Professional Documents
Culture Documents
فقد أتت إليه امرأة ،وقالت له أدعو لي ربك أن يرزقني بالذرية ،فكان سيدنا
وبما أن سيدنا موسى عليه الصلة والسلم كليم ال ،كان رب العزة تبارك وتعالي
فحينما أتت إليه المرأة قال لها سيدنا موسى ،لقد سألت ال لك ،فقال ربي لي
وبعد سنة أتت إليه المرأة تطلبه مرة أخرى أن يسأل ال أن يرزقها الذرية ،فعاد
وبعد فترة من الزمن أتت المرأة الى سيدنا موسى وهي تحمل طفل
فسألها سيدنا موسى طفل من هذا الذي معك ،فقالت انه طفلي رزقني ال به
وإليك الدعاء
المبارك ،الحب إليك الذي اذا دعيت به أجبت ،وإذا استرحمت به رحمت ،وإذا
استفرجت به فرجت ،أن تجعلنا في هذه الدنيا من المقبولين والى أعلى درجاتك
سابقين ،واغفر لي ذنوبي وخطاياي وجميع المسلمين
اللهم اغفر لي وعافني واعف عني واهدني الى صراطك المستقيم وارحمني يا أرحم
اللهم اغفر للمسلمين جميعا الحياء منهم والموات وأدخلهم جناتك ،وأعزهم من
عذابك ،ولك الحمد ،وصلى اللهم على أشرف الخلق سيد المرسلين محمد صلى ال
صة ،فأجاب:
سِئل الشيخ عبدالرحمن السحيم -حفظه ال -عن هذه الق ّ
ُ
هو ِمن المْقَبول ِمن حيث المعنى ،ل ِمن حيث العمل به .
ل الِبّر .
ل َيِزيُد في الُعُمِر ِإ ّ
ل الّدعاُء َ ،و َ
ضاَء ِإ ّ
ل َيُرّد الَق َ
وفي الحديث َ :
وفي الحديث أيضا :الدعاء ينفع مما نـزل ومما لم ينـزل ،فعليكم عباد ال بالدعاء .
أما إْلزام الناس بإرسال هذه الرسالة َوجعلها في أعناق الناس ؛ فهذا ل َيجوز ِ ،لما فيه ِمن إْلزام الناس بأمٍر ليس ِبلزم .
حـُد
فسبحان مـن ل يقـدر الـخلق قـدره ومن هو فوق العرش فرٌد ُمَو ّ
ن لعزته تعـنو الوجـوُه وتسجـُد ك على عرش السماِء مهيم ٌ مـلي ٌ
ل﴾ ). (4
صا ِ
ل َ
ظلُلُهْم ِباْلُغُدّو َوا ْ
طْوعًا َوَكْرهًا َو ِ ض َ لْر ِ
ت َوا َْ
سَماَوا ِ
ن ِفي ال ّ
جُد َم ْ
سُل َي ْ
وقد قال جل وعل َ﴿ :و ِّ
ن﴾ .سؤال يبعث في القلب تعظيم الرب ،كما أنه يبعث في القلب حسن الظن بال الذي له المر كله جل وعل ،الذي ل يحسن العباد ول يحصي العباد ب اْلَعاَلِمي َ
ظّنُكْم ِبَر ّ
﴿َفَما َ
ثناًء عليه سبحانه وبحمده ،هذا السؤال يبعث في القلب حسن الظن بال جل وعل ،يبعث في القلب رجاء كل خيٍر من ِقَبلِه .
قال يحيى بن معاذ رحمه ال " :أوثق الرجاء رجاء العبد بربه ,وأحسن الظنون حسن الظن بال تعالى " .ولذلك يستحضر المؤمن هذه المعاني في أحوال الضعف ،كما
أنه ينبغي أن تكون منه على بال في أحوال القوة لكنه ما أحوجه إلى استحضار ذلك في أحوال الضعف .
يقول أبو العتاهية في آخر شعره الذي قاله قبل موته :
إلهي ل تعذبني فإني
فمالي حيلٌة إل رجائي
مقّر بالذي قد كان مني
لعفوك إن عفوت وحسن ظني
إن العبد يستصحب حسن الظن بال تعالى إذا عرف قدر الرب.
ل بك ؟ ما ظنك بربك وقد تركت حقه ؟ ما ظنك بربك وقد أقبلت عليه ؟ ما ظنك ل أجب عليه بينك وبين نفسك ،ما ظنك بربك ؟ ما هو فاع ٌ ن﴾ .سؤا ٌ ب اْلَعاَلِمي َ
ظّنُكْم ِبَر ّ
﴿َفَما َ
بربك الذي له الولى والخرة وله الحمد في السماوات والرض وهو الحكيم الخبير ؟ ما ،قال τفيما رواه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة ρظنك بال تعالى وقد
قال النبي )) :يقول ال تعالى :أنا عند ظن عبد بي (( .تنبه واستمع إلى خطاب ال ρالنبي جل وعل وهو يخبر عباده بأمر عظيم )) :أنا عند ظن عبدي بي ,وأنا معه
إذا ذكرني :إذا ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي (( رب العالمين يقول هذا لنا ويخاطبنا به كما نقل )) :وإذا ذكرني في مل ذكرته في مل خير منه .وإذا تقرب إلي عبدي
ب السماوات والرض،بقدر ما تقبل عليه بقدر ما عا ,وإذا أتاني يمشي أتيته هرولة (( .ال أكبر! ر ّ
عا تقربت إليه با ً ρرسول ال شبًرا تقربت إليه ذرا ً
عا ,وإذا تقرب ذرا ً
يكون لك ،فبقدر ما معك من الظن بربك وحسن المل في ما عنده جل وعل بقدر ما يكون ال جل وعل لك .
سل نفسك يا أخي ،سل نفسك :ما ظنك برب العالمين ؟ وابحث عن جواب لهذا السؤال الكبير ،فإن ال تعالى عند ظن عبده به ،من أحسن ظنه بال تعالى فليبشر ،فإن ال َ
تعالى ل يخيب ظن من أحسن الظن به ,ول يخيب من رجاه وأّمله .
