You are on page 1of 7

‫كلنا نعرف سيدنا موسى عليه الصلة والسلم وهو كليم ال‬

‫فقد أتت إليه امرأة‪ ،‬وقالت له أدعو لي ربك أن يرزقني بالذرية‪ ،‬فكان سيدنا‬

‫موسى عليه الصلة والسلم يسأل ال بأن يرزقها الذرية‬

‫وبما أن سيدنا موسى عليه الصلة والسلم كليم ال‪ ،‬كان رب العزة تبارك وتعالي‬

‫يقول له يا موسى إني كتبتها عقيم‬

‫فحينما أتت إليه المرأة قال لها سيدنا موسى‪ ،‬لقد سألت ال لك‪ ،‬فقال ربي لي‬

‫يا موسي إني كتبتها عقيم‬

‫وبعد سنة أتت إليه المرأة تطلبه مرة أخرى أن يسأل ال أن يرزقها الذرية‪ ،‬فعاد‬

‫سيدنا موسى وسأل ال لها الذرية مرة أخرى‬

‫فقال ال له كما قال في المرة الولى يا موسى إني كتبتها عقيم‬

‫فأخبرها سيدنا موسى بما قاله ال له في المرة الول‬

‫وبعد فترة من الزمن أتت المرأة الى سيدنا موسى وهي تحمل طفل‬

‫فسألها سيدنا موسى طفل من هذا الذي معك ‪ ،‬فقالت انه طفلي رزقني ال به‬

‫فكلم سيدنا موسى ربه ‪ ،‬وقال يا رب لقد كتبتها عقيم‬

‫فقال ال عز وجل وعل‬

‫يا موسى كلما كتبتها عقيم ‪ ،‬قالت يا رحيم‬

‫كلما كتبتها عقيم ‪ ،‬قالت يا رحيم‬

‫فسبقت رحمتي قدرتي‬

‫فانظر يا أخي وانظري يا أختي رحمة رب العالمين وقدرته‬

‫وإليك الدعاء‬

‫اللهم يا حي يا قيوم ‪ ،‬يا ذا الجلل والكرام ‪ ،‬أسألك باسمك العظم الطيب‬

‫المبارك ‪ ،‬الحب إليك الذي اذا دعيت به أجبت ‪ ،‬وإذا استرحمت به رحمت ‪ ،‬وإذا‬

‫استفرجت به فرجت ‪ ،‬أن تجعلنا في هذه الدنيا من المقبولين والى أعلى درجاتك‬
‫سابقين ‪ ،‬واغفر لي ذنوبي وخطاياي وجميع المسلمين‬

‫اللهم اغفر لي وعافني واعف عني واهدني الى صراطك المستقيم وارحمني يا أرحم‬

‫الراحمين برحمتك أستعين‬

‫سبحان ال والحمد ل ول إله إل ال ‪ ،‬وال أكبر ول الحمد ‪ ،‬وأستغفر‬

‫ال عدد خلقك ورضى نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك‬

‫اللهم اغفر للمسلمين جميعا الحياء منهم والموات وأدخلهم جناتك ‪ ،‬وأعزهم من‬

‫عذابك ‪ ،‬ولك الحمد ‪ ،‬وصلى اللهم على أشرف الخلق سيد المرسلين محمد صلى ال‬

‫عليه وسلم وعلى أهله وصحبه أجمعين~*‪¤‬‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم‪..‬‬

‫السلم عليكم ورحمة ال وبركاته‪..‬‬

‫صة ‪ ،‬فأجاب‪:‬‬
‫سِئل الشيخ عبدالرحمن السحيم ‪ -‬حفظه ال ‪ -‬عن هذه الق ّ‬
‫ُ‬

‫هو ِمن المْقَبول ِمن حيث المعنى ‪ ،‬ل ِمن حيث العمل به ‪.‬‬

‫فمعناه صحيح ‪ ،‬والعمل به َيحتاج إلى ثبوته في شرعنا ‪.‬‬

‫وأعني به تخصيص الدعاء بهذا الحال ‪.‬‬

‫شف الخطوب ‪ ،‬وُتْفَرج المضايق‬


‫عجيب ‪ِ ..‬به ُتنّفس الُكروب ‪ ،‬وُتك َ‬
‫وأما الدعاء فشأنه َ‬

‫ل الِبّر ‪.‬‬
‫ل َيِزيُد في الُعُمِر ِإ ّ‬
‫ل الّدعاُء ‪َ ،‬و َ‬
‫ضاَء ِإ ّ‬
‫ل َيُرّد الَق َ‬
‫وفي الحديث ‪َ :‬‬

‫وفي الحديث أيضا ‪ :‬الدعاء ينفع مما نـزل ومما لم ينـزل ‪ ،‬فعليكم عباد ال بالدعاء ‪.‬‬

‫أما إْلزام الناس بإرسال هذه الرسالة َوجعلها في أعناق الناس ؛ فهذا ل َيجوز ‪ِ ،‬لما فيه ِمن إْلزام الناس بأمٍر ليس ِبلزم ‪.‬‬

‫فل يجوز اّتباع مثل هذا السلوب في الرسائل ‪.‬‬

‫وال تعالى أعلم ‪.‬‬

‫بارك ال فيكي اختي الغاليه‬

‫بسم ال الرحمن الرحيم )‪(1‬‬


‫الحمد ل حمًدا كثيًرا طيًبا مبارًكا فيه ‪ ،‬أحمده سبحانه وأثني عليه الخير كله ‪ ,‬وأشهد أن ل إله إل ال هو البر الرؤوف الرحيم ل إله إل هو الرحمن الرحيم ‪ ,‬وأشهد أن‬
‫محمًدا عبد ال ورسوله‪ ،‬خيرته من خلقه ‪ ،‬صفيه وخليله صلى ال عليه وعلى آله وصحبه ومن اتبع سنته بإحسان إلى يوم الدين ‪ .‬أما بعد ‪..‬‬
‫حِمَد ‪ ،‬كما أنه سبحانه وبحمده أحق من ُذِكَر‪ .‬نحمده على نعمه الكثيرة التي‬ ‫فنحمد ال أهل الحمد والثناء ‪ ،‬ل نحصي ثناء عليه كما أثنى على نفسه ‪ ،‬فهو جل وعل أحق من ُ‬
‫من أجّلها وأعظمها هذا الكتاب المبين الذي جعله ال تعالى من أعظم آيات النبياء‪ ،‬هذا القرآن الذي فيه خبر من قبلنا ‪ ،‬وفيه فصل ما بيننا ‪ ،‬وفيه حكم ما اختلف فيه‬
‫المختلفون‪ ،‬فيه الهدى والنور‪ ،‬هو الضياء الذي تشرق به القلوب‪ ،‬هو النور الذي ُتسفر به الدنيا‪ ،‬جعله ال تعالى حاوًيا لكثيٍر من الخير الذي فيه صلح الدنيا واستقامة‬
‫الخرة ‪.‬‬
‫ن َقْبِلِه‬ ‫ت ِم ْ‬ ‫ن ُكْن َ‬‫ن َوِإ ْ‬
‫ك َهَذا اْلُقْرآ َ‬‫حْيَنا ِإَلْي َ‬
‫ص ِبَما َأْو َ‬ ‫ص ِ‬ ‫ن اْلَق َ‬‫سَ‬ ‫حَ‬ ‫ك َأ ْ‬ ‫عَلْي َ‬
‫ص َ‬‫ن َنُق ّ‬ ‫حُ‬‫ن كتاب ال تعالى فيه من القصص والخبار ما وصفه ال تعالى في قوله ‪َ :‬ن ْ‬ ‫أيها الحباب‪ :‬إ ّ‬
‫ن﴾ )‪ .(1‬هذا القرآن تضمن قصصًا عظيمة من المم السابقة فيها عبرة وعظة‪ ،‬فيها وعٌد ووعيد‪ ،‬فيها اّدكاٌر لمن أراد عبرًة واتعاظًا‪ ،‬إنه كتابٌ مجيد ‪ ،‬إنه‬ ‫ن اْلَغاِفِلي َ‬
‫َلِم َ‬
‫حِميٍد﴾ )‪. (2‬‬ ‫حِكيٍم َ‬ ‫ن َ‬‫ل ِم ْ‬ ‫خْلِفِه َتْنِزي ٌ‬
‫ن َ‬
‫ن َيَدْيِه َول ِم ْ‬
‫ن َبْي ِ‬
‫ل ِم ْ‬
‫طُ‬‫كتاب ﴿ل َيْأِتيِه اْلَبا ِ‬
‫أيها الحباب‪:‬هذا الكتاب حوى قصص أئمة وعظماء من بني آدم‪ ،‬على رأسهم الرسل ثم النبياء ثم الصالحون ‪ ,‬وهذه القصص لها فوائد كبيرة‪ ،‬من أعظم فوائدها ما قال‬
‫حَمًة‬‫ى َوَر ْ‬ ‫يٍء َوُهد ً‬ ‫ش ْ‬ ‫ل َ‬‫ل ُك ّ‬ ‫صي َ‬
‫ن َيَدْيِه َوَتْف ِ‬ ‫ق اّلِذي َبْي َ‬‫صِدي َ‬‫ن َت ْ‬ ‫حِديثًا ُيْفَتَرى َوَلِك ْ‬
‫ن َ‬‫ب َما َكا َ‬ ‫لْلَبا ِ‬ ‫لوِلي ا َْ‬ ‫عْبَرٌة ُِ‬‫صِهْم ِ‬‫ص ِ‬ ‫ن ِفي َق َ‬ ‫ال جل وعل وقص في كتابه حيث قال ‪َ﴿ :‬لَقْد َكا َ‬
‫ن﴾ )‪.(3‬‬ ‫ِلَقْوٍم ُيْؤِمُنو َ‬
‫ن هذا القصص فيه بيان شيء كثير‪ ،‬فيه تفصيل هذا الكتاب وبيان ما فيه من السرار والحكم‪ ،‬فيه هدى ورحمة ‪ ،‬لكن هذه الرحمة وهذا الهدى إنما هو لقوم يؤمنون به‬ ‫إّ‬
‫ن من أعظم قصص هذا القرآن‬ ‫ب﴾)‪ .(1‬إ ّ‬ ‫لْلَبا ِ‬‫ك ِلَيّدّبُروا آَياِتِه َوِلَيَتَذّكَر ُأوُلو ا َْ‬
‫ك ُمَباَر ٌ‬
‫ب َأْنَزْلَناُه ِإَلْي َ‬‫ويعظمونه‪ ،‬يقفون عند آياته‪ ،‬يتدبرون معانيه كما قال ال جل وعل ‪ِ﴿ :‬كَتا ٌ‬
‫التي فيها تقرير حق ال تعالى ‪ ,‬وبيان ما له جل وعل على عباده من الحقوق تلك القصة العظيمة ‪ :‬قصة إمام الحنفاء‪ ، ،‬فقد ذكرها ال جل وعل في مواضع عديدة من‬
‫جة ومناقشة لقوم كفروا بال جل وعل‪ ،‬اتخذوا من دونه آلهة‪ ،‬عبدوا سواه سبحانه وبحمده ‪,‬‬ ‫حا‪ ،‬مجادلًة وُمحا ّ‬ ‫كتابه الحكيم‪ ،‬وهي قصٌة‪‬قصة إبراهيم تضمنت بياًنا وتوضي ً‬
‫وقد تكرر ذكر هذه القصة على ألوان متعددة في كلم ال جل وعل وفي كتابه الحكيم‪ ،‬من ذلك ما ذكره ال جل وعل في سورة الصافات في خبر ُمحاجة إبراهيم ودعوته‬
‫لِبيِه َوَقْوِمِه َماَذا‬
‫ل َِ‬‫لبيه وقومه‪ ،‬استمع إلى هذه اليات المباركات وبين قومه‪ ،‬يقول ال جل وعل ‪ِ﴿ :‬إْذ ‪υ‬التي تضمنت شيًئا مما جرى بين إبراهيم الذي قال ‪َυ‬قا َ‬
‫ن﴾)‪ .(3‬إبراهيم ومناقشتهم‪،‬‬ ‫شِرِكي َ‬ ‫ن اْلُم ْ‬ ‫ك ِم َ‬ ‫حِنيفًا يقول هذه الكلمات في توجيه قومه ‪َυ‬وَلْم َي ُ‬ ‫ل َ‬ ‫ن ُأّمًة َقاِنتًا ِّ‬
‫ن ِإْبَراِهيَم َكا َ‬
‫ن﴾ )‪ .(2‬هذا خطاب إبراهيم ال تعالى فيه ‪ِ﴿ :‬إ ّ‬ ‫َتْعُبُدو َ‬
‫ل كبير‪ ،‬قال ال‬ ‫ن﴾ )‪ .(4‬ثم جاء سؤال يهز المشاعر‪ ،‬جاء سؤا ٌ‬ ‫ل ُتِريُدو َ‬‫ن ا ِّ‬ ‫ن﴾‪ .‬أي شيٍء تعبدون دون ال جل وعل ؟! ﴿َأِئْفكًا آِلَهًة ُدو َ‬ ‫لِبيِه َوَقْوِمِه َماَذا َتْعُبُدو َ‬‫ل َِ‬‫يقول ‪ِ﴿ :‬إْذ َقا َ‬
‫ن﴾ )‪ .(5‬أي شيء ظننتم بهذا الرب الذي له الوَلى والخرة؟ له ما في السماوات وما في الرض؟ له الحمد كله؟‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ظّنُكْم ِبَر ّ‬
‫جل وعل في بيان ذلك السؤال ‪َ﴿ :‬فَما َ‬
‫كل شيء إليه صائر وعنه صادر جل وعل ‪ ،‬فهو سبحانه وبحمده الول الذي ليس قبله شيء ‪ ,‬وهو جل وعل الخر الذي ليس بعده شيء ‪ ,‬وهو سبحانه وبحمده الظاهر‬
‫الذي ليس فوقه شيء ‪ ,‬وهو الباطن الذي ليس دونه شيء ‪ ,‬كيف عبدتم غيره ؟ ما ظنكم بهذا الرب الذي هذه صفاته ؟ أظننتم أنه يترككم تعظمون غيره ‪ ،‬وتصرفون العبادة‬
‫لسواه ول يعاقبكم على ذلك ‪ ،‬وهو جل وعل قد أمركم بعبادته ‪ ،‬وفطركم على أل تعبدوا سواه ‪ ،‬بل أخذ الميثاق عليكم وأنتم في ظهور آبائكم أل تعبدوا إل إياه جل وعل ؟‬
‫شِهَدُه تقصيره في حق الرب‬ ‫ل يستوقف كل سامع لُي ْ‬ ‫ل يرجف منه الفؤاد ويجل منه القلب ‪ .‬فما ظنكم برب العالمين ؟ سؤا ٌ‬ ‫ل كبير‪ ،‬يا له من سؤا ٍ‬ ‫ما ظنكم برب العالمين ؟ سؤا ٌ‬
‫حاَنُه‬
‫سْب َ‬
‫طِوّياتٌ ِبَيِميِنِه ُ‬ ‫ت َم ْ‬‫سَماَوا ُ‬ ‫ضُتُه َيْوَم اْلِقَياَمِة َوال ّ‬
‫جِميعًا َقْب َ‬
‫ض َ‬‫لْر ُ‬ ‫ق َقْدِرِه َوا َْ‬
‫حّ‬ ‫ل َ‬ ‫العظيم الكريم الذي قال جل وعل عن حقه وحال عباده مع هذا الحق ‪َ﴿ :‬وَما َقَدُروا ا َّ‬
‫ن﴾)‪. (1‬‬ ‫شِرُكو َ‬ ‫عّما ُي ْ‬‫َوَتَعاَلى َ‬
‫ن﴾)‪ (2‬ما ظنك يا أخي بربك رب العالمين الذي له الملك كله‪ ،‬وله الحمد كله‪ ،‬الذي له خلق السماوات والرض ؟ فهو الخالق ل خالق سواه‪ ،‬هو‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ظّنُكْم ِبَر ّ‬‫﴿َفَما َ‬
‫المالك ل مالك سواه‪ ،‬هو المدبر جل وعل لهذا الكون ‪ ،‬فما من حركة ول سكون إل بأمره جل وعل ‪.‬‬
‫سمك في البحار ‪ ،‬والشجار في البراري كلها تصدر عن أمره ‪ ،‬ول يخفى عليه من شأنها شيء سبحانه وبحمده‪ ،‬ما ظنك بهذا الرب حتى عصيت أمره وخالفت شرعه؟‬ ‫ال ّ‬
‫ما ظنك بهذا الرب حتى أعرضت عنه وعبدت سواه وصرفت العبادة لغيره ؟‬
‫ن﴾ يا له من سؤال !! ما ظنكم برب العالمين؟ سؤال ينبه العبد إلى عظيم قدر ربه ‪ ,‬وأن ربه جل وعل قد فاق كل غايٍة في القدر والعلو والمكانة‪،‬‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ظّنُكْم ِبَر ّ‬‫﴿َفَما َ‬
‫ن﴾‪.‬‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ظّنُكْم ِبَر ّ‬
‫صيُر﴾)‪َ﴿(3‬فَما َ‬ ‫سِميُع اْلَب ِ‬‫يٌء وَُهَو ال ّ‬‫ش ْ‬ ‫س َكِمْثِلِه َ‬
‫سبحانه وبحمده هو العلي العظيم‪ ،‬له المثل العلى في السماوات والرض جل وعل‪َ﴿ :‬لْي َ‬

