Professional Documents
Culture Documents
الختصاص ولية يقررها المشرع لجهة معينة أناط بها القيام بأعمال محددة قانونا ،و هو على أنواع
اختصاص نوعي و آخر وظيفي و ثالث قيمي و رابع و هو ما يهمنا في حديثنا مكاني .و هذه النواع من
الختصاص كما يكون مدنية تكون جنائية بالمفهوم العام و الواسع لمصطلح جنائية .
و الختصاص المكاني للضابطة القضائية و الذي يشكل موضوع حديثنا هو تلك الولية التي أعطاها
المشرع لضباط الشرطة القضائية من أجل القيام بالعمال المنوطة بهم بمناسبة البحث و التحري في
الجرائم و ضبطها .و قد خصص المشرع الجنائي المغربي أحكاما خاصة للختصاص المكاني للقضائية
القضائية منها ما هو وارد بالمسطرة الجنائية و منها ما هو منصوص عليه بنصوص قانونية جنائية
خاصة ؛كما أن من تلك الحكام ما هو متعلق دائرة أو حيز ترابي ضيق و منها ما يمتد لمجموع إقليم
الوطن بالمفهوم القانوني للقليم .
إل أن حديثنا في هذا لمقال سينحصر فقط في تحليل و إلقاء الضوء على المقتضيات الواردة بالمادة 22من
قانون المسطرة الجنائية و ما يرتبط بها من أحكام دون غيرها من المقتضيات التي اشرنا إليها .
فمن المعلوم أن قواعد المسطرة الجنائية من النظام العام،و الحكام التي تنظمها القواعد الخاصة بعمل
الضابطة القضائية جاءت محددة بدقة ،إل أن المشرع بالرغم من ذلك جعل بعض الستثناءات يمكن
اللجوء إليها في حالت خاصة.
و إذا كان المشرع قد عرض لقواعد عمل الضابطة القضائية من ناحية الختصاص القضائي المكاني في
المادة 22من قانون المسطرة الجنائية ؛ فما هي القاعدة العامة فيما يتعلق بالختصاص المكاني لضابطة
القضائية ؟ وما هو الستثناء عن هذه القاعدة؟
و جدير بالشارة في هذا السياق أن نشير إلى أن دراستنا هذه ستنحصر فقط
المبحث الثاني :ضوابط الستثناء في الختصاص المكاني لعمل الضابطة القضائية .
إن الحديث عن عمل الضابطة القضائية من حيث اختصاص الترابي يقتضي الحديث عن الضابطة
القضائية المكونة من رجال الشرطة ) الفقرة الولى ( لنتطرق فيما بعد للحديث عن الختصاص المكاني
لعمل رجال الدرك كضابطة قضائية في ) الفقرة الثانية ( .
فبالرجوع لمنطوق هذه المادة يتضح أن المشرع وضع قاعدة واضحة مفادها أن كل ضابط من ضباط
الشرطة القضائية يجب أن يمارس عمله المنوط به في إطار قواعد المسطرة الجنائية داخل نطاق الحيز
الترابي الذي يخول له القانون ممارسة مهامه فيه .لكن السؤال الذي يطرح في هذا السياق هو ما المقصود
" بالحدود الترابية " الواردة في المادة المذكورة ؛ هل هي الدائرة التي يمارس فيها ضابط الشرطة
القضائية مهامه الصلية أم مجموع الدوائر التي تشكل منها الدائرة الحضرية ؟
إن الجواب عن هذا التساؤل يجعلنا ندقق النظر في مضمون الفقرة الثالثة من المادة 22من قانون
المسطرة الجنائية و التي تنص على أنه " في كل دائرة حضرية مقسمة إلى دوائر للشرطة ،يمتد
اختصاص ضباط الشرطة القضائية الممارسين لمهامهم في إحدى هذه الدوائر إلى مجموع الدائرة "
فهذه المادة تحدد إلى حد ما مفهوم الدائرة التي يمارس فيها ضابط الشرطة القضائية مهامه لكن الشكال
الذي تطرحه من الناحية النظرية هو أن المشرع لم يتحدث في هذه المادة إل على الدوائر الحضرية و عن
الشرطة من غير ذكر للدرك أو تقسيمات المراكز التي يعملون بها على اعتبار أن الضابطة القضائية
العادية كما هو معلوم من مقتضيات المادة 20من قانون المسطرة الجنائية ل تقتصر على الشرطة فقط و
إنما تمتد إلى عناصر الدرك الملكي المحددين في نفس المادة .و عليه كيف يمكن تحديد نطاق الختصاص