أيها الحباب :إن ال تعالى عند ظن عبده به ،فهو جل وعل يعاملك على حسب ظنك به سبحانه وتعالى ،فهو سبحانه يفعل بالعبد ما يتوقعه منه من الخير والشر ،فأحسن
ظنك بال ,فكلما كان العبد حسن الظن بال تعالى ،حسن الرجاء فيما عنده ،حسن المل في ربه جل وعل كان ال له فيما أّمله وفيما ظنه وفيما رجاه ،فهو جل وعل ل
يضيع عمل عامل من ذكر أو أنثى .
ن شيًئا τقال ρابن مسعود بكلم النبي خيًرا من حسن ،ما أشبه كلم τقال عبد ال بن مسعود -فقيه الصحابة وبليغهم " : -والذي ل إله غيره ل يعطى عبٌد مؤم ٌ
الظن بال عز وجل ,والذي ل إله غيره ل يحسن عبٌد ظنه بال عز وجل إل أعطاه ال عز وجل ظنه ،ذلك بأن الخير كله في يديه سبحانه وبحمده" .
إن كان ل يرجوك إل محس ٌ
ن
عا
ب كما أمرت تضر ً أدعوك ر ّ
فبمن يلوُذ ويستجيُر المجرُم؟
فإذا رددت يِدي فمن ذا يرحُم؟
ل وإحسان ،وسعت رحمته كل شيء ,وإن ذلك يوجب على العبد حسن الظن بال تعالى . ربنا جل وعل ذو فض ٍ
ل الوجبات ,وقد أمر ال تعالى عباده بأن يحسنوا الظن به سبحانه وبحمده ،وذلك في مواضع عديدة، إن إحسان الظن بال تعالى أيها الحباب من أوكد الفرائض ,ومن أج ّ
ن﴾) .(1قال عكرمة مولى ابن عباس ,وهو من كبراء سِني َ
حِ ب اْلُم ْ
ح ّ ل ُي ِ
ن ا َّسُنوا ِإ ّ
حِ ل َول ُتْلُقوا ِبَأْيِديُكْم ِإَلى الّتْهُلَكِة َوَأ ْ ل ا ِّ
سِبي ِ
منها ما أمر ال تعالى به في قولهَ﴿ :وَأْنِفُقوا ِفي َ
ن﴾ أحسنوا الظن بال تعالى . سِني َ
حِب اْلُم ْح ّل ُي ِ ن ا َّسُنوا ِإ ّحِ التابعين المفسرين للقرآن ،قال في تفسير هذه الية :أحسنوا الظن بال .وذلك ترجمة لقول ال تعالى َ﴿ :وَأ ْ
ن َواْلُمَناِفَقا ِ
ت ب اْلُمَناِفِقي َ
ن مما يدل على وجوب إحسان الظن بال تعالى أن ال سبحانه وتعالى توعد الذين أساؤوا الظن به أشد وعيٍد ،فقال سبحانه وبحمده َ﴿ :وُيَعّذ َ ِإ ّ
صيرًا﴾).(2 ت َم ِ ساَء ْ جَهّنَم َو َعّد َلُهْم َ
عَلْيِهْم َوَلَعَنُهْم َوَأ َ
ل َب ا ُّ ض َغ ِ سْوِء َو َعَلْيِهْم َداِئَرُة ال ّ
سْوِء -ثم انظر عقوبة هؤلء !! َ - ن ال ّ ظّ ل َن ِبا ِّ
ظاّني َت ال ّشِرَكا ِ ن َواْلُم ْشِرِكي َ َواْلُم ْ
ت عقاب ول عذاب ول وعيد في القرآن كما جاء في سوء الظن بال تعالى ,ولذلك قال جماعة من أهل العلم :إن أعظم الذنوب عند ال تعالى إساءة يقول ابن القيم :لم يأ ِ
الظن به سبحانه وبحمده .
جل عليهم الحكم فقال :إنهم كفار ،قال ال سبحانه ن مما يدل على وجوب إحسان الظن بال تعالى أيها الحباب أن ال تعالى توعد الذين أساؤوا الظن به بالنار ،كما أنه س ّ إّ
ن اّلِذي َ
ن ظّ
ك َ ك -أي ظن أن السماوات والرض مخلوقة عبثًا ل غاية ول هدف،هذا الظن يقول ال جل وعلَ - :ذِل َ ل َذِل َطًض َوَما َبْيَنُهَما َبا ِلْر َ سَماَء َوا َْخَلْقَنا ال ّ
وبحمدهَ﴿ :وَما َ
ن الّناِر﴾).(1 ن َكَفُروا ِم َ ل ِلّلِذي َ
َكَفُروا َفَوْي ٌ
خذلن " . ن من ظن بال تعالى ما ل يليق به جل وعل فله النار ،نعوذ بال من ال ُ يقول المام الشنقيطي -رحمه ال تعالى -صاحب أضواء البيان " :تدل هذه الية على ًأ ّ
أيها الحباب :إن من أدلة وجوب حسن الظن بال تعالى ما جاء في قال -قبل موته بثلث ρ ،أن النبي τصحيح المام مسلم من حديث أبي الزبير عن جابر ρ )) :-
بثلثة أيام ،يقول ρقبل موت رسول ال ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بربه (( .وهذا يفيد أيها الحباب وجوب دوام حس الظن ،فإن النسان ما يدري ول يعلم :
)) ل يموتن أحدكم إل وهو يحسن الظن بربه ρمتى ينتهي أجله وينقضي عمره ،فقوله (( .يدل على وجوب دوام حسن الظن به سبحانه وبحمده ،فإنه ل يتمكن العبد أن
ل على وجوب يحسن الظن بال جل وعل في ساعٍة حرجة عند موته وقد أساء الظن به قبل ذلك ،بل إن المر بحسن الظن بال تعالى وعدم الموت إل على هذه الحال دلي ٌ
استصحاب حسن الظن به سبحانه وتعالى على كل حال ،فإنك على كل نفس يخرج منك ل تدري هل أنت على آخر أنفاسك ؟ أم بقي من أجلك شيء .