‫حـُد‬
‫فسبحان مـن ل يقـدر الـخلق قـدره ومن هو فوق العرش فرٌد ُمَو ّ‬
‫ن لعزته تعـنو الوجـوُه وتسجـُد‬ ‫ك على عرش السماِء مهيم ٌ‬ ‫مـلي ٌ‬
‫ل﴾ )‪. (4‬‬
‫صا ِ‬
‫ل َ‬
‫ظلُلُهْم ِباْلُغُدّو َوا ْ‬
‫طْوعًا َوَكْرهًا َو ِ‬ ‫ض َ‬ ‫لْر ِ‬
‫ت َوا َْ‬
‫سَماَوا ِ‬
‫ن ِفي ال ّ‬
‫جُد َم ْ‬
‫سُ‬‫ل َي ْ‬
‫وقد قال جل وعل ‪َ﴿ :‬و ِّ‬
‫ن﴾‪ .‬سؤال يبعث في القلب تعظيم الرب‪ ،‬كما أنه يبعث في القلب حسن الظن بال الذي له المر كله جل وعل‪ ،‬الذي ل يحسن العباد ول يحصي العباد‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ظّنُكْم ِبَر ّ‬
‫﴿َفَما َ‬
‫ثناًء عليه سبحانه وبحمده‪ ،‬هذا السؤال يبعث في القلب حسن الظن بال جل وعل‪ ،‬يبعث في القلب رجاء كل خيٍر من ِقَبلِه ‪.‬‬
‫قال يحيى بن معاذ رحمه ال ‪ " :‬أوثق الرجاء رجاء العبد بربه ‪ ,‬وأحسن الظنون حسن الظن بال تعالى " ‪ .‬ولذلك يستحضر المؤمن هذه المعاني في أحوال الضعف‪ ،‬كما‬
‫أنه ينبغي أن تكون منه على بال في أحوال القوة لكنه ما أحوجه إلى استحضار ذلك في أحوال الضعف ‪.‬‬
‫يقول أبو العتاهية في آخر شعره الذي قاله قبل موته ‪:‬‬
‫إلهي ل تعذبني فإني‬
‫فمالي حيلٌة إل رجائي‬
‫مقّر بالذي قد كان مني‬
‫لعفوك إن عفوت وحسن ظني‬

‫إن العبد يستصحب حسن الظن بال تعالى إذا عرف قدر الرب‪.‬‬
‫ل بك ؟ ما ظنك بربك وقد تركت حقه ؟ ما ظنك بربك وقد أقبلت عليه ؟ ما ظنك‬ ‫ل أجب عليه بينك وبين نفسك‪ ،‬ما ظنك بربك ؟ ما هو فاع ٌ‬ ‫ن﴾‪ .‬سؤا ٌ‬ ‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ظّنُكْم ِبَر ّ‬
‫﴿َفَما َ‬
‫بربك الذي له الولى والخرة وله الحمد في السماوات والرض وهو الحكيم الخبير ؟ ما ‪ ،‬قال ‪ τ‬فيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ‪ρ‬ظنك بال تعالى وقد‬
‫قال النبي ‪ )) :‬يقول ال تعالى ‪ :‬أنا عند ظن عبد بي ((‪ .‬تنبه واستمع إلى خطاب ال ‪ρ‬النبي جل وعل وهو يخبر عباده بأمر عظيم‪ )) :‬أنا عند ظن عبدي بي ‪ ,‬وأنا معه‬
‫إذا ذكرني‪ :‬إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي (( رب العالمين يقول هذا لنا ويخاطبنا به كما نقل ‪ )) :‬وإذا ذكرني في مل ذكرته في مل خير منه ‪ .‬وإذا تقرب إلي عبدي‬
‫ب السماوات والرض‪،‬بقدر ما تقبل عليه بقدر ما‬ ‫عا ‪ ,‬وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة ((‪ .‬ال أكبر! ر ّ‬
‫عا تقربت إليه با ً‬ ‫‪ρ‬رسول ال شبًرا تقربت إليه ذرا ً‬
‫عا ‪ ,‬وإذا تقرب ذرا ً‬
‫يكون لك‪ ،‬فبقدر ما معك من الظن بربك وحسن المل في ما عنده جل وعل بقدر ما يكون ال جل وعل لك ‪.‬‬
‫سل نفسك يا أخي‪ ،‬سل نفسك‪ :‬ما ظنك برب العالمين ؟ وابحث عن جواب لهذا السؤال الكبير ‪ ،‬فإن ال تعالى عند ظن عبده به‪ ،‬من أحسن ظنه بال تعالى فليبشر‪ ،‬فإن ال‬ ‫َ‬
‫تعالى ل يخيب ظن من أحسن الظن به ‪ ,‬ول يخيب من رجاه وأّمله ‪.‬‬
‫أيها الحباب‪ :‬إن ال تعالى عند ظن عبده به‪ ،‬فهو جل وعل يعاملك على حسب ظنك به سبحانه وتعالى ‪ ،‬فهو سبحانه يفعل بالعبد ما يتوقعه منه من الخير والشر ‪ ،‬فأحسن‬
‫ظنك بال ‪ ,‬فكلما كان العبد حسن الظن بال تعالى‪ ،‬حسن الرجاء فيما عنده‪ ،‬حسن المل في ربه جل وعل كان ال له فيما أّمله وفيما ظنه وفيما رجاه ‪ ،‬فهو جل وعل ل‬
‫يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى ‪.‬‬
‫ن شيًئا ‪ τ‬قال ‪ρ‬ابن مسعود بكلم النبي خيًرا من حسن‬ ‫‪ ،‬ما أشبه كلم ‪τ‬قال عبد ال بن مسعود ‪ -‬فقيه الصحابة وبليغهم ‪ " : -‬والذي ل إله غيره ل يعطى عبٌد مؤم ٌ‬
‫الظن بال عز وجل ‪ ,‬والذي ل إله غيره ل يحسن عبٌد ظنه بال عز وجل إل أعطاه ال عز وجل ظنه‪ ،‬ذلك بأن الخير كله في يديه سبحانه وبحمده" ‪.‬‬
‫إن كان ل يرجوك إل محس ٌ‬
‫ن‬
‫عا‬
‫ب كما أمرت تضر ً‬ ‫أدعوك ر ّ‬
‫فبمن يلوُذ ويستجيُر المجرُم؟‬
‫فإذا رددت يِدي فمن ذا يرحُم؟‬