الترابي للضابطة القضائية سواء فيما يتعلق بالشرطة أم بالدرك ؟
قبل الجواب عن هذا التساؤل يجدر بنا القول إنه في ظل قانون المسطرة الجنائية القديم لم يكن هذا الشكال
مطروحا لعلة أن المشرع كان ينص بصورة صريحة على الختصاص المكاني لعمل رجال الدرك
بصفتهم ضباطا من ضباط الشرطة القضائية ؛ و هكذا فقد كان الفصل 22من القانون القديم ينص على أنه
" يمحكن لضباط الدرك طبا و صغار و لضباط الشرطة القضائية أن يباشروا مهامهم في حالة الستعجال
بجميع أنحاء المملكة إذا طلبت منهم ذلك السلطة العمومية " فإذا كانت هذه المقتضيات تتحدث عن حالة
الستعجال و ما يمكن أن ينتج عنه من امتداد للختصاص الترابي ،فيفهم منها أنها لم تغفل ذكر رجال
الدرك كما هو عليه الحال في ظل قانون المسطرة الجنائية الجديد ،مما يمكننا معه القول بأن الصل في
الختصاص الترابي لرجال الدرك الملكي هو أنهم يعملون داخل الدوائر التي يعملون فيها في العادة و
هي دوائر" تقسم تقسيما خاصا بالدرك الملكي ل علقة له بالتقسيم الداري " 1و يصطلح عليها قيادات
تقسم تقسيما مقررا من قبل إدارة الدرك الملكي ذاتها و ل تخضع للتقسيم الداري للمملكة .
1الحسن البوعيسي :عمل الضابطة القضائية بالمغرب " دراسة نظرية تطبيقية " مطبوعات الفق ؛ الطبعة الثانية 1999ص . 62
و بالعودة لشكالنا المطروح على ضوء مقتضيات قانون المسطرة الجنائية الجديد ؛ إذا كان المشكل
محلول من الناحية التشريعية بشأن الشرطة التي حدد المشرع النطاق الترابي لختصاصها ،و المتمثل
في أن عمل ضابط الشرطة القضائية ل يقتصر على الدائرة التي يعمل بها بصفة فعلية ،و إنما يمتد إلى
باقي الدوائر التي تكون في مجموعها الدائرة الحضرية من غير أن يمكن الطعن في أي إجراء من
الجراءات التي يقوم بها ضابط الشرطة القضائية في هذا النطاق ،فما هو المر بالنسبة للدرك ؟ هل
يمكن أن نتحدث عنهم من حيث الختصاص الترابي كما نتحدث عن الشرطة ؟
بالقطع إن المر ينطوي على خطورة كبيرة ،إل أن ما يسعفنا في هذا الطار هو المعيار الذي اعتمده
المشرع في تحديد الحيز الترابي الذي تنجز فيه الشرطة أعمالها ،إذ نجد أن المشرع التجأ إلى معيار
الدائرة الحضرية ،و هو معيار يتحدد بأمرين أولهما التقسيم الداري و ثانيهما التقسيم القضائي .و على
منوال المنهج التماثلي يمكن الحديث عن النطاق الترابي العادي لعمل رجال الدرك بصفتهم ضباطا من
ضباط الشرطة القضائية ،من غير إغفال للمقتضيات التي سبق ذكرها و الواردة في الفصل 22من قانون
المسطرة الجنائية القديم على اعتبار أن فلسفة التشريع لم تتغير في هذا الصدد و لو كان المر غير ذلك
لجاء مجسدا في مقتضيات تشريعية جديدة و صريحة و واضحة.
فمن المعلوم أن تراب المملكة مقسم تقسيما إداريا و آخر قضائيا ؛ لكن المعتد به في تحديد الختصاص
القضائي لعمل الضابطة القضائية في الصل هو التقسيم القضائي ح و هذا التقسيم يجب فهمه على النحو
الوارد في المادة موضوع الدراسة أي أن الدائرة يتعين أن تفهم بمعنى واسع يشمل جل الدوائر المكونة
منها الدائرة الحضرية .و عليه فقد سبق للقضاء أن حدد نظرته لهذا المفهوم في مناسبات عدة منها ما
قرره المجلس العلى في أحد قراراته التي جاء فيها حيث إنه خلفا في هذا الفرع من الوسيلة فإن كل من
كتامة و الحسيمة تابعان إلى المن القليمي للناظور ،و بذلك يمتد اختصاص المن القليمي للمدينة
المذكورة إلى الحسيمة و دائرتها ،و ضمنها كتامة مكان اقتراف الجريمة .