لما احتضر المام الشافعي رحمه ال كان في سياق الموت دخل عليه المزني -وهو من كبار تلميذه ,ومن أئمة الفقهاء -دخل على الشافعي رحمه ال ,وهو على هذه
ن مفارًقا ,ولعملي ملقًيا ,وبكأس المنية شارًبا ,وعلى ال
ل ,وللخوا ِ
الحال في حال الحتضار،فقال له " :كيف أصبحت؟ " فقال رحمه ال " :أصبحت عن الدنيا راح ً
وارًدا .فل أدري روحي تصير إلى الجنة فُأهنيها ،أم إلى النار فُأعزيها؟ " .ثم أنشأ أبياًتا فيها عظيم الرجاء وحسن الظن بربه ،يقول رحمه ال :
ولما قسا قلبي وضاقت مذاهبي
تعاظمني ذنبي فلما قرنته
ومازلت ذا عفٍو عن الذنب لم تزل
جعلت الرجا مني لعفوك سلما
بعفوك ربي كان عفوك أعظما
تجود وتعفو منة وتكرما
سلًما لدراك عفوك .جعلت الرجا مني لعفوك سلما :جعلت رجائي وحسن ظني بك ُ
تعاظمني ذنبي :يعني النسان تذكر هذا الذنب العظيم الذي أثقل كاهله .
ال أكبر تتلشى في جنب مغفرته وعفوه وبره الذنوب مهما عظمت )) :يا ابن آدم إنك لو لقيتني بقراب الرض خطايا ثم لقيتني ل تشرك بي شيًئا لغفرت ما كان منك ول
ُأبالي ((.
صا -أن يذكر العبد سعة إن مما ُيعين على هذا الستحضار لهذا المعنى في هذه الساعة الحرجة ,وهو حسن الظن بال تعالى -في دوام الحال ,وعند الحتضار خصو ً
رحمة ال تعالى ،إن من الناس من يذكر سعة رحمة ال فيكون حافًزا له على ألوان من المعصية ،وهذا غلط ،فإن رحمة ال ل بد لها من تعرض ،ول بد لها من
أسباب،وقد قال ال تعالى في رحمته :إنها قريبة من عباده المحسنين﴿:إن رحمت ال قريب من المحسنين﴾) ( .
أيها الحباب :إن من السلف من كان إذا حضره الموت تذكر رحمة ال تعالى ،وقال لمن حوله :ذكرونا بالرخص ،ذكرونا برحمة ال تعالى ،حتى يقبل على ال تعالى وقد
ب وهو في الموت أحسن ظنه بربه سبحانه وبحمده .قالτ :ويشهد لهذا المعنى ما رواه الترمذي وابن ماجه من طريق قتادة عن أنس بن مالك لهذا الشاب ρعلى شا ّ
في حال الحتضار ،فقال رسول الدخل النبي )) :كيف تجُدك ؟ (( يعني :ما هي حالك ؟ ما الذي في قلبك في هذه الساعة؟ )) فقال :وال يا رسول ال إني أرجو ال،
وإني أخاف ذنوبي (( .إني أرجو ال :أطمع فيما )) :ل يجتمعان في قلب عبد في ρعنده وأحسن الظن به ،وأخاف ذنوبي .فقال رسول ال مثل هذا الموطن إل أعطاه ال
ما يرجو ،وأّمنه مما يخاف(( .ذلك فضل ال يؤتيه من يشاء .
ما هو يا أحبابي معنى حسن الظن بال سبحانه وتعالى ؟ إن معنى حسن الظن بال هو رجاء كل خير من قبله سبحانه وبحمده .هو أن يؤمل العبد من ربه كل بر ,وكل
ن﴾) ( هو
جأَُرو َ
ضّر َفِإَلْيِه َت ْ
سُكُم ال ّ
ل ُثّم ِإَذا َم ّ
ن ا ِّ
ن ِنْعَمٍة َفِم َ
إحسان ،فهو رب كل نعمة ،هو صاحب كل إحسان ،هو صاحب كل سعة كما قال سبحانه وبحمده َ﴿ :وَما ِبُكْم ِم ْ
ف.
المؤمل في تحصيل المطالب ,وهو المؤمل في كشف كل كربٍة وكل خو ٍ
يا من ألوذ به فيما أؤمله
ل يجبر الناس عظًما أنت كاسره ومن أعوذ به فيما أحاذره
جاِبُرُه
ول يهيضون عظًما أنت َ
ال سبحانه وبحمده له الفضل والنعام ،إذا استحضر العبد هذه المعاني وأن كل نعمة من ال تعالى وكل خير منه راقب ذلك من جهته ،لم يلتفت يمنًة ول يسرة .
قال القاضي عياض في معنى حسن الظن بال " :أن ُيؤمل العبد أنه إذا استغفر غفر ال له ,وأنه إذا تاب قبل ال تعالى توبته ,وأنه إذا دعا ال تعالى أجابه إلى دعائه ,
وأنه إذا استكفى ال تعالى وطلب منه الكفاية كفاه ال سبحانه وبحمده " .بهذه الصفات يظهر حسن ظن العبد بربه .
أيها الحباب :ما الذي يزرع في قلوبنا حسن الظن بال تعالى ؟ ما الذي يزرع في قلوبنا حسن الظن به سبحانه وبحمده؟ إن أعظم ما يلقي في قلوبنا حسن الظن بال تعالى
عَلى﴾) .(2اقرأ كتاب ال جل وعل لْل ا َْ
ل اْلَمَث ُ
عوُه ِبَها﴾) (1سبحانه وبحمده ،وقد قال سبحانه وبحمدهَ﴿ :و ِّ
سَنى َفاْد ُ
حْسَماُء اْل ُ
لْ
ل ا َْ
أن نعرف ما له جل وعل من الكمالتَ﴿ :و ِّ
تجد أن كتاب ال تعالى مليٌء بصفاته ،مليٌء بالخبار عنه ،مليٌء بجميل أفعاله سبحانه وبحمده .اقرأ هذه المعاني ،فإنك كلما ازداد علمك بال تعالى ازداد حسن ظنك به،
فإن القلب الذي امتلت أرجاؤه بهيبة ال تعالى وسطع فيه نور اليمان ،وملئ بالتقوى والحسان ،وخالطته بشاشة اليمان والعلم بما ل تعالى من الكمالت ل يمكن أن
يسيء ظنه بال تعالى ،بل إنه ل يجُد إل إحسان الظن به سبحانه وتعالى :
الحمد ل ملء الكون أجمعه
ما كان منه وما من بعده يأتي
فالخير كله بيديه سبحانه وبحمده ،ل مانع لما أعطى ول معطي لما منع .إن أعظم ما يورث العبد حسن العمل وصدق الرغبة فيما عند ال تعالى وحسن الظن به أن يقرأ
أسماء ال تعالى وصفاته ،أن يطالع ما أخبر ال تعالى به عن نفسه ،فإن ذلك مما يمل قلبه بتعظيم ربه جل وعل .
