والسلم‬


‫على رسول الهدى محمد وعلى آله وصحبه‬
‫أجمعين وبعد‪:‬‬
‫يزعم الكثير من الناس أن الطب من‬
‫حسنات الحضارة قديمها وحديثها دون أن‬
‫يشير إلى أن للسلم دورا ً في التطيب‬
‫والعلج جاهل ً أو متجاهل ً طب النبي ‪. ‬‬
‫الذي ل خير إل دل المة عليه ول شر إل‬
‫حذرها منه إن الرسول عليه الصلة‬
‫والسلم كان الطبيب الول الذي عالج‬
‫أمراض القلوب والبدان والمراض النفسية‬
‫المعقدة حتى جاءت الحضارة الوروبية‬
‫المعاصرة فأهملت علج الول وطورت‬
‫الثاني‪ :‬وعقدت الثالث بمحاولة الشعور‬
‫بلذة الحياة المادية‪ ،‬ومن تدبر هديه ‪ ‬علم‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫النبوي في‬

‫يقينا ً أنه ليس طبيب فن واحد وإنما هو‬


‫طبيب عام ناجح في علج المة بأسرها إل‬
‫من خالف هديه ونبذ وصفات علجه القلبية‬
‫والنفسية ولقد اطلعت على كتاب الطب‬
‫النبوي لشمس الدين ابن القيم رحمه الله‬
‫فأعجبت به إعجابا ً دفعني إلى جمع فصوله‬
‫منه مساهمة مني في إحياء ذلك الكنز‬
‫الثمين والتراث الغالي والله أسأل أن ينفع‬
‫به من تعالج أو عالج به عن إيمان وعقيدة‬
‫)‪ (1‬وأضيف إلى الفصول المختارة من‬
‫الطب النبوي ستين حديثا ً في الطب‪،‬‬
‫وشرح بعض الحاديث في ذلك‪ ،‬والحث‬
‫على العتدال في استعمال العلجات‪.‬‬
‫وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى‬
‫آله وصحبه أجمعين‪.‬‬

‫)( مختصر الطب النبوي للشبيخ عببد اللبه ببن‬ ‫‪1‬‬

‫سفر البشر‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫النبوي في‬

‫بسم الله الرحمن الرحيم‬


‫رسالة إلى الطباء‬
‫السلم عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد‪:‬‬
‫فيرجى من الخوة الطباء المسلمين‬
‫الكرام أن يكونوا قدوة حسنة للمرضى‬
‫وغيرهم في اللتزام بتعاليم السلم الحنيف‬
‫وطاعة الله ورسوله في جميع المجالت‬
‫وأن يعنوا بالمرضى من الناحية الدينية‬
‫ومعالجة قلوبهم باليمان الصادق والعمل‬
‫الصالح الذي هو سبب السعادة البدية‬
‫بالفوز بالجنة والنجاة من النار لقول الله‬
‫قدْ‬ ‫ف َ‬‫ه َ‬ ‫سول َ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫ه َ‬‫ع الل َ‬ ‫من ي ُطِ ِ‬ ‫و َ‬‫تعالى ‪َ ‬‬
‫ح‬
‫ز َ‬‫ح ِ‬ ‫من ُز ْ‬ ‫ف َ‬‫ما ‪َ  (1) ‬‬ ‫ظي ً‬ ‫ع ِ‬ ‫وًزا َ‬ ‫ف ْ‬‫فاَز َ‬ ‫َ‬
‫فاَز)‪ (2‬‬ ‫قد ْ َ‬‫ف َ‬ ‫ة َ‬‫جن ّ َ‬‫ل ال ْ َ‬‫خ َ‬ ‫وأ ُدْ ِ‬‫ر َ‬ ‫ن الّنا ِ‬ ‫ع ِ‬ ‫َ‬
‫ت‬‫حا ِ‬ ‫صال ِ َ‬ ‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬
‫و َ‬ ‫مُنوا َ‬ ‫نآ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬‫‪‬إ ِ ّ‬
‫عيم ِ ‪ (3) ‬ومن ذلك دعوة‬ ‫ت الن ّ ِ‬ ‫جّنا ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫لَ ُ‬
‫غير المسلمين إلى السلم وليحتسبوا‬
‫ثواب ذلك عند الله وليثقوا منه بعظيم‬

‫)( سورة الحزاب آية ‪.71 -‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة آل عمران آية ‪.185 -‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( سورة لقمان آية ‪.8 -‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫النبوي في‬

‫الجر والجزاء‪.‬‬
‫ومن ذلك حث المرضى المسلمين على‬
‫الصبر واحتساب الجر والطهارة واجتناب‬
‫النجاسة وأداء الصلة في وقتها بحسب‬
‫الستطاعة والكثار من ذكر الله والدعاء‬
‫والستغفار والتوبة إلى الله تعالى والدال‬
‫على الخير كفاعله‪ ،‬والله في عون العبد ما‬
‫كان العبد في عون أخيه‪ ،‬وبذلك يثابون‬
‫ويشكرون ويدعى لهم وجزاهم الله خيرا ً‬
‫على علج القلوب والبدان‪.‬‬
‫كما ينصح الطباء الكرام بعدم الختلط‬
‫بالنساء والخلوة بهن لنهن عورة وفتنة وقد‬
‫قال رسول الله ‪" - ‬ما تركت بعدي فتنة‬
‫أضر على الرجال من النساء" متفق عليه‬
‫وقال "اتقوا الدنيا واتقوا النساء فإن أول‬
‫فتنة بني إسرائيل كانت في النساء" رواه‬
‫مسلم والله ولي التوفيق‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫النبوي في‬

‫)‪(1‬‬
‫كتاب الطب والرقى‬
‫الفصل الول‬
‫)‪ (1‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪" :‬ما أنزل الله داًء إل أنزل له‬
‫شفاًء"‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫)‪ (2‬وعن جابر‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫‪" :‬لكل داٍء دواٌء‪ ،‬فإذا أصيب دواء الداء؛‬
‫برأ بإذن الله"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫)‪ (3‬وعن ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫ث‪ :‬في شرطة‬ ‫الله ‪" :‬الشفاء في ثل ٍ‬
‫ل‪ ،‬أو كيةٍ بنار‪ ،‬وأنا‬
‫م‪ ،‬أو شربة عس ٍ‬ ‫محج ٍ‬
‫أنهي أمتي عن الكي"‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫)‪ (4‬وعن جابر‪ ،‬قال‪ :‬رمى أبي يوم‬
‫الحزاب على أكحله)‪ ،(2‬فكواه رسول الله‬
‫‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫)‪ (5‬وعنه‪ ،‬قال‪ :‬رمي سعد بن معاذ في‬

‫)( مشكاة المصابيح للخطيب البريزي بتحقيببق‬ ‫‪1‬‬

‫اللباني ‪.1288 - 2/1278‬‬


‫)( عرق معروف في وسط اليد ومنه يفصد‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫النبوي في‬

‫ص)‪ ،(2‬ثم‬ ‫أكحله‪ ،‬فحسمه النبي بيده بمشق ٍ‬


‫)‪(1‬‬

‫ورمت‪ ،‬فحسمه الثانية‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬


‫)‪ (6‬وعنه‪ ،‬قال‪ :‬بعث رسول الله ‪ ‬إلى‬
‫أبي بن كعب طبيبًا‪ ،‬فقطع منه عرقًا‪ ،‬ثم‬
‫كواه عليه‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫)‪ (7‬وعن أبي هريرة‪ ،‬أنه سمع رسول‬
‫الله ‪ ‬يقول‪" :‬في الحبة السوداء شفاٌء‬
‫من كل داٍء‪ ،‬إل السام"‪ .‬قال ابن شهاب‪:‬‬
‫السام‪ :‬الموت‪ .‬والحبة السوداء‪ :‬الشونيز)‪.(3‬‬
‫متفق عليه‪.‬‬
‫)‪ (8‬وعن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬جاء‬
‫رجل إلى النبي ‪ ،‬فقال‪ :‬أخي استطلق‬
‫بطنه فقال رسول الله ‪" :‬اسقيه عس ً‬
‫ل"‪.‬‬
‫فسقاه‪ ،‬ثم جاء‪ ،‬فقال‪ :‬سقيته فلن يزده إل‬
‫استطلقًا‪ .‬فقال له "ثلث مرات"‪ .‬ثم جاء‬
‫ل"‪ .‬فقال‪ :‬لقد‬ ‫الرابعة‪ .‬فقال‪" :‬اسقيه عس ً‬
‫سقيته‪ ،‬فلم يزده إل استطلقًا"‪ .‬فقال‬
‫رسول الله ‪" :‬صدق الله‪ ،‬وكذب بطن‬

‫)( أي كواه‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( المشقص‪ :‬نصل السهم إذا كان طوي ً‬


‫ل‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( وهو الكمون السود‪ ،‬أو الخردل‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫النبوي في‬

‫أخيك"‪ ،‬فسقاه‪ ،‬فبرأ‪ .‬متفق عليه‪.‬‬


‫)‪ (9‬وعن أنس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫‪" :‬إن أمثل ما تداويتم به الحجامة‪،‬‬
‫والقسط)‪ (1‬البحري"‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪ (10‬وعنه‪ ،‬قال‪ :‬رسول الله ‪" :‬ل‬
‫تعذبوا صبيانكم بالغمز)‪ (2‬من العذرة)‪،(3‬‬
‫عليكم بالقسط"‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪ (11‬وعن أم قيس‪ ،‬قالت‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪" :‬على من تدغرن)‪ (4‬أولدكن بهذا‬
‫العلق؟ عليكن بهذا العود الهندي؛ فإن فيه‬
‫سبعة أشفية‪ ،‬منها ذات الجنب يسعط من‬

‫)( من العقباقير‪ ،‬معبروف فبي الدويبة‪ ،‬طيبب‬ ‫‪1‬‬

‫الريح تتبخببر بببه النفسبباء والطفببال كمببا فببي‬


‫"النهاية"‪.‬‬
‫)( أن بعصر العذرة‪ ،‬وهي قرحة في الحلق‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( وجع في الحلق يهيج من الببدم‪ .‬وقيببل‪ :‬هببي‬ ‫‪3‬‬

‫قرحة كانوا يعمدون إلى غمزهببا فينفجببر منببه‬


‫دم أسود‪.‬‬
‫)( من الدغر‪ ،‬وهو الببدفع والغمببز‪ .‬وقببد أثبتببت‬ ‫‪4‬‬

‫ألف )ما( السبتفهامية فبي كبل النسبخ ونقبل‬


‫صاحب المرقاة أن صاحب "الجببامع الصببغير"‬
‫أوردها بحذف اللف‪ ،‬وهو الصواب‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫من ذات الجنب"‪ .‬متفق‬ ‫العذرة‪ ،‬ويلد‬


‫)‪(1‬‬

‫عليه‪.‬‬
‫)‪ (12‬وعن عائشة‪ ،‬ورافع بن خديج‪ ،‬عن‬
‫النبي ‪ ،‬قال‪" :‬الحمى من فيح جهنم‪،‬‬
‫فأبردوها بالماء"‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪ (13‬وعن أنس‪ ،‬قال‪ :‬رخص رسول الله‬
‫)‪(2‬‬
‫‪ ‬في الرقية من العين‪ ،‬والحمة‬
‫والنملة)‪ .(3‬رواه مسلم‪.‬‬
‫)‪ (14‬وعن عائشة‪ ،‬قالت أمر النبي ‪‬‬
‫أن نسترقي من العين‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪ (15‬وعن أم سلمة أن النبي ‪ ‬رأى‬
‫في بيتها جارية في وجهها سفعة ‪ -‬يعني‬
‫صفرة ‪ ،-‬فقال‪" :‬استرقوا لها)‪(4‬؛ فإن بها‬
‫النظرة"‪ .‬متفق عليه‪.‬‬
‫)‪ (16‬وعن جابر‪ ،‬قال نهى رسول الله‬

‫)( بصيغة المجهول‪ ،‬مببن لببد الرجببل‪ ،‬إذا صببب‬ ‫‪1‬‬

‫الدواء في أحد شقي الفم‪.‬‬


‫)( الحمة‪ :‬السم‪ ،‬ويطلق على إبرة العقرب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( هي قروح تخرج ببالجنب وغيبره ذكبره فبي‬ ‫‪3‬‬

‫"النهاية"‪.‬‬
‫)( كذا فببي جميببع النسببخ‪ :‬اسببترقوا لهببا وفببي‬ ‫‪4‬‬

‫الصل‪ :‬استرقوا‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫‪ ‬عن الرقي‪ ،‬فجاء آل عمرو ابن حز ٍ‬


‫م‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول الله! إنه كانت عندنا رقية‬
‫نرقي بها من العقرب‪ ،‬وأنت نهيت عن‬
‫الرقي‪ ،‬فعرضوها عليه‪ ،‬فقال‪" :‬ما أرى بها‬
‫بأسًا‪ ،‬من استطاع منكم أن ينفع أخاه‬
‫فلينفعه"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫)‪ (17‬وعن عوف بن مالك الشجعي‪،‬‬
‫قال‪ :‬كنا نرقي في الجاهلية‪ ،‬فقلنا‪ :‬يا‬
‫رسول الله! كيف ترى في ذلك؟ فقال‪:‬‬
‫"اعرضوا علي رقاكم‪ ،‬ل بأس بالرقى ما لم‬
‫ك"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬‫يكن فيه شر ٌ‬
‫)‪ (18‬وعن ابن عباس‪ ،‬عن النبي ‪،‬‬
‫ق‪ ،‬فلو كان شيٌء سابقٌ‬ ‫قال‪" :‬العين ح ٌ‬
‫القدر سبقته العين‪ ،‬وإذا استغسلتم‬
‫فاغسلوا"‪ .‬رواه مسلم‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫الفصل الثاني‬
‫)‪ (19‬عن أسامة بن شريك‪ ،‬قال‪ :‬قالوا‪:‬‬
‫يا رسول الله! أفنتداوى؟ قال‪" :‬نعم‪ ،‬يا‬
‫عباد الله! تداووا‪ ،‬فإن الله لم يضع داًء إل‬
‫وضع له شفاًء‪ ،‬غير داٍء واحد‪ ،‬الهرم"‪ .‬رواه‬
‫أحمد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وأبو داود)‪.(1‬‬
‫)‪ (20‬وعن عقبة بن عامر‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪" :‬ل تكرهوا مرضاكم على‬
‫الطعام؛ فإن الله يطعمهم ويسقيهم"‪ .‬رواه‬
‫الترمذي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا‬
‫ث غريب‪.‬‬‫حدي ٌ‬
‫س‪ ،‬أن النبي ‪ ‬كوى أسعد‬ ‫)‪ (21‬وعن أن ٍ‬
‫بن زرارة من الشوكة)‪.(2‬رواه الترمذي‪،‬‬
‫وقال‪ :‬هذا حديث غريب‪.‬‬
‫)‪ (22‬وعن زيد بن أرقم‪ ،‬قال‪ :‬أمرنا‬
‫رسول الله ‪ ‬أن نتداوى من ذات الجنب‬
‫بالقسط البحري‪ ،‬والزيت‪ .‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫)‪ (23‬وعنه‪ ،‬قال‪ :‬كان النبي ‪ ‬ينعت‬

‫)( وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( هي حمرة تعلو الوجه والجسد‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫من ذات الجنب‪ .‬رواه‬ ‫الزيت والورس‬


‫)‪(1‬‬

‫الترمذي‪.‬‬
‫)‪ (24‬وعن أسماء بنت عميس‪ :‬أن النبي‬
‫‪ ‬سألها‪" :‬بم تستمشين)‪(2‬؟" قالت‪:‬‬
‫بالشبرم)‪.(3‬‬
‫قال‪" :‬حاٌر حاٌر)‪ ."(4‬قالت‪ :‬ثم استمشيت‬
‫بالسنا فقال النبي ‪" :‬لو أن شيئا ً كان فيه‬
‫الشفاء من الموت؛ لكان في السنا"‪ .‬رواه‬
‫الترمذي‪ ،‬وابن ماجه‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا‬
‫ن غريب‪.‬‬
‫ث حس ٌ‬ ‫حدي ٌ‬
‫)‪ (25‬وعن أبي الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪" :‬إن الله أنزل الداء‬
‫والدواء‪ ،‬وجعل لكل داٍء دواًء‪ ،‬فتداووا‪ ،‬ول‬

‫)( أي يصف حسنهما ويمدح التداوي بهما‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أي بأي شيء تطلبين السهال‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( نبت يسهل البطن‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( قبال العلمبة البداري فبي "المرقباة"‪ :‬كبرر‬ ‫‪4‬‬

‫للتأكيد لنببه ل يليببق بالسببهال‪ ،‬وهببو علببى مببا‬


‫ضبطناه في جميع النسخ المصصحة والصبول‬
‫المعتمببدة‪ .‬وفببي الكاشببف‪ :‬وروي‪ :‬حببار جببار‪،‬‬
‫بالجيم إتباعا ً للحار وهو كذلك في بعببض نسببخ‬
‫المشكاة وفي الترمذي )‪ (2/29‬طبع الهند‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫م"‪ .‬رواه أبو داود)‪.(1‬‬‫تداووا بحرا ٍ‬


‫)‪ (26‬وعن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬نهى رسول‬
‫الله ‪ ‬عن الدواء الخبيث‪ .‬رواه أحمد‪ ،‬وأبو‬
‫داود‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وابن ماجه)‪.(2‬‬
‫)‪ (27‬وعن سلمى خادمة النبي ‪، ‬‬
‫قالت‪ :‬ما كان أحد يشتكي إلى رسول الله‬
‫‪ ‬وجعا ً في رأسه إل قال‪" :‬احتجم" ول‬
‫وجعا ً في رجليه إل قال‪" :‬اختضبهما")‪.(3‬‬
‫رواه أبو داود)‪.(4‬‬
‫)‪ (28‬وعنها‪ ،‬قالت‪ :‬ما كان يكون برسول‬
‫الله ‪ ‬قرحة )‪ (5‬ول نكبة )‪ (6‬إل أمرني أن‬
‫أضع عليها الحناء‪ .‬رواه الترمذي‪.‬‬
‫)‪ (29‬وعن أبي كبشة النماري‪ :‬أن‬

‫)( وإسناده ضعيف‪ ،‬ويغني عنه الحببديث الببذي‬ ‫‪1‬‬

‫بعببده وشببطره الول صببحيح لغيببره بحببديث‬


‫البخاري‪" :‬ما أنزل الله داء إل أنزل له شببفاء"‬
‫وقد تقدم برقم)‪.(1‬‬
‫)( وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( في أبي داود )‪" :(3/158‬اخضبهما"‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( القرحة‪ :‬جراحة من سيف أو سكين‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( النكبة‪ :‬جراحة من حجر أو شوك‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫رسول الله ‪ ‬كان يحتجم على هامته‪،‬‬


‫وبين كتفيه‪ ،‬وهو يقول‪" :‬من أهراق من‬
‫هذه الدماء‪ ،‬فل يضره أن ل يتداوى بشيء‬
‫لشيء"‪ .‬رواه أبو داود‪ ،‬ابن ماجة‪.‬‬
‫)‪ (30‬وعن جابر‪ :‬أن النبي ‪ ‬احتجم‬
‫على وركه من وثء )‪ (1‬كان به‪ .‬رواه أبو‬
‫داود‪.‬‬
‫)‪ (31‬وعن ابن مسعود‪ ،‬قال‪ :‬حدث‬
‫رسول الله ‪ ‬عن ليلة أسرى به‪ :‬أنه لم‬
‫يمر على مل من الملئكة إل أمروه‪" :‬مر‬
‫أمتك بالحجامة"‪ .‬رواه الترمذي‪ ،‬وابن‬
‫ماجة‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬هذا حديث حسن‬
‫غريب)‪.(2‬‬
‫)‪ (32‬وعن عبد الرحمن بن عثمان‪ :‬أن‬
‫طبيبا ً سأل النبي ‪ ‬عن ضفدع يجعلها في‬
‫دواء‪ ،‬فنهاه النبي ‪ ‬عن قتلها‪ .‬رواه أبو‬
‫داود)‪.(3‬‬

‫)( أي من أجببل وجببع يصببيب العضببو مببن غيببر‬ ‫‪1‬‬

‫كسر‪.‬‬
‫)( بل هو صحيح لشواهده‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪6‬‬ ‫النبوي في‬

‫)‪ (33‬وعن أنس‪ ،‬قال‪ :‬كان رسول الله‬


‫‪ ‬يحتجم في‬
‫الخدعين)‪....................................... (1‬‬
‫‪ .......‬والكاهل)‪ .(2‬رواه أبو داود)‪ .(3‬وزاد‬
‫الترمذي‪ ،‬وابن ماجة‪ :‬وكان يحتجم سبع‬
‫عشرة‪ ،‬وتسع عشرة‪ ،‬وإحدى وعشرين‪.‬‬
‫)‪ (34‬وعن ابن عباس ]رضي الله عنهما[‬
‫)‪ :(4‬أن النبي ‪ ‬كان يستحب الحجامة لسبع‬
‫عشرة‪ ،‬وتسع عشرة‪ ،‬وإحدى وعشرين‪.‬‬
‫رواه في "شرح السنة"‪.‬‬
‫)‪ (35‬وعن أبي هريرة‪ ،‬عن رسول الله‬
‫‪ ، ‬قال‪" :‬من احتجم لسبع عشرة‪ ،‬وتسع‬
‫عشرة‪ ،‬وإحدى وعشرين؛ كان شفاء له من‬
‫كل داء"‪ .‬رواه أبو داود)‪.(5‬‬
‫)‪ (36‬وعن كبشة بنت أبي بكرة‪ :‬أن‬
‫أباها كان ينهي أهله عن الحجامة يوم‬

‫)( الخدعان‪ :‬هما عرقان في جانبي العنق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الكاهل‪ :‬ما بين الكتفين‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( زيادة من مخطوطة الحاكم‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( وإسناده حسن‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪7‬‬ ‫النبوي في‬

‫الثلثاء‪ ،‬ويزعم )‪ (1‬عن رسول الله ‪" : ‬أن‬


‫يوم الثلثاء يوم الدم‪ ،‬وفيه ساعة ل يرقأ"‪.‬‬
‫رواه أبو داود)‪.(2‬‬
‫)‪ (37‬وعن الزهري‪ ،‬مرس ً‬
‫ل‪ ،‬عن النبي‬
‫‪" : ‬من احتجم يوم الربعاء‪ ،‬أو يوم‬
‫السبت‪ ،‬فأصابه وضح )‪(3‬؛ فل يلومن إل‬
‫نفسه"‪ .‬رواه أحمد وأبو داود‪ ،‬وقال‪ :‬وقد‬
‫أسند ول يصح‪.‬‬
‫ل‪ ،‬قال‪ :‬رسول الله ‪‬‬ ‫)‪ (38‬وعنه‪ ،‬مرس ً‬
‫‪" :‬من احتجم أو اطلى )‪ (4‬يوم السبت أو‬
‫الربعاء؛ فل يلومن إل نفسه في الوضح"‪.‬‬
‫رواه في "شرح السنة"‪.‬‬
‫)‪ (39‬وعن زينب امرأة عبد الله بن‬
‫مسعود‪ ،‬أن عبد الله رأى في عنقي خيطًا‪،‬‬
‫فقال‪ :‬ما هذا؟ فقلت‪ :‬خيط رقي لي فيه‬
‫)( يقال‪ :‬زعم‪ ،‬في حديث ل سند لببه ول ثبببت‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫وإنما يحكببى عببن اللسببن علببى سبببيل البلغ‪.‬‬


‫قال الطيبي‪ :‬ولعله في الحديث محمول علببى‬
‫الظن والعتقاد‪.‬‬
‫)( وإسناده ضعيف‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( أي برص والوضح‪ :‬البياض من كل شيء‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( أي لطخ عضوا ً بدواء‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪8‬‬ ‫النبوي في‬

‫قالت‪ :‬فأخذه فقطعه‪ ،‬ثم قال‪ :‬أنتم آل عبد‬


‫الله لغنياء عن الشرك‪ ،‬سمعت رسول الله‬
‫)‪(1‬‬
‫‪ ‬يقول‪" :‬إن الرقى والتمائم والتولة‬
‫شرك" فقلت‪ :‬لم تقول هكذا؟ لقد كانت‬
‫عيني تقذف )‪ ،(2‬وكنت أختلف إلى فلن‬
‫اليهودي فإذا رقاها سكنت‪ .‬فقال عبد الله‪:‬‬
‫إنما ذلك عمل الشيطان‪ ،‬كان ينسخها بيده‪،‬‬
‫فإذا رقي كف عنها‪ ،‬إنما كان يكفيك أن‬
‫تقولي كما كان رسول الله ‪ ‬يقول "أذهب‬
‫البأس )‪ ،(3‬رب الناس! واشف أنت الشافي‪،‬‬
‫ل شفاء إل شفاؤك‪ ،‬شفاء ل يغادر سقمًا"‪.‬‬
‫رواه أبو داود )‪.(4‬‬
‫)‪ (40‬وعن جابر‪ ،‬قال‪ :‬سئل النبي ‪‬‬
‫عن النشرة )‪ ،(5‬فقال‪" :‬هو من عمل‬
‫الشيطان"‪ .‬رواه أبو داود)‪.(6‬‬

‫)( نوع من السحر‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( ترمى بما يهيج الوجع‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( بالهمز والتسهيل‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( إسناده حسن‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( النوع الذي كان أهل الجاهلية يعالجون به‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( إسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪9‬‬ ‫النبوي في‬

‫)‪ (41‬وعن عبد الله بن عمر )‪ ،(1‬قال‪:‬‬


‫سمعت رسول الله ‪ ‬يقول‪" :‬ما أبالي ما‬
‫أتيت إن أنا شربت ترياقا ً )‪ (2‬أو تعلقت‬
‫تميمة )‪ (3‬أو قلت الشعر من قبل نفسي‬
‫)‪ ."(4‬رواه أبو داود)‪.(5‬‬
‫)‪ (42‬وعن المغيرة بن شعبة‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫النبي ‪" : ‬من اكتوى أو استرقى‪ ،‬فقد‬
‫برئ من التوكل"‪ .‬رواه أحمد‪ ،‬والترمذي‪،‬‬

‫)( كذا في الصول كلها‪ ،‬والصببواب "عبببد اللببه‬ ‫‪1‬‬

‫بن عمرو" كما قال الحافظ ابن حجر على مببا‬


‫في "المرقاة" وكذلك هو في "كتبباب الطببب"‬
‫من "سنن أبي داود" )‪" .(3869‬باب التريبباق"‬
‫وقال عقبة‪ :‬هذا كان للنبي خاصة‪ ،‬وقد رخببص‬
‫فيه قوم "يعني الترياق"‪.‬‬
‫)( الترياق بكسر فسكون‪ :‬دواء يستعمل لدفع‬ ‫‪2‬‬

‫السم وهو أنواع‪.‬‬


‫)( خرزة كانوا يعلقونها يرون أنهبا تبدفع العيبن‬ ‫‪3‬‬

‫والفات‪.‬‬
‫)( كلمببببة نفسببببي سببببقطت مببببن الصببببل‬ ‫‪4‬‬

‫واستدركناها من النسخ الخرى‪.‬‬


‫)( وإسناده ضعيف‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫وابن ماجة )‪.(1‬‬


‫)‪ (43‬وعن عيسى بن حمزة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫دخلت على عبد الله بن عكيم وبه حمرة‪،‬‬
‫فقلت‪ :‬أل تعلق تميمة؟ فقال‪ :‬نعوذ بالله‬
‫من ذلك‪ ،‬قال رسول الله ‪" : ‬من تعلق‬
‫شيئا ً وكل ليه"‪ .‬رواه أبو داود‪.‬‬
‫)‪ (44‬وعن عمران بن حصين‪ ،‬أن رسول‬
‫الله ‪ ‬قال‪" :‬ل رقية إل من عين أو حمة‬
‫)‪ .(2‬رواه أحمد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وأبو داود )‪.(3‬‬
‫)‪ (45‬ورواه ابن ماجة‪ ،‬عن بريدة )‪.(4‬‬
‫)‪ (46‬وعن أنس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫‪": ‬ل رقية إل من عين أو حمة أو دم )‪."(5‬‬
‫رواه أبو داود)‪.(6‬‬
‫)‪ (47‬وعن أسماء بنت عميس‪ ،‬قالت‪ :‬يا‬

‫)( وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الحمة‪ :‬سم من لدغة العقرب‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( وإسببناده صببحيح‪ ،‬ورواه البخبباري )‪(4/54‬‬ ‫‪3‬‬

‫موقوفا ً على عمران‪.‬‬


‫)( وإسببناده ضببعيف‪ ،‬ورواه مسببلم )‪(1/138‬‬ ‫‪4‬‬

‫موقوفا ً عليه‪.‬‬
‫)( زاد أبو داود "يرقأ" أي رعاف‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫)( وإسناده ضعيف‪.‬‬ ‫‪6‬‬


‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫رسول الله ! إن ولد جعفر تسرع إليهم‬


‫العين‪ ،‬أفأسترقي لهم؟ قال‪" :‬نعم‪ ،‬فإنه لو‬
‫كان شيء سابق القدر لسبقته العين"‪.‬‬
‫رواه أحمد‪ ،‬والترمذي‪ ،‬وابن ماجة)‪.(1‬‬
‫)‪ (48‬وعن الشفاء بنت عبد الله‪ ،‬قالت‪:‬‬
‫دخل رسول الله ‪ ‬وأنا عند حفصة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫)‪(2‬‬
‫"أل تعلمين هذه رقية النملة كما علمتها‬
‫الكتابة"‪ .‬رواه أبو داود )‪.(3‬‬
‫)‪ (49‬وعن أبي أمامة بن سهل بن حنيف‬
‫قال‪ :‬رأى عامر بن ربيعة سهل بن حنيف‬
‫يغتسل‪ ،‬فقال‪ :‬والله ما رأيت كاليوم‪ ،‬ول‬
‫جلد مخبأة )‪.(4‬‬
‫قال‪ :‬فلبط سهل‪ ،‬فأتي رسول الله ‪، ‬‬
‫فقيل له‪ :‬يا رسول الله! هل لك في سهل‬
‫بن حنيف؟ والله ما يرفع رأسه‪ .‬فقال‪" :‬هل‬
‫تتهمون له أحدًا"‪ .‬فقالوا‪ :‬نتهم عامر بن‬
‫ربيعة‪ .‬قال‪ :‬فدعا رسول الله ‪ ‬عامرًا‪،‬‬
‫)( وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الياء من إشباع كسرة التاء‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( الجارية المخبأة في خدرها‪.‬‬ ‫‪4‬‬


‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫فتغلظ عليه )‪ ،(1‬وقال‪" :‬علم يقتل أحدكم‬


‫أخاه؟ أل بركت )‪(2‬؟ واغتسل له"‪.‬‬
‫فغسل له عامر وجهه ويديه ومرفقيه‬
‫وركبتيه وأطراف رجليه وداخلة إزاره في‬
‫قدح‪ ،‬ثم صب عليه‪ ،‬فراح مع الناس ليس‬
‫له بأس)‪ .(3‬رواه في "شرح السنة"‪ ،‬ورواه‬
‫مالك‪.‬‬
‫وفي روايته‪ :‬قال‪" :‬إن العين حق‪ .‬توضأ‬
‫له")‪.(4‬‬
‫)‪ (50‬وعن أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬كان‬
‫رسول الله ‪ ‬يتعوذ من الجان وعين‬
‫النسان‪ ،‬حتى نزلت المعوذتان‪ ،‬فلما نزلت‬
‫أخذ بهما وترك ما سواهما‪.‬رواه الترمذي‪،‬‬
‫وابن ماجة‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬ها حديث حسن‬
‫غريب )‪.(5‬‬
‫)‪ (51‬وعن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬قال لي‬

‫)( أي كلمه بكلم شديد‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أي هل دعوت له بالبركة‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( وفي نسخة‪ :‬ليس به بأس‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( وإسناده صحيح وفي نسخة‪ :‬فتوضأ له‪.‬‬ ‫‪4‬‬