‫ل وإحسان‪ ،‬وسعت رحمته كل شيء ‪ ,‬وإن ذلك يوجب على العبد حسن الظن بال تعالى ‪.‬‬ ‫ربنا جل وعل ذو فض ٍ‬
‫ل الوجبات ‪ ,‬وقد أمر ال تعالى عباده بأن يحسنوا الظن به سبحانه وبحمده‪ ،‬وذلك في مواضع عديدة‪،‬‬ ‫إن إحسان الظن بال تعالى أيها الحباب من أوكد الفرائض ‪ ,‬ومن أج ّ‬
‫ن﴾)‪ .(1‬قال عكرمة مولى ابن عباس ‪ ,‬وهو من كبراء‬ ‫سِني َ‬
‫حِ‬ ‫ب اْلُم ْ‬
‫ح ّ‬ ‫ل ُي ِ‬
‫ن ا َّ‬‫سُنوا ِإ ّ‬
‫حِ‬ ‫ل َول ُتْلُقوا ِبَأْيِديُكْم ِإَلى الّتْهُلَكِة َوَأ ْ‬ ‫ل ا ِّ‬
‫سِبي ِ‬
‫منها ما أمر ال تعالى به في قوله‪َ﴿ :‬وَأْنِفُقوا ِفي َ‬
‫ن﴾ أحسنوا الظن بال تعالى ‪.‬‬ ‫سِني َ‬
‫حِ‬‫ب اْلُم ْ‬‫ح ّ‬‫ل ُي ِ‬ ‫ن ا َّ‬‫سُنوا ِإ ّ‬‫حِ‬ ‫التابعين المفسرين للقرآن‪ ،‬قال في تفسير هذه الية ‪ :‬أحسنوا الظن بال‪ .‬وذلك ترجمة لقول ال تعالى ‪َ﴿ :‬وَأ ْ‬
‫ن َواْلُمَناِفَقا ِ‬
‫ت‬ ‫ب اْلُمَناِفِقي َ‬
‫ن مما يدل على وجوب إحسان الظن بال تعالى أن ال سبحانه وتعالى توعد الذين أساؤوا الظن به أشد وعيٍد‪ ،‬فقال سبحانه وبحمده ‪َ﴿ :‬وُيَعّذ َ‬ ‫ِإ ّ‬
‫صيرًا﴾)‪.(2‬‬ ‫ت َم ِ‬ ‫ساَء ْ‬ ‫جَهّنَم َو َ‬‫عّد َلُهْم َ‬
‫عَلْيِهْم َوَلَعَنُهْم َوَأ َ‬
‫ل َ‬‫ب ا ُّ‬ ‫ض َ‬‫غ ِ‬ ‫سْوِء َو َ‬‫عَلْيِهْم َداِئَرُة ال ّ‬
‫سْوِء ‪-‬ثم انظر عقوبة هؤلء !! ‪َ -‬‬ ‫ن ال ّ‬ ‫ظّ‬ ‫ل َ‬‫ن ِبا ِّ‬
‫ظاّني َ‬‫ت ال ّ‬‫شِرَكا ِ‬ ‫ن َواْلُم ْ‬‫شِرِكي َ‬ ‫َواْلُم ْ‬
‫ت عقاب ول عذاب ول وعيد في القرآن كما جاء في سوء الظن بال تعالى ‪ ,‬ولذلك قال جماعة من أهل العلم‪ :‬إن أعظم الذنوب عند ال تعالى إساءة‬ ‫يقول ابن القيم ‪ :‬لم يأ ِ‬
‫الظن به سبحانه وبحمده ‪.‬‬
‫جل عليهم الحكم فقال‪ :‬إنهم كفار‪ ،‬قال ال سبحانه‬ ‫ن مما يدل على وجوب إحسان الظن بال تعالى أيها الحباب أن ال تعالى توعد الذين أساؤوا الظن به بالنار‪ ،‬كما أنه س ّ‬ ‫إّ‬
‫ن اّلِذي َ‬
‫ن‬ ‫ظّ‬
‫ك َ‬ ‫ك ‪ -‬أي ظن أن السماوات والرض مخلوقة عبثًا ل غاية ول هدف‪،‬هذا الظن يقول ال جل وعل‪َ - :‬ذِل َ‬ ‫ل َذِل َ‬‫طً‬‫ض َوَما َبْيَنُهَما َبا ِ‬‫لْر َ‬ ‫سَماَء َوا َْ‬‫خَلْقَنا ال ّ‬
‫وبحمده‪َ﴿ :‬وَما َ‬
‫ن الّناِر﴾)‪.(1‬‬ ‫ن َكَفُروا ِم َ‬ ‫ل ِلّلِذي َ‬
‫َكَفُروا َفَوْي ٌ‬
‫خذلن " ‪.‬‬ ‫ن من ظن بال تعالى ما ل يليق به جل وعل فله النار‪ ،‬نعوذ بال من ال ُ‬ ‫يقول المام الشنقيطي ‪ -‬رحمه ال تعالى ‪ -‬صاحب أضواء البيان ‪ " :‬تدل هذه الية على ًأ ّ‬
‫أيها الحباب‪ :‬إن من أدلة وجوب حسن الظن بال تعالى ما جاء في قال ‪ -‬قبل موته بثلث‪ ρ ،‬أن النبي ‪τ‬صحيح المام مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر ‪ρ )) :-‬‬
‫بثلثة أيام ‪ ،‬يقول ‪ρ‬قبل موت رسول ال ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بربه ((‪ .‬وهذا يفيد أيها الحباب وجوب دوام حس الظن‪ ،‬فإن النسان ما يدري ول يعلم ‪:‬‬
‫)) ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بربه ‪ρ‬متى ينتهي أجله وينقضي عمره‪ ،‬فقوله ((‪ .‬يدل على وجوب دوام حسن الظن به سبحانه وبحمده‪ ،‬فإنه ل يتمكن العبد أن‬
‫ل على وجوب‬ ‫يحسن الظن بال جل وعل في ساعٍة حرجة عند موته وقد أساء الظن به قبل ذلك‪ ،‬بل إن المر بحسن الظن بال تعالى وعدم الموت إل على هذه الحال دلي ٌ‬
‫استصحاب حسن الظن به سبحانه وتعالى على كل حال ‪ ،‬فإنك على كل نفس يخرج منك ل تدري هل أنت على آخر أنفاسك ؟ أم بقي من أجلك شيء ‪.‬‬
‫لما احتضر المام الشافعي رحمه ال كان في سياق الموت دخل عليه المزني‪ -‬وهو من كبار تلميذه ‪ ,‬ومن أئمة الفقهاء‪ -‬دخل على الشافعي رحمه ال ‪ ,‬وهو على هذه‬
‫ن مفارًقا ‪ ,‬ولعملي ملقًيا ‪ ,‬وبكأس المنية شارًبا ‪ ,‬وعلى ال‬
‫ل ‪ ,‬وللخوا ِ‬
‫الحال في حال الحتضار‪،‬فقال له ‪ " :‬كيف أصبحت؟ " فقال رحمه ال ‪ " :‬أصبحت عن الدنيا راح ً‬
‫وارًدا ‪ .‬فل أدري روحي تصير إلى الجنة فُأهنيها ‪ ،‬أم إلى النار فُأعزيها؟ "‪ .‬ثم أنشأ أبياًتا فيها عظيم الرجاء وحسن الظن بربه‪ ،‬يقول رحمه ال ‪:‬‬
‫ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي‬
‫تعاظمني ذنبي فلما قرنته‬
‫ومازلت ذا عفٍو عن الذنب لم تزل‬
‫جعلت الرجا مني لعفوك سلما‬
‫بعفوك ربي كان عفوك أعظما‬
‫تجود وتعفو منة وتكرما‬

‫سلًما لدراك عفوك ‪.‬‬‫جعلت الرجا مني لعفوك سلما ‪ :‬جعلت رجائي وحسن ظني بك ُ‬
‫تعاظمني ذنبي ‪ :‬يعني النسان تذكر هذا الذنب العظيم الذي أثقل كاهله ‪.‬‬
‫ال أكبر تتلشى في جنب مغفرته وعفوه وبره الذنوب مهما عظمت‪ )) :‬يا ابن آدم إنك لو لقيتني بقراب الرض خطايا ثم لقيتني ل تشرك بي شيًئا لغفرت ما كان منك ول‬
‫ُأبالي ((‪.‬‬
‫صا‪ -‬أن يذكر العبد سعة‬ ‫إن مما ُيعين على هذا الستحضار لهذا المعنى في هذه الساعة الحرجة ‪ ,‬وهو حسن الظن بال تعالى ‪-‬في دوام الحال ‪ ,‬وعند الحتضار خصو ً‬
‫رحمة ال تعالى‪ ،‬إن من الناس من يذكر سعة رحمة ال فيكون حافًزا له على ألوان من المعصية‪ ،‬وهذا غلط ‪ ،‬فإن رحمة ال ل بد لها من تعرض‪ ،‬ول بد لها من‬
‫أسباب‪،‬وقد قال ال تعالى في رحمته‪ :‬إنها قريبة من عباده المحسنين‪﴿:‬إن رحمت ال قريب من المحسنين﴾) ( ‪.‬‬
‫أيها الحباب‪ :‬إن من السلف من كان إذا حضره الموت تذكر رحمة ال تعالى‪ ،‬وقال لمن حوله‪ :‬ذكرونا بالرخص‪ ،‬ذكرونا برحمة ال تعالى‪ ،‬حتى يقبل على ال تعالى وقد‬
‫ب وهو في الموت‬ ‫أحسن ظنه بربه سبحانه وبحمده ‪ .‬قال‪τ :‬ويشهد لهذا المعنى ما رواه الترمذي وابن ماجه من طريق قتادة عن أنس بن مالك لهذا الشاب ‪ ρ‬على شا ّ‬
‫في حال الحتضار‪ ،‬فقال رسول ال‪‬دخل النبي ‪ )) :‬كيف تجُدك ؟ (( يعني‪ :‬ما هي حالك ؟ ما الذي في قلبك في هذه الساعة؟ )) فقال ‪ :‬وال يا رسول ال إني أرجو ال‪،‬‬
‫وإني أخاف ذنوبي ((‪ .‬إني أرجو ال‪ :‬أطمع فيما ‪ )) :‬ل يجتمعان في قلب عبد في ‪ρ‬عنده وأحسن الظن به‪ ،‬وأخاف ذنوبي‪ .‬فقال رسول ال مثل هذا الموطن إل أعطاه ال‬
‫ما يرجو‪ ،‬وأّمنه مما يخاف((‪ .‬ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء ‪.‬‬
‫ما هو يا أحبابي معنى حسن الظن بال سبحانه وتعالى ؟ إن معنى حسن الظن بال هو رجاء كل خير من قبله سبحانه وبحمده ‪ .‬هو أن يؤمل العبد من ربه كل بر ‪ ,‬وكل‬
‫ن﴾) ( هو‬
‫جأَُرو َ‬
‫ضّر َفِإَلْيِه َت ْ‬
‫سُكُم ال ّ‬
‫ل ُثّم ِإَذا َم ّ‬
‫ن ا ِّ‬
‫ن ِنْعَمٍة َفِم َ‬
‫إحسان ‪ ،‬فهو رب كل نعمة‪ ،‬هو صاحب كل إحسان‪ ،‬هو صاحب كل سعة كما قال سبحانه وبحمده ‪َ﴿ :‬وَما ِبُكْم ِم ْ‬
‫ف‪.‬‬
‫المؤمل في تحصيل المطالب ‪ ,‬وهو المؤمل في كشف كل كربٍة وكل خو ٍ‬
‫يا من ألوذ به فيما أؤمله‬
‫ل يجبر الناس عظًما أنت كاسره ومن أعوذ به فيما أحاذره‬
‫جاِبُرُه‬
‫ول يهيضون عظًما أنت َ‬