ل شديًدا حتى بلغت ف كان للصحابة فيها الصحابة زلزا ً ل ψكتابه الحكيم عن موق ٍ يا إخواني :إن ال سبحانه وبحمده أخبر في في غزوة الحزاب وهي الغزوة التي ُزْلِز َ
القلوب الحناجر ودارت الظنون في القلوب ، ,انقسم ρواختلفت تلك الوهام وتلك الهواجس التي وردت على قلوب صحابة رسول ال الناس إلى فريقين ،فلما جاء
سوُلُه َوَما لُ َوَر ُقا ّ صَد َسوُلُه َو َ ل َوَر ُ عَدَنا ا ُّ
ب َقاُلوا َهَذا َما َو َحَزا َ لْ ن ا َْالحزاب منهم من فرح بمجيئهم وقال كما قال ال تعالى عن عباده المؤمنين َ﴿ :وَلّما َرأى اْلُمْؤِمُنو َ
سِليمًا ) .(3هؤلء أحسنوا الظن بال تعالى ,وإل فإن اجتماع العرب مع اليهود ،تحالف المشركين مع اليهود الذي حاصر رسول ال صلى ال عليه ل ِإيَمانًا َوَت ْ
َزاَدُهْم ِإ ّ
ظُنوَنا﴾
ل ال ّ ن ِبا ِّظّنو َجَر وََت ُحَنا ِ
ب اْل َ
ت اْلُقُلو ُ صاُر َوَبَلَغ ِ لْب َت ا َْ
غ ِ ل ِمْنُكْم َوِإْذ َزا َ سَف َ
ن َأ ْ
ن َفْوِقُكْم َوِم ْ جاُءوُكْم ِم ْ وعلى آله وسلم في السنة الخامسة في غزوة الحزاب أمٌر عظيمِ :إْذ َ
ق كبير لصحابة رسول ،لكنهم لما أتى الحزاب ألقى ال تعالى في قلوبهم السكينة ، ل عظيم ترتب عليه قل ٌ ) ( .أمٌر يزلزل القلوب قبل أن يزلزل البدان ،فهو أمر مهو ٌ
سِليمًا ﴾ .في سوُلُه َوَما َزاَدُهْم-هذا الكرب وهذه الشدة -إل ِإيَمانًا َوَت ْ ل َوَر ُ ق ا ُّصَد َ
سوُلُه َو َ ل َوَر ُ فقالوا لما ρال رأوا الحزاب قد اجتمعوا وتألبوا عليهم َ ﴿:قاُلوا َهَذا َما َو َ
عَدَنا ا ُّ
غُرورًا ﴾) ( .أي : سوُلُه ِإل ُ ل َوَر ُ
عَدَنا ا ُّ ض َما َو َ ن ِفي ُقُلوِبِهْم َمَر ٌ ن َواّلِذي َل اْلُمَناِفُقو َ
حين أن المنافقين لما أتى الحزاب ماذا قالوا؟ فرحوا بمجيئهم ،قال ال تعالى َ :وِإْذ َيُقو ُ
خسرًا . إل أماني ل يمكن إدراكها ،ل يمكن تحصيلها ،إنها أماني كاذبة ،هكذا ظنوا بربهم وظنوا بخبر ال تعالى ،فكان عاقبة أمرهم ُ
ن حسن الظن بال تعالى أيها الحباب يثمُر ثماًرا زكية ،له عوائد حميدة ،له آثاٌر جليلة على العبد ،فهو يثمُر طيب الخصال وكريم العمال ،يثمُر شيًئا كثيًرا يلحظ في إّ
قلب العبد وفي قوله وفي عمله .
نستعرض شيئًا من هذه الثمار التي يدركها العبد إذا أحسن ظنه بال تعالى ولحظ عظيم حق ال تعالى في إحسان الظن به:
إن حسن الظن بال تعالى يثمُر في قلب العبد تعظيم هذا الرب جل وعل ,والتعظيم أيها الخوة أمر جليل عليه تقوم العبادة ،فإن ال سبحانه وتعالى قد عاتب من صرف
ي شيٍء يحملكم ي شيٍء يحملكم على أن ل تعظموه جل وعل حق تعظيمه ،أ ّ ل َوَقارًا ﴾) ( .أي :أ ّ ن ِّجو َ العبادة لغيره ،من قصر في حقه ،فقال جل وعل َ :ما َلُكْم ل َتْر ُ
ق َقْدِرِه ﴾) (. حّل َ على أن ل تقدروه حق قدره؟ وقد قال جل وعل في مواضع عديدة من كتابه َ :وَما َقَدُروا ا َّ
إن من أحسن الظن بال تعالى سعى جهده في تعظيم ربه ,وانفرد في قلبه محبة ال تعالى ،فليس ل في قلبه مزاحم ،بل ربه قد مل قلبه ،فليس ل في قلبه مشارك ،ليس
ل واعتصاًما ،كل هذه المعاني يمتلئ بها قلب العبد عندما يحسن الظن بربه ،عندما يتعرف على هذا الرب ل وإنابًة ،توك ً في قلبه إل ال محبًة وتعظيًما ،خوًفا ورجاًء ،إجل ً
ب اْلَعاَلِمي َ
ن ن ِبَر ّ ن ∃َتْعُبُدو َ ل ُتِريُدو َ ن ا ِّظّنُكْم ∃ َأِئْفكًا آِلَهًة ُدو َ
الذي له الولى والخرة ,ولذلك بتعظيم ال تعالى قال تلك الكلمات النيرةَ :ماَذا υلما امتل قلب إبراهيم َفَما َ