‫)( قلت‪ :‬وإسناده صحيح‪.‬‬ ‫‪5‬‬


‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫رسول الله ‪" : ‬هل رئي فيكم‬


‫المغربون؟" قلت‪ :‬وما المغربون؟ قال‪:‬‬
‫الذين يشترك فيهم الجن"‪ .‬رواه أبو داود)‪.(1‬‬
‫)‪ (52‬وذكر حديث ابن عباس‪" :‬خير ما‬
‫تداويتم" في "باب الترجل"‪.‬‬

‫)( رقم )‪ (5107‬وإسناده ضعيف‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫الفصل الثالث‬
‫)‪ (53‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪" : ‬المعدة حوض البدن‪ ،‬والعروق‬
‫إليها واردة‪ ،‬فإذا صحت المعدة صدرت‬
‫العروق بالصحة‪ ،‬وإذا فسدة المعدة صدرت‬
‫العروق بالسقم"‪.‬‬
‫)‪ (54‬وعن علي‪ ،‬قال‪ :‬بينما رسول الله‬
‫‪ ‬ذات ليلة يصلي‪ ،‬فوضع يده على‬
‫الرض‪ ،‬فلدغته عقرب‪ ،‬فناولها )‪ (1‬رسول‬
‫الله ‪ ‬بنعله فقتلها ‪ ...‬فلما انصرف قال‪:‬‬
‫"لعن الله العقرب‪ ،‬ما تدع مصليا ً ول غيره ‪-‬‬
‫أو نبيا ً وغيره" ‪ -‬ثم دعا بملح وماء‪ ،‬فجعله‬
‫في إناء‪ ،‬ثم جعل يصبه على أصبعه حيث‬
‫لدغته ويمسحها ويعوذها بالمعوذتين‪.‬‬
‫رواهما البيهقي في "شعب اليمان" )‪.(2‬‬
‫)‪ (55‬وعن عثمان بن عبد الله بن‬
‫موهب‪ ،‬قال‪ :‬أرسلني أهلي إلى أم سلمة‬
‫بقدح من ماء‪ ،‬وكان إذا أصاب النسان عين‬

‫)( أي ضربها‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( والول منهما ضعيف والخر صحيح‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫أو شيء بعث إليها مخضبة )‪ ،(1‬أخرجت من‬


‫شعر رسول الله ‪ ، ‬وكانت تمسكه في‬
‫جلجل )‪ (2‬من فضة‪ ،‬فخضخضته له )‪،(3‬‬
‫فشرب منه‪ ،‬قال‪ :‬فاطلعت في الجلجل‬
‫فرأيت شعرات حمراء رواه البخاري‪.‬‬
‫)‪ (56‬وعن أبي هريرة‪ ،‬أن ناسا ً من‬
‫أصحاب رسول الله ‪ ‬قالوا لرسول الله‬
‫‪ : ‬الكمأة جدري الرض؟ فقال رسول‬
‫الله ‪" : ‬الكمأة من المن‪ ،‬وماؤها شفاة‬
‫للعين‪ .‬والعجوة من الجنة‪ ،‬وهي شفاء من‬
‫السم"‪ .‬قال أبو هريرة‪ :‬فأخذت ثلثة أكمؤ‬
‫أو خمسا ً أو سبعا ً فعصرتهن‪ ،‬وجعلت‬
‫ماءهن في قارورة‪ ،‬وكحلت به جارية لي‬
‫عمشاء )‪ ،(4‬فبرأت‪ .‬رواه الترمذي‪ ،‬وقال‪:‬‬

‫)( أي مركنببة‪ ،‬وقيببل‪ :‬هببي إجانببة تغسببل فيهببا‬ ‫‪1‬‬

‫الثياب‪.‬‬
‫)( أي فببي حقببة‪ :‬وهببي وعبباء مببن خشببب‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫والجلجل في الصل‪ :‬الجرس الصببغير‪ ،‬ولعلببه‬


‫يقصد به هنا وعاء من الفضة‪.‬‬
‫)( أي حركته له‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( العمش‪ :‬ضعف في الرؤية مع سيلن المبباء‬ ‫‪4‬‬

‫في أكثر الوقات‪.‬‬


‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪6‬‬ ‫النبوي في‬

‫هذا حديث حسن‪.‬‬


‫)‪ (57‬وعنه‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله ‪: ‬‬
‫"من لعق العسل ثلث غدوات في كل شهر‬
‫لم يصبه عظيم من البلء"‪.‬‬
‫)‪ (58‬وعن عبد الله بن مسعود‪ ،‬قال‪:‬‬
‫قال رسول الله ‪": ‬عليكم بالشفاءين‪:‬‬
‫العسل والقرآن"‪ .‬رواهما ابن ماجة‪،‬‬
‫والبيهقي في "شعب اليمان" وقال‪:‬‬
‫والصحيح أن الخير موقوف على ابن‬
‫مسعود‪.‬‬
‫)‪ (59‬وعن أبي كبشة النماري‪ :‬أن‬
‫رسول الله ‪ ‬احتجم على هامته من الشاة‬
‫المسمومة‪ .‬قال معمر‪ :‬فاحتجمت أنا من‬
‫غير سم كذلك في يافوخي‪ ،‬فذهب حسن‬
‫الحفظ عني‪ ،‬حتى كنت ألقن فاتحة الكتاب‬
‫في الصلة‪ .‬رواه رزين‪.‬‬
‫)‪ (60‬وعن نافع‪ ،‬قال‪ :‬قال ابن عمر‪ :‬يا‬
‫نافع! ينبع )‪ (1‬بي الدم‪ ،‬فأتني بحجام واجعله‬
‫شابًا‪ ،‬ول تجعله شيخا ً ول صبيًا‪ .‬قال‪ :‬وقال‬

‫)( أي يفور ويغلي‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪7‬‬ ‫النبوي في‬

‫ابن عمر‪ :‬سمعت رسول الله ‪ ‬يقول‪:‬‬


‫"الحجامة على الريق أمثل‪ ،‬وهي تزيد في‬
‫العقل‪ ،‬وتزيد في الحفظ‪ ،‬وتزيد الحافظ‬
‫حفظًا‪ ،‬فمن كان محتجما ً فيوم الخميس‬
‫على اسم الله تعالى‪ ،‬واجتنبوا الحجامة يوم‬
‫الجمعة ويوم السبت ويوم الحد‪ ،‬فاحتجموا‬
‫يوم الثنين ويوم الثلثاء‪ ،‬واجتنبوا الحجامة‬
‫يوم الربعاء؛ فإنه اليوم الذي أصيب به‬
‫أيوب في البلء‪ .‬وما يبدو جذام ول برص إل‬
‫في يوم الربعاء أو ليلة الربعاء"‪ .‬رواه ابن‬
‫ماجة )‪.(1‬‬
‫)‪ (61‬وعن معقل بن يسار‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪" : ‬الحجامة يوم الثلثاء لسبع‬
‫عشرة من الشهر دواء لداء السنة"‪ .‬رواه‬
‫حرب بن إسماعيل الكرماني صاحب أحمد‬
‫وليس إسناده بذاك‪ ،‬هكذا في "المنتقى"‪.‬‬
‫)‪ (62‬وروى رزين نحوه عن أبي هريرة‪.‬‬

‫)( وإسناده ضعيف‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪8‬‬ ‫النبوي في‬

‫الطب النبوي‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪:‬‬
‫وقد أتينا على جمل من هديه ‪ ‬في‬
‫المغازي والسير والبعوث والسرايا‪،‬‬
‫والرسائل‪ ،‬والكتب التي كتب بها إلى‬
‫الملوك ونوابهم‪.‬‬
‫ونحن نتبع ذلك بذكر فصول نافعة في‬
‫هديه في الطب الذي تطبب به‪ ،‬ووصفه‬
‫لغيره‪ ،‬ونبين ما فيه من الحكمة التي تعجز‬
‫عقول أكثر الطباء عن الوصول إليها‪ ،‬وأن‬
‫نسبة طبهم إليها كنسبة طب العجائز إلى‬
‫طبهم‪ ،‬فنقول وبالله المستعان‪ ،‬ومنه‬
‫نستمد الحول والقوة‪:‬‬
‫المرض‪ :‬نوعان‪ :‬مرض القلوب‪ ،‬ومرض‬
‫البدان‪ ،‬وهما مذكوران في القرآن‪.‬‬
‫ومرض القلوب‪ :‬نوعان‪ :‬مرض شبهة‬
‫وشك‪ ،‬ومرض شهوة وغي‪ ،‬وكلهما في‬
‫القرآن‪ .‬قال تعالى في مرض الشبهة‪ :‬‬
‫ه‬
‫م الل ُ‬‫ه ُ‬ ‫ض َ‬
‫فَزادَ ُ‬ ‫مَر ٌ‬
‫هم ّ‬ ‫في ُ ُ‬
‫قلوب ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ضا ‪] ‬البقرة‪ [10 :‬وقال تعالى‪ :‬‬ ‫مَر ً‬ ‫َ‬
‫‪2‬‬ ‫الهدي‬
‫‪9‬‬ ‫النبوي في‬

‫ض‬‫مَر ٌ‬ ‫هم ّ‬ ‫في ُ ُ‬ ‫ل ال ّ ِ‬ ‫قو َ‬ ‫ول ِي َ ُ‬


‫قلوب ِ ِ‬ ‫ن ِ‬ ‫ذي َ‬ ‫َ‬
‫مث َل ً ‪‬‬ ‫ه َ‬ ‫فرون ما َ َ‬ ‫وال ْ َ‬
‫ذا َ‬ ‫ه بِ َ‬ ‫ذا أَرادَ الل ُ‬ ‫َ َ‬ ‫كا ِ ُ‬ ‫َ‬
‫]المدثر‪ ، [31 :‬وقال تعالى في حق من‬
‫دعي إلى تحكيم القرآن والسنة‪ ،‬فأبى‬
‫ه‬‫عوا إ َِلى الل ِ‬ ‫ذا دُ ُ‬ ‫وإ ِ َ‬ ‫وأعرض‪َ  :‬‬
‫هم‬ ‫من ْ ُ‬ ‫ق ّ‬ ‫ري ٌ‬ ‫ف ِ‬ ‫ذا َ‬ ‫م إِ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫م ب َي ْن َ ُ‬ ‫حك ُ َ‬ ‫ه ل ِي َ ْ‬ ‫سول ِ ِ‬ ‫وَر ُ‬ ‫َ‬
‫ْ‬
‫ق ي َأُتوا‬ ‫ح ّ‬ ‫م ال ْ َ‬ ‫ه ُ‬ ‫كن ل ّ ُ‬ ‫وِإن ي َ ُ‬ ‫ن* َ‬ ‫ضو َ‬ ‫ر ُ‬ ‫ع ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬ ‫في ُ ُ‬ ‫ن * أَ ِ‬
‫ض أم ِ‬ ‫مَر ٌ‬ ‫هم ّ‬ ‫قلوب ِ ِ‬ ‫عِني َ‬ ‫مذ ْ ِ‬ ‫ه ُ‬ ‫إ ِل َي ْ ِ‬
‫ه‬
‫ف الل ُ‬ ‫حي َ‬ ‫ن َأن ي َ ِ‬ ‫فو َ‬ ‫خا ُ‬ ‫م يَ َ‬ ‫َ‬
‫اْرَتاُبوا أ ْ‬
‫م‬‫ه ُ‬ ‫ك ُ‬ ‫ل ُأول َئ ِ َ‬ ‫ه بَ ْ‬ ‫سول ُ ُ‬ ‫وَر ُ‬ ‫م َ‬ ‫ه ْ‬ ‫علي ْ ِ‬
‫َ َ‬
‫ن ‪] ‬النور‪ 48 :‬و ‪ ، [49‬فهذا‬ ‫مو َ‬ ‫ظال ِ ُ‬ ‫ال ّ‬
‫مرض الشبهات والشكوك‪.‬‬
‫وأما مرض الشهوات‪ ،‬فقال تعالى‪َ :‬يا‬
‫َ‬
‫ء‬
‫سا ِ‬ ‫ن الن ّ َ‬ ‫م َ‬ ‫د ّ‬ ‫ح ٍ‬ ‫ن ك َأ َ‬ ‫ست ُ ّ‬ ‫ي لَ ْ‬ ‫ساءَ الن ّب ِ ّ‬ ‫نِ َ‬
‫ل‬
‫و ِ‬ ‫ق ْ‬ ‫ن ِبال ْ َ‬ ‫ع َ‬ ‫ض ْ‬ ‫خ َ‬ ‫فل َ ت َ ْ‬ ‫ن َ‬ ‫قي ْت ُ ّ‬ ‫ن ات ّ َ‬ ‫إِ ِ‬
‫ض‪‬‬ ‫مَر ٌ‬ ‫ه َ‬ ‫قل ْب ِ ِ‬ ‫في َ‬ ‫ذي ِ‬ ‫ع ال ّ ِ‬ ‫م َ‬ ‫في َطْ َ‬ ‫َ‬
‫]الحزاب‪ : [32 :‬فهذا مرض شهوة الزنى‪،‬‬
‫والله أعلم‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫وأما مرض البدان‪ ،‬فقال تعالى‪ :‬‬
‫عَلى‬ ‫ول َ َ‬ ‫ج َ‬ ‫حَر ٌ‬
‫مى َ‬ ‫ع َ‬‫عَلى ال ْ‬ ‫س َ‬ ‫ل َي ْ َ‬
‫ج‪‬‬ ‫حَر ٌ‬ ‫ض َ‬‫ري ِ‬ ‫م ِ‬ ‫عَلى ال ْ َ‬
‫ول َ َ‬ ‫ج َ‬‫حَر ٌ‬
‫ج َ‬ ‫عَر ِ‬ ‫ال ْ‬
‫]النور‪ .[61 :‬وذكر مرض البدن في الحج‬
‫والصوم والوضوء لسر بديع يبين لك عظمة‬
‫القرآن‪ ،‬والستغناء به لمن فهمه وعقله عن‬
‫سواه‪ ،‬وذلك أن قواعد طب البدان ثلثة‪:‬‬
‫‪ -1‬حفظ الصحة‪ -2 ،‬والحمية عن‬
‫المؤذي‪ -3 ،‬واستفراغ المواد الفاسدة‪،‬‬
‫فذكر سبحانه هذه الصول الثلثة في هذه‬
‫المواضع الثلثة‪.‬‬
‫ن‬‫كا َ‬‫من َ‬ ‫ف َ‬ ‫فقال في آية الصوم‪َ  :‬‬
‫كم مري ً َ‬
‫ن‬
‫م ْ‬ ‫عدّةٌ ّ‬ ‫ف ِ‬‫ر َ‬‫ف ٍ‬ ‫س َ‬ ‫عَلى َ‬‫و َ‬ ‫ضا أ ْ‬ ‫ّ ِ‬ ‫من ْ ُ‬
‫ِ‬
‫خَر ‪] ‬البقرة‪ ،[184 :‬فأباح الفطر‬ ‫أ َّيام ٍ أ ُ َ‬
‫للمريض لعذر المرض‪ ،‬وللمسافر طلبا ً‬
‫لحفظ صحته وقوته لئل يذهبها الصوم في‬
‫السفر لجتماع شدة الحركة‪ ،‬وما يوجبه من‬
‫التحليل‪ ،‬وعدم الغذاء الذي يخلف ما تحلل‪،‬‬
‫فتخور القوة‪ ،‬وتضعف‪ ،‬فأباح للمسافر‬
‫الفطر حفاظا ً لصحته وقوته عما يضعفها‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫كم‬‫من ْ ُ‬‫ن ِ‬ ‫كا َ‬‫من َ‬ ‫ف َ‬ ‫وقال في آية الحج‪َ  :‬‬


‫ة‬
‫فدْي َ ٌ‬ ‫ه َ‬
‫ف ِ‬ ‫ْ‬ ‫ه أَ ً‬ ‫مري ً َ‬
‫س ِ‬‫من ّرأ ِ‬ ‫ذى ّ‬ ‫و بِ ِ‬
‫ضا أ ْ‬ ‫ّ ِ‬
‫ق َ‬ ‫َ‬
‫ك‪‬‬ ‫س ٍ‬‫و نُ ُ‬ ‫ةأ ْ‬‫صد َ َ ٍ‬
‫و َ‬ ‫صَيام ٍ أ ْ‬‫من ِ‬ ‫ّ‬
‫]البقرة‪.[196 :‬‬
‫فأباح للمريض‪ ،‬ومن به أذى من رأسه‪،‬‬
‫من قمل‪ ،‬أو حكة‪ ،‬أو غيرهما‪ ،‬أن يحلق‬
‫رأسه في الحرام استفراغا ً لمادة البخرة‬
‫الرديئة التي أوجبت له الذى في رأسه‬
‫باحتقانها تحت الشعر‪ ،‬فإذا حلق رأسه‪،‬‬
‫تفتحت المسام‪ ،‬فخرجت تلك البخرة منها‪،‬‬
‫فهذا الستفراغ يقاس عليه كل استفراغ‬
‫يؤذي انحباسه‪.‬‬
‫)والشياء التي يؤذي انحباسها ومدافعتها‬
‫عشرة(‪ :‬الدم إذا هاج‪ ،‬والمني إذا تبيغ‪،‬‬
‫والبول‪ ،‬والغائط‪ ،‬والريح‪ ،‬والقيء‪،‬‬
‫والعطاس‪ ،‬والنوم‪ ،‬والجوع‪ ،‬والعطش‪ .‬وكل‬
‫واحد من هذه العشرة يوجب حبسه داء من‬
‫الدواء بحسبه‪.‬‬
‫وقد نبه سبحانه باستفراغ أدناها‪ ،‬وهو‬
‫البخار المحتقن في الرأس على استفراغ‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫ما هو أصعب من‪ ،‬كما هي طريقة القرآن‬


‫التنبيه بالدنى على العلى‪.‬‬
‫وأما الحمية‪ :‬فقال تعالى في آية‬
‫عَلى‬ ‫َ‬
‫و َ‬ ‫ضى أ ْ‬ ‫مْر َ‬ ‫ن ك ُن ُْتم ّ‬ ‫وإ ِ ْ‬‫الوضوء‪َ  :‬‬
‫َ‬ ‫من ال ْ َ‬ ‫من ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫ف َ‬
‫و‬
‫طأ ْ‬ ‫غائ ِ ِ‬ ‫كم ّ‬ ‫حد ٌ ّ‬‫جاءَ أ َ‬ ‫و َ‬‫رأ ْ‬ ‫س َ ٍ‬ ‫َ‬
‫ماءً‬ ‫دوا َ‬‫ج ُ‬‫م تَ ِ‬ ‫فل َ ْ‬
‫ساءَ َ‬ ‫م الن ّ َ‬‫ست ُ ُ‬ ‫م ْ‬ ‫لَ َ‬
‫دا طَي ًّبا ‪] ‬النساء‪،[43 :‬‬ ‫عي ً‬ ‫ص ِ‬‫موا َ‬ ‫م ُ‬ ‫فت َي َ ّ‬‫َ‬
‫فأباح للمريض العدول عن الماء إلى‬
‫التراب حمية له أن يصيب جسده ما يؤذيه‪،‬‬
‫وهذا تنبه على الحمية عن كل مؤذ له من‬
‫داخل أو خارج‪ ،‬فقد أرشد ‪ -‬سبحانه ‪ -‬عباده‬
‫إلى أصول الطب ومجامع قواعده‪ ،‬ونحن‬
‫نذكر هدي رسول الله ‪ ‬في ذلك‪ ،‬ونبين‬
‫أن هديه فيه أكمل هدي‪.‬‬
‫فأما طب القلوب‪ ،‬فمسلم إلى الرسل‬
‫صلوات الله وسلمه عليهم‪ ،‬ول سبيل إلى‬
‫حصوله إل من جهتهم وعلى يديه‪ ،‬فإن‬
‫صلح القلوب أن تكون عارفة بربها‪،‬‬
‫وفاطرها‪ ،‬وبأسمائه‪ ،‬وصفاته‪ ،‬وأفعاله‪،‬‬
‫وأحكامه‪ ،‬وأن تكون مؤثرة لمرضاته‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫ومحابه‪ ،‬متجنبة لمناهيه ومساخطه‪ ،‬ول‬


‫صحة لها ول حياة ألبتة إل بذلك‪ ،‬ول سبيل‬
‫إلى تلقيه إل من جهة الرسل‪ ،‬وما يظن من‬
‫حصول صحة القلب بدون اتباعهم‪ ،‬فغلط‬
‫ممن يظن ذلك‪ ،‬وإنما ذلك حياة نفسه‬
‫البهيمية الشهوانية‪ ،‬وصحتها وقوتها‪ ،‬وحياة‬
‫قلبه وصحته‪ ،‬ووقته عن ذلك بمعزل‪ ،‬ومن‬
‫لم يميز بين هذا وهذا‪ ،‬فليبك على حياة‬
‫قلبه‪ ،‬فإنه من الموات‪ ،‬وعلى نوره‪ ،‬فإنه‬
‫منغمس في بحار الظلمات‪.‬‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫وأما طب البدان‪ :‬فإنه نوعان‪:‬‬
‫نوع قد فطر الله عليه الحيوان ناطقه‬
‫وبهيمه‪ ،‬فهذا ل يحتاج فيه إلى معالجة‬
‫طبيب‪ ،‬كطب الجوع‪ ،‬والعطش‪ ،‬والبرد‪،‬‬
‫والتعب بأضدادها وما يزيلها‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ما يحتاج إلى فكر وتأمل‪ ،‬كدفع‬
‫المراض المتشابهة الحادثة في المزاج‪،‬‬
‫بحيث يخرج بها عن العتدال‪ ،‬إما إلى‬
‫حرارة‪ ،‬أو برودة‪ ،‬أو يبوسة‪ ،‬أو رطوبة‪ ،‬أو‬
‫ما يتركب من اثنين منها‪ ،‬وهي نوعان‪ :‬إما‬
‫مادية‪ ،‬وإما كيفية‪ ،‬أعني إما أن يكون‬
‫بانصباب مادة‪ ،‬أو بحدوث كيفية‪ ،‬والفرق‬
‫بينهما أن أمراض الكيفية تكون بعد زوال‬
‫المواد التي أوجبتها‪ ،‬فتزول موادها‪ ،‬ويبقى‬
‫أثرها كيفية في المزاج‪.‬‬
‫وأمراض المادة أسبابها معها تمدها‪ ،‬وإذا‬
‫كان سبب المرض معه‪ ،‬فالنظر في السبب‬
‫ل‪ ،‬ثم في المرض ثانيًا‪ ،‬ثم‬ ‫ينبغي أن يقع أو ً‬
‫في الدواء ثالثًا‪ .‬أو المراض اللية وهي‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫ل‬
‫التي تخرج العضو عن هيئته‪ ،‬إما في شك ٍ‬
‫أو تجويف‪ ،‬أو مجرى‪ ،‬أو خشونة‪ ،‬أو ملسة‪،‬‬
‫أو عدد‪ ،‬أو عظم‪ ،‬أو وضع‪ ،‬فإن هذه‬
‫العضاء إذا تألفت وكان منها البدن سمي‬
‫ل‪ ،‬والخروج عن العتدال فيه‬ ‫تألفها اتصا ً‬
‫يسمى تفرق التصال‪ ،‬أو المراض العامة‬
‫التي تعم المتشابهة واللية‪.‬‬
‫والمراض المتشابهة‪ :‬هي التي يخرج بها‬
‫المزاج عن العتدال‪ ،‬وهذا الخروج يسمى‬
‫مرضا ً بعد أن يضر بالفعل إضرارا ً‬
‫محسوسًا‪.‬‬
‫وهي على ثمانية أضرب‪ :‬أربعة بسيطة‪،‬‬
‫وأربعة مركبة‪ ،‬فالبسيطة‪ :‬البارد‪ ،‬والحار‪،‬‬
‫والرطب‪ ،‬واليابس‪ ،‬والمركبة‪ :‬الحار‬
‫الرطب‪ ،‬والحار اليابس‪ ،‬والبارد الرطب‪،‬‬
‫والبارد اليابس‪ ،‬وهي إما أن تكون بانصباب‬
‫مادة‪ ،‬أو بغير انصباب مادة‪ ،‬وإن لم يضر‬
‫المرض بالفعل يسمى خروجا ً عن العتدال‬
‫صحة‪.‬‬
‫وللبدن ثلثة أحوال‪ :‬حال طبيعية‪ ،‬وحال‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪6‬‬ ‫النبوي في‬

‫خارجة عن الطبيعية‪ ،‬وحال متوسطة بين‬


‫المرين‪ .‬فالولى‪ :‬بها يكون البدن صحيحًا‪،‬‬
‫والثانية‪ :‬بها يكون مريضًا‪ .‬والحال الثالثة‪:‬‬
‫هي متوسط بين الحالتين‪ ،‬فإن الضد ل‬
‫ينتقل إلى ضده إل بمتوسط‪ ،‬وسبب خروج‬
‫البدن عن طبيعته‪ ،‬إما من داخله‪ ،‬لنه‬
‫مركب من الحار والبارد‪ ،‬والرطب واليابس‪،‬‬
‫وإما من خارج‪ ،‬فلن ما يلقاه قد يكون‬
‫موافقًا‪ ،‬وقد يكون غير موافق‪ ،‬والضرر‬
‫الذي يلحق النسان قد يكون من سوء‬
‫المزاج بخروجه عن العتدال‪ ،‬وقد يكون‬
‫من فساد في العضو‪ ،‬وقد يكون من ضعف‬
‫في القوى‪ ،‬أو الرواح الحاملة لها‪ ،‬ويرجع‬
‫ذلك إلى زيادة ما العتدال في عدم زيادته‪،‬‬
‫أو نقصان ما العتدال في عدم نقصانه‪ ،‬أو‬
‫تفرق ما العتدال في اتصاله‪ ،‬أو اتصال ما‬
‫العتدال في تفرقه‪ ،‬أو امتداد ما العتدال‬
‫في انقباضه‪ ،‬أو خروج ذي وضع وشكل عن‬
‫وضعه وشكله بحيث يخرجه عن اعتداله‪.‬‬
‫فالطبيب‪ :‬هو الذي يفرق ما يضر‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪7‬‬ ‫النبوي في‬

‫النسان جمعه‪ ،‬أو يجمع فيه ما يضره‬


‫تفرقه‪ ،‬أو ينقص منه ما يضره زيادته‪ ،‬أو‬
‫يزيد فيه ما يضره نقصه‪ ،‬فيجلب الصحة‬
‫المفقودة‪ ،‬أو يحفظها بالشكل والشبه‪،‬‬
‫ويدفع العلة الموجودة بالضد والنقيض‪،‬‬
‫ويخرجها‪ ،‬أو يدفعها بما يمنع من حصولها‬
‫بالحمية‪ ،‬وسترى هذا كله في هدي رسول‬
‫الله ‪ ‬شافيا ً كافيا ً بحول الله وقوته‪،‬‬
‫وفضله ومعونته‪.‬‬
‫فصل‬
‫فكان من هديه ‪ ‬فعل التداوي في‬
‫نفسه‪ ،‬والمر به لمن أصابه مرض من أهله‬
‫وأصحابه‪ ،‬ولكن لم يكن من هديه ول هدي‬
‫أصحابه استعمال هذه الدوية المركبة التي‬
‫تسمى أقرباذين‪ ،‬بل كان غالب أدويتهم‬
‫بالمفردات‪ ،‬وربما أضافوا إلى المفرد ما‬
‫يعاونه‪ ،‬أو يكسر سورته‪ ،‬وهذا غالب طب‬
‫المم على اختلف أجناسها من العرب‬
‫والترك‪ .‬وأهل البوادي قاطبة‪ ،‬وإنما عنى‬
‫بالمركبات الروم واليونانيون‪ ،‬وأكثر طب‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪8‬‬ ‫النبوي في‬

‫الهند بالمفردات‪.‬‬
‫وقد اتفق الطباء على أنه متى أمكن‬
‫التداوي بالغذاء ل يعدل عنه إلى الدواء‪،‬‬
‫ومتى أمكن بالبسيط ل يعدل عنه إلى‬
‫المركب‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬وكل داء قدر على دفعه بالغذية‬
‫والحمية‪ ،‬لم يحاول دفعه بالدوية‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ول ينبغي للطبيب أن يولع بسقي‬
‫الدوية‪ ،‬فإن الدواء إذا لم يجد في البدن‬
‫داًء يحلله‪ ،‬أو وجد داًء ل يوافقه‪ ،‬أو وجد ما‬
‫يوافقه فزادت كميته عليه‪ ،‬أو كيفيته‪،‬‬
‫تشبث بالصحة‪ .‬وعبث بها‪ .‬وأرباب التجارب‬
‫من الطباء طبهم بالمفردات غالبًا‪ ،‬وهم‬
‫أحد فرق الطب الثلث‪.‬‬
‫والتحقيق في ذلك أن الدوية من جنس‬
‫الغذية‪ ،‬فالمة والطائفة التي غالب أغذيتها‬
‫المفردات‪ ،‬أمراضها قليلة جدًا‪ ،‬وطبها‬
‫بالمفردات‪ ،‬وأهل المدن الذين غلبت عليهم‬
‫الغذية المركبة يحتاجون إلى الدوية‬
‫المركبة‪ ،‬وسبب ذلك أن أمراضهم في‬
‫‪3‬‬ ‫الهدي‬
‫‪9‬‬ ‫النبوي في‬

‫الغالب مركبة‪ ،‬فالدوية المركبة أنفع لها‪،‬‬


‫وأمراض أهل البوادي والصحاري مفردة‪،‬‬
‫فيكفي في مداواتها الدوية المفردة‪ ،‬فهذا‬
‫برهان بحسب الصناعة الطبية‪.‬‬
‫ونحن نقول‪ :‬إن ها هنا أمرا ً آخر‪ ،‬نسبة‬
‫طب الطباء إليه كنسبة طب الطرقية‬
‫والعجائز إلى طبهم‪ ،‬وقد اعترف به حذاقهم‬
‫وأئمتهم‪ ،‬فإن ما عندهم من العلم بالطب‬
‫منهم من يقول‪ :‬هو قياس‪ .‬ومنهم من‬
‫يقول‪ :‬هو تجربة‪ .‬ومنهم من يقول‪ :‬هو‬
‫إلهامات‪ ،‬ومنامات‪ ،‬وحدس صائب‪ .‬ومنهم‬
‫من يقول‪ :‬أخذ كثير منه من الحيوانات‬
‫البهيمية‪ ،‬كما نشاهد السنانير إذا أكلت‬
‫ذوات السموم تعمد إلى السراج‪ ،‬فتلغ في‬
‫الزيت نتداوى به‪ ،‬وكما رؤيت الحيات إذا‬
‫خرجت من بطون الرض‪ ،‬وقد عشيت‬
‫أبصارها تأتي إلى ورق الرازيانج‪ ،‬فتمر‬
‫عيونها عليها‪ .‬وكما عهد من الطير الذي‬
‫يحتقن بماء البحر عند انحباس طبعه‪،‬‬
‫وأمثال ذلك مما ذكر في مبادئ الطب‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫وأين يقع هذا وأمثاله من الوحي الذي‬


‫يوحيه الله إلى رسوله بما ينفعه ويضره‪،‬‬
‫فنسبة ما عندهم من الطب إلى هذا الوحي‬
‫كنسبة ما عندهم من العلوم إلى ما جاءت‬
‫به النبياء‪ ،‬بل ها هنا من الدوية التي تشفي‬
‫من المراض ما لم يهتد إليها عقول أكابر‬
‫الطباء‪ ،‬ولم تصل إليها علومهم وتجاربهم‪،‬‬
‫وأقيستهم من الدوية القلبية‪ ،‬والروحانية‪،‬‬
‫وقوة القلب‪ ،‬واعتماده على الله‪ ،‬والتوكل‬
‫عليه‪ ،‬واللتجاء إليه‪ ،‬والنطراح والنكسار‬
‫بين يديه‪ ،‬والتذلل له‪ ،‬والصدقة‪ ،‬والدعاء‪،‬‬
‫والتوبة‪ ،‬والستغفار‪ ،‬والحسان إلى الخلق‪،‬‬
‫وإغاثة الملهوف‪ ،‬والتفريج عن المكروب‪،‬‬
‫فإن هذه الدوية قد جربتها المم على‬
‫اختلف أديانها ومللها‪ ،‬فوجدوا لها من‬
‫التأثير في الشفاء ما ل يصل إليه علم أعلم‬
‫الطباء‪ ،‬ول تجربته‪ ،‬ول قياسه‪.‬‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪:‬‬
‫وقد جربنا نحن وغيرنا من هذا أمورا ً‬
‫كثيرة‪ ،‬ورأيناها تفعل ما ل تفعل الدوية‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫الحسية‪ ،‬بل تصير الدوية الحسية عندها‬