و حيث إن محضر الشرطة بالناظور حرر طبقا للفصل 22من قانون المسطرة الجنائية ،ذلك أن الشرطة
القضائية بالمدينة المذكورة باشرت اختصاصها في الحدود الترابية التي تزاول فيها مهامها مما يكون معه
2
هذا الفرع من الوسيلة مخالف للواقع "
فمن خلل هذا القرار يتضح أن القضاء يجعل التحديد الوارد في نطاق مقتضيات قانون المسطرة الجنائية
لمفهوم النطاق الترابي هو مفهوم الدائرة بما يتماشى مع النطاق الذي تمارس فيه النيابة العامة اختصاصها
المكاني و تشرف فيه علىعمل الضابطة القضائية .
وعلى ذلك فلو تصادف و تماهى التقسيم القضائي للتقسيم الداري فل إشكال يطرح على اعتبار أن حدود
الختصاص المكاني للنيابة العامة التي يمارس ضابط الشرطة القضائية مهامه تحت إشرافها هو نفس
حدود الختصاص الداري للسلطات العمومية و بالتالي فل إشكال .
أما إن حدث و كان الحيز الترابي لختصاص النيابة العامة ل يتوافق مع الحيز الداري للشرطة أو
التقسيم الداري لعمل رجال الدرك فهنا المقدم هو نطاق اختصاص النيابة العامة و السلطة القضائية و
ليس غيره.
وعلى أساس هذا المعيار يمكن الحديث عن الختصاص الترابي للدرك الملكي .
2قرار رقم 483صادر بتاريخ 1978-02-16في الملف الجنحي رقم 56874منشور بمجموعة قرارات المجلس العلى الجزء الول ص .164
فالتقسيمات من حيث الجهات الدارية التي يخضع لها الدرك قد تتماهى مع التقسيمات القضائية و قد تكون
غير ذلك ؛ و النتيجة أنه في حالة التماهي ل إشكال و قد سبق التفصيل في ذلك لكن في حالة الختلف
فالمعتمد عليه في تحديد النطاق الترابي كقاعدة عامة لعمل رجال الدرك كضابطة قضائية هو التقسيم
القضائي بالمفهوم المار بنا وفق ما يقتضيه العم القضائي و التقرير التشريعي.
و هكذا فبالرجوع للظهير المتعلق بمصلحة الدرك الملكي في فصله المائة و السادس عشر نجده ينص على
" :إن ضباط الدرك و ذوي الرتب فيه و رجال الدرك الذين قضوا ثلث سنوات على القل في خدمة
الدرك و المعينين رسميا بعد تأدية امتحان بموجب قرار يصدره كل من وزير الدفاع الوطني و وزير
العدل و كذا رجال الدرك الذين يرأسهم مؤقتا إما فيلقا و إما مركزا من مراكز الدرك يعدون ضباط
الشرطة القضائية و يساعدون وكيل الدولة المقيم بالدائرة التي يمارسون فيها عادة وظيفتهم.
و يجوز لهم بهذه الصفة القيام بمهامهم خارج دائرتهم عند ما يتنقلون لحاجيات المصلحة بأمر من
رؤسائهم ".
3
فمن خلل هذه المقتضيات و خاصة ما ورد في الفقرة الثانية بالضبط يتضح أن المشرع جعل من الدائرة
التي يشتغل بها ضباط الشرطة القضائية من رجال الدرك هي الصل في تحديد نطاق اختصاصهم
الترابي .و هذه الدائرة يقصد بها في المفهوم القانوني دائرة نفوذ النيابة العامة التابعة لها فيالق و مراكز
رجال الدرك و كما سبق القول يمكن أن تتماهى تلك الدوائر القضائية مع التقسيم الداري لمصالح الدرك
و قد ل تكون كذلك و في هذه الحالة يحتكم للدائرة القضائية فقط.
وعلى ما ذكر فإذا كان الختصاص المكاني لعمل الضابطة القضائية كأصل يتحدد بالدائرة التي يعمل بها
ضباط الشرطة القضائية في نطاق عملهم المعتاد إل أنه يمكن أن تطرأ طوارئ تجعل رجال الشرطة
القضائية يمارسون مهامه خارج دوائرهم الصلية ؛ فهل يمكن الحديث عن عمل للضابطة القضائية خارج
الدوائر التي يعملون فيها في الصل؟ و ما جزاء ذلك ؟
المبحث الثاني :ضوابط و آثار الستثناء في الختصاص المكاني لعمل الضابطة القضائية .
يتعين قبل الحديث عن الثار أن نتطرق في فقرة أولى لضوابط الختصاص المكاني الستثنائي لعمل
الضابطة القضائية حتى يتسنى لنا الحديث عن الجزاء المترتب عن خرق قواعد الختصاص المكاني
بصفة عامة في فقرة ثانية .