‫ال سبحانه وبحمده له الفضل والنعام‪ ،‬إذا استحضر العبد هذه المعاني وأن كل نعمة من ال تعالى وكل خير منه راقب ذلك من جهته‪ ،‬لم يلتفت يمنًة ول يسرة ‪.‬‬
‫قال القاضي عياض في معنى حسن الظن بال ‪ " :‬أن ُيؤمل العبد أنه إذا استغفر غفر ال له ‪ ,‬وأنه إذا تاب قبل ال تعالى توبته ‪ ,‬وأنه إذا دعا ال تعالى أجابه إلى دعائه ‪,‬‬
‫وأنه إذا استكفى ال تعالى وطلب منه الكفاية كفاه ال سبحانه وبحمده "‪ .‬بهذه الصفات يظهر حسن ظن العبد بربه ‪.‬‬
‫أيها الحباب‪ :‬ما الذي يزرع في قلوبنا حسن الظن بال تعالى ؟ ما الذي يزرع في قلوبنا حسن الظن به سبحانه وبحمده؟ إن أعظم ما يلقي في قلوبنا حسن الظن بال تعالى‬
‫عَلى﴾)‪ .(2‬اقرأ كتاب ال جل وعل‬ ‫لْ‬‫ل ا َْ‬
‫ل اْلَمَث ُ‬
‫عوُه ِبَها﴾)‪ (1‬سبحانه وبحمده ‪ ،‬وقد قال سبحانه وبحمده‪َ﴿ :‬و ِّ‬
‫سَنى َفاْد ُ‬
‫حْ‬‫سَماُء اْل ُ‬
‫لْ‬
‫ل ا َْ‬
‫أن نعرف ما له جل وعل من الكمالت‪َ﴿ :‬و ِّ‬
‫تجد أن كتاب ال تعالى مليٌء بصفاته‪ ،‬مليٌء بالخبار عنه‪ ،‬مليٌء بجميل أفعاله سبحانه وبحمده ‪ .‬اقرأ هذه المعاني‪ ،‬فإنك كلما ازداد علمك بال تعالى ازداد حسن ظنك به‪،‬‬
‫فإن القلب الذي امتلت أرجاؤه بهيبة ال تعالى وسطع فيه نور اليمان ‪ ،‬وملئ بالتقوى والحسان ‪ ،‬وخالطته بشاشة اليمان والعلم بما ل تعالى من الكمالت ل يمكن أن‬
‫يسيء ظنه بال تعالى‪ ،‬بل إنه ل يجُد إل إحسان الظن به سبحانه وتعالى ‪:‬‬
‫الحمد ل ملء الكون أجمعه‬
‫ما كان منه وما من بعده يأتي‬