‫بمنزلة أدوية الطرقية عند الطباء‪ ،‬وهذا‬
‫جار على قانون الحكمة اللهية ليس خارجا ً‬
‫عنها‪ ،‬ولكن السباب متنوعة‪ ،‬فإن القلب‬
‫متى اتصل برب العالمين‪ ،‬وخالق الداء‬
‫والدواء‪ ،‬ومدبر الطبيعة ومصرفها على ما‬
‫يشاء كانت له أدوية أخرى غير الدوية التي‬
‫يعانيها القلب البعيد منه المعرض عنه‪ ،‬وقد‬
‫علم أن الرواح متى قويت‪ ،‬وقويت النفس‬
‫والطبيعة تعاونا على دفع الداء وقهره‪،‬‬
‫فكيف ينكر لمن قويت طبيعته ونفسه‪،‬‬
‫وفرحت بقربها من بارئها‪ ،‬وأنسها به‪ ،‬وحبها‬
‫له‪ ،‬وتنعمها بذكره‪ ،‬وانصراف قواها كلها‬
‫إليه‪ ،‬وجمعها عليه‪ ،‬واستعانتها به‪ ،‬وتوكلها‬
‫عليه‪ ،‬أن يكون ذلك لها من أكبر الدوية‪،‬‬
‫وأن توجب لها هذه القوة دفع اللم بالكلية‪،‬‬
‫ول ينكر هذا إل أجهل الناس‪ ،‬وأغلظهم‬
‫حجابًا‪ ،‬وأكثفهم نفسًا‪ ،‬وأبعدهم عن الله‬
‫وعن حقيقة النسانية‪ ،‬وسنذكر إن شاء الله‬
‫السبب الذي به أزالت قراءة الفاتحة داء‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫اللدغة عن اللديغ التي رقي بها‪ ،‬فقام حتى‬


‫كأن لما به قلبة)‪.(1‬‬
‫فهذان نوعان من الطب النبوي‪ ،‬ونحن‬
‫بحول الله نتكلم عليهما بحسب الجهد‬
‫والطاقة‪ ،‬ومبلغ علومنا القاصرة‪ ،‬ومعارفنا‬
‫المتلشية جدًا‪ ،‬وبضاعتنا المزجاة‪ ،‬ولكن‬
‫نستوهب من بيده الخير كله‪ ،‬ونستمد من‬
‫فضله‪ ،‬فإنه العزيز الوهاب‪.‬‬

‫)( يقال‪ :‬ما بالعليل قلبة‪ ،‬أي‪ :‬ما به شببيء‪ ،‬ول‬ ‫‪1‬‬

‫يسببتعمل إل فببي النفببي‪ ،‬والقلبببة‪ :‬داء أو ألببم‬


‫يتقلب منه صاحبه‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫)في الحاديث الدالة على‬
‫مشروعية التداوي(‬
‫روى مسلم في "صحيحه"‪ :‬من حديث‬
‫أبي الزبير‪ ،‬عن جابر بن عبد الله‪ ،‬عن النبي‬
‫‪ ، ‬أنه قال‪" :‬لكل داء دواء‪ ،‬فإذا أصيب‬
‫دواء الداء‪ ،‬برأ بإذن الله عز وجل")‪.(1‬‬
‫وفي "الصحيحين"‪ :‬عن عطاء‪ ،‬عن أبي‬
‫هريرة قال‪ :‬قال رسول الله ‪" : ‬ما أنزل‬
‫الله من داء إل أنزل له شفاء" )‪.(2‬‬
‫وفي "مسند المام أحمد"‪ :‬من حديث‬
‫زياد بن علقة‪ ،‬عن أسامة بن شريك‪ ،‬قال‪:‬‬
‫كنت عند النبي ‪ ، ‬وجاءت العراب‪،‬‬
‫فقالوا‪ :‬يا رسول الله! أنتدواى؟ فقال‪:‬‬
‫"نعم يا عباد الله تداووا‪ ،‬فإن الله عز وجل‬
‫لم يضع داء إل وضع له شفاء غير داء‬
‫)( أخرجه مسلم ) ‪ (2204‬في السلم‪ :‬ببباب لكببل‬ ‫‪1‬‬

‫داء دواء واستحباب التداوي‪.‬‬


‫)( أخرجه البخاري ‪ 10/113‬في الطببب‪ :‬ببباب‬ ‫‪2‬‬

‫ما أنزل الله داء إل أنزل له شببفاء‪ ،‬وقببد وهببم‬


‫المؤلف رحمه الله في عزوه إلى مسلم‪ ،‬فإنه‬
‫لم يخرجه‪ ،‬وهو في سنن ابن ماجة )‪.(3439‬‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫واحد"‪ ،‬قالوا‪ :‬ما هو؟ قال‪" :‬الهرم" )‪.(1‬‬


‫وفي لفظ‪" :‬إن الله لم ينزل داء إل أنزل‬
‫له شفاء‪ ،‬علمه من علمه وجهله من جهله"‬
‫)‪.(2‬‬
‫وفي "المسند"‪ :‬من حديث ابن مسعود‬
‫يرفعه‪" :‬إن الله عز وجل لم ينزل داء إل‬
‫أنزل له شفاء‪ ،‬علمه من علمه‪ ،‬وجهله من‬
‫جهله")‪.(3‬‬
‫وفي "المسند" و "السنن"‪ :‬عن أبي‬

‫)( أخرجه أحمد ‪ ،4/278‬وابن ماجببة )‪،(3436‬‬ ‫‪1‬‬

‫وأبو داود )‪ (3855‬في أول الطب‪ ،‬والترمببذي‬


‫)‪ (2039‬في الطب‪ :‬باب مببا جبباء فببي الببدواء‬
‫والحث عليه‪ ،‬وإسببناده صببحيح‪ ،‬وصببححه ابببن‬
‫حبببان )‪ ،(1395‬و )‪ (1924‬والبوصببيري فببي‬
‫"زوائده" وقببال الترمببذي‪ :‬هببذا حببديث حسببن‬
‫صببحيح‪ ،‬وفببي الببباب عببن ابببن مسببعود وأبببي‬
‫هريرة وأبي خزامة عن أبيه وابن عباس‪.‬‬
‫)( أخرجه أحمد ‪.4/278‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( أخرجه أحمد )‪ (3578‬و) ‪ (3922‬و)‪(4236‬‬ ‫‪3‬‬

‫و)‪ (4267‬و)‪ (4334‬وابببببن ماجببببة )‪،(3438‬‬


‫وإسببناده صببحيح‪ ،‬وصببححه البوصببيري فببي‬
‫)زوائده( والحببباكم ‪،4/196‬ببب ‪ .197‬ووافقبببه‬
‫الذهبي‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫خزامة‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول الله! أرأيت‬


‫رقى نسترقيها‪ ،‬ودواء نتداوى به‪ ،‬وتقاة‬
‫نتقيها‪ ،‬هل ترد من قدر الله شيئًا؟ فقال‪:‬‬
‫"هي من قدر الله" )‪.(1‬‬
‫فقد تضمنت هذه الحاديث إثبات‬
‫السباب والمسببات‪ ،‬وإبطال قول من‬
‫أنكرها‪ ،‬ويجوز أن يكون قوله‪" :‬لكل داء‬
‫دواء"‪ ،‬على عمومه حتى يتناول الدواء‬
‫القاتلة‪ ،‬والدواء التي ل يمكن لطبيب أن‬
‫يبرئها‪ ،‬ويكون الله عز وجل قد جعل لها‬
‫أدوية تبرئها‪ ،‬ولكن طوى علمها عن البشر‪،‬‬
‫ل‪ ،‬لنه ل علم‬‫ولم يجعل لهم إليه سبي ً‬
‫للخلق إل ما علمهم الله‪ ،‬ولهذا علق النبي‬
‫‪ ‬الشفاء على مصادفة الدواء للداء‪ ،‬فإنه‬
‫ل شيء من المخلوقات إل له ضد‪ ،‬وكل داء‬
‫له ضد من الدواء يعالج بضده‪ ،‬فعلق النبي‬
‫)( أخرجببه أحمببد ‪ ،3/421‬والترمببذي )‪(2066‬‬ ‫‪1‬‬

‫والحاكم ‪ ،4/199‬وابببن ماجببة )‪ .(3437‬وفببي‬


‫سببنده مجهببول‪ ،‬وببباقي رجبباله ثقببات‪ ،‬وانظببر‬
‫ترجمتببه أبببي خزامببة فببي "التهببذيب" ‪ ،‬وفببي‬
‫الببباب عببن حكيببم بببن حببزام عنببد الحبباكم‬
‫‪ ،4/199‬وصححه ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪6‬‬ ‫النبوي في‬

‫‪ ‬البرء بموافقة الداء للدواء‪ ،‬وهذا قدر‬


‫زائد على مجرد وجوده‪ ،‬فإن الدواء متى‬
‫جاوز درجة الداء في الكيفية‪ ،‬أو زاد في‬
‫الكمية على ما ينبغي‪ ،‬نقله إلى داء آخر‪،‬‬
‫ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته‪ ،‬وكان‬
‫العلج قاصرًا‪ ،‬ومتى لم يقع المداوي على‬
‫الدواء‪ ،‬أو لم يقع الدواء على الداء‪ ،‬لم‬
‫يحصل الشفاء‪ ،‬ومتى لم يكن الزمان‬
‫صالحا ً لذلك الدواء‪ ،‬لم ينفع‪ ،‬ومتى كان‬
‫البدن غير قابل له‪ ،‬أو القوة عاجزة عن‬
‫حمله‪ ،‬أو ثم مانع يمنع من تأثيره‪ ،‬لم حصل‬
‫البرء لعدم المصادفة‪ ،‬ومتى تمت‬
‫المصادفة حصل البرء بإذن الله ولبد‪ ،‬وهذا‬
‫أحسن المحملين في الحديث‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬أن يكون من العام المراد به‬
‫الخاص‪ ،‬لسيما والداخل في اللفظ أضعاف‬
‫الخارج منه‪ ،‬وهذا يستعمل في كل لسان‪،‬‬
‫ويكون المراد أن الله لم يضع داء يقبل‬
‫الدواء إل وضع له دواء‪ ،‬فل يدخل في هذا‬
‫الدواء التي ل تقبل الدواء‪ ،‬وهذا كقوله‬
‫تعالى في الريح التي سلطها على قوم‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪7‬‬ ‫النبوي في‬

‫ها ‪‬‬ ‫شي ٍ َ‬ ‫مُر ك ُ ّ‬


‫ر َرب ّ َ‬
‫م ِ‬
‫ء ب ِأ ْ‬ ‫ل َ ْ‬ ‫عاد‪ :‬ت ُدَ ّ‬
‫]الحقاف‪ [25 :‬أي كل شيء يقبل التدمير‪،‬‬
‫ومن شأن الريح أن تدمره‪ ،‬ونظائره كثيرة‪.‬‬
‫ومن تأمل خلق الضداد في هذا العالم‪،‬‬
‫ومقاومة بعضها لبعض‪ ،‬ودفع بعضها ببعض‪،‬‬
‫وتسليط بعضها على بعض‪ ،‬تبين له كمال‬
‫قدرة الرب تعالى‪ ،‬وحكمته‪ ،‬وإتقانه ما‬
‫صنعه وتفرده بالربوبية‪ ،‬والوحدانية‪ ،‬والقهر‪،‬‬
‫وأن كل ما سواه فله ما يضاده ويمانعه‪،‬‬
‫كما أنه الغني بذاته‪ ،‬وكل ما سواه محتاج‬
‫بذاته‪.‬‬
‫وفي الحاديث الصحيحة المر بالتداوي‪،‬‬
‫وأنه ل ينافي التوكل‪ ،‬كما ل ينافيه دفع داء‬
‫الجوع‪ ،‬والعطش‪ ،‬والحر‪ ،‬والبرد بأضدادها‪،‬‬
‫بل ل تتم حقيقة التوحيد إل بمباشرة‬
‫السباب التي نصبها الله مقتضيات‬
‫لمسبباتها قدرا ً وشرعًا‪ ،‬وأن تعطيلها يقدح‬
‫في نفس التوكل‪ ،‬كما يقدح في المر‬
‫والحكمة‪ ،‬ويضعفه من حيث يظن معطلها‬
‫أن تركها أقوى في التوكل‪ ،‬فإن تركها عجزا ً‬
‫ينافي التوكل الذي حققته اعتماد القلب‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪8‬‬ ‫النبوي في‬

‫على الله في حصول ما ينفع العبد في دينه‬


‫ودنياه‪ ،‬ودفع ما يضره في دينه ودنياه‪ ،‬ولبد‬
‫مع هذا العتماد من مباشرة السباب‪ ،‬وإل‬
‫كان معطل ً للحكمة والشرع‪ ،‬فل يجعل‬
‫ل‪ ،‬ول توكله عجزًا‪.‬‬
‫العبد عزه توك ً‬
‫وفيها رد على من أنكر التداوي‪ ،‬وقال‪:‬‬
‫إن كان الشفاء قد قدر‪ ،‬فالتداوي ل يفيده‬
‫وإن لم يكن قد قدر‪ ،‬فكذلك وأيضًا‪ ،‬فإن‬
‫المرض حصل بقدر الله‪ ،‬وقدر الله ل يدفع‬
‫ول يرد‪ ،‬وهذا السؤال هو الذي أورده‬
‫العراب على رسول الله ‪ ، ‬وأما أفاضل‬
‫الصحابة‪ ،‬فأعلم بالله وحكمته وصفاته من‬
‫أن يوردوا مثل هذا‪ ،‬وقد أجابهم النبي ‪‬‬
‫بما شفى وكفى‪ ،‬فقال‪ :‬هذه الدوية والرقى‬
‫والتقى هي من قدر الله‪ ،‬فما خرج شيء‬
‫عن قدره‪ ،‬بل يرد قدره بقدره‪ ،‬وهذا الرد‬
‫من قدره‪ ،‬فل سبيل إلى الخروج عن قدره‬
‫بوجه ما‪ ،‬وهذا كرد قدر الجوع‪ ،‬والعطش‬
‫والحر‪ ،‬والبرد بأضدادها‪ ،‬وكرد العدو‬
‫بالجهاد‪ ،‬وكل من قدر الله الدافع والمدفوع‬
‫والدفع‪.‬‬
‫‪4‬‬ ‫الهدي‬
‫‪9‬‬ ‫النبوي في‬

‫ويقال لمورد هذا السؤال‪ :‬هذا يوجب‬


‫عليك أن ل تباشر سببا ً من السباب التي‬
‫تجلب بها منفعة‪ ،‬أو تدفع بها مضرة‪ ،‬لن‬
‫المنفعة والمضرة إن قدرتا‪ ،‬لم يكن بد من‬
‫وقوعها‪ ،‬وإن لم تقدرا لم يكن سبيل إلى‬
‫وقوعهما‪ ،‬وفي ذلك حراب الدين والدنيا‪،‬‬
‫وفساد العالم‪ ،‬وهذا ل يقوله إل دافع للحق‪،‬‬
‫معاند له‪ ،‬فيذكر القدر ليدفع حجة المحق‬
‫شاءَ‬‫و َ‬‫عليه‪ ،‬كالمشركين الذين قالوا‪ :‬ل َ ْ‬
‫ؤَنا ‪] ‬النعام‪:‬‬ ‫ول َ آَبا ُ‬‫شَرك َْنا َ‬ ‫ما أ َ ْ‬
‫ه َ‬ ‫الل ُ‬
‫من‬ ‫عب َدَْنا ِ‬‫ما َ‬ ‫ه َ‬ ‫شاءَ الل ُ‬ ‫و َ‬ ‫‪ ،[148‬و ‪‬ل َ ْ‬
‫ؤَنا ‪‬‬ ‫ول َ آَبا ُ‬ ‫ن َ‬
‫ح ُ‬ ‫ء نّ ْ‬‫ي ٍ‬‫ش ْ‬ ‫من َ‬ ‫ه ِ‬‫دون ِ ِ‬
‫ُ‬
‫]النحل‪ ،[35 :‬فهذا قالوه دفعا ً لحجة الله‬
‫عليهم بالرسل‪.‬‬
‫وجواب هذا السائل أن يقال‪ :‬بقي قسم‬
‫ثالث لم تذكره‪ ،‬وهو أن الله قدر كذا وكذا‬
‫بهذا السبب‪ ،‬فإن أتيت بالسبب حصل‬
‫المسبب‪ ،‬وإل فل‪ .‬فإن قال‪ :‬إن كان قدر‬
‫لي السبب‪ ،‬فعلته‪ ،‬وإن لم يقدره لي لم‬
‫أتمكن من فعله‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫قيل‪ :‬فهل تقبل هذا الحتجاج من عبدك‪،‬‬


‫وولدك‪ ،‬وأجيرك إذا احتج به عليك فيما‬
‫أمرته به‪ ،‬ونهيته عنه فخالفك؟ فإن قبلته‪،‬‬
‫فل تلم من عصاك‪ ،‬وأخذ مالك‪ ،‬وقذف‬
‫عرضك‪ ،‬وضيع حقوقك‪ ،‬وإن لم تقبله‪،‬‬
‫فكيف يكون مقبول ً منك في دفع حقوق‬
‫الله عليك‪ .‬وقد روي في أثر إسرائيلي‪ :‬أن‬
‫إبراهيم الخليل قال‪ :‬يا رب ممن الداء؟‬
‫قال‪" :‬مني"‪ .‬قال‪" :‬فممن الدواء"؟ قال‪:‬‬
‫"مني"‪ .‬قال‪ :‬فما بال الطبيب؟‪ .‬قال‪:‬‬
‫"رجل أرسل الدواء على يديه"‪.‬‬
‫وفي قوله ‪" :‬لكل داء دواء" ‪ ،‬تقوية‬
‫لنفس المريض والطبيب‪ ،‬وحث على طلب‬
‫ذلك الدواء والتفتيش عليه‪ ،‬فإن المريض‬
‫إذا استشعرت نفسه أن لدائه دواء يزيله‪،‬‬
‫تعلق قلبه بروح الرجاء‪ ،‬وبردت عنده‬
‫حرارة اليأس‪ ،‬وانفتح له باب الرجاء‪ ،‬ومتى‬
‫قويت نفسه انبعثت حرارته الغريزية‪ ،‬وكان‬
‫ذلك سببا ً لقوة الرواح الحيوانية والنفسانية‬
‫والطبيعية‪ ،‬ومتى قويت هذه الرواح‪ ،‬قويت‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫القوى التي هي حاملة لها‪ ،‬فقهرت المرض‬


‫ودفعته‪.‬‬
‫وكذلك الطبيب إذا علم أن لهذا الداء‬
‫دواء أمكنه طلبه والتفتيش عليه‪ .‬وأمراض‬
‫البدان على وزان أمراض القلوب‪ ،‬وما‬
‫جعل الله للقلب مرضا ً إل جعل له شفاء‬
‫بضده‪ ،‬فإن علمه صاحب الداء واستعمله‪،‬‬
‫وصادف داء قلبه‪ ،‬أبرأه بإذن الله تعالى‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في الرشاد إلى‬
‫معالجة أحذق الطبيبين‬
‫ذكر مالك في "موطئه"‪ :‬عن زيد بن‬
‫أسلم‪ ،‬أن رجل ً في زمان رسول الله ‪‬‬
‫أصابه جرح‪ ،‬فاحتقن الجرح الدم‪ ،‬وأن‬
‫الرجل دعا رجلين من بني أنمار‪ ،‬فنظرا‬
‫إليه فزعما أن رسول الله ‪ ‬قال لهما‪:‬‬
‫"أيكما أطب"؟ فقال‪ :‬أو في الطب خير يا‬
‫رسول الله؟ فقال‪" :‬أنزل الدواء الذي أنزل‬
‫الداء" )‪.(1‬‬
‫ففي هذا الحديث أنه ينبغي الستعانة‬
‫في كل علم وصناعة بأحذق من فيها‬
‫فالحذق‪ ،‬فإنه إلى الصابة أقرب‪.‬‬
‫وهكذا يجب على المستفتي أن يستعين‬
‫على ما نزل به بالعلم فالعلم‪ .‬لنه أقرب‬
‫إصابة ممن هو دونه‪.‬‬
‫وكذلك من خفيت عليه القبلة‪ ،‬فإنه يقلد‬
‫أعلم من يجده‪ ،‬وعلى هذا فطر الله عباده‪،‬‬
‫)( "الموطببأ" ‪ 4/328‬بشببرح الزرقبباني‪ ،‬وهببو‬ ‫‪1‬‬

‫مرسل‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫كما أن المسافر في البر والبحر إنما‬


‫سكون نفسه‪ ،‬وطمأنينته إلى أحذق‬
‫الدليلين وأخبرهما‪ ،‬وله يقصد‪ ،‬وعليه يعتمد‪،‬‬
‫فقد اتفقت على هذا الشريعة والفطرة‬
‫والعقل‪.‬‬
‫وقوله ‪" : ‬أنزل الدواء الذي أنزل‬
‫الداء"‪ ،‬قد جاء مثله عنه في أحاديث كثيرة‪،‬‬
‫فمنها ما رواه عمرو بن دينار‪ ،‬عن هلل بن‬
‫يساف‪ ،‬قال‪ :‬دخل رسول الله ‪ ‬على‬
‫مريض يعوده‪ ،‬فقال‪" :‬أرسلوا إلي طبيب"‪،‬‬
‫فقال قائل‪ :‬وأنت تقول ذلك يا رسول الله؟‬
‫قال‪" :‬نعم إن الله عز وجل لم ينزل داء إل‬
‫أنزل له دواء"‪.‬‬
‫وفي " الصحيحين" من حديث أبي‬
‫هريرة يرفعه‪" :‬ما أنزل الله من داء إل‬
‫أنزل له شفاء‪ ،‬وقد تقدم هذا الحديث‬
‫وغيره‪.‬‬
‫واختلف في معنى "أنزل الداء والدواء"‪،‬‬
‫فقالت طائفة‪ :‬إنزاله إعلم العباد به‪ ،‬وليس‬
‫بشيء‪ ،‬فإن النبي ‪ ‬أخبر بعموم النزال‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫لكل داء ودوائه‪ ،‬وأكثر الخلق ل يعلمون‬


‫ذلك‪ ،‬ولهذا قال‪" :‬علمه من علمه‪ ،‬وجهله‬
‫من جهله"‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬إنزالهما‪ :‬خلقهما‬
‫ووضعهما في الرض‪ ،‬كما في الحديث‬
‫الخر‪" :‬إن الله لم يضع داء إل وضع له‬
‫دواء"‪ ،‬وهذا وإن كان أقرب من الذي قبله‪،‬‬
‫فلفظة النزال أخص من لفظة الخلق‬
‫والوضع‪ ،‬فل ينبغي إسقاط خصوصية‬
‫اللفظة بل موجب‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬إنزالهما بواسطة الملئكة‬
‫الموكلين بمباشرة الخلق من داء ودواء‬
‫وغير ذلك‪ ،‬فإن الملئكة موكلة بأمر هذا‬
‫العالم‪ ،‬وأمر النوع النساني من حيث‬
‫سقوطه في رحم أمه إلى حين موته‪،‬‬
‫فإنزال الداء والدواء مع الملئكة‪ ،‬وهذا‬
‫أقرب من الوجهين قبله‪.‬‬
‫وقالت طائفة‪ :‬إن عامة الدواء والدوية‬
‫هي بواسطة إنزال الغيث من السماء الذي‬
‫تتولد به الغذية‪ ،‬والقوات‪ ،‬والدوية‪،‬‬
‫والدواء‪ ،‬وآلت ذلك كله‪ ،‬وأسبابه‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫ومكملته‪ ،‬وما كان منها من المعادن‬


‫العلوية‪ ،‬فهي تنزل من الجبال‪ ،‬وما كان‬
‫منها من الودية والنهار والثمار‪ ،‬فداخل في‬
‫اللفظ على طريق التغليب والكتفاء عن‬
‫الفعل بفعل واحد يتضمنهما‪ ،‬وهو معروف‬
‫من لغة العرب‪ ،‬بل وغيرها من المم‪،‬‬
‫كقول الشاعر‪:‬‬
‫حتى‬ ‫علفتها تبنا ً وماءً باردا ً‬
‫)‪(1‬‬
‫غدت همالة عيناها‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫ورأيت زوجك قد غدا متقلدا ً سيفا ً‬
‫ً )‪(2‬‬
‫ورمحا‬
‫وقول الخر‪:‬‬
‫)( هببو لببذي الرمببة فببي "المقتضببب" ‪،4/223‬‬ ‫‪1‬‬

‫والخصبببائص ‪ ،2/431‬و"أمبببالي المرتضبببى"‬


‫‪ ،2/259‬و"أمببالي ابببن الشببجري" ‪ ،2/321‬و‬
‫"النصاف" ص ‪ ،613‬و "شرح المفصل" ‪،2/8‬‬
‫والخزانة ‪.1/499‬‬
‫)( هو لعبببد اللببه بببن الزبعببري فببي "الكامببل"‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 189‬و ‪ ،209‬و "المقتضببببببببببببب" ‪ ،2/51‬و‬


‫"الخصائص" ‪ 2/431‬و "أمالي ابن الشببجري"‬
‫‪ ،2/321‬و "أمالي المرتضى" ‪ ،1/54‬و ‪ 260‬و‬
‫‪.375‬‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪6‬‬ ‫النبوي في‬

‫إذا ما الغانيات برزن يوما ً وزججن‬


‫ً )‪(3‬‬
‫الحواجب والعيونا‬
‫وهذا أحسن ما قبله من الوجوه والله‬
‫أعلم‪.‬‬
‫وهذا من تمام حكمة الرب عز وجل‪،‬‬
‫وتمام ربوبيته‪ ،‬فإنه كما ابتلى عباده‬
‫بالدواء‪ ،‬أعانهم عليها بما يسره لهم من‬
‫الدوية‪ ،‬وكما ابتلهم بالذنوب أعانهم عليها‬
‫بالتوبة‪ ،‬والحسنات الماحية والمصائب‬
‫المكفرة‪ ،‬وكما ابتلهم بالرواح الخبيثة من‬
‫الشياطين‪ ،‬أعانهم عليها بجند من الرواح‬
‫الطيبة‪ ،‬وهم الملئكة‪.‬‬
‫وكما ابتلهم بالشهوات أعانهم على‬
‫قضائها بما يسره لهم شرعا ً وقدرا ً من‬
‫المشتهيات اللذيذة النافعة‪ ،‬فما ابتلهم‬
‫سبحانه بشيء إل أعطاهم ما يستعينون به‬
‫على ذلك البلء‪ ،‬ويدفعونه به‪ ،‬ويبقى‬
‫التفاوت بينهم في العلم بذلك‪ ،‬والعلم‬

‫)( هو للراعي النميري في ديببوانه ص ‪ ،156‬و‬ ‫‪3‬‬

‫"تأويبببببل مشبببببكل القبببببرآن" ص ‪ ،165‬و‬


‫"الخصائص" ‪ ،2/432‬و "النصاف" ‪.610‬‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪7‬‬ ‫النبوي في‬

‫بطريق حصوله والتوصل إليه‪ ،‬وبالله‬


‫المستعان‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪8‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في تضمين من‬
‫طب الناس‪،‬‬
‫وهو جاهل بالطب‬
‫روى أبو داود‪ ،‬والنسائي‪ ،‬وابن ماجة‪ ،‬من‬
‫حديث عمرو بن شعيب‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن جده‪،‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله ‪" :‬من تطبب ولم‬
‫يعلم منه الطب قبل ذلك‪ ،‬فهو ضامن" )‪.(1‬‬
‫هذا الحديث يتعلق به ثلثة أمور‪ :‬أمر‬
‫لغوي‪ ،‬وأمر فقهي‪ ،‬وأمر طبي‪.‬‬
‫فأما اللغوي‪ :‬فالطب بكسر الطاء في‬
‫لغة العرب‪ ،‬يقال‪ :‬على معان منها الصلح‪،‬‬
‫يقال‪ :‬طببته‪ :‬إذ أصلحته‪ .‬ويقال‪ :‬له طب‬
‫بالمور‪ .‬أي‪ :‬لطف وسياسة‪ .‬قال الشاعر‪:‬‬
‫كنت‬ ‫وإذا تغر من تميم أمرها‬
‫الطبيب لها برأي ثاقب‬

‫)( أخرجه أبو داود )‪ :(4586‬باب فيمن تطبببب‬ ‫‪1‬‬

‫بغير علم‪ ،‬والنسائي ‪ 8/53‬في القسامة‪ :‬ببباب‬


‫صببفة سبببه العمببد‪ ،‬وابببن ماجببة )‪ (3466‬فببي‬
‫الطب‪ :‬باب من تطبب ولببم يعلببم منببه طببب‪،‬‬
‫وسنده حسن‪.‬‬
‫‪5‬‬ ‫الهدي‬
‫‪9‬‬ ‫النبوي في‬

‫ومنها‪ :‬الحذق‪ :‬قال الجوهري‪ :‬كل حاذق‬


‫طبيب عند العرب‪ ،‬قال أبو عبيد‪ :‬أصل‬
‫الطب‪ :‬الحذق بالشياء والمهارة بها‪ .‬يقال‬
‫للرجل‪ :‬طب وطبيب‪ :‬إذا كان كذلك‪ ،‬وإن‬
‫كان في غير علج المريض‪ .‬وقال غيره‪:‬‬
‫رجل طبيب‪ :‬أي حاذق‪ :‬سمي طبيبا ً لحذقه‬
‫وفطنته‪ .‬قال علقمة‪:‬‬
‫فإن تسألوني بالنسـاء فـإنني‬
‫خـبير بأدواء النساء طبيب‬
‫إذا شاب رأس المرء أو قل ماله‬
‫فليس له من ودهن نصيب )‪.(1‬‬

‫)( البيتان من قصيدته المفضببلة الرائعببة الببتي‬ ‫‪1‬‬

‫قالها في مدح الحارث بن جبلة بن أبببي شببمر‬


‫الغساني‪ ،‬ومطلعها‪.‬‬
‫طحابــك قلــب فــي الحســان طــروب‬
‫بعيد الشباب عصر حان مشيب‬
‫وهببي فببي "المفضببليات" ص ‪ ،290‬وديببوان‬
‫علقمببة ص ‪ ،131‬ومختببار الشببعر الجبباهلي‬
‫‪ ،1/418‬وشببببببرح "المفضببببببليات" ‪3/158‬‬
‫للتبريزي‪ .‬وقوله‪ :‬بالنساء‪ ،‬يريببد‪ :‬عببن النسبباء‪،‬‬
‫وفببي القببرآن )فاسببأل بببه خبببيرًا(‪ .‬وقببوله إذا‬
‫شاب‪ ....‬هو كقول امرئ القيس‪.‬‬
‫أراهــــن ل يحببــــن مــــن قــــل مــــاله‬
‫ول مــن رأيــن الشــيب فيــه وقوســا ً‬
‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫وقال عنترة‪:‬‬
‫إن تغدفي دوني القناع فإنني‬
‫)‪(1‬‬
‫طب بأخذ الفارس المستلئم‬
‫أي‪ :‬إن ترخي عني قناعك‪ ،‬وتستري‬
‫وجهك رغبة عني‪ ،‬فإني خبير حاذق بأخذ‬
‫الفارس الذي قد لبس لمة حربه‪.‬‬
‫ومنها‪ :‬العادة‪ ،‬يقال‪ :‬ليس ذاك بطبي‪،‬‬
‫أي‪ :‬عادتي‪ ،‬قال فروة بن مسيك)‪:(2‬‬