بالرجوع لمقتضيات المواد المذكورة يتضح أن المشرع كما سبقت الشارة إلى ذلك جعل الختصاص
المكاني الصلي لعمل الضابطة القضائية هو النطاق الترابي الذي يعمل فيه رجال المن الذين يتوفرون
على صفة ضباط للشرطة القضائية و كذا رجال الدرك الذين لهم نفس الصفة بصفة أصلية ؛ لكنه بالرغم
من ذلك جعل لهذا الختصاص استثناء حدده بموجب القانون و هذا الستثناء محدد بشرطين :توفر حالة
الستعجال و وجود أمر صادر عن السلطة العمومية.
فمن خلل هذه المقتضيات يتضح أن المشرع اشترط شرطين بالنسبة لرجال المن الكلفين بممارسة مهام
الشرطة القضائية من أجل أن يمارسوا مهامهم خارج دائرة نفوذهم و هو ما عبر عنه المشرع ب " جميع
أنحاء المملكة " ،و هذان الشرطان هما وجود حالة الستعجال و ضرورة توفر أمر من السلطة القضائية
أو العمومية " أما بالنسبة للدرك فالملحظ أن المشرع وضع شرطا واحدا من أجل قيام رجال الدرك بمهام
الشرطة القضائية خارج دائرة نفوذهم و هذا الشرط يتمثل في ضرورة الحصول على أمر من رؤسائهم
في إطار حاجيات المصلحة كما هو وارد بمقتضيات المادة 116أعله إن أن شرط الستعجال فقد أورده
المشرع في المادة 12من القانون المتعلق بمصالح الدرك .
و بتفصيل هذين الشرطين نجد أن طبيعة السلطات المذكورة تلعب دورا كبيرا في تحديد شروط توسيع
دائرة الختصاص المكاني ،فالمر الذي يتعين الرتكاز عليه هو أمر السلطة القضائية التي من مهامها
تسخير القوة العمومية من أجل القيام بكل الجراءات ذات الطبيعة القضائية ،و هنا ل إشكال ما دامت أن
تلك الوامر منضبطة للقواعد المتعلقة بالختصاص المكاني للنيابة العامة بالمحكمة البتدائية و الواردة
بالمادة 44من قانون المسطرة الجنائية أو ما دامت متعلقة بنطاق اختصاص الوكيل العام للملك طبقا
للمادة 50من نفس القانون و الذي يحيل على المادة 44أو المادة 55بالنسبة لقضاة التحقيق.
أما من حيث طبيعة أوامر السلطة العمومية التي يمكن أن تكون أساسا للعمل خارج دائرة النفوذ العادية
فهي الوامر التي تتعلق بالمهام المرتبطة بالعمل و الجراءات القضائية ،و ليست كل الوامر ذات
الطبيعة الوظيفية و الداخلة في صميم اختصاصا رجال المن و رجال الدرك كالمهام المرتبطة بالشرطة
الدارية أو التي تنص عليها القوانين المنظمة لهم.
و من مثال ذلك أمر السلطة التابع لها ضابط الشرطة القضائية بالنتقال إلى خارج النفوذ من أجل استقدام
أحد المبحوث عنهم الذي تم إلقاء القبض عليه من طرف ضابطة قضائية أخرى غير الضابطة القضائية
التي ارتكبت في دائرة نفوذها الجريمة و التي أنجزت مذكرة البحث التي بموجبها تم إيقاف المبحوث عنه.
فعلى سبيل المثال يمكن أن يتلقى ضابط الشرطة القضائية الموجود بمدينة مراكش أمرا من رئيسه
بالنتقال لمدينة فاس من أجل استقدام الشخص الذي تم إيقافه بمقتضى مذكرة البحث الذي أنجزت في حقه
من طرف الضابطة القضائية بفاس في الحالة التي تنعدم فيها صور الختصاص المكاني كما هي مذكورة
أعله.
فمثل هذا الجراء هو تنفيذ لمر صادر عن السلطة القضائية التابع لها ضابط الشرطة القضائية و لكن
من أجل القيام بعمل قضائي و ليس أمرا من أجل القيام بعمل إداري محض مرتبط بعمل السلطة الدارية
4
المادة 22من قانون المسطرة الجنائية الجديد
5
المادة 116من القانون المتعلق بمصلحة الدرك الملكي.
التابع لها .فالمعيار الذي يتعين العتماد عليه في تحديد طبيعة المر الذي تصدره السلطة العمومية من
أجل أن يكون عمل الضابطة القضائية موافقا للقانون هو أن يكون لذلك المر ارتباط بعمل القضاء .