‫فالخير كله بيديه سبحانه وبحمده‪ ،‬ل مانع لما أعطى ول معطي لما منع‪ .‬إن أعظم ما يورث العبد حسن العمل وصدق الرغبة فيما عند ال تعالى وحسن الظن به أن يقرأ‬
‫أسماء ال تعالى وصفاته‪ ،‬أن يطالع ما أخبر ال تعالى به عن نفسه‪ ،‬فإن ذلك مما يمل قلبه بتعظيم ربه جل وعل ‪.‬‬
‫ل شديًدا حتى بلغت‬ ‫ف كان للصحابة فيها الصحابة زلزا ً‬ ‫ل ‪ψ‬كتابه الحكيم عن موق ٍ‬ ‫يا إخواني‪ :‬إن ال سبحانه وبحمده أخبر في في غزوة الحزاب وهي الغزوة التي ُزْلِز َ‬
‫القلوب الحناجر ودارت الظنون في القلوب ‪ ، ,‬انقسم ‪ρ‬واختلفت تلك الوهام وتلك الهواجس التي وردت على قلوب صحابة رسول ال الناس إلى فريقين ‪ ،‬فلما جاء‬
‫سوُلُه َوَما‬ ‫لُ َوَر ُ‬‫قا ّ‬ ‫صَد َ‬‫سوُلُه َو َ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫عَدَنا ا ُّ‬
‫ب َقاُلوا َهَذا َما َو َ‬‫حَزا َ‬ ‫لْ‬ ‫ن ا َْ‬‫الحزاب منهم من فرح بمجيئهم وقال كما قال ال تعالى عن عباده المؤمنين ‪َ﴿ :‬وَلّما َرأى اْلُمْؤِمُنو َ‬
‫سِليمًا )‪ .(3‬هؤلء أحسنوا الظن بال تعالى ‪ ,‬وإل فإن اجتماع العرب مع اليهود‪ ،‬تحالف المشركين مع اليهود الذي حاصر رسول ال صلى ال عليه‬ ‫ل ِإيَمانًا َوَت ْ‬
‫َزاَدُهْم ِإ ّ‬
‫ظُنوَنا﴾‬
‫ل ال ّ‬ ‫ن ِبا ِّ‬‫ظّنو َ‬‫جَر وََت ُ‬‫حَنا ِ‬
‫ب اْل َ‬
‫ت اْلُقُلو ُ‬ ‫صاُر َوَبَلَغ ِ‬ ‫لْب َ‬‫ت ا َْ‬
‫غ ِ‬ ‫ل ِمْنُكْم َوِإْذ َزا َ‬ ‫سَف َ‬
‫ن َأ ْ‬
‫ن َفْوِقُكْم َوِم ْ‬ ‫جاُءوُكْم ِم ْ‬ ‫وعلى آله وسلم في السنة الخامسة في غزوة الحزاب أمٌر عظيم‪ِ :‬إْذ َ‬
‫ق كبير لصحابة رسول ‪ ،‬لكنهم لما أتى الحزاب ألقى ال تعالى في قلوبهم السكينة ‪،‬‬ ‫ل عظيم ترتب عليه قل ٌ‬ ‫) (‪ .‬أمٌر يزلزل القلوب قبل أن يزلزل البدان‪ ،‬فهو أمر مهو ٌ‬
‫سِليمًا ﴾‪ .‬في‬ ‫سوُلُه َوَما َزاَدُهْم‪-‬هذا الكرب وهذه الشدة‪ -‬إل ِإيَمانًا َوَت ْ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫ق ا ُّ‬‫صَد َ‬
‫سوُلُه َو َ‬ ‫ل َوَر ُ‬ ‫فقالوا لما ‪ρ‬ال رأوا الحزاب قد اجتمعوا وتألبوا عليهم ‪َ ﴿:‬قاُلوا َهَذا َما َو َ‬
‫عَدَنا ا ُّ‬
‫غُرورًا ﴾) (‪ .‬أي ‪:‬‬ ‫سوُلُه ِإل ُ‬ ‫ل َوَر ُ‬
‫عَدَنا ا ُّ‬ ‫ض َما َو َ‬ ‫ن ِفي ُقُلوِبِهْم َمَر ٌ‬ ‫ن َواّلِذي َ‬‫ل اْلُمَناِفُقو َ‬
‫حين أن المنافقين لما أتى الحزاب ماذا قالوا؟ فرحوا بمجيئهم‪ ،‬قال ال تعالى ‪َ :‬وِإْذ َيُقو ُ‬
‫خسرًا ‪.‬‬ ‫إل أماني ل يمكن إدراكها‪ ،‬ل يمكن تحصيلها‪ ،‬إنها أماني كاذبة‪ ،‬هكذا ظنوا بربهم وظنوا بخبر ال تعالى‪ ،‬فكان عاقبة أمرهم ُ‬
‫ن حسن الظن بال تعالى أيها الحباب يثمُر ثماًرا زكية‪ ،‬له عوائد حميدة‪ ،‬له آثاٌر جليلة على العبد‪ ،‬فهو يثمُر طيب الخصال وكريم العمال‪ ،‬يثمُر شيًئا كثيًرا يلحظ في‬ ‫إّ‬
‫قلب العبد وفي قوله وفي عمله ‪.‬‬
‫نستعرض شيئًا من هذه الثمار التي يدركها العبد إذا أحسن ظنه بال تعالى ولحظ عظيم حق ال تعالى في إحسان الظن به‪:‬‬
‫إن حسن الظن بال تعالى يثمُر في قلب العبد تعظيم هذا الرب جل وعل ‪ ,‬والتعظيم أيها الخوة أمر جليل عليه تقوم العبادة ‪ ،‬فإن ال سبحانه وتعالى قد عاتب من صرف‬
‫ي شيٍء يحملكم‬ ‫ي شيٍء يحملكم على أن ل تعظموه جل وعل حق تعظيمه‪ ،‬أ ّ‬ ‫ل َوَقارًا ﴾) (‪ .‬أي‪ :‬أ ّ‬ ‫ن ِّ‬‫جو َ‬ ‫العبادة لغيره‪ ،‬من قصر في حقه‪ ،‬فقال جل وعل ‪َ :‬ما َلُكْم ل َتْر ُ‬
‫ق َقْدِرِه ﴾) (‪.‬‬ ‫حّ‬‫ل َ‬ ‫على أن ل تقدروه حق قدره؟ وقد قال جل وعل في مواضع عديدة من كتابه ‪َ :‬وَما َقَدُروا ا َّ‬
‫إن من أحسن الظن بال تعالى سعى جهده في تعظيم ربه ‪ ,‬وانفرد في قلبه محبة ال تعالى ‪ ،‬فليس ل في قلبه مزاحم‪ ،‬بل ربه قد مل قلبه ‪ ،‬فليس ل في قلبه مشارك‪ ،‬ليس‬
‫ل واعتصاًما‪ ،‬كل هذه المعاني يمتلئ بها قلب العبد عندما يحسن الظن بربه‪ ،‬عندما يتعرف على هذا الرب‬ ‫ل وإنابًة‪ ،‬توك ً‬ ‫في قلبه إل ال محبًة وتعظيًما‪ ،‬خوًفا ورجاًء‪ ،‬إجل ً‬
‫ب اْلَعاَلِمي َ‬
‫ن‬ ‫ن ِبَر ّ‬ ‫ن ∃َتْعُبُدو َ‬ ‫ل ُتِريُدو َ‬ ‫ن ا ِّ‬‫ظّنُكْم ∃ َأِئْفكًا آِلَهًة ُدو َ‬
‫الذي له الولى والخرة ‪ ,‬ولذلك بتعظيم ال تعالى قال تلك الكلمات النيرة‪َ :‬ماَذا ‪υ‬لما امتل قلب إبراهيم َفَما َ‬
‫﴾) (‪ .‬إن هذه الكلمات‪ ،‬هذه اليات تضمنت من تعظيم ال تعالى الشيء الكثير‪ ،‬فهذا خليل الرحمن يقول لبيه وقومه ‪ :‬أي شيء ظنكم برب العالمين؟ أشككتم فيه حتى تركتم‬
‫عبادته وصرفتم العبادة لمن سواه ؟! أو علمتم أي شيء هو حتى جعلتم له شريكًا من الصنام والوثان والكواكب وغيرها تعبدونه من دون ال تعالى ؟‬
‫إن العبد إذا غفل عن حسن الظن بربه تورط في سيئات عظيمة أعظمها الشرك بال تعالى‪ ،‬يلي ذلك الغفلة التي تطبق على العبد فل يدري خيًرا ‪ ،‬ول يصيب بّرا؛ لنه ل‬
‫ن﴾) (‪ .‬إن‬ ‫ظاِلُمو َ‬‫ل ال ّ‬ ‫عّما َيْعَم ُ‬
‫ل َ‬ ‫غاِف ً‬ ‫ل َ‬‫ن ا َّ‬ ‫سَب ّ‬
‫حَ‬ ‫ل عنه ‪ ,‬ولذلك يقول ال تعالى في مواضع عديدة ‪َ﴿ :‬ول َت ْ‬ ‫يحسن الظن بربه‪ ،‬إنما قد أساء الظن بربه ‪ ,‬وظن أن ال تعالى غاف ٌ‬
‫هذه الية لم ترد إل في موضع واحد‪ ،‬لكن معناها جاء في مواضع عديدة يخبر ال تعالى بعلمه عن كيد الكائدين ومكر الماكرين ‪ ,‬وذلك لن علم النسان بأن ال محيطٌ‬
‫بعمله من حسن ظنه بربه ‪ ،‬ومن غفل عن هذا وظن أنه يخفى على ال تعالى شيء من عمله لم يحسن الظن بربه ‪ ،‬وقد قال ال تعالى عن طائفة من الناس‪َ :‬وَما ُكْنُتْم‬
‫جُلوُدُكْم ﴾) ( ‪ .‬أي ما كنتم تتحفظون لما كنتم تعصون ال ‪ ،‬وتخالفون أمره‪ ،‬ما كان هؤلء يتحفظون من أن يشهد عليهم‬ ‫صاُرُكْم َول ُ‬ ‫سْمُعُكْم َول َأْب َ‬ ‫عَلْيُكْم َ‬
‫شَهَد َ‬ ‫ن َي ْ‬
‫ن َأ ْ‬
‫سَتِتُرو َ‬ ‫َت ْ‬
‫سمعهم ‪ ،‬ول أبصارهم ‪ ،‬ول جلودهم‪ ،‬ما أحد في حال معصيته يستتر عن جلده ‪ ،‬أين يفر ؟! هل يخرج من جلده؟ إنه ل يتمكن من ذلك‪ ،‬ما هناك من يستتر من هذه‬
‫ن﴾‪ .‬هؤلء ظنوا أن ال‬ ‫ل ل َيْعَلُم َكِثيرًا ِمّما َتْعَمُلو َ‬ ‫ن ا َّ‬‫ظَنْنُتْم َأ ّ‬
‫ن َ‬‫جُلوُدُكْم َوَلِك ْ‬
‫صاُرُكْم َول ُ‬ ‫سْمُعُكْم َول َأْب َ‬‫عَلْيُكْم َ‬
‫شَهَد َ‬
‫ن َي ْ‬
‫ن َأ ْ‬‫سَتِتُرو َ‬
‫المور‪ ،‬يتحفظ من هذه المور‪َ :‬وَما ُكْنُتْم َت ْ‬
‫تعالى ل يعلم كثيًرا من أعمالهم فأساءوا العمل‪ ،‬وهذا ثمرة سوء الظن بال تعالى ‪.‬‬
‫إًذا ثمرة حسن الظن بال تعالى ‪ :‬أن يحفظ العبد ربه جل وعل في الغيب والشهادة ‪ ،‬أن يحفظه في المنشط والمكره‪ ،‬أن يحفظه بين الناس وفي الخلوات‪ ،‬هكذا يكون حسن‬
‫ن ﴾) (‪.‬‬ ‫سِري َ‬ ‫خا ِ‬
‫ن اْل َ‬‫حُتْم ِم َ‬‫صَب ْ‬ ‫ظَنْنُتْم ِبَرّبُكْم َأْرَداُكْم َفَأ ْ‬
‫ظّنُكُم اّلِذي َ‬ ‫الظن بال تعالى ‪ ،‬ولذلك قال ال تعالى معقًبا على ظن هؤلء الذين أساؤوا الظن به‪ ،‬قال جل وعل ‪َ﴿ :‬وَذِلُكْم َ‬
‫إن قوًما ذكر ال تعالى في كتابه أنهم أسرفوا على أنفسهم بتكذيب الرسل‪ ،‬أسرفوا على أنفسهم بألوان المعاصي‪ ،‬ثم إنهم مع هذه الساءة ظنوا أن ال ل يعلم ما يعملون‪،‬‬
‫ظّنوا َأّنُهْم‬ ‫جوا َو َ‬ ‫خُر ُ‬ ‫ن َي ْ‬
‫ظَنْنُتْم َأ ْ‬
‫شِر َما َ‬ ‫حْ‬ ‫ل اْل َ‬
‫لّو ِ‬ ‫ن ِدَياِرِهْم َِ‬ ‫ب ِم ْ‬‫ل اْلِكَتا ِ‬ ‫ن َأْه ِ‬‫ن َكَفُروا ِم ْ‬
‫ج اّلِذي َ‬
‫خَر َ‬
‫وأنه ل يعاقبهم على ما يكون منهم‪ ،‬قال ال تعالى في سورة الحشر ‪ُ﴿ :‬هَو اّلِذي َأ ْ‬
‫ل﴾) (‪ .‬أي ‪ :‬ظنوا أن هذه الحصون ستعصمهم من عقوبة ال تعالى‪ ،‬ستعصمهم من أخذه ‪ ,‬وهل هذا حسن ظن بال تعالى الذي ل تخفى عليه خافية ‪،‬‬ ‫ن ا ِّ‬
‫صوُنُهْم ِم َ‬‫ح ُ‬ ‫َماِنَعُتُهْم ُ‬
‫الذي هو على كل شيء قدير ؟ الجواب ‪ :‬ل ‪ ،‬إّنه من أعظم إساءة الظن بال تعالى أن يظن العبد بربه هذا الظن السيئ ‪.‬‬
‫إًذا من أحسن الظن بربه جل وعل كان ذلك من أعظم أسباب تعظيم ربه في قلبه ‪ ,‬وإذا قام في قلب العبد تعظيم ال تعالى فليبشر‪ ،‬فإن تعظيم ال سيحجزه عن معصية ال‬
‫تعالى ‪ ،‬سيحمله على طاعة ال تعالى‪ ،‬سيقوده إلى كل بر ‪ ،‬سيمنعه من كل شر ‪.‬‬
‫حسن الظن بال تعالى يثمر صلح العمل ‪ ,‬وحسن الطاعة ل جل وعل ‪.‬‬
‫طا ول غفلًة ول إسراًفا على النفس بألوان المعاصي والسيئات ‪.‬‬ ‫إن حسن الظن بال تعالى أيها الحباب ‪ :‬ليس تفري ً‬
‫ض ﴾) (‪.‬‬ ‫لْر ُ‬ ‫ت َوا َْ‬‫سَماَوا ُ‬ ‫ضَها ال ّ‬ ‫عْر ُ‬ ‫جّنٍة َ‬‫ن َرّبُكْم َو َ‬ ‫عوا ِإَلى َمْغِفَرٍة ِم ْ‬ ‫ساِر ُ‬ ‫جد في تحصيل فضل ال تعالى ‪ ,‬ولذلك قال ال تعالى ‪َ﴿ :‬و َ‬ ‫إن حسن الظن بال تعالى هو المسابقة ‪ ,‬وال ِ‬
‫ن ﴾) ( السابقون إلى الطاعات والحسان هم السابقون إلى الفضائل والمكرمات في الدنيا والخرة ‪.‬‬ ‫ساِبُقو َ‬ ‫ن ال ّ‬‫ساِبُقو َ‬
‫وقال سبحانه وتعالى ‪َ :‬وال ّ‬
‫إًذا حسن الظن بال تعالى يحمل العبد على مزيد عمل؛ لنه يحسن الظن بربه أنه ل يضيع عمله‪ ،‬أنه جل وعل ل يخلف الميعاد ‪ ،‬فيقوى طمعه فيما عند ربه ‪ ,‬ويعلم أنه ما‬
‫ي َلُهْم ِم ْ‬
‫ن‬ ‫خِف َ‬‫س َما ُأ ْ‬ ‫يسجد ل سجدة إل وسيجد ثمرتها‪ ،‬ما يقوم ل قومة إل وسيجد نتاجها‪ ،‬ما يعبد ال تعالى في عبادة ول يتقدم بحسنة إل وسيجدها عند ربه‪َ :‬فل َتْعَلُم َنْف ٌ‬
‫ن ﴾) (‪.‬‬ ‫جَزاًء ِبَما َكاُنوا َيْعَمُلو َ‬ ‫ن َ‬ ‫عُي ٍ‬
‫ُقّرِة َأ ْ‬
‫إن العبد إذا قام بهذا ترجم حسن الظن‪ ،‬إذًا حسن الظن هو حسن العبادة كما جاء ذلك في بعض الخبار‪ ،‬كما في جامع الترمذي ومسند المام أحمد من قال ‪ )) :‬حسن الظن‬
‫ث ‪ ρ‬أن النبي ‪τ‬حديث أبي هريرة ضعيف‪ ،‬إل أن الذي ل خلف فيه أن حسن الظن يثمُر صلح العمل ‪ ,‬وأذكر لكم شاهدًا ‪ )) :‬يقول‬ ‫من حسن العبادة ((‪ .‬لكن هذا حدي ٌ‬
‫ال تعالى ‪ :‬أنا ‪ρ‬لذلك من الحديث الذي سقناه في أول كلمنا‪ ،‬قال النبي عند ظن عبدي بي ((‪ .‬هذا خبر من رب العالمين أنه عند ظن العبد به سبحانه وبحمده‪ ،‬ثم ما الذي‬
‫ل ‪ )) :‬يقول ال تعالى ‪ :‬أنا عند ظن عبدي بي ‪ρ ,‬وأقسام الناس في العمل‪ ،‬فقال النبي وأنا معه إذا‬ ‫جاء بعد هذا؟ ما الذي ذكره ال جل وعل بعد هذا الخبر؟ إنه ذكر عم ً‬
‫ذكرني ((‪ .‬إن الذكر عمل وهو من أجل العمال ‪ ,‬ومن أعلى ما يكون من فضائل الطاعات ‪ ,‬وألوان المبرات التي يتقرب بها العبد إلى ال تعالى‪ )) :‬إذا ذكرني في نفسه‬
‫ذكرته في نفسي ‪ ,‬وإذا ذكرني في مل ذكرته في مل خير منه ((‪ .‬ثم يقول ال تعالى في هذا الحديث اللهي في بيان تفاوت سعي الناس إلى ربهم‪ ،‬يقول ال تعالى ‪ )) :‬من‬
‫عا ‪ ,‬ومن أتاني يمشي أتيته هرولة ((‪ .‬إًذا هنا تفاوت الناس في العمل بناًء على أي شيء يا أحبابي؟‬ ‫عا تقربت إليه با ً‬ ‫عا ‪ ,‬ومن تقرب إلي ذرا ً‬ ‫تقرب إلي شبًرا تقربت إليه ذرا ً‬
‫بناًء على اختلفهم في حسن ظنهم بال‪ :‬من أحسن ظنه بال خرج من ماله وولده وأهله ل رب العالمين يرجو رحمته‪ ،‬يطلب مراضي ال تعالى مظانها ‪ ،‬يصدق في طلب‬
‫شر بعاقبة حميدة؛لنه أحسن الظن بربه فأحسن العمل ‪.‬‬ ‫فضل ال جل وعل‪ ،‬هذا هو الصادق‪ ،‬هذا هو الذي َيْب ِ‬
‫طا ول تقصيًرا‪ ،‬إن من ظن أن حسن الظن يعني السراف على النفس بالمعاصي فقد‬ ‫إن حسن العمل من حسن الظن بال تعالى‪ ،‬ل يمكن أن يثمر حسن الظن بال تفري ً‬
‫أخطأ‪ ،‬وهذا لبس ل بد من كشفه وخلط ل بد من تمييزه ‪ ,‬وذلك أن حسن الظن يقترن بحسن العمل‪ ،‬فمن ظن أن حسن الظن يقترن بإساءة العمل فقد َأْبَعَد النجعة‪:‬‬
‫ق ومغّر ِ‬
‫ب‬ ‫ن بين مشّر ٍ‬ ‫سارت مشرقًة وسار مغرًبا شتا َ‬
‫إن حسن الظن بال تعالى يحمل العبد يا إخواني على الجتهاد في طاعة ال تعالى‪ ،‬أما الغترار وسوء الظن بال تعالى فيحمله على الجتراء على حقوقه‪ ،‬على انتهاك‬
‫حرمات ال تعالى ‪ ,‬على تعدي حدوده‪ ،‬يدعو إلى البطالة والنهماك في ألوان المعاصي ‪.‬‬
‫قال سعيد بن جبير ‪ -‬رحمه ال ‪ -‬وهو من أئمة التابعين ‪ " :‬من الغترار بال المقام على الذنب ورجاء الغفران "‪ .‬صدق! إن من الغترار بال تعالى أن تقيم على الذنب‬
‫وتصر عليه ثم تقول‪ :‬سيغفر لي ربي‪ .‬إن هذا من الغترار به جل وعل ‪.‬‬
‫ل إل من حله ‪ ,‬ولم يضعه ‪ρ‬وسلم‪،‬فماذا كان عمله ؟‬ ‫وقد قال بعض أهل العلم رحمهم ال‪ :‬ما كان أحٌد أحسن ظّنا بال تعالى من رسوله صلى ال عليه وعلى آله ما أخذ ما ً‬
‫كيف كان حاله ؟ إنه إل حيث أمره ربه جل وعل‪ ،‬كان مراقًبا أمر ال تعالى في قيامه وقعوده‪ ،‬في سائر شأنه صلى ال عليه وعلى آله وسلم‪ ،‬نعم لقد كان صلى ال عليه‬
‫وعلى آله وسلم أحسن الناس ظّنا بربه سبحانه وبحمده ‪ ،‬ومع ذلك كان يقوم حتى تتورم قدماه ‪ -‬بأبي وهو ‪- τ .‬كما في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ‪ρ‬وأمي‬
‫يا ناظًرا يرنو بعيني راقِد‬
‫تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي‬
‫ونسيت أن ال أخرج آدًما‬
‫ومشاهًدا للمر غير ُمشاِهِد‬
‫دْرك الجنان بها وفوز العائِد‬
‫ب واحِد‬ ‫منها إلى الدنيا بذن ٍ‬