‫وعلقمة بن عبدة شاعر جاهلي فحل مجيببد‬


‫عاصر امرأ القيببس الببذي بينببه وبيببن السببلم‬
‫نحو ثمانين سنة‪.‬‬
‫)( البببيت مببن معلقتببه فببي "شببرح القصببائد‬ ‫‪1‬‬

‫السبببع الطببوال"‪ ،‬ص ‪ ،335‬و "مختببار الشببعر‬


‫الجبببباهلي ص ‪ ،374‬وقببببوله "إن )تغببببدفي(‬
‫الغداف‪ :‬إرخاء القنبباع علببى الببوجه والتسببتر‪.‬‬
‫والمسببتلئم‪ :‬اللبببس اللمببة‪ ،‬واللمببة‪ :‬الببدرع‪،‬‬
‫يقببول‪ :‬إذا لببم أعجببز مببن صببيد الفرسببان‬
‫الدارعين‪ ،‬فكيف أعجز عن صيد مثلك؟‪.‬‬
‫)( هو فروة بن مسيك بن الحببارث بببن سببلمة‬ ‫‪2‬‬

‫المرادي الغطيفي‪ ،‬وفببد علببى النبببي ‪ ‬سببنة‬


‫تسع أو عشر‪ ،‬وأسببلم‪ ،‬ونببزل علببى سببعد بببن‬
‫عببببادة‪ ،‬وتعلبببم القبببرآن‪ ،‬وفبببرائض السبببلم‬
‫وشرائعه‪ ،‬وأجازه النبببي ‪ ، ‬واسببتعمله علببى‬
‫مببراد ومذحببج وزبيبد‪ ،‬وقاتبل أهببل البردة بعببد‬
‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫فما إن طبنا جبن ولكن‬


‫منايانا ودولة آخرينا‬
‫وقال أحمد بن الحسين المتنبي‪:‬‬
‫وما التيه طبي فيهم غير أنني بغيض‬
‫)‪(1‬‬
‫إلي الجاهل المتعاقل‬
‫ومنها‪ :‬السحر‪ ،‬يقال‪ :‬رجل مطبوب‪ ،‬أي‪:‬‬
‫مسحور‪ ،‬وفي "الصحيح" في حديث عائشة‬
‫لما سحرت يهود رسول الله ‪ ، ‬وجلس‬
‫الملكان عند رأسه وعند رجليه‪ ،‬فقال‬
‫أحدهما‪ :‬ما بال الرجل؟ قال الخر‪:‬‬
‫مطبوب‪ .‬قال‪ :‬من طبه؟ قال‪ :‬فلن‬
‫اليهودي‪.‬‬
‫قال أبو عبيد‪ :‬إنما قالوا للمسحور‪:‬‬
‫مطبوب‪ ،‬لنهم كنوا بالطب عن السحر‪ ،‬كما‬

‫وفاة النبي ‪ ، ‬وبقي إلى خلفة عمببر‪ .‬انظببر‬


‫"الصابة" ت ‪ ،6983‬وبيتببه هبذا أورده المبببرد‬
‫في "الكامل" ص ‪ ،295‬وفي "اللسان" مببادة‪:‬‬
‫طبب وقبله‪.‬‬
‫فإن نغلب فغلبون قدمًاوإن نغلببب فغيببر مغلبينببا‬
‫وبعده‪:‬‬
‫كذاك الدهر دولته سجالتكسر صروفه حينا ً فحينا ً‬
‫)( ديوانه ‪ 3/237‬بشرح البرقوقي‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫كنوا عن اللديغ‪ ،‬فقالوا‪ :‬سليم تفاؤل‬


‫بالسلمة‪ ،‬وكما كنوا بالمفازة عن الفلة‬
‫المهلكة التي ل ماء فيها‪ ،‬فقالوا‪ :‬مفازة‬
‫تفاؤل ً بالفوز من الهلك‪ ،‬ويقال‪ :‬الطب‬
‫لنفس الداء‪ .‬قال ابن أبي السلت‪:‬‬
‫أل من مبلغ حسان عني‬
‫أسحر كان طبك أم جنون‬
‫وأما قول الحماسي‪:‬‬
‫فإن كنت مطبوبا ً فلزلت هكذا‬
‫وإن كنت مسحورا ً أفل برئ‬
‫)‪(1‬‬
‫السحر‬

‫)( البببيت فببي "الحماسببة" ‪ 3/1267‬بشببرح‬ ‫‪1‬‬

‫المرزوقي‪ ،‬وقبله بيتان هما‪:‬‬


‫هل الوجد إل أن قلبي لو دنامن الجمر قيد الرمح‬
‫لحببترق الجمرأفببي الحببق أنببي مغببرم بببك‬
‫هائموأنببك ل خببل هببواك ول خمروقببوله "فببإن‬
‫كنببت مطبوبببًا" قببال المرزوقببي‪ :‬فببالطب‪:‬‬
‫السحر والعلم جميعبًا‪ ،‬وهببو طببب‪ ،‬أي‪ :‬عليببم‪،‬‬
‫وفببي الحببديث "حيببن طببب" أي‪ :‬سببحر‪ ،‬وهببو‬
‫مطبوب‪ ،‬أي‪ :‬مسحور‪ .‬ومعنى البيت‪ :‬إن كببان‬
‫الذي بببي وأقاسببيه داء معلوم با ً يعببرف دواؤه‪،‬‬
‫فل فارقني فإني ألتذ به‪ ،‬وإن كان الذي بببي ل‬
‫يعلببم مببا هببو‪ ،‬وأعيببا الوقببوف عليببه الطببباء‪،‬‬
‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫فإنه أراد بالمطبوب الذي قد سحر‪،‬‬


‫وأراد بالمسحور‪ :‬العليل بالمرض‪.‬‬
‫قال الجوهري‪ :‬ويقال للعليل‪ :‬مسحور‪.‬‬
‫وأنشد البيت‪ .‬ومعناه‪ :‬إن كان هذا الذي قد‬
‫عراني منك ومن حبك أسأل الله دوامه‪ ،‬ول‬
‫أريد زواله‪ ،‬سواء كان سحرا ً أو مرضًا‪.‬‬
‫والطب‪ :‬مثلث الطاء‪ ،‬فالمفتوح الطاء‪:‬‬
‫هو العالم بالمور‪ ،‬وكذلك الطبيب يقال له‪:‬‬
‫طب أيضًا‪ .‬والطب‪ :‬بكسر الطاء‪ :‬فعل‬
‫الطبيب‪ ،‬والطب بضم الطاء‪ :‬اسم موضع‪،‬‬
‫قاله ابن السيد‪ ،‬وأنشد‪:‬‬
‫فقلت هل انهلتم بطب ركابكم بجائزة‬
‫الماء التي طاب طينها‬
‫وقوله ‪": ‬من تطبب"‪ ،‬ولم يقل‪ :‬من‬
‫طب‪ ،‬لن لفظ التفعل يدل على تكلف‬
‫الشيء والدخول فيه بعسر وكلفه‪ ،‬وأنه‬

‫والعلمبباء بببالدواء حببتى يسببلم للسببحر‪ ،‬فل‬


‫فارقني أيضًا‪ ،‬وإنما قال هذا من عادة العامببة‪،‬‬
‫لنهم كذا يعتقدون فببي الوصبباب والعلببل‪ ،‬ول‬
‫يجببوز أن يكببون معنببى مطبوبببًا‪ :‬لنببه يصببير‬
‫الصدر والعجز لمعنى واحد‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫ليس من أهله‪ ،‬كتحلم وتسجع وتصبر‬


‫ونظائرها‪ ،‬وكذلك بنوا تكلف على هذا‬
‫الوزن‪ ،‬قال الشاعر‪:‬‬
‫)‪(1‬‬
‫وقيس عيلن ومن تقيسا‬
‫وأما المر الشرعي‪ ،‬فإيجاب الضمان‬
‫على الطبيب الجاهل‪ ،‬فإذا تعاطى علم‬
‫الطب وعلمه‪ ،‬ولم يتقدم له به معرفة‪ ،‬فقد‬
‫هجم بجهله على إتلف النفس‪ ،‬وأقدم‬
‫بالتهور على ما لم يعلمه‪ ،‬فيكون قد غرر‬
‫بالعليل‪ ،‬فليزمه الضمان لذلك‪ ،‬وهذا إجماع‬
‫أهل العلم‪.‬‬
‫قال الخطابي‪ :‬ل أعلم خلفا ً في أن‬
‫المعالج إذا تعدى‪ ،‬فتلف المريض كان‬
‫ضامنًا‪ ،‬والمتعاطي علما ً أو عمل ً ل يعرفه‬
‫متعد‪ ،‬فإذا تولد من فعله التلف من الدية‪،‬‬
‫وسقط عنه القود‪ ،‬لنه ل يستبد بذلك بدون‬
‫)( الرجز للعجاج‪ ،‬وقبله‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫وإن دعوت من تميم أوؤسا‬


‫وبعده‪:‬‬
‫تقاعس العز بنا فاقعنسسا‬
‫ومعنبببى تقببباعس‪ :‬ثببببت وانتصبببب‪ ،‬وكبببذاك‬
‫اقعنسس‪.‬‬
‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫إذن المريض وجناية المتطبب في قول‬


‫عامة الفقهاء على عاقلته‪.‬‬
‫قلت‪ :‬القسام خمسة‪ :‬أحدها‪ :‬طبيب‬
‫حاذق أعطى الصنعة حقها ولم تجن يده‪،‬‬
‫فتولد من فعله المأذون فيه من جهة‬
‫الشارع‪ ،‬ومن جهة من يطبه تلف العضو أو‬
‫النفس‪ ،‬أو ذهاب صفة‪ ،‬فهذا ل ضمان عليه‬
‫اتفاقًا‪ ،‬فإنها سراية مأذون فيه‪ ،‬وهذا كما‬
‫إذا ختن الصبي في وقت وسنه قابل‬
‫للختان‪ ،‬وأعطى الصنعة حقها‪ ،‬فتلف العضو‬
‫أو الصبي‪ ،‬لم يضمن‪ ،‬وكذلك إذا بط من‬
‫عاقل أو غيره ما ينبغي بطه في وقته على‬
‫الوجه الذي ينبغي فتلف به‪ ،‬لم يضمن‪،‬‬
‫وهكذا سراية كل مأذون فيه لم يتعد‬
‫الفاعل في سببها‪ ،‬كسراية الحد بالتفاق‪.‬‬
‫وسراية القصاص عند الجمهور خلفا ً لبي‬
‫حنيفة في إيجابه الضمان بها‪ ،‬وسراية‬
‫التعزير‪ ،‬وضرب الرجل امرأته‪ ،‬والمعلم‬
‫الصبي‪ ،‬والمستأجر الدابة‪ ،‬خلفا ً لبي حنيفة‬
‫والشافعي في إيجابهما الضمان في ذلك‪،‬‬
‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪6‬‬ ‫النبوي في‬

‫واستثنى الشافعي ضرب الدابة‪.‬‬


‫وقاعدة الباب إجماعا ً ونزاعًا‪ :‬أن سراية‬
‫الجناية مضمونة بالتفاق‪ ،‬وسراية الواجب‬
‫مهدرة بالتفاق‪ ،‬وما بينهما ففيه النزاع‪.‬‬
‫فأبو حنيفة أوجب ضمانه مطلقًا‪ ،‬وأحمد‬
‫ومالك أهدرا ضمانه‪ ،‬وفرق الشافعي بين‬
‫المقدر‪ ،‬فأهدر ضمانه‪ ،‬وبين غير المقدر‬
‫فأوجب ضمانه‪ .‬فأبو حنيفة نظر إلى أن‬
‫الذن في الفعل إنما وقع مشروطا ً‬
‫بالسلمة‪ ،‬وأحمد ومالك نظرا إلى أن الذن‬
‫أسقط بالضمان‪ ،‬والشافعي نظر إلى أن‬
‫المقدر ل يمكن النقصان منه‪ ،‬فهو بمنزلة‬
‫النص‪ ،‬وأما غير المقدر كالتعزيرات‪،‬‬
‫والتأديبات‪ ،‬فاجتهادية‪ ،‬فإذا تلف بها‪ ،‬ضمن‪،‬‬
‫لنه في مظنة العدوان‪.‬‬
‫فصل‬
‫القسم الثاني‪ :‬متطبب جاهل باشرت‬
‫يده من يطبه‪ ،‬فتلف به‪ ،‬فهذا إن علم‬
‫المجني عليه أنه جاهل ل علم له‪ ،‬وأذن في‬
‫طبه لم يضمن‪ ،‬ول تخالف هذه الصورة‬
‫ظاهر الحديث‪ ،‬فإن السياق وقوة الكلم‬
‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪7‬‬ ‫النبوي في‬

‫يدل على أنه غر العليل‪ ،‬وأوهمه أنه طبيب‪،‬‬


‫وأذن له في طبه لجل معرفته‪ ،‬ضمن‬
‫الطبيب ما جنت يده‪ ،‬وكذلك إن وصف له‬
‫دواء يستعمله‪ ،‬والعليل يظن أنه وصفه‬
‫لمعرفته وحذقه فتلف به‪ ،‬ضمنه‪ ،‬والحديث‬
‫ظاهر فيه أو صريح‪.‬‬
‫فصل‬
‫القسم الثالث‪ :‬طبيب حاذق‪ ،‬أذن له‪،‬‬
‫وأعطى الصنعة حقها‪ ،‬لكنه أخطأت يده‪،‬‬
‫وتعدت إلى عضو صحيح فأتلفه‪ ،‬مثل‪ :‬إن‬
‫سبقت يد الخاتن إلى الكمرة‪ ،‬فهذا يضمن‪،‬‬
‫لنها جناية خطأ‪ ،‬ثم إن كانت الثلث فما‬
‫زاد‪ ،‬فهو على عاقلته‪ ،‬فإن لم تكن عاقلة‪،‬‬
‫فهل تكون الدية في ماله‪ ،‬أو في بيت‬
‫المال؟ على قولين‪ ،‬هما روايتان عن أحمد‪.‬‬
‫وقيل‪ :‬إن كان الطبيب ذميًا‪ ،‬ففي ماله‪،‬‬
‫وإن كان مسلمًا‪ ،‬ففيه الروايتان‪ ،‬فإن لم‬
‫يكن بيت مال‪ ،‬أو تعذر تحميله‪ ،‬فهل تسقط‬
‫الدية‪ ،‬أو تجب في مال الجاني؟ فيه وجهان‬
‫أشهرهما‪ :‬سقوطها‪.‬‬
‫فصل‬
‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪8‬‬ ‫النبوي في‬

‫القسم الرابع‪ :‬الطبيب الحاذق الماهر‬


‫بصناعته‪ ،‬اجتهد فوصف للمريض دواء‪،‬‬
‫فأخطأ في اجتهاده‪ ،‬فقتله‪ ،‬فهذا يخرج على‬
‫روايتين‪ :‬إحداهما‪ :‬أن دية المريض في بيت‬
‫المال‪ .‬والثانية‪ :‬أنها على عاقلة الطبيب‪،‬‬
‫وقد نص عليهما المام أحمد في خطأ‬
‫المام والحاكم‪.‬‬
‫فصل‬
‫القسم الخامس‪ :‬طبيب حاذق‪ ،‬أعطى‬
‫سَلعة )‪ (1‬من رجل أو‬ ‫الصنعة حقها‪ ،‬فقطع ِ‬
‫صبي‪ ،‬أو مجنون بغير إذنه‪ ،‬أو إذن وليه‪ ،‬أو‬
‫ختن صبيا ً بغير إذن وليه فتلف‪ ،‬فقال‬
‫أصحابنا‪ :‬يضمن‪ ،‬لنه تولد من فعل غير‬
‫مأذون فيه‪ ،‬وإن أذن له البالغ‪ ،‬أو ولي‬
‫الصبي والمجنون‪ ،‬لم يضمن‪ ،‬ويحتمل أن ل‬
‫يضمن مطلقا ً لنه محسن‪ ،‬وما على‬
‫المحسنين من سبيل‪ .‬وأيضا ً فإنه إن كان‬
‫متعديًا‪ ،‬فل أثر لذن الولي في إسقاط‬
‫الضمان‪ ،‬وإن لم يكن متعديًا‪ ،‬فل وجه‬
‫)( السببلعة‪ :‬زيببادة تحببدث فببي البببدن كالغببدة‬ ‫‪1‬‬

‫تتحرك إذا حركت‪.‬‬


‫‪6‬‬ ‫الهدي‬
‫‪9‬‬ ‫النبوي في‬

‫لضمانه‪ .‬فإن قلت‪ :‬هو متعد عند عدم‬


‫الذن‪ ،‬غير متعد عند الذن‪ ،‬قلت‪ :‬العدوان‬
‫وعدمه إنما يرجع إلى فعله هو‪ ،‬فل أثر‬
‫للذن وعدمه فيه‪ ،‬وهذا موضع نظر‪.‬‬
‫فصل‬
‫والطبيب في هذا الحديث يتناول من‬
‫يطب بوصفه وقوله‪ ،‬وهو الذي يخص باسم‬
‫الطبائعي‪ ،‬وبمروده‪ ،‬وهو الكحال‪ ،‬وبمبضعه‬
‫ومراهمه وهو الجرائحي‪ ،‬وبمواساه وهو‬
‫الخاتن‪ ،‬وبريشته وهو الفاصد‪ ،‬وبمحاجمه‬
‫ومشرطه وهو الحجام‪ ،‬وبخلعه ووصله‬
‫ورباطه وهو المجبر‪ ،‬وبمكواته وناره وهو‬
‫الكواء‪ ،‬وبقربته وهو الحاقن‪ ،‬وسواء كان‬
‫طبه لحيوان بهيم‪ ،‬أو إنسان‪ ،‬فاسم الطبيب‬
‫يطلق لغة على هؤلء كلهم‪ ،‬كما تقدم‪،‬‬
‫وتخصيص الناس له ببعض أنواع الطباء‬
‫عرف حادث‪ ،‬كتخصيص لفظ الدابة بما‬
‫يخصها به كل قوم‪.‬‬
‫فصل‬
‫والطبيب الحاذق‪ :‬هو الذي يراعي في‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫علجه عشرين أمرًا‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬النظر في نوع المرض من أي‬
‫المراض هو؟‬
‫الثاني‪ :‬النظر في سببه من أي شيء‬
‫حدث‪ ،‬والعلة الفاعلة التي كانت سبب‬
‫حدوثه ما هي؟‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬قوة المريض‪ ،‬وهل هي مقاومة‬
‫للمرض‪ ،‬أو أضعف منه؟ فإن كانت مقاومة‬
‫للمرض‪ ،‬مستظهرة عريه‪ ،‬تركها والمرض‪،‬‬
‫ولم يحرك بالدواء ساكنًا‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬مزاج البدن الطبيعي ما هو؟‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬المزاج الحادث على غير‬
‫المجرى الطبيعي‪.‬‬
‫السادس‪ :‬سن المريض‪.‬‬
‫السابع‪ :‬عادته‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬الوقت الحاضر من فصول السنة‬
‫وما يليق به‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬بلد المريض وتربته‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬حال الهواء في وقت المرض‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬النظر في الدواء المضاد‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫لتلك العلة‪.‬‬
‫الثاني عشر‪ :‬النظر في قوة الدواء‬
‫ودرجته‪ ،‬والموازنة بينها وبين قوة المريض‪.‬‬
‫الثالث عشر‪ :‬أل يكون كل قصده إزالة‬
‫تلك العلة فقط‪ ،‬بل إزالتها على وجه يأمن‬
‫معه حدوث أصعب منها‪ ،‬فمتى كان إزالتها‬
‫ل يأمن معها حدوث علة أخرى أصعب منها‪،‬‬
‫أبقاها على حالها‪ ،‬وتلطيفها هو الواجب‪،‬‬
‫وهذا كمرض أفواه العروق‪ ،‬فإنه متى عولج‬
‫بقطعه وحبسه خيف حدوث ما هو أصعب‬
‫منه‪.‬‬
‫الرابع عشر‪ :‬أن يعالج بالسهل فالسهل‪،‬‬
‫ل ينتقل من العلج بالغذاء إلى الدواء إل‬
‫عند تعذره‪ ،‬ول ينتقل إلى الدواء المركب إل‬
‫عند تعذر الدواء البسيط‪ ،‬فمن حذق‬
‫الطبيب علجه بالغذية بدل الدوية‪،‬‬
‫وبالدوية البسيطة بدل المركبة‪.‬‬
‫الخامس عشر‪ :‬أن ينظر في العلة‪ ،‬هل‬
‫هي مما يمكن علجها أو ل؟ فإن لم يمكن‬
‫علجها‪ ،‬حفظ صناعته وحرمته‪ ،‬ول يحمله‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫الطمع على علج ل يفيد شيئًا‪ .‬وإن أمكن‬


‫علجها‪ ،‬نظر هل يمكن زوالها أم ل؟ فإن‬
‫علم أنه ل يمكن زوالها‪ ،‬نظر هل يمكن‬
‫تخفيفها وتقليلها أم ل؟ فإن لم يمكن‬
‫تقليلها‪ ،‬ورأى أن غاية المكان إيقافها‬
‫وقطع زيادتها‪ ،‬قصد بالعلج ذلك ‪ ،‬وأعان‬
‫القوة‪ ،‬وأضعف المادة‪.‬‬
‫السادس عشر‪ :‬أل يتعرض للخلط قبل‬
‫نضجه باستفراغ‪ ،‬بل يقصد إنضاجه‪ ،‬فإذا تم‬
‫نضجه‪ ،‬بادر إلى استفراغه‪.‬‬
‫السابع عشر‪ :‬أن يكون له خبرة باعتلل‬
‫القلوب والرواح وأدويتها‪ ،‬وذلك أصل‬
‫عظيم في علج البدان‪ ،‬فإن انفعال البدن‬
‫وطبيعته عن النفس والقلب أمر مشهود‪،‬‬
‫والطبيب إذا كان عارفا ً بأمراض القلب‬
‫والروح وعلجهما‪ ،‬كان هو الطبيب الكامل‪،‬‬
‫والذي ل خبرة له بذلك وإن كان حاذقا ً في‬
‫علج الطبيعة وأحوال البدن نصف طبيب‪.‬‬
‫وكل طبيب ل يداوي العليل‪ ،‬بتفقد قلبه‬
‫وصلحه‪ ،‬وتقوية روحه وقواه بالصدقة‪،‬‬
‫وفعل الخير‪ ،‬والحسان‪ ،‬والقبال على الله‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫والدار الخرة‪ ،‬فليس بطبيب‪ ،‬بل متطبب‬


‫قاصر‪ .‬ومن أعظم علجات المرض فعل‬
‫الخير والحسان والذكر والدعاء‪ ،‬والتضرع‬
‫والبتهال إلى الله‪ ،‬والتوبة‪ ،‬ولهذه المور‬
‫تأثير في دفع العلل‪ ،‬وحصول الشفاء أعظم‬
‫من الدوية الطبيعية‪ ،‬ولكن بحسب استعداد‬
‫النفس وقبولها وعقيدتها في ذلك ونفعه‪.‬‬
‫الثامن عشر‪ :‬التلطف بالمريض‪ .‬والرفق‬
‫به‪ ،‬كالتلطف بالصبي‪.‬‬
‫التاسع عشر‪ :‬أن يستعمل أنواع‬
‫العلجات الطبيعية واللهية‪ ،‬والعلج‬
‫بالتخييل‪ ،‬فإن لحذاق الطباء في التخييل‬
‫أمورا ً عجيبة ل يصل إليها الدواء‪ ،‬فالطبيب‬
‫الحاذق يستعين على المرض بكل معين‪.‬‬
‫العشرون‪ :‬وهو ملك أمر الطبيب‪ ،‬أن‬
‫يجعل علجه وتدبيره دائرا ً على ستة أركان‪:‬‬
‫حفظ الصحة الموجودة‪ ،‬ورد الصحة‬
‫المفقودة بحسب المكان‪ ،‬وإزالة العلة أو‬
‫تقليلها بحسب المكان‪ ،‬واحتمال أدنى‬
‫المفسدتين لزالة أعظمهما‪ ،‬وتفويت أدنى‬
‫المصلحتين لتحصيل أعظمهما‪ ،‬فعلى هذه‬
‫الصول الستة مدار العلج‪ ،‬وكل طبيب ل‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫التي يرجع إليها‪ ،‬فليس‬ ‫تكون هذه أخيته‬


‫)‪( 1‬‬

‫بطبيب‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬

‫)( الخيببة بزنببة أبيببة‪ :‬الحرمببة والذمببة‪ ،‬وعببود‬ ‫‪1‬‬

‫وعروة تشد بها الدابة مثنية في الرض‪.‬‬


‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫ولما كان للمرض أربعة أحوال‪ :‬ابتداء‪،‬‬
‫وصعود‪ ،‬وانتهاء‪ ،‬وانحطاط‪ ،‬تعين على‬
‫الطبيب مراعاة كل حال من أحوال المرض‬
‫بما يناسبها ويليق بها‪ ،‬ويستعمل في كل‬
‫حال ما يجب استعماله فيها‪ .‬فإذا رأى في‬
‫ابتداء المرض أن الطبيعة محتاجة إلى ما‬
‫يحرك الفضلت ويستفرغها لنضجها‪ ،‬بادر‬
‫إليه‪ ،‬فإن فاته تحريك الطبيعة في ابتداء‬
‫المرض لعائق منع من ذلك‪ ،‬أو لضعف‬
‫القوة وعدم احتمالها للستفراغ‪ ،‬أو لبرودة‬
‫الفصل‪ ،‬أو لتفريط وقع‪ ،‬فينبغي أن يحذر‬
‫كل الحذر أن يفعل ذلك في صعود المرض‪،‬‬
‫لنه إن فعله‪ ،‬تحيرت الطبيعة لشتغالها‬
‫بالدواء‪ ،‬وتخلت عن تدبير المرض ومقاومته‬
‫بالكلية‪ ،‬ومثاله‪ :‬أن يجيء إلى فارس‬
‫مشغول بمواقعة عدوه‪ ،‬فيشغله عنه بأمر‬
‫آخر‪ ،‬ولكن الواجب في هذه الحال أن يعين‬
‫الطبيعة على حفظ القوة ما أمكنه‪.‬‬
‫فإذا انتهى المرض ووقف وسكن‪ ،‬أخذ‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪6‬‬ ‫النبوي في‬

‫في استفراغه‪ ،‬واستئصال أسبابه‪ ،‬فإذا أخذ‬


‫في النحطاط‪ ،‬كان أولى بذلك‪ .‬ومثال هذا‬
‫مثال العدو إذا انتهت قوته‪ ،‬وفرغ سلحه‪،‬‬
‫ل‪ ،‬فإذا ولى وأخذ في الهرب‪،‬‬‫كان أخذه سه ً‬
‫كان أسهل أخذًا‪ ،‬وحدته وشوكته إنما هي‬
‫في ابتدائه‪ ،‬وحال استفراغه‪ ،‬وسعة قوته‪،‬‬
‫فهكذا الداء والدواء سواء‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪7‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫ومن حذق الطبيب أنه حيث أمكن‬
‫التدبير بالسهل‪ ،‬فل يعدل إلى الصعب‪،‬‬
‫ويتدرج من الضعف إلى القوى إل أن‬
‫يخاف فوت القوة حينئذ‪ ،‬فيجب أن يبتدئ‬
‫بالقوى‪ ،‬ول يقيم في المعالجة على حال‬
‫واحدة فتألفها الطبيعة‪ ،‬ويقل انفعالها عنه‪،‬‬
‫ول تجسر على الدوية القوية في الفصول‬
‫القوية‪ ،‬وقد تقدم أنه إذا أمكنه العلج‬
‫بالغذاء‪ ،‬فل يعالج بالدواء‪ ،‬وإذا أشكل عليه‬
‫المرض أحار هو أم بارد؟ فل يقدم حتى‬
‫يتبين له‪ ،‬ول يجر به بما يخاف عاقبته‪ ،‬ول‬
‫بأس بتجربته بما ل يضر أثره‪.‬‬
‫وإذا اجتمعت أمراض‪ ،‬بدأ بما تخصه‬
‫واحدة من ثلث خصال‪:‬‬
‫إحداها‪ :‬أن يكون برء الخر موقوفا ً على‬
‫برئه كالورم والقرحة فإنه يبدأ بالورم‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬أن يكون أحدها سبًبا للخر‪،‬‬
‫كالسدة والحمى والعفنة فإنه يبدأ بإزالة‬
‫السبب‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪8‬‬ ‫النبوي في‬

‫الثالثة‪ :‬أن يكون أحدهما أهم من الخر‪،‬‬


‫كالحاد والمزمن‪ ،‬فيبدأ بالحاد‪ ،‬ومع هذا فل‬
‫يغفل عن الخر‪ .‬وإذا اجتمع المرض‬
‫والعرض‪ ،‬بدأ بالمرض‪ ،‬إل أن يكون العرض‬
‫أقوى كالقولنج )‪ ،(1‬فيسكن الوجع أو ً‬
‫ل‪ ،‬ثم‬
‫يعالج السدة‪ ،‬وإذا أمكنه أن يعتاض عن‬
‫المعالجة بالستفراغ بالجوع أو الصوم أو‬
‫النوم‪ ،‬لم يستفرغه‪ ،‬وكل صحة أراد‬
‫حفظها‪ ،‬حفظها بالمثل أو الشبه‪ ،‬وإن أراد‬
‫نقلها إلى ما هو أفضل منها‪ ،‬نقلها بالضد‪.‬‬

‫)( القولنببج‪ :‬مببرض معببوي مببؤلم يعسببر معببه‬ ‫‪1‬‬

‫خروج الثفل والريح‪.‬‬


‫والثفل حثالة الشيء‪.‬‬
‫‪7‬‬ ‫الهدي‬
‫‪9‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في علج المرضى‬
‫بتطييب نفوسهم‬
‫وتقوية قلوبهم‬
‫روى ابن ماجة "في سننه" من حديث‬
‫أبي سعيد الخدري‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫‪" : ‬إذا دخلتم على المريض‪ ،‬فنفسوا له‬
‫في الجل‪ ،‬فإن ذلك ل يرد شيئًا‪ ،‬وهو‬
‫يطيب نفس المريض" )‪.(1‬‬
‫وفي هذا الحديث نوع شريف جدا ً من‬
‫أشرف أنواع العلج‪ ،‬وهو الرشاد إلى ما‬
‫يطيب نفس العليل من الكلم الذي تقوى‬
‫به الطبيعة‪ ،‬وتنتعش به القوة‪ ،‬وينبعث به‬
‫الحار الغريزي‪ ،‬فيتساعد على دفع العلة أو‬
‫تخفيفها الذي هو غاية تأثير الطبيب‪.‬‬
‫وتفريج نفس المريض‪ ،‬وتطييب قلبه‪،‬‬
‫وإدخال ما يسره عليه‪ ،‬له تأثير عجيب في‬
‫)( أخرجه ابن ماجة )‪ (1438‬في الجنائز‪ :‬باب‬ ‫‪1‬‬

‫مببا جبباء فببي عيببادة المريببض‪ ،‬والترمببذي )‬


‫‪ (2087‬وفببي سببنده موسببى بببن محمببد بببن‬
‫إبراهيم التيمي‪ ،‬وهو منكر الحديث‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫شفاء علته وخفتها‪ ،‬فإن الرواح والقوى‬