و ما ينطبق على تعبير السلطتين القضائية و العمومية فيما يتعلق بالشرطة هو ما يرتبط بمفهوم و عبارة
" أمر رؤسائهم المرتبطة بالدرك الملكي " إذ هذا المفهوم أي رؤسائهم تعني إما رؤساء الدرك الداريين
الذين يكلفونهم بالقيام ببعض المهام خارج الدائرة التي يشتغلون بها من أجل القيام بمهام ذات ارتباط
بالعمل القضائي أو تعني الرؤساء القضائيين الذين لهم سلطة مباشرة من حيث عمل الضابطة القضائية .
و لعل خلوصنا لكون ضرورة أن يكون أمر السلطة العمومية مرتبط ارتباطا أساسيا و مباشرا بتنفيذ
أوامر السلطة القضائية ؛ هو غير ما خلص إليه بعض الفقه من كون أن المقصود بأمر السلطة العمومية
هو المر الصادر عن السلطة العامة التي تصدر الوامر لضباط الشرطة القضائية في نطاق مهامهم
الدارية ل القضائية و أن انتقال ضباط الشرطة بهذا المر الداري يخوله ممارسة مهامه القضائية في
6
المكان الذي انتقل إليه.
فهذا الرأي يجعل من قيام ضابط الشرطة القضائية بمهام هذه الخيرة تابع للعمل الداري المكلف به ؛ أي
أن عمل الشرطة القضائية بالنسبة لهذا الرأي ما هو إل فرع و تابع للعمل الداري .
لكن بالنظر الدقيق في هذا الرأي نجد أن أي من رجال الشرطة القضائية ل يمكنه القيام بمهام الشرطة
القضائية إل تحت إشراف ومراقبة الجهزة القضائية من نيابة عامة و قضاء تحقيق و ذلك في إطار مهام
التسخير ؛ و هو ما تنص عليه المادتين 716و 8 17من قانون المسطرة الجنائية .
فمن خلل مقتضيات هاتين المادتين يتبين بما ل يدع للشك أن أي عمل لضباط الشرطة القضائية يتعين أن
يكون تحت إشراف و مراقبة وكيل الملك أو الوكيل العام للملك كل بحسب نطاق نفوذه .و إذا ما سايرنا
الرأي التشريعي فهو يخالف الرأي القائل بأن يسبق المر الداري و يجعل الصل و إن اعترض ذلك ما
يوجب القيام بأعمال الشرطة القضائية يتوجب القيام بها ؛ إذا ل يتصور و ل يمكن ذلك في غياب وجود
أية مراقبة أو إشراف من السلطات القضائية على ضابط الشرطة القضائية الذي قد يمارس مهام الشرطة
القضائية ؛ كما أن تزاحما في عمل الضابطة القضائية المحلية و ذلك الذي قد يقوم به الوافد من نطاق
ترابي آخر .
و أما بالنسبة للشرط الثاني فهو شرط توفر حالة الستعجال ،و هو الشرط الذي يتعين توفره من أجل
الحيلولة دون اندثار آثار الجريمة أو من أجل القيام بالتحريات الضرورية المرتبطة بالتحقيق و البحث و
التحري في الجرائم بصفة عامة .
و إذا كان المشرع قد حدد هذا الشرط كشرط لمكانية الحديث عن الختصاص المكاني الستثنائي
للشرطة القضائية ؛ فإنه لم يحدد معايير اعتبار توافر حالة الستعجال من عدمها .و على ذلك فيمكن
القول بأن حالة الستعجال تتوفر مادامت هناك أحوال و خصوصيات تشير بشكل ل يدع مجال للشك أن
هناك ما يمكن أن يؤثر على العناصر اللزمة لثبات الجريمة أو على تغيير معالمها ؛ أو ما يشير إلى
إمكانية محو معالم حالت التلبس المنصوص عليها في المادة 56من قانون المسطرة الجنائية .
6أحمد الخمليشي :شرح قانون المسطرة الجنائية ؛ مطبعة دار نشر المعرفة ؛ الجزء الول ؛ طبعة 2001؛ ص . 327
7تنص المادة 16على أنه " ...يسير وكيل الملك أعمال الشرطة القضائية في دائرة نفوذه "
8تنص المادة 17على أنه " توضع الشرطة القضائية في دائرة نفوذ كل محكمة استيناف تحت سلطة الوكيل العام للملك ومراقبة الغرفة الجنحية
بمحكمة الستيناف المشار إليها في الفرع الخامس من هذا الباب "
و على ذلك ؛ و انطلقا من أهمية شرط الستعجال ؛ فقد ذهب بعض الفقه 9إلى أن توفر حالة الستعجال
كشرط وحيد يجب الخروج على القاعدة العامة للختصاص المكاني للشرطة القضائية .