‫ظَلْمَنا‬
‫ل َقال َرّبَنا َ‬
‫جَرِة َوَأُق ْ‬
‫شَ‬‫ن ِتْلُكَما ال ّ‬
‫عْ‬
‫جّنِة َوَناَداُهَما َرّبُهَما َأَلْم َأْنَهُكَما َ‬
‫ق اْل َ‬
‫ن َوَر ِ‬
‫عَلْيِهَما ِم ْ‬
‫ن َ‬
‫صَفا ِ‬
‫خ ِ‬ ‫طِفَقا َي ْ‬
‫سْوءاُتُهَما َو َ‬ ‫ت َلُهَما َ‬ ‫جَرَة َبَد ْ‬‫شَ‬ ‫يقول ال رب العالمين‪َ :‬فَلّما َذاَقا ال ّ‬
‫سِري َ‬
‫ن‬ ‫خا ِ‬‫عُدّو )‪∃ (1‬اْل َ‬ ‫ض َ‬ ‫ضُكْم ِلَبْع ٍ‬ ‫طوا َبْع ُ‬‫ل اْهِب ُ‬
‫ن َقا َ‬‫ن ِم َ‬‫حْمَنا َلَنُكوَن ّ‬
‫ن َلْم َتْغِفْر َلَنا َوَتْر َ‬
‫سَنا َوِإ ْ‬
‫ن َأْنُف َ‬
‫عُدّو ُمِبي ٌ‬ ‫ن َلُكَما َ‬
‫طا َ‬
‫شْي َ‬ ‫∃َلُكَما ِإ ّ‬
‫ن ال ّ‬
‫ب واحد ‪.‬‬ ‫تذكر هذا عند كل إساءة‪ ،‬فإن ال قد أخرج آدم بسبب ذن ٍ‬
‫ونسيت أن ال أخرج آدمًا‬
‫منها إلى الدنيا بذنب واحِد‬

‫قال خلف بن تميم‪ :‬قلت لعلي بن بكار وهو من السلف الصالحين ‪ ":‬ما حسن الظن بال؟ عرف لي حسن الظن بال ما هو ؟ " ‪.‬‬
‫قال رحمه ال ‪ " :‬حسن الظن بال‪ :‬ل يجمعك والفجار دار واحدة "‪ .‬هذا هو حسن الظن بال‪ :‬أل تجتمع مع من عصى ال تعالى‪ ،‬أل تكون معهم‪ ،‬فكيف بموافقتهم في‬
‫أعمالهم ؟ كيف بمجاراتهم على سائر حالهم ؟ فإن حسن الظن بال يجب أن يقترن بالخوف منه سبحانه وبحمده حتى ل يفضي إلى الغرور ‪ ,‬ولذلك كل حسن ظن ليس معه‬
‫خوف فهو غرور ‪.‬‬
‫ن ظنه بال عز وجل ثم ل يخاف فهو مخدوع "‪ .‬ل بد إذا كان هناك حسن ظن بال تعالى ل بد أن تخاف ال تعالى؛ لنه‬ ‫سَ‬‫حُ‬‫يقول أبو سليمان الداراني رحمه ال ‪ " :‬من َ‬
‫ك اْلَكِريِم ﴾) ( وهذا خطاب لكل إنسان ‪ .‬يقول بعض‬
‫ك ِبَرّب َ‬
‫غّر َ‬
‫ن َما َ‬
‫سا ُ‬
‫لن َ‬
‫جل وعل شديد العقاب‪ ،‬وقد قال ال جل وعل معاتًبا أقواًما‪ ،‬فقال سبحانه وتعالى ‪َ ﴿:‬يا َأّيَها ا ِ‬
‫الناس ‪:‬كرمه‪ ،‬إن الذي غره كرم ال تعالى قد غره الغرور‪ ،‬فإن كرم ال له أسباب وله موجبات‪ ،‬من تعرض لهذه السباب أدركها ‪ ,‬ومن غفل عنها فاتت عنه ‪ ,‬ولذلك ل‬
‫ل ‪ ،‬بل الواجب عليه أن يسعى ‪ ,‬وأن يجتهد في التعرض لسباب هذه الرحمة‪ ،‬التعرض لسباب هذا الفضل ‪.‬‬ ‫صل العبد بالغترار بالكرم إل خبا ً‬
‫ُيح ّ‬
‫حسن الظن بال تعالى أيها الحباب يثمر في القلب صدق التوكل على ال جل وعل‪:‬‬
‫أحسن الظن بمن قد عودك‬
‫إن من قد كان يكفيك الذي‬
‫كل إحسانٍ وسوى أودك‬
‫كان بالمس سيكفيك غدك‬

‫صا وتروح بطاًنا ‪ ،‬تذهب في أول النهار فارغة جائعة ‪ ،‬ليس في أجوافها شيء‪ ،‬ثم تروح‬ ‫فنعم المولى ونعم النصير إذا صدقنا مع ال رزقنا كما يرزق الطير تغدو خما ً‬
‫وترجع في آخر النهار شبعى من فضل ال وإحسانه ومنه وكرمه جل وعل ‪.‬‬
‫إن من أعظم أسباب التوكل على ال جل وعل حسن الظن به عز وجل‪ ،‬فمن أحسن الظن به عز وجل فإنه يصدق عليه أنه قد توكل على ال تعالى ‪.‬‬
‫ل لفضل ربه حسن الظن به جل وعل " ‪ .‬فالعبد الذي يحسن الظن بال تعالى‬ ‫يقول ابن القيم رحمه ال ‪ " :‬يكون الراجي – أي المحسن ظنه بربه – دائًما راغًبا راهًبا مؤم ً‬
‫غًنى ل نظير له‪ ،‬يقول الشاعر رحمه ال ‪:‬‬ ‫ويصدق في رجائه سبحانه وبحمده قد اغتنى ِ‬
‫ي فحسن الظن بال ماُله‬
‫غن ّ‬
‫عزيٌز فصنع ال من حوله جنُد‬

‫إن حسن الظن بال تعالى يثمر أيها الحباب مكارم الخلق‪ ،‬يثمر طيب الخصال ‪.‬‬
‫وقد قال ابن عباس ‪ -‬رحمه ال ورضي عنه ‪ : -‬الجبن والبخل والحرص غرائز سوٍء يجمعها كلها سوء الظن بال تعالى ‪ ،‬فإنه من أحسن الظن بال تعالى ورجا ثوابه‬
‫سبحانه وبحمده ‪ ,‬وأيقن أن الجر عليه كان محسًنا لعمله‪ ،‬مسابًقا إلى طاعة ربه‪ ،‬يرقب ال في كل عمل‪ ،‬إنما يرجو ال تعالى ل يرجو غيره‪ ،‬كما قال ال تعالى في وصف‬
‫عَلى‬
‫لْ‬
‫جِه َرّبِه ا َْ‬
‫ل اْبِتَغاَء َو ْ‬
‫ن ِإ ّ‬
‫عْنَدُه ِم ْ‬
‫حٍد ِ‬
‫لَ‬‫شُكورًا ﴾) (‪ ,‬وكما قال ال تعالى في وصف الصديق ‪َ :‬وَما َِ‬
‫جَزاًء َول ُ‬
‫ل ل ُنِريُد ِمْنُكْم َ‬
‫جِه ا ِّ‬
‫طِعُمُكْم ِلَو ْ‬
‫عبادة البرار ‪ِ :‬إّنَما ُن ْ‬
‫شُكورًا ﴾‪ .‬ومن كان كذلك فإنه‬ ‫جَزاًء َول ُ‬ ‫جَزى وعمله‪ ،‬ذهابه مجيئه‪ ،‬إنفاقه‪ ،‬قيامه قعوده‪ ،‬كلمه صمته‪ ،‬كله ل جل وعل‪ ،‬ل يرجو من الناس َ‬ ‫﴾) (‪ .‬فسعيه وكده ∃ِنْعَمٍة ُت ْ‬
‫سيخلف ال عليه خيًرا عظيًما يعطي عطاء من ل يخاف الفقر؛ لثقته ‪ ,ρ‬ويبلغه دّرا كبيًرا ‪ ,‬وقد كان رسول ال بما عند ربه جل وعل ‪.‬‬
‫‪ ρ‬فسأله غنًما بين جبلين‪ ،‬فقال النبي ‪ρ‬جاء رجل إلى النبي ‪)):‬خذها((‪ .‬أعطاه إياها ‪ ،‬فذهب هذا الرجل إلى قومه فقال ‪ " :‬أي قوم أسلموا‪ ،‬فوال إن محمًدا ليعطي عطاًء‬
‫ق فيها إل ما يرجوه من فضله وإحسانه سبحانه وبحمده ‪.‬‬ ‫ما يخاف الفقر"‪ .‬إنه قد وثق فيما عند ربه جل وعل فامتدت يده بالسخاء‪ ،‬ولم يب َ‬

‫سا َ‬
‫ن‬ ‫لن َ‬
‫خَلْقَنا ا ِ‬
‫حسن الظن بال تعالى أيها الخوة يثمر الرضا بقضاء ال وقدره‪ ،‬إن العبد في هذه الدنيا ل يمكن أن يسلم من المكدرات والمنغصات‪ ،‬قد قال ال تعالى ‪َ :‬لَقْد َ‬
‫ِفي َكَبٍد ﴾) (‪ .‬فالكبد ملحق لك‪ ،‬الغصص والقذار والكدار وأنواع المؤلمات تحيط بك من كل جانب‪ ،‬لكن ما الذي يعينك على تحمل هذه الهوال ؟ ما الذي ‪ρ‬يقوي قلبك‬
‫على الصبر على هذه الثقال؟ إنه حسن الظن بال تعالى‪ ،‬قد قال النبي فيما رواه المام مسلم في صحيحه من حديث صهيب ‪ )) :‬عجًبا لمر المؤمن! إن أمره كله له خير‪:‬‬
‫إن أصابته ضراء صبر فكان خيًرا له ‪ ,‬وإن أصابته سراء شكر فكان خيًرا له ((‪ .‬وهذا ل يكون إل بعظيم المل بال تعالى‪ ،‬وصدق الرجاء له سبحانه وتعالى‪ ،‬وحسن‬
‫الظن به سبحانه وبحمده ‪.‬‬