‫تقوى بذلك‪ ،‬فتساعد الطبيعة على دفع‬
‫المؤذي‪ ،‬وقد شاهد الناس كثيرا ً من‬
‫المرضى تنتعش قواه بعيادة من يحبونه‪،‬‬
‫ويعظمونه‪ ،‬ورؤيتهم لهم‪ ،‬ولطفهم بهم‪،‬‬
‫ومكالمتهم إياهم‪ ،‬وهذا أحد فوائد عيادة‬
‫المرضى التي تعلق بهم‪ ،‬فإن فيها أربعة‬
‫أنواع من الفوائد‪ :‬نوع يرجع إلى المريض‪،‬‬
‫ونوع يعود على العائد‪ ،‬ونوع يعود على أهل‬
‫المريض‪ ،‬ونوع يعود على العامة‪.‬‬
‫وقد تقدم في هديه ‪ ‬أنه كان يسأل‬
‫المريض عن شكواه‪ ،‬وكيف يجده ويسأله‬
‫عما يشتهيه‪ ،‬ويضع يده على جبهته‪ ،‬وربما‬
‫وضعها بين ثدييه‪ ،‬ويدعو له‪ ،‬ويصف له ما‬
‫ينفعه في علته‪ ،‬وربما توضأ وصب على‬
‫المريض من وضوئه‪ ،‬وربما كان يقول‬
‫للمريض‪" :‬ل بأس طهور إن شاء الله" )‪،(1‬‬
‫وهذا من كمال اللطف‪ ،‬وحسن العلج‬
‫والتدبير‪.‬‬
‫)( أخرجه البخبباري ‪ 10/103‬مببن حببديث ابببن‬ ‫‪1‬‬

‫عباس‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في علج البدان بما‬
‫اعتاده‬
‫من الدوية والغذية دون ما لم‬
‫تعتده‬
‫هذا أصل عظيم من أصول العلج‪ ،‬وأنفع‬
‫شيء فيه‪ ،‬وإذا أخطأه الطبيب‪ ،‬أضر‬
‫المريض من حيث يظن أنه ينفعه‪ ،‬ول يعدل‬
‫عنه إلى ما يجده من الدوية في كتب‬
‫الطب إل طبيب جاهل‪ ،‬فإن ملءمة الدوية‬
‫والغذية للبدان بحسب استعدادها وقبولها‪،‬‬
‫وهؤلء أهل البوادي والكارون وغيرهم ل‬
‫ينجع فيهم شراب اللينوفر والورد الطري‬
‫ول المغلي‪ ،‬ول يؤثر في طباعهم شيئًا‪ ،‬بل‬
‫عامة أدوية أهل الحضر وأهل الرفاهية ل‬
‫تجدي عليهم‪ ،‬والتجربة شاهدة بذلك‪ ،‬ومن‬
‫تأمل ما ذكرناه من العلج النبوي‪ ،‬رآه كله‬
‫موافقا ً لعادة العليل وأرضه‪ ،‬وما نشأ عليه‪،‬‬
‫فهذا أصل عظيم من أصول العلج يجب‬
‫العتناء به‪ ،‬وقد صرح به أفاضل أهل الطب‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫حتى قال طبيب العرب بل أطبهم الحارث‬


‫بن كلدة‪ ،‬وكان فيهم كأبقراط في قومه‪:‬‬
‫الحمية رأس الدواء‪ ،‬والمعدة بيت الداء‪،‬‬
‫وعودوا كل بدن ما اعتاد‪ .‬وفي لفظ عنه‪:‬‬
‫الزم دواء‪ ،‬والزم‪ :‬المساك عن الكل‬
‫يعني به الجوع‪ ،‬وهو من أكبر الدوية في‬
‫شفاء المراض المتلئية كلها بحيث إنه‬
‫أفضل في علجها من المستفرغات إذا لم‬
‫يخفف من كثرة المتلء‪ ،‬وهيجان الخلط‪،‬‬
‫وحدتها أو غليانها‪.‬‬
‫وقوله‪ :‬المعدة بيت الداء‪ ،‬المعدة‪ :‬عضو‬
‫عصبي مجوف كالقرعة في شكلها‪ ،‬مركب‬
‫من ثلث طبقات‪ ،‬مؤلفة من شظايا دقيقة‬
‫عصبية تسمى الليف‪ ،‬ويحيط بها لحم‪،‬‬
‫وليف إحدى الطبقات بالطول‪ ،‬والخرى‬
‫بالعرض‪ ،‬والثالثة بالورب‪ ،‬وفم المعدة أكثر‬
‫عصبًا‪ ،‬وقعرها أكثر لحمًا‪ ،‬وفي باطنها‬
‫خمل‪ ،‬وهي محصورة في وسط البطن‪،‬‬
‫ل‪ ،‬خلقت على‬ ‫وأميل إلى الجانب اليمن قلي ً‬
‫هذه الصفة لحكمة لطيفة من الخالق‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫الحكيم سبحانه‪ ،‬وهي بيت الداء‪ ،‬وكانت‬


‫محل ً للهضم الول‪ ،‬وفيها ينضج الغذاء‬
‫وينحدر منها بعد ذلك إلى الكبد والمعاء‪،‬‬
‫ويتخلف منه فيها فضلت قد عجزت القوة‬
‫الهاضمة عن تمام هضمها‪ ،‬إما لكثرة‬
‫الغذاء‪ ،‬أو لرداءته‪ ،‬أو لسوء ترتيب في‬
‫استعماله‪ ،‬أو لمجموع ذلك‪ ،‬وهذه الشياء‬
‫بعضها مما ل يتخلص النسان منه غالبًا‪،‬‬
‫فتكون المعدة بيت الداء لذلك‪ ،‬وكأنه يشير‬
‫بذلك إلى الحث على تقليل الغذاء‪ ،‬ومنع‬
‫النفس من اتباع الشهوات‪ ،‬والتحرز عن‬
‫الفضلت‪.‬‬
‫وأما العادة فلنها كالطبيعة للنسان‪،‬‬
‫ولذلك يقال‪ :‬العادة طبع ثان‪ ،‬وهي قوة‬
‫عظيمة في البدن‪ ،‬حتى إن أمرا ً واحدا ً إذا‬
‫قيس إلى أبدان مختلفة العادات‪ ،‬كان‬
‫مختلف النسبة إليها‪ .‬وإن كانت تلك البدان‬
‫متفقة في الوجوه الخرى مثال ذلك أبدان‬
‫ثلثة حارة المزاج في سن الشباب‪ ،‬أحدها‪:‬‬
‫عود تناول الشياء الحارة؛ والثاني‪ :‬عود‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫تناول الشياء الباردة‪ ،‬والثالث‪ :‬عود تناول‬


‫الشياء المتوسطة‪ ،‬فإن الول متى تناول‬
‫عسل ً لم يضر به‪ ،‬والثاني‪ :‬متى تناوله‪ ،‬أضر‬
‫به‪ ،‬والثالث‪ :‬يضر به قلي ً‬
‫ل‪ ،‬فالعادة ركن‬
‫عظيم في حفظ الصحة‪ ،‬ومعالجة‬
‫المراض‪ ،‬ولذلك جاء العلج النبوي بإجراء‬
‫كل بدن على عادته في استعمال الغذية‬
‫والدوية وغير ذلك‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في معالجة‬
‫المرضى بترك إعطائهم‬
‫ما يكرهونه من الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬وأنهم ل يكرهون‬
‫على تناولها‬
‫روى الترمذي في "جامعه"‪ ،‬وابن ماجة‪،‬‬
‫عن عقبة بن عامر الجهني‪ ،‬قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪" : ‬ل تكرهوا مرضاكم على‬
‫الطعام والشراب‪ ،‬فإن الله عز وجل‬
‫يطعمهم ويسقيهم" )‪.(1‬‬

‫)( حديث قوي أخرجه الترمببذي )‪ (2041‬وبببن‬ ‫‪1‬‬

‫ماجة )‪ (3444‬وفي سنده بكر بببن يببونس بببن‬


‫بكير‪ ،‬وهو ضعيف‪ ،‬لكن يشهد لببه حببديث عبببد‬
‫الرحمبببن ببببن عبببوف عنبببد الحببباكم ‪،4/410‬‬
‫وحديث جابر بن عبد الله عنببد أبببي نعيببم فببي‬
‫"الحليببة" ‪،10/50‬بب ‪ 51‬وسببنده حسببن فببي‬
‫الشواهد‪ .‬وقد قال الدكتور الزهببري‪ :‬ومعظببم‬
‫المراض يصحبها عدم رغبة المريض للطعببام‪،‬‬
‫وإطعام المريض غصبا ً فبي هبذه الحالبة يعبود‬
‫عليببه بالضببرر‪ ،‬لعببدم قيببام الجهبباز الهضببمي‬
‫لعمله كما يجب مما يتبعه عسر هضم‪ ،‬وسببوء‬
‫حالة المريض‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪6‬‬ ‫النبوي في‬

‫قال بعض فضلء الطباء‪ :‬ما أغزر فوائد‬


‫هذه الكلمة النبوية المشتملة على حكم‬
‫إلهية‪ ،‬لسيما للطباء‪ ،‬ولمن يعالج‬
‫المرضى‪ ،‬وذلك أن المريض إذا عاف‬
‫الطعام أو الشراب‪ ،‬فذلك لشتغال الطبيعة‬
‫بمجاهدة المرض‪ ،‬أو لسقوط شهوته‪ ،‬أو‬
‫نقصانها لضعف الحرارة الغريزية أو‬
‫خمودها‪ ،‬وكيفما كان‪ ،‬فل يجوز حينئذ إعطاء‬
‫الغذاء في هذه الحالة‪.‬‬
‫واعلم أن الجوع إنما هو طلب العضاء‬
‫للغذاء لتخلف الطبيعة به عليها عوض ما‬
‫يتحلل منها‪ ،‬فتجذب العضاء القصوى من‬
‫العضاء الدنيا حتى ينتهي الجذب إلى‬
‫المعدة‪ ،‬فيحس النسان بالجوع‪ ،‬فيطلب‬
‫الغذاء‪ ،‬وإذا وجد المرض‪ ،‬اشتغلت الطبيعة‬
‫بمادته وإنضاجها وإخراجها عن طلب‬
‫الغذاء‪ ،‬أو الشراب‪ ،‬فإذا أكره المريض على‬
‫استعمال شيء من ذلك‪ ،‬تعطلت به‬
‫الطبيعة عن فعلها‪ ،‬واشتغلت بهضمه‬
‫وتدبيره عن إيضاح مادة المرض ودفعه‪،‬‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪7‬‬ ‫النبوي في‬

‫فيكون ذلك سببا ً لضرر المريض‪ ،‬ولسيما‬


‫في أوقات البحران )‪ ،(1‬أو ضعف الحار‬
‫الغريزي أو خموده فيكون ذلك زيادة في‬
‫البلية‪ ،‬وتعجيل النازلة المتوقعة‪ ،‬ول ينبغي‬
‫أن يستعمل في هذا الوقت والحال إل ما‬
‫يحفظ عليه قوته ويقويها من غير استعمال‬
‫مزعج للطبيعة ألبتة‪ ،‬وذلك يكون بما لطف‬
‫قوامه من الشربة والغذية‪ ،‬واعتدل مزاجه‬
‫كشراب اللينوفر )‪ ،(2‬والتفاح‪ ،‬والورد‬
‫الطري‪ ،‬وما أشبه ذلك‪ ،‬ومن الغذية مرق‬
‫الفراريج المعتدلة الطيبة فقط‪ ،‬وإنعاش‬
‫قواه بالراييح العطرة الموافقة‪ ،‬والخبار‬
‫السارة‪ ،‬فإن الطبيب خادم الطبيعة‪،‬‬
‫ومعينها ل معيقها‪.‬‬
‫واعلم أن الدم الجيد هو المغذي للبدن‪،‬‬
‫)( بضم فسكون‪ :‬التغير الذي يحدث دفعة في‬ ‫‪1‬‬

‫المراض الحادة‪.‬‬
‫)( في "التببذكرة" الشببهر فببي تقببديم النببون‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وقال فيببه‪ :‬فارسببي معنبباه‪ ،‬ذو الجنحببة‪ ،‬وهببو‬


‫نبببت مببائي لببه أصببل كببالجزر‪ ،‬وسبباق أملببس‬
‫يطول سجفه عمق الماء فإذا سببوى سببطحه‪،‬‬
‫أورق وأزهر‪.‬‬
‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪8‬‬ ‫النبوي في‬

‫وأن البلغم دم فج )‪ (3‬قد نضج بعض النضج‪،‬‬


‫فإذا كان بعض المرضى في بدنه بلغم كثير‪،‬‬
‫وعدم الغذاء‪ ،‬عطفت الطبيعة عليه‪،‬‬
‫وطبخته‪ ،‬وأنضجته‪ ،‬وصيرته دمًا‪ ،‬وغذت به‬
‫العضاء‪ ،‬واكتفت به عما سواه‪ ،‬والطبيعة‬
‫هي القوة التي وكلها الله سبحانه بتدبير‬
‫البدن وحفظه وصحته‪ ،‬وحراسته مدة‬
‫حياته‪.‬‬
‫واعلم أنه قد يحتاج في الندرة إلى إجبار‬
‫المريض على الطعام والشراب‪ ،‬وذلك في‬
‫المراض التي يكون معه اختلط العقل‪،‬‬
‫وعلى هذا فيكون الحديث من العام‬
‫المخصوص‪ ،‬أو من المطلق الذي قد دل‬
‫على تقييده دليل‪ ،‬ومعنى الحديث‪ :‬أن‬
‫المريض قد يعيش بل غذاء أياما ً ل يعيش‬
‫الصحيح في مثلها‪.‬‬
‫وفي قوله ‪" : ‬فإن الله يطعمهم‬
‫ويسقيهم" معنى لطيف زائد على ما ذكره‬
‫الطباء ل يعرفه إل من له عناية بأحكام‬

‫)( أي نيء‪.‬‬ ‫‪3‬‬


‫‪8‬‬ ‫الهدي‬
‫‪9‬‬ ‫النبوي في‬

‫القلوب والرواح‪ ،‬وتأثيرها على طبيعة‬


‫البدن‪ ،‬وانفعال الطبيعة عنها‪ ،‬كما تنفعل‬
‫هي كثيرا ً عن الطبيعة‪ ،‬ونحن نشير إليه‬
‫إشارة‪ ،‬فنقول‪ :‬النفس إذا حصل لها ما‬
‫يشغلها من محبوب أو مكروه أو مخوف‪،‬‬
‫اشتغلت به عن طلب الغذاء والشراب‪ ،‬فل‬
‫تحس بجوع ول عطش‪ ،‬بل ول حر ول برد‪،‬‬
‫بل تشتغل به عن الحساس المؤلم الشديد‬
‫اللم‪ ،‬فل تحس به‪ ،‬وما من أحد إل وقد‬
‫وجد في نفسه ذلك أو شيئا ً منه‪ ،‬وإذا‬
‫اشتغلت النفس بما دهمها‪ ،‬وورد عليها‪ ،‬لم‬
‫تحس بألم الجوع‪ ،‬فإن كان الوارد مفرحا‬
‫قوي التفريح‪ ،‬قام لها مقام الغذاء‪ ،‬فشبعت‬
‫به‪ ،‬وانتعشت قواها‪ ،‬وتضاعفت‪ ،‬وجرت‬
‫الدموية في الجسد حتى تظهر في سطحه‪،‬‬
‫فيشرق وجهه‪ ،‬وتظهر دمويته‪ ،‬فإن الفرح‬
‫يوجب انبساط دم القلب‪ ،‬فينبعث في‬
‫العروق‪ ،‬فتمتلئ به‪ ،‬فل تطلب العضاء‬
‫حظها من الغذاء المعتاد لشتغالها بما هو‬
‫أحب إليها‪ ،‬وإلى الطبيعة منه‪ ،‬والطبيعة إذا‬
‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫ظفرت بما تحب‪ .‬آثرته على ما هو دونه‪.‬‬


‫وإن كان الوارد مؤلما ً أو محزنا ً أو‬
‫مخوفًا‪ ،‬اشتغلت بمحاربته ومقاومته‬
‫ومدافعته عن طلب الغذاء‪ ،‬فهي في حال‬
‫حربها في شغل عن طلب الطعام‬
‫والشراب‪ .‬فإن ظفرت في هذه الحرب‪،‬‬
‫انتعشت قواها‪ ،‬وأخلفت عليها نظير ما‬
‫فاتها من قوة الطعام والشراب‪ ،‬وإن كانت‬
‫مغلوبة مقهورة‪ ،‬انحطت قواها بحسب ما‬
‫حصل لها من ذلك‪ ،‬وإن كانت الحرب بينها‬
‫ل‪ ،‬فالقوة تظهر تارة‬ ‫وبين هذا العدو سجا ً‬
‫وتختفي أخرى‪ ،‬وبالجملة فالحرب بينهما‬
‫على مثال الحرب الخارج بين العدوين‬
‫المتقاتلين‪ ،‬والنصر للغالب‪ ،‬والمغلوب إما‬
‫قتيل‪ ،‬وإما جريح‪ ،‬وإما أسير‪.‬‬
‫فالمريض‪ :‬له مدد من الله تعالى يغذيه‬
‫به زائدا ً على ما ذكره الطباء من تغذيته‬
‫بالدم‪ ،‬وهذا المدد بحسب ضعفه وانكساره‬
‫وانطراحه بين يدي ربه عز وجل‪ ،‬فيحصل‬
‫له من ذلك ما يوجب له قربا ً من ربه‪ ،‬فإن‬
‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫العبد أقرب ما يكون من ربه إذا انكسر‬


‫قلبه‪ ،‬ورحمة ربه عندئذ قريبة منه‪ ،‬فإن كان‬
‫وليا ً له‪ ،‬حصل له من الغذية القلبية ما‬
‫تقوى به قوى طبيعته‪ ،‬وتنتعش به قواه‬
‫أعظم من قوتها‪ ،‬وانتعاشها بالغذية البدنية‪،‬‬
‫وكلما قوي إيمانه وحبه لربه‪ ،‬وأنسه به‪،‬‬
‫وفرحه به‪ ،‬وقوي يقينه بربه‪ ،‬واشتد شوقه‬
‫إليه ورضاه به وعنه‪ ،‬وجد في نفسه من‬
‫هذه القوة ما ل يعبر عنه‪ ،‬ول يدركه وصف‬
‫طبيب‪ ،‬ول يناله علمه‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في المنع من‬
‫التداوي بالمحرمات‬
‫روى أبو داود في "سننه" من حديث أبي‬
‫الدرداء رضي الله عنه قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪" : ‬إن الله أنزل الداء والدواء‪،‬‬
‫وجعل لكل داء دواء‪ ،‬فتداووا‪ ،‬ول تداووا‬
‫بالمحرم" )‪.(1‬‬
‫وذكر البخاري في "صحيحه" عن ابن‬
‫مسعود‪" :‬إن الله لم يجعل شفاءكم فيما‬
‫حرم عليكم" )‪.(2‬‬

‫)( أخرجه أبو داود )‪ (3874‬فببي الطببب‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫في الدوية المكروهببة‪ ،‬مببن حببديث إسببماعيل‬


‫ابببن عيبباش‪ ،‬عببن ثعلبببة ببن مسبلم الخثعمببي‬
‫الشامي‪ ،‬عن أبببي عمببران النصبباري‪ ،‬عببن أم‬
‫الدرداء‪ ،‬عن أبببي الببدرداء‪ ،‬ورجبباله ثقببات خل‬
‫ثعلبة بن مسببلم‪ ،‬فقبد وثقببه ابببن حبببان وروى‬
‫عنه جمع‪ ،‬فهو حسببن ويشببهد لببه حببديث أبببي‬
‫هريرة عند أبي داود الببذي سببيذكره المصببنف‬
‫بعده‪.‬‬
‫)( أخرجه البخاري ‪ 10/68‬تعليقا ً فببي الطببب‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫باب شراب الحلواء والعسل بلفظ وقببال ابببن‬


‫مسببعود فببي السببكر‪" :‬إن اللببه لببم يجعببل‬
‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫وفي "السنن"‪ :‬عن أبي هريرة‪ ،‬قال‪:‬‬


‫نهى رسول الله ‪ ‬عن الدواء الخبيث)‪.(1‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" عن طارق بن‬
‫سويد الجعفي‪ ،‬أنه سأل النبي ‪ ‬عن‬
‫الخمر‪ ،‬فنهاه‪ ،‬أو كره أن يصنعها‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫إنما أصنعها للدواء‪ ،‬فقال‪" :‬إنه ليس بدواء‪،‬‬
‫ولكنه داء" )‪.(2‬‬
‫وفي "السنن" أنه ‪ ‬سئل عن الخمر‬

‫شببفاءكم فيمببا حببرم عليكببم" قببال الحببافظ‪:‬‬


‫رأيت الثر المذكور في فوائد علي بببن حببرب‬
‫الطائي عن سفيان بن عيينة عن منصببور عببن‬
‫أبي وائل قال‪ :‬اشتكى رجل منا يقال له خببثيم‬
‫بببن العببداء داء فببي بطنببه يقببال لببه‪ :‬الصببفر‪،‬‬
‫فنعت له السكر ‪ -‬وهو الخمببر ‪ -‬فأرسببل إلببى‬
‫ابن مسعود يسأله فذكره‪ ،‬وأخرجببه ابببن أبببي‬
‫شيبة عن جريببر عببن منصببور‪ ،‬وسببنده صببحيح‬
‫علببى شببرط الشببيخين‪ ،‬وأخرجببه أحمببد فببي‬
‫"كتاب الشربة" رقببم )‪ (130‬والطبببراني فببي‬
‫الكبير من طريق أبي وائل نحوه‪.‬‬
‫)( أخرجببببه أبببببو داود )‪ (3870‬والترمببببذي )‬ ‫‪1‬‬

‫‪ ،(2046‬وابن ماجة )‪ ،(3459‬وأحمد ‪،2/305‬‬


‫و ‪ ،446‬و ‪ ،478‬وسنده قوي‪.‬‬
‫)( أخرجه مسلم )‪ (1984‬فببي الشببربة‪ :‬ببباب‬ ‫‪2‬‬

‫تحريم التداوي بالخمر‪.‬‬


‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫يجعل في الدواء‪ ،‬فقال‪" :‬إنها داء وليست‬


‫بالدواء"‪ ،‬رواه أبو داود‪ ،‬والترمذي )‪.(1‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" عن طارق بن‬
‫سويد الحضرمي‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول‬
‫الله! إن بأرضنا أعنابا ً نعتصرها فنشرب‬
‫منها‪ ،‬قال"‪" :‬ل" فراجعته‪ ،‬قلت‪ :‬إنا‬
‫نستشفي للمريض‪ ،‬قال‪":‬إن ذلك ليس‬
‫بشفاء ولكنه داء" )‪.(2‬‬
‫وفي "سنن النسائي" أن طبيبا ً ذكر‬
‫ضفدعا ً في دواء عند رسول الله ‪ ، ‬فنهاه‬
‫عن قتلها )‪.(3‬‬

‫)( أخرجه أبو داود )‪ (3873‬فببي الطببب‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫مببا جبباء فببي الدويببة المكروهببة‪ ،‬والترمببذي )‬


‫‪ (2047‬من حديث طارق بببن سببويد‪ ،‬وسببنده‬
‫حسن‪ ،‬وقال الترمذي‪ :‬حسن صحيح‪ ،‬وصححه‬
‫ابن حبان )‪.(1377‬‬
‫)( لقد وهم المؤلف رحمه الله فببي عببزو هببذا‬ ‫‪2‬‬

‫الحديث إلى مسلم بهذا اللفظ‪ ،‬فإنه ليس فيه‬


‫وإنما هببو عنببد أحمببد فببي "المسببند" ‪،4/311‬‬
‫وابن ماجة )‪.(3500‬‬
‫)( أخرجببه النسببائي ‪ 7/210‬فببي الصببيد‪ :‬ببباب‬ ‫‪3‬‬

‫الضفدع‪ ،‬وأحمببد ‪ ،3/453‬و ‪ 499‬مببن حببديث‬


‫عبد الرحمن بن عثمان‪ ،‬وسنده صحيح‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫ويذكر عنه ‪ ‬أنه قال‪" :‬من تداوى‬


‫بالخمر‪ ،‬فل شفاه الله" )‪.(4‬‬
‫المعالجة بالمحرمات قبيحة عقل ً وشرعًا‪،‬‬
‫أما الشرع فما ذكرنا من هذه الحاديث‬
‫وغيرها‪ ،‬وأما العقل‪ ،‬فهو أن الله سبحانه‬
‫إنما حرمه لخبثه‪ ،‬فإنه لم يحرم على هذه‬
‫المة طيبا ً عقوبة لها‪ ،‬كما حرمه على بني‬
‫ن‬‫ذي َ‬ ‫ن ال ّ ِ‬
‫م َ‬‫فب ِظُل ْم ٍ ّ‬
‫إسرائيل بقوله‪َ  :‬‬
‫حل ّ ْ‬
‫ت‬ ‫ت أُ ِ‬‫م طَي َّبا ٍ‬ ‫ه ْ‬ ‫مَنا َ َ‬
‫علي ْ ِ‬ ‫حّر ْ‬
‫دوا َ‬‫ها ُ‬‫َ‬
‫م ‪] ‬النساء‪.[160 :‬‬ ‫ه ْ‬‫لَ ُ‬
‫وإنما حرم على هذه المة ما حرم‬
‫لخبثه‪ ،‬وتحريمه له حمية لهم‪ ،‬وصيانة عن‬
‫تناوله‪ ،‬فل يناسب أن يطلب به الشفاء من‬
‫السقام والعلل‪ ،‬فإنه وإن أثر في إزالتها‪،‬‬
‫لكنه يعقب سقما ً أعظم منه في القلب‬
‫بقوة الخبث الذي فيه‪ ،‬فيكون المداوى به‬

‫)( أورده السببيوطي فببي "الجببامع الصببغير"‬ ‫‪4‬‬

‫بلفظ "من تداوى بحرام كخمر‪ ،‬لم يجعل اللببه‬


‫لببه فيببه شببفاء" ونسبببه إلببى أبببي نعيببم فببي‬
‫"الطببب" مببن حببديث أبببي هريببرة‪ ،‬ورمببز لببه‬
‫بالضعف‪.‬‬
‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪6‬‬ ‫النبوي في‬

‫قد سعى في إزالة سقم البدن بسقم‬


‫القلب‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن تحريمه يقتضي تجنبه والبعد‬
‫عنه بكل طريق‪ ،‬وفي اتخاذه دواء حض‬
‫على الترغيب فيه وملبسته‪ ،‬وهذا ضد‬
‫مقصود الشارع‪ ،‬وأيضا ً فإنه داء كما نص‬
‫عليه صاحب الشريعة‪ ،‬فل يجوز أن يتخذ‬
‫دواء‪.‬‬
‫وأيضا ً فإنه يكسب الطبيعة والروح صفة‬
‫خبيثة‪ ،‬لن الطبيعة تنفعل عن كيفية الدواء‬
‫انفعال ً بينًا‪ ،‬فإذا كانت كيفيته خبيثة‪،‬‬
‫اكتسبت الطبيعة منه خبثًا‪ ،‬فكيف إذا كان‬
‫خبيثا ً في ذاته‪ ،‬ولهذا حرم الله سبحانه على‬
‫عباده الغذية والشربة والملبس الخبيثة‪،‬‬
‫لما تكسب النفس من هيئة الخبث وصفته‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن في إباحة التداوي به‪ ،‬ولسيما‬
‫إذا كانت النفوس تميل إليه ذريعة إلى‬
‫تناوله للشهوة واللذة‪ ،‬لسيما إذا عرفت‬
‫النفوس أنه نافع لها مزيل لسقامها جالب‬
‫لشفائها‪ .‬فهذا أحب شيء إليها‪ ،‬والشارع‬
‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪7‬‬ ‫النبوي في‬

‫سد الذريعة إلى تناوله بكل ممكن‪ ،‬ول ريب‬


‫أن بين سد الذريعة إلى تناوله‪ ،‬وفتح‬
‫الذريعة إلى تناوله تناقضا ً وتعارضًا‪.‬‬
‫وأيضا ً فإن في هذا الدواء المحرم من‬
‫الدواء ما يزيد على ما يظن فيه من‬
‫الشفاء‪ ،‬ولنفرض الكلم في أم الخبائث‬
‫التي ما جعل الله لنا فيها شفاء قط‪ ،‬فإنها‬
‫شديدة المضرة بالدماغ الذي هو مركز‬
‫العقل عند الطباء‪ ،‬وكثير من الفقهاء‬
‫والمتكلمين‪ .‬قال أبقراط في أثناء كلمه‬
‫في المراض الحادة‪ :‬ضرر الخمرة بالرأس‬
‫شديد‪ .‬لنه يسرع الرتفاع إليه‪ .‬ويرتفع‬
‫بارتفاعه الخلط التي تعلو في البدن‪ ،‬وهو‬
‫كذلك يضر بالذهن‪.‬‬
‫وقال صاحب "الكامل" ‪ :‬إن خاصية‬
‫الشراب الضرار بالدماغ والعصب‪.‬‬
‫وأما غيره من الدوية المحرمة فنوعان‪:‬‬
‫أحدهما‪ :‬تعافه النفس ول تنبعث‬
‫لمساعدته الطبيعة على دفع المرض به‬
‫كالسموم‪ ،‬ولحوم الفاعي وغيرها من‬
‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪8‬‬ ‫النبوي في‬

‫المستقذرات‪ ،‬فيبقى كل ً على الطبيعة مثقل ً‬


‫لها‪ ،‬فيصير حينئذ داء ل دواء‪.‬‬
‫والثاني‪ :‬ما ل تعافه النفس كالشراب‬
‫ل‪ ،‬فهذا ضرره‬ ‫الذي تستعمله الحوامل مث ً‬
‫أكثر من نفعه‪ ،‬والعقل يقضي بتحريم ذلك‪،‬‬
‫فالعقل والفطرة مطابق للشرع في ذلك‪.‬‬
‫وها هنا سر لطيف في كون المحرمات‬
‫ل يستشفى بها‪ ،‬فإن شرط الشفاء بالدواء‬
‫تلقيه بالقبول‪ ،‬واعتقاد منفعته‪ ،‬وما جعل‬
‫الله فيه من بركة الشفاء‪ ،‬فإن النافع هو‬
‫المبارك‪ ،‬وأنفع الشياء أبركها‪ ،‬والمبارك‬
‫من الناس أينما كان هو الذي ينتفع به حيث‬
‫حل‪ ،‬ومعلوم أن اعتقاد المسلم تحريم هذه‬
‫العين مما يحول بينه وبين اعتقاد بركتها‬
‫ومنفعتها‪ ،‬وبين حسن ظنه بها‪ ،‬وتلقي طبعه‬
‫لها بالقبول‪ ،‬بل كلما كان العبد أعظم‬
‫إيمانًا‪ ،‬كان أكره لها وأسوأ اعتقادا ً فيها‪،‬‬
‫وطبعه أكره شيء لها‪ ،‬فإذا تناولها في هذه‬
‫الحال‪ ،‬كانت داء له ل دواء إل أن يزول‬
‫اعتقاد الخبث فيها‪ ،‬وسوء الظن والكراهة‬
‫‪9‬‬ ‫الهدي‬
‫‪9‬‬ ‫النبوي في‬

‫لها بالمحبة‪ ،‬وهذا ينافي اليمان‪ ،‬فل يتناولها‬


‫المؤمن قط إل على وجه داء‪ ،‬والله أعلم‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في حفظ الصحة‬
‫لما كان اعتدال البدن وصحته وبقاؤه‬
‫إنما هو بواسطة الرطوبة المقاومة‬
‫للحرارة‪ ،‬فالرطوبة مادته‪ ،‬والحرارة‬
‫تنضجها‪ ،‬وتدفع فضلتها‪ ،‬وتصلحها‪ ،‬وتلطفها‪،‬‬
‫وإل أفسدت البدن ولم يمكن قيامه‪ ،‬وكذلك‬
‫الرطوبة هي غذاء الحرارة‪ ،‬فلول الرطوبة‪،‬‬
‫لحرقت البدن وأيبسته وأفسدته‪ ،‬فقوام‬
‫كل واحدة منهما بصاحبتها‪ ،‬وقوام البدن‬
‫بهما جميعًا‪ .‬وكل منهما مادة للخرى‪،‬‬
‫فالحرارة مادة للرطوبة تحفظها وتمنعها‬
‫من الفساد والستحالة‪ ،‬والرطوبة مادة‬
‫للحرارة تغذوها وتحملها‪ ،‬ومتى مالت‬
‫إحداهما إلى الزيادة على الخرى‪ ،‬حصل‬
‫لمزاج البدن النحراف بحسب ذلك‪،‬‬
‫فالحرارة دائما ً تحلل الرطوبة‪ ،‬فيحتاج‬
‫البدن إلى ما به يخلف عليه ما حللته‬
‫الحرارة ‪ -‬لضرورة بقائه ‪ -‬وهو الطعام‬
‫والشراب‪ ،‬ومتى زاد على مقدار التحلل‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫ضعفت الحرارة عن تحليل فضلته‪،‬‬