و في نظرنا فهذا الجانب من الرأي موفق على اعتبار أن هناك حالت يتعذر فيها الحصول على إذن
السلطة العمومية أو القضائية ،و أن من شأن انتظار الحصول على ذلك لذن أن يوثر على مجريات
البحث و التحري في الجرائم ،و بالتالي ما دامت أن هناك حالة للستعجال فيمكن أن يمارس ضابط
الشرطة القضائية مهامه خارج نطاق نفوذه الترابي.
و لعل هذا الرأي يقتضي الوقوف عن نقاط مهمة منها أن تقدير توفر حالة الستعجال من عدمه يرجع
لفطنة ضابط الشرطة القضائية الذي يعمل على الرض و أنه رغم ما يمكن أنن يرسمه من صورة للوقائع
قد ل تجسد حالة الستعجال ؛ كما أن أي تعسف في تقدير حالة الستعجال يجعل المسؤولية ملقاة على
عاتق ضابط الشرطة القضائية الذي يكون مراقبا من قبل الغرفة الجنحية بمحكمة الستيناف .
و زيادة على هذا الرأي الفقهي و الذي ل نرى فيه أي خروج عن منطق البحث التمهيدي ؛ يمكن القول أن
المشرع أشار إلى إمكانية الكتفاء بتوفر حالة الستعجال فقط كما هو وارد بمقتضيات الفصل الثاني
عشر من القانون المتعلق بمصلحة الدرك الملكي ؛و الذي أجاز العمل التلقائي خارج الدائرة العادية للعمل
شريطة الخبار من بعد و على وجه السرعة المسؤولين عن النطاق الترابي التي مورس فيه عمل الشرطة
القضائية بصفة استثنائية .
تلك إذن بعض ملمح الشرطين المتعين توفرهما من أجل أن يكون عمل الضابطة القضائية خارج حدود
نطاق عملها الصلي قانونيا .فكيف يمكن الحديث عن الثار المترتبة عن خرق القواعد المتعلقة
بالختصاص المكاني لعمل الشرطة القضائية ؟
الفقرة الثانية :آثار خرق قواعد الختصاص المحلي لعمل الشرطة القضائية .
باستقراء المقتضيات القانونية التي نص عليها المشرع في قانون المسطرة الجنائية نجد أن هذا الخير قرر
على الجملة نوعين من الثار ن آثار تمس ضابط الشرطة القضائية نفسه و ترتب مسؤوليته القانونية عما
صدر عنه من خروقات ،و أخرى تنصرف للعمل الذي قام به ضابط الشرطة القضائية.
و هكذا فمن حيث الثار التي تمس ضابط الشرطة القضائية؛ فتتمثل في كونه يصبح مسؤول عما قام به
من أعمال خرق فيها القانون بصفته الضبطية × و تكون الغرفة الجنحية في هذه الحالة هي الجهة
القضائية التي تراقب أعمال الشرطة القضائية .
و هذه العمال قد تكون عبارة عن خروقات مسطرية واجبة الرعاية ،كما يمكن أن تكون عبارة قد
تجاوزت الخروقات المسطرية لتنشأ عنها جرائم يتعين المعاقبة من أجلها.
و هكذا فقد نص المشرع في المادة 29من قانون المسطرة الجنائية على أنه " تراقب الغرفة الجنحية
بمحكمة الستيناف أعمال ضباط الشرطة القضائية عندما تكون صادرة عنهم بهذه الصفة " فمن خلل
هذه المقتضيات يتضح أن المشرع أناط بالغرفة الجنحية بمحكمة الستيناف -التي يترأسها الرئيس الول
لمحكمة الستيناف أو من ينوب عنه و من مستشارين اثنين بحضور ممثل النيابة العامة و كاتب ضبط -
مهمة مراقبة أعمل ضباط الشرطة القضائية الذين يزاولون مهامهم داخل الدائرة القضائية لنفوذ تلك
الغرفة الجنحية و الذين يكونون قد ارتكبوا إخللت مهنية بمناسبة قيامهم بعملهم و بصفتهم الضبطية ؛ و
و على ذلك فكلما تحققت الشروط المنصوص عليها في هذه المقتضيات يمكن القول بأن ضابط الشرطة
القضائية يعتبر مسؤول عما صدر منه من خروقات قانونية .
و تجدر الشارة إلى أن الخللت التي يمكن أن تصدر عن ضابط الشرطة القضائية وفق المقتضيات
أعله ،يشمل كل الخللت التي تنشأ بمناسبة قيامه بعمله الضبطي .