﴾) ( .إن هذه الكلمات ،هذه اليات تضمنت من تعظيم ال تعالى الشيء الكثير ،فهذا خليل الرحمن يقول لبيه وقومه :أي شيء ظنكم برب العالمين؟ أشككتم فيه حتى تركتم
عبادته وصرفتم العبادة لمن سواه ؟! أو علمتم أي شيء هو حتى جعلتم له شريكًا من الصنام والوثان والكواكب وغيرها تعبدونه من دون ال تعالى ؟
إن العبد إذا غفل عن حسن الظن بربه تورط في سيئات عظيمة أعظمها الشرك بال تعالى ،يلي ذلك الغفلة التي تطبق على العبد فل يدري خيًرا ،ول يصيب بّرا؛ لنه ل
ن﴾) ( .إن ظاِلُمو َل ال ّ عّما َيْعَم ُ
ل َ غاِف ً ل َن ا َّ سَب ّ
حَ ل عنه ,ولذلك يقول ال تعالى في مواضع عديدة َ﴿ :ول َت ْ يحسن الظن بربه ،إنما قد أساء الظن بربه ,وظن أن ال تعالى غاف ٌ
هذه الية لم ترد إل في موضع واحد ،لكن معناها جاء في مواضع عديدة يخبر ال تعالى بعلمه عن كيد الكائدين ومكر الماكرين ,وذلك لن علم النسان بأن ال محيطٌ
بعمله من حسن ظنه بربه ،ومن غفل عن هذا وظن أنه يخفى على ال تعالى شيء من عمله لم يحسن الظن بربه ،وقد قال ال تعالى عن طائفة من الناسَ :وَما ُكْنُتْم
جُلوُدُكْم ﴾) ( .أي ما كنتم تتحفظون لما كنتم تعصون ال ،وتخالفون أمره ،ما كان هؤلء يتحفظون من أن يشهد عليهم صاُرُكْم َول ُ سْمُعُكْم َول َأْب َ عَلْيُكْم َ
شَهَد َ ن َي ْ
ن َأ ْ
سَتِتُرو َ َت ْ
سمعهم ،ول أبصارهم ،ول جلودهم ،ما أحد في حال معصيته يستتر عن جلده ،أين يفر ؟! هل يخرج من جلده؟ إنه ل يتمكن من ذلك ،ما هناك من يستتر من هذه
ن﴾ .هؤلء ظنوا أن ال ل ل َيْعَلُم َكِثيرًا ِمّما َتْعَمُلو َ ن ا َّظَنْنُتْم َأ ّ
ن َجُلوُدُكْم َوَلِك ْ
صاُرُكْم َول ُ سْمُعُكْم َول َأْب َعَلْيُكْم َ
شَهَد َ
ن َي ْ
ن َأ ْسَتِتُرو َ
المور ،يتحفظ من هذه المورَ :وَما ُكْنُتْم َت ْ
تعالى ل يعلم كثيًرا من أعمالهم فأساءوا العمل ،وهذا ثمرة سوء الظن بال تعالى .
إًذا ثمرة حسن الظن بال تعالى :أن يحفظ العبد ربه جل وعل في الغيب والشهادة ،أن يحفظه في المنشط والمكره ،أن يحفظه بين الناس وفي الخلوات ،هكذا يكون حسن
ن ﴾) (. سِري َ خا ِ
ن اْل َحُتْم ِم َصَب ْ ظَنْنُتْم ِبَرّبُكْم َأْرَداُكْم َفَأ ْ
ظّنُكُم اّلِذي َ الظن بال تعالى ،ولذلك قال ال تعالى معقًبا على ظن هؤلء الذين أساؤوا الظن به ،قال جل وعل َ﴿ :وَذِلُكْم َ
إن قوًما ذكر ال تعالى في كتابه أنهم أسرفوا على أنفسهم بتكذيب الرسل ،أسرفوا على أنفسهم بألوان المعاصي ،ثم إنهم مع هذه الساءة ظنوا أن ال ل يعلم ما يعملون،
ظّنوا َأّنُهْم جوا َو َ خُر ُ ن َي ْ
ظَنْنُتْم َأ ْ
شِر َما َ حْ ل اْل َ
لّو ِ ن ِدَياِرِهْم َِ ب ِم ْل اْلِكَتا ِ ن َأْه ِن َكَفُروا ِم ْ
ج اّلِذي َ
خَر َ
وأنه ل يعاقبهم على ما يكون منهم ،قال ال تعالى في سورة الحشر ُ﴿ :هَو اّلِذي َأ ْ
ل﴾) ( .أي :ظنوا أن هذه الحصون ستعصمهم من عقوبة ال تعالى ،ستعصمهم من أخذه ,وهل هذا حسن ظن بال تعالى الذي ل تخفى عليه خافية ، ن ا ِّ
صوُنُهْم ِم َح ُ َماِنَعُتُهْم ُ
الذي هو على كل شيء قدير ؟ الجواب :ل ،إّنه من أعظم إساءة الظن بال تعالى أن يظن العبد بربه هذا الظن السيئ .
إًذا من أحسن الظن بربه جل وعل كان ذلك من أعظم أسباب تعظيم ربه في قلبه ,وإذا قام في قلب العبد تعظيم ال تعالى فليبشر ،فإن تعظيم ال سيحجزه عن معصية ال
تعالى ،سيحمله على طاعة ال تعالى ،سيقوده إلى كل بر ،سيمنعه من كل شر .
حسن الظن بال تعالى يثمر صلح العمل ,وحسن الطاعة ل جل وعل .