‫فاستحالت مواد رديئة‪ ،‬فعاثت في البدن‪،‬‬
‫وأفسدت‪ ،‬فحصلت المراض المتنوعة‬
‫بحسب تنوع موادها وقبول العضاء‬
‫واستعدادها‪ ،‬وهذا كله مستفاد من قوله‬
‫فوا‬‫ر ُ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬
‫س ِ‬ ‫تعالى‪ :‬وك ُُلوا َ‬
‫وا ْ‬
‫شَرُبوا َ‬
‫‪] ‬العراف‪ ،[31 :‬فأرشد عباده إلى‬
‫إدخال ما يقيم البدن من الطعام والشراب‬
‫عوض ما تحلل منه‪ ،‬وأن يكون بقدر ما‬
‫ينتفع به البدن في الكمية والكيفية‪ ،‬فمتى‬
‫جاوز ذلك كان إسرافًا‪ ،‬وكلهما مانع من‬
‫الصحة جالب للمرض‪ ،‬أعني عدم الكل‬
‫والشرب‪ ،‬أو السراف فيه‪.‬‬
‫فحفظ الصحة كله في هاتين الكلمتين‬
‫اللهيتين‪ ،‬ول ريب أن البدن دائما ً في‬
‫التحلل والستخلف‪ ،‬كلما كثر التحلل‬
‫ضعفت الحرارة لفناء مادتها‪ ،‬فإن ضعفت‬
‫الحرارة‪ ،‬ضعف الهضم‪ ،‬ول يزال كذلك‬
‫حتى تفنى الرطوبة‪ ،‬وتنطفئ الحرارة‬
‫جملة‪ ،‬فيستكمل العبد الجل الذي كتب‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫الله له أن يصل إليه‪.‬‬


‫فغاية علج النسان لنفسه ولغيره‬
‫حراسة البدن إلى أن يصل إلى هذه الحالة‪،‬‬
‫ل أنه يستلزم بقاء الحرارة والرطوبة اللتين‬
‫بقاء الشباب والصحة والقوة بهما‪ ،‬فإن هذا‬
‫مما لم يحصل لبشر في هذه الدار‪ ،‬وإنما‬
‫غاية الطبيب أن يحمي الرطوبة عن‬
‫مفسداتها من العفونة وغيرها‪ ،‬ويحمي‬
‫الحرارة عن مضعفاتها‪ ،‬ويعدل بينهما‬
‫بالعدل في التدبير الذي به قام بدن‬
‫النسان‪ ،‬كما أن به قامت السموات‬
‫والرض وسائر المخلوقات‪ ،‬إنما قوامها‬
‫بالعدل‪ ،‬ومن تأمل هدي النبي ‪ ‬وجده‬
‫أفضل هدي يمكن حفظ الصحة به‪ ،‬فإن‬
‫حفظها موقوف على حسن تدبير المطعم‬
‫والمشرب‪ ،‬والملبس والمسكن‪ ،‬والهواء‬
‫والنوم‪ ،‬واليقظة والحركة‪ ،‬والسكون‬
‫والمنكح‪ ،‬والستفراغ والحتباس‪ ،‬فإذا‬
‫حصلت هذه على الوجه المعتدل الموافق‬
‫الملئم للبدن والبلد والسن والعادة‪ ،‬كان‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫أقرب إلى دوام الصحة أو غلبتها إلى‬


‫انقضاء الجل‪.‬‬
‫ولما كانت الصحة والعافية من أجل نعم‬
‫الله على عبده‪ ،‬وأجزل عطاياه‪ ،‬وأوفر‬
‫منحه‪ ،‬بل العافية المطلقة أجل النعم على‬
‫الطلق‪ ،‬فحقيق لمن رزق حظا ً من‬
‫التوفيق مراعاتها وحفظها وحمايتها عما‬
‫يضادها‪ ،‬وقد روى البخاري في "صحيحه"‬
‫من حديث ابن عباس‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪" : ‬نعمتان مغبون فيهما كثير من‬
‫الناس‪ :‬الصحة والفراغ" )‪.(1‬‬
‫وفي الترمذي وغيره من حديث عبيد‬
‫الله بن محصن النصاري‪ .‬قال‪ :‬قال رسول‬
‫الله ‪" : ‬من أصبح معافى في جسده‪،‬‬
‫آمنا ً في سربه‪ ،‬عنده قوت يومه‪ ،‬فكأنما‬
‫حيزت له الدنيا" )‪.(2‬‬
‫)( أخرجه البخاري ‪ 11/196‬في الرقاق‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( أخرجببه الترمببذي )‪ ،(2347‬وابببن ماجببة )‬ ‫‪2‬‬

‫‪ (4141‬كلهمببا فببي الزهببد‪ ،‬والبخبباري فببي‬


‫"الدب المفببببرد" )‪ (300‬والحميببببدي فببببي‬
‫"مسببنده" رقببم )‪ (439‬فببي سببنده مجهببول‪،‬‬
‫لكن له شاهد من حديث أبي الدرداء عند ابببن‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫وفي الترمذي أيضا ً من حديث أبي‬


‫هريرة‪ ،‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪" :‬أول ما‬
‫يسأل عنه العبد يوم القيامة من النعيم‪ ،‬أن‬
‫يقال له‪ :‬ألم نصح لك جسمك‪ ،‬ونروك من‬
‫الماء والبارد" )‪.(1‬‬
‫ومن ها هنا قال من قال من السلف في‬
‫قوله تعالى‪ :‬ث ُم ل َت ُ َ‬
‫ن‬
‫ع ِ‬‫ذ َ‬‫مئ ِ ٍ‬
‫و َ‬ ‫سأل ُ ّ‬
‫ن يَ ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ‬
‫عيم ِ ‪] ‬التكاثر‪ ،[8 :‬قال‪ :‬عن الصحة‪.‬‬ ‫الن ّ ِ‬
‫وفي "مسند المام أحمد" أن النبي ‪‬‬
‫قال للعباس‪" :‬يا عباس‪ ،‬يا عم رسول الله!‬
‫سل الله العافية في الدنيا والخرة" )‪.(2‬‬
‫وفيه عن أبي بكر الصديق‪ ،‬قال‪ :‬سمعت‬
‫رسول الله ‪ ‬يقول‪" :‬سلوا الله اليقين‬
‫والمعافاة‪ ،‬فما أوتي أحد بعد اليقين خيرا ً‬

‫حبان )‪ (2503‬وآخر من حديث ابن عمببر عنببد‬


‫ابن أبي الدنيا‪ ،‬فيتقوى بهما‪.‬‬
‫)( أخرجه الترمذي )‪ (3555‬في التفسير‪ :‬باب‬ ‫‪1‬‬

‫ومن سورة ألهبباكم التكبباثر‪ ،‬وإسببناده صبحيح‪،‬‬


‫وصححه ابن حبان )‪.(2585‬‬
‫)( أخرجه أحمببد )‪ ،(1783‬والترمببذي )‪(3509‬‬ ‫‪2‬‬

‫في الدعوات‪ ،‬وفي سنده يزيببد بببن أبببي زيبباد‬


‫الكوفي‪ ،‬وهو ضعيف‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫من العافية")‪ ،(1‬فجمع بين عافيتي الدين‬


‫والدنيا‪ ،‬ول يتم صلح العبد في الدارين إل‬
‫باليقين والعافية‪ ،‬فاليقين يدفع عنه عقوبات‬
‫الخرة‪ ،‬والعافية تدفع عنه أمراض الدنيا‬
‫في قلبه وبدنه‪.‬‬
‫وفي "سنن النسائي" من حديث أبي‬
‫هريرة يرفعه‪" :‬سلوا الله العفو والعافية‬
‫والمعافاة‪ ،‬فما أوتي أحد بعد يقين خيرا ً من‬
‫معافاة")‪ .(2‬وهذه الثلثة تتضمن إزالة‬
‫الشرور الماضية بالعفو‪ ،‬والحاضرة‬
‫بالعافية‪ ،‬والمستقبلة بالمعافاة‪ ،‬فإنها‬
‫تتضمن المداومة والستمرار على العافية‪.‬‬
‫وفي الترمذي مرفوعًا‪" :‬ما سئل الله‬
‫شيئا ً أحب إليه من العافية")‪.(3‬‬

‫)( أخرجببه أحمببد )‪ (5‬و )‪ (17‬وابببن ماجببة )‬ ‫‪1‬‬

‫‪ (3849‬وهو حديث صحيح مخرج فببي تعليقنببا‬


‫على مسند أبي بكر‪.‬‬
‫)( أخرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة"‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( أخرجببه الترمببذي )‪ (3510‬فببي الببدعوات‪،‬‬ ‫‪3‬‬

‫وفي سنده عبد الرحمن بن أبي بكر الملكببي‪،‬‬


‫وهو ضعيف‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى‪ :‬عن أبي‬


‫الدرداء‪ ،‬قلت‪ :‬يا رسول الله! لن أعافى‬
‫فأشكر أحب إلي من أن أبتلى فأصبر‪،‬‬
‫فقال رسول الله ‪" : ‬ورسول الله يحب‬
‫معك العافية"‪.‬‬
‫ويذكر عن ابن عباس أن أعرابيا ً جاء إلى‬
‫رسول الله ‪ ، ‬فقال له‪ :‬ما أسأل الله بعد‬
‫الصلوات الخمس؟ فقال‪" :‬سل الله‬
‫العافية"‪ ،‬فأعاد عليه‪ ،‬فقال له في الثالثة‪:‬‬
‫"سل الله العافية في الدنيا والخرة"‪.‬‬
‫وإذا كان هذا شأن العافية والصحة‪،‬‬
‫فنذكر من هديه ‪ ‬في مراعاة هذه المور‬
‫ما يتبين لمن نظر فيه أنه أكمل هدي على‬
‫الطلق ينال به حفظ وراحة البدن والقلب‪،‬‬
‫وحياة الدنيا والخرة‪ ،‬والله المستعان‪،‬‬
‫وعليه التكلن‪ ،‬ول حول ول قوة إل بالله‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫‪ -2‬الطب في القرآن الكريم‬


‫ن‬ ‫ن ال ْ ُ‬
‫قْرآ ِ‬ ‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫ون ُن َّز ُ‬ ‫قال الله تعالى‪َ  :‬‬
‫ن‪‬‬ ‫مِني َ‬ ‫ؤ ِ‬ ‫م ْ‬‫ة ل ّل ْ ُ‬ ‫م ٌ‬‫ح َ‬
‫وَر ْ‬ ‫فاءٌ َ‬ ‫ش َ‬‫و ِ‬ ‫ه َ‬‫ما ُ‬ ‫َ‬
‫]السراء‪ ،[82 :‬والصحيح‪ :‬أن "من" ها هنا‪،‬‬
‫لبيان الجنس ل للتبعيض‪ ،‬وقال تعالى‪َ :‬يا‬
‫من‬ ‫عظَ ٌ‬ ‫جاءَت ْ ُ‬ ‫س َ‬ ‫َ‬
‫ة ّ‬ ‫و ِ‬ ‫م ْ‬ ‫كم ّ‬ ‫قدْ َ‬ ‫ها الّنا ُ‬ ‫أي ّ َ‬
‫ر‪‬‬ ‫دو ِ‬ ‫ص ُ‬ ‫في ال ّ‬ ‫ما ِ‬ ‫فاءٌ ل ّ َ‬‫ش َ‬‫و ِ‬‫م َ‬ ‫ّرب ّك ُ ْ‬
‫]يونس‪.[57 :‬‬
‫فالقرآن هو الشفاء التام من جميع‬
‫الدواء القلبية والبدنية‪ ،‬وأدواء الدنيا‬
‫والخرة‪ ،‬وما كل أحد يؤهل ول يوفق‬
‫للستشفاء به‪ ،‬وإذا أحسن العليل التداوي‬
‫به‪ ،‬ووضعه على دائه بصدق وإيمان‪ ،‬وقبول‬
‫تام‪ ،‬واعتقاد جازم‪ ،‬واستيفاء شروطه‪ ،‬لم‬
‫يقاومه الداء أبدًا‪.‬‬
‫وكيف تقاوم الدواء كلم رب الرض‬
‫والسماء الذي لو نزل على الجبال‪،‬‬
‫لصدعها‪ ،‬أو على الرض‪ ،‬لقطعها‪ ،‬فما من‬
‫مرض من أمراض القلوب والبدان إل وفي‬
‫القرآن سبيل الدللة على دوائه وسببه‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫والحمية منه لمن رزقه الله فهما ً في كتابه‪،‬‬


‫وقد تقدم في أول الكلم على الطب بيان‬
‫إرشاد القرآن العظيم إلى أصوله ومجامعه‬
‫التي هي حفظ الصحة والحمية‪ ،‬واستفراغ‬
‫المؤذي‪ ،‬والستدلل بذلك على سائر أفراد‬
‫هذه النواع‪.‬‬
‫وأما الدوية القلبية‪ ،‬فإنه يذكرها مفصلة‪،‬‬
‫َ‬
‫ويذكر أسباب أدوائها وعلجها‪ .‬قال‪ :‬أ َ‬
‫و‬
‫ب‬‫ك ال ْك َِتا َ‬ ‫م أ َّنا أ َن َْزل َْنا َ‬
‫عل َي ْ َ‬ ‫ه ْ‬ ‫ف ِ‬ ‫لَ ْ‬
‫م ي َك ْ ِ‬
‫م ‪] ‬العنكبوت‪ ،[51 :‬فمن لم‬ ‫ه ْ‬ ‫ي ُت َْلى َ َ‬
‫علي ْ ِ‬
‫يشفه القرآن‪ ،‬فل شفاه الله‪ ،‬ومن لم‬
‫يكفه‪ ،‬فل كفاه الله‪.‬‬
‫)فاتحة الكتاب( وأم القرآن‪ ،‬والسبع‬
‫المثاني‪ ،‬والشفاء التام‪ ،‬والدواء النافع‪،‬‬
‫والرقية التامة‪ ،‬ومفتاح الغنى والفلح‪،‬‬
‫وحافظة القوة‪ ،‬ودافعة الهم والغم والخوف‬
‫والحزن لمن عرف مقدارها وأعطاها حقها‪،‬‬
‫وأحسن تنزيلها على دائه‪ ،‬وعرف وجه‬
‫الستشفاء والتداوي بها‪ ،‬والسر الذي لجله‬
‫كانت كذلك‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪0‬‬ ‫النبوي في‬

‫ولما وقع بعض الصحابة على ذلك‪ ،‬رقى‬


‫بها اللديغ‪ ،‬فبرأ لوقته‪ ،‬فقال له النبي ‪: ‬‬
‫"وما أدراك أنها رقية" )‪.(1‬‬
‫ومن ساعده التوفيق‪ ،‬وأعين بنور‬
‫البصيرة حتى وقف على أسرار هذه‬
‫السورة‪ ،‬وما اشتملت عليه من التوحيد‪،‬‬
‫ومعرفة الذات والسماء والصفات‬
‫والفعال‪ ،‬وإثبات الشرع والقدر والمعاد‪،‬‬
‫وتجريد توحيد الربوبية واللهية‪ ،‬وكمال‬
‫التوكل والتفويض إلى من له المر كله‪ ،‬وله‬
‫الحمد كله‪ ،‬وبيده الخير كله‪ ،‬وإليه يرجع‬
‫المر كله‪ ،‬والفتقار إليه في طلب الهداية‬
‫التي هي أصل سعادة الدارين‪ ،‬وعلم‬
‫ارتباط معانيها بجلب مصالحهما‪ ،‬ودفع‬
‫مفاسدهما‪ ،‬وأن العاقبة المطلقة التامة‪،‬‬
‫والنعمة الكاملة منوطة بها‪ ،‬موقوفة على‬
‫التحقق بها‪ ،‬أغنته عن كثير من الدوية‬

‫)( أخرجه البخاري ‪ 10/178‬في الطببب‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫النفببث فببي الرقيببة‪ ،‬ومسببلم )‪ (2201‬فببي‬


‫السلم‪ :‬باب جواز أخذ الجرة على الرقية‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫والرقى‪ ،‬واستفتح بها من الخير أبوابه‪،‬‬


‫ودفع بها من الشر أسبابه‪.‬‬
‫ومن المعلوم أن بعض الكلم له خواص‬
‫ومنافع مجربة‪ ،‬فما الظن بكلم رب‬
‫العالمين‪ ،‬الذي فضله على كل كلم كفضل‬
‫الله على خلقه الذي هو الشفاء التام‪،‬‬
‫والعصمة النافعة‪ ،‬والنور الهادي‪ ،‬والرحمة‬
‫العامة‪ ،‬الذي لو أنزل على جبل لتصدع من‬
‫ن‬
‫م َ‬‫ل ِ‬ ‫عظمته وجللته‪ .‬قال تعالى‪َ  :‬‬
‫ون ُن َّز ُ‬
‫ة‬
‫م ٌ‬ ‫ح َ‬‫وَر ْ‬‫فاءٌ َ‬ ‫ش َ‬‫و ِ‬‫ه َ‬‫ما ُ‬ ‫ن َ‬ ‫قْرآ ِ‬ ‫ال ْ ُ‬
‫ن ‪] ‬السراء‪ [82 :‬و "من" ها‬ ‫مِني َ‬ ‫م ْ‬
‫ؤ ِ‬ ‫ل ّل ْ ُ‬
‫هنا لبيان الجنس ل للتبعيض‪ ،‬هذا أصح‬
‫ن‬‫ذي َ‬‫ه ال ّ ِ‬ ‫عدَ الل ُ‬ ‫و َ‬‫القولين‪ ،‬كقوله تعالى‪َ  :‬‬
‫فَرةً‬‫غ ِ‬ ‫م ْ‬ ‫هم ّ‬ ‫من ْ ُ‬‫ت ِ‬ ‫حا ِ‬‫صال ِ َ‬‫مُلوا ال ّ‬ ‫ع ِ‬ ‫و َ‬
‫مُنوا َ‬ ‫آ َ‬
‫ما ‪] ‬الفتح‪ [29 :‬وكلهم من‬ ‫َ‬
‫ظي ً‬
‫ع ِ‬ ‫جًرا َ‬ ‫وأ ْ‬ ‫َ‬
‫الذين آمنوا وعملوا الصالحات‪ ،‬فما الظن‬
‫بفاتحة الكتاب التي لم ينزل في القرآن‪،‬‬
‫ول في التوراة‪ ،‬ول في النجيل‪ ،‬ول في‬
‫الزبور مثلها‪ ،‬المتضمنة لجميع معاني كتب‬
‫الله‪ ،‬المشتملة على ذكر أصول أسماء‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫الرب ‪ -‬تعالى ‪ -‬ومجامعها‪ ،‬وهي الله‪،‬‬


‫والرب‪ ،‬والرحمن‪ ،‬وإثبات المعاد‪ ،‬وذكر‬
‫التوحيدين‪ :‬توحيد الربوبية‪ ،‬وتوحيد اللهية‪،‬‬
‫وذكر الفتقار إلى الرب سبحانه في طلب‬
‫العانة وطلب الهداية‪ ،‬وتخصيصه سبحانه‬
‫بذلك‪ ،‬وذكر أفضل الدعاء على الطلق‬
‫وأنفعه وأفرضه‪ ،‬وما العباد أحوج شيء‬
‫إليه‪ ،‬وهو الهداية إلى صراطه المستقيم‪،‬‬
‫المتضمن كمال معرفته وتوحيده وعبادته ‪-‬‬
‫بفعل ما أمر به‪ ،‬واجتناب ما نهى عنه‪،‬‬
‫والستقامة عليه إلى الممات‪ ،‬ويتضمن ذكر‬
‫أصناف الخلئق وانقسامهم إلى منعم عليه‬
‫بمعرفة الحق‪ ،‬والعمل به‪ ،‬ومحبته‪ ،‬وإيثاره‪،‬‬
‫ومغضوب عليه بعدوله عن الحق بعد‬
‫معرفته له‪ ،‬وضال بعدم معرفته له‪ ،‬وهؤلء‬
‫أقسام الخليفة مع تضمنها لثبات القدر‪،‬‬
‫والشرع‪ ،‬والسماء والصفات‪ ،‬والمعاد‪،‬‬
‫والنبوات‪ ،‬وتزكية النفوس‪ ،‬وإصلح القلوب‪،‬‬
‫وذكر عدل الله وإحسانه‪ ،‬والرد على جميع‬
‫أهل البدع والباطل‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في العلج بشرب‬
‫العسل‬
‫في "الصحيحين" ‪ :‬من حديث أبي‬
‫المتوكل‪ ،‬عن أبي سعيد الخدري‪ ،‬أن رجل ً‬
‫أتى النبي ‪ ، ‬فقال‪ :‬إن أخي يشتكي‬
‫بطنه‪ :‬وفي رواية‪ :‬استطلق بطنه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ل"‪ ،‬فذهب ثم رجع‪ ،‬فقال‪ :‬قد‬ ‫"اسقه عس ً‬
‫سقيته‪ ،‬فلم يغن عنه شيئًا‪ .‬وفي لفظ‪ :‬فلم‬
‫يزده إل استطلقا ً مرتين أو ثلثًا‪ ،‬كل ذلك‬
‫ل"‪ ،‬فقال له في‬‫يقول له‪" :‬اسقه عس ً‬
‫الثالثة أو الرابعة‪ :‬صدق الله‪ ،‬وكذب بطن‬
‫أخيك" )‪.(1‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" في لفظ له‪" :‬إن‬
‫أخي عرب بطنه"‪ ،‬أي فسد هضمه‪ ،‬واعتلت‬
‫معدته‪ ،‬والسم العرب بفتح الراء‪ ،‬والذرب‬
‫أيضًا‪.‬‬

‫)( أخرجه البخاري ‪ 10/119‬في الطببب‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫الدواء بالعسل‪ ،‬وقول الله تعببالى )فيببه شببفاء‬


‫للنبباس( ومسببلم )‪ (2217‬فببي السببلم‪ :‬ببباب‬
‫التداوي بالعسل‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫والعسل فيه منافع عظيمة‪ ،‬فإنه جلء‬


‫للوساخ التي في العروق والمعاء وغيرها‪،‬‬
‫محلل للرطوبات أكل ً وطلء‪ ،‬نافع للمشايخ‬
‫وأصحاب البلغم‪ ،‬ومن كان مزاجه باردا ً‬
‫رطبًا‪ ،‬وهو مغذ ملين للطبيعة‪ ،‬حافظ لقوى‬
‫المعاجين ولما استودع فيه‪ ،‬مذهب لكيفيات‬
‫الدوية الكريهة‪ ،‬منق للكبد والصدر‪ ،‬مدر‬
‫للبول‪ ،‬موافق للسعال الكائن عن البلغم‪،‬‬
‫وإذا شرب حارا ً بدهن الورد‪ ،‬نفع من نهش‬
‫الهوام‪ ،‬وشرب الفيون‪ ،‬وإن شرب وحده‬
‫ممزوجا ً بماء نفع من عضة الكلب‪ ،‬وأكل‬
‫الفطر )‪ (2‬القتال‪ ،‬وإذا جعل فيه اللحم‬
‫الطري‪ ،‬حفظ طراوته ثلثة أشهر‪ ،‬وكذلك‬
‫إن جعل فيه القثاء‪ ،‬والخيار‪ ،‬والقرع‪،‬‬
‫والباذنجان‪ ،‬ويحفظ كثيرا ً من الفاكهة ستة‬
‫أشهر‪ ،‬ويحفظ جثة الموتى‪ ،‬ويسمى‬
‫الحافظ المين‪ ،‬وإذا لطخ به البدن المقمل‬
‫والشعر‪ ،‬قتل قمله وصئبانه‪ ،‬وطول الشعر‪،‬‬
‫وحسنه‪ ،‬ونعمه‪ ،‬وإن اكتحل به‪ ،‬جل ظلمة‬
‫البصر‪ ،‬وإن استن به‪ ،‬بيض السنان‬

‫)( الفطر بضمتين‪ :‬نوع من الكمأة قتال‪.‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫وصقلها‪ ،‬وحفظ صحتها‪ ،‬وصحة اللثة‪ ،‬ويفتح‬


‫أفواه العروق‪ ،‬ويدر الطمث‪ ،‬ولعقه على‬
‫الريق يذهب البلغم‪ ،‬ويغسل خمل المعدة‪،‬‬
‫ويدفع الفضلت عنها‪ ،‬ويسخنها تسخينا ً‬
‫ل‪ ،‬ويفتح سددها‪ ،‬ويفعل ذلك بالكبد‬ ‫معتد ً‬
‫والكلى والمثانة‪ ،‬وهو أقل ضررا ً لسدد‬
‫الكبد والطحال من كل حلو‪.‬‬
‫وهو مع هذا كله مأمون الغائلة‪ ،‬قليل‬
‫المضار‪ ،‬مضر بالعرض للصفراويين‪ ،‬ودفعها‬
‫بالخل ونحوه‪ ،‬فيعود حينئذ نافعا ً له جدًا‪.‬‬
‫وهو غذاء مع الغذية‪ ،‬ودواء مع الدوية‪،‬‬
‫وشراب مع الشربة‪ ،‬وحلو مع الحلوى‪،‬‬
‫وطلء مع الطلية‪ ،‬ومفرح مع المفرحات‪،‬‬
‫فما خلق لنا شيء في معناه أفضل منه‪،‬‬
‫ول مثله‪ ،‬ول قريبا ً منه‪ ،‬ولم يكن معول‬
‫القدماء إل عليه‪ ،‬وأكثر كتب القدماء ل ذكر‬
‫فيها للسكر ألبتة‪ ،‬ول يعرفونه‪ ،‬فإنه حديث‬
‫العهد حدث قريبًا‪ ،‬وكان النبي ‪ ‬يشربه‬
‫بالماء على الريق‪ ،‬وفي ذلك سر بدع في‬
‫حفظ الصحة ل يدركه إل الفطن الفاضل‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫وسنذكر ذلك إن شاء الله عند ذكر هديه‬


‫في حفظ الصحة‪.‬‬
‫وفي "سنن ابن ماجة" مرفوعا ً من‬
‫حديث أبي هريرة‪" :‬من لعق العسل ثلث‬
‫غدوات كل شهر‪ ،‬لم يصبه عظيم من‬
‫البلء" )‪ ،(1‬وفي أثر آخر‪" :‬عليكم‬
‫بالشفاءين‪ :‬العسل والقرآن )‪ "(2‬فجمع بين‬
‫الطب الشرعي واللهي‪ ،‬وبين طب البدان‪،‬‬
‫وطب الرواح‪ ،‬وبين الدواء الرضي والدواء‬
‫السمائي‪.‬‬
‫إذا عرف هذا‪ ،‬فهذا الذي وصف له النبي‬
‫‪ ‬العسل‪ ،‬كان استطلق بطنه عن تخمة‬

‫)( أخرجه ابن ماجة )‪ (3450‬في الطب‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫العسل‪ ،‬وفي سنده الزبير بن سعيد الهاشمي‬


‫وهو لين الحديث‪ ،‬وعبد الحميد بن سالم وهببو‬
‫مجهول‪ ،‬ولم يسمعه من أبي هريرة‪.‬‬
‫)( أخرجه ابن ماجة )‪ (3452‬والحبباكم ‪4/200‬‬ ‫‪2‬‬

‫من حديث أبي إسحاق‪ ،‬عن أبي الحوص‪ ،‬عن‬


‫عبببد اللببه بببن مسببعود‪ ،‬وصببححه ‪ ،‬ووافقببه‬
‫الببذهبي وهببو كمببا قببال إل أن غيببر واحببد مببن‬
‫الثقات‪ ،‬وقفه على ابن مسعود‪ ،‬وصحح وقفببه‬
‫عليه البيهقي في "دلئل النبوة"‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫أصابته عن امتلء‪ ،‬فأمره بشرب العسل‬


‫لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة‬
‫والمعاء‪ ،‬فإن العسل فيه جلء‪ ،‬ودفع‬
‫للفضول‪ ،‬وكان قد أصاب المعدة أخلط‬
‫لزجة‪ ،‬تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها‪،‬‬
‫فإن المعدة لها خمل كخمل القطيفة‪ ،‬فإذا‬
‫علقت بها الخلط اللزجة‪ ،‬أفسدتها‬
‫وأفسدت الغذاء‪ ،‬فدواؤها بما يجلوها من‬
‫تلك الخلط‪ ،‬والعسل جلء‪ ،‬والعسل من‬
‫أحسن ما عولج به هذا الداء‪ ،‬لسيما إن‬
‫مزج بالماء الحار‪.‬‬
‫وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي‬
‫بديع‪ ،‬وهو أن الدواء يجب أن يكون له‬
‫مقدار‪ ،‬وكمية بحسب حال الداء‪ ،‬إن قصر‬
‫عنه‪ ،‬لم يزله بالكلية‪ ،‬وإن جاوزه أوهى‬
‫القوى‪ ،‬بأحدث ضررا ً آخر‪ ،‬فلما أمره أن‬
‫يسقيه العسل‪ ،‬سقاه مقدارا ً ل يفي‬
‫بمقاومة الداء‪ ،‬ول يبلغ الغرض‪ ،‬فلما أخبره‪،‬‬
‫علم أن الذي سقاه ل يبلغ مقدار الحاجة‪،‬‬
‫فلما تكرر تردده إلى النبي ‪ ، ‬أكد عليه‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء‪،‬‬


‫فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء‪،‬‬
‫برأ‪ ،‬بإذن الله‪ ،‬واعتبار مقادير الدوية‪،‬‬
‫وكيفياتها‪ ،‬ومقدار قوة المرض والمريض‬
‫من أكبر قواعد الطب‪.‬‬
‫وفي قوله ‪" : ‬صدق الله وكذب بطن‬
‫أخيك"‪ ،‬إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء‪،‬‬
‫وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في‬
‫نفسه‪ ،‬ولكن لكذب البطن‪ ،‬وكثرة المادة‬
‫الفاسدة فيه‪ ،‬فأمره بتكرار الدواء لكثرة‬
‫المادة‪.‬‬
‫وليس طبه ‪ ‬كطب الطباء‪ ،‬فإن طب‬
‫النبي ‪ ‬متيقن قطعي إلهي‪ ،‬صادر عن‬
‫الوحي‪ ،‬ومشكاة النبوة‪ ،‬وكمال العقل‪.‬‬
‫وطب غيره‪ ،‬أكثره حدس وظنون‪ ،‬وتجارب‪،‬‬
‫ول ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى‬
‫بطب النبوة‪ ،‬فإنه إنما ينتفع به من تلقاه‬
‫بالقبول‪ ،‬واعتقاد الشفاء به‪ ،‬وكمال التلقي‬
‫له باليمان والذعان‪ ،‬فهذا القرآن الذي هو‬
‫شفاء لما في الصدور ‪ -‬إن لم يتلق هذا‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫التلقي ‪ -‬لم يحصل به شفاء الصدور من‬


‫أدوائها‪ ،‬بل ل يزيد المنافقين إل رجسا ً إلى‬
‫رجسهم‪ ،‬ومرضا ً إلى مرضهم‪ ،‬وأين يقع‬
‫طب البدان منه‪ ،‬فطب النبوة ل يناسب إل‬
‫البدان الطيبة‪ ،‬كما أن شفاء القرآن ل‬
‫يناسب إل الرواح الطيبة والقلوب الحية‪،‬‬
‫فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم‬
‫عن الستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء‬
‫النافع‪ ،‬وليس ذلك لقصور في الدواء‪ ،‬ولكن‬
‫لخبث الطبيعة‪ ،‬وفساد المحل‪ ،‬وعدم‬
‫قبوله‪.‬‬
‫)الحبة السوداء( ثبت في "الصحيحين"‪:‬‬
‫من حديث أبي سلمة‪ ،‬عن أبي هريرة رضي‬
‫الله عنه‪ ،‬أن رسول الله ‪ ‬قال‪" :‬عليكم‬
‫بهذه الحبة السوداء‪ ،‬فإن فيها شفاء من كل‬
‫داء إل السام"‪ .‬والسام‪ :‬الموت )‪.(1‬‬
‫الحبة السوداء‪ :‬هي الشونيز في لغة‬