و من تلك الخللت خرق القواعد المنظمة للختصاص المكاني لعمل الضابطة القضائية ؛ إذ كلما لم يتم
التقيد بالشروط القانونية لعمل الضابطة القضائية وفق الحكام المفصلة أعله كلما تكون مسؤولية ضابط
الشرطة القضائية قائمة و يتعين أن يكون موضوع مساءلة من قبل الغرفة الجنحية و ذلك بناء على إحالة
من الوكيل العام للملك لدى محكمة الستيناف .
و العلة في أن الوكيل العام للملك هو الذي يتولى الحالة تكمن في كون هذا الخير هو المسؤول عن تسيير
أعمال الضابط القضائية في دائرة نفوذ كل محكمة الستيناف طبقا لمقتضيات المادة 17من قانون
المسطرة الجنائية .
و على ذلك فمتى ثبت أن ضابط الشرطة القضائية قد قام بتجاوز القواعد المنظمة لختصاصه المكاني ،
كما لو قام بعملياته خارج دائرة النفوذ التي يتبع لها من غير توفر حالة الستعجال أو من غير توفر أمر
السلطتين القضائية أو العمومية فيمكن مساءلته عن ذلك مساءلة قانونية أمام الغرفة الجنحية ،و هذه
المراقبة تنتج عنها عقوبات منصوص عليها بالمادة 32من قانون المسطرة الجنائية و التي تتمثل أساسا
في :
-توجيه ملحظات
-التوقيف المؤقت عن ممارسة مهام الشرطة القضائية لمدة ل تتجاوز سنة واحدة.
-التجريد النهائي من مهام الشرطة القضائية .
هذا فضل عمنا يمكن أن يشكل مساءلة جنائية عندا يثبت أن ضابط الشرطة القضائية ارتكب جرما
بمناسبة قيامه بأعماله وفقا لما تنص عليه المادة 33من قانون المسطرة الجنائية و التي تنص على أنه "
إذا ارتأت الغرفة الجنحية أن ضابط الشرطة القضائية ارتكب جريمة ،أمرت علوة على ما ذكر بإرسال
الملف إلى الوكيل العام للملك " .
و تجدر الشارة إلى أن المشرع لم يقتصر في تقرير الجزاء عند تحقق مسؤولية ضابط الشرطة القضائية
فيما ذكر أعله ،بل جعل من التنقيط وسيلة فعالة في تقرير الجزاء الناتج عن المخالفات القانونية التي
يمكن أن يقوم بها ضباط الشرطة القضائية ،و ذلك وفق ما تم التنصيص عليه بالمادة 45من قانون
المسطرة الجنائية و التي جاء في فقرتها الولى " :يسير وكيل الملك في دائرة نفوذ محكمته أعمال ضباط
الشرطة القضائية و أعوانها و يقوم و يقوم بتنقيطهم "
و معلوم أن المادة 32قررت العقوبات التي يتعين أن تمس الضباط المخالفون ،بغض النظر عن
العقوبات التأديبية التي قد يتخذها الرؤساء الداريون في حق ضابط الشرطة القضائية الذي ثبتت مخالفته
للقانون و قواعد عمل الضابطة القضائية ،و هنا يمكن الحديث عن الثر الذي يلعبه التنقيط الذي يشرف
عليه وكيل الملك في تقرير المسار المهني لهذا الضابط أو ذاك.
من حيث الثار المترتبة عن خرق قواعد الختصاص المكاني فيما يتعلق بالمحاضر و العمليات المنجزة
خلفا للمسؤولية المترتبة عن خرق قواعد عمل الضابطة القضائية بالنسبة لفراد هذه الخيرة ،و التي
تختص الغرفة الجنحية وحدها بالبت فيها ،فإن الجزاء المترتب عن خرق تلك القواعد فيما يتعلق
بالمحاضر المنجزة و العمليات التي تم القيام بها يصدر عن هيئات الحكم العادية التي تعرض أمامها
الدعاوى العمومية المؤسسة على تلك المحاضر و العمليات ،و يقصد هنا المحاكم الزجرية البتدائية أو
الستينافية.
و هكذا يمكن أن يستشف الجزاء التي يتعين اتخاذه لتقرير قانونية المحاضر المنجزة خرقا لمقتضيات
المادة 22من قانون المسطرة الجنائية وما يرتبط بها من مواد تحدد الختصاص المكاني للضابطة
القضائية من مجموعة من المواد الواردة بالمسطرة الجنائية كما هو المر بالنسبة للمواد 24و 289و
751من قانون المسطرة الجنائية .