طا ول غفلًة ول إسراًفا على النفس بألوان المعاصي والسيئات . إن حسن الظن بال تعالى أيها الحباب :ليس تفري ً
ض ﴾) (. لْر ُ ت َوا َْسَماَوا ُ ضَها ال ّ عْر ُ جّنٍة َن َرّبُكْم َو َ عوا ِإَلى َمْغِفَرٍة ِم ْ ساِر ُ جد في تحصيل فضل ال تعالى ,ولذلك قال ال تعالى َ﴿ :و َ إن حسن الظن بال تعالى هو المسابقة ,وال ِ
ن ﴾) ( السابقون إلى الطاعات والحسان هم السابقون إلى الفضائل والمكرمات في الدنيا والخرة . ساِبُقو َ ن ال ّساِبُقو َ
وقال سبحانه وتعالى َ :وال ّ
إًذا حسن الظن بال تعالى يحمل العبد على مزيد عمل؛ لنه يحسن الظن بربه أنه ل يضيع عمله ،أنه جل وعل ل يخلف الميعاد ،فيقوى طمعه فيما عند ربه ,ويعلم أنه ما
ي َلُهْم ِم ْ
ن خِف َس َما ُأ ْ يسجد ل سجدة إل وسيجد ثمرتها ،ما يقوم ل قومة إل وسيجد نتاجها ،ما يعبد ال تعالى في عبادة ول يتقدم بحسنة إل وسيجدها عند ربهَ :فل َتْعَلُم َنْف ٌ
ن ﴾) (. جَزاًء ِبَما َكاُنوا َيْعَمُلو َ ن َ عُي ٍ
ُقّرِة َأ ْ
إن العبد إذا قام بهذا ترجم حسن الظن ،إذًا حسن الظن هو حسن العبادة كما جاء ذلك في بعض الخبار ،كما في جامع الترمذي ومسند المام أحمد من قال )) :حسن الظن
ث ρأن النبي τحديث أبي هريرة ضعيف ،إل أن الذي ل خلف فيه أن حسن الظن يثمُر صلح العمل ,وأذكر لكم شاهدًا )) :يقول من حسن العبادة (( .لكن هذا حدي ٌ
ال تعالى :أنا ρلذلك من الحديث الذي سقناه في أول كلمنا ،قال النبي عند ظن عبدي بي (( .هذا خبر من رب العالمين أنه عند ظن العبد به سبحانه وبحمده ،ثم ما الذي
ل )) :يقول ال تعالى :أنا عند ظن عبدي بي ρ ,وأقسام الناس في العمل ،فقال النبي وأنا معه إذا جاء بعد هذا؟ ما الذي ذكره ال جل وعل بعد هذا الخبر؟ إنه ذكر عم ً
ذكرني (( .إن الذكر عمل وهو من أجل العمال ,ومن أعلى ما يكون من فضائل الطاعات ,وألوان المبرات التي يتقرب بها العبد إلى ال تعالى )) :إذا ذكرني في نفسه
ذكرته في نفسي ,وإذا ذكرني في مل ذكرته في مل خير منه (( .ثم يقول ال تعالى في هذا الحديث اللهي في بيان تفاوت سعي الناس إلى ربهم ،يقول ال تعالى )) :من
عا ,ومن أتاني يمشي أتيته هرولة (( .إًذا هنا تفاوت الناس في العمل بناًء على أي شيء يا أحبابي؟ عا تقربت إليه با ً عا ,ومن تقرب إلي ذرا ً تقرب إلي شبًرا تقربت إليه ذرا ً
بناًء على اختلفهم في حسن ظنهم بال :من أحسن ظنه بال خرج من ماله وولده وأهله ل رب العالمين يرجو رحمته ،يطلب مراضي ال تعالى مظانها ،يصدق في طلب
شر بعاقبة حميدة؛لنه أحسن الظن بربه فأحسن العمل . فضل ال جل وعل ،هذا هو الصادق ،هذا هو الذي َيْب ِ
طا ول تقصيًرا ،إن من ظن أن حسن الظن يعني السراف على النفس بالمعاصي فقد إن حسن العمل من حسن الظن بال تعالى ،ل يمكن أن يثمر حسن الظن بال تفري ً
أخطأ ،وهذا لبس ل بد من كشفه وخلط ل بد من تمييزه ,وذلك أن حسن الظن يقترن بحسن العمل ،فمن ظن أن حسن الظن يقترن بإساءة العمل فقد َأْبَعَد النجعة:
ق ومغّر ِ
ب ن بين مشّر ٍ سارت مشرقًة وسار مغرًبا شتا َ
إن حسن الظن بال تعالى يحمل العبد يا إخواني على الجتهاد في طاعة ال تعالى ،أما الغترار وسوء الظن بال تعالى فيحمله على الجتراء على حقوقه ،على انتهاك
حرمات ال تعالى ,على تعدي حدوده ،يدعو إلى البطالة والنهماك في ألوان المعاصي .
قال سعيد بن جبير -رحمه ال -وهو من أئمة التابعين " :من الغترار بال المقام على الذنب ورجاء الغفران " .صدق! إن من الغترار بال تعالى أن تقيم على الذنب
وتصر عليه ثم تقول :سيغفر لي ربي .إن هذا من الغترار به جل وعل .
ل إل من حله ,ولم يضعه ρوسلم،فماذا كان عمله ؟ وقد قال بعض أهل العلم رحمهم ال :ما كان أحٌد أحسن ظّنا بال تعالى من رسوله صلى ال عليه وعلى آله ما أخذ ما ً
كيف كان حاله ؟ إنه إل حيث أمره ربه جل وعل ،كان مراقًبا أمر ال تعالى في قيامه وقعوده ،في سائر شأنه صلى ال عليه وعلى آله وسلم ،نعم لقد كان صلى ال عليه
وعلى آله وسلم أحسن الناس ظّنا بربه سبحانه وبحمده ،ومع ذلك كان يقوم حتى تتورم قدماه -بأبي وهو - τ .كما في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ρوأمي
يا ناظًرا يرنو بعيني راقِد
تصل الذنوب إلى الذنوب وترتجي
ونسيت أن ال أخرج آدًما
ومشاهًدا للمر غير ُمشاِهِد
دْرك الجنان بها وفوز العائِد
ب واحِد منها إلى الدنيا بذن ٍ
ظَلْمَنا
ل َقال َرّبَنا َ
جَرِة َوَأُق ْ
شَن ِتْلُكَما ال ّ
عْ
جّنِة َوَناَداُهَما َرّبُهَما َأَلْم َأْنَهُكَما َ
ق اْل َ
ن َوَر ِ
عَلْيِهَما ِم ْ
ن َ
صَفا ِ
خ ِ طِفَقا َي ْ
سْوءاُتُهَما َو َ ت َلُهَما َ جَرَة َبَد ْشَ يقول ال رب العالمينَ :فَلّما َذاَقا ال ّ
سِري َ
ن خا ِعُدّو )∃ (1اْل َ ض َ ضُكْم ِلَبْع ٍ طوا َبْع ُل اْهِب ُ
ن َقا َن ِم َحْمَنا َلَنُكوَن ّ
ن َلْم َتْغِفْر َلَنا َوَتْر َ
سَنا َوِإ ْ
ن َأْنُف َ
عُدّو ُمِبي ٌ ن َلُكَما َ
طا َ
شْي َ ∃َلُكَما ِإ ّ
ن ال ّ
ب واحد . تذكر هذا عند كل إساءة ،فإن ال قد أخرج آدم بسبب ذن ٍ
ونسيت أن ال أخرج آدمًا
منها إلى الدنيا بذنب واحِد
قال خلف بن تميم :قلت لعلي بن بكار وهو من السلف الصالحين ":ما حسن الظن بال؟ عرف لي حسن الظن بال ما هو ؟ " .