‫)( أخرجه البخاري ‪ 10/121‬في الطببب‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫الحبة السوداء‪ ،‬ومسلم )‪ (2215‬في السببلم‪:‬‬


‫باب التداوي بالحبة السوداء‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪1‬‬ ‫النبوي في‬

‫الفرس‪ ،‬وهي الكمون السود‪ ،‬وتسمى‬


‫الكمون الهندي‪ ،‬قال الحربي‪ ،‬عن الحسن‪:‬‬
‫إنها الخردل‪ ،‬وحكى الهروي‪ :‬أنها الحبة‬
‫الخضراء ثمرة البطم‪ ،‬وكلهما وهم‪،‬‬
‫والصواب‪ :‬أنها الشونيز‪.‬‬
‫وهي كثيرة المنافع جدًا‪ ،‬وقوله‪" :‬شفاء‬
‫مُر‬‫من كل داء"‪ ،‬مثل قوله تعالى‪ :‬ت ُدَ ّ‬
‫ها ‪] ‬الحقاف‪.[25 :‬‬ ‫شي ٍ َ‬ ‫كُ ّ‬
‫ر َرب ّ َ‬
‫م ِ‬
‫ء ب ِأ ْ‬ ‫ل َ ْ‬
‫أي‪ :‬كل شيء يقبل التدمير ونظائره‪،‬‬
‫وهي نافعة من جميع المراض الباردة‪،‬‬
‫وتدخل في المراض الحارة اليابسة‬
‫بالعرض‪ ،‬فتوصل قوى الدوية الباردة‬
‫الرطبة إليها بسرعة تنفيذها إذا أخذ‬
‫يسيرها‪.‬‬
‫وقد نص صاحب "القانون" وغيره‪ ،‬على‬
‫الزعفران في قرص الكافور لسرعة تنفيذه‬
‫وإيصاله قوته‪ ،‬وله نظائر يعرفها حذاق‬
‫الصناعة‪ ،‬ول تستبعد منفعة الحار في‬
‫أمراض حارة بالخاصية‪ ،‬فإنك تجد ذلك في‬
‫أدوية كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬النزروت وما يركب معه‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫من أدوية الرمد‪ ،‬كالسكر وغيره من‬


‫المفردات الحارة‪ ،‬والرمد ورم حار باتفاق‬
‫الطباء‪ ،‬وكذلك نفع الكبريت الحار جدا ً من‬
‫الجرب‪.‬‬
‫والشونيز حار يابس في الثالثة‪ ،‬مذهب‬
‫للنفخ‪ ،‬مخرج لحب القرع‪ ،‬نافع من البرص‬
‫وحمى الربع )‪ (1‬والبلغمية مفتح للسدد‪،‬‬
‫ومحلل للرياح‪ ،‬مجفف لبلة المعدة‬
‫ورطوبتها‪ .‬وإن دق وعجن بالعسل‪ ،‬وشرب‬
‫بالماء الحار‪ ،‬أذاب الحصاة التي تكون في‬
‫الكليتين والمثانة‪ ،‬ويدر البول والحيض‬
‫واللبن إذا أديم شربه أيامًا‪ ،‬وإن سخن‬
‫بالخل‪ ،‬وطلي على البطن‪ ،‬قتل حب القرع‪،‬‬
‫فإن عجن بماء الحنظل الرطب‪ ،‬أو‬
‫المطبوخ‪ ،‬كان فعله في إخراج الدود أقوى‪،‬‬
‫ويجلو ويقطع‪ ،‬ويحلل‪ ،‬ويشفي من الزكام‬
‫البارد إذا دق وصير في خرقة‪ ،‬واشتم‬
‫دائمًا‪ ،‬أذهبه‪.‬‬
‫ودهنه نافع لداء الحية‪ ،‬ومن الثاليل‬
‫)( حمى الربع‪ :‬هي التي تنوب كل رابع يوم‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫والخيلن )‪ ،(1‬وإذا شرب منه مثقال بماء‪،‬‬


‫نفع من البهر وضيق النفس‪ ،‬والضماد به‬
‫ينفع من الصداع البارد‪ ،‬وإذا نقع منه سبع‬
‫حبات عددا ً في لبن امرأة‪ ،‬وسعط به‬
‫صاحب اليرقان‪ ،‬نفعه نفعا ً بليغًا‪.‬‬
‫وإذا طبخ بخل‪ ،‬وتمضمض به‪ ،‬نفع من‬
‫وجع السنان عن برد‪ ،‬وإذا استعط به‬
‫مسحوقًا‪ ،‬نفع من ابتداء الماء العارض في‬
‫العين‪ ،‬وإن ضمد به مع الخل‪ ،‬قلع البثور‬
‫والجرب المتقرح‪ ،‬وحلل الورام البلغمية‬
‫المزمنة‪ ،‬والورام الصلبة‪ ،‬وينفع من اللقوة‬
‫إذا تسعط بدهنه‪ ،‬وإذا شرب منه مقدار‬
‫نصف مثقال إلى مثقال‪ ،‬نفع من لسع‬
‫الرتيلء )‪ ،(2‬وإن سحق ناعما ً وخلط بدهن‬
‫الحبة الخضراء‪ ،‬وقطر منه في الذان ثلث‬
‫قطرات‪ ،‬نفع من البرد العارض فيها والريح‬

‫)( الخيلن‪ ،‬جمع خال‪ ،‬وهو شببامة فببي البببدن‪،‬‬ ‫‪1‬‬

‫أي بببثرة سببوداء ينبببت حولهببا الشببعر غالبببًا‪،‬‬


‫ويغلب على شامة الخد‪.‬‬
‫)( البببرتيلء‪ :‬أنبببواع مبببن الهبببوام كالبببذباب‬ ‫‪2‬‬

‫والعنكبوت‪ ،‬والجمع‪ :‬رتيلوات‪.‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫والسدد‪.‬‬
‫وإن قلي‪ ،‬ثم دق ناعمًا‪ ،‬ثم نقع في زيت‪،‬‬
‫وقطر في النف ثلث قطرات أو أربع‪ ،‬نفع‬
‫من الزكام العارض معه عطاس كثير‪.‬‬
‫وإذا أحرق وخلط بشمع مذاب بدهن‬
‫السوسن‪ ،‬أو دهن الحناء‪ ،‬وطلي به القروح‬
‫الخارجة من الساقين بعد غسلها بالخل‪،‬‬
‫نفعها وأزال القروح‪.‬‬
‫وإذا سحق بخل‪ ،‬وطلي به البرص‬
‫والبهق السود‪ ،‬والحزاز )‪ (1‬الغليظ‪ ،‬نفعها‬
‫وأبرأها‪.‬‬
‫وإذا سحق ناعمًا‪ ،‬واستف منه كل يوم‬
‫درهمين بماء بارد من عضه كلب قبل أن‬
‫يفرغ من الماء‪ ،‬نفعه نفعا ً بليغًا‪ ،‬وأمن على‬
‫نفسه من الهلك‪ .‬وإذا استعط بدهنه‪ ،‬نفع‬
‫من الفالج والكزاز )‪ ،(2‬وقطع موادهما‪ ،‬وإذا‬

‫)( الحزاز‪ :‬بفتح الحاء‪ :‬داء يظهببر فببي الجسببد‬ ‫‪1‬‬

‫فيتقشببر ويتسببع‪ ،‬وهببو أيضببا ً القشببرة الببتي‬


‫تتساقط من الرأس كالنخالة‪.‬‬
‫)( الكزاز‪ ،‬كغراب ورمان‪ :‬داء من شدة البببرد‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫أو الرعدة منها‪.‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫دخن به‪ ،‬طرد الهوام‪.‬‬


‫وإذا أذيب النزروت بماء‪ ،‬ولطخ على‬
‫داخل الحلقة‪ ،‬ثم ذر عليها الشونيز‪ ،‬كان‬
‫من الذرورات الجيدة العجيبة النفع من‬
‫البواسير‪ ،‬ومنافعه أضعاف ما ذكرنا‪،‬‬
‫والشربة منه درهمان‪ ،‬وزعم قوم أن الكثار‬
‫منه قاتل‪.‬‬
‫)ماء زمزم(‪ :‬سيد المياه وأشرفها وأجلها‬
‫قدرًا‪ ،‬وأحبها إلى النفوس وأغلها ثمنًا‪،‬‬
‫وأنفسها عند الناس‪ ،‬وهو هزمة جبريل‬
‫وسقيا الله إسماعيل )‪.(1‬‬

‫)( أخرجه الدارقطني ‪ 2/289‬والحاكم ‪1/473‬‬ ‫‪1‬‬

‫من حديث ابن عببباس مببن طريببق محمببد بببن‬


‫حبيب الجارودي عن سفيان بن عيينة عن ابببن‬
‫أبي نجيح عببن مجاهببد عببن ابببن عببباس‪ ،‬قببال‬
‫الحافظ في "التلخيص"‪ :‬والجارودي‪ ،‬صببدوق‪،‬‬
‫إل أن روايته شاذة‪ ،‬فقد رواه حببافظ أصببحاب‬
‫ابببن عيينببة‪ ،‬كالحميببدي‪ ،‬وابببن أبببي عمببر‪،‬‬
‫وغيرهما‪ ،‬عن ابن عيينة‪ ،‬عببن ابببن أبببي نجيببح‬
‫عن مجاهد من قول ابن عباس‪ ،‬وقوله‪ :‬هزمة‬
‫جبريل‪ .‬أي ضربها برجله فنبع الماء‪ ،‬والهزمببة‪:‬‬
‫النقرة في الصدر‪ ،‬وفببي التفاحببة‪ :‬إذا غمزتهببا‬
‫بيببدك‪ ،‬وهزمببت البببئر‪ :‬إذا حفرتهببا‪ ،‬وقببوله‪:‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫وثبت في "الصحيح"‪ :‬عن النبي ‪ ، ‬أنه‬


‫قال لبي ذر وقد أقام بين الكعبة وأستارها‬
‫أربعين ما بين يوم وليلة‪ ،‬ليس له طعام‬
‫غيره؛ فقال النبي ‪" : ‬إنها طعام طعم"‬
‫)‪ .(1‬وزاد غير مسلم بإسناده‪" :‬وشفاء‬
‫سقم" )‪.(2‬‬
‫وفي "سنن ابن ماجة"‪ .‬من حديث جابر‬
‫بن عبد الله‪ ،‬عن النبي ‪ ‬أنه قال‪" :‬ماء‬
‫زمزم لما شرب له" )‪ .(3‬وقد ضعف هذا‬

‫وسقيا الله إسماعيل‪ :‬أي أظهره الله ليسببقي‬


‫به إسماعيل في أول المر‪.‬‬
‫)( أخرجببببه مسببببلم )‪ (2473‬فببببي فضببببائل‬ ‫‪1‬‬

‫الصحابة‪ :‬باب فضائل أبي ذر رضي الله عنه‪.‬‬


‫)( أخرجه البزار والبيهقي ‪ 5/148‬والطيالسبي‬ ‫‪2‬‬

‫‪ 2/158‬والطبراني في "الكبببير" و "الوسببط"‬


‫وإسناده صحيح كما قال الحافظ المنذري فببي‬
‫"الترغيب والببترهيب" ‪ ،2/133‬والهيثمببي فببي‬
‫"المجمع" ‪.3/286‬‬
‫)( أخرجه ابن ماجة )‪ (3062‬وأحمد‪ ،‬والبيهقي‬ ‫‪3‬‬

‫‪ 5/148‬وعببببد اللبببه ببببن المؤمبببل وإن كبببان‬


‫ضعيفًا‪ ،‬فإنه لم ينفرد بببه‪ ،‬بببل تببابعه ابببن أبببي‬
‫المببوالي واسببمه عبببد الرحمببن كمببا ذكببر‬
‫المؤلف‪ ،‬وإبراهيم بن طهمان عن أبببي الزبيببر‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫الحديث طائفة بعبد الله بن المؤمل رواية‬


‫عن محمد بن المنكدر‪ .‬وقد روينا عن عبد‬
‫الله بن المبارك‪ ،‬أنه لما حج‪ ،‬أتى زمزم‪،‬‬
‫فقال‪ :‬اللهم إن ابن أبي الموالي حدثنا عن‬
‫محمد بن المنكدر‪ ،‬عن جابر رضي الله‬
‫عنه‪ ،‬عن نبيك ‪ ‬أنه قال‪" :‬ماء زمزم لما‬
‫شرب له"‪ ،‬وإني أشربه لظمإ يوم القيامة‪،‬‬
‫وابن أبي الموالي ثقة‪ ،‬فالحديث إذا ً حسن‪،‬‬
‫وقد صححه بعضهم‪ ،‬وجعله بعضهم‬
‫موضوعًا‪ ،‬وكل القولين فيه مجازفة‪.‬‬
‫قال ابن القيم‪ :‬وقد جربت أنا وغيري من‬
‫عند البببيهقي ‪ 5/202‬فببي ببباب الرخصببة فببي‬
‫خروج ماء زمزم بسند جيد‪ ،‬فالحديث صببحيح‪.‬‬
‫وقد صببححه الحبباكم‪ ،‬والمنببذري والببدمياطي‪،‬‬
‫وحسنه الحافظ ابن حجر وقد أخرج الترمببذي‬
‫)‪ (963‬والبببيهقي ‪ 5/202‬عببن عائشببة رضببي‬
‫اللببه عنهببا أنهببا كببانت تحمببل مببن مبباء زمببزم‬
‫وتخبر أنه ‪ ‬كببان يحملببه‪ ،‬وحسببنه الترمببذي‪،‬‬
‫وهو كما قال‪ .‬وأخرجه البخبباري فببي "الكتبباب‬
‫الكبير" ‪ 3/189‬بلفظ "أنها حملت مبباء زمببزم‬
‫في القوارير وقالت‪ :‬حمله رسول الله ‪ ‬في‬
‫الداوي والقرب‪ ،‬فكان يصببب علببى المرضببي‬
‫ويسقيهم‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫الستشفاء بماء زمزم أمورا ً عجيبة‪،‬‬


‫واستشفيت به من عدة أمراض‪ ،‬فبرأت‬
‫بإذن الله‪ ،‬وشاهدت من يتغذى به اليام‬
‫ذوات العدد قريبا ً من نصف الشهر‪ ،‬أو أكثر‪،‬‬
‫ول يجد جوعًا‪ ،‬ويطوف مع الناس كأحدهم‪،‬‬
‫وأخبرني أنه ربما بقي عليه أربعين يومًا‪،‬‬
‫وكان له قوة يجامع بها أهله‪ ،‬ويصوم‬
‫ويطوف مرارًا‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في علج الكرب‬
‫والهم والغم والحزن‬
‫أخرجا في "الصحيحين" من حديث ابن‬
‫عباس‪ ،‬أن رسول الله ‪ ‬كان يقول عند‬
‫الكرب‪" :‬ل إله إل الله العظيم الحليم‪ ،‬ل‬
‫إله إل الله رب العرش العظيم‪ ،‬ل إله إل‬
‫الله رب السموات السبع‪ ،‬ورب الرض رب‬
‫العرش الكريم" )‪.(1‬‬
‫وفي "جامع الترمذي" عن أنس‪ ،‬أن‬
‫رسول الله ‪ ، ‬كان إذا حزنه أمر‪ ،‬قال‪" :‬يا‬
‫حي يا قيوم برحمتك أستغيث" )‪.(2‬‬
‫وفيه‪ :‬عن أبي هريرة‪ ،‬أن النبي ‪ ، ‬كان‬
‫إذا أهمه المر‪ ،‬رفع طرفه إلى السماء‬
‫فقال‪" :‬سبحان الله العظيم"‪ ،‬وإذا اجتهد‬

‫)( أخرجببه البخبباري ‪، 11/122‬بب ‪ 123‬فببي‬ ‫‪1‬‬

‫الدعوات‪ :‬باب الدعاء عنبد الكبرب‪ ،‬ومسبلم )‬


‫‪ (2730‬في الذكر والدعاء‪ :‬باب دعاء الكرب‪.‬‬
‫)( أخرجببه الترمببذي )‪ (3522‬فببي الببدعوات‪،‬‬ ‫‪2‬‬

‫وفببي سببنده يزيببد بببن أبببان الرقاشببي‪ ،‬وهببو‬


‫ضعيف‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫في الدعاء قال‪ " :‬يا حي يا قيوم" )‪.(1‬‬


‫وفي "سنن أبي داود" عن أبي بكر‪ ،‬أن‬
‫رسول الله ‪ ‬قال‪" :‬دعوات المكروب‪:‬‬
‫اللهم رحمتك أرجو‪ ،‬فل تكلني إلى نفسي‬
‫طرفة عين‪ ،‬وأصلح لي شأني كله‪ ،‬ل إله إل‬
‫أنت" )‪.(2‬‬
‫وفيها أيضا ً عن أسماء بنت عميس قالت‪:‬‬
‫قال لي رسول الله ‪" :‬أل أعلمك كلمات‬
‫تقوليهن عند الكرب‪ ،‬أو في الكرب‪ :‬الله‬
‫ربي ل أشرك به شيئًا" )‪ .(3‬وفي رواية أنها‬

‫)( أخرجببه الترمببذي )‪ (3432‬فببي الببدعوات‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫باب ما يقول عند الكرب‪ ،‬وفي سنده إبراهيببم‬


‫بن الفضل المخزومي‪ ،‬وهو متروك‪.‬‬
‫)( أخرجه أبو داود )‪ :(5090‬باب مببا يقببول إذا‬ ‫‪2‬‬

‫أصبببح‪ ،‬وأحمببد ‪ ،5/42‬والبخبباري فببي "الدب‬


‫المفرد" )‪ ،(701‬وسنده حسن‪ ،‬وصببححه ابببن‬
‫حبان )‪ (2370‬وقد وهم المصنف رحمه اللببه‪،‬‬
‫فجعل الحديث من مسند أبي بكر الصديق‪.‬‬
‫)( أخرجه أبو داود )‪ (1525‬فببي الصببلة‪ :‬ببباب‬ ‫‪3‬‬

‫في الستغفار‪ ،‬وابن ماجة )‪ (3882‬من حديث‬


‫هلل أبي طعمة مولى عمببر بببن عبببد العزيببز‪،‬‬
‫عن عمر ببن عبببد العزيببز‪ ،‬عببن عبببد اللببه ببن‬
‫جعفر‪ ،‬عن أسماء بنت عميس‪ ،‬وسنده حسن‪،‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪2‬‬ ‫النبوي في‬

‫تقال سبع مرات )‪.(1‬‬


‫وفي "مسند المام أحمد" عن ابن‬
‫مسعود‪ ،‬عن النبي ‪ ‬قال‪" :‬ما أصاب عبدا ً‬
‫هم ول حزن فقال‪ :‬اللهم إني عبدك‪ ،‬ابن‬
‫عبدك‪ ،‬ابن أمتك ناصيتي بيدك‪ ،‬ماض في‬

‫وله شاهد من حديث عائشة عند ابببن حبببان )‬


‫‪ (2369‬وقد وهم الشيخ ناصر الببدين اللببباني‬
‫في تعليقه على "الكلم الطيببب" ص ‪ 73‬حيببن‬
‫ادعى أن هلل ً أبا طعمة مببولى عمببر بببن عبببد‬
‫العزيز أغفله كل من ألببف فببي تراجببم رجببال‬
‫السنة كالتهذيب والتقريبب والخلصبة مبع أنبه‬
‫مترجم عندهم جميعا ً في الكنى‪ ،‬فقد جاء فببي‬
‫"التهذيب" ما نصه‪ :‬أبو طعمببة المببوي مببولى‬
‫عمببر بببن عبببد العزيببز اسببمه هلل‪ ،‬شببامي‪،‬‬
‫سكن مصر‪ ،‬روى عببن مببوله‪ ،‬وعبببد اللببه بببن‬
‫عمببر‪ ،‬وعنببه عبببد العزيببز بببن عمببر بببن عبببد‬
‫العزيز‪ ،‬وعبد الرحمن بن يزيد بن جابر‪ ،‬وعبببد‬
‫الله بن لهيعة‪ ،‬وقال أبو حاتم‪ :‬أبو طعمة قارئ‬
‫مصر‪ ،‬روى عنه ابنا يزيد بن جببابر‪ ،‬وقببال ابببن‬
‫يونس‪ :‬هلل مولى عمر بن عبد العزيز‪ ،‬يكنببى‬
‫أبا طعمة‪ ،‬كان يقرأ القرآن بمصر‪ ،‬وقببال ابببن‬
‫عمار الموصلي‪ :‬أبو طعمة ثقة‪.‬‬
‫)( لببم نقببف علببى هببذه الروايببة‪ ،‬وقببد ذكببر‬ ‫‪1‬‬

‫الطبراني في "الدعاء" أنها تقال ثلث مرات‪.‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫حكمك‪ ،‬عدل في قضاؤك‪ ،‬أسألك بكل اسم‬


‫هو لك سميت به نفسك‪ ،‬أو أنزلته في‬
‫كتابك‪ ،‬أو علمته أحدا ً من خلقك‪ ،‬أو‬
‫استأثرت به في علم الغيب عندك‪ :‬أن‬
‫تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي‪ ،‬ونور‬
‫صدري‪ ،‬وجلء حزني‪ ،‬وذهاب همي‪ ،‬إل‬
‫أذهب الله حزنه وهمه‪ ،‬وأبدله مكانه فرحًا"‬
‫)‪.(1‬‬
‫وفي الترمذي عن سعد بن أبي وقاص‪،‬‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله ‪" :‬دعوة ذي النون‬
‫إذ دعا ربه وهو في بطن الحوت‪ :‬ل إله إل‬
‫أنت سبحانك إني كنت من الظالمين‪ ،‬لم‬
‫يدع بها رجل مسلم في شيء قط إل‬
‫استجيب له" )‪.(2‬‬
‫)( أخرجه أحمد في "المسند" ‪ 1/394‬و ‪،452‬‬ ‫‪1‬‬

‫وسنده صببحيح‪ ،‬وصببححه ابببن حبببان )‪(2372‬‬


‫وقد تقدم‪.‬‬
‫)( أخرجببه الترمببذي )‪ (3500‬فببي الببدعوات‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫باب دعوة ذي النون في بطن الحببوت وأحمببد‬


‫‪ ، 1/170‬وصببححه الحبباكم ‪ ، 1/505‬ووافقببه‬
‫الذهبي‪ ،‬وهو كما قال‪ ،‬والرواية الثانية أخرجهببا‬
‫ابن السني ص ‪ 111‬وفي سندها ضعف‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫وفي رواية "إني لعلم كلمة ل يقولها‬


‫مكروب إل فرج الله عنه‪ :‬كلمة أخي‬
‫يونس"‪.‬‬
‫وفي "سنن أبي داود" عن أبي سعيد‬
‫الخدري‪ ،‬قال‪ :‬دخل رسول الله ‪ ‬ذات‬
‫يوم المسجد‪ ،‬فإذا هو برجل من النصار‬
‫يقال له‪ :‬أبو أمامة‪ ،‬فقال‪" :‬يا أبا أمامة‬
‫مالي أراك في المسجد في غير وقت‬
‫الصلة؟" فقال‪ :‬هموم لزمتني‪ ،‬وديون يا‬
‫رسول الله‪ ،‬فقال‪" :‬أل أعلمك كلما ً إذا أنت‬
‫قلته أذهب الله عز وجل همك وقضى‬
‫دينك؟" قال‪ :‬قلت‪ :‬بلى يا رسول الله‪ ،‬قال‪:‬‬
‫"قل إذا أصبحت وإذا أمسيت‪ :‬اللهم إني‬
‫أعوذ بك من الهم والحزن‪ ،‬وأعوذ بك من‬
‫العجز والكسل‪ ،‬وأعوذ بك من الجبن‬
‫والبخل‪ ،‬وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر‬
‫الرجال"‪ ،‬قال‪ :‬ففعلت ذلك‪ ،‬فأذهب الله‬
‫عز وجل همي‪ ،‬وقضى عني ديني )‪.(1‬‬

‫)( أخرجه أبو داود )‪ (1555‬فببي الصببلة‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫في الستعاذة‪ ،‬وفي سببنده غسببان بببن عببوف‬


‫البصري‪ ،‬وهو لين الحديث‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫وفي "سنن أبي داود" عن ابن عباس‪،‬‬


‫قال‪ :‬قال رسول الله ‪" : ‬من لزم‬
‫الستغفار‪ ،‬جعل الله له من كل هم فرجًا‪،‬‬
‫ومن كل ضيق مخرجًا‪ ،‬ورزقه من حيث ل‬
‫يحتسب" )‪.(1‬‬
‫وفي "المسند" أن النبي ‪ ‬كان إذا‬
‫حزنه أمر‪ ،‬فزع إلى الصلة)‪ ،(2‬وقد قال‬
‫ة‪‬‬ ‫صل َ ِ‬‫وال ّ‬
‫ر َ‬‫صب ْ ِ‬
‫عيُنوا ِبال ّ‬
‫ست َ ِ‬
‫وا ْ‬‫تعالى‪َ  :‬‬
‫]البقرة‪.[45 :‬‬
‫وفي "السنن" ‪" :‬عليكم بالجهاد‪ ،‬فإنه‬
‫باب من أبواب الجنة‪ ،‬يدفع الله به عن‬
‫النفوس الهم والغم" )‪.(3‬‬

‫)( أخرجه أبو داود )‪ (1518‬فببي الصببلة‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫السببتغفار‪ ،‬وأحمببد )‪ .(2234‬وابببن ماجببة )‬


‫‪ (3819‬وفي سنده الحكببم بببن مصببعب‪ ،‬وهببو‬
‫مجهول‪.‬‬
‫)( أخرجه أحمد ‪ ،5/38‬وفي سنده محمببد بببن‬ ‫‪2‬‬

‫عبد الله الدؤلي وعبد العزيببز بببن حذيفببة‪ ،‬لببم‬


‫يوثقهما غير ابن حبان‪.‬‬
‫)( حديث صحيح أخرجه الطبراني في الوسط‬ ‫‪3‬‬

‫من حديث أبي أمامة‪ ،‬وأحمببد فببي "المسببند"‬


‫‪ 5/314‬و ‪ 316‬و ‪ 319‬و ‪ 326‬و ‪ 330‬مببببببن‬
‫حديث عبببادة بببن الصببامت‪ ،‬وصببححه الحبباكم‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫وثبت في "الصحيحين" أنها كنز من كنوز‬


‫الجنة )‪.(1‬‬
‫وفي الترمذي‪" :‬أنها باب من أبواب‬
‫الجنة" )‪.(2‬‬
‫هذه الدوية تتضمن خمسة عشر نوعا ً‬
‫من الدواء‪ ،‬فإن لم تقو على إذهاب داء‬
‫الهم والغم والحزن‪ ،‬فهو داء قد استحكم‪،‬‬
‫وتمكنت أسبابه‪ ،‬ويحتاج إلى استفراغ كلي‪.‬‬
‫الول‪ :‬توحيد الربوبية‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬توحيد اللهية‪.‬‬
‫الثالث‪ :‬التوحيد العلمي العتقادي‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬تنزيه الرب تعالى عن أن يظلم‬
‫عبده‪ ،‬أو يأخذه بل سبب من العبد يوجب‬

‫‪ 75 ، 2/74‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫)( أخرجببه البخبباري ‪ 11/180‬فببي الببدعوات‪:‬‬ ‫‪1‬‬

‫باب قول ل حول ول قببوة إل بببالله‪ ،‬ومسببلم )‬


‫‪ (2704‬فببي الببذكر والببدعاء‪ :‬ببباب اسببتحباب‬
‫خفض الصوت بالذكر‪ ،‬من حديث أبي موسببى‬
‫رضي الله عنه‪.‬‬
‫)( أخرجببه الترمببذي )‪ (3576‬فببي الببدعوات‪:‬‬ ‫‪2‬‬

‫باب فضل ل حول ول قوة إل بالله‪ ،‬من حديث‬


‫سعد بن عبادة‪ ،‬وإسناده حسن‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫ذلك‪.‬‬
‫الخامس‪ :‬اعتراف العبد بأنه هو الظالم‪.‬‬
‫السادس‪ :‬التوسل إلى الرب تعالى‬
‫بأحب الشياء‪ ،‬وهو أسماؤه وصفاته‪ ،‬ومن‬
‫أجمعها لمعاني السماء والصفات‪ :‬الحي‬
‫القيوم‪.‬‬
‫السابع‪ :‬الستعانة به وحده‪.‬‬
‫الثامن‪ :‬إقرار العبد له بالرجاء‪.‬‬
‫التاسع‪ :‬تحقيق التوكل عليه‪ ،‬والتفويض‬
‫إليه‪ ،‬والعتراف له بأن ناصيته في يده‪،‬‬
‫يصرفه كيف يشاء‪ ،‬وأنه ماض فيه حكمه‪،‬‬
‫عدل فيه قضاؤه‪.‬‬
‫العاشر‪ :‬أن يرتع قلبه في رياض القرآن‪،‬‬
‫ويجعله لقلبه كالربيع للحيوان‪ ،‬وأن‬
‫يستضيء به في ظلمات الشبهات‬
‫والشهوات‪ ،‬وأن يتسلى به عن كل فائت‪،‬‬
‫ويتعزى به عن كل مصيبة‪ ،‬ويستشفي به‬
‫من أدواء صدره‪ ،‬فيكون جلء حزنه‪ ،‬وشفاء‬
‫همه وغمه‪.‬‬
‫الحادي عشر‪ :‬الستغفار‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫الثاني عشر‪ :‬التوبة‪.‬‬


‫الثالث عشر‪ :‬الجهاد‪.‬‬
‫الرابع عشر‪ :‬الصلة‪.‬‬
‫الخامس عشر‪ :‬البراءة من الحول‬
‫والقوة وتفويضهما إلى من هما بيده‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في العلج العام‬
‫لكل شكوى بالرقية اللهية‬
‫روى أبو داود في "سننه"‪ :‬من حديث‬
‫أبي الدرداء‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول الله ‪‬‬
‫يقول‪" :‬من اشتكى منكم شيئًا‪ ،‬أو اشتكاه‬
‫أخ له فليقل‪ :‬ربنا الله الذي في السماء‪،‬‬
‫تقدس اسمك‪ ،‬أمرك في السماء والرض‬
‫كما رحمتك في السماء‪ ،‬فاجعل رحمتك‬
‫في الرض‪ ،‬واغفر لنا حوبنا وخطايانا أنت‬
‫رب الطيبين‪ ،‬أنزل رحمة من رحمتك‪،‬‬
‫وشفاء من شفائك على هذا الوجع‪ ،‬فيبرأ‬
‫بإذن الله )‪.(1‬‬
‫وفي "صحيح مسلم" عن أبي سعيد‬

‫)( أخرجه أبو داود )‪ (3892‬فببي الطببب‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫كيف الرقى‪ ،‬وفي سنده زياد بببن محمببد وهببو‬


‫منكببر الحببديث‪ ،‬وببباقي رجبباله ثقببات‪ ،‬ورواه‬
‫أحمد ‪ 6/21‬من طريق آخبر‪ ،‬وفببي سبنده أببو‬
‫بكر ابببن أبببي مريببم الغسبباني الشببامي‪ ،‬وهببو‬
‫ضعيف‪ ،‬وقال الدارقطني‪ :‬متروك‪ ،‬وقببال ابببن‬
‫عببدي‪ :‬الغببالب علببى حببديثه الغببرائب‪ ،‬وقلمببا‬
‫يوافقه الثقات‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫الخدري‪ ،‬أن جبريل ‪ -‬عليه السلم ‪ -‬أتى‬


‫النبي ‪ ‬فقال‪ :‬يا محمد! أشتكيت؟ فقال‪:‬‬
‫"نعم" ‪ ،‬فقال جبريل ‪ -‬عليه السلم ‪:-‬‬
‫"باسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك من‬
‫شر كل نفس أو عين حاسد الله يشفيك‬
‫باسم الله أرقيك" )‪.(1‬‬
‫فإن قيل‪ :‬فما تقولون في الحديث الذي‬
‫رواه أبو داود‪" :‬ل رقية إل من عين‪ ،‬أو‬
‫حمة‪ ،‬والحمة‪ :‬ذوات السموم كلها‪.‬‬
‫فالجواب أنه ‪ ‬لم يرد به نفي جواز‬
‫الرقية في غيرها‪ ،‬بل المراد به‪ :‬ل رقية‬
‫أولى وأنفع منها في العين والحمة‪ ،‬ويدل‬
‫عليه سياق الحديث‪ ،‬فإن سهل بن حنيف‬
‫قال له لما أصابته العين‪ :‬أو في الرقى‬
‫خير؟ فقال‪" :‬ل رقية إل في نفس أو حمة"‬
‫ويدل عليه سائر أحاديث الرقى العامة‬
‫والخاصة‪ ،‬وقد روى أبو داود من حديث‬
‫أنس قال‪ :‬قال رسول الله ‪" : ‬ل رقية إل‬

‫)( أخرجه مسببلم )‪ (2186‬فببي السببلم‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫الطب والمرض والرقى‪.‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫من عين أو حمة أو دم يرقا" )‪.(2‬‬


‫وفي "صحيح مسلم" عنه أيضًا‪ :‬رخص‬
‫رسول الله ‪ ‬في الرقية من العين والحمة‬
‫النملة‪.‬‬

‫)( أخرجه أبو داود )‪ (3889‬وفي سنده شريك‬ ‫‪2‬‬

‫القاضببي وهببو سببيء الحفببظ‪ ،‬وببباقي رجبباله‬


‫ثقات‪ ،‬وأخببرج مسببلم )‪ (220‬عببن بريببدة بببن‬
‫الحصيب قوله "ل رقية إل مبن عيببن أو حمبة"‬
‫وأخرجه ابن ماجببة )‪ (5313‬مرفوعبًا‪ ،‬وسببنده‬
‫ضعيف‪ ،‬وفي الباب عن عمببران بببن الحصببين‬
‫عنببد أحمببد‪ ،‬وأبببي داود )‪ (3884‬والترمببذي )‬
‫‪ (2058‬بلفظ "ل رقية إل مببن عيببن أو حمببة"‬
‫وإسناده صحيح‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪3‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‬
‫في هديه ‪ ‬في علج الوجع‬
‫بالرقية‬
‫روى مسلم في "صحيحه" عن عثمان بن‬
‫أبي العاص‪ ،‬أنه شكى إلى رسول الله ‪‬‬
‫وجعا ً يجده في جسده منذ أسلم‪ ،‬فقال‬
‫النبي ‪" : ‬ضع يدك على الذي تألم من‬
‫جسدك وقل‪ :‬بسم الله ثلثًا‪ ،‬وقل سبع‬
‫مرات‪ :‬أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما‬
‫أجد وأحاذر" )‪ (1‬ففي هذا العلج من ذكر‬
‫الله‪ ،‬والتفويض إليه‪ ،‬والستعاذة بعزته‬
‫وقدرته من شر اللم ما يهذب به‪ ،‬وتكراره‬
‫ليكون أنجع وأبلغ‪ ،‬كتكرار الدواء لخراج‬
‫المادة‪ ،‬وفي السبع خاصية ل توجد في‬
‫غيرها وفي "الصحيحين"‪ :‬أن النبي ‪، ‬‬
‫كان يعوذ بعض أهله‪ ،‬يمسح بيده اليمنى‪،‬‬
‫ويقول‪" :‬اللهم رب الناس‪ ،‬أذهب البأس‪،‬‬
‫واشف أنت الشافي‪ ،‬ل شفاء إل شفاؤك‪،‬‬

‫)( أخرجه مسببلم )‪ (2202‬فببي السببلم‪ :‬ببباب‬ ‫‪1‬‬

‫استحباب وضع يده على موضع اللم‪.‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫شفاء ل يغادر سقمًا" )‪ .(2‬ففي هذه الرقية‬


‫توسل إلى الله بكمال ربوبيته‪ ،‬وكمال‬
‫رحمته بالشفاء‪ ،‬وأنه وحده الشافي‪ ،‬وأنه ل‬
‫شفاء إل شفاؤه‪ ،‬فتضمنت التوسل إليه‬
‫بتوحيده وإحسانه وربوبيته‪.‬‬

‫)( أخرجه البخاري ‪ 10/178‬في الطببب‪ :‬ببباب‬ ‫‪2‬‬

‫النفببث فببي الرقيببة‪ ،‬ومسببلم )‪ (2191‬فببي‬


‫السلم‪ :‬باب استحباب رقية المريض‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫)من تطبب ولم يعلم منه طب‪،‬‬


‫فهو ضامن(‬
‫عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده‪:‬‬
‫أن رسول الله ‪ ‬قال‪" :‬من تطبب ولم‬
‫يعلم منه طب‪ ،‬فهو ضامن"‪.‬‬
‫رواه أبو داود والنسائي‪.‬‬
‫هذا الحديث يدل بلفظه وفحواه على‪:‬‬
‫أنه ل يحل لحد أن يتعاطى صناعة من‬
‫الصناعات وهو ل يحسنها‪ ،‬سواء كان طبا ً أو‬
‫غيره‪ ،‬وأن من تجرأ على ذلك‪ ،‬فهو آثم‪ .‬وما‬
‫ترتب على عمله من تلف نفس أو عضو أو‬
‫نحوهما‪ ،‬فهو ضامن له‪ ،‬وما أخذه من المال‬
‫في مقابلة تلك الصناعة التي ل يحسنها‪،‬‬
‫فهو مردود على باذله؛ لنه لم يبذله إل‬
‫بتغريره وإيهامه أنه يحسن‪ ،‬فيدخل في‬
‫الغش‪ ،‬و "من غشنا فليس منا"‪.‬‬
‫ومثل هذا البناء والنجار والحداد والخراز‬
‫والنساج ونحوهم ممن نصب نفسه لذلك‪،‬‬
‫موهما أنه يحسن الصنعة‪ ،‬وهو كاذب‪.‬‬
‫ومفهوم الحديث‪ :‬أن الطبيب الحاذق‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫ونحوه إذا باشر ولم تجن يده‪ ،‬وترتب على‬


‫ذلك تلف‪ ،‬فليس بضامن؛ لنه مأذون فيه‬
‫من المكلف أو وليه‪ .‬فكل ما ترتب على‬
‫المأذون فيه‪ ،‬فهو غير مضمون‪ .‬وما ترتب‬
‫على غير ذلك المأذون فيه‪ ،‬فإنه مضمون‪.‬‬
‫ويستدل بهذا على‪ :‬أن صناعة الطب من‬
‫العلوم النافعة المطلوبة شرعا ً وعق ً‬
‫ل‪ .‬والله‬
‫أعلم )‪.(1‬‬
‫"ما أنزل الله داء إل أنزل له‬
‫)‪(2‬‬
‫شفاء"‬
‫عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪" : ‬ما أنزل الله داء إل أنزل‬
‫له شفاء"‪ .‬رواه البخاري‪.‬‬
‫النزال هنا بمعنى‪ :‬التقدير‪.‬‬
‫ففي هذا الحديث‪ :‬إثبات القضاء والقدر‪،‬‬
‫وإثبات السباب‪.‬‬
‫وقد تقدم أن هذا الصل العظيم ثابت‬

‫)( بهجببة قلببوب البببرار وقببرة عيببون الخيببار‬ ‫‪1‬‬

‫بشرح جوامع الخبار للشيخ عبببد الرحمببن بببن‬


‫ناصر السعدي رحمه الله تعالى ص ‪.151‬‬
‫)( المصدر السابق ص ‪.168‬‬ ‫‪2‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫بالكتاب والسنة‪ ،‬ويؤيده العقل والفطرة‪،‬‬


‫فالمنافع الدينية والدنيوية والمضار كلها‬
‫بقضاء الله وتقديره‪ ،‬قد أحاط بها علمًا‪،‬‬
‫وجرى بها قلمه‪ ،‬ونفذت بها مشيئته‪ ،‬ويسر‬
‫العباد لفعل السباب التي توصلهم إلى‬
‫المنافع والمضار‪ ،‬فكل ميسر لما خلق له‪:‬‬
‫من مصالح الدين والدنيا‪ ،‬ومضارهما‪.‬‬
‫والسعيد من يسره الله ليسر المور‬
‫وأقربها إلى رضوان الله‪ ،‬وأصلحها لدينه‬
‫ودنياه‪ ،‬والشقي من انعكس عليه المر‪.‬‬
‫وعموم هذا الحديث يقتضي‪ :‬أن جميع‬
‫المراض الباطنة والظاهرة لها أدوية‬
‫تقاومها‪ ،‬تدفع ما لم ينزل‪ ،‬وترفع ما نزل‬
‫بالكلية‪ ،‬أو تخففه‪.‬‬
‫وفي هذا‪ :‬الترغيب في تعلم طب‬
‫البدان‪ ،‬كما يتعلم طب القلوب‪ ،‬وأن ذلك‬
‫من جملة السباب النافعة‪ .‬وجميع أصول‬
‫الطب وتفاصيله‪ ،‬وشرح لهذا الحديث‪ ،‬لن‬
‫الشارع أخبرنا أن جميع الدواء لها أدوية‪.‬‬
‫فينبغي لنا أن نسعى إلى تعلمها‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫إلى العمل بها وتنفيذها‪.‬‬


‫وقد كان يظن كثير من الناس أن بعض‬
‫المراض ليس له دواء‪ ،‬كالسل ونحوه‪،‬‬
‫وعندما ارتقى علم الطب‪ ،‬ووصل الناس‬
‫على ما وصلوا إليه من علمه‪ ،‬عرف الناس‬
‫مصداق هذا الحديث‪ ،‬وأنه على عمومه‪.‬‬
‫وأصول الطب‪ :‬تدبير الغذاء‪ ،‬بأن ل يأكل‬
‫حتى تصدق الشهوة وينهضم الطعام‬
‫السابق انهضاما ً تامًا‪ ،‬ويتحرى النفع من‬
‫الغذية‪ ،‬وذلك بحسب حالة القطار‬
‫والشخاص والحوال‪ ،‬ول يمتلئ من الطعام‬
‫امتلء يضره مزاولته‪ ،‬والسعي في تهضيمه‪،‬‬
‫بل الميزان قوله تعالى‪ :‬وك ُُلوا‬
‫فوا ‪‬‬‫ر ُ‬ ‫ول َ ت ُ ْ‬
‫س ِ‬ ‫وا ْ‬
‫شَرُبوا َ‬ ‫َ‬
‫]العراف‪.[31 :‬‬
‫ويستعمل الحمية عن جميع المؤذيات‬
‫في مقدارها‪ ،‬أو في ذاتها‪ ،‬أو في وقتها‪ ،‬ثم‬
‫إن أمكن الستفراغ‪ ،‬وحصل به المقصود‪،‬‬
‫من دون مباشرة الدوية‪ ،‬فهو الولى‬
‫والنفع‪ .‬فإن اضطر إلى الدواء‪ ،‬استعمله‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫بمقدار‪ .‬وينبغي أن ل يتولى ذلك إل عارف‬


‫وطبيب حاذق‪.‬‬
‫واعلم أن طيب الهواء‪ ،‬ونظافة البدن‬
‫والثياب‪ ،‬والبعد عن الروائح الكريهة‬
‫الخبيثة‪ ،‬خير عون على الصحة‪ .‬وكذلك‬
‫الرياضة المتوسطة‪ .‬فإنها تقوي العضاء‬
‫والعصاب والوتار‪ ،‬وتزيل الفضلت‪،‬‬
‫وتهضم الغذية الثقيلة‪ ،‬وتفاصيل الطب‬
‫معروفة عند الطباء‪ .‬ولكن هذه الصول‬
‫التي ذكرناها يحتاج إليها كل أحد‪.‬‬
‫وصح عنه ‪" ‬الشفاء في ثلث‪ :‬شرطة‬
‫محجم‪ ،‬أو شربة عسل‪ ،‬أو كية بنار" )‪،(1‬‬
‫)وفي الحبة السوداء شفاء من كل داء( )‪.(2‬‬
‫"العود الهندي فيه سبعة أشفية")‪،(3‬‬
‫"يسعط من العذرة‪ ،‬ويلد من ذات الجنب"‬
‫)‪" ،(4‬الحمى من فيح جهنم‪ ،‬فأبردوها بالماء"‬

‫)( رواه البخاري‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( رواه البخاري في الطب والمام أحمببد فببي‬ ‫‪3‬‬

‫المسند‪.‬‬
‫)( متفق عليه‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫)‪" ،(1‬رخص في الرقية من العين والحمة‬


‫والنملة )‪ ،(2‬و "إذا استغسلتم من العين‬
‫فاغسلوا" )‪" ،(3‬ونهى عن الدواء الخبيث"‬
‫)‪" ،(4‬وأمر بخضاب الرجلين لوجعهما" )‪.(5‬‬

‫)( رواه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪2‬‬

‫)( رواه مسلم‪.‬‬ ‫‪3‬‬

‫)( رواه أحمد وأبو داود والترمذي وابببن ماجببة‬ ‫‪4‬‬

‫وصححه اللباني‪.‬‬
‫)( رواه أبو داود وأحمد قال اللببباني وإسببناده‬ ‫‪5‬‬

‫صحيح‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫العتدال باستعمال العلجات‬


‫الحمد لله الذي من توكل عليه كفاه‪،‬‬
‫ومن طلب الشفاء منه شفاه‪ ،‬ومن عمل‬
‫بالسباب النافعة صلح دينه ودنياه‪.‬‬
‫وأشهد أن ل إله إل الله وحده ل شريك‬
‫له ول رب سواه‪.‬‬
‫وأشهد أن محمدا ً عبده ورسوله‬
‫ومصطفاه‪.‬‬
‫ل وسلم على محمد وعلى آله‬ ‫اللهم ص ّ‬
‫وأصحابه ومن اهتدى بهداه‪.‬‬
‫أما بعد‪ :‬أيها الناس‪ ،‬اتقوا الله في جميع‬
‫الوقات‪ ،‬وتوبوا إلى ربكم من الذنوب‬
‫والهفوات‪ ،‬واعلموا أن التوسط في المور‬
‫هو العدل والخير المرغوب‪ ،‬وأن التطرف‬
‫شذوذ وانحراف عن المطلوب‪ ،‬فما ندم من‬
‫توسط في أموره ول خاب‪ ،‬ول سلم من‬
‫شذ وتطرف فغل أو قصر من سوء المآب‪.‬‬
‫ول َ‬‫شَرُبوا َ‬ ‫وا ْ‬ ‫قال تعالى‪ :‬وك ُُلوا َ‬
‫ن‪‬‬ ‫في َ‬ ‫ر ِ‬‫س ِ‬ ‫م ْ‬ ‫ب ال ْ ُ‬ ‫ح ّ‬ ‫ه ل َ يُ ِ‬ ‫ر ُ‬
‫فوا إ ِن ّ ُ‬ ‫س ِ‬
‫تُ ْ‬
‫)‪(1‬‬

‫قوا ل َ ْ‬
‫م‬ ‫ف ُ‬‫ذا أ َن ْ َ‬
‫ن إِ َ‬ ‫ذي َ‬ ‫وال ّ ِ‬
‫وقال تعالى‪َ  :‬‬
‫)( سورة العراف آية ‪.31‬‬ ‫‪1‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫ن ذَل ِ َ‬
‫ك‬ ‫ن ب َي ْ َ‬ ‫و َ‬
‫كا َ‬ ‫قت ُُروا َ‬ ‫ول َ ْ‬
‫م يَ ْ‬ ‫فوا َ‬‫ر ُ‬‫س ِ‬
‫يُ ْ‬
‫ما ‪.(1)‬‬‫وا ً‬ ‫َ‬
‫ق َ‬
‫فقد حث المولى على القتصاد في‬
‫الكل والشرب والنفاق‪ .‬وكل ما كان في‬
‫معنى ذلك ففي ذلك الخير والبركة‬
‫والرتفاق‪ .‬وراعوا رحمكم الله صحة‬
‫أبدانكم وقلوبكم براحة القلب وحسن‬
‫)‪(2‬‬
‫الغذاء‪ ،‬واستعملوا النظافة والرياضة‬
‫تسلموا من كثير من الدواء‪ ،‬واعتمدوا على‬
‫ربكم ول تستعملوا العلج إل عند الحاجة‬
‫إلى الدواء‪ ،‬فما أنزل الله داء إل جعل له‬
‫شفاء‪ ،‬ولكن المور كلها بقصد وحكمة‬
‫وميزان‪ ،‬فكما أن ترك التداوي مع الضرورة‬
‫نقص وتهور من النسان‪ ،‬فكثرة العلجات‬
‫مع الصحة أو المرض البسيط نقص وضرر‬
‫على القلب والبدان‪ ،‬لقد ابتلي كثير من‬
‫الناس بكثرة الخيالت والتوهمات وصار‬

‫)( سورة الفرقان آية ‪.67‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( رياضببة الخلق ورياضببة الذهببان ورياضببة‬ ‫‪2‬‬

‫البدان بالمشي وأنواع الحركات )انظببر أنببواع‬


‫الرياضة للشيخ ابن سعدي في كتابه "الرياض‬
‫الناضرة" ص ‪.("172‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪4‬‬ ‫النبوي في‬

‫الخوف نصب أعينهم في كل الحالت‬


‫يعتقدون أن المراض البسيطة ثقيلة وربما‬
‫توهموا وجود المرض وليس لذلك حقيقة‬
‫وسبب ذلك ضعف القلب وعدم التوكل‬
‫وكثرة الوهام‪ ،‬فأمراض القلوب وخوفها‬
‫وضعفها جالب لكثرة السقام‪ .‬قال تعالى‪:‬‬
‫ه‬
‫سب ُ ُ‬ ‫ح ْ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ه َ‬
‫ف ُ‬ ‫عَلى الل ِ‬ ‫ل َ‬ ‫وك ّ ْ‬ ‫من ي ّت َ َ‬ ‫و َ‬ ‫‪َ ‬‬
‫وِإن‬ ‫‪ ، ‬كافيه أمور دينه ودنياه وقال‪َ  :‬‬
‫)‪(1‬‬

‫ه إ ِل ّ‬ ‫ف لَ ُ‬ ‫ش َ‬ ‫كا ِ‬‫فل َ َ‬ ‫ضّر َ‬ ‫ه بِ ُ‬ ‫ك الل ُ‬ ‫س َ‬‫س ْ‬ ‫م َ‬ ‫يَ ْ‬


‫ه‬
‫ضل ِ ِ‬ ‫ف ْ‬ ‫فل َ َرادّ ل ِ َ‬‫ر َ‬ ‫خي ْ ٍ‬‫ك بِ َ‬ ‫ردْ َ‬ ‫وِإن ي ّ ِ‬ ‫و َ‬ ‫ه َ‬ ‫ُ‬
‫و‬‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫عَباِد ِ‬
‫ن ِ‬ ‫م ْ‬‫شاءُ ِ‬ ‫من ي َ َ‬ ‫ه َ‬ ‫ب بِ ِ‬‫ُيصي ُ‬
‫م ‪ ،(2)‬فاحذروا أن تنقطع‬ ‫حي ُ‬ ‫فوُر الّر ِ‬ ‫غ ُ‬ ‫ال ْ َ‬
‫صلتكم بالله وتضعف قلوبكم فإنه المتكفل‬
‫بجميع حاجاتكم وهو إلهكم ومطلوبكم‪.‬‬
‫فمن توكل على ربه في دفع ما نزل به‬
‫كفاه ولطف به وشفاه وعافاه وأذهب عنه‬
‫ضعف القلب وخوفه الذي هو الداء وجلب‬
‫له السباب النافعة والدواء‪ .‬ألم تعلموا أن‬
‫ضعف القلب وكثرة أوهامه هو الداء‬

‫)( سورة الطلق آية ‪.3‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( سورة يونس آية ‪.107‬‬ ‫‪2‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫العضال‪ ،‬وقوة القلب مع التوكل على الله‬


‫صفة أقوياء الرجال؟ فكم من أمراض‬
‫ضعيفة صيرتها الوهام شديدة؟ وكم من‬
‫معافى لعبت به الوهام فلزمه المرض‬
‫مدة مديدة؟ وكم ملئت المستشفيات من‬
‫أمراض الوهام والخيالت؟ وكم أثرت على‬
‫قلوب كثير من القوياء فضل ً عن الضعفاء‬
‫في كل الحالت؟ وكم أدت إلى الحمق‬
‫والجنون‪ ،‬والمعافى من عافاه من يقول‬
‫للشيء كن فيكون‪ .‬فصحة القلوب هي‬
‫الساس لصحة البدان‪ .‬ومرض القلوب هو‬
‫المرض الحقيقي والله المستعان‪ .‬فسلوا‬
‫ربكم أن يعافيكم من المراض الباطنة‬
‫والظاهرة‪،‬وأن يتم عليكم نعم الدين والدنيا‬
‫حا‬ ‫صال ِ ً‬ ‫ل َ‬ ‫م َ‬ ‫ع ِ‬‫ن َ‬ ‫م ْ‬‫والخرة‪ .‬قال تعالى ‪َ ‬‬
‫من ذَك َر أ َ ُ‬
‫ه‬
‫حي ِي َن ّ ُ‬‫فل َن ُ ْ‬
‫ن َ‬ ‫م ٌ‬ ‫ؤ ِ‬‫م ْ‬ ‫و ُ‬ ‫ه َ‬ ‫و ُ‬ ‫و أن َْثى َ‬ ‫ٍ ْ‬ ‫ّ‬
‫َ‬
‫هم‬‫جَر ُ‬ ‫مأ ْ‬ ‫ه ْ‬ ‫زي َن ّ ُ‬ ‫ول َن َ ْ‬
‫ج ِ‬ ‫ة َ‬ ‫حَياةً طَي ّب َ ً‬ ‫َ‬
‫َ‬
‫ن ‪.(2) ،(1)‬‬ ‫مُلو َ‬ ‫ع َ‬ ‫كاُنوا ي َ ْ‬ ‫ما َ‬ ‫ن َ‬ ‫س ِ‬
‫ح َ‬
‫ب ِأ ْ‬
‫)( سورة النحل آية ‪.96‬‬ ‫‪1‬‬

‫)( الخطب المنبريببة علببى المناسبببات للشببيخ‬ ‫‪2‬‬

‫عبد الرحمببن بببن ناصببر السببعدي رحمببه اللببه‬


‫تعالى ص ‪.57‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫خاتمة‬
‫قال ابن القيم رحمه الله‪:‬‬
‫قد أتينا على جمل نافعة من أجزاء‬
‫الطب العلمي لعل الناظر فيها ل يظفر‬
‫بكثير منها إل في هذا الكتاب وأريناك قرب‬
‫ما بينها وبين الشريعة وأن الطب النبوي‬
‫نسبة طب الطباء إليه أقل من نسبة طب‬
‫العجائز إلى طبهم والمر فوق ما ذكرناه‬
‫وأعظم من ما وصفناه بكثير ولكن فيما‬
‫ذكرناه تنبيه باليسير على ما وراءه ومن لم‬
‫يرزقه الله بصيرة على التفصيل فليعلم ما‬
‫بين القوة المؤيدة بالوحي من عند الله‬
‫والعلوم التي رزقها الله النبياء والعقول‬
‫والبصائر التي منحهم الله إياها وبين ما عند‬
‫غيرهم ولعل قائل ً يقول ما لهدي الرسول‬
‫‪ ‬وما لهذا الباب وذكر قوى الدوية‬
‫وقوانين العلج وتدبير أمر الصحة وهذا من‬
‫تقصير هذا القائل في فهم ما جاء به ‪‬‬
‫فإن هذا وأضعافه وأضعاف أضعافه من‬
‫فهم بعض ما جاء به وإرشاده إليه ودللته‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫عليه وحسن الفهم عن الله ورسوله من‬


‫يمن الله به على من يشاء من عباده فقد‬
‫أوجدناك أصول الطب الثلثة في القرآن‬
‫وكيف تنكر أن تكون شريعة المبعوث‬
‫بصلح الدنيا والخرة مشتملة على صلح‬
‫البدان كاشتمالها على صلح القلوب وأنها‬
‫مرشدة إلى حفظ صحتها ودفع آفاتها‬
‫بطرق كلية قد وكل تفصيلها إلى العقل‬
‫الصحيح والفطرة السليمة بطريق القياس‬
‫والتنبيه واليحاء كما هو في كثير من‬
‫مسائل فروع الفقه ول تكن ممن إذا جهل‬
‫شيئا ً عاداه ولو رزق العبد تضلعا ً من كتاب‬
‫الله وسنة رسوله وفهما ً تاما ً في النصوص‬
‫ولوازمها لستغنى بذلك عن كل كلم سواه‬
‫ولستنبط جميع العلوم الصحيحة منه‪.‬‬
‫فمدار العلوم كلها على معرفة الله وأمره‬
‫وخلقه وذلك مسلم إلى الرسل صلوات‬
‫الله وسلمه عليهم فهم أعلم الخلق بالله‬
‫وأمره وخلقه وحكمته في خلقه وأمره‬
‫وطب أتباعهم أصح وأنفع من طب غيرهم‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫وطب أتباع خاتمهم وسيدهم وإمامهم‬


‫محمد بن عبد الله صلوات الله وسلمه‬
‫عليه وعليهم أكمل الطب وأصحه وأنفعه‬
‫ول يعرف هذا إل من عرف طب الناس‬
‫سواهم وطبهم ثم قارن بينهما فحينئذ يظهر‬
‫له التفاوت وهم أصح المم عقول ً وفطرا ً‬
‫وأعظمهم علما ً وأقربهم في كل شيء إلى‬
‫الحق لنهم خيرة الله في المم كما أن‬
‫رسولهم خيرته من الرسل والعلم الذي‬
‫وهبهم الله إياه والحلم والحكمة أمر ل‬
‫يدانيهم فيه غيرهم وقد روى المام أحمد‬
‫في مسنده من حديث بهز ابن حكيم عن‬
‫أبيه عن جده رضي الله عنه قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله ‪" ‬أنتم توفون سبعين أمة أنتم‬
‫خيرها وأكرمها على الله" )‪ (1‬فظهر أثر‬
‫كرامتها على الله سبحانه في علومهم‬
‫وعقولهم وأحلمهم وفطرهم وهم الذين‬
‫عرضت عليهم علوم المم قبلهم وعقولهم‬
‫وأعمالهم ودرجاتهم فازدادوا بذلك علما ً‬
‫)( أخرجه أحمد ‪ 5/5‬والترمذي )‪ (3001‬وابببن‬ ‫‪1‬‬

‫ماجة )‪ (4288‬وسنده حسن‪.‬‬


‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫وحلما ً وعقول ً إلى ما أفاض الله سبحانه‬


‫وتعالى عليهم من علمه وحلمه ولذلك‬
‫كانت الطبيعة الدموية لهم والصفراوية‬
‫لليهود والبلغمية للنصارى ولذلك غلب على‬
‫النصارى البلدة وقلة الفهم والفطنة وغلب‬
‫على اليهود الحزن والغم والصغار وغلب‬
‫على المسلمين العقل والشجاعة والفهم‬
‫والنجدة والفرح والسرور وهذه أسرار‬
‫وحقائق إنما يعرف مقدارها من حسن‬
‫فهمه ولطف ذهنه وغزر علمه وعرف ما‬
‫عند الناس وبالله التوفيق انتهى‪.‬‬
‫والحمد لله والصلة والسلم على رسول‬
‫الله وعلى آله وصحبه ومن واله وسلم‬
‫تسليما ً كثيرًا‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫مراجع كتاب )الهدي النبوي في‬


‫الطب(‬
‫‪ -1‬مصابيح السنة للبغوي‪.‬‬
‫‪ -2‬مشكاة المصابيح لمحمد بن عبد‬
‫الله الخطيب التبريزي بتحقيق ناصر‬
‫اللباني‪.‬‬
‫‪ -3‬الطب النبوي لبن القيم‪.‬‬
‫‪ -4‬زاد المعاد في هدي خير العباد لبن‬
‫القيم بتحقيق شعيب وعبد القادر الرنؤوط‬
‫جب ‪.4‬‬
‫‪ -5‬بهجة قلوب البرار وقرة عيون‬
‫الخيار بشرح جوامع الخبار للشيخ عبد‬
‫الرحمن بن ناصر السعدي‪.‬‬
‫‪ -6‬الخطب المنبرية على المناسبات‬
‫للشيخ عبد الرحمن السعدي‪.‬‬
‫‪ -7‬مختصر الطب النبوي للشيخ عبد‬
‫الله بن سفر البشر‪.‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫فهرس كتاب )الهدي النبوي في‬


‫الطب(‬
‫جمعه الفقير إلى الله تعالى‪2........................‬‬
‫عبد الله بن جار الله بن إبراهيم آل جار الله‪2....‬‬
‫غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين‪2..........‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪3...........................‬‬
‫مقدمة‪3..................................................‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‪5...........................‬‬
‫رسالة إلى الطباء‪5....................................‬‬
‫كتاب الطب والرقى )(‪7..............................‬‬
‫الفصل الول‪7...........................................‬‬
‫الفصل الثاني‪12........................................‬‬
‫الفصل الثالث‪24.......................................‬‬
‫الطب النبوي‪28........................................‬‬
‫فصل ‪30.................................................‬‬
‫فصل‪34..................................................‬‬
‫فصل‪37..................................................‬‬
‫فصل‪43..................................................‬‬
‫)في الحاديث الدالة على مشروعية التداوي( ‪43‬‬
‫فصل‪52..................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في الرشاد إلى معالجة أحذق‬
‫الطبيبين‪52..............................................‬‬
‫فصل‪58..................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في تضمين من طب الناس‪58.....،‬‬
‫وهو جاهل بالطب‪58..................................‬‬
‫فصل‪66..................................................‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫فصل‪67..................................................‬‬
‫فصل‪67..................................................‬‬
‫فصل‪68..................................................‬‬
‫فصل‪69..................................................‬‬
‫فصل‪69..................................................‬‬
‫فصل‪75..................................................‬‬
‫فصل‪77..................................................‬‬
‫فصل‪79..................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في علج المرضى بتطييب نفوسهم‬
‫‪79‬‬
‫وتقوية قلوبهم‪79.......................................‬‬
‫فصل‪81..................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في علج البدان بما اعتاده‪81.......‬‬
‫من الدوية والغذية دون ما لم تعتده‪81...........‬‬
‫فصل‪85..................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في معالجة المرضى بترك إعطائهم‬
‫‪85‬‬
‫ما يكرهونه من الطعام والشراب‪ ،‬وأنهم ل‬
‫يكرهون‪85...............................................‬‬
‫على تناولها‪85..........................................‬‬
‫فصل‪92..................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في المنع من التداوي بالمحرمات‪...‬‬
‫‪92‬‬
‫فصل‪100................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في حفظ الصحة‪100..................‬‬
‫‪ -2‬الطب في القرآن الكريم‪107...................‬‬
‫فصل‪112................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في العلج بشرب العسل‪112.......‬‬
‫فصل‪127................................................‬‬
‫‪1‬‬ ‫الهدي‬
‫‪5‬‬ ‫النبوي في‬

‫في هديه ‪ ‬في علج الكرب والهم والغم‬


‫والحزن‪127.............................................‬‬
‫فصل‪136................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في العلج العام لكل شكوى بالرقية‬
‫اللهية‪136...............................................‬‬
‫فصل‪139................................................‬‬
‫في هديه ‪ ‬في علج الوجع بالرقية‪139..........‬‬
‫)من تطبب ولم يعلم منه طب‪ ،‬فهو ضامن( ‪141‬‬
‫"ما أنزل الله داء إل أنزل له شفاء" )(‪142.......‬‬
‫العتدال باستعمال العلجات‪147...................‬‬
‫خاتمة‪151...............................................‬‬
‫مراجع كتاب )الهدي النبوي في الطب(‪155......‬‬
‫فهرس كتاب )الهدي النبوي في الطب(‪156......‬‬

You might also like