‫عاطف زكى‬
‫‪PM 08:46 ,04-13-2008‬‬
‫)‪(3‬‬
‫ن َمَع ∃كثيرة ‪ ,‬ولذلك قال ال‬ ‫حسن الظن بال تعالى أيها الحباب يثمر توقع الخير من إذا ضاقت به المور تلمس ألوان الفرج من أشياء‪‬ال تعالى ‪ ,‬ولذلك كان النبي ِإ ّ‬
‫سرًا ﴾) (‪ .‬وقد قال النبي يعجبه الفأل ‪ ,‬وهو الكلمة الحسنة يسمعها ‪ ،‬فهذا إنما هو‬ ‫سرًا ‪ )) :‬لن يغلب عسٌر ُيسرين ((‪ .‬وكان رسول ‪ρ‬اْلُع ْ‬
‫سِر ُي ْ‬ ‫سِر ُي ْ‬
‫ن َمَع اْلُع ْ‬
‫تعالى ‪ :‬فَِإ ّ‬
‫لصدق حسن ظنه بربه ‪ρ‬ال جل وعل ‪.‬‬
‫إن حسن الظن بال أيها الحباب يبدل المخاوف التي تحيط بقلوب الناس‪ ،‬إن النسان ل يخلو من أشياء يخافها ويرهبها‪ ،‬لكن إذا أحسن الظن بربه جل وعل ‪ ,‬وعلم أن ال‬
‫ل يضيع عمل عامل ‪ ,‬وأنه ل يخيب عبده إذا صدق معه فإن ذلك من أعظم ما وهو ابتداء الوحي‪ρ ،‬يعينه‪ .‬وانظر إلى موقف من أعظم المواقف التي مرت على النبي‬
‫ف عظيم‪ :‬رجل في خلء يأتيه ملك على هيئة عظيمة‪ ،‬على هيئة غريبة‪ ،‬يحدثه بحديث ليس له به عهد‪ ،‬وليس عنده منه خبر ‪ ،‬فيرجع إلى زوجته فيقول‪:‬‬ ‫فإنه موق ٌ‬
‫)) زملوني زملوني من شدة الهول‪ ،‬فماذا تقول له خديجة – رضي ال عنها –‪ ((‬يرجف فؤاده‪ ،‬ترجف بوادره لما أخبرها بخبر ما رأى؟ قالت له كلمات مليئة بحسن‬
‫الظن بال تعالى‪ )) :‬كل وال ل يخزيك ال أبًدا ((‪ .‬من أين هذا اليقين ؟ من أين هذا الجزم بأن ال ل يخزيه ؟ ‪ )):‬كل وال ل يخزيك ال أبًدا‪ :‬إنك لتصل الرحم ‪ρ ,‬بأن ال‬
‫ل يخزي محمدًا وتحمل الكل ‪ ,‬وتكسب المعدوم ‪ ,‬وتقري الضيف ‪ ,‬وتعين على نوائب الحق ((‪ .‬من كانت هذه حاله كيف يخذله ال ؟ كيف يخذله ربه جل وعل؟ إن ال ل‬
‫ن )‪. (1‬‬ ‫يخذل من كان على هذه الحال‪ ،‬وقد قال سبحانه وبحمده ‪َ :‬واْلَعاِقَبُة ِلْلُمّتِقي َ‬
‫ف اْلِميَعاَد )‪.(2‬‬
‫خِل ُ‬
‫ل ل ُي ْ‬
‫ن ا َّ‬
‫إن من حسن الظن بال تعالى أن يرقب العبد وعد ال تعالى ‪ ,‬وأن يصدق أن ما أخبر به سبحانه وبحمده ل بد أن يقع ‪ ,‬وقد قال جل وعل ‪ِ :‬إ ّ‬
‫فال سبحانه وتعالى ل يخلف ما وعده عباده‪ ،‬بل ما وعده عباده ترجمة لهذا وأنه صادر عن حسن الظن‪ρ ،‬ل بد أن يقع ول بد أن يأتي ‪ ,‬وقد بين النبي قال ‪ ،ρ )) :‬جاء‬
‫إلى النبي ‪τ‬وذلك فيما رواه البخاري في صحيحه من قصة خباب بن الرت وهو متوسد برَدُه في ظل الكعبة‪ ،‬قلنا‪ :‬أل تستنصر لنا؟ أل‪‬شكونا إلى رسول ال تدعو‬
‫لنا ؟ ((‪ .‬وهذا في حال كونهم بمكة‪ ،‬لما ضاقت بهم المور واشتدت عليهم الكروب‪ .‬لخباب ‪-‬وهي رسالة لكل أهل السلم‪ )) : -‬كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له ‪ρ‬فقال‬
‫النبي في الرض فيجعل فيها‪ ،‬فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين‪ ،‬ل يصده ذلك عن دينه ‪ .‬وكان ُيؤتى بأمشاط الحديد‪ ،‬فيمشط ما دون عظمه من لحم‬
‫وعصب‪ ،‬ل يصده ذلك عن هذا ‪ )) : ε‬وال ليتمن ال هذا المر – من أين يقول النبي ‪ρ‬دينه ((‪ .‬ثم قال النبي الكلم ؟ إنه يقوله لعظيم تصديقه لربه وحسن ظنه به ‪-‬‬
‫وال ليتمن ال هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل ال أو الذئب على غنمه‪ ،‬ولكنكم تستعجلون ((‪.‬‬
‫إن حسن الظن بال تعالى يثمر رجاء إجابة الدعاء‪ ،‬والجتهاد في سؤال ال تعالى ‪ ,‬ولذلك جاء الحث في السنة بل في الكتاب والسنة على الدعاء في أنه ينبغي للعبد إذا‬
‫سأل ال تعالى أن يعظم الرغبة ‪ρ‬مواضع عديدة‪ ،‬وبين النبي قال ‪ )) :‬ل يقولن ‪ ρ‬أن النبي ‪τ‬والجزم فيما يسأل‪ ،‬كما في الصحيح من حديث أبي هريرة أحدكم‪ :‬اللهم‬
‫ضا كما في رواية المام مسلم ‪ρ )) :‬قول عازٍم جازم‪ ،‬فإنه ل مكره له ‪ ,‬وقد قال ل يقل‬ ‫اغفر لي إن شئت ‪ ،‬اللهم ارحمني إن شئت‪ ،‬ليعزم المسألة ((‪ .‬أي ليقل ذلك أي ً‬
‫أحدكم‪ :‬اللهم اغفر لي إن شئت‪ ،‬ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة – يعني‪ :‬ليعظم ما يريد وما يسأل‪ ،‬ويصدق في الرغبة في ما عند ال تعالى‪ -‬فإن ال ل يتعاظمه شيء‬
‫أعطاه (( ‪.‬‬
‫جل وعل بيده الخير كله‪ ،‬ينفق كيف يشاء سبحانه وبحمده ‪.‬‬
‫إن العبد أيها الخوة الكرام ينبغي له أن يوقن أن ال تعالى إذا منعه إجابة دعائه ل يمنعه لفقر ول يمنعه لعجز ‪ ،‬فهو الغني الحميد ‪ ,‬وهو الذي على كل شيء قدير‪ ،‬إنما‬
‫يمنعه ما سأله من المسائل لمصلحته ‪ ،‬وال تعالى حكيٌم خبير في تربيته لعباده ‪ ,‬وفي إصلحه لهم ‪:‬‬
‫وإني لدعو ال حتى كأنني‬
‫ل صانُعْه‬ ‫أرى بجميل الظن ما ا ُ‬

‫أيها الحباب ‪ :‬إن العبد إذا صدق مع ال تعالى أدرك خيًرا كثيًرا وبّرا عظيًما‪ ،‬هذه أمور هي بعض ثمار حسن الظن بال تعالى ‪ ,‬وهي شذرات من ثمار حسن الظن بال‬
‫تعالى ‪ ,‬وإل فإن المر أعظم‪:‬‬

‫وما راٍء كمن سمعا‬

‫وليس الخبر كالعيان‪.‬‬


‫إن حسن الظن بال تعالى قد قام في حياة الناس في مواضع عديدة ‪ ,‬وترجمه ُأناس ُكُثر في حياتهم ‪ ,‬وعلى عجل نذكر شيئًا من ذلك ‪.‬‬
‫نماذج من حسن ظن المؤمنين بربهم جل وعل ‪:‬‬
‫ن َقْد آَم َ‬
‫ن‬ ‫ل َم ْ‬ ‫ك ِإ ّ‬‫ن َقْوِم َ‬ ‫ن ِم ْ‬ ‫ن ُيْؤِم َ‬‫من ذلك ما ذكره ال تعالى في قصة نوح ‪ :‬قصة نوح من القصص العظيمة في القرآن العظيم‪ ،‬فيها خبر ال تعالى عن وحيه لنوح‪َ :‬أّنُه َل ْ‬
‫ن )‪ .(1‬ثم أمره ال تعالى بأن يصنع سفينة‪ ،‬هل كان على ضفاف نهٍر ‪ ،‬أو على شاطئ بحٍر ؟ ل‪ ،‬إنه كان في صحراء قاحلة ليس عنده ماء‪،‬‬ ‫س ِبَما َكاُنوا َيْفَعُلو َ‬
‫َفل َتْبَتِئ ْ‬
‫ظَلُموا ِإّنُهْم‬ ‫ن َ‬ ‫طْبِني ِفي اّلِذي َ‬ ‫خا ِ‬ ‫ك ∃ُت َ‬ ‫صَنُع اْلُفْل َ‬
‫حِيَنا َول َوَي ْ‬ ‫عُيِنَنا َوَو ْ‬
‫ك ِبَأ ْ‬‫صَنِع اْلُفْل َ‬ ‫أمره ال بصنع السفينة فهل تلكأ أو تردد ؟ ل‪،‬إنه امتثل أمر ال جل وعل‪ ،‬قال ال تعالى‪َ :‬وا ْ‬
‫ن )‪ .(2‬ما الذي جعله يجيب بهذا الجواب ؟ حسن‬ ‫خُرو َ‬ ‫سَ‬‫خُر ِمْنُكْم َكَما َت ْ‬ ‫سَ‬‫خُروا ِمّنا َفِإّنا َن ْ‬ ‫سَ‬ ‫ن َت ْ‬‫ل ِإ ْ‬
‫خُروا ِمْنُه َقا َ‬ ‫سِ‬‫ن َقْوِمِه َ‬ ‫ل ِم ْ‬ ‫عَلْيِه َم ٌَ‬
‫ل لمر ال‪َ -‬وُكّلَما َمّر َ‬ ‫ن –امتثا ً‬ ‫ُمْغَرُقو َ‬
‫ن )‪. (4‬‬ ‫ن اْلَعاِقَبَة ِلْلُمّتِقي َ‬‫ف اْلِميَعاَد )‪ .(3‬وأنه جل وعل ل يظهر أعداءه على أوليائه و‪ِ ﴿:‬إ ّ‬ ‫خِل ُ‬‫ظنه بال وأنه ل ُي ْ‬
‫‪ :‬لما قابل قومه لم يأت بآية بينة ‪υ‬هود كما يقول أهل العلم‪ ،‬لم يأت بآية آفاقية أو أرضية أو معجزة تدل على صدقه‪ ،‬لكنه جاء ‪υ .‬بأمٍر قال أهل العلم‪ :‬هو آية هود‬
‫ن ُدوِنِه‬‫ن قال‪ِ -:‬م ْ‬ ‫شِرُكو َ‬ ‫شَهُدوا َأّني َبِريٌء ِمّما ُت ْ‬ ‫ل َوا ْ‬ ‫شِهُد ا َّ‬‫ل ‪-‬ثم ∃ِإّني ُأ ْ‬ ‫سوٍء‪-‬ماذا قال لهم؟‪َ -‬قا َ‬ ‫ض آِلَهِتَنا ِب ُ‬
‫ك َبْع ُ‬ ‫عَتَرا َ‬
‫لا ْ‬ ‫ل ِإ ّ‬‫ن َنُقو ُ‬ ‫ن هوًدا ِإ ْ‬ ‫قال لقومه لما قالوا له‪υ ﴿ :‬إ ّ‬
‫ن )‪ .(5‬إنه تحدى قومه كلهم أن ُيصيبُوه بسوء ‪ ،‬فعجزوا عن أن يصيبوه بسوء ‪ ,‬وذلك لعظيم اعتماده وحسن ظنه بربه‪ ،‬يقول ال جل وعل‬ ‫ظُرو ِ‬ ‫جِميعًا ُثّم ل ُتْن ِ‬ ‫َفِكيُدوِني َ‬
‫سَتِقيٍم )‪. (6‬‬ ‫ط ُم ْ‬ ‫صَرا ٍ‬ ‫عَلى ِ‬ ‫ن َرّبي َ‬ ‫صَيِتَها ِإ ّ‬
‫خٌذ ِبَنا ِ‬‫ل ُهَو آ ِ‬ ‫ن َداّبٍة ِإ ّ‬
‫ل َرّبي َوَرّبُكْم َما ِم ْ‬ ‫عَلى ا ِّ‬ ‫ت َ‬ ‫في قصة هود‪ِ :‬إّني َتَوّكْل ُ‬
‫إبراهيم عليه السلم ‪ :‬نموذج حي في بصدق ظنه بال تعالى ‪ ,‬وحسن ظنه به في مواضع ‪ρ‬كتاب ال تعالى وفي سنة النبي عديدة‪ ،‬من ذلك أن ال تعالى أمره بعد أن‬
‫ل لمر ال تعالى ثم تولى عنهم‪،‬‬ ‫رزقه بالولد أمره أن يأتي به إلى واٍد غير ذي زرع‪ ،‬ليس فيه زرع ول شجر ول أحد ‪ ،‬فوضع زوجته وابنه في هذا المكان الخالي امتثا ً‬
‫لحقته هاجر تقول له ‪ :‬كيف تتركنا في هذا الوادي الذي ليس فيه زرع ول شجر ول أحد ؟ وليس معها إل تمٌر وسقاٌء فيه ماء ‪ ،‬ثم قالت له‪ :‬يا إبراهيم كيف تتركنا في هذا‬
‫س ول شيء ؟ فقالت له ذلك مراًرا ‪ ,‬وهو ل يجيب خشية أن يلين أو أن يصيبه ما يصيبه‪ ،‬لكنها رحمها ال ورضي عنها قالت له ‪ -‬لما شاهدت‬ ‫الوادي الذي ليس فيه إن ٌ‬
‫ل أمرك بذلك ؟ هل ال أمرك بهذا؟ فأجابها عند تلك الساعة قال‪ :‬نعم‪ .‬فماذا قالت؟ إًذا ل ُيضيُعنا‪ ،‬إذا كان أمرك بذلك فهو لن‬ ‫إصراره على المضي فيما فعل‪ -‬قالت له ‪ :‬آ ُ‬
‫يضيعنا‪ .‬هذا هو حسن الظن بال يا إخواني‪ :‬أن يقدم العبد على طاعة ال فيما يحب وفيما يكره ‪ ,‬وأن يعلم أن العاقبة ل تعالى‪ ،‬وأن ال ل يضيع عمله ‪ ,‬وأنه ل يخيب‬
‫عبده ‪ ,‬وأنه ل يخيب الرجاء ولو طال النتظار‪ ،‬فإن العاقبة للمتقين وال ل يخلف الميعاد ‪.‬‬
‫عَلى‬ ‫ن َ‬ ‫سَتَعا ُ‬
‫ل اْلُم ْ‬‫ل َوا ُّ‬ ‫جِمي ٌ‬‫صْبٌر َ‬ ‫‪ :‬سنين متطاولة ‪υ‬يعقوب ‪ ،‬فماذا كان يردد طوال هذه السنوات ‪υ‬يبكي ابنه ويطلب لقاءه لما ذهب عنه يوسف الطويلة؟ كان يردد‪َ :‬ف َ‬
‫سوا‬ ‫خيِه َول َتْيأَ ُ‬ ‫ف َوَأ ِ‬ ‫س َ‬‫ن ُيو ُ‬ ‫سوا ِم ْ‬ ‫سُ‬ ‫حّ‬ ‫ي اْذَهُبوا َفَت َ‬‫صُفونَ )‪ .(1‬ثم لما شاهد نعمة ال ‪ ,‬وأدرك ما علمه قبل ذلك من أنه ل بد أن يلتقي بيوسف ماذا قال لبنيه؟ قال‪َ :‬ياَبِن ّ‬ ‫َما َت ِ‬
‫سَتْغِفُر َلُكْم َرّبي ِإّنُه‬ ‫ف َأ ْ‬
‫سْو َ‬ ‫ل َ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫طِئي َ‬‫خا ِ‬ ‫ن )‪ . (2‬ثم لما شهده ولقيه قال له ∃بنوه‪َ :‬يا َأَباَنا ا ْ‬
‫سَتْغِفْر َلَنا ُذُنوَبَنا ِإّنا ُكّنا َ‬ ‫ل اْلَقْوُم اْلَكاِفُرو َ‬ ‫ل ِإ ّ‬
‫ح ا ِّ‬‫ن َرْو ِ‬ ‫س ِم ْ‬‫ل ِإّنُه ل َيْيَأ ُ‬
‫ح ا ِّ‬
‫ن َرْو ِ‬ ‫ِم ْ‬
‫حيُم أظهر حسن الظن بال تعالى في مواضع عديدة من هذه القصة‪ ،‬ينبغي‪ .(υ (3‬إًذا يعقوب أن نتأمل هذه المواضع وأن نقف عندها ‪.‬‬ ‫ُهَو اْلَغُفوُر الّر ِ‬
‫حا ُ‬
‫ب‬ ‫صَ‬‫ل َأ ْ‬ ‫ن َقا َ‬ ‫جْمَعا ِ‬‫‪ :‬يتبعه فرعون في جمٍع عظيم ‪ ,‬وهو ‪υ‬موسى مع قومه ليس معهم قوة ول قدرة على مقابلة هذا‪ ،‬فماذا يقول لما َتَراَءى الجمعان؟ َفَلّما َتَراَءى اْل َ‬
‫ن )‪ .(4‬هذا ل يكون إل بعظيم حسن الظن بال تعالى ‪ ،‬فماذا جاء لما‬ ‫سَيْهِدي ِ‬ ‫ي َرّبي ∃ َ‬ ‫ن َمِع َ‬ ‫ل ِإ ّ‬
‫ل َك ّ‬ ‫ن ‪-‬أدركنا فرعون وقومه‪،‬فماذا كان من موسى؟‪َ -‬قا َ‬ ‫سى ِإّنا َلُمْدَرُكو َ‬ ‫ُمو َ‬
‫ظيِم )‪ .(5‬كالجبال يمر بينها بنو إسرائيل ‪.‬‬ ‫طْوِد اْلَع ِ‬ ‫ق َكال ّ‬ ‫ل ِفْر ٍ‬‫ن ُك ّ‬ ‫ق َفَكا َ‬ ‫حَر َفاْنَفَل َ‬‫ك اْلَب ْ‬
‫صا َ‬‫ب ِبَع َ‬ ‫ضِر ْ‬ ‫نا ْ‬ ‫سى َأ ِ‬ ‫حْيَنا ِإَلى ُمو َ‬‫صدق مع ربه وأحسن الظن به؟ جاء الفرج‪َ :‬فَأْو َ‬
‫إن حسن الظن بال تعالى يثمر ثماًرا عظيمة جليلة كبيرة ‪.‬‬
‫ولرسولنا صلى ال عليه وعلى آله وسلم ‪ :‬الِقْدح المعلى في حسن الظن بربه جل وعل ‪ ,‬وأخباره قد اشتهرت ‪ ,‬وسنته قد ملئت بشواهد حسن ظنه بال تعالى‪ ،‬ومن ذلك‬
‫على سبيل الختصار وعلى سبيل التنويه والشارة إلى ما كان عليه امتثل أمر ربه ‪ ρ‬من عظيم حسن ظنه بربه‪ ،‬موقفه يوم صلح الحديبية ‪ ،‬فإن النبي ‪ρ‬النبي لما رأى‬
‫الناس على خلف ما يريد‪ ،‬حيث إن الصحابة شق عليهم الصلح الذي كان بين النبي وبين المشركين ‪ ،‬فجاءه عمر بن الخطاب في من جاءه فقال له ‪ )) :‬يا رسول ال ‪ρ ،‬‬
‫ألسنا على الحق وهم على الباطل ؟ فقال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال‪ :‬أليس قتلنا في الجنة وقتلهم في النار ؟ قال ‪ :‬بلى ‪ .‬قال ‪ :‬فعلَم نعطي الدنية في ديننا؟ ((‪ .‬على أي شيء نوافق‬
‫‪ρ‬على هذه الشروط التي فيها ذل لنا في ما يظهر ونزول بنا فيما يظهر؟ فقال النبي مجيًبا على إيراد عمر ‪ )) :‬إني رسول ال ‪ ,‬ولن يضيعني ال أبًدا ((‪ .‬هكذا يكون‬
‫حسن الظن بال تعالى ‪.‬‬
‫كثيرة‪ρ .‬شواهد هذا في سنة النبي‬
‫أختم بشاهد من سيرة كان من ‪ τ‬وتلقوا عنه‪ :‬الزبير بن العوام ‪ ρ‬الذين ترجموا هديه ‪ρ‬صحابة رسول ال ‪ ،‬كان في موقف صفين‪ ،‬التفت إلى ابنه فقال ‪τ " :‬كبراء‬
‫ل اليوم ‪ -‬أحس بدنو أجله ‪ -‬وإن من أكبر همي ديني " يعني أكبر ما‬ ‫الصحابة ‪ ,‬ومن المبشرين بالجنة يا ُبني ‪ ،‬إنه ل يقتل اليوم إل ظالم أو مظلوم ‪ ,‬وإني ُأراني مقتو ً‬
‫ل عندي‬ ‫ضا ‪ ,‬يعني أنا مث ً‬ ‫يهمني الدين الذي تحملت ‪ ,‬وهو أنه كان إذا جاءه أحد يريد أن يودع المال عنده قال ‪ " :‬ل ‪ .‬ليس وديعة‪ ،‬قرض " ‪ .‬فيأخذ ‪ τ‬أموال الناس قر ً‬
‫ضا الموقف الذي شعر فيه بدنو أجله‪ " :‬إن من أكبر‬ ‫ألف ريال أعطيها إياه وديعة ليحفظها‪ . ،‬فقال في ذلك ‪τ‬يقول‪ :‬ل‪ ،‬خشية التلف وخشية الهلك ‪ ،‬فيأخذها من الناس قر ً‬
‫همي لديني‪ ،‬أفترى ُيبقي ديُننا من مالنا شيئًا ؟ "‪ .‬يعني‪ :‬هل ُيغطي الدين المال الذي عندنا أو أنه يستوعب جميع المال ؟ فقال ‪ " :‬يا ُبني ِبع ما لنا فاقض ديني "‪ .‬وأوصاه‬
‫ن عجزت عنه في شيء من الدين فاستعن عليه‬ ‫بوصية‪ ،‬ثم قال له في جملة تلك الوصية وهو ُيخاطب ابنه عبد ال‪ ،‬قال عبد ال ‪ " :‬فجعل يوصيني بدينه ويقول ‪:‬يا بني‪ ،‬إ ْ‬
‫ت من مولك؟ " قال ‪ " :‬ال "‪ .‬انظروا الثقة بال تعالى وحسن الظن به جل وعل‪ .‬يقول عبد‬ ‫مولي "‪ .‬يقول عبد ال ‪ ":‬ما أدري من موله في تلك الساعة‪ ،‬فقلت له ‪ :‬يا أب ِ‬
‫ال ‪ " :‬فبعت الغابة ‪ ,‬وبعت دوًرا له رحمه ال ورضي عنه حتى أوفيت دينُه كلُه‪ ،‬ثم إنه بقي من المال بعد الدين شيء كثير وزعه على زوجاته وعلى أولده‪ ،‬حتى بلغ‬
‫حسن الظن بال تعالى ‪.‬‬ ‫نصيب بعض زوجاته مليون ‪ -‬ألف ألف ‪ ." -‬وهذا كله ب ُ‬
‫نسأل ال عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته الُعل أن يجعلنا وإياكم ممن أحسن الظن به ‪ ,‬وممن صدق في رجائه والعتماد عليه ‪.‬اللهم إّنا نسألك البر والتقوى ‪ ,‬ومن العمل‬
‫ما ترضى ‪ .‬اللهم أخلص قلوبنا لك ‪ ,‬واجعلنا من أوليائك وأحبابك‪ ،‬واصرف عنا السوء والشر ‪ ،‬إنك ولي ذلك والقادر عليه‪.‬‬
‫وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد‪.‬‬

You might also like