قال رحمه ال " :حسن الظن بال :ل يجمعك والفجار دار واحدة " .هذا هو حسن الظن بال :أل تجتمع مع من عصى ال تعالى ،أل تكون معهم ،فكيف بموافقتهم في
أعمالهم ؟ كيف بمجاراتهم على سائر حالهم ؟ فإن حسن الظن بال يجب أن يقترن بالخوف منه سبحانه وبحمده حتى ل يفضي إلى الغرور ,ولذلك كل حسن ظن ليس معه
خوف فهو غرور .
ن ظنه بال عز وجل ثم ل يخاف فهو مخدوع " .ل بد إذا كان هناك حسن ظن بال تعالى ل بد أن تخاف ال تعالى؛ لنه سَحُيقول أبو سليمان الداراني رحمه ال " :من َ
ك اْلَكِريِم ﴾) ( وهذا خطاب لكل إنسان .يقول بعض
ك ِبَرّب َ
غّر َ
ن َما َ
سا ُ
لن َ
جل وعل شديد العقاب ،وقد قال ال جل وعل معاتًبا أقواًما ،فقال سبحانه وتعالى َ ﴿:يا َأّيَها ا ِ
الناس :كرمه ،إن الذي غره كرم ال تعالى قد غره الغرور ،فإن كرم ال له أسباب وله موجبات ،من تعرض لهذه السباب أدركها ,ومن غفل عنها فاتت عنه ,ولذلك ل
ل ،بل الواجب عليه أن يسعى ,وأن يجتهد في التعرض لسباب هذه الرحمة ،التعرض لسباب هذا الفضل . صل العبد بالغترار بالكرم إل خبا ً
ُيح ّ
حسن الظن بال تعالى أيها الحباب يثمر في القلب صدق التوكل على ال جل وعل:
أحسن الظن بمن قد عودك
إن من قد كان يكفيك الذي
كل إحسانٍ وسوى أودك
كان بالمس سيكفيك غدك
صا وتروح بطاًنا ،تذهب في أول النهار فارغة جائعة ،ليس في أجوافها شيء ،ثم تروح فنعم المولى ونعم النصير إذا صدقنا مع ال رزقنا كما يرزق الطير تغدو خما ً
وترجع في آخر النهار شبعى من فضل ال وإحسانه ومنه وكرمه جل وعل .
إن من أعظم أسباب التوكل على ال جل وعل حسن الظن به عز وجل ،فمن أحسن الظن به عز وجل فإنه يصدق عليه أنه قد توكل على ال تعالى .
ل لفضل ربه حسن الظن به جل وعل " .فالعبد الذي يحسن الظن بال تعالى يقول ابن القيم رحمه ال " :يكون الراجي – أي المحسن ظنه بربه – دائًما راغًبا راهًبا مؤم ً
غًنى ل نظير له ،يقول الشاعر رحمه ال : ويصدق في رجائه سبحانه وبحمده قد اغتنى ِ
ي فحسن الظن بال ماُله
غن ّ
عزيٌز فصنع ال من حوله جنُد
إن حسن الظن بال تعالى يثمر أيها الحباب مكارم الخلق ،يثمر طيب الخصال .
وقد قال ابن عباس -رحمه ال ورضي عنه : -الجبن والبخل والحرص غرائز سوٍء يجمعها كلها سوء الظن بال تعالى ،فإنه من أحسن الظن بال تعالى ورجا ثوابه
سبحانه وبحمده ,وأيقن أن الجر عليه كان محسًنا لعمله ،مسابًقا إلى طاعة ربه ،يرقب ال في كل عمل ،إنما يرجو ال تعالى ل يرجو غيره ،كما قال ال تعالى في وصف
عَلى
لْ
جِه َرّبِه ا َْ
ل اْبِتَغاَء َو ْ
ن ِإ ّ
عْنَدُه ِم ْ
حٍد ِ
لَشُكورًا ﴾) ( ,وكما قال ال تعالى في وصف الصديق َ :وَما َِ
جَزاًء َول ُ
ل ل ُنِريُد ِمْنُكْم َ
جِه ا ِّ
طِعُمُكْم ِلَو ْ
عبادة البرار ِ :إّنَما ُن ْ
شُكورًا ﴾ .ومن كان كذلك فإنه جَزاًء َول ُ جَزى وعمله ،ذهابه مجيئه ،إنفاقه ،قيامه قعوده ،كلمه صمته ،كله ل جل وعل ،ل يرجو من الناس َ ﴾) ( .فسعيه وكده ∃ِنْعَمٍة ُت ْ
سيخلف ال عليه خيًرا عظيًما يعطي عطاء من ل يخاف الفقر؛ لثقته ,ρويبلغه دّرا كبيًرا ,وقد كان رسول ال بما عند ربه جل وعل .
ρفسأله غنًما بين جبلين ،فقال النبي ρجاء رجل إلى النبي )):خذها(( .أعطاه إياها ،فذهب هذا الرجل إلى قومه فقال " :أي قوم أسلموا ،فوال إن محمًدا ليعطي عطاًء
ق فيها إل ما يرجوه من فضله وإحسانه سبحانه وبحمده . ما يخاف الفقر" .إنه قد وثق فيما عند ربه جل وعل فامتدت يده بالسخاء ،ولم يب َ
سا َ
ن لن َ
خَلْقَنا ا ِ
حسن الظن بال تعالى أيها الخوة يثمر الرضا بقضاء ال وقدره ،إن العبد في هذه الدنيا ل يمكن أن يسلم من المكدرات والمنغصات ،قد قال ال تعالى َ :لَقْد َ
ِفي َكَبٍد ﴾) ( .فالكبد ملحق لك ،الغصص والقذار والكدار وأنواع المؤلمات تحيط بك من كل جانب ،لكن ما الذي يعينك على تحمل هذه الهوال ؟ ما الذي ρيقوي قلبك
على الصبر على هذه الثقال؟ إنه حسن الظن بال تعالى ،قد قال النبي فيما رواه المام مسلم في صحيحه من حديث صهيب )) :عجًبا لمر المؤمن! إن أمره كله له خير:
إن أصابته ضراء صبر فكان خيًرا له ,وإن أصابته سراء شكر فكان خيًرا له (( .وهذا ل يكون إل بعظيم المل بال تعالى ،وصدق الرجاء له سبحانه وتعالى ،وحسن
الظن به سبحانه وبحمده .