و على هذا فقد قررت مقتضيات المادة 24في فقرتها الثانية على أنه " دون الخلل بالبيانات المشار إليها
في مواد أخرى من هذا القانون أو في نصوص قانونية أخرى ن يتضمن المحضر خاصة اسم محرره و
صفته و مكان عمله و توقيعه "...و هكذا فتنصيص المشرع على أن من بين البيانات التي يتعين ذكرها
بمحضر الضابطة القضائية هو مكان عمل ضابط الشرطة القضائية وذلك لتتمكن الجهات القضائية التي
قد تبسط نظرها في أي طعن من الطعون التي قد توجه للمحاضر من تحديد الجزاء الذي قد يترتب عن
خرق قواعد الختصاص المكاني لضابط الشرطة القضائية ،.حتى إذا ما ثبت أن ضابط الشرطة القضائية
قام بالعمليات الواردة و المضمنة بمحضر الضابطة القضائية خارج دائرة الختصاص المكاني من غير
ثبوت حالة الستعجال أو أمر من السلطة القضائية أو العمومية يكون هناك محل لتطبيق مقتضيات المادة
289التي تنص على أنه " ل يعتد بالمحاضر و التقارير التي يحررها ضباط و أعوان الشرطة القضائية
و الموظفون و العوان المكلفون ببعض مهام الشرطة القضائية إل إذا كانت صحيحة في الشكل "...مما
يجعل المحضر الذي أنجزه ضابط الشرطة القضائية خرقا لمقتضيات الفصل 22من قانون المسطرة
الجنائية كأنه لم يكن و ل يعتد به و هو ما تؤكد مقتضيات المادة 751من قانون المسطرة الجنائية التي
تنص على أن " ل إجراء يأمر به هذا القانون ولم يثبت إنجازه على الوجه القانوني يعد كأنه لم ينجز ؛ و
ذلك مع مراعاة مقتضيات الفقرة الثالثة من المادة 442المتعلقة بجلسات غرفة الجنايات "
لكن السؤال الذي يتعين طرحه بهذا الخصوص هو كيف يمكن إثبات كون ضابط الشرطة القضائية قد قام
بأعمال الشرطة القضائية خارج دائرة اختصاصه الترابي ؟
من المناسب القول في هذا الصدد أن المجلس العلى قد أصدر مجموعة من القرارات التي أكدت أن
دحض ما جاء بمحضر الضابطة القضائية يجب أن يكون بمحضر مماثل أو أية وسيلة أخرى لها من
القوة الثبوتية ما يجعلها تنهض دليل قاطعا على صحة الطعن الموجه لمحضر الضابطة القضائية ،و ل
يكفي مثل في هذا السياق الخذ بشهادة الشهود فقط ،و قد جاء في أحد قرارات المجلس العلى " و حيث
أن المحضر المستوفي لما يشترطه القانون يقوم حجة ل يمكن دحضها إل بقيام الدليل القاطع على مخالفتها
للواقع بواسطة حجة تماثلها في قوة الثبات و ل تقوم على الشك و الحتمال ،هذا فضل عن أن الشهادة
التي اعتمدتها المحكمة تتعلق فقط بمكان ضبط المتهمين و أنه لم يكن معهما أحد في حين أن المحضر و
هذا هو الهم تضمن أبحاثا معمقة و استجوابا للمتهمين أسفر عن اعترافهما و خاصة المتهم لفطيمي محمد
بما نسب إليهما كما عني محرروا المحضر بجمع أدوات القتناع و حجزها عند ضبطها للمتهمين في
حالة تلبس مشهودة " 10فقد كان رأي المجلس العلى واضحا في أنه ل يمكن دحض محضر الضابطة
القضائية بمجرد شهادة الشهود الذين أكدوا أن الظنينين ألقي عليهما القبض أمام مدرسة ابن الهيثم و ليس
أمام مدرسة عشرين غشت بوادي زم .
و على ذلك فمتى تم الطعن بكون ضباط الشرطة القضائية الذين قاموا بإنجاز البحوث و تحرير المحاضر
قاموا بذلك خارج الدائرة القضائية التي يمارسون فيها مهامهم بصفة اعتيادية فل يتعين اللتفات للدفع
المذكور إل إذا توفرت أدلة قاطعة لها نفس القوة الثبوتية التي لمحضر الضابطة القضائية الذي يعتبر
سليما من حيث الصل و من يدعي غير ذلك إثباته ،و بعبارة أخرى ل يمكن تكليف النيابة العامة بعبء
إثبات صحة المحضر من حيث الطعون الموجهة له ولكن يتعين على من يدعى عكس الصل إثباته .
10قرار المجلس العلى منشور بمجلة قضاء المجلس العلى العدد 55السنة 22ص . 342