عاطف زكى
PM 08:46 ,04-13-2008
)(3
ن َمَع ∃كثيرة ,ولذلك قال ال حسن الظن بال تعالى أيها الحباب يثمر توقع الخير من إذا ضاقت به المور تلمس ألوان الفرج من أشياءال تعالى ,ولذلك كان النبي ِإ ّ
سرًا ﴾) ( .وقد قال النبي يعجبه الفأل ,وهو الكلمة الحسنة يسمعها ،فهذا إنما هو سرًا )) :لن يغلب عسٌر ُيسرين (( .وكان رسول ρاْلُع ْ
سِر ُي ْ سِر ُي ْ
ن َمَع اْلُع ْ
تعالى :فَِإ ّ
لصدق حسن ظنه بربه ρال جل وعل .
إن حسن الظن بال أيها الحباب يبدل المخاوف التي تحيط بقلوب الناس ،إن النسان ل يخلو من أشياء يخافها ويرهبها ،لكن إذا أحسن الظن بربه جل وعل ,وعلم أن ال
ل يضيع عمل عامل ,وأنه ل يخيب عبده إذا صدق معه فإن ذلك من أعظم ما وهو ابتداء الوحيρ ،يعينه .وانظر إلى موقف من أعظم المواقف التي مرت على النبي
ف عظيم :رجل في خلء يأتيه ملك على هيئة عظيمة ،على هيئة غريبة ،يحدثه بحديث ليس له به عهد ،وليس عنده منه خبر ،فيرجع إلى زوجته فيقول: فإنه موق ٌ
)) زملوني زملوني من شدة الهول ،فماذا تقول له خديجة – رضي ال عنها – ((يرجف فؤاده ،ترجف بوادره لما أخبرها بخبر ما رأى؟ قالت له كلمات مليئة بحسن
الظن بال تعالى )) :كل وال ل يخزيك ال أبًدا (( .من أين هذا اليقين ؟ من أين هذا الجزم بأن ال ل يخزيه ؟ )):كل وال ل يخزيك ال أبًدا :إنك لتصل الرحم ρ ,بأن ال
ل يخزي محمدًا وتحمل الكل ,وتكسب المعدوم ,وتقري الضيف ,وتعين على نوائب الحق (( .من كانت هذه حاله كيف يخذله ال ؟ كيف يخذله ربه جل وعل؟ إن ال ل
ن ). (1 يخذل من كان على هذه الحال ،وقد قال سبحانه وبحمده َ :واْلَعاِقَبُة ِلْلُمّتِقي َ
ف اْلِميَعاَد ).(2
خِل ُ
ل ل ُي ْ
ن ا َّ
إن من حسن الظن بال تعالى أن يرقب العبد وعد ال تعالى ,وأن يصدق أن ما أخبر به سبحانه وبحمده ل بد أن يقع ,وقد قال جل وعل ِ :إ ّ
فال سبحانه وتعالى ل يخلف ما وعده عباده ،بل ما وعده عباده ترجمة لهذا وأنه صادر عن حسن الظنρ ،ل بد أن يقع ول بد أن يأتي ,وقد بين النبي قال ،ρ )) :جاء
إلى النبي τوذلك فيما رواه البخاري في صحيحه من قصة خباب بن الرت وهو متوسد برَدُه في ظل الكعبة ،قلنا :أل تستنصر لنا؟ ألشكونا إلى رسول ال تدعو
لنا ؟ (( .وهذا في حال كونهم بمكة ،لما ضاقت بهم المور واشتدت عليهم الكروب .لخباب -وهي رسالة لكل أهل السلم )) : -كان الرجل فيمن قبلكم يحفر له ρفقال
النبي في الرض فيجعل فيها ،فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه فيشق باثنتين ،ل يصده ذلك عن دينه .وكان ُيؤتى بأمشاط الحديد ،فيمشط ما دون عظمه من لحم
وعصب ،ل يصده ذلك عن هذا )) : εوال ليتمن ال هذا المر – من أين يقول النبي ρدينه (( .ثم قال النبي الكلم ؟ إنه يقوله لعظيم تصديقه لربه وحسن ظنه به -
وال ليتمن ال هذا المر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت ل يخاف إل ال أو الذئب على غنمه ،ولكنكم تستعجلون ((.
إن حسن الظن بال تعالى يثمر رجاء إجابة الدعاء ،والجتهاد في سؤال ال تعالى ,ولذلك جاء الحث في السنة بل في الكتاب والسنة على الدعاء في أنه ينبغي للعبد إذا
سأل ال تعالى أن يعظم الرغبة ρمواضع عديدة ،وبين النبي قال )) :ل يقولن ρأن النبي τوالجزم فيما يسأل ،كما في الصحيح من حديث أبي هريرة أحدكم :اللهم
ضا كما في رواية المام مسلم ρ )) :قول عازٍم جازم ،فإنه ل مكره له ,وقد قال ل يقل اغفر لي إن شئت ،اللهم ارحمني إن شئت ،ليعزم المسألة (( .أي ليقل ذلك أي ً
أحدكم :اللهم اغفر لي إن شئت ،ولكن ليعزم المسألة وليعظم الرغبة – يعني :ليعظم ما يريد وما يسأل ،ويصدق في الرغبة في ما عند ال تعالى -فإن ال ل يتعاظمه شيء
أعطاه (( .
جل وعل بيده الخير كله ،ينفق كيف يشاء سبحانه وبحمده .
إن العبد أيها الخوة الكرام ينبغي له أن يوقن أن ال تعالى إذا منعه إجابة دعائه ل يمنعه لفقر ول يمنعه لعجز ،فهو الغني الحميد ,وهو الذي على كل شيء قدير ،إنما
يمنعه ما سأله من المسائل لمصلحته ،وال تعالى حكيٌم خبير في تربيته لعباده ,وفي إصلحه لهم :
وإني لدعو ال حتى كأنني
ل صانُعْه أرى بجميل الظن ما ا ُ
أيها الحباب :إن العبد إذا صدق مع ال تعالى أدرك خيًرا كثيًرا وبّرا عظيًما ،هذه أمور هي بعض ثمار حسن الظن بال تعالى ,وهي شذرات من ثمار حسن الظن بال
تعالى ,وإل فإن المر أعظم: