You are on page 1of 807

‫مقدمة ابن خلدون‬

‫القسم الول من المقدمة في فضل علم التاريخ و تحقيق مذاهبه و اللماع لمككا يعككرض للمككؤرخين مككن المغككالط و ذكككر‬
‫شيىء من أسبابها ‪13.....................................................................................................................‬‬
‫القسم الثاني من المقدمة في فضل علم التاريخ و تحقيق مذاهبه و اللماع لمككا يعككرض للمككؤرخين مككن المغككالط و ذكككر‬
‫شيىء من أسبابها ‪18.....................................................................................................................‬‬
‫القسم الثالث من المقدمة في فضل علم التاريخ و تحقيق مذاهبه و اللماع لما يعككرض للمككؤرخين مككن المغككالط و ذكككر‬
‫شيىء من أسبابها‪28......................................................................................................................‬‬
‫الكتاب الول في طبيعة العمران في الخليقة و ما يعرض فيها من البككدو و الحصككر و التغلككب و الكسككب و‬
‫المعاش و الصنائع و العلوم و نحوها و ما لذلك من العلل و السباب‪44..........................................‬‬
‫الباب الول من الكتاب الول في العمران البشري على الجملة و فيه مقدمات‪52.................‬‬
‫المقدمة الثانية في قسط العمران من الرض و الشارة إلى بعض ما فيه من الشجار و النهار و القاليم‪55............‬‬
‫تكملة لهذه المقدمة الثانية في أن الربع الشمالي من الرض أكثر عمرانًا من الربع الجنوبي و ذكر السبب في ذلك‪60. .‬‬
‫القسم الول من تفصيل الكلم على هذه الجغرافيا‪64................................................................................‬‬
‫القسم الثاني من تفصيل الكلم على هذه الجغرافيا‪78................................................................................‬‬
‫القسم الثالث من تفصيل الكلم على هذه الجغرافيا‪91...............................................................................‬‬
‫المقدمة الثالثة في المعتدل من القاليم و المنحرف و تأثير الهواء في ألوان البشر و الكثير في أحوالهم‪100..............‬‬
‫المقدمة الرابعة في أثر الهواء في أخلق البشر‪104.................................................................................‬‬
‫المقدمة الخامسة في اختلف أحوال العمران في الخصب و الجوع و ما ينشأ عن ذلككك مككن الثككار فككي أبككدان البشككر و‬
‫أخلقهم‪106................................................................................................................................‬‬
‫المقدمة السادسة في أصناف المدركين من البشر بالفطرة أو الرياضة و يتقدمه الكلم في الوحي و الرؤيا‪111..........‬‬
‫و لنذكر الن تفسير حقيقة النبؤة على ما شرحه كثير من المحققين ثم نذكر حقيقة الكهانة ثم الرؤيا ثم شككان العرافيككن و‬
‫غير ذلك من مدارك الغيب فنقول‪115.................................................................................................‬‬
‫أصناف النفوس البشرية ‪118...........................................................................................................‬‬
‫الوحي ‪118.................................................................................................................................‬‬
‫الكهانة ‪120................................................................................................................................‬‬
‫الرؤيا ‪123.................................................................................................................................‬‬
‫فصل‪127...................................................................................................................................‬‬
‫فصل‪127...................................................................................................................................‬‬
‫فصل ‪137..................................................................................................................................‬‬
‫الباب الثاني في العمران البدوي و المم الوحشية و القبائل و ما يعرض في ذلك مككن الحككوال‬
‫و فيه فصول و تمهيدات الفصل الول في أن أجيال البدو و الحضر طبيعية ‪144................‬‬
‫الفصل الثاني في أن جيل العرب في الخليقة طبيعي ‪145..........................................................................‬‬
‫الفصل الثالث في أن البدو أقدم من الحضر و سابق عليه و أن البادية أصل العمران و المصار مدد لها ‪146...........‬‬
‫الفصل الرابع في أن أهل البدو أقرب إلى الخير من أهل الحضر ‪147...........................................................‬‬
‫الفصل الخامس في أن أهل البدو أقرب إلى الشجاعة من أهل الحضر ‪150....................................................‬‬
‫الفصل السادس في أن معاناة أهل الحضر للحكام مفسدة للبأس فيهم ذاهبة بالمنعة منهم ‪151..............................‬‬
‫الفصل السابع في أن سكنى البدو ل تكون إل للقبائل أهل العصبية ‪153.........................................................‬‬
‫الفصل الثامن في أن العصبية إنما تكون من اللتحام بالنسب أو ما في معناه ‪154.............................................‬‬
‫الفصل التاسع في أن الصريح من النسب إنما يوحد للمتوحشين في القفر من العرب و من في معناهم ‪155...............‬‬
‫الفصل العاشر في اختلط النساب كيف يقع ‪156...................................................................................‬‬
‫الفصل الحادي عشر في أن الرئاسة ل تزال في نصابها المخصوص من أهل المصبية ‪157................................‬‬
‫الفصل الثاني عشر في أن الرئاسة على أهل المصبية ل تكون في غير نسبهم ‪158...........................................‬‬
‫الفصل الثالث عشر في أن البيت و الشرف بالصالة و الحقيقة لهل المصبية و يكون لغيرهم بالمجاز و الشبه ‪160...‬‬
‫الفصل الرابع عشر في أن البيت و الشرف للموالي و أهل الصطناع إنما هو بمواليهم ل بأنسابهم ‪162..................‬‬
‫الفصل الخامس عشر في أن نهاية الحسب في العقب الواحد أربعة آباء ‪163...................................................‬‬
‫الفصل السادس عشر في أن المم الوحشية أقدر على التغلب ممن سواها ‪165................................................‬‬
‫الفصل السابع عشر في أن الغاية التي تجري إليها العصبية هي الملك ‪166....................................................‬‬
‫الفصل الثامن عشر في أن من عوائق الملك حصول الترف و انغماس القبيل في النعيم ‪168................................‬‬
‫الفصل التاسع عشر في أن من عوائق الملك المذلة للقبيل و النقياد إلى سواهم ‪169..........................................‬‬
‫الفصل العشرون ك في أن من علمات الملك التنافس في الخلل الحميدة و بالعكس ‪171.....................................‬‬
‫الفصل الحادي و العشرون في أنه إذا كانت المة وحشية كان ملكها أوسع ‪173...............................................‬‬
‫الفصل الثاني و العشرون في أن الملك إذا ذهب عن بعض الشعوب من أمة فل بد من عوده إلى شككعب أخككر منهككا مككا‬
‫دامت لهم العصبية ‪174..................................................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث و العشرون في أن المغلوب مولع أبككدًا بالقتككداء بالغككالب فككي شككعاره وزيككه و نحلتككه و سككائر أحككواله و‬
‫عوائده ‪176................................................................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع و العشرون في أن المة إذا غلبت و صارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء ‪177.........................‬‬
‫الفصل الخامس و العشرون في أن العرب ل يتغلبون إل على البسائط ‪178....................................................‬‬
‫الفصل السادس و العشرون في أن العرب إذا تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب ‪179..................................‬‬
‫الفصل السابع و العشرون في أن العرب ل يحصل لهم الملك إل بصبغة دينية من نبوة أو ولية أو أثر عظيم من الدين‬
‫على الجملة ‪180..........................................................................................................................‬‬
‫الفصل الثامن و العشرون في أن العرب أبعد المم عن سياسة الملك ‪181......................................................‬‬
‫الفصل التاسع و العشرون في أن البوادي من القبائل و العصائب مغلوبون لهل المصار ‪183............................‬‬
‫الباب الثالث من الكتاب الول في الدول العامة و الملك و الخلفة و المراتككب السككلطانية و مككا‬
‫يعرض في ذلك كله من الحوال و فيه قواعد و متممات‪184........................................‬‬
‫الفصل الول في أن الملك و الدولة العامة إنما يحصلن بالقبيل و العصبية ‪184..............................................‬‬
‫الفصل الثاني في أنه إذا استقرت الدولة و تمهدت فقد تستغني عن العصبية ‪184..............................................‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬في أنه قد يحدث لبعض أهل النصاب الملكي دولة تستغني عن العصبية ‪187................................‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬في أن الدولة العامة الستيلء العظيمة الملك أصلها الدين إما من نبوة أو دعوة حق ‪188.................‬‬
‫الفصل الخامس في أن الدعوة الدينية تزيد الدولة في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت لها من عددها ‪188.......‬‬
‫الفصل السادس في أن الدعوة الدينية من غير عصبية ل تتم ‪189................................................................‬‬
‫الفصل السابع في أن كل دولة لها حصة من الممالك و الوطان ل تزيد عليها ‪192...........................................‬‬
‫الفصل الثامن في أن عظم الدولة و اتساع نطاقها و طول أمدها على نسبة القائمين بها في القلة و الكثرة ‪194...........‬‬
‫الفصل التاسع في أن الوطان الكثرة القبائل و العصائب قل أن تستحكم فيها دولة ‪196......................................‬‬
‫الفصل العاشر في أن من طبيعة الملك النفراد بالمجد ‪198.......................................................................‬‬
‫الفصل الحادي عشر في أن من طبيعة الملك الترف ‪199..........................................................................‬‬
‫الفصل الثاني عشر في أن من طبيعة الملك الدعة و السكون ‪199................................................................‬‬
‫الفصل الثالث عشر في أنه إذا تحكمت طبيعة الملك من النفراد بالمجد و حصول الترف و الدعككة أقبلككت الدولككة علككى‬
‫الهرم ‪200..................................................................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع عشر في أن الدولة لها أعمار طبيعية كما للشخاص ‪203........................................................‬‬
‫الفصل الخامس عشر في انتقال الدولة من البداوة إلى الحضارة ‪205............................................................‬‬
‫الفصل السادس عشر في أن الترف يزيد الدولة في أولها قوة إلى قوتها ‪208...................................................‬‬
‫الفصل السابع عشر في أطوار الدولة و اختلف أحوالها و خلق أهلها باختلف الطوار ‪209..............................‬‬
‫الفصل الثامن عشر في أن آثار الدولة كلها على نسبة قوتها في أصلها ‪211....................................................‬‬
‫الفصل التاسع عشر في استظهار صاحب الدولة على قومه و أهل عصبيته بالموالي و المصطنعين ‪217................‬‬
‫الفصل العشرون في أحوال الموالي و المصطنعين في الدول ‪219...............................................................‬‬
‫الفصل الحادي و العشرون فيما يعرض في الدول من حجر السلطان و الستبداد عليه ‪221.................................‬‬
‫الفصل الثاني و العشرون في أن المتغلبين على السلطان ل يشاركونه في اللقب الخاص بالملك ‪222......................‬‬
‫الفصل الثالث و العشرون في حقيقة الملك و أصنافه ‪223.........................................................................‬‬
‫الفصل الرابع و العشرون في أن إرهاف الحد مضر بالملك و مفسد له في الكثر ‪224.......................................‬‬
‫الفصل الخامس و العشرون في معنى الخلفة و المامة ‪226.....................................................................‬‬
‫الفصل السادس و العشرون فى اختلف المة في حكم هذا المنصب و شروطه ‪227.........................................‬‬
‫الفصل السابع و العشرون في مذاهب الشيعة في حكم المامة‪234...............................................................‬‬
‫الفصل الثامن و العثسرون في انقلب الخلفة إلى الملك‪240.....................................................................‬‬
‫الفصل التاسع و العشرون في معنى البيعة ‪248.....................................................................................‬‬
‫الفصل الثلثون في ولية العهد ‪249...................................................................................................‬‬
‫الفصل الحادي و الثلثون في الخطط الدينية الخلفية ‪260........................................................................‬‬
‫الحسبة و السكة ‪268.....................................................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني و الثلثون في اللقب بأمير المؤمنين و إنه من سمات الخلفة و هو محدث منذ عهد الخلفاء ‪269..........‬‬
‫الفصل الثالث و الثلثون في شرح اسم البابا و البطرك في الملة النصرانية و اسم الكوهن عند اليهود ‪274..............‬‬
‫الفصل الرابع و الثلثون في مراتب الملك و السلطان و ألقابها ‪279.............................................................‬‬
‫ديوان العمال و الجبايات ‪289.........................................................................................................‬‬
‫ديوان الرسائل و الكتابة ‪292.........................................................................................................‬‬
‫الفصل الخامس و الثلثون في التفاوت بين مراتب السيف و القلم في الدول ‪305..............................................‬‬
‫الفصل السادس و الثلثون في شارات الملك و السلطان الخاصة به ‪306.......................................................‬‬
‫مقدار الدرهم و الدينار الشرعيين ‪312................................................................................................‬‬
‫الفساطيط و ا لسياج ‪317................................................................................................................‬‬
‫المقصورة للصلة و الدعاء في الخطبة ‪319.........................................................................................‬‬
‫الفصل السابع و الثلثون في الحروب و مذاهب المم و ترتيبها ‪321...........................................................‬‬
‫الفصل الثامن و الثلثون في الجباية و سبب قلتها و كثرتها ‪331.................................................................‬‬
‫الفصل التاسع و الثلثون في ضرب المكوس أواخر الدولة ‪333.................................................................‬‬
‫الفصل الربعون في أن التجارة من السلطان مضرة بالرعايا و مفسدة للجباية ‪334...........................................‬‬
‫الفصل الحادي و الربعون في أن ثروة السلطان و حاشيته إنما تكون في وسط الدولة ‪336.................................‬‬
‫الفصل الثاني و الربعون في أن نقص العطاء من السلطان نقص في الجباية ‪340............................................‬‬
‫الفصل الثالث و الربعون في أن الظلم مؤذن بخراب العمران ‪340.............................................................‬‬
‫الفصل الرابع و الربعون في أن الحجاب كيف يقع في الدول و في أنه يعظم عند الهرم ‪345...............................‬‬
‫الفصل الخامس و الربعون في انقسام الدولة الواحدة بدولتين ‪347..............................................................‬‬
‫الفصل السادس و الربعون في أن الهرم إذا نزل بالدولة ل يرتفع ‪349.........................................................‬‬
‫الفصل السابع و الربعون في كيفية طروق الخلل للدولة ‪350....................................................................‬‬
‫الفصل الثامن و الربعين فصل في اتسككاع الدولككة أول إلككى نهككايته ثككم تضككايقه طككورا بعككد طككور إلككى فنككاء الدولككة و‬
‫اضمحللها ‪354...........................................................................................................................‬‬
‫الفصل التاسع و الربعون في حدوث الدولة و تجددها كيف يقع ‪356...........................................................‬‬
‫الفصل الخمسون في أن الدولة المستجدة إنما تستولي على الدولة المستقرة بالمطاولة ل بالمناجزة ‪357..................‬‬
‫الفصل الحادي و الخمسون في وفور العمران آخر الدولة و ما يقع فيها من كثر الموتان و المجاعات ‪361...............‬‬
‫الفصل الثاني والخمسون في أن العمران البشري ل بد له من سياسة ينتظم بها أمره ‪362...................................‬‬
‫القسم الول من الفصل الثالث و الخمسون في أمر الفاطمي و ما يذهب إليه الناس في شأنه و كشف الغطككاء عككن ذلككك‬
‫القسم الول ‪372...........................................................................................................................‬‬
‫القسم الثاني من الفصل الثالث و الخمسون في أمر الفاطمي و ما يذهب إليه الناس في شأنه و كشف الغطككاء عككن ذلككك‬
‫القسم الثاني ‪386..........................................................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع و الخمسون في ابتداء الدول و المم و في الكلم على الملحم و الكشف عن مسمى الجفر ‪395..........‬‬
‫الباب الرابع من الكتاب الول في البلدان و المصار و سائر العمككران و مككا يعككرض فككي ذلكك‬
‫من الحوال و فيه سوابق و لواحق ‪411.................................................................‬‬
‫الفصل الول في أن الدول من المدن و المصار و أنها إنما توجد ثانية عن الملك ‪411......................................‬‬
‫الفصل الثاني في أن الملك يدعو إلى نزول المصار ‪412.........................................................................‬‬
‫الفصل الثالث في أن المدن العظيمة و الهياكل المرتفعة إنما يشيدها الملك الكثير ‪413........................................‬‬
‫الفصل الرابع في أن الهياكل العظيمة جدًا ل تستقل ببنائها الدولة الواحدة ‪415.................................................‬‬
‫الفصل الخامس فيما تجب مراعاته في أوضاع المدن و ما يحدث إذا غفل عن المراعاة ‪416...............................‬‬
‫الفصل السادس في المساجد و البيوت العظيمة في العالم ‪419.....................................................................‬‬
‫الفصل السابع في أن المدن و المصار بإفريقية و المغرب قليلة ‪429...........................................................‬‬
‫الفصل الثامن في أن المباني و المصانع في الملة السلمية قليلة بالنسبة إلى قدرتها و إلى من كان قبلها من الدول ‪.....‬‬
‫‪430‬‬
‫الفصل التاسع في أن المباني التي كانت تختطها العرب يسرع إليها الخراب إل في القل ‪431..............................‬‬
‫الفصل العاشر في مبادي الخراب في المصار ‪432................................................................................‬‬
‫الفصل الحادي عشر في أن تفاضل المصار و المدن في كثرة الرزق لهلهككا و نفككاق السككواق إنمككا هككو فككي تفاضككل‬
‫عمرانها في الكثرة و القلة ‪432.........................................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني عشر في أسعار المدن ‪436.............................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث عشر في قصور أهل البادية عن سكنى المصر الكثير العمران ‪438............................................‬‬
‫الفصل الرابع عشر في أن القطار في اختلف أحوالها بالرفه و الفقر مثل المصار ‪439..................................‬‬
‫الفصل الخامس عشر في تأثل ا لعقار و الضياع في المصار و حال فوائدها و مستغلتها ‪441............................‬‬
‫الفصل السادس عشر في حاجات المتمولين من أهل المصار إلى الجاه و المدافعة ‪442.....................................‬‬
‫الفصل السابع عشر في أن الحضارة في المصار من قبل ا لدول و أنها ترسخ باتصال الدولة ورسوخها ‪443..........‬‬
‫الفصل الثامن عشر في أن الحضارة غاية العمران و نهاية لعمره و أنها مؤذنة بفساده ‪446.................................‬‬
‫الفصل التاسع عشر في أن المصار التي تكون كراسي للملك تخرب بخراب الدولة وانقراضها ‪450.....................‬‬
‫الفصل العشرون في اختصاص بعض المصار ببعض الصنائع دون بعض ‪453.............................................‬‬
‫الفصل الحادي و العشرون في و جود العصبية في المصار و تغلب بعضهم على بعض ‪453.............................‬‬
‫الفصل الثاني و العشرون في لغات أهل المصار ‪455............................................................................‬‬
‫الباب الخامس من الكتاب الول في المعاش و وجوبه من الكسب و الصنائع و ما يعككرض فككي‬
‫ذلك كله من الحوال و فيه مسائل‪457...................................................................‬‬
‫الفصل الول في حقيقة الرزق و الكسب و شرحهما و أن الكسب هو قيمة العمال ا لبشرية ‪457.........................‬‬
‫الفصل الثاني في وجوه المعاش و أصنافه و مذاهبه ‪460..........................................................................‬‬
‫الفصل الثالث في أن الخدمة ليست من الطبيعي ‪461...............................................................................‬‬
‫الفصل الرابع في ابتغاء الموال من الدفائن و الكنوز ليس بمعاش طبيعي ‪461................................................‬‬
‫الفصل الخامس في أن الجاه مفيد للمال ‪467.........................................................................................‬‬
‫الفصل السادس في أن السعادة و الكسب إنما يحصل غالبًا لهل الخضوع و التملق و أن هذا الخلق من أسباب السعادة‬
‫‪468‬‬
‫الفصل السابع في أن القائمين بأمور الدين من القضاء و الفتيا و التدريس و المامة و الخطابة و الذان و نحككو ذلككك ل‬
‫تعظم ثروتهم في الغالب ‪472...........................................................................................................‬‬
‫الفصل الثامن في أن الفلحة من معاش المتضعين و أهل العافية من البدو ‪473...............................................‬‬
‫الفصل التاسع في معنى التجارة و مذاهبها و أصنافها ‪474........................................................................‬‬
‫الفصل العاشر في أي أصناف الناس يحترف بالتجارة و أيهم ينبغي له اجتناب حرفها ‪474.................................‬‬
‫الفصل الحادي عشر في أن خلق التجار نازلة عن خلق الشراف و الملوك ‪475..............................................‬‬
‫الفصل الثاني عشر في نقل التاجر للسلع ‪476........................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث عشر في الحتكار ‪477.................................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع عشر في أن رخص السعار مضر بالمحترفين بالرخص ‪478..................................................‬‬
‫الفصل الخامس عشر في أن خلق التجارة نازلة عن خلق الرؤساء و بعيدة من المروءة ‪479...............................‬‬
‫الفصل السادس عشر في أن الصنائع ل بد لها من العلم ‪480......................................................................‬‬
‫الفصل السابع عشر في أن الصنائع إنما تكمل بكمال العمران الحضري و كثرته ‪481.......................................‬‬
‫الفصل الثامن عشر في أن رسوخ الصنائع في المصار إنما هو برسوخ الحضارة و طول أمده ‪482.....................‬‬
‫الفصل التاسع عشر في أن الصنائع إنما تستجاد و تكثر إذا كثر طالبها ‪484....................................................‬‬
‫الفصل العشرون في أن المصار إذا قاربت الخراب انتقصت منها الصنائع ‪485.............................................‬‬
‫الفصل الحادي و العشرون في أن العرب أبعد الناس عن الصنائع ‪485.........................................................‬‬
‫الفصل الثاني و العشرون فيمن حصلت له ملكة في صناعة فقل أن يجيد بعد في ملكة أخرى ‪486.........................‬‬
‫الفصل الثالث و العشرون في الشارة إلى أمهات الصنائع ‪487..................................................................‬‬
‫الفصل الرابع و العشرون في صناعة الفلحة ‪488.................................................................................‬‬
‫الفصل الخامس و العشرون في صناعة البناء ‪488.................................................................................‬‬
‫الفصل السادس و العشرون في صناعة النجارة ‪492...............................................................................‬‬
‫الفصل السابع و العشرون في صناعة الحياكة و الخياطة ‪494....................................................................‬‬
‫الفصل الثامن و العشرون في صناعة التوليد ‪495..................................................................................‬‬
‫الفصل التاسع و العشرون في صناعة الطب و أنها محتاج إليها في الحواضر و المصار دون البادية ‪498..............‬‬
‫الفصل الثلثون في أن الخط و الكتابة من عداد الصنائع النسانية ‪501.........................................................‬‬
‫الفصل الحادي و الثلثون في صناعة الوراقة ‪509.................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني و الثلثون في صناعة الغناء ‪511.....................................................................................‬‬
‫ل و خصوصًا الكتابة و الحساب ‪518........................‬‬ ‫الفصل الثالث و الثلثون في أن الصنائع تكسب صاحبها عق ً‬
‫الباب السادس من الكتاب الول في العلوم و أصنافها و التعليم و طرقه و سككائر وجككوهه و مككا‬
‫يعرض في ذلك كله من الحوال و فيه مقدمة و لواحق ‪519.........................................‬‬
‫الفصل الول في أن العلم و التعليم طبيعي في العمران البشري ‪519............................................................‬‬
‫الفصل الثاني في أن التعليم للعلم من جملة الصنائع ‪520...........................................................................‬‬
‫الفصل الثالث في أن العلوم إنما تكثر حيث يكثر العمران و تعظم الحضارة ‪525..............................................‬‬
‫الفصل الرابع في أصناف العلوم الواقعة في العمران لهذا العهد ‪526............................................................‬‬
‫الفصل الخامس في علوم القرآن من التفسير و القراءات ‪528.....................................................................‬‬
‫الفصل السادس في علوم الحديث ‪532.................................................................................................‬‬
‫الفصل السابع في علم الفقه و ما يتبعه من الفرائض ‪538..........................................................................‬‬
‫الفصل الثامن في علم الفرائض ‪545...................................................................................................‬‬
‫الفصل التاسع في أصول الفقه و ما يتعلق به من الجدل و الخلفيات ‪547......................................................‬‬
‫الفصل العاشر‪ :‬في علم الكلم ‪553....................................................................................................‬‬
‫الفصل الحادي عشر‪ :‬في أن عالم الحوادث الفعلية إنما يتم بالفكر ‪564..........................................................‬‬
‫الفصل الثاني عشر في العقل التجريبي و كيفية حدوثه ‪566.......................................................................‬‬
‫الفصل الثالث عشر‪ :‬في علوم البشر و علوم الملئكة ‪568........................................................................‬‬
‫الفصل الرابع عشر في علوم النبياء عليهم الصلة و السلم ‪569...............................................................‬‬
‫الفصل الخامس عشر في أن النسان جاهل بالذات عالم بالكسب ‪571...........................................................‬‬
‫الفصل السادس عشر‪ :‬في كشف الغطاء عن المتشابه من الكتاب و السنة و ما حدث لجل ذلككك مككن طككوائف السككنية و‬
‫المبتدعة في العتقادات ‪572............................................................................................................‬‬
‫الفصل السابع عشر‪ :‬في علم التصوف ‪582..........................................................................................‬‬
‫الفصل الثامن عشر‪ :‬في علم تعبير الرؤيا ‪596......................................................................................‬‬
‫الفصل التاسع عشر‪ :‬في العلوم العقلية و أصنافها ‪600.............................................................................‬‬
‫الفصل العشرون‪ :‬في العلوم العددية ‪605.............................................................................................‬‬
‫الفصل الحادي و العشرون‪ :‬في العلوم الهندسية ‪609...............................................................................‬‬
‫الفصل الثاني و العشرون‪ :‬في علم الهيئة ‪611.......................................................................................‬‬
‫الفصل الثالث و العشرون‪ :‬في علم المنطق ‪614.....................................................................................‬‬
‫الفصل الرابع و العشرون‪ :‬في الطبيعيات ‪619......................................................................................‬‬
‫الفصل الخامس و العشرون‪ :‬في علم الطب ‪620....................................................................................‬‬
‫الفصل السادس و العشرون‪ :‬في الفلحة ‪621........................................................................................‬‬
‫الفصل السابع و العشرون‪ :‬في علم اللهيات ‪622...................................................................................‬‬
‫الفصل الثامن و العشرون‪ :‬في علوم السحر و الطلسمات ‪624....................................................................‬‬
‫القسم الول من الفصل التاسع و العشرون‪ :‬علم أسرار الحروف ‪632...........................................................‬‬
‫الفصل التاسع و العشرون‪ :‬علم أسرار الحروف القسم الثاني ‪640...............................................................‬‬
‫كيفية العمل في استخراج أجوبة المسائل من زايرجة العالم بحول ال منقول عمن لقيناه من القائمين عليها ‪645.........‬‬
‫فصل في الطلع على السرار الخفية من جهة الرتباطات الحرفية ‪656.....................................................‬‬
‫فصل في الستدلل على ما في الضمائر الخفية بالقوانين الحرفية ‪660.........................................................‬‬
‫الفصل الثلثون‪ :‬في علم الكيمياء ‪663................................................................................................‬‬
‫الفصل الحادي و الثلثون‪ :‬في إبطال الفلسفة و فساد منتحلها ‪674...............................................................‬‬
‫الفصل الثاني و الثلثون‪ :‬في ابطال صناعة النجوم و ضعف مداركها و فساد غايتها ‪681..................................‬‬
‫الفصل الثالث و الثلثون‪ :‬في انكار ثمرة الكيميا و استحالة وجودها و ما ينشأ من المفاسد عن انتحالها ‪686.............‬‬
‫الفصل الرابع و الثلثون‪ :‬في أن كثرة التآليف في العلوم عائقة عن التحصيل ‪694...........................................‬‬
‫الفصل الخامس و الثلثون‪ :‬في المقاصد التي ينبغي اعتمادها بالتأليف و إلغاء ما سواها ‪696..............................‬‬
‫الفصل السادس و الثلثون في أن كثرة الختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم ‪700..................................‬‬
‫الفصل السابع و الثلثون‪ :‬في وجه الصواب في تعليم العلوم و طريق إفادته ‪701.............................................‬‬
‫الفصل الثامن و الثلثون‪ :‬في أن العلوم اللهية ل توسع فيها النظار و ل تفرع المسائل ‪705..............................‬‬
‫الفصل التاسع و الثلثون‪ :‬في تعليم الولدان و اختلف مذاهب المصار السلمية في طرقه ‪706.........................‬‬
‫الفصل الربعون‪ :‬في أن الشدة على المتعلمين مضرة بهم ‪709...................................................................‬‬
‫الفصل الحادي و الربعون‪ :‬في أن الرحلة في طلب العلوم و لقاء المشيخة مزيد كمال في التعلم ‪711.....................‬‬
‫الفصل الثاني و الربعون‪ :‬في أن العلماء من بين البشر أبعد عن السياسة و مذاهبها ‪711...................................‬‬
‫الفصل الثالث و الربعون‪ :‬في أن حملة العلم في السلم أكثرهم العجم ‪713...................................................‬‬
‫الفصل الرابع و الربعون‪ :‬في أن العجمة إذا سبقت إلى اللسان قصرت بصاحبها في تحصيل العلكوم عكن أهكل اللسكان‬
‫العربي ‪716................................................................................................................................‬‬
‫الفصل الخامس و الربعون‪ :‬في علوم اللسان العربي ‪718........................................................................‬‬
‫علم النحو ‪719.............................................................................................................................‬‬
‫علم اللغة ‪721..............................................................................................................................‬‬
‫علم البيان ‪725.............................................................................................................................‬‬
‫علم الدب ‪728............................................................................................................................‬‬
‫الفصل السادس و الربعون‪ :‬في أن اللغة ملكة صناعية ‪730......................................................................‬‬
‫الفصل السابع و الربعون‪ :‬في أن لغة العرب لهذا العهد مستقلة مغايرة للغة مصر و حمير ‪731..........................‬‬
‫الفصل الثامن و الربعون‪ :‬في أن لغة أهل الحضر والمصار لغة قائمة بنفسها للغة مضر ‪735...........................‬‬
‫الفصل التاسع و الربعون في تعليم اللسان المضري ‪736.........................................................................‬‬
‫الفصل الخمسون‪ :‬في أن ملكة هذا اللسان غير صناعة العربية و مستغنية عنها في التعليم ‪737............................‬‬
‫الفصل الواحد و الخمسون‪ :‬في تفسر الذوق في مصطلح أهل البيان و تحقيق معناه و بيككان أنككه ل يحصككل للمسككتعربين‬
‫من العجم ‪739.............................................................................................................................‬‬
‫الفصل الثاني و الخمسون‪ :‬في أن أهل المصار على الطلق قاصرون في تحصيل هذه الملكككة اللسككانية الككتي تسككتفاد‬
‫بالتعليم و من كان منهم أبعد عن اللسان العربي كان حصولها له أصعب و أعسر ‪742.......................................‬‬
‫الفصل الثالث و الخمسون‪ :‬في انقسام الكلم إلى فني النظم و النثر ‪745........................................................‬‬
‫الفصل الرابع و الخمسون‪ :‬في أنه ل تتفق الجادة في فني المنظوم و المنثور معًا إل للقل ‪747...........................‬‬
‫الفصل الخامس و الخمسون‪ :‬في صناعة الشعر و وجه تعلمه‪748...............................................................‬‬
‫الفصل السادس و الخمسون‪ :‬في أن صناعة النظم و النثر إنما هي في اللفاظ ل في المعاني ‪759.........................‬‬
‫الفصل السابع و الخمسون‪ :‬في أن حصول هذه الملكة بكثرة الحفظ و جودتها بجودة المحفوظ ‪760........................‬‬
‫الفصل الثامن و الخمسون‪ :‬في بيان المطبوع من الكلم و المصنوع و كيف جودة المصنوع أو قصوره ‪763...........‬‬
‫الفصل التاسع و الخمسون‪ :‬في ترفع أهل المراتب عن انتحال الشعر ‪767......................................................‬‬
‫الفصل الستون‪ :‬في أشعار العرب و أهل المصار لهذا العهد‪768................................................................‬‬
‫الموشحات و الزجال للندلس ‪784...................................................................................................‬‬
‫الموشحات و الزجال في المشرق ‪803...............................................................................................‬‬
‫خاتمة ‪807.................................................................................................................................‬‬
‫بسم الله الرحمن الرحيم‬

‫يقول العبد الفقير إلى الله تعالى الغني بلطفه عبد الرحمممن‬
‫بن محمد بن خلدون الحضرمي وفقه الله الحمد لله الذي له‬
‫العممزة والجممبروت وبيممده الملممك والملكمموت ولممه السممماء‬
‫الحسنى والنعوت العالم فل يغرب عنه ما تظهره النجمموى أو‬
‫يخفيممه السممكوت القممادر فل يعجممزه شمميء فممي السممموات‬
‫والرض ول يفوت أنشأنا مممن الرض نسممما واسممتعمرنا فيهمما‬
‫أجيال وأممما ويسممر لنمما منهمما أرزاقما وقسممما تكنفنمما الرحمام‬
‫والممبيوت ويكفلنمما الممرزق والقمموت وتبلينمما اليممام والوقمموت‬
‫وتعتورنا الجال التي خط علينمما كتابهمما الموقمموت ولممه البقمماء‬
‫والثبوت وهو الحممي الممذي ل يممموت والصمملة والسمملم علممى‬
‫سميدنا ومولنمما محمممد النمبي العربمي المكتمموب فمي التمموراة‬
‫والنجيممل المنعمموت الممذي تمحممض لفصمماله الكممون قبممل أن‬
‫تتعاقب الحاد والسبوت ويتباين زحممل واليهممموت وعلممى آلممه‬
‫وأصحابه الذين لهم في صحبته وأتباعه الثر البعيممد والصمميت‬
‫والشمل الجميممع فممي مظمماهرته ولعممدوهم الشمممل الشممتيت‬
‫صلى الله عليه وعليهممم ممما اتصممل بالسمملم جممده المبخمموت‬
‫وانقطع بالكفر حبله المبتوت وسلم كثيرا أممما بعممد فممإن فممن‬
‫التاريخ من الفنون التي تتممداوله المممم والجيممال وتشممد إليممه‬
‫الركائب والرحممال وتسممموا إلممى معرفتممه السمموقة والغفممال‬
‫وتتنافس فيه الملوك والقيمال وتتسماوى فمي فهممه العلمماء‬
‫الجهممال إذ هممو فممي ظمماهره ل يزيممد علممى أخبممار عممن اليممام‬
‫والممدول والسمموابق مممن القممرون الول تنمممو فيهمما القمموال‬
‫وتضرب فيها المثال وتطرف بها النديممة إذا غصممها الحتفممال‬
‫وتؤدي لنمما شممأن الخليقممة كيممف تقلبممت بهمما الحمموال واتسممع‬
‫للدول فيها النطاق والمجال وعمروا الرض حممتى نممادى بهممم‬
‫الرتحال وحان منهم الزوال وفي باطنه نظر وتحقيق وتعليل‬
‫للكائنممات ومبادئهمما دقيممق وعلممم بكيفيممات الوقممائع وأسممبابها‬
‫عميق فهو لذلك أصيل في الحكمة عريق وجدير بأن يعد في‬
‫علومهمما وخليممق وإن فحممول المممؤرخين فممي السمملم قممد‬
‫اسممتوعبوا أخبممار اليممام وجمعوهمما وسممطروها فممي صممفحات‬
‫الدفاتر وأودعوها وخلطها المتطفلون بدسائس مممن الباطممل‬
‫وهممموا فيهمما وابتممدعوها وزخممارف مممن الروايممات المضممعفة‬
‫لفقوهمما ووضممعوها واقتفممى تلممك الثممار الكممثير ممممن بعممدهم‬
‫واتبعوهمما وأدوهمما إلينمما كممما سمممعوها ولممم يلحظمموا أسممباب‬
‫الوقائع والحوال ولم يراعوها ول رفضوا ترهات الحاديث ول‬
‫دفعوها فممالتحقيق قليممل وطممرف التنقيممح فممي الغممالب كليممل‬
‫والغلط والموهم نسميب للخبمار وخليمل والتقليمد عريمق فمي‬
‫الدميين وسليل والتطفل على الفنون عريض طويل ومرعى‬
‫الجهممل بيممن النممام وخيممم وبيممل والحممق ل يقمماوم سمملطانه‬
‫والباطل يقذف بشهاب النظر شيطانه والناقل إنما هو يملممي‬
‫وينقل والبصمميرة تنقممد الصممحيح إذا تعقممل والعلممم يجلمموا لهمما‬
‫صفحات القلوب ويصقل هممذا وقممد دون النمماس فممي الخبممار‬
‫وأكثروا وجمعوا تواريخ المممم والممدول فممي العممالم وسممطروا‬
‫والذين ذهبوا بفضل الشمهرة والماممة المعتممبرة واسمتفرغوا‬
‫دواويممن مممن قبلهممم فممي صممحفهم المتممأخرة هممم قليلممون ل‬
‫يكادون يجاوزون عدد النامل ول حركات العوامممل مثممل ابممن‬
‫إسممحق والطممبري وابممن الكلممبي ومحمممد بممن عمممر الواقممدي‬
‫وسيف بن عمر السدي وغيرهممم مممن المشمماهير المتميزيممن‬
‫عن الجماهير وإن كان في كتممب المسممعودي والواقممدي مممن‬
‫المطعن والمغمز ما هو معروف عنممد الثبممات ومشممهور بيممن‬
‫الحفظممة الثقممات إل أن الكافممة اختصممتهم بقبممول أخبممارهم‬
‫واقتفاء سننهم في التصممنيف واتبمماع آثممارهم والناقممد البصممير‬
‫قسممطاس نفسممه فممي تزييفهممم فيممما ينقلممون أو اعتبممارهم‬
‫فللعمران طبائع في أحواله ترجع إليها الخبار وتحمممل عليهمما‬
‫الروايات والثار ثممم إن أكممثر التواريممخ لهممؤلء عامممة المناهممج‬
‫والمسممالك لعممموم الممدولتين صممدر السمملم فممي الفمماق‬
‫والممالك وتناولها البعيد من الغايممات فممي المآخممذ والمتممارك‬
‫ومن هؤلء من استوعب ممما قبممل الملممة مممن الممدول والمممم‬
‫والمر العمم كالمسعودي ومن نحا منحاه وجمماء مممن بعممدهم‬
‫مممن عممدل عممن الطلق إلممى التقييممد ووقممف فممي العممموم‬
‫والحاطة عن الشأو البعيممد فقيممد شمموارد عصممره واسممتوعب‬
‫أخبار أفقه وقطره واقتصمر علمى تاريمخ دولتمه ومصمره كمما‬
‫فعممل أبممو حيممان مممؤرخ النممدلس والدولممة المويممة بهمما وابممن‬
‫الرفيق مؤرخ أفريقية والدولة التي كممانت بممالقيروان ثممم لممم‬
‫يأت من بعممد هممؤلء إل مقلممد وبليممد الطبممع والعقممل أو متبلممد‬
‫ينسج على ذلك المنمموال ويحتممذي منممه بالمثممال ويممذهل عممما‬
‫أحالته اليممام مممن الحمموال واسممتبدلت بممه مممن عمموائد المممم‬
‫والجيال فيجلبون الخبار عممن الممدول وحكايممات الوقممائع فممي‬
‫العصور الول صورا قد تجردت عن موادها وصفاحا انتضمميت‬
‫من أغمادها ومعارف تسممتنكر للجهممل بطارفهمما وتلدهمما إنممما‬
‫هي حوادث لممم تعلممم أصممولها وأنممواع لممم تعتممبر أجناسممها ول‬
‫تحققت فصولها يكررون فممي موضمموعاتها الخبممار المتداولممة‬
‫بأعيانها اتباعا لمن عني من المتقدمين بشأنها ويغفلممون أمممر‬
‫الجيال الناشئة في ديوانهمما بممما أعمموز عليهممم مممن ترجمانهمما‬
‫فتستعجم صممحفهم عممن بيانهمما ثممم إذا تعرضمموا لممذكر الدولممة‬
‫نسقوا أخبارها نسقا محافظين على نقلهمما وهممما أو صممدقا ل‬
‫يتعرضون لبدايتها ول يذكرون السبب الممذي رفممع مممن رايتهمما‬
‫وأظهر من آيتها ول علة الوقمموف عنممد غايتهمما فيبقممى النمماظر‬
‫متطلعا بعد إلى افتقاد أحوال مبادىء الدول ومراتبها مفتشمما‬
‫عن أسباب تزاحمها أو تعاقبها باحثا عن المقنع في تباينهمما أو‬
‫تناسبها حسبما نذكر ذلك كلممه فممي مقدمممة الكتمماب ثممم جمماء‬
‫آخرون بإفراط الختصار وذهبوا إلى الكتفاء بأسماء الملمموك‬
‫والقتصار مقطوعة عممن النسمماب والخبممار موضمموعة عليهمما‬
‫أعداد أيامهم بحروف الغبار كما فعله ابن رشيق فممي ميممزان‬
‫العمل ومن اقتفى هذا الثر من الهمممل وليممس يعتممبر لهممؤلء‬
‫مقال ول يعد لهم ثبمموت ول انتقممال لممما أذهبمموا مممن الفمموائد‬
‫وأخلوا بالمذاهب المعروفة للمؤرخين والعوائد ولمما طمالعت‬
‫كتب القوم وسبرت غور المس واليوم نبهممت عيممن القريحممة‬
‫من سنة الغفلممة والنمموم وسمممت التصممنيف مممن نفسممي وأنمما‬
‫المفلس أحسن السؤم فأنشات في التاريخ كتابمما رفعممت بممه‬
‫عممن أحمموال الناشممئة مممن الجيممال حجابمما وفصمملته فممي‬
‫الخباروالعتبار بابا باباوأبممديت فيممه لوليممة الممدول والعمممران‬
‫علل وأسبابا وبنيته على أخبار المممم الممذين عمممروا المغممرب‬
‫في هذه العصار وملوا أكناف الضواحي منه والمصممار وممما‬
‫كان لهم من الدول الطوال أو القصار ومن سمملف لهممم مممن‬
‫الملوك والنصار وهما العرب والبربر إذ هممما الجيلن اللممذان‬
‫عرف بالمغرب مأواهما وطممال فيممه علممى الحقمماب مثواهممما‬
‫حتى ل يكاد يتصور فيه ما عداهما ول يعرف أهله مممن أجيممال‬
‫الدميين سواهما فهذبت مناحيه تهذيبا وقربته لفهام العلممماء‬
‫والخاصة تقريبمما وسمملكت فممي ترتيبممه وتبممويبه مسمملكا غريبمما‬
‫واخترعته من بيممن المنمماحي مممذهبا عجيبمما وطريقممة مبتدعممة‬
‫وأسمملوبا وشممرحت فيممه مممن أحمموال العمممران والتمممدن وممما‬
‫يعرض في الجتماع النساني من العوارض الذاتية ما يمنعممك‬
‫بعلل الكوائن وأسبابها ويعرفك كيممف دخممل أهممل الممدول مممن‬
‫أبوابها حتى تنزع من التقليد يدك وتقف على أحوال ما قبلك‬
‫من اليام والجيال وما بعدك ورتبته على مقدمة وثلثممة كتممب‬
‫المقدمة فمي فضممل علممم التاريمخ وتحقيممق ممذاهبه واللممماع‬
‫بمغالط المؤرخين الكتاب الول في العمران وذكر ما يعرض‬
‫فيه من العمموارض الذاتيممة مممن الملممك والسمملطان والكسممب‬
‫والمعاش والصنائع والعلوم وما لممذلك مممن العلممل والسممباب‬
‫الكتاب الثاني في أخبار العرب وأجيممالهم ودولهممم منممذ مبممدأ‬
‫الخليقة إلى هذا العهد وفيه من اللماع ببعض مممن عاصممرهم‬
‫من المم المشاهير ودولهم مثل النبط والسريانيين والفرس‬
‫وبني إسرائيل والقبممط واليونممان والممروم والممترك والفرنجممة‬
‫الكتاب الثالث فممي أخبممار الممبربر ومممواليهم مممن زناتممة وذكممر‬
‫أوليتهم وأحيالهم وما كان بممديار المغممرب خاصممة مممن الملممك‬
‫والدول ثم كانت الرحلة إلى المشرق لجتناء أنممواره وقضمماء‬
‫الفرض والسنة في مطافه ومزاره والوقوف على آثاره فممي‬
‫دواوينه وأسفاره فزدت ما نقص من أخبار ملوك العجم بتلك‬
‫الديار ودول الترك فيما ملكوه مممن القطممار وأتبعممت بهمما ممما‬
‫كتبته في تلك السطار وأدرجتها فممي ذكممر المعاصممرين لتلممك‬
‫الجيال من أمم النواحي وملوك المصممار والضممواحي سممالكا‬
‫سممبيل الختصممار والتلخيممص مفتممديا بممالمرام السممهل مممن‬
‫العويص داخل من بمماب السممباب علممى العممموم إلممى الخبممار‬
‫على الخصوص فاستوعب أخبار الخليقة اسممتيعابا وذلممل مممن‬
‫الحكم النافرة صممعابا وأعطممى لحمموادث الممدول علل وأسممبابا‬
‫فأصبح للحكمة صوانا وللتاريخ جرابا ولما كان مشممتمل علممى‬
‫أخبار العرب والبربر مممن أهممل المممدر والمموبر واللممماع بمممن‬
‫عاصرهم من الدول الكبر وأفصح بالذكرى والعبر فممي مبتممدأ‬
‫الحوال ومما بعدها مممن الخممبر سممميته كتمماب العممبر وديمموان‬
‫المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم‬
‫من ذوي السلطان الكبر ولم أترك شمميئا فممي أوليممة الجيممال‬
‫والدول وتعاصر المم الول وأسممباب التصممرف والحممول فممي‬
‫القرون الخالية والملل وممما يعممرض فممي العمممران مممن دولممة‬
‫وملة ومدينة وحلة وعزة وذلممة وكممثرة وقلممة وعلممم وصممناعة‬
‫وكسب وإضاعة وأحوال متقلبة مشاعة وبممدو وحضممر وواقممع‬
‫ومنتظر إل واستوعبت جمله وأوضحت براهينممه وعللممه فجمماء‬
‫هممذا الكتمماب فممذا بممما ضمممنته مممن العلمموم الغريبممة والحكممم‬
‫المحجوبة القريبة وأنممامن بعممدها موقممف بالقصممور بيممن أهممل‬
‫العصور معترف بالعجز عممن المضمماء فممي مثممل هممذا القضمماء‬
‫راغب من أهل اليد البيضاء والمعارف المتسعة الفضمماء فممي‬
‫النظر بعين النتقاد ل بعين الرتضاء والتغمد لما يعثرون عليه‬
‫بالصممملح والغضممماء فالبضممماعة بيمممن أهمممل العلمممم مزجممماة‬
‫والعتراف من اللوم منجاة والحسممنى مممن الخمموان مرتجمماه‬
‫واللمه أسمأل أن يجعمل أعمالنما خالصمة لموجهه الكريمم وهمو‬
‫حسممبي ونعممم الوكيممل وبعممد أن اسممتوفيت علجممه وأنممرت‬
‫مشكاته للمستبصرين وأذكيت سراجه وأوضحت بين العلمموم‬
‫طريقه ومنهاجه وأوسعت في فضاء المعارف نطمماقه وأدرت‬
‫سياجه أتحفممت بهممذه النسممخة منممه خزانممة مولنمما السمملطان‬
‫المام المجاهد الفاتح الماهد المتحلي منذ خلع التمائم ولوث‬
‫العمممائم بحلممى القممانت الزاهممد المتوشممح بزكمماء المنمماقب‬
‫والمحامد وكرم الشمائل والشممواهد بأجمممل مممن القلئد فممي‬
‫نحور الولئد المتناول بالعزم القوي السمماعد والجممد المممواتي‬
‫المسمماعد والمجممد الطممارف والتالممد ذوائب ملكهممم الراسممي‬
‫القواعممد الكريممم المعممالي والمصمماعد جممامع أشممتات العلمموم‬
‫والفوائد ونمماظم شمممل المعممارف والشمموارد ومظهممر اليممات‬
‫الربانية في فضل المممدارك النسممانية بفكممره الثمماقب الناقممد‬
‫ورأيممه الصممحيح المعاقممد النيممر المممذاهب والعقممائد نممور اللممه‬
‫الواضممح المراشممد ونعمتممه العذبممة الممموارد ولطفممه الكممامن‬
‫بالمراصد للشممدائد ورحمتممه الكريمممة المقالممد الممتي وسممعت‬
‫صلح الزمان الفاسد واستقامة المائد من الحمموال والعمموائد‬
‫وذهبت بالخطوب الوابد وخلعت على الزمان رونق الشممباب‬
‫العائد وحجته التي ل يبطلها إنكار الجاحد ول شبهات المعانممد‬
‫أمير المؤمنين أبي فارس عبد العزيممز ابممن مولنمما السمملطان‬
‫المعظممم الشممهير الشممهيد أبممي سممالم إبراهيممم ابممن مولنمما‬
‫السلطان المقدس أمير المؤمنين أبي الحسممن ابممن السممادة‬
‫العلم مممن ملمموك بنممي مريممن الممذين جممددوا الممدين ونهجمموا‬
‫السبيل للمهتدين ومحوا آثار البغاة المفسدين أفاء الله على‬
‫المة ظلله وبلغه في نصر دعوة السملم آمماله وبعثتمه إلمى‬
‫خزانئهم الموقفة لطلبممة العلممم بجممامع القروييممن مممن مدينممة‬
‫فاس حاضرة ملكهم وكرسممي سمملطانهم حيممث مقممر الهممدى‬
‫ورياض المعارف خضلة الندى وفضاء السرار الربانية فسمميح‬
‫المممدى والمامممة الفارسممية الكريمممة العزيممزة إن شمماء اللممه‬
‫بنظرها الشريف وفضلها الغني عن التعريف تبسممط لممه مممن‬
‫العناية مهادا وتفسح له في جانب القبممول آمممادا فتوضممح بهمما‬
‫أدلة على رسوخه وأشهادا ففي سوقها تنفق بضممائع الكتمماب‬
‫وعلممى حضممرتها تعكممف ركممائب العلمموم والداب ومممن مممدد‬
‫بصائرها المنيرة نتائج القممرائح واللبمماب واللممه يوزعنمما شممكر‬
‫نعمتها ويوفر لنا حظوظ المواهب مممن رحمتهمما ويعيننمما علممى‬
‫حقوق خدمتها ويجعلنا من السابقين في ميدانها المحلين في‬
‫حومتها ويضفي على أهل إيالتها وممما أوي مممن السمملم إلممى‬
‫حرم عمالتها لبوس حمايتها وحرمتها وهو سممبحانه المسممئول‬
‫أن يجعل أعمالنا خالصة في وجهتها بريئة من شوائب الغفلة‬
‫وشبهتها وهو حسبنا ونعم الوكيل‬

‫القسم الول من المقدمة في فضل علم التاريخ و‬


‫تحقيق مذاهبه و اللماع لما يعممرض للمممؤرخين‬
‫من المغالط و ذكر شيىء من أسبابها‬
‫اعلم أن فن التاريخ فن عزيز المممذهب جممم الفمموائد شممريف‬
‫الغايمة إذ هممو يوقفنما علممى أحمموال الماضممين ممن المممم فمي‬
‫أخلقهممم‪ .‬و النبيمماء فممي سمميرهم‪ .‬و الملمموك فممي دولهممم و‬
‫سياستهم‪ .‬حتى تتم فائدة القتداء في ذلك لمممن يرومممه فممي‬
‫أحوال الدين و الدنيا فهو محتاج إلى مآخذ متعددة و معممارف‬
‫متنوعة و حسن نظر و تثبت يفضيان بصاحبهما إلممى الحممق و‬
‫ينكبان به عن المزلت و المغالط لن الخبار إذا اعتمممد فيهمما‬
‫على مجرد النقل و لم تحكم أصول العادة و قواعد السياسة‬
‫و طبيعة العمران و الحوال في الجتماع النساني و ل قيس‬
‫الغائب منها بالشاهد و الحاضر بالذاهب فربما لم يؤمن فيهمما‬
‫من العثور و مزلة القدم و الحيد عن جادة الصدق و كثيرا ً ما‬
‫وقع للمؤرخين و المفسرين و أئمة النقل مممن المغممالط فممي‬
‫الحكايات و الوقائع لعتمادهم فيها على مجممرد النقممل غثما ً أو‬
‫سمينا ً و لم يعرضوها على أصولها و ل قاسوها بأشممباهها و ل‬
‫سبروها بمعيممار الحكمممة و الوقمموف علممى طبممائع الكائنممات و‬
‫تحكيم النظر و البصيرة في الخبار فضلوا عن الحق و تمماهوا‬
‫في بيداء الوهم و الغلط و ل سيما فممي إحصمماء العممداد مممن‬
‫الموال و العساكر إذا عرضت فممي الحكايممات إذ هممي مظنممة‬
‫الكذب و مطية الهذر و ل بد من ردها إلى الصول و عرضممها‬
‫على القواعد‪.‬‬
‫و هذا كما نقل المسعودي و كثير من المؤرخين في جيوش‬
‫بني إسرائيل بأن موسى عليه السلم أحصاهم في التيه بعد‬
‫أن أجاز من يطيق حمل السلح خاصة من ابن عشرين فما‬
‫فوقها فكانوا ستمائة ألف أو يزيدون و يذهل في ذلك عن‬
‫تقدير مصر و الشام و اتساعهما لمثل هذا العدد من‬
‫الجيوش لكل مملكة من الممالك حصة من الحامية تتسع لها‬
‫و تقوم بوظائفها و تضيق عما فوقها تشهد بذلك العوائد‬
‫المعروفة و الحوال المألوفة ثم أن مثل هذه الجيوش‬
‫البالغة إلى مثل هذا العدد يبعد أن يقع بينها زحف أو قتال‬
‫لضيق مساحة الرض عنها و بعدها إذا اصطفت عن مدى‬
‫البصر مرتين أو ثلثا ً أو أزيد فكيف يقتتل هذان الفريقان أو‬
‫تكون غلبة أحد الصفين و شيىء من جوانبه ل يشعر بالجانب‬
‫الخر و الحاضر يشهد لذلك فالماضي أشبه بالتي من الماء‬
‫بالماء‪.‬‬
‫و لقممد كممان ملممك الفممرس و دولتهممم أعظممم مممن ملممك بنممي‬
‫إسرائيل بكثير يشهد لذلك ما كان من غلممب بختنصممر لهممم و‬
‫التهممامه بلدهممم و اسممتيلئه علممى أمرهممم و تخريممب بيممت‬
‫المقدس قاعدة ملتهممم و سمملطانهم و هممو مممن بعممض عمممال‬
‫مملكة فارس يقال إنه كان مرزبممان المغممرب مممن تخومهمما و‬
‫كممانت ممممالكهم بممالعراقين و خراسممان و ممما وراء النهممر و‬
‫البواب أوسع من ممالك بني إسرائيل بكممثير و مممع ذلممك لممم‬
‫تبلغ جيمموش الفممرس قممط مثممل هممذا العممدد و ل قريبما ً منممه و‬
‫أعظم ما كانت جموعهم بالقادسية مائة و عشرين ألفا ً كلهم‬
‫متبوع على ما نقله سيف قال و كانوا في أتبمماعهم أكممثر مممن‬
‫مائتي ألف و عن عائشة و الزهري فأن جموع رسممتم الممذين‬
‫زحف بهم سعد بالقادسية إنما كانوا ستين ألفا ً كلهم متبوع و‬
‫أيضا ً فلو بلغ بنو إسرائيل مثل هذا العدد لتسع نطاق ملكهممم‬
‫و انفسح مدى دولتهم فإن العمممالت و الممالممك فممي الممدول‬
‫على نسبة الحامية و القبيل القائمين بها فممي قتلهمما و كثرتهمما‬
‫حسبما نبين في فضل الممالك من الكتاب الول و القوم لم‬
‫تتسع ممالكهم إلى غير الردن و فلسطين مممن الشممام و بلد‬
‫يثرب و خيبر من الحجاز على ما هو المعروف‪.‬‬
‫و أيضا ً فالذي بين موسى و إسرائيل إنما في أربعة آباء على‬
‫ما ذكره المحققون فإنه موسى بن عمران بن يصهر بن‬
‫قاهت بفتح الهاء وكسرها ابن لري بكسر الواو و فتحها ابن‬
‫يعقوب و هو إسرائيل الله هكذا نسبه في التوراة و المدة‬
‫بينهما على ما نقله المسعودي قال دخل إسرائيل مصر مع‬
‫ولده السباط و أولدهم حين أتوا إلى يوسف سبعين نفسا ً و‬
‫كان مقامهم بمصر إلى أن خرجوا مع موسى عليه السلم‬
‫إلى التيه مائتين و عشرين سنة تتداولهم ملوك القبط من‬
‫الفراعنة و يبعد أن يتشعب النسل في أربعة أجيال إلى مثل‬
‫هذا العدد و إن زعموا أن عدد تلك الجيوش إنما كان في‬
‫زمن سليمان و من بعده فبعيد أيضا ً إذ ليس بين سليمان و‬
‫إسرائيل إل أحد عشر أبا ً فإنه سليمان بن داود بن يشا بن‬
‫عوفيذ و يقال ابن عوفذ ابن باعز و يقال بوعز بن سلمون‬
‫بن نحشون بن عمينوذب و يقال حميناذاب بن رم بن‬
‫حصرون و يقال حسرون بن بارس و يقال ببرس بن يهوذا‬
‫بن يعقوب و ل يتشعب النسل في أحد عشر من الولد إلى‬
‫مثل هذا العدد الذي زعموه اللهم إلى المئتين و اللف‬
‫فربما يكون و أما أن يتجاوز إلى ما بعدهما من عقود العداد‬
‫فبعيد و اعتبر ذلك في الحاضر المشاهد و القريب المعروف‬
‫تجد زعمهم باطل ً و نقلهم كاذبًا‪.‬‬
‫و الذي ثبت في السرائيليات أن جنممود سممليمان كممانت اثنممي‬
‫عشر ألفا ً خاصة و أن مقرباته كممانت ألف ما ً و أربعمممائة فممرس‬
‫مرتبطة على أبوابه هذا هو الصحيح من أخبممارهم و ل يلتفممت‬
‫إلى خرافات العامة منهم و في أيام سليمان عليممه السمملم و‬
‫ملكه كان عنفمموان دولتهممم و أتسمماع ملكهممم هممذا و قممد نجممد‬
‫الكافة من أهل المصر إذا أفاضوا في الحممديث عممن عسمماكر‬
‫الدول التي لعهدهم أو قريبا ً منه و تفاوضوا فممي الخبممار عممن‬
‫جيوش المسلمين أو النصممارى أو أخممذوا فممي إحصمماء أممموال‬
‫الجبايممات و خممراج السمملطان و نفقممات المممترفين و بضممائع‬
‫الغنياء الموسرين توغلوا في العدد و تجاوزوا حممدود العمموائد‬
‫و طاوعوا وساوس العراب فإذا استكشف أصحاب الدواوين‬
‫عن عساكرهم و استنبطت أحوال أهل الثروة فممي بضممائعهم‬
‫و فوائدهم و استجليت عوائد المترفين في نفقاتهم لممم تجممد‬
‫معشار ممما يعممدونه و ممما ذلممك إل لولمموع النفممس يممالغرائب و‬
‫سممهولة التجمماوز علممى اللسممان و الغفلممة علممى المتعقممب و‬
‫المنتقد حتى ل يحاسب نفسه على خطإ و ل عمد و ل يطالبه‬
‫في الخبر بتوسط و ل عدالة ول يرجعها إلى بحممث و تفممتيش‬
‫فيرسل عنانه و يسيم في مراتع الكذب لسممانه و يتخممذ آيممات‬
‫الله هزءا ً و يشممتري لهممو الحممديث ليصممل عممن سممبيل اللممه و‬
‫حسبك بها صفقة خاسرة‪.‬‬
‫و من الخبار الواهية للمؤرخين ما ينقلونه كافة في أخبار‬
‫التبابعة ملوك اليمن و جزيرة العرب أنهم كانوا يغزون من‬
‫قراهم باليمن إلى أفريقية و البربر من بلد المغرب و أن‬
‫أفريقش بن قيس بن صيفي من أعاظم ملوكهم الول و‬
‫كان لعهد موسى عليه السلم أو قبله بقليل غزا أفريقية و‬
‫أثخن في البربر و أنه الذي سماهم بهذا السم حين سمع‬
‫رطانتهم و قال ما هذه البربرة فأخذ هذا السم عنه و دعوا‬
‫به من حينئذ و أنه لما انصرف من المغرب حجز هنالك قبائل‬
‫من حمير فأقاموا بها و اختلطوا بأهلها و منهم صنهاجة و‬
‫كتامة و من هذا ذهب الطبري و الجرجاني و المسعودي و‬
‫ابن الكلبي و البيلي إلى أن صنهاجة و كتامة من حمير وتاباه‬
‫نسابة البربر و هو الصحيح و ذكر المسعودي أيضا ً أن ذا‬
‫الذعار من ملوكهم قبل أفريقش و كان على عهد سليمان‬
‫عليه السلم غزا المغرب و دوخه و كذلك ذكر مثله عن‬
‫ياسر ابنه من بعده و إنه بلغ وادي الرمل في بلد المغرب و‬
‫لم يجد فيه مسلكا ً لكثرة الرمل فرجع و كذلك يقولون في‬
‫تبع الخر و هو أسعد أبو كرب و كان على عهد يستأنف من‬
‫ملوك الفرس الكيانية أنه ملك الموصل و أذربيجان و لقي‬
‫الترك فهزمهم و أثخن ثم غزاهم ثانية و ثالثة كذلك و أنه بعد‬
‫ذلك أغزى ثلثة من بنيه بلد فارس و إلى بلد الصغد من بلد‬
‫أمم الترك وراء النهر و إلى بلد الروم فملك الول البلد إلى‬
‫سمرقند و قطع المفازة إلى الصين فوجد أخاه الثاني الذي‬
‫غزا إلى سمرقند قد سبقه إليها ثم فأثخنا في بلد الصين و‬
‫رجعا جميعا ً بالغنائم و تركوا ببلد الصين قبائل من حمير فهم‬
‫بها إلى هذا العهد و بلغ الثالث إلى قسطنطينية فدرسها و‬
‫دوخ بلد الروم و رجع‪.‬‬
‫و هذه الخبار كلهما بعيمدة عمن الصمحة عريقمة فمي الموهم و‬
‫الغلط و أشبه بأحاديث القصص الموضوعة‪ .‬و ذلممك أن ملممك‬
‫التبابعة إنما كان بجزيرة العرب و قرارهم و كرسيهم بصنعاء‬
‫اليمن‪ .‬و جزيممرة العممرب يحيممط بهمما البحممر مممن ثلث جهاتهمما‬
‫فبحر الهند من الجنوب و بحر فارس الهابط منه إلى البصرة‬
‫من المشرق و بحر السويس الهابط منه إلى السممويس مممن‬
‫أعمال مصر من جهة المغرب كما تراه في مصور الجغرافيمما‬
‫فل يجد السالكون من اليمن إلممى المغممرب طريق ما ً مممن غيممر‬
‫السويس و المسمملك هنمماك ممما بيممن بحممر السممويس و البحممر‬
‫الشممامي قممدر مرحلممتين فممما دونهممما و يبعممد أن يمممر بهممذا‬
‫المسلك ملك عظيم في عساكر موفورة مممن غيممر أن يصممير‬
‫من أعماله هذه ممتنع في العادة‪ .‬و قممد كممان بتلممك العمممال‬
‫العمالقة و كنعان بالشام و القبط بمصممر ثممم ملممك العمالقممة‬
‫مصر و ملك بنو إسرائيل الشام و لم ينقممل قممط أن التبابعممة‬
‫حمماربوا أحممدا ً مممن هممؤلء المممم‪ .‬و ل ملكمموا شمميئا ً مممن تلممك‬
‫العمممال و أيضما ً فالشممقة مممن البحممر إلممى المغممرب بعيممدة و‬
‫الزودة و العلوفممة للعسمماكر كممثيرة فممإذا سمماروا فممي غيممر‬
‫أعمالهم احتاجوا إلى انتهمماب الممزرع و النعممم و انتهمماب البلد‬
‫فيما يمرون عليه و ل يكفي ذلممك للزودة و للعلوفممة عممادة و‬
‫إن نقلوا كفايتهم من ذلك من أعمالهم فل تفي لهم الرواحل‬
‫بنقله فل بد و أن يمروا في طريقهم كلها بأعمال قد ملكوهمما‬
‫و دوخوها لتكون الميرة منها و إن قلنا أن تلك العسماكر تممر‬
‫بهممؤلء المممم مممن غيممر أن تهيجهممم فتحصممل لهممم الميممرة‬
‫بالمسممالمة فممذلك أبعممد و أشممد امتناع ما ً فممدل علممى أن هممذه‬
‫الخبار واهية أو موضوعة‪.‬‬
‫و أما وادي الرمل الذي يعجز السالك فلم يسمع قط في‬
‫ذكره في المغرب على كثرة سالكه و من يقص طرقه من‬
‫الركاب و القرى في كل عصر و كل جهة و هو على ما‬
‫ذكروه من الغرابة تتوفر الدواعي على نقله‪ .‬و أما غزوهم‬
‫بلد الشرق و أرض الترك و إن كان طريقه أوسع من‬
‫مسالك السويس إل أن الشقة هنا أبعد و أمم فارس و‬
‫الروم معترضون فيها دون الترك و لم نقل قط أن التبابعة‬
‫ملكوا بلد فارس و ل بلد الروم و إنما كانوا يحاربون أهل‬
‫فارس على حدود بلد العراق و ما بين البحرين و الحيرة و‬
‫الجزيرة بين دجلة و الفرات و ما بينهما في العمال و قد‬
‫وقع ذلك بين ذي الذعار منهم و كيكاوس من ملوك الكيانية‬
‫و بين تبع الصغر أبي كرب و يستاسف معهم أيضا ً و مع‬
‫ملوك الطوائف بعد الكيانية و الساسانية في من بعدهم‬
‫بمجاوزة أرض فارس بالغزو إلى بلد الترك و التبت و هو‬
‫ممتنع عادة من بعدهم أجل المم المعترضة منهم و الحاجة‬
‫إلى الزودة و العلوفات مع بعد الشقة كما مر فالخبار بذلك‬
‫واهية مدخولة و هي لو كانت صحيحة النقل لكان ذلك قادحا ً‬
‫فيها فكيف و هي لم تنقل من وجه صحيح و قول ابن‬
‫إسحاق في خبر يثرب و الوس و الخزرج أن تبعا ً الخر سار‬
‫إلى المشرق محمول ً على العراق و بلد فارس و أما بلد‬
‫الترك و التبت فل يصح غزوهم إليها بوجه لما تقرر فل تثق‬
‫بما يلقى إليك من ذلك و تأمل الخبار و أعرضها على‬
‫القوانين الصحيحة يقع لك تمحيصها بأحسن وجه و الله‬
‫الهادي إلى الصواب‪.‬‬

‫القسم الثاني من المقدمة في فضل علممم التاريممخ‬


‫و تحقيق مذاهبه و اللماع لما يعرض للمؤرخين‬
‫من المغالط و ذكر شيىء من أسبابها‬
‫و أبعد من ذلك و أعرق في الوهم ما يتناقله المفسرون فممي‬
‫تفسير سورة و الفجر في قوله تعالى ألم تر كيف فعل ربممك‬
‫بعمماد * إرم ذات العممماد فيجعلممون لفظممة إرم اسممما ً لمدينممة‬
‫وصفت بأنها ذات عماد أي أساطين و ينقلممون أنممه كممان لعمماد‬
‫بن عوص بن إرم ابنان هما شديد و شداد ملكمما مممن بعممده و‬
‫هلك شديد فخلص الملك لشداد و دانت له ملمموكهم و سمممع‬
‫وصف الجنة فقال لبنين مثلها فبنى مدينة إرم فممي صممحارى‬
‫عدن في مدة ثلثمائة سنة و كان عمره تسعمائة سنة و أنهمما‬
‫مدينة عظيمة قصورها من الذهب و أساطينها من الزبرجد و‬
‫الياقوت و فيها أصناف الشجر و النهممار المطممردة و لممما تممم‬
‫بناؤها سار إليها بأهل مملكته حتى إذا كان منها على مسميرة‬
‫يوم و ليلة بعث الله عليهم صيحة من السماء فهلكمموا كلهممم‪.‬‬
‫ذكممر ذلممك الطممبري و الثعممالبي و الزمخشممري و غيرهممم مممن‬
‫المفسرين و ينقلون عن عبد الله بن قلبة من الصممحابة أنممه‬
‫خرج في طلب إبل له فوقع عليها و حمل منها ما قممدر عليممه‬
‫و بلغ خبره معاوية فأحضره و قممص عليممه فبحممث عممن كعممب‬
‫الخبممار و سممأله عممن ذلممك فقممال هممي إرم ذات العممماد مممن‬
‫سيدخلها رجل من المسلمين أحمر أشقر قصير على حمماجبه‬
‫خال و على عنقه خال يخممرج فمي طلممب إبممل لممه ثممم التفممت‬
‫فأبصر ابن قلبة فقال هذا و الله ذلك الرجل‪.‬‬
‫و هذه المدينة لم يسمع لها خبر من يممومئذ فممي شمميىء مممن‬
‫بقاع الرض و صحارى عدن التي زعموا أنها بنيممت فيهمما هممي‬
‫فممي وسممط اليمممن و مممازال عمرانممه متعاقب ما ً و الدلء تقممص‬
‫طرقه من كل وجممه و لممم ينقممل عممن هممذه المدينممة خممبر و ل‬
‫ذكرهمما أحممد مممن الخبمماريين و ل مممن المممم و لممو قممالوا أنهمما‬
‫درست فيما درس من الثار لكان أشبه إل أن ظاهر كلمهممم‬
‫أنها موجودة و بعضهم يقول أنها دمشممق بنمماء علممى أن قمموم‬
‫عاد ملكوها و قد ينتهي الهذيان ببعضهم إلى أنها غائبة و إنما‬
‫يعممثر عليهمما أهممل الرياضممة و السممحر مزاعممم كلهمما أشممبه‬
‫بالخرافات و الذي حمممل المفسممرين علممى ذلممك ممما اقتضممته‬
‫صناعة العراب في لفظة ذات العماد أنها صفة إرم و حملوا‬
‫العماد على الساطين فتعين أن يكون بناء و رشح لهممم ذلممك‬
‫قراءة ابن الزبير عاد إرم على الضافة مممن غيممر تنويممون ثممم‬
‫وقفمموا علممى تلممك الحكايممات الممتي هممي أشممبه بالقاصمميص‬
‫الموضوعة التي هي أقرب إلممى الكممذب المنقولممة فممي عممداد‬
‫المضحكات و إل فالعماد هي عممماد الخبيممة بممل الخيممام و إن‬
‫أريد بها السمماطين فل بممدع فممي وصممفهم بممأنهم أهممل بنمماء و‬
‫أساطين على العموم بما اشتهر من قمموتهم لنممه بنمماء خمماص‬
‫في مدينة معينة أو غيرها و إن أضيفت كممما فممي قممراءة ابممن‬
‫الزبير فعلى إضافة الفصيلة إلممى القبيلممة كممما تقممول قريممش‬
‫كنانممة و إليمماس مضممر و ربيعممة نممزار أي ضممرورة إلممى هممذا‬
‫المحمل البعيد الذي تمحلت لتوجيهه لمثممال هممذه الحكايممات‬
‫الواهية التي ينزه كتاب الله عن مثلها لبعدها عن الصحة‪.‬‬
‫و من الحكايات المدخولممة للمممؤرخين ممما ينقلممونه كافممة فممي‬
‫سبب نكبة الرشيد للبرامكة من قصة العباسة أخته مع جعفر‬
‫بن يحيى بن خالد موله و أنه لكلفممه بمكانهممما مممن معمماقرته‬
‫إياهما الخمر أذن لهما فمي عقمد النكماح دون الخلموة حرصما ً‬
‫على اجتماعهما في مجلسه و أن العباسة تحيلممت عليممه فممي‬
‫التماس الخلوة به لما شغفها مممن حبممه حممتى واقعهمما زعممموا‬
‫في حالة السكر فحملت و وشي بذلك للرشيد فاستغضممب و‬
‫هيهات ذلك من منصب العباسة في دينها و أبويها و جللهمما و‬
‫أنها بنت عبد اللممه بممن عبمماس و ليممس بينهمما و بينممه إل أربعممة‬
‫رجال هم أشراف الدين و عظماء الملة من بعده‪ .‬و العباسة‬
‫بنت محمد المهدي ابممن عبممد اللممه أبممي جعفممر المنصممور بممن‬
‫محمد السجاد ابن علي أبي الخلفمماء ابممن عبممد اللممه ترجمممان‬
‫القرآن ابن العباس عم النممبي صمملى اللممه عليممه و سمملم ابنممة‬
‫خليفة أخت خليفة محفوفة بالملك العزيز و الخلفة النبوية و‬
‫صممحبة الرسممول و عمممومته و إقامممة الملممة و نممور المموحي و‬
‫مهبط الملئكة من سائر جهاتها قريبة عهد ببداوة العروبيممة و‬
‫سذاجة الذين البعيدة عن عمموائد الممترف و مراتممع الفممواحش‬
‫فأين يطلب الصممون و العفمماف إذا ذهممب عنهمما أو أيممن توجممد‬
‫الطهممارة و الممذكاء إذا فقممدا مممن بيتهمما أو كيممف تلحممم نسممبها‬
‫بجعفر بن يحيى و تدنس شرفها العربممي بممولى ممن ممموالي‬
‫العجم بملكة جممده مممن الفممرس أو بممولء جممدها مممن عمومممة‬
‫الرسول و أشراف قريش و غايته أن جممذبت دولتهممم بضممبعه‬
‫وضبع أبيممه و استخلصممتهم و رقتهممم إلممى منممازل الشممراف و‬
‫كيف يسوغ من الرشيد أن يصهر إلمى مموالي العمماجم علممى‬
‫بعد همته و عظممم آبممائه و لممو نظممر المتأمممل فممي ذلممك نظممر‬
‫المنصف و قاس العباسة بابنة ملك من عظماء ملوك زمممانه‬
‫لستنكف لها عن مثلمه ممع ممولى ممن مموالي دولتهما و فمي‬
‫سمملطان قومهمما و اسممتنكره و لممج فممي تكممذيبه و ابممن قممدر‬
‫العباسة و الرشيد من الناس‪.‬‬
‫و إنما نكب البرامكة ما كان مممن اسممتبدادهم علممى الدولممة و‬
‫احتجافهم أموال الجباية حتى كان الرشيد يطلب اليسير مممن‬
‫المممال فل يصممل إليممه فغلبمموه علممى أمممره و شمماركوه فممي‬
‫سلطانه و لم يكن له منهم تصرف في أمور ملكممه فعظمممت‬
‫آثممارهم و بعممد صمميتهم و عمممروا مراتممب الدولممة و خططهمما‬
‫بالرؤساء من ولدهم و صنائعهم و احتازوها عمن سواهم من‬
‫وزارة و كتابة و قيادة و حجابة و سيف و قلم‪ .‬يقال إنه كممان‬
‫بدار الرشيد من ولد يحيى بن خالد خمسة و عشرون رئيس ما ً‬
‫من بين صاحب سيف و صاحب قلم زاحموا فيها أهل الدولممة‬
‫بالمناكب و دفعوهم عنها بالراح لمكان أبيهم يحيى بن كفالممة‬
‫هارون ولي عهد و خليفة حممتى شممب فممي حجممره و درج مممن‬
‫عشه و غلب على أمره و كان يدعوه يمما أبممت فتمموجه اليثممار‬
‫من السلطان إليهم وعظمممت الدالممة منهممم و انبسممط الجمماه‬
‫عندهم و انصرفت نحوهم الوجوه و خضممعت لهممم الرقمماب و‬
‫قصرت عليهم المال و تخطت إليهم من أقصى التخوم هدايا‬
‫الملوك و تحف المراء و تسممربت إلممى خزائنهممم فممي سممبيل‬
‫الممتزلف و السممتمالة أممموال الجبايممة و أفاضمموا فممي رجممال‬
‫الشيعة و عظماء القرابة العطاء و طوقوهم المنممن و كسممبوا‬
‫من بيوتات الشراف المعدم و فكوا العاني و مدحوا بممما لممم‬
‫يمممدح بممه خليفتهممم و أسممنوا لعفمماتهم الجمموائز و الصمملت و‬
‫استولوا على القرى و الضياع من الضممواحي و المصممار فممي‬
‫سائر الممالك حتى أسفوا البطالة و أحقدوا الخاصة و أغصوا‬
‫أهل الولية فكشفت لهم وجمموه المنافسممة و الحسممد و دبممت‬
‫إلى مهادهم الوثير من الدولة عقارب السعاية حتى لقد كممان‬
‫بنممو خطبممة أخمموال جعفممر مممن أعظممم السمماعين عليهممم لممم‬
‫تعطفهم لما وقر في نفوسهم من الحسد عواطممف الرحممم و‬
‫ل وزعتهممم أواصممر القرابممة و قممارن ذلممك عنممد مخممدومهم‬
‫نواشمميء الغيممرة و السممتنكاف مممن الحجممر و النفممة و كممان‬
‫الحقود التي بعثتها منهم صغائر الدالة‪ .‬و انتهممى بهمما الصممرار‬
‫على شأنهم إلى كبائر المخالفة كقصتهم في يحيممى بممن عبممد‬
‫الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب أخي محمد‬
‫المهممدي الملقممب بممالنفس الزكيممة الخممارج علممى المنصممور و‬
‫يحيى هذا هو الذي استنزله الفضل بن يحيى مممن بلد الممديلم‬
‫على أمان الرشيد بخطه و بذل لهم فيه ألف ألف درهم على‬
‫ما ذكره الطبري و دفعه الرشيد إلى جعفممر و جعممل اعتقمماله‬
‫بداره و إلى نظره فحبسه مدة ثم حملته الدالممة علممى تخليممة‬
‫سبيله و الستبداد بحل عقاله حرما ً لدماء أهل البيت بزعمممه‬
‫و دالة على السلطان في حكمه‪ .‬و سأله الرشيد عنممه لممما و‬
‫شي به أليه ففطن و قال أطلقته فأبدى له وجه الستحسان‬
‫و أسرها في نفسه فأوجد السبيل بذلك على نفسممه و قممومه‬
‫حتى ثل عرشهم و ألقيت عليهم سممماؤهم و خسممفت الرض‬
‫بهم و بممدارهم و ذهبممت سمملفا ً و مثل ً للخريممن أيممامهم و مممن‬
‫تأمل أخبارهم و استقصى سير الدولممة و سمميرهم وجممد ذلممك‬
‫محقق السر ممهد السباب و انظر ما نقله ابن عبد ربه في‬
‫مفاوضة الرشيد عم جده داود بن علي في شأن نكبتهم و ما‬
‫ذكره في باب الشعراء في كتاب العقد به محاورة الصمممعي‬
‫للرشمميد و للفضممل بممن يحيممى فممي سمممرهم تتفهممم أنممه إنممما‬
‫قتلتهم الغيرة و المنافسة فممي السممتبداد مممن الخليفممة فمممن‬
‫دونه و كذلك ما تحيل به أعداؤهم مممن البطانممة فيممما دسمموه‬
‫للمغنين من الشعر احتيال ً علممى إسممماعه للخليفممة و تحريممك‬
‫حفائظه لهم و هو قوله‪:‬‬
‫ليت هندا ً أنجزتنا ما تعد و شفت أنفسنا مما نجد‬
‫ةإنما العاجز من ليستبد‬
‫و استبدت مرة ً واحد ً‬
‫و إن الرشيد لما سمعها قال أي و الله إني عاجز حتى بعثمموا‬
‫بأمثالي هذه كامن غيرته و سلطوا عليهم بأس انتقممامه نعمموذ‬
‫بالله من غلبة الرجال و سوء الحال‪.‬‬
‫و أما ما تموه له الحكاية من معاقرة الرشيد الخمر و اقتران‬
‫سكره بسكر الندمان فحاشا الله ما علمنا عليه مممن سمموء و‬
‫أين هذا من حال الرشيد و قيامه بما يجممب لمنصممب الخلفممة‬
‫من الدين و العدالممة و ممما كممان عليممه مممن صممحابة العلممماء و‬
‫الوليمماء و محمماوراته للفضمميل بممن عيمماض و ابممن السمممك و‬
‫العمري و مكاتبته سممفيان الثمموري و بكممائه مممن مممواعظهم و‬
‫دعممائه بمكممة فممي طمموافه و ممما كممان عليممه مممن العبممادة و‬
‫المحافظة على أوقات الصلوات و شهود الصبح لول وقتهمما‪.‬‬
‫حكى الطبري و غيره أنه كان يصلي في كل يوم مممائة ركعممة‬
‫نافلة و كان يغزو عاما ً و يحج عاما ً و لقد زجر ابن أبي مريممم‬
‫مضحكه في سمره حين تعرض له بمثل ذلك في الصلة لممما‬
‫سمعه يقرأ وما لي ل أعبممد الممذي فطرنممي وإليممه ترجعممون و‬
‫قال و الله ما أدري لم ؟ فممما تمالممك الرشمميد أن ضممحك ثممم‬
‫التفت إليه مغضبا ً و قال يا ابن أبي مريممم فممي الصمملة أيضما ً‬
‫إياك إياك و القرآن و الدين و لممك ممما شممئت بعممدهما و أيضما ً‬
‫فقد كان من العلم و السذاجة بمكان لقرب عهده من سلفه‬
‫المنتحلين لذلك و لم يكن بينه و بيممن جممده أبممي جعفممر بعيممد‬
‫زمن إنما خلفه غلما ً و قد كان أبو جعفر بمكان من العلممم و‬
‫الدين قبل الخلفة و بعممدها و هممو القممائل لمالممك حيممن أشممار‬
‫عليه بتأليف الموطإ يا أبا عبد اللممه إنممه لممم يبقممى علممى وجممه‬
‫الرض أعلم مني و منك و إني قد شغلتني الخلفة فضع أنت‬
‫للناس كتابا ً ينتفعون به تجنب فيه رخص ابن عباس و شممدائد‬
‫ابن عمر و وطئه للناس توطئة قال مالك فوالله‪ .‬لقد علمني‬
‫التصنيف يومئذ و لقد أدركه ابنه المهممدي أبممو الرشمميد هممذا و‬
‫هو يتورع عن كسوة الجديمد لعيماله ممن بيمت الممال و دخمل‬
‫عليه يوما ً و هو بمجلسه يباشر الخياطين في إرقاع الخلقممان‬
‫من ثياب عياله فاستنكف المهممدي مممن ذلممك و قممال يمما أميممر‬
‫المؤمنين على كسمموة هممذه العيممال عامن ما ً هممذا مممن عطممائي‬
‫فقال له لك ذلك و لم يصده عنه و ل سمح بالنفاق فيه مممن‬
‫أموال المسلمين فكيف يليق بالرشيد على قممرب العهممد ممن‬
‫هذا الخليفة و أبوته و ما ربي عليه من أمثال هذه السير فممي‬
‫أهل بيته و التخلق بهمما أن يعمماقر الخمممر أو يجمماهر بهمما و قممد‬
‫كانت حالة الشراف من العرب الجاهلية في اجتنمماب الخمممر‬
‫معلومة و لم يكن الكرم شجرتهم و كممان شممربها مذمممة عنممد‬
‫الكثير منهم و الرشمميد و آبمماؤه كممانوا علممى ثبممج مممن اجتنمماب‬
‫المذمومات في دينهم و دنياهم و التخلق بالمحامد و أوصاف‬
‫الكمممال و نزعممات العممرب‪ .‬و انظممر ممما نقلممه الطممبري و‬
‫المسعودي في في قصة جبريل بن بختيشمموع الطممبيب حيممن‬
‫أحضر له السمممك فمي مممائدته فحممماه عنممه ثمم أممر صماحب‬
‫المائدة بحمله إلى منزله و فطن الرشيد و ارتمماب بممه و دس‬
‫خادمه حتى عاينه يتناوله فاعد ابممن بختيشمموع للعتممذار ثلث‬
‫قطع من السمك في ثلثة أقداح خلط إحداها باللحم المعالج‬
‫بالتوابل و البقول و البوارد و الحلوى و صب على الثانية ممماًء‬
‫مثلجا ً و على الثالثة خمممرا ً صممرفا ً و قممال فممي الول و الثمماني‬
‫هممذا طعممام أميممر المممؤمنين إن خلممط السمممك بغيممره أو لممم‬
‫يخلطه و قال في الثالث هممذا طعممام ابممن بختيشمموع و دفعهما‬
‫إلى صاحب المائدة حتى إذا انتبه الرشيد و أحضممره للتوبيممخ‪،‬‬
‫أحضر الثلثة القداح فوجد صاحب الخمر قد اختلط و أماع و‬
‫تفتت و وجد الخرين قد فسدا و تغيرت رائحتهما فكممانت لممه‬
‫في ذلك معذرة و تبين من ذلك أن حال الرشيد فممي اجتنمماب‬
‫الخمر كانت معروفة عند بطممانته و أهممل مممائدته و لقممد ثبممت‬
‫عنه أنه عهد بحبس أبممي نممواس لممما بلغممه مممن انهممماكه فممي‬
‫المعاقرة حتى تاب و أقلع و إنممما كممان الرشمميد يشممرب نبيممذ‬
‫التمر على مذهب أهل العراق و فتاويهم فيها معروفممة و أممما‬
‫الخمر الصرف فل سممبيل إلممى اتهممامه بهمما و ل تقليممد الخبممار‬
‫الواهية فيها فلم يكن الرجل بحيممث يواقممع محرمما ً مممن أكممبر‬
‫الكبائر عند أهل الملة و لقد كان أولئك القمموم كلهممم بمنحمماة‬
‫من ارتكاب السرف و الترف في ملبسهم و زينتهمم و سمائر‬
‫متناولتهم لما كانوا عليه من خشونة البداوة و سذاجة الدين‬
‫التي لم يفارقوها بعد فما ظنك بممما يخممرج عممن الباحممة إلممى‬
‫الحظممر و عممن الحلممة إلممى الحرمممة و لقممد اتفممق المؤرخممون‬
‫الطبري و المسعودي و غيرهم على أن جميع من سلف مممن‬
‫خلفاء بني أميممة و بنممي العبمماس إنممما كممانوا يركبممون بالحليممة‬
‫الخفيفممة مممن الفضممة فممي المنمماطق و السمميوف و اللجممم و‬
‫السروج و أن أول خليفة أحممدث الركمموب بحليممة الممذهب هممو‬
‫المعتز بن المتوكل ثمامن الخلفمماء بعممد الرشمميد و هكممذا كممان‬
‫حالهم أيضا ً في ملبسهم فما ظنك بمشمماربهم و يتممبين ذلممك‬
‫بأتم من هذا إذا فهمت طبيعة الدولة في أولها من البممداوة و‬
‫الغضاضة كما نشرح في مسائل الكتاب الول إن شاء الله و‬
‫الله الهادي إلممى الصممواب‪ .‬و يناسممب هممذا أو قريممب منممه ممما‬
‫ينقلونه كافة عن يحيى بن أكثم قاضممي المممأمون و صمماحبه و‬
‫أنه كان يعاقر الخمر و أنه سكر ليلممة مممع شممربه فممدفن فممي‬
‫الريحان حتى أفاق و ينشدون على لسانه‪:‬‬
‫يا سيدي و أمير الناس كلهم قد جار في حكمه من كان‬
‫يسقيني‬
‫إني غفلت عن الساقي فصيرني كما تراني سليب العقل و‬
‫الدين‬
‫و حال ابممن أكثممم و المممأمون فممي ذلممك مممن حممال الرشمميد و‬
‫شرابهم إنما كممان النبيممذ و لممم يكممن محظممورا ً عنممدهم و أممما‬
‫السكر فليس من شأنهم و صحابته للمأمون إنما كممانت خلممة‬
‫في الدين و لقد ثبت أنه كان ينام معه في البيت و نقممل فممي‬
‫فضائل المأمون و حسن عشرته أنه انتبه ذات ليلة عطشممان‬
‫فقام يتحسس و يتلمممس النمماء مخافممة أن يمموقظ يحيممى بممن‬
‫أكثم و ثبت أنهما كانمما يصممليان الصممبح جميعما ً فممإن هممذا مممن‬
‫المعاقرة و أيضما ً فممإن يحيممى بممن أكثممم كممان مممن عليممة أهممل‬
‫الحديث و قد أثنى عليه المممام أحمممد بممن حنبممل و إسمماعيل‬
‫القاضي و خرج عنممه التزمممذي كتممابه الجممامع و ذكممر المزنممي‬
‫الحافظ أن البخاري روى عنه فممي غيممر الجممامع فالقممدح فيممه‬
‫قممدح فممي جميعهممم و كممذلك ممما ينممبزه المجممان بالميممل إلممى‬
‫الغلمان بهتانا ً على الله و فرية على العلماء و يسممتندون فممي‬
‫ذلك إلى أخبار القصاص الواهية التي لعلها من افتراء أعدائه‬
‫فإنه كان محسودا ً في كماله خلتممه للسمملطان و كممان مقممامه‬
‫من العلم و الدين منزها ً عن مثل ذلك و قد ذكممر لبممن حنبممل‬
‫ما يرميه به النمماس فقممال سممبحان اللممه سممبحان اللممه و مممن‬
‫يقول هذا و أنكر ذلممك إنكممارا ً شممديدا ً وأثنممى عليممه إسممماعيل‬
‫القاضي فقيل له ما كان يقال فيه فقال معاذ اللممه أن تممزول‬
‫عدالة مثله بتكذيب باغ و حاسد و قال أيضما ً يحيممى بممن أكثممم‬
‫أبرأ إلى الله من أن يكون فيه شيىء مما كان يرمى بممه مممن‬
‫أمر الغلمان و لقممد كنمت أقمف علمى سممرائره فأجمده شمديد‬
‫الخوف من الله لكنه كانت فيه دعابممة و حسممن خلممق فرمممى‬
‫بما رمى به ابن حيان في الثقات و قال ل يشتغل بما يحكممى‬
‫عنه لن أكثرها ل يصح عنه و مممن أمثممال هممذه الحكايممات ممما‬
‫نقله ابن عبد ربه صاحب العقد من حديث الزنبيل في سممبب‬
‫إصهار المأمون إلى الحسن بن سهل فممي بنتممه بمموران و أنممه‬
‫عثر في بعض الليالي في تطمموافه بسممكك بغممداد فممي زنبيممل‬
‫مدلى من بعض السطوح بمعالق و جممدل مغممارة الفتممل مممن‬
‫الحرير فاعتقده و تناول المعالق فاهتزت و ذهممب بممه صممعدا ً‬
‫إلى مجلس شأنه كذا و وصف من زينة فرشه و تنصيد ابنتممه‬
‫و جمممال رؤيتممه ممما يسممتوقف الطممرف و يملمك النفممس و أن‬
‫امرأة برزت له من خلممل السممتور فمي ذلمك المجلممس رائقمة‬
‫الجمال فتانة المحاسن فحيته و دعته إلى المنادمة فلم يممزل‬
‫يعاقرها الخمر حتى الصباح و رجع إلى أصحابه بمكممانهم مممن‬
‫انتظاره و قد شغفته حبا ً بعثه على الصهار إلممى أبيهمما و أيممن‬
‫هذا كلممه مممن حممال المممأمون المعروفممة فممي دينممه و علمممه و‬
‫اقتفممائه سممنن الخلفمماء الراشممدين مممن آبممائه و أخممذه بسممير‬
‫الخلفمماء الربعممة أركممان الملممة و منمماظرته العلممماء و حفظممه‬
‫لحمدود اللمه تعمالى فمي صملواته‪ ،‬أحكمامه فكيمف تصمح عنمه‬
‫أحوال الفساق المستهترين فممي التطممواف بالليممل و طممروق‬
‫المنازل و غشيان السمر سبيل عشاق العممراب و أيممن ذلممك‬
‫من منصب ابنة الحسن بن سممهل و شممرفها و ممما كممان بممدار‬
‫أبيها من الصون و العفاف و أمثممال هممذه الحكايممات كممثيرة و‬
‫فممي كتممب المممؤرخين معروفممة و إنممما يبعممث علممى وضممعها و‬
‫الحممديث بهمما النهممماك فممي اللممذات المحرمممة و هتممك قنمماع‬
‫المخدرات و يتعللون بالتأسي بالقوم فيما يممأتونه مممن طاعممة‬
‫لذاتهم فلذلك تراهم كثيرا ً ما يلهجون بأشممباه هممذه الخبممار و‬
‫ينقرون عنها عند تصفحهم لوراق الدواوين و لو ائتسمموا بهممم‬
‫فممي غيممر هممذا مممن أحمموالهم و صممفات الكمممال اللئقممة بهممم‬
‫المشهورة عنهمم لكمان خيمرا ً لهمم لمو كمانوا يعلممون‪ .‬و لقمد‬
‫عذلت يوما ً بعض المراء من أبنمماء الملمموك فممي كلفممه بتعلممم‬
‫الغناء و ولوعه بالوتار و قلت لممه ليممس هممذا مممن شممأنك و ل‬
‫يليق بمنصبك فقال لممي أفل تممرى إلممى إبراهيممم بممن المهممدي‬
‫كيف كان إمممام هممذه الصممناعة و رئيممس المغنيممن فممي زمممانه‬
‫فقلت له يمما سممبحان اللممه و هل تأسمميت بممأبيه أو أخيممه أو ممما‬
‫رأيت كيف قعد ذلك بإبراهيم عن مناصبهم فصم عممن عممذلي‬
‫و أعرض و الله يهدي من يشاء‪.‬‬
‫و من الخبار الواهية ما يذهب إليممه الكممثير مممن المممؤرخين و‬
‫الثبات في العبيديين خلفاء الشيعة بالقيروان و القاهرة مممن‬
‫نفيهممم عممن أهممل الممبيت صمملوات اللممه عليهممم و الطعممن فممي‬
‫نسبهم إلى اسماعيل المام ابن جعفر الصادق يعتمدون فممي‬
‫ذلممك علممى أحمماديث لفقممت للمستضممعفين مممن خلفمماء بنممي‬
‫العباس تزلفا ً إليهم بالقدح فيمن ناصبهم و تفننا ً في الشمات‬
‫بعدوهم حسبما تممذكر بعممض هممذه الحمماديث فممي أخبممارهم و‬
‫يغفلون عن التفطن لشواهد الواقعات و أدلممة الحمموال الممتي‬
‫اقتضت خلف ذلك من تكذيب دعواهم و الرد عليهم‪.‬‬
‫فإنهم متفقون في حديثهم عن مبدأ دولة الشيعة أن أبمما عبممد‬
‫الله المحتسممب لممما دعممي بكتامممة للرضممى مممن آل محمممد و‬
‫اشتهر خبره و علم تحويمه على عبيد الله المهدي و ابنه أبي‬
‫القاسممم خشمميا علممى أنفسممهما فهربمما مممن المشممرق محممل‬
‫الخلفة و اجتازا بمصر و أنهما خرجا من السكندرية فممي زي‬
‫التجار و نمي خبرهما إلممى عيسممى النوشممري عامممل مصممر و‬
‫السكندرية فسرح في طلبهما الخيالة حممتى إذا أدركمما خفممي‬
‫حالهما على تابعهما بما لبسوا به من الشارة و الزي فممأفلتوا‬
‫إلى المغرب‪ .‬و أن المعتضد أوعز إلى الغالبة أمراء أفريقيمما‬
‫بالقيروان و بني مدرار أمراء سجلماسة بأخذ الفمماق عليهممما‬
‫وإذكاء العيون في طلبهما فعثر اليشع صاحب سجلماسة من‬
‫آل مممدرار علممى خفممي مكانهممما ببلممده و اعتقلهممما مرضمماة‬
‫للخليفة‪.‬‬
‫القسم الثالث من المقدمة في فضل علممم التاريممخ‬
‫و تحقيق مذاهبه و اللماع لما يعرض للمؤرخين‬
‫من المغالط و ذكر شيىء من أسبابها‬
‫هذا قبل أن تظهر الشيعة على الغالبة بالقيروان ثم كان بعد‬
‫ذلك ما كان من ظهور دعوتهم بالمغرب و أفريقية ثم باليمن‬
‫ثم بالسكندرية ثم بمصر و الشام و الحجمماز و قاسممموا بنممي‬
‫العبمماس فممي ممالممك السمملم شممق البلمممة و كممادوا يلجممون‬
‫عليهم مواطنهم و يزايلون من أمرهم و لقممد أظهممر دعمموتهم‬
‫ببغممداد و عراقهمما الميممر البساسمميري مممن ممموالي الممديلم‬
‫المتغلبين على خلفاء بني العباس في مغاضبت جرت بينممه و‬
‫بين أمراء العجمم و خطمب لهممم علممى منابرهما حمول ً كمامل ً و‬
‫مازال بنو العباس يغصممون بمكممانهم و دولتهممم و ملمموك بنممي‬
‫أمية وراء البحر ينادون بالويل و الحرب منهم و كيف يقع هذا‬
‫كله لدعي في النسب يكذب في انتحال المممر و اعتممبر حممال‬
‫القرمطي إذ كان دعي ما ً فممي انتسممابه كيممف تلشممت دعمموته و‬
‫تفرقت اتباعه و ظهر سريعا ً على خبثهمم و مكرهمم فسماءت‬
‫عاقبتهم و ذاقوا و بال أمرهم و لو كان أمر العبيد بين كممذلك‬
‫لعرف و لو بعد مهلة‪:‬‬
‫ومهما يكن عند امرىء من خليقة و إن خالها تخفى على‬
‫الناس تعلم‬
‫فقد اتصلت دولتهم نحوا ً مممن مممائين و سممتين سممنة و ملكمموا‬
‫مقام إبراهيم عليه السلم و مصله و موطن الرسممول صمملى‬
‫الله عليه وسلم و مدفنه و موقف الحجيج و مهبممط الملئكممة‬
‫ثم انقرض أمرهم و شيعتهم في ذلك كله على أتم ممما كممانوا‬
‫عليه من الطاعة لهم و الحب فيهم و اعتقادهم بنسب المام‬
‫إسماعيل بن جعفر الصادق و لقد خرخمموا مممرارا ً بعممد ذهمماب‬
‫الدولة و دروس أثرهمما داعيممن إلممى بممدعتهم همماتفين بأسممماء‬
‫صبيان من أعقابهم يزعمون اسممتحقاقهم للخلفممة و يممذهبون‬
‫إلى تعيينهم بالوصية ممن سلف قبلهم من اليمة و لو ارتابوا‬
‫فممي نسممبهم لممما ركبمموا أعنمماق الخطممار فممي النتصممار لهممم‬
‫فصاحب البدعة ل يلبس في أمره و ل يشبه فممي بممدعته و ل‬
‫يكذب نفسه فيما ينتحله‪.‬‬
‫والعجب من القاضممي أبممي بكممر البمماقلني شمميخ النظممار مممن‬
‫المتكلمين كيف يجنح إلى هذه المقالة المرجوحة و يرى هممذا‬
‫الرأي الضعيف فأن كان ذلك لما كانوا عليه من اللحمماد فممي‬
‫الدين و التعمق في الرافضية فليممس ذلممك بممدافع فممي صممدر‬
‫دعوتهم و ليس إثبات منتسبهم بالمذي يغنمي عنهمم ممن اللمه‬
‫شيئا ً في كفرهم فقد قال تعالى لنوح عليه السلم في شممأن‬
‫ابنه إنه ليس من أهلك إنممه عمممل غيممر صممالح فل تسممألن ممما‬
‫ليس لك به علم و قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة يعظها‬
‫يا فاطمة إعملي فلن أغني عنك من الله شيئا ً و مممتى عممرف‬
‫ة و استيقن أمرا ً وجممب عليممه أن يصممدع بممه و اللممه‬
‫امرؤ قضي ً‬
‫يقول الحق و هممو يهممدي السممبيل و القمموم كممانوا فممي مجممال‬
‫الظنون الدول بهم و تحت رقبة من الطغاة لتوفر شمميعتهم و‬
‫انتشارهم في القاصية بدعوتهم و تكممرر خروجهممم مممرة بعممد‬
‫أخرى فلذت رجممالتهم بالختفمماء و لممم يكممادوا يعرفممون كممما‬
‫قيل‪:‬‬
‫و أين مكاني ما‬ ‫فلو تسأل اليام ما اسمي ما درت‬
‫عرفن مكانيا‬
‫حتى لقد سمممي محمممد بممن إسممماعيل المممام جممد عبممد اللممه‬
‫المهدي بالمكتوم سمته بذلك شيعتهم لممما إتفقمموا عليممه مممن‬
‫إخفائه حذرا ً من المتغلبين عليهم فتوصل شيعة بني العبمماس‬
‫بذلك عند ظهورهم إلى الطعممن فممي نسممبهم و ازدلفمموا بهممذا‬
‫الممرأي القممائل للمستضممعفين مممن خلفممائهم و أعجممب بممه‬
‫أوليمماؤهم و أمممراء دولتهممم المتولممون لحروبهممم مممع العممداء‬
‫يممدفعون بممه عممن أنفسممهم و سمملطانهم معممرة العجممز عممن‬
‫المقاومممة و المدافعممة لمممن غلبهممم علممى الشممام و مصممر و‬
‫الحجاز من البربر الكتامين شمميعة العبيممديين و أهممل دعمموتهم‬
‫حتى لقد أسمجل القضماة ببغمداد بنفيهممم عمن همذا النسممب و‬
‫شهد بذلك عندهم من أعلم النمماس جماعممة منهممم الشممريف‬
‫الرضي و أخوة المرتضى و ابن البطحاوي و من العلممماء أبممو‬
‫حامد السفراييني و القدوري و الصمميمري و ابممن الكفمماني و‬
‫البيوردي و أبو عبد الله بن النعمان فقيممه الشمميعة و غيرهممم‬
‫من أعلم المة ببغداد في يوم مشهود و ذلممك سممنة سممتين و‬
‫أربعمائة في أيممام القممادر و كممانت شممهادتهم فممي ذلممك علممى‬
‫السماع لما اشتهر وعرف بين الناس ببغممداد و غالبهمما شمميعة‬
‫بني العباس الطاعنون في هذا النسب فنقله الخباريون كممما‬
‫سمعوه و رووه حسبما وعوه و الحق من ورائه‪ .‬و في كتمماب‬
‫المعتضد في شأن عبيد الله إلى ابن الغلب بالقيروان و ابن‬
‫مدرار بسجلماسة أصممدق شمماهد و أوضممح دليممل علممى صممحة‬
‫نسبهم فالمعتضممد أقعممد بنسممب أهممل الممبيت مممن كممل أحممد و‬
‫الدولة و السلطان سمموق للعممالم تجلممب إليممه بضممائع العلمموم‬
‫والصممنائع تلتمممس فممي ضمموال الحكممم تحممدى إليممه ركممائب‬
‫الروايممات و الخبممار و ممما نفممق فيهمما نفممق عنممد الكافممة فممأن‬
‫تنزهت الدولة عن التعسف و الميممل و الفممن و السفسممفة و‬
‫سلكت النهج المم و لممم تجممر عممن قصممد السممبيل نفممق فممي‬
‫سوقها البريمز الخمالص و اللجيمن المصمفى و أن ذهبمت ممع‬
‫الغممراض و الحقممود و ممماجت بسماسممرة العممرب البغممي و‬
‫الباطممل نفممق البهممرج و الممزائف و الناقممد البصممير قسممطاس‬
‫نظره و ميزان بحثه و ملتمسه‪.‬‬
‫و مثل هذا و أبعممد منمه كمثيرا ً ممما يتنماجى بممه الطماعنون فمي‬
‫نسب إدريس بن إدريس بن عبد الله بن حسممن بممن الحسممن‬
‫بن علي بن أبي طالب رضوان اللممه عليهممم المممام بعممد أبيممه‬
‫بممالمغرب القصممى و يعرضممون تعريممض الحممد بممالتظنن فممي‬
‫الحمل المخلف عن إدريس الكبر إنه لراشد مولهم قبحهممم‬
‫الله و أبعدهم ما أجهلهم أما يعلمون أن إدريممس الكممبر كممان‬
‫إصهاره في البربر و إنه منذ دخل المغرب إلى أن توفاه الله‬
‫عز و جل عريق في البدو و أن حال البادية في مثل ذلك غير‬
‫خافيممة ل مكممامن لهممم يتممأتى فيهمما الريممب و أحمموال حرمهممم‬
‫أجمعين بمزأى من جاراتهن و مسمع مممن جيرانهممن لتلصممق‬
‫الجدران و تطافن البنيان و عممدم الفواصممل بيممن المسمماكن و‬
‫قممد كممان راشممد يتممولى خدمممة الحممرم أجمممع مممن بعممد ممموله‬
‫بمشهد من أوليائهم و شمميعتهم و مراقبممة مممن كممافتهم و قممد‬
‫أتفق برابرة المغرب القصى عامة على بيعة إدريس الصغر‬
‫من بعد أبيه و آتمموه طمماعتهم عممن رضممى و إصممفاق و بممايعوه‬
‫على الموت الحمر و خاضوا دونه بحار المنايا فممي حروبممه و‬
‫غزواتممه و لممو حممدثوا أنفسممهم بمثممل هممذه الريبممة أو قرعممت‬
‫أسماعهم و لو من عدو كاشح أو منافق مرتمماب لتخلممف عممن‬
‫ذلك و لو بعضهم كل و الله إنممما صممدرت هممذه الكلمممات مممن‬
‫بني العباس أقتالهم و من بني الغلب عمالهم كانوا بأفريقية‬
‫و ولتهم‪.‬‬
‫و ذلك إنه لما فر إدريس الكبر إلى المغمرب مممن وقعممة بلممخ‬
‫أوعز الهادي إلممى الغالبممة أن يقعممدوا لممه بالمراصممد و يممذكوا‬
‫عليه العيون فلم يظفروا به و خلص إلى المغرب فتممم أمممره‬
‫و ظهرت دعوته و ظهر الرشيد من بعممد ذلممك علممى ممما كممان‬
‫من واضح مولهم و عاملهم علممى السممكندرية مممن دسيسممة‬
‫التشيع للعلوية و إدهانه في نجاة إدريس إلى المغرب فقتلممه‬
‫و دس الشماخ من ممموالي المهممدي أبيممه للتحيممل علممى قتممل‬
‫إدريس فأظهر اللحاق به و البراءة من بنممي العبمماس مممواليه‬
‫فاشتمل عليه إدريس و خلطه بنفسممه و نمماوله الشممماخ فممي‬
‫بعض خلواته سما ً استهلكه بممه و وقممع خممبر مهلكممه مممن بنممي‬
‫العباس أحسن المواقع لما رجوه مممن قطممع أسممباب الممدعوة‬
‫العلوية بممالمغرب و اقتلع جرثومتهمما و لممما تمأدى إليهممم خممبر‬
‫الحمل المخلف لدريس فلم يكن لهم إل كل و ل إذا بالدعوة‬
‫قد عادت و الشيعة بالمغرب قممد ظهممرت و دولتهممم بممإدريس‬
‫بن إدريس قد تجددت فكممان ذلممك عليهممم أنكممى مممن و وقممع‬
‫الشهاب وكان الفشل و الهرم قد نزل بدولة العممرب عممن أن‬
‫يسموا إلممى القاصممية فلممم يكممن منتهممى قممدرة الرشمميد علممى‬
‫إدريس الكبر بمكانه من قاصممية المغممرب و اشممتمال الممبربر‬
‫عليه إل التحيل في إهلكه بالسممموم فعنممد ذلممك فزعمموا إلممى‬
‫أوليممائهم مممن الغالبممة بأفريقيممة فممي سممد تلممك الفرجممة مممن‬
‫ناحيتهم و حسم الداء المتوقع بالدولة من قبلهم و اقتلع تلك‬
‫العروق قبل أن تشج منهممم يخمماطبهم بممذلك المممأمون و مممن‬
‫بعده من خلفائهم فكان الغالبة عن برابرة المغرب القصممى‬
‫أعجز و لمثلها مممن الزبممون علممى ملمموكهم أحمموج لممما طممرق‬
‫الخلفة من انممتزاء ممالممك العجممم علممى سممدتها و امتطممائهم‬
‫صهوة التغلب عليها و تصريفهم أحكامها طوع أغراضهم فممي‬
‫رجالها و جبايتها و أهل خططها و سائر نقضها و إبرامهمما كممما‬
‫قال شاعرهم‬
‫بين وصيف و بغا‬ ‫خليفة في قفص‬
‫كما تقول الببغا‬ ‫يتوك ماقال له‬
‫فخشممي هممؤلء المممراء الغالبممة بمموادر السممعايات و تلمموا‬
‫بالمعاذير فطورا ً باحتقار المغممرب و أهلممه و طممورا ً بالرهمماب‬
‫بشممأن إدريممس الخممارج بممه ومممن قممام مقممامه مممن أعقممابه‬
‫يخاطبونه بتجاوزه حدود التخوم مممن عملممه و ينفممذون سممكته‬
‫في تحفهم و هداياهم و مرتفع جبايتهم تعريض ما ً باسممتفحاله و‬
‫تهويل ً باشتداد شوكته و تعظيما ً لما دفعوا إليه من مطالبته و‬
‫مراسه و تهديدا ً بقلب الدعوة إن ألجئوا إليه و طورا ً يطعنون‬
‫في نسب إدريس بمثل ذلك الطعن الكاذب تخفيضا ً لشأنه ل‬
‫يبالون بصدقه من كذبه لبعد المسافة و أفن عقول من خلف‬
‫بن صبية بني العباس و ممالكهم العجم في القبول مممن كممل‬
‫قائل و السمع لكل ناعق و لم يزل هذا دأبهممم حممتى انقضممى‬
‫أمر الغالبة فقرعت هذه الكلمة الشممنعاء أسممماع الغوغمماء و‬
‫صر عليها بعض الطاعنين أذنه و اعتدها ذريعة إلى النيل مممن‬
‫خلفهم عند المنافسة‪ .‬و ما لهممم قبحهممم اللممه و العممدول عممن‬
‫مقاصد الشريعة فل تعارض فيها بين المقطوع و المظنممون و‬
‫إدريس ولد على فراش أبيه و الولد للفراش‪.‬‬
‫على أن تنزيه أهل البيت عن مثل هذا من عقائد أهل اليمان‬
‫فالله سممبحانه قممد أذهممب عنهممم الرجممس و طهرهممم تطهيممرا ً‬
‫ففراش إدريس طاهر من الدنس و منزه عن الرجس بحكممم‬
‫القرآن و من اعتقد خلف هذا فقد باء بإثمه و ولج الكفر من‬
‫بابه و إنما أطنبت في هذا المرد سمدا ً لبمواب الريمب و دفعما ً‬
‫في صدر الحاسد لما سمعته أذناي من قائله المعتدي عليهممم‬
‫القادح في نسبهم بفريته و ينقله بزعمه عن بعممض مممؤرخين‬
‫المغرب ممن انحرف عن أهممل الممبيت و ارتمماب فممي اليمممان‬
‫بسلفهم و إل فالمحل منممزه عممن ذلممك معصمموم منممه و نفممي‬
‫العيب حيث يستحيل العيممب عيممب لكنممي جممادلت عنهممم فممي‬
‫الحياة الدنيا و أرجو أن يجادلوا عني يوم القياممة و لتعلمم أن‬
‫أكثر الطاعنين في نسبهم إنما هم الحسمدة لعقماب إدريمس‬
‫هذا من منتهم إلى أهل البيت أو دخيل فيهم فإن ادعمماء هممذا‬
‫النسب الكريم دعوى شرف عريضممة علممى المممم و الجيممال‬
‫من أهل الفاق فتعرض التهمة فيه‪.‬‬
‫و لما كان نسب بني إدريس هؤلء بمممواطنهم مممن فممارس و‬
‫سائر ديار المغرب قد بلممغ مممن الشممهرة و الوضمموح مبلغ ما ً ل‬
‫يكاد يلحق و ل يطمع أحد في دركه إذ هو نقل المة و الجيممل‬
‫من الخلممف عممن المممة و الجيممل مممن السمملف و بيممت جممدهم‬
‫إدريس مختط فاس و مؤسسها من بيوتهم و مسممجده لصمق‬
‫محلتهم و دروبهم و سيفه منتضممى بممرأس المأذنممة العظمممى‬
‫من قرار بلدهم و غير ذلك مممن آثمماره الممتي جمماوزت أخبارهمما‬
‫حدود التواتر مرات و كادت تلحق بالعيان فممإذا نظممر غيرهممم‬
‫من أهل هذا النسب إلى ما أتاهم الله من أمثالها و ما عضممد‬
‫شرفهم النبوي من جلل الملك الذي كان لسلفهم بممالمغرب‬
‫و استيقن أنه بمعزل عن ذلممك و أنممه ل يبلممغ مممد أحممدهم و ل‬
‫نصيفه أ و أن غاية أمر المنتمين إلى البيت الكريم ممممن لممم‬
‫يحصممل لممه أمثممال هممذه الشممواهد أن يسمملم لهممم حممالهم لن‬
‫الناس مصدوقون في أنسابهم و بون ما بين العلم و الظن و‬
‫اليقين و التسليم فإذا علم بذلك من نفسه غممص بريقممه و ود‬
‫كثير منهم لممو يردونهممم عممن شممرفهم ذلممك سمموقة و وضممعاء‬
‫حسدا ً من عند أنفسهم فيرجعون إلى العناد و ارتكاب اللجاج‬
‫و البهت بمثل هممذا الطعممن الفممائل و القممول المكممذوب تعلل ً‬
‫بالمسمماواة فممي الظنممة و المشممابهة فممي تطممرق الحتمممال و‬
‫هيهات لهم ذلك فليس في المغرب فيما نعلمه من أهل هممذا‬
‫البيت الكريم ممن يبلمغ فمي صمراحة نسمبه و وضموحه مبمالغ‬
‫أعقاب إدريس هذا من آل الحسن‪.‬‬
‫و كممبراؤهم لهممذا العهممد بنممو عمممران بفمماس مممن ولممد يحيممى‬
‫الخوطي بن محمد بن يحيى العوام بممن القاسممم بممن إدريممس‬
‫بن إدريس و هم نقباء أهممل الممبيت هنمماك و السمماكنون بممبيت‬
‫جدهم ادريس و لهم السيادة على أهل المغرب كافة حسبما‬
‫نذكرهم عند ذكر الدارسة إن شاء الله تعممالى و يلحممق بهممذه‬
‫المقالت الفاسدة و المذاهب الفائلة ما يتناوله ضعفة الممرأي‬
‫من فقهاء المغرب مممن القممدح فممي المممام المهممدي صمماحب‬
‫دولة الموحدين و نسبته إلى الشممعوذة و التلممبيس فيممما أتمماه‬
‫من القيام بالتوحيد الحق و النعممي علممى أهممل البغممي قبلممه و‬
‫تكذيبهم لجميع مدعياته في ذلك حتى فيما يزعممم الموحممدون‬
‫أتباعه من انتسابه في أهل البيت و إنما حمممل الفقهمماء علممى‬
‫تكذيبه ما كمن في نفوسهم من حسده على شأنه فإنهم لما‬
‫رأوا من أنفسهم مناهضممته فممي العلممم و الفتيمما و فممي الممدين‬
‫بزعمهم ثم امتمماز عنهممم بممأنه متبمموع الممرأي مسممموع القممول‬
‫موطؤ العقممب نفسمموا ذلممك عليممه و غضمموا منممه بالقممدح فممي‬
‫مذاهبه و التكذيب لمدعياته و أيضا ً فكانوا يؤنسون من ملوك‬
‫ة لممم تكممن لهممم مممن غيرهممم لممما‬ ‫ة و كرام ً‬
‫المتونة أعدائه تجل ً‬
‫كانوا عليه من السذاجة و انتحال الديانة فكان لحملممة العلممم‬
‫بدولتهم مكان من الوجاهة و النتصاب للشورى كل في بلده‬
‫و على قدره في قممومه فأصممبحوا بممذلك شمميعة لهممم و حرب ما ً‬
‫لعممدوهم و نقممموا علممى المهممدي ممما جمماء بممه مممن خلفهممم و‬
‫التممثريب عليهممم و المناصممبة‪ ،‬لهممم تشمميعا ً للمتونممة و تعصممبا ً‬
‫لممدولتهم و مكممان الرجممل غيممر مكممانهم و حمماله علممى غيممر‬
‫معتقداتهم و ما ظنك برجل نقم على أهل الدولة ما نقم مممن‬
‫أحوالهم و خالف اجتهاده فقهمماؤهم فنمادى فمي قمومه و دعمما‬
‫إلى جهادهم بنفسه فاقتلع الدولة من أصولها و جعممل عاليهمما‬
‫سافلها أعظم ما كانت قمموةً و أشممد شمموكة و أعممز أنصممارا ً و‬
‫ة و تساقطت في ذلك من أتبمماعه نفمموس ل يحصمميها إل‬ ‫حامي ً‬
‫خالقها و قد بايعوه على الموت و وقوه بأنفسهم من الهلكممة‬
‫و تقربمموا إلممى اللممه تعممالى بممإتلف مهجهممم فممي إظهممار تلممك‬
‫الدعوة و التعصب لتلك الكلمة حتى علت على الكلم و دالت‬
‫بالعدوتين من الدول و هممو بحمماله مممن التقشممف و الحصممر و‬
‫الصبر على المكاره و التقلل مممن الممدنيا حممتى قبضممه اللممه و‬
‫ليس على شيىء من الحظ و المتمماع فممي دنيمماه حممتى الولممد‬
‫الذي ربما تجنح أليه النفوس و تخادع عن تمنيه فليت شعري‬
‫ما الذي قصد بذلك إن لم يكن و جه الله و هو لم يحصل لممه‬
‫حظ من الدنيا في عاجله و مع هذا فلو كان قصده غير صالح‬
‫لما تم أمره و انفسحت دعوته سنة الله التي قممد خلممت فممي‬
‫عباده و أما انكارهم نسبه في أهممل الممبيت فل تعضممده حجممة‬
‫لهم مع أنه إن ثبت أنه ادعاه و انتسممب إليممه فل دليممل يقمموم‬
‫على بطلنه لن الناس مصدقون في أنسابهم و إن قممالوا أن‬
‫الرئاسة ل تكون على قمموم فممي غيممر أهممل جلممدتهم كممما هممو‬
‫الصحيح حسبما يممأتي فممي الفصممل الول مممن هممذا الكتمماب و‬
‫الرجل قد رأس سائر المصامدة و دانوا باتباعه و النقياد إليه‬
‫و إلى عصابته من هرغة حتى تم أمر الله في دعمموته فممأعلم‬
‫أن هذا النسب الفاطمي لم يكن أمر المهدي يتوقف عليممه و‬
‫ل اتبعه الناس بسببه و إنما كان اتباعهم له بعصبية الهريغة و‬
‫المصمودية و مكانه منها و رسوخ شممجرته فيهمما و كممان ذلممك‬
‫النسب الفاطمي خفيا ً قمد درس عنمد النماس ليبقمى عنمده و‬
‫عند عشيرته يتناقلونه بينهم فيكون النسب الول كأنه انسلخ‬
‫منه و لبس جلدة هؤلء و ظهر فيها فل يضره النتساب الول‬
‫في عصبيته إذ هو مجهول عند أهل العصابة و مثل هذا واقممع‬
‫كثيرا ً إذا كممان النسممب الول خفي مًا‪ .‬و انظممز قصممة عرفجممة و‬
‫جرير في رئاسة بجيلة و كيف كان عرفجة مممن الزد و لبممس‬
‫جلدة بجيلة حتى تنازع مع جريممر رئاسممتهم عنممد عمممر رضممي‬
‫الله عنه كما هو مذكور تتفهم منه وجه الحممق و اللممه الهممادي‬
‫للصواب و قد كدنا أن نخرج عن غرض الكتاب بالطناب فممي‬
‫هذه المغالط فقد زلت أقدام كثير مممن الثبممات و المممؤرخين‬
‫الحفاظ في مثل هذه الحاديث و الراء و علقممت أفكممارهم و‬
‫نقلها عنهم الكافة من ضعفة النظر و الغفلممة عممن القيمماس و‬
‫تلقوها هم أيضا ً كذلك من غير بحث و ل روية و اندرجت فممي‬
‫محفوظاتهم حتى صممار فممن التاريممخ واهيما ً مختلطما ً و نمماظره‬
‫مرتبكا ً وعد من مناحي العامة فإذا يحتاج صمماحب هممذا الفممن‬
‫إلى العلم بقواعممد السياسممة و طبممائع الموجممودات و اختلف‬
‫المم و البقمماع و العصممار فممي السممير و الخلق و العمموائد و‬
‫النحل و المذاهب و سائر الحمموال و الحاطممة بالحاضممر مممن‬
‫ذلك و مماثلة ما بينه و بيممن الغممائب مممن الوفمماق أو بممون ممما‬
‫بينهما من الخلف و تعليل المتفق منها و المختلممف و القيممام‬
‫علممى أصممول الممدول و الملممل و مبممادىء ظهورهمما و أسممباب‬
‫حدوثها و دواعي كونها و أحوال القائمين بها و أخبارهم حممتى‬
‫يكممون مسممتوعبا ً لسممباب كممل خممبره و حينئذ يعممرض خممبر‬
‫المنقول على ما عنده من القواعد و الصممول فممإن وافقهمما و‬
‫جرى على مقتضها كان صحيحا ً و إل زيفممه و اسممتغنى عنممه و‬
‫ما استكبر القدماء علم التاريخ إل لذلك حتى انتحله الطممبري‬
‫و البخاري و ابن إسممحاق مممن قبلهممما و أمثممالهم مممن علممماء‬
‫المة و قد ذهل الكثير عن هذا السر فيه حممتى صممار انتحمماله‬
‫مجهلة و استخف العمموام و مممن ل رسمموخ لممه فممي المعممارف‬
‫مطممالعته و حملممه و الخمموض فيممه و التطفممل عليممه فمماختلط‬
‫المرعي بالهمل و اللباب بالقشر و الصممادق بالكمماذب و إلممى‬
‫الله عاقبة المور و من الغلط الخفي في التاريخ الذهول عن‬
‫تبدل الحوال فممي المممم و الجيممال بتبممدل العصممار و مممرور‬
‫اليام و هو داء دوي شممديد الخفمماء إذ ل يقممع إل بعممد أحقمماب‬
‫متطاولة فل يكاد يتفطن له إل الحاد من أهل الخليقة و ذلك‬
‫أن أحوال العالم و المم و عمموائدهم و نحلهممم ل تممدوم علممى‬
‫وتيرة واحدة و منهاح مستقر إنممما هممو اختلف علممى اليممام و‬
‫الزمنة و انتقال من حممال إلممى حممال و كممما يكممون ذلممك فممي‬
‫الشممخاص و الوقممات و المصممار فكممذلك يقممع فممي الفمماق و‬
‫القطار و الزمنة و الدول سنة الله التي قد خلت في عبمماده‬
‫و قد كانت في العممالم أمممم الفممرس الولممى و السممريانيون و‬
‫النبط و التبابعة و بنو إسرائيل و القبط و كممانوا علممى أحمموال‬
‫خاصة بهم في دولهم و ممممالكهم و سياسممتهم و صممنائعهم و‬
‫لغاتهم و اصطلحاتهم و سائر مشمماركاتهم مممع أبنمماء جنسممهم‬
‫وأحوال اعتمارهم للعالم تشهد بها آثارهم ثم جاء من بعممدهم‬
‫الفممرق الثانيممة و الممروم و العممرب فتبممدلت تلممك الحمموال و‬
‫انقلبت بها العوائد إلى ما يجانسها أو يشابهها و إلى ما يباينها‬
‫أو يباعدها ثم جاء السلم بدولة مضر فانقلبت تلممك الحمموال‬
‫و أجمع انقلبة أخرى و صارت إلممى ممما أكممثره فتعممارف لهممذا‬
‫العهد بأخذه الخلف عن السمملف ثممم درسممت دولممة العممرب و‬
‫أيممامهم و ذهبممت السمملف الممذين شمميدوا عزمهممم و مهممدوا‬
‫ملكهم و صار المر في أيدي سواهم من العجم مثممل الممترك‬
‫بالمشممرق و الممبربر بممالمغرب و الفرنجممة بالشمممال فممذهبت‬
‫بذهابهم أمم و انقلبت أحوال و عمموائد نسممي شممأنها و أغفممل‬
‫أمرها و السبب الشائع في تبدل الحوال و العوائد أن عمموائد‬
‫كل جيل تابعة لعوائد سلطانه كما يقال في المثال الحكميممة‬
‫الناس على دين الملك و أهل الملك و السلطان إذا اسممتولوا‬
‫على الدولممة و المممر فلبممد مممن أن يفزعمموا إلممى عمموائد مممن‬
‫قبلهم و يأخذون الكممثير منهمما و ل يغفلممون عمموائد جيلهممم مممع‬
‫ذلك فيقع فمي عموائد الدولمة بعممض المخالفمة لعمموائد الجيمل‬
‫الول فممإذا جمماءت دولممة أخممرى مممن بعممدهم و مزجممت مممن‬
‫عمموائدهم و عوائدهمما خممالفت أيض ما ً بعممض الشمميىء و كممانت‬
‫للولى أشد مخالفة ثم ل يممزال التدريممج فممي المخالفممة حممتى‬
‫ينتهي إلى المباينة بالجملة فما دامت المم و الجيال تتعاقب‬
‫فممي الملممك و السمملطان ل تممزال المخالفممة فممي العمموائد و‬
‫الحوال واقعة‪ .‬و القياس و المحاكاة للنسان طبيعة معروفة‬
‫و من الغلط غير مأمونممة تخرجممه مممع الممذهول و الغفلممة عممن‬
‫قصده و تعوج به عن مرامه فربما يسمع السممامع كممثيرا ً مممن‬
‫أخبممار الماضممين و ل يتفطممن لممما وقممع مممن تغيممر الحمموال و‬
‫انقلبها فيجريها لول وهلة على ما عرف و يقيسها بما شممهد‬
‫و قد يكون الفرق بينهما كثيرا ً فيقممع فممي مهممواة مممن الغلممط‬
‫فمن هذا الباب ما ينقله المؤرخون من أحمموال الحجمماج و أن‬
‫أباه كان من المعلمين مع أن التعليم لهممذا العهممد مممن جملممة‬
‫الصنائع المعاشية البعيدة من اعتزاز أهل العصممبية و المعلممم‬
‫مستضممعف مسممكين منقطممع الجممذم فيتشمموف الكممثير مممن‬
‫المستضممعفين أهممل الحممرف و الصممنائع المعاشممية إلممى نيممل‬
‫الرتب التي ليسوا لهمما بأهممل و يعممدونها مممن الممكنممات لهممم‬
‫فتممذهب بهممم وسمماوس المطممامع و ربممما انقطممع حبلهمما مممن‬
‫أيممديهم فسممقطوا فممي مهممواة الهلكممة و التلممف و ل يعلمممون‬
‫استحالتها في حقهم و أنهم أهممل حممرف و صممنائع للمعمماش و‬
‫أن التعليم صدر السلم و الدولتين لم كذلك و لم يكن العلم‬
‫بالجملة صناعة إنما كان نقل ً لما سمع من الشممارع و تعليممما ً‬
‫لما جهل من الذين علممى جهممة البلغ فكممان أهممل النسمماب و‬
‫العصبة الذين قاموا بالملممة ثممم الممذين يعلمممون كتمماب اللممه و‬
‫سنة نبيه صلى الله عليه و سلم على معنى التبليغ الخبري ل‬
‫علممى وجممه التعليممم الصممناعي إذ هممو كتممابهم المنممزل علممى‬
‫الرسول منهم و به هداياتهم و السلم دينهممم قمماتلوا عليممه و‬
‫قتلوا و اختصوا به من بين الممم و شمرفوا فيحرصمون علمى‬
‫تبليغ ذلممك و تفهيمممه للمممة ل تصممدهم عنممه لئمممة الكممبر و ل‬
‫يزغهم عاذل النفة و يشهد لذلك بعث النبي صلى الله عليممه‬
‫و سلم كبار أصحابه مع وفود العرب يعلمونهم حدود السمملم‬
‫و ما جاء به من شممرائع الممدين بعممث فممي ذلممك مممن أصممحابه‬
‫العشرة فمن بعدهم فممما اسممتقر السمملم و وشممجت عممروق‬
‫الملة حتى تناولها المم البعيدة من أيممدي أهلهمما و اسممتحالت‬
‫بمرور اليام أحوالها و كممثر اسممتنباط الحكممام الشممرعية مممن‬
‫النصوص لتعدد الوقائع و تلحقها فاحتاج ذلك لقانون يحفظممه‬
‫ة يحتاج إلممى التعلممم فأصممبح مممن‬ ‫من الخطإ و صار العلم ملك ً‬
‫جملة الصنائع و الحرف كما يممأتي ذكممره فممي فصممل العلممم و‬
‫التعليم و اشتغل أهممل العصممبية بالقيممام بالملممك و السمملطان‬
‫فدفع لعلم من قام به من سواهم و أصبح حرفممة للمعمماش و‬
‫شمممخت أنمموف المممترفين و أهممل السمملطان عممن التصممدي‬
‫للتعليم و اختص انتحاله بالمستضعفين و صار منتحله محتقرا ً‬
‫عند أهل العصبية و الملك و الحجاج بن يوسف كان أبوه مممن‬
‫سادات ثقيممف و أشممرافهم و مكممانهم مممن عصممبية العممرب و‬
‫مناهضة قريش فممي الشممرف ممما علمممت و لممم يكممن تعليمممه‬
‫للقرآن على مما همو الممر عليمه لهمذا العهمد ممن أنمه حرفمة‬
‫للمعاش و أنما كمان علممى ممما وصممفناه مممن المممر الول فمي‬
‫السلم و من هذا الباب أيضا ً ما يتمموهمه المتصممفحون لكتممب‬
‫التاريخ إذا سمعوا أحوال القضاة و ما كانوا عليه من الرئاسة‬
‫في الحروب و قود العساكر فتممترامى بهممم و سماوس الهمممم‬
‫إلى مثل تلك الرتب يحسبون أن الشممأن خطممة القضمماء لهممذا‬
‫العهد على ما كان عليه من قبممل و يظنممون بممابن أبممي عممامر‬
‫صمماحب هشممام المسممتبد عليممه و ابممن عبمماس مممن ملمموك‬
‫الطوائف بإشممبيلية إذا سمممعوا أن آبمماءهم كممانوا قضمماة أنهممم‬
‫مثممل القضمماة لهممذا العهممد و ل يتفطنممون لممما وقممع فممي رتبممة‬
‫القضاء من مخالفة العوائد كما نبينه فمي فصممل القضماء مممن‬
‫الكتاب الول و ابممن أبممي عممامر و ابممن عبمماد كانمما مممن قبممائل‬
‫العرب القائمين بالدولة الموية بالنممدلس و أهممل عصممبيتها و‬
‫كان مكممانهم فيهمما معلومما ً و لممم يكممن نيلهممم لممما نممالوه مممن‬
‫الرئاسة و الملك بخطة القضاء كما هي لهمذا العهمد بمل إنمما‬
‫كان القضاء في المر القديم لهل العصبية من قبيممل الدولممة‬
‫و مواليه كما هي الوزارة لعهدنا بممالمغرب و انظممر خروجهممم‬
‫بالعساكر في الطرائف و تقليدهم عظائم المور التي ل تقلد‬
‫إل لمن له الغنى فيها بالعصممبية فيغلممط السممامع فممي ذلممك و‬
‫يحمل الحوال على غير ما هي و أكثر ما يقع في هذا الغلممط‬
‫ضعفاء البصائر من أهل الندلس لهذا العهد لفقدان العصممبية‬
‫في مواطنهم منذ أعصار بعيدة بفناء العممرب و دولتهممم بهمما و‬
‫خروجهم عن ملكة أهل العصبيات من البربر فبقيت أنسابهم‬
‫العربية محفوظة و الذريعة إلى العز من العصممبية و التناصممر‬
‫مفقودة بل صاروا من جملة الرعايمما المتخمماذلين الممذين مممن‬
‫تعبممدهم القهممر و رئممموا للمذلممة يحسممبون أن أنسممابهم مممع‬
‫مخالطة الدولة هي التي يكون لهم بها الغلب و التحكم فتجد‬
‫أهل الحرف و الصنائع منهم متصدين لذلك ساعين فممي نيلممه‬
‫فأما من باشممر أحمموال القبممائل و العصممبية و دولهممم بالعممدوة‬
‫الغربية و كيممف يكممون التغلممب بيممن المممم و العشممائر فقلممما‬
‫يغلطون في ذلك و يخطئون في اعتبمماره‪ .‬و مممن هممذا البمماب‬
‫أيضا ً ما يسلكه المؤرخون عنممد ذكممر الممدول و نسممق ملوكهمما‬
‫فيذكرون اسمه و نسبه و أباه و أمه و نساءه و لقبه و خاتمه‬
‫و قاضيه و حاجبه و وزيره كل ذلك تقليممد لمممؤرخي الممدولتين‬
‫من غير تفطممن لمقاصممدهم و المؤرخممون لممذلك العهممد كممانوا‬
‫يضعون تواريخهم لهل الدولة و أبناؤها متشوفون إلممى سممير‬
‫أسلفهم و معرفة أحمموالهم ليقتفمموا آثممارهم و ينسممجوا علممى‬
‫منوالهم حتى في اصطناع الرجال من خلف دولتهممم و تقليممد‬
‫الخطط و المراتب لبناء صممنائعهم و ذويهممم و القضمماة أيض ما ً‬
‫كانوا من أهل عصبية الدولة و في عداد الوزراء كممما ذكرنمماه‬
‫لك فيحتاجون إلى ذكر ذلك كله و أمما حيمن تبماينت المدول و‬
‫تباعد ما بين العصور و وقممف الغممرض علممى معرفممة الملمموك‬
‫بأنفسهم خاصة و نسب الدول بعضها من بعض فممي قوتهمما و‬
‫غلبتهمما و مممن كممان يناهضممها مممن المممم أو يقصممر عنهمما فممما‬
‫الفائدة للمصنف في هذا العهممد فممي ذكممر النبمماء و النسمماء و‬
‫نقش الخاتم و اللقب و القاضي و الوزير و الحاجب من دولة‬
‫قديمة ل يعرف فيها أصولهم و ل أنسابهم و ل مقاماتهم إنممما‬
‫حملهممم علممى ذلممك التقليممد و الغفلممة عممن مقاصممد المممؤلفين‬
‫القدمين و الذهول عن تحري الغراض من التاريممخ اللهممم إل‬
‫ذكمر الموزراء المذين عظممت آثمارهم و عممت علمى الملموك‬
‫أخبارهم كالحجاج و بني المهلب و البرامكة و بني سممهل بممن‬
‫نوبخت و كافور الخشيدي و ابن أبمي عمامر و أمثمالهم فغيمر‬
‫نكير اللماع بآبائهم و الشارة إلممى أحمموالهم لنتظممامهم فممي‬
‫عداد الملوك‪ .‬و لنذكر هنا فائدة نختم كلمنا في هذا الفصممل‬
‫بها و هي أن التاريخ إنما هممو ذكممر الخبممار الخاصممة بعصممر أو‬
‫جيل فأما ذكر الحمموال العامممة للفمماق و الجيممال و العصممار‬
‫فهو أس للمؤرخ تنبني عليه أكثر مقاصده و تتبين بممه أخبمماره‬
‫و قد كان الناس يفردونه بالتأليف كما فعله المسممعودي فممي‬
‫كتاب مروج الذهب شرح فيه أحمموال المممم و الفمماق لعهممده‬
‫في عصر الثلثين و الثلثمائة غرب ما ً و شممرقا ً و ذكممر نحلهممم و‬
‫عمموائدهم و وصممف البلممدان و الجبممال و البحممار و الممالممك و‬
‫الدول و فرق شعوب العرب و العجم فصار إمام ما ً لمممؤرخين‬
‫يرجعون إليه و أصل ً يعولون في تحقيق الكممثير مممن أخبممارهم‬
‫عليه ثم جاء البكري من بعده ففعل مثل ذلك فممي المسممالك‬
‫و الممالك خاصة دون غيرها من الحوال لن المم و الجيال‬
‫لعهده لم يقع فيها كممثير انتقممال و ل عظيممم تغيممر و أممما لهممذا‬
‫العهد و هو آخر المائة الثامنممة فقممد انقلبممت أحمموال المغممرب‬
‫الذي نحن شمماهدوه و تبممدلت بالجملممة و اعتمماض مممن أجيممال‬
‫البربر أهله على القدم بما طرأ فيه من لدن المائة الخامسة‬
‫من أجيال العممرب بمما كسمروهم و غلبموهم و انمتزعوا منهمم‬
‫عامة الوطان و شاركوهم فيما بقي من البلدان لملكهم هذا‬
‫إلى ما نزل بالعمران شرقا ً و غربا ً في منتصممف هممذه المممائة‬
‫الثامنة من الطاعون الجارف الذي تحيف المم و ذهب بأهل‬
‫الجيل و طوى كممثيرا ً مممن محاسممن العمممران و محاهمما و جمماء‬
‫للدول على حين هرمها و بلوغ الغاية من مممداها فقلممص مممن‬
‫ظللها و فل من حدها و أوهن مممن سمملطانها و تممداعت إلممى‬
‫التلشممي و الضمممحلل أموالهمما و انتقممض عمممران الرض‬
‫بانتقاض البشر فخربت المصار و المصانع و درسممت السممبل‬
‫و المعالم و خلت الديار و المنازل و ضعفت الدول و القبممائل‬
‫و تبدل الساكن و كأني بالمشرق قممد نممزل بممه مثممل ممما نممزل‬
‫بالمغرب لكممن علممى نسممبته و مقممدار عمرانممه و كأنممما نممادى‬
‫لسان الكون في العالم بالخمول و النقباض فبادر بالجابة و‬
‫اللممه وارث الرض و مممن عليهمما و إذا تبممدلت الحمموال جملممة‬
‫فكأنما تبدل الخلق من أصله و تحممول العممالم بأسممره و كممأنه‬
‫خلق جديد و نشأة مستأنفة و عالم محدث فاحتاج لهذا العهد‬
‫من يدون أحوال الخليقة و الفاق و أجيالها و العوائد و النحل‬
‫التي تبدلت لهلها و يقفو مسلك المسممعودي لعصممره ليكممون‬
‫أصل ً يقتدي به من يأتي من المؤرخين مممن بعممده و أنمما ذاكممر‬
‫في كتابي هذا ما أمكنني منه فممي هممذا القطممر المغربممي إممما‬
‫صريحا ً أو مندرجا ً في أخباره و تلويحا ً لختصاص قصدي فممي‬
‫التأليف بالمغرب و أحمموال أجيمماله و أممممه و ذكممر ممممالكه و‬
‫دوله دون ما سواه من القطار لعممدم اطلعممي علممى أحمموال‬
‫المشرق و أممه و أن الخبار المتناقلة ل تفي كنممه ممما أريممده‬
‫منه و المسعودي إنما استوفى ذلك لبعد رحلته و تقلبممه فممي‬
‫البلد كما ذكر في كتابه مع أنه لما ذكممر المغممرب قصممر فممي‬
‫استيفاء أحواله و فوق كل ذي علم عليممم و مممرد العلممم كلممه‬
‫إلى الله و البشر عاجز قاصر و العتراف متعين واجب و من‬
‫كمان اللمه فمي عمونه تيسمرت عليمه الممذاهب و انجحمت لمه‬
‫المساعي و المطالب و نحن آخذون بعممون اللممه فيممما رمنمماه‬
‫من أغراض التأليف و الله المسدد و المعيممن و عليممه التكلن‬
‫و قد بقي علينا أن نقممدم مقدمممة فممي كيفيممة وضممع الحممروف‬
‫التي ليست من لغات العرب إذا عرضت في كتابنا هذا‪.‬‬
‫اعلممم أن الحممروف فممي النطممق كممما يممأتي شممرحه بعممد هممي‬
‫كيفيات الصوات الخارجة مممن الحنجممرة تعممرض مممن تقطيممع‬
‫الصوت بقرع اللهاة و أطراف اللسان مع الحنممك و الحلممق و‬
‫الضراس أو بقرع الشفتين أيض ما ً فتتغمماير كيفيممات الصمموات‬
‫بتغاير ذلك القرع و تجيممء الحممروف متمممايزة فممي السمممع و‬
‫تتركب منها الكلمات الدالة علمى مما فمي الضممائر و ليسمت‬
‫المم كلها متساوية في النطق بتلك الحروف فقد يكون لمة‬
‫مني الحروف ما ليس لمة أخرى و الحروف التي نطقت بها‬
‫العممرب هممي ثمانيممة و عشممرون حرفمما ً كممما عرفممت و نجممد‬
‫للعبرانيين حروفا ً ليست في لغتنمما و فممي لغتنمما أيضما ً حممروف‬
‫ليست في لغتهممم و كممذلك الفرنممج و الممترك و الممبربر و غيممر‬
‫هؤلء من العجم ثم إن أهل الكتاب من العرب اصطلحوا في‬
‫الدللممة علممى حروفهممم المسممموعة بأوضمماع حممروف مكتوبممة‬
‫متميزة بأشخاصها كوضع ألف وباء و جيم وراء و طأ إلى آخر‬
‫الثمانية و العشرين و إذا عرض لهم الحرف الذي ليممس مممن‬
‫حروف لغتهم بقي مهمل ً عن الدللة الكتابية مغفل ً عن البيان‬
‫و ربما يرسمه بعض الكتاب بشكل الحرف الذي يكتنفممه مممن‬
‫لغتنا قبله أو بعده و ليممس بكمماف فممي الدللممة بممل هممو تغييممر‬
‫للحرف من أصله‪ .‬و لما كان كتابنا مشتمل ً على أخبار الممبربر‬
‫و بعممض العجممم و كممانت تعممرض لنمما فممي أسمممائهم أو بعممض‬
‫كلماتهم حروف ليست من لغة كتابنمما و ل اصممطلح أوضمماعنا ً‬
‫اضطررنا إلى بيانه و لم نكتف برسم الحرف الذي يليممه كممما‬
‫قلناه لنه عندنا غير واف بالدللة عليه فاصطلحت في كتابي‬
‫هممذا علممى أن أضممع ذلممك الحممرف العجمممي بممما يممدل علممى‬
‫الحرفين اللذين يكتنفانه ليتوسممط القممارىء بممالنطق بممه بيممن‬
‫مخرجي ذينك الحرفين فتحصل تممأديته و إنممما اقتبسممت ذلممك‬
‫مممن رسممم أهممل المصممحف حممروف الشمممام كالصممراط فممي‬
‫قراءة خلممف فممإن النطممق بصمماده فيهمما معجممم متوسممط بيممن‬
‫الصاد و الزاي فوضممعوا الصمماد و رسممموا فممي داخلهمما شممكل‬
‫الزاي و دل ذلك عندهم على التوسط بين الحرفيممن فكممذلك‬
‫رسمت أنا الكمماف حممرف يتوسممط بيممن حرفيممن مممن حروفنمما‬
‫كالكاف المتوسطة عند البربر بين الكمماف الصممريحة عنممدنا و‬
‫الجيممم أو القمماف مثممل اسممم بلكيممن فأضممعها كاف ما ً و أنقطهمما‬
‫بنقطة الجيم واحدة من أسفل أو بنقطة القمماف واحممدة مممن‬
‫فوق أو اثنتين فيممدل ذلممك علممى أنممه متوسممط بيممن الكمماف و‬
‫الجيم أو القاف و هذا الحرف أكثر ما يجيء في لغة البربر و‬
‫ما جاء من غيره فعلى هذا القيماس أضمع الحمرف المتوسمط‬
‫بيممن حرفيممن مممن لغتنمما بممالحرفين مع ما ً ليعلممم القممارىء أنممه‬
‫متوسط فينطق به كذلك فنكون قد دللنا عليه و لممو وضممعناه‬
‫برسم الحرف الواحد عن جانبه لكنا قد صرفناه من مخرجممه‬
‫إلى مخرج الحرف الذي من لغتنا و غيرنا لغممة القمموم فممأعلم‬
‫ذلك و الله الموفق للصواب بمنه و فضله‪.‬‬
‫الكتاب الول في طبيعة العمران في الخليقة و ممما‬
‫يعممرض فيهمما مممن البممدو و الحصممر و التغلممب و‬
‫الكسب و المعاش و الصنائع و العلوم و نحوها و‬
‫ما لذلك من العلل و السباب‬
‫إعلم أنممه لممما كممانت حقيقممة التاريممخ أنممه خممبر عممن الجتممماع‬
‫النساني الذي هو عمران العممالم و ممما يعممرض لطبيعممة ذلممك‬
‫العمران من الحوال مثل التوحش و التممأنس و العصممبيات و‬
‫أصناف التغلبات للبشر بعضممهم علممى بعممض و ممما ينشممأ عممن‬
‫ذلممك مممن الملممك و الممدول و مراتبهمما و ممما ينتحلممه البشممر‬
‫بأعمممالهم و مسمماعيهم مممن الكسممب و المعمماش والعلمموم و‬
‫الصنائع و سائر ممما يحممدث مممن ذلممك العمممران بطممبيعته مممن‬
‫الحوال‪ .‬و لما كان الكذب متطرقا ً للخبر بطبعته و له أسممباه‬
‫تقتضيه‪ .‬فمنها التشمميعات للراء و المممذاهب فممإن النفممس إذا‬
‫كانت على حال العتدال في قبممول الخممبر أعطتممه حقممه مممن‬
‫التمحيص و النظر حتى تتبين صدقه مممن كممذبه و إذا خامرهمما‬
‫تشيع لرأي أو نحلة قبلت ما يوافقها من الخبار لول وهلة‪ .‬و‬
‫كممان ذلممك الميممل و التشمميع غطمماء علممى عيممن بصمميرتها عممن‬
‫النتقاد و التمحيممص فتقممع فممي قبممول الكممذب و نقلممه‪ .‬و مممن‬
‫السباب المقتضية للكذب في الخبار أيضا ً الثقممة بالنمماقلين و‬
‫تمحيص ذلك يرجع إلممى التعممديل و التجريممح‪ .‬و منهمما الممذهول‬
‫عن المقاصد فكثير من الناقلين ل يعرف القصد بما عمماين أو‬
‫سمع و ينقل الخممبر علممى ممما فممي ظنممه و تخمينممه فيقممع فممي‬
‫الكذب‪.‬‬
‫و منها توهم الصدق و هو كثير و إنما يجيممء فممي الكممثر مممن‬
‫جهممة الثقممة بالنمماقلين و منهمما الجهممل بتطممبيق الحمموال علممى‬
‫الوقائع لجل ما يداخلها من التلبيس و التصنع فينقلها المخبر‬
‫كما رآها و هي بالتصنع علممى غيمر الحمق فمي نفسمه‪ .‬و منهمما‬
‫تقرب الناس في الكثر لصحاب التجلة و المراتممب بالثنمماء و‬
‫المدح و تحسين الحمموال و إشمماعة الممذكر بممذلك فيسممتفيض‬
‫الخبار بها على غير حقيقممة فممالنفوس مولعممة بحممب الثنمماء و‬
‫الناس متطلعممون إلممى الممدنيا و أسممبابها مممن جمماه أو ثممروة و‬
‫ليسوا في الكثر براغممبين فممي الفصممائل و ل متنافسممين فممي‬
‫أهلها‪ .‬و من السباب المقتضية له أيض ما ً و هممي سممابقة علممى‬
‫جميع ما تقدم الجهل بطبائع الحوال فممي العمممران فممإن كممل‬
‫حادث مممن الحمموادث ذاتما ً كممان أو فعل ً ل بممد لممه مممن طبيعممة‬
‫تخصه في ذاته و فيما يعرض له من أحواله فإذا كان السامع‬
‫عارفا ً بطبائع الحمموادث و الحمموال فممي الوجممود و مقتضممياتها‬
‫أعانه ذلك في تمحيص الخبر على تمييز الصدق من الكذب و‬
‫هذا أبلغ في التمحيص من كل وجه يعرض و كثيرا ً ما يعممرض‬
‫للسامعين قبممول الخبممار المسممتحيلة و ينقلونهمما و تممؤثرعنهم‬
‫كما نقله المسعودي عن السكندر لما صدته دواب البحر عن‬
‫بناء السكندرية و كيف أتخذ صندوق الزجاج و غاص فيه إلى‬
‫قعر البحر حتى صممور تلممك الممدواب الشمميطانية الممتي رآهمما و‬
‫عمل تماثيلها من أجساد معدنية و نصبها حذاء البنيان ففممرت‬
‫تلك الدواب حين خرجممت و عاينتهمما و تممم بناؤهمما فممي حكايممة‬
‫طويلة من أحاديث خرافة مستحيلة من قبل اتخمماذه التممابوت‬
‫الزجاجي و مصادمة البحمر و أممواجه بجرمممه و مممن قبمل أن‬
‫الملوك ل تحمل أنفسها على مثل هذا الغرور و مممن اعتمممده‬
‫منهم فقد عرض نفسممه للهلكممة و انتقمماض العقممدة و اجتممماع‬
‫الناس إلى غيره و في ذلممك إتلفممه و ل ينظممرون بممه رجمموعه‬
‫من غروره ذلك طرفة عين و من قبل أن الجن ل يعرف لهمما‬
‫صورة و ل تماثيل تختص بها إنما هي قادرة على التشممكيل و‬
‫ما يذكره من كثرة الرؤوس لها فإنممما المممراد بممه البشمماعة و‬
‫التهويل ل إنه حقيقة‪ .‬و هذه كلها قادحة فممي تلممك الحكايممة و‬
‫القادح المحيل لها من طريق الوجود أبين من هذا كلممه و هممو‬
‫أن المنغمس في الماء و لو كان في الصممندوق يضمميق عليممه‬
‫الهواء للتنفس الطبيعي و تسخن روحه بسرعة لقلته فيفقممد‬
‫صاحبه الهواء البارد المعدل لمممزاج الممرئة و الممروح القلممبي و‬
‫يهلك مكانه و هذا هو السممبب فممي هلك أهممل الحمامممات إذا‬
‫أطبقممت عليهممم عممن الهممواء البممارد و المتممدلين فممي البممار و‬
‫المطامير العميقة المهوى إذا سممخن هواؤهمما بالمعونممة و لممم‬
‫تداخلها الرياح فتخلخلها فإن المتدلى فيها يهلك لحينه و بهممذا‬
‫السبب يكممون ممموت الحمموت إذا فممارق البحممر فممإن الهممواء ل‬
‫يكفيه في تعديل رئته إذ هو حار بإفراط و الماء الممذي يعممدله‬
‫بارد و الهواء الذي في خرج إليه حممار فيسممتولي الحممار علممى‬
‫روحه الحيواني و يهلك دفعة و منه هلك المصعوقين و أمثال‬
‫ذلك ومن الخبار المستحيلة ممما نقلممه المسممعودي أيض ما ً فممي‬
‫تمثال الزرزور الممذي برومممة تجتمممع إليممه الزرازيممر فممي يمموم‬
‫معلوم من السنة حاملة للزيتون و منه يتخذون زيتهم و انظر‬
‫ما أبعد ذلك عن المجرى الطبيعي في اتخاذ الزيت‬
‫و منها ما نقله البكري في بناء المدينة المسماة ذات البواب‬
‫تحيط بأكثر من ثلثيممن مرحلممة و تشممتمل علممى عشممرة آلف‬
‫باب و المدن إنما اتخممذت للتحصممن و العتصممام كممما يممأتي و‬
‫هممذه خرجممت عممن أن يحمماط بهمما فل يكممون فيهمما حصممن و ل‬
‫معتصممم و كممما نقلممه المسممعودي أيضمما ً فممي حممديث مدينممة‬
‫النحاس و أنها مدينة كممل بنائهمما نحمماس بصممحراء سجلماسممة‬
‫ظفر بها موسى بممن نصممير فممي غروتممه إلممى المغممرب و أنهمما‬
‫مغلقة البواب و أن الصمماعد إليهمما مممن أسمموارها إذا أشممرف‬
‫على الحائط صفق و رمي بنفسه فل يرجممع آخممر الممدهر فممي‬
‫حممديث مسممتحيل عممادة مممن خرافممات القصمماص و صممحراء‬
‫سجلماسممة قممد نفضممها الركمماب و الدلء و لممم يقفمموا لهممذه‬
‫المدينة على خبرهم أن هذه الحوال الممتي ذكممروا عنهمما كلهمما‬
‫مسممتحيل عممادةً منمماف للمممور الطبيعيممة فممي بنمماء المممدن و‬
‫اختطاطها و أن المعادن غاية الموجود منهمما أن يصممرف فممي‬
‫النيممة و الخرثممي و أممما تشممييد مدينممة منهمما فكممما تممراه مممن‬
‫الستحالة و البعممد و أمثممال ذلممك كممثيرة و تمحيصممه إنممما هممو‬
‫بمعرفة طبائع العمممران و هممو أحسممن الوجمموه و أوثقهمما فممي‬
‫تمحيص الخبار وتمييز صدقها مممن كممذبها و هممو سممابق علممى‬
‫التمحيص بتعديل الرواة و ل يرجممع إلممى تعممديل الممرواة حممتى‬
‫يعلم أن ذلك الخبر في نفسه ممكن أو ممتنع و أممما إذا كممان‬
‫مستحيل ً فل فائدة للنظر فمي التعمديل و التجريمح و لقمد عمد‬
‫أهل النظر من المطاعن في الخبر استحالة مدلول اللفممظ و‬
‫تأويله بما ل يقبله العقممل وإنممما كممان التعمديل و التجريمح هممو‬
‫المعتممبر فممي صممحة الخبممار الشممرعية لن معظمهمما تكمماليف‬
‫إنشائية أوجب الشارع العمل بها حتى حصل الظن بصدقها و‬
‫سبيل صمحة الظمن الثقمة بمالرواة بالعدالمة و الضمبط‪ .‬و أمما‬
‫الخبار عن الواقعات فل بد في صدقها و صممحتها مممن اعتبممار‬
‫المطابقة فلذلك وجب أن ينظممر فممي إمكممان وقمموعه و صممار‬
‫فيها ذلك أهم مممن التعممديل و مقممدما ً عليممه إذ فممائدة النشمماء‬
‫مقتبسة منه فقط و فائدة الخبر منه و من الخارج بالمطابقة‬
‫و إذا كان ذلك فالقممانون فممي تمييممز الحممق مممن الباطممل فممي‬
‫الخبار بالمكان و الستحالة أن ننظر في الجتممماع البشممري‬
‫الممذي هممو العمممران و نميممز ممما يلحقممه مممن الحمموال لممذاته و‬
‫بمقتضى طبعه و ما يكون عارضا ً ل يعتد به و ما ل يمكممن أن‬
‫يعرض له و إذا فعلنا ذلك كان ذلك لنا قانونا ً في تمييز الحممق‬
‫من الباطل في الخبار و الصدق من الكذب بوجه برهمماني ل‬
‫مدخل للشك فيه و حينئذ فإذا سمعنا عن شيىء من الحوال‬
‫الواقعممة فممي العمممران علمنمما ممما نحكممم بقبمموله مممما نحكممم‬
‫بتزييفه و كان ذلك لنا معيارا ً صممحيحا ً يتحممرى بممه المؤرخممون‬
‫طريق الصدق و الصواب فيما ينقلونه و هذا هممو غممرض هممذا‬
‫الكتاب الول من تأليفنا و كأن هذا علم مستقل بنفسه فممإنه‬
‫ذو موضوع و هو العمران البشري و الجتماع النسمماني و ذو‬
‫مسائل و هي بيان ما يلحقه مممن العمموارض و الحمموال لممذاته‬
‫واحدة بعد أخرى و هذا شأن كل علم من العلوم وضعيا ً كممان‬
‫أو عقليًا‪.‬‬
‫و إعلم أن الكلم في هذا الغرض مسممتحدث الصممنعة غريممب‬
‫النزعة عزيز الفائدة اعثر عليه البحممث و أدى إليممه الغمموص و‬
‫ليس من علم الخطابة إنما هو القوال المقنعممة النافعممة فممي‬
‫استمالة الجمهور إلى رأي أو صدهم عنممه و ل هممو أيض ما ً مممن‬
‫علم السياسة المدنية إذ السياسة المدنية هي تممدبير المنممزل‬
‫أو المدينممة بممما يجممب بمقتضممى الخلق و الحكمممة ليحمممل‬
‫الجمهور علممى منهمماح يكممون فيممه حفممظ النمموع و بقمماؤه فقممد‬
‫خالف موضوعه موضوع هذين الفنين اللذين ربما يشممبهانه و‬
‫كأنه علم مسنبط النشأة و لعمري لم أقف علممى الكلم فممي‬
‫منحاه لحد من الخليقة ما أدري ألغفلتهممم عممن ذلممك و ليممس‬
‫الظن بهم أو لعلهم كتبوا في هممذا الغممرض و اسممتوفوه و لممم‬
‫يصل إلينا فالعلوم كثيرة و الحكماء في أمم النمموع النسمماني‬
‫متعددون و ما لم يصل إلينا من العلوم أكثر مما وصممل فممأين‬
‫علوم الفرس التي أمممر عمممر رضممى اللممه عنممه بمحوهمما عنممد‬
‫الفتح و أين علوم الكلدانيين و السريانيين و أهممل بابممل و ممما‬
‫ظهر عليهم من آثارهمما و نتائجهمما و أيممن علمموم القبممط و مممن‬
‫قبلهم و إنما وصل إلينا علوم أمة واحدة و هممم يونممان خاصممة‬
‫لكلممف المممأمون بإخراجهمما مممن لغتهممم و اقتممداره علممى ذلممك‬
‫بكثرة المترجمين و بذل الموال فيها و لم نقف على شمميىء‬
‫من علوم غيرهم و إذا كانت كل حقيقة متعلقة طبيعية يصلح‬
‫أن نبحث عما يعرض لها من العوارض لذاتها وجب أن يكممون‬
‫باعتبار كممل مفهمموم و حقيقممة علممم مممن العلمموم يخصممه لكممن‬
‫الحكماء لعلهم إنما لحظوا في ذلك العناية بممالثمرات و هممذا‬
‫إنما ثمرته في الخبار فقط كما رأيت و إن كانت مسائله في‬
‫ذاتها و في اختصاصها شريفة لكممن ثمرتممه تصممحيح الخبممار و‬
‫هي ضعيفة فلهذا هجروه و الله أعلم و ما أوتيتممم مممن العلممم‬
‫إل قليل ً و هذا الفن الذي لح لنا النظر فيه نجد منممة مسممائل‬
‫تجري بالعرض لهل العلوم في براهيممن علممومهم و هممي مممن‬
‫جنس مسائله بالموضوع و الطلب مثل ما يممذكره الحكممماء و‬
‫العلممماء فممي إثبممات النبمموة مممن أن البشممر متعمماونون فممي‬
‫وجودهم فيحتاجون فيه إلى الحاكم و الوازع و مثل ممما يممذكر‬
‫في أصول الفقه في باب إثبات اللغات أن النمماس محتمماجون‬
‫إلى العبارة عن المقاصد بطبيعة التعاون و الجتممماع و تبيممان‬
‫العبارات أخف و مثل ما يذكره الفقهمماء فممي تعليممل الحكممام‬
‫الشرعية بالمقاصد في أن الزنا مخلط للنساب مفسد للنوع‬
‫و أن القتممل أيضما ً مفسممد للنمموع و أن الظلممم مممؤذن بخممراب‬
‫العمران المفضي لفساد النوع غير ذلك مممن سممائر المقاصممد‬
‫الشرعية في الحكام فإنها كلها مبنية علممى المحافظممة علممى‬
‫العمران فكان لها النظممر فيممما يعممرض لممه و هممو ظمماهر مممن‬
‫كلمنا هذا في هذه المسائل الممثلة و كذلك أيض ما ً يقممع إلينمما‬
‫القليل مممن مسممائله فمي كلمممات متفقرقممة لحكممماء الخليقممة‬
‫لكهم لم يستوفوه فمن كلم الموبذان بهرام بممن بهممرام فممي‬
‫حكاية البوم التي نقلها المسممعودي أيهمما الملممك إن الملممك ل‬
‫يتم عزه إل بالشريعة و القيام لله بطمماعته و التصممرف تحممت‬
‫أمره و نهيه و ل قوام للشريعة إل بالملك و ل عممز للملممك إل‬
‫بالرجممال و ل قمموام للرجممال إل بالمممال و ل سممبيل للمممال إل‬
‫بالعمممارة و ل سممبيل للعمممارة إل بالعممدل و العممدل الميممزان‬
‫المنصوب بيممن الخليقممة نصممبه الممرب و جعممل لممه قيمما ً و هممو‬
‫الملك‪ .‬و من كلم أنوشروان فمي هممذا المعنممى بعينممه الملممك‬
‫بالجند و الجند بالمال و المال بممالخراج و الخممراج بالعمممارة و‬
‫العمممارة بالعممدل و العممدل بإصمملح العمممال و إصمملح العمممال‬
‫باستقامة المموزراء و رأس الكممل بافتقمماد الملممك حممال رعيتممه‬
‫بنفسه و اقتداره على تأديتها حممتى يملكهمما و ل تملكممه و فممي‬
‫الكتاب المنسوب لرسطو في السياسة المتداول بين الناس‬
‫جزء صالح منممه إل أنممه غيممر مسممتوف و ل معطممى حقممه مممن‬
‫البراهين و مختلط بغيره و قممد أشممار فممي ذلممك الكتمماب إلممى‬
‫هذه الكلمات التي نقلناها عن الموبذان و أنوشروان و جعلها‬
‫في الدائرة القريبة التي أعظم القول فيها هممو قمموله‪ :‬العممالم‬
‫بستان سياجه الدولة و الدولة سلطان تحيا به السممنة السممنة‬
‫سياسة يسوسممها الملممك الملممك نظممام يعضممده الجنممد الجنممد‬
‫أعوان يكفلهم المال المال رزق تجمعه الرعية الرعيممة عبيممد‬
‫يكنفهم العدل العدل مألوف و به قوائم العالم العالم بسممتان‬
‫ثم ترجع إلى أول الكلم‪ .‬فهذه ثمان كلمات حكمية سياسممية‬
‫ارتبط بعضها ببعض و ارتدت أعجازها إلى صدورها و اتصمملت‬
‫في دائرة ل يتعيممن طرفهمما فخممر بعثمموره عليهمما و عظممم مممن‬
‫فوائدها‪ .‬و أنت إذا تأملت كلمنا في فصل الممدول و الملممك و‬
‫أعطيته حقه مممن التصممفح و التفهممم عممثرت فممي أثنممائه علممى‬
‫تفسير هذه الكلمات و تفصيل إجمالها مستوفى بين ما ً بممأوعب‬
‫بيانا ً و أوضح دليل و برهان أطلعنا الله عليممه مممن غيممر تعليممم‬
‫أرسطو و ل إفادة موبذان و كذلك تجد في كلم ابممن المقفممع‬
‫و ما يستطرد في رسممائله مممن ذكممر السياسممات الكممثير مممن‬
‫مسائل كتابنا هذا غيممر مبرهنممة كممما برهنمماه إنممما يجليهمما فممي‬
‫الذكرعلى منحى الخطابة في أسلوب الترسل و بلغة الكلم‬
‫و كذلك حوم القاضي أبو بكر الطرطوشي في كتمماب سممراج‬
‫الملوك و بوبه علممى أبممواب تقممرب مممن أبممواب كتابنمما هممذا و‬
‫مسائله لكنه لم يصادف فيه الرمية و ل أصمماب الشمماكلة و ل‬
‫استوفى المسائل و ل أوضح الدلة إنما يبوب الباب للمسألة‬
‫ثممم يسممتكثر مممن الحممادث و الثممار و ينقممل كلمممات متفرقممة‬
‫لحكماء الفرس مثل بزر جمهر و الموبذان و حكممماء الهنممد و‬
‫المأثور عن دانيال و هرمس و غيرهم من أكممابر الخليقمة و ل‬
‫يكشف عن التحقيق قناعا ً و ل يرفع البراهين الطبيعية حجابا ً‬
‫إنما هممو نقممل و تركيممب شممبيه بممالمواعظ و كممأنه حمموم علممى‬
‫العرض و لم يصادفه و ل تحقق قصده و ل استوفى مسممائله‬
‫و نحن ألهمنا الله إلى ذلك إلهاما ً و أعثرنمما علممى علممم جعلنمما‬
‫بين نكرة و جهينة خبره فممإن كنممت قممد اسممتوفيت مسممائله و‬
‫ميزت عن سائر الصنائع أنظاره و أنحاءه فتوفيق من اللممه و‬
‫هداية و أن فاتني شيىء في إحصائه و اشتبهت بغير فللناظر‬
‫التحقممق إصمملحه ولممي الفضممل لنممي نهجممت لممه السممبيل و‬
‫أوضحت له الطريق و الله يهدي بنوره من يشاء‪ .‬و نحن الن‬
‫نبين في هذا الكتمماب ممما يعممرض للبشممر فممي اجتممماعهم مممن‬
‫أحمموال العمممران فممي الملممك و الكسممب و العلمموم و الصممنائع‬
‫بوجمموه برهانيممة يتضممح بهمما التحقيممق فممي معممارف الخاصممة و‬
‫العامة و تندفع بها الوهام و ترفع الشكوك‪ .‬و نقول لما كممان‬
‫النسان متميزا ً عن سائر الحيوانات بخواص اختص بها فمنها‬
‫العلوم و الصنائع التي هي نتيجممة الفكممر الممذي تميممز بممه عممن‬
‫الحيوانات و شرف بوصفه علممى المخلوقمات و منهما الحاجممة‬
‫إلى الحكم الوازع و السلطان القاهر إذ ل يمكن وجوده دون‬
‫ذلك من بين الحيوانات كلها إل ما يقال عن النحل و الجراد و‬
‫هذه و أن كان لها مثل ذلك فبطريق إلهامي ل بفكممر و رويممة‬
‫و منهمما السممعي فممي المعمماش و العتمممال فممي تحصمميله مممن‬
‫وجوهه و اكتساب أسممبابه لممما جعممل اللممه مممن الفتقممار إلممى‬
‫الغذاء في حياته و بقائه و هممداه إلممى التماسممه و طلبممه فممإن‬
‫تعالى أعطى كل شيء خلقه ثم هدى و منهما العمران و هممو‬
‫التساكن و التنازل في مصر أو حلة للنس بالعشير و اقتضاء‬
‫الحاجات لما في طباعهم من التعاون على المعاش كما نبينه‬
‫و من هممذا العمممران ممما يكممون بمدويا ً و همو الممذي يكمون فمي‬
‫الضواحي و في الجبال و في الحلل المنتجعممة فممي القفممار و‬
‫أطراف الرمال و منه ما يكون حضريا ً و هو الذي بالمصممار و‬
‫القرى و المدن والمدر للعتصام بها و التحصن بجدرانها و له‬
‫في كل هذه الحوال أمور تعرض من حيث الجتماع عروضمما ً‬
‫ذاتيا ً له فل جممرم انحصممر الكلم فممي هممذا الكتمماب فممي سممتة‬
‫فصول‪.‬‬
‫الول في العمران البشري على الجملة و أصممنافه و قسممطه‬
‫من الرض‪.‬‬
‫و الثمماني فممي العمممران البممدوي فمي و ذكممر القبممائل و المممم‬
‫الوحشية‪.‬‬
‫و الثممالث فممي الممدول و الخلفممة و الملممك و ذكممر المراتممب‬
‫السلطانية‬
‫و الرابع في العمران الحضري و البلدان و المصار‪.‬‬
‫و الخامس في الصنائع و المعاش و الكسب و وجوهه‪.‬‬
‫و السادس في العلوم و اكتسابها و تعلمها‪.‬‬
‫و قد قدمت العمران البممدوي لنممه سممابق علممى جميعهمما كممما‬
‫نبين لك بعد و كذا تقديم الملك على البلدان و المصار وأممما‬
‫تقديم المعاش فلن المعاش ضروري طممبيعي و تعلممم العلممم‬
‫كمممالي أو حمماجي و الطممبيعي أقممدم مممن الكمممالي و جعلممت‬
‫الصنائع مممع الكسممب لنهمما منممه ببعممض الوجمموه و مممن حيممث‬
‫العمران كما نبين لك بعد و الله الموفممق للصممواب و المعيممن‬
‫عليه‪.‬‬
‫الباب الول من الكتاب الول في العمران البشري‬
‫على الجملة و فيه مقدمات‬
‫الولى في أن الجتماع النساني ضروري و يعبر الحكماء عن‬
‫هذا بقولهم النسان مدني بالطبع أي ل بممد لممه مممن الجتممماع‬
‫الذي هو المدينة في اصطلحهم و هو معنى العمران و بيممانه‬
‫أن الله سبحانه خلممق النسممان و ركبممه علممى صممورة ل يصممح‬
‫حياتها و بقاؤها إل بالغذاء و هداه إلى التماسه بفطرته و بممما‬
‫ركب فيه من القدرة على تحصمميله إل أن قممدرة الواحممد مممن‬
‫البشر قاصرة عن تحصيل حاجته من ذلك الغذاء غيممر موفيممة‬
‫له بمادة حياته منه و لو فرضنا منه أقممل ممما يمكممن فرصممة و‬
‫هو قوت يوم من الحنطمة مثل ً فل يحصمل إل بعلج كمثير ممن‬
‫الطحن و العجن و الطبخ و كل واحد من هذه العمال الثلثة‬
‫يحتاج إلى مممواعين و آلت ل تتممم إل بصممناعات متعممددة مممن‬
‫حداد و نجار و فاخوري وهب أنه يأكله حبا ً من غير علج فهممو‬
‫أيضا ً يحتاج في تحصيله أيضا ً حبا ً إلى أعمال أخرى أكممثر مممن‬
‫هذه من الزراعة و الحصاد و الدراس الذي يخرج الحمب مممن‬
‫غلف السممنبل و يحتمماج كممل واحممد مممن هممذه آلت متعممددة و‬
‫صنائع كثيرة أكثر من الولى بكثير و يسمتحيل أن تفمي بمذلك‬
‫كله أو ببعضه قدرة الواحد فل بد من اجتممماع القممدر الكممثيرة‬
‫من أبناء جنسه ليحصل القمموت لممه و لهممم فيحصممل بالتعمماون‬
‫قدر الكفاية من الحاجة لكثر منهم بإضممعاف و كممذلك يحتمماج‬
‫كل واحد منهم أيضا ً فممي الممدفاع عممن نفسممه إلممى السممتعانة‬
‫بأبناء جنسه لن الله سبحانه لما ركب الطباع في الحيوانممات‬
‫كلها و قسم القدر بينهمما جعممل حظمموظ كممثير مممن الحيوانممات‬
‫العجم من القدرة أكمل من حظ النسان فقدرة الفرس مثل ً‬
‫أعظم بكثير من قدرة النسان و كذا قدرة الحمممار و الثممور و‬
‫قدرة السد و الفيل أضعاف من قدرته‪ .‬و لممما كممان العممدوان‬
‫طبيعي ما ً فممي الحيمموان جعممل لكممل واحممد منهمما عضمموا ً يختممص‬
‫بمدافعته ما يصل إليه من عادية غيره و جعل للنسان عوضا ً‬
‫من ذلك كله الفكر و اليد فاليد مهيئة للصنائع بخدمة الفكر و‬
‫الصنائع تحصل له اللت التي تنوب له عن الجمموارح المعممدة‬
‫في سممائر الحيوانممات للممدفاع مثممل الرممماح الممتي تنمموب عممن‬
‫القرون الناطحة و السيوف النائبة عممن المخممالب الجارحممة و‬
‫التراس النائبة عن البشرات الجاسية إلى غيممر ذلممك و غيممره‬
‫مما ذكره جالينوس في كتمماب منممافع العضمماء فالواحممد مممن‬
‫البشر ل تقاوم قدرته قدرة واحد من الحيوانات العجم سمميما‬
‫المفترسة فهو عاجز عن مممدافعتها وحممده بالجملممة و ل تفممي‬
‫قدرته أيضا ً باستعمال اللت المعدة لها فل بد في ذلممك كلممه‬
‫من التعاون عليه بأبناء جنسه و ما لمم يكمن همذا التعماون فل‬
‫يحصل له قوت و ل غذاءا ً و ل تتم حياته لما ركبه الله تعممالى‬
‫عليه من الحاجة إلى الغذاء في حيمماته و ل يحصممل لممه أيض ما ً‬
‫دفاع عن نفسه لفقدان السلح فيكون فريسممة للحيوانممات و‬
‫يعاجله الهلك عن مدى حياته و يبطل نمموع البشممر و إذا كممان‬
‫التعاون حصل له القوت للغممذاء و السمملح للمدافعممة و تمممت‬
‫حكمممة اللممه فممي بقممائه و حفممظ نمموعه فممإذن هممذا الجتممماع‬
‫ضروري للنوع النساني و إل لم يكمممل و جممودهم و ممما أراده‬
‫الله من اعتمار العالم بهم و استخلفه إياهم و هذا هو معنممى‬
‫العمران الذي جعلناه موضوعا ً لهذا العلممم و فممي هممذا الكلم‬
‫نوع إثبات للموضوع في فنه الذي هو موضوع له و هممذا و أن‬
‫لم يكممن واجبما ً علممى صمماحب الفممن لممما تقممرر فممي الصممناعة‬
‫المنطقية أنه ليس علممى صمماحب علممم إثبمات الموضمموع فمي‬
‫ذلك العلم فليس أيضا ً مممن المنوعمات عنممدهم فيكممون إثبماته‬
‫من التبرعات و الله الموفق بفضله‪ .‬ثم أن هممذا الجتممماع إذا‬
‫حصل للبشر كما قررناه و تم عمران العالم بهممم فل بممد مممن‬
‫وازع يدفع بعضهم عن بعض لما في طبمماعهم الحيوانيممة مممن‬
‫العدوان و الظلم و ليست السلح التي جعلت دافعة لعممدوان‬
‫الحيوانات العجم عنهم كافية فممي دفممع العممدوان عنهممم لنهمما‬
‫موجودة لجميعهم فل بد من شيىء آخر يدفع عدوان بعضممهم‬
‫عن بعض‪ .‬و ل يكون من غيرهم لقصور جميع الحيوانات عممن‬
‫مداركهم و إلهاماتهم فيكون ذلك الوازع واحدا ً منهم يكون له‬
‫عليهم الغلبة و السلطان و اليممد القمماهرة حممتى ل يصممل أحممد‬
‫إلى غيره بعدوان و هذا هو معنى الملك و قد تممبين لممك بهممذا‬
‫أن للنسان خاصة طبيعية و ل بد لهممم منهمما و قممد يوجممد فممي‬
‫بعض الحيوانات العجم على ما ذكره الحكماء كما في النحممل‬
‫و الجراد لما استقرىء فيهمما مممن الحكممم و النقيمماد و التبمماع‬
‫لرئيس من أشخاصها متميز عنهم في خلقممه و جثمممانه إل أن‬
‫ذلممك موجممود لغيممر النسممان بمقتضممى الفطممرة و الهدايممة ل‬
‫بمقتضى الفكرة و السياسة أعطى كل شيء خلقه ثم هممدى‬
‫و تزيممد الفلسممفة علممى هممذا البرهممان حيممث يحمماولون إثبممات‬
‫النبمموة بالممدليل! العقلممي و أنهمما خاصممة طبيعيممة للنسممان‬
‫فيقررون هذا البرهان إلى غاية و أنه ل بد للبشر ممن الحكمم‬
‫المموازع ثممم يقولممون بعممد ذلممك و ذلممك الحكممم يكممون بشممرع‬
‫مفروض من عند الله يأتي به واحد من البشر و أنه ل بممد أن‬
‫يكون متميزا ً عنهم بما يودع الله فيه في خواص هدايته ليقممع‬
‫التسليم له و القبول منه حتى يتم الحكم فيهم و عليهممم مممن‬
‫غير إنكار و ل تزيف و هذه القضية للحكماء غير برهانية كممما‬
‫تممراه إذ الوجممود و حيمماة البشممر قممد تتممم مممن دون ذلممك بممما‬
‫يفرضممه الحمماكم لنفسممه أو بالعصممبية الممتي يقتممدر بهمما علممى‬
‫قهرهم و حملهم على جادته فأهل الكتاب و المتبعون للنبياء‬
‫قليلون بالنسبة إلى المجوس الذين ليممس لهممم كتمماب فممإنهم‬
‫أكثر أهل العالم و مممع ذلممك فقممد كممانت لهممم الممدول و الثممار‬
‫فضل ً عن الحياة و كذلك هممي لهممم لهممذا العهممد فممي القمماليم‬
‫المنحرفة في الشمال و الجنوب بخلف حياة البشممر فوضممى‬
‫دون وازع لهم البتة فإنه يمتنع و بهذا يتبين لممك غلطهممم فممي‬
‫وجوب النبوات و أنه ليس بعقلي و إنما مممدركه الشممرع كممما‬
‫هو مذهب السلف من المة و الله ولي التوفيق و الهداية‪.‬‬
‫المقدمة الثانية فممي قسممط العمممران مممن الرض و‬
‫الشارة إلى بعض ما فيه من الشجار و النهار‬
‫و القاليم‬
‫اعلم أنه تبين في كتب الحكماء الناظرين في أحمموال العممالم‬
‫أن شكل الرض كممروي و أنهمما محفوفممة بعنصممر الممماء كأنهمما‬
‫عنبة طافية عليه فانحسر الماء عممن بعممض جوانبهمما لممما أراد‬
‫الله ممن تكموين الحيوانمات فيهما و عمرانهما بمالنوع البشمري‬
‫الذي له الخلفة على سائرها و قد يتوهم من ذلممك أن الممماء‬
‫تحممت الرض و ليممس بصممحيح و أنممما النحممت الطممبيعي قلممب‬
‫بالرض و وسط كرتها الذي هممو مركزهمما و الكممل يطلبممه بممما‬
‫فيه من الثقل و ما عدا ذلك من جوانبها و أما الماء المحيممط‬
‫بها فهممو فمموق الرض و أن قيممل فمي شمميىء منهمما إنممه تحممت‬
‫الرض فبالضافة إلى جهة أخرى منه‪ .‬و أما الذي انحسر عنه‬
‫الماء من الرض فهممو النصممف مممن سمطح كرتهما فمي شممكل‬
‫دائرة أحاط العنصر الممماء مممن بهمما مممن جميممع جهاتهمما بحممرا ً‬
‫يسمممى البحممر المحيممط و يسمممى أيض ما ً لبليممه بتفخيممم اللم‬
‫الثانية و يسمى أوقيانوس أسماء أعجميممة و يقممال لممه البحممر‬
‫الخضر و السود ثم أن هذا المنكشمف ممن الرض للعممران‬
‫فيممه القفممار و الخلء أكممثر مممن عمرانممه و الخممالي مممن جهممة‬
‫الجنوب منه أكثر من جهة الشمال و إنما المعمور منه أميممل‬
‫إلى الجانب الشمالي على شكل مسممطح كممروي ينتهممي مممن‬
‫جهة الجنوب إلى خط الستواء و من جهة الشمال إلممى خممط‬
‫كروي و وراءه الجبممال الفاصمملة بينممه و بيممن المماء العنصممري‬
‫الذي بينهما سد يأجوج و مأجوج و هذه الجبال مائلة إلى جهة‬
‫المشرق و ينتهي من المشرق و المغممرب إلممى عنصممر الممماء‬
‫أيضا ً بقطعتين مممن الممدائرة المحيطممة و هممذا المنكشممف مممن‬
‫الرض قالوا هو مقدار النصف من الكرة أو أقممل و المعمممور‬
‫منممه مقممدار ربعممه و هممو المنقسممم بالقمماليم السممبعة و خممط‬
‫الستواء يقسم الرض بنصفين من المغرب إلممى المشممرق و‬
‫هو طول الرض و أكبر خط في كرتهمما كممما أن منطقممة فلممك‬
‫البروج و دائرة فعدل النهار أكممبر خممط فممي الفلممك و منطقممة‬
‫البروج منقسمة بثلثمائة و ستين درجة و الدرجة من مسممافة‬
‫الرض خمسة و عشرون فرسخا ً و الفرسخ اثنمما عشممر ألممف‬
‫ذراع و الذراع أربعة و عشرون إصبعا ً و الصممبع سممت حبممات‬
‫شعير مصفوفة ملصق بعضها إلى بعض ظهممرا ً لبطممن و بيممن‬
‫دائرة فعدل النهار التي تقسم الفلك بنصفين و تسامت خممط‬
‫الستواء من الرض و بين كممل واحممد مممن القطممبين تسممعون‬
‫درجة لكن العمارة في الجهممة الشمممالية مممن خممط السممتواء‬
‫أربع و ستون درجة و الباقي منهما خلء ل عممارة فيمه لشمدة‬
‫البرد و الجمود كممما كممانت الجهممة الجنوبيممة خلء كلهمما لشممدة‬
‫الحر كما نبين ذلك كله إن شاء الله تعالى‪ .‬ثممم إن المخممبرين‬
‫عن هذا المعمور و حدوده و عما فيه من المصار و المدن و‬
‫الجبال و البحار و النهار و القفار و الرمممال مثممل بطليممموس‬
‫في كتاب الجغرافيا و صاحب كتاب زخممار مممن بعممده قسممموا‬
‫هذا المعمور بسبعة أقسام يسمونها القاليم السممبعة بحممدود‬
‫وهمية بين المشرق و المغرب متساوية في العرض مختلفممة‬
‫في الطول فالقليم الول أطول مما بعده و هكذا الثاني إلى‬
‫آخرها فيكون السابع أقصر لما اقتضاه وضع الدائرة الناشممئة‬
‫عممن انحسممار الممماء عممن كممرة الرض و كممل واحممد مممن هممذه‬
‫القمماليم عنممدهم منقسممم بعشممرة أجممزاء مممن المغممرب إلممى‬
‫المشرق على التوالي و فممي كممل جممزء الخممبر عممن أحممواله و‬
‫أحوال عمرانه‪ .‬و ذكروا أن هذا البحر المحيط يخرج من جهة‬
‫المغرب في القليم الرابع البحر الرومي المعروف يبممدأ فممي‬
‫خليج فتضايق في عممرض اثنممي عشممر ميل ً أو نحوهمما ممما بيممن‬
‫طنجممة و طريممف و يسمممى أن الزقمماق ثممم يممذهب مشممرقا ً و‬
‫ينفسح إلى عرض ستمائة ميل و نهايته في آخر الجزء الرابع‬
‫من القليم الرابع على ألف فرسخ و مممائة و سممتين فرسممخا ً‬
‫من مبدأه و عليممه هنالممك سممواحل الشممام و عليممه مممن جهممة‬
‫الجنوب سواحل المغرب أولها طنجة عند الخليج ثم أفريقيممة‬
‫ثمممم برقمممة إذ السمممكندرية و ممممن جهمممة الشممممال سمممواحل‬
‫القسطنطينية عند الخليج ثم البنادقة ثم رومممة ثممم الفرنجممة‬
‫ثم الندلس إلى طريف عند أن الزقاق قبالة طنجة و يسمى‬
‫هذا البحر الرومي و الشامي و فيه جممزر كممثيرة عممامرة كبممار‬
‫مثل أقريطش و قبرص و صقلية و ميورقة و سردانية قممالوا‪:‬‬
‫و يخرج منه في جهة الشمممال بحممران آخممران مممن خليجيممن‪.‬‬
‫أحدهما مسامت للقسطنطينية يبدأ من هممذا البحممر متضممايقا ً‬
‫فمممي عمممرض رميمممة السمممهم و يممممر ثلثمممة بحمممار فيتصمممل‬
‫بالقسطنطينية ثم ينفسح في عرض أربعة أميممال و يمممر فممي‬
‫جريه ستين ميل ً و يسمى خليج القسطنطينية ثممم يخممرج مممن‬
‫فوهة عرضها ستة أميال فيمد بحر نيطش و هو بحر ينحممرف‬
‫من هنالك في مذهبه إلى ناحية الشرق فيمر بأرض هرقلة و‬
‫ينتهي إلى بلد الخزرية على ألف و ثلثمائة ميل من فمموهته و‬
‫عليممه مممن الجممانبين أمممم مممن الممروم و الممترك و برجممان و‬
‫الروس‪ .‬و البحر الثاني من خليجي هذا البحممر الرومممي و هممو‬
‫بحر البنادقة يخرج من بلد الروم على سمممت الشمممال فممإذا‬
‫انتهى إلى سمت الجبل انحرف في سمت المغممرب إلممى بلد‬
‫البنادقة و ينتهي إلى بلد إنكلية على ألممف و مممائة ميممل مممن‬
‫مبدإه و على حافتيه مممن البنادقممة و الممروم و غيرهممم أمممم و‬
‫يسمى خليج البنادقة‪ .‬قالوا و ينساح من هممذا البحممر المحيممط‬
‫أيضا ً من الشرق و على ثلث عشرة درجة في الشمممال مممن‬
‫خط الستواء بحر عظيم متسع يمر فممي الجنمموب قليل ً حممتى‬
‫ينتهي إلى القليم الول ثم يمر فيه مغربا ً إلى أن ينتهي فممي‬
‫الجزء الخامس منه إلى بلد الحبشة و الزنج و إلممى بلد بمماب‬
‫المندب منممه علممى أربعممة آلف فرسممخ مممن مبممدئه و يسمممى‬
‫البحر الصيني و الهندي و الحبشي و عليه مممن جهممة الجنمموب‬
‫بلد الزنج و بلد بربر التي ذكرها امرؤ القيممس فممي شممعره و‬
‫ليسوا من البربر الذين هم قبائل المغممرب ثممم بلممد سممفالة و‬
‫أرض الواق واق و أمم أخر ليس بعدهم إل القفممار و الخلء و‬
‫عليه من جهة الشمال الصين مممن عنممد مبممدئه ثممم الهنممد ثممم‬
‫السند ثم سواحل اليمن من الحقاف و زبيد و غيرها ثممم بلد‬
‫الزنج عند نهايته و بعممدهم الحبشممة‪ .‬قممالوا و يخممرج مممن هممذا‬
‫البحر الحبشي بحران آخران أحدهما يخممرج مممن نهممايته عنممد‬
‫بمماب المنممدب فيبممدأ متضممايقا ً ثممم يمممر مسممتبحرا ً إلممى ناحيممة‬
‫الشمال و مغربا ً قليل ً إلى أن بنتهي إلممى القلممزم فممي الجممزء‬
‫الخامس من القليم الثاني علممى ألممف و أربعمممائة ميممل مممن‬
‫مبدئه في و يسمى بحر القلزم و بحر السويس و بينه و بيممن‬
‫فسممطاط مصممر مممن هنالممك ثلث مراحممل و عليممه مممن جهممة‬
‫الشرق سواحل اليمن ثم الحجاز و جممدة ثممم مممدين و أيلممة و‬
‫فممازان عنممد نهممايته و مممن جهممة الغممرب سممواحل الصممعيد‪ ،‬و‬
‫عيذاب و سواكن وزيلع ثممم بلد الحبشممة عنممد مبممدئه و آخممره‬
‫عند القلزم يسامت البحر الرومي عند العريش و بينهما نحممو‬
‫ست مراحمل و ممازال الملموك فمي السملم و قبلمه يرممون‬
‫خرق ما بينهما و لم يتم ذلك‪ .‬و البحر الثاني مممن هممذا البحممر‬
‫الحبشي و يسمى الخليج الخضر يخرج ما بيممن بلد السممند و‬
‫الحقاف من اليمن و يمر إلى ناحية الشمال مغربا ً قليل ً إلممى‬
‫أن ينتهي إلى البلة من سواحل البصرة في الجزء السممادس‬
‫من القليم الثاني على أربعمائة فرسخ و أربعين فرسخا ً مممن‬
‫مبدئه و يسمى بحر فارس و عليه من جهة الشممرق سممواحل‬
‫السند و مكران و كرمان و فارس و البلة و عنممد نهممايته مممن‬
‫جهة الغرب سواحل البحرين و اليمامممة و عمممان و الشممحر و‬
‫الحقاف عند مبدئه و فيما بين بحر فارس و القلزم و جزيرة‬
‫العممرب كأنهمما داخلممة مممن الممبر فممي البحممر يحيممط بهمما البحممر‬
‫الحبشي من الجنوب و بحر القلزم من الغرب و بحر فممارس‬
‫من الشرق و تفضي إلى العراق بين الشممام و البصممرة علممى‬
‫ألف و خمسمائة ميل بينهممما و هنالممك الكوفممة و القادسممية و‬
‫بغداد و إيوان كسرى و الحيرة و وراء ذلك أمم العمماجم مممن‬
‫الترك و الخزر و غيرهم و في جزيرة العرب بلد الحجاز فممي‬
‫جهة الغرب منها و بلد اليمامة و البحرين و عمممان فممي جهممة‬
‫الشرق منها و بلد اليمن في جهممة الجنمموب منهمما و سممواحله‬
‫علمى البحمر الحبشمي‪ .‬قمالوا و فمي همذا المعممور بحمر آخمر‬
‫منقطع من سممائر البحممار فممي ناحيممة الشمممال بممأرض الممديلم‬
‫يسمى بحر جرجان و طبرستان طوله ألف ميممل فممي عممرض‬
‫ستمائة ميل في غربه أذربيجان والممديلم و فممي شممرقه أرض‬
‫الترك و خوارزم و في جنوبه طبرسممتان و فممي شممماله أرض‬
‫الخزر و اللن‪ .‬هذه جملة البحار المشهورة التي ذكرهمما أهممل‬
‫الجغرافيمما‪ .‬قممالوا و فممي هممذا الجممزء المعمممور أنهممار كممثيرة‬
‫أعظمها أربعة أنهار و هي النيل و الفرات و دجلة و نهممر بلممخ‬
‫المسمى جيحون‪ .‬فأما النيممل فمبممدأه مممن جبممل عظيممم وراء‬
‫خط الستواء بست عشرة درجة علممى سمممت الجممزء الرابممع‬
‫من القليم الول و يسمى جبل القمممر و ل يعلممم فممي الرض‬
‫جبل أعلى منه تخرج منممه عيممون كممثيرة فيصممب بعضممها فممي‬
‫الحيرة هناك و بعضها في أخرى ثم تخرج أنهار من البحيرتين‬
‫فتصب كلها في بحيرة واحدة عند خط السممتواء علممى عشممر‬
‫مراحل من الجبل و يخممرج مممن هممذه البحيممرة نهممران يممذهب‬
‫أحدهما إلى ناحية الشمال على سمته و يمر ببلد النوبممة ثممم‬
‫بلد مصر فإذا جاوزها تشعب في شعب مقاربممة يسمممى كممل‬
‫واحممد منهمما خليج ما ً و تصممب كلهمما فممي البحممر الرومممي عنممد‬
‫السكندرية و يسمى نيل مصر و عليه الصمميعد مممن شممرقه و‬
‫الواحات من غربه و يذهب الخممر منعطفما ً إلممى المغممرب ثممم‬
‫يمر على سمته إلممى أن يصممب ي البحممر المحيممط و هممو نهممر‬
‫السودان و أممهم كلهم على ضفتيه‪ .‬و أممما الفممرات فمبممدؤه‬
‫من بلد أرمينية في الجزء السادس مممن القليممم الخممامس و‬
‫يمر جنوبا ً في أرض الروم و ملطية إلى منبج ثم يمر بصممفين‬
‫ثم بالرقة ثم بالكوفة إلى أن ينتهي إلممى البطحمماء الممتي بيممن‬
‫البصرة و واسط و مممن هنمماك يصممب فممي البحممر الحبشممي و‬
‫تنجلب إليه في طريقه أنهار كثيرة و يخرج منممه أنهممار أخممرى‬
‫تصب في دجلمة‪ .‬و أمما دجلمة فمبمدؤها عيمن ببلد جلط ممن‬
‫أرمينية أيضا ً و تمر على سمت الجنوب بالموصل و أذربيجان‬
‫و بغداد إلى واسط فتتفرق إلى خلجان كلها تصب في بحيرة‬
‫البصرة و تفضي إلى بحر فارس و هو في الشرق على يمين‬
‫الفرات و ينجلب إليه أنهار كممثيرة عظيمممة مممن كممل جممانب و‬
‫فيما بين الفممرات و دجلممة مممن أولممه جزيممرة الموصممل قبالممة‬
‫الشام من عدوتي الفرات و قبالة أذربيجان من عدوة دجلممة‪.‬‬
‫و أما نهر جيحممون فمبممدؤه مممن بلممخ فممي الجممزء الثممامن مممن‬
‫القليم الثالث مممن عيممون هنمماك كممثيرة و تنجلممب إليممه أنهممار‬
‫عظام و يذهب من الجنوب إلى الشمال فيمر ببلد خراسممان‬
‫ثم يخرج معها إلى بلد خوارزم في الجزء الثامن من القليممم‬
‫الخامس فيصب في بحيرة الجرجانية التي بأسفل مممدينتها و‬
‫هممي مسمميرة شممهر فممي مثلممه و إليهمما ينصممب نهممر فرغانممة و‬
‫الشاش التي من بلد الترك و علممى غربممي نهممر جيحممون بلد‬
‫خراسممان و خمموارزم و علممى شممرقه بلد بخممارى و ترمممذ و‬
‫سمرقند و من هنالممك إلممى ممما وراءه بلد الممترك و فرغانممة و‬
‫الجرجانية و أمم العاجم و قد ذكر ذلك كله بطليممموس فممي‬
‫كتابه و الشريف فمي كتماب روجمار و صموروا فمي الجغرافيما‬
‫جميممع ممما فممي المعمممور مممن الجبممال و البحممار و الوديممة و‬
‫استوفوا من ذلك مل حاجممة انمما بممه لطمموله ولن عنايتنمما فممي‬
‫الكثر إنما هي بالمغرب الممذي هممو وطممن الممبربر و بالوطممان‬
‫التي للعرب من المشرق والله الموفق‪.‬‬
‫تكملة لهذه المقدمة الثانية في أن الربع الشمممالي‬
‫من الرض أكممثر عمران ما ً مممن الربممع الجنمموبي و‬
‫ذكر السبب في ذلك‬
‫و نحن نرى بالمشاهدة و الخبار المتواترة أن الول و الثمماني‬
‫من القاليم لمعمورة أقل عمرانا ً مما بعدهما و ما وجممد مممن‬
‫عمرانممه فيتخللممه الخلء و لقفممار و الرمممال و البحممر الهنممدي‬
‫الذي في الشرق منهممما و أمممم هممذين القليميممن و أناسمميهما‬
‫ليست لهم الكثرة البالغة و أمصاره و مدنه كذلك و الثالث و‬
‫الرابع و ما بعدهما بخلف ذلك فالقفار فيهمما قليلممة و الرمممال‬
‫كذلك أو معدومة و أممها و أناسيها تجوز الحد مممن الكممثرة و‬
‫أمصارها و مدنها تجاوز الحد عددا ً و العمران فيها منممدرج ممما‬
‫بين الثالث و السادس و الجنوب خلء كله و قد ذكر كثير من‬
‫الحكماء أن ذلك لفراط الحر و قلة ميل الشمممس فيهمما عممن‬
‫سمت الرؤوس فلنوضح ذلك ببرهانه و يتبين منه سبب كثرة‬
‫العمارة فيما بيممن الثممالث و الرابممع مممن جمانب الشمممال إلمى‬
‫الخممامس و السممابع‪ .‬فنقممول إن قطممبي الفلممك الجنمموبي و‬
‫الشمالي إذا كانمما علممى الفممق فهنالممك دائرة عظيمممة تقسممم‬
‫الفلك بنصفين هي أعظم الدوائر المممارة مممن المشممرق إلممى‬
‫المغرب و تسمى دائرة معدل النهار و قد تبين فممي موضممعه‬
‫مممن الهيئة أن الفلممك العلممى متحممرك مممن المشممرق إلممى‬
‫المغرب حركة يومية يحرك بها سائر الفلك في جوفه قهممرا ً‬
‫و هممذه الحركممة محسوسممة و كممذلك تممبين أن للكممواكب فممي‬
‫أفلكها حركة مخالفة لهذه الحركة و هممي مممن المغممرب إلممى‬
‫المشممرق و تختلممف آمادهمما بمماختلف حركممة الكممواكب فممي‬
‫السرعة و البطء و ممرات هذه الكواكب في أفلكها توازيهمما‬
‫كلها دائرة عظيمة من الفلك العلى تقسمممه بنصممفين و هممي‬
‫دائرة فلك البروج منقسمة باثني عشر برجا ً و هممي علممى ممما‬
‫تبين في موضعه مقاطعة لدائرة معدل النهممار علممى نقطممتين‬
‫متقمممابلتين ممممن المممبروج همممما أول الحممممل و أول الميمممزان‬
‫فتقسمهما دائرة معدل النهار بنصفين نصف مائل عن معدل‬
‫النهار إلى الشمال و هو من أول الحمل إلى آخممر السممنبلة و‬
‫نصف مائل عنه إلى الجنوب و هو من أول الميزان إلى آخممر‬
‫الحمموت و إذا وقممع القطبممان علممى الفممق فممي جميممع نممواحي‬
‫الرض كممان علممى سممطح الرض خممط واحممد يسممامت دائرة‬
‫معدل النهار يمر من المغممرب إلممى المشممرق و يسمممى خممط‬
‫الستواء و وقع هذا الخط بالرصد على ممما زعممموا فممي مبممدإ‬
‫القليم الول من القاليم السبعة و العمران كلممه فممي الجهممة‬
‫الشمالية يرتفع عن آفاق هذا المعمور بالتدريج إلى أن ينتهي‬
‫ارتفاعه إلى أربع‪ ،‬و ستين درجة و هنالممك ينقطممع العمممران و‬
‫هو آخر القليم السابع‪ ،‬إذا ارتفع على الفق و بقيممت تسممعين‬
‫درجة و هممي الممتي بيممن القطممب و دائرة معممدل النهممار علممى‬
‫الفق و بقيت ستة من البروج فوق الفق و همي الشممالية و‬
‫ستة تحت الفق و هي الجنوبية و العمارة فيما بين الربعمة و‬
‫السممتين إلممى التسممعين ممتنعممة لن الحممر و الممبرد حينئذ ل‬
‫يحصلن ممتزجين لبعد الزمان بينهممما يحصممل التكمموين فممإذا ً‬
‫الشمممس تسممامت الممرؤوس علممى خممط السممتواء فممي رأس‬
‫الحممممل و الميمممزان ثممم تميمممل فممي المسمممامتة إلمممى رأس‬
‫السرطان ورأس الجدي و يكون نهاية ميلها عن دائرة معممدل‬
‫النهار أربعا ً و عشرين درجة ثممم إذا ارتفممع القطممب الشمممالي‬
‫عن الفممق مممالت دائرة معممدل النهممار عممن سمممت الممرؤوس‬
‫بمقممدار ارتفمماع و انخفممض القطممب الجنمموبي كممذلك بمقممدار‬
‫متساو في الثلثة وهو المسمى عنممد أهممل المممواقيت عممرض‬
‫البلد و إذا مالت دائرة معدل النهار عن سمت الرؤوس علت‬
‫عليها البروج الشمالية مندرجة فمي مقمدار علوهما إلمى رأس‬
‫السرطان و انخفضت البروج الجنوبية من الفممق كممذلك إلممى‬
‫رأس الجدي لنحرافها إلى الجانبين فممي أفممق السممتواء كممما‬
‫قلنمماه فل يممزال الفممق الشمممالي يرتفممع حممتى يصممير أبعممد‬
‫الشمالية و هو رأس السرطان فممي سمممت الممرؤوس و ذلممك‬
‫حيث يكون عرض البلد أربعا ً و عشرين في الحجاز و ما يليممه‬
‫و هذا هو الميممل الممذي إذا مممال رأس السممرطان عممن معممدل‬
‫النهار في أفق الستواء ارتفع بارتفاع القطب الشمالي حممتى‬
‫صار مسامتا ً فممإذا ارتفممع القطممب أكممثر مممن أربممع و عشممرين‬
‫نزلت الشمس عن المسامتة و ل تزال في انخفاض إلممى أن‬
‫يكون ارتفاع القطب أربعا ً و ستين و يكون انخفاض الشمس‬
‫عن المسامتة كذلك و انخفاض القطب الجنمموبي عممن الفممق‬
‫مثلها فينقطع التكوين لفراط الممبرد و الجمممد و طممول زمممانه‬
‫غير ممتزج بالحر‪ .‬ثم إن الشمس عند المسامتة و ما يقاربها‬
‫تبعث الشعة قائمة و فيما دون المسامتة على زوايا منفرجة‬
‫و حادة و إذا كانت زوايا الشعة قائمة عظم الضمموء و انتشممر‬
‫بخلفممه فممي المنفرجممة و الحممادة فلهممذا يكممون الحممر عنممد‬
‫المسامتة و ما يقممرب منهمما أكممثر منممه فيممما بعممد لن الضمموء‬
‫سبب الحر و التسخين‪.‬‬
‫ثم أن المسامتة في خط الستواء تكممون مرتيممن فممي السممنة‬
‫عند نقطتي الحمل و الميزان و إذا مالت فغير بعيد و ل يكمماد‬
‫الحر يعتدل في آخر ميلها عنممد رأس السممرطان و الجممدي إل‬
‫أن صعدت إلى المسامتة فتبقى الشعة القائمممة الزوايمما تلممح‬
‫علممى ذلممك الفممق و يطممول مكثهمما أو يممدوم فيشممتعل الهممواء‬
‫حرارة و يفرط في شدتها و كذا ما دامت الشمممس تسممامت‬
‫مرتين فيما بعد خط الستواء إلى عرض أربع و عشرين فإن‬
‫الشعة ملحة على الفق في ذلممك بقريممب مممن إلحاحهمما فممي‬
‫خط الستواء و إفراط الحر يفعل في الهواء تجفيف ما ً و يبس ما ً‬
‫يمنممع مممن التكمموين لنممه إذا أفممرط الحممر جفممت الميمماه و‬
‫الرطوبات و فسد التكويني في المعدن و الحيمموان و النبممات‬
‫إذ التكوين ل يكون إل بالرطوبة ثم إذا مممال رأس السممرطان‬
‫عن سمت الرؤوس في عرض خمممس و عشممرين فممما بعممده‬
‫نزلت الشمس عن المسامتة فيصممير الحممر إلممى العتممدال أو‬
‫يميل عنه ميل ً قليل ً فيكون التكوين و يتزايد على التدريج إلى‬
‫أن يفرط البرد في شدته لقلة الضوء و كون الشعة منفرجة‬
‫الزوايا فينقص التكوين و يفسممد بيممد أن فسمماد التكمموين مممن‬
‫جهة شدة الحر أعظممم منممه مممن جهممة شممدة الممبرد لن الحممر‬
‫أسرع تأثيرا ً في التجفيف من تأثير الممبرد فممي الجمممد فلممذلك‬
‫كان العمران في القليم الول و الثاني قليل ً و فممي الثممالث و‬
‫الرابع و الخامس متوسمطا ً لعتممدال الحمر بنقصممان الضمموء و‬
‫في السادس و السابع كثيرا ً لنقصان الحر و أن كيفيممة الممبرد‬
‫ل تؤثر عند أولهمما فممي فسمماد التكمموين كممما يفعممل الحممر إذ ل‬
‫تجفيف فيها إل عند الفراط بما يعرض لها حينئذ مممن اليبممس‬
‫كما بعد السابع فلهذا كان العمران في الربع الشمالي أكثر و‬
‫أوفر و الله أعلم‪ .‬و من هنا أخذ الحكماء خلء خممط السممتواء‬
‫و ممما وراءه و أورد عليهممم أنممه مغمممور بالمشمماهدة و الخبممار‬
‫المتواترة فكيف يتم البرهان علممى ذلممك و الظمماهر أنهممم لممم‬
‫يريدوا امتناع العمران فيه بالكلية إنما أداهم البرهان إلممى أن‬
‫فساد التكوين فيممه قممري بممإفراط الحممر و العمممران فيممه إممما‬
‫ممتنع أو ممكن أقلي و هو كذلك فإن خط السممتواء و الممذي‬
‫وراءه و إن كان فيه عمران كما نقممل فهممو قليممل جممدًا‪ .‬و قممد‬
‫زعم ابن رشد أن خط السممتواء معتممدل و أن ممما وراءه فممي‬
‫الجنوب بمثابة ما وراءه في الشمال فيعمر منه ما عمر مممن‬
‫هذا و الذي قاله غير ممتنع مممن جهممة فسمماد التكمموين و إنممما‬
‫امتنممع فيممما وراء خممط السممتواء فممي الجنمموب مممن جهممة أن‬
‫العنصر المائي غمر وجه الرض هنالك إلمى الحمد المذي كمان‬
‫مقابله من الجهة الشمالية قابل ً للتكوين و لما امتنع المعتدل‬
‫لغيبة الماء تبعه ممما سممواه لن العمممران متممدرج و يأخممذ فممي‬
‫التدريج من جهممة الوجممود ل مممن جهممة المتنمماع و أممما القممول‬
‫بامتناعه في خط الستواء فيرده النقل المتواتر و الله أعلم‪.‬‬
‫و لنرسم بعد هذا الكلم صورة الجغرافيا كما رسمها صمماحب‬
‫كتاب روجار ثم نأخذ في تفصيل الكلم عليها إلى أخره‪.‬‬
‫القسمممم الول ممممن تفصممميل الكلم علمممى همممذه‬
‫الجغرافيا‬
‫إعلم أن الحكماء قسموا هذا المعمور كما تقدم ذكممره علممى‬
‫سبعة أقسام من الشمال إلممى الجنمموب يسمممون كممل قسممم‬
‫منهمما إقليم ما ً فانقسممم المعمممور مممن الرض كلممه علممى هممذه‬
‫السبعة القاليم كل واحد منها أخذ مممن الغممرب إلممى الشممرق‬
‫على طوله‪ .‬فالول منها مار من المغممرب إلممى المشممرق مممع‬
‫خط الستواء بحده من جهة الجنوب و ليس وراءه هنالممك إل‬
‫القفار و الرمال و بعض عمارة إن صحت فهممي كل عمممارة و‬
‫يليه من جهة شمالية القليم الثاني ثم الثالث كذلك ثم الرابع‬
‫و الخامس و السادس و السابع و هو آخر العمران مممن جهممة‬
‫الشمال و ليس وراء السابع إل الخلء و القفار إلى أن ينتهي‬
‫إلى البحر المحيط كالحال فيما وراء القليممم الول فممي جهممة‬
‫الجنوب إل أن الخلء في جهة الشمالي أقل بكثير من الخلء‬
‫الذي في جهة الجنوب‪ .‬ثم أن أزمنممة الليممل و النهممار تتفمماوت‬
‫في هممذه القمماليم بسممبب ميممل الشمممس عممن دائرة معممدلي‬
‫النهار و ارتفاع القطب الشمالي عن آفاقهمما فيتفمماوت قمموس‬
‫الليل و النهار لذلك و ينتهممي طممول الليممل و النهممار فممي آخممر‬
‫القليم الول و ذلك عند حلول الشمس برأس الجدي لليل و‬
‫برأس السرطان للنهممار كممل واحممد منهممما إلممى ثلث عشممرة‬
‫سماعة و كمذلك فمي آخممر القليمم الثماني مممما يلممي الشممال‬
‫فينتهممي‪ ،‬طممول النهممار فيممه عنممد حلممول الشمممس بممرأس‬
‫السرطان و هو منقلبها الصمميفي إلممى ثلث عشممرة سمماعة و‬
‫نصف ساعين و مثله أطول الليل عند منقلبها الشتوي برأس‬
‫الجدي و يبقى للقصر من الليل و النهار ما يبقى بعممد الثلث‬
‫عشرة و نصف من جملة أربع و عشرين السمماعات الزمانيممة‬
‫لمجموع الليل و النهممار و هممي دورة الفلممك الكاملممة و كممذلك‬
‫في آخر القليم الثالث مما يلممي الشمممال أيضما ً ينتهيممان إلممى‬
‫أربع عشرة ساعة و في آخر الرابع إلى أربع عشرة سمماعة و‬
‫نصف ساعة و في آخر الخامس إلى خمس عشممرة سمماعة و‬
‫في آخر السادس إلى خمس عشممرة سمماعة و نصممف و إلممى‬
‫آخر السابع إلى ست عشرة ساعة و هنالك ينقطممع العمممران‬
‫فيكون تفاوت هذه القاليم فممي الطممول مممن ليلهمما و نهارهمما‬
‫بنصف ساعة لكل إقليمه يتزايد من أوله فممي ناحيممة الجنمموب‬
‫إلى آخر في ناحية الشمال موزعة على أجممزاء هممذا البعممد‪ .‬و‬
‫أما عرض البلدان في هذه القاليم و هو عبممارة عممن بعممد ممما‬
‫بين سمت رأس البلد و دائرة معدل النهار الممذي هممو سمممت‬
‫رأس خط الستواء و بمثله سواء ينخفممض القطممب الجنمموبي‬
‫عن أفق ذلك البلد و يرتفع القطب الشمالي عنه و هممو ثلثممة‬
‫أبعمماد متسمماوية تسمممى عممرض البلممد كممما مممر ذلممك قبممل‪ .‬و‬
‫المتكلمون على هذه الجغرافيا قسممموا كممل واحممد مممن هممذه‬
‫القاليم السبعة في طوله من المغرب إلى المشرق بعشممرة‬
‫أجزاء متساوية و يذكرون ما اشتمل عليه كل جزء منهمما مممن‬
‫البلدان و المصار و الجبال و النهممار و المسممافات بينهمما فممي‬
‫المسالك و نحن الن نوجز القول في ذلممك و نممذكر مشمماهير‬
‫البلدان و النهار و البحار في كل جزء منها و نحاذي بذلك ممما‬
‫وقع في كتاب نزهة المشتاق الممذي ألفممه العلمموي الدريسممي‬
‫الحمودي لملك صقلية من الفرنج و هو زخار بن زخار عندما‬
‫كان نازل ً عليه بصقلية بعد خروج صقلية مممن إمممارة مالقممة و‬
‫كان تأليفه للكتاب في منتصف المممائة السادسممة و جمممع لممه‬
‫كتبا ً جمة للمسعودي و ابن خرداذيه و الحمموقلي و القممدري و‬
‫ابممن إسممحاق المنجممم و بطليممموس و غيرهممم و نبممدأ منهمما‬
‫بالقليم الول إلى آخرها و الله سبحانه و تعالى يعصمنا بمنه‬
‫و فضله‪.‬‬
‫القليم الول‪ ،‬و فيه من جهة غربيه الجممزائر الخالممدات الممتي‬
‫منها بدأ بطليموس بأخممذ أطمموال البلد و ليسممت فممي بسمميط‬
‫القليم و إنما هي في البحر المحيط في جزر متكثرة أكبرهمما‬
‫و أشهرها ثلث و يقال أنها معمورة و قد بلغنا أن سفائن من‬
‫الفرنج مرت بها في أواسط هذه المممائة و قمماتلوهم فغنممموا‬
‫منهممم و سممبوا و بمماعوا بعممض أسممراهم بسممواحل المغممرب‬
‫القصى و صاروا إلى خدمة السمملطان فلممما تعلممموا اللسممان‬
‫العربي أخبروا عممن حممال جزائرهممم و أنهممم يحتفممرون الرض‬
‫للزراعة بالقرون و أن الحديد مفقود بأرضهم و عيشممهم مممن‬
‫الشعير و ماشمميتهم المعممز و قتممالهم بالحجممارة يرمونهمما إلممى‬
‫خلف و عبممادتهم السممجود للشمممس إذا طلعممت و ل يعرفممون‬
‫دينا ً و لم تبلغهم دعوة و ل يوقف على مكان هذه الجممزائر إل‬
‫بالعثور ل بالقصد إليها لن سفر السفن فممي البحممر إنممما هممو‬
‫بالرياح و معرفة جهممات مهابهمما و إلممى أيممن يوصممل إذا مممرت‬
‫على الستقامة من البلد الممتي فممي ممممر ذلممك المهممب و إذا‬
‫اختلف المهب و علم حيث يوصل على الستقامة حمموذي بممه‬
‫القلممع محمماذاة يحمممل السممفينة بهمما علممى قمموانين فممي ذلممك‬
‫محصلة عند النواتية و الملحين الذين هم رؤساء السفن في‬
‫البحر و البلد التي في حافات البحممر الرومممي و فممي عممدوته‬
‫مكتوبة كلها في صحيفة على شكل ما هي عليه فممي الوجممود‬
‫و في وضعها في سواحل البحر على ترتيبها و مهاب الرياح و‬
‫ممراتها على اختلفهمما معهمما فممي تلممك الصممحيفة و يسمممونها‬
‫الكنباص و عليها يعتمدون فممي أسممفارهم و هممذا كلممه مفقممود‬
‫في البحر المحيط فلذلك ل تلج فيممه السممفن لنهمما إن غممابت‬
‫عن مرأى السواحل فقل أن تهتدي إلى الرجوع إليها مممع ممما‬
‫ينعقد في جممو هممذا البحممر و علممى سممطح مممائه مممن البخممرة‬
‫الممانعة للسفن في مسيرها و هي لبعمدها ل تمدركها أضمواء‬
‫الشمس المنعكسة من سطح الرض فتحللهمما فلممذلك عسممر‬
‫الهتداء إليها و صعب الوقوف على خبرها‪ .‬و أما الجزء الول‬
‫من هذا القليم ففيه مصب النيل التي من مبممدئه عنممد جبممل‬
‫القمر كما ذكرناه و يسمى نيل السودان و يذهب إلممى البحممر‬
‫المحيط فيصب فيه عند جزيرة أوليك و على هذا النيل مدينة‬
‫سل و تكرور و غانة و كلها لهذا العهد في مملكة ملممك مممالي‬
‫من أمم السودان و إلى بلدهم تسافر تجار المغرب القصى‬
‫و بممالقرب منهمما مممن شممماليها بلد لمتونممة و سممائر طمموائف‬
‫الملثمين و مفاوز يجولون فيها و في جنوبي هممذا النيممل قمموم‬
‫من السودان يقال لهم )) لملم (( و هم كفار و يكتمموون فممي‬
‫وجوههم و أصداغهم و أهل غانة و التكرور يغيممرون عليهممم و‬
‫يسبونهم و يبيعونهم للتجار فيجلبونهم إلممى المغممرب و كلهممم‬
‫عامة رقيقهم و ليس وراءهم فممي الجنمموب عمممران يعتممبر إل‬
‫أناسممي أقممرب إلممى الحيمموان العجممم مممن النمماطق يسممكنون‬
‫الفيافي و الكهوف و يأكلون العشب و الحبوب غيممر مهيممأة و‬
‫ربما يأكل بعضهم بعضا ً و ليسوا فممي عممداد البشممر‪ .‬و فممواكه‬
‫بلد السودان كلها من قصور صممحراء المغممرب مثممل تمموات و‬
‫تكدرارين و وركلن‪ .‬فكان في غانة فيممما يقممال ملممك و دولممة‬
‫لقوم من العلويين يعرفون ببني صالح و قممال صمماحب كتمماب‬
‫روجار إنه صالح بن عبد الله بن حسن بن الحسن و ل يعرف‬
‫صالح هذا في ولد عبد الله بن حسن و قد ذهبت هذه الدولة‬
‫لهذا العهد و صارت غانة لسلطان مممالي و فممي شممرقي هممذا‬
‫البلد في الجزء الثالث من القليم بلد ) كوكو ( على نهر ينبع‬
‫من بعض الجبال هنالك و يمر مغربا ً فيغوص في رمال الجزء‬
‫الثالث و كممان ملممك كوكممو قائم ما ً بنفسممه ثممم اسممتولى عليهمما‬
‫سلطان مالي و أصبحت في مملكته و خربت لهذا العهد مممن‬
‫أجل فتنة وقعت هناك نذكرها عند ذكر دولة مالي في محلهمما‬
‫من تاريخ البربر و في جنوبي بلممد كوكممو بلد كمماتم مممن أمممم‬
‫السودان و بعدهم و نغارة على ضفة النيل من شماليه و في‬
‫شممرقي بلد و نغممارة و كمماتم بلد زغمماوة و تمماجرة المتصمملة‬
‫بأرض النوبة في الجزء الرابع من هذا القليم و فيه يمر نيممل‬
‫مصر ذاهبا ً من مبدإه عند خط السممتواء إلممى البحممر الرومممي‬
‫في الشمال و مخرج هذا النيل مممن جبممل القمممر الممذي فمموق‬
‫خط الستواء بست عشرة درجة و اختلفمموا فممي ضممبط هممذه‬
‫اللفظة فضبطها بعضهم يفتح القاف و الميم نسبة إلممى قمممر‬
‫السماء لشدة بياضه و كممثرة ضمموءه و فممي كتمماب المشممترك‬
‫ة إلى قوم مممن أهممل‬ ‫لياقوت بضم القاف و سكون الميم نسب ً‬
‫الهند و كذا ضبطه ابن سعيد فيخممرج مممن هممذا الجبممل عشممر‬
‫عيون تجتمع كل خمسة منها في بحيرة و بينهما ستة أميال و‬
‫يخرج من كل واحدة من البحيرتين ثلثة أنهار تجتمع كلها في‬
‫بطيحة واحدة في أسفلها جبممل معممترض يشممق البحيممرة مممن‬
‫ناحية الشمال و ينقسم ماؤها بقسمين فيمر الغربي منه إلى‬
‫بلد السودان مغربا ً حتى يصب فممي البحممر المحيممط و يخممرج‬
‫الشرقي منه ذاهبا ً إلى الشمال على بلد الحبشممة و النوبممة و‬
‫فيما بينهما و ينقسما في أعلى أرض مصر فيصب ثلثممة مممن‬
‫جداوله في البحر الرومي عند السكندرية‪ .‬و رشيد و دميمماط‬
‫و يصب واحد فممي بحيممرة ملحممة قبممل أن يتصممل بممالبحر فممي‬
‫وسط هذا القليممم الول و علممى هممذا النيممل بممه بلد النوبممة و‬
‫الحبشممة و بعممض بلد الواحممات إلممى أسمموان و حاضممرة بلد‬
‫النوبة مدينة دنقلة و هي في غربي هذا النيل و بعدها علوة و‬
‫بلق و بعدهما جبل الجنادل على ستة مراحممل مممن بلق فممي‬
‫الشمال و هو جبل عال من جهة مصممر و منخفممض مممن جهممة‬
‫النوبة فينفذ فيه النيل و يصب في مهوى بعيممد صممبا ً هممائل ً فل‬
‫يمكن أن تسمملكه المراكممب بممل يحممول الوسممق مممن مراكممب‬
‫السودان فيحمل على الظهر إلى بلد أسوان قاعممدة الصممعيد‬
‫إلى فوق الجنادل و بين الجنادل و أسوان اثنتا عشرة مرحلة‬
‫و الواحات في غربيها عدوة النيل و هي الن خراب و بها آثار‬
‫العمارة القديمة‪ .‬و في وسط هذا القليم في الجزء الخامس‬
‫منه بلد الحبشة على واد يأتي من وراء خط السممتواء ذاهبمما ً‬
‫إلى أرض النوبة فيصب هناك في النيل الهممابط إلممى مصممر و‬
‫قد وهم فيه كثير من الناس و زعممموا أنممه مممن نيممل القمممر و‬
‫بطليموس ذكره في كتاب الجغرافيا و ذكر أنه ليس من هممذا‬
‫النيل‪ .‬و إلى وسط هذا القليم في الجزء الخاص ينتهي بحممر‬
‫الهند الذي يدخل من ناحية الصين و يغمر عامة هممذا القليممم‬
‫إلى هذا الجزء الخامس فل يبقى فيه عمران إل ما كممان فممي‬
‫الجزائر التي في داخله و هي متمددة يقال تنتهممي إلممى ألممف‬
‫جزيرة أو فيما على سواحله من جهة الشمممال و ليممس منهمما‬
‫في هممذا القليممم الول إل طممرف مممن بلد الصممين فممي جهممة‬
‫الشرق و فممي بلد اليمممن‪ .‬و فممي الجممزء السممادس مممن هممذا‬
‫القليم فيما بين البحرين الهابطين من هذا البحر الهندي إلى‬
‫جهة الشمال و هما بحر قلممزم و بحممر فممارس و فيممما بينهممما‬
‫جزيرة العرب و تشتمل علممى بلد اليمممن و بلد الشممحر فممي‬
‫شرقيها على ساحل هذا البحر الهنممدي و علممى بلد الحجمماز و‬
‫اليمامة و ما إليهما كما نذكره في القليم الثمماني و ممما بعممده‬
‫فأما الذي على ساحل هذا البحر مممن غربيممه فبلممد زالممع مممن‬
‫أطراف بلد الحبشة و مجالت البجة في شمالي الحبشة ممما‬
‫بين جبل العلقي أعالي الصعيد و بين بحر القلزم الهابط من‬
‫البحر الهندي و تحممت بلد زالممع مممن جهممة الشمممال فممي هممذا‬
‫الجزء خليج باب المندب يضيق البحر الهابط هنالك بمزاحمممة‬
‫جبل المندب المائل في وسط البحر الهندي ممتدا ً مع ساحل‬
‫اليمن من الجنوب إلى الشمممال فممي طممول اثنممي عشممر ميل ً‬
‫فيضيق البحر بسبب ذلك إلى أن يصير في عرض ثلثة أميال‬
‫أو نحوها و يسمى باب المنممدب و عليممه تمممر مراكممب اليمممن‬
‫إلى ساحل السويس قريبا ً مممن مصممر و تحممت بمماب المنممدب‬
‫جزيرة سواكن و دهلك و قبالته من غربيه مجالت البخة مممن‬
‫أمم السودان كما ذكرناه و من شرقيه في هذا الجممزء تهممائم‬
‫اليمن و منها على ساحله بلممد علممي بممن يعقمموب و فممي جهممة‬
‫الجنوب من بلد زالع و على ساحل هذا البحر من غربيه تممرى‬
‫بربر يتلو بعضها بعضا ً و ينعطف من جنوبيه إلممى آخممر الجممزء‬
‫السادس و يليها هنالك مممن جهممة شممرقيها بلد الزنممج ثممم بلد‬
‫سفالة ممن سماحله الجنموبي بلد الوقمواق متصملة إلمى آخمر‬
‫الجزء العاشر من هذا القليم عند مدخل هذا البحر من البحر‬
‫المحيط‪ .‬و أما جزائر هذا البحر فكثيرة‪ .‬من أعظمهمما جزيممرة‬
‫سرنديب مدورة الشكل‪ .‬و بها الجبممل المشممهور يقممال ليممس‬
‫في الرض أعلى منه و هي قبالة سفالة‪ .‬ثم جزيرة القمممر و‬
‫هي جزيرة مستطيلة تبدأ من قبالة أرض سفالة و تذهب إلى‬
‫الشمرق منحرفمة بكمثير إلمى أن تقمرب ممن سممواحل أعمالي‬
‫الصين و يحتف بها في هذا البحر من جنوبيها جزائر الوقممواق‬
‫و من شرقيها جزائر السيلن إلى جزائر أخر فممي هممذا البحممر‬
‫كممثيرة العممدد و فيهمما أنممواع الطيممب و الفمماويه و فيهمما يقممال‬
‫معادن الذهب و الزمرد و عامة أهلها على دين المجوسممية و‬
‫فيهم ملوك متعددون و بهذه الجممزائر مممن أحمموالي العمممران‬
‫عجائب ذكرها أهل الجغرافيا و على الضفة الشمالية من هذا‬
‫البحر في الجزء السمادس ممن همذا القليمم بلد اليممن كلهما‬
‫فمن جهة بحر القلزم بلممد زبيممد و المهجممم و تهامممة اليمممن و‬
‫بعدها بلد صغيرة مقر المامة الزبدية و هي بعيدة عن البحممر‬
‫الجنوبي و عن البحر الشرقي و فيما بعد ذلك مدينممة عممدن و‬
‫في شمالها صنعاء و بعدهما إلممى المشممرق أرض الحقمماف و‬
‫ظفار و بعدها أرض حضر موت ثم بلد الشحر ما بيممن البحممر‬
‫الجنوبي و بحر فارس‪ .‬و هذه القطعممة مممن الجممزء السممادس‬
‫هي التي الكشف عنها البحر من أجزاء هذا القليم الوسممطى‬
‫و ينكشف بعممدها قليممل مممن الجممزء التاسممع و أكممثر منممه مممن‬
‫العاشر فيه أعالي بلد الصين و من مممدنه الشممهيرة خممانكو و‬
‫قبالتها من جهة الشرق جزائر السيلن و قممد تقممدم ذكرهمما و‬
‫هذا آخر الكلم في القليم الول و الله سبحانه و تعالى و لي‬
‫التوفيق بمنه و فضله‪.‬‬
‫القليم الثاني‪ :‬و هو متصل بالول من جهممة الشمممال و قبالمة‬
‫المغممرب منممه فممي البحممر المحيممط جزيرتممان مممن الجممزائر‬
‫الخالدات التي مر ذكرها و في الجزء الول و الثاني منه فممي‬
‫الجانب العلى منهما أرض قنورية و بعدها في جهممة الشممرق‬
‫أعممالي أرض غانممة ثممم مجممالت زغمماوة مممن السممودان و فممي‬
‫الجانب السفل منهما صحراء نستر متصلة مممن الغممرب إلممى‬
‫الشرق ذات مفاوز تسلك فيها التجار ما بيممن بلد المغممرب و‬
‫بلد السودان و فيهمما مجممالت الملثميممن مممن صممنهاجة و هممم‬
‫شعوب كثيرة ما بين كزولممة و لمتونممة و مسممراتة و لمطممة و‬
‫وريكممة و علممى سمممت هممذه المفمماوز شممرقا ً أرض فممزان ثممم‬
‫مجممالت أزكممار مممن قبممائل الممبربر ذاهبممة إلممى أعممالي الجممزء‬
‫الثالث على سمتها في الشرق و بعدها من هذا الجزء الثالث‬
‫و هي جهة الشمال منه بقية أرض وذان و على سمتها شرقا ً‬
‫أرض سنترية و تسمى الواحات الداخلة و فممي الجممزء الرابممع‬
‫من أعله بقية أرض البمماجويين ثممم يعممترض فممي وسممط هممذا‬
‫الجزء بلد الصعيد حافات النيل الذاهب من مبدأه في القليم‬
‫الول إلى مصبه في البحر فيمر في هذا الجزء بيممن الجبليممن‬
‫الحاجزين و هما جبل الواحات من غربيه و جبل المقطم من‬
‫شرقيه و عليه من أعله بلممد أسممنا و أرمنممت و يتصممل كممذلك‬
‫حافاته إلى أسمميوط و قمموص ثممم إلممى صممول و يفممترق النيممل‬
‫هنالك على شعبين ينتهي اليمن منهما فممي هممذا الجممزء عنممد‬
‫اللهون و اليسر عند دلص و فيما بينهما أعالي ديار مصممر و‬
‫في الشرق مممن جبممل المقطممم صممحارى عيممذاب ذاهبممة فممي‬
‫الجزء الخامس إلى أن تنتهي إلى بحممر السممويس و هممو بحممر‬
‫القلممزم الهممابط مممن البحممر الهنممدي فممي الجنمموب إلممى جهممة‬
‫الشمال و في عدوته الشرقية من هممذا الجممزء أرض الحجمماز‬
‫من جبل يلملم إلى بلد يثرب في وسط الحجاز مكة شممرفها‬
‫الله و في ساحلها مدينة جدة تقابل بلد عيممذاب فممي العممدوة‬
‫الغربية من هذا البحر‪ .‬و في الجزء السادس مممن غربيممه بلد‬
‫نجممد أعلهمما فمي الجنموب و تبالمة و جممرش إلمى عكماظ ممن‬
‫الشمال و تحت نجد من هذا الجزء بقية أرض الحجاز و علممى‬
‫سمتها في الشرق بلد نجران و خيبر و تحتها أرض اليمامة و‬
‫على سمت نجران في الشرق أرض سممبأ و مممأرب ثممم أرض‬
‫الشحر و ينتهي إلى بحر فارس و هو البحر الثاني الهابط من‬
‫البحر الهندي إلى الشمال كما مممر و يممذهب فممي هممذا الجممزء‬
‫بانحراف إلى الغرب فيمممر ممما بيممن شممرقيه و جمموفيه قطعممة‬
‫مثلثة عليها من أعله مدينة قلهات و هي سمماحل الشممحر ثممم‬
‫تحتها على ساحله بلد عممال‪ .‬ثمم بلد البحريمن و هجمر منهما‬
‫في آخر الجزء و في الجممزء السممابع فممي العلممى مممن غربيممه‬
‫قطعة من بحر فارس تتصل بم القطعة الخرى في السادس‬
‫و يغمر بحر الهند جانبه العلى كله و عليه هنالممك بلد السممند‬
‫إلى بلد مكران و يقابلها بلد الطوبران و هي من السند أيضا ً‬
‫فيتصل السند كله في الجانب الغربي من هذا الجزء و تحول‬
‫المفاوز بينه و بيممن أرض الهنممد و يمممر فيممه نهممره التممي مممن‬
‫ناحية بلد الهند و يصب في البحر الهندي في الجنمموب و أول‬
‫بلد الهند على ساحل البحر الهندي و فممي سمممتها شممرقا ً بلد‬
‫بلهرا و تحتها الملتممان بلد الصممنم المعظممم عنممدهم‪ ،‬ثممم إلممى‬
‫أسفل من السند‪ ،‬ثم إلى أعالي بلد سجستان‪ .‬و في الجممزء‬
‫الثامن من غربيه بقيممة بلد بلهممرا مممن الهنممد‪ ،‬و علممى سمممتها‬
‫شرقا ً بلد القندهار‪ .‬ثم بلد منيبار و في الجانب العلى علممى‬
‫ساحل البحر الهندي و تحتها في الجالب السممفل أرض كابممل‬
‫و بعدها شرقا ً إلى البحر المحيط بلد القنوج ما بيممن قشمممير‬
‫الداخلمة و قشممير الخارجمة عنمد آخمر القليمم و فمي الجمزء‬
‫التاسع ثم في الجانب الغربي منه بلد الهند القصى و يتصممل‬
‫فيه إلى الجانب الشممرقي فيتصممل مممن أعله إلممى العاشممر و‬
‫تبقى في أسممفل ذلممك الجممانب قطعممة مممن بلد الصممين فيهمما‬
‫مدينة شيغون ثم تتصل بلد الصممين فممي الجممزء العاشممر كلممه‬
‫إلممى البحممر المحيممط و اللممه و رسمموله أعلممم و بممه سممبحانه‬
‫التوفيق و هو و لي الفضل و الكرم‪.‬‬
‫القليم الثالث‪ :‬و هو متصل بالثاني مممن جهممة الشمممال ففممي‬
‫الجممزء الول منممه و علممى نحممو الثلممث مممن أعله جبممل درن‬
‫معترض فيه من غربيه عند البحر المحيط إلممى الشممرق عنممد‬
‫آخر و يسكن هذا الجبل من البربر أمم ل يحصيهم إل خالقهم‬
‫حسبما يممأتي ذكممره و فممي القطعممة الممتي بيممن هممذا الجبممل و‬
‫القليم الثاني و على البحر المحيط منها رباط ماسة و يتصل‬
‫به شرقا ً بلد سوس و نول و على سمتها شرقا ً بلد درعة ثم‬
‫بلد سجلماسة ثمم قطعممة مممن صمحراء نسمتر المفمازة المتي‬
‫ذكرناها في القليم الثاني و هذا الجبل مطل على هممذه البلد‬
‫كلها في هذا الجزء و همو قليممل الثنايما و المسممالك فمي همذه‬
‫الناحية الغربية إلممى أن يسممامت وادي ملويممة فتكممثر ثنايمماه و‬
‫مسالكه إلى أن ينتهي و في هذه الناحية منه أمم المصممامدة‬
‫ثممم هنتانممة ثممم تينملمك ثممم كممدميوه ثمم مشممكورة و ثممم آخممر‬
‫المصامدة فيه ثم قبائل صنهاكة و هم صنهاجة و في آخر هذا‬
‫الجزء منه بعض قبائل زناتمة و يتصمل بمه هنالمك ممن جموفيه‬
‫جبل أوراس و هممو جبممل كتامممة و بعممد ذلممك أمممم أخممرى مممن‬
‫البرابرة نذكرهم في أماكنهم‪ .‬ثم إن جبل درن هذا مممن جهممة‬
‫غربيه مطمل علمى بلد المغمرب القصمى و همي فمي جموفيه‬
‫ففي الناحية الجنوبيممة منهمما بلد مراكممش و أغمممات و تممادل ً و‬
‫على البحر المحيمط منهما ربماط أسمفى و مدينمة سمل و فمي‬
‫الجوف عن بلد مراكش بلد فاس و مكناسممة و تممازا و قصممر‬
‫كتامة و هذه هي التي تسمممى المغممرب القصممى فممي عممرف‬
‫أهلهمما و علممى سمماحل البحممر المحيممط منهمما بلممدان أصمميل و‬
‫العرايش و في سمت هذه البلد شرقا ً بلد المغرب الوسممط‬
‫و قاعدتها تلمسان و في سممواحلها علممى البحممر الرومممي بلممد‬
‫هنين و وهران و الجزائر لن همذا البحمر الروممي يخمرج ممن‬
‫البحر المحيط من خليج طنجة في الناحية الغربية من القليم‬
‫الرابع و يذهب مشرقا ً فينتهي إلى بلد الشام فإذا خممرج مممن‬
‫الخليج المتضايق غير بعيد انفسح جنوبا ً و شمممال ً فممدخل فممي‬
‫القليم الثالث و الخامس فلهذا كممان علممى سمماحله مممن هممذا‬
‫القليم الثالث الكثير فممي بلده ثممم يتصممل ببلد الجممزائر مممن‬
‫شرقيها بلد بجايممة فممي سمماحل البحممر ثممم قسممطنطينية فممي‬
‫الشرق منها و في آخر الجزء الول و علمى مرحلمة ممن هممذا‬
‫البحر في جنوبي هممذه البلد و مرتفع ما ً إلممى جنمموب المغممرب‬
‫الوسط بلد أشير ثم بلد المسيلة ثم الزاب و قاعدته بسكرة‬
‫تحت جبل أوراس المتصل بدرن كما مر و ذلك عند آخر هممذا‬
‫الجزء من جهة الشرق و الجزء الثالث من هذا القليممم علممى‬
‫هيئة الجزء الول ثم جبل درن علممى نحممو الثلممث مممن جنمموبه‬
‫ذاهبا ً فيه مممن غممرب إلممى شممرق فيقسمممه بقطعممتين و يعممبر‬
‫البحر الرومي مسافة من شماله فالقطعة الجنوبية عن جبل‬
‫درن غربيها كله مفاوز و في الشرق منها بلد عذامس و فممي‬
‫سمتها شرقا ً أرض و دان التي بقيتها في القليم الثمماني كممما‬
‫مر و القطعة الجوفيممة عممن جبممل درن ممما بينممه و بيممن البحممر‬
‫الرومي في الغممرب منهمما جبممل أوراس و تبسممة و الوبممس و‬
‫على ساحل البحر بلد بونة ثم فممي سمممت هممذه البلد شممرقا ً‬
‫بلد أفريقية فعلى ساحل البحر مدينة تونس ثم السوسة ثممم‬
‫المهدية و في جنوب هذه البلد تحممت جبممل درن بلد الجريممد‬
‫توزر و قفصة و نفراوة و فيما بينهمما و بيممن السممواحل مدينممة‬
‫القيروان و جبل و سلت و سبيطلة و على سمت هممذه البلد‬
‫كلها شرقا ً بلد طرابلممس علممى البحممر الرومممي و بإزائهمما فممي‬
‫الجنوب جبل دمر و نقرة من قبائل هوارة متصلة بجبممل درن‬
‫و في مقابلة غذامس التي مر فممي نهرهمما فممي آخممر القطعممة‬
‫الجنوبية و آخر هذا الجزء في الشرق سممويقة ابممن مشممكورة‬
‫على البحر و في جنوبهمما مجممالت العممرب فممي أرض و دان و‬
‫في الجزء الثالث من هذا القليم يمر أيضا ً فيممه جبممل درن إل‬
‫أنه ينعطف عند آخر إلى الشمال و يممذهب علممى سمممته إلممى‬
‫أن يدخل في البحر الرومي و يسمى هنالممك طممرف أوثممان و‬
‫البحر الرومي من شماليه يغمر طائفة منه إلى أن يضايق ما‬
‫بينه و بين جبل درن فالممذي وراء الجبممل فممي الجنمموب و فممي‬
‫الغرب منه بقية أرض و دان‪ .‬و مجالت العرب فيها ثم زويلة‬
‫ابن خطاب ثم رمال و قفار إلى آخر الجممزء فممي الشممرقي و‬
‫فيما بين الجبل و البحر في الغرب منه بلد سرت على البحر‬
‫ثم خلء و قفار تجول فيها العرب ثمم أجدابيمة ثمم برقمة عنمد‬
‫منعطف الجبل ثم طلمسة على البحر هنالك ثم فممي شممرقي‬
‫المنعطف من الجبل مجالت هيب و رواحة إلى آخر الجزء و‬
‫في الجزء الرابع من هممذا القليممم و فممي العلممى مممن غربيممه‬
‫صحارى برقيق و أسممفل منهمما بلد هيممب و رواحممة ثممم يممدخل‬
‫البحر الرومي في هذا الجزء فيغير طائفة منممه إلممى الجنمموب‬
‫حتى يزاحم طرفه العلى و يبقى بينه و بين آخر الجممزء فيهما‬
‫قفار تجول فيها العممرب و علممى سمممتها شممرقا ً بلد الفيمموم و‬
‫هي علممى مصممب أحمد الشممعبين مممن النيممل المذي يمممر علممى‬
‫اللهون من بلد الصعيد في الجزء الرابع من القليم الثاني و‬
‫يصب فممي بحيممرة فيمموم و علممى سمممته شممرقا ً أرض مصممر و‬
‫مدينتها الشهيرة على الشعب الثاني الممذي يمممر بممدلص مممن‬
‫بلد الصممعيد عنممد آخممر الجممزء الثمماني و يفممترق هممذا الشممعب‬
‫افممتراقه ثانيممة مممن تحممت مصممر علممى شممعبين آخريممن مممن‬
‫شطنوف و زفتي و ينقسم اليمن منهما من قرمط بشممعبين‬
‫آخريممن و يصممب جميعهمما فممي البحممر الرومممي فعلممى مصممب‬
‫الغربممي مممن هممذا الشممعب بلممد السممكندرية و علممى مصممب‬
‫الوسط بلد رشيد و على مصب الشممرقي بلممد دميمماط و بيممن‬
‫مصر و القاهرة و بين هذه السواحل البحريممة أسممافل الممديار‬
‫المصرية كلها محشوة عمرانما ً و فلجما ً و فممي الجممزء الخمماص‬
‫من هذا القليم بلد الشام و كثرها على ما أصف و ذلممك لن‬
‫بحممر القلممزم ينتهممي مممن الجنمموب و فممي الغممرب منممه عنممد‬
‫السممويس لنممه فممي ممممره مبتممدىء مممن البحممر الهنممدي إلممى‬
‫الشمال ينعطف آخمذا ً إلمى جهمة الغمرب فتكمون قطعمة ممن‬
‫انعطافه في الجزء طويلة فينتهي فممي الطممرف الغربممي منممه‬
‫إلى السويس و على هذه القطعة بغممد السممويس فمماران ثممم‬
‫جبل الطور ثم أيلة مدين ثم الحوراء في آخرها و من هنالممك‬
‫ينعطف بساحله إلى الجنوب في أرضي الحجاز كما مممر فممي‬
‫القليم الثاني في الجزء الخامس منه و في الناحية الشمالية‬
‫من هذا الجزء قطعة مممن البحممر الرومممي غمممرت كممثيرا ً مممن‬
‫غربيه عليها الفرممما و العريممش و قممارب طرفهمما بلممد القلممزم‬
‫فيضايق ما بينهما من هنالك و بقي شممبه البمماب مفضمميا ً إلممى‬
‫أرض الشام و في غربي هذا الباب فحص الممتيه أرض جممرداء‬
‫ل تنبت كانت مجال ً لبني إسرائيل بعد خروجهممم مممن مصممر و‬
‫قبل دخولهم إلى الشام أربعين سنة كما قصة القرآن‪ ،‬و في‬
‫هذه القطعة من البحر الرومي فممي هممذا الجممزء طائفممة مممن‬
‫جزيرة قبرص و بقيتها في القليم الرابع كممما نممذكره و علممى‬
‫ساحل هذه القطعة عند الطممرف المتضممايق لبحممر السممويس‬
‫بلد العريش و هو آخممر الممديار المصممرية و عسممقلن و بينهممما‬
‫طرف هذا البحر ثم تنحمط هممذه القطعممة فمي انعطافهمما مممن‬
‫هنالك إلى القليم الرابع عند طرابلس و غزة و هنالك ينتهممي‬
‫البحر الرومي فمي جهممة الشمرق و علممى هممذه القطعممة أكممثر‬
‫سواحل الشممام ففممي شممرقه غممزة ثممم عسممقلن و بممانحراف‬
‫يسير عنها إلى الشمال بلد قيسارية ثم كممذلك بلممد عكمماء ثممم‬
‫صور ثم صيداء ثم ينعطف البحممر إلممى الشمممال فممي القليممم‬
‫الرابع و يقابل هذه البلد الساحلية من هذه القطعة في هممذا‬
‫الجزء جبل عظيها يخرج من ساحل أيلممة مممن بحممر القلممزم و‬
‫يذهب في ناحية الشمال منحرفا ً إلى الشرق إلممى أن يجمماوز‬
‫هذا الجزء و يسمى جبل اللكام و كأنه حاجز بين أرض مصممر‬
‫و الشام ففي طرفه عند أيلة العقبة التي يفر عليهمما الحجمماج‬
‫من مصر إلى مكة ثم بعدها في ناحية الشمال مدفن الخليل‬
‫عليه الصلة و السلم عند جبل السراة يتصل من عنممد جبممل‬
‫اللكام المذكور من شمال العقبة ذاهبا ً علممى سمممت الشممرق‬
‫ثم ينعطف قليل ً و في شرقه هنالك بلد الحجر و ديار ثمممود و‬
‫تيماء و دومممة الجنممدل و هممي أسممافل الحجمماز و فوقهمما جبممل‬
‫رضوى و حصون خيبر في جهة الجنوب عنها و فيما بين جبل‬
‫السراة و بحر القلزم صحراء تبوك و في شمال جبل السراة‬
‫مدينة القدس عند جبل اللكممام ثممم الردن ثممم طبريممة و فممي‬
‫شرقيها بلد الغور إلى أذرعات و فممي سمممتها دومممة الجنممدل‬
‫آخر هذا الجزء و هي آخر الحجاز‪ .‬و عند منعطف جبل اللكام‬
‫إلى الشمال من آخر هذا الجزء مدينة دمشق مقابلة صيدا و‬
‫بيروت من القطعة البحرية و جبل اللكام يعترض بينها و بينها‬
‫و على سممنت دمشممق فممي الشممرق مدينممة بعلبممك ثممم مدينممة‬
‫حمص فممي الجهممة الشمممالية آخممر الجممزء عنممد منقطممع جبممل‬
‫اللكام و في الشرق عن بعلبك و حمص بلد تممدمر و مجممالت‬
‫الباديممة إلممى آخممر الجممزء و فممي الجممزء السممادس مممن أعله‬
‫مجالت العراب تحت بلد نجد و اليمامة ما بين جبل العممرج‬
‫و الصمان إلى البحرين و هجر على بحر فارس و في أسافل‬
‫هذا الجزء تحت المجالت بلد الحيممرة و القادسممية و مغممايض‬
‫الفرات‪ .‬و فيما بعدها شرقا ً مدينة البصرة و فممي هممذا الجممزء‬
‫ينتهي بحر فارس عند عبادان و اليلة من أسافل الجممزء مممن‬
‫شماله و يصب! فيه عنمد عبمادان نهمر دجلمة بعمد أن ينقسمم‬
‫بجداول كمثيرة و تختلمط بمه جمداول أخمرى ممن الفمرات ثمم‬
‫تجتمممع كلهمما عنممد عبممادان و تصممب فممي بحممر فممارس و هممذه‬
‫القطعة من البحر متسمعة فمي أعله مضمايقة فمي آخمر فمي‬
‫شرقيه و ضيقة عنممد منتهمماه مضممايقة للحممد الشمممالي منممه و‬
‫على عدوتها الغربية منه أسافل البحرين و هجر و الحسمماء و‬
‫فمي غربهما أخطمب و الصممان و بقيمة أرض اليماممة و علمى‬
‫عدوته الشرقية سواحل فارس من أعلها و هو من عند آخممر‬
‫الجزء من الشرق لما على طممرف قممد امتممد مممن هممذا البحممر‬
‫مشرقا ً و وراءه إلى الجنوب في هذا الجزء جبال القفص من‬
‫كرمان و تحت هرمز على الساحل بلد سيراف و نجيرم على‬
‫ساحل هذا البحر و في شرقيه إلى آخممر هممذا الجممزء و تحممت‬
‫هرمز بلد فارس مثل سابور و دار أبجرد و نسا و إصممطخر و‬
‫الشاهجان و شيراز و هي قاعممدتها كلهمما و تحممت بلد فممارس‬
‫إلى الشمال عند طرف البحر بلد خوزستان و منها الهواز و‬
‫تسممتر و صممدى و سممابور و السمموس و رام هرمممز و غيرهمما و‬
‫أزجال و هي حد ما بين فارس و خوزستان و في شرقي بلد‬
‫خوزستان جبممال الكممراد متصمملة إلممى نممواحي أصممبهان و بهمما‬
‫مسمماكنهم و مجممالتهم وراءهمما فممي أرض فممارس و تسمممى‬
‫الرسوم‪ .‬و في الجزء السابع في العلممى منممه مممن المغممرب‬
‫بقية جبال القفص و يليها من الجنوب و الشمال بلد كرمممان‬
‫و مكممران و مممن مممدنها الممرودن و الشمميرجان و جيرفممت و‬
‫يزدشير و البهرج و تحت أرض كرمان إلى الشمال بقيممة بلد‬
‫فارس إلى حدود أصبهان و مدينممة أصممبهان فممي طممرف هممذا‬
‫الجزء ما بين غربه و شماله ثم في المشرق عن بلد كرمممان‬
‫و بلد فممارس أرض سجسممتان و كوهسممتان فممي الجنمموب و‬
‫أرض كوهستان في الشمممال عنهمما و يتوسممط بيممن كرمممان و‬
‫فارس و بين سجستان و كوهستان‪ ،‬و في وسط هممذا الجممزء‬
‫المفمماوز العظمممى القليلممة المسممالك لصممعوبتها مممن مممدن‬
‫سجسممتان بسممت الطمماق و أممما كوهسممتان فهممي مممن بلد‬
‫خراسان و من مشاهير بلد سرخس و قوهستان آخر الجزء‪.‬‬
‫و في الجزء الثامن غربممه و جنموبه مجممالت الحلممج ممن أممم‬
‫الترك متصلة بأرض سجستان من غربها و بأرض كابل الهنممد‬
‫من جنوبها و في الشمال عممن هممذه المجممالة جبممال الغممور و‬
‫بلدها و قاعممدتها غزنممة فرضممة الهنممد و فممي آخممر الغممور مممن‬
‫الشمال بلد أستراباذ ثم في الشمال غرب ما ً إلممى أخممر الجممزء‬
‫بلد هراة أوسط خراسان و بها أسفراين و قاشممان و بوشممنج‬
‫و مرو الروذ و الطالقان و الجوزجان و تنتهي خراسان هنالك‬
‫إلى نهر جيحون‪.‬‬
‫القسمممم الثممماني ممممن تفصممميل الكلم علمممى همممذه‬
‫الجغرافيا‬
‫و على هذا النهر من بلد خراسان من غرببه مدينة بلخ و في‬
‫شرقيه مدينة ترمذ و مدينة بلخ كانت كرسي مملكة الترك و‬
‫هممذا النهممر نهممر جيحممون مخرجممه مممن بلد و جممار فممي حممدود‬
‫بذخشان مما يلي الهند و يخرج من جنوب هذا الجممزء و عنممد‬
‫آخر من الشرق فينعطف عن قرب مغربا ً إلى وسط الجزء و‬
‫يسمى هنالك نهر خرناب ثم ينعطف إلى الشمال حممتى يمممر‬
‫بخراسممان و يممذهب علممى سممنته إلممى أن يصممب فممي بحيممرة‬
‫خوارزم في القليم لخامس كما نذكره و يمده عند انعطممافه‬
‫في وسممط الجممزء مممن الجنمموب إلممى الشمممال خمسممة أنهممار‬
‫عظيمة من بلد الختل و الوخش ممن شمرقيه و أنهمار أخمرى‬
‫من جبال البتم من شرقيه أيضا ً و جوفي الجبل حتى يتسممع و‬
‫يعظم بما ل كفاء له و من هذه النهممار الخمسممة الممممدة لممه‬
‫نهممر و خشمماب يخممرج مممن بلد التبممت و هممي بيممن الجنمموب و‬
‫الشرق من هذا الجزء فيمر مغربا ً بالحر إلى الشمال إلى أن‬
‫يخرج إلى الجزء التاسع قريبا ً من شمال هذا الجممزء يعترضممه‬
‫في طريقه جبل عظيم يمر من وسط الجنوب في هذا الجزء‬
‫و يذهب مشرقا ً بممانحراف إلممى الشمممال إلممى أن يخممرج إلممى‬
‫الجزء التاسع قريبا ً من شمال هممذا الجممزء فيجمموز بلد التبممت‬
‫إلى القطعة الشرقية الجنوبية مممن هممذا الجممزء و يحممول بيممن‬
‫الممترك و بيممن بلد الختممل و ليممس فيممه إل مسمملك واحممد فممي‬
‫وسط الشرق من هذا الجزء جعل فيه الفصل بن يحيى سدا ً‬
‫و بنى فيه بابا ً كسد ياجوج و ماجوج فإذا خرج نهممر و خشمماب‬
‫من بلد التبت و اعترضه هذا الجبل فيمر تحته في مدى بعيد‬
‫إلى أن يمر في بلد الوخش و يصممب فممي نهممر جيحممون عنممد‬
‫حدود بلخ ثم يمر هابط ما ً إلممى الترمممذ فممي الشمممال إلممى بلد‬
‫الجوزجان و في الشرق عن بلد الغور فيما بينهمما و بيممن نهممر‬
‫جيحون بلد الناسممان مممن خراسممان و فممي العممدوة الشممرقية‬
‫هنالك من النهر بلد الختممل و أكثرهمما جبممال و بلد المموخش و‬
‫يحدها من جهة الشمال جبال البتم تخرج من طرف خراسان‬
‫ة إلممى أن يتصممل طرفهمما‬ ‫غربي نهر جيحممون و تممذهب مشممرق ً‬
‫بالجبممل العظيممم الممذي خلفممه بلد التبممت و يمممر تحتممه نهممر و‬
‫خشاب كما قلناه فيتصل عند بمماب الفضممل بمن يحيممى و يمممر‬
‫نهر جيحون بين هذه الجبال و أنهار أخرى تصب فيه منها نهر‬
‫بلد الوخش يصب فيه مممن الشممرق تحممت الترمممذ إلممي جهممة‬
‫الشمال و نهر بلخ يخرج من جبال البتم مبدإه عند الجوزجان‬
‫و يصب فيه من غربيه و على هذا النهممر مممن غربيممه بلد آمممد‬
‫من خراسان و في شرقي النهممر مممن هنالممك أرض الصممغد و‬
‫أسر وشنة من بلد الترك و فممي شممرقها أرض فرغانممة أيض ما ً‬
‫إلى آخر الجزء شرقا ً و كل بلد الترك تحوزها جبال البتم إلى‬
‫شمالها و في الجزء التاسع من غربه أرض التبت إلى وسممط‬
‫الجزء و في جنوبيها بلد الهند و في شرقيها بلد الصممين إلممى‬
‫آخر الجزء و في أسفل هذا الجزء شمال ً عممن بلد التبممت بلد‬
‫الخزلجية من بلد الممترك إلممى آخممر الجممزء شممرقا ً و شمممال ً و‬
‫يتصل بها من غربيها أرض فرغانة أيضا ً إلى آخر الجزء شرقا ً‬
‫و من شرقيها أرض التغرغر من الممترك إلممى الجممزء شممرقا ً و‬
‫ل‪ .‬و في الجممزء العاشممر فممي الجنمموب منممه جميعما ً بقيممة‬‫شما ً‬
‫الصين و أسافله و في الشمال بقية بلد التغرغممر ثممم شممرقا ً‬
‫عنهم بلد خرخير من الترك أيضا ً إلى آخر الجزء شرقا ً و في‬
‫الشمال من أرض خرخير بلد كتمان من الترك و قبالتها فممي‬
‫البحر المحيط جزيممرة اليمماقوت فممي وسممط جبممل مسممتدير ل‬
‫منفذ منه إليها و ل مسلك و الصممعود إلممى أعله مممن خممارجه‬
‫صعب في الغاية و فممي الجزيممرة حيممات قتالممة و حصممى مممن‬
‫الياقوت كثيرة فيحتال أهل تلك الناحية بما يلهمهم اللممه إليممه‬
‫و أهل هذه البلد في هذا الجزء التاسممع و العاشممر فيممما وراء‬
‫خراسان و الجبال كلها مجالت للممترك أمممم ل تحصممى و هممم‬
‫ظواعن رحالة أهل إبل و شاء و بقر و خيل للنتاج و الركمموب‬
‫و الكممل و طمموائفهم كممثيرة ل يحصمميهم إل خممالقهم و فيهممم‬
‫مسلمون مما يلممي بلد النهممر نهممر جيحممون و يغممزون الكفممار‬
‫منهممم الممدائنين بالمجوسممية فيممبيعون رقيقهممم لمممن يليهممم و‬
‫يخرجون إلى بلد خراسان و الهند و العراق‬
‫القليم الرابممع‪ :‬يتصممل بالثممالث مممن جهممة الشمممال‪ .‬و الجممزء‬
‫الول منه في غربيه قطعة من البحر المحيط مستطيلة مممن‬
‫أوله جنوبا ً إلى آخر شمال ً و عليها في الجنوب مدينة طنجة و‬
‫من هذه القطعة تحت طنجة من البحممر المحيممط إلممى البحممر‬
‫الرومي في خليج متضممايق بمقممدار اثنممي عشممر ميل ً ممما بيممن‬
‫طريف و الجزيممرة الخضممراء شمممال ً و قصممر المجمماز و سممبتة‬
‫جنوب ما ً و يممذهب مشممرقا ً إلممى أن ينتهممي إلممى وسممط الجممزء‬
‫الخامس من هذا القليم و ينفسح في ذهابه بتدريممج إلممى أن‬
‫يغمر الربعة الجزاء و أكثر الخامس من هذا القليممم الثممالث‬
‫و الخامس كما سنذكره و يسمى هذا البحممر البحممر الشممامي‬
‫أيضا ً و فيه جزائر كثيرة أعظمها في جهة الغرب يابسة ثم ما‬
‫يرقة ثم منرقة ثممم سممردانية ثممم صممقلية و هممي أعظمهمما ثممم‬
‫بلونس ثم أقريطش ثم قبرص كما نذكرها كلها فممي أجزائهمما‬
‫التي وقعت فيها و يخرج مممن هممذا البحممر الرومممي عنممد آخممر‬
‫الجزء الثالث منه و في الجزء الثممالث مممن القليممم الخممامس‬
‫خليج البنادقممة يممذهب إلممى ناحيممة الشمممال ثممم ينعطممف عنممد‬
‫وسط الجزء من جوفه و يمر مغربا ً إلى أن ينتهي في الجممزء‬
‫الثاني من الخامس و يخرج منه أيضا ً في آخممر الجممزء الرابممع‬
‫شممرقا ً مممن القليممم الخممامس خليممج القسممطنطينية يمممر فممي‬
‫الشمال متضايقا ً في عرض رمية السهم إلى آخر القليم ثممم‬
‫يفضي إلى الجزء الرابع من القليم السادس و ينعطممف إلممى‬
‫بحر نيطش ذاهب ما ً إلممى الشممرق فممي الجممزء الخممامس كلممه و‬
‫نصف السممادس مممن القليممم السممادس كممما نممذكر ذلممك فممي‬
‫أماكنه و عندما يخرج هذا البحر الرومي مممن البحممر المحيممط‬
‫في خليممج طنجممة و ينفسممح إلممى القليممم الثممالث‪ .‬يبقممى فممي‬
‫الجنوب عن الخليج قطعة صغيرة من هذا الجزء فيهمما مدينممة‬
‫طنجة على مجمع البحرين و بعدها مدينمة سمبتة علمى البحمر‬
‫الرومي ثم قطأون ثم باديس ثم يغمر هممذا البحممر بقيممة هممذا‬
‫الجزء شرقا ً و يخممرج إلممى الثممالث و أكممثر العمممارة فممي هممذا‬
‫الجممزء فممي شممماله و شمممال الخليممج منممه و هممي كلهمما بلد‬
‫الندلس الغربية منها ما بين البحر المحيط و البحممر الرومممي‬
‫أولها طريف عند مجمممع البحريممن و فممي الشممرق منهمما علممى‬
‫ساحل البحر الرومي الجزيرة الخضراء ثم مالقة ثم المنقممب‬
‫ثم المرية و تحت هذه من لدن البحممر المحيممط غربما ً و علممى‬
‫مقربة منه شريش ثم لبلة و قبالتها فيه جزيرة قادس و فممي‬
‫الشرق عن شممريش و لبلممة إشمبيلية ثمم أسممتجة و قرطبمة و‬
‫مديلة ثم غرناطة و جيان و أبدة ثم و اديش و بسطة و تحت‬
‫هذه شنتمرية و شلب على البحر المحيط غربا ً و في الشرق‬
‫عنهما بطلموس و ماردة و يابرة ثم غافق و بزجالة ثم قلعممة‬
‫رياح و تحت هذه أشبونة على البحر المحيط غربا ً و على نهر‬
‫باجة و في الشرق عنها شنترين و موزية على النهر المذكور‬
‫ثم قنطرة السيف و يسامت اشبونة ممن جهمة الشمرق جبمل‬
‫الشارات يبدأ من المغرب هنالممك و يممذهب مشممرقا ً مممع آخممر‬
‫الجزء من شماليه فينتهي إلى مدينة سالم فيما بعممد النصممف‬
‫منه و تحت هذا الجبمل طلمبيرة فمي الشمرق ممن فورنممة ثمم‬
‫طليطلة ثم وادي الحجارة ثممم مدينممة سممالم و عنممد أول هممذا‬
‫الجبممل فيممما بينممه و بيممن أشممبونة بلممد قلمريممة و هممذه غربممي‬
‫الندلس‪ .‬و أما شرقي الندلس فعلى ساحل البحممر الرومممي‬
‫منها بعد المرية قرطاجنة ثم لفتة ثممم دانيممة ثممم بلنسممية إلممى‬
‫طرطوشة آخر الجزء في الشمرق‪ ،‬و تحتهمما شممال ً ليورقمة و‬
‫شقورة تتاخمان بسطة و قلعة رياح مممن غممرب النممدلس ثممم‬
‫مرسية شرقا ً ثم شاطبة تحممت بلنسممية شمممال ً ثممم شممقر ثممم‬
‫طرطوشة ثم طركونة آخر الجزء ثم تحت هممذه شمممال ً أرض‬
‫منجالة وريدة متاخمان لشممقورة و طليطلممة مممن الغممرب ثممم‬
‫أفراغة شرقا ً تحت طرطوشة و شمال ً عنها ثممم فممي الشممرق‬
‫عن مدينممة سممالم تقلممة أيمموب ثممم سرقسممطة ثممم لردة آخممر‬
‫ل‪ .‬و الجزء الثاني مممن هممذا القليممم غمممر‬ ‫الجزء شرقا ً و شما ً‬
‫الماء جميعه إل قطعة من غربيه في الشمال فيها بقية جبممل‬
‫البرنات و معناه جبل الثنايمما و السممالك يخممرج إليممه مممن آخممر‬
‫الجزء الول من القليم الخامس يبدأ مممن الطممرف المنتهممي‪،‬‬
‫من البحر المحيط عند آخر ذلك الجزء جنوبا ً و شممرقا ً و يمممر‬
‫في الجنوب بالحر إلى الشرق فيخرج في هذا القليم الرابممع‬
‫منحرفا ً عن الجزء الول منه إلى هذا الجزء الثاني فيقممع فيممه‬
‫قطعة منه تفضممي ثناياهمما إلمى الممبر المتصممل و تسممى أرض‬
‫غشممكونية و فيممه مدينممة خريممدة و قرقشممونة و علممى سمماحل‬
‫البحر الرومي من هذه القطعة مدينة برشمملونة ثممم أربونممة و‬
‫في هذا البحر الذي غمر الجممزء جممزائر كممثيرة و الكممثير منهمما‬
‫غير مسممكون لصممغرها ففممي غربيممه جزيممرة سممردانية و فممي‬
‫شممرقيه جزيممرة صممقلية متسممعة القطممار يقممال إن دورهمما‬
‫سبعمائة ميل و بها مدن كممثيرة مممن مشمماهيرها سرقوسممة و‬
‫بلرم و طرابغة و مازر و مسيني و هذه الجزيرة تقابممل أرض‬
‫أفريقيممة و فيممما بينهممما جزيممرة أعممدوش و مالطممة‪ .‬و الجممزء‬
‫الثالث من هذا القليم مغمور أيضا ً بالبحر إل ثلث قطممع مممن‬
‫ناحية الشمالي الغربيممة منهمما أرض قلوريممة و الوسممطى مممن‬
‫أرض أبكيردة و الشرقية من بلد البنادقة‪ .‬و الجزء الرابع من‬
‫هذا القليم مغمور أيضما ً بممالبحر كممما مممر و جممزائره كممثيرة و‬
‫أكثرها غير مسكون كما في الثممالث و المغمممور منهمما جزيممرة‬
‫بلممونس فممي الناحيممة الغريبممة الشمممالية و جزيممرة أقريطممش‬
‫مستطيلة من وسط الجممزء إلممى ممما بيممن الجنمموب و الشممرق‬
‫منة‪ .‬و الجزء الخامس من هذا القليم غمر البحر منممه مثلثممة‬
‫كبيرة بين الجنوب و الغرب ينتهي الضلع الغربممي منهمما إلممى‪،‬‬
‫آخر الجزء في الشمال و ينتهي الضلع الجنوبي منها إلى نحو‬
‫الثلثين من الجزء و يبقى فممي الجممالب الشممرقي مممن الجممزء‬
‫قطعة نحو الثلث يمر الشمالي منها إلى الغرب منعطف ما ً مممع‬
‫البحر كما قلناه و في النصف الجنوبي منها أسممافل الشممام و‬
‫يمر في وسطها جبل اللكام إلى أن ينتهممي إلممى آخممر الشممام‬
‫في الشمال فينعطف من هنالك ذاهبا ً إلممى القطممر الشممرقي‬
‫الشمالي و يسمى بعد انعطافه جبل السلسمملة و مممن هنالممك‬
‫يخرج إلى القليم الخامس و يجوز من عنممد منعطفممه قطعممة‬
‫من بلد الجزيرة إلى جهة الشرق و يقوم مممن عنممد منعطفممه‬
‫من جهة المغرب جبال متصلة بعضممها ببعممض إلممى أن ينتهممي‬
‫إلى طرف خارج من البحر الرومممي متممأخر إلممى آخممر الجممزء‬
‫من الشمالي و بين هذه الجبال ثنايمما تسمممى الممدروب و هممي‬
‫التي تفضي إلى بلد الرمن و في هذا الجزء قطعة منها بيممن‬
‫هذه الجبال و بين جبل السلسلة فأممما الجهممة الجنوبيممة الممتي‬
‫قدمنا أن فيها أسافل الشام و أن جبل اللكممام معممترض فيهمما‬
‫بين البحر الرومي و آخممر الجممزء مممن الجنمموب إلممى الشمممال‬
‫فعلممى سمماحلي البحممر بلممد أنطرطمموس فممي أول الجممزء مممن‬
‫الجنوب متاخمة لغزة و طرابلممس علممى سمماحله مممن القليممم‬
‫الثممالث و فممي شمممال أنطرطمموس جبلممة ثممم اللذقيممة ثممم‬
‫إسكندرونة ثم سلوقية و بعدها شمال ً بلد الممروم و أممما جبممل‬
‫اللكام المعترض بين البحر و آخر الجزء بحافاته فيصاقبه من‬
‫بلد الشام من أعلى الجزء جنوبا ً من غربيه حصن الحواني و‬
‫هو للحشيشة السماعيلية و يعرفون لهذا العهممد بالفداويممة و‬
‫يسمى مصيات و هو قبالة أنطرطمموس و قبالممة همذا الحصممن‬
‫في شرق الجبل بلد سلمية في الشمممال عممن حمممص و فممي‬
‫الشمال و فممي مصمميات بيممن الجبممل و البحممر بلممد انطاكيممة و‬
‫يقابلها في شرق الجبل المعرة و في شرقها المراغممة و فممي‬
‫شمال انطاكية المصيصة ثم أذنة ثم طرسوس آخر الشممام و‬
‫يحاذيهمما مممن غممرب الجبممل قنسممرين ثممم عيممن زربممة و قبالممة‬
‫قنسرين في شرق الجبل حلب و يقابل عين زربة منبممج آخممر‬
‫الشممام‪ .‬و أممما الممدروب فعممن يمينهمما ممما بينهمما و بيممن البحممر‬
‫الرومي بلد الروم التي هي لهذا العهد للتركممان و سملطانها‬
‫ابن عثمان و في ساحل البحر منها بلممد أنطاكيممة و العليمما‪ .‬و‬
‫أما بلد الرمن التي بين جبل الدروب و جبل السلسلة ففيهمما‬
‫بلد مرعش و ملطية و المعممرة إلممى آخممر الجممزء الشمممالي و‬
‫يخرج من الجزء الخامس في بلد الرمن نهممر جيحممان و نهممر‬
‫سمميحان فممي شممرقيه فيمممر بهمما جيحممان جنوبما ً حممتى يتجمماوز‬
‫الدروب ثم يمر بطرسوس ثم بالمصيصة ثم ينعطممف هابط ما ً‬
‫إلى الشمال و مغربا ً حتى يصب فممي البحممر الرومممي جنمموب‬
‫سمملوقية و يمممر نهممر سمميحان مؤازي ما ً لنهممر جيحممان فيحمماذى‬
‫المعرة و مرعش و يتجاوز جبال الدروب إلى أرض الشام ثم‬
‫يممر بعيمن زربمة و يحموز عمن نهمر جيحمان ثمم ينعطمف إلمى‬
‫الشمال مغربما ً فيختلممط بنهممر جيحممان عنممد المصيصممة و مممن‬
‫غربها و أما بلد الجزيرة التي يحيط بها منعطف جبل اللكممام‬
‫إلى جبل السلسلة ففي جنوبها الرافضممة و الرقممة ثممم حممران‬
‫ثم سروج و الرها ثم نصيبين ثم سميساط و آمد تحممت جبممل‬
‫السلسلة و آخر الجزء من شماله و هو أيضا ً آخر الجممزء مممن‬
‫شرقيه و يمر في وسط هذه القطعة نهر الفرات و نهر دجلة‬
‫يخرجان من القليم الخامس و يمران في بلد الرمن جنوبمما ً‬
‫إلى أن يتجاوزا جبل السلسلة فيمر نهممر الفممرات مممن غربممي‬
‫سميسمماط و سممروج و ينحممرف إلممى الشممرق فيمممر بقممرب‬
‫الرافضة و الرقة و يخرج إلى الجممزء السممادس و يمممر دجلممة‬
‫شرق آمد و ينعطممف قريبما ً إلممى الشممرق فيخممرج قريبما ً إلممى‬
‫الجزء السادس و في الجزء السممادس مممن هممذا القليممم مممن‬
‫غربيه بلد الجزيرة و في الشرق منها بلد العراق متصلة بهمما‬
‫تنتهي في الشرق إلى قرب آخمر الجمزء و يعممترض مممن آخممر‬
‫العراق هنالك جبل أصبهان هابطا ً من جنمموب الجممزء منحرفما ً‬
‫إلى الغرب فإذا انتهي إلى وسط الجزء من آخر في الشمال‬
‫يذهب مغربا ً إلى أن يخرج من الجزء السادس و يتصل علممى‬
‫سنته بجبل السلسلة في الجزء الخامس فينقطع هذا الجممزة‬
‫السادس بقطعتين غربية و شرقية ففي الغربية مممن جنوبيهمما‬
‫مخرج الفرات من الخامس و في شماليها مخرج دجلممة منممه‬
‫أما الفرات فأول ممما يخممرج إلممى السممادس يمممر بقرقيسمميا و‬
‫يخممرج مممن هنالممك جممدول إلممى الشمممال ينسمماب فممي أرض‬
‫الجزيرة و يغوص في نواحيها و يمر من قرقيسيا غير بعيد ثم‬
‫ينعطف إلى الجنوب فيمر بقرب الخابور إلى غرب الرحبممة و‬
‫يخرج منه جداول من هنالك يمممر جنوب ما ً و لبقممى صممفين فممي‬
‫غربيممه ثممم ينعطممف شممرقا ً و ينقسممم بشممعوب فيمممر بعضممها‬
‫بالكوفة و بعضها بقصر ابن هبيرة و بالجامعين و تخرج جميعا ً‬
‫في جنوب الجزء إلى القليم الثالث فيغوص هنالك في شرق‬
‫الحيرة و القادسية و يخرج الفرات من الرحبة مشممرقا ً علممى‬
‫سمته إلى هيت مممن شمممالها يمممر إلممى الممزاب و النبممار مممن‬
‫جنوبهما ثم يصب في دجلة عند بغداد‪ .‬و أما نهممر دجلممة فممإذا‬
‫دخل من الجزء الخامس إلممى هممذا الجممزء يمممر بجزيممرة ابممن‬
‫عمر على شمالها ثم بالموصل كذلك و تكريت و ينتهممي إلممى‬
‫الحديثة فينعطف جنوبا ً و تبقى الحديثة فممي شممرقه و الممزاب‬
‫الكبير و الصغير كذلك و يمر على سمته جنوب ما ً و فممي غممرب‬
‫القادسية إلى أن ينتهي إلى بغداد و يختلط بالفرات ثممم يمممر‬
‫جنوبما ً علممى غممرب جرجرايمما إلممى أن يخممرج مممن الجممزء إلممى‬
‫القليم الثالث فتنتشر هنالك شممعوبه و جممداوله ثممم يجتمممع و‬
‫يصب هنالك في بحر فارس عند عبادان و فيما بين نهر دجلة‬
‫و الفممرات قبممل مجمعهممما كممما يبغممداد هممي بلد الجزيممرة و‬
‫يختلط بنهر دجلة بعد مفارقته ببغداد نهر آخر يأتي من الجهة‬
‫الشرقية الشمالية منه و ينتهي إلى بلد النهروان قبالة بغممداد‬
‫شرقا ً ثم ينعطممف جنوبما ً و يختلممط بدجلممة قبممل خروجممه إلممى‬
‫القليم الثالث و يبقى ما بين هذا النهر و بين جبممل العممراق و‬
‫العاجم بلد جلولء و فممي شممرقها عنممد الجبممل بلممد حلمموان و‬
‫صيمرة‪ .‬و أما القطعة الغربية من الجزء فيعترض‪ ،‬جبمل يبممدأ‬
‫من جبل العمماجيم مشممرقا ً إلممى آخممر الجممزء و يسمممى جبممل‬
‫شهرزور و يقسمها بقطعتين في الجنموب ممن هممذه القطعممة‬
‫الصغرى بلد خونجان مممن الغممرب و الشمممال عممن أصممبهان و‬
‫تسمى هذه القطعة بلد الهلوس و في وسممطها بلممد نهاونممد و‬
‫في شمالها بلد شهرزور غربا ً عند ملتقممى الجبليممن و الممدينور‬
‫شرقا ً عند آخر الجزء و في القطعة الصغرى الثانيممة مممن بلد‬
‫أرمينية قاعممدتها المراغممة و الممذي يقابلهمما مممن جبممل العممراق‬
‫يسمى باريا و هو مساكن للكراد و الممزاب الكممبير و الصممغير‬
‫الذي على دجلة من ورائه و في آخر هذه القطعممة مممن جهممة‬
‫الشرق بلد أذربيجان و منها تبريز و البيممدقان و فممي الزاويممة‬
‫الشرقية الشمالية من هذا الجزء قطعممة مممن بحممر نيطممش و‬
‫هو بحر الخزر و في الجزء السابع من هذا القليم مممن غربممه‬
‫و جنوبه معظم بلد الهلوس و فيها همذان و قزوين و بقيتهمما‬
‫في القليم الثممالث و فيهمما هنالممك أصممبهان و يحيممط بهمما مممن‬
‫الجنمموب جبممل يخممرج مممن غربهمما و يمممر بممالقليم الثممالث ثممم‬
‫ينعطف من الجزء السادس إلى القليم الرابع و يتصل بجبممل‬
‫العراق في شرقيه الذي مر ذكممره هنالممك و إنممه محيممط ببلد‬
‫الهلوس في القطعة الشممرقية و يهبممط هممذا الجبممل المحيممط‬
‫بأصبهان من القليم الثالث إلى جهممة الشمممال و يخممرج إلممى‬
‫هذا الجزء السابع محيممط ببلد الهلمموس مممن شممرقها و تحتممه‬
‫هنالك قاشان ثم قم و ينعطف في قرب النصف من طريقممه‬
‫مغربا ً بعممض الشمميء ثممم يرجممع مسممتديرا ً فيممذهب مشممرقا ً و‬
‫منحرفما ً إلممى الشمممال حممتى يخممرج إلممى القليممم الخممامس و‬
‫يشتمل على منعطفه و استدارته على بلد الري فممي شممرقيه‬
‫و يبدأ من منعطفه جبل آخر يمر غربا ً إلى آخر هممذا الجممزء و‬
‫من جنوبه من هنالك قزوين و مممن جممانبه الشمممالي و جممانب‬
‫جبل الري المتصل معممه ذاهب ما ً إلممى الشممرق و الشمممال إلممى‬
‫وسط الجزء ثم إلى القليم الخاص بلد طبرستان فيممما بيممن‬
‫هذه الجبال و بيمن قطعمة ممن بحمر طبرسمتان و يمدخل ممن‬
‫القليم الخامس في هذا الجزء فممي نحممو النصممف مممن غربممه‬
‫إلى شرقه و يعممترض عنممد جبممل الممري و عنممد انعطممافه إلممى‬
‫الغرب جبل متصل يمر على سمته مشممرقا ً و بممانحران قليممل‬
‫إلى الجنوب حتى يدخل في الجزء الثامن مممن غربممه و يبقممى‬
‫بين جبل الري و هممذا الجبممل مممن عنممد مبممدأهما بلد جرجممان‬
‫فيما بين الجبلين و منها بسطام و وراء هذا الجبل قطعة من‬
‫هذا الجزء فيها بقية المفازة الممتي بيممن فممارس و خراسممان و‬
‫هي في شممرقيه قاشممان و فممي آخرهمما عنممد هممذا الجبممل بلممد‬
‫أستراباذ و حافات هذا الجبل من شرقيه إلى آخر الجممزء بلد‬
‫نيسابور من خراسان ففي جنوب الجبل و شرق المفازة بلممد‬
‫نيسابور ثم مرو الشاهجان آخر الجزء و في شماله و شرقي‬
‫جرجان بلد مهرجان و خازرون و طوس آخر الجممزء شممرقا ً و‬
‫كل هذا تحت الجبل و في الشمال عنها بلد نسا و يحيط بهمما‬
‫عند زاوية الجزئين الشمال و الشرق مفمماوز معطلممة‪ .‬و فممي‬
‫الجزء الثامن من هذا القليم و في غربيه نهر جيحممون ذاهبمما ً‬
‫من الجنوب إلى الشمال ففي عدوته الغربية رمم و آمل من‬
‫بلد خراسممان و الظاهريممة و الجرجانيممة مممن بلد خمموارزم و‬
‫يحيط بالزاوية الغربية الجنوبية منه جبل أسممتراباذ المعممترض‬
‫في الجزء السابع قبله و يخرج في هممذا الجممزء مممن غربيممه و‬
‫يحيط بهذه الزاوية و فيها بقيممة بلد هممراة و الجوزخممان حممتى‬
‫يتصل بجبل البتم كما ذكرناه هنالك و في شرقي نهر جيحون‬
‫من هذا الجزء و في الجنوب منه بلد بخارى ثم بلد الصغد و‬
‫قاعدتها سمرقند ثم سردارا و أشنة و منها خجندة آخر الجزء‬
‫شرقا ً و في الشمممال عممن سمممرقند و سممردار و أشممنة أرض‬
‫إيلق ثم في الشمال عن إيلق أرض الشاش إلى آخر الجزء‬
‫شرقا ً و يأخذ قطعة من الجزء التاسع في جنوب تلك القطعة‬
‫بقية أرض فرغانة و يخرج من تلك القطعة الممتي فممي الجممزء‬
‫التاسع نهر الشاش يمر معترضما ً فمي الجمزء الثمامن إلمى أن‬
‫ينصب في نهر جيحون عند مخرجه من هذا الجزء الثامن في‬
‫شماله إلى القليممم الخممامس و يختلممط معممه فممي أرض إيلق‬
‫نهر يأتي من الجزء التاسع من القليم الثالث مممن تخمموم بلد‬
‫التبممت و يختلممط معممه قبممل مخرجممه مممن الجممزء التاسممع نهممر‬
‫فرغانة و على سمت نهر الشمماش جبممل جممبراغون يبممدأ مممن‬
‫القليم الخامس و ينعطف شرقا ً و منحرفا ً إلى الجنوب حتى‬
‫يخرج إلى الجزء التاسع محيطا ً بممأرض الشمماش ثممم ينعطممف‬
‫في الجزء التاسع فيحيط بالشاش و فرغانة هناك إلى جنمموبه‬
‫فيدخل في القليم الثالث و بيممن نهممر الشمماش و طممرف هممذا‬
‫الجبل في وسط هممذا الجممزء بلد فمماراب و بينممه و بيممن أرض‬
‫بخارى و خوارزم مفاوز معطلة و في زاويممة همذا الجممزء ممن‬
‫الشمال و الشرق أرض خجندة و فيها بلد إسبيجاب و طراز‪.‬‬
‫و في الجزء التاسممع مممن هممذا القليممم فممي غربيممه بعممد أرض‬
‫فرغانمممة و الشممماش أرض الخزلجيمممة فمممي الجنممموب و أرض‬
‫الخليجة في الشمال و في شرقي الجزء كله أرض الكيماكية‬
‫و يتصل في الجزء العاشر كله إلممى جبممل قوقيمما آخممر الجممزء‬
‫شرقا ً و على قطعممة مممن البحممر المحيممط هنالممك و هممو جبممل‬
‫يأجوج و مأجوج و هذه المم كلها من شعوب الترك‪ .‬انتهي‪.‬‬
‫القليم الخامس‪ :‬الجممزء الول منممه أكممثره مغمممور بالممماء إل‬
‫قليل ً من جنوبه شرقه لن البحر المحيط بهذه الجهة الغربيممة‬
‫دخل في القليم الخامس و السادس و السممابع عممن الممدائرة‬
‫المحيطة بالقليم فأمما المنكشمف ممن جنموبه فقطعمة علمى‬
‫شكل مثلممث متصمملة مممن هنالممك بالنممدلس و عليهمما بقيتهمما و‬
‫يحيط بها البحر من جهممتين كأنهممما ضمملعان محيطممان بزاويممة‬
‫المثلث ففيها من بقية غرب الندلس سعيور على البحر عنممد‬
‫أول الجزء من الجنوب و الغرب و سلمنكة شرقا ً عنها و في‬
‫جوفها سمورة و في الشرق عن سلمنكة أيلة آخر الجنوب و‬
‫أرض قستالية شرقا ً عنها و فيها مدينة شقونية و في شمالها‬
‫أرض ليون و برغشت ثم وراءهمما فممي الشمممال أرض جليقيممة‬
‫إلى زاوية القطعة و فيها على البحر المحيط في آخر الضمملع‬
‫الغربي بلد شممنتياقو و معنمماه يعقمموب و فيهمما مممن شممرق بلد‬
‫الندلس مدينة شطلية عند آخر الجزء في الجنمموب و شممرقا ً‬
‫عن قستالية و في شمالها و شممرقها و شممقة و بنبلونممة علممى‬
‫سمتها شرقا ً و شمال ً و في غرب بنبلونة قشممتالة ثممم نمماجزة‬
‫فيما بينها و بين برغشت و يعترض وسط هذه القطعممة جبممل‬
‫عظيم محاذ للبحر و للضملع الشممالي الشمرقي منمه و علمى‬
‫قرب و يتصل به و بطرف البحر عند بنبلونة في جهة الشرق‬
‫الذي ذكرنا من قبل أن يتصممل فممي الجنمموب بممالبحر الرومممي‬
‫في القليم الرابع و يصير حجرا ً على بلد النممدلس مممن جهممة‬
‫الشرق و ثناياه لها أبواب تفضي إلى بلد غشكونية مممن أمممم‬
‫الفرنممج فمنهمما مممن القليممم الرابممع برشمملونة و أربونممة علممى‬
‫سمماحل البحممر الرومممي و خريممدة و قرقشممونة وراءهممما فممي‬
‫الشمممال و منهمما مممن القليممم الخممامس طلوشممة شمممال ً عممن‬
‫خريدة‪ .‬و أما المنكشممف فممي هممذا الجممزء مممن جهممة الشممرق‬
‫فقطعممة علممى شممكل مثلممث مسممتطيل زاويتممه الحممادة وراء‬
‫البرنات شرقا ً و فيها على البحر المحيممط علممى رأي القطعممة‬
‫التي يتصل بها جبل البرنات بلد نيونة و في آخر هذه القطعة‬
‫في الناحية الشممرقية الشمممالية مممن الجممزء أرض بنطممو مممن‬
‫الفرنممج إلممى آخممر الجممزء‪ .‬و فممي الجممزء الثمماني مممن الناحيممة‬
‫الغربيممة منممه أرض غشممكونية و فممي شمممالها أرض بنطممو و‬
‫برغشممت و قممد ذكرناهممما و فممي شممرق بلد غشممكونية فممي‬
‫شمالها قطعة أرض من البحر الرومي دخلت في هذا الجممزء‬
‫كالضرس مائلة إلى الشرق قليل ً و صارت بلد غشكونية فممي‬
‫غربها داخلة في جون من البحممر و علممى رأس هممذه القطعممة‬
‫شمال ً بلد جنوة و على سمتها في الشمال جبل نيت جممون و‬
‫في شماله و على سمممعه أرض برغونممة و فممي الشممرق عممن‬
‫طرف جنوة الخارج من البحر الرومي طرف آخر خممارج منممه‬
‫يبقى بينهما جون داخل من البر في البحر في غزبيه نيممش و‬
‫في شرقيه مدينمة روممة العظمممى كرسممي ملممك الفرنجمة و‬
‫مسكن البابا بطركهم العظم و فيها من المبمماني الضممخمة و‬
‫الهياكل الهائلة و الكنائس العادية ممما هممو معممروف الخبممار و‬
‫من عجائبها النهممر الجمماري فممي وسممطها مممن المشممرق إلممى‬
‫المغرب مفروش قاعه ببلط النحاس و فيها كنيسممة بطممرس‬
‫و بولس من الحواريين و هما مدفونان بها و في الشمال عن‬
‫بلد رومة بلد أقرنصيصة إلى آخر الجزء‪ ،‬و على هذا الطرف‬
‫مممن البحممر الممذي فممي جنمموبه رومممة بلد نابممل فممي الجممانب‬
‫الشممرقي منممه متصمملة ببلممد قلوريممة مممن بلد الفرنممج و فممي‬
‫شمالها طرف من خليج البنادقممة دخممل فممي هممذا الجممزء مممن‬
‫الجزء الثالث مغربا ً و محاذيا ً للشمال من هذا الجزء و انتهممى‬
‫إلى نحو الثلث منه و عليه كممثير مممن بلد البنادقممة دخممل فممي‬
‫هذا الجزء من جنوبه فيما بينممه و بيممن البحممر المحيممط و مممن‬
‫شماله بلد إنكلية في القليم السادس‪ .‬و في الجممزء الثممالث‬
‫من هذا القليم في غربيممه بلد قلوريممة بيممن خليممج البنادقممة و‬
‫البحر الرومممي يحيممط بهمما مممن شممرقيه يصممل مممن برهمما فممي‬
‫القليم الرابع في البحر الرومي في جون بين طرفين خرجمما‬
‫من البحر على سمت الشمال إلممى هممذا الجممزء فممي شممرقي‬
‫بلد قلورية بلد أنكيردة في جون بين خليج البنادقممة و البحممر‬
‫الرومي و يدخل طرف من هذا الجزء في الجون في القليم‬
‫الرابع و فممي البحممر الرومممي و يحيممط بممه مممن شممرقيه خليممج‬
‫البنادقة مممن البحممر الرومممي ذاهبما ً إلممى سمممت الشمممال ثممم‬
‫ينعطف إلى الغممرب محاذي ما ً لخممر الجممزء الشمممالي و يخممرج‬
‫على سمته من القليممم الرابممع جبممل عظيممم يمموازيه و يممذهب‬
‫معه إلى الشمال ثم يغرب معه في القليم السادس إلمى أن‬
‫ينتهممي قبالممة خليممج فممي شممماليه فممي بلد إنكليممة مممن أمممم‬
‫اللمانيين كما نذكر و على هذا الخليج و بينه و بين هذا الجبل‬
‫ماداممما ذاهممبين إلممى الشمممال بلد البنادقممة فممإذا ذهبمما إلممى‬
‫المغممرب فبينهممما بلد حروايما ثممم بلد اللمممانيين عنممد طممرف‬
‫الخليج‪ .‬و في الجزء الرابع من هذا القليم قطعة مممن البحممر‬
‫ة كلهمما بقطمع‬ ‫الرومي خرجت إليه من القليم الرابممع مضرسم ً‬
‫من البحر و يخرج منها إلى الشمال و بين كل ضرسين منهمما‬
‫طرف من البحر في الجون بينهما و فممي آخممر الجممزء شممرقا ً‬
‫قطع من البحر و يخرج منها إلى الشمال خليج القسطنطينية‬
‫يخرج من هذا الطرف الجنوبي و يذهب على سمت الشممال‬
‫إلى أن يدخل في القليم السادس و ينعطف من هنالمك عمن‬
‫قرب مشرقا ً إلى بحر نيطممش فممي الجممزء الخممامس و بعممض‬
‫الرابع قبلة و السادس بعدة من القليم السادس كما نذكر و‬
‫بلد القسطنطينية في شرقي هذا الخليج عند آخر الجزء مممن‬
‫الشمال و هي المدينة العظيمة التي كانت كرسي القياصممرة‬
‫و بها من آثار البنمماء و الضممخامة ممما كممثرت عنممه الحمماديث و‬
‫القطعة التي‪ ،‬ما بيممن البحممر الرومممي و خليممج القسممطنطينية‬
‫من هذا الجزء و فيهمما بلد مقدونيممة الممتي كممانت لليونممانيين و‬
‫منها ابتداء ملكهم و في شرقي هذا الخليمج إلمى آخممر الجممزء‬
‫قطعممة مممن أرض بمماطوس و أظنهمما لهممذا العهممد مجممالت‬
‫للتركمان و بها ملك ابن عثمان و قاعدته بها بورصة و كممانت‬
‫من قبلهم للممروم و غلبهممم عليهما لمما المممم إلمى أن صمارت‬
‫للتركمان‪ .‬و في الجزء الخاص من هذا القليممم مممن غربيممه و‬
‫جنوبيه أرض باطوس و في الشمال عنها إلى آخر الجممزء بلد‬
‫عمورية و في شرقي عمورية نهر قباقب الذي يمد الغرات و‬
‫يخرج مممن جبممل هنالممك و يممذهب فممي الجنمموب حممتى يخممالط‬
‫الفرات قبل وصوله من هذا الجممزء إلممى ممممره فممي القليممم‬
‫الرابع و هنالك في غربيه آخر الجزء في مبدأ سيحال ثم نهممر‬
‫جيحان غربيه الذاهبين على سمممته و قممد مممر ذكرهممما و فممي‬
‫شممرقه هنالممك مبممدأ نهممر دجلممة الممذاهب علممى سمممته و فممي‬
‫ممموازاته حمتى يخمالطه عنممد بغممداد و فمي الزاويممة المتي بيممن‬
‫الجنوب و الشرق من هذا الجزء وراء الجبل الممذي يبممدأ منممه‬
‫نهر دجلة بلد ميافارقين و نهر قباقب الذي ذكرناه يقسم هذا‬
‫الجزء بقطعتين إحداهما غربية جنوبية و فيهمما أرض بمماطوس‬
‫كما قلناه و أسافلها إلى آخر الجزء شمال ً و وراء الجبل الذي‬
‫يبدأ منه نهر قباقب أرض عمورية كما قلناه و القطعة الثانيممة‬
‫شرقية شمالية على الثلث فممي الجنمموب منهمما مبممدأ دجلممة و‬
‫الفرات و في الشمال بلد البيلقان متصمملة بأرضممي عموريممة‬
‫من وراء جبل قبمماقب و هممي عريبممة و فممي آخرهمما عنممد مبممدإ‬
‫الفرات بلد خرشنة و في الزاوية الشممرقية الشمممالية قطعممة‬
‫من بحر نيطش الذي يمده خليج القسطنطينية‪.‬‬
‫القسمممم الثمممالث ممممن تفصممميل الكلم علمممى همممذه‬
‫الجغرافيا‬
‫و في الجزء السادس من هذا القليم في جنمموبه و غربممه بلد‬
‫ارمينية متصلة إلى أن يتجاوز وسط الجزء إلى جانب الشرق‬
‫و فيهمما بلممدان أردن فممي الجنمموب و الغممرب و فممي شمممالها‬
‫تفليس و دبيل و في شرق أردن مدينة خلط ثم بردعممة فممي‬
‫جنوبهمما بممانحراف إلممى الشممرق مدينممة أرمينيممة و مممن هنالممك‬
‫مخممرج بلد أرمينيممة إلممى القليممم الرابممع و فيهمما هنالممك بلممد‬
‫المراغة في شرقي جبل الكراد المسمممى بممأرمى و قممد مممر‬
‫ذكره في الجزء السادس منه و يتماخم بلد أرمينيمة فمي همذا‬
‫الجزء و في القليم الرابممع قبلمه مممن جهمة الشمرق فيهما بلد‬
‫أذربيجان و آخرهمما فممي هممذا الجممزء شممرقا ً بلد اردبيممل علممى‬
‫قطعة من بحر طبرستان دخلممت فممي الناحيممة الشممرقية مممن‬
‫الجزء السابع و يسمى بحر طبرسان و عليه من شمماله فمي‬
‫هذا الجزء قطعة من بلد الخزر و هممم التركمممان و يبممدأ مممن‬
‫عند آخر هذه القطعة البحرية في الشمال جبال يتصل بعضها‬
‫ببعممض علممى سمممت الغممرب إلممى الجممزء الخمماص فتمممر فيممه‬
‫منعطفة و محيطة ببلد ميافارقين و يخرج إلى القليم الرابممع‬
‫عند آمد و يتصل بجبمل السلسملة فمي أسمافل الشمام و ممن‬
‫هنالك يتصل بجبل اللكام كما مر و بين هذه الجبال الشمالية‬
‫فممي هممذا الجممزء ثنايمما كممالبواب تفضممي مممن الجممانبين ففممي‬
‫جنوبيها بلد البواب متصلة في الشرق إلى بحر طبرسممتان و‬
‫عليه من هذه البلد مدينة باب البممواب و تتصممل بلد البممواب‬
‫فممي الغممرب مممن ناحيممة جنوبيهمما ببلممد أرمينيممة و بينهممما فممي‬
‫الشرق و بين بلد أذربيجان الجنوبية بلد الممزاب متصمملة إلممى‬
‫بحر طبرستان و في شمال هذه الجبال قطعة من هذا الجزء‬
‫في غربها مملكة السرير في الزاوية الغربية الشمالية منها و‬
‫في زاوية الجزء كله قطعة أيضا ً من بحر نيطش الممذي يمممده‬
‫خليج القسطنطينية و قد مر ذكره و يخف بهذه القطعممة مممن‬
‫نيطش بلد السرير وعليها منها بلممد أطرابزيممدة و تتصممل بلد‬
‫السرير بين جبل البواب و الجهة الشمممالية مممن الجممزء إلممى‬
‫أن ينتهي شرقا ً إلى جبل حاجز بينها و بين أرض الخزر و عند‬
‫آخرها مدينة صول و وراء هذا الجبل الحاجز قطعة من أرض‬
‫الخزر تنتهي إلى الزاوية الشرقية الشمممالية مممن هممذا الجممزء‬
‫ل‪ .‬و الجممزء السممابع مممن‬‫من بحر طبرستان و آخر الجزء شما ً‬
‫هذا القليم غربيه كلممه مغمممور ببحممر طبرسممتان و خممرج مممن‬
‫جنوبه في القليم الرابع القطعة التي ذكرنا هنالممك أن عليهمما‬
‫بلد طبرستان و جبال الديلم إلممى قزويممن و فممي غربممي تلممك‬
‫القطعة متصلة بها القطعممة الممتي فممي الجممزء السممادس مممن‬
‫القليم الرابع و يتصل بها من شمالها القطعة التي في الجزء‬
‫السادس من شرقه أيضا ً و ينكشممف مممن هممذا الجممزء قطعممة‬
‫عند زاويته الشمالية الغربيممة يصممب فيهمما نهممر أثممل فممي هممذا‬
‫البحممر و يبقممى مممن هممذا الجممزء فممي ناحيممة المشممرق قطعممة‬
‫منكشفة من البحر هي مجالت للغز مممن أمممم الممترك يحيممط‬
‫بها جبل من جهة الجنوب داخل فممي الجممزء الثممامن و يممذهب‬
‫في الغرب إلى ما دون وسطه فينعطف إلى الشمال إلى أن‬
‫يلقي بحر طبرستان فيحتممف بممه ذاهبما ً معممه إلممى بقيتممه فمي‬
‫القليم السادس ثم ينعطممف مممع طرفممه و يفممارقه و يسمممى‬
‫هنالك جبل سياه و يممذهب مغرب ما ً إلممى الجممزء السممادس مممن‬
‫القليم السادس ثممم يرجممع جنوبما ً إلممى الجممزء السممادس مممن‬
‫القليم الخامس و هذا الطرف منه و هو الممذي اعممترض فممي‬
‫هذا الجزء بين أرض السرير و أرض الخممزر و اتصمملت بممأرض‬
‫الخممزر فممي الجممزء السممادس و السممابع حافممات هممذا الجبممل‬
‫المسمى جبل سياه كممما سمميأتي‪ .‬و الجممزء الثممامن مممن هممذا‬
‫القليم الخممامس كلممه مجممالت للغممز مممن أمممم الممترك و فممي‬
‫الجهة الجنوبية الغربية‪ .‬منه بحيرة خوارزم الممتي يصممب فيهمما‬
‫نهر جيحون دورها ثلثمائة ميل و يصب فيها أنهار كممثيرة مممن‬
‫أرض هممذه المجممالت و فممي الجهممة الشمممالية الشممرقية منممه‬
‫بحيرة عرعون دورها أربعمائة ميل و ماؤها حلو و في الناحية‬
‫الشمالية من هذا الجزء جبل مرغار و معناه جبل الثلج لنه ل‬
‫يذوب فيه و هو متصل بآخر الجزء و في الجنوب عممن بحيممرة‬
‫عرعون جبل من الحجر الصلد ل ينبت شيئا ً يسمممى عرعممون‬
‫و به سميت البحيرة و ينجلب منه و من جبل مرغار شمممالي‬
‫البحيرة أنهار ل تنحصر عدتها فتصب فيها من الجانبين‪ .‬و في‬
‫الجزء التاسع من هذا القليم بلد أركس من أمم الممترك فممي‬
‫غرب بلد الغز و شممرق بلد الكيماكيممة و يحممف بممه مممن جهممة‬
‫الشممرق آخممر الجممزء جبممل قوقيمما المحيممط بيممأجوج و مممأجوج‬
‫يعترض هنالك من الجنمموب إلممى الشمممال حممتى ينعطممف أول‬
‫دخوله من الجزء العاشر و قد كان دخل إليه من آخممر الجممزء‬
‫العاشر من القليم الرابع قبله و احتف هنالك بالبحر المحيط‬
‫إلى آخر الجزء فممي الشمممال ثممم انعطممف مغربما ً فممي الجممزء‬
‫العاشر من القليم الرابع إلى ما دون نصفه و أحاط من أوله‬
‫إلى هنا ببلد الكيماكية ثم خرج إلى الجزء العاشر من القليم‬
‫الخامس فذهب فيه مغربا ً إلى آخره و بقيت في جنمموبه مممن‬
‫هممذا الجممزء قطعممة مسممتطيلة إلممى الغممرب قبممل آخممر بلد‬
‫الكيماكيممة ثممم خممرج إلممى الجممزء التاسممع فممي شممرقيه و فممي‬
‫العلى منه و انعطف قريبا ً إلى الشمال و ذهب علممى سمممته‬
‫إلى الجزء التاسع من القليممم السممادس و فيممه السممد هنالممك‬
‫كما نذكره و بقيت منه القطعة الممتي أحمماط بهمما جبممل قوقيمما‬
‫عند الزاوية الشرقية الشمالية من هذا الجزء مستطيلة إلممى‬
‫الجنوب و هي من بلد يأجوج و مأجوج و في الجممزء العاشممر‬
‫من هممذا القليممم أرض يممأجوج و مممأجوج فتصممله فممي كلممه إل‬
‫ة من البحر غمرت طرفما ً فممي شممرقيه مممن جنمموبه إلممى‬ ‫قطع ً‬
‫شماله إل القطعة التي يفصلها إلممى جهممة الجنمموب و الغممرب‬
‫جبل قوقيا حيمن مممر فيمه و ممما سمموى ذلمك فمأرض يممأجوج و‬
‫مأخوج و الله سبحانه و تعالى أعلم‪.‬‬
‫القليم السممادس‪ .‬فممالجزء الول منممه غمممر البحممر أكممثر مممن‬
‫نصفه و اسممتدار شممرقا ً مممع الناحيممة الشمممالية ثممم ذهممب مممع‬
‫الناحيممة الشممرقية إلممى الجنمموب و انتهممى قريب ما ً مممن الناحيممة‬
‫الجنوبية فانكشممف قطعممة مممن هممذه الرض فممي هممذا الجممزء‬
‫داخلة بيممن الطرفيممن و فممي الزاويممة الجنوبيممة الشممرقية مممن‬
‫البحر المحيط كممالجون فيممه و ينفسممح طممول ً و عرضما ً و هممي‬
‫كلها أرض بريطانية و في بابها بيممن الطرفيممن و فممي الزاويممة‬
‫الجنوبية الشرقية مممن هممذا الجممزء بلد صمماقس متصمملة ببلد‬
‫بنطو التي مر ذكرها فممي الجممزء الول و الثمماني مممن القليممم‬
‫الخامس‪ .‬و الجزء الثاني من هذا القليم دخل البحر المحيممط‬
‫من غربه و شممماله فمممن غربممه قطعممة مسممتطيلة أكممبر مممن‬
‫نصفه الشمالي من شرق أرض بريطانية فممي الجممزء الول و‬
‫اتصلت بها القطعة الخرى في الشمال من غربه إلى شممرقه‬
‫و انفسممحت فممي النصممف الغربممي منممه بعممض الشمميء و فيممه‬
‫هنالممك قطعممة مممن جزيممرة أنكلممترا و هممي جزيممرة عظيمممة‬
‫مشتملة على مممدن و بهمما ملممك ضممخم و بقيتهمما فممي القليممم‬
‫السابع و فممي جنمموب هممذه القطعممة و جزيرتهمما فممي النصممف‬
‫الغربي من هذا الجزء بلد أرمندية و بلد أفلدش متصلين بها‬
‫ثم بلد إفرنسية جنوبا ً و غربا ً ممن هممذا الجمزء و بلد برغونيمة‬
‫شرقا ً عنها و كلها لمم الفرنجة و بلد اللمانيين في النصممف‬
‫الشرقي من الجزء فجنوبه بلد أنكلية ثم بلد برغونية شمال ً‬
‫ثم أرض لهويكة و شطونية و على قطعة البحر المحيط فممي‬
‫الزاويمممة الشممممالية الشمممرقية أرض أفريمممرة و كلهممما لممممم‬
‫اللمانيين‪ .‬و في الجزء الثالث مممن هممذا القليممم فممي الناحيممة‬
‫الغربية بلد مراتية في الجنوب و بلد شطونية في الشمال و‬
‫في الناحية الشرقية بلد أنكوية في الجنوب و بلد بلونية في‬
‫الشمال يعترض بينهما جبل بلواط داخل ً مممن الجممزء الرابممع و‬
‫يمممر مغرب ما ً بممانحراف إلممى الشمممال إلممى أن يقممف فممي بلد‬
‫شطونية آخر النصف الغربي‪ .‬و في الجزء الرابممع فممي ناحيممة‬
‫الجنوب أرض جثوليممة و تحتهمما فممي الشمممال بلد الروسممية و‬
‫يفصل بينهما جبل بلواط من أول الجممزء غرب ما ً إلممى أن يقممف‬
‫في النصف الشرقي و في شرق أرض جثولية بلد جرمانية و‬
‫في الزاوية الجنوبية الشرقية أرض القسممطنطينية و مممدينتها‬
‫عند آخر الخليج الخارج من البحر الرومي و عند مممدفعه فممي‬
‫بحر نيطش فيقع قطيعة من بحر نيطش فممي أعممالي الناحيممة‬
‫الشرقية من هذا الجزء و يمدها الخليج و بينهما فممي الزاويممة‬
‫بلد مسيناه‪ .‬و في الجزء الخامس مممن القليممم السممادس ثممم‬
‫في الناحية الجنوبية عند بحر نيطش يتصممل مممن الخليممج فممي‬
‫آخر الجزء الرابع و يخرج من سمممته مشممرقا ً فيمممر فممي هممذا‬
‫الجزء كله و في بعض السادس علممى طممول ألممف و ثلثمممائة‬
‫ميل من مبممدإه فممي عممرض سممتمائة ميممل و يبقممى وراء هممذا‬
‫البحر في الناحية الجنوبيممة مممن هممذا الجممزء فممي غربهمما إلممى‬
‫شممرقها بممر مسممتطيل فممي غربممه هرقليممة علممى سمماحل بحممر‬
‫نيطش متصلة بممأرض البيلقممان مممن القليممم الخممامس و فممي‬
‫شرقه بلد اللنية و قاعدتها سوتلي على بحممر نيطممش و فممي‬
‫شمال بحر نيطش في هذا الجزء غربا ً أرض ترخان و شممرقا ً‬
‫بلد الروسية و كلها على سمماحل هممذا البحممر و بلد الروسممية‬
‫محيطة ببلد ترخان من شرقها في هممذا الجممزء مممن شمممالها‬
‫في الجزء الخامس من القليم السابع و من غربها في الجزء‬
‫الرابع من هذا القليم‪ .‬و في الجزء السادس في غربيه بقيممة‬
‫بحر نيطش و ينحرف قليل إلى الشمال و يبقى بينه هنالممك و‬
‫بين آخر الجزء شمال ً بلد قمانية و في جنمموبه منفسممحا ً إلممى‬
‫الشمال بما انحرف هو كذلك بقية بلد اللنية التي كانت آخر‬
‫جنوبه في الجزء الخامس و فممي الناحيممة الشممرقية مممن هممذا‬
‫الجزء متصل أرض الخزر و في شرقها أرض برطمماس و فممي‬
‫الزاوية الشرقية الشمالية أرض بلغار و في الزاوية الشممرقية‬
‫الجنوبية أرض بلجر يجوزها هنمماك قطعممة مممن جبممل سممياكوه‬
‫المنعطف مع بحر الخزر في الجزء السابع بعده و يذهب بعد‬
‫مفارقته مغربا ً فيجوز في هذه القطعممة و يممدخل إلممى الجممزء‬
‫السادس من القليم الخامس فيتصل هنالك بجبل البممواب و‬
‫عليه من هنالك ناحية بلد الخزر‪ .‬و في الجزء السابع من هذا‬
‫القليم في الناحية الجنوبية ما جازه جبل سياه بعممد مفممارقته‬
‫بحر طبرستان و هو قطعة من أرض الخزر إلممى آخممر الجممزء‬
‫غربا ً و في شرقها القطعة من بحر طبرسممتان الممتي يجوزهمما‬
‫هممذا الجبممل مممن شممرقها و شمممالها و وراء جبممل سممياه فممي‬
‫الناحيممة الغربيممة الشمممالية أرض برطمماس و فممي الناحيممة‬
‫الشرقية من الجزء أرض شحرب و يخناك و هم أمم الممترك‪.‬‬
‫و في الجزء الثامن و الناحية الجنوبية منة كلها أرض الجولممخ‬
‫مممن الممترك فممي الناحيممة الشمممالية غربمما و الرض المنتنممة و‬
‫شرق الرض التي يقال إن يأجوج و مأجوج خرباها قبممل بنمماء‬
‫السد و في هذه الرض المنتنممة مبممدأ نهممر الثممل مممن أعظممم‬
‫أنهممار العممالم و ممممره فممي بلد الممترك و مصممبه فممي بحممر‬
‫طبرستان في القليم الخامس في الجزء السممابع منممه و هممو‬
‫كثير النعطاف يخرج من جبل مممن الرض المنتنممة مممن ثلثممة‬
‫ينابيع تجتمع في نهر واحد و يمر على سمت الغرب إلى آخر‬
‫السابع من هذا القليم فينعطف شمال ً إلى الجزء السابع من‬
‫القليممم السممابع فيمممر فممي طرفممه بيممن الجنمموب و المغممرب‬
‫فيخرج في الجزء السادس من السممابع و يممذهب مغرب ما ً غيممر‬
‫بعيممد ثممم ينعطممف ثانيممة إلممى الجنمموب و يرجممع إلممى الجممزء‬
‫السادس ممن القليمم السمادس و يخمرج منممه جمدول يمذهب‬
‫مغربا ً و يصب في بحر نيطش في ذلك الجزء و يمر هممو فممي‬
‫قطعة بين الشمال و الشرق في بلد بلغار فيخرج في الجزء‬
‫ة إلممى الجنمموب و‬ ‫السابع من القليم السادس ثم ينعطف ثالث ً‬
‫ينفذ في جبل سياه و يمر في بلد الخزر و يخرج إلى القليم‬
‫الخممامس فممي الجممزء السممابع منممه فيصممب هنالممك فممي بحممر‬
‫طبرستان في القطعة التي انكشفت من الجزء عنممد الزاويممة‬
‫الغربية الجنوبية‪ .‬والجزء التاسع من هذا القليم فممي الجممانب‬
‫الغربممي منممه بلد خفشمماخ مممن الممترك و هممم قفجمماق و بلد‬
‫الشركس منهم أيضا ً و فممي الشممرق منممه بلد يممأجوج يفصممل‬
‫بينهما جبل قوقيمما المحيممط و قممد مممر ذكممره يبممدأ مممن البحممر‬
‫المحيط فممي شممرق القليممم الرابممع و يممذهب معممه إلممى آخممر‬
‫القليم في الشمال و يفارقه مغربا ً و بانحراف إلممى الشمممال‬
‫حتى يدخل في الجزء التاسع من القليم الخامس فيرجع إلى‬
‫سمته الول حتى يدخل في هممذا الجممزء التاسممع مممن القليممم‬
‫من جنوبه إلى شماله بانحراف إلممى المغممرب و فممي وسممطه‬
‫ههنا السد الذي بنمماه السممكندر ثممم يخممرج علممى سمممته إلممى‬
‫القليم السابع و في الجزء التاسع منه فيمر فيه إلى الجنوب‬
‫إلى أن يلقى البحر المحيط في شماله ثم ينعطف معممه مممن‬
‫هنالك مغربا ً إلمى القليممم السممابع إلمى الجممزء الخممامس منممه‬
‫فيتصل هنالك بقطعة مممن البحممر المحيممط فممي غربيممه و فممي‬
‫وسط هذا الجزء التاسع هو السممد الممذي بنمماه السممكندر كممما‬
‫قلناه و الصحيح من خبره في القرآن و قد ذكر عبد اللممه بممن‬
‫خرداذبة في كتابه في الجغرافيمما أن الواثممق رأى فممي منممامه‬
‫كأن السد انفتح فانتبه فزعا ً و بعث سملما الترجمممان فوقمف‬
‫عليه و جاء بخبره وصفه في حكاية طويلة ليست من مقاصد‬
‫كتابنا هذا و في الجزء العاشممر مممن هممذا القليممم بلد مممأجوج‬
‫متصلة فيممه إلممى آخممره علممى قطعممة مممن هنالممك مممن البحممر‬
‫المحيممط أحمماطت بممه مممن شممرقه و شممماله مسممتطيلة فممي‬
‫الشمال و عريضة بعض الشيء في الشرق‪.‬‬
‫القليم السابع‪ :‬و البحممر المحيممط قممد غمممر عممامته مممن جهممة‬
‫الشمال إلى وسط الجزء الخامس حيث يتصممل بجبممل قوقيمما‬
‫المحيط بيأجوج و مممأجوج‪ .‬فممالجزء الول و الثمماني مغممموران‬
‫بالماء إل ما انكشف من جزيممرة أنكلممترا الممتي معظمهمما فممي‬
‫الثاني و في الول منها طرف انعطف بانحراف إلى الشمممال‬
‫و بقيتها مع قطعة من البحر مستديرة عليه في الجزء الثاني‬
‫من القليم السادس و هي مذكورة هناك والمجمماز منهمما إلممى‬
‫الممبر فممي هممذه القطعممة سممعة اثنممي عشممر ميل ً و وراء هممذه‬
‫ة‬
‫الجزيرة في شمال الجزء الثاني جزيممرة رسمملندة مسممتطيل ً‬
‫من الغمرب إلممى الشمرق‪ .‬و الجمزء الثممالث ممن هممذا القليمم‬
‫مغمور أكثره بالبحر إل قطعة مسمتطيلة فمي جنموبه و تتسمع‬
‫في شرقها و فيها هنالك متصل أرض فلونية التي مممر ذكرهمما‬
‫في الثالث مممن القليممم السممادس و أنهمما فممي شممماله و فممي‬
‫القطعة مممن البحممر المتي تغممر هممذا الجمزء ثممم فمي الجمانب‬
‫ة و تتصممل بممالبر مممن بمماب فممي‬ ‫الغربي منها مستديرةً فسمميح ً‬
‫جنوبها يفضي إلى بلد فلونية و في شمالها‪ .‬جزيرة برقاعة و‬
‫في نسخة بوقاعة مستطيلة مع الشمممال مممن المغممرب إلممى‬
‫المشرق‪ .‬و الجزء الرابع من هذا القليم شماله كلممه مغمممور‬
‫بالبحر المحيط من المغرب إلى المشرق و جنوبه منكشف و‬
‫في غربه أرض قيمازك من الترك و في شممرقها بلد طسممت‬
‫ثم أرض رسلن إلى آخر الجزء شممرقا ً وهممي دائمممة الثلمموج و‬
‫عمرانها قليل و يتصل ببلد الروسية في القليممم السممادس و‬
‫في الجزء الرابع و الخامس منه و فممي الجممزء الخممامس مممن‬
‫هذا القليم في الناحية الغربية منه بلد الروسية و ينتهي فممي‬
‫الشمال إلى قطعة من البحر المحيط الممتي يتصممل بهمما جبممل‬
‫قوقيا كما ذكرناه من قبل و في الناحية الشرقية منه متصممل‬
‫أرض القمانيممة الممتي علممى قطعممة بحممر نيطممش مممن الجممزء‬
‫السادس من القليم السادس و ينتهي إلى بحيرة طرمى من‬
‫هذا الجزء و هي عذبة تنجلب إليهمما أنهممار كممثيرة مممن الجبممال‬
‫عن الجنوب و الشمال و في شمال الناحية الشرقية من هذا‬
‫الجزء أرض التتارية من الممترك و فممي نسممخة التركمممان إلممى‬
‫آخره و فممي الجممزء السممادس مممن الناحيممة الغربيممة الجنوبيممة‬
‫ة‬
‫متصل بلد القمانية و في وسممط الناحيممة بحيممرة عثممور عذبم ً‬
‫تنجلب إليها النهار من الجبال فمي النمواحي الشمرقية و همي‬
‫جامدة دائمما ً لشممدة الممبرد إل قليل ً فممي زمممن الصمميف و فممي‬
‫شرق بلد القمانية بلد الروسية التي كان مبدؤها في القليم‬
‫السادس في الناحية الشرقية الشمالية من الجممزء الخممامس‬
‫منه و في الزاوية الجنوبية الشرقية من هذا الجزء بقية أرض‬
‫بلغار التي كان مبدؤها فممي القليممم السممادس و فممي الناحيممة‬
‫الشرقية الشمالية من الجزء السادس منه و في وسط هممذه‬
‫القطعة من أرض بلغار منعطف نهر أثل القطعة الولى إلممى‬
‫الجنوب كما مر و في آخر هذا الجممزء السممادس مممن شممماله‬
‫جبل قوقيا متصل من غربه إلى شرقه و فممي الجممزء السممابع‬
‫من هذا القليم في غربه بقية أرض يخناك من أمممم الممترك و‬
‫كان من مبدؤها من الناحيممة الشمممالية الشممرقية مممن الجممزء‬
‫السادس قبله و في الناحية الجنوبية الغربية من هذا الجزء و‬
‫يخرج إلى القليم السادس من فوقه و في الناحية الشممرقية‬
‫بقية أرض سحرب ثممم بقيممة الرض المنتنممة إلممى آخممر الجممزء‬
‫شرقا ً و في آخر الجزء من جهة الشمال جبل قوقيا المحيممط‬
‫متصل من غربه إلممى شممرقه‪ .‬و فممي الجممزء الثممامن مممن هممذا‬
‫القليم في الجنوبية الغربية منه متصل الرض المنتنممة و فممي‬
‫شرقها الرض المحفورة و هي من العجائب خرق عظيم في‬
‫الرض بعيد المهوى فسيح القطار ممتنع الوصول إلى قعممره‬
‫يستدل على عمرانه بالدخان في النهار و النيممران فمي الليممل‬
‫تضيء و تخفى و ربما رئي فيها نهر يشقها من الجنمموب إلممى‬
‫الشمال و في الناحية الشرقية من هذا الجزء البلد الخممراب‬
‫المتاخمة للسد و في آخر الشمال منه جبل قوقيا متصل ً مممن‬
‫الشرق إلى الغرب و في الجزء التاسع من هممذا القليممم فممي‬
‫الجانب الغربي منه بلد خفشماخ و همم قفجمق يجوزهما جبمل‬
‫قوقيا حين ينعطف من شماله عنممد البحممر المحيممط و يممذهب‬
‫في وسطه إلى الجنوب بممانحراف إلممى الشممرق فيخممرج فممي‬
‫الجزء التاسع من القليم السادس و يمر معترضا ً فيممه و فممي‬
‫وسممطه هنالممك سممد‪ .‬يممأجوج و مممأجوج و قممد ذكرنمماه و فممي‬
‫الناحية الشرقية من هذا الجزء أرض يأجوج وراء جبل قوقيمما‬
‫ة أحاطت بمه ممن شمرقه و‬ ‫على البحر قليلة العرض مستطيل ً‬
‫شماله‪ .‬و الجزء العاشر غمر البحر جميعممه‪ .‬هممذا آخممر الكلم‬
‫على الجغرافيا و أقاليمهمما السممبعة و فممي خلممق السممموات و‬
‫الرض و اختلف الليل و النهار ليات للعالمين‪.‬‬
‫المقدمممة الثالثممة فممي المعتممدل مممن القمماليم و‬
‫المنحممرف و تممأثير الهممواء فممي ألمموان البشممر و‬
‫الكثير في أحوالهم‬
‫قد بينا أن المعمور من هممذا المنكشممف مممن الرض إنممما هممو‬
‫وسطه لفراط الحر في الجنوب منه و البرد في الشمممال‪ .‬و‬
‫لما كان الجانبان من الشمال و الجنوب متضادين من الحر و‬
‫البرد وجب أن تندرج الكيفية من كليهما إلى الوسممط فيكممون‬
‫معتدل ً فممالقليم الرابممع أعممدل العمممران و الممذي حافمماته مممن‬
‫الثالث و الخامس أقرب إلى العتدال و الذي يليهما و الثاني‬
‫و السادس بعيدان من العتدال و الول و السابع أبعممد بكممثير‬
‫فلهذا كانت العلوم و الصنائع و المباني و الملبس و القوات‬
‫و الفواكه بل و الحيوانات و جميع ما يتكون في هذه القمماليم‬
‫الثلثة المتوسطة مخصوصة بالعتدال و سممكانها مممن البشممر‬
‫أعدل أجساما ً و ألوانا ً و أخلق ما ً و أديان ما ً حممتى النبممؤات فإنممما‬
‫توجد في الكثر فيها و لم نقف على خممبر بعثممة فممي القمماليم‬
‫الجنوبية و ل الشمالية و ذلك أن النبياء و الرسل إنما يختص‬
‫بهم أكمل النوع في خلقهم و أخلقهم قال تعالى‪ :‬كنتممم خيممر‬
‫أمة أخرجت للناس و ذلك ليتم القبول بما يممأتيهم بممه النبيمماء‬
‫من عند الله و أهل هذه القاليم أكمل لوجممود العتممدال لهممم‬
‫فتجده على غاية مممن التوسممط فممي مسمماكنهم و ملبسممهم و‬
‫أقممواتهم و صممنائعهم يتخممذون الممبيوت المنجممدة بالحجممارة‬
‫المنمقة بالصناعة و يتناغون في اسممتجادة اللت والمممواعين‬
‫ويذهبون في ذلك إلى الغاية وتوجد لديهم المعادن الطبيعيممة‬
‫مممن الممذهب و الفضممة و الحديممد و النحمماس و الرصمماص و‬
‫القصممدير و يتصممرفون فممي معمماملتهم بالنقممدين العزيزيممن و‬
‫يبعممدون عممن النحممراف فممي عامممة أحمموالهم و هممؤلء أهممل‬
‫المغممرب و الشممام و الحجمماز و اليمممن و العراقيممن و الهنممد و‬
‫السممند و الصممين و كممذلك النممدلس و مممن قممرب منهمما مممن‬
‫الفرنجة و الجللقة و الروم و اليونانيين و من كان مع هممؤلء‬
‫أو قريبا ً منهم في هذه القاليم المعتدلة و لهذا كان العراق و‬
‫الشام أعدل هذه كلها لنها وسط من جميممع الجهممات‪ .‬و أممما‬
‫القاليم البعيدة من العتدال مثل الول و الثمماني و السممادس‬
‫و السابع فأهلها أبعد من العتدال في جميع أحوالهم فبناؤهم‬
‫بالطين و القصب و أقواتهم من الذرة و العشب و ملبسممهم‬
‫من أوراق الشجر يخصفونها عليهم أو الجلود و أكثرهم عرايا‬
‫من اللباس و فواكه بلدهم و أدمها غريبة التكوين مائلة إلممى‬
‫النحراف و معاملتهم بغير الحجرين الشريفين من نحاس أو‬
‫حديد أو جلود يقدرونها للمعاملت و أخلقهم مع ذلممك قريبممة‬
‫مممن خلممق الحيوانممات العجممم حممتى لينقممل عممن الكممثير مممن‬
‫السودان أهل القليم الول أنهم يسكنون الكهوف و الغيمماض‬
‫و يأكلون العشب و أنهممم متوحشممون غيممر مستأنسممين يأكممل‬
‫بعضهم بعضا ً و كذا الصقالبة و السبب في ذلك أنهم لبعممدهم‬
‫عن العتدال يقرب عممرض أمزجتهممم و أخلقهممم مممن عممرض‬
‫الحيوانات العجم و يبعدون عن النسانية بمقدار ذلك و كذلك‬
‫أحمموالهم فممي الديانممة أيضمما ً فل يعرفممون نبممؤة ً و ل يممدينون‬
‫بشريعة إل من قرب منهم مممن جمموانب العتممدال و هممو فممي‬
‫القممل النممادر مثممل الحبشممة المجمماورين لليمممن الممدائنين‬
‫بالنصرانية فيما قبل السلم و ما بعده لهذا العهد و مثل أهل‬
‫مالي و كوكو و التكرور المجمماورين لرض المغممرب الممدائنين‬
‫بالسلم لهذا العهد يقال أنهم دانوا به في المممائة السممابعة و‬
‫مثممل مممن دان بالنصممرانية مممن أمممم الصممقالبة و الفرنجممة و‬
‫الترك من الشمال و من سوى هؤلء من أهممل تلممك القمماليم‬
‫المنحرفممة جنوب ما ً و شمممال ً فالممدين مجهممول عنممدهم و العلممم‬
‫مفقود بينهم و جميع أحوالهم بعيدة من أحوال الناسي قريبة‬
‫من أحوال البهائم و يخلق ما ل تعلمون و ل يعترض على هذا‬
‫القول بوجود اليمن و حضرموت و الحقمماف و بلد الحجمماز و‬
‫اليمامة و ممما يليهمما مممن جزيممرة العممرب فممي القليممم الول و‬
‫الثاني فأن جزيرة العرب كلها أحاطت بها البحار من الجهات‬
‫الثلث كممما ذكرنمما فكممان لرطوبتهمما أثممر فممي رطوبممة هوائهمما‬
‫فنقص ذلك من اليبس و النحراف الذي يقتضيه الحر و صممار‬
‫فيها بعض العتدال بسبب رطوبممة البحممر‪ .‬و قممد تمموهم بعممض‬
‫النسابين ممن ل علم لديه بطبائع الكائنات أن السممودان هممم‬
‫ولد حام بن نوح اختصوا بلون السواد لدعوة كانت عليه مممن‬
‫أبيه ظهر أثرها في لونه و فيما جعل الله من الرق في عقبه‬
‫و ينقلون في ذلك حكاية من خرافات القصماص و دعمماء نموح‬
‫على ابنه حام قد وقع في التوراة و ليس فيه ذكممر السممواد و‬
‫إنما دعا عليه بأن يكون ولده عبيدا ً لولد إخوته ل غيممر و فممي‬
‫القول بنسبة السواد إلى حام غفلة عن طبيعة الحممر و الممبرد‬
‫و أثرهما في الهواء و فيما يتكون فيه مممن الحيوانممات و ذلممك‬
‫أن هذا اللون شمممل أهممل القليممم الول و الثمماني مممن مممزاج‬
‫هوائهم للحرارة المتضاعفة بالجنوب فممأن الشمممس تسممامت‬
‫رؤوسهم مرتين فممي كممل سممنة قريبممة إحممداهما مممن الخممرى‬
‫فتطول المسامتة عامة الفصول فيكثر الضمموء لجلهمما و يلممح‬
‫القيظ الشديد عليهم و تسود جلممودهم لفممراط الحممر ونظيممر‬
‫هذين القليميممن مممما يقابلهممما مممن الشمممال القليممم السممابع‬
‫والسادس شمل سممكانهما أيض ما ً البيمماض مممن مممزاج همموائهم‬
‫للبرد المفرط بالشمال إذ الشمس ل تزال بأفقهم في دائرة‬
‫مرأى العين أو ما قرب منها و ل ترتفع إلى المسامتة و ل ما‬
‫قرب منها فيضعف الحر فيهمما و يشممتد الممبرد عامممة الفصممول‬
‫فتبيض ألمموان أهلهمما و تنتهممي إلممى الزعممورة و يتبممع ذلممك ممما‬
‫يقتضيه مزاج البرد المفرط من زرقة العيون و برش الجلممود‬
‫و صهوبة الشعور و توسطت بينهما القاليم الثلثممة الخممامس‬
‫و الرابع و الثممالث فكممان لهمما فممي العتممدال الممذي هممو مممزاج‬
‫المتوسط حظ وافر و الرابع أبلغها في العتدال غاية لنهممايته‬
‫في التوسط كما قدمناه فكان لهله من العتدال في خلقهم‬
‫و خلقهم ما اقتضاه مزاج أهويتهم و تبعه من جانبيه الثالث و‬
‫الخامس و أن لممم يبلغمما غايممة التوسممط لميممل هممذا قليل إلممى‬
‫الجنوب الحار و هممذا قليل إلممى الشمممال البممارد إل أنهممما لممم‬
‫ينتهيا إلى النحراف و كانت القاليم الربعة منحرفممة و أهلهمما‬
‫كذلك في خلقهم و خلقهم فالول و الثاني للحممر و السممواد و‬
‫السابع للبرد و البياض و يسمى سكان الجنوب من القليمين‬
‫الول والثمماني باسممم الحبشممة و الزنممج و السممودان أسممماء‬
‫مترادفة على المم المتغيرة بالسواد و إن كان اسم الحبشة‬
‫مختصا ً منهم بمن تجاه مكة و اليمن و الزنج بمممن تجماه بحممر‬
‫الهند و ليست هذه السماء لهم من أجل انتسابهم إلى آدمي‬
‫أسود ل حام و ل غيره و قد نجد من السممودان أهممل الجنمموب‬
‫من يسكن الربع المعتدل أو السممابع المنحممرف إلممى البيمماض‬
‫فتمبيض ألموان أعقمابهم علمى التدريمج ممع اليمام و بمالعكس‬
‫فيمن يسمكن ممن أهممل الشمممال أو الرابممع بمالجنوب فتسممود‬
‫ألوان أعقابهم و في ذلممك دليممل علممى أن اللممون تممابع لمممزاج‬
‫الهواء قال ابن سينا في أرجوزته في الطب‬
‫بالزنج حر غير الجساداحتى كسا جلودها سوادا‬
‫و الصقلب اكتسبت البياضاحتى غدت جلودها بضاضا‬
‫و أما أهل الشمال فلممم يسممموا باعتبممار ألمموانهم لن البيمماض‬
‫كان لونا ً لهل تلممك اللغممة الواضممعة للسممماء فلممم يكممن فيممه‬
‫غرابة تحمل على اعتباره في التسمية لموافقته و اعتيمماده و‬
‫وجدنا سكانه مممن الممترك و الصممقالبة و الطغرغممر و الخممزر و‬
‫ة‬
‫اللن و الكثير من الفرنجة و يأجوج و مأجوج أسماءً متفرف ً‬
‫و أجيال ً متعددة مسمين بأسماء متنوعة و أممما أهممل القمماليم‬
‫الثلثة المتوسطة أهل العتدال في خلقهم و سيرهم و كافممة‬
‫الحوال الطبيعية للعتمار لديهم من المعمماش و المسمماكن و‬
‫الصنائع و العلوم و الرئاسات و الملك فكانت فيهم النبؤات و‬
‫الملك و الممدول و الشممرائع و العلمموم و البلممدان و المصممار و‬
‫المبمماني و الفراسممة و الصممنائع الفائقممة و سممائر الحمموال‬
‫المعتدلة و أهل هذه القاليم التي وقفنا علممى أخبممارهم مثممل‬
‫العرب و الممروم و فممارس و بنممى إسممرائيل و اليونممان و أهممل‬
‫السند و الهنممد و الصممين‪ .‬و لممما رأى النسممابون اختلف هممذه‬
‫المم بسماتها و شعارها حسبوا ذلك لجل النسمماب فجعلمموا‬
‫أهممل الجنمموب كلهممم السممودان مممن ولممد حممام و ارتممابوا فممي‬
‫ألمموانهم فتكلفمموا نقممل تلممك الحكايممة الواهيممة و جعلمموا أهممل‬
‫الشمال كلهم أو أكثرهم من ولد يافث و أكثر المم المعتدلة‬
‫و أهممل الوسممط المنتحليممن للعلمموم و الصممنائع و الملممل و‬
‫الشرائع و السياسة و الملك من ولد سممام و هممذا الزعممم إن‬
‫صادف الحق في انتساب هممؤلء فليممس ذلممك بقيمماس مطممرد‬
‫إنما هو إخبار عن الواقع ل أن تسمية أهل الجنوب بالسودان‬
‫و الحبشان من أجل انتسابهم إلى حام السممود‪ .‬و ممما أداهممم‬
‫إلى هذا الغلط إل اعتقادهم أن التمييممز بيممن المممم إنممما يقممع‬
‫بالنساب فقط و ليممس كممذلك فممإن التمييممز للجيممل أو المممة‬
‫يكممون بالنسممب فمي بعضمهم كمما للعمرب و بنمي إسممرائيل و‬
‫الفممرس و يكممون بالجهممة و السمممة كممما للزنممج و الحبشممة و‬
‫الصقالبة و السودان و يكون بالعوائد و الشعار و النسب كما‬
‫للعرب‪ .‬و يكمون بغيممر ذلمك ممن أحموال الممم و خواصمهم و‬
‫مميزاتهم فتعميم القول في أهل جهممة معينممة مممن جنمموب أو‬
‫شمال بأنهم من ولد فلن المعروف لما شملهم من نحلممة أو‬
‫لون أو سمة وجدت لذلك الب إنممما هممو مممن الغمماليط الممتي‬
‫أوقع فيها الغفلة عن طبائع الكوان و الجهممات أن هممذه كلهمما‬
‫تتبدل في العقاب و ل يجب استمرارها سنة الله في عبمماده‬
‫و لن تجد لسنة الله تبديل ً و الله و رسوله أعلم بغيبه و أحكم‬
‫و هو المولى المنعم الرؤوف الرحيم‪.‬‬
‫المقدمة الرابعة في أثر الهواء في أخلق البشر‬
‫قد رأينا من خلق السودان على العممموم الخفممة و الطيممش و‬
‫كممثرة الطممرب فتجممدهم مممولعين بممالرقص علممى كممل توقيممع‬
‫موصوفين بالحمق في كل قطر و السبب الصحيح فممي ذلممك‬
‫أنه تقرر في موضعه من الحكمة أن طبيعة الفرح و السممرور‬
‫هي انتشار الروح الحيواني و تفشيه و طبيعة الحزن بالعكس‬
‫و هو انقباضه و تكاثفه‪ .‬و تقرر أن الحرارة مفشممية للهممواء و‬
‫البخار مخلخلة له زائدة في كميته و لهذا يجد المنتشممي مممن‬
‫الفرح و السرور مال يعبر عنه و ذلك بما يداخل بخممار الممروح‬
‫في القلب من الحرارة العزيزية التي تبعثها سورة الخمر في‬
‫الروح من مزاجه فيتفشممى الممروح و تجيممء طبيعممة الفممرح و‬
‫كذلك نجممد المتنعميممن بالحمامممات إذا تنفسمموا فممي هوائهمما و‬
‫اتصلت حرارة الهواء في أرواحهم فتسخنت لذلك حدث لهممم‬
‫فرح و ربما انبعث الكثير منهم بالغناء الناشئ عن السرور‪ .‬و‬
‫لما كان السودان ساكنين في القليم الحار و اسممتولى الحممر‬
‫على أمزجتهم و في أصممل تكمموينهم كممان فممي أرواحهممم مممن‬
‫الحممرارة علممى نسممبة أبممدانهم و إقليمهممم فتكممون أرواحهممم‬
‫بالقياس إلى أرواح أهل القليم الرابع أشد حرا ً فتكممون أكممثر‬
‫تفشيا ً فتكون أسرع فرحا ً و سرورا ً و أكثر انبسمماطا ً و يجيممء‬
‫الطيممش علممى أثممر هممذه وكممذلك يلحممق بهممم قليل أهممل البلد‬
‫البحرية لما كان هواؤها متضاعف الحرارة بما ينعكممس عليممه‬
‫من أضواء بسيط البحممر و أشممعته كممانت حصممتهم مممن توابممع‬
‫الحرارة في الفرح و الخفة موجودة أكممثر مممن بلد التلممول و‬
‫الجبممال البمماردة و قممد نجممد يسمميرا ً مممن ذلممك فممي أهممل البلد‬
‫الجزيرية من القليم الثالث لتوفر الحرارة فيها و في هوائهمما‬
‫لنها عريقة في الجنوب عن الرياف و التلممول و اعتممبر ذلممك‬
‫أيضا ً بأهل مصر فإنهمما مثممل عممرض البلد الجزيريممة أو قريب ما ً‬
‫منها كيف غلب الفرح عليهم و الخفة و الغفلة عممن العممواقب‬
‫ة‬
‫حممتى أنهممم ل يممدخرون أقمموات سممنتهم و ل شممهرهم و عامم ً‬
‫مأكلهم من أسممواقهم‪ .‬و لممما كممانت فمماس مممن بلد المغممرب‬
‫بالعكس منها في التوغل في التلول الباردة كيف تممرى أهلهمما‬
‫مطرقين إطراق الحزن و كيف أفرطمموا فممي نظممر العممواقب‬
‫حتى أن الرجل منهم ليدخر قوت سنتين من حبمموب الحنطممة‬
‫و يباكر السواق لشراء قوته ليومه مخافة أن يرزأ شمميئا ً مممن‬
‫مدخره وتتبع ذلك في القاليم و البلدان تجد في الخلق أثرا ً‬
‫مممن كيفيممات الهممواء و اللممه الخلق العليممم و قممد تعممرض‬
‫المسعودي للبحث عن السبب في خفة السودان و طيشممهم‬
‫و كثرة الطرب فيهم و حاول تعليله فلم يأت بشيء أكثر من‬
‫أنه نقل عن جالينوس و يعقوب بن إسممحاق الكنممدي أن ذلممك‬
‫لضعف أدمغتهم و ما نشأ عنه من ضعف عقولهم و هذا كلم‬
‫ل محصمل لمه و ل برهمان فيمه و اللمه يهمدي ممن يشماء إلمى‬
‫صراط مستقيم‪.‬‬
‫المقدمة الخامسة في اختلف أحوال العمران فممي‬
‫الخصب و الجوع و ما ينشأ عن ذلممك مممن الثممار‬
‫في أبدان البشر و أخلقهم‬
‫إعلم أن هذه القاليم المعتدلة ليس كلها يوجد بها الخصب و‬
‫ل كل سكانها في رغد من العيممش بممل فيهمما ممما يوجممد لهلممه‬
‫خصممب العيممش مممن الحبمموب و الدم و الحنطممة و الفممواكه‪.‬‬
‫لزكمماء المنممابت و اعتممدال الطينممة و وفممور العمممران و فيهمما‬
‫الرض الحمممرة المممترب ل تنبمممت زرعممما ً و ل عشمممبا ً بالجملمممة‬
‫فسكانها في شظف من العيش مثممل أهممل الحجمماز و جنمموب‬
‫اليمممن و مثممل الملثميممن مممن صممنبهاجة السمماكنين بصممحراء‬
‫المغرب و أطراف الرمال فيما بيممن الممبربر و السممودان فممإن‬
‫ة و إنممما أغممذيتهم و‬ ‫هممؤلء يفقممدون الحبمموب و الدم جملمم ً‬
‫أقواتهم اللبان و اللحوم و مثممل العممرب أيض ما ً الجممائلين فممي‬
‫القفار فإنهم و إن كانوا يأخذون الحبمموب و الدم مممن التلممول‬
‫إل أن ذلك فممي الحممايين و تحممت ربقممة مممن حاميتهمما و علممى‬
‫القلل لقلة وجدهم فل يتوصلون منه إلى سد الخلة أو دونها‬
‫فضل ً عن الرغممد و الخصممب و تجممدهم يقتصممرون فممي غممالب‬
‫أحوالهم على اللبان و تعوضهم من الحنطة أحسن معمماض و‬
‫تجد مع ذلك هؤلء الفاقدين للحبوب و الدم من أهممل القفممار‬
‫أحسممن حممال ً فممي جسممومهم و أخلقهممم مممن أهممل التلممول‬
‫المنغمسين في العيممش فممألوانهم أصممفى و أبممدانهم أنقممى و‬
‫أشممكالهم أتممم و أحسممن و أخلقهممم أبعممد مممن النحممراف و‬
‫أذهانهم اثقب في المعارف و الدراكممات همذا أممر تشممهد لممه‬
‫التجربة في كل جيل منهم فكثير ما بين العرب و البربر فيما‬
‫وصفناه و بين الملثمين و أهل التلول يعرف ذلك من خبره و‬
‫السبب في ذلك و الله أعلم أن كثرة الغذية و كثرة الخلط‬
‫ة‬
‫الفاسدة العفنة و رطوباتها تولممد فممي الجسممم فضمملت رديئ ً‬
‫تنشأ عنها بعد افظارها في غير نسممبة و يتبممع ذلممك انكسمماف‬
‫اللوان و قبح الشكال من كمثرة اللحمم كمما قلنماه و تغطمي‬
‫الرطوبات على الذهان و الفكار بما يصعد إلممى الممدماغ مممن‬
‫أبخرتهمما الرديممة فتجيممء البلدة و الغفلممة و النحممراف عممن‬
‫العتدال بالجملة و اعتبر ذلممك فممي حيمموان القفممر و مممواطن‬
‫الجممدب مممن الغممزال و النعممام و المهمما و الزرافممة و الحمممر‬
‫الوحشية و البقر مع أمثالها مممن حيمموان التلممول و الريمماف و‬
‫المراعي الخصبة كيف تجد بينها بونا ً بعيدا ً في صفاء أديمها و‬
‫حسن رونقها و أشكالها و تناسممب أعضممائها و حممدة مممداركها‬
‫فالغزال أخو المعز و الزرافممة أخممو البعيممر و الحمممار و البقممر‬
‫أخو الحمار و البقر و البون بينها ما رأيت و ممما ذاك إل لجممل‬
‫أن الخصب في التلول فعل فممي أ بممدان هممذه مممن الفضمملت‬
‫الرديممة و الخلط الفاسممدة ممما ظهممر عليهمما أثممره و الجمموع‬
‫لحيوان القفر حسن في خلقهمما و أشممكالها ممما شمماء و اعتممبر‬
‫ذلممك فممي الدمييممن أيض ما ً فإنمما نجممد أهممل القمماليم المخصممبة‬
‫العيش الكثيرة الزرع و الضرع و الدم و الفواكه يتصف أهلها‬
‫غالبا ً بالبلدة في أذهممانهم و الخشممونة فممي أجسممامهم و هممذا‬
‫شان البربر المنغمسين في الدم و الحنطة مممع المتقشممفين‬
‫فمممي عيشمممهم المقتصمممرين علمممى الشمممعير أو المممذرة مثمممل‬
‫المصامدة منهم و أهل غمارة و السوس فتجد هممؤلء أحسممن‬
‫حال ً في عقولهم و جسومهم و كممذا أهممل بلد المغممرب علممى‬
‫الجملممة المنغمسممين فممي الدم و الممبر مممع أهممل النممدلس‬
‫ة و غالب عيشممهم الممذرة فتجممد‬ ‫المفقود بأرضهم السمن حمل ً‬
‫لهممل النممدلس مممن ذكمماء العقممول و خفممة الجسممام و قبممول‬
‫التعليم مال يوجد لغيرهم و كذا أهل الضممواحي مممن المغممرب‬
‫بالجملة مع أهل الحضر و المصممار فممأن المصممار و إن كممانوا‬
‫مكممثرين مثلهممم مممن الدم ومخصممبين فممي العيممش إل أن‬
‫استعمالهم إياها بعد العلج بالطبخ و التلطيممف بممما يخلطممون‬
‫معها فيممذهب لممذلك غلظهمما و يممرق قوامهمما و عامممة مممآكلهم‬
‫لحوم الضأن و الممدجاج و ل يغبطممون السمممن مممن بيممن الدم‬
‫لتفاهته فتقل الرطوبات لذلك في أغذيتهم و يخف ممما تممؤديه‬
‫إلى أجسامهم من الفضلت الردية فلذلك تجممد جسمموم أهممل‬
‫المصار ألطف من جسوم الباديمة المخشمنين فمي العيمش و‬
‫كذلك تجد المعودين بالجوع من أهممل الباديممة ل فضمملت فممي‬
‫ة‪ .‬و اعلم أن أثر هذا الخصب فممي‬ ‫ة و ل لطيف ً‬
‫جسومهم غليظ ً‬
‫البدن و أحواله يظهر حتى فممي حممال الممدين و العبممادة فنجممد‬
‫المتقشفين من أهمل الباديمة أو الحاضمرة مممن يأخمذ نفسمه‬
‫بالجوع و التجافي عن الملذ أحسن دينا ً و إقبال ً على العبممادة‬
‫من أهل الترف و الخصب بممل نجممد أهممل الممدين قليليممن فممي‬
‫المدن و المصار لما يعمها مممن القسمماوة و الغفلممة المتصمملة‬
‫بالكثار من اللحمان و الدم و لباب البر و يختص وجود العباد‬
‫و الزهاد لذلك بالمتقشفين في غممذائهم مممن أهممل البمموادي و‬
‫كممذلك نجممد هممؤلء المخصممبين فمي العيممش المنغمسممين فمي‬
‫طيباته من أهممل الباديممة و مممن أهممل الحواضممر و المصممار إذا‬
‫نزلت بهم السنون و أخذتهم المجاعممات يسممرع إليهممم الهلك‬
‫أكثر من غيرهم مثل برابممرة المغممرب و أهممل مدينممة فمماس و‬
‫مصر فيما يبلغنا ل مثممل العممرب أهممل القفممر و الصممحراء و ل‬
‫مثل أهل بلد النخل الذين غالب عيشهم التمر و ل مثل أهممل‬
‫أفريقية لهذا العهد الذين غممالب عيشممهم الشممعير و الزيممت و‬
‫أهل الندلس الذين غالب عيشيم الذرة و الزيت فإن هؤلء و‬
‫أن أخذتهم السنون و المجاعات فل تنال منهممم ممما تنممال مممن‬
‫أولئك و ل يكثر فيهما الهلك بمالجوع بمل و ل ينمدر و السمبب‬
‫في ذلك و الله أعلم أن المنغمسين في الخصممب المتعممودين‬
‫للدم و السمن خصوصا ً تكتسممب مممن ذلممك أمعممائهم رطوبممة‬
‫فوق رطوبتها الصلية المزاجية حتى تجاوز حدها فإذا خولممف‬
‫بها العادة بقلة القمموات و فقممدان الدم و اسممتعمال الخشممن‬
‫غير المألوف من الغذاء أسرع إلى المعا اليبس و النكممماش‬
‫و هو ضعيف فممي الغايممة فممي فيسممرع إليممه المممرض و يهلممك‬
‫ة لنه من المقاتل فالهالكون في المجاعممات إنممما‬ ‫صاحبه دفع ً‬
‫قتلهم الشبع المعتاد السابق ل الجوع الحادث اللحممق‪ .‬و أممما‬
‫المتعودون لقلة الدم و السمممن فل تممزال رطمموبتهم الصمملية‬
‫ة عند حدها من غير زيممادة و هممي قابلممة لجميممع الغذيممة‬ ‫واقف ً‬
‫الطبيعة فل يقع في معاهم بتبدل الغذية يبممس و ل انحممراف‬
‫فيسمملمون فممي الغممالب مممن الهلك الممذي يعممرض لغيرهممم‬
‫بالخصب و كثرة الدم في المآكل و أصل هممذا كلممه أن تعلممم‬
‫أن الغذية و ائتلفها أو تركها إنما هو بالعادة فمن عود نفسه‬
‫غذاء و لءمه تنمماوله كممان لممه مألوفما ً و صممار الخممروج عنممه و‬
‫التبممدل بممه داًء ممما لممم يخممرج عممن غممرض الغممذاء بالجملممة‬
‫كالسموم و اليتوع و ما أفرط في النحراف فأما ما وجد فيه‬
‫التغممذي و الملءمممة فيصممير غممذاء مألوف ما ً بالعممادة فممإذا أخممذ‬
‫النسان نفسه باستعمال اللبن و البقممل عوض ما ً عممن الحنطممة‬
‫حتى صار له ديدنا ً فقد حصل له ذلك غذاء و استغنى به عممن‬
‫الحنطة و الحبوب من غير شك و كذا من عود نفسممه الصممبر‬
‫علممى الجمموع و السممتغناء عممن الطعممام كممما ينقممل عممن أهممل‬
‫الرياضمميات فإنمما نسمممع عنهممم فممي ذلممك أخبممارا ً غريبممة يكمماد‬
‫ينكرها من ل يعرفها و السبب في ذلممك العممادة فممإن النفممس‬
‫إذا ألفت شيئا ً صار من جبلتها و طبيعتها لنهمما كممثيرة التلممون‬
‫فإذا حصل لها اعتياد الجوع بالتدريممج و الرياضممة فقممد حصممل‬
‫ة لهمما و ممما يتمموهمه الطبمماء مممن أن الجمموع‬ ‫ذلك عادةً طبيعيم ً‬
‫مهلك فليس على ممما يتوهمممونه إل إذا حملممت النفممس عليممه‬
‫دفعة و قطع عنها الغذاء بالكلية فإنه حينئذ ينحسممم المعمماء و‬
‫يناله المرض الممذي يخشممى معممه الهلك و أممما إذا كممان ذلممك‬
‫ة بإقلل الغذاء شمميئا ً فشمميئا ً كممما يفعلممه‬‫القدر تدريجا ً و رياض ً‬
‫المتصوفة فهممو بمعممزل عممن الهلك و هممذا التدريممج ضممروري‬
‫حتى في الرجمموع عممن هممذه الرياضممة فممإنه إذا رجممع بممه إلممى‬
‫ة خيف عليه الهلك و إنما يرجع بممه كممما بممدأ‬ ‫الغذاء الول دفع ً‬
‫في الرياضة بالتدريج و لقد شمماهدنا مممن يصممبر علممى الجمموع‬
‫أربعيممن يوممما ً و صممال ً و أكممثر‪ .‬و حضممر أشممياخنا ً بمجلممس‬
‫السمملطان أبممى الحسممن و قممد رفممع إليممه امرأتممان مممن أهممل‬
‫الجزيرة الخضراء و رندة حبسممتا أنفسممهما عممن الكممل جملممة‬
‫منذ سنين و شاع أمرهما و وقممع اختبارهممما فصممح شممأنهما و‬
‫اتصل على ذلك حالهما إلى أن ماتتا و رأينا كثيرا ً من أصحابنا‬
‫أيضا ً من يقتصر على حليب شاة من المعز يلتقممم ثممديها فممي‬
‫بعض النهار أو عنممد الفطممار و يكممون ذلممك غممذاءه و اسممتدام‬
‫ة و غيرهممم كممثيرون و ل يسممتنكر‬ ‫على ذلك خمس عشرة سن ً‬
‫ذلك‪ .‬و اعلم أن الجوع أصلح للبممدن مممن إكثممار الغذيممة بكممل‬
‫وجه لمن قدر عليه أو على القلل منها أو على القلل منهمما‬
‫و إن له أثرا ً في الجسممام و العقممول فممي صممفاتها و صمملحها‬
‫كما قلناه و اعتبر ذلك بآثممار الغذيممة الممتي تحصممل عنهمما فممي‬
‫الجسمموم فقممد رأينمما المتغممذين بلحمموم الحيوانممات الفمماخرة‬
‫العظيمة الجثمان تنشأ أجيالهم كذلك و هذا مشاهد في أهممل‬
‫الباديممة مممع أهممل الحاضممرة و كممذا المتغممذون بألبممان البممل و‬
‫لحومها أيضا ً مع ما يؤثر في أخلقهم من الصبر و الحتمال و‬
‫القممدرة علممى حمممل الثقممال الموجممود ذلممك للبممل و تنشممأ‬
‫أمعاؤهم أيضا ً على نسبة أمعاء البل في الصحة و الغلممظ فل‬
‫يطرقها الوهن و ل ينالها ممن ممدار الغذيمة مما ينمال غيرهمم‬
‫فيشمممربون اليتوعمممات لسمممتطلق بطمممونهم غيمممر محجوبمممة‬
‫كالحنظممل قبممل طبخممه و الممدرياس و القربيممون و ل ينممال‬
‫أمعاءهم منها ضممرر و هممي لممو تناولهمما أهممل الحضممر الرقيقممة‬
‫أمعاؤهم بمما نشممأت عليممه مممن لطيممف الغذيممة لكممان الهلك‬
‫أسرع إليهم من طرفة العين لما فيها من السمية و من تأثير‬
‫الغذية فممي البممدان ممما ذكممره أهممل الفلحممة و شمماهده أهممل‬
‫التجربة أن المدجاج إذا غمذيت بمالحبوب المطبوخمة فمي بعمر‬
‫البل و اتخذ بيضها ثم حضنت عليه جاء الممدجاج منهمما أعظممم‬
‫ما يكون و قد يستغنون عممن تغممذيتها و طبممخ الحبمموب بطممرح‬
‫ذلمك البعممر ممع المبيض المحضمن فيجيممء دجاجهما فمي غايممة‬
‫العظم و أمثال ذلك كثيرة فإذا رأينا هممذه الثممار مممن الغذيممة‬
‫في البممدان فل شممك أن للجمموع أيضما ً آثممارا فممي البممدان لن‬
‫الضدين على نسبة واحدة في المتأثير و عممدمه فيكممون تممأثير‬
‫الجوع في نقاء البدان مممن الزيممادات الفاسممدة و الرطوبممات‬
‫المختلطة المخلة بالجسم والعقل كما كان الغذاء مؤثرا ً فممي‬
‫وجود ذلك الجسم و الله محيط بعلمه‪.‬‬
‫المقدمة السادسة في أصناف المدركين من البشر‬
‫بمممالفطرة أو الرياضمممة و يتقمممدمه الكلم فمممي‬
‫الوحي و الرؤيا‬
‫إعلم أن الله سبحانه اصطفى مممن البشممر أشخاص ما ً فضمملهم‬
‫بخطابه و فطرهم على معرفته و جعلهم وسائل بينهم و بيممن‬
‫عبمماده يعرفممونهم بمصممالحهم و يحرضممونهم علممى هممدايتهم و‬
‫يأخذون بحجزاتهم عن النار و يدلونهم على طريممق النجمماة و‬
‫كان فيما يلقيه إليهم مممن المعممارف ويظهممره علممى ألسممنتهم‬
‫من الخوارق و الخبار الكائنممات المغيبممة عممن البشممر الممتي ل‬
‫سبيل إلى معرفتها إل مممن اللممه بوسمماطتهم و ل يعلمونهمما إل‬
‫بتعليم الله إياهم قال صلى الله عليه وسلم أل و أني ل أعلم‬
‫إل ما علمني الله و اعلم أن خبرهم في ذلك مممن خاصمميته و‬
‫ضرورته الصدق لما يتبين لك عند بيان لك عنممد بيممان حقيقممة‬
‫النبؤة و علمة هذا الصنف من البشر أن توجد لهم في حممال‬
‫الوحي غيبة عن الحاضرين معهم مع غطيممط كأنهمما غشممي أو‬
‫إغماء في رأي العين و ليست منهممما فممي شمميء و إنممما هممي‬
‫في الحقيقة استغراق فممي لقمماء الملممك الروحمماني بممإدراكهم‬
‫المناسب لهم الخارج عن مدارك البشر بالكلية ثم يتنزل إلى‬
‫المممدارك البشممرية إممما بسممماع دوي مممن الكلم فيتفهمممه أو‬
‫يتمثل له صورة شخص يخاطبه بما جاء به من عنممد اللممه ثممم‬
‫تنجلي عنه تلك الحال و قد وعى ما القي إليه قال صلى الله‬
‫عليممه و سمملم‪ :‬و قممد سممئل عممن المموحي أحيان ما ً يممأتيني مثممل‬
‫صلصلة الجرس و هو أشده علي فيفصم عنممي و قممد وعيممت‬
‫ما قال و أحيانما ً يتمثممل لممي الملممك رجل فيكلمنممي فممأعي ممما‬
‫يقول و يدركه أثناء ذلك مممن الشممدة و الغممط مممال يعمبر عنمه‬
‫ففي الحديث كان مما يعالج من التنزيل شدة و قالت عائشة‬
‫كان ينزل عليه الوحي في اليوم الشديد البرد فيفصم عنممه و‬
‫إن جبينه ليتفصد عرقا ً و قال تعالى‪ :‬إنا سممنلقي عليممك قممول ً‬
‫ثقيل ً و لجل هذه الغايمة فمي تنممزل الموحي كممان المشمركون‬
‫يرمون النبياء بالجنون و يقولون له رئي أو تابع مممن الجممن و‬
‫إنما لبس عليهم بما شاهدوه من ظماهر تلمك الحموال و ممن‬
‫يضلل الله فما له من هاد‪ .‬و من علماتهم أيضا ً أنه يوجد لهم‬
‫قبممل المموحي خلممق الخيممر و الزكمماء و مجانبممة المممذمومات و‬
‫الرجس أجمع و هذا هو معنى العصمة و كممأنه مفطممور علممى‬
‫التنزه عن المذمومات و المنافرة لها و كأنها منافية لجبلته و‬
‫في الصحيح أنه حمل الحجارة و هممو غلم مممع عمممه العبمماس‬
‫لبناء الكعبة فجعلها في إزاره فانكشف فسقط مغشمميا ً عليممه‬
‫حتى استتر بإزاره و دعي إلممى مجتمممع وليمممة فيهمما عممرس و‬
‫لعممب فأصممابه غشممي النمموم إلممى أن طلعممت الشمممس و لممم‬
‫يحضر شيئا ً من شأنهم بل نزهه الله عن ذلك كلممه حممتى إنممه‬
‫بجبلته يتنزه عن المطعومات المستكرهة فقد كان صلى الله‬
‫عليه و سلم ل يقرب البصل و الثوم فقيل له في ذلك فقممال‬
‫إني أناجي من ل تناجون و انظر لما أخممبر النممبي صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم خديجممة رضممي اللممه عنهمما بحممال المموحي أول ممما‬
‫فجأته و أرادت اختباره فقالت اجعلني بينك و بين ثوبك فلممما‬
‫فعل ذلك ذهب عنه فقالت إنه ملك و ليس بشيطان و معناه‬
‫أنه ل يقرب النساء و كذلك سألته عن أحممب الثيمماب إليممه أن‬
‫يأتيه فيها فقال البياض و الخضرة فقالت إنه الملك يعنممي أن‬
‫البياض و الخضرة من ألوان الخير و الملئكممة و السممواد مممن‬
‫ألوان الشر و الشياطين و أمثال ذلك‪ .‬و من علممماتهم أيض ما ً‬
‫دعاؤهم إلى الدين و العبادة من الصلة و الصدقة و العفمماف‬
‫و قد استدلت خديجة علممى صممدقه صمملى اللممه عليممه و سمملم‬
‫بذلك و كذلك أبو بكر و لم يحتاجا في أمره إلى دليممل خممارج‬
‫عن حاله و خلقه و في الصحيح أن هرقممل حيممن جمماءه كتمماب‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم يدعوه إلى السمملم أحضممر مممن‬
‫وجد ببلده من قريش و فيهم أبو سفيان ليسممألهم عممن حمماله‬
‫فكان فيما سأل أن قال بما يأمركم فقال أبو سفيان بالصلة‬
‫و الزكاة و الصلة و العفاف إلى آخر ما سأل فأجابه فقال إن‬
‫يكن ما تقول حقا ً فهو نبي و سيملك ما تحت قدمي همماتين و‬
‫العفاف الذي أشار إليه هرقل هو العصمة فممانظر كيممف أخممذ‬
‫من العصمة و الممدعاء إلممى الممدين والعبممادة دليل ً علممى صممحة‬
‫نبؤته و لم يحتج إلى معجزة فدل على أن ذلك مممن علمممات‬
‫النبممؤة‪ .‬و مممن علممماتهم أيضمما ً أن يكونمموا ذوي حسممب فممي‬
‫قومهم و في الصحيح ما بعث الله نبيا ً إل في منعة من قومه‬
‫و في رواية أخرى في ثروة من قومه استدركه الحاكم علممى‬
‫الصحيحين و في مسممئلة هرقممل لبممي سممفيان كممما هممو فممي‬
‫الصحيح قال كيمف هممو فيكممم فقمال أبممو سمفيان همو فينمما ذو‬
‫حسب فقممال هرقممل والرسممل تبعممث فممي أحسمماب قومهمما و‬
‫معناه أن تكون له عصبة و شوكة تمنعه عي أذى الكفار حتى‬
‫يبلغ رسالة ربه و يتم مراد الله من إكمال دينه و ملته‪ .‬و من‬
‫علماتهم أيضا ً وقوع الخمموارق لهممم شمماهدة ً بصممدقهم و هممي‬
‫أفعال يعجز البشر عن مثلها فسميت بذلك معجزة ً و ليسممت‬
‫من جنس مقدور العباد و إنما تقع فممي غيممر محممل قممدرتهم و‬
‫للناس في كيفية وقوعها و دللتها على تصديق النبيمماء خلف‬
‫فالمتكلمون بناء على القول بالفاعل المختار قممائلون بأنهمما و‬
‫اقعة بقدرة الله ل بفعل النبي و إن كانت أفعممال العبمماد عنممد‬
‫المعتزلة صممادرة عنهممم إل أن المعجممزة ل تكممون مممن جنممس‬
‫أفعالهم و ليس للنبي فيها عنممد سممائر المتكلميممن إل التحممدي‬
‫بها بأذن الله و هو أن يسممتدل بهمما النممبي صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم قبل وقوعها على صدقه في مدعاه فإذا وقعممت تنزلممت‬
‫منزلة القول الصممريح مممن اللممه بممأنه صممادق و تكممون دللتهمما‬
‫حينئذ على الصدق قطعية فالمعجزة الدالة بمجممموع الخممارق‬
‫و التحدي و لذلك كان التحدي جزء منها و عبممارة المتكلميممن‬
‫صفة نفسها و هو واحد لنه معنمى المذاتي عنمدهم و التحمدي‬
‫هو الفارق بينها و بين الكرامة و السحر إذ ل حاجة فيهما إلى‬
‫التصممديق فل وجممود للتحممدي إل إن وجممد اتفاقمما ً و إن وقممع‬
‫التحدي في الكرامة عند من يجيزها و كانت لهمما دللممة فإنممما‬
‫هي على الولية و هي غير النبؤة و من هنا منممع السممتاذ أبممو‬
‫إسحق و غيممره وقمموع الخمموارق كرامممة فممرارا ً مممن اللتبمماس‬
‫بالنبؤة عند التحدي بالولية و قد أريناك المغايرة بينهما و إنه‬
‫يتحدى بغير ما يتحدى به النبي فل لبس علممى أن النقممل عممن‬
‫الستاذ في ذلك ليس صريحا ً و ربما حمل على إنكار لن تقع‬
‫خوارق النبياء لهممم بنمماء علممى اختصمماص كممل مممن الفريقيممن‬
‫بخوارقه‪ .‬و أما المعتزلة فالمانع مممن وقمموع الكرامممة عنممدهم‬
‫أن الخوارق ليست مممن أفعممال العبمماد و أفعممالهم معتممادة فل‬
‫فرق و أما وقوعها على يد الكاذب تلبيسا ً فهو محال أما عنممد‬
‫الشعرية فلن صفة نفس المعجزة التصممديق و الهدايممة فلممو‬
‫ةو‬ ‫ة و الهدايممة ضمملل ً‬‫وقعت بخلف ذلك انقلممب الممدليل شممبه ً‬
‫التصديق كذبا ً و استحالت الحقائق و انقلبت صفات النفس و‬
‫ما يلزم من فرض وقوعه المحال ل يكون ممكن ما ً و أممما عنممد‬
‫المعتزلة فلن وقوع الدليل شبهة و الهدايممة ضممللة قبيممح فل‬
‫يقع من الله‪ .‬و أما الحكماء فالخارق عندهم من فعل النبي و‬
‫لو كان في غير محل القدرة بناء على مذهبهم فممي اليجمماب‬
‫الممذاتي و وقمموع الحمموادث بعضممها عممن بعممض متوقممف عممن‬
‫السممباب و الشممروط الحادثممة مسممتندة أخيممرا ً إلممى الممواجب‬
‫الفاعل بالذات ل بالختيممار و أن النفممس النبويممة عنممدهم لهمما‬
‫خممواص ذاتيممة منهمما صممدور هممذه الخمموارق بقممدرته و طاعممة‬
‫العناصممر لممه فممي التكمموين و النممبي عنممدهم مجبممول علممى‬
‫التصريف في الكموان مهمما تموجه إليهمما و اسممتجمع لهما بممما‬
‫جعل الله له من ذلك و الخارق عندهم يقع للنبي سممواء كممان‬
‫للتحدي أم لم يكن و هو شاهد بصدقه من حيث دللتممه علممى‬
‫تصرف النبي في الكوان الذي هو من خواص النفس النبوية‬
‫ل بأنه يتنزل منزلة القول الصريح بالتصديق فلممذلك ل تكممون‬
‫ة كممما هممي عنممد المتكلميممن و ل يكممون‬ ‫دللتها عنممدهم قطعي م ً‬
‫التحدي جزأ من المعجزة و لم يصح فارقا ً لها عممن السممحر و‬
‫الكرامة و فارقها عندهم عن السحر أن النممبي مجبممول علممى‬
‫أفعال الخير مصروف عن أفعال الشر فل يلم الشر بخوارقه‬
‫و الساحر على الضد فأفعاله كلها شر و في مقاصد الشممر و‬
‫فارقها عن الكرامة أن خوارق النبي مخصوصة كالصعود إلى‬
‫السماء و النفوذ في الجسام الكثيفة و إحياء الموتى و تكليم‬
‫الملئكممة و الطيمران فمي الهممواء و خمموارق الممولي دون ذلمك‬
‫كتكثير القليل و الحديث عن بعممض المسممتقبل و أمثمماله مممما‬
‫هو قاصر عن تصريف النبياء و يأتي النمبي بجميمع خموارقه و‬
‫ل يقدر هو على مثل خوارق النبياء و قد قرر ذلك المتصوفة‬
‫فيما كتبوه في طريقتهم و لقنمموه عمممن أخممبرهم و إذا تقممرر‬
‫ذلك فاعلم أن أعظهم المعجزات و أشرفها و أوضممحها دللممة‬
‫القرآن الكريم المنزل علممى نبينمما محمممد صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم فممإن الخمموارق فممي الغممالب تقممع مغممايرة ً للمموحي الممذي‬
‫يتلقاه النبي و يأتي بممالمعجزة شمماهدة بصممدقه و القممرآن هممو‬
‫بنفسه الوحي المدعى و هممو الخممارق المعجممز فشمماهده فممي‬
‫عينه و ل يفتقر إلممى دليممل مغمماير لممه كسممائر المعجممزات مممع‬
‫الوحي فهو أوضح دللة لتحمماد الممدليل و المممدلول فيممه وهممذا‬
‫معنى قوله صلى الله عليه و سلم ما من نبي من النبيمماء إل‬
‫و أتي من اليات ما مثله آمن عليه البشممر و إنممما كممان الممذي‬
‫أوتيته و حيا ً أوحى إلي فأنا أرجو أن أكون تابع ما ً يمموم القيامممة‬
‫يشير إلى أن المعجزة متى كانت بهذه المثابة في الوضوح و‬
‫قوة الدللة و هو كونها نفس المموحي كممان الصممدق لهمما أكممثر‬
‫لوضوحها فكثر المصدق المؤمن و هو التابع و المة‪.‬‬
‫و لنذكر الن تفسير حقيقة النبؤة علممى ممما شممرحه‬
‫كثير من المحققين ثم نذكر حقيقة الكهانة ثممم‬
‫الرؤيا ثم شان العرافين و غير ذلك من مممدارك‬
‫الغيب فنقول‬
‫إعلم‪ .‬أرشدنا الله و إياك أنا نشاهد هذا العممالم بممما فيممه مممن‬
‫المخلوقات كلهمما علممى هيئة مممن الممترتيب و الحكممام و ربممط‬
‫السمباب بالمسممببات و اتصممال الكمموان بمالكوان و اسممتحالة‬
‫بعض الموجودات إلى بعض ل تنقضي عجممائبه فممي ذلممك و ل‬
‫تنتهي غاياته و أبدأ من ذلك بالعممالم المحسمموس الجثممماني و‬
‫أول ً عالم العناصر المشاهدة كيممف تممدرج صمماعدا ً مممن الرض‬
‫إلى الماء ثم إلى الهواء ثم إلى النار متص مل ً بعضممها ببعممض و‬
‫كل واحد منها مستعد إلى أن يستحيل إلى ما يليممه صمماعدا ً و‬
‫هابطا ً و يستحيل بعض الوقمات و الصماعد منهما ألطمف ممما‬
‫قبله إلى أن ينتهي إلى عالم الفلك و هو ألطممف مممن الكممل‬
‫على طبقات اتصل بعضها ببعض علممى هيئة ل يممدرك الحممس‬
‫منهمما إل الحركممات فقممط و بهمما يهتممدي بعضممهم إلممى معرفممة‬
‫مقاديرها و أوضاعها و ما بعد ذلك من وجود الذوات التي لها‬
‫هذه الثار فيها ثم انظر إلممى عممالم التكمموين كيممف ابتممدأ مممن‬
‫المعادن ثم النبات ثم الحيوان على هيئة بديعممة مممن التدريممج‬
‫آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثممل الحشممائش و‬
‫ما ل بذر له و آخر أفق النبممات مثممل النخممل و الكممرم متصممل‬
‫بأول أفق الحيوان مثل الحلزون و الصدف و لممم يوجممد لهممما‬
‫إل قوة اللمس فقط و معنى التصال في هذه المكونممات أن‬
‫آخر أفق منها مستعد بالستعداد الغريب لن يصير أول أفممق‬
‫الذي بعده و اتسع عممالم الحيمموان و تعممددت أنممواعه و انتهممى‬
‫في تدريج التكوين إلى النسان صاحب الفكر و الروية ترتفع‬
‫إليه من عالم القدرة الذي اجتمع فيه الحس و الدراك و لممم‬
‫ينته إلى الروية و الفكممر بالفعممل و كممان ذلممك أول أفممق مممن‬
‫النسان بعده و هذا غاية شهودنا ثم إنا نجد في العوالم على‬
‫ة ففممي عممالم الحممس آثمار مممن حركمات‬ ‫اختلفها آثمارا ً متنوعم ً‬
‫الفلك و العناصر و في عالم التكوين آثار من حركة النمممو و‬
‫الدراك تشهد كلها بأن لها مؤثرا ً مباينا ً للجسام فهو روحاني‬
‫و يتصل بالمكونات لوجود اتصال هذا العممالم فممي و جودهمما و‬
‫لذلك هو النفس المدركة و المحركة و ل بد فوقها من وجممود‬
‫آخر يعطيها قوى الدراك و الحركة و يتصل بها أيضا ً و يكممون‬
‫ذاته إدراكا صرفا ً و تعقل ً محضا ً و هو عممالم الملئكممة فمموجب‬
‫من ذلك أن يكون للنفس استعداد للنسلخ من البشرية إلى‬
‫الملكية ليصير بالفعل من جنس الملئكة وقت ما ً مممن الوقممات‬
‫في لمحة من اللمحات و ذلك بعد أن تكممل ذاتهما الروحانيمة‬
‫بالفعل كما نذكره بعد و يكون لها اتصال بالفق الممذي بعممدها‬
‫شأن الموجودات المرتبة كما قدمناه فلها في التصممال جهتمما‬
‫العلممو و السممفل و هممي متصمملة بالبممدن مممن أسممعف منهمما و‬
‫تكتسب به المدارك الحسية التي تستعد بها للحصممو ل علممى‬
‫التعقل بالفعل و متصلة من جهة العلى منها بممأفق الملئكممة‬
‫و مكتسبة به المدارك العلمية و الغيبية فممإن عممالم الحمموادث‬
‫موجود في تعقلتهم من غير زمان و هذا على ما قدمناه من‬
‫الترتيب المحكمم فمي الوجممود باتصمال ذواتمه و قمواه بعضممها‬
‫ببعض ثم إن هذه النفس النسانية غائبة عن العيممان و آثارهمما‬
‫ة‬
‫ة و مفترق م ً‬ ‫ظاهرة في البدن فكأنه و جميممع أجممزائه مجتمع م ً‬
‫آلت للنفس و لقواها أما الفاعلية فممالبطش باليممد و المشممي‬
‫بالرجل و الكلم باللسان و الحركة الكليممة بالبممدن متممدافعا ً و‬
‫ة إلممى‬ ‫أما المدركة و إن كممانت قمموى الدراك مرتبممة و مرتقيم ً‬
‫القوة العليا منهما و ممن المفكممرة الممتي يعمبر عنهمما بالناطقمة‬
‫فقوى الحس الظاهرة بآلته مممن السمممع و البصممر و سممائرها‬
‫يرتقي إلى الباطن و أوله الحس المشترك و هو قمموة تممدرك‬
‫ة و غيرهمما فممي‬ ‫ة وملموسم ً‬‫المحسوسممات مبصممرةً و مسممموع ً‬
‫حالممة واحممدة و بممذلك فممارقت قمموة الحممس الظمماهر لن‬
‫المحسوسات ل تزدحم عليها فممي المموقت الواحممد ثممم يممؤديه‬
‫الحممس المشممترك إلممى الخيممال و هممي قمموة تمثممل الشممي‬
‫المحسوس في النفس كما هممو مجممرد عممن المممواد الخارجممة‬
‫فقط و آلة هاتين القمموتين فممي تصممريفهما البطممن الول مممن‬
‫الدماغ مقدمه للولى و مؤخرة للثانية ثم يرتقي الخيال إلممى‬
‫الواهمممة و الحافظممة فالواهمممة لدراك المعمماني المتعلقممة‬
‫بالشخصمميات كعممداوة زيممد و صممداقة عمممرو و رحمممة الب و‬
‫ةو‬ ‫افتراس الذئب و الحافظة لبممداع المممدركات كلهمما متخيل م ً‬
‫هي لها كالخزانة تحفظهمما لمموقت الحاجممة إليهمما و آلممة همماتين‬
‫القوتين في تصريفهما البطن المؤخر من الدماغ أوله للولى‬
‫و مؤخره للخرى ثم ترتقي جميعهمما إلممى قمموة الفكممر و آلتممه‬
‫البطن الوسط من الدماغ و هي القوة الممتي يقممع بهمما حركممة‬
‫الرؤية و التوجه نحممو التعقممل فتحممرك النفممس بهمما دائمما ً لممما‬
‫ركب فيها من النزوع للتخلممص مممن درك القمموة و السممتعداد‬
‫ة بممالمل‬ ‫الذي للبشرية و تخرج إلى الفعل في تعقلهمما متشممبه ً‬
‫العلى الروحاني و تصممير فممي أول مراتممب الروحانيممات فممي‬
‫إدراكها بغير اللت الجسمانية فهي متحركة دائما ً و متوجهممة‬
‫نحو ذلك و قد تنسلخ بالكلية مممن البشممرية و روحانيتهمما إلممى‬
‫الملكية من الفق العلى من غير اكتساب بل بما جعممل اللممه‬
‫فيها من الجبلة و الفطرة الولى في ذلك‪.‬‬
‫أصناف النفوس البشرية‬
‫إن النفوس البشرية على ثلثة أصناف‪ :‬صممنف عمماجز بممالطبع‬
‫عممن الوصممول فينقطممع بالحركممة إلممى الجهممة السممفلى نحممو‬
‫المدارك الحسية و الخيالية و تركيب المعاني من الحافظة و‬
‫الواهمة على قوانين محصورة و ترتيب خاص يسممتفيدون بممه‬
‫العلو م التصورية و التصديقية التي للفكر فممي البممدن و كلهمما‬
‫خيممالي منحصممر نطمماقه إذ هممو مممن جهممة مبممدإه ينتهممي إلممى‬
‫الوليات و ل يتجاوزها و إن فسد فسممد ممما بعممدها و هممذا هممو‬
‫في الغلممب نطمماق الدراك البشممري فممي الجسممماني و إليممه‬
‫تنتهي مدارك العلماء و فيه ترسخ أقدامهم‪ .‬و صممنف متمموجه‬
‫بتلك الحركة الفكرية نحو العقل الروحاني و الدراك الممذي ل‬
‫يفتقر إلى اللت البدنية بما جعل فيممه مممن السممتعداد لممذلك‬
‫فيتسع نطاق إدراكه عممن الوليممات الممتي هممي نطمماق الدراك‬
‫الول البشر في و يسرح في فضمماء المشمماهدات الباطنيممة و‬
‫هي وجدان كلها نطمماق مممن مبممدإها و ل مممن منتهاهمما و هممذه‬
‫مدارك العلماء الولياء أهل العلوم الدينية و المعارف الربانية‬
‫و هي الحاصلة بعد الموت لهل السعادة في البرزخ‪.‬‬
‫الوحي‬
‫و صنف مفطور على النسلخ من البشرية جملة جسمممانيتها‬
‫و روحانيتها إلى الملئكة من الفق العلى ليصممير فممي لمحممة‬
‫من اللمحات ملكا ً بالفعل و يحصل له شهود المل العلى في‬
‫أفقهم و سماع الكلم النفساني و الخطاب اللهممي فممي تلممك‬
‫اللمحة و هؤلء النبياء صلوات الله و سلمه عليهم جعل الله‬
‫لهم النسلخ من البشرية في تلك اللمحة و هي حالة الوحي‬
‫فطره فطرهم الله عليها و جبلة صورهم فيها و نزههممم عممن‬
‫موانع البدن و عوائقه ممما داممموا ملبسممين لهمما بالبشممرية بممما‬
‫ركب في غرائزهم من القصد و الستقامة التي يحمماذون بهمما‬
‫ة في العبادة تكشف بتلك‬ ‫تلك الوجهة وركز في طبائعهم رغب ً‬
‫الوجهة و تسيغ نحوها فهم يتوجهممون إلممى ذلممك الفممق بممذلك‬
‫النوع من النسلخ مممتى شمماءوا بتلممك الفطممرة الممتي فطممروا‬
‫عليها ل باكتسمماب و ل صممناعة فلممذا توجهمموا و انسمملخوا عممن‬
‫بشريتهم و تلقوا في ذلك المل العلى ممما يتلقممونه‪ ،‬و عمماجوا‬
‫به على المممدارك البشممرية منممزل ً فممي قواهمما لحكمممة التبليممغ‬
‫للعباد فتارةً يسمع أحدهم دويا ً كأنه رمز من الكلم يأخذ منممه‬
‫المعنى الذي ألقي إليممه فل ينقضممي الممدوي إل و قممد وعمماه و‬
‫فهمه و تارةً يتمثل له الملك الذي يلقي إليممه رجل ً فيكلمممه و‬
‫يعي ما يقوله و التلقى مممن الملممك و الرجمموع إلممى المممدارك‬
‫البشرية و فهمه ما ألقي عليه كله كأنه في لحظة واحدة بممل‬
‫أقرب من لمح البصر لنه ليس في زمان بل كلما تقع جميعا ً‬
‫فيظهر كأنهما سمريعة و لمذلك سمميت وحيما ً لن الموحي فمي‬
‫اللغة السراع و اعلم أن الولى و هي حالة الدوي هممي رتبممة‬
‫النبياء غير المرسلين على ما حققمموه و الثانيممة و هممي حالممة‬
‫تمثل الملك رجل ً يخاطب هي رتبة النبياء المرسلين و لممذلك‬
‫كانت أكمل من الولى و هذا معنى الحديث الممذي فسممر فيممه‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم المموحي لممما سممأله الحممارث بممن‬
‫هشام و قال‪ :‬كيف يأتيك الوحي ؟ فقال‪ :‬أحيان ما ً يممأتيني مثممل‬
‫صلصلة الجرس و هو أشده علي فيفصم عنممي و قممد وعيممت‬
‫ما قال و أحيانا ً يتمثل لي الملك فيكلمني فممأعي ممما يقممول و‬
‫إنما كانت الولى أشد لنها مبممدأ الخممروج فممي ذلممك التصممال‬
‫من القوة إلى الفعل فيعسر بعض العسممر و لممذلك لممما عمماج‬
‫فيها علممى المممدارك البشممرية اختصممت بالسمممع و صممعب ممما‬
‫سممواه و عنممدما يتكممرر المموحي و يكممثر التلقممي يسممهل ذلممك‬
‫التصممال فعنممدما يعممرج إلممى المممدارك البشممرية يممأتي علممى‬
‫جميعهمما و خصوصما ً الوضممح منهمما و هممو إدراك البصممر و فممي‬
‫العبارة عن الوعي في الولى بصيغة الماضممي و فممي الثانيممة‬
‫بصمميغة المضممارع لطيفممة مممن البلغممة و هممي أن الكلم جمماء‬
‫مجيء التمثيل لحالتي المموحي فمثممل الحالممة الولممى بالممدوي‬
‫الذي هو في المتعارف غير كلم و أخممبر أن الفهممم و المموعي‬
‫يتبعه غب انقضائه فناسممب عنممد تصمموير انقضممائه و انفصمماله‬
‫العبارة عن الوعي بالماضي المطابق للنقضاء و النقطمماع و‬
‫مثل الملك في الحالة الثانية برجل يخاطب و يتكلممم و الكلم‬
‫يساوقه الوعي فناسب العبارة بالمضارع المقتضممي للتجممدد‪.‬‬
‫ة على الجملممة و شممدة‬ ‫واعلم أن في حالة الوحي كلها صعوب ً‬
‫قد أشار إليها القرآن قال تعالى‪ :‬إنا سنلقي عليممك قممول ثقيل‬
‫و قالت عائشة‪ :‬كان مما يعاني مممن التنزيممل شممدة و قممالت‪:‬‬
‫كان عليه الوحي في اليوم الشممديد الممبرد فيفصممم عنممه و أن‬
‫جبينه ليتفصد عرقًا‪ .‬و لذلك كان يحدث عنه في تلممك الحالممة‬
‫من الغيبة و الغطيط ما هو معروف و سبب ذلممك أن المموحي‬
‫كما قررنا مفارقة البشرية إلى المدارك الملكية و تلقي كلم‬
‫النفس فيحدث عنه شدة من مفارقة الذات ذاتها و انسلخها‬
‫عنها من أفقها إلى ذلك الفق الخر و هممذا هممو معنممى الغممط‬
‫الذي عبر به في مبدإ الوحي في قوله فغطني حتى بلغ منممي‬
‫الجهد ثم أرسلني فقال اقرأ فقلت ما إنا بقارئ و كذا ثانية و‬
‫ثالثة‪ .‬كما في الحديث و قد يفضي العتياد بالتدريج فيه شيئا ً‬
‫فشيئا ً إلى بعض السهولة بالقياس إلى ما قبله و لممذلك كممان‬
‫تنزل نجوم القرآن و سوره و آيه حين كان بمكة أقصممر منهمما‬
‫و هو بالمدينة و انظر إلى ما نقل في نزول سورة براءة فممي‬
‫غزوة تبوك و أنها نزلت كلها أو أكثرها عليه و هو يسير علممى‬
‫ناقته بعد أن كان بمكة ينزل عليه بعممض السممورة مممن قصممار‬
‫المفصل في وقت و ينزل الباقي في حين آخر و كممذلك كممان‬
‫آخر ما نزل بالمدينة آية الدين و هي ما هي في الطممول بعممد‬
‫أن كانت الية تنزل بمكممة مثممل آيممات الرحمممن و الممذاريات و‬
‫المدثر و الضحى و الفلق و أمثالها‪ .‬و اعتبر مممن ذلممك علمممة‬
‫تميز بها بيممن المكممي و المممدني مممن السممور و اليممات و اللممه‬
‫المرشد إلى الصواب‪ .‬هذا محصل أمر النبؤة‪.‬‬
‫الكهانة‬
‫و أما الكهانة فهي أيضا ً من خواص النفممس النسممانية و ذلممك‬
‫أنممه قممد تقممدم لنمما فممي جميممع ممما مممر أن للنفممس النسممانية‬
‫استعدادا ً للنسلخ من البشرية إلى الروحانية الممتي فوقهمما و‬
‫أنه يحصل من ذلك لمحة للبشر في صنف النبياء بما فطروا‬
‫عليه من ذلك و تقرر أنه يحصل لهممم مممن غيممر اكتسمماب و ل‬
‫اسممتعانة بشمميء مممن المممدارك و ل مممن التصممورات و ل مممن‬
‫ة و ل بممأمر ممن الممور إنمما همو‬ ‫الفعال البدنية كلما ً أو حرك ً‬
‫انسلخ من البشرية إلى الملكية بالفطرة فممي لحظممة أقممرب‬
‫من لمح البصر و إذا كان كذلك و كان ذلك الستعداد موجودا ً‬
‫في الطبيعة البشرية فيعطى التقسيم العقلي و إن هنا صنفا ً‬
‫آخر من البشر ناقصا ً عن رتبممة الصممنف الول نقصممان الضممد‬
‫عن ضده الكامل لن عدم السممتعانة فممي ذلممك الدراك ضممد‬
‫الستعانة فيه و شتان ما بينهما فممإذا أعطممي تقسمميم الوجممود‬
‫إلى هنا صنفا ً آخر من البشر مفطورا ً علممى أن تتحممرك قمموته‬
‫العقلية حركتها الفكرية بالرادة عندما يبعثها النممزوع لممذلك و‬
‫هي ناقصة عنه بالجبلة عندما يعوقها العجز عن ذلممك تشممبث‬
‫بممأمور جزئيممة محسوسممة أو متخيلممة كالجسممام الشممفافة و‬
‫عظام الحيوانات و سجع الكلم و ما سنح من طير أو حيموان‬
‫فيسممتديم ذلممك الحسمماس أو التخيممل مسممتعينا ً بممه فممي ذلممك‬
‫النسلخ الذي يقصده و يكون كالمشيع له و هذه القوة الممتي‬
‫فيهم مبدأ لذلك الدراك هي الكهانممة و لكممون هممذه النفمموس‬
‫مفطورة ً على النقص و القصور عن الكمال كان إدراكها فممي‬
‫الجزئيات أكثر من الكليات و لذلك تكون المخيلممة فيهممم فممي‬
‫غاية القوة لنها آلة الجزئيات فتنفذ فيها نفوذا ً تام ما ً فممي نمموم‬
‫أو يقظة و تكمون عنمدها حاضمرة ً عتيمدة ً تحضمرها المخيلمة و‬
‫تكون لها كالمرآة تنظر فيهمما دائممما و ل يقمموى الكمماهن علممى‬
‫الكمال في إدراك المعقولت لن وحيه من وحي الشيطان و‬
‫أرفع أحوال هذا الصنف أن يستعين بالكلم الذي فيه السممجع‬
‫و الموازنة ليشتغل به عممن الحممواس و يقمموى بعممض الشمميء‬
‫على ذلك التصال الناقص فيهجس في قلبه عن تلك الحركة‬
‫و الذي يشيعها من ذلك الجنبي ما يقذفه على لسمانه فربممما‬
‫صدق و وافق الحق و بما كذب لنه يتمم نقصه بممأمر أجنممبي‬
‫عن ذاته المدركة و مباين لها غير ملئم فيعرض له الصدق و‬
‫الكذب جميعا ً و ل يكون موثوقا ً به و ربما يفزع إلممى الظنممون‬
‫و التخمينات حرصمما علممى الظفممر بممالدراك بزعمممه و تمويهما ً‬
‫على السائلين و أصحاب هذا السجع هم المخصوصون باسم‬
‫الكهان لنهم أرفع سائر أصنافهم و قد قال صلى الله عليه و‬
‫سلم في مثله هذا من سجع الكهممان فجعممل السممجع مختص ما ً‬
‫بهم بمقتضى الضافة و قد قال لبن صياد حين سأله كاشممفا ً‬
‫عن حاله بالخبار كيف يأتيك هذا المر ؟ قال‪ :‬يممأتيني صممادقا ً‬
‫و كاذب ما ً فقممال‪ :‬خلممط عليممك المممر يعنممى أن النبممؤة خاصممتها‬
‫الصدق فل يعتريها الكذب بحال لنها اتصممال مممن ذات النممبي‬
‫بالمل العلى من غير مشمميع و ل اسممتعانة بممأجنبي و الكهانممة‬
‫لما احتاج صاحبها بسممبب عجممزه إلممى السممتعانة بالتصممورات‬
‫الجنبية كانت داخلممة فممي إدراكممه و التبسممت بممالدراك الممذي‬
‫توجه إليه فصار مختلطا ً بها و طرقه الكذب ممن همذه الجهمة‬
‫فامتنع أن تكون نبؤة و إنما قلنا إن أرفع مراتب الكهانة حالة‬
‫السممجع لن معنممى السممجع أخفممه مممن سممائر المغيبممات مممن‬
‫المرئيات و المسموعات و تدل خفة المعنى على قرب ذلممك‬
‫التصال و الدراك و البعد فيه عن العجز بعض الشمميء و قممد‬
‫زعم بعض النمماس أن هممذه الكهانممة قممد انقطعممت منممذ زمممن‬
‫النبؤة بما وقع من شأن رجم الشممياطين بالشممهب بيممن يممدي‬
‫البعثة و أن ذلك كان لمنعهم من خبر السممماء كممما وقممع فممي‬
‫القرآن و الكهان إنما يتعرفون أخبار السممماء مممن الشممياطين‬
‫فبطلت الكهانة من يومئذ و ل يقوم من ذلك دليل لن علمموم‬
‫الكهان كما تكون من الشياطين تكون من نفوسهم أيضا ً كما‬
‫قررناه و أيضا ً فالية إنما دلت على منع الشممياطين مممن نمموع‬
‫واحد من أخبممار السممماء و هممو ممما يتعلممق بخممبر البعثممة و لممم‬
‫يمنعوا مما سوى ذلك‪ .‬و أيضا ً فإنما كان ذلممك النقطمماع بيممن‬
‫يدي النبؤة فقط و لعلها عادت بعد ذلك إلى ما كانت عليممه و‬
‫هذا هو الظاهر لن هذه المدارك كلها تخمد في زمممن النبممؤة‬
‫كما تخمد الكواكب و السرج عند وجممود الشمممس لن النبممؤة‬
‫هي النور العظم الذي يخفى معه كل نور و يذهب‪.‬‬
‫و قد زعم بعض الحكماء أنها إنما توجد بيممن يممدي النبممؤة ثممم‬
‫تنقطع و هكذا كل نبؤة وقعت لن وجود النبوة ل بممد لممه مممن‬
‫وضع فلكي يقتضيه و في تمام ذلك الوضع تمممام تلممك النبممؤة‬
‫التي تدل عليها و نقص ذلك الوضع عن التمام يقتضي وجممود‬
‫طبيعة من ذلك النوع الذي يقتضيه ناقصة و هو معنى الكاهن‬
‫على ما قررناه فقبل أن يتم ذلك الوضع الكامل يقممع الوضممع‬
‫الناقص و يقتضي وجود الكاهن إما واحدا ً أو متعمددا ً فمإذا تمم‬
‫ذلك الوضع تم وجود النبي بكماله و انقضت الوضمماع الدالممة‬
‫على مثل تلك الطبيعة فل يوجد منهمما شمميء بعممد و هممذا بنمماء‬
‫على أن بعض الوضع الفلكي يقتضممي بعممض أثممره و هممو غيممر‬
‫مسلم‪ .‬فلعل الوضع إنما يقتضي ذلك الثر بهيئته الخالصممة و‬
‫لو نقص بعض أجزائها فل يقتضي شمميئًا‪ ،‬ل إنممه يقتضممي ذلممك‬
‫الثر ناقصا ً كما قالوه‪ .‬ثم إن هؤلء الكهان إذا عاصممروا زمممن‬
‫النبؤة فإنهم عارفون بصدق النبي و دللممة معجزتممه لن لهممم‬
‫بعض الوجدان من أمر النبؤة كما لكل إنسان من أمممر اليمموم‬
‫و معقوبية تلك النسبة موجودة للكاهن بأشد مممما للنممائم و ل‬
‫يصدهم عن ذلك و يوقعهم في التكذيب إل قوة المطامع في‬
‫أنها نبؤة لهممم فيقعممون فممي العنمماد كممما وقممع لميممة بممن أبممي‬
‫الصمملت فممإنه كممان يطمممع أن يتنبممأ و كممذا وقممع لبممن صممياد و‬
‫لمسيلمة و غيرهم فإذا غلب اليمان و انقطعت تلك الممماني‬
‫آمنوا أحسن إيمممان كممما وقممع لطليحممة السممدي و سممواد بممن‬
‫قارب و كان لهما في الفتوحات السلمية من الثار الشاهدة‬
‫بحسن اليمان‪.‬‬
‫الرؤيا‬
‫و أممما الرؤيمما فحقيقتهمما مطالعممة النفممس الناطقممة فممي ذاتهمما‬
‫الروحانيممة لمحممة مممن صممور الواقعممات فإنهمما عنممدما تكممون‬
‫روحانية تكون صور الواقعات فيها موجممودة بالفعممل كممما هممو‬
‫شأن الذوات الروحانية كلها و تصير روحانية بممأن تتجممرد عممن‬
‫المواد الجسمانية و المدارك البدنية و قد يقع لها ذلك لمحممة‬
‫بسبب النوم كما نذكر فتقتبس بها علم ما تتشوف إليممه مممن‬
‫الممور المسممتقبلة و تعممود بمه إلممى مممداركها فمإن كممان ذلمك‬
‫القتباس ضعيفا ً و غير جلي بالمحاكاة و المثال فممي الخيممالي‬
‫لتخلصه فيحتاج‪ .‬من أجممل هممذه المحاكمماة إلممى التعممبير و قممد‬
‫يكون القتباس قويا ً يستغنى فيه عن المحاكاة فل يحتاج إلى‬
‫تعبير لخلوصه من المثال و الخيال و السبب في وقمموع هممذه‬
‫اللمحة للنفس أنها ذات روحانية بالقوة مسممتكملة بالبممدني و‬
‫مداركه حتى تصير ذاتها تعقل ً محضا ً و يكمل وجودها بالفعممل‬
‫فتكممون حينئذ ذات ما ً روحانيممة مدركممة بغيممر شمميء مممن اللت‬
‫البدنية إل أن نوعهمما فممي الروحانيممة دون نمموع الملئكممة أهممل‬
‫الفق العلى على المذين لمم يسمتكملوا ذواتهمم بشميء ممن‬
‫مدارك البدن و ل غيره فهذا الستعداد حاصل لهمما ممما دامممت‬
‫في البدن و منه خاص كالذي للولياء و منه عام للبشر علممى‬
‫العموم و هو أممر الرؤيما‪ .‬و أمما المذي للنبيماء فهمو اسمتعداد‬
‫بالنسلخ من البشرية إلى الملكية المحضة التي هممي‪ ،‬أعلممى‬
‫الروحانيات و يخرج هذا الستعداد فيهمم متكمررا ً فمي حمالت‬
‫الوحي و هو عندما يعرج على المدارك البدنية و يقع فيها ممما‬
‫يقع من الدراك يكون شبيها ً بحال النوم شبها ً بين ما ً و إن كممان‬
‫حال النوم أدون منه بكثير فلجل هذا الشبه عبر الشارع عن‬
‫الرؤيا بأنها جزء مممن سممتة و أربعيممن جممزا ً مممن النبممؤة و فممي‬
‫رواية ثلثة و أربعين و في روايممة سممبعين و ليممس العممدد فممي‬
‫جميعها مقصودا ً بالذات و إنما المراد الكثرة في تفاوت هممذه‬
‫المراتب بدليل ذكر السبعين في بعممض طرقممه و همو للتكمثير‬
‫عند العرب و ما ذهب إليه بعضهم في رواية ستين و أربعيممن‬
‫من أن الوحي كان في مبدإه بالرؤيا ستة أشهر و هي نصممف‬
‫سنة و مدة النبوة كلها بمكة و المدينة ثلث و عشممرين سممنة‬
‫فنصف السنة منها جزء مممن سممتة و أربعيممن فكلم بعيممد مممن‬
‫التحقيق لنة إنما وقع ذلك للنبي صمملى اللممه عليممه و سمملم و‬
‫من أين لنا أن هذه المممدة وقعممت لغيممره مممن النبيمماء مممع أن‬
‫ذلك إنما يعطي نسبة زمن الرؤيا من زمن النبؤة و ل يعطممي‬
‫حقيقتها من حقيقة النبؤة و إذا تبين لك هذا مما ذكرنمماه أول ً‬
‫علمت أن معنى هذا الجممزء نسممبة السممتعداد الول الشممامل‬
‫للبشر إلى الستعداد القريب الخاص بصنف النبياء الفطممري‬
‫لهم صلوات الله عليهم إذ هو الستعداد البعيد و إن كان عاما ً‬
‫في البشر و معه عوائق و موانع كثيرة من حصوله بالفعممل و‬
‫من أعظم تلك الموانع الحواس الظاهرة ففطممر اللممه البشممر‬
‫علممى ارتفمماع حجمماب الحممواس بممالنوم الممذي هممو جبلممي لهممم‬
‫فتتعرض النفس عند ارتفاعه إلى معرفة ما تتشوف إليه في‬
‫عالم الحق فتدرك في بعض الحيممان منممه لمحممة يكممون فيهمما‬
‫الظفر بالمطلوب و لذلك جعلها الشارع من المبشرات فقال‬
‫لم يبق من النبؤة إل المبشرات قممالوا و ممما المبشممرات يمما ر‬
‫سول الله قال الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له‬
‫و أما سبب ارتفاع حجاب الحواس بالنوم فعلى ما أصفه لممك‬
‫و ذلممك أن النفممس الناطقممة إنممما إدراكهمما و أفعالهمما بممالروح‬
‫الحيممواني الجسممماني و هممو بخممار لطيممف مركممزه بممالتجويف‬
‫اليسر من القلب على ممما فممي كتممب التشممريح لجممالينوس و‬
‫غيره و ينبعث مممع الممدم فممي الشممريانات و العممروق فيعطممي‬
‫الحس و الحركة‪ ،‬و سائر الفعال البدنية و يرتفع لطيفه إلممى‬
‫الدماغ فيعدل من برده و تتم أفعال القوى الممتي فممي بطممونه‬
‫فالنفس الناطقة إنما تممدرك و تعقممل بهممذا الممروح البخمماري و‬
‫هي متعلقة به لما اقتضته حكمة التكوين فممي أن اللطيممف ل‬
‫يؤثر في الكثيف و لما لطف هممذا الممروح الحيممواني مممن بيممن‬
‫المواد البدنية صار محل ً لثار الذات المباينة له في جسمانيته‬
‫وهممي النفممس الناطقممة و صممارت آثارهمما حاصمملة فممي البممدن‬
‫بواسممطته و قممد كنمما قممدمنا أن إدراكهمما علممى نمموعين إدراك‬
‫بالظاهر و هو الحواس الخمس و إدراك بالباطن و هو القوى‬
‫الدماغية و أن هذا الدراك كلممه صممارف لهمما عممن إدراكهمما ممما‬
‫فوقها من ذواتها الروحانية التي هي مستعدة لممه بممالفطرة و‬
‫ة للوسن و‬ ‫لما كانت الحواس الظاهرة جسمانية كانت معرض ً‬
‫الفشل بما يدركها من التعب و الكلل و تغشى الروح بكممثرة‬
‫التصرف فخلق الله لها طلب الستجمام لتجرد الدراك على‬
‫الصورة الكاملة و إنما يكون ذلك بانخنمماس الممروح الحيممواني‬
‫من الحواس الظاهرة كلها و رجمموعه إلممى الحممس البمماطن و‬
‫يعين على ذلك ممما يغشممى البممدن مممن الممبرد بالليممل فتطلممب‬
‫الحرارة الغزيرة أعماق البدن و تذهب من ظاهره إلى باطنه‬
‫فتكون مشيعة مركبها و هو الممروح الحيممواني إلممى البمماطن و‬
‫لذلك كال النوم للبشر في الغالب إنما هو بالليل فإذا انخنس‬
‫الروح عن الحممواس الظمماهرة و رجممع إلممى القمموى الباطنممة و‬
‫خفت عممن النفممس شممواغل الحممس و ممموانعه و رجعممت إلممى‬
‫الصورة التي في الحافظممة تمثممل منهمما بممالتركيب و التحليممل‬
‫صممور خياليممة و أكممثر ممما تكممون معتممادة لنهمما منتزعممة مممن‬
‫المدركات المتعاهدة قريبا ً ثم ينزلها الحممس المشممترك الممذي‬
‫هو جممامع الحممواس الظمماهرة فيممدركها علممى أنحمماء الحممواس‬
‫الخمممس الظمماهرة و ربممما التفتممت النفممس لفتممة إلممى ذاتهمما‬
‫الروحانيممة مممع منازعتهمما القمموى الباطنيممة فتممدرك بإدراكهمما‬
‫الروحاني لنها مفطورة عليه و تقيس من صور الشياء الممتي‬
‫صارت متعلقة في ذاتها حينئذ ثممم يأخممذ الخيممال تلممك الصممور‬
‫المدركة فيمثلها بالحقيقة أو المحاكاة في القوالب المعهممودة‬
‫و المحاكاة من هذه هي المحتاجة للتعبير و تصرفها بالتركيب‬
‫و التحليل في صور الحافظة قبل أن تدرك مممن تلمك اللمحممة‬
‫ما تدركه هي أضغاث أحلم‪ .‬و فممي الصممحيح أن النممبي صمملى‬
‫الله عليه و سلم قال‪ :‬الرؤيا ثلث رؤيا مممن اللممه و رؤيمما مممن‬
‫الملممك و رؤيمما مممن الشمميطان و هممذا التفصمميل مطممابق لممما‬
‫ذكرناه فالجلي من الله و المحاكاة الداعية إلممى التعممبير مممن‬
‫الملممك و أضممغاث الحلم مممن الشمميطان لنهمما كلهمما باطممل و‬
‫الشيطان ينبمموع الباطممل هممذه حقيقممة الرؤيمما و ممما يسممببها و‬
‫يشيعها من النوم و هي خواص للنفس النسانية موجودة في‬
‫البشر على العموم ل يخلو عنها أحد منهم بل كل واحممد مممن‬
‫النساني رأى في نومه ما صممدر لممه فممي يقظتممه مممرارا ً غيممر‬
‫واحدة و حصل له على القطع أن النفس مدركة للغيممب فممي‬
‫النوم و ل بد و إذا جاز في ذلك في عالم النوم فل يمتنع فممي‬
‫غير من الحوال لن الذات المدركة واحدة و خواصممها عامممة‬
‫في كل حال و الله الهادي إلى الحق بمنه و فصله‪.‬‬
‫فصل‬
‫و وقوع ما يقع للبشر من ذلك غالبا ً إنما هو من غير قصد ول‬
‫قدرة عليه و إنما تكون النفس متشوقة لممذلك الشمميء فيقممع‬
‫بتلك اللمحة في النوم لنها تقصد إلى ذلك فممتراه و قممد وقممع‬
‫في كتاب الغاية و غير من كتب أهل الرياضيات ذكممر أسممماء‬
‫تممذكر عنممد النمموم فتكممون عنهمما الرؤيمما فيممما يتشمموف إليممه و‬
‫يسمممونها الحالوميممة و ذكممر منهمما مسمملمة فممي كتمماب الغايممة‬
‫حالومة سماها حالومة الطباع التام و هو أن يقال عند النمموم‬
‫بعد فراغ السر و صحة التوجه هذه الكلمات العجمية و هممي‬
‫تماغس بعد أن يسواد و غداس نوفنا غممادس و يممذكر حمماجته‬
‫فإنه يرى الكشف عما يسأل عنه في النوم‪ .‬و حكى أن رجل ً‬
‫فعممل ذلمك بعمد رياضمة ليممال فمي مممأكله و ذكممره فتمثممل لممه‬
‫شخص يقول له إن طباعك التام فسممأله و أخممبره عممما كممان‬
‫يتشوف إليه و قد وقع لي أنمما بهممذه السممماء مممراء عجيبممة و‬
‫اطلعت بها على أمور كنت أتشوف عليها من أحوالي و ليس‬
‫ذلممك بممدليل علممى أن القصممد للرؤيمما يحممدثها و إنممما هممذه‬
‫الحالومات تحدث اسممتعدادا ً فممي النفممس لوقمموع الرؤيمما فممإذا‬
‫قمموي السممتعداد كممال أقممرب إلممى حصممول ممما يسممتعد لممه و‬
‫للشخص أن يفعممل ممن السممتعداد مما أحمب و ل يكمون دليل ً‬
‫على إيقاع المستمد له فالقدرة على السممتعداد غيممر القممدرة‬
‫على الشيء فاعلم ذلك و تدبره فيما تجد من أمثمماله و اللممه‬
‫الحكيم الخبير‪.‬‬
‫فصل‬
‫ثم إنا نجد فمي النموع النسماني أشخاصما ً يخمبرون بالكائنمات‬
‫قبل وقوعها بطبيعة فيهم يتميز بها صنفهم عن سممائر النمماس‬
‫و ل يرجعون في ذلك إلى صناعة و ل يستدلون عليه بأثر من‬
‫النجوم و ل من غيرها إنما نجد مداركهم فممي ذلممك بمقتضممى‬
‫فطرته التي فطروا عليها و ذلك مثممل العرافيممن و النمماظرين‬
‫في الجسام الشفافين كالمرايا و طساس الماء و النمماظرين‬
‫في قلوب الحيوانات و أكبادها و عظامهمما و أهممل الزجممر فمي‬
‫الطيممر و السممباع و أهممل الطممرق بالحصممى و الحبمموب مممن‬
‫الحنطة و النوى و هذه كلهمما موجممودة فممي عممالم النسممان ل‬
‫يسع أحدا ً جحدها و ل إنكارها و كممذلك المجممانين يلقممى علممى‬
‫ألسنتهم كلمات مممن الغيممب فيخممبرون بهمما و كممذلك النممائم و‬
‫الميممت لول ممموته أو نممومه يتكلممم بممالغيب و كممذلك أهممل‬
‫الرياضيات من المتصوفة لهم مدارك في الغيب على سممبيل‬
‫الكرامة معروفة‪ .‬و نحن الن نتكلم عن هذه الدراكممات كلهمما‬
‫و نبتدئ منها بالكهانة ثم نأتي عليها واحدة ً واحدة ً إلى آخرهمما‬
‫و نقممدم علممى ذلممك مقدمممة فممي أن النفممس النسممانية كيممف‬
‫تستعد لدراك الغيب في جميع الصناف التي ذكرناها و ذلممك‬
‫أنها ذات روحانية موجودة بالقوة إلى الفعل بالبدن و أحممواله‬
‫و هذا أمر مدرك لكل أحد و كل ما بالقوة فله مادة و صممورة‬
‫و صورة هذه النفس التي بها يتم وجودها هو عيممن الدراك و‬
‫التعقل فهي توجد أول ً بالقوة مستعدة للدراك و التعقل فهي‬
‫توجد أول ً بممالقوة مسممتعدة للدراك و قبممول الصممور الكليممة و‬
‫الجزئية ثم يتم نشؤها و وجودها بالفعل بمصاحبة البدن و ممما‬
‫يعودها بورود مدركاتها المحسوسة عليها و ما تنتزع من تلممك‬
‫الدراكات من المعاني الكلية فتتعقل الصور مرة بعممد أخممرى‬
‫حتى يحصل لها الدراك و التعقل بالفعل فتتممم ذاتهمما و تبقممى‬
‫النفس كالهيولى و الصور متعاقبة عليها بالدراك واحممدة بعممد‬
‫واحممدة و لممذلك نجممد الصممبي فممي أول نشممأته ل يقممدر علممى‬
‫الدراك الذي لها من ذاتها ل بنوم و ل بكشف و ل بغيرهممما و‬
‫ذلك أن صورتها التي هي عين ذاتها و هممي الدراك و التعقممل‬
‫لم تتم بعد بل لم يتم لها انممتزاع الكليممات ثممم إذا تمممت ذاتهمما‬
‫بالفعل حصمل لهمما ممما دامممت ممع البمدن نوعممان ممن الدراك‬
‫إدراك بممآلت الجسممم تممؤديه إليهمما المممدارك البدنيممة و إدراك‬
‫بذاتها من غير واسطة و هممي محجوبممة عنممه بالنغممماس فممي‬
‫البدن و الحواس و بشواغلها لن الحواس أبدا ً جاذبة لها إلممى‬
‫الظاهر بما فطرت عليه أول ً مممن الدراك الجسممماني و ربممما‬
‫ة‬
‫تنغمس من الظاهر إلى الباطن فيرتفع حجاب البممدن لحظ م ً‬
‫إما بالخاصية التي هي للنسممان علممى الطلق مثممل النمموم أو‬
‫بالخاصية الموجودة لبعض البشممر مثممل الكهانممة و الطممرق أو‬
‫بالرياضة مثل أهل الكشف من الصمموفية فتلتفممت حينئذ إلممى‬
‫الذوات المتي فوقهما ممن المل لمما بيمن أفقهما و أفقهمم ممن‬
‫التصال في الوجود كما قررنا قبل و تلك الممذوات روحانيممة و‬
‫هي إدراك محض و عقول بالفعل و فيها صور الموجممودات و‬
‫حقائقها كما مر فيتجلى فيها شيء من تلك الصور و تقتبممس‬
‫منها علوما ً و ربما دفعمت تلمك الصمور المدركمة إلمى الخيمال‬
‫فيصرفه في القوالب المعتادة ثم يراجع الحممس بممما أدركممت‬
‫إما مجردا ً أو في قوالبه فتخممبر بممه‪ .‬هممذا هممو شممرح اسممتعداد‬
‫النفس لهذا الدراك الغيبي‪ .‬و لنرجع إلممى ممما وعممدنا بممه مممن‬
‫بيممان أصممنافه‪ .‬فأممما النمماظرون فممي الجسممام الشممفافة مممن‬
‫المرايمما و طسمماس الميمماه و قلمموب الحيمموان و أكبادهمما و‬
‫عظامها و أهل الطممرق بالحصممى و النمموى فكلهممم مممن قبيممل‬
‫الكهان إل أنهم أضعف رتبة فيه في أصل خلقهم لن الكمماهن‬
‫ل يحتاج في رفممع حجمماب الحممس إلممى كممثير معانمماة و هممؤلء‬
‫يعانونه بانحصار المدارك الحسية كلها في نمموع واحمد منهمما و‬
‫أشرفها البصر فيعكف على المممرئي البسمميط حممتى يبممدو لممه‬
‫مدركه الذي يخبر به عنه و ربما يظن أن مشاهدة هؤلء لممما‬
‫يرونممه هممو فممي سممطح المممرآة و ليممس كممذلك بممل ل يزالممون‬
‫ينفرون في سطح المرآة إلممى أن يغيممب عممن البصممر و يبممدو‬
‫فيما بينهم و بين سطح المرآة حجاب كأنة غمممام يتمثممل فيممه‬
‫صور هي مداركهم فيشمميرون إليممه بالمقصممود لممما يتوجهممون‬
‫إلى معرفته من نفي أو إثبات فيخبرون بممذلك علممى نحممو ممما‬
‫أدركوه و أما المرآة و ما يدرك فيها من الصممور فل يممدركونه‬
‫في تلك الحممال و إنممما ينشممأ لهممم بهمما هممذا النمموع الخممر مممن‬
‫الدراك و هو نفساني ليس من إدراك البصر بممل يتشممكل بممه‬
‫المدرك النفساني للحس كممما هممو معممروف و مثممل ذلممك ممما‬
‫يعرض للناظرين في قلوب الحيوانممات و أكبادهمما و لنمماظرين‬
‫في الماء و الطساس و أمثال ذلك‪ .‬و قد شاهدنا مممن هممؤلء‬
‫من يشغل الحس بمالبخور فقمط ثمم بمالعزائم للسمتعداد ثمم‬
‫يخبر كما أدرك و يزعمون أنهم يرون الصممور متشخصممة فممي‬
‫الهواء تحكي لهم أحوال ما يتوجهون إلمى إدراكمه بالمثممالي و‬
‫الشارة وغيبة هؤلء عن الحس أخف من الولين و العالم أبو‬
‫الغرائب‪ .‬و أما الزجر و هو ما يحدث مممن بعممض النمماس مممن‬
‫التكلم بالغيب عند سنوح طممائر أو حيمموان و الفكممر فيممه بعممد‬
‫مغيبه و هي قوة فممي النفممس تبعممث علممى الحممرص و الفكممر‬
‫فيما زجر فيه من مممرئي أو مسممموع و تكممون قمموته المخيلممة‬
‫كممما قممدمناه قويممة فيبعثهمما فممي البحممث مسممتعينا ً بممما رآه أو‬
‫سمعه فيؤديه ذلك إلى إدراك ما‪ ،‬كما تفعله القمموة المتخيلممة‬
‫فممي النمموم و عنممد ركممود الحممواس تتوسممط بيممن المحسمموس‬
‫المرئي في يقظته و تجمعه مع ما عقلته فيكون عنها الرؤيمما‪.‬‬
‫و أممما المجممانين فنفوسممهم الناطقممة ضممعيفة التعلممق بالبممدن‬
‫لفساد أمزجتهم غالبا ً و ضعف الممروح الحيممواني فيهمما فتكممون‬
‫نفسه غيممر مسممتغرقة فممي الحممواس و ل منغمسممة فيهمما بممما‬
‫شغلها في نفسها ممن ألمم النقمص و مرضمه و ربمما زاحمهما‬
‫على التعلق به روحانية أخرى شيطانية تتشبث بممه و تضممعف‬
‫هذه عن ممانعتها فيكون عنه التخبط فإذا أصابه ذلك التخبط‬
‫إممما لفسمماد مزاجممه مممن فسمماد فممي ذاتهمما أو لمزاحمممة مممن‬
‫النفوس الشيطانية في تعلقه غاب عمن حسمه جملمة فمأدرك‬
‫لمحة من عالم نفسه و الطبممع فيهمما بعممض الصممور و صممرفها‬
‫الخيال و ربما نطق عن لسانه في تلك الحال مممن غيممر إرادة‬
‫النطق وإدراك هؤلء كلهم مشوب فيه الحق بالباطممل لنممة ل‬
‫يحصممل لهممم التصممال و إن فقممدوا الحممس إل بعممد السممتعانة‬
‫بالتصورات الجنبية كما قررناه و من ذلك يجيء الكذب فممي‬
‫هذه المدارك و أما العرافون فهم المتعلقممون بهممذا الدراك و‬
‫ليس لهم ذلك التصال فيسمملطون الفكممر علممى المممر الممذي‬
‫يتوجهون إليه و يأخذون فيه بممالفن و التخميممن بنمماء علممى ممما‬
‫يتوهمونه من مبادىء ذلك التصال و الدراك و يدعون بممذلك‬
‫معرفة الغيب و ليس منممه علممى الحقيقممة هممذا تحصمميل هممذه‬
‫المور و قد تكلم عليها المسممعودي فممي مممروج الممذهب فممما‬
‫صادف تحقيقا ً و ل إصابة و يظهر مممن كلم الرجممل أنممه كممان‬
‫بعيدا ً عن الرسوخ في المعارف فينقل مما سممع ممن أهلممه و‬
‫من غير أهله و هذه الدراكات التي ذكرناها موجودة كلها في‬
‫نوع البشر فقد كان العرب يفزعون إلى الكهممان فممي تعممرف‬
‫الحوادث و يتنافرون إليهم في الخصومات ليعرفمموهم بممالحق‬
‫فيها من إدراك غيبهم و في كتب أهل الدب كثير من ذلممك و‬
‫اشتهر منهم في الجاهلية شق بن أنمار بن نزار و سطيح بن‬
‫مازن بن غسان و كان يدرج كما يدرج الثوب و ل عظممم فيممه‬
‫إل الجمجمة و من مشهور الحكايات عنهما تأويل رؤيا ربيعممه‬
‫بن مضر و ما أخبراه به ملك الحبشة لليمن و ملك مضر من‬
‫بعدهم و لظهور النبؤة المحمدية في قريش و رؤيا الموبممذان‬
‫التي أولها سممطيح لممما بعممث إليممه بهمما كسممرى عبممد المسمميح‬
‫فمماخبره بشممأن النبممؤة و خممراب ملممك فممارس و هممذه كلهمما‬
‫مشهورة و كممذلك العرافممون كممان فمي العممرب منهممم كممثير و‬
‫ذكروهم في أشعارهم قال‬
‫فقلت لعراف اليمامة داوني فإنك إن داويتني لطبيب‬
‫و قال الخر‬
‫جعلت لعراف اليمامة حكمه و عراف نجد إن هما شفياني‬
‫فقال شفاك الله و الله مالنا بما حملت منك الضلوع يدان‬
‫وعممراف اليمامممة هممو ربمماح بممن عجلممة و عممراف نجممد البلممق‬
‫السدي‪ .‬و من هذه المدارك الغيبية ما يصممدر لبعممض النمماس‬
‫عند مفارقة اليقظة و التباسه بالنوم من الكلم على الشمميء‬
‫الذي يتشوف إليه بما يعطيه غيب ذلممك المممر كممما يريممد و ل‬
‫يقع ذلك إل في مبادىء النوم عنممد مفارقممة اليقظممة و ذهمماب‬
‫الختبار في الكلم فيتكلم كأنه مجبممور علممى النطممق و غممايته‬
‫أن يسمعه و يفهمه و كذلك يصدر عن المقتولين عند مفارقة‬
‫رؤوسهم و أوساط أبدانهم كلم بمثل ذلك‪ .‬و لقممد بلغنمما عممن‬
‫بعض الجبابرة الظممالمين أنممم قتلمموا مممن سممجونهم أشخاصما ً‬
‫ليتعرفوا من كلمهم عند القتل عواقب أمورهم في أنفسممهم‬
‫فأعلموهم بما يستبشع‪ .‬و ذكر مسلمة فممي كتمماب الغايممة لممه‬
‫فممي مثممل ذلممك أن آدميمما ً إذا جعممل فممي دن مملمموء بممدهن‬
‫السمسم و مكث فيه أربعين يوما ً يغذى بالتين و الجوز حممتى‬
‫يذهب لحمة و ل يبقى منه إل العروق و شؤون رأسه فيخممرج‬
‫من ذلك الدفن فحين يجف عليه الهواء يجيب عن كل شمميء‬
‫يسأل عنه من عواقب المور الخاصممة و العامممة و هممذا فعممل‬
‫من مناكير أفعممال السممحرة لكممن يفهممم منممه عجممائب العممالم‬
‫النسمماني و مممن النمماس‪ .‬مممن يحمماول حصممول هممذا المممدرك‬
‫الغيبي بالرياضممة فيحمماولون بالمجاهممدة موت ما ً صممناعيا ً بإماتممة‬
‫جميع القوى البدنية ثم محو آثارها التي تلونت بها النسق ثممم‬
‫تغذيتها بالذكر لممتزداد قمموة فمي نشممئها و يحصممل ذلممك بجمممع‬
‫الفكر و كثرة الجوع و من المعلوم على القطممع أنممه إذا نممزل‬
‫الموت بالبدن ذهب الحس و حجابة و اطلعممت النفممس علممى‬
‫المغيبات و من هؤلء أهل الرياضة السحرية يرتاضون بممذلك‬
‫ليحصل لهم الطلع على المغيبات و التصرفات في العمموالم‬
‫و أكثر هؤلء في القاليم المنحرفة جنوب ما ً و شمممال ً خصوص ما ً‬
‫بلد الهند و يسمون هنالممك الحوكيممة و لهمم كتمب فمي كيفيممة‬
‫هذه الرياضة كثيرة و الخبممار عنهممم فممي ذلممك غريبممة‪ .‬و أممما‬
‫المتصمموفة فرياضممتهم دينيممة و عريممة عممن هممذه المقاصممد‬
‫المذمومة و إنما يقصممدون جمممع الهمممة و القبممال علممى اللممه‬
‫بالكلية ليحصل لهم أذواق أهل العرفان و التوحيممد و يزيممدون‬
‫في رياضتهم إلى الجمع و الجوع التغذيممة بالممذكر فبهمما تتممم و‬
‫جهتهم في هذه الرياضممة لنممه إذا نشممأة النفمس علممى الممذكر‬
‫كانت أقرب إلى العرفان بالله و إذا عريت عممن المذكر كممانت‬
‫شيطانية و حصول ما يحصل مممن معرفممة الغيممب و التصممرف‬
‫لهؤلء المتصوفة إنما هو بالعرض و ل يكون مقصودا ً من أول‬
‫المر لنه إذا قصد ذلك كانت الوجهة فيه لغير الله و إنما هي‬
‫لقصد التصممرف و الطلع علممى الغيممب و أخسممر بهمما صممفقة‬
‫فإنهمما فممي الحقيقممة شممرك قممال بعضممهم‪ :‬مممن آثممر العرفممان‬
‫للعرفان فقد قال بالثاني فهم يقصممدون بمموجهتهم المعبممود ل‬
‫لشيء سواه لم إذا حصل في أثناء ذلك ما يحصل فبممالعرض‬
‫و غير مقصود لهم و كثير منهممم يفممر منممه إذا عممرض لممه و ل‬
‫يحفل به و إنما يريد الله لذاته ل لغيممره و حصممول ذلممك لهممم‬
‫معروف و يسمون ما يقممع لهممم مممن الغيممب و الحممديث علممى‬
‫الخواطر فراسة و كشفا ً و ما يقع لهم من التصرف كرامممة و‬
‫ليس شيء من ذلك بنكير في حقهم و قد ذهب إلممى إنكمماره‬
‫السممتاذ أبممو إسممحق السممفرايني و أبممو محمممد بممن أبممي زيممد‬
‫المالكي فممي آخريممن فممرارا ً مممن التبمماس المعجممزة بغيرهمما و‬
‫المعول عليه عند المتكلميممن حصممول التفرقممة بالتحممدي فهممو‬
‫كاف‪ .‬و قد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه و‬
‫سمملم قممال‪ :‬إن فيكممم محممدثين و أن منهممم عمممر و قممد وقممع‬
‫للصحابة من ذلك وقائع معروفة تشهد بمذلك فمي مثمل قمول‬
‫عمر رضي الله عنة يا سمارية الجبمل و همو سمارية بمن زنيمم‬
‫كممان قممائدا ً علممى بعممض جيمموش المسمملمين بممالعراق أيممام‬
‫الفتوحات و تورط مع المشتركين في معترك و هم بالنهزام‬
‫و كان بقربه جبل يتحيز إليه فرفع لعمممر ذلممك و هممو يخطممب‬
‫على المنبر بالمدينة فناداه يا سارية الجبل و سمعه سارية و‬
‫هو بمكانه و رأى شخصه هنالك و القصة معروفة و وقع مثله‬
‫أيضا ً لبي بكر في وصيته عائشة ابنته رضي الله عنهممما فممي‬
‫شأن ما نحلها من أوسق التمممر مممن حممديقته ثممم نبههمما علممى‬
‫جذاذه لتحوزه عن الورثة فقال في سياق كلمممه و إنممما هممما‬
‫أخممواك و أختمماك فقممالت‪ :‬إنممما هممي أسممماء فمممن الخممرى ؟‬
‫فقال‪ :‬إن ذا بطن بنت خارجة أراها جارية فكانت جارية وقممع‬
‫في الموطإ في باب ما ل يجوز من النحل و مثل هذه الوقائع‬
‫كثيرة لهم و لمن بعدهم من الصالحين و أهل القتممداء إل أن‬
‫أهل التصوف يقولون إنممه يقممل فممي زمممن النبممؤة إذ ل يبقممى‬
‫للمريد حالة بحضرة النبي حممتى أنهممم يقولممون إن المريممد إذا‬
‫جاء للمدينة النبوية يسلب حاله ما دام فيهمما حممتى يفارقهمما و‬
‫الله يرزقنا الهداية و يرشدنا إلى الحق‪.‬‬
‫و من هؤلء المريدين من المتصمموفة قمموم بهاليممل معتوهممون‬
‫أشبه بالمجانين من العقلء و هممم مممع ذلممك قممد صممحت لهممم‬
‫مقامات الولية و أحوال الصديقين و علم ذلك مممن أحمموالهم‬
‫من يفهم عنهم من أهل الذوق مع أنهممم غيممر مكلفيممن و يقممع‬
‫لهم من الخبار عن المغيبات عجائب لنهم ل يتقيدون بشيء‬
‫فيطلقون كلمهم في ذلك و يأتون منه بالعجائب و ربما ينكر‬
‫الفقهاء أنهم على شيء من المقامات لما يرون من سممقوط‬
‫التكليف عنهم و الولية ل تحصل إل بالعبادة و هو غلممط فممإن‬
‫فضل الله يؤتيه من يشمماء و ل يتوقممف حصممول الوليممة علممى‬
‫العبادة و ل غيرها و إذا كانت النفس النسممانية ثابتممة الوجممود‬
‫فالله تعالى يخصها بما شاء مممن مممواهبه و هممؤلء القمموم لممم‬
‫تعدم نفوسهم الناطقممة و ل فسممدت كحممال المجممانين و إنممما‬
‫فقد لهم العقل الذي ينمماط بممه التكليممف و هممي صممفة خاصممة‬
‫للنفس و هي علوم ضروية للنسان يشتد بها نظره و يعممرف‬
‫أحوال معاشه و استقامة منزله و كأنة إذا ميز أحوال معاشه‬
‫و استقامة منزله لم يبق له عذر في قبول التكمماليف لصمملح‬
‫معاده و ليس من فقد هذه الصفة بعاقممل لنفسممه و ل ذاهممل‬
‫عن حقيقته فيكون موجود الحقيقة معممدوم العقممل التكليفممي‬
‫الذي هو معرفة المعاش و ل استحالة فممي ذلممك و ل يتوقممف‬
‫اصطفاء الله عباده للمعرفة على شمميء مممن التكمماليف و إذا‬
‫صح ذلك فأعلم أنه ربما يلتبس حال هممؤلء بالمجممانين الممذين‬
‫تفسممد نفوسممهم الناطقممة و يلتحقممون بالبهممائم و لممك فممي‬
‫تمييزهم علمات منهمما أن هممؤلء البهاليمل ل تجممد لهممم وجهممة‬
‫أصمل ً و منهمما أنهممم يخلقممون علممى البلممه مممن أول‪ ،‬نشممأتهم و‬
‫المجانين يعرض لهم الجنون بعممد مممدة مممن العمممر لعمموارض‬
‫بدنية طبيعية فإذا عرض لهم ذلك و فسدت نفوسهم الناطقة‬
‫ذهبوا بالخيبة و منها كثرة تصرفهم في الناس بالخير و الشممر‬
‫لنهممم ل يتوقفممون علممى إذن لعممدم التكليممف فممي حقهممم و‬
‫المجانين ل تصرف لهم و هذا فصممل انتهممى بنمما الكلم إليممه و‬
‫الله المرشد للصواب‪.‬‬
‫و قد يزعم بعض الناس أن هنا مدارك للغيب مممن دون غيبممة‬
‫عن الحس فمنهم المنجمون القممائلون بالممدللت النجوميممة و‬
‫مقتضى أوضاعها في الفلك و آثارها في العناصر و ما يحصل‬
‫من المتزاج بين طباعها بالتناظر و يتممأدى مممن ذلممك المممزاج‬
‫إلى الهواء و هؤلء المنجمون ليسمموا مممن الغيممب فممي شمميء‬
‫إنممما هممي ظنممون حدسممية و تخمينممات مبنيممة علممى التممأثير‬
‫النجومية و حصول المزاج منه للهواء مع مزيممد حممدس يقممف‬
‫به الناظر على تفصيله في الشخصيات في العالم كممما قمماله‬
‫بطليموس و نحن نبين بطلن ذلك في محله إن شمماء اللممه و‬
‫هؤلء لو ثبت فغايته حدس و تخمين و ليس مما ذكرنمماه فممي‬
‫شمميء‪ .‬و مممن هممؤلء قموم مممن العامممة اسممتنبطوا لسممتخراج‬
‫الغيب و تعرف الكائنات صناعة سموها خط الرمل نسبة إلى‬
‫المادة التي يضممعون فيهمما عملهممم و محصممول هممذه الصممناعة‬
‫أنهممم صمميروا مممن النقممط أشممكال ً ذات أربممع مراتممب تختلممف‬
‫بماختلف مراتبهما فمي الزوجيمة و الفرديمة و اسمتوائها فيهمما‬
‫فكالت ستة عشر شكل ً لنها إن كانت أزواجا ً كلهمما أو أفممرادا ً‬
‫كلها فشكلن و إن كان الفرد فيهما في مرتبممة واحممدة فقممط‬
‫فأربعة أشكال و إن كان الفرد في مرتبتين فسممتة أشممكال و‬
‫إن كان في ثلث مراتب فأربعممة أشممكال جمماءت سممتة عشممر‬
‫شكل ميزوها كلها بأسمممائها و أنواعهمما إلممى سممعود و نحمموس‬
‫شأن الكواكب و جعلوا لها ستة عشر بيتا ً طبيعيممة يزعمهممم و‬
‫كأنها البروج الثنا عشر التي للفلك و الوتاد الربعة و جعلمموا‬
‫لكممل شممكل منهمما بيت ما ً و خطوطمًا‪ ،‬و دللممة علممى صممنف مممن‬
‫موجودات عالم العناصر يختص به و استنبطوا مممن ذلممك فنمما‬
‫حاذوا بممه فممن النجامممة و نمموع فصممائه إل أن أحكممام النجامممة‬
‫مستندة إلى أوضاع طبيعية كما يزعم بطليموس و هذه إنممما‬
‫مستندها أوضاع تحكيمية و أهواء اتفاقية و ل دليل يقوم على‬
‫شيء منها و يزعمون أن أصل ذلك من النبؤات القديمة فممي‬
‫العالم و ربما نسبوها إلى دانيال أو إلى إدريس صلوات اللممه‬
‫عليهممما شممأن الصممنائع كلهمما و ربممما يممدعون مشممروعيتها و‬
‫يحتجون بقوله صلى الله عليه و سلم‪ :‬كان نممبي يخممط فمممن‬
‫وافق خطة فذاك و ليس في الحديث دليممل علممى مشممروعية‬
‫خط الرمل كما يزعمه بعض مممن ل تحصمميل لممديه لن معنممى‬
‫الحديث كان نممبي يخممط فيمأتيه المموحي عنممد ذلممك الخممط و ل‬
‫استحالة في أن يكون ذلك عادة لبعممض النبيمماء فمممن وافممق‬
‫خطة ذلك النبي فهو ذاك أي فهو صحيح من بيممن الخممط بممما‬
‫عضده من الموحي لمذلك النمبي المذي كمانت عمادته أن يمأتيه‬
‫الوحي عند الخط و أما إذا أخذ ذلممك مممن الخممط مجممردا ً مممن‬
‫غير موافقة وحي فل و هذا معنى الحديث و الله أعلممم‪ .‬فممإذا‬
‫أرادوا استخراج مغيب بزعمهم عمدوا إلى قرطاس أو رمممل‬
‫أو دقيق فوضعوا النقط سطورا ً على عدد المراتب الربع ثممم‬
‫كرروا ذلك أربع مرات فتجيء ستة عشر سطرا ً ثم يطرحون‬
‫النقط أزواجا ً و يضعون ما بقى من كل سممطر زوج ما ً كممان أو‬
‫فردا ً في مرتبته على الترتيب فتجيء أربعة أشكال يضممعونها‬
‫في سطر متتالية ثم يولدون منها أربعممة أشممكال أخممرى مممن‬
‫جالب العرض باعتبار كل مرتبة و ما قابلها ممن الشمك المذي‬
‫بممإزائه و ممما يجتمممع منهممما مممن زوج أو فممرد فتكممون ثمانيممة‬
‫أشكال موضوعة في سطر ثم يولدون من كل شكلين شكل ً‬
‫تحتهما باعتبار ما يجتمع في كل مرتبة من مراتممب الشممكلين‬
‫أيضا ً من زوج أو فرد فتكون أربعة أخممرى تحتهمما ثممم يولممدون‬
‫من الربعة شكلين كممذلك تحتهمما مممن الشممكلين شممكل ً كممذلك‬
‫تحتهما ثم من هذا الشكل الخامس عشممر مممع الشممكل الول‬
‫شكل ً يكون أخر الستة عشر ثم يحكمون على الخط كله بممما‬
‫اقتضته أشكاله من السعودة و النحوسممة بالممذات و النظممر و‬
‫الحلول و المتزاج و الدللة على أصناف الموجودات و سممائر‬
‫ذلممك تحكم ما ً غريب ما ً و كممثرت هممذه الصممناعة فممي العمممران و‬
‫وضعت فيها التآليف و اشتهر فيهمما العلم مممن المتقممدمين و‬
‫المتأخرين و هي كما رأيممت تحكممم و همموى و التحقيممق الممذي‬
‫ينبغي أن يكممون نصممب فكممرك أن الغيمموب ل تممدرك بصممناعة‬
‫البتمممة و ل سمممبيل إلمممى تعرفهممما إل للخمممواص ممممن البشمممر‬
‫المفطورين على الرجوع من عالم الحس إلى عالم الممروح و‬
‫لذلك يسمى المنجمون هذا الصممنف كلهممم بممالزهريين نسممبة‬
‫إلى ما تقتضيه دللممة الزهممرة بزعمهممم فممي أصممل مواليممدهم‬
‫على إدراك الغيب فالخط و غيمره ممن هممذه أن كمان النمماظر‬
‫فيه من أهل هذه الخاصية و قصممد بهممذه المممور الممتي ينظممر‬
‫فيها ممن النقمط أو العظمام أو غيرهما إشمغال الحمس لمترجع‬
‫النفس إلى عالم الروحانيات لحظة ما‪ ،‬فهو من باب الطممرق‬
‫بالحصى و النظر في قلوب الحيوانات و المرايا الشفافة كما‬
‫ذكرناه‪ .‬و أن لم يكن كذلك و إنما قصد معرفممة الغيممب بهممذه‬
‫الصناعة و أنها تفيده ذلك فهمذر ممن القمول و العممل و اللمه‬
‫يهدي من يشاء‪ .‬و العلمة لهذه الفطرة التي فطر عليها أهل‬
‫هذا الدراك الغيبي أنهم عنممد تمموجههم إلممى تعممرف الكائنممات‬
‫يعتريهم خروج عن حممالتهم الطبيعيممة كالتثمماؤب و التمطممط و‬
‫مبادىء الغيبة عمن الحمس و يختلمف ذلمك بمالقوة و الضمعف‬
‫على اختلف وجودها فيهم فمممن لممم توجممد لممه هممذه العلمممة‬
‫فليس من إدراك الغيب في شيء و إنما هو ساع في تنفيممق‬
‫كذبه‪.‬‬
‫فصل‬
‫و منهم طوائف يضعون قوانين لستخراج الغيب ليسممت مممن‬
‫الطور الول الذي هو من مدارك النفممس الروحانيممة و ل مممن‬
‫الحدس المبني على تأثيرات النجوم كما زعمه بطليممموس و‬
‫ل من الظن و التخمين الممذي يحمماول عليممه العرافممون و إنممما‬
‫هي مغالط يجعلونها كالمصائد لهممل العقممول المستضممعفة و‬
‫لست أذكر من ذلك إل ما ذكره المصنفون و ولع به الخواص‬
‫فمن تلك القوانين الحساب الذي يسمونه حساب النيم و هو‬
‫مذكور في آخر كتاب السياسة المنسوب لرسطو يعرف بممه‬
‫الغالب من المغلوب فممي المتحمماربين مممن الملمموك و هممو أن‬
‫تحسممب الحممروف الممتي فممي اسممم أحممدهما بحسمماب الجمممل‬
‫المصطلح عليه في حروف أبجد من الواحد إلى اللف آحممادا ً‬
‫و عشرات و مئين وألوفا ً فممإذا حسممبت السممم و تحصممل لممك‬
‫منه عدد فاحسب اسم الخر كذلك ثم اطرح مممن كممل واحممد‬
‫منهما تسممعة و احفممظ بقيممة هممذا و بقيممة هممذا ثممم انظممر بيممن‬
‫العددين البمماقيين مممن حسمماب السمممين فممإن كممان العممددان‬
‫مختلفين في الكمية وكانا معا زوجين أو فردين معًا‪ .‬فصاحب‬
‫القل منهما هو الغالب و إن كان أحدهما زوجا ً و الخر فممردا ً‬
‫فصاحب الصغر هو الغالب و أن كانا متساويين في الكمية و‬
‫هما معا زوجان فالمطلوب هو الغالب و إن كانما معما ً فرديمن‬
‫فالطالب هممو الغممالب و يقممال هنالممك بيتممان فممي هممذا العمممل‬
‫اشتهرا بين الناس و هما‪:‬‬
‫و أكثرها عند التحالف‬ ‫أرى الزوج و الفراد يسمو اقلها‬
‫غالب‬
‫و عند استواء الفرد‬ ‫و يغلب مطلوب إذا الزوج يستوي‬
‫يغلب طالب‬
‫ثم وضعوا لمعرفة ما بقى من الحمروف بعمد طرحهما بتسمعة‬
‫قانونا ً معروفا ً عندهم فممي طممرح تسممعة و ذلممك أنهممم جمعمموا‬
‫الحروف الدالة علممى الواحممد فممي المراتممب الربممع و هممي )ا(‬
‫الدالة على الواحد وهي )ي( الدالة على العشرة و هي واحد‬
‫في مرتبة العشرات و)ق( الدالة على المائة لنها واحممد فممي‬
‫مرتبة المئين و )ش( الدالة على اللف لنها واحد في منزلممة‬
‫اللف و ليس بعد اللف عدد يدل عليه بالحروف لن الشممين‬
‫هي آخر حروف أبجممد ثممم رتبمموا هممذه الحممرف الربعممة علممى‬
‫نسق المراتب فكان منهمما كلمممة رباعيممة و هممي )ايقممش( ثممم‬
‫فعلوا ذلك بالحروف الدالة على اثنين في المراتممب الثلث و‬
‫أسقطوا مرتبة اللف منها لنها كانت آخر حروف أبجد فكان‬
‫مجموع حروف الثنيممن فممي المراتممب الثلث ثلثممة حممروف و‬
‫هي )ب( الدالة على اثنين في الحاد و )ك( الدالة على اثنين‬
‫في العشرات و هممي عشممرون و )ر( الدالممة علممى اثنيممن فممي‬
‫المئين و هي مائتان و صيروها كلمة واحدة ثلثة علممى نسممق‬
‫المراتب و هي بكر ثم فعلوا ذلك بالحروف الدالة على ثلثممة‬
‫فنشأت عنها كلمة جلمس و كمذلك إلمى آخممر حمروف أبجمد و‬
‫صارت تسع كلمات نهاية عدد الحاد و هي ايقش بكر جلممس‬
‫دمت هنث و صخ زعد حفظ طضغ مرتبة على توالى العممداد‬
‫و لكل كلمة منها عددها الذي هي في مرتبته فالواحد لكلمممة‬
‫ايقش و الثنان لكلمة بكر و الثلثة لكلمة جلس و كذلك إلى‬
‫التاسعة التي هي طضغ فتكون لها التسعة فممإذا أرادوا طممرح‬
‫السم بتسعة نظروا كل حرف منه في أي كلمة هو من هممذه‬
‫الكلمممات و أخممذوا عممددها مكممانه ثممم جمعمموا العممداد الممتي‬
‫يأخممذونها بممدل ً مممن حممروف السممم فممإن كممانت زائدة علممى‬
‫التسمية أخذوا ما فضل عنها و إل أخذوه كما هو ثممم يفعلممون‬
‫كذلك بالسم الخر و ينظرون بيممن الخممارجين بممما قممدمناه و‬
‫السر في هذا بين و ذلك أن الباقي من كل عقممد مممن عقممود‬
‫العداد بطرح تسعة إنما هو واحد فكممأنه يجمممع عممدد العقممود‬
‫خاصة من كل مرتبممة فصممارت أعممداد العقممود كأنهمما آحمماد فل‬
‫فرق بين الثنين و العشرين و المائتين و اللفين و كلها اثنين‬
‫و كذلك الثلثممة و الثلثممون و الثلثمممائة و الثلثممة اللف كلهمما‬
‫ة فوضممعت العممداد علممى التمموالي دالممة علممى أعممداد‬ ‫ة ثلث ً‬
‫ثلث ً‬
‫العقود ل غير و جعلت الحروف الدالممة علممى أصممناف العقممود‬
‫في كل كلمة مممن الحمماد و العشممرات و المئيممن و اللمموف و‬
‫صار عدد الكلمة الموضوع عليهمما نائب ما ً عممن كممل حممرف فيهمما‬
‫سواء دل على الحاد أو العشرات أو المئين فيؤخذ عممدد كممل‬
‫كلمة عوضا ً من الحروف التي فيها و تجمع كلهمما إلممى آخرهمما‬
‫كما قلناه هممذا هممو العمممل المتممداول بيممن النمماس منممذ المممر‬
‫القديم و كان بعض من لقيناه من شمميوخنا يممرى أن الصممحيح‬
‫فيها كلمممات أخممرى تسممعة مكممان هممذه و متواليممة كتواليهمما و‬
‫يفعلون بها في الطرح بتسعة مثل ما يفعلونه بالخرى سممواء‬
‫و هي هذه ارب يسقك جزلط مدوص هممف تحممذن عممش خممع‬
‫ثضظ تسع كلمات على توالي‪ ،‬العدد و لكل كلمة منها عددها‬
‫الذي في مرتبته فيها الثلثممي و الربمماعي و الثنممائي و ليسممت‬
‫جارية على أصل مطرد كما تراه لكن كممان شمميوخنا ينقلونهمما‬
‫عن شيخ المغرب في هذه المعارف مممن السمميمياء و أسممرار‬
‫الحروف و النجامة و هو أبو العباس بن البناء و يقولممون عنممه‬
‫أن العمل بهذه الكلمات في طممرح حسمماب النيممم أصممح مممن‬
‫العمل بكلمممات ايقممش و اللممه يعلممم كيممف ذلممك و هممذه كلهمما‬
‫مدارك للغيب غير معروف أرسطو عنممد المحققيممن لممما فيممه‬
‫من الراء البعيدة عممن التحقيممق و البرهممان يشممهد لممك بممذلك‬
‫تصممفحه إن كنممت مممن أهممل الرسمموخ‪ .‬و مممن هممذه القمموانين‬
‫الصناعية لستخراج الغيوب فيما يزعمون الزايرجة المسماة‬
‫بزايرجممة العممالم‪ ،‬المعممزوة إلممى أبممي العبمماس سمميدي أحمممد‬
‫السبتي من أعلم المتصوفة بالمغرب كممان فممي آخممر المممائة‬
‫السادسة بمراكش و لعهد أبي يعقمموب المنصممور مممن ملمموك‬
‫الموحدين و هي غريبة العمل صممناعة‪ .‬و كممثير مممن الخممواص‬
‫يولعممون بإفممادة الغيممب منهمما بعملهمما المعممروف الملغمموز‬
‫فيحرضون بذلك على حل رمزه و كشف غامضممه‪ .‬و صممورتها‬
‫التي يقع العمل عندهم فيها دائرة عظيمممة فممي داخلهمما دوائر‬
‫متوازية للفلك و العناصر و المكونممات و الروحانيممات و غيممر‬
‫ذلك مممن أصممناف الكائنممات و العلمموم و كممل دائرة مقسممومة‬
‫بأقسام فلكها إما البروج و إما العناصر أو غيرهممما و خطمموط‬
‫كل قسم مارة إلى المركز و يسمونها الوتار و على كل وتممر‬
‫حروف متتابعممة موضمموعة فمنهمما برشمموم الزمممام الممتي هممي‬
‫أشكال العداد عند أهل الدواوين و الحسمماب بممالمغرب لهممذا‬
‫العهد و منها برشوم الغبار المتعارفة فممي داخممل الزايرجممة و‬
‫بين الدوائر أسماء العلمموم و مواضممع الكمموان و علممى ظمماهر‬
‫الدوائر جدول متكثر البيوت المتقاطعة طول ً و عرضا ً يشتمل‬
‫على خمسممة و خمسممين بيتما ً فممي العممرض و مممائة و واحممد و‬
‫ثلثين في الطول جوانب منه معمورة البيوت تممارة بالعممدد و‬
‫أخرى بالحروف و جوانب خالية البيوت و ل تعلممم نسممبة تلممك‬
‫العممداد فممي أو ضمماعها و ل القسمممة الممتي عينممت الممبيوت‬
‫العامرة من الخاليممة و حافممات الزايزجممة أبيممات مممن عممروض‬
‫الطويل على روي اللم المنصوبة تتضمن صورة العمممل فممي‬
‫استخراج المطلوب من تلك الزايرجة إل أنها من قبيل اللغاز‬
‫في عدم الوضوح و الجلء و في بعض جوانب الزايرجة بيممت‬
‫من الشعر منسوب لبعض أكابر أهل الحدثان بالمغرب و هممو‬
‫مالك بن وهيب من علماء أشبيلية كان في الدولممة اللمتونيممة‬
‫و نص البيت‬
‫غرائب شك ضبطه‬ ‫سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن‬
‫الجد مثل‬
‫و هو البيت المتداول عندهم فممي العمممل لسممتخراج الجممواب‬
‫من السؤال في هذه الزايرجة و غيرها فممإذا أرادوا اسممتخراج‬
‫الجواب عما يسأل عنه مممن المسممائل كتبمموا ذلممك السممؤال و‬
‫قطعوه حروفا ً ثم أخذوا الطالع لذلك الوقت من بروج الفلك‬
‫و درجها و عمدوا إلى الزايرجة ثم إلمى الموتر المكتنمف فيهما‬
‫بالبرج الطممالع مممن أولممه مممارا ً إلممى المركممز ثممم إلممى محيممط‬
‫الدائرة قبالة الطالع فيأخذون جميع الحروف المكتوبممة عليممه‬
‫من أوله إلى آخره و العممداد المرسممومة بينهممما و يصمميرونها‬
‫حروفا ً بحساب الجمل و قد ينقلون آحادهمما إلممى العشممرات و‬
‫عشراتها إلى المئيممن و بممالعكس فيهممما كممما يقتضمميه قممانون‬
‫العمل عندهم و يضعونها مع حروف السؤال و يضمميفون إلممى‬
‫ذلك جميع ما على الوتر المكتنف بالبرج الثممالث مممن الطممالع‬
‫مممن الحممروف و العممداد مممن أولممه إلممى المركممز فقممط ل‬
‫يتجاوزونه إلى المحيط و يفعلون بالعداد ما فعلمموه بممالول و‬
‫يضيفونها إلى الحروف الخممرى ثممم يقطعممون حممروف الممبيت‬
‫الذي هو أصل العمل و قمانونه عنمدهم و همو بيمت مالمك بمن‬
‫وهيب المتقدم و يضعونها ناحية ثم يضربون عدد درج الطالع‬
‫في أس البرج و أسه عندهم هو بعد البرج عن آخر المراتممب‬
‫عكس ما عليه الس عند أهل صناعة الحسمماب فممانه عنممدهم‬
‫البعد عن أول المراتب ثم يضممربونه فممي عممدد آخممر يسمممونه‬
‫الس الكبر و الدور الصمملي و يممدخلون بممما تجمممع لهممم مممن‬
‫ذلممك فممي بيمموت الجممدول علممى قمموانين معروفممة و أعمممال‬
‫ممممذكورة و أدوار معمممدودة و يسمممتخرجون منهممما حروفممما ً و‬
‫يسقطون أخرى و يقممابلون بممما معهممم فممي حممروف الممبيت و‬
‫ينقلون منه ما ينقلممون إلممى حممروف السممؤال و ممما معهمما ثممم‬
‫يطرحممون تلممك الحممروف بأعممداد معلومممة يسمممونها الدوار و‬
‫يخرجممون فممي كممل دور الحممرف الممذي ينتهممي عنممده الممدور و‬
‫يعاودون ذلك بعدد الدوار المعينة عندهم لذلك فيخرج آخرها‬
‫حروف متقطعة و تؤلف على التوالي فتصير كلمات منظومة‬
‫في بيت واحد على وزن البيت الذي يقابل به العمممل و رويممه‬
‫و هو بيت مالك ابن وهيب المتقدم حسبما نذكر ذلك كله في‬
‫فصل العلوم عند كيفية العمل بهذه الزايرجة و قد رأينا كثيرا ً‬
‫مممن الخممواص يتهممافتون علممى اسممتخراج الغيممب منهمما بتلممك‬
‫العمال و يحسبون أن ما وقع من مطابقة الجممواب للسممؤال‬
‫في توافق الخطاب دليل على مطابقممة الواقممع و ليممس ذلممك‬
‫بصحيح لنه قد مر لك أن الغيب ل يدرك بأمر صناعي البتة و‬
‫إنما المطابقة الممتي فيهمما بيممن الجممواب و السممؤل مممن حيممث‬
‫الفهام و التوافق في الخطاب حتى يكون الجواب مسممتقيما ً‬
‫أو موافقا ً للسؤال و وقوع ذلك في هذه الصناعة في تكسممير‬
‫الحممروف المجتمعممة مممن السممؤال و الوتممار و الممدخول فممي‬
‫الجدول بالعداد المجتمعة مممن ضممرب العممداد المفروضممة و‬
‫استخراج الحروف من الجدول بذلك و طرح أخرى و معاودة‬
‫ذلك في الدوار المعدودة و مقابلة ذلك كلممه بحممروف الممبيت‬
‫على التوالي غير مستنكر و قد يقع الطلع من بعض الذكياء‬
‫على تناسممب بيممن هممذه الشممياء فيقممع لممه معرفممة المجهممول‬
‫فالتناسب بين الشياء هو سبب الحصول على المجهول مممن‬
‫المعلوم الحاصل للنفس و طريممق لحصمموله سمميما مممن أهممل‬
‫الرياضة فإنها تفيممد العقممل قمموة علممى القيمماس و زيممادة فممي‬
‫الفكر و قد مر تعليل ذلك غير مرة و مممن أجممل هممذا المعنممى‬
‫ينسممبون هممذه الزايرجممة فممي الغممالب لهممل الرياضممة فهممي‬
‫منسوبة للسبتي و لقد وقفت على أخرى منسوبة لسهل بممن‬
‫عبممد اللممه و لعمممري إنهمما مممن العمممال الغريبممة و المعانمماة‬
‫العجيبممة‪ .‬و الجممواب الممذي يخممرج منهمما فالسممر فممي خروجممه‬
‫منظوما ً يظهر لي إنما هو المقابلة بحروف ذلك البيت و لهذا‬
‫يكون النظم على وزنه و رويه و يدل عليه أنا و جممدنا أعمممال ً‬
‫أخرى لهم في مثل ذلك أسقطوا فيهمما المقابلممة بممالبيت فلممم‬
‫يخرج الجواب منظوما ً كما تممراه عنممد الكلم علممى ذلممك فممي‬
‫موضعه و كثير من الناس تضيق مداركهم عن التصديق بهممذا‬
‫العمل و نفوذه إلى المطلمموب فينكممر صممحتها و يحسممب أنهمما‬
‫مممن التخيلت و اليهامممات و أن صمماحب العمممل بهمما يثبممت‬
‫حروف البيت الذي ينظمه كما يريد بين أثناء حروف السممؤال‬
‫و أن الوتار و يفعل تلك الصناعات على غير نسبة و ل قانون‬
‫ثممم يجيممء بممالبيت و يمموهم أن العمممل جمماء علممى طريقيممن‬
‫منضبطة و هذا الحسبان توهم فاسد حمل عليه العقول عممن‬
‫فهم التناسب بين الموجودات و المعممدومات و التفمماوت بيممن‬
‫المدارك و العقول و لكن من شأن كل مدرك إنكار ما ليممس‬
‫في طوقه إدراكه و يكفينا في رد ذلك مشاهدة العمممل بهممذه‬
‫الصناعين و الحممدس القطعممي فإنهمما جمماءت بعمممل مطممرد و‬
‫قانون صحيح ل مرية فيه عند من يباشر ذلك ممن له ذكاء و‬
‫حدس و إذا كان كثير من المعاياة في العدد الذي هممو أوضممح‬
‫الواضممحات يعسممر علممى الفهممم إدراكممه لبعممد النسممبة فيممه و‬
‫خفائها فما ظنك بمثل هممذا مممع خفمماء النسممبة فيممه و غرابتهمما‬
‫فلنذكر مسئلة من المعاياة يتضح لممك بهمما شمميء مممما ذكرنمما‬
‫مثاله لو قيل لك أخذت عددا ً من الدراهم و اجعل بممإزاء كممل‬
‫درهم ثلثة من الفلمموس ثممم الجمممع الفلمموس الممتي أخممذت و‬
‫اشتر بها طائرا ً ثم اشممتر بالممدراهم كلهمما طيممورا ً بسممعر ذلممك‬
‫الطائر فكم الطيور المشتراة بالدراهم فجوابه أن تقول هممي‬
‫تسعة لنك تعلم أن فلمموس الممدراهم أربعممة و عشممرون و أن‬
‫الثلثة ثمنها و أن عدة أثمان الواحد ثمانية فإذا جمعت الثمن‬
‫من الدراهم إلممى الثمممن الخممر فكممان كلممه ثمممن طممائر فهممي‬
‫ثمانية طيور عدة أثمان الواحد و تزيممد علممى الثمانيممة طممائرا ً‬
‫آخمر و هممو المشممترى بمالفلوس الممأخوذة أول ً و علممى سمعر‬
‫اشتريت بالدراهم فتكون تسعة فممأنت تممرى كيممف خممرج لممك‬
‫الجواب المضمر بسر التناسب الممذي بيممن أعممداد المسممئلة و‬
‫الوهم أول ما يلقي إليك هذه و أمثالها إنما يجعلممه مممن قبيممل‬
‫الغيب الذي ل يمكن معرفته و ظهر أن التناسب بيممن المممور‬
‫هو الذي يخممرج مجهولهمما مممن معلومهمما و هممذا إنممما هممو فممي‬
‫الواقعممات الحاصمملة فممي الوجممود أو العلممم و أممما الكائنممات‬
‫المستقبلة إذا لممم تعلممم أسممباب وقوعهمما و ل يثبممت لهمما خممبر‬
‫صادق عنها فهو غيب ل يمكن معرفته لممم إذا تممبين لممك ذلممك‬
‫فالعمال الواقعة في الزايرجة كلها إنمما همي فمي اسمتخراج‬
‫الجواب من ألفاظ السؤال لنها كما رأيممت اسممتنباط حممروف‬
‫على ترتيب من تلك الحروف بعينها على ترتيممب آخممر و سممر‬
‫ذلك إنما هو من تناسب بينهما يطلممع عليممه بعممض دون بعممض‬
‫فمن عرف ذلك التناسب تيسر عليه استخراج ذلممك الجممواب‬
‫يتلك القوانين و الجواب يدل في مقام آخر من حيث موضوع‬
‫ألفاظه و تراكيبه على وقوع أحد طرفي السؤال من نفممي أو‬
‫إثبات و ليس هذا من المقام الول بممل إنممما يرجممع لمطابقممة‬
‫الكلم لما في الخارج و ل سبيل إلى معرفممة ذلممك مممن هممذه‬
‫العمال بل البشر محجوبون عنه و قد اسممتأثر اللممه بعلمممه و‬
‫الله يعلم و أنتم ل تعلمون‪.‬‬

‫الباب الثاني في العمران البدوي و المم الوحشممية‬


‫و القبائل و ما يعرض فممي ذلممك مممن الحمموال و‬
‫فيممه فصممول و تمهيممدات الفصممل الول فممي أن‬
‫أجيال البدو و الحضر طبيعية‬
‫إعلممم أن اختلف الجيممال فممي أحمموالهم إنممما هممو بمماختلف‬
‫نحلتهم في المعاش فممإن اجتممماعهم إنممما هممو للتعمماون علممى‬
‫تحصمميله و البتممداء بممما هممو ضممروري منعممه و نشمميطه قبممل‬
‫الحاجي و الكمالي فمنهم من يستعمل الفلح من الغراسممة و‬
‫الزراعة و منهم من ينتحل القيام على الحيمموان مممن الغنممم و‬
‫البقر و المعز و النحل و الدود لنتاجهمما واسممتخراج فضمملتها و‬
‫هؤلء القائمون على الفلح و الحيوان تممدعوهم الضممرورة و ل‬
‫بد إلى البدو لنه متسع لما ل يتسع له الحواضر من المممزارع‬
‫و الفممدن و المسممارح للحيمموان و غيممر ذلممك فكممان اختصمماص‬
‫هممؤلء بالبممدو أمممرا ً ضممروريا لهممم و كممان حينئذ اجتممماعهم و‬
‫تعاونهم في حاجمماتهم و معاشممهم و عمرانهممم مممن القمموت و‬
‫الكن و الدفء إنما هو بالمقدار الذي يحفظ الحياة و يحصممل‬
‫بلغة العيش من غير مزيد عليه للعجز عممما وراء ذلممك ثممم إذا‬
‫اتسعت أحوال هؤلء المنتحلين للمعاش و حصل لهم ما فوق‬
‫الحاجة من الغنى و الرفه دعاهم ذلك إلى السكون و الدعممة‬
‫و تعاونوا في الزائد على الضرورة و استكثروا من القوات و‬
‫الملبس و التأنق فيها و توسعة البيوت و اختطمماط المممدن و‬
‫المصار للتحضر ثم تزيد أحوال الرفه و الدعة فتجيء عمموائد‬
‫الترف البالغة مبالغها في التأنق في علج القوت و اسممتجادة‬
‫المطابخ و التقاء الملبس الفاخرة في أنواعها من الحريممر و‬
‫الممديباج و غيممر ذلممك و معممالة الممبيوت و الصممروح و إحكممام‬
‫وضعها في تنجيدها و النتهاء فممي الصممنائع فممي الخممروج مممن‬
‫القوة إلى الفعل إلى غايتهمما فيتخممذون القصممور و المنممازل و‬
‫يجممرون فيهمما الميمماه و يعممالون فممي صممرحها و يبممالغون فممي‬
‫تنجيدها و يختلفون في استجادة ممما يتخممذونه لمعاشممهم مممن‬
‫ملبوس أو فممراش أو آنيممة أو ممماعون و هممؤلء هممم الحصممر و‬
‫معناه الحاضرون أهممل المصممار و البلممدان و مممن هممؤلء مممن‬
‫ينتحل معاشه الصممنائع و منهممم مممن ينتحممل التجممارة و تكممون‬
‫مكاسبهم أنمى و أرفه من أهل البدو لن أحوالهم زائدة على‬
‫الضروري و معاشهم على نسبة و جدهم فقد تبين أن أجيممال‬
‫البدو و الحضر طبيعية ل بد منها كما قلناه‪.‬‬

‫الفصل الثاني في أن جيل العرب في الخليقة‬


‫طبيعي‬
‫قممد قممدمنا فممي الفصممل قبلممه أن أهممل البممدر هممم المنتحلممون‬
‫للمعاش الطمبيعي ممن الفلمح و القيمام علمى النعمام و أنهمم‬
‫مقتصمممرون علمممى الضمممروري ممممن القممموات و الملبمممس و‬
‫المساكن و سائر الحمموال و العمموائد و مقصممرون عممما فمموق‬
‫ذلك من حاجى أو كمالي يتخذون البيوت من الشعر و المموبر‬
‫أو الشجر أو من الطين و الحجارة غير منجدة إنما هممو قصممد‬
‫السممتظلل والكممن ل ممما وراءه و قممد يممأوون إلممى الغيممران و‬
‫الكهموف و أمما أقمواتهم فيتنماولون بهما يسميرا ً بعلج أو بغيمر‬
‫علج البتة إل ممما مسممته النممار فمممن كممان معاشممه منهممم فممي‬
‫الزراعة و القيام بالفلح كان المقمام بمه أولمى ممن الظعمن و‬
‫هؤلء سكان المدر و القممرى و الجبممال و هممم عامممة الممبربر و‬
‫العاجم و من كان معاشه في السممائمة مثممل الغنممم و البقممر‬
‫فهم ظعن في الغلب لرتيمماد المسممارح و الميمماه لحيوانمماتهم‬
‫فممالتقلب فممي الرض أصمملح بهممم و يسمممون شماوية و معنمماه‬
‫القائمون على الشاه و البقر و ل يبعدون في القفممر لفقممدان‬
‫المسارح الطيبة و هؤلء مثل البربر و الترك و إخمموانهم مممن‬
‫التركمان و الصقالبة و أما من كان معاشهم فممي البممل فهممم‬
‫أكثر ظغنا ً و أبعد في القفر مجال ً لن مسارح التلول و نباتهمما‬
‫و شجرها ل يستغني بها البل في قمموام حياتهمما عممن مراعممي‬
‫الشجر بالقفر وورود مياهه الملحممة و التقلممب فصممل الشممتاء‬
‫في نممواحيه فممرارا ً مممن أذى الممبرد إلممى دفممء همموائه و طلبما ً‬
‫لماخض النتاج في رممماله إذ البممل أصممعب الحيمموان فصممال ً و‬
‫مخاضا ً و أحوجها في ذلك إلى الممدفء فاضممطروا إلممى إبعمماد‬
‫النجعة و ربما زادتهم الحامية عن التلممول أيضما ً فممأوغلوا فممي‬
‫القفار نفرة عن الضعة منهم فكانوا لذلك أشد الناس توحشا ً‬
‫و ينزلون من أهل الحواضر منزلة الوحش غير المقدور عليه‬
‫و المفترس من الحيمموان العجممم و هممؤلء هممم العممرب و فممي‬
‫معناهم ظعون البربر و زناتة بالمغرب له الكراد و التركمممان‬
‫و الترك بالمشرق إل أنا العرب أبعد نجعة و أشد بداوة لنهم‬
‫مختصون بالقيام على البل فقط و هممؤلء يقوممموني عليهمما و‬
‫علممى الشممياه و البقممر معهمما فقممد تممبين لممك أن جيممل العممرب‬
‫طبيعي ل بد منه في العمران و الله سبحانه و تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثالث في أن البدو أقدم من الحضر و‬


‫سابق عليه و أن البادية أصل العمران و‬
‫المصار مدد لها‬
‫قممد ذكرنمما أن البممدو هممم المقتصممرون علممى الضممروري فممي‬
‫أحوالهم العاجزون عما فوقه و أن الحضر المعتنون بحاجممات‬
‫الممترف و الكمممال فممي أحمموالهم و عمموائدهم و ل شممك أن‬
‫الضروري أقدم من الحاجي و الكمممالي و سممابق عليممه و لن‬
‫الضروري أصممل و الكمممالي فممرع ناشممىء عنممه فالبممدو أصممل‬
‫المدن و الحضر‪ ،‬و سممابق عليهممما لن أول مطممالب النسممان‬
‫الضممروري و ل ينتهممي إلممى الكمممال و الممترف إل إذا كممان‬
‫الضروري حاصل ً فخشونة البداوة قبل رقممة الحضممارة و لهممذا‬
‫نجد التمدن غايممة للبممدوي يجممري إليهمما و ينتهممي بسممعيه إلممى‬
‫مقترحه منها و متى حصل على الرياش الذي يحصممل لممه بممه‬
‫أحوال الترف و عوائده عاج إلى الدعممة و أمكممن نفسممه إلممى‬
‫قياد المدينة و هكذا شأن القبائل المتبدية كلهم و الحضري ل‬
‫يتشوف إلى أحوال البادية إل لضرورة تدعوه إليها أو لتقصير‬
‫عن أحوال أهل مدينته و مما يشهد لنا أن البدو أصل للحضممر‬
‫و متقدم عليه أنا إذا فتشنا أهممل مصممر مممن المصممار و جممدنا‬
‫أولية أكثرهم من أهل البدو الذين بناحية ذلك المصر و عدلوا‬
‫إلى الدعة و الترف الذي فممي الحضممر و ذلممك يممدل علممى أن‬
‫أحوال الحضارة ناشئة عممن أحمموال البممداوة و أنهمما أصممل لهمما‬
‫فتفهمه‪ .‬ثم إن كل واحد من البدو و الحضر متفاوت الحوال‬
‫من جنسه فرب حي أعظم من حي و قبيلة أعظم من قبيلممة‬
‫و مصر أوسع من مصر و مدينة أكثر عمرانا ً مممن مدينممة فقممد‬
‫تبين أن وجود البدو متقممدم علممى وجممود المممدن و المصممار و‬
‫أصل لها بما أن وجود المدن و المصار مممن عمموائد الممترف و‬
‫الدعة التي هي متأخرة عن عوائد الضروري المعاشية و الله‬
‫أعلم‪.‬‬

‫الفصل الرابع في أن أهل البدو أقرب إلى الخير‬


‫من أهل الحضر‬
‫و سببه أن النفس إذا كانت على الفطرة الولى كانت متهيئة‬
‫لقبول ما يرد‬
‫عليها و ينطبع فيها من خيممر أو شممر قممال صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم‪ :‬كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه‬
‫أو يمجسانه و بقدر ما سبق إليها من أحد الخلقين تبعممد عممن‬
‫الخر و يصعب عليها اكتسابه فصاحب الخير إذا سممبقت إلممى‬
‫نفسه عوائد الخير و حصلت لها ملكته بعد عن الشر و صعب‬
‫عليه طريقة و كذا صاحب الشر إذا سبقت إليه أيضا ً عمموائده‬
‫و أهل الحضممر لكممثرة ممما يعممانون مممن فنممون الملذ و عمموائد‬
‫الترف و القبال على الدنيا و العكوف على شهواتهم منهمما و‬
‫قد تلممونت أنفسممهم بكممثير مممن مممذمومات الخلممق و الشممر و‬
‫بعدت عليهم طرق الخير و مسالكه بقدر ما حصممل لهممم مممن‬
‫ذلك حتى لقمد ذهبمت عنهمم ممذاهب الحشممة فمي أحموالهم‬
‫فتجد الكثير منهم يقذعون في أقوال الفحشاء في مجالسهم‬
‫و بين كبرائهم و أهل محارمهم ل يصدهم عنه و ازع الحشمة‬
‫لما أخذتهم به عوائد السوء فممي التظمماهر بممالفواحش قممول ً و‬
‫عمل ً و أهل البدو و إن كانوا مقبلين على الدنيا مثلهم إل أنممه‬
‫في المقدار الضروري في الترف و ل في شيء مممن أسممباب‬
‫الشهوات و اللذات و دواعيها فعوائدهم في معمماملتهم علممى‬
‫نسبتها و ما يحصممل فيهممم مممن مممذاهب السمموء و مممذمومات‬
‫الخلق بالنسبة إلى أهل الحضر أقممل بكممثير فهممم أقممرب إلممى‬
‫الفطممرة الولممى و أبعممد عممما ينطبممع فممي النفممس مممن سمموء‬
‫الملكات بكثرة العوائد المذمومممة و قبحهمما فيسممهل علجهممم‬
‫عممن علج الحضممر و هممو ظمماهر و قممد يتوضممح فيممما بعممد أن‬
‫الحضارة هي نهاية العمممران و خروجممه إلممى الفسمماد و نهايممة‬
‫الشر و البعد عن الخير فقد تمبين أن أهمل البمدو أقمرب إلمى‬
‫الخير من أهل الحضر و الله يحب المتقين و ل يعترض علممى‬
‫ذلك بما ورد في صحيح البخاري من قول الحجاج لسلمة بممن‬
‫الكمموع و قممد بلغممة أنممه خممرج إلممى سممكنى الباديممة فقممال لممه‬
‫ارتددت على عقبيك تعربت فقال ل و لكن رسول الله صمملى‬
‫اللممه عليممه و سمملم أذن لممي فممي البممدو فمماعلم أن الهجممرة‬
‫افترضت أول السلم على أهل مكة ليكونوا مع النممبي صمملى‬
‫اللممه عليممه و سمملم حيممث حممل مممن المممواطن ينصممرونه و‬
‫يظمماهرونه علممى أمممر و يحرسممونه و لممم تكممن واجبممة علممى‬
‫العراب أهل البادية لن أهل مكة يمسهم من عصممبية النممبي‬
‫صلى الله عليه و سلم في المظاهرة و الحراسة مممال يمممس‬
‫غيرهم من بادية العراب و قممد كممان المهمماجرون يسممتعيذون‬
‫بالله من التعرب و هو سكنى البادية حيث ل تجب الهجممرة و‬
‫قال صلى الله عليه و سلم في حديث سعد بممن أبممي وقمماص‬
‫عند مرضه بمكة اللهم أممض لصمحابي هجرتهمم و ل تردهمم‬
‫على أعقممابهم و معنمماه أن يمموفقهم لتلزمممه المدينممة و عممدم‬
‫التحول عنها فل يرجعوا عن هجرتهمم المتي ابتمدأوا بهما و همو‬
‫من بمماب الرجمموع علممى العقممب فممي السممعي إلممى وجممه مممن‬
‫الوجوه و قيل أن ذلك كان خاصا ً بما قبل الفتممح حيممن كممانت‬
‫الحاجة داعية إلى الهجرة لقلة المسلمين و أما بعممد الفتممح و‬
‫حين كثر المسلمون و اعتزوا و تكفل الله لنبيه بالعصمة مممن‬
‫الناس فإن الهجرة سمماقطة حينئذ لقمموله صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم ل هجرة بعد الفتح و قيل سممقط إنشمماوها عمممن يسمملم‬
‫بعد الفتح و قيل سقط وجوبها عمن أسلم و هاجر قبل الفتح‬
‫و الكل مجمعون على أنها بعد الوفمماة سمماقطة لن الصممحابة‬
‫افترقوا من يومئذ في الفاق و انتشمروا و لمم يبمق إل فضمل‬
‫السكنى بالمدينممة و هممو هجممرة فقممول الحجمماج لسمملمة حيممن‬
‫سكن البادية ارتددت على عقبيك تعربت نعى عليه في تممرك‬
‫السكنى بالمدينة بالشارة إلى الدعاء المأثور الذي فقممدناه و‬
‫هو قوله ل تردهم على أعقابهم و قمموله تعربممت إشممارة إلممى‬
‫أنة صار من العراب الذين ل يهاجرون و أجاب سلمة بإنكممار‬
‫ما ألزمه من المرين و أن النبي صلى الله عليه و سمملم أذن‬
‫له في البدر و يكون ذلك خاصا ً بممه كشممهادة خزيمممة و عنمماق‬
‫أبممي بممردة أو يكممون الحجمماج إنممما نعممى عليممه تممرك السممكنى‬
‫بالمدينة فقممط لعلمممه بسممقوط الهجممرة بعممد الوفمماة و أجممابه‬
‫سلمة بأن اغتنامه لذن النبي صلى الله عليه و سلم أولممى و‬
‫أفضل فما آثره به و اختصه إل لمعنى علمه فيه و علممى كممل‬
‫تقدير فليس دليل ً على مذمة البدو الممذي عممبر عنممه بممالتعرب‬
‫لن مشروعية الهجرة إنما كانت كما علمت لمظمماهرة النممبي‬
‫صلى الله عليه و سلم و حراسته ل لمذمة البدو فليممس فممي‬
‫النعي على ترك هذا الواجب دليل على مذمة التعرب و اللممه‬
‫سبحانه أعلم و به التوفيق‪.‬‬
‫الفصل الخامس في أن أهل البدو أقرب إلى‬
‫الشجاعة من أهل الحضر‬
‫و السبب في ذلك أن أهل الحضر ألقمموا جنمموبهم علممى مهمماد‬
‫الراحممة و الدعممة و انغمسمموا فممي النعيممم و الممترف و وكلمموا‬
‫أمرهم في المدافعة عممن أممموالهم و أنفسممهم إلممى واليهممم و‬
‫الحاكم الممذي يسوسممهم و الحاميممة الممتي تممولت حراسممتهم و‬
‫استناموا إلى السمموار الممتي تحمموطهم و الحممرز الممذي يحممول‬
‫دونهممم فل تهيجهممم هيعممة و ل ينفممر لهممم صمميد فهممم غممازون‬
‫آمنون‪ ،‬قد ألقوا السلح و توالت علمى ذلمك منهمم الجيمال و‬
‫تنزلوا منزلمة النسماء و الولمدان المذين همم عيمال علمى أبمي‬
‫مثواهم حتى صممار ذلممك خلقما ً يتنممزل منزلممة الطبيعممة و أهممل‬
‫البدو لتفردهم عن التجمع و توحشهم في الضواحي و بعدهم‬
‫عممن الحاميممة و انتبمماذهم عممن السمموار و البممواب قممائمون‬
‫بالمدافعة عن أنفسهم ل يكلونها إلى سواهم و ل يثقون فيها‬
‫بغيرهم فهم دائما ً يحملون السلح و يتلفتون عممن كممل جممانب‬
‫في الطرق و يتجافون عن الهجوع إل غرارا ً في المجممالس و‬
‫على الرحال و فوق القتاب و يتوجسون للنبات و الهيعممات و‬
‫يتفردون في القفر و البيداء فدلين بيأسهم واثقيممن بأنفسممهم‬
‫ة يرجعون إليه متى‬ ‫قد صار لهم البأس خلقا ً و الشجاعة سجن ً‬
‫دعاهم داع أو استنفرهم صارخ و أهل الحضر مهما خالطوهم‬
‫في البادية أو صاحبوهم في السممفر عيممال عليهممم ل يملكممون‬
‫منهم شيئا ً من أمر أنفسهم و ذلك مشاهد بالعيان حممتى فممي‬
‫معرفة النواحي و الجهات و موارد المياه و مشاريع السبل و‬
‫سبب ذلممك ممما شممرحناه و أصممله أن النسممان ابممن عمموائده و‬
‫مألوفه ل ابن طبيعته و مزاجه فالذي ألفه في الحوال حممتى‬
‫صار خلقا ً و ملكممة و عممادة تنممزل منزلممة الطبيعممة و الجبلممة و‬
‫اعتبر ذلك في الدميين تجده كثيرا ً صممحيحا ً و اللممه يخلممق ممما‬
‫يشاء‪.‬‬
‫الفصل السادس في أن معاناة أهل الحضر للحكام‬
‫مفسدة للبأس فيهم ذاهبة بالمنعة منهم‬
‫و ذلممك أنممه ليممس كممل أحممد مالممك أمممر نفسممه إذ الرؤسمماء و‬
‫المراء المالكون لمر الناس قليل بالنسبة إلى غيرهممم فمممن‬
‫الغالب أن يكون النسان في ملكة غيره‪ ،‬و ل بمد فمإن كمانت‬
‫الملكة رفيقة و عادلة ل يعانى منها حكم و ل منع و صد كممان‬
‫الناس من تحت يدها مدلين بما في أنفسهم مممن شممجاعة أو‬
‫جبممن واثقيممن بعممدم المموازع حممتى صممار لهممم الذلل جبلممة ل‬
‫يعرفون سواها و أممما إذا كممانت الملكممة و أحكامهمما بممالقهر و‬
‫السطوة و الخافة فتكسر حينئذ من سورة بأسممهم و تممذهب‬
‫المنعة عنهم لما يكون من التكاسل في النفوس المضممطهدة‬
‫كما نبينه و قد نهى عمر سعدا ً رضي اللممه عنهممما عممن مثلهمما‬
‫لممما أخممذ زهممرة بممن حوبممة سمملب الجممالنوس و كممانت قيمتممه‬
‫خمسة و سبعين ألفا ً من الذهب و كان أتبممع الجممالنوس يمموم‬
‫القادسية فقتله و أخذ سلبه فانتزعه منه سعد و قممال لممه هل‬
‫انتظرت في أتباعه إذني و كتب إلى عمر يستأذنه فكتب إليه‬
‫عمر تعمد إلى مثل زهرة و قممد صمملى بممما صمملى بممه و بقممى‬
‫عليك ما بقى من حربك و تكسر فوقه و تفسد قلبه و أمضى‬
‫له عمر سلبه و أما إذا كانت الحكام بالعقاب فمذهبة للبأس‬
‫بالكلية لن وقوع العقاب به و لممم يممدافع عممن نفسممه يكسممبه‬
‫المذلة التي تكسر من سورة بأسممه بل شممك و أممما إذا كممانت‬
‫الحكام تأديبية و تعليمية و أخذت من عنممد الصممبا أثممرت فممي‬
‫ذلك بعض الشيء لمرباه على المخافممة و النقيمماد فل يكممون‬
‫مدل ً ببأسه و لهذا نجد المتوحشين من العرب أهل البدو أشد‬
‫بأسا ً ممن تأخذه الحكام و نجد أيضا ً الذين يعانون الحكمام و‬
‫ملكتها من لدن مرباهم في التأديب و التعليم فممي الصممنائع و‬
‫العلوم و الديانات ينقص ذلك من بأسممهم كممثيرا ً و ل يكممادون‬
‫يدفعون عن أنفسهم عاديممة بمموجه مممن الوجمموه و هممذا شممأن‬
‫طلبة العلم المنتحلين للقراءة و الخذ عن المشممايخ و اليمممة‬
‫الممارسين للتعليم و التممأديب فممي مجممالس الوقممار و الهيبممة‬
‫فيهم هذه الحمموال و ذهابهمما بالمنعممة و البممأس‪ .‬و ل تسممتنكر‬
‫ذلممك بممما وقممع فممي الصممحابة مممن أخممذهم بأحكممام الممدين و‬
‫الشريعة و لم ينقص ذلك من بأسهم بممل كممانوا أشممد النمماس‬
‫بأسا ً لن الشارع صلوات الله عليه لما أخممذ المسمملمون عنممه‬
‫دينهم كان وازعهممم فيممه مممن أنفسممهم لممما تلممي عليهممم مممن‬
‫الممترغيب و الممترهيب و لممم يكممن بتعليممم صممناعي و ل تممأديب‬
‫تعليمي إنما هي أحكام الممذين و آدابممه المتلقمماة نقل ً يأخممذون‬
‫أنفسهم بها بما رسخ فيهم من عقائد اليمان و التصديق فلم‬
‫تزل سورة بأسهم مستحكمة كما كانت و لم تخدشها أظفممار‬
‫التأديب و الحكم قال عمر رضمي اللمه عنمه ) ممن لمم يمؤدبه‬
‫الشرع ل أدبه الله ( حرصا ً على أن يكممون المموازع لكممل أحممد‬
‫من نفسممه و يقينما ً بمأن الشممارع أعلممم بمصممالح العبمماد و لممما‬
‫تناقص الدين في الناس و أخذوا بالحكممام الوازعممة ثممم صممار‬
‫الشرع علما ً و صناعة يؤخز بالتعليم و التأديب و رجع النمماس‬
‫إلى الحضارة و خلق النقياد إلى الحكام نقصت يذلك سورة‬
‫البممأس فيهممم فقممد تممبين أن الحكممام السمملطانية و التعليميممة‬
‫مفسممدة للبممأس لن المموازع فيهمما ذاتممي و لهممذا كممانت هممذه‬
‫الحكام السلطانية و التعليم مما تؤثر في أهل الحواضر فممي‬
‫ضعف نفوسهم و حضد الشوكة منهم بمعاناتهم فممي وليممدهم‬
‫و كهولهم و البدو بمعزل من هذه المنزلة لبعدهم عن أحكام‬
‫السلطان و التعليم و الداب و لهذا قال محمممد بممن أبممي زيممد‬
‫في كتابه في أحكممام المعلميممن و المتعلميممن ) أنممه ل ينبغممي‬
‫للمؤدب أن يضرب أحدا ً من الصبيان في التعليممم فمموق ثلثممة‬
‫أسواط ( نقله عن شريح القاضي و احتج له بعضهم بما وقممع‬
‫في حديث بدء الوحي من شأن الغط و أنه كممان ثلث مممرات‬
‫و هو ضعيف و ل يصلح شأن الغط أن يكممون دليل ً علممى ذلممك‬
‫لبعده عن التعليم المتعارف و الله الحكيم الخبير‪.‬‬
‫الفصل السابع في أن سكنى البدو ل تكون إل‬
‫للقبائل أهل العصبية‬
‫إعلم أن الله سبحانه ركب في طبممائع البشممر الخيممر و الشممر‬
‫كما قال تعالى و همديناه النجمدين و قمال فألهمهما فجورهما و‬
‫تقواها و الشر أقرب الخلل إليه إذا أهمل في مرعى عوائده‬
‫و لم يهذبه القتداء بالدين و على ذلممك الجممم الغفيممر إل مممن‬
‫وفقه الله و من أخلق البشر فيهممم الظلممم و العممدوان بعممض‬
‫على بعض فمن امتدت عينه إلى متاع أخيه فقل امتدت يممده‬
‫إلى أخذه إل أن يصده وازع كما قال‪:‬‬
‫و الظلم من شيم النفوس فإن تجد ذا عفة فلعلة ل يظلم‬
‫فأما المدن و المصممار فعممدوان بعضممهم علممى بعممض‪ ،‬تممدفعه‬
‫الحكام و الدولة بما قبضوا على أيدي من تحتهم مممن الكافممة‬
‫أن يمتد بعضممهم علممى بعممض أو يمممدو عليممه فهممم مكبوحممون‬
‫بحكمة القهر و السلطان عن التظالم إل إذا كان من الحمماكم‬
‫بنفسه و أما العدوان الذي من خالي المدينممة فيممدفعه سممياج‬
‫السوار عند الغفلة أو الغرة ليل ً أو العجز عن المقاومة نهارا ً‬
‫أو يدفعه ازدياد الحامية من أعمموان الدولممة عنممد السممتعداد و‬
‫المقاومة و أما أحياء البدو فيزع بعضهم عن بعض مشممائخهم‬
‫و كبراؤهم بممما وفممر فممي نفمموس الكافممة لهممم مممن الوقممار و‬
‫التجلة و أما حللهم فإنما يذود عنها مممن خممارج حاميممة الحممي‬
‫من أنجادهم و فتيانهم المعروفين بالشجاعة فيهم و ل يصدق‬
‫دفاعهم و ذيادهم إل إذا كانوا عصبية و أهل نسب واحد لنهم‬
‫بذلك تشتد شوكتهم و يخشى جانبهم إذ نعرة كممل أحممد علممى‬
‫نسبه و عصبيته أهم و ما جعممل اللممه فممي قلمموب عبمماده مممن‬
‫الشفقة و النعرة على ذوي أرحامهم و قرباهم موجممودة فممي‬
‫الطبائع البشرية و بها يكون التعاضد و التناصر و تعظم رهبممة‬
‫العدو لهم و اعتبر ذلك فيما حكاة القرآن عممن اخمموة يوسممف‬
‫عليه السلم حين قالوا لبيه لئن أكلة الذئب و نحن عصبة إل‬
‫إذا ً لخاسرون و المعنى أنه ل يتمموهم العممدوان علممى أحمد مممع‬
‫وجممود العصممبة لممه و أممما المتفممردون فممي أنسممابهم فقممل أن‬
‫تصيب أحدا ً منهم نعرة على صاحبه فممإذا أظلممم الجممو بالشممر‬
‫يوم الحرب تسلل كل واحد منهم يبغي النجاة لنفسه خيفة و‬
‫استيحاشا ً من التخاذل فل يقدرون من أجل ذلك على سكنى‬
‫القفر لما أنهم حينئذ طعمة لمن يلتهمهم من المم سواهم و‬
‫إذا تبين ذلك في السممكنى الممتي تحتمماج للمدافعممة و الحمايممة‬
‫فبمثله يتبين لك في كل أمر يحمل الناس عليممه مممن نبممؤة أو‬
‫إقامة ملك أو دعوة إذ بلوغ الغرض مممن ذلممك كلممه إنممما يتممم‬
‫بالقتال عليه لما في طبائع البشر من الستعصاء و ل بد فممي‬
‫القتال من العصبية كما ذكرناه آنفا ً فاتخممذه إمامما ً تقتممدي بممه‬
‫فيما نورده عليك بعد و الله الموفق للصواب‪.‬‬

‫الفصل الثامن في أن العصبية إنما تكون من‬


‫اللتحام بالنسب أو ما في معناه‬
‫و ذلك أن صلة الرحم طبيعي في البشر إل في القممل و مممن‬
‫صملتها النعمرة علمى ذوي القربمى و أهمل الرحمام أن ينمالهم‬
‫ضيم أو تصيبهم هلكة فإن القريب يجممد فممي نفسممه غضاضممة‬
‫من ظلم قريبه أو العداء عليه و يود لو يحول بينممه و بيممن ممما‬
‫يصله من المعاطب و المهالك نزعة طبيعيممة فممي البشممر مممذ‬
‫كانوا فإذا كان النسب المتواصل بين المتناصرين قريب ما ً جممدا ً‬
‫بحيممث حصممل بممه التحمماد و اللتحممام كممانت الوصمملة ظمماهرة‬
‫فاستدعت ذلك بمجردها و وضوحها و إذا بعممد النسممب بعممض‬
‫الشيء فربما تنوسي بعضها و يبقى منها شهر فتحمممل علممى‬
‫النصرة لذري نسبه بالمر المشهور منه فرارا ً من الغضاضممة‬
‫التي يتوهمها في نفسه من ظلم من هو منسوب إليممه بمموجه‬
‫و من هذا الباب الولء و الحلف إذ نعرة كممل أحممد علممى أهممل‬
‫ولئه و حلفه لللفة التي تلحق‪ ،‬النفممس مممن اهتضممام جارهمما‬
‫أوقريبهمما أو نسمميبها بمموجه مممن وجمموه النسممب و ذلممك لجممل‬
‫اللحمة الحاصلة من الولء مثل لحمة النسب أو قريبا ً منهمما و‬
‫من هذا تفهم معنى قوله صلى الله عليه و سلم تعلممموا مممن‬
‫أنسابكم ما تصلون به أرحامكم بمعنى أن النسب إنما فائدته‬
‫هذا اللتحام الذي يوجب صلة الرحام حتى تقممع المناصممرة و‬
‫النعرة و ما فوق ذلك مستغنى عنه إذ النسب أمممر وهمممي ل‬
‫حقيقة له و نفعه إنما هممو فممي هممذه الوصمملة و اللتحممام فممإذا‬
‫كان ظاهرا ً واضحا ً حمل النفموس علمى طبيعتهمما ممن النعمرة‬
‫كما قلناه وإذا كان إنما يستفاد من الخممبر البعيمد ضمعف فيممه‬
‫الوهم و ذهبت فائدته و صار الشغل بمه مجانما ً و ممن أعممال‬
‫اللهو المنهي عنه و مممن هممذا العتبممار معنممى قممولهم النسممب‬
‫علم ل ينفع و جهالة ل تضر بمعنى أن النسممب إذا خممرج عممن‬
‫الوضوح و صار من قبيل العلوم ذهبت فائدة الوهم فيممه عممن‬
‫النفس و انتفعت النعرة التي تحمل عليها العصبية فل منفعممة‬
‫فيه حينئذ و الله سبحانه و تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل التاسع في أن الصريح من النسب إنما‬


‫يوحد للمتوحشين في القفر من العرب و من‬
‫في معناهم‬
‫و ذلك لما اختصوا به مممن نكممد العيممش و شممظف الحمموال و‬
‫سوء المواطن حملتهم عليها الضرورة التي عينممت لهممم تلممك‬
‫القسمة و هي لممما كممان معاشممهم مممن القيممام علممى البممل و‬
‫نتاجها و رعايتهمما و البممل تمدعوهم إلمى التمموحش فممي القفممر‬
‫لرعيها ممن شممجره و نتاجهما فمي رممماله كممما تقممدم و القفمر‬
‫مكان الشظف و السغب فصار لهم إلفا ً و عادة و ربيت فيممه‬
‫أجيالهم حتى تمكنممت خلق ما ً و جبلممة فل ينممزع إليهمما أحممد مممن‬
‫المم أن يساهمهم في حالهم و ل يأنس بهم أحد من الجيال‬
‫بل لو وجد واحد منهم السبيل إلى الفرار من حمماله و أمكنممه‬
‫ذلك لما تركه فيؤمن عليهم لجل ذلك من اختلط أنسابهم و‬
‫فسادها و ل تزال بينهم محفوظة صممريحة و اعتممبر ذلممك فممي‬
‫مضر من قريش وكنانة و ثقيممف و بنممي أسممد و هممديل و مممن‬
‫جاورهم من خزاعة لما كانوا أهل شظف و مواطن غير ذات‬
‫زرع و ل ضرع و بعدوا من أرياف الشممام و العممراق و معممادن‬
‫الدم و الحبوب كيمف كممانت أنسممابهم صممريحة محفوظمة لمم‬
‫يدخلها اختلط و ل عممرف فيهمما شمموب‪ .‬و أممما العممرب الممذين‬
‫كانوا بالتلول و في معادن الخصممب للمراعممي و العيممش مممن‬
‫حمير و كهلل مثل لخم و جذام و غسان و طممي و قضمماعة و‬
‫إياد فاختلطت أنسابهم و تممداخلت شممعوبهم ففممي كممل واحممد‬
‫من بيوتهم من الخلف عند الناس ممما تعممرف و إنممما جمماءهم‬
‫ذلك من قبل العجم و مخالطتهم و هم ل يعتبرون المحافظة‬
‫على النسب في بيوتهم و شعوبهم و إنما هذا للعممرب فقممط‪.‬‬
‫قال عمر رضي الله تعالى عنه ) تعلممموا النسممب و ل تكونمموا‬
‫كنبط السواد ( إذا سئل أحدهم عن أصله قال من قريممة كممذا‬
‫هذا أي ما لحق هؤلء العرب أهل الرياف مممن الزدحممام مممع‬
‫الناس على البلد الطيب و المراعي الخصمميبة فكممثر الختلط‬
‫و تداخلت النساب و قد كان وقع في صدر السمملم النتممماء‬
‫إلى المواطن فيقال جند قنسرين جند دمشق جنممد العواصممم‬
‫و انتقل ذلك إلممى النممدلس و لممم يكممن لطممراح العممرب أمممر‬
‫النسب و إنما كممان لختصاصممهم بممالمواطن بعممد الفتممح حممتى‬
‫عرفوا بها و صارت لهم علمة زائدة علممى النسممب يتميممزون‬
‫بها عند أمرائهم ثم وقع الختلط في الحواضممر مممع العجممم و‬
‫غيرهممم و فسممدت النسمماب بالجملممة و فقممدت ثمرتهمما مممن‬
‫العصممبية فمماطرحت ثممم تلشممت القبممائل و دثممرت فممدثرت‬
‫العصبية بدثورها و بقي ذلك في البدو كما كممان و اللممه وارث‬
‫الرض و من عليها‪.‬‬

‫الفصل العاشر في اختلط النساب كيف يقع‬


‫إعلم أنه من البين أن بعضا ً مممن أهممل النسمماب يسممقط إلممى‬
‫أهل نسب آخممر بقرابمة إليهممم أو حلمف أو ولء أو لفمرار مممن‬
‫قومه بجناية أصابها فيممدعي بنسممب هممؤلء و يعممد منهممم فممي‬
‫ثمراته من النعرة و القود و حمل الديات و سممائر الحمموال و‬
‫إذا و جدت ثمرات النسب فكأنه وجد لنه ل معنى لكونه من‬
‫هؤلء و من هؤلء إل جريان أحكامهم و أحوالهم عليه و كممأنه‬
‫التحم بهم ثم أنه قد يتناسى النسممب الول بطممول الزمممان و‬
‫يذهب أهل العليم به فيخفى على الكثر و ما زالت النسمماب‬
‫تسممقط مممن شممعب إلممى شممعب و يلتحممم قمموم بممآخرين فممي‬
‫الجاهلية و السلم و العرب و العجممم‪ .‬و انظممر خلف النمماس‬
‫في نسب أن المنذر و غيرهم يتبين لك شيء من ذلك و منممه‬
‫شممأن بجيلممة فممي عرفجممة بممن هرثمممة لممما وله عمممر عليهممم‬
‫فسألوه العفاء منه و قالوا هو فينا لزيق أي دخيممل و لصمميق‬
‫و طلبوا أن يولي عليهم جريرا ً فسأله عمممر عممن ذلممك فقممال‬
‫عرفجة صدقوا يا أمير المؤمنين أنا رجل من الزد أصبت دما ً‬
‫في قومي و لحقت بهممم و انظممر منممه كيممف اختلممط عرفجممة‬
‫ببجيلة و لبس جلدتهم و دعي بنسبهم حممتى ترشممح للرئاسممة‬
‫عليهم لول علم بعضهم بوشائجه و لو غفلوا عن ذلك و امتممد‬
‫الزمممن لتنوسممي بالجملممة و عممد منهممم بكممل وجممه و مممذهب‬
‫فافهمه و اعتبر سر الله فممي خليقتممه و مثممل هممذا كممثير لهممذا‬
‫العهد و لما قبله من العهود و الله الموفممق للصممواب بمنممه و‬
‫فضله و كرمه‪.‬‬

‫الفصل الحادي عشر في أن الرئاسة ل تزال في‬


‫نصابها المخصوص من أهل المصبية‬
‫إعلم أن كل حي أو بطن من القبائل وإن كانوا عصابة واحدة‬
‫لنسبهم العام ففيهم أيضا ً عصبيات أخرى لنساب خاصة همي‬
‫أشد التحاما ً من النسب العام لهم مثل عشممير واحممد أو أهممل‬
‫بيت واحد أو اخوة بني أب واحد ل مثل بني المم القربين أو‬
‫البعدين فهؤلء أقعممد بنسممبهم المخصمموص و يشمماركون مممن‬
‫سواهم من العصائب في النسب العام و النعرة تقع من أهل‬
‫نسممبهم المخصمموص و مممن أهممل النسممب العممام إل أنهمما فممي‬
‫النسب الخاص أشد لقرب اللحمة و الرئاسة فيهم إنما تكون‬
‫فممي نصمماب واحممد منهممم و ل تكممون فممي الكممل و لممما كممانت‬
‫الرئاسممة إنممما تكممون بممالغلب وجممب أن تكممون عصممبية ذلممك‬
‫النصاب أقمموى مممن سممائر العصممائب ليقممع الغلممب بهمما و تتممم‬
‫الرئاسة لهلها فممإذا وجممب ذلممك تعيممن أن الرئاسممة عليهممم ل‬
‫تزال في ذلك النصاب المخصوص بأهل الغلممب عليهممم إذ لممو‬
‫خرجت عنهممم و صممارت فممي العصممائب الخممرى النازلممة عممن‬
‫عصابتهم في الغلب لما تفت لهم الرئاسة فل تزال في ذلممك‬
‫النصاب متناقلة من فرع منهم إلممى فممرع و ل تنتقممل إل إلممى‬
‫القوى من فروعه لما قلناه من سممر الغلممب لن الجتممماع و‬
‫العصبية بمثابممة المممزاج للمتكممون و المممزاج فممي المتكممون ل‬
‫يصلح إذا تكافأت العناصر فل بد من غلبة أحدها و إل لم يتممم‬
‫التكوين فهذا هو سر اشتراط الغلب في العصبية و منه تعين‬
‫استمرار الرئاسة في النصاب المخصوص بها كما قررناه‪.‬‬

‫الفصل الثاني عشر في أن الرئاسة على أهل‬


‫المصبية ل تكون في غير نسبهم‬
‫و ذلك أن الرئاسممة ل تكممون إل بممالغلب و الغلممب إنممما يكممون‬
‫بالعصبية كما قدمناه فل بد في الرئاسة على القوم أن تكون‬
‫من عصبية غالبة لعصممبياتهم واحممدة واحممدة لن كممل عصممبية‬
‫منهم إذا أحست بغلب عصبية الرئيس لهم أقممروا بالذعممان و‬
‫التباع و الساقط في نسبهم بالجملة ل تكون له عصبية فيهم‬
‫بالنسب إنما هو ملصق لزيممق و غايممة التعصممب لممه بممالولء و‬
‫الحلف و ذلك ل يوجب له غلبا ً عليهممم البتممة و إذا فرضممنا أنممه‬
‫قد التحم بهم و اختلط و تنوسي عهده الول من اللتصمماق و‬
‫لبس جلدتهم و دعي بنسممبهم فكيممف لممه الرئاسممة قبممل هممذا‬
‫اللتحام أو لحد من سلفه و الرئاسة على القوم إنممما تكممون‬
‫متناقلة في منبت واحممد تعيممن لممه الغلممب بالعصممبية فالوليممة‬
‫التي كانت لهذا الملصق قد عرف فيها التصاقه من غير شك‬
‫و منعة ذلك اللتصاق من الرئاسة حينئذ فكيف تنمموقلت عنممه‬
‫و هو على حال اللصاق و الرئاسة ل بد و أن تكممون موروثممة‬
‫عن مستحقها لما قلناه من التغلممب بالعصممبية و قممد يتشمموف‬
‫كممثير مممن الرؤسمماء علممى القبممائل و العصممائب إلممى أنسمماب‬
‫يلهجون بها إما لخصوصية فصيلة كانت في أهل ذلك النسممب‬
‫من شجاعة أو كرم أو ذكممر كيممف اتفممق فينزعممون إلممى ذلممك‬
‫النسممب و يتورطممون بالممدعوى فممي شممعوبه و ل يعلمممون ممما‬
‫يوقعون فيه أنفسهم من القدح فمي رئاسممتهم و الطعممن فمي‬
‫شرفهم و هذا كثير في الناس لهذا العهد فمن ذلك ما يممدعيه‬
‫زناتممة جملممة أنهممم مممن العممرب و منممه ادعمماء أولد ربمماب‬
‫المعروفين بالحجازيين من بني عامر أحد شعوب زغبممة أنهممم‬
‫من بني سليم ثم من الشريد منهم لحممق جممدهم ببنممي عممامر‬
‫نجارا ً يصممنع الحرجممان و أختلممط بهممم و التحممم بنسممبهم حممتى‬
‫رأس عليهم و يسمونه الحجازي‪ .‬و من ذلك ادعمماء بنممى عبممد‬
‫القوي بن العباس بن توجين أنهم من ولممد العبمماس بممن عبممد‬
‫المطلممب رغبممة فممي هممذا النسممب الشممريف و غلطمما باسممم‬
‫العباس بن عطية أبى عبد القوي و لم يعلم دخممول أحممد مممن‬
‫العباسين إلى المغرب لنه كان منذ أول دولتيهم على دعمموة‬
‫العلويين أعدائهم من الدارسة و العبيديين فكيف يكممون مممن‬
‫سبط العباس أحد من شيعة العلويين من و كذلك ممما يممدعيه‬
‫أبناء زيان ملوك تلمسان من بني عبد الواحممد أنهممم مممن ولممد‬
‫القاسم بن إدريس ذهابا ً إلى ما اشتهر في نسبهم أنهممم مممن‬
‫ولد القاسم فيقولون بلسانهم الزنمماتي أنممت القاسممم أي بنممو‬
‫القاسم ثم يدعون أن القاسم هذا هو القاسم بممن إدريممس أو‬
‫القاسم بن محمد بن إدريس و لممو كممان ذلممك صممحيحا ً فغايممة‬
‫القاسم هذا أنه فر من مكان سلطانه مسممتجيرا ً بهممم فكيممف‬
‫تتم له الرئاسة عليهم في باديتهم و إنما هممو غلممط مممن قبممل‬
‫اسم القاسم فممإنه كممثير الوجممود فممي الدارسممة فتوهممموا أن‬
‫قاسمهم من ذلممك النسممب و هممم غيممر محتمماجين لممذلك فممإن‬
‫منالهم للملك و العزة إنما كان بعصممبيتهم و لممم يكممن بادعمماء‬
‫علوية و ل عباسية و ل شيء من النساب و إنما يحمل علممى‬
‫هذا المتقربون إلممى الملمموك بمنممازعهم و مممذاهبهم و يشممتهر‬
‫حتى يبعد عن الرد و لقد بلغني عن يغمراسن بن زيان مؤئل‬
‫سلطانهم أنه لما قيل له ذلك أنكره و قال بلغته الزناتيممة ممما‬
‫معناه أما الدنيا و الملك فنلناهممما بسمميوفنا ل بهممذا النسممب و‬
‫أما نفعهما في الخرة فمردود إلى الله و أعرض عن التقرب‬
‫إليه ما بذلك‪ .‬و من هذا الباب ما يدعيه بنو سعد شمميوخ بنممي‬
‫يزيد من زغبة أنهم من ولد أبي بكر الصديق رضي اللممه عنممه‬
‫و بنو سلمة شيوخ بني يدللتن من توجين أنهممم مممن سممليم و‬
‫الزواودة شيوخ رياح أنهم من أعقاب البرامكة و كذا بنو مهنا‬
‫أمراء طيىء بالمشرق يدعون فيما بلغنا أنهم من أعقممابهم و‬
‫أمثال ذلك كثير و رئاستهم في قومهم مانعة من ادعمماء هممذه‬
‫النساب كممما ذكرنمماه بممل تعيممن أن يكونمموا مممن صممريح ذلممك‬
‫النسب و أقوى عصبياته فاعتبره و اجتنب المغممالط فيممه و ل‬
‫تجعل من هذا الباب إلحاق مهدي الموحممدين بنسممب العلويممة‬
‫فإن المهدي لم يكن من منبت الرئاسة في هرثمممة قممومه‪ ،‬و‬
‫إنما رأس عليهم بعد اشتهاره بالعلم و الدين و دخممول قبممائل‬
‫المصممامدة فممي دعمموته و كممان مممع ذلممك مممن أهممل المنممابت‬
‫المتوسطة فيهم و الله عالم الغيب و الشهادة‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشر في أن البيت و الشرف‬


‫بالصالة و الحقيقة لهل المصبية و يكون‬
‫لغيرهم بالمجاز و الشبه‬
‫و ذلك أن الشرف و الحسب إنما هو بالخلل و معنممى الممبيت‬
‫أن يعد الرجل في آبائه أشرافا مذكورين يكممون لممه بممولدتهم‬
‫إياه و النتساب إليهم تجلممة فممي أهممل جلممدته لممما و قممر فممي‬
‫نفوسهم من تجلممة سمملفه و شممرفهم بخللهممم و النمماس فممي‬
‫نشأتهم و تناسلهم معادن قال صلى الله عليه و سلم النمماس‬
‫معادن خيارهم في الجاهلية خيممارهم فممي السمملم إذا فقهمموا‬
‫فمعنممى الحسممب راجممع إلممى النسمماب و قممد بينمما أن ثمممرة‬
‫النساب و فائدتها إنما هي العصبية للنعرة و التناصممر فحيممث‬
‫تكون العصممبية مرهوبممة و المنبممت فيهمما زكممي محمممى تكممون‬
‫فائدة النسب أو صح و ثمرتها أقمموى و تعديممد الشممراف مممن‬
‫الباء زائد في فائدتها فيكون الحسب و الشرف أصليين فممي‬
‫أهل العصبية لوجود ثمرة النسب و تفمماوت الممبيوت فممي هممذا‬
‫الشرف بتفاوت العصممبية لنممه سمميرها و ل يكممون للمنفرديممن‬
‫من‪ ،‬أهل المصار بيت إل بالمجاز و إن توهموه فزخرف مممن‬
‫الدعاوى و إذا اعتممبرت الحسممب فممي أهممل المصممار و جممدت‬
‫معناه أن الرجل منهم يعد سلفا ً فممي خلل الخيممر و مخالطممة‬
‫أهله مع الركون إلى العافية ممما اسممتطاع و هممذا مغمماير لسممر‬
‫العصبية التي هي ثمممرة النسممب و تعديممد البمماء لكنممه يطلممق‬
‫عليه حسب وبيت بالمجمماز لعلمممة ممما فيممه مممن تعديممد البمماء‬
‫المتعاقبين على طريقة واحدة من الخيممر و مسممالكه و ليممس‬
‫حسبا ً بالحقيقة و على الطلق و أن ثبممت إنممه حقيقممة فيهممما‬
‫بالوضع اللغمموي فيكممون مممن المشممكك الممذي هممو فممي بعممض‬
‫مواضممعه أولممى و قممد يكممون للممبيت شممرف أول بالعصممبية و‬
‫الخلل ثممم ينسمملخون منممه لممذهابها بالحضممارة كممما تقممدم و‬
‫يختلطون بالغمار و يبقى في نفوسهم وسواس ذلك الحسب‬
‫يعدون بمه أنفسممهم مممن أشممراف البيوتممات أهممل العصممائب و‬
‫ليسوا منها في شيء لذهاب العصبية جملة و كثير مممن أهممل‬
‫المصار الناشئين فممي بيمموت العممرب أو العجممم لول عهممدهم‬
‫موسوسون بذلك و أكثر ما رسخ الوسممواس فممي ذلممك لبنممي‬
‫إسرائيل فإنه كان لهم بيت من أعظم بيوت العممالم بممالمنبت‬
‫أول ً لمما تعمدد فمي سمملفهم ممن النبيماء و الرسمل مممن لمدن‬
‫إبراهيم عليه السلم إلى موسى صمماحب ملتهممم و شممريعتهم‬
‫ثم بالعصبية ثانيا ً و ما أتاهم الله بها من الملك الممذي وعممدهم‬
‫بممه ثممم انسمملخوا مممن ذلممك أجمممع و ضممربت عليهممم الذلممة و‬
‫المسمممكنة و كتمممب عليهمممم الجلء فمممي الرض و انفمممردوا‬
‫بالستعباد للكفر آلفا ً من السممنين و ممما زال هممذا الوسممواس‬
‫مصاحبا ً لهممم فتجممدهم يقولممون همذا هماروني همذا ممن نسممل‬
‫يوشع هذا من عقب كالب هممذا مممن سممبط يهمموذا مممع ذهمماب‬
‫العصبية و رسوخ الذل فيهم منذ أحقاب متطاولة و كثير مممن‬
‫أهل المصار و غيرهم المنقطعين في أنسابهم عممن العصممبية‬
‫يذهب إلى هذا الهذيان و قد غلط أبو الوليد بن رشد في هذا‬
‫لما ذكر الحسب في كتاب الخطابة من تلخيص كتاب المعلم‬
‫الول و الحسب هو أن يكون من قوم قديم نزلهم بالمدينة و‬
‫لم يتعرض لما ذكرنمماه و ليممت شممعري ممما الممذي ينفعممه قممدم‬
‫نزلهم بالمدينة إنما لممم تكممن لممه عصممابة يرهممب بهمما جممانبه و‬
‫تحمل غيرهم على القبول منممه فكممأنه أطلممق الحسممب علممى‬
‫تعديد الباء فقط مع أن الخطابة إنما هي استمالة مممن تممؤثر‬
‫استمالته و هم أهل الحل و العقد و أما من ل قدرة لممه البتممة‬
‫فل يلتفت إليه و ل يقدر على استمالة أحد و ل يستمال هو و‬
‫أهل المصار من الحضر بهذه المثابة إل أن ابن رشد ربا في‬
‫جبل و بلد و لم يمارسوا العصبية و ل أنسمموا أحمموالهم فبقممي‬
‫في أمر الممبيت و الحسممب علممى المممر المشممهور مممن تعديممد‬
‫الباء على الطلق و لم يراجع فيه حقيقممة العصممبية و سممرها‬
‫في الخليقة و الله بكل شيء عليم‪.‬‬

‫الفصل الرابع عشر في أن البيت و الشرف‬


‫للموالي و أهل الصطناع إنما هو بمواليهم ل‬
‫بأنسابهم‬
‫و ذلك أنا قدمنا أن الشرف بالصالة و الحقيقة إنما هو لهممل‬
‫العصبية فإذا اصطنع أهل العصبية قوم ما ً مممن غيممر نسممبهم أو‬
‫استرقوا العبدان و الموالي و التحممموا بممه كممما قلنمماه ضممرب‬
‫معهممم أولئك الممموالي و المصممطنعون بنسممبهم فممي تلممك‬
‫العصمبية و لبسموا جلممدتها كأنهمما عصممبتهم و حصممل لهمم مممن‬
‫النتظام في العصبية مساهمة في نسبها كما قال صلى اللممه‬
‫تعالى عليه و سلم مولى القوم منهم و سواء كال مممولى رق‬
‫أو مولى اصطناع و حلف و ليس نسب ولدته بنممافع لممه فممي‬
‫تلممك العصممبية إذ هممي مباينممة لممذلك النسممب و عصممبية ذلممك‬
‫النسب مفقودة لذهاب سرها عند التحامه بهذا النسب الخر‬
‫و فقدانه أهل عصبيتها فيصير من هؤلء و ينممدرج فيهممم فممإذا‬
‫تمددت له الباء في هذه العصبية كان له بينهم شرف و بيت‬
‫على نسبته في ولئهم و اصطناعهم ل يتجاوزه إلممى شممرفهم‬
‫بل يكون أدون منهم على كل حال و هذا شأن الممموالي فممي‬
‫الدول و الخدمة كلهممم فممإنهم إنممما يشممرفون بالرسمموخ فممي‪،‬‬
‫ولء الدولة و خدمتها و تعدد البمماء فممي وليتهمما أل تممرى إلممى‬
‫موالي التراك في دولة بني العباس و إلممى بنممي برمممك مممن‬
‫قبليهم و بني نمموبخت كيممف أدركمموا الممبيت و الشممرف و بنمموا‬
‫المجد و الصالة بالرسوخ فممي ولء الدولممة فكممان جعفممر بممن‬
‫يحيى بن خالد من أعظم الناس بيتا ً و شرفا ً بالنتسمماب إلممى‬
‫ولء الرشيد و قومه ل بالنتساب فمي الفممرس و كممذا ممموالي‬
‫كل دولة و خدمها إنما يكون لهم البيت و الحسممب بالرسمموخ‬
‫في ولئها و الصالة في اصمطناعها و يضممحل نسمبه القمدم‬
‫من غير نسبها و يبقى ملغى ل عبرة به في أصالته و مجده و‬
‫إنما المعتبر نسبة ولئه و اصطناعه إذ فيه سر العصبية الممتي‬
‫بها البيت و الشرف فكان شرفه مشتقا ً من شرف مممواليه و‬
‫بناؤه من بنائهم فلم ينفعممه نسممب ولدتممه و إنممما بنممى مجممده‬
‫نسب الولء في الدولة و لحمة الصطناع فيها و التربية و قد‬
‫يكون نسبه الول في لحمة عصبته و دولته فإذا ذهبت و صار‬
‫ولوه و اصطناعه في أخرى لم تنفعه الولى لذهاب عصبيتها‬
‫و انتفع بالثانية لوجودها و هممذا حممال بنممي برمممك إذ المنقممول‬
‫أنهم كانوا أهل بيت في الفرس من سدنة بيوت النار عندهم‬
‫و لما صاروا إلى ولء بنى العبمماس لممم يكممن بممالول اعتبممار و‬
‫إنما كان شرفهم من حيث وليتهم في الدولة و اصطناعهم و‬
‫ما سوى هذا فوهم توسوس به النفوس الجامحة و ل حقيقممة‬
‫له و الوجود شاهد بما قلناه لم إن أكرمكم عند الله أتقاكم و‬
‫الله و رسوله أعلم‪.‬‬

‫الفصل الخامس عشر في أن نهاية الحسب في‬


‫العقب الواحد أربعة آباء‬
‫إعلم أن العالم العنصري بما فيه كائن فاسد ل من ذواته و ل‬
‫مممن أحممواله و المكونممات مممن المعممدن و النبممات و جميممع‬
‫الحيوانات النسان و غيره كائنة فاسدة بالمعاينة و كذلك ممما‬
‫يعرض لها من الحوال و خصوصا النسانية فالعلوم تنشأ ثممم‬
‫تدرس و كذا الصنائع و أمثالها و الحسب من العمموارض الممتي‬
‫تعرض للدميين فهو كائن فاسد ل محالة و ليس يوجممد لحممد‬
‫من أهل الخليقة شرف متصل في آبائه من لدن آدم إليممه إل‬
‫ما كان من ذلك للنبي صلى اللممه عليممه و سمملم كرامممة بممه و‬
‫ة على السر فيه و أول كل شرف خارجية كممما قيممل‪ ،‬و‬ ‫حياط ً‬
‫هي الخروج عن الرئاسة و الشرف إلى الضممعة و البتممذال و‬
‫عدم الحسب و معناه أن كل شرف و حسممب فعممدمه سممابق‬
‫عليه شأن كل محدث ثم إن نهايته في أربعة آبمماء و ذلممك أن‬
‫باني المجد عالم يما عاناه في بنممائه و محممافظ علممى الخلل‬
‫التي هي أسباب كونه و بقائه و ابنه مممن بعممده مباشممر لبيممه‬
‫فقد سمع منه ذلك و أخذه عنه إل أنه مقصر في ذلك تقصير‬
‫السامع بالشيء عن المعاني له ثم إذا جاء الثالث كان حظممه‬
‫القتفاء و التقليد خاصة فقصر عن الثاني تقصير المقلد عممن‬
‫المجتهد ثم إذا جاء الرابع قصر عن طريقتيهم جملة و أضمماع‬
‫الخلل الحافظممة لبنمماء مجممدهم و احتقرهمما و تمموهم أن ذلممك‬
‫البنيان لم يكن بمعاناة و ل تكلف و إنما هممو أمممر وجممب لهممم‬
‫منذ أول النشأة بمجرد انتسممابهم و ليممس بعصممابة و ل بخلل‬
‫لما يرى من التجلة بين الناس و ل يعلم كيف كممان حممدوثها و‬
‫ل سببها و يتوهم أنممه النسممب فقممط فيربممأ بنفسممه عممن أهممل‬
‫عصيته و يممرى الفصممل لممه عليهممم وثوقما ً بممما ربممي فيممه مممن‬
‫استتباعهم و جهل ً بما أوجب ذلك الستتباع مممن الخلل الممتي‬
‫منها التواضع لهم و الخذ بمجممامع قلمموبهم فيحتقرهممم بممذلك‬
‫فينغصون عليه و يحتقرونه و يديلون منه سواه من أهل ذلك‬
‫المنبت و من فروعه في غير ذلك العقب للذعان لعصممبيتهم‬
‫كما قلناه بعد الوثوق بما يرضونه من خلله فتنمو فروع هممذا‬
‫و تذوي فروع الول و ينهدم بناء بيته هذا في الملوك و هكذا‬
‫في بيوت القبممائل و المممراء و أهممل العصممبية أجمممع ثممم فممي‬
‫بيوت أهل المصار إذا تحطمت بيوت نشأت بيوت أخرى من‬
‫ذلك النسب إن يشأ يذهبكم ويممأت بخلممق جديممد * وممما ذلممك‬
‫على الله بعزيز و اشتراط الربعة في الحساب إنما هو فممي‬
‫الغالب و إل فقممد يممدثر الممبيت مممن دون الربعممة و يتلشممى و‬
‫ينهدم و قد يتصل أمرها إلى الخامس و السادس إل أنه فممي‬
‫انحطاط و ذهاب و اعتبار الربعة من قبل الجيال الربعة بأن‬
‫و مباشر له و مقلد و هادم و هو أقل ما يمكن و قد اعتممبرت‬
‫الربعة في نهاية الحسب في باب المدح و الثناء قممال صمملى‬
‫الله عليه و سلم إنممما الكريممم ابممن الكريممم ابممن الكريممم ابممن‬
‫الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم إشارة إلممى‬
‫أنه بلغ الغاية من المجد و في التوراة ما معناه أن اللممه ربممك‬
‫طممائق غيممور مطممالب بممذنوب البمماء للبنيممن علممى الثمموالث و‬
‫الروابع و هذا يدل على أن الربعة العقاب غاية في النساب‬
‫و الحسب‪ .‬و في كتاب الغاني في أخبار عزيممف الغممواني أن‬
‫كسرى قال للنعمان هل في العرب قبيلة تتشرف على قبيلة‬
‫قال نعم قال بأي شيء قال من كممان لممه ثلثممة آبمماء متواليممة‬
‫رؤساء ثم تصل ذلك بكمال الرابع فالبيت من قبيلته و طلممب‬
‫ذلك فلم يجده إل في آل حذيفة بن بدر الفزاري و هممم بيممت‬
‫قيس و آل ذي الجدين بيت شمميبان و آل الشممعث بممن قيممس‬
‫مممن كنممدة و آل حمماجب بممن زرارة و آل قيممس بممن عاصممم‬
‫المنقري من بني تميم فجمع هؤلء الرهط و من تبعهممم مممن‬
‫عشائرهم و أقعد لهم الحكام و العدول فقام حذيفة بممن بممدر‬
‫ثم الشعث بن قيممس لقرابتممه مممن النعمممان ثمم بسممطام بممن‬
‫قيس بن شيبان ثم حاجب بن زرارة ثممم قيممس بممن عاصممم و‬
‫خطبوا و نممثروا فقممال كسممرى كلهممم سمميد يصمملح لموضممعه و‬
‫كانت هذه البيوتات هي المذكورة في العرب بعد بني هاشممم‬
‫و معهم بيت بني الذبيان من بنى الحرث بن كعممب اليمنممي و‬
‫هذا كله يدل على أن الربعة الباء نهاية فمي الحسمب و اللمه‬
‫أعلم‪.‬‬

‫الفصل السادس عشر في أن المم الوحشية أقدر‬


‫على التغلب ممن سواها‬
‫إعلم أنه لما كانت البداوة سببا ً في الشجاعة كما قلنمماه فممي‬
‫المقدمة الثالثة ل جرم كان هذا الجيل الوحشي أشد شجاعة‬
‫من الجيل الخر فهم أقدر على التغلب و انتزاع ما في أيممدي‬
‫سواهم من المم بل الجيل الواحد تختلمف أحمواله فمي ذلمك‬
‫باختلف العصار فكلما نزلوا الرياف و تفنقوا النعيم و ألفمموا‬
‫عوائد الخصب في المعمماش و النعيممم‪ ،‬نقممص مممن شممجاعتهم‬
‫بمقدار ما نقص مممن توحشممهم و بممداوتهم و اعتممبر ذلممك فممي‬
‫الحيوانات العجم بدواجن الظبمماء و البقممر الوحشممية و الحفممر‬
‫إذا زال توحشها بمخالطممة الدمييممن و أخصممب عيشممها كيممف‬
‫يختلممف حالهمما فممي النتهمماض و الشممدة حممتى فممي مشمميتها و‬
‫حسن أديمها و كممذلك الدمممي المتمموحش إذا أنممس و ألممف و‬
‫سببه أن تكون السجايا و الطباخ إنممما هممو عممن المألوفممات و‬
‫العوائد و إذا كان الغلب للمم إنما يكون بالقممدام و البسممالة‬
‫فمن كان من هذه الجيال أعرق في البمداوة و أكممثر توحشما ً‬
‫كان أقرب إلممى التغلممب علممى سممواه إذا تقاربمما فممي العممدد و‬
‫تكافآ في القوة العصبية و انظر في ذلك شأن مضر مممع مممن‬
‫قبلهم من حمير و كهلن السابقين إلى الملك و النعيم و مممع‬
‫ربيعة المتوطنين أرياف العراق و نعيمه لممما بقممي مضممر فممي‬
‫بممداوتهم و تقممدمهم الخممرون إلممى خصممب العيممش و غضممارة‬
‫النعيم كيف أرهفت البداوة حدهم في التغلب فغلبوهم علممى‬
‫ما في أيديهم و انتزعوه منهم و هذا حممال بنممي طيممء و بنممي‬
‫عامر بن صعصعة و بني سليم بن منصور و مممن بعممدهم لممما‬
‫تممأخروا فممي بمماديتهم عممن سممائر قبممائل مضممر و اليمممن و لممم‬
‫يتلبسوا بشيء من دنياهم كيف أمسكت حال البممداوة عليهممم‬
‫قوة عصبيتهم و لم تخلفها مذاهب الترف حتى صمماروا أغلممب‬
‫على المر منهم و كذا كل حي من العرب يلي نعيما ً و عيشا ً‬
‫خصبا ً دون الحي الخر فإن الحي المتبدي‪ ،‬يكون أغلب لممه و‬
‫أقدر عليه إذا تكافآ في القوة و العدد سنة الله في خلقه‪.‬‬

‫الفصل السابع عشر في أن الغاية التي تجري إليها‬


‫العصبية هي الملك‬
‫و ذلك لنا قدمنا أن العصبية بها تكون الحمايممة و المدافعممة و‬
‫المطالبة و كل أمر يجتمع عليه و قدمنا أن الدميين بالطبيعة‬
‫النسانيه يحتاجون فممي كممل اجتممماع إلممى وازع و حمماكم يممزع‬
‫بعضهم عن بعض فل بد أن يكون متغلبا ً عليهم بتلك العصممبية‬
‫و إل لم تتم قدرته على ذلك و هذا التغلممب هممو الملممك و هممو‬
‫أمر زائد على الرئاسة لن الرئاسة إنما هي سؤدد و صمماحبها‬
‫متبوع و ليس له عليهم قهر فممي أحكممامه و أممما الملممك فهممو‬
‫التغلب و الحكم بالقهر و صمماحبها متبمموع و ليممس لممه عليهممم‬
‫قهر في أحكامه‪ .‬و أما الملك فهو التغلب و الحكممم بممالقوة و‬
‫صاحب العصبية إذا بلغ إلى رتبة طلب ما فوقها فإذا بلغ رتبة‬
‫السؤدد و التباع و وجد السبيل إلى التغلب و القهر ل يممتركه‬
‫لنه مطلوب للنفس و ل يتم اقتدارها عليه إل بالعصبية الممتي‬
‫يكون بها متبوعا ً فالتغلب الملكي غاية للعصبية كما رأيت ثممم‬
‫أن القبيل الواحد و إن كانت فيه بيوتات مفترقممة و عصممبيات‬
‫متعددة فل بد من عصبية تكممون أقمموى مممن جميعهمما تغلبهمما و‬
‫تستتبعها وتلتحم جميع العصبيات فيهمما و تصممير كأنهمما عصممبية‬
‫واحممدة كممبرى و إل وقممع الفممتراق المفضممي إلممى الختلف و‬
‫التنافس ولول دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسممدت الرض‬
‫ثم إذا حصل التغلب لتلك العصبية على قومها طلبت بطبعهمما‬
‫التغلب على أهل عصبية أخممرى بعيممدة عنهمما فممإن كافأتهمما أو‬
‫مانعتها كانوا أقتال ً و أنظارا ً و لكل واحدة منهما التغلب علممى‬
‫حوزتها و قومها شأن القبائل و المم المفترقة فممي العممالم و‬
‫إن غلبتهمما و اسممتتبعتها التحمممت بهمما أيض ما ً و زادت قمموة فممي‬
‫التغلب إلى قوتها و طلبت غاية من التغلممب و التحكممم أعلممى‬
‫من الغاية الولى و أبعد و هكممذا دائم ما ً حممتى تكممافىء بقوتهمما‬
‫قوة الدولة في هرمها و لم يكن لها ممانع من أوليمماء الدولممة‬
‫أهل العصبيات اسممتولت عليهمما و انممتزعت المممر مممن يممدها و‬
‫صار الملك أجمع لها و إن انتهت قوتها و لم يقارن ذلك هرم‪،‬‬
‫الدولة و إنما قارن حاجتها إلممى السممتظهار بأهممل العصممبيات‬
‫انتظمتها الدولة في أوليائها تستظهر بهمما علممى ممما يعممن مممن‬
‫مقاصدها و ذلك ملك آخر دون الملك المستبد و هو كما وقع‬
‫للترك في دولة بني العباس و لصنهاجة و زناتممة مممع كتامممة و‬
‫لبني حمدان مع ملوك الشيعة مممن العلويممة و العباسممية فقممد‬
‫ظهر أن الملك هو غاية العصبية و أنهمما إذا بلغممت إلممى غايتهمما‬
‫حصل للقبيلة الملك إما بالستبداد أو بالمظاهرة على حسب‬
‫ما يسعه الوقت المقارن لذلك و إن عاقهمما عممن بلمموغ الغايممة‬
‫عوائق كما نبينه وقفت في مقامها إلى أن يقضي الله بأمره‪.‬‬

‫الفصل الثامن عشر في أن من عوائق الملك‬


‫حصول الترف و انغماس القبيل في النعيم‬
‫و سممبب ذلممك أن القبيممل إذا غلبممت بعصممبيتها بعممض الغلممب‬
‫اسممتولت علممى النعمممة بمقممداره و شمماركت أهممل النعممم و‬
‫الخصممب فممي نعمتهممم و خصممبهم و ضممربت معهممم فممي ذلممك‬
‫بسهم و حصة بمقدار غلبها و استظهار الدولة بها فإن كممانت‬
‫الدولة من القوة بحيث ل يطممع أحمد فمي انمتزاع أمرهما و ل‬
‫مشمماركتها فيممه أذعممن ذلممك القبيممل لوليتهمما و القنمموع بممما‬
‫يسوغون من نعمتها و يشركون فيه مممن جبايتهمما و لممم تسممم‬
‫آمالهم إلى شيء من منازع الملممك و ل أسممبابه إنممما همتهممم‬
‫النعيم و الكسب و خصب العيش و السكون في ظل الدولممة‬
‫إلى الدعة و الراحة و الخممذ بمممذاهب الملممك فممي المبمماني و‬
‫الملبس و الستكثار من ذلك و التأنق فيه بمقدار ممما حصممل‬
‫من الرياش و الترف و ما يدعو إليه من توابممع ذلممك فتممذهب‬
‫خشونة البداوة و تضعف العصبية و البسالة و يتنعمممون فيممما‬
‫أتاهم الله من البسطة و تنشأ بنوهم و أعقابهم في مثل ذلك‬
‫من الترفع عن خدمة أنفسهم و ولية حاجمماتهم و يسممتنكفون‬
‫عن سائر المور الضرورية في العصبية حتى يصير ذلك خلقا ً‬
‫لهم و سجية فتنقص عصبيتهم و بسالتهم في الجيال بعممدهم‬
‫يتعاقبها إلى أن تنقرض العصبية فيممأذنون بممالنقراض و علممى‬
‫قدر ترفهم و نعمتهم يكون إشرافهم علممى الفنمماء فضمل ً عممن‬
‫الملك فإن عوارض الممترف و الغممرق فممي النعيممم كاسممر مممن‬
‫سورة المصبية التي بها التغلب و إذا انقرضت العصبية قصممر‬
‫القبيممل عممن المدافعممة و الحمايممة فضممل ً عممن المطالبممة و‬
‫التهمتهم المم سواهم فقد تبين أن الترف من عوائق الملك‬
‫و الله يؤتي ملكه من يشاء‪.‬‬
‫الفصل التاسع عشر في أن من عوائق الملك‬
‫المذلة للقبيل و النقياد إلى سواهم‬
‫و سبب ذلك أن المذلة و النقياد كاسران لسورة العصممبية و‬
‫شدتها فإن انقيادهم و مذلتهم دليل على فقدانها فممما رئممموا‬
‫للمذلة حتى عجزوا عن المدافعة فأولى أن يكون عاجزا ً عممن‬
‫المقاومممة و المطالبممة و اعتممبر ذلممك فممي بنممي إسممرائيل لممما‬
‫دعاهم موسى عليه السلم إلى ملممك الشممام و أخممبرهم بممأن‬
‫الله قد كتب لهم ملكهم كيف عجممزوا عممن ذلممك و قممالوا‪ :‬إن‬
‫فيها قومما ً جبممارين و إنمما لممن نممدخلها حممتى يخرجمموا منهمما أي‬
‫يخرجهم الله تعالى منها بضممرب مممن قممدرته غيممر عصممبيتنا و‬
‫تكون مممن معجزاتممك يمما موسممى و لممما عممزم عليهممم لجمموا و‬
‫ارتكبوا العصيان و قالوا له‪ :‬اذهممب أنممت و ربممك فقمماتل و ممما‬
‫ذلك إل لما أنسوا من أنفسممهم مممن العجممز عممن المقاومممة و‬
‫المطالبة كما تقتضيه الية و ما يؤثر في تفسيرها و ذلك بممما‬
‫حصل فيهم من خلق النقيمماد و ممما رئممموا مممن الممذل للقبممط‬
‫أحقابا ً حتى ذهبت العصبية منهم جملممة مممع أنهممم لممم يؤمنمموا‬
‫حق اليمان بما أخبرهم به موسى مممن أن الشممام لهممم و أن‬
‫العمالقة الذين كانوا بأريحا فريستهم بحكممم مممن اللممه قممدره‬
‫لهم فأقصروا عن ذلك و عجزوا تعويل ً على ممما فممي أنفسممهم‬
‫من العجز عن المطالبة لما حصممل لهممم مممن خلممق المذلممة و‬
‫طعنوا فيما أخبرهم به نبيهم من ذلك و ما أمرهم به فعاقبهم‬
‫الله بالتيه و هو أنهم تاهوا في قفر من الرض ما بين الشممام‬
‫و مصر أربعين سنة لم يأووا فيها العمران و ل نزلوا مصممرا ً و‬
‫ل خالطوا بشرا ً كما قصه القرآن لغلظممة العمالقممة بالشممام و‬
‫القبط بمصر عليهم لعجزهممم عممن مقمماومتهم كممما زعممموه و‬
‫يظهممر مممن مسمماق اليممة و مفهومهمما أن حكمممة ذلممك الممتيه‬
‫مقصودة و هي فناء الجيل الذين خرجمموا مممن قبضممة الممذل و‬
‫القهر و القوة و تخلقوا به و أفسدوا من عصبيتهم حمتى نشمأ‬
‫في ذلك التيه جيل آخر عزيز ل يعممرف الحكممام و القهممر و ل‬
‫يساهم بالمذلة فنشأت بذلك عصبية أخرى اقتدروا بهمما علممى‬
‫المطالبة و التغلب و يظهر لك من ذلك أن الربعين سنة أقل‬
‫ما يأتي فيهمما فنمماء جيممل و نشممأة جيممل آخممر سممبحان الحكيممم‬
‫العليم و في هذا أوضح دليل على شأن العصممبية و أنهمما هممي‬
‫التي تكون بها المدافعة و المقاومة و الحمايممة و المطالبممة و‬
‫أن من فقدها عجز عن جميع ذلك كلممه و لحممق بهممذا الفصممل‬
‫فيما يوجب المذلممة للقبيممل شممأن المغممارم و الضممرائب فممإن‬
‫القبيل الغارمين ما أعطوا اليد من ذلك حممتى رضمموا بالمذلممة‬
‫فيه لن فممي المغممارم و الضممرائب ضمميما ً و مذلممة ل تحتملهمما‬
‫النفمموس البيممة إل إذا اسممتهونته عممن القتممل و التلممف و أن‬
‫عصبيتهم حينئذ ضعيفة عن المدافعة و الحمايممة و مممن كممانت‬
‫عصبيته ل تدفع عنه الضيم فكيف له بالمقاومة و المطالبممة و‬
‫قد حصل له النقياد للذل و المذلة عائقة كما قدمناه‪ .‬و منممه‬
‫قوله صلى اللممه عليممه و سمملم شممأن الحممرث لممما رأى سممكة‬
‫المحراث في بعض دور النصار ممما دخلممت هممذه دار قمموم إل‬
‫دخلهم الذل فهو دليل صريح على أن المغممرم ممموجب للذلممة‬
‫هذا إلى ما يصحب ذل المغارم مممن خلممق المكممر و الخديعممة‬
‫بسبب ملكة القهر فإذا رأيت القبيل بالمغارم فممي ربقممة مممن‬
‫الذل فل تطمعن لها بملك آخممر الممدهر و مممن هنمما يتممبين لممك‬
‫غلممط مممن يزعممم أن زناتممة بممالمغرب كممانوا شمماوية يممودون‬
‫المغارم لمن كان على عهدهم من الملوك و هو غلط فاحش‬
‫كما رأيت إذ لو وقع ذلك لما استتب لهم ملك و ل تممت لهمم‬
‫دولة و انظر فيما قاله شهر براز ملك الباب لعبد الرحمن بن‬
‫ربيعة لما أطل عليه و سأل شهر براز أمممانه علممى أن يكممون‬
‫له فقال أنا اليمموم منكممم يممدي فممي أيممديكم و صممعري معكممم‬
‫فمرحبا ً بكم و بارك الله لنا و لكم و جزيتنا إليكم النصر لكممم‬
‫و القيممام بممما تحبممون و ل تممذلونا بالجزيممة فتوهونمما لعممدوكم‬
‫فاعتبر هذا فيما قلناه فإنه كاف‪.‬‬
‫الفصل العشرون م في أن من علمات الملك‬
‫التنافس في الخلل الحميدة و بالعكس‬
‫لما كان الملك طبيعيا ً للنسان لما فيه مممن طبيعممة الجتممماع‬
‫كما قلناه و كان النسممان أقممرب إلممى خلل الخيممر مممن خلل‬
‫الشر بأصل فطرته و قمموته الناطقممة العاقلممة لن الشممر إنممما‬
‫جاءه من قبل القوى الحيوانية التي فيه و إما مممن حيممث هممو‬
‫إنسان فهو إلى الخير و خلله أقرب و الملك و السياسة إنما‬
‫كانا له من حيث هو إنسان لنهما للنسان خاصممة ل للحيمموان‬
‫فإذا ً خلل الخير فيه هي الممتي تناسممب السياسممة و الملممك إذ‬
‫الخير هو المناسب للسياسة و قد ذكرنا أن المجممد لممه أصممل‬
‫يبنى عليه و تتحقق به حقيقته و هو العصبية و العشير و فرع‬
‫يتمم و جمموده و يكملممه و هممو الخلل و إذا كممان الملممك غايممة‬
‫للعصممبية فهممو غايممة لفروعهمما و متمماتهمما و هممي الخلل لن‬
‫وجمموده دون متمممماته كوجممود شممخص مقطمموع العضمماء أو‬
‫ظهوره عريانا ً بين الناس لم إذا كان وجود العصبية فقط من‬
‫غير انتحال الخلل الحميدة نقصا ً في أهل البيوت و الحساب‬
‫فما ظنك بأهل الملك الذي هو غاية لكممل مجممد و نهايممة لكممل‬
‫حسب و أيضا ً فالسياسة و الملك هي كفالة للخلممق و خلفممة‬
‫لله في العباد لتنفيذ أحكامه فيهم و أحكام اللممه فممي خلقممه و‬
‫عبمماده إنممما هممي بممالخير و مراعمماة المصممالح كممما تشممهد بممه‬
‫الشرائع و أحكممام البشممر إنممما هممي مممن الجهممل و الشمميطان‬
‫بخلف قدرة الله سبحانه و قدره فإنه فاعممل للخيممر و الشممر‬
‫معا ً و مقدرهما إذ ل فاعل سممواه فمممن حصمملت لممه العصممبية‬
‫الكفيلة بالقدرة و أونست منممه خلل الخيممر المناسممبة لتنفيممذ‬
‫أحكام الله في خلقه فقممد تهيممأ للخلفممة فممي العبمماد و كفالممة‬
‫الخلق و وجدت فيه الصلحية لذلك‪ .‬و هذا البرهان أوثق مممن‬
‫أن أول و أصح مبنى فقد تبين أن خلل الخير شاهدة بوجممود‬
‫الملك لمن و جدت له العصبية فإذا نفرنا في أهل العصبية و‬
‫من حصل لهم من الغلممب علممى كممثير مممن النممواحي و المممم‬
‫فوجدناهم يتنافسون في الخير و خللممه مممن الكممرم و العفممو‬
‫عن الزلت و الحتمال من غيممر القممادر و القممرى للضمميوف و‬
‫حمل الكل و كسب المعدم و الصبر علممى المكمماره و الوفمماء‬
‫بالعهد و بذل الموال في صون العراض و تعظيممم الشممريعة‬
‫و إجلل العلماء الحاملين لها و الوقوف عند ما يحددونه لهممم‬
‫من فعل أو ترك و حسن الظن بهممم و اعتقمماد أهممل الممدين و‬
‫التممبرك بهممم و رغبممه الممدعاء منهممم و الحيمماء مممن الكممابر و‬
‫المشممايخ و تمموقيرهم و إجللهممم و النقيمماد إلممى الحممق مممع‬
‫الداعي إليه و إنصمماف المستضممعفين مممن أنفسممهم و التبمدل‬
‫في أحوالهم و النقياد للحق و التواضع للمسممكين و اسممتماع‬
‫شهوى المسمتغيثين و التمدين بالشمرائع و العبمادات و القيمام‬
‫عليها و على أسبابها و التجافي عن الغدر و المكر و الخديعة‬
‫و نقض العهد و أمثال ذلك علمنا أن هذه خلمق السياسمة قمد‬
‫حصلت لديهم و اسممتحقوا بهمما أن يكونمموا ساسممة لمممن تحممت‬
‫أيديهم أو على العممموم و أنممه خيممر سمماقه اللممه تعممالى إليهممم‬
‫مناسب لعصبيتهم و غلبهم و ليس ذلك سدىً فيهم و ل وجممد‬
‫عبثما ً منهممم و الملممك أنسممب المراتممب و الخيممرات لعصممبيتهم‬
‫فعلمنمما بممذلك أن اللممه تممأذن لهممم بالملممك و سمماقه إليهممم و‬
‫بالعكس مممن ذلممك إذا تممأذن اللممه بممانقراض الملممك مممن أمممة‬
‫حملتهم على ارتكاب المذمومات و انتحال الرذائل و سمملوك‬
‫طرقها فتفقد الفصائل السياسية منهم جملممة و ل تممزال فممي‬
‫انتقاص إلى أن يخرج الملك من أيديهم و يتبممدل بممه سممواهم‬
‫ليكون نعيا ً عليهم في سلب ما كان الله قد أتاهم من الملممك‬
‫و جعل في أيديهم من الخير وإذا أردنا أن نهلممك قريممة أمرنمما‬
‫مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القممول فممدمرناها تممدميرا و‬
‫استقرىء ذلك و تتبعه في المم السابقة تجد كثيرا ً مما قلناه‬
‫و رسمناه و الله يخلق ما يشاء و يختار و اعلم أن مممن خلل‬
‫الكمال التي يتنافس فيها القبائل ألو العصبية و تكون شاهدة‬
‫لهم بالملممك إكممرام العلممماء و الصممالحين و الشممراف و أهممل‬
‫الحساب و أصناف التجار و الغرباء و إنزال الناس منازلهم و‬
‫ذلممك أن إكممرام القبممائل و أهممل العصممبيات و العشممائر لمممن‬
‫يناهضهم في الشرف و يجاد بهم حبممل العشممير و العصممبية و‬
‫يشاركهم في اتساع الجاه أمر طبيعي يحمل عليه في الكممثر‬
‫الرغبة في الجمماه أو المخافممة مممن قمموم المكممرم أو التممماس‬
‫مثلها منه و أما أمثال هؤلء من ليس لهممم عصممبية تتقممى و ل‬
‫جمماه يرتجممى فينممدفع الشممك فممي شممأن كرامتهممم و يتمحممض‬
‫القصد فيهم أنه للمجد و انتحال الكمال في الخلل و القبال‬
‫على السياسة بالكلية لن إكرام أقتاله و أمثمماله ضممروي فممي‬
‫السياسة الخاصة بين قبيلة و نظرائه و إكرام الطممارئين مممن‬
‫أهممل الفضممائل و الخصوصمميات كمممال فممي السياسممة العامممة‬
‫فالصالحون للدين و العلماء للجاءي إليهم في إقامة مراسممم‬
‫الشريعة و التجار للترغيب حتى تعم المنفعة بما فممي أيممديهم‬
‫و الغربماء ممن مكممارم الخلق و إنممزال النماس منممازلهم مممن‬
‫النصاف و هو من العدل فيعلم بوجود ذلك من أهل عصممبيته‬
‫انتماؤهم للسياسة العامة و هممي الملممك و أن اللممه قممد تممأذن‬
‫بوجودها فيهم لوجوب علماتها و لهذا كان أول ما يذهب مممن‬
‫القبيممل أهممل الملممك إذا تممأذن اللممه تعممالى بسمملب ملكهممم و‬
‫سلطانهم إكرام هذا الصنف من الخلق فمإذا رأيتمه قمد ذهمب‬
‫من أمة من المم فاعلم أن الفضائل قد أخذت فممي الممذهاب‬
‫عنهم و ارتقب زوال الملك منهم و إذا أراد الله بقمموم سمموءا ً‬
‫فل مرد له و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل الحادي و العشرون في أنه إذا كانت المة‬


‫وحشية كان ملكها أوسع‬
‫و ذلممك لنهممم أقممدر علممى التغلممب و السممتبداد كممما قلنمماه و‬
‫اسممتعباد الطمموائف لقممدرتهم علممى محاربممة المممم سممواهم و‬
‫لنهم يتنزلون من الهليممن منزلممة المفممترس مممن الحيوانممات‬
‫العجم و هؤلء مثل العممرب و زناتممة و مممن فممي معنمماهم مممن‬
‫الكراد و التركمان و أهل اللثام من صممنهاجة و أيض ما ً فهممؤلء‬
‫المتوحشون ليس لهم وطن يرتممافون منممه و ل بلممد يجنحممون‬
‫إليه فنسبة القطار و المواطن إليهممم علممى السممواء فلهممذا ل‬
‫يقتصرون على ملكممة قطرهممم و ممما جمماورهم مممن البلد و ل‬
‫يقفون عند حدود أفقهم بل يظفرون إلى القمماليم البعيممدة و‬
‫يتغلبون على المم النائية و انظممر ممما يحكممى فممي ذلممك عممن‬
‫عمر رضي اللممه عنممه لممما بويممع و قممام يحممرض النمماس علممى‬
‫العراق فقال‪ :‬إن الحجاز ليس لكم بدار إل علممى النجعممة و ل‬
‫قوى عليه أهله إل بذلك أيممن القممراء المهمماجرون عممن موعممد‬
‫اللممه سمميروا فممي الرض الممتي وعممدكم اللممه فممي الكتمماب أن‬
‫يورثكموهمما فقممال‪ :‬ليظهممره علممى الممدين كلممه و لممو كممره‬
‫المشركون و اعتبر ذلك أيضا ً بحال العرب السالفة ممن قبممل‬
‫مثممل التبابعممة و حميممر كيممف كممانوا يخطممون مممن اليمممن إلمى‬
‫المغرب مرة و إلى العراق و الهند أخرى و لم يكن ذلك لغير‬
‫العرب من المم و كذا حال الملثمين من المغرب لما نزعمموا‬
‫إلى الملك طفروا من القليم الول و مجالتهم منه في جوار‬
‫السودان إلى القليم الرابع و الخامس فممي ممالممك النممدلس‬
‫من غيمر واسمطة و همذا شمأن همذه الممم الوحشمية فلمذلك‬
‫تكون دولتهم أوسع نطاقا ً و أبعد من مراكزهمما نهايممة‪ ،‬و اللممه‬
‫يقدر الليل و النهار و هو الواحد القهار ل شريك له‪.‬‬

‫الفصل الثاني و العشرون في أن الملك إذا ذهب‬


‫عن بعض الشعوب من أمة فل بد من عوده إلى‬
‫شعب أخر منها ما دامت لهم العصبية‬
‫و السمبب فمي ذلمك أن الملمك إنمما حصمل لهمم بعمد سمورة‬
‫الغلب و الذعان لهم من سائر المممم سممواهم فيتعيممن منهممم‬
‫المباشممرون للمممر الحمماملون سممرير الملممك و ل يكممون ذلممك‬
‫لجميعهم لما هم عليه مممن الكممثرة الممتي يضمميق عنهمما نطمماق‬
‫المزاحمة و الغيرة التي تجممدع أنمموف كممثير مممن المتطمماولين‬
‫للرتبة فإذا تعين أولئك القائمون بالدولة انغمسوا في النعيممم‬
‫و غرقوا في بحر الترف و الخصب و اسممتعبدوا إخمموانهم مممن‬
‫ذلك الجيل و أنفقمموهم فممي وجمموه الدولممة و مممذاهبها و بقممي‬
‫الذين بعدوا عن المر و كبحوا عن المشمماركة فممي ظممل مممن‬
‫عز الدولة التي شاركوها بنسبهم و بمنجاة من الهرم لبعدهم‬
‫عن الترف و أسبابه فإذا استولت على الوليممن اليممام و أبمماد‬
‫غضممراءهم الهممرم فطبختهممم الدولممة و أكممل الممدهر عليهممم و‬
‫شرب بما أرهف النعيم من حدهم و اسممتقت غريممزة الممترف‬
‫مممن مممائهم و بلغمموا غممايتهم مممن طبيعممة التمممدن النسمماني و‬
‫التغلب السياسي شعر‪.‬‬
‫كدود القز ينسج ثم يفنىبمركز نسجه في النعكاس‬
‫كممانت حينئذ عصممبية الخريممن موفممورة و سممورة غلبهممم مممن‬
‫الكاسممر محفوظممة و شممارتهم فممي الغلممب معلومممة فتسمممو‬
‫آمالهم إلى الملك الذي كممانوا ممنمموعين منممه بممالقوة الغالبممة‬
‫من جنس عصبيتهم و ترتفع المنازعة لممما عممرف مممن غلبهممم‬
‫فيستولون على المر و يصير إليهم و كذا يتفق فيهم مع مممن‬
‫بقي أيضا ً منتبذا ً عنه من عشائر أمتهم فل يزال الملك ملجئا ً‬
‫في المة إلى أن تنكسر سورة العصبية منهمما أو يفنممى سممائر‬
‫عشممائرها سممنة اللممه فممي الحيمماة الممدنيا و الخممرة عنممد ربممك‬
‫للمتقين و اعتبر هذا بما وقع في العرب لما انقرض ملك عاد‬
‫قام به من بعدهم إخوانهم من ثمممود و مممن بعممدهم إخمموانهم‬
‫العمالقة و من بعدهم إخوانهم من حمير أيضما ً و مممن بعممدهم‬
‫إخوانهم التبابعة من حمير أيضا ً و من بعدهم الذواء كذلك ثم‬
‫جاءت الدولة لمضر و كذا الفممرس لممما انقممرض أمممر الكينيممة‬
‫ملك من بعدهم الساسانية حتى تأذن الله بانقراضممهم أجمممع‬
‫بالسمملم و كممذا اليونممانيون انقممرض أمرهممم و انتقممل إلممى‬
‫إخوانهم من الروم و كذا الممبربر بممالمغرب لممما انقممرض أمممر‬
‫مغراوة و كتامة الملمموك الول منهممم رجممع إلممى صممنهاجة ثممم‬
‫الملثمين من بعدهم ثم من بقممي مممن شممعوب زناتممة و هكممذا‬
‫سمنة اللمه فمي عبماده و خلقمه و أصمل همذا كلمه إنمما يكمون‬
‫بالعصبية و هي متفاوتة في الجيال و الملك يخلقه الممترف و‬
‫يذهبه كما سنذكره بعد فإذا انقرضت دولة فإنما يتناول المر‬
‫منهممم مممن لممه عصممبية مشمماركة لعصممبيتهم الممتي عممرف لهمما‬
‫التسليم و النقياد و أونس منهمما الغلممب‪ ،‬لجميممع العصممبيات و‬
‫ذلك إنما يوجد في النسب القريب منهم لن تفاوت العصممبية‬
‫بحسب ما قرب من ذلك النسب التي هي فيممه أو بعممد حممتى‬
‫إذا وقممع فممي العممالم تبممديل كممبير مممن تحويممل ملممة أو ذهمماب‬
‫عمران أو ما شمماء اللممه مممن قممدرته فحينئذ يخممرج عممن ذلممك‬
‫الجيل إلى الجيل الذي يأذن اللممه بقيممامه بممذلك التبممديل كممما‬
‫وقع لمضر حين غلبوا على المم و الدول و أخذوا المممر مممن‬
‫أيدي أهل العالم بعد أن كانوا مكبوحين عنه أحقابًا‪.‬‬

‫الفصل الثالث و العشرون في أن المغلوب مولع‬


‫أبدا ً بالقتداء بالغالب في شعاره وزيه و نحلته‬
‫و سائر أحواله و عوائده‬
‫و السبب في ذلك أن النفس أبدا ً تعتقد الكمال في من غلبها‬
‫و انقادت إليه إما لنظره بالكمال بما وقر عندها من تعظيمممه‬
‫أولما تغالط به من أن انقيادها ليس لغلممب طممبيعي إنممما هممو‬
‫لكمممال الغممالب فممإذا غممالطت بممذلك و اتصممل لهمما اعتقممادا ً‬
‫فممانتحلت جميممع مممذاهب الغممالب و تشممبهت بممه و ذلممك هممو‬
‫القتداء أو لما تراه و الله أعلم من أن غلب الغالب لها ليس‬
‫بعصبية و ل قوة بأس لم إنما هو بممما انتحلتممه مممن العمموائد و‬
‫المذاهب تغالط أيضا ً بذلك عممن الغلممب و هممذا راجممع للول و‬
‫لذلك ترى المغلوب يتشبه أبدا ً بالغالب في ملبسممه و مركبممه‬
‫و سلحه فمي اتخاذهمما و أشمكالها بمل و فمي سمائر أحمواله و‬
‫انظر ذلك في البناء مع آبائهم كيممف تجممدهم متشممبهين بهممم‬
‫دائما ً و ما ذلك إل لعتقادهم الكمال فيهممم و انظممر إلممى كممل‬
‫قطر من القطار كيف يغلب علممى أهلممه زي الحاميممة و جنممد‬
‫السلطان في الكثر لنهم الغممالبون لهممم حممتى أنممه إذا كممانت‬
‫أمة تجاور أخرى و لها الغلب عليهمما فيسممري إليهممم مممن هممذا‬
‫التشبه و القتداء حظ كبير كما هو في النممدلس لهممذا العهممد‬
‫مع أمم الجللقة فإنك تجدهم يتشبهون بهم فممي ملبسممهم و‬
‫شاراتهم و الكثير مممن عمموائدهم و أحمموالهم حممتى فمي رسممم‬
‫التماثيل في الجدان و المصانع و البيوت حتى لقممد يستشممعر‬
‫من ذلك الناظر بعيممن الحكمممة أنممه مممن علمممات السممتيلء و‬
‫المر لله‪ .‬و تأمل في هذا سر قولهم العامة على دين الملممك‬
‫فإنه من بابه إذ الملك غالب لمن تحت يده و الرعية مقتدون‬
‫به لعتقمماد الكمممال فيممه اعتقمماد البنمماء بآبممائهم و المتعلميممن‬
‫بمعلميهممم و اللممه العليممم الحكيممم و بممه سممبحانه و تعممالى‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الرابع و العشرون في أن المة إذا غلبت و‬


‫صارت في ملك غيرها أسرع إليها الفناء‬
‫و السبب في ذلك و الله أعلم ممما يحصممل فممي النفمموس مممن‬
‫التكاسل إذا ملك أمرها عليها و صارت بالستعباد آلة لسواها‬
‫و عالة عليهم فيقصر المل و يضعف التناسل و العتمار إنما‬
‫هو عن جدة المل و ما يحدث عنه مممن النشمماط فممي القمموى‬
‫الحيوانية فإذا ذهب المل بالتكاسل و ذهب ما يدعو إليه مممن‬
‫الحوال و كانت العصبية ذاهبة بالغلب الحاصل عليهم تناقص‬
‫عمرانهممم و تلشممت مكاسممبهم و مسمماعيهم وعجممزوا عممن‬
‫المدافعممة عممن أنفسممهم بممما خضممد الغلممب مممن شمموكتيهم‬
‫ة لكل آكل و سواء كانوا‬ ‫فأصبحوا مغلبين لكل متغلب و طعم ً‬
‫حصلوا على غايتهم من الملك أم لممم يحصمملوا‪ .‬و فيممه و اللممه‬
‫أعلممم سممر آخممر و هممو أن النسممان رئيممس بطبعممه بمقتضممى‬
‫الستخلف الذي خلق له و الرئيس إذا غلب علممى رئاسممته و‬
‫كبح عن غاية عزه تكاسل حتى عن شبع بطنممه و ري كبممده و‬
‫هممذا موجممود فممي أخلق الناسممي‪ .‬و لقممد يقممال مثلممه فممي‬
‫الحيوانات المفترسة و أنها ل تسافد إل إذا كممانت فممي ملكممة‬
‫الدميين فل يزال هذا القبيل المملوك عليه أمره في تنمماقص‬
‫و اضمحلل إلى أن يأخذهم الفناء و البقاء لله وحده و اعتممبر‬
‫ذلك في أمة الفرس كيف كانت قد ملت العالم كممثرة و لممما‬
‫فنيت حاميتهم في أيام العرب بقممي منهممم كممثير و أكممثر مممن‬
‫الكثير يقال إن سعدا ً أحصممى ممما وراء المممدائن فكممالوا مممائة‬
‫ألف و سبعة و ثلثين ألفا ً منهم سبعة و ثلثون ألفا ً رب بيممت‬
‫و لما تحصلوا في ملكة الغرب و قبضة القهر لم يكن بقاؤهم‬
‫إل قليل ً و دثروا كأن لممم يكونمموا و ل تحسممبن أن ذلممك لظلممم‬
‫نزل بهم أو عممدوان شممملهم فملكممة السمملم فممي العممدل ممما‬
‫علمت و إنما هي طبيعة فممي النسممان إذا غلممب علممى أمممر و‬
‫صار آلممة لغيممره و لهممذا إنممما تممذعن للممرق فممي الغممالب أمممم‬
‫السمممودان لنقمممص النسمممانية فيهمممم و قربهمممم ممممن عمممرض‬
‫الحيوانات العجم كما قلناه أو من يرجممو بانتظممامه فممي ربقممة‬
‫الرق حصول رتبة أو إفادة مال أو عز كما يقع لممالك الترك‬
‫بالمشرق و العلوج من الجللقة و الفرنجة فإن العادة جارية‬
‫باستخلص الدولة لهم فل يأنفون من الرق لممما يممأملونه مممن‬
‫الجاه و الرتبة باصطفاء الدولة و الله سبحانه و تعممالى أعلممم‬
‫و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الخامس و العشرون في أن العرب ل‬


‫يتغلبون إل على البسائط‬
‫و ذلك أنهم بطبيعة التوحش الذي فيهم أهل انتهمماب و عيممث‬
‫ينتهبون ما قدروا عليه مممن غيممر مغالبممة و ل ركمموب خطممر و‬
‫يفممرون إلممى منتجعهممم بممالقفر و ل يممذهبون إلممى الزاحفممة و‬
‫المحاربممة إل إذا دفعمموا بممذلك عممن أنفسممهم فكممل معقممل أو‬
‫مستصممعب عليهممم فهممم تمماركوه إلممى ممما يسممهل عنممه و ل‬
‫يعرضون له و القبائل الممتنعة عليهم بأوعار الجبممال بمنجمماة‬
‫من عيثهم و فسادهم لنهم ل يتسنمون‪ ،‬إليهممم الهضمماب و ل‬
‫يركبون الصعاب و ل يحاولون الخطر و أممما البسممائط فمممتى‬
‫اقتدروا عليها بفقدان الحامية و ضعف الدولة فهي نهب لهممم‬
‫و طمعممة لكلهممم يممرددون عليهمما الغممارة و النهممب و الزحممف‬
‫لسممهولتها عليهممم إلممى أن يصممبح أهلهمما مغلممبين لهممم ثممم‬
‫يتعمماورونهم بمماختلف اليممدي و انحممراف السياسممة إلممى أن‬
‫ينقرض عمرانهم و الله قادر على خلقه و هو الواحممد القهممار‬
‫ل رب غيره‪.‬‬
‫الفصل السادس و العشرون في أن العرب إذا‬
‫تغلبوا على أوطان أسرع إليها الخراب‬
‫و السممبب فممي ذلممك أنهممم أمممة وحشممية باسممتحكام عمموائد‬
‫ة و كان عندهم‬ ‫التوحش و أسبابه فيهم فصار لهم خلقا ً و جبل ً‬
‫ملذوذا ً لما فيه من الخروج عن ربقة الحكممم و عممدم النقيمماد‬
‫للسياسة و هذه الطبيعة منافية للعمران و مناقضة له فغايممة‬
‫الحوال العادية كلها عندهم الرحلة و التغلب و ذلممك منمماقض‬
‫للسممكون الممذي بممه العمممران و فنمماف لممه فممالحجر مثل ً إنممما‬
‫حمماجتهم إليممه لنصممبه أثممافي القممدر فينقلممونه مممن المبمماني و‬
‫يخربونها عليه و يعدونه لذلك و الخشممب أيض ما ً إنممما حمماجتهم‬
‫إليه ليعمدوا به خيامهم و يتخذوا الوتاد منه لبيوتهم فيخربون‬
‫السقف عليه لممذلك فصممارت طبيعممة وجممودهم منافيممة للبنمماء‬
‫الذي هو أصل العمران هذا في حالهم علممى العممموم و أيض ما ً‬
‫فطبيعتهم انتهاب ما في أيدي الناس و أن رزقهممم فممي ظلل‬
‫رماحهم و ليس عندهم في أخذ أموال الناس حد ينتهون إليه‬
‫بل كلما امتدت أعينهم إلى مممال أو متمماع أو ممماعون انتهبمموه‬
‫فإذا تم اقتدارهم على ذلك بالتغلب و الملك بطلت السياسة‬
‫فممي حفممظ أممموال النمماس و خممرب العمممران و أيض ما ً فلنهممم‬
‫يكلفون على أهل العمال من الصنائع و الحممرف أعمممالهم ل‬
‫يرون لها قيمة و ل قسطا ً من الجر و الثمن و العمممال كممما‬
‫سنذكره هي أصل المكاسب و حقيقتها و إذا فسدت العمال‬
‫و صممارت مجان ما ً ضممعفت المممال فممي المكاسممب و انقبضممت‬
‫اليدي عن العمل و ابذعر الساكن و فسممد العمممران و أيض ما ً‬
‫فإنهم ليست لهم عناية بالحكام و زجر الناس عممن المفاسممد‬
‫و دفاع بعضهم عن بعض إنما همهم ممما يأخممذونه مممن أممموال‬
‫الناس نهبا ً أو غرامة فممإذا توصمملوا إلممى ذلممك و حصمملوا عليممه‬
‫أعرضوا عما بعده من تسديد أحوالهم و النظر في مصالحهم‬
‫و قهر بعضهم عن أغراض المفاسد و ربما فرضوا العقوبممات‬
‫في الموال حرصا ً على تحصيل الفائدة و الجباية و الستكثار‬
‫منها كما هو شأنهم و ذلك ليس بمغممن فممي دفممع المفاسممد و‬
‫زجر المتعرض لها بل يكون ذلك زائدا ً فيها لستسهال الغممرم‬
‫في جانب حصول الغرض فتبقمى الرعايما فمي ملكتهمم كأنهما‬
‫فوضى دون حكم و الفوضى مهلكة للبشر مفسدة للعمممران‬
‫بما ذكرنماه ممن أن وجمود الملمك خاصمة طبيعيمة للنسمان ل‬
‫يستقيم وجودهم و اجتماعهم إل بها و تقدم ذلك أول الفصممل‬
‫و أيضا ً فهم متنافسون في الرئاسة و قل أن يسلم أحد منهم‬
‫المر لغيره و لو كمان أبماه أو أخماه أو كمبير عشميرته إل فمي‬
‫القل و على كمره مممن أجممل الحيماء فيتعممدد الحكمام منهممم و‬
‫المراء و تختلف اليدي على الرعيممة فممي الجبايممة و الحكممام‬
‫فيفسد العمران و ينتقض‪ .‬قممال العرابممي الوافممد علممى عبممد‬
‫الملك لما سأله عن الحجاج و أراد الثناء عليممه عنممده بحسممن‬
‫السياسة و العمران فقال‪ :‬تركته يظلم و حده و انظر إلى ما‬
‫ملكوه و تغلبوا عليممه مممن الوطممان مممن لممدن الخليقممة كيممف‬
‫تقوض عمرانه و اقفر ساكنه و بدلت الرض فيه غيممر الرض‬
‫فاليمن قرارهم خراب إل قليل ً من المصممار و عممراق العممرب‬
‫كذلك قد خرب عمرانه الذي كان للفرس أجمع و الشام لهذا‬
‫العهد كذلك و أفريقية و المغرب لما جاز إليها بنو هلل و بنو‬
‫سممليم منممذ أول المممائة الخامسممة و تمرسمموا بهمما لثلثمممائة و‬
‫خمسين من السنين قد لحق بها و عادت بسائطه خرابا ً كلهمما‬
‫بعد أن كان ما بيممن السممودان و البحممر الرومممي كلممه عمرانما ً‬
‫تشهد بذلك آثار العمران فيه مممن المعممالم و تماثيممل البنمماء و‬
‫شواهد القرى و المدر و الله يرث الرض و مممن عليهمما و هممو‬
‫خير الوارثين‪.‬‬

‫الفصل السابع و العشرون في أن العرب ل يحصل‬


‫لهم الملك إل بصبغة دينية من نبوة أو ولية أو‬
‫أثر عظيم من الدين على الجملة‬
‫و السبب في ذلك أنهم لخلممق التمموحش الممذي فيهممم أصممعب‬
‫المم انقيادا ً بعضهم لبعممض للغلظممة و النفممة و بعممد الهمممة و‬
‫المنافسة في الرئاسة فقلما تجتمع أهواؤهم فإذا كان الممدين‬
‫بالنبؤة أو الولية كان الوازع لهم من أنفسممهم و ذهممب خلممق‬
‫الكبر و المنافسة منهم فسهل انقيادهم و اجتممماعهم و ذلممك‬
‫بما يشملهم من الدين المذهب للغلظة و اللفممة المموازع عممن‬
‫التحاسممد و التنممافس فممإذا كممان فيهممم النممبي أو الممولي الممذي‬
‫يبعثهم على القيام بأمر الله يذهب عنهممم مممذمومات الخلق‬
‫و يأخممذهم بمحمودهمما و يؤلممف كلمتهممم لظهممار الحممق تممم‬
‫اجتماعهم و حصل لهم التغلب و الملك و هم مع ذلك أسممرع‬
‫النمماس قبممول ً للحممق و الهممدى لسمملمة طبمماعهم مممن عمموج‬
‫الملكات و براءتهمما مممن ذميممم الخلق إل ممما كممان مممن خلممق‬
‫التوحش القريب المعاناة المتهيء لقبول الخيممر ببقممائه علممى‬
‫الفطرة الولى و بعممده عممما ينطبممع فممي النفمموس مممن قبيممح‬
‫العوائد و سوء الملكات فإن كممل مولممود يولممد علممى الفطممرة‬
‫كما ورد في الحديث و قد تقدم‪.‬‬

‫الفصل الثامن و العشرون في أن العرب أبعد‬


‫المم عن سياسة الملك‬
‫و السبب في ذلك أنهم أكثر بممداوة مممن سممائر المممم و أبعممد‬
‫مجممال ً فممي القفممر و أغنممى عممن حاجممات التلممول و حبوبهمما‬
‫لعتيادهم لشظف و خشممونة العيممش فاسممتغنوا عممن غيرهممم‬
‫فصممعب انقيمماد بعضممهم لبعممض لفلهممم ذلممك و للتمموحش و‬
‫رئيسهم محتاج إليهم غالبا ً للعصبية التي بها المدافعممة فكممان‬
‫مضطرا ً إلى إحسان ملكتهم و ترك مراغمتهم لئل يختل عليه‬
‫شأن عصبيته فيكون فيها هلكه و هلكهم و سياسة الملممك و‬
‫السلطان تقتضي أن يكممون السممائس وازعما ً بممالقهر و إل لممم‬
‫تستقم سياسته و أيضا ً فإن من طبيعتهم كما قدمناه أخذ ممما‬
‫فممي أيممدي النمماس خاصممة و التجممافي عممما سمموى ذلممك مممن‬
‫الحكام بينهم و دفاع بعضهم عن بعض فمإذا ملكموا أمممة ممن‬
‫المم جعلوا غاية ملكهم النتفاع بأخذ ما في أيممديهم و تركمموا‬
‫ما سوى ذلك من الحكام بينهم و ربما جعلوا العقوبات علممى‬
‫المفاسد في الموال حرصا ً علممى تكممثير الجبايممات و تحصمميل‬
‫الفمموائد فل يكممون ذلممك وازع ما ً و ربممما يكممون باعث ما ً بحسممب‬
‫الغراض الباعثة على المفاسد و استهانة ما يعطي من ممماله‬
‫في جانب غرضه فتنمو المفاسد بذلك و يقع تخريب العمران‬
‫فتبقى تلك المة كأنها فوضممى مسممتطيلة أيممدي بعضممها علممى‬
‫بعض فل يستقيم لها عمران و تخرب سممريعا ً شمأن الفوضممى‬
‫كما قدمناه فبعدت طباع العرب لذلك كله عن سياسة الملك‬
‫و إنما يصيرون إليها بعد انقلب طباعهم و تبدلها بصبغة دينية‬
‫تمحو ذلك منهم و تجعل الوازع لهم مممن أنفسممهم و تحملهممم‬
‫على دفاع الناس بعضهم عن بعض كما ذكرناه و اعتممبر ذلممك‬
‫بممدولتهم فممي الملممة لممما شمميد لهممم الممدين أمممر السياسممة‬
‫بالشممريعة و أحكامهمما المراعيممة لمصممالح العمممران ظمماهرا ً و‬
‫باطنمما ً و تتممابع فيهمما الخلفمماء عظممم حينئذ ملكهممم و قمموي‬
‫سلطانهم‪ .‬كان رسممتم إذا رأى المسمملمين يجتمعممون للصمملة‬
‫يقول أكل عمر كبدي يعلم الكلب الداب ثم إنهممم بعممد ذلممك‬
‫انقطعت منهم عن الدولة أجيال نبذوا الدين فنسوا السياسة‬
‫و رجعوا إلى قفرهم و جهلوا شأن عصبيتهم مع أهممل الدولممة‬
‫ببعدهم في النقياد و إعطاء النصفة فتوحشوا كما كانوا و لم‬
‫يبق لهم من اسم الملك إل أنهممم مممن جنممس الخلفمماء و مممن‬
‫جيلهم و لما ذهب أمر الخلفة و امحي رسمممها انقطممع المممر‬
‫جملة من أيديهم و غلب عليهممم العجممم دونهممم و أقماموا فممي‬
‫بادية قفارهم ل يعرفممون الملمك و ل سياسممته بممل قممد يجهممل‬
‫الكثير منهم أنهم قد كان لهم ملك في القديم و ما كممان فممي‬
‫القديم لحد مممن المممم فممي الخليقممة ممما كممان لجيممالهم مممن‬
‫الملممك و دول عمماد و ثمممود و العمالقممة و حميممر و التبابعممة‬
‫شاهدة بذلك ثممم دولممة مضممر فمي السمملم بنممي أميممة و بنمي‬
‫العباس لكن بعد عهدهم بالسياسة لما نسمموا الممدين فرجعمموا‬
‫إلى أصلهم من البداوة و قد يحصل لهممم فممي بعممض الحيممان‬
‫غلب على الدول المستضعفة كما في المغرب لهذا العهد فل‬
‫يكون ماله و غايته إل تخريب ما يستولون عليه من العمممران‬
‫كما قدمناه و الله يؤتي ملكه من يشاء‪.‬‬
‫الفصل التاسع و العشرون في أن البوادي من‬
‫القبائل و العصائب مغلوبون لهل المصار‬
‫قد تقدم لنا أن عمران البادية ناقص عن عمران الحواضممر و‬
‫المصممار لن المممور الضممرورية فممي العمممران ليممس كلهمما‬
‫موجودةً لهل البدو‪ .‬و إنما توجد لممديهم فممي مممواطنهم أمممور‬
‫الفلح و موادها معدومة و معظمهمما الصممنائع فل توجممد لممديهم‬
‫في الكلية من نجار و خياط و حداد و أمثممال ذلممك مممما يقيممم‬
‫لهم ضروريات معاشهم فمي الفلمح و غيمره و كمذا المدنانير و‬
‫الدراهم مفقممودة لممديهم و إنممما بأيممديهم أعواضممها مممن مغممل‬
‫الزراعة و أعيان الحيوان أو فضلته ألبانا ً و أوبارا ً و أشممعارا ً و‬
‫إهابا ً مما يحتاج إليه أهل المصار فيعوضونهم عنه بالممدنانير و‬
‫الدراهم إل أن حاجتهم إلى المصممار فممي الضممروري و حاجممة‬
‫أهل المصار إليهم في الحاجي و الكمالي فهم محتاجون إلى‬
‫المصار بطبيعة وجودهم فما داموا في الباديممة و لممم يحصممل‬
‫لهم ملك و ل استيلء على المصار فهم محتاجون إلى أهلهمما‬
‫و يتصرفون في مصالحهم و طاعتهم متى دعوهم إلى ذلك و‬
‫طالبوهم بممه و أن كممان فممي المصممر ملممك كممان خضمموعهم و‬
‫طاعتهم لغلب الملك و أن لم يكممن فمي المصممر ملممك فل بممد‬
‫فيه من رئاسة و نوع استبداد من بعض أهله علممى البمماقين و‬
‫إل انتقممض عمرانممه و ذلممك الرئيممس يحملهممم علممى طمماعته و‬
‫السعي في مصالحه إما طوعا ً ببذل المال لهم ثم يبدي لهممم‬
‫ممما يحتمماجون إليممه مممن الضممروريات فممي مصممره فيسممتقيم‬
‫عمرانهمممم و إممما كرهمما ً إن تمممت قممدرته علممى ذلممك و لممو‬
‫بالتغريب بينهم حتى يحصل له جانب منهم يغالب به البمماقين‬
‫فيضطر الباقون إلى طمماعته بمما يتوقعممون لممذلك مممن فسمماد‬
‫عمرانهم و ربما ل يسعهم مفارقة تلمك النمواحي إلمى جهمات‬
‫أخرى لن كممل الجهممات معمممور بالبممدو الممذين غلبمموا عليهمما و‬
‫منعوها من غيرها فل يجد هؤلء ملجأ إل طاعممة المصممر فهممم‬
‫بالضرورة مغلوبون لهل المصار و الله قمماهر فمموق عبمماده و‬
‫هو الواحد الحد القهار‪.‬‬
‫الباب الثالث من الكتاب الول في الممدول العامممة و‬
‫الملممك و الخلفممة و المراتممب السمملطانية و ممما‬
‫يعرض في ذلك كله من الحوال و فيه قواعممد و‬
‫متممات‬
‫الفصل الول في أن الملممك و الدولممة العامممة إنممما‬
‫يحصلن بالقبيل و العصبية‬
‫و ذلك أنا قررنا في الفصل الول أن المغالبة و الممانعة إنما‬
‫تكون بالعصبية لما فيها من النعرة و التممذامر و اسمتماتة كممل‬
‫واحد منهم دون صاحبه‪ .‬ثم أن الملك منصب شممريف ملممذوذ‬
‫يشتمل على جميع الخيممرات الدنيويممة و الشممهوات البدنيممة و‬
‫الملذ النفسانية فيقع فيه التنافس غالبا ً و قل أن يسلمه أحد‬
‫لصاحبه إل إذا غلب عليه فتقع المنازعة و تفضي إلى الحرب‬
‫و القتممال و المغالبممة و شمميء منهمما ل يقممع إل بالعصممبية كممما‬
‫ذكرناه آنفا ً و هذا المر بعيد عممن أفهممام الجمهممور بالجملممة و‬
‫متناسون له لنهم نسوا عهد تمهيد الدولة منممذ أولهمما و طممال‬
‫أمد مرباهم في الحضارة و تعمماقبهم فيهمما جيل ً بعممد جيممل فل‬
‫يعرفون ما فعل الله أول الدولة إنما يدركون أصحاب الدولممة‬
‫و قد استحكمت صبغتهم و وقع التسليم لهم و الستغناء عممن‬
‫العصبية في تمهيد أمرهم و ل يعرفون كيف كممان المممر مممن‬
‫أوله و ممما لقممي أولهممم مممن المتمماعب دونممه و خصوصما ً أهممل‬
‫الندلس فممي نسمميان هممذه العصممبية و أثرهمما لطممول المممد و‬
‫استغنائهم في الغالب عن قوة العصبية بما تلشى وطنهممم و‬
‫خل من العصائب و الله قادر على ما يشاء و هو بكممل شمميء‬
‫عليم و هو حسبنا و نعم الوكيل‪.‬‬

‫الفصل الثاني في أنه إذا استقرت الدولة و تمهدت‬


‫فقد تستغني عن العصبية‬
‫و السبب في ذلك أن الدول العاممة فمي أولهما يصمعب علمى‬
‫النفوس النقياد لها إل بقمموة قويممة مممن الغلممب للغرابممة و أن‬
‫الناس لم يألفوا ملكهما و ل اعتمادوه فمإذا اسمتقرت الرئاسمة‬
‫في أهل النصاب المخصمموص بالملممك فممي الدولممة و توارثمموه‬
‫واحدا ً بعممد آخممر فممي أعقمماب كممثيرين و دول متعاقبممة نسمميت‬
‫النفوس شأن الولية و استحكمت لهل ذلك النصمماب صممبغة‬
‫الرئاسة و رسخ في العقممائد ديممن النقيمماد لهممم و التسممليم و‬
‫قاتل الناس معهم على أمرهم قتالهم على العقممائد اليمانيممة‬
‫فلممم يحتمماجوا حينئذ فممي أمرهممم إلمى كممبير عصممابة بممل كممأن‬
‫طاعتها كتاب مممن اللممه ل يبممدل و ل يعلممم خلفممه و لمممر ممما‬
‫يوضع الكلم في المامممة آخممر الكلم علممى العقممائد اليمانيممة‬
‫كممأنه مممن جملممة عقودهمما و يكممون اسممتظهارهم حينئذ علممى‬
‫سلطانهم و دولتهم المخصوصة إما بممالموالي و المصممطنعين‬
‫الممذين نشممأوا فممي ظممل العصممبية و غيرهمما و إممما بالعصممائب‬
‫الخارجين عن نسبها الداخلين فممي وليتهمما و مثممل هممذا و قممع‬
‫لبني العباس فإن عصممبية العممرب كممانت فسممدت لعهممد دولممة‬
‫المعتصممم و ابنمه الواثمق و اسمتظهارهم بعممد ذلمك إنمما كمان‬
‫بالموالي من العجم و الترك و الديلم و السلجوقية و غيرهممم‬
‫ثم تغلب العجم الولياء على النممواحي و تقلممص ظممل الدولممة‬
‫فلم تكن تعدو أعمال بغداد حتى زحف إليها الديلم و ملكوهمما‬
‫و صممار الخلئق فممي حكمهممم ثممم انقممرض أمرهممم و ملممك‬
‫السلجوقية من بعدهم فصاروا في حكمهم ثم انقرض أمرهم‬
‫و زحف آخر التتار فقتلوا الخليفة و محوا رسم الدولممة و كممذا‬
‫صنهانجة بالمغرب فسدت عصبيتهم منذ المممائة الخامسممة أو‬
‫ما قبلها و استمرت لهممم الدولممة متقلصممة الظممل بالمهديممة و‬
‫بجاية و القلعة و سائر ثغور أفريقية و ربما انتزى بتلك الثغور‬
‫من نازعهم الملك و اعتصممم فيهمما و السمملطان و الملممك مممع‬
‫ذلممك مسمملم لهممم حممتى تممأذن اللممه بممانقراض الدولممة و جمماء‬
‫الموحدون بقمموة قويممة مممن العصممبية فممي المصممامدة فمحمموا‬
‫آثارهم و كذا دولة بني أمية بالنممدلس لممما فسممدت عصممبيتها‬
‫من العرب استولى ملوك الطوائف علممى أمرهمما و اقتسممموا‬
‫خطتها و تنافسوا بينهم و توزعوا ممالك الدولة و انممتزى كممل‬
‫واحد منهم على ما كممان فممي وليتممه و شمممخ بممأنفه و بلغهممم‬
‫شأن العجممم مممع الدولممة العباسممية فتلقبمموا بألقمماب الملممك و‬
‫لبسوا شارته و أمنوا ممن ينقممص ذلممك عليهممم أو يغيممره لن‬
‫الندلس ليس بدار عصائب و ل قبائل كما سنذكره و اسممتمر‬
‫لهم ذلك كما قال ابن شرف‪.‬‬
‫‌ ‌ مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتصم فيها و معتضد‬
‫ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا ً صورة‬
‫السد‬
‫فاستظهروا على أمرهممم بممالموالي و المصممطنعين و الطممراء‬
‫على الندلس من أهممل العممدوة مممن قبممائل الممبربر و زناتممة و‬
‫غيرهم اقتداًء بالدولة في آخر أمرها في الستظهار بهم حين‬
‫ضعفت عصبية العرب و استبد ا بن أ بي عممامر علممى الدولممة‬
‫فكان لهم دول عظيمة استبدت كل واحدة منهمما بجممانب مممن‬
‫النممدلس و حممظ كممبير مممن الملممك علممى نسممبة الدولممة الممتي‬
‫اقتسموها و لم يزالوا فممي سمملطانهم ذلممك حممتى جمماز إليهممم‬
‫البجر المرابطون أهل العصبية القوية من لمتونممة فاسممتبدلوا‬
‫بهم و أزالوهم عن مراكزهممم و محمموا آثممارهم و لممم يقتممدروا‬
‫على مدافعتهم لفقدان العصبية لديهم فبهذه العصممبية يكممون‬
‫تمهيد الدولة و حمايتها من أولها و قمد ظمن الطرطوشمي أن‬
‫حامية الدول بإطلق هم الجنممد أهممل العطمماء المفممروض مممع‬
‫الهلة ذكر ذلك في كتابه الذي سماه سراج الملوك و كلمممه‬
‫ل يتناول تأسيس الدول العامة في أولها و إنما هو مخصمموص‬
‫بالدول الخيرة بعد التمهيد و استقرار الملمك فمي النصماب و‬
‫استحكام الصبغة لهله فالرجل إنما أدرك الدولة عند هرمهمما‬
‫و خلق جدتها و رجوعها إلى السممتظهار بممالموالي و الصممنائع‬
‫ثم إلى المستخدمين من ورائهم بالجر علممى المدافعممة فممإنه‬
‫إنممما أدرك دول الطمموائف و ذلممك عنممد اختلل بنممى أميممة و‬
‫انقراض عصبتها من العرب و استبداد كل أمير بقطره و كان‬
‫في إيالة المستعين بن هود و ابنه المظفر أهل سرقسممطة و‬
‫لم يكن بقي لهم من أمر العصبية شيء لستيلء الترف على‬
‫العرب منذ ثلثمائة من السنين و هلكهم و لم ير إل سمملطانا ً‬
‫مسممتبدا ً بالملممك عممن عشممائره قممد اسممتحكمت لممه صممبغة‬
‫الستبداد منذ عهد الدولة و بقية العصبية فهو لممذلك ل ينممازع‬
‫فيممه و يسممتعين علممى أمممره بمالجراء مممن المرتزقممة فممأطلق‬
‫الطرطوشي القول في ذلك لم يتفطن لكيفية المر منذ أول‬
‫الدولة و إنه ل يتم إل لهل العصبية فتفطن أنممت لممه و افهممم‬
‫سر الله فيه و الله يؤتي ملكه من يشاء‪.‬‬

‫الفصل الثالث‪ :‬في أنه قد يحدث لبعض أهل‬


‫النصاب الملكي دولة تستغني عن العصبية‬
‫و ذلك أنه إذا كان لعصبية غلب كثير على المممم و الجيممال و‬
‫في نفوس القائمين بأمره مممن أهممل القاصممية إذعممان لهممم و‬
‫انقياد فإذا نزع إليهم هممذا الخممارج و انتبممذ عممن مقممر ملكممه و‬
‫منبت عزه اشتملوا عليه و قاموا بأمره و ظاهروه على شأنه‬
‫و عنوا بتمهيد دولتممه يرجممون اسممتقراره فممي نصممابه و تنمماوله‬
‫المر من يد أعياصه و جزاءه لهم على مظاهرته باصطفائهم‬
‫لرتب الملك و خططه ممن وزارة أو قيممادة أو وليممة ثغمر و ل‬
‫يطمعممون فممي مشمماركته فممي شمميء مممن سمملطانه تسممليما ً‬
‫لعصبيته و انقيادا ً لما استحكم له و لقومه مممن صممبغة الغلممب‬
‫في العالم و عقيدة إيمانية اسممتقرت فممي الذعممان لهممم فلممو‬
‫راموها معه أو دونه لزلزلت الرض زلزالهمما و هممذا كممما وقممع‬
‫للدارسة بالمغرب القصى و العبيديين بأفريقية و مصممر لممما‬
‫انتبذ الطالبيون من المشرق إلى القاصية و ابتعدوا عن مقممر‬
‫الخلفة و سموا إلى طلبهمما مممن أيممدي بنممى العبمماس بعممد أن‬
‫استحكمت الصبغة لبني عبد منمماف لبنممي أميممة أول ثممم لبنممي‬
‫هاشم مممن بعممدهم فخرجمموا بالقاصممية مممن المغممرب و دعمموا‬
‫لنفسهم و قام بممأمرهم الممبرابرة مممرة ً بعممد أخممرى فأوربممة و‬
‫مغيلة للدارسة و كتامة و صنهاجة و هوارة للعبيديين فشيدوا‬
‫دولتهممم و مهممدوا بعصممائبهم أمرهممم و اقتطعمموا مممن ممالممك‬
‫العباسيين المغرب كله ثممم أفريقيممة و لممم يممزل ظممل الدولممة‬
‫يتقلص و ظل العبيديين يمتممد إلممى أن ملكمموا مصممر و الشممام‬
‫والحجاز و قاسموهم في الممالك السمملمية شممق البلمممة و‬
‫هؤلء الممبرابرة القممائمون بالدولممة مممع ذلممك كلهممم مسمملمون‬
‫للعبيديين أمرهم مذعنون لملكهم و إنما كانوا يتنافسون فممي‬
‫الرتبة عندهم خاصة تسليما ً لما حصل من صبغة الملك لبنممي‬
‫هاشم و لما استحكم من الغلب لقريش و مضر علممى سممائر‬
‫المم فلم يزل الملمك فمي أعقمابهم إلمى أن انقرضمت دولمة‬
‫العرب بأسرها و الله يحكم ل معقب لحكمه‪.‬‬

‫الفصل الرابع‪ :‬في أن الدولة العامة الستيلء‬


‫العظيمة الملك أصلها الدين إما من نبوة أو‬
‫دعوة حق‬
‫و ذلك لن الملك إنما يحصممل بممالتغلب و التغلممب إنممما يكممون‬
‫بالعصبية و اتفمماق الهممواء علممى المطالبممة و جمممع القلمموب و‬
‫تأليفها إنما يكون بمعونة من الله في إقامة دينه قال تعممالى‪:‬‬
‫لو أنفقت ما في الرض جميعا ً ما ألفت بين قلمموبهم و سممره‬
‫أن القلوب إذا تداعت إلى أهواء الباطل و الميممل إلممى الممدنيا‬
‫حصل التنممافس و فشمما الخلف و إذا انصممرفت إلممى الحممق و‬
‫رفضت الدنيا و الباطل و أقبلممت علممى اللممه اتحممدت و جهتهمما‬
‫فذهب التنافس و قل الخلف و حسممن التعمماون و التعاضممد و‬
‫اتسع نطاق الكلمة لذلك فعظمت الدولة كممما نممبين لممك بعممد‬
‫أن شاء الله سبحانه و تعالى و به التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الخامس في أن الدعوة الدينية تزيد الدولة‬


‫في أصلها قوة على قوة العصبية التي كانت‬
‫لها من عددها‬
‫و السممبب فممي ذلممك كممما قممدمناه أن الصممبغة الدينيممة تممذهب‬
‫بالتنافس و التحاسد الذي في أهممل العصممبية و تفممرد الوجهممة‬
‫إلى الحق فإذا حصل لهم الستبصار في أمرهم لم يقف لهم‬
‫شيء لن الوجهة واحممدة و المطلمموب متسمماو عنممدهم و هممم‬
‫مستميتون عليه و أهممل الدولممة الممتي هممم طالبوهمما إن كممانوا‬
‫أضعافهم فأغراضهم متباينة بالباطل و تخاذلهم لتقية الممموت‬
‫حاصل فل يقاومونهم و إن كانوا أكثر منهم بل يغلبون عليهممم‬
‫و يعاجلهم الفناء بما فيهم من الترف و الممذل كممما قممدمناه و‬
‫هذا كما وقممع للعممرب صممدر السمملم فممي الفتوحممات فكممانت‬
‫ة و ثلثيمن ألفما ً‬ ‫جيوش المسلمين بالقادسية و اليرموك بضمع ً‬
‫فممي كممل معسممكر و جممموع فممارس مممائة و عشممرين ألفمما ً‬
‫بالقادسية و جموع هرقل على ما قاله الواقدي أربعمائة ألف‬
‫فلم يقف للعرب أحد من الجانبين و هزموهم و غلبوهم على‬
‫ما بأيديهم و اعتبر ذلك أيضا ً في دولة لمتونة و دولة الموحممد‬
‫ين فقد كان بالمغرب من القبممائل كممثير ممممن يقمماومهم فممي‬
‫العممدد و العصممبية أو يشممف عليهممم إل أن الجتممماع الممديني‬
‫ضاعف قوة عصبيتهم بالستبصار و الستماتة كما قلناه فلممم‬
‫يقف لهم شيء و اعتبر ذلك إذا حالت صبغة الدين و فسدت‬
‫كيف ينتقض المر و يصير الغلب على نسبة العصممبية وحممدها‬
‫دون زيممادة الممدين فتغلممب الدولممة مممن كممان تحممت يممدها مممن‬
‫العصائب المكافئة لها أو الزائدة القمموة عليهمما الممذين غلبتهممم‬
‫بمضاعفة الدين لقوتها و لو كممانوا أكممثر عصممبية منهمما و أشممد‬
‫بداوة ً و اعتبر هذا في الموحدين مممع زناتممة لممما كممانت زناتممة‬
‫أبدى من المصامدة و أشد توحشا ً و كان للمصممامدة الممدعوة‬
‫الدينيممة باتبمماع المهممدي فلبسمموا صممبغتها و تضمماعفت قمموة‬
‫عصبيتهم بها فغلبوا على زناتممة أول ً و اسممتتبعوهم و أن كممانوا‬
‫من حيث العصبية و البداوة أشد منهممم فلممما خلمموا مممن تلممك‬
‫الصبغة الدينية انتقضت عليهم زناتة من كل جانب و غلبمموهم‬
‫على المر و انتزعوه منهم و الله غالب على أمره‪.‬‬

‫الفصل السادس في أن الدعوة الدينية من غير‬


‫عصبية ل تتم‬
‫و هذا لما قدمناه من أن كل أمر تحمل عليه الكافة فل بد له‬
‫من العصبية و في الحديث الصحيح كما مر‪ :‬ما بعث الله نبيا ً‬
‫إل في منعة من قومه و إذا كان هذا في النبياء و هممم أولممى‬
‫الناس بخرق العوائد فما ظنك بغيرهم أن ل تخرق له العممادة‬
‫فممي الغلممب بغيممر عصممبية و قممد وقممع هممذا لبممن قسممي شمميخ‬
‫الصمموفية و صمماحب كتمماب خلممع النعليممن فممي التصمموف ثممار‬
‫بالندلس داعيا ً إلى الحق و سمي أصحابه بممالمرابطين قبيممل‬
‫دعمموة المهممدي فاسممتتب لممه المممر قليل ً لشممغل لمتونممة بممما‬
‫دهمهم من أمر الموحدين و لم تكن هناك عصائب و ل قبائل‬
‫يدفعونه عن شأنه فلم يلبث حيممن اسممتولى الموحممدون علممى‬
‫المغممرب أن أذعممن لهممم و دخممل فممي دعمموتهم و تممابعهم مممن‬
‫معقله بحصن أركش و أمكنهم مممن ثغممره و كممان أول داعيممة‬
‫لهم بالندلس و كانت ثورته تسمممى ثممورة المرابطيممن و مممن‬
‫هذا الباب أحوال الثوار القائمين بتغيير المنكر مممن العامممة و‬
‫الفقهماء فمإن كمثيرا ً ممن المنتحليممن للعبممادة و سملوك طممرق‬
‫الدين يذهبون إلى القيام على أهل الجور من المراء داعيممن‬
‫إلى تغيير المنكر و النهي عنه و المممر بممالمعروف رجمماًء فممي‬
‫الثواب عليه من اللممه فيكممثر أتبمماعهم و المتلثلثممون بهممم مممن‬
‫الغوغاء و الدهماء و يعرضون أنفسممهم فممي ذلممك للمهالممك و‬
‫أكثرهم يهلكون في هذا السبيل مممأزورين غيممر ممأجورين لن‬
‫الله سبحانه لم يكتب ذلك عليهم و إنما أمر بممه حيممث تكممون‬
‫القدرة عليه قممال صمملى اللممه عليممه و سمملم‪ :‬مممن رأى منكممم‬
‫منكرا ً فليغيره بيده فأن لم يستطع فبلسانه فإن لممم يسممتطع‬
‫فبقلبه و أحوال الملوك و الدول راسممخة قويممة ل يزحزحهمما و‬
‫يهممدم بناءهمما إل المطالبممة القويممة الممتي مممن ورائهمما عصممبية‬
‫القبائل و العشائر كما قدمناه و هكذا كان حال النبياء عليهم‬
‫الصلة و السلم في دعوتهم إلى الله بالعشائر و العصائب و‬
‫هم المؤيدون من الله بالكون كله لو شاء‪ ،‬لكنممه إنممما أجممرى‬
‫المور على مستقر العادة و الله حكيم عليم فإذا ذهممب أحممد‬
‫من الناس هذا المذهب و كان فيه محقا ً قصر به النفراد عن‬
‫العصبية فطاح في هوة الهلك و أما إن كان مممن المتلبسممين‬
‫بذلك في طلب الرئاسة فأجدر إن تعوقه العوائق و تنقطع به‬
‫المهالك لنه أمر الله ل يتم إل برضاه و إعانته و الخلص لممه‬
‫و النصيحة للمسلمين و ل يشك في ذلممك مسمملم و ل يرتمماب‬
‫فيه ذو بصيرة و أول ابتداء هذه النزعة في الملة ببغداد حين‬
‫و قعت فتنة طاهر و قتل الميمن و أبطمأ الممأمون بخراسمان‬
‫عن مقدم العراق ثم عهد لعلي بممن موسممى الرضممى مممن آل‬
‫الحسين فكشف بنو العباس عن‪.‬‬
‫وجه النكير عليممه و تممداعوا للقيممام و خلممع طاعممة المممأمون و‬
‫الستبدال منه و بويع إبراهيم بن المهدي فوقع الهرج ببغممداد‬
‫و انطلقت أيدي الزعرة بها من الشطار و الحربية على أهممل‬
‫العافية و الصون و قطعوا السبيل و امتلت أيديهم من نهاب‬
‫الناس و باعوها علنية في السواق و استعدى أهلهمما الحكممام‬
‫فلم يعدوهم فتوافر أهل الدين و الصلح على منع الفسمماق و‬
‫كف عاديتهم و قام ببغداد رجل يعرف بخالد الدريوس و دعمما‬
‫الناس إلى المر بالمعروف و النهي عن المنكر فأجابه خلممق‬
‫و قاتل أهل الزعارة فغلبهممم و أطلممق يممده فيهممم بالضممرب و‬
‫التنكيل ثم قام مممن بعممده رجممل آخممر مممن سمواد أهممل بغممداد‬
‫يعرف بسهل بن سلمة النصمماري و يكنممى أبمما حمماتم و علممق‬
‫مصحفا ً في عنقه و دعا الناس إلى المر بالمعروف و النهممى‬
‫عن المنكر و العمل بكتاب الله و سنة نبيه صلى الله عليممه و‬
‫ة ممن بيممن شمريف و وضميع ممن بنمى‬ ‫سلم فاتبعه الناس كاف ً‬
‫هاشم فمن دونهم و نزل قصر طاهر و أتخذ الديوان و طاف‬
‫ببغداد و منممع كممل مممن أخماف المممارة و منممع الخفممارة لولئك‬
‫الشطار و قال له خالد الدريوس أنا ل أعيب علممى السمملطان‬
‫فقال له سهل لكني أقاتل كممل مممن خممالف الكتمماب و السممنة‬
‫كائنا ً من كان و ذلك سنة إحدى و مائتين و جهممز لممه إبراهيممم‬
‫بن المهدي العساكر فغلبممه و أسممره و انحممل أمممره سممريعا ً و‬
‫ذهممب و نجمما بنفسممه ثممم اقتممدى بهممذا العمممل بعممد كممثير مممن‬
‫الموسوسين يأخذون أنفسهم بإقامة الحممق و ل يعرفممون ممما‬
‫يحتاجون إليه في إقممامته مممن العصممبية و ل يشممعرون بمغبممة‬
‫أمرهم و مآل أحوالهم و الذي يحتاج إليه في أمممر هممؤلء إممما‬
‫المداواة إن كانوا من أهممل الجنممون و إممما التنكيممل بالقتممل أو‬
‫الضرب إن أحدثوا هرجا ً و إما إذاعة السخرية منهم و عممدهم‬
‫من جملممة الصممفاعين و قممد ينتسممب بعضممهم إلممى الفمماطمي‬
‫المنتظر إما بأنه هو أو بأنه داع له و ليس مع ذلك على علممم‬
‫من أمر الفمماطمي و ل ممما هممو و أكممثر المنتحليممن لمثممل هممذا‬
‫تجدهم موسوسين أو مجانين أو ملبسين يطلبون بمثممل هممذه‬
‫ة امتلت بهمما جمموانحهم و عجممزوا عممن التوصممل‬ ‫الدعوة رئاسم ً‬
‫إليهمما بشمميء مممن أسممبابها العاديممة فيحسممبون أن هممذا مممن‬
‫السباب البالغة بهم إلى ما يؤملونه من ذلك و ل يحسبون ما‬
‫ينالهم فيه من الهلكة فيسرع إليهم القتممل بممما يحممدثونه مممن‬
‫الفتنة و تسوء عاقبة مكرهم و قد كان لول هذه المائة خرج‬
‫بالسمموس رجممل مممن المتصمموفة يممدعى التوبممذري عمممد إلممى‬
‫مسممجد ماسممة بسمماحل البحممر هنمماك و زعممم أنممه الفمماطمي‬
‫المنتظممر تلبيسمما ً علممى العامممة هنالممك بممما مل قلمموبهم مممن‬
‫الحدثان بانتظاره هنالك و أن من ذلك المسممجد يكممون أصممل‬
‫دعوته فتهافتت عليه طوائف من عامة البربر تهافت الفراش‬
‫ثم خشممي رؤسمماؤهم أتسمماع نطمماق الفتنممة فممدس إليممه كممبير‬
‫المصامدة يومئذ عمممر السكسمميوي مممن قتلممه فمي فراشممه و‬
‫كذلك خرج في غممماره أيض ما ً لول هممذه المممائة رجممل يعممرف‬
‫بالعباس و ادعى مثل هذه الدعوة و اتبع نعيقه الرذلون مممن‬
‫سممفهاء تلممك القبممائل و أغمممارهم و زحممف إلممى بممادس مممن‬
‫أمصارهم و دخلها عنمموة‪ .‬ثممم قتممل لربعيممن يوممما مممن ظهممور‬
‫دعوته و مضممى فممي الهممالكين الوليممن و أمثممال ذلممك كممثير و‬
‫الغلط فيه من الغفلة عن اعتبار العصبية في مثلهمما و أممما إن‬
‫كان التلبيس فأحرى أن ل يتم له أمر و أن يبوء بإثمه و ذلممك‬
‫جزاء الظالمين و الله سبحانه و تعالى أعلم و بممه التوفيممق ل‬
‫رب غيره و ل معبود سواه‪.‬‬

‫الفصل السابع في أن كل دولة لها حصة من‬


‫الممالك و الوطان ل تزيد عليها‬
‫و السبب في ذلك أن عصممابة الدولممة و قومهمما القممائمين بهمما‬
‫الممهممدين لهمما ل بممد مممن تمموزيعهم حصصما ً علممى الممالممك و‬
‫الثغور التي تصير إليهم و يستولون عليها لحمايتها من العممدو‬
‫و إمضاء أحكام الدولة فيها من جباية و ردع و غير ذلممك فممإذا‬
‫توزعت العصائب كلها على الثغور و الممالك فل بد من نفمماد‬
‫عددها و قد بلغت الممالك حينئذ إلى حد يكون ثغرا ً للدولة و‬
‫تخما ً لوطنها و نطاقا ً لمركز ملكهمما فممإن تكفلممت الدولممة بعممد‬
‫ة و كمان موضمعا ً‬ ‫ذلك زيمادةً علمى مما بيمدها بقمى دون حاميم ً‬
‫لنتهاز الفرصة من العدو و المجاور و يعممود وبممال ذلممك علممى‬
‫الدولة بما يكون فيه من التجاسر و خرق سممياج الهيبممة و ممما‬
‫كانت العصابة موفورة و لم ينفد عددها فممي توزيممع الحصممص‬
‫على الثغور و النواحي بقي في الدولممة قمموة علممى تنمماول ممما‬
‫وراء الغاية حتى ينفسح نطاقها إلممى غممايته و العلممة الطبيعيممة‬
‫في ذلك هي قوة العصبية من سممائر القمموى الطبيعيممة و كممل‬
‫قوة يصدر عنها فعل من الفعممال فشممأنها ذلممك فممي فعلهمما و‬
‫الدولة في مركزها أشد مما يكون فممي الطممرف و النطمماق و‬
‫إذا انتهت إلى النطاق الذي هو الغاية عجزت و أقصرت عممما‬
‫وراءه شأن الشعة و النوار إذا انبعثت من المراكز و الدوائر‬
‫المنفسحة على سطح المماء ممن النقمر عليمه ثمم إذا أدركهما‬
‫الهرم و الضعف فإنما تأخذ في التناقص من جهة الطراف و‬
‫ل يزال المركز محفوظا ً إلممى أن يتممأذن اللممه بممانقراض المممر‬
‫جملة فحينئذ يكون انقراض المركمز و إذا غلمب علمى الدولمة‬
‫من مركزها فل ينفعها بقاء الطراف و النطمماق بممل تضمممحل‬
‫لوقتها فأن المركز كالقلب الذي تنبعث منه الروح فإذا غلممب‬
‫على القلب و ملك انهمزم جميمع الطمراف و انظمر همذا فمي‬
‫الدولة الفارسية كان مركزها المدائن فلما غلممب المسمملمون‬
‫على المدائن انقرض أمر فارس أجمع و لم ينفع يزدجممرد ممما‬
‫بقي بيده من أطممراف ممممالكه و بممالعكس مممن ذلممك الدولممة‬
‫الروميممة بالشممام لممما كممان مركزهمما القسممطنطينية و غلبهممم‬
‫المسلمون بالشام تحيزوا إلى مركزهم بالقسطنطينية و لممم‬
‫يضرهم انتزاع الشام من أيديهم فلم يزل ملكهممم متصمل ً بهمما‬
‫إلى أن تأذن الله بانقراضممه و انظممر أيض ما ً شممأن العممرب أول‬
‫السلم لممما كممانت عصممائبهم موفممورة كيممف غلبمموا علممى ممما‬
‫جاورهم من الشام و العراق و مصر لسرع وقت ثم تجاوزوا‬
‫ذلك إلى ما وراءه من السند و الحبشة و أفريقية و المغممرب‬
‫ثم إلى الندلس فلما تفرقوا حصصا ً على الممالك و الثغور و‬
‫نزلوها حامية و نفد عددهم في تلك التوزيعممات أقصممروا عممن‬
‫الفتوحات بعد و انتهى أمر السلم و لم يتجاوز تلك الحدود و‬
‫منها تراجعت الدولة حممتى تممأذن اللممه بانقراضممها و كممذا كممان‬
‫حال الدول من بعد ذلك كل دولة على نسبة القائمين بها في‬
‫القلة و الكثرة و عند نفاد عددهم بالتوزيع ينقطع لهم الفتح و‬
‫الستيلء سنة الله في خلقه‪.‬‬

‫الفصل الثامن في أن عظم الدولة و اتساع‬


‫نطاقها و طول أمدها على نسبة القائمين بها‬
‫في القلة و الكثرة‬
‫و السممبب فممي ذلممك أن الملممك إنممما يكممون بالعصممبية و أهممل‬
‫العصبية هم الحامية الذين ينزلون بممالك الدولة و أقطارهمما‬
‫و ينقسمون عليها فما كان من الدولممة العامممة قبيلهمما و أهممل‬
‫عصابتها أكثر كانت أقوى و أكثر ممالك و أوطانا ً و كان ملكها‬
‫أوسع لذلك و اعتبر ذلك بالدولة السلمية لما ألف الله كلمة‬
‫العرب على السلم و كان عدد المسلمين فممي غممزوة تبمموك‬
‫آخر غزوات النبي صلى الله عليه و سلم مائة ألف و عشممرة‬
‫آلف من مضر و قحطان ممما بيممن فممارس و راجممل إلممى مممن‬
‫أسلم منهم بعد ذلك إلى الوفاة فلما توجهموا لطلمب مما فمي‬
‫ى و ل وزر فاسممتبيح‬ ‫أيدي المم من الملك لم يكن دونممه حم م ً‬
‫حمى فارس و الروم أهممل الممدولتين العظيمممتين فممي العممالم‬
‫لعهدهم و الترك بالمشممرق و الفرنجممة و الممبربر بممالمغرب و‬
‫القوط بالندلس و خطوا من الحجاز إلى السوس القصممى و‬
‫من اليمن إلى الترك بأقصى الشمال و استولوا على القاليم‬
‫السبعة ثممم انظممر بعممد ذلممك دولممة صممنهاجة و الموحممدين مممع‬
‫العبيديين قبلهم لما كان كتامة القائمين بدولة العبيديين أكممثر‬
‫من صنهاجة و من المصممامدة كممانت دولتهممم أعظممم فملكمموا‬
‫أفريقية و المغرب و الشام و مصر و الحجمماز ثممم انظممر بعممد‬
‫ذلك دولة زناتة لما كممان عممددهم أقممل مممن المصممامدة قصممر‬
‫ملكهممم عممن ملممك الموحممدين لقصممور عممددهم عممن عممدد‬
‫المصامدة فمذ أول أمرهم ثم اعتبر بعد ذلممك حممال الممدولتين‬
‫لهذا العهد لزناتة بنى مرين و بني عبممد الممواد‪ ،‬كممانت دولتهممم‬
‫أقوى منها و أسع نطاقا ً و كان لهممم عليهممم الغلممب مممرة بعممد‬
‫أخرى‪ .‬يقال أن عدد بني مرين لول ملكهم كان ثلثة آلف و‬
‫أن بني عبد الواد كانوا ألفا ً إل أن الدولة بالرفه و كثرة التابع‬
‫كثرت من أعدادهم و على هذه النسبة في أعممداد المتغلممبين‬
‫لول الملك يكون أتساع الدولممة و قوتهمما و أممما طممول أمممدها‬
‫أيضا ً فعلى تلك النسبة لن عمر الحممادث مممن قمموة مزاجممه و‬
‫مزاج الدول إنما هو بالعصبية فإذا كانت العصممبية قويممة كممان‬
‫المزاج تابعا ً لها و كان أمد العمر طويل ً و العصممبية إنممما هممي‬
‫بكثرة العدد و وفوره كما قلناه و السممبب الصممحيح فممي ذلممك‬
‫أن النقص إنممما يبممدو فممي الدولممة مممن الطممراف فممإذا كممانت‬
‫ممالكها كثيرة كانت أطرافها بعيممدةً عممن مركزهمما و كممثيرةً و‬
‫كل نقص يقع فل بد له من زمن فتكثر أزمان النقممص لكممثرة‬
‫الممالك و اختصاص كممل واحممد منهمما بنقممص و زمممان فيكممون‬
‫أمدها أطول الدول ل بنو العباس أهل المركممز و ل بنممو أميممة‬
‫المسممتبدون بالنممدلس و لممم ينقممص أمممر جميعهممم إل بعممد‬
‫الربعمائة من الهجرة و دولة العبيديين كان أمدها قريب ما ً مممن‬
‫مائتين و ثمانين سنة و دولة صنهاجة دونهممم مممن لممدن تقليممد‬
‫معز الدولة أمر أفريقية لبلكين بممن زيممري فممي سممنة ثمممان و‬
‫خمسين و ثلثمائة إلى حين استيلء الموحدين على القلعممة و‬
‫بجاية سممنة سممبع و خمسممين و خمسمممائة و دولممة الموحممدين‬
‫لهذا العهد تناهز مائتين و سبعين سنة و هكممذا نسممب الممدول‬
‫في أعمارها على نسبة القائمين بها سنة الله التي قممد خلممت‬
‫في عباده‪.‬‬
‫الفصل التاسع في أن الوطان الكثرة القبائل و‬
‫العصائب قل أن تستحكم فيها دولة‬
‫و السبب في ذلك اختلف الراء و الهواء و أن وراء كل رأي‬
‫منها و هوىً عصبية تمانع دونها فيكثر النتقاض على الدولة و‬
‫الخروج عليها في كل وقت و أن كانت ذات عصممبية لن كممل‬
‫ة و قمموة و انظممر‬ ‫عصبية ممن تحت يدها تظن في نفسها منع ً‬
‫ما و قع من ذلك بأفريقية و المغرب منذ أو ل السلم و لهذا‬
‫العهممد فممإن سمماكن هممذه الوطممان مممن الممبربر أهممل قبممائل و‬
‫عصبيات فلم يغممن فيهممم الغلممب الول الممذي كممان لبممن أبممى‬
‫سرح عليهم و على الفرنجة شيئا ً و عاودوا بعد ذلك الثورة و‬
‫الردة مرةً بعد أخرى و عظم الثخان من المسمملمين فيهممم و‬
‫لما استقر الدين عندهم عادوا إلى الثورة و الخممروج و الخممذ‬
‫بدين الخوارج مرات عديدة ً قال ابن أبي زيد ارتدت الممبرابرة‬
‫بالمغرب اثنتي عشرة مرة و لم تستقر كلمممة السمملم فيهممم‬
‫إل لعهد ولية موسى بن نصير فما بعده و هذا معنى ما ينقل‬
‫عن عمر أن أفريقة مفرقة لقلوب أهلها إشارة ً إلى ممما فيهمما‬
‫من كثرة العصائب و القبائل الحاملة لهم على عدم الذعممان‬
‫و النقيماد و لمم يكمن العمراق لممذلك العهممد بتلمك الصممفة و ل‬
‫الشام إنما كانت حاميتها من فارس و الروم و الكافة دهممماء‬
‫أهممل مممدن و أمصممار فلممما غلبهممم المسمملمون علممى المممر و‬
‫انتزعوه من أيديهم لم يبق فيهمما ممممانع و ل مشمماق و الممبربر‬
‫قبائلهم بممالمغرب أكممثر مممن أن تحممص و كلهممم باديممة و أهممل‬
‫عصائب و عشائر و كلما هلكت قبيلة عادت الخرى مكانها و‬
‫إلى دينها من الخلف و الردة فطال أمممر العممرب فممي تمهيممد‬
‫الدولة بوطن أفريقية و المغرب و كذلك كممان المممر بالشممام‬
‫لعهد بني إسرائيل كان فيه مممن قبممائل فلسممطين و كنعممان و‬
‫بنممي عيصممو و بنممي مممدين و بنممي لمموط و الممروم و اليونممان و‬
‫العمالقة و أكريكش و النبط من جممانب الجزيممرة و الموصممل‬
‫ما ل يحصى كممثرة و تنوعمما فممي العصممبية فصممعب علممى بنممي‬
‫إسرائيل تمهيد دولتهممم و رسمموخ أمرهممم و اضممطرب عليهممم‬
‫الملك مرة بعد أخرى و سممرى ذلممك الخلف إليهممم فمماختلفوا‬
‫على سلطانهم و خرجموا عليمه و لمم يكمن لهمم ملمك موطمد‬
‫سائر أيامهم إلى أن غلبهم الفرس ثم يونان ثممم الممروم آخممر‬
‫أمرهم عند الجلء و الله غالب على أمره و بعكس هذا أيضمما‬
‫الوطان الخالية من العصممبيات يسممهل تمهيممد الدولممة فيهمما و‬
‫يكممون سمملطانها وازعمما لقلممة الهممرج و النتقمماض و ل تحتمماج‬
‫الدولة فيها إلى كثير من العصبية كما هو الشأن في مصممر و‬
‫الشام لهذا العهد إذ هي خلو من القبائل و العصبيات كأن لم‬
‫يكن الشام معدنا لهم كما قلناه فملك مصر في غايممة الدعممة‬
‫و الرسوخ لقلة الخوارج و أهل العصائب إنممما هممو سمملطان و‬
‫رعية و دولتها قائمة بملوك الممترك و عصممائبهم يغلبممون علممى‬
‫المر واحدا بعد واحممد و ينتقممل المممر فيهممم مممن منبممت إلممى‬
‫منبت و الخلفة مسماة للعباسي من أعقاب الخلفاء ببغداد و‬
‫كممذا شممأن النممدلس لهممذا العهممد فممإن عصممبية ابممن الحمممر‬
‫سلطانها لم تكن لول دولتهممم بقويممة و ل كممانت كممرات إنممما‬
‫يكون أهل بيت من بيوت العرب أهل الدولة الموية بقوا من‬
‫ذلممك القلممة و ذلممك أن أهممل النممدلس لممما انقرضممت الدولممة‬
‫العربية منهم و ملكهم البربر من لمتونة و الموحدين سممئموا‬
‫ملكتهم و ثقلت وطأتهم عليهم فأشربت القلوب بغضمماءهم و‬
‫أمكن الموحدون و السادة في آخر الدولة كثيرا من الحصون‬
‫للطاغية فممي سممبيل السممتظهار بممه علممى شمأنهم مممن تملممك‬
‫الحضرة مراكش فاجتمع من كان بقي بها من أهممل العصممبية‬
‫القديمة معادن مممن بيمموت العممرب تجممافى بهممم المنبممت عممن‬
‫الحاضرة و المصار بعض الشيء و رسخوا في العصبية مثل‬
‫ابن هود و ابن الحمر و ابممن مردنيممش و أمثممالهم فقممام ابممن‬
‫هود بالمر و دعا بدعوة الخلفة العباسممية بالمشممرق و حمممل‬
‫الناس على الخممروج علممى الموحممدين فنبممذوا إليهممم العهممد و‬
‫أخرجوهم و استقل ابن هود بالمر في الندلس ثم سما ابممن‬
‫الحمر للمر و خالف ابن هود فمي دعموته فممدعا هممؤلء لبممن‬
‫أبي حفص صمماحب أفريقيممة مممن الموحممدين و قممام بممالمر و‬
‫تناوله بعصابة قريبة من قرابته كانوا يسمون الرؤسمماء و لممم‬
‫يحتج لكثر منهم لقلة العصممائب بالنممدلس و إنهمما سمملطان و‬
‫رعية ثم استظهر بعد ذلك على الطاغية بمن يجيز إليه البحر‬
‫من أعياص زناتة فصاروا معه عصبة على المثاغرة و الربمماط‬
‫ثم سما لصاحب مممن ملمموك زناتممة أمممل فمي السممتيلء علممى‬
‫النممدلس فصممار أولئك العيمماص عصممابة ابممن الحمممر علممى‬
‫المتناع منه إلممى أن تأثممل أمممره و رسممخ و ألفتممه النفمموس و‬
‫عجز الناس عن مطالبته و ورثة أعقابه لهممذا العهممد فل تظممن‬
‫أنه بغير عصابة فليس كذلك و قد كان مبدأه بعصممابة إل أنهمما‬
‫قليلة و على قدر الحاجة فإن قطر الندلس لقلة العصائب و‬
‫القبائل فيه يغني عن كثرة العصبية في التغلب عليهم و اللممه‬
‫غني عن العالمين‪.‬‬

‫الفصل العاشر في أن من طبيعة الملك النفراد‬


‫بالمجد‬
‫و ذلك أن الملك كممما قممدمناه إنممما هممو بالعصممبية و العصممبية‬
‫متألفة من عصبات كثيرة تكون واحدة منها أقوى من الخرى‬
‫كلها فتغلبها و تستولي عليها حتى تصيرها جميعا ً فممي ضمممنها‬
‫و بذلك يكون الجتماع و الغلب على الناس و الممدول و سممره‬
‫أن العصبية العامة للقبيل هي مثل المزاج للمتكون و المزاج‬
‫إنما يكون عن العناصر و قد تبين في موضعه أن العناصر إذا‬
‫ة فل يقع منهمما مممزاج أصمل ً بممل ل بممد مممن أن‬‫اجتمعت متكافئ ً‬
‫تكون واحممدة منهمما هممي الغالبممة علممى الكممل حممتى تجمعهمما و‬
‫ة لجميع العصائب و هي‬ ‫ة واحدةً شامل ً‬ ‫تؤلفها و تصيرها عصبي ً‬
‫موجودة في ضمنها و تلك العصبية الكبرى إنممما تكممون لقمموم‬
‫أهل بيت و رئاسة فيهممم‪ ،‬و ل بممد مممن أن يكممون واحممد منهممم‬
‫رئيسا ً لهم غالبا ً عليهم فيتعين رئيس ما ً للعصممابات كلهمما لغلممب‬
‫منبته لجميعها و إذا تعين له ذلك فمن الطبيعة الحيوانية خلق‬
‫الكبر و النفة فيأنف حينئذ مممن المسمماهمة و المشمماركة فممي‬
‫استتباعهم و التحكم فيهم و يجئ خلق التأله الذي في طبمماع‬
‫البشر مع ما تقتضيه السياسة من انفراد الحاكم لفساد الكل‬
‫باختلف الحكام لو كان فيهممما آلهممة إل اللممه لفسممدتا فتجممدع‬
‫حينئذ أنوف العصبيات و تفلح شكائمهم عممن أن يسممموا إلممى‬
‫مشاركته في التحكم و تقرع عصبيتهم عن ذلممك و ينفممرد بممه‬
‫ما استطاع حتى ل يممترك لحممد منهممم فممي المممر ل ناقممة و ل‬
‫جمل ً فينفرد بذلك المجد بكليته و يدفعهم عن مساهمته و قد‬
‫يتممم ذلممك للول مممن ملمموك الدولممة و قممد ل يتممم إل للثمماني و‬
‫الثالث على قدر ممانعة العصمبيات و قوتهمما إل أنممه أمممر لبممد‬
‫منه في الدول سممنة اللممه الممتي قمد خلممت فمي عبمماده و اللممه‬
‫تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل الحادي عشر في أن من طبيعة الملك‬


‫الترف‬
‫و ذلك أن المة إذا تغلبت و ملكت ما بأيدي أهل الملك قبلها‬
‫كثر رياشها و نعمتها فتكممثر عمموائدهم و يتجمماوزون ضممرورات‬
‫العيش و خشونته إلى نوافله و رقته و زينتممه و يممذهبون إلممى‬
‫أتباع من قبلهم في عوائدهم و أحوالهم و تصير لتلك النوافل‬
‫عوائد ضرورية فممي تحصمميلها و ينزعممون مممع ذلممك إلممى رقممة‬
‫الحمموال فممي المطمماعم و الملبممس و الفممرش و النيممة و‬
‫يتفاخرون في ذلك و يفاخرون فيه غيرهم من المم في أكل‬
‫الطيب و لبس النيق و ركمموب الفمماره و ينمماغي خلفهممم فممي‬
‫ذلك سلفهم إلى آخر الدولة و على قدر ملكهم يكون حظهممم‬
‫من ذلك و ترفهم فيمه إلمى أن يبلغموا ممن ذلمك الغايمة المتي‬
‫للدولة إلى أن تبلغها بحسب قوتهما و عموائد ممن قبلهما سمنة‬
‫الله في خلقه و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثاني عشر في أن من طبيعة الملك الدعة‬


‫و السكون‬
‫و ذلك أن المة ل يحصل لها الملك إل بالمطالبة و المطالبممة‬
‫غايتها الغلممب و الملممك و إذا حصمملت الغايممة انقضممى السممعي‬
‫إليها قال الشاعر‪:‬‬
‫فلما انقضى ما بيننا‬ ‫عجبت لسعي الدهر بيني و بينها‬
‫سكن الدهر‬
‫فإذا حصل الملك أقصروا عن المتاعب التي كممانوا يتكلفونهمما‬
‫في طلبه و آثروا الراحممة و السممكون و الدعممة و رجعمموا إلممى‬
‫تحصيل ثمرات الملممك مممن المبمماني و المسمماكن و الملبممس‬
‫فيبنممون القصممور و يجممرون الميمماه و يغرسممون الريمماض و‬
‫يستمتعون بأحوال الدنيا و يممؤثرون الراحممة علممى المتمماعب و‬
‫يتأنقون في أحوال الملبس و المطاعم و النية و الفرش ما‬
‫استطاعوا و يألفون ذلك و ويورثونه من بعدهم مممن أجيممالهم‬
‫و ل يزال ذلك يتزايد فيهم إلى أن يتأذن الله بأمره و هو خير‬
‫الحاكمين و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشر في أنه إذا تحكمت طبيعة‬


‫الملك من النفراد بالمجد و حصول الترف و‬
‫الدعة أقبلت الدولة على الهرم‬
‫و بيانه من وجود الول أنها تقتضي النفراد بالمجد كما قلنمماه‬
‫و مهما كان المجد مشتركا ً بيممن العصممابة و كممان سممعيهم لممه‬
‫واحدا ً كممانت هممهممم فممي التغلممب علممى الغيممر و الممذب عممن‬
‫الحوزة أسوةً في طموحها و قمموة شممكائمها و مرممماهم إلممى‬
‫العز جميعا ً يسممتطيبون الممموت فممي بنمماء مجممدهم و يممؤثرون‬
‫الهلكة علمى فسماده و إذا انفمرد الواحمد منهمم بالمجمد قمرع‬
‫عصممبيتهم و كبممح مممن أعنتهممم و اسممتأثر بممالموال دونهممم‬
‫فتكاسمملوا عممن الغممزو و فشممل ربحهممم و رئممموا المذلممة و‬
‫الستعباد ثم ربي الجيل الثاني منهم على ذلممك يحسممبون ممما‬
‫ينالهم من العطماء أجمرا ً ممن السملطان لهمم عمن الحمايمة و‬
‫المعونة ل يجري في عقمولهم سمواه و قممل أن يسممتأجر أحممد‬
‫نفسه على الموت فيصير ذلك وهنا ً في الدولة و خضممدا ً مممن‬
‫الشمموكة و تقبممل بممه علممى منمماحي الضممعف و الهممرم لفسمماد‬
‫العصبية بذهاب البأس من أهلهما‪ .‬و المموجه الثمماني أن طبيعممة‬
‫الملك تقتضممي الممترف كممما قممدمناه فتكممثر عمموائدهم و تزيممد‬
‫نفقاتهم على أعطيمماتهم و ل يفممي دخلهممم بخرجهممم فممالفقير‬
‫منهم يهلك و المترف يستغرق عطاءه بترفه ثممم يممزداد ذلممك‬
‫في أجيالهم المتأخرة إلى أن يقصر العطاء كله عن الترف و‬
‫عوائده و تمسهم الحاجة و تطالبهم ملوكهم بحصممر نفقمماتهم‬
‫ة عنهمما فيوقعممون بهممم‬ ‫في الغزو و الحروب فل يجممدون وليجم ً‬
‫العقوبات و ينتزعون ما في أيدي الكثير منهممم يسممتأثرون بممه‬
‫عليهم أو يممؤثرون بممه أبنمماءهم و صممنائع دولتهممم فيضممعفونهم‬
‫لذلك عن إقامة أحوالهم و يضعف صاحب الدولة بضممعفهم و‬
‫أيضا ً إذا كثر الترف في الدولة و صار عطمماؤهم مقصممرا ً عممن‬
‫حاجاتهم و نفقاتهم احتاج صاحب الدولة المذي همو السملطان‬
‫إلى الزيادة في أعطياتهم حتى يسد خللهم و يزيممح عللهممم و‬
‫الجباية مقدارها معلوم و ل تزيممد و ل تنقممص و أن زادت بممما‬
‫يستحدث من المكوس فيصير مقدارها بعد الزيممادة محممدودا ً‬
‫فإذا وزعت الجباية على العطيات و قد حدثت فيهمما الزيممادة‬
‫لكل واحد بما حدث من ترفهممم و كممثرة نفقمماتهم نقممص عممدد‬
‫الحامية حينئذ عما كان قبل زيادة العطيات ثم يعظم الترف‬
‫و تكثر مقادير العطيات لذلك فينقص عدد الحاميمة و ثالثما ً و‬
‫رابعا ً إلى أن يعود العسكر إلى أقل العداد فتضعف الحمايممة‬
‫لذلك و تسقط قوة الدولة و يتجاسر عليها من يجاوزهمما مممن‬
‫الدول أو من هو تحت يديها من القبممائل و العصممائب و يممأذن‬
‫اللممه فيهمما بالفنمماء الممذي كتبممه علممى خليقتممه و أيضما ً فممالترف‬
‫مفسممد للخلممق بممما يحصممل فممي النفممس مممن ألمموان الشممر و‬
‫السفسفة و عوائدها كما يأتي فممي فصممل الحضممارة فتممذهب‬
‫منهم خلل الخير التي كانت علمة على الملك و دليل ً عليه و‬
‫يتصممفون بممم يناقضممها مممن خلل الشممر فيكممون علمممة علممى‬
‫الدبار و النقمراض بمما جعمل ممن ذلمك فمي خليقتمه و تأخمذ‬
‫الدولة مبادئ العطب و تتضعضع أحوالها و تنزل بهمما أمممراض‬
‫مزمنة مممن الهممرم إلممى أن يقضممي عليهمما‪ .‬المموجه الثممالث أن‬
‫طبيعة الملك تقتضي الدعة كما ذكرناه و إذا اتخذوا الدعممة و‬
‫ة شممأن‬ ‫الراحممة مؤلفما ً و خلقما ً صممار لهممم ذلمك طبيعم ً‬
‫ة و جبلم ً‬
‫العوائد كلهمما و إيلفهمما فممتربى أجيممالهم الحادثممة فممي غضممارة‬
‫العيممش و مهمماد الممترف و الدعممة و ينقلممب خلممق التمموحش و‬
‫ينسون عوائد البداوة التي كان بها الملك من شممدة البممأس و‬
‫تعود الفتراس و ركوب البيداء و هداية القفر فل يفرق بينهم‬
‫و بين السوقة من الحضر إل في الثقافة و الشممارة فتضممعف‬
‫حمايتهم و يذهب بأسهم و تنخضد شوكتهم و يعود وبال ذلممك‬
‫على الدولة بما تلبس من ثياب الهرم ثممم ل يزالممون يتلونممون‬
‫بعوائد الترف و الحضارة و السكون و الدعة و رقة الحاشممية‬
‫في جميع أحوالهم و ينغمسون فيها و هممم فممي ذلممك يبعممدون‬
‫عممن البممداوة و الخشممونة و ينسمملخون عنهمما شمميئا ً فشمميئا ً و‬
‫ينسون خلق البسالة التي كانت بها الحماية و المدافعة حممتى‬
‫يعودوا عيال ً على حامية أخرى أن كانت لهم و اعتبر ذلك في‬
‫الدول التي أخبارها في الصحف لديك تجد ممما قلتممه لممك مممن‬
‫ذلك صحيحا ً من غير ريبة و ربما يحدث في الدولة إذا طرقها‬
‫هذا الهرم بالترف و الراحة أن يتخير صاحب الدولة أنصمارا ً و‬
‫ة من غير جلدتهم ممممن تعممود الخشممونة فيتخممذهم جنممدا ً‬ ‫شيع ً‬
‫يكون أصبر على الحممرب و أقممدر علممى معانمماة الشممدائد مممن‬
‫الجوع و الشظف و يكون ذلك دواًء للدولة مممن الهممرم الممذي‬
‫عساه أن يطرقها حتى يأذن الله فيها بأمره و هممذا كممما وقممع‬
‫في دولة الممترك بالمشممرق فممإن غممالب جنممدها الممموالى مممن‬
‫الترك فتتخير ملوكهم من أولئك المماليممك المجلمموبين إليهممم‬
‫فرسممانا ً و جنممدا ً فيكونممون أجممرا ً علممى الحممرب و أصممبر علممى‬
‫الشظف من أبناء المماليك الذين كانوا قبلهم و ربوا في ماء‬
‫النعيممم و السمملطان و ظلممه و كممذلك فممي دولممة الموحممدين‬
‫بأفريقية فإن صاحبها كثيرا ً ما يتخذ أجناده من زناتة و العرب‬
‫ويستكثر منهم و يترك أهل الدولة المتعودين للترف فتستجد‬
‫الدولة بذلك غفرا ً آخر سالما ً من الهممرم و اللممه وارث الرض‬
‫و من عليها‪.‬‬
‫الفصل الرابع عشر في أن الدولة لها أعمار‬
‫طبيعية كما للشخاص‬
‫إعلم أن العمر الطبيعي للشخاص علممى ممما زعممم الطبمماء و‬
‫ة و هي سنو القمر الكبرى عنممد‬ ‫المنجمون مائة وعشرون سن ً‬
‫المنجمين و يختلمف العممر فمي كمل جيمل بحسمب القرانمات‬
‫فيزيد عن هذا و ينقص منه فتكون أعمار بعض أهل القرانات‬
‫مائة تامة و بعضممهم خمسممين أو ثمممانين أو سممبعين علممى ممما‬
‫تقتضيه أدلة القرانات عند الناظرين فيها و أعمار هذه الملممة‬
‫ما بين الستينن إلى السبعين كما في الحديث و ل يزيد علممى‬
‫العمممر الطممبيعي الممذي هممو مممائة و عشممرون إل فممي الصممور‬
‫النادرة و على الوضاع الغريبة من الفلك كما و قع في شمأن‬
‫نوح عليه السلم و قليل من قوم عمماد و ثمممود‪ .‬و أممما أعمممار‬
‫الدول أيضا ً و إن كانت تختلف بحسب القرانات إل أن الدولة‬
‫فممي الغممالب ل تعممدو أعمممار ثلثممة أجيممال و الجيممل هممو عمممر‬
‫شخص واحد من العمر الوسط فيكون أربعين الذي هو انتهاء‬
‫النمو و النشوء إلى غايته قال تعممالى‪ :‬حممتى إذا بلممغ أشممده و‬
‫بلغ أربعين سنة و لهذا قلنا أن عمر الشخص الواحد هو عمممر‬
‫الجيل و يؤيده ما ذكرناه في حكمة التيه الذي وقع فممي بنممى‬
‫إسرائيل و أن المقصود بالربعين فيممه فنمماء الجيممل الحيمماء و‬
‫نشأة جيل آخر لم يعهدوا الذل و ل عرفوه فدل علممى اعتبممار‬
‫الربعين في عمر الجيل الممذي هممو عمممر الشممخص الواحممد و‬
‫إنما قلنا أن عمر الدولة ل يعدو في الغممالب ثلثممة أجيممال لن‬
‫الجيممل الول لممم يزالمموا علممى خلممق البممداوة و خشممونتها و‬
‫توحشمممها ممممن شمممظف العيمممش و البسمممالة و الفمممتراس و‬
‫ة‬
‫الشتراك في المجد فل تزال بذلك سورة العصبية محفوظمم ً‬
‫فيهممم فحممدهم مرهممف و جممانبهم مرهمموب و النمماس لهممم‬
‫مغلوبون و الجيل الثاني تحول حممالهم بالملممك و الممترفه مممن‬
‫البداوة إلى الحضارة و من الشظف إلى الترف و الخصممب و‬
‫مممن الشممتراك فممي المجممد إلممى انفممراد الواحممد بممه و كسممل‬
‫البمماقين عممن السممعي فيممه و مممن عممز السممتطالة إلممى ذل‬
‫السممتكانة فتنكسممر سممورة العصممبية بعممض الشمميء و تممؤنس‬
‫منهم المهانة و الخضمموع و يبقممى لهممم الكممثير مممن ذلممك بممما‬
‫أدركوا الجيل الول و باشروا أحوالهم و شاهدوا اعممتزازهم و‬
‫سعيهم إلى المجممد و مراميهممم فممي المدافعممة و الحمايممة فل‬
‫يسعهم ترك ذلك بالكلية و إن ذهب منه ممما ذهممب و يكونممون‬
‫على رجاء من مراجعة الحمموال الممتي كممانت للجيممل الول أو‬
‫على ظن من وجودها فيهم و أما الجيل الثالث فينسون عهممد‬
‫البممداوة و الخشممونة كممأن لممم تكممن و يفقممدون حلوة العممز و‬
‫العصبية بما هم فيه من ملكة القهر و يبلغ فيهم الترف غايته‬
‫بما تبنقوه من النعيم و غضارة العيش فيصمميرون عيممال ً علممى‬
‫الدولة و من جملممة النسمماء و الولممدان المحتمماجين للمدافعممة‬
‫عنهمممم و تسمممقط العصمممبية بالجملمممة و ينسمممون الحمايمممة و‬
‫المدافعة و المطالبة و يلبسممون علممى النمماس فممي الشممارة و‬
‫الزي و ركوب الخيل و حسن الثقافة يموهون بها و هممم فممي‬
‫الكثر أجبن من النسوان علمى ظهورهما فمإذا جماء المطمالب‬
‫لهم لم يقمماوموا مممدافعته فيحتماج صماحب الدولمة حينئذ إلمى‬
‫الستظهار بسواهم مممن أهممل النجممدة و يسممتكثر بممالموالى و‬
‫يصطنع من يغني عن الدولممة بعممض الغنمماء حممتى يتممأذن اللممه‬
‫بانقراضها فتذهب الدولممة بممما حملممت فهممذه كممما تممراه ثلثممة‬
‫أجيال فيها يكون هرم الدولة و تخلفهمما و لهممذا كممان انقممراض‬
‫الحسب في الجيل الرابع كما مممر فممي أن المجممد و الحسممب‬
‫إنما هو أربعة آباء و قد أتيناك فيه ببرهان طبيعي كاف ظافر‬
‫مبني على ما مهدناه قبل من المقممدمات فتممأمله فلممن تعممدو‬
‫وجه الحق إن كنت من أهل النصاف و هممذه الجيممال الثلثممة‬
‫عمرها مائة و عشرون سنة على ما مر و ل تعدو الدول فممي‬
‫الغالب هممذا العمممر بتقريممب قبلممه أو بعممده إل أن عممرض لهمما‬
‫عممارض آخممر مممن فقممدان المطممالب فيكممون الهممرم حاص مل ً‬
‫مستوليا ً و الطالب لم يحضرها و لو قد جاء الطالب لما وجممد‬
‫ة و ل يسممتقدمون‬ ‫مدافعا ً فإذا جاء أجلهم ل يسممتأخرون سمماع ً‬
‫فهذا العمر للدولة بمثابة عمر الشخص من التزايد إلممى سممن‬
‫الوقوف ثم إلى سن الرجوع و لهذا يجري على ألسنة الناس‬
‫في المشهور أن عمر الدولة مائة سنة و هذا معناه فممأعتبره‬
‫و اتخذ منه قانونا ً يصحح لممك عممدد البمماء فممي عمممود النسممب‬
‫الذي تريده من قبممل معرفممة السممنين الماضممية إذا كنممت قممد‬
‫استربت في عممددهم و كممانت السممنون الماضممية منممذ أولهممم‬
‫محصلة لديك فعد لكل مائة من السنين ثلثة من البمماء فممإن‬
‫نفدت على هذا القيمماس مممع نفممود عممددهم فهممو صممحح و إن‬
‫نقصت عنه بجيل فقد غلط عددهم بزيممادة واحممد فممي عمممود‬
‫النسب و أن زادت بمثله فقد سقط واحد و كذلك تأخذ عممدد‬
‫السنين من عددهم إذا كان محصل ً لممديك فتممأمله تجممده فممي‬
‫الغالب صحيحا ً و الله يقدر الليل و النهار‪.‬‬

‫الفصل الخامس عشر في انتقال الدولة من‬


‫البداوة إلى الحضارة‬
‫اعلم أن هذه الطوار طبيعية للدول فإن الغلمب الممذي يكممون‬
‫به الملك إنما هو بالعصيبة و بممما يتبعهمما مممن شممدة البممأس و‬
‫تعود الفممتراس و ل يكممون ذلممك غالبما ً إل مممع البممداوة فطممور‬
‫الدولة مممن أولهمما بممداوة ثممم إذا حصممل الملممك تبعممه الرفممه و‬
‫اتساع الحوال و الحضارة إنما هي تفنن في الترف و إحكممام‬
‫الصممنائع المسممتعملة فممي وجمموهه و مممذاهبه مممن المطابممخ و‬
‫الملبس و المباني و الفرش و البنية و سائر عمموائد المنممزل‬
‫و أحواله فلكل واحد منها صنائع في اسممتجادته و التممأنق فيممه‬
‫تختص به و يتلو بعضها بعضا ً و تتكممثر بمماختلف ممما تنممزع إليممه‬
‫النفوس من الشهوات و الملذ والتنعم بممأحوال الممترف و ممما‬
‫تتلون به من العوائد فصممار طممور الحضممارة فممي الملممك يتبممع‬
‫طممور البممداوة ضممرورة لضممرورة تبعيممة الرفممه للملممك و أهممل‬
‫الممدول أبممدا ً يقلممدون فممي طممور الحضممارة و أحوالهمما للدولممة‬
‫السممابقة قبلهممم‪ .‬فممأحوالهم يشمماهدون‪ ،‬و منهممم فممي الغلممب‬
‫يأخممذون‪ ،‬و مثممل هممذا وقممع للعممرب لممما كممان الفتممح و ملكمموا‬
‫فارس و الممروم و اسممتخدموا بنمماتهم و أبنمماءهم و لممم يكونمموا‬
‫لذلك العهد في شيء من الحضارة فقد حكي أنممه قممدم لهممم‬
‫المرقق فكانوا يحسممبونه رقاعما ً و عممثروا علممى الكممافور فممي‬
‫خزائن كسرى فاستعملوه في عجينهم ملحا ً و مثال ذلك كثير‬
‫فلما استعبدوا أهل الدول قبلهم و استعملوهم فممي مهنهممم و‬
‫حاجات منازلهم و اختمماروا منهممم المهممرة فممي أمثممال ذلممك و‬
‫القومممة عليهممم أفممادوهم علج ذلممك و القيممام علممى عملممه و‬
‫التفنن فيه مع ما حصل لهم من أتساع العيش و التفنممن فممي‬
‫أحواله فبلغوا الغايممة فممي ذلممك و تطمموروا بطممور الحضممارة و‬
‫الممترف فممي الحمموال و اسممتجادة المطمماعم و المشممارب و‬
‫الملبممس و المبمماني و السمملحة و الفممرش و آلنيممة و سممائر‬
‫الممماعون و الخرثممي و كممذلك أحمموالهم فممي أيممام المباهمماة و‬
‫الولئم و ليالي العراس فأتوا من ذلك وراء الغاية و انظر ما‬
‫نقلة المسعودي و الطبري و غيرهممما فممي أعممراس المممأمون‬
‫ببمموران بنممت الحسممن بممن سممهل و ممما بممذل أبوهمما لحاشممية‬
‫المأمون حين وافاه في خطبتها إلى داره بفم الصلح و ركممب‬
‫إليها في السفين و ما انفق في أملكها و ما نحلها المأمون و‬
‫أنفق في عرسها تقف من ذلك على العجب فمنة أن الحسن‬
‫بن سهل نثر يمموم الملك فممي الصممنيع الممذي حضممره حاشممية‬
‫ة‬
‫المأمون فنثر على الطبقة الولى منهم بنادق المسك ملثوث ً‬
‫على الرقاع بالضياع و العقار مسوغة لمن حصمملت فممي يممده‬
‫يقع لكل واحد منهممم ممما أداه إليممه التفمماق و البخممت و فممرق‬
‫على الطبقة الثانية بدر الدنانير في كل بممدرة عشممرة آلف و‬
‫فرق على الطبقة الثالثممة بممدر الممدراهم كممذلك بعممد أن أنفممق‬
‫على مقامة المأمون بداره أضعاف ذلممك و منممه أن المممأمون‬
‫أعطاها في مهرها ليلممة زفافهمما ألممف حصمماة مممن اليمماقوت و‬
‫أوقد شموع العنبر فمي كممل واحممدة مممائة مممن و هممو رطممل و‬
‫ثلثان و بسط لها فرشا ً كان الحصممير منهمما منسمموجا ً بالممذهب‬
‫مكلل ً بالدر و الياقوت و قال المأمون حين رآه قاتل اللممه أبمما‬
‫نواس كأنه أبصر هذا حيث يقول في صفة الخمر‪:‬‬
‫كأن صغرى و كبرى من فواقعها حصباء در على أرض من‬
‫الذهب‬
‫و أعد بممدار الطبممخ مممن الحطممب لليلممة الوليمممة نقممل مممائة و‬
‫أربعين بغل ً مدة عام كامل ثلث مرات فممي كممل يمموم و فنممي‬
‫الحطب لليلتين و أوقدوا الجريد يصبون عليه الزيممت و أوعممز‬
‫إلى النواتية بإحضار السفن لجازة الخواص من الناس بدجلة‬
‫من بغداد إلى قصور الملك بمدينة المأمون لحضممور الوليمممة‬
‫فكانت الحراقات المعدة لذلك ثلثين ألفا ً أجازوا الناس فيهمما‬
‫أخريممات نهممارهم و كممثير مممن هممذا و أمثمماله و كممذلك عممرس‬
‫المأمون بن ذي النمون بطليطلممة نقلممة ابممن سمام فمي كتمماب‬
‫الذخيرة و ابن حيان بعد أن كانوا كلهم في الطور الول مممن‬
‫ة لفقممدان أسممبابه و القممائمين‬ ‫البداوة عاجزين عن ذلممك جملم ً‬
‫على صممنائعه فممي غضاضممتهم و سممذاجتهم يممذكر أن الحجمماج‬
‫أولم في اختتان بعض ولده فاستحضر بعض الدهاقين يسممأله‬
‫عن ولئم الفرس و قال أخبرني بأعظم صنيع شممهدته فقممال‬
‫له نعم أيها المير شممهدت بعممض مرازبممة كسممرى و قمد صممنع‬
‫لهل فارس صنيعا ً أحضممر فيممه صممحاف الممذهب علممى أخونممة‬
‫الفضة أربعا ً على كل واحد و تحمله أربممع و صممائف و يجلممس‬
‫عليه أربعة من النمماس فممإذا طعممموا أتبعمموا أربعتهممم المممائدة‬
‫بصحافها و وصفائها فقال الحجاج يا غلم انحر الجزر و أطعم‬
‫الناس و علم أنه ل يستقل بهذه البهة و كذلك كممانت‪ .‬و مممن‬
‫هذا الباب أعطية بنى أمية و جوائزهم فإنما كان أكثرها البل‬
‫أخذا ً بمذاهب العرب وبداوتهم ثم كانت الجوائز في دولة بنى‬
‫العباس و العبيديين من بعدهم ما علمت من أحمال المممال و‬
‫تخوت الثياب و إعداد الخيل بمراكبها و هكذا كان شأن كتامة‬
‫مع الغالبة بأفريقية و كذا بنى طفج بمصر و شأن لمتونة مع‬
‫ملوك الطوائف بالندلس و الموحدين كذلك و شأن زناتة مع‬
‫الموحدين و هلم جرا ً تنتقل الحضارة من الدول السالفة إلى‬
‫الدول الخالفة فانتقلت حضارة الفممرس للعممرب بنممي أميممة و‬
‫بني العباس و انتقلت حضارة بنى أمية بالندلس إلممى ملمموك‬
‫المغرب من الموحدين و زناتة لهذا العهممد و انتقلممت حضممارة‬
‫بني العباس إلى الديلم ثم إلى الترك ثم إلى السمملجوقية ثممم‬
‫إلى المترك المماليمك بمصممر و التمتر بمالعراقين و علممى قمدر‬
‫عظم لدولة يكون شأنها في الحضارة إذ أمور الحضممارة مممن‬
‫توابع الترف و الترف من توا بع الممثروة و النعمممة و الممثروة و‬
‫النعمة من توابع الملك و مقدار ما يستولي عليه أهل الدولممة‬
‫فعلى نسبة الملك يكون ذلك كله فمماعتبره و تفهمممه و تممأمله‬
‫تجده صحيحا ً في العمران و الله وارث الرض و من عليهمما و‬
‫هو خير الوارثين‪.‬‬

‫الفصل السادس عشر في أن الترف يزيد الدولة‬


‫في أولها قوة إلى قوتها‬
‫و السبب في ذلك أن القبيل إذا حصل لهممم الملممك و الممترف‬
‫كثر التناسل و الولد والعمومية فكثرت العصممابة و اسممتكثروا‬
‫أيضا ً من الموالى و الصممنائع و ربيممت أجيممالهم فممي جممو ذلممك‬
‫النعيم و الرفممه فممازدادوا بممه عممددا ً إلممى عممددهم و قمموة إلممى‬
‫قوتهم بسبب كثرة العصممائب حينئذ بكممثرة العممدد فممإذا ذهممب‬
‫الجيل الول و الثاني و أخذت الدولة فممي الهممرم لممم تسممتقل‬
‫أولئك الصممنائع و الممموالى بأنفسممهم فممي تأسمميس الدولممة و‬
‫تمهيد ملكها لنهم ليس لهم من المر شيء إنما كممانوا عيممال ً‬
‫ة لها فإذا ذهممب الصمل لممم يسممتقل الفممرع‬ ‫على أهلها و معون ً‬
‫بالرسوخ فيذهب و يتلشى و ل تبقى الدولة على حالهمما مممن‬
‫القمموة‪ .‬و اعتممبر هممذا بممما وقممع فممي الدولممة العربيممة فممي‬
‫السلم‪.‬كان عدد العرب كما قلنا لعهد النبؤة و الخلقممة مممائة‬
‫و خمسين ألفا و ما يقاربهمما ممن مضممر و قحطمان و لمما بلمغ‬
‫الممترف مبالغممة قممي الدولممة و تمموفر نممموهم بتمموفر النعمممة و‬
‫استكثر الخلفاء من الموالى و الصممنائع بلممغ ذلممك العممدد إلممى‬
‫أضعافه يقممال إن المعتصممم نممازل عموريممة لممما افتتحهمما فممي‬
‫تسعمائة ألف و ل يبعد مثل همذا العمدد أن يكمون صمحيحا ً إذا‬
‫اعتبرت حاميتهم في الثغور الدانية و القاصممية شممرقا ً و غربما ً‬
‫إلى الجند الحاملين سرير الملك و الممموالى والمصممطنعين و‬
‫قال المسعودي أحصى بنو العباس ابن عبد المطلممب خاصممة‬
‫أيام المأمون للنفاق عليهم فكانوا ثلثين ألف ما ً بيممن ذكممران و‬
‫إناث فانظر مبالغ هذا العدد لقل من مائتي سممنة و اعلممم أن‬
‫سببه الرفه و النعيم الذي حصل للدولة و ربى فيه أجيالهم و‬
‫إل فعدد العرب لول الفتح لم يبلغ هذا و ل قريبا منممة و اللممه‬
‫الخلق العليم‪.‬‬

‫الفصل السابع عشر في أطوار الدولة و اختلف‬


‫أحوالها و خلق أهلها باختلف الطوار‬
‫إعلم أن الدولة تنتقل في أطوار مختلفة و حالت متجممددة و‬
‫يكتسب القائمون بها فممي كممل طممور خلق ما ً مممن أحمموال ذلممك‬
‫الطور ل يكون مثله في الطور الخر لن الخلق تممابع بممالطبع‬
‫لمزاج الحال الذي هو فيه و حالت الدولة و أطوارها ل تعممدو‬
‫في الغالب خمسة أطوار‪ .‬الطور الول طور الظفر بالبغية و‬
‫غلب المدافع و الممانع و الستيلء على الملك و انتزاعه من‬
‫أيدي الدولة في هذا الطور أسوة قومه في اكتساب المجد و‬
‫جباية المال و المدافعة عن الحوزة و الحماية ل ينفرد دونهم‬
‫بشيء لن ذلك همو مقتضمى العصمبية المتي وقمع بهما الغلمب‬
‫وهي لم تزل بعد بحالها‪ .‬الطور الثاني طممور السممتبداد علممى‬
‫قممومه و النفممراد دونهممم بالملممك و كبحهممم عممن التطمماول‬
‫للمساهمة و المشاركة و يكون صاحب الدولة في هذا الطور‬
‫معنيا ً باصطناع الرجال و اتخاذ الموالى و الصنائع و الستكثار‬
‫من ذلك لجدع الموت أهل عصبيته و عشيرته المقاسمين له‬
‫في نسبة الضاربين في الملك بمثل سهمه فهو يدافعهم عممن‬
‫المممر و يصممدهم عممن ممموارده و يردهممم علممى أعقممابهم‪ ،‬أن‬
‫يخلصوا إليه حتى يقر المر في نصابه و يفممرد أهممل بيتممه بممما‬
‫يبني من مجده فيعممانى مممن مممدافعتهم و مغممالبتهم مثممل ممما‬
‫عاناه الولمون فمي طلممب الممر أو أشمد لن الوليممن دافعمموا‬
‫الجممانب فكممان ظهراؤهممم علممى مممدافعتهم أهممل العصممبية‬
‫بأجمعهم و هذا يدافع القارب ل يظمماهره علممى مممدافعتهم إل‬
‫القل من الباعد فيركب صعبا ً من المر‪ .‬الطور الثالث طممور‬
‫الفراغ و الدعة لتحصيل ثمرات الملك مما تنزع طباع البشممر‬
‫إليه من تحصيل المال و تخليد الثار و بعد الصيت فيسممتفرغ‬
‫وسعه في الجباية و ضبط الدخل و الخرج و إحصاء النفقممات‬
‫و القصد فيها و تشييد المباني الحافلة و المصانع العظيمممة و‬
‫المصار المتسعة و الهياكممل المرتفعممة و إجممازة الوفممود مممن‬
‫أشراف المم و وجوه القبائل و بث المعروف في أهلممه هممذا‬
‫مع التوسعة على صممنائعه و حاشمميته فممي أحمموالهم بالمممال و‬
‫الجمماه واعممتراض جنمموده و إدرار أرزاقهممم و إنصممافهم فممي‬
‫أعطياتهم لكل هلل حتى يظهر أثر ذلك عليهم في ملبسممهم‬
‫و شكثهم و شاراتهم يوم الزينة فيباهي بهم الدول المسالمة‬
‫و يرهب الدول المحاربة و هذا الطور آخممر أطمموار السممتبداد‬
‫من أصحاب الدولة لنهم فممي هممذه الطمموار كلهمما مسممتقلون‬
‫بآرائهم بانون لعزهم موضممحون الطممرق لمممن بعممدهم‪ .‬طممور‬
‫القنوع و المسالمة و يكون صاحب الدولة في هذا قانع ما ً بممما‬
‫بنى أولوه سلما ً لنظاره من الملوك و أقتاله مقلدا ً للماضين‬
‫من سلفه فيتبع آثارهم حذو النعممل بالنعممل و يقتفممي طرقهممم‬
‫بأحسن مناهج القتداء و يرى أن فممي الخممروج عممن تقليممدهم‬
‫فساد أمره و أنهم أبصر بما بنوا من مجده‪ .‬الطممور الخممامس‬
‫طممور السممراف و التبممذير و يكممون صمماحب الدولممة فممي هممذا‬
‫الطور متلفا ً لما جمع أولوه فممي سممبيل الشممهوات و الملذ و‬
‫الكرم على بطانته و في مجالسه و اصطناع أخدان السمموء و‬
‫خضراء الدمن و تقليدهم عظيمات المممور الممتي ل يسممتقلون‬
‫بحملها و ل يعرفون ممما يممأتون منهمما يممذرون منهمما مستفسممدا ً‬
‫لكبار الولياء من قومه و صنائع سلفه حتى يضطغنوا عليممه و‬
‫يتخاذلوا عن نصرته مضيعا ً من جنده بما أنفق من أعطيمماتهم‬
‫في شهواته و حجممب عنهممم وجممه مباشممرته و تفقممده فيكممون‬
‫مخربا ً لما كان سلفه يؤسسون و هادما ً لما كانوا يبنون و في‬
‫هذا الطور تحصل في الدولة طبيعة الهممرم و يسممتولي عليهمما‬
‫المرض المزمن الذي ل تكاد تخلص منه و ل يكممون لهمما معممه‬
‫برء إلى أن تنقرض كما نممبينه فممي الحمموال الممتي نسممردها و‬
‫الله خير الوارثين‪.‬‬
‫الفصل الثامن عشر في أن آثار الدولة كلها على‬
‫نسبة قوتها في أصلها‬
‫و السبب في ذلك أن الثار إنما تحدث عممن القمموة الممتي بهمما‬
‫كانت أول ً و على قدرها يكون الثر فمن ذلك مباني الدولممة و‬
‫هياكلها العظيمممة فإنممما تكممون علممى نسممبة قمموة الدولممة فممي‬
‫أصمملها لنهمما ل تتممم إل بكممثرة الفعلممة و اجتممماع اليممدي علممى‬
‫العمممل بالتعمماون فيممه فممإذا كممانت الدولممة عظيمممة فسمميحة‬
‫الجوانب كثيرة الممالك و الرعايا كان الفعلممة كممثيرين جممدا ً و‬
‫حشروا من آفاق الدولة و أقطارها فتممم العمممل علممى أعظممم‬
‫هياكله أل ترى إلى مصانع قوم عاد و ثمود و ما قصة القرآن‬
‫عنهما‪.‬‬
‫و انظر بالمشاهدة إيوان كسرى و ما أقتدر فيه الفرس حتى‬
‫أنه عزم الرشيد على هدمه و تخريبه فتكاءد عنه و شرع فيه‬
‫ثم أدركه العجز و قصة استشارته ليحيى بن خالد فممي شممأنه‬
‫معروفة فانظر كيف تقتدر دولة على بنمماء ل تسممتطيع أخممرى‬
‫على هدمه مع بون ما بين الهدم و البناء في السهولة‪ .‬تعرف‬
‫مممن ذلممك بممون ممما بيممن الممدولتين و انظممر إلممى بلط الوليممد‬
‫بدمشممق و جممامع بنممى أميممة بقرطبممة و القنطممرة الممتي علممى‬
‫واديها كذلك بناء الحنايا لجلب الماء إلى قرطاجنة في القنمماة‬
‫الراكبة عليها آثار شرشال بالمغرب و الهرام بمصممر و كممثير‬
‫من هذه الثار الماثلة للعيممان يعلممم منممه اختلممف الممدول فممي‬
‫القوة و الضعف و اعلم أن تلك الفعال للقدمين إنممما كممانت‬
‫بالهندام و اجتماع الفعلة و كثرة اليدي عليها فبممذلك شمميدت‬
‫تلك الهياكل و المصانع و ل تتوهم ما تتوهمه العامممة أن ذلممك‬
‫لعظم أجسام القدمين عن أجسامنا في أطرافها و أقطارهمما‬
‫فليس بين البشر في ذلك كبير بون كما نجممد بيممن الهياكممل و‬
‫الثار و لقد ولع القصاص بذلك و تغممالوا فيممه و سممطروا عممن‬
‫عاد و ثمود و العمالقة في ذلك أخبارا ً عريقة في الكذب مممن‬
‫أغربها ما يحكون عن عوج بن عناق رجل من العمالقة الذين‬
‫قاتلهم بنو إسرائيل في الشام زعموا أنه كان لطمموله يتنمماول‬
‫السمممك مممن البحممر و يشممويه إلممى الشمممس و يزيممدون إلممى‬
‫جهلهم بأحوال البشر الجهل بأحوال الكواكب لما اعتقدوا أن‬
‫للشمس حرارة و أنها شديدة فيما قرب منها و ل يعلمون أن‬
‫الحممر هممو الضمموء و أن الضمموء فيممما قممرب مممن الرض أكممثر‬
‫لنعكممماس الشمممعة ممممن سمممطح الرض بمقابلمممة الضمممواء‬
‫فتتضمماعف الحممرارة هنمما لجممل ذلممك و إذا تجمماوزت مطممارح‬
‫الشعة المنعكسة فل حر هنالممك بممل يكممون فيممه الممبرد حيممث‬
‫مجاري السحاب و أن الشمس في نفسها ل حارة و ل بمماردة‬
‫و أنما هي جسم بسيط مضيء ل مزاج له‪.‬‬
‫و كذلك عوج بن عناق هو فيما ذكممروه مممن العمالقممة أو مممن‬
‫الكنعممانيين الممذين كممانوا فريسممة بنممي إسممرائيل عنممد فتحهممم‬
‫الشام و أطوال بني إسرائيل و جسمانهم لذلك العهممد قريبممة‬
‫من هياكلنا يشهد لذلك أبواب بيت المقدس فإنها وإن خربت‬
‫و جددت لم تزل المحافظة على أشكالها و مقممادير أبوابهمما و‬
‫كيف يكون التفاوت بين عوج و بين أهل عصره بهذا المقممدار‬
‫و إنما مثارغلطهم في هذا أنهم اسممتعظموا آثممار المممم و لممم‬
‫يفهموا حال الدول في الجتماع و التعاون و ما يحصل بممذلك‬
‫و بالهندام من الثار العظيمة فصرفوه إلممى قمموة الجسممام و‬
‫شممدتها بعظممم هياكلهمما و ليممس المممر كممذلك‪ .‬و قممد زعممم‬
‫المسممعودي و نقلممه عممن الفلسممفة مزعم ما ً ل مسممتند لممه إل‬
‫التحكم و هو أن الطبيعة التي هي جبلة للجسام لما برأ اللممه‬
‫الخلق كانت في تمام الكرة و نهاية القوة و الكمممال و كممانت‬
‫العمار أطممول و الجسممام أقمموى لكمممال تلممك الطبيعممة فممإن‬
‫طروء الموت أنما هممو بممانحلل القمموى الطبيعيممة فممإذا كممانت‬
‫قوية كانت العمار أزيد فكممان العممالم فممي أوليممة نشممأته تممام‬
‫العمار كامل الجسام ثم لممم يممزل يتنمماقص لنقصممان المممادة‬
‫إلى أن بلغ إلى هذه الحال التي هو عليها ثم ل يزال يتنمماقص‬
‫إلى وقت النحلل و انقراض العالم و هذا رأي ل وجممه لممه إل‬
‫التحكم كما تراه و ليس له علة طبيعية و ل سممبب برهمماني و‬
‫نحن نشاهد مساكن الولين و أبوابهم و طرقهم فيما أحدثوه‬
‫مممن البنيممان و الهياكممل و الممديار و المسمماكن كممديار ثمممود‬
‫المنحوتة في الصلد من الصخر بيوتا ً صغارا ً و أبوابها ضيقة و‬
‫قد أشار صلى الله عليه و سلم إلى أنها ديممارهم و نهممى عممن‬
‫اسممتعمال ميمماههم و طممرح ممما عجممن بممه و أهممرق و قممال‪ :‬ل‬
‫تدخلوا مسمماكن الممذين ظلممموا أنفسممهم إل أن تكونمموا بمماكين‬
‫يصيبكم ما أصابهم‪.‬‬
‫و كذلك أرض عاد و مصر و الشام و سائر بقاع الرض شرقا ً‬
‫و غربا ً و الحق ما قررناه و من آثممار الممدول أيض ما ً حالهمما فممي‬
‫العممراس و الممولئم كممما ذكرنمماه فممي وليمممة بمموران و صممنيع‬
‫الحجاج و ابن ذي النون و قد مر ذلك كله‪.‬‬
‫و من آثارها أيضا ً عطايا الممدول و أنهمما تكممون علممى نسممبتها و‬
‫يظهر ذلك فيها و لو أشرفت علممى الهممرم فممإن الهمممم الممتي‬
‫لهل الدولة تكون على نسبة قوة ملكهممم و غلبهممم للنمماس و‬
‫الهمم ل تزال مصاحبة لهم إلى انقراض الدولة و اعتبر ذلممك‬
‫بجوائز ابن ذي يزن لوفد قريش كيممف أعطمماهم مممن أرطممال‬
‫الممذهب و الفضممة و العبممد و الوصممائف عشممرا ً عشممرا ً و مممن‬
‫كممرش العنممبر واحممدة و أضممعف ذلممك بعشممرة أمثمماله لعبممد‬
‫المطلب و إنما ملكه يومئذ قرارة اليمن خاصة تحت استبداد‬
‫فارس و إنما حمله علممى ذلممك همممة نفسممه بممما كممان لقممومه‬
‫التبابعممة مممن الملممك فممي الرض و الغلممب علممى المممم فممي‬
‫العراقين و الهند و المغرب و كان الصنهاجيون بأفريقية أيضا ً‬
‫إذا أجممازوا الوفممد مممن أمممراء زناتممة الوافممدين عليهممم فإنممما‬
‫يعطونهم المممال أحمممال ً و الكسمماء تخوت ما ً مملمموءة ً و الحملن‬
‫جنائب عديدة‪.‬‬
‫و في تاريخ ابن الرقيق من ذلممك أخبممار كممثيرة و كممذلك كممان‬
‫عطمماء البرامكممة و جمموائزهم و نفقمماتهم و كممانوا إذا كسممبوا‬
‫معدما ً فإنما هو الولية و النعمة آخممر الممدهر ل العطمماء الممذي‬
‫يسممتنفده يمموم أو بعممض يمموم و أخبممارهم فممي ذلممك كممثيرة‬
‫مسطورة و هي كلهمما علممى نسممبة الممدول جاريممة هممذا جمموهر‬
‫الصقلبي الكاتب قائد جيش العبيممديين لممما ارتحممل إلممى فتممح‬
‫مصر استعد من القيروان بألف حمممل مممن المممال و ل تنتهممي‬
‫اليوم دولة إلى مثل هذا‪ .‬و كذلك وجد بخط أحمد بممن محمممد‬
‫بن عبد الحميد عمل بما يحمل إلممى بيممت الممال ببغممداد أيمام‬
‫المأمون من جميع النممواحي نقلتممه مممن جممراب الدولممة غلت‬
‫السواد سبع و عشرون ألممف ألممف درهممم مرتيممن و ثمانمممائة‬
‫ألف درهم و من الحلل النجرانية مائتا حلة و من طين الختم‬
‫مائتان و أربعون رطل ً كنكر أحد عشر ألف ألف درهم مرتين‬
‫و ستمائة ألف درهم كورد جلة عشممرون ألممف ألممف درهممم و‬
‫ثمانية دراهم حلوان أربعة آلف ألف درهم مرتين و ثمانمممائة‬
‫ألف درهم الهواز خمسة و عشرون ألف درهممم مممرة و مممن‬
‫السكر ثلثون ألف رطل فارس سبعة و عشممرون ألممف ألممف‬
‫درهممم و مممن ممماء الممورد ثلثممون ألممف قممارورة و مممن الزيممت‬
‫السود عشرون ألف رطممل كرمممان أربعممة آلف ألممف درهممم‬
‫مرتين و مائتا ألممف درهممم و مممن المتمماع اليممماني خمسمممائة‬
‫ثوب و من التمر عشرون ألف رطممل مكممران أربعمممائة ألممف‬
‫درهم مرة السند و ما يليه أحد عشر ألف ألف درهم مرتيممن‬
‫و خمسمائة ألف درهم و من العود الهنممدي مممائة و خمسممون‬
‫رطل ً سجستان أربعة آلف ألف درهممم مرتيممن و مممن الثيمماب‬
‫المعينة ثلثمممائة ثمموب ومممن الفانيممد عشممرون رطل ً خراسممان‬
‫ثمانية و عشرون ألف ألف درهممم مرتيممن و مممن نقممر الفضممة‬
‫ألفمما نقممرة و مممن الممبراذين أربعممة آلف و مممن الرقيممق ألممف‬
‫رأس‪ .‬و من المتاع عشرون ألف ثوب و من الهليلممج ثلثممون‬
‫ألف رطل جرجان اثنا عشر ألممف ألممف درهممم مرتيممن و مممن‬
‫البريسم ألف شقة‪ .‬قمومس ألمف ألمف مرتيمن و خمسممائة‬
‫من نقر الفضة طبرستان و الروبان و نهاوند ستة آلف ألممف‬
‫مرتين و ثلئمائة ألف و من الفرش الطبري ستمائة قطعة و‬
‫مممن الكسممية مائتممان و مممن الثيمماب خمسمممائة ثمموب و مممن‬
‫المناديل ثلثمائة و من الجامات ثلثمائة الري اثنا عشر ألممف‬
‫ألف درهم مرتين و من العسل عشرون ألممف رطممل همممذان‬
‫أحد عشر ألف ألف درهم مرتيمن و ثلثمممائة ألمف و ممن رب‬
‫الرمان ألف رطل و من العسل اثنا عشر ألف رطل ممما بيممن‬
‫البصرة و الكوفة عشرة آلف ألف درهم مرتيممن و سممبعمائة‬
‫ألف درهم ماسبذان والدينار أربعممة آلف ألممف درهممم مرتيممن‬
‫شهر زور ستة آلف ألف درهم مرتين و سبعمائة ألف درهممم‬
‫الموصل و ما يليها أربعة و عشرون ألف ألف درهم مرتين و‬
‫من العسل البيض عشرون ألف ألف رطل أذربيجممان أربعممة‬
‫آلف ألف درهم مرتين الجزيرة و ما يليها من أعمال الفرات‬
‫أربعة و ثلثون ألف ألممف درهممم مرتيممن و مممن الرقيممق ألممف‬
‫رأس و من العسل اثنا عشر ألف زق و من الممبزاة عشممرة و‬
‫من الكسية عشممرون أرمينيممة ثلثممة عشممر ألممف ألممف درهممم‬
‫مرتيممن و مممن البسممط المحفممور عشممرون و مممن الزقممم‬
‫خمسمائة و ثلثون رطل ً و من المسايج السور ما هي عشرة‬
‫آلف رطل و من الصممونج عشممرة آلف رطممل و مممن البغممال‬
‫مائتان و من المهرة ثلثمون قنسمرين أربعممائة ألممف دينمار و‬
‫من الزيت ألف حمل دمشق أربعمائة ألف دينممار و عشممرون‬
‫ألممف دينممار و الردن سممبعة و تسممعون ألممف دينممار فلسممطين‬
‫ثلثمائة ألف دينار و عشرة آلف دينار و من الزيممت ثلثمممائة‬
‫ألف رطممل مصممر ألممف ألممف دينممار و تسممعمائة ألممف دينممار و‬
‫عشرون ألف دينار‪ .‬برقة ألممف ألممف درهممم مرتيممن‪ .‬أفريقيممة‬
‫ثلثممة عشممر ألممف ألممف درهممم مرتيممن و مممن البسممط مممائة و‬
‫عشرون‪ .‬اليمن ثلثمائة ألف دينار و سبعون ألف دينار سوى‬
‫المتاع‪ .‬الحجاز ثلثمائة ألف د ينار انتهي‪.‬‬
‫و أممما النممدلس فالممذي ذكممره الثقممات مممن مؤرخيهمما أن عبممد‬
‫الرحمن الناصر خلف في بيوت أمواله خمسة آلف ألف ألف‬
‫دينار مكررة ثلث مرات يكون جملتهمما بالقنمماطير خمسمممائة‬
‫ألف قنطار‪.‬‬
‫و رأيت في بعض تواريخ الرشيد أن المحمول إلى بيت المال‬
‫في أيامه سبعة آلف قنطار و خمسمائة قنطار في كل سممنة‬
‫فاعتبر ذلك في نسب الدول بعضها من بعممض و لتنكممرن ممما‬
‫ليس بمعهود عندك و ل في عصرك شيىء من أمثاله فتضيق‬
‫حوصمملتك عنممد ملتقممط الممكنممات فكممثير مممن الخممواص إذا‬
‫سمعوا أمثال هذه الخبار عن الدول السالفة بممادر بالنكممار و‬
‫ليس ذلك من الصواب فإن أحوال الوجود والعمران متفاوتممة‬
‫و من أدرك منها رتبة سفلى أو وسممطى فل يحصممر المممدارك‬
‫كلها فيها و نحن إذا اعتبرنا ما ينقل لنا عن دولة بني العبمماس‬
‫و بني أمية و العبيديين و ناسبنا الصحيح مممن ذلممك و الممذي ل‬
‫شممك فيممه بالممذي نشمماهده مممن هممذه الممدول الممتي هممي أقممل‬
‫بالنسبة إليها وجدنا بينها بونا ً و هو لما بينها من التفمماوت فممي‬
‫أصل قوتها و عمران ممالكها فالثار كلها جاريممة علممى نسممبة‬
‫الصل في القوة كما قممدمناه و ل يسممعنا إنكمار ذلمك عنهما إذ‬
‫كثير من هذه الحوال في غاية الشهرة و الوضوح بل فيها ما‬
‫يلحق بالمستفيض و التواتر و فيهمما المعمماين و المشمماهد مممن‬
‫آثار البناء و غيره فخذ من الحمموال المنقولممة مراتممب الممدول‬
‫في قوتها أو ضعفها و ضخامتها أو صممغرها و اعتممبر ذلممك بممما‬
‫نقصه عليك من هذه الحكاية المستظرفة‪.‬‬
‫و ذلك أنه ورد بالمغرب لعهد السلطان أبي عنان مممن ملمموك‬
‫بني مرين رجل من مشيخة طنجة يعرف بممابن بطوطممة كممان‬
‫رحل منذ عشرين سنة قبلها إلى المشممرق و تقلممب فممي بلد‬
‫العراق و اليمن و الهنممد و دخممل مدينممة دهلممي حاضممرة ملممك‬
‫الهند و هو السلطان محمد شاه و اتصل بملكها لممذلك العهممد‬
‫و هو فيروزجوه و كان له منممه مكممان و اسممتعمله فممي خطممة‬
‫القضاء بمذهب المالكية في عمله ثم انقلب إلممى المغممرب و‬
‫اتصل بالسلطان أبي عنان و كان يحدث عممن شممأن رحلتممه و‬
‫ما رأى من العجائب بممالك الرض و أكثر ما كان يحدث عن‬
‫دولة صاحب الهند و يأتي من أحواله بما يستغربه السممامعون‬
‫مثل أن ملك الهند إذا خرج إلى السممفر أحصممى أهممل مممدينته‬
‫من الرجال و النساء و الولدان و فرض لهم رزق ستة أشممهر‬
‫تدفع لهم من عطائه و أنه عند رجوعه من سفره يدخل فممي‬
‫يمموم مشممهود يممبرز فيممه النمماس كافممة إلممى صممحراء البلممد و‬
‫يطوفون به و ينصب أمامه في ذلك الحقممل منجنيقممات علممى‬
‫الظهر ترمى بها شكائر الدراهم و الدنانير علممى النمماس إلممى‬
‫أن يدخل إيوانه و أمثال هذه الحكايات فتناحى الناس بتكذيبه‬
‫و لقيت أيامئذ وزير السلطان فارس بن وردار البعيد الصمميت‬
‫ففاوضته في هذا الشأن و أريته إنكار أخبار ذلك الرجممل لممما‬
‫استفاض في الناس من تكذيبه‪.‬‬
‫فقال لي الوزير فارس إياك أن تستنكر مثل هذا مممن أحمموال‬
‫الدول بما أنممك لممم تممره فتكممون كممابن المموزير الناشممىء فممي‬
‫السجن و ذلك أن وزيرا ً اعتقله سلطانه و مكث في السممجن‬
‫سنين ربي فيها ابنمه فمي ذلمك المجلمس فلممما أدرك و عقممل‬
‫سأل عن اللحمان التي كان يتغذى بها فقال له أبوه هذا لحم‬
‫الغنم فقممال و ممما الغنممم فيصممفها لممه أبمموه بشممياتها و نعوتهمما‬
‫فيقول يا أبت تراها مثل الفأر فينكر عليه و يقول أيممن الغنممم‬
‫مممن الفممأر و كممذا فمي لحممم البممل و البقممر إذ لممم يعمماين فممي‬
‫محبسه من الحيوانممات إل الفممأر فيحسممبها كلهمما أبنمماء جنممس‬
‫الفأر و لهذا كثيرا ً ما يعتري الناس فمي الخبمار كمما يعمتريهم‬
‫الوسواس في الزيادة عنممد قصممد الغممراب كممما قممدمناه أول‬
‫الكتمماب فليرجممع النسممان إلممى أصمموله و ليكممن مهيمنما ً علممى‬
‫نفسه و مميزا ً بين طبيعة الممكن و الممتنع بصممريح عقلممه و‬
‫مستقيم فطرته فما دخل في نطاق المكان قبله و ممما خممرج‬
‫عنممه رفضممه و ليممس مرادنمما المكممان العقلممي المطلممق فممإن‬
‫نطمماقه أوسممع شمميء فل يفممرض حممدا ً بيممن الواقعممات و أنممما‬
‫مرادنا المكان بحسممب المممادة الممتي للشمميء فإنمما إذا نظرنمما‬
‫أصل الشيء و جنسه و صنفه و مقدار عظمه و قوته أجرينمما‬
‫الحكم من نسبة ذلك على أحواله و حكمنا بالمتناع علممى ممما‬
‫خممرج مممن نطمماقه‪ ،‬و قممل ربممي زدنممي علممما ً و أنممت أرحممم‬
‫الراحمين و الله سبحانه و تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل التاسع عشر في استظهار صاحب الدولة‬


‫على قومه و أهل عصبيته بالموالي و‬
‫المصطنعين‬
‫إعلم أن صاحب الدولة إنما يتم أمره كما قلنمماه بقممومه فهممم‬
‫عصابته و ظهمراؤه علمى شمأنه و بهممم يقممارع الخموارج علمى‬
‫دولتممه و منهممم يقلممد أعمممال مملكتممه و وزارة دولتممه و جبايممة‬
‫أممموله لنهممم أعمموانه علممى الغلممب و شممركاؤه فممي المممر و‬
‫مساهموه في سائر مهماته هذا ممما دام الطممور الول للدولممة‬
‫كما قلناه فإذا جاء الطممور الثمماني و ظهممر السممتبداد عنهممم و‬
‫النفراد بالمجممد و دافعهممم عنممه بممالمراح صمماروا فممي حقيقممة‬
‫المر من بعض أعدائه و احتمماج فممي مممدافعتهم عممن المممر و‬
‫صدهم عن المشمماركة إلممى أوليمماء آخريممن مممن غيممر جلممدتهم‬
‫يستظهر بهم عليهم و يتولهم دونهم فيكونون أقرب إليه من‬
‫سائرهم و أخص به قربا ً و اصطناعا ً و أولى إيثارا ً و جاها ً لممما‬
‫أنهم يستميتون دونه في مدافعة قومه عن المممر الممذي كممان‬
‫لهم و الرتبة التي ألفوها في مشاركتهم فيستخلصهم صاحب‬
‫الدولة و يخصهم بمزيممد التكرمممة و اليثممار و يقسممم لهممم ممما‬
‫للكثير مممن قممومه و يقلممدهم جليممل العمممال و الوليممات مممن‬
‫الوزارة و القيادة و الجباية و ممما يختممص بممه لنفسممه و تكممون‬
‫خالصة له دون قومه من ألقاب المملكة لنهم حينئذ أوليمماؤه‬
‫القربون و نصحاؤه المخلصون و ذلك حينئذ مممؤذن باهتضممام‬
‫الدولة و علمة على المممرض المزمممن فيهمما لفسمماد العصممبية‬
‫التي كان بناء الغلب عليها‪.‬‬
‫و مممرض قلمموب أهممل الدولممة حينئذ مممن المتهممان و عممداوة‬
‫السلطان فيضممطغنون عليممه و يتربصممون بممه الممدوائر و يعممود‬
‫وبال ذلك على الدولة و ل يطمع في برئها من هذا الداء لنممه‬
‫ما مضى يتأكد فممي العقمماب إلممى أن ذهممب رسمممها و اعتممبر‬
‫ذلك في دولممة بنممي أميممة كيممف كممانوا إنممما يسممتظهرون فممي‬
‫حروبهم و ولية أعمالهم برجال العرب مثل عمممرو بممن سممعد‬
‫بن أبي و قاص و عبد الله بن زياد بن أبممي سممفيان والحجمماج‬
‫بن يوسف و المهلممب بممن أبممي صممفرة و خالممد بممن عبممد اللممه‬
‫القسري و ابن هبيرة و موسى بن نصير و بلل بن أبي بممردة‬
‫بن أبممي موسممى الشممعري و نصممر بممن سمميار و أمثممالهم مممن‬
‫رجممالت العممرب و كممذا صممدر مممن دولممة بنممي العبمماس كممان‬
‫الستظهار فيها أيض ما ً برجممالت العممرب فلممما صممارت الدولممة‬
‫للنفراد بالمجد و كبح العرب عن التطمماول للوليممات صممارت‬
‫المموزارة للعجممم و الصممنائع مممن البرامكممة و بنممي سممهل بممن‬
‫نوبخت و بني طاهر ثم بني بويه و مموالي المترك مثمل بغما و‬
‫وصمميف و أثلمممش و باكنمماك و ابممن طولممون و أبنممائهم و غيممر‬
‫هؤلء من موالي العجم فتكون الدولة لغير من مهدها و العز‬
‫لغير من اجتلبه سنة الله في عباده و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصممممل العشممممرون فممممي أحمممموال الممممموالي و‬


‫المصطنعين في الدول‬
‫إعلممم أن المصممطنعين فممي الممدول يتفمماوتون فممي اللتحممام‬
‫بصمماحب الدولممة بتفمماوت قممديمهم و حممديثهم فممي اللتحممام‬
‫بصاحبها و السبب في ذلممك أن المقصممود فممي العصممبية مممن‬
‫المدافعة و المغالبة إنما يتم بالنسب لجل التناصمر فمي ذوي‬
‫الرحممام و القربممى و التخمماذل فممي الجممانب و البعممداء كممما‬
‫قدمناه و الولية و المخالطة بالرق أو بممالحلف تتنممزل منزلممة‬
‫ذلك لن أمممر النسممب و إن كممان طبيعيما ً فإنممما هممو وهمممي و‬
‫المعنى الذي كان به اللتحام إنما هممو العشممرة و المدافعممة و‬
‫طول الممارسة و الصحبة بالمربى و الرضاع و سائر أحمموال‬
‫الموت و الحياة و إذا حصمل اللتحممام بممذلك جماءت النعممرة و‬
‫التناصر و هذا مشاهد بين الناس و اعتبر مثله في الصممطناع‬
‫فإنه يحدث بين المصطنع و مممن اصممطنعه نسممبة خاصممة مممن‬
‫الوصلة تتنزل هذه المنزلة و تؤكد اللحمة و إن لم يكن نسب‬
‫فثمرات النسب موجودة فإذا كانت هذه الولية بين القبيممل و‬
‫بين أوليائهم قبل حصول الملك لهم كممانت عروقهمما أوشممج و‬
‫عقائدها أصح و نسبها أصرح لوجهين أحدهما أنهم قبل الملك‬
‫أسوة في حالهم فل يتميز النسب عن الوليممة إل عنممد القممل‬
‫منهم فينزلون منهم منزلممة ذوي قرابتهممم و أهممل أرحممامهم و‬
‫إذا اصطنعوهم بعد الملك كانت مرتبة الملممك مميممزة للسمميد‬
‫عن المولى‪ .‬و لهل القرابة عن أهل الولية و الصطناع لممما‬
‫تقتضيه أحوال الرئاسة و الملممك مممن تميممز الرتممب و تفاوتهمما‬
‫فتتميز حممالتهم و يتنزلممون منزلممة الجممانب و يكممون اللتحممام‬
‫بينهممم أضممعف و التناصممر لممذلك أبعممد و ذلممك انقممص مممن‬
‫الصطناع قبل الملك‪.‬‬
‫الوجه الثاني أن الصطناع قبل الملك يبعممد عهممده عممن أهممل‬
‫الدولة بطول الزمان و يخفي شأن تلممك اللحمممة و يظممن بهمما‬
‫في الكممثر النسممب فيقمموى حممال العصممبية و أممما بعممد الملممك‬
‫فيقرب العهد و يستوي في معرفته الكممثر فتتممبين اللحمممة و‬
‫تتميز عن النسب فتضعف العصبية بالنسبة إلى الوليممة الممتي‬
‫كانت قبل الدولة و اعتبر ذلك في الممدول و الرئاسممات تجممده‬
‫فكممل مممن كممان اصممطناعه قبممل حصممول الرئاسممة و الملممك‬
‫ة إليممه و يتنممزل‬‫لمصطنعه تجده أشد التحاما ً به و أقرب قراب م ً‬
‫منه منزلة أبنائه و إخوانه و ذوي رحمه و من كممان اصممطناعه‬
‫بعممد حصممول الملممك و الرئاسممة لمصممطنعه ل يكممون لممه مممن‬
‫القرابة و اللحمة ما للولين و هممذا مشمماهد بالعيممان حممتى أن‬
‫الدولممة فممي آخممر عمرهمما ترجممع إلممى الشمممال الجممانب و‬
‫اصطناعهم و ل يبنى لهممم مجممد كممما بنمماه المصممطنعون قبممل‬
‫الدولة لقرب العهممد حينئذ بممأوليتهم و مشممارفة الدولممة علممى‬
‫النقراض فيكونون منحطين في مهاوي الضعة‪.‬‬
‫و إنما يحمل صاحب الدولة على اصطناعهم و العدول إليهممم‬
‫عممن أوليائهمما القممدمين و صممنائعها الوليممن ممما يعممتريهم فممي‬
‫أنفسهم من العزة على صاحب الدولة و قلممة الخضمموع لممه و‬
‫نظره بما ينظره بممه قممبيله و أهممل نسممبه لتأكممد اللحمممة منممذ‬
‫العصور المتطاولة بالمربى و التصال بآبائه و سلف قممومه و‬
‫النتظام مع كبراء أهل بيته فيحصل لهممم بممذلك دالممة عليممه و‬
‫اعتزاز فينافرهم بسمببها صماحب الدولمة و يعممدل عنهمم إلمى‬
‫اسممتعمال سممواهم و يكممون عهممد استخلصممهم و اصممطناعهم‬
‫قريبمما ً فل يبلغممون رتممب المجممد و يبقممون علممى حممالهم مممن‬
‫الخارجية و هكذا شأن الدول في أواخرهمما و أكممثر ممما يطلممق‬
‫اسم الصنائع و الولياء على الوليممن و أممما هممؤلء المحممدثون‬
‫فخدم و أعوان والله ولممي المممؤمنين و هممو علممى كممل شمميء‬
‫وكيل‪.‬‬
‫الفصل الحادي و العشرون فيما يعرض في الممدول‬
‫من حجر السلطان و الستبداد عليه‬
‫إذا استقر الملك في نصاب معين و منبت واحممد مممن القبيممل‬
‫القائمين بالدولة و انفردوا بممه و دفعمموا سممائر القبيممل عنممه و‬
‫تداوله بنمو واحممدا ً بعمد واحمد بحسمب الترشمميح فربممما حمدث‬
‫التغلب على المنصب من وزرائهممم و حاشمميتهم و سممببه فممي‬
‫الكثر ولية صبي صغير أو مضعف من أهممل المنبممت يترشممح‬
‫للولية بعهد أبيه أو بترشيح ذويه و خوله و يؤنس منه العجممز‬
‫عن القيام بالملك فيقوم به كافله من وزراء أبيه و حاشيته و‬
‫مواليه أو قبيله و يوري بحفظ أمممره عليممه حممتى يممؤنس منممه‬
‫الستبداد و يجعممل ذلممك ذريعممة للملممك فيححممب الصممبي عممن‬
‫الناس و يعوده إليها ترف أحواله و يسيمه في مراعيهمما مممتى‬
‫أمكنه و ينسيه النظر في المور السلطانية حتى يستبد عليممه‬
‫و هو بما عوده يعتقد أن حظ السلطان مممن الملممك إنممما هممو‬
‫جلوس السرير إعطاء الصفقة و خطاب التهويل و القعود مع‬
‫النساء خلف الحجاب و أن الحل و الربط و المممر و النهممي و‬
‫مباشرة الحوال الملوكية و تفقدها من النظر في الجيممش و‬
‫المال و الثغور أنما هو للوزير و يسلم لممه فممي ذلممك إلممى أن‬
‫تستحكم له صبغة الرئاسة و الستبداد و يتحول الملك إليه و‬
‫يؤثر به عشمميرته و أبنمماءه مممن بعممده كممما وقممع لبنممي بممويه و‬
‫الترك و كافور الخشيدي و غيرهم بالمشرق و للمنصممور بممن‬
‫أبي عامر بالندلس‪.‬‬
‫و قممد يتفطممن ذلمك المحجمور المغلمب لشممأنه فيحمماول علممى‬
‫الخممروج مممن ربقممة الحجممر و السممتبداد و يرجممع الملممك إلممى‬
‫نصابه و يصرب على أيدي المتغلبين عليه إممما بقتممل أو برفممع‬
‫عن الرتبة فقط إل أن ذلك فممي النممادر القممل لن الدولممة إذا‬
‫أخذت في تغلب الوزراء و الولياء استمر لهمما ذلمك و قممل أن‬
‫تخرج عنه لن ذلك إنما يوجد في الكثر عن أحوال الممترف و‬
‫نشأة أبناء الملك منغمسين في نعيمة قد نسوا عهد الرجولة‬
‫و ألفوا أخلق الدايات و الظار و ربوا عليها فل ينزعممون إلممى‬
‫رئاسة و ل يعرفون استبدادا ً من تغلب إنما همهم في القنوع‬
‫بالبهة و التنفس في اللممذات و أنممواع الممترف و هممذا التغلممب‬
‫يكون للموالي و المصطنعين عند استبداد عشير الملك علممى‬
‫قومهم و انفرادهم به دونهممم و هممو عممارض للدولممة ضممروري‬
‫كما قدمناه و هذان مرضان لبرء للدولة منهما إل في القممل‬
‫النادر و الله يؤتي ملكه من يشاء و هو على كل شيء قدير‪.‬‬

‫الفصل الثاني و العشرون في أن المتغلممبين علممى‬


‫السمملطان ل يشمماركونه فممي اللقممب الخمماص‬
‫بالملك‬
‫و ذلك أن الملك و السمملطان حصممل لوليممه منممذ أول الدولممة‬
‫بعصبية قومه و عصبيته التي استتبعتهم حتى استحكمت له و‬
‫لقومه صبغة الملك و الغلب و هي لم تزل باقية و بها انحفظ‬
‫رسممم الدولممة و بقاؤهمما و هممذا المتغلممب و إن كممان صمماحب‬
‫عصممبية مممن قبيممل الملممك أو الممموالي و الصممنائع فعصممبيته‬
‫مندرجة في عصبية أهل الملك وتابعة لهمما و ليممس لممه صممبغة‬
‫في الملك و هو ل يحمماول فممي اسممتبداده انممتزاع ثمراتممه مممن‬
‫المر والنهي و الحل و العقد و البممرام و النقممض يمموهم فيهمما‬
‫أهل الدولة أنه متصرف عن سلطانه منفذ في ذلك من وراء‬
‫الحجاب لحكامه‪ .‬فهو يتجافى عن سمات الملك و شمماراته و‬
‫ألقى به جهده و يبعد نفسه عن التهمة بذلك‪.‬‬
‫و إن حصممل لممه السممتبداد لنممه مسممتتر فممي اسممتبداده ذلممك‬
‫بالحجاب الذي ضربه السمملطان و أولمموه علممى أنفسممهم عممن‬
‫القبيل منممذ أول الدولممة و مغممالط عنممه بالنيابممة و لممو تعممرض‬
‫لشيىء من ذلك لنفسه عليه أهل العصممبية و قبيممل الملممك و‬
‫حاولوا الستئثار به دونه لنه لم يستحكم له في ذلممك صممبغة‬
‫تحملهم على التسليم لممه و النقيمماد فيهلممك لول وهلممة و قممد‬
‫وقع مثل هذا لعبد الرحمن بممن الناصممر بممن منصممور بممن أبممي‬
‫عامر حين سمى إلى مشاركة هشام و أهممل بيتممه فممي لقممب‬
‫الخلفة و لم يقنممع بممما قنممع بممه أبمموه و أخمموه مممن السممتبداد‬
‫بالحل و العقد و المراسم المتابعة فطلب من هشام خليفتممه‬
‫أن يعهد له بالخلفممة فنفممس ذلممك عليممه بنممو مممروان و سممائر‬
‫قريش و بايعوا لبن عم الخليفة هشام محمد بن عبد الجبممار‬
‫بممن الناصممر و خرجمموا عليهممم و كممان فممي ذلممك خممراب دولممة‬
‫العامريين و هلك المؤيد خليفتهم و استبدل منممه سممواه مممن‬
‫أعياص الدولة إلى آخرها و اختلت مراسم ملكهم و الله خير‬
‫الوارثين‪.‬‬

‫الفصممل الثممالث و العشممرون فممي حقيقممة الملممك و‬


‫أصنافه‬
‫الملك منصب طبيعي للنسان لننا قد بنا أن البشممر ل يمكممن‬
‫حيمماتهم و وجممودهم إل باجتممماعهم و تعمماونهم علممى تحصمميل‬
‫قمموتهم و ضممرورياتهم و إذا اجتمعمموا دعممت الضممرورة إلممى‬
‫المعاملة و اقتضاء الحاجات و مد كممل واحممد منهممم يممده إلممى‬
‫حاجته يأخممذها مممن صمماحبه لممما فممي الطبيعممة الحيوانيممة مممن‬
‫الظلم و العممدوان بعضممهم علممى بعممض و يمممانعه الخممر عنهمما‬
‫بمقتضى الغضب و اللفة و مقتضى القوة البشرية في ذلممك‬
‫فيقع التنازع المفضي إلى المقاتلة و هي تؤدي إلممى الهممرج و‬
‫سفك الدماء و إذهاب النفمموس المفضممي ذلممك إلممى انقطمماع‬
‫النوع و هو مما خصه البمماري سممبحانه بالمحافظممة فاسممتحال‬
‫بقاؤهم فوضى دون حالم يزغ بعضممهم عممن بعممض و احتمماجوا‬
‫من أجل ذلك إلى الوازع و هو الحاكم عليهم و هممو بمقتضممى‬
‫الطبيعة البشرية الملك القاهر المتحكم و ل بد في ذلك مممن‬
‫العصبية لما قدمناه من أن المطالبممات كلهمما و المممدافعات ل‬
‫تتم إل بالعصبية و هذا الملك كما تراه منصب شممريف تتمموجه‬
‫نحوه المطالبات و يحتاج إلى المدافعات‪ .‬و ل يتم شيء مممن‬
‫ذلك إل بالعصبيات كما مر و العصبيات متفاوتة و كل عصممبية‬
‫فلها تحكم و تغلب علممى مممن يليهمما مممن قومهمما و عشمميرها و‬
‫ليس الملك لكل عصممبية و إنممما الملممك علممى الحقيقممة لمممن‬
‫يسممتعبد الرعيممة و يجممبي الممموال و يبعممث البعمموث و يحمممي‬
‫الثغور و ل تكون فوق يده يممد قمماهرة و هممذا معنممى الملممك و‬
‫حقيقته في المشهور فمممن قصممرت بممه عصممبيته عممن بعضممها‬
‫مثل حماية الثغور أو جباية الموال أو بعث البعوث فهو ملممك‬
‫ناقص لم تتم حقيقته كما وقع لكممثير مممن ملمموك الممبربر فممي‬
‫دولممة الغالبممة بممالقيروان و لملمموك العجممم صممدر الدولممة‬
‫العباسية‪ .‬و من قصرت به عصبيته أيضا ً عن السممتعلء علممى‬
‫جميع العصبيات‪ ،‬و الضرب علمى سمائر اليمدي و كمان فموقه‬
‫حكم غيره فهو أيضا ً ملك ناقص لم تتم حقيقته و هؤلء مثممل‬
‫أمراء النواحي و رؤساء الجهات الذين تجمعهم دولة واحدة و‬
‫كثيرا ً ما يوجد هذا في الدولة المتسممعة النطمماق أعنممي توجممد‬
‫ملمموك علممى قممومهم فممي النممواحي القاصممية يممدينون بطاعممة‬
‫الدولة التي جمعتهم مثل صنهاجة مممع العبيممديين و زناتممة مممع‬
‫المويين تارة و العبيديين تارة ً أخرى و مثل ملوك العجم في‬
‫دولة بني العبمماس و مثممل ملمموك الطمموائف مممن الفممرس مممع‬
‫السكندر و قومه اليونانيين و كثير من هؤلء فاعتبره تجده و‬
‫الله القاهر فوق عباده‪.‬‬

‫الفصممل الرابممع و العشممرون فممي أن إرهمماف الحممد‬


‫مضر بالملك و مفسد له في الكثر‬
‫إعلم أن مصملحة الرعيمة فمي السملطان ليسمت فمي ذاتمه و‬
‫جسمه من حسن شكله أو ملحة وجهممه أو عظممم جثمممانه أو‬
‫أتساع علمه أو جودة خطه أو ثقوب ذهنممه و إنممما مصمملحتهم‬
‫فيمه ممن حيمث إضمافته إليهمم فمإن الملمك و السملطان ممن‬
‫المور الضافية و هي نسبة بين منتسبين فحقيقممة السمملطان‬
‫أنه المالك للرعية القائم في أمورهم عليهم فالسمملطان مممن‬
‫له رعية و الرعية من لها سلطان و الصفة التي له من حيممث‬
‫إضافته إليهم هي التي تسمممى الملكممة و هممي كممونه يملكهممم‬
‫فإذا كانت هذه الملكة و توابعهمما مممن الجممودة بمكممان حصممل‬
‫المقصممود مممن السمملطان علممى أتممم الوجمموه فإنهمما إن كممانت‬
‫جميلممة صممالحة كممان ذلممك مصمملحة لهممم و إن كممانت سمميئة‬
‫متعسفة كان ذلك ضررا ً عليهم و إهلكا ً لهم‪.‬‬
‫و يعود حسن الملكة إلى الرفق فممإن الملممك إذا كممان قمماهرا ً‬
‫باطشا ً بالعقوبات منقبا ً عن عممورات النمماس و تعديممد ذنمموبهم‬
‫شممملهم الخمموف و الممذل و لذوا منممه بالكممذب و المكممر و‬
‫الخديعة فتخلقوا بهمما و فسممدت بصممائرهم و أخلقهممم و ربممما‬
‫خذلوه في مواطن الحروب و المممدافعات ففسممدت الحمايممة‬
‫بفساد النيات و ربما أجمعوا على قتله لذلك فتفسد الدولة و‬
‫يخرب السياج و إن دام أمره عليهم و قهره فسدت العصبية‬
‫لما قلناه أول ً و فسد السياج من أصله بالعجز عن الحمايممة و‬
‫إذا كان رفيقا ً بهم متجاوزا ً عن سيئاتهم استناموا إليممه و لذوا‬
‫بممه و أشممربوا محبتممه و اسممتماتوا دونممه فممي محاربممة أعممدائه‬
‫فاستقام المر من كل جانب و أما توابع حسن الملكممة فهممي‬
‫النعمة عليهم و المدافعممة عنهممم فالمدافعممة بهمما تتممم حقيقممة‬
‫الملك و أما النعمة عليهم و الحسان لهم فمن حملة الرفممق‬
‫بهم و النظر لهم في معاشهم و هي أصل كممبير مممن التحبممب‬
‫إلى الرعية و أعلم أنه قلما تكون ملكة الرفق في من يكممون‬
‫يقظا ً شديد الذكاء مممن النمماس و أكممثر ممما يوجممد الرفممق فممي‬
‫الغفممل و المتغفممل و أقممل ممما يكممون فممي اليقممظ لنممه يكلممف‬
‫الرعيممة فمموق طمماقتهم لنفمموذ نظممره فيممما وراء مممداركهم و‬
‫إطلعه على عممواقب المممور فممي مبادئهمما بالمعيممة فيهلكممون‬
‫لذلك قال صلى الله عليه و سلم سيروا على سير أضممعفكم‪.‬‬
‫و من هذا الباب اشترط الشارع في الحاكم قلة الفراط في‬
‫الذكاء‪ ،‬و مأخذه من قصة زيمماد ابممن أبممي سممفيان لممما عزلممه‬
‫عمر عن العراق و قال له لم عزلتني يا أمير المؤمنين لعجممز‬
‫أم لخيانة فقال عمر لم أعزلك لواحدة منهما و لكني كرهممت‬
‫أن أحمل فضل عقلك عن الناس‪ ،‬فأخذ من هذا أن الحاكم ل‬
‫يكون مفرط الذكاء و الكيممس مثممل زيمماد بممن أبممي سممفيان و‬
‫عمرو بن العاص لما يتبع ذلك من التعسف و سمموء الملكممة و‬
‫حمل الوجود على ما ليس في طبعه كما يأتي فممي آخممر هممذا‬
‫الكتاب و الله خيممر المممالكين و تقممرر مممن هممذا أن الكيممس و‬
‫الذكاء عيب في صاحب السياسة لنه إفراط في الفكممر كممما‬
‫أن البلدة إفراط في الجمود و الطرفان مممذمومان مممن كممل‬
‫صفة إنسمانية و المحممود همو التوسمط كمما فمي الكمرم ممع‬
‫التبذير و البخل و كما في الشجاعة مع الهوج و الجبن و غيممر‬
‫ذلك من الصمفات النسمانية و لهمذا يوصمف الشمديد الكيمس‬
‫بصفات الشيطان فيقال شيطان و متشيطن و أمثال ذلممك و‬
‫الله يخلق ما يشاء و هو العليم القدير‪.‬‬

‫الفصل الخامس و العشرون فممي معنممى الخلفممة و‬


‫المامة‬
‫لممما كممانت حقيقممة الملممك أنممه الجتممماع الضممروري للبشممر و‬
‫مقتضمماه التغلممب و القهممر اللممذان هممما مممن آثممار الغضممب و‬
‫الحيوانية كانت أحكام صاحبه في الغممالب جممائزة عممن الحممق‬
‫مجحفة بمن تحت يده من الخلق في أحمموال دنيمماهم لحملممه‬
‫إياهم في الغالب على ما ليس فممي طمموقهم مممن أغراضممه و‬
‫شهواته و يختلف في ذلمك بماختلف المقاصممد ممن الخلمف و‬
‫السلف منهم متعسر طاعته لذلك و تجيء العصبية المفضممية‬
‫إلى الهرج و القتممل فمموجب أن يرجممع فممي ذلممك إلمى قمموانين‬
‫سياسية مفروضة يسلمها الكافة و ينقادون إلى أحكامها كممما‬
‫كان ذلك للفرس و غيرهم من المم و إذا خلممت الدولممة مممن‬
‫مثل هذه السياسة لم يستتب أمرها و لم يتم استيلؤها سممنة‬
‫اللممه فممي الممذين خلمموا مممن قبممل فممإذا كممانت هممذه القمموانين‬
‫مفروضة من العقلء و أكابر الدولة و بصرائها كممانت سياسممة‬
‫عقلية و إذا كانت مفروضة من الله بشارع يقررها و يشرعها‬
‫كانت سياسة دينية نافعة فممي الحيمماة الممدنيا و فممي الخممرة و‬
‫ذلك أن الخلق ليس المقصود بهممم دنيمماهم فقممط فإنهمما كلهمما‬
‫عبث و باطل إذ غايتها الموت و الفناء‪ ،‬و الله يقول أفحسبتم‬
‫أنما خلقناكم عبثا فالمقصود بهم إنما هو دينهم المفضي بهم‬
‫إلممى السممعادة فممي آخرتهممم صممراط اللممه الممذي لممه ممما فممي‬
‫السموات و ما في الرض فجاءت الشرائع بحملهم على ذلك‬
‫في جميع أحوالهم من عبادة و معاملة حتى في الملك الممذي‬
‫هممو طممبيعي للجتممماع النسمماني فممأجرته علممى منهمماج الممدين‬
‫ليكون الكل محوطا ً بنظر الشممارع‪ .‬فممما كممان منممه بمقتضممى‬
‫القهر و التغلب و إهمال القوة العصبية في مرعاهمما فجممور و‬
‫عدوان و مذموم عنده كما هو مقتضى الحكمممة السياسممية و‬
‫ما كان منه بمقتضى السياسة و أحكامها فمذموم أيض ما ً لنممه‬
‫نظر بغير نور الله و من لم يجعل الله له نورا ً فما له من نور‬
‫لن الشارع أعلم بمصالح الكافة فيما هممو مغيممب عنهممم مممن‬
‫أمور آخرتهم و أعمال البشر كلها عائدة عليهم فممي معممادهم‬
‫من ملممك أو غيممره قممال صمملى اللممه عليممه و سمملم‪ :‬إنممما هممي‬
‫أعمممالكم تممرد عليكممم‪ .‬و أحكممام السياسممة إنممما تطلممع علممى‬
‫مصالح الدنيا فقط يعلمون ظاهرا ً من حياة الممدنيا و مقصممود‬
‫الشارع بالناس صلح آخرتهم فوجب بمقتضى الشرائع حمممل‬
‫الكافة على الحكام الشرعية في أحوال دنياهم و آخرتهممم و‬
‫كان هذا الحكم لهل الشريعة و هم النبيمماء و مممن قممام فيممه‬
‫مقامهم و هم الخلفاء فقد تبين لك من ذلك معنى الخلفممة و‬
‫أن الملمك الطمبيعي همو حممل الكافمة علمى مقتضمى النظمر‬
‫العقلي في جلب المصالح الدنيوية و دفع المضممار و الخلفممة‬
‫هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم‬
‫الخروية و الدنيوية الراجعة إليها إذ أحوال الممدنيا ترجممع كلهمما‬
‫عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الخرة فهممي فممي الحقيقممة‬
‫خلفة عن صاحب الشرع في حراسة الدين و سياسممة الممدنيا‬
‫به فأفهم ذلك و اعتممبره فيممما نممورده عليممك مممن بعممد و اللممه‬
‫الحكيم العليم‪.‬‬

‫الفصل السادس و العشرون فى اختلف المة في‬


‫حكم هذا المنصب و شروطه‬
‫و إذ قمد بينمما حقيقممة هممذا المنصممب و أنممه نيابممة عممن صمماحب‬
‫الشريعة في حفظ الدين و سياسة الدنيا به تسمممى خلفممة و‬
‫إمامة و القائم به خليفة و إماما ً فأما تسميته إمام ما ً فتشممبيها ً‬
‫بإمام الصلة في أتبمماعه و القتممداء بممه و لهممذا يقممال المامممة‬
‫الكبرى و أما تسميته خليفة فلكممونه يخلممف النممبي فممي أمتممه‬
‫فيقممال خليفممة بممإطلق و خليفممة رسممول اللممه و اختلممف فممي‬
‫تسميته خليفة الله فأجازه بعضهم اقتباسا ً من الخلفة العامة‬
‫التي للدمين في قوله تعالى إني جاعل فممي الرض خليفممة و‬
‫قوله جعلكم خلئف الرض‪.‬‬
‫و منع الجمهور منه لن معنى الية ليس عليه و قمد نهمى أبمو‬
‫بكر عنه لما دعي به و قال‪ :‬لست خليفة الله و لكني خليفممة‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ .‬و لن الستخلف إنما هو‬
‫في حق الغائب و أما الحاضر فل‪ .‬ثم إن نصب المام واجممب‬
‫قد عرف وجوبه في الشرع بإجممماع الصممحابة و التممابعين لن‬
‫أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم عند وفاته بممادروا‬
‫إلى بيعة أبي بكر رضي اللممه عنممه و تسممليم النظممر إليممه فممي‬
‫أمورهم و كذا في كل عصر من بعد ذلك و لممم تممترك النمماس‬
‫فوضى في عصر من العصار واستقر ذلك إجماعا ً دال ً علممى‬
‫وجوب نصب المام‪ .‬و قد ذهب بعض النمماس إلممى أن مممدرك‬
‫وجوبه العقل‪ ،‬و أن الجماع الذي وقع إنممما هممو قضمماء بحكممم‬
‫العقل فيه‪.‬‬
‫قالوا و إنما وجب بالعقل لضرورة الجتماع للبشر و استحالة‬
‫حياتهم و وجودهم منفردين و مممن ضممرورة الجتممماع التنممازع‬
‫لزدحام الغراض‪ .‬فما لم يكممن الحمماكم المموازع أفضممى ذلممك‬
‫إلى الهرج المممؤذن بهلك البشممر و انقطمماعهم مممع أن حفممظ‬
‫النوع من مقاصد الشرع الضرورية و هممذا المعنممى بعينممه هممو‬
‫الذي لحظه الحكماء في وجوب النبؤات في البشر و قد نبهنا‬
‫على فساده و أن إحدى مقدماته أن الوازع إنما يكون بشرع‬
‫من الله تسلم له الكافة تسليم إيمان ما و اعتقاد و هممو غيممر‬
‫مسمملم لن المموازع قممد يكممون بسممطوة الملممك و قهممر أهممل‬
‫الشوكة و لو لم يكن شرع كما في أمممم المجمموس و غيرهممم‬
‫ممن ليس له كتاب أو لم تبلغه الممدعوة أو نقممول يكفممي فممي‬
‫رفع التنازع معرفة كل واحد بتحريم الظلم عليه بحكم العقل‬
‫فادعاؤهم أن ارتفاع التنازع إنما يكون بوجود الشرع هنمماك و‬
‫نصب المام هنا غير صحيح بل كما يكون بنصب المام يكون‬
‫بوجود الرؤساء أهل الشوكة أو بامتناع الناس عممن التنممازع و‬
‫التظالم فل ينهض دليلهم العقلي المبني على هممذه المقدمممة‬
‫فدل على أن مدرك وجوبه أنممما هممو بالشممرع و هممو الجممماع‬
‫الذي قدمناه‪.‬‬
‫و قد شذ بعض الناس فقال بعدم وجوب هذا النصب رأس ما ً ل‬
‫بالعقممل و ل بالشممرع منهممم الصممم مممن المعتزلممة و بعممض‬
‫الخوارج و غيرهم‪ ،‬و الواجب عند هؤلء إنما هو إمضاء الحكم‬
‫الشرع فإذا تواطأت الممة علمى العمدل و تنفيمذ أحكمام اللمه‬
‫تعالى لم يحتج إلى إمام و ل يجب نصبه و هممؤلء محجوجممون‬
‫بإلجماع‪ .‬و الذي حملهم على هذا المممذهب إنممما هممو الفممرار‬
‫عن الملك و مممذاهبه مممن السممتطالة و التغلممب و السممتمتاع‬
‫بالدنيا لما رأوا الشريعة ممتلئة بذم ذلك و النعي على أهله و‬
‫مرغبة في رفضه‪ .‬و أعلم أن الشرع لم يذم الملك لذاته و ل‬
‫حظر القيام به لم إنما ذم المفاسد الناشئة عنه من القهممر و‬
‫الظلممم و التمتممع باللممذات و ل شممك أن فممي هممذه مفاسممد‬
‫محظورة و هي من توابعه كما أثنى على العممدل و النصممفة و‬
‫إقامة مراسم الدين و الذب عنممه و أوجممب بإزائهمما الثممواب و‬
‫هي كلها من توابع الملك‪.‬‬
‫فإذا ً إنما وقع الذم للملك على صفة و حال دون حممال أخممرى‬
‫و لم يذمه لذاته و ل طلب تركممه كممما ذم الشممهوة و الغضممب‬
‫من المكلفين و ليس مراده تركهما بالكلية لدعايممة الضممرورة‬
‫إليه و أما المراد تصريفهما علممى مقتضممى الحممق و قممد كممان‬
‫لداود و سليمان صلوات الله و سلمه عليهما الملك الذي لم‬
‫يكن لغيرهما و هما من أنبياء الله تعالى و أكرم الخلق عنممده‬
‫ثم نقول لهم أن هذا الفممرار عممن الملممك بعممدم و جمموب هممذا‬
‫النصب ل يغنيكم شمميئا ً لنكممم موافقممون علممى وجمموب إقامممة‬
‫أحكممام الشممريعة و ذلممك ل يحصممل إل بالعصممبية و الشمموكة و‬
‫العصبية مقتضية بطبعها للمك فيحصل الملك و إن لم ينصب‬
‫إمام و هو عين ممما قررتممم عنممه‪ .‬و إذا تقممرر أن هممذا النصممب‬
‫واجب بإجماع فهو مممن فممروض الكفايممة و راجممع إلممى اختيممار‬
‫أهل العقد و الحل فيتعين عليهم نصممبه و يجممب علممى الخلممق‬
‫جميعا ً طاعته لقوله تعالى أطيعوا اللممه و أطيعمموا الرسممول و‬
‫أولي المر منكم‪.‬‬
‫و أما شروط هممذا المنصممب فهممي أربعممة‪ :‬العلممم و العدالممة و‬
‫الكفاية و سلمة الحواس و العضاء مممما يممؤثر فممي الممرأي و‬
‫العمل و اختلف فممي شممرط خممامس و هممو النسممب القرشممي‬
‫فأما اشتراط العلم فطاهر لنه إنما يكون منفذا ً لحكام اللممه‬
‫تعالى إذا كان عالما ً بها و ما لم يعلنها ل يصح تقديمه لما و ل‬
‫يكفممي مممن العلممم إل أن يكممون مجتهممدا ً لن التقليممد نقممص و‬
‫المامممة تسممتدعي الكمممال فممي الوصمماف و الحمموال و أممما‬
‫العدالة فلنه منصب ديني ينظر في سائر المناصب التي هي‬
‫شرط فيها فكان أولى باشتراطها فيه‪.‬‬
‫و لخلف في انتقاء العدالة فيه بفسق الجوارح مممن ارتكمماب‬
‫المحظورات و أمثالها و في انتفائها بالبدع العتقادية خلف‪.‬‬
‫و أممما الكفايممة فهممو أن يكممون جزئي ما ً علممى إقامممة الحممدود و‬
‫اقتحام الحروب بصيرا ً بهمما كفيل ً يحمممل النمماس عليهمما عارفما ً‬
‫بالعصبية و أحوال الدهاء قويا ً على معاناة السياسة ليصح لممه‬
‫بذلك ما جعل إليه من حمايممة الممدين و جهمماد العممدو و إقامممة‬
‫الحكام و تدبير المصالح‪.‬‬
‫و أممما سمملمة الحممواس و العضمماء مممن النقممص و العطلممة‬
‫كالجنون و العمى و الصمم و الخرس و ممما يممؤثر فقممده مممن‬
‫العضمماء فممي العمممل كفقممد اليممدين و الرجليممن و النممثيين‬
‫فتشترط السلمة منهمما كلهمما لتممأثير ذلممك فممي تمممام عملممه و‬
‫قيامه بما جعل إليه و إن كان إنما يشممين فممي المنظممر فقممط‬
‫كفقد إحدى هذه العضاء فشرط السلمة منه شرط كمال و‬
‫يلحق بفقدان العضاء المنع من التصرف و هو ضربان ضرب‬
‫يلحق بهذه في اشممتراط السمملمة منممه شممرط وجمموب و هممو‬
‫القهر و العجز عن التصرف جملة بالسر و شبهه و ضممرب ل‬
‫يلحق بهذه و هو الحجر باستيلء بعض أعوانه عليممه مممن غيممر‬
‫عصيان و ل مشاقة فينتقل النظر فممي حممال هممذا المسممتولى‬
‫فإن جرى على حكم الممدين و العممدل و حميممد السياسممة جمماز‬
‫قراره و إل استنصر المسلمون بمن يقبممض يممده عممن ذلممك و‬
‫يدفع علته حتى ينفذ فعل الخليفة‪.‬‬
‫و أما النسب القرشي فلجماع الصحابة يمموم السممقيفة علممى‬
‫ذلك و احتجت قريش علممى النصممار لممما هممموا يممومئذ ببيعممة‬
‫سعد بن عبادة و قالوا‪ :‬منا أمير و منكممم أميممر‪ .‬بقمموله صمملى‬
‫الله عليه و سلم‪ :‬الئمة من قريش‪ .‬و بأن النممبي صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم أوصانا بأن نحسن إلى محسممنكم و نتجمماوز عممن‬
‫مسيئكم و لو كانت المارة فيكم لم تكن الوصية بكم فحجوا‬
‫النصار و رجعوا عن قولهم منا أميممر و منكممم أميممر و عممدلوا‬
‫عما كانوا هموا بممه مممن بيعممة سممعد لممذلك‪ .‬و ثبممت أيضما ً فممي‬
‫الصحيح ل يزال هذا المر في هذا الحي من قريممش و أمثممال‬
‫هذه الدلممة كممثيرة إل أنممه لممما ضممعف أمممر قريممش و تلشممت‬
‫عصبيتهم بما نالهم من الترف و النعيم و بما أنفقتهم الدولممة‬
‫في سائر أقطممار الرض عجممزوا بممذلك عممن حمممل الخلفممة و‬
‫تغلبت عليهم العاجم و صار الحل و العقد لهم فاشممتبه ذلممك‬
‫على كثير من المحققين حتى ذهبوا إلممى نفممي طممه اشممتراط‬
‫القرشية و عولوا على ظواهر في ذلك مثل قوله صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم‪ :‬اسمعوا و أطيعوا و إن ولي عليكم عبد حبشممي‬
‫ذو زبيبة‪ .‬و هذا ل تقوم به حجة ذلك فإنه خرج مخرج التمثيل‬
‫و الغرض للمبالغة في إيجاب السمع و الطاعممة و مثممل قممول‬
‫عمر لو كان سالم مولى حذيفة حيا ً لوليته أو لما دخلتني فيه‬
‫الظنة و هو أيضا ً ل يفيد ذلك لما علمت أن مذهب الصممحابي‬
‫ليممس بحجممة و أيض ما ً فمممولى القمموم منهممم و عصممبية الممولء‬
‫حاصلة لسالم في قريش و هي الفائدة في اشتراط النسممب‬
‫و لممما اسممتعظم عمممر أمممر الخلفممة و رأى شممروطها كأنهمما‬
‫مفقودة في ظنه عدل إلى سالم لتوفر شروط الخلفة عنده‬
‫فيه حتى من النسب المفيد للعصبية كما نممذكر و لممم يبممق إل‬
‫صراحة النسب فرآه غير محتاج إليه إذ الفممائدة فممي النسممب‬
‫إنما هي العصبية و هي حاصلة من الولء فكممان ذلممك حرص ما ً‬
‫من عمممر رضممي اللممه عنممه علممى النظممر للمسمملمين و تقليممد‬
‫أمرهم لمن ل تلحقه فيه لئمة و ل عليه فيه عهدة‪.‬‬
‫و مممن القممائلين بنفممي اشممتراط القرشممية القاضممي أبممو بكممر‬
‫البمماقلني لممما أدرك عليممه عصممبية قريممش مممن التلشممي و‬
‫الضمممحلل و اسممتبداد ملمموك العجممم مممن الخلفمماء فأسممقط‬
‫شرط القرشية و إن كان موافقا ً لرأي الخوارج لما رأى عليه‬
‫حال الخلفاء لعهده و بقي الجمهور على القول باشممتراطها و‬
‫صحة المامة للقرشممي و لممو كممان عمماجزا ً عممن القيممام بممأمور‬
‫المسلمين و رد عليهم سقوط شرط الكفاية التي يقمموى بهمما‬
‫على أمره لنه إذا ذهبت الشوكة بذهاب العصبية فقد ذهبممت‬
‫الكفاية و إذا وقع الخلل بشرط الكفايممة تطممرق ذلممك أيض ما ً‬
‫إلى العلم والدين و سقط اعتبار شروط هذا المنصممب و هممو‬
‫خلف الجتماع‪.‬‬
‫و لنتكلم الن في حكمة اشتراط النسب ليتحقق به الصواب‬
‫في هذه المذاهب فنقول‪ :‬أن الحكام الشرعية كلها ل بد لها‬
‫من مقاصد و حكم تشتمل عليهمما و تشممرع لجلهمما و نحممن إذا‬
‫بحثنا عن الحكمممة فممي اشممتراط النسممب القرشممي و مقصممد‬
‫الشارع منه لم يقتصر فيه على التممبرك بوصمملة النممبي صمملى‬
‫اللممه عليممه و سمملم كممما هممو فممي المشممهور و إن كممانت تلممك‬
‫الوصلة موجودة و التبرك بها حاصل ً لكممن التممبرك ليممس مممن‬
‫المقاصد الشرعية كما علمت فل بد إذن مممن المصمملحة فممي‬
‫اشممتراط النسممب و هممي المقصممودة مممن مشممروعيتها و إذا‬
‫سبرنا و قسمنا لم نجدها إل اعتبار العصممبية الممتي تكممون بهمما‬
‫الحمايممة و المطالبممة و يرتفممع الخلف و الفرقممة بوجودهمما‬
‫لصاحب المنصب فتسكن إليممه الملممة و أهلهما و ينتظممم حبممل‬
‫اللفة فيها و ذلك أن قريشما ً كممانوا عصممبة مضممر و أصمملهم و‬
‫أهل الغلب منهم و كان لهم على سائر مضر العزة بالكثرة و‬
‫العصبية و الشرف فكان سمائر العممرب يعممترف لهممم بمذلك و‬
‫يستكينون لغلبهم فلو جعل المر في سممواهم لتوقممع افممتراق‬
‫الكلمممة بمخممالفتهم و عممدم انقيممادهم و ل يقممدر غيرهممم مممن‬
‫قبائل مضر أن يردهم عن الخلف و ل يحملهممم علممى الكممرة‬
‫فتتفرق الجماعة و تختلف الكلمة‪.‬‬
‫و الشارع محذر من ذلك حريص على أتفاقهم و رفع التنممازع‬
‫و الشتات بينهم لتحصل اللحمة و العصبية و تحسممن الحمايممة‬
‫بخلف ما إذا كان المر في قريش لنهم قادرون على سمموق‬
‫الناس بعصا الغلب إلى ما يراد منهم فل يخشى من أحد مممن‬
‫خلف عليهممم و ل فرقممة لنهممم كفيلممون حينئذ بممدفعها و منممع‬
‫الناس منها فاشترط نسبهم القرشي في هذا المنصب و هم‬
‫أهل العصبية القوية ليكمون أبلمغ فمي انتظمام الملمة و أتفماق‬
‫الكلمة و إذا انتظمت كلمتهم انتظمت بانتظامها كلمممة مضممر‬
‫أجمع فأذعن لهم سائر العرب و انقادت المممم سممواهم إلممى‬
‫أحكام الملة و وطئت جنودهم قاصية البلد كما وقع في أيممام‬
‫الفتوحات و استمر بعدها في الدولتين إلى أن أضمممحل أمممر‬
‫الخلفة و تلشت عصبية العرب و يعلم ما كممان لقريممش مممن‬
‫الكثرة و التغلب على بطون مضر من مارس أخبار العممرب و‬
‫سيرهم و تفطن لذلك في أحوالهم‪.‬‬
‫و قد ذكر ذلك ابن إسحاق في كتاب السير و غيره فإذا ثبممت‬
‫أن اشتراط القرشية أنما هو لدفع التنازع بما كممان لهممم مممن‬
‫العصبية و الغلب و علمنا أن الشارع ل يخص الحكام بجيل و‬
‫ل عصر و ل أمة علمنا أن ذلك إنما هو مممن الكفايممة فرددنمماه‬
‫إليها و طردنا الملة المشتملة على المقصود من القرشممية و‬
‫هي وجود العصبية فاشترطنا في القائم بأمور المسمملمين أن‬
‫يكممون مممن قمموم أولممي عصممبية قويممة غالبممة علممى مممن معهمما‬
‫لعصرها ليستتبعوا من سواهم و تجتمممع الكلمممة علممى حسممن‬
‫الحماية و ل يعلم ذلك فممي القطممار و الفمماق كممما كممان فممي‬
‫القرشية إذ الدعوة السلمية التي كانت لهممم كممانت عامممة و‬
‫عصبية العرب كانت وافية بها فغلبوا سائر المم و إنما يخص‬
‫لهذا العهد كل قطر بمن تكون له فيممه العصممبية الغالبممة و إذا‬
‫نظرت سر الله في الخلفة لممم تعممد هممذا لنممه سممبحانه إنممما‬
‫جعل الخليفة نائبا ً عنه في القيام بأمور عباده ليحملهممم علممى‬
‫مصالحهم و يردهم عممن مضممارهم و هممو مخمماطب بممذلك و ل‬
‫يخاطب بالمر إل من له قدرة عليه أل ترى ممما ذكممره المممام‬
‫ابن الخطيب في شأن النساء و أنهن في كممبير مممن الحكممام‬
‫الشممرعية جعلممن تبع ما ً للرجممال و لممم يممدخلن فممي الخطمماب‬
‫بالوضع‪ .‬و إنما دخلن عنده بالقياس و ذلك لما لممم يكممن لهمن‬
‫من المر شيء و كان الرجال قمموامين عليهممن اللهممم إل فممي‬
‫العبادات التي كل أحد فيها قائم على نفسممه فخطممابهن فيهمما‬
‫بالوضع ل بالقياس ثم أن الوجود شمماهد بممذلك فممإنه ل يقمموم‬
‫بأمر أمة أو جيل إل من غلممب عليهممم و قممل أن يكممون المممر‬
‫الشرعي مخالفا ً للمر الوجودي و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل السابع و العشرون في مذاهب الشيعة في‬


‫حكم المامة‬
‫إعلم أن الشيعة لغة هم الصحب و التباع و يطلق في عرف‬
‫الفقهاء و المتكلمين من الخلف و السلف على اتبمماع علممي و‬
‫بنيممه رضممي اللممه عنهممم و مممذهبهم جميع ما ً متفقيممن عليممه أن‬
‫القامة ليست من المصممالح العامممة الممتي تفمموض إلممى نظممر‬
‫المة و يتعين القائم بها بتعيينهم بل هي ركن الدين و قاعممدة‬
‫السلم و ل يجمموز لنممبي إغفمماله و ل تفويضممه إلممى المممة بممل‬
‫يجب عليه تعيين المام لهم و يكممون معصمموما ً مممن الكبممائر و‬
‫الصغائر و أن عليا ً رضي الله عنه هو الذي عينه صلوات اللممه‬
‫و سمملمه عليممه بنصمموص ينقلونهمما و يؤولونهمما علممى مقتضممى‬
‫مذهبهم ل يعرفها جهابذة السنة و ل نقله الشريعة بل أكثرها‬
‫موضمموع أو مطعممون فممي طريقممه أو بعيممد عممن تممأويلتهم‬
‫الفاسدة‪.‬‬
‫و تنقسم هذه النصمموص عنممدهم إلممى جلممي و خفممي فممالجلي‬
‫مثل قوله‪ :‬من كنت موله فعلي موله‪ .‬قالوا و لم تطرد هذه‬
‫الولية إل في علي و لهذا قال لممه عمممر أصممبحت مممولى كممل‬
‫مؤمن و مؤمنة و منها قوله‪ :‬أقضاكم علي و ل معنى للمامة‬
‫إل القضمماء بأحكممام اللممه و هممو المممراد بممأولي المممر الواجبممة‬
‫طاعتهم بقوله‪ :‬أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و أولممي المممر‬
‫منكم‪ .‬و المراد الحكم و القضاء و لهذا كان حكما ً في قضممية‬
‫المامة يوم السقيفة دون غيره و منها قوله من يبايعني على‬
‫روحه و هو وصي و ولي هذا المر مممن بعممدي فلممم يبممايعه إل‬
‫علي‪.‬‬
‫و من الخفي عندهم بعث النبي صلى الله عليه و سمملم علي ما ً‬
‫لقراءة سورة براءة في الموسم حين أنزلمت فمإنه بعمث بهما‬
‫أول ً أبا بكر ثم أوحممي إليممه ليبلغممه رجممل منممك أو مممن قومممك‬
‫فبعث عليا ً ليكممون القممارىء المبلممغ قممالوا‪ :‬و هممذا يممدل علممى‬
‫تقديم علي‪ .‬و أيضا ً فلم يعرف أنه قدم أحدا ً على علي‪ .‬و أما‬
‫أبو بكر و عمر فقدم عليهما في غزاتين أسامة بن زيممد مممرة‬
‫و عمر بن العاص أخرى و هذه كلها أدلة شاهدة بتعيين علممي‬
‫للخلفة دون غيره فمنها ما هو غيممر معممروف و منهمما ممما هممو‬
‫بعيد عن تأويلهم ثم منهم مممن يممرى أن هممذه النصمموص تممدل‬
‫على تعيين علمي و تشخيصممه‪ .‬و كممذلك تنتقممل منممه إلمى مممن‬
‫بعده و هؤلء هم المامية و يتبرأون مممن الشمميخين حيممث لممم‬
‫يقدموا عليا ً و يبايعوه بمقتضى هذه النصوص و يغمصون في‬
‫إمامتهما و ل يلتفت إلى نقل القممدح فيهممما مممن غلتهممم فهممو‬
‫مردود عندنا و عندهم و منهم من يقول أن هممذه الدلممة إنممما‬
‫اقتضت تعيين علي بالوصف ل بالشخص و النمماس مقصممرون‬
‫حيث لممم يصممغوا الوصممف موضممعه و هممؤلء هممم الزيديممة و ل‬
‫يتبرأون من الشيخين و ل يغمصون في إمامتهممما مممع قممولهم‬
‫بأن عليا ً أفضل منهما لكنهممم يجمموزون إمامممة المفضممول مممع‬
‫وجود الفضل‪.‬‬
‫ثم اختلفت نقول هؤلء الشيعة في مساق الخلفة بعممد علممي‬
‫فمنهم من ساقها في ولد فاطمممة بممالنص عليهممم واحممدا ً بعممد‬
‫ة إلممى‬ ‫واحد على ما يذكر بعد و هؤلء يسمممون الماميممة نسممب ً‬
‫مقالتهم باشتراط معرفة المام و تعيينممه فممي اليمممان و هممي‬
‫أصل عندهم و منهم من ساقها في ولد فاطمة لكن بالختيار‬
‫من الشيوخ و يشممترط أن يكممون المممام منهممم عالمما ً زاهممدا ً‬
‫جوادا ً شجاعا ً و يخرج داعيا ً إلى إمامته و هممؤلء هممم الزيديممة‬
‫نسبة إلى صاحب المذهب و هو زيممد بممن علممي بممن الحسممين‬
‫السبط و قد كان ينمماظر أخمماه محمممدا ً البمماقر علممى اشممتراط‬
‫الخروج فمي المممام فيلزمممه البماقر أن ل يكمون أبوهمما زيمن‬
‫العابدين إماما ً لنه لم يخرج و ل تعممرض للخممروج و كممان مممع‬
‫ذلك ينعى عليه مذاهب المعتزلة و أخذه إياها عن واصمل بمن‬
‫عطاء و لما ناظر المامية زيممدا ً فممي إمامممة الشمميخين و رأوه‬
‫يقول بإمامتهما و ل يتممبرأ منهممما رفضمموه و لممم يجعلمموه مممن‬
‫الئمة و بذلك سموا رافضة و منهم مممن سمماقها بعممد علممي و‬
‫ابنيه السبطين على اختلفهم في ذلك إلى أخيهما محمد بممن‬
‫الحنفية ثم إلى ولده و هم الكيسانية نسبة إلى كيسان موله‬
‫و بين هذه الطوائف اختلفات كثيرة تركناها اختصارا ً و منهممم‬
‫طمموائف يسمممون الغلة تجمماوزوا حممد العقممل و اليمممان فممي‬
‫القممول بألوهيممة هممؤلء الئمممة‪ .‬إممما علممى أنهممم بشممر اتصممفوا‬
‫بصفات اللوهية أو أن الله حل في ذاته البشرية و هو قممول‬
‫بالحلول يوافق مذهب النصارى في عيسى صلوات الله عليه‬
‫و لقد حرق علي رضي الله عنه بالنار من ذهب فيه إلى ذلك‬
‫منهم و سخط محمد بن الحنفية المختممار بممن أبممي عبيممد لممما‬
‫بلغه مثل ذلك عنه فصرح بلعنته و البراءة منه و كممذلك فعممل‬
‫جعفر الصادق رضي الله تعالى عنه بمن بلغه مثل هذا عنه و‬
‫منهم من يقممول إن كمممال المممام ل يكممون لغيممره فممإذا مممات‬
‫انتقلت روحه إلى إمام آخممر ليكممون فيممه ذلممك الكمممال و هممو‬
‫قول بالتناسخ و مممن هممؤلء الغلة مممن يقممف عنممد واحممد مممن‬
‫الئمة ل يتجاوزه إلى غيره بحسب من يعين لممذلك عنممدهم و‬
‫هؤلء هم الواقفية فبعضهم يقممول هممو حممي لممم يمممت إل أنممه‬
‫غائب عن أعين الناس و يستشهدون لذلك بقصة الخضر قيل‬
‫مثل ذلك في علي رضمي اللمه عنمه لمم أنمه فمي السمحاب و‬
‫الرعد صوته و البرق في صوته و قالوا مثلممه فممي محمممد بممن‬
‫الحنيفة و إنه في جبل رضوى من أرض الحجاز‪.‬‬
‫و قال شاعرهم‪.‬‬
‫ولة الحق أربعة سواء‬ ‫أل أن الئمة من قريش‬
‫هم السباط ليس بهم خفاء‬ ‫علي و الثلثة من بنيه‬
‫و سبط غيبته كربلء‬ ‫فسبط سبط إيمان و بر‬
‫و سبط ل يذوق الموت حتى يقود الجيش يقدمه اللواء‬
‫تغيب ل يرى فيهم زمانا ً برضوى عنده عسل و ماء‬
‫و قممال مثلممه غلة الماميممة و خصوص ما ً الثنمما عشممرية منهممم‬
‫يزعمون أن الثاني عشر من أئمتهم و هو محمد بممن الحسممن‬
‫العسكري و يلقبونه المهدي دخل فممي سممرداب بممدارهم فممي‬
‫الحلة و تغيب حين اعتقل مع أمه و غاب هنالممك و هممو يخممرج‬
‫آخر الزمال فيمل الرض عممدل ً يشمميرون بممذلك إلممى الحممديث‬
‫الواقممع فممي كتمماب الترمممذي فممي المهممدي و هممم إلممى الن‬
‫ينتظرونه و يسمونه المنتظر لذلك‪ ،‬و يقفون في كل ليلة بعد‬
‫صمملة المغممرب ببمماب هممذا السممرداب و قممد قممدموا مركبمما ً‬
‫فيهتمون باسمه و يدعونه للخمروج حممتى تشمتبك النجموم ثمم‬
‫ينفضون و يرجئون المر إلمى الليلممة التيمة و همم علممى ذلمك‬
‫لهذا العهد و بعض هؤلء الواقفية يقول أن المام الذي مممات‬
‫يرجممع إلممى حيمماته الممدنيا و يستشممهدون لممذلك بممما وقممع فممي‬
‫القرآن الكريم من قصة أهل الكهف و الذي مر على قريممة و‬
‫قتيل بني إسممرائيل حيممن ضممرب بعظممام البقممرة الممتي أمممروا‬
‫بذبحها و مثل ذلممك مممن الخمموارق الممتي وقعممت علممى طريممق‬
‫المعجزة و ل يصح الستشهاد بها فممي غيممر مواضممعها و كممان‬
‫من هؤلء السيد الحميري و من شعره في ذلك‬
‫إذا ما المرء شاب له قذال وعلله المواشط بالخضاب‬
‫فقد ذهبت بشاشته و أودى فقم يا صاح نبك على الشباب‬
‫إلى يوم تتوب الناس فيه إلى دنياهم قبل الحساب‬
‫إلى أحد إلى يوم الياب‬ ‫فليس بعائد مافات منه‬
‫وما أنا في النشور بذي ارتياب‬ ‫أدين بأن ذلك دين حق‬
‫حيوا من بعد درس في التراب‬ ‫كذاك الله أخبر عن أناس‬
‫و قد كفانا مؤونة هؤلء الغلة أئمة الشيعة فممإنهم ل يقولممون‬
‫بهمما و يبطلممون احتجاجمماتهم عليهمما و أممما الكيسممانية فسمماقوا‬
‫المامة من بعد محمممد بممن الحنفيممة إلممى ابنممه أبممي هاشممم و‬
‫هؤلء هم الهاشمية ثم افترقوا فمنهم من سمماقها بعممده إلممى‬
‫أخيه علي ثم إلى ابنه الحسن بن علي و آخرون يزعمون أن‬
‫أبا هاشم لما مات بأرض السراة منصرفا ً من الشممام أوصممى‬
‫إلى محمد بن علي بن عبد اللممه بممن عبمماس و أوصممى محمممد‬
‫إلى ابنه ابراهيم المعروف بالمام و أوصى هو إلى أخيه عبممد‬
‫الله بن الحارثية الملقب بالسفاح و أوصى هو إلى أخيه عبممد‬
‫الله أبي جعفر الملقب بالمنصور و انتقلت في ولده بالنص و‬
‫العهد واحدا ً بعد واحد إلممى آخرهممم و هممذا مممذهب الهاشمممية‬
‫القائمين بدولة بني العباس و كان منهم أبو مسلم و سليمان‬
‫بن كثير و أبو سلمة الخلل و غيرهممم مممن شميعة العباسمية و‬
‫ربما يعضدون ذلك بأن حقهم في هممذا المممر يصممل إليممه مممن‬
‫العباس لنه كان حيا ً وقت الوفاة و هو أولى بالوراثة بعصممبية‬
‫العمومة و أما الزيدية فساقوا المامة علممى مممذهبهم فيهمما و‬
‫إنها باختيار أهل الحل و العقد ل بممالنص فقممالوا بإمامممة علممي‬
‫ثم ابنه الحسن ثم أخيه الحسين ثم ابنه زيممد بممن علممي و هممو‬
‫صاحب هذا المذهب و خرج بالكوفة داعيا ً إلى المامة فقتممل‬
‫و صلب بالكناسة و قال الزيدية بإمامة ابنه يحيممى مممن بعممده‬
‫فمضى إلى خراسان و قتل بالجوزجممان بعممد أن أوصممى إلممى‬
‫محمد بن عبد الله بن حسن بن الحسممن السممبط و يقممال لممه‬
‫النفممس الزكيممة‪ ،‬فخممرج بالحجمماز و تلقممب بالمهممدي و جمماءته‬
‫عسمماكر المنصممور فقتممل و عهممد إلممى أخيممه إبراهيممم فقممام‬
‫بالبصرة و معه عيسى بن زيد بن علي فوجه إليهم المنصممور‬
‫عساكره فهزم و قتل إبراهيم و عيسى و كان جعفر الصممادق‬
‫أخبرهم بذلك كله و هي معدودة في كراماته و ذهب آخممرون‬
‫منهم إلى أن المام بعد محمد ابن عبممد اللممه النفممس الزكيممة‬
‫هو محمد بن القاسم بن علي بن عمر‪ ،‬و عمر هممو أخممو زيممد‬
‫بن علي فخرج محمد بن القاسممم بالطالقممان فقبممض عليممه و‬
‫سيق إلى المعتصم فحبسه و مات في حبسه و قممال آخممرون‬
‫من الزيدية أن المام بعد يحيى بن زيد هو أخوه عيسى الذي‬
‫حصر مع إبراهيم بن عبد الله في قتمماله مممع منصممور و نقلمموا‬
‫المامة في عقبه و إليه انتسب دعي الزنممج كممما نممذكره فممي‬
‫أخبارهم و قال آخرون من الزيدية أن المام بعممد محمممد بممن‬
‫عبد الله أخوة إدريس الذي فر إلى المغرب و مات هنالممك و‬
‫قام بأمر ابنه إدريس و اختط مدينة فمماس و كممان مممن بعممده‬
‫عقبممه ملوكمما ً بممالمغرب إلممى أن انقرضمموا كممما نممذكره فممي‬
‫أخبارهم‪ .‬و بقي أمر الزيدية بعد ذلك غير منتظم و كان منهم‬
‫الذاعي الذي ملك طبرستان و هو الحسن بن زيد بممن محمممد‬
‫بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن علي بن الحسين السبط‬
‫و أخوه محمد بن زيد ثم قام بهذه الدعوة في الديلم الناصممر‬
‫الطروش منهم‪ ،‬و أسلموا على يده و هو الحسممن بممن علممي‬
‫بن الحسن بن علي بن عمر و عمر أخو زيد بن علي فكممانت‬
‫لبنيه بطبرستان دولة و توصل الديلم من نسبهم إلممى الملممك‬
‫و الستبداد على الخلفاء ببغداد كما نذكر في أخبارهم‪ .‬و أممما‬
‫المامية فساقوا المامة من علي الرضممى إلممى ابنممه الحسممن‬
‫بالوصية ثم إلى أخيه الحسين ثم إلى ابنه علي زين العابمدين‬
‫ثم إلى ابنه محمد الباقر ثم إلى ابنه جعفر الصادق و من هنا‬
‫افترقوا فرقتين فرقة ساقها إلى ولده إسممماعيل و يعرفممونه‬
‫بينهم بالمام و هممم السممماعيلية و فرقممة سمماقوها إلممى ابنممه‬
‫موسى الكاظم و هم الثنا عشرية لوقوفهم عند الثاني عشر‬
‫من الئمة و قممولهم بغيبتممه إلممى آخممر الزمممان كممما مممر فأممما‬
‫السماعيلية فقالوا بإمامة اسماعيل المممام بممالنص مممن أبيممه‬
‫جعفر و فائدة النص عليه عندهم و إن كان قد مات قبل أبيممه‬
‫إنما هو بقمماء المامممة فممي عقبممه كقصممة هممارون مممع موسممى‬
‫صلوات الله عليهما قالوا انتقلت المامة مممن إسممماعيل إلممى‬
‫ابنه محمد المكتوم و هو أول الئمممة المسممتورين لن المممام‬
‫عندهم قد ل يكون له شوكة فيستتر و تكون دعمماته ظمماهرين‬
‫إقامة للحجة على الخلق و إذا كانت له شوكة ظهممر و أظهممر‬
‫دعوته قالوا و بعد محمد المكتوم ابنه جعفر الصممادق و بعممده‬
‫ابنه محمد الحبيب و هو آخر المستورين و بعده ابنه عبد الله‬
‫المهدي الذي أظهر دعوته أبو عبد الله الشيعي فممي كتامممة و‬
‫تتابع الناس على دعوته ثم أخرجه من معتقله بسجلماسممة و‬
‫ملك القيروان و المغرب و ملك بنوه من بعده مصر كما هممو‬
‫معروف في أخبارهم و يسمى هؤلء نسبة إلى القول بإمامة‬
‫إسماعيل و يسمون أيضا ً بالباطنية نسبة إلى قممولهم بالمممام‬
‫الباطن أي المستور و يسمون أيضا ً الملحدة لممما فممي ضمممن‬
‫مقالتهم من اللحاد و لهم مقممالت قديمممة و مقممالت جديممدة‬
‫دعا إليها الحسن بن محمد الصباح في آخر المممائة الخامسممة‬
‫و ملك حصونا ً بالشام و العراق و لم تزل دعوته فيها إلى أن‬
‫توزعها الهلك بين ملوك الترك بمصر و ملوك التممتر بممالعراق‬
‫فانفرضت‪ .‬و مقالة هذا الصباح في دعوته مذكورة في كتاب‬
‫الملل و النحل للشهرستاني‪ .‬و أما الثنا عشرية فربما خصوا‬
‫باسم المامية عند المتممأخرين منهممم فقممالوا بإمامممة موسممى‬
‫الكاظم بن جعفر الصادق لوفاة أخيه الكبر إسماعيل المممام‬
‫في حياة أبيهما جعفر فنص على إمامة موسى هممذا ثممم ابنممه‬
‫علي الرضا الذي عهد إليه المأمون و مات قبلممه لممم يتممم لممه‬
‫أمر ثم ابنه محمد التقي ثم ابنه علي الهادي ثممم ابنممه محمممد‬
‫الحسممن العسممكري ثممم ابنممه محمممد المهممدي المنتظممر الممذي‬
‫قدمناه قبمل و فمي كمل واحمدة ممن همذه المقمالت للشميعة‬
‫اختلف كثير إل أن هذه أشهر مذاهبهم و مممن أراد اسممتيعابها‬
‫و مطالعتهمما فعليممه بكتمماب الملممل و النحممل لبممن حممزم و‬
‫الشهرستاني و غيرهما ففيها بيان ذلك و الله يضل من يشاء‬
‫و يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم و هو العلي الكبير‪.‬‬

‫الفصممل الثممامن و العثسممرون فممي انقلب الخلفممة‬


‫إلى الملك‬
‫إعلممم أن الملممك غايممة طبيعيممة للعصممبية ليممس وقمموعه عنهمما‬
‫باختيار إنما هو بضرورة الوجود و ترتيبه كما قلناه من قبممل و‬
‫أن الشرائع و الديانات و كل أمر يحل عليممه الجمهممور فل بممد‬
‫فيه من العصبية إذ المطالبة ل تتم إل بها كما قدمناه‪.‬‬
‫فالعصبية ضرورية للملة و بوجودها يتم أمر اللممه منهمما و فممي‬
‫الصحيح ما بعث الله نبيا ً إل فمي منعممة مممن قممومه ثممم وجممدنا‬
‫الشارع قد ذم العصبية و ندب إلى إطراحهمما و تركهمما فقممال‪:‬‬
‫إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية و فخرهمما بالبمماء أنتممم بنممو‬
‫آدم و آدم مممن تممراب‪ ،‬و قممال تعممالى إن أكرمكممم عنممد اللممه‬
‫أتقاكم و وجدناه أيضا ً قد ذم الملك و أهله و نعى علممى أهلممه‬
‫أحوالهم من الستمتاع بالخلق و السراف في غير القصممد و‬
‫التنكب عن صراط الله و إنما حض على اللفة فممي الممدين و‬
‫حذر من الخلف و الفرقة‪ ،‬و أعلم أن الممدنيا كلهمما و أحوالهمما‬
‫مطية للخرة و من فقد المطية فقد الوصول‪ ،‬و ليس مممراده‬
‫فيما ينهى عنه أو يذمه من أفعال البشر أو ينممدب إلممى تركممه‬
‫إهماله بالكلية أو اقتلعممه مممن أصممله و تعطيممل القمموى الممتي‬
‫ينشأ عليها بالكلية إنممما قصممده تصممريفها فممي أغممراض الحممق‬
‫جهد الستطاعة حتى تصير المقاصد كلها حقا ً و تتحد الوجهممة‬
‫كما قال صلى الله عليه و سلم‪ :‬من كانت هجرته إلى اللممه و‬
‫رسوله فهجرته إلى الله و رسموله و ممن كمانت هجرتمه إلمى‬
‫دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليممه‪ .‬فلممم‬
‫يذم الغضب و هو يقصد نزعه من النسان فإنه لو زالت منممه‬
‫قوة الغضب لفقد منه النتصار للحق و بطممل الجهمماد و إعلء‬
‫كلمة الله و إنما يذم الغضب للشمميطان و للغممراض الذميمممة‬
‫فإذا كان الغصب لذلك كان مممذموما ً و إذا كممان الغضممب فممي‬
‫الله و لله كان ممدوحا ً و هو من شمممائله صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم و كذا ذم الشهوات أيضما ً ليممس الممراد إبطالهمما بالكليمة‬
‫فإن من بطلت شممهوته كممان نقص ما ً فممي حقممه و إنممما المممراد‬
‫تصريفها فيما أبيح له باشتماله على المصالح ليكون النسممان‬
‫عبدا ً متصرفا ً طوع الوامر اللهية و كذا العصممبية حيممث ذمهمما‬
‫الشارع و قال لن تنفعكم أرحامكم ول أولدكم‪ ،‬فإنما مممراده‬
‫حيث تكون العصبية علممى الباطممل و أحممواله كممما كممانت فممي‬
‫الجاهلية و أن يكون لحد فخر بها أو حق على أحممد لن ذلممك‬
‫مجال من أفعال العقلء و غير نافع في الخرة المتي همي دار‬
‫القرار فأما إذا كانت العصممبية فممي الحممق و إقامممة أمممر اللممه‬
‫فأمر مطلوب و لو بطل لبطلت الشرائع إذ ل يتممم قوامهمما إل‬
‫بالعصبية كما قلناه من قبل و كذا الملك لما ذمه الشارع لممم‬
‫يذم منه الغلب بالحق و قهممر الكافممة علممى الممدين و مراعمماة‬
‫المصلح و إنما ذمه لما فيه مممن التغلممب بالباطممل و تصممريف‬
‫الدمييممن طمموع الغممراض و الشممهوات كممما قلنمماه‪ ،‬فلممو كممان‬
‫الملك مخلصا ً في غلبه للناس أنه لله و لحملهم علممى عبممادة‬
‫الله و جهاد عدوه لم يكن ذلممك مممذموما ً و قممد قممال سممليمان‬
‫صلوات اللممه عليممه‪ :‬ربممي هممب لمي ملكما ً ل ينبغممي لحممد مممن‬
‫بعدي‪.‬‬
‫لما علممم مممن نفسممه أنممه بمعممزل عممن الباطممل فممي النبممؤة و‬
‫الملك‪ .‬و لما لقي معاوية عمر بن الخطاب رضي الله عنهممما‬
‫عند قدومه إلى الشام فممي أبهممة الملممك وزيممه مممن العديممد و‬
‫العدة استنكر ذلك و قال‪ :‬أكسروية يا معاوية فقممال يمما أميممر‬
‫المؤمنين أنا في ثغر تجمماه العممدو و بنمما إلممى مباهمماتهم بزينممة‬
‫الحرب و الجهاد حاجة فسكت و لممم يخطئه لممما احتممج عليممه‬
‫بمقصد من مقاصممد الحممق و الممدين فلممو كممان القصممد رفممض‬
‫الملك مممن أصممله لممم يقنعممه الجممواب فممي تلممك الكسممروية و‬
‫انتحالها بل كان يحرض على خروجه عنها بالجملة و إنما أراد‬
‫عمر بالكسروية ما كان عليممه أهممل فممارس فممي ملكهممم مممن‬
‫ارتكاب الباطل و الظلم و البغي و سلوك شبله و الغفلة عن‬
‫الله و أجابه معاوية بأن القصد بذلك ليس كسروية فممارس و‬
‫باطلهم و إنما قصده بها وجه الله فسكت‪ ،‬و هكذا كان شممأن‬
‫الصحابة في رفض الملك و أحممواله و نسمميان عمموائده حممذرا ً‬
‫من التباسها بالباطل فلما استحضر رسممول اللممه صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم استخلف أبا بكر على الصلة إذ هممي أهممم أمممور‬
‫الممدين و ارتضمماه النمماس للخلفممة و هممي حمممل الكافممة علممى‬
‫أحكام الشريعة و لم يجر للملك ذكر لما أنه مظنة للباطممل و‬
‫نخلة يومئذ لهل الكفر و أعداء الدين فقام بذلك أبو بكممر ممما‬
‫شاء الله متبعا ً سنن صاحبه وقاتممل أهممل الممردة حممتى اجتمممع‬
‫العرب على السلم ثم عهد إلى عمممر فماقتفى أثمره و قاتمل‬
‫المم فغلبهم و أذن للعرب بممانتزاع ممما بأيممديهم مممن الممدنيا و‬
‫الملك فغلبوهم عليه و انتزعوه منهم ثم صارت إلممى عثمممان‬
‫بن عفان ثم إلممى علممي رضممى عنهممما و الكممل متممبرئون مممن‬
‫الملك منكبون عن طرقه و أكد ذلك لديهم ما كانوا عليه من‬
‫عضاضة السلم و بداوة العرب فقممد كممانوا أبعممد المممم عممن‬
‫أحوال الدنيا و ترفها ل من حيممث دينهممم الممذي يممدعوهم إلممى‬
‫الزهد في النعيم و ل من حيث بداوتهم و مواطنهم و ما كانوا‬
‫عليه من خشونة العيش و شظفه الذي ألفوه‪ ،‬فلم تكن أمممة‬
‫من المم أسغب عيشا ً من مضر لما كانوا بالحجاز فممي أرض‬
‫غيممر ذات زرع و ل ضممرع و كممانوا ممنمموعين مممن الريمماف و‬
‫حبوبها لبعدها و اختصاصها بمن وليها من ربيعة و اليمن فلممم‬
‫يكونوا يتطاولون إلى خصممبها و لقممد كممانوا كممثيرا ً ممما يممأكلون‬
‫العقارب و الخنافس و يفخرون بأكل العلهز و هممو وبممر البممل‬
‫يمهونه بالحجارة في الدم و يطبخونه و قريبا من هممذا كممانت‬
‫حال قريممش فممي مطمماعمهم و مسمماكنهم حممتى إذا اجتمعممت‬
‫عصبية العرب على الدين بما أكرمهم اللممه مممن نبمموة محمممد‬
‫صلى الله عليمه و سملم زحفموا إلمى أممم فمارس و المروم و‬
‫طلبوا ما كتممب اللممه لهممم مممن الرض بوعممد الصممدق فممابتزوا‬
‫ملكهم و استباحوا دنياهم فزخممرت بحممار الرفممه لممديهم حممتى‬
‫كان الفارس الواحد يقسم له في بعض الغزوات ثلثون ألفمما ً‬
‫من الممذهب أو نحوهمما فاسممتولوا مممن ذلممك علممى مممال يأخممذه‬
‫الحصر و هم مع ذلك على خشونة عيشهم فكان عمممر يرقممع‬
‫ثوبه بالجلد و كان علممي يقممول‪ :‬يما صممفراء و يما بيضماء غممري‬
‫غيري و كان أبو موسممى يتجممافى عممن أكممل الممدجاج لنممه لممم‬
‫يعهدها للعرب لقلتها يومئذ و كانت المناخل مفقممودة ً عنممدهم‬
‫بالجملة و إنما يأكلون الحنطة بنخالها و مكاسبهم مع هذا أتم‬
‫ما كانت لحممد مممن أهممل العممالم قممال‪ :‬المسممعودي فممي أيممام‬
‫عثمان أفتى الصحابة الضياع و المال فكان له يوم قتممل عنممد‬
‫خازنه خمسون و مائة ألف دينار و ألممف ألممف درهممم و قيمممة‬
‫ضياعه بمموادي القممرى و حنيممن و غيرهممما مائتمما ألممف دينممار و‬
‫خلف إبل ً و خيل ً كثيرةً و بلغ الثمن الواحد من مممتروك الزبيممر‬
‫بعد وفاته خمسين ألف دينار و خلف ألف فرس و ألف أمة و‬
‫كانت غلة طلحة من العراق ألف دينار كل يمموم و مممن ناحيممة‬
‫السراة أكثر من ذلك و كممان علممى مربممط عبممد الرحمممن بممن‬
‫عوف ألف فرس و له ألف بعير و عشممرة آلف مممن الغنممم و‬
‫بلغ الربع من متروكه بعد وفاته أربعة و ثمممانين ألف ما ً و خلممف‬
‫زيد بن ثابت من الفضة و الممذهب ممما كممان يكسممر بممالفؤوس‬
‫غير ما خلف من الموال و الضممياع بمممائة ألممف دينممار و بنممى‬
‫الزبيمممر داره بالبصمممرة و كمممذلك بنمممى بمصمممر و الكوفمممة‬
‫والسكندرية و كذلك بنممى طلحممة داره بالكوفممة و شمميد دارة‬
‫بالمدينة وبناها بالجص و الجر و الساج و بنى سممعد بممن أبممي‬
‫وقاص داره بالعقيق و رفع سمكها و أوسممع فضمماءها و جعممل‬
‫على أعلها شممرفات و بنممى المقممداد داره بالمدينممة و جعلهمما‬
‫مجصصة الظاهر و الباطن و خلممف يعلممى بممن منبممه خمسممين‬
‫ألف دينار و عقارا ً و غير ذلك ما قيمتممه ثلثمممائة ألممف درهممم‬
‫من كلم المسعودي‪ .‬فكانت مكاسب القوم كممما تممراه و لممم‬
‫يكن ذلك منيعا ً عليهممم فممي دينهممم إذ هممي أممموال حلل لنهمما‬
‫غنائم و فيوء و لم يكن تصرفهم فيها بإسراف إنما كانوا على‬
‫قصد في أحوالهم كما قلناه فلم يكن ذلك بقممادح فيهممم و أن‬
‫كان الستكثار من الدنيا مذموما ً فإنما يرجممع إلممى ممما أشممرنا‬
‫إليه من السراف و الخروج به عن القصممد و إذا كممان حممالهم‬
‫قصممدا ً و نفقمماتهم فممي سممبيل الحممق و مممذاهبه كممان ذلممك‬
‫الستكثار عونا ً لهم على طرق الحق و اكتساب الدار الخممرة‬
‫فلما تدرجت البداوة و الغضاضة إلى نهايتها و جمماءت طبيعممة‬
‫الملك التي هي مقتضى العصبية كما قلناه و حصل التغلب و‬
‫القهممر كممان حكممم ذلممك الملممك عنممدهم حكممم ذلممك الرفممه و‬
‫الستكثار من الموال فلم يصرفوا ذلك التغلب في باطل ول‬
‫خرجوا به عن مقاصد الديانة و مذاهب الحممق‪ ،‬و لممما وقعممت‬
‫الفتنممة بيممن علممي و معاويممة و هممي مقتضممى العصممبية كممان‬
‫طريقهم فيها الحممق و الجتهمماد و لممم يكونمموا فممي محمماربتهم‬
‫لغممرض دنيمموي أو ليثممار باطممل أو لستشممعار حقممد كممما قممد‬
‫يتوهمه متوهم وينزع إليه ملحد و إنما اختلف اجتهممادهم فممي‬
‫الحممق و سممفه كممل واحممد نظممر صمماحبه باجتهمماده فممي الحممق‬
‫فاقتتلوا عليه و إن كان المصيب عليا فلم يكن معاوية قائممما ً‬
‫فيها بقصد الباطل إنما قصد الحق و أخطأ و الكل كممانوا فممي‬
‫مقاصدهم على حق ثم اقتضت طبيعة الملك النفراد بالمجد‬
‫و استئثار الواحد به و لم يكن لمعاوية أن يدفع عممن نفسممه و‬
‫قومه فهو أمر طبيعي ساقته العصبية بطبيعتها و استشممعرته‬
‫بنو أمية و من لم يكن على طريقة معاويه في اقتفمماء الحممق‬
‫من أتباعهم فاعصوصبوا عليه و استماتوا دونممه و لممو حملهممم‬
‫معاوية على غير تلك الطريقة و خالفهم فممي النفممراد بممالمر‬
‫لوقوع في افتراق الكلمة التي كان جمعها و تأليفها أهم عليه‬
‫من أمر ليس وراءه كممبير مخالفممة و قممد كممان عمممر بممن عبممد‬
‫العزيز رضي الله عنه يقول‪ :‬إذا رأى القاسممم بممن محمممد بممن‬
‫أبي بكر لو كان لي من المر شيء لوليته الخلفممة و لممو أراد‬
‫أن يعهد إليه لفعل و لكنممة كممان يخشممى مممن بنممى أميممة أهممل‬
‫الحل و العقد لما ذكرناه فل يقدر أن يحممول المممر عنهممم لئل‬
‫تقع الفرقة‪ .‬و هذا كله إنما حمل عليه منازع الملك التي هممي‬
‫مقتضى العصبية فالملك إذا حصل و فرضنا أن الواحد انفممرد‬
‫به و صرفه في مذاهب الحق و وجوهه لم يكن في ذلك نكير‬
‫عليه و لقد انفرد سممليمان و أبمموه داود صمملوات اللممه عليهممما‬
‫بملك بنى إسرائيل لما اقتضته طبيعة الملك من النفممراد بممه‬
‫وكانوا ما علمت من النبؤة و الحق و كذلك عيد معاويممة إلممى‬
‫يزيد خوفا ً من افتراق الكلمة بما كانت بنممو أميممة لممم يرضمموا‬
‫تسليم المر إلى من سواهم‪ .‬فلو قد عهد إلى غيممره اختلفموا‬
‫عليه مع أن ظنهم كان به صالحا ً و ل يرتاب أحد في ذلك و ل‬
‫يظن بمعاوية غيره فلم يكن ليعهد إليه و هممو يعتقممد ممما كممان‬
‫عليه من الفسق حاشا الله لمعاويممة مممن ذلممك و كممذلك كممان‬
‫مروان بن الحكم و ابنه و أن كممانوا ملوكما ً لممم يكممن مممذهبهم‬
‫في الملك مذهب أهل البطالممة و البغممي إنممما كممانوا متحريممن‬
‫لمقاصد الحق جهدهم إل في ضممرورة تحملهممم علممى بعضممها‬
‫مثل خشية افتراق الكلمة الذي هو أهم لديهم من كل مقصد‬
‫يشهد لذلك ما كمانوا عليمه ممن التبماع و القتمداء و مما علمم‬
‫السلف من أحوالهم و مقاصدهم فقد احتج مالك في الموطأ‬
‫بعمل عند الملك و أما مروان فكان من الطبقممة الولممى مممن‬
‫التابعين و عدالتهم معروفة ثم تدرج المر في ولد عبد الملك‬
‫و كانوا من الدين بالمكان الذي كانوا عليه و توسممطهم عمممر‬
‫بن عبد العزيز فنزع إلى طريقة الخلفمماء الربعممة و الصممحابة‬
‫جهده و لم يهمل‪ .‬ثم جاء خلفهمم و اسمتعملوا طبيعممة الملمك‬
‫في أغراضممهم الدنيويممة و مقاصممدهم و نسمموا ممما كممان عليممه‬
‫سلفهم من تحري القصد فيهمما و اعتممماد الحممق فممي مممذاهبها‬
‫فكان ذلك مممما دعمما النمماس إلممى أن نعمموا عليهممم أفعممالهم و‬
‫أدالوا بالدعوة العباسية منهم و ولي رجالها المر فكانوا مممن‬
‫العدالة بمكان و صرفوا الملك في وجوه الحق و مممذاهبه ممما‬
‫استطاعوا حتى جاء بنو الرشيد من بعده فكان منهم الصممالح‬
‫و الطالح ثم أفضى المر إلى بنيهم فأعطوا الملممك و الممترف‬
‫حقه و انغمسوا فممي الممدنيا و باطلهمما و نبممذوا الممدين وراءهممم‬
‫ظهريا ً فتأذن الله بحربهممم و انممتزاع المممر مممن أيممدي العممرب‬
‫جملة و أمكن سواهم و الله ل يظلم مثقال ذرة‪ .‬و من تأمممل‬
‫سير هؤلء الخلفاء و الملوك و اختلفهم في تحري الحق من‬
‫الباطل علم صحة ما قلناه و قد حكاه المسممعودي مثلممه فممي‬
‫أحوال بنى أمية عن أبي جعفر المنصور و قد حصممر عمممومته‬
‫و ذكروا بني أمية فقال‪ :‬أما عبد الملك فكممان جبممارا ً ل يبممالي‬
‫بما صنع و أما سليمان فكان همه بطنه و فرجممه و أممما عمممر‬
‫فكان أعور بين عميان و كان رجل القمموم هشممام قممال و لممم‬
‫يزل بنو أمية ضابطين لما مهد لهم من السلطان يحوطونه و‬
‫يصونون ما و هب الله لهم منه مع تسلمهم معممالي المممور و‬
‫رفضممهم دنياتهمما حممتى أفضممى المممر إلممى أبنممائهم المممترفين‬
‫فكانت همتهم قصد الشهوات و ركوب اللممذات مممن معاصممي‬
‫الله جهل ً باستدراجه و أمنا ً لكره مع اطراحهم صيانة الخلفة‬
‫و استخفافهم بحق الرئاسة و ضعفهم عن السياسة فسمملبهم‬
‫الله العز و ألبسهم الذل و نفممى عنهممم النعمممة ثممم استحضممر‬
‫عبد الله ابن مروان فقص عليممه خممبره مممع ملممك النوبممة لممما‬
‫دخل أرضهم فممارا ً أيممام السممفاح قممال أقمممت مليما ً ثممم أتمماني‬
‫ملكهم فقعد على الرض و قد بسطت لي فممرش ذات قيمممة‬
‫فقلت ما منعك عن القعود على ثيابنا فقال إني ملممك و حممق‬
‫لكل ملك أن يتواضع لعظمة الله إذ رفعه اللممه ثممم قممال لممي‪:‬‬
‫لم تشربون الخمر و هي محرمة عليكم في كتابكم ؟ فقلت‪:‬‬
‫اجممترأ علممى ذلممك عبيممدنا و أتباعنمما قممال‪ :‬فلممم تطئون الممزرع‬
‫بدوابكم و الفساد محرم عليكم ؟ قلت‪ :‬فعممل ذلممك عبيممدنا و‬
‫أتباعنا بجهلهم قال‪ :‬فلم تلبسون الديباج و الذهب و الحرير و‬
‫هو محممرم عليكممم فممي كتممابكم ؟ قلممت‪ :‬ذهممب منمما الملممك و‬
‫انتصرنا بقوم من العجم دخلوا فمي ديننما فلبسمموا ذلمك علمى‬
‫الكره منا‪ ،‬فأطرق ينكث بيممده فممي الرض و يقممول عبيممدنا و‬
‫أتباعنا و أعاجم دخلوا في ديننمما ثممم رفممع رأسممه إلممي و قممال‪:‬‬
‫ليس كما ذكرت بل أنتم قوم استحللتم ما حرم اللممه عليكممم‬
‫وأتيتم ما عنه نهيتم و ظلمتم فيما ملكتم فسلبكم الله العز و‬
‫ألبسكم الذل بذنوبكم و لله نقمة لم تبلمغ غايتهمما فيكمم و أنما‬
‫خائف أن يحل بكم العذاب و أنتم ببلدي فينالني معكم و إنما‬
‫الضيافة ثلث فممتزود ممما احتجممت إليممه و ارتحممل عممن أرضممي‬
‫فتعجب المنصور و أطرق فقد تبين لك كيف انقلبت الخلفممة‬
‫إلى الملك و أن المر كان في أولممه خلفممة و وازع كممل أحممد‬
‫فيها من نفسه و هو الدين و كانوا يؤثرونه على أمور دنيمماهم‬
‫و أن أفضت إلى هلكهم وحدهم دون الكافة فهذا عثمان لما‬
‫حصر في الدار جاءه الحسن و الحسين و عبد الله بممن عمممر‬
‫و ابن جعفر وأمثالهم يريدون المدافعة عنه فأبى و منممع مممن‬
‫سل السيوف بين السمملمين مخافممة الفرقممة و حفظ ما ً لللفممة‬
‫التي بها حفظ الكلمة و لو أدى إلى هلكه‪ .‬و هذا علممي أشممار‬
‫عليه المغيرة لول وليته باسممتبقاء الزبيممر ومعاويممة و طلحممة‬
‫على أعمالهم حتى يجتمع الناس على بيعته و تتفق الكلمممة و‬
‫له بعد ذلك ما شاء من أمره و كان ذلك من سياسممة الملممك‬
‫فممأبى فممرارا ً مممن الغممش الممذي ينممافيه السمملم و غممدا عليممه‬
‫المغيرة من الغممداة فقممال‪ :‬لقممد أشممرت عليممك بممالمس بممما‬
‫أشرت ثم عدت إلى نظمري فعلممت أنمه ليمس ممن الحمق و‬
‫النصيحة وأن الحق فيما رأيته أنت فقال علممي‪ :‬ل و اللممه بممل‬
‫أعلم أنك نصحتني بالمس و غششتني اليمموم و لكممن منعنممي‬
‫مما أشرت به زائد الحق و هكذا كممانت أحمموالهم فممي إصمملح‬
‫دينهم بفساد دنياهم و نحن‪:‬‬
‫نرقع دنيانا بتمزيق ديننا فل ديننا يبقى و ل ما نرقع‬
‫فقد رأيت كيف صار المر إلى الملك و بقيت معاني الخلفممة‬
‫من تحري الدين ومذاهبه و الجري علممى منهمماج الحممق و لممم‬
‫ةو‬ ‫يظهر التغير إل في الوازع الذي كان دينا ً ثم انقلب عصممبي ً‬
‫سيفا ً و هكذا كمان الممر لعهمد معاويمة و ممروان و ابنمه عبمد‬
‫الملك و الصدر الول من خلفاء بني العبمماس إلممى الرشمميد و‬
‫بعض ولده ثم ذهبت معمماني الخلفممة و لممم يبممق إل اسمممها و‬
‫صار المر ملك ما ً بحت ما ً و جممرت طبيعممة التغلممب إلممى غايتهمما و‬
‫استعملت في أغراضها مممن القهممر التقلممب فممي الشممهوات و‬
‫الملذ و هكذا كمان الممر لولمد عبمد الملمك و لممن جماء بعمد‬
‫الرشيد من بنممي العبمماس و اسممم الخلفممة باقي ما ً فيهممم لبقمماء‬
‫عصممبية العممرب و الخلفممة و الملممك فممي الطممورين ملتبممس‬
‫بعضهما ببعض ثم ذهب رسم الخلفة و أثرها بممذهاب عصممبية‬
‫العرب و فناء جيلهم و تلشى أحوالهم وبقى المر ملكا ً بحت ما ً‬
‫كما كان الشأن في ملوك العجممم بالمشممرق يممدينون بطاعممة‬
‫الخليفة تبركا ً و الملممك بجميممع ألقممابه و منمماحيه لهممم و ليممس‬
‫للخليفة منه شيء و كذلك فعل ملمموك زناتممة بممالمغرب مثممل‬
‫صنهاجة مع العبيديين و مغراوة و بني يفرن أيضما ً مممع خلفمماء‬
‫بنممي أميممة بالنممدلس و العبيممديين بممالقيروان فقممد تممبين أن‬
‫الخلفة قد وجدت بدون الملممك أول ثممم التبسممت معانيهممما و‬
‫اختلطت ثم انفرد الملك حيث افترقت عصممبيته مممن عصممبية‬
‫الخلفة و الله مقدر الليل و النهار و هو الواحد القهار‪.‬‬

‫الفصل التاسع و العشرون في معنى البيعة‬


‫إعلم أن البيعة هي العهممد علممى الطاعممة كممأن المبممايع يعاهممد‬
‫أميممره علممى أنممه يسمملم لممه النظممر فممي أمممر نفسممه و أمممور‬
‫المسلمين ل ينازعه في شيء من ذلك و يطيعه فيممما يكلفممه‬
‫به من المر على المنشط و المكره و كانوا إذا بايعوا الميممر‬
‫و عقدوا عهده جعلوا أيممديهم فممي يممديه تأكيممدا ً للعهممد فأشممبه‬
‫ة مصدر باع و صممارت‬ ‫ذلك فعل البائع و المشتري فسمي بيع ً‬
‫ة باليدي هذا مدلولها في عرف اللغة و معهود‬ ‫البيعة مصافح ً‬
‫الشرع و هو المراد في الحديث فممي بيعممة النممبي صمملى اللممه‬
‫عليه و سمملم ليلممة العقبممة و عنممد الشممجرة وحيثممما و رد هممذا‬
‫اللفظ و منه بيعة الخلفاء و منممه أيمممان البيعممة كممان الخلفمماء‬
‫يسممتحلفون علممى العهممد و يسممتوعبون اليمممان كلهمما لممذلك‬
‫فسمي هذا الستيعاب إيمان البيعة و كان الكراه فيها أكثر و‬
‫أغلب و لهذا لما أفتى مالك رضممي اللممه عنممه بسممقوط يميممن‬
‫ة في أيمان البيعممة‪ ،‬و‬ ‫الكراه أنكرها الولة عليه و رأوها قادح ً‬
‫وقع ما وقع من محنممة المممام رضممي اللممه عنممه و أممما البيعممة‬
‫المشهورة لهذا العهد فهي تحية الملوك الكسروية من تقبيل‬
‫الرض أو اليد أو الرجممل أو الممذيل أطلممق عليهمما اسممم البيعممة‬
‫التي هي العهد على الطاعة مجازا ً لما كان هذا الخضوع فممي‬
‫التحية و التزام الداب ممن لموازم الطاعمة و توابعهما و غلمب‬
‫ة و استغنى بهمما عممن مصممافحة‬ ‫ة عرفي ً‬
‫فيه حتى صارت حقيقي ً‬
‫أيدي الناس التي هي الحقيقة في الصل لما في المصممافحة‬
‫لكل أحد من التنممزل و البتممذال المنممافيين للرئاسممة و صممون‬
‫المنصب الملمموكي إل فممي القممل ممممن يقصممد التواضممع مممن‬
‫الملوك فيأخذ به نفسه مع خواصه و مشاهير أهل الدين مممن‬
‫رعيته فافهم معنى البيعة في العزف فإنه أكيد على النسممان‬
‫معرفته لما يلزمه من حق سلطانه و إمامه و ل تكون أفعاله‬
‫عبثا ً و مجان ما ً و اعتممبر ذلممك مممن أفعالممك مممع الملمموك و اللممه‬
‫القوي العزيز‪.‬‬

‫الفصل الثلثون في ولية العهد‬


‫إعلم أنا قدمنا الكلم في المامة و مشروعيتها لما فيهمما مممن‬
‫المصلحة و أن حقيقتهمما للنظممر فممي مصممالح المممة لممدينهم و‬
‫دنياهم فهو وليهم و المين عليهم ينظر لهم ذلك في حيمماته و‬
‫يتبع ذلك أن ينظممر لهممم بعممد مممماته و يقيممم لهممم مممن يتممولى‬
‫أمورهم كما كان هو يتولها ويثقون بنظره لهم في ذلك كممما‬
‫و ثقوا به فيما قبل و قد عرف ذلك من الشرع بإجماع المممة‬
‫على جوازه و انعقاده إذ وقع بعهد أبي بكممر رضممي اللممه عنممه‬
‫لعمر بمحضر من الصحابة و أجازوه و أوجبمموا علممى أنفسممهم‬
‫به طاعة عمر رضي الله عنه و عنهم و كذلك عهد عمممر فممي‬
‫الشورى إلى السممتة بقيممة العشممرة و جعممل لهممم أن يختمماروا‬
‫للمسلمين ففوض بعضهم إلى بعض حممتى أفضممى ذلممك إلممى‬
‫عبد الرحمن بن عوف فاجتهممد و نمماظر المسمملمين فوجممدهم‬
‫متفقين على عثمان و على علممي فممآثر عثمممان بالبيعممة علممى‬
‫ذلك لموافقته إياه على لزوم القتداء بالشيخين فممي كممل ممما‬
‫يعن دون اجتهاده فانعقد أمر عثمان لذلك و أوجبوا طمماعته و‬
‫المل من الصحابة حاضرون للولى و الثانية و لم ينكممره أحممد‬
‫منهم فدل على أنهم متفقون على صحة هذا العهممد عممارفون‬
‫بمشروعيته‪.‬‬
‫و الجماع حجة كما عرف وليتهم المام في هممذا المممر و أن‬
‫عهد إلى أبيه أو ابنه لنه مأمون على النظممر لهممم فممي حيمماته‬
‫ة بعممد مممماته خلفما ً لمممن قممال‬
‫فأولى أن ل يحتمممل فيهمما تبعم ً‬
‫باتهامه في الولد و الوالد أو لمن خصص التهمممة بالولممد دون‬
‫الوالد فإنه بعيد عن الظنة فممي ذلممك كلممه ل سمميما إذا كممانت‬
‫هناك داعيمة تمدعو إليمه ممن إيثمار مصملحة أو توقمع مفسمدة‬
‫فتنتفي الظنة في ذلك رأسا ً كما وقع في عهممد معاويممة لبنممه‬
‫يزيد و إن كان فعل معاويممة مممع وفمماق النمماس لممه حجممة فممي‬
‫الباب و الذي دعمما معاويممة ليثممار ابنممه يزيممد بالعهممد دون مممن‬
‫سواه إنما هو مراعاة المصلحة فممي اجتممماع النمماس و اتفمماق‬
‫أهوائهم باتفاق أهل الحل و العقد عليه حينئذ من بني أمية إذ‬
‫بنو أمية يومئذ ل يرضون سواهم و هم عصابة قريش و أهممل‬
‫الملة أجمع و أهل الغلب منهم فآثره بممذلك دون غيممره ممممن‬
‫يظن أنه أولى بها و عدل عن الفاضممل إلممى الفضممول حرصما ً‬
‫على التفاق و اجتماع الهواء الذي شأنه أهم عند الشارع‪.‬‬
‫و إن كان ل يظن بمعاوية غير هممذا فعممدالته و صممحبته مانعممة‬
‫من سوى ذلك وحضور أكابر الصحابة لممذلك و سممكوتهم عنممه‬
‫دليل على انتفاء الريب فيه فليسوا ممن يأخذهم فممي الحممق‬
‫هوادة و ليس معاويممة ممممن تأخممذه العممزة فممي قبممول الحممق‬
‫فإنهم كلهم أجل من ذلك و عدالتهم مانعة منممه و فممرار عبممد‬
‫الله بن عمممر مممن ذلممك إنممما هممو محمممول علممى تممورعه مممن‬
‫الدخول في شيء من المور مباحا ً كان أو محظورا ً كممما هممو‬
‫معروف عنه و لم يبق في المخالفة لهممذا العهممد الممذي اتفممق‬
‫عليه الجمهور إل ابن الزبير و ندور المخالف معروف ثممم إنممه‬
‫وقممع مثممل ذلممك مممن بعممد معاويممة مممن الخلفمماء الممذين كممانوا‬
‫يتحرون الحق و يعملون به مثل عبممد الملممك و سممليمان مممن‬
‫بني أمية و السفاح والمنصممور والمهممدي و الرشمميد مممن بنممي‬
‫العبمماس و أمثممالهم ممممن عرفممت عممدالتهم و حسممن رأيهممم‬
‫للمسمملمين و النظممر لهممم و ل يعمماب عليهممم إيثممار أبنممائهم و‬
‫إخمموانهم و خروجهممم عممن سممنن الخلفمماء الربعممة فممي ذلممك‬
‫فشأنهم غير شأن أولئك الخلفاء فأنهم كانوا علممى حيممن لممم‪.‬‬
‫تحدث طبيعة الملك و كان الوازع ديني ما ً فعنممد كممل أحممد وازع‬
‫من نفسه فعهدوا إلى من يرتضيه الدين فقط و آثممروه علممى‬
‫غيره و وكلوا كل من يسمو إلى ذلك إلى وازعممه‪ .‬و أممما مممن‬
‫بعدهم من لدن معاويممة فكممانت العصممبية قممد أشممرفت علممى‬
‫غايتها من الملممك و المموازع الممديني قممد ضممعف و احتيممج إلممى‬
‫الوازع السلطاني و العصباني فلو عهد إلى غير مممن ترتضمميه‬
‫العصبية لردت ذلمك العهمد و انتقمض أمممره سممريعا ً و صممارت‬
‫الجماعة إلى الفرقة و الختلف‪.‬‬
‫سأل رجل عليا ً رضي الله عنممه‪ :‬ممما بممال المسمملمين اختلفمموا‬
‫عليك و لم يختلفوا على أبي بكر و عمر فقال‪ :‬لن أبا بكممر و‬
‫عمر كانا واليين على مثلي و أنا اليوم وال على مثلممك يشممير‬
‫إلى وازع الدين أفل ترى إلى المأمون لما عهد إلى علي بممن‬
‫موسممى بممن جعفممر الصممادق و سممماه الرضمما كيممف أنكممرت‬
‫العباسية ذلك و نقضوا بيعته و بايعوا لعمه بن المهدي و ظهر‬
‫من الهرج و الخلف وانقطاع السبل و تعدد الثوار و الخوارج‬
‫ما كاد أن يصطلم المر حتى بادر المأمون من خراسان إلممى‬
‫بغداد ورد أمرهم لمعاهده فل بد من اعتبممار ذلممك فممي العهممد‬
‫فالعصور تختلف باختلف ما يحدث فيها من المور و القبممائل‬
‫و العصبيات و تختلممف بمماختلف المصممالح و لكممل واحممد منهمما‬
‫حكم يخصممه لطفما ً مممن اللممه بعبمماده و أممما أن يكممون القصممد‬
‫بالعهد حفظ التراث على البناء فليس مممن المقاصممد الدينيممة‬
‫إذ هو أمر من الله يخص به مممن يشمماء مممن عبمماده ينبغممي أن‬
‫تحسن فيه النية ما أمكن خوفا ً من العبث بالمناصممب الدينيممة‬
‫و الملممك للممه يممؤتيه مممن يشمماء‪ ،‬و عممرض هنمما أمممور تممدعو‬
‫الضرورة إلى بيان الحق فيها‪.‬‬
‫فالول منها ما حدث في يزيد من الفسق أيام خلفته فإيمماك‬
‫أن تظن بمعاوية رضي الله عنه أنه علم ذلك مممن يزيممد فممإنه‬
‫أعدل من ذلك و أفضل بل كان يعذله أيام حيماته فمي سمماع‬
‫الغناء و ينهاه عنه و هو أقل من ذلممك و كممانت مممذاهبهم فيممه‬
‫مختلفة و لما حدث في يزيد ممما حممدث مممن الفسممق اختلممف‬
‫الصممحابة حينئذ فممي شممأنه فمنهممم مممن رأى الخممروج عليممه و‬
‫نقض بيعته من أجل ذلك كما فعممل الحسممين و عبمد اللممه بمن‬
‫الزبير رضي الله عنهما و من اتبعهما فممي ذلممك و منهممم مممن‬
‫أباه لما فيه من إثممارة الفتنممة و كممثرة القتممل مممع العجممز عممن‬
‫الوفمماء بممه لن شمموكة يزيممد يممومئذ هممي عصممابة بنممى أميممة و‬
‫جمهور أهل الحل و العقد من قريش و تستتبع عصممبية مضممر‬
‫أجمممع و هممي أعظممم مممن كممل شمموكة و ل تطمماق مقمماومتهم‬
‫فأقصروا عن يزيد بسبب ذلك وأقاموا على الدعاء بهممدايته و‬
‫الراحممة منممه و هممذا كممان شممأن جمهممور المسمملمين و الكممل‬
‫مجتهدون و ل ينكر على أحد من الفريقيممن فمقاصممدهم فممي‬
‫البر و تحري الحق معروفة وفقنا الله للقتداء بهم‪.‬‬
‫و المر الثاني هو شممأن العهممد مممع النممبي صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم و ما تدعيه الشيعة من وصيته لعلي رضممي اللممه عنممه و‬
‫هو أمر لم يصح و ل نقله أحد من أئمة النقل و الذي وقع في‬
‫الصحيح من طلب الممدواة و القرطمماس ليكتممب الوصممية و أن‬
‫عمر منع من ذلك فدليل واضح على أنه لم يقممع و كممذا قممول‬
‫عمر رضي الله عنه حين طعن و سئل فممي العهممد فقممال‪ :‬إن‬
‫أعهد فقد عهد من هو خير مني يعني أبا بكر و إن أترك فقممد‬
‫ترك من هو خير مني يعني النبي صلى الله عليه و سمملم لممم‬
‫يعهد و كذلك قول علي للعباس رضي الله عنهما حيممن دعمماه‬
‫للممدخول إلممى النممبي صمملى اللممه عليممه و سمملم يسممألنه عممن‬
‫شأنهما في العهد فأبى علممى مممن ذلممك و قممال إنممه إن منعنمما‬
‫منها فل نطمع فيها آخر الدهر و هذا دليل على أن علي ما ً علممم‬
‫أنه لم يوص و ل عهد إلى أحد و شبهة المامية في ذلك إنممما‬
‫هي كون المامة من أركان الدين كما يزعمون و ليس كذلك‬
‫و إنما هي من المصالح العامة المفوضة إلممى نظممر الخلممق و‬
‫لو كانت من أركان الدين لكان شممأنها شممأن الصمملة و لكممان‬
‫يستخلف فيها كما استخلف أبا بكر في الصلة و لكان يشتهر‬
‫كما اشتهر أمر الصلة و احتجمماج الصممحابة علممى خلفممة أبممي‬
‫بكر بقياسها على الصلة في قولهم ارتضاه رسول الله صلى‬
‫اللممه عليممه و سمملم لممديننا أفل نرضمماه لممدنيانا دليممل علممى أن‬
‫الوصية لم تقع‪ .‬و يدل ذلك أيضا ً على أن أمر المامة و العهد‬
‫بها لم يكن مهما كما هو اليوم و شأن العصبية المراعاة فممي‬
‫الجتماع و الفتراق في مجاري العادة لمم يكممن يممومئذ بمذلك‬
‫العتبار لن أمر الدين و السلم كان كله بخوارق العادة مممن‬
‫تأليف القلوب عليه و استماتة الناس دونممه و ذلممك مممن أجممل‬
‫الحوال التي كانوا يشاهدونها في حضور الملئكة لنصممرهم و‬
‫تردد خبر السماء بينهم و تجدد خطمماب اللممه فممي كممل حادثممة‬
‫تتلى عليهم فلم يحتج إلى مراعاة العصبية لما شمممل النمماس‬
‫مممن صممبغة النقيمماد و الذعممان وممما يسممتفزهم مممن تتممابع‬
‫المعجممزات الخارقممة و الحمموال اللهيممة الواقعممة و الملئكممة‬
‫المترددة التي وجموا منها و دهشمموا مممن تتابعهمما فكممان أمممر‬
‫الخلفممة و الملممك و العهممد والعصممبية و سممائر هممذه النممواع‬
‫مندرجا ً في ذلك القبيممل كممما وقممع فلممما انحصممر ذلممك المممدد‬
‫بممذهاب تلممك المعجممزات ثممم بفنمماء القممرون الممذين شمماهدوها‬
‫فاستحالت تلك الصممبغة قليل ً قليل ً و ذهبممت الخمموارق و صممار‬
‫الحكم للعادة كما كان فاعتبر أمر العصبية و مجمماري العمموائد‬
‫فيممما ينشممأ عنهمما مممن المصممالح و المفاسممد و أصممبح الملممك‬
‫والخلفة و العهد بهما مهما ً من المهمات الكيدة كممما زعممموا‬
‫و لم يكن ذلك من قبل فانظر كيف كانت الخلفة لعهد النبي‬
‫صلى الله عليه وسلم غير مهمة فلم يعهممد فيهمما ثممم تممدرجت‬
‫الهمية زمان الخلفة بعض الشيء بما دعممت الضممرورة إليممه‬
‫في الحماية والجهاد و شأن الردة و الفتوحات فكانوا بالخيممار‬
‫في الفعل و الترك كما ذكرناه عن عمر رضمي اللمه عنممه ثممم‬
‫صارت اليوم من أهم المممور لللفممة علممى الحمايممة و القيممام‬
‫بالمصالح فاعتبرت فيها العصبية الممتي هممي سممر المموازع عممن‬
‫الفرقة و التخاذل و منشأ الجتماع و التوافق الكفيل بمقاصد‬
‫الشريعة و أحكامها‪.‬‬
‫و المممر الثممالث شممأن الحممروب الواقعممة فممي السمملم بيممن‬
‫الصحابة و التابعين فاعلم أن اختلفهم إنممما يقممع فممي المممور‬
‫الدينية و ينشأ عن الجتهاد فممي الدلممة الصممحيحة و المممدارك‬
‫المعتبرة و المجتهممدون إذا اختلفمموا فممإن قلنمما إن الحممق فممي‬
‫المسائل الجتهادية واحد من الطرفين و من لم يصادفه فهو‬
‫مخطئ فإن جهته ل تتعين بإجماع فيبقى الكل علممى احتمممال‬
‫الصابة و ل يتعين المخطئ منها و التأثيم مممدفوع عممن الكممل‬
‫إجماعمما ً و إن قلنمما إن الكممل حممق و إن كممل مجتهممد مصمميب‬
‫فممأحرى بنفممي الخطممأ و التممأثيم و غايممة الخلف الممذي بيممن‬
‫الصحابة و التابعين أنه خلف اجتهادي في مسائل دينية ظنية‬
‫و هذا حكمه و الذي وقع من ذلك في السلم إنما هو واقعممة‬
‫علممى مممع معاويممة و مممع الزبيممر و عائشممة و طلحممة و واقعممة‬
‫الحسين مع يزيد و واقعة ابن الزبير مممع عبممد الملممك فأممما و‬
‫واقعة علي فإن الناس كانوا عند مقتل عثمان مفممترقين فممي‬
‫المصار فلم يشهدوا بيعة علي و الممذين شممهدوا فمنهممم مممن‬
‫بايع و منهم من توقف حتى يجتمع الناس و يتفقوا على إمام‬
‫كسعد و سعيد و ابن عمممر و أسممامة بممن زيممد و المغيممرة بممن‬
‫شعبة و عبد الله بن سلم و قدامة بن مظعون و أبممى سممعيد‬
‫الخدري و كعب بن مالك و النعمممان بممن بشممير و حسممان بممن‬
‫ثابت و مسلمة بن مخلممد و فضممالة بممن عبيممد و أمثممالهم مممن‬
‫أكابر الصحابة و الذين كممانوا فممي المصممار عممدلوا عممن بيعتممه‬
‫أيضا ً إلى الطلب بدم عثمان و تركوا المر فوضى حتى يكون‬
‫شورى بين المسلمين لمن يولونه و ظنمموا بعلممي همموادة فممي‬
‫السكوت عن نصممر عثمممان مممن قمماتله ل فممي الممممالة عليممه‬
‫فحاش لله من ذلك‪.‬‬
‫و لقد كان معاوية إذا صممرح بملمتممه إنممما يوجههمما عليممه فممي‬
‫سكوته فقط ثم اختلفوا بعممد ذلممك فممرأى علممي أن بيعتممه قممد‬
‫انعقدت و لزمت ممن تمأخر عنهما باجتمماع ممن اجتممع عليهما‬
‫بالمدينة دار النبي صلى الله عليه و سلم و ممموطن الصممحابة‬
‫و أرجأ المر في المطالبة بدم عثمان إلممى اجتممماع النمماس و‬
‫اتفاق الكلمة فيتمكن حينئذ من ذلك و رأى الخرون أن بيعته‬
‫لم تنعقد لفتراق الصحابة أهل الحممل و العقممد بالفمماق و لممم‬
‫يحصر إل قليل و ل تكون البيعة إل باتفاق أهل الحل و العقممد‬
‫و ل تلزم بعقد من تولها من غيرهممم أو مممن القليممل منهممم و‬
‫إن المسمملمين حينئذ فوضممى فيطممالبون أول ً بممدم عثمممان ثممم‬
‫يجتمعمون علمى إممام وذهمب إلمى همذا معاويمة و عممرو بمن‬
‫العمماص و أم المممؤمنين عائشممة و الزبيممر و ابنممه عبممد اللممه و‬
‫طلحة و ابنه محمممد و سممعد و سممعيد و النعمممان بممن بشممير و‬
‫معاوية بن خديج و من كان على رأيهممم مممن الصممحابة الممذين‬
‫تخلفوا عن بيعة علي بالمدينة كممما ذكرنمما إل أن أهممل العصممر‬
‫الثاني من بعممدهم اتفقمموا علممى انعقمماد بيعممة علممي و لزومهمما‬
‫للمسلمين أجمعين و تصويب رأيممه فيممما ذهممب إليممه و تعييممن‬
‫الخطأ من جهة معاوية و من كان على رأيه و خصوصا ً طلحة‬
‫و الزبير لنتقاضهما على علي بعد البيعة له فيما نقل مع دفع‬
‫التأثيم عن كل من الفريقين كالشأن في المجتهممدين و صممار‬
‫ذلك إجماعا ً مممن أهممل العصممر الثمماني علممى أحممد قممولي أهممل‬
‫العصر الول كما هو معروف‪.‬‬
‫و لقد سئل علي رضي الله عنممه عممن قتلممى الجمممل وصممفين‬
‫فقال‪ :‬و الذي نفسي بيممده ل يممموتن أحممد مممن هممؤلء و قلبممه‬
‫نقي إل دخل الجنة يشير إلى الفريقين نقله الطبري و غيممره‬
‫فل يقعن عندك ريب في عدالة أحد منهم و ل قدح في شيء‬
‫من ذلك فهم من علمت و أقوالهم و أفعممالهم إنممما هممي عممن‬
‫المستندات و عدالتهم مفروغ منها عند أهممل السممنة إل قممول ً‬
‫للمعتزلة فيمن قاتل عليا ً لم يلتفت إليه أحد من أهل الحق و‬
‫ل عممرج عليممه و إذا نظممر ت بعيممن النصمماف عممذرت النمماس‬
‫أجمعين فممي شممأن الختلف فممي عثمممان و اختلف الصممحابة‬
‫ة ابتلممى اللممه بهمما المممة بينممما‬
‫من بعد و علمت أنها كانت فتنم ً‬
‫المسلمون قد أذهب الله عدوهم و ملكهم أرضهم و ديممارهم‬
‫و نزلوا المصار على حدودهم بالبصرة و الكوفممة و الشممام و‬
‫مصر و كان أكثر العرب الذين نزلوا همذه المصمار جفماة ً لمم‬
‫يسممتكثروا مممن صممحبة النممبي صمملى اللممه عليممه و سمملم و ل‬
‫ارتاضوا بخلقه مع ما كان فيهمم مممن الجاهليممة ممن الجفماء و‬
‫العصبية و التفاخر و البعد عن سكينة اليمان و إذا بهممم عنممد‬
‫استفحال الدولة قد أصبحوا في ملكممة المهمماجرين و النصممار‬
‫من قريش وكنانممة و ثقيممف و هممذيل و أهممل الحجمماز و يممثرب‬
‫السابقين الولين إلى اليمان فاستنكفوا من ذلك و غضوا بممه‬
‫لما يرون لنفسهم من التقدم بأنسابهم و كممثرتهم ومصممادمة‬
‫فارس و الروم مثل قبممائل بكممر بممن وائل و عبممد القيممس بممن‬
‫ربيعة و قبائل كنممدة و الزد مممن اليمممن و تميممم و قيممس مممن‬
‫مضممر فصمماروا إلممى الغممض مممن قريممش و النفممة عليهممم‪ ،‬و‬
‫التمريض في طمماعتهم و التعلممل فممي ذلممك بممالتظلم منهممم و‬
‫الستعداء عليهم والطعن فيهم بالعجز عمن السموية و العمدل‬
‫في العدل عن السوية و فشت المقالممة بممذلك و انتهممت إلممى‬
‫المدينة و هم من علممت فمأعظموه و أبلغموه عثمممان فبعمث‬
‫إلى المصار من يكشف له الخبر‪.‬‬
‫بعث ابن عمر و محمد بن مسلمة و أسامة بن زيد و أمثالهم‬
‫فلم ينكروا علممى المممراء شمميئا ً و ل رأوا عليهممم طعن ما ً و أدوا‬
‫ذلممك كممما علممموه فلممم ينقطممع الطعممن مممن أهممل المصممار و‬
‫مازالت الشناعات تنمو و رمي الوليممد بممن عقبممة و هممو علممى‬
‫الكوفممة بشممرب الخمممر و شممهد عليممه جماعممة منهممم و حممده‬
‫عثمان و عزلة ثم جاء إلى المدينة من أهل المصار يسممألون‬
‫عزل العمال و شكوا إلى عائشة و علي و الزبيممر و طلحممة و‬
‫عزل لهم عثمان بعض العمال فلم تنقطع بذلك ألسممنتهم بممل‬
‫وفد سعيد بن العاصي وهو على الكوفة فلما رجممع اعترضمموه‬
‫بالطريق و ردوه معزول ً ثم انتقممل الخلف بيممن عثمممان ومممن‬
‫معه من الصحابة بالمدينة و نقموا عليه امتنمماعه مممن العممزل‬
‫فأبى إل أن يكون على جرحة ثم نقلوا النكير إلممى غيممر ذلممك‬
‫من أفعاله و هو متمسك بالجتهاد و هم أيضا ً كذلك ثم تجمممع‬
‫قوم من الغوغاء وجاءوا إلى المدينة يظهرون طلممب النصممفة‬
‫من عثمان و هم يضمرون خلف ذلك من قتلممه و فيهممم مممن‬
‫البصرة و الكوفة و مصر وقام معهم في ذلك علي و عائشممة‬
‫و الزبير و طلحة و غيرهم يحماولون تسمكين الممور و رجمموع‬
‫عثمان إلى رأيهم و عزل لهم عامل مصر فانصرفوا قليل ً ثممم‬
‫رجعوا و قد لبسوا بكتاب مدلس يزعمون أنهم لقوة فممي يممد‬
‫حامله إلى عامل مصر بأن يقتلهم و حلف عثمان علممى ذلممك‬
‫فقالوا مكنا من مروان فإنه كاتبك فحلف مروان فقال ليممس‬
‫في الحكم أكثر من هذا فحاصروه بداره ثم بيتوه علممى حيممن‬
‫غفلة من الناس و قتلوه وانفتح باب الفتنة فلكممل مممن هممؤلء‬
‫عذر فيما وقع و كلهم كانوا مهتمين بمأمر الممدين ول يضمميعون‬
‫شيئا ً من تعلقاته‪.‬‬
‫ثممم نظممروا بعممد هممذا الواقممع و اجتهممدوا و اللممه مطلممع علممى‬
‫أحوالهم و عالم بهم و نحن ل نظن بهم إل خيرا ً لممما شممهدت‬
‫به أحوالهم و مقالت الصادق فيهم و أمما الحسمين فمإنه لمما‬
‫ظهر فسق يزيد عند الكافة من أهل عصره بعثت شيعة أهل‬
‫الممبيت بالكوفممة للحسممين أن يممأتيهم فيقوممموا بممأمره فممرأى‬
‫الحسين أن الخروج على يزيد متعين من أجل فسقه ل سيما‬
‫من له القدرة على ذلك و ظنها من نفسمه بمأهليته و شموكته‬
‫فأما الهلية فكانت كممما ظممن و زيممادة و أممما الشمموكة فغلممط‬
‫يرحمه الله فيها لن عصبية مضر كانت في قريش و عصممبية‬
‫عبد مناف إنما كانت في بني أمية تعرف ذلك لهممم قريممش و‬
‫سائر الناس و ل ينكرونه و إنما نسي ذلممك أول السمملم لممما‬
‫شممغل النمماس ممن المذهول بمالخوارق و أمممر المموحي و تممردد‬
‫الملئكة لنصرة المسلمين فممأغفلوا أمممور عمموائدهم و ذهبممت‬
‫عصبية الجاهليممة و منازعهمما و نسمميت و لممم يبممق إل العصممبية‬
‫الطبيعية في الحماية و الدفاع ينتفع بهمما فممي إقامممة الممدين و‬
‫جهاد المشركين و الدين فيها محكممم و العممادة معزولممة حممتى‬
‫إذا انقطع أمر النبؤة و الخوارق المهولة تراجع الحكممم بعممض‬
‫الشيء للعوائد فعممادت العصممبية كممما كممانت و لمممن كممانت و‬
‫أصبحت مصر أطوع لبني أمية من سواهم بما كان لهممم مممن‬
‫ذلك قبل فقد تبين لك غلط الحسين إل أنه في أمر دنيمموي ل‬
‫يضره الغلط فيه و أما الحكم الشرعي فلممم يغلممط فيممه لنممه‬
‫منوط بظنه و كان ظنه القدرة علممى ذلممك و لقممد عممذله ابممن‬
‫العباس و ابن الزبير و ابن عمر و ابن الحنفية أخمموه و غيممره‬
‫في مسيره إلى الكوفة و علموا غلطه في ذلممك و لممم يرجممع‬
‫عما هو بسبيله لما أراده الله‪.‬‬
‫و أما غير الحسين من الصممحابة الممذين كممانوا بالحجمماز و مممع‬
‫يزيد بالشام والعراق و مممن التممابعين لهممم فممرأوا أن الخممروج‬
‫على يزيد و إن كان فاسقا ً ل يجوز لما ينشأ عنه من الهرج و‬
‫الدماء فأقصروا عن ذلممك و لممم يتممابعوا الحسممين و ل أنكممروا‬
‫عليه و ل أثموه لنه مجتهد و هو أسوة المجتهدين و ل يذهب‬
‫بك الغلط أن تقول بتأثيم هؤلء بمخالفة الحسين و قعممودهم‬
‫عن نصره فإنهم أكثر الصممحابة و كممانوا مممع يزيممد و لممم يممروا‬
‫الخروج عليه و كان الحسين يستشهد بهم و هو بكربلء على‬
‫فصله و حقه و يقول سمملوا جممابر بممن عبممد اللممه و أبمما سممعيد‬
‫الخدري و أنس بن مالك و سهل بن سعيد و زيد بممن أرقممم و‬
‫أمثالهم و لم ينكر عليهم قعودهم عن نصره و ل تعرض لذلك‬
‫لعلمه أنه عن اجتهاد و إن كان هو على اجتهاد و يكممون ذلممك‬
‫كما يحد الشافعي و المالكي و الحنفي علممى شممرب النبيممذ و‬
‫اعلم أن المر ليس كذلك و قتاله لم يكن عن اجتهاد هؤلء و‬
‫إن كممان خلفممه عممن اجتهممادهم و إنممما انفممرد بقتمماله يزيممد و‬
‫أصحابه و ل تقولن إن يزيد و إن كان فاسقا ً و لم يجز هممؤلء‬
‫الخروج عليه فأفعاله عندهم صممحيحة و اعلممم أنممه إنممما ينفممذ‬
‫من أعمال الفاسق ما كممان مشممروعا ً و قتممال البغمماة عنممدهم‬
‫من شممرطه أن يكممون مممع المممام العممادل و هممو مفقممود فممي‬
‫مسئلتنا فل يجوز قتال الحسين مممع يزيممد و ل ليزيممد بممل هممي‬
‫من فعلته المؤكدة لفسقه و الحسين فيها شهيد مثاب و هممو‬
‫على حق و اجتهاد و الصحابة الذين كانوا مع يزيد علممى حممق‬
‫أيضا ً و اجتهاد و قد غلط القاضي أبو بكر بن العربي المالكي‬
‫في هذا فقال في كتابه الذي سماه بالعواصم و القواصم ممما‬
‫معناه‪:‬‬
‫إن الحسين قتل بشرع جده و هو غلممط حملتممه عليممه الغفلممة‬
‫عن اشتراط المممام العممادل و مممن أعممدل مممن الحسممين فممي‬
‫زمانه في إمامته و عممدالته فممي قتممال أهممل الراء و أممما ابممن‬
‫الزبير فإنه رأى في منامه ما رآه الحسين و ظن كممما ظممن و‬
‫غلطه في أمر الشوكة أعظم لن بني أسممد ل يقمماومون بنممي‬
‫أمية في جاهلية و ل إسلم‪ .‬و القول بتعين الخطاء فممي جهممة‬
‫مخالفة كما كان في جهة معاوية مع علي ل سممبيل إليممه‪ .‬لن‬
‫الجماع هنالك قضى لنا بممه و لممم نجممده همما هنمما‪ .‬و أممما يزيممد‬
‫فعين خطأه فسقه‪ .‬و عبد الملك صمماحب ابممن الزبيممر أعظممم‬
‫الناس عدالة و ناهيك بعدالته احتجمماج مالممك بفعلممه و عممدول‬
‫ابن عباس و ابن عمر إلى بيعته عممن ابممن الزبيممر و هممم معممه‬
‫بالحجاز مع أن الكثير من الصحابة كممانوا يممرون أن بيعممة ابممن‬
‫الزبير لم تنعقد لنه لممم يحضممرها أهممل العقممد و الحممل كبيعممة‬
‫مممروان و ابممن الزبيممر علممى خلف ذلممك و الكممل مجتهممدون‬
‫محمولون على الحق في الظمماهر و إن لممم يتعيممن فممي جهممة‬
‫منهما و القتل الذي نزل به بعد تقرير ما قررناه يجيممء علممى‬
‫قواعد الفقه و قوانينه مع أنه شممهيد مثمماب باعتبممار قصممده و‬
‫تحريممه الحممق هممذا هممو الممذي ينبغممي أن تحمممل عليممه أفعممال‬
‫السلف من الصحابة و التابعين فهم خيار المة و إذا جعلناهم‬
‫عرضة للقدح فمن الذي يختص بالعدالممة و النممبي صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم يقول‪ :‬خير الناس قرني ثم الذين يلونهم مرتيممن‬
‫أو ثلثا ً ثم يفشو الكذب فجعل الخيرة و هي العدالة مختصممة‬
‫بالقرن الول و الذي يليممه فإيمماك أن تعممود نفسممك أو لسممانك‬
‫التعرض لحد منهم و ل يشوش قلبك بالريب في شمميء مممما‬
‫وقع مهم و التمس لهم مذاهب الحق و طرقه ممما اسممتطعت‬
‫فهم أولى الناس بذلك و ما اختلفوا إل عن بينة و ما قاتلوا أو‬
‫قتلوا إل في سبيل جهاد أو إظهممار حممق واعتقممد مممع ذلممك أن‬
‫اختلفهم رحمة لمن بعدهم من المة ليقتدي كل واحممد بمممن‬
‫يختاره منهم و يجعله إمممامه و هاديممة و دليلممه فممافهم ذلممك و‬
‫تبين حكمه الله في خلقه و أكوانه و اعلم أنه على كل شيء‬
‫قدير و إليه الملجأ و المصير و الله تعالى أعلم‪.‬‬
‫الفصممل الحممادي و الثلثممون فممي الخطممط الدينيممة‬
‫الخلفية‬
‫لما تبين أن حقيقممة الخلفممة نيابممة عممن صمماحب الشممرع فممي‬
‫حفظ الدين و سياسة الممدنيا فصمماحب الشممرع متصممرف فممي‬
‫المرين أما في الدين فبمقتضى التكاليف الشرعية الذي هممو‬
‫مممأمور بتبليغهمما و حمممل النمماس عليهمما و أممما سياسممة الممدنيا‬
‫فبمقتضممى رعممايته لمصممالحهم فممي العمممران البشممري و قممد‬
‫قدمنا أن هذا العمران ضروري للبشممر و أن رعايممة مصممالحه‬
‫كذلك لئل يفسد إن أهملت و قدمنا أن الملك و سطوته كاف‬
‫في حصول هذه المصالح‪.‬‬
‫نعم إنما تكون أكمل إذا كانت بالحكممام الشمرعية لنممه أعلمم‬
‫بهذه المصالح فقد صار الملك ينمدرج تحمت الخلفمة إذا كمان‬
‫إسلميا و يكون من توابعها و قد ينفر إذا كان في غيممر الملممة‬
‫و له علممى كممل حممال مراتممب خادمممة و وظممائف تابعممة تتعيممن‬
‫خططا ً و تتوزع على رجال الدولة وظممائف فيقمموم كممل واحممد‬
‫ة عليهممم‬ ‫بوظيفته حسبما يعينه الملك الممذي تكممون يممده عالي م ً‬
‫فيتم بمذلك أممره و يحسمن قيمامه بسملطانه و أمما المنصمب‬
‫الخلفممي و إن كممان الملممك ينممدرج تحتممه بهممذا العتبممار الممذي‬
‫ذكرناه فتصرفه الديني يخممص بخطممط و مراتممب ل تعممرف إل‬
‫للخلفمماء السمملميين فلنممذكر الن الخطممط الدينيممة المختصممة‬
‫بالخلفة و نرجع إلى الخطط الملوكية السلطانية‪.‬‬
‫فاعلم أن الخطممط الدينيممة الشممرعية مممن الصمملة و الفتيمما و‬
‫لقضاء و الجهاد و الحسبة كلها مندرجة تحت المامة الكممبرى‬
‫التي هي الخلفة فكأنها المام الكبير و الصل الجامع و هممذه‬
‫كلها متفرعة عنها و داخلة فيها لعموم نظر الخلفة وتصممرفها‬
‫فممي سممائر أحمموال الملممة الدينيممة و الدنيويممة و تنفيممذ أحكممام‬
‫الشرع فيها على العموم‪.‬‬
‫فأما إمامة الصلة فهي أرفع هذه الخطممط كلهمما و أرفممع مممن‬
‫الملك بخصوصه المندرج معهمما تحممت الخلفممة‪ .‬و لقممد يشممهد‬
‫لذلك استدلل الصحابة في شمأن أبمي بكمر رضمي اللمه عنممه‬
‫باسممتخلفه فممي الصمملة علممى اسممتخلفه فممي السياسممة فممي‬
‫قولهم ارتضاه رسول الله صلى الله عليه و سمملم لممديننا أفل‬
‫نرضاه لدنيانا ؟ فلول أن الصلة أرفع من السياسمة لمما صمح‬
‫القيمماس و إذا ثبممت ذلممك فمماعلم أن المسمماجد فممي المدينممة‬
‫صممنفان مسمماجد عظيمممة كممثيرة الغاشممية معممدة للصمملوات‬
‫المشهودة‪ .‬و أخممرى دونهمما مختصممة بقمموم أو محلممة وليسممت‬
‫للصلوات العامة فأما المساجد العظيمممة فأمرهمما راجممع إلممى‬
‫الخليفة أو من يفوض إليه من سلطان أو من وزيممر أو قمماض‬
‫فينصب لها المام في الصلوات الخمس و الجمعة و العيمدين‬
‫و الخسوفين و الستسقاء و تعين ذلك إنممما هممو مممن طريممق‬
‫الولى و الستحسان و لئل ً يفتات الرعايا عليه في شيء من‬
‫النظر في المصالح العامة وقد يقول بالوجوب في ذلممك مممن‬
‫يقول بوجوب إقامة الجمعة فيكممون نصممب المممام لهمما عنممده‬
‫واجبا ً و أما المساجد المختصة بقمموم أو محلممة فأمرهمما راجممع‬
‫إلى الجيران و ل تحتاج إلى نظر خليفة و ل سلطانا و أحكممام‬
‫هذه الوليممة و شممروطها و المممولى فيهمما معروفممة فممي كتممب‬
‫الفقه و مبسوطة في كتب الحكممام السمملطانية للممماوردي و‬
‫غيره فل نطول بذكرها و لقد كان الخلفاء الولون ل يقلدونها‬
‫لغيرهممم مممن النمماس‪ .‬و انظممر مممن طعممن مممن الخلفمماء فممي‬
‫المسجد عند الذان بالصمملة و ترصممدهم لممذلك فممي أوقاتهمما‪.‬‬
‫يشهد لك ذلك بمباشرتهم لها و أنهمم لمم يكونموا مسمتخلفين‬
‫فيها‪ .‬و كذا كان رجال الدولة الموية من بعدهم اسمتئثارا ً بهما‬
‫و استعظاما ً لرتبتها‪.‬‬
‫ه‬
‫يحكى عن عبد الملك أنه قال لحاجبه قممد جعلممت لممك حجمماب ً‬
‫يأبى إل عن ثلثة صاحب الطعام فإنه يفسد بالتأخير و الذان‬
‫بالصلة فإنه داع إلى اللممه و البريممد فممال فممي تممأخيره فسمماد‬
‫القاصية فلما جاءت طبيعة الملك و عوارضممه مممن الغلظممة و‬
‫الترفع عن مساواة الناس في دينهم و دنيمماهم اسممتنابوا فممي‬
‫الصلة فكممانوا يسممتأثرون بهمما فممي الحيممان و فممي الصمملوات‬
‫العامة كالعيدين و الجمعة إشارةً و تنويها ً فعل ذلك كثير مممن‬
‫خلفاء بني العباس و العبيديين صدر دولتهم‪.‬‬
‫و أما الفتيا فللخليفة تصفح أهل العلم و التدريس و رد الفتيا‬
‫إلى من هو أهل لها وإعانته على ذلممك و منممع مممن ليممس أهل‬
‫لها و زجره لنها من مصمالح المسملمين فمي أديمانهم فتجمب‬
‫عليه مراعاتها لئل يتعرض لممذلك مممن ليممس لممه بأهممل فيضممل‬
‫الناس‪ .‬وللمدرس النتصمماب لتعليممم العلممم و بثممه و الجلمموس‬
‫لذلك في المساجد فممإن كممانت مممن المسمماجد العظممام الممتي‬
‫للسلطان الولية عليها و النظر في أئمتها كما مر فل بد مممن‬
‫استئذانه في ذلك و إن كانت من مساجد العامممة فل يتوقممف‬
‫ذلممك‪ .‬علممى إذن‪ .‬علممى أنممه ينبغممي أن يكممون لكممل أحممد مممن‬
‫المفتين و المدرسين زاجر من نفسه يمنعه عن التصدي لممما‬
‫ليس له بأهل فيضل به المستهدي و يضممل بممه المسترشممد و‬
‫في الثممر أجراكممم علممى الفتيمما أجراكممم علممى جراثيممم جهنممم‬
‫فللسلطان فيهم لذلك مممن النظممر ممما تمموجبه المصمملحة مممن‬
‫إجازة أو رد‪.‬‬
‫و أما القضاء فهو من الوظممائف الداخلممة تحممت الخلفممة لنممه‬
‫منصب الفصل بين الناس في الخصومات حسممما ً للتممداعي و‬
‫قطعا ً للتنازع إل أنه بالحكام الشرعية المتلقاة من الكتاب و‬
‫السممنة‪ ،‬فكممان لممذلك مممن وظممائف الخلفممة و منممدرجا ً فممي‬
‫عمومها و كان الخلفاء في صدر السلم يباشممرونه بأنفسممهم‬
‫و ل يجعلون القضاء إلى من سممواهم‪ .‬و أول مممن دفعممه إلممى‬
‫غيره و فوضه فيه عمر رضي الله عنه فولى أبا الدرداء معممه‬
‫بالمدينة و ولى شريحا ً بالبصرة و ولى أبمما موسممى الشممعري‬
‫بالكوفة و كتب له في ذلك الكتاب المشهور الذي تدور عليممه‬
‫أحكام القضاة و هي مستوفاة فيه يقول أما بعد‪ :‬فإن القضاء‬
‫فريضة محكمة و سممنة متبعممة فممافهم إذا أدلممي إليممك فممإنه ل‬
‫ينفع تكلم بحممق ل نفمماذ لممه و آس بيممن النمماس فممي وجهممك و‬
‫مجلسك و عدلك حتى ل يطمع شريف في حيفممك و ل ييممأس‬
‫ضعيف من عدلك البينة على من ادعممى و اليميممن علممى مممن‬
‫أنكر‪ .‬و الصلح جائز بين المسمملمين إل صمملحا ً أحممل حرامما ً أو‬
‫حرم حلل ً و ل يمنعك قضاء قضيته أمس فراجعت اليوم فيممه‬
‫عقلك و هديت فيه لرشدك أن ترجع إلممى الحممق فممإن الحممق‬
‫قديم و مراجعة الحق خير مممن التمممادي فممي الباطممل الفهممم‬
‫الفهم فيما يتلجلج في صدرك مما ليس في كتمماب و ل سممنة‬
‫ثم اعرف المثال و الشباه و قس الممور بنظائرهما و اجعمل‬
‫ة أمدا ً ينتهي إليه فإن أحضممر بينتممه‬ ‫لمن ادعى حقا ً غائبا ً أو بين ً‬
‫أخذت له بحقه و إل استحللت القضاء عليممه فمإن ذلمك أنفممى‬
‫للشك و أجلى للعمى‪ .‬المسلمون عدول بعضهم علممى بعممض‬
‫إل مجلودا ً في حد أو مجرى عليممه شممهادة زور أو ظنين ما ً فممي‬
‫نسممب أو ولء‪ ،‬فممإن اللممه سممبحانه عفمما عممن اليمممان و درأ‬
‫بالبينات‪ .‬و إياك و القلق و الضممجر و التممأفف بالخصمموم فممإن‬
‫اسمتقرار الحمق فمي ممواطن الحمق يعظمم اللمه بمه الجمر و‬
‫يحسن به الذكر و السلم‪.‬‬
‫انتهى كتاب عمر و إنما كممانوا يقلممدون القضمماء لغيرهممم و إن‬
‫كان مما يتعلق بهم لقيامهم بالسياسة العامة و كثرة أشغالها‬
‫من الجهاد و الفتوحات و سممد الثغممور وحمايممة البيضممة‪ ،‬و لممم‬
‫يكممن ذلممك مممما يقمموم بممه غيرهممم لعظممم العنايممة فاسممتحقوا‬
‫القضاء في الواقعات بين الناس و استخلفوا فيه من يقوم به‬
‫تخفيف ما ً علممى أنفسممهم و كممانوا مممع ذلممك إنممما يقلممدونه أهممل‬
‫عصبيتهم بالنسب أو الولء و ل يقلدونه لمممن بعممد عنهممم فممي‬
‫ذلك‪ .‬و أما أحكام هذا المنصب و شروطه فمعروفة في كتب‬
‫الفقه و خصوصا ً كتب الحكام السلطانية‪ .‬إل أن القاضي إنما‬
‫كان له في عصر الخلفاء الفصل بين الخصوم فقط ثممم دفممع‬
‫لهممم بعممد ذلممك أمممور أخممرى علممى التدريممج بحسممب اشممتغال‬
‫الخلفاء و الملوك بالسياسة الكبرى و استقر منصب القضمماء‬
‫آخر المر على أنه يجمع مممع الفصممل بيممن الخصمموم اسممتيفاء‬
‫بعض الحقوق العامة للمسلمين بالنظر في أممموال المحجممور‬
‫عليهم من المجانين و اليتامى و المفلسممين و أهممل السممفه و‬
‫في وصايا المسلمين و أوقممافهم و تزويممج اليممامى عنممد فقممد‬
‫الولياء على رأي من رآه و النظممر فممي مصممالح الطرقممات و‬
‫البنية و تصفح الشهود و المناء و النواب و استيفاء العلممم و‬
‫الخممبرة فيهممم بالعدالممة و الجممرح ليحصممل لممه الوثمموق بهممم و‬
‫صارت هذه كلها مممن تعلقمات وظيفتمه و توابممع وليتمه‪ .‬و قمد‬
‫كان الخلفاء من قبل يجعلون للقاضي النظر فممي المظممالم و‬
‫هي وظيفة ممتزجة من سطوة السلطنة و نصممفة القضمماء و‬
‫تحتاج إلى علو يد و عظيم رهبة تقمع الظالم مممن الخصمممين‬
‫و تزجر المتعدي و كأنه يمضي ما عجز القضاة أو غيرهم عن‬
‫إمضممائه و يكممون نظممره فممي البينممات و التقريممر و اعتممماد‬
‫المارات و القرائن و تأخير الحكم إلى استجلء الحق و حمل‬
‫الخصمين على الصلح و استحلف الشهود و ذلك أوسممع مممن‬
‫نظر القاضي‪.‬‬
‫و كان الخلفاء الولون يباشرونها بأنفسهم إلى أيام المهتممدي‬
‫من بني العباس و ربممما كممانوا يجعلونهمما لقضمماتهم كممما فعممل‬
‫عمر رضي الله عنه مع قاضيه أبمي أدريمس الخمولني و كمما‬
‫فعله المأمون ليحيى بن أكثم و المعتصم لحمد بن أبممي داود‬
‫و ربممما كممانوا يجعلممون للقاضممي قيممادة الجهمماد فممي عسمماكر‬
‫الطوائف و كان يحيى بن أكثم يخرج أيام المممأمون بالطائفممة‬
‫إلى أرض الروم و كذا منذر بممن سممعيد قاضممي عبممد الرحمممن‬
‫الناصر من بني أمية بالندلس فكممانت تمموليه هممذه الوظممائف‬
‫إنما تكون للخلفاء أو من يجعلون ذلك له من وزير مفوض أو‬
‫سلطان متغلممب‪ .‬و كممان أيض ما ً النظممر فممي الجممرائم و إقامممة‬
‫الحدود في الدولة العباسية و المويممة بالنممدلس و العبيممديين‬
‫بمصر و المغرب راجعا ً إلى صاحب الشممرطة و هممي وظيفممة‬
‫أخرى دينية كمانت ممن الوظمائف الشمرعية فمي تلمك المدول‬
‫توسع النظر فيها عن أحكام القضاء قليل ً فيجعل للتهمممة فممي‬
‫الحكم مجال ً و يفرض العقوبات الزاجرة قبل ثبمموت الجممرائم‬
‫و يقيم الحدود الثابتة في مالها و يحكم في القود و القصاص‬
‫و يقيم التعزيز و التأديب في حق من لم ينته عن الجريمة‪.‬‬
‫ثم تنوسي شأن هاتين الوظيفممتين فممي الممدول الممتي تنوسممي‬
‫فيها أمر الخلفة فصممار أمممر المظممالم راجعما ً إلمى السمملطان‬
‫كان له تفويض من الخليفممة أو لممم يكممن و انقسمممت وظيفممة‬
‫الشرطة قسمين منها وظيفة التهمة علممى الجممرائم و إقامممة‬
‫حدودها و مباشرة القطممع و القصمماص حيممث يتعيممن و نصممب‬
‫لذلك في هذه الدول حاكم يحكم فيها بموجب السياسة دون‬
‫مراجعة الحكام الشرعية و يسمى تارة ً باسم الوالي و تممارةً‬
‫باسم الشرطة و بقممي قسممم التعممازير و إقامممة الحممدود فممي‬
‫الجرائم الثابتة شرعا ً فجمع ذلك للقاضي مع ما تقدم و صممار‬
‫ذلك من توابع وظيفة وليته و استقر المر لهممذا العهممد علممى‬
‫ذلك و خرجت هذه الوظيفة عن أهل عصبية الدولة لن المر‬
‫ة و هذه الخطة من مراسم الممدين فكممانوا‬ ‫ة ديني ً‬
‫لما كان خلف ً‬
‫ل يولون فيها إل مممن أهممل عصممبيتهم مممن العممرب و مممواليهم‬
‫بالحلف أو بالرق أو بالصطناع ممممن يوثممق بكفممايته أو غنممائه‬
‫فيما يدفع إليه‪ ،‬و لما انقرض شأن الخلفممة و طورهمما و صممار‬
‫المر كله ملكا ً أو سلطانا صارت هذه الخطط الدينيممة بعيممدة‬
‫عنه بعض الشيء لنها ليست من ألقاب الملك و ل مراسمه‬
‫ثم خرج المر جملة من العرب و صممار الملممك لسممواهم مممن‬
‫أمم الترك و البربر فازدادت هذه الخطط الخلفية بعدا ً عنهم‬
‫بمنحاها وعصبيتها‪ .‬و ذلك أن العرب كانوا يرون أن الشممريعة‬
‫دينهم و هل النبي صلى الله عليه و سمملم منهممم و أحكممامه و‬
‫شرائعه نحلتهم بين المم و طريقهم‪ ،‬و غيرهم ل يرون ذلممك‬
‫إنما يولونها جانبا ً من التعظيم لما دانوا بالملة فقط‪ .‬فصمماروا‬
‫يقلدونها مممن غيممر عصممابتهم ممممن كممان تأهممل لهمما فممي دول‬
‫الخلفاء السالفة‪.‬‬
‫و كان أولئك المتأهلون بما أخذهم ترف الدول منذ مئتين من‬
‫السنين قد نسوا عهد البداوة و خشونتها و التبسوا بالحضارة‬
‫في عوائد ترفهم و دعتهم‪ ،‬و قلممة الممانعممة عممن أنفسممهم‪ ،‬و‬
‫صارت هذه الخطط فممي الممدول الملوكيممة مممن بعممد الخلفمماء‬
‫ة بهذا الصنف من المستضممعفين فممي أهممل المصممار و‬ ‫مختص ً‬
‫نزل أهلها عن مراتب العز لفقممد الهليممة بأنسمابهم و ممما هممم‬
‫عليه ممن الحضمارة فلحقهمم ممن الحتقمار مما لحمق الحضمر‬
‫المنغمسين في الترف و الدعة‪ ،‬البعممداء عممن عصممبية الملممك‬
‫الذين هم عيال على الحامية‪ ،‬و صار اعتبارهم في الدولة من‬
‫أجممل قيامهمما بالملممة و أخممذها بأحكممام الشممريعة‪ ،‬لممما أنهممم‬
‫الحمماملون للحكممام المقتممدون بهمما‪ .‬و لممم يكممن إيثممارهم فممي‬
‫الدولة حينئذ إكراما ً لذواتهم‪ ،‬و إنما هو لما يتلمح من التجمل‬
‫بمكانهم في مجالس الملك لتعظيممم الرتممب الشممرعية‪ ،‬و لممم‬
‫يكن لهم فيها من الحل و العقد شيء‪ ،‬و أن حضروه فحضور‬
‫رسمي ل حقيقممة وراءه‪ ،‬إذ حقيقممة الحممل و العقممد إنممما هممي‬
‫لهل القدرة عليه فمن ل قدرة له عليه فل حل لممه و ل عقممد‬
‫لديه‪ .‬اللهم إل أخذ الحكام الشرعية عنهم‪ ،‬و تلقممي الفتمماوى‬
‫منهم فنعم و الله الموفق‪ .‬و ربما يظن بعض الناس أن الحق‬
‫فيما وراء ذلممك و أن فعممل الملمموك فيممما فعلمموه مممن إخممراج‬
‫الفقهاء و القضاة من الشورى مرجوح و قد قممال صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم‪ :‬العلماء ورثة النبياء فمماعلم أن ذلممك ليممس كممما‬
‫ظنه و حكم الملك و السلطان إنما يجممري علممى ممما تقتضمميه‬
‫طبيعممة العمممران و إل كممان بعيممدا ً عممن السياسممة‪ .‬فطبيعممة‬
‫العمران في هؤلء ل تقضي لهم شيئا ً من ذلممك لن الشممورى‬
‫و الحل و العقد ل تكون إل لصاحب عصممبية يقتممدر بهمما علممى‬
‫حل أو عقد أو فعل أو ترك‪ ،‬و أما من ل عصبية له و ل يملممك‬
‫من أمر نفسه شيئا ً و ل مممن حمايتهمما و إنممما هممو عيممال علممى‬
‫غيره فأي مممدخل لممه فممي الشممورى أو أي معنممى يممدعو إلممى‬
‫اعتبمماره فيهمما اللهممم إل شمموراه فيممما يعلمممه مممن الحكممام‬
‫الشرعية فموجودة في الستفتاء خاصممة‪ .‬و أممما شمموراه فممي‬
‫السياسممة فهممو بعيممد عنهمما لفقممدانه العصممبية و القيممام علممى‬
‫معرفة أحوالها وأحكامها و إنما إكرامهم من تبرعات الملمموك‬
‫و المراء الشاهدة لهم بجميل العتقمماد فممي الممدين و تعظيممم‬
‫من ينتسب إليه بأي جهة انتسب و أما قوله صلى اللممه عليممه‬
‫و سلم العلماء ورثة النبيمماء فمماعلم أن الفقهمماء فممي الغلممب‬
‫لهذا العهد و ممما احتممف بممه إنممما حملمموا الشممريعة أقمموال ً فممي‬
‫كيفية العمال في العبادات و كيفية القضمماء فممي المعمماملت‬
‫ينصونها على من يحتاج إلى العمل بها هذه غاية أكابرهم و ل‬
‫يتصممفون إل بالقممل منهمما و فممي بعممض الحمموال و السمملف‬
‫رضموان اللممه عليهمم و أهممل الممدين و المورع مممن المسملمين‬
‫حملوا الشريعة اتصممافا ً بهمما و تحققما ً بمممذاهبها‪ .‬فمممن حملهمما‬
‫اتصافا ً و تحققا ً دون نقل فهو من الوارثين مثممل أهممل رسمالة‬
‫القشيري و من اجتمع له المران فهو الوارث علممى الحقيقممة‬
‫مثل فقهاء التابعين و السلف و الئمممة الربعممة و مممن اقتفممى‬
‫طريقهم و جاء على أثرهم و إذا انفرد واحد مممن المممة بأحممد‬
‫المرين فالعابد أحق بالوراثة من الفقيه الذي ليس بعابد لن‬
‫العابد ورث بصفة و الفقيه الذي ليممس بعابممد لمم يمرث شميئا ً‬
‫إنما هو صاحب أقوال بنصها علينا في كيفيات العمل و هؤلء‬
‫أكثر فقهاء عصرنا إل الذين آمنوا و عملوا الصالحات و قليممل‬
‫ما هم‪.‬‬
‫العدالة‪ :‬و هي وظيفة دينية تابعة للقضاء و من مواد تصممريفه‬
‫و حقيقة هذه الوظيفة القيام عن إذن القاضي بالشهادة بيممن‬
‫النمماس فيممما لهممم و عليهممم تحمل ً عنممد الشممهاد و أداء عنممد‬
‫التنممازع و كتبمما ً فممي السممجلت تحفممظ بممه حقمموق النمماس و‬
‫أملكهم و ديونهم و سائر معاملتهم و شممرط هممذه الوظيفممة‬
‫التصاف بالعدالة الشرعية و الممبراءة مممن الجممرح ثممم القيممام‬
‫بكتب السجلت و العقود من جهة عباراتها و انتظام فصممولها‬
‫و من جهة إحكام شروطها الشرعية و عقودها فيحتمماج حينئذ‬
‫إلى ما يتعلق بذلك مممن الفقممه و لجممل هممذه الشممروط و ممما‬
‫يحتاج إليه من المران على ذلك و الممارسة له اختممص ذلممك‬
‫ببعض العدول و صار الصنف القممائمون بممه كممأنهم مختصممون‬
‫بالعدالة و ليس كذلك و إنما العدالة من شممروط اختصاصممهم‬
‫بالوظيفة و يجب على القاضي تصفح أحوالهم و الكشف عن‬
‫سيرهم رعاية لشرط العدالممة فيهممم و أن ل يهمممل ذلممك لممما‬
‫يتعين عليه من حفظ حقوق الناس فالعهممدة عليممه فممي ذلممك‬
‫كله و هو ضامن دركه و إذا تعين هؤلء لهذه الوظيفممة عمممت‬
‫الفائدة في تعممبين مممن تخفممى عممدالته علممى القضمماة بسممبب‬
‫اتسمماع المصممار و اشممتباه الحمموال و اضممطرار القضمماة إلممى‬
‫الفصل بين المتنازعين بالبينات الموثوقة فيعولون غالب ما ً فممي‬
‫الوثوق بها على هذا الصنف و لهم في سائر المصار دكمماكين‬
‫و مصمماطب يختصممون بممالجلوس عليهمما فيتعاهممدهم أصممحاب‬
‫المعمماملت للشممهاد و تقييممده بالكتمماب و صممار مممدلول هممذه‬
‫اللفظة مشتركا ً بين هذه الوظيفة التي تممبين مممدلولها و بيممن‬
‫العدالمة الشمرعية المتي همي أخمت الجممرح و قمد يتمواردان و‬
‫يفترقان و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الحسبة و السكة‬
‫إما الحسبة فهي وظيفة دينيممة مممن بمماب المممر بممالمعروف و‬
‫النهممي عممن المنكممر الممذي هممو فممرض علممى القممائم بممأمور‬
‫المسلمين يعين لذلك من يراه أهل ً لممه فيتعيممن فرضممه عليممه‬
‫ويتخذ العوان على ذلممك و يبحممث عممن المنكممرات و يعممزر و‬
‫يؤدب على قدرها و يحمل الناس على المصممالح العامممة فممي‬
‫المدينممة مثممل المنممع مممن المضممايقة فممي الطرقممات و منممع‬
‫الحمالين و أهل السفن من الكثار في الحمل و الحكم علممى‬
‫أهل المباني المتداعية للسقوط بهدمها و إزالة ما يتوقع مممن‬
‫ضممررها علممى السممابلة والضممرب علممى أيممدي المعلميممن فممي‬
‫المكاتب و غيرها في البلغ في ضربهم للصممبيان المتعلميممن‬
‫و ل يتوقمف حكممه علمى تنمازع أو اسمتعداء بمل لمه النظمر و‬
‫الحكم فيما يصل إلى علمه من ذلك و يرفع إليممه و ليممس لممه‬
‫إمضاء الحكم في الدعاوي مطلقا ً بممل فيمما يتعلممق بمالغش و‬
‫التدليس في المعايش و غيرها في المكاييل و الموازين و له‬
‫أيضا ً حمل المماطلين على النصاف و أمثال ذلك مممما ليممس‬
‫فيه سماع بينة و ل إنفاذ حكم و كأنهمما أحكممام ينممزه القاضممي‬
‫عنها لعمومهمما و سممهولة أغراضممها فتممدفع إلممى صمماحب هممذه‬
‫الوظيفممة ليقمموم بهمما فوضممعها علممى ذلممك أن تكممون خادمممة‬
‫لمنصب القضاء و قد كانت فممي كممثير مممن الممدول السمملمية‬
‫مثل العبيديين بمصر و المغرب و المممويين بالنممدلس داخلممة‬
‫في عموم ولية القاضي يولي فيها باختياره ثممم لممما انفممردت‬
‫وظيفة السلطان عن الخلفة و صممار نظممره عاممما فممي أمممور‬
‫السياسة اندرجت في وظائف الملك و أفردت بالولية‪.‬‬
‫و أما السكة فهي النظر في النقود المتعامل بها بيممن النمماس‬
‫و حفظها مما يداخلها من الغممش أو النقممص إن كممان يتعامممل‬
‫بها عددا ً أو ما يتعلق بذلك و يوصل إليه من جميع العتبارات‬
‫ثم في وضع علمة السلطان على تلممك النقممود بالسممتجادة و‬
‫الخلوص برسم تلك العلمة فيها من خاتم حديد أتخذ لذلك و‬
‫نقش فيه نقوش خاصة به فيوضع على المدينار بعممد أن يقممدر‬
‫ويضرب عليممه بالمطرقممة حممتى ترسممم فيممه تلممك النقمموش و‬
‫تكون علمة علمى جممودته بحسممب الغايممة الممتي وقمف عنمدها‬
‫السبك والتخليص في متعارف أهل القطر و مممذاهب الدولممة‬
‫الحاكمة فإن السبك و التخليص في النقود ل يقف عنممد غايممة‬
‫و إنما ترجع غايته إلى الجتهاد فإذا وقف أهممل أفممق أو قطممر‬
‫على غاية من التخليص وقفوا عندها و سموها إماما ً و عيممارا ً‬
‫يعتبرون به نقودهم وينتقدونها بمماثلته فإن نقممص عممن ذلممك‬
‫كان زيفا ً و النظر في ذلك كله لصاحب هذه الوظيفممة و هممي‬
‫دينية بهذا العتبار فتندرج تحت الخلفة و قد كانت تندرج في‬
‫عموم ولية القاضممي ثممم أفممردت لهممذا العهممد كممما وقممع فممي‬
‫الحبشة‪.‬‬
‫هذا آخر الكلم في الوظائف الخلفية و بقيممت منهمما وظممائف‬
‫ة فوظيفممة‬ ‫ذهبت بذهاب ما ينظر فيه و أخرى صارت سلطاني ً‬
‫المارة و الوزارة و الحرب و الخراج صارت سمملطانية نتكلممم‬
‫عليها في أماكنها بعد وظيفممة الجهمماد وظيفممة الجهمماد بطلممت‬
‫ببطلنه إل في قليل من الدول يمارسونه و يدرجون أحكممامه‬
‫غالبا ً في السلطانيات وكذا نقابة النسمماب الممتي يتوصممل بهمما‬
‫إلى الخلفة أو الحق في بيت المال قد بطلت لدثور الخلفممة‬
‫و رسومها و بالجملة قد اندرجت رسمموم الخلفممة و وظائفهمما‬
‫في رسوم الملك و السياسة في سائر الممدول لهممذا العهممد و‬
‫الله مصرف المور كيف يشاء‪.‬‬

‫الفصمممل الثممماني و الثلثمممون فمممي اللقمممب بمممأمير‬


‫المؤمنين و إنه من سمات الخلفة و هو محدث‬
‫منذ عهد الخلفاء‬
‫و ذلك أنه لما بويع أبو بكر رضممي اللممه عنممه و كممان الصممحابة‬
‫رضي الله عنهم و سمائر المسملمين يسممونه خليفمة رسممول‬
‫الله صلى الله عليه و سلم و لم يزل المر على ذلك إلى أن‬
‫هلك فلما بويع لعمر بعهده إليه كممانوا يممدعونه خليفممة خليفممة‬
‫رسول الله صلى اللممه عليممه و سمملم و كممأنهم اسممتثقلوا هممذا‬
‫اللقب بكثرته و طول إضافته و أنه يتزايد فيما بعد دائما إلممى‬
‫أن ينتهي إلى الهجنة و يذهب منه التمييز بتعممدد الضممافات و‬
‫كثرتها فل يعرف فكانوا يعدلون عن هذا اللقب إلى ما سممواه‬
‫مما يناسبه و يدعى بممه مثلممه و كممانوا يسمممون قممواد البعمموث‬
‫باسممم الميممر و هممو فعيممل مممن المممارة و قممد كممان الجاهليممة‬
‫يدعون النبي صلى الله عليه و سلم أمير مكة و أمير الحجاز‬
‫و كممان الصممحابة أيض ما ً يممدعون سممعد بممن أبممي و قمماص أميممر‬
‫المممؤمنين لمممارته علممى جيممش القادسممية و هممم معظممم‬
‫المسلمين يومئذ و اتفق أن دعا بعممض الصممحابة عمممر رضممي‬
‫الله عنه يا أمير المؤمنين فاستحسنه النمماس و استصمموبوه و‬
‫دعوه به‪.‬‬
‫يقال إن أول من دعاه بذلك عبد الله بن جحش و قيل عمرو‬
‫بن العاصي والمغيرة بن شعبة و قيل بريممد جمماء بالفتممح مممن‬
‫بعض البعوث و دخل المدينة و هو يسممأل عممن عمممر و يقممول‬
‫أين أمير المممؤمنين و سممممها أصممحابه فاستحسممنوه و قممالوا‬
‫أصبت و الله اسمه إنممه و اللممه أميممر المممؤمنين حق ما ً فممدعوه‬
‫بذلك و ذهب لقبا ً له في النمماس وتمموارثه الخلفمماء مممن بعممده‬
‫ة ل يشاركهم فيها أحد سواهم إل سائر دولة بني أمية ثم‬ ‫سم ً‬
‫إن الشيعة خصوا عليا ً باسم المام نعتا ً له بالمامة التي هممي‬
‫أخت الخلفة وتعريضا ً بمذهبهم في أنه أحممق بإمامممة الصمملة‬
‫من أبي بكر لما هو مذهبهم و بدعتهم فخصوه بهذا اللقممب و‬
‫لمن يسوقون إليممه منصمب الخلفمة ممن بعممده فكممانوا كلهممم‬
‫يسمون بالمام ما داموا يممدعون لهممم فممي الخلفمماء حممتى إذا‬
‫يستولون على الدولة يحولممون اللقممب فيممما بعممده إلممى أميممر‬
‫المؤمنين كما فعله شيعة بني العباس فإنهم ما زالوا يممدعون‬
‫أئمتهم بالمام إلى إبراهيم الذي جهروا بالممدعاء لممه و عقممدوا‬
‫الرايات للحرب على أمممره فلممما هلممك دعممي أخمموة السممفاح‬
‫بأمير المؤمنين‪.‬‬
‫و كذا الرافضة بأفريقيا فإنهم ما زالوا يدعون أئمتهم من ولد‬
‫إسماعيل بالمام حتى انتهى المر إلى عبيممد اللممه المهممدي و‬
‫كانوا أيضا ً يدعونه بالمام و لبنه أبي القاسم من بعممده فلممما‬
‫استوثق لهم المر دعوا مممن بعممدهما بممأمير المممؤمنين و كممذا‬
‫الدارسة بالمغرب كانوا يلقبون إدريس بالمام و ابنه إدريس‬
‫الصغر كممذلك وهكممذا شممأنهم و تمموارث الخلفمماء هممذا اللقممب‬
‫بأمير المؤمنين و جعلوه سمة لمن يملك الحجمماز و الشممام و‬
‫العراق و المواطن التي هي ديممار العممرب و مراكممز الدولممة و‬
‫أهل الملة و الفتح و ازداد لذلك في عنفوان الدولممة و بممذخها‬
‫لقب آخر الخلفاء يتميز به بعضهم عممن بعممض لممما فممي أميممر‬
‫المؤمنين من الشتراك بينهم فاسممتحدث لممذلك بنممو العبمماس‬
‫حجابا ً لسمائهم العلم عممن امتهانهمما فممي ألسممنة السمموقة و‬
‫صونا ً لها عن البتذال فتلقبوا بالسفاح و المنصممور و المهممدي‬
‫و الهادي و الرشيد إلى آخر الدولة و اقتفى أثرهم فممي ذلممك‬
‫العبيممديون بأفريقيممة و مصممر و تجممافى بنممو أميممة عممن ذلممك‬
‫بالمشممرق قبلهممم مممع الغضاضممة و السممذاجة لن العروبيممة و‬
‫منازعها لم تفارقهم حينئذ و لم يتحممول عنهممم شممعار البممداوة‬
‫إلى شعار الحضارة و أما بالندلس فتلقبمموا كسمملفهم مممع ممما‬
‫عملوه من أنفسهم من القصور عن ذلك بالقصور عممن ملممك‬
‫الحجاز أصل العرب و الملة و البعد عن دار الخلفة التي هي‬
‫مركز العصبية و أنهم إنما منعوا بإمارة القاصية أنفسهم مممن‬
‫مهالك بني العباس حتى إذا جاء عبد الرحمممن الممداخل الخممر‬
‫منهم و هو الناصر بن محمد بن المير عبد الله بن محمد بممن‬
‫عبد الرحمن الوسط لول المممائة الرابعممة و اشممتهر ممما نممال‬
‫الخلفة بالمشرق من الحجر و استبداد الموالي و عيثهم فممي‬
‫الخلفمماء بممالعزل و السممتبدال و القتممل و السمممل ذهممب عبممد‬
‫الرحمن هذا إلى مثل مذاهب الخلفاء بالمشرق و أفريقيممة و‬
‫تسمى بأمير المؤمنين و تلقب بالناصر لممدين اللممه‪ .‬و أخممذت‬
‫من بعده عادة و مذهب لقن عنممه و لممم يكممن لبممائه و سمملف‬
‫قومه‪ .‬و استمر الحال علممى ذلممك إلممى أن انقرضممت عصممبية‬
‫العممرب أجمممع و ذهممب رسممم الخلفممة و تغلممب الممموالي مممن‬
‫العجم على بني العباس و الصنائع على العبيديين بالقمماهرة و‬
‫صنهاجة على أمراء أفريقية و زناتممة علممى المغممرب و ملمموك‬
‫الطوائف بالندلس على أمر بنممي أميممة واقتسممموه و افممترق‬
‫أمر السلم فاختلفت مذاهب الملمموك بممالمغرب و المشممرق‬
‫فممي الختصمماص باللقمماب بعممد أن تسممموا جميعمما باسممم‬
‫السلطان‪.‬‬
‫فأمما ملموك المشمرق ممن العجمم فكمان الخلفماء يخصمونهم‬
‫يألقاب تشريفية حتى يستشممعر منهمما انقيممادهم و طمماعتهم و‬
‫حسممن وليتهممم مثممل شممرف الدولممة و عضممد الدولممة و ركممن‬
‫الدولة و معز الدولممة و نصممير الدولممة و نظممام الملممك و بهمماء‬
‫الدولة و ذخيرة الملك و أمثال هممذه و كممان العبيممديون أيض ما ً‬
‫يخصون بها أمراء صنهاجة فلما استبدوا علممى الخلفممة قنعمموا‬
‫بهذه اللقاب و تجافوا عن ألقاب الخلفة أدبما ً معهمما و عممدول‬
‫عن سمماتها المختصمة بهما شمأن المتغلممبين المسمتبدين كمما‬
‫قلناه و نزع المتأخرون أعاجم المشرق حين قوي استبدادهم‬
‫على الملك و عل كعبهممم فممي الدولممة و السمملطان و تلشممت‬
‫عصممبية الخلفممة و اضمممحلت بالجملممة إلممى انتحممال اللقمماب‬
‫الخاصة بالملك مثل الناصر و المنصور و زيممادة علممى ألقمماب‬
‫يختصون بها قبل هممذا النتحممال مشممعرة بممالخروج عممن ربقممة‬
‫الولء و الصطناع بممما أضممافوها إلممى الممدين فقممط فيقولممون‬
‫صلح الدين أسممد الممدين نممور الممدين‪ .‬و أممما ملمموك الطمموائف‬
‫بالنمممدلس فاقتسمممموا ألقممماب الخلفمممة و توزعوهممما لقممموة‬
‫اسممتبدادهم عليهمما بممما كممانوا مممن قبيلهمما و عصممبتها فتلقبمموا‬
‫بالناصر و المنصور و المعتمد و المظفممر و أمثالهمما كممما قممال‬
‫ابن أبي شرف ينعى عليهم‪:‬‬
‫مما يزهدني في أرض أندلس أسماء معتمد فيها و معتضد‬
‫ألقاب مملكة في غير موضعها كالهر يحكي انتفاخا ً صورة‬
‫السد‬
‫و أممما صممنهاجة فاقصممروا عممن اللقمماب الممتي كممان الخلفمماء‬
‫العبيديون يلقبون بها للتنويه مثل نصير الدولة و معممز الدولممة‬
‫و اتصممل لهممم ذلممك لممما أدالمموا مممن دعمموة العبيممديين بممدعوة‬
‫العباسمميين ثممم بعممدت الشممقة بينهممم و بيممن الخلفممة و نسمموا‬
‫عهدها فنسوا هذه اللقاب و اقتصروا على اسم السمملطان و‬
‫كذا شأن ملوك مغراوة بالمغرب لم ينتحلمموا شمميئا ً مممن هممذه‬
‫اللقمماب إل اسممم السمملطان جريمما ً علممى مممذاهب البممداوة و‬
‫الغضاضة‪ .‬و لما محي رسم الخلفة و تعطل دسممتها ا و قممام‬
‫بالمغرب من قبائل البربر يوسف بممن تاشممفين ملممك لمنتونممة‬
‫فملك العدوتين و كان من أهممل الخيممر و القتممداء نزعممت بممه‬
‫همته إلى الدخول فممي طاعممة الخليفممة تكميل ً لمراسممم دينممه‬
‫فخاطب المستظهر العباسي و أوفد عليه بيعته عبد اللممه بممن‬
‫العربي و ابنه القاضي أبا بكر مممن مشمميخة إشممبيلية يطلبممان‬
‫توليته إياها على المغرب و تقليممده ذلممك فممانقلبوا إليممه بعهممد‬
‫الخلفة له على المغرب و استشعار زيهم في لبوسه و رتبته‬
‫وخاطبه فيه يا أميممر المممؤمنين تشمريفا ً و اختصاصما ً فاتخممذها‬
‫لقبا ً و يقال إنه كان دعي له بأمير المؤمنين من قبل أدبا ً مممع‬
‫رتبة الخلفة لما كان عليه هو و قومه المرابطون من انتحال‬
‫الدين و اتباع السنة و جمماء المهممدي علممى أثرهممم داعي ما ً إلممى‬
‫الحممق آخممذا ً بمممذاهب الشممعرية ناعيمما ً علممى أهممل المغممرب‬
‫عدولهم عنها إلى تقليممد السمملف فممي تممرك التأويممل لظممواهر‬
‫الشريعة و ما يؤول إليه ذلك من التجسيم كممما هممو معممروف‬
‫في مذهب الشعرية و سمي أتباعه الموحدين تعريضا ً بممذلك‬
‫النكير و كان يرى رأي أهل البيت في المام المعصوم و أنممه‬
‫ل بد منه فممي كممل زمممان يحفممظ بوجمموده نظممام هممذا العممالم‬
‫فسمى بالمام لما قلناه أول ً من مذهب الشمميعة فممي ألقمماب‬
‫خلفائهم و أردف بالمعصوم إشممارةً إلممى مممذهبه فممي عصمممة‬
‫المام و تنزه عند اتباعه عممن أميممر المممؤمنين أخممذا ً بمممذاهب‬
‫المتقدمين مممن الشمميعة و لمما فيهما ممن مشمماركة الغممار و‬
‫الولدان من أعقاب أهل الخلفة يومئذ بالمشرق‪.‬‬
‫ثم انتحل عبد المؤمن ولي عهممده اللقممب بممأمير المممؤمنين و‬
‫جرى عليه من بعده خلفاء بنى عبد المؤمن و آل أبى حفممص‬
‫من بعدهم استئثارا ً به عمممن سممواهم لممما دعمما إليممه شمميخهم‬
‫المهدي من ذلك و أنه صاحب المر و أولياؤه من بعده كذلك‬
‫دون كمل أحمد لنتقماء عصمبية قريمش و تلشميها فكمان ذلمك‬
‫دأبهم‪ .‬و لممما انتقممض المممر بممالمغرب و انممتزعه زناتممة ذهممب‬
‫أولهم مذاهب البداوة و السذاجة و أتباع لمتونممة فممي انتحممال‬
‫اللقب بأمير المؤمنين أدبا ً مع رتبة الخلفة الممتي كممانوا علممى‬
‫طاعتها لبني عبد المؤمن أول و لبني أبي حفممص مممن بعممدهم‬
‫ثم نزع المتأخرون منهم إلى اللقب بأمير المؤمنين و انتحلوه‬
‫لهممذا العهممد اسممتبلغا ً فممي منممازع الملممك و تتميم ما ً لمممذاهبه‬
‫وسماته و الله غالب على أمره‪.‬‬

‫الفصل الثالث و الثلثممون فمي شمرح اسمم البابما و‬


‫البطرك فممي الملممة النصممرانية و اسممم الكمموهن‬
‫عند اليهود‬
‫إعلم أن الملة ل بد لها من قائم عند غيبة النبي يحملهم على‬
‫أحكامها و شرائعها و يكون كالخليفة فيهم للنبي فيما جاء بممه‬
‫من التكاليف و النوع النساني أيض ما ً بممما تقممدم مممن ضممرورة‬
‫السياسممة فيهممم للجتممماع البشممري ل بممد لهممم مممن شممخص‬
‫يحملهم على مصالحهم و يزعهم عن مفاسدهم بالقهر و هممو‬
‫المسمممى بالملممك و الملممة السمملمية لممما كممان الجهمماد فيهمما‬
‫مشروعا ً لعموم الممدعوة و حمممل الكافممة علممى ديممن السمملم‬
‫طوعا ً أو كرها ً اتخذت فيها الخلفممة و الملممك لتمموجه الشمموكة‬
‫من القائمين بها إليهما معًا‪ .‬و أما ما سمموى الملممة السمملمية‬
‫فلم تكن دعوتهم عامة و ل الجهمماد عنممدهم مشممروعا ً إل فممي‬
‫المدافعة فقط فصار القائم بأمر الممدين فيهمما ل يغنيممه شمميء‬
‫من سياسة الملك و إنما وقع الملك لمن وقع منهم بممالعرض‬
‫و لمر غير ديني و هو ما اقتضته لهم العصممبية لممما فيهمما مممن‬
‫الطلب للملك بالطبع لما قدمناه لنهم غير مكلفيممن بممالتغلب‬
‫على المم كممما فممي الملممة السمملمية و إنممما هممم مطلوبممون‬
‫بإقامة دينهم في خاصتهم‪.‬‬
‫و لذلك بقي بنو إسرائيل مممن بعممد موسممى و يوشممع صمملوات‬
‫الله عليهممما نحممو أربعمممائة سممنة ل يعتنممون بشمميء مممن أمممر‬
‫الملك إنما همهم إقامة دينهم فقممط و كممان القممائم بممه بينهممم‬
‫يسمى الكوهن كأنه خليفة موسممى صمملوات اللممه عليممه يقيممم‬
‫لهم أمر الصمملة و القربممان و يشممترطون فيممه أن يكممون مممن‬
‫ذرية هممارون صمملوات اللممه عليممه لن موسممى لممم يعقممب ثممم‬
‫اختاروا لقامة السياسة التي هي للبشر بالطبع سبعين شيخا ً‬
‫ة فممي‬ ‫كانوا يتلون أحكامهم العامة و الكوهن أعظم منهم رتب م ً‬
‫الدين و أبعد عن شغب الحكام و اتصممل ذلممك فيهممم إلممى أن‬
‫استحكمت طبيعة العصبية و تمحضت الشوكة للملمك فغلبموا‬
‫الكنعانين على الرض التي أورثهم اللممه بيممت المقممدس و ممما‬
‫جاورها كما بين لهم على لسممان موسممى صمملوات اللممه عليممه‬
‫فحمماربتهم أمممم الفلسممطين و الكنعمماننين و الرمممن و أردن و‬
‫عمان و مأرب و رئاستهم فممي ذلممك راجعممة إلممى شمميوخهم و‬
‫أقاموا على ذلك نحوا ً من أربعمائة سنة و لم تكن لهم صولة‬
‫الملك و ضجر بنو إسرائيل من مطالبممة المممم فطلبمموا علممى‬
‫لسان شمويل من أنبيائهم أن يأذن الله لهم في تمليك رجممل‬
‫عليهم فولي عليهم طالوت و غلب المم و قتل جالوت ملممك‬
‫الفلسممطين ثممم ملممك بعممده داود ثممم سممليمان صمملوات اللممه‬
‫عليهما و استفحل ملكه وامتد إلى الحجاز ثم أطراف اليمممن‬
‫ثممم إلممى أطممراف بلد الممروم ثممم افممترق السممباط مممن بعممد‬
‫سليمان صلوات الله عليه بمقتضى العصبية فممي الممدول كممما‬
‫قممدمناه إلممى دولممتين كممانت إحممداهما يممالجزيرة و الموصممل‬
‫للسباط العشرة و الخرى بالقممدس و الشممام لبنممي يهمموذا و‬
‫بنيامين‪.‬‬
‫ثم غلبهم بخت نصممر ملممك بابممل علممى ممما كممان بأيممديهم مممن‬
‫الملممك أول ً السممباط العشممرة ثممم ثانيمما ً بنممي يهمموذا و بنممت‬
‫المقدس بعد اتصال ملكهم نحو ألف سنة و خرب مسممجدهم‬
‫و أحرق توراتهم و أمات دينهممم و نقلهممم إلممى أصممبهان و بلد‬
‫العراق إلى أن ردهم بعض ملوك الكيانيممة مممن الفممرس إلممى‬
‫ة مممن خروجهممم فبنمموا‬ ‫بيممت المقممدس مممن بعممد سممبعين سممن ً‬
‫المسجد وأقاموا أمر دينهم على الرسم الول للكهنة فقط و‬
‫الملك للفرس ثم غلب السكندر و بنو يونان على الفممرس و‬
‫صار اليهود في ملكتهم ثم فشل أمر اليونانيين فمماعز اليهممود‬
‫عليهم بالعصبية الطبيعية و دفعمموهم عممن السممتيلء عليهممم و‬
‫قام بملكهم الكهنة الممذين كممانوا فيهممم مممن بنممى حشمممناي و‬
‫قاتلوا يونممان حممتى انقممرض أمرهممم و غلبهممم الممروم فصمماروا‬
‫تحت أمرهم ثم رجعوا إلى بيت المقدس و فيها بنو هيرودس‬
‫أصهار بني حشمممناي و بقيممت دولتهممم فحاصممروهم مممدة ثممم‬
‫افتتحوها عنوة و أفحشمموا فممي القتممل و الهممدم و التحريممق و‬
‫خربوا بيت المقدس و أجلوهم عنها إلى رومة و ما وراءهمما و‬
‫هو الخراب الثاني للمسجد و يسميه اليهود بممالجلوة الكممبرى‬
‫فلم يقم لهم بعدها ملك لفقمدان العصممبية منهممم و بقموا بعمد‬
‫ذلك في ملكة الروم من بعدهم يقيم لهم أمر دينهم الرئيممس‬
‫عليهم المسمممى بممالكوهن ثممم جمماء المسمميح صمملوات اللممه و‬
‫سلمة عليه بما جاءهم به من الدين و النسممخ لبعممض أحكممام‬
‫التوراة و ظهرت على يديه الخوارق العجيبة من إبراء الكمة‬
‫و البرص و إحياء الموتى و اجتمممع عليممه كممثير مممن النمماس و‬
‫آمنوا به و أكثرهم الحواريون من أصحابه و كانوا أثنممي عشممر‬
‫و بعث منهم رسل ً إلى الفاق داعيممن إلممى ملتممه و ذلممك أيممام‬
‫أوغسطس أول ملوك القياصرة و فممي مممدة هيممرودس ملممك‬
‫اليهود الذي انتزع الملك من بني حشمناي أصممهاره فحسممده‬
‫اليهممود و كممذبوه و كمماتب هيممرودس ملكهممم ملممك القياصممرة‬
‫أوغسطس يغريه به فأذن لهم في قتله و وقع ما تله القرآن‬
‫من أمره و افترق الحواريون شيعا ً و دخل أكثرهم بلد الروم‬
‫داعين إلى دين النصرانية و كان بطرس كبيرهم فنزل برومة‬
‫دار ملك القياصرة ثم كتبوا النجيل الذي انممزل علممى عيسممى‬
‫صلوات الله عليه في نسخ أربع على اختلف رواياتهم فكتب‬
‫متى إنجيله فمي بيممت المقمدس بالعبرانيمة و نقلمه يوحنمما بممن‬
‫زبدي منهم إلى اللسممان اللتينممي و كتممب لوقمما منهممم إنجيلممه‬
‫باللتيني إلى بعض أكابر الروم و كتب يوحنا بن زبممدي منهممم‬
‫إنجيله برومة و كتممب بطممرس إنجيلممه بمماللتيني و نسممبه إلممى‬
‫مرقاص تلميذه و اختلفت هذه النسخ الربع من النجيممل مممع‬
‫أنها ليست كلها و حيا صرفا ً بممل مشمموبة بكلم عيسممى عليممه‬
‫السلم و بكلم الحواريين و كلها مواعظ و قصص و الحكممام‬
‫فيها قليلة جدا ً و اجتمع الحواريون الرسل لذلك العهد برومممة‬
‫و وضعوا قوانين الملة النصرانية و صمميروها بيممد أقليمنطممس‬
‫تلميذ بطرس و كتبوا فيها عممدد الكتممب الممتي يجممب قبولهمما و‬
‫العمل بها‪.‬‬
‫فمن شريعة اليهود القديمة التمموراة و هممي خمسممة أسممفار و‬
‫كتاب يوشع و كتاب القضاة و كتاب راعوث و كتمماب يهمموذا و‬
‫أسفار الملوك أربعة و سفر بنيامين و كتممب المقممابيين ل بممن‬
‫كريون ثلثة و كتاب عزرا المام و كتابا أوشير و قصة هامان‬
‫و كتاب أيوب الصديق و مزامير داود عليه السلم و كتب ابنه‬
‫سليمان عليه السلم خمسة و نبؤات النبياء الكبار و الصممغار‬
‫ستة عشر و كتمماب يشمموع بممن شممارخ وزيممر سممليمان‪ .‬و مممن‬
‫شريعة عيسى صلوات الله عليه المتلقاة من الحواريين نسخ‬
‫النجيممل الربممع و كتممب القتمماليقون سممبع رسممائل و ثامنهمما‬
‫البريكسيس في قصص الرسل و كتاب بممولس أربممع عشممرة‬
‫رسممالة و كتمماب أقليمنطممس و فيممه الحكممام و كتمماب أبممو‬
‫غالمسمميس و فيممه رؤيمما يوحنمما بممن زبممدي‪ .‬و اختلممف شممأن‬
‫القياصرة في الخذ بهذه الشممريعة تممارة و تعظيممم أهلهمما ثممم‬
‫تركها أخرى و التسلط عليهممم بالقتممل و البغممي إلممى أن جمماء‬
‫قسطنطين و أخذ بها و استمروا عليهمما‪ .‬و كممان صمماحب هممذا‬
‫الممدين و المقيممم لمراسمميمه يسمممونه البطممرك و هممو رئيممس‬
‫الملة عندهم و خليفة المسيح فيهم يبعث نوابه و خلفاءه إلى‬
‫ما بعد عنه من أمم النصمرانية و يسممونه السمقف أي نمائب‬
‫البطرك و يسمون المام الذي يقيم الصملوات و يفمتيهم فمي‬
‫الدين بالقسيس و يسمون المنقطع الذي حبممس نفسممه فممي‬
‫الخلوة للعبادة بالراهب‪.‬‬
‫و أكثر خلواتهم في الصمموامع و كممان بطممرس الرسممول رأس‬
‫الحواريين و كبير التلميذ برومة يقيهم بها دين النصرانية إلى‬
‫أن قتله نيرون خامس القياصرة فيمن قتممل مممن البطممارق و‬
‫الساقفة ثم قام بخلفته فممي كرسممي رومممة آريمموس و كممان‬
‫مرقاس النجيلي بالسكندرية و مصر و المغممرب داعيمما سممبع‬
‫سممنيين فقممام بعممده حنانيمما و تسمممى بممالبطرك و هممو أول‬
‫البطاركة فيها و جعل معه اثني عشر قسا ً على أنممه إذا مممات‬
‫البطرك يكممون واحممد مممن الثنممي عشممر مكممانه و يختممار مممن‬
‫المؤمنين واحدا ً مكان ذلك الثاني عشر فكان أمممر البطاركممة‬
‫إلى القسوس ثم لما وقع الختلف بينهم في قواعد دينهممم و‬
‫عقائده و اجتمعوا بنيقية أيام قسممطنطين لتحريمر الحمق فمي‬
‫الدين و اتفق ثلثمائة و ثمانية عشر من أساقفتهم علممى رأي‬
‫واحممد فممي الممدين فكتبمموه و سممموه المممام و صمميروه أص مل ً‬
‫يرجعون إليه و كان فيما كتبوه أن البطممرك القممائم بالممدين ل‬
‫يرجع في تعيينه إلى اجتهاد القسممة كممما قممرره حنانيمما تلميممذ‬
‫مرقاس و أبطلوا ذلك الرأي و إنما يقدهم عممن بلء و اختبممار‬
‫من أئمة المؤمنين و رؤسائهم فبقي المر كذلك‪.‬‬
‫ثم اختلفوا بعد ذلممك فممي تقريممر قواعممد الممذين و كممانت لهممم‬
‫مجتمعات في تقرير و لم يختلفمموا فممي هممذه القاعممدة فبقممي‬
‫المممر فيهمما علممى ذلممك و تصممل فيهممم نيابممة السمماقفة عممن‬
‫البطاركة و كان الساقفة يدعون البطرك بالب أيضا ً تعظيما ً‬
‫له فاشتبه السم في أعصار متطاولممة يقممال آخرهمما بطركيممة‬
‫هرقل بإسكندرية فممأرادوا أن يميممزوا البطممرك عممن السممقف‬
‫في التعظيم فدعوه البابا و معناه أبو الباء و ظهر هذا السم‬
‫أول ظهوره بمصر علممى ممما زعممم جرجيممس بممن العميممد فممي‬
‫تأريخه ثم نقلوه إلى صاحب الكرسي العظممم عنممدهم و هممو‬
‫كرسي بطرس الرسول كممما قممدمناه فلممم يممزل سمممة عليممه‬
‫حتى الن ثم اختلفت النصممارى فمي دينهممم بعممد ذلممك و فيممما‬
‫يعتقدونه في المسيح و صمماروا طمموائف و فرقما ً و اسممظهروا‬
‫بملوك النصرانية كل على صاحبه فاختلف الحال في العصور‬
‫فممي ظهممور فرقممة دون فرقممة إلممى أن اسممتقرت لهممم ثلث‬
‫طوائف هي فرقهم و ل يلتفتون إلى غيرهمما و هممم الملكيممة و‬
‫اليعقوبية و النسطورية ثم اختصت كل فرقممة منهممم ببطممرك‬
‫فبطممرك رومممة اليمموم المسمممى بالبابمما علممى رأي الملكيممة و‬
‫رومممة للفرنجممة و ملكلهممم قممائم بتلممك الناحيممة و بطممرك‬
‫المعاهممدين بمصممر علممى رأي اليعقوبيممة و هممو سمماكن بيممن‬
‫ظهرانيهم و الحبشممة يممدينون بممدينهم و لبطممرك مصممر فيهممم‬
‫أساقفة ينوبون عنه في إقامة دينهم هنالك‪.‬‬
‫و اختمص اسمم البابما ببطمرك روممة لهمذا العهممد و ل تسممي‬
‫اليعاقبة بطركهممم بهمذا السمم و ضممبط هممذه اللفظمة ببماءين‬
‫موحدتين من أسفل و النطق بها مفخمة و الثانيممة مشممددة و‬
‫من مذاهب البابا عند الفرنجة أنه يحضهم على النقياد لملك‬
‫واحد يرجعممون إليممه فممي اختلفهممم و اجتممماعهم تحرج ما ً مممن‬
‫افممتراق الكلمممة و يتحممرى بممه العصممبية الممتي ل فوقهمما منهممم‬
‫لتكون يده عالية على جميعهم و يسمممونه النممبرذور و حرفممة‬
‫الوسط بين الذال و الظاء المعجمتين و مباشممرة يضممع التمماج‬
‫علممى رأسممه للتممبرك فيسمممى المتمموج‪ ،‬و لعلممه معنممى لفظممة‬
‫النبرذور و هذا ملخص ما أوردناه من شممرح هممذين السمممين‬
‫الذين هما البابا و الكوهن و الله يضل من يشاء و يهممدي مممن‬
‫يشاء‪.‬‬

‫الفصممل الرابممع و الثلثممون فممي مراتممب الملممك و‬


‫السلطان و ألقابها‬
‫إعلم أن السلطان في نفسه ضعيف يحمل أمممرا ً ثقيل ً فل بممد‬
‫له من السممتعانة بأبنمماء جنسممه و إذا كممان يسممتعين بهممم فممي‬
‫ضرورة معاشه و سائر مهنه فما ظنك بسياسة نمموعه و مممن‬
‫استرعاه اللممه مممن خلقممه و عبمماده و هممو محتمماج إلممى حمايممة‬
‫الكافة من عدوهم بالمدافعة عنهم و إلى كف عدوان بعضهم‬
‫على بعض في أنفسهم بإمضاء الحكام الوازعة فيهم و كممف‬
‫عدوان عليهم فممي أممموالهم بإصمملح سممابلتهم و إلممى حملهممم‬
‫علممى مصممالحهم و ممما تعمهممم بممه البلمموى فممي معاشممهم و‬
‫معاملتهم من تفقد المعممايش و المكاييممل و الممموازين حممذرا ً‬
‫من التطفيف و إلى النظممر فممي السممكة بحفممظ النقممود الممتي‬
‫يتعاملون بها من الغش و إلى سياستهم بما يريده منهم مممن‬
‫النقياد له و الرضى بمقاصده منهم و انفراده بالمجد دونهممم‬
‫فيتحمل من ذلك فوق الغاية من معانمماة القلمموب قممال بعممض‬
‫الشراف من الحكماء‪ :‬لمعاناة نقل الجبال من أماكنها أهممون‬
‫على مممن معانمماة قلمموب الرجممال ثممم إن السممتعانة إذا كممانت‬
‫بأولي القربى من أهل النسب أو التربية أو الصطناع القممديم‬
‫للدولة كانت أكمل لممما يقممع فممي ذلممك مممن مجانسممة خلقهممم‬
‫لخلقه فتتم المشاكلة في الستعانة قممال تعممالى واجعممل لممي‬
‫وزيرا من أهلي * هارون أخممي * اشممدد بممه أزري * وأشممركه‬
‫في أمري و هو إما أن يستعين فممي ذلممك بسمميفه أو قلمممه أو‬
‫رأيممه أو معممارفه أو بحجممابه عممن النمماس أن يزدحممموا عليممه‬
‫فيشغلوه عن النظر في مهماتهم أو يدفع النظممر فممي الملممك‬
‫كله و يعول على كفايته في ذلك و اضطلعه فلذلك قد توجد‬
‫في رجل واحد و قمد تفمترق فمي أشممخاص و قمد يتفمرع كمل‬
‫واحد منها إلى فروع كثيرة كالقلم يتفرع إلى قلم الرسائل و‬
‫المخاطبمممات و قلمممم الصمممكوك و القطاعمممات و إلمممى قلمممم‬
‫المحاسبات و هو صاحب الجباية و العطاء و ديوان الجيممش و‬
‫كالسيف يتفممرع إلممى صمماحب الحممرب و صمماحب الشممرطة و‬
‫صاحب البريد و ولية الثغور ثم اعلم أن الوظائف السلطانية‬
‫فممي هممذه الملممة السمملمية مندرجممة تحممت الخلفممة لحتمممال‬
‫منصب الخلفممة علممى الممدين و الممدنيا كممما قممدمناه فالحكممام‬
‫الشرعية متعلقة بجميعها و موجممودة لكممل واحممدة منهمما فممي‬
‫سائر وجوهها لعممموم تعلممق الحكممم الشممرعية بجميممع أفعممال‬
‫العباد و الفقية ينظر في مرتبة الملك و السمملطان و شممروط‬
‫تقليممدها اسممتبدادا علممى الخلفممة و هممو معنممى السمملطان أو‬
‫تعويضا ً منها و هو معنى الوزارة عندهم كما يأتي و في نظره‬
‫في الحكام و القوال و سائر السياسات مطلقمما ً أو مقيممدا ً و‬
‫في موجبات العزل إن عرضت و غير ذلك مني معاني الملك‬
‫و السلطان و كذا في سممائر الوظممائف الممتي تحممت الملممك و‬
‫السلطان من وزارة أو جباية أو ولية ل بد للفقيه من النظممر‬
‫فممي جميممع ذلممك كممما قممدمناه مممن انسممحاب حكممم الخلفممة‬
‫الشرعية في الملة السلمية على رتبة الملك و السلطان إل‬
‫أن كلمنا فممي وظممائف الملممك و السمملطان و رتبتممه إنممما هممو‬
‫بمقتضى طبيعة العمممران و وجممود البشمر ل بممما يخصمها مممن‬
‫أحكام الشرع فليس من غرض كتابنمما كممما علمممت فل نحتمماج‬
‫إلى تفصيل أحكامها الشممرعية مممع أنهمما مسممتوفاة فممي كتممب‬
‫الحكام السلطانية مثل كتاب القاضي أبي الحسن الماوردي‬
‫و غيممره مممن أعلم الفقهمماء فممإن أردت اسممتيفاءها فعليممك‬
‫بمطالعتهمما هنالممك و إنممما تكلمنمما فممي الوظممائف الخلفيممة و‬
‫أفردناهمما لنميممر بينهمما و بيممن الوظممائف السمملطانية فقممط ل‬
‫لتحقيق أحكامهمما الشممرعية فليممس مممن غممرض كتابنمما و إنممما‬
‫نتكلممم فممي ذلممك بممما تقتضمميه طبيعممة العمممران فممي الوجممود‬
‫النساني و الله الموفق‪.‬‬
‫الوزارة‪ :‬و هي أهم الخطط السلطانية و الرتب الملوكية لن‬
‫اسمها يدل على مطلق العانة فإن الوزارة مأخوذة إممما مممن‬
‫المؤازرة و هي المعاونة أو من الوزر و هو الثقل كأنه يحمممل‬
‫مع مفاعله أوزاره و أثقاله و هو راجع إلى المعاونة المطلقممة‬
‫و قممد كنمما قممدمنا فممي أول الفصممل أن أحمموال السمملطان و‬
‫ة لنهمما إممما أن تكممون فممي أمممور حمايممة‬‫تصرفاته ل تعدو أربع ً‬
‫الكافة و أسبابها من النظر في الجممد و السمملح و الحممروب و‬
‫سممائر أمممور الحمايممة و المطالبممة و صمماحب هممذا هممو المموزير‬
‫المتعممارف فممي الممدول القديمممة بالمشممرق و لهممذا العهممد‬
‫بالمغرب و إما أن تكون في أمممور مخاطبمماته لمممن بعممد عنممه‬
‫في أمور جباية المال و إنفاقه و ضبط ذلك من جميع وجوهه‬
‫أن يكون بمضبطة و صاحب هذا هو صاحب المممال و الجبايممة‬
‫و هو المسمى بالوزير لهذا العهممد بالمشممرق و إممما أن يكممون‬
‫فممي مدافعممة النمماس ذوي الحاجممات عنممه أن يزدحممموا عليممه‬
‫فيشغلوه عن فهمه و هذا راجع لصاحب الباب الممذي يحجبممه‪.‬‬
‫فل تعدو أحواله هذه الربعة بوجه‪ .‬و كممل خطممة أو رتبممة مممن‬
‫رتب الملك و السلطان فإليهمما ترجممع‪ .‬إل أن الرفممع منهمما ممما‬
‫كانت العانة فيممه عامممة فيممما تحممت يممد السمملطان مممن ذلممك‬
‫الصنف إذ هو يقتضي مباشر السلطان دائما ً و مشاركته فممي‬
‫كل صنف من أحوال ملكه و أما ما كان خاصا ً ببعممض النمماس‬
‫أو ببعض الجهات فيكون دون الرتبممة الخممرى كقيممادة ثغممر أو‬
‫ولية جباية خاصة أو النظر في أمر خاص كحسبة الطعممام أو‬
‫النظر فممي السممكة فممإن هممذه كلهمما نظممر فممي أحمموال خاصممة‬
‫فيكون صاحبها تبعا ً لهل النظر العام و تكون رتبته مرؤوسممة‬
‫لولئك‪ .‬و ما زال المر في الممدول قبممل السمملم هكممذا حممتى‬
‫جاء السلم و صار المر خلفممة فممذهبت تلممك الخطممط كلممما‬
‫بذهاب رسم الملك إلى ما هو طبيعي من المعاونة بممالرأي و‬
‫المفاوضة فيه فلم يمكن زواله إذ هممو أمممر ل بممد منممه فكممان‬
‫صمملى اللممه عليممه و سمملم يشمماور أصممحابه و يفاوضممهم فممي‬
‫مهماته العامة و الخاصة و يخص مع ذلك أبا بكر بخصوصيات‬
‫أخرى حتى كان العرب الممذين عرفمموا الممدول و أحوالهمما فممي‬
‫كسرى و قيصر و النجاشي يسمون أبا بكر وزيره و لممم يكممن‬
‫لفممظ المموزير يعممرف بيممن المسمملمين لممذهاب رتبممة الملممك‬
‫بسذاجة السلم و كذا عمر مع أبي بكر و علي في و عثمممان‬
‫مع عمر و أما حال الجبايممة و النفمماق و الحسممبان فلممم يكممن‬
‫عندهم برتبة لن القوم كانوا عربا ً أميين ل يحسممنون الكتمماب‬
‫و الحساب فكانوا يسممتعملون فمي الحسمماب أهممل الكتمماب أو‬
‫أفرادا ً من موالي العجم ممن يجيده و كان قليل ً فيهممم و أممما‬
‫أشرافهم فلم يكونوا يجيدونه لن المية كممانت صممفتهم الممتي‬
‫امتازوا بها و كذا حممال المخاطبممات و تنفيممذ المممور لممم تكممن‬
‫عندهم رتبة خاصة للمية التي كممانت فيهممم و المانممة العامممة‬
‫في كتمان القول و تأديته و لم تخرج السياسممة إلممى اختيمماره‬
‫لن الخلفة إنما هي دين ليست مممن السياسممة الملكيممة فممي‬
‫شمميء و أيض ما ً فلممم تكممن الكتابممة صممناعة فيسممتجاد لخليفممة‬
‫أحسنها لن الكل كانوا يعبرون عن مقاصدهم بأبلغ العبممارات‬
‫و لم يبق إل الخط فكان الخليفة يستنيب في كتابته متى عن‬
‫له من يحسنه و أما مدافعة ذوي الحاجات عن أبوابهم فكممان‬
‫محظورا ً بالشممريعة فلممم يفعلمموه فلممما انقلبممت الخلفممة إلممى‬
‫الملممك و جمماءت رسمموم السمملطان و ألقممابه كممان أول شمميء‬
‫بديء به في الدولة شأن الباب و سده دون الجهور بما كانوا‬
‫يخشون عن أنفسهم من اغتيال الخوارج و غيرهممم كممما وقممع‬
‫بعمر و علي و معاوية و عمر بن العاص و غيرهم مع‬
‫ما في فتحه من ازدحممام النمماس عليهممم و شممغلهم بهممم عممن‬
‫المهمات فاتخذوا من يقوهم لهم بممذلك و سممموه الحمماجب و‬
‫قد جاء أن عبمد الملمك لمما ولمي حماجبه قمال لمه قمد وليتمك‬
‫حجابة بابي إل عن ثلثمة الممؤذن للصملة فمإنه داعمي اللمه و‬
‫صاحب البريد فأمر ما جاء به و صاحب الطعام لئل يفسد ثم‬
‫استفحل الملك بعد ذلك فظهر المشاور و المعين فممي أمممور‬
‫القبائل و العصائب و استئلفهم و أطلق عليه اسممم المموزير و‬
‫بقي أمر الحسبان في الموالي و الممذميين و أتخممذ للسممجلت‬
‫ة علممى أسممرار السمملطان أن تشممتهر‬ ‫كمماتب مخصمموص حوطم ً‬
‫فتفسد سياسته مع قومه و لم يكن بمثابممة المموزير لنممه إنممما‬
‫احتيج له من حيث الخط و الكتاب ل من حيث اللسان الممذي‬
‫هو الكلم إذ اللسان لذلك العهد على حاله لم يفسممد فكممانت‬
‫الوزارة لذلك أرفع رتبهممم يممومئذ فممي سممائر دولممة بنممي أميممة‬
‫فكان النظر للوزير عاما في أحمموال التممدبير و المفاوضممات و‬
‫سائر أمور الحمايات و المطالبات و ما يتبعها من النظر فممي‬
‫ديوان الجند و فرض العطاء بالهلية و غير ذلمك فلمما جماءت‬
‫دولممة بنممي العبمماس و اسممتفحل الملممك و عظمممت مراتبممه و‬
‫ارتفعت و عظم شأن الوزير و صارت إليه النيابممة فممي إنفمماذ‬
‫الحل و العقد تعينت مرتبته في الدولة و عنت لهمما الوجمموه و‬
‫خضعت لها الرقاب و جعل لها النظر في ديوان الحسبان لما‬
‫تحتاج إليه خطته من قسم العطيات في الجند فاحتمماج إلممى‬
‫النظر في جمعه و تفريقه و أضيف إليه النظر فيممه ثممم جعممل‬
‫له النظر فممي القلممم و الترسمميل لصممون أسممرار السمملطان و‬
‫لحفظ البلغة لما كان اللسان قد فسد عند الجمهور و جعممل‬
‫الخاتم لسجلت السلطان ليحفظهمما مممن الممذياع و الشممياع و‬
‫دفع إليه فصار اسم الوزير جامعا ً لخطتي السمميف و القلممم و‬
‫سائر معالي الوزارة و المعاونممة حممتى لقممد دعممي جعفممر بممن‬
‫يحيممى بالسمملطان أيممام الرشمميد إشممارة إلممى عممموم نظممره و‬
‫قيامه بالدولة و لم يخرج عنه من الرتب السمملطانية كلهمما إل‬
‫الحجابة التي هي القيام على الباب فلم تكممن لممه لسممتنكافه‬
‫عن مثل ذلك ثم جمماء فممي الدولممة العباسممية شممأن السممتبداد‬
‫على السلطان و تعاور فيها استبداد الوزارة مرة و السلطان‬
‫أخرى و صار الوزير إذا استبد محتاج ما ً إلممى اسممتنابة الخليفممة‬
‫إياه لذلك لتصح الحكام الشممرعية و تجيممء علممى حالهمما كممما‬
‫تقدمت فانقسمت الوزارة حينئذ إلى وزارة تنفيذ و هي حممال‬
‫ما يكون السلطان قائما ً على نفسممه و إلممى وزارة تفممويض و‬
‫هي حال ما يكون الوزير مستبدا ً عليه ثم استمر السممتبداد و‬
‫صار المر لملوك العجم و تعطممل رسممم الخلفممة و لممم يكممن‬
‫لولئك المتغلبين أن ينتحلوا ألقمماب الخلفممة و اسممتنكفوا مممن‬
‫مشاركة الوزراء في اللقب لنهم خول لهم فتسموا بالمممارة‬
‫و السلطان و كأن المستبد على الدولة يسمى أميممر المممراء‬
‫أو بالسلطاني إلى ما يحليه به الخليفة مممن ألقممابه كممما تممراه‬
‫في ألقابهم و تركوا اسم الوزارة إلى من يتولها للخليفة في‬
‫خاصته و لم يزل هذا الشأن عندهم إلى آخر دولتهممم و فسممد‬
‫اللسان خلل ذلك كله و صارت صناعة ينتحلها بعممض النمماس‬
‫فامتهنت و ترفع الوزراء عنها لممذلك و لنهممم عجممم و ليسممت‬
‫تلك البلغة هي المقصودة من لسانهم فتخير لهمما مممن سممائر‬
‫الطبقات و اختصت به و صارت خادمة للوزير و اختص اسممم‬
‫المير بصاحب الحروب و الجند و ممما يرجممع إليهمما و يممده مممع‬
‫ذلك عالية على أهل الرتب و أمره نافذ في الكل إما نيابة أو‬
‫استبدادا ً و استمر المر على هذا ثم جاءت دولة الترك آخممرا ً‬
‫بمصر فرأوا أن الوزارة قد ابتذلت بترفع أولئك عنها و دفعهمما‬
‫لمن يقوهم بها للخليفة المحجممور و نظممره مممع ذلممك فتعقممب‬
‫بنظر المير فصارت مرؤوسممة ناقصممة فاسممتنكف أهممل هممذه‬
‫الرتبة المالية في الدولة عممن اسممم المموزارة و صممار صمماحب‬
‫الحكام و النظر في الجند يسمى عندهم بالنائب لهممذا العهممد‬
‫و بقي اسم الحاجب في مدلوله و اختص اسم الوزير عندهم‬
‫بالنظر في الجباية‪ .‬و أممما دولممة بنممي أميممة بالنممدلس فممأنفوا‬
‫اسم الوزير في مدلوله أول الدولة ثم قسموا خطته أصممنافا ً‬
‫و أفردوا ً لكل صنف وزيممرا ً فجعلمموا لحسممبان المممال وزيممرا ً و‬
‫للترسيل وزيرا ً و للنظر في حوائج المتظلمين وزيرا ً و للنظر‬
‫في أحوال أهل الثغور وزيرا ً و جعل لهم بيممت يجلسممون فيممه‬
‫على فرش منضدة لهم و ينفممذون أمممر السمملطان هنمماك كممل‬
‫فيما جعل له و أفرد للتردد بينهم و بين الخليفممة واحممد منهممم‬
‫ارتفع عنهم بمباشرة السلطان في كل وقت فارتفع مجلسممه‬
‫عن مجالسهم و خصوه باسم الحاجب و لم يزل الشممأن هممذا‬
‫إلى آخر دولتهم فارتفعت خطة الحاجب و مرتبته على سممائر‬
‫الرتب حمتى صمار ملموك الطموائف ينتحلمون لقبهما فمأكثرهم‬
‫يومئذ يسمى الحمماجب كممما نممذكره ثممم جمماءت دولممة الشمميعة‬
‫بإفريقية و القيروان و كان للقائمين بهما رسموخ فمي البمداوة‬
‫فاغفلوا أمر هذه الخطط أول ً و تنقيح أسمائها كما تممراه فممي‬
‫أخبممار دولتهممم‪ ،‬و لممما جمماءت دولممة الموحممدين مممن بعممد ذاك‬
‫أغفلت المر أول للبداوة ثممم صممارت إلممى انتحممال السممماء و‬
‫اللقمماب و كممان اسممم المموزير فممي مممدلوله ثممم اتبعمموا دولممة‬
‫المممويين و قلممدوها فممي مممذاهب السمملطان و اختمماروا اسممم‬
‫الوزير لمن يحجب السلطان في مجلسممه و يقممف بممالوفود و‬
‫الداخلين على السلطان عند الحدود في تحيتهم و خطابهم و‬
‫الداب التي تلزم في الكون بين يديه و رفعوا خطة الحجابممة‬
‫عنه ما شاءوا و لم يزل الشأن ذلك إلى هذا العهد و أما فممي‬
‫دولة الترك بالمشرق فيسمون هذا الذي يقف بالنمماس علممى‬
‫حدود الداب في اللقمماء و التحيممة فممي مجممالس السمملطان و‬
‫التقدم بالوفود بيممن يممدي الدويممدار و يضمميفون إليممه اسممتتباع‬
‫كمماتب السممر و أصممحاب البريممد المتصممرفين فممي حاجممات‬
‫السلطان بالقاصية و بالحاضرة و حالهم على ذلك لهذا العهد‬
‫و الله مولي المور لمن يشاء‪.‬‬
‫الحجابة‪ :‬قد قدمنا أن هذا اللقب كان مخصوص ما ً فممي الدولممة‬
‫الموية و العباسية بمن يحجب السلطان عن العامممة و يغلممق‬
‫بابه دونهم أو يفتحه لهم على قدره في مواقيته و كانت هذه‬
‫منزلة يوما ً عن الخطط مرؤوسة لها إذ الوزير متصرف فيهمما‬
‫بما يراه و هكذا كانت سائر أيممام بنممى العبمماس لممم إلممى هممذا‬
‫المهد فهي بمصر مرؤوسة لصاحب الخطممة العليمما المسمممى‬
‫بالنائب‪ .‬و أما في الدولة المويممة بالنممدلس فكممانت الحجابممة‬
‫لمن يحجب السلطان عن الخاصة و العامة و يكممون واسممطة‬
‫بينه و بين الوزراء فمن دونهم فكانت في دولتهم رفيعة غاية‬
‫كما تراه في أخبارهم كابن حديد و غير من حجممابهم ثممم لممما‬
‫جاء الستبداد علممى الدولممة اختممص المسممتبد باسممم الحجابممة‬
‫لشرفها فكان المنصور بن أبممي عممامر و أبنمماوه كممذلك و لممما‬
‫بدوا في مظاهر الملك و أطواره جاء من بعممدهم مممن ملمموك‬
‫الطوائف فلم يتركوا لقبها و كانوا يعدونه شممرفا ً لهممم و كممان‬
‫أعظمهم ملكا ً بعد انتحال ألقاب الملك و أسمائه ل بد له من‬
‫ذكر الحمماجب و ذي المموزارتين يعنممون بممه السمميف و القلممم و‬
‫يدلون بالحجابة على حجابة السلطان عن العامة و الخاصة و‬
‫بذي الوزارتين عن جمعممه لخطممتي السمميف و القلممم‪ .‬ثممم لممم‬
‫يكن في دول المغممرب و أفريقيممة ذكممر لهممذا السممم للبممداوة‬
‫التي كانت فيهم و ربما يوجد في دولة العبيديين بمصممر عنممد‬
‫اسممتعظامها و حضممارتها إل أنممه قليممل‪ .‬و لممما جمماءت دولممة‬
‫الموحدين لم تسممتمكن فيهمما الحضممارة الداعيممة إلممى انتحممال‬
‫اللقاب و تمييز الخطط و تعيينها بالسماء إل آخرا ً فلممم يكممن‬
‫عندهم من الرتب إل الوزير فكانوا أول ً يخصممون بهممذا السممم‬
‫الكاتب المتصرف المشارك للسلطان فممي خمماص أمممر كممابن‬
‫عطية و عبد السلم الكومي و كان لممه مممع ذلممك النظممر فممي‬
‫الحساب و الشغال المالية ثممم صممار بعممد ذلممك اسممم المموزير‬
‫لهل نسب الدولة من الموحممدين كممابن جممامع و غيممره و لممم‬
‫يكن اسم الحاجب معروفا ً في دولتهم يومئذ‪ .‬و أممما بنممو أبممي‬
‫حفص بأفريقيممة فكممانت الرئاسممة فممي دولتهممم أول ً و التقممدم‬
‫لوزير و الرأي و المشورة و كان يخص باسم شيخ الموحدين‬
‫و كممان لممه النظممر فممي الوليممات و العممزل وقممود العسمماكر و‬
‫الحروب و اختص الحسبان و الديوان برتبممة أخممرى و يسمممى‬
‫متوليهمما بصمماحب الشممغال ينظممر فيهمما النظممر المطلممق فممي‬
‫الدخل و الخرج و يحاسب و يستخلص الموال و يعاقب على‬
‫التفريط و كان من شرطه أن يكون من الموحدين و اختممص‬
‫عندهم القلم أيضا ً بمن يجيد الترسيل و يؤتمن على السممرار‬
‫لن الكتابة لم تكن من منتحل القوم و ل الترسمميل بلسممانهم‬
‫فلم يشترط فيه النسب و احتمماج السمملطان لتسمماع ملكممه و‬
‫كثرة المرتزقين بداره إلى قهرمان خاص بممداره فممي أحممواله‬
‫يجريها علممى قممدرها و ترتيبهمما مممن رزق و عطمماء و كسمموة و‬
‫نفقة في المطابخ و الصطبلت و غيرهما و حصر الممذخيرة و‬
‫تنفيذ ما يحتاج إليه في ذلك على أهل الجباية فخصوه باسممم‬
‫الحاجب و ربما أضافوا إليه كتابة فعلمممة علممى السممجلت إذا‬
‫اتفق أنه يحسن صناعة الكتابة و ربما جعلوه لغيره و اسممتمر‬
‫المر على ذلك و حجب السلطان نفسممه عممن النمماس فصممار‬
‫هذا الحاجب واسطة بين الناس و بين أهل الرتممب كلهممم ثممم‬
‫جمع له آخر الدولة السيف و الحممرب ثممم الممرأي و المشممورة‬
‫فصممارت الخطممة أرفممع الرتممب و أوعبهمما للخطممط ثممم جمماء‬
‫الستبداد و الحجر مدة من بعد السلطان الثاني عشممر منهممم‬
‫ثم استبد بعد ذلك حفيده السلطان أبو العباس على نفسه و‬
‫أذهب آثار الحجممر و السممتبداد بإذهمماب خطممة الحجابممة الممتي‬
‫كانت سلما ً إليه و باشر أموره كلها بنفسه من غيممر اسممتعانة‬
‫بأحد و المر على ذلك لهذا العهد‪.‬‬
‫و أما دولة زناتة بالمغرب و أعظمها دولة بنمي مريممن فل أثمر‬
‫لسم الحاجب عندهم و أممما رئاسممة الحممرب و العسمماكر فممي‬
‫للوزير و رتبة القلم في الحسبان و الرسائل راجعة إلممى مممن‬
‫يحسنها من أهلها و إن اختصممت ببعممض الممبيوت المصممطنعين‬
‫فممي دولتهممم و قممد تجمممع عنممدهم و قممد تفممرق و أممما بمماب‬
‫السمملطان و حجبممه عممن المممائة فهممي رتبممة عنممدهم فيسمممى‬
‫صمماحبها عنممدهم بممالمزوار و معنمماه المقممدم علممى الجنممادرة‬
‫المتصممرفين ببمماب السمملطان فممي تنفيممذ أوامممر و تصممريف‬
‫عقوباته و إنزال سطواته و حفممظ المعتقليممن فممي سممجونه و‬
‫العريف عليهم في ذلك فالباب له و أخذ الناس بالوقوف عند‬
‫الحدود في دار العامة راجع إليه فكأنها وزارة صممغرى‪ .‬و أممما‬
‫دولة بني عبد الواد فل أثر عندهم لشيء من هممذه اللقمماب و‬
‫ل تمييز الخطممط لبممداوة دولتهممم و قصممورها و إنممما يخصممون‬
‫باسم الحاجب في بعض الحوال منفذ الخاص بالسلطان في‬
‫داره كما كان في دولممة بنممي أبممي حفممص و قممد يجمعممون لممه‬
‫الحسبان و السجل كما كممان فيهمما حملهممم علممى ذلممك تقليممد‬
‫الدولة بما كانوا في تبعتها و قائمين بدعوتها منذ أول أمرهم‪.‬‬
‫و أما أهل الندلس لهذا العهد فالمخصوص عندهم بالحسبان‬
‫و تنفيذ حال السلطان و سائر المور المالية يسمونه بالوكيل‬
‫و أما الوزير فكالوزير إل أنه يجمع لممه الترسمميل و السمملطان‬
‫عندهم يضع خطه علممى السممجلت كلهمما فليممس هنمماك خطممة‬
‫العلمة كممما لغيرهممم مممن الممدول‪ .‬و أممما دولممة الممترك بمصممر‬
‫فاسم الحاجب عندهم موضوع لحاكم من أهل الشوكة و هم‬
‫الترك ينفذ الحكام بين الناس في المدينة و هم متعممددون و‬
‫هذه الوظيفة عندهم تحت وظيفة النيابة التي لها الحكم فممي‬
‫أهل الدولممة و فممي العامممة علممى الطلق و للنممائب التوليممة و‬
‫العزل في بعض الوظائف على الحيان و يقطممع القليممل مممن‬
‫الرزاق و يبتها و تنفذ أوامره كما تنفذ المراسم السلطانية و‬
‫كان له النيابة المطلقة عن السلطان و للحجاب الحكم فقط‬
‫في طبقات العامة و الجند عند الترافع إليهم و إجبار من أبى‬
‫النقياد للحكم و طورهم تحت طور النيابة و الوزير في دولة‬
‫الترك هممو صمماحب جبايممة الممموال فممي الدولممة علممى اختلف‬
‫أصنافها من خراج أو مكممس أو جزيممة ثممم فممي تصممريفها فممي‬
‫النفاقممات السمملطانية أو الجرايممات المقممدرة و لممه مممع ذلممك‬
‫التولية و العزل في سائر العمال المباشرين لهممذه الجبايممة و‬
‫التنفيذ على اختلف مراتبهم و تباين أصنافهم و من عوائدهم‬
‫أن يكون هذا الوزير من صنف القبممط القممائمين علممى ديمموان‬
‫الحسبان و الجباية لختصاصهم بذلك فممي مصممر منممذ عصممور‬
‫قديمة و قد يوليها السلطان بعض الحيان لهل الشوكة مممن‬
‫رجالت الترك أو أبنائهم علممى حسممب الداعيممة لممذلك و اللممه‬
‫مدبر المور و مصممرفها بحكمتممه ل إلممه إل هممو رب الوليممن و‬
‫الخرين‪.‬‬
‫ديوان العمال و الجبايات‬
‫إعلم أن هذه الوظيفة من الوظائف الضرورية للملممك و هممي‬
‫القياهم علممى أعمممال الجبايممات و حفممظ حقمموق الدولممة فممي‬
‫الدخل و الخرج و إحصاء العساكر بأسمائهم و تقدير أرزاقهم‬
‫و صممرف أعطيمماتهم فممي إباناتهمما و الرجمموع فممي ذلممك إلممى‬
‫القوانين التي يرتبها قومه تلممك العمممال و قهارمممة الدولممة و‬
‫هي كلها مسطورة في كتاب شاهد بتفاصيل ذلك في الممدخل‬
‫و الخرج مبني على جزء كبير مممن الحسمماب ل يقمموهم بممه إل‬
‫المهرة من أهل تلك العمال و يسمى ذلك الكتمماب بالممديوان‬
‫و كذلك مكان جلوس العمال المباشرين لها‪ .‬و يقال أن أصل‬
‫هذه التسمية أن كسرى نظر يوم ما ً إلممى كتمماب ديمموانه و هممم‬
‫يحسممبون علممى أنفسممهم كممأنهم يحممادثون فقممال ديمموانه أي‬
‫مجانين بلغة الفرس فسمي موضعهم بممذلك و حممذفت الهمماء‬
‫لكثرة الستعمال تخفيفا ً فقيل ديوان ثم نقل هذا السم إلممى‬
‫كتاب هذه العمال المتضمممن للقموانين و الحسممبانات و قيمل‬
‫أنه اسم للشياطين بالفارسية سمممي الكتمماب بممذلك لسممرعة‬
‫نفوذهم في المور و وقوفهم علممى الجلممي معهمما و الخفممي و‬
‫جمعهم لما شد و تفرق ثم نقممل إلممى مكممان جلوسممهم لتلممك‬
‫العمال و على هذا فيتناول اسمم الممديوان كتماب الرسممائل و‬
‫مكان جلوسه بباب السلطان على ممما يممأتي بعممد و قممد تفممرد‬
‫هذه الوظيفة بناظر واحد ينظر في سائر هذه العمممال و قممد‬
‫يفرد كل صنف منها بناظر كما يفرد في بعض الدولي النظممر‬
‫في العساكر و إقطاعاتهم و حسبان أعطيه لهم أو غيممر ذلممك‬
‫على حسب مصطلح الدولممة و ممما قممرره أولوهمما‪ .‬و اعلممم أن‬
‫هذه الوظيفممة إنممما تحممدث فممي الممدول عنممد تمكممن الغلممب و‬
‫الستيلء و النظر في أعطاف الملك و فنون التمهيممد‪ .‬و أول‬
‫من وضع الديوان في الدولة السلمية عمر رضممي اللممه عنممه‬
‫يقمماد لسممبب مممال أتمى بمه أبممو هريمرة رضمي اللمه عنممه مممن‬
‫البحرين فاستكثروه و تعبوا في قسمممه فسممموا إلممى إحصمماء‬
‫الموال و ضممبط العطمماء و الحقمموق فأشممار خالممد بممن الوليممد‬
‫بالديوان و قال‪ :‬رأيت ملوك الشام يدونون فقبل منه عمممر و‬
‫قيل بل أشار عليه به الهرمزان لممما رآه يبعممث البعمموث بغيممر‬
‫ديوان فقيل له و من يعلهم بغيبة من يغيممب منهممم فممإن مممن‬
‫تخلف أخممل بمكممانه و إنمما يضممبط ذلمك الكتماب فمأثبت لهمم‬
‫ديوانا ً و سأل عمر عن اسم الديوان‪ .‬فعممبر لممه و لممما اجتمممع‬
‫ذلك أمر عقيل بن أبي طالب و مخرمة بن نوفل و خممبير بممن‬
‫مطعممم و كممانوا مممن كتمماب قريممش فكتبمموا ديمموان العسمماكر‬
‫السلمية على ترتيب النساب مبتدأ من قرابممة رسممول اللممه‬
‫صلى الله عليه و سلم و ما بعدها القرب فالقرب هكذا كان‬
‫ابتداء ديوان الجيش و روى الزهري بممن سممعيد بممن المسمميب‬
‫أن ذلك كان في المحرم سنة عشرين و أما ديوان الخممراج و‬
‫الجبايات فبقي بعد السلم على ما كان عليه من قبل ديوان‬
‫العراق بالفارسية و ديوان الشام بالرومية و كتمماب الممدواوين‬
‫من أهل العهد من الفريقين و لما جاء عبد الملك بن مممروان‬
‫و استحال المر ملكا ً و انتقل القوم من غضاضة البداوة إلممى‬
‫رونق الحضارة و من سذاجة المية إلى حذق الكتابة و ظهممر‬
‫في العرب و مواليه م مهممرة فممي الكتمماب و الحسممبان فممأمر‬
‫عبد الملك سممليمان بممن سممعد والممي الردن لعهممده أن ينقممل‬
‫ديوان الشام إلى العربيممة فممأكمله لسممنة مممن يمموم ابتممدائه و‬
‫وقف عليه سرحون كاتب عبممد الملممك فقممال لكتمماب الممروم‪:‬‬
‫اطلبوا العيش في غير هذه الصناعة فقد قطعها اللممه عنكممم‪.‬‬
‫و أما ديوان العراق فأمر الحجاج كاتبه صالح بن عبد الرحمن‬
‫و كان يكتب بالعربية و الفارسية و لقن ذلك عن زادان فروخ‬
‫كاتب الحجاج قبله و لما قتل زادان في حممرب عبممد الرحمممن‬
‫بن الشعث استخلف الحجاج صممالحا ً هممذا مكممانه و أمممره أن‬
‫ينقل الديوان من الفارسية إلى العربية ففعممل و رغممم لممذلك‬
‫كتاب الفرس و كان عبد الحميد بن يحي يقول للممه در صممالح‬
‫ما أعظم منته على الكتاب ثم جعلت هذه الوظيفة في دولممة‬
‫بني العباس مضافة إلى من كان له النظر فيه كما كان شأن‬
‫بنممي برمممك و بنممى سممهل بممن نمموبخت و غيرهممم مممن وزراء‬
‫الدولة‪ .‬و أما ما يتعلق بهذه الوظيفة مممن الحكممام الشممرعية‬
‫مما يختممص بممالجيش أو بيممت المممال فممي الممدخل و الخممرج و‬
‫تمييز النواحي بالصمملح و الغنمموة و فممي تقليممد هممذه الوظيفممة‬
‫لمممن يكممون و شممروط النمماظر فيهمما و الكمماتب و قمموانين‬
‫الحسبانات فأمر راجع إلممى كتممب الحكممام السمملطانية و هممي‬
‫مسطورة هنالك و ليست من عرض كتابنا و إنما نتكلممم فيهمما‬
‫من حيث طبيعة الملك الممذي نحممن بصممدد الكلم فيممه و هممذه‬
‫الوظيفة جممزء عظيممم مممن الملممك بممل هممي ثالثممة أركممانه لن‬
‫الملك ل بد له من الجند و المال و المخاطبة لمن غمماب عنممه‬
‫فاحتاج صاحب الملك إلى العمموان فممي أمممر السمميف و أمممر‬
‫القلم و أمر المال فينفممرد صمماحبها لممذلك بجممزء مممن رئاسممة‬
‫الملك و كذلك كممال المممر فممي دولممة بنممي أميممة بالنممدلس و‬
‫الطوائف بعدهم و أما في دولة الموحدين فكان صاحبها إنممما‬
‫يكون من الموحدين يستقل بالنظر في اسممتخراج الممموال و‬
‫جمعهمما و ضممبطها و تعقممب نظممر الممولة و العمممال فيهمما ثممم‬
‫تنفيذها على قممدرها و فممي مواقيتهمما و كممان يعممرف بصمماحب‬
‫الشغال و كان ربما يليها في الجهممات غيممر الموحممدين ممممن‬
‫يحسنها‪ .‬و لما استبد بنممو أبممي حفممص بأفريقيممة و كممان شممأن‬
‫الجالية من الندلس فقدم عليهم أهل البيوتممات و فيهممم مممن‬
‫كان يسممتعمل ذلممك فممي النممدلس مثممل بنممي سممعيد أصممحاب‬
‫القلعة جوار غرناطة المعروفين ببني أبي الحسن فاسممتكفوا‬
‫بهم في ذلك و جعلوا لهم النظر في الشغال كممما كممان لهممم‬
‫بالندلس و دالوا فيها بينهم و بين الموحدين ثممم اسممتقل بهمما‬
‫أهممل الحسممبان و الكتمماب و خرجممت عممن الموحممدين ثممم لممما‬
‫استغلظ أمر الحاجب و نفذ أمره في كممل شممأن مممن شممؤون‬
‫الدولة تعطل هذا الرسل و صار صاحبه مرؤوسمما ً للحمماجب و‬
‫أصبح من جملة الجباة و ذهبت تلك الرئاسممة الممتي كممانت لممه‬
‫في الدولة‪ .‬و أما دولة بني مرين لهذا العهد فحسبان العطمماء‬
‫و الخراج مجموع لواحد و صاحب هذه الرتبة هو الذي يصحح‬
‫الحسبانات كلهما و يرجممع إلممى ديموانه و نظمره معقمب بنظممر‬
‫السلطان أو الوزير و خطه معتبر فمي صمحت الحسممبان فممي‬
‫الخارج و العطاء هذه أصول الرتممب و الخطممط السمملطانية و‬
‫هي الرتب العالية التي هي عامة النظر و مباشممر للسمملطان‪.‬‬
‫و أما هذه الرتبة في دولة الممترك فمتنوعممة و صمماحب ديمموان‬
‫العطاء يعرف بناظر الجيش و صاحب المال مخصوص باسم‬
‫الوزير و هو الناظر فمي ديموان الجبايمة العاممة للدولمة و همو‬
‫أعلى رتممب النمماظرين فممي الممموال لن النظممر فممي الممموال‬
‫عنممدهم يتنمموع إلممى رتممب كممثيرة لنفسمماح دولتهممم و عظمممة‬
‫سمملطانهم و أتسمماع الممموال و الجبايممات عممن أن يسممتقل‬
‫بضبطها الواحممد مممن الرجممال و لممو بلممغ فممي الكفايممة مبالغممة‬
‫فتعين للنظر العام منها هذا المخصمموص باسممم المموزير و هممو‬
‫مع ذلك رديف لمولى من موالي السلطان و أهممل عصممبيته و‬
‫أرباب السيوف في الدولة يرجممع نظممر المموزير إلممى نظممره و‬
‫يجتهد جهده في متابعته و يسمى عندهم أستاذ الدولممة و هممو‬
‫أحد المراء الكابر في الدولة من الجند و أربمماب السمميوف و‬
‫يتبع هذه الخطة خطط عندهم أخرى كلما راجعة إلى الموال‬
‫و الحسممبان مقصممورة النظممر إلممى أمممور خاصممة مثممل نمماظر‬
‫الخمماص و هممو المباشممر لممموال السمملطان الخاصممة بممه مممن‬
‫إقطاعاته أو سهمانه مممن أممموال الخممراج و بلد الجبايممة مممما‬
‫ليس من أموال المسلمين العامة و هو تحت يد المير أسمتاذ‬
‫الدار و إن كان الوزير من الجند فل يكون لستاذ الممدار نظممر‬
‫عليه و نظر الخاص تحت يممد الخممازن لممموال السمملطان مممن‬
‫مممماليكه المسمممى خممازن الممدار لختصمماص وظيفتهممما بمممال‬
‫السمملطان الخمماص‪ .‬هممذا بيممان هممذه الخطممة بدولممة الممترك‬
‫بالمشرق بعد ما قدمناه من أمرها بمالمغرب و اللمه مصممرف‬
‫المور ل رب غيره‪.‬‬

‫ديوان الرسائل و الكتابة‬


‫هذه الوظيفة غيممر ضممرورية فممي الملممك لسممتغناء كممثير مممن‬
‫الدول عنها رأسا ً كما في الدول العريقة في البداوة التي لممم‬
‫يأخمذها تهمذيب الحضمارة و ل اسمتحكام الصمنائع و إنمما أكممد‬
‫الحاجة إليها فممي الدولممة السمملمية شممأن اللسممان العربممي و‬
‫البلغة في العبممارة عممن المقاصممد فصممار الكتمماب يممؤدي كنممه‬
‫الحاجة بم بلغ من العبارة اللسانية في الكثر و كممان الكمماتب‬
‫للمير يكون من أهممل نسممبه و مممن عظممماء قممبيله كممما كممان‬
‫للخلفاء و أمراء الصحابة بالشام و العممراق لعظممم أمممانتهم و‬
‫خلوص أسرارهم فلما فسممد اللسممان و مهممار صممناعة اختممص‬
‫ة و كممان الكمماتب‬ ‫بمن يحسنه و كانت عند بني العبمماس رفيع م ً‬
‫يصدر السجلت مطلقممة و يكتممب فممي آخرهمما اسمممه و يختممم‬
‫عليها بخاتم السلطان و هو طابع منقوش فيه اسم السلطان‬
‫أو شارته يغمس في طين أحمر مذاب بالماء و يسمى طيممن‬
‫الختم و يطبع به على طرفي السجل عند طيه و إلصمماقه ثممم‬
‫صارت السجلت من بعمدهم تصمدر باسمم السملطان و يضمع‬
‫الكاتب فيهمما علمتممه أول ً أو آخممرا ً علممى حسممب الختيممار فممي‬
‫محلها و في لفظها ثم قد تنزل هذه الخطممة بارتفمماع المكممان‬
‫عند السلطان لغير صاحبها من أهل المراتممب فممي الدولممة أو‬
‫استبداد وزير عليه فتصير علمممة هممذا الكتمماب ملغمماة الحكممم‬
‫بعلمممة الرئيممس عليممه يسممتدل بهمما فيكتممب صممورة علمتممه‬
‫المعهودة و الحكم لعلمة ذلك الرئيس كما وقممع آخممر الدولممة‬
‫الحفصية لما ارتفع شأن الحجابة و صار أمرها إلى التفممويض‬
‫ثم الستبداد فصار حكم العلمة التي للكاتب ملغى و صورتها‬
‫ثابتة إتباعا ً لما سلف من أمرها فصار الحاجب يرسم للكاتب‬
‫إمضاء كتابه ذلك بخط يضعه و يتخير له من صمميغ النفمماذ ممما‬
‫شاء فيأتمر الكاتب له و يضع العلمممة المعتممادة و قممد يختممص‬
‫السلطان لنفسه بوضع ذلك إذا كان مستبدا ً بأمر قائما ً علممى‬
‫نفسه فيرسم المر للكاتب ليضع علمته و من خطط الكتابة‬
‫التوقيممع و هممو أن يجلممس الكمماتب بيممن يممدي السمملطان فممي‬
‫مجالس حكمه و فصله و يوقع على القصص المرفوعممة إليممه‬
‫أحكامها و الفصل فيها متلقماة مممن السمملطان بمأوجز لفممظ و‬
‫أبلغه فإما أن تصدر كذلك و إما أن يحذو الكاتب على مثالهمما‬
‫في سممجل يكممون بيممد صمماحب القصممة و يحتمماج الموقممع إلممى‬
‫عارضة من البلغة يستقيم بها تمموقيعه و قممد كممان جعفممر بممن‬
‫يحيى يوقع في القصص بيممن يممدي الرشمميد و يرمممي بالقصممة‬
‫إلى صاحبها فكممانت توقيعمماته يتنممافس البلغمماء فممي تحصمميلها‬
‫للوقوف فيها على أساليب البلغممة و فنونهمما حممتى قيممل أنهمما‬
‫كانت تباع كل قصة منها بدينار و هكممذا كممان شممأن الممدول‪ ،‬و‬
‫اعلم أن صاحب هذه الخطة ل بد من أن يتخير أرفع طبقممات‬
‫النمماس و أهممل المممرؤة و الحشمممة منهممم و زيممادة العلممم و‬
‫عارضة البلغممة فممأنه معممرض للنظممر فممي أصممول العلممم لممما‬
‫يعرض في مجالس الملمموك و مقاصممد أحكممامهم مممن أمثممال‬
‫ذلك ما تدعو إليه عشرة الملمموك مممن القيممام علممى الداب و‬
‫التخلق بالفضائل مع ما يضطر إليممه فممي الترسمميل و تطممبيق‬
‫مقاصد الكلم من البلغة و أسرارها و قد تكممون الرتبممة فممي‬
‫بعض الدول مستندة إلى أربمماب السمميوف لممما يقتضمميه طبممع‬
‫الدولة من البعد عممن معانماة العلمموم لجمل سمذاجة العصممبية‬
‫فيختص السلطان أهل عصممبيته بخطممط دولتممه و سممائر رتبممه‬
‫فيقلممد المممال و السمميف و الكتابممة منهممم فأممما رتبممة السمميف‬
‫فتستغني عن معاناة العلم و أما المال و الكتابة فيضطر إلى‬
‫ذلك البلغة في هذه و الحسبان فممي الخممرى فيختممارون لهمما‬
‫من هذه الطبقة ما دعت إليممه الضممرورة و يقلممدونه إل أنممه ل‬
‫تكون يد آخر من أهل العصبية غالبة على يده و يكون نظممره‬
‫منصممرفا ً عممن نظممره كممما هممو فممي دولممة الممترك لهممذا العهممد‬
‫بالمشرق فإن الكتابة عندهم و إن كانت لصمماحب النشمماء إل‬
‫أنه تحت يد أمير من أهل عصبية السلطان يعرف بالدويدار و‬
‫تعويل السلطان و وثوقه به و استنامته في غالب أحواله إليه‬
‫و تعويله على الخر في أحوال البلغممة و تطممبيق المقاصممد و‬
‫كتمممان السممرار و غيممر ذلممك مممن توابعهمما‪ .‬و أممما الشممروط‬
‫المعتبرة في صاحب هذه الرتبة التي يلحظها السلطان فممي‬
‫اختياره و انتقائه من أصناف الناس فهي كثيرة و أحسن مممن‬
‫استوعبها عبد الحميد الكاتب في رسالته إلى الكتاب و هممي‪:‬‬
‫أممما بعممد حفظكممم اللممه يما أهممل صممناعة الكتابممة و حمماطكم و‬
‫وفقكم و أرشدكم فإن الله عز و جل جعل الناس بعد النبياء‬
‫و المرسلين صلوات الله و سلمه عليهم أجمعين و مممن بعممد‬
‫الملوك المكرمين أصممنافا ً و إن كممانوا فممي الحقيقممة سممواء و‬
‫صممرفهم فممي صممنوف الصممناعات و ضممروب المحمماولت إلممى‬
‫أسباب معاشهم و الجواب أرزاقهم فجعلكممم معشممر الكتمماب‬
‫في أشرف الجهات أهل الدب و المرؤات و العلم و الرزانممة‬
‫بكم ينتظم للخلفة محاسنها و تسممتقيم أمورهمما و بنصممحائكم‬
‫يصلح الله للخلق سلطانهم و تعمر بلدانهم ل يستغني الملممك‬
‫عنكم و ل يوجد كاف إل منكم فموقعكم مممن الملمموك موقممع‬
‫أسماعهم التي بها يسمعون و أبصارهم الممتي بهمما يبصممرون و‬
‫ألسممنتهم الممتي بهمما ينطقممون و أيممديهم الممتي بهمما يبطشممون‬
‫فأمتعكم الله بما خصكم من فصل صناعتكم و ل نممزع عنكممم‬
‫ما أضفاه من النغمة عليكم و ليس أحد من أهممل الصممناعات‬
‫كلهمما أحمموج إلممى اجتممماع خلل الخيممر المحمممودة و خصممال‬
‫الفضل المذكورة المعدودة منهم أيها الكتمماب إذا كنتممم علممى‬
‫ما يأتي في هذا الكتاب من صفتكم فمإن الكماتب يحتماج فمي‬
‫نفسه و يحتاج منه صاحبه الذي يثق به في مهمات أموره أن‬
‫يكون حليما ً في موضع الحلم فهيما ً في موضع الحكم مقداما ً‬
‫في موضع القدام محجما ً في موضع الحجام مؤثرا ً للعفمماف‬
‫و العدل و النصاف كتوما ً للسرار و فيا ً عند الشممدائد عالممما ً‬
‫بما يأتي من النوازل يضع المممور مواضممعها و الطمموارق فممي‬
‫أماكنها قد نظر في كل فن من فنون العلم فأحكمه و إن لم‬
‫يحكمه أخذ منه بمقدار ما يكتفي بممه يعممرف بغريممزة عقلممه و‬
‫حسن أدبه و فضل تجربته ما يرد عليه قبل وروده و عاتبة ما‬
‫يصدر عنه قبل صدور فيعد لكل أمممر عممدته و عتمماده و يهيممء‬
‫لكممل وجممه هيئتممه و عممادته فتنافسمموا يمما معشممر الكتمماب فممي‬
‫صنوف الداب و تفقهوا في الدين و ابممدأوا بعلممم كتمماب اللممه‬
‫عز و جل و الفممرائض ثممم العربيممة فإنهمما ثقمماف ألسممنتكم ثممم‬
‫أجيممدوا الخممط فممإنه حليممة كتبكممم و ارووا الشممعار و اعرفمموا‬
‫غريبها و معانيها و أيام العرب و العجممم و أحاديثهمما و سمميرها‬
‫فإن ذلك معين لهم على ما تسمو إليممه هممكممم و ل تضمميعوا‬
‫النظممر فممي الحسمماب فممإنه قمموام كتمماب الخممراج و ارغبمموا‬
‫بأنفسكم عن المطممامع سممنيها و دنيهمما و سفسمماف المممور و‬
‫محاقرهمما فإنهمما مذلممة للرقمماب مفسممدة للكتمماب و نزهمموا‬
‫صممناعتكم عممن الممدناءة و اربممأوا بأنفسممكم عممن السممعاية و‬
‫النميمة و ما فيه أهل الجهالت و إياكم و الكممبر و السممخف و‬
‫العظمة فإنها عداوة مجتلبة من غير إحنة و تحممابوا فممي اللممه‬
‫عز و جل في صناعتكم و تواصوا عليها بالذي هو أليممق لهممل‬
‫الفضل و العدل و النبل من سلفكم و إن نبمما الزمممان برجممل‬
‫منكم فاعطفوا عليه و آسوه حممتى يرجممع إليممه حمماله و يثمموب‬
‫إليه أمره و إن أقعممد أحممدا ً منهممم الكنممز عممن مكسممبه و لقمماء‬
‫إخمموانه فممزوروه و عظممموه و شمماوروه و اسممتظهروا بفضممل‬
‫تجربتممه و قممديم معرفتممه و ليكممن الرجممل منكممم علممى مممن‬
‫اصطنعه و استظهر به ليوم حاجته إليه أحوط منه على ولده‬
‫و أخيه فإن عرضت فممي الشممغل محمممدة فل يصممفها إل إلممى‬
‫صاحبه و إن عرضت مذمة فليحملها هممو مممن دونممه و ليحممذر‬
‫السقطة و الزلة و الملل عند تغير الحال فممإن العيممب إليكممم‬
‫معشر الكتاب أسرع منه إلى القممراء و هممو لكممم أفسممد منممه‬
‫لهم فقد علمتم أن الرجل منكم إذا صحبة من يبممذل لممه مممن‬
‫نفسه ما يجب له عليه من حقممه فممواجب عليممه أن يعتقممد لممه‬
‫من وفائه و شكره و احتماله و خيره و نصيحته و كتمان سممر‬
‫و تدبير أممر مما همو جمزاء لحقمه و يصمدق ذلمك بفعماله عنمد‬
‫الحاجة إليممه و الضممطرار إلممى ممما لممديه فاستشممعروا ذلممك و‬
‫فقكم الله من أنفسكم في حالة الرخاء و الشدة و الحرمممان‬
‫و المؤاساة و الحسان و السراء و الضممراء فنعمممت السمميمة‬
‫هذه من وسم بها من أهل هذه الصناعة الشممريفة و إذا ولممي‬
‫الرجل منكم أو صمير إليمه ممن أممر خلمق اللمه و عيماله أممر‬
‫فليراقب الله عز و جل و ليؤثر طاعته و ليكن على الضممعيف‬
‫رفيقا ً و للمظلوم منصفا ً ) فإن الخلق عيال الله و أحبهم إليه‬
‫أرفقهم بعياله ( ثم ليكن بالعدل حاكما ً و للشممراف مكرمما ً و‬
‫للفيء ممموفرا ً و للبلد عممامرا ً و للرعيممة متألف ما ً و عممن أذاهممم‬
‫متخلفا ً و ليكن في مجلسممه متواضممعا ً حليم ما ً و فممي سممجلت‬
‫خراجه و استقضاء حقمموقه رفيق ما ً و إذا صممحب أحممدكم رجل ً‬
‫فليختبر خلئقه فممإذا عممرف حسممنها و قبحهمما أعممانه علممى ممما‬
‫يوافقه من الحسن و احتال على صرفه عما يهواه من القبممح‬
‫بألطف حيلة و أجمل و سبيلة و قد علمتم أن سائس البهيمة‬
‫إذا كان بصير بسياستها التمممس معرفممة إخلقهمما فممإن كممانت‬
‫رموحا ً لم يهجها إذا ركبها و إن كانت شممبوبا ً أتقاهمما مممن بيممن‬
‫يديها و إن خاف منها شممرودا توقاهما مممن ناحيممة رأسمها و إن‬
‫كانت حرونما ً قمممع برفممق هواهمما فممي طرقهمما فممإن اسممتمرت‬
‫عطفها يسيرا ً فيسمملس لممه قيادهمما و فممي هممذا الوصممف مممن‬
‫السياسممة دلئل لمممن سمماس النمماس و عمماملهم و جربهممم و‬
‫داخلهم و الكاتب يفضل أدبه و شريف صنعته و لطيف حيلتممه‬
‫و معاملته لبن يحاوره من النمماس و ينمماظره و يفهممم عنممه أو‬
‫يخاف سطوته أولى بالرفق لصاحبه و مداراته و تقممويم أوده‬
‫من سائس البهيمة التي ل تحير جوابا ً و ل تعممرف صمموابا ً و ل‬
‫تفهم خطابا ً إل بقدر ما يصيرها إليه صاحبها الراكب عليهمما أل‬
‫فارفقوا رحمكم الله في النظر و اعملوا ما أمكنكم فيه مممن‬
‫الرويممة و الفكممر تمأمنوا بممإذن اللمه ممممن صممحبتموه النبمموة و‬
‫الستثقال و الجفوة و يصمير منكمم إلمى الموافقمة و تصميروا‬
‫منه إلى المؤاخاة و الشفقة إن شاء الله‪ .‬و ل يجاوزن الرجل‬
‫منكممم فممي هيئة مجلسممه و ملبسممه و مركبممه و مطعمممه و‬
‫مشربه و بنائه و خدمه و غير ذلك من فنممون أمممر قممدر حقممه‬
‫فإنكم مع ما فضلكم اللممه بممه مممن شممرف صممنعتكم خدمممة ل‬
‫تحملون في خدمتكم على التقصير و حفظة ل تحتمممل منكممم‬
‫أفعال التضييع و التبذير و استعينوا على عفافكم بالقصد فممي‬
‫كل ما ذكرته لكم و قصصته عليكم و احذروا متالف السممرف‬
‫و سوء عاقبة الترف فإنهما يعقبان الفقر و يممذلن الرقمماب و‬
‫يفصممحان أهلهممما و سمميما الكتمماب و أربمماب الداب و للمممور‬
‫أشممباه و بعضممها دليممل علممى بعممض فاسممتدلوا علممى مؤتنممف‬
‫أعمالكم بما سبقت إليممه تجربتكممم ثممم اسمملكوا مممن مسممالك‬
‫ةو‬ ‫ة و أحممدها عاقبم ً‬ ‫ة و أصممدقها حجم ً‬
‫التممدبير أوضممحها محجم ً‬
‫اعلموا أن للتدبير آفة متلفة و هو الوصممف الشمماغل لصمماحبه‬
‫عن إنقاذ علمه و رويته فليقصممد الرجممل منكممم فممي مجلسممه‬
‫قصد الكافي من منطقه و ليوجز في ابتدائه و جوابه و ليأخذ‬
‫بمجامع حججه فإن ذلممك مصمملحة لفعلممه و مممدفعه للتشمماغل‬
‫عن إكثمماره و ليضممرع إلممى اللممه فممي صمملة تمموفيقه و إمممداده‬
‫بتسديده مخافة وقوعه فممي الغلممط المضممر ببممدنه و عقلممه و‬
‫أدبه فإنه إن ظن منكم ظان أو قال قائل إن الممذي بممرز مممن‬
‫جميل صنعته و قوة حركتممه إنممما هممو بفصممل حيلتممه و حسممن‬
‫تدبيره فقد تعرض بظنه أو مقالته إلى أن يكله الله عز و جل‬
‫إلى نفسه فيصير منها إلى غير كاف و ذلك علممى مممن تممأمله‬
‫غير خاف و ل يقل أحد منكم إنه أبصر بالمور و أحمل لعبء‬
‫التدبير من مرافقه في صناعته و مصمماحبه فممي خممدمته فممإن‬
‫أعقممل الرجليممن عنممد ذوي اللبمماب مممن رمممى بممالعجب وراء‬
‫ظهره و رأى أن أصحابه أعقممل منممه و أحمممد فممي طريقتممه و‬
‫على كل واحد من الفريقين أن يعممرف فضممل نعممم اللممه جممل‬
‫ثنأوه من غير اغترار برأيه و ل تزكية لنفسه و ل يكمماثر علممى‬
‫أخيه أو نظيره و صاحبه و عشيره و حمممد اللممه واجممب علممى‬
‫الجميع و ذلك بالتواضممع لعظمتممه و التممذلل لعزتممه و التحممدث‬
‫بنعمته و أنا أقول في كتابي هذا ما سبق به المثل من تلزمه‬
‫النصيحة يلزمه العمل و هو جوهر هذا الكتمماب و غممره كلمممه‬
‫بعد الذي فيه من ذكر الله عز و جممل فلممذلك جعلتممه آخممره و‬
‫تممته به تولنا اللمه و إيماكم يما معشمر الطلبمة و الكتبممة بممما‬
‫يتولى به من سبق عليه بإسعاده و إرشاده فممإن ذلممك إليممه و‬
‫بيده و السللم عليكم و رحمة الله و بركاته‪.‬‬
‫) الشرطة (‪ :‬و يسمى صاحبها لهذا العمل بأفريقية الحاكم و‬
‫في دولة أهل النممدلس صمماحب المدينممة و فممي دولممة الممترك‬
‫الوالي‪ .‬و هي وظيفة مرؤوسة لصاحب السيف في الدولممة و‬
‫حكمه نافذ في صاحبها في بعض الحيان و كان أصل و ضعها‬
‫فممي الدولممة العباسممية لمممن يقيممم أحكممام الجممرائم فممي حممال‬
‫اسبدادها أول ً ثم الحدود بعد استيفائها فإن التهم التي تعرض‬
‫فممي الجممرائم ل نظممر للشممرع إل فممي اسممتيفاء حممدودها و‬
‫للسياسة النظر فممي اسممتيفاء موجباتهمما بممإقرار يكرهممه عليممه‬
‫الحاكم إذا احتفت به القرائن لما توجبه المصلحة العامة فممي‬
‫ذلك فكان الذي يقوم بهذا الستبداد و باستيفاء الحدود بعممده‬
‫إذا تنزه عنه القاضي يسمى صاحب الشممرطة و ربممما جعلمموا‬
‫إليه النظر في الحدود و الدماء بإطلق‪ ،‬و أفردوها مممن نظممر‬
‫القاضي و نزهوا هذه المرتبة و قلدوها كبار القواد و عظممماء‬
‫الخاصة من مممواليهم و لممم تكممن عامممة التنفيممذ فممي طبقممات‬
‫الناس إنما كان حكمهم على الدماء و أهل الريممب و الضممرب‬
‫على أيدي الرعاع و الفجرة‪ .‬ثم عظمت نباهتها في دولة بني‬
‫أمية بالندلس و نوعت إلى شرقي كبرى و شرطة صغرى و‬
‫جعل حكم الكبرى على الخاصة و الممدماء و جعممل لممه الحكممم‬
‫على أهل المراتممب السمملطانية و الضممرب علممى أيممديهم فممي‬
‫الظلمات و على أيدي أقاربهم و من إليه مممن أهممل الجمماه و‬
‫جعل صمماحب الصممغرى مخصوصما ً بالعامممة و نصممب لصمماحب‬
‫الكبرى كرسي بباب دار السلطان و رجممال يتبمموؤن المقاعممد‬
‫بين يممديه فل يممبرحون عنهمما إل فممي تصممريفه و كممانت وليتهمما‬
‫للكابر مممن رجممالت الدولممة حممتى كممانت ترشمميحا ً للمموزارة و‬
‫الحجابة‪.‬‬
‫و أما في دولة الموحدين بالمغرب فكان لها حظ من التنممويه‬
‫إن لم يجعلوها عامة و كممان ل يليهمما إل رجممالت الموحممدين و‬
‫كبراؤهم و لم يكن له التحكم على أهل المراتممب السمملطانية‬
‫ثممم فسممد اليمموم منصممبها و خرجممت عممن رجممال الموحممدين و‬
‫صارت وليتها لمن قام بها من المصطنعين‪ .‬و أما فممي دولممة‬
‫بني مرين لهذا العهد بالمشرق فوليتها فممي بيمموت مممواليه و‬
‫أهل اصطناعهم و فممي دولممة الممترك بالمشممرق فممي رجممالت‬
‫الترك أو أعقاب أهل الدولة قبلهم من الترك يتخيرونهممم لهمما‬
‫في النظر بما يظهر منهم من الصلبة و المضاء في الحكممام‬
‫لقطع مواد الفساد و حسم أبواب الدعارة و تخريب مممواطن‬
‫الفسمموق و تفريممق مجممامعه مممع إقامممة الحممدود الشممرعية و‬
‫السياسة كما تقتضيه رعاية المصممالح العامممة فممي المدينممة و‬
‫الله مقلب الليل و النهمار و همو العزيمز الجبمار و اللمه تعمالى‬
‫أعلم‪.‬‬
‫) قيادة الساطيل (‪ :‬و هي من مراتب الدولة و خططها فممي‬
‫ملك المغرب و أفريقية و مرؤسممة لصمماحب السمميف و تحممت‬
‫حكمه في كثير من الحمموال و يسمممى صمماحبها فممي عرفهممم‬
‫البلمند بتفخيم اللم منقول ً من لغة الفرنجة فإنه اسمها فممي‬
‫اصطلح لغتهم و إنما اختصت هذه المرتبممة بملممك أفريقيممة و‬
‫المغرب لنهما جميع ما ً علممى ضممفة البحممر الرومممي مممن جهممة‬
‫الجنوب و على عدوته الجنوبيممة بلد الممبربر كلهممم مممن سممبتة‬
‫إلى الشام و على عدوته الشمالية بلد الندلس و الفرنجة و‬
‫الصممقالبة و الممروم إلممى بلد الشممام أيضمما ً و يسمممى البحممر‬
‫ة إلى أهل عممدوته و السمماكنون‬ ‫الرومي و البحر الشامي نسب ً‬
‫بسيف هذا البحر و سواحله من عممدوتيه يعممانون مممن أحممواله‬
‫مال تعانيه أمة من أمم البحار فقد كانت الروم و الفرنجممة و‬
‫القوط بالعدوة الشمالية من هذا البحر الرومي و كانت أكممثر‬
‫حروبهم و متاجرهم في السممفن فكممانوا مهممرة فممي ركمموبه و‬
‫الحرب في أساطيله و لما أسف من أسممف منهممم إلممى تلممك‬
‫العممدوة الجنوبيممة مثممل الممروم إلممى أفريقيممة و القمموط إلممى‬
‫المغرب أجازوا في الساطيل و ملكوها و تغلبوا على الممبربر‬
‫بها و انتزعوا من أيديهم أمرها و كان لها بها المممدن الحافلممة‬
‫مثممل قرطاجنممة و سممبيطلة و جلممولء و مرنمماق و شرشممال و‬
‫طنجة و كان صاحب قرطاجنممة مممن قبليهممم يحممارب صمماحب‬
‫رومة و يبعث الساطيل لحربممه مشممحونة بالعسمماكر و المممدد‬
‫فكانت هذه عادة لهل هذا البحر الساكنين حفممافيه معروفممة‬
‫في القديم و الحديث و لما ملك المسلمون مصر كتب عمممر‬
‫بممن الخطمماب إلممى عمممرو بممن العمماص رضممي اللممه عنهممما أن‬
‫) صف لي البحر ( فكتب إليه‪ ) :‬إن البحر خلق عظيم يركبممه‬
‫خلق ضعيف دود علممى عممود ( فممأوعز حينئذ بمنممع المسمملمين‬
‫من ركوبه و لم يركبه أحممد مممن العممرب إل مممن افتممات علممى‬
‫عمر في ركوبه و نال من عقابه كما فعل بعرفجة بن هرثمممة‬
‫الزدي سيد بجيلة لما أغزاه عمممال فبلغممه غممزوه فممي البحممر‬
‫فأنكر عليه و عنفه أنه ركب البحر للغممزو و لممم يممزل الشممأن‬
‫ذلك حتى إذا كان لعهد معاوية أذن للمسمملمين فممي ركمموبه و‬
‫الجهاد على أعواده و السبب في ذلك أن العرب لبداوتهم لم‬
‫يكونمموا مهممرة فممي ثقممافته و ركمموبه و الممروم و الفرنجممة‬
‫لممارستهم أحواله و مرباهم في التقلب على أعواده مرنمموا‬
‫عليه و أحكموا الدراية بثقافته فلما اسممتقر الملممك للعممرب و‬
‫شمخ سلطانهم و صارت أمم العجم خول لهم و تحت أيديهم‬
‫و تقرب كل ذي صنعة إليهم بمبلغ صممناعته و اسممتخدموا مممن‬
‫النواتية في حاجاتهم البحرية أمما ً و تكررت ممارستهم للبحر‬
‫و ثقافته و استحدثوا بصراء بهمما فشممرهوا إلمى الجهماد فيممه و‬
‫أنشأوا السفن فيه و الشواني و شحنوا الساطيل بالرجممال و‬
‫السلح و أمطوها العساكر و المقاتلممة لمممن وراء البحممر مممن‬
‫أمم الكفر و اختصوا بذلك من ممممالكهم و ثغممورهم ممما كممان‬
‫أقممرب لهممذا البحممر و علممى حممافته مثممل الشممام و أفريقيممة و‬
‫المغرب و الندلس و أوعز الخليفة عند الملك إلى حسان بن‬
‫النعمممان عامممل أفريقيممة باتخمماذ دار صممناعة بتممونس لنشمماء‬
‫اللت البحرية حرصا ً على مراسممم الجهمماد و منهمما كممان فتممح‬
‫صقلية أيام زيادة الله الول ابن إبراهيم بن الغلب علممى يممد‬
‫أسد بن الفرات شيخ الفتيا و فتح قوصرة أيضا ً في أيامه بعد‬
‫أن كان معاوية بن حديج أغزى صقلية أيممام معاويممة بممن أبممي‬
‫سفيان فلم يفتح الله على يديه و فتحت على يد ابن الغلممب‬
‫و قممائده أسممد بممن الفممرات و كممانت مممن بعممد ذلممك أسمماطيل‬
‫أفريقية و الندلس في دولة العبيديين و المويين تتعاقب إلى‬
‫بلدهما في سبيل الفتنة فتجوس خلل السواحل بالفسمماد و‬
‫التخريب‪ .‬و انتهي أسطول الندلس أيام عبد الرحمن الناصر‬
‫إلى مائتي مركب أو نحوها و أسطول أفريقية كذلك مثلممه أو‬
‫قريبا ً منه و كممان قممائد السمماطيل بالنممدلس ابممن دممماحس و‬
‫مرفأهمما للخممط و القلع بجايممة و المريممة و كممانت أسمماطيلها‬
‫مجتمعة من سائر الممالممك مممن كممل بلممد تتخممذ فيممه السممفن‬
‫أسطول يرجع نظره إلى قائد من النواتية يممدبر أمممر حربممه و‬
‫سمملحه و مقمماتلته و رئيممس يممدبر أمممر جزيتممه بالريممح أو‬
‫بالمجاذيف و أمر إرسائه في مرفئه فإذا اجتمعت السمماطيل‬
‫لغممزو محتفممل أو غممرض سمملطاني مهممم عسممكرت بمرفئهمما‬
‫المعلوم و شحنها السلطان برجاله و أنجاد عساكره و مواليه‬
‫و جعلهم لنظر أمير واحممد مممن أعلممى طبقممات أهممل مملكتممه‬
‫يرجعون كلهم إليه ثم يسرحهم لوجههم و ينتظر إيابهم الفتح‬
‫و الغنيمة و كان المسلمون لعهده الدولة السلمية قد غلبمموا‬
‫علممى هممذا البحممر مممن جميممع جمموانبه و عظمممت صممولتهم و‬
‫سلطانهم فيممه فلممم يكممن للمممم النصممرانية قبممل بأسمماطيلهم‬
‫بشي من جوانبه و امتطوا ظهره للفتح سائر أيممامهم فكممانت‬
‫لهم المقامات المعلومة من الفتممح و الغنممائم و ملكمموا سممائر‬
‫الجزائر المنقطعة عن السواحل فيه مثل ميورقممة و منورقممة‬
‫و يابسة و سردانية و صقلية و قوصرة و مالطة و أقريطممش‬
‫و قبرص و سائر ممالك الروم و الفرنج و كممان أبممو القاسممم‬
‫الشيعي و أبناوه يغزون أساطيلهم من المهدية جزيرة جنمموة‬
‫فتنقلب بالظفر و الغنيمممة و افتتممح مجاهممد العممامري صمماحب‬
‫دانية من ملوك الطوائف جزيرة سردانية في أسمماطيل سممنة‬
‫خمس و أربعمممائة و ارتجعهمما النصممارى لوقتهمما و المسمملمون‬
‫خلل ذلك كله قممد تغلبمموا علممى كممثير مممن لجممة هممذا البحممر و‬
‫صارت أساطيلهم فيهم جائية و ذاهبممة و العسمماكر السمملمية‬
‫تجيز البحر في الساطيل من صقلية إلى البر الكبير المقابل‬
‫لها من العدوة الشمالية فتوقع بملمموك الفرنممج و تثخممن فممي‬
‫ممممالكهم كممما وقممع فممي أيممام بنممي الحسممين ملمموك صممقلية‬
‫القممائمين فيهمما بممدعوة العبيممديين و انحممازت أمممم النصممرانية‬
‫بأساطيلهم إلى الجالب الشمالي الشرقي منه مممن سممواحل‬
‫الفرنجة و الصقالبة و جزائر الرومانية ل يعدونها و أسمماطيل‬
‫المسلمين قد ضربت عليهم ضراء السد على فريسته و قممد‬
‫ملت الكثر من بسيط هذا البحر عدة و عددا ً و اختلفت فممي‬
‫طرقه سلما ً و حربا ً فلم تظهر للنصرانية فيه ألممواح حممتى إذا‬
‫أدرك الدولممة العبيديممة و المويممة الفشممل و المموهن و طرقهمما‬
‫العتلل مد النصارى أيديهم إلى جزائر البحممر الشممرقية مثممل‬
‫صقلية و إقريطش و مالطة فملكوها ثم ألحوا على سممواحل‬
‫الشام في تلك الفترة و ملكوا طرابلس و عسقلن و صور و‬
‫عكاء و استولوا على جميع الثغممور بسممواحل الشممام و غلبمموا‬
‫علممى بيممت المقممدس و بنمموا عليممه كنيسممة لمظهممر دينهممم و‬
‫عبادتهم و غلبوا بني خزرون على طرابلس ثم على قممابس و‬
‫صممفاقس و وضمعوا عليهمم الجزيمة ثمم ملكموا المهديمة مقممر‬
‫ملوك العبيديين من يد أعقاب بلكين بن زيممري و كممانت لهممم‬
‫فممي المممائة الخامسممة الكممرة بهممذا البحممر و ضممعف شممأن‬
‫الساطيل في دولة مصر و الشام إلى أن انقطع و لم يعتنمموا‬
‫بشيء من أمره لهذا العهد بعد أن كممان لهممم بممه فممي الدولممة‬
‫العبيدية عناية تجاوزت الحد كممما هممو تجمماوزت فممي أخبممارهم‬
‫فبطل رسم هذه الوظيفة هنالك و بقيت بأفريقية و المغممرب‬
‫فصارت مختصة بها و كان الجانب الغربي من هذا البحر لهذا‬
‫العهد موفور الساطيل ثابت القوة لم يتحيفه عدو و ل كانت‬
‫لهم به كرة فكال قائد السطول به لعهد لمتونة بني ميمممون‬
‫رؤسمماء جزيممرة قممادس و مممن أيممديهم أخممذها عبممد المممؤمن‬
‫بتسليمهم و طاعتهم و انتهى عدد أساطيلهم إلى المممائة مممن‬
‫بلد العدوتين جميعًا‪ .‬و لممما اسممتفحلت دولممة الموحممدين فممي‬
‫المائة السادسة و ملكوا العدوتين أقاموا خطة هذا السطول‬
‫على أتم ما عرف و أعظممم ممما عهممد و كممان قممائد أسممطولهم‬
‫أحمد الصقلي أصله من صممد غيممار الممموطنين بجزيممرة جربممة‬
‫من سرويكش أسرة النصارى من سواحلها و ربممي عنممدهم و‬
‫استخلصه صاحب صقلية و استكفاه ثممم هلممك‪ ،‬و ولممي الجنممة‬
‫فأسخطه ببعض النزعات و خشي على نفسه و لحق بتممونس‬
‫و نزل على السند بها من بنى عبد المممؤمن و أجمماز مراكممش‬
‫فتلقاه الخليفة يوسف بن عبد المممؤمن بممالمبرة و الكرامممة و‬
‫أجممزل الصمملة و قلممده أمممر أسمماطيله فجلممى فممي جهمماد أمممم‬
‫النصرانية و كانت لممه آثممار و أخبممار و مقامممات مممذكورة فممي‬
‫دولة الموحدين‪ .‬و انتهت أساطيل المسلمين على عهده فممي‬
‫الكثرة و الستجادة إلى ما لم تبلغه مممن قبممل و ل بعممد فيممما‬
‫عهدناه و لما قام صلح الدين يوسف بن أيوب ملممك مصممر و‬
‫الشام لعهده باسترجاع ثغور الشام من يد أمممم النصممرانية و‬
‫تطهير بيت المقدس تتابعت أسمماطيلهم بالمممدد لتلممك الثغممور‬
‫من كل ناحية قريبة لبيت المقدس الممذي كممانوا قممد اسممتولوا‬
‫عليممه فأمممدوهم بالعممدد و القمموات و لممم تقمماومهم أسمماطيل‬
‫السكندرية لستمرار الغلب لهم في ذلممك الجممانب الشممرقي‬
‫من البحرية و تعدد أساطيلهم فيممه و ضممعف المسمملمين منممذ‬
‫زمان طويل عن ممانعتهم هناك كما أشرنا إليممه قبممل فأوفممد‬
‫صملح المدين علمى أبمي يعقموب فمنصمور سملطان المغمرب‬
‫لعهده من الموحدين رسوله عبد الكريم بن منقذ مممن ملمموك‬
‫بني منقممذ ملمموك شمميزر‪ ،‬و كممان ملكهمما مممن أيممديهم و أبقممى‬
‫عليهم فممي دولتممه فبعممث عنممد الكريممم منهممم هممذا إلممى ملممك‬
‫المغرب طالبا ً مدد الساطيل لتحول في البحر بين أسمماطيل‬
‫الجانب و بين مرامهم من أمممداد النصممرانية بثغممور الشممام و‬
‫أصحبه كتابة إليه في ذلك من إنشاء الفاضل البيساني يقممول‬
‫في افتتاحه ) فتح اللممه لسمميدنا أبممواب المناحممج و الميممامن (‬
‫حسبما نقله العماد الصفهاني في كتاب الفتح القيسي فنقمم‬
‫عليهم المنصور تجافيهم عن خطابه بأمير المؤمنين و أسرها‬
‫في نفسه و حملهم على مناهج البر و الكراممة و ردهمم إلمى‬
‫مرسلهم و لم يجبه إلى حاجته من ذلك و في هذا دليل علممى‬
‫اختصاص ملك المغرب بالساطيل و ما حصل للنصرانية فممي‬
‫الجانب الشرقي من هذا البحر من السممتطالة و عممدم عنايممة‬
‫الدول بمصر و الشام لذلك العهد و ما بعده لشأن الساطيل‬
‫البحريممة و السممتعداد منهمما للدولممة و لممما هلممك أبممو يعقمموب‬
‫المنصور و اعتلت دولة الموحدين و استولت أمهممم الجللقممة‬
‫على الكثر من بلد الندلس و ألجأوا المسمملمين إلممى سمميف‬
‫البحر و ملكوا الجزائر التي بالجانب الغربممي فممي مممن البحممر‬
‫الرومممي قممويت ريحهممم فممي بسمميط هممذا البحممر و اشممتدت‬
‫شوكتهم و كثرت فيه أساطيلهم و تراجعممت قمموة المسمملمين‬
‫فيه إلى المساواة معهم كما وقع لعهد السلطان أبي الحسن‬
‫ملك زناتة بالمغرب فإن أساطيله كممانت عنممد مرامممه الجهمماد‬
‫مثل عدة النصممرانية و عديممدهم ثمم تراجعمت عمن ذلمك قمموة‬
‫المسمملمين فممي السمماطيل لضممعف الدولممة و نسمميان عمموائد‬
‫البحممر بكممثرة العمموائد البدويممة بممالمغرب و انقطمماع الممموائد‬
‫الندلسممية و رجممع النصممارى فيممه إلممى دينهممم المعممروف مممن‬
‫الدربة فيه و المران عليه و البصر بأحواله و غلب المممم فمي‬
‫لجته على أعواده و صار المسمملمون فيممه كالجممانب إل قليل ً‬
‫من أهل البلد الساحلية لهم المران عليه لو وجدوا كثرة من‬
‫النصار و العوال أو قلة من الدولة تسممتجيش لهممم أعوان ما ً و‬
‫ترضع لهم في هذا الغرض مسلكا ً و بقيت الرتبة لهممذا العهممد‬
‫في الدولة الغربية محفوظة و الرسم في معانمماة السمماطيل‬
‫بالنشاء و الركوب مهودا ً لما عساه أن تدعو إليه الحاجة من‬
‫الغراض السلطانية في البلد البحرية و المسلمون يستهبون‬
‫الريح على الكفر و أهله فمن المشتهر بين أهل المغرب عن‬
‫كتب الحدثان أنه ل بد للمسلمين من الكرة على النصرانية و‬
‫افتتاح ما وراء البحر من بلد الفرنجممة و أن ذلممك يكممون فممي‬
‫الساطيل و الله و لي المؤمنين و هو حسبنا و نعم الوكيل‪.‬‬

‫الفصممل الخممامس و الثلثممون فممي التفمماوت بيممن‬


‫مراتب السيف و القلم في الدول‬
‫إعلم أن السيف و القلم كلهما آلة لصاحب الدولممة يسممتعين‬
‫بها على أمر إل أن الحاجة فممي أول الدولممة إلممى السمميف ممما‬
‫دام أهلها في تمهيد أمرهم أشد مممن الحاجممة إلممى القلممم لن‬
‫القلم في تلك الحال خادم فقممط منفممذ للحكممم السمملطاني و‬
‫السيف شريك في المعونممة و كممذلك فممي آخممر الدولممة حيممث‬
‫تضعف عصبيتهما كممما ذكرنمماه و يقممل أهلهمما بممما ينممالهم مممن‬
‫الهرم الذي قممذفناه فتحتمماج الدولممة إلممى السممتظهار بأربمماب‬
‫السيوف و تقوى الحاجة إليهم في حماية الدولممة و المدافعممة‬
‫عنها كما كان الشأن أول المر في تمهيممدها فيكممون للسمميف‬
‫مزية على القلم في الحممالتين و يكممون أربمماب السمميف حينئذ‬
‫أوسع جاها ً و أكثر نعمممة و اسممنى إقطاع ما ً و أممما فممي وسممط‬
‫الدولة فيستغني صاحبها بعض الشيء عممن السمميف لنممه قممد‬
‫تمهد أمره و لم يبقى همه إل في تحصيل ثمرات الملك مممن‬
‫الجباية و الضبط و مباهاة الدول و تنفيذ الحكام و القلم هممو‬
‫المعين له فممي ذلممك فتعظممم الحاجممة إلممى تصممريفه و تكممون‬
‫السيوف مهملممة فممي مضمماجع أعمالهمما إل إذا أنممابت نائبممة أو‬
‫دعيت إلى سد فرجة و مما سوى ذلك فل حاجة إليها فتكون‬
‫أرباب القلم في هممذه الحاجممة أوسممع جاه ما ً و أعلممى رتبممة و‬
‫ة و ثروة ً و أقرب من السلطان مجلسا ً و أكثر إليه‬ ‫أعظم نعم ً‬
‫ترددا ً و في خلواته نجيا ً لنه حينئذ آلته التي بها يستظهر على‬
‫تحصيل ثمرات ملكه و النظر إلى أعطافه و تثقيف أطرافه و‬
‫المباهمماة بممأحواله و يكممون المموزراء حينئذ و أهممل السمميوف‬
‫مستغنى عنهم مبعممدين عممن بمماطن السمملطان حممذرين علممى‬
‫أنفسهم من بوادره‪ .‬و في معنى ذلك ما كتب بممه أبممو مسمملم‬
‫للمنصور حين أمره بالقدوم أما بعد فممإنه مممما حفظنمماه مممن‬
‫وصايا الفرس أخوف ما يكون الوزراء إذا سكنت الدهما سنة‬
‫الله في عباده و الله سبحانه و تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل السادس و الثلثممون فممي شممارات الملممك و‬


‫السلطان الخاصة به‬
‫إعلم أن للسلطان شارات و أحمموال ً تقتضمميها البهممة و البممذخ‬
‫فيختص بها و يتميز بانتحالهمما عممن الرعيممة و البطالممة و سممائر‬
‫الرؤساء في دولته فنذكر ما هو مشتهر منها بمبلغ المعرفة )‬
‫و فوق كل ذي علم عليم (‪.‬‬
‫اللة‪ :‬فمممن شممارات الملممك اتخمماذ اللممة مممن نشممر اللويممة و‬
‫الرايات و قرع الطبول و النفخ فممي البممواق و القممرون و قممد‬
‫ذكر أرسممطو فممي الكتمماب المنسمموب إليممه فممي السياسممة أن‬
‫السر في ذلك إرهاب العدو في الحرب فإن الصوات الهائلة‬
‫لها تأثير في النفوس بالروعة و لعمري أنه أمر وجممداني فممي‬
‫مواطن الحرب يجده كل أحد من نفسه و هذا السممبب الممذي‬
‫ذكره أرسطو أن كان ذكره فهو صحيح ببعممض العتبممارات‪ .‬و‬
‫أممما الحممق فممي ذلممك فهممو أن النفممس عنممد سممماع النغممم و‬
‫الصمموات يممدركها الفممرح و الطممرب بل شممك فتصمميب مممزاج‬
‫الروح نشوة يستسهل بها الصعب و يستميت في ذلك الوجه‬
‫الذي هو فيه و هذا موجود حتى في الحيوانات العجم بانفعال‬
‫البل بالحداء و الخيل بالصفير و الصريخ كممما علمممت و يريممد‬
‫ذلك تأثيرا ً إذا كانت الصوات متناسبة كما فممي الغنمماء و أنممت‬
‫تعلم ما يحدث لسامعه من مثل هذا المعنى لجل ذلك تتخممذ‬
‫العجممم فممي مممواطن حروبهممم اللت الموسمميقية ل طبل ً و ل‬
‫بوقا ً فيحدق المغنون بالسلطان في ممموكبه بممآلتهم و يغنممون‬
‫فيحركون نفوس الشجعان بضربهم إلى الستماتة و لقد رأينا‬
‫في حروب العرب من يتغنى أمام الموكب بالشعر و يطممرب‬
‫فتجيش همم البطال بما فيها و يسارعون إلى مجال الحرب‬
‫و ينبعث كل قرن إلى قرنه و كذلك زناتة مممن أمممم المغممرب‬
‫يتقدم الشاعر عندهم أمام الصفوف و يتغنى فيحممرك بغنممائه‬
‫الجبال الرواسي و يبعث علممى السممتماتة مممن ل يظممن بهمما و‬
‫يسمون ذلك الغناء تاصو كايت و أصله كأنه فرح يحممدث فممي‬
‫النفس فتنبعث عنه الشجاعة كما تنبعث عن نشوة الخبر بما‬
‫حدث عنهمما مممن الفممرح و اللممه أعلممم و أممما تكممثير الرايممات و‬
‫تلوينها و إطالتها فالقصد به التهويل ل أكثر و بما تحممدث فممي‬
‫النفوس من التهويل زيادة فممي القممدام و أحمموال النفمموس و‬
‫تنويعاتها غريبة و الله الخلق العليم‪ .‬ثم أن الملمموك و الممدول‬
‫يختلفون في اتخاذ هذه الشارات فمنهم مكثر و منهممم مقلممل‬
‫بحسب أتسمماع الدولممة و عظمهمما فأممما الرايممات فإنهمما شممعار‬
‫الحروب من عهد الخليقة و لم تزل المم تعقدها في مواطن‬
‫الحروب و الغزوات لعهد النبي صلى الله عليه و سلم و مممن‬
‫بعده من الخلفاء‪ .‬و أما قرع الطبول النفخ في البواق فكممان‬
‫المسلمون لول الملة متجافين عنه تنزها عن غلظة الملك و‬
‫رفضا ً لحواله و احتقارا ً لبهتممه الممتي ليسممت مممن الحممق فممي‬
‫شيء حتى إذا انقلبت الخلفة ملكا ً و تبجحوا بزهممرة الممدنيا و‬
‫نعيمها و ل بسهم الموالي من الفممرس و الممروم أهممل الممدول‬
‫السالفة و أروهم ما كان أولئك ينتحلونه من مذاهب البممذخ و‬
‫الترف فكممان مممما استحسممنوه اتخمماذ اللممة فأخممذوها و أذنمموا‬
‫لعمالهم في أتخاذهمما تنويه ما ً بالملممك و أهلممه فكممثيرا ً ممما كممان‬
‫العامل صاحب الثغر أو قائد الجيش و يعقد لممه الخليفممة مممن‬
‫العباسيين أو العبيديين لواءه و يخرج إلى بعثممه أو عملممه مممن‬
‫دار الخليفة أو داره في موكب من أصحاب الرايممات و اللت‬
‫فل يميز بين موكب العامل و الخليفة إل بكثرة اللوية و قلتها‬
‫أو بما اختممص بممه الخليفممة مممن اللمموان لرايتممه كالسممواد فممي‬
‫رايممات بنممي العبمماس فممإن رايمماتهم كممانت سممودا ً حزن ما ً علممى‬
‫شهدائهم من بني هاشم و نعيا ً على بنممي أميممة فممي قتلهممم و‬
‫لذلك سموا المسودة‪ ،‬و لما افممترق أمممر الهاشممميين و خممرج‬
‫الطالبيون على العباسيين من كممل جهممة و عصممر ذهبمموا إلممى‬
‫مخالفتهم في ذلك فاتخذوا الرايممات بيض ما ً و سممموا المبيضممة‬
‫لذلك سائر أيام العبيديين و من خرج من الطالبيين في ذلممك‬
‫العهد بالمشرق كالداعي بطبرسممتان و داعممي صممعدة أو مممن‬
‫دعا إلى بدعة الرافضة مممن غيرهممم كالقرامطممة‪ .‬و لممما نممزع‬
‫المأمون عن لبس السواد و شعاره في دولته عدل إلى لممون‬
‫الخضرة فجعل رايته خضراء‪ .‬و أما الستكثار منهمما فل ينتهممي‬
‫إلى حد و قد كانت أنه العبيدبين لممما خممرج العزيممز إلممى فتممح‬
‫الشام خمسمائة من البنود و خمسمممائة مممن البممواق‪ .‬و أممما‬
‫ملوك البربر بالمغرب من صنهاجة و غيرها فلم يختصوا بلون‬
‫واحد بل وشوها بالذهب و اتخذوها من الحرير الخالص ملونة‬
‫و اسممتمروا علممى الذن فيهمما لعمممالهم حممتى إذا جمماءت دولممة‬
‫الموحدين و من بعدهم من زناتة قصروا اللة من الطبممول و‬
‫البنود على السلطان و حظروها على من سواه من عماله و‬
‫جعلوا لها موكبا خاصا ً يتبع أثر السلطان في مسمميره يسمممى‬
‫الساقة و هم فيه بين مكممر و مقممل بمماختلف مممذاهب الممدول‬
‫في ذلممك فمنهممم مممن يقتصممر علممى سممبعة مممن العممدد تبركما ً‬
‫بالسنة كما هو في دولة الموحدين و بني الحمر بالنممدلس و‬
‫منهم من يبلغ العشرة و العشرين كممما هممو عنممد زناتممة و قممد‬
‫بلغت في أيام السلطان أبي الحسن فيما أدركنمماه مممائة مممن‬
‫الطبول و مائة من البنود ملونة بالحرير منسوجة بالذهب ممما‬
‫بين كبير و صغير و يأذنون للولة و العمال و القواد في اتخاذ‬
‫راية واحممدة صممغيرة مممن الكتممان بيضمماء و طبممل صممغير أيممام‬
‫الحممرب ل يتجمماوزون ذلممك و أممما دولممة الممترك لهممذا العهممد‬
‫بالمشرق فيتخذون راية واحدة عظيمة و فممي رأسممها خصمملة‬
‫كبيرة ممن الشمعر يسممونها الشمالش و الجمتر و همي شمعار‬
‫السمملطان عنممدهم ثممم تتعممدد الرايممات و يسمممونها السممناجق‬
‫واحدها سنجق و هي الراية بلسانهم‪ .‬و أما الطبول فيبممالغون‬
‫في الستكثار منها و يسمونها الكوسات و يبيحون لكممل أميممر‬
‫أو قائد عسكر أن يتخذ من ذلك ما يشاء إل الجتر فإنه خاص‬
‫بالسمملطان‪ .‬و أممما الجللقممة لهممذا العهممد مممن أمممم الفرنجممة‬
‫بالندلس فأكثر شأنهم اتخاذ اللوية القليلمة ذاهبمة فمي الجمو‬
‫صممعدا ً و معهمما قممرع الوتممار مممن الطنممابير و نفممخ الغيطممات‬
‫يذهبون فيها مممذهب الغنمماء و طريقممه فممي مممواطن حروبهممم‬
‫هكذا يبلغنا عنهم و عمن وراءهم من ملوك العجم و من آياته‬
‫خلق السموات و الرض و اختلف ألسنتكم و ألوانكم إن في‬
‫ذلك ليات للعالمين‪.‬‬
‫السرير‪ :‬و أما السممرير و المنممبر و التخممت و الكرسممي‪ ،‬فهممي‬
‫أعممواد منصمموبة أو أرائك منضممدة لجلمموس السمملطان عليهمما‬
‫مرتفعا ً عن أهل مجلسه أن يساويهم في الصممعيد و لممم يممزل‬
‫ذلك من سنن الملوك قبل السمملم و فممي دول العجممم و قممد‬
‫كانوا يجلسون على أسرة الممذهب و كممان لسممليمان بممن داود‬
‫صمملوات اللممه عليهممما و سمملمه كرسممي و سممرير مممن عمماج‬
‫مغشى بالذهب إل أنه ل تأخذ به الدول إل بعممد السممتفحال و‬
‫الترف شأن البهة كلها كما قلناه و أما فممي أول الدولممة عنممد‬
‫البممداوة فل يتشمموقون إليممه و أول مممن أتخممذه فممي السمملم‬
‫معاوية و استأذن الناس فيه و قال لهم إني قد بممدنت فممأذنوا‬
‫له فاتخذه و أتبعه الملوك السلميون فيه و صار مممن منممازع‬
‫البهة و لقد كان عمرو بن العاصي بمصر يجلس فممي قصممره‬
‫على الرض مع العرب و يأتيه المقوقس إلممى قصممره و معممه‬
‫سرير من الذهب محمول ً على اليدي لجلوسه شأن الملمموك‬
‫فيجلس عليه و هو أمامه و ل يغيرون عليه وفاًء له بممما عقممد‬
‫معهم من الذمة و اطراحا ً لبهة الملك ثم كان بعد ذلك لبنممي‬
‫العباس و العبيديين و سائر ملوك السلم شرقا ً و غربمما ً مممن‬
‫السرة و المنابر و التخوت ما عفا عن الكاسرة و القياصممرة‬
‫و الله مقلب الليل و النهار‪.‬‬
‫السكة‪ :‬و هي الختم علممى الممدنانير و الممدراهم المتعامممل بهمما‬
‫بين الناس بطابع حديد ينقش فيه صممور أو كلمممات مقلوبممة و‬
‫يضرب بها على الدينار أو الدرهم فتخرج رسوم تلك النقوش‬
‫ة بعممد أن يعتممبر عيممار النقممد مممن ذلممك‬
‫عليها ظاهرةً مسممتقيم ً‬
‫الجنس في خلوصممه بالسممبك مممرة بعممد أخممرى و بعممد تقممدير‬
‫أشخاص الدراهم و الدنانير بوزن معين صحيح يصممطلح عليممه‬
‫فيكممون التعامممل بهمما عممددا ً و أن لممم تقممدر أشخاصممها يكممون‬
‫التعامل بها وزن ما ً و لفممظ السممكة كممان ا سممما ً للطممابع و هممي‬
‫الحديدة المتخذة لممذلك ثممم نقممل إلممى أثرهمما و هممي النقمموش‬
‫الماثلة على الدنانير و الدراهم ثم نقل إلى القيام علممى ذلممك‬
‫و النظر في استيفاء حاجاته و شروطه و هي الوظيفة فصممار‬
‫علما ً عليها في عرف الدول و هي وظيفة ضرورية للملممك إذ‬
‫بها يتميز الخالص من المغشوش بين الناس في النقممود عنممد‬
‫المعاملت و يتقون في سلمتها الغش بختم السلطان عليهمما‬
‫بتلممك النقمموش المعروفممة و كممان ملمموك العجممم يتخممذونها و‬
‫ينقشممون فيهمما تماثيممل تكممون مخصوصممة بهمما مثممل تمثممال‬
‫السلطان لعهدها أو تمثيل حصن أو حيوان أو مصنوع أو غيممر‬
‫ذلك و لم يزل هذا الشأن عند العجم إلى آخممر أمرهممم و لممما‬
‫جاء السلم أغفل ذلك لسذاجة الدين و بداوة العرب و كانوا‬
‫يتعمماملون بالممذهب و الفضممة وزن ما ً و كممانت دنممانير الفممرس و‬
‫دراهمهم بين أيديهم و يردونهمما فممي معمماملتهم إلممى المموزن و‬
‫يتصارفون بها بينهممم إلممى أن تفمماحش الغممش فممي الممدنانير و‬
‫الدراهم لغفلة الدولة عن ذلك و أمر عبد الملك الحجاج على‬
‫ما نقل سممعيد بممن المسمميب و أبممو الزنمماد بضممرب الممدراهم و‬
‫تمييز المغشوش من الخالص و ذلممك سممنة أربممع و سممبعين و‬
‫قال المدائني سنة خمس و سبعين ثم أمر بصرفها في سائر‬
‫النواحي سممنة سممت و سممبعين و كتممب عليهمما اللممه أحممد اللممه‬
‫الصمد ثم ولي ابن هبيرة العراق أيممام يزيممد بممن عبممد الملممك‬
‫فجود السكة ثم بالغ خالد القسري في تجويممدها ثممم يوسممف‬
‫بممن عمممر بعممده و قيممل أول مممن ضممرب الممدنانير و الممدراهم‬
‫مصعب بن الزبير بالعراق سنة سبعين بممأمر أخيممه عبممد اللممه‬
‫لما ولي الحجاز و كتب عليها في أحد المموجهين بركممة اللممه و‬
‫في الخر اسم الله ثم غيرها الحجاج بعد ذلممك بسممنة و كتممب‬
‫عليها اسم الحجاج و قدر وزنها على ما كانت اسممتقرت أيممام‬
‫عمر و ذلك أن الدرهم كان وزنه أول السلم سممتة دوانممق و‬
‫المثقال وزنه درهم و ثلثة أسباع درهم فتكون عشرة دراهم‬
‫بسبعة مثاقيل و كان السبب في ذلك أن أوزان الدرهم أيممام‬
‫الفرس كانت مختلفة و كان منها على وزن المثقال عشرون‬
‫قيراطا ً و منها اثنا عشر و منها عشرة فلما احتيج إلى تقديره‬
‫فممي الزكمماة أخممذ الوسممط و ذلممك اثنمما عشممر قيراط ما ً فكممان‬
‫المثقال درهما ً و ثلثة أسباع درهم و قيممل كممان منهمما البغلممي‬
‫بثمانية دوانق و الطبري أربعة دوانق و المغربي ثمانية دوانق‬
‫و اليمني ستة دوانق فأمر عمر أن ينظر الغلب في التعامممل‬
‫فكان البغلي و الطبري اثني عشر دانقا ً و كان الممدرهم سممتة‬
‫دوانق و إن زدت ثلثة أسباعه كان مثقال ً و إذا أنقصت ثلثممة‬
‫أعشار المثقال كان درهما ً فلما رأى عبد الملك اتخاذ السممكة‬
‫لصيانة النقدين الجاريين في معاملممة المسمملمين مممن الغممش‬
‫عين مقدارها على هذا الذي استقر لعهد عمر رضي الله عنه‬
‫و اتخذ فيه كلمات ل صورًا‪ ،‬لن العرب كممان الكلم و البلغممة‬
‫أقرب مناحيهم و أظهرهمما مممع أن الشممرع ينهممى عممن الصممور‬
‫فلما فعل ذلك استمر بين الناس في أيام الملممة كلهمما و كممان‬
‫الدينار و الدرهم على شكلين مدورين و الكتابممة عليهممما فممي‬
‫دوائر متوازية يكتب فيها من أحد الوجهين أسماء اللممه تهليل ً‬
‫و تحميدا ً و صلة على النبي و آله و في الوجه الثاني التاريممخ‬
‫و اسم الخليفة و هكذا أيام العباسيين و العبيديين و المويين‬
‫ة إل آخر المر اتخممذها منصممور‬ ‫و أما صنهاجة فلم يتخذوا سك ً‬
‫صاحب بجاية ذكر ذلك ابممن حممماد فممي تمماريخه و لممما جمماءت‬
‫دولة الموحممدين كممان مممما سممن لهممم المهممدي اتخمماذ السممكة‬
‫الدرهم مربممع الشممكل و أن يرسممم فممي دائرة الممدينار شممكل‬
‫مربع في وسطه و يمل من أحد الجانبين تهليل ً و تحميدا ً مممن‬
‫الجانب الخر كتبا ً في السممطور باسممه و اسمم الخلفمماء ممن‬
‫بعده ففعل ذلك الموحدون و كانت سكتهم على هذا الشممكل‬
‫لهذا العهد و لقد كان المهدي فيما ينقل ينعممت قبممل ظهمموره‬
‫بصاحب الدرهم المربع نعته بذلك المتكلمممون بالحممدثان مممن‬
‫قبله المخبرون في ملحمهم عن دولته و أممما أهممل المشممرق‬
‫لهذا العهد فسكتهم غير مقممدرة و إنممما يتعمماملون بالممدنانير و‬
‫الممدراهم وزنما ً بالصممنجات المقممدرة بعممدة منهمما و ل يطبعممون‬
‫عليهمما بالسممكة نقمموش الكلمممات بالتهليممل و الصمملة و اسممم‬
‫السلطان كما يفعله أهل المغرب ذلك تقدير العزيز العليم‪.‬‬
‫و لنختممم الكلم فممي السممكة بممذكر حقيقممة الممدرهم و الممدينار‬
‫الشرعيين و بيان حقيقة مقدارهما‪.‬‬

‫مقدار الدرهم و الدينار الشرعيين‬


‫و ذلممك أن الممدينار و الممدرهم مختلفمما السممكة فممي المقممدار و‬
‫الموازين بالفمماق و المصممار و سممائر العمممال و الشممرع قممد‬
‫تعرض لذكرهما و علق كثيرا ً من الحكام بهما فممي الزكمماة و‬
‫النكحة و الحممدود و غيرهمما فل بممد لهممما عنممده مممن حقيقممة و‬
‫مقممدار معيممن فممي تقممدير تجممري عليهممما أحكممامه دون غيممر‬
‫الشرعي‪ ،‬منهما فاعلم أن الجماع منعقد منذ صممدر السمملم‬
‫و عهد الصحابة و التابعين أن الدرهم الشرعي‪ ،‬هو الذي تزن‬
‫العشرة منه سبعة مثاقيل من الذهب و الوقيممة منممه أربعيممن‬
‫درها ً و هو على هذا سبعة أعشار الدينار و وزن المثقال مممن‬
‫الذهب اثنتان و سبعون حبة من الشممعير فالممدرهم الممذي هممو‬
‫سبعة أعشاره خمسون حبممة و خمسمما حبممة و هممذه المقممادير‬
‫كلها ثابتة بالجممماع فممإن الممدرهم الجمماهلي كممان بينهممم علممى‬
‫أنواع أجودها الطبري و هو أربعة دوانق و البغلي وهو ثمانيممة‬
‫دوانق فجعلوا الشرعي بينما و هوست دوانق فكانوا يوجبون‬
‫الزكاة في مائة درهم بغلية و مممائة طبريممة خمسممة دراهممم و‬
‫سطا ً و قد اختلف الناس هل كان ذلك من وضع عبممد الملممك‬
‫أو إجماع الناس بعد عليه كما ذكرناه‪ .‬ذكر ذلك الخطممام فممي‬
‫كتاب معمالم السمنن و المماوردي فمي الحكمام السملطانية و‬
‫أنكره المحققممون مممن المتممأخرين لممما يلممزم عليممه أن يكممون‬
‫الدينار و الدرهم الشرعيان مجهولين في عهممد الصممحابة مممن‬
‫بعدهم مع تعلق الحقوق الشرعية بهما في الزكاة و النكحممة‬
‫والحممدود و غيرهمما كمما ذكرنمماه و الحمق أنهمما كانما معلمومي‬
‫المقدار في ذلك العصممر لجريممان الحكممام يممومئذ بممما يتعلممق‬
‫بهما من الحقوق و كان مقدارهما غير مستخص فمي الخممارج‬
‫و إنما كان متعارفا ً بينهم بالحكم الشرعي على المقممدار فممي‬
‫مقدارهما و زنتهما حتى استفحل السلم و عظمت الدولة و‬
‫دعت الحال إلى تشخيصهما فممي المقممدار و المموزن كممما هممو‬
‫عند الشرع ليستريحوا من كلفممة التقممدير و قممارن ذلممك أيممام‬
‫عبد الملك فشخص مقدارهما و عينهما في الخممارج كممما هممو‬
‫فممي الممذهن و نقممش عليهممما السممكة باسمممه و تممأريخه أثممر‬
‫الشممهادتين اليمممانيتين و طممرح النقممود الجاهليممة رأسما ً حممتى‬
‫ة و تلشى وجودها فهذا هممو الحممق‬ ‫خلصت و نقش عليها سك ً‬
‫الذي ل محيد عنه و من بعد ذلك وقع اختيار أهل السكة فممي‬
‫الدول على مخالفة المقدار الشرعي في الدينار و الممدرهم و‬
‫اختلفت في كل القطار و الفاق و رجممع النمماس إلممى تصممور‬
‫مقاديرهما الشرعية ذهنا ً كما كممان فممي الصممدر الول و صممار‬
‫أهل كممل أفممق يسممتخرجون الحقمموق الشممرعية مممن سممكتهم‬
‫بمعرفة النسب الممتي بينهمما و بيممن مقاديرهمما الشممرعية و أممما‬
‫وزن الدينار باثنتين و سبعين حبة مممن الشممعير الوسممط فهممو‬
‫الذي نقله المحققون و عليه الجماع إل ابن حزم خالف ذلمك‬
‫و زعم أن وزنه أربع و ثمانون حبة‪ .‬نقممل ذلممك عنممه القاضممي‬
‫عبممد الحممق و رده المحققممون و عممدوه وهم ما ً و غلط ما ً و هممو‬
‫الصحيح و الله يحق الحق بكلممماته و كممذلك تعلممم أن الوقيممة‬
‫الشرعية ليسممت هممي المتعارفممة بيممن النمماس لن المتعارفممة‬
‫مختلفة باختلف القطار و الشممرعية متحممدة ذهن ما ً ل اختلف‬
‫فيها و الله خلق كل شيء فقدره تقديرًا‪.‬‬
‫الخاتم و أما الخاتم فهو من الخطمط السملطانية و الوظمائف‬
‫الملوكية و الختم على الرسائل و الصكوك معممروف للملمموك‬
‫قبل السلم و بعده و قد ثبت في الصحيحين أن النبي صمملى‬
‫الله عليه و سلم أراد أن يكتب إلى قيصر فقيل له إن العجم‬
‫ل يقبلون كتابا ً إل أن يكون مختوما ً فاتخذ خاتمما ً مممن فضممة و‬
‫نقممش فيممه محمممد رسممول اللممه قممال البخمماري جعممل الثلث‬
‫الكلمات ثلثة أسطر و ختم به و قال ل ينقش أحد مثله قممال‬
‫و تختم به أبو بكر و عمر و عثمان ثم سممقط مممن يممد عثمممان‬
‫في بئر أريس و كانت قليلة الممماء فلممم يممدرك قعرهمما بعممد و‬
‫اغتم عثمان و تطير منه و صنع آخر علممى مثلمه و فمي كيفيممة‬
‫نقش الخاتم و الختم به وجوه و ذلك أن الخاتم يطلممق علممى‬
‫اللة التي تجعل في الصممبع و منممه تختممم إذا لبسممه و يطلممق‬
‫على النهاية و التمام و منممه ختمممت المممر إذا بلغممت آخممره و‬
‫ختمت القرآن كذلك و منه خاتم النبيين و خاتم المر و يطلق‬
‫على السداد الذي يسد به الواني و الدنان و يقال فيممه ختممام‬
‫و منه قوله تعالى‪ :‬ختامه مسك و قممد غلممط مممن فسممر ذلممك‬
‫بالنهاية و التمام قال لن آخر ممما يجممدونه فممي شممرابهم ريممح‬
‫المسك و ليس المعنى عليه و إنما هو من الختام هو السممداد‬
‫لن الخمر يجعل لها في الدن سداد الطين أو القممار يحفظهمما‬
‫و يطيب عرفها و ذوقها فبولممغ فممي وصممف خمممر الجنممة بممأن‬
‫سدادها من المسك و هممو أطيممب عرفما ً و ذوقما ً مممن القممار و‬
‫الطين المعهودين في الدنيا فإذا صح إطلق الخاتم على هذه‬
‫كلها صح إطلقه على أثرها الناشئ عنها و ذلك أن الخاتم إذا‬
‫نقشت به كلمات أو أشكال ثم غمس في مداف من الطيممن‬
‫أو مداد و وضع على صفح القرطاس بقى أكثر الكلمات فممي‬
‫ذلك الصفح و كذلك إذا طبع به على جسم لين كالشمع فممإنه‬
‫يبقى نقش ذلك المكتوب مرتسما ً فيه و إذا كممانت كلمممات و‬
‫ارتسمت فقد تقرأ من الجهة اليسرى إذا كممان النفممش علممى‬
‫الستقامة من اليمنى و قد يقرأ مممن الجهممة اليمنممى إذا كممان‬
‫النقش من الجهة اليسرى لن الختم يقلممب جهممة الخممط فممي‬
‫الصفح عما كان في النقش مممن يميممن أو يسممار فيحتمممل أن‬
‫يكون الختم بهذا الخاتم بغمسه في المداد أو الطين و وضعه‬
‫في الصفح فتنتقممش الكلمممات فيممه و يكممون هممذا مممن معنممى‬
‫النهاية و التمام بمعنممى صممحة ذلممك المكتمموب و نفمموذه كممأن‬
‫الكتاب إنما يتم العمممل بممه بهممذه العلمممات و هممو مممن دونهمما‬
‫ملغى ليس بتمام و قد يكون هذا الختم بممالخط آخممر الكتمماب‬
‫أو أولممه بكلمممات منتظمممة مممن تحميممد أو تسممبيح أو باسممم‬
‫السلطان أو المير أو صاحب الكتاب من كممان أو شمميء مممن‬
‫نعوته يكون ذلك الخط علمة على صممحة الكتمماب و نفمموذه و‬
‫يسمى ذلك في المتعارف علمة‪ ،‬و ليس ختما ً تشبيها ً له بأثر‬
‫الخاتم الصفي في النقممش و مممن هممذا خمماتم القاضمي الممذي‬
‫يبعث به للخصوم أي علمته و خطه الذي ينفذ بهممما أحكممامه‬
‫و منه خمماتم السمملطان أو الخليفممة أي علمتممه‪ .‬قممال الرشمميد‬
‫ليحيى بن خالد لما أراد أن يستوزر جعفرا ً و يستبدل بممه مممن‬
‫الفضل أخيه فقال لبيهما يحيى‪ :‬يا أبت إنممي أردت أن أحممول‬
‫الخاتم من يميني إلى شمالي‪ .‬فكنى له بالخاتم فممي المموزارة‬
‫لممما كممانت العلمممة علممى الرسممائل و الصممكوك مممن وظممائف‬
‫الوزارة لعهدهم و يشهد لصحة هذا الطلق ما نقله الطممبري‬
‫أن معاوية أرسل إلى الحسن عند مراودتممه إيمماه فممي الصمملح‬
‫صحيفة بيضاء ختم على أسفلها و كتب إليممه أن اشممترط فممي‬
‫هذه الصحيفة التي ختمت أسفلها ما شئت فهو لممك و معنممى‬
‫الختم هنا علمة في آخر الصحيفة بخطممه أو غيممره و يحتمممل‬
‫أن يختم به في جسم لين فتنتقش فيه حروفه و يجعل علممى‬
‫موضع الحزم من الكتاب إذا حزم و علممى المودوعممات و هممو‬
‫من السداد كما مر و هممو فمي الموجهين آثمار الخمماتم فيطلمق‬
‫عليه خاتم و أول من أطلق الختممم علممى الكتمماب أي العلمممة‬
‫معاوية لنه أمر لعمر بن الزبير عند زياد بالكوفة بمممائة ألممف‬
‫ففتح الكتاب و صير المائة مائتين و رفع زياد حسابه فأنكرها‬
‫معاوية و طلب بها عمر و حبسه حتى قضاها عنه أخمموه عبممد‬
‫الله و اتخذ معاوية عند ذلك ديوان الخمماتم‪ .‬ذكممره الطممبري و‬
‫قال آخممرون و حممزم الكتممب و لممم تكممن تحممزم أي جعممل لهمما‬
‫السداد و ديوان الختم عبارة عن الكتاب القائمين على إنفمماذ‬
‫كتب السلطان و الختم عليهمما إممما بالعلمممة أو بممالحزم و قممد‬
‫يطلق الديوان على مكان جلوس هؤلء الكتمماب كممما ذكرنمماه‬
‫في ديوان العمال و الحزم للكتممب يكممون إممما بممدس الممورق‬
‫كما في عرف كتاب المغممرب و إممما بإلصمماق رأس الصممحيفة‬
‫على ما تنطوي عليه من الكتاب كما في عرف أهل المشرق‬
‫و قد يجعل على مكان الدس أو اللصاق علمممة يممؤمن معهمما‬
‫من فتحه و الطلع على ما فيه فأهل المغرب يجعلون علممى‬
‫مكممان الممدس قطعممة مممن الشمممع و يختمممون عليهمما بخمماتمه‬
‫نقشت فيه علمة لذلك فيرتسم النقممش فممي الشمممع و كممان‬
‫في المشرق في الممدول القديمممة يختممم علممى مكممان اللصممق‬
‫بخاتمه منقوش أيضا ً قد غمس في مممداف مممن الطيممن معممد‬
‫لذلك صممبغه أحمممر فيرتسممم ذلممك النقممش عليممه و كممان هممذا‬
‫الطين في الدولة العباسية يعرف بطين الختم و كممان يجلممب‬
‫من سيراف فيظهر أنه مخصوص بها فهممذا الخمماتم الممذي هممو‬
‫العلمة المكتوبمة أو النقممش للسمداد و الحمزم للكتممب خمماص‬
‫بديوان الرسائل و كان ذلك للوزير فممي الدولممة العباسممية ثممم‬
‫اختلف العرف و صار لمن إليه الترسيل و ديوان الكتاب فممي‬
‫الدولة ثم صاروا في دول المغرب يعدون من علمات الملك‬
‫و شاراته الخمماتم للصممبع فيسممتجيدون صمموغه مممن الممذهب و‬
‫يرصممعونه بالفصمموص مممن اليمماقوت و الفيممروزج و الزمممرد و‬
‫يلبسممه السمملطان شممارة فممي عرفهممم كممما كممانت الممبردة و‬
‫القضيب في الدولة العباسية و المظلة في الدولة العبيديممة و‬
‫الله مصرف المور بحكمه‪.‬‬
‫الطراز‪ :‬من أبهمة الملمك و السملطان و ممذاهب المدول إلمى‬
‫ترسم أسماؤهم أو علممات تختمص بهمم فمي طمراز أثموابهم‬
‫المعممدة للباسممهم مممن الحريممر أو الممديباج أو البريسممم تعتممبر‬
‫كتابة خطها في نسج الثوب ألحاما ً و إسداًء بخيط الممذهب أو‬
‫ما يخالف لون الثوب من الخيمموط الملونممة مممن غيممر الممذهب‬
‫على ما يحكمه الصناع في تقدير ذلممك و وضممعه فممي صممناعة‬
‫نسجهم فتصير الثياب الملوكيممة معلمممة بممذلك الطممراز قصممد‬
‫التنممويه بلبسممها مممن السمملطان فمممن دونممه أو التنممويه بمممن‬
‫يختصه السلطان بملبوسه إذا قصد تشممريفه بممذلك أو وليتممه‬
‫لوظيفة مممن وظممائف دولتممه و كممان ملمموك العجممم مممن قبممل‬
‫السلم يجعلون ذلممك الطممراز بصممور الملمموك و أشممكالهم أو‬
‫أشكال و صور معينة لذلك ثم اعتاض ملوك السلم عن ذلك‬
‫بكتممب أسمممائهم مممع كلمممات أخممرى تجممري مجممرى الفممأل أو‬
‫السجلت‪ .‬و كان ذلك في الدولتين من أبهممة المممور و أفخممم‬
‫الحوال و كانت الدور المعممدة لنسممج أثمموابهم فممي قصممورهم‬
‫تسمممى دور الطممراز لممذلك و كممان القممائم علممى النظممر فيهمما‬
‫يسمممى صمماحب الطممراز‪ ،‬ينظممر فممي أمممور الصممباغ و اللممة و‬
‫الحاكممة فيهمما و إجممراء أرزاقهممم و تسممهيل آلتهممم و مشممارفة‬
‫أعمممالهم و كممانوا يقلممدون ذلممك لخممواص دولممتيهم و ثقممات‬
‫مواليهم و كذلك كان الحال في دولممة بنممي أميممة بالنممدلس و‬
‫الطوائف من بعدهم و في دولة العبيديين بمصممر و مممن كممان‬
‫على عهدهم من ملوك العجم بالمشرق ثم لمما ضماق نطماق‬
‫الدول عن الترف و التفنن فيه لضيق نطاقها في السممتيلء و‬
‫تعددت الدول تعطلت هذه الوظيفة و الولية عليها مممن أكممثر‬
‫الدول بالجملة و لما جاءت دولة الموحدين بالمغرب بعد بني‬
‫أمية أول المائة السادسة لم يأخممذوا بممذلك أول دولتهممم لممما‬
‫كانوا عليه مممن منممازع الديانممة و السممذاجة الممتي لقنوهمما عممن‬
‫إمامهم محمد بن تومرت المهدي و كانوا يتورعون عن لباس‬
‫الحريممر و الممذهب فسممقطت هممذه الوظيفممة مممن دولتهممم و‬
‫استدرك منها أعقابهم آخر الدولة طرفا ً لم يكن بتلك النباهممة‬
‫و أممما لهممذا العهممد‪ ،‬فأدركنمما بممالمغرب فممي الدولممة المرينيممة‬
‫لعنفوانها و شموخها رسما ً جليل ً لقنوه من دولة ابممن الحمممر‬
‫معاصرهم بالندلس و اتبع هو في ذلك ملوك الطوائف فممأتى‬
‫منه بلمحة شاهدة بالثر‪ .‬و أما دولممة الممترك بمصممر و الشممام‬
‫لهذا العهد ففيها من الطراز تحرير آخر على مقدار ملكهممم و‬
‫عمران بلدهم إل أن ذلك ل يصنع فممي دورهممم و قصممورهم و‬
‫ليست من وظائف دولتهم و إنما ينسج ما تطلبه الدولممة مممن‬
‫ذلك عند صناعه من الحرير و من الذهب الخالص و يسمممونه‬
‫المزركش لفظة أعجمية و يرسممم اسممم السمملطان أو الميممر‬
‫عليممه و يعمده الصممناع لهممم فيممما يعممدونه للدولمة ممن طممرف‬
‫الصناعة اللئقة بها و اللممه مقممدر الليممل و النهممار و اللممه خيممر‬
‫الوارثين‪.‬‬

‫الفساطيط و ا لسياج‬
‫اعلمممم أن ممممن شمممارات الملمممك و ترفمممه اتخممماذ الخبيمممة و‬
‫الفساطيط و الفازات من ثياب الكتممان و الصمموف و القطممن‬
‫فيباهى بها في السفار و تنوع منهمما اللمموان ممما بيممن كممبير و‬
‫صغير على نسبة الدولة فممي الممثروة و اليسممار و إنممما يكممون‬
‫المر في أول الدولة في بيوتهم التي جرت عادتهم باتخاذهمما‬
‫قبل الملك و كان العرب لعهد الخلفاء الولين من بنممي أميممة‬
‫إنممما يسممكنون بيمموتهم الممتي كممانت لهممم خيام ما ً مممن المموبر و‬
‫الصوف و لم تزل العرب لذلك العهممد بممادين إل القممل منهممم‬
‫فكممانت أسممفارهم لغزواتهممم و حروبهممم بظعممونهم و سممائر‬
‫حللهم و أحيائهم من الهل و الولد كما هو شأن العرب لهممذا‬
‫العهد و كانت عساكرهم لممذلك كممثيرة الحلممل بعيممدة ممما بيممن‬
‫المنازل متفرقة الحياء يغيب كل واحد منها عن نظر صمماحبه‬
‫من الخرى كشأن العرب و لذلك ما كان عبممد الملممك يحتمماج‬
‫إلى ساقة تحشد الناس على أثره و أن يقيموا إذا ظعن‪.‬‬
‫و نقل أنه استعمل في ذلك الحجاج حيممن أشممار بممه روح بممن‬
‫زنبمماغ و قصممتهما فممي إحممراق فسمماطيط روح و خيممامه لول‬
‫وليته حين وجدهم مقيمين في يوم رحيل عبممد الملممك قصممة‬
‫مشهورة‪ .‬و من هذه الولية تعرف رتبة الحجمماج بيممن العممرب‬
‫فممإنه ل يتممولى إرادتهممم علممى الظعممن إل مممن يممأمن بمموادر‬
‫السفهاء من أحيائهم بما له من العصبية الحائلممة دون ذلممك و‬
‫لذلك اختصه عبد الملك بهذه الرتبة ثقة بغنائه فيهمما بعصممبيته‬
‫و صرامته فلما تفننت الدولة العربية في مذاهب الحضممارة و‬
‫البذخ و نزلوا المدن و المصار و انتقلمموا مممن سممكنى الخيممام‬
‫إلمى سممكنى القصممور و مممن ظهممر الخممف إلممى ظهممر الحممافر‬
‫اتخذوا للسكنى في أسفارهم ثيمماب الكتممان يسممتعملون منهمما‬
‫بيوتممما ً مختلفمممة الشممكال مقممدرة المثمممال مممن القمموراء و‬
‫المستطيلة و المربعة و يحتفلون فيها بأبلغ مذاهب الحتفممال‬
‫و الزينة و يدير المير و القممائد للعسمماكر علممى فسمماطيطه و‬
‫فممازاته مممن بينهممم سممياجا ً مممن الكتممان يسمممى فممي المغممرب‬
‫بلسان البربر الذي هو لسان أهله أفراك بالكمماف و القمماف و‬
‫يختص به السلطان بذلك القطممر ل يكممون لغيممره‪ .‬و أممما فممي‬
‫المشرق فيتخذه كل أمير و إن كان دون السلطان ثم جنحت‬
‫الدعة بالنساء و الولممدان إلممى المقممام بقصممورهم و منممازلهم‬
‫فخف لذلك ظهرهم و تقاربت السياج بين منممازل العسممكر و‬
‫اجتمع الجيش و السلطان في معسكر واحمد يحصمره البصمر‬
‫في بسيطة زهوا ً أنيقا ً لختلف ألمموانه و اسممتمر الحممال علممى‬
‫ذلك في مذاهب الدول في بذخها و ترفها‪ .‬و كذا كانت دولممة‬
‫الموحدين و زناتة التي أظلتنا كان سممفرهم أول أمرهممم فممي‬
‫بيوت سكناهم قبل الملممك مممن الخيممام و القيمماطين حممتى إذا‬
‫أخذت الدولة في مذاهب الممترف و سممكنى القصممور و عممادوا‬
‫إلى سممكنى الخبيممة و الفسمماطيط بلغمموا مممن ذلممك فمموق ممما‬
‫أرادوه و هممو مممن الممترف بمكممان إل أن العسمماكر بممه تصممير‬
‫عرضممة للبيممات لجتممماعهم فممي مكممان واحممد تشممملهم فيممه‬
‫الصيحة و لخفتهم من الهل و الولد الممذين تكممون السممتماتة‬
‫دونهم فيحتاج في ذلك إلى تحفظ آخر و الله القوي العزيز‪.‬‬

‫المقصورة للصلة و الدعاء في الخطبة‬


‫و هما من المور الخلفية و من شممارات الملممك السمملمي و‬
‫لم يعرف في غير دول السلم‪ .‬فأممما الممبيت المقصممورة مممن‬
‫المسممجد لصمملة السمملطان فيتخممذ سممياجا ً علممى المحممراب‬
‫فيحوزه و ما يليه فأول من اتخممذها معاويممة بممن أبممي سممفيان‬
‫حين طعنه الخارجي و القصة معروفة و قيل أول من اتخذها‬
‫مروان بن الحكم حين طعنه اليماني ثم اتخذها الخلفمماء مممن‬
‫بعدهما و صارت سنة في تمييممز السمملطان عممن النمماس فممي‬
‫الصلة و هي إنما تحممدث عنممد حصممول الممترف فممي الممدول و‬
‫الستفحال شأن أحوال البهة كلها و ما زال الشأن ذلك فممي‬
‫الدول السلمية كلها‪ ،‬و عند افتراق الدولة العباسممية و تعممدد‬
‫الدول بالمشرق و كذا بالندلس عند انقراض الدولة المويممة‬
‫و تعممدد ملمموك الطمموائف و أممما المغممرب فكممان بنممو الغلممب‬
‫يتخذونها بممالقيروان ثممم الخلفمماء العبيممديون ثممم ولتهممم علممى‬
‫المغرب من صنهاجة بنو باديس بفاس و بنو حماد بالقلعة ثم‬
‫ملك الموحدين سائر المغرب و الندلس و محوا ذلك الرسم‬
‫على طريقة البممداوة الممتي كممانت شممعارهم و لممما اسممتفحلت‬
‫الدولة و أخذت بحظها من الترف و جاء أبو يعقوب المنصممور‬
‫ثالث ملوكهم فاتخذ هذه المقصورة و بقيمت ممن بعمده سمنة‬
‫لملوك المغممرب و النممدلس و هكممذا كممان الشممأن فممي سممائر‬
‫الدول سنة الله في عباده‪.‬‬
‫و أما الدعاء على المنابر في الخطبة فكممان الشممأن أول ً عنممد‬
‫الخلفمماء وليممة الصمملة بأنفسممهم فكممانوا يممدعون لممذلك بعممد‬
‫الصلة علمى النمبي صملى اللمه عليمه و سملم و الرضمى عمن‬
‫أصحابه و أول من اتخممذ المنممبر عمممرو بممن العمماص لممما بنممى‬
‫جامعه بمصر و أول من دعا للخليفة على المنبر ابممن عبمماس‬
‫دعا لعلي رضي الله عنهما في خطبته‪ .‬و هو بالبصممرة عامممل‬
‫له عليها فقال اللهم انصر علي ما ً علممى الحممق و اتصممل العمممل‬
‫على ذلك فيما بعد و بعد أخممذ عمممرو بممن العمماص المنممبر بلممغ‬
‫عمر بن الخطاب ذلك فكتب إليه عمر بن الخطمماب أممما بعممد‬
‫فقد بلغني أنك اتخذت منبرا ً ترقى به على رقاب المسمملمين‬
‫أو ممما يكفيممك أن تكممون قائممما ً و المسمملمون تحممت عقبيممك‬
‫فعزمت عليك إل ما كسرته فلما حممدثت البهممة و حممدث فممي‬
‫الخلفاء المانع مممن الخطبممة و الصمملة اسممتنابوا فيهممما فكممان‬
‫الخطيب يشيد بذكر الخليفة على المنبر تنويها ً باسمه و دعاًء‬
‫له بما جعل الله مصلحة العالم فيه و لن تلك الساعة مظنممة‬
‫للجابة و لما ثبت عن السلف في قولهم من كانت له دعمموة‬
‫صالحة فليضعها في السلطان و كان الخليفة يفرد بذلك فلما‬
‫جاء الحجر و الستبداد صار المتغلبون على الممدول كممثيرا ً ممما‬
‫يشاركون الخليفة في ذلك و يشمماد باسمممهم عقممب اسمممه و‬
‫ذهب ذلك بممذهاب تلممك الممدول و صممار المممر إلممى اختصمماص‬
‫السلطان بالدعاء له على المنبر دون مممن سممواه و حظممر أن‬
‫يشاركه فيه أحد أو يسمو إليه و كممثيرا ً ممما يغفممل المعاهممدون‬
‫من أهل الدول هذا الرسم عندما تكون الدولممة فممي أسمملوب‬
‫الغضاضة و مناحي البداوة في التغافل و الخشونة و يقنعممون‬
‫بالدعاء على البهام و الجمال لمن ولممي أمممور المسمملمين و‬
‫يسمون مثل هذه الخطبة إذا كانت على هذا المنحى عباسية‬
‫يعنون بذلك أن المدعاء علمى الجممال إنمما يتنماول العباسمي‬
‫تقليدا ً في ذلك لممما سمملف مممن المممر و ل يحفلممون بممما وراء‬
‫ذلك من تعيينه و التصممريح باسمممه يحكممى أن يغمراسممن بممن‬
‫زيان عاهد دولة بني عبد الواد لما غلبه المير أبو زكريا يحيى‬
‫بن أبي حفص على تلمسان ثم بدا له فممي إعممادة المممر إليممه‬
‫على شروط شرطها كان فيها ذكر اسممه علمى منمابر عملمه‬
‫فقال يغمراسن تلممك أعمموادهم يممذكرون عليهمما مممن شمماءوا و‬
‫كذلك يعقوب بن عبد الحممق عاهممد دولممة بنممي مريممن حضممره‬
‫رسول المستنصر الخليفة بتونس من بني أبي حفص و ثالث‬
‫ملوكهم و تخلف بعض أيامه عن شهود الجمعة فقيممل لممه لممم‬
‫يحضر هذا الرسول كراهية لخلو الخطبممة مممن ذكممر سمملطانه‬
‫فأذن في الدعاء له و كان ذلك سببا ً لخذهم بممدعوته و هكممذا‬
‫شأن الدول في بدايتها و تمكنها في الغضاضة و البداوة فممإذا‬
‫انتبهممت عيممون سياسممتهم و نظممروا فممي أعطمماف ملكهممم و‬
‫استتموا شيات الحضارة و مفاني البذخ و البهة انتحلوا جميع‬
‫هذه السمات و تفننوا فيها و تجاروا إلممى غايتهمما و أنفمموا مممن‬
‫المشمماركة فيهمما و جزعمموا مممن افتقادهمما و خلممو دولتهممم مممن‬
‫أثارها و العالم بستان و الله على كل شيء رقيب‪.‬‬
‫الفصل السابع و الثلثممون فممي الحممروب و مممذاهب‬
‫المم و ترتيبها‬
‫اعلم أن الحروب و أنواع المقاتلة لم تزل واقعة في الخليقة‬
‫منذ براها الله و أصلها إرادة انتقام بعض البشر مممن بعممض و‬
‫يتعصب لكل منها أهل عصبيه فإذا تممذامروا لممذلك و تمموافقت‬
‫الطائفتممان إحممداهما تطلممب النتقممام و الخممرى تممدافع كممانت‬
‫الحرب و هو أمر طبيعي في البشر ل تخلو عنه أمة و ل جيل‬
‫و سبب هذا النتقام فممي الكممثر إممما غيممرة و منافسممة‪ .‬و إممما‬
‫عدوان و إما غضب لله ولدينه و أممما غضممب للملممك و سممعي‬
‫في تمهيده فالول أكثر ممما يجممري بيممن القبممائل المتجمماورة و‬
‫العشائر المتناظرة و الثاني و هو العدوان أكثر ما يكممون مممن‬
‫المم الوحشية الساكنين بالقفر كالعرب و الترك و التركمان‬
‫و الكممراد و أشممباههم لنهممم جعلمموا أرزاقهممم فممي رممماحهم و‬
‫معاشهم فيما بأيدي غيرهم و من دافعهممم عممن متمماعه آذنمموه‬
‫بالحرب و ل بغية لهم فيممما وراء ذلممك مممن رتبممة و ل ملممك و‬
‫إنما همهم و نصب أعينهم غلب الناس على ما في أيممديهم و‬
‫الثالث هو المسمى في الشريعة بالجهاد و الرابع هو حممروب‬
‫الدول مع الخارجين عليهمما و المممانعين لطاعتهمما فهممذه أربعممة‬
‫أصناف من الحروب الصنفان الولن منها حروب بغي و فتنة‬
‫و الصنفان الخيمران حمروب جهماد و عمدل و صمفة الحمروب‬
‫الواقعة بين أهل الخليقة منذ أول وجودهم على نمموعين نمموع‬
‫بالزحف صفوفا ً و نوع بالكر و الفممر أممما الممذي بممالزحف فهممو‬
‫قتال العجم كلهم على تعمماقب أجيممالهم و أممما الممذي بممالكر و‬
‫الفر فهممو قتممال العممرب و الممبربر مممن أهممل المغممرب و قتممال‬
‫الزحف أوثق و أشد من قتال الكممر و الفممر و ذلممك لن قتممال‬
‫الزحف ترتب فيه الصفوف و تسمموى كممما تسمموى القممداح أو‬
‫صفوف الصلة و يمشون بصفوفهم إلى العدو قممدمًا‪ ،‬فلممذلك‬
‫تكون أثبت عند المصالح و أصدق في القتال و أرهب للعممدو‪.‬‬
‫لنه كالحائط الممتد و القصر المشيد ل يطمممع فممي إزالتممه و‬
‫في التنزيل إن اللممه يحممب الممذين يقمماتلون فممي سممبيله صممفا ً‬
‫كأنهم بنيان مرصوص أي يشمد بعضمهم بعضما ً بالثبمات و فمي‬
‫الحديث الكريم المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضممة بعضما ً و‬
‫من هنا يظهر لك حكمة إيجاب الثبممات و تحريممم التممولي يمموم‬
‫الزحف فإن المقصود من الصممف فممي القتممال حفممظ النظممام‬
‫كما قلناه فمن ولى العدو ظهره فقممد أخممل بالمصمماف و بمماء‬
‫بإثم الهزيمة إن وقعت و صار كأنه جرهمما علممى المسمملمين و‬
‫أمكن منهم عدوهم فعظم الذنب لعممموم المفسممدة و تعممديها‬
‫إلى الدين بخرق سياجه فعد مممن الكبممائر و يظهممر مممن هممذه‬
‫الدلة أن قتال الزحف أشد عند الشممارع و أممما قتممال الكممر و‬
‫الفر فليس فيه من الشدة و المن من الهزيمة ما في قتممال‬
‫الزحف إل أنهم قد يتخذون وراءهم فممي القتممال مصممافا ً ثابتما ً‬
‫يلجأون إليه في الكر و الفر و يقوم لهم مقام قتممال الزحممف‬
‫كممما نممذكره بعممد‪ .‬ثممم إن الممدول القديمممة الكممثيرة الجنممود‬
‫المتسعة الممالك كانوا يقسمون الجيوش و العساكر أقساما ً‬
‫يسمونها كراديس و يسوون في كممل كممردوس صممفوفه ذلممك‬
‫أنه لما كثرت جنودهم الكممثرة البالغممة و حشممدوا مممن قاصممية‬
‫النواحي استدعى ذلك أن يجهممل بعضممهم بعض ما ً إذا اختلطمموا‬
‫في مجال الحرب و اعتمموروا مممع عممدوهم الطعممن و الضممرب‬
‫فيخشى من تدافعهم فيما بينهم لجل النكراء و جهل بعضهم‬
‫ببعممض فلممذلك كممانوا يقسمممون العسمماكر جموع ما ً و يضمممون‬
‫المتعممارفين بعضممهم لبعممض و يرتبونهمما قريبمما ً مممن الممترتيب‬
‫الطممبيعي فممي الجهممات الربممع و رئيممس العسمماكر كلهمما مممن‬
‫سلطان أو قائد في القلب و يسمون هممذا الممترتيب التعممبئة و‬
‫هممو مممذكور فممي أخبممار فممارس و الممروم و الممدولتين و صممدر‬
‫السلم فيجعلون بين يممدي الملممك عسممكرا ً منفممردا ً بصممفوفه‬
‫متميممزا ً بقممائده و رايتممه و شممعاره و يسمممونه المقدمممة ثممم‬
‫عسكرا ً آخر ناحية اليمين عممن موقممف الملممك و علممى سمممته‬
‫يسمونه الميمنة ثم عسكرا ً آخممر مممن ناحيممة الشمممال كممذلك‬
‫يسمونه الميسرة ثم عسكرا ً آخر من وراء العسممكر يسمممونه‬
‫الساقة و يقف الملك و أصحابه في الوسط بين هذه الربع و‬
‫يسمون موقفه القلب فإذا تم لهم هذا الممترتيب المحكممم أممما‬
‫في مدى واحد للبصر أو على مسافة بعيممدة أكثرهمما اليمموم و‬
‫اليومان بين كل عسكرين منها أو كيفما أعطاه حال العساكر‬
‫في القلة و الكثرة فحينئذ يكون الزحف من بعد هذه التعممبئة‬
‫و انظر ذلك في أخبار الفتوحات و أخبار الممدولتين بالمشممرق‬
‫و كيف كانت العساكر لعهممد عبممد الملممك تتخلممف عممن رحيلممه‬
‫لبعد المدى في التعبئة فاحتيج لمن يسوقها من خلفه و عيممن‬
‫لذلك الحجاج بن يوسف كما أشرنا إليممه و كممما هممو معممروف‬
‫في أخباره و كان في الدولة الموية بالندلس أيضا ً كثير منممه‬
‫و هو مجهول فيما لدينا لنا إنما أدركنا دول ً قليلمة العسماكر ل‬
‫تنتهي في مجال الحرب إلى التنمماكر بممل أكممثر الجيمموش مممن‬
‫الطائفتين معا ً يجمعهم لدينا حلة أو مدينة و يعرف كل واحممد‬
‫منهم قرنة و يناديه في حومة الحرب باسمه و لقبه فاستغنى‬
‫عن تلك التعبئة‪.‬‬
‫و من مذاهب أهل الكر و الفر في الحروب ضممرب المصمماف‬
‫وراء عسكرهم من الجمادات و الحيوانات العجممم فيتخممذونها‬
‫ملجأ ً للخيالة في كرهم و فرهممم يطلبممون بممه ثبممات المقاتلممة‬
‫ليكون أدوم للحممرب و أقممرب إلممى الغلممب و قممد يفعلممه أهممل‬
‫الزحف أيضا ً ليزيدهم ثباتما ً و شممدة فقممد كممان الفممرس و هممم‬
‫أهل الزحف يتخممذون الفيلممة فممي الحممروب و يحملممون عليهمما‬
‫أبراج ما ً مممن الخشممب أمثممال الصممروح مشممحونة بالمقاتلممة و‬
‫السلح و الرايات و يصفونها وراءهم في حومة الحرب كأنهمما‬
‫حصون فتقوى بذلك نفوسهم و يزداد وثوقهم و انظر ما وقع‬
‫من ذلك في القادسية و إن فارس في اليوم الثممالث اشممتدوا‬
‫بهممم علممى المسمملمين حممتى اشممتدت رجممالت مممن العممرب‬
‫فخممالطوهم و بعجوهمما بالسمميوف علممى خراطيمهمما فنفممرت و‬
‫نكصت على أعقابهمما إلمى مرابطهمما بالممدائن فجفمما معسممكر‬
‫فارس لذلك و انهزموا في اليوم الرابع‪ .‬و أما الروم و ملمموك‬
‫القوط بالندلس و أكثر العجم فكانوا يتخممذون لممذلك السممرة‬
‫ينصبون للملك سممريره فممي حومممة الحممرب و يحممف بممه مممن‬
‫خدمه و حاشيته و جنمموده مممن هممو زعيممم بالسممتماتة دونممه و‬
‫ترفع الرايات في أركان السرير و يحدق بممه سممياج آخممر مممن‬
‫الرماة و الرجالة فيعظم هيكل السرير و يصممير فئة للمقاتلممة‬
‫و ملجأ للكر و الفر و جعل ذلك الفرس أيام القادسية و كممان‬
‫رستم جالسا ً على سرير نصبه لجلوسه حتى اختلفت صفوف‬
‫فارس و خالطه العرب فممي سممريره ذلممك فتحممول عنممه إلممى‬
‫الفرات و قتل‪ .‬و أممما أهممل الكممر و الفممر مممن العممرب و أكممثر‬
‫المم البدوية الرحالة فيصممفون لممذلك إبلهممم و الظهممر الممذي‬
‫يحمل ظعائنهم فيكون فئة لهم و يسمونها المجبمموذة و ليممس‬
‫أمة من المم إل و هي تفعل فممي حروبهمما و تممراه أوثممق فممي‬
‫الجولة و آمن من الغرة و الهزيمممة و هممو أمممر مشمماهد و قممد‬
‫أغفلته الدول لعهدنا بالجملة و اعتاضوا عنه بممالظهر الحامممل‬
‫ة مممن خلفهممم و ل تغنممي‬ ‫للثقال و الفساطيط يجعلونها سمماق ً‬
‫غناء الفيلة و البل فصارت العساكر بذلك عرضممة للهممزائم و‬
‫مستشعرة للفرار في المواقف‪ .‬و كان الحممرب أول السمملم‬
‫كله زحفا ً و كان العرب إنما يعرفون الكر و الفر لكن حملهم‬
‫علممى ذلممك أول السمملم أمممران أحممدهما أن أعممداءهم كممانوا‬
‫يقاتلون زحفا ً فيضطرون إلى مقاتلتهم بمثل قتالهم‪ .‬و الثاني‬
‫أنهم كانوا مستميتين في جهادهم لما رغبوا فيه من الصبر‪ ،‬و‬
‫لما رسخ فيهم من اليمان و الزحف إلى الستماتة أقممرب‪ .‬و‬
‫أول مممن أبطممل الصممف فممي الحممروب و صممار إلممى التعممبئة‬
‫كراديس مروان بممن الحكممم فممي قتممال الضممحاك الخممارجي و‬
‫الجبيري بعده قممال الطممبري لممما ذكممر قتممال الجممبيري فممولى‬
‫الخوارج عليهم شيبان بن عبد العزيممز اليشممكري و يلقممب أبمما‬
‫الذلفاء قاتلهم مروان بعممد ذلمك بمالكراديس و أبطممل الصممف‬
‫من يومئذ انتهى‪ .‬فتنوسي قتممال الزحممف بإبطممال الصممف ثممم‬
‫تنوسي الصف وراء المقاتلة بما داخممل الممدول مممن الممترف و‬
‫ذلممك أنهمما حينممما كممانت بدويممة و سممكناهم الخيممام كممانوا‬
‫يستكثرون من البل و سممكنى النسمماء و الولممدان معهممم فممي‬
‫الحياء فلما حصلوا على ترف الملك و ألفوا سكنى القصممور‬
‫و الحواضر و تركوا شممأن الباديممة و القفممر نسمموا لممذلك عهممد‬
‫البل و الظعائن و صعب عليهم اتخاذها فخلفمموا النسمماء فممي‬
‫السفار وحملهم الملممك و الممترف علممى اتخمماذ الفسمماطيط و‬
‫الخبية فاقتصروا على الظهر الحامل للثقال و البنية و كممان‬
‫ذلك صفتهم في الحرب و ل يغني كل الغناء لنه ل يدعو إلى‬
‫الستماتة كما يدعو إليها الهممل و المممال فيخممف الصممبر مممن‬
‫أجل ذلك و تصرفهم الهيعات و تخرم صفوفهم‪ .‬و لما ذكرناه‬
‫من ضرب المصاف وراء العساكر و تأكده فممي قتممال الكممر و‬
‫الفر صار ملمموك المغممرب يتخممذون طائفممة مممن الفرنممج فممي‬
‫جندهم و اختصوا بمذلك لن قتمال أهمل وطنهمم كلمه بمالكر و‬
‫الفر و السلطان يتأكد في حقه ضرب المصمماف ليكممون ردءا ً‬
‫للمقاتلة أمامه فل بد من أن يكون أهل ذلك الصف من قمموم‬
‫متعودين للثبات في الزحمف و إل أجفلموا علمى طريقمة أهمل‬
‫الكر و الفر فممانهزم السمملطان و العسمماكر بإجفممالهم فاحتمماج‬
‫الملوك بالمغرب أن يتخممذوا جنممدا ً مممن هممذه المممة المتعممودة‬
‫الثبات في الزحف و هم الفرنج و يرتبون مصممافهم المحممدق‬
‫بهم منها هذا على ما فيه من الستعانة بأهممل الكفممر‪ .‬و إنهممم‬
‫استخفوا ذلك للضممرورة الممتي أريناكهمما مممن تخمموف الجفممال‬
‫على مصاف السلطان و الفرنج ل يعرفون غيممر الثبممات فممي‬
‫ذلك لن عادتهم في القتال الزحممف فكممانوا أقمموم بممذلك مممن‬
‫غيرهم مع أن الملوك فممي المغممرب إنممما يفعلممون ذلممك عنممد‬
‫الحرب مع أمم العرب و البربر و قتالهم على الطاعممة و أممما‬
‫فممي الجهمماد فل يسممتعينون بهممم حممذرا ً مممن ممممالتهم علممى‬
‫المسلمين هذا هو الواقع لهذا العهد و قد أ بدينا سببه و اللممه‬
‫بكل شيء عليم‪ .‬و بلغنمما أن أمممم الممترك لهممذا العهممد قتممالهم‬
‫مناضلة بالسهام و إن تعبئة الحرب عندهم بالمصمماف و أنهممم‬
‫يقسمون بثلثة صفوف يضربون صفا ً وراء صممف و يممترجلون‬
‫عن خيمولهم و يفرغمون سمهامهم بيمن أيمديهم ثمم يتناضملون‬
‫جلوسا ً و كل صف ردء للذي أمامه أن يكبسهم العدو إلى أن‬
‫يتهيممأ النصممر لحممدى الطممائفتين علممى الخممرى و هممي تعممبئة‬
‫محكمة غريبة‪ .‬و كان مممن مممذاهب الول فممي حروبهممم حفممر‬
‫الخنادق على معسكرهم عندما يتقاربون للزحممف حممذرا ً مممن‬
‫معرة البيات و الهجوم على العسكر بالليل لما في ظلمتممه و‬
‫وحشته من مضماعفة الخموف فيلموذ الجيمش بمالفرار و تجمد‬
‫النفوس في الظلمة سترا ً من عمماره فممإذا تسمماووا فممي ذلممك‬
‫أرجممف العسممكر و وقعممت الهزيمممة فكممانوا لممذلك يحتفممرون‬
‫الخنادق على معسكرهم إذا نزلوا و ضربوا أبنيتهم و يممديرون‬
‫الحفائر نطاقا ً عليهم من جميممع جهمماتهم حرصما ً أن يخممالطهم‬
‫العدو بالبيات فيتخاذلوا‪ .‬و كانت للدول في أمثال هذا قمموة و‬
‫عليه اقتدار باحتشمماد الرجممال و جمممع اليممدي عليممه فممي كممل‬
‫منممزل مممن منممازلهم بممما كممانوا عليممه مممن وفممور العمممران و‬
‫ضخامة الملك فلما خرب العمران و تبعه ضعف الدول و قلة‬
‫الجنود و عدم الفعلة نسي هذا الشأن جملة كممأنه لممم يكممن و‬
‫الله خيممر القممادرين‪ .‬و انظممر وصممية علممي رضممي اللممه عنممه و‬
‫تحريضه لصحابه يوم صفين تجد كثيرا ً من علم الحرب و لممم‬
‫يكن أحد أبصر بها منه قممال فممي كلم لممه‪ :‬فسممووا صممفوفكم‬
‫كالبنيان المرصوص و قدموا الدارع و أخروا الحاسر و عضوا‬
‫على الضراس فإنه أنبى للسيوف عممن الهممام و التممووا علممى‬
‫أطراف الرماح فإنه أصون للسنة و غضوا البصار فإنه أربط‬
‫للجممأش و أسممكن للقلمموب و اخفتمموا الصمموات فممإنه أطممرد‬
‫للفشممل و أولممى بالوقممار و أقيممموا رايمماتكم فل تميلوهمما و ل‬
‫تجعلوها إل بأيدي شجعانكم و استعينوا بالصدق و الصبر فإنه‬
‫بقدر الصبر ينزل النصممر و قمال الشمتر يممومئذ يحمرص الزد‪:‬‬
‫عضوا على النواجذ من الضراس و استقبلوا القوم بهامكم و‬
‫شدوا شدة قوم موتورين من يثأرون بآبائهم و إخوانهم حناقا ً‬
‫على عدوهم و قد وطنوا علممى الممموت أنفسممهم لئل يسممبقوا‬
‫بوتر و ل يلحقهم في الدنيا عار و قد أشار إلى كثير من ذلممك‬
‫أبو بكر الصيرفي شمماعر لمتونممة و أهممل النممدلس فممي كلمممة‬
‫يمدح بها تاشفين بن علي بن يوسف و يصف ثباته في حرب‬
‫شهدها و يذكره بممأمور الحممرب فممي وصممايا تحممذيرات تنبهممك‬
‫على معرفة كثير من سياسة الحرب يقول فيها‪.‬‬
‫يا أيها المل الذي يتقنعمن منكم الملك الهمام الروع‬
‫فانفض كل و هو ل‬ ‫و من الذي غدر العدو به دجى‬
‫يتزعزع‬
‫عنه و يدمرها الوفاء‬ ‫تمضي الفوارس و الطعان يصدها‬
‫فترجع‬
‫و الليل من وضح الترائك إنهصبح على هام الجيوش يلمع‬
‫أنى فزعتم يا بني صنهاجةو إليكم في الروع كان المفزع‬
‫إنسان عين لم يصبها منكمحضن و قلب أسلمته الضلع‬
‫و صددتم عن تاشفين و إنهلعقابه لو شاء فيكم موضع‬
‫كل لكل كريهة مستطلع‬ ‫ما أنتم إل أسود خفية‬
‫يا تاشفين أقم لجيشك عذرهبالليل و العذر الذي ل يدفع‬
‫و منها في سياسة الحرب‬
‫أهديك من أدب السياسة ما به كانت ملوك الفرس قبلك‬
‫تولع‬
‫ل إنني أدري بها لكنها ذكرى تحض المؤمنين و تنفع‬
‫وصى بها صنع‬ ‫و البس من الحلق المضاعفة التي‬
‫الصنائع تبع‬
‫و الهندواني الرقيق فإنهأمضى على حد الدلص و أقطع‬
‫و اركب من الخيل السوابق عدة حصنا ً حصينا ً ليس فيه‬
‫مدفع‬
‫سيان تتبع ظافرا ً أو تتبع‬ ‫خندق عليك إذا ضربت محلة‬
‫و الواد ل تعبره و انزل عنده بين العدو و بين جيشك يقطع‬
‫و اجعل مناجزة الجيوش عشية و وراءك الصدق الذي هو‬
‫أمنع‬
‫و إذا تضايقت الجيوش بمعرك ضنك فأطراف الرماح توشع‬
‫و اصدمه أول وهلة ل تكترث شيئا ً فإظهار النكول يضعضع‬
‫و اجعل من الطلع أهل شهامة للصدق فيهم شيمة ل تخدع‬
‫ل تسمع الكذاب جاءك مرجفا ً ل رأي للكذاب فيما يصنع‬
‫قوله و اصدمه أول وهلة ل تكترث الممبيت مخممالف لممما عليممه‬
‫الناس في أمر الحرب فقد قال عمر لبي عبيممد بممن مسممعود‬
‫الثقفي لما وله حرب فارس و العراق فقال له اسمع و أطع‬
‫من أصحاب النبي صمملى اللممه عليممه و سمملم و أشممركهم فممي‬
‫المر و ل تجيبن مسرعا ً حتى تتبين فإنهمما الحممرب و ل يصمملح‬
‫لها الرجل المكيث الذي يعممرف الفرصممة و الكممف و قممال لممه‬
‫في أخرى‪ :‬إنه لن يمنعنممي أن أؤمممر سممليطا ً إل سممرعته فممي‬
‫الحرب و في التسرع في الحرب إل عممن بيممان ضممياع و اللممه‬
‫لول ذلك لمرته لكممن الحممرب ل يصمملحها إل الرجممل المكيممث‬
‫هذا كلم عمر و هو شاهد بأن التثاقل في الحرب أولممى مممن‬
‫الخفوف حتى يتبين حال تلك الحرب و ذلك عكممس ممما قمماله‬
‫الصيرفي إل أن يريد أن الصدم بعد البيممان فلممه وجممه و اللممه‬
‫تعممالى اعلممم‪ .‬و ل وثمموق فممي الحممرب بممالظفر و إن حصمملت‬
‫أسبابه من العدة و العديد و إنممما الظفممر فيهمما و الغلممب مممن‬
‫قبيل البحممث و التفمماق و بيممان ذلممك أن أسممباب الغلممب فممي‬
‫الكثر مجتمعة من أمور ظاهرة و هممي الجيمموش و وفورهمما و‬
‫كمممال السمملحة و اسممتجادتها و كممثرة الشممجعان و ترتيممب‬
‫المصاف و منه صدق القتال و ممما جممرى مجممرى ذلممك و مممن‬
‫أمور خفية و هي إما خممداع البشممر و حيلهممم فممي الرجمماف و‬
‫التشانيع التي يقممع بهمما التخممذيل و فممي التقممدم إلممى الممماكن‬
‫المرتفعة ليكون الحرب من أعلى فيتوههم المنخفض لذلك و‬
‫في الكمون في الغياض و مطمئن الرض و التواري بالكممدى‬
‫حممول العممدو حممتى يتممداولهم العسممكر دفعممة و قممد تورطمموا‬
‫فيتلفتممون إلممى النجمماة و أمثممال ذلممك و إممما أن تكممون تلممك‬
‫السباب الخفية أمورا ً سماوية ل قدرة للبشر علممى اكتسممابها‬
‫تلقى فممي القلمموب فيسممتولي الرهممب عليهممم لجلهمما فتختممل‬
‫مراكزهممم فتقممع الهزيمممة و أكممثر ممما تقممع الهممزائم عممن هممذه‬
‫السباب الخفية لكثرة ما يعتمل لكل واحد من الفريقين فيها‬
‫حرصا ً على الغلب فل بد من وقوع التأثير في ذلممك لحممدهما‬
‫ضرورة و لذلك قال صلى الله عليه و سلم‪ :‬الحرب خدعممة و‬
‫من أمثال العرب رب حيلة أنفع من قبيلة فقد تبين أن وقمموع‬
‫الغلب في الحروب غالب ما ً عممن أسممباب خفيممة غيممر ظمماهرة و‬
‫وقوع الشياء عن السباب الخفية هو معنى البخت كما تقممرر‬
‫في موضممعه فمماعتبره و تفهممم مممن وقممع الغلممب عممن المممور‬
‫السماوية كما شرحناه معنى قوله صمملى اللممه عليممه و سمملم‪:‬‬
‫نصرت بالرعب مسيرة شهر و ما وقع مممن غلبممه للمشممركين‬
‫في حياته بالعدد القليل و غلب المسمملمين مممن بعممده كممذلك‬
‫في الفتوحات فإن الله سممبحانه و تعممالى تكفممل لنممبيه بإلقمماء‬
‫الرعممب فممي قلمموب الكممافرين حممتى يسممتولي علممى قلمموبهم‬
‫فينهرممموا معجممزة لرسمموله صمملى اللممه عليممه و سمملم فكممان‬
‫الرعب في قلوبهم سممببا ً للهممزائم فممي الفتوحممات السمملمية‬
‫كلها أنه خفي عن العيون‪ .‬و قممد ذكممر الطرطوشممي‪ :‬أن مممن‬
‫أسباب الغلب في الحرب أن تفضل عدة الفرسان المشاهير‬
‫من الشجعان فممي أحممد الجممانبين علممى عممدتهم فممي الجممانب‬
‫الخر مثل أن يكون أحد الجانبين فيه عشرة أو عشرون مممن‬
‫الشجعان المشاهير و في الجالب الخر ثمانية أو ستة عشممر‬
‫فالجانب الزائد و لو بواحد يكون له الغلب و أعاد في ذلممك و‬
‫أبدى و هو راجع إلى السباب الظمماهرة الممتي قممدمنا و ليممس‬
‫بصحيح‪ .‬و إنما الصحيح المعتبر في الغلممب حممال العصممبية أن‬
‫يكون في أحد الجانبين عصممبية واحممدة جامعممة لكلهممم و فممي‬
‫الجانب الخر عصائب متعددة لن العصائب إذا كانت متعددة‬
‫يقممع بينهمما مممن التخمماذل ممما يقممع فممي الوحممدان المتفرقيممن‬
‫الفاقدين للعصممبية تنممزل كممل عصممابة منهممم منزلممة الواحممد و‬
‫يكون الجانب الذي عصممابته متعممددة ل يقمماوم الجممانب الممذي‬
‫عصبته واحدة لجل ذلك فتفهمه و اعلم أنه أصح في العتبار‬
‫مما ذهب إليه الطرطوشي و لم يحمله على ذلممك إل نسمميان‬
‫شأن العصبية في حلة و بلدة و أنهم إنما يرون ذلك الدفاع و‬
‫الحماية و المطالبة إلى الوحدان و الجماعة الناشئة عنهممم ل‬
‫يعتبرون في ذلك عصبية و ل نسبا ً و قد بينا ذلك أول الكتمماب‬
‫مع أن هذا و أمثاله على تقدير صحته إنممما هممو مممن السممباب‬
‫الظاهرة مثل اتفاق الجيش في العدة و صدق القتال و كثرة‬
‫السلحة و ما أشبهها فكيف يجعل ذلمك كفيل ً بممالغلب و نحممن‬
‫قد قررنا لك الن أن شمميئا ً منهمما ل يعممارض السممباب الخفيممة‬
‫مممن الحيممل و الخممداع و ل المممور السممماوية مممن الرعممب و‬
‫الخذلن اللهي فافهمه و تفهممم أحمموال الكممون و اللممه مقممدر‬
‫الليممل و النهممار‪ .‬و يلحممق بمعنممى الغلممب فممي الحممروب و أن‬
‫أسبابه خفية و غير طبيعية حمال الشممهرة و الصمميت فقممل أن‬
‫تصادف موضعها في أحد من طبقممات النمماس مممن الملمموك و‬
‫العلممماء و الصممالحين و المنتحليممن للفصممائل علممى العممموم و‬
‫كثير ممن اشتهر بالشر و هو بخلفممه و كممثير ممممن تجمماوزت‬
‫عنه الشهرة و هو أحق بها و أهلها و قممد تصممادف موضممعها و‬
‫تكون طبقا ً على صمماحبها و السممبب فممي ذلممك أن الشممهرة و‬
‫الصمميت إنممما هممما بالخبممار و الخبممار يممدخلها الممذهول عممن‬
‫المقاصد عند التناقل و يدخلها التعصممب و التشممييع و يممدخلها‬
‫الوهام و يدخلها الجهل بمطابقة الحكايات للحمموال لخفائهمما‬
‫بالتلبيس و التصنع أو لجهل الناقل و يدخلها التقرب لصحاب‬
‫التجلة و المراتب الدنيوية بالثناء و المدح و تحسممين الحمموال‬
‫و إشاعة الذكر بذلك و النفوس مولعة بحممب الثنمماء و النمماس‬
‫متطاولون إلى الدنيا و أسبابها من جاه أو ثروة و ليسوا مممن‬
‫الكثر براغبين في الفضممائل و ل منافسممين فمي أهلهمما و أيمن‬
‫مطابقة الحق مع هذه كلها فتختل الشهرة عن أسباب خفيممة‬
‫من هذه و تكون غير مطابقة و كممل ممما حصممل بسممبب خفممي‬
‫فهو الذي يعبر عنه بالبخت كما تقرر و الله سممبحانه و تعممالى‬
‫أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الثامن و الثلثون في الجباية و سبب قلتها‬


‫و كثرتها‬
‫إعلم أن الجباية أول الدولة تكون قليلة الوزائع كثيرة الجملة‬
‫و آخر الدولة تكون كثيرة الوزائع قليلة الجملة و السبب فممي‬
‫ذلك أن الدولة إن كانت على سنن الدين فليست تقتضممي إل‬
‫المغارم الشرعية مممن الصممدقات و الخممراج و الجزيممة و هممي‬
‫قليلة الوزائع لن مقدار الزكاة من المال قليل كما علمممت و‬
‫كذا زكاة الحبوب و الماشية و كذا الجزية و الخممراج و جميممع‬
‫المغارم الشرعية و هي حدود ل تتعدى و إن كانت على سنن‬
‫التغلب و العصبية فل بد من البممداوة فممي أولهمما كممما تقممدم و‬
‫البممداوة تقتضممي المسممامحة و المكارمممة و خفممض الجنمماح و‬
‫التجافي عن أموال الناس و الغفلة عن تحصيل ذلممك إل فممي‬
‫النادر فيقل لذلك مقممدار الوظيفممة الواحممدة و الوزيعممة الممتي‬
‫تجمع الموال من مجموعهمما و إذا قلممت المموزائع و الوظممائف‬
‫على الرعايا نشممطوا للعمممل و رغبمموا فيممه فيكممثر العتمممار و‬
‫يتزايد لحصول الغتباط بقلة المغرم و إذا كثر العتمار كثرت‬
‫أعممداد تلممك الوظممائف و المموزائع فكممثرت الجبايممة الممتي هممي‬
‫جملتها فإذا استمرت الدولة و اتصلت و تعاقب ملوكها واحدا ً‬
‫بعد واحد و اتصفوا بالكيس و ذهب سر البداوة و السذاجة و‬
‫خلقهمما مممن الغضمماء و التجممافي و جمماء الملممك العضمموض و‬
‫الحضارة الداعية إلى الكيس و تخلق أهل الدولة حينئذ بخلق‬
‫التحذلق و تكثرت عوائدهم و حمموائجهم بسممبب ممما انغمسمموا‬
‫فيه من النعيم و الممترف فيكممثرون الوظممائف و المموزائع حينئذ‬
‫علممى الرعايمما و الكممرة و الفلحيممن و سممائر أهممل المغممارم و‬
‫يزيدون في كل وظيفممة و وزيعممة مقممدارا ً عظيمما ً لتكممثر لهممم‬
‫الجباية و يضعون المكوس على المبايعات و في البواب كما‬
‫نذكر بعد ثم تتدرج الزيادات فيهمما بمقمدار بعممد مقممدار لتممدرج‬
‫عوائد الدولة في الممترف و كممثرة الحاجممات و النفمماق بسممببه‬
‫حتى تثقل المغممارم علممى الرعايمما و تهضمممهم و تصممير عممادة‬
‫مفروضة لن تلك الزيادة تدرجت قليل ً قليل ً و لم يشممعر أحممد‬
‫بمن زادها على التعيين و ل من هو واضممعها إنممما ثبممت علممى‬
‫الرعايا في العتمار لذهاب المل من نفوسهم بقلة النفممع إذا‬
‫قابل بين نفعه و مغارمه و بين ثمرته و فائدته فتنقبممض كممثير‬
‫من اليدي عن العتمممار جملممة فتنقممص جملممة الجبايممة حينئذ‬
‫بنقصان تلك الوزائع منها و ربما يزيدون في مقدار الوظممائف‬
‫إذا رأوا ذلك النقص في الجباية و يحسممبونه جممبرا ً لممما نقممص‬
‫حتى تنتهي كل وظيفة و وزيعة إلى غاية ليس وراءهمما نفممع و‬
‫ل فائدة لكثرة النفاق حينئذ في العتمممار و كممثرة المغممارم و‬
‫عدم وفاء الفائدة المرجوة به فل تزال الجملممة فممي نقممص و‬
‫مقدار الوزائع و الوظائف في زيممادة لممما يفتقممدونه مممن جممبر‬
‫الجملممة بهمما إلممى أن ينتقممص العمممران بممذهاب المممال مممن‬
‫العتمار و يعود وبممال ذلمك علممى الدولممة لن فممائدة العتمممار‬
‫عائدة إليها و إذا فهمت ذلك علمت إلى أقمموى السممباب فممي‬
‫العتمار تقليل مقممدار الوظممائف علممى المعتمريممن ممما أمكممن‬
‫فبذلك تنبسط النفوس إليه لثقتها بإدراك المنفعة فيه و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى مالك المور كلها و بيده ملكوت كل شيء‪.‬‬

‫الفصممل التاسممع و الثلثممون فممي ضممرب المكمموس‬


‫أواخر الدولة‬
‫إعلم أن الدولة تكون في أولها بدوية كما قلنمما فتكممون لممذلك‬
‫قليلة الحاجات يعدم الترف و عوائده فيكون خرجها و إنفاقها‬
‫قليل ً فيكممون فممي الجبايممة حينئذ وفمماء بأزيممد منهمما كممثير عممن‬
‫حاجاتهم ثم ل تلبممث أن تأخممذ بممدين الحضممارة فممي الممترف و‬
‫عوائدها و تجري على نهج الدول السابقة قبلها فيكممثر لممذلك‬
‫خراج أهل الدولة و يكثر خراج السلطان خصوصا ً كثرة بالغممة‬
‫بنفقتممه فممي خاصممته و كممثرة عطممائه و ل تفممي بممذلك الجبايممة‬
‫فتحتاج الدولة إلى زيادة في الجباية لما تحتمماج إليممه الحاميممة‬
‫من العطاء و السلطان من النفقة فيزيد في مقدار الوظائف‬
‫و الوزائع أول ً كما قلناه ثم يزيد الخراج و الحاجات و التدريممج‬
‫في عوائد الترف و في العطاء للحامية و يدرك الدولة الهرم‬
‫و تضعف عصابتها عن جباية الموال من العمممال و القاصممية‬
‫فتقل الجباية و تكممثر العمموائد و يكممثر بكثرتهمما أرزاق الجنممد و‬
‫عطاؤهم فيستحدث صاحب الدولة أنواعا ً من الجباية يضربها‬
‫على البياعات و يفرض لها قممدرا ً معلوم ما ً علممى الثمممان فممي‬
‫السواق و على أعيان السلع في أموال المدينة و هو مع هذا‬
‫مضطر لذلك بما دعاه إليه طرق الناس من كثرة العطاء من‬
‫زيادة الجيوش و الحامية و ربما يزيد ذلك فممي أواخممر الدولممة‬
‫زيممادة بالغممة فتكسممد السممواق لفسمماد المممال و يممؤذن ذلممك‬
‫باختلل العمران و يعود على الدولة و ل يزال ذلك يتزايد إلى‬
‫أن تضمحل‪ .‬و قد كان وقع منه بأمصار المشرق في أخريات‬
‫الدولة العباسية و العبيدية كثير و فرضت المغارم حتى علممى‬
‫الحاج في الموسم و أسقط صلح الدين أيوب تلممك الرسمموم‬
‫جملممة و أعاضممها بآثممار الخيممر و كممذلك وقممع بالنممدلس لعهممد‬
‫الطمموائف حممتى محممى رسمممه يوسممف بممن تاشممفين أميممر‬
‫المرابطين و كذلك وقع بأمصار الجريد بإفريقيممة لهممذا العهممد‬
‫حين استبد بها رؤساؤها و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصممل الربعممون فممي أن التجممارة مممن السمملطان‬


‫مضرة بالرعايا و مفسدة للجباية‬
‫اعلم أن الدولة إذا ضاقت جبايتها بممما قممدمناه مممن الممترف و‬
‫كثرة العوائد و النفقممات و قصممر الحاصممل مممن جبايتهمما علممى‬
‫الوفاء بحاجاتها و نفقاتها و احتاجت إلى مزيد المال و الجباية‬
‫فتارة توضع المكوس على بياعممات الرعايمما و أسممواقهم كممما‬
‫قممدمنا ذلممك فممي الفصممل قبلممه و تممارة بالزيممادة فممي ألقمماب‬
‫المكوس إن كممان قممد اسممتحدث مممن قبممل و تممارة بمقاسمممة‬
‫العمال و الجباة و امتكاك عظامهم لما يرون أنهم قد حصلوا‬
‫على شيء طائل مممن أممموال الجبايممة ل يظهممره الحسممبان و‬
‫تارة باسممتحداث التجممارة و الفلحممة للسمملطان علممى تسمممية‬
‫الجباية لما يرون التجار و الفلحين يحصلون علممى الفمموائد و‬
‫الغلت مممع يسممارة أممموالهم و أن الربمماح تكممون علممى نسممبة‬
‫رؤوس الممموال فيأخممذون فممي اكتسمماب الحيمموان و النبممات‬
‫لستغلله في شراء البضائع والتعرض بها لحوالممة السممواق و‬
‫يحسبون ذلك من إدرار الجبايممة و تكممثير الفمموائد و هممو غلممط‬
‫عظيم و إدخال الضرر على الرعايا من وجوه متعممددة فممأول ً‬
‫مضايقة الفلحين و التجممار فممي شممراء الحيمموان و البضممائع و‬
‫تيسممير أسممباب ذلممك فممإن الرعايمما متكممافئون فممي اليسممار‬
‫متقاربون و مزاحمة بعضهم بعضا ً تنتهي إلى غاية موجممودهم‬
‫أو تقرب و إذا رافقهم السلطان في ذلك و ماله أعظم كثيرا ً‬
‫منهم فل يكاد أحد منهم يحصل على غرضممه فممي شمميء مممن‬
‫حاجاته و يممدخل علممى النفمموس مممن ذلممك غممم و نكممد ثممم إن‬
‫السلطان قد ينممتزع الكممثير مممن ذلممك إذا تعممرض لممه غضما ً أو‬
‫بأيسر ثمن أو ل يجد من يناقشممه فممي شممرائه فيبخممس ثمنممه‬
‫على بائعه ثم إذا حصل فوائد الفلحة و مغلهمما كلممه مممن زرع‬
‫أو حرير أو عسل أو سممكر أو غيممر ذلممك مممن أنممواع الغلت و‬
‫حصمملت بضممائع التجممارة مممن سممائر النممواع فل ينتظممرون بممه‬
‫حوالة السواق و ل نفاق البياعات لما يممدعوهم إليممه تكمماليف‬
‫الدولة فيكلفون أهل تلك الصنافى من تمماجر أو فلح بشممراء‬
‫تلممك البضممائع و ل يرضممون فممي أثمانهمما إل القيممم و أزيممد‬
‫فيسممتوعبون فممي ذلممك نمماض أممموالهم و تبقممى تلممك البضممائع‬
‫بأيديهم عروضا ً جامدة و يمكثون عطل ً من الدارة التي فيهمما‬
‫كسبهم و معاشهم و ربما تدعوهم الضرورة إلممى شمميء مممن‬
‫المال فيبيعون تلك السلع على كسمماد مممن السممواق بممأبخس‬
‫ثمن‪ .‬و ربما يتكرر ذلك على التاجر و الفلح منهم بما يممذهب‬
‫رأس ماله فيقعد عن سوقه و يتعدد ذلك و يتكرر و يدخل بممه‬
‫على الرعايا من العنت و المضايقة و فساد الرباح ما يقبممض‬
‫آمالهم عن السعي في ذلك جملة و يؤدي إلى فساد الجبايممة‬
‫فإن معظم الجباية إنما هي من الفلحين و التجار و ل سمميما‬
‫بعد وضع المكوس و نمو الجباية بهمما فممإذا انقبممض الفلحممون‬
‫عن الفلحة و قعد التجار عن التجارة ذهبت الجباية جملممة أو‬
‫دخلها النقص المتفاحش و إذا قايس السلطان بين ما يحصل‬
‫له من الجباية و بين هذه الرباح القليلة وجدها بالنسممبة إلممى‬
‫الجباية أقل من القليل ثم إنممه و لممو كممان مفيممدا ً فيممذهب لممه‬
‫بحظ عظيم من الجباية فيما يعانيه من شراء أو بيع فإنه مممن‬
‫البعيد أن يوجد فيمه ممن المكمس و لمو كمان غيمره فمي تلمك‬
‫الصفقات لكال تكسبها كلها حاصل ً من جهة الجبايممة ثممم فيممه‬
‫التعرض لهل عمرانممه و اختلل الدولممة بفسممادهم و نقصممهم‬
‫فإن الرعايا إذا قعدوا عن تثمير أممموالهم بالفلحممة و التجممارة‬
‫نقصت و تلشت بالنفقات و كان فيها تلف أحمموالهم‪ ،‬فممافهم‬
‫ذلممك و كممان الفممرس ل يملكممون عليهممم إل مممن أهممل بيممت‬
‫المملكممة ثمم يختممارونه مممن أهممل الفضممل و الممدين و الدب و‬
‫السخاء و الشمجاعة و الكمرم ثمم يشمترطون عليمه ممع ذلمك‬
‫العدل و أن ل يتخذ صممنعة فيضممر بجيرانممه و ل يتمماجر فيحممب‬
‫غلء السممعار فممي البضممائع و أن ل يسممتخدم العبيممد فممإنهم ل‬
‫يشيرون بخير و ل مصلحة‪ .‬و اعلم أن السلطان ل ينمي ماله‬
‫و ل يدر موجوده إل الجباية و إدرارها إنما يكون بالعممدل فممي‬
‫أهممل الممموال و النظممر لهممم بممذلك فبممذلك تنبسممط آمممالهم و‬
‫تنشرح صدورهم للخذ في تثميممر الممموال و تنميتهمما فتعظممم‬
‫منها جباية السلطان و أما غير ذلك من تجممارة أو فلممح فإنممما‬
‫هو مضرة عاجلة للرعايا و فساد للجبايممة و نقممص للعمممارة و‬
‫قد ينتهي الحممال بهممؤلء المنسمملخين للتجممارة و الفلحممة مممن‬
‫المراء و المتغلبين في البلدان أنهم يتعرضون لشراء الغلت‬
‫و السلع من أربابها الواردين علممى بلممدهم و يفرضممون لممذلك‬
‫من الثمن ما يشاءون و يبيعونها في وقتها لمن تحممت أيممديهم‬
‫من الرعايا بما يفرضون من الثمن و هذه أشد مممن الولممى و‬
‫أقممرب إلممى فسمماد الرعيممة و اختلل أحمموالهم و ربممما يحمممل‬
‫السلطان علممى ذلممك مممن يممداخله مممن هممذه الصممناف أعنممي‬
‫التجار و الفلحين لما هي صممناعته الممتي نشممأ عليهمما فيحمممل‬
‫السلطان على ذلك و يضرب معه بسهم لنفسه ليحصل على‬
‫غرضه من جمع المال سريعا ً و ل سيما مع ما يحصل له مممن‬
‫التجارة بل مغرم و ل مكس فإنها أجدر بنمو الموال و أسرع‬
‫في تثميره و ل يفهم ممما يممدخل علممى السمملطان مممن الضممرر‬
‫بنقص جبايته فينبغي للسلطان أن يحذر من هممؤلء و يعممرض‬
‫عن سعايتهم المضرة بجبايته و سلطانه و اللممه يلهمنمما رشممد‬
‫أنفسنا و ينفعنا بصالح العمال و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل الحادي و الربعون في أن ثممروة السمملطان‬


‫و حاشيته إنما تكون في وسط الدولة‬
‫و السبب في ذلك أن الجباية في أول الدولة تتوزع على أهل‬
‫القبيل و العصممبية بمقممدار غنممائهم و عصممبيتهم و لن الحاجممة‬
‫إليهم في تمهيد الدولة كما قلناه من قبل فرئيسهم في ذلممك‬
‫متجاف لهم عما يسمون إليه من الستبداد عليهم فله عليهم‬
‫عزة و له إليهم حاجة فل يطير فممي سممهمانه مممن الجبايممة إل‬
‫القل من حاجته فتجد حاشيته لذلك و أذيمماله مممن المموزراء و‬
‫الكتاب و الموالي متملقين في الغالب و جاههم متقلص لنممه‬
‫من جاه مخدومهم و نطاقه قد ضاق بمممن يزاحمممه فيممه مممن‬
‫أهل عصبيته فإذا استفحلت طبيعة الملممك و حصممل لصمماحب‬
‫الدولة الستبداد على قومه قبض أيديهم عن الجبايات إل ممما‬
‫يطير لهم بين النمماس فممي سممهمانهم و تقممل حظمموظهم ذاك‬
‫لقلة غنائهم في الدولة بما انكبح من أعنتهم و صممار الممموالي‬
‫و الصنائع مساهمين لهم فممي القيممام بالدولممة و تمهيممد المممر‬
‫فينفممرد صمماحب الدولممة حينئذ بالجبايممة أو معظمهمما و يحتمموي‬
‫على الموال و يحتجنها للنفقات في مهمممات الحمموال فتكممثر‬
‫ثروته و تمتلئ خزائنه و يتسع نطاق جاهه و يعتز علممى سممائر‬
‫قومه فيعظم حال حاشيته و ذويه من وزير و كاتب و حمماجب‬
‫و مممولى و شممرطي و يتسممع جمماههم و يقتنممون الممموال و‬
‫يتأثلونها ثم إذا أخذت الدولممة فممي الهممرم بتلشممي العصممبية و‬
‫فناء القليل المعاهدين للدولة احتاج صاحب المممر حينئذ إلممى‬
‫العمموان و النصممار لكممثرة الخمموارج و المنممازعين و الثمموار و‬
‫توهم النتقاض فصار خراجه لظهرائه و أعمموانه و هممم أربمماب‬
‫السمميوف و أهممل العصممبيات و أنفممق خزائنممه و حاصممله فممي‬
‫مهمات الدولة و قلت مع ذلك الجباية لما قممدمناه مممن كممثرة‬
‫العطاء و النفمماق فيقممل الخممراج و تشممتد حاجممة الدولممة إلممى‬
‫المال فيتقلص ظل النعمة و الترف عن الخممواص و الحجمماب‬
‫و الكتاب بتقلص الجمماه عنهممم و ضمميق نطمماقه علممى صمماحب‬
‫الدولة ثم تشتد حاجة صاحب الدولة إلى المال و تنفممق أبنمماء‬
‫البطانممة و الحاشممية ممما تممأثله آبمماؤهم مممن الممموال فممي غيممر‬
‫سبيلها من إعانة صاحب الدولة و يقبلون علممى غيممر ممما كممان‬
‫عليه آباؤهم و سلفهم من المناصممحة و يممرى صمماحب الدولممة‬
‫أنممه أحممق بتلممك الممموال الممتي اكتسممبت فممي دولممة سمملفه و‬
‫بجمماههم فيصممطلمها و ينتزعهمما منهممم لنفسممه شمميئا ً فشمميئا ً و‬
‫واحدا ً بعد واحد على نسبة رتبهم و تنكر الدولممة لهممم و يعممود‬
‫وبال ذلك على الدولة بفناء حاشيتها و رجالتها و أهل الممثروة‬
‫و النعمة من بطانتها و يتقوض بذلك كثير مممن مبمماني المجممد‬
‫بعممد أن يممدعمه أهلممه و يرفعمموه‪ .‬و انظممر ممما وقممع مممن ذلممك‬
‫لوزراء الدولة العباسية في بني قحطبة و بنممي برمممك و بنممي‬
‫سهل و بني طاهر و أمثالهم ثم في الدولة الموية بالنممدلس‬
‫عند انحللها أيام الطوائف في بنى شهيد و بنى أبممي عبممدة و‬
‫بنى حدير و بني برد و أمثالهم و كذا في الدولة التي أدركناها‬
‫لعهدنا سنة الله التي قد خلت في عباده‪.‬‬
‫فصل‪ :‬و لما يتوقعه أهممل الدولمة مممن أمثمال هممذه المعماطب‬
‫صار الكثير منهم ينزعون إلى الفممرار عممن الرتممب و التخلممص‬
‫من ربقة السلطان بما حصل في أيديهم من مال الدولة إلى‬
‫قطر آخر و يرون أنه أهنأ لهم و أسلم فممي إنفمماقه و حصممول‬
‫ثمرتممه و هممو مممن الغلط الفاحشممة و الوهممام المفسممدة‬
‫لحوالهم و دنياهم و اعلم أن الخلص من ذلك بعد الحصممول‬
‫فيه عسير ممتنع فإن صاحب هذا الغرض إذا كان هممو الملممك‬
‫نفسممه فل تمكنممه الرعيممة مممن ذلممك طرفممة عيممن و ل أهممل‬
‫العصبية المزاحمون له بل في ظهور ذلك منه هدم لملكممه و‬
‫إتلف لنفسه بمجمماري العممادة بممذلك لن ربقممة الملمك يعسممر‬
‫الخلص منها و ل سيما عند استفحال الدولة و ضمميق نطاقهمما‬
‫و ما يعممرض فيهمما مممن البعممد عممن المجممد و الخلل و التخلممق‬
‫بالشر و أما إذا كان صاحب هذا الغرض من بطانة السمملطان‬
‫و حاشيته و أهل الرتب في دولته فقل أن يخلممى بينممه و بيممن‬
‫ذلك‪ .‬أما أول فلما يراه الملمموك أن ذويهممم و حاشمميتهم بممل و‬
‫سائر رعاياهم مماليك لهم مطلعون علممى ذات صممدورهم فل‬
‫يسمحون بحل ربقته من الخدمة ضممنا بأسممرارهم و أحمموالهم‬
‫أن يطلع عليها أحد‪ .‬و غيره من خدمته لسممواهم و لقممد كممان‬
‫بنو أمية بالندلس يمنعون أهل دولتهممم مممن السممفر لفريضممة‬
‫الحج لما يتوهمونه من وقوعهم بأيدي بني العباس فلممم يحممج‬
‫سائر أيامهم أحد من أهل دولتهم و ما أبيح الحج لهل الدول‬
‫مممن النممدلس إل بعممد فممراغ شممأن المويممة و رجوعهمما إلممى‬
‫الطمموائف و أممما ثانيمما فلنهممم و إن سمممحوا بحممل ربقتممه فل‬
‫يسمحون بالتجافي عن ذلك المال لممما يممرون أنممه جممزء مممن‬
‫مالهم كما يرون أنه جزء من دولتهم إذ لم يكتسممب إل بهمما و‬
‫في ظل جاهها‪ ،‬فتخوم نفوسممهم علممى انممتزاع ذلممك المممال و‬
‫التقامه كما هو جزء من الدولة ينتفعون به ثم إذا توهمنا أنممه‬
‫خلص بذلك المال إلى قطر آخر و هو في النادر القل فتمتممد‬
‫إليممه أعيممن الملمموك بممذلك القطممر و ينممتزعونه بالرهمماب و‬
‫التخويف تعريضا أو بالقهر ظاهرا لما يرون أنه مال الجباية و‬
‫الدول و أنه مستحق للنفاق في المصالح و إذا كانت أعينهممم‬
‫تمتد إلى أهل الثروة و اليسار المتكسبين من وجوه المعاش‬
‫فأحرى بها أن تمتمد إلمى أمموال الجبايمة و المدول المتي تجمد‬
‫السبيل إليه بالشرع و العادة و لقد حاول السلطان أبو يحيى‬
‫زكريا بن أحمممد اللحيمماني تاسممع أو عاشممر ملمموك الحفصمميين‬
‫بأفريقة الخروج عن عهدة الملك و اللحاق بمصر فممرارا مممن‬
‫طلممب صمماحب الثغممور الغربيممة لممما اسممتجمع لغممزو تممونس‬
‫فاستعمل اللحياني الرحلة إلى ثغر طرابلس يوري بتمهيده و‬
‫ركب السفين هممن هنالممك و خلممص إلممى السممكندرية بعممد أن‬
‫حمل جميع ما وجده ببيت المممال مممن الصممامت و الممذخيرة و‬
‫باع كل ما كان بخزائنهم من المتاع و العقار و الجمموهر حممتى‬
‫الكتب و احتمل ذلك كله إلى مصر و نزل على الملك الناصر‬
‫محمد بن قلون سنة سبع عشرة من المممائة الثامنممة فممأكرم‬
‫نزله و رفع مجلسة و لم يزل يستخلص ذخيرتمه شميئا فشميئا‬
‫بالتعريض إلى أن حصل عليها و لم يبق معاش ابن اللحيمماني‬
‫إل في جرابته الممتي فرضممت لممه إلممى أن هلممك سممنة ثمممان و‬
‫عشرين حسبما نذكره في أخباره فهممذا و أمثمماله مممن جملممة‬
‫الوسواس الذي يعتري أهل الدول لما يتوقعونه من ملمموكهم‬
‫من المعاطب و إنما يخلصون إن اتفق لهم الخلص بأنفسهم‬
‫و ما يتوهمونه من الحاجة فغلط و وهممم و الممذي حصممل لهممم‬
‫من الشهرة بخدمة الممدول كمماف فممي وجممدان المعمماش لهممم‬
‫بالجرايات السلطانية أو بالجاه في انتحال طرق الكسب من‬
‫التجارة و الفلحة و الدول أنساب لكن‪:‬‬
‫و إذا ترد إلى قليل تقنع‬ ‫النفس راغبة إذا رغبتها‬
‫و الله سبحانه هو الرزاق و هو الموفق بمنمه و فضمله و اللمه‬
‫أعلم‪.‬‬
‫الفصل الثاني و الربعون في أن نقص العطاء مممن‬
‫السلطان نقص في الجباية‬
‫و السبب في ذلك أن الدولة و السلطان هي السوق العظم‬
‫للعالم و منه مادة العمران فإذا احتجن السلطان الممموال أو‬
‫الجبايات أو فقدت فلم يصممرفها نممي مصممارفها قممل حينئذ ممما‬
‫بأيدي الحاشية و الحامية و انقطع أيضا ممما كممان يصممل منهممم‬
‫لحاشيتهم و ذويهم و قلت نفقاتهم جملة و هم معظم السواد‬
‫و نفقاتهم أكثر مممادة للسممواق ممممن سممواهم فيقممع الكسمماد‬
‫حينئذ فممي السممواق و تضممعف الربمماح فممي المتمماجر فيقممل‬
‫الخراج لذلك لن الخراج و الجباية إنما تكون مممن العتمممار و‬
‫المعاملت و نفاق السواق و طلب الناس للفوائد و الرباح و‬
‫وبال ذلك عائد على الدولممة بممالنقص لقلممة أممموال السمملطان‬
‫حينئذ بقلة الخراج فإن الدولة كما قلناه هي الشرق العظممم‬
‫أم السواق كلها و أصلها و مادتها في الممدخل و الخممرج فممإن‬
‫كسدت و قلت مصارفها فاجدر بممما بعممدها مممن السممواق أن‬
‫يلحقها مثل ذلك و أشد منه و أيضا فالمال إنما هو متردد بين‬
‫الرعيممة و السمملطان منهممم إليممه و منممه إليهممم فممإذا حبسممه‬
‫السلطان عنده فقدته الرعية سنة الله في عباده‪.‬‬

‫الفصممل الثممالث و الربعممون فممي أن الظلممم مممؤذن‬


‫بخراب العمران‬
‫اعلم أن العدوان على الناس في أموالهم ذاهب بآمالهم فممي‬
‫تحصيلها و اكتسابها لما يرونه حينئذ من أن غايتها و مصمميرها‬
‫انتهابهمما مممن أيممديهم و إذا ذهبممت آمممالهم فممي اكتسممابها و‬
‫تحصيلها انقبضت أيديهم عن السممعي فممي ذلممك و علممى قممدر‬
‫العتممداء و نسممبته يكممون انقبمماض الرعايمما عممن السممعي فممي‬
‫الكتساب فممإذا كممان العتممداء كممثيرا عاممما فممي جميممع أبممواب‬
‫المعاش كان القعود عن الكسب كذلك لذهابه بالمال جملممة‬
‫بممدخوله مممن جميممع أبوابهمما و إن كممان العتممداء يسمميرا كممان‬
‫النقباض عن الكسب على نسبته و العمران و وفوره و نفاق‬
‫أسواقه إنممما هممو بالعمممال و سممعي النمماس فممي المصممالح و‬
‫المكاسب ذاهبين و جائين فممإذا قعممد النمماس عممن المعمماش و‬
‫انقبضت أيممديهم فممي المكاسممب كسممدت أسممواق العمممران و‬
‫انتفضت الحوال و ابمذعر النماس فمي الفماق ممن غيمر تلمك‬
‫اليالة في طلب الرزق فيما خرج عن نطاقهمما فخممف سمماكن‬
‫القطر و خلت دياره و خرجت أمصاره و اختل بمماختلله حممال‬
‫الدولة و السمملطان لممما أنهمما صممورة للعمممران تفسممد بفسمماد‬
‫مادتها ضرورة و انظممر فممي ذلممك ممما حكمماه المسممعودي فممي‬
‫أخبار الفرس عن الموبذان صاحب الدين عندهم أيممام بهممرام‬
‫بن بهرام و ما عرض به للملك في إنكممار ممما كممان عليممه مممن‬
‫الظلم و الغفلة عن عائدته على الدولممة بضممرب المثممال فممي‬
‫ذلك على لسان البوم حين سمع الملك أصواتها و سأله عممن‬
‫فهم كلمها فقال له‪ :‬إن بوما ذكرا يروم نكاح بوم أنثى و إنها‬
‫شرطت عليه عشرين قرية من الخراب في أيام بهرام فقبل‬
‫شرطها‪ ،‬و قال لها‪ :‬إن دامت أيام الملك أقطعتك ألف قريممة‬
‫و هذا أسهل مرام‪ .‬فتنبه الملك من غفلته و خل بالموبممذان و‬
‫سأله عن مراده فقال له أيها الملك إن الملك ل يتم عممزه إل‬
‫بالشريعة و القيام لله بطاعته و التصرف تحت أمممره و نهيممه‬
‫و ل قوام للشريعة إل بالملك و ل عز للملك إل بالرجممال و ل‬
‫قوام للرجال إل بالمال و ل سبيل إلى المال إل بالعمارة و ل‬
‫سبيل للعمممارة إل بالعممدل و العممدل الميممزان المنصمموب بيممن‬
‫الخليقة نصبه الرب و جعل له قيما و هممو الملممك و أنممت أيهمما‬
‫الملك عمدت إلى الضياع فانتزعتها مممن أربابهمما و عمارهمما و‬
‫هممم أربمماب الخممراج و مممن تؤخممذ منهممم الممموال و أقطعتهمما‬
‫الحاشية و الخدم و أهل البطالة فتركوا العمارة و النظر فممي‬
‫العواقب و ما يصلح الضياع و سممومحوا فممي الخممراج لقربهممم‬
‫من الملك و وقع الحيف على من بقي مممن أربمماب الخممراج و‬
‫عمار الضياع فانجلوا عن ضياعهم و خلوا ديارهم و أووا إلممى‬
‫ما تعذر من الضياع فسكنوها فقلت العمارة و خربت الضياع‬
‫و قلت الموال و هلكت الجنممود و الرعيممة و طمممع فممي ملممك‬
‫فارس من جاورهم من الملوك لعلمهم بانقطاع المواد الممتي‬
‫ل تستقيم دعائم الملك إل بها‪ .‬فلما سممع الملمك ذلمك أقبمل‬
‫على النظر في ملكه و انتزعت الضياع مممن أيممدي الخاصممة و‬
‫ردت على أربابها و حملوا علممى رسممومهم السممالفة و أخممذوا‬
‫فممي العمممارة و قمموي مممن ضممعف منهممم فعمممرت الرض و‬
‫أخصبت البلد و كممثرت الممموال عنممد جبمماة الخممراج و قممويت‬
‫الجنود و قطعت مواد العداء و شحنت الثغور و أقبل الملممك‬
‫على مباشرة أممموره بنفسممه فحسممنت أيممامه و انتظممم ملكممه‬
‫فتفهممم مممن هممذه الحكايممة أن الظلممم مخممرب للعمممران و أن‬
‫عائدة الخراب في العمران على الدولة بالفساد و النتقمماض‪.‬‬
‫و ل تنظممر فممي ذلممك إلممى أن العتممداء قممد يوجممد بالمصممار‬
‫العظيمة من الدول التي بها و لم يقع فيها خراب و اعلممم أن‬
‫ذلك إنما جاء من قبل المناسبة بيممن العتممداء و أحمموال أهممل‬
‫المصممر فلممما كممان المصممر كممبيرا و عمرانممه كممثيرا و أحممواله‬
‫متسعة بما ل ينحصر كان وقوع النقص فيه بالعتداء و الظلم‬
‫يسيرا لن النقص إنما يقع بالتدريج فإذا خفي بكثرة الحمموال‬
‫و اتساع العمال في المصر لم يظهر أثره إل بعد حين و قممد‬
‫تذهب تلك الدولة المعتدية مممن أصمملها قبممل خممراب و تجيممء‬
‫الدولة الخرى فترفعه بجدتها و تجبر النقص الذي كممان خفيمما‬
‫فيه فل يكاد يشعر به إل أن ذلك فممي القممل النممادر و المممراد‬
‫من هذا أن حصول النقص في العمران عن الظلم و العدوان‬
‫أمر و اقع ل بد منه لما قدمناه و وباله عائد على الممدول‪ .‬و ل‬
‫تحسبن الظلم إنما هو أخذ المال أو الملك من يد مالكه مممن‬
‫غير عوض و ل سبب كما هو المشممهور بممل الظلممم أعممم مممن‬
‫ذلك و كل من أخذ ملمك أحمد أو غصمبه فمي عملمه أو طمالبه‬
‫بغير حق أو فرض عليه حقا لممم يفرضممه الشممرع فقممد ظلمممه‬
‫فجباة الموال بغير حقها ظلمممة و المعتممدون عليهمما ظلمممة و‬
‫المنتهبممون لهمما ظلمممة و المممانعون لحقمموق النمماس ظلمممة و‬
‫خصاب الملك على العممموم ظلمممة و وبممال ذلممك كلممه عممائد‬
‫على الدولة بخراب العمران الذي هو مادتهمما لذهممابه المممال‬
‫من أهله و اعلم أن هذه هي الحكمة المقصودة للشارع فممي‬
‫تحريم الظلم و هو ما ينشأ عنه من فساد العمران و خرابه و‬
‫ذلك مممؤذن بانقطمماع النمموع البشممري و هممي الحكمممة العامممة‬
‫المراعية للشرع في جميع مقاصده الضرورية الخمسممة مممن‬
‫حفظ الدين و النفس و العقل و النسممل و الممال‪ .‬فلممما كممان‬
‫الظلممم كممما رأيممت مؤذنمما بانقطمماع النمموع لممما أدى إليممه مممن‬
‫تخريب العمران‪ ،‬كممانت حكمممة الخطممر فيممه موجممودة‪ ،‬فكممان‬
‫تحريمه مهما‪ ،‬و أدلته من القرآن و السنة كثيرة‪ ،‬أكثر من أن‬
‫يأخذها قانون الضبط و الحصممر‪ .‬و لممو كممان كممل واحممد قممادرا‬
‫على الظلم لوضع بإزائه من العقوبات الزاجرة ما وضع بإزاء‬
‫غيره من المفسدات للنوع التي يقدر كل أحد علممى اقترافهمما‬
‫من الزنا و القتل و السكر إل أن الظلم ل يقدر عليممه إل مممن‬
‫يقدر عليه لنه إنما يقع من أهممل القممدرة و السمملطان فبولممغ‬
‫في ذممة و تكريمر الوعيمد فيمه عسمى أن يكمون الموازع فيمه‬
‫للقادر عليه ني نفسه و ما ربمك بظلم للعبيمد و ل تقمولن إن‬
‫العقوبة قد وضعت بإزاء الحرابة في الشرع و هي مممن ظلممم‬
‫القادر لن المحارب زمن حرابته قادر فإن في الجممواب عممن‬
‫ذلك طريقين‪ .‬أحدهما أن تقول العقوبة على ما يقممترفه مممن‬
‫الجنايات في نفس أموال على ما ذهب إليه كثير و ذلك إنممما‬
‫يكون بعد القدرة عليه و المطالبة بجنايته و أما نفس الحرابة‬
‫فهي خلو من العقوبة‪ .‬الطريق الثاني أن تقممول‪ :‬المحممارب ل‬
‫يوصف بالقدرة لنا إنما نعني بقدرة الظالم اليممد المبسمموطة‬
‫التي ل تعارضممها قممدرة فهممي المؤذنممة بممالخراب و أممما قممدرة‬
‫المحممارب فإنممما هممي إخافممة يجعلهمما ذريعممة لخممذ الممموال و‬
‫المدافعة عنها بيد الكل موجودة شرعا و سياسة فليست من‬
‫القدر المؤذن بالخراب و الله قادر على ما يشاء‪.‬‬
‫فصل‪ :‬و من أشد الظلمات و أعظمها فممي إفسمماد العمممران‬
‫تكليف العمال و تسخير الرعايا بغير حق و ذلك أن العمممال‬
‫من قبيل المتمولت كما سنبين في باب الرزق لن الممرزق و‬
‫الكسب إنما هو قيم أعمال أهل العمممران‪ .‬فممإذا مسمماعيهم و‬
‫أعمالهم كلها متمولت و مكاسممب لهممم بممل ل مكاسممب لهممم‬
‫سواها فإن الرعية المعتمليممن فممي العمممارة إنممما معاشممهم و‬
‫مكاسممبهم مممن اعتمممالهم ذلممك فممإذا كلفمموا العمممل فممي غيممر‬
‫شأنهم و اتخذوا سخريا في معاشهم بطل كسبهم و اغتصمبوا‬
‫قيمة عملهم ذلك و هو متمولهم فدخل عليهم الضرر و ذهب‬
‫لهم حظ كبير مممن معاشممهم بممل هممو معاشممهم بالجملممة و إن‬
‫تكرر ذلك عليهممم أفسممد آمممالهم فممي العمممارة و قعممدوا عممن‬
‫السعى فيها جملة فأدى ذلك إلى انتقاض العمممران و تخريبممه‬
‫و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬
‫الحتكار‪ :‬و أعظم من ذلك فممي الظلممم و إفسمماد العمممران و‬
‫الدولة التسمملط علممى أممموال النمماس بشممراء ممما بيممن أيممديهم‬
‫بأبخس الثمان ثم فرض البضائع عليهم بممأرفع الثمممان علممى‬
‫وجه الغصممب و الكممراه فممي الشممراء و الممبيع و ربممما تفممرض‬
‫عليهم تلك الثمان علممى التممواحي و التعجيممل فيتعللممون فممي‬
‫تلك الخسارة التي تلحقهم بما تحدثهم المطامع من جبر ذلك‬
‫بحوالة السواق في تلك البضائع التي فرضت عليهممم بممالغلء‬
‫إلى بيعها بأبخس الثمان‪ ،‬و تعود خسارة ممما بيممن الصممفقتين‬
‫على رؤوس أموالهم‪ .‬و قد يعم ذلك أصناف التجار المقيمين‬
‫بالمدينة و الواردين من الفاق في البضائع و سائر السوقة و‬
‫أهل الدكاكين في المآكل و الفواكه و أهل الصنائع فيما يتخذ‬
‫من اللت و المممواعين فتشمممل الخسممارة سممائر الصممناف و‬
‫الطبقات و تتوالى على الساعات و تجحف بممرؤوس الممموال‬
‫و ل يجممدون عنهمما وليجممة إل القعممود عممن السممواق لممذهاب‬
‫رؤوس الموال فمي جبرهما بالربماح و يتثاقمل المواردون ممن‬
‫الفاق لشراء البضائع و بيعها من أجل ذلك فتكسممد السممواق‬
‫و يبطل معمماق الرعايمما لن عممامته مممن الممبيع و الشممراء و إذا‬
‫كممانت السممواق عطل منهمما بطممل معاشممهم و تنقممص جبايممة‬
‫السلطان أو تفسد لن معظمها من أوسط الدولة و ما بعدها‬
‫إنما هو من المكوس على البياعات كما قدمناه و يؤول ذلممك‬
‫إلى تلشممى الدولممة و فسمماد عمممران المدينممة و يتطممرق هممذا‬
‫الخلل على التدريج و ل يشعر به‪ .‬هممذا ممما كممان بأمثممال هممذه‬
‫المذرائع و السمباب إلمى أخمذ المموال و أمما أخمذها مجانما و‬
‫العممدوان علممى النمماس فممي أممموالهم و حرمهممم و دمممائهم و‬
‫أسرارهم و أغراضهم فهو يفضي إلى الخلل و الفسمماد دفعممة‬
‫و تنتقض الدولة سريعا بما ينشأ عنه من الهرج المفضي إلى‬
‫النتقاض و من أجل هذه المفاسد حظر الشممرع ذلممك كلممه و‬
‫شرع المكايسة في البيع و الشراء و حظر أكل أموال الناس‬
‫بالباطل سدا لبواب المفاسد المفضية إلى انتقاض العمممران‬
‫بالهرج أو بطلن المعاش واعلم أن الداعي لذلك كله إنما هو‬
‫حاجة الدولة و السلطان إلى الكثممار مممن المممال بممما يعممرض‬
‫لهم من الترف في الحوال فتكثر نفقاتهم و يعظممم الخممرج و‬
‫ل يفي به الدخل على القوانين المعتممادة يسممتحدثون ألقابما ً و‬
‫وجوها ً يوسعون بها الجباية ليفممي لهممم الممدخل بممالخرج ثممم ل‬
‫يزال الترف يزيد و الخرج بسببه يكثر و الحاجممة إلممى أممموال‬
‫الناس تشتد و نطاق الدولة بذلك يزيد إلى أن تمحي دائرتهمما‬
‫ويذهب برسمها و يغلبها طالبها و الله أعلم‪.‬‬

‫الفصل الرابع و الربعون في أن الحجاب كيف يقع‬


‫في الدول و في أنه يعظم عند الهرم‬
‫اعلم أن الدولة في أول أمرها تكون بعيدة عن منازع الملممك‬
‫كما قدمناه لته لبد لها من العصممبية الممتي بهمما يتممم أمرهمما و‬
‫يحصل استيلؤها و البداوة هممي شممعار العصممبية و الدولممة إن‬
‫كان قيامهمما بالممدين فممإنه بعيممد عممن منممازع الملممك و إن كممان‬
‫قيامها بعز الغلب فقط فالبداوة التي بها يحصل الغلب بعيدة‬
‫أيضا عن منازع الملك و مذاهبه فممإذا كممانت الدولممة فممي أول‬
‫أمرها بدوية كممان صمماحبها علممى حممال الغضاضممة و البممداوة و‬
‫القرب من الناس و سهولة الذن فإذا رسخ عزه و صار إلممى‬
‫النفراد بنفسه عن النمماس للحممديث مممع أوليممائه فممي خممواص‬
‫شؤونه لما يكثر حينئذ بحاشيته فيطلب النفراد من العامة ما‬
‫استطاع و يتخذ الذن ببابه علممى مممن ل يممأمنه مممن أوليممائه و‬
‫أهل دولته و يتخممذ حاجبمما لممه عممن النمماس يقيمممه ببممابه لهممذه‬
‫الوظيفة ثم إذا اسممتفحل الملممك و جمماءت مممذاهبه و منممازعه‬
‫اسممتحالت أخلق صمماحب الدولممة إلممى أخلق الملممك و هممي‬
‫أخلق غريبممة مخصوصممة يحتمماج مباشممرها إلممى مممداراتها و‬
‫معاملتها بما يجب لها و ربما جهممل تلممك الخلق منهممم بعممض‬
‫من يباشرهم فوقع فيما ل يرضمميهم فسممخطوا و صمماروا إلممى‬
‫حالة النتقام منة فانفرد بمغرفممة هممذه الداب الخممواص مممن‬
‫أوليائهم و حجبوا غير أولئك الخاصة عن لقائهم في كل وقت‬
‫حفظا على أنفسهم من معاينة ما يسخطهم على الناس مممن‬
‫التعرض لعقا بهم فصار حجاب آخر أخص من الحجمماب الول‬
‫يفضي إليهم منه خواصممهم مممن الوليمماء و بحجممب دونممه مممن‬
‫سواهم من العامممة‪ .‬و الحجمماب الثمماني يفضممي إلمى مجممالس‬
‫الولياء و يحجب دونممه مممن سممواهم مممن العامممة‪ .‬و الحجمماب‬
‫الول يكون في أول الدولة كما ذكرنا كما حدث ليام معاويمة‬
‫و عبممد الملممك و خلفمماء بنممي أميممة و كممان القممائم علممى ذلممك‬
‫الحجاب يسمى عندهم الحاجب جريا عممل مممذهب الشممتقاق‬
‫الصحيح‪ .‬ثم لما جاءت دولة بني العباس وجممدت الدولممة مممن‬
‫الترف و العز ما هو معررف و كملمت خلمق الملمك علمى مما‬
‫يجب فيها فدعا ذلك إلى الحجاب الثاني و صار اسم الحاجب‬
‫أخص به و صار بباب الخلفاء داران للعباسممية‪ :‬دار الخاصممة و‬
‫دار العامة كما هو مسطور في أخبارهم‪ .‬ثم حدث في الدولة‬
‫حجاب ثالث أخص من الولين و هو عند محاولة الحجر علممى‬
‫صمماحب الدولممة و ذلممك أن أهممل الدولممة و خممواص الملممك إذ‬
‫نصبوا البناء من العقاب و حاولوا الستبداد عليهم فأول ممما‬
‫يبدأ به ذلممك المسممتبد أن يحجممب عنممة بطانممة ابنممه و خممواص‬
‫أوليائه يوهمه أن في مباشممرتهم إيمماه خممرق حجمماب الهيبممة و‬
‫فساد قانون الدب ليقطع بذلك لقاء الغيممر و يعمموده ملبسممة‬
‫أخلقه هو حتى ل يتبدل به سواه إلى أن يسممتحكم السممتيلء‬
‫عليه فيكون هذا الحجاب من دواعيممه و هممذا الحجمماب ل يقممع‬
‫في الغالب إل أواخر الدولة كما قدمناه فممي الحجممر و يكممون‬
‫دليل على هرم الدولة و نفمماد قوتهمما و هممو مممما يخشمماه أهممل‬
‫الدول على أنفسهم لن القائمين بالدولة يحاولون على ذلممك‬
‫بطبمماعهم عنممد هممرم الدولممة و ذهمماب السممتبداد مممن أعقمماب‬
‫ملوكهم لما ركب في النفوس من محبة السممتبداد بالملممك و‬
‫خصوصا مع الترشيح لذلك و حصول دواعيه و مباديه‪.‬‬
‫الفصل الخممامس و الربعممون فممي انقسممام الدولممة‬
‫الواحدة بدولتين‬
‫اعلم أن أول ما يقع من آثار الهممرم فممي الدولممة انقسممامها و‬
‫ذلك أن الملك عندما يسممتفحل و يبلممغ مممن أحمموال الممترف و‬
‫النعيم إلى غايتها و يستبد صاحب الدولة بالمجد و ينفرد به و‬
‫يأنف حينئذ عن المشاركة يصير إلى قطع أسبابها ما استطاع‬
‫بإهلك من استراب به من ذوي قرابتممه المرشممحين لمنصممبه‬
‫فربما ارتاب المساهمون له في ذلك بأنفسهم و نزعمموا إلممى‬
‫القاصية إليهممم مممن يلحممق بهممم مثممل حممالهم مممن العممتزاز و‬
‫السترابة و يكون نطاق الدولة قد أخذ فممي التضممايق و رجممع‬
‫عن القاصية فيستبد ذلك النازع مممن القرابممة فيهمما و ل يممزال‬
‫أمره يعظم بتراجع نطاق الدولة حتى يقاسم الدولة أو يكاد و‬
‫انظر ذلممك فممي الدولممة السمملمية العربيممة حيممن كممان أمرهمما‬
‫حريزا مجتمعا و نطاقا ممتدا في التساع و عصبية بنممي عبممد‬
‫مناف واحدة غالبة على سائر مضر ينبض عرق مممن الخلفممة‬
‫سائر أيامه إل ما كممان مممن بدعممة الخمموارج المسممتميتين فممي‬
‫شأن بدعتهم لم يكن ذلك لنزعة ملممك و ل رئاسممة و لممم يتممم‬
‫أمرهم لمزاحمتهم العصبية القوية ثم لما خرج المر من بني‬
‫أمية و استقل بنو العباس بالمر‪ .‬و كانت الدولة العربيممة قممد‬
‫بلغممت الغايممة مممن الغلممب و الممترف و آذنممت بممالتقلص عممن‬
‫القاصية نزع عبد الرحمن الداخل إلى الندلس قاصممية دولممة‬
‫السلم فاستحدث بها ملكمما و اقتطعهمما عممن دولتهممم و صممير‬
‫الدولة دولتين ثم نرع إدريس إلى المغرب و خمرج بمه و قمام‬
‫بأمره و أمر ابنه من بعده البرابرة من أوربة و مغيلة و زناتة‬
‫و اسممتولى علممى ناحيممة المغربيممن ثممم ازدادت الدولممة تقلصمما‬
‫فاضطرب الغالبة ني المتناع عليهم ثم خرج الشمميعة و قممام‬
‫بأمرهم كتامة و صنهاجة و استولوا على أفريقيممة و المغممرب‬
‫ثم مصر و الشام و الحجاز و غلبوا على الدارسممة و قسممموا‬
‫الدولة دولممتين أخرييممن و صممارت الدولممة العربيممة ثلث دول‪:‬‬
‫دولة بني العباس مركز العرب و أصلهم و مادتهم السلم‪ ،‬و‬
‫دولة بني أمية المجددين بالندلس ملكهم القممديم و خلفتهممم‬
‫بالمشممرق‪ ،‬و دولممة العبيممديين بأفريقيممة و مصممر و الشممام و‬
‫الحجاز و لم تزل هذه الدولة إلى أن أصبح انقراضها متقاربمما‬
‫أو جميعا و كذلك انقسمت دولة بني العبمماس بممدول أخممرى و‬
‫كممان بالقاصممية بنممو ساسممان فيممما وراء النهممر و خراسممان و‬
‫العلوية في الديلم و طبرستان و آل ذلك إلى استيلء الممديلم‬
‫على العراقيين و على بغممداد و الخلفمماء ثممم جمماء السمملجوقية‬
‫فملكوا جميع ذلك ثم انقسمت دولتهم أيضما بعمد السمتفحال‬
‫كممما هممو معممروف فممي أخبممارهم و كممذلك اعتممبره فممي دولممة‬
‫صنهاجة بالمغرب و أفريقية لما بلغت إلى غابتها أيام بمماديس‬
‫بن المنصور‪ ،‬خرج عليه عمه حممماد و اقتطممع ممالممك العممرب‬
‫لنفسه ما بيممن جبممل أوراس إلممى تلمسممان و ملويممة و اختممط‬
‫القلعة بجبل كتاممة حيمال المسمميلة و نزلهما و اسممتولى علممى‬
‫مركزهم أشير بجبممل تيطممرى و اسممتحدث ملكمما آخممر قسمميما‬
‫لملك آل باديس و بقى آل باديس بالقيروان و ما إليهمما و لممم‬
‫يممزل ذلممك إلممى أن انقممرض أمرهممما جميعمما‪ .‬و كممذلك دولممة‬
‫الموحممدين‪ ،‬لممما تقلممص ظلهمما ثممار بأفريقيممة بنممو أبممي حفممص‬
‫فاسممتقلوا بهمما و اسممتحدثوا ملكمما لعقممابهم بنواحيهمما ثممم لممما‬
‫استفحل أمرهم و استولى على الغايممة خممرج علممى الممالممك‬
‫الغربية من أعقابهم المير أبو زكريا يحيى ابن السلطان أبي‬
‫إسممحاق إبراهيممم رابممع خلفممائهم و اسممتحدث ملكمما بجبايممة و‬
‫قسنطينة و ما إليها‪ ،‬أورثه بنيه و قسموا بممه الدولممة قسمممين‬
‫ثم استولوا على كرسي الحضرة بتونس ثممم انقسممم ممما بيممن‬
‫أعقابهم ثم عاد الستيلء فيهم و قد ينتهي النقسام إلى أكثر‬
‫من دولتين و ثلث و في غير أعيماص الملمك ممن قمومه كمما‬
‫وقع في ملوك الطوائف بالندلس و ملوك العجممم بالمشممرق‬
‫و في ملك صنهاجة بأفريقية فقد كان لخر دولتهممم فممي كممل‬
‫حصن من حصون أفريقية ثائر مستقل بأمره كما تقدم ذكره‬
‫و كذا حال الجريد و الزاب من أفريقية قبيل هممذا العهممد كممما‬
‫نذكره و هكذا شأن كل دولة لبد و أن يعممرض فيهمما عمموارض‬
‫الهرم بالترف و الدعة و تقلص ظل الغلب فينقسم أعياصممها‬
‫أو من يغلب من رجال دولتها المر و يتعدد فيها الدول و الله‬
‫وارث الرض و من عليها‪.‬‬

‫الفصل السادس و الربعون في أن الهرم إذا نممزل‬


‫بالدولة ل يرتفع‬
‫قد قدمنا ذكر العوارض المؤذنة بالهرم و أسممبابه واحممدا بعممد‬
‫واحد و بينا أنها تحدث للدولة بالطبع و أنها كلها أمور طبيعيممة‬
‫لها و إذا كان الهممرم طبيعيمما فممي الدولممة كممان حممدوثه بمثابممة‬
‫حممدوث المممور الطبيعيممة كممما يحممدث الهممرم فممي المممزاج‬
‫الحيواني و الهرم من المراض المزمنة التي ل يمكن دواؤهمما‬
‫و ل ارتفاعها بما أنه طبيعي و المور الطبيعية ل تتبممدل و قممد‬
‫يتنبه كثير من أهل الدول ممن له يقظة في السياسممة فيممرى‬
‫ما نزل بدولتهم من عوارض الهرم و يظن أنه ممكن الرتفاع‬
‫فيأخذ نفسه بتلفي الدولة و إصلح مزاجها عن ذلك الهممرم و‬
‫يحسبه أنه لحقها بتقصير من قبله من أهل الدولممة و غفلتهممم‬
‫و ليس كذلك فإنها أمور طبيعية للدولة و العوائد هي المانعة‬
‫له من تلفيها و العوائد منزلة طبيعيمة أخمرى فمإن ممن أدرك‬
‫مثل أباه و أكثر أهل بيته يلبسون الحرير و الممديباج و يتحلممون‬
‫بالذهب في السلح و المراكب و يحتجبممون عممن النمماس فممي‬
‫المجالس و الصلوات فل يمكنه مخالفة سلفه في ذلممك إلممى‬
‫الخشونة في اللبمماس و الممزي و الختلط بالنمماس إذ العمموائد‬
‫حينئذ تمنعه و تقبح عليه مرتكبه و لو فعله لرمممي بممالجنون و‬
‫الوسواس ل في الخروج عممن العمموائد دفعممة‪ ،‬و خشممي عليممه‬
‫عائده ذلك و عاقبته في سمملطانه و انظممر شممأن النبيمماء فممي‬
‫إنكار العوائد و فخالفتها لول التأييد اللهي و النصر السممماوي‬
‫و ربما تكون العصممبية قممد ذهبممت فتكممون البهممة تعمموض عممن‬
‫موقعها من النفوس فإذا أزيلت تلك البهة مع ضعف العصبية‬
‫تجاسرت الرعايا علممى الدولممة بممذهاب أوهممام البهممة فتتممدرع‬
‫الدولة بتلك البهة ما أمكنها حتى ينقضيي المر و ربما يحدث‬
‫عند آخر الدولة قوة توهم أن الهرم قد ارتفع عنهمما و يممومض‬
‫ذبالها إيماضة الخمود كما يقع في الذبال المشتعل فإنه عنممد‬
‫مقاربممة انطفممائه يممومض إيماضممة تمموهم أنهمما اشممتعال و هممي‬
‫انطفاء فاعتبر ذلك و ل تغفل سر اللممه تعممالى و حكمتممه فممي‬
‫اطراد وجوده على ما قرر فيه و لكل أجل كتاب‪.‬‬

‫الفصل السابع و الربعون في كيفية طروق الخلل‬


‫للدولة‬
‫إعلممم أن مبنممى الملممك علممى أساسممين لبممد منهممما فممالول‬
‫الشوكة و العصبية و هو المعممبر عنممه بالجنممد و الثمماني المممال‬
‫الذي هو قوام أولك الجند و إقامة ما يحتاج إليممه الملممك مممن‬
‫الحمموال‪ .‬و الخلممل إذا طممرق الدولممة طرقهمما فممي هممذين‬
‫الساسين فلنذكر أول طروق الخلل في الشمموكة و العصممبية‬
‫ثم نرجع إلى طروقه في المال و الجبايممة‪ .‬و اعلممم أن تمهيممد‬
‫الدولة و تأسيسها كما قلناه إنما يكون بالعصبة و أنه لبد من‬
‫عصبية كبرى جامعممة للعصممائب مسممتتبعة لهمما و هممي عصممبية‬
‫صاحب الدولة الخاصة من عشيرة و قبيلة فإذا جاءت الدولة‬
‫طبيعة الملك من الترف و جدع أنوف أهل العصبية كممان أول‬
‫ما يجدع أنوف عشيرته و ذري قرباه القاسمين له فممي اسممم‬
‫الملك فيستبد في جدع أنوفهم بما بلغ من سوادهم لمكممانهم‬
‫من الملك و العز و الغلب فيحيط بهم هادمان و هممما الممترف‬
‫و القهر ثم يصير القهر آخرا إلى القتل لما يحصل من مممرض‬
‫قلوبهم عند رسوخ الملك لصاحب المر فيقلب غيرتممه منهممم‬
‫إلى الخوف علممى ملكممه فيأخممذهم بالقتممل و الهانممة و سمملب‬
‫النعمة و الترف الذي تعودوا الكثير منه فيهلكممون و يقلممون و‬
‫تفسد عصبيبة صاحب الدولممة منهممم و هممي العصممبية الكممبرى‬
‫التي كانت تجمع بها العصممائب و تسممتتبعها فتنحممل عروتهمما و‬
‫تضعف شكيمتها و تستبدل عنها بالبطانة من موالي النعمة و‬
‫صنائع الحسان و تتخذ منهم عصبة إل أنها ليسممت مثممل تلممك‬
‫الشدة الشممكيمية لفقممدان الرحممم و القرابممة منهمما و قممد كنمما‬
‫قدمنا أن شأن العصبية و قوتها إنما هي بالقرابة و الرحم لما‬
‫جعل اللممه فممي ذلممك فينفممرد صمماحب الدولممة عممن العشممير و‬
‫النصممار الطبيعيممة و يحممس بممذلك أهممل العصمماب الخممرى‬
‫فيتجاسمرون عليمه و علمى بطمانته تجاسمرا طبيعيما فيهلكهمم‬
‫صاحب الدولة و يتبعهم بالقتل واحد بعد واحممد و يقلممد الخممر‬
‫من أهل الدولة في ذلك‪ ،‬الول مع ما يكون قد نزل بهم مممن‬
‫مهلكة الترف الذي قدمنا فيسممتولي عليهممم الهلك بممالترف و‬
‫القتل حتى يخرجوا عن صبغة تلك العصبة و يفشوا بعزتهمما و‬
‫ثورتها و يصمميروا أوجممز علممى الحمايممة و يقلممون لممذلك فتقممل‬
‫الحماية التي تنزل بالطراف و الثغور فتتجاسر الرعايا علممى‬
‫بعض الدعوة في الطراف و يبادر الخوارج على الدولممة مممن‬
‫العياص و غيرهم إلى تلك الطممراف لممما يرجممون حينئذ مممن‬
‫حصول غرضهم بمبايعة أهل القاصية لهم و أمنهم من وصول‬
‫الحامية إليهم و ل يزال ذلك يتممدرج و نطمماق الدولممة يتضممايق‬
‫حتى تصير الخوارج في أقرب الممماكن إلممى مركممز الدولممة و‬
‫ربما انقسمت الدولممة عنممد ذلممك بممدولتين أو ثلث علممى قممدر‬
‫قوتها في الصل كما قلناه و يقوم بأمرها غير أهممل عصممبيتها‬
‫لكن إذعانا لهل عصبتها و لغلبهم المعهود و اعتممبر هممذا فممي‬
‫دولة العممرب فممي السمملم كيممف انتهممت أول إلممى النممدلس و‬
‫الهند و الصين و كان أمر بني أميممة نافممذا فممي جميممع العممرب‬
‫بعصبة بني عبد مناف حتى لقد أمر سليمان بممن عبممد الملممك‬
‫بدمشق بقتل عبد العزيز بن موسى بن نصير بقرطبممة فقتممل‬
‫و لم يرد أمره‪ .‬ثم تلشت عصبة بني أميممة بممما أصممابهم مممن‬
‫الترف فانقرضوا‪ .‬و جاء بنممو العبمماس فنضمموا مممن أعنممة بنممب‬
‫هاشممم و قتلمموا الطممالبين و شممردوهم فممانحلت عصممبية عبممد‬
‫مناف و تلشت و تجاسر العرب عليهمم فاسممتبد عليهمم أهممل‬
‫القاصية مثل بني الغلب بأفريقية و أهل الندلس و غيرهم و‬
‫انقسمت الدولة ثم خرج بنو إدريس بممالمغرب و قممام الممبربر‬
‫بأمرهم إذعانا للعصبية التي لهم و أمنا أن تصمملهم مقاتلممة أو‬
‫حامية للدولة‪ .‬فإذا خرج الدعاة آخرا فيتغلبون على الطراف‬
‫و القاصية و تحصل لهم هناك دعوة و ملك تنقسم به الدولممة‬
‫و ربما يزيد ذلك متى زادت الدولة تقلصا إلى أن ينتهممي إلممى‬
‫المركز و تضعف البطانة بعد ذلك بما أخذ منها الترف فتهلك‬
‫و تضمحل و تضعف الدولة المنقسمة كلها و ربما طال أمدها‬
‫بعد ذلك فتستغني عن العصبية بما حصل لها من الصبغة في‬
‫نفوس أهل إيالتها و هي صبغة النقياد و التسليم منذ السنين‬
‫الطويلة التي ل يعقل أحد من الجيال مبممدأها و ل أوليتهمما فل‬
‫يعقلون إل التسليم لصاحب الدولة فيستغني بذلك عممن قمموة‬
‫العصائب و يكفي صمماحبها بممما حصممل لهمما فممي تمهيممد أمرهمما‬
‫الجراء على الحامية من جنممدي و مرتممزق و يعضممد ذلممك ممما‬
‫وقع فممي النفمموس عامممة مممن التسممليم فل يكمماد أحممد يتصممور‬
‫عصيانا أو خروجا إل و الجمهور منكممرون عليممه مخممالفون لممه‬
‫فل يقدر على التصدي لذلك و لممو جهممد جهممده و ربممما كممانت‬
‫الدولممة فممي هممذا الحممال أسمملم مممن الخمموارج و المنازعممة‬
‫لسمتحكام صمبغة التسممليم و النقيمماد لهمم فل تكمماد النفمموس‬
‫تحدث سرها بمخالفة و ل يختلج فممي ضممميرها انحممراف عممن‬
‫الطاعة فيكون أسلم من الهرج و النتقاض الذي يحممدث مممن‬
‫العصمماب و العشممائر ثممم ل يممزال أمممر الدولممة كممذلك و هممي‬
‫تتلشى في ذاتها شأن الحممرارة الغريزيممة فممي البممدن العممادم‬
‫للغذاء إلى أن تنتهي إلى وقتها المقدور و لكل أجممل كتمماب و‬
‫لكل دولة أمد و الله يقدر الليل و النهار و هو الواحد القهممار‪.‬‬
‫و أما الخلل الذي يتطرق من جهممة المممال فمماعلم أن الدولممة‬
‫في أولها تكون بدوية كما مر فيكون خلممق الرفممق بالرعايمما و‬
‫القصد فممي النفقممات و التعفممف عممن الممموال فتتجممافى عممن‬
‫المعان في الجباية و التحذلق و الكيممس فممي جميممع الممموال‬
‫حسبان العمال و ل داعية حينئذ إلى السراف في النفقممة فل‬
‫تحتاج الدولة إلى كثرة المال ثم يحصل السممتيلء و يعظممم و‬
‫يستفحل الملممك فيممدعو إلممى الممترف و يكممثر النفمماق بسممببه‬
‫فتعظهم نفقممات السمملطان و أهممل الدولمة علممى العممموم بممل‬
‫يتعدى ذلك إلى أهل المصممر و يممدعو ذلممك إلممى الزيممادة فممي‬
‫أعطيات الجند و أرزاق أهل الدولة ثممم يعظممم الممترف فيكممثر‬
‫السراف في النفقات و ينتشر ذلممك فممي الرعيممة لن النمماس‬
‫على دين ملوكهما و عوائدهما و يحتماج السملطان إلمى ضمرب‬
‫المكوس على أثمان البياعات في السواق لدرار الجباية لما‬
‫يراه من ترف المدينة الشاهد عليهم بالرفه و لما يحتمماج هممو‬
‫إليه من نفقات سلطانه و أرزاق جنده ثم تزيد عوائد الممترف‬
‫فل تفممي بهمما المكمموس و تكممون الدولممة قممد اسممتفحلت فممي‬
‫الستطالة و القهر لمن تحت يدها من الرعايمما فتمتممد أيممديهم‬
‫إلى جمع المال من أموال الرعايا من مكس أو تجارة أو نقد‬
‫في بعض الحوال بشبهة أو بغيممر شممبهة و يكممون الجنممد فممي‬
‫ذلك الطور قد تجاسر على الدولة بممما لحقهمما مممن الفشممل و‬
‫الهرم في العصبية فتتوقع ذلك منهم و تداوى بسكينة العطايا‬
‫و كثرة النفاق فيهم و ل تجد عن ذلممك وليجممة و تكممون جبمماة‬
‫الموال في الدولة قد عظمت ثروتهم في هذا الطممور بكممثرة‬
‫الجباية و كونها بأيديهم و بما اتسع لذلك من جمماههم فيتمموجه‬
‫إليهم باحتجان الموال مممن الجبايممة و تفشممو السممعاية فيهممم‪،‬‬
‫بعضممهم مممن بعممض للمنافسممة و الحقممد فتعمهممم النكبممات و‬
‫المصادرات واحممدا واحممدا إلممى أن تممذهب ثروتهممم و تتلشممى‬
‫أحوالهم و يفقد ما كان للدولة من البهة و الجمال بهممم و إذا‬
‫اصممطلمت نعمتهممم تجمماوزتهم الدولممة إلممى أهممل الممثروة مممن‬
‫الرعايمما سممواهم و يكممون المموهن فممي هممذا الطممور قممد لحممق‬
‫الشوكة و ضعفت عن الستطالة و القهممر فتنصممرف سياسممة‬
‫صاحب الدولة حينئذ إلى مداراة المممور ببممذل المممال و يممراه‬
‫أرفع من السيف لقلة غنائه فتعظم حاجته إلى الموال زيادة‬
‫على النفقممات و أرزاق الجنممد و ل يغنممى فيممما يريممد و يعظممم‬
‫الهرم بالدولة و يتجاسر عليها أهممل النممواحي و الدولممة تنحممل‬
‫عراها في كل طممور مممن هممذه إلممى أن تفضممي إلممى الهلل و‬
‫تتعوض من الستيلء الكلل فإن قصممدها طممالب انتزعهمما مممن‬
‫أيدي القائمين بها و إل بقيت و هي تتلشى إلممى أن تضمممحل‬
‫كالذبال في السراج إذا فني زيته و طفئ و الله مالك المور‬
‫و مدبر الكوان ل إله إل هو‪.‬‬
‫الفصل الثامن و الربعين فصل في اتسمماع الدولممة‬
‫أول إلى نهايته ثم تضايقه طورا بعد طممور إلممى‬
‫فناء الدولة و اضمحللها‬
‫قد كان تقدم لنا في فصل الخلفة و الملك‪ ،‬و هو الثالث من‬
‫هذه المقدمة أن كل دولة لها حصة من الممالك و العمممالت‬
‫ل تزيد عليها‪ .‬و اعتبر ذلك بتوزيع عصابة الدولة علممى حمايممة‬
‫أقطارها و جهاتها‪ .‬فحيث نفد عددهم فممالطرف الممذي انتهممى‬
‫عنده هو الثغر‪ ،‬و يحيط بالدولة من سائر جهاتها كالنطمماق‪ .‬و‬
‫قد تكون النهاية هي نطاق الدولة الولى‪ .‬و قممد تكممون أوسممع‬
‫منه إذا كان عدد العصابة أوفر من الدولممة قبلهمما‪ .‬و هممذا كلممه‬
‫عندما تكون الدولة في شعار البداوة و خشونة البممأس‪ .‬فممإذا‬
‫اسممتفحل العممز و الغلممب و تمموفرت النعممم و الرزاق بممدرور‬
‫الجبايات‪ ،‬و زخممر بحممر الممترف و الحضممارة و نشممأت الجيممال‬
‫على اعتبار ذلك لطفت أخلق الحاميممة و رقممت حواشمميهم‪ ،‬و‬
‫عمماد مممن ذلممك إلممى نفوسممهم هينممات الجبممن و الكسممل‪ ،‬بممما‬
‫يعانونه من ضنث الحضارة المؤدي إلى النسمملخ مممن شممعار‬
‫البممأس و الرجوليممة بمفارقممة البممداوة و خشممونتها‪ ،‬و بأخممذهم‬
‫العز بالتطاول إلى الرياسة و التنازع عليها‪ ،‬فيفضي إلى قتل‬
‫بعضهم ببغض‪ ،‬و يحبكهم السلطان عن ذلممك بممما يممؤدي إلممى‬
‫قتل أكابرهم و إهلك رؤسائهم‪ ،‬فتفقممد المممراء و الكممبراء‪ ،‬و‬
‫تكثر التابع و المرؤوس‪ ،‬فيفل ذلك من حممد الدولممة‪ ،‬و يكسممر‬
‫من شوكتها‪ .‬و يقع الخلل الول في الدولممة و هممو الممذي مممن‬
‫جهة الجند و الحامية كما تقدم‪ .‬و يساوق ذلممك السممرف فممي‬
‫النفقات بما يعتريهم من أبهة العز‪ .‬و تجمماوز الحممدود بالبممذخ‪.‬‬
‫بالمناغمماة فممي المطمماعم و الملبممس و تشممييد القصممور و‬
‫استجادة السلح و ارتباط الخيول‪ ،‬فيقصر دخل الدولممة حينئذ‬
‫عن خرجها و يطرق الخلل‪.‬‬
‫الثاني في الدولممة و هممو الممذي مممن جهممة المممال و الجبايممة‪ .‬و‬
‫يحصممل العجممز و النتقمماض بوجممود الخلليممن‪ .‬و ربممما تنممافس‬
‫رؤسمماؤهم فتنممازعوا و عجممزوا عممن مغالبممة المجمماورين و‬
‫المنازعين و مدافعتهم‪ .‬و ربما اعتز أهممل الثغممور و الطممراف‬
‫بممما يحسممبون مممن ضممعف الدولممة وراءهممم‪ ،‬فيصمميرون إلممى‬
‫الستغلل و الستبداد بما في أيديهم مممن العمممالت‪ ،‬و يعجممز‬
‫صاحب الدولة عن حملهم على الجادة فيضيق نطمماق الدولممة‬
‫عن كانت انتهت إليه في أولها‪ ،‬و ترجممع العنايممة فممي تممدبيرها‬
‫بنطاق دونه‪ ،‬إلى أن يحدث في النطاق الثاني ممما حممدث فممي‬
‫الول بعينه من العجز و الكسل في العصابة و قلة الموال و‬
‫الجباية‪ .‬فيذهب القائم بالدولة إلى تغير القوانين الممتي كممانت‬
‫عليهمما سياسممة الدولممة مممن قبممل الجنممد و المممال و الوليممات‪،‬‬
‫ليجري حالها على استقامة بتكافؤ الدخل و الخرج و الحاميممة‬
‫و العمممالت و توزيممع الجبايممة علممى الرزاق‪ ،‬و مقايسممة ذلممك‬
‫بأول الدولة في سائر الحوال‪.‬‬
‫و المفاسد مع ذلك متوقعة من كممل جهممة‪ .‬فيحممدث فممي هممذا‬
‫الطور من بعد ما حدث في الول من قبممل‪ .‬و يعتممبر صمماحب‬
‫الدولممة ممما اعتممبره الول‪ ،‬و يقممايس بممالوزان الول أحوالهمما‬
‫الثانية‪ ،‬يروم دفع مفاسد الخلل الذي يتجدد فممي كممل طممور و‬
‫يأخذ من كل طرف حتى يضيق نطاقها الخر إلى نطاق دونه‬
‫كذلك‪ ،‬و يقع فيه ما وقممع فممي الول‪ .‬فكممل واحممد مممن هممؤلء‬
‫المغيريممن للقمموانين قبلهممم كممأنهم منشممئون دولممة أخممرى‪ ،‬و‬
‫مجددون ملكا‪ .‬حتى تنقرض الدولة‪ ،‬و تتطمماول المممم حولهمما‬
‫إلى التغلب عليها و إنشاء دولة أخرى لهم‪ ،‬فيقع من ذلك ممما‬
‫قدر الله وقوعه‪.‬‬
‫و اعتممبر ذلممك فممي الدولممة السمملمية كيممف اتسممع نطاقهمما‬
‫بالفتوحات و التغلب على المممم‪ ،‬ثممم تزايممد الحاميممة و تكمماثر‬
‫عددهم مما تخولوه من النعم و الرزاق‪ ،‬إلى أن انقرض أمممر‬
‫بنمي أميمة و غلممب بنمو العبماس‪ .‬ثممم تزايمد الممترف‪ .‬و نشمأت‬
‫الحضممارة و طممرق الخلممل‪ ،‬فضمماق النطمماق مممن النممدلس و‬
‫المغممرب بحممدوث الدولممة المويممة المروانيممة و العلويممة‪ ،‬و‬
‫اقتطعوا ذينك الثغرين عن نطاقها‪ ،‬إلى أن وقممع الخلف بيممن‬
‫بنى الرشيد‪ ،‬و ظهر دعاة العلوية ممن كمل جمانب‪ ،‬و تمهمدت‬
‫لهم دول‪ ،‬ثم قتل المتوكل‪ ،‬و استبد الحممرار علممى الخلفمماء و‬
‫حجروهم‪ ،‬و استقل الولة بالعملت في الطممراف‪ .‬و انقطممع‬
‫الخراج منها‪ ،‬و تزايمد المترف‪ .‬و جماء المعتضمد فغيمر قموانين‬
‫الدولة إلى قانون آخر من السياسة أقطع فيه ولة الطممراف‬
‫ما غلبمموا عليممه‪ ،‬مثممل بنممي سممامان وراء النهممر و بنممي طمماهر‬
‫العممراق و خراسممان‪ ،‬و بنممي الصممغار السممند وفممارس‪ ،‬و بنممي‬
‫طولون مصمر‪ ،‬و بنمي الغلمب أفريقيمة‪ ،‬إلمى أن افمترق أممر‬
‫العرب وغلب العجم‪ ،‬و استبد بنو بويه و الديلم بدولة السلم‬
‫و حجروا الخلفممة‪ ،‬و بقممي بنممو سممامان فممي اسممتبدادهم وراء‬
‫النهر و تطاول الفاطميون من المغممرب إلممى مصممر و الشممام‬
‫فملكوه‪ .‬ثم قامت الدولممة السمملجوقية مممن الممترك فاسممتولوا‬
‫على ممالك السلم و أبقمموا الخلفمماء فممي حجرهممم‪ ،‬إلممى أن‬
‫تلشت دولهم‪ .‬و استبد الخلفاء منذ عهممد الناصممر فممي نطمماق‬
‫أضيق من هالممة القمممر و هممو عممراق العممرب إلممى أصممبهان و‬
‫فارس و البحرين‪ .‬و أقامت الدولة كذلك بعممض الشمميء إلممى‬
‫أن انقرض أمر الخلفاء على يد هولكو بن طولي بن دوشممي‬
‫خان ملك التتر و المغل حيمن غلبموا السملجوقية و ملكموا مما‬
‫كان بأيديهم من ممالك السلم‪ .‬و هكممذا يتضممايق نطماق كممل‬
‫دولة على نسبة نطاقها الول‪ .‬و ل يزال طورا بعد طور إلممى‬
‫أن تنقرض الدولممة‪ .‬و اعتممبر ذلممك فممي كممل دولممة عظمممت أو‬
‫صغرت‪ .‬فهكذا سنة الله في الدول إلى أن يأتي ما قدر اللممه‬
‫من الغناء على خلقه‪ .‬و كل شيء هالك إل وجهه‪.‬‬

‫الفصممل التاسممع و الربعممون فممي حممدوث الدولممة و‬


‫تجددها كيف يقع‬
‫اعلم أن نشأة الدول و بممدائتها إذا أخممذت الدولممة المسممتقرة‬
‫في الهرم و النتقاص تكون على نوعين إما بممأن يسممتبد ولة‬
‫العمممال فممي الدولممة بالقاصممية عنممدما يتقلممص ظلهمما عنهممم‬
‫فيكون لكل واحد منهم دولة يستجدها لقومه و ما يستقر في‬
‫نصممابه يرثممه عنممه أبنمماؤه أو مممواليه و يسممتفحل لهممم الملممك‬
‫بالتدريج و ربما يزدحمون على ذلك الملك و يتقممارعون عليممه‬
‫و يتنازعون في الستئثار به و يغلب منهم من يكون له فضل‬
‫قوة على صاحبه و ينتزع ما في يده كما وقع فممي دولممة بنممي‬
‫العباس حين أخذت دولتهممم فممي الهممرم و تقلممص ظلهمما عممن‬
‫القاصية و استبد بنممو ساسممان بممما وراء النهممر و بنممو حمممدان‬
‫بالموصل و الشام و بنو طولئون بمصممر و كممما وقممع بالدولممة‬
‫الموية بالندلس و افترق ملكها فممي الطمموائف الممذين كممانوا‬
‫ولتهمما فممي العمممال و انقسمممت دول و ملوكمما أورثوهمما مممن‬
‫بعدهم من قرابتهم أو مواليهم و هذا النمموع ل يكممون بينهممم و‬
‫بين الدولة المستقرة حربا لنهم مستقرون في رئاستهم و ل‬
‫يطمعون في الستيلء على الدولة المسممتقرة بحممرب و إنممما‬
‫الدولة أدركها الهرم و تقلص ظلها عن القاصية و عجزت عن‬
‫الوصول إليها و النوع الثمماني بممأن يخممرج علممى الدولممة خممارج‬
‫ممن يجاورها من المم و القبممائل إممما بممدعوة يحمممل النمماس‬
‫عليها كما أشرنا إليه أو يكون صاحب شمموكة و عصممبية كممبيرا‬
‫في قومه قد استفحل أمممره فيسمممو بهممم إلممى الملممك و قممد‬
‫حدثوا به أنفسهم بما حصل لهممم مممن العممتزاز علممى الدولممة‬
‫المسممتقرة و ممما نممزل بهمما مممن الهممرم فيتعيممن لممه و لقممومه‬
‫الستيلء عليها و يمارسونها بالمطالبة إلى أن يظفممروا بهمما و‬
‫يزنون كما تبين و الله سبحانه و تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل الخمسممون فممي أن الدولممة المسممتجدة إنممما‬


‫تستولي علممى الدولممة المسممتقرة بالمطاولممة ل‬
‫بالمناجزة‬
‫قد ذكرنا أن الدول الحادثة المتجددة نوعممان نمموع مممن وليممة‬
‫الطراف إذا تقلص ظل الدولة عنهم و انحسر تيارها و هؤلء‬
‫ل يقممع منهممم مطالبممة للدولممة فممي الكممثر كممما قممدمناه لن‬
‫قصاراهم القنوع بما في أيممديهم و هممو نهايممة قمموتهم و النمموع‬
‫الثاني نوع الدعاة و الخوارج علمى الدولممة و همؤلء لبمد لهمم‬
‫من المطالبة لن قوتهم وافية بها فإن ذلممك إنممما يكممون فممي‬
‫نصاب يكون له من العصبية و العممتزاز ممما هممو كفمماء ذلممك و‬
‫واف به فيقع بينهم و بيممن الدولمة المسممتقرة حممروب سمجال‬
‫تتكور و تتصل إلى أن يقع لهم الستيلء و الظفر بممالمطلوب‬
‫و ل يحصل لهم في الغممالب ظفممر بالمنمماجزة و السممبب فممي‬
‫ذلممك أن الظفممر فممي الحممروب إنممما يقممع كممما قممدمناه بممأمور‬
‫نفسممانية وهميمة و إن كممان العممدد و السمملح و صمدق القتممال‬
‫كفيل به لكنه قاصر مع تلك المور الوهمية كممما مممر و لممذلك‬
‫كان الخداع من أرفع ما يستعمل في الحرب و أكممثر ممما يقممع‬
‫الظفر به و في الحديث الحممرب خدعممة و الدولممة المسممتقرة‬
‫قد صيرت العوائد المألوفة طاعتها ضرورية واجبة كما تقممدم‬
‫فممي غيممر موضممع فتكممثر بممذلك العمموائق لصمماحب الدولممة‬
‫المستجدة و يكثر من همم أتبمماعه و أهممل شمموكته و إن كممان‬
‫القربون من بطانته على بصيرة في طاعته و مؤازرته إل أن‬
‫الخرين أكثر و قد داخلهم الفشل بتلك العقائد فممي التسممليم‬
‫للدولة المستقرة فيحصل بعض الفتور منهم و ل يكاد صاحب‬
‫الدولة المستقرة يرجع إلممى الصممبر و المطاولممة حممتى يتضممح‬
‫هرم الدولة المستقرة فتضمحل عقائد التسليم لها من قومه‬
‫و تنبعث منهم الهمممم لصممدق المطالبممة معممه فيقممع الظفممر و‬
‫الستيلء و أيضا فالدولة المستقرة كثيرة الرزق بما استحكم‬
‫لهم من الملك و توسممع مممن النعيممم و اللممذات و اختصمموا بممه‬
‫دون غيرهم من أموال الجباية فيكثر عندهم ارتباط الخيول و‬
‫اسممتجادة السمملحة و تعظممم فيهممم البهممة الملكيممة و يفيممض‬
‫العطاء بينهم من ملوكهم اختيارا و اضطرارا فيرهبممون بممذلك‬
‫كله عدوهم و أهل الدولة المستجدة بمعزل عن ذلك لما هممم‬
‫فيممه ممن البمداوة و أحموال الفقممر و الخصاصمة فيسممبق إلمى‬
‫قلوبهم أوهام الرعب بما يبلغهم من أحوال الدولة المستقرة‬
‫و يحرمون عممن قتممالهم مممن أجممل ذلممك فيصممير أمرهممم إلممى‬
‫المطاولة حتى تأخذ المستقرة مآخذها من الهرم و يسممتحكم‬
‫الخلل فيها في العصبية و الجباية فينتهز حينئذ صاحب الدولة‬
‫المستجدة فرصته في الستيلء عليها بعد حين منذ المطالبممة‬
‫سنة الله في عبمماده و أيضمما فأهممل الدولممة المسممتجدة كلهممم‬
‫مباينون للدولة المستقرة بأنسابهم و عمموائدهم و فممي سممائر‬
‫مناحيهم ثم هم مفاخرون لهم و منابذون بممما وقممع مممن هممذه‬
‫المطالبة و بطمعهم في الستيلء عليه فتتمكن المباعدة بين‬
‫أهممل الممدولتين سممرا و جهممرا و ل يصممل إلممى أهممل الدولممة‬
‫المستجدة خبر عن أهل الدولة المستقرة يصيبون منممه غممرة‬
‫باطنا و ظاهرا لنقطاع المداخلة بين الدولتين فيقيمون علممى‬
‫المطالبة و هم في إحجام و ينكلون عن المناجزة حتى يممأذن‬
‫الله بزوال الدولة المستقرة و فناء عمرها و وفور الخلل في‬
‫جميع جهاتها و اتضممح لهممل الدولممة المسممنتجدة مممع ممما كممان‬
‫يخفى من هرمها و تلشيها و قد عظمت قوتهم بما اقتطعوه‬
‫من أعمالها و نقصوه من أطرافها فتنبعث هممهم يدا واحممدة‬
‫للمناجزة و يذهب ما كان بث في عزائمهم مممن التوهمممات و‬
‫تنتهي المطاولة إلى حدها و يقع السممتيلء آخممرا بالمعاجلممة و‬
‫اعتبر ذلك فمي دولمة بنمي العبماس حيمن ظهورهما حيمن قمام‬
‫الشمميعة بخراسممان بعممد انعقمماد الممدعوة و اجتممماعهم علممى‬
‫المطالبممة عشممر سممنين أو تزيممد و حينئذ تممم لهممم الظفممر و‬
‫استولوا على الدولة المويممة و كممذا العلويممة بطبرسممتان عنممد‬
‫ظهور دعوتهم في الديلم كيف كانت مطاولتهم حتى استولوا‬
‫على تلك الناحية ثم لما انقضمى أممر العلويمة و سمما المديلم‬
‫إلى ملك فارس و العراقيممن فمكثمموا سممنين كممثيرة يطمماولون‬
‫حتى اقتطعوا أصبهان ثم استولوا على الخليفة ببغداد‪ .‬و كممذا‬
‫العبيديون أقام داعيتهم بالمغرب أبو عبد اللممه الشمميعي ببنممي‬
‫كتامممة مممن قبممائل الممبربر عشممر سممينين و يزيممد تطمماول بنمي‬
‫الغلب بأفريقية حتى ظفر بهم و استولوا على المغرب كلممه‬
‫و سموا إلى ملممك مصممر فمكثمموا ثلثيممن سممنة أو نحوهمما فممي‬
‫طلبها يجهزون إلهمما العسمماكر و السمماطيل فممي كممل وقممت و‬
‫يجيممء المممدد لمممدافعتهم بممرا و بحممرا مممن بغممداد و الشممام و‬
‫ملكوا السكندرية و الفيوم و الصعيد و تخطممت دعمموتهم مممن‬
‫هنالك إلى الحجاز و أقيمت بالحرمين ثم نازل قائدهم جمموهر‬
‫الكاتب بعساكره مدينة مصر و استولى عليهمما و اقتلممع دولممة‬
‫بني طغج مممن أصممولها و اختممط القمماهرة فجمماء الخليفممة بعممد‬
‫المعز لدين الله فنزلها لستين سنة أو نحوهمما منممذ اسممتيلئهم‬
‫على السكندرية و كذا السلجوقية ملوك النزك لممما اسممتولوا‬
‫على بني ساسان و أجازوا مممن وراء النهممر مكثمموا نحمموا مممن‬
‫ثلثين سنة يطاولون بني سبكتكين بخراسممان حممتى اسممتولوا‬
‫على دولتممه‪ .‬ثممم زحفمموا إلممى بغممداد فاسممتولوا عليهمما و علممى‬
‫الخليفة بها بعد أيام من الدهر‪ .‬و كذا التتر من بعدهم خرجوا‬
‫من المفازة عام سبعة عشر و ستمائة فلم يتم لهم الستيلء‬
‫إل بعد أربعين سنة‪ .‬و كذا أهل المغرب خرج بممه المرابطممون‬
‫من لمتونة علممى ملمموكه مممن مغممراوة فطمماولوهم سممنين ثممم‬
‫استولوا عليممه‪ .‬ثممم خممرج الموحممدون بممدعوتهم علممى لمتونممة‬
‫فمكثوا نحوا من ثلثين سمنة يحماربونهم حمتى اسمتولوا علمى‬
‫كرسيهم بمراكش و كذا بنممو مريممن مممن زناتممة خرجمموا علممى‬
‫الموحدين فمكثوا يطاولونهم نحوا من ثلثين سنة و اسممتولوا‬
‫على فاس و اقتطعوها و أعمالها من ملوكهم ثم أقمماموا فممي‬
‫محاربتهم ثلثين أخرى حتى استولوا على كرسيهم بمراكممش‬
‫حسبما نذكر ذلك كلممه فممي تواريممخ هممذه الممدول فهكممذا حممال‬
‫الدول المستجدة مممع المسممتقرة فممي المطالبممة و المطاولممة‬
‫سنة الله في عباده و لن تجد لسنة اللممه تبممديل‪ .‬و ل يعممارض‬
‫ذلك بما وقع في الفتوحات السلمية و كيف كان اسممتيلؤهم‬
‫على فارس و الروم لثلث أو أربع من وفاة النبي صلى اللممه‬
‫عليه و سلم و اعلم أن ذلك إنما كان معجممزة مممن معجممزات‬
‫نبينا سرها اسممتماتة المسمملمين فممي جهمماد عممدوهم اسممتبعادا‬
‫باليمان و ممما أوقممع اللممه فممي قلمموب عممدوهم مممن الرعممب و‬
‫التخاذل فكان ذلك كله خارقا للعممادة المقممررة فممي مطاولممة‬
‫الدول المستجدة للمستقرة و إذا كان ذلممك خارقمما فهممو مممن‬
‫معجزات نبينا صلوات الله عليه المتعارف ظهورها في الملممة‬
‫السمملمية و المعجممزات ل يقمماس عليهمما المممور العاديممة و ل‬
‫يعترض بها و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬
‫الفصل الحادي و الخمسون في وفور العمران آخر‬
‫الدولممة و ممما يقممع فيهمما مممن كممثر الموتممان و‬
‫المجاعات‬
‫اعلم أنه قد تقرر لك فيما سمملف أن الدولممة فممي أول أمرهمما‬
‫لبد لها من الرفق في ملكتها و العتدال في إيالتهما إمما ممن‬
‫الدين إن كانت الممدعوة دينيممة أو مممن المكارهممة و المحاسممنة‬
‫الممتي تقتضمميها البممداوة الطبيعيممة للممدول و إذا كممانت الملكممة‬
‫رفيقة محسنة انبسطت آمال الرعايا و انتشممطوا للعمممران و‬
‫أسبابه فتوفر و يكثر التناسممل و إذا كممان ذلممك كلممه بالتدريممج‬
‫فإنما يظهر أثره بعد جيل أو جيلين في القممل و فممي انقضمماء‬
‫الجيلين تشرف الدولة علممى نهايممة عمرهمما الطممبيعي فيكممون‬
‫حينئذ العمران في غاية الوفور و النماء و ل تقولن إنه قد مر‬
‫لك أن أواخممر الدولممة يكممون فيهمما الجحمماف بالرعايمما و سمموء‬
‫الملكة فذلك صحيح و ل يعارض ما قلناه لن الجحمماف و إن‬
‫حدث حينئذ و قلت الجبايممات فإنممما يظهممر أثممره فممي تنمماقص‬
‫العمران بعد حين من أجل التدريج فممي المممور الطبيعيممة ثممم‬
‫إن المجاعات و الموتان تكثر عند ذلممك فممي أواخممر الممدول و‬
‫السبب فيه‪ :‬إما المجاعات فلقبض الناس أيممديهم عممن الفلممح‬
‫في الكثر بسبب ما يقع فممي آخممر الدولممة مممن العممدوان فممي‬
‫الموال و الجبايات أو الفتن الواقعممة فممي انتقمماص الرعايمما و‬
‫كثرة الخوارج لهرم الدولة فيقل احتكار الممزرع غالبمما و ليممس‬
‫صلح الزرع و ثمرته بمستمر الوجود و ل على وتيممرة واحممدة‬
‫فطبيعة العالم في كممثرة المطممار و قلتهمما مختلفممة و المطممر‬
‫يقوى و يضعف و يقل و يكثر و الزرع و الثمار و الضرع على‬
‫نسبته إل أن الناس واثقون في أقواتهم بالحتكممار فممإذا فقممد‬
‫الحتكار عظم توقع الناس للمجاعات فغل الزرع و عجز عنممه‬
‫أولو الخصاصة فهلكوا و كان بعض السنوات الحتكار مفقودا‬
‫فشمل الناس الجوع و أممما كممثرة الموتممان فلهما أسمباب ممن‬
‫كثرة المجاعمات كممما ذكرنمماه أو كممثرة الفتممن لختلل الدولممة‬
‫فيكثر الهرج و القتل أو وقوع الوباء و سببه في الغالب فساد‬
‫الهممواء بكممثرة العمممران لكممثرة ممما يخممالطه مممن العفممن و‬
‫الرطوبممات الفاسممدة و إذا فسممد الهممواء و هممو غممذاء الممروح‬
‫الحيواني و ملبسه دائما فيسممري الفسمماد إلممى مزاجممه فممإن‬
‫كان الفساد قويا وقع المرض في الرئة و هذه هي الطواعين‬
‫و أمراضها مخصوصة بالرئة و إن كان الفسمماد دون القمموي و‬
‫الكثير فيكثر العفن و يتضاعف فتكثر الحميات في المزجة و‬
‫تمممرض البممدان و تهلممك سممبب كممثرة العفممن و الرطوبممات‬
‫الفاسدة في هذا كله كثرة العمران و وفوره آخر الدولة لممما‬
‫كان في أوائلها من حسن الملكة و رفقها و قلة المغرم و هو‬
‫ظاهر و لهذا تبين في موضعه من الحكمة أن تخلممل الخلء و‬
‫القفر بين العمران ضروري ليكممون تمموج الهمواء يمذهب بمما‬
‫يحصل في الهواء من الفساد و العفن بمخالطة الحيوانممات و‬
‫يأتي بالهواء الصممحيح و لهممذا أيضما ً فممإن الموتممان يكممون فممي‬
‫المممدن الموفممورة العمممران أكممثر مممن غيرهمما بكممثير كمصممر‬
‫بالمشرق و فاس بالمغرب و الله يقدر ما يشاء‪.‬‬

‫الفصل الثاني والخمسون في أن العمران البشري‬


‫ل بد له من سياسة ينتظم بها أمره‬
‫اعلم أنه قد تقممدم لنمما فممي غيممر موضممع أن الجتممماع للبشممر‬
‫ضروري و هو معنى العمران الذي نتكلم فيه و أنه ل بد لهممم‬
‫في الجتماع من وازع حاكم يرجعون إليه و حكمه فيهم تارة‬
‫يكون مستندا ً إلى شرع منزل من عند اللممه يمموجب انقيممادهم‬
‫إليه إيمانهم بالثواب و العقمماب عليممه الممذي جمماء بممه مبلغممه و‬
‫تارة إلى سياسة عقلية يوجب انقيادهم إليها ما يتوقعونه من‬
‫ثواب ذلك الحاكم بعد معرفتممه بمصممالحهم‪ .‬فممالولى يحصممل‬
‫نفعها في الدنيا و الخرة لعلم الشارع بالمصالح فممي العاقبممة‬
‫و لمراعاته نجاة العباد في الخرة و الثانية إنما يحصل نفعهمما‬
‫في الدنيا فقط و ما تسمعه من السياسة المدنية فليس مممن‬
‫هذا الباب و إنما معناه عند الحكماء ما يجممب أن يكممون عليممه‬
‫كل واحد من أهممل ذلممك المجتمممع فممي نفسممه و خلقممه حممتى‬
‫يستغنوا عن الحكام رأسا ً و يسمممون المجتمممع الممذي يحصممل‬
‫فيممه ممما يسمممى مممن ذلممك بالمدينممة الفاضمملة‪ ،‬و القمموانين‬
‫المراعمماة فممي ذلممك بالسياسممة المدنيممة و ليممس مرادهممم‬
‫السياسة التي يحمل عليهمما أهممل الجتممماع بالمصممالح العامممة‬
‫فإن هذه غير تلك و هممذه المدينممة الفاضمملة عنممدهم نممادرة أو‬
‫بعيممدة الوقمموع و إنممما يتكلمممون علنهمما علممى جهممة الفممرض و‬
‫التقدير ثممم إن السياسممة العقليممة الممتي قممدمناها تكممون علممى‬
‫وجهين أحدهما يراعى فيها المصالح علممى العممموم و مصممالح‬
‫السلطان في استقامة ملكممه علممى الخصمموص و هممذه كممانت‬
‫سياسة الفرس و هي علممى جهممة الحكمممة‪ .‬و قممد أغنانمما اللممه‬
‫تعالى عنها في الملة و لعهممد الخلفممة لن الحكممام الشممرعية‬
‫مغنية عنها فمي المصممالح العامممة و الخاصمة و أحكمام الملمك‬
‫مندرجة فيها‪ .‬الوجه الثاني أن يراعى فيها مصلحة السمملطان‬
‫و كيف يسممتقيم لممه الملممك مممع القهممر و السممتطالة و تكممون‬
‫المصالح العامة في هذه تبع ما ً و هممذه السياسممة الممتي يحمممل‬
‫عليها أهل الجتماع التي لسائر الملوك في العالم من مسلم‬
‫و غيره إل أن ملوك المسلمين يجرون منها على ممما تقتضمميه‬
‫الشريعة السلمية بحسب جهدهم فقوانينها إذا مجتمعة مممن‬
‫أحكام شرعية و آداب خلقية و قوانين في الجتممماع طبيعيممة‪،‬‬
‫و أشياء من مراعاة الشمموكة و العصممبية ضممرورية و القتممداء‬
‫فيهمما بالشممرع أول ً ثممم الحكممماء فممي آدابهممم و الملمموك فممي‬
‫سيرهم و من أحسن ما كتب في ذلك و أودع كتابا ً طاهر بممن‬
‫الحسين لبنه عبد الله بن طمماهر لممما وله المممأمون الرقممة و‬
‫مصر و ما بينهما فكتب إليه أبوه طاهر كتممابه المشممهور عهممد‬
‫إليه فيه و وصاه بجميع ما يحتاج إليممه فممي دولتممه و سمملطانه‬
‫ممممن الداب الدينيمممة و الخلقيمممة و السياسمممة الشمممرعية و‬
‫الملوكية‪ ،‬و حثه على مكارم الخلق و محاسن الشيم بممما ل‬
‫يسممتغني عنممة ملممك و ل سمموقة‪ .‬و نممص الكتمماب بسممم اللممه‬
‫الرحمن الرحيم أما بعد فعليك بتقوى الله وحده ل شريك لممه‬
‫و خشمميته و مراقبتممه عممز و جممل و مزايلممة سممخطه و احفممظ‬
‫رعيتك في الليل و النهار و الزم ما ألبسك اللممه مممن العافيممة‬
‫بالذكر لمعادك و ما أنت صائر إليه و موقوف عليه و مسئول‬
‫عنه‪ ،‬و العمل في ذلممك كلممه بممما يعصمممك اللممه عممز و جممل و‬
‫ينجيك يوم القيامة من عقابه و أليم عذابه فإن اللممه سممبحانه‬
‫قد أحسن إليك و أوجب الرأفة عليك بمن اسممترعاك أمرهممم‬
‫مممن عبماده و ألزممك العمدل فيهممم و القيممام بحقمه و حمدوده‬
‫عليهممم و الممذب عنهممم و الممدفع عممن حريمهممم و منصممبهم و‬
‫الحقن لدمائهم و المممن لسممربهم و إدخممال الراحممة عليهممم و‬
‫مؤاخذك بما فممرض عليممك و موقفممك عليممه و سممائلك عنممه و‬
‫مثيبك عليه بما قدمت و أخرت ففرغ لذلك فهمك و عقلك و‬
‫بصممرك و ل يشممغلك عنممه شمماغل‪ ،‬و أنممه رأس أمممرك و ملك‬
‫شأنك و أول ما يوقعمك اللمه عليمه و ليكمن أول مما تلمزم بمه‬
‫نفسك و تنسب إليه فعلك المواظبة على ما فرض الله عز و‬
‫جل عليك ممن الصملوات الخممس و الجماعمة عليهما بالنماس‬
‫قبلك و توابعها على سننها ممن إسمباغ الوضموء لهمما و افتتمماح‬
‫ذكر اللممه عممز وجممل فيهمما و رتممل فممي قراءتممك و تمكممن فممي‬
‫ركوعك و سجودك و تشهدك و لتصرف فيممه رأيممك و نيتممك و‬
‫احضض عليه جماعة ممن معممك و تحممت يممدك و ادأب عليهمما‬
‫فإنها كما قال الله عز و جل تنهى عن الفحشاء و المنكر ثممم‬
‫اتبع ذلك بالخذ بسنن رسول الله صمملى اللممه عليممه وسمملم و‬
‫المثابرة على خلئقه و اقتفاء أثر السلف الصالح من بعده‪ ،‬و‬
‫إذا ورد عليك أمر فاستعن عليه باسممتخارة اللمه عممز و جممل و‬
‫تقواه و بلزوم ما أنزل الله عز و جل في كتممابه مممن أمممره و‬
‫نهيه و حلله و حرامه و ائتمام ما جاءت به الثار عن رسممول‬
‫الله صلى الله عليه و سلم ثم قم فيه بالحق لله عز وجممل و‬
‫ل تميلن عن العدل فيما أحببت أو كرهت لقريب مممن النمماس‬
‫أو لبعيد و آثر الفقه و أهله و الدين و حملته و كتاب الله عممز‬
‫و جل و العاملين به فإن أفضل ما يتزين به المرء الفقه فممي‬
‫الدين و الطلب له و الحث عليممه و المعرفممة بممما يتقممرب بممه‬
‫إلى الله عز و جل فإنه الدليل على الخير كله و القائد إليه و‬
‫المر و الناهي عن المعاصي و الموبقممات كلهمما و مممع توفيممق‬
‫اللممه عممز و جممل يممزداد المممرء معرفممة و إجلل ً لممه و دركمما ً‬
‫للدرجات العلى في المعاد مممع ممما فممي ظهمموره للنمماس مممن‬
‫التوقير لمرك و الهيبة لسلطانك و النسة بك و الثقة بعدلك‬
‫و عليك بالقتصاد في المور كلها فليس شيء أبين نفعمما ً و ل‬
‫أخص أمنا ً و ل أجمع فضل ً منه‪ .‬و القصد داعية إلى الرشممد و‬
‫الرشد دليل علممى التوفيممق و التوفيممق قممائد إلممى السممعادة و‬
‫قوام الدين و السنن الهادية بالقتصاد و كذا في دنياك كلهمما‪.‬‬
‫و ل تقصر في طلممب الخممرة و الجممر و العمممال الصممالحة و‬
‫السنن المعروفة و معالم الرشممد و العانممة و السممتكثار مممن‬
‫البر و السعي له إذا كان يطلب به وجه الله تعالى و مرضاته‬
‫و مرافقة أولياء الله في دار كرامته أما تعلم أن القصممد فممي‬
‫شأن الدنيا يورث العز و يمحص من الذنوب و أنك لن تحوط‬
‫نفسك من قائل و ل تنصلح أمورك بأفضل منممه فممأته و افتممد‬
‫به تتم أمممورك و تممزد مقممدرتك و تصمملح عامتممك و خاصممتك و‬
‫أحسن ظنك بالله عممز و جممل تسممتقيم لممك رعيتممك و التمممس‬
‫الوسيلة إليه فمي الممور كلهما تسمتدم بمه النعمممة عليممك و ل‬
‫تتهمن أحدا ً من الناس فيما توليه من عملك قبل أن تكشممف‬
‫أمره فإن إيقاع التهم بالبراء و الظنون السيئة بهم آثممم إثممم‪.‬‬
‫فاجعل من شأنك حسن الظن بأصحابك و اطممرد عنممك سمموء‬
‫الظن بهم‪ ،‬و ارفضممه فيهممم يعنممك ذلممك علممى اسممتطاعتهم و‬
‫رياضتهم‪ .‬و ل يجدن عدو اللممه الشمميطان فممي أمممرك مغمممزا ً‬
‫فإنه يكتفي بالقليل من وهنك و يدخل عليك من الغممم بسمموء‬
‫الظن بهم ما ينقص لذاذة عيشك‪ .‬و اعلممم أنممك تجممد بحسممن‬
‫الظن قوة و راحة‪ ،‬و تكتفي به ما أحببت كفايته مممن أمممورك‬
‫و تدعو به الناس إلى محبتك و الستقامة في المممور كلهمما و‬
‫ل يمنعك حسن الظن بأصحابك و الرأفة برعيتك أن تستعمل‬
‫المسألة و البحث عممن أمممورك و المباشممرة لمممور الوليمماء و‬
‫حياطة الرعية و النظر في حوائجهم و حمل مؤونمماتهم أيسممر‬
‫عنممدك ممما سموى ذلمك فمإنه أقموم للمدين و أحيما للسمنة‪ .‬و‬
‫أخلص نيتك في جميع هذا و تفممرد بتقممويم نفسممك تفممرد مممن‬
‫يعلم أنه مسئول عما صنع و مجزي بما أحسن و مؤاخممذ بممما‬
‫أساء فإن الله عز و جل جعل الدين حرزا ً و عممزا ً و رفممع مممن‬
‫اتبعه و عزره و اسمملك بمممن تسوسممه و ترعمماه نهممج الممدين و‬
‫طريقة الهدى‪ .‬و أقم حدود الله تعالى فممي أصممحاب الجممرائم‬
‫على قدر منازلهم و ما استحقوه و ل تعطل ذلك و ل تتهمماون‬
‫به و ل تؤخر عقوبة أهل العقوبة فإن في تفريطك فممي ذلممك‬
‫ما يفسد عليك حسن ظنممك و اعممتزم علممى أمممرك فممي ذلممك‬
‫بالسنن المعروفة و جانب البدع و الشبهات يسلم لك دينك و‬
‫تقم لك مرؤتك‪ .‬و إذا عاهممدت عهممدا ً فممأوف بممه و إذا وعممدت‬
‫خيرا ً فأنجزه و اقبل الحسنة و ادفع بها‪ ،‬و اغمممض عممن عيممب‬
‫كل ذي عيب من رعيتك‪ ،‬و اشدد لسانك عن قممول الكممذب و‬
‫الزور‪ ،‬و أبغممض أهممل النميمممة‪ ،‬فممإن أول فسمماد أمممورك فممي‬
‫عاجلها و آجلها‪ ،‬تقريب الكذوب‪ ،‬و الجراءة على الكذب‪ ،‬لن‬
‫الكذب رأس المآثم‪ ،‬و الزور و النميمة خاتمتهمما‪ ،‬لن النميمممة‬
‫ل يسلم صاحبها و قائلها‪ ،‬ل يسلم له صاحب و ل يستقيم لممه‬
‫أمر‪ .‬و أحبب أهل الصلح و الصدق‪ ،‬و أعز الشممراف بممالحق‪،‬‬
‫و آس الضعفاء‪ ،‬و صل الرحم‪ ،‬و ابتغ بذلك وجه الله تعممالى و‬
‫إعزاز أمره‪ ،‬و التمممس فيممه ثمموابه و الممدار الخممرة‪ .‬و اجتنممب‬
‫سوء الهواء و الجور‪ ،‬و اصرف عنهما رأيك و أظهممر براءتممك‬
‫من ذلك لرعيتك و أنعم بالعدل فممي سياسممتهم و قممم بممالحق‬
‫فيهم‪ ،‬و بالمعرفة التي تنتهي بك إلى سممبيل الهممدى‪ .‬و املممك‬
‫نفسك عند الغضب‪ ،‬و آثر الحلم و الوقار‪ ،‬و إيمماك و الحممدة و‬
‫الطيممش و الغممرور فيممما أنممت بسممبيله‪ .‬و إيمماك أن تقممول أنمما‬
‫مسلط أفعل ما أشاء فإن ذلك سريع إلى نقص الرأي و قلممة‬
‫اليقين بالله عز و جل و أخلص لله وحده النية فيممه و اليقيممن‬
‫به‪ .‬و اعلم أن الملك لله سبحانه و تعالى يممؤتيه مممن يشمماء و‬
‫ينزعه ممن يشاء‪ .‬و لن تجد تغير النعمة و حلول النقمة على‬
‫أحد أسرع منه إلى حملممة النعمممة مممن أصممحاب السمملطان و‬
‫المبسوط لهم فممي الدولممة إذا كفممروا نعممم اللممه و إحسممانه و‬
‫استطالوا بما أعطاهم الله عز و جل مممن فضممله‪ .‬و دع عنممك‬
‫شره نفسك و لتكن ذخائرك و كنوزك التي تدخر و تكنز الممبر‬
‫و التقمموى و استصمملح الرعيممة و عمممارة بلدهممم و التفقممد‬
‫لمورهم و الحفظ لممدمائهم و الغاثممة لملهمموفهم‪ .‬و اعلممم أن‬
‫الموال إذا اكتنزت و ادخرت في الخزائن ل تنمو و إذا كممانت‬
‫في صلج الرعية و إعطاء حقوقهم و كف الذية عنهممم نمممت‬
‫و زكت و صلحت بها العامة و ترتبت بها الوليممة و طمماب بهمما‬
‫الزمان و اعتقممد فيهمما العممز و المنفعممة‪ .‬فليكممن كنممز خزائنممك‬
‫تفريق الموال في عمارة السلم و أهلممه‪ .‬و وفممر منممه علممى‬
‫أوليمماء أميممر المممؤمنين قبلممك حقمموقهم و أوف مممن ذلممك‬
‫حصصهم و تعهد ما يصلح أمورهم و معاشهم فإنك إذا فعلت‬
‫ذلك قرت النعمة عليك و استوجبت المزيد من الله تعممالى و‬
‫كنت بذلك على جباية خراجك و جمع أموال رعيتمك و عملمك‬
‫أقدر و كان الجميع لما شملهم من عدلك و إحسانك أسمملس‬
‫لطاعتك و أطيب أنفسا ً بكل ممما أردت‪ .‬و أجهممد نفسممك فيممما‬
‫حددت لك في هذا الباب و ليعظم حقك فيه و إنما يبقى مممن‬
‫المال ما أنفق في سبيل اللممه و اعممرف للشمماكرين حقهممم و‬
‫أثبهم عليه و إياك أن تنسمميك الممدنيا و غرورهمما هممول الخممرة‬
‫فتتهمماون بممما يحممق عليممك فممإن التهمماون يممورث التفريممط و‬
‫التفريط يورث البمموار‪ .‬و ليكممن عملممك للممه عممز و جممل و ارج‬
‫الثواب فيه فإن الله سبحانه قد أسبغ عليك فضله‪ .‬و اعتصممم‬
‫بالشكر و عليه فاعتمد يزدك الله خيرا ً و إحسانا ً فإن الله عز‬
‫و جل يثيب بقدر شكر الشاكرين و إحسممان المحسممنين‪ .‬و ل‬
‫تحقرن ذنبا ً و ل تمالئن حاسدا ً و ل ترحمن فمماجرا ً و ل تصمملن‬
‫كفورا ً و ل تداهنن عدوا ً و ل تصدقن نماما ً و ل تأمنن غممدارا ً و‬
‫ل تمموالين فاسممقا ً و ل تتبعممن غاويمما ً و ل تحمممدن مرائيمما ً و ل‬
‫تحقرن إنسانا ً و ل تردن سائل ً فقيممرا ً و ل تحسممنن بمماطل ً و ل‬
‫تلحظممن مضممحكا ً و ل تخلفممن وعممدا ً و ل تزهممون فخممرا ً و ل‬
‫تظهرن غضبا ً و ل تباينن رجاًء و ل تمشين مرحا ً و ل تفرطممن‬
‫في طلب الخرة و ل ترفع للنمام عينا ً و ل تغمضن عن ظالم‬
‫رهبة منه أو محابمماةً و ل تطلبممن ثممواب الخممرة فممي الممدنيا‪ .‬و‬
‫أكثر مشاورة الفقهمماء و اسممتعمل نفسممك بممالحلم و خممذ عممن‬
‫أهل التجارب و ذوي العقممل و الممرأي و الحكمممة‪ .‬و ل تممدخلن‬
‫في مشورتك أهل الرفه و البخل و ل تسمعن لهم قممول ً فممإن‬
‫ضررهم أكممثر مممن نفعهممم و ليممس شمميء أسممرع فسممادا ً لممما‬
‫استقبلت فيه أمر رعيتممك مممن الشممح‪ .‬و اعلممم أنممك إذا كنممت‬
‫حريصا ً كنت كثير الخممذ قليممل العطيممة و إذا كنممت كممذلك لممم‬
‫يستقم لك أمرك إل قليل ً فإن رعيتك إنما تعقد علممى محبتممك‬
‫بالكف عن أموالهم و ترك الجور عليهم‪ .‬و ابتدئ من صممافاك‬
‫من أوليائك بالفصال عليهم و حسن العطيممة لهممم‪ .‬و اجتنممب‬
‫الشح و اعلم أنه أول ما عصى النسان به ربه و إن العاصممي‬
‫بمنزلة خزي و هو قول الله عز و جل و من يوق شممح نفسممه‬
‫فأولئك هم المفلحون فسممهل طريممق الجممود بممالحق و اجعممل‬
‫للمسلمين كلهم مممن فيئك‪ ،‬حظما ً و نصمميبا ً و أيقممن أن الجممود‬
‫أفضل أعمال العباد فأعممده لنفسممك خلق ما ً و ارض بممه عمل ً و‬
‫مذهبًا‪ .‬و تفقد الجنممد فممي دواوينهممم و مكممانتهم و أدر عليهممم‬
‫أرزاقهم و و وسع عليهم في معايشهم يذهب الله عممز و جممل‬
‫بذلك فاقتهم فيقوى لك أمرهم و تزيد قلوبهم في طاعتممك و‬
‫أمرك خلوصا ً و انشراحًا‪ .‬و حسب ذي السلطان من السعادة‬
‫أن يكون على جنده و رعيته ذا رحمة فممي عممدله و حيطتممه و‬
‫إنصافه و عنايته و شفقته و بره و توسعته فزايل مكروه أحد‬
‫البابين باستشعار فضيلة الباب الخر و لزوم العمممل بممه تلممق‬
‫إن شاء الله تعالى نجاحا ً و صلحا ً و فلحًا‪ .‬و اعلم أن القضاء‬
‫من الله تعالى بالمكان الذي ليممس فمموقه شمميء مممن المممور‬
‫لنه ميزان الله الذي تعدل عليه أحوال الناس فممي الرض‪ .‬و‬
‫بإقامة العدل فممي القضمماء و العمممل تصمملح أحمموال الرعيممة و‬
‫تأمن السبل و ينتصممف المظلمموم و تأخممذ النمماس حقمموقهم و‬
‫تحسن المعيشة و يؤدى حق الطاعة و يممرزق اللممه العافيممة و‬
‫السمملمة و يقيممم الممدين و يجممري السممنن و الشممرائع فممي‬
‫مجاريها‪ .‬و اشتد في أمر الله عز و جل و تورع عن النطف و‬
‫امض لقامممة الحممدود‪ .‬و أقممل العجلممة و ابعممد عممن الضممجر و‬
‫القلق و اقنع بالقسم و انتفع بتجربتمك و انتبمه فمي صممتك و‬
‫اسدد في منطقك و أنصف الخصم و قف عند الشبهة و أبلممغ‬
‫فممي الحجممة و ل يأخممذك فممي أحممد مممن رعيتممك محابمماة و ل‬
‫مجاملة و ل لومة لئم و تثبت و تأن و راقب و انظر و تنكر و‬
‫تدبر و اعتبر و تواضع لربمك و ارفمق بجميمع الرعيمة و سملط‬
‫الحق على نفسك و ل تسرعن إلى سفك دم فإن الدماء من‬
‫الله عز و جل بمكان عظيم انتهاكما ً لهمما بغيممر حقهمما‪ .‬و انظممر‬
‫هذا الخراج الذي استقامت عليه الرعية و جعله الله للسمملم‬
‫ة و لهله توسعة و منعة و لعدوه و عممدوهم كبت ما ً و‬ ‫عزا ً و رفع ً‬
‫غيظ ما ً و لهممل الكفرمممن معمماديهم ذل ً و صممغارا ً فمموزعه بيممن‬
‫أصحابه بالحق و العدل و التسوية و العموم و ل تدفعن شيئا ً‬
‫منه عن شريف لشرفه و ل عن غني لغناه و ل عن كاتب لك‬
‫و ل عن أحد من خاصتك و ل حاشيتك و ل تأخممذن منممه فمموق‬
‫الحتمال لممه‪ .‬و ل تكلممف أمممرا ً فيممه شممطط‪ .‬و احمممل النمماس‬
‫كلهم على أمر الحق فإن ذلك أجمع لنفسهم و ألزم لرضمماء‬
‫العامة‪ .‬و اعلم أنك جعلت بوليتك خازنما ً و حافظما ً و راعيما ً و‬
‫إنما سمي أهل عملك رعيتممك لنممك راعيهممم و قيمهممم‪ .‬فخممذ‬
‫منهم ممما أعطمموك مممن عفمموهم و نفممذه فممي قمموام أمرهممم و‬
‫صلحهم و تقممويم أودهممم‪ .‬و اسممتعمل عليهممم أولممي الممرأي و‬
‫التممدبير و التجربممة و الخممبرة بممالعلم و العمممل بالسياسممة و‬
‫العفاف‪ .‬و وسع عليهممم فممي الممرزق فممإن ذلممك مممن الحقمموق‬
‫اللزمة لك فيما تقلدت و أسند إليك فل يشغلك عنه شاغل و‬
‫ل يصرفك عنه صارف فإنك متى آثرته و قمت فيممه بممالواجب‬
‫استدعيت به زيادة النعمممة مممن ربممك و حسممن الحدوثممة فممي‬
‫عملك و اجتررت به المحبة من رعيتك و أعنت على الصمملح‬
‫فممدرت الخيممرات ببلممدك و فشممت العمممارة بناحيتممك و ظهممر‬
‫الخصب في كورك و كثر خراجك و توفرت أموالممك و قممويت‬
‫بذلك على ارتيمماض جنممدك و إرضمماء العامممة بإفاضممة العطمماء‬
‫فيهم من نفسك و كنت محمود السياسة مرضي العممدل فممي‬
‫ذلك عند عدوك و كنت في أمورك كلها ذا عدل و آلة و قمموة‬
‫و عدة‪ .‬فنافس في ذلك و ل تقممدم عليممه شمميئا ً تحمممد عاقبممة‬
‫أمرك إن شاء الله تعالى‪ .‬و اجعل في كل كممورة مممن عملممك‬
‫أمينا ً يخبرك أخبار عمالك و يكتب إليممك بسمميرهم و أعمممالهم‬
‫حتى كأنك مع كل عامل في عمله معاين لممموره كلهمما‪ .‬فممإن‬
‫أردت أن تأمرهم بأمر فانظر في عواقب ما أردت مممن ذلممك‬
‫فإن رأيت السلمة فيه و العافية و رجوت فيه حسممن الممدفاع‬
‫و الصنع فأمضه و إل فتوقف عنه و راجع أهل البصر و العلممم‬
‫به ثم خذ فيه عدته فإنه ربما نظر الرجل في أمره و قدره و‬
‫أتاه على ما يهوى فأغواه ذلك و أعجبممه فممإن لممم ينظممر فممي‬
‫عواقبه أهلكه و نقص عليه أمره‪ .‬فاستعمل الحممزم فممي كممل‬
‫ما أردت و باشره بعد عون الله عز و جل بالقوة‪ .‬و أكثر من‬
‫اسممتخارة ربممك فممي جميممع أمممورك‪ .‬و افممرغ مممن يومممك و ل‬
‫تممؤخره لغممدك و أكممثر مباشممرته بنفسممك فممإن للغممد أمممورا ً و‬
‫حوادث تلهيك عن عمل يومك الذي أخرت‪ .‬و اعلم أن اليمموم‬
‫إذا مضى ذهب بما فيه و إذا أخرت عمله اجتمع عليممك عمممل‬
‫يومين فيثقلك ذلك حتى تمرض منه‪ .‬و إذا مضمميت لكممل يمموم‬
‫عمله أرحت بدنك و نفسك و جمعممت أمممر سمملطانك و انظممر‬
‫أحرار الناس و ذوي الفضل منهم ممن بلوت صممفاء طممويتهم‬
‫و شهدت مودتهم لك و مظاهرتهم بالنصح و المحافظة علممى‬
‫أمرك فاستخلصممهم و أحسممن إليهممم و تعاهممد أهممل البيوتممات‬
‫ممن قمد دخلممت عليهممم الحاجمة و احتمممل ممؤونتهم و أصملح‬
‫حالهم حتى ل يجدوا لخلتهم مسا ً و أفممرد نفسممك للنظممر فممي‬
‫أمور الفقراء و المساكين و من ل يقممدر علممى رفممع مظلمتممه‬
‫إليك و المحتقر الذي ل علم له بطلب حقه فسل عنه أحفممى‬
‫مسألة و وكل بأمثاله أهل الصلح من رعيتممك و مرهمم برفمع‬
‫حوائجهم و حالتهم إليك لتنفر فيما يصمملح اللممه بممه أمرهممم و‬
‫تعاهد ذوي البأساء و أيتامهم و أراملهم و اجعممل لهممم أرزاق ما ً‬
‫من بيت المال اقتداء بأمير المؤمنين أعممزه اللممه تعممالى فممي‬
‫العطممف عليهممم و الصمملة لهممم ليصمملح اللممه بممذلك عيشممهم و‬
‫يرزقك به بركة و زيادة‪ .‬و أجر للضراء من بيت المال و قدم‬
‫حملة القممرآن منهممم و الحممافظين لكممثره فممي الجرايممة علممى‬
‫غيرهممم و انصممب لمرضممى المسمملمين دورا ً تممأويهم و قوام ما ً‬
‫يرفقون بهم و أطباء يعالجون أسقامهم و أسعفهم بشهواتهم‬
‫مالم يؤد ذلك إلى إسراف في بيت المال‪ .‬و اعلم أن النمماس‬
‫إذا أعطوا حقوقهم و أفضل أمانيهم لممم يرضمميهم ذلممك و لممم‬
‫تطب أنفسهم دون رفع حوائجهم إلى ولتهم طمعا ً فممي نيممل‬
‫الزيادة و فضل الرفمق منهمم‪ .‬و ربمما تمبرم المتصمفح لممور‬
‫الناس لكثرة ما يرد عليه و يشغل فكره و ذهنه فيها ما ينمماله‬
‫به من مؤونة و مشقة‪ .‬و ليس من يرغب في العدل و يعرف‬
‫محاسممن أممموره فممي العاجممل و فضممل ثممواب الجممل كالممذي‬
‫يستقبل ما يقرئه إلممى اللممه تعممالى و يلتمممس رحمتممه و أكممثر‬
‫الذن للناس عليك و أبرز لهم وجهك و سكن لهم حواسممك و‬
‫اخفممض لهممم جناحممك و أظهممر لهممم بشممرك و لممن لهممم فممي‬
‫المسألة و النطممق و اعطممف عليهممم بجممودك و فضمملك‪ .‬و إذا‬
‫أعطيت فأعط بسماحة و طيب نفممس و التممماس للصممنيعة و‬
‫الجر من غير تكدير و ل امتنان فإن العطية على ذلك تجممارة‬
‫مربحة إن شاء الله تعالى‪ .‬و اعتبر بما ترى من أمور الدنيا و‬
‫من مضى قبلك من أهمل السملطان و الرئاسمة فمي القمرون‬
‫الخالية و المم البائدة‪ .‬ثممم اعتصممم فممي أحوالممك كلهمما بممالله‬
‫سبحانه و تعالى و الوقوف عنممد محبتممه و العمممل بشممريعته و‬
‫سنته و بإقامة دينه و كتابه و اجتنب ما فارق ذلك و خممالفه و‬
‫دعا إلى سخط الله عز و جل و اعرف ما يجمع عمالممك مممن‬
‫الموال و ما ينفقون منها و ل تجمع حراما ً و ل تنفق إسرافًا‪.‬‬
‫و أكثر مجالسممة العلممماء و مشمماورتهم و مخممالطتهم و ليكممن‬
‫هواك اتباع السنن و إقامتها و إيثار مكممارم الخلق و معاليهمما‬
‫و ليكن أكرم دخلئك و خاصتك عليك مممن إذا رأى عيبمما فيممك‬
‫لم تمنعه هيبتك عن إنهاء ذلك إليك في سممرك و إعلنممك بممما‬
‫فيه من النقص فإن أولئك أنصح أوليائك و مظمماهرون لممك‪ .‬و‬
‫انظر عمالك الذين بحضرتك و كتابك فوقت لكل رجل منهممم‬
‫في كل يوم وقتما ً يممدخل فيممه عليممك بكتبممه و مممؤامراته و ممما‬
‫عنده من حوائج عمالك و أمور الدولة و رعيتك ثممم فممرغ لممما‬
‫يورد عليك من ذلك سمعك و بصرك و فهمك و عقلك و كرر‬
‫النظر فيه و التدبر له فما كان موافقا ً للحق و الحزم فأمضه‬
‫و استخر الله عز و جل فيه و ما كان مخالفا ً لممذلك فاصممرفه‬
‫إلى المسألة عنه و التثبممت منممه و ل تمنممن علممى رعيتممك و ل‬
‫غيرهم بمعروف تؤتيه إليهم‪ .‬و ل تقبل مممن أحممد إل الوفمماء و‬
‫السممتقامة و العممون فممي أمممور أميممر المسمملمين و ل تضممعن‬
‫المعروف إل على ذلك‪ .‬و تفهم كتابي إليك و انعم النظر فيه‬
‫و العمل به و استعن بالله على جميع أمورك و استخره فممإن‬
‫الله عز و جل مممع الصمملح و أهلممه و ليكممن أعظممم سمميرتك و‬
‫أفضل رغبتك ما كان لله عممز و جممل رضممى و لممدينه نظامما ً و‬
‫لهله عزا ً و تمكينا ً و للملة و الذمة عدل ً و صلحا ً و أنا أسممأل‬
‫الله أن يحسن عونك و توفيقك و رشدك و كلءتك و السلم‪.‬‬
‫و حدث الخبمماريون أن هممذا الكتمماب لممما ظهممر و شمماع أمممره‬
‫أعجب به الناس و اتصل بالمأمون فلما قممرئ عليممه قممال ممما‬
‫أبقى أبو الطيب يعني طاهرا ً شيئا ً من أمممور الممدنيا والممدين و‬
‫التدبير و الرأي و السياسة و صلح الملممك و الرعيممة و حفممظ‬
‫السلطان و طاعة الخلفاء و تقويم الخلفة إل و قد أحكمممه و‬
‫أوصى به ثم أمر المأمون فكتب بممه إلممى جميممع العمممال فممي‬
‫النواحي ليقتدوا به و يعملوا بما فيممه هممذا أحسممن ممما وقفممت‬
‫عليه في هذه السياسة و الله أعلم‪.‬‬

‫القسم الول من الفصل الثممالث و الخمسممون فممي‬


‫أمر الفاطمي و ما يذهب إليه الناس في شممأنه‬
‫و كشف الغطاء عن ذلك القسم الول‬
‫اعلم أن في المشهور بين الكافة من أهل السلم على ممر‬
‫العصار أنه ل بد في آخر الزمان من ظهممور رجممل مممن أهممل‬
‫الممبيت يؤيممد الممدين و يظهممر العممدل و يتبعممه المسمملمون و‬
‫يستولي على الممالك السلمية و يسمممى بالمهممدي و يكممون‬
‫خروج الدجال و ممما بعممده مممن أشممراط السمماعة الثابتممة فممي‬
‫الصممحيح علممى أثممره‪ .‬و أن عيسممى ينممزل مممن بعممده فيقتممل‬
‫الدجال أو ينزل معه فيساعده على قتله و يأتم بالمهدي فممي‬
‫صلته و يحتجون في الشممأن بأحمماديث خرجهمما المممة و تكلممم‬
‫فيهمما المنكممرون لممذلك و ربممما عارضمموها ببعممض الخبممار و‬
‫للمتصوفة المتأخرين في أمر هذا الفاطمي طريقممة أخممرى و‬
‫نوع من الستدلل و ربما يعتمممدون فمي ذلممك علممى الكشمف‬
‫المذي همو أصمل طرائقهمم‪ .‬و نحمن الن نمذكر هنما الحماديث‬
‫الواردة في هذا الشأن و ما للمنكرين فيهمما مممن المطمماعن و‬
‫ممما لهممم فممي إنكممارهم مممن المسممتند ثممم نتبعممه بممذكر كلم‬
‫المتصوفة و رأيهم ليتبين لك الصحيح من ذلممك إن شمماء اللممه‬
‫تعالى فنقول إن جماعة مممن المممة خرجمموا أحمماديث المهممدي‬
‫منهم الترمذي و أبممو داود و الممبزاز و ابممن ماجممة و الحمماكم و‬
‫الطبراني و أبو يعلى الموصلي و أسممندوها إلممى جماعممة مممن‬
‫الصحابة مثل علي و ابن عباس و ابممن عمممر و طلحممة و ابممن‬
‫مسعود و أبي هريرة و أنس و أبي سعيد الخدري و أم حبيبممة‬
‫و أم سلمة و ثوبان و قرة بممن إيمماس و علممي الهللممي و عبممد‬
‫الله بن الحارث بن جزء بأسانيد ربممما يعممرض لهمما المنكممرون‬
‫كما نذكره إل أن المعروف عند أهل الحديث أن الجرح مقدم‬
‫على التعديل فإذا وجدنا طعنا ً في بعض رجال السانيد بغفلة‬
‫أو بسوء حفظ أو ضعف أو سوء رأي تطرق ذلك إلممى صممحة‬
‫الحديث و أوهن منها و ل تقولن مثل ذلك ربممما يتطممرق إلممى‬
‫رجمال الصمحيحين فمإن الجمماع قمد اتصمل فمي الممة علمى‬
‫تلقيهممما بممالقول و العمممل بممما فيهممما و فممي الجممماع أعظممم‬
‫حماية و أحسن دفعا ً و ليممس غيممر الصممحيحين بمثابتهممما فممي‬
‫ذلك فقد تجد مجال ً للكلم فممي أسممانيدها بممما نقممل عممن أمممة‬
‫الحديث في ذلك‪.‬‬
‫و لقد توغل أبو بكر بن أبي خيثمة على ما نقل السهيلي عنه‬
‫في جمعه للحاديث الواردة في المهدي فقممال و مممن أغربهمما‬
‫إسنادا ً ما ذكره أبو بكر السكاف في فمموائد الخبممار مسممتندا ً‬
‫إلى مالك بن أنس عن محمد بن المنكدر عن جابر قال‪ :‬قال‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ :‬من كممذب بالمهممدي فقممد‬
‫كفممر و مممن كممذب بالممدجال فقممد كممذب و قممال فممي طلمموع‬
‫الشمس من مغربها مثممل ذلممك فيممما أحسممب و حسممبك هممذا‬
‫غلوًا‪ .‬و الله أعلم بصحة طريقه إلى مالك بن أنممس علممى أن‬
‫أبا بكر السكاف عندهم متهم وضاع‪.‬‬
‫و أممما الترمممذي فخممرج هممو و أبممو داود بسممند هممما إلممى ابممن‬
‫عباس‪ .‬من طريق عاصم بن أبي النجود أحد القممراء السممبعة‬
‫إلى زر بن حبيش عن عبد الله بن مسعود عممن النممبي صمملى‬
‫الله عليه و سلم‪ :‬لو لم يبممق مممن الممدنيا إل يمموم لطممول اللممه‬
‫ذلك اليوم حتى يبعث الله فيممه رجل ً منممي أو مممن أهممل بيممتي‬
‫يواطئ اسمه اسمي و اسم أبيممه اسممم أبممي‪ .‬هممذا لفممظ أبممي‬
‫داود و سممكت عليممه و قممال فممي رسممالته المشممهورة إن ممما‬
‫سكت عليه في كتابه فهممو صممالح و لفممظ الترمممذي ل تممذهب‬
‫الدنيا حتى يملك العرب رجل من أهل بيممتي يممواطىء اسمممه‬
‫اسمي و في لفظ آخر حتى يلي رجل من أهل بيتي و كلهما‬
‫حديثا ً حسن صحيح و رواه أيضا ً من طريق موقوفا ً على أبممي‬
‫هريرة و قال الحاكم رواه الثوري و شممعبة و زائدة و غيرهممم‬
‫من أئمة المسلمين عن عاصم قال‪ :‬و طممرق عاصممم عممن زر‬
‫عن عبد الله كلها صحيحة على ما أصلته من الحتجاج بأخبار‬
‫عاصم إذ هو إمام من أئمممة المسمملمين انتهممى إل أن عاصممما ً‬
‫قال فيه أحمد بن حنبل‪ :‬كان رجل ً صالحا ً قارئا ً للقممرآن خيممرا ً‬
‫ثقة و العمش أحفظ منه و كان شعبة يختار العمممش عليممه‬
‫في تثبيت الحديث و قال العجلي كان يختلف عليممه فممي زر و‬
‫أبي وائل يشير بذلك إلى ضعف روايته عنهممما و قممال محمممد‬
‫بن سعد كان ثقة إل أنه كثير الخطأ في حديثه و قال يعقمموب‬
‫بن سفيان في حديثه اضطراب و قال عبد الرحمممن بممن أبممي‬
‫حاتم قلت لبي أن أبا زرعممة يقممول عاصممم ثقممة فقممال ليممس‬
‫محله هذا و قممد تكلممم فيممه ابممن عليممة فقممال كممل مممن اسمممه‬
‫عاصممم سمميء الحفممظ و قممال أبممو حمماتم محلممه عنممدي محممل‬
‫الصدق صالح الحديث و لم يكن بذلك الحافظ و اختلممف فيممه‬
‫قول النسائي و قال ا بن حراش في حديثه نكرة و قممال أبممو‬
‫جعفر العقيلي لم يكن فيه إل سوء الحفظ و قال الدارقطني‬
‫في حفظه شيء و قال يحيى القطان ما وجممدت رجل ً اسمممه‬
‫عاصم إل وجدته سمميء الحفممظ و قممال أيضما ً سمممعت شممعبة‬
‫يقول حدثنا عاصم بن أبي النجود و في الناس ما فيها و قممال‬
‫الذهبي ثبت في القراءة و هو حسن الحديث‪ .‬و إن حتج أحممد‬
‫بأن الشيخين أخرجا له منقول أخرجا له مقرونا ً بغيره ل أصل ً‬
‫و الله أعلم‪.‬‬
‫و خرج أبو داود في الباب عن علي رضي الله عنه من رواية‬
‫قطن بن خليفة عن لقاسم بن أبي مرة عن أبي الطفيل عن‬
‫علي عن النبي صلى الله عليه و سلم قال‪ :‬لممو لممم يبممق مممن‬
‫الدهر إل يوم لبعث الله رجل ً من أهل بيتي يملهمما عممدل ً كممما‬
‫ملئت جورا ً و قطن بن خليفمة و إن وثقمه أحممد و يحيمى بمن‬
‫القطان و ابن معين و النسائي و غيرهم إل أن العجلي قممال‪:‬‬
‫حسن الحديث و فيه تشيع قليل و قال ابن معيممن مممرة‪ :‬ثقممة‬
‫شيعي‪ .‬و قال أحمد بن عبد اللممه بممن يممونس‪ :‬كنمما نمممر علممى‬
‫قطن و هو مطروح ل نكتب عنه‪ .‬و قال مرة‪ :‬كنت أمر بممه و‬
‫أدعه مثل الكلب‪ .‬و قال الدارقطني‪ :‬ل يحتج بممه‪ .‬و قممال أبممو‬
‫بكر بن عياش‪ :‬ما تركت الرواية عنه إل لسوء مذهبه‪ .‬و قممال‬
‫الجرجاني‪ :‬زائغ غير ثقة انتهى‪ .‬و خرج أبو داود أيض ما ً بسممنده‬
‫إلى علي رضي الله عنه عن مروان بن المغيرة عن عمر بن‬
‫أبي قيس عن شعيب بن أبي خالد عن أبي إسممحاق النسممفي‬
‫قال‪ :‬قال علي و نظر إلى ابنه الحسن إن ابني هذا سيد كما‬
‫سماه رسول الله صلى الله عليه و سلم‪ .‬سيخرج من صمملبه‬
‫رجل يسمى باسم نبيكم يشبهه فممي الخلممق و ل يشممبهه فممي‬
‫الخلق يمل الرض عممدل ً و قممال هممارون حممدثنا عمممر بممن أبممي‬
‫قيس عن مطرف بن طريف عن أبي الحسممن عممن هلل بممن‬
‫عمر سمعت عليا ً يقول‪ :‬قال النبي صلى اللممه عليممه و سمملم‪:‬‬
‫يخرج رجل من وراء النهممر يقممال لممه الحممارث علممى مقممدمته‬
‫رجل يقال له منصور يوطىء أو يمكن لل محمد كما مكنممت‬
‫قريش لرسول الله صلى الله عليه و سمملم وجممب علممى كممل‬
‫مؤمن نصره أو قال إجابته‪ .‬سكت أبو داود عليه‪ .‬و قممال فممي‬
‫موضممع آخممر فممي هممارون‪ :‬هممو مممن ولممد الشمميعة‪ .‬و قممال‬
‫السليماني‪ :‬فيه نظر‪ .‬و قال أبو داود في عمر بن أبي قيممس‪:‬‬
‫ل بأس في حديثه خطأ‪ .‬و قال الذهبي‪ :‬صدق له أوهام‪ .‬و أما‬
‫أبو إسحاق الشيعي و إن خرج عنه في الصحيحين فقممد ثبممت‬
‫أنه اختلط آخر عمره و روايته عممن علممي‪ ،‬منقطعممة‪ ،‬و كممذلك‬
‫رواية أبي داود عن هارون بن المغيممرة‪ .‬و أممما السممند الثمماني‬
‫فأبو الحسن فيه و هلل بن عمر مجهممولن و لممم يعممرف أبممو‬
‫الحسن إل من رواية مطرف بن طريف عنممه انتهممى‪ .‬و خممرج‬
‫أبو داود أيضا ً عن أم سلمة قالت سمعت في المستدرك من‬
‫طريق علي بن نفيل عن سعيد بممن المسمميب عممن أم سمملمة‬
‫قالت سمعت رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه و سمملم يقممول‪:‬‬
‫المهدي من ولد فاطمة و لفظ الحاكم‪ :‬سمعت رسممول اللممه‬
‫صلى الله عليه و سلم يذكر المهدي فقال‪ :‬نعم هو حق و هو‬
‫من بني فاطمة و لم يتكلممم عليممه بالصممحيح و ل غيممره و قممد‬
‫ضعفه أبو جعفر العقيلي و قال‪ :‬ل يتابع علي بن نفيل عليه و‬
‫ل عرف إل به‪ .‬و خرج أبو داود أيضا ً عن أم سلمة من روايممة‬
‫صالح أبي الخليل عن صاحب له عممن أم سمملمة قممال‪ :‬يكممون‬
‫اختلف عند موت خليفة فيخرج رجل من أهل المدينة هاربمما ً‬
‫إلى مكة فيأتيه نمماس مممن أهممل مكممة فيخرجممونه و هممو كمماره‬
‫فيبايعونه بين الركن و المقام فيبعممث إليممه بعممث مممن الشممام‬
‫فيخسف بهم بالبيداء بين مكة و المدينة فإذا رأى الناس ذلك‬
‫أتاه أبدال أهل الشام و عصممائب أهممل العممراق فيبممايعونه ثممم‬
‫ينشممأ رجممل مممن قريممش أخممواله كلممب فيبعممث إليهممم بعثمما ً‬
‫فيظهرون عليهم و ذلك بعث كلممب و الخيبممة لمممن لممم يشممهد‬
‫غنيمة كلب فيقسم المممال و يعمممل فممي النمماس بسممنة نممبيهم‬
‫صلى الله عليه و سلم و يلقي السمملم بجرانممه علممى الرض‬
‫فيلبث سبع سنين و قال بعضهم تسع سنين ثم رواه أبو داود‬
‫من رواية أبي الخليل عن عبد الله بن الحارث عن أم سمملمة‬
‫فتممبين بممذلك المبهممم فممي السممناد الول و رجمماله رجممال‬
‫الصحيحين ل مطعن فيهم و ل مغمز و قد يقال إنه من رواية‬
‫قتادة عن أبي الخليل و قتادة مدلس و قد عنعنه و المممدلس‬
‫ل يقبل من حديثه إل ما صرح فيه بالسممماع‪ .‬مممع أن الحممديث‬
‫ليس فيه تصريح بذكر المهدي نعم ذكره أبو داود فممي أبمموابه‬
‫و خرج أبو داود أيضا ً و تابعه الحاكم عن أبمي سمعيد الخمدري‬
‫قال‪ :‬قال رسول الله صلى الله عليه و سمملم‪ :‬المهممدي منممي‬
‫أجلى الجبهة اقنى النف يمل الرض قسطا ً و عدل ً كما ملئت‬
‫ظلما ً و جورا ً يملك سبع سنين هممذا لفممظ أبممي داود و سممكت‬
‫عليه و لفظ الحاكم‪ :‬المهدي منا أهل البيت أشم النف أقنى‬
‫أجلممى يمل الرض قسممطا ً و عممدل ً كممما ملئت جممورا ً و ظلم ما ً‬
‫يعيش هكذا و يبسط يساره و إصمبعين ممن يمينمه السمبابة و‬
‫البهام و عقممد ثلث قممال الحمماكم‪ :‬هممذا حممديث صممحيح علممى‬
‫شرط مسلم و لم يخرجاه‪ .‬و عمممران القطممان مختلممف فممي‬
‫الحتجاج يه إنما أخرج له البخاري استشممهادا ً ل أص مل ً و كممان‬
‫يحيى القطان ل يحممدث عنممه و قممال يحيممى بممن معيممن‪ :‬ليممس‬
‫بالقوي و قال مرة‪ :‬ليس بشيء‪ .‬و قال أحمد بن حنبل أرجممو‬
‫أن يكون صالح الحديث و قال يزيد بممن زريممع كممان حروريما ً و‬
‫كان يرى السيف على أهل القبلة و قممال النسممائي ضممعيف و‬
‫قال أبو عبيد الجري‪ :‬سألت أبا داود عنه‪ .‬فقال‪ :‬من أصحاب‬
‫الحسن و ما سمممعت إل خيممرًا‪ .‬و سمممعته مممرة أخممرى ذكممره‬
‫فقال‪ :‬ضعيف أفتى في إبراهيم بن عبد الله بن حسن بفتوى‬
‫شديدة فيها سممفك الممدماء‪ .‬و خممرج الترمممذي و ابممن ماجممة و‬
‫الحاكم عن أبي سعيد الخدري من طريق زيد العمي عن أبي‬
‫صديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬خشممينا أن يكممون‬
‫بعض شيء حدث فسألنا نبي اللممه صمملى اللممه عليممه و سمملم‬
‫فقال‪ :‬إن في أمتي المهدي يخرج و يعيش خمسا ً أو سبعا ً أو‬
‫تسعا ً زيد الشاك قممال قلنمما‪ :‬و ممما ذاك ؟ قمال سممنين ! قمال‪:‬‬
‫فيجيء إليه الرجل فيقول‪ :‬يا مهدي أعطني قممال‪ :‬فيحثممو لممه‬
‫في ثوبه ما اسممتطاع أن يحملممه لفممظ الترمممذي و قممال‪ :‬هممذا‬
‫حديث حسن و قد روى مممن غيممر وجممه عممن أبممي سممعيد عممن‬
‫النبي صلى الله عليممه و سمملم و لفممظ ابممن ماجممة و الحمماكم‪:‬‬
‫يكون في أمتي المهممدي إن قصممر فسممبع و إل فتسممع فتنعممم‬
‫أمتي فيه نعمة لم يسمعوا بمثلها قط تؤتى الرض أكلهمما و ل‬
‫يدخر منه شيء و المال يومئذ كدوس فيقوم الرجل فيقممول‪:‬‬
‫يا مهدي أعطني فيقول خذ‪ .‬انتهى‪ .‬و زيممد العمممي و إن قممال‬
‫فيه الدارقطني و أحمد بن حنبل و يحيى بن معين إنممه صممالح‬
‫و زاد أحمد إنه فوق يزيد الرقاش و فضل بن عيسممى إل أنممه‬
‫قال فيه أبو حاتم‪ :‬ضعيف يكتب حديثه و ل يحتممج بممه‪ .‬و قممال‬
‫يحيى بن معين في رواية أخرى‪ :‬ل شيء‪ .‬و قال مممرة يكتممب‬
‫حديثه و هو ضعيف‪ .‬و قممال الجرجمماني‪ :‬متماسممك و قممال أبممو‬
‫زرعة ليس بقوي واهي الحديث ضعيفا ً و قال أبو حاتم ليممس‬
‫بذاك و قد حدث عنه شعبة‪ .‬و قال النسممائي‪ :‬ضممعيف و قممال‬
‫ابن عدي‪ :‬عامة ما يرويه و من يروى عنهم ضممعفاء علممى أن‬
‫شعبة قد روى عنه و لعل شعبة لم يرو عن أضعف منه‪.‬‬
‫و قد يقال إن حديث الترمذي وقممع تفسمميرا ً لممما رواه مسمملم‬
‫في صحيحه من حديث جابر قال قال رسول الله صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم‪ :‬يكون في آخر أمتي‪ ،‬خليفة يحثو المال حثمموا ً ل‬
‫يعده عدا ً و من حديث أبي سعيد قممال‪ :‬مممن خلفممائكم خليفممة‬
‫يحثو المال حثوا ً و من طريق أخرى عنهممما قممال‪ :‬يكممون فممي‬
‫آخر الزمان خليفة يقسم المممال و ل يعممده انتهممى‪ .‬و أحمماديث‬
‫مسلم يقع فيها ذكر المهدي و ل دليل يقوم على أنممه المممراد‬
‫منها‪ .‬و رواة الحاكم أيضا ً من طريق عوف العرابي عن أبمي‬
‫الصديق الناجي عن أبي سعيد الخدري قال‪ :‬قال رسول الله‬
‫صلى اللممه عليممه و سمملم‪ :‬ل تقمموم السمماعة حممتى تمل الرض‬
‫جورا ً و ظلما ً و عدوانا ً ثم يخرج ممن أهمل بيمتي رجمل يملهما‬
‫قسطا ً و عدل ً كما ملئت ظلما ً و عدوانا ً و قممال فيممه الحمماكم‪:‬‬
‫هممذا صممحيح علممى شممرط الشمميخين و لممم يخرجمماه‪ .‬و رواه‬
‫الحاكم أيضا ً عن طريق سليمان بن عبيممد عممن أبممي الصممديق‬
‫الناجي عن أبي سعيد الخممدري عممن رسممول اللممه صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم قال‪ :‬يخرج في آخر أمممتي المهممدي يسممقيه اللممه‬
‫الغيث و تخرج الرض نباتهمما و يعطممي المممال صممحاحا ً و تكممثر‬
‫الماشية و تعظم المة يعيش سممبعا ً أو ثماني ما ً يعنممي حجج ما ً و‬
‫قال فيه حديث صحيح السناد و لم يخرجاه‪ .‬مممع أن سممليمان‬
‫بن عبيد لم يخرج له أحد من الستة لكن ذكره ابن حبان فممي‬
‫الثقات و لم يرد أن أحدا ً تكلم فيه ثم رواه الحاكم أيض ما ً مممن‬
‫طريق أسد بن موسى عن حماد بن سلمة عن مطر المموراق‬
‫و أبي هارون العبدي عن أبي الصديق الناجي عن أبي سممعيد‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال‪ :‬تمل الرض جورا ً‬
‫و ظلما ً فيخرج رجل من عترتي فيملممك سممبعا ً أو تسممعا ً فيمل‬
‫الرض عدل ً و قسطا ً كما ملئت جورا ً و ظلما ً و قممال الحمماكم‬
‫فيه‪ :‬هذا حديث صمحيح علمى شمرط مسملم لنمه أخمرج عمن‬
‫حماد بن سلمة و عن‬
‫شميخه مطمر الموراق‪ .‬و أمما شميخه الخمر و همو أبمو همارون‬
‫العبدي فلم يخرج له‪ .‬و هممو ضممعيف جممدا ً متهممم بالكممذب و ل‬
‫حاجة إلى بسط أقوال الئمة في تضعيفه‪ .‬و أممما الممراوي لممه‬
‫عن حماد بن سلمة فهو أسد بن موسى يلقب أسد السممنة و‬
‫إن قال البخاري‪ :‬مشهور الحديث و استشهد به في صحيحه‪.‬‬
‫و احتج به أبو داود و النسائي إل إنه قال مرة أخرى‪ :‬ثقممة لممو‬
‫لم يصنف كان خيرا ً له‪ .‬و قممال فيممه محمممد بممن حممزم‪ :‬منكممر‬
‫الحديث‪ .‬و رواه الطبراني في معجمه الوسط من رواية أبي‬
‫الواصل عبد الحميد بن واصل عن أبي الصممديق النمماجي عممن‬
‫الحسن بن يزيممد السممعدي أحممد بنممي بهذلممة عممن أبممي سممعيد‬
‫الخدري قال سمممعت رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه و سمملم‬
‫يقول‪ :‬يخرج رجل من أمتي يقول بسنتي ينزل الله عز و جل‬
‫له القطمر مممن السممماء و تخممرج الرض بركتهمما و تمل الرض‬
‫منه قسطا ً و عدل ً كما ملئت جورا ً و ظلمما ً يعمممل علممى هممذه‬
‫المة سبع سنين و ينزل على بيت المقدس و قال الطبراني‪:‬‬
‫فيه رواة جماعة عن أبي الصديق و لم يدخل أحد منهممم بينممه‬
‫و بين أبي سعيد أحدا ً إل أبا الواصممل فممإنه رواه عممن الحسممن‬
‫بن يزيد عن أبي سعيد انتهى‪ .‬و هذا الحسمن بممن يزيممد ذكممره‬
‫ابن أبي حاتم و لم يعرفممه بممأكثر مممما فممي هممذا السممناد مممن‬
‫روايته عن أبي سعيد و رواية أبي الصديق عنه و قال الذهبي‬
‫في الميزان‪ :‬إنه مجهول‪ .‬لكن ذكره ابن حبان فممي الثقممات و‬
‫أما أبو الواصل الذي رواه عن أبي الصديق فلم يخرج له أحد‬
‫من الستة‪ .‬و ذكره ابن حبان في الثقات في الطبقة الثانية و‬
‫قال فيه‪ :‬يروى عن أنس روى عنه شعبة و عتاب بممن بشممر و‬
‫خرج ابن ماجة في كتاب السنن عن عبد الله بن مسعود من‬
‫طريق يزيد بن أبي زياد عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله‬
‫قال بينما نحن عند رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه و سمملم إذ‬
‫أقبل فتية من بني هاشم فلما رآهم رسممول اللممه صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم ذرفت عيناه و تغيممر لممونه قممال فقلممت ممما نممزال‬
‫نرى في وجهك شيئا ً نكرهه فقال‪ :‬إنا أهل الممبيت اختممار اللممه‬
‫لنا الخرة على الممدنيا و إن أهمل بيممتي سمميلقون بعممدي بلء و‬
‫تشريدا ً و تطريدا ً حتى يمأتي قموم ممن قبممل المشمرق معهمم‬
‫رايات سود فيسألون الخبر فل يعطونه فيقمماتلون و ينصممرون‬
‫فيعطون ما سألوا فل يقبلونه حممتى يممدفعوها إلممى رجممل مممن‬
‫أهل بيتي فيملها قسطا ً كممما ملوهمما جممورا ً فمممن أدرك ذلممك‬
‫منكم فليأتهم و لو حبوا ً على الثلج انتهى‪.‬‬
‫و هذا الحديث يعرف عند المحدثين بحديث الرايممات‪ .‬و يزيممد‬
‫بن أبي زياد راويه قممال فيممه شممعبة‪ :‬كممان رفاعما ً يعنممي يرفممع‬
‫الحاديث التي ل تعرف مرفوعة‪ .‬و قال محمممد بممن الفضمميل‪:‬‬
‫مممن كبممار أئمممة الشمميعة‪ .‬و قممال أحمممد بممن حنبممل‪ :‬لممم يكممن‬
‫بالحافظ و قال مممرة‪ :‬حديثممة ليممس بممذلك‪ .‬و قممال يحيممى بممن‬
‫معين‪ :‬ضعيف‪ .‬و قال العجلي‪ :‬جممائز الحممديث‪ ،‬و كممان بممآخره‬
‫يلقن‪ .‬و قال أبو زرعة‪ :‬لين يكتب حديثه و ل يحتج به‪ .‬و قممال‬
‫أبو حاتم‪ :‬ليس بالقوي‪ .‬و قال الجرجاني‪ :‬سمعتهم يضممعفون‬
‫حديثه‪ .‬و قال أبو داود‪ :‬ل أعلم أحدا ً ترك حديثه و غيره أحممب‬
‫إلي منه‪ .‬و قال ابن عدي هو مممن شمميعة أهممل الكوفممة و مممع‬
‫ضعفه يكتب حديثه‪ .‬و روى له مسلم لكممن مقرون ما ً بغيممره‪ .‬و‬
‫بالجملة فالكثرون على ضعفه‪ .‬و قمد صمرح الئممة بتضمعيف‬
‫هذا الحديث الذي رواه عن إبراهيم عن علقمة عن عبد اللممه‬
‫و همو حمديث الرايمات‪ .‬و قمال وكيمع بمن الجمراح فيمه‪ :‬ليمس‬
‫بشيء‪ .‬و كذلك قال أحمد بن حنبل و قال أبو قدامة سمممعت‬
‫أبا أسامة يقول في حديث يزيد عن إبراهيم في الرايممات لممو‬
‫حلف عندي خمسممين يمينما ً أسممامة ممما صممدقته أهممذا مممذهب‬
‫إبراهيم ؟ أهذا مممذهب علقمممة ؟ أهممذا مممذهب عبممد اللممه ؟ و‬
‫أورد العقيلي هذا الحديث في الضعفاء و قممال الممذهبي ليممس‬
‫بصحيح‪ .‬و خرج ابن ماجة عن علي رضي الله عنه من روايممة‬
‫ياسين العجلي عن إبراهيم بن محمممد بممن الحنفيممة عممن أبيممه‬
‫عن جده قممال‪ :‬قممال رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه و سمملم‪:‬‬
‫المهدي منا أهل البيت يصلح الله به في ليلة‪.‬‬
‫و ياسين العجلي و إن قال فيه ابن معين ليس به بممأس فقممد‬
‫قال البخاري فيه نظر‪ .‬و هذه اللفظة من اصطلحه قوية في‬
‫التضعيف جدًا‪ .‬و أورد له ابن عدي في الكامل و الذهبي فممي‬
‫الميممزان هممذا الحممديث علممى وجممه السممتنكار لممه و قممال هممو‬
‫معروف به‪ .‬و خرج الطبراني في معجمه الوسط عممن علممي‬
‫رضي الله عنه إنه قال للنممبي صمملى اللممه عليممه و سمملم أمنمما‬
‫المهدي أم من غيرنا يا رسول الله ؟ فقال‪ :‬بل منا بنمما يختممم‬
‫الله كما بنا فتح و بنا يستنقذون من الشرك و بنا يؤلممف اللممه‬
‫قلوبهم بعد عداوة بينة كما بنا ألف بيممن قلمموبهم بعممد عممداوة‬
‫الشرك‪ .‬قال علممي أمؤمنممون أم كممافرون ؟‪ ،‬قممال‪ :‬مفتممون و‬
‫كافر انتهى‪ .‬و فيه عبد الله بن لهيعممة و هممو ضممعيف معممروف‬
‫الحال‪ .‬و فيه عمر بن جابر و الحضممرمي و هممو أضممعف منممه‪.‬‬
‫قال أحمد بن حنبل‪ :‬روي عن جابر مناكيز و بلغنممي أنممه كممان‬
‫يكذب و قال النسائي ليس بثقة و قال كان ابن لهيعة شمميخا ً‬
‫أحمق ضعيف العقل و كان يقول‪ :‬علي في السحاب‪ ،‬و كممان‬
‫يجلس معنا فيبصممر سممحابة فيقممول‪ ،‬هممذا علممي قممد مممر فممي‬
‫السحاب‪ ،‬و خرج الطبراني عن علي رضممي اللممه تعممالى عنممه‬
‫أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قممال‪ :‬يكممون فممي آخممر‬
‫الزمممان فتنممة يحصممل النمماس فيهمما كممما يحصممل الممذهب فممي‬
‫المعدن فل تسبوا أهممل الشممام و لكممن سممبوا أشممرارهم فممإن‬
‫فيهم البدال يوشك أن يرسل علممى أهممل الشممام صمميب مممن‬
‫السماء فيفرق جممماعتهم حممتى لممو قمماتلتهم الثعممالب غلبتهممم‬
‫فعند ذلك يخرج خارج من أهل بيتي في ثلث رايممات المكممثر‬
‫يقول بهم خمسة عشر ألفا ً و المقل يقول بهم اثنا عشر ألفا ً‬
‫و أمارتهم امت امت يلقون سبع رايات تحمت كممل رايممة منهمما‬
‫رجممل يطلممب الملممك فيقتلهممم اللممه جميع ما ً و يممرد اللممه إلممى‬
‫المسلمين إلفتهم و نعمتهم و قاصيتهم و رأيهم‪.‬‬
‫و فيه عبد الله بن لهيعة و هو ضعيف معممروف الحممال و رواه‬
‫الحاكم في المستدرك و قممال صممحيح السممناد و لممم يخرجمماه‬
‫في روايته ثم يظهر الهاشمي فيرد اللممه النمماس إلممى إلفتهممم‬
‫الخ و ليس في طريقه ابن لهيعة و هو إسناد صحيح كما ذكر‪.‬‬
‫و خرج الحاكم في المستدرك عن علي رضي اللممه عنممه مممن‬
‫رواية أبي الطفيل عن محمد بن الحنفية قال‪ :‬كنا عنممد علممي‬
‫رضي الله عنه فسأله رجل عن المهدي فقال له‪ :‬هيهات ثممم‬
‫عقد بيده سبعا ً فقال ذلممك يخممرج فممي آخممر الزمممان إذا قممال‬
‫الرجل اللممه اللممه قتممل و يجمممع اللممه لممه قوم ما ً قزع مًا‪ ،‬كقممزع‬
‫السحاب يؤلف الله بين قلوبهم فل يستوحشون إلى أحد و ل‬
‫يفرحون بأحممد دخممل فيهممم عممدتهم علممى عممدة أهممل بممدر لممم‬
‫يسبقهم الولون و ل يدركهم الخممرون و علممى عممدد أصممحاب‬
‫طالوت الذين جاوزوا معه النهر‪ .‬قال أبممو الطفيممل قممال ابممن‬
‫الحنفية‪ :‬أتريده ؟ قلت‪ :‬نعم‪ .‬قال‪ :‬فإنه يخرج من بين هممذين‬
‫الخشبين قلت ل جرم و الله و ل أدعها حتى أممموت‪ .‬و مممات‬
‫بها يعني مكة قال الحمماكم‪ :‬هممذا حممديث صممحيح علممى شممرط‬
‫الشيخين‪.‬‬
‫و إنما هو على شرط مسلم فقط فإن فيه عمممارا ً الممذهبي و‬
‫يونس بن أبي إسحاق و لم يخرج لهما البخاري و فيممه عمممرو‬
‫بممن محمممد العبقممري و لممم يخممرج لممه البخمماري احتجاج ما ً بممل‬
‫استشهادا ً مع ما ينضم إلى ذلك من تشيع عمار الذهبي و هو‬
‫و إن وثقه أحمد و ابن معين و أبممو حمماتم النسممائي و غيرهممم‬
‫فقد قال علي بن المممدني عممن سممفيان أن بشممر بممن مممروان‬
‫قطع عرقوبيه قلت في أي شيء ؟ قال‪ :‬في التشيع‪ .‬و خرج‬
‫ابن ماجة عن أنس بن مالك رضي الله عنه في روايممة سممعد‬
‫بن عبد الحميد بممن جعفممر عممن علممي بممن زيمماد اليمممامي عممن‬
‫عكرمة بن عمار عن إسممحاق بممن عبممد اللممه عممن أنممس قممال‬
‫سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقممول‪ :‬نحممن ولممد‬
‫عبد المطلب سادات أهل الجنة أنا و حمزة و علي و جعفر و‬
‫الحسن و الحسين و المهدي‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫و عكرمة بممن عمممار و إن أخممرج لممه مسمملم فإنممما أخممرج لممه‬
‫متابعة‪ .‬و قد ضممعفه بعممض و وثقممه آخممرون و قمال أبممو حمماتم‬
‫الرازي‪ :‬هو مدلس فل يقبل إلى أن يصرح بالسماع علي بممن‬
‫زياد‪ .‬قال المذهبي فمي الميمزان‪ :‬ل نمدري ممن همو‪ ،‬ثمم قمال‬
‫الصواب فيه‪ :‬عبد الله بن زياد و سعد بممن عبممد الحميممد و إن‬
‫وثقه يعقوب بن أبي شيبة و قال فيه يحيى بن معين ليس به‬
‫بأس فقد تكلم فيه الثوري قالوا لنه رآه يفتي في مسممائل و‬
‫يخطئ فيها‪ .‬و قال ابن حبان‪ :‬كممان ممممن فحممش عطمماؤه فل‬
‫يحتج فيه‪ .‬و قال أحمد بن حنبل‪ :‬سعيد بن عبد الحميد يدعي‬
‫أنه سمع عرض كتب مالك و الناس ينكرون عليه ذلممك و هممو‬
‫ههنا ببغداد لم يحتج فكيف سمعها ؟ و جعله الذهبي ممن لم‬
‫يقدح فيه كلم من تكلم فيمه و خمرج الحماكم فمي مسمتدركه‬
‫من رواية مجاهد عن ابن عبمماس موقوفما ً عليممه قممال مجاهممد‬
‫قال لي ابن عباس‪ :‬لو لممم أسمممع أنممك مثممل أهممل الممبيت ممما‬
‫حدثتك بهممذا الحممديث قممال فقممال مجاهممد‪ :‬فممإنه فممي سممتر ل‬
‫أذكره لمن يكره قال فقال ابن عباس‪ :‬منا أهل البيت أربعممة‬
‫منا السفاح و منا المنذر و منا المنصممور و منمما المهممدي قممال‬
‫فقال مجاهد‪ :‬بين لي هؤلء الربعممة‪ .‬فقممال ابممن عبمماس‪ :‬أممما‬
‫السفاح فربما قتل أنصاره و عفمما عممن عممدوه‪ ،‬و أممما المنممذر‬
‫أراه قال فإنه يعطي المال الكثير و ل يتعمماظم فممي نفسممه و‬
‫يمسك القليل من حقممه و أممما المنصممور فممإنه يعطممى النصممر‬
‫على عدوه الشطر مما كان يعطممي رسممول اللممه صمملى اللممه‬
‫عليممه و سمملم و يرهممب منممه عممدوه علممى مسمميرة شممهرين و‬
‫المنصور يرهب منه عدوه على مسيرة شممهر و أممما المهممدي‬
‫الذي يمل الرض عدل ً كما ملئت جورا ً و تأمن البهائم السممباع‬
‫و تلقممي الرض أفلذ كبممدها‪ .‬قممال‪ :‬قلممت و ممما أفلذ كبممدها ؟‬
‫قال‪ :‬أمثال السطوانة من الممذهب و الفضممة‪ .‬و قممال الحمماكم‬
‫هممذا حممديث صممحيح السممناد و لممم يخرجمماه و هممو مممن روايممة‬
‫إسماعيل بن إبراهيم بن مهاجر عن أبيه و إسمماعيل ضمعيف‬
‫و إبراهيم أبوه و إن خرج له مسلم فالكثرون على تضممعيفه‪.‬‬
‫و خرج ابن ماجة عن ثوبان قال‪ :‬قال رسول الله صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم‪ :‬يقتتل عند كبركم ثلثة كلهممم ابممن خليفممة ثممم ل‬
‫يصير إلممى واحممد منهممم ثممم تطلممع الرايممات السممود مممن قبممل‬
‫المشرق فيقتلونهم قتل ً لم يقتله قوم ثم ذكر شيئا ً ل أحفظه‬
‫قال‪ :‬فإذا رأيتموه فبايعوه و لو حبوا ً علمى الثلمج فمإنه خليفمة‬
‫الله المهدي‪.‬‬
‫و رجاله رجال الصحيحين إل أن فيه أبا قلبة الجرمممي و ذكممر‬
‫الذهبي و غيره أنه مدلس و فيه سفيان الثوري و هو مشهور‬
‫بالتدليس و كل واحد منهما عنعممن و لممم يصممرح بالسممماع فل‬
‫يقبل و فبه عبد الرزاق بن همممام و كممان مشممهورا ً بالتشمميع و‬
‫عمي في آخر وقته فخلط قال ابن عدي‪ :‬حدث بأحاديث في‬
‫الفضائل لم يوافقه عليها أحد‪ ،‬و نسبوه إلى التشيع‪ .‬انتهى‪ .‬و‬
‫خرج ابن ماجة عن عبد الله بن الحارث بن جزء الزيدي مممن‬
‫طريق ابن لهيعة عن أبي زرعة عن عمر بن جابر الحضممرمي‬
‫عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال‪ :‬قال رسول الله صمملى‬
‫اللممه عليممه و سمملم‪ :‬يخممرج نمماس مممن المشممرق فيمموطئون‬
‫للمهدي‪ .‬يعني سلطانه‪ .‬قال الطبراني‪ :‬تفرد به ابممن لهيعممة و‬
‫قد تقممدم لنمما فممي حممديث علممي الممذي خرجممه الطممبراني فممي‬
‫معجمه الوسط أن ابن لهيعة ضممعيف و أن شمميخه عمممر بممن‬
‫جابر أضعف منه و خرج البزاز في مسممنده و الطممبراني فممي‬
‫معجمه الوسط و اللفظ للطبراني عن أبي هريرة عن النبي‬
‫صلى الله عليه و سلم قال‪ :‬يكون في أمتي المهدي إن قصر‬
‫فسبع و إل فثمان و إل فتسع تنعم فيها أمتي نعمة لم ينعممموا‬
‫بمثلها ترسل السماء عليهممم مممدرارا ً و ل تممدخر الرض شمميئا ً‬
‫مممن النبممات و المممال كممدوس يقمموم الرجممل يقممول يمما مهممدي‬
‫أعطني فيقول خذ‪.‬‬
‫قال الطبراني و البزار تفرد به محمد بن مروان العجلممي زاد‬
‫البزار‪ :‬و ل نعلم أنه تابعه عليه أحد و هو و إن وثقمه أبمو داود‬
‫و ابن حبان أيضا ً بما ذكره في الثقات و قممال فيممه يحيممى بممن‬
‫معين صالح و قال مرة ليس به بأس فقد اختلفوا فيه و قممال‬
‫أبو زرعة‪ :‬ليس عندي بممذلك و قمال عبممد اللممه بممن أحمممد بممن‬
‫حنبل‪ :‬رأيت محمد بن مروان العجلممي حممدث بأحمماديث و أنمما‬
‫شاهد لم نكتبها تركتها على عمد و كتب بعممض أصممحابنا عنممه‬
‫كأنه ضعفه‪ .‬و خرجه أبو يعلى الموصلي في مسنده عن أبي‬
‫هريرة و قال‪ :‬حدثني خليلي أبممو القاسممم صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم قال‪ :‬ل تقوم الساعة حتى يخرج عليهم رجل مممن أهممل‬
‫بيممتي فيضممربهم حممتى يرجعمموا إلممى الحممق قممال قلممت و كممم‬
‫يملك ؟ قال‪ :‬خمسا ً و اثنتين قال قلت و ممما خمس ما ً و اثنممتين‬
‫قال ل أدري‪.‬‬
‫و هذا السند غير محتج بمه و إن قمال فيمه بشمير بمن نهيمك و‬
‫قال فيه أبو حاتم ل يحتج به فقلت احتج به الشيخان و وثقممه‬
‫الناس و لم يلتفتوا إلى قول أبي حاتم ل يحتج به إل أنه قممال‬
‫فيه رجاء ابن أبي رجاء اليشكري و هو مختلف فيمه قمال أبمو‬
‫زرعة ثقة و قال يحيى بممن معيممن‪ :‬ضممعيف‪ .‬و قممال أبممو داود‪:‬‬
‫ضعيف‪ .‬و قال مرة‪ ،‬صالح‪ .‬و علق له البخمماري فممي صممحيحه‬
‫حديثا ً واحدًا‪ .‬و خرج أبو بكر الممبراز فممي مسممنده و الطممبراني‬
‫في معجمه الكبير و الوسط عن قممرة بممن إيمماس قممال‪ :‬قممال‬
‫رسول الله صمملى اللممه عليممه و سمملم‪ :‬لتملن الرض جممورا ً و‬
‫ظلما ً فإذا ملئت جورا ً و ظلما ً بعث الله رجل ً من أمتي اسمه‬
‫اسمي و اسم أبيه اسم أبي يملها عدل ً و قسممطا ً كممما ملئت‬
‫جورا ً و ظلما ً فل تمنممع السممماء مممن قطرهمما شمميًئا و ل تممدخر‬
‫الرض من نباتها يلبممث فيكممم سممبعا ً أو ثمانيما ً أو تسممعا ً يعنممى‬
‫سنين‪ .‬ا هم‪ .‬و فيه داود بن المحممبي بممن المحممرم عممن أبيممه و‬
‫هما ضعيفان جدًا‪ .‬و خرج الطبراني في معجمه الوسط عممن‬
‫ابن عمر قال‪ :‬كان رسول الله صلى اللممه عليممه و سمملم فممي‬
‫نفر من المهمماجرين و النصممار و علممي بممن أ بممي طممالب عممن‬
‫يساره و العبمماس عممن يمينممه إذ تلحممى العبمماس و رجممل مممن‬
‫النصار فأغلظ النصاري للعباس فأخذ النبي صلى الله عليممه‬
‫و سلم بيد العباس و بيد علي و قال‪ :‬سيخرج من صلب هممذا‬
‫ى‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فتى يمل الرض جورا و ظلما و سيخرج من صلب هممذا فممت ً‬
‫يمل الرض قسممطا ً و عممدل ً فممإذا رأيتممم ذلممك فعليكممم بممالفتى‬
‫التميمي فممإنه يقبممل مممن قبممل المشممرق و هممو صمماحب رايممة‬
‫المهدي انتهى‪ .‬و فيه عبد الله بن عمر و عبد الله بن لهيعة و‬
‫هما ضعيفان‪.‬‬
‫القسم الثاني من الفصل الثالث و الخمسممون فممي‬
‫أمر الفاطمي و ما يذهب إليه الناس في شممأنه‬
‫و كشف الغطاء عن ذلك القسم الثاني‬
‫و خرج الطبراني في معجمه الوسط عن طلحة بن عبد الله‬
‫عن النبي صلى الله عليه و سلم قال‪ :‬ستكون فتنة ل يسكن‬
‫منها جانب إل تشاجر جانب حتى ينادي مناد مممن السممماء أن‬
‫أميركم فلن‪ 1 .‬هم‪ .‬و فيه المثنممى بممن الصممباح و هممو ضممعيف‬
‫جدًا‪ .‬و ليس في الحديث تصريح بذكر المهدي و إنممما ذكممروه‬
‫في أبوابه و ترجمته استئناس مًا‪ .‬فهممذه جملممة الحمماديث الممتي‬
‫خرجها الئمة في شأن المهدي و خروجه آخر الزمان‪ .‬و هممي‬
‫كما رأيت لم يخلص منها من النقد إل القليل و القل منممه‪ .‬و‬
‫ربما تمسك المنكرون لشأنه بما رواه محمد بن خالد الجندي‬
‫عن أبان بن صالح بن أبي عياش عممن الحسممن البصممري عممن‬
‫أنس بن مالمك عممن النممبي صملى اللممه عليمه و سمملم قمال‪ :‬ل‬
‫مهدي إل عيسى بن مريم و قال يحيى بن معيممن فممي محمممد‬
‫بن خالد الجندي‪ :‬إنه ثقة‪ .‬و قال البيهقي‪ :‬تفرد به محمممد بممن‬
‫خالد‪ .‬و قال الحاكم فيه‪ :‬أنه رجل مجهول و اختلف عليه في‬
‫إسناده فمرة يروونممه كممما تقممدم و ينسممب ذلممك لمحمممد بممن‬
‫إدريس الشافعي و مرة يروونه عن محمد بن خالد عن أباب‬
‫عن الحسن عن النبي صلى الله عليممه و سمملم مرس م ً‬
‫ل‪ .‬قممال‬
‫البيهقي‪ :‬فرجع إلى رواية محمد بن خالد و هممو مجهممول عممن‬
‫أبان بن أبي عياش و هو متروك عن الحسن عن النبي صملى‬
‫الله عليه و سلم و هممو منقطممع و بالجملممة فالحممديث ضممعيف‬
‫مضطرب‪ .‬و قد قيل أن ل مهدي إل عيسى أي ل يتكلممم فممي‬
‫المهممد إل عيسممى يحمماولون بهممذا التأويممل رد الحتجمماج بممه أو‬
‫الجمع بينه و بين الحاديث و هو مدفوع بحديث جريج و مثلممه‬
‫من الخوارق‪ .‬و أممما المتصمموفة فلممم يكممن المتقممدمون منهممم‬
‫يخوضممون فممي شمميء مممن هممذا لممم إنممما كممان كلمهممم فممي‬
‫المجاهدة بالعمال و ممما يحصممل عنهمما مممن نتممائج المواجممد و‬
‫الحمموال و كممان كلم الماميممة و الرافضممة مممن الشمميعة فممي‬
‫تفصيل علي رضي الله عنه و القول بإمامته و ادعاء الوصممية‬
‫له بذلك من النممبي صمملى اللممه عليممه و سمملم و التممبرىء مممن‬
‫الشيخين كما ذكرناه في مذاهبهم ثم حدث فيهم بعممد القممول‬
‫بالمممام المعصمموم و كممثرت التممأليف فممي مممذاهبهم‪ .‬و جمماء‬
‫السماعيلية منهم يدعون الوهية المممام بنمموع مممن الحلممول و‬
‫آخرون يدعون رجعة من مممات مممن الئمممة بنمموع التناسممخ‪ ،‬و‬
‫آخرون منتظرون مجيممء مممن يقطممع بممموته منكممم و آخممرون‬
‫منتظرون عود المر في أهل البيت مستدلين على ذلممك بممما‬
‫قدمناه من الحاديث في المهدي و غيرها‪ .‬ثم حدث أيضا ً عند‬
‫المتممأخرين مممن الصمموفية الكلم فممي الكشممف و فيممما وراء‬
‫الحس و ظهر من كثير منهم القول على الطلق بممالحلول و‬
‫الوحدة فشاركوا فيهمما الماميممة و الرافضممة لقممولهم بألوهيممة‬
‫الئمة و حلول الله فيهم‪.‬‬
‫و ظهر منهم أيضا ً القممول بممالقطب و البممدال و كممأنه يحمماكي‬
‫مذهب الرافضة في المام و النقباء‪ .‬و أشربوا أقوال الشيعة‬
‫و توغلوا في الديانة بمذاهبهم‪ ،‬حتى جعلمموا مسممتند طريقهممم‬
‫في لبس الخرقممة أن عليما ً رضممي اللممه عنممه ألبسممها الحسممن‬
‫البصري و أخذ عليممه العهممد بممالتزام الطريقممة‪ .‬و اتصممل ذلممك‬
‫عنهم بالجنيد من شيوخهم‪ .‬و ل يعلم هذا عن علي مممن وجممه‬
‫صحيح‪ .‬و لم تكن هذه الطريقة خاصة بعلي كرم اللممه وجهممه‬
‫بل الصحابة كلهم أسوة في طريق الهدى و في تخصيص هذا‬
‫بعلي دونهم رائحة من التشيع قوية يفهممم منهمما و مممن غيرهمما‬
‫من القوم دخلهم في التشيع و انخراطهم في سلكه‪ .‬و ظهممر‬
‫منهم أيضا ً القممول بمالقطب و امتلت كتممب السمماعيلية مممن‬
‫الرافضة و كتب المتممأخرين مممن المتصمموفة بمثممل ذلممك فممي‬
‫الفاطمي المنتظر و كان بعضممهم يمليممه علممى بعممض و يلقنممه‬
‫بعضممهم عممن بعممض و كانممة مبنممي علممى أصممول واهيممة مممن‬
‫الفريقين و ربما يستدد بعضهم بكلم المنجمين في القرانات‬
‫و هو من نمموع الكلم فممي الملحممم و يممأتي الكلم عليهمما فممي‬
‫الباب الذي يلي هذا‪ .‬و أكثر من تكلممم مممن هممؤلء المتصمموفة‬
‫المتأخرين في شممأن الفمماطمي‪ ،‬ابممن العربممي‪ ،‬الحمماتمي فممي‬
‫كتاب عنقاء مغرب و ابن قسي في كتاب خلع النعلين و عبممد‬
‫الحق بن سبعين و ابن أبي واصل تلميذه في شممرحه لكتمماب‬
‫خلع النعلين‪ .‬و أكثر كلماتهم في شأنه ألغمماز و أمثممال و ربممما‬
‫يصممرحون فممي القممل أو صممرح مفسممرو كلمهممم‪ .‬و حاصممل‬
‫مذهبهم فيه على ما ذكر ابن أ بي واصل أن النبؤة بهمما ظهممر‬
‫الحق و الهدى بعد الضلل و العمى و أنها تعقبها الخلفممة ثممم‬
‫ل‪ .‬قممالوا‪ :‬و‬ ‫يعقب الخلفة الملك ثم يعود تجبرا ً و تكبرا ً و باط ً‬
‫لما كان في المعهود من سنة الله رجوع المور إلى ما كانت‬
‫وجب أن يحيمما أمممر النبممؤة و الحممق بالوليممة ثممم بخلفتهمما ثممم‬
‫يعقبها الدجل مكان الملك و التسمملط ثمم يعمود الكفممر بحماله‬
‫يشيرون بهذا لممما وقممع مممن شممأن النبممؤة و الخلفممة بعممدها و‬
‫الملك بعد الخلفة‪ .‬هذه ثلث مراتممب‪ .‬و كممذلك الوليممة الممتي‬
‫هي لهذا الفاطمي و الدجل بعممدها كنايممة عممن خممروج الممدجل‬
‫على أثره و الكفر من بعد ذلك فهي ثلث مراتب على نسممبة‬
‫الثلث المراتب الولى‪ .‬قالوا‪ :‬و لما كان أمر الخلفة لقريش‬
‫حكما ً شرعيا ً بالجماع الذي ل يوهنه إنكار مممن يممزاول علمممه‬
‫وجب أن تكون المامة فيمممن هممو أخمص مممن قريممش بممالنبي‬
‫صلى الله عليه و سلم إما ظاهرا ً كبنممي عبممد المطلممب و إممما‬
‫باطنا ً ممممن كممان مممن حقيقممة الل‪ ،‬و الل مممن إذا حضممر لممم‬
‫يلقب من هو آله‪.‬‬
‫و ابن العربي الحاتمي سممماه فممي كتممابه عنقمماء مغممرب مممن‬
‫تأليفه‪ :‬خمماتم الوليمماء و كنممى عنممه بلبنممة الفضممة إشممارة إلممى‬
‫حديث البخاري في باب خاتم النبيين قال صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم‪ :‬مثلي فيمن قبلي من النبياء كمثممل رجممل ابتنممى بيتما ً و‬
‫أكمله حتى إذا لم يبممق منممه إل موضممع لبنممة فأنمما تلممك اللبنممة‬
‫فيفسرون خاتم النبيين باللبنة حممتى أكملممت البنيممان و معنمماه‬
‫النبي الذي حصلت له النبؤة الكاملممة‪ .‬و يمثلممون الوليممة فممي‬
‫تفاوت مراتبها بالنبؤة و يجعلون صمماحب الكمممال فيهمما خمماتم‬
‫الولياء أي حائز الرتبة التي هي خاتمة الولية كما كان خمماتم‬
‫النبياء حائزا ً للمرتبة التي هي خاتمة النبممؤة‪ .‬فكنممى الشممارح‬
‫عن تلك المرتبة الخاتمة بلبنة البيت في الحديث المذكور‪.‬‬
‫و هما على نسبة واحدة فيهما‪ .‬فهي لبنة واحدة في التمثيل‪.‬‬
‫ففي النبؤة لبنة ذهب و في الولية لبنممة فضممة للتفمماوت بيممن‬
‫الرتبتين كما بين الذهب و الفضة‪ .‬فيجعلون لبنة الذهب كناية‬
‫عن النبي صلى الله عليه و سلم و لبنة الفضة كناية عن هممذا‬
‫الولي الفمماطمي المنتظممر و ذلممك خمماتم النبيمماء و هممذا خمماتم‬
‫الولياء‪ .‬و قال ابن العربي فيما نقل ابممن أبممي واصممل عنممه و‬
‫هذا المام المنتظر هممو مممن أهممل الممبيت مممن ولممد فاطمممة و‬
‫ظهوره يكون من بعد مضي ) خ ف ج ( من الهجممرة و رسممم‬
‫حروفا ً ثلثة يريد عددها بحساب الجمل و هو الخاء المعجمممة‬
‫بواحدة من فوق ستمائة و الفاء أخت القاف بثمانين و الجيم‬
‫المعجمة بواحدة مممن أسممفل ثلثممة و ذلممك سممتمائة و ثلث و‬
‫ثممانون سمنة و همي آخمر القممرن السممابع و لمما انصممرم همذا‬
‫العصر و لم يظهر حمل ذلممك بعممض المقلممدين لهممم علممى أن‬
‫المراد بتلك المممدة مولممده و عممبر بظهمموره عممن مولممده و أن‬
‫خروجه يكون بعد العشر السبعمائة فممإنه المممام النمماجم مممن‬
‫ناجية المغرب‪ .‬قال‪ :‬و إذا كان مولده كما زعممم ابممن العربممي‬
‫سنة ثلث و ثمانين و ستمائة فيكون عمره عند خروجه سممتا ً‬
‫و عشرين سنة قال و زعموا أن خممروج الممدجال يكممون سممنة‬
‫ثلث و أربعين و سبعمائة من اليوم المحمدي و ابتداء اليمموم‬
‫المحمدي عندهم من يوم وفاة النبي صلى الله عليه و سمملم‬
‫إلى تمام ألف سنة قال ابن أبي واصل في شرحه كتاب خلع‬
‫النعلين الولي المنتظر القائم بأمر الله المشممار إليممه بمحمممد‬
‫المهدي و خاتم الولياء و ليس هو بنبي و إنما هو ولي ابتعثممه‬
‫روحه و حبيبه‪ .‬قال صلى الله عليه و سلم‪ :‬العالم في قممومه‬
‫كالنبي في أمته‪ .‬و قال‪ :‬علماء أمتي كأنبيمماء بنممي إسممرائيل و‬
‫لم تزل البشرى تتابع به من أول اليوم المحمممدي إلممى قبيممل‬
‫الخمسمممائة نصممف اليمموم و تأكممدت و تضمماعفت بتباشممير‬
‫المشايخ بتقريب وقته و ازدلف زمانه منذ انقضت إلممى هلممم‬
‫جرا قال و ذكر الكندي‪ :‬أن هذا الولي هو الذي يصلي بالناس‬
‫صلة الظهر و يجدد السمملم و يظهممر العممدل و يفتممح جزيممرة‬
‫الندلس و يصل إلى روميممة فيفتحهمما و يسممير إلممى المشممرق‬
‫فيفتحه و يفتح القسطنطيبية و يصير له ملك الرض فيتقمموى‬
‫المسلمون و يعلو السمملم و يطهممر ديممن الحنيفيممة فممإن مممن‬
‫صلة الظهر إلى صلة العصر وقت صلة قال عليه الصمملة و‬
‫السلم‪ :‬ما بين هممذين وقممت و قممال الكنممدي أيضمًا‪ :‬الحممروف‬
‫العربية غير المعجمة يعني المفتتممح بهمما سممور القممرآن جملممة‬
‫عممددها سممبعمائة و ثلث و أربعممون و سممبع دجاليممة ثممم ينممزل‬
‫عيسى في وقت صلة العصر فيصمملح الممدنيا وتمشممي الشمماة‬
‫مع الذئب ثم مبلغ ملك العجم بعد إسلمهم مع عيسممى مممائة‬
‫و سبعون عاما ً عدد حممروف العجممم ) ق ي ن ( دولممة العممدل‬
‫منها أربعون عاما ً قال ابن أبي واصل و ممما ورد مممن قمموله ل‬
‫مهدي إل عيسى فمعناه ل مهدي تساوي هدايته وليته و قيل‬
‫ل يتكلم في المهد إل عيسى و هممذا مممدفوع بحممديث جريممج و‬
‫غير‪ .‬و قد جاء في الصحيح أنه قال‪ ) :‬ل يزال هذا المر قائما ً‬
‫حتى تقوم الساعة أو يكممون عليهممم اثنمما عشممر خليفممة يعنممي‬
‫قرشيا ً (‪.‬‬
‫و قد أعطى الوجممود أن منهممم مممن كممان فممي أول السمملم و‬
‫منهم من سيكون في آخره‪ .‬و قال‪ :‬الخلفة بعممدي ثلثممون أو‬
‫إحممدى و ثلثممون أو سممت و ثلثممون وانقضمماؤها فممي خلفممة‬
‫الحسن و أول أمر معاوية فيكون أول أمر معاوية خلفة أخذا ً‬
‫بأوائل السماء فهو سادس الخلفاء و أما سابع الخلفاء فعمر‬
‫بن عند العزيز‪ .‬و الباقون خمسة مممن أهممل الممبيت مممن ذريممة‬
‫علمي يؤيمده قموله‪ ) :‬إنمك لمذو قرنيهما ( يريمد الممة أي إنمك‬
‫لخليفة في أولها و ذريتك فممي آخبرهمما‪ .‬و ربممما اسممتدل بهممذا‬
‫الحديث القائلون بالرجعة‪ .‬فممالول هممو المشممار إليممه عنممدهم‬
‫بطلوع الشمس مممن مغربهمما‪ .‬و قمد قمال صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم إذا هلك كسرى فل كسممرى بعممده و إذا هلممك قيصممر فل‬
‫قيصر بعده و الذي نفسي بيده لتنفقممن كنوزهممما فممي سممبيل‬
‫الله و قد انفق عمر بن الخطاب كنوز كسرى في سبيل الله‬
‫و الذي يهلك قيصر و ينفمق كنموزه فمي سمبيل اللمه همو همذا‬
‫المنتظر حين يفتح القسطنطينية‪ :‬فنعم المير أميرهمما و نعممم‬
‫الجيش ذلك الجيش‪.‬‬
‫كذا قال صلى الله عليه و سلم‪ :‬و مدة حكمه بضممع و البضممع‬
‫من ثلث إلى تسع و قيل إلى عشر و جاء ذكر أربعين و فممي‬
‫بعض الروايممات سممبعين‪ .‬و أمما الربعممون فإنهمما مممدته و مممدة‬
‫الخلفاء الربعة الباقين ممن أهلمه القمائمين بمأمره ممن بعمده‬
‫على جميعهم السلم قال و ذكر أصحاب النجمموم و القرانممات‬
‫أن مممدة بقمماء أمممر و أهممل بيتممه مممن بعممده مممائة و تسممعة و‬
‫خمسون عاما ً فيكون المر على هممذا جاري ما ً علممى الخلفممة و‬
‫العدل أربعيممن أو سممبعين ثممم تختلممف الحمموال فتكممون ملكما ً‬
‫انتهي كلم ابن أبي واصل‪ .‬و قال فممي موضممع آخممر‪ ) :‬نممزول‬
‫عيسى يكون في وقت صلة العصر من اليوم المحمدي حين‬
‫تمضي ثلثة أرباعه ( قال و ذكر الكندي يعقمموب بممن إسممحاق‬
‫في كتاب الجفممر الممذي ذكممر فيممه القرانممات‪ ) :‬أنممه إذا وصممل‬
‫القرآن إلى الثور على رأس ضح بحرفيممن الضمماد المعجمممة و‬
‫الحاء المهملة ( يريد ثمانية و تسعين و سممتمائة مممن الهجممرة‬
‫ينزل المسيح فيحكم في الرض ما شاء الله تعالى قال و قد‬
‫ورد في الحديث أن عيسى ينزل عند المنارة البيضاء شرقي‬
‫دمشق ينزل بين مهرودتين يعني حلتين مزعفرتين صفراوين‬
‫ممصرتين واضعا ً كفيه علممى أجنحممة الملكيممن لممه لمممة كأنممما‬
‫خرج من ديماس إذا طأطأ رأسه قطر و إذا رفعه تحممدر منممه‬
‫جمان كاللؤلؤ كممثير خيلن المموجه و فممي حممديث آخممر مربمموع‬
‫الخلق و إلى البياض و الحمرة‪ .‬و فممي آخممر‪ :‬أنممه يممتزوج فممي‬
‫الغممرب‪ .‬و الغممرب دلممو الباديممة يريممد الممه يممتزوج منهمما و تلممد‬
‫زوجته‪ .‬و ذكر وفاته بعد أربعين عامًا‪ .‬و جاء أن عيسى يموت‬
‫بالمدينة و يدفن إلى جانب عمر بممن الخطمماب‪ .‬و جمماء أن أبمما‬
‫بكر و عمممر يحشممران بيممن نممبيين قممال ابممن أبممي واصممل‪ ) :‬و‬
‫الشيعة تقول إنه هو المسيح مسيح المسممائح مممن آل محمممد‬
‫قلت و عليه حمل بعض المتصوفة حديث ل مهدي إل عيسممى‬
‫أي ل يكممون مهممدي إل المهممدي الممذي نسممبته إلممى الشممريعة‬
‫المحمدية نسبة عيسى إلى الشريعة الموسوية في التبمماع و‬
‫عدم النسخ إلى كلم مممن أمثممال هممذا يعينممون فيممه المموقت و‬
‫الرجل و المكممان بأدلممة واهيممة و تحكمممات مختلفممة فينقضممي‬
‫الزمان و ل أثر لشيء مممن ذلممك فيرجعممون إلممى تحديممد رأي‬
‫آخر تنتحل كما تراه من مفهومات لغويممة و أشممياء تخييليممة و‬
‫أحكام نجومية في هذا انقضت أعمار أن أول منهم و الخر‪.‬‬
‫و أممما المتصمموفة الممذين عاصممرناهم فممأكثرهم يشمميرون إلممى‬
‫ظهور رجل مجدد لحكام الملممة و مراسممم الحممق و يتحينممون‬
‫ظهوره لما قرب من عصرنا فبعضهم يقول من ولد فاطمة و‬
‫بعضهم يطلق القول فيممه سمممعناه مممن جماعممة أكممبرهم أبممو‬
‫يعقوب البادسي كممبير الوليمماء بممالمغرب كممان فممي أول هممذه‬
‫المائة الثامنة و أخبرني عنه حافده صاحبنا أبو يحيممى زكريمماء‬
‫عن أبيه أبي محمممد عبممد اللممه عممن أبيممه الممولي أبممي يعقمموب‬
‫المذكور هذا آخممر ممما اطلعنمما عليممه أو بلغنمما مممن كلم هممؤلء‬
‫المتصوفة و ما أورده أهممل الحممديث مممن أخبممار المهممدي قممد‬
‫استوفينا جميعه بمبلغ طاقتنا و الحق الممذي ينبغممي أن يتقممرر‬
‫لديك أنه ل تتم دعمموة مممن الممدين و الملممك إل بوجممود شمموكة‬
‫عصبية تظهره و تدافع عنه من يدفعه حتى يتم أمر الله فيممه‪.‬‬
‫و قد قررنا ذلممك مممن قبممل بممالبراهين القطعيممة الممتي أرينمماك‬
‫هناك و عصبية الفاطميين بل و قريش أجمع قد تلشممت مممن‬
‫جميع الفاق و وجد أمم آخرون قد اشممتغلت عصممبيتهم علممى‬
‫عصبية قريش إل ما بقي بالحجمماز فممي مكممة و ينبممع بالمدينممة‬
‫من الطالبين من بني حسن و بني حسين و بني جعفر و هممم‬
‫منتشرون في تلك البلد و غالبون عليها و هم عصائب بدويممة‬
‫متفرقون في مواطنهم و إماراتهم يبلغممون آلفما ً مممن الكممثرة‬
‫فإن صح ظهور هذا المهممدي فل وجممه لظهممور دعمموته إل بممأن‬
‫يكون منهم و يؤلف الله بين قلوبهم في اتباعه حممتى تتممم لممه‬
‫شوكة و عصبة وافية بإظهار كلمته و حمل الناس عليها و أما‬
‫على غير هذا الوجه مثل أن يدعو فاطمي منهم إلى مثل هذا‬
‫المر في أفق من الفاق من غير عصبية و ل شوكة إل مجرد‬
‫نسبة في أهل البيت فل يتم ذلك و ل يمكن لما أسلفناه مممن‬
‫المبراهين الصمحيحة‪ .‬و أممما ممما تمدعيه العاممة و الغممار مممن‬
‫الدهماء ممن ل يرجممع فممي ذلممك إلممى عقممل يهممديه و ل علممم‬
‫يفيده فيجيبون ذلك على غير نسبة و في غيممر مكممان تقليممدا ً‬
‫لما اشتهر من ظهور فاطمي و ل يعلمون حقيقممة المممر كممما‬
‫بيناه و أكممثر ممما يجيبممون فممي ذلممك القاصممية مممن الممالممك و‬
‫أطممراف العمممران مثممل الممزاب بأفريقيممة و السمموس مممن‬
‫المغرب‪ .‬و نجد الكثير من ضممعفاء البصممائر يقصممدون رباط ما ً‬
‫بماسة لما كان ذلك الرباط بالمغرب من الملثمين من كدالة‬
‫و اعتقادهم أنه منهم أو قائمون بدعوته زعما ً ل مسممتند لهممم‬
‫إل غرابة تلك المم و بعدهم عن يقين المعرفة بأحوالهمما مممن‬
‫كممثيرة أو قلممة أو ضممعف أو قمموة و لبعممد القاصممية عممن منممال‬
‫الدولة و خروجهمما عممن نطاقهمما فتقمموى عنممدهم الوهممام فممي‬
‫ظهوره هناك بخروجممه عممن برقممة الدولممة و منممال الحكممام و‬
‫القهر و ل محصول لديهم في ذلك إل هذا‪ .‬و قممد يقصممد ذلممك‬
‫الموضع كثير من ضعفاء العقول للتلبيس بدعوة يمييه تمامها‬
‫وسواسا ً و حمقا ً و قتل كثير منهم‪ .‬اخبرني شيخنا ً محمممد بممن‬
‫إبراهيم البلي قال خرج برباط ماسممة لول المممائة الثامنممة و‬
‫عصر السلطان يوسف بن يعقوب رجل من منتحلي التصوف‬
‫يعممرف بممالتويرزي نسممبة إلممى تمموزر مصممغرا ً و ادعممى أنممه‬
‫ة‬ ‫الفاطمي المنتظر و اتبعه الكثير من أهل السوس من ضممال ً‬
‫و كزولة و عظم أمره و خافه رؤساء المصامدة على أمرهممم‬
‫فدس عليه السكسوي من قتله بياتا ً و انحممل أمممره‪ .‬و كممذلك‬
‫ظهر في غمارة في آخممر المممائة السممابعة و عشممر التسممعين‬
‫منهمما رجممل يعممرف بالعبمماس و ادعممى أنممه الفمماطمي و اتبعممه‬
‫الدهماء من غمارة و دخل مدينة فاس عنوة و حرق أسواقها‬
‫و ارتحل إلى بلد المزمة فقتممل بهمما غيلممة و لممم يتممم أمممره‪ .‬و‬
‫كثير من هذا النمط‪ .‬و أخممبرني شمميخنا المممذكور بغريبممة فممي‬
‫مثل هذا و هو أنه صممحب فممي حجممة فممي ربمماط العبمماد و هممو‬
‫مدفن الشيخ أبي مدين في جبل تلمسان المطل عليهمما رجل ً‬
‫من أهل البيت من سكان كممربلء كممان متبوع ما ً معظم ما ً كممثير‬
‫التلميذ و الخممادم‪ .‬قممال و كممان الرجممال مممن ممموطنه يتلقممونه‬
‫بالنفقات في أكثر البلدان‪ .‬قممال و تأكممدت الصممحبة بيننمما فممي‬
‫ذلك الطريق فانكشممف لممي أمرهممم و أنهممم إنممما جمماءوا مممن‬
‫موطنهم بكر بلء لطلب هذا المر و انتحال دعمموة الفمماطمي‬
‫بالمغرب‪ .‬فلما عاين دولة بنممي مريممن و يوسممف بممن يعقمموب‬
‫يومئذ منممازل تلمسممان قممال لصممحابه ارجعمموا فقممد أزرى بنمما‬
‫الغلط و ليس هذا الوقت وقتنا‪ .‬و يممدل هممذا القممول مممن هممذا‬
‫الرجل على أنممه مستبصممر فممي أن المممر ل يتممم إل بالعصممبية‬
‫المكافئة لهل الوقت فلما علم أنه غريب في ذلك المموطن و‬
‫ل شوكة له و أن عصبية بنممي مريممن لممذلك العهممد ل يقاومهمما‬
‫أحد من أهل المغرب استكان و رجع إلى الحق و أقصر عممن‬
‫مطممامعه‪ .‬و بقممي عليممه أن يسممتيقن أن عصممبية الفممواطم و‬
‫قريش أجمع قد ذهبت ل سيما فممي المغممرب إل أن التعصممب‬
‫لشأنه لم يتركه لهذا القول و الله يعلممم و أنتممم ل تعلمممون‪ .‬و‬
‫قد كانت بالمغرب لهذه العصور القريبة نزعة من الدعاة إلى‬
‫الحمق و القيممام بالسممنة ل ينتحلممون فيهما دعمموة فماطمي و ل‬
‫غيره و إنما ينزع منهم في بعض الحيان الواحد فالواحد إلممى‬
‫إقامة السنة و تغيير المنكر و يعتني بذلك و يكثر تابعه و أكثر‬
‫ما يعنون بإصلح السابلة لما أن أكثر فساد العراب فيها لما‬
‫قدمناه من طبيعة معاشهم فيأخمذون فمي تغييمر المنكمر بمما‬
‫استطاعوا إل أن الصبغة الدينيممة فيهممم لممم تسممتحكم لممما أن‬
‫توبة العرب و رجوعهم إلى الدين إنما يقصدون بهمما القصممار‬
‫عممن الغممارة و النهممب ل يعقلممون فممي تمموبتهم و إقبممالهم إلممى‬
‫مناحي الديانة غير ذلك لنها المعصية التي كممانوا عليهمما قبممل‬
‫المقربة و منها توبتهم‪ .‬فتجد ذلك المنتحممل للممدعوة و القممائم‬
‫بزعمه بالسنة غير متعمقين في فروع القتداء و التبمماع إنممما‬
‫دينهممم العممراض عممن النهممب و البغممي و إفسمماد السممابلة ثممم‬
‫القبال على طلب الدنيا و المعاش بأقصى جهدهم‪ .‬و شممتان‬
‫بين طلب هذا الجممر مممن إصمملح الخلممق و مممن طلممب الممدنيا‬
‫فاتفاقهما ممتنع ل تستحكم له صبغة في الدين و ل يكمل له‬
‫نزوع عن الباطل علمى الجملمة و ل يكمثرون‪ .‬و يختلمف حمال‬
‫صاحب الدعوة معهم في استحكام دينه و ول يته فممي نفسممه‬
‫دون تابعه فإذا هلمك انحمل أمرهمم و تلشمت عصممبتهم و قمد‬
‫وقع ذلك بأفريقية لرجل من كعب من سممليم يسمممى قاسممم‬
‫بن مرة بن أحمد في المائة السابعة ثم من بعده لرجل آخممر‬
‫من بادية رياح من بطون منهم يعرفون بمسلم و كان يسمى‬
‫سعادة و كان أشد دينا ً من الول و أقوم طريقة في نفسممه و‬
‫مع ذلك فلم يستتب أمر تابعه كما ذكرناه حسممبما يممأتي فممي‬
‫ذكر ذلك في موضعه عند ذكر قبائل سليم و رياح و بعد ذلك‬
‫ظهر ناس بهذه الدعوة يتشبهون بمثل ذلك و يلبسون فيها و‬
‫ينتحلون اسم السنة و ليسوا عليها إل القل فل يتيم لهم و ل‬
‫لمن بعدهم شيء من أمرهم‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫الفصممل الرابممع و الخمسممون فممي ابتممداء الممدول و‬


‫المم و في الكلم على الملحم و الكشف عممن‬
‫مسمى الجفر‬
‫إعلم أن من خواص النفوس البشرية التشمموق إلممى عممواقب‬
‫أمورهم و علم ما يحدث لهم من حياة و موت و خيممر و شممر‬
‫سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقممي مممن الممدنيا و معرفممة‬
‫مدد الممدول أو تفاوتهمما و التطلممع إلممى هممذا طبيعممة مجبولممون‬
‫عليها و لذلك تجد الكثير من الناس يتشمموقون إلممى الوقمموف‬
‫على ذلك في المنام و الخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل‬
‫ذلك من الملوك و السوقة معروفممة و لقممد نجممد فممي المممدن‬
‫صنفا ً من الناس ينتحلون المعاش مممن ذلممك لعلمهممم بحممرص‬
‫النمماس عليممه فينتصممبون لهممم فممي الطرقممات و الممدكاكين‬
‫يتعرضون لمممن يسمألهم عنمه فتغمدو عليهممم و تممروح نسمموان‬
‫المدينة و صممبيانها و كممثير مممن ضممعفاء العقممول يستكشممفون‬
‫عواقب أمرهم في الكسب و الجاه و المعاش و المعاشرة و‬
‫العممداوة و أمثممال ذلممك ممما بيممن خممط فممي الرمممل و يسمممونه‬
‫المنجم و طرفي بالحصممى و الحبمموب و يسمممونه الحاسممب و‬
‫نظر في المرايا و المياه و يسمونه ضارب المندل و هممو مممن‬
‫المنكرات الفاشية في المصار لما تقرر في الشريعة من ذم‬
‫ذلك و إن البشر محجوبممون عممن الغيممب إل مممن أطلعممه اللممه‬
‫عليه من عنده في نمموم أو وليممة‪ .‬و أكممثر ممما يعتنممي بممذلك و‬
‫يتطلممع إليممه المممراء و الملمموك فممي آممماد دولتهممم و لممذلك‬
‫انصرفت العناية من أهممل العلممم إليممه و كممل أمممة مممن المممم‬
‫يوجد لهم كلم من كاهن أو منجم أو ولي في مثل ذلممك مممن‬
‫ملك يرتقبونه أو دولة يحدثون أنفسهم بهما و مما يحمدث لهمم‬
‫من الحرب و الملحم و مدة بقاء الدولة و عدد الملوك فيهمما‬
‫و التعرض لسمائهم و يسمى مثل ذلك الحممدثان و كممان فممي‬
‫العرب الكهممان و العرافممون يرجعممون إليهممم فممي ذلممك و قممد‬
‫أخبروا بما سيكون للعرب من الملك و الدولة كما وقع لشق‬
‫و سطيح في تأويل رؤيمما ربيعممة بممن نصممر مممن ملمموك اليمممن‬
‫أخبرهم بملممك الحبشممة بلدهممم ثممم رجوعهمما إليهممم ثممم ظهممر‬
‫الملك و الدولة للعرب من بعد ذلك و كذا تأويل سطيح لرؤيا‬
‫الموبممذان حيممث بعممث إليممه كسممرى بهمما مممع عنممد المسمميح و‬
‫أخبرهم بظهور دولة العرب‪ .‬و كذا كان في جيل البربر كهان‬
‫من أشهرهم موسى بن صممالح مممن بنممي يفممرن و يقممال مممن‬
‫غمرة له كلمات حدثانية على طريقة الشر برطممانتهم و فيهمما‬
‫حدثان كثير و معظمة فيما يكون‪ .‬لزناتة من الملك و الدولممة‬
‫بالمغرب و هي متداولة بين أهل الجيل و هممم يزعمممون تممارة‬
‫أنه ولي و تارة أنه كاهن و قد يزعم بعض مزاعمهم أنه كممان‬
‫نبيا ً لن تاريخه عندهم قبل الهجرة بكثير و اللممه أعلممم‪ .‬و قممد‬
‫يستند الجيل إلى خبر النبياء أن كان لعهدهم كما وقممع لبنممي‬
‫إسرائيل فإن أنبياءهم المتعاقبين فيهم كانوا يخبرونهم بمثلممه‬
‫عندما يعنونهم في السؤال عنه‪ .‬و أما فممي الدولممة السمملمية‬
‫فوقع منممه كممثير فيممما يرجممع إلممى بقمماء الممدنيا و مممدتها علممى‬
‫العموم و فيما يرجع إلى الدولة و أعمارها على الخصمموص و‬
‫كان المعتمد في ذلك فممي صممدر السمملم لثممار منقولممة عممن‬
‫الصحابة و خصوصا ً مسلمة بني إسرائيل مثل كعب الخبار و‬
‫وهب بممن منبممه و أمثالهممما و ربممما اقتبسمموا بعممض ذلممك مممن‬
‫ظواهر مأثورة و تأويلت محتملة‪ .‬و وقع لجعفر و أمثاله مممن‬
‫أهل البيت كثير من ذلك مستندهم فيه و الله أعلممم الكشممف‬
‫بما كانوا عليه من الولية و إذا كان مثله ل ينكمر مممن غيرهمم‬
‫من الولياء في ذويهم و أعقابهم و قد قال صلى الله عليممه و‬
‫سمملم‪ :‬إن فيكممم محممدثين فهممم أولممى النمماس بهممذه الرتممب‬
‫الشريفة و الكرامات الموهوبة‪ .‬و أما بعد صدر الملة و حيممن‬
‫علممق النمماس علممى العلمموم و الصممطلحات و ترجمممت كتممب‬
‫الحكماء إلى اللسان العربي‪ .‬فأكثر معتمدهم فممي ذلممك كلم‬
‫المنجميممن فممي الملممك و الممدول و سممائر المممور العامممة مممن‬
‫القرانات و في المواليد و المسممائل و سممائر المممور الخاصممة‬
‫من الطوالع لها و هي شكل الفلك عنممد حممدوثها فلنممذكر الن‬
‫ما وقع لهل الثر في ذلك ثم يرجع إلى كلم المنجميممن‪ .‬أممما‬
‫أهل الثر فلهم في مدة الملل و بقاء الدنيا على ما وقع فممي‬
‫كتاب السهيلي فإنه نقل عن الطبري ما يقتضي أن مدة بقاء‬
‫الدنيا منذ الملة خمسمائة سنة و نقص ذلممك بظهممور كممذبه و‬
‫مستند الطبري في ذلك أنه نقممل عممن ابممن عبمماس أن الممدنيا‬
‫جمعة من جمع الخرة و لم يذكر لممذلك دلي ً‬
‫ل‪ .‬و سممره و اللممه‬
‫أعلم تقدير الدنيا بأيام خلق السماوات و الرض و هي سبعة‬
‫ثم اليوم بألف سنة لقوله‪ :‬وإن يوما عند ربك كألف سنة مما‬
‫تعدون و قد ثبت في الصحيحين‪ :‬أن رسول اللممه صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم قال‪ :‬أجلهم في أجل من كان قبلهممم مممن صمملة‬
‫العصممر إلممى غممروب الشمممس و قممال‪ :‬بعثممت أنمما و السمماعة‬
‫كهمماتين و أشممار بالسممبابة و الوسممطى و قممدر ممما بيممن صمملة‬
‫العصر و غممروب الشمممس و حيممن صمميرورة ظممل كممل شمميء‬
‫مثليممه يكممون علممى التقريممب نصممف سممبع‪ ،‬و كممذلك وصممل‬
‫الوسطى على السبابة فتكون هذه المدة نصف سبع الجمعة‬
‫كلها و هو خمسمائة سممنة و يؤيممده قمموله صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم‪ :‬لن يعجز الله أن يؤخر هذه المة نصف يوم فدل ذلممك‬
‫على أن مدة الدنيا قبل الملة خمسة آلف و خمسمائة سممنة‬
‫و عن وهب بن منبه أنها خمسممة آلف و سممتمائة سممنة أعنممي‬
‫الماضي و عن كعب أن مدة الدنيا كلها ستة آلف سممنة قممال‬
‫السهيلي‪ :‬و ليس في الحديثين ما يشهد لشيء مما ذكره مع‬
‫وقوع الوجود بخلفه فأما قوله‪ :‬لن يعجز الله أن يممؤخر هممذه‬
‫المة نصف يوم فل يقتضي نفممي أن الزيمادة علمى النصممف و‬
‫أما قوله‪ :‬بعثت أنا و الساعة كهاتين فإنما فيممه الشممارة إلممى‬
‫القرب و أنه ليس بينه و بين الساعة نبي غيره و ل شرع غير‬
‫شرعه ثم رجع السهيلي إلى تعيين أمد الملة من مدرك آخممر‬
‫لو ساعده التحقيق و هممو أنممه جمممع الحممروف المقطعممة فممي‬
‫أوائل السور بعد حذف المكرر قال و هي أربعة عشممر حرفما ً‬
‫يجمعها قولممك ) ألممم يسممطع نممص حممق كممره ( فأخممذ عممددها‬
‫بحساب الجمل فكان سبعمائة و ثلثة أضافه إلممى المنقضممي‬
‫من اللف الخر قبل بعثته فهذه هي مدة الملة قال و ل يبعد‬
‫ذلك أن يكون من مقتضيات هذه الحروف و فوائدها قلمت‪ :‬و‬
‫كمونه ل يبعمد ل يقتضمي ظهموره و ل التعويمل عليمه‪ .‬و المذي‬
‫حمل السهيلي على ذلك إنما هو ممما وقممع فممي كتمماب السممير‬
‫لبن إسحاق في حديث ابني أخطب من أخبار اليهممود و هممما‬
‫أبو ياسر و أخوه حي حين سمعا من الحرف المقطعة ) ألممم‬
‫( و تأولها على بيممان المممدة بهممذا الحسمماب فبلغممت إحممدى و‬
‫سبعين فاستقل المدة و جاء حي إلى النبي صلى الله عليه و‬
‫سلم يسأله‪ :‬هل مع هذا غيره ؟ فقال ) المص ( ثم استزاد )‬
‫الرثم ( ثم استزاد ) المر ( فكانت إحدى و سممبعين و مممائتين‬
‫فاستطال المدة و قال‪ :‬قد لبس علينا أمرك يا محمد حتى ل‬
‫ندري أقليل ً أعطيت أم كثيرا ً ثممم ذهبمموا عنممه و قممال لهممم أبممو‬
‫ياسر ما يمدريكم لعلمه أعطمى عمددها كلهما تسمعمائة و أربمع‬
‫سنين قال ابن إسحاق فنزل قولة تعالى‪ :‬منه آيات محكمات‬
‫هن أم الكتاب و أخر متشابهات‪ 1 .‬هم‪ .‬و ل يقوم مممن القصممة‬
‫دليل على تقدير الملممة بهممذا العممدد لن دللممة هممذه الحممروف‬
‫علممى تلممك العممداد ليسممت طبيعيممة و ل عقليممة و إنممما هممي‬
‫بالتواضع و الصطلح الذي يسمونه حساب الجمممل نعممم إنممه‬
‫قديم مشهور و قدم الصطلح ل يصير حجة و ليس أبو ياسر‬
‫و أخوة حي ممن يؤخممذ رأيممه فممي ذلممك دليل ً و ل مممن علممماء‬
‫اليهود لنهم كانوا بادية بالحجمماز غفل ً عممن الصممنائع و العلمموم‬
‫حتى عن علم شريعتهم وفقه كتابهم و ملتهم و إنما يتلقفون‬
‫مثل هذا الحساب كما تتلقفه العوام في كممل ملممة فل ينهممض‬
‫للسهيلي دليل على ما ادعاه من ذلك‪ .‬و وقع في الملممة فممي‬
‫حدثان دولتها على الخصوص مسممند مممن الثممر إجمممالي فممي‬
‫حديث خرجه أبو داود عن حذيفة بن اليمان من طريق شيخه‬
‫محمد بن يحيى الذهبي عن سعيد بن أبي مريم عن عبد الله‬
‫بن فروخ عن أسامة بن زيد الليثي عن أبي قبيصة بن ذؤيممب‬
‫عن أبيه قال قال حذيفة بن اليمممان‪ :‬و اللممه ممما أدري أنسممي‬
‫أصحابي أم تناسوه و الله ما ترك رسول الله صلى الله عليه‬
‫و سلم من قائد فئة إلى أن تنقضممي الممدنيا ل يبلممغ مممن معممه‬
‫ثلثمائة فصاعدا ً إل قد سماه لنا باسمه و اسم أبيه و قبيلته و‬
‫سكت عليه أبو داود و قد تقدم أنه قال في رسالته ما سكته‬
‫عليه في كتابه فهو صالح و هذا الحديث إذا كان صحيحا ً فهممو‬
‫مجمل و يفتقر في بيممان إجممماله و تعييممن مبهممماته إلممى آثممار‬
‫أخرى يجود أسانيدها‪ .‬و قد وقع إسناد هذا الحممديث فممي غيممر‬
‫كتاب السنن على غير هذا الوجه فوقممع فممي الصممحيحين مممن‬
‫حديث حذيفة أيضا ً قال‪ :‬قام رسول اللممه صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم فينا خطيبا ً فما تممرك شمميئا ً يكممون فممي مقممامه ذاك إلممى‬
‫قيام الساعة إل حدث عنممه حفظممه مممن حفظممه و نسمميه مممن‬
‫نسيه قد علمه أصحابه هؤلء و لفظ البخاري‪ :‬ما تممرك شمميئا ً‬
‫إلى قيام الساعة إل ذكره و في كتمماب الترمممذي مممن حممديث‬
‫أبي سعيد الخدري قال صلى بنا رسول الله صلى اللممه عليممه‬
‫و سلم يوما ً صلة العصر بنهار ثم قام خطيبا ً فلممم يممدع شمميئا ً‬
‫يكون إلى قيمام السماعة إل أخبرنما بمه حفظمه ممن حفظمه و‬
‫نسيه من نسيه و هذه الحاديث كلها محمولممة علممى ممما ثبممت‬
‫في الصحيحين مممن أحمماديث الفتممن و الشممتراط ل غيممر لنممه‬
‫المعهود من الشارع صلوات الله و سمملمه عليممه فممي أمثممال‬
‫هذه العمومات و هذه الزيادة التي تفرد بها أبو داود في هذه‬
‫الطريق شاذة منكرة مع أن الئمة اختلفوا في رجمماله فقممال‬
‫ابن أبي مريم في ابن فروخ أحاديثه مناكير‪ .‬و قممال البخمماري‬
‫يعرف منه و ينكر و قال ابن عممدي أحمماديثه غيممر محفوظممة و‬
‫أسامة بن زيد و أن خرج له في الصحيحين و وثقه ابن معين‬
‫فإنما خرج له البخاري استشهادا ً و ضعفه يحيى بممن سممعيد و‬
‫أحمد بن حنبل و قال ابن حاتم يكتب حديثه و ل يحتممج بممه‪ .‬و‬
‫أبو قبيضة ابممن ذؤيممب مجهممول‪ .‬فتضممعف هممذه الزيممادة الممتي‬
‫وقعممت لبممي داود فممي هممذا الحممديث مممن هممذه الجهممات مممع‬
‫شذوذها كممما مممر‪ .‬و قممد يسممتندون فممي حممدثان الممدول علممى‬
‫الخصوص إلى كتاب الجفر و يزعمون أن فيه علم ذلممك كلممه‬
‫من طريق الثار و النجوم ل يزيدون علممى ذلممك و ل يعرفممون‬
‫أصل ذلك و ل مستنده و اعلم أن كتاب الجفر كان أصممله أن‬
‫هازون بن سعيد العجلي و هممو رأس الزيديممة كممان لممه كتمماب‬
‫يرويه عن جعفر الصادق و فيممه علممم ممما سمميقع لهممل الممبيت‬
‫على العموم و لبعض الشخاص منهممم علممى الخصمموص وقممع‬
‫ذلك لجعفر و نظائره مممن رجمالتهم علمى طريممق الكراممة و‬
‫الكشف الممذي يقممع لمثلهممم مممن الوليمماء و كممان مكتوبما ً عنممد‬
‫جعفر في جند ثور صغير فرواه عنه هارون العجلي و كتبممه و‬
‫سماه الجفر باسم الجلد الذي كتب فيه لن الجفر في اللغممة‬
‫هو الصغير و صار هذا السم علما ً على هذا الكتاب عندهم و‬
‫كان فيه تفسير القرآن و ما في باطنه مممن غممرائب المعمماني‬
‫مروية عن جعفر الصادق‪ .‬و هذا الكتاب لم تتصل روايتممه و ل‬
‫عرف عينه و إنما يظهر منممه شمواذ ممن الكلممات ل يصمحبها‬
‫دليل و لممو صممح السممند إلممى جعفممر الصممادق لكممان فيممه نعممم‬
‫المستند من نفسه أو من رجال قومه فهم أهل الكرامممات و‬
‫قد صح عنه أنه كممان يحممذر بعممض قرابتممه بوقممائع تكممون لهممم‬
‫فتصح كما يقول و قد حذر يحيى ابن عمه زيد من مصرعه و‬
‫عصاه فخرج و قتل بالجوزجان كما هو معممروف‪ .‬و إذا كممانت‬
‫الكرامة تقع لغيرهم فما ظنك بهممم علم ما ً و دين ما ً و آثممارا ً مممن‬
‫النؤة و عناية من الله بالصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة و‬
‫قد ينقل بين أهل البيت كثير من هذا الكلم غير منسوب إلى‬
‫أحد و في أخبار دولة العبيديين كثير منه و انظر ما حكاه ابن‬
‫الرقيق في لقاء أبي عبد الله الشيعي لعبيد الله المهدي مممع‬
‫ابنه محمممد الحممبيب و ممما حممدثاه بممه و كيممف بعثمماه إلممى ابممن‬
‫حوشب داعيتهم باليمن فأمره بالخروج إلممى المغممرب و بممث‬
‫الدعوة فيه على علمه لقنه أن دعمموته تتممم هنمماك و أن عبيممد‬
‫الله لما بنى المهديممة بعممد اسممتفحال دولتهممم بأفريقيممة قممال‪:‬‬
‫) بنيتها ليعتصم بها الفواطم ساعة من نهار ( و أراهم موقف‬
‫صاحب الحمار أبممي يزيممد بالهديممة و كممان يسممأل عممن منتهممى‬
‫موقفه حتى جاءه الخبر ببلوغه إلى المكان الممذي عينممه جممده‬
‫أبو عبيد الله فأيقن بالظفر و بممرز مممن البلممد فهزمممه و اتبعممه‬
‫إلى ناحية الزاب فظفر به و قتله و مثل هذه الخبار كثيرة‪.‬‬
‫و أما المنجمون فيستندون فممي حممدثان الممدول إلممى الحكممام‬
‫النجومية أما في المممور العامممة مثممل الملممك و الممدول فمممن‬
‫القرانات و خصوصا ً بين العلويين و ذلك أن العلويين زحممل و‬
‫المشتري يقترنان في كل عشرين سنة مرة ثم يعود القممرآن‬
‫إلى برج آخر في تلك المثلثة من التثليث اليمن ثم بعده إلى‬
‫آخر كذلك إلى أن يتكرر فمي المثلثممة الواحممدة اثنمتي عشمرة‬
‫مرة تستوي بروجه الثلثة في ستين سنة ثممم يعممود فيسممتوي‬
‫بها في سممتين سمنة ثممم يعممود ثالثممة ثممم رابعممة فيسممتوي فممي‬
‫المثلثة باثنتي عشرة مرة و أربع عودات في مائتين و أربعين‬
‫سنة و يكون انتقاله في كل برج على التثليث اليمن و ينتقل‬
‫من المثلثة إلى المثلثة التي تليها أعني البرج الذي يلي البرج‬
‫الخير من القرآن الذي قبلة في المثلثة و هذا القممرآن الممذي‬
‫هو قران العلويين ينقسم إلى كبير و صغير و وسممط فممالكبير‬
‫هو اجتماع العلويين في درجة واحدة من الفلك إلى أن يعممود‬
‫إليها بعد تسعمائة و سممتين سممنة مممرة واحممدة و الوسممط هممو‬
‫اقتران العلويين في كل مثلثة اثنتي عشرة مرة و بعد مائتين‬
‫و أربعين سنة ينتقل إلى مثلثة أخممرى و الصممغير هممو اقممتران‬
‫العلويين في درجة برج و بعد عشرين سنة يقترنان في بممرج‬
‫آخر على تثليثه اليمن في مثل درجممه أو دقممائقه مثممال ذلممك‬
‫وقع القرآن يكون أول دقيقة من الحمل و بعد عشرين يكون‬
‫في أول دقيقة من السد و هذه كلها نارية و هممذا كلممه قممران‬
‫صغير ثم يعود إلى أول الحمل بعد ستين سممنة و يسمممى دور‬
‫القران و عود القران و بعد مائتين و أربعين ينتقل من النارية‬
‫إلى الترابية لنها بعممدها و هممذا قممران وسممط ثممم ينتقممل إلممى‬
‫الهوائية ثم المائية ثم يرجع إلى أول الحمممل فممي تسممعمائة و‬
‫ستين سنة و هممو الكممبير و القممران الكممبير يممدل علممى عظممام‬
‫المور مثل تغيير الملك و الدولممة و انتقممال الملممك مممن قمموم‬
‫إلى قوم و الوسط على ظهور المتغلبين و الطالبين للملك و‬
‫الصممغير علممى ظهممور الخمموارج والممدعاة و خممراب المممدن أو‬
‫عمرانها و يقع في أثناء هممذه القرانممات قممران النحسممين فممي‬
‫برج السرطان في كل ثلثيممن سممنة مممرة و يسمممى الرابممع و‬
‫برج السرطان هو طالع العممالم و فيممه و بممال زحممل و هبمموط‬
‫المريمخ فتعظمم دللمة همذا القمران فمي الفتمن و الحمروب و‬
‫سفك الدماء و ظهمور الخمموارج و حركممة العسمماكر و عصمميان‬
‫الجنممد و الوبمماء و القحممط و يممدوم ذلممك أو ينتهممي علممى قممدر‬
‫السممعادة و النحوسممة فممي وقممت قرانهممما علممى قممدر تيسممير‬
‫الدليل فيه‪ .‬قال جراس بن أحمد الحاسب في الكتمماب الممذي‬
‫ألفه لنظام الملك و رجوع المريخ إلى العرب لممه أثممر عظيممم‬
‫في الملة السلمية لنه كان دليلها فالمولد النبوي كممان عنممد‬
‫قممران العلممويين بممبرج العقممرب فلممما رجممع هنالممك حممدث‬
‫التشويش على الخلفاء و كثر المرض في أهل العلم و الدين‬
‫و نقصت أحوالهم و ربما انهدم بعض بيوت العبادة و قد يقال‬
‫أنه كان عند قتل علي رضي الله عنه و مروان من بني أميممة‬
‫و المتوكل من بني العبمماس فممإذا روعيممت هممذه الحكممام مممع‬
‫أحكممام القرانممات كممانت فممي غايممة الحكممام و ذكممر شمماذان‬
‫البلخي‪ :‬أن الملة تنتهي إلى ثلثمممائة و عشممرين‪ .‬و قممد ظهممر‬
‫كممذب هممذا القممول‪ .‬و قممال أبممو معشممر‪ :‬يظهممر بعممد المممائة و‬
‫الخمسين منها اختلف كثير و لم يصح ذلك‪ .‬و قال خراشممى‪:‬‬
‫رأيت في كتب القدماء أن المنجمين أخبروا كسرى عن ملك‬
‫العرب و ظهور النبؤة فيهم‪ .‬و أن دليلهم الزهرة و كانت في‬
‫شرفها فيبقى الملك فيهم أربعين سنة و قال أبو معشر فممي‬
‫كتاب القرانات القسمة إذا انتهت إلممى السممابعة و العشممرين‬
‫من الحوت فيها شرف الزهرة و وقع القران مممع ذلممك بممبرج‬
‫العقرب و هو دليل الرب ظهممرت حينئذ دولممة العممرب و كممان‬
‫منهم نبي و يكون قوة ملكه و مدته على ما بقي من درجات‬
‫شرف الزهرة و هي إحدى عشممرة درجممة بتقريممب مممن بممرج‬
‫الحوت و مدة ذلك ستمائة و عشر سنين و كممان ظهممور أبممي‬
‫مسملم عنمد انتقمال الزهمرة و وقموع القسممة أول الحممل و‬
‫صاحب الجد المشتري‪ .‬و قال يعقوب بن إسحاق الكنممدي أن‬
‫مدة الملة تنتهي إلى ستمائة و ثلثا ً و تسعين سنة‪ .‬قال‪ :‬لن‬
‫الزهرة كانت عند قران الملة فممي ثمممان و عشممرين درجممة و‬
‫ثلثين دقيقة من الحوت فالباقي إحدى عشرة درجة و ثمممان‬
‫عشممرة دقيقممة و دقائقهمما سممتون فيكممون سممتمائة و ثلثمما ً و‬
‫تسممعين سممنة‪ .‬قممال‪ :‬و هممذه مممدة الملممة باتفمماق الحكممماء و‬
‫يعضده الحروف الواقعممة فممي أول السممور بحممذف المكممرر و‬
‫اعتبار بحساب الجمل‪ .‬قلت و هذا هو الذي ذكره السهيلي و‬
‫الغالب أن الول هو مستند السهيلي فيممما نقلنمماه عنممه‪ .‬قممال‬
‫خراش‪ :‬سأل هرمز إفريد الحكيم عن مممدة أردشممير و ولممده‬
‫ملوك الساسممانية فقممال‪ :‬دليممل ملكممه المشممتري و كممان فممي‬
‫شرفه فيعطى أطول السممنين و أجودهمما أربعمممائة و سممبعا ً و‬
‫عشرين سنة ثم تزيد الزهرة و تكون في شرفها و هي دليممل‬
‫العرب فيملكون لن طالع القران الميزان و صمماحبه الزهممرة‬
‫و كانت عند القران في شرفها مدة انهم يملكون ألف سنة و‬
‫سممتين سممنة‪ .‬و سممأل كسممرى أنوشممروان وزيممره بممزر جمهممر‬
‫الحكيم عن خروج الملك من فارس إلممى العممرب فممأخبره أن‬
‫القممائم منهممم يولممد لخمممس و أربعيممن مممن دولتممه و يملممك‬
‫المشرق و المغرب و المشتري يغوص إلى الزهممرة و ينتقممل‬
‫القممران مممن الهوائيممة إلممى العقممرب و هممو مممائي و هممو دليممل‬
‫العرب فهذه الدلة تفضي للملة بمدة دور الزهرة و هي ألف‬
‫و ستون سنة‪ .‬و سأل كسرى الوزير أليوس الحكيم عن ذلك‬
‫فقال مثل قول بزر جمهر‪ .‬و قال توفيل الرومي المنجم فممي‬
‫أيام بنممي أميممة‪ :‬أن ملممة السمملم تبقممى مممدة القممران الكممبير‬
‫تسعمائة و ستين سنة فإذا عاد القران إلى برج العقرب كممما‬
‫كان في ابتداء الملة و تغير وضممع الكممواكب عممن هيئتهمما فممي‬
‫قممران الملممة فحينئذ إممما أن يفممتر العمممل بممه أو يتجممدد مممن‬
‫الحكام ما يوجب خلف الفن‪ .‬قال خراش‪ :‬و اتفقوا على أن‬
‫خراب العالم يكون باستيلء الممماء و النممار حممتى تهلممك سممائر‬
‫المكونات و ذلك عندما يقطممع قلممب السممد أربع ما ً و عشممرين‬
‫درجة و هي حد المريخ‪ ،‬و ذلك بعد مضممي تسممعمائة و سممتين‬
‫سنة‪ .‬و ذكر خراش‪ :‬أن ملممك زابلسممتان بعممث إلممى المممأمون‬
‫بحكيمه ذوبان أتحفه به في هدية و أنه تصرف للمممأمون فممي‬
‫الختيارات بحروب أخيه و بعقد اللواء لطمماهر و أن المممأمون‬
‫أعظم حكمته فسأله عن مدة ملكهم فأخبره بانقطاع الملممك‬
‫من عقبه و اتصاله في ولد أخيممه و أن العجممم يتغلبممون علممى‬
‫الخلفة من الديلم في دولة سنة خمسين و يكممون ممما يريممده‬
‫الله ثم يسوء حالهم ثم تظهمر المترك ممن شممالي المشمرق‬
‫فيملكون إلى الشممام و الفممرات و سمميحون و سمميملكون بلد‬
‫الروم و يكون ما يريده الله فقال له المأمون‪ :‬مممن أيممن لممك‬
‫هذا ؟ فقال‪ :‬من كتب الحكماء و من أحكام صصممة بممن داهممر‬
‫الهندي الذي وضع الشطرنج‪ .‬قلت و الترك الذين أشممار إلممى‬
‫ظهورهم بعد الديلم هم السلجوقية و قد انقضت دولتهم أول‬
‫القرن السممابع‪ .‬قممال خممراش‪ :‬و انتقممال القممران إلممى المثلثممة‬
‫المائية من برج الحوت يكون سممنة ثلث و ثلثيممن و ثمانمممائة‬
‫ليزدجرد و بعدها إلى برج العقرب حيث كان قران المئة سنة‬
‫ثلث و خمسين‪ .‬قال‪ :‬و الذي في الحوت هممو أول النتقممال و‬
‫الذي في العقرب يستخرج منه دلئل الملممة‪ .‬قممال‪ :‬و تحويممل‬
‫السنة الولى من القران الول في المثلثات المائية في ثاني‬
‫رجب سنة ثمان و ستين و ثمانمائة و لم يستوف الكلم على‬
‫ذلك‪ .‬و أما مستند المنجمين في دولة علممى الخصمموص فمممن‬
‫القران الوسط و هيئة الفلك عند وقوعه لن له دللة عندهم‬
‫على حدوث الدولة و جهاتها من العمران و القائمين بهمما مممن‬
‫المممم و عممدد ملمموكهم و أسمممائهم و أعمممارهم و نحلهممم و‬
‫أديانهم و عوائدهم و حروبهم كما ذكر أبممو معشممر فممي كتممابه‬
‫في القرانات و قد توجد هذه الدللة مممن القممران الصممغر إذا‬
‫كان الوسط دال ً عليه فمن يوجد الكلم في الدول و قد كان‬
‫يعقوب بن إسحاق الكندي منجم الرشيد و المأمون وضع في‬
‫القرانات الكائنة في الملة كتابا ً سماه الشيعة بممالجفر باسممم‬
‫كتابهم المنسوب إلى جعفر الصممادق و ذكممر فيممه فيممما يقممال‬
‫حدثان‪ :‬دولة بني العباس و أنها نهايته و أشار إلممى انقراضممها‬
‫و الحادثة على بغداد أنها تقع في انتصمماف المممائة السممابعة و‬
‫أنه بانقراضها يكون انقراض الملة و لم نقف على شيء مممن‬
‫خبر هذا الكتاب و ل رأينا من وقممف عليممه و لعلممه غممرق فممي‬
‫كتبهم التي طرحها هلكو ملك التتر في دجلة عنممد اسممتيلئهم‬
‫على بغداد و قتل المستعصم آخر الخلفاء و قد وقع بالمغرب‬
‫جممزء منسمموب إلممى هممذا الكتمماب يسمممونه الجفممر الصممغير و‬
‫الظاهر أنه وضع لبني عبد المؤمن لممذكر الوليممن مممن ملمموك‬
‫الموحدين فيه على التفصيل و مطابقة مممن تقممدم عممن ذلممك‬
‫من حدثانه و كذب ما بعده و كان في دولة بني العبمماس مممن‬
‫بعد الكندي منجمون و كتممب فممي الحممدثان و انظممر ممما نقلممه‬
‫الطبري في أخبار المهدي عن أبي بديل من أصممحاب صممنائع‬
‫الدولة قال بعث إلي الربيع و الحسن في غزاتهما مع الرشيد‬
‫أيام أبيه فجئتهما جوف الليل فممإذا عنممدهما كتمماب مممن كتممب‬
‫الدولة يعني الحممدثان و إذا مممدة المهممدي فيممه عشممر سممينين‬
‫فقلت‪ :‬هذا الكتاب ل يخفى علممى المهممدي و قممد مضممى مممن‬
‫دولته ما مضى فإذا وقف عليه كنتم قد نعيتم إليه نفسه‪ .‬قال‬
‫فما الحيلة فاستدعيت عنبسة الوراق مولى آل بديل و قلممت‬
‫له انسخ هذه الورقة و اكتب مكان عشممر أربعيممن ففعممل فممو‬
‫الله لول أني رأيت العشرة في تلممك الورقممة و الربعيممن فممي‬
‫هذه ما كنت أشك أنها هي ثم كتب الناس من بعد ذلممك فممي‬
‫حدثان الدول منظوما ً و منثورا ً و رجزا ً ما شاء الله أن يكتبوه‬
‫و بأيدي الناس متفرقة كثير منها و تسمى الملحم‪ .‬و بعضممها‬
‫فممي حممدثان الملممة علممى العممموم و بعضممها فممي دولممة علممى‬
‫الخصوص و كلها منسوبة إلممى مشمماهير مممن أهممل الخليقممة و‬
‫ليس منها أصل يعتمد على روايته عن واضعه المنسوب إليممه‬
‫فمممن هممذه الملحممم بممالمغرب قصمميدة ابممن مرانممة مممن بحممر‬
‫الطويل على روي الراء و هي متداولة بين النمماس و تحسممب‬
‫العامة أنها مممن الحممدثان العممام فيطلقمون الكمثير منهمما علممى‬
‫الحاضممر و المسممتقبل و الممذي سمممعناه مممن شمميوخنا أنهمما‬
‫مخصوصة بدولة لمتونه لن الرجل كان قبيل دولتهممم و ذكممر‬
‫فيها استيلءهم على سبتة من يد موالي بني حمود و ملكهممم‬
‫لعدوة الندلس و من الملحم بيد أهل المغرب أيضما ً قصمميدة‬
‫تسمى التبعية أولها‪:‬‬
‫طربت و ما ذاك مني طرب و قد يطرب الطائر المغتصب‬
‫و ما ذاك مني للهو أراه و لكن لتذكار بعض السبب‬
‫قريبا ً من خمسمائة بيت أو ألف فيما يقممال ذكممر فيهمما كممثيرا ً‬
‫من دولممة الموحممدين و أشممار فيهمما إلممى الفمماطمي و غيممره و‬
‫الظاهر أنها مصنوعة و من الملحم بالمغرب أيضا ً ملعبة ممن‬
‫الشممعر الزجلممي منسمموبة لبعممض اليهممود ذكممر فيهمما أحكممام‬
‫القرانات لعصره العلويين و النحسين و غيرهما و ذكممر ميتتممه‬
‫قتيل ً بفاس و كان كذلك فيما زعموه و أوله‪:‬‬
‫فافهموا يا قوم هذي‬ ‫في صبغ ذا الزرق لشرفه خيارا‬
‫الشارا‬
‫نجم زحل اخبر بذي العلما و بدل الشكل و هي سلما‬
‫شاشية زرقا بدل العماما و شاش أزرق بدل الغرارا‬
‫يقول في آخره‬
‫يصلب في بلدة فاس‬ ‫قد تم ذا التجنيس لنسان يهودي‬
‫في يوم عيد‬
‫و قتله يا قوم على الفراد‬ ‫حتى يجيه الناس من البوادي‬
‫و أبياته نحو الخمسمائة و هي في القرانات التي دلممت علممى‬
‫دولممة الموحممدين و مممن ملحممم المغممرب أيض ما ً قصمميدة مممن‬
‫عروض المتقارب على روي الباء في حمدثان دولمة بنمي أبمي‬
‫حفص بتونس من الموحدين منسوبة لبن البممار‪ .‬و قممال لممي‬
‫قاضي قسنطينية الخطيب الكبير أبو علي بن بمماديس و كممان‬
‫بصيرا ً بما يقوله و له قدم في التنجيم فقال لي‪ :‬أن هذا ابممن‬
‫البار ليس هو الحافظ الندلسي الكاتب مقتول المستنصر و‬
‫إنما هو رجل خيمماط مممن أهلممي تممونس تواطممأت شممهرته مممع‬
‫شهرة الحافظ و كممان والمدي رحمممه اللممه تعمالى ينشممد همذه‬
‫البيات من هذه الملحمة و بقي بعضها في حفظي مطلعها‪:‬‬
‫يغز ببارقه الشنب‬ ‫عذيري من زمن قلب‬
‫و منها‪.‬‬
‫و يبقى هناك على مرقب‬ ‫و يبعث من جيشه قائدا ً‬
‫فتأتي إلى الشيخ أخباره فيقبل كالجمل الجرب‬
‫و يظهر من عدله سيرة و تلك سياسة مستجلب‬
‫و منها في ذكر أحوال تونس على العموم‪.‬‬
‫و لم يرع حق لذي منصب‬ ‫فأما رأيت الرسوم امحت‬
‫وودع معالمها و اذهب‬ ‫فخذ في الترحل عن تونس‬
‫تضيف البريء إلى المذنب‬ ‫فسوف تكون بها فتنة‬
‫و وقفت بالمغرب علممى ملحمممة أخممرى فممي دولممة بنممي أبممي‬
‫حفص هؤلء بتونس‬
‫فيها بعد السلطات أبممي يحيممى الشممهير عاشممر ملمموكهم ذكممر‬
‫محمد أخيه من بعده‬
‫يقول فيها‪:‬‬
‫و يعرف بالوثاب في نسخة‬ ‫و بعد أبي عبد الله شقيقه‬
‫الصل‬
‫إل أن هذا الرجممل لممم يملكهمما بعممد أخيممه و كممان يمنممي بممذلك‬
‫نفسه إلى أن هلك‬
‫و مممن الملحممم فممي المغممرب أيض ما ً الملعبممة المنسمموبة إلممى‬
‫الهوثني على لغة العامة في عروض البلد‪:‬‬
‫فترت المطار و لم تفتر‬ ‫دعني بدمعي الهتان‬
‫و انى تملى و تغدر‬ ‫و استقت كلها الويدان‬
‫فأولى ما ميل ما تدري‬ ‫البلد كلما تروي‬
‫و العام و الربيع تجري‬ ‫ما بين الصيف و الشتوي‬
‫دعنى نبكي و من عذر‬ ‫قال حين صحت الدعوى‪:‬‬
‫ذا القرن اشتد و تمري‬ ‫أنادي من ذي الزمان‬
‫و هممي طويلممة و محفوظممة بيممن عامممة المغممرب القصممى و‬
‫الغالب عليها الوضع‬
‫لنممه لممم يصممح منهمما قممول إل علممى تأويممل تحرفممه العامممة أو‬
‫الحارف فيه من ينتحلها من الخاصة و وقفت بالمشرق علممى‬
‫ملحمة منسوبة لبي العربي الحمماتمي فممي كلم طويممل شممبه‬
‫اللغاز ل يعلم تأويله إل الله لتحلله إلى أوفاق عددية و رموز‬
‫ملغوزة و أشكال حيوانممات تممامه و رؤوس مقطعممة و تماثيممل‬
‫من حيوانات غريبة‪ .‬و فممي آخرهمما قصمميدة علممى روي اللم و‬
‫الغالب أنها كلها غير صحيحة لنها لم تنشأ عممن أصممل علمممي‬
‫من نجامة و ل غيرها و سمعت أيضا ً أن هنمماك ملحممم أخممرى‬
‫منسوبة لبن سيناء و ابن عقاب و ليس في شيء معها دليل‬
‫علممى الصممحة لن ذلممك إنممما يؤخممذ مممن القرانممات و وقفممت‬
‫بالمشرق أيضا ً على ملحمة من حدثان دولممة الممترك منسمموبة‬
‫إلممى رجممل مممن الصمموفية يسمممى البمماجر بقممي و كلهمما إلغمماز‬
‫بالحروف أولها‪.‬‬
‫من علم جفر و‬ ‫إن شئت تكسف سر الجفر يا سائلي‬
‫صي والد الحسن‬
‫و الوصف فافهم‬ ‫فافهم و كن و اعيا ً حرفا ً و جملته‬
‫كفعل الحاذق الفطن‬
‫لكنني أذكر التي من‬ ‫أما الذي قبل عصري لست أذكره‬
‫الزمن‬
‫بحاء ميم بطيش نام‬ ‫يشهر بيبرس يبقى بعد خمستها‬
‫في الكنن‬
‫له القضاء قضى أي ذلك‬ ‫شين له أثر من تحت سرته‬
‫المنن‬
‫و أذربيجان في ملك‬ ‫فمصر و الشام مع أرض العراق له‬
‫إلى اليمن‬
‫و منها‪:‬‬
‫الفاتك الباتك المعني‬ ‫و آل بوران لما نال طاهرهم‬
‫بالسمن‬
‫ل لو فاق و نوت ذي‬ ‫لخلع سين ضعيف السن سين أتى‬
‫قرن‬
‫يبقى بحاء و أين بعد ذو‬ ‫قوم شجاع له عقل و مشورة‬
‫سمن‬
‫و منها‪:‬‬
‫يلي المشورة ميم الملك‬ ‫من بعد باء من العوام قتلته‬
‫ذو اللسن‬
‫و منها‪:‬‬
‫في عصره فتن ناهيك‬ ‫هذا هو العرج الكلبي فاعن به‬
‫من فتن‬
‫عار عن القاف قاف‬ ‫يأتي من الشرق في جيش يقدمهم‬
‫جد بالفتن‬
‫أبدت بشجو على‬ ‫بقتل دال و مثل الشام أجمعها‬
‫الهلين و الوطن‬
‫ن الزلزال ما زال حاء‬ ‫إذا أتى زلزلت يا ويح مصر مم‬
‫غير مقتطن‬
‫هلكا ً و ينفق أموال ً بل‬ ‫طاء و ظاء و عين كلهم حبسوا‬
‫ثمن‬
‫هون به إن ذاك الحصن‬ ‫يسير القاف قافا ً عند جمعهم‬
‫في سكن‬
‫ل سلم اللف سين لذاك‬ ‫و ينصبون أخاه و هو صالحهم‬
‫بني‬
‫من السنين يداني الملك في‬ ‫تمت وليتهم بالحاء ل أحد‬
‫الزمن‬
‫و يقال أنه أشار إلى الملك الظاهر و قدوم أبيه عليه بمصر‪:‬‬
‫و طول غيبته و الشطف و‬ ‫يأتي إليه أبوه بعد هجرته‬
‫الزرن‬
‫و أبياتها كثيرة و الغالب أنها موضوعة و مثل صنعتها كان في‬
‫القديم كثير و معروف للنتحال‪.‬‬
‫حكى المؤرخون لخبار بغداد أنه كان بها أيممام المقتممدر وراق‬
‫ذكي يعرف بالدانالي يبل الوراق و يكتممب فيهمما بخممط عممتيق‬
‫يرمز فيه بحروف من أسماء أهل الدولة و يشير بها إلممى ممما‬
‫يعرف ميلهم إليه من أحوال الرفعممة و الجمماه كأنهمما ملحممم و‬
‫يحصل على ما يريده منهم من الدنيا و أنممه وضممع فممي بعممض‬
‫دفاتره ميما ً مكررة ثلث مرات و جمماء بممه إلممى مفلممح مممولى‬
‫المقتدر‪ .‬فقال له هذا كناية عنك و هو مفلح مولى المقتدر و‬
‫ذكر عنه ما يرضاه و يناله من الدولة و نصب لممذلك علمممات‬
‫يموه بها عليه فبدل له ممما أغنمماه بممه ثممم وضممعه للمموزير ابممن‬
‫القاسم بن وهب على مفلح هذا و كان معزول ً فجاءه بأوراق‬
‫مثلها و ذكر اسم الوزير بمثل هذه الحروف و بعلمات ذكرها‬
‫و أنه يلي الوزارة للثاني عشر من الخلفاء و تسممتقيم المممور‬
‫على يديه و يقهممر العممداء و يغيممر الممدنيا فممي أيممامه و أوقممف‬
‫مفلحا ً هذا على الوراق و ذكر فيها كوائن أخرى و ملحم من‬
‫هذا النوع مما وقع و مما لم يقع و نسب جميعممه إلممى دانيممال‬
‫فأعجب به مفلح‪ .‬و وقممف عليممه المقتممدر و اهتممدى مممن تلممك‬
‫المور و العلمات إلى ابن وهممب و كممان ذلممك سممببا ً لمموزارته‬
‫بمثل هذه الحيلمة العريقمة فمي الكمذب و الجهمل بمثمل همذه‬
‫اللغمماز و الظمماهر أن هممذه الملحمممة الممتي ينسممبونها إلممى‬
‫الباجربقي من هذا النوع و لقد سألت أكمل الدين ابممن شمميخ‬
‫الحنفية من العجم بالديار المصرية عن هذه الملحمممة و عممن‬
‫هذا الرجل الذي تنسب إليه من الصوفية و هممو البمماجربقي و‬
‫كان عارفا ً بطرائقهم فقال كان من القلندريممة المبتدعممة فممي‬
‫حلق اللحية و كان يتحدث عما يكون بطريق الكشف و يومي‬
‫إلى رجال معينيممن عنممده و يلغممز عليهممم بحممروف يعينهمما فممي‬
‫ضمنها لمن يراه منهممم و ربممما يظهممر نظممم ذلممك فممي أبيممات‬
‫قليلة كان يتعاهدها فتنوقلت عنه و ولع الناس بهمما و جعلوهمما‬
‫ملحمة مرموزة و زاد فيها الخراصون من ذلممك الجنممس فممي‬
‫كل عصر و شغل العامممة بفممك رموزهمما و هممو أمممر ممتنممع إذ‬
‫الرمز إنما يهدي إلى كشفه قانون يعرف قبله و يوضممع لممه و‬
‫أما مثل هذه الحروف فدللتها علممى المممراد منهمما مخصوصممة‬
‫بهذا النظم ل يتجاوزوه فرأيت من كلم هذا الرجممل الفاصممل‬
‫شفاء لما كان في النفس مممن أمممر هممذه الملحمممة و ممما كنمما‬
‫لنهتدي لول أن هدانا الله و الله سبحانه و تعممالى أعلممم و بممه‬
‫التوفيق‪.‬‬
‫البمماب الرابممع مممن الكتمماب الول فممي البلممدان و‬
‫المصار و سائر العمران و ممما يعممرض فممي ذلممك‬
‫من الحوال و فيه سوابق و لواحق‬
‫الفصل الول في أن الدول من المدن و المصار و‬
‫أنها إنما توجد ثانية عن الملك‬
‫و بيانه أن البناء و اختطاط المنازل إنما من منممازع الحضممارة‬
‫التي يدعو إليها الترف و الدعة كما قدمناه و ذلك متأخر عممن‬
‫البداوة و منازعهمما و أيضما ً فالمممدن و المصممار ذات هياكممل و‬
‫أجممرام عظيمممة و بنمماء كممبير و هممي موضمموعة للعممموم ل‬
‫للخصمموص فتحتمماج إلممى اجتممماع اليممدي و كممثرة التعمماون و‬
‫ليست من المور الضرورية للناس التي تعم بها البلوى حممتى‬
‫يكون نزوعهم إليها اضطرارا ً بل ل بد من إكراههم على ذلممك‬
‫و سوقهم إليه مضطهدين بعصا الملك أو مرغبين في الثواب‬
‫و الجر الذي ل يفي بكممثرته إل الملممك و الدولممة‪ .‬فل بممد فممي‬
‫تمصير المصار و اختطاط المدن من الدولة و الملك‪ .‬ثممم إذا‬
‫بنيت المدينة و كمل تشييدها بحسب نظر مممن شمميدها و بممما‬
‫اقتضته الحوال السماوية و الرضية فيها فعمر الدولممة حينئذ‬
‫عمر لها فإن كان عمر الدولة قصمميرا ً وقمف الحممل فيهمما عنممد‬
‫انتهاء الدولة و تراجع عمرانها و خربت و إن كان أممد الدولمة‬
‫طويل ً و مدتها منفسحة فلتزال المصانع فيها تشاد و المنازل‬
‫الرحيبة تكثر و تتعدد و نطاق السواق يتباعممد و ينفسممح إلممى‬
‫أن تسمع الخطة و تبعد المسافة و ينفسح ذرع المساحة كما‬
‫وقع ببغداد و أمثالها‪ .‬ذكر الخطيب في تمأريخه أن الحماممات‬
‫بلغ عددها ببغداد لعهد المأمون خمسة و ستين ألف حمممام و‬
‫كانت مشتملة على مدن و أمصار متلصقة و متقاربة تجمماوز‬
‫الربعين و لم تكن مدينة وحدها يجمعها سممور واحممد لفممراط‬
‫العمران و كذا حال القيروان و قرطبة و المهديممة فممي الملممة‬
‫السلمية و حال مصر القاهرة بعدها فيما بلغنا لهمذا العهمد و‬
‫أممما بعممد انقممراض الدولممة المشمميدة للمدينممة فإممما أن يكممون‬
‫لضواحي تلك المدينة و ما قاربها من الجبال و البسائط بادية‬
‫يمدها العمران دائما ً فيكون ذلممك حافظما ً لوجودهمما و يسممتمر‬
‫عمرها بعد الدولة كممما تممراه بفمماس و بجايممة مممن المغممرب و‬
‫بعراق العجم من المشرق الموجود لها العمران مممن الجبممال‬
‫لن أهل البداوة إذا انتهت أحوالهم إلى غاياتهمما مممن الرفممه و‬
‫الكسب تدعو إلى الدعة و السكون الذي فممي طبيعممة البشممر‬
‫فينزلون المدن و المصار و يتأهلون و أما إذا لممم يكممن لتلممك‬
‫المدينة المؤسسة مادة تفيدها العمران بترادف الساكن مممن‬
‫بدرها فيكون انقراض الدولة خرقا ً لسياجها فيزول حفظهمما و‬
‫يتناقص عمرانها شيئا ً فشيئا ً إلى أن يبممذعر سمماكنها و تخممرب‬
‫كما و قع بمصممر و بغممداد و الكوفممة بالمشممرق و القيممروان و‬
‫المهدية و قلعة بني حماد بالمغرب و أمثالها فتفهمممه و ربممما‬
‫ينزل المدينة بعد انقراض مختطيها الولين ملك آخممر و دولممة‬
‫ثانية يتخذها قرارا ً و كرسيا ً يستغني بها عممن اختطمماط مدينممة‬
‫ينزلها فتحفظ تلك الدولة سياجها و تتزايد مبانيها و مصممانعها‬
‫بتزايد أحوال الدولة الثانية و ترفها و تستجد بعمرانهمما عمممرا ً‬
‫آخر كما وقع بفاس و القمماهرة لهممذا العهممد و اللممه سممبحانه و‬
‫تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصممل الثمماني فممي أن الملممك يممدعو إلممى نممزول‬


‫المصار‬
‫و ذلك أن القبائل و العصائب إذا حصل لهم الملممك اضممطروا‬
‫للستيلء على المصار لمرين أحدهما ممما يممدعو إليممه الملممك‬
‫من الدعة و الراحة و حط الثقال و استكمال ما كان ناقصمما ً‬
‫من أمور العمممران فممي البممدو و الثمماني دفممع ممما يتوقممع علممى‬
‫الملممك مممن أمممر المنممازعين و المشمماغبين لن المصممر الممذي‬
‫يكون في نواحيهم ربما يكون ملجممأ لمممن يممروم منممازعتهم و‬
‫الخروج عليهممم و انممتزاع ذلممك الملممك الممذي سممموا إليممه مممن‬
‫أيديهم فيعتصم بذلك المصر و يغالبهم و مغالبة المصر علممى‬
‫نهاية من الصعوبة و المشقة و المصر يقمموم مقممام العسمماكر‬
‫المتعممددة لممما فيممه مممن المتنمماع و نكايممة الحممرب مممن وراء‬
‫الجدران من غير حاجة إلى كثير عدد و ل عظيممم شمموكة لن‬
‫الشوكة و العصابة إنما احتيج إليهما فمي الحمرب للثبمات لمما‬
‫يقع من بعد كرة القوم بعضهم على بعض عند الجولة و ثبات‬
‫هممؤلء بالجممدران فل يضممطرون إلممى كممبير عصممابة و ل عممدد‬
‫فيكون حال هذا الحصن و من يعتصم به من المنممازعين مممما‬
‫يفت عضد المة التي تروم الستيلء و يخضد شوكة استيلئها‬
‫فإذا كانت بين أجنابهم أمصار انتظموها في استيلئهم للمممن‬
‫من مثل هذا النخرام و إن لممم يكممن هنمماك مصممر اسممتحدثوه‬
‫ضرورة لتكميل عمرانهم أول ً و حط أثقممالهم و ليكممون شممجا ً‬
‫في حلق من يروم العزة و المتنمماع عليهممم مممن طمموائفهم و‬
‫عصممائبهم فتعيممن أن الملممك يممدعو إلممى نممزول المصممار و‬
‫الستيلء عليها و الله سبحانه و تعالى أعلممم و بممه التوفيممق ل‬
‫رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الثالث فممي أن المممدن العظيمممة و الهياكممل‬


‫المرتفعة إنما يشيدها الملك الكثير‬
‫قد قدمنا ذلك فممي آثمار الدولممة مممن المبمماني و غيرهمما و أنهما‬
‫تكممون علممى نسممبتها و ذلممك أن تشممييد المممدن إنممما يحصممل‬
‫باجتماع الفعلة و كثرتهم و تعاونهم فإذا كانت الدولة عظيمممة‬
‫متسعة الممالك حشر الفعلة من أقطارهمما و جمعممت أيممديهم‬
‫على عملها و ربما استعين في ذلك في أكممثر المممر بالهنممدام‬
‫الذي يضاعف القوي و القممدر فممي حمممل أثقممال البنمماء لعجممز‬
‫القوة البشرية و ضعفها عممن ذلممك كالمخممال و غيممره و ربممما‬
‫يتوهم كثير من الناس إذا نظر إلى آثار القدمين و مصممانعهم‬
‫العظيمة مثل إيوان كسرى و أهرام مصر و حنايمما المعلقممة و‬
‫شرشال بالمغرب إنما كانت بقممدرهم متفرقيممن أو مجتمعيممن‬
‫فيتخيل لهم أجساما ً تناسب ذلك أعظم مممن هممذه بكممثير فممي‬
‫طولها و قدرها لتناسب بينها و بين القدر الممتي صممدرت تلممك‬
‫المباني عنها و يغفل عن شأن الهندام و المخال و ما اقتضته‬
‫في ذلك الصناعة الهندسية و كممثير مممن المتغلممبين فممي البلد‬
‫يعاين في شأن البناء و استعمال الحيل في نقل الجرام عند‬
‫أهل الدولة المعتنين بذلك من العجم ما يشهد لممه بممما قلنمماه‬
‫ة‬‫عيانا ً و أكثر آثار القدمين لهممذا العهممد تسممميها العامممة عاديم ً‬
‫ة إلى قوم عاد لتوهمهم أن مباني عمماد و مصممانعهم إنممما‬ ‫نسب ً‬
‫عظمت لعظم أجسامهم و تضاعف قممدرهم‪ .‬و ليممس كممذلك‪،‬‬
‫فقد نجد آثارا ً كثيرة من آثار الذين تعممرف مقممادير أجسممامهم‬
‫مممن المممم و هممي فممي مثممل ذلممك العظممم أو أعظممم كممإيوان‬
‫كسرى و مباني العبيديين من الشيعة بأفريقية و الصنهاجيين‬
‫وأثرهم باد إلى اليوم في صممومعة قلعممة بنممي حممماد و كممذلك‬
‫بناء الغالبة في جامع القيروان و بنمماء الموحممدين فممي ربمماط‬
‫الفتح و رباط السمملطان أبممي سممعيد لعهممد أربعيممن سممنة فممي‬
‫المنصورة بإزاء تلمسان و كذلك الحنايا التي جلب إليها أهممل‬
‫قرطاجنة الماء في القناة الراكبة عليهمما ماثلممة لهممذا العهممد و‬
‫غير ذلك من المباني و الهياكل التي نقلممت إلينمما أخبممار أهلهمما‬
‫قريبما ً و بعيمدا ً و تيقنما ً أنهمم لمم يكونموا بمإفراط فمي مقمادير‬
‫أجسامهم و إنما هذا رأي ولع بممه القصمماص عممن قمموم عمماد و‬
‫ثمود و العمالقة‪ .‬و نجد بيوت ثمود فممي الحجممر منحوتممة إلممى‬
‫هذا العهد و قد ثبت في الحديث الصحيح أنها بيوتهم يمر بهمما‬
‫الركب الحجازي في أكثر السممنين و يشمماهدونها ل تزيممد فممي‬
‫جوها و مساحتها و سمممكها علممى المتعاهممد و إنهممم ليبممالغون‬
‫فيما يعتقدون من ذلك حتى أنهم ليزعمون أن عوج بن عناق‬
‫مممن جيممل العمالقممة كممان يتنمماول السمممك مممن البحممر طممريئا ً‬
‫فيشويه في الشمس يزعمون بذلك أن الشمس حممارة فيممما‬
‫قممرب منهمما و ل يعلمممون أن الحممر فيممما لممدينا هممو الضمموء‬
‫لنعكمماس الشممعاع بمقابلممة سممطح الرض و الهممواء و أممما‬
‫الشمس في نفسها فغير حارة و ل باردة و إنممما هممي كمموكب‬
‫مضيىء ل مزاج له و قد تقممدم شمميء مممن هممذا فممي الفصممل‬
‫الثاني حيث ذكرنا أن آثار الدولة علممى نسممبة كممل قوتهمما فممي‬
‫أصلها‪ .‬و الله يخلق ما يشاء و يحكم ما يريد‪.‬‬
‫الفصممل الرابممع فممي أن الهياكممل العظيمممة جممدا ً ل‬
‫تستقل ببنائها الدولة الواحدة‬
‫و السبب في ذلك ما ذكرناه من حاجة البنمماء إلممى التعمماون و‬
‫مضاعفة القدر البشرية و قد تكون المباني في عظمها أكممثر‬
‫من القدر مفردة أو مضاعفة بالهندام كما قلناه فيحتمماج إلممى‬
‫معاودة قدر أخرى مثلها في أزمنة متعاقبة إلى أن تتم‪.‬‬
‫فيبتدئ الول منهم بالبنمماء‪ ،‬و يعقبممه الثمماني و الثممالث‪ ،‬و كممل‬
‫واحد منهم قد استكمل شأنه في حشر الفعلة و جمع اليممدي‬
‫حتى يتم القصد من ذلك و يكمل و يكون ممماثل ً للعيممان يظنممه‬
‫من يراه من الخرين أنه بناء دولة واحدة‪ .‬و انظممر فممي ذلممك‬
‫ما نقله المؤرخون في بناء سد مأرب و أن الذي بناه سبأ بن‬
‫يشخب و ساق إليه سبعين واديا ً و عاقه الممموت عممن إتمممامه‬
‫فأتمه ملوك حمير مممن بعممده و مثممل هممذا ممما نقممل فممي بنمماء‬
‫قرطاجنة و قناتها الراكبة على الحنايا العادية و أكثر المبمماني‬
‫العظيمة في الغممالب هممذا شممأنها و يشممهد لممذلك أن المبمماني‬
‫العظيمة لعهدنا نجد الملممك الواحممد يشممرع فممي اختطاطهمما و‬
‫تأسيسها فإذا لم يتبع أثره من بعده من الملوك فممي إتمامهمما‬
‫بقيت بحالها و لم يكمل القصد فيها‪ .‬و يشهد لممذلك أيض ما ً أنمما‬
‫نجد آثارا ً كثيرة من المباني العظيمة تعجز الدول عن هممدمها‬
‫و تخريبها مع أن الهدم أيسر من البناء بكثير لن الهدم رجوع‬
‫إلى الصل الذي هو العدم و البناء على خلف الصل‪.‬‬
‫فإذا وجدنا بناء تضعف قوتنا البشرية عممن هممدمه مممع سممهولة‬
‫الهدم علمنا أن القممدرة الممتي أسسممته مفرطممة القمموة و أنهمما‬
‫ليست أثر دولة واحدة و هذا مثل ما وقع للعممرب فممي إيمموان‬
‫كسرى لما اعتزم الرشيد على هدمه و بعممث إلممى يحيممى بممن‬
‫خالد و هو فممي محبسممه يستشمميره فممي ذلممك فقممال يمما أميممر‬
‫المؤمنين ل تفعل و اتركه ماثل ً يستدل بممه علممى عظممم ملممك‬
‫آبممائك الممذين سمملبوا الملممك لهممل ذلممك الهيكممل فمماتهمه فممي‬
‫النصيحة و قال أخذته النعرة للعجم و الله لصر عنه و شممرع‬
‫في هدمه و جمع اليدي عليه و اتخذ له الفؤس و حماه بالنار‬
‫و صب عليه الخل حتى إذا أدركه العجز بعد ذلك كلممه وخمماف‬
‫الفضيحة بعث إلى يحيممى يستشمميره ثانيما ً فممي التجممافي عممن‬
‫الهدم فقال ل تفعل و استمر على ذلك لئل يقممال عجممز أميممر‬
‫المؤمنين و ملك العرب عن هدم مصممنع مممن مصممانع العجممم‬
‫فرفعها الرشيد و أقصر عن هدمه و كذلك اتفق للمأمون في‬
‫هدم الهرام الممتي بمصممر و جمممع الفعلممة لهممدمها فلممم يحممل‬
‫بطائل و شممرعوا فممي نقبممه فممانتهوا إلممى جممو بيممن الحممائط و‬
‫الظاهر و ما بعده من الحيطان و هنالك كان منتهى هدمهم و‬
‫هو إلى اليوم فيما يقال منفذ ظمماهر و يزعممم الزاعمممون أنممه‬
‫وجممد ركممازا ً بيممن تلممك الحيطممان واللممه أعلممم‪ .‬و كممذلك حنايمما‬
‫المعلقة إلى هذا العهد تحتاج أهل مدينة تممونس إلممى انتخمماب‬
‫الحجممارة لبنممائهم أو تسممتجيد الصممناع حجممارة تلممك الحنايمما‬
‫فيحاولون على هدمها اليام العديدة و ل يسقط الصممغير مممن‬
‫جدرانها إل بعد عصب الريق و تجتمع له المحافل المشممهورة‬
‫شهدت منها في أيام صباي كثيرا ً والله خلقكم وما تعملون‪.‬‬

‫الفصل الخممامس فيممما تجممب مراعمماته فممي أوضمماع‬


‫المدن و ما يحدث إذا غفل عن المراعاة‬
‫إعلممم أن المممدن قممرار يتخممذه المممم عنممد حصممول الغايممة‬
‫المطلوبممة مممن الممترف و دواعيمه فتمؤثر الدعممة و السمكون و‬
‫تتوجه إلى اتخمماذ المنممازل للقممرار و لممما كممان ذلممك القممرار و‬
‫المممأوى وجممب أن يراعممى فيممه دفممع المضممار بالحمايممة مممن‬
‫طوارقها و جلب المنافع و تسهيل المرافق لها فأممما الحمايممة‬
‫من المضار فيراعى لها أن يممدار علممى منازلهمما جميعما ً سممياج‬
‫السوار و أن يكون وضع ذلك في تمنع من المكنة إممما علممى‬
‫هضبة متوعرة من الجبل و إما باستدارة بحر أو نهر بها حممتى‬
‫ل يوصل إليها إل بعد العبور علممى جسممر أو قنطممرة فيصممعب‬
‫منالها على العدو و يتضاعف امتناعها و حصنها‪ .‬و مما يراعى‬
‫في ذلك للحماية من الفات السماوية طيب الهواء للسمملمة‬
‫مممن المممراض‪ .‬فمإن الهممواء إذا كممان راكمدا ً خبيثما ً أو مجماورا ً‬
‫للمياه الفاسدة أو منافع متعفنة أو مروج خبيثممة أسممرع إليهمما‬
‫العفن من مجاورتها فأسرع المممرض للحيمموان الكممائن فيممه ل‬
‫محالة و هذا مشاهد‪ .‬و المدن التي لم يراع فيها طيب الهواء‬
‫كثيرة المراض فممي الغممالب‪ .‬و قممد اشممتهر بممذلك فممي قطممر‬
‫المغرب بلد قابس من بلد الجريد بأفريقية فل يكمماد سمماكنها‬
‫أو طارقها يخلص من حمى العفن بوجه‪ .‬و لقد يقال أن ذلممك‬
‫حادث فيها و لم تكن كذلك من قبل و نقل البكري في سبب‬
‫حدوثه أنه وقع فيها حفر ظهممر فيممه أنمماء مممن نحمماس مختمموم‬
‫بالرصاص‪ .‬فلممما فممض ختممامه صممعد منممه دخممان إلممى الجممو و‬
‫انقطع‪ .‬و كان ذلك مبدأ أمراض الحميات فيه و أراد بذلك أن‬
‫الناء كان مشتمل ً على بعض أعمال الطلمسات لوبائه و أنممه‬
‫ذهب سره بذهابه فرجع إليها العغن و الوباء و هممذه الحكايممة‬
‫من مذاهب العامة و مباحثهم الركيكة و البكري لم يكن مممن‬
‫نباهة العلم و استنارة البصيرة بحيث يدفع مثل هممذا أو يتممبين‬
‫خرفه فنقله كما سمعه‪ .‬و الذي يكشف لممك الحممق فممي ذلممك‬
‫أن هممذه الهويممة العفنممة أكممثر ممما يهيئهمما لتعفيممن الجسممام و‬
‫أمممراض الحميممات ركودهمما‪ .‬فممإذا تخللتهمما الريممح و تفشممت و‬
‫ذهبت بها يمينا ً و شمال ً خف شممأن العفممن و المممرض البممادي‬
‫منها للحيوانات‪ .‬و البلد إذا كان كثير الساكن و كثرت حركات‬
‫أهله فيتموج الهواء ضرورة و تحممدث الريممح المتخللممة للهممواء‬
‫الراكد و يكون ذلك معينا ً له على الحركة و التموج و إذا خف‬
‫الساكن لم يجد الهممواء معينما ً علممى حركتممه و تممموجه و بقممي‬
‫ساكنا ً راكدا ً و عظم عفنه و كممثر ضممرره‪ .‬و بلممد قممابس هممذه‬
‫كانت عندما كانت أفريقية مستجدة العمران كممثيرة السمماكن‬
‫تممموج بأهلهمما موجما ً فكممان ذلممك معينما ً علممى تممموج الهممواء و‬
‫اضطرابه و تخفيف الذى منه فلم يكن فيهمما كممثير عفممن و ل‬
‫مممرض‪ ،‬وعنممدما خمف سماكنها ركممد هواؤهمما المتعفممن بفسمماد‬
‫مياهها فكثر العفن و المرض‪ .‬فهذا و جهه ل غير‪ .‬و قممد رأينمما‬
‫عكس ذلك في بلد وضعت و لممم يممراع فيهمما طيممب الهممواء و‬
‫كانت أول ً قليلممة السمماكن فكممانت أمراضممها كممثيرة فلممما كممثر‬
‫سكانها انتقل حالها عممن ذلممك و هممذا مثممل دار الملممك بفمماس‬
‫لهذا العهد المسمى بالبلد الجديد و كثير من ذلك في العممالم‬
‫فتفهمه تجد ما قلته لك‪ .‬و أما جلب المنافع و المرافق للبلممد‬
‫فيراعى فيه أمور منهمما الممماء بممأن يكممون البلممد علممى نهممر أو‬
‫بإزائها عيون عذبة ثرة فإن وجود الماء قريبا ً من البلد يسهل‬
‫على الساكني حاجة الماء و هممي ضممرورية فيكممون لهممم فممي‬
‫وجوده مرفقة عظيمة عامة‪ .‬و مما يراعى من المرافق فممي‬
‫المدن طيب المراعي لسائمتهم إذ صاحب كل قرار ل بد لممه‬
‫من دوجن الحيوان للنتاج و الضرع و الركوب و ل بد لها مممن‬
‫المرعى فإذا كممان قريبما ً طيبما ً كممان ذلممك أرفممق بحممالهم لممما‬
‫يعانون من المشقة في بعده و مما راعى أيضا ً المزارع فممإن‬
‫الزروع هي القوات‪ .‬فإذا كانت مزارع البلد بالقرب منها كان‬
‫ذلممك أسممهل فممي اتخمماذه و أقممرب فممي تحصمميله و مممن ذلممك‬
‫الشجر للحطب و البناء فممإن الحطممب مممما تعممم البلمموى فممي‬
‫اتخاذه لوقوب النيران للصممطلء و الطبممخ‪ .‬و الخشممب أيض ما ً‬
‫ضممروري لسممقفهم و كممثير مممما يسممتعمل فيممه الخشممب مممن‬
‫ضممرورياتهم و قممد يراعممى أيض ما ً قربهمما مممن البحممر لتسممهيل‬
‫الحاجات القاصية مممن البلد النائيممة إل أن ذلممك ليممس بمثابممة‬
‫الول و هذه كلها متفاوتة بتفاوت الحاجممات و ممما تممدعو إليممه‬
‫ضرورة الساكن‪ .‬و قد يكون الواضع غافل ً عن حسن الختيار‬
‫الطبيعي أو إنما يراعي ما هو أهم علممى نفسممه و قممومه‪ ،‬و ل‬
‫يذكر حاجة غيرهم كما فعله العرب لول السلم فمي المممدن‬
‫التي اختطوها بالعراق و أفريقيممة فممإنهم لممم يراعمموا فيهمما إل‬
‫الهم عندهم من مراعي البل و ما يصلح لهمما مممن الشممجر و‬
‫الماء الملح و لم يراعوا الماء و ل المممزارع و ل الحطممب و ل‬
‫مراعي السائمة من ذوات الظلف و ل غير ذلك كالقيروان و‬
‫الكوفة و البصرة و أمثالها و لهذا كانت أقرب إلى الخراب ما‬
‫لم تراع فيها المور الطبيعية‪.‬‬
‫و مما يراعى في البلد إلممى السمماحلية الممتي علممى البحممر أن‬
‫تكون في جبل أو تكون بيممن أمممة مممن المممم موفممورة العممدد‬
‫تكون صريخا ً للمدينة متى طرقها‪ .‬طارق من العدو و السبب‬
‫فممي ذلممك أن المدينممة إذا كممانت حاضممرة البحممر و لممم يكممن‬
‫بساحتها عمران للقبائل أهل العصبيات و ل موضممعها متمموعر‬
‫مممن الجبممل كممانت فممي غممرة للبيممات و سممهل طروقهمما فممي‬
‫الساطيل البحرية علممى عممدوها و تحيفممه لهمما لممما يممأمن مممن‬
‫وجود الصريخ لها‪ .‬و أن الحضر المتعودين للدعممة قممد صمماروا‬
‫عيال ً و خرجوا عن حكممم المقاتلممة‪ .‬و هممذه كالسممكندرية مممن‬
‫المشرق و طرابلس من المغرب و بونة و سل‪.‬‬
‫و متى كانت القبائل و العصائب موطنين بقربها بحيث يبلغهم‬
‫الصريخ و النعير و كانت متوعرة المسالك على مممن يرومهمما‬
‫باختطاطها في هضاب الجبال و على أسنمتها كان لهمما بممذلك‬
‫منعة من العدو و يئسوا من طروقها لما يكابدونه من وعرهمما‬
‫و ما يتوقعونه من إجابة صريخها كما في سبتة و بجاية و بلممد‬
‫القممل علممى صممغرها فممافهم ذلممك و اعتممبره فممي اختصمماص‬
‫السممكندرية باسممم الثغممر مممن لممدن الدولممة العباسممية مممع أن‬
‫الدعوة من ورائها ببرقممة و أفريقيممة‪ .‬و إنممما اعتممبر فممي ذلممك‬
‫المخافة المتوقعة فيها من البحر لسممهولة وضممعها و لممذلك و‬
‫الله أعلممم كممان طممروق العممدو للسممكندرية و طرابلممس فممي‬
‫الملة مرات متعددة و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل السادس في المسمماجد و الممبيوت العظيمممة‬


‫في العالم‬
‫إعلم أن الله سبحانه و تعالى فضل من الرض بقاعا ً اختصها‬
‫بتشريفه و جعلها مواطن لعبادته يضاعف فيها الثواب و ينمو‬
‫بها الجور و أخبرنا بذلك علممى ألسممن رسممله و أنبيممائه لطف ما ً‬
‫بعباده و تسهيل ً لطرق السعادة لهم‪ .‬و كانت المساجد الثلثة‬
‫هي أفضل بقاع الرض حسممبما ثبممت فممي الصممحيحين و هممي‬
‫مكة و المدينة و بيت المقدس‪ .‬أما البيت الحرام الذي بمكممة‬
‫فهو بيت إبراهيم صلوات الله و سلمه عليه‪ .‬أمره الله ببنائه‬
‫و أن يؤذن في الناس بالحج إليه فبنمماه هممو و ابنممه إسممماعيل‬
‫كما نصه القرآن و قام بما أمره الله فيممه و سممكن إسممماعيل‬
‫به مع هاجر و من نزل معهم من جرهم إلى أن قبضهما اللممه‬
‫و دفنا بممالحجر منممه‪ .‬و بيممت المقممدس بنمماه داوود و سممليمان‬
‫عليهما السلم‪ .‬أمرهما الله ببناء مسممجده و نصممب هيمماكله و‬
‫دفن كثير من النبياء من ولد إسحاق عليه السلم حممواليه‪ .‬و‬
‫المدينة فهاجر نبينا محمد صلوات اللممه و سمملمة عليممه أمممره‬
‫اللممه تعممالى بممالهجرة إليهمما و إقامممة ديممن السمملم بهمما فبنممى‬
‫مسجده الحرام بها و كان ملحده الشريف في تربتهمما فبهممذه‬
‫المسمماجد الثلثممة قممرة عيممن المسمملمين و مهمموى أفئدتهممم و‬
‫عظمة دينهم و في الثار من فضلها و مضمماعفة الثممواب فممي‬
‫مجاورتها و الصلة فيها كثير معروف فلنشر إلممى شمميء مممن‬
‫الخبر عن أولية هذه المساجد الثلثة و كيف تدرجت أحوالهمما‬
‫إلى أن كمل ظهورهمما فمي العمالم‪ .‬فأممما مكممة فأوليتهمما فيمما‬
‫يقال أن آدم صلوات الله عليه بناها قبالة البيت المعمممور ثممم‬
‫هدمها الطوفان بعد ذلك و ليس فيه خبر صحيح يعول عليممه‪.‬‬
‫و إنما اقتبسوه من محمل الية في قوله و إذ يرفممع إبراهيممم‬
‫القواعد من البيت و إسماعيل ثم بعممث اللممه إبراهيممم و كممان‬
‫من شأنه و شأن زوجتممه سممارة و غيرتهمما مممن همماجر ممما هممو‬
‫معروف و أوحى الله إليه أن يترك ابنه اسماعيل و أمه هاجر‬
‫بالفلة فوضعهما في مكان البيت و سار عنهما و كيممف جعممل‬
‫الله لهما من اللطف في نبع ماء زمزم و مممرور الرفقممة مممن‬
‫جرهم بها حتى احتملوهما و سكنوا إليهم كما و نزلمموا معهممما‬
‫حوالي زمزم كما عرف في موضعه فاتخذ إسماعيل بموضممع‬
‫الكعبة بيتا ً يأوي إليه و أدار عليممه سممياجا ً مممن الممردم و جعلممه‬
‫زربا ً لغنمه و جاء إبراهيم صلوات الله عليه مرارا ً لزيارته من‬
‫الشام أمر في آخرها ببناء الكعبة مكان ذلك الممزرب فبنمماه و‬
‫استعان فيه بابنه إسماعيل و دعمما النمماس إلممى حجممه و بقممي‬
‫إسماعيل ساكنا ً به و لما قبضت أمه همماجر و قممام بنمموه مممن‬
‫بعده بأمر البيت مممع أخمموالهم مممن جرهممم ثممم العممماليق مممن‬
‫بعدهم و استمر الحال على ذلك و الناس يهرعون إليهمما مممن‬
‫كل أفق من جميع أهل الخليقة ل من بني إسماعيل و ل مممن‬
‫غيرهم ممن دنا أو نأى فقد نقل أن التبابعة كانت تحج الممبيت‬
‫وتعظمه و أن تبعا ً كساها الملء و الوصائل و أمر بتطهيرها و‬
‫جعل لها مفتاحًا‪.‬‬
‫و نقل أيضا ً أن الفرس كانت تحجه و تقرب إليه و أن غزالممي‬
‫الذهب اللذين وجدهما عبد المطلب حيممن احتقممر زمممزم كانمما‬
‫من قرابينهم‪ .‬و لم يممزل لجرهممم الوليممة عليممه مممن بعممد ولممد‬
‫إسماعيل من قبل خؤولتهم حتى إذا خرجت خزاعة و أقمماموا‬
‫بها بعدهم ما شاء الله‪ .‬ثممم كممثر ولممد إسممماعيل و انتشممروا و‬
‫تشعبوا إلى كنانة ثممم كنانممة إلممى قريممش و غيرهممم و سمماءت‬
‫ولية خزاعممة فغلبتهممم قريممش علممى أمممره و أخرجمموهم مممن‬
‫البيت و ملكوا عليهم يممومئذ قصممي بممن كلب فبنممى الممبيت و‬
‫سقفه بخشب الدوم و جريد النخل و قال العشى‪:‬‬
‫بناها قصي و المضاض‬ ‫خلفت بثوبي راهب الدور و التي‬
‫بن جرهم‬
‫ثم أصاب البيت سيل و يقال حريق و تهدم و أعممادوا بنمماءه و‬
‫جمعوا النفقة لذلك من أموالهم و انكسممرت سممفينة بسمماحل‬
‫جدة فاشتروا خشبها للسممقف و كممانت جممدرانه فمموق القامممة‬
‫فجعلوها ثممماني عشممرة ذراعما ً و كممان البمماب لصممقا ً بممالرض‬
‫فجعلوه فوق القامة لئل تدخله السيول و قصرت بهم النفقممة‬
‫عن إتمامه فقصروا عممن قواعممده و تركمموا منممه سممت أذرع و‬
‫شبرا ً أداروها بجدار قصممير يطمماف مممن ورائه و هممو الحجممر و‬
‫بقي البيت على هذا البناء إلممى أن تحصممن ابممن الزبيممر بمكممة‬
‫حين دعا لنفسه و زحفت إليممه جيمموش يزيممد بممن معاويممة مممع‬
‫الحصين بن نمير السكوني‪ .‬و رمى البيت سنة أربممع و سممتين‬
‫فأصابه حريق‪ ،‬يقال من النفط الذي رموا به على ابن الزبير‬
‫فتصدعت حيطانه فهدمه ابن الزبير فأعاد بناءه أحسممن مممما‬
‫كان بعد أن اختلفت عليه الصحابة في بنممائه‪ .‬و احتممج عليهممم‬
‫بقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لعائشممة رضممي اللممه‬
‫عنها‪ ،‬لول قومك حديثو عهد بكفر لرددت البيت علممى قواعممد‬
‫إبراهيم و لجعلت له بابين شرقيا ً و غربيا ً فهدمه و كشف عن‬
‫أساس إبراهيم عليه السمملم و جمممع الوجمموه و الكممابر حممتى‬
‫عاينوه و أشار عليه ابممن عبمماس بممالتحري فممي حفممظ القبلممة‬
‫على الناس فأدار على الساس الخشب و نصب مممن فوقهمما‬
‫الستار حفظا ً للقبلة و بعث إلى صنعاء في الفضة و الكلممس‬
‫فحملهمما‪ .‬وسمأل عممن مقطممع الحجممارة الول فجمممع منهمما ممما‬
‫احتاج إليه ثممم شممرع فممي البنمماء علممى أسمماس إبراهيممم عليممه‬
‫السلم و رفع في جدرانها سبعا ً و عشرين ذراعا ً و جعممل لهمما‬
‫بابين لصقين بالرض كما روى في حممديثه و جعممل فرشممها و‬
‫إزرهمما بالرخممام و صمماغ لهمما المفاتيممح و صممفائح البممواب مممن‬
‫الذهب‪ .‬ثم جاء الحجاج لحصاره أيام عبد الملك و رمى علممى‬
‫المسجد بالمنجنيقات إلى أن تصدعت حيطانها‪ .‬ثم لما ظفممر‬
‫بابن الزبيمر شماور عبممد الملممك فيمما بنماه و زاده فمي الممبيت‬
‫فأمره بهدمه و رد البيت على قواعد قريش كما هي اليوم‪ .‬و‬
‫يقال‪ :‬أنه ندم على ذلك حيممن علممم صممحة روايممة ابممن الزبيممر‬
‫لحديث عائشة‪ ،‬و قال وددت أني كنت حملت أبمما حممبيب فممي‬
‫أمر البيت و بنائه ما تحمل‪ .‬فهدم الحجاج منهمما سممت أذرع و‬
‫شبرا ً مكان الحجر و بناها على أسمماس قريممش و سممد البمماب‬
‫الغربي و ما تحت عتبة بابها اليوم من الباب الشرقي‪ .‬و ترك‬
‫سائرها لم يغير منه شيئا ً فكل البناء الذي فيه اليوم بناء ابممن‬
‫الزبير و بناء الحجاج في الحائط صمملة ظمماهرة للعيممان لحمممة‬
‫ظاهرة بين البناءين‪ .‬و البناء متميز عممن البنمماء بمقممدار إصممبع‬
‫شبه الصدع و قد لحم‪.‬‬
‫و يعرض ههنا إشكال قوي لمنافمماته لممما يقمموله الفقهمماء فممي‬
‫أمر الطواف و يحذر الطائف أن يميل على الشاذروان الدائر‬
‫على أساس الجدر من أسفلها فيقع طوافه داخل البيت بنمماء‬
‫على أن الجدر إنما قامت على بعض الساس و ترك بعضه و‬
‫هو مكان الشاذروان و كذا قالوا في تقبيممل الحجممر السممود ل‬
‫بد من رجوع الطائف من التقبيل حتى يستوي قائما ً لئل يقممع‬
‫بعض طوافه داخل البيت و إذا كانت الجدران كلهمما مممن بنمماء‬
‫ابن الزبير و هو إنما بني على أساس ابراهيم فكيف يقع هممذا‬
‫الذي قالوه و ل مخلص من هممذا إل بأحممد أمريممن أحممدهما أن‬
‫يكون الحجاج هدم جميعه و أعاده و قد نقل ذلممك جماعممة إل‬
‫أن العيان في شواهد البناء بالتحام ما بيممن البنمماءين و تمييممز‬
‫أحد الشقين من أعله على الخر في الصناعة يرد ذلك و أما‬
‫أن يكون ابن الزبير لم يرد المبيت علمى أسماس إبراهيمم ممع‬
‫جميع جهاته و إنما فعل ذلك في الحجممر فقممط ليممدخله فهممي‬
‫الن مع كونها من بناء ابن الزنير ليست على قواعد إبراهيممم‬
‫و هذا بعيد و ل محيص من هذين و الله تعممالى اعلممم‪ .‬ثممم أن‬
‫مساحة البيت و هو المسجد كان فضاء للطائفين و لممم يكممن‬
‫عليه جدر أيام النبي صلى الله عليه و سمملم و أبممي بكممر مممن‬
‫بعده‪ .‬ثم كثر الناس فاشترى عمر رضي الله عنه دورا ً هدمها‬
‫و زادها في المسجد و أدار عليها جممدارا ً دون القامممة و فعممل‬
‫مثل ذلك عثمان ثم ابن الزبير ثم الوليد بن عبد الملك و بناه‬
‫بعمد الرخام ثم زاد فيه المنصور و ابنه المهدي مممن بعممده و‬
‫وقفت الزيادة و استقرت على ذلك لعهدنا‪.‬‬
‫و تشريف الله لهذا البيت و عنايته به أكثر من أن يحاط به و‬
‫كفى بذلك أن جعله مهبطا ً للوحي و الملئكة و مكانا ً للعبممادة‬
‫و فرض شرائع الحج و مناسممكه و أوجممب لحرمممه مممن سممائر‬
‫نواحيه من حقوق التعظيم و الحق ما لممم يمموجبه لغيممر فمنممع‬
‫كل من خالف دين السلم من دخممول ذلممك الحممرم و أوجممب‬
‫على دخلممه أن يتجممرد مممن المحيممط إل أزارا ً يسممتره و حمممى‬
‫العائذ به و الراتع في مسممارحه مممن مواقممع الفممات فل يممرام‬
‫فيه خائف و ل يصاد له وحش و ل يحتطممب لممه شممجر‪ .‬و حممد‬
‫الحرم الذي يختص بهممذه الحرمممة مممن طريممق المدينممة ثلثممة‬
‫أميال إلى التنعيم و من طريق العراق سبعة أميال إلى الثنية‬
‫من جبل المنقطع و مممن طريممق الطممائف سممبعة أميممال إلممى‬
‫بطممن نمممرة و مممن طريممق جممدة سممبعه أميممال إلممى منقطممع‬
‫العشائر‪ .‬هذا شأن مكة و خبرها و تسمى أم القرى و تسمى‬
‫الكعبة لعلوها من اسم الكعممب‪ .‬و يقممال لهمما أيض ما ً بكممة قممال‬
‫الصمعي‪ ،‬لن الناس يبك بعضهم بعضا ً إليها أي يممدفع و قممال‬
‫مجاهد باء بكممة أبممدلوها ميمما ً كممما قمالوا لزب و لزم لقممرب‬
‫المخرجين‪ .‬و قال النخعي بالباء و بالميم البلد و قال الزهري‬
‫بالباء للمسجد كله و بالميم للحرم و قد كانت المم منذ عهد‬
‫الجاهلية تعظمه و الملوك تبعث إليه بالموال و الذخائر مثممل‬
‫كسممرى و غيممره و قصممة السممياف و غزالممي الممذهب اللممذين‬
‫وجدهما عبد المطلب حين احتفر زمزم معروفممة و قممد وجممد‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم حين افتتح مكة في الجب‬
‫الممذي كممان فيهمما سممبعين ألممف أوقيممة مممن الممذهب مممما كممان‬
‫الملوك يهدون للممبيت فيهمما ألممف ألممف دينممار مكممررة مرتيممن‬
‫بمائتي قنطار‪ ،‬وزنا ً و قال له علي بن أبي طالب رضممي اللممه‬
‫عنه‪:‬‬
‫يا رسول الله لو استعنت بهذا المال على حربك‪ .‬فلممم يفعممل‬
‫ثم ذكر لبممي بكممر فلممم يحركممه‪ .‬هكممذا قممال الزرقممي‪ .‬و فممي‬
‫البخاري يسنده إلى أبي وائل قال‪:‬‬
‫جلست إلممى شمميبة بممن عثمممان و قممال جلممس إلممي عمممر بممن‬
‫الخطاب فقال‪ :‬هممت أن ل أدع فيهمما صممفراء و ل بيضمماء إل‬
‫قسمتها بين المسلمين‪ ،‬قلت‪ :‬ما أنت بفاعممل‪ ،‬قممال‪ :‬و لممم ؟‬
‫قلت‪ :‬فلم يفعله صاحباك فقممال هممما اللممذان يقتممدى بهممما‪ .‬و‬
‫خرجه أبو داود و ابن ماجة و أقام ذلك المممال إلممى أن كممانت‬
‫فتنة الفطس و هو الحسن بن الحسممين بممن علممي بممن علممي‬
‫زين العابدين سنة تسع و تسعين و مائة حين غلب مكة عمممد‬
‫إلى الكعبة فأخذ مافي خزائنها و قال ممما تصممنع الكعبممة بهممذا‬
‫المال موضوعا ً فيها ل ينتفع به نحن أحق به نستعين به علممى‬
‫حربنا و أخرجه و تصرف فيممه و بطلمت المذخيرة مممن الكعبممة‬
‫من يومئذ‪ .‬و أما بيت المقدس و هو المسجد القصممى فكممان‬
‫أول أمره أيام الصابئة موضممع الزهممرة و كممانوا يقربممون إليممه‬
‫الزيت فيما يقربونه يصبونه على الصخرة التي هناك ثممم دثممر‬
‫ذلممك الهيكممل و اتخممذها بنممو إسممرائيل حيممن ملكوهمما قبلممة‬
‫لصلتهم‪ .‬و ذلك أن موسى صلوات الله عليه لما خممرج ببنممي‬
‫إسرائيل من مصممر لتمليكهممم بيممت المقممدس كممما وعممد اللممه‬
‫أباهم إسرائيل و أباه إسحق من قبلممه و أقمماموا بممأرض الممتيه‬
‫أمممره اللممه باتخمماذ قبممة مممن خشممب السممنط عيممن بممالوحي و‬
‫مقممدارها و صممفتها و هياكلهمما و تماثيلهمما و أن يكممون فيهمما‬
‫التابوت و مائدة بصحافها و منارة بقناديلها و أن يصنع مذبحا ً‬
‫للقربان وصف ذلك كأنه في التوراة أكمل وصف فصنع القبة‬
‫و وضع فيهمما تممابوت العهممد و هممو التممابوت الممذي فيممه اللممواح‬
‫المصنوعة عوضا ً عن اللممواح المنزلممة بالكلمممات العشممر لممما‬
‫تكسرت و وضع المذبح عندها‪ .‬و عهد اللممه إلمى موسمى بمأن‬
‫يكون هارون صاحب القربان و نصبوا تلك القبة بين خيممامهم‬
‫فممي الممتيه يصمملون إليهمما و يتقربممون فممي المذبممح أمامهمما و‬
‫يتعرضون للوحي عندها‪.‬‬
‫و لممما ملكمموا أرض الشممام أنزلوهمما بكلكممال مممن بلد الرض‬
‫المقدسة ما بين قسممم بنممي يممامين و بنممي أفراييممم‪ .‬و بقيممت‬
‫هنالك أربع عشرة سنة سبعا ً مدة الحرب‪ ،‬و سبعا ً بعد الفتممح‬
‫أيام قسمة البلد‪ .‬و لما توفي يوشع عليه السلم نقلوها إلممى‬
‫بلد شيلو قريبا ً من كلكال‪ ،‬و أداروا عليها الحيطان‪ .‬و أقممامت‬
‫على ذلك ثلثمائة سنة‪ ،‬حتى ملكها بنو فلسطين مممن أيممديهم‬
‫كما مر‪ ،‬و تغلبوا عليهم‪ .‬ثم ردوا عليهممم القبممة و نقلوهمما بعممد‬
‫وفاة عالي الكوهن إلممى نمموف‪ .‬ثممم نقلممت أيممام طممالوت إلمى‬
‫كنعون في بلد بني يامين‪ .‬و لما ملك داوود عليه السلم نقل‬
‫القبة و التابوت إلى بيت المقدس و جعل عليها خباء خاصا ً و‬
‫وضعها على الصخرة‪.‬‬
‫و بقيت تلممك القبممة قبلتهممم و وضممعوها علممى الصممخرة بممبيت‬
‫المقدس و أراد داود عليه السلم بناء مسجده على الصممخرة‬
‫مكانها فلم يتم له ذلك و عهد به إلى ابنه سليمان فبناه لربع‬
‫سنين من ملكه و لخمسمممائة سممنة مممن وفمماة موسممى عليممه‬
‫السلم‪.‬‬
‫و أتخذ عمده من الصفر و جعممل بممه صممرح الزجمماج و غشممى‬
‫أبوابه و حيطانه بالذهب و صاغ هيمماكله و تممماثيله و أوعيتممه و‬
‫منارته و مفتاحه من الذهب و جعل في ظهره قبرا ً ليضع فيه‬
‫تابوت العهد و هو التابوت الممذي فيممه اللممواح و جمماء بممه مممن‬
‫صهيون بلد أبيه داوود نقله إليه أيام عمارة المسممجد‪ ،‬فجيممء‬
‫بممه تحملممه السممباط و الكهنوتيممة حممتى وضممعه فممي القممبر و‬
‫وضعت القبة و الوعية و المذبح كل واحد حيث أعممد لممه مممن‬
‫المسجد‪ .‬و أقام كذلك ما شاء الله‪ .‬ثم خربه بخت نصممر بعممد‬
‫ثمانمممائة سممنة مممن بنممائه و أحممرق التمموراة و العصمما و صمماغ‬
‫الهياكل و نثر الحجمار‪ .‬ثمم لمما أعمادهم ملمموك الفممرس بنمماه‬
‫عزيز بني إسرائيل لعهده بإعانممة بهمممن ملممك الفممرس الممذي‬
‫كانت الولدة لبنى إسرائيل عليه من سبي بخممت نصممر و حممد‬
‫لهم فممي بنيممانه حممدودا ً دون بنمماء سممليمان بممن داوود عليهممما‬
‫السلم فلم يتجارزوها‪.‬‬
‫و أما الواوين التي تحت المسجد‪ ،‬يركب بعضها بعضًا‪ ،‬عمود‬
‫العلى منها على قوس السفل في طبقممتين‪ .‬و يتمموهم كممثير‬
‫مممن النمماس أنهمما إصممطبلت سممليمان عليممه السمملم‪ ،‬و ليممس‬
‫كذلك‪ .‬لو إنما بناها تنزيهما ً للممبيت المقممدس عممما يتمموهم مممن‬
‫النجاسة‪ ،‬لن النجاسات في شريعتهم و إن كانت فممي بماطن‬
‫الرض و كان ما بينها و بيمن ظماهر الرض محشموا ً بمالتراب‪،‬‬
‫بحيث يصل ما بينها و بين الظاهر خط مستقيم ينجممس ذلممك‬
‫الظاهر بالتوهم‪ .‬و المتوهم عندهم كالمحقق‪.‬‬
‫فبنوا هذه الواوين على هذه الصورة بعمود الواوين السفلية‬
‫تنتهممي إلممى أقواسممها و ينقطممع خطممه‪ ،‬فل تتصممل النجاسممة‬
‫بالعلى على خط مستقيم‪ .‬و تنزه البيت عممن هممذه النجاسممة‬
‫المتوهمة ليكون ذلك أبلغ في الطهارة و التقديس‪.‬‬
‫ثم تداونتهم ملوك يونان الفرس و الممروم و اسممتفحل الملممك‬
‫لبني اسرائيل في هذه المدة ثم لبني حشمممناي مممن كهنتهممم‬
‫ثم لصهرهم هيرودس و لبنيه من بعد‪.‬‬
‫و بنممى هيممرودوس بيممت المقممدس علممى بنمماء سممليمان عليممه‬
‫السلم و تأنق فيه حممتى أكملممه فممي سممت سممنين فلممما جمماء‬
‫طيطش من ملوك الروم و غلبهم و ملك أمرهم خممرب بيممت‬
‫المقدس و مسجدها و أمممر أن يممزرع مكممانه ثممم أخممذ الممروم‬
‫بدين المسيح عليه السلم و دانوا بتعظيمممه ثممم اختلمف حمال‬
‫ملوك الروم في الخذ بدين النصارى تارة ً و تركه أخرى إلممى‬
‫أن جمماء قسممطنطين و تنصممرت أمممه هيلنممة و ارتحلممت إلممى‬
‫القدس في طلب الخشبة التي صلب عليها المسيح بزعمهممم‬
‫فأخبرها القساوسة بأنه رمممى بخشممبته علممى الرض و ألقممى‬
‫عليهمما القمامممات و القمماذورات فاسممتخرجت الخشممبة و بنممت‬
‫مكان تلك القمامات كنيسة القمامة كأنها على قبره بزعمهم‬
‫و هربت ما وجدت من عمارة البيت و أمرت بطممرح الزبممل و‬
‫القمامات على الصممخرة حممتى غطاهمما و خفممي مكانهمما جممزاء‬
‫بزعمها لما فعلوه بقبر المسيح ثممم بنمموا بممإزاء القمامممة بيممت‬
‫لحم و هو البيت الذي ولد فيممه عيسممى عليممه السمملم و بقممي‬
‫المر كممذلك إلممى أن جمماء السمملم و حضممر عمممر لفتممح بيممت‬
‫المقدس و سأل عن الصخرة فأري مكانها و قد علها الزبممل‬
‫و الممتراب فكشممف عنهمما و بنممى عليهمما مسممجدا ً علممى طريممق‬
‫البداوة و عظم من شأنه ما أذن الله من تعظيمه و ما سممبق‬
‫من أم الكتاب في فضله حسبما ثبممت ثممم احتفممل الوليممد بممن‬
‫عبد الملك في تشييد مسجده على سنن مساجد السلم بما‬
‫شاء الله من الحتفال كما فعل في المسممجد الحممرام و فممي‬
‫مسجد النبي صلى الله عليممه وسمملم بالمدينممة و فممي مسممجد‬
‫دمشق و كانت العرب تسميه بلط الوليد و ألزم ملك الممروم‬
‫أن يبعث الفعلة و الممال لبنماء همذه المسماجد و أن ينمقوهما‬
‫بالفسيفساء فأطاع لذلك و تم بناؤها على ما اقترحه‪ .‬ثم لما‬
‫ضعف أمر الخلفة أعوام الخمسمائة من الهجرة فممي آخرهمما‬
‫وكانت في ملكة العبيديين خلفاء القاهر من الشمميعة و اختممل‬
‫أمرهم زحف الفرنجة إلممى بيممت المقممدس فملكمموه و ملكمموا‬
‫معه عامة ثغور الشممام و بنمموا علممى الصممخرة المقدسممة منممه‬
‫كنيسة كممانوا يعظمونهمما و يفتخممرون ببنائهمما حممتى إذا اسممتقل‬
‫صلح الدين بن أيوب الكردي بملك مصر و الشام و محا أثممر‬
‫العبيديين و بدعهم زحف إلى الشام و جاهد من كان بممه مممن‬
‫الفرنجة حممتى غلبهممم علممى بيممت المقممدس و علممى ممما كممانوا‬
‫ملكوه من ثغور الشام و ذلك لنحو ثمممانين و خمسمممائة مممن‬
‫الهجرة و هدم تلك الكنيسة و أظهر الصخرة و بني المسممجد‬
‫على النحو الذي هو عليه اليوم لهذا العهد‪.‬‬
‫و ل يعرض لك الشكال المعروف فممي الحممديث الصممحيح أن‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم سئل عن أول بيت وضع فقممال‪:‬‬
‫بين مكة و بين بناء بيممت المقممدس قيممل فكممم بينهممما ؟ قممال‬
‫أربعممون سممنة فممإن المممدة بيممن بنمماء مكممة و بيممن بنمماء بيممت‬
‫المقدس بمقدار ما بين إبراهيم و سليمان لن سليمان بممانيه‬
‫و هو ينيف على اللف بكثير‪ .‬و أعلم أن المممراد بالوضممع فممي‬
‫الحديث ليس البناء و إنما المراد أول بيممت عيممن للعبممادة و ل‬
‫يبعد أن يكون بيت المقدس عين للعبممادة قبممل بنمماء سممليمان‬
‫بمثل هذه المدة و قممد نقممل أن الصممابئه بنمموا علممى الصممخرة‬
‫هيكل الزهرة فلعل ذلك أنها كانت مكانما ً للعبممادة كممما كممانت‬
‫الجاهلية تضع الصنام و التماثيل حوالي الكعبة و فممي جوفهمما‬
‫و الصابئة الذين بنوا هيكل الزهرة كممانوا علممى عهممد إبراهيممم‬
‫عليممه السمملم فل تبعممد مممدة الربعيممن سممنة بيممن وضممع مكممة‬
‫للعبادة و وضع بيت المقدس و إن لم يكن هناك بناء كما هممو‬
‫المعروف و أن أول مممن بنممى بيممت المقممدس سممليمان عليممه‬
‫السلم فتفهمه ففيه حل هذا الشكال‪ .‬و أممما المدينممة و هممي‬
‫المسماة بيثرب فهي من بناء يثرب بن مهلئيل من العمالقممة‬
‫و ملكها بنو إسرائيل من أيديهم فيما ملكوه من أرض الحجاز‬
‫ثممم جمماورهم بنممو قيلممة مممن غسممان و غلبمموهم عليهمما و علممى‬
‫حصونها‪ .‬ثم أمر النبي صلى الله عليه و سمملم بممالهجرة إليهمما‬
‫لما سبق من عناية الله بها فهاجر إليها و معه أبو بكر و تبعممه‬
‫أصحابه و نزل بها و بنى مسجده و بيوته فممي الموضممع الممذي‬
‫كان الله قد أعده لذلك و شرفه في سابق أزلممه و أواه أبنمماء‬
‫قيلة و نصروه فلذلك سموا النصار و تمت كلمة السلم من‬
‫المدينة حتى علت على الكلمات و غلممب علممى قممومه و فتممح‬
‫مكممة و ملكهمما و ظممن النصممار أنممه يتحممول عنهممم إلممى بلممده‬
‫فأهمهم ذلك فخاطبهم رسول الله صلى الله عليممه و سمملم و‬
‫أخبرهم انه غير متحول حتى إذا قبض صلى الله عليه و سلم‬
‫كان ملحمده الشمريف بهما و جماء فمي فضملها ممن الحماديث‬
‫الصممحيحة مممال خفمماء بممه و وقممع الخلف بيممن العلممماء فممي‬
‫تفضيلها على مكة و به قال مالك رحمه الله لممما ثبممت عنممده‬
‫في ذلك من النممص الصممريح عممن رفيممع بممن مخممدج أن النممبي‬
‫صلى الله عليه و سلم قال المدينة خير مممن مكممة نقممل ذلممك‬
‫أبو الوهاب في المعونممة إلممى أحمماديث أخممرى تممدل بظاهرهمما‬
‫على ذلك و خالف أبو حنيفة و الشافعي‪ .‬و أصبحت على كل‬
‫حال ثانية المسجد الحرام و جنح إليها المم بأفئدتهم من كل‬
‫أوب فممانظر كيممف تممدرجت الفضمميلة فممي هممذه المسمماجد‬
‫المعظمة لما سبق من عناية الله لهما و تفهمم سمر اللمه فمي‬
‫الكون و تدريجه على ترتيب محكم في أمور الممدين و الممدنيا‪.‬‬
‫و أما غير هذه المساجد الثلثممة فل نعلمممه فممي الرض إل ممما‬
‫يقال من شأن مسجد آدم عليه السلم بسرنديب من جممزائر‬
‫الهند لكنه لم يثبت فيه شيء يعول عليممه و قممد كممانت للمممم‬
‫في القديم مساجد يعظمونها على جهة الديانة بزعمهم منهمما‬
‫بيوت النار للفرس و هياكممل يونممان و بيمموت العممرب بالحجمماز‬
‫التي أمر النبي صلى الله عليه و سلم بهممدمها فممي غزواتممه و‬
‫قد ذكر المسعودي منها بيوتا ً لسنا مممن ذكرهمما فممي شمميء إذ‬
‫هي غير مشروعة و ل هي على طريق ديني و ل يلتفت إليهمما‬
‫و ل إلى الخبر عنها و يكفي فمي ذلمك مما وقمع فمي التواريمخ‬
‫فمن أراد معرفة الخبمار فعليمه بهما و اللمه يهمدي ممن يشماء‬
‫سبحانه‪.‬‬

‫الفصل السابع في أن المدن و المصار بإفريقية و‬


‫المغرب قليلة‬
‫و السبب في ذلك أن هذه القطار كانت للبربر منذ آلف من‬
‫السنين قبل السلم و كان عمرانها كلممه بممدويا ً و لممم تسممتمر‬
‫فيهم الحضارة حتى تستكمل أحوالها و الممدول الممتي ملكتهممم‬
‫من الفرنجة و العرب لم يطل أمد ملكهم فيهم حتى ترسممخ‬
‫الحضارة منها فلم تزل عوائد البداوة و شؤونها فكممانوا إليهمما‬
‫أقرب فلم تكثر مبانيهم و أيض ما ً فالصممنائع بعيممدة عممن الممبربر‬
‫لنهم أعرق في البدو و الصنائع من توابع الحضارة و إنما تتم‬
‫المباني بها فل بد من الحذق في تعلمها فلما لم يكممن للممبربر‬
‫انتحال لها لم يكن لهم تشوق إلى المباني فضل ً عن المممدن‪.‬‬
‫و أيضا ً فهم أهل عصبيات و أنسمماب ل يخلممو عممن ذلممك جمممع‬
‫منهم و النساب و العصبية أجنح إلى البدو و إنممما يممدعو إلممى‬
‫المدن الدعة و السكون و يصير سمماكنها عيممال ً علممى حاميتهمما‬
‫فتجممد أهممل البممدو لممذلك يسممتنكفون عممن سممكنى المدينممة أو‬
‫القامة بها فل يدعو إلى ذلك إل الممترف و الغنممى و قليممل ممما‬
‫هو في الناس فلذلك كان عمران أفريقية و المغممرب كلممه أو‬
‫أكثره بدويا ً أهل خيام و ظواعن و قياطن و كنن فممي الجبممال‬
‫و كممان عمممران بلد العجممم كلممه أو أكممثره قممرى و أمصممارا ً و‬
‫رساتيق من بلد الندلس و الشام و مصر و عممراق العجممم و‬
‫أمثالهمما لن العجممم ليسمموا بأهممل أنسمماب يحممافظون عليهمما و‬
‫يتباهون في صراحتها و التحامها إل في القل و أكثر ما يكون‬
‫سكنى البدو لهل النساب لن لحمممة النسممب أقمرب و أشمد‬
‫فتكون عصبيته كممذلك و تنممزع بصمماحبها إلممى سممكنى البممدو و‬
‫التجافي عن المصر الذي يذهب بالبسالة و يصيره عيال ً على‬
‫غيره فأفهمه و قسى عليه و الله سبحانه و تعالى أعلم و بممه‬
‫التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الثامن في أن المباني و المصانع في الملة‬


‫السلمية قليلة بالنسبة إلى قدرتها و إلى مممن‬
‫كان قبلها من الدول‬
‫و السبب في ذلك ما ذكرنا مثله في الممبربر بعينممه إذ العممرب‬
‫أيضا ً أعرق في البدو و أبعد عن الصنائع و أيضا ً فكانوا أجانب‬
‫من الممالك التي استولوا عليها قبل السلم و لممما تملكوهمما‬
‫لم ينفسمح المممد حمتى تسممتوفي رسموم الحضممارة مممع أنهممم‬
‫استغنوا بما وجدوا من مباني غيرهم و أيضا ً فكان الممدين أول‬
‫المر مانعا ً من المغالة أو البنيان و السممراف فيممه فممي غيممر‬
‫القصد كما عهد لهممم عمممر حيممن اسممتأذنوه فممي بنمماء الكوفممة‬
‫بالحجارة و قد وقع الحريق في القصب الممذي كممانوا بنمموا بممه‬
‫من قبل فقال افعلوا و ل يزيممدن أحممد علممى ثلثممة أبيممات و ل‬
‫تطاولوا في البنيان و ألزموا السنة تلزمكم الدولة و عهد إلى‬
‫الوفد و تقدم إلى الناس أن ل يرفعوا بنيانا ً فوق القدر قالوا‪:‬‬
‫و ما القدر ؟ قال‪ :‬ل يقربكم من السممرف و ل يخرجكممم عممن‬
‫القصممد فلممما بعممد العهممد بالممدين و التخممرج فممي أمثممال هممذه‬
‫المقاصد و غلبت طبيعة الملممك و الممترف و اسممتقدم العممرب‬
‫أمة الفرس و أخذوا عنهم الصمنائع و المبماني و دعتهمم إليهما‬
‫أحوال الدعممة و الممترف فحينئذ شمميدوا المبمماني و المصممانع و‬
‫كان عهد ذلك قريبا ً بانقراض الدولة و لم ينفسح المد لكثرة‬
‫البنمماء و اختطمماط المممدن و المصممار إل قليل ً و ليممس كممذلك‬
‫غيرهم من المم فالفرس طالت مدتهم آلفا ً مممن السممنين و‬
‫كذلك القبط و النبط و الروم و كذلك العرب الولى من عمماد‬
‫و ثمود و العمالقة و التبابعة طالت أمادهم و رسخت الصنائع‬
‫فيهم فكانت مبانيهم و هياكلهم أكثر عددا ً و أبقى على اليممام‬
‫أثرا ً و استبصر في هذا تجده كما قلت و اللممه وارث الرض و‬
‫من عليها‪.‬‬

‫الفصل التاسع في أن المباني التي كممانت تختطهمما‬


‫العرب يسرع إليها الخراب إل في القل‬
‫و السبب في ذلممك شممأن البممداوة و البعممد عممن الصممنائع كممما‬
‫قدمناه فل تكون المباني وثيقة في تشييدها و له و الله أعلم‬
‫وجه آخر و هو أمس به و ذلك قلة مراعاتهم لحسن الختيممار‬
‫في اختطاط المدن كما قلناه في المكممان و طيممب الهممواء‪ .‬و‬
‫المياه و المزارع و المراعي فإنه بالتفاوت فممي هممذا تتفمماوت‬
‫جودة المصر و رداءته من حيث العمران الطممبيعي و العممرب‬
‫بمعزل عن هذا و إنما يراعون مراعي إبلهم خاصممة ل يبممالون‬
‫بالماء طاب أو خبث و ل قل أو كممثر و ل يسممألون عممن زكمماء‬
‫المزارع و المنممابت و الهويممة لنتقممالهم فمي الرض و نقلهمم‬
‫الحبوب من البلد البعيد و أما الرياح فالقفر مختلممف للمهمماب‬
‫كلها و الظعن كفيل لهممم بطيبهمما لن الريمماح إنممما تخبممث مممع‬
‫القممرار و السممكنى و كممثرة الفضمملت و انظممر لممما اختطمموا‬
‫الكوفة و البصرة و القيروان كيف لم يراعوا في اختطاهمما إل‬
‫مراعي إبلهم و ما يقرب من القفر و مسالك الظعن فكممانت‬
‫بعيدة عن الوضع الطبيعي‪ ،‬للمدن و لممم تكممن لهمما مممادة تمممد‬
‫عمرانها من بعدهم كما قدمنا أنممه يحتمماج إليممه فممي العمممران‬
‫فقد كانت مواطنها غير طبيعية للقرار و لم تكممن فممي وسممط‬
‫المم فيعمرها الناس فلول وهلة من انحلل أمرهم و ذهمماب‬
‫عصبيتهم التي كانت سياجا ً لها أتى عليها الخممراب و النحلل‬
‫كأن لم تكن‪ .‬و الله يحكم ل معقب لحكمه‪.‬‬

‫الفصل العاشر في مبادي الخراب في المصار‬


‫إعلممم أن المصممار إذا اختطممت أول ً تكممون قليلممة المسمماكن و‬
‫قليلة آلت البناء مممن الحجممر و الجيممر و غيرهممما مممما يعممالى‬
‫على الحيطان عند التأنق كالزلج و الرخام و الربج و الزجمماج‬
‫و الفسيفساء و الصدف فيكممون بناؤهمما يممؤمئذ بممدويا ً و آلتهمما‬
‫فاسدة فإذا عظم عمران المدينة و كثر ساكنها كممثرت اللت‬
‫بكثرة العمال حينئذ و كثرت الصناع إلى أن تبلغ غايتهمما مممن‬
‫ذلك كما سبق بشأنها فإذا تراجع عمرانها و خف ساكنها قلت‬
‫الصنائع لجل ذلك و فقممدت الجممادة فممي البنمماء و الحكممام و‬
‫المعالة عليه بالتنميق ثم تقل العمال لعممدم السمماكن فيقممل‬
‫جلب اللت من الحجممر و الرخممام و غيرهممما فتفقممد و يصممير‬
‫بناؤهم و تشيدهم من اللت التي في مبانيهم فينقلونهمما مممن‬
‫مصممنع إلممى مصممنع لجممل خلء أكممثر المصممانع و القصممور و‬
‫المنازل بقلة العمممران و قصمموره عممما كممان أول ً ثممم ل تممزال‬
‫تنقل من قصمر إلمى قصمر و ممن دار إلمى دار إلمى أن يفقمد‬
‫الكثير منها جملة فيعممودون إلممى البممداوة فممي البنمماء و أتخمماذ‬
‫الطوب عوضا ً عن الحجممارة و القصممور عممن التنميممق بالكليممة‬
‫فيعود بناء المدينة مثممل بنمماء القممرى و المممدر و تظهممر عليهمما‬
‫سيماء البداوة ثم تمر في التناقص إلممى غايتهمما مممن الخممراب‬
‫إن قدر لها به سنة الله في خلقه‪.‬‬

‫الفصممل الحممادي عشممر فممي أن تفاضممل المصممار و‬


‫المدن في كثرة الرزق لهلها و نفاق السممواق‬
‫إنما هو في تفاضل عمرانها في الكثرة و القلة‬
‫و السبب في ذلك أنه قد عرف و ثبت أن الواحد مممن البشممر‬
‫غير مستقل بتحصيل حاجمماته فممي معاشممه و إنهممم متعمماونون‬
‫جميعا ً في عمرانهم على ذلك و الحاجة التي تحصممل بتعمماون‬
‫طائفممة منهممم تشممتد ضممرورة الكممثر مممن عممددهم أضممعافًا‪.‬‬
‫فالقوت من الحنطممة مثل ً ل يسممتقل الواحممد بتحصمميل حصممته‬
‫منه‪ .‬و إذا انتدب لتحصيله الستة أو العشرة من حداد و نجممار‬
‫لللت و قائم على البقممر و إثممارة الرض و حصمماد السممنبل و‬
‫سائر مؤن الفلح و توزعوا علممى تلممك العمممال أو اجتمعمموا و‬
‫حصممل بعملهممم ذلممك مقممدار مممن القمموت فممإنه حينئذ قمموت‬
‫لضعافهم مرات‪ .‬فالعمال بعد الجتماع زائدة علممى حاجممات‬
‫العمماملين و ضممروراتهم‪ .‬فأهممل مممدين أو مصممر إذا وزعممت‬
‫أعمالهم كلها على مقدار ضروراتهم و حاجمماتهم اكتفممي فيهمما‬
‫بالقل من تلممك العمممال و بقيممت العمممال كلهمما زائدة علممى‬
‫الضرورات فتصرف في حالت الترف و عمموائده و ممما يحتمماج‬
‫إليه غيرهم من أهل المصار و يسممتجلبونه منهممم بأعواضممه و‬
‫قيمه فيكون لهم بذلك حظا ً مممن الغنممى و قممد تممبين لممك فممي‬
‫الفصل الخامس في باب الكسب و الرزق أن المكاسب إنما‬
‫هي قيممم العمممال فممإذا كممثرت العمممال كممثرت قيمهمما بينهممم‬
‫فكثرت مكاسبهم ضرورة و دعتهم أحوال الرفه و الغنى إلى‬
‫الممترف و حاجمماته مممن التممأنق فممي المسمماكن و الملبممس و‬
‫استجادة النية و الماعون و اتخاذ الخممدم و المراكممب و هممذه‬
‫كلها أعمال تستدعى بقيمها و يختممار المهممرة فممي صممناعتها و‬
‫القيام عليها فتنفق أسواق العمممال و الصممنائع و يكممثر دخممل‬
‫المصممر و خرجممه و يحصممل اليسممار لمنتحلممي ذلممك مممن قبممل‬
‫أعمممالهم‪ .‬و مممتى زاد العمممران زادت العمممال ثانيممة ثممم زاد‬
‫الترف تابعا ً للكسب و زادت عمموائده و حاجمماته‪ .‬و اسممتنبطت‬
‫الصممنائع لتحصمميلها فممزادت قيمهمما و تضمماعف الكسممب فممي‬
‫المدينة لذلك ثانية و نفقت سوق العمال بها أكثر من الول‪.‬‬
‫و كذا في الزيادة الثانية و الثالثممة لن العمممال الممزائدة كلهمما‬
‫تختص بالترف و الغنى بخلف العمال الصمملية الممتي تختممص‬
‫بالمعاش‪ .‬فالمصممر إذا فضممل بعمممران واحممد ففضممله بزيممادة‬
‫كسب و رفه بعوائد من الترف ل توجد فممي الخممر فممما كممان‬
‫عمرانه من المصار أكثر و أوفر كان حممال أهلممه فممي الممترف‬
‫أبلممغ مممن حمال المصممر الممذي دونممه علممى وتيممرة واحممدة فمي‬
‫الصناف‪ .‬القاضي مع القاضي و التاجر مممع التمماجر و الصممانع‬
‫مممع الصممانع و السمموقي مممع السمموقي و الميممر مممع الميممر و‬
‫الشرطي مع الشرطي‪ .‬و اعتبر ذلك في المغممرب مثل ً بحمال‬
‫فاس مع غيرها من أمصمماره مثممل بجايممة و تلمسممان و سممبتة‬
‫تجد بينهما بونما ً كممثيرا ً علممى الجملممة‪ ،‬ثممم علممى الخصوصمميات‬
‫فحال القاضي بفمماس أوسممع مممن حممال القاضممي بتلمسممان و‬
‫هكذا كل صنف مع صنف أهله‪ .‬و كذا أيضا ً حال تلمسممان مممع‬
‫وهران أو الجزائر و حال وهران و الجزائر مع ما دونهما إلممى‬
‫أن تنتهي إلى المدر الذين اعتمالهم في ضممروريات معاشممهم‬
‫فقط و يقصرون عنهمما‪ .‬و ممما ذلممك إل لتفمماوت العمممال فيهمما‬
‫فكأنها كلها أسواق للعمممال‪ .‬و الخممرج فممي كممل سمموق علممى‬
‫نسممبته فالقاضممي بفمماس دخلممه كفمماء خرجممه و كممذا القاضممي‬
‫بتلمسان و حيث الدخل و الخرج أكثر تكون الحوال أعظم و‬
‫هما بفاس أكثر لنفاق سوق العمممال بممما يممدعو إليممه الممترف‬
‫فممالحوال أضممخم‪ .‬ثممم هكممذا حممال وهممران و قسممطنطينية و‬
‫الجزائر و بسكرة حتى تنتهي كما قلناه إلى المصممار الممتي ل‬
‫توفي أعمالها بضممروراتها و ل تعممد فممي المصممار إذ هممي مممن‬
‫قبيل القرى و المدر‪ .‬فلذلك تجد أهل هذه المصار الصممغيرة‬
‫ضممعفاء الحمموال متقمماربين فممي الفقممر و الخصاصممة لممما أن‬
‫أعمالهم ل تفي بضروراتهم و ل يفضل ممما يتممأثلونه كسممبا ً فل‬
‫تنمو مكاسبهم‪ .‬و هم لممذلك مسمماكين محاويممج إل فممي القممل‬
‫النادر‪ .‬و اعتبر ذلك حتى في أحوال الفقممراء و السممؤال فممإن‬
‫السائل بفاس أحسن حال ً من السائل بتلمسان أو وهممران‪ .‬و‬
‫لقد شاهدت بفمماس السممؤال يسممألون أيممام الضمماحي أثمممان‬
‫ضحاياهم و رأيتهم يسألون كثيرا ً من أحوال الترف و اقممتراح‬
‫المآكل مثل سؤال اللحم و السمن و علج الطبخ و الملبس‬
‫و الممماعون كالغربممال و النيممة‪ .‬و لممو سممأل سممائل مثممل هممذا‬
‫بتلمسممان أو وهممران لسممتنكر و عنممف و زجممر‪ .‬و يبلغنمما لهممذا‬
‫العهد عن أحوال القمماهرة و مصممر مممن الممترف و الغنممى فممي‬
‫عوائدهم ما يقضى منه العجممب حممتى أن كممثيرا ً مممن الفقممراء‬
‫بالمغرب ينزعون من الثقلة إلى مصر لذلك و لما يبلغهم من‬
‫شأن الرفممه بمصممر أعظممم مممن غيرهمما‪ .‬و بعتقممد العامممة مممن‬
‫الناس أن ذلك لزيادة إيثار في أهل تلك الفاق علممى غيرهممم‬
‫أو أموال مختزنة لديهم‪ .‬و أنهم أكثر صدقة و إيثارا ً من جميع‬
‫أهممل المصمار و ليمس كممذلك و إنممما هممو لمما تعرفمه مممن أن‬
‫عمران مصر و القاهرة أكثر من عمران هممذه المصممار الممتي‬
‫لديك فعظمت لممذلك أحمموالهم‪ .‬و أممما حممال الممدخل و الخممرج‬
‫فمتكافئ في جميع المصار أحوال السمماكن و وسممع المصممر‪.‬‬
‫كل شمميء يبلغممك مممن مثممل هممذا فل تنكممره و اعتممبره بكممثرة‬
‫العمران و ما يكممون عنممه مممن كممثرة المكاسممبة الممتي يسممهل‬
‫بسببها البذل و اليثار على مبتغيممه و مثلممه بشممأن الحيوانممات‬
‫العجم مع بيوت المدينة الواحدة و كيف تختلممف أحوالهمما فممي‬
‫هجرانها أو غشيانها فإن بيوت أهل النعم و الممثروة و الممموائد‬
‫الخصبة منها تكثر بساحتها و أقنيتها بنممثر الحبمموب و سممواقط‬
‫الفتات فيزدحممم عليهمما غواشممي النمممل و الخشمماش و يلحممق‬
‫فوقها عصائب الطيور حتى تروح بطانا ً و تمتلئ شبعا ً و ريا ً و‬
‫بيوت أهل الخصاصة و الفقممراء الكاسممدة أرزاقهممم ل يسممري‬
‫بساحتها دبيب و ل يحلممق بجوهمما طممائر و ل تممأوي إلممى زوايمما‬
‫بيوتهم فأرة و ل هرة كما قال الشاعر‪:‬‬
‫و تغشى منازل‬ ‫تسقط الطير حيث تلتقط الحب‬
‫الكرماء‬
‫فتأمممل سممر اللممه تعممالى فممي ذلممك و اعتممبر غاشممية الناسممي‬
‫بغاشية العجم من الحيوانات و فتات الموائد بفضلت الممرزق‬
‫و الترف و سممهولتها علممى مممن يبممذلها لسممتغنائهم عنهمما فممي‬
‫الكثر لوجود أمثالها لديهم و اعلم أن اتساع الحوال و كممثرة‬
‫النعم في العمران تابع لكثرته و الله سبحانه و تعالى أعلم و‬
‫هو غني عن العالمين‪.‬‬
‫الفصل الثاني عشر في أسعار المدن‬
‫إعلم أن السواق كلهمما تشممتمل علممى حاجممات النمماس فمنهمما‬
‫الضروري و هي القوات من الحنطة و ما معناها كالبمماقلء و‬
‫البصل و الثوم و أشباهه و منها الحاجي والكمالي مثممل الدم‬
‫و الفواكه و الملبس و الماعون و المراكب و سائر المصممانع‬
‫والمباني فإذا استبحر المصممر و كممثر سمماكنة رخصممت أسممعار‬
‫الضروري من القوت و ما في معناه و غلت أ سعار الكمممالي‬
‫من الديم و الفواكه و ممما يتبعهمما و إذا قممل سمماكن المصممر و‬
‫ضعف عمرانه كان المر بممالعكس مممن ذلممك‪ .‬و السممبب فممي‬
‫ذلك أن الحبوب من ضرورات القوت فتتوفر الممدواعي علممى‬
‫اتخاذهمما إذ كممل أحممد ل يهمممل قمموت نفسممه و ل قمموت منزلممه‬
‫لشهر أو سنته فيعم اتخاذها أهل المصر أجمع أو الكثر منهم‬
‫في ذلك المصر أو فيما قرب منه ل بد من ذلك‪ .‬و كل متخممذ‬
‫لقوته فتفضل عنه و عن أهممل بيتممه فضمملة كممبيرة تسممد خلممة‬
‫كممثيرين مممن أهممل ذلممك المصممر فتفضممل القتمموات عممن أهممل‬
‫المصر من غيممر شممك فممترخص أسممعارها فممي الغممالب إل ممما‬
‫يصيبها في بعض السنين من الفات السماوية و لممول احتكممار‬
‫الناس لها لما يتوقع مممن تلممك الفممات لبممذلت دون ثمممن و ل‬
‫عوض لكثرتها بكثرة العمران‪ .‬و أما سائر المرافق مممن الدم‬
‫و الفواكه و ما إليها ل تعم بهمما البلمموى و ل يسممتغرق اتخاذهمما‬
‫أعمال أهل المصر أجمعين و ل الكثير منهم ثم أن المصر إذا‬
‫كان مستبحرا ً موفور العمران كممثير حاجممات الممترف تمموفرت‬
‫حينئذ الدواعي على طلب تلك المرافق و الستكثار منها كممل‬
‫بحسب حاله فيقصممر الموجممود منهمما علممى الحاجممات قصممورا ً‬
‫بالغا ً و يكثر المستامون لها و هي قليلة فممي نفسممها فممتزدحم‬
‫أهل الغراض و يبذل أهممل الرفممه و الممترف أثمانهمما بإسممراف‬
‫في الغلء لحاجتهم إليها أكثر من غيرهم فيقع فيها الغلء كما‬
‫تراه‪ .‬و أما الصنائع و العمممال أيضما ً فممي المصممار الموفممورة‬
‫العمران فسبب الغلء فيهمما أمممور ثلثممة‪ :‬الول كممثرة الحاجممة‬
‫لمكان الترف في المصر بكثرة عمرانه‪ ،‬و الثاني اعتزاز أهل‬
‫العمال لخممدمتهم وامتهممان أنفسممهم لسممهولة المعمماش فممي‬
‫المدينممة بكممثرة أقواتهمما‪ ،‬و الثممالث كممثرة المممترفين و كممثرة‬
‫حاجاتهم إلممى امتهممان غيرهممم و إلممى اسممتعمال الصممناع فممي‬
‫مهنهممم فيبممذلون فممي ذلممك لهممل العمممال أكممثر مممن قيمممة‬
‫أعمالهم مزاحمة و منافسة في الستئثار بها فيغتر العمممال و‬
‫الصناع و أهل الحممرف و تغلممو أعمممالهم و تكممثر نفقممات أهممل‬
‫المصر في ذلك‪ .‬و أما المصممار الصممغيرة و القليلممة السمماكن‬
‫فأقواتهم قليلة لقلة العمل فيها و ما يتوقعونه لصغر مصرهم‬
‫مممن عممدم القمموت فيتمسممكون بممما يحصممل منممه فممي أيممديهم‬
‫ويحتكرونه في فيعز وجوده لديهم و يغلو ثمنه على مستامه‪.‬‬
‫و أما مرافقهممم فل تممدعو إليهمما أيضما ً حاجممة بقلممة السمماكن و‬
‫ضعف الحوال فل تنفق لديهم سوقه فيختممص بممالرخص فممي‬
‫سعره‪ .‬و قد يدخل أيضا ً في قيمة القمموات قيمممة ممما يعممرض‬
‫عليها من المكوس و المغارم للسلطان في السممواق و بمماب‬
‫الحفر و الحياة في منافع وصولها عن البيوعات لما يمسممهم‪.‬‬
‫و بذلك كانت السعار فممي المصممار أغلممى مممن السممعار فممي‬
‫الباديممة إذ المكمموس و المغممارم و الفممرائض قليلممة لممديهم أو‬
‫معدومة‪ .‬و كثرتها قي المصار ل سيما في آخر الدولممة و قممد‬
‫تممدخل أيضما ً فممي قيمممة القمموات قيمممة علجهمما فممي الفلممح و‬
‫يحافظ على ذلك في أسعارها كما و قع بالندلس لهذا العهد‪.‬‬
‫و ذلك أنهم لممما ألجممأهم النصممارى إلممى سمميف البحممر و بلده‬
‫المتوعرة الخبيثة الزارعة النكدة النبات وملكوا عليهم الرض‬
‫الزاكية و البلد الطيب فاحتاجوا إلممى علج المممزارع و الفممدن‬
‫لصلح نباتها و فلحها و كان ذلممك العلج بأعمممال ذات قيممم و‬
‫مواد من الزبل و غيره لها مؤنة و صارت في فلحهم نفقممات‬
‫لها خطر فاعتبروهمما فممي سممعرهم‪ .‬و اختممص قطممر النممدلس‬
‫بالغلء منذ اضطرهم النصارى إلى هذا المعمور بالسلم مممع‬
‫سممواحلها لجممل ذلممك‪ .‬و يحسممب النمماس إذا سمممعوا بغلء‬
‫السعار في قطرهم أنها لقلة القوات و الحبوب في أرضممهم‬
‫و ليس كذلك فهم أكممثر أهممل المعمممور فلحما ً فيممما علمنمماه و‬
‫أقومهم عليممه و قممل أن يخلممو منهممم سمملطان أو سمموقة عممن‬
‫فدان أو مزرعة أو فلح إل قليل ً من أهل الصممناعات و المهممن‬
‫أو الطممراء علممى المموطن مممن الغممزاة المجاهممدين‪ .‬و لهممذا‬
‫يختصمممهم السممملطان فمممي عطمممائهم بالعولمممة و أقمممواتهم و‬
‫علوفاتهم من الزرع‪ .‬و إنما السممبب فممي غلء سممعر الحبمموب‬
‫عندهم ما ذكرناه‪ .‬و لما كانت بلد البربر بممالعكس مممن ذلممك‬
‫في زكاء منابتهم و طيب أرضهم ارتفعت عنهم الهممون جملممة‬
‫فممي الفلممح مممع كممثرته و عمممومته فصممار ذلممك سممببا ً لرخممص‬
‫القوات ببلدهم و الله مقدر الليل والنهار و هو الواحد القهار‬
‫ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشمر فمي قصممور أهمل الباديمة عمن‬


‫سكنى المصر الكثير العمران‬
‫والسبب في ذلك أن المصر الكثير العمران يكممثر ترفممه كممما‬
‫قدمناه و تكثر حاجات ساكنه من أجممل الممترف‪ .‬و تعتمماد تلممك‬
‫الحاجممات لممما يممدعو إليهمما فتنقلممب ضممرورات و تصممير فيممه‬
‫العمممال كلهمما مممع ذلممك عزيممزة و المرافممق غاليممة بازدحممام‬
‫العراض عليها من أجل الترف و بالمغممارم السمملطانية الممتي‬
‫توضع على السواق والبياعات و تعتبر فممي قيممم المبيعممات و‬
‫يعظهم فيها الغلء في المرافق و أن أوقات والعمال فتكممثر‬
‫لذلك نفقات ساكنه كثرة بالغة على نسبة عمرانممه‪ .‬و يعظممم‬
‫خرجه فيحتاج حينئذ إلى المال الكممثير للنفقممة علممى نفسممه و‬
‫عياله في ضرورات عيشممهم و سممائر مممؤونتهم‪ .‬والبممدوي لممم‬
‫يكن دخله كثيرا ً ساكنا ً بمكممان كاسممد السممواق فممي العمممال‬
‫التي هي سبب الكسممب فلممم يتأهممل كسممبا ً و ل مممال ً فيتعممذر‬
‫عليه من أجل ذلك سكنى المصر الكبير لغلء مرافقه و عممزة‬
‫حاجاته‪ .‬و هو في بدوه يسد حاجته بأقل العمممال لنممه قليممل‬
‫عمموائد الممترف فممي معاشممه و سممائر مممؤونته فل يضممطر إلممى‬
‫المال و كل من يتشمموف إلممى المصممر و سممكناه مممن الباديممة‬
‫فسريعا ً ما يظهر عجزه و يفتضح في استيطانه إل من يقممدم‬
‫منهم تأثل المال و يحصل له منه فوق الحاجممة و يجممري إلممى‬
‫الغاية الطبيعيممة لهممل العمممران مممن الدعممة و الممترف فحينئذ‬
‫ينتقل إلى المصر و ينتظم حالة مع أحوال أهله في عمموائدهم‬
‫و ترفهم‪ .‬و هكذا شأن بممداءة عمممران المصممار‪ .‬و اللممه بكممل‬
‫شيء محيط‪.‬‬

‫الفصل الرابع عشممر فممي أن القطممار فممي اختلف‬


‫أحوالها بالرفه و الفقر مثل المصار‬
‫إعلم أن ما توفر عمرانممه مممن القطممار و تعممددت المممم فمي‬
‫جهاته و كثر ساكنه اتسعت أحوال أهلممه و كممثرت أممموالهم و‬
‫أمصارهم و عظمت دولهم و ممممالكهم‪ .‬و السممبب فممي ذلممك‬
‫كله ما ذكرناه من كثرة العمال و ما سيأتي ذكممره مممن أنهمما‬
‫سبب للثروة بما يفصممل عنهمما بعممد الوفمماء بالضممروريات فممي‬
‫حاجات الساكن من الفضلة البالغممة علممى مقممدار العمممران و‬
‫كثرته فيعود على الناس كسبا ً يتأثلونة حسبما نذكر ذلك فممي‬
‫فصل المعا ش و بيان الرزق و الكسب فيتزيد الرفه لمذلك و‬
‫تتسع الحوال و يجيء الترف والغنى و تكممثر الجبايممة للدولممة‬
‫بنفاق السواق فيكثر مالهمما و يشمممخ سمملطانها و تتفنممن فممي‬
‫اتخممماذ المعاقمممل و الحصمممون و اختطممماط الممممدن و تشمممييد‬
‫المصار‪ .‬و اعتبر ذلك بأقطار المشرق مثل مصر و الشممام و‬
‫عراق العجم و الهند و الصين و ناحية الشمال كلها وأقطارها‬
‫وراء البحر الرومي وعظمت لما كثر عمرانها كيف كثر المال‬
‫فيهممم و عظمممت دولتهممم و تعممددت مممدنهم و حواضممرهم و‬
‫عظمت متاجرهم و أحوالهم‪ .‬فالذي نشاهده لهذا العهممد مممن‬
‫أحمموال تجممار المممم النصممرانية الممواردين علممى المسمملمين‬
‫بالمغرب في رفههم و اتساع أحوالهم أكثر من أن يحيممط بممه‬
‫الوصف‪ .‬و كذا تجار أهل المشرق و ما يبلغنا عمن أحموالهم و‬
‫أبلغ منها أهل المشرق القصى مممن عممراق العجممم و الهنممد و‬
‫الصين فإنه يبلغنا عنهم في باب الغنى و الرفه غرائب تسممير‬
‫الركبان بحممديثها و ربممما تتلقممى بالنكممار فممي غممالب المممر‪ .‬و‬
‫يحسب من يسمعها من العامة أن ذلك لزيممادة فممي أممموالهم‬
‫أو لن المعادن الذهبية و الفضية أكممثر بأرضممهم أو لن ذهممب‬
‫القدمين من المم اسممتأثروا بممه دون غيرهممم و ليممس كممذلك‬
‫فمعدن الذهب الذي نعرفه في هذه القطار إنما هو مممن بلد‬
‫السودان و هي إلى المغرب أقرب‪ .‬وجميممع ممما فممي أرضممهم‬
‫من البضاعة فإنما يجلبونه إلى غير بلدهم للتجارة‪ .‬فلو كممان‬
‫المال عتيدا ً موفورا ً لديهم لممما جلبمموا بضممائعهم إلممى سممواهم‬
‫يبتغون بها الموال و ل استغنوا عن أموال الناس بالجملممة‪ .‬و‬
‫لقد ذهب المنجمون لمما رأوا مثل ذلممك واسممتغربوا ممما فممي‬
‫المشرق من كثرة الحوال و اتساعها و وفور أموالهمما فقممالوا‬
‫بأن عطايا الكواكب و السهام في مواليد المشرق أكثر منهمما‬
‫حصصما ً فمي مواليمد أهمل المغمرب و ذلمك صمحيح ممن جهمة‬
‫المطابقة بين الحكام النجومية و الحوال الرضية كما قلنمماه‬
‫و هم إنما أعطوا في ذلك السبب النجومي و بقي عليهممم أن‬
‫يعطوا السبب الرضي و هو ما ذكرناه مممن كممثرة العمممران و‬
‫اختصاصه بممأرض المشممرق وأقطمماره و كممثرة العمممران تفيممد‬
‫كثرة الكسممب بكممثرة قممي العمممال الممتي هممي سممببه فلممذلك‬
‫اختص المشرق بالرفه من بين الفاق ل إن ذلك لمجرد الثر‬
‫النجومي‪ .‬فقد فهمت مما أشرنا لك أول ً أنه ل يسممتقل بممذلك‬
‫و أن المطابقة بين حكمه و عمران الرض و طبيعتهمما أمممر ل‬
‫بممد منممه‪ .‬و اعتممبر حممال هممذا الرفممه مممن العمممران فممي قطممر‬
‫أفريقية و برقة لما خف سكنها وتناقص عمرانها كيف تلشت‬
‫أحوال أهلها وانتهوا إلى الفقر والخصاصه‪ .‬و ضعفت جباياتهمما‬
‫فقلت أموال دولها بعد أن كانت دول الشميعة و صمنهاجة بهما‬
‫على ما بلغك من الرفه و كممثرة الجبايممات و اتسمماع الحمموال‬
‫في نفقاتهم و أعطياتهم‪ .‬حتى لقد كممانت الممموال ترفممع مممن‬
‫القيروان إلى صاحب مصر لحاجاته و مهماته و كممانت أممموال‬
‫الدولة بحيث حمل جوهر الكاتب فممي سممفر إلممى فتممح مصممر‬
‫ألف حمل من المال يسممتعد بهمما لرزاق الجنممود و أعطيمماتهم‬
‫ونفقات الغزاة‪ .‬و قطر المغرب و أن كممان فممي القممديم دون‬
‫أفريقية فلم يكن بالقليل في ذلممك و كممانت أحممواله فممي دول‬
‫الموحدين متسممعة و جبايمماته موفممورة و هممو لهممذا العهممد قممد‬
‫أقصر عن ذلك لقصور العمران فيه و تناقصه فقد ذهب مممن‬
‫عمران البربر فيه أكثره و نقص عممن معهمموده نقص ما ً ظمماهرا ً‬
‫محسوسا‪ ،‬و كاد أن يلحق في أحممواله بمثممل أحمموال أفريقيممة‬
‫بعممد أن كممان عمرانممه متصممل ً مممن البحممر الرومممي إلممى بلد‬
‫السودان في طول ما بين السمموس القصممى و برقممة‪ .‬و هممي‬
‫اليوم كلها أو أكثرها قفممار و خلء و صممحارى إل ممما هممو منهمما‬
‫بسيف البحممر أو ممما يقمماربه مممن التلممول و اللممه وارث الرض‬
‫ومن عليها و هو خير الوارثين‪.‬‬

‫الفصل الخامس عشر فممي تأثممل ا لعقممار و الضممياع‬


‫في المصار و حال فوائدها و مستغلتها‬
‫اعلم أن تأثل العقار و الضياع الكثيرة لهل المصار و المممدن‬
‫ل يكون دفعة واحدة و ل في عصر واحد إذ ليس يكون لحممد‬
‫منهم من الثروة ما يملك به الملك التي تخممرج قيمتهمما عممن‬
‫الحد و لو بلغت أحوالهم في الرفه ما عسممى أن تبلممغ‪ .‬وإنممما‬
‫يكون ملكهم و تأثلهم لها تدريجا ً أما بالوراثة من آبممائه و ذوي‬
‫رحمه حتى تتأدى أملك الكممثيرين منهممم إلممى الواحممد و أكممثر‬
‫لذلك أو أن يكون بحوالة السواق فإن العقار في آخر الدولة‬
‫و أول الخممرى عنممد فنمماء الحاميممة و خممرق السممياج وتممداعى‬
‫المصر إلى الخراب تقل الغبطة به لقلة المنفعة فيها بتلشي‬
‫الحوال فترخص قيمتها و تتملك بالثمممان اليسمميرة و تتخلممى‬
‫بالميراث إلى ملك آخر و قد استجد المصر شبابه باسممتفحال‬
‫الدولة الثانية و انتظمت له أحوال رائقة حسنة تحصممل معهمما‬
‫الغبطممة فممي العقممار والضممياع لكممثرة منافعهمما حينئذ فتعظممم‬
‫قيمها و يكممون لهمما خطممر لممم يكممن فممي الول‪ .‬و هممذا معنممى‬
‫الحوالة فيها و يصبح مالكها مممن أغنممى أهممل المصممر و ليممس‬
‫ذلك بسعيه و اكتسابه إذ قدرته تعجممز عممن مثممل ذلممك‪ .‬و أممما‬
‫فوائد العقار و الضياع فهي غيممر كافيممة لمالكهمما فمي حاجممات‬
‫معاشه إذ هي ل تفي بموائد الترف و أسبابه و إنما هممي فممي‬
‫الغالب لسد الخلة و ضرورة المعمماش‪ .‬و الممذي سمممعناه مممن‬
‫مشيخة البلدان أن القصد باقتناء الملك من العقممار والضممياع‬
‫إنما هو الخشية على مممن يممترك خلفممه مممن الذريممة الضممعفاء‬
‫ليكون مرباهم بمه و رزقممه فيممه و نشمؤهم بفمائدته ممما داممموا‬
‫عاجزين عن الكتساب فإذا اقتدروا على تحصمميل المكاسممب‬
‫سعوا فيها بأنفسهم و ربما يكممون مممن الولممد مممن يعجممز عممن‬
‫التكسب لضعف في بدنه أو آفة في عقله المعاشممي فيكممون‬
‫ذلك العقار قواما ً لحاله‪ .‬هذا قصممد المممترفين فممي اقتنممائه‪ .‬و‬
‫أما التمول منه وإجراء أحوال المترفين فل‪ .‬و قد يحصل ذلك‬
‫منه للقليل أو النادر بحوالة السواق و حصول الكثرة البالغممة‬
‫منه و العالي في جنسه و قيمتممه فممي المصممر إل أن ذلممك إذا‬
‫حصل ربما امتدت إليه أعين المراء و الولة و اغتصممبوه فممي‬
‫الغالب أو أرادوه على بيعه منهم و نالت أصحابه منه مضار و‬
‫معاطب و الله غالب على أمره و هو رب العرش العظيم‪.‬‬

‫الفصل السادس عشر في حاجممات المتمممولين مممن‬


‫أهل المصار إلى الجاه و المدافعة‬
‫وذلك أن الحضري إذا عظممم تممموله و كممثر للعقممار و الضممياع‬
‫تممأثله و أصممبح أغنممى أهممل المصممر و رمقتممه العيممون بممذلك و‬
‫انفسحت أحواله في الترف و العوائد زاحممم عليهمما المممراء و‬
‫الملوك و غصوا به‪ .‬و لما في طباع البشر من العمدوان تمتمد‬
‫أعينهم إلى تملك ما بيممده و ينافسممونه فيممه و يتحيلممون علممى‬
‫ذلك بكل ممكن حتى يحصلوه فممي ربقممة حكمممه سمملطاني و‬
‫سبب مممن المؤاخممذة ظمماهر ينممتزع بممه ممماله و أكممثر الحكممام‬
‫السلطانية جائزة في الغالب إذ العدل المحض إنممما هممو فممي‬
‫الخلفة الشرعية و هممي قليلممة اللبممث قممال صمملى اللممه عليممه‬
‫وسلم الخلفة بعدي ثلثون سنة ثم‪ .‬تعود ملك ما ً عضوض مًا‪ .‬فل‬
‫بد حينئذ لصاحب المال و الثروة الشهيرة فممي العمممران مممن‬
‫حامية تذود عنه و جاه ينسحب عليه من ذي قرابة للملممك أو‬
‫خالصة له أو عصبية يتحاماها السلطان فيستظل هو بظلها و‬
‫يرتع في أمنها مممن طمموارق التعممدي‪ .‬و أن لممم يكممن لممه ذلممك‬
‫أصبح نهبا ً بوجوه التخيلت و أسباب الحكام‪ .‬و اللممه يحكممم ل‬
‫معقب لحكمه‪.‬‬

‫الفصل السابع عشر في أن الحضارة فممي المصممار‬


‫من قبل ا لممدول و أنهمما ترسممخ باتصممال الدولممة‬
‫ورسوخها‬
‫و السبب في ذلك أن الحضارة هي أحوال عادية زائدة علممى‬
‫الضروري من أحوال العمران زيادة تتفاوت بتفاوت الرفممه و‬
‫تفاوت المم في القلممة و الكممثرة تفاوتما ً غيممر منحصممر و تقممع‬
‫فيها عند كثرة التفنن في أنواعهمما و أصممنافها فتكممون بمنزلممة‬
‫الصنائع و يحتاج كل صنف منها إلممى القومممة عليممه و المهممرة‬
‫فيه و بقدر ما يتزيد من أصنافها تتزيد أهل‪ .‬صناعتها و يتلممون‬
‫ذلك الجيل بها و متى اتصلت اليام و تعاقبت تلك الصممناعات‬
‫حذق أولئك الصممناع فممي صممناعتهم و مهممروا فممي معرفتهمما و‬
‫العصممار بطولهمما و انفسمماح أمممدها و تكريممر أمثالهمما تزيممدها‬
‫استحكاما ً و رسوخا ً و أكثر ما يقع ذلك في المصار لسممتجار‬
‫العمران و كثرة الرفه في أهلها‪ .‬و ذلك كله إنممما يجيممء مممن‬
‫قبممل الدولممة لن الدولممة تجمممع أممموال الرعيممة و تنفقهمما فممي‬
‫بطانتها و رجالها وتتسممع أحمموالهم بالجمماه أكممثر مممن أتسمماعها‬
‫بالمال فيكون دخل تلك الممموال مممن الرعايمما و خرجهمما فممي‬
‫أهل الدولة ثم في من تعلق بهم من أهل المصر و هم الكثر‬
‫فتعظم لذلك ثروتهم ويكممثر غنمماهم و تتزيممد عمموائد الممترف و‬
‫مذاهبه و تستحكم لديهم الصنائع في سائر فنونه و هذه هممي‬
‫الحضارة‪ .‬و لهذا تجد المصار التي فمي القاصمية و لممو كمانت‬
‫موفممورة العمممران تغلممب عليهمما أحمموال البممداوة و تبعممد عممن‬
‫الحضارة في جميممع مممذاهبها بخلف المممدن المتوسممطة فممي‬
‫القطار التي هي مركز الدولة و مقرها و ما ذاك إل لمجاورة‬
‫السلطان لهم و فيض أمواله فيهم كالماء يخضر ما قرب منه‬
‫فما قرب من الرض إلى أن ينتهي إلى الجفوف علممى البعممد‬
‫و قد قمدمنا أن السمملطان و الدولممة سمموق للعمالم‪ .‬فالبضممائع‬
‫كلها موجودة في السموق و مما قمرب منمه و إذا أبعمدت عمن‬
‫السوق افتقدت البضائع جملة ثم أنه إذا اتصلت تلك الدولة و‬
‫تعاقب ملوكها في ذلك المصر واحممدا ً بعممد واحممد اسممتحكمت‬
‫الحضارة فيهم و زادت رسوخا ً و اعتبر ذلممك فممي اليهممود لممما‬
‫طال ملكهم بالشام نحوا ً من ألف و أربعمائة سممنين رسممخت‬
‫حضارتهم و حذقوا في أحمموال المعمما ش و عمموائده و التفنممن‬
‫في صناعاته من المطاعم و الملبس و سائر أحوال المنممزل‬
‫حممتى أنهمما لتؤخممذ عنهممم فمي الغممالب إلممى اليمموم‪ .‬و رسممخت‬
‫الحضارة أيضا ً و عوائدها في الشام منهم و من دولممة الممروم‬
‫بعدهم ستمائة سنة فكانوا في غاية الحضارة‪ .‬و كممذلك أيض ما ً‬
‫القبممط دام ملكهممم فممي الخليقممة ثلثممة آلف مممن السممنين‬
‫فرسخت عوائد الحضارة في بلدهم مصر وأعقبهم بهمما ملممك‬
‫اليونان و الروم ثممم ملممك السمملم الناسممخ للكممل‪ .‬فلممم تممزل‬
‫عمموائد الحضممارة بهمما متصمملة و كممذلك أيض ما ً رسممخت عمموائد‬
‫الحضارة باليمن لتصال دولة العرب بها منذ عهد العمالقممة و‬
‫التبابعممة آلف ما ً مممن السممنين و أعقبهممم ملممك مصممر‪ .‬و كممذلك‬
‫الحضارة بالعراق لتصال دولة النبط و الفرس بهمما مممن لممدن‬
‫الكلدانيين و الكيانية و الكسروية و العرب بعممدهم آلف ما ً مممن‬
‫السنين فلم يكن على وجه الرض لهذا العهد أحضر من أهل‬
‫الشام و العراق و مصر‪ .‬و كذا أيضا ً رسخت عوائد الحضممارة‬
‫و استحكمت بالندلس لتصال الدولة العظيمممة فيهمما للقمموط‬
‫ثم ما أعقبها مممن ملممك بنممي أميممة آلف ما ً مممن السممنين و كلتمما‬
‫الدولتين عظيمة فاتصلت فيها عوائد الحضارة و اسممتحكمت‪.‬‬
‫و أما أفريقية و المغرب فلم يكن بها قبل السلم ملك ضخم‬
‫إنما قطع الفرنجممة إلممى أفريقيممة البحممر و ملكمموا السمماحل و‬
‫كانت طاعة البربر أهل الضاحية لهم طاعممة غيممر مسممتحكمة‬
‫فكانوا على قلعة و أوفاز و أهل المغرب لم تجاورهم دولممة و‬
‫إنما كانوا يبعثون بطاعتهم إلى القموط ممن وراء البحمر ولمما‬
‫جاء الله بالسلم و ملك العرب أفريقية و المغرب لممم يلبممث‬
‫فيهم ملك العرب إل قليل ً أول السمملم و كممانوا لممذلك العهممد‬
‫في طور البداوة و من استقر منهممم بإفريقيممة والمغممرب لممم‬
‫يجد بهما من الحضارة ما يقلد فيه من سمملفة إذ كممانوا برابممر‬
‫منغمسين في البممداوة ثممم انتقممض برابممرة المغممرب القصممى‬
‫لقرب العهود على ميسممرة المطفممري أيممام هشممام بممن عبممد‬
‫الملك و لم يراجعوا أمر العرب بعد و استقلوا بممأمر أنفسممهم‬
‫و إن بايعوا لدريس فل تعد دولته فيهم عربية لن البراير هم‬
‫الذين تولوها و لم يكن مممن العممرب فيهمما كممثير عممدد و بقيممت‬
‫أفريقيممة للغالبممة و مممن إليهممم مممن العممرب فكممان لهممم مممن‬
‫الحضارة بعض الشمميء بممما حصممل لهممم مممن تممرف الملممك و‬
‫نعيمه و كثرة عمران القيروان و ورث ذلك عنهممم كتامممة ثممم‬
‫صنهاجة من بعدهم و ذلك كله قليل لم يبلغ أربعمممائة سممنة و‬
‫انصرمت دولتهم و استحالت صبغة الحضارة بممما كممانت غيممر‬
‫مستحكمة و تغلب بممدو العممرب الهللييممن عليهمما و خربوهمما و‬
‫بقي أثر خفي مممن حضممارة العمممران فيهمما و إلممى هممذا العهممد‬
‫يونس فيمن سلف له بالقلعة أو القيروان أو المهديممة سمملف‬
‫فتجد له من الحضارة في شؤن منزله و عوائد أحممواله آثممارا ً‬
‫ملتبسة بغيرها يميزها الحضري البصممير بهمما و كممذا فممي أكممثر‬
‫أمصار أفريقية و ليس كذلك في المغرب و أمصاره لرسمموخ‬
‫الدولممة بأفريقيممة أكممثر أمممدا ً منممذ عنممد الغالبممة و الشمميعة‬
‫وصنهاجة و أما المغرب فانتقل إليه منذ دولة الموحممدين مممن‬
‫الندلس حظ كبير من الحضارة و استحكمت به عوائدها بممما‬
‫كان لدولتهم مني الستيلء على بلد الندلس و انتقل الكممثير‬
‫من أهلها إليهم طوعا ً و كرها ً و كانت من اتسمماع النطمماق ممما‬
‫علمت فكان فيها حممظ صممالح مممن الحضممارة و اسممتحكامها و‬
‫معظمها من أهل الندلس ثم انتقل أهل شرف الندلس عند‬
‫جاليممة النصممارى إلممى أفريقيممة فممأبقوا فيهمما وبأمصممارها مممن‬
‫الحضارة آثارا ً و معظمها بتونس امتزجت بحضارة مصر و ما‬
‫ينقله المسافرون من عوائدها فكان بذلك للمغرب و أفريقية‬
‫حظ صالح من الحضارة عفي عليه الخلء و رجع إلى أعقممابه‬
‫و عاد البربر بالمغرب إلى أديانهم من البممداوة و الخشممونة و‬
‫على كل حال فآثار الحضارة بإفريقية أكممثر منهمما بممالمغرب و‬
‫أمصاره لما تداول فيها من الدول السالفة أكثر من المغممرب‬
‫و لقرب عمموائدهم مممن عمموائد أهممل مصممر بكممثرة المممترددين‬
‫بينهم‪ .‬فتفطن لهذا السر فإنه خفي عن الناس‪ .‬و اعلممم أنهمما‬
‫أمور متناسبة و هي حال الدولة في القوة و الضعف و كممثرة‬
‫المة أو الجيل و عظممم المدينممة أو المصممر و كممثرة النعمممة و‬
‫اليسار و ذلك أن الدولة و الملك صممورة الخليفممة و العمممران‬
‫وكلهمما مممادة لهمما مممن الرعايمما و المصممار و سممائر الحمموال و‬
‫أممموال الجبايممة عممائدة عليهممم ويسممارهم فممي الغممالب مممن‬
‫أسواقهم و متاجرهم و إذا أفاض السلطان عطمماءه و أمممواله‬
‫في أهلها انبثت فيهم و رجعت إليه ثم إليهم منه فهممي ذاهبممة‬
‫عنهم في الجباية و الخراج عائدة عليهممم فممي العطمماء فعلممى‬
‫نسبة حال الدولة يكون يسار الرعايا و على يسممار الرعايمما و‬
‫كممثرتهم يكممون مممال الدولممة و أصممله كلممه العمممران و كممثرته‬
‫فاعتبره و تأمله فممي الممدول تجممده و اللممه يحكممم و ل معقممب‬
‫لحكمه‪.‬‬

‫الفصل الثامن عشر في أن الحضارة غاية العمممران‬


‫و نهاية لعمره و أنها مؤذنة بفساده‬
‫قد بينا لك فيما سلف أن الملك و الدولة غاية للعصممبية و أن‬
‫الحضارة غاية للبداوة و أن العمران كله من بداوة و حضممارة‬
‫و ملك و سوقة له عمر محسمموس كممما أن للشممخص الواحممد‬
‫من أشخاص المكونات عمرا ً محسوسا ً و تبين فممي المعقممول‬
‫والمنقول أن الربعين للنسان غاية في تزايد قواه و نموها و‬
‫أنه إذا بلغ سن الربعين و قفت الطبيعممة عممن أثممر النشمموء و‬
‫النمممو برهممة ثممم تأخممذ بعممد ذلممك فممي النحطمماط‪ .‬فلتعلممم أن‬
‫الحضارة في العمران أيضا ً كذلك لنه غاية ل مزيمد وراءهما و‬
‫ذلممك أن الممترف و النعمممة إذا حصممل لهممل العمممران دعمماهم‬
‫بطبعه إلى مذاهب الحضممارة و التخلممق بعوائدهمما و الحضممارة‬
‫كما علمت هي التفنن في الترف و استجاده أحواله و الكلف‬
‫بالصنائع التي تؤنق من أصممنافه و سممائر فنممونه مممن الصممنائع‬
‫المهيئة للمطابخ أو الملبس أو المباني أو الفرش أو النيممة و‬
‫لسائر أحوال المنزل‪ .‬و للتأنق في كل واحد من هممذه صممنائع‬
‫كثيرة ل يحتاج إليها عند البداوة و عدم التأنق فيهما‪ .‬و إذا بلمغ‬
‫أن التممأنق فممي هممذه الحمموال المنزليممة الغايممة تبعممه طاعممة‬
‫الشهوات فتتلون النفممس مممن تلممك العمموائد بممألوان كممثيرة ل‬
‫يستقيم حالها معها في دينها و ل دنياها أما دينهمما فلسممتحكام‬
‫صبغة العوائد التي يعسر نزعها و أما دنياها فلكثرة الحاجممات‬
‫و المؤنات ائتي تطالب بها العوائد و يعجز و ينكب عن الوفاء‬
‫بها‪ .‬و بيانه أن‪ ،‬المصر بممالتفنن فممي الحضممارة تعظممم نفقممات‬
‫أهله و الحضارة تتفاوت بتفاوت العمران فمتى كان العمران‬
‫أكثر كانت الحضارة أكمل‪ .‬و قد كنا قدمنا أن المصممر الكممثير‬
‫العمممران يختممص بممالغلء فممي أسممواقه و أشممعار حمماجته‪ .‬ثممم‬
‫تزيممدها المكمموس غلة لن الحضممارة إنممما تكممون عنممد انتهمماء‬
‫الدولة في استفحالها و هو زمن وضممع المكمموس فممي الممدول‬
‫لكثرة خرجها حينئذ كما تقدم‪ .‬و المكوس تعود إلى البياعممات‬
‫بالغلء لن السوقة و التجار كلهم يحتسممبون علممى سمملعهم و‬
‫بضائعهم جميع ما ينفقممونه حممتى فممي مؤنممة أنفسممهم فيكممون‬
‫المكممس لممذلك داخل ً فممي قيممم المبيعممات و أثمانهمما‪ .‬فتعظممم‬
‫نفقات أهل الحضارة و تخرج عن القصد إلممى السممراف‪ .‬و ل‬
‫يجدون و ليجة عن ذلك لما ملكهم من أثر العمموائد و طاعتهمما‬
‫و تذهب مكاسبهم كلها في النفقات و يتتابعون في الملق و‬
‫الخاصممة و يغلممب عليهممم الفقممر و يقممل المسممتامون للبضممائع‬
‫فتكسممد السممواق و يفسممد حممال المدينممة و داعيممة ذلممك كلممه‬
‫إفراط الحضارة و الترف‪ .‬و هذه مفسدات في المدينة علممى‬
‫العموم في السواق و العمران‪ .‬و أما فساد أهلها في ذاتهممم‬
‫واحدا ً واحدا ً على الخصوص فمن الكد و التعب فممي حاجممات‬
‫العوائد و التلون بألوان الشر فممي تحصمميلها و ممما يعممود علممى‬
‫النفس من الضرر بعد تحصيلها بحصول لون آخر من ألوانها‪.‬‬
‫فلذلك يكثر منهم الفسق و الشر و السفسفة و التحيل على‬
‫تحصمميل المعمماش مممن وجهممه و مممن غيممر وجهممه‪ .‬و تنصممرف‬
‫النفس إلى الفكر في ذلك و الغوص عليه و استجماع الحيلة‬
‫له فتجدهم أجرياء على الكذب و المقامرة و الغش و الخلبة‬
‫و السرقة و الفجممور فممي اليمممان و الربمما فممي البياعممات ثممم‬
‫تجدهم لكثرة الشممهوات و الملذ الناشممئة عممن الممترف أبصممر‬
‫بطرق الفسق و مذاهبه و المجاهرة بممه و بممداوعيه و اطممراح‬
‫الحشمة في الخوض فيه حتى بين القارب و ذوي الرحممام و‬
‫المحارم الذين تقتضي البداوة الحياء منهم في القذاع بذلك‪.‬‬
‫و تجممدهم أيضما ً أبصممر بممالمكر و الخديعممة يممدفعون بممذلك ممما‬
‫عساه أن ينالهم من القهر و ما يتوقعممونه مممن العقمماب علممى‬
‫تلك القبائح حممتى يصممير ذلممك عممادة و خلقما ً لكممثرهم إل مممن‬
‫عصمه الله‪ .‬و يموج بحر المدينممة بالسممفلة مممن أهممل الخلق‬
‫الذميمة و يجاريهم فيها كثير من ناشئة الدولة وولدانهم ممن‬
‫أهمل عن التأديب و أهملته الدولة من عممدادها و غلممب عليممه‬
‫خلممق الجمموار و إن كممانوا أهممل أنسمماب و بيوتممات و ذلممك أن‬
‫النمماس بشممر متممماثلون و إنممما تفاضمملوا و تميممزوا بممالخلق و‬
‫اكتساب الفضائل و اجتنمماب الممرذائل‪ .‬فمممن اسممتحكمت فيممه‬
‫صبغة الرذيلة بأي وجممه كممان‪ ،‬و فسممد خلممق الخيممر فيممه‪ ،‬لممم‬
‫ينفعه زكمماء نسممبه و ل طيممب منبتممه‪ .‬و لهممذا تجممد كممثيرا ً مممن‬
‫أعقمماب الممبيوت و ذوي الحسمماب و الصممالة و أهممل الممدول‬
‫منطرحين في الغمار منتحلين للحرف الممدنيئة فممي معاشممهم‬
‫بما فسممد مممن أخلقهممم و ممما تلونمموا بممه مممن صممبغة الشممر و‬
‫السفسممفة و إذا كممثر ذلممك فممي المدينممة أو المممة تممأذن اللممه‬
‫بخرابها و انقراضها و هو معنممى قمموله تعممالى‪ :‬و إذا أردنمما أن‬
‫نهلك قرية أمرنا مترفيهمما ففسممقوا فيهمما فحممق عليهمما القممول‬
‫فدمرناها تممدميرًا‪ .‬و وجهممه حينئذ إن مكاسممبهم حينئذ ل تفممي‬
‫بحاجماتهم لكمثرة العموائد و مطالبممة النفممس بهما فل تسممتقيم‬
‫أحوالهم‪ .‬و إذا فسدت أحوال الشممخاص واحممدا ً واحممدا ً اختممل‬
‫نظممام المدينممة و خربممت وهممذا معنممى ممما يقمموله بعممض أهممل‬
‫الخممواص أن المدينممة إذا كممثر فيهمما غممرس النارنممج تممأذنت‬
‫بالخراب حتى أن كممثيرا ً مممن العامممة يتحممامى غممرس النارنممج‬
‫بالدور تطيممرا ً بمه‪ .‬و ليممس الممراد ذلمك و ل أنمه خاصممية فمي‬
‫النارنج و إنما معناه أن البساتين وإجراء المياه هو مممن توابممع‬
‫الحضارة‪ .‬ثم أن النارنج و اللية و السرو و أمثال ذلك مممما ل‬
‫طعم فيه و ل منفعة هو من غاية الحضارة إذ ل يقصد بها في‬
‫البسمماتين إل أشممكالها فقممط ول تغممرس إل بعممد التفنممن فممي‬
‫مذاهب الممترف‪ .‬و هممذا هممو الطممور الممذي يخشممى معممه هلك‬
‫المصر و خرابه كما قلناه‪ .‬و لقد قيل مثل ذلك في الدفلى و‬
‫هو من هذا الباب إذ الدفلى ل يقصممد بهمما إل تلممون البسمماتين‬
‫بنورها ما بين أحمر وأبيض و هو من مممذاهب الممترف‪ .‬و مممن‬
‫مفاسد الحضارة النهماك في الشممهوات و السترسممال فيهمما‬
‫لكثرة الترف فيقع التفنن في شهوات البطممن مممن المآكممل و‬
‫الملذ و المشارب وطيبها‪ .‬و يتبممع ذلممك التفنممن فممي شممهوات‬
‫الفرج بأنواع المناكح من الزنا و اللممواط‪ ،‬فيفضممي ذلممك إلممى‬
‫فساد النوع‪ .‬إممما بواسممطة اختلط النسمماب كممما فممي الزنمما‪،‬‬
‫فيجهل كل واحد ابنه‪ ،‬إذ هو لغير رشدة‪ ،‬لن المياه مختلطممة‬
‫في الرحام‪ ،‬فتفقد الشممفقة الطبيعيممة علممى البنيممن و القيممام‬
‫عليهم فيهلكون‪ ،‬و يؤدي ذلممك إلممى انقطمماع النمموع‪ ،‬أو يكممون‬
‫فساد النوع بغير واسطة‪ ،‬كما في اللواط المؤدي إلممى عممدم‬
‫النسل رأسا ً و هو أشد في فسمماد النمموع‪ .‬و الزنمما يممؤدي إلممى‬
‫عدم ما يوجد منه‪ .‬و لذلك كان مذهب مالك رحمه اللممه فممي‬
‫اللواط أظهر من مذهب غيره‪ ،‬و دل على أنه أبصر بمقاصممد‬
‫الشريعة واعتبارها للمصالح‪.‬‬
‫فممافهم ذلممك و اعتممبر بممه أن غايممة العمممران هممي الحضممارة و‬
‫الترف و أنه إذا بلغ غايته انقلب إلى الفساد و أخذ في الهرم‬
‫كالعمار الطبيعية للحيوانات‪ .‬بل نقممول إن الخلق الحاصمملة‬
‫من الحضارة و الترف هي عين الفساد لن النسان إنممما هممو‬
‫إنسان باقتداره على جلب منافعه و دفع مضمماره و اسممتقامة‬
‫خلقه للسعي فمي ذلمك‪ .‬و الحضمري ل يقمدر علممى مباشمرته‬
‫حاجاته أما عجزا ً لما حصل له من الدعة أو ترف ما ً لممما حصممل‬
‫من المربي في النعيم و الترف و كل المرين ذميم‪ .‬و كممذلك‬
‫ل يقدر على دفع المضار و استقامة خلقه للسعي فممي ذلممك‪.‬‬
‫و الحضري بما قد فقد مممن خلممق النسممان بممالترف و النعيممم‬
‫في قهر التأديب و التعلم فهو بذلك عيال على الحاميممة الممتي‬
‫تدافع عنه‪ .‬ثم هو فاسد أيضا ً غالبا ً بما فسدت منممه العمموائد و‬
‫طاعتها في ما تلونت به النفس مممن مكانتهمما كممما قررنمماه إل‬
‫في القل النادر‪ .‬و إذا فسد النسان في قدرته علممى أخلقممه‬
‫و دينه فقد فسدت إنسانيته و صممار مسممخا ً علممى الحقيقممة‪ .‬و‬
‫بهذا العتبممار كممان الممذين يتقربممون مممن جنممد السمملطان إلممى‬
‫البداوة و الخشونة أنفع من الممذين يممتربون علممى الحضممارة و‬
‫خلقها‪ .‬موجودون في كل دولة‪ .‬فقممد تممبين أن الحضممارة هممي‬
‫سممن الوقمموف لعمممر العممالم فممي العمممران و الدولممة و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى كل يوم هممو فممي شممأن ل يشممغله شممأن عممن‬
‫شأن‪.‬‬

‫الفصل التاسع عشممر فممي أن المصممار الممتي تكممون‬


‫كراسي للملك تخرب بخراب الدولة وانقراضها‬
‫قد استقرينا فممي العمممران أن الدولممة إذا اختلممت و انتقصممت‬
‫فإن المصر الذي يكون كرسمميا ً لسمملطانها ينتقممض عمرانممه و‬
‫ربما ينتهي في انتقاضه إلى الخراب و ل يكاد ذلك يتخلممف‪ .‬و‬
‫السبب فيه أمور‪ :‬الول أن الدولة ل بد في أولها من البممداوة‬
‫المقتضية للتجافي عن أموال الناس و البعد عن التحممذلق‪ .‬و‬
‫يدغو ذلك إلى تخفيممف الجبايممة و المغممارم‪ .‬الممتي منهمما مممادة‬
‫الدولة فتقل النفقات و يقل الممترف فممإذا صممار المصممر الممذي‬
‫كان كرسيا ً للملك في ملكة هذه الدولة المتجممددة و نقصممت‬
‫أحوال الترف فيها نقص الترف فيمن تحممت أيممديها مممن أهممل‬
‫المصر لن الرعايا تبع الدولة فيرجعون إلى خلق الدولممة أممما‬
‫طوعا ً لما في طباع البشر من تقليممد متبمموعهم أو كره ما ً لممما‬
‫يدعو إليه خلق الدولة من النقبمماض عممن الممترف فممي جميممع‬
‫الحوال و قلة الفوائد التي هممي مممادة العمموائد فتقصممر لممذلك‬
‫حضارة المصر و يذهب معه كممثير مممن عمموائد الممترف‪ .‬و هممو‬
‫معنى ما نقول في خراب المصر‪ .‬المر الثاني أن الدولة إنما‬
‫يحصممل لهمما الملممك و السممتيلء بممالغلب‪ ،‬و إنممما يكممون بعممد‬
‫العممداوة و الحممروب‪ .‬و العممداوة تقتضممي منافمماة بيممن أهممل‬
‫الدولتين و تكثر إحداهما على الخرى في العمموائد والحمموال‪.‬‬
‫و غلب أحد المتنافيين يذهب بالمنمافي الخمر فتكمون أحموال‬
‫الدولة السابقة منكرة عند أهل الدولة الجديممدة و مستبشممعة‬
‫و قبيحة‪ .‬و خصوصا ً أحوال الترف فتفقممد فممي عرفهممم بنكيممر‬
‫الدولة لها حتى تنشأ لهم بالتدريج عمموائد أخممرى مممن الممترف‬
‫فتكممون عنهمما حضممارة مسممتأنفة‪ .‬و فيممما بيممن ذلممك قصممور‬
‫الحضارة الولممى ونقصممها و هممو معنممى اختلل العمممران فممي‬
‫المصر‪ .‬المر الثالث أن كل أمة ل بممد لهممم مممن وطممن و هممو‬
‫منشآهم و منه أولية ملكهم‪ .‬و إذا ملكوا ملكا ً آخر صممار تبع ما ً‬
‫للول وأمصمماره تابعممة لمصممار الول‪ .‬و أتسممع نطمماق الملممك‬
‫عليهم‪ .‬و ل بد من توسط الكرسي بين تخوم الممالممك الممتي‬
‫للدولة لنممه شممبه المركممز للنطمماق فيبعممد مكممانه عممن مكممان‬
‫الكرسممي الول و تهمموي أفئدة النمماس مممن أجممل الدولممة و‬
‫السلطان فينتقل إليه العمممران و يخممف مممن مصممر الكرسممي‬
‫الول‪ .‬و الحضارة إنما هي توفر العمران كما قدمناه فتنقممص‬
‫حضممارته و تمممدنه‪ .‬و هممو معنممى اختللممه‪ .‬و هممذا كممما وقممع‬
‫للسلجوقية في عدولهم بكرسيهم عن بغممداد إلممى أصممبهان و‬
‫للعرب قبلهم في العدول عن المدائن إلى الكوفة و البصرة‪،‬‬
‫و لبني العباس في العممدول عممن دمشممق إلممى بغممداد و لبنممي‬
‫مريممن بممالمغرب فممي العممدول عممن مراكممش إلممى فمماس‪ .‬و‬
‫بالجملممة فاتخمماذ الدولممة الكرسممي فممي مصممر يخممل بعمممران‬
‫الكرسي الول‪ .‬المر الرابع أن الدولة الثانية ل بممد فيهمما مممن‬
‫أهل الدولة السابقة و أشياعها بتحويلهم إلممى قطممر آخممر هممو‬
‫من فيه غائلتهم علممى الدولممة و أكممثر أهممل المصممر الكرسممي‬
‫أتباع الدولة‪ .‬أما من الحاميممة الممذين نزلمموا بممه أول الدولممة أو‬
‫أعيممان المصممر لن لهممم فممي الغممالب مخالطممة للدولممة علممى‬
‫طبقاتهم و تنوع أصنافهم‪ .‬بل أكثرهم ناشئ في الدولممة فهممم‬
‫شيعة لها‪ .‬و إن لم يكونوا بالشوكة والعصممبية فهممم بالميممل و‬
‫المحبة و العقيدة‪ .‬و طبيعة الدولة المتجددة محو آثار الدولممة‬
‫السابقة فينقلهم من مصر الكرسي إلى و طنها المتمكن في‬
‫ملكتها‪ .‬فبعضهم على نوع التغريب و الحبس و بعضهم علممى‬
‫نوع الكرامة و التلطممف بحيممث ل يممؤدي إلممى النفممرة حممتى ل‬
‫يبقى في مصر الكرسي إل الباعة و الهمل من أهممل الفلممح و‬
‫العيارة و سواد العامة و ينزل مكانهم حاميتها و أشياعها مممن‬
‫يشتد به المصر وإذا ذهب من المصر أعيانهم على طبقمماتهم‬
‫نقص سمماكنه و هممو معنممى اختلل عمرانممه‪ .‬ثممم ل بممد مممن أن‬
‫يستجد عمران آخر في ظممل الدولممة الجديممدة و تحصممل فيممه‬
‫حضارة أخرى على قدر الدولة‪ .‬و إنما ذلك بمثابة من له بيت‬
‫على أوصاف مخصوصة فاظهر مممن قممدرته علممى تغييممر تلممك‬
‫الوصاف و إعادة بنائها على ما يختاره و يقترحه فيخري ذلك‬
‫البيت ثممم يعيممد بنمماءه ثانيمًا‪ .‬و قممد و قممع مممن ذلممك كممثير فممي‬
‫المصار التي هي كراسي للملك و شاهدناه‪ .‬و عرفناه و الله‬
‫يقدر الليل و النهار‪ .‬و السبب الطبيعي الول في ذ لممك علممى‬
‫الجملة أن الدولة و الملك للعمران بمثابة الصممورة للمممادة و‬
‫هو الشكل الحافظ بنمموعه لوجودهمما‪ .‬و قممد تقممرر فممي علمموم‬
‫الحكمة أنه ل يمكن انفكاك أحدهما عن الخممر‪ .‬فالدولممة دون‬
‫العمران ل تتصور و العمران دون الدولة و الملك متعذر لممما‬
‫في طباع البشممر مممن العممدوان الممداعي إلممى المموازع فتتعيممن‬
‫السياسة لذلك أما الشريعة أو الملكية و هو معنممى الدولممة و‬
‫إذا كانا ل ينفكان فاختلل أحدهما في مؤثر في اختلل الخممر‬
‫كما أن عدمه مؤثر في عدمه و الخلل العظيم إنما يكون من‬
‫خلل الدولة الكليممة مثممل دولممة الممروم أو الفممرس أو العممرب‬
‫على العموم أو بني أمية أو بني العباس كذلك‪ .‬و أممما الدولممة‬
‫الشخصية مثل دولة أنو شروان أو هرقل أو عبممد الملممك بممن‬
‫مروان أو الرشيد فأشخاصها متعاقبة على العمممران حافظممة‬
‫لوجوده و بقائه و قريبة الشبه بعضها من بعض فل تؤثر كممثير‬
‫اختلل لن الدولة بالحقيقة الفاعلة فممي مممادة العمممران إنممما‬
‫هي العصبية و الشوكة و هي مستمرة على أشممخاص الدولممة‬
‫فإذا ذهبت تلك العصبية و دفعتها عصممبية أخممرى مممؤثرة فممي‬
‫العمران ذهبت أهممل الشمموكة بممأجمعهم و عظممم الخلممل كممما‬
‫قررناه أول ً و الله سبحانه و تعالى أعلم‪.‬‬
‫الفصممل العشممرون فممي اختصمماص بعممض المصممار‬
‫ببعض الصنائع دون بعض‬
‫وذلك أنه من البين أن أعمال أهممل المصممر يسممتدعي بعضممها‬
‫بعضا ً لما في طبيعة العمران من التعاون و ما يسممتدعي مممن‬
‫العمممال يختممص ببعممض أهممل المصممر فيقومممون عليممه و‬
‫يستبصممرون فممي صممناعته و يختصممون بمموظيفته و يجعلممون‬
‫معاشهم فيممه و رزقهممم منممه لعممموم البلمموى بممه فممي المصممر‬
‫والحاجة إليه‪ .‬و مما ل تسمتدعي فمي المصمر يكمون غفل ً إذ ل‬
‫فائدة لمنتحلممه فممي الحممتراف بمه‪ .‬و ممما يسممتدعي مممن ذلممك‬
‫لضرورة المعاش فيوجد في كممل مصممر كالخيمماط و الحممداد و‬
‫النجار وأمثالها و ما يسممتدعي لعمموائد الممترف وأحممواله فإنممما‬
‫يوجد في المدن المستبحرة في العمممارة الخممذة فممي عمموائد‬
‫الترف والحضارة مثل الزجاج و الصائغ و الدهان و الطبمماخ و‬
‫الصممفار و السممفاج و الفممراش والممذباح و أمثممال هممذه و هممي‬
‫متفاوتة‪ .‬و بقدر ما تزيد الحضارة و تسممتدعي أحمموال الممترف‬
‫تحدث صنائع لذلك النمموع فتوجممد بممذلك المصممر دون غيممره و‬
‫مممن هممذا البمماب الحمامممات لنهمما إنممما توجممد فممي المصممار‬
‫المستحضرة المسممتبحرة العمممران لممما يممدعو إليممه الممترف و‬
‫الغنى من التنعم و لذلك ل تكممون فممي المممدن المتوسممطة‪ .‬و‬
‫أن نممزع بعممض الملمموك و الرؤسمماء إليهمما فيختطهمما و يجممري‬
‫أحوالهمما‪ .‬إل أنهمما إذا لممم تكممن لهمما داعيممة مممن كافممة النمماس‬
‫فسرعان ما تهجر و تخرب و تفر عنها القومة لقلممة فممائدتهم‬
‫ومعاشهم منها‪ .‬و الله يقبض و يبسط‪.‬‬

‫الفصل الحادي و العشرون في و جود العصبية في‬


‫المصار و تغلب بعضهم على بعض‬
‫من البين أن اللتحام أو التصال موجود فممي طبمماع البشممر و‬
‫أن لم يكونوا أهل نسب واحد إل أنه كما قدمناه أضعف مممما‬
‫يكون بالنسب و أنممه تحصممل بممه العصممبية بعضما ً مممما تحصممل‬
‫بالنسب‪ .‬و أهل المصار كثير منكم ملتحمون بالصممهر يجمذب‬
‫بعضهم بعضا ً إلى أن يكونوا لحما ً لحما ً و قرابة قرابممة و تجممد‬
‫بينهم من العداوة والصداقة ما يكون بين القبممائل و العشممائر‬
‫مثله فيفترقون شيعا ً و عصممائب فممإذا نممزل الهممرم بالدولممة و‬
‫تقلص ظمل الدولمة عمن القاصمية احتماج أهمل أمصمارها إلمى‬
‫القيام على أمرهم و النظر في حمايممة بلممدهم و رجعمموا إلممى‬
‫الشممورى و تميممز العليممة عممن السممفلة و النفمموس بطباعهمما‬
‫متطاولة إلى الغلب و الرئاسة فتطمح المشمميخة لخلء الجممو‬
‫من السلطان و الدولة القمماهرة إلممى السممتبداد و تنممازع كممل‬
‫صاحبه و يستوصلون بالتباع من الموالي و الشمميع و الحلف‬
‫و يبذلون ما في أ يديهم للوغاد و الوشاب فيعصوصممب كممل‬
‫لصاحبه و يتعين الغلب لبعضهم فيعطف علممى أكفممائه ليقممص‬
‫من أعنتهم و يتتبعهم بالقتممل أو التغريممب حممتى يحضممد منهممم‬
‫الشوكات النافذة و يقلممم الظفممار الخادشممة و يسممتبد بمصممر‬
‫أجمع و يرى أنه قد استحدث ملكا ً يممورثه عقبممه فيحممدث فممي‬
‫ذلك الملك الصغر ما يحدث في الملك العظم من عمموارض‬
‫الجدة والهرم و ربما يسمو بعممض هممؤلء إلممى منمماخ الملمموك‬
‫العاظم أصحاب القبائل والعشائر و العصبيات و الزحمموف و‬
‫الخروب و القطممار و الممالممك فينتحلممون بهمما مممن الجلمموس‬
‫على السرير و اتخاذ اللة و إعداد المواكب للسير في أقطار‬
‫البلد و التختم والتحية و الخطاب بالتهويل ما يسخر منه مممن‬
‫يشاهد أحوالهم لما انتحلوه من شممارات الملممك الممتي ليسمموا‬
‫لها بأهل‪ .‬إنما دفعهم إلى ذلك تقلص الدولممة و التحممام بعممض‬
‫القرابات حتى صارت عصبية‪ .‬و قد يتنزه بعضهم عمن ذلمك و‬
‫يجممري علممى مممذهب السممذاجة فممرارا ً مممن التعريممض بنفسممه‬
‫للسخرية و العبث‪ .‬و قد وقع هممذا بأفريقيممة لهممذا العهممد فممي‬
‫آخر الدولة الحفصية لهل بلد الجربد من طرابلس وقابس و‬
‫تؤزر و نفطممة و قفصممة و بسممكرة و الممزاب و ممما إلممى ذلممك‪.‬‬
‫سموا إلى مثلها عند تقلص ظل الدولة عنهم منذ عقممود مممن‬
‫السنين فاسممتغلبوا علممى أمصممارهم و اسممتبدوا بأمرهمما علممى‬
‫الدولممة فممي الحكممام و الجبايممة‪ .‬و أعطمموا طاعممة معروفممة و‬
‫صفقة ممرضة و أقطعوها جانب ما ً مممن الملينممة و الملطفممة و‬
‫النقياد و هم بمعزل عنه‪ .‬و أورثوا ذلك أعقابهم لهممذا العهممد‪.‬‬
‫و حدث في خلفهم من الغلظة و التجممبر ممما يحممدث لعقمماب‬
‫الملوك و خلفهم و نظموا أنفسهم في عداد السلطين علممى‬
‫قرب عهدهم بالسوقة حتى محا ذلممك مولنمما أميممر المممؤمنين‬
‫أبو العباس و انتزع ما كان بأيديهم من ذلك كممما نممذكره فممي‬
‫أخبمار الدولممة‪ .‬و قمد كممان مثممل ذلممك و قممع فمي آخممر الدولممة‬
‫الصنهاجية‪ .‬و استقل بأمصممار الجريممد أهلهمما و اسممتبدوا علممى‬
‫الدولة حتى انتزع ذلك منهممم شمميخ الموحممدين وملكهممم عبممد‬
‫المؤمن بن علي و نقلهم مممن إممماراتهم بهمما إلممى المغممرب و‬
‫محا من تلك البلد آثارهم كما نذكر في أخبمماره‪ .‬و كممذا و قممع‬
‫بسبتة لخر دولة بنى عبد المؤمن‪.‬‬
‫وهممذا التغلممب يكممون غالب ما ً فممي أهممل السممروات و البيوتممات‬
‫المرشممحين للمشمميخة و الرئاسممة فممي المصممر‪ ،‬و قممد يممدذث‬
‫التغلب لبعض السفلة من الغوغاء والدهماء‪ .‬و إذا حصلت لممه‬
‫العصبية و اللتحام بالوغاد لسباب يجرها له المقدار فيتغلب‬
‫علممى المشمميخة والعليممة إذا كممانوا فاقممدين للعصممابة و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى غالب على أمره‪.‬‬

‫الفصل الثاني و العشرون في لغات أهل المصار‬


‫إعلم أن لغات أهل المصار إنما تكون بلسان المة أو الجيممل‬
‫الغالبين عليها أو المختطين لها و لذلك كانت لغممات المصممار‬
‫السلمية كلها بالمشرق و المغممرب لهممذا العهممد عربيممة و أن‬
‫كان اللسان العربي المصري قد فسدت ملكته و تغير إعرابه‬
‫والسبب في ذلك ما و قع للدولة السلمية من الغلممب علممى‬
‫المم و الدين و الملة صورة للوجود و للملك‪ .‬و كلها مواد له‬
‫و الصممورة مقدمممة علممى المممادة و الممدين إنممما يسممتفاد مممن‬
‫الشريعة و هي بلسان العرب لما أن النبي صلى الله عليممه و‬
‫سلم عربي فوجب هجر ما سوى اللسان العربي من اللسن‬
‫في جميع ممالكها‪ .‬و اعتبر ذلك في نهي عمر رضي الله عنه‬
‫عن بطالة العاجم و قال إنها خب‪ .‬أي مكممر و خديعممة‪ .‬فلممما‬
‫هجر الدين اللغات العجمية و كممان لسممان القممائمين بالدولممة‬
‫السلمية عربيا ً هجرت كلها في جميع ممالكها لن الناس تبع‬
‫للسلطان و على دينه فصممار اسممتعمال اللسممان العربممي مممن‬
‫شممعائر السمملم و طاعممة العممرب‪ .‬و هجممر المممم لغمماتهم و‬
‫ألسنتهم في جميع المصار والممالك‪ .‬و صار اللسان العربي‬
‫لسانهم حتى رسخ ذلك لغة فممي جميممع أمصممارهم ومممدنهم و‬
‫صارت اللسنة العجمية دخيلة فيها و غريبة‪ .‬ثم فسد اللسان‬
‫العربي بمخالطتها في بعض أحكامه و تغير أواخره و إن كان‬
‫بقي في الدللت على أصله وسمي لسانا ً حضريا ً في جميممع‬
‫أمصار السلم‪ .‬و أيضا ً فأكثر أهممل المصممار فممي الملممة لهممذا‬
‫العهد من أعقاب العرب المالكين لها‪ ،‬الهالكين في ترفها بما‬
‫كثروا العجممم الممذين كممانوا بهمما و ورثمموا أرضممهم و ديممارهم‪ .‬و‬
‫اللغات متوارثة فبقيت لغة العقاب على حيممال لغممة البمماء و‬
‫إن فسدت أحكامها بمخالطة العجام شيئا ً فشمميئًا‪ .‬و سممميت‬
‫لغتهم حضرية منسوبة إلى أهممل الحواضممر و المصممار بخلف‬
‫لغة البدو من العرب فإنها كممانت أعممرق فممي العروبيممة و لممما‬
‫تملك العجم مممن الممديلم و السمملجوقية بعممدهم بالمشممرق‪ ،‬و‬
‫زناتة و البربر بالمغرب‪ ،‬و صار لهم الملممك و السممتيلء علممى‬
‫جميع الممالك السلمية فسممد اللسممان العربممي لممذلك و كمماد‬
‫يذهب لول ما حفظه من عناية المسمملمين بالكتمماب و السممنة‬
‫اللممذين بهممما حفممظ الممدين و سممار ذلممك مرجحما ً لبقمماء اللغممة‬
‫العربية المصرية مممن الشممر و الكلم إل قليل ً بالمصممار فلممما‬
‫ملك التتر والمغول بالمشرق و لم يكونوا على ديممن السمملم‬
‫ذهب ذلك المرجح و فسدت اللغة العربية على الطلق و لم‬
‫يبق لها رسم في الممالك السلمية بالعراق و خراسان وبلد‬
‫فارس و أرض الهند و السند و ما وراء النهر و بلد الشمال و‬
‫بلد الروم و ذهبت أسابيب اللغة العربية من الشممعر و الكلم‬
‫إل قليل ً يقممع تعليمممه صممناعيا ً بممالقوانين المتدارسممة مممن كلم‬
‫العرب و حفظ كلمهم لمن يسره الله تعممالى لممذلك‪ .‬و ربممما‬
‫بقيمت اللغمة العربيمة المصمرية بمصمر والشمام و النمدلس و‬
‫بالمغرب لبقاء الدين طلبا ً لها فانحفظت ببعض الشيء و أما‬
‫في ممالك العراق و ما وراءه فلم يبق له أثر و ل عين حممتى‬
‫إن كتب العلوم صارت تكتب باللسان العجمي و كذا تدريسه‬
‫في المجالس و اللممه أعلممم بالصممواب‪ .‬و اللممه مقممدر الليممل و‬
‫النهار‪ .‬صلى الله على سمميدنا محمممد و آلممه و صممحبه و سمملم‬
‫تسممليما ً كمثيرا ً دائمما ً أبمدا ً إلمى يموم الممدين و الحممد للمه رب‬
‫العالمين‪.‬‬

‫البمماب الخممامس مممن الكتمماب الول فممي المعمماش و‬


‫وجوبه من الكسب و الصممنائع و ممما يعممرض فممي‬
‫ذلك كله من الحوال و فيه مسائل‬

‫الفصمممل الول فمممي حقيقمممة المممرزق و الكسمممب و‬


‫شممرحهما و أن الكسممب هممو قيمممة العمممال ا‬
‫لبشرية‬
‫إعلم أن النسان مفتقر بالطبع إلممى ممما يقمموته و يمونممة فممي‬
‫حالته و أطواره من لدن نشوءه إلى أشده إلى كممبره و اللممه‬
‫الغني و أنتم الفقراء و الله سبحانه خلق جميع ما في العممالم‬
‫للنسان و امتن به عليه في غير ما آية من كتابه فقال‪ :‬خلق‬
‫لكم ما في السممماوات وممما فممي الرض جميعمما منممه و سممخر‬
‫لكم البحر و سخر لكم الفلك و سخر لكم النعام‪ .‬و كثير من‬
‫شواهده‪ .‬و يد النسان مبسوطة علممى العممالم و ممما فيممه بممما‬
‫جعل الله له من السممتخلف‪ .‬و أيممدي البشممر منتشممرة فهممي‬
‫مشتركة في ذلك‪ .‬و ما حصل عليه يد هذا امتنع عن الخر إل‬
‫بعمموض‪ .‬فالنسممان مممتى اقتممدر علممى نفسممه و تجمماوز طممور‬
‫الضعف سعى في اقتناء المكسب لينفممق ممما آتمماه اللممه منهمما‬
‫في تحصيل حاجاته و ضروراته بدفع العواض عنها‪ .‬قال الله‬
‫تعالى‪ :‬فابتغوا عنممد اللمه المرزق و قممد يحصمل لمه ذلمك بغيمر‬
‫سعي كالمطر المصلح للزراعة و أمثمماله‪ .‬إل أنهمما إنممما تكممون‬
‫معينممة و ل بممد مممن سممعيه معهمما كممما يممأتي فتكممون لممه‪ .‬تلممك‬
‫المكاسب معاشا ً إن كانتا بمقدار الضرورة و الحاجة و رياشا ً‬
‫و متمول ً إن زادت على ذلك‪ .‬ثم إن ذلك الحاصل أو المقتنى‬
‫إن عادت منفعته على العبد و حصلت لممه ثمرتممه مممن إنفمماقه‬
‫في مصالحه و حاجاته سمي ذلك رزقًا‪ .‬قال صلى اللممه عليممه‬
‫و سلم‪ :‬إنما لك من مالك ما أكلت فأفنيت أو لبست فممأبليت‬
‫أو تصدقت فأمضيت و إن لم ينتفع به في شيء من مصالحه‬
‫و ل حاجاته فل يسمى بالنسبة إلى المالممك رزق ما ً و المتملممك‬
‫منه حينئذ بسعي العبممد و قممدرته يسمممى كسممبًا‪ .‬و هممذا مثممل‬
‫التراث فإنه يسمممى بالنسممبة إلممى المالممك كسممبا ً و ل يسمممى‬
‫رزقا ً إذ لم يحصممل بممه منتفممع و بالنسممبة إلممى المموارثين مممتى‬
‫انتفعوا به يسمى رزقًا‪ .‬هذا حقيقة مسمى الممرزق عنممد أهممل‬
‫السنة و قممد اشممترط المعممتزل فممي تسممميته رزق ما ً إن يكممون‬
‫بحيث يصممح تملكممه و ممما ل يتملمك عنمدهم ل يسممى رزقما ً و‬
‫أخرجوا الغصوبات و الحرام كله عممن أن يسمممى شميء منهمما‬
‫رزق ما ً و اللممه تعممالى يممرزق الغاصممب و الظممالم و المممؤمن و‬
‫الكافر برحمته و هدايته من يشاء‪ .‬و لهم في ذلك حجج ليس‬
‫هذا موضع بسطها‪ .‬ثم اعلم أن الكسب إنممما يكممون بالسممعي‬
‫في القتناء و القصممد إلممى التحصمميل فل بممد فممي الممرزق مممن‬
‫سعي و عمممل و لممو فممي تنمماوله و ابتغممائه مممن وجمموهه‪ .‬قممال‬
‫تعالى‪ :‬فممابتغوا عنممد اللممه الممرزق و السممعي إليممه إنممما يكممون‬
‫بأقدار الله تعالى و إلهامه‪ ،‬فالكل من عنممد اللممه‪ .‬فل بممد مممن‬
‫العمال النسانية في كل مكسمموب و متمممول‪ .‬لنممه إن كممان‬
‫عمل ً بنفسه مثل الصنائع فظاهر دال كان مقتنى من الحيوان‬
‫و النبات و المعدن فل بد فيه من العمل النساني كما تراه و‬
‫إل لم يحصل و لم يقممع بممه انتفمماع‪ .‬ثممم إن اللممه تعممالى خلممق‬
‫الحجرين المعدنيين من الذهب و الفضة قيمة لكل متمول‪ ،‬و‬
‫هما الذخيرة و القنية لهممل العممالم فممي الغممالب‪ .‬و إن اقتنممى‬
‫سواهما في بعض الحيان فإنما هو لقصد تحصيلهما بممما يقممع‬
‫في غيرهما من حوالة السواق التي هما عنهمما بمعممزل فهممما‬
‫أصممل المكاسممب و القنيممة و الممذخيرة‪ .‬و إذا تقممرر هممذا كلممه‬
‫فاعلم أن ما يفيده النسان و يقتنيه مممن المتممولت إن كمان‬
‫من الصنائع فالمفاد المقتنى منممه قيمممة عملممه و هممو القصممد‬
‫بالقنيممة إذ ليممس هنمماك إل العمممل و ليممس بمقصممود بنفسممه‬
‫للقنية‪ .‬و قد يكون مع الصنائع في بعضها غيرها مثل التجممارة‬
‫و الحياكة معهما الخشب و الغممزل إل أن العمممل فيهممما أكممثر‬
‫فقيمته أكثر و إن كان من غير الصنائع فل بد من قيمممة ذلممك‬
‫المفاد و القنية من دخول قيمممة العمممل الممذي حصمملت بممه إذ‬
‫لول العممل لممم تحصممل قنيتهمما‪ .‬و قمد تكممون ملحظمة العممل‬
‫ظاهرة في الكثير منها فتجعل له حصة مممن القيمممة عظمممت‬
‫أو صممغرت‪ .‬و قممد تخفممى ملحظممة العمممل كممما فممي أسممعار‬
‫القمموات بيممن النمماس فممإن اعتبممار العمممال و النفقممات فيهمما‬
‫ملحممظ فممي أسممعار الحبمموب كممما قممدمناه لكنممه خفممي فممي‬
‫القطار التي علج الفلح فيها و مؤنته بسيرة فل يشعر بممه إل‬
‫القليل من أهل الفلح‪ .‬فقد تبين أن المفممادات و المكتسممبات‬
‫كلها أو أكثرها إنما هي قيم العمال النسانية و تبين مسمممى‬
‫الرزق و أنه المنتفع به‪ .‬فقد بممان معنممى الكسممب و الممرزق و‬
‫شممرح مسممماهما‪ .‬و اعلممم أنممه إذا فقممدت العمممال أو قلممت‬
‫بانتقاص العمران تأذن الله برفممع الكسممب أتممرى أل المصممار‬
‫القليلة الساكن كيف يقل الرزق و الكسب فيها أو يفقد لقلة‬
‫العمال النسانية و كذلك المصار التي يكممون عمرانهمما أكممثر‬
‫يكون أهلها أوسع أحوال ً و أشد رفاهية كما قدمناه قبل و من‬
‫هذا الباب تقول العامة في البلد إذا تناقص عمرانها إنهمما قممد‬
‫ذهب رزقها حتى إن النهار و العيون ينقطع جريها في القفممر‬
‫لما أن فور العيون إنما يكممون بالنبمماط و المممتراء الممذي هممو‬
‫بالعمل النسمماني كالحممال فمي ضممروع النعممام فمما لممم يكممن‬
‫إنباط و ل امتراء نصبت و غارت بالجملممة كممما يجممف الضممرع‬
‫إذا ترك امتراؤه‪ .‬و انظره في البلد الممتي تعهممد فيهما العيممون‬
‫ليام عمرانها ثم يأتي عليها الخراب كيف تغور مياههمما جملممة‬
‫كأنها لم تكن و الله مقدر الليل و النهار‪.‬‬
‫الفصممل الثمماني فممي وجمموه المعمماش و أصممنافه و‬
‫مذاهبه‬
‫إعلم أن المعاش هو عبارة عن ابتغاء الممرزق و السممعي فممي‬
‫تحصيله و هو مغفل من العيش‪ .‬كأنه لما كممان العيممش الممذي‬
‫هو الحياة ل يحصل إل بهذه جعلممت موضممعا ً لممه علممى طريممق‬
‫المبالغة ثم إن تحصيل الرزق و كسبه‪ ،‬إممما أن يكممون بأخممذه‬
‫من يد الغير و انتزاعه بالقتدار عليه علممى قممانون متعممارف و‬
‫يسمى مغرما ً و جباية و إما أن يكون مممن الحيمموان الوحشممي‬
‫بافتراسه و أخذه برميه من البر أو البحر و يسمممى اصممطيادا ً‬
‫و إممما أن يكممون مممن الحيمموان الممداجن باسممتخراج فضمموله‬
‫المنصممرفة بيممن النمماس فممي منممافعهم كمماللبن مممن النعممام و‬
‫الحرير من دوده و العسل من نحله أو يكون من النبممات فممي‬
‫الزرع و الشممجر بالقيممام عليممه و إعممداده لسممتخراج ثمرتممه و‬
‫يسمى هذا كله فلحما ً و إممما أن يكممون الكسممب مممن العمممال‬
‫النسانية إما في مواد معينممة و تسمممى الصممنائع مممن كتابممة و‬
‫تجارة و خياطة و حياكة و فروسية و أمثال ذلك أو في مممواد‬
‫غير معينة و هي جميع المتهانات و التصرفات و إما أن يكون‬
‫الكسب من البضائع و إعدادها للعواض إما بالتغلب بهمما فممي‬
‫البلد و احتكارها و ارتقاب حوالة السواق فيها‪ .‬و يسمى هذا‬
‫تجارة‪ .‬فهذه وجوه المعاش و أصنافه و هي معنممى ممما ذكممره‬
‫المحققون من أهل الدب و الحكمة كالحريري و غيره فإنهم‬
‫قالوا‪ :‬المعاش إمارة و تجارة و فلحة و صناعة‪ .‬فأما المارة‬
‫فليست بمذهب طبيعي للمعاش فل حاجمة بنما إلمى ذكرهما و‬
‫قد تقدم شيء من أحوال الجبايممات السمملطانية و أهلهمما فممي‬
‫الفصل الثاني‪ .‬و أما الفلحة و الصناعة و التجارة فهي وجوه‬
‫طبيعية للمعاش أما الفلحة فهي متقدمة عليها كلهمما بالممذات‬
‫إذ هي بسيطة و طبيعية فطرية ل تحتاج إلى نظر و ل علم و‬
‫لهذا تنسب في الخليقة إلى آدم أبي البشممر و أنممه معلمهمما و‬
‫القائم عليها إشارة إلى أنهمما أقممدم وجمموه المعمماش و أنسممبها‬
‫إلى الطبيعة‪ .‬و أما الصنائع فهي ثانيتها و متممأخرة عنهمما لنهمما‬
‫مركبة و علمية تصرف فيها الفكار و النظار و بهممذا ل يوجممد‬
‫غالبا ً إل في أهل الحضر الذي هو متأخر عن البدو و ثان عنه‪.‬‬
‫و من هذا المعنى نسممبت إلممى إدريممس الب الثمماني للخليقممة‬
‫فإنه مستنبطها لمن بعده من البشر بالوحي من الله تعممالى‪.‬‬
‫و أما التجارة و إن كممانت طبيعيممة فممي الكسممب فممالكثر مممن‬
‫طرقها و مذاهبها إنما هي تحيلت في الحصول على ممما بيممن‬
‫القيمتين في الشراء و البيع لتحصل فائدة الكسب مممن تلممك‬
‫الفضلة‪ .‬و لذلك أباح الشرع فيه المكاسبة لما أنممه مممن بمماب‬
‫المقامرة إل أنه ليس أخذ المممال الغيممر مجان ما ً فلهممذا اختممص‬
‫بالمشروعية‪ .‬و الله أعلم‪.‬‬

‫الفصل الثالث في أن الخدمة ليست من الطبيعي‬


‫إعلم أن السلطان ل بد له من اتخاذ الخدمة في سائر أبواب‬
‫المارة و الملك الذي هو بسبيله مممن الجنممدي و الشممرطي و‬
‫الكماتب‪ .‬و يسممتكفي فمي كممل بماب بمممن المضميع و لممو كممان‬
‫مأمونا ً فضرره بالتضييع أكثر من نفعه‪ .‬فمماعلم ذلممك و اتخممذه‬
‫قانونا ً في الستكفاء بالخدمممة‪ .‬و أنممه سممبحانه و تعممالى قممادر‬
‫على كل شيء‪.‬‬

‫الفصل الرابمع فمي ابتغمماء الممموال ممن المدفائن و‬


‫الكنوز ليس بمعاش طبيعي‬
‫اعلم أن كثيرا ً من ضعفاء العقول في المصار يحرصون على‬
‫استخراج الموال من تحت الرض و يبتغون اكسب من ذلك‪.‬‬
‫و يعتقدون أن أموال المم السالفة مختزنة كلها تحت الرض‬
‫مختوم عليها كلها بطلسم سحرية‪ .‬ل يفممض ختامهمما ذلممك إل‬
‫من عثر على علمه و استحضر ما يحله من البخممور و الممدعاء‬
‫و القربان‪ .‬فأهل المصار بإفريقية يممرون أن الفرنجممة الممذين‬
‫كانوا قبل السلم بها دفنمموا أممموالهم كممذلك و أودعوهمما فممي‬
‫الصحف بالكتاب إلى أن يجممدوا السممبيل إلممى اسممتخراجها‪ .‬و‬
‫أهل المصار بالمشمرق يمرون مثمل ذلمك فمي أمممم القبممط و‬
‫الروم و الفرس‪ .‬و يتناقلون في ذلممك أحمماديث تشممبه حممديث‬
‫خرافة من انتهاء بعض الطالبين لذلك إلى حفر موضع المممال‬
‫ممن لم يعرف طلسمه و ل خبرة فيجدونه خالي ما ً أو معمممورا ً‬
‫بالديدان‪ .‬أو يشاهد المموال و الجمواهر موضموعة و الحمرس‬
‫دونها منتضين سيوفهم‪ .‬أو تميد به الرض حتى يظنممه خسممفا ً‬
‫أو مثل ذلك من الهذر‪ .‬و نجد كثيرا ً من طلبة البربر بالمغرب‬
‫العاجزين عن المعاش الطبيعي و أسبابه يتقربممون إلممى أهممل‬
‫الدنيا بالوراق المتخرمة الحواشي إما بخطوط عجمية أو بما‬
‫ترجممم بزعمهممم منهمما مممن خطمموط أهممل الممدفائن بإعطمماء‬
‫المارات عليها فمي أماكنهمما يبتغممون بممذلك الممرزق منهممم بممما‬
‫يبعثونه على الحفممر و الطلممب و يموهممون عليهممم بممأنهم إنممما‬
‫حملهم على الستعانة بهممم طلممب الجمماه فممي مثممل هممذا مممن‬
‫منال الحكام و العقوبات‪ .‬و ربما تكون عند يعلم غناءه فيممه و‬
‫يتكفل بأرزاقهم من بيت ماله‪ .‬و هذا كله مندرج في المممارة‬
‫و معاشممها إذ كلهممم ينسممحب عليهممم حكممم المممارة و الملممك‬
‫العظم هو ينبوع جداولهم‪ .‬و أما ممما دون ذلممك مممن الخدمممة‬
‫فسببها أن أكثر المترفين يترفع عن مباشرة حاجاته أو يكون‬
‫عاجزا ً عنها لما ربي عليه من خلق التنعم و الترف فيتخذ من‬
‫يتولى ذلك له و يقطعه عليه أجممرا ً مممن ممماله‪ .‬و هممذه الحالممة‬
‫غير محمودة بحسب الرجولية الطبيعية للنسان إذ الثقة بكل‬
‫أحد عجز‪ ،‬و لنها تزيممد فممي الوظممائف و الخممرج و تممدل علممى‬
‫العجمز و الخنمث المذي ينبغمي فمي ممذاهب الرجوليمة التنمزه‬
‫عنهما‪ .‬إل أن العوائد تقلب طباع النسممان إلممى مألوفهمما فهممو‬
‫ابن عوائده ل ابن نسبه‪ .‬و مع ذلك فالخممديم الممذي يسممتكفى‬
‫به و يوثق بغنممائه كممالمفقود إذ الخممديم القممائم بممذلك ل يعممدو‬
‫أربع حالت‪ :‬إما مضطلع بأمره و ل موثوق فيما يحصممل بيممده‬
‫و إما بالعكس فيهما‪ ،‬و هو أن يكممون غيممر مضممطلع بممأمر و ل‬
‫موثوق فيما يحصل بيده و إممما بممالعكس فممي إحممداهما فقممط‬
‫مثل أن يكون مضطلعا ً غير موثوق أو موثوق ما ً غيممر مضممطلع‪.‬‬
‫فأما الول و هو المضطلع الموثوق فل يمكن أحدا ً اسممتعماله‬
‫بوجه إذ هو باضطلعه و ثقته غني عن أهل الرتممب الممدنيئة و‬
‫محتقر لمثال الجر من الخدمة لقتداره على أكممثر مممن ذلممك‬
‫فل يستعمله إل المراء أهممل الجمماه الغريممض لعممموم الحاجممة‬
‫إلى الجاه‪ .‬و أما الصنف الثاني و هو ممن ليس بمضطلع و ل‬
‫موثوق فل ينبغي لعاقل استعماله لنه يحجف بمخممدومه فممي‬
‫المرين معا ً فيضيع عليه لعدم الصطناع تممارة و يممذهب ممماله‬
‫بالخيانة أخرى فهو على كممل حممال كممل علممى ممموله‪ .‬فهممذان‬
‫الصنفان ل يطمع أحد في استعمالهما‪ .‬و لم يبق إل استعمال‬
‫الصنفين الخرين‪ :‬موثوق غير مضطلع و مضطلع غير موثوق‬
‫و للناس في الترجيح بينهما مذهبان‪ ،‬و لكممل مممن الممترجيحين‬
‫وجه‪ .‬إل أن المضطلع و لو كان غير موثوق أرجح لنممه يممؤمن‬
‫من تضييعه و يحاول على التحرز من خيانته جهد السممتطاعة‬
‫و أما بعضهم نادرة أو غريبة من العمال السحرية يممموه بهمما‬
‫على تصديق ما بقي من دعواه و هممو بمعممزل عممن السممحر و‬
‫طرقه فتولممع كممثير مممن ضممعفاء العقممول بجمممع اليممدي علممى‬
‫الحتفار و التستر فيه بظلمات الليل مخافة الرقبمماء و عيممون‬
‫أهل الدول‪ ،‬فإذا لم يعثروا على شيء ردوا ذلك إلممى الجهممل‬
‫بالطلسم الذي ختم به على ذلك المال يخادعون به أنفسممهم‬
‫عن إخفاق مطامعهم‪ .‬و الذي يحمل علممى ذلممك فممي الغممالب‬
‫زيادة على ضعف العقل إنما هو العجممز عممن طلممب المعمماش‬
‫بالوجوه الطبيعية للكسممب مممن التجممارة و الفلممح و الصممناعة‬
‫فيطلبونه بالوجوه المنحرفمة و علمى غيمر المجمرى الطمبيعي‬
‫من هذا و أمثاله عجزا ً عممن السممعي فممي المكاسممب و ركونما ً‬
‫إلى تناول الممرزق مممن غيممر تعممب و ل نصممب فممي تحصمميله و‬
‫اكتسابه و ل يعلمون أنهم يوقعون أنفسهم بابتغمماء ذلممك مممن‬
‫غير وجهه في نصب و متاعب و جهد شديد أشد مممن الول و‬
‫يعرضون أنفسهم مممع ذلممك لمنممال العقوبممات‪ .‬و ربممما يحمممل‬
‫على ذلك في الكثر زيادة الترف و عوائده و خروجها عن حد‬
‫النهاية حتى تقصممر عنهمما وجمموه الكسممب و مممذاهبه و ل تفممي‬
‫بمطالبها‪ .‬فإذا عجز عن الكسب بالمجرى الطممبيعي لممم يجممد‬
‫وليجة في نفسه إل التمني لوجود المممال العظيممم دفعممة مممن‬
‫غير كلفممة ليفممي لممه ذلممك بممالعوائد الممتي حصممل فممي أسممرها‬
‫فيحرص على ابتغاء ذلك و يسعى فيه جهده و لهذا فأكثر من‬
‫تراهم يحرصون على ذلك هم المممترفون مممن أهممل الدولممة و‬
‫من سكان المصممار الكممثيرة الممترف المتسممعة الحمموال مثممل‬
‫مصر و ما في معناها فنجد الكثير منهم مغرمين بابتغاء ذلممك‬
‫و تحصيله و مساءلة الركبان عن شواذه كما يحرصممون علممى‬
‫الكيمياء‪ .‬هكذا بلغني عن أهل مصر في مفاوضة من يلقممونه‬
‫من طلبة المغاربة لعلهم يعممثرون منممه علممى دفيممن أو كنممز و‬
‫يزيدون على ذلك البحث عن تغوير المياه لما يرون أن غالب‬
‫هذه الموال الدفينة كلها في مجاري النيممل و أنممه أعظممم ممما‬
‫يستر دفينا ً أو مختزنا ً في تلك الفاق و يموه عليهممم أصممحاب‬
‫تلك الدفاتر المفتعلة في العتذار عممن الوصممول إليهمما بجريممة‬
‫النيمل تسممترا ً بممذلك ممن الكمذب حممتى يحصمل علمى معاشممه‬
‫فيحممرص سممامع ذلممك منهممم علممى نضمموب الممماء بالعمممال‬
‫السحرية لتحصيل مبتغاه من هذه كلفا ً بشأن السحر متوارثا ً‬
‫في ذلك القطر عن أوليه فعلومهم السممحرية و آثارهمما باقيممة‬
‫بأرضهم في البراري و غيرها‪ .‬و قصة سحرة فرعون شمماهدة‬
‫باختصاصهم بذلك و قد تناقل أهل المغرب قصمميدة ينسممبونها‬
‫إلممى حكممماء المشممرق تعطممى فيهمما كيفيممة العمممل بممالتغوير‬
‫بصناعة سحرية حسبما تراه فيها و هي هذه‪:‬‬
‫إسمع كلم الصدق من خبير‬ ‫يا طالبا ً للسر في التغوير‬
‫من قول بهتان و لفظ‬ ‫دع عنك ما قد صنفوا فيكتبهم‬
‫غرور‬
‫إن كنت ممن ل يرى‬ ‫و اسمع لصدق مقالتي و نصيحتي‬
‫بالزور‬
‫حارت لها الوهام في التدبير‬ ‫فإذا أردت تغور البئر التي‬
‫و الرأس رأس الشبل في‬ ‫صور كصورتك التي أوقفتها‬
‫التقوير‬
‫في الدلو ينشل من قرار‬ ‫و يداه ماسكتان للحبل الذي‬
‫البير‬
‫عدد الطلق احذر من التكرير‬ ‫و بصدره هاء كما عاينتها‬
‫مشي اللبيب الكيس‬ ‫و يطا على الطاءات غير ملمس‬
‫النحرير‬
‫تربيعه أولى من التكوير‬ ‫و يكون حول الكل خط دائر‬
‫و اقصده عقب الذبح‬ ‫و اذبح عليه الطير و الطخه به‬
‫بالتبخير‬
‫و القسط و البسه بثوب‬ ‫بالسندروس و باللبان و ميعة‬
‫حرير‬
‫من أحمر أو أصفر ل أزرقل أخضر فيه و ل تكدير‬
‫أحمر من خالص التحمير‬ ‫و يشده خيطان صوف أبيضأو‬
‫و يكون بدء الشهر غير‬ ‫و الطالع السد الذي قد بينوا‬
‫منير‬
‫في يوم سبت ساعة‬ ‫و البدر متصل بسعد عطارد‬
‫التدبير‬
‫يعنممي أن تكممون الطمماءات بيممن قممدميه كممأنه يمشممي عليهمما و‬
‫عندي أن هذه القصيدة من تمويهممات المتخرفيممن فلهممم فممي‬
‫ذلك أحوال غريبممة و اصممطلحات عجيبممة و تنتهممي التخرفممة و‬
‫الكممذب بهممم إلممى أن يسممكنوا المنممازل المشممهورة و الممدور‬
‫المعروفة لمثل هذه و يحتفممرون الحفممر و يضممعون المطممابق‬
‫فيها و الشواهد التي يكتبونها في صحائف كذبهم ثم يقصدون‬
‫ضعفاء العقول بأمثال هممذه الصممحائف و يعثممون علممى كممبراء‬
‫ذلك المنزل و سممكناه و يوهمممون أن بممه دفينما ً مممن المممال ل‬
‫يعممبر عممن كممثرته و يطممالبون بالمممال لشممتراء العقمماقير و‬
‫البخورات لحل الطلسم و يعدونه بظهور الشممواهد الممتي قممد‬
‫أعدوها هنالك بأنفسهم و من فعلهممم فينبعممث لممما يممراه مممن‬
‫ذلك و هو قد خدع و لبس عليه من حي ل يشعر و بينهم فممي‬
‫ذلك اصممطلح فممي كلمهممم يلبسممون بممه عليهممم ليخفممى عنممد‬
‫محاورتهم فيما يتلونه من حفر و بخور‪ ،‬و ذبح حيوان و أمثال‬
‫ذلك‪ .‬و أما الكلم في ذلممك علممى الحقيقممة فل أصممل لممه فممي‬
‫علم و ل خبر و اعلم أن الكنوز و إن كممانت توجممد لكنهمما فممي‬
‫حكم النادر و على وجه التفاق ل على وجممه القصممد إليهمما‪ .‬و‬
‫ليس ذلك بأمر تعممم بممه البلمموى حممتى يممدخر النمماس أممموالهم‬
‫تحت الرض و يختمون عليها بالطلسم ل في القديم و ل في‬
‫الحديث‪ .‬و الركاز الذي ورد في الحديث و فرضممه الفقهمماء و‬
‫هو دفين الجاهلية إنممما يوجممد بممالعثور و التفمماق ل بالقصممد و‬
‫الطلممب و أيض ما ً فمممن اخممتزن ممماله و ختممم عليممه بالعمممال‬
‫السحرية فقد بالغ فمي إخفممائه فكيممف ينصممب عليممه الدلممة و‬
‫المارات لمن يبتغيه‪ .‬و يكتب ذلك في الصحائف حممتى يطلممع‬
‫علممى ذخيرتممه أهممل المصممار و الفمماق ؟ هممذا ينمماقض قصممد‬
‫الخفمماء‪ .‬و أيضمما ً فأفعممال العقلء ل بممد و أن تكممون لغممرض‬
‫مقصود في النتفاع‪ .‬و من اختزن المال فممإنه يخممتزنه لولممده‬
‫أو قريبه أو من يؤثره‪ .‬و أما أن يقصد إخفاءه بالكلية عن كل‬
‫أحد و إنما هو للبلء و الهلك أو لمن ل يعرفممه بالكليممة ممممن‬
‫سيأتي من المم فهذا ليس من مقاصد العقلء بمموجه‪ .‬و أممما‬
‫قولهم‪ :‬أين أموال المم من قبلنا و ما علم فيها‪ .‬من الكممثرة‬
‫و الوفور فاعلم أن الموال من الذهب و الفضة و الجواهر و‬
‫المتعة إنما هي معادن و مكاسب مثممل الحديممد و النحمماس و‬
‫الرصاص و سائر العقممارات و المعممادن‪ .‬و العمممران يظهرهمما‬
‫بالعمال النسممانية و يزيممد فيهمما أو ينقصممها و ممما يوجممد منهمما‬
‫بأيدي الناس فهو متناقل متوارث و ربما انتقل من قطر إلممى‬
‫قطر و من دولة إلى أخرى بحسب أغراضه‪ .‬و العمران الذي‬
‫يستدعي له فإن نقممص المممال فممي المغممرب و أفريقيممة فلممم‬
‫ينقص ببلد الصقالبة و الفرنج و إن نقص في مصر و الشممام‬
‫فلم ينقص في الهند و الصين‪ .‬و إنما هي اللت و المكاسممب‬
‫و العمران يوفرها أو ينقصممها‪ ،‬مممع أن المعممادن يممدركها البلء‬
‫كما يدرك سائر الموجممودات و يسممرع إلممى اللؤلممؤ و الجمموهر‬
‫أعظممم مممما يسممرع إلممى غيممره‪ .‬و كممذا الممذهب و الفضممة و‬
‫النحاس و الحديد و الرصمماص و القصممدير ينالهمما مممن البلء و‬
‫الفناء ما يذهب بأعيانها لقرب وقت‪ .‬و أما ما وقع في مصممر‬
‫من أمر المطالب و الكنوز فسببه أن مصر في ملكممة القبممط‬
‫منممذ آلف أو يزيممد مممن السممنين و كممان موتمماهم يممدفنون‬
‫بموجودهم مممن الممذهب و الفضممة و الجممواهر و الللممئ علممى‬
‫مذهب من تقدم من أهل الدول فلما انقضت دولممة القبممط و‬
‫ملك الفرس بلدهم نقروا علممى ذلمك فمي قبممورهم فكشممفوا‬
‫عنه فأخذوا من قبممورهم ممما ل يوصممف‪ :‬كممالهرام مممن قبممور‬
‫الملوك و غيرها‪ .‬و كذا فعل اليونانيون مممن بعممدهم و صممارت‬
‫قبورهم مظنة لممذلك لهممذا العهممد‪ .‬و يعممثر علممى الممدفين فيهمما‬
‫كثيرا ً من الوقات‪ .‬أما ما يدفنونه من أموالهم أو ما يكرمممون‬
‫به موتمماهم فممي الممدفن مممن أوعيممة و تمموابيت مممن الممذهب و‬
‫الفضة معدة لذلك فصارت قبور القبط منذ آلف من السنين‬
‫مظنة لوجود ذلك فيها‪ .‬فلذلك عني أهممل مصممر بممالبحث عممن‬
‫المطالب لوجممود ذلممك فيهمما و اسممتخراجها‪ .‬حممتى أنهممم حيممن‬
‫ضربت المكوس على الصناف آخر الدولة ضربت على أهممل‬
‫المطممالب‪ .‬و صممدرت ضممريبة علممى مممن يشممتغل بممذلك مممن‬
‫الحمقممى و المهوسممين فوجممد بممذلك المتعمماطون مممن أهممل‬
‫الطماع الذريعة إلى الكشف عنه و الممذرع باسممتخراجه و ممما‬
‫حصلوا إل على الخيبة فمي جميمع مسماعيهم نعموذ بمالله ممن‬
‫الخسران فيحتاج من وقممع لممه شمميء مممن هممذا الوسممواس و‬
‫ابتلي به أن يتعوذ بالله من العجز و الكسل في طلب معاشه‬
‫كما تعوذ رسممول اللممه صمملى اللممه عليممه و سمملم مممن ذلممك و‬
‫ينصمممرف عمممن طمممرق الشممميطان و وسواسمممه و ل يشمممغل‬
‫بالمحالت و المكاذب من الحكايات و اللممه يممرزق مممن يشمماء‬
‫بغير حساب‪.‬‬

‫الفصل الخامس في أن الجاه مفيد للمال‬


‫و ذلك أنا نجد صمماحب المممال و الحظمموة فممي جميممع أصممناف‬
‫المعاش أكثر يسارا ً و ثروة مممن فاقممد الجمماه‪ .‬و السممبب فممي‬
‫ذلك أن صاحب الجاه مخدوم بالعمال يتقممرب بهمما إليممه فممي‬
‫سممبيل الممتزلف و الحاجممة إلممى جمماهه فالنمماس معينممون لممه‬
‫بأعمالهم في جميع حاجاته من ضمروري أو حمماجي أو كمممالي‬
‫فتحصل قيم تلك العمال كلها من كسبه و جميع معاشاته إن‬
‫تبذل فيه العواض من العمل يستعمل فيها النمماس مممن غيممر‬
‫عوض فتتوفر قيم تلك العمال عليه‪ .‬فهو بيمن قيمم للعمممال‬
‫يكتسبها و قيم أخرى تدعوه الضممرورة إلممى إخراجهمما فتتمموفر‬
‫عليه‪ .‬و العمال لصمماحب الجمماه كممثيرة فتفيممد الغنممى لقممرب‬
‫وقت و يزداد مع اليام يسارا ً و ثممروة‪ .‬و لهممذا المعنممى كممانت‬
‫المارة أحد أسباب المعاش كما قدمناه و فاقد الجاه بالكليممة‬
‫و لو كان صاحب مال فل يكون يساره إل بمقدار ماله و على‬
‫نسبة سعيه و هؤلء هم أكثر التجار‪ .‬و لهممذا تجممد أهممل الجمماه‬
‫منهم يكونون أيسر بكثير‪ .‬و مما يشممهد لممذلك أل نجممد كممثيرا ً‬
‫من الفقهاء و أهل الدين و العبادة إذا اشتهروا حسممن الظممن‬
‫بهممم و اعتقممد الجمهممور معاملممة اللممه فممي إرفممادهم فممأخلص‬
‫النمماس فممي إعممالتهم علممى أحمموال دنيمماهم و العتمممال فممي‬
‫مصالحهم و أسرعت إليهم الثروة و أصبحوا مياسير من غيممر‬
‫مال مقتنى إل ما يحصل لهم من قيممم العمممال الممتي وقعممت‬
‫المعونة بها من الناس لهم‪ .‬رأينا من ذلك أعدادا ً في المصار‬
‫و المدن‪ .‬و في البدو يسعى لهم الناس في الفلممح و التجممر و‬
‫كل هو قاعد بمنزله ل يبرح من مكممانه فينمممو ممماله و يعظممم‬
‫كسبه و يتأثل الغني مممن غيممر سممعي و يعجممب مممن ل يفطممن‬
‫لهذا السر فممي حممال ثروتممه و أسممباب غنمماه و يسمماره و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى يرزق من يشاء بغير حساب‪.‬‬

‫الفصل السممادس فممي أن السممعادة و الكسممب إنممما‬


‫يحصل غالبا ً لهل الخضمموع و التملممق و أن هممذا‬
‫الخلق من أسباب السعادة‬
‫قد سلف لنا فيما سبق أن الكسب الذي يستفيده البشر إنما‬
‫هو قيم أعمالهم و لو قدر أحد عطل عن العمل جملممة لكممان‬
‫فاقد الكسب بالكلية‪ .‬و على قدر عمله و شرفه بين العمال‬
‫و حاجة الناس إليه يكون قدر قيمته‪ .‬و على نسممبه ذلممك نمممو‬
‫كسبه أو نقصممانه‪ .‬و قممد بينمما آنفما ً أن الجمماه يفيممد المممال لممما‬
‫يحصل لصاحبه من تقرب الناس إليه بأعمالهم و أموالهم في‬
‫دفع المضار و جلب المنافع‪ .‬و كان ما يتقربون به مممن عمممل‬
‫أو مال عوضا ً عما يحصلون عليه بسبب الجاه مممن الغممراض‬
‫في صالح أو طالح‪ .‬و تصير تلك العمال فممي كسممبه و قيمهمما‬
‫أموال و ثروة له فيستفيد الغنى و اليسار لقممرب وقممت‪ .‬ثممم‬
‫إن الجاه متوزع في الناس و مترتب فيهم طبقة بعد طبقة و‬
‫ينتهي في العلو إلى الملوك الذين ليممس فمموقهم يممد عاليممة و‬
‫في السفل إلى من ل يملك ضرا ً و ل نفعا ً بين أبناء جنسممه و‬
‫بين ذلك طبقات متعمددة حكممة اللمه فمي خلقمه بمما ينتظمم‬
‫معاشهم و تتيسر مصالحهم و يتم بقاؤهم لن النوع النساني‬
‫ل يتم وجوده و بقاؤه إل بالتعاون بين أبنائه علممى مصممالحهم‪،‬‬
‫لنه قد تقرر أن الواحد منهممم ل يتمم وجمموده و إنمه و إن نمدر‬
‫ذلك في صورة مفروضة ل يصح بقاؤه‪ .‬ثم إن هذا التعمماون ل‬
‫يحصل إل بالكراه عليه لجهلهم فممي الكممثر بمصممالح النمموع و‬
‫لما جعل لهم من الختيار و أن أفعالهم إنممما تصممدر بممالفكر و‬
‫الروية ل بالطبع‪ .‬و قد يمتنع من المعاونة فيتعين حمله عليهمما‬
‫فل بممد مممن حامممل يكممره أبنمماء النمموع علممى مصممالحهم لتتممم‬
‫الحكمة اللهية في بقاء هذا النوع‪ .‬و هذا معنى قوله تعالى و‬
‫رفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا ً سخريا ً و‬
‫رحمة ربك خير مما يجمعون فقد تبين أن الجمماه هممو القممدرة‬
‫الحاملة للبشر على التصرف في من تحت أيمديهم ممن أبنماء‬
‫جنسهم بالذن و المنممع و التسمملط بممالقهر و الغلبممة ليحملهممم‬
‫علممى دفممع مضممارهم و جلممب منممافعهم فممي العممدل بأحكممام‬
‫الشرائع و السياسة و على أغراضه فيما سمموى ذلممك و لكممن‬
‫الول مقصود في العناية الربانية بالذات و الثاني داخممل فيهمما‬
‫بالعرض كسائر الشرور الداخلة في القضاء اللهي‪ ،‬لنممه قممد‬
‫ل يتم وجود الخير الكثير إل بوجود شر يسير من أجل المممواد‬
‫فل يفوت الخير بذلك بل يقع على ما ينطوي عليه من الشممر‬
‫اليسير‪ .‬و هذا معنى وقوع الظلم في الخليقة فتفهممم‪ .‬ثممم إن‬
‫كل طبقة من طباق أهممل العمممران مممن مدينممة أو إقليممم لهمما‬
‫قدرة على من دونها من الطبمماق و كممل واحممدة مممن الطبقممة‬
‫السفلى يستمد بذي الجمماه مممن أهممل الطبقممة الممتي فمموقه و‬
‫يزداد كسبه تصرفا ً فيمن تحت يده على قدر ما يسممتفيد منممه‬
‫و الجمماه علممى ذلممك داخممل علممى النمماس فممي جميممع أبممواب‬
‫المعاش و يتسع و يضيق بحسب الطبقة و الطور الممذي فيممه‬
‫صاحبه‪ .‬فإن كممان الجمماه متسممعا ً كممان الكسممب الناشممئ عنممه‬
‫كذلك و إن كان ضيقا ً قليل ً فمثله‪ .‬و فاقد الجاه و إن كان لممه‬
‫مال فل يكون يساره إل بمقدار عمله أو ماله و نسممبة سممعيه‬
‫ذاهبا ً و آيبا ً في تنميته كأكثر التجار و أهل الفلحة في الغالب‬
‫و أهل الصنائع كذلك إذا فقدوا الجاه و اقتصممروا علممى فمموائد‬
‫صنائعهم فإنهم يصيرون إلى الفقر و الخصاصة فممي الكممثر و‬
‫ل تسرع إليهم ثروة و إنما يرمقون العيش ترميقا ً و يدافعون‬
‫ضرورة الفقر مدافعة‪ .‬و إذا تقرر ذلممك و أن الجمماه متفممرع و‬
‫أن السممعادة و الخيممر مقترنممان بحصمموله علمممت إن بممذله و‬
‫إفادته من أعظم النعم و أجلها و أن باذلة من أجل المنعمين‬
‫و إنما يبدله لمن تحت يممديه فيكممون بممذله بيممد عاليممة و عممزة‬
‫فيحتاج طالبه و مبتغيه إلى خضوع و تملممق كممما يسممال أهممل‬
‫العز و الملوك و إل فيتعذر حصوله‪ .‬فلذلك قلنمما إن الخضمموع‬
‫و التملق من أسباب حصول هذا الجاه المحصممل للسممعادة و‬
‫الكسب و إن أكثر أهل الثروة و السعادة بهذا التملق و لهممذا‬
‫نجد الكثير ممن يتخلق بالترفع و الشمم ل يحصل لهم غرض‬
‫الجاه فيقتصرون في التكسب على أعمالهم و يصيرون إلممى‬
‫الفقر و الخصاصة‪ .‬و اعلم أن هذا الكبر و الترفع من الخلق‬
‫المذمومة إنما يحصل من توهم الكمال و أن الناس يحتاجون‬
‫إلى بضاعته من علم أو صناعة كالعالم المتبحر فممي علمممه و‬
‫الكاتب المجيد في كتابته أو الشاعر البليغ فممي شممعره و كممل‬
‫محسن فممي صممناعته يتمموهم أن النمماس محتمماجون لممما بيممده‬
‫فيحدث له ترفع عليهم بذلك و كذا يتوهم أهل النساب ممن‬
‫كان في آبائه ملك أو عالم مشهور أو كامل في طور يعبرون‬
‫بممه بممما رأوه أو سمممعوه مممن رجممال آبممائهم فممي المدينممة و‬
‫يتوهمون أنهم استحقوا مثل ذلك بقرابتهممم إليهممم و وراثتهممم‬
‫عنهم‪ .‬فهم متمسكون في الحاضر بممالمر المعممدوم و كممذلك‬
‫أهل الحيلة و البصممر و التجممارب بممالمور قممد يتمموهم بعضممهم‬
‫كمال ً في نفسه بذلك و احتياجا ً إليممه‪ .‬و تجممد هممؤلء الصممناف‬
‫كلهم مترفعين ل يخضعون لصاحب الجاه و ل يتملقممون لمممن‬
‫هو أعلى منهم و يستصغرون من سواهم لعتقممادهم الفضممل‬
‫على الناس فيستنكف أحدهم عن الخضوع و لو كان للملك و‬
‫يعده مذلة و هوانا ً و سفهًا‪ .‬و يحاسب النمماس فممي معمماملتهم‬
‫إياه بمقدار ما يتوهم في نفسه و يحقد على من قصر له في‬
‫شيء مما يتوهمه من ذلك‪ .‬و ربما يدخل على نفسه الهممموم‬
‫و الحزان من تقصيرهم فيه و يستمر فممي عنمماء عظيممم مممن‬
‫إيجاب الحق لنفسه أو إباية الناس له من ذلك‪ .‬و يحصممل لممه‬
‫المقت من الناس لما في طباع البشر مممن التممأله‪ .‬و قممل أن‬
‫يسلم أحد منهم لحد في الكمال و الترفع عليممه إل أن يكممون‬
‫ذلك بنوع من القهممر و الغلبممة و السممتطالة‪ .‬و هممذا كلممه فممي‬
‫ضمن الجاه‪ .‬فإذا فقد صاحب هذا الخلق الجاه و هممو مفقممود‬
‫له كما تبين لك مقته الناس بهذا الترفع و لم يحصل لممه حممظ‬
‫من إحسانهم و فقد الجاه لذلك من أهممل الطبقممة الممتي هممي‬
‫أعلى منه لجل المقت و ما يحصل له بذلك من القعممود عممن‬
‫تعاهممدهم و غشمميان منممازلهم ففسممد معاشممه و بقممي فممي‬
‫خصاصة و فقر أو فوق ذلك بقليل‪ .‬و أممما الممثروة فل تحصممل‬
‫ل‪ .‬و من هذا اشتهر بين الناس أن الكامل في المعرفة‬ ‫له أص ً‬
‫محروم من الحظ و أنه قد حوسب بما رزق مممن المعرفممة و‬
‫اقتطع ذلك من الحظ و هذا معناه‪ .‬و من خلممق لشمميء يسممر‬
‫له‪ .‬و الله المقدر ل رب سواه‪ .‬و لقد يقع في الدول أضممراب‬
‫في المراتب من أهل الخلق و يرتفع فيها كثير من السممفلة و‬
‫ينزل كثير من العلية بسبب ذلك و ذلممك أن الممدول إذا بلغممت‬
‫نهايتها من التغلب و الستيلء انفرد منها منبت الملك بملكهم‬
‫و سلطانهم و يئس من سواهم من ذلممك و إنممما صمماروا فممي‬
‫مراتب دون مرتبة الملك‪ ،‬و تحت يد السلطان و كأنهم خممول‬
‫له‪ .‬فإذا استمرت الدولممة و شمممخ الملممك تسمماوى حينئذ فممي‬
‫المنزلة عند السلطان كل من انتمى إلى خدمته و تقرب إليه‬
‫بنصيحة و اصطنعه السلطان لغنممائه فممي كممثير مممن مهممماته‪.‬‬
‫فتجد كثيرا ً من السوقة يسممعى فممي التقممرب مممن السمملطان‬
‫بجده و نصحه و يتزلف إليممه بوجمموه خممدمته و يسممتعين علممى‬
‫ذلممك بعظيممم مممن الخضمموع و التملممق لممه و لحاشمميته و أهممل‬
‫نسبه‪ .‬حتى يرسخ قدمه معهم و ينظمه السلطان في جملته‬
‫فيحصل له بذلك حظ عظيم من السعادة و ينتظم فممي عممدد‬
‫أهل الدولة و ناشئة الدولة حينئذ من أبناء قومها الذين ذللمموا‬
‫أضغانهم و مهدوا أكنافهم مغترين بما كان لبممائهم فممي ذلممك‬
‫من الثار لم تسمممح بممه نفوسممهم علممى السمملطان و يعتممدون‬
‫بآثاره و يجرون في مضمار الدولة بسببه فيمقتهم السمملطان‬
‫لذلك و يباعممدهم‪ .‬و يميممل إلممى هممؤلء المصممطنعين الممذين ل‬
‫يعتدون بقديم و ل يممذهبون إلممى دالممة و ل ترفممع‪ .‬إنممما دأبهممم‬
‫الخضوع له و التملق و العتمال في غرضه مممتى ذهممب إليممه‬
‫فيتسممع جمماههم و تعلممو منممازلهم و تنصممرف إليهممم الوجمموه و‬
‫الخواطر بما يحصل لهم من قبل السلطان و المكانة عنده و‬
‫يبقى ناشئة الدولة فيما هم فيه من الترفع و العتداد بالقديم‬
‫ل يزيدهم ذلك إل بعدا ً من السمملطان و مقت ما ً و إيثممارا ً لهممؤلء‬
‫المصطنعين عليهم إلى أن تنقرض الدولة‪ .‬و هذا أمر طبيعي‬
‫في الدولة و منه جاء شأن المصممطنعين فممي الغممالب و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل السابع في أن القممائمين بممأمور الممدين مممن‬


‫القضممماء و الفتيممما و التمممدريس و الماممممة و‬
‫الخطابة و الذان و نحو ذلممك ل تعظممم ثروتهممم‬
‫في الغالب‬
‫و السبب لذلك أن الكسب كما قدمناه قيمممة العمممال و أنهمما‬
‫متفاوتة بحسب الحاجة إليها‪ .‬فإذا كانت العمال ضرورية في‬
‫العمران عامة البلوى به كانت قيمتها أعظم و كممانت الحاجممة‬
‫إليها أشد‪ .‬و أهل هذه الصنائع الدينيممة ل تضممطر إليهممم عامممة‬
‫الخلق و إنما يحتاج إلى ما عندهم الخواص ممن أقبممل علممى‬
‫دينه‪ .‬و إن احتيج إلى الفتيا و القضاء في الخصممومات فليممس‬
‫على وجه الضطرار و العموم فيقع الستغناء عن هممؤلء فممي‬
‫الكثر‪ .‬و إنما يهتم بإقامة مراسمهم صاحب الدولممة بممما نمماله‬
‫من النظر في المصالح فيقسم لهممم حظ ما ً مممن الممرزق علممى‬
‫نسبة الحاجة إليهم على النحو الذي قررناه‪ .‬ل يساويهم بأهل‬
‫الشمموكة و ل بأهممل الصممنائع مممن حيممث الممدين و المراسممم‬
‫الشرعية لكنه يقسم بحسب عممموم الحاجممة و ضممرورة أهممل‬
‫العمممران فل يصممح قسمممهم إل القليممل‪ .‬و هممم أيضما ً لشممرف‬
‫بضائعهم أعزة على الخلق و عند نفوسهم فل يخضعون لهل‬
‫الجاه حتى ينالوا منه حظا ً يستدرون به الرزق بممل و ل تفممرغ‬
‫أوقاتهم لذلك لما هم فيه من الشغل بهذه البضممائع الشممريفة‬
‫المشتملة على إعمال الفكر و البدن‪ .‬بل و ل يسعهم ابتممذال‬
‫أنفسهم لهل الدنيا لشرف بضائعهم فهم بمعممزل عممن ذلممك‪،‬‬
‫فلممذلك ل تعظممم ثروتهممم فممي الغممالب‪ .‬و لقممد بمماحثت بعممض‬
‫الفضمملء فممأنكر ذلممك علممي فوقممع بيممدي أوراق مخرقممة مممن‬
‫حسابات الدواوين بدار المأمون تشتمل على كثير من الدخل‬
‫و الخرج و كان فيممما طممالعت فيممه أرزاق القضمماة و الئمممة و‬
‫المؤذنين فوقفته عليه و علم منه صحة ما قلته و رجع إليه و‬
‫قضينا العجب من أسرار الله في خلقه حكمته في عمموالمه و‬
‫الله الخالق القادر ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصمممل الثمممامن فمممي أن الفلحمممة ممممن معممماش‬


‫المتضعين و أهل العافية من البدو‬
‫و ذلك لنه أصيل في الطبيعة و بسيط في منحمماه و لممذلك ل‬
‫تجممده ينتحلممه أحممد مممن أهممل الحضممر فممي الغممالب و ل مممن‬
‫المترفين‪ .‬و يختص منتحله بالمذلممة قممال صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم و قد رأى السكة ببعض دور النصار‪ :‬ما دخلت هممذه دار‬
‫قوم إل دخله الذل‪ ،‬و حمله البخاري علممى السممتكثار منممه‪ .‬و‬
‫ترجم عليه باب ما يحذر من عواقب الشتغال بآلممة الممزرع أو‬
‫تجاوز الحد الذي أمر به‪ .‬و السبب فيه و الله أعلم ممما يتبعهمما‬
‫من المغرم المفضي إلى التحكم و اليد العالية فيكون الغارم‬
‫ذليل ً بائسا ً بما تتناوله أيممدي القهممر و السممتطالة‪ .‬قممال صمملى‬
‫الله عليه و سلم‪ :‬ل تقوم الساعة حتى تعممود الزكمماة مغرم مًا‪،‬‬
‫إشارة إلى الملك العضوض القاهر للناس الذي معه التسلط‬
‫و الجور و نسيان حقوق الله تعالى فممي المتمممولت و اعتبممار‬
‫الحقوق كلها مغرم للملمموك و الممدول‪ .‬و اللممه قممادر علممى ممما‬
‫يشاء‪ .‬و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصممل التاسممع فممي معنممى التجممارة و مممذاهبها و‬


‫أصنافها‬
‫اعلم أن التجارة محاولة الكسب بتنمية المال بشممراء السمملع‬
‫بالرخص و بيعها بالغلء أيام كانت السلعة مممن دقيممق أو زرع‬
‫أو حيمموان أو قممماش‪ .‬و ذلممك القممدر النممامي يسمممى ربحممًا‪.‬‬
‫فالمحاول لمذلك الربمح إمما أن يخمتزن السملعة و يتحيممن بهما‬
‫حوالة السواق من الرخممص إلممى الغلء فيعظممم ربحممه و إممما‬
‫بأن ينقله إلى بلد آخر تنفق فيه تلك السمملعة أكممثر مممن بلممده‬
‫الذي اشتراها فيه فيعظم ربحه‪ .‬و لذلك قممال بعممض الشمميوخ‬
‫من التجار لطلب الكشف عن حقيقة التجارة أنما أعلمهما لمك‬
‫فممي كلمممتين‪ :‬اشممتراء الرخيممص و بيممع الغممالي‪ .‬فقممد حصمملت‬
‫التجارة إشارة منه بذلك إلممى المعنممى الممذي قررنمماه‪ .‬و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصممل العاشممر فممي أي أصممناف النمماس يحممترف‬


‫بالتجارة و أيهم ينبغي له اجتناب حرفها‬
‫قد قمدمنا أن معنمى التجمارة تنميمة الممال بشمراء البضمائع و‬
‫محاولممة بيعهمما بممأغلى مممن ثمممن الشممراء إممما بانتظممار حوالممة‬
‫السواق أو نقلهمما إلممى بلممد هممي فيممه أنفممق و أغلممى أو بيعهمما‬
‫بالغلء على الجال‪ .‬و هممذا الربممح بالنسممبة إلممى أصممل المممال‬
‫يسير إل أن المال إذا كان كثيرا ً عظم الربح لن القليممل فممي‬
‫الكثير كثير‪ .‬ثم ل بد في محاولة هذه التنمية الذي هممو الربممح‬
‫من حصممول هممذا المممال بأيممدي الباعممة فمي شممراء البضمائع و‬
‫بيعها‪ .‬و معاملتهم في تقاضي أثمانها‪ .‬و أهممل النصممفة قليممل‪،‬‬
‫فل بد من الغش و التطفيف المجحف بالبضائع و من المطل‬
‫في الثمممان المجحممف بالربممح‪ .‬كتعطيممل المحاولممة فممي تلممك‬
‫المدة و بها نماؤه‪ .‬و من الجحود و النكممار المسممحت لممرأس‬
‫المال إن لم يتقيد بالكتمماب و الشممهادة‪ ،‬و غنممى الحكممام فممي‬
‫ذلك قليل لن الحكم إنما هو على الظاهر‪ .‬فيعاني التاجر من‬
‫ذلك أحوال ً صعبة‪ .‬و ل يكاد يحصل على ذلك التافه من الربح‬
‫إل بعظممم العنمماء و المشممقة‪ ،‬أو ل يحصممل أو يتلشممى رأس‬
‫ماله‪ .‬فإن كان جريئا ً على الخصومة بصيرا ً بالحسممبان شممديد‬
‫المماحكممة مقممداما ً علممى الحكممام كممان ذلممك أقممرب لممه إلممى‬
‫النصفة بجراءتمه منهممم و مممماحكته و إل فل بمد لممه ممن جماه‬
‫يدرع به‪ ،‬يوقع لممه الهيبممة عنممد الباعممة و يحمممل الحكممام علممى‬
‫إنصافه من معامليه فيحصل له بذلك النصفة في ماله طوعا ً‬
‫في الول و كرها ً في الثاني و أما من كمان فاقمدا ً للجمراءة و‬
‫القدام من نفسه فاقد الجاه من الحكام فينبغي له أن يجنب‬
‫الحتراف بالتجارة لنه يعرض ماله للضياع و الذهاب و يصممير‬
‫مأكلة للباعة و ل يكاد ينتصف منهم لن الغالب في النمماس و‬
‫خصوصا ً الرعاع و الباعة شرهون إلممى ممما فممي أيممدي النمماس‬
‫سواهم متوثبون عليه‪ .‬و لول وازع الحكممام لصممبحت أممموال‬
‫الناس نهبا ً و لمول دفمع اللمه النماس بعضمهم ببعمض لفسمدت‬
‫الرض و لكن الله ذو فضل على العالمين‪.‬‬

‫الفصل الحادي عشر في أن خلق التجار نازلممة عممن‬


‫خلق الشراف و الملوك‬
‫و ذلممك أن التجممار فممي غممالب أحمموالهم إنممما يعممانون الممبيع و‬
‫الشراء و ل بد فيه من المكايسة ضرورة فممإن اقتصممر عليهمما‬
‫اقتصرت به على خلقها و هممي أعنممي خلممق المكايسممة بعيممدة‬
‫عن المرؤة الممتي تتخلممق بهمما الملمموك و الشممراف‪ .‬و أممما إن‬
‫استرذل خلقه بما يتبع ذلك في أهممل الطبقممة السممفلى منهممم‬
‫من المماحكة و الغش و الخلبة و تعاهد اليمان الكاذبة على‬
‫الثمان ردا ً و قبول ً فأجممدر بممذلك الخلممق أن يكممون فممي غايممة‬
‫المذلة لما هو معروف‪ .‬و لذلك تجمد أهمل الرئاسمة يتحمامون‬
‫الحتراف بهذه الحرفة لجل ما يكسب من هذا الخلق‪ .‬و قممد‬
‫يوجد منهم من يسلم من هذا الخلق و يتحاماه لشرف نفسه‬
‫و كرم جلله إل أنه في النادر بين الوجممود و اللممه يهممدي مممن‬
‫يشاء بفضله و كرمه و هو رب الولين و الخرين‪.‬‬

‫الفصل الثاني عشر في نقل التاجر للسلع‬


‫التاجر البصير بالتجارة ل ينقل من السلع إل ممما تعممم الحاجممة‬
‫إليه من الغنى و الفقيمر و السملطان و السموقة إذ فمي ذلمك‬
‫نفاق سلعته‪ .‬و أممما إذا اختممص نقلممه بممما يحتمماج إليممه البعممض‬
‫فقط فقد يتعذر نفاق سلعته حينئذ بمإعواز الشمراء مممن ذلمك‬
‫البعض لعارض من العوارض فتكسد سوقه و تفسممد أربمماحه‪.‬‬
‫و كذلك إذا نقل السلعة المحتاج إليها فإنما ينقل الوسط من‬
‫صنفها فإن العالي من كل صنف من السمملع إنممما يختممص بممه‬
‫أهل الثروة و حاشية الدولة و هم القل‪ .‬و إنما يكون النمماس‬
‫أسوة في الحاجة إلى الوسممط مممن كممل صممنف فليتحممر ذلممك‬
‫جهده ففيه نفاق سلعة أو كسادها و كممذلك نقممل السمملع مممن‬
‫البلد البعيد المسافة أو في شدة الخطر في الطرقات يكممون‬
‫أكثر فائدة للتجار و أعظم أرباحا ً و أكفل بحوالة السواق لن‬
‫السلعة المنقولممة حينئذ تكممون قليلممة معمموزة لبعممد مكانهمما أو‬
‫شدة الغرر في طريقها فيقممل حاملوهمما و يعممز وجودهمما و إذا‬
‫قلت و عزت غلت أثمانها‪ .‬و أما إذا كان البلد قريب المسافة‬
‫و الطريممق سممابل بممالمن فممإنه حينئذ يكممثر ناقلوهمما فتكممثر و‬
‫ترخص أثمانها و بهذا تجد التجار الذين يولعون بالممدخول إلممى‬
‫بلد السودان أرفممه النمماس و أكممثرهم أممموال ً لبعممد طريقهمما و‬
‫مشممقته و اعممتراض المفممازة الصممعبة المخطممرة بممالخوف و‬
‫العطش‪ .‬ل يوجد فيهمما الممماء إل فممي أممماكن معلومممة يهتممدي‬
‫إليها أدلء الركبان فل يرتكب خطممر هممذا الطريممق و بعممده إل‬
‫القل من الناس فتجد سلع بلد السودان قليلة لدينا فتختممص‬
‫بالغلء و كذلك سلعنا لديهم‪ .‬فتعظم بضائع التجار من تناقلها‬
‫و يسممرع إليهممم الغنممى و الممثروة مممن أجممل ذلممك‪ .‬و كممذلك‬
‫المسافرون من بلدنا إلى المشرق لبعد الشقة أيضممًا‪ .‬و أممما‬
‫المترددون في أفق واحد ما بين أمصمماره و بلممدانه ففممائدتهم‬
‫قليلة و أرباحهم تافهة لكثرة السلع و كثرة ناقليها إن الله هو‬
‫الرزاق ذو القوة المتين‪.‬‬

‫الفصل الثالث عشر في الحتكار‬


‫و مما اشممتهر عنممد قمموي البصممر و التجربممة فممي المصممار أن‬
‫احتكار الزرع لتحين أوقممات الغلء مشممؤم‪ .‬و أنممه يعممود علممى‬
‫فائدته بمالتلف و الخسمران‪ .‬و سمببه و اللممه أعلمم أن النماس‬
‫لحاجتهم إلى القوات مضممطرون إلممى ممما يبممذلون فيهمما مممن‬
‫المممال اضممطرارا ً فتبقممى النفمموس متعلقممة بممه و فممي تعلممق‬
‫النفوس بما لها سر كبير في وباله على مممن يأخممذه مجان ما ً و‬
‫فعله الذي اعتبره الشارع في أخذ أممموال النمماس بالباطممل و‬
‫هذا و إن لم يكن مجانا ً فالنفوس متعلقة به لعطائه ضممرورة‬
‫من غير سمين في العذر فهو كالمكره و ممما عممدا القمموات و‬
‫المأكولت من المبيعات ل اضطرار للناس إليها و إنما يبعثهم‬
‫عليها التفنن في الشهوات فل يبذلون أموالهم فيها إل ياختيار‬
‫و حرص‪ .‬و ل يبقى لهم تعلق بممما أعطمموه فلهممذا يكممون مممن‬
‫عرف بالحتكممار تجتمممع القمموى النفسممانية علممى متممابعته لممما‬
‫يأخممذه مممن أممموالهم فيفسممد ربحممه‪ .‬و اللممه تعممالى أعلممم‪ .‬و‬
‫سمعت فيما يناسب هذا حكايممة ظريفممة عممن بعممض مشمميخة‬
‫المغرب‪ .‬أخبرني شيخنا أبو عبد الله البلي قال‪ :‬حضرت عند‬
‫القاضي بفاس لعهد السمملطان أبممي سممعيد و هممو الفقيممه أبممو‬
‫الحسن المليلي و قممد عممرض عليممه أن يختممار بعممض اللقمماب‬
‫المخزنيممة لجرايتممه قممال فممأطرق مليما ً ثممم قممال‪ :‬مممن مكممس‬
‫الخمر‪ .‬فاستضحك الحاضرون من أصحابه و عجبوا و سممألوه‬
‫عن حكمة ذلك‪ .‬فقال‪ :‬إذا كانت الجبايات كلها حراما ً فأختممار‬
‫منها مال ً تتابعه نفس معطيه و الخمر قل أن يبذل فيهمما أحممد‬
‫ماله إل و هو طرب مسممرور بوجمموداته غيممر أسمف عليمه و ل‬
‫متعلقممة بممه نفسممه و هممذه ملحظممة غريبممة و اللممه سممبحانه و‬
‫تعالى يعلم ما تكن الصدور‪.‬‬

‫الفصل الرابع عشممر فممي أن رخممص السممعار مضممر‬


‫بالمحترفين بالرخص‬
‫و ذلك أن الكسب و المعاش كما قدمناه إنما هو بالصممنائع أو‬
‫التجارة‪ .‬و التجممارة هممي شممراء البضممائع و السمملع و ادخارهمما‪.‬‬
‫يتحين بها حوالة السواق بالزيادة في أثمانها و يسمى ربحممًا‪.‬‬
‫و يحصل منه الكسب و المعاش للمحممترفين بالتجممارة دائم ما ً‬
‫فممإذا اسممتديم الرخممص فممي سمملعة أو عممرض مممن مممأكول أو‬
‫ملبوس أو متمول علممى الجملممة و لممم يحصممل للتمماجر حوالممة‬
‫السواق فسد الربممح و النممماء بطممول تلممك المممدة و كسممدت‬
‫سوق ذلك الصنف و لم يحصل التمماجر إل علممى العنمماء فقعممد‬
‫التجار عن السعي فيهمما و فسممدت رؤوس أممموالهم‪ .‬و اعتممبر‬
‫ذلممك أول ً بممالزرع فممإنه إذا اسممتديم رخصممه يفسممد بممه حممال‬
‫المحترفين بسائر أطواره مممن الفلممح و الزراعممة لقلممة الربممح‬
‫فيممه و نممدارته أو فقممده‪ .‬فيفقممدون النممماء فممي أممموالهم أو‬
‫يجدونه على قلة و يعودون بالنفمماق علممى رؤوس أممموالهم و‬
‫تفسد أحوالهم و بصيرون إلى الفقر و الخصاصة‪ .‬و يتبع ذلك‬
‫فساد حال المحترفين أيضا ً بالطحن و الخبز و سائر ما يتعلق‬
‫ل‪ .‬و كذا يفسممد حممال‬ ‫بالزراعة من الحرث إلى صيرورته مأكو ً‬
‫الجند إذا كانت أرزاقهم من السلطان على أهل الفلممح زرع ما ً‬
‫فإنها تقل جبايتهم مممن ذلممك و يعجممزون عممن إقامممة الجنديممة‬
‫الممتي هممي بسممببها و مطممالبون بهمما و منقطعممون لهمما فتفسممد‬
‫أحمموالهم و كممذا إذا اسممتديم الرخممص فممي السممكر أو العسممل‬
‫فسد جميع ما يتعلق به و قعد المحترفون عن التجارة فيممه و‬
‫كممذا حممال الملبوسممات إذا اسممتديم فيهمما الرخممص أيض ما ً فممإذا‬
‫الرخص المفرط يجحممف بمعمماش المحممترفين بممذلك الصممنف‬
‫الرخيص و كذا الغلء المفرط أيضمًا‪ .‬و إنمما معماش النمماس و‬
‫كسبهم في التوسط من ذلك و سرعة حوالة السواق و علم‬
‫ذلك يرجع إلى العوائد المتقممررة بيممن أهممل العمممران‪ .‬و إنممما‬
‫يحمد الرخص في الزرع مممن بيممن المبيعممات لعممموم الحاجممة‬
‫إليه و اضطرار الناس إلى القوات من بين الغنممي و الفقيممر‪.‬‬
‫و العالة من الخلق هم الكثر في العمران فيعم الرفق بممذلك‬
‫و يرجح جانب القوت على جممانب التجممارة فممي هممذا الصممنف‬
‫الخاص إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين و اللممه سممبحانه و‬
‫تعالى رب العرش العظيم‪.‬‬

‫الفصل الخامس عشر فممي أن خلممق التجممارة نازلممة‬


‫عن خلق الرؤساء و بعيدة من المروءة‬
‫قد قدمنا في الفصل قبله أن التاجر مدفوع إلى معاناة الممبيع‬
‫و الشممراء و جلممب الفمموائد و الربمماح و ل بممد فممي ذلممك مممن‬
‫المكايسة و المماحكممة و التحممذلق و ممارسممة الخصممومات و‬
‫اللجاج و هي عوارض هممذه الحرفممة‪ .‬و هممذه الوصمماف نقممص‬
‫من الذكاء و المروءة و تجرح فيها لن الفعال ل بد من عممود‬
‫آثارها على النفس‪ .‬فأفعال الخير تعود بآثار الخير و الممذكاء و‬
‫أفعال الشر و السفسفة تعود بضد ذلك فتتمكن و ترسممخ إن‬
‫سبقت و تكررت و تنقممص خلل الخيممر إن تممأخرت عنهمما بممما‬
‫ينطبع من آثارها المذمومة في النفس شأن الملكات الناشئة‬
‫عن الفعال‪ .‬و تتفاوت هذه الثار بتفاوت أصناف التجممار فممي‬
‫أطوارهم فمن كان منهم سافل الطور محالفا ً لشرار الباعة‬
‫أهل الغش و الخلبة و الخديعة و الفجور في الثمممان إقممرارا ً‬
‫و إنكمارًا‪ .‬كمانت رداءة تلمك الخلمق عنممه أشمد و غلبممت عليممه‬
‫السفسفة و بعد عن المروءة و اكتسابها بالجملة‪ .‬و إل فل بد‬
‫له من تأثير المكايسة و المماحكة في مروءته‪ ،‬و فقدان ذلك‬
‫منهم في الجملة‪ .‬و وجود الصنف الثاني منهم الممذي قممدمناه‬
‫فمي الفصممل قبلممة أنهممم يممدرعون بالجماه و يعموض لهممم مممن‬
‫مباشرة ذلك‪ ،‬فهم نادر و أقممل مممن النممادر‪ .‬و ذلممك أن يكممون‬
‫المال قد يوجد عنده دفعة بنوع غريب أو ورثه عممن أحممد مممن‬
‫أهل بيته فحصلت له ثروة تعينه على التصال بأهل الدولممة و‬
‫تكسبه ظهورا ً و شهرة بين أهل عصره فيرتفع عممن مباشممرة‬
‫ذلك بنفسه و يدفعه إلى من يقوم له به من وكلئه و حشمه‪.‬‬
‫و يسهل له الحكام النصفة في حقوقهم بما يؤنسونه من بره‬
‫و إتحافه فيبعدونه عن تلك الخلق بالبعد عن معانمماة الفعممال‬
‫المقتضية لها كما مر‪ .‬فتكون مروءتهم أرسخ و أبعد عن تلك‬
‫المحاجاة إل ما يسري من آثار تلك الفعال من وراء الحجاب‬
‫فإنهم يضطرون إلى مشارفة أحوال أولئك الوكلء و رفمماقهم‬
‫أو خلفهم فيما يأتون أو يدرون من ذلك إل أنه قليل و ل يكاد‬
‫يظهر أثره و الله خلقكم و ما تعملون‪.‬‬

‫الفصل السادس عشر في أن الصنائع ل بد لها من‬


‫العلم‬
‫إعلم أن الصناعة هي ملكة فمي أمممر عملممي فكممري و بكممونه‬
‫عمليممما ً همممو جسمممماني محسممموس‪ .‬و الحممموال الجسممممانية‬
‫المحسوسممة فنقلهمما بالمباشممرة أوعممب لهمما و أكمممل‪ ،‬لن‬
‫المباشرة في الحوال الجسمممانية المحسوسممة أتممم فممائدة و‬
‫الملكممة صممفة راسممخة تحصممل عممن اسممتعمال ذلممك الفعممل و‬
‫تكرره مممرة بعممد أخممرى حممتى ترسممخ صممورته‪ .‬و علممى نسممبة‬
‫الصل تكون الملكة‪ .‬و نقل المعاينممة أوعممب و أتممم مممن نقممل‬
‫الخبر و العلم‪ .‬فالملكة الحاصلة عن الخبر‪ .‬و على قدر جودة‬
‫التعليم و ملكة المعلم يكممون حممذق المتعلممم فممي الصممناعة و‬
‫حصول ملكته‪ .‬ثم أن الصنائع منها البسيط و منها المركب‪ .‬و‬
‫البسيط هو الذي يختممص بالضممروريات و المركممب هممو الممذي‬
‫يكون للكماليات‪ .‬و المتقممدم منهمما فممي التعليممم هممو البسمميط‬
‫ل‪ ،‬و لنه مختص بالضروري الذي تتوفر الممدواعي‬ ‫لبساطته أو ً‬
‫على نقله فيكون سممابقا ً فممي التعليممم و يكممون تعليمممه لممذلك‬
‫ناقصًا‪ .‬و ل يزال الفكر يخرج أصنافها و مركباتهمما مممن القمموة‬
‫إلى الفعل بالستنباط شيئا ً فشيئا ً على التدريج حتى تكمل‪ .‬و‬
‫ل يحصمل ذلمك دفعممة و إنمما يحصمل فمي أزمممان و أجيمال إذ‬
‫خروج الشياء من القوة إلمى الفعمل ل يكمون دفعمة ل سمميما‬
‫في المور الصناعية فل بممد لممه إذن مممن زمممان‪ .‬و لهممذا تجممد‬
‫الصممنائع فممي المصممار الصممغيرة ناقصممة و ل يوجممد منهمما إل‬
‫البسيط فإذا تزايدت حضارتها و دعت أمور الترف فيهمما إلممى‬
‫استعمال الصنائع خرجممت ممن القموة إلمى الفعمل‪ .‬و تنقسمم‬
‫الصنائع أيضا ً إلى ما يختص بأمر المعاش ضروريا ً كان أو غير‬
‫ضروري و إلى ما يختص بالفكار التي هممي خاصممية النسممان‬
‫مممن العلمموم و الصممنائع و السياسممة‪ .‬و مممن الول الحياكممة و‬
‫الجزارة و النجارة و الحدادة و أمثالها‪ .‬و من الثمماني الوراقممة‬
‫و هي معاناة الكتب بالنتساخ و التخليممد و الغنمماء و الشممعر و‬
‫تعليم العلم و أمثال ذلك‪ .‬و من الثممالث الجنديممة و أمثالهمما‪ .‬و‬
‫الله أعلم‪.‬‬

‫الفصل السممابع عشممر فممي أن الصممنائع إنممما تكمممل‬


‫بكمال العمران الحضري و كثرته‬
‫و السممبب فممي ذلممك أن النمماس ممما لممم يسممتوف العمممران‬
‫الحضمري و تتمممدن المدينمة إنمما همهمم فمي الضمروري مممن‬
‫المعاش و هو تحصمميل القمموات مممن الحنطممة و غيرهمما‪ .‬فممإذا‬
‫تمدنت المدبنة و تزايدت فيها العممال و وفمت بالضمروري و‬
‫زادت عليه صرف الزائد و إنما إلى الكمممالت مممن المعمماش‪.‬‬
‫ثم إن الصنائع و العلوم إنممما هممي للنسممان مممن حيممث فكممره‬
‫الذي يتميز به عن الحيوانات و القوت له من حيث الحيوانيممة‬
‫و الغذائية فهو مقدم لضرورته على العلوم و الصممنائع و هممي‬
‫متأخرة عممن الضممروري‪ .‬و علممى مقممدار عمممران البلممد تكممون‬
‫جودة الصنائع للتأنق فيها و إنما و اسممتجادة ممما يطلممب منهمما‬
‫بحيث تتوفر دواعي الترف و الثروة و أما العمران البممدوي أو‬
‫القليل فل يحتاج من الصممنائع إل البسمميط خاصممة المسممتعمل‬
‫في الضروريات من نجار أو حداد او خياط أو حائك أو جممزار‪.‬‬
‫و إذا وجدت هذه بعممد فل توجممد فيممه كاملممة و ل مسممتجادة و‬
‫إنما يوجممد منهمما بمقمدار الضممرورة إذ هممي كلهما وسمائل إلمى‬
‫غيرها و ليست مقصممودة لممذاتها‪ .‬و إذا زخممر بحممر العمممران و‬
‫طلبت فيه الكمالت كان مممن جملتهمما التممأنق فممي الصممنائع و‬
‫استجادتها فكملت بجميممع متمماتهمما و تزايممدت صممنائع أخممرى‬
‫معها مما تدعو إليه عوائد الترف و أحواله من جزار و دباغ و‬
‫خراز و صممائغ و أمثممال ذلمك‪ .‬و قمد تنتهممي هممذه الصممناف إذا‬
‫استبحر العمممران إلممى أن يوجممد فيهمما كممثير مممن الكمممالت و‬
‫التأنق فيها في الغاية و تكون من وجوه المعاش في المصممر‬
‫لمنتحلها‪ .‬بل تكون فائدتها من أعظم فوائد العمال لما يدعو‬
‫إليه الترف في المدينة مثل الممدهان و الصممفار و الحمممامي و‬
‫الطباخ و الشماع و الهراس و معلم الغناء و الرقممص و قممرع‬
‫الطبول على الترقيع‪ .‬و مثل الوراقين الممذين يعممانون صممناعة‬
‫انتساخ الكتب و تجليدها و تصحيحها فإن هممذه الصممناعة إنممما‬
‫يدعو إليها الترف في المدينة من الشتغال بالمور الفكرية و‬
‫أمثال ذلك‪ .‬و قد تخرج عن الحد إذا كان العمران خارجا ً عممن‬
‫الحد كما بلغنمما عممن أهممل مصممر أن فيهممم مممن يعلممم الطيممور‬
‫العجم و الحمر النسية و يتخيل أشممياء مممن العجممائب بإيهممام‬
‫قلممب العيممان و تعليممم الحممداء و الرقممص و المشممي علممى‬
‫الخيوط في الهواء و رفع الثقمال ممن الحيموان و الحجمارة و‬
‫غيممر ذلممك مممن الصممنائع الممتي ل توجممد عنممدنا بممالمغرب‪ .‬لن‬
‫عمران أمصاره لم يبلممغ عمممران مصممر و القمماهرة‪ .‬أدام اللممه‬
‫عمرانها بالمسلمين‪ .‬و الله الحكيم العليم‪.‬‬

‫الفصل الثامن عشممر فممي أن رسمموخ الصممنائع فممي‬


‫المصار إنما هو برسوخ الحضارة و طول أمده‬
‫و السبب في ذلك ظاهر و هو أن هذه كلها عوائد للعمممران و‬
‫الوان‪ .‬و العمموائد إنممما ترسممخ بكممثرة التكممرار و طممول المممد‬
‫فتستحكم صبغة ذلك و ترسخ في الجيممال‪ .‬و إذا اسممتحكمت‬
‫الصبغة عسر نزعهمما‪ .‬و لهممذا نجممد فممي المصممار الممتي كممانت‬
‫استبحرت في الحضارة لما تراجممع عمرانهمما و تنمماقص بقيممت‬
‫فيها آثار من هممذه الصممنائع ليسممت فممي غيرهمما مممن المصممار‬
‫المستحدثة العمران و لو بلغت مبالغها في الوفممور و الكممثرة‬
‫و ممما ذاك إل لن أحمموال تلممك القديمممة العمممران مسممتحكمة‬
‫راسخة بطول الحقاب و تداول الحوال و تكررها و هممذه لممم‬
‫تبلغ الغاية بعد‪ .‬و هذا كالحال فممي النممدلس لهممذا العهممد فإنمما‬
‫نجد فيها رسمموم الصممنائع قائمممة و أحوالهمما فمممن مسممتحكمة‬
‫راسخة في جميع ما تممدعو إليممه عمموائد أمصممارها كالمبمماني و‬
‫الطبخ و أصناف الغناء و اللهو من اللت و الوتممار و الرقممص‬
‫و تنضيد الفرش في القصور‪ ،‬و حسن الترتيب و الوضاع في‬
‫البناء و صوغ النية من المعادن و الخزف و جميممع المممواعين‬
‫و إقامة الولئم و العراس و سائر الصنائع الممتي يممدعو إليهمما‬
‫الترف و عمموائده‪ .‬فنجممدهم أقمموم عليهمما و أبصممر بهمما‪ .‬و نجممد‬
‫صنائعها مستحكمة لديهم فهم على حصة موفورة من ذلك و‬
‫حظ متميز بين جميع المصار‪ .‬و إن كان عمرانها قد تنمماقص‪.‬‬
‫و الكثير منه ل يساوي عمران غيرهمما مممن بلد العممدوة‪ .‬و ممما‬
‫ذاك إل لما قدمناه من رسوخ الحضارة فيهم برسمموخ الدولممة‬
‫الموية و ما قبلهمما مممن دولممة القمموط و ممما بعممدها مممن دولممة‬
‫الطوائف و هلم جرا‪ .‬فبلغت الحضممارة فيهمما مبلغما ً لممم تبلغممه‬
‫في قطر إل ما ينقل عن العراق و الشام و مصر أيضا ً لطول‬
‫آماد الممدول فيهمما فاسممتحكمت فيهمما الصممنائع و كملممت جميممع‬
‫أصنافها على الستجادة و التنميق‪ .‬و بقيت صبغتها ثابتممة فممي‬
‫ذلك العمران ل تفارقه إلى أن ينتقض بالكلية حال الصممبغ إذا‬
‫رسخ في الثوب‪ .‬و كذا أيض ما ً حممال تممونس فيممما حصممل فيهمما‬
‫بالحضارة من الدول الصنهاجية و الموحدين من بعدهم و ممما‬
‫استكمل لها في ذلك مممن الصممنائع فممي سممائر الحمموال و إن‬
‫كان ذلك دون الندلس‪ .‬إل أنه متضاعف برسمموم منهمما تنقممل‬
‫إليها من مصر لقرب المسافة بينهما‪ .‬و تردد المسافرين من‬
‫قطرها إلى قطر مصر في كل سنة و ربما سكن أهلها هنمماك‬
‫عصورا ً فينقلون من عوائد ترفهم و محكم صممنائعهم ممما يقممع‬
‫لديهم موقع الستحسان‪ .‬فصارت أحوالها في ذلممك متشممابهة‬
‫من أحوال مصر لممما ذكرنمماه و مممن أحمموال النممدلس لممما أن‬
‫أكممثر سمماكنها مممن شممرق النممدلس حيممن الجلء لعهممد المممائة‬
‫السابعة‪ .‬و رسممخ فيهمما مممن ذلممك أحمموال و إن كممان عمرانهمما‬
‫ليس مناسب لذلك لهذا العهد‪ .‬إل أن الصممبغة إذا اسممتحكمت‬
‫فقليل ً ممما تحممول إل بممزوال محلهمما‪ .‬و كممذا نجممد بممالقيروان و‬
‫مراكش و قلعة ابن حماد أثرا ً باقيا ً من ذلك و إن كانت هممذه‬
‫كلها اليمموم خرابما ً أو فمي حكممم الخممراب‪ .‬و ل يتفطممن لهمما إل‬
‫البصير من الناس فيجد من هذه الصنائع آثارا ً تممدله علممى ممما‬
‫كان بها كأثر الخط الممحو في الكتاب و الله الخلق العليم‪.‬‬

‫الفصل التاسع عشر في أن الصنائع إنما تستجاد و‬


‫تكثر إذا كثر طالبها‬
‫و السبب في ذلك ظاهر و هو أن النسان ل يسمح بعمله أن‬
‫يقع مجانا ً لنه كسبه و منه معاشه‪ .‬إذ ل فائدة له فممي جميممع‬
‫عمره في شيء مما سواه فل يصرفه إل فيما لممه قيمممة فممي‬
‫مصممره ليعممود عليممه بممالنفع‪ .‬و إن كممانت الصممناعة مطلوبممة و‬
‫توجه إليها النفاق كانت و إنما الصمناعة بمثابممة السمملعة الممتي‬
‫تنفق سوقها و تجلب للبيع‪ .‬فتجتهد الناس في المدينة لتعلممم‬
‫تلك الصناعة ليكون منهمما معاشممهم‪ .‬و إذا لممم تكممن الصممناعة‬
‫مطلوبممة لممم تنفممق سمموقها و ل يمموجه قصممد إلممى تعلمهمما‪،‬‬
‫فاختصت بالترك و فقممدت للهمممال‪ .‬و لهممذا يقممال عممن علممي‬
‫رضي الله عنه‪ ،‬قيمة كل امرئ ما يحسن بمعنى أن صممناعته‬
‫هي قيمته أي قيمة عمله الذي هو معاشه‪ .‬و أيضما ً فهنمما سممر‬
‫آخر و هو أن الصنائع و إجادتها إنما تطلبها الدولة فهممي الممتي‬
‫تنفق سوقها و توجه الطالبات إليها‪ .‬و ما لم تطلبممه الدولممة و‬
‫إنما يطلبها غيرها من أهممل المصممر فليممس علممى نسممبتها لن‬
‫الدولة هي السوق العظم و فيها نفاق كل شيء و القليممل و‬
‫الكثير فيها علممى نسممبة واحممدة‪ .‬فممما نفممق منهمما كممان أكثريما ً‬
‫ضرورة‪ .‬و السوقة و إن طلبوا الصناعة فليس طلبهم بعام و‬
‫ل شوقهم بنافقة‪ .‬و الله سبحانه و تعالى قادر على ما يشاء‪.‬‬
‫الفصمممل العشمممرون فمممي أن المصمممار إذا قممماربت‬
‫الخراب انتقصت منها الصنائع‬
‫و ذلك لما بينا أن الصنائع إنما تستجاد إذا احتيممج إليهمما و كممثر‬
‫طالبها‪ .‬و إذا ضعفت أحوال المصر و أخذ في الهرم بانتقاض‬
‫عمرانممه و قلممة سمماكنه تنمماقص فيممه الممترف و رجعمموا إلممى‬
‫القتصار على الضممروري مممن أحمموالهم فتقممل الصممنائع الممتي‬
‫كممانت مممن توابممع الممترف لن صمماحبها حينئد ل يصممح لممه بهمما‬
‫معاشممه فيفممر إلممى غيرهمما‪ ،‬أو يممموت و ل يكممون خلممف منممه‪.‬‬
‫فيذهب رسممم تلممك الصممنائع جملممة‪ ،‬كممما يممذهب النقاشممون و‬
‫الصواغ و الكتاب و النساخ و أمثممالهم مممن الصممنائع لحاجممات‬
‫الترف‪ .‬و ل تزال الصناعات في التناقص إلى أن تضمممحل‪ .‬و‬
‫الله الخلق العليم و سبحانه و تعالى‪.‬‬

‫الفصممل الحممادي و العشممرون فممي أن العممرب أبعممد‬


‫الناس عن الصنائع‬
‫و السبب في ذلك أنهم أعرق في البدو و أبعد عممن العمممران‬
‫الحضري و ما يدعو إليه من الصمنائع و غيرهما‪ .‬و العجمم ممن‬
‫أهل المشرق و أمممم النصممرانية عممدوة البحممر الرومممي أقمموم‬
‫الناس عليها لنهم أعرق في العمممران الحضممري و أبعممد عممن‬
‫البممدو و عمرانممه‪ .‬حممتى إن البممل الممتي أعممانت العممرب علممى‬
‫التوحش و في القفر‪ ،‬و العراق فممي البممدو‪ ،‬مفقممودة لممديهم‬
‫بالجملة‪ ،‬و مفقودة مراعيها‪ ،‬و الرمال المهيئة لنتاجها‪ .‬و لهذا‬
‫نجد أوطان العرب و ممما ملكمموه فممي السمملم قليممل الصممنائع‬
‫بالجملة‪ ،‬حتى تجلب إليه من قطمر آخمر‪ .‬و انظمر بلد العجمم‬
‫مممن الصممين و الهنممد و أرض الممترك و أمممم النصممرانية‪ ،‬كيممف‬
‫استكثرث فيهم الصنائع و استجلبها المم من عندهم‪ .‬و عجم‬
‫المغرب مممن الممبربر مثممل العممرب فممي ذلممك لرسمموخهم فممي‬
‫البممداوة منممذ أحقمماب مممن السممنين‪ .‬و يشممهد لممك بممذلك قلممة‬
‫المصار بقطرهم كما قدمناه‪ ..‬فالصنائع بالمغرب لذلك قليلة‬
‫و غير مستحكمة الماكن من صناعة الصمموف مممن نسممجه‪ ،‬و‬
‫الجلد في خمرزه و دبغمه‪ .‬فمإنهم لمما استحضمروا بلغموا فيهما‬
‫المبالغ لعممموم البلمموى بهمما و كممون هممذين أغلممب السمملع فممي‬
‫قطرهم‪ ،‬لما هم عليه من حال البداوة‪ .‬و أممما المشممرق فقممد‬
‫رسخت الصنائع فيه منذ ملك المم القمدمين ممن الفمرس و‬
‫النبممط و القبممط و بنممي إسممرائيل و يونممان و الممروم أحقابمما ً‬
‫متطاولممة‪ ،‬فرسممخت فيهممم أحمموال الحضممارة‪ .‬و مممن جملتهمما‬
‫الصنائع كما قدمناه‪ ،‬فلم يمح رسمها‪ .‬و أما اليمن و البحريممن‬
‫و عمان و الحزيرة و إن ملكه العرب إل أنهممم تممداولوا ملكممه‬
‫آلفا ً من السنين في أمم كثيرين منهم‪ .‬و اختطمموا أمصمماره و‬
‫مدنه و بلغوا الغاية من الحضارة و الترف مثل عاد و ثمممود و‬
‫العمالقة و حمير من بعدهم‪ .‬و التبابعممة و الذواء فطممال أمممد‬
‫الملك و الحضارة و استحكمت صممبغتها و تمموفرت الصممنائع و‬
‫رسخت‪ ،‬فلم تبل ببلى الدولة كما قممدمناه‪ .‬فبقيممت مسممتجدة‬
‫حممتى الن‪ .‬و اختصممت بممذلك للمموطن‪ ،‬كصممناعة الوشممي و‬
‫العصب و ما يستجاد من حول الثيمماب و الحريممر فيهمما و اللممه‬
‫وارث الرض و من عليها و هو خير الوارثين‪.‬‬

‫الفصل الثاني و العشرون فيمممن حصمملت لممه ملكممة‬


‫في صناعة فقل أن يجيد بعد في ملكة أخرى‬
‫و مثممال ذلممك الخيمماط إذا أجمماد ملكممة الخياطممة و أحكمهمما و‬
‫رسخت في نفسه فل يجيد من بعدها ملكة النجممارة أو البنمماء‬
‫إل أن تكون الولى لم تستحكم بعممد و لممم ترسممخ صممبغتها‪ .‬و‬
‫السممبب فممي ذلممك أن الملكممات صممفات للنفممس و ألمموان فل‬
‫تزدحم دفعة‪ .‬و مممن كممان علممى الفطممرة كممان أسممهل لقبممول‬
‫الملكات و أحسممن اسممتعدادا ً لحصممولها‪ .‬فممإذا تلممونت النفممس‬
‫بالملكة الخرى و خرجت عن الفطرة ضعف فيهمما السممتعداد‬
‫باللون الحاصل من هذه الملكة فكان قبولها للملكممة الخممرى‬
‫أضعف‪ .‬و هذا بين يشممهد لممه الوجممود‪ .‬فقممل أن تجممد صمماحب‬
‫صناعة يحكمها ثم يحكم من بعدها أخرى و يكون فيهممما مع ما ً‬
‫على رتبممة واحممدة مممن الجممادة‪ .‬حممتى أن أهممل العلممم الممذين‬
‫ملكتهم فكرية فهم بهممذه المثابممة‪ .‬و مممن حصممل منهممم علممى‬
‫ملكة علم من العلوم و أجادها في الغاية فقل أن يجيد ملكممة‬
‫علم آخر على نسبته بل يكون مقصرا ً فيممه إن طلبممه إل فممي‬
‫القل النادر من الحوال‪ .‬و مبني سببه علممى ممما ذكرنمماه مممن‬
‫الستعداد و تلوينه بلون الملكة الحاصلة في النفممس‪ .‬و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الثالث و العشرون في الشارة إلى أمهممات‬


‫الصنائع‬
‫إعلم أن الصنائع في النمموع النسمماني كممثيرة لكممثرة العمممال‬
‫المتداولة فمي العممران‪ .‬فهمي بحيمث تشمذ عمن الحصمر و ل‬
‫يأخممذها العممد‪ .‬إل أن منهمما ممما هممو ضممروري فممي العمممران أو‬
‫شريف بالموضممع فنخصممها بالممذكر و نممترك ممما سممواها‪ .‬فأممما‬
‫الضروري فالفلحة و البناء و الخياطة و النجارة و الحياكة‪ ،‬و‬
‫أما الشريفة بالموضع فكالتوليد و الكتابة و الوراقممة و الغنمماء‬
‫و الطب‪ .‬فأما التوليممد فإنهمما ضممرورية فممي العمممران و عامممة‬
‫البلوى إذ بها تحصل حياة المولممود و تتممم غالب مًا‪ .‬و موضمموعها‬
‫مع ذلك المولودون و أمهاتهم‪ .‬و أما الطب فهو حفظ الصحة‬
‫لنسان و دفممع المممرض عنممه و يتفممرع عممن علممم الطبيعممة‪ ،‬و‬
‫موضوعه مع ذلك بدن النسان‪ .‬و أما الكتابة و ما يتبعها مممن‬
‫الوراقة فهي حافظة على النسان حمماجته و مقيممدة لهمما عممن‬
‫النسيان و مبلغة ضمائر النفس إلى البعيممد الغممائب و مخلممدة‬
‫نتائج الفكممار و العلمموم فممي الصممحف و رافعممة رتممب الوجممود‬
‫للمعاني‪ .‬و أما الغناء فهممو نسممب الصمموات و مظهممر جمالهمما‬
‫للسماع‪ .‬و كل هذه الصنائع الثلث داع إلى مخالطة الملمموك‬
‫العاظم في خلممواتهم و مجممالس أنسممهم فلهمما بممذلك شممرف‬
‫ليس لغيرها‪ .‬و ما سوى ذلك مممن الصممنائع فتابعممة و ممتهنممة‬
‫في الغالب‪ .‬و قد يختلف ذلك باختلف الغممراض و الممدواعي‪.‬‬
‫و الله أعلم بالصواب‪.‬‬
‫الفصل الرابع و العشرون في صناعة الفلحة‬
‫هذه الصناعة ثمرتها اتخاذ القمموات و الحبمموب بالقيممام علممى‬
‫إثارة الرض لهمما ازدراعهمما و علج نباتهمما و تعهممده بالسممقي و‬
‫التنمية إلى بلوغ غايته ثم حصاد سنبله و اسممتخراج حبممه مممن‬
‫غلفه و إحكام العمال لذلك‪ .‬و تحصيل أسممبابه و دواعيممه‪ .‬و‬
‫هي أقدم الصممنائع لممما أنهمما محصمملة للقمموت المكمممل لحيمماة‬
‫النسممان غالبمما ً إذ يمكممن وجمموده مممن دون القمموت‪ .‬و لهممذا‬
‫اختصت هذه الصناعة بالبدو‪ .‬إذ قدمنا أنه أقدم من الحضممر و‬
‫سابق عليه فكانت هذه الصناعة لممذلك بدويممة ل يقمموم عليهمما‬
‫الحضر و ل يعرفونهمما لن أحمموالهم كلهمما ثانيممة علممى البممداوة‬
‫فصنائعهم ثانية عممن صممنائعها و تابعممة لهمما‪ .‬و اللممه سممبحانه و‬
‫تعالى مقيم العباد فيما أراد‪.‬‬

‫الفصل الخامس و العشرون في صناعة البناء‬


‫هذه الصناعة أول صنائع العمران الحضممري و أقممدمها و هممي‬
‫معرفة العمل في اتخمماذ الممبيوت و المنممازل للكممن و المممأوى‬
‫للبدان في المدن‪ .‬و ذلممك أن النسممان لممما جبممل عليهمما مممن‬
‫الفكر في عواقب أحواله‪ ،‬ل بد أن يفكر فيما يدفع عنه الذى‬
‫مممن الحممر و الممبرد كاتخمماذ الممبيوت المكتنفممة بالسممقف و‬
‫الحيطان‪ .‬من سائر جهاتها و البشر مختلف فمي همذه الجبلمة‬
‫الفكرية فمنهم المعتدلون فيها فيتخذون ذلك باعتدال أهممالي‬
‫الثاني و الثالث و الرابممع و الخممامس و السممادس و أممما أهممل‬
‫البدو فيبعدون عممن اتخمماذ ذلممك لقصممور أفكممارهم عممن إدراك‬
‫الصنائع البشرية فيبادرون للغيران و الكهوف المعدة من غير‬
‫علج‪ .‬ثم المعتدلون و المتخذون البيوت للمأوى قد يتكاثرون‬
‫في البسيط الواحد بحيث يتناكرون و ل يتعممارفون فيخشممون‬
‫طممرق بعضممهم بعضما ً بياتما ً فيحتمماجون إلممى حفممظ مجتمعهممم‬
‫بإدارة ماء أو أسوار تحوطهم و يصير جميعما ً مدينممة واحممدة و‬
‫مصرا ً واحدا ً و يحوطهم الحكم من داخممل يمدفع بعضممهم عممن‬
‫بعممض و قممد يحتمماجون إلممى النتصمماف و يتخممذون المعاقممل و‬
‫الحصون لهم و لمن تحت أيديهم و هؤلء مثل الملوك و مممن‬
‫في معناهم ممن الممراء و كبمار القبمائل‪ .‬ثمم تختلمف أحموال‬
‫البناء في المهن كل مدينة علممى ممما يتعممارفون و يصممطلحون‬
‫عليه و يناسب مزاج هوائهم و اختلف أحوالهم فممي الغنممى و‬
‫الفقر‪ .‬و كممذا حممال أهممل المدينممة الواحممدة فمنهممم مممن يتخممذ‬
‫القصممور و البضممائع العظيمممة السمماحة المشممتملة علممى عممدة‬
‫الممدور و الممبيوت و الغممرف الكممبيرة لكممثرة ولممده و حشمممه و‬
‫عيمماله و تممابعه و يؤسممس جممدرانها بالحجممارة و يلحممم بينهمما‬
‫بالكلس و يعالي عليها بالصبغة و الجص و يبالغ في كل ذلك‬
‫بالتنجيد و التنميق إظهارا ً للبسطة بالعناية في شأن المممأوى‪.‬‬
‫و يهيىء مع ذلممك السممراب و المطممامير للخممتزان لقممواته و‬
‫السطبلت لربط مقرباته إذا كممان مممن أهممل الجنممود و كممثرة‬
‫التابع و الحاشية كالمراء و من في معناهم و منهم من يبنممي‬
‫الدويرة و البيوت لنفسممه و سممكنه و ولممده ل يبتغممي ممما وراء‬
‫ذلك لقصور حاله عنه و اقتصاره عن الكن الطبيعي للبشر و‬
‫بين ذلك مراتب غير منحصرة و قد يحتاج لهذه الصناعة أيضا ً‬
‫عنممد تأسمميس الملمموك و أهممل و الممدول المممدن العظيمممة و‬
‫الهياكل المرتفعة و يبالغون في إتقان الوضاع و علو الجرام‬
‫مع الحكام بتبلغ الصناعة مبالغها‪ .‬و هذه الصممناعة هممي الممتي‬
‫تحصل الدواعي لذلك كله و أكثر ما تكون هذه الصممناعة فممي‬
‫القاليم المعتدلة من الرابع و ما حواليه إذ القاليم المنحرفممة‬
‫ل بناء فيهمما‪ .‬و إنممما يتخممذون الممبيوت حظممائر مممن القصممب و‬
‫الطين أو يأوون إلى الكهوف و الغيران‪ .‬و أهل هذه الصممناعة‬
‫القممائلون عليهمما متفمماوتون‪ :‬فمنهممم البصممير الممماهر و منهممم‬
‫القاصر‪ .‬ثم هممي تتنمموع أنواعما ً كممثيرة فمنهمما البنمماء بالحجممارة‬
‫المنجدة أو بالجر يقام بها الجدران ملصقا ً بعضها إلممى بعممض‬
‫بالطين و الكلس الذي يعقد معها و يلتحم كأنها جسم واحد و‬
‫منها البناء بالتراب خاصة تقام منه حيطممان يتخممذ لهمما لوحممان‬
‫من الخشب فقممدران طممول ً و عرض ما ً بمماختلف العممادات فممي‬
‫التقممدير‪ .‬و أوسممطه أربممع أذرع فممي ذراعيممن فينصممبان علممى‬
‫أساس و قد يوعد ما بينهما بما يراه صاحب البناء في عممرض‬
‫السمماس و يوصممل بينهممما بممأذرع مممن الخشممب يربممط عليهمما‬
‫بالحبال و الجدر‪ .‬و يسممد الجهتممان الباقيتممان مممن ذلممك الخلء‬
‫بينهما بلوحين آخرين صغيرين ثم يوضع فيممه الممتراب مخلط ما ً‬
‫بالكلس و يركز بالمراكز المعدة حممتى ينعممم ركممزه و يختلممط‬
‫أجزاؤه بالكلس ثم يزاد التراب ثاني ما ً و ثالث ما ً إلممى أن يمتلىممء‬
‫ذلممك الخلء بيممن اللمموحين و قممد تممداخلت أجممزاء الكلممس و‬
‫التراب و صارت جسما ً واحدًا‪ .‬ثم يعاد نصممب اللمموحين علممى‬
‫صورة و يركز كذلك إلى أن يتم و ينظم اللواح كلهمما سممطرا ً‬
‫من فوق سطر إلى أن ينتظم الحائط كله ملتحما ً كأنه قطعة‬
‫واحدة و يسمى الطابية و صانعه الطواب‪ .‬و من صنائع البناء‬
‫أيضا ً أن تجلل الحيطان بالكلس بعد أن يحممل بالممماء و يخمممر‬
‫أسبوعا ً أو أسبوعين على قدر ما يعتممدل مزاجممه عممن إفممراط‬
‫النارية المفسدة لللحام‪ .‬فإذا تم له ما يرضاه من ذلممك عله‬
‫من فوق الحائط و ذلك إلممى أن يلتحممم‪ .‬و مممن صممنائع البنمماء‬
‫عمل السقف بأن يمد الخشب المحكمة النجارة أو السمماذجة‬
‫علممى حممائطي الممبيت و مممن فوقهمما اللممواح كممذلك موصممولة‬
‫بالدسائر و يصب عليها التراب و الكلممس و يبسممط بممالمراكز‬
‫حتى تتممداخل أجزاؤهمما و تلتحممم و يعممالى عليهمما الكلممس كممما‬
‫يعالى على الحائط‪ .‬و من صناعة البناء ما يرجع إلى التنميممق‬
‫و التزيين كما يصنع من فمموق الحيطممان الشممكال المجسمممة‬
‫من الجص يخمر بالماء ثممم يرجممع جسممدا ً و فيممه بقيممة البلممل‪،‬‬
‫فيشكل على التناسب تخريما ً بمثاقب الحديممد إلممى أن يبقممى‬
‫له رونمق و رؤاء‪ .‬و ربمما عممولي علممى الحيطممان أيضما ً بقطممع‬
‫الرخام أو الجر أو الخزف أو بالصدف أو السبج يفصل أجزاء‬
‫متجانسة أو مختلفة و توضع في الكلس على نسب و أوضاع‬
‫مقدرة عندهم يبمدو بمه الحمائط للعيمان‪ ،‬كمأنه قطمع الريماض‬
‫المنمنمة‪ .‬إلى غير ذلك من بنماء الجبمماب و الصمهاريج لسممفح‬
‫الماء بعد أن تعد في البيوت قصاع الرخام القوراء المحكمممة‬
‫الخممرط بالفوهممات فممي وسممطها لنبممع الممماء الجمماري إلممى‬
‫الصهريج يجلب إليه من خارج القنوات المفضية إلمى الممبيوت‬
‫و أمثال ذلك من أنواع البناء‪ .‬و تختلف الصناع في جميع ذلك‬
‫باختلف الحممذق و البصممر و يعظممم عمممران المدينممة و يتسممع‬
‫فيكثرون‪ .‬و ربما يرجع الحكام إلى نظر هؤلء فيما هم أبصممر‬
‫به مممن أحمموال البنمماء‪ .‬و ذلممك أن النمماس فممي المممدن لكممثرة‬
‫الزدحممام و العمممران يتشمماحون حممتى فممي الفضمماء و الهممواء‬
‫العلى و السفل و من النتفاع بظاهر البناء مما يتوقممع معممه‬
‫حصول الضرر في الحيطان‪ .‬فيمنع جاره من ذلك إل ما كممان‬
‫له فيه حق‪ .‬و يختلفون أيضا ً في استحقاق الطرق و المنافممذ‬
‫للميمماه الجاريممة و الفضمملت المسممربة فممي القنمموات و ربممما‬
‫يدعي بعضهم حق بعض في حائطه أو علوه أو قناته لتضممايق‬
‫الجمموار أو يممدعي بعضممهم علممى جمماره اختلل حممائطه خشممية‬
‫سقوطه و يحتاج إلى الحكممم عليممه بهممدمه و دفممع ضممرر عممن‬
‫جاره عند من يراه أو يحتمماج إلممى قسمممة دار أو عرضممة بيممن‬
‫شممريكين بحيممث ل يقممع معهمما فسمماد فممي الممدار و ل إهمممال‬
‫لمنفعتها‪ .‬و أمثممال ذلممك‪ .‬و يخفممى جميممع ذلممك إل علممى أهممل‬
‫البصر العارفين بالبناء و أحواله المستدلين عليهما بالمعاقمد و‬
‫القمط و مراكز الخشب و ميل الحيطان و اعتممدالها و قسممم‬
‫المساكن على نسمبة أوضماعها‪ .‬و منافعهما و تسمريب الميماه‬
‫في القنوات مجلوبة و مرفوعة بحيث ل تضر بما مرت عليممه‬
‫من البيوت و الحيطان و غير ذلك‪ .‬فلهممم بهممذا كلممه البصممر و‬
‫الخبرة التي ليست لغيرهم‪ .‬و هم مع ذلك يختلفممون بممالجودة‬
‫و القصور في الجيال باعتبار الدول و قوتهمما‪ .‬فإنمما قممدمنا أن‬
‫الصنائع و كمالها‪ ،‬إنما هممو بكمممال الحضممارة و كثرتهمما بكممثرة‬
‫الطالب لها‪ .‬فلذلك عندما تكون الدولة بدوية في أول أمرهمما‬
‫تفتقر في أمر البناء إلى غير قطرها‪ .‬كما وقع للوليد بن عبممد‬
‫الملممك حيممن أجمممع علممى بنمماء مسممجد المدينممة و القممدس و‬
‫مسجده بالشام‪ .‬فبعث إلى ملك الممروم بالقسممطنطينية فممي‬
‫الفعلة المهرة في البناء فبعث إليه منهم من حصل له غرضه‬
‫من تلك المساجد و قد يعرف صمماحب هممذه الصممناعة أشممياء‬
‫من الهندسة مثممل تسمموية الحيطممان بممالوزن و إجممراء الميمماه‬
‫بأخذ الرتفاع و أمثممال ذلممك فيحتمماج إلمى البصممر بشمميء مممن‬
‫مسممائله‪ .‬و كممذلك فممي جممر الثقممال بالهنممدام فممإن الجممرام‬
‫العظيمة إذا شيدت بالحجارة الكبيرة يعجز قممدر الفعلممة عممن‬
‫رقمها إلى مكانها من الحائط فيتحيممل لممذلك بمضمماعفة قمموة‬
‫الحبل بإدخاله في المعممالق مممن أثقمماب مقممدرة علممى نسممب‬
‫هندسية تصير الثقيل عند معاناة الرفع خفيفا ً فيتم المراد من‬
‫ذلك بغيممر كلفممة و همذا إنمما يتمم بأصممول هندسمية معروفيممن‬
‫متداولين بين البشر و بمثلها كان بنمماء الهياكممل الماثلممة لهممذا‬
‫العهد التي يحسب أنها من بناء الجاهلية‪ .‬و أن أبدانهم كممانت‬
‫على نسبتها في العظم الجسماني و ليممس كممذلك و إنممما تممم‬
‫لهم ذلك بالحيل الهندسية كممما ذكرنمماه‪ .‬فتفهممم ذلممك‪ .‬و اللممه‬
‫يخلق ما يشاء سبحانه‪.‬‬

‫الفصل السادس و العشرون في صناعة النجارة‬


‫هذه الصناعة من ضروريات العمران و مادتها الخشب و ذلك‬
‫أن الله سبحانه و تعممالى جعممل للدمممي فمي كممل مكممون مممن‬
‫المكونات منافع تكمل بها ضروراته و كان منها الشممجر فممإن‬
‫له فيه من المنافع مال ينحصر مما هو معممروف لكممل أحممد‪ .‬و‬
‫من منافعها اتخاذها خشبا ً إذا يبست و أول منممافعه أن يكممون‬
‫وقودا ً للنيران في معاشهم و عصيا ً للتكاء و الذود و غيرهممما‬
‫من ضرورياتهم و دعائم لما يخشى ميله من أثقالهم‪ .‬ثم بعممد‬
‫ذلممك منممافع أخممرى لهممل البممدو و الحضممر فأممما أهممل البممدو‬
‫فيتخذون منها العمد و الوتاد لخيامهم و الحدوج لظعممائنهم و‬
‫الرممماح و القسممي و السممهام لسمملحهم و أممما أهممل الحضممر‬
‫فالسقف لبيوتهم و الغلق ل بوابهم و الكراسممي لجلوسممهم‪.‬‬
‫و كممل واحممدة مممن هممذه فالخشممبة مممادة لهمما و ل تصممير إلممى‬
‫الصورة الخاصة بها إل بالصناعة‪ .‬و الصممناعة المتكفلممة بممذلك‬
‫المحصلة لكل واحد مممن صممورها هممي النجممارة علممى اختلف‬
‫ل‪ ،‬إممما بخشممب‬ ‫رتبها‪ .‬فيحتاج صاحبها إلى تفصيل الخشممب أو ً‬
‫أصغر منه أو ألواح‪.‬‬
‫ثم تركب تلك الفضائل بحسب الصممور المطلوبممة‪ .‬و هممو فمي‬
‫كل ذلك يحاول بصنعته إعداد تلك الفصائل بالنتظام إلممى أن‬
‫تصير أعضاء لذلك الشكل المخصمموص‪ .‬و القممائم علممى هممذه‬
‫الصممناعة هممو النجممار و هممو ضممروري فممي العمممران‪ .‬ثممم إذا‬
‫عظمت الحضارة و جاء الترف و تمأنق النمماس فيممما يتخممذونه‬
‫من كل صنف من سقف أو باب أو كرسي أو ممماعون‪ ،‬حمدث‬
‫التأنق فممي صممناعة ذلممك و اسممتجادته بغممرائب مممن الصممناعة‬
‫كمالية ليست من الضروري فممي شمميء مثممل التخطيممط فممي‬
‫البواب و الكراسي و مثل تهيئة القطع من الخشب بصممناعة‬
‫الخرط يحكم بريها و تشكيلها ثم تؤلف على نسب مقممدرة و‬
‫تلحم بالدسائر فتبممدو لممرأي العيممن ملتحمممة و قممد أخممذ منهمما‬
‫اختلف الشكال على تناسب‪ .‬يصنع هذا في كل شميء يتخممذ‬
‫من الخشب فيجيء آنممق ممما يكممون‪ .‬و كممذلك فممي جميممع ممما‬
‫يحتاج إليه من اللت المتخذة من الخشب من أي نوع كممان‪.‬‬
‫و كذلك قد يحتمماج إلممى هممذه الصممناعة فممي إنشمماء المراكممب‬
‫البحرية ذات اللواح و الدسر و هممي أجممرام هندسممية صممنعت‬
‫على قالب الحوت و اعتبار سبحه في الماء بقوادمه و كلكله‬
‫ليكون ذلك الشكل أعون لها في مصادمة الممماء و جعممل لهمما‬
‫عوض الحركة الحيوانية التي للسمك تحريممك الريمماح‪ .‬و ربممما‬
‫أعينت بحركة المقاذيف كما في الساطيل‪ .‬و هممذه الصممناعة‬
‫من أصلها محتاجة إلى أصممل كممبير مممن الهندسممة فممي جميممع‬
‫أصنافها لن إخراج الصور من القمموة إلممى الفعممل علممى وجممه‬
‫الحكام محتاج إلى معرفة التناسب في المقادير إما عموممما ً‬
‫أو خصوصا ً و تناسممب المقممادير ل بممد فيممه مممن الرجمموع إلممى‬
‫المهندس‪ .‬و لهذا كانت أئمة الهندسة اليونممانيون كلهممم أئمممة‬
‫في هذه الصناعة فكان أوقليدوس صاحب كتاب الصول في‬
‫الهندسة نجارا ً و بها كان يعمرف‪ .‬و كمذلك أبلونيموس صماحب‬
‫كتمماب المخروطممات و ميلوش و غيرهممم‪ .‬و فيممما يقممال‪ :‬أن‬
‫معلم هذه الصناعة في الخليقة هو نمموح عليممه السمملم و بهمما‬
‫أنشأ سفينة النجاة التي كانت بها معجزتممه عنممد الطوفممان‪ .‬و‬
‫هذا الخبر و إن كان ممكنا ً أعني كونه نجممارا ً إل أن كممونه أول‬
‫من علمها أو تعلمها ل يقوم دليل من النقل عليه لبعد الماد‪.‬‬
‫و إنما معناه و الله أعلم الشارة إلمى قمدم النجممارة لنمه لمم‬
‫يصح حكاية عنها قبل خبر نوع عليه السلم فجعممل كممأنه أول‬
‫من تعلمها‪ .‬فتفهم أسرار الصنائع في الخليقة‪ .‬و الله سبحانه‬
‫و تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل السابع و العشممرون فممي صممناعة الحياكممة و‬


‫الخياطة‬
‫إعلم أن المعتدلين من البشر في معنى النسانية ل بممد لهممم‬
‫من الفكر في الممدفء كممالفكر فممي الكممن‪ .‬و يحصممل الممدفء‬
‫باشتمال المنسوج للوقاية من الحر و البرد‪ .‬و ل بد لذلك من‬
‫إلحام الغزل حتى يصير ثوبا ً واحممدًا‪ ،‬و هممو النسمج و الحياكممة‪.‬‬
‫فممإن كممانوا باديممة اقتصممروا عليممه‪ ،‬و إن قممالوا إلممى الحضممارة‬
‫فصلوا تلك المنسوجة قطعا ً يقممدرون منهمما ثوبما ً علممى البممدن‬
‫بشكله و تعدد أعضائه و اختلف نواحيها‪ .‬ثم يلئمون بين تلك‬
‫القطممع بالوصممائل حممتى تصممير ثوبمما ً واحممدا ً علممى البممدن و‬
‫يلبسونها‪ .‬و الصناعة المحصلة لهذه الملءمة هي الخياطة‪.‬‬
‫هاتممان الصممناعتان ضممروريتان فممي العمممران لممما يحتمماج إليممه‬
‫البشر من الرفه فالولى لنسج الغزل من الصمموف و الكتممان‬
‫و القطن إسداء في الطول و إلحامما ً فممي العممرض و إحكامما ً‬
‫لذلك النسج باللتحام الشديد‪ ،‬فيتم منها قطع مقممدرة فمنهمما‬
‫الكسية من الصوف للشتمال‪ ،‬و منها الثيمماب مممن القطممن و‬
‫الكتان للباس‪ .‬و الصممناعة الثانيممة لتقممدير المنسمموجات علممى‬
‫اختلف الشكال و العوائد‪ ،‬تفصل بممالمقراض قطع ما ً مناسممبة‬
‫للعضاء البدنية ثم تلحم تلك القطع بالخياطة المحكمة وصل ً‬
‫أو تنبيتا ً أو تفسحا ً على حسب نوع الصناعة‪ .‬و هذه الصممناعة‬
‫مختصة بالعمران الحضري لما أن أهل البدو يستغنون عنها و‬
‫ل‪ .‬و إنممما تفصمميل الثيمماب و‬ ‫إنممما يشممتملون الثممواب اشممتما ً‬
‫تقديرها و إلحامها بالخياطة للبمماس مممن مممذاهب الحضممارة و‬
‫فنونها‪ .‬و تفهم هذه في سر تحريم المخيط في الحج لممما أن‬
‫مشروعية الحج مشممتملة علممى نبممذ العلئق الممدنيويئة كلهمما و‬
‫الرجوع إلى الله تعممالى كممما خلقنمما أول مممرة‪ ،‬حممتى ل يعلممق‬
‫العبد قلبه بشيء من عوائد ترفه‪ ،‬ل طيبا ً و ل نساًء ل مخيطا ً‬
‫و ل خف مًا‪ ،‬و ل يتعممرض لصمميد و ل لشمميء مممن عمموائده الممتي‬
‫تلونت بها نفسه و خلقه‪ ،‬مع أنه يفقممدها بممالموت ضممرورة‪ .‬و‬
‫إنما يجيء كأنه وارد إلى المحشر ضارعا ً بقلبه مخلصا ً لربممه‪.‬‬
‫و كان جزاؤه إن تم له إخلصه في ذلك أن يخرج مممن ذنمموبه‬
‫كيوم ولدته أمه‪ .‬سبحانك ممما أرفقممك بعبممادك و أرحمممك بهممم‬
‫في طلممب هممدايتهم إليممك‪ .‬و هاتممان الصممنعتان قممديمتان فممي‬
‫الخليقة لما أن الدفء ضروري للبشر في العمران المعتدل‪.‬‬
‫و أما المنحرف إلى الحر فل يحتاج أهلممه إلممى دفممء‪ .‬و لهممذا‬
‫يبلغنا عن أهل القليممم الول مممن السممودان أنهممم عممراة فممي‬
‫الغالب‪ .‬و لقدم هذه الصنائع ينسبها العامة إلى ادريس عليممه‬
‫السلم و هو أقدم النبياء‪ .‬و ربما ينسبونها إلى هرمس و قممد‬
‫يقممال إن هرمممس هممو إدريممس‪ .‬و اللممه سممبحانه و تعممالى هممو‬
‫الخلق العليم‪.‬‬

‫الفصل الثامن و العشرون في صناعة التوليد‬


‫و هي صناعة يعرف بها العمل في استخراج المولود الدمممي‬
‫من بطمن أممه ممن الرفمق فمي إخراجمه ممن رحمهما و تهيئة‬
‫أسباب ذلك‪ .‬ثم ما يصلحه بعد الخروج على ما نممذكر‪ .‬و هممي‬
‫مختصة بالنساء في غالب المر لما أنهن الظمماهرات بعضممهن‬
‫على عورات بعض‪ .‬و تسمى القائمة على ذلك منهن القابلة‪.‬‬
‫استعير فيهمما معنممى العطمماء و القبممول كممأن النسمماء تعطيهمما‬
‫الجنين و كأنها تقبله‪ .‬و ذلك أن الجنين إذا استكمل خلقه في‬
‫الرحم و أطواره و بلغ إلى غممايته و المممدة الممتي قممدرها اللممه‬
‫لمكثه هي تسعة أشهر في الغالب فيطلب الخروج بما جعممل‬
‫اللممه فمي المولممود مممن النممزوع لممذلك و يضمميق عليممه المنفممذ‬
‫فيعسر‪ .‬و ربما مممزق بعممض جمموانب الفممرج بالضممغط و ربممما‬
‫انقطع بعض ما كممان مممن الغشممية مممن اللتصمماق و اللتحممام‬
‫بالرحم‪ .‬و هذه كلها آلم يشتد لها الوجع و همو معنممى الطلمق‬
‫فتكون القابلة معينة في ذلمك بعممض الشمميء بغمممز الظهممر و‬
‫الوركين و ما يحاذي الرحم من السافل تسمماوق بممذلك فعممل‬
‫الدافعة في إخراج الجنين و تسهيل ما يصعب منه بما يمكنها‬
‫و على ما تهتدي إلممى معرفممة عسممرة‪ .‬ثممم إن أخممرج الجنيممن‬
‫بقيت بينه و بين الرحم الوصلة حيث كان يتغذى منها متصمملة‬
‫من سرته بمعاه‪ .‬و تلك الوصلة عضو فضلي لتغذيممة المولممود‬
‫خاصة فتقطعها القابلة من حيث ل تتعدى مكان الفضمملة و ل‬
‫تضر بمعاه و ل برحم أمه ثم تدمل مكان الجراحة منه بالكي‬
‫أو بما تراه من وجوه النممدمال‪ .‬ثممم إن الجنيممن عنممد خروجممه‬
‫من ذلك المنفذ الضيق و هو رطب العظام سهل النعطاف و‬
‫النثناء فربما تتغير أشكال أعضائه و أوصافها لقرب التكمموين‬
‫و رطوبة المواد فتتناوله القابلة بالغمز و الصلح حتى يرجممع‬
‫كل عضو إلممى شممكله الطممبيعي و وضممعه المقممدر لممه و يرتممد‬
‫خلقه سويًا‪ .‬ثم بعد ذلك تراجممع النفسمماء و تحاذيهمما بممالغمز و‬
‫الملينة لخروج أغشية الجنين لنها ربممما تتممأخر عممن خروجممه‬
‫ل‪ .‬و يخشى عند ذلك أن تراجع الماسممكة حالهمما الطبيعيممة‬ ‫قلي ً‬
‫قبل استكمال خروج الغشية و هي فضلت فتتعفن و يسري‬
‫عفنها إلى الرحم فيقممع الهلك فتحمماذر القابلممة هممذا و تحمماول‬
‫في إعانة الدفع إلى أن تخرج تلممك الغشممية الممتي كممانت قممد‬
‫تأخرت ثممم ترجممع إلممى المولممود فتمممرخ أعضمماءه بالدهممان و‬
‫الذرورات القابضة لتشده و تجفف رطوبات الرحممم و تحنكممه‬
‫لرفممع لهمماته و تسممعطه لسممتفراغ نطمموف دممماغه و تغرغممره‬
‫باللعوق لدفع السدد من معاه و تجويفهمما عممن اللتصمماق‪ .‬ثممم‬
‫تداوي النفساء بعد ذلك من الوهن الذي أصابها بالطلق و ممما‬
‫لحق رحمها من ألم النفصال‪ ،‬إذ المولود إن لم يكممن عضمموا ً‬
‫طبيعيا ً فحالة التكوين فممي الرحممم صمميرته باللتحممام كالعضممو‬
‫المتصل فلذلك كان في انفصاله ألم يقرب من ألم القطع‪ .‬و‬
‫تداوي مع ذلك ما يلحق الفرج من ألم مممن جراحممة التمزيممق‬
‫عند الضغط في الخروج‪ .‬و هذه كلها أدواء نجد هولء القوابل‬
‫أبصر بدوائها‪ .‬و كذلك ما يعممرض للمولممود مممدة الرضمماع مممن‬
‫أدواء فممي بممدنه إلممى حيممن الفصممال نجممدهن أبصممر بهمما مممن‬
‫الطممبيب الممماهر‪ .‬و ممما ذاك إل لن بممدن النسممان فممي تلممك‬
‫الحالة إنما هو بدن إنساني بالقوة فقط‪ .‬فممإذا جمماوز الفصممال‬
‫صار بدنا ً إنسممانيا ً بالفعممل فكممانت حمماجته حينئذ إلممى الطممبيب‬
‫أشد‪ .‬فهذه الصناعة كما تممراه ضممرورية فممي العمممران للنمموع‬
‫النسمماني‪ ،‬ل يتممم كممون أشخاصممه فممي الغممالب دونهمما‪ .‬و قممد‬
‫يعرض لبعض أشخاص النوع الستغناء عن هذه الصناعة‪ ،‬إممما‬
‫بخلق اللمه ذلمك لهمم معجمزة و خرقما ً للعمادة كمما فمي حمق‬
‫النبياء صلوات الله و سلمه عليهممم أو بإلهممام و هدايممة يلهممم‬
‫لهمما المولممود و يفطرعليهمما فيتممم وجممودهم مممن دون هممذه‬
‫الصناعة‪ .‬فأما شأن المعجزة من ذلك فقد وقع كثيرًا‪ .‬و منممه‬
‫ما روي أن النبي صلى الله عليه و سلم ولد مسرورا ً مختونا ً‬
‫واضعا ً يديه على الرض شاخصا ً ببصره إلى السماء‪ .‬و كذلك‬
‫شأن عيسى في المهمد و غيمر ذلمك‪ .‬و أمما شمأن اللهمام فل‬
‫ينكر‪ .‬و إذا كانت الحيوانات العجم تختص بغممرائب اللهامممات‬
‫كالنحممل و غيرهمما فممما ظنممك بالنسممان المفضممل عليهمما‪ .‬و‬
‫خصوصا ً بمن اختص بكرامة الله‪ .‬ثم اللهام العام للمولممودين‬
‫في القبال على الثدي أوضح شاهد على وجوب اللهام العام‬
‫لهم‪ .‬فشأن العناية اللهية أعظم من أن يحاط به‪ .‬و مممن هنمما‬
‫يفهم بطلن رأي الفارابي و حكماء الندلس فيما احتجمموا بممه‬
‫لعممدم انقممراض اللممواح و اسممتحالة انقطمماع المكونممات‪ .‬و‬
‫خصوصا ً في النوع النساني‪ ،‬و قالوا‪ :‬لممو انقطعممت أشخاصممه‬
‫لستحال وجودها بعد ذلك لتوقفه على وجممود هممذه الصممناعة‬
‫التي ل يتم كون النسان إل بها‪ .‬إذ لو قدرنا مولودا ً دون هممذه‬
‫ل‪ .‬و‬‫الصناعة و كفالتها إلى حين الفصممال لممم يتممم بقمماؤه أص م ً‬
‫وجود الصنائع دون الفكممر ممتنممع لنهمما ثمرتممه و تابعممة لممه‪ .‬و‬
‫تكلف ابن سينا فممي الممرد علممى هممذا الممرأي لمخممالفته إيمماه و‬
‫ذهابه إلى إمكان انقطاع النواع و خممراب عممالم التكمموين ثممم‬
‫عمموده ثانيمما ً لقتضمماءات فلكيممة و أوضمماع غريبممة تنممذر فممي‬
‫الحقاب بزعمه فتقتضي تخمير طينة مناسبة لمزاجه بحرارة‬
‫مناسبة فيتم كونه إنسانا ً ثم يقيض له حيوان يخلق فيه إلهاما ً‬
‫لتربيته و الحنو عليه إلى أن يتممم وجمموده و فصمماله‪ .‬و أطنممب‬
‫فممي بيممان ذلممك فممي الرسممالة الممتي سممماها رسممالة حممي بممن‬
‫يقظان‪ .‬و هذا الستدلل غيممر صممحيح و إن كنمما نمموافقه علممى‬
‫انقطاع النواع لكن من غير ما استدل بممه‪ .‬فممإن دليلممه مبنممي‬
‫علممى إسممناد الفعممال إلممى العلممة الموجبممة‪ .‬و دليممل القممول‬
‫بالفاعل المختار يرد عليه و ل واسطة علممى القممول بالفاعممل‬
‫المختار بين الفعممال و القممدرة القديمممة و ل حاجممة إلممى هممذا‬
‫التكلف‪ .‬ثممم لممو سمملمناه جممدل ً فغايممة ممما ينبنممي عليممه اطممراد‬
‫وجمموب هممذا الشممخص بخلممق اللهممام لممترتيبه فممي الحيمموان‬
‫العجممم‪ .‬و ممما الضممرورة الداعيممة لممذلك ؟ و إذا كممان اللهممام‬
‫يخلق فمي الحيمموان العجممم فممما الممانع مممن خلقممه للمولممود‬
‫ل‪ .‬و خلممق اللهممام فممي شممخص لمصممالح‬ ‫نفسه كما قررناه أو ً‬
‫نفسمه أقمرب ممن خلقمه فيمه لمصمالح غيمره فكل الممذهبين‬
‫شاهدان على أنفسهما بالبطلن في مناحيهما لما قررته لممك‬
‫و الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصمل التاسممع و العشممرون فممي صمناعة الطمب و‬


‫أنها محتاج إليها فممي الحواضممر و المصممار دون‬
‫البادية‬
‫هذه الصناعة ضرورية في المدن و المصممار لممما عممرف مممن‬
‫فائدتها فإن ثمرتها حفظ الصحة للصحاء و دفع المرض عممن‬
‫المرضى بالمداواة حتى يحصل لهممم الممبرء مممن أمراضممهم‪ .‬و‬
‫اعلم أن أصل المراض كلها إنمما همو ممن الغذيممة كمما قمال‬
‫صلى اللممه عليممه و سمملم فممي الحممديث الجممامع للطممب و هممو‬
‫قوله‪ :‬المعدة بيت الداء و الحمية رأس الدواء و أصل كل داء‬
‫البردة فأما قوله المعدة بيممت الممداء فهممو ظمماهر و أممما قمموله‬
‫الحميممة رأس الممدواء فالحميممة الجمموع و هممو الحتممماء مممن‬
‫الطعام‪ .‬و المعنى أن الجوع هو الدواء العظيم الذي هو أصل‬
‫الدوية و أما قوله أصل كل داء البردة فمعنى الممبردة إدخممال‬
‫الطعام على الطعام في المعدة قبل أن يتممم هضممم الول‪ .‬و‬
‫شرح هذا أن الله سبحانه خلق النسان و حفظ حياته بالغذاء‬
‫يستعمله بالكل و ينفذ فيه القوى الهاضمة و الغاذية إلممى أن‬
‫يصير دما ً فل ملئما ً لجممزاء البممدن مممن اللحممم و العظممم‪ ،‬ثممم‬
‫تأخذه النامية فينقلب لحم ما ً و عظم مًا‪ .‬و معنممى الهضممم طبممخ‬
‫الغذاء بالحرارة الغريزيممة طممورا ً بعممد طممور حممتى يصمميرجزءا ً‬
‫بالفعل من البدن و تفسيره أن الغذاء إذا حصل فممي الفممم و‬
‫لكته الشداق أثرت فيه حممرارة الفممم طبخما ً يسمميرا ً و قلبممت‬
‫مزاجه بعض الشيء‪ ،‬كما تراه في اللقمة إذا تناولتها طعاممما ً‬
‫ثم أجدتها مضغا ً فترى مزاجها غير مزاج الطعممام ثممم يحصممل‬
‫في المعدة فتطبخه حرارة المعدة إلممى أن يصممير كيموس ما ً و‬
‫هو صفو ذلك المطبوخ و ترسله إلى الكبد و ترسل ما رسب‬
‫منه في المعى ثقل ً ينفممذ إلممى المخرجيممن‪ .‬ثممم تطبممخ حممرارة‬
‫الكبد ذلك الكيموس إلى أن يصير دمما ً عبيطما ً و تطفممو عليممه‬
‫رغوة من الطبخ هي الصممفراء‪ .‬و ترسممب منممه أجممزاء يابسممة‬
‫هي السوداء و يقصر الحار الغريزي بعض الشمميء عمن طبممخ‬
‫الغليظ منه فهو البلغم‪ .‬ثم ترسلها الكبد كلها فممي العممزوق و‬
‫الجداول‪ ،‬و يأخذها طبممخ الحممال الغريممزي هنمماك فيكممون عممن‬
‫الدم الخالص بخار حمار رطمب يممد المروح الحيمواني و تأخمذ‬
‫النامية مأخذها في الدم فيكون لحما ً ثم غليظممة عظام مًا‪ .‬ثممم‬
‫يرسل البدن ما يفضل عن حاجاته من ذلك فضمملت مختلفممة‬
‫من العرق و اللعاب و المخاط و الدمع‪ .‬هذه صورة الغممذاء و‬
‫خروجه من القوة إلى الفعل لحمًا‪ .‬ثممم إن أصممل المممراض و‬
‫معظمها هي الحميات‪ .‬و سببها أن الحار الغريزي قد يضممعف‬
‫عن تمام النضج في طبخه فممي كممل طممور مممن هممذه‪ ،‬فيبقممى‬
‫ذلك الغذاء دون نضج‪ ،‬و سببه غالبا ً كثرة الغذاء فممي المعممدة‬
‫حتى يكون أغلب على الحار الغزيري أو إدخممال الطعممام إلممى‬
‫المعممدة قبممل أن تسممتوفي طبممخ الول فيسممتقل بممه الحممار‬
‫الغريزي و يممترك الول بحالممة أو يتمموزع عليهممما فيقصممر عممن‬
‫تمام الطبخ و النضج‪ .‬و ترسله المعممدة كممذلك إلممى الكبممد فل‬
‫تقوى حرارة الكبد أيضا ً على إنضاجه‪ .‬و ربما بقي فممي الكبممد‬
‫من الغذاء الول فضلة غير ناضجة‪ .‬و ترسل الكبد جميع ذلك‬
‫إلممى العممروق غيممر ناضممج كممما هممو‪ .‬فممإذا أخممذ البممدن حمماجته‬
‫الملئمة أرسله مع الفضلت الخممرى مممن العممرق و الممدمع و‬
‫اللعاب إن اقتممدر علممى ذلمك‪ .‬و ربممما يعجممز عممن الكممثير منممه‬
‫فيبقى في العروق و الكبد و المعدة و تتزايد مع اليام‪ .‬و كل‬
‫ذي رطوبممة مممن الممتزجممات إذا لممم يأخممذه الطبممخ و النضممج‬
‫يعفن فيتعفن ذلك الغذاء غير الناضج و هو المسمى بالخلط‪.‬‬
‫و كل متعفن ففيه حرارة غريبة و تلك هي المسماة في بدن‬
‫النسان بالحمى‪ .‬و اختبر ذلك بالطعام إذا ترك حتى يتعفن و‬
‫في الزبل إذا تعفن أيضًا‪ ،‬كيممف تنبعممث فيممه الحممرارة و تأخممذ‬
‫مأخممذها‪ .‬فهممذا معنممى الحميممات فممي البممدان و هممي رأس‬
‫المراض و أصمملها كممما وقممع فممي الحممديث‪ .‬و هممذه الحميممات‬
‫علجها بقطع الغذاء عن المريض أسابيع معلومممة ثممم يتنمماول‬
‫الغذية الملئمة حتى يتم برؤه‪ .‬و ذلك فممي حممال الصممحة لممه‬
‫علج في التحفظ من هذا المرض و غيممره و أصممله كممما وقممع‬
‫في الحديث و قد يكممون ذلممك العفممن فممي عضممو مخصمموص‪،‬‬
‫فيتولد عنه مممرض فممي ذلممك العضممو و يحممدث جراحممات فممي‬
‫البدن‪ ،‬إما في العضاء الرئيسية أو في غيرها‪ .‬و قممد يمممرض‬
‫العضو و يحدث عنه مرض القمموى الموجممودة لممه‪ .‬هممذه كلهمما‬
‫جماع المراض‪ ،‬و أصلها في الغالب مممن الغذيممة و هممذا كلممه‬
‫مرفوع إلى الطبيب‪ .‬و وقوع هذه المراض في أهممل الحضممر‬
‫و المصممار أكممثر‪ .‬لخصممب عيشممهم و كممثرة مممآكلهم و قلممة‬
‫اقتصممارهم علممى نمموع واحممد مممن الغذيممة و عممدم تمموقيتهم‬
‫لتناولها‪ .‬و كثيرا ً ما يخلطون بالغذية من التوابممل و البقممول و‬
‫الفمممواكه‪ ،‬رصمممبا ً و يابسممما ً فمممي سمممبيل العلج بالطبمممخ و ل‬
‫يقتصرون في ذلك على نوع أو أنواع‪ .‬فربما عددنا في اليمموم‬
‫ا الواحد من ألوان الطبخ أربعين نوعا ً من النبممات و الحيمموان‬
‫فيصير للغذاء مزاج غريب‪ .‬و ربمما يكمون غريبما ً عمن ملءممة‬
‫البدن و أجزائه‪ .‬ثم إن الهوية في المصممار تفسممد بمخالطممة‬
‫البخرة العفنة من كثرة الفصلت‪ .‬و الهوية فنشممطة للرواح‬
‫و مقويممة بنشمماطها الثممر الحممار الغريممزي فممي الهضممم‪ .‬ثممم‬
‫الرياضة مفقودة لهل المصممار إذ هممم فممي الغممالب وادعممون‬
‫ساكنون ل تأخممذ منهممم الرياضممة شمميئا ً و ل تممؤثر فيهممم أثممرًا‪،‬‬
‫فكان وقوع المراض كثيرا ً في المدن و المصار و على قممدر‬
‫وقوعه كانت حاجتهم إلممى هممذه الصممناعة‪ .‬و أممما أهممل البممدو‬
‫فمممأكولهم قليممل فممي الغممالب و الجمموع أغلممب عليهممم لقلممة‬
‫الحبوب حتى صار لهممم ذلممك عممادة‪ .‬و ربممما يظممن أنهمما جبلممة‬
‫لسممتمرارها‪ .‬ثممم الدم قليلممة لممديهم أو مفقممودة بالجملممة‪ .‬و‬
‫علج الطبخ بالتوابل و الفواكه إنما يدعو إلى تممرف الحضممارة‬
‫الذين هم بمعزل عنه فيتناولون أغذيتهم بسمميطة بعيممدة عممما‬
‫يخالطها و يقرب مزاجها مممن ملءمممة البممدن‪ .‬و أممما أهممويتهم‬
‫فقليلة العفن لقلة الرطوبات و العفونات إن كانوا آهليممن‪ ،‬أو‬
‫لختلف الهوية إن كانوا ظممواعن‪ .‬ثممم إن الرياضممة موجممودة‬
‫فيهممم لكممثرة الحركممة فممي ركممض الخيممل أو الصمميد أو طلممب‬
‫الحاجات لمهنممة أنفسممهم فممي حاجمماتهم فيحسممن بممذلك كلممه‬
‫الهضم و يجود و يفقد إدخممال الطعممام علممى الطعممام فتكممون‬
‫أمزجتهممم أصمملح و أبعممد مممن المممراض فتقممل حمماجتهم إلممى‬
‫الطب‪ .‬و لهذا ل يوجد الطبيب في البادية بوجه‪ .‬و ما ذاك إل‬
‫للستغناء عنه إذ لو احتيج إليه لوجد‪ ،‬لنه يكون له بمذلك فمي‬
‫البدو معاش يدعوه إلى سكناه سنة الله في عباده و لن تجد‬
‫لسنة الله تبدي ً‬
‫ل‪.‬‬

‫الفصل الثلثون في أن الخممط و الكتابممة مممن عممداد‬


‫الصنائع النسانية‬
‫و هو رسوم و أشكال حرفية تدل على الكلمممات المسممموعة‬
‫الدالة على ما في النفس‪ .‬فهو ثاني رتبة من الدللة اللغويممة‬
‫و هو صناعة شريفة إذ الكتابة من خواص النسان التي يميممز‬
‫بها عن الحيوان‪ .‬و أيضا ً فهي تطلع علممى ممما فممي الضمممائر و‬
‫تتأدى بها الغراض إلى البلد البعيدة فتقضي الحاجممات و قممد‬
‫دفعت مؤنة المباشرة لها و يطلع بها على العلوم و المعارف‬
‫و صحف الولين و ممما كتبمموه مممن علممومهم و أخبممارهم فهممي‬
‫شريفة بهذه الوجوه و المنافع‪ .‬و خروجهمما فممي النسممان مممن‬
‫القوة إلى الفعل إنما يكون بالتعليم و علممى قممدر الجتممماع و‬
‫العمران و التناغي في الكمالت و الطلب لذلك تكون جممودة‬
‫الخط في المدينة‪ .‬إذ هو من جملة الصممنائع‪ .‬و قممد قممدمنا أن‬
‫هذا شأنها و أنها تابعة للعمران و لهذا نجد أكثر البدو أميين ل‬
‫يكتبون و ل يقرأون و مممن قممرأ منهممم أو كتممب فيكممون خطممه‬
‫قاصرا ً أو قراءته غير نافذة‪ .‬و نجد تعليم الخط فممى المصممار‬
‫الخممارج عمرانهمما عممن الحممد أبلممغ و أحسممن و أسممهل طريقما ً‬
‫لستحكام الصنعة فيها‪ .‬كما يحكى لنا عن مصر لهذا العهممد و‬
‫أن بها معلمين منتصبين لتعليممم الخممط يلقممون علممى المتعلممم‬
‫قوانين و أحكاما ً فممي وضممع كممل حممرف و يزيممدون إلممى ذلممك‬
‫المباشر بتعليم وضعه فتعتضد لديه رتبة العلم و الحممس فممي‬
‫التعليم و تأتي ملكته على أتم الوجمموه‪ .‬و إنممما أتممى هممذا مممن‬
‫كمال الصنائع و وفورها بكثرة العمران و انفسمماح العمممال و‬
‫قد كان الخط العربي بالغما ً مبمالغه ممن الحكمام و التقمان و‬
‫الجودة في دولة التبابعة لما بلغت مممن الحضممارة و الممترف و‬
‫هو المسمى بالخط الحميري‪ .‬و انتقل منها إلممى الحيممرة لممما‬
‫كان بها من دولممة آل المنممذر نسممباء التبابعممة فممي العصممبية و‬
‫المجممددين لملممك العممرب بممأرض العممراق‪ .‬و لممم يكممن الخممط‬
‫عندهم من الجممادة كممما كممان عنممد التبابعممة لقصممور ممما بيممن‬
‫الدولتين‪ .‬و كمانت الحضممارة و توابعهما مممن الصممنائع و غيرهمما‬
‫قاصرة عن ذلك‪ .‬و من الحيرة لقنممه أهممل الطممائف و قريممش‬
‫فيممما ذكممر‪ .‬و يقممال إن الممذي تعلممم الكتابممة مممن الحيممرة هممو‬
‫سفيان بن أمية و يقال حرب بن أمية و أخذها من أسمملم بممن‬
‫سممدرة‪ .‬و هممو قممول ممكممن و أقممرب ممممن ذهممب إلممى أنهممم‬
‫تعلموها من إياد أهل العراق لقول شاعرهم‪:‬‬
‫ساروا جميعا ً و الخط و القلم‬ ‫قوم لهم ساحة العراقإذا‬
‫و هو قول بعيد لن إيادا ً و إن نزلوا ساحة العراق فلم يزالمموا‬
‫على شأنهم من البممداوة‪ .‬و الخممط مممن الصممنائع الحضممرية‪ .‬و‬
‫إنما معنى قول الشاعر أنهم أقرب إلممى الخممط و القلممم مممن‬
‫غيرهم من العممرب لقربهممم مممن سمماحة المصممار و ضممواحيها‬
‫فالقول بأن أهل الحجاز إنما لقنوها من الحيرة و لقنهمما أهممل‬
‫الحيرة من التبابعة و حمير هو الليق من القوال و رأيت في‬
‫كتاب التكملة لبن البار عند التعريف بابن فممروخ الفيروانممي‬
‫القاسي الندلسي من أصحاب مالك رضي الله عنه و اسمممه‬
‫عبد الله بن فروخ بن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم‪ .‬عن أبيه‬
‫قال قلت لعبد الله بن عباس‪ :‬يا معشر قريش‪ ،‬خبروني عممن‬
‫هذا الكتاب العربممي‪ ،‬هممل كنتممم تكتبممونه قبممل أن يبعممث اللممه‬
‫محمدا ً صمملى اللممه عليممه و سمملم تجمعممون منممه ممما أجتمممع و‬
‫تفرقون منه ما افترق مثل اللف و اللم و الميممم و النممون ؟‬
‫قال‪ :‬نعم‪ .‬قلت و ممن أخذتموه ؟ قال‪ ،‬من حرب بممن أميممة‪.‬‬
‫قلت‪ :‬و ممن أخذه حرب ؟ قال‪ ،‬من عبممد اللممه بممن جممدعان‪.‬‬
‫قلت‪ :‬و ممن أخممذه عبممد اللممه بممن جممدعان ؟ قممال مممن أهممل‬
‫النبار‪ .‬قلت‪ :‬و ممن أخذه أهل النبار ؟ قال‪ :‬من طارئ طرأ‬
‫عليه من أهل اليمن‪ .‬قلت و ممن أخذه ذلك لطاريء ؟ قال‪:‬‬
‫مممن الخلجممان بممن القسممم كمماتب المموحي ليهممود النممبى عليممه‬
‫السلم‪ .‬و هو الذي يقول‪:‬‬
‫و رأي على غير الطريق‬ ‫أفي كل عام سنة تحدثونها‬
‫يعبر‬
‫بها جرهم فيمن يسب و‬ ‫و الموت خير من حياة تسبنا‬
‫حمير‬
‫انتهى ما نقله ابن البار في كتمماب التكملممة‪ .‬و زاد فممي آخممره‬
‫حدثني بذلك أبو بكر بن أبي حميره في كتممابه عممن أبمي بحممر‬
‫بن العاص عن أبي الوليد الوقشي عن أبممي عمممر الطلعنكممي‬
‫بن أبي عبد الله بن مفرح‪ .‬و من خطه نقلته عن أبممي سممعيد‬
‫بن يونس عن محمد بن موسى بممن النعمممان عممن يحيممى بممن‬
‫محمد بن حشيش بن عمر بن أيوب المغافري التونسي عممن‬
‫بهلول بن عبيدة الحمي عن عبد الله بن فروخ‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫و كان لحمير كتابة تسمى المسمند حروفهما منفصملة و كمانوا‬
‫يمنعممون مممن تعلمهمما إل بممإذنهم‪ .‬و مممن حميممر تعلمممت مصممر‬
‫الكتابة العربية إل أنهم لم يكونوا مجيدين لهمما شممأن الصممنائع‬
‫إذا وقعت بالبدو فل تكون محكمممة المممذاهب و ل مائلممة إلممى‬
‫التقان والتنميممق لبممون ممما بيممن البممدو و الصممناعة و اسممتغناء‬
‫البدو عنها في الكثر‪ .‬و كانت كتابة العرب بدوية مثل كتابتهم‬
‫أو قريبا ً من كتابتهم لهذا العهد أو نقول أن كتابتهم لهذا العهد‬
‫أحسممن صممناعة لن هممؤلء أقممرب إلممى الحضممارة و مخالطممة‬
‫المصار و الدول‪ .‬و أما مصر فكانوا أعرق فممي البممدو و أبعممد‬
‫عن الحضر من أهممل اليمممن و أهممل العممراق و أهممل الشممام و‬
‫مصر فكان الخط العربي لول السلم غيممر بممالغ إلممى الغايممة‬
‫مممن الحكممام و التقممان و الجممادة و ل إلممى التوسممط لمكممان‬
‫العرب من البداوة و التوحش و بعدهم عن الصممنائع‪ ،‬و انظممر‬
‫ممما وقممع لجممل ذلممك فممي رسمممهم المصممحف حيممث رسمممه‬
‫الصممحابة بخطمموطهم و كممانت غيممر مسممتحكمة فممي الجممادة‬
‫فخالف الكثير من رسومهم ما اقتضته أقيسة رسوم صممناعة‬
‫الخط عند أهلها ثم اقتفى التابعون من السلف رسمهم فيهمما‬
‫تبركا ً بما رسمه أصحاب الرسول صلى اللممه عليممه و سمملم و‬
‫خير الخلق من بعده المتلقون لوحيه من كتاب الله و كلمممه‪.‬‬
‫كما يقتفى لهذا العهد خط ولي أو عالم تبرك ما ً و يتبممع رسمممه‬
‫خطا ً أو صوابًا‪ .‬و أيممن نسممبة ذلممك مممن الصممحابة فيممما كتبمموه‬
‫فاتبع ذلك و أثبت رسما ً و نبه العلماء بالرسم على مواضممعه‪.‬‬
‫و ل تلتفتن في ذلك إلى ما يزعمه بعض المغفلين مممن أنهممم‬
‫كانوا محكميممن لصممناعة الخممط و أن ممما يتخيممل مممن مخالفممة‬
‫خطوطهم لصول الرسم ليممس كممما يتخيممل بممل لكلهمما وجممه‪.‬‬
‫يقولون في مثل زيادة اللف فممي ل أذبحنممه‪ :‬إنممه تنممبيه علممى‬
‫الذبح لم يقع و في زيادة الياء في بأييد إنه تنبيه علممى كمممال‬
‫القممدرة الربانيممة و أمثممال ذلممك مممما ل أصممل لممه إل التحكممم‬
‫المحض‪ .‬و ما حملهممم علممى ذلممك إل اعتقممادهم أن فممي ذلممك‬
‫تنزيها ً للصحابة عن تمموهم النقممص فممي قلممة إجممادة الخممط‪ .‬و‬
‫حسبوا أن الخط كمال فنزهموهم عمن نقصمه و نسمبوا إليهمم‬
‫الكمال بإجادته و طلبوا تعليل ما خالف الجادة من رسمممه و‬
‫ذلك ليس بصحيح‪ .‬و اعلم أن الخط ليس بكمممال فممي حقهممم‬
‫إذ الخط من جملة الصنائع المدنية المعاشية كما رأيتممه فيممما‬
‫مر‪ .‬و الكمال في الصنائع إضافي و ليس بكمال مطلممق إذ ل‬
‫يعود نقصه على الذات في الدين و ل في الخلل و إنما يعود‬
‫على أسممباب المعمما ش و بحسممب العمممران و التعمماون عليممه‬
‫لجل دللته على ما في النفوس‪ .‬و قد كان صلى الله عليه و‬
‫سلم أميا ً و كان ذلك كمال ً فممي حقممه و بالنسممبة إلممى مقممامه‬
‫لشرفه و تنزهه عن الصنائع العملية التي هممي أسممباب المعمما‬
‫ش و العمران كلها‪ .‬و ليست المية كمممال ً فممي حقنمما نحممن إذ‬
‫هو منقطع إلى ربه و نحن متعاونون على الحياة الممدنيا شممأن‬
‫الصنائع كلها حتى العلوم الصطلحية فإن الكمممال فممي حقممه‬
‫ة بخلفنا‪ .‬ثم لما جاء الملمك للعمرب و فتحموا‬ ‫تنزهه عنها جمل ً‬
‫المصار و ملكوا الممالك و نزلوا البصرة و الكوفة و احتاجت‬
‫الدولة إلى الكتابة استعملوا الخط و طلبوا صناعته و تعلموه‬
‫و تداولوه فترقت الجادة فيه و استحكم و بلغ في الكوفممة و‬
‫البصرة رتبة من التقمان إل أنهما كمانت دون الغايمة‪ .‬و الخمط‬
‫الكوفي معروف الرسم لهممذا العهممد‪ .‬ثمم انتشممر العممرب فمي‬
‫القطار و الممالك و افتتحوا أفريقية و الندلس و اختممط بنممو‬
‫العبمماس بغممداد و ترقممت الخطمموط فيهمما إلممى الغايممة لممما‬
‫استبحرت في العمران و كممانت دار السملم و مركممز الدولممة‬
‫العربية و خالفت أوضاع الخط ببغداد أوضمماعه بالكوفممة‪ .‬فممي‬
‫الميل إلى إجادة الرسوم و جمال الرونق و حسممن الممرواء‪ .‬و‬
‫استحكمت هذه المخالفممة فممي المصممار إلممى أن رفممع رايتهمما‬
‫ببغداد علي بن مقلة الوزير‪ .‬ثم تله في ذلك علممي بممن هلل‪.‬‬
‫الكاتب الشهير بابن البواب‪ .‬و وقف سممند تعليمهمما عليممه فممي‬
‫الماية الثالثة و ما بعدها‪.‬‬
‫و بعدت رسوم الخط البغدادي و أوضماعه عمن الكوفمة حمتى‬
‫انتهى إلى المباينممة‪ .‬ثممم ازدادت المخالفممة بعممد تلممك القصممور‬
‫بتفنن الجهابذة في إحكممام رسممومه و أوضمماعه‪ ،‬حممتى انتهممت‬
‫إلى المتأخرين مثل ياقوت و الممولي علممي العجمممي‪ .‬و وقممف‬
‫سند تعليم الخط عليهم و انتقممل ذلممك إلممى مصممر‪ ،‬و خممالفت‬
‫طريقة العراق بعض الشيء و لقنها العجم هنالك‪ ،‬و ظهممرت‬
‫مخالفة لخط أهل مصر أو مباينة‪.‬‬
‫و كممان الخممط البغممدادي معممروف الرسممم و تبعممه الفريقممي‬
‫المعروف رسمممه القممديم لهممذا العهممد‪ .‬و يقممرب مممن أوضمماع‬
‫الخط المشممرقي و تحيممز ملممك النممدلس بممالمويين فتميممزوا‬
‫بأحوالهم من الحضممارة و الصممنائع و الخطمموط فتميممز صممنف‬
‫خطهم الندلسي كما هو معروف الرسم لهذا العهممد‪ .‬و طممما‬
‫بحر العمران و الحضارة في الدول السلمية في كممل قطممر‪.‬‬
‫و عظم الملك و نفقت أسممواق العلمموم و انتسممخت الكتممب و‬
‫أجيد كتبها و تجليدها و ملئت بها القصور و الخزائن الملوكيممة‬
‫بما ل كفاء له و تنافس أهل القطار في ذلممك و تنمماغوا فيممه‪.‬‬
‫ثم لما انحل نظام الدولممة السمملمية و تنمماقص ذلممك أجمممع و‬
‫درست معالم بغداد بدروس الخلفة فانتقل شأنها من الخممط‬
‫و الكتابة بل و العلم إلى مصر و القاهرة فلممم تممزل أسممواقه‬
‫بهمما نافقممة لهممذا العهممد و لممه بهمما معلمممون يرسمممون لتعليممم‬
‫الحروف بقوانين فممي وضممعها و أشممكالها متعارفممة بينهممم فل‬
‫يلبممث المتعلممم أن يحكممم أشممكال تلممك الحممروف علممى تلممك‬
‫ة و كتاب ما ً و أخممذها‬
‫الوضاع و قد لقنها حسنا ً و حذق فيها درب م ً‬
‫قوانين علمية فتجئ أحسممن ممما يكممون‪ .‬و أممما أهممل النممدلس‬
‫فافترقوا فممي القطممار عنممد تلشممي ملممك العممرب بهمما و مممن‬
‫خلفهم من البربر‪ ،‬و تغلبت عليهم أمممم النصممرانية فانتشممروا‬
‫في عدوة المغرب و أفريقية من لدن الدولممة اللمتونيممة إلممى‬
‫هذا العهد‪ .‬و شاركوا أهل العمران بما لممديهم مممن الصممنائع و‬
‫تعلقوا بأذيال الدولة فغلممب خطهممم علممى الخممط الفريقممي و‬
‫عفى عليه و نسي خط القيروان و المهدية بنسيان عوائدهما‬
‫و صنائعهما‪ .‬و صارت خطوط أهل أفريقية كلها على الرسممم‬
‫الندلسي بتممونس و ممما إليهمما لتمموفر أهممل النممدلس بهمما عنممد‬
‫الحالية من شممرق النممدلس‪ .‬و بقممي منممه رسممم ببلد الجريممد‬
‫الذين لم يخالطوا كتاب الندلس و ل تمرسوا بجوارهم‪ .‬إنممما‬
‫كانوا يغدون على دار الملك بتونس فصار خط أهممل أفريقيممة‬
‫من أحسن خطوط أهل الندلس حتى إذا تقلص ظممل الدولممة‬
‫الموحديممة بعممض الشمميء و تراجممع أمممر الحضممارة و الممترف‬
‫بتراجع العمران نقص حينئذ حال الخط و فسممدت رسممومه و‬
‫جهل فيه وجه التعليم بفساد الحضارة و تنمماقص العمممران‪ .‬و‬
‫بقيت فيه آثار الخط الندلسي تشهد بما كان لهممم مممن ذلممك‬
‫لممما قممدمناه مممن أن الصممنائع إذا رسممخت بالحضممارة فيعسممر‬
‫محوها و حصل في دولة بني مرين مممن بعممد ذلممك بممالمغرب‬
‫القصى لون من الخط الندلسي لقممرب جرارهممم و سممقوط‬
‫من خرج منهممم إلمى فمماس قريبما ً و اسممتعمالهم إيماهم سمائر‬
‫الدولة‪ .‬و نسي عهد الخط فيما بعد عن سدة الملممك و داره‪.‬‬
‫كأنه لم يعرف‪ .‬فصارت الخطوط بإفريقية و المغربيين مائلة‬
‫إلى الرداءة بعيدة عن الجودة و صممارت الكتممب إذا انتسممخت‬
‫فل فائدة تحصل لمتصفحها منها إل العنمماء و المشممقة لكممثرة‬
‫ما يقع فيها من الفساد و التصحيف و تغيير الشكال الخطيممة‬
‫عن الجودة حتى ل تكاد تقرأ إل بعد عسر و وقع فيه ما وقممع‬
‫في سائر الصنائع بنقص الحضارة و فساد الدول و الله يحكم‬
‫ل معقب لحكمه‪.‬‬
‫و للستاذ أبي الحسن علي بن هلل الكاتب البغدادي الشهير‬
‫بابن البواب قصيدة من بحر البسمميط علممى روي الممراء يممذكر‬
‫فيها صناعة الخط و قوادها مممن أحسممن ممما كتممب فممي ذلممك‪.‬‬
‫رأيت إثباتها في هذا الكتاب من هذا الباب لينتفع بها من يريد‬
‫تعلم هذه الصناعة‪ .‬و أولها‪:‬‬
‫و يروم حسن الخط و‬ ‫يا من يريد إجادة التحرير‬
‫التصوير‬
‫فارغب إلى مولك‬ ‫إن كان عزمك في الكتابة صادقا ً‬
‫في التيسير‬
‫يصوغ صناعة التحبير‬ ‫أعدد من القلم كل مثقفصلب‬
‫عند القياس بأوسط التقدير‬ ‫و إذا عمدت لبرية فتوخه‬
‫من جانب التدقيق و‬ ‫انظر إلى طرفيه فاجعل بريه‬
‫التحضير‬
‫خلوا ً عن التطويل و‬ ‫و اجعل لجلفته قواما ً عادل ً‬
‫التقصير‬
‫من جانبيه مشاكل التقدير‬ ‫و الشق وسطه ليبقى بريه‬
‫فالقط فيه جملة التدبير‬ ‫حتى إذا أيقنت ذلك كله‬
‫إني أضن بسره المستور‬ ‫ل تطمعن في أن أبوح بسره‬
‫ما بين تحريف إلى تدوير‬ ‫لكن جملة ما أقول بأنه‬
‫بالخل أو بالحصرم‬ ‫و ألق دواتك بالدخان مدبرا ً‬
‫المعصور‬
‫مع أصغر الزرنيخ و‬ ‫و أضف إليه قفرة قد صولت‬
‫الكافور‬
‫الورق النقي الناعم‬ ‫حتى إذا ما خمرت فاعمد إلى‬
‫المخبور‬
‫ينأى عن التشعيث و‬ ‫فاكسبه بعد القطع بالمعصابر كي‬
‫التغيير‬
‫ما أدرك المأمول مثل‬ ‫ثم اجعل التمثيل دأبك صابرا ً‬
‫صبور‬
‫غرما ً تجرده عن التشمير‬ ‫إبدأ به في اللوح منتفيا ً له‬
‫في أول التمثيل و الشطير‬ ‫ل تخجلن من الردى تختطه‬
‫و لرب سهل جاء بعد عسير‬ ‫فالمر يصعب ثم يرجع هينا ً‬
‫أضحيت رب مسرة و حبور‬ ‫حتى إذا أدركت ما أملته‬
‫إن الله يجيب كل شكور‬ ‫فاشكر الهك و اتبع رضوانه‬
‫خيرا ً يخلفه بدار غرور‬ ‫و ارغب لكفك أن تخط بنانها‬
‫عند الشقاء كتابه المنشور‬ ‫فجميع فعل المرء يلقاه غدا ً‬
‫و اعلم بأن الخط بيان عن القول و الكلم‪ ،‬كممما أن القممول و‬
‫الكلم‪ .‬بيان عما في النفممس و الضمممير مممن المعمماني فل بممد‬
‫لكل منهما أن يكون واضح الدللة‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪ :‬خلق النسان * علمه البيممان و هممو يشممتمل‪.‬‬
‫بيممان الدلممة كلهمما‪ .‬فممالخط المجممود كممماله أن تكممون دللتممه‬
‫واضحة‪ ،‬بإبانة حروفه المتواضممعة و إجممادة وضممعها و رسمممها‬
‫كل واحد على حدة متميممز عممن الخممر‪ .‬إل ممما اصممطلح عليممه‬
‫الكتاب من إيصال حرف الكلمة الواحدة بعضها ببعض‪ .‬سوى‬
‫حروف اصممطلحوا علممى قطعهمما‪ ،‬مثممل اللممف المتقدمممة فممي‬
‫الكلمة‪ ،‬و كذا الراء و الزاي و الدال و الذال و غيرها‪ ،‬بخلف‬
‫ما إذا كانت متأخرة‪ .‬و هكممذا إلممى آخرهمما‪ .‬ثممم إن المتممأخرين‬
‫من الكتاب اصطلحوا علممى وصممل كلمممات‪ ،‬بعضممها ببعممض‪ ،‬و‬
‫حذف حروف معروفة عندهم‪ ،‬ل يعرفها إل أهممل مصممطلحهم‬
‫فتستعجم علممى غيرهممم و هممؤلء كتمماب دواويممن السمملطان و‬
‫سجلت القضاة‪ ،‬كأنهم انفممردوا بهممذا الصممطلح عممن غيرهممم‬
‫لكثرة موارد الكتابة عليهم‪ ،‬و شممهرة كتممابتهم و إحاطممة كممثير‬
‫مممن دونهممم بمصممطلحهم فممإن كتبمموا ذلممك لمممن ل خممبرة لممه‬
‫بمصممطلحهم فينبغممي أن يعممدلوا عممن ذلممك إلممى البيممان ممما‬
‫استطاعوه‪ ،‬و إل كان بمثابة الخمط العجممي‪ ،‬لنهمما بمنزلمة‬
‫واحدة من عدم التواضع عليه‪ .‬و ليس بعذر فممي هممذا القممدر‪،‬‬
‫إل كتاب العمال السلطانية فممي الممموال و الجيمموش‪ ،‬لنهممم‬
‫مطلوبممون بكتمممان ذلممك عممن النمماس فممإنه مممن السممرار‬
‫السلطانية التي يجب إخفاؤها‪ ،‬فيبالغون فممي رسممم اصممطلح‬
‫خاص بهممم‪ .‬و يصممير بمثابممة المعمممى‪ .‬و هممو الصممطلح علممى‬
‫العبارة عن الحروف بكلمات من أسماء الطيمب و الفممواكه و‬
‫الطيور و الزاهير‪ ،‬و وضع أشكال أخرى غير أشكال الحروف‬
‫المتعارفة يصطلح عليها المتخاطبون لتأدية مممافي ضمممائرهم‬
‫بالكتابممة‪ .‬و ربممما وضممع الكتمماب للعثممور علممى ذلممك‪ ،‬و إن لممم‬
‫ل‪ ،‬قوانين بمقمماييس اسممتخرجوها لممذلك بمممداركهم‬ ‫يضعوه أو ً‬
‫يسفونها فك المعمى‪ .‬و للناس في ذلك دواوين مشممهورة‪ .‬و‬
‫الله العليم الحكيم‪.‬‬

‫الفصل الحادي و الثلثون في صناعة الوراقة‬


‫كانت العناية قديما ً بالدواوين العلمية و السجلت في نسممخها‬
‫و تجليدها و تصحيحها بالرواية و الضبط‪ .‬و كان سبب ذلك ما‬
‫وقع من ضخامة الدولة و توابممع الحضممارة‪ .‬و قممد ذهممب ذلممك‬
‫لهذا العهد بذهاب الدولة و تناقص العمران بعد أن كممان منممه‬
‫في الملة السلمية بحر زاخر بالعراق و الندلس إذ هممو كلممه‬
‫من توابع العمران و اتساع نطاق الدولة و نفاق أسواق ذلممك‬
‫لديهما‪ .‬فكثرت التآليف العلمية و الممدواوين و حممرص النمماس‬
‫على تناقلهما فممي الفمماق و العصممار فانتسممخت و جلممدت‪ .‬و‬
‫جمماءت صممناعة المموراقين المعممانين للنتسمماخ و التصممحيح و‬
‫التجليد و سائر المور الكتبية‪ .‬و الدواوين و اختصت بالمصار‬
‫ل‪ :‬لنتسمماخ العلمموم و‬‫العظيمة العمران‪ .‬و كانت السجلت أو ً‬
‫كتممب الرسممائل السمملطانية و القطاعممات‪ ،‬و الصممكوك فممي‬
‫الرقمموق المهيممأة بالصممناعة مممن الجلممد لكممثرة الرفممه و قلممة‬
‫التآليف صدر الملة كما نذكره‪ .‬و قلة الرسممائل السمملطانية و‬
‫الصكوك مع ذلك فاقتصروا على الكتمماب فممي الممرق تشممريفا ً‬
‫للمكتوبات و ميل ً بهمما إلممى الصممحة و التقممان‪ .‬ثممم طممما بحممر‬
‫التآليف و التدوين و كثر ترسيل السلطان و صممكوكه و ضمماق‬
‫الرق عن ذلممك‪ .‬فأشممار الفضممل بممن يحيممى صممناعة الكاغممد و‬
‫صممنعه و كتممب فبممه رسممائل السمملطان و صممكوكه‪ .‬و اتخممذه‬
‫الناس من بعده صممحفا ً لمكتوبمماتهم السمملطانية و العلميممة‪ .‬و‬
‫بلغت الجادة في صناعته ما شمماءت‪ .‬ثممم وقفممت عنايممة أهممل‬
‫العلوم و همم أهممل الممدول علممى ضممبط الممدواوين العلميممة و‬
‫تصممحيحها بالروايممة المسممندة إلممى مؤلفيهمما و واضممعيها لنممه‬
‫الشأن الهم من التصحيح و الضبط فبذلك تسند القوال إلى‬
‫قائلها و الفتيا إلى الحاكم بها المجتهد في طريق اسممتنباطها‪.‬‬
‫و ما لم يكن تصحيح المتون بإسممنادها إلممى مممدونها فل يصممح‬
‫إسناد قول لهممم و ل فتيمما‪ .‬و هكممذا كممان شممأن أهممل العلممم و‬
‫حملته في العصور و الجيال و الفاق‪.‬‬
‫حتى لقد قصرت فائدة الصناعة الحديثيممة فممي الروايممة علممى‬
‫هذه فقط إذ ثمرتها الكممبرى ممن معرفممة صممحيح الحماديث و‬
‫حسممنها و مسممندها و مرسمملها و مقطوعهمما و موقوفهمما مممن‬
‫موضمموعها قممد ذهبممت و تمخضممت زبممدة ً فممي ذلممك المهممات‬
‫المتلقاة بالقبول عند المة‪ .‬و صار القصد إلى ذلك لغمموا ً مممن‬
‫العمل‪ .‬و لم تبق ثمرة الرواية و الشتغال بها إل في تصممحيح‬
‫تلك المهات الحديثية و سواها من كتب الفقه للفتيمما‪ ،‬و غيممر‬
‫ذلممك مممن الممدواوين و التممآلبف العلميممة‪ .‬و اتصممال سممندها‬
‫بمؤلفيها ليصح النقل عنهممم‪ ،‬و السممناد إليهممم‪ .‬و كممانت هممذه‬
‫الرسممموم بالمشمممرق و النمممدلس معبمممدة الطمممرق واضمممحة‬
‫المسالك‪ .‬و لهذا نجد الممدواوين المنتسممخة لممذلك العهممد فممي‬
‫أقطارهم على غاية من التقان و الحكممام و الصممحة‪ .‬و منهمما‬
‫لهذا العهد بأيدي الناس في العالم أصول عتيقة تشمهد ببلموغ‬
‫الغايممة لهممم فممي ذلممك‪ .‬و أهممل الفمماق يتناقلونهمما إلممى الن و‬
‫يشدون عليها يممد الضممنانة و لقممد ذهبممت هممذه الرسمموم لهممذا‬
‫العهد جملة بالمغرب و أهله لنقطاع صناعة الخط و الضممبط‬
‫و الروايممة منممه بانتقمماص عمرانممه و بممداوة أهلممه و صممارت‬
‫المهات و الدواوين تنسخ بممالخطوط اليدويممة تنسممخها طلبممة‬
‫البربر صممحائف مسممتعجمة بممرداءة الخممط و كممثرة الفسمماد و‬
‫التصحيف فتستغلق على متصفحها و ل يحصل منها فممائدة إل‬
‫في المل النادر‪ .‬و أيضا ً فقد دخل الخلل من ذلك فممي الفتيمما‬
‫فإن غالب القوال المعزوة غير مروية عممن أئمممة المممذهب و‬
‫إنما تتلقى من تلك الدواوين على ممما هممي عليممه‪ .‬و تبممع ذلممك‬
‫أيضا ً ما يتصدى إليه بعض أئمتهم مممن التممأليف لقلممة بصممرهم‬
‫بصناعته و عدم الصنائع الوافية بمقاصده‪ .‬و لم ينق من هممذا‬
‫الرسم بالندلس إل إثممارة خفيممة بالمحمماء و هممي الضمممحلل‬
‫فقد كاد العلم ينقطع بالكلية من المغرب‪ .‬و الله غالب علممى‬
‫أمره‪ .‬و يبلغنا لهذا العهد أن صناعة الرواية قائمممة بالمشممرق‬
‫و تصحيح الدواوين لمن يرومه بذلك سهل على مبتغيه لنفاق‬
‫أسواق العلوم و الصنائع كما نذكره بعممد‪ .‬إل أن الخممط الممذي‬
‫بقي من الجادة في النتساخ هنالممك إنممما هممو للعجممم و فممي‬
‫خطوطهم‪ .‬و أما النسخ بمصر ففسد كممما فسممد بممالمغرب و‬
‫أشد‪ .‬و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الثاني و الثلثون في صناعة الغناء‬


‫هذه الصناعة هي تلحين الشعار الموزونة بتقطيممع الصمموات‬
‫على نسب منتظمة معروفة يوقع كل صوت منها توقيعا ً عنممد‬
‫قطعه فيكون نغمة‪ .‬ثم تؤلمف تلمك النغمم بعضمها إلمى بعمض‬
‫على نسب متعارفة فيلذ سماعها لجممل ذلممك التناسممب و ممما‬
‫يحدث عنه من الكيفيه في تلك الصوات‪ .‬و ذلك أنه تبين في‬
‫علم الموسيقى أن الصوات تتناسممب‪ ،‬فيكممون صمموت نصممف‬
‫صوت و ربع آخر و خمس آخر و جزء من أحد عشر من آخممر‬
‫و اختلف هذه النسب عند تأديتها إلى السمممع بخروجهمما مممن‬
‫البساطة إلى التركيب و ليس كل تركيممب منهمما ملممذوذا ً عنممد‬
‫السماع بل للمنذور تراكيب خاصة و هي الممتي حصممرها أهممل‬
‫علم الموسيقى و تكلموا عليها كما هو مذكور في موضممعه و‬
‫قد يساوق ذلك التلحين في النغمات الغنائية بتقطيع أصمموات‬
‫أخرى من الجمادات إممما بممالقرع أو بالنفممخ فممي اللت تتخممذ‬
‫لذلك فترى لها لذة عند السماع‪ .‬فمنها لهذا العهممد بممالمغرب‬
‫أصناف منها المزمار و يسمونه الشبابة و هممي قصممبة جوفمماء‬
‫بأبخمماش فممي جوانبهمما معممدودة ينفممخ فيهمما فتصمموت‪ .‬فيخممرج‬
‫الصوت من جوفها على سممداده مممن تلممك البخمماش و يقطممع‬
‫الصوت بوضع الصابع من اليدين جميعا ً علممى تلممك البخمماش‬
‫وضعا متعارفا ً حتى تحدث النسب بين الصوات فيه و تتصممل‬
‫كذلك متناسبة فيلتذ السمع بإدراكها للتناسب الذي ذكرناه‪ .‬و‬
‫من جنمس همذه اللمة المزممار المذي يسممى الزلممي و همو‬
‫شكل القصبة منحوتة الجانبين من الخشب جوفمماء مممن غيممر‬
‫تدوير لجل ائتلفهمما فمي قطعمتين منفردتيممن كمذلك بأبخماش‬
‫معممدودة ينفممخ فيهمما بقصممبة صممغيرة توصممل فينفممذ النفممخ‬
‫بواسطتها إليها و تصوت بنغمة حادة يجرى فيهمما مممن تقطيممع‬
‫الصمموات مممن تلممك البخمماش بالصممابع مثممل ممما يجممري فممي‬
‫الشبابة‪ .‬و من أحسن آلت الزمر لهذا العهد البوق و هو بوق‬
‫من نحاس أجمموف فممي مقممدار الممذراع‪ .‬يتسممع إلممى أن يكممون‬
‫انفراج مخرجه في مقدار دون الكف في شكل بري القلم‪ .‬و‬
‫ينفخ فيه بقصبة صغيرة تممؤدي الريممح مممن الفممم إليممه فيخممرج‬
‫الصوت ثخينا ً دويا ً و فيه أبخاش أيضا ً معدودة‪ .‬و تقطممع نغمممة‬
‫منها كذلك بالصممابع علممى التناسممب فيكممون ملممذوذًا‪ .‬و منهمما‬
‫آلت الوتار و هي جوفمماء كلهمما إممما علممى شممكل قطعممة مممن‬
‫الكرة مثل المربط و الرباب أو علممى شممكل مربممع كالقممانون‬
‫توضع الوتار على بسائطها مشممدودة فممي رأسممها إلممى دسممر‬
‫جائلة ليأتي شد الوتار و رخوها عند الحاجة إليه بإدارتها‪ .‬ثممم‬
‫تقرع الوتار إما بعود آخر أو بوتر مشدود بين طرفممي قمموس‬
‫يمر عليها بعد أن يطلى بالشمممع و الكنممدر‪ .‬و يقطممع الصمموت‬
‫فيه بتخفيف اليد في إمراره أو نقله من وتر إلى وتر‪ .‬و اليممد‬
‫اليسرى مع ذلك في جميع آلت الوتار توقممع بأصممابعها علممى‬
‫أطراف الوتار فيما يقممرع أو يحممك بممالوتر فتحممدث الصمموات‬
‫متناسبة ملذوذة‪ .‬و قد يكون القرع في الطسمموت بالقضممبان‬
‫أو في العواد بعضها ببعض على توقيع مناسممب يحممدث عنممه‬
‫التذاذ بالمسموع‪ .‬و لنبين لك السبب في اللذة الناشممئة عممن‬
‫الغناء‪ .‬و ذلممك أن اللممذة كممما تقممرر فممي موضممعه هممي إدراك‬
‫الملئم و المحسمموس إنممما تممدرك منممه كيفيممة‪ .‬فممإذا كممانت‬
‫مناسبة للمدرك و ملئمة كانت ملذوذة‪ ،‬و إذا كانت منافية له‬
‫منافرة كانت مؤلمة‪ .‬فالملئم من الطعوم ما ناسبت كيفيتممه‬
‫حاسة الذوق فممي مزاجهمما و كممذا الملئم مممن الملموسممات و‬
‫فممي الممروائح ممما ناسممب مممزاج الممروح القلممبي البخمماري لنممه‬
‫المدرك و إليه تؤديه الحاسة‪ .‬و لهذا كانت الرياحين و الزهار‬
‫العطريات أحسن رائحة و أشد ملءمة للروح لغلبممة الحممرارة‬
‫فيهمما الممتي هممي مممزاج الممروح القلممبي‪ .‬و أممما المرئيممات و‬
‫المسموعات فالملئم فيهمما تناسممب الوضمماع فمي أشممكالها و‬
‫كيفياتها فهو أنسب عند النفس و أشد ملءمة لها‪ .‬فممإذا كممان‬
‫المربي متناسممبا ً فممي أشممكاله و تخمماطيطه الممتي لممه بحسممب‬
‫مادته بحيث ل يخرج عما تقتضمميه مممادته الخاصممة مممن كمممال‬
‫المناسبة و الوضع و ذلك هو معنى الجمال و الحسن في كل‬
‫مدرك‪ .‬كان ذلك حينئذ مناسبا ً للنفس المدركة فتلتممذ بممإدراك‬
‫ملئمهمما‪ ،‬و لهممذا تجممد العاشممقين المسممتهترين فممي المحبممة‬
‫يعبرون عن غاية محبتهم و عشقهم بممامتزاج أرواحهممم بممروح‬
‫المحبوب‪ .‬و في هذا سر تفهمه إن كنت من أهله و هو اتحمماد‬
‫المبدأ و إن كان ما سواك إذا نظرتممه و تممأملته رأيممت بينممك و‬
‫بينه اتحادا ً في البداءة‪ .‬يشهد لك به اتحاد كممما فممي الكممون و‬
‫معناه من وجه آخر أن الوجود يشممرك بيممن الموجممودات كممما‬
‫تقوله الحكماء‪ .‬فتود أن يمتزج بمشاهدات فيه الكمال لتتحممد‬
‫به بل تروم النفس حينئذ الخممروج عممن المموهم إلممى الحقيقممة‬
‫التي هي اتحاد المبدإ و الكون‪ .‬و لما كان أنسب الشياء إلممى‬
‫النسان و أقربها إلى أن يدرك الكمال في تناسب موضوعها‬
‫هممو شممكله النسمماني فكممان إدراكممه للجمممال و الحسممن فممي‬
‫تخاطيطه و أصواته من المدارك التي هي أقرب إلى فطرته‪،‬‬
‫فيلهج كل إنسان بالحسن من المرئي أو المسموع بمقتضممى‬
‫الفطرة‪ .‬و الحسن في المسموع أن تكون الصوات متناسبة‬
‫ل متنافرة‪ .‬و ذلممك أن الصمموات لهمما كيفيممات مممن الهمممس و‬
‫الجهر و الرخاوة و الشدة و القلقلة و الضغط و غيمر ذلمك‪ .‬و‬
‫ل‪ :‬أن ل يخممرج‬ ‫التناسب فيها هو الذي يوجب لها الحسن‪ .‬فأو ً‬
‫من الصوت إلى مده دفعممة بممل بتدريممج‪ .‬ثممم يرجممع كممذلك‪ ،‬و‬
‫هكذا إلى المثل‪ ،‬بل ل بد من توسط المغاير بين الصوتين‪ .‬و‬
‫تأمل هذا مممن افتتمماح أهممل اللسممان الممتراكيب مممن الحممروف‬
‫المتنافرة أو المتقاربة المخارج فإنه من بابه‪ .‬و ثانيًا‪ :‬تناسممبها‬
‫في الجزاء كما مر أول الباب فيخرج من الصوت إلى نصممفه‬
‫أو ثلثه أو جزء من كمذا منممه‪ ،‬علمى حسممب مما يكمون التنقمل‬
‫متناسبا ً على ما حصره أهل الصممناعة‪ .‬فممإذا كممانت الصمموات‬
‫على تناسب في الكيفيات كما ذكره أهل تلك الصناعة كممانت‬
‫ملئمة ملذوذة‪ .‬و من هذا التناسب ما يكون بسمميطا ً و يكممون‬
‫الكثير من الناس مطبوعا ً عليه ل يحتاجون فيه إلممى تعليممم و‬
‫ل صمناعة كمما نجمد المطبموعين علمى المموازين الشمعرية و‬
‫توقيع الرقص و أمثممال ذلممك‪ .‬و تسمممي العامممة هممذه القابليممة‬
‫بالمضمار‪ .‬و كثير مممن القممراء بهممذه المثابممة يقممرأون القممرآن‬
‫فيجيممدون فممي تلحيممن أصممواتهم كأنهمما المزاميممر فيطربممون‬
‫بحسن مساقهم و تناسب نغممماتهم‪ .‬و مممن هممذا التناسممب ممما‬
‫يحدث بالتركيب و ليس كل الناس يسممتوي فممي معرفتممه و ل‬
‫كل الطباع توافق صاحبها في العمل بممه إذا علممم‪ .‬و هممذا هممو‬
‫التلحين الذي يتكفل به علم الموسيقى كما نشرحة بعد عنممد‬
‫ذكممر العلمموم‪ .‬و قممد أنكممر مالممك رحمممه اللممه تعممالى القممراءة‬
‫بالتلحين و أجازها الشافعي رضمي اللممه تعممالى عنمه‪ .‬و ليمس‬
‫المراد تلحين الموسيقى الصمناعي فمإنه ل ينبغمي أن يختلمف‬
‫فممي حظممره إذ صممناعة الغنمماء مباينممة للقممرآن بكممل وجممه لن‬
‫القراءة و الداء تحتمماج إلممى مقممدار مممن الصمموت لتعيممن أداء‬
‫الحروف ل من حيث اتبمماع الحركممات فممي مواضممعها و يقممدار‬
‫المد عند من يطلقه أو يقصره‪ ،‬و أمثال ذلك‪ .‬و التلحين أيضا ً‬
‫يتعين له مقدار من الصوت ل تتم إل بممه مممن أجممل التناسممب‬
‫الذي قلنمماه فممي حقيقممة التلحيممن و اعتبممار أحممدهما قممد يخممل‬
‫بالخر إذا تعارضا‪ .‬و تقديم الرواية‪ ،‬متعيممن فممرارا ً مممن تغييممر‬
‫الرواية المنقولممة فممي القممرآن‪ ،‬فل يمكممن اجتممماع التلحيممن و‬
‫الداء المعتممبر فممي القممرآن بمموجه و إنممما مرادهممم التلحيممن‬
‫البسيط الذي يهتدي إليه صاحب المضمار بطبعه كما قدمناه‬
‫فيردد أصواته ترديدا ً على نسب يدركها العالم بالغناء و غيممره‬
‫و ل ينبغي ذلممك بمموجه و إنممما المممراد مممن اختلفهممم التلحيممن‬
‫البسمميط الممذي يهتممدي إليممه صمماحب المضمممار بطبعممه كممما‬
‫قدمناه‪ ،‬فيردد أصواته ترديدا ً على نسب يدركها العالم بالغناء‬
‫و غيره‪ ،‬و ل ينبغي ذلك بوجه كما قاله مالمك‪ .‬همذا همو محمل‬
‫الخلف‪ .‬و الظاهر تنزيه القرآن عن هذا كله كممما ذهممب إليممه‬
‫المام رحمة الله تعالى لن القرآن محل خشوع بذكر الموت‬
‫و ما بعده و ليس مقام التذاذ بإدراك الحسن مممن الصمموات‪.‬‬
‫و هكممذا كممانت قممراءة الصممحابة رضممي اللممه عنهممم كممما فممي‬
‫أخبممارهم‪ .‬و أممما قمموله صمملى اللممه عليممه و سمملم‪ :‬لقممد أوتممي‬
‫مزمممارا ً مممن مزاميممر آل داود فليممس المممراد بممه الترديممد و‬
‫التلحين إنما معناه حسن الصوت و أداء القراءة و البانة فممي‬
‫مخارج الحروف و النطممق بهمما‪ .‬و إذ قممد ذكرنمما معنممى الغنمماء‬
‫فاعلم أنه يحدث في العمران إذا توفر و تجاوز حد الضروري‬
‫إلى الحاجي‪ ،‬ثم إلممى الكمممالي‪ ،‬و تفننمموا فيممه‪ ،‬فتحممدث هممذه‬
‫الصناعة‪ ،‬لنممه ل يسممتدعيها إل مممن فممرغ مممن جميممع حاجمماته‬
‫الضرورية و المهمة من المعاش و المنزل و غيره فل يطلبها‬
‫إل الفارغون عن سائر أحوالهم تفننا ً في مذاهب الملذوذات‪.‬‬
‫و كان في سلطان العجممم قبممل الملممة منهمما بحممر زاخممر فممي‬
‫أمصارهم و مدنهم‪ .‬و كان ملمموكهم يتخممذون ذلممك و يولعممون‬
‫به‪ ،‬حتى لقد كان لملوك الفرس اهتمام بأهل هذه الصممناعة‪،‬‬
‫و لهممم مكممان فممي دولتهممم‪ ،‬و كممانوا يحضممرون مشمماهدهم و‬
‫مجامعهم و يغنون فيها‪ .‬و هذا شأن العجم لهذا العهد في كل‬
‫أفق من آفاقهم‪ .‬و مملكة من ممالكهم‪ .‬و أما العممرب فكممان‬
‫لهم أول ً فن الشعر يؤلفون فيه الكلم أجممزاء متسمماوية علممى‬
‫تناسممب بينهمما فممي عممدة حروفهمما المتحركممة و السمماكنة‪ .‬و‬
‫يفصلون الكلم في تلك الجزاء تفصيل ً يكون كممل جممزء منهمما‬
‫مستقل ً بالفممادة‪ ،‬ل ينعطممف علممى الخممر‪ .‬و يسمممونه الممبيت‪.‬‬
‫فتلئم الطبع بالتجزئة أول ً ثم يتناسب الجزاء في المقمماطع و‬
‫المبادئ‪ ،‬ثم بتأدية المعنمى المقصمود و تطمبيق الكلم عليهما‪.‬‬
‫فلهجوا به فامتاز من بيممن كلمهممم بخممط مممن الشممرف ليممس‬
‫لغيممره لجممل اختصاصممه‪ .‬بهممذا التناسممب‪ .‬و جعلمموه ديوانمما ً‬
‫لخبارهم و حكمهم و شرفهم و محكا ً لقرائحهممم فممي إصممابة‬
‫المعمماني و إجممادة السمماليب‪ .‬و اسممتمروا علممى ذلممك‪ .‬و هممذا‬
‫التناسب الذي من أجممل الجممزاء و المتحممرك و السمماكن مممن‬
‫الحممروف قطممرة مممن بحممر مممن تناسممب الصمموات كممما هممو‬
‫معروف في كتب الموسيقى‪ .‬إل أنهم لم يشعروا بممما سممواه‬
‫ة‪ .‬و كممانت‬ ‫لنهممم حينئذ لممم ينتحلمموا علم ما ً و ل عرفمموا صممناع ً‬
‫البداوة أغلب نحلهم‪ .‬ثم تغنى الحداة منهم في حداء إبلهممم و‬
‫الفتيممان فممي فضمماء خلممواتهم فرجعمموا الصمموات و ترنممموا‪ .‬و‬
‫كانوا يسمون الترنم إذا كان بالشعر غناء و إذا كممان بالتهليممل‬
‫أو نوع القممراءة تغييممرا ً بممالغين المعجمممة و البمماء الموحممدة‪ .‬و‬
‫عللها أبو إسحاق الزجاج بأنها تممذكر بالغممابر و هممو البمماقي أي‬
‫بممأحوال الخممرة‪ .‬و ربممما ناسممبوا فممي غنممائهم بيممن النغمممات‬
‫مناسبة بسيطة كما ذكممره ابممن رشمميق آخممر كتمماب العمممدة و‬
‫غيره‪ .‬و كانوا يسمونه السناد‪ .‬و كممان أكممثر ممما يكممون منهممم‪،‬‬
‫في الخفيف الذي يرقممص عليممه و يمشممى بالممدف و المزمممار‬
‫فيضطرب و يستخف الحلوم‪ .‬و كممانوا يسمممون هممذا الهممرج و‬
‫هذا البسيط كله مممن التلحيممن هممو مممن أوائلهمما و ل يبعممد أن‬
‫تتفطن له الطباع مممن غيممر تعليممم شممأن البسممائط كلهمما مممن‬
‫الصنائع‪ .‬و لم يزل هذا شأن العرب في بداوتهم و جمماهليتهم‪.‬‬
‫فلممما جمماء السمملم و اسممتولوا علممى ممالممك الممدنيا و حممازوا‬
‫سمملطان العجممم و غلبمموهم عليممه و كممانوا مممن البممداوة و‬
‫الغضاضة على الحال التي عرفت لهممم مممع غضممارة الممدين و‬
‫شدته في ترك أحوال الفراغ و ما ليممس بنممافع فممي ديممن و ل‬
‫معاش فهجروا ذلك شيئا ً ممما‪ .‬و لممم يكممن الملممذوذ عنممدهم إل‬
‫ترجيع القراءة و الترنم بالشعر الذي هممو ديممدنهم و مممذهبهم‪.‬‬
‫فلما جاءهم الترف و غلب عليهم الرفه بممما حصممل لهممم مممن‬
‫غنممائم المممم صمماروا إلممى نصممارة العيممش و رقممة الحاشممية و‬
‫اسممتحلء الفممراغ‪ .‬و افممترق المغنممون مممن الفممرس و الممروم‬
‫فوقعوا إلى الحجمماز و صمماروا ممموالي للعممرب و غنمموا جميع ما ً‬
‫بالعيدان و الطنممابير و المعممازف و المزاميممر و سمممع العممرب‬
‫تلحينهم للصوات فلحنمموا عليهمما أشممعارهم‪ .‬و ظهممر بالمدينممة‬
‫نشيط الفارسي و طويس و سائب بن جابر مولى عبيد اللممه‬
‫بن جعفر فسمعوا شعر العرب و لحنوه و أجادوا فيممه و طممار‬
‫لهم ذكر‪ .‬ثم أخذ عنهم معبد و طبقته و ابن شربح و أنظمماره‪.‬‬
‫و ممما زالممت صممناعة الغنمماء تتممدرج إلممى أن كملممت أيممام بنممي‬
‫العباس عند إبراهيم بن المهدي و إبراهيممم الموصمملي و ابنممه‬
‫إسحاق و ابنه حماد‪ .‬و كان من ذلممك فممي دولتهممم ببغممداد ممما‬
‫تبعه الحديث بعده بممه و بمجالسممه بهممذا العهممد و أمعنمموا فممي‬
‫اللهو و اللعب و اتخذت آلت الرقص في الملبس و القضبان‬
‫و الشعار التي يترنم بها عليه‪ .‬و جعل صنفا ً وحممده و اتخممذت‬
‫آلت أخممرى للرقممص تسمممى بممالكرج و هممي تماثيممل خيممل‬
‫مسرجة من الخشب معلقة بأطراف أقبية يلبسها النسوان و‬
‫يحاكين بهمما امتطمماء الخيممل فيكممرون و يفممرون و يتثمماقفون و‬
‫أمثال ذلك من اللعب المعد للولئم و العراس و أيام العياد‬
‫و مجالس الفراغ و اللهو‪ .‬و كثر ذلك ببغداد و أمصار العممراق‬
‫و انتشممر منهمما إلممى غيرهمما‪ .‬و كممان للموصممليين غلم اسمممه‬
‫زرياب أخذ عنهم الغناء فأجاد فصممرفوه إلممى المغممرب غيممرة‬
‫منه فلحق بالحكم بن هشام بن عبممد الرحمممن الممداخل أميممر‬
‫الندلس‪ .‬فبالغ في تكرمته و ركب للقائه و أسنى له الجوائز‬
‫و القطاعات و الجرايات و أحله من دولته و نممدمائه بمكممان‪.‬‬
‫فأورث بالندلس من صممناعة الغنمماء ممما تنمماقلوه إلممى أزمممان‬
‫الطوائف‪ .‬و طما منها بإشبيلية بحر زاخممز و تناقممل منهمما بعممد‬
‫ذهاب غضارتها إلى بلد العدوة بإفريقية و المغرب‪ .‬و انقسم‬
‫على أمصارها و بها الن منها صممبابة علممى تراجممع عمرانهمما و‬
‫تناقص دولها‪ .‬و هذه الصناعة آخر ما يحصل في العمران من‬
‫الصنائع لنها كمالية في غير وظيفة من الوظممائف إل وظيفممة‬
‫الفراغ و الفرح‪ .‬و هو أيضا ً أول ما ينقطع مممن العمممران عنممد‬
‫اختلله و تراجعه‪ .‬و الله أعلم‪.‬‬
‫الفصل الثالث و الثلثممون فممي أن الصممنائع تكسممب‬
‫صاحبها عقل ً و خصوصا ً الكتابة و الحساب‬
‫قد ذكرنا في الكتاب أن النفس الناطقة للنسممان إنممما توجممد‬
‫فيه بالقوة‪ .‬و أن خروجها من القوة إلى الفعل إنما هو بتجدد‬
‫ل‪ ،‬ثممم ممما يكتسممب‬ ‫العلوم و الدراكات عممن المحسوسممات أو ً‬
‫بعدها بممالقوة النظريممة إلممى أن يصممير إدراكما ً بالفعممل و عقل ً‬
‫ة و يستكمل حينئذ وجودهمما‪ .‬فمموجب‬ ‫محضا ً فتكون ذاتا ً روحاني ً‬
‫لذلك أن يكون كل نوع من العلم و النظر يفيدها عقل ً فريممدا ً‬
‫و الصنائع أبدا ً يحصل عنها و عن ملكتها قانون علمي مستفاد‬
‫من تلك الملكة‪ .‬فلهذا كانت الحنكة في التجربة تفيممد عقل ً و‬
‫الحضارة الكاملة تفيد عقل ً لنها مجتمعة من صنائع في شأن‬
‫تدبير المنزل و معاشرة أبنمماء الجنممس و تحصمميل الداب فممي‬
‫مخالطتهم ثم القيام بأمور الدين و اعتبار آدابها و شممرائطها‪.‬‬
‫و هذه كلها قوانين تنتظم علوما ً فيحصل منها زيممادة عقممل‪ .‬و‬
‫الكتابة من بين الصنائع أكثر إفادة لممذلك لنهمما تشممتمل علممى‬
‫العلوم و النظار بخلف الصنائع‪ .‬و بيانه أن في الكتابة انتقال ً‬
‫من الحروف الخطية إلى الكلمات اللفظية في الخيال و مممن‬
‫الكلمات اللفظية في الخيال إلى المعاني الممتي فممي النفممس‬
‫فهو ينتقل أبدا ً من دليل إلى دليل‪ ،‬ما دام ملتبسمما ً بالكتابممة و‬
‫تتعود النفس ذلك دائمًا‪ .‬فيحصل لها ملكة النتقال من الدلة‬
‫إلممى المممدلولت و هممو معنممى النظممر العقلممي الممذي يكسممب‬
‫العلوم المجهولة فيكسب بذلك ملكة من التعقل تكون زيادة‬
‫عقل و يحصل به قوة فطنة و كيس في المممور لممما تعممودوه‬
‫من ذلك النتقال‪ .‬و لذلك قال كسممرى فممي كتممابه لممما رآهممم‬
‫بتلك الفطنة و الكيممس فقممال‪ :‬ديمموانه أي شممياطين و جنممون‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬و ذلممك أصممل اشممتقاق الممديوان لهممل الكتابممة و يلحممق‬
‫بذلك الحساب فإن فممي صممناعة الحسمماب نمموع تصممرف فممي‬
‫المدد بالضم و التفريق يحتاج فيه إلى اسممتدلل كممثير فيبقممى‬
‫متعودا ً للستدلل و النظر و هو معنى العقل‪ .‬و الله أخرجكم‬
‫من بطون أمهاتكم ل تعلمممون شمميئًا‪ ،‬و جعممل لكممم السمممع و‬
‫البصار و الفئدة‪ ،‬قليل ً ما تشكرون‪.‬‬

‫البمماب السممادس مممن الكتمماب الول فممي العلمموم و‬


‫أصنافها و التعليم و طرقه و سائر وجوهه و ممما‬
‫يعرض في ذلك كله من الحوال و فيه مقدمة و‬
‫لواحق‬
‫فالمقدمممة فممي الفكممر النسمماني الممذي تميممز بممه البشممر عممن‬
‫الحيوانات و اهتدى به لتحصيل معاشه و التعاون عليممه بأبنمماء‬
‫جنسه و النظر في معبوده‪ .‬و ما جاءت به الرسل من عنممده‪،‬‬
‫فصار جميع الحيوانات في طاعته و ملك قممدرته و فضممله بممه‬
‫على كثير خلقه‪.‬‬

‫الفصل الول في أن العلم و التعليممم طممبيعي فممي‬


‫العمران البشري‬
‫و ذلك أن النسان قد شاركته جميع الحيوانات فممي حيمموانيته‬
‫من الحس و الحركة و الغذاء و الكن و غير ذلك‪ .‬و إنما تميز‬
‫عنها بالفكر الذي يهتدي به لتحصيل معاشممه و التعمماون عليممه‬
‫بأبناء جنسمه و الجتمماع المهيمء لمذلك التعماون و قبمول مما‬
‫جاءت به النبياء عن اللممه تعممالى و العمممل بممه و اتبمماع صمملح‬
‫أخراه‪ .‬فهو منكر في ذلك كلممه دائم ما ً ل يفممترعن الفكممر فيممه‬
‫طرفة عين بل اختلج الفكر أسرع من لمح البصر‪ .‬و عن هذا‬
‫الفكر تنشأ العلوم و ما قدمناه مممن الصممنائع‪ .‬ثممم لجممل هممذا‬
‫الفكر و ما جبل عليه النسممان بممل الحيمموان مممن تحصمميل ممما‬
‫تستدعيه الطباع فيكون الفكممر راغب ما ً فممي تحصمميل ممما ليممس‬
‫عنده من الدراكات فيرجع إلى من سممبقه بعلممم أو زاد عليممه‬
‫بمعرفممة أو إدراك أو أخممذه ممممن تقممدمه مممن النبيمماء الممذين‬
‫يبلغونه لمن تلقاه فيلقن ذلك عنهممم و يحممرص علممى أخممذه و‬
‫علمممه‪ .‬ثممم أن فكممره و نظممره يتمموجه إلممى واحممد واحممد مممن‬
‫الحقائق و ينظر ما يعرض له لذاته واحدا ً بعممد آخممر و يتمممرن‬
‫على ذلك حتى يصير إلحاق العوارض بتلك الحقيقة ملكممة لممه‬
‫فيكون حينئذ علمه بما يعرض لتلك الحقيقة علما ً مخصوصممًا‪.‬‬
‫و تتشمموف نفمموس أهممل الجيممل الناشممىء إلممى تحصمميل ذلممك‬
‫فيفرغون إلى أهل معرفتممه و يجيممء التعليممم مممن هممذا‪ .‬فقممد‬
‫تممبين بممذلك أن العلممم و التعليممم طممبيعي فممي البشممر‪ .‬و اللممه‬
‫أعلم‪.‬‬

‫الفصممل الثمماني فممي أن التعليممم للعلممم مممن جملممة‬


‫الصنائع‬
‫و ذلك أن الحذق في العلممم و التفنممن فيممه و السممتيلء عليممه‬
‫إنممما هممو بحصممول ملكممة فممي الحاطممة بمبممادئه و قواعممده و‬
‫الوقوف على مسائله و استنباط فروعه من أصوله‪ .‬و ما لممم‬
‫تحصل هذه الملكة لم يكن الحذق فممي ذلممك الفممن المتنمماول‬
‫ل‪ .‬و هذه الملكة هي في غير الفهم و المموعي‪ .‬لنمما نجممد‬ ‫حاص ً‬
‫فهم المسألة الواحدة من الفن الواحد و وعيها مشممتركا ً بيممن‬
‫من شدا فممي ذلممك الفممن و بيممن مممن هممو مبتممدئ فيممه و بيممن‬
‫العامي الذي لم يعرف علما ً و بين العالم النحريممر‪ .‬و الملكممة‬
‫إنما هي للعممالم أو الشممادي فممي‪ .‬الفنممون دون مممن سممواهما‬
‫فدل على أن هذه الملكممة غيممر الفهممم و المموعي‪ .‬و الملكممات‬
‫كلها جسمانية سواء كانت في البدن أو في الدماغ من الفكر‬
‫و غيره كالحساب‪ .‬و الجسمانيات كلها محسوسة فتفتقر إلى‬
‫التعليم‪ .‬و لهذا كان السند في التعليم في كل علم أو صناعة‬
‫يفتقر إلى مشاهير المعلمين فيها معتبرا ً عند كل أهل أفممق و‬
‫جيممل‪ .‬و يممدل أيضمما ً علممى أن تعليممم العلممم صممناعة اختلف‬
‫الصطلحات فيه‪ .‬فلكل إمام من الئمممة المشمماهير اصممطلح‬
‫في التعليم يختص به شأن الصنائع كلهمما فممدل علممى أن ذلممك‬
‫الصطلح ليس من العلم‪ ،‬و إذ لو كان من العلم لكان واحدا ً‬
‫عند جميعهم‪ .‬أل ترى إلى علم الكلم كيف تخالف في تعليمه‬
‫اصطلح المتقدمين و المتأخرين و كممذا أصممول الفقممه و كممذا‬
‫العربية و كذا كل علم يتوجه إلى مطالعته تجد الصممطلحات‬
‫في تعليمه متخالفة فدل على أنهمما صممناعات فممي التعليممم‪ .‬و‬
‫العلم واحد في نفسه‪ .‬و إذا تقرر ذلك فاعلم أن سممند تعليممم‬
‫العلم لهذا العهد قد كاد ينقطع عمممن أهممل المغممرب بمماختلل‬
‫عمرانه و تناقص الدول فيه‪ .‬و ما يحدث عن ذلك مممن نقممص‬
‫الصنائع و فقدانها كما مر‪ .‬و ذلك أن القيروان و قرطبة كانتمما‬
‫حاضممرتي المغممرب و النممدلس و اسممتبحر عمرانهممما و كممان‬
‫فيهما للعلوم و الصنائع أسواق نافقة و بحور زاخرة‪ .‬و رسممخ‬
‫فيهممما التعليممم لمتممداد عصممورهما و ممما كممان فيهممما مممن‬
‫الحضارة‪ .‬فلما خربتا انقطع التعليم من المغرب إل قليل ً كان‬
‫في دولممة الموحممدين بمراكممش مسممتفادا ً منهمما‪ .‬و لممم ترسممخ‬
‫الحضارة بمراكش لبداوة الدولة الموحدية في أولهمما و قممرب‬
‫عهد انقراضها بمبدئها فلم تتصل أحوال الحضارة فيها إل في‬
‫القل‪ .‬و بعد انقراض الدولة بمراكش ارتحممل إلممى المشممرق‬
‫من أفريقية القاضممي أبممو القاسممم بممن زيتممون لعهممد أواسممط‬
‫المائة السابعة فأدرك تلميذ المام ابن الخطيب فأخممذ عنهممم‬
‫و لقن تعليمهم‪ .‬و حذق في العقليات و النقليات و رجممع إلممى‬
‫تممونس بعلممم كممثير و تعليممم حسممن‪ .‬و جمماء علممى أثممره مممن‬
‫المشرق أبو عبد الله بن شممعيب الممدكالي‪ .‬كممان ارتحممل إليممه‬
‫من المغرب فأخذ عممن مشمميخة مصممر و رجممع إلممى تممونس و‬
‫استقر بها و كان تعليمممه مفيممدا ً فأخممذ عنهممما أهممل تممونس‪ .‬و‬
‫اتصل سند تعليمهما في تلميذهما جيل ً بعد جيل حممتى انتهممى‬
‫إلى القاضي محمد بممن عبممد السمملم‪ .‬شممارح بممن الحمماجب و‬
‫تلميذه و انتقل مممن تممونس إلممى تلمسممان فممي ابممن المممام و‬
‫تلميذه‪ .‬فإنه قرأ مع ابن عبد السلم على مشيخة واحدة في‬
‫مجالس بأعيانها و تلميذ ابن عبد السلم بتونس و ابن المممام‬
‫بتلمسان لهذا العهد إل أنهم من القلة بحيث يخشممى انقطمماع‬
‫سندهم‪ .‬ثم ارتحل مممن زواوة فممي آخممر المممائة السممابعة أبممو‬
‫علي ناصممر الممدين المشممدالي و أدرك تلميممذ أبممي عمممرو بممن‬
‫الحاجب و أخذ عنهم و لقن تعليمهم‪ .‬و قرأ مع شهاب الممدين‬
‫القرافممي فممي مجممالس واحممدة و حممذق فممي العقليممات و‬
‫النقليات‪ .‬و رجع إلى المغرب بعلم كثير و تعليم مفيد‪ .‬و نزل‬
‫ببجاية و اتصل سند تعليمممه فممي طلبتهمما‪ .‬و ربممما انتقممل إلممى‬
‫تلمسممان عمممران المشممدالي مممن تلميممذه و أوطنهمما و بممث‬
‫طريقته فيها‪ .‬و تلميذه لهذا العهد ببجاية و تلمسممان قليممل أو‬
‫أقل من القليل‪ .‬و بقيت فاس و سائر أقطممار المغممرب خلمموا ً‬
‫من حسن التعليم من لدن انقراض تعليم قرطبة و القيممروان‬
‫و لم يتصل سند التعليم فيهم فعصر عليهم حصول الملكممة و‬
‫الحذق في العلوم‪ .‬و أيسر طرق هممذه الملكممة فتممق اللسممان‬
‫بالمحاورة و المناظرة في المسائل العلمية فهو الذي يقممرب‬
‫شأنها و يحصل مرامها‪ .‬فتجد طالب العلم منهممم بعممد ذهمماب‬
‫الكثير من أعمارهم في ملزمة المجممالس العلميممة سممكوتا ً ل‬
‫ينطقون و ل يفاوضون و عنايتهم بالحفظ أكممثر مممن الحاجممة‪.‬‬
‫فل يحصمملون علممى طممائل مممن ملكممة التصممرف فممي العلممم و‬
‫التعليم ثم بعد تحصمميل مممن يممرى منهممم أنممه قممد حصممل تجممد‬
‫ملكته قاصرة في علمه إن فاوض أو ناظر أو علم و ما أتاهم‬
‫القصور إل قبل التعليم و انقطاع سنده‪ .‬و إل فحفظهممم أبلممغ‬
‫من حفظ سواهم لشدة عنايتهم بممه‪ ،‬و ظنهممم أنممه المقصممود‬
‫من الملكة العلميمة و ليمس كمذلك‪ .‬و ممما يشمهد بمذلك فمي‬
‫المغرب أن المممدة المعينممة لسممكنى طلبممة العلممم بالمممدارس‬
‫عندهم ست عشرة سنة و هي بتونس خمس سممنين‪ .‬و هممذه‬
‫المدة بالمممدارس علممى المتعممارف هممي أقممل ممما يتممأتى فيهمما‬
‫لطالب العلم حصول مبتغاه من الملكة العلمية أو اليأس من‬
‫تحصيلها فطال أمدها في المغرب لهذه المدة لجل عسممرها‬
‫من قلة الجودة في التعليم خاصة ل مممما سمموى ذلممك‪ .‬و أممما‬
‫أهل الندلس فذهب رسم التعليم من بينهم و ذهبت عنممايتهم‬
‫بالعلوم لتناقص عمران المسلمين بها منذ مئين من السنين‪.‬‬
‫و لممم يبممق مممن رسممم العلممم فيهممم إل فممن العربيممة و الدب‪.‬‬
‫اقتصروا عليه و الحفظ سند تعليمه بينهم فانحفظ بحفظه‪ .‬و‬
‫أما الفقه بينهم فرسم خلو و أثر بعد عين‪ .‬و أما العقليات فل‬
‫أثر و ل عين‪ .‬و ما ذاك إل لنقطاع سند التعليم فيها بتنمماقص‬
‫العمران و تغلممب العممدو علممى عامتهمما إل قليل ً بسمميف البحممر‬
‫شغلهم بمعايشهم أكثر من شغلهم بمما بعمدها‪ .‬و اللمه غمالب‬
‫على أمره‪ .‬و أما المشرق فلم ينقطع سممند التعليممم فيممه بممل‬
‫أسواقه نافقة و بحمموره زاخممرة لتصممال العمممران الموفممور و‬
‫اتصال السند فيه‪ .‬و إن كانت المصممار العظيمممة الممتي كممانت‬
‫معادن العلم قد خربت مثل بغداد و البصممرة و الكوفممة إل أن‬
‫الله تعالى قممد أدال منهمما بأمصممار أعظممم مممن تلممك‪ .‬و انتقممل‬
‫العلم منها إلى عراق العجم بخراسان‪ ،‬و ممما وراء النهممر مممن‬
‫المشرق‪ ،‬ثم إلى القاهرة و ما إليها من المغممرب‪ ،‬فلممم تممزل‬
‫موفورة و عمرانهمما متصمل ً و سممند التعليممم بهمما قائممًا‪ .‬فأهممل‬
‫المشرق على الجملة أرسخ في صناعة تعليم العلم بل و في‬
‫سائر الصنائع‪ .‬حتى أنه ليظن كثير من رحالممة أهممل المغممرب‬
‫إلى المشرق في طلب العلم أن عقولهم على الجملة أكمممل‬
‫من عقول أهل المغممرب و أنهممم أشممد نباهممة و أعظممم كيسما ً‬
‫بفطرتهم الولى‪ .‬و أن نفوسهم الناطقة أكمل بفطرتهمما مممن‬
‫نفوس أهل المغرب‪ .‬و يعتقمدون التفماوت بيننمما و بينهمم فمي‬
‫حقيقة النسانية و يتشيعون لذلك و يولعون به لما يرون مممن‬
‫كيسهم في العلوم و الصنائع و ليس كذلك‪ .‬و ليس بين قطر‬
‫المشرق و المغرب تفاوت بهذا المقدار الذي هو تفاوت فممي‬
‫الحقيقممة الواحممدة اللهممم إل القمماليم المنحرفممة مثممل الول و‬
‫السابع فإن المزجة فيها منحرفة و النفوس على نسبتها كما‬
‫مر و إنما الذي فضل به أهل المشرق أهممل المغممرب هممو ممما‬
‫يحصل في النفس من آثار الحضارة من العقممل المزيممد كممما‬
‫تقدم في الصنائع‪ ،‬و نزيممده الن شممرحا ً و تحقيقمًا‪ .‬و ذلممك أن‬
‫الحضر لهممم آداب فممي أحمموالهم فممي المعمماش و المسممكن و‬
‫البناء و أمور الدين و الدنيا و كذا سائر أعمالهم و عاداتهم‪ .‬و‬
‫معاملتهم و جميع تصرفاتهم‪ .‬فلهم في ذلك كله آداب يوقف‬
‫عندها في جميع ما يتناولونه و يتلبسون بممه مممن أخممذ و تممرك‬
‫حتى كأنها حدود ل تتعدى‪ .‬و هي مع ذلك صنائع يتلقاها الخممر‬
‫عن الول منهم‪ .‬و ل شك أن كممل صممناعة مرتبممة يرجممع منهمما‬
‫إلى النفس أثر يكسبها عقل ً جديدا ً تستعد بممه لقبممول صممناعة‬
‫أخرى و يتهيأ بها العقل بسرعة الدراك للمعارف‪ .‬و لقد بلغنا‬
‫في تعليم الصنائع عن أهل مصمر غايمات ل تمدرك مثمل أنهممم‬
‫يعلمون الحمر النسية و الحيوانممات العجممم مممن الماشممي‪ ،‬و‬
‫الطممائر مفممردات مممن الكلم و الفعممال يسممتغرب نممدورها و‬
‫يعجز أهل المغممرب عممن فهمهمما فضمل ً عممن تعليمهمما و حسممن‬
‫الملكات في التعليم و الصنائع و سائر الحمموال العاديممة يزيممد‬
‫النسان ذكاء في عقله و إضاءة فممي فكممره بكممثرة الملكممات‬
‫الحاصلة للنفس‪ .‬إذ قدمنا أن النفس إنما تنشأ بالدراكممات‪ .‬و‬
‫ما يرجع إليها من الملكات فيزدادون بممذلك كيس ما ً لممما يرجممع‬
‫إلممى النفممس مممن الثممار العلميممة فيظنممه العممامي تفاوتما ً فممي‬
‫الحقيقة النسانية و ليس كذلك‪ .‬أل ترى إلى أهل الحضر مممع‬
‫أهممل البممدو كيممف تجممد الحضممري متحلي ما ً بالممذكاء ممتلئا ً مممن‬
‫الكيممس حممتى أن البممدوي ليظنممه أنممه قممد فمماته فممي حقيقممة‬
‫إنسممانيته و عقلممه و ليممس كممذلك‪ .‬و ممما ذاك إل لجممادته فممي‬
‫ملكات الصنائع و الداب في العوائد و الحوال الحضرية مممال‬
‫يعرفه البدوي‪ .‬فلما امتل الحضمري ممن الصمنائع و ملكاتهما و‬
‫حسن تعليمها ظن كل من قصر عن تلك الملكات أنها لكمال‬
‫في عقله و أن نفوس أهل البممدو قاصممرة بفطرتهمما و جبلتهمما‬
‫عن فطرته و ليس كذلك‪ .‬فإنا نجد من أهل البدو من هو في‬
‫أعلى رتبة من الفهم و الكمال في عقله و فطرته إنما الممذي‬
‫ظهر على أهل الحضر من ذلك هو رونممق الصممنائع و التعليممم‬
‫فإن لهما آثمارا ً ترجمع إلمى النفمس كممما قمدمناه‪ .‬و كمذا أهمل‬
‫المشرق لما كانوا في التعليم و الصنائع أرسخ رتبممة و أعلممى‬
‫قدما ً و كان أهل المغرب أقرب إلى البداوة لما قممدمناه فممي‬
‫الفصل قبل هذا ظن المغفلون فمي بمادئ الممرأي أنممه لكمممال‬
‫في حقيقة النسانية اختصوا به عن أهل المغرب و ليس ذلك‬
‫بصحيح فتفهمه و الله يزيممد فممي الخلممق ممما يشمماء و هممو إلممه‬
‫السموات و الرض‪.‬‬
‫الفصل الثالث في أن العلوم إنما تكممثر حيممث يكممثر‬
‫العمران و تعظم الحضارة‬
‫و السبب في ذلممك أن تعليممم العلممم كممما قممدمناه مممن جملممة‬
‫الصنائع‪ .‬و قد كنا قدمنا أن الصنائع إنما تكثر في المصممار‪ .‬و‬
‫على نسبة عمرانها في الكثرة و القلممة و الحضممارة و الممترف‬
‫تكون نسبة الصنائع في الجودة و الكثرة لنه أمممر زائد علممى‬
‫المعاش‪ .‬فمتى فضلت أعمممال أهممل العمممران عممن معاشممهم‬
‫انصممرفت إلممى ممما وراء المعمماش مممن التصممرف فممي خاصممية‬
‫النسان و هي العلوم و الصنائع‪ .‬و من تشمموف بفطرتممه إلممى‬
‫العلم ممن نشأ في القرى و المصار غيممر المتمدنممة فل يجممد‬
‫فيها التعليم الذي هو صناعي لفقدان الصنائع في أهل البممدو‪.‬‬
‫كما قدمناه و ل بد لممه مممن الرحلممة فممي طلبممه إلممى المصممار‬
‫المستبحرة شأن الصنائع كلها‪ .‬و اعتبر ما قررناه بحال بغداد‬
‫و قرطبة و القيممروان و البصممرة و الكوفممة لممما كممثر عمرانهمما‬
‫صدر السلم و استوت فيها الحضارة‪ .‬كيف زخرت فيها بحار‬
‫العلم و تفننمموا فممي اصممطلحات التعليممم و أصممناف العلمموم و‬
‫استنباط المسممائل و الفنممون حممتى أربمموا علممى المتقممدمين و‬
‫فمماتوا المتممأخرين‪ .‬و لممما تنمماقص عمرانهمما و ابممذعر سممكانها‬
‫انطمموى ذلممك البسمماط بممما عليممه جملممة‪ ،‬و فقممد العلممم بهمما و‬
‫التعليم‪ .‬و انتقل إلى غيرها من أمصار السمملم‪ .‬و نحممن لهممذا‬
‫العهد نرى أن العلم و التعليم إنما هو بالقاهرة من بلد مصممر‬
‫لما أن عمرانها مستبحر و حضارتها مستحكمة منذ آلف مممن‬
‫السمنين‪ ،‬فاسمتحكمت فيهما الصمنائع و تفننمت و ممن جملتهما‬
‫تعليم العلم‪ .‬و أكد ذلك فيها و حفظه ممما وقممع لهممذه العصممور‬
‫بها منذ مائتين من السنين في دولممة الممترك مممن أيممام صمملح‬
‫الممدين بممن أيمموب و هلممم جممرا‪ .‬و ذلممك أن أمممراء الممترك فممي‬
‫دولتهممم يخشممون عاديممة سمملطانهم علممى مممن يتخلفممونه مممن‬
‫ذريتهم لما له عليهم مممن الممرق أو الممولء و لممما يخشممى مممن‬
‫معمماطب الملممك و نكبمماته‪ .‬فاسممتكثروا مممن بنمماء المممدارس و‬
‫الزوايا و الربط و وقفوا عليها الوقاف المغلممة يجعلممون فيهمما‬
‫شركا ً لولدهم ينظر عليها أو يصيب منهمما ممع ممما فيهممم غالبما ً‬
‫مممن الجنمموح إلممى الخيممر و التممماس الجممور فممي المقاصممد و‬
‫الفعال‪ .‬فكثرت الوقاف لذلك و عظمت الغلت و الفمموائد و‬
‫كثر طالب العلم و معلمه بكثرة جرايتهم منها و ارتحممل إليهمما‬
‫الناس في طلب العلم مممن العممراق و المغممرب و نفقممت بهمما‬
‫أسواق العلوم و زخرت بحارها‪ .‬و الله يخلق ما يشاء‪.‬‬

‫الفصممل الرابممع فممي أصممناف العلمموم الواقعممة فممي‬


‫العمران لهذا العهد‬
‫اعلم أن العلوم الممتي يخمموض فيهمما البشممر و يتممداولونها فممي‬
‫المصار تحصيل ً و تعليم ما ً هممي علممى صممنفين‪ :‬صممنف طممبيعي‬
‫للنسان يهتدي إليه بفكره‪ ،‬و صنف نقلي يأخذه عمن وضعه‪.‬‬
‫و الول هي العلوم الحكمية الفلسفية و همي المتي يمكمن أن‬
‫يقف عليها النسان بطبيعة فكره و يهتدي بمممداركه البشممرية‬
‫إلى موضوعاتها و مسائلها و أنحاء براهينهمما و وجمموه تعليمهمما‬
‫حتى يقفه نظره و يحثه على الصمواب ممن الخطمأ فيهما ممن‬
‫حيث هو إنسان ذو فكر‪ .‬و الثاني هي العلوم النقلية الوضعية‬
‫و هي كلها مسممتندة إلممى الخممبر عممن الواضممع الشممرعي‪ .‬و ل‬
‫مجال فيها للعقل إل في إلحاق الفروع من مسائلها بالصول‬
‫لن الجزئيات الحادثة المتعاقبة ل تندرج تحممت النقممل الكلممي‬
‫بمجرد وضعه فتحتاج إلى اللحماق بموجه قياسممي‪ .‬إل أن هممذا‬
‫القياس يتفرع عن الخبر بثبوت الحكم في الصل و هو نقلممي‬
‫فرجممع هممذا القيمماس إلممى النقممل لتفرعممه عنممه‪ .‬و أصممل هممذه‬
‫العلوم النقلية كلها هي الشرعيات من الكتاب و السنة الممتي‬
‫هي مشروعة لنا من اللممه و رسمموله و ممما يتعلممق بممذلك مممن‬
‫العلوم التي تهيئوها للفادة‪ .‬ثممم يسممتتبع ذلممك علمموم اللسممان‬
‫العربي الذي هو لسان الملة و به نزل القرآن‪ .‬و أصناف هذه‬
‫العلوم النقلية كثيرة لن المكلف يجب عليه أن يعرف أحكام‬
‫الله تعالى المفروضة عليه و على أبناء جنسه و هي مممأخوذة‬
‫من الكتاب و السنه بالنص أو بالجماع أو باللحاق فل بد من‬
‫النظر بالكتاب ببيان ألفاظه أول ً و هذا هو علممم التفسممير ثممم‬
‫بإسناد نقله و روايته إلى النبي صلى الله عليه و سمملم الممذي‬
‫جاء به من عند الله و اختلف روايممات القممراء فممي قراءتممه و‬
‫هذا هو علم القراءات ثم بإسناد السنة إلى صمماحبها و الكلم‬
‫في الممرواة النمماقلين لهمما و معرفممة أحمموالهم وعممدالتهم ليقممع‬
‫الوثوق بأخبارهم بعلم ما يجب العمل بمقتضمماه مممن ذلممك‪ ،‬و‬
‫هذه هي علوم الحديث‪ .‬ثم ل بد فمي اسمتنباط همذه الحكمام‬
‫من أصولها من وجه قانوني يفيد العلم بكيفية هذا السممتنباط‬
‫و هذا هو أصممول الفقممه‪ .‬و بعممد هممذا تحصممل الثمممرة بمعرفممة‬
‫أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين و هذا هو الفقه‪ .‬ثم أن‬
‫التكاليف منها بدني‪ ،‬و منها قلبي‪ ،‬و هممو المختممص باليمممان و‬
‫ما يجب أن يعتقد مما ل يعتقد‪ .‬و هذه هممي العقممائد اليمانيممة‬
‫في الذات و الصممفات و أمممور الحشممر و النعيممم و العممذاب و‬
‫القدر‪ .‬و الحجاج عن هذه بالدلة العقلية هو علممم الكلم‪ .‬ثممم‬
‫النظر في القرآن و الحديث ل بد أن تتقدمه العلوم اللسممانية‬
‫لنه متوقف عليها و هممي أصممناف‪ .‬فمنهمما علممم اللغممة و علممم‬
‫النحو و علم البيان و علم الداب حسبما نتكلم عليها‪ .‬و هممذه‬
‫العلوم النقليممة كلهمما مختصممة بالملممة السمملمية و أهلهمما و إن‬
‫كانت كل ملة على الجملممة ل بممد فيهمما مممن مثممل ذلممك فهممي‬
‫مشاركة لها في الجنس البعيد من حيث أنها العلوم الشرعية‬
‫المنزلة من عند الله تعالى على صاحب الشريعة المبلغ لهمما‪.‬‬
‫و أما على الخصوص فمباينة لجميع الملل لنها ناسخة لها‪ .‬و‬
‫كل ما قبلها من علوم الملل فمهجورة و النظر فيها محظور‪.‬‬
‫فقد نهى الشرع عن النظر في الكتب المنزلممة غيممر القممرآن‪.‬‬
‫قمال صمملى اللمه عليممه و سملم‪ :‬ل تصمدقوا أهممل الكتمماب و ل‬
‫تكذبوهم و قولوا آمنا بالذي‬
‫أنزل علينا و أنزل إليكم و إلهنمما و إلهكممم واحممد و رأى النممبي‬
‫صلى الله عليه و سلم في يد عمر رضي الله عنه ورقة مممن‬
‫التوراة فغضب حتى تبين الغضممب فممي وجهممه ثممم قممال‪ :‬ألممم‬
‫آتكم بها بيضاء نقية ؟ و الله لو كان موسى حيا ً ما وسممعه إل‬
‫أتباعي‪ .‬ثم إن هذه العلوم الشرعية قد نفقممت أسممواقها فممي‬
‫هذه الملة بما ل مزيد عليه و انتهممت فيهمما مممدارك النمماظرين‬
‫إلى الغاية التي ل شيء فوقها و هذبت الصطلحات و رتبممت‬
‫الفنون فجاءت من وراء الغاية في الحسن و التنميق‪ .‬و كممان‬
‫لكل فن رجال يرجع إليهم فيه و أوضاع يستفاد منها التعليممم‪.‬‬
‫و اختص المشرق من ذلك و المغرب بممما هممو مشممهور منهمما‬
‫حسبما نذكره الن عند تعديد هذه الفنون‪ .‬و قد كسدت لهممذا‬
‫العهد أسواق العلم بالمغرب لتناقص العمران فيممه و انقطمماع‬
‫سند العلم و التعليم كما قدمناه في الفصل قبله‪ .‬و ممما أدري‬
‫ما فعل الله بالمشرق و الظن به نفمماق العلممم فيممه و اتصممال‬
‫التعليم في العلوم و في سائر الصنائع الضممرورية و الكماليممة‬
‫لكممثرة عمرانممه و الحضممارة و وجممود العانممة لطممالب العلممم‬
‫بالجرايممة مممن الوقمماف الممتي اتسممعت بهمما أرزاقهممم‪ .‬و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى هو الفعال لما يريد و بيده التوفيق و العانة‪.‬‬

‫الفصل الخامس في علوم القممرآن مممن التفسممير و‬


‫القراءات‬
‫القرآن هو كلم الله المنزل علممى نممبيه المكتمموب بيممن دفممتي‬
‫المصحف‪ .‬و هو متواتر بيممن المممة إل أن الصممحابة رووه عممن‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم على طرق مختلفيممن فممي‬
‫بعض ألفاظه و كيفيات الحروف في أدائهمما‪ .‬و تنوقممل ذلممك و‬
‫اشتهر إلى أن استقرت منها سممبع طممرق معينممة تممواتر نقلهمما‬
‫أيضا ً بأدائها و اختصت بالنتساب إلى من اشتهر بروايتها مممن‬
‫الجم الغفير فصارت هذه القراءات السبع أصممول ً للقممراءة‪ .‬و‬
‫ربما زيد بعد ذلك قراءات أخر لحقت بالسبع إل أنها عند أئمة‬
‫القراءة ل تقوى قوتهمما فممي النقممل‪ .‬و هممذه القممراءات السممبع‬
‫معروفة في كتبها‪ .‬و قد خالف بعض الناس في تواتر طرقهمما‬
‫لنها عندهم كيفيات للداء و هممو غيممر منضممبط‪ .‬و ليممس ذلممك‬
‫عندهم بقادح في تواتر القرآن‪ .‬و أباه الكثر و قالوا بتواترهمما‬
‫و قال آخرون بتواتر غير الداء منها كالمممد و التسممهيل لعممدم‬
‫الوقوف على كيفيته بالسمع و هو الصحيح‪ .‬و لم يزل القممراء‬
‫يتداولون هممذه القممراءات و روايتهمما إلممى أن كتبممت العلمموم و‬
‫دونممت فكتبممت فيممما كتممب مممن العلمموم و صممارت صممناعة‬
‫مخصوصممة و علممما ً منفممردا ً و تنمماقله النمماس بالمشممرق و‬
‫الندلس في جيل بعممد جيممل‪ .‬إلممى أن ملممك بشممرق النممدلس‬
‫مجاهد من موالي العامريين و كان معتنيا ً بهذا الفن من بيممن‬
‫فنون القرآن لما أخذه به موله المنصممور بممن أبممي العممامر و‬
‫اجتهد في تعليمه و عرضه علممى مممن كممان مممن أئمممة القممراء‬
‫بحضرته فكان سهمه في ذلممك وافممرًا‪ .‬و اختممص مجاهممد بعممد‬
‫ذلممك بإمممارة دانيممة و الجممزائر الشممرقية فنفقممت بهمما سمموق‬
‫القراءة لما كان هو من أئمتها و بما كان له من العناية بسائر‬
‫العلوم عموما ً و بالقراءات خصوصًا‪ .‬فظهر لعهده أبممو عمممرو‬
‫الداني و بلغ الغاية فيها و وقفت عليه معرفتها‪ .‬و انتهت إلممى‬
‫روايته أسانيدها و تعددت تآليفه فيها‪ .‬و عول النمماس عليهمما و‬
‫عدلوا عن غيرها و اعتمدوا من بينهمما كتمماب التيسممير لممه‪ .‬ثممم‬
‫ظهر بعد ذلك فبما يليه من العصور و الجيال أبو القاسم بن‬
‫فيره من أهل شاطبة فعمد إلى تهذيب ما دونه أ بو عمممرو و‬
‫تلخيصه فنظم ذلك كله في قصيدة لغممز فيهمما أسممماء القممراء‬
‫بحروف ا ب ج د ترتيبا ً أحكمه ليتيسممر عليممه ممما قصممده مممن‬
‫الختصار و ليكون أسممهل للحفممظ لجممل نظمهمما‪ .‬فاسممتوعب‬
‫فيها الفممن اسممتيعابا ً حسممنا ً و غنمي النمماس بحفظهمما و تلقينهمما‬
‫للولممدان المتعلميممن و جممرى العمممل علممى ذلممك فممي أمصممار‬
‫المغرب و الندلس‪ .‬و ربممما أضمميف إلممى فممن القممراءات فممن‬
‫الرسم أيضا ً و هي أوضمماع حممروف القممرآن فممي المصممحف و‬
‫رسومه الخطية لن فيه حروفا ً كثيرة وقع رسمممها علممى غيممر‬
‫المعروف من قياس الخممط كزيممادة اليمماء فممي بأييممد و زيممادة‬
‫اللف في ل أذبحنه و ل أوضعوا و الواو في جزاؤ الظالمين و‬
‫حذف اللفات في مواضممع دون أخممرى و ممما رسممم فيممه مممن‬
‫التاءات ممدودًا‪ .‬و الصل فيه مربوط على شكل الهاء و غير‬
‫ذلك و قد مر تعليل هممذا الرسممم المصممحفي عنممد الكلم فممي‬
‫الخط‪ .‬فلممما جمماءت هممذه المخالفممة لوضمماع الخممط و قممانونه‬
‫احتيج إلى حصرها‪ ،‬فكتب الناس فيهمما أيضما ً عنممد كتبهممم فممي‬
‫العلوم‪ .‬و انتهممت بممالمغرب إلممى أبممي عمممر الممداني المممذكور‬
‫فكتب فيها كتبا ً من أشهرها‪ :‬كتاب المقنع و أخذ بممه النمماس و‬
‫عولمموا عليممه‪ .‬و نظمممه أبممو القاسممم الشمماطبي فممي قصمميدته‬
‫المشهورة على روي الممراء و ولممع النمماس بحفظهمما‪ .‬ثممم كممثر‬
‫الخلف في الرسم في كلمات و حممروف أخممرى‪ ،‬ذكرهمما أبممو‬
‫داود سليمان بن نجاح من موالي مجاهد في كتبمه و همو ممن‬
‫تلميذ أبي عمرو الممداني و المشممتهر بحمممل علممومه و روايممة‬
‫كتبه ثم نقل بعده خلف آخممر فنظممم الممرزاز مممن المتممأخرين‬
‫بالمغرب أرجوزة أخرى زاد فيها على المقنممع خلفما ً كممثيرًا‪ ،‬و‬
‫عزاه لنمماقليه‪ .‬و اشممتهرت بممالمغرب‪ ،‬و اقتصممر النمماس علممى‬
‫حفظها‪ .‬و هجروا بها كتب أبي داود و أبي عمرو و الشمماطبي‬
‫في الرسم‪.‬‬
‫و أما التفسير‪ :‬فمماعلم أن القممرآن نممزل بلغممة العممرب و علممى‬
‫أساليب بلغتهم فكانوا كلهم يفهمونه و يعلمممون معممانيه فممي‬
‫مفرداته و تراكيبه‪ .‬و كان ينزل جمل ً جمل ً و آيات آيات لبيممان‬
‫التوحيد و الفروض الدينية بحسب الوقائع‪ .‬و منها ما هممو فممي‬
‫العقائد اليمانية‪ ،‬و منها ما هو في أحكام الجوارح‪ ،‬و منها ممما‬
‫يتقدم و منها ما يتأخر و يكون ناسخا ً له‪ .‬و كممان النممبي صمملى‬
‫الله عليه و سمملم هممو المممبين لممذلك كممما قممال تعممالى‪ :‬لتممبين‬
‫للناس ما نزل إليهم فكان النبي صلى الله عليه و سلم يممبين‬
‫المجمممل و يميممز الناسممخ مممن المنسمموخ و يعرفممه أصممحابه‬
‫فعرفوه و عرفوا سبب نزول اليممات و مقتضممى الحممال منهمما‬
‫منقول ً عنه‪ .‬كما علم من قمموله تعممالى‪ :‬إذا جمماء نصممر اللممه و‬
‫الفتح إنها نعي النبي صلى الله عليه و سمملم و أمثممال ذلممك و‬
‫نقل ذلك عن الصحابة رضوان الله تعالى عليهممم أجمعيممن‪ .‬و‬
‫تداول ذلك التابعون من بعدهم و نقل ذلك عنهم‪ .‬و لممم يممزل‬
‫متناقل ً بيممن الصممدر الول و السمملف حممتى صممارت المعممارف‬
‫علوما ً و دونت الكتب فكتب الكممثير مممن ذلممك و نقلممت الثممار‬
‫الواردة فيه عن الصحابة و التابعين و انتهى ذلك إلى الطبري‬
‫و الواقدي و الثعالبي و أمثال ذلك من المفسرين فكتبوا فيه‬
‫ما شاء الله أن يكتبوه من الثممار‪ .‬ثممم صممارت علمموم اللسممان‬
‫صناعية من الكلم في موضوعات اللغة و أحكممام العممراب و‬
‫البلغة فممي الممتراكيب فوضممعت الممدواوين فممي ذلممك بعممد أن‬
‫كممانت ملكممات للعممرب ل يرجممع فيهمما إلممى نقممل و ل كتمماب‬
‫فتنوسي ذلك و صارت تتلقى من كتب أهل اللسممان‪ .‬فاحتيممج‬
‫إلى ذلك في تفسير القرآن لنه بلسان العرب و على منهمماج‬
‫بلغتهم‪ .‬و صار التفسير علممى صممنفين‪ :‬تفسممير نقلممي مسممند‬
‫إلممى الثممار المنقولممة عممن السمملف و هممي معرفممة الناسممخ و‬
‫المنسمموخ و أسممباب النممزول و مقاصممد الي‪ .‬و كممل ذلممك ل‬
‫يعممرف إل بالنقممل عممن الصممحابة‪ .‬و التممابعين‪ .‬و قممد جمممع‬
‫المتقممدمون فممي ذلممك و أوعمموا‪ ،‬إل أن كتبهممم و منقممولتهم‬
‫تشممتمل علممى الغممث و السمممين و المقبممول و المممردود‪ .‬و‬
‫السبب في ذلك أن العرب لم يكونوا أهممل كتمماب و ل علممم و‬
‫إنما غلبت عليهم البداوة و المية‪ .‬و إذا تشوقوا إلممى معرفممة‬
‫شمميء مممما تتشمموق إليممه النفمموس البشممرية فممي أسممباب‬
‫المكونات و بدء الخليقة و أسرار الوجود فإنما يسممألون عنممه‬
‫أهل الكتاب قبلهم و يستفيدونه منهم و هم أهل التمموراة مممن‬
‫اليهود و من تبع دينهم من النصارى‪ .‬و أهل التوراة الذين بين‬
‫العرب يومئذ بادية مثلهم و ل يعرفون من ذلك إل ممما تعرفممه‬
‫العامة من أهل الكتاب و معظمهممم مممن حميممر الممذين أخممذوا‬
‫بدين اليهودية‪ .‬فلما أسلموا بقوا على ما كان عنممدهم مممما ل‬
‫تعلق له بالحكام الشرعية التي يحتاطون لها مثل أخبار بممدء‬
‫الخليقة و ما يرجع إلى الحممدثان و الملحممم و أمثممال ذلممك‪ .‬و‬
‫هؤلء مثل كعب الحبار و وهب بن منبه و عبد الله بن سمملم‬
‫و أمثممالهم‪ .‬فممامتلت التفاسممير مممن المنقممولت عنممدهم فممي‬
‫أمثال هذه الغراض أخبار موقوفة عليهم و ليست مما يرجممع‬
‫إلى الحكام فيتحرى فممي الصممحة الممتي يجممب بهمما العمممل‪ .‬و‬
‫تساهل المفسرون في مثل ذلك و ملوا كتب التفسير بهممذه‬
‫المنقممولت‪ .‬و أصمملها كممما قلنمماه عممن أهممل التمموراة الممذين‬
‫يسكنون البادية‪ ،‬و ل تحقيق عندهم بمعرفة ممما ينقلممونه مممن‬
‫ذلك إل أنهم بعد صيتهم و عظمت أقدارهم‪ .‬لممما كممانوا عليممه‬
‫من المقامات في الدين و الملة‪ ،‬فتلقيت بالقبول من يومئذ‪.‬‬
‫فلما رجع الناس إلى التحقيق و التمحيممص و جمماء أبممو محمممد‬
‫بن عطية من المتأخرين بالمغرب فلخص تلك التفاسير كلهمما‬
‫و تحرى ما هو أقرب إلى الصحة منها و وضع ذلك في كتمماب‬
‫متداول بين أهل المغرب و الندلس حسممن المنحممى‪ .‬و تبعممه‬
‫القرطبي في تلك الطريقة على منهاج و احد في كتمماب آخممر‬
‫مشهور بالمشرق‪.‬‬
‫و الصنف الخر من التفسير و هو ما يرجع إلممى اللسممان مممن‬
‫معرفة اللغة و العراب و البلغة فممي تأديممة المعنممى بحسممب‬
‫المقاصممد و السمماليب‪ .‬و هممذا الصممنف مممن التفسممير قممل أن‬
‫ينفرد عن الول إذ الول هو المقصود بالذات‪ .‬و إنما جاء هذا‬
‫بعد أن صار اللسان و علومه صناعة‪ .‬نعم قد يكون في بعض‬
‫التفاسير غالبا ً و من أحسن ما اشممتمل عليممه هممذا الفممن مممن‬
‫التفاسممير كتمماب الكشمماف للزمخشممري مممن أهممل خمموارزم‬
‫العراق إل أن مؤلفه مممن أهممل العممتزال فممي العقممائد فيممأتي‬
‫بالحجمماج علممى مممذاهبهم الفاسممدة حيممث تعممرض لممه فممي آي‬
‫القرآن من طممرق البلغممة‪ .‬فصممار ذلمك للمحققيممن مممن أهممل‬
‫السممنة انحممراف عنممه و تحممذير للجمهممور مممن مكممامنه مممع‬
‫إقرارهم برسوخ قممدمه فيممما يتعلممق باللسممان و البلغممة و إذا‬
‫كان الناظر فيه واقفا ً مع ذلك على المذاهب السنية محسممنا ً‬
‫للحجاج عنها فل جرم إنه مأمون من غوائله فلتغتنم مطالعته‬
‫لغرابة فنونه في اللسان‪ .‬و لقد وصل إلينا في هممذه العصممور‬
‫تأليف لبعض العراقيين و هو شرف الدين الطيببي مممن أهممل‬
‫توريز من عراق العجم شممرح فيممه كتمماب الزمخشممري هممذا و‬
‫تتبع ألفاظه و تعرض لمممذاهبه فممي العممتزال بأدلممة تزيفهمما و‬
‫يبين أن البلغة إنما تقع في الية على ما يراه أهممل السممنة ل‬
‫على ما يراه المعتزلة فأحسن في ذلك ممما شمماء مممع إمتمماعه‬
‫في سائر فنون البلغة و فوق كل ذي علم عليم‪.‬‬

‫الفصل السادس في علوم الحديث‬


‫و أما علوم الحديث فهي كثيرة و متنوعة لن منهمما ممما ينظممر‬
‫في ناسخه و منسوخه و ذلك بما ثبت في شريعتنا من جممواز‬
‫النسخ و وقوعه لطفا ً من الله بعباده و تخفيفا ً عنهممم باعتبممار‬
‫مصالحهم التي تكفل الله لهم بها‪ .‬قال تعالى ممما ننسممخ مممن‬
‫آيممة أو ننسممها نممأت بخيممر منهمما أو مثلهمما و معرفممة الناسممخ و‬
‫المنسوخ و إن كان عاقا ً للقرآن و الحممديث إل إن الممذي فممي‬
‫القرآن منه اندرج في تفاسيره و بقي ما كان خاصا ً بالحديث‬
‫راجعا ً إلى علومه‪ .‬فإذا تعممارض الخممبران بممالنفي و الثبممات و‬
‫تعذر الجمع بينهما ببعض التأويل و علممم تقممدم أحممدهما تعيممن‬
‫إن المتأخر ناسخ‪ .‬و معرفة الناسخ و المنسوخ من أهم علوم‬
‫الحديث و أصعبها‪ .‬قال الزهري‪ :‬أعيا الفقهمماء و أعجزهممم إن‬
‫يعرفوا ناسخ حديث رسول الله صلى الله عليممه و سمملم مممن‬
‫منسوخه‪ .‬و كان للشافعي رضي الله عنه فيه قدم راسخة‪ .‬و‬
‫من علوم الحاديث النظممر فممي السممانيد و معرفممة ممما يجممب‬
‫العمل به من الحاديث بوقوعه على السند الكامل الشممروط‬
‫لن العمل إنما وجب بما يغلب على الظن صدقه مممن أخبممار‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم فيجتهد في الطريق الممتي‬
‫تحصممل ذلممك الظممن و هممو بمعرفممة رواة الحممديث بالعدالممة و‬
‫الضبط‪ .‬و إنما يثبت ذلك بالعقل عن أعلم الدين لتعممديلهم و‬
‫براءتهممم مممن الجممرح و الغفلممة و يكممون لنمما ذلممك دليل ً علممى‬
‫القبول و الترك‪ .‬و كذلك مراتب هؤلء النقلة مممن الصممحابة و‬
‫التابعين و تفاوتهم في ذلممك و تميزهممم فيممه واحممدا ً واحممدًا‪ .‬و‬
‫كذلك السانيد تتفاوت باتصالها و انقطاعها بأن يكون الراوي‬
‫لم يلق الراوي الذي نقل عنه و بسلمتها من العلممل الموهنممة‬
‫لها و تنتهي بالتفاوت إلى طرفين فحكم بقبممول العلممى و رد‬
‫السفل‪ .‬و يختلف في المتوسط بحسب المنقممول عممن أئمممة‬
‫الشأن‪ .‬و لهم في ذلك‪ ،‬ألفاظ اصطلحوا علممى وضممعها لهممذه‬
‫المراتممب المرتبممة‪ .‬مثممل الصممحيح و الحسممن و الضممعيف و‬
‫المرسممل و المنقطممع و المعضممل و الشمماذ و الغريممب‪ ،‬و غيممر‬
‫ذلك من ألقابه المتداولة بينهم‪ .‬و بوبوا على كل واحد منها و‬
‫نقلوا ما فيه من الخلف لئمة اللسان أو الوفمماق‪ .‬ثممم النظممر‬
‫في كيفية أخذ الرواية بعضهم عممن بعممض بقممراءة أو كتابممة أو‬
‫مناولة أو إجازة و تفاوت رتبهمما و ممما للعلممماء فممي ذلممك مممن‬
‫الخلف بالقبول و الرد‪ .‬ثم اتبعوا ذلك بكلم فممي ألفمماظ تقممع‬
‫في متون الحديث من غريب أو مشكل أو تصحيف أو مفترق‬
‫منها أو مختلف و ما يناسب ذلك‪ .‬هممذا معظممم ممما ينظممر فيممه‬
‫أهل الحديث و غالبه و كانت أحوال نقلة الحديث في عصممور‬
‫السلف من الصحابة و التابعين معروفة عند أهل بلده فمنهم‬
‫بالحجاز و منهم بالبصرة و الكوفة من العراق و منهم بالشام‬
‫و مصر و الجميع معروفون مشهورون في أعصارهم و كانت‬
‫طريقة أهل الحجاز في أعصارهم فممي السممانيد أعلممى ممممن‬
‫سواهم و امتن في الصحة لستبدادهم في شروط النقل من‬
‫العدالة و الضبط و تجافيهم عن قبممول المجهممول الحممال فممي‬
‫ذلك و سند الطريقة الحجازية بعد السلف المام مالك عممالم‬
‫المدينة رضي الله تعالى عنه ثم أصحابه مثممل المممام محمممد‬
‫بن إدريس الشافعي رضي الله تعالى عنه‪ ،‬و ابن وهب و ابن‬
‫بكير و القصممنبي و محمممد بممن الحسممن و مممن بعممدهم المممام‬
‫أحمممد بممن حنبممل و فممي آخريممن مممن أمثمما لهممم‪ .‬و كممان علممم‬
‫الشريعة في مبدإ هذا المر نقل ً صممرفا ً شمممر لهمما السمملف و‬
‫تحروا الصحيح حتى أكملوها‪ .‬و كتب مالك رحمممه اللممه كتمماب‬
‫الموطأ أودعه أصول الحكممام مممن الصممحيح المتفممق عليممه و‬
‫رتبممه علممى أبممواب الفقممه‪ .‬ثممم عنممي الحممافظ بمعرفممة طممرق‬
‫الحاديث و أسانيدها المختلفة‪ .‬و ربما يقع إسناد الحديث من‬
‫طرق متعددة عن رواة مختلفين و قد يقع الحديث أيضما ً فممي‬
‫أبواب متعددة باختلف المعمماني الممتي اشممتمل عليهمما‪ .‬و جمماء‬
‫محمممد بممن إسممماعيل البخمماري إمممام المحممدثين فممي عصممره‬
‫فخرج أحاديث السنة على أبوابها في مسنده الصحيح بجميممع‬
‫الطرق الممتي للحجممازيين و العراقييممن و الشمماميين‪ .‬و اعتمممد‬
‫منها ما أجمعوا عليممه دون ممما اختلفمموا فيممه و كممرر الحمماديث‬
‫يسوقها في كل باب بمعنى ذلك الباب الذي تضمنه الحممديث‬
‫فتكررت لذلك أحاديثه حممتى يقمال‪ :‬إنممه اشممتمل علممى تسممعة‬
‫آلف حديث و مائتين‪ .‬منها ثلثة آلف متكررة و فرق الطرق‬
‫و السانيد عليها مختلفة في كل باب‪ .‬ثم جمماء المممام مسمملم‬
‫بممن الحجمماج القشمميري رحمممه اللممه تعممالى فممألف مسممنده‬
‫الصحيح‪ .‬حذا فيمه حمذو البخماري‪ .‬فمي نقمل المجممع عليمه و‬
‫حذف المتكرر منها و جمممع الطممرق و السممانيد و بمموبه علممى‬
‫أبواب الفقه و تراجمه‪ .‬و مع ذلك فلم يستوعبا الصحيح كلممه‪.‬‬
‫و قد اسممتدرك النمماس عليهممما فممي ذلممك‪ .‬ثممم كتممب أبممو داود‬
‫السجسممتاني و أبممو عيسممى الترمممذي و أبممو عبممد الرحمممن‬
‫النسائي في السنن بأوسع من الصحيح و قصدوا ممما تمموفرت‬
‫فيه شروط العمل إما من الرتبة العاليممة فممي السممانيد و هممو‬
‫الصحيح كما هو معرف و إما من الممذي دونممه مممن الحسممن و‬
‫غيره ليكون ذلك إماما ً للسنة و العمل‪ .‬و هذه هممي المسممانيد‬
‫المشهورة في الملة و هي أمهات كتب الحممديث فممي السممنة‬
‫فإنها و إن تعددت ترجع إلى هذه في الغلب‪ .‬و معرفممة هممذه‬
‫الشروط و الصطلحات كلها هي علم الحمديث و ربمما يفمرد‬
‫عنها الناسخ و المنسوخ فيجعل فنا ً برأسممه و كممذا الغريممب‪ .‬و‬
‫للناس فيه تمآليف مشممهورة ثمم المؤتلمف و المختلممف‪ .‬و قمد‬
‫ألف الناس في علوم الحديث و أكثروا‪ .‬و من فحول علمممائه‬
‫و أئمتهم أبو عبد اللممه الحمماكم و تممآليفه فيممه مشممهورة و هممو‬
‫الذي هذبه و أظهر محاسنه‪ .‬و أشممهر كتمماب للمتممأخرين فيممه‬
‫كتاب أبي عمرو بن الصلح كان لعهد أوائل المائة السممابعة و‬
‫تله محيممي الممدين النممووي بمثممل ذلممك‪ .‬و الفممن شممريف فممي‬
‫مغزاه لنه معرفة ما يحفظ به السنن المنقولة عممن صمماحب‬
‫الشريعة‪ .‬و قد انقطع لهذا العهد تخريج شيء مممن الحمماديث‬
‫و استدراكها على المتقدمين إذ العادة تشهد بأن هؤلء الئمة‬
‫على تعددهم و تلحممق عصممورهم و كفممايتهم و اجتهممادهم لممم‬
‫يكونوا ليغفلوا شمميئا ً مممن السممنة أو يممتركوه حممتى يعممثر عليممه‬
‫المتأخر هذا بعيد عنهم و إنما تنصرف العناية لهذا العهد إلممى‬
‫تصحيح المهات المكتوبة و ضبطها بالزوايممة عممن مصممنفيها و‬
‫النظر في أسانيدها إلى مؤلفها و عرض ذلك علممى ممما تقممرر‬
‫في علم الحممديث مممن الشممروط و الحكممام لتتصممل السممانيد‬
‫محكمة إلى منتهاها‪ .‬و لم يزيدوا في ذلك على العنايممة بممأكثر‬
‫من هذه المهات الخمس إل في القليل‪ .‬فأما البخمماري و هممو‬
‫أعلها رتبة فاستصعب الناس شرحه و استغلقوا منحمماه مممن‬
‫أجل ما يحتاج إليه من معرفة الطرق المتعددة و رجالها مممن‬
‫أهل الحجاز و الشام و العممراق و معرفممة أحمموالهم و اختلف‬
‫الناس فيهم‪ .‬و لذلك يحتاج إلى إمعان النظر في التفقه فممي‬
‫تراجمه لنه يممترجم الترجمممة و يممورد فيهمما الحممديث بسممند أو‬
‫طريق ثم يترجم أخرى و يورد فيها ذلممك الحممديث بعينممه لممما‬
‫تضمنه من المعنى الذي ترجم به الباب‪ .‬و كذلك في ترجمممة‬
‫و ترجمة إلى أن يتكممرر الحممديث فممي أبممواب كممثيرة بحسممب‬
‫معانيه و اختلفها و من شرحه و لممم يسممتوف هممذا فيممه فلممم‬
‫يوف حق الشرح كابن بطممال و ابممن المهلممب و ابممن الممتين و‬
‫نحوهم‪ .‬و لقد سمعت كثيرا ً من شيوخنا رحمهم الله يقولون‪:‬‬
‫شرح كتمماب البخمماري ديممن علممى المممة يعنممون أن أحممدا ً مممن‬
‫علماء المة لم يوف ما يجب له من الشرح بهممذا العتبممار‪ .‬و‬
‫أما صحيح مسلم فكممثرت عنايممة علممماء المغممرب بممه و أكبمموا‬
‫عليه و أجمعوا علممى تفصمميله علمى كتماب البخمماري ممن غيممر‬
‫الصحيح مما لم يكممن علممى شممرطه و أكممثر ممما وقممع لممه فممي‬
‫التراجم‪ .‬و أملى المممام المممارزي مممن فقهمماء المالكيممة عليممه‬
‫شرحا ً و سماه المعلم بفوائد مسلم اشتمل على عيممون مممن‬
‫علم الحديث و فنون من الفقه ثم أكمله القاضي عياض مممن‬
‫بعده و تممه و سماه إكمممال المعلممم و تلهممما محيممي الممدين‬
‫النووي بشرع استوفى ممما فممي الكتممابين و زاد عليهممما فجمماء‬
‫شرحا ً وافيًا‪ .‬و أما كتب السنن الخممرى و فيهمما معظممم مآخممذ‬
‫الفقهاء فممأكثر شممرحها فممي كتممب الفقممه إل ممما يختممص بعلممم‬
‫الحديث فكتب الناس عليها و استوفوا من ذلك ما يحتاج إليه‬
‫من علم الحديث و موضوعاتها و السانيد التي اشتملت على‬
‫الحاديث المعمول بها من السممنة‪ .‬و اعلممم أن الحمماديث قممد‬
‫تميزت مراتبها لهذا العهممد بيممن صممحيح و حسممن و ضممعيف و‬
‫معلول و غيرها تنزلها أئمة الحممديث و جهابممذته و عرفوهمما‪ .‬و‬
‫لم يغب طريق في تصممحيح ممما يصممح مممن قبممل‪ .‬و لقممد كممان‬
‫الئمة فممي الحممديث يعرفممون الحمماديث بطرقهمما و أسممانيدها‬
‫بحيث لو روي حديث بغير سنده و طريقه يفطنممون إلممى أنممه‬
‫قلممب عممن وضممعه و لقممد وقممع مثممل ذلممك للمممام محمممد بممن‬
‫إسماعيل البخاري حيممن ورد علممى بغممداد و قصممد المحممدثون‬
‫امتحانه فسألوه عن أحاديث قبلوا أسانيدها فقممال‪ :‬ل أعممرف‬
‫هذه و لكن حدثني فلن‪ .‬ثم أتى بجميمع تلمك الحمماديث علمى‬
‫الوضع الصحيح و رد كل متن إلى سنده و أقروا له بالمامممة‪.‬‬
‫و اعلم أيضا ً أن الئمة المجتهدين تفاوتوا في الكثار من هذه‬
‫الصناعة و القلل فأبو حنيفممة رضممي اللممه تعممالى عنممه يقممال‬
‫بلغت روايته إلى سنة عشممر حممديثا ً أو نحوهمما و مالممك رحمممه‬
‫الله إنما صح عنده ما في كتاب الموطأ و غايتها ثلثمائة حديثا ً‬
‫أو نحوها‪ .‬و أحمد بممن حنبممل رحمممه اللممه تعممالى فمي مسممنده‬
‫خمسون ألف حديث و لكل ما أداه إليه اجتهاده فممي ذلممك‪ .‬و‬
‫قد تقول بعض المبغضين المتعسفين إلى أن منهم مممن كممان‬
‫قليل البضاعة في الحديث فلهذا قلت روايته‪ .‬و ل سبيل إلممى‬
‫هذا المعتقممد فممي كبممار الئمممة لن الشممريعة إنممما تؤخممذ مممن‬
‫الكتمماب و السممنة‪ .‬و مممن كممان قليممل البضمماعة مممن الحممديث‬
‫فيتعين عليه طلبه و روايته و الجد و التشمير في ذلك ليأخممذ‬
‫الدين عن أصول صحيحة و يتلقى الحكام عن صاحبها المبلغ‬
‫لها‪ .‬و إنما قلل منهم من قلل الروايمة لجمل المطماعن المتي‬
‫تعترضه فيها و العلل التي تعرض في طرقها سمميما و الجممرح‬
‫مقدم عند الكثر فيؤديه الجتهاد إلى ترك الخممذ بممما يعممرض‬
‫مثل ذلك فيممه مممن الحمماديث و طممرق السممانيد و يكممثر ذلممك‬
‫فتقل روايته لضعف في الطرق‪ .‬هذا مع أن أهل الحجاز أكثر‬
‫رواية للحممديث مممن أهممل العممراق لن المدينممة دار الهجممرة و‬
‫مأوى الصحابة و من انتقل منهممم إلممى العممراق كممان شممغلهم‬
‫بالجهاد أكثر‪ .‬و المام أبو حنيفة إنممما قلممت روايتممه لممما شممدد‬
‫في شروط الرواية و التحمل و ضعف رواية الحديث اليقينممي‬
‫إذا عارضها الفعممل النفسممي‪ .‬و قلممت مممن أجلهمما روايممة فقممل‬
‫حديثه‪ .‬لنه ترك رواية الحديث متعمدا ً فحاشمماه مممن ذلممك‪ .‬و‬
‫يدل على أنه من كبار المجتهدين فممي علممم الحممديث اعتممماد‬
‫ل‪ .‬و أما غيره‬‫مذهبه بينهم و التعويل عليه و اعتباره ردا ً و قبو ً‬
‫من المحدثين و هم الجمهور فتوسممعوا فممي الشممروط و كممثر‬
‫حديثهم و الكل عن اجتهاد و قد توسع أصحابه من بعممده فممي‬
‫الشروط و كثرت روايتهم‪ .‬و روى الطحطاوي فممأكثر و كتممب‬
‫مسممنده و هممو جليممل القممدر إل أنممه ل يعممدل الصممحيحين لن‬
‫الشروط التي اعتمدها البخاري و مسلم في كتابيهممما مجمممع‬
‫عليها بين المة كما قالوه‪ .‬و شروط الطحطمماوي غيمر متفممق‬
‫عليهمما كالروايممة عممن المسممتور الحممال و غيممره فلهممذا قممدم‬
‫الصحيحان بل و كتب السنن المعروفة عليممه لتممأخر شممروطه‬
‫عن شروطهم‪ .‬و من أجل هذا قيل في الصممحيحين بالجممماع‬
‫على قبولهما مممن جهممة الجممماع علممى صممحة ممما فيهممما مممن‬
‫الشروط المتفق عليها‪ .‬فل تأخذك ريبة في ذلك فالقوم أحق‬
‫الناس بالفن الجميل بهم و التماس المخارج الصممحيحة لهممم‪.‬‬
‫و الله سبحانه و تعالى أعلم بما في حقائق المور‪.‬‬

‫الفصممل السممابع فممي علممم الفقممه و ممما يتبعممه مممن‬


‫الفرائض‬
‫الفقه معرفة أحكام الله تعالى في أفعال المكلفين بالوجوب‬
‫و الحممذر و النممدب و الكراهممة و الباحممة و هممي متلقمماة مممن‬
‫الكتاب و السنة و ما نصبه الشارع لمعرفتها من الدلممة فممإذا‬
‫اسممتخرجت الحكممام مممن تلممك الدلممة قيممل لهمما فقممه‪ .‬و كممان‬
‫السلف يستخرجونها من تلك الدلة على اختلف فيما بينهممم‪.‬‬
‫و ل بد من وقوعه ضرورة‪ .‬فإن الدلة غالبها من النصمموص و‬
‫هي بلغة العرب و في اقتضاءات ألفاظها لكثير من معانيها و‬
‫خصوصا ً الحكممام الشممرعية اختلف بينهممم معممروف‪ .‬و أيض ما ً‬
‫فالسنة مختلفممة الطممرق فممي الثبمموت و تتعممارض فممي الكممثر‬
‫أحكامها فتحتاج إلى الترجيح و هو مختلف أيضًا‪ .‬فالدلممة مممن‬
‫غير النصوص مختلف فيها و أيضا ً فالوقائع المتجددة ل تمموفى‬
‫بها النصوص‪ .‬و ما كان منها غير ظاهر في النصمموص فيحكممم‬
‫على المنصوص لمشابهة بينهما و هذه كلها إشممارات للخلف‬
‫ضرورية الوقائع‪ .‬و من هنا وقع الخلف بين السلف و الئمممة‬
‫من بعدهم‪ .‬ثم إن الصحابة كلهم لم يكونوا أهل فتيا و ل كان‬
‫الدين يؤخذ عن جميعهم‪ .‬و إنما كان ذلممك مختصما ً بالحمماملين‬
‫للقرآن العارفين بناسخه و منسوخه و متشممابهه و محكمممه و‬
‫سائر دللته بما تلقوه من النممبي صمملى اللممه عليممه و سمملم أو‬
‫ممن سمعه منهم و من عليتهم‪ .‬و كانوا يسمون لذلك القراء‬
‫أي الذين يقرأون الكتاب لن العرب كانوا أمة أمية‪ .‬فمماختص‬
‫من كان منهم قارئا ً للكتاب بهذا السم لغرابته يومئذ‪ .‬و بقممي‬
‫المر كذلك صدر الملة‪ .‬ثم عظمت أمصممار السمملم و ذهبممت‬
‫المية من العرب بممارسة الكتاب و تمكن الستنباط و كمل‬
‫الفقه و أصبح صناعة و علما ً فبدلوا باسم الفقهمماء و العلممماء‬
‫من القراء‪ .‬و انقسم الفقه فيهم إلى طريقتين‪ :‬طريقممة أهممل‬
‫الرأي و القياس و هم أهل العراق و طريقمة أهمل الحمديث و‬
‫هم أهل الحجاز‪ .‬و كان الحممديث قليل ً فممي أهممل العممراق لممما‬
‫قدمناه فاستكثروا من القياس و مهروا فيه فلذلك قيل أهممل‬
‫الرأي‪ .‬و مقدم جممماعتهم الممذي اسممتقر المممذهب فيممه و فممي‬
‫أصممحابه أبممو حنيفممة و إمممام أهممل الحجمماز مالممك بممن أنممس و‬
‫الشافعي من بعده‪ .‬ثم أنكممر القيمماس طائفممة مممن العلممماء و‬
‫أبطلموا العممل بمه و همم الظاهريمة‪ .‬و جعلموا الممدارك كلهما‬
‫منحصرة فممي النصمموص و الجممماع و ردوا القيمماس الجلممي و‬
‫العلة المنصوصة إلى النص‪ ،‬لن النص على العلة نممص علممى‬
‫الحكيم في جميع محالها‪ .‬و كان إمام هممذا المممذهب داود بممن‬
‫علي و ابنه و أصحابهما‪ .‬و كممانت هممذه المممذاهب الثلثممة هممي‬
‫مممذاهب الجمهممور المشمتهرة بيمن الممة‪ .‬و شمذ أهمل المبيت‬
‫بمذاهب ابتدعوها و فقه انفردوا به و بنوه على مذهبهم فممي‬
‫تناول بعض الصحابة بالقدح‪ ،‬و على قممولهم بعصمممة الئمممة و‬
‫رفع الخلف عن أقوالهم و هي كلها أصول واهية و شذ بمثل‬
‫ذلك الخمموارج و لممم يحتفممل الجمهممور بمممذاهبهم بممل أوسممعها‬
‫جممانب النكممار و القممدح‪ .‬فل نعممرف شمميئا ً مممن مممذاهبهم و ل‬
‫نروي كتبهم و ل أثممر بشمميء منهمما إل فممي مممواطنهم‪ .‬فكتممب‬
‫الشيعة في بلدهم و حيث كانت دولتهم قائمة في المغرب و‬
‫المشممرق و اليمممن و الخمموارج كممذلك‪ .‬و لكممل منهممم كتممب و‬
‫تآليف و آراء في الفقه غريبة‪ .‬ثم درس مذهب أهممل الظمماهر‬
‫اليوم بدروس أئمته و إنكار الجمهور على منتحلممه و لممم يبممق‬
‫إل الكتب المجلممدة و ربممما يعكممف كممثير مممن الطممالبين ممممن‬
‫تكلف بانتحال مذهبهم على تلك الكتب يروم أخذ فقههم منها‬
‫و مذهيهم فل يخلو بطممائل و يصممير إلممى مخالفممة الجمهممور و‬
‫إنكارهم عليه و ربما عد بهممذه النحلممة مممن أهممل البممدع بنقلممه‬
‫العلم من الكتب من غير مفتاح المعلميممن‪ .‬و قممد فعممل ذلممك‬
‫ابن حزم بالندلس على علو رتبته في حفظ الحممديث و صممار‬
‫إلممى مممذهب أهممل الظمماهر و مهممر فيممه باجتهمماد زعمممه فممي‬
‫أقوالهم‪ .‬و خممالف إمممامهم داود و تعممرض للكممثير مممن الئمممة‬
‫المسلمين فنقم الناس ذلك عليه و أوسعوا مذهبه اسممتهجانا ً‬
‫و إنكارًا‪ ،‬و تلقوا كتبه بالغفال و الترك حتى إنها ليحصر بيعها‬
‫بالسواق و ربما تمزق في بعض الحيان‪ .‬و لم يبق إل مذهب‬
‫أهل الرأي من العراق و أهل الحديث من الحجاز‪ .‬فأممما أهممل‬
‫العراق فإمامهم الممذي اسممتقرت عنممده مممذاهبهم أبممو حنيفممة‬
‫النعمان بن ثابت و مقامه في الفقه ل يلحق شممهد لممه بممذلك‬
‫أهل جلده و خصوصا ً مالممك و الشممافعي‪ .‬و أممما أهممل الحجمماز‬
‫فكممال إمممامهم مالمك ابمن أنمس الصمبحي إممام دار الهجمرة‬
‫رحمه الله تعالى و اختممص بزيممادة مممدرك آخممر للحكممام غيممر‬
‫المدارك المعتبرة عند غيره و هو عمل أهل المدينة لنه رأى‬
‫أنهم فيما ينفسون عليه من فعل أو ترك متابعون لمن قبلهم‬
‫ضرورة لمدينهم و اقتمدائهم‪ .‬و هكممذا إلمى الجبمل المباشمرين‬
‫لفعل النبي صلى الله عليه و سلم الخذين ذلك عنممه و صممار‬
‫ذلك عنده من أصول الدلممة الشممرعية‪ .‬و ظممن كممثير أن ذلممك‬
‫من مسائل الجماع فأنكره لن دليممل الجممماع ل يخمص أهمل‬
‫المدينة من سواهم بل هو شامل للمة‪ .‬و اعلممم أن الجممماع‬
‫إنما هو التفاق على المر الديني عن اجتهاد‪ .‬و مالممك رحمممه‬
‫الله تعالى لم يعتير عمل أهل المدينة من هذا المعنى و إنممما‬
‫اعتبره من حيث اتباع الجيل بالمشاهدة للجيل إلى أن ينتهي‬
‫إلى الشارع صلوات الله و سلمه عليه‪ .‬و ضممرورة اقتممدائهم‬
‫بعين ذلك يعم الملة ذكرت في بمماب الجممماع و البممواب بهمما‬
‫من حيث ما فيها من التفاق الجامع بينها و بيممن الجممماع‪ .‬إل‬
‫أن اتفاق أهل الجماع عن نظر و اجتهاد فممي الدلممة و اتفمماق‬
‫هؤلء في فعل أو ترك مستندين إلى مشاهدة مممن قبلهممم‪ .‬و‬
‫لو ذكرت المسألة في باب فعل النبي صلى الله عليه و سلم‬
‫و تقريره أو مع الدلة المختلف فيها مثل مممذهب الصممحابي و‬
‫شرع من قبلنا و الستصحاب لكان أليق بها ثم كان مممن بعممد‬
‫مالك بن أنس محمد بن إدريس المطلبي الشممافعي رحمهممم‬
‫االله تعالى‪ .‬رحل إلى العممراق مممن بعممد مالممك و لممه أصممحاب‬
‫المام أبي حنيفة و أخممذ عنهممم و مممزج طريقممة أهممل الحجمماز‬
‫بطريقة أهل العراق و اختص بمذهب‪ ،‬و خممالف مالكما ً رحمممه‬
‫الله تعالى في كثير من مذهبه‪ .‬و جاء من بعممدهما أحمممد بممن‬
‫حنبل رحمه الله‪ .‬و كان مممن عليممة المحممدثين و قممرأ أصممحابه‬
‫علممى أصممحاب المممام أبممي حنيفممة مممع وفممور بضمماعتهم مممن‬
‫الحديث فاختصوا بمذهب آخر‪ .‬و وقف التقليممد فممي المصممار‬
‫عنممد هممؤلء الربعممة و درس المقلمدون لمممن سمواهم‪ .‬و سممد‬
‫الناس باب الخلف و طرقه لما كثر تشعب الصطلحات في‬
‫العلوم‪ .‬و لممما عمماق عممن الوصممول إلممى رتبممة الجتهمماد و لممما‬
‫خشي من إسناد ذلك إلى غير أهله و من ل يوثممق برأيممه و ل‬
‫بممدينه فصممرحوا بممالعجز و العممواز و ردوا النمماس إلممى تقليممد‬
‫هؤلء كل من اختص به من المقلممدين‪ .‬و حظممروا أن يتممداول‬
‫تقليدهم لما فيه من التلعب و لممم يبممق إل نقممل مممذاهبهم‪ .‬و‬
‫عمل كل فقلد بمذهب من قلده منهم بعد تصحيح الصممول و‬
‫اتصال سندها بالرواية ل محصممول اليمموم للفقممه غيممر هممذا‪ .‬و‬
‫مدعي الجتهاد لهذا العهد مردود على عقبه مهجور تقليممده و‬
‫قد صار أهل السلم اليوم على تقليد هممؤلء الئمممة الربعممة‪.‬‬
‫فأما أحمد بن حنبل فمقلده قليل لبعد مذهبه عممن الجتهمماد و‬
‫أصالته في معاضدة الرواية و للخبار بعضها ببعض‪ .‬و أكثرهم‬
‫بالشام و العراق من بغداد و نواحيها و هم أكثر الناس حفظا ً‬
‫للسنة و رواية الحديث و ميل ً بالستنباط إليه عن القياس ممما‬
‫أمكن‪ .‬و كان لهم ببغداد صولة و كثرة حممتى كممانوا يتواقعممون‬
‫مع الشيعة في نواحيها‪ .‬و عظمت الفتنممة ممن أجمل ذلمك ثمم‬
‫انقطع ذلك عند اسممتيلء التممتر عليهمما‪ .‬و لممم يراجممع و صممارت‬
‫كثرتهم بالشام‪ .‬و أما أبو حنيفة فقلده اليمموم أهممل العممراق و‬
‫مسلمة الهند و الصين و ما وراء النهر و بلد العجممم كلهمما‪ ..‬و‬
‫لما كان ممذهبه أخمص بمالعراق و دار السملم و كمان تلميمذه‬
‫صحابة الخلفاء من بني العباس فكثرت تممآليفه و منمماظراتهم‬
‫مع الشافعية و حسنت مباحثهم في الخلفيات‪ .‬و جاءوا منهمما‬
‫بعلم مستظرف و أنظار غريبممة و هممبى بيممن أيممدي النمماس‪ .‬و‬
‫بالمغرب منها شيء قليل نقله إليه القاضي بن العربي و أبممو‬
‫الوليد الباجي في رحلتهما‪ .‬و أما الشممافعي فمقلممدوه بمصممر‬
‫أكثر مما سواها و قد كان انتشر مذهبه بالعراق و خراسان و‬
‫ما وراء النهر و قاسموا الحنفية في الفتوى و التممدريس فممي‬
‫جميع المصار‪ .‬و عظمت مجالس المناظرات بينهم و شحنت‬
‫كتممب الخلفيممات بممأنواع اسممتدللتهم‪ .‬ثممم درس ذلممك كلممه‬
‫بدروس المشرق و أقطاره‪ .‬و كان المام محمد بممن إدريممس‬
‫الشافعي لممما نممزل علممى بنممي عبممد الحكممم بمصممر أخممذ عنممه‬
‫جماعة منهم‪ .‬و كان مممن تلميممذه بهمما‪ :‬البممويطي و المزنممي و‬
‫غيرهم‪ ،‬و كان بها من المالكية جماعة من بني عبد الحكممم و‬
‫أشهب و ابن القاسم و ابن المواز و غيرهم ثم الحممارس بممن‬
‫مسكين و بنوه ثم القاضي أبو إسممحق بممن شممعبان و أو لده‪.‬‬
‫ثم انقرض فقه أهل السنة من مصر بظهور دولة الرافضممة و‬
‫تداول بها فقه أهل البيت و تلشى من سواهم و ارتحل إليها‬
‫القاضي عبد الوهاب من بغداد‪ .‬آخر المممائة الرابعممة علممى ممما‬
‫أعلممم‪ ،‬مممن الحاجممة و التقليممب فممي المعمماش‪ .‬فتممأذن خلفمماء‬
‫العبيديين بإكرامه‪ ،‬و إظهار فضله نعيا ً على بني العبمماس فممي‬
‫إطراح مثل هذا المام‪ ،‬و الغتباط به‪ .‬فنفقت سوق المالكية‬
‫ل‪ ،‬إلى أن ذهبت دولة العبيديين من الرافضة علممى‬ ‫بمصر قلي ً‬
‫يد صلح الدين يوسف بن أيوب فذهب منها فقه أهممل الممبيت‬
‫و عاد فقممه الجماعمة إلمى الظهممور بينهممم و رجمع إليهممم فقمه‬
‫الشممافعي و أصممحابه مممن أهممل العممراق و الشممام فعمماد إلممى‬
‫أحسن ما كان و نفقت سمموقه و اشممتهر منهممم محيممي الممدين‬
‫النووي من الحلبة التي ربيت في ظل الدولة اليوبية بالشممام‬
‫و عز الدين بن عبد السلم أيضًا‪ .‬ثم ابن الرقعة بمصر و تقي‬
‫الدين بن دقيق العيد ثم تقي الدين السبكي بعممدهما إلممى أن‬
‫انتهى ذلك إلى شيخ السلم بمصر لهممذا العهممد و هممو سممراج‬
‫الدين البلقيني فهو اليوم أكبر الشافعية بمصممر كممبير العلممماء‬
‫بل أكبر العلماء من أهل العصر‪ .‬و أما مالك رحمه الله تعالى‬
‫فاختص بمذهبه أهل المغرب و الندلس‪ .‬و إن كان يوجد في‬
‫غيرهم إل أنهم لم يقلدوا غيره إل في القليل لما أن رحلتهممم‬
‫كانت غالبا ً إلى الحجاز و هو منتهى سفرهم‪ .‬و المدينة يومئذ‬
‫دار العلم و منها خممرج إلممى العممراق و لممم يكممن العممراق فممي‬
‫طريقهم فاقتصروا عن الخذ عن علممماء المدينممة‪ .‬و شمميخهم‬
‫يومئذ و إمامهم مالك و شيوخه من قبله و تلميذه من بعممده‪.‬‬
‫فرجع إليه أهل المغرب و الندلس و قلممدوه دون غيممر ممممن‬
‫لم تصل إليهم طريقتممه‪ .‬و أيضما ً فالبممداوة كممانت غالبممة علممى‬
‫أهل المغرب و الندلس و لم يكونمموا يعممانون الحضممارة الممتي‬
‫لهل العراق فكانوا إلى أهل الحجاز أميل لمناسبة البداوة‪ ،‬و‬
‫لهذا لم يزل المذهب المالكي غضا ً عندهم‪ ،‬و لم يأخذه تنقيح‬
‫الحضارة و تهذيبها كما وقع فممي غيممره مممن المممذاهب‪ .‬و لممما‬
‫صار مذهب كل إمام علما ً مخصوصا ً عنممد أهممل مممذهبه و لممم‬
‫يكن لهم سبيل إلى الجتهاد و القياس فاحتمماجوا إلممى تنظيممر‬
‫المسائل في اللحاق و تفريقهمما عنممد الشممتباه بعممد السممتناد‬
‫إلى الصول المقررة من مذاهب إمممامهم‪ .‬و صممار ذلممك كلممه‬
‫يحتمماج إلممى ملكممة راسممخة يقتممدر بهمما علممى ذلممك النمموع مممن‬
‫التنظيمممر أو التفرقمممة و اتبممماع ممممذهب إممممامهم فيهمممما مممما‬
‫استطاعوا‪ .‬و هذه الملكة هي علم الفقه لهممذا العهممد‪ .‬و أهممل‬
‫المغرب جميعا ً مقلدون لمالك رحمه الله‪ .‬و قد كممان تلميممذه‬
‫افممترقوا بمصممر و العممراق‪ .‬فكممان بممالعراق منهممم القاضممي‬
‫إسممماعيل و طبقتممه مثممل ابممن خممويز منممداد و ابممن اللبممان و‬
‫القاضي و أبي بكر البهري و القاضي أبي حسين بن القصممار‬
‫و القاضممي عبممد الوهمماب و مممن بعممدهم‪ .‬و كممان بمصممر ابممن‬
‫القاسم و أشهب و ابن عبد الحكم و الحممارث بممن مسممكين و‬
‫طبقتهم و رحل من الندلس يحيى بن يحيممى الليممثي‪ ،‬و لقممي‬
‫مالكًا‪ .‬و روى عنه كتاب الموطأ‪ ،‬و كان من جملة أصممحابه‪ .‬و‬
‫رحل بعده عبد الملممك بممن حممبيب فأخممذ عممن ابممن القاسممم و‬
‫طبقته و بممث مممذهب مالممك فممي النممدلس و دون فيممه كتمماب‬
‫الواضحة‪ .‬ثم دون العتبي من تلمذته كتمماب العتبيممة‪ .‬و رحممل‬
‫من أفريقية أسد بن الفرات فكتب عن أصممحاب أبممي حنيفممة‬
‫ل‪ .‬ثم انتقل إلى مذهب مالك‪ .‬و كتب على ابن القاسم في‬ ‫أو ً‬
‫سممائر أبممواب الفقممه و جمماء إلممى القيممروان بكتممابه و سمممي‬
‫السدية نسبة إلى أسد بن الفرات‪ ،‬فقممرأ بهمما سممحنون علممى‬
‫أسد ثم ارتحل إلى المشرق و لقي ابن القاسم و أخذ عنمه و‬
‫عارضممه بمسممائل السممدية فرجممع عممن كممثير منهمما‪ .‬و كتممب‬
‫سحنون مسائلها و دونها و أثبممت ممما رجممع عنممه منهمما و كتممب‬
‫لسد و أن يأخذ بكتاب سحنون فأنف من ذلك فممترك النمماس‬
‫كتابه و اتبعوا مدونة سحنون على ممما كممان فيهمما مممن اختلط‬
‫المسائل في البواب فكانت تسمى المدونممة و المختلطممة‪ .‬و‬
‫عكف أهل القيروان على هذه المدونة و أهل النممدلس علممى‬
‫الواضممحة و العتبيممة‪ .‬ثممم اختصممر ابممن أبممي زيممد المدونممة و‬
‫المختلطة في كتابه المسمممى بالمختصممر و لخصممه أيضما ً أبممو‬
‫سممعيد الممبرادعي مممن فقهمماء القيممروان فممي كتممابه المسمممى‬
‫بالتهذيب و اعتمده المشيخة من أهل أفريقيممة و أخممذوا بممه و‬
‫تركوا ما سواه‪ .‬و كذلك اعتمد أهل الندلس كتمماب العتبيممة و‬
‫هجممروا الواضممحة و ممما سممواها‪ .‬و لممم تممزل علممماء المممذهب‬
‫يتعاهدون هذه المهممات بالشممرح و اليضمماح و الجمممع فكتممب‬
‫أهل أفريقية على المدونة ما شمماء اللممه أن يكتبمموا مثممل ابممن‬
‫يممونس و اللخمممي و ابممن محممرز التونسممي و ابممن بشممير و‬
‫أمثالهم‪ .‬و كتب أهل الندلس علممى العتبيممة ممما شمماء اللممه أن‬
‫يكتبوا مثل ابن رشد و أمثاله‪ .‬و جمع ابن أ بي زيد جميممع ممما‬
‫فممي المهممات مممن المسممائل و الخلف و القمموال فممي كتمماب‬
‫النوادر فاشتمل على جميع أقوال المممذاهب و فممرع المهممات‬
‫كلها في هذا الكتاب و نقل ابن يونس معظمه في كتابه على‬
‫المدونة و زخرت بحممار المممذهب المممالكي فممي الفقيممن إلممى‬
‫انقممراض دولممة قرطبممة و القيممروان‪ .‬ثممم تمسممك بهممما أهممل‬
‫المغرب بعد ذلك إلى أن جاء كتاب أبممي عمممرو بممن الحمماجب‬
‫لخص فيه طرق أهل المذهب في كل بمماب و تعديممد أقمموالهم‬
‫في كل مسئلة فجاء كالبرنامممج للمممذهب‪ .‬و كممانت الطريقممة‬
‫المالكية بقيت في مصر من لدن الحارث بن مسممكين و ابممن‬
‫المبشر و ابن اللهيث و ابن الرشمميق و ابممن شمماس‪ .‬و كممانت‬
‫بالسكندرية في بني عوف و بني سممند و ابممن عطمماء اللممه‪ .‬و‬
‫لم أدر عمممن أخممذها أبممو عمممرو بممن الحمماجب لكنممه جماء بعممد‬
‫انقراض دولممة العبيممديين و ذهمماب فقممه أهممل الممبيت و ظهممور‬
‫فقهاء السنة من الشافعية و المالكيممة و لمما جماء كتمابه إلمى‬
‫المغرب آخر المممائة السممابعة عكممف عليممه الكممثير مممن طلبممة‬
‫المغرب و خصوصا ً أهل بجاية لممما كممان كممبير مشمميختهم أبممو‬
‫علي ناصر الدين الزواوي هو الذي جلبه إلممى المغممرب‪ .‬فممإنه‬
‫كان قرأ على أصحابه بمصر و نسخ مختصره ذلك فجاء بممه و‬
‫انتشر بقطممر بجايممة فممي تلميممذه‪ ،‬و منهممم انتقممل إلممى سممائر‬
‫المصار المغربية و طلبة الفقه بالمغرب لهذا العهد يتداولون‬
‫قراءته و يتدارسونه لممما يممؤثر عممن الشمميخ ناصممر الممدين مممن‬
‫الترغيب فيه‪ .‬و قد شرحه جماعة مممن شمميوخهم‪ :‬كممابن عبممد‬
‫السلم و ابن رشد و أبي هممارون و كلهممم مممن مشمميخة أهممل‬
‫تونس و سابق حلبتهم في الجادة في ذلك ابن عبممد السمملم‬
‫و هم مع ذلك يتعاهدون كتاب التهذيب في دروسممهم‪ .‬و اللممه‬
‫يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬

‫الفصل الثامن في علم الفرائض‬


‫و هو معرفة فروض الوراثممة و تصممحيح سممهام الفريضممة مممما‬
‫تصح‪ ،‬باعتباره فروضها الصول أو مناسختها‪ .‬و ذلك إذا هلممك‬
‫أحد الورثة و انكسرت سهامه على فروض ورثته فممإنه حينئذ‬
‫يحتاج إلى حسب تصحيح الفريضممة الولممى حممتى يصممل أهممل‬
‫الفروض جميعا ً في الفريضتين إلى فروضهم من غير تجزئة‪.‬‬
‫و قد تكون هذه المناسخات أكثر مممن واحممد و اثنيممن و تتعممدد‬
‫لذلك بعدد أكثر‪ .‬و يقدر ما تحتاج إلممى الحسممبان و كممذلك إذا‬
‫كانت فريضة ذات وجهين مثل أن يقر بعض الورثة بمموارث و‬
‫ينكممره الخممر فتصممحح علممى المموجهين حينئذ‪ .‬و ينظممر مبلممغ‬
‫السهام ثم تقسم التركة على نسب سهام الورثممة مممن أصممل‬
‫الفريضة‪ .‬و كل ذلك يحتاج إلى الحسبان و كممان غالب ما ً فيممه و‬
‫جعلوه فنا ً مفردًا‪ .‬و للنمماس فيممه تممآليف كممثيرة أشممهرها عنممد‬
‫المالكية مممن متممأخري النممدلس كتمماب ابممن ثممابت و مختصممر‬
‫القاضي أبممي القاسممم الحمموفي ثممم الجعممدي و مممن متممأخري‬
‫أفريقية ابن النمر الطرابلسي و أمثممالهم‪ .‬و أممما الشممافعية و‬
‫الحنفية و الحنابلة فلهم فيه تممآليف كممثيرة و أعمممال عظيمممة‬
‫صممعبة شمماهدة لهممم باتسمماع البمماع فممي الفقممه و الحسمماب و‬
‫خصوصا ً أبا المعالي رضي الله تعالى عنه و أمثمماله مممن أهممل‬
‫المذاهب و هو فن شريف لجمعه بين المعقول و المنقممول و‬
‫الوصول به إلى الحقوق في الوراثات بوجوه صممحيحة يقينيممة‬
‫عندما تجهل الحظوظ و تشممكل علممى القاسمممين‪ .‬و للعلممماء‬
‫من أهل المصار بها عناية‪ .‬و من المصنفين مممن يحتمماج فيهمما‬
‫إلى الغلو في الحسمماب و فممرض المسممائل الممتي تحتمماج إلمى‬
‫استخراج المجهولت من فنون الحساب كالجبر و المقابلممة و‬
‫التصرف في الجذور و أمثال ذلك فيملون بها تآليفهم‪ .‬و هممو‬
‫و إن لم يكن متداول ً بين الناس و ل يفيد فيما يتممداولونه مممن‬
‫وراثتهم لغرابته و قلممة وقمموعه فهممو يفيممد المممران و تحصمميل‬
‫الملكة في المتداول على أكمل الوجمموه‪ .‬و قممد يحتممج الكممثر‬
‫من أهل هذا الفن علممى فضممله بالحممديث المنقممول عممن أبممي‬
‫هريرة رضي الله عنه أن الفرائض ثلث العلمم و أنهما أول ممما‬
‫ينسى و في رواية نصممف العلممم خرجممه أبممو نعيممم الحممافظ و‬
‫احتج به أهل الفرائض بناء على أن المراد بالفرائض فممروض‬
‫الوراثممة‪ .‬و الممذي يظهممر أن هممذا المحممل بعيممد و أن المممراد‬
‫بالفرائض إنما هي الفرائض التكليفية في العبادات و العادات‬
‫و المممواريث و غيرهمما و بهممذا المعنممى يصممح فيهمما النصممفية و‬
‫الثلثية‪ .‬و إما فروض الوراثة فهي أقل من ذلك كلممه بالنسممبة‬
‫إلممى علممم الشممريعة كلهمما يعنممي هممذا المممراد أن حمممل لفممظ‬
‫الفرائض علممى هممذا الفممن المخصمموص أو تخصيصممه بفممروض‬
‫الوراثة إنما هو اصطلح ناشئ للفقهاء عند حممدوث الفنممون و‬
‫الصطلحات‪ .‬و لما يكن صممدر السمملم يطلممق علممى هممذا إل‬
‫على علممومه مشممتقا ً مممن الفممرض الممذي هممو لغممة التقممدير أو‬
‫القطع‪ .‬و ما كان المراد به في إطلقه إل جميع الفروض كما‬
‫قلناه و هي حقيقته الشرعية فل ينبغي‪ .‬أن يحمل إل على ما‬
‫كممان يحمممل فممي عصممرهم فهممو أليممق بمرادهممم منممه‪ .‬و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل التاسع في أصول الفقه و ما يتعلق به مممن‬


‫الجدل و الخلفيات‬
‫إعلم أن أصول الفقه مممن أعظممم العلمموم الشممرعية و أجلهمما‬
‫قدرا ً و أكثرها فممائدة و هممو النظممر فممي الدلممة الشممرعية مممن‬
‫حيث تؤخذ منها الحكام و التآليف‪ .‬و أصول الدلممة الشممرعية‬
‫هي الكتاب الذي هو القرآن ثم السنة المبينة له‪ .‬فعلى عهممد‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم كممانت الحكممام تتلقممى منممه بممما‬
‫يوحى إليه من القرآن و بينه بقوله و فعله بخطاب شفاهي ل‬
‫يحتاج إلى نقل و ل إلى نظر و قيمماس‪ .‬و مممن بعممده صمملوات‬
‫الله و سلمه عليه تعذر الخطاب الشفاهي و انحفظ القممرآن‬
‫بالتواتر‪ .‬و أممما السممنة فممأجمع الصممحابة رضمموان اللممه تعممالى‬
‫عليهم على وجوب العمل بممما يصممل إلينمما منهمما قممول ً أو فعل ً‬
‫بالنقل الصحيح الذي يغلب على الظن صدقه‪ .‬و تعينت دللممة‬
‫الشرع في الكتاب و السنة بهممذا العتبممار ثممم ينممزل الجممماع‬
‫منزلتهما لجماع الصحابة علممى النكيممر علممى مخممالفيهم‪ .‬و ل‬
‫يكون ذلك إل عن مستند لن مثلهم ل يتفقون من غيممر دليممل‬
‫ثابت مع شهادة الدلة بعصمة الجماعممة فصممار الجممماع دليل ً‬
‫ثابتا ً في الشرعيات‪ .‬ثم نظرنا في طرق استدلل الصممحابة و‬
‫السلف بالكتاب و السنة فإذا هم يقيسممون الشممباه بالشممباه‬
‫منهما‪ .‬و ينماظرون المثمال بالمثمال بإجمماع منهممم و تسممليم‬
‫بعضممهم لبعممض فممي ذلممك‪ .‬فممإن كممثيرا ً مممن الواقعممات بعممده‬
‫صلوات الله و سلمه عليممه لممم تنممدرج فممي النصمموص الثابتممة‬
‫فقاسوها بما ثبت و ألحقوها بما نص عليه بشروط فممي ذلممك‬
‫اللحاق‪ .‬تصحح تلك المساواة بين الشبيهين أو المثلين‪ .‬حتى‬
‫يغلب على الظن أن حكم الله تعالى فيهما واحد و صار ذلممك‬
‫دليل ً شرعيا ً بإجماعهم عليه‪ .‬و هو القياس و هو رابع الدلممة و‬
‫اتفق جمهور العلممماء علممى أن هممذه هممي أصممول الدلممة و إن‬
‫خالف بعضممهم فممي الجممماع و القيمماس إل أنممه شممذوذ فممي و‬
‫ألحق بعضهم بهذه الدلة الربعة أدلة أخرى ل حاجة بنمما إلممى‬
‫ذكرها‪ .‬لضعف مداركها و شذوذ القول فيهمما‪ .‬فكممان مممن أول‬
‫مباحث هذا الفن النظممر فممي كممون هممذه أدلممة‪ .‬فأممما الكتمماب‬
‫فدليله المعجزة القاطعة في متنه و التممواتر فممي نقلممه‪ .‬فلممم‬
‫يبق فيه مجال للحتمممال و أممما السممنة و ممما نقممل إلينمما منهمما‬
‫فالجممماع علممى وجمموب العمممل بممما يصممح منهمما كممما قلنمماه‪.‬‬
‫معتضدا ً بما كان عليه العمل في حياته صلوات اللممه و سمملمه‬
‫عليممه مممن إنفمماذ الكتممب و الرسممل إلممى النممواحي بالحكممام و‬
‫الشرائع آمرا ً و ناهيًا‪ .‬و أما الجممماع فلتفمماقهم رضمموان اللممه‬
‫تعالى عليهم على إنكار مخالفتهم مع العصمة الثابتة للمممة و‬
‫أما القياس فبإجممماع الصممحابة رضممي اللممه عنهممم عليممه كممما‬
‫قدمناه‪ .‬هذه أصول الدلة ثم إن المنقول مممن السممنة محتمماج‬
‫إلى تصحيح الخبر بالنظر في طرق النقممل و عدالممة النمماقلين‬
‫لتتميز الحالة المحصلة للظن بصدقه الذي هو منمماط وجمموب‬
‫العمل بالخير‪ .‬و هذه أيضا ً مممن قواعممد الفممن‪ .‬و يلحممق بممذلك‬
‫عند التعارض بيممن الخممبرين و طلممب المتقممدم منهممما معرفممة‬
‫الناسخ و المنسوخ و هي من فصوله أيضا ً و أبمموابه‪ .‬ثممم بعممد‬
‫ذلممك يتعيممن النظممر فممي دللممة اللفمماظ و ذلممك أن اسممتفادة‬
‫المعمماني علممى الطلق مممن تراكيممب الكلم علممى الطلق‬
‫يتوقف علممى معرفممة الممدللت الوضممعية مفممردة و مركبممة‪ .‬و‬
‫القوانين اللسانية فممي ذلممك هممي علمموم النحممو و التصممريف و‬
‫البيان و حين كان الكلم ملكة لهله لم تكن هممذه علومما ً و ل‬
‫قوانين و لم يكن الفقه حينئذ يحتاج إليها لنها جبلممة و ملكممة‪.‬‬
‫فلممما فسممدت الملكممة فممي لسممان العممرب قيممدها الجهابممذة‬
‫المتجردون لذلك بنقل صحيح و مقاييس مستنبطة صحيحة و‬
‫صممارت علومما ً يحتمماج إليهمما الفقيممه فممي معرفممة أحكممام اللممه‬
‫تعممالى‪ .‬ثممم إن هنمماك اسممتفادات أخممرى خاصممة مممن تراكيممب‬
‫الكلم و هي اسممتفادة الحكممام الشممرعية بيممن المعمماني مممن‬
‫أدلتها الخاصة من تراكيب الكلم و هو الفقه‪ .‬و ل يكفي فيممه‬
‫معرفة الدللت الوضعية على الطلق بل ل بممد مممن معرفممة‬
‫أمور أخرى تتوقف عليها تلك الدللت الخاصة و بهمما تسممتفاد‬
‫الحكام بحسب ما أصل أهل الشرع و جهابذة العلم من ذلك‬
‫و جعلوه قوانين لهذه الستفادة‪ .‬مثل أن اللغة ل تثبت قياسا ً‬
‫و المشترك ل يراد به معناه معا ً و الواو ل تقتضي الممترتيب و‬
‫العام إذا أخرجمت أفمراد الخماص منمة همل يبقمى حجممة فيممما‬
‫عداها و المر للوجوب أو الندب و للفور أو التراخي و النهممي‬
‫يقتضي الفساد أو الصحة و المطلق هل يحمل على المقيد و‬
‫النص على العلة كاف في التعدد أم ل و أمثال هممذه‪ .‬فكممانت‬
‫كلها من قواعد هذا الفن‪ .‬و لكونها من مباحث الدللممة كممانت‬
‫لغوية‪ .‬ثم إن النظر في القياس من أعظم قواعد هممذا الفممن‬
‫لن فيممه تحقيممق الصممل و الفممرع فيممما يقمماس و يماثممل مممن‬
‫الحكام و ينفتح الوصف الذي يغلممب علممى الظممن أن الحكممم‬
‫علق به في الصل من تممبين أوصمماف ذلممك المحممل أو وجممود‬
‫ذلك الوصف في الفرع مممن غيممر معممارض يمنممع مممن ترتيممب‬
‫الحكم عليه في مسائل أخرى من توابع ذلك كلها قواعد لهذا‬
‫الفن‪ .‬و اعلم أن هذا الفن من الفنون المستحدثة في الملممة‬
‫و كان السلف في غنيممة عنممه بممما أن اسممتفادة المعمماني مممن‬
‫اللفمماظ ل يحتمماج فيهمما إلممى أزيممد مممما عنممدهم مممن الملكممة‬
‫اللسممانية‪ .‬و أممما القمموانين الممتي يحتمماج إليهمما فممي اسممتفادة‬
‫الحكام خصوصا ً فمنهممم أخممذ معظمهمما‪ .‬و أممما السممانيد فلممم‬
‫يكونوا يحتمماجون إلممى النظممر فيهمما لقممرب العصممر وممارسممة‬
‫النقلة و خبرتهم بهم‪ .‬فلممما انقممرض السمملف و ذهممب الصممدر‬
‫الول و انقلبت العلوم كلها صناعة كما قررناه من قبل احتاج‬
‫الفقهاء و المجتهدون إلى تحصمميل هممذه القمموانين و القواعممد‬
‫لستفادة الحكام من الدلة فكتبوها فنا قائما برأسممه سممموه‬
‫أصول الفقه‪ .‬و كان أول من كتب فيه الشممافعي رضممي اللممه‬
‫تعممالى عنممه‪ .‬أملممى فيممه رسممالته المشممهورة تكلممم فيهمما فممي‬
‫الوامممر والنممواهي و البيممان و الخممبر و النسممخ و حكممم العلممة‬
‫المنصوصة من القياس‪ .‬ثم كتب فقهاء الحنفية فيه و حققمموا‬
‫تلك القواعد و أوسعوا القول فيها‪ .‬و كتممب المتكلمممون أيضمما‬
‫كذلك إل أن كتابة الفقهاء فيها أمس بمالفقه و أليمق بمالفروع‬
‫لكممثرة المثلممة منهمما و الشممواهد و بنمماء المسممائل فيهمما علممى‬
‫النكت الفقهية‪ .‬و المتكلمون يجردون صور تلك المسائل عن‬
‫الفقه و يميلون إلى الستدلل العقلي ممما أمكممن لنممه غممالب‬
‫فنونهم و مقتضى طريقتهم فكان لفقهمماء الحنفيممة فيهمما اليممد‬
‫الطممولى مممن الغمموص علممى النكممت الفقهيممة و التقمماط هممذه‬
‫القوانين من مسائل الفقه ما أمكن‪ .‬و جاء أبو زيد الدبوسممي‬
‫من أئمتهم فكتب فممي القيمماس بأوسممع مممن جميعهممم و تمممم‬
‫البحاث و الشروط الممتي يحتمماج إليهمما فيممه و كملممت صممناعة‬
‫أصول الفقممه بكممماله و تهممذبت مسممائله وتمهممدت قواعممده و‬
‫عني الناس بطريقة المتكلميممن فيممه‪ .‬و كممان مممن أحسممن ممما‬
‫كتمممب فيمممه التكلممممون كتمممابه البرهمممان لممممام الحرميمممن و‬
‫المستصفى للغزالي و هما من الشعرية و كتاب العهممد لعبممد‬
‫الجبار و شرحه المعتمممد لبممي الحسممين البصممري وهممما مممن‬
‫المعتزلة‪ .‬و كانت الربعة قواعد هذا الفن و أركانه‪ .‬ثم لخص‬
‫هذه الكتممب الربعممة فحلن مممن التكلميممن المتممأخرين و هممما‬
‫المام فخز الدين بن الخطيب في كتاب المحصممول و سمميف‬
‫الدين المدي في كتمماب الحكممام‪ .‬و اختلفممت طرائقهممما فممي‬
‫الفممن بيممن التحقيممق و الحجمماج‪ .‬فممابن الخطيممب أميممل إلممى‬
‫السممتكثار مممن الدلممة والحتجمماج و المممدي مولممع بتحقيممق‬
‫المذاهب و تفريع المسائل‪ .‬و أما كتاب المحصول فاختصممره‬
‫تلميذ المام سراج الدين الرموي في كتاب التحصمميل و تمماج‬
‫الدين الرموي في كتمماب الحاصممل و اقتطممف شممهاب الممدين‬
‫القرافي منهممما فقممدمات و قواعممد فممي كتمماب صممغير سممماه‬
‫التنقيحات‪ .‬و كذلك فعل البيضاوي في كتاب المنهاج‪ .‬و عنممي‬
‫المبتدئون يهذين الكتابين و شرحهما كثير مممن النمماس‪ .‬و أممما‬
‫كتاب الحكام للمدي و هو أكثر تحقيقا في المسائل فلخصة‬
‫أبو عمر بن الحاجب في كتابي المعممروف بالمختصممر الكممبير‪.‬‬
‫ثم أختصره في كتاب آخممر تممداوله طلبممة العلممم و عنممي أهممل‬
‫المشرق و المغرب به و بمطالعته و شمرحه و حصملت زبمدة‬
‫طريقة المتكلمين في هذا الفن في هذه المختصرات‪ .‬و أممما‬
‫طريقة الخنفية فكتبموا فيهما كمثيرا و كمان ممن أحسمن كتابمة‬
‫فيها‪ .‬للمتقممدمين تممأليف أبممي زيممد الدبوسممي و أحسممن كتابممة‬
‫المتأخرين فيها تأليف سيف السمملم الممبزدوي مممن أئمتهممم و‬
‫هو مستوعب و جاء ابن الساعاتي من فقهاء الخنفيممة فجمممع‬
‫بين كتاب الحكام و كتاب البزدوني في الطريقممتين و سمممي‬
‫كتممابه بالبممدائع فجمماء مممن أحسممن الوضمماع و أبممدعها و أئمممة‬
‫العلماء لهذا العهد يتداولونه قراءة و بحثمما‪ .‬و أولممع كممثير مممن‬
‫علماء العجم بشرحه‪ .‬و الحمال علمى ذلمك لهمذا العهمد‪ .‬همذه‬
‫حقيقممة هممذا الفممن و تعييممن موضمموعاته و تعديممد التممأليف‬
‫المشهورة لهذا العهد فيه‪ .‬و الله ينفعنا بممالعلم و يجعلنمما مممن‬
‫أهله بمنه و كرمه إنه على كل شيء قدير‪.‬‬
‫و أما الخلفات فمماعلم أن هممذا الفقممة المسممتنبط مممن الدلممة‬
‫الشرعية كثر فيه الخلف بين المجتهدين ياختلف مداركهم و‬
‫أنظارهم خلفا ل بد من وقوعه لما قدمناه‪ .‬و اتسع ذلك فممي‬
‫الملة اتساعا غظيما و كان للمقلممدين أن يقلممدوا مممن شمماؤوا‬
‫منهم ثم لما انتهى ذلك إلى الئمة الربعة من علماء المصار‬
‫و كمانوا بمكمان ممن حسمن الظمن بهمم اقتصمر النماس علمى‬
‫تقليدهم و منعوا من تقليد سواهم لذهاب الجتهاد لصعوبته و‬
‫تشعب العلوم التي هي موادة باتصال الزمممان و افتقمماد مممن‬
‫يقمموم علممى سمموى هممذه المممذاهب الربعممة‪ .‬فمماقيمت هممذه‬
‫الممممذاهب الربعمممة أصمممول الملمممة و أجمممري الخلف بيمممن‬
‫المتمسممكين بهمما و الخممذين بأحكامهمما مجممرى الخلف فممي‬
‫النصممموص الشمممرعية و الصمممول الفقهيمممة‪ .‬و جمممرت بينهمممم‬
‫المناظرات في تصحيح كل منهم مممذهب إمممامه تجممري علممى‬
‫أصول صحيحة و طممرائق قويمممة يحتممج بهمما كممل علممى صممحة‬
‫مذهبه الذي قلده و تمسك به و أجريت في مسائل الشريعة‬
‫كلها و في كل باب من أبواب الفقه فتارة يكون الخلف بيممن‬
‫الشافعي و مالك و أبو حنيفة يوافق أحدهما و تارة بين مالك‬
‫و أبي حنيفة و الشافعي يوافق أحدهما و تارة بين الشممافعي‬
‫و أبممي حنيفممة و مالممك يوافممق أحممدهما و كممان فممي هممذه‬
‫المنماظرات بيمان مآخمذ همؤلء الئممة و مثمارات اختلفهمم و‬
‫مواقممع اجتهممادهم‪ .‬كممان هممذا الصممنف مممن العلممم يسمممى‬
‫بالخلفيات‪ .‬و لبد لصاحبه من معرفة القواعممد الممتي يتوصممل‬
‫بهمما إلممى اسممتنباط الحكممام كممما يحتمماج إليهمما المجتهممد إل أن‬
‫المجتهد يحتمماج إليهمما للسممتنباط و صمماحب الخلفيممات يحتمماج‬
‫إليها لحفظ تلك المسائل المستنبطة من أن يهدمها المخالف‬
‫بأدلته‪ .‬و هو لعمممري علممم جليممل الفممائدة فممي معرفممة مآخممذ‬
‫الئمة و أدلتهم و مران المطالعين لممه علممى السممتدلل فيممما‬
‫يرومون السممتدلل عليممه‪ .‬وتممآليف الحنفيممة و الشممافعية فيممه‬
‫أكثر من تآليف المالكية لن القياس عند الحنفية أصل للكثير‬
‫مممن فممروع مممذهبهم كممما عرفممت فهممم لممذلك أهممل النظممر و‬
‫البحث‪ .‬و أما المالكية فممالثر أكممثر معتمممدهم و ليسمموا بأهممل‬
‫نظممر و أ يضمما فمأكثرهم أهممل الغممرب و هممم باديممة غفممل مممن‬
‫الصنائع إل في القل‪ .‬و للغزالي رحمه الله تعالى فيممه كتمماب‬
‫المآخذ و لبي بكر العربي من المالكية كتاب التلخيممص جلبممه‬
‫من المشرق‪ .‬و لبممي زيممد الدبوسممي كتمماب التعليقممة و لبممن‬
‫القصممار مممن شمميوخ المالكيممة عيممون الدلممة و قممد جمممع ابممن‬
‫الساعاتي في مختصره في أصول الفقه جميع ما ينبني عليها‬
‫من الفقه الخلفي مدرجا‪ ،‬في كل مسألة ما ينبني عليها ممن‬
‫الخلفيات‪.‬‬
‫و أما الجدال و هو معرفممة آداب المنمماظرة الممتي تجممري بيممن‬
‫أهل المذاهب الفقهية و غيرهم فإنة لما كان بمماب المنمماظرة‬
‫في الرد و القبول متسعا و كممل واحممد مممن المتنمماظرين فممي‬
‫الستدلل و الجواب يرسممل عنانممة فممي الحتجمماج‪ .‬و منممة ممما‬
‫يكون صوابا و منة ما يكون خطأ فاحتاج الئمة إلى أن يضعوا‬
‫آدابمما و أحكاممما يقممف المتنمماظران عنممد حممدودها فممي الممرد و‬
‫القبول و كيف يكون حال المستدل و المجيب و حيث يسمموغ‬
‫له أن يكون فستدل و كيف يكون مخصوصا فنقطعمما و محممل‬
‫اعتراضه أو معارضته و أين يجممب عليممه السممكوت و لخصمممه‬
‫الكلم و الستدلل‪ .‬و لذلك قيل فيه إنه معرفة بالقواعد مممن‬
‫الحدود و الداب في الستدلل المتي يتوصمل بهما إلمى حفمظ‬
‫رأي و هدمه سواء كان ذلك الرأي من الفقه أو غيره‪ .‬و هممي‬
‫طريقتان طريقة البزدوي و هي خاصة بالدلممة الشممرعية مممن‬
‫النص و الجماع و الستدلل و طريقة العميدي و هممي عامممة‬
‫في كل دليل يستدل به من أي علم كان و أكثره استدلل‪ .‬و‬
‫هو من المناحي الحسنة و المغالطات فيممه فممي نفممس المممر‬
‫كثيرة‪ .‬و إذا اعتبرنا النظر المنطقي كممان فممي الغممالب أشممبه‬
‫بالقيمماس المغممالطي و السوفسممطائي‪ .‬إل أن صممور الدلممة و‬
‫القيسة فيه محفوظة مراعاة يتحرى فيهمما طممرق السممتدلل‬
‫كما ينبغي‪ .‬و هذا العميدي هممو أول مممن كتممب فيهمما و نسممبت‬
‫الطريقة إليه‪ .‬وضع الكتاب المسمى يالرشاد مختصرا و تبعه‬
‫من بعده من المتأخرين كالنسفي و غيره جاؤوا على أثممره و‬
‫سلكوا مسلكه و كممثرت فممي الطريقممة التممآليف‪ .‬و هممي لهممذا‬
‫العهد مهجورة لنقص العلم و التعليم في المصار السمملمية‪.‬‬
‫و هي مممع ذلممك كماليممة و ليسممت ضممرورية و اللممه سممبحانه و‬
‫تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل العاشر‪ :‬في علم الكلم‬


‫هو علم يتضمن الحجاج عن العقائد اليمانية بالدلة العقلية و‬
‫الرد على المبتدعة المنحرفين في العتقممادات عممن مممذاهب‬
‫السمملف و أهممل السممنة‪ .‬و سممر هممذه العقممائد اليمانيممة هممو‬
‫التوحيد‪ .‬فلنقدم هنا لطيفة في برهان عقلي يكشف لنمما عممن‬
‫التوحيد على أقرب الطرق و المآخممذ ثممم نرجممع إلممى تحقيممق‬
‫علمه و فيما ينظر و يشير إلى حدوثه في الملة و ما دعا إلى‬
‫وضعه فنقول‪ :‬إعلم أن الحمموادث فمي عمالم الكائنمات سممواء‬
‫كانت من الذوات أو من الفعال البشممرية أو الحيوانيممة فلبممد‬
‫لها من أسباب متقدمة عليها بهمما تقممع فممي مسممتقر العممادة و‬
‫عنها يتم كونة‪ .‬و كممل واحممد مممن هممذه السممباب حممادث أيضمما‬
‫فلبد له من أسباب أخممرى و ل تممزال تلممك السممباب مرتقيممة‬
‫حتى تنتهي إلى مسبب السباب و موجدها و خالقها سممبحانه‬
‫ل إله إل هو‪ .‬و تلك السباب في ارتقائها تتفسممح و تتضمماعف‬
‫طول و عرضا و يحار العقممل فممي إدراكهمما و تعديممدها‪ .‬فممإذا ل‬
‫يحصرها إل العلم المحيط سيما الفعال البشرية و الحيوانيممة‬
‫فإن من جملة أسبابها فممي الشمماهد القصممود و الرادات إذ ل‬
‫يتممم كممون الفعممل إل بممإرادته و القصممد إليممه‪ .‬و القصممود و‬
‫الرادات أمممور نفسممانية ناشممئة فممي الغممالب عممن تصممورات‬
‫سابقة يتلو بعضها بعضا‪ .‬و تلك التصورات هممي أسممباب قصممد‬
‫الفعل و قد تكون أسباب تلك التصممورات تصممورات أخممرى و‬
‫كل ما يقع فممي النفممس مممن التصممورات مجهممول سممببه‪ .‬إذ ل‬
‫يطلع أحد على مبادئ المور النفسانية و ل على ترتيبها‪ .‬إنما‬
‫هي أشياء يلقيها الله في الفكر يتبع بعضممها بعضمما و النسممان‬
‫عاجز عن معرفة مبادئهما و غاياتهما‪ .‬و إنمما يحيمط علمما فمي‬
‫الغالب بالسباب التي هي طبيعة ظاهرة و يقع فممي مممداركها‬
‫على نظام و ترتيممب لن الطبيعممة محصممورة للنفممس و تحممت‬
‫طورها‪ .‬و أممما التصممورات فنطاقهمما أوسممع مممن النفممس لنهمما‬
‫للعقل الذي هو فوق طور النفس فل تدرك الكثير منها فضممل‬
‫عن الحاطة‪ .‬و تأمل من ذلك حكمممة الشممارع فمي نهيمه عممن‬
‫النظر إلى السباب و الوقوف معها فإنه واد يهيم فيمه الفكمر‬
‫و ل يحلو منة يطائل و ل يظفز بحقيقة‪ .‬قال اللممه‪ :‬ثممم ذرهممم‬
‫في خوضهم يلعبون‪ .‬و ربما انقطع فممي وقمموفه عممن الرتقمماء‬
‫إلى ما فوقه فزلت قدمة و أصبح من الضابين الهالكين نغمموذ‬
‫بالله من الحرمان و الخسممران المممبين‪ .‬و ل تحسممبن أن هممذا‬
‫الوقوف أو الرجوع عنة في قممدرتك و اختيممارك بممل هممو لممون‬
‫يحصل للنفس و صبغة تسممتحكم مممن الخمموض فممي السممباب‬
‫على نسبة ل نعلمها‪ .‬إذ لو علمناها لتحررنا منها‪ .‬فلنتحرر من‬
‫ذلممك بقطممع النظممر عنهمما جملممة‪ .‬و أيضمما فمموجه تممأثير هممذه‬
‫السباب في الكثير ممن مسممبباتها مجهممول لنهمما إنمما يوقممف‬
‫عليها بالعادة لقتران الشاهد يالستناد إلى الظمماهر‪ .‬وحقيقممة‬
‫التممأثير و كيفيتممه مجهولممة‪ .‬و ممما أوتيتممم مممن العلممم إل قليل‪.‬‬
‫فلذلك أمرنا بقطع النظر عنها و إلغائها جملممة و التمموجه إلممى‬
‫مسممبب السممباب كلهمما و فاعلهمما و موجممدها لترسممخ صممفة‬
‫التوحيد في النفس على ما علمنا الشممارع الممذي هممو أعممرف‬
‫بمصالح ديننا و طرق سعادتنا لطلعه على ما وراء الحسممن‪.‬‬
‫قال صلى الله عليه و سلم‪ :‬من مات يشهد أن ل إله إل اللممه‬
‫دخل الجنة‪ .‬فإن وقف عند تلك السباب فقد انقطع و حقممت‬
‫عليه كلمة الكفر و أن سبح في بحر النظممر و البحممث عنهمما و‬
‫عن أسبابها وتأثيراتها واحدا بعد واحد فإنمما الضممامن لممه أن ل‬
‫يعود إل بالخيبة‪ .‬فيذلك نهانا الشارع عن النظر في السممباب‬
‫و أمرنا بالتوجيد المطلق قل هو الله أحد * الله الصمد * لممم‬
‫يلد و لم يولد * ولم يكن له كفوا أحد و ل تثقن بما يزعم لك‬
‫الفكر مممن أنممه مقتممدر علممى الحاطممة بالكائنممات و أسممبابها و‬
‫الوقوف على تفصيل الوجود كلممه و سممفه رأيممه فممي ذلممك‪ .‬و‬
‫اعلم أن الوجود عند كل مدرك في بممادئ رأيممه منحصممر فممي‬
‫مداركه ل يعدوها و المر في نفسه بخلف ذلك و الحممق مممن‬
‫ورائه‪ .‬أل تممرى الصممم كيممف ينحصممر الوجممود عنممده فممي‬
‫المحسوسات الربع و المعقولت و يسقط من الوجود عنممده‬
‫صنف المسموعات‪ .‬و كذلك العمى أيضا يسقط عنده صنف‬
‫المرئيات و لول ما يردهم إلى ذلممك تقليممد البمماء و المشمميخة‬
‫من أهل عصرهم و الكافة لما أقروا به لكنهم يتبعون الكافممة‬
‫فممي إثبممات هممذه الصممناف ل بمقتضممى فطرتهممم و طبيعممة‬
‫إدراكهم و لو سئل الحيوان العجممم و نطممق لوجممدناه منكممرا‬
‫للمعقولت و سمماقطة لممديه بالكليممة فممإذا علمممت هممذا فلعممل‬
‫هناك ضربا من الدراك غيممر مممدركاتنا لن إدراكاتنمما مخلوقممة‬
‫محدثة و خلق الله أكبر من خلق الناس‪ .‬و الحصر مجهممول و‬
‫الوجود أوسع نطاقا من ذلك و الله من ورائهم محيط‪ .‬فاتهم‬
‫إدراكك و مدركاتك في الحصر و اتبع ما أمرك الشارع به من‬
‫اعتقممادك و عملممك فهممو أحممرص علممى سممعادتك و أعلممم يممما‬
‫ينفغك لنه من طمور فموق إدراكمك و ممن نطماق أوسمع ممن‬
‫نطاق عقلك و ليممس ذلممك بقممادح فممي العقممل و مممداركه بممل‬
‫العقل ميزان صحيح فأحكامه يقينية ل كذب فيها‪ .‬غير أنممك ل‬
‫تطمع أن تزن به أمممور التوحيممد و الخممرة و حقيقممة النبمموة و‬
‫حقائق الصفات اللهية و كل ما وراء طوره فممإن ذلممك طمممع‬
‫في محال‪ .‬و مثال ذلك مثال رجل رأى الميممزان الممذي يمموزن‬
‫به الذهب فطمع أن يزن يه الجبال و هممذا ل يممدرك‪ .‬علممى أن‬
‫الميزان في أحكامه غير صادق لكن العقل قد يقممف عنممده و‬
‫ل يتعدى طوره حتى يكون له أن يحيط بالله و يصممفاته فإنممة‬
‫ذرة من ذرات الوجود الحاصل منة‪ .‬و تفطن في هممذا الغلممط‬
‫و من يقدم العقممل علممى السمممع فممي أمثممال هممذه القضممايا و‬
‫قصور فهمه و اضمحلل رأيه فقد تبين لك الحق مممن ذلممك و‬
‫إذ تبين ذلك فلعل السمباب إذا تجماوزت فمي الرتقماء نطماق‬
‫إدراكنا و وجودنا خرجت عن أن تكون مدركممة فيضممل العقممل‬
‫في بيداء الوهام و يحار و ينقطع‪ .‬فإذا التوحيد هو العجز عن‬
‫إدراك السباب و كيفيات تأثيرها و تفويض ذلممك إلممى خالقهمما‬
‫المحيط بها إذ ل فاعل غيرة و كلها ترتقي إليممه و ترجممع إلممى‬
‫قدرته و علمنا به إنما هو من حيث صدورنا عنة ل غير و هممذا‬
‫هو معنى ما نقل عممن بعممض الصممديقين‪ :‬العجممز عممن الدراك‬
‫إدراك‪ .‬ثم إن المعتبر في هذا التوحيد ليس هو اليمان فقممط‬
‫الذي هو تصديق حكمي فإن ذلك مممن حممديث النفممس و إنممما‬
‫الكمال فيممه حصممول صممفة منممه تتكيممف بهمما النفممس كممما أن‬
‫المطلوب من العمال و العبادات أيضا حصول ملكة الطاعممة‬
‫و النقياد و تفريغ القلب عن شواغل ما سوى المعبممود حممتى‬
‫ينقلب المريد السالك ربانيا‪ .‬و الفرق بين الحال و العلم فممي‬
‫العقائد فرق ما بين القول و التصاف‪ .‬و شرحه أن كثيرا من‬
‫الناس يعلم أن رحمة اليتيم و المسكين قربة إلى الله تعممالى‬
‫مندوب إليها و يقول بذلك و يعممترف بممه و يممذكر مأخممذه مممن‬
‫الشريعة و هو لو رأى يتيما أو مسكينا من أبناء المستضعفين‬
‫لفرعنممه و اسممتنكف أن يباشممره فضممل عممن التمسممح عليممه‬
‫للرحمممة و ممما بعممد ذلممك مممن مقامممات العطممف و الحنممو و‬
‫الصدقة‪ .‬فهذا إنما حصل له من رحمة اليممتيم مقممام العلممم و‬
‫لم يحصل له مقام الحال و التصاف‪ .‬ومن الناس من يحصل‬
‫له مع مقام العلم و العتراف بأن رحمة المسكين قربة إلممى‬
‫الله تعالى مقام آخر أعلى من الول و هو التصاف بالرحمممة‬
‫و حصممول ملكتهمما‪ .‬فمممتى رأى يتيممما أو مسممكينا بممادر إليممه و‬
‫مسح عليه و التمس الثواب في الشفقة عليممه ل يكمماد يصممبر‬
‫عن ذلك و لو دفع عنه‪ .‬ثم يتصدق عليه بما حضممره مممن ذات‬
‫يده و كذا علمك بالتوحيد مع اتصافك به و العلم حاصممل عممن‬
‫التصاف ضرورة و هو أوثق مبنممى مممن العلممم الحاصممل قبممل‬
‫التصاف‪ .‬و ليس التصاف بحاصل عن مجرد العلم حتى يقممع‬
‫العمل و يتكرر مرارا غير منحصرة فترسخ الملكممة و يحصممل‬
‫التصاف و التحقيق و يجيء العلم الثاني النافع فممي الخممرة‪.‬‬
‫فإن العلم الول المجرد عن التصاف قليل الجدوى و النفع و‬
‫هممذا علممم أكممثر النظممار و المطلمموب إنممما هممو العلممم الحممالي‬
‫الناشئ عن العادة‪ .‬و اعلم أن الكمال عند الشممارع فممي كممل‬
‫ما كلف به إنما هو في هذا فما طلب اعتقمماده فالكمممال فيممه‬
‫في العلم الثاني الحاصل عن التصاف و ما طلب عملممه مممن‬
‫العبادات فالكمال فيها في حصول التصاف و التحقق بها‪ .‬ثم‬
‫إن القبال على العبادات و المواظبة عليها هو المحصل لهذه‬
‫الثمرة الشممريفة‪ .‬قممال صمملى اللممه عليممه و سمملم‪ :‬فممي رأس‬
‫العبادات جعلت قرة عيني في الصلة فإن الصلة صارت لممه‬
‫صفة و حال يجد فيها منتهى لذاته و قرة عينه و أين هذا مممن‬
‫صلة الناس و من لهم بها ؟ فويل للمصلين * الذين هم عممن‬
‫صمملتهم سمماهون اللهممم وفقنمما اهممدنا الصممراط المسممتقيم *‬
‫صممراط الممذين أنعمممت عليهممم غيممر المغضمموب عليهممم و ل‬
‫الضالين فقد تبين لك من جميع ما قررناه أن المطلمموب فممي‬
‫التكاليف كلها حصول ملكة راسخة في النفممس يحصممل عنهمما‬
‫علم اضطراري للنفس هو التوحيد و هممو العقيممدة اليمانيممة و‬
‫هو الذي تحصل به السممعادة و أن ذلممك سممواء فممي التكمماليف‬
‫القلبيمة و البدنيمة‪ .‬و يتفهممم منمه أن اليممان الممذي همو أصممل‬
‫التكاليف و ينبوعها هو بهذه المثابة ذو مراتب‪ .‬أولها التصديق‬
‫القلممبي الموافممق للسممان و أعلهمما حصممول كيفيممة مممن ذلممك‬
‫العتقاد القلبي و ما يتبعه من العمممل مسممتولية علممى القلممب‬
‫فيستتبع الجوارح‪ .‬و تندرج في طاعتها جميع التصرفات حممتى‬
‫تنخرط الفعال كلها في طاعة ذلك التصديق اليماني‪ .‬و هممذا‬
‫أرفع مراتب اليمممان و هممو اليمممان الكامممل الممذي ل يقممارف‬
‫المؤمن معه صغيرة و ل كبيرة إذ حصول الملكممة و رسمموخها‬
‫مانع من النحراف عن مناهجه طرفممة غيممن قممال صمملى اللممه‬
‫عليه و سلم‪ :‬ل يزني الزاني حيممن يزنممي و هممو مممؤمن و فممي‬
‫حديث هرقل لما سأل أبا سفيان بن حرب عممن النممبي صمملى‬
‫الله عليه و سلم و أحواله فقال في أصحابه‪ :‬هممل يرتممد أحممد‬
‫منهم سخطة لممدينه بعممد أن يممدخل فيممه ؟ قممال‪ :‬ل ! قممال‪ :‬و‬
‫كذلك اليمان حين تخالط بشاشتة القلوب‪ .‬و معناه أن ملكة‬
‫اليمممان إذا اسممتقرت عسممر علممى النفممس مخالفتهمما شممأن‬
‫الملكات إذا استقرت فإنها تحصل بمثابة الجبلة و الفطممرة و‬
‫هذه هي المرتبة العالية من اليمان و هي في المرتبة الثانيممة‬
‫من العصمة‪ .‬لن العصمة واجبة للنبياء وجوبمما سممابقا و هممذه‬
‫حاصلة للمؤمنية حصول تابعا لعمممالهم و تصممديقهم‪ .‬و بهممذه‬
‫الملكة و رسوخها يقع التفاوت في اليمان كالذي يتلى عليك‬
‫من أقاويل السلف‪ .‬و في تراجم البخاري رضي الله عنه في‬
‫باب اليمان كثير منه‪ .‬مثل أن اليمان قول و عمممل و يزيممد و‬
‫ينقص و أن الصلة و الصيام من اليمان و أن تطوع رمضممان‬
‫من اليمان و الحياء من اليمان‪ .‬و الممراد بهمذا كلمه اليممان‬
‫الكامل الممذي أشممرنا إليممه و إلممى ملكتممه و هممو فعلممي‪ .‬و أممما‬
‫التصديق الذي هممو أول مراتبممه فل تفمماوت فيممه‪ .‬فمممن اعتممبر‬
‫أوائل السماء و حمله على التصديق منممع مممن التفمماوت كممما‬
‫قال أئمة المتكلمين و من اعتبر أواخر السماء و حمله علممى‬
‫هذه الملكة التي هممي اليمممان الكامممل ظهممر لممه التفمماوت‪ .‬و‬
‫ليس ذلك بقادح في اتحاد حقيقته الولى التي هممي التصممديق‬
‫إذ التصديق موجود في جميع رتبه لنة أقممل ممما يطلممق عليممه‬
‫اسم اليمان و هو المخلص من عهدة الكفممر و الفيصممل بيممن‬
‫الكافر و المسلم فل يجزي أقل منه‪ .‬و هو في نفسه حقيقممة‬
‫واحدة ل تتفمماوت و إنممما التفمماوت فممي الحممال الحاصمملة عممن‬
‫العمممال كممما قلنمماه فممافهم‪ .‬و اعلممم أن الشممارع وصممف لنمما‬
‫هذااليمان الذي في المرتبة الولى الذي هو تصممديق و عيممن‬
‫أمورا مخصوصة كلفنا التصممديق بهمما بقلوبنمما و اعتقادهمما فممي‬
‫أنفسنا مع القرار بها بألسنتنا و هي العقائد التي تقررت فممي‬
‫الدين‪ .‬قال صلى الله عليه و سمملم حيممن سممئل عممن اليمممان‬
‫فقال‪ :‬أن تؤمن بالله و ملئكته و كتبه و رسله و اليوم الخممر‬
‫و تؤمن بالقممدر خيممره و شممره و هممذه هممي العقممائد اليمانيممة‬
‫المقررة في عليم الكلم‪ .‬و لنشممر إليهمما مجملممة لتتممبين فممي‬
‫حقيقة هذا الفن و كيفية حدوثه فنقول‪ .‬اعلم أن الشارع لقمد‬
‫أمرنا باليمان بهذا الخالق الذي رد الفعال كلها إليه و أفرده‬
‫به كما قدمناه و عرفنا أن في هذا اليمان نجاتنا عند الممموت‬
‫إذا حضرنا لم يعرفنا بكنه حقيقة هذا الخالق المعبود و هممو إذ‬
‫ذاك يتعذر على إدراكنا و من فوق طورنا‪ .‬فكلنمما أول‪ :‬اعتقمماد‬
‫تنزيهه في ذاته عممن مشممابهة المخلمموقين و إل لممما صممح أنممة‬
‫خالق لهممم لعممدم الفممارق علممى همذا التقممدير ثمم تنزيهمه غمن‬
‫صفات النقص و إل لشابة المخلوقين ثم توحيده بمما لتحمماد و‬
‫إل لم يتم الخلق للتمانع ثم اعتقاد أنه عالم قادر فبممذلك تتممم‬
‫الفعال شاهد قضيته لكمال التحاد و الخلق و مريد و إل لممم‬
‫يخصممص شمميء مممن المخلوقممات و مقممدر لكممل كممائن و إل‬
‫فالرادة حادثة‪ .‬و أنة يعيدنا بعد الموت تكميل لعنايته‪ ،‬باليجاد‬
‫و لممو كممان لمممر فممإن كممان عبثمما فهممو للبقمماء السممرمدي بعممد‬
‫الموت‪ .‬ثم اعتقاد بعثة الرسل للنجاة من شممقاء هممذا المعمماد‬
‫لختلف أحوله بالشقاء و السممعادة و عممدم معرفتنمما بممذلك و‬
‫تمام لطفه بنا في اليتاء بذلك و بيان الطريقين‪ .‬و أن الجنممة‬
‫للنعيم و جهنم للعذاب‪ .‬هذه أمهممات العقممائد اليمانيممة معللممة‬
‫بأدلتها العقلية و أدلتها من الكتاب و السنة كثيرة‪ .‬و عن تلممك‬
‫الدلة أخذها السلف و أرشد إليها العلماء و حققهمما الئمممة إل‬
‫أنة عممرض بعممد ذلممك خلف فممي تفاصمميل هممذه العقممائد أكممثر‬
‫مثارها من الي المتشابهة فدعا ذلك إلى الخصممام و التنمماظر‬
‫و الستدلل يالعقل و زيمادة إلمى النقمل‪ .‬فحمدث بمذلك علمم‬
‫الكلم‪ .‬و لنبين لك تفصيل هممذا المجمممل‪ .‬و ذلممك أن القممرآن‬
‫ورد فيه وصف المعبود بالتنزيه المطلق الظمماهر الدللممة مممن‬
‫غير تأويل في آي كممثيرة و هممي سمملوب كلهمما و صممريحة فممي‬
‫بابها فوجب اليمان بها‪ .‬و وقع في كلم الشارع صلوات اللممه‬
‫عليه و كلم الصحابة و التابعين تفسميرها علمى ظاهرهما‪ .‬ثمم‬
‫وردت في القرآن آي أخممرى قليلممة تمموهم التشممبيه مممرة فممي‬
‫الذات و أخرى في الصفات‪ .‬فأما السلف فغلبوا أدلة التنزيممه‬
‫لكثرتها و وضوح دللتها‪ ،‬و علموا اسممتحالة التشممبيه‪ .‬و قضمموا‬
‫بأن اليات من كلم اللممه فممآمنوا بهمما و لممم يتعرضمموا لمعناهمما‬
‫ببحث و ل تأويل‪ .‬و هذا معنى قول الكثير منهم‪ :‬إقرأوها كممما‬
‫جاءت أي آمنوا بأنها من عند الله‪ .‬و ل تتعرضمموا لتأويلهمما و ل‬
‫تفسيرها لجواز أن تكون ابتلء‪ .‬فيجب الوقف و الذعممان لممه‪.‬‬
‫و شذ لعصرهم مبتدعة أتبعوا ما تشابه مممن اليممات و توغلمموا‬
‫في التشبيه‪ .‬ففريق أشبهوا‪ ،‬في الذات باعتقاد اليد و القممدم‬
‫و المموجه عمل بظممواهر وردت بممذلك فوقعمموا فممي التجسمميم‬
‫الصريح و مخالفة آي التنزيه المطلق التس هي أكثر موارد و‬
‫أوضح دللة لن معقولية الجسم تقتضي النقص و الفتقار‪ .‬و‬
‫تغليب آيمات السمملوب فممي التنزيممه المطلممق الممتي هممي أكممثر‬
‫موارد و أوضح دللة أولى من التعلق بظواهر هممذه الممتي لنمما‬
‫عنها غنية و جمع بين الدليلين بتأويلها ثم يفرون مممن شممناعة‬
‫ذلك بقولهم جسم ل كالجسام‪ .‬و ليس ذلك بدافع عنهم لنه‬
‫قول متناقض و جمممع بيممن نفممي و إثبممات إن كانمما بالمعقوليممة‬
‫واحممدة مممن الجسممم‪ ،‬و إن خممالفوا بينهممما و نفمموا المعقوليممة‬
‫المتعارفة فقد وافقونا في التنزيه و لم يبممق إل جعلهممم لفممظ‬
‫الجسم اسما من أسمائه‪ .‬ويتوقف مثلة على الذن‪ .‬و فريممق‬
‫منهممم ذهبمموا إلممى التشممبيه فممي الصممفات كإثبممات الجهممة و‬
‫الستواء و النممزول و الصمموت و الحممرف و أمثممال ذلمك‪ .‬و آل‬
‫قولهم إلى التجسيم فنزعوا مثل الولين إلى قولهم صوت ل‬
‫كالصمموات جهممة ل كالجهممات نممزول ل كممالنزول يعنممون مممن‬
‫الجسام‪ .‬و اندفع ذلك بما اندفع به الول‪ ،‬و لم يبق في هممذه‬
‫الظواهر إل اعتقادات السلف و مممذاهبهم و اليمممان بهمما كممما‬
‫هي لئل يكر النفي على معانيها بنفيها مع أنهمما صممحيحة ثابتممة‬
‫من القرآن‪ .‬و لهذا تنظر ما تممراه فممي عقيممدة الرسممالة لبممن‬
‫أبى زيد و كتاب المختصر له و فممي كتمماب الحممافظ ابممن عبممد‬
‫البر و غيرهم فإنهم يحومون علممى هممذا المعنممى‪ .‬و ل تغمممض‬
‫عينك عن القرائن الدالة على ذلك فممي غضممون كلمهممم‪ .‬ثممم‬
‫لما كثرت العلوم و الصنائع و ولى الناس بالتممدوين و البحممث‬
‫في سائر النحاء و ألف المتكلمون في التنزيممه حممدثت بدعممة‬
‫المعتزلة في تعميم هذا التنزيه في آي السلوب فقضوا بنفي‬
‫صفات المعاني من العلم و القممدرة و الرادة و الحيمماة زائدة‬
‫على أحكامها لما يلزم على ذلك من تعدد القديم بزعمهممم و‬
‫هو مردود بأن الصفات ليست عين الذات و ل غيرها و قضوا‬
‫بنفي صفة الرادة فلزمهم نفي القدر لن معناه سبق الرادة‬
‫للكائنات و قضوا بنفي السمع و البصر لكونهما مممن عمموارض‬
‫الجسام‪ .‬و هو مردود لعدم اشتراط البنيممة فممي مممدلول هممذا‬
‫اللفظ و إنما هو إدراك المسموع أو المبصممر‪ .‬و قضمموا بنفممي‬
‫الكلم لشبه ما في السمع و البصر و لم يعقلمموا صممفة الكلم‬
‫التي تقوم بالنفس فقضوا بأن القمرآن مخلموق و ذلمك بدعممة‬
‫صرح السلف بخلفها‪ .‬و عظم ضرر هذه البدعة و لقنها بعض‬
‫الخلفمماء عممن أئمتهممم فحمممل النمماس عليهمما و خممالفهم أئمممة‬
‫السلف فاستحل لخلفهم إيسار كثير منهم ودممماؤهم‪ ،‬و كممان‬
‫ذلمك سمببا لنتهماض أهممل السممنة بالدلممة العقليممة علمى همذه‬
‫العقائد دفعا في صدور هممذه البممدع و قممام بممذلك الشمميخ أبممو‬
‫الحسن الشعري إمام المتكلمين فتوسط بين الطرق و نفى‬
‫التشبيه و أثبت الصممفات المعنممويه و قصممر التنزيممه علممى ممما‬
‫قصره عليه السلف‪ .‬و شهدت له الدلممة المخصصممة لعمممومه‬
‫فأثبت الصممفات الربممع المعنويممة و السمممع و البصممر و الكلم‬
‫القائم بالنفس بطريق النقممل و العقممل‪ .‬و رد علممى المبتدعممة‬
‫في ذلك كله و تكلم معهم فيما مهدوه لهذه البدع من القول‬
‫بالصلح و الصلح و التحسين و التقبيممح و كمممل العقممائد فممي‬
‫البعثة و أحوال المعاد و الجنة و النار و الثممواب و العقمماب‪ .‬و‬
‫ألحممق بممذلك الكلم فممي المامممة لممما ظهممر حينئذ مممن بدعممة‬
‫المامية من قولهم إنها من عقائد اليمممان و إنممه يجممب علممى‬
‫النبي تعيينها و الخروج عن العهدة في ذلممك لمممن هممي لممه‪ ،‬و‬
‫كذلك على المة‪ .‬و قصارى أمر المامة أنها قضممية مصمملحية‬
‫إجماعية و ل تلحق بالعقائد فلذلك ألحقوها بمسائل هذا الفن‬
‫و سموا مجموعة علم الكلم‪ :‬إما لما فيه من المناظرة على‬
‫البدع و هي كلم صرف و ليست براجعة إلى عمل‪ ،‬و إما لن‬
‫سبب وضممعه و الخمموض فيممه هممو تنممازعهم فممي إثبممات الكلم‬
‫النفسي‪ .‬و كثر أتباع الشيخ أبي الحسممن الشممعري و اقتفممى‬
‫طريقتة من بعده تلميذه كابن مجاهممد و غيممره‪ .‬و أخممذ عنهممم‬
‫القاضي أبو بكممر البمماقلني فتصممدر للمامممة فممي طريقتهممم و‬
‫هذبها و وضع المقدمات العقلية التى تتوقممف عليهمما الدلممة و‬
‫النظممار و ذلممك مثممل إثبممات الجمموهر الفممرد و الخلء‪ .‬و أن‬
‫العرض ل يقوم بالعرض و أنه ل يبقى زمانين‪ .‬و أمثممال ذلممك‬
‫مما تتوقف عليه أدلتهم‪ .‬و جعممل هممذه القواعممد تبعمما للعقممائد‬
‫اليمانية في وجوب اعتقادها لتوقممف تلممك الدلممة عليهمما و أن‬
‫بطلن الدليل يؤذن ببطلن المدلول‪ .‬و جملت هذه الطريقممة‬
‫و جاءت من أحسن الفنون النظرية و العلمموم الدينيممة‪ .‬إل أن‬
‫صور الدلة فيها بعممض الحيممان‪ .‬علممى غيممر المموجه الصممناعي‬
‫لسذاجة القوم و لن صناعة المنطق التي تسير بهمما الدلممة و‬
‫تعتبر بها القيسة و لم تكممن حينئذ ظمماهرة فممي المئلممة‪ ،‬و لممو‬
‫ظهر منها بعض الشيء فلم يأخممذ بممه المتكلمممون لملبسممتها‬
‫للعلوم الفلسفية المباينة للعقممائد الشممرعية بالجملممة فكممانت‬
‫مهجورة عندهم لذلك‪ .‬ثم جاء بعد القاضي أبي بكر البمماقلني‬
‫من أئمة الشعرية إمممام الحرميممن أبممو المعممالي فممأملى فممي‬
‫الطريقة كتاب الشامل و أوسع القممول فيممه‪ .‬ثممم لخصممه فممي‬
‫كتاب الرشاد و اتخذه الناس إماممما لعقممائدهم‪ .‬ثممم انتشممرت‬
‫من بعد ذلك علوم المنطق في الملة و قرأه الناس و فرقمموا‬
‫بينه و بين العلوم الفلسفية بأنة قانون و معيممار للدلممة فقممط‬
‫يسبر به الدلة منها كما تسبر من سواها‪ .‬ثم نظروا في تلممك‬
‫القواعد و المقدمات في فن الكلم للقدمين فخالفوا الكممثير‬
‫منهمما بممالبراهين الممتي أدلممت إلممى ذلممك و بممما أن كممثيرا منهمما‬
‫مقتبس من كلم الفلسفة في الطبيعيممات و اللهيممات‪ .‬فلممما‬
‫سبروها بمعيار المنطق ردهم إلممى ذلممك فيهمما و لممم يعتقممدوا‬
‫بطلن المممدلول مممن بطلن دليلممه كممما صممار إليممه القاضممي‬
‫فصارت هذه الطريقة في مصطلحهم مباينة للطريقة الولى‬
‫و تسمى طريقة المتممأخرين و ربممما أدخلمموا فيهمما الممرد علممى‬
‫الفلسفة فيما خالفوا فيه من العقائد اليمانية و جعلوهم من‬
‫خصمموم العقممائد لتناسممب الكممثير مممن مممذاهب المبتدعممة و‬
‫مممذاهبهم‪ .‬و أول مممن كتممب فممي طريقممة الكلم علممى هممذا‬
‫المنحى الغزالمي رحممه اللمه و تبعمه الممام ابمن الخطيمب و‬
‫جماعة قفوا أثرهم و اعتمدوا تقليدهم ثممم توغممل المتممأخرون‬
‫من بعدهم في مخالطة كتب الفلسفة و التبس عليهممم شممان‬
‫الموضممح فممي العلميممن فحسممبوه فيهممما واحممدا مممن اشممتباه‬
‫المسائل فيهما‪ .‬و اعلم أن المتكلمين لما كانوا يستدلون في‬
‫أكثر أحوالهم بالكائنات و أحوالها على وجود البارئ و صممفاته‬
‫و هو نوع استدللهم غالبا‪ .‬و الجسم الطبيعي الذي ينظر فيه‬
‫الفيلسوف في الطبيعيات و هو بعض مممن هممذه الكائنممات‪ .‬إل‬
‫أن نظره فيها مخالف لنظر المتكلم و هو ينظر فممي الجسممم‬
‫من حيث يتحرك و يسكن و المتكلم ينظر فيه من حيث يممدل‬
‫على الفاعل‪ .‬و كذا نظممر الفيلسمموف فممي اللهيممات إنممما هممو‬
‫نظر في الوجود المطلق و ما يقتضيه لممذاته و نظممر المتكلممم‬
‫فممي الوجممود مممن حيممث إنممه يممدل علممى الموجممد‪ .‬و بالجملممة‬
‫فموضوع علم الكلم عند أهله إنما هو العقممائد اليمانيممة بعممد‬
‫فرضها صحيحة من الشرع من حيث يمكممن أن سممتدل عليهمما‬
‫بالدلة العقلية فترفع البدع و تممزول الشممكوك و الشممبيه عممن‬
‫تلك العقائد و إذا تأملت حال الفن قي حممدوثه و كيممف تممدرج‬
‫كلم النمماس فيممه صممدرا بعممد صممدر و كلهممم يفممرض العقممائد‬
‫صحيحة و يستنهض الحجج و الدلمة علممت حينئذ مما قررنماه‬
‫لممك فممي موضمموع الفممن و أنممه ل يعممدوه‪ .‬و لقممد اختلطممت‬
‫الطريقتان عنممد هممؤلء المتممأخرين و التبسممت مسممائل الكلم‬
‫بمسائل الفلسفة بحيث ل يتميز أحد الفنيممن مممن الخممر‪ .‬و ل‬
‫يحصل عليه طالبه من كتبهم كما فعله البيضاوي في الطوالع‬
‫و من جاء بعدة من علماء العجممم فممي جميممع تممآليفهم‪ .‬إل أن‬
‫هذه الطريقة قد يعنمى بهما بعمض طلبمة العلمم للطلع علمى‬
‫المذاهب و الغراق في معرفة الحجمماج لوفممور ذلممك فيهمما‪ .‬و‬
‫أما محاذاة طريقة السلف بعقائد علممم الكلم فإنممما هممو فممي‬
‫الطريقة القديمة للمتكلمين و أصلها كتاب الرشاد و ما حممذا‬
‫حذوة‪ .‬و مممن أراد إدخممال الممرد علممى الفلسممفة فممي عقممائده‬
‫فعليه بكتب الغزالي و المام ابممن الخطيممب فإنهمما و إن وقممع‬
‫فيها مخالفة للصطلح القديم فليس فيهمما مممن الختلط فممي‬
‫المسممائل و اللتبمماس فممي الموضمموع ممما فممي طريقممة هممؤلء‬
‫المتأخرين من بعدهم و على الجملة فينبغي أن يعلم أن هممذا‬
‫العلم المذي هممو علممم الكلم غيمر ضممروري لهممذا العهممد علممى‬
‫طالب العلم إذ الملحدة و المبتدعة قد انقرضوا و الئمة‪ .‬من‬
‫أهل السنة كفونا شأنهم فيما كتبوا و دونمموا و الدلممة العقليممة‬
‫إنما احتاجوا إليها حين دافعوا و نصروا‪ .‬و أممما الن فلممم يبممق‬
‫منها إل كلم تنزه الباري عن كممثير إيهاممماته و إطلقممه و لقممد‬
‫سئل الجنيد رحمه الله عممن قمموم مممر بهممم بعممض المتكلميممن‬
‫يفيضون فيممه فقممال‪ :‬ممما هممؤلء ؟ فقيممل‪ :‬قمموم ينزهممون اللممه‬
‫بالدلة عن صممفات الحممدوث و سمممات النقممص‪ .‬فقممال‪ :‬نفممي‬
‫العيب حيث يستحيل العيب عيب لكن فائدته في آحاد الناس‬
‫و طلبة العلم فائدة معتبرة إذ ل يحسن بحامل السنة الجهممل‬
‫بالحجج النظرية على عقائدها‪ .‬و الله ولي المؤمنين‪.‬‬

‫الفصممل الحممادي عشممر‪ :‬فممي أن عممالم الحمموادث‬


‫الفعلية إنما يتم بالفكر‬
‫اعلم أن عالم الكائنات يشتمل على ذوات محضة‪ ،‬كالعناصممر‬
‫و آثارها و المكونات الثلثة عنها‪ .‬التي هي المعدن و النبات و‬
‫الحيوان‪ .‬و هذه كلها متعلقات القممدرة اللهيممة و علممى أفعممال‬
‫صادرة عممن الحيوانممات‪ ،‬واقعممة بمقصممودها‪ ،‬متعلقممة بالقممدرة‬
‫التي جعل الله لها عليها‪ :‬فمنها منتظم مرتب‪ ،‬و هي الفعممال‬
‫البشممرية‪ ،‬و منهمما غيممر منتظممم و ل مرتممب‪ ،‬و هممي أفعممال‬
‫الحيوانممات غيممر البشممر‪ .‬و ذلممك الفكممر يممدرك الممترتيب بيممن‬
‫الحمموادث بممالطبع أو بالوضممع‪ ،‬فممإذا قصممد إيجمماد شمميء مممن‬
‫الشياء‪ ،‬فلجل الترتيب بين الحوادث لبد من التفطن بسممببه‬
‫أو علته أو شرطه‪ ،‬و هي على الجملة مبممادئه‪ ،‬إذ ل يوجممد إل‬
‫ثانيمما عنهمما و ل يمكممن إيقمماع المتقممدم متممأخرا‪ ،‬و ل المتممأخر‬
‫متقدما‪ .‬و ذلك المبدأ قد يكون له مبدأ آخر من تلك المبممادئ‬
‫ل يوجد إل متأخرا عنه‪ ،‬و قد يرتقي ذلك أو ينتهي‪ .‬فإذا انتهى‬
‫إلى آخر المبادىء في مرتبتين أو ثلث أو أزيممد‪ ،‬و شممرع فممي‬
‫العمل الذي يوجد به ذلممك الشمميء بممدأ بالمبممدأ الخيممر الممذي‬
‫انتهى إليه الفكر‪ ،‬فكان أول عمله‪ .‬ثم تابع ما بعده إلممى آخممر‬
‫المسببات التي كممانت أول فكرتممه‪ .‬مثل‪ :‬لممو فكممر فممي إيجمماد‬
‫سقف يكنه انتقل بذهنه إلممى لحممائط الممذي يممدعمه‪ ،‬ثممم إلممى‬
‫الساس الذي يقف عليه الحائط فهو آخر الفكر‪ .‬ثم يبدأ فممي‬
‫العمل بالساس‪ ،‬ثم بالحائط‪ ،‬ثم بالسقف‪ ،‬و هو آخر العمل‪.‬‬
‫و هذا معنى قولهم‪ :‬أول العمل آخممر الفكممرة‪ ،‬و أول الفكممرة‬
‫آخر العمل فل يتم فعل النسان فممي الخممارج إل بممالفكر فممي‬
‫هذه المرتبات لتوقف بعضها على بعض‪ .‬ثم يشرع في فعلها‪.‬‬
‫و أول هذا الفكر هو المسبب الخير‪ ،‬و هو آخرها في العمل‪.‬‬
‫و أولها في العمل هو المسبب الول و هو آخرها في الفكممر‪.‬‬
‫و لجل العثور على هذا الترتيب يحصل النتظام في الفعممال‬
‫البشرية‪.‬‬
‫و أما الفعال الحيوانية لغير البشر فليس فيهمما انتظممام لعممدم‬
‫الفكر الممذي يعممثر بممه الفاعممل علممي الممترتيب فيممما يفعممل‪ .‬إذ‬
‫الحيوانات إنما تدرك بالحواس و مدركاتها متفرقة خليممة مممن‬
‫الربط لنة ل يكون إل بالفكر‪ .‬و لما كانت الحواس المعتممبرة‬
‫في عالم الكائنات هي المنتظمة‪ ،‬و غير المنتظمة إنممما هيممى‬
‫تبع لها‪ .‬اندرجت حينئذ أفعال الحيوانات فيها‪ ،‬فكانت مسخرة‬
‫للبشر‪ .‬و استولت أفعال البشر على عالم الحوادث‪ .‬بما فيه‪،‬‬
‫فكان كله فممي طمماعته و تسممخره‪ .‬و هممذا معنممى السممتحلف‬
‫المشار إليه في قوله تعمالى‪ :‬إنمي جاعمل فمي الرض خليفمة‬
‫فهذا الفكر هو الخاصة البشممرية الممتي تميممز بهمما البشممر عممن‬
‫غيره من الحيوان‪ .‬و على قدر حصول السباب و المسممببات‬
‫في الفكر مرتبة تكون إنسانيتة‪ .‬فمن الناس مممن تتمموالى لممه‬
‫السببية في مرتبتين أو ثلث‪ ،‬و منهم من ل يتجاوزها‪ ،‬و منهم‬
‫من ينتهي إلى خمس أو ست فتكون إنسانيته أعلى‪ .‬و اعتممبر‬
‫ذلك بلعب الشطرنج‪ :‬فإن فممي اللعممبين مممن يتصممور الثلث‬
‫حركات و الخمس الذي ترتيبهما وضمعي‪ ،‬و منهمم ممن يقصممر‬
‫عن ذلك لقصور ذهنه‪ .‬و إن كان هذا المثال غير مطابق‪ .‬لن‬
‫لعممب الشممطرنج بالملكممة‪ ،‬و معرفممة السممباب و المسممببات‬
‫بالطبع‪ .‬لكنه مثال يحتذي به الناظر في تعقل ممما يممورد عليممه‬
‫من القواعد‪ .‬و الله خلق النسممان و فضممله علممى كممثير ممممن‬
‫خلق تفضيل‪.‬‬

‫الفصل الثاني عشر في العقل التجريممبي و كيفيممة‬


‫حدوثه‬
‫إنك تسمع في كتب الحكممماء قممولهم أن النسممان هممو مممدني‬
‫الطبع‪ ،‬يذكرونه في إثبات النبوات و غيرها‪ .‬و النسبة فيه إلى‬
‫المدينة‪ ،‬و هي عندهم كناية عن الجتممماع البشممري‪ .‬و معنممى‬
‫هذا القول‪ ،‬أنة ل تمكممن حيمماة المنفممرد مممن البشممر‪ ،‬و ل يتممم‬
‫وجوده إل مع أبناء جنسه‪ .‬و ذلك لما هو عليه من العجز عممن‬
‫استكمال وجوده و حياته‪ ،‬فهو محتاج إلى المعاونة في جميممع‬
‫حاجاته أبدا بطبعه‪ .‬و تلك المعاونة لبممد فيهمما مممن المفاوضممة‬
‫أول‪ ،‬ثم المشاركة و ما بعدها‪ .‬و ربممما تفضممي المعاملممة عنممد‬
‫اتحاد العراض إلى المنازعة و المشاجرة فتنشممأ المنممافرة و‬
‫المؤالفة‪ .‬و الصداقة و العداوة‪ .‬و يؤول إلى الحرب و السلم‬
‫بين المم و القبائل‪ .‬و ليس ذلك على أي وجه اتفق‪ ،‬كما بين‬
‫الهمل من الحيوانات‪ ،‬بممل للبشممر يممما جعممل اللممه فيهممم مممن‬
‫انتظام الفعال و ترتيبها بالفكر كما تقدم‪ .‬جعل منتظما فيهم‬
‫و يسممرهم ليقمماعه علممى وجمموه سياسممية و قمموانين حكميممة‪.‬‬
‫ينكبون فيها عن المفاسد إلى المصالح‪ ،‬و عممن الحسممن إلممى‬
‫القبيممح‪ ،‬بعممد أن يميممزوا القبممائح و المفسممدة‪ .‬بممما ينشممأ عممن‬
‫الفعل من ذلك عن تجربة صحيحة‪ ،‬و عمموائد معروفممة بينهممم‪،‬‬
‫فيفارقون الهمل من الحيمموان‪ .‬و تظهممر عليهمم نتيجمة الفكممر‬
‫في انتظام الفعال و بعدها عن المفاسد‪.‬‬
‫هذه المعاني التي يحصممل بهمما ذلممك ل تبعممد عممن الحممس كممل‬
‫البعد و ل يتعمق فيها الناظر‪ ،‬بل كلهمما تممدرك بالتجربممة و بهمما‬
‫يستفاد‪ .‬لنها معان جزئية تتعلممق بالمحسوسممات و صممدقها و‬
‫كذبها‪ ،‬يظهر قريبا في الواقع‪ ،‬فيستفيد طالبها حصول العلممم‬
‫بها من ذلك‪ .‬و يستفيد كل واحد من البشر القدر الذي يسممر‬
‫له منها مقتنصمما لممه بالتجربممة بيممن الواقممع فممي معاملممة أبنمماء‬
‫جنسه‪ .‬حتى يتعين له ما يجب و ينبغي‪ ،‬فعل و تركا‪ .‬و تحصل‬
‫في ملبسة الملكة في معاملة أبناء جنسه‪ .‬و مممن تتبممع ذلممك‬
‫سائر عمره حصل له العثور على كل قضية‪ .‬و لبد بما تسعه‬
‫التجربة من الزمن‪ .‬و قد يسهل اللممه علممى كممثير مممن البشممر‬
‫تحصيل ذلك في أقممرب زمممن التجربممة‪ ،‬إذ قلممد فيهمما البمماء و‬
‫المشيخة و الكابر‪ ،‬و لقن عنهم و وعممى تعليمهممم‪ ،‬فيسممتغني‬
‫عن طول المعانات في تتبمع الوقمائع و اقتنماص همذا المعنمى‬
‫من بينها‪ .‬و من فقد العلم في ذلك و التقليممد فيممه أو أعممرض‬
‫عن حسن استماعه و اتباعه‪ ،‬طال عناؤة في التأديب بممذلك‪،‬‬
‫فيجري في غير مألوف و يدركها على غير نسبة‪ ،‬فتوجد آدابه‬
‫و فعاملته سمميئة الوضمماع باديممة الخلممل‪ ،‬و يفسممد حمماله فممي‬
‫معاشه بين أبناء جنسه‪ .‬و هذا معنى القول المشهور‪ :‬من لم‬
‫يؤدبه والده أدبه الزمان‪ .‬أي من لم يلقن الداب في معاملممة‬
‫البشر من والديه و في معناهما المشمميخة و الكممابر و يتعلممم‬
‫ذلك منهم رجع إلى تعلمه بالطبع من الواقعممات علممى تمموالي‬
‫اليام‪ ،‬فيكون الزمان معلمه و مؤدبة لضرورة ذلممك بضممرورة‬
‫المعاونة التي في طبعه‪.‬‬
‫و هذا هو العقل التجريبي‪ ،‬و هو يحصل بعد العقممل التمييممزي‬
‫الذي تقع به الفعممال كممما بينمماه‪ .‬و بعممد هممذين مرتبممة العقممل‬
‫النظري الممذي تكفمل يتفسميره أهمل العلموم‪ ،‬فل تحتماج إلمى‬
‫تفسيره في هذا الكتاب‪ .‬و الله وجعل لكممم السمممع والبصمار‬
‫والفئدة قليل ما تشكرون‪.‬‬
‫الفصممل الثممالث عشممر‪ :‬فممي علمموم البشممر و علمموم‬
‫الملئكة‬
‫إنا نشهد في أنفسنا بالوجممدان الصممحيح وجممود ثلثممة عمموالم‪:‬‬
‫أولها‪ :‬عالم الحس و نعتبره بمدارك الحس الذي شاركنا فيممه‬
‫الحيوانات بالدراك‪ .‬ثم نعتبره الفكر الذي اختممص بممه البشممر‬
‫فنعلم منه وجود النفس النسانية علما ضروريا بما بين جنبينا‬
‫من مدارك العلميممة الممتي هممي فمموق مممدارك الحممس‪ ،‬فممتراه‬
‫عالما آخر فوق عمالم الحمس‪ .‬ثمم نسمتدل علمى عمالم ثمالث‬
‫فوقنا بما نجد فينا من آثاره التي تلقى في أفئدتنا كممالرادات‬
‫و الوجهممات‪ ،‬نحممو الحركممات الفعليممة‪ ،‬فنعلممم أن هنمماك فماعل‬
‫يبعثنمما عليهمما مممن عممالم فمموق عالمنمما و هممو عممالم الرواح و‬
‫الملئكة‪ .‬و فيه ذوات مدركة لوجود آثارها فينا مع ممما بيننمما و‬
‫بينها من المغايرة‪ .‬و ربمما يسمتدل علمى همذا العمالم العلمى‬
‫الروحاني و ذواته بالرؤيا و ما نجممد فممي النمموم‪ ،‬و يلقممى إلينمما‬
‫فيه مممن المممور الممتي نحممن فممي غفلممة عنهمما فممي اليقظممة‪ ،‬و‬
‫تطابق الواقع في الصحيحة منها‪ ،‬فنعلم أنها حق و من عممالم‬
‫الحق‪ .‬و أما أضغاث الحلم فصور خيالية يخزنها الدراك في‬
‫الباطن و يجول فيها الفكر بعد الغيبممة عممن الحممس‪ .‬و ل نجممد‬
‫على هذا العممالم الروحمماني برهانمما أوضممح مممن هممذا‪ ،‬فنعلمممه‬
‫كذلك على الجملة و ل ندرك له تفصيل‪.‬‬
‫و ما يزعمه الحكماء اللهيممون فممي تفصمميل ذواتممه و ترتيبهمما‪،‬‬
‫المسممماة عنممدهم بممالعقول فليممس شمميء مممن ذلممك بيقينممي‬
‫لختلل شممرط البرهممان النظممري فيممه‪ .‬كممما هممو مقممرر فممي‬
‫كلمهم في المنطق‪ .‬لن من شرطه أن تكون قضمماياه أوليممة‬
‫ذاتية‪ .‬و هذه الذوات الروحانيممة مجهولممة الممذاتيات فل سممبيل‬
‫للبرهان فيها‪ .‬و ل يبقى لنا مدرك في تفاصمميل هممذه العمموالم‬
‫إل ما نقتبسه من الشرعيات التي يوضحها اليمان و يحكمها‪.‬‬
‫و أعقد هذه العوالم في مممدركنا عممالم البشممر‪ ،‬لنممه وجممداني‬
‫مشهود في مداركنا الجسمممانية و الروحانيممة‪ .‬و يشممترك فممي‬
‫عالم الحس مع الحيوانات و فممي عممالم العقممل و الرواح مممع‬
‫الملئكة الذين ذواتهم من جنس ذواته‪ ،‬و هممي ذوات مجممردة‬
‫عن الجسمانية و المادة‪ ،‬و عقممل صممرف يتحممد فيممه العقممل و‬
‫العاقممل و المعقممول‪ ،‬و كممأنه ذات حقيقتهمما الدراك و العقممل‪،‬‬
‫فعلومهم حاصلة دائما مطابقة بالطبع لمعلوماتهم ل يقع فيها‬
‫خلل البتة‪.‬‬
‫و علم البشر هو حصول صورة المعلوم في ذواتهم بعد أن ل‬
‫تكون حاصلة‪ .‬فهو كله مكتسب‪ ،‬و المذات المتي يحصمل فيهما‬
‫صور المعلومات و هممي النفممس مممادة هيولنيممة تلبممس صممور‬
‫الوجود بصور المعلومممات الحاصمملة فيهمما شمميئا فشمميئا‪ ،‬حممتى‬
‫تسممتكمل‪ ،‬و يصممح وجودهمما بممالموت فممي مادتهمما و صممورتها‪.‬‬
‫فالمطلوبات فيها مترددة بين النفي و الثبممات دائممما‪ ،‬بطلممب‬
‫أحدهما بالوسط الرابممط بيممن الطرفيممن‪ .‬فممإذا حصممل و صممار‬
‫معلوما افتقر إلى بيممان المطابقممة‪ ،‬و ربممما أوضممحها البرهممان‬
‫الصناعي‪ ،‬لكنه من وراء الحجاب‪ .‬و ليس كالمعاينة التي فممي‬
‫علمموم الملئكممة‪ .‬و قممد ينكشممف ذلممك الحجمماب فيصممير إلممى‬
‫المطابقة بالعيان الدراكي‪ .‬فقد تبين أن البشر جاهل بممالطبع‬
‫للممتردد فممي علمممه‪ ،‬و عممالم بالكسممب و الصممناعة لتحصمميله‬
‫المطلوب بفكرة الشروط الصناعية‪ .‬و كشف الحجاب الممذي‬
‫أشرنا إليه إنما هو بالرياضة بالذكار التي أفضلها صلة تنتهي‬
‫عن الفحشاء و المنكر‪ .‬و بممالتنزه عممن المتنمماولت المهمممة و‬
‫رأسها الصوم‪ ،‬و بالوجهة إلى الله بجميممع قممواه‪ .‬و اللممه علممم‬
‫النسان ما لم يعلم‪.‬‬

‫الفصممل الرابممع عشممر فممي علمموم النبيمماء عليهممم‬


‫الصلة و السلم‬
‫إنا نجد هذا الصنف من البشر تعتريهم حالة إلهية خارجة عن‬
‫منازع البشر و أحوالهم فتغلممب الوجهممة الربانيممة فيهممم علممى‬
‫البشممرية فممي القمموى الدراكيممة و النزوعيممة مممن الشممهوة و‬
‫الغضممب و سممائر الحمموال البدنيممة‪ .‬فتجممدهم متنزهيممن عممن‬
‫الحمموال الربانيممة‪ ،‬مممن العبممادة و الممذكر للممه بممما يقتضممي‬
‫معرفتهم به‪ ،‬فخبرين عنة بما يوحي إليهممم فممي تلممك الحالممة‪،‬‬
‫من هداية المة على طريقة واحممدة و سممنن معهممود منهممم ل‬
‫يتبدل فيهم كأنمة جبلمة فطرهمم اللمه عليهما‪ .‬و قمد تقمدم لنما‬
‫الكلم في الوحي أول الكتاب في فصل المدركين للغيممب‪ .‬و‬
‫بينا هنالك أن الوجود كلممه فممي عمموالمه البسمميطة و المركبممة‬
‫على تركيب طبيعي من أعلها و أسفلها متصلة كلها اتصال ل‬
‫ينخرم‪ .‬و أن الممذوات الممتي فممي آخممر كممل أفممق مممن العمموالم‬
‫مستعدة لن تنقلب إلى الذات التي تجاوزهمما مممن السممفل و‬
‫العلممى‪ .‬اسممتعدادا طبيعيمما‪ .‬كممما فممي العناصممر الجسمممانية‬
‫البسيطة‪ .‬و كما في النخل و الكرم من آخر أفق النبممات مممع‬
‫الحلزون و الصدف من أفق الحيوان و كما في القممردة الممتي‬
‫استجمع فيها الكيس و الدراك مع النسمان صماحب الفكمر و‬
‫الروية‪ .‬و هذا الستعداد الذي في جانب كل أفق من العمموالم‬
‫هو معنى التصال فيها‪.‬‬
‫و فوق العالم البشري عممالم روحمماني‪ ،‬شممهدت لنمما بممه الثممار‬
‫التي فينا منه‪ ،‬بما يعطينا من قمموى الدراك و الرادة فممذوات‬
‫العلممم العممالم إدراك صممرف و تعقممل محممض‪ ،‬و هممو عممالم‬
‫الملئكة‪ ،‬فوجب مممن ذلممك كلممه أن يكممون للنفممس النسممانية‬
‫استعداد للنسلخ من البشرية إلممى الملكيممة‪ .‬لتصممير بالفعممل‬
‫مممن جنممس الملئكممة وقتمما مممن الوقممات‪ .‬و فممي لمحممة مممن‬
‫اللمحات‪ .‬ثم تراجع بشريتها و قد تلقت في عالم الملكية ممما‬
‫كفلت بتبليغه إلى أبناء جنسها مممن البشممر‪ .‬و هممذا هممو معنممى‬
‫الوحي و خطاب الملئكة‪ .‬و النبيمماء كلهممم مفطممورون عليممه‪.‬‬
‫كأنه جبلة لهم و يعممالجون فممي ذلممك النسمملخ مممن الشممدة و‬
‫الغطيط ما هو معروف عنهم‪ .‬و علومهم في تلك الحالة علم‬
‫شهادة و عيان‪ ،‬ل يلحقه الخطأ و الزلل‪ ،‬و ل يقع فيممه الغلممط‬
‫و المموهم‪ ،‬بممل المطابقممة فيممه ذاتيممة لممزوال حجمماب الغيممب و‬
‫حصممول الشممهادة الواضممحة‪ ،‬عنممد مفارقممة هممذه الحالممة إلممى‬
‫البشرية‪ ،‬ل تفارق علمهم الوضمموح‪ .‬استصممحابا لممه مممن تلممك‬
‫الحالة الولى‪ ،‬و لما هم عليه من الذكاء المفضي بهممم إليهمما‪،‬‬
‫يتردد ذلك فيهم دائما إلى أن تكمل هدايممة المممة الممتي بعثمموا‬
‫لها كما في قوله تعالى‪ :‬إنما أنا بشر مثلكم يمموحى إلممي أنممما‬
‫إلهكم إله واحد فاسممتقيموا إليممه واسممتغفروه‪ .‬فممافهم ذلممك و‬
‫راجممع ممما قممدمناه لممك أول الكتمماب‪ ،‬فممي أصممناف المممدركين‬
‫للغيب‪ ،‬يتضح لك شرحه و بيانه‪ ،‬فقد بسممطناه هنالممك بسممطا‬
‫شافيا‪ .‬و الله الموفق‪.‬‬

‫الفصممل الخممامس عشممر فممي أن النسممان جاهممل‬


‫بالذات عالم بالكسب‬
‫قد بينا أول هذه الفصول أن النسان من جنس الحيوانات‪ ،‬و‬
‫أن الله تعالى ميممزه عنهمما بممالفكر الممذي جعممل لممه‪ ،‬يوقممع بممه‬
‫أفعاله على انتظام و هو العقل التمييزي أو يقتنص بممه العلممم‬
‫بالراء و المصلح و المفاسمد ممن أبنماء جنسمه‪ ،‬و همو العقمل‬
‫التجريبي‪ ،‬أو يحصل به في تصور الموجودات غائبا و شمماهدا‪،‬‬
‫على ما هي عليه‪ ،‬و هممو العقممل النظممري‪ ،‬و هممذا الفكممر إنممما‬
‫يحصل له بعد كمال الحيوانية فيممه‪ .‬و يبممدأ مممن التمييممز‪ ،‬فهممو‬
‫قبل التمييز خلو من العلم بالجملممة‪ ،‬معممدود مممن الحيوانممات‪،‬‬
‫لحق بمبدئه في التكوين‪ ،‬من النطفة و العلقة و المضممغة‪ .‬و‬
‫ما حصل له بعد ذلك فهو بما جعل الله له من مدارك الحس‬
‫و الفئدة التي هي الفكر‪ .‬قال تعممالى فممي المتنممان علينمما‪ :‬و‬
‫جعل لكم السمع و البصار و الفئدة فهو فممي الحالممة الولممى‬
‫قبل التمييز هيول فقط‪ .‬لجهله بجميع المعارف‪ .‬ثم تسممتكمل‬
‫صورته بالع لم الذي يكتسبه بآلته‪ ،‬فكمل ذاته النسانية فممي‬
‫وجودها‪ .‬و انظر إلى قوله تعالى مبدأ الوحي على نممبيه اقممرأ‬
‫باسم ربك الذي خلق * خلق النسان من علق * اقممرأ وربممك‬
‫الكرم * الذي علم بممالقلم * علممم النسممان ممما لممم يعلممم أي‬
‫أكسبه من العلم ما لم يكن حاصممل لممه بعممد أن كممان علقممة و‬
‫مضغة فقد كشفت لنا طبيعته و ذاته ما هو عليه مممن الجهممل‬
‫الذاتي و العلم الكسبي و أشارت إليه الية الكريمة تقرر فيه‬
‫المتنان عليه بأول مراتب وجوده‪ .‬و هي النسممانية‪ .‬و حالتمماه‬
‫الفطرية و الكسبية في أول التنزيممل و مبممدأ المموحي‪ .‬و كممان‬
‫الله عليما حكيما‪.‬‬
‫الفصممل السممادس عشممر‪ :‬فممي كشممف الغطمماء عممن‬
‫المتشابه من الكتاب و السنة و ممما حممدث لجممل‬
‫ذلممك مممن طمموائف السممنية و المبتدعممة فممي‬
‫العتقادات‬
‫اعلم أن الله سبحانه بعث إلينا نبينا محمدا صلى الله عليممه و‬
‫سلم يدعونا إلى النجاة و الفوز بالنعيم و أنزل عليممه الكتمماب‬
‫الكريممم باللسممان العربممي المممبين‪ .‬يخاطبنمما فيممه بالتكمماليف‬
‫المفضية بنا إلى ذلك‪ .‬و كان في خلل هممذا الخطمماب‪ ،‬و مممن‬
‫ضروراته‪ ،‬ذكر صفاته سبحانه و أسمائه‪ ،‬ليعرفنا بذاته‪ ،‬و ذكر‬
‫الروح المتعلقة بنا‪ ،‬و ذكر الوحي و الملئكة‪ ،‬الوسائط بينممه و‬
‫بين رسله إلينا‪ .‬و ذكر لنا يوم البعث و إنذاراته و لم يعين لنمما‬
‫الوقت في شيء منه‪ .‬و ثبت في هذا القرآن الكريممم حروفمما‬
‫من الهجاء مقطعة في أوائل بعض سوره‪ ،‬ل سممبيل لنمما إلممى‬
‫فهممم المممراد بهمما‪ .‬و سمممى هممذه النممواع كلهمما مممن الكتمماب‬
‫متشابها‪ .‬و ذم على اتباعها فقال تعالى‪ :‬هو الذي أنزل عليك‬
‫الكتاب منه آيات محكمات هممن أم الكتمماب وأخممر متشممابهات‬
‫فأما الذين فمي قلموبهم زيممغ فيتبعمون ممما تشممابه منممه ابتغماء‬
‫الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إل الله والراسممخون فممي‬
‫العلم يقولون آمنا بممه كممل مممن عنممد ربنمما وممما يممذكر إل أولممو‬
‫اللباب‪ ،‬و حمل العلماء من سمملف الصممحابة و التممابعين هممذه‬
‫الية على أن المحكمات هي المبينات الثابتة الحكممام‪ .‬و لممذا‬
‫قال الفقهاء في اصطلحهم‪ :‬المحكم المتضح المعنى‪ .‬و أممما‬
‫المتشابهات فلهم فيها عبارات‪ .‬فقيممل هممي الممتي تفتقممر إلممى‬
‫نظر و تفسير تصحح معناها‪ ،‬لتعارضها مممع آيممة أخممرى أو مممع‬
‫العقل‪ ،‬فتخفى دللتها و تشتبه‪ .‬و على هذا قال ابممن عبمماس‪:‬‬
‫المتشابه يؤمن به و ل يعمل به و قال مجاهد و عكرمة‪ :‬كلما‬
‫سوى آيات الحكام و القصص متشممابه و عليممه القاضممي أبممو‬
‫بكر و إمام الحرمين‪ .‬و قال الثوري و الشعبي و جماعممة مممن‬
‫علممماء السمملف‪ :‬المتشممابه‪ ،‬ممما لممم يكممن سممبيل إلممى علمممه‪،‬‬
‫كشروط الساعة و أوقممات النممذارات و حممروف الهجمماء فممي‬
‫أوائل السور‪ ،‬و قوله في الية هممن أم الكتمماب أي معظمممة و‬
‫غالبممة و المتشممابه أقلممه‪ ،‬و قممد يممرد إلممى المحكممم‪ .‬ثممم ذم‬
‫المتبعين للمتشابه بالتأويل أو بحملها على معان ل تفهم منها‬
‫في لسان العرب الذي خوطبنمما بممه‪ .‬وسممماهم أهممل زيممغ‪ ،‬أي‬
‫ميل عن الحق من الكفار و الزنادقة و جهلة أهل البدع‪ .‬و أن‬
‫فعلهم ذلك قصممد الفتنممة الممتي هممي الشممرك أو اللبممس علممى‬
‫المممؤمنين أو قصممدا لتأويلهمما بممما يشممتهونه فيقتممدون بممه فمي‬
‫بدعتهم‪.‬‬
‫ثم أخبر سبحانه بأنه استأثر بتأويلها و ل يعلمه إل هو فقال‪ :‬و‬
‫ما يعلم تأويله إل اللممه‪ .‬ثممم أثنممى علممى العلممماء باليمممان بهمما‬
‫فقط‪ .‬فقال‪ :‬و الراسخون في العلم يقولون آمنا بممه‪ .‬و لهممذا‬
‫جعل السلف و الراسخون مستأنفا و رجحمموه علممى العطممف‬
‫لن اليمان بالغيب أبلغ فممي الثنمماء و مممع عطفممه إنممما يكممون‬
‫إيمانا بالشاهد‪ .‬لنهم يعلمون التأويل حينئذ فل يكممون غيبمما‪ .‬و‬
‫يعضد ذلك قوله كل من عند ربنا و يدل على أن التأويل فيهمما‬
‫غيممر معلمموم للبشممر‪ .‬إن اللفمماظ اللغويممة إنممما يفهممم‪ .‬منهمما‬
‫المعاني التي وضعها العرب لها‪ ،‬فممإذا اسممتحال إسممناد الخممبر‬
‫إلى مخبر عنه جهلنا مدلول الكلم حينئذ‪ ،‬و إن جاءنا من عند‬
‫الله فوضنا علمه إليه و ل نشغل أنفسنا بمدلول نلتمسه‪ ،‬فل‬
‫سبيل لنا إلى ذلك‪ .‬و قد قالت عائشممة رضممي اللممه عنهمما‪ :‬إذا‬
‫رأيتم الممذين يجممادلون فممي القممرآن‪ ،‬فهممم الممذين عنممى اللممه‪،‬‬
‫فاحذروهم‪ .‬هذا مذهب السلف في اليات المتشمابهة‪ .‬و جماء‬
‫في السنة ألفاظ مثل ذلك محملها عندهم محمل اليممات لن‬
‫المنبع واحد‪.‬‬
‫و إذا تقررت أصناف المتشابهات على ما قلناه‪ ،‬فلنرجع إلممى‬
‫اختلف الناس فيها‪ .‬فأما ما يرجع منها علممى ممما ذكممروه إلممى‬
‫الساعة و أشراطها و أوقات النذارات و عدد الزبانية وأمثال‬
‫ذلك‪ ،‬فليس هذا و الله أعلم من المتشابه‪ ،‬لنه لممم يممرد فيممه‬
‫لفظ مجمل و ل غيره و إنما هي أزمنة لحادثات اسممتأثر اللممه‬
‫بعلمها بنصه في كتابه و على لسان نبيه‪ .‬و قال‪ :‬إنممما علمهمما‬
‫عند الله‪ .‬و العجب ممن عدها مممن التشممابه‪ .‬و أممما الحممروف‬
‫المقطعة في أوائل السور فحقيقتها حممروف الهجمماء و ليممس‬
‫ببعيد أن تكون مرادة‪ .‬و قد قال الزمخشري‪ :‬فيها إشارة إلى‬
‫بعد الغاية في العجمماز‪ ،‬لن القممرآن المنممزل مؤلممف منهمما‪ ،‬و‬
‫البشر فيها سواء‪ ،‬و التفاوت موجود في دللتها بعد التممأليف‪.‬‬
‫و إن عدل عن هذا الوجه الذي يتضمن الدللة علمى الحقيقمة‬
‫فإنما يكون بنقل صحيح‪ ،‬كقولهم في طه‪ ،‬إنه نداء من طاهر‬
‫و هممادي و أمثممال ذلممك‪ .‬و النقممل الصممحيح متعممذر‪ ،‬فيجيممء‬
‫المتشابه فيها من هذا الوجه‪ .‬و أما الوحي والملئكة و الروح‬
‫و الجممن‪ ،‬فاشممتباهها مممن حمماء دللتهمما الحقيقيممة لنهمما غيممر‬
‫متعارفة‪ ،‬فجاء التشابه فيها من أجل ذلك‪ .‬و قد ألحممق بعممض‬
‫الناس بها كممل ممما فممي معناهمما مممن أحمموال القيامممة و الجنممة‬
‫والممدجال و الفتممن و الشممروط‪ ،‬و ممما هممو بخلف العمموائد‬
‫المألوفة‪ ،‬و هو غير بعيد‪ ،‬إل أن الجمهور ل يوافقممونهم عليممه‪.‬‬
‫و سيما المتكلممون فقممد عينموا محاملهما علممى مما تمراه فمي‬
‫كتبهم‪ ،‬و لم يبق من المتشابه إل الصفات الممتي وصممف اللممه‬
‫بها نفسه في كتممابه و علممى لسممان نممبيه‪ ،‬مممما يمموهم ظمماهره‬
‫نقصا أو تعجيزا‪ .‬و قد اختلف الناس فممي هممذه الظممواهر مممن‬
‫بعد السلف الذين قررنا مذهبهم‪ .‬و تنازعوا و تطرقممت البممدع‬
‫إلى العقائد‪ .‬فلنشر إلى بيان مممذاهبهم و إيثممار الصممحيح منممه‬
‫على الفاسد فنقممول‪ ،‬و ممما تمموفيقي إل بممالله‪ :‬اعلممم أن اللممه‬
‫سبحانه وصف نفسه في كتابه بأنه عالم‪ ،‬قادر‪ ،‬شممديد‪ ،‬حممي‪،‬‬
‫سممميع‪ ،‬بصممير‪ .‬متكلممم‪ ،‬جليممل‪ ،‬كريممم‪ ،‬جممواد‪ ،‬منعممم‪ ،‬عزيممز‪،‬‬
‫عظيم‪ .‬و كذا أثبت لنفسه اليدين و العينين و المموجه و القممدم‬
‫واللسان‪ ،‬إلى غير ذلك من الصفات‪ :‬فمنها ما يقتضي صممحة‬
‫ألوهية‪ .‬مثل العلممم والقممدرة و الرادة‪ .‬ثممم الحيمماة الممتي هممي‬
‫شرط جميعها‪ ،‬و منها ما هي صفة كمال‪ ،‬كالسمع و البصر و‬
‫الكلم‪ ،‬و منهممما مممما يممموهم النقمممص كالسمممتواء و النمممزول و‬
‫المجيممء‪ ،‬و كممالوجه و اليممدين و العينيممن الممتي هممي صممفات‬
‫المحدثات‪ .‬ثم أخبر الشارع أنا نرى ربنا يوم القيامممة كممالقمر‬
‫ليلة البدر‪ ،‬ل نضام في رؤيته كما ثبت في الصحيح‪.‬‬
‫فأممما السمملف مممن الصممحابة و التممابعين فممأثبتوا لممه صممفات‬
‫اللوهية و الكمال و فوضوا إليه ما يوهم النقص ساكتين عممن‬
‫مدلوله‪ .‬ثم اختلف الناس من بعدهم و جاء المعتزلممة فممأثبتوا‬
‫هذه الصفات أحكاما ذهنية مجمردة‪ ،‬و لمم يثبتموا صمفة تقموم‬
‫بذاته‪ .‬و سموا ذلك توحيدا‪ ،‬و جعلوا النسان خالقا لفعاله‪ .‬و‬
‫ل تتعلق بها قدرة الله تعالى‪ ،‬سيما الشرور و المعاصي منها‪،‬‬
‫إذ يمتنع على الحكيم فعلها‪ .‬و جعلمموا مراعمماة الصمملح للعبمماد‬
‫واجبة عليه‪ .‬و سممموا ذلممك عممدل‪ ،‬بعممد أن كممانوا أول يقولممون‬
‫بنفي القدر‪ ،‬و أن المر كله فستأنف بعلممم حممادث و قممدرة و‬
‫إرادة كذلك‪ ،‬كما ورد في الصممحيح‪ .‬و أن عبممد اللممه بممن عمممر‬
‫تبرأ من معبد الجهني و أصحابه القائلين بذلك‪ .‬و انتهى نفممي‬
‫القدر إلى واصل بممن عطمماء الغزالممي‪ ،‬منهممم‪ ،‬تلميممذ الحسممن‬
‫البصري‪ ،‬لعهد عبد الملممك بممن مممروان‪ .‬ثممم آخممرا إلممى معمممر‬
‫السلمي و رجعموا عمن القمول بمه‪ .‬و كمان منهمم أبمو الهمذيل‬
‫العلف‪ ،‬و هو شيخ المعتزلة‪ .‬أخممذ الطريقممة عممن عثمممان بممن‬
‫خالد الطويل عن واصل‪ .‬و كان من صفات القدر‪ ،‬و اتبع رأي‬
‫الفلسفة في نفي الصفات الوجودية لظهور مذاهبهم يومئذ‪.‬‬
‫ثم جاء إبراهيم النظام‪ ،‬و قال بالقدر‪ ،‬و اتبعوه‪ .‬و طالع كتممب‬
‫الفلسفة و شدد في نفي الصممفات و قممرر قواعممد العممتزال‪.‬‬
‫ثممم جمماء الجمماحظ و الكعممبي و الجبممائي‪ .‬و كممانت طريقتهممم‬
‫تسمى علم الكلم‪ :‬إما لما فيها من الحجاج و الجممدال‪ .‬و هممو‬
‫الممذي يسمممى كلممما‪ ،‬و إممما أن أصممل طريقتهممم نفممي صممفة‬
‫الكلم‪ .‬فلهذا كأنما الشافعي يقول‪ :‬حقهم أن يضربوا بالجريد‬
‫و يطاف بهم‪ .‬و قرر هؤلء طريقتهم أثبتوا منهمما و ردوا‪ ،‬إلممى‬
‫أن ظهر الشيخ أبو الحسن الشعري و ناظر بعض مشمميختهم‬
‫في مسائل الصلح و الصلح‪ ،‬فرفض طريقتهم‪ ،‬و كممان علممى‬
‫رأي عبد الله بن سعيد بن كلب و أبممي العبمماس القلنسممي و‬
‫الحرث ابن أسد المحاسبي من أتباع السلف و علممى طريقممة‬
‫السنة‪ .‬فأيد مقالتهم بالحجج الكلميممة و أثبممت الصممفات لممى‬
‫قائمة بذات الله تعممالى‪ ،‬مممن العلممم و القممدرة و الرادة الممتي‬
‫يتم بها دليل التمممانع وتصممح المعجممزات للنبيمماء‪ .‬و كممان مممن‬
‫مذهبهم إثبات الكلم و السمع و البصر لنها وإن أوهم ظاهرا‬
‫النقص بالصوت و الحرف الجسمانيين‪ ،‬فقد وجد للكلم عنممد‬
‫العرب مدلول آخر غير الحروف و الصوت‪ ،‬و هو ما يدور في‬
‫الخلد‪ .‬و الكلم حقيقة فيه دون الول‪ ،‬فأثبتوهمما للممه تعممالى و‬
‫انتفى إيهام النقص‪ .‬و أثبتوا هذه الضفة قديمة عامممة التعلممق‬
‫بشأن الصفات الخممرى‪ .‬و صممار القممرآن اسممما مشممتركا بيممن‬
‫القديم بممذات اللممه تعممالى‪ .‬و هممو الكلم النفسممي و المحممدث‬
‫الذي هو الحممروف المؤلفممة المقممروءة بالصمموات‪ .‬فممإذا قيممل‬
‫قممديم‪ ،‬فممالمراد الول‪ ،‬و إذا قيممل مقممروء‪ ،‬مسممموع‪ ،‬فلدللممة‬
‫القراءة و الكتابة عليه‪ .‬و تممورع المممام أحمممد بممن حنبممل مممن‬
‫إطلق لفظ الحدوث عليه‪ ،‬لنه لم يسمع من السلف قبله‪ :‬ل‬
‫إنممه يقممول أن المصمماحف المكتوبممة قديمممة‪ ،‬و ل أن القممراءة‬
‫الجارية على السنة قديمة‪ .‬و هو شاهدها فحدثه‪ .‬و إنما منعه‬
‫مممن ذلممك الممورع الممذي كممان عليممه‪ .‬و أممما غيممر ذلممك فإنكممار‬
‫للضروريات‪ ،‬و حاشاة منه‪ .‬و أما السمع و البصممر‪ ،‬و إن كممان‬
‫يمموهم إدراك الجارحممة‪ .‬فهممو يممدل أيضمما لغممة علممى إدراك‬
‫المسموع و المبصر و ينتفي إيهام النقممص حينئذ لنممه حقيقممة‬
‫لغويممة فيهممما‪ .‬و أممما لفممظ السممتواء و المجيممء و النممزول و‬
‫الوجه و اليدين و العينين و أمثال ذلك‪ ،‬فعممدلوا عممن حقائقهمما‬
‫اللغوية لما فيها مممن إيهممام النقممص بالتشممبيه إلممى مجازاتهمما‪،‬‬
‫على طريقة العرب‪ ،‬حيث تتعذر حقممائق اللفمماظ‪ ،‬فيرجعممون‬
‫إلى المجاز‪ .‬كما في قمموله تعممالى‪ :‬يريممد أن ينقممض و أمثمماله‪،‬‬
‫طريقة معروفة‪ .‬لهم غير منكرة و ل مبتدعة‪ .‬وحملهممم علممى‬
‫هذا التأويل‪ ،‬و إن كان مخالفا لمذهب السلف فممي التفممويض‬
‫أن جماعة من أتبمماع السمملف و هممم المحممدثون و المتممأخرون‬
‫من الحنابلة ارتكبوا في محمل هذه الصفات فحملوهمما علممى‬
‫صفات ثابتة لله تعالى‪ ،‬مجهولة الكيفية‪ .‬فيقولون في استوى‬
‫على العرش تثبت له استواء‪ ،‬بحيممث مممدلول اللفظممة‪ .‬فممرارا‬
‫من تعطيلممه‪ .‬و ل نقمول بكيفيتممه فمرارا ممن القمول بالتشممبيه‬
‫الممذي تنفيممه آيممات السمملوب‪ ،‬مممن قمموله ليممس كمثلممه شمميء‬
‫سبحان الله عما يصفون تعالى الله عما يقول الظممالمون لممم‬
‫يلد و لم يولد و لم يعلمممون مممع ذلممك أنهممم ولجمموا مممن بمماب‬
‫التشبيه في قولهم بإثبات استواء‪ ،‬و الستواء عند أهل اللغممة‬
‫إنما موضمموعه السممتقرار و التمكممن‪ .‬و هممو جسممماني‪ .‬و أممما‬
‫التعطيممل الممذي يشممنعون بممإلزامه‪ ،‬و هممو تعطيممل اللفممظ‪ ،‬فل‬
‫محممذور فيممه‪ .‬و إنممما المحممذور فممي تعطيممل اللممة‪ .‬و كممذلك‬
‫يشنعون بإلزام التكليف بما ل يطاق و هو تمويه‪ .‬لن التشابه‬
‫لم يقع في التكاليف‪ ،‬ثم يممدعون أن هممذا مممذهب السمملف‪ ،‬و‬
‫حاشا لله من ذلك‪ .‬و إنما مذهب السلف ما قررنمماه أول مممن‬
‫تفويض المراد بها إلممى اللممه‪ ،‬و السممكوت عممن فهمهمما‪ .‬و قممد‬
‫يحتجون لثبات الستواء لله بقول مالك‪ :‬إن الستواء معلمموم‬
‫الثبوت لله و حاشاه من ذلك‪ ،‬لنة يعلممم مممدلول السممتواء‪ .‬و‬
‫إنما أراد أن الستواء معلمموم مممن اللممه‪ ،‬و هممو الجسممماني‪ .‬و‬
‫كيفيته أي حقيقته‪ .‬لن حقائق الصفات كلهمما كيفيممات‪ ،‬و هممي‬
‫مجهولة الثبوت للممه‪ .‬و كممذلك يحتجممون علممى إثبممات المكممان‬
‫بحديث السوداء‪ .‬و أنها لما قال لها النبي صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم‪ :‬أين اللممه ؟ و قممالت فممي السممماء‪ ،‬فقممال أعتقهمما فإنهمما‬
‫مؤمنة‪ .‬والنبي صلى الله عليه و سلم لممم يثبممت لهمما اليمممان‬
‫بإثباتها المكان لله‪ ،‬بل لنها آمنت بما جاء به من ظممواهر‪ ،‬أن‬
‫الله في السماء‪ ،‬فدخلت في جملة الراسخين الذين يؤمنممون‬
‫بالمتشابه من غير كشف عن معناه‪ .‬و القطممع بنفممي المكممان‬
‫حاصل من دليل العقل النافي للفتقار‪ .‬و من أدلممة السمملوب‬
‫المؤذنة بممالتنزيه مثممل ليممس كمثلممه شمميء‪ ،‬وأشممباهه‪ .‬و مممن‬
‫قوله‪ :‬و هو الله في السممموات و فممي الرض‪ ،‬إذ الموجممود ل‬
‫يكون في مكانين‪ ،‬فليست في هذا للمكممان قطعمما‪ ،‬و المممراد‬
‫غيره‪ .‬ثم طممردوا ذلممك المحمممل الممذي ابتممدعوه فممي ظممواهر‬
‫الممموجه و العينيمممن و اليمممدين‪ ،‬و النمممزول و الكلم بمممالحرف‬
‫والصوت يجعلون لها مدلولت أعم من الجسمانية و ينزهونه‬
‫عن مدلول الجسماني منها‪ .‬و هذا شيء ل يعرف في اللغممة‪.‬‬
‫و قد درج على ذلك الول و الخر منهم و نافرهم أهل السنة‬
‫من المتكلمين الشعرية و الحنفيممة‪ .‬و رفضمموا عقممائدهم فممي‬
‫ذلك‪ ،‬و وقع بين متكلمي الحنفية ببخارى و بين المام محمممد‬
‫بن إسماعيل البخاري ما هو معروف‪ .‬و أما المجسمة ففعلوا‬
‫مثل ذلك في إثبممات الجسمممية‪ .‬و أنهمما ل كالجسممام‪ .‬و لفممظ‬
‫الجسم له يثبت في منقول الشرعيات‪ .‬و إنممما جرأهممم عليممه‬
‫إثبات هذه الظواهر‪ ،‬فلم يقتصروا عليممه‪ ،‬بممل توغلمموا و أثبتمموا‬
‫الجسمية‪ .‬يزعمون فيها مثل ذلك و ينزهممونه بقممول متنمماقض‬
‫سفساف‪ ،‬و هو قممولهم‪ :‬جسممم ل كالجسممام‪ .‬و الجسممم فممي‬
‫لغة العرب هو العميق المحدود و غير هممذا التفسممير مممن أنممه‬
‫القمممائم بالمممذات أو المركمممب ممممن الجمممواهر و غيمممر ذلمممك‪،‬‬
‫فاصطلحات للمتكلمين يريممدون بهمما غيممر المممدلول اللغمموي‪.‬‬
‫فلهذا كان المجسمة أوغل في البدعة بل والكفر‪ .‬حيث أثبتوا‬
‫لله وصفا موهما يوهم النقص لممم يممرد فممي كلمممه‪ .‬و ل كلم‬
‫نبيه‪ .‬فقد تبين لك الفرق بيممن مممذاهب السمملف و المتكلميممن‬
‫السنية و المحدثين والمبتدعة من المعتزلة و المجسمممة بممما‬
‫أطلعنمماك عليممه‪ .‬و فممي المحممدثين غلة يسمممون المشممبه‬
‫لتصريحهم بالتشبيه‪ ،‬حتى إنه يحكممى عممن بعضممهم أنممه قممال‪:‬‬
‫أعفمموني مممن اللحيممة و الفممرج و سمملوا عممما بممدا لكممم مممن‬
‫سواهما‪ .‬و إن لم يتأول ذلك لهم‪ ،‬بأنهم يريدون حصر ما ورد‬
‫من هذه الظواهر الموهمة‪ .‬و حملها على ذلك المحمل الذي‬
‫لئمتهم‪ ،‬و إل فهممو كفممر صممريح و العيمماذ بممالله‪ .‬و كتممب أهممل‬
‫السنة مشحونة بالحجاج على هذه البدع‪ .‬و بسط الرد عليهم‬
‫بالدلة الصحيحة‪ .‬و إنما أومأنا إلى ذلك إيماء يتميز به فصول‬
‫المقالت و جملها‪ .‬و الحمممد للممه الممذي هممدانا لهممذا و ممما كنمما‬
‫لنهتدي لول أن هدانا الله‪.‬‬
‫و أما الظواهر الخفية الدلة و الدللة‪ ،‬كممالوحي و الملئكممة و‬
‫الروح و الجن والبرزخ و أحوال القيامممة والممدجال و الفتممن و‬
‫الشممروط‪ .‬و سممائر ممما هممو متعممذر علممى الفهممم أو مخممالف‬
‫للعممادات‪ ،‬فممإن حملنمماه علممى ممما يممذهب إليممه الشممعرية فممي‬
‫تفاصمميله‪ ،‬و هممم أهممل السممنة‪ .‬فل تشممابه‪ ،‬و إن قلنمما فيممه‬
‫بالتشابه‪ ،‬فلنوضح القول فيه بكشممف الحجمماب عنممه فنقممول‪:‬‬
‫اعلم أن العالم البشري أشرف العمموالم مممن الموجممودات‪ ،‬و‬
‫أرفعها‪ .‬و هو و إن اتحدت حقيقممة النسممانية فيممه فلممه أطمموار‬
‫يخالف كل واحد منهمما الخممر بممأحوال تختممص بممه حممتى‪ ،‬كممأن‬
‫الحقائق فيها مختلفة‪.‬‬
‫فممالطور الول‪ :‬عممالمه الجسممماني بحسممه الظمماهر و فكممره‬
‫المعاشي و سائر تصرفاته التي أعطاه إياها وجوده الحاضر‪.‬‬
‫الطور الثاني‪ :‬عالم النوم‪ ،‬و هو تصور الخيال بانفاذ تصمموراته‬
‫جائلة في باطنه فيدرك منها بحواسممه الظمماهرة مجممردة عممن‬
‫الزمنة و المكنة و سائر الحوال الجسمانية‪ ،‬و يشاهدها في‬
‫إمكممان ليممس هممو فيممه‪ .‬و يحممدث للصممالح منهمما البشممرى بممما‬
‫يترقب من مسراته الدنيوية و الخروية‪ ،‬كما وعد به الصممادق‬
‫صمملوات اللممه عليممه‪ .‬و هممذان الطمموران عامممان فممي جميممع‬
‫أشخاص البشر‪ ،‬و هما مختلفان في المدارك كما تراه‪.‬‬
‫الطور الثالث‪ :‬طور النبوة‪ ،‬و هو خاص بإشراف صنف البشر‬
‫بما خصهم الله بممه مممن معرفتممه و توحيممده‪ .‬و تنممزل ملئكتممه‬
‫عليهممم بمموحيه‪ .‬و تكليفهممم بإصمملح البشممر فممي أحمموال كلهمما‬
‫مغايرة للحوال البشرية الظاهرة‪.‬‬
‫الطور الرابع‪ :‬طور الموت الذي تفارق أشممخاص البشممر فيممه‬
‫حيمماتهم الظمماهرة إلممى وجممود قبممل القيامممة يسمممى الممبرزخ‬
‫يتنعمون فيه و يعذبون على حسب أعمالهم ثم يفضممون إلممى‬
‫يوم القيامة الكبرى‪ ،‬و همي دار الجمزاء الكمبر نعيمما و عمذابا‬
‫في الجنة أو في النار‪.‬‬
‫و الطوران الولن شاهدهما وجداني‪ .‬و الطور الثالث النبوي‬
‫شاهده المعجزة و الحوال المختصة بالنبياء‪ ،‬و الطور الرابع‬
‫شاهده ما تنزل على النبياء من وحي الله تعالى فممي المعمماد‬
‫و أحوال البرزخ و القيامة‪ ،‬مع أن العقل يقتضي به‪ ،‬كما نبهنا‬
‫الله عليه‪ ،‬في كثير من آيات البعثة‪ .‬و من أوضح الدللة على‬
‫صحتها أن أشخاص النسان لو لم يكن لهممم وجممود آخممر بعممد‬
‫الموت غير هذه المشاهد يتلقى فيممه أحمموال تليممق بممه‪ .‬لكممان‬
‫إيجاده الول عبثا‪ .‬إذ الموت إذا كان عدما كان مآل الشممخص‬
‫إلى العممدم‪ .‬فل يكممون لوجمموده الول حكمممة‪ .‬و العبممث علممى‬
‫الحكيم محال‪ .‬وإذا تقررت هذه الحوال الربعة‪ ،‬فلنأخممذ فممي‬
‫بيان مدارك النسان فيها كيف تختلف اختلفا بينا يكشف لك‬
‫غور المتشابه‪ .‬فأما مداركه في الطور الول فواضممحة جليممة‪.‬‬
‫قال الله تعالى‪ :‬والله أخرجكم من بطون أمهاتكم ل تعلمممون‬
‫شيئا وجعل لكم السمممع والبصممار والفئدة‪ .‬فبهممذه المممدارك‬
‫يستولي على ملكات المعارف و يستكمل حقيقممة إنسممانية و‬
‫يوفي حق العبادة المفضية به إلى النجاة‪.‬‬
‫و أممما مممداركه فممي الطممور الثمماني‪ .‬و هممو طممور النمموم‪ .‬فهممي‬
‫المدارك التي فممي الحممس الظمماهر بعينهمما‪ .‬لكممن ليسممت فمي‬
‫الجوارح كما هي في اليقظة‪ .‬لكممن الممرأي يممتيقن كممل شمميء‬
‫أدركه في نومه ل يشك فيه و ل يرتاب‪ .‬مع خلو الجوارح عن‬
‫السممتعمال العممادي لهمما‪ .‬و النمماس فممي حقيقممة هممذه الحممال‬
‫فريقان‪ :‬الحكماء‪ ،‬يزعمون أن الصور الخيالية يدفعها الخيممال‬
‫بحركممة الفكممر إلممى الحممس المشممترك الممذي هممو الفصممل‬
‫المشممترك بيممن الحممس الظمماهر و الحممس البمماطن‪ .‬فتصممور‬
‫محسوسة بالظاهر في الحواس كلهمما‪ .‬و يشممكل عليهممم هممذا‬
‫بأن المرائي الصادقة التي هي من الله تعالى أو مممن الملممك‬
‫أثبت و أرسخ في الدراك من المممرائي الخياليممة الشمميطانية‪،‬‬
‫مع أن الخيال فيها على ما قرروه واحد‪.‬‬
‫الفريق الثاني‪ :‬المتكلمون‪ .‬أجملوا فيها القممول‪ .‬و قممالوا‪ :‬هممو‬
‫إدراك يخلقه الله في الحاسة فيقع كممما يقممع فممي اليقظممة‪ .‬و‬
‫هذا أليق و إن كنا ل نتصور كيفيته‪.‬‬
‫و هذا الدراك النومي أوضح شمماهد علممى ممما يقممع بعممده مممن‬
‫المدارك الحسية في الطوار‪.‬‬
‫و أما الطور الثالث‪ ،‬و هممو طممور النبيمماء‪ .‬فالمممدارك الحسممية‬
‫فيهمما مجهولممة الكيفيممة‪ .‬عنممد وجممدانيته عنممدهم بأوضممح مممن‬
‫اليقين‪ .‬فيرى النبي الله و الملئكة‪ .‬و يسمع كلم الله منه أو‬
‫من الملئكة‪ .‬و يرى الجنممة و النممار‪ ،‬و العممرش و الكرسممي‪ ،‬و‬
‫يخترق السموات السبع في إسرائه و يركممب الممبراق فيهمما‪ ،‬و‬
‫يلقى النبيين هنالممك‪ .‬و يصمملى بهممم‪ ،‬و يمدرك أنممواع المممدارك‬
‫الحسية كما يممدرك فممي طمموره الجسممماني و النممومي‪ ،‬بعلممم‬
‫ضممروري يخلقممه اللممه لممه‪ ،‬ل بممالدراك العممادي للبشممر فممي‬
‫الجوارح‪ .‬و ل يلتفت في ذلك إلممى ممما يقمموله ابممن سممينا مممن‬
‫تنزيله أمر النبوة على أمر النوم في دفع الخيال صممورة إلممى‬
‫الحس المشترك‪ .‬فإن الكلم عليهم هنا أشد مممن الكلم فممي‬
‫النوم‪ ،‬لن همذا التنزيمل طبيعمة واحمدة كمما قررنماه‪ ،‬فيكمون‬
‫على هذا حقيقة الوحي و الرؤيا من النبي واحدة في يقينها و‬
‫حقيقتها‪ .‬و ليست كذلك على ما علمت من رؤيا النبي صمملى‬
‫الله عليه و سلم قبل الوحي ستة أشممهر و أنهمما كممانت بمممدة‬
‫الوحي و مقدمته‪ .‬و يشممعر ذلممك بممأنه رؤيممة فممي الحقيقممة‪ .‬و‬
‫كذلك حال الوحي في نفسه فقد كان يصعب عليه و يقاسممي‬
‫منه شدة كما هي في الصحيح‪ .‬حتى كان القرآن يتنزل عليممه‬
‫آيات مقطعات‪ .‬و بعد ذلك نزل عليه براءة فممي غممزوة تبمموك‬
‫جملة واحدة‪ ،‬و هو يسير على ناقته‪ .‬فلو كان ذلك مممن تنممزل‬
‫الفكر إلى الخيال فقط‪ ،‬و من الخيال إلى الحس المشممترك‪،‬‬
‫لم يكن بين هذه الحممالت فممرق‪ .‬و أممما الطممور الرابممع‪ ،‬و هممو‬
‫طور الموات في برزخهم الذي أوله القممبر‪ .‬و هممم مجممردون‬
‫عممن البممدن‪ .‬أو فممي بعثتهممم عنممدما يرجعممون إلممى الجسممام‪.‬‬
‫فمداركهم الحسية موجودة‪ ،‬فيرى الميت في قممبره الملكممان‬
‫يسألنه‪ .‬و يرى مقعده من الجنة أو النار بعيني رأسه‪ ،‬و يرى‬
‫شهود الجنازة و يسمع كلمهم و خفق نعالهم في النصممراف‬
‫عنممه‪ ،‬و يسمممع ممما يممذكرونه بممه مممن التوحيممد أو مممن تقريممر‬
‫الشهادتين‪ ،‬و غير ذلك‪ .‬و في الصحيح أن رسممول اللممه صمملى‬
‫الله عليه و سلم وقف على قليب بدر و فيه قتلى المشركين‬
‫من قريش‪ ،‬و ناداهم بأسمائهم‪ ،‬فقال عمر‪ :‬يا رسممول اللممه !‬
‫أتكلم هؤلء الجيف ؟ فقال صلى الله عليممه و سمملم‪ :‬و الممذي‬
‫نفسي بيده‪ ،‬ما أنتم بأسمع منهم لممما أقممول‪ .‬ثممم فممي البعثممة‬
‫يوم القيامة يعاينون بأسمائهم و أبصارهم كما كممانوا يعمماينون‬
‫في الحياة من نعيم الجنة علممى مراتبممه و عممذاب النممار علممى‬
‫مراتبه‪ ،‬و يرون الملئكة و يرون ربهم‪ ،‬كما ورد في الصحيح‪:‬‬
‫إنكم ترون ربكم يوم القيامة‪ ،‬كالقمر ليلممة البممدر ل تضممامون‬
‫في رؤيته‪ .‬و هذه المدارك لم تكن لهم فممي‪ .‬الحيمماة الممدنيا و‬
‫هي حسية مثلها‪ .‬و تقع في الجوارح بممالعلم الضممروري الممذي‬
‫يخلقه الله كما قلناه‪ .‬و سر هذا أن تعلم أن النفس النسانية‬
‫هي تنشأ بالبدن و بمداركه‪ ،‬فإذا فارقت البدن بنوم أو بموت‬
‫أو صار النبي حالة الوحي من المدارك البشرية إلى المدارك‬
‫الملكية‪ ،‬فقد استصبحت ما كان معها من المممدارك البشممرية‬
‫مجردة عن الجوارح‪ ،‬فيدرك بهمما فممي ذلممك الطممور أي إدراك‬
‫شمماءت منهمما‪ ،‬أرفممع مممن إدراكهمما‪ ،‬و هممي فممي الجسممد‪ .‬قمماله‬
‫الغزالي رحمممه اللممه‪ ،‬و زاد علممى ذلممك أن النفممس النسممانية‬
‫صورة تبقى لها‪ .‬بعد المفارقة فيها العينان و الذنممان و سممائر‬
‫الجوارح المدركة أمثال لها‪ ،‬كان في البدن و صورا‪.‬‬
‫و أنمما أقممول‪ :‬إنممما يشممير بممذلك إلممى الملكممات الحاصمملة مممن‬
‫تصريف هممذه الجمموارح فممي بممدنها زيممادة علممى الدراك‪ .‬فممإذا‬
‫تفطنممت لهممذا كلممه علمممت أن هممذه المممدارك موجممودة فممي‬
‫الطوار الربعة لكن ليس على ما كانت في الحيمماة الممدنيا‪ ،‬و‬
‫إنما هي تختلف بالقوة و الضعف بحسب ما يعممرض لهمما مممن‬
‫الحوال‪ .‬و يشير المتكلمون إلى ذلك إشارة مجملة بأن اللممه‬
‫يخلق فيها علما ضممروريا بتلممك المممدارك‪ .‬أي مممدرك كممان‪ ،‬و‬
‫يعنون به هذا القدر الذي أوضحناه‪ .‬و هذه نبذة أومأنا بها إلى‬
‫ممما يوضممح القممول فممي المتشممابه‪ .‬و لممو أوسممعنا الكلم فيممه‬
‫لقصرت المدارك عنه‪ .‬فلنفرع إلى الله سبحانه في الهداية و‬
‫الفهم عن أنبيائه و كتابه‪ ،‬بما يحصل به الحق في توحيممدنا‪ .‬و‬
‫الظفر بنجاتنا و الله يهدي من يشاء‪.‬‬

‫الفصل السابع عشر‪ :‬في علم التصوف‬


‫هذا العلم من العلوم الشرعية الحادثة في الملممة و أصممله أن‬
‫طريقة هؤلء القوم لم تزل عنممد سمملف المممة و كبارهمما مممن‬
‫الصحابة و التممابعين و مممن بعممدهم طريقممة الحممق والهدايممة و‬
‫أصلها العكوف علممى العبممادة و النقطمماع إلممى اللممه تعممالى و‬
‫العراض عن زخرف الدنيا و زينتها‪ ،‬و الزهد فيما يقبل عليممه‬
‫الجمهور مممن لممذة و مممال و جمماه والنفممراد عممن الخلممق فممي‬
‫الخلوة للعبادة و كان ذلك عاما في الصحابة و السلف‪ .‬فلممما‬
‫فشا القبال على الدنيا في القرن الثمماني و ممما بعممده و جنممح‬
‫الناس إلى مخالطة الدنيا اختص المقبلون على العبادة باسم‬
‫الصوفية و المتصوفة‪ .‬و قال القشيري رحمه الله‪ :‬ول يشممهد‬
‫لهذا السم اشتقاق من جهة العربة و ل قياس‪ .‬و الظاهر أنه‬
‫لقب‪ .‬و من قال اشتقاقه مممن الصممفاء أو مممن الصممفة فبعيممد‬
‫من جهة القياس اللغوي‪ ،‬قال‪ :‬و كذلك من الصوف لنهم لممم‬
‫يختصوا بلبسه‪ .‬قلت‪ :‬و الظهممر إن قيممل بالشممتقاق أنممه مممن‬
‫الصوف و هم في الغالب مختصون بلبسه لما كانوا عليه من‬
‫فخالفه الناس في لبس فاخر الثياب إلى لبس الصوف فلممما‬
‫اختص هؤلء بمذهب الزهد و النفممراد عممن الخلممق و القبممال‬
‫على العبادة اختصوا بمآخذ مدركة لهم و ذلك أن النسان بما‬
‫هو إنسان إنما يتميز عممن سممائر الحيمموان بممالدراك و إدراكممه‬
‫نوعان‪ :‬إدراك للعلوم و المعارف من اليقين و الفن و الشممك‬
‫و المموهم و إدراك للحمموال القائمممة مممن الفممرح و الحممزن و‬
‫القبض و البسممط و الرضممى و الغضممب و الصممبر و الشممكر و‬
‫أمثال ذلك‪ .‬فالروح العاقل والمتصرف فمي البممدن تنشممأ ممن‬
‫إدراكات و إرادات و أحوال و هي التي يميممز بهمما النسممان‪ .‬و‬
‫بعضها ينشأ من بعض كما ينشأ العلممم مممن الدلممة و الفممرح و‬
‫الحزن عن إدراك المؤلم أو المتلذذ به و النشاط عن الحمام‬
‫و الكسل عن العياء‪ .‬و كذلك المريد في مجاهممدته و عبممادته‬
‫لبد و أن ينشأ له عن في مجاهدة حال نتيجة تلك المجاهدة‪.‬‬
‫و تلك الحال إما أن تكون نوع عبادة فترسممخ و تصممير مقاممما‬
‫للمريد و إما أن ل تكممون عبممادة و إنممما تكممون صممفة حاصمملة‬
‫للنفس من حزن أو سرور أو نشاط أو كسل أو غير ذلك من‬
‫المقامات‪ .‬و ل يزال المريد يترقى من مقام إلممى مقممام إلممى‬
‫أن ينتهي إلى التوحيد و المعرفة المتي همي الغايمة المطلوبمة‬
‫للسعادة‪ .‬قال صلى الله عليه و سلم‪ :‬من مممات يشممهد أن ل‬
‫إله إل الله دخل الجنة فالمريد لبد له من الممترقي فممي هممذه‬
‫الطوار و أصلها كلها الطاعة و الخلص و يتقدمها اليمممان و‬
‫يصاحبها‪ ،‬و تنشأ عنها الحوال و الصفات نتائج و ثمممرات‪ .‬ثممم‬
‫تنشأ عنها أخرى و أخرى إلى مقام التوحيد و العرفممان‪ .‬و إذا‬
‫وقع‪ ،‬تقصير في النتيجة أو خلل فنعلم أنه إنما أتى مممن قبممل‬
‫التقصير في الذي قبله‪ .‬و كممذلك فممي الخممواطر النفسممانية و‬
‫الواردات القلبية‪ .‬فلهذا يحتاج المريد إلى محاسبة نفسه في‬
‫سائر أعممماله و ينظممر فممي حقائقهمما لن حصممول النتممائج عممن‬
‫العمال ضروري و تصورها من الخلل فيهمما كممذلك‪ .‬و المريممد‬
‫يجد ذلك بذوقه و يحاسب نفسه على أسممبابه‪ .‬و ل يشمماركهم‬
‫فممي ذلممك إل القليممل مممن النمماس لن الغفلممة عممن هممذا كأنهمما‬
‫شاملة‪ .‬و غاية أهل العبادات إذا لم ينتهوا إلى هذا النوع أنهم‬
‫يممأتون بالطاعممات مخلصممة مممن نظممر الفقممه فممي الجممزاء و‬
‫المتثممال‪ .‬و هممؤلء يبحثممون عممن نتائجهمما بممالذواق و المواجممد‬
‫ليطلعوا على أنها خالصة من التقصمير أو ل‪ ،‬فظهممر أن أصممل‬
‫طريقتهممم كلهمما محاسممبة النفممس علممى الفعممال و الممتروك و‬
‫الكلم فمممي همممذه الذواق و المواجمممد المممتي تحصمممل عمممن‬
‫المجاهدات ثم تستقر للمريد مقاما يترقى منها إلى غيرها ثم‬
‫لهم مع ذلك آداب مخصوصة بهممم و اصممطلحات فممي ألفمماظ‬
‫تدور بينهم إذ الوضاع اللغوية إنممما هممي للمعمماني المتعارفممة‪.‬‬
‫فإذا عرض من المعاني ما هممو غيممر متعممارف اصممطلحنا عممن‬
‫التعبير عنه بلفظ يتيسر فهمة منه‪ .‬فلهذا اختممص هممؤلء بهممذا‬
‫النوع من العلم الذي ليس لواحد غيرهم مممن أهممل الشممريعة‬
‫الكلم فيممه‪ .‬و صممار علممم الشممريعة علممى صممنفين‪ :‬صممنف‬
‫مخصوص بالفقهاء و أهل الفتيمما و هممي الحكممام العامممة فممي‬
‫العبادات و العادات و المعاملت‪ .‬و صممنف مخصمموص بمالقوم‬
‫في القيام بهذه المجاهدة و محاسممبة النفممس عليهمما و الكلم‬
‫في الذواق و المواجد العارضة في طريقها و كيفيممة الممترقي‬
‫منها من ذوق إلى ذوق و شرح الصطلحات التي تدور بينهم‬
‫في ذلك‪ .‬فلما كتبت العلوم و دونت و ألف الفقهاء في الفقه‬
‫و أصوله و الكلم و التفسير وغير ذلك‪ .‬كتب رجال مممن أهممل‬
‫هذه الطرقممة فممي طريقهممم فمنهممم مممن كتممب فممي الممورع و‬
‫محاسبة النفس على القتداء فممي الخممذ و الممترك كممما فعلممه‬
‫القشيري في كتاب الرسالة و السهرودي في كتاب عمموارف‬
‫المعارف و أمثالهم‪ .‬و جمع الغزالي رحمه اللمه بيمن المريمن‬
‫في كتاب الحياء فدون فيه أحكام الممورع و القتممداء ثممم بيممن‬
‫آداب القموم وسمننهم و شمرح اصمطلحاتهم فمي عبماراتهم و‬
‫صممار علممم التصمموف فممي الملممة علممما مممدونا بعممد أن كممانت‬
‫الطريقة عبادة فقط و كانت أحكامها إنما تتلقممى مممن صممدور‬
‫الرجال كما وقع في سائر العلمموم الممتي دونممت بالكتمماب مممن‬
‫التفسير و الحديث و الفقه والصول و غير ذلك‪ .‬ثممم إن هممذه‬
‫المجاهدة و الخلوة و الذكر يتبعها غالبا كشف حجاب الحممس‬
‫و الطلع على عمموالم مممن أمممر اللممه ليممس لصمماحب الحممس‬
‫إدراك شيء منها‪ .‬و الممروح مممن تلممك العمموالم‪ .‬و سممبب هممذا‬
‫الكشف أن‪ .‬الروح إذا رجع في الحمس الظماهر إلمى البماطن‬
‫ضعفت أحوال الحس و قويت أحوال الروح و غلممب سمملطانه‬
‫و تجدد نشممؤه أعممان علممى ذلممك الممذكر فممإنه كالغممذاء لتنميممة‬
‫الروح و ل يزال في نمو و تزيد إلى أن يصير شممهودا بعممد أن‬
‫كان علما‪ .‬و يكشف حجاب الحس‪ ،‬و يتم وجود النفس الممتي‬
‫لها من ذاتهمما‪ .‬و هممو عيممن الدراك‪ .‬فيتعممرض حينئذ للمممواهب‬
‫الربانية و العلوم اللدنيممة و الفتممح اللهممي و تقممرب ذاتممه فممي‬
‫تحقيممق حقيقتهمما مممن الفممق العلممى أفممق الملئكممة‪ .‬و هممذا‬
‫الكشف كثيرا ما يعرض لهل المجاهدة فيدركون من حقممائق‬
‫الوجممود مممال يممدرك سممواهم و كممذلك يممدركون كممثيرا مممن‬
‫الواقعات قبل وقوعها و يتصرفون بهممهم و قمموى نفوسممهم‬
‫في الموجودات السممفلية و تصممير طمموع إرادتهممم‪ .‬فالعظممماء‬
‫منهم ل يعتبرون هذا الكشف و ل يتصرفون و ل يخبرون عممن‬
‫حقيقة شيء لم يؤمروا بالتكلم فيه بممل يعممدون ممما يقممع لهممم‬
‫مممن ذلممك محنممة و يتعمموذون منممة إذا همماجمهم‪ .‬و قممد كممان‬
‫الصحابة رضي الله عنهم علممى مثممل هممذه المجاهممدة و كممان‬
‫حظهم من هذه الكرامات أوفر الحظوظ لكنهم لم يقممع لهممم‬
‫بها عناية‪ .‬و فممي فضممائل أبممي بكممر و عمممر و عثمممان و علممي‬
‫رضي الله عنهم كثير منها‪ .‬و تبعهم فممي ذلممك أهممل الطريقممة‬
‫ممممن اشممتملت رسممالة القشمميري علممى ذكرهممم و مممن تبممع‬
‫طريقتهم من بعدهم‪ .‬ثم إن قوممما مممن المتممأخرين انصممرفت‬
‫عنايتهم إلى كشف الحجاب و الكلم في المدارك التي وراءه‬
‫و اختلفت طرق الرياضة عنهم في ذلك باختلف تعليمهم في‬
‫إماتممة القمموى الحسممية و تغذيممة الممروح العاقممل بالممذكر حممتى‬
‫يحصل للنفس إدراكها الممذي لهمما مممن ذاتهمما بتمممام نشمموتها و‬
‫تغذيتها فإذا حصممل ذلممك زعممموا أن الوجممود قممد انحصممر فممي‬
‫مداركها حينئذ و أنهم كشفوا ذوات الوجود و تصوروا حقائقها‬
‫كلها من العرش ثم إلى الطممش‪ .‬هكممذا قممال الغزالممي رحمممه‬
‫الله في كتاب الحياء بعد أن ذكر صورة الرياضة‪ .‬ثم إن هممذا‬
‫الكشف ل يكون صحيحا كامل عندهم إل إذا كممان ناشممئا عممن‬
‫الستقامة لن الكشف قد يحصل لصاحب الجوع و الخلمموة و‬
‫إن لمممم يكمممن هنممماك اسمممتقامة كالسمممحرة و غيرهمممم ممممن‬
‫المرتاضين‪ .‬و ليس مرادنا إل الكشف الناشئ عن الستقامة‬
‫و مثمماله أن المممرآة الصممقيلة إذا كممانت محدبممة أو مقعممرة و‬
‫حوذي بها جهة الممرئي فمإنه يتشمكل فيممه معوجما علممى غيمر‬
‫صورته‪ .‬و إن كانت مسممطحة تشممكل فيهمما المممرئي صممحيحا‪.‬‬
‫فالستقامة للنفس كالنبساط للمرآة فيممما ينطبممع فيهمما مممن‬
‫الحمموال‪ .‬و لممما عنممي المتممأخرون بهممذا النمموع مممن الكشممف‬
‫تكلموا في حقائق الموجممودات العلويممة و السممفلية و حقممائق‬
‫الملك و الروح و العرش و الكرسي و أمثال ذلك‪ .‬و قصممرت‬
‫مدارك من لم يشاركهم فممي طريقهممم عممن فهممم أذواقهممم و‬
‫مواجدهم في ذلك‪ .‬و أهل الفتيما بيممن فنكمر عليهمم و مسملم‬
‫لهم‪ .‬و ليس البرهان و الدليل بنممافع فممي هممذا الطريممق ردا و‬
‫قبول إذ هي من قبيل الوجدانيات‪.‬‬
‫تفصيل و تحقيق‪ :‬يقع كثيرا في كلم أهل العقائد مممن علممماء‬
‫الحممديث و الفقممه أن اللممه تعممالى مبمماين لمخلوقمماته‪ .‬و يقممع‬
‫للمتكلمين أنممة ل مبمماين و ل متصممل‪ .‬و يقممع للفلسممفة أنممة ل‬
‫داخل العالم و ل خارجه‪ .‬و يقع للمتأخرين من المتصوفة أنممه‬
‫متحد بالمخلوقات‪ :‬إما بمعنى الحلول فيها‪ ،‬أو بمعنى إنه هممو‬
‫عينها‪ .‬و ليس هناك غيره جملممة و ل تفصمميل‪ .‬فلنممبين تفصمميل‬
‫هذه المذاهب و نشرح حقيقممة كممل واحممد منهمما‪ ،‬حممتى تتضممح‬
‫معانيها فنقول‪ ،‬إن المباينة تقال لمعنيين‪:‬‬
‫أحدهما المباينة في الحيز و الجهة‪ ،‬و يقابله التصال‪ .‬و نشعر‬
‫هذه المقابلة علممى هممذه التقيممد‪ .‬بالمكممان إممما صممريحا و هممو‬
‫تجسيم‪ ،‬أو لزوما و هو تشبيه من قبيل القممول بالجهممة‪ .‬و قممد‬
‫نقل مثله عن بعض علماء السلف من التصريح بهذه المباينة‪،‬‬
‫فيحتمل غير هذا المعنى‪ .‬و مممن أجممل ذلممك أنكممر المتكلمممون‬
‫هذه المباينة وقالوا‪ :‬ل يقال في البارئ أنة مبمماين مخلوقمماته‪،‬‬
‫و ل متصل بها‪ ،‬لن ذلك إنممما يكممون للمتحيممزات‪ .‬و ممما يقممال‬
‫من أن المحل ل يخلو عممي التصمماف بممالمعنى و ضممده‪ .‬فهممو‬
‫مشروط بصحة التصاف أول‪ ،‬و أما مع امتناعه فل‪ ،‬بل يجمموز‬
‫الخلو عن المعنى و ضده‪ .‬كما يقال في الجماد‪ ،‬ل عممالم و ل‬
‫جاهممل‪ ،‬و ل قممادر و ل عمماجز ول كمماتب و ل أمممي‪ .‬و صممحة‬
‫التصاف بهذه المباينة مشروط بالحصول في الجهة على ممما‬
‫تقرر من مدلولها‪ .‬و البارئ سبحانه منزه عن ذلك‪ .‬ذكره ابن‬
‫التلمساني في شرح اللمع لمام الحرمين و قممال‪ :‬و ل يقممال‬
‫في البارئ مباين للعالم و ل متصممل بممه‪ ،‬و ل داخممل فيممه و ل‬
‫خارج عنة‪ .‬و هو معنى ما يقول الفلسفة أنة ل داخل العممالم‬
‫و ل خارجه‪ ،‬يناء على وجود الجواهر غير المتحيزة‪ .‬و أنكرهمما‬
‫المتكلمون لما يلزم من مساواتها للبارئ في أخص الصفات‪.‬‬
‫و هو مبسوط في علم الكلم‪.‬‬
‫وأما المعنى الخر للمباينة‪ ،‬فهو المغايرة و المخالفة فيقممال‪:‬‬
‫البارئ مباين لمخلوقاته في ذاته و هويته و وجوده و صممفاته‪.‬‬
‫و يقممابله التحمماد و المممتزاج والختلط‪ .‬و هممذه المباينممة هممي‬
‫مذهب أهل الحق كلهم من جمهور السلف و علماء الشممرائع‬
‫و المتكلمين و المتصوفة القدمين أهممل الرسممالة و مممن نحمما‬
‫منحمماهم‪ .‬و ذهممب جماعممة مممن المتصمموفة المتممأخرين الممذين‬
‫صمميروا المممدارك الوجدانيممة علميممة نظريممة‪ ،‬إلممى أن البممارئ‬
‫تعالى متحد بمخلوقاته في هويته و وجوده و صممفاته‪ .‬و ربممما‬
‫زعموا أنة مذهب الفلسممفة قبممل أرسممطو‪ ،‬مثممل أفلطممون و‬
‫سقراط‪ ،‬و هو الذي يقينه المتكلمون حيث ينقلونه فممي علممم‬
‫الكلم عن المتصوفة و يحاولون الرد عليه لنه ذاتممان‪ ،‬تنتفممي‬
‫إحداهما‪ ،‬أو تندرج اندراج الجزء‪ .‬فإن تلك مغايرة صممريحة‪ .‬و‬
‫ل يقولممون بممذلك‪ .‬و هممذا التحمماد هممو الحلممول الممذي تممدعيه‬
‫النصارى في المسيح عليه السمملم و هممو أغممرب لنممه حلممول‬
‫قديم في محممدث أو اتحمماده بممه‪ .‬و هممو أيضمما عيممن ممما تقمموله‬
‫المامية مممن الشمميعة فمي الئمممة‪ .‬و تقريممر همذا التحمماد فمي‬
‫كلمهم على طريقين‪:‬‬
‫الولمى‪ :‬أن ذات القمديم كائنمة فمي المحمدثات محسوسمها و‬
‫معقولها‪ ،‬متحدة بها في المتصورين‪ ،‬و هي كلها مظاهر له‪ ،‬و‬
‫هو القائم عليها‪ ،‬أي المقدم لوجودها بمعنى لوله كانت عدما‬
‫و هو رأي أهل الحلول‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬طريق أهل الوحدة المطلقة و كأنهم استشممعروا مممن‬
‫تقرير أهل الحلول الغيرية المنافية لمعقممول التحمماد‪ ،‬فنفوهمما‬
‫بين القديم و بين المخلوقات في الذات و الوجود و الصفات‪.‬‬
‫و غالطوا في غيرية المظاهر المدركة بممالحس و العقممل بممأن‬
‫ذلك من المدارك البشرية‪ ،‬و هي أوهام‪ .‬و ل يريممدون المموهم‬
‫الذي هو قسيم العلم و الفن و الشك‪ ،‬إنما يريدون أنهمما كلهمما‬
‫عدم في الحقيقة‪ ،‬و وجود فمي المممدرك البشممري فقمط‪ .‬و ل‬
‫وجود بالحقيقة إل للقديم‪ ،‬ل في الظاهر و ل في الباطن كما‬
‫نقرره بعد‪ ،‬بحسب المكان‪ .‬و التعويل في تعقممل ذلممك علممى‬
‫النظر و الستدلل‪ ،‬كما في المدارك البشرية‪ ،‬غير مفيد‪ ،‬لن‬
‫ذلك إنما نقل من المدارك الملكية‪ ،‬وإنما هي حاصلة للنبيمماء‬
‫بالفطرة و من بعدهم للوليمماء بهممدايتهم‪ .‬و قصممد مممن يقصممد‬
‫الحصول عليها بالطريقة العلمية ضمملل‪ .‬و ربممما قصممد بعممض‬
‫المصنفين ذلك في كشف الموجودات و ترتيب حقائقه علممى‬
‫طريق أهل المظاهر فأتى يالغمض فالغمض‪.‬‬
‫و ربما قصد بعض المصنفين بيان مذهبهم في كشف الوجممود‬
‫و ترتيب حقائقه فأتى بالغمض فالغمض بالنسممبة إلممى أهممل‬
‫النظر و الصممطلحات و العلمموم كممما فعممل الفرغمماني شممارح‬
‫قصيدة ابن الفارض في الديباجة التي كتبهمما فممي صممدر ذلممك‬
‫الشرح فإنه ذكر في صدور الوجود عممن الفاعممل و ترتيبممه أن‬
‫الوجممود كلممه صممادر عممن صممفة الوحدانيممة الممتي هممي مظهممر‬
‫الحدية و هما معا صادران عن الذات الكريمة التي هي عيمن‬
‫الوحدة ل غير‪ .‬و يسمون هذا الصدور بالتجلي‪ .‬و أول مراتب‬
‫التجليممات عنممدهم تجلممي الممذات علممى نفسممه و هممو يتضمممن‬
‫الكمال بإفاضة اليجمماد و الظهممور لقمموله فممي الحممديث الممذي‬
‫يتناقلونه‪ :‬كنت كنزا مخفيا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلممق‬
‫ليعرفوني و هذا الكمال فممي اليجمماد المتنممزل فممي الوجممود و‬
‫تفصمميل الحقممائق و هممو عنممدهم عممالم المعمماني و الحضممرة‬
‫الكمالية و الحقيقة المحمدية و فيها حقائق الصفات و اللمموح‬
‫و القلم و حقائق النبياء و الرسل أجمعين و الكمل من أهممل‬
‫الملة المحمديممة‪ .‬و هممذا كلممه تفصمميل الحقيقممة المحمديممة‪ .‬و‬
‫يصدر عن هذه الحقائق حقائق أخرى في الحضرة الهبائيممة و‬
‫هي مرتبة المثال ثم عنها العرش ثم الكرسي ثم الفلك‪ ،‬ثم‬
‫عالم العناصر‪ ،‬ثم عالم التركيب‪ .‬هذا فممي عممالم الرتممق فممإذا‬
‫تجلت فهي في عالم الفتق‪ .‬و يسمممى هممذا المممذهب مممذهب‬
‫أهل التجلي و المظاهر و الحضرات و هو كلم ل يقتممدر أهممل‬
‫النظر إلى تحصيل مقتضاه لغموضه و انغلقه و بعممد ممما بيممن‬
‫كلم صاحب المشاهدة و الوجدان و صمماحب الممدليل‪ .‬و ربممما‬
‫أنكر بظاهر الشرع‪ .‬هذا الترتيب و كذلك ذهب آخممرون منهممم‬
‫إلى القول بالوحدة المطلقة و هو رأي أغرب مممن الول فممي‬
‫تعقلممه و تفمماريعه‪ .‬يزعمممون فيممه أن الوجممود لممه قمموى فممي‬
‫تفاصيله بها كانت حقائق الموجممودات و صممورها و موادهمما‪ .‬و‬
‫العناصر إنما كانت بما فيها من القوى و كذلك مادتها لها فممي‬
‫نفسها قوة بها كان وجودها‪ .‬ثم إن المركبات فيها تلك القوى‬
‫متضمنة في القوة التي كان بهمما الممتركيب‪ ،‬كممالقوة المعدنيممة‬
‫فيها قوى العناصر بهيولها و زيادة القوة المعدنية ثممم القمموة‬
‫الحيوانية تتضمن القوة المعدنية و زيادة قوتها فممي نفسممها و‬
‫كذا القوة النسمانية ممع الحيوانيمة ثمم الفلمك يتضممن القموة‬
‫النسانية و زيادة‪ .‬و كذا الذوات الروحانيممة و القمموة الجامعممة‬
‫للكل من غير تفصيل هي القوة اللهية التي انبثت في جميممع‬
‫الموجودات كلية و جزئية و جمعتهمما و أحمماطت بهمما مممن كممل‬
‫وجه‪ .‬ل من جهة الظهور و ل من جهممة الخفمماء و ل مممن جهممة‬
‫الصورة و ل من جهة المادة فالكل واحد و هممو نفممس الممذات‬
‫اللهيممة و هممي فممي الحقيقممة واحممدة بسمميطة و العتبممار هممو‬
‫المفصل لها كالنسانية مممع الحيوانيممة‪ .‬أل تممرى أنهمما مندرجممة‬
‫فيها و كائنة بكونها‪ .‬فتارة يمثلونها بالجنس مع النوع‪ ،‬في كل‬
‫موجود كممما ذكرنمماه و تممارة بالكممل مممع الجممزء علممى طريقممة‬
‫المثال‪ .‬و هم في هذا كله يفرون من التركيب و الكثرة بوجه‬
‫من الوجوه و إنممما أوجبهمما عنممدهم المموهم و الخيممال‪ .‬و الممذي‬
‫يظهر من كلم ابن دهقان في تقرير هذا المذهب أن حقيقممة‬
‫ما يقولونه في الوحدة شبيه بما تقوله الحكممماء فممي اللمموان‬
‫من أن وجودها مشروط بالضوء فممإذا عممدم الضمموء لممم تكممن‬
‫اللوان موجودة بوجه‪ .‬و كذا عندهم الموجودات المحسوسممة‬
‫كلها مشممروطة بوجممود المممدرك الحسممي‪ ،‬بممل و الموجممودات‬
‫المعقولة و المتوهمة أيضا مشروطة بوجود المممدرك العقلممي‬
‫فإذا الوجود المفصل كله مشروط بوجود المممدرك البشممري‪.‬‬
‫فلو فرضنا عدم المدرك البشري جملة لم يكن هناك تفصيل‬
‫الوجود بل هو بسيط واحد فالحر و الممبرد و الصمملبة و الليممن‬
‫بل والرض و الماء و النار و السماء و الكواكب‪ ،‬إنما وجممدت‬
‫لوجممود الحممواس المدركممة لهمما لممما جعممل فممي المممدرك مممن‬
‫التفصيل الذي ليس فممي الموجممود و إنممما هممو فممي المممدارك‬
‫فقط فإذا فقدت المدارك المفصلة فل تفصيل إنما هو إدراك‬
‫واحد و هو أنا ل غيره‪ .‬و يعتبرون ذلممك بحممال النممائم فممإنه إذا‬
‫نام و فقد الحس الظاهر فقد كل محسمموس و هممو فممي تلممك‬
‫الحال إل ما يفصله له الخيال‪ .‬قالوا‪ :‬فكذا اليقظان إنما يعتبر‬
‫تلك المدركات كلها على التفصيل بنوع مممدركه البشممري ولممو‬
‫قدر فقد مدركه فقد التفصيل و هذا هو معنى قولهم الموهم‬
‫ل الوهم الذي هو من جملة المممدارك البشممرية‪ .‬هممذا ملخممص‬
‫رأيهم على ممما يفهممم مممن كلم ابممن دهقممان و هممو فممي غايممة‬
‫السقوط لنا نقطع بوجود البلد الذي نحممن مسممافرون عنممه و‬
‫إليه يقينا مممع غيبتممه عممن أعيننمما و بوجممود السممماء المظلممة و‬
‫الكواكب و سائر الشياء الغائبة عنا‪ .‬و النسان قاطع بذلك و‬
‫ل يكممابر أحممد نفسممه فممي اليقيممن مممع أن المحققيممن مممن‬
‫المتصوفة المتأخرين يقولممون إن المريممد عنممد الكشممف ربممما‬
‫يعرض له تمموهم هممذه الوحممدة و يسمممى ذلممك عنممدهم مقممام‬
‫الجمع ثم يترقى عنه إلى التمييز بيممن الموجممودات و يعممبرون‬
‫عن ذلك بمقام الفممرق و هممو مقممام العممارف المحقممق و لبممد‬
‫للمريد عندهم من عقبة الجمع و هي عقبة صعبة لنه يخشى‬
‫على المريد من وقمموفه عنممدها فتخسممر صممفقته فقممد تممبينت‬
‫مراتب أهل هذه الطريقة ثممم إن كممل هممؤلء المتممأخرين مممن‬
‫المتصوفة المتكلمين في الكشف و فيما وراء الحس توغلمموا‬
‫في ذلك فذهب الكثير منهم إلى الحلول و الوحدة كما أشرنا‬
‫إليه و ملئوا الصحف منه مثل الهروي في كتاب المقامات له‬
‫و غيره‪ .‬و تبعهم ابن العربي و ابممن سممبعين و تلميممذهما ابممن‬
‫العفيف وابن الفارض و النجم السممرائيلي فممي قصممائدهم‪ .‬و‬
‫كان سلفهم مخالطين للسماعيلية المتممأخرين مممن الرافضممة‬
‫الدائنين أيضا بالحلول و إلهية الئمة مذهبا لم يعممرف لولهممم‬
‫فأشممرب كممل واحممد مممن الفريقيممن مممذهب الخممر‪ .‬و اختلممط‬
‫كلمهممم و تشممابهت عقممائدهم‪ .‬و ظهممر فممي كلم المتصمموفة‬
‫القول بالقطب و معناه رأس العارفين‪ .‬يزعمون أنه ل يمكن‬
‫أن يساويه أحد في مقامه في المعرفة حتى يقبضه الله‪ .‬ثممم‬
‫يورث مقامه لخر من أهل العرفان‪ .‬و قد أشار إلى ذلك ابن‬
‫سينا في كتاب الشارات فممي فضممول التصمموف منهمما فقممال‪:‬‬
‫جل جناب الحق أن يكون شرعة لكل وارد أو يطلممع عليممه إل‬
‫الواحد بعد الواحد‪ .‬و هذا كلم ل تقوم عليه حجة عقليممة‪ ،‬و ل‬
‫دليل شرعي و إنما هممو مممن أنممواع الخطابممة و هممو بعينممه ممما‬
‫تقوله الرافضة و دانوا به‪ .‬ثم قالوا بترتيب وجود البدال بعممد‬
‫هذا القطب كممما قمماله الشمميعة فممي النقبمماء‪ .‬حممتى إنهممم لممما‬
‫أسممندوا لبمماس خرقممة التصمموف ليجعلمموه أصممل لطريقتهممم و‬
‫نحلتهم رفعوه إلى علي رضي الله عنه و هو من هذا المعنى‬
‫أيضا‪ .‬و إل فعلي رضي الله عنه لم يختص من بيممن الصممحابة‬
‫بتخليه و ل طريقة في لبمماس و ل حممال‪ .‬بممل كممان أبممو بكممر و‬
‫عمر رضي الله عنهما أزهد الناس بعد رسول الله صلى اللممه‬
‫عليه و سلم و أكممثرهم عبممادة‪ .‬و لممم يختممص أحممد منهممم فممي‬
‫الدين بشيء يؤثر عنه في الخصوص بل كان الصممحابة كلهممم‬
‫أسوة في الدين و الزهد و المجاهدة‪.‬‬
‫تشهد بذلك سيرهم و أخبارهم‪ ،‬نعم إن الشمميعة يخيلممون بممما‬
‫ينعلون من ذلك اختصاص علي رضي الله عنه بالفضائل دون‬
‫من سواه من الصحابة ذهابا مع عقائد التشيع المعروفة لهم‪.‬‬
‫و المممذي يظهمممر أنمممي المتصممموفة بمممالعراق‪ ،‬لمممما ظهمممرت‬
‫السماعيلية من الشيعة‪ ،‬و ظهممر كلمهممم فممي المامممة و ممما‬
‫يرجع إليها ما هو معروف‪ ،‬فاقتبسوا مممن ذلممك الموزانممة بيممن‬
‫الظمماهر و البمماطن و جعلمموا المامممة لسياسممة الخلممف فممي‬
‫النقياد إلى الشممرع‪ ،‬و أفممردوه بممذلك أن ل يقممع اختلف كممما‬
‫تقرر في الشرع‪ .‬ثم جعلوا القطب لتعليم المعرفة بالله لنممه‬
‫رأس العارفين‪ ،‬و أفردوه بذلك تشبيها بالمام فممي الظمماهر و‬
‫أن يكممون علممى وزانممه فممي البمماطن و سممموه قطبمما لمممدار‬
‫المعرفة عليه‪ ،‬و جعلوا البدال كالنقبمماء مبالغممة فممي التشممبيه‬
‫فتأمل ذلك‪.‬‬
‫يشهد لذلك من كلم هؤلء المتصوفة في أمر الفاطمي و ما‬
‫شحنوا كتبهم في ذلك مما ليس لسلف المتصمموفة فيممه كلم‬
‫بنفي أو إثبات و إنما هو مأخوذ من كلم الشيعة و الرافضة و‬
‫مذاهبهم في كتبهم‪ .‬و الله يهدي إلى الحق‪.‬‬
‫تذييل‪ :‬و قد رأيت أن أجلب هنا فصل من كلم شيخنا العارف‬
‫كبير الولياء بالندلس‪ ،‬أبي مهدي عيسى بن الزيات كان يقع‬
‫له أكثر الوقات على أ بيات الهروي التي وقعت له في كتاب‬
‫المقامات توهم القول بالوحدة المطلقة أو يكاد يصرح بهمما و‬
‫بقوله‪:‬‬
‫إذ كل من وحده جاحد‬ ‫ما وحد الواحد من واحد‬
‫تثنيه أبطلها الواحد‬ ‫توحيد من ينطق عن نعته‬
‫و نعت من ينعته لحد‬ ‫توحيده إياه توحيده‬
‫فيقول رحمه الله على سممبيل العممذر عنممه‪ :‬استشممكل النمماس‬
‫إطلق لفظ الجمود على كل من وحد الواحد و لفممظ اللحمماد‬
‫على من نعته و وصممفه‪ .‬و استبشممعوا هممذه البيممات و حملمموا‬
‫قائلها على الكفر و استخفوه‪ .‬و نحممن نقممول علممى رأي هممذه‬
‫الطائفة أن معنى التوحيد عندهم انتقاء عين الحدوث بثبمموت‬
‫عين القدم و أن الوجود كله حقيقة واحدة وانية واحدة‪ .‬و قد‬
‫قال أبو سعيد الجزار من كبار القوم‪ :‬الحق عيممن ممما ظهممر و‬
‫عين ما بطن‪ .‬و يرون أن وقوع التعدد في تلك الحقيقة وجود‬
‫الثنينية‪ .‬و هم باعتبار حضرات الحس بمنزلة صور الضمملل و‬
‫الصدا و المرأى‪ .‬و أن كل ما سمموى عيممن القممدم‪ ،‬إذا اسممتتبع‬
‫فهو عدم‪ .‬و هذا معنى‪ :‬كان الله‪ ،‬و ل شيء معممه‪ ،‬و هممو الن‬
‫على ما هو عليه كان عندهم‪ .‬و معنى قول كبير الذي صممدقه‬
‫رسول الله صلى الله عليه و سلم في قمموله‪ :‬أل كممل شمميء‪،‬‬
‫ما خل الله باطل‪ .‬قالوا‪ :‬فمن وحد و نعت‪ ،‬فقممد قمال بموجمد‬
‫محدث‪ .‬هو نفسه‪ ،‬و توحيد محدث هممو فعلممه‪ ،‬موجممود قممدير‪،‬‬
‫هو معبود‪.‬‬
‫و قممد تقممدم معنممى التوحيممد انتقمماء عيممن الحممدوث‪ ،‬و عيممن‬
‫الحدوث‪ ،‬الن ثابتة بل متعددة‪ ،‬و التوحيممد مجحممود والممدعوى‬
‫كاذبة‪ .‬كمن يقول لغيره‪ ،‬و هما معا في بيت واحد‪ :‬ليس فممي‬
‫البيت غيرك‪ ،‬فيقول الخر بلسممان حمماله‪ :‬ل يصممح هممذا إل لممو‬
‫عدمت أنت ! و قد قال بعممض المحققيممن فممي قممولهم‪ :‬خلممق‬
‫الله الزممان‪ ،‬همذه ألفماظ تنماقض أصمولها لن خلمق الزممان‬
‫متقدم على الزمان و هو فعل لبد من وقوعه في الزمان‪ .‬و‬
‫إنما حمل ذلك ضيق العبارة عن الحقائق و عجز اللغات عممن‬
‫تأدية الحق فيها و بها‪ .‬فإذا تحقق أن الموحممد هممو الموحممد‪ ،‬و‬
‫عدم ما سواه جملة‪ .‬صح التوحيد حقيقة‪ .‬و هذا معنى قولهم‬
‫ل يعرف الله إل الله و ل حرج على من وحد الحممق مممع بقمماء‬
‫الرسوم و الثار‪ ،‬و إنما هو من باب‪ :‬حسنات البممرار سمميئات‬
‫المقربين‪ .‬لن ذلك لزم التقييد و العبودية و الشفعية‪ .‬و مممن‬
‫ترقى إلى مقام الجمع كان في حقه نقصا‪ ،‬مع علمه بمرتبته‪،‬‬
‫و أنه تلبيس تستلزمه العبودية و يرمعه الشهود و يطهممر مممن‬
‫دنس حدوثه عين الجمع‪ .‬و أعرق الصممناف فممي هممذا الزعممم‬
‫القائلون بالوحدة المطلقة‪ .‬و مدار المعرفة بكل اعتبار علممى‬
‫النتهاء إلى الواحد‪ ،‬و إنما صدر هذا القول من النمماظم علممى‬
‫سبيل التحريض و التنبيه و التفطين لمقام أعلممى ترتفممع فيممه‬
‫الشفعية و يحصل التوحيد المطلق عينمما ل خطابمما‪ .‬و عبممارة‪:‬‬
‫فمن سلم استراح و مممن نممازعته حقيقممة أنممس بقمموله‪ :‬كنممت‬
‫سمعه و بصره‪ .‬و إذا عرفت المعاني ل مشاحة في اللفمماظ‪.‬‬
‫و الذي يفيده هذا كله تحقق أمر فمموق هممذا الطممور‪ ،‬ل نطممق‬
‫فيه و ل خبر عنه‪ .‬و هذا المقدار من الشارة كاف‪ .‬و التعمق‬
‫فممي مثممل هممذا حجمماب‪ .‬و هممو الممذي أوقممع فممي المقممالت‬
‫المعروفة‪ .‬انتهى كلم الشيخ أبي مهدي الزيات‪ ،‬و نقلته مممن‬
‫كتاب الوزير أبي الخطيب الممذي ألفممه فممي المحبممة‪ .‬و سممماه‬
‫التعريف بالحب الشريف‪ .‬و قد سمعته من شيخنا أبى مهدي‬
‫مرارا‪ .‬إل أني رأيت رسوم الكتاب أوعممى لممه‪ .‬لطممول عهممدي‬
‫به‪ .‬و الله الموفق‪.‬‬
‫ثم إن كثيرا من الفقهاء و أهل الفتيا انتدبوا للرد علممى هممؤلء‬
‫المتأخرين في هذه المقالت و أمثالها و شملوا بالنكير سممائر‬
‫ما وقممع لهممم فممي الطريقممة‪ .‬و الحممق أن كلمهممم معهممم فيممه‬
‫تفصيل فإن كلمهممم فمي أربعممة مواضممع‪ :‬أحممدها الكلم علممى‬
‫المجاهدات و ممما يحصممل مممن الذواق و المواجممد و محاسممبة‬
‫النفس على أعمالها لتحصل تلك الذواق التي تصير مقاممما و‬
‫يترقى منة إلى غيره كما قلنمماه و ثانيهمما الكلم فممي الكشممف‬
‫والحقيقة المدركة من عالم الغيمب مثمل الصمفات الربانيمة و‬
‫العرش و الكرسممي والملئكممة و المموحي و النبممؤة و الممروح و‬
‫حقممائق كممل موجممود غممائب أو شمماهد و تركيممب اللمموان فممي‬
‫صدورها عن موجودها و تكونها كما مممر‪ ،‬و ثالثهمما التصممرفات‬
‫فممي العمموالم والكمموان بممأنواع الكرامممات‪ ،‬و رابعهمما ألفمماظ‬
‫موهمة الظاهر صدرت من الكممثير مممن أئمممة القمموم يعممبرون‬
‫عنها في اصطلحهم بالشطحات تستشكل ظواهرهمما فمنكممر‬
‫و محسن و متأول‪ .‬فأما الكلم في المجاهدات و المقامات و‬
‫ممما يحصممل مممن الذواق والمواجممد فممي نتائجهمما و محاسممبة‬
‫النفس على التقصير في أسبابها فممأمر ل مممدفع فيممه لحممد و‬
‫أذواقهم فيه صحيحة و التحقق بها هممو عيممن السممعادة‪ .‬و أممما‬
‫الكلم في كرامات القمموم و أخبممارهم بالمغيبممات و تصممرفهم‬
‫في الكائنات‪ .‬فأمر صحيح غير منكر‪ .‬و إن مآل بعض العلماء‬
‫إلى إنكارها فليس ذلك من الحق‪ .‬و ما احتج بممه السممتاذ أبممو‬
‫إسحاق السفرائني من أئمة الشعرية على إنكارها للتباسها‬
‫بممالمعجزة فقممد فممرق المحققممون مممن أهممل السممنة بينهممما‬
‫بالتحدي و هو دعوى وقوع المعجزة علممى وفممق ممما جمماء بممه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬ثم إن وقوعها على وفممق دعمموى الكمماذب غيممر مقممدور‬
‫لن دللمة المعجممزة علممى الصممدق عقليمة فمإن صمفة نفسمها‬
‫التصديق‪ .‬فلو وقعت مع الكاذب لتبممدلت صممفة نفسممها و هممو‬
‫محممال‪ .‬هممذا مممع أن الوجممود شمماهد بوقمموع الكممثير مممن هممذه‬
‫الكرامات و إنكارها نوع مكابرة‪ .‬و قد وقمع للصمحابة و أكمابر‬
‫السلف كثير من ذلك و هو معلوم مشهور‪ .‬و أممما الكلم فممي‬
‫الكشف و إعطاء حقائق العلويات و ترتيممب صممدور الكائنممات‬
‫فأكثر كلمهم فيه نوع من المتشابه لما أنه وجداني عندهم و‬
‫فاقد الوجدان عندهم بمعزل عمن أذواقهمم فيمه‪ .‬و اللغمات ل‬
‫تعطى له دللة على مرادهم منه لنها لم توضع إل للتعارف و‬
‫أكثره من المحسوسات‪ .‬فينبغي أن ل نتعممرض لكلمهممم فممي‬
‫ذلك و نتركه فيما تركناه من المتشابه و من رزقه اللممه فهممم‬
‫شيء من هذه الكلمات على الوجه الموافق لظاهر الشريعة‬
‫فأكرم بها سعادة‪ .‬و أما اللفاظ الموهمة التي يعممبرون عنهمما‬
‫بالشطحات و يوآخذهم بها أهممل الشممرع فمماعلم أن النصمماف‬
‫فممي شممأن القمموم أنهممم أهممل غيبممة عممن الحممس و الممواردات‬
‫تملكهم حتى ينطقوا عنهمما بممما ل يقصممدونه و صمماحب الغيبممة‬
‫غير مخمماطب و المجبممور معممذور‪ .‬فمممن علممم منهممم فضممله و‬
‫اقتداؤه حمممل علممى القصممد الجميممل مممن هممذا و أمثمماله و أن‬
‫العبارة عن المواجد صعبة لفقدان الوضع لها كممما وقممع لبممي‬
‫يزيد البسطامي و أمثاله‪ .‬و من لممم يعلممم فضممله و ل اشممتهر‬
‫فموآخذ بما صدر عنه من ذلك إذا لم يتبين لنا ما يحملنا على‬
‫تأويل كلمه‪ .‬و أما من تكلم بمثلها و هو حاضممر فممي حسممه و‬
‫لم يملكه الحال فموآخذ أيضا‪ .‬و لهممذا أفممتى الفقهمماء و أكممابر‬
‫المتصمموفة بقتممل الحلج لنممه تكلممم فممي حضممور و هممو مالممك‬
‫لحاله‪ .‬و اللممه أعلممم‪ .‬و سمملف المتصمموفة مممن أهممل الرسممالة‬
‫أعلم الملة الذين أشرنا إليهم من قبل لمم يكمن لهمم حمرص‬
‫على كشف الحجاب و ل هذا النمموع مممن الدراك إنممما همهممم‬
‫التباع و القتداء ما استطاعوا‪ .‬و مممن عممرض لممه شمميء مممن‬
‫ذلك أعرض عنه و لم يحفل به بممل يفممرون منممه و يممرون أنممة‬
‫مممن العمموائق و المحممن و أنممه إدراك مممن إدراكممات النفممس‬
‫مخلمموق حممادث و أن الموجممودات ل تنحصممر فممي مممدارك‬
‫النسان‪ .‬و علم الله أوسع و خلقممه أكممبر و شممريعته بالهدايممة‬
‫أملك فل ينطقون بشيء مما يممدركون‪ .‬بممل حظممروا الخمموض‬
‫في ذلك و منعوا من يكشف له الحجمماب مممن أصممحابهم مممن‬
‫الخوض فيه و الوقوف عنده بل يلتزمون طريقتهم كما كممانوا‬
‫في عالم الحس قبل الكشف من التباع و القتداء و يأمرون‬
‫أصحابهم بالتزامها‪ .‬و هكذا ينبغي أن يكون حال المريد و الله‬
‫الموفق للصواب‪.‬‬

‫الفصل الثامن عشر‪ :‬في علم تعبير الرؤيا‬


‫هذا العلم من العلوم الشرعية و هو حادث في الملممة عنممدما‬
‫صممارت العلمموم صممنائع و كتممب النمماس فيهمما‪ .‬و أممما الرؤيمما و‬
‫التعبير لها فقد كان موجودا في السلف كما هو فممي الخلممف‪.‬‬
‫و ربما كان في الملوك و المم من قبل إل أنه لم يصل إلينمما‬
‫للكتفاء فيه بكلم المعبرين مممن أهممل السمملم‪ .‬و إل فالرؤيمما‬
‫موجودة في صنف البشر علممى الطلق و لبممد مممن تعبيرهمما‪.‬‬
‫فلقد كان يوسف الصديق صلوات الله عليه يعبر الرؤيمما كممما‬
‫وقع في القرآن‪ .‬و كذلك ثبت عن الصحيح عممن النممبي صمملى‬
‫الله عليه و سمملم و عممن أبممي بكممر رضمي اللممه عنممه و الرؤيمما‬
‫مدرك من مدارك الغيممب‪ .‬و قممال صمملى اللممه عليممه و سمملم‪:‬‬
‫الرؤيا الصالحة جزء من سممتة و أربعيممن جممزءا مممن النبممؤة‪ .‬و‬
‫قال‪ :‬لم يبق من المبشرات إل الرؤيا الصالحة يراهمما الرجممل‬
‫الصالح أو ترى له و أول ما بدأ بممه النممبي صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم من الوحي الرؤيا فكان ل يرى رؤيا إل جاءت مثل فلممق‬
‫الصبح‪ .‬و كان النبي صمملى اللممه عليممه و سمملم إذا انفتممل مممن‬
‫صلة الغداة يقول لصحابه‪ :‬هل رأى أحد منكم الليلة رؤيمما ؟‬
‫يسألهم عن ذلك ليستبشر بما وقع من ذلك مممما فيممه ظهممور‬
‫الدين و إعزازه‪ .‬و أما السبب في كون الرؤيمما مممدركا للغيممب‬
‫فهممو أن الممروح القلممبي و هممو البخممار اللطيممف المنبعممث مممن‬
‫تجويف القلب اللحمي ينتشر في الشريانات و مع الممدم فممي‬
‫سائر البدن و به تكمل أفعال القمموى الحيوانيممة و إحساسممها‪.‬‬
‫فإذا أدركه الملل بكثرة التصممرف فممي الحسمماس بممالحواس‬
‫الخمس و تصريف القوى الظاهرة و غشي سممطح البممدن ممما‬
‫يغشاه من برد الليل انحبس الروح مممن سممائر أقطممار البممدن‬
‫إلى مركزه القلبي فيسممتجم بممذلك لمعمماودة فعلممه فتعطلممت‬
‫الحواس الظاهرة كلها و ذلك هو معنى النوم كمما تقمدم فمي‬
‫أول الكتاب‪ .‬ثم إن هذا الروح القلبي هو مطية للروح العاقل‬
‫من النسان و الروح العاقل مدرك لجميع ما في عالم المممر‬
‫بذاته إذ حقيقته و ذاته عين الدراك‪ .‬و إنممما يمنممع مممن تعلقممه‬
‫للمدارك الغيبية ما هممو فيممه مممن حجمماب الشممتغال بالبممدن و‬
‫قواه و حواشه‪ .‬فلمو قمد خل مممن همذا الحجماب و تجمرد عنممه‬
‫لرجع إلى حقيقته و هو عين الدراك فيعقل كل مممدرك‪ .‬فممإذا‬
‫تجرد عن بعضها خفت شواغله فلبد له من إدراك لمحة مممن‬
‫عالمه بقمدر ممما تجممرد لمه و هممو فمي همذه الحالممة قمد خفممت‬
‫شواغل الحس الظاهر كلها و هي الشمماغل العظممم فاسممتعد‬
‫لقبول ما هنالك من المدارك اللئقممة مممن عممالمه‪ .‬و إذا أدرك‬
‫ما يدرك من عوالمه رجع به إلى بدنه‪ .‬إذ هو ما دام في بدنه‬
‫جسممماني ل يمكنممه التصممرف إل بالمممدارك الجسمممانية‪ .‬و‬
‫المدارك الجسمممانية للعلممم إنممما هممي الدماغيممة و المتصممرف‬
‫منها هو الخيال‪ .‬فممإنه ينممتزع مممن الصممور المحسوسممة صممورا‬
‫خيالية ثم يدفعها إلى الحافظة تحفظها له إلى وقممت الحاجممة‬
‫إليها عند النظر و الستدلل‪ .‬و كذلك تجرد النفس منها صورا‬
‫أخرى نفسانية عقلية فيترقى التجريممد مممن المحسمموس إلممى‬
‫المعقول و الخيال واسطة بينهما‪ .‬و لذلك إذا أدركت النفممس‬
‫من عالمها ممما تممدركه ألقتممه إلممى الخيممال فيصمموره بالصممورة‬
‫المناسبة و يدفعه إلممى الحممس المشممترك فيممراه النممائم كأنممة‬
‫محسوس فيتنزل المدرك من الروح العقلي إلممى الحسممي‪ .‬و‬
‫الخيال أيضا واسطة‪ .‬هذه حقيقة الرؤيمما‪ .‬و مممن هممذا التقريممر‬
‫يظهر لك الفرق بين الرؤيا الصالحة وأضغاث الحلم الكاذبممة‬
‫فإنها كلها صور في الخيال حالة النوم‪ .‬و لكن إن كممانت تلممك‬
‫الصور متتزلممة مممن الممروح العقلممي المممدرك فهممو رؤيمما‪ .‬و إن‬
‫كانت مأخوذة من الصور التي في الحافظة التي كان الخيممال‬
‫أودعها إياها منذ اليقظة فهي أضغاث أحلم‪.‬‬
‫و اعلم أن للرؤيمما الصممادقة علمممات تممؤذن بصممدقها و تشممهد‬
‫بصحتها فيستشعر الرائي البشارة من الله مما ألقى إليه في‬
‫نومه‪ :‬فمنها سرعة انتباه الممرائي عنممدما يممدرك الرؤيمما‪ ،‬كأنممة‬
‫يعاجل الرجوع إلى الحس باليقظة و لممو كممان مسممتغرقا فممي‬
‫نومه‪ ،‬لتقل ما ألقي عليممه مممن ذلممك الدراك فيفممر مممن تلممك‬
‫الحالة إلى حالممة الحممس الممتي تبقممى النفممس فيهمما منغمسممة‬
‫بالبدن و عوارضه‪ ،‬و منها ثبوت ذلك الدراك و دوامه بانطباع‬
‫تلك الرؤيا بتفاصيلها في حفظه فل يتخيلها سهو و ل نسمميان‪.‬‬
‫و ل يحتاج إلى إحضارها بالفكر و التذكير‪ ،‬بل تبقممى متصممورة‬
‫في ذهنه إذا انتبه‪ .‬و ل يغممرب عنممه شمميء منهمما‪ ،‬لن الدراك‬
‫النفساني ليس بزماني و ل يلحقممه ترتبممت‪ ،‬بممل يممدركه دفعممة‬
‫في زمممن فممرد‪ .‬و أضممغاث الحلم زمانيممة‪ .‬لنهمما فممي القمموى‬
‫الدماغيممة يسممتخرجها الخيممال مممن الحافظممة إلممى الحممس‬
‫المشترك كممما قلنمماه‪ .‬و أفعممال البممدن كلهمما زمانيممة فيلحقهمما‬
‫الترتيب في الدراك و المتقدم و المتأخر‪ .‬و يعمرض النسميان‬
‫العممارض للقمموى الدماغيممة‪ .‬و ليممس كممذلك مممدارك النفممس‬
‫الناطقة إذ ليست بزمانية‪ ،‬و ل ترتيب فيها‪ .‬و ما ينطبممع فيهمما‬
‫من الدراكات فينطبع دفعة واحدة في أقرب من لمح البصر‪.‬‬
‫و قد تبقى الرؤيا بعد النتباه‪ .‬حاضرة فممي الحفممظ أياممما مممن‬
‫العمر‪ .‬ل تشذ بالغفلة عن الفكر بوجه إذا كممان الدراك الول‬
‫قويمما‪ ،‬و إذا كممان إنممما يتممذكر الرؤيمما بعممد النتبمماه مممن النمموم‬
‫بإعمال الفكر و الوجهة إليها‪ ،‬و ينسممى الكممثير مممن تفاصمميلها‬
‫حتى يتذكرها فليست الرؤيا بصادقة‪ ،‬و إنما هي مممن أضممغاث‬
‫الحلم‪ .‬و هذه العلمات من خواص الوحي‪ .‬قال اللممه تعممالى‬
‫لنبيه صلى الله عليه و سلم‪ :‬ل تحرك به لسانك لتعجل بممه *‬
‫إن علينا جمعه وقرآنممه * فممإذا قرأنمماه فمماتبع قرآنممه * ثممم إن‬
‫علينا بيانه و الرؤيا لهما نسمبة ممن النبموة و الموحي كمما فمي‬
‫الصحيح‪ .‬قال صلى الله عليه و سلم‪ :‬الرؤيا جزء من سممتة و‬
‫أربعين جزءا من النبمموة فلخواصممها أيضمما نسممبة إلممى خممواص‬
‫النبوة‪ .‬بذلك القدر‪ ،‬فل تستبعد ذلك‪ ،‬فهذا وجه الحق‪ .‬و اللممه‬
‫الخالق لما يشاء‪.‬‬
‫و أما معنى التعبير فاعلم أن الروح العقلممي إذا أدرك مدركممة‬
‫و ألقاه إلى الخيال فصوره فإنما يصوره في الصور المناسبة‬
‫لممذلك المعنممى بعممض الشمميء كممما يممدرك معنممى السمملطان‬
‫العظممم فيصمموره الخيممال بصممورة البحممر أو يممدرك العممداوة‬
‫فيصورها الخيال في صممورة الحيممة‪ .‬فممإذا اسممتيقظ و هممو لممم‬
‫يعلم من أمره إل أنه رأى البحر أو الحية فينظر المعبر بقمموة‬
‫التشممبيه بعممد أن يممتيقن أن البحممر صممورة محسوسممة و أن‬
‫المدرك وراءها و هو يهتدي بقرائن أخممرى تعيممن لممه المممدرك‬
‫فيقول مثل‪ :‬هو السلطان لن البحر خلممق عظيممم يناسممب أن‬
‫يشبه بها السلطان و كممذلك الحيممة يناسممب أن تشممبه بالعممدو‬
‫لعظممم ضممررها و كممذا الوانممي تشممبه بالنسمماء لنهممن أوعيممة‬
‫وأمثال ذلك‪ .‬و ممن المممرئي ممما يكممون صمريحا ل يفتقممر إلمى‬
‫تعبير لجلئها و وضوحها أو لقرب الشبه فيهمما بيممن المممدرك و‬
‫شبهه‪ .‬و لهذا وقع في الصحيح الرؤيا ثلث‪ :‬رؤيمما مممن اللممه و‬
‫رؤيا من الملك و رؤيا من الشيطان‪ .‬فالرؤيمما الممتي مممن اللممه‬
‫هي الصريحة التي ل تفتقر إلى تأويل و التي من الملممك هممي‬
‫الرؤيا الصادقة تفتقر إلى التعبير و الرؤيا التي من الشمميطان‬
‫هي الضغاث‪ .‬و اعلم أن الخيال إذا ألقى إليه الروح مممدركه‪.‬‬
‫فإنما يصمموره فممي القمموالب المعتممادة للحممس و ممما لممم يكممن‬
‫الحس أدركه قط من القوالب فل يصور فيه شمميئا فل يمكممن‬
‫من ولد أعمى أن يصور له السلطان بالبحر و ل العدو بالحية‬
‫و ل النساء بالواني لنه لم يدرك شيئا من هذه و إنما يصممور‬
‫له الخيال أمثال هذه في شبهها و مناسبها من جنس مداركه‬
‫التي هي المسموعات و المشمومات‪ .‬و ليتحفظ المعبر مممن‬
‫مثل هذا فربما اختلط به التعبير و فسد قممانونه‪ .‬ثممم إن علممم‬
‫التعبير علم بقوانين كلية يبني عليها المعممبر عبممارة ممما يقممص‬
‫عليه‪ .‬و تأويله كما يقولون‪ :‬البحر يدل على السلطان‪ ،‬و فممي‬
‫موضع آخر يقولون‪ :‬البحر يدل على الغيظ‪ ،‬و في موضع آخر‬
‫يقولممون‪ :‬البحممر يممدل علممى الهممم والمممر الفممادح‪ .‬و مثممل ممما‬
‫يقولون‪ :‬الحية تدل على العدو‪ ،‬و فممي موضممع آخممر يقولممون‪:‬‬
‫هي كاتم سر‪ ،‬و في موضع آخر يقولون‪ :‬تدل علممى الحيمماة و‬
‫أمثال ذلك‪ .‬فيحفظ المعبر هذه القوانين الكليممة‪ ،‬و يعممبر فممي‬
‫كل موضع بما تقتضيه القرائن التي تعين مممن هممذه القمموانين‬
‫ما هو أليق بالرؤيا‪ .‬و تلك القممرائن منهمما فممي اليقظممة و منهمما‬
‫في النوم و منها ما ينقدح في نفممس المعممبر بالخاصممية الممتي‬
‫خلقت فيه و كل ميسر لما خلممق لممه‪ .‬و لممم يممزل هممذا العلممم‬
‫فتناقل بين السلف‪ .‬و كان محمد بن سيرين فيممه مممن أشممهر‬
‫العلماء و كتب عنه في ذلك القمموانين و تناقلهمما النمماس لهممذا‬
‫العهد‪ .‬و ألف الكرماني فيه مممن بعممده‪ .‬ثممم ألممف المتكلمممون‬
‫المتأخرون و أكثروا‪ .‬و المتداول بين أهل المغرب لهذا العهد‬
‫كتب ابن أبممي طممالب القيروانممي مممن علممماء القيممروان مثممل‬
‫الممتع و غيره و كتاب الشارة للسالمي من أنفع الكتب فيه‬
‫و أحضممرها‪ .‬و كممذلك كتمماب المرقبممة العليمما لبممن راشممد مممن‬
‫مشيختنا بتونس‪ .‬و هو علم مضيء ينور النبؤة للمناسبة التي‬
‫بينهما و لكونها كانت من مدارك الوحي كما وقع في الصحيح‬
‫و الله علم الغيوب‪.‬‬

‫الفصممل التاسممع عشممر‪ :‬فممي العلمموم العقليممة و‬


‫أصنافها‬
‫و أما العلوم العقلية التي هي طبيعية للنسان من حيممث إنممه‬
‫ذو فكر فهي غير مختصة بملة بل بوجه النظر فيها إلى أهممل‬
‫الملل كلهم و يستوون في مداركها و مباحثها‪ .‬و هي موجودة‬
‫في النوع النساني منذ كان عمران الخليقممة‪ .‬و تسمممى هممذه‬
‫العلوم علوم الفلسفة و الحكمة و هي مشممتملة علممى أربعممة‬
‫علوم‪ :‬الول علم المنطق و هو علم يعصم الذهن عن الخطأ‬
‫فممي اقتنمماص المطممالب المجهولممة مممن المممور الحاصمملة‬
‫المعلومة و فائدته تمييز الخطأ مممن الصممواب‪ .‬فيممما يلتمسممه‬
‫الناظر في الموجودات و عوارضها ليقف على تحقيممق الحممق‬
‫في الكائنات نفيا و ثبوتا بمنتهى فكممره‪ .‬ثممم النظممر بعممد ذلممك‬
‫عنممدهم إممما فممي المحسوسممات مممن الجسممام العنصممرية و‬
‫المكونممة عنهمما مممن المعممدن و النبممات و الحيمموان و الجسممام‬
‫الفلكيممة والحركممات الطبيعيممة‪ .‬و النفممس الممتي تنبعممث عنهمما‬
‫الحركات و غير ذلك‪ .‬و يسمى هممذا الفممن بممالعلم الطممبيعي و‬
‫هو العلم الثاني منها‪ .‬و إما أن يكون النظر فممي المممور الممتي‬
‫وراء الطبيعة من الروحانيات و يسمممونه العلممم اللهممي و هممو‬
‫الثممالث منهمما‪ .‬و العلممم الرابممع و هممو النمماظر فممي المقممادير و‬
‫يشممتمل علممى أربعممة علمموم و تسمممى التعمماليم‪ .‬أولهمما‪ :‬علممم‬
‫الهندسممة و هممو النظممر فممي المقممادير علممى الطلق‪ .‬إممما‬
‫المنفصلة من حيث كونها معدودة أو المتصمملة و هممي إممما ذو‬
‫بعد واحد و هو الخط أو ذو بعدين و في السطح‪ ،‬أو ذو أبعمماد‬
‫ثلثة و هو الجسم التعليممي‪ .‬ينظمر فمي همذه المقمادير و مما‬
‫يعرض لها إما من حيث ذاتها أو من حيث نسممبة بعضممها إلممى‬
‫بعض‪ .‬و ثانيها علم الرتماطيقي و هو معرفة ما يعرض للكممم‬
‫المنفصل الذي هو العدد و يؤخذ له من الخواص و العمموارض‬
‫اللحقة‪ .‬و ثالثها علم الموسيقى و هو معرفة نسب الصوات‬
‫و النغم بعضها من بعممض و تقممديرها بالعممدد و ثمرتممه معرفممة‬
‫تلحيممن الغنمماء‪ .‬و رابعهمما علممم الهيئة و هممو تعييممن الشممكال‬
‫للفلك و حصر أوضاعها و تعددها لكل كوكب من السمميارة و‬
‫الثابتة والقيام على معرفة ذلك من قبل الحركات السممماوية‬
‫المشمماهدة الموجممودة لكممل واحممد منهمما و مممن رجوعهمما و‬
‫استقامتها و إقبالها و إدبارها‪ .‬فهذه أصول العلوم الفلسفية و‬
‫هممي سممبعة‪ :‬المنطممق و هممو المقممدم منهمما و بعممده التعمماليم‬
‫فالرتماطيقي أول ثم الهندسة ثممم الهيئة ثممم الموسمميقى ثممم‬
‫الطبيعيات ثم اللهيات و لكل واحد منهمما فممروع تتفممرع عنممه‪.‬‬
‫فمن فروع الطبيعيات الطمب و ممن فمروع علمم العمدد علمم‬
‫الحساب والفرائض و المعاملت و من فروع الهيئة الزيمماج و‬
‫هي قوانين لحساب حركات الكواكب و تعديلها للوقوف على‬
‫مواضعها متى قصد ذلمك و ممن فروعهما النظمر فمي النجمموم‬
‫على الحكام النجومية و نحن نتكلم عليهمما واحممدا بعممد واحممد‬
‫إلى آخرها‪ .‬و اعلم أن أكثر من عني بهمما فممي الجيممال الممذين‬
‫عرفنا أخبارهم المتان العظيمتان في الدولة قبممل السمملم و‬
‫هما فارس و الروم فكانت أسواق العلوم نافقة لممديهم علممى‬
‫ما بلغنا لما كان العمران موفورا فيهممم والدولممة و السمملطان‬
‫قبل السلم و عصره لهم فكممان لهممذه العلمموم بحممور زاخممرة‬
‫في آفاقهم و أمصارهم‪ .‬و كان للكلممدانيين و مممن قبلهممم مممن‬
‫السممريانيين و مممن عاصممرهم مممن القبممط عنايممة بالسممحر و‬
‫النجامة و ما يتبعها من الطلسم و أخذ ذلك عنهم المم مممن‬
‫فارس و يونان فاختص بها القبط و طمممى بحرهمما فيهممم كممما‬
‫وقع في المتلو من خبر هاروت و ماروت و شممأن السممحرة و‬
‫ما نقله أهل العلم من شأن البراري بصعيد مصر‪ .‬ثم تتممابعت‬
‫الملل بحظر ذلك و تحريمه فدرست علومه و بطلت كأن لم‬
‫تكممن إل بقايمما يتناقلهمما منتحلممو هممذه الصممنائع‪ .‬و اللممه أعلممم‬
‫بصحتها‪ .‬مع أن سيوف الشرع قائمة على ظهورها مانعة من‬
‫اختبارهمما‪ .‬و أممما الفممرس فكممان شممأن هممذه العلمموم العقليممة‬
‫عندهم عظيما و نطاقها متسعا لما كممانت عليممه دولتهممم مممن‬
‫الضخامة و اتصال الملك‪ .‬و لقممد يقممال إن هممذه العلمموم إنممما‬
‫وصلت إلى يونان منهم حين قتل السكندر دارا و غلب علممى‬
‫مملكممة الكينيممة فاسممتولى علممى كتبهممم و علممومهم‪ .‬إل أن‬
‫المسمملمين لممما افتتحمموا بلد فممارس‪ ،‬و أصممابوا مممن كتبهممم‬
‫وصحائف علومهم مممما ل يأخممذه الحصممر و لممما فتحممت أرض‬
‫فارس و وجدوا فيها كتبا كثيرة كتب سعد بن أبي وقاص إلى‬
‫عمر بن الخطاب ليستأذنه فممي شممأنها و تنقيلهمما للمسمملمين‪.‬‬
‫فكتب إليه عمر أن اطرحوها فمي المماء‪ .‬فمإن يكممن ممما فيهما‬
‫هدى فقد هدانا الله بأهدى منممه و إن يكممن ضمملل فقممد كفانمما‬
‫الله‪ .‬فطرحوها في الماء أو في النار و ذهبت علمموم الفممرس‬
‫فيها عممن أن تصممل إلينمما‪ .‬و أممما الممروم فكممانت الدولممة منهممم‬
‫ليونان أول و كان لهذه العلمموم بينهممم مجممال رحممب و حملهمما‬
‫مشمماهير مممن رجممالهم مثممل أسمماطين الحكمممة و غيرهممم‪ .‬و‬
‫اختص فيها المشاءون منهم أصحاب المرواق بطريقمة حسمنة‬
‫في التعليم كممانوا يقممرؤون فممي رواق يظلممم مممن الشمممس و‬
‫البرد على ما زعممموا‪ .‬و اتصممل فيهمما سممند تعليمهممم علممى ممما‬
‫يزعمون من لدن لقمان الحكيم في تلميذه بقراط الدن‪ ،‬ثممم‬
‫إلى تلميذه أفلطون ثم إلى تلميذه أرسطو ثممم إلممى تلميممذه‬
‫السكندر الفرودسي‪ ،‬و تامسطيون و غيرهم‪ .‬و كان أرسطو‬
‫معلما للسكندر ملكهممم المذي غلممب الفممرس علممى ملكهمم و‬
‫انتزع الملك من أيممديهم‪ .‬و كممان أرسممخهم فممي هممذه العلمموم‬
‫قمدما و أبعمدهم فيمه صميتا و شمهرة‪ .‬و كمان يسممى المعلمم‬
‫الول فطار له في العالم ذكر‪ .‬ولممما انقممرض أمممر اليونممان و‬
‫صار المممر للقياصممرة و أخممذوا بممدين النصممرانية هجممروا تلممك‬
‫العلمموم كممما تقتضمميه الملممل و الشممرائع فيهمما‪ .‬و بقيممت فممي‬
‫صحفها و دواوينها مخلدة باقية في خزائنهم ثم ملكوا الشممام‬
‫و كتب هذه العلوم باقية فيهم‪ .‬ثم جاء اللممه بالسمملم و كممان‬
‫لهله الظهور الذي ل كفمماء لممه و ابممتزوا الممروم ملكهممم فيممما‬
‫ابتزوه للمم‪ .‬و ابتدأ أمرهم بالسذاجة و الغفلة عممن الصممنائع‬
‫حتى إذا تبحبح من السلطان و الدولة و أخذ الحضارة بممالحظ‬
‫الممذي لممم يكممن لغيرهممم مممن المممم و تفننمموا فممي الصممنائع و‬
‫العلوم‪ .‬تشوقوا إلى الطلع على هممذه العلمموم الحكميممة بممما‬
‫سمعوا من الساقفة و القسة المعاهدين بعممض ذكممر منهمما و‬
‫بما تسمو إليه أفكار النسان فيها‪ .‬فبغث أبو جعفر المنصممور‬
‫إلى ملك الروم أن يبعث إليه بكتب التعمماليم مترجمممة فبعممث‬
‫إليممه بكتمماب أوقليممدس و بعممض كتممب الطبيعيممات‪ .‬فقرأهمما‬
‫المسمملمون و اطلعمموا علممى ممما فيهمما و ازدادوا حرصمما علممى‬
‫الظفر بما بقي منها‪ .‬و جاء المأمون بعد ذلك و كانت له فممي‬
‫العلم رغبة بما كان ينتحله فانبعث لهذه العلوم حرصا و أوفد‬
‫الرسل على ملوك الممروم فممي اسممتخراج علمموم اليونممانيين و‬
‫انتساخها بالخط العربي و بعث المترجمين لذلك فأوعى منممه‬
‫و استوعب‪ .‬و عكف عليها النظار من أهل السمملم و حممذقوا‬
‫في فنونها و انتهت إلى الغاية أنظارهم فيها‪ .‬و خممالفوا كممثيرا‬
‫مممن آراء المعلممم الول و اختصمموه بممالرد و القبممول لوقمموف‬
‫الشهرة عنده‪ .‬و دونوا فمي ذلممك الممدواوين وأربمموا علممى مممن‬
‫تقدمهم في هذه العلوم و كان مممن أكممابرهم فممي الملممة أبممو‬
‫نصر الفارابي و أبو علي بممن سممينا بالمشممرق و القاضممي أبممو‬
‫الوليد بن رشد و الوزير أبممو بكممر بممن الصممائغ بالنممدلس إلممى‬
‫آخرين بلغوا الغاية في هذه العلوم‪ .‬و اختص هممؤلء بالشممهرة‬
‫والذكر و اقتصر كثيرون على انتحممال التعمماليم و ممما ينضمماف‬
‫إليهمما مممن علمموم النجامممة والسممحر و الطلسمممات‪ .‬و وقفممت‬
‫الشممهرة فممي هممذا المنتحممل علممى جممابر بممن حيممان مممن أهممل‬
‫المشرق و مسلمة بن أحمد المجريطي من أهمل النمدلس و‬
‫تلميذه‪ .‬و دخل على الملة من هذه العلمموم و أهلهمما داخلممة و‬
‫استهوت الكثير من الناس بما جنحمموا إليهمما وقلممدوا آراءهمما و‬
‫الذنب في ذلك لمن ارتكبه‪ .‬و لو شاء الله ما فعلمموه‪ .‬ثممم إن‬
‫المغرب والندلس لما ركدت ريح العمممران بهممما و تناقصممت‬
‫العلمموم بتناقصممه اضمممحل ذلممك منهممما إل قليل مممن رسممومه‬
‫تجدها في تفاريق من الناس و تحت رقبة من علماء السممنة‪.‬‬
‫و يبلغنا عن أهممل المشممرق أن بضممائع هممذه العلمموم لممم تممزل‬
‫عندهم موفورة و خصوصا في عراق العجم و ممما بعممده فيممما‬
‫وراء النهر و أنهم على بح من العلوم العقلية لتوفر عمرانهممم‬
‫و استحكام الحضارة فيهم‪ .‬و لقد وقفت بمصممر علممى تممآليف‬
‫فممي المعقممول متعممددة لرجممل مممن عظممماء هممراة مممن بلد‬
‫خراسان يشتهر بسعد الدين التفتازاني منها فممي علممم الكلم‬
‫و أصول الفقه و البيان تشهد بأن له ملكة راسممخة فممي هممذه‬
‫العلوم‪ .‬و في أثنائها ما يدل على أن له اطلعمما علممى العلموم‬
‫الحكمية و قدما عالية في سائر الفنون العقليممة و اللممه يؤيممد‬
‫بنصره مممن يشمماء‪ .‬كممذلك بلغنمما لهممذا العهممد أن هممذه العلمموم‬
‫الفلسفية ببلد الفرنجة من أرض رومة و ما إليها من العدوة‬
‫الشمممالية نافقممة السممواق و أن رسممومها هنمماك‪ .‬متجممددة و‬
‫مجالس تعليمها متعددة و دواوينها جامعممة متمموفرة و طلبتهمما‬
‫متكثرة و الله أعلم بما هنالك و هو يخلق ما يشاء و يختار‪.‬‬
‫الفصل العشرون‪ :‬في العلوم العددية‬
‫و أولها الرتماطيقي و هو معرفة خممواص العممداد مممن حيممث‬
‫التأليف إمما علمى التموالي أو بالتضمعيف مثمل أن العمداد إذا‬
‫توالت متفاضلة بعدد واحد فممإن جمممع الطرفيممن منهمما مسمماو‬
‫لجمع كل عممددين بعممدهما مممن الطرفيممن بعممدد واحممد و مثممل‬
‫ضعف الواسطة إن كانت عدة تلك العداد فردا مثل الفممراد‬
‫علممى تواليهمما و الزواج علممى تواليهمما و مثممل أن العممداد إذا‬
‫توالت على نسبة واحدة يكون أولها نصف ثانيها وثانيها نصف‬
‫ثالثها الخ‪ ،‬أو يكون أولها ثلث ثانيهمما و ثانيهمما ثلممث ثالثهمما الممخ‬
‫فإن ضرب الطرفين أحدهما في الخممر كضممرب كممل عممددين‬
‫بعدهما من الطرفين بعدد واحممد أحممدهما فممي الخممر‪ .‬و مثممل‬
‫مربع الواسطة إن كانت العدة فردا و ذلممك مثممل أعممداد زوج‬
‫الزوج المتوالية من اثنين فأربعة فثمانية فستة عشممر و مثممل‬
‫ما يحدث من الخواص العددية في وضع المثلثممات العدديممة و‬
‫المربعات و المخمسات والمسدسات إذا وضعت متتالية فممي‬
‫سطورها بممأن تجمممع مممن الواحممد إلممى العممدد الخيممر فتكممون‬
‫مثلثة‪ .‬و تتوالى المثلثات هكذا في سممطر تحممت الضمملع ثممم‬
‫تزيد على كل مثلث ثلث الضلع الذي قبلممه فتكممون مربعممة‪ .‬و‬
‫تزيد على كل مربع مثلث الضلع الذي قبلة فتكون مخمسة و‬
‫هلم جرا‪ .‬و تتمموالى الشممكال علممى تمموالى الضمملع و يحممدث‬
‫جدول ذو طول و عرض‪ .‬ففي عرضه العداد على تواليها ثم‬
‫المثلثات على تواليها ثم المربعات ثم المخمسات الخ و فممي‬
‫طوله كل عدد و أشكاله بالغا ما بلممغ و تحممدث فممي جمعهمما و‬
‫قسمممة بعضممها علممى بعممض طممول و عرضمما خممواص غريبممة‬
‫اسممتقرت منهمما و تقممررت فممي دواوينهممم مسممائلها كممذلك ممما‬
‫يحدث للزوج و الفرد و زوج الزوج و زوج الفرد و زوج الزوج‬
‫و الفرد فإن لكل منها خواص مختصة به تضمنها هذا الفممن و‬
‫ليست في غيره‪ .‬و هذا الفممن أول أجممزاء التعمماليم و أثبتهمما و‬
‫يمممدخل فمممي براهيمممن الحسممماب‪ .‬و للحكمممماء المتقمممدمين و‬
‫المتأخرين فيه تممآليف‪ ،‬و أكممثرهم يممدرجونه فممي التعمماليم و ل‬
‫يفردونه بالتآليف‪ .‬فعل ذلك ابممن سممينا فممي كتمماب الشممفاء و‬
‫النجاة و غيره من المتقدمين‪ .‬و أما المتممأخرون فهممو عنممدهم‬
‫مهجممور إذ هممو غيممر متممداول و منفعتممه فممي الممبراهين ل فممي‬
‫الحسمماب فهجممروه لممذلك بعممد أن استخلصمموا زبممدته فممي‬
‫الممبراهين الحسممابية كممما فعلممه ابممن البنمماء فممي كتمماب رفممع‬
‫الحجاب و غيره و الله سممبحانه و تعممالى أعلممم‪ .‬و مممن فمروع‬
‫علم العدد صناعة الحساب‪ .‬و هي صناعة علمية في حسمماب‬
‫العداد بالضم و التفريق‪ .‬فالضم يكون في العداد بالفراد و‬
‫هو الجمع‪ .‬و بالتضعيف تضاعف عددا بآحاد عممدد آخممر و هممذا‬
‫هو الضرب و التفريق أيضمما يكممون فممي العممداد إممما بممالفراد‬
‫مثل إزالممة عممدد مممن عممدد و صممرفه البمماقي و هممو الطممرح أو‬
‫تفصمميل عممدد بممأجزاء متسمماوية تكممون عممدتها محصمملة و هممو‬
‫القسمة‪ .‬و سواء كان هذا الضم و التفريق في الصممحيح مممن‬
‫العب أو الكسر‪ .‬و معنى الكسر نسبة عمدد إلمى عمدد و تلمك‬
‫النسبة تسمى كسرا‪ .‬و كممذلك يكممون بالضممم و التفريممق فممي‬
‫الجذور و معناها العد الذي يضرب في مثله فيكون منه العدد‬
‫المربع‪ .‬فإن تلك الجذور أيضا يدخلها الضم و التفريق و هممذه‬
‫الصناعة حادثممة احتيممج إليهمما للحسمماب فممي المعمماملت ألممف‬
‫الناس فيها كثيرا و تداولوها في المصار بالتعليم للولممدان‪ .‬و‬
‫من أحسن التعليم عندهم البتداء بها لنها معارف متضممحة و‬
‫براهين منتظمة فينشأ عنها فممي الغممالب عقممل مضمميء درب‬
‫على الصواب‪ .‬و قد قال من أخذ نفسه بتعليم الحسمماب أول‬
‫أمره إنه يغلممب عليممه الصممدق لممما فممي الحسمماب مممن صممحة‬
‫المباني و مناقشة النفس فيصير ذلك خلقا و يتعود الصدق و‬
‫يلزمه مممذهبا‪ .‬و مممن أحسممن التممآليف المبسمموطة فيهمما لهممذا‬
‫العهمممد بمممالمغرب كتممماب الحصمممار الصمممغير‪ .‬و لبمممن البنممماء‬
‫المراكشممي فيممه تلخيممص ضممابط لقمموانين أعممماله مفيممد ثممم‬
‫شممرحه بكتمماب سممماه رفممع الحجمماب و هممو مسممتغلق علممى‬
‫المبتدئ بما فيه من الممبراهين الوثيقممة المبمماني‪ .‬و هممو كتمماب‬
‫جليل القدر أدركنا المشيخة تعظمه و هو كتاب جدير بذلك‪ .‬و‬
‫ساوق فيه المؤلف رحمه الله كتاب فقه الحساب‪ ،‬لبن منعم‬
‫و الكامل للحممدب‪ ،‬و لخممص براهينهمما و غيرهمما عممن اصممطلح‬
‫الحروف فيها إلممى علممل معنويممة ظمماهرة‪ ،‬هممي سممر الشممارة‬
‫بممالحروف و زبممدتها‪ .‬و هممي كلهمما مسممتغلقة و إنممما جمماءه‬
‫السممتغلق مممن طريممق البرهممان ببيممان علمموم التعمماليم لن‬
‫مسائلها و أعمالها واضحة كلها‪ .‬و إذا قصد شرحها فإنممما هممو‬
‫إعطاء العلل في تلك العمال‪ .‬و في ذلممك مممن العسممر علممى‬
‫الفهم ما ل يوجد في أعمال المسممائل فتممأمله‪ .‬و اللممه يهممدي‬
‫بنوره من يشاء و هو القمموي المممتين‪ .‬و مممن فروعممه الجممبر و‬
‫المقابلة‪ .‬و هي صناعة تستخرج بها العدد المجهول مممن قبممل‬
‫المعلمموم المفممروض إذا كممان بينهممما نسممبة تقتضممي ذلممك‪.‬‬
‫فاصطلحوا فيها على أن جعلوا للمجهولت مراتب من طريق‬
‫التضممعيف بالضممرب‪ .‬أولهمما العممدد لنممه بممه يتعيممن المطلمموب‬
‫المجهول باستخراجه من نسبة المجهول إليه و ثانيها الشيء‬
‫لن كل مجهول فهو من جهة إبهامه شمميء و هممو أيضمما جممذر‬
‫لما يلزم من تضعيفه في المرتبة الثانية و ثالثها المممال و هممو‬
‫أمر مبهم و ما بعد ذلك فعلى نسممبة الس فممي المضممروبين‪.‬‬
‫ثم يقع العمل المفروض في المسألة فتخرج إلى معادلة بين‬
‫مختلفين أو أكثر من هذه الجناس فيقابلون بعضممها ببعممض و‬
‫يجبرون ما فيها من الكسممر حممتى يصممير صممحيحا‪ .‬و يحطممون‬
‫المراتب إلى أقل السوس إن أمكن حتى يصممير إلممى الثلثممة‬
‫التي عليها مدار الجبر عندهم و هي العدد و الشيء و المال‪.‬‬
‫فإن كانت المعادلة بين‪ ،‬واحد و واحد تعيممن فالمممال و الجممذر‬
‫يممزول إبهممامه بمعادلممة العممدد و يتعيممن‪ .‬و المممال و إن عممادل‬
‫الجذور فيتعين بعدتها‪ .‬و إن كانت المعادلة بين واحد و اثنيممن‬
‫أخرجممه العمممل الهندسممي مممن طريممق تفصمميل الضممرب فممي‬
‫الثنين و هي مبهمة فيعنيها ذلك الضرب المفصل‪ .‬و ل يمكن‬
‫المعادلة بين اثنين و اثنين‪ .‬و أكثر ممما انتهممت المعادلممة بينهممم‬
‫إلى ست مسائل لن المعادلة بين عدد و جذر و مال مفممردة‬
‫أو مركبة تجيء ستة‪ .‬و أول من كتب في هذا الفن أبممو عبممد‬
‫الله الخوارزمي و بعده أبممو كامممل شممجاع بممن أسمملم‪ ،‬و جمماء‬
‫الناس على أثره فيه‪ .‬و كتابه في مسائله الست مممن أحسممن‬
‫الكتممب الموضمموعة فيممه‪ .‬و شممرحه كممثير مممن أهممل النممدلس‬
‫فأجادوا و من أحسن شروحاته كتاب القرشي‪ .‬و قد بلغنا أن‬
‫بعض أئمة التعاليم من أهل المشممرق أنهممى المعمماملت إلممى‬
‫أكثر من هذه الستة الجناس‪ ،‬و بلغها إلممى فمموق العشممرين و‬
‫استخرج لها كلها أعمال و أتبعه ببراهين هندسية‪ .‬و الله يزيممد‬
‫في الخلمق مما يشماء سمبحانه و تعمالى‪ .‬و ممن فروعمه أيضما‬
‫العاملت‪ .‬و هو تصريف الحساب فممي معمماملت المممدن فممي‬
‫البياعممات و المسمماحات و الزكمموات و سممائر ممما يغممرض فيممه‬
‫العدد من المعاملت يصرف في صناعتنا ذلممك الحسمماب فممي‬
‫المجهول و المعلوم و الكسر والصحيح و الجذور و غيرهمما‪ .‬و‬
‫الغرض من تكثير المسائل المفروضة فيها حصول المممران و‬
‫الدربة بتكرار العمل حتى ترسخ الملكة في صناعة الحساب‪.‬‬
‫و لهممل الصممناعة الحسممابية مممن أهممل النممدلس تممآليف فيهمما‬
‫متعددة من أشهرها معاملت الزهراوي و ابن السمممح و أبممي‬
‫مسلم بن خلدون من تلميذ مسلمة المجريطممي وأمثممالهم‪ .‬و‬
‫من فروعه أيضا الفرائض‪ .‬و هي صناعة حسابية في تصممحيح‬
‫السهام لذوي الفروض في الوراثات إذا تعددت و هلك بعممض‬
‫الوارثين و انكسممرت سممهامه علممى ورثتممه أو زادت الفممروض‬
‫عند اجتماعها و تزاحمها على المال كله أو كان في الفريضة‬
‫إقرار و إنكار من بعض الورثة فتحتاج في ذلك كله إلى عمل‬
‫يعين به سهام الفريضة من كم تصح و سهام الورثة من كممل‬
‫بطن مصححا حتى تكون حظمموظ المموارثين مممن المممال علممى‬
‫نسبة سهامهم من جملة سهام الفريضة‪ .‬فيدخلها من صناعة‬
‫الحساب جزء كبير من صحيحه و كسرة و جذره و معلومه و‬
‫مجهمموله و ترتممب علممى ترتيممب أبممواب الفممرائض الفقهيممة و‬
‫مسائلها‪ .‬فتشتمل حينئذ هذه الصناعة على جزء من الفقممه و‬
‫هو أحكام الوراثة من الفروض و العول و القرار و النكممار و‬
‫الوصايا و التدبير و غير ذلك مممن مسممائلها و علممى جممزء مممن‬
‫الحساب و هو تصحيح السهمان باعتبار الحكم الفقهي و هممي‬
‫من أجل العلوم‪ .‬و قد يورد أهلها أحاديث نبوية تشهد بفضلها‬
‫مثل الفرائض ثلث العلم و أنهمما أول ممما يرفممع مممن العلمموم و‬
‫غير ذلك‪ .‬و عندي أن ظواهر تلك الحاديث كلها إنما هي فممي‬
‫الفرائض العينية كما تقدم ل فرائض الوراثات فإنها أقممل مممن‬
‫أن تكممون فممي كميتهمما ثلممث العلممم‪ .‬و أممما الفممرائض العينيممة‬
‫فكممثيرة و قممد ألممف النمماس فممي هممذا الفممن قممديما و حممديثا و‬
‫أوعبوا و من أحسن التمآليف فيمه علمى ممذهب مالمك رحممه‬
‫الله كتاب ابن ثابت و مختصر القاضي أبي القاسممم الحمموفي‬
‫و كتمماب ابممن المنمممر و الجعممدي و الصممردي و غيرهممم‪ .‬لكممن‬
‫الفضل للحوفي فكتابه مقدم على جميعها‪ .‬و قد شممرحه مممن‬
‫شيوخنا أبو عبد الله محمد بن سليمان الشطي كبير مشمميخة‬
‫فاس فأوضح و أوعممب‪ .‬و لمممام الحرميممن فيهمما تممآليف علممى‬
‫مذهب الشافعي تشهد باتسمماع بمماعه فممي العلمموم‪ ،‬و رسمموخ‬
‫قدمه‪ ،‬و كذا للحنفية والحنابلة‪ .‬و مقامات الناس في العلمموم‬
‫مختلفة‪ .‬و الله يهدي من يشاء بمنه و كرمه ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الحادي و العشرون‪ :‬في العلوم الهندسية‬


‫هذا العلممم هممو النظممر فممي المقممادير إممما المتصمملة كممالخط و‬
‫السطح و الجسم و إما المنفصلة كالعداد و فيما يعرض لهمما‬
‫مممن العمموارض الذاتيممة‪ .‬مثممل أن كممل مثلممث فزوايمماه مثممل‬
‫قائمتين‪ .‬و مثل أن كل خطين متوازيين ل يلتقيان في وجه و‬
‫لممو خرجمما إذ غيممر نهايممة‪ .‬و مثممل أن كممل خطيممن متقمماطعين‬
‫فالزاويتان المتقابلتان منهممما متسمماويتان‪ .‬و مثممل أن الربعممة‬
‫مقادير المتناسبة ضرب الول منها في الثالث كضرب الثاني‬
‫في الرابع و أمثال ذلممك‪ .‬و الكتمماب المممترجم لليونممانيين فممي‬
‫هذه الصناعة كتاب أوقليدس و يسمى كتاب الصول و كتاب‬
‫الركان و هو أبسط ما وضع فيها للمتعلمين و أول ممما ترجممم‬
‫من كتاب اليونممانيين فمي الملممة أيممام أبمي جعفممر المنصممور و‬
‫نسخه مختلفة باختلف المترجمين‪ .‬فمنها لحنين بممن إسممحاق‬
‫ولثابت بن قرة و ليوسف بن الحجاج و يشتمل علممى خمممس‬
‫عشممرة مقالممة‪ .‬أربممع فممي السممطوح و واحممدة فممي القممدار‬
‫المتناسبة و أخرى في نسممب السممطوح بعضممها إلممى بعممض و‬
‫ثلث فممي العممدد و العاشممرة فممي المنطقممات و القمموى علممى‬
‫المنطقات و معناه الجذور و خمممس فممي المجسمممات‪ .‬و قممد‬
‫اختصره الناس اختصممارات كممثيرة كممما فعلممه ابممن سممينا فممي‬
‫تعاليم الشفاء‪ .‬أفرد له جزءا منهمما اختصممه بممه‪ .‬و كممذلك ابممن‬
‫الصمملت فممي كتمماب القتصممار و غيرهممم‪ .‬و شممرحه آخممرون‬
‫شروحا كثيرة و هو مبدأ العلوم الهندسية بإطلق‪ .‬و اعلم أن‬
‫الهندسة تفيد صاحبها إضاءة في عقله‪ ،‬اسممتقامة فممي فكممره‬
‫لن براهينها كلها بينة النتظمام جليمة المترتيب ل يكماد الغلمط‬
‫يدخل أقيستها لترتيبها و انتظامها فيبعد الفكر بممارستها عن‬
‫الخطأ و ينشأ لصاحبها عقل على ذلك المهيع و قد زعموا أنة‬
‫كان مكتوبا علممى بمماب أفلطممون‪ :‬مممن لممم يكممن مهندسمما فل‬
‫يدخلن منزلنا و كان شيوخنا رحمهممم اللممه يقولممون ممارسممة‬
‫الهندسممة للفكممر بمثابممة الصممابون للثمموب الممذي يغسممل منممه‬
‫القذار و ينقيه من الوضار والدران‪ ،‬و إنما ذلممك لممما أشممرنا‬
‫إليه من ترتيبه و انتظمامه‪ .‬و ممن فمروع همذا الفمن الهندسمة‬
‫المخصوصة بالشكال الكرويممة و المخروطممات أممما الشممكال‬
‫الكرويمة ففيهما كتابمان ممن كتمب اليونمانيين لثاوذوسميوس و‬
‫ميلوش في سطوحها و قطوعها وكتاب ثاوذوسمميوس مقممدم‬
‫في التعليممم علممى كتمماب ميلوش لتوقممف كممثير مممن براهينممه‬
‫عليه‪ .‬و لبممد منهممما لمممن يريممد الخمموض فممي علممم الهيئة لن‬
‫براهينهمما متوقفممة عليممه‪ .‬فممالكلم فممي الهيئة كلممه كلم فممي‬
‫الكرات السممماوية و ممما يعممرض فيهمما مممن القطمموع والممدوائر‬
‫بأسباب الحركات كما نذكره فقد يتوقف على معرفة أحكممام‬
‫الشكال الكرويممة سممطوحها و قطوعهمما‪ .‬و أممما المخروطممات‬
‫فهو من فروع الهندسة أيضا‪ .‬و هو علم ينظر فيممما يقممع فممي‬
‫الجسام المخروطة من الشكال و القطوع و يبرهن على ما‬
‫يعرض لذلك مممن العمموارض بممبراهين هندسممية متوقفممة علممى‬
‫التعليممم الول‪ .‬و فائدتهمما تظهممر فممي الصممنائع العمليممة الممتي‬
‫موادها الجسام مثل التجارة و البناء و كيممف تصممنع التماثيممل‬
‫الغريبة و الهياكل النادرة و كيممف يتخيممل علممى جممر الثقممال و‬
‫نقل الهياكل بالهنممدام و الميخممال و أمثممال ذلممك‪ .‬و قممد أفممرد‬
‫بعض المؤلفين في هذا الفن كتابا في الحيل العلمية يتضمممن‬
‫من الصناعات الغريبممة و الحيممل المسممتظرفة كممل عجيبممة‪ .‬و‬
‫ربما استغلق على الفهمموم لصممعوبة براهينممه الهندسممية و هممو‬
‫موجود بأيدي الناس ينسبونه إلى بنممي شمماكر‪ .‬و اللممه تعممالى‬
‫أعلم‪ .‬و من فروع الهندسة المساحة و هو فن يحتاج إليه في‬
‫مسح الرض و معناه استخراج مقدار الرض المعلومة بنسبة‬
‫شبر أو ذراع أو غيرهمما و نسممبة أرض ممن أرض إذ قويسمت‬
‫بمثممل ذلممك‪ .‬و يحتمماج إلممى ذلممك فممي توظيممف الخممراج علممى‬
‫المزارع و الفدن و بساتين الغراسممة و فممي قسمممة الحمموائط‬
‫والراضي بين الشركاء و الورثة و أمثال ذلك‪ .‬و للنمماس فيهمما‬
‫موضوعات حسنة و كممثيرة و اللممه الموفممق للصممواب بمنممه و‬
‫كرمه‪ .‬المنمماظرة مممن فممروع الهندسممة و هممو علممم يتممبين بممه‬
‫أسباب الغلط في الدراك البصري بمعرفة كيفية وقوعها بناء‬
‫على أن إدراك البصر يكون بمخممروط شممعاعي رأسممه نقطممة‬
‫الباصمر و قاعمدته المممرئي‪ .‬ثمم يقممع الغلممط كممثيرا فمي رؤيممة‬
‫القريب كبيرا و البعيد صغيرا‪ .‬و كذا رؤيممة الشممباح الصممغيرة‬
‫تحت الماء و وراء الجسام الشممفافة كممبيرة و رؤيممة النقطممة‬
‫النازلة من المطممر خطمما مسممتقيما و السمملقة دائرة و أمثممال‬
‫ذلك‪ .‬فيتبين في هذا العلم أسباب ذلممك و كيفيمماته بممالبراهين‬
‫الهندسية و يتبين به أيضا اختلف المنظر في القمر بمماختلف‬
‫العممروض الممذي ينبنممي عليممه معرفممة رؤيممة الهلممة و حصممول‬
‫الكسوفات و كثير من أمثال هذا‪ .‬و قممد ألممف فممي هممذا الفممن‬
‫كثير من اليونانيين‪ .‬و أشهر من ألف فيه من السلميين ابممن‬
‫الهيثممم‪ .‬و لغيممره أيضمما تممآليف و هممو مممن هممذه الرياضممة و‬
‫تفاريعها‪.‬‬

‫الفصل الثاني و العشرون‪ :‬في علم الهيئة‬


‫و هو علم ينظر فممي حركممات الكممواكب الثابتممة و المحركممة و‬
‫المتحيرة‪ .‬و يستدل بكيفيات تلممك الحركممات علممى أشممكال و‬
‫أوضاع للفلك لزمت عنها لهذه الحركات المحسوسة بطرق‬
‫هندسية‪ .‬كما يبرهن على أن مركز الرض مباين لمركز فلممك‬
‫الشمس بوجود حركة القبال و الدبار و كما يستدل بالرجوع‬
‫و الستقامة للكواكب علممى وجممود أفلك صممغيرة حاملممة لهمما‬
‫متحركة داخل فلكها العظم و كما يبرهن على وجممود الفلممك‬
‫الثامن بحركة الكواكب الثابتة و كما يبرهن على تعدد الفلك‬
‫للكمموكب الواحممد بتعممداد الميممول لممه و أمثممال ذلممك‪ .‬و إدراك‬
‫الموجود من الحركات و كيفياتها و أجناسها إنما هممو بالرصممد‬
‫فإنمما إنممما علمنمما حركممة القبممال و الدبممار بممه‪ .‬و كممذا تركيممب‬
‫الفلك في طبقاتها و كذا الرجوع و الستقامة و أمثال ذلممك‪.‬‬
‫و كان اليونانيون يعتنون بالرصممد كممثيرا و يتخممذون لممه اللت‬
‫التي توضع ليرصد بها حركة الكوكب المعين‪ .‬و كانت تسمممى‬
‫عنممدهم ذات الحلممق و صممناعة عملهمما و الممبراهين عليممه فممي‬
‫مطابقة حركتها بحركة الفلك منقول بأيدي الناس‪.‬‬
‫و أما في السلم فلم تقع به عناية إل في القليل‪ .‬و كان في‬
‫أيام المأمون شيء منه و صنع هممذه اللممة المعروفممة للرصممد‬
‫المسماة ذات الحلق‪ .‬و شرع في ذلك فلم يتممم‪ .‬و لممما مممات‬
‫ذهب رسمه و أغفل و اعتمد من بعده على الرصاد القديمممة‬
‫و ليسممت بمغنيممة لختلف الحركممات باتصممال الحقمماب‪ .‬و أن‬
‫مطابقة حركة اللة للرصد بحركة الفلك و الكواكب إنما هو‬
‫بالتقريب‪ .‬و هذه الهيئة صناعة شريفة و ليست على ما يفهم‬
‫في المشهور أنها تعطى صممورة السممماوات و ترتيممب الفلك‬
‫والكواكب بالحقيقة بل إنما تعطي أن هممذه الصممور و الهيئات‬
‫للفلك لزمت عن هذه الحركات‪ .‬و أنت تعلم أنممه ل يبعممد أن‬
‫يكون الشيء الواحد لزما لمختلفين و إن قلنمما إن الحركممات‬
‫لزمة فهو استدلل باللزم علممى وجممود الملممزوم و ل يعطممي‬
‫الحقيقة بوجه على أنه علم جليل و هو أحد أركان التعاليم‪ .‬و‬
‫ممممن أحسمممن التمممآليف فيمممه كتممماب المجسمممطي منسممموب‬
‫لبطليممموس‪ .‬و ليممس مممن ملمموك اليونممان الممذين أسممماؤهم‬
‫بطليموس على ما حققه شراح الكتاب‪ .‬و قد اختصره الئمة‬
‫من حكماء السلم كما فعله ابن سممينا و أدرجممه فممي تعمماليم‬
‫الشفاء‪ .‬و لخصه ابن رشد أيضا مممن حكممماء النممدلس و ابممن‬
‫السمممح و ابممن أبممي الصمملت فممي كتمماب القتصممار‪ .‬و لبممن‬
‫الفرغاني هيئة ملخصة قربهمما و حممذف براهينهمما الهندسممية‪ .‬و‬
‫اللممه علممم النسممان ممما لممم يعلممم‪ .‬سممبحانه ل إلممه إل هممو رب‬
‫العالمين‪ .‬و من فروعه علم الزيمماج‪ .‬و هممي صممناعة حسممابية‬
‫على قوانين عددية فيما يخص كل كوكب من طريممق حركتممه‬
‫و ما أدى إليه برهان الهيئة في وضممعه مممن سممرعة و بطممء و‬
‫استقامة و رجوع و غير ذلك يعرف به مواضمع الكمواكب فمي‬
‫أفلكها لي وقت فرض من قبل حسممبان حركاتهمما علممى تلممك‬
‫القمموانين المسممتخرجة مممن كتممب الهيئة‪ .‬و لهممذه الصممناعة‬
‫قوانين كالمقدمات و الصول لها في معرفة الشهور و اليام‬
‫و التواريممخ الماضممية و أصممول متقممررة مممن معرفممة الوج‬
‫والحضيض و الميول و أصناف الحركممات و اسممتخراج بعضممها‬
‫من بعض‪ ،‬يضعونها في جدول مرتبة تسهيل علممى المتعلميممن‬
‫و تسمى الزياج‪ .‬و يسمى استخراج مواضع الكواكب للموقت‬
‫المفروض لهذه الصناعة تعديل و تقويما‪ .‬و للناس فيه تممآليف‬
‫كثيرة للمتقدمين و المتأخرين مثممل البتمماني و ابممن الكممماد‪ .‬و‬
‫قد عول المتأخرون لهذا العهد بالمغرب علممى زيممج منسمموب‬
‫لبن إسحاق من منجمي تممونس فممي أول المممائة السممابعة‪ .‬و‬
‫يزعمون أن ابن إسحاق عول فيه علممى الرصممد‪ .‬و أن يهوديمما‬
‫كممان بصممقلية ممماهرا فممي الهيئة و التعمماليم و كممان قممد عنممي‬
‫بالرصممد و كممان يبعممث إليممه بممما يقممع فممي ذلممك مممن أحمموال‬
‫الكواكب و حركه لها فكان أهل المغرب لذلك عنوا به لوثاقة‬
‫مبناه على ما يزعمون‪ .‬و لخصه ابممن البنمماء فممي آخممر سممماه‬
‫المنهاج فولع به النمماس لممما سممهل مممن العمممال فيممه و إنممما‬
‫يحتاج إلى مواضع الكواكب من الفلك لتنبنممي عليهمما الحكممام‬
‫النجومية و هو معرفة الثار التي تحدث عنهمما بأوضمماعها فممي‬
‫عممالم النسممان مممن الملممك و الممدول و المواليممد البشممرية و‬
‫الكوائن الحادثة كما نبينه بعممد و نوضممح فيممه أدلتهممم إن شمماء‬
‫الله تعالى‪ .‬و الله الموفق لما يحبه و يرضاه ل معبود سواه‪.‬‬
‫الفصل الثالث و العشرون‪ :‬في علم المنطق‬
‫و هو قمموانين يعممرف بهمما الصممحيح مممن الفاسممد فممي الحممدود‬
‫المعرفة للماهيات و الحجج المفيممدة للتصممديقات و ذلممك لن‬
‫الصل في الدراك إنما هو المحسوسات بالحواس الخمممس‪.‬‬
‫و جميع الحيوانات مشتركة فممي هممذا الدراك مممن النمماطق و‬
‫غيره و إنما يتميز النسان عنها بإدراك الكليات و هي مجردة‬
‫مممن المحسوسممات‪ .‬و ذلممك بممأن يحصممل فممي الخيممال مممن‬
‫الشخاص المتفقة صورة منطبقة على جميع تلك الشممخاص‬
‫المحسوسة و هي الكلي‪ .‬ثم ينظر الذهن بين تلك الشخاص‬
‫المتفقممة وأشممخاص أخممرى توافقهمما فممي بعممض‪ .‬فيحصممل لممه‬
‫صورة تنطبق أيضا عليهممما باعتبممار ممما اتفقمما فيممه‪ .‬و ل يممزال‬
‫يرتقي في التجريممد إلممى الكممل الممذي ل يجممد كليمما آخممر معممه‬
‫يوافقه فيكون لجل ذلك بسمميطا‪ .‬و هممذا مثممل ممما يجممرد مممن‬
‫أشخاص النسان صورة النوع المنطبقة عليها‪ .‬ثم ينظمر بينممه‬
‫و بين الحيوان و يجرد صورة الجنممس المنطبقممة عليهممما‪ .‬ثممم‬
‫ينظر بينهما و بين النبات إلى أن ينتهي إلى الجنس العممالي و‬
‫هو الجوهر فل يجد كليا يوافقه في شيء فيقف العقل هنالك‬
‫عن التجريد‪ .‬ثم إن النسان لما خلق الله له الفكر الممذي بممه‬
‫يدرك العلوم و الصنائع و كان العلم‪ :‬إممما تصممورا للماهيممات و‬
‫يعنى به إدراك ساذج مممن غيممر حكممم معممه و إممما تصممديقا أي‬
‫حكممما بثبمموت أمممر لمممر فصممار سممعي الفكممر فممي تحصمميل‬
‫المطلوبات إما بأن تجمع تلك الكليات بعضها إلى بعض علممى‬
‫جهة التأليف فتحصل صورة فممي الممذهن كليممة منطبقممة علممى‬
‫أفراد في الخارج فتكون تلك الصورة الذهنية مفيدة لمعرفممة‬
‫ماهية تلك الشخاص و إما بأن يحكم بأمر على أمر فيثبت له‬
‫و يكون ذلك تصديقا‪ .‬و غايته في الحقيقة راجعة إلى التصممور‬
‫لن فائدة ذلك إذا حصل إنما هي معرفة حقائق الشياء التي‬
‫هي مقتضى العلممم الحكمممي‪ .‬و هممذا السممعي مممن الفكممر قممد‬
‫يكون بطريق صحيح و قد يكون بطريق فاسد فاقتضممى ذلممك‬
‫تمييز الطريق الذي يسعى به الفكممر فممي تحصمميل المطممالب‬
‫العلميممة ليتميممز الصممحيح مممن الفاسممد فكممان ذلممك قممانون‬
‫المنطق‪ .‬و تكلم فيه المتقدمون أول ما تكلموا بممه جمل جمل‬
‫و مفترقا مفترقا‪ .‬و لم تهذب طرقه و لم تجمع مسائله حممتى‬
‫ظهممر فممي يونممان أرسممطو فهممذب مبمماحثه و رتممب مسممائله و‬
‫فصمموله و جعلممه أول العلمموم الحكميممة و فاتحتهمما‪ .‬و لممذلك‬
‫يسمى بممالمعلم الول و كتابممة المخصمموص بمالمنطق يسممى‬
‫النص و هو يشتمل على ثمانيممة كتممب أربعممة منهمما فممي صممور‬
‫القياس و أربعة فمي ممادته‪ .‬و ذلمك أن المطممالب التصممديقية‬
‫على أنحاء‪ .‬فمنها ما يكممون المطلمموب فيممه اليقيممن بطبعممه و‬
‫منها ما يكون المطلوب فيه الفن و هو علممى مراتممب فيظهممر‬
‫في القياس من حيث المطلوب الذي يفيممده و ممما ينبغممي أن‬
‫تكون مقدماته بذلك العتبار و من أي جنس يكون من العلممم‬
‫أو مممن الفممن‪ .‬و قممد ينظممر فممي القيمماس ل باعتبممار مطلمموب‬
‫مخصوص بل من جهة إنتاجه خاصة‪ .‬و يقال للنظر الول إنممه‬
‫مممن حيممث المممادة و نعنممي بممه المممادة المنتجممة للمطلمموب‬
‫المخصوص من يقين أو ظن و يقممال للنظممر الثمماني إنممه مممن‬
‫حيث الصورة و إنتاج القياس على الطلق فكانت لذلك كتب‬
‫المنطق ثمانية‪ :‬الول في الجناس العالية الممتي ينتهممي إليهمما‬
‫تجريد المحسوسات و هي التي ليس فوقها جنممس و يسمممى‬
‫كتاب المقولت‪ .‬و الثاني في القضايا التصديقية و أصممنافها و‬
‫يسمى كتاب العبارة‪ .‬و الثالث فممي القيمماس و صممورة إنتمماجه‬
‫على الطلق و يسمى كتاب القياس و هممذا آخممر النظممر مممن‬
‫حيممث الصممورة‪ .‬ثممم الرابممع كتمماب البرهممان و هممو النظممر فممي‬
‫القياس المنتج لليقين و كيف يجب أن تكون مقدماته يقينيممة‪.‬‬
‫و يختص بشروط أخرى لفادة اليقين مذكورة فيه مثل كونها‬
‫ذاتيممة و أوليممة و غيممر ذلممك‪ .‬و فممي هممذا الكتمماب الكلم فممي‬
‫المعرفات و الحدود إذ المطلوب فيها إنما هو اليقين لوجوب‬
‫المطابقممة بيممن الحممد و المحممدود ل تحتمممل غيرهمما فلممذلك‬
‫اختصممت عنممد المتقممدمين بهممذا الكتمماب‪ .‬و الخممامس‪ :‬كتمماب‬
‫الجدل و هو القياس المفيد قطع المشاغب و إفحام الخصممم‬
‫و ما يجب أن يستعمل فيه مممن المشممهورات و يختممص أيضمما‬
‫من جهة إفادته لهذا الغرض بشروط أخرى من حيممث إفممادته‬
‫لهذا الغرض و هي مذكورة هنمماك‪ .‬و فممي هممذا الكتمماب يممذكر‬
‫المواضع التي يسممتنبط منهمما صمماحب القيمماس قياسممه و فيممه‬
‫عكوس القضايا‪ .‬و السادس‪ :‬كتاب السفسطة و هو القيمماس‬
‫الذي يفيممد غلف الحممق و يغممالط بممه المنمماظر صمماحبه و هممو‬
‫فاسد و هذا إنما كتب ليعرف بممه القيمماس المغممالطي فيحممذر‬
‫منه‪ .‬و السابع‪ :‬كتاب الخطابة و هممو القيمماس المفيممد ترغيممب‬
‫الجمهور و حملهم على المراد منهم و ما يجممب أن يسممتعمل‬
‫في ذلك من المقالت‪ .‬و الثامن‪ :‬كتاب الشعر و هممو القيمماس‬
‫الذي يفيد التمثيل و التشبيه خاصممة للقبممال علممى الشميء أو‬
‫النفرة عنه و ما يجب أن يستعمل فيه من القضممايا التخيليممة‪.‬‬
‫هذه هي كتب المنطق الثمانية عند المتقدمين‪ .‬ثم إن حكماء‬
‫اليونانيين بعد أن تهذبت الصناعة و رتبممت رأوا أنممة لبممد مممن‬
‫الكلم فممي الكليممات الخمممس المفيممدة للتصممور المطممابق‬
‫للماهيات في الخارج‪ ،‬أو لجزائها أو عوارضها و هممي الجنممس‬
‫و الفصل و النوع و الخاص و العرض العام‪ ،‬فاسممتدركوا فيهمما‬
‫مقالة تختممص بهمما مقدمممة بيممن يممدي الفممن فصممارت تسممعا و‬
‫ترجمت كلها في الملة السلمية‪ .‬و كتبهمما و تممداولها فلسممفة‬
‫السلم بالشرح و التلخيص كما فعله الفارابي و ابن سينا ثم‬
‫ابن رشد من فلسفة النممدلس‪ .‬و لبممن سممينا كتمماب الشممفاء‬
‫استوعب فيه علوم الفلسفة السبعة كلها‪ .‬ثم جاء المتأخرون‬
‫فغيممروا اصممطلح المنطممق و ألحقمموا بممالنظر فممي الكليممات‬
‫الخمس ثمرته و هي الكلم في الحدود و الرسوم نقلوها من‬
‫كتاب البرهان‪ .‬و حذفوا كتاب المقممولت لن نظممر المنطقممي‬
‫فيه بالعرض ل بالذات‪ .‬و ألحقوا في كتاب العبارة الكلم في‬
‫العكس‪ .‬و إن كان من كتاب الجدل في كتب المتقدمين لكنة‬
‫من توابع الكلم في القضايا ببعممض الوجمموه ثممم تكلممموا فممي‬
‫القياس من حيث إنتمماجه للمطممالب علممى العممموم ل بحسممب‬
‫مممادة و حممدقوا النظممر فيممه بحسممب المممادة و هممي الكتممب‬
‫الخمسة‪ :‬البرهان و الجدل و الخطابة و الشعر و السفسطة‪.‬‬
‫و ربما يلم بعضهم باليسير منها إلماما و أغفلوها كأن لم تكن‬
‫هي المهم المعتمد في الفن‪ .‬ثممم تكلممموا فيممما وضممعوه مممن‬
‫ذلك كلما مستبحرا و نظروا فيه من حيث إنه فممن برأسممه ل‬
‫من حيث إنه آلة للعلوم فطال الكلم فيه و اتسع‪ .‬و أول من‬
‫فعل ذلك المام فخر الدين بن الخطيب و مممن بعممده أفضممل‬
‫الدين الخونجي و على كتبه معتمد المشممارقة لهممذا العهممد‪ .‬و‬
‫له في هممذه الصممناعة كتمماب كشممف السممرار و هممو طويممل و‬
‫اختصر فيهمما مختصممر الممموجز و هممو حسممن فممي التعليممم ثممم‬
‫مختصر الجمل فممي قممدر أربعممة أوراق أخممذ بمجممامع الفممن و‬
‫أصوله متداولة المتعلمون لهذا العهد فينتفعون به‪ .‬و هجممرت‬
‫كتب المتقدمين و طرقهممم كممأن لممم تكممن و هممي ممتلئة مممن‬
‫ثمرة المنطق و فائدته كما قلناه‪ .‬و الله الهادي للصواب‪.‬‬
‫اعلم أن هذا الفن قد اشتد النكير على انتحاله مممن متقممدمي‬
‫السلف و المتكلمين‪ .‬و بالغوا في الطعن عليه و التحذير منه‬
‫و حظروا تعلمه و تعليمه‪ .‬وجاء المتممأخرون مممن بعممدهم مممن‬
‫لدن الغزالي و المام ابن الخطيب فسامحوا في ذلممك بعممض‬
‫الشمميء‪ .‬و أكممب النمماس علممى انتحمماله مممن يممومئذ إل قليل‪،‬‬
‫يجنحون فيه إلممى رأي المتقممدمين‪ .‬فينفممرون عنممه و يبممالغون‬
‫في إنكاره‪ .‬فلنبين لك نكتممة القممول و الممرد فممي ذلممك‪ ،‬لتعلممم‬
‫مقاصممد العلممماء فممي مممذاهبهم‪ ،‬و ذلممك أن المتكلميممن لممما‬
‫وضعوا علم الكلم لنصممر العقممائد اليمانيممة بالحجممج العقليممة‪،‬‬
‫كانت طريقتهم في ذلك بأدلممة خاصممة و ذكروهمما فممي كتبهممم‬
‫كالممدليل علممى حممدث العممالم بإثبممات الغممراض و حممدوثها‪ .‬و‬
‫امتناع خلو الجسام عنها‪ ،‬و ما ل يخلو عن الحمموادث حممادث‪.‬‬
‫و كإثبات التوحيد بممدليل التمممانع‪ .‬و إثبممات الصممفات القديمممة‬
‫بالجوامع الربعممة إلحاقمما للغممائب بالشمماهد‪ .‬و غيممر ذلممك مممن‬
‫أدلتهم المذكورة فممي كتبهممم‪ .‬ثممم مممرروا تلممك الدلممة بتمهيممد‬
‫قواعد و أصول هي كالمقدمات لها مثل إثبات الجوهر الفممرد‬
‫و الزمممن الفممرد و الخلء بيممن الجسممام و نفممي الطبيعممة و‬
‫التركيب العقلممي للماهيممات‪ .‬و أن العممرض ل يبقممى زمنيممن و‬
‫إثبات الحال و هي صفة الموجود‪ ،‬ل موجودة و ل معدومممة و‬
‫غير ذلك من قواعدهم التي بنمموا عليهمما أدلتهممم الخاصممة‪ .‬ثممم‬
‫ذهب الشيخ أبو الحسممن‪ ،‬و القاضممي أبممو بكممر و السممتاذ أبممو‬
‫إسحاق إل أن أدلمة العقمائد منعكسمة بمعنمى أنهما إذا بطلمت‬
‫بطل مدلولها‪ .‬و لهذا رأى القاضي أبو بكر أنها بمثابة العقممائد‬
‫و القدح فيها قممدح فممي العقممائد لبتنائهمما عليهمما‪ .‬و إذا تممأملت‬
‫المنطق وجممدته كلممه يممدور علممى الممتركيب العقلممي‪ ،‬و إثبممات‬
‫الكلممي الطممبيعي فممي الخممارج لينطبممق عليممه الكلممي الممذهني‬
‫المنقسم إلى الكليات الخمس‪ ،‬التي هممي الجنممس و النمموع و‬
‫الفصمممل والخاصمممة و العمممرض العمممام‪ ،‬و همممذا باطمممل عنمممد‬
‫المتكلمين‪ .‬و الكلي و الذاتي عندهم إنما اعتبار ذهنممي ليممس‬
‫في الخارج ما يطممابقه‪ .‬أو حممال عنممد مممن يقممول بهمما فتبطممل‬
‫الكليممات الخمممس و التعريممف المبنممي عليهمما‪ .‬و المقممولت‬
‫العشممر‪ ،‬و يبطممل العممرض الممذاتي‪ ،‬فتبطممل ببطلنممه القضممايا‬
‫الضرورية الذاتية المشروطة في البرهان و تبطممل المواضممع‬
‫التي هي لباب كتاب الجدل‪ .‬و هي التي يؤخممذ منهمما الوسممط‬
‫الجممامع بيممن الطرفيممن فممي القيمماس‪ ،‬و ل يبقممى إل القيمماس‬
‫الصوري‪ ،‬و من التعريفات المساوئ في الصادقية على أفراد‬
‫المحمممود‪ ،‬ل يكممون أعلممم منهمما‪ ،‬فيممدخل غيرهمما‪ ،‬و ل أخممص‬
‫فيخرج بعضها‪ ،‬و هو الذي يعبر عنه النحاة بممالجمع و المنممع و‬
‫المتكلمون بالطرد و العكس‪ ،‬و تنهدم أركان المنطق جملممة‪.‬‬
‫و إن أثبتنمما هممذه كممما فممي علممم المنطممق أبطلنمما كممثيرا مممن‬
‫مقدمات المتكلمين فيؤدي إلى إبطممال أدلتهممم علممى العقممائد‬
‫كما مر‪ .‬فلهذا بالغ المتقدمون من المتكلمين في النكير على‬
‫انتحال المنطق و عده بدعة أو كفرا على نسبة الدليل الممذي‬
‫يبطل‪ .‬و المتأخرون مممن لممدن الغزالممي لممما أنكممروا انعكمماس‬
‫الدلة‪ ،‬و لم يلزم عندهم من بطلن الدليل بطلن مممدلوله‪ ،‬و‬
‫صح عندهم رأي أهل المنطق في التركيب العقلممي و وجمموب‬
‫الماهيات الطبيعية و كلياتها في الخارج‪ ،‬قضوا بممأن المنطممق‬
‫غير مناف للعقائد اليمانية‪ .‬و إن كان منافيا لبعض أدلتها‪ ،‬بل‬
‫قد يستدلون على إبطال كثير من تلممك المقممدمات الكلميممة‪،‬‬
‫كنفممي الجمموهر الفممرد و الخلء و بقمماء العممراض و غيرهمما‪ ،‬و‬
‫يسممتبدلون مممن أدلممة المتكلميممن علممى العقممائد بأدلممة أخممرى‬
‫يصححونها بالنظر و القياس العقلي‪ .‬و لم يقدح ذلممك عنممدهم‬
‫فممي العقممائد السممنية بمموجه‪ .‬و هممذا رأي المممام و الغزالممي و‬
‫تابعهما لهذا العهممد‪ ،‬فتأمممل ذلممك و اعممرف مممدارك العلممماء و‬
‫مآخذهم فيما يذهبون إليه‪ .‬و الله الهادي و الموفق للصواب‪.‬‬

‫الفصل الرابع و العشرون‪ :‬في الطبيعيات‬


‫و هو علم يبحث في الجسم من جهة ما يلحقه من الحركة و‬
‫السممكون فينظممر فممي الجسممام السممماوية و العنصممرية و ممما‬
‫يتولد عنها من حيوان و إنسان و نبممات و معمدن و مما يتكمون‬
‫في الرض من العيون و الزلزل و في الجو مممن السممحاب و‬
‫البخار و الرعد والبرق و الصمواعق و غيمر ذلمك‪ .‬و فمي مبمدأ‬
‫الحركة للجسام و هممو النفممس علممى تنوعهمما فممي النسممان و‬
‫الحيوان و النبممات‪ .‬و كتمب أرسممطو فيمه موجممودة بيممن أيممدي‬
‫الناس ترجمت مع ما ترجم من علوم الفلسفة أيام المممأمون‬
‫و ألف الناس على حذوها مستتبعين لهمما بالبيممان و الشممرح و‬
‫أوعب من ألف في ذلك ابن سينا في كتاب الشفاء جمع فيه‬
‫العلوم السبعة للفلسفة كما قدمنا ثم لخصه في كتاب النجمما‬
‫و في كتاب الشارات و كأنه يخالف أرسطو فممي الكممثير مممن‬
‫مسائلها و يقول برأيممه فيهمما‪ .‬و أممما ابممن رشممد فلخممص كتممب‬
‫أرسطو و شرحها متبعا له غيممر مخممالف‪ .‬و ألممف النمماس فممي‬
‫ذلك كثيرا لكن هذه هي المشهورة لهذا العهد و المعتبرة في‬
‫الصناعة‪ .‬و لهل المشرق عناية بكتاب الشارات ل بن سممينا‬
‫و للمممام ابممن الخطيممب عليممه شمرح حسممن و كممذا المممدي و‬
‫شرحه أيضا نصير الدين الطوسي المعروف بخواجه من أهل‬
‫المشرق و بحث مع المام في كثير من مسائله فأوفى علممى‬
‫أنظاره و بحوثه و فوق كل ذي علم عليممم و اللممه يهممدي مممن‬
‫يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬
‫الفصل الخامس و العشرون‪ :‬في علم الطب‬
‫و من فروع الطبيعيات صناعة الطب و هي صناعة تنظر فممي‬
‫بدن النسان من حيث يمرض و يصح فيحاول صمماحبها حفممظ‬
‫الصحة و برء المرض بالدوية والغذية بعد أن يتممبين المممرض‬
‫الممذي يخممص كممل عضممو مممن أعضمماء البممدن و أسممباب تلممك‬
‫المممراض الممتي تنشممأ عنهمما و ممما لكممل مممرض مممن الدويممة‬
‫مستدلين على ذلك بأمزجة الدوية و قواهمما و علممى المممرض‬
‫بالعلمات المؤذن بنضجه و قبوله الدواء أول‪ :‬فممي السممجية و‬
‫الفضلت و النبض محاذين لذلك قوة الطبيعة فإنهمما المممدبرة‬
‫في حالتي الصحة و المرض‪ .‬و إنما الطبيب يحاذيهمما و يعينهمما‬
‫بعض الشيء بحسب ممما تقتضمميه طبيعممة المممادة و الفصممل و‬
‫السن و يسمى العلم الجامع لهممذا كلممه علممم الطممب‪ .‬و ربممما‬
‫أفردوا بعض العضاء بالكلم و جعلوه علما خاصمما‪ ،‬كممالعين و‬
‫عللهمما وأكحالهمما‪ .‬كممذلك ألحقمموا بممالفن مممن منمماخ العضمماء و‬
‫معناها المنفعة التي لجلها خلق كل عضو من أعضمماء البممدن‬
‫الحيواني‪ .‬و إن لم يكن ذلك من موضوع علم الطب إل أنهممم‬
‫جعلمموه مممن لممواحقه و تمموابعه‪ .‬و إمممام هممذه الصممناعة الممتي‬
‫ترجمت كتبممه فيهمما مممن القممدمين جممالينوس يقممال إنممه كممان‬
‫معاصرا لعيسى عليه السلم و يقممال إنممه مممات بصممقلية فممي‬
‫سبيل تغلب و مطاوعة اغتراب‪ .‬و تممآليفه فيهمما هممي المهممات‬
‫التي اقتدى بها جميع الطباء بعده‪ .‬و كممان فممي السمملم فممي‬
‫هممذه الصممناعة أئمممة جمماءوا مممن وراء الغايممة مثممل الممرازي و‬
‫المجوسممي و ابممن سممينا و مممن أهممل النممدلس أيضمما كممثير‬
‫وأشهرهم ابن زهر‪ .‬و هي لهذا العهممد فممي المممدن السمملمية‬
‫كأنها نقصت لوقوف العمران و تناقصممه و هممي مممن الصممنائع‬
‫الممتي ل تسممتدعيها إل الحضممارة و الممترف كممما نممبينه بعممد‪ .‬و‬
‫للبادية من أهل العمران طب يبنممونه فممي غممالب المممر علممى‬
‫تجربة قاصرة على بعض الشخاص متوارثا عن مشايخ الحي‬
‫و عجائزه‪ ،‬و ربما يصح منه البعض إل أنة ليممس علممى قممانون‬
‫طبيعي و ل على موافقة المزاج‪ .‬و كان عند العرب مممن هممذا‬
‫الطب كثير و كان فيهم أطباء معروفون كالحارث بن كلدة و‬
‫غيره‪ .‬و الطب المنقممول فممي الشممرعيات مممن هممذا القبيممل و‬
‫ليس من الوحي في شيء و إنما هو أمر كان عاديمما للعممرب‪.‬‬
‫و وقع في ذكر أحوال النبي صلى الله عليه و سلم مممن نمموع‬
‫ذكممر أحممواله الممتي هممي عممادة و جبلممة ل مممن جهممة أن ذلممك‬
‫مشروع على ذلك النحو من العمل‪ .‬فإنه صمملى اللممه عليممه و‬
‫سلم إنما بعث ليعلمنا الشرائع و لم يبعث لتعريممف الطممب و‬
‫ل غيره من العاديات‪ .‬و قد وقع له في شأن تلقيح النخممل ممما‬
‫وقع فقال‪ :‬أنتم أعلم بأمور دنياكم‪ .‬فل ينبغي أن يحمل شيء‬
‫من الطب الذي وقع في الحاديث الصممحيحة المنقولممة علممى‬
‫أنة مشروع فليس هناك ما يدل عليممه اللهممم إل إذا اسممتعمل‬
‫على جهة التبرك و صدق العقد اليماني فيكون له أثر عظيم‬
‫في النفع‪ .‬و ليس ذلك في الطب المزاجي و إنما هو من آثار‬
‫الكلمة اليمانية كممما وقممع فممي مممداواة المبطممون بالعسممل و‬
‫نحوه و الله الهادي إلى الصواب ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل السادس و العشرون‪ :‬في الفلحة‬


‫هذه الصناعة من فروع الطبيعيات و همي النظمر فمي النبمات‬
‫من حيث تنميته و نشؤه بالسقي و العلج و تعهده بمثل ذلك‬
‫و كان للمتقدمين بها عناية كثيرة و كان النظممر فيهمما عنممدهم‬
‫عاما في النبات من جهة غرسه و تنميته و من جهممة خواصممه‬
‫و روحمممانيته و مشممماكلتها لروحانيمممات الكمممواكب و الهياكمممل‬
‫المستعمل ذلك كله فممي بمماب السممحر فعظمممت عنممايتهم بممه‬
‫لجل ذلك‪ .‬و ترجم من كتب اليونانيين كتاب الفلحة النبطيممة‬
‫منسوبة لعلماء النبط مشتملة من ذلك على علم كبير‪ .‬و لما‬
‫نظر أهل الملة فيما اشممتمل عليممه هممذا الكتمماب و كممان بمماب‬
‫السحر مسدودا و النظر فيممه محظممورا فاقتصممروا منممه علممى‬
‫الكلم في النبات من جهة غرسممه و علجممه و ممما يعممرض لممه‬
‫في ذلك و حذفوا الكلم في الفن الخر منه جملة‪ .‬و اختصممر‬
‫ابن العوام كتاب الفلحة النبطيممة علممى هممذا المنهمماج و بقممي‬
‫الفن الخر منه مغفل‪ ،‬نقل منة مسمملمة فممي كتبممه السممحرية‬
‫أمهات من مسائله كممما نممذكره عنممد الكلم علممى السممحر إن‬
‫شاء الله تعالى‪ .‬و كتممب المتممأخرين فممي الفلحممة كممثيرة و ل‬
‫يعدون فيها الكلم في الغراس و العلج و حفممظ النبممات مممن‬
‫حوائجه و عوائقه و ما يعرض في ذلك كله و هي موجودة‪.‬‬

‫الفصل السابع و العشرون‪ :‬في علم اللهيات‬


‫و هو علم ينظر في الوجود المطلق فأول في المممور العامممة‬
‫للجسمانيات و الروحانيات من الماهيات و الوحممدة و الكممثرة‬
‫و الوجمموب و المكممان و غيممر ذلممك ثممم ينظممر فممي مبممادئ‬
‫الموجودات و أنها روحانيات ثم في كيفية صدور الموجممودات‬
‫عنها و مراتبها ثم في أحوال النفس بعد مفارقممة الجسممام و‬
‫عودها إلى المبدأ‪ .‬و هممو عنممدهم علممم شممريف يزعمممون أنممة‬
‫يوقفهم على معرفة الوجود على ما هو عليه و أن ذلك عيممن‬
‫السعادة في زعمهم‪ .‬و سمميأتي الممرد عليهممم بعممد‪ .‬و هممو تممال‬
‫للطبيعيات في ترتيبهم ولذلك يسمونه علم ما وراء الطبيعة‪.‬‬
‫و كتب المعلم الول فيه موجودة بين أيدي النمماس‪ .‬و لخصممه‬
‫ابن سينا في كتاب الشفاء و النجاة و كذلك لخصه ابن رشممد‬
‫من حكماء الندلس‪ .‬و لما وضع المتأخرون في علوم القمموم‬
‫و دونمموا فيهمما و رد عليهممم الغزالممي ممما رد منهمما ثممم خلممط‬
‫المتممأخرون مممن المتكلميممن مسممائل علممم الكلم بمسممائل‬
‫الفلسفة لشمتراكهما فمي المبماحث‪ ،‬و تشمابه موضموع علمم‬
‫الكلم بموضوع اللهيات و مسممائله بمسممائلها فصممارت كأنهمما‬
‫فن واحد ثم غيروا ترتيب الحكماء فمي مسمائل الطبيعيمات و‬
‫اللهيممات و خلطوهممما فنمما واحممدا قممدموا الكلم فممي المممور‬
‫العامة ثم أتبعوه بالجسمممانيات و توابعهمما ثممم بالروحانيممات و‬
‫توابعها إلى آخر العلممم كممما فعلممه المممام ابممن الخطيممب فممي‬
‫المباحث المشرقية و جميممع مممن بعممده مممن علممماء الكلم‪ .‬و‬
‫صار علم الكلم مختلطا بمسائل الحكمة و كتبه محشوة بهمما‬
‫كأن الغرض مم موضوعهما و مسائلهما واحد‪ .‬و التبس ذلممك‬
‫على الناس و هممو صممواب لن مسممائل علممم الكلم إنممما هممي‬
‫عقائد متلقاة من الشريعة كما نقلها السلف مممن غيممر رجمموع‬
‫فيها إلى العقل و ل تعويل عليه بمعنى أنها ل تثبت إل به فإن‬
‫العقممل معممزول عممن الشممرع و أنظمماره و ممما تحممدث فيممه‬
‫المتكلمون مممن إقامممة الحجممج فليممس بحثمما عممن الحممق فيهمما‬
‫فالتعليل بالدليل بعد أن لم يكن معلوممما هممو شممأن الفلسممفة‬
‫بممل إنممما هممو التممماس حجممة عقليممة تعضممد عقممائد اليمممان و‬
‫مذاهب السمملف فيهمما و تممدفع شممبه أهممل البممدع عنهمما الممذين‬
‫زعممموا أن مممداركهم فيهمما عقليممة‪ .‬و ذلممك بعممد أن تفممرض‬
‫صحيحة بالدلة النقلية كما تلقاها السلف و اعتقممدوها و كممثير‬
‫ما بين المقامين‪ .‬و ذلك أن مممدارك صمماحب الشممريعة أوسممع‬
‫لتساع نطاقهمما عممن مممدارك النظممار العقليممة فهممي فوقهمما و‬
‫محيطة بها لسممتمدادها مممن النمموار اللهيممة فل تممدخل تحممت‬
‫قانون النظممر الضممعيف و المممدارك المحمماط بهمما‪ .‬فممإذا هممدانا‬
‫الشارع إلى مدرك فينبغي أن نقدمه على مداركنا و نثممق بممه‬
‫دونها و ل ننظر في تصحيحه بمدارك العقل و لو عارضممه بممل‬
‫نعتمد ما أمرنا به اعتقادا و علما و نسكت عما لم نفهممم مممن‬
‫ذلك و نفوضه إلى الشارع و نعزل العقممل عنممه و المتكلمممون‬
‫إنما دعاهم إلى ذلك كلم أهل اللحاد في معارضات العقممائد‬
‫السلفية بالبدع النظرية فاحتاجوا إلى الرد عليهم مممن جنممس‬
‫معارضاتهم و استدعى ذلك الحجج النظرية و محاذاة العقائد‬
‫السلفية بها و أما النظممر فممي مسممائل الطبيعيممات واللهيممات‬
‫بالتصحيح و البطلن فليس من موضوع علممم الكلم و ل مممن‬
‫جنس أنظار المتكلميممن‪ .‬فمماعلم ذلممك لتميممز بممه بيممن الفنيممن‬
‫فإنهما مختلطان عند المتأخرين في الوضع و التأليف و الحق‬
‫مغايرة كل منهما لصاحبه بالموضوع و المسممائل و إنممما جمماء‬
‫اللتباس من اتحاد المطالب عنممد السممتدلل و صممار احتجمماج‬
‫أهل الكلم كأنه إنشاء لطلب العتداد بالدليل و ليممس كممذلك‬
‫بل إنما هو رد على الملحدين و المطلمموب مفممروض الصممدق‬
‫معلومة‪ .‬و كذا جاء المتأخرون من غلة المتصوفة المتكلمين‬
‫بالمواجد أيضا فخلطوا مسائل الفنين بفنهممم و جعلمموا الكلم‬
‫واحدا فيها كلها مثل كلمهم في النبؤات و التحمماد و الحلممول‬
‫و الوحدة و غيممر ذلممك‪ .‬و المممدارك فممي هممذه الفنممون الثلثممة‬
‫متغايرة مختلفة و أبعدها من جنس الفنون و العلمموم مممدارك‬
‫المتصوفة لنهم يدعون فيها الوجدان و يفرون عمن الممدليل و‬
‫الوجدان بعيد عن الممدارك العلميمة و أبحاثهما و توابعهما كمما‬
‫بيناه و نبينه‪ .‬و الله يهدي مممن يشمماء إلممى طريممق مسممتقيم و‬
‫الله أعلم بالصواب‪.‬‬

‫الفصمل الثممامن و العشممرون‪ :‬فممي علمموم السممحر و‬


‫الطلسمات‬
‫و هي علوم بكيفية استعدادات تقتممدر النفمموس البشممرية بهمما‬
‫على التأثيرات في عالم العناصر إما بغير معين أو بمعين من‬
‫المور السماوية و الول هو السحر و الثاني هممو الطلسمممات‬
‫و لما كانت هذه العلوم مهجورة عند الشممرائع لممما فيهمما مممن‬
‫الضرر و لممما يشممترط فيهمما مممن الوجهممة إلممى غيممر اللممه مممن‬
‫كوكب أو غيره كانت كتبها كالمفقودة بين الناس‪ .‬إل ما وجممد‬
‫في كتب المم القدمين فيما قبل نبؤة موسى عليممه السمملم‬
‫مثل النبط و الكلدانيين فإن جميع من تقدمه من النبيمماء لممم‬
‫يشممرعوا الشممرائع و ل جمماءوا بالحكممام إنممما كممانت كتبهممم‬
‫مواعظ و توحيممدا للممه و تممذكيرا بالجنممة والنممار و كممانت هممذه‬
‫العلوم في أهل بابل من السريانيين و الكلدانيين و فمي أهمل‬
‫مصر من القبط و غيرهم‪ .‬و كان لهم فيها التممآليف و الثممار و‬
‫لم يترجم لنا من كتبهم فيها إل القليل مثممل الفلحممة النبطيممة‬
‫من أوضاع أهل بابل فأخذ الناس منها هذا العلم و تفننوا فيمه‬
‫و وضعت بعد ذلك الوضاع مثل مصاحف الكواكب السممبعة و‬
‫كتاب طمطم الهندي في صور الدرج و الكواكب و غيرها‪ .‬ثم‬
‫ظهر بالمشرق جابر بن حيان كبير السممحرة فممي هممذه الملممة‬
‫فتصفح كتب القوم و استخرج الصناعة و غاص في زبممدتها و‬
‫استخرجها و وضع فيها غيرها من التآليف و أكممثر الكلم فيهمما‬
‫و في صناعة السيمياء لنها مممن توابعهمما لن إحالممة الجسممام‬
‫النوعية من صورة إلى أخرى إنممما يكممون بممالقوة النفسممية ل‬
‫بالصممناعة العمليممة فهممو مممن قبيممل السممحر كممما نممذكره فممي‬
‫موضعه‪ .‬ثممم جمماء مسمملمة بممن أحمممد المجريطممي إمممام أهممل‬
‫الندلس في التعاليم والسحريات فلخص جميع تلك الكتممب و‬
‫هذبها و جمع طرقها في كتابه الذي سماه غاية الحكيم و لممم‬
‫يكتب أحد في هذا العلم بعده‪ .‬و لتقدم هنا مقدمة يتممبين بهمما‬
‫حقيقة السحر و ذلك أن النفوس البشرية و إن كانت واحممدة‬
‫بالنوع فهي مختلفة بالخواص و هي أصناف كل صنف مختص‬
‫بخاصية واحدة بالنوع ل توجممد فممي الصممنف الخممر‪ .‬و صممارت‬
‫تلك الخواص فطرة و جبلممة لصممنفها فنفمموس النبيمماء عليهممم‬
‫الصلة و السلم لها خاصية تستعد بها للنسلخ من الروحانية‬
‫البشرية إلى الروحانيممة الملكيممة حممتى يصممير ملكمما فممي تلممك‬
‫اللمحة التي انسلخت فيها‪ ،‬و هذا هو معنممى المموحي كممما مممر‬
‫في موضعه‪ ،‬و هي في تلك الحالة محصلة للمعرفممة الربانيممة‬
‫و مخاطبة الملئكة عليهم السلم عن اللممه سممبحانه و تعممالى‬
‫كما مر‪ .‬و ما يتسع في ذلك من التأثير في الكوان و نفمموس‬
‫السحرة لها خاصة التأثير فممي الكمموان و اسممتجلب روحانيممة‬
‫الكواكب للتصرف فيها و التأثير بقمموة نفسممانية أو شمميطانية‪.‬‬
‫فأما تأثير النبياء فمدد إلهي و خاصية ربانية و نفوس الكهنممة‬
‫لها خاصية الطلع على المغيبات بقوى شيطانية‪ .‬و هكذا كل‬
‫صنف مختص بخاصية ل توجد في الخر‪ .‬و النفوس الساحرة‬
‫على مراتب ثلث يأتي شرحها فأولها المممؤثرة بالهمممة فقممط‬
‫مممن غيممر آلممة و ل معيممن و هممذا هممو الممذي تسممميه الفلسممفة‬
‫السممحر و الثمماني بمعيممن مممن مممزاج الفلك أو العناصممر أو‬
‫خواص العداد و يسمونه الطلسمات و هو أضعف رتبممة مممن‬
‫الول و الثالث تأثير في القوى المتخيلممة‪ .‬يعمممد صمماحب هممذا‬
‫التأثير إلى القوى المتخيلة فيتصرف فيها بنوع مممن التصممرف‬
‫و يلقي فيهمما أنواعمما مممن الخيممالت و المحاكمماة و صممورا مممما‬
‫يقصده من ذلك ثم ينزلها إلى الحس من الرائين بقوة نفسه‬
‫المؤثرة فيه فينظر الراؤن كأنهمما فممي الخممارج و ليممس هنمماك‬
‫شيء من ذلك‪ ،‬كما يحكى عن بعضهم أنممه يممري البسمماتين و‬
‫النهار و القصور و ليس هناك شيء مممن ذلممك ويسمممى هممذا‬
‫عند الفلسفة الشعوذة أو الشعبذة‪ .‬هممذا تفصمميل مراتبممه ثممم‬
‫هذه الخاصية تكون في الساحر بالقوة شأن القوى البشممرية‬
‫كلها و إنما تخرج إلى الفعل بالرياضة و رياضممة السممحر كلهمما‬
‫إنما تكون بالتوجه إلى الفلك و الكواكب و العمموالم العلويممة‬
‫والشممياطين بممأنواع التعظيممم و العبممادة و الخضمموع و التممذلل‬
‫فهي لذلك وجهة إلى غير الله و سجود له‪ .‬و الوجهة إلى غير‬
‫الله كفر فلهذا كان السحر كفرا و الكفر من مواده و أسبابه‬
‫كما رأيت‪ .‬و لهذا اختلف الفقهاء فممي قتممل السمماحر هممل هممو‬
‫لكفره السابق على فعله أو لتصرفه بالفساد و ما ينشأ عنممه‬
‫من الفسمماد فمي الكمموان و الكممل حاصممل منممه‪ .‬و لممما كممانت‬
‫المرتبتممان الوليممان مممن السممحر لهمما حقيقممة فممي الخممارج و‬
‫المرتبممة الخيممرة الثالثممة ل حقيقممة لهمما اختلممف العلممماء فممي‬
‫السحر هل هو حقيقة أو إنممما هممو تخييممل فالقممائلون بممأن لممه‬
‫حقيقة نظروا إلى المرتبتين الوليين و القائلون بأن ل حقيقة‬
‫له نظروا إلى المرتبة الثالثممة الخيممرة‪ .‬فليممس بينهممم اختلف‬
‫في نفس المر بل إنما جاء من قبل اشتباه هممذه المراتممب و‬
‫الله أعلم‪ .‬و اعلم أن وجود السحر ل مريممة فيممه بيممن العقلء‬
‫من أجل التأثير الذي ذكرناه و قد نطق به القرآن‪ .‬قممال اللممه‬
‫تعالى‪ :‬و لكن الشياطين كفروا يعلمون النمماس السممحر و ممما‬
‫أنزل على الملكين ببابل هاروت و ماروت و ممما يعلمممان مممن‬
‫أحد حتى يقول إنما نحن فتنة فل تكفممر فيتعلمممون منهممما ممما‬
‫يفرقون به بين المرء و زوجه و ما هم بضارين به من أحد إل‬
‫بإذن الله‪ .‬و سحر رسول الله صلى اللممه عليممه و سمملم حممتى‬
‫كان يخيل إليه أنة يفعله و جعل سحره في مشممط و مشمماقة‬
‫و جف طلعة و دفن في بئر ذروان فأنزل الله عز و جل عليه‬
‫في المعوذتين‪ :‬و من شر النفاثات في العقممد قممالت عائشممة‬
‫رضي الله عنها‪ :‬كان ل يقرأ على عقدة من تلك العقممد الممتي‬
‫سحر فيها إل انحلت‪ .‬و أما وجود السحر في أهل بابل و هممم‬
‫الكلدانيون من النبط و السريانيين فكثير و نطق به القرآن و‬
‫جاءت به الخبار و كان للسحر في بابل و مصر أزمممان بعثممة‬
‫موسممى عليممه السمملم أسممواق نافقممة‪ .‬و لهممذا كممانت معجممزة‬
‫موسى من جنس ما يدعون و يتاناغون فيه و بقممي مممن آثممار‬
‫ذلك في البراري بصعيد مصر شواهد دالة علمى ذلمك و رأينما‬
‫بالعيان من يصور صورة الشمخص المسمحور بخمواص أشمياء‬
‫مقابلة لما نممواه و حمماوله موجممودة بالمسممحور و أمثممال تلممك‬
‫المعمماني مممن أسمماء و صمفات فمي التمأليف و التفريممق‪ .‬ثمم‬
‫يتكلم على تلك الصورة التي أقامها مقام الشخص المسحور‬
‫عينا أو معنى ثم ينفث من ريقه بعد اجتماعه في فيه بتكريممر‬
‫مخارج تلممك الحممروف مممن الكلم السمموء و يعقممد علممى ذلممك‬
‫المعنى في سبب أعده لممذلك تفمماؤل بالعقممد و اللممزام و أخممذ‬
‫العهد على من أشرك به من الجن في نفثممه فممي فعلممه ذلممك‬
‫استشعارا للعزيمة بالعزم‪ .‬و لتلممك البنيممة و السممماء السمميئة‬
‫روح خبيثة تخرج منه مع النفخ متعلقة يريقه الخارج من فيممه‬
‫بالنفث فتنزل عنها أرواح خبيثة و يقع عن ذلك بالمسحور ممما‬
‫يحاوله الساحر‪ .‬و شاهدنا أيضا من المنتحلين للسحر و عمله‬
‫من يشير إلى كساء أو جلد و يتكلم عليه في سممره فممإذا هممو‬
‫مقطوع متخرق‪ .‬و يشير إلى بطون الغنم كذلك في مراعيهمما‬
‫بالبعج فإذا أمعاؤها ساقطة من بطونها إلى الرض‪ .‬و سمممعنا‬
‫أن بأرض الهند لهذا العهد من يشير إلى إنسان فيتحتت قلبه‬
‫و يقع ميتا و ينقلب عن قلبه فل يوجد في حشاه و يشير إلى‬
‫الرمانة و تفتح فل يوجد من حبوبها شيء‪ .‬و كذلك سمعنا أن‬
‫بأرض السودان و أرض الترك مممن يسممحر السممحاب فيمطممر‬
‫الرض المخصوصممة‪ .‬و كممذلك رأينمما مممن عمممل الطلسمممات‬
‫عجائب في العداد المتحابة و هي ر ك ر ف د أحممد العممددين‬
‫مائتان و عشرون و الخر مائتان و أربعممة و ثمممانون و معنممى‬
‫المتحابة أن أجزاء كل واحد التي فيه من نصف و ثلث و ربممع‬
‫و سدس و خمس و أمثالها إذا جمع كان متساويا للعدد الخر‬
‫صمماحبه فتسمممى لجممل ذلممك المتحابممة‪ .‬و نقممل أصممحاب‬
‫الطلسمات أن لتلك العداد أثرا في اللفة بيممن المتحممابين و‬
‫اجتماعهما إذا وضع لهما مثالن أحدهما بطالع الزهممرة و هممي‬
‫في بيتها أو شرفها ناظرة إلمى القمممر نظممر ممودة و قبممول و‬
‫يجعل طالع الثاني سابع الول و يضع على أحد التمثالين أحممد‬
‫العددين و الخر على الخر‪ .‬و يقصد بالكثر الذي يراد ائتلفه‬
‫أعني المحبوب ما أدري الكثر كمية أو الكممثر أجممزاء فيكممون‬
‫لممذلك مممن التممألف العظيممم بيممن المتحممابين مممال يكمماد ينفممك‬
‫أحدهما عن الخر‪ .‬قاله صاحب الغاية و غيره مممن أئمممة هممذا‬
‫الشأن و شهدت له التجربة‪ .‬و كذا طابع السد و يسمى أيضا‬
‫طابع الحصى و هو أن يرسم في قالب هند إصبع صورة أسد‬
‫سائل ذنبه عاضا على حصاة قد قسمها بنصممفين و بيممن يممديه‬
‫صورة حية منسابة من رجليه إلممى قبالممة وجهممه فمماغرة فاهمما‬
‫فيه و على ظهره صورة عقرب تدب‪ .‬و يتحين برسمه حلول‬
‫الشمممس بممالوجه الول أو الثممالث مممن السممد بشممرط صمملح‬
‫النيرين و سلمتهما من النحوس‪ .‬فإذا وجد ذلك و عممثر عليممه‬
‫طبع في ذلك الوقت في مقدار المثقال فما دونه من الذهب‬
‫و غمس بعد فممي الزعفممران محلممول بمماء الممورد و رفممع فممي‬
‫خرقة حرير صممفراء فممإنهم يزعمممون أن لممسممكه مممن العممز‬
‫على السلطين في مباشرتهم و خدمتهم و تسخيرهم له مال‬
‫يعبر عنه‪ .‬و كذلك للسلطين فيه من القوة و العز علممى مممن‬
‫تحت أيديهم‪ .‬ذكر ذلك أيضمما أهممل هممذا الشممأن فممي الغايممة و‬
‫غيرها و شهدت له التجربة‪ .‬و كذلك وفق المسدس المختص‬
‫بالشمس ذكروا أنه‪ .‬يوضع عند حلول الشمس في شممرفها و‬
‫سلمتها من النحوس و سلمة القمر بطالع ملوكي يعتبر فيه‬
‫نظر صاحب العاشمر لصمماحب الطممالع نظممر ممودة و قبممول و‬
‫يصلح فيه ما يكون من مواليد الملوك من الدلممة الشممريفة و‬
‫يرفع في خرقة حريممر صممفراء بعممد أن يغمممس فممي الطيممب‪.‬‬
‫فزعمممموا أن لمممه أثمممرا فمممي صمممحابة الملممموك و خممدمتهم و‬
‫معاشرتهم‪ .‬و أمثال ذلك كممثير‪ .‬و كتمماب الغايممة لمسمملمة بممن‬
‫أحمد المجريطي هو مدونة هذه الصناعة و فيممه اسممتيفاؤها و‬
‫كمال مسائلها و ذكر لنا أن المام الفخر بممن الخطيممب وضممع‬
‫كتابا في ذلك و سماه بالسر المكتوم و أنه بالمشرق يتداوله‬
‫أهله و نحن لم نقف عليه‪ .‬و المممام لممم يكممن مممن أئمممة هممذا‬
‫الشأن فيما نظن و لعل المر بخلف ذلك‪ .‬و بالمغرب صممنف‬
‫مممن هممؤلء المنتحليممن لهممذه العمممال السممحرية يعرفممون‬
‫بالبعاجين و هم الذين ذكرت أول أنهم يشيرون إلممى الكسمماء‬
‫أو الجلد فيتخرق و يشيرون إلى بطون الغنم بالبعممج فتنبعممج‪.‬‬
‫و يسمى أحدهم لهذا العهد باسم البعاج لن أكممثر ممما ينتحممل‬
‫من السحر بعج النعام يرهب بذلك أهلها ليعطوه من فضمملها‬
‫و هم مستترون بممذلك فممي الغايممة خوفمما علممى أنفسممهم مممن‬
‫الحكام‪ ،‬لقيت منهم جماعة و شاهدت من أفعالهم هذه بذلك‬
‫و أخبروني أن لهم وجهة و رياضممة خاصممة بممدعوات كفريممة و‬
‫إشراك لروحانيات الجن و الكممواكب‪ ،‬شممطرت فيهمما صممحيفة‬
‫عندهم تسمى الخزيرية يتدارسونها و أنهممم بهممذه الرياضممة و‬
‫الوجهة يصلون إلممى حصممول هممذه الفعممال لهممم و أن التممأثير‬
‫الذي لهم إنما هممو فيممما سمموى النسممان الحممر مممن المتمماع و‬
‫الحيوان و الرفيق و يعبرون عن ذلك يقولهم إنما نفعل فيممما‬
‫تمشي فيه الدراهم أي ما يملك و يبماع و يشمترى ممن سمائر‬
‫المتملكات هذا ما زعموه‪ .‬و سألت بعضهم فأخبرني به و أما‬
‫أفعالهم فظاهرة موجودة وقفنا علممى الكممثير منهمما و عاينتهمما‬
‫من غيممر ريبممة فممي ذلممك‪ .‬هممذا شممأن السممحر والطلسمممات و‬
‫أثارهممما فممي العممالم فأممما الفلسممفة ففرقمموا بيممن السممحر و‬
‫الطلسمات بعد أن أثبتوا أنهما جميعا أثر للنفمس النسمانية و‬
‫استدلوا على وجود الثر للنفس النسانية بممأن لهمما آثممارا فممي‬
‫بدنها على غير المجرى الطبيعي و أسبابه الجسمانية بل آثار‬
‫عارضممة مممن كيفيممات الرواح تممارة كالسممخونة الحادثممة عممن‬
‫الفممرح و السممرور و مممن جهممة التصممورات النفسممانية أخممرى‬
‫كالذي يقع من قبل التوهم‪ .‬فإن الماشي علممى حممرف حممائط‬
‫أو حبل منتصب إذا قوي عنده توهم السقوط سقط بل شك‪.‬‬
‫و لهذا تجد كثيرا مممن النمماس يعمودون أنفسمهم ذلمك بالدربمة‬
‫عليه حتى يممذهب عنهممم هممذا المموهم فتجممدهم يمشممون علممى‬
‫حرف الحائط و الحبل المنتصب و ل يخافون السقوط‪ .‬فثبت‬
‫أن ذلك من آثار النفممس النسممانية و تصممورها للسممقوط مممن‬
‫أجل الوهم‪ .‬و إذا كان ذلك أثممرا للنفممس فممي بممدنها مممن غيممر‬
‫السباب الجسمانية الطبيعية فجممائز أن يكممون لهمما مثممل هممذا‬
‫الثر في غير بدنها إذ نسبتها إلى البدان في ذلك النمموع مممن‬
‫التأثير واحدة لنها غير حالة في البدن و ل منطبعة فيه فثبت‬
‫أنها مؤثرة فممي سمائر الجسممام‪ .‬و أمما التفرقممة عنممدهم بيممن‬
‫السحر و الطلسمات فهمو أن السمحر ل يحتماج السماحر فيمه‬
‫إلى معين و صاحب الطلسمات يستعين بروحانيات الكواكب‬
‫و أسممرار العممداد و خممواص الموجممودات و أوضمماع الفلممك‬
‫المؤثرة في عالم العناصر كممما يقممول المنجمممون و يقولممون‪:‬‬
‫السحر اتحاد روح بروح و الطلسم اتحاد روح يجسم و معناه‬
‫عندهم ربط الطبائع العلويممة السممماوية بالطبممائع السممفلية‪ ،‬و‬
‫الطبممائع العلويممة هممي روحانيممات الكممواكب و لممذلك يسممتعين‬
‫صمماحبه فممي غممالب المممر بالنجامممة‪ .‬و السمماحر عنممدهم غيممر‬
‫مكتسب لسحره بممل هممو مفطممور عنممدهم علممى تلممك الجبلممة‬
‫المختصممة بممذلك النمموع مممن التممأثير‪ .‬و الفممرق عنممدهم بيممن‬
‫المعجزة و السحر أن المعجزة قوة إلهية تبعث على النفممس‬
‫ذلك التأثير فهو مؤيد بروح الله علممى فعلممه ذلممك‪ .‬و السمماحر‬
‫إنما يفعل ذلك من لممدن نفسممه و بقمموته النفسممانية و بإمممداد‬
‫الشياطين في بعض الحوال فبينهما الفرق في المعقوليممة و‬
‫الحقيقة و الذات في نفس المممر و إنممما نسممتدل نحممن علممى‬
‫التفرقة بالعلمات الظمماهرة و هممي وجممود المعجممزة لصمماحب‬
‫الخيممر و فممي مقاصممد الخيممر و للنفمموس المتمحصممة للخيممر و‬
‫التحدي بها على دعوى النبؤة‪ .‬و السحر إنممما يوجممد لصمماحب‬
‫الشممر و فممي أفعممال الشممر فممي الغممالب مممن التفريممق بيممن‬
‫الزوجين و ضرر العداء و أمثال ذلك‪ .‬و للنفوس المتمحصممة‬
‫للشر‪ .‬هذا هو الفرق بينهما عند الحكماء اللهيين‪ :‬و قد يوجد‬
‫لبعض المتصوفة و أصحاب الكرامات تأثير أيضمما فممي أحمموال‬
‫العالم و ليس معدودا من جنس السممحر و إنممما هممو بالمممداد‬
‫اللهي لن طريقتهم و نحلتهم من آثار النبؤة و توابعها و لهم‬
‫فممي المممدد‪ ،‬اللهممي حفممظ علممى قممدر حممالهم و إيمممانهم و‬
‫تمسكهم بكلمة الله و إذا اقتدر أحد منهم على أفعممال الشممر‬
‫ل يأتيها لنة متقيد فيما يأتيه بذرة للمممر اللهممي‪ .‬فممما ل يقممع‬
‫لهم فيه الذن ل يأتونه بوجه و من أتاه منهم فقممد عممدل عممن‬
‫طريق الحق و ربما سلب حاله‪ .‬و لما كانت المعجمزة بإممداد‬
‫روح اللممه و القمموى اللهيممة فلممذلك ل يعارضممها شمميء مممن‬
‫السحر‪ .‬و انظر شأن سحرة فرعون مع موسى فممي معجممزة‬
‫العصا كيف تلقفت ما كممانوا بممه يممأفكون و ذهممب سممحرهم و‬
‫اضمحل كأن لم يكن‪ .‬و كذلك لما أنزل على النبي صلى الله‬
‫عليه و سلم في المعوذتين و من شممر النفاثممات فممي العقممد‪.‬‬
‫قالت عائشة رضي الله عنها‪ :‬فكان ل يقرأها على عقممد فممي‬
‫من العقد التي سممحر فيهمما إل انحلممت‪ .‬فالسممحر ل يثبممت مممع‬
‫اسم الله و ذكره بالهمممة اليمانيممة و قممد نقممل المؤرخممون أن‬
‫زركش كاويان و هي راية كسرى كممان فيهمما الوفممق المئينممي‬
‫العددي منسمموجا بالممذهب فممي أوضمماع فلكيممة رصممدت لممذلك‬
‫الوفق‪ .‬و وجدت الراية يوم قتل رستم بالقادسية واقعة على‬
‫الرض بعد انهزام أهل فممارس و شممتاتهم‪ .‬و هممو فيممما يزعممم‬
‫أهل الطلسمات و الوفاق مخصوص بالغلب فممي الحممروب و‬
‫أن الراية التي يكون فيها أو معها ل تنهمزم أصمل‪ .‬إل أن همذه‬
‫عارضها المدد اللهي من إيمان أصممحاب رسممول اللممه صمملى‬
‫الله علية و سلم و تمسكهم بكلمة الله فانحل معها كل عقممد‬
‫سحري و لم يثبت و يطل ما كممانوا يعملممون‪ .‬و أممما الشممريعة‬
‫فلم تفرق بين السحر و الطلسمات و جعلته كلممه بابمما واحممدا‬
‫محظورا‪ .‬لن الفعال إنما أباح لنا الشارع منها ما يهمنمما فممي‬
‫ديننا الذي فيه صلح آخرتنا أو فممي معاشممنا الممذي فيممه صمملح‬
‫دنيانا و ما ل يهمنا في شيء منهما فإن كان فيه ضرر أو نوع‬
‫ضرر كالسحر الحاصل ضرره بالوقوع و يلحق به الطلسمات‬
‫لن أثرهما واحممد و كالنجامممة الممتي فيهمما نمموع ضممرر باعتقمماد‬
‫التأثير فتفسممد العقيممدة اليمانيممة بممرد المممور إلممى غيممر اللممه‬
‫فيكون حينئذ ذلك الفعل محظورا على نسبته فممي الضممرر‪ .‬و‬
‫إن لم يكن مهما علينا و ل فيه ضرر فل أقل من تركممه قربممة‬
‫إلى الله فإن من حسن إسلم المرء تركه مال يعنيه‪ .‬فجعلت‬
‫الشريعة باب السحر والطلسمات و الشعوذة بابا واحممدا لممما‬
‫فيها من الضممرر و خصممته بممالحظر و التحريممم‪ .‬و أممما الفممرق‬
‫عندهم بين المعجزة و السحر فالممذي ذكممره المتكلمممون أنممة‬
‫راجع إلى التحدي و هو دعوى وقوعها علمى وفمق مما ادعماه‪.‬‬
‫قالوا‪ :‬و الساحر مصروف عن مثل هذا التحدي فل يقع منممه‪.‬‬
‫و وقوع المعجزة على وفق دعمموى الكمماذب غيممر مقممدور لن‬
‫دللة المعجزة على الصدق عقلية لن صفة نفسها التصممديق‬
‫فلو وقعت مع الكذب لستحال الصادق كاذبا و هو محال فإذا‬
‫ل تقع المعجزة مع الكاذب بممإطلق‪ .‬و أممما الحكممماء فممالفرق‬
‫بينهما عندهم كما ذكرناه فرق ما بين الخير و الشر في نهاية‬
‫الطرفيممن‪ .‬فالسمماحر ل يصممدر منممه الخيممر و ل يسممتعمل فممي‬
‫أسممباب الخيممر و صمماحب المعجممزة ل يصممدر منممه الشممر و ل‬
‫يستعمل في أسباب الشر و كأنهما على طرفي النقيض فممي‬
‫أصل فطرتهما‪ .‬و الله يهدي من يشاء و هو القمموي العزيممز ل‬
‫رب سواه و من قبيل هذه التأثيرات النفسية الصابة بممالعين‬
‫و هو تأثير من نفس المعيان عنممدما يستحسممن بعينممه مممدركا‬
‫من الذوات أو الحوال و يفرط فممي استحسممانه و ينشممأ عممن‬
‫ذلك الستحسان حسد يروم معه سمملب ذلممك الشمميء عمممن‬
‫اتصف به فيؤثر فساده‪ .‬و هو جبلة فطرية أعني هذه الصابة‬
‫بالعين‪ .‬و الفرق بينها و بين التممأثيرات النفسممانية أن صممدورة‬
‫فطري جبلي ل يتخلف و ل يرجع اختيار صاحبه و ل يكتسممبه‪.‬‬
‫و سائر التأثيرات و إن كان منها مال يكتسب فصدورها راجممع‬
‫إلى اختيار فاعلها و الفطري منها قوة صدورها و لهذا قممالوا‪:‬‬
‫القاتل بالسحر أو بالكرامة يقتل و القاتممل بممالعين ل يقتممل‪ .‬و‬
‫ما ذلك إل أنه ليس مما يريده و يقصده أو يممتركه و إنممما هممو‬
‫مجبور في صدوره عنه‪ .‬و الله أعلم بما في الغيوب و مطلممع‬
‫على ما في السرائر‪.‬‬

‫القسم الول من الفصل التاسع و العشرون‪ :‬علممم‬


‫أسرار الحروف‬
‫و هممو المسمممى لهممذا العهممد بالسمميميا‪ .‬نقممل وضممعه مممن‬
‫الطلسمات إليه في اصطلح أهل التصممرف مممن المتصمموفة‪،‬‬
‫فاستعمل استعمال العام في الخاص‪ .‬و حدث هذا العلم فممي‬
‫الملة بعد صممدر منهمما‪ ،‬و عنممد ظهممور الغلة مممن المتصمموفة و‬
‫جنوحهم إلى كشف حجاب الحممس‪ ،‬و ظهممور الخمموارق علممى‬
‫أيديهم و التصممرفات فممي عممالم العناصممر‪ ،‬و تممدوين الكتممب و‬
‫الصطلحات‪ ،‬و مزاعمهممم فممي تنممزل الوجممود عممن الواحممد و‬
‫ترتيبه‪ .‬و زعموا أن الكمال السمائي مظمماهره أرواح الفلك‬
‫و الكممواكب‪ ،‬و أن طبممائع الحممروف و أسممرارها سممارية فممي‬
‫السماء‪ ،‬فهي سارية في الكوان على هذا النظام‪ .‬و الكوان‬
‫مممن لممدن البممداع الول تتنقممل فممي أطممواره و تعممرب عممن‬
‫أسراره‪ ،‬فحدث لذلك علم أسرار الحروف‪ ،‬و هو من تفمماريع‬
‫علممم السمميمياء ل يوقممف علممى موضمموعه و ل تحمماط بالعممدد‬
‫مسائله‪ .‬تعددت فيه تممآليف البمموني و ابممن العربممي و غيرهممما‬
‫ممن اتبع آثارهما‪ .‬و حاصلة عندهم و ثمرته تصمرف النفموس‬
‫الربانيممة فممي عممالم الطبيعممة بالسممماء الحسممنى و الكلمممات‬
‫اللهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالسرار السممارية فممي‬
‫الكوان‪.‬‬
‫ثم اختلفوا فمي سمر التصمرف المذي فمي الحمروف بمما همو‪:‬‬
‫فمنهم من جعله للمزاج الذي فيه‪ ،‬و قسم الحممروف بقسمممة‬
‫الطبائع إلى أربعة أصناف كما للعناصر‪ .‬و اختصت كل طبيعة‬
‫بصنف من الحروف يقع التصرف في طبيعتهمما فعل و انفعممال‬
‫بمذلك الصمنف‪ ،‬فتنموعت الحمروف بقمانون صمناعي يسممونه‬
‫التكسير إلى نارية و هوائية و مائية و ترابية على حسب تنوع‬
‫العناصر‪ ،‬فاللف للنممار و البمماء للهممواء والجيممم للممماء والممدال‬
‫للتراب‪ .‬ثم ترجع كذلك على التوالي من الحروف و العناصممر‬
‫إلى أن تنفذ‪ .‬فتعين لعنصر النار حروف سبعة‪ :‬اللف و الهمماء‬
‫و الطمماء و الميممم و الفمماء والسممين و الممذال‪ ،‬و تعيممن لعنصممر‬
‫الهواء سبعة أيضا‪ :‬الباء و الواو و الياء و النون و الضاد والتاء‬
‫و الظاء‪ ،‬و تعين لعنصر الماء أيضمما سممبعة‪ :‬الجيممم و الممزاي و‬
‫الكمماف و الصمماد والقمماف و الثمماء و الغيممن‪ ،‬و تعيممن لعنصممر‬
‫التراب أيضا سبعة‪ :‬الدال و الحمماء و اللم و العيممن و الممراء و‬
‫الخاء و الشين‪.‬‬
‫و الحروف النارية لممدفع المممراض البمماردة و لمضمماعفة قمموة‬
‫الحرارة حيث تطلب مضاعفتها‪ ،‬إما حسا أو حكممما‪ .‬كممما فممي‬
‫تضمميف قمموى المريممخ فممي الحممروب فممي القتممل و الفتممك‪ .‬و‬
‫المائية أيضا لممدفع المممراض الحممارة مممن حميممات و غيرهمما و‬
‫لتضعيف القوى الباردة حيث تطلب مضاعفتها حسا أو حكما‪،‬‬
‫كتضعيف قوى القمر و أمثال ذلك‪.‬‬
‫و منهم من جعل سر التصممرف الممذي فممي الحممروف للنسممبة‬
‫العددية‪ :‬فإن حروف أبجد دالة على أعدادها المتعارفة وضعا‬
‫و طبعا فبينها من أجممل تناسممب العممداد تناسممب فممي نفسممها‬
‫أيضا‪ ،‬كما بين الباء و الكاف و الراء لدللتها كلها على الثنين‬
‫كل في مرتبته‪ ،‬فالباء على اثنين في مرتبة الحمماد‪ ،‬و الكمماف‬
‫على اثنين في مرتبة العشرات‪ ،‬و الراء على اثنين في مرتبة‬
‫المئين‪ .‬و كالذي بينها و بين الدال و الميم والتاء لدللتها على‬
‫الربعممة‪ ،‬و بيممن الربعممة و الثنيممن نسممبة الضممعف‪ .‬و خممرج‬
‫للسماء أوفاق كما للعداد يختممص كممل صممنف مممن الحممروف‬
‫بصنف من الوفاق الممذي يناسممبه مممن حيممث عممدد الشممكل أو‬
‫عدد الحروف‪ ،‬و امتزج التصرف من السممر الحرفممي و السممر‬
‫العددي لجل التناسب الذي بينهما‪ .‬فأما سر التناسممب الممذي‬
‫بيممن هممذه الحممروف و أمزجممة الطبممائع‪ ،‬أو بيممن الحممروف و‬
‫العداد‪ ،‬فأمر عسير على الفهم‪ ،‬إذ ليس من قبيممل العلمموم و‬
‫القياسممات‪ ،‬و إنممما مسممتندهم فيممه الممذوق و الكشممف‪ .‬قممال‬
‫البوني‪ :‬و ل تظن أن سر الحروف مما يتوصل إليممه بالقيمماس‬
‫العقلي‪ ،‬و إنما هو بطريق المشاهدة و التوفيق اللهي‪ .‬و أممما‬
‫التصرف في عالم الطبيعة بهذه الحروف و السماء المركبممة‬
‫فيها و تأثر الكوان عن ذلممك فممأمر ل ينكممر لثبمموته عممن كممثير‬
‫منهم تواترا‪ .‬و قد يظن أن تصرف هممؤلء و تصممرف أصممحاب‬
‫الطلسمممات واحممد‪ ،‬و ليممس كممذلك‪ ،‬فممإن حقيقممة الطلسممم و‬
‫تأثيره على ما حققه أهله أنة قوى روحانية من جوهر القهممر‪،‬‬
‫تفعل فيما له ركب فعل غلبة و قهر‪ .‬بأسرار فلكيممة و نسممب‬
‫عددية و بخورات جالبات لروحانية ذلممك الطلسممم‪ ،‬مشممدودة‬
‫فيه بالهمة‪ ،‬فائدتها ربط الطبائع العلوية بالطبائع السممفلية‪ ،‬و‬
‫هو عندهم كالخميرة المركبة من هوائيممة و أرضممية و مائيممة و‬
‫نارية حاصلة في جملتها‪ ،‬تخيل و تصرف ما حصلت فيممه إلمى‬
‫ذاتها و تقلبه إلى صورتها‪ .‬و كذلك الكسير للجسام المعدنية‬
‫كالخميرة تقلب المعدن الذي تسري فيه إلى نفسها بالحالة‪.‬‬
‫و لذلك يقولون‪ :‬موضوع الكمياء جسد في جسد لن الكسير‬
‫أجزاؤه كلها جسدانية‪ .‬و يقولون‪ :‬موضوع الطلسمم روح فمي‬
‫جسد لنه ربط الطبائع العلوية بالطبممائع السممفلية‪ .‬و الطبممائع‬
‫السفلية جسد و الطبممائع العلويممة روحانيممة‪ .‬و تحقيممق الفممرق‬
‫بين تصرف أهل الطلسمات و أهل السماء‪ ،‬بعد أن تعلممم أن‬
‫التصرف في عالم الطبيعممة كلممه إنممما هممو للنفممس النسممانية‬
‫والهمممم البشممرية أن النفممس النسممانية محيطممة بالطبيعممة و‬
‫حاكمة عليها با الذات‪ ،‬إل أن تصرف أهل الطلسمات إنما هو‬
‫فممي اسممتنزال روحانيممة الفلك و ربطهمما بالصممور أو بالنسممب‬
‫العددية‪ .‬حتى يحصممل مممن ذلممك نمموع مممزاج يفعممل الحالممة و‬
‫القلب بطبيعته‪ ،‬فعل الخميممرة فيممما حصمملت فيممه‪ .‬و تصممرف‬
‫أصحاب السماء إنما هو بما حصل لهم بالمجاهدة و الكشممف‬
‫من النور اللهممي و الممداد الربمماني‪ ،‬فيسممخر الطبيعمة لممذلك‬
‫طائعة غير مستعصية‪ ،‬و ل يحتاج إلى مدد من القوى الفلكية‬
‫و ل غيرها‪ ،‬لن مدده أعلى منها‪.‬‬
‫و يحتاج أهل الطلسمات إلى قليل من الرياضة تفيممد النفممس‬
‫قمموة علممى اسممتنزال روحانيممة الفلك‪ .‬و أهممون بهمما وجهممة و‬
‫رياضممة‪ .‬بخلف أهممل السممماء فممإن رياضممتهم هممي الرياضممة‬
‫الكبرى‪ ،‬و ليست لقصد التصرف في الكوان إذ هو حجاب‪ .‬و‬
‫إنما التصرف حاصل لهم بالعرض‪ ،‬كرامة مممن كرامممات اللممه‬
‫لهممم‪ .‬فممإن خل صمماحب السممماء عممن معرفممة أسممرار اللممه و‬
‫حقممائق الملكمموت‪ ،‬الممذي هممو نتيجممة المشمماهدة والكشممف‪ ،‬و‬
‫اقتصر على مناسبات السماء و طبائع الحممروف و الكلمممات‪.‬‬
‫و تصرف بها من هذه الحيثية و هؤلء هممم أهممل السمميياء فممي‬
‫المشهور كأن إذا ل فرق بينه و بين صاحب الطلسمممات‪ ،‬بممل‬
‫صاحب الطلسمات أوثق منه لنه يرجممع إلممى أصممول طبيعيممة‬
‫علمية و قوانين مرتبة‪ .‬و أما صاحب أسرار السماء إذا فمماته‬
‫الكشممف الممذي يطلممع بممه علممى حقممائق الكلمممات و آثممار‬
‫المناسممبات بفمموات الخلمموص فممي الوجهممة‪ ،‬و ليممس لممه فممي‬
‫العلوم الصمطلحية قمانون برهماني يعمول عليمه يكمون حماله‬
‫أضعف رتبة‪ .‬و قمد يمممزج صمماحب السمماء قمموى الكلمممات و‬
‫السماء بقوى الكواكب‪ ،‬فيعين لذكر السماء الحسنى‪ ،‬أو ممما‬
‫يرسم من أوفاقها‪ ،‬بمل و لسمائر السمماء‪ ،‬أوقاتما تكمون ممن‬
‫حظوظ الكواكب الذي يناسب ذلك السم‪ ،‬كما فعلممه البمموني‬
‫في كتايه الذي سماه النماط‪ .‬و هذه المناسممبة عنممدهم هممي‬
‫من لدن الحضرة العمائية‪ .‬و هي برزخية الكمممال السممماني‪.‬‬
‫و إنما تنزل تفصمميلها فممي الحقممائق علممى ممما هممي عليممه مممن‬
‫المناسممبة‪ .‬و إثبممات هممذه المناسممبة عنممدهم إنممما هممو بحكممم‬
‫المشاهدة‪ .‬فإذا خل صاحب السممماء عممن تلممك المشمماهدة‪ ،‬و‬
‫تلقى تلك المناسبة تقليدا‪ ،‬كممان عملممه بمثابممة عمممل صمماجب‬
‫الطلسم‪ ،‬بل هوأوثق منه كما قلناه‪ .‬و كذلك قممد يمممزج أيضمما‬
‫صمماحب الطلسمممات عملممه و قمموى كممواكبه بقمموى الممدعوات‬
‫المؤلفة من الكلمات المخصوصممة لمناسممبة بيممن الكلمممات و‬
‫الكواكب‪ ،‬إل أن مناسبة الكلمات عندهم ليست كما هي عنممد‬
‫أصممحاب السممماء مممن الطلع فممي حممال المشمماهدة‪ ،‬و إنممما‬
‫يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم السحرية‪ .‬مممن اقتسممام‬
‫الكواكب لجميع ما في عالم المكونات‪ ،‬من جواهر و أعراض‬
‫و ذوات و معان‪ ،‬و الحروف و السماء من جملة ما فيه‪.‬‬
‫فلكل واحد من الكممواكب قسممم منهمما يخصممه‪ ،‬و يبنممون علممى‬
‫ذلك مباني غريبة منكرة من تقسيم سممورالقرآن و آيممه علممى‬
‫هذا النحو‪ ،‬كما فعله مسلمة المجريطي في الغاية‪ .‬و الظاهر‬
‫من حال البوني في أنماطه أنممه اعتممبر طريقتهممم‪ .‬فممإن تلممك‬
‫النماط إذا تصفحتها‪ ،‬و تصفحت الممدعوات الممتي تضمممنتها‪ .‬و‬
‫تقسيمها علممى سمماعات الكممواكب السممبعة‪ ،‬ثممم وقفممت علممى‬
‫الغايممة‪ ،‬و تصممفحت قيامممات الكممواكب الممتي فيهمما‪ ،‬و هممي‬
‫الممدعوات الممتي تختممص بكممل كمموكب‪ ،‬و يسمممونها قيامممات‬
‫الكواكب‪ ،‬أي الدعوة التي يقام له بها‪ ،‬شهد له ذلك‪ :‬إما بممأنه‬
‫من مادتها‪ ،‬أو بأن التناسممب الممذي كممان فممي أصممل البممداع و‬
‫برزخ العلم قضى بذلك كله‪ .‬و ما أوتيتم من العلم إل قليل‪ .‬و‬
‫ليس كل ما حرمه الشارع مممن العلمموم بمنكممر الثبمموت‪ ،‬فقممد‬
‫ثبت أن السحر حق مممع حظمره‪ .‬لكمن حسممبنا ممن العلمم مما‬
‫علمنا‪.‬‬
‫و مممن فمروع علمم السمميمياء عنمدهم اسمتخراج الجوبممة ممن‬
‫السئلة‪ ،‬بارتباطات ش بيممن الكلمممات حرفيممة‪ ،‬يوهمممون أنهمما‬
‫أصل في معرفة ما يحاولون علمه من الكائنات السممتقبالية‪،‬‬
‫و إنما هي شبه المعاياة و المسائل السيالة‪ .‬و لهم فممي ذلممك‬
‫كلم كثير من أدعية و أوراد‪ .‬و أعجبه زايرجة العالم للسممبتي‬
‫و قد تقدم ذكرها‪ .‬و نبين هنا ما ذكروه في كيفية العمل بتلك‬
‫الزايرجة بدائرتها و جدولها المكتوب حولها‪ ،‬ثممم نكشممف عممن‬
‫الحق فيها و أنها ليست من الغيب‪ .‬و إنما هممي مطابقممة بيممن‬
‫مسئلة و جوابها في الفادة فقط‪ ،‬و قد أشرنا إلى ذلممك مممن‬
‫قبل‪ .‬و ليس عندنا رواية يعول عليها في صحة هذه القصمميدة‬
‫إل أننمما تحرينمما أصممح النسممخ منهمما فممي ظمماهر المممر‪ .‬و اللممه‬
‫الموفق بمنه‪ .‬و هي هذه‪:‬‬
‫مصل على هاد إلى الناس‬ ‫يقول سبيتي و يحمد ربه‬
‫أرسل‬
‫و يرضى عن الصحب و من‬ ‫محمد المبعوث خاتم النبيا‬
‫لهم تل‬
‫تراه بحيكم و بالعقل قد خل‬ ‫أل هذه زايرجة العالم الذي‬
‫و يدرك أحكاما تدبرها‬ ‫فمن أحكم الوضع فيحكم جسمه‬
‫العل‬
‫و يدرك للتقوى و للكل‬ ‫و من أحكم الربط فيدرك قوة‬
‫حاصل‬
‫و يعقل نفسه و صح‬ ‫ومن أحكم التصريف يحكم سره‬
‫له الول‬
‫و هذا مقام من بالذكار‬ ‫و في عالم المر تراه محققا‬
‫كمل‬
‫أقمها دوائر وللحاء عدل‬ ‫فهذي سرائر عليكم بكتمها‬
‫بنظم و نثر قبد تراه‬ ‫فطاء لها عرش و فيظ نقوشنا‬
‫مجدول‬
‫و ارسم كواكبا لدراجها العل‬ ‫و نسب دوائر كنسبة فلكها‬
‫و كور بمثله على حد من‬ ‫و أخرج لوتار و ارسم حروفها‬
‫خل‬
‫و حقق بهامهم و نورهم‬ ‫أقم شكل زيرهم و سو بيوته‬
‫جل‬
‫و علما لموسيقى و‬ ‫و حصل علوما للطباع مهندسا‬
‫الرباع مثل‬
‫و علم بآلت فحقق و‬ ‫و سو لموسيقى و علم حروفهم‬
‫حصل‬
‫و عالمها أطلق و القليم‬ ‫و سو دوائرها و نسب حروفها‬
‫جدول‬
‫زناتية آبت و حكم لها خل‬ ‫أمير لنا فهو نهاية دولة‬
‫و جاء بنو نصر و ظفرهم‬ ‫و قطر لندلس فابن لهودهم‬
‫تل‬
‫فإن شئت نصبتهم و‬ ‫ملوك و فرسان و أهل لحكمة‬
‫قطرهم حل‬
‫ملوك بالمشرق بالوفاق‬ ‫و مهدي توحيد بتونس حكمهم‬
‫نزل‬
‫فإن شئت للروم‬ ‫و اقسم على القطر و كن متفقدا‬
‫فبالحر شكل‬
‫و إفرنسهم دال و‬ ‫ففنش و برشنون الراء حرفهم‬
‫بالطاء كمل‬
‫و إعرب قومنا بترقيق أعمل‬ ‫ملوك كناوة دلوا لقافهم‬
‫و فرس ططاري و ما‬ ‫فهند حباشي و سند فهرمس‬
‫بعدهم طل‬
‫لكاف و قبطهم بلمه طول‬ ‫فقيصرهم جاء و يزدجردهم‬
‫و لكن تركي بذا الفعل‬ ‫و عباس كلهم شريف معظم‬
‫عطل‬
‫فختم بيوتا ثم نسب و‬ ‫فإن شئت تدقيق الملوك و كلهم‬
‫جدول‬
‫و علم طبائعها و كله‬ ‫على حكم قانون الحروف و علمها‬
‫مثل‬
‫و يعلم أسرار الوجود و‬ ‫فمن علم العلوم تعلم علمنا‬
‫أكمل‬
‫و علم ملحيم بحاميم فصل‬ ‫فيرسخ علمه و يعرف ربه‬
‫فحكم الحكيم فيه‬ ‫و حيث أتى اسم و العروض يشقه‬
‫قطهعا ليقتل‬
‫و أحرف سيبويه تأتيك‬ ‫و تأتيك أحرف فسو لضربها‬
‫فيصل‬
‫بترنيمك الغالي للجزاء‬ ‫فمكن بتنكير و قابل و عوضن‬
‫خلخل‬
‫و زد لمح وصفيه‬ ‫و في العقد و المجزور يعرف غالبا‬
‫في العقل فعل‬
‫و اعكس بجذبيه و بالدور‬ ‫و اختر لمطلع و سويه رتبة‬
‫عدل ؟‬
‫و تعطي حروفها و في‬ ‫و يدركها المرء فيبلغ قصده‬
‫نظمها انجل‬
‫فحسبك في الملك و‬ ‫إذا كان سعد و الكواكب اسعدت‬
‫نيل اسمه العل‬
‫فنسب دنادينا تجد فيه منهل‬ ‫و إيقاع دالهم بمرموز ثممة‬
‫و مثناهم المثلث بجيمه قد‬ ‫و أوتار زيرهم فللحاء بمهم‬
‫جل‬
‫و أرسم أباجاد و باقيه‬ ‫و أدخل بأفلك و عدل بجدول‬
‫جمل‬
‫أتى في عروض الشعر‬ ‫و جوز شذوذ النو تجري و مثله‬
‫عن جملة مل‬
‫و علم لنحونا فاحفظ و حصل‬ ‫فأصل لديننا و أصل لفقهنا‬
‫و سبح باسمه و كبر‬ ‫فادخل لفسطاط على الوفق جذره‬
‫و هلل‬
‫بنظم طبيعي و سر من‬ ‫فتخرج أبياتا و في كل مطلب‬
‫العل‬
‫فعلم الفواتيح ترى فيه‬ ‫و تفنى بحصرها كذا حكم عدهم‬
‫منهل‬
‫من اللف طبعيا فيا‬ ‫فتخرج أبياتا و عشرون ضعفت‬
‫صاح جدول‬
‫فصح لك المنى و صح‬ ‫تريك صنائعا من الضرب أكملت‬
‫لك العل‬
‫أقمها دوائر الزير و حصل‬ ‫و سجع بزيرهم و أثني بنقرة‬
‫من أسرار أحرفهم فعذبه‬ ‫أقمها بأوفاق و أصل لعدها‬
‫سلسل‬
‫‪ 43‬ك ‪ 1‬ك و ك ح و ا ه عم له ر ل سع كط ‪ 1‬ل م ن ح ع‬
‫فول‬

‫الفصل التاسع و العشممرون‪ :‬علممم أسممرار الحممروف‬


‫القسم الثاني‬
‫الكلم علممى اسممتخراج نسممبة الوزان و كيفياتهمما و مقممادير‬
‫المقابل منها و قمموة الدرجممة المتميممزة بالنسممبة إلممى موضممع‬
‫المعلق من امتزاج طبائع و علم طب أو صناعة الكيميا‬
‫و عالم مقدار المقادير‬ ‫أيا طالبا للطب مع علم جابر‬
‫بالول‬
‫لحكام ميزان تصادف‬ ‫إذا شئت علم الطب لبد نسبة‬
‫منهل‬
‫و أمزاج وضعكم‬ ‫فيشفي عليكم و الكسير محكم‬
‫بتصحيح أنجل‬
‫الطب الروحاني‬
‫لبهرام برجيس و‬ ‫و شئت إيلوش ‪ 565‬مهم و دهنه بحل‬
‫سبعة أكمل‬
‫كذلك و التركيب حيث‬ ‫لتحليل أوجاع البوارد صححوا‬
‫تنقل‬
‫كد منع مهم ‪ 355‬و هح ‪ 6‬صح لهمماى و لمممح ‪ 1‬آ ‪ 1‬و هممح وى‬
‫سكره ل ل ح مههت مهههم ع ع مى مرح حم ‪ 2242‬ل ك عمما‬
‫عر‪.‬‬
‫مطاريح الشعاعات في مواليد الملوك و بنيهم‬
‫و ضلع قسيها بمنطقة‬ ‫و علم مطاريح الشعاعات مشكل‬
‫جل‬
‫و يبدو إذا عرض الكواكب‬ ‫و لكن قي حج مقام إمامنا‬
‫عدل‬
‫فمن أدرك المعنى عل‬ ‫بدال مراكز بين طول و عرضها‬
‫ثم فوضل‬
‫لتسديسهم تثليث بيت التي‬ ‫مواقع تربيع و سه مسقط‬
‫تل‬
‫يقينا و جذره و بالعين أعمل‬ ‫يزاد لتربيع و هذا قياسه‬
‫بصاد و ضعفه و‬ ‫و من نسبة الربعين ركب شعاعك‬
‫تربيعه أنجل‬
‫اختص صممح صحمم عمم ‪ 8‬سممع وى هممذا العمممل هنمما للملمموك و‬
‫القانون مطرد عمله و لم ير أعجب منه‪.‬‬
‫مقامات الملوك المقام الول ‪ 5‬المقام الثاني‬
‫ع ع و المقممام الممرا بممع للممح المقممام الخممامس لى المقممام‬
‫السادس بير المقام السابع عره‬
‫خط التصال و النفصال‬
‫خط التصال‬
‫خط النفصال‬
‫الوتر للجميع و تابع الجرر التام‬
‫التصال و النفصال‬
‫الواجب التام في التصالت‬
‫إقامة النوار‬
‫الجزر المجيب في العمل‬
‫إقامة السوال عن الملوك‬
‫مقام الول نورعه ي مقام بها ‪ 5‬حج ل‬
‫النفعال الروحاني و ال نقياد الرباني‬
‫لدى أسمائه الحسنى تصادف‬ ‫أيا طالب السر لتهليل ربه‬
‫منهل‬
‫كذلك ريسهم و في الشمس‬ ‫تطيعك أخيار النام بقلبهم‬
‫أعمل‬
‫و ما قلته حقا و في الغير‬ ‫ترى عامة الناس إليك تقيدوا‬
‫أهمل‬
‫أقوله غيركم و‬ ‫طريقك هذا السيل و السبل الذي‬
‫نصركموا اجتلى‬
‫و دينا متينا أو تكن‬ ‫إذا شئت تحيا في الوجود مع التقى‬
‫متوصل‬
‫و في سر بسطام‬ ‫كذي النون و الجنيد مع سر صنعة‬
‫أراك مسربل‬
‫كذا قالت الهند و‬ ‫و في العالم العلوي تكون محدثا‬
‫صوفية المل‬
‫و ما حكم صنع مثل‬ ‫طريق رسول الله بالحق ساطع‬
‫جبريل أنزل‬
‫و يوم الخميس البدء و‬ ‫فبطشك تهليل و قوسك مطلع‬
‫الحدانجلى‬
‫و في اثنين للحسنى‬ ‫و في جمعة أيضا بالسماء مثله‬
‫تكون مكمل‬
‫أراك بها مع نسبة الكل‬ ‫و في طائه سر في هائه إذا‬
‫أعطل‬
‫و عود و مصطكى‬ ‫و ساعة سعد شرطهم في نقوشها‬
‫بخور تحصل‬
‫و الخلص و السبع‬ ‫و تتلو عليها آخر الحشر دعوة‬
‫المثاني مرتل‬
‫اتصال أنوار الكواكب بلعاني ل هي ى ل ظ غ لدسممع ق صممح‬
‫مم ف و ى‬
‫و كل برأسك و في‬ ‫و في يدك اليمنى حديد و خاتم‬
‫دعوة فل‬
‫و اتلو إذا نام النام و‬ ‫و آية حشر فاجعل القلب وجهها‬
‫رتل‬
‫هي الية الغظمى‬ ‫هي السر في الكوان ل شيء غيرها‬
‫فحقق و حصل‬
‫و تدرك أسرارا من‬ ‫تكون بها قطبا إذا جدت خدمة‬
‫العالم العل‬
‫و باح بها الحلج جهرا‬ ‫سري بها ناجي و معروف قبله‬
‫فأعقل ؟‬
‫إلى أن رقى فوق‬ ‫و كان بها الشبلي يدأب دائما‬
‫المريدين و اعتلى‬
‫و لزم لذكار و صم و‬ ‫فصف من الدناس قلبك جاهدا‬
‫تنقل‬
‫عليم بأسرار العلوم‬ ‫فما نال سر القوم إل محقق‬
‫محصل‬
‫مقامممات المحبممة و ميممل النفمموس و المجاهممدة و الطاعممة و‬
‫العبادة و حب و تعشق و فناء الفناء و توجه و مراقبة و خلممة‬
‫و أئمة‬
‫النفعال الطبيعي‬
‫بقزدير أو نحاس‬ ‫لبرجيس في المحبة الوفق صرفوا‬
‫الخلط أكمل‬
‫فجعلك طالعا خطوطه ما عل‬ ‫و قيل بفضة صحيحا رأيته‬
‫و جعلك للقبول شمسه أصل‬ ‫توخ به زيادة النور للقمر‬
‫و وقت لساعة و دعوته أل‬ ‫و يومه و البخور عود لهندهم‬
‫و عن طسيمان دعوة و لها‬ ‫و دعوته بغاية فهي أعملت‬
‫جل‬
‫بحر هواء أو مطالب أهل‬ ‫و قيل بدعوة حروف لوضعها‬
‫و ذلك وفق للمربع حصل‬ ‫فتنقش أحرفا بدال و لمها‬
‫فدال ليبدو واو زينب‬ ‫إذا لم يكن يهوى هواك دللها‬
‫معطل‬
‫هواك و باقيهم قليلة جمل‬ ‫فحسن لبائه و بائهم إذا‬
‫و ما زدت أنسبه‬ ‫و نقش مشاكل بشرط لوضعهم‬
‫لفعلك عدل‬
‫فبوري و بسطامي بسورتها‬ ‫و مفتاح مريم ففعلهما سوا‬
‫تل‬
‫أدلة و حشي لقبضة ميل‬ ‫و جعلك بالقصد و كن متفقدا‬
‫فباطنها سر و في سرها‬ ‫فاعكس بيوتها بألف و نيف‬
‫انجل‬
‫فصل في المقامات للنهاية‬
‫و توجدها دار أو‬ ‫لك الغيب صورة من العالم العل‬
‫ملبسها الحل‬
‫بنثر و ترتيل حقيقة‬ ‫و يوسف في الحسن و هذا شبيهه‬
‫أنزل‬
‫فيحكى إلى عود‬ ‫و في يده طول و في الغيب ناطق‬
‫يجاوب بلبل‬
‫و عند تجليها لبسطام‬ ‫و قد جن بهلول بعشق جمالها‬
‫أخذل‬
‫جنيد و بصرى و الجسم‬ ‫و مات أجليه و أشرب حبها‬
‫أهمل‬
‫بأسمائه الحسنى بل‬ ‫فتطلب في التهليل غايته و من‬
‫نسبة خل‬
‫و يسهم بالزلفى‬ ‫و من صاحب الحسنى له الفوز بالمنى‬
‫لدى جيرة العل‬
‫تريك عجائبا بمن كان‬ ‫و تخبر بالغيب إذا جدت خدمة‬
‫موئل‬
‫و منها زيادات لتفسيرها تل‬ ‫فهذا هو الفوز و حسن تناله‬
‫الوصية و التختم و اليمان و السلم و التحريم و الهلية‬
‫و ما زاد خطبة و ختما و‬ ‫فهذا قصيدنا و تسعون عده‬
‫جدول‬
‫تولد أبياتا و ما حصرها‬ ‫عجبت لبيات و تسعون عدها‬
‫انجل‬
‫و يفهم تفسيرا تشابه‬ ‫فمن فهم السر فيفهم نفسه‬
‫أشكل‬
‫لناس و إن خصوا و كان‬ ‫حرام و شرعي لظهار سرنا‬
‫التأهل‬
‫و تفهم برحلة و دين‬ ‫فإن شئت أهليه فغلظ يمينهم‬
‫تطول‬
‫من القطع و الفشا‬ ‫لعلك أن تنجو و سامع سرهم‬
‫فترأس بالعل‬
‫فنال سعادات و تابعه عل‬ ‫فنجل لعباس لسره كاتم‬
‫فمن يرأس عرشا‬ ‫و قام رسول الله في الناس خاطبا‬
‫فذلك أكمل‬
‫فآلت لقتلهم بدق‬ ‫و قد ركب الرواح أجساد مظهر‬
‫تطول‬
‫و يلبس أثواب الوجود‬ ‫إلى العالم العلوي يفنى فناؤنا‬
‫على الول‬
‫على خاتم الرسل صلة بها‬ ‫فقد تم نظما و صلى إلهنا‬
‫العل‬
‫على سيد ساد‬ ‫و صلى إله العرش ذو المجد و العل‬
‫النام و كمل‬
‫و أصحابه أهل المكارم و‬ ‫محمد الهادي الشفيع إمامنا‬
‫العل‬

‫كيفيمة العممل فمي اسمتخراج أجوبمة المسمائل ممن‬


‫زايرجة العالم بحول اللممه منقممول عمممن لقينمماه‬
‫من القائمين عليها‬
‫السممؤال لممه ثلثمممائة و سممتون جوابمما عممدة الممدرج‪ ،‬و تختلممف‬
‫الجوبة عن سؤال واحد في طالع مخصوص باختلف السئلة‬
‫المضافة إلى حروف الوتار‪ .‬و تناسب العمممل مممن اسممتخراج‬
‫الحرف من بيت القصيد‪.‬‬
‫تنبيه‪ :‬تركيممب حممروف الوتممار و الجممدول علممى ثلثممة أصممول‪:‬‬
‫حروف عربية تنقل علممى هيآتهمما‪ .‬و حممروف برسممم الغبممار‪ .‬و‬
‫هذه تتبدل‪ :‬فمنها ما ينقل على هيئته متى لم تزد الدوار عن‬
‫أربعة‪ ،‬فإن زادت عن أربعممة نقلممت إلممى المرتبممة الثانيممة مممن‬
‫مرتبة العشرات و كذلك لمرتبة المئيممن علممى حسممب العمممل‬
‫كما سنبينه‪ ،‬و منها حروف برسم الزمام كذلك‪ ،‬غير أن رسم‬
‫الزمام يعطي نسبة ثانية‪ ،‬فهي بمنزلممة واحممد ألممف و بمنزلممة‬
‫عشرة‪ ،‬و لها نسبة من خمسين بالعربي‪ .‬فاستحق البيت من‬
‫الجدول أن توضع فيه ثلثة حروف في هذا الرسممم و حرفممان‬
‫في الرسم‪ ،‬فاختصروا من الجدول بيوتا خالية‪ .‬فمممتى كممانت‬
‫أصول الدوار زائدة على أربعين حسبت في العدد في طممول‬
‫الجدول و إن لم تزد على أربعة لم يحسب إل العامر منها‪.‬‬
‫و العمل في السؤال يفتقر إلى سممبعة أصممول‪ :‬عممدة حممروف‬
‫الول حساب أدوارها بعد طرحها‪ ،‬اثني عشممر اثنممي عشممر‪ ،‬و‬
‫هي ثمانية أحممرف فممي الكامممل و سممتة فممي النمماقص أبممدا‪ .‬و‬
‫معرفة درج الطالع و سلطان البرج‪ ،‬و الدور الكممبر الصمملي‪،‬‬
‫و هو واحد أبدا‪ .‬و ما يخرج من إضافة الطالع للدور الصمملي‪،‬‬
‫و ما يخرج من ضرب الطالع و المدور فمي سملطان المبرج‪ .‬و‬
‫إضافة سلطان البرج للطالع و العمل جميعه ينتممج عممن ثلثممة‬
‫أدوار مضروبة في أربعة‪ ،‬تكون اثني عشر دورا‪ .‬و نسبة هذه‬
‫الثلثة الدوار التي هي كل دور من أربعممة نشممأة ثلثيممة‪ ،‬كممل‬
‫نشأة لها ابتداء‪ .‬ثم إنها تضرب أدوارا رباعية أيضا ثلثيممة‪ .‬ثممم‬
‫إنها من ضرب ستة في اثنين‪ ،‬فكممان لهمما نشممأة‪ ،‬يظهممر ذلممك‬
‫في العمل‪ .‬و يتبع هذه الدوار الثني عشر نتممائج‪ .‬و هممي فممي‬
‫الدوار‪ ،‬إما أن تكون نتيجة أو أكثر إلى ستة‪.‬‬
‫فأول ذلك نفرض سؤال عن الزايرجة‪ ،‬هل هي علم قديم‪ ،‬أو‬
‫محدث بطالع أول درجة من القوس أثناء حروف الوتار ؟ ثم‬
‫حروف السؤال‪ .‬فوضعنا حروف وتر رأس القمموس و نظيممره‬
‫من رأس الجوزاء‪ .‬و ثالثه و تر رأس الدلو إلى حد المركز‪ ،‬و‬
‫أضفنا إليه حروف السؤال‪ ،‬و نظرنا عممدتها و أقممل ممما تكممون‬
‫ثمانية و ثمانين‪ ،‬و أكثر ما تكون ستة و تسعين‪ ،‬و هي جملممة‬
‫الدور الصحيح‪ ،‬فكانت في سؤالنا ثلثممة و تسممعين‪ .‬و يختصممر‬
‫السؤال إن زاد عن ستة و تسعين‪ ،‬بأن يسممقط جميممع أدواره‬
‫الثني عشرية‪ ،‬و يحفظ ما خرج منها و ما بقي‪ ،‬فكممانت فممي‬
‫سؤالنا سبعة أدوار‪ ،‬الباقي تسعة‪ ،‬أثبتها في الحمروف مما لمم‬
‫يبلغ الطالع اثنتي عشرة درجة‪ ،‬فإن بلغها لم تثبت لها عدة و‬
‫ل دور‪.‬‬
‫ثم تثبت أعدادها أيضا إن زاد الطالع عممن أربعيممن و عشممرين‬
‫في الوجه الثالث‪ ،‬ثممم تثبممت الطممالع و هممو واحممد‪ ،‬و سمملطان‬
‫الطالع و هو أربعة‪ ،‬و الدور الكبر و هو واحد‪ ،‬و اجمع ما بيممن‬
‫الطالع و الدور و هو اثنان في هذا السؤال‪ ،‬و اضرب ما خرج‬
‫منهممما فممي سمملطان الممبرج يبلممغ ثمانيممة‪ ،‬و أضممف السمملطان‬
‫للطالع فيكون خمسممة‪ ،‬فهممذه سممبعة أصممول‪ .‬فمما خممرج مممن‬
‫ضرب الطالع و الدور الكبر فممي سمملطان القمموس‪ ،‬مممما لممم‬
‫يبلغ اثني عشر فيه تدخل في ضلع ثمانية من أسفل الجممدول‬
‫صمماعدا‪ ،‬و إن زاد علممى اثنممي عشممر طممرح أدوارا‪ ،‬و تممدخل‬
‫بالباقي في ضلع ثمانية‪ ،‬و تعلم على منتهى العدد و الخمسمة‬
‫المستخرجة من السلطان و الطالع‪ ،‬يكون الطالع فممي ضمملع‬
‫السممطح المبسمموط العلممى مممن الجممدول‪ ،‬و تعممد متواليمما‬
‫خمسات أدوارا‪ ،‬و تحفظها إلممى أن يقممف العممدد علممى حممرف‬
‫من أربعة‪ ،‬و هي ألف أو باء أو جيم أو زاي‪ .‬فوقع العممدد فممي‬
‫عملنا على حرف اللف و خلف ثلثة أدوار‪ ،‬فضربنا ثلثة فممي‬
‫ثلثين كانت تسعة‪ .‬و هو عدد الدور الول‪ .‬فأثبته و اجمممع ممما‬
‫بين الضلعين‪ :‬القائم و المبسوط يكممن فممي بيممت ثمانيممة فممي‬
‫مقابلة البيوت العامرة بالعدد مممن الجممدول‪ ،‬و إن وقممف فممي‬
‫مقابلة الخالي مممن بيمموت الجممدول علممى أحممدها‪ .‬فل يعتممبر و‬
‫تستمر على أدوارك‪ .‬و أدخل يعدد ما في الدور الول‪ ،‬و ذلك‬
‫تسعة في صدر الجدول مما يلي البيت الممذي اجتمعمما فيممه‪ .‬و‬
‫هي ثمانية‪ ،‬مارا إلى جهة اليسار‪ ،‬فوقع على حممرف لم ألممف‬
‫و ل يخرج منها أبدا حرف مركب‪ .‬و إنممما هممو إذن حممرف تمماء‬
‫أربعمممائة برسممم الزمممام‪ ،‬فعلممم عليهمما بعممد نقلهمما مممن بيممت‬
‫القصيد‪ ،‬و اجمع عدد الدور للسلطان يبلغ ثلثة عشممر‪ ،‬أدخممل‬
‫بها في حروف الوتار‪ ،‬و أثبت ما وقع عليه العدد و علم عليه‬
‫من بيت القصيد‪ .‬و من هذا القانون تدري كم تممدور الحممروف‬
‫في النظم الطبيعي‪ ،‬و ذلك أن تجمممع حممروف الممدور الول و‬
‫هو تسعة لسلطان البرج و هو أربعة تبلغ ثلثة عشر‪ ،‬أضعفها‬
‫يمثلها تكون ستة و عشممرين‪ ،‬أسممقط منهمما درج الطممالع وهممو‬
‫واحد في هذا السؤال الباقي خمسة و عشرون‪.‬‬
‫فعلى ذلك يكون نظممم الحممروف الول‪ ،‬ثممم ثلثممة و عشممرون‬
‫مرتين‪ ،‬ثم إثنان و عشرون مرتين‪ ،‬على حسممب هممذا الطممرح‬
‫إلى أن ينتهي للواحد من آخر البيت المنظوم‪ .‬و ل تقف على‬
‫أربعة و عشرين لطرح ذلك الواحد أول‪ .‬ثم ضع الدور الثمماني‬
‫و أضف حروف الدور الول إلى ثمانية‪ ،‬الخارجممة مممن ضممرب‬
‫الطممالع و الممدور فممي السمملطان تكممن سممبعة عشممر البمماقي‬
‫خمسة‪ .‬فاصعد في ضلع ثمانيه بخمسة من حيث انتهيت فممي‬
‫الدور الول و علم عليه‪ ،‬و أدخل فممي صممدر الجممدول بسممبعة‬
‫عشر‪ ،‬ثم بخمسة‪ .‬و ل تعد الخالي‪ ،‬و الدور عشرون‪ ،‬فوجدنا‬
‫حرف ثاء خمسمممائة‪ ،‬و إنممما هممو نممون لن دورنمما فممي مرتبممة‬
‫العشممرات‪ ،‬فكممانت الخمسمممائة بخمسممين لن دورهمما سممبعة‬
‫عشر فلو لم تكن سبعة عشر لكمانت مئيمن‪ .‬فمأثبت نونما ثمم‬
‫أدخل بخمسة أيضمما مممن أولممه‪ .‬و انظممر ممما حمماذى ذلممك مممن‬
‫السطح تجد واحدا‪ ،‬فقهقممر العممدد واحممدا يقممع علممى خمسممة‪،‬‬
‫أضف لها واحدا لسطح تكن ستة‪ .‬أثبت واوا و علم عليها من‬
‫بيت القصمميد أربعممة‪ ،‬و أضممفها للثمانيممة الخارجممة مممن ضممرب‬
‫الطالع مع الدور في السمملطان تبلممغ اثنممي عشممر‪ ،‬أضممف لهمما‬
‫الباقي من الدور الثاني و هو خمسة تبلغ سبعة عشممر‪ ،‬و هممو‬
‫ما للدور الثمماني‪ .‬فممدخلنا بسممبعة عشممر فممي حممروف الوتممار‪،‬‬
‫فوقع العدد علمى واحمد‪ .‬أثبمت الول و علمم عليهما ممن بيمت‬
‫القصيد و أسقط من حروف الوتار ثلثة حروف عدة الخممارج‬
‫من الدور الثاني‪ .‬و ضممع الممدور الثممالث و أضممف خمسممة إلممى‬
‫ثمانية تكن ثلثة عشر‪ ،‬الباقي واحممد‪ .‬انقممل الممدور فممي ضمملع‬
‫ثمانية بواحد و أدخل في بيت القصيد بثلثة عشممر‪ ،‬و خممذ ممما‬
‫وقع عليه العدد و هو ق و علم عليه‪ .‬و أدخل بثلثة عشر في‬
‫حروف الوتار و أثبت ما خرج‪ ،‬و هو سين‪ ،‬و علممم عليممه مممن‬
‫بيت القصيد‪ ،‬ثم أدخل مما يلي السين الخارجة بالبمماقي مممن‬
‫دور ثلثة عشر و هو واحد‪ ،‬فخمذ مممما يلممى حممرف سمين ممن‬
‫الوتار فكان ب أثبتها و علم عليها مممن بيممت القصمميد‪ .‬و هممذا‬
‫يقال له‪ :‬الدور المعطوف‪ ،‬و ميزانه صحيح‪ .‬و هو أن تضممعف‬
‫ثلثة عشر بمثلها‪ ،‬و تضيف إليهمما الواحممد البمماقي مممن الممدور‪.‬‬
‫تبلغ سبعة و عشرين‪ .‬و هو حرف باء المستخرج مممن الوتممار‬
‫من بيت القصيد‪ .‬و أدخل في صممدر الجممدول بثلثممة عشممر‪ ،‬و‬
‫انظر ما قابله من السطح و أضعفه بمثله‪ ،‬و زد عليه الواحممد‬
‫الباقي من ثلثة عشممر‪ ،‬فكممان حممرف جيممم‪ ،‬و كممانت للجملممة‬
‫سممبعة‪ ،‬فممذلك حممرف زاي فأثبتنمماه و علمنمما عليممه مممن بيممت‬
‫القصيد‪ .‬و ميزانه أن تضعف السبعة بمثلها و زد عليها الواحد‬
‫الباقي هن ثلثممة عشممر يكممن خمسممة عشممر‪ ،‬و هممو الخممامس‬
‫عشر من بيت القصيد و هذا آخر أدوار الثلثيات و ضع الممدور‬
‫الرابع و له من العدد تسعة بإضافة الباقي من الدور السابق‪،‬‬
‫فاضرب الطالع مع المدور فمي السملطان‪ ،‬و هممذا الممدور آخمر‬
‫العمل في البيت الول من الرباعيات‪.‬‬
‫فاضرب على حرفين مممن الوتممار و اصممعد يتسممعة فمي ضمملع‬
‫ثمانية و أدخل بتسعة من دور الحرف الذي أخمذته آخمرا ممن‬
‫بيت القصيد‪ ،‬فالتاسع حرف راء‪ ،‬فأثبته و علم عليه‪ .‬و أدخممل‬
‫في صدر الجدول بتسعة و انظر ما قابلها من السطح يكممون‬
‫ج‪ ،‬قهقر العدد واحدا يكون ألف و هو الثاني من حرف الممراء‬
‫من بيت القصيد فأثبته و علممم عليممه‪ .‬و عممد مممما يلممي الثمماني‬
‫تسعة يكون ألف أيضا أثبته و علم عليه و أضرب على حممرف‬
‫من الوتار‪ ،‬و أضعف تسعة يمثلها تبلغ ثمانية عشر‪ ،‬أدخل بها‬
‫في حروف الوتار تقف على حمرف راء‪ ،‬أثبتهما و علمم عليهما‬
‫من بيت القصيد ثمانية و أربعين‪ .‬و أدخل بثمانيممة عشممر فممي‬
‫حروف الوتممار تقممف علممى س أثيتهمما و علممم عليهمما اثنيممن‪ .‬و‬
‫أضعف اثنين إلى تسعة تكممون أحممد عشممر‪ .‬أدخممل فممي صممدر‬
‫الجدول بأحد عشممر تقابلهمما مممن السممطح ألممف أثبتهمما و علممم‬
‫عليها ستة‪ ،‬و ضع الدور الخامس و عدته سبعة عشر البمماقي‬
‫خمسة‪ .‬اصعد بخمسة في ضلع ثمانية و اضرب على حرفيممن‬
‫من الوتار و أضعف خمسة بمثلها‪ ،‬و أضفها إلى سبعة عشممر‬
‫عدد دورها الجملة سبعة و عشرون‪ ،‬أدخممل بهمما فممي حممروف‬
‫الوتار تقع على ب أثبتها و علم عليها اثنين وثلثيممن و اطممرح‬
‫من سبعة عشر اثنين التي هي في أس اثنين و ثلثين الباقي‬
‫خمسة عشر‪ .‬أدخل في حروف الوتار تقف علممى ق أثبتهمما و‬
‫علم عليها ستة و عشرين‪ .‬و أدخل في صدر الجدول بست و‬
‫عشرين تقف على اثنين بالغبار و ذلك حرف ب أثبته و علممم‬
‫عليه أربعة و خمسين‪ ،‬و أضرب علممى حرفيممن مممن الوتممار و‬
‫ضع الدور السادس‪ ،‬و عدته ثلثة عشممر‪ .‬البمماقي منممة واحممد‪،‬‬
‫فتممبين إذ ذاك أن دور النظممم مممن خمسممة و عشممرين‪ ،‬فممإن‬
‫الدوار خمسممة و عشممرون و سممبعة عشممر و خمسممة و ثلثممة‬
‫عشر و واحمد‪ ،‬فاضمرب خمسممة فمي خمسمة تكممن خمسممة و‬
‫عشرين‪ ،‬و هو الدور في نظم البيت‪ ،‬فانقل الممدور فممي ضمملع‬
‫ثمانية بواحد‪ .‬و لكن لم يدخل في بيت القصمميد بثلثممة عشممر‬
‫كما قدمناه‪ ،‬لنة دور ثاني من نشأة تركيبية ثانية‪ ،‬بممل أضممفنا‬
‫الربعة التي من أربعة و خمسممين الخارجممة علممى حممروف ب‬
‫من بيت القصيد إلى الواحممد تكممون خمسممة‪ ،‬تضممييف خمسممة‬
‫إلى ثلثة عشر التي للدور تبلغ ثمانية عشممر‪ .‬أدخممل بهمما فممي‬
‫صدر الجدول و خذ ما قابلها من السممطح و هممو ألممف أثبتممه و‬
‫علم عليه من بيت القصيد اثني عشر و اضرب علممى حرفيممن‬
‫من الوتار‪ .‬و من هممذا الجممدول تنظممر أحممرف السممؤال‪ ،‬فممما‬
‫خرج منها زده مع بيت القصمميد مممن آخممره و علممم عليممه مممن‬
‫حروف السؤال ليكون داخل في العممدد فممي بيممت القصمميد‪ .‬و‬
‫كذلك تفعل بكل حرف بعد ذلك مناسبا لحروف السؤال‪ ،‬فما‬
‫خرج منها زده إلى بيممت القصمميد مممن آخممر و علممم عليممه‪ .‬ثممم‬
‫أضف إلمى ثمانيممة عشممر ممما علمتممه علممى حممرف اللممف مممن‬
‫الحاد‪ ،‬فكان اثنين تبلغ الجملة عشرين‪ .‬أدخل بها في حروف‬
‫الوتممار تقممف علممى حممرف راء‪ ،‬أثبتممه و علممم عليممه مممن بيممت‬
‫القصيد‪ ،‬ستة و تسعين و هو نهاية الدور في الحرف المموتري‪.‬‬
‫فاضرب على حرفين من الوتار و ضممع الممدور السممابع‪ .‬و هممو‬
‫ابتداء لمخترع ثان ينشأ مممن الخممتراعين‪ .‬و لهممذا الممدور مممن‬
‫العدد تسعة‪ ،‬تضيف لها واحدا تكون عشرة للنشأة الثانيممة‪ ،‬و‬
‫هذا الواحد تزيده بعد إلى اثني عشر دورا‪ ،‬إذا كان مممن هممذه‬
‫النسممبة‪ ،‬أو تنقصممه مممن الصممل تبلممغ الجملممة خمسممة عشممر‪.‬‬
‫فاصعد في ضلع ثمانية و تسعين و أدخل فممي صممدر الجممدول‬
‫بعشممرة تقممف علممى خمسمممائة‪ ،‬و إنممما هممي خمسممون‪ ،‬نممون‬
‫مضاعفة بمثلها‪ ،‬و تلك ق أثبتها و علم عليها من بيت القصمميد‬
‫اثنيممن و خمسممين‪ ،‬و أسممقط مممن اثنيممن و خمسممين اثنيممن‪ ،‬و‬
‫أسقط تسعة التي للدور‪ ،‬الباقي واحد و أربعون‪ ،‬فأدخممل بهمما‬
‫في حروف الوتار تقف على واحد أثبتممه‪ .‬و كممذلك أدخممل بهمما‬
‫في بيت القصيد تجد واحدا‪ ،‬فهذا ميزان هممذه النشممأة الثانيممة‬
‫فعلم عليممه مممن بيممت القصمميد علمممتين‪ .‬علمممة علممى اللممف‬
‫الخير الميزاني‪ ،‬و أخرى على اللف الولممى فقممط‪ ،‬و الثانيممة‬
‫أربعة و عشرون و اضرب علممى حرفيممن مممن الوتممار‪ ،‬و ضممع‬
‫الدور الثامن و عدته سبعة عشر البماقي خمسمة‪ ،‬أدخممل فمي‬
‫ضلع ثمانية و خمسين و أدخل في بيت القصيد بخمسممة تقممع‬
‫على عين بسبعين‪ ،‬أثبتها و علم عليها‪ .‬و أدخممل فممي الجممدول‬
‫بخمسة‪ ،‬و خذ ما قابلها مممن السممطح‪ .‬و ذلممك واحممد‪ ،‬أثبتممه و‬
‫علم عليه من الممبيت ثمانيممة و أربعيممن‪ ،‬و أسممقط واحممدا مممن‬
‫ثمانية و أربعيممن للس الثمماني و أضممف إليهمما خمسممة‪ ،‬الممدور‪.‬‬
‫الجملة اثنان و خمسون‪ .‬أدخل بها فممي صممدر الجممدول تقممف‬
‫على حرف ب غبارية و هي مرتبة مئينية لتزايد العدد‪ ،‬فتكون‬
‫مائتين و هي حرف راء‪ ،‬أثبتها و علم عليها من القصيد أربعممة‬
‫و عشرين‪ ،‬فانتقل المر من ستة و تسعين إلى البتداء و هممو‬
‫أربعة و عشرون‪ ،‬فأضف إلى أربعة و عشرين خمسة‪ ،‬الدور‪،‬‬
‫و أسممقط واحممدا تكممون الجملممة ثمانيممة و عشممرين‪ .‬أدخممل‬
‫بالنصف منها في بيت القصيد تقف على ثمانية‪ ،‬أثبت و علممم‬
‫عليها و ضع الدور التاسع‪ ،‬و عدده ثلثة عشممر البمماقي واحممد‪.‬‬
‫إصممعد فممي ضمملع ثمانيممة بواحممد‪ .‬و ليسممت نسممبة العمممل هنمما‬
‫كنسممبتها فممي الممدور السممادس لتضمماعف العممدد‪ ،‬و لنممه مممن‬
‫النشأة الثانية‪ ،‬و لنه أول الثلث الثالث من مربعات البروج و‬
‫آخر الستة الرابعة من المثلثممات‪ .‬فاضممرب ثلثممة عشممر الممتي‬
‫للدور في أربعة التي هممي مثلثممات الممبروج السممابقة‪ ،‬الجملممة‬
‫اثنان و خمسون‪ ،‬أدخممل بهمما فممي صممدر الجممدول تقممف علممى‬
‫حرف اثنين غبارية‪ ،‬و إنما هي مئينية لتجاوزها في العدد عممن‬
‫مرتبتي الحاد و العشرات‪ ،‬فممأثبته مممائتين راء‪ .‬و علممم عليهمما‬
‫من بيت القصيد ثمانية و أربعيمن‪ ،‬و أضمف إلمى ثلثمة عشممر‪،‬‬
‫الدور‪ ،‬واحد الس‪ ،‬و أدخل بأربعة عشر في بيت القصيد تبلغ‬
‫ثمانية‪ ،‬فعلم عليها ثمانية و عشرين‪ ،‬و اطرح من أربعة عشر‬
‫سبعة يبقى سبعة إضرب على حرفيممن مممن الوتممار‪ ،‬و أدخممل‬
‫بسبعة تقف على حرف لم‪ ،‬أثبته و علم عليممه مممن الممبيت‪ .‬و‬
‫ضع الدور العاشر و عدده تسعة‪ ،‬و هذا ابتداء المثلثة الرابعة‪،‬‬
‫و اصعد في ضلع ثمانية بتسممعة‪ ،‬تكممون خلء‪ ،‬فاصممعد بتسممعة‬
‫ثانية تصير في السابع من البتداء‪ .‬اضرب تسممعة فممي أربعممة‬
‫لصعودنا بتسعتين‪ ،‬و إنما كانت تضرب في اثنين‪ .‬و أدخل في‬
‫الجممدول بسممتة و ثلثيممن تقممف علممى أربعممة زماميممة و هممي‬
‫عشرية‪ ،‬فأخذناها أحاديممة لقلممة الدوار‪ .‬فممأثبت حممرف دال‪ ،‬و‬
‫إن أضفت إلى ستة و ثلثين واحد الس كان حدها مممن بيممت‬
‫القصيد‪ .‬فعلم عليها‪ ،‬و لو دخلت بالتسعة ل غيممر مممن ضممرب‬
‫في صدر الجدول لوقف على ثمانية‪ .‬فاطرح من ثمانية أربعة‬
‫الباقي أربعة و هو المقصود‪ .‬و لو دخلممت فمي صممدر الجممدول‬
‫بثمانية عشر التي هممي تسممعة فمي اثنيممن لوقممف علممى واحممد‬
‫زمامي و هو عشري‪ .‬فاطرح منه اثنين تكرار التسعة‪ ،‬الباقي‬
‫ثمانية نصفها المطلوب‪ .‬و لو دخلت في صدر الجدول بسبعة‬
‫و عشرين بضربها في ثلثة لمموقعت علممى عشممرة زماميممة‪ ،‬و‬
‫العمل واحد‪ .‬ثم أدخل بتسممعة فممي بيممت القصمميد و أثبممت ممما‬
‫خرج و هو ألف‪ ،‬ثم اضرب تسعة في ثلثة الممتي هممي مركممب‬
‫تسعة الماضية و أسممقط واحممدا و أدخممل فممي صممدر الجممدول‬
‫بستة و عشرين‪ ،‬و أثبت ما خممرج و همو مائتممان بحممرف راء و‬
‫علم عليه من بيممت القصمميد سممتة و تسممعين‪ .‬و اضممرب علممى‬
‫حرفين من الوتممار و ضممع الممدور الحممادي عشممر و لممه سممبعة‬
‫عشر الباقي خمسة‪ ،‬إصعد في ضلع ثمانية بخمسة و تحسب‬
‫ما تكرر عليه المشممي فممي الممدور الول‪ ،‬و أدخممل فممي صممدر‬
‫الجدول بخمسة تقف على خال‪ ،‬فخذ ما قابله من السممطح و‬
‫هو واحد‪ ،‬فادخل بواحد في بيت القصيد تكممن سممين‪ ،‬أثبتممه و‬
‫علم عليه أربعة‪ .‬و لو يكون الوقممف فممي الجممدول علممى بيممت‬
‫عممامر لثبتنمما الواحممد ثلثممة‪ .‬و أضممعف سممبعة عشممر بمثلهمما و‬
‫أسقط واحممدا و أضممعفها بمثلهمما و زدهمما أربعممة تبلممغ سممبعة و‬
‫ثلثين‪ ،‬أدخل بها فممي الوتممار تقممف علممى سممتة أثبتهمما و علممم‬
‫عليها‪ ،‬و أضعف خمسة بمثلها‪ .‬و أدخل في البيت تقممف علممى‬
‫لم أثبتها و علم عليها عشرين‪ ،‬و اضممرب علممى حرفيممن مممن‬
‫الوتار‪ .‬و ضمع المدور الثماني عشمر و لمه ثلثمة عشمر البماقي‬
‫واحد‪ ،‬إصعد في ضلع ثمانية بواحد‪ ،‬و هذا الدور آخر الدوار و‬
‫آخممر الخممتراعين و آخممر المربعممات الثلثيممة و آخممر المثلثممات‬
‫الرباعية‪ .‬و الواحد في صدر الجدول يقع على ثمانين زمامية‪،‬‬
‫و إنما هي آحاد ثمانية‪ ،‬و ليس معنا من الدوار إل واحد‪ ،‬فلممو‬
‫زاد عن أربعة من مربعات اثنممي عشممر أو ثلثممة مممن مثلثممات‬
‫اثني عشر لكانت ح‪ ،‬و إنما هي د‪ ،‬فأثبتهمما و علممم عليهمما مممن‬
‫بيت القصيد أربعة و سبعين‪ ،‬ثم انظر ما ناسبها من السممطح‬
‫تكن خمسة‪ ،‬أضعفها بمثلها للس تبلغ عشرة‪ ،‬أثبت ى و علم‬
‫عليها‪ ،‬و انظر في أي المراتب وقعت‪ :‬وجدناها فممي الرابعممة‪.‬‬
‫دخلنا بسبعة في حروف الوتار‪ ،‬و هذا المدخل يسمى التوليد‬
‫الحرفي فكانت ف‪ ،‬أثبتهمما وأضممف إلممى سممبعة واحممد الممدور‪،‬‬
‫الجملة ثمانية‪ .‬أدخممل بهمما فممي الوتممار تبلممغ س أثبتهمما و علممم‬
‫عليها ثمانية‪ ،‬و اضرب ثمانية في ثلثمة المزائدة علممى عشممرة‬
‫الممدور‪ ،‬فإنهمما أخممر مربعممات الدوار بالمثلثممات تبلممغ أربعممة و‬
‫عشرين‪ ،‬أدخل بها في بيت القصيد وعلم على ما يخرج منهمما‬
‫و هممو مائتممان و علمتهمما سممتة و تسممعون‪ .‬و هممو نهايممة الممدور‬
‫الثاني في الدوار الحرفية‪ ،‬و اضرب على حرفين من الوتممار‬
‫و ضع النتيجة الولى و لها تسممعة‪ .‬و هممذا العممدد يناسممب أبممدا‬
‫الباقي من حروف الوتممار بعممد طرحهمما أدوارا و ذلمك تسممعة‪،‬‬
‫فاضرب تسعة في ثلثممة الممتي هممي زائدة علممى تسممعين مممن‬
‫حروف الوتار‪ ،‬و أضف لها واحممدا البمماقي مممن الممدور الثمماني‬
‫عشر تبلغ ثمانية و عشرين‪ ،‬فأدخممل بهمما فممي حممروف الوتممار‬
‫تبلغ ألفا‪ ،‬أنبته و علم عليه ستة و تسعين‪ .‬و إن ضربت سبعة‬
‫التي هي أدوار الحروف التسممعينية فممي أربعممة و هممي الثلثممة‬
‫الزائدة على تسعين‪ .‬و الواحد الباقي من الدور الثاني عشممر‬
‫كان كممذلك‪ ،‬و اصممعد فممي ضمملع ثمانيممة يتسممعة و أدخممل فممي‬
‫الجدول بتسعة تبلغ اثنين زمامية‪ .‬و اضرب تسعة فيما ناسب‬
‫من السطح‪ ،‬و ذلك ثلثة‪ ،‬و أضف لممذلك سممبعة‪ ،‬عممدد الوتممار‬
‫الحرفية‪ ،‬و اطرح واحدا الباقي من دور اثني عشر تبلغ ثلثممة‬
‫و ثلثين‪ ،‬أدخل بها فمي الممبيت تبلممغ خمسممة‪ .‬فأثبتهمما و أضممف‬
‫تسعة بمثلها و أدخل في صدر الجدول بثمانية عشر‪ ،‬و خذ ما‬
‫في السطح و هو واحد‪ ،‬أدخل به فممي حممروف الوتممار تبلممغ م‬
‫أثبته و علم عليه‪ ،‬و اضرب على حرفيممن مممن الوتممار‪ .‬و ضممع‬
‫النتيجة الثانية و لها سبعة عشر الباقي خمسممة‪ ،‬فاصممعد فممي‬
‫ضلع ثمانية بخمسة و اضرب خمسة في ثلثممة الممزائدة علممى‬
‫تسعين تبلغ خمسة عشر‪ ،‬أضف لها واحدا الباقي مممن الممدور‬
‫الثاني عشر تكن تسعة‪ ،‬و أدخل بستة عشرفي بيت القصمميد‬
‫تبلغ ت أثبته و علم عليه أربعة و ستين‪ .‬و أضف إلممى خمسممة‬
‫الثلثة الزائدة علممى تسممعين‪ .‬و زد واحممدا البمماقي مممن الممدور‬
‫الثاني عشر يكن تسمعة‪ .‬أدخمل بهما فمي صمدر الجمدول تبلمغ‬
‫ثلثين زمامية‪ ،‬و انظر ما في السطح تجد واحدا أثبته و علممم‬
‫عليه من بيت القصيد و هو التاسع أيضا مممن الممبيت‪ .‬و أدخممل‬
‫بتسعة في صدر الجممدول تقممف علممى ثلثممة و هممي عشممرات‪.‬‬
‫فأثبت لم و علم عليمه و ضممع النتيجمة الثالثمة و عمددها ثلثممة‬
‫عشر الباقي واحد‪ .‬فانقل في ضلع ثمانية بواحد و أضف إلى‬
‫ثلثة عشر الثلثة الزائدة على التسعين‪ .‬و واحمد البماقي ممن‬
‫الدور الثاني عشممر تبلممغ سممبعة عشممر‪ ،‬و واحممد النتيجممة تكممن‬
‫ثمانية عشر‪ .‬أدخل بها في حروف الوتار تكن لما أثبتها فهذا‬
‫آخر العمل‪.‬‬
‫و المثال في هممذا السممؤال السممابق‪ :‬أردنمما أن نعلممم أن هممذه‬
‫الزايرجة علم محدث أو قديم‪ ،‬بطالع أول درجة من القمموس‪،‬‬
‫أثبتنا حروف الوتار‪ ،‬ثم حروف السؤال‪ .‬ثممم الصممول‪ ،‬و هممي‬
‫عممدة الحممروف ثلثممة و تسممعون أدوارهمما سممبعة البمماقي منهمما‬
‫تسعة‪ ،‬الطممالع واحممد‪ ،‬سمملطان القمموس أربعممة‪ ،‬الممدور الكممبر‬
‫واحد‪ ،‬درج الطالع مع الدور اثنممان‪ ،‬ضممرب الطممالع مممع الممدور‬
‫في السلطان ثمانية‪ ،‬إضافة السمملطان للطممالع خمسممة بيممت‬
‫القصيد‪.‬‬
‫غرائب شك ضبطه‬ ‫سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن‬
‫الجد مثل‬
‫حروف الوتار‪ :‬ص ط ه رث ك هم م ص ص و ن ب هم م س ا‬
‫ن ل م ن ص ع ف ص و رس ك ل م ن ص ع ف ض ق ر‬
‫ستثخذظغشطىعحصروحروحلصك‬
‫ل م ن ص ا ب ج د ه و ز ح ط ى‪.‬‬
‫حممروف السممؤال ا ل زا ى رج ة ع ل م م ح د ث ا م ق د ى‬
‫م الدورالول ‪ 19‬الدور الثاني ‪ 17‬الباقي ‪ 5‬الدور الثالث ‪13‬‬
‫الباقي ‪ 1‬الدور الرا بع ‪ 9‬الدور الخامس ‪ 17‬البمماقي ‪ 5‬الممدور‬
‫السممادس ‪ 13‬البمماقي ‪ 1‬الممدور السممابع ‪ 9‬الممدور الثممامن ‪17‬‬
‫الباقي ‪ 5‬الدور التاسع ‪ 13‬الباقي ‪ 1‬الدور العاشر ‪ 13‬الممدور‬
‫الحادي عشر ‪ 17‬الباقي ‪ 5‬الدور الثاني عشممر ‪ 13‬البمماقي ‪1‬‬
‫النتيجة الولى ‪ 9‬النتيجة الثانية ‪ 17‬البمماقي ‪ 5‬النتيجممة الثالثممة‬
‫‪ 13‬الباقي ‪ .1‬دورها على خمسة و عشرين ثم علممى ثلثممة و‬
‫عشرين مرتين ثم على واحد و عشرين مرتين إلى أن تنتهي‬
‫إلى الواحد من آخر البيت و تنقل الحروف جميعا و الله أعلم‬
‫نفروحروحالودسادررسرهالدرىس‬
‫و ا ن س د ر و ا ب ل ا م ر ب و ا ا ل ع ل ل‪.‬‬
‫هممذا آخمر الكلم فمي اسمتخراج الجوبممة مممن زايرجمة العمالم‬
‫منظوممممة‪ .‬و للقممموم طمممرائق أخمممرى ممممن غيمممر الزايرجمممة‬
‫يستخرجون بها أجوبة المسممائل غيممر منظومممة‪ .‬و عنممدهم أن‬
‫السر في استخراج الجواب منظوما مممن الزايرجمة‪ ،‬إنمما هممو‬
‫مزجهم بيممت مالممك بممن وهيممب و هممو‪ :‬سممؤال عظيممم الخلممق‬
‫الممبيت‪ ،‬و لممذلك يخممرج الجممواب علممى رويممه‪ .‬و أممما الطممرق‬
‫الخرى فيخممرج الجممواب غيممر منظمموم‪ .‬فمممن طرائقهممم فممي‬
‫استخراج الجوبة ما ننقله عن بعض المحققين منهم‪.‬‬
‫فصل في الطلع على السممرار الخفيممة مممن جهممة‬
‫الرتباطات الحرفية‬
‫إعلم أرشدنا الله و إياك أن هذه الحروف أصل السممئلة فممي‬
‫كل قضية‪ ،‬و إنما تستنتج الجوبة على تجزئته بالكليممة‪ ،‬و هممي‬
‫ثلثة و أربعون حرفا كما ترى و اللممه علم الغيمموب ا و ل ا ع‬
‫ظسالمخىدلزقتارذصفنغقشاك‬
‫ك ى ب م ض ب ح ط ل ج ه د ن ل ث ا‪.‬‬
‫و قد نظمها بعض الفضلءفي بيت جعل فيه كل حرف مشدد‬
‫من حرفين و سماه القطب فقال‪:‬‬
‫غرائب شك ضبطه‬ ‫سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن‬
‫الجد مثل‬
‫فإذا أردت استنتاج المسئلة فاحذف ما تكممرر مممن حروفهمما و‬
‫أثبت ما فضل منه‪ .‬ثم احذف من الصل و هممو القطممب لكممل‬
‫حرف فضل من المسألة حرفا يماثله‪ ،‬و أثبت ما فضل منممه‪.‬‬
‫ثم امزج الفضلين في سطر واحد تبدأ بممالول مممن فضممله‪ .‬و‬
‫الثاني من فضل المسممئلة‪ .‬و هكممذا إلممى أن يتممم الفضمملن أو‬
‫ينفد أحدهما قبل الخر‪ ،‬فتضع البقية على ترتيبهمما‪ .‬فممإذا كممان‬
‫عدد الحروف الخارجة بعد المزج موافقا لعدد حروف الصممل‬
‫قبل الحذف فالعمل صحيح‪ ،‬فحينئذ تضيف إليها خمس نونات‬
‫لتعدل بهمما الممموازين الموسمميقية و تكمممل الحممروف ثمانيممة و‬
‫أربعين حرفمما‪ .‬فتعمممر بهمما جممدول مربعمما يكممون آخممر ممما فممي‬
‫السطر الول أول ما في السطر الثاني‪ .‬و تنقل البقيمة علمى‬
‫حالها‪ .‬و هكذا إلى أن تتممم عمممارة الجممدول‪ .‬و يعممود السممطر‬
‫الول بعينه و تتوالى الحروف في القطر على نسبة الحركممة‪،‬‬
‫ثم تخرج وتر كل حرف بقسمة مربعة على أعظم جزء يوجد‬
‫له‪ ،‬و تضع الوتر مقابل لحرفه‪ .‬ثم تستخرج النسب العنصممرية‬
‫للحممروف الجدوليممة‪ ،‬و تعممرف قوتهمما الطبيعيممة و موازينهمما‬
‫الروحانيممة و غرائزهمما النفسممانية و أسوسممها الصمملية مممن‬
‫الجدول الموضوع لذلك‪ ،‬و هذه صورته‪:‬‬
‫ثم تأخذ وتر كل حرف بعمد ضمربه فمي أسموس أوتماد الفلمك‬
‫الربعة‪ ،‬و احذر ما يلي الوتاد و كذلك السممواقط لن نسممبتها‬
‫مضطربة‪ .‬و هممذا الخممارج هممو أول رتممب السممريان‪ .‬ثممم تأخممذ‬
‫مجموع العناصر و تحط منهمما أسمموس المولممدات‪ ،‬يبقممى أس‬
‫عالم الخلق بعد عروضه للمدد الكونيممة‪ ،‬فتحمممل عليمه بعممض‬
‫المجممردات عممن المممواد و هممي عناصممر المممداد‪ ،‬يخممرج أفممق‬
‫النفس الوسممط‪ ،‬و تطممرح أول رتممب السممريان مممن مجممموع‬
‫العناصر يبقى عالم التوسط‪ .‬و هذا مخصوص بعوالم الكوان‬
‫البسمميطة ل المركبممة‪ .‬ثممم تضممرب عممالم التوسممط فممي أفممق‬
‫النفس الوسط يخرج الفق العلى‪ ،‬فتحمل عليممه أول رتممب‬
‫السريان‪ ،‬ثم تطرح مممن الرابممع أول عناصممر المممداد الصمملي‬
‫يبقى ثالث رتبة السممريان‪ ،‬فتضممرب مجممموع أجممزاء العناصممر‬
‫الربعممة أبممدا فممي رابممع مرتبممة السممريان‪ ،‬يخممرج أول عممالم‬
‫التفصيل‪ ،‬و الثاني في الثاني يخممرج ثمماني عممالم التفصمميل‪ ،‬و‬
‫الثالث في الثالث يخرج ثالث عممالم التفصمميل‪ ،‬و الرابممع فممي‬
‫الرابع يخرج رابع عالم التفصمميل‪ .‬فتجمممع عمموالم التفصمميل و‬
‫تحط من عالم الكل‪ .‬تبقى العمموالم المجممردة‪ ،‬فتقسممم علممى‬
‫الفق العلممى يخممرج الجممزء الول‪ .‬و يقسممم المنكسممر علممى‬
‫الفق الوسط يخرج الجزء الثاني‪ ،‬و ما انكسر فهو الثالث‪ .‬و‬
‫يتعين الرابع هذا في الرباعي‪ .‬و إن شئت أكثر مممن الربمماعي‬
‫فتستكثر مممن عمموالم التفصمميل و مممن رتممب السممريان و مممن‬
‫الوفمماق بعممد الحممروف‪ .‬و اللممه يرشممدنا و إيمماك‪ .‬و كممذلك إذا‬
‫قسمم عمالم التجريمد علمى أول رتمب السمريان خمرج الجمزء‬
‫الول من عالم التركيب‪ ،‬و كمذلك إلمى نهايممة الرتبممة الخيممرة‬
‫من عالم الكون‪ .‬فافهم و تدبر و الله المرشد المعين‪.‬‬
‫و مممن طريقهممم أيضمما فممي اسممتخراج الجممواب‪ ،‬قممال بعممض‬
‫المحققين منهم‪ :‬اعلم أيدنا الله و إيمماك بممروج منممه‪ ،‬أن علممم‬
‫الحروف جليل يتوصممل العممالم بممه لممما ل يتوصممل بغيممره مممن‬
‫العلوم المتداولة بين العالم‪ .‬و للعمل به شرائط تلتزم‪ .‬و قد‬
‫يسممتخرج العمالم أسمرار الخليقمة و سمرائر الطبيعمة‪ ،‬فيطلممع‬
‫بذلك على نتيجتي الفلسفة‪ ،‬أعني السمميميا و أختهمما‪ .‬و يرفممع‬
‫لممه حجمماب المجهممولت و يطلممع بممذلك علممى مكنممون خبايمما‬
‫القلوب‪ .‬و قد شممهدت جماعممة بممأرض المغممرب ممممن اتصممل‬
‫بذلك‪ ،‬فأظهر الغرائب و خرق العوائد و تصممرف فممي الوجممود‬
‫بتأييد الله‪.‬‬
‫و اعلممم أن ملك كممل فضمميلة الجتهمماد و حسممن الملكممة مممع‬
‫الصممبر‪ .‬مفتمماح كممل خيممر‪ ،‬كممما أن الخممرق و العجلممة رأس‬
‫الحرمممان‪ ،‬فممأقول‪ :‬إذا أردت أن تعلممم قمموة كممل حممرف مممن‬
‫حروف الفابيطوس أعني أبجممد إلممى آخممر العممدد‪ ،‬و هممذا أول‬
‫مممدخل مممن علممم الحممروف‪ ،‬فممانظر ممما لممذلك الحممرف مممن‬
‫العداد‪ ،‬فتلك الدرجة التي هي مناسبة للحرف هي قوته في‬
‫الجسمانيات‪ .‬ثم اضرب العدد في مثله تخرج لممك قمموته فممي‬
‫الروحانيات و هي وتره‪ .‬و هذا في الحروف المنقوطة ل يتممم‬
‫بل يتم لغير المنقوطممة‪ ،‬لن المنقوطممة منهمما مراتممب لمعممان‬
‫يأتي عليها البيان فيما بعد‪.‬‬
‫و اعلم أن لكل شكل من أشكال الحروف شكل فممي العممالم‬
‫العلوي أعني الكرسي‪ ،‬و منها المتحرك و السمماكن و العلمموي‬
‫و السفلي كما هو مرقوم في أماكنه من الجداول الموضوعة‬
‫في الزيارج‪.‬‬
‫و اعلم أن قوى الحروف ثلثة أقسام‪ :‬الول و هو أقلهمما قموة‬
‫تظهر بعممد كتابتهمما‪ ،‬فتكممون كتممابته لعممالم روحمماني مخصمموص‬
‫بممذلك الحممرف المرسمموم‪ ،‬فمممتى خممرج ذلممك الحممرف بقمموة‬
‫نفسانية و جمع همة كانت قمموى الحممروف مممؤثرة فممي عممالم‬
‫الجسام‪ .‬الثاني قوتها في الهيئة الفكرية و ذلك ما يصدر عن‬
‫تصريف الروحانيات لها‪ ،‬فهي قوة في الروحانيات العلويممات‪،‬‬
‫و قوة شممكلية فممي عممالم الجسمممانيات‪ .‬الثممالث و هممو يجمممع‬
‫الباطن‪ ،‬أعنممي القمموة النفسممانية علممى تكمموينه‪ ،‬فتكممون قبممل‬
‫النطق بممه صممورة فممي النفممس‪ ،‬بعممد النطممق بممه صممورة فممي‬
‫الحروف و قوة في النطق‪.‬‬
‫و أممما طبائعهمما فهممي الطبيعيممات المنسمموبة للمتولممدات فممي‬
‫الحروف و هي الحرارة و اليبوسممة‪ ،‬و الحممرارة و الرطوبممة و‬
‫الممبرودة و اليبوسممة و الممبرودة و الرطوبممة‪ ،‬فهممذا سممر العممدد‬
‫اليماني‪ ،‬و الحرارة جامعة للهواء و النار و هما‪ :‬ا همم ط م ف‬
‫ش ذ ج ز ك س ق ث ظ‪ ،‬و الممبرودة جامعممة للهممواء و الممماء‬
‫ب و ى ن ص ت ض د ح ل ع ر خ غ‪ ،‬و اليبوسة جامعة للنار‬
‫و الرض ا هممممم ط م ف ش ذ ب و ى ن ص ت ض‪ ،‬فهممممذه‬
‫نسبة حمروف الطبممائع و تمداخل أجمزاء بعضمها فمي بعمض‪ .‬و‬
‫تداخل أجزاء العالم فيها علويات و سفليات بأسباب المهات‬
‫الول‪ ،‬أعني الطبائع الربع المنفردة‪ ،‬فمممتى أردت اسممتخراج‬
‫مجهول من مسئلة ما‪ ،‬فحقق طالع السائل أو طالع مسممئلته‬
‫واستنطق حروف أوتارها الربعة‪ :‬الول و الرابممع و السممابع و‬
‫العاشر مستوية مرتبة‪ ،‬و استخرج أعداد القوى و الوتار كممما‬
‫سممنبين‪ ،‬و احمممل و انسممب و اسممتنتج الجممواب يخممرج لممك‬
‫المطلوب‪ ،‬إما بصريح اللفممظ أو بممالمعنى‪ .‬و كممذلك فممي كممل‬
‫مسئلة تقممع لممك‪ .‬بيممانه‪ :‬إذا أردت أن تسممتخرج قمموى حممروف‬
‫الطالع‪ .‬مع اسم السممائل والحاجممة‪ .‬فمماجمع أعممدادها بالجمممل‬
‫الكبير‪ ،‬فكان الطالع الحمل رابعه السرطان سممابعه الميممزان‬
‫عاشره الجدي‪ .‬و هو أقوى هذه الوتاد‪ .‬فاسقط من كل بممرج‬
‫حرفممي التعريممف‪ .‬و انظممر ممما يخممص كممل بممرج مممن العممداد‬
‫المنطقة الموضوعة في دائرتها‪ ،‬و احذف أجزاء الكسممر فممي‬
‫النسب الستنطاقية كلها و أثبت تحت كممل حممرف ممما يخصممه‬
‫مممن ذلمك‪ ،‬ثمم أعمداد حمروف العناصممر الربعمة و مما يخصمها‬
‫كالول‪ .‬و ارسم ذلممك كلممه أحرفمما و رتممب الوتمماد و القمموى و‬
‫القممرائن سممطرا ممتزجمما‪ .‬و كسممر و اضممرب ممما يضممرب‬
‫لستخراج الممموازين‪ .‬و اجمممع و اسممتنتج الجممواب يخممرج لممك‬
‫الضمير و جوابه‪ .‬مثاله افرض أن الطالع الحمممل كممما تقممدم‪.‬‬
‫ترسم ح م ل‪ :‬فللحاء من العدد ثمانية لها النصممف و الربممع و‬
‫الثمن د ب ا الميم لها من العدد أربعون‪ .‬لها النصف و الربممع‬
‫و الثمن و العشر و نصف العشر إذا أردت التدقيق م ك ى ه‬
‫د ب‪ ،‬اللم لها من العدد ثلثون‪ ،‬لها النصف و الثلثان و الثلث‬
‫و الخمس و السدس و العشممر ك ى و هم م ج‪ .‬و هكممذا تفعممل‬
‫بسائر حروف المسئلة و السم من كل لفظ يقع لممك‪ .‬و أممما‬
‫استخراج الوتار فهو أن تقسم مربع كل حممرف علممى أعظممم‬
‫جزء يوجد له‪ .‬مثاله‪ :‬حرف د لممه مممن العممداد أربعممة مربعهمما‬
‫ستة عشر‪ .‬إقسمها على أعظم جممزء يوجممد لهمما و هممو اثنممان‬
‫يخرج وترا لدال ثمانية‪ .‬ثم تضع كممل وتممر مقممابل لحرفممه‪ .‬ثممم‬
‫تستخرج النسب العنصرية‪ ،‬كما تقدم في شممرح السممتنطاق‪.‬‬
‫و لها قاعدة تطرد في استخراجها من طبممع الحممروف و طبممع‬
‫البيت الذي يحل فيه من الجدول كما ذكر الشيخ لمن عممرف‬
‫الصطلح‪ .‬و الله أعلم‪.‬‬

‫فصل في الستدلل على ما فممي الضمممائر الخفيممة‬


‫بالقوانين الحرفية‬
‫و ذلك لو سأل سائل عن عليل لم يعرف مرضه ممما علتممه‪ .‬و‬
‫ما الموافق لبرئه منه‪ ،‬فمر السائل أن يسمممي ممما شمماء مممن‬
‫الشياء على اسم العلة المجهولة‪ ،‬لتجعل ذلك السم قاعممدة‬
‫لك‪ .‬ثم استنطق السم مع اسم الطالع و العناصر و السممائل‬
‫و اليمموم والسمماعة إن أردت التمممدقيق فممي المسممئلة‪ ،‬و إل‬
‫اقتصرت على السم الذي سمماه السممائل‪ .‬و فعلممت بممه كممما‬
‫نبين‪ .‬فأقول مثل‪ :‬سمى السائل فرسا فأثبت الحروف الثلثة‬
‫مع أعدادها المنطقة‪ .‬بيانه‪ :‬أن للفاء من العمدد ثممانين و لهما‬
‫م ك ي ح ب‪ ،‬ثم الراء لها مممن العممدد مائتممان ق ن ك ى ثممم‬
‫السين لها من العدد ستون و لها م ل ك فالواو عدد تام له د‬
‫جمم ب‪ ،‬و السممين مثلممه و لهمما م ل ك‪ .‬فممإذا بسممطت حممروف‬
‫السماء وجدت عنصرين متساويين‪ ،‬فاحكم لكثرهممما حروفمما‬
‫بالغلبممة علممى الخممر‪ ،‬ثممم احمممل عممدد حممروف عناصممر اسممم‬
‫المطلمموب و حروفممه دون بسممط‪ .‬و كممذلك اسممم الطممالب و‬
‫احكم للكثر و القوى بالغلبة‪.‬‬
‫و صفة قوى إستخراج العناصر‬
‫فتكون الغلبة هنا للممتراب و طبعممه الممبرودة‪ .‬و اليبوسممة طبممع‬
‫السوداء‪ ،‬فتحكم علممى المريممض بالسمموداء‪ .‬فممإذا ألفممت مممن‬
‫حروف السممتنطاق كلممما علممى نسممبة تقريبيممة خممرج موضممع‬
‫الوجع في الحلق‪ ،‬و يوافقه من الدوية حقنة و مممن الشممربة‬
‫شراب الليمون‪ .‬هذا ما خرج مممن قمموى أعممداد حممروف اسممم‬
‫فممرس و هممو مثممال تقريممبي مختصممر‪ .‬و أممما اسممتخراج قمموى‬
‫العناصر مممن السممماء العلميممة فهممو أن تسمممي مثل محمممدا‪،‬‬
‫فترسم أحرفه مقطعة‪ .‬ثم تضع أسماء العناصر الربعة علممى‬
‫ترتيب الفلك‪ ،‬يخرج لك ممما فممي كممل عنصممر مممن الحممروف و‬
‫العدد‪ .‬و مثاله‪:‬‬
‫فتجد أقمموى هممذه العناصممر مممن هممذا السممم المممذكور عنصممر‬
‫الماء‪ ،‬لن عدد حروفه عشرون حرفا‪ ،‬فجعلت له الغلبة على‬
‫بقية عناصر السم المذكور‪ .‬و هكممذا يفعممل بجميممع السممماء‪.‬‬
‫حينئذ تضمماف إلممى أوتارهمما‪ ،‬أو للمموتر المنسمموب للطممالع فممي‬
‫الزايرجة‪ ،‬أو لوتر البيت المنسمموب لمالممك بممن وهيممب‪ .‬الممذي‬
‫جعله قاعدة لمزج السئلة و هو هذا‪:‬‬
‫غرائب شك ضبطه‬ ‫سؤال عظيم الخلق حزت فصن إذن‬
‫الجد مثل‬
‫و هو وتر مشهور لستخراج المجهولت‪ ،‬و عليممه كممان يعتمممد‬
‫ابممن الرقممام و أصممحابه‪ .‬و هممو عمممل تممام قممائم بنفسممه فممي‬
‫المثممالت الوضممعية‪ .‬وصممفة العمممل بهممذا المموتر المممذكور أن‬
‫ترسمه مقطعا ممتزجا بألفمماظ السممؤال علممى قممانون صممنعة‬
‫التكسير‪ .‬و عدة حروف هذا الوتر أعني البيت ثلثة و أربعون‬
‫حرفا‪ ،‬لن كل حرف مشدد من حرفين‪.‬‬
‫ثم تحذف ما تكرر عنممد المممزج مممن الحممروف و مممن الصممل‪.‬‬
‫لكل حرف فضل من المسئلة حرف يماثله‪ ،‬و تثبت الفضلين‬
‫سممطرا ممتزجمما بعضممه ببعممض الحممروف‪ .‬الول مممن فضمملة‬
‫القطممب و الثمماني مممن فضمملة السممؤال‪ ،‬حممتى يتممم الفضمملتان‬
‫جميعا فتكممون ثلثممة و أربعيممن‪ ،‬فتضمميف إليهمما خمممس نونممات‬
‫ليكون ثمانية و أربعين‪ ،‬لتعدل بهما المموازين الموسمميقية‪ .‬ثمم‬
‫تضع الفضلة على ترتيبها فإن كان عدد الحروف الخارجة بعد‬
‫المزج يوافق العدد الصلي قبل الحذف فالعمممل صممحيح‪ ،‬ثممم‬
‫عمر بما مزجت جدول مربعا يكون آخر ما في السممطر الول‬
‫أول ما في السطر الثاني‪.‬‬
‫و على هذا النسق حتى يعود السممطر الول بعينممه‪ ،‬و تتمموالى‬
‫الحروف في القطر على نسبة الحركممة‪ .‬ثممم تخممرج وتممر كممل‬
‫حرف كما تقدم تضممعه مقممابل لحرفممه‪ ،‬ثممم تسممتخرج النسممب‬
‫العنصممرية للحممروف الجدوليممة‪ ،‬لتعممرف قوتهمما الطبيعيممة و‬
‫موازينها الروحانية و غرائزهمما النفسممانية و أسوسممها الصمملية‬
‫مممن الجممدول الموضمموع لممذلك‪ .‬و صممفة اسممتخراج النسممب‬
‫العنصرية هو أن تنفر الحرف الول من الجدول ما طممبيعته و‬
‫طبيعممة الممبيت الممذي حممل فيممه‪ ،‬فممإن اتفقممت فحسممن‪ ،‬و إل‬
‫فاستخرج بين الحرفين نسبة‪ .‬و يتسع هذا القانون في جميممع‬
‫الحممروف الجدوليممة‪ .‬و تحقيممق ذلممك سممهل علممى مممن عممرف‬
‫قوانينة كما هو مقرر في دوائرها الموسمميقية‪ .‬ثممم تأخممذ وتممر‬
‫كل حرف بعد ضممربه فمي أسمموس أوتماد الفلمك الربعمة كمما‬
‫تقدم‪ .‬و احذر ما يلي الوتاد‪ .‬و كممذلك السممواقط لن نسممبتها‬
‫مضطربة‪ .‬و هذا الذي يخرج لك هو أول مراتب السريان‪ .‬ثم‬
‫تأخذ مجموع العناصر و تحط منهمما أسمموس المولممدات يبقممى‬
‫أس عالم الخلق بعد عروضممه للمممدد الكونيممة‪ .‬فتحمممل عليممه‬
‫بعض المجردات عن المواد و هي عناصر المداد‪ ،‬يخرج أفممق‬
‫النفس الوسممط‪ .‬و تطممرح أول رتممب السممريان مممن مجممموع‬
‫العناصر يبقى عالم التوسط‪ .‬و هذا مخصوص بعوالم الكوان‬
‫البسمميطة ل المركبممة‪ .‬ثممم تضممرب عممالم التوسممط فممي أفممق‬
‫النفس الوسط يخرج الفق العلى‪ .‬فتحمل عليممه أول رتممب‬
‫السريان‪ .‬ثم تطرح مممن الرابممع أول عناصممر المممداد الصمملي‬
‫يبقى ثالث رتبة السريان‪ .‬ثم تضرب مجموع أجممزاء العناصممر‬
‫الربعة أبدا في رابع رتب السريان يخرج أول عالم التفصيل‪،‬‬
‫و الثاني في الثاني يخرج ثاني عالم التفصيل‪ ،‬و كذلك الثالث‬
‫و الرابع‪ ،‬فتجمع عوالم التفصيل و تحط من عالم الكل‪ ،‬تبقى‬
‫العوالم المجردة‪ ،‬فتقسم علممى الفممق العلممى يخممرج الجممزء‬
‫الول‪ .‬و من هنا يطرد العمل في التامة‪ .‬و لممه مقامممات فممي‬
‫كتب ابن وحشممية و البمموني و غيرهممما‪ .‬و هممذا التممدبير يجممري‬
‫على القانون الطبيعي الحكمممي فممي هممذا الفممن و غيممره مممن‬
‫فنون الحكمة اللهية‪ ،‬و عليه مدار وضممع الزيممارج الحرفيممة و‬
‫الصممنعة اللهيممة و النيرجممات الفلسممفية‪ .‬و اللممه الملهممم و بممه‬
‫المستعان و عليه التكلن‪ ،‬و حسبنا الله و نعم الوكيل‪.‬‬
‫الفصل الثلثون‪ :‬في علم الكيمياء‬
‫و هو علم ينظر في المادة التي يتم بها كون الذهب و الفضة‬
‫بالصناعة و يشرح العمل الذي يوصل إلممى ذلممك فيتصممفحون‬
‫المكونات كلها بعد معرفممة أمزجتهمما و قواهمما لعلهممم يعممثرون‬
‫على المادة المسممتعدة لممذلك حممتى مممن العضمملت الحيوانيممة‬
‫كالعظام والريش و البيض و العذرات فضل عن المعادن‪ .‬ثممم‬
‫يشرح العمال التي تخممرج بهمما تلممك المممادة مممن القمموة إلممى‬
‫الفعممل مثممل حممل الجسممام إلممى أجزائهمما الطبيعيممة يالتصممعيد‬
‫والتقطيممر و جمممد الممذائب منهمما بممالتكليس و إمهمماء الصمملب‬
‫بالقهر و الصلبة و أمثال ذلك‪ .‬و في زعمهم أنه يخممرج بهممذه‬
‫الصناعات كلها جسم طبيعي يسممونه الكسمير‪ .‬و أنممه يلقممى‬
‫منه على الجسم المعدني المستعد لقبول صممورة الممذهب أو‬
‫الفضممة بالسممتعداد القريممب مممن الفعممل مثممل الرصمماص و‬
‫القصدير و النحاس بعد أن يحمى بالنار فيعود ذهبمما إبريممزا‪ .‬و‬
‫يكنون عن ذلك الكسير إذا ألغزوا في اصطلحاتهم بالروح و‬
‫عممن الجسممم الممذي يلقممى عليممه بالجسممد‪ .‬فشممرح هممذه‬
‫الصطلحات و صورة هذا العمل الصناعي الممذي يقلممب هممذه‬
‫الجسمماد المسممتعدة إلممى صممورة الممذهب و الفضممة هممو علممم‬
‫الكيمياء‪ .‬و ما زال الناس يؤلفون فيها قديما و حديثا‪ .‬و ربممما‬
‫يعزى الكلم فيها إلى من ليس من أهلهمما‪ .‬و إمممام المممدونين‬
‫فيها جابر بن حيان حممتى إنهممم يخصممونها بممه فيسمممونها علممم‬
‫جابر و له فيها سبعون رسالة كلها شممبيهة باللغمماز‪ .‬و زعممموا‬
‫أنممه ل يفتممح مقفلهمما إل مممن أحمماط علممما بجميممع ممما فيهمما‪ .‬و‬
‫الطغرائي من حكماء المشرق المتأخرين لممه فيهمما دواويممن و‬
‫منمماظرات مممع أهلهمما و غيرهممم مممن الحكممماء‪ .‬و كتممب فيهمما‬
‫مسلمة المجريطي من حكممماء النممدلس كتممابه الممذي سممماه‬
‫رتبممة الحكيممم و جعلممه قرينمما لكتممابه الخممر فممي السممحر و‬
‫الطلسمممات الممذي سممماه غايممة الحكيممم‪ .‬و زعممم أن همماتين‬
‫الصناعتين هما نتيجتان للحكمة و ثمرتممان للعلمموم و مممن لممم‬
‫يقف عليهما فهو فاقد ثمرة العلم و الحكمممة أجمممع‪ .‬و كلمممه‬
‫في ذلك الكتاب وكلمهم أجمع في تآليفهم هممي ألغمماز يتعممذر‬
‫فهمها على من لم يعان اصطلحاتهم في ذلك‪ .‬و نحممن نممذكر‬
‫سبب عدولهم إلى همذه الرممموز و اللغماز‪ .‬و لبمن المغيربممي‬
‫من أئمة هذا الشأن كلمات شعرية على حروف المعجم مممن‬
‫أبممدع ممما يجيممء فممي الشممعر ملغمموزة كلهمما لغممز الحمماجي و‬
‫المعاياة فل تكاد تفهممم‪ .‬و قممد ينسممبون للغزالممي رحمممه اللممه‬
‫بعض التآليف فيها و ليس بصحيح لن الرجل لم تكن مداركه‬
‫العالية لتقف عن خطأ ما يذهبون إليممه حممتى ينتحلممه‪ .‬و ربممما‬
‫نسممبوا بعممض المممذاهب و القمموال فيهمما لخالممد بممن يزيممد بممن‬
‫معاوية ربيب مروان بن الحكم و من المعلوم البين أن خالممدا‬
‫من الجيل العربي و البداوة إليه أقرب فهو بعيد عن العلوم و‬
‫المهناج بالجملة فكيف له بصناعة غريبة المنحى مبنيممة علممى‬
‫معرفة طبائع المركبات و أمزجتها و كتب الناظرين في ذلممك‬
‫من الطبيعيات و الطب لم تظهر بعممد و لممم تممترجم أللهممم إل‬
‫أن يكون خالد بن يزيد آخر من أهل المدارك الصناعية تشممبه‬
‫باسمه فممكن‪ .‬و أنا أنقل لك هنا رسالة أبي بكر بن بشرون‬
‫لبي السمح في هذه الصناعة و كلهممما مممن تلميممذ مسمملمة‬
‫فيستدل من كلمه فيهمما علممى ممما ذهممب إليممه فممي شممأنها إذا‬
‫أعطيته حقممه مممن التأمممل قممال ابممن بشممرون بعممد صممدر مممن‬
‫الرسالة خارج عن الغرض‪ :‬و المقدمات التي لهممذه الصممناعة‬
‫الكريمة قد ذكرها الولون و اقتص جميعها أهل الفلسفة من‬
‫معرفة تكوين المعممادن و تخلممق الحجممار و الجممواهر و طبمماع‬
‫البقاع و الماكن فمنعنا اشتهارها من ذكرها و لكن أبيممن لممك‬
‫من هذه الصنعة ممما يحتمماج إليممه فتبممدأ بمعرفتممه فقممد قممالوا‪:‬‬
‫ينبغي لطلب هذا العلم أن يعلموا أول ثلث خصال‪ :‬أولها هل‬
‫تكممون ؟ و الثانيممة مممن أي تكممون ؟ و الثالثممة مممن أي كيممف‬
‫تكون ؟ فإذا عرف هذه الثلثة و أحكمها فقد ظفممر بمطلمموبه‬
‫و بلممغ نهممايته مممن هممذا العلممم و أممما البحممث عممن وجوبهمما و‬
‫الستدلل عن تكونهمما فقممد كفينمماكه بممما بعثنمما بممه إليممك مممن‬
‫الكسير‪ .‬و أما من أي شيء تكون فإنما يريدون بذلك البحث‬
‫عن الحجر الذي يمكنه العمل و إن كان العمممل موجممودا مممن‬
‫كل شيء بالقوة لنها من الطبائع الربع منها تركبت ابتممداء و‬
‫إليها ترجع انتهاء و لكن من الشياء ما يكون فيممه بممالقوة و ل‬
‫يكون بالفعل و ذلك أن منها ما يمكن تفصيلها تعالج و تدبر و‬
‫هي التي تخرج من القوة إلى الفعل و التي ل يمكن تفصيلها‬
‫ل تعالج و ل تممدبر لنهمما فيهمما بممالقوة فقممط و إنممما لممم يمكممن‬
‫تفصمميلها لسمتغراق بعمض طبائعهمما فمي بعممض و فضمل قمموة‬
‫الكبير منها على الصغير‪ .‬فينبغممي لممك وفقمك اللممه أن تعممرف‬
‫أوفق الحجار المنفصلة التي يمكممن فيهمما العمممل و جنسممه و‬
‫قمموته و عملممه و ممما تممدبر مممن الحممل و العقممد و التنقيممة و‬
‫التكليممس و التنشمميف و التقليممب فممإن مممن لممم يعممرف هممذه‬
‫الصول التي هي عماد هذه الصنعة لم ينجح و لم يظفر بخير‬
‫أبدا‪ .‬و ينبغي لك أن تعلم هل يمكن أن يسممتعان عليممه بغيممره‬
‫أو يكتفى به وحده و هل هو واحد في البتداء أو شاركه غيره‬
‫فصار في التدبير واحدا فسمي حجرا‪ .‬و ينبغممي لممك أن تعلممم‬
‫كيفية عمله و كمية أوزانه و أزمانه و كيف تركيب الروح فيممه‬
‫و إدخال النفس عليه ؟ و هل تقدر النممار علممى تفصمميلها منممه‬
‫بعد تركيبها ؟ فإن لم تقدر فلي علة و ممما السممبب الممموجب‬
‫لذلك ؟ فان هذا هو المطلوب فممافهم‪ .‬و اعلممم أن الفلسممفة‬
‫كلها مدحت النفس و زعمت أنها المدبرة للجسممد و الحاملممة‬
‫له و الدافعة عنه و الفاعلة فيه‪ .‬و ذلك أن الجسد إذا خرجت‬
‫النفس منه مات و برد فلم يقدر على الحركة و المتناع مممن‬
‫غيره لنه ل حياة فيه و ل نور‪ .‬و إنما ذكرت الجسد و النفس‬
‫لن هذه الصفات شبيهة بجسممد النسممان الممذي تركيبممه علممى‬
‫الغذاء و العشمماء و قمموامه و تمممامه بممالنفس الحيممة النورانيممة‬
‫التي بها يفعل العظائم و الشياء المقابلة التي ل يقدر عليهمما‬
‫غيرها بالقوة الحية التي فيها‪ .‬و إنما انفعل النسممان لختلف‬
‫تركيب طبائعه و لو اتفقت طبائعه لسمملمت مممن العممراض و‬
‫التضاد و لم تقدر النفس على الخروج من بدنه و لكان خالدا‬
‫باقيا‪ .‬فسبحان مدبر الشياء تعالى‪ .‬و اعلم أن الطبممائع الممتي‬
‫يحممدث عنهمما هممذا العمممل كيفيممة دافعممة فممي البتممداء فيضممية‬
‫محتاجة إلى النتهاء و ليس لها إذا صارت فممي هممذا الحممد أن‬
‫تستحيل إلى ما منه تركبت كما قلنماه آنفما فمي النسمان لن‬
‫طبائع هذا الجوهر قد لزم بعضها بعضا و صارت شمميئا واحممدا‬
‫شبيها بممالنفس فممي قوتهمما و فعلهمما و بالجسممد فممي تركيبممه و‬
‫مجسته بعد أن كانت طبممائع مفممردة بأعيانهمما‪ .‬فيمما عجبمما مممن‬
‫أفاعيل الطبائع إن القوة للضعيف الذي يقمموى علممى تفصمميل‬
‫الشياء و تركيبها و تمامها فلذلك قلت قوي و ضعيف‪ .‬و إنما‬
‫وقع التعبير و الفناء في التركيب الول للختلف و عدم ذلممك‬
‫فممي الثمماني للتفمماق‪ .‬و قممد قممال بعممض الوليممن التفصمميل و‬
‫التقطيع في هذا العمل حياة و بقاء و التركيب ممموت و فنمماء‪.‬‬
‫و هذا الكلم دقيق المعنى لن الحكيم أراد بقوله حياة و بقاء‬
‫خروجه من العدم إلى الوجود لنه ما دام علممى تركيبممه الول‬
‫فهو فان ل محالة‪ ،‬فإذا ركب التركيب الثمماني عممدم الفنمماء‪ .‬و‬
‫الممتركيب الثمماني ل يكممون إل بعممد التفصمميل و التقطيممع فممإذا‬
‫التفصيل و التقطيع في هذا العمل خاصة‪ .‬فممإذا بقممي الجسممد‬
‫المحلول انبسط فيه لعدم الصورة لنه قد صممار فممي الجسممد‬
‫بمنزلة النفس التي ل صورة لها و ذلك أنممه ل وزن لممه فيممه و‬
‫سترى ذلك إن شاء الله تعالى و قممد ينبغممي لممك أن تعلممم أن‬
‫اختلط اللطيف بمماللطيف أهممون مممن اختلط الغليممظ و إنممما‬
‫أريد بذلك التشاكل في الرواح و الجساد لن الشياء تتصممل‬
‫بأشكالها‪ .‬و ذكرت لك ذلممك لتعلممم أن العمممل أوفممق و أيسممر‬
‫من الطبائع اللطائف الروحانية منها من الغليظة الجسمممانية‪.‬‬
‫و قد يتصور في العقل أن الحجار أقوى و أصممبر علممى النممار‬
‫من الرواح كما تممرى أن الممذهب و الحديممد و النحمماس أصممبر‬
‫على النار من الكبريت و الزئبق و غيرهما من الرواح فأقول‬
‫إن الجساد قد كانت أرواحا في بدنها فلما أصابها حر الكيممان‬
‫قلبها أجسادا لزجة غليظة فلم تقدر النار على أكلهمما لفممراط‬
‫غلظها و تلزجها‪ .‬فإذا أفرطت النار عليها صيرتها أرواحمما كممما‬
‫كانت أول خلقها‪ .‬و إن تلك الرواح اللطيفة إذا أصممابتها النممار‬
‫أبقت و لم تقدر على البقمماء عليهمما فينبغممي لممك أن تعلممم ممما‬
‫صير الجساد في هذه الحالة و صير الرواح فممي هممذا الحممال‬
‫فهو أجل ما تعرفه‪ .‬أقول إنما أبقت تلمك الرواح لشممتعالها و‬
‫لطافتهمما‪ .‬و إنممما اشممتعلت لكممثرة رطوبتهمما و لن النممار إذا‬
‫أحست بالرطوبة تعلقمت بهما لنهمما هوائيمة تشمماكل النمار و ل‬
‫تزال تغتذي بها إلمى أن تفنمى‪ .‬و كمذلك الجسماد إذا أحسمت‬
‫بوصول النار إليها لقلة تلزجهمما و غلظهمما و إنممما صممارت تلممك‬
‫الجساد ل تشتعل لنها مركبممة مممن أرض و ممماء صممابر علممى‬
‫النممار فلطيفممه متحممد بكممثيفه لطممول الطبممخ الليممن المممازج‬
‫للشياء‪ .‬و ذلك أن كممل متلش إنممما يتلشممى بالنممار لمفارقممة‬
‫لطيفه من كثيفه و دخول بعضه في بعض على غيممر التحليممل‬
‫و الموافقممة فصممار ذلممك النضمممام و التممداخل مجمماورة ل‬
‫ممازجممة فسممهل بممذلك افتراقهممما كالممماء و الممدهن و ممما‬
‫أشبههما‪ .‬و إنما وصفت ذلك لتستدل به على تركيب الطبممائع‬
‫و تقابلها فإذا علمت ذلك علما شافيا فقد أخذت حظك منها‪.‬‬
‫و ينبغممي لممك أن تعلممم أن الخلط الممتي هممي طبممائع هممذه‬
‫الصممناعة موافقممة بعضممها لبعممض مفصمملة مممن جمموهر واحممد‬
‫يجمعها نظام واحممد بتممدبير واحممد ل يممدخل عليممه غريممب فممي‬
‫الجممزء منممه و ل فممي الكممل كممما قممال الفيلسمموف‪ :‬إنممك إذا‬
‫أحكمت تدبير الطبائع و تآليفها و لم تدخل عليهمما غريبمما فقممد‬
‫أحكمت ما أردت إحكامه و قوامه إذ الطبيعة واحدة ل غريب‬
‫فيها فمن أدخل عليها غريبا فقد زاغ عنها و وقع فممي الخطممأ‪.‬‬
‫و اعلم أن هذه الطبيعة إذا حل لها جسد من قرائنها على ما‬
‫ينبغي في الحل حتى يشاكلها في الرقة و اللطافة انبسممطت‬
‫فيه و جرت معه حيثما جرى لن الجسمماد ممما دامممت غليظممة‬
‫جافيممة ل تنبسممط و ل تممتزاوج و حممل الجسمماد ل يكممون بغيممر‬
‫الرواح فافهم هداك الله هذا القممول‪ .‬و اعلممم هممداك اللممه أن‬
‫هذا الحل في جسد الحيوان هو الحممق الممذي ل يضمممحل و ل‬
‫ينقص و هو الذي يقلب الطبائع و يمسكها و يظهر لهمما ألوانمما‬
‫و أزهارا عجيبة‪ .‬و ليس كل جسد يحل خلف هممذا هممو الحممل‬
‫التام لنة مخالف للحياة‪ ،‬فإنما حله بممما يمموافقه و يممدفع عنممه‬
‫حممرق النممار‪ ،‬حممتى يممزول عممن الغلممظ و تنقلممب الطبممائع عممن‬
‫حالتها إلى ما لها أن تنقلب من اللطافة و الغلظ‪ .‬فإذا بلغت‬
‫الجساد نهايتها من التحليل و التلطيف ظهرت لها هنالك قوة‬
‫تمسك و تغوص و تقلب و تنفذ و كل عمل ل يرى له مصداق‬
‫في أوله فل خير فيه‪ .‬و اعلم أن البارد من الطبائع هو ييبممس‬
‫الشياء و يعقد رطوبتها و الحار منها يظهممر رطوبتهمما و يعقممد‬
‫يبسها و إنما أفردت الحر و البرد لنهما فاعلن و الرطوبممة و‬
‫اليبس منفعلن و على انفعال كل واحد منهما لصاحبه تحدث‬
‫الجسام و تتكون و إن كان الحر أكثر فعل في ذلك من البرد‬
‫لن البرد ليس له نقل الشممياء و ل تحركهمما و الحممر هممو علممة‬
‫الحركة‪ .‬و متى ضعفت علة الكون و هو الحرارة لم يتم منها‬
‫شيء أبدا كما إنه إذا أفرطت الحرارة على شيء و لم يكممن‬
‫ثم برد أحرقته و أهلكتمه‪ .‬فممن أجمل همذه العلمة احتيمج إلمى‬
‫البارد في هذه العمال ليقوى به كل ضد على ضممده و يممدفع‬
‫عنه حر النار‪ .‬و لم يحذر الفلسفة أكبر شيء إل من النيممران‬
‫المحرقة‪ .‬و أمرت بتطهير الطبائع و النفاس و إخراج دنسممها‬
‫و رطوبتها و نفور آفاتها و أوساخها عنهمما علممى ذلممك اسممتقام‬
‫رأيهم و تدبيرهم فإنما عملهم إنممما هممو مممع النممار أول و إليهمما‬
‫يصير أخيرا فلذلك قالوا‪ :‬إياكم و النيممران المحرقممات‪ .‬و إنممما‬
‫أرادوا بذلك نفي الفات التي معها فتجمع على الجسد آفتين‬
‫فتكون أسرع لهلكه‪ .‬و كذلك كل شيء إنما يتلشى و يفسممد‬
‫من ذاته لتضاد طبائعه و اختلفمه فيتوسمط بيمن شميئين فلمم‬
‫يجد ما يقمويه و يعينمه إل قهرتمه الفمة و أهلكتمه‪ .‬و اعلمم أن‬
‫الحكماء كلها ذكرت ترداد الرواح على الجساد مرارا ليكون‬
‫ألزم إليها و أقوى على قتال النار إذا هي باشرتها عند اللفممة‬
‫أعني بذلك النار العنصرية فاعلمه‪ .‬و لنقل الن علممى الحجممر‬
‫الذي يمكن منه العمل على ما ذكرته الفلسفة فقممد اختلفمموا‬
‫فيه فمنهم من زعم أنه في الحيوان و منهم من زعم أنه في‬
‫النبات و منهم من زعم أنه في المعادن و منهم من زعم أنه‬
‫في الجميع‪ .‬و هذه الدعاوى ليست بنا حاجة إلممى استقصممائها‬
‫و مناظرة أهلها عليها لن الكلم يطول جدا و قد قلممت فيممما‬
‫تقممدم إن العمممل يكممون فممي كممل شمميء بممالقوة لن الطبممائع‬
‫موجودة في كممل شمميء فهممو كممذلك فنريممد أن تعلممم مممن أي‬
‫شمميء يكممون العمممل بممالقوة و الفعممل فنقصممد إلممى ممما قمماله‬
‫الحرانممي إن الصممبغ كلممه أحممد صممبغين‪ :‬إممما صممبغ جسممد‬
‫كالزعفران في الثوب البيض حتى يحول فيه و هو مضمممحل‬
‫منتقض التركيب‪ ،‬و الصبغ الثاني تقليممب الجمموهر مممن جمموهر‬
‫نفسه إلى جوهر غيره و لونه كتقليب الشجر بل التراب إلممى‬
‫نفسه و قلب الحيوان و النبات الى نفسه حتى يصير الممتراب‬
‫نباتمما و النبممات حيوانمما و ل يكممون إل بممالروح الحممي و الكيممان‬
‫الفاعل الذي له توليد الجرام و قلب العيان‪ .‬فإذا كممان هممذا‬
‫هكذا فنقول إن العمل لبد أن يكون إممما فممي الحيمموان و إممما‬
‫في النبات و برهان ذلك أنهممما مطبوعممان علممى الغممذاء و بممه‬
‫قوامهما و تمامهما‪ .‬فأما النبات فليس فيممه ممما فممي الحيمموان‬
‫من اللطافة و القوة و لذلك قل خمموض الحكممماء فيممه‪ .‬و أممما‬
‫الحيمموان فهممو آخممر السممتحالت الثلث و نهايتهمما و ذلممك أن‬
‫المعدن يستحيل نباتا و النبمات يسمتحيل حيوانما و الحيموان ل‬
‫يستحيل إلى شيء هو الطف منه إل أن ينعكممس راجعمما إلممى‬
‫الغلظ و أنه أيضا ل يوجد في العالم شيء تتعلق فيممه الممروح‬
‫الحية غيره و الروح ألطف ما في العالم و لممم تتعلممق الممروح‬
‫بالحيوان إل بمشاكلته إياها‪ .‬فأما الروح التي في النبات فإنها‬
‫يسيرة فيها غلظ و كثافة و هي مع ذلك مستغرقة كامنة فيممه‬
‫لغلظها و غلظ جسد النبات فلم يقدر على الحركممة لغلظممه و‬
‫غلظ روحمه‪ .‬و المروح المتحركممة ألطممف مممن الممروح الكامنمة‬
‫كثيرا و ذلك أن المتحركة لها قبول الغذاء و التنقل و التنفس‬
‫و ليس للكامنة غير قبول الغذاء وحده‪ .‬و ل تجري إذا قيست‬
‫بممالروح الحيممة إل كممالرض عنممد الممماء‪ .‬كممذلك النبممات عنممد‬
‫الحيوان فالعمل في الحيوان أعلى و أرفممع و أهممون و أيسممر‪.‬‬
‫فينبغي للعاقل إذا عرف ذلك أن يجرب ما كان سهل و يممترك‬
‫ممما يخشممى فيممه عسممرا‪ .‬و اعلممم أن الحيمموان عنممد الحكممماء‬
‫ينقسم أقساما من المهات التي هي الطبائع و الحديثة الممتي‬
‫هي المواليد و هممذا معممروف متيسممر الفهممم فلممذلك قسمممت‬
‫الحكممماء العناصممر و المواليممد أقسمماما حيممة و أقسمماما ميتممة‬
‫فجعلوا كل متحرك فمماعل حيمما و كممل سمماكن مفعممول ميتمما‪ .‬و‬
‫قسموا ذلك في جميع الشياء و فممي الجسمماد الذائبممة و فممي‬
‫العقاقير المعدنية فسموا كل شيء يذوب في النار و يطير و‬
‫يشممتعل حيمما و ممما كممان علممى خلف ذلممك سممموه ميتمما فأممما‬
‫الحيوان و النبات فسموا كل ما انفصل منها طبائع أربعا حيمما‬
‫و ما لم ينفصل سموه ميتمما ثممم إنهممم طلبمموا جميممع القسممام‬
‫الحية‪ .‬فلم يجدوا لوفممق هممذه الصممناعة مممما ينفصممل فصممول‬
‫أربعممة ظمماهرة للعيممان و لممم يجممدوا غيممر الحجممر الممذي فممي‬
‫الحيوان فبحثوا عممن جنسممه حممتى عرفمموه و أخممذوه و دبممروه‬
‫فتكيممف لهممم منممه الممذي أرادوا‪ .‬و قممد يتكيممف مثممل هممذا فممي‬
‫المعادن و النبات‪ .‬بعد جمع العقاقير و خلطها ثم تفصممل بعممد‬
‫ذلك‪ .‬فأما النبات فمنه ما ينفصل ببعض هممذه الفصممول مقممل‬
‫الشممنان و أممما المعممادن ففيهمما أجسمماد و أرواح و أنفمماس إذا‬
‫مزجت و دبرت كان منها ما لممه تممأثير‪ .‬و قممد دبرنمما كممل ذلممك‬
‫فكان الحيوان منهمما أعلممى و أرفممع و تممدبيره أسممهل و أيسممر‪.‬‬
‫فينبغي لك أن تعلم ممما هممو الحجممر الموجممود فممي الحيمموان و‬
‫طريق وجوده‪ .‬إنا بينمما أن الحيمموان أرفممع المواليممد و كممذا ممما‬
‫تركب منه فهو ألطف منه كالنبممات مممن الرض‪ .‬و إنممما كممان‬
‫النبات ألطف من الرض لنه إنما يكون من جوهره الصممافي‬
‫و جسده اللطيف فوجب له بذلك اللطافة و الرقة‪ .‬و كذا هذا‬
‫الحجر الحيواني بمنزلة النبات فممي الممتراب‪ .‬و بالجملممة فممإنه‬
‫ليس في الحيوان شيء ينفصل طبائع أربعا غيره فافهم هممذا‬
‫القول فإنة ل يكاد يخفى إل على جاهل بين الجهالممة و ممن ل‬
‫عقل له‪ .‬فقد أخبرتك ماهية هذا الحجر و أعلمتك جنسه و أنا‬
‫أبين لك وجوه تدابيره حتى يكمل الذي شرطناه على أنفسنا‬
‫من النصاف إن شاء الله سبحانه‪.‬‬
‫التدبير على بركة الله خذ الحجممر الكريممم فممأودعه القرعممة و‬
‫النبيق و فصل طبائعه الربع التي هي النار و الهواء و الرض‬
‫و الماء و هي الجسد و الصبغ فإذا عزلت الماء عن التراب و‬
‫الهواء عن النار فارفع كل واحمد فممي إنممائه علممى حممدة و خمذ‬
‫الهابط أسفل الناء و هو الثفل فاغسممله بالنممار الحممارة حممتى‬
‫تذهب النار عنه سواده و يزول غلظه و جفاؤه و بيضه تبييضا‬
‫محكما و طير عنممه فضممول الرطوبممات المسممتجنة فيممه فممإنه‬
‫يصير عند ذلك ماء أبيض ل ظلمة فيممه و ل وسممخ و ل تضمماد‪.‬‬
‫ثم اعمد إلى تلك الطبائع الول الصاعدة منممه فطهرهمما أيضمما‬
‫من السواد و التضمماد و كممرر عليهمما الغسممل و التصممعيد حممتى‬
‫تلطف و ترق و تصفو‪ .‬فإذا فعلت ذلك فقممد فتممح اللممه عليممك‬
‫فابدأ بالتركيب الذي عليه مدار العمل‪ .‬و ذلك أن الممتركيب ل‬
‫يكون إل بالتزويج و التعفين فأما التزويج فهو اختلط اللطيف‬
‫بالغليظ و أما التعفين فهو التمشممية و السممحق حممتى يختلممط‬
‫بعضه ببعض و يصير شمميئا واحممدا ل اختلف فيممه و ل نقصممان‬
‫بمنزلة المتزاج بالماء‪ .‬فعند ذلك يقوى الغليظ على إمسمماك‬
‫اللطيف و تقمموى الممروح علممى مقابلممة النممار و تصممبر عليهمما و‬
‫تقوى النفس على الغوص في الجساد والدبيب فيها‪ .‬و إنممما‬
‫وجد ذلك بعد التركيب لن الجسد المحلول لما ازدوج بالروح‬
‫مازجه بجميع أجزائه و دخل بعضها في بعض لتشاكلها فصممار‬
‫شيئا واحدا و وجب من ذلك أن يعرض للمروح ممن الصملح و‬
‫الفسمماد و البقمماء و الثبمموت و ممما يعممرض للجسممد لموضممع‬
‫المتزاج‪ .‬و كذلك النفممس إذا امممتزجت بهممما و دخلممت فيهممما‬
‫بخدمة التدبير اختلطت أجزاؤها بجميع أجزاء الخريممن أعنممي‬
‫الروح و الجسد و صممارت هممي و هممما شمميئا واحممدا ل اختلف‬
‫فيممه بمنزلممة الجممزء الكلممي الممذي سمملمت طبممائعه و اتفقممت‬
‫أجزاؤه فإذا ألقى هذا المركب الجسد المحلممول و ألممح عليممه‬
‫النار و أظهر ما فيه من الرطوبة على وجهه ذاب في الجسد‬
‫المحلول‪ .‬و من شأن الرطوبة الشتمال و تعلق النار بها فإذا‬
‫أرادت النار التعلق بهمما منعهمما مممن التحمماد بممالنفس ممازجممة‬
‫الماء لها‪ .‬فممإن النممار ل تتحممد بالممدهن حممتى يكممون خالصمما‪ .‬و‬
‫كذلك الماء من شأنه النفور من النار‪ .‬فإذا ألحت عليممه النممار‬
‫و أرادت تطييره حبسه الجسد اليابس الممازج له في جمموفه‬
‫فمنعه من الطيران فكان الجسد علة لمساك الممماء و الممماء‬
‫علة لبقاه الممدهن و الممدهن علممة لثبممات الصممبغ و الصممبغ علممة‬
‫لظهور الدهن و اظهار الدهنية في الشياء المظلمممة الممتي ل‬
‫نور لها و ل حياة فيهمما‪ .‬فهممذا هممو الجسممد المسممتقيم و هكممذا‬
‫يكون العمل‪ .‬و هذه التصفية الممتي سممألت عنهمما و هممي الممتي‬
‫سمتها الحكماء بيضة و إياها يعنممون ل بيضممة الممدجاج و اعلممم‬
‫أن الحكماء لم تسميها بهذا السم لغير معنى بل أشممبهتها‪ .‬و‬
‫لقد سألت مسلمة عن ذلك يوما و ليس عنممده غيممري فقلممت‬
‫له‪ :‬أيها الحكيم الفاضل أخممبرني لي شمميء سمممت الحكممماء‬
‫مركب الحيوان بيضة ؟ اختيارا منهم لذلك أم لمعنممى دعمماهم‬
‫إليه ؟ فقال‪ :‬بل لمعنى غامض فقلت أيها الحكيم و ممما ظهممر‬
‫لهم من ذلك من المنفعممة و السممتدلل علممى الصممناعة حممتى‬
‫شممبهوها و سممموها بيضممة ؟ فقممال‪ :‬لشممبهها و قرابتهمما مممن‬
‫المركب ففكر فيه فإنه سيظهر لك معناه‪ .‬فبقيممت بيممن يممديه‬
‫مفكرا ل أقدر على الوصول إلى معناه‪ .‬فلما رأى ما بي مممن‬
‫الفكر و أن نفسي قد مضت فيها أخذ بعضدي و هزنممي هممزة‬
‫خفيفة و قال لي‪ :‬يا أبا بكر ذلك للنسبة التي بينهما في كمية‬
‫اللوان عند امتزاج الطبائع و تأليفها‪ .‬فلما قممال ذلممك انجلممت‬
‫عني الظلمة و أضاء لى نور قلبي و قوي عقلممي علممى فهمممه‬
‫فنهضت شاكرا الله عليه إلى منزلي و أقمت على ذلك شكل‬
‫هندسيا يبرهن به على صحة ما قمماله مسمملمة‪ .‬و أنمما واضممعه‬
‫لك في هذا الكتاب‪ .‬مثال ذلك أن المركب إذا تم و كمل كان‬
‫نسبة ما فيه من طبيعة الهواء إلى ما في البيضة من طبيعممة‬
‫الهواء كنسبة ما في المركب مممن طبيعممة النممار إلممى ممما فممي‬
‫البيضة من طبيعة النار‪ .‬و كذلك الطبيعتممان الخريممان‪ ،‬الرض‬
‫و الماء فأقول‪ :‬إن كل شيئين متناسبين على هذه الصفة هما‬
‫متشابهان‪ .‬و مثال ذلك أن تجعل لسطح البيضممة هممزرح فممإذا‬
‫أردنا ذلك فإنا نأخذ أقل طبائع المركب و هي طبيعة اليبوسة‬
‫و نضمميف إليهمما مثلهمما مممن طبيعممة الرطوبممة و نممدبرهما حممتى‬
‫تنشف طبيعة اليبوسة طبيعة الرطوبة و تقبل قوتهمما‪ .‬و كممأن‬
‫في هذا الكلم رمزا و لكنه ل يخفى عليك‪ .‬ثم تحمل عليهممما‬
‫جميعا مثليهما مممن الممروح و هممو الممماء فيكممون الجميممع سممتة‬
‫أمثال‪ .‬ثم تحمممل علممى الجميممع بعممد التممدبير مثل مممن طبيعممة‬
‫الهواء التي هي النفممس و ذلممك ثلثممة أجممزاء فيكممون الجميممع‬
‫تسعة أمثال اليبوسة بالقوة‪ .‬و تحمل تحت كممل ضمملعين مممن‬
‫المركممب الممذي طممبيعته محيطممة بسممطح المركممب طبيعممتين‬
‫فتجعممل أول الضمملعين المحيطيممن بسممطحه طبيعممة الممماء و‬
‫طبيعممة الهممواء و هممما ضمملعا ا ح د و سممطح ابجممد و كممذلك‬
‫الضلعان المحيطان بسطح البيضة اللذان هما الماء و الهممواء‬
‫ضلعا هزوح فأقول أن سطح ابجد يشبه سطح هزوح طبيعممة‬
‫الهواء التي تسمى نفسا و كذلك بجم مممن سمطح المركممب‪ .‬و‬
‫الحكماء لم تسم شيئا باسم شيء إل لشبهه بممه‪ .‬و الكلمممات‬
‫التي سألت عن شرحها الرض المقدسة و هي المنعقدة من‬
‫الطبائع العلوية و السفلية‪ .‬و النحاس هو الذي أخرج سممواده‬
‫و قطع حتى صار هباء ثم حمممر بممالزاج حممتى صممار نحاسمميا و‬
‫المغنيسيا حجرهم الذي تجمد فيه الرواح و تخرجممه الطبيعممة‬
‫العلويممة الممتي تسممتجن فيهمما الرواح لتقابممل عليهمما النممار و‬
‫الفرفرة لون أحمر قان يحدثه الكيممان‪ .‬و الرصمماص حجممر لممه‬
‫ثلث قوى مختلفة الشخوص و لكنهمما متشمماكلة و متجانسممة‪.‬‬
‫فالواحممدة روحانيممة نيممرة صممافية و هممي الفاعلممة و الثانيممة‬
‫نفسانية و هي متحركة حساسة غير أنها أغلظ مممن الولممى و‬
‫مزكزها دون مركز الولى و الثالثة قوة أرضية حاسة قابضممة‬
‫منعكسة إلى مركز الرض لثقلها و هممي الماسممكة الروحانيممة‬
‫والنفسممانية جميعمما و المحيطممة بهممما‪ .‬و أممما سممائر الباقيممة‬
‫فمبتدعممة و مخترعممة‪ .‬إلباسمما علممى الجاهممل‪ ،‬و مممن عممرف‬
‫المقدمات استغنى عن غيرها‪ .‬فهذا جميع ممما سممألتني عنممه و‬
‫قد بعثت به إليك مفسرا و نرجو بتوفيق الله أن تبلغ أملممك و‬
‫السلم‪ .‬انتهى كلم ابن بشرون و هو من كبار تلميذ مسمملمة‬
‫المجريطي شيخ الندلس فممي علمموم الكيميمماء و السمميمياء و‬
‫السحر في القرن الثالث و ما بعده‪ .‬و أنت ترى كيف صممرف‬
‫ألفاظهم كلها في الصناعة إلى الزمز و اللغمماز الممتي ل تكمماد‬
‫تبين و ل تعرف و ذلك دليل على أنها ليست بصناعة طبيعية‪.‬‬
‫و الذي يجب أن يعتقد فممي أمممر الكيميمماء و هممو الحممق الممذي‬
‫يعضممده الواقممع أنهمما مممن جنممس آثممار النفمموس الروحانيممة و‬
‫تصرفها في عالم الطبيعممة‪ ،‬إممما مممن نمموع الكرامممة إن كممانت‬
‫النفوس خيرة أو من نوع السحر إن كممانت النفمموس شممريرة‬
‫فاجرة‪ .‬فأما الكرامة فظاهرة و أما السحر فلن الساحر كما‬
‫ثبت في مكان تحقيقه يقلب العيان المادية بقوته السحرية‪.‬‬
‫و لبد له مع ذلك عندهم من مادة يقممع فعلممه السممحري فيهمما‬
‫كتخليق بعض الحيوانات من مادة التراب أو الشجر و النبممات‬
‫و بالجملة من غير مادتها المخصوصة بها‪ ،‬كممما وقممع لسممحرة‬
‫فرعممون فممي الحبممال و العصممي و كممما ينقممل عممن سممحرة‬
‫السودان و الهنود في قاصممية الجنمموب و الممترك فممي قاصممية‬
‫الشمال أنهم يسحرون الجو للمطار و غير ذلك‪ .‬و لما كانت‬
‫هذه تخليقا للذهب في غير مادته الخاصة به كممان مممن قبيممل‬
‫السممحر و المتكلمممون فيممه مممن أعلم الحكممماء مثممل جممابر و‬
‫مسلمة‪ .‬و من كان قبلهم مممن حكممماء المممم إنممما نحمموا هممذا‬
‫المنحى و لهذا كان كلمهم فيه ألغازا حذرا عليهمما مممن إنكممار‬
‫الشرائع على السحر و أنواعه ل أن ذلك يرجممع إلممى الضممنانة‬
‫بها كما هو رأي من لم يذهب إلى التحقيق في ذلك‪ .‬و انظممر‬
‫كيف سمى مسلمة كتابه فيها رتبة الحكيم و سمى كتابه في‬
‫السحر و الطلسمات غاية الحكيم إشارة إلى عموم موضمموع‬
‫الغاية و خصوص موضوع هممذه لن الغايممة أعلممى مممن الرتبممة‬
‫فكان مسائل الرتبة بعض من مسائل الغايممة و تشمماركها فممي‬
‫الموضوعات‪ .‬و من كلمه في الفنين يتبين ممما قلنمماه و نحممن‬
‫نبين فيما بعد غلط من يزعم أن مدارك هذا المممر بالصممناعة‬
‫الطبيعية‪ .‬و الله العليم الخبير‪.‬‬

‫الفصل الحادي و الثلثون‪ :‬في إبطممال الفلسممفة و‬


‫فساد منتحلها‬
‫هذا الفصممل و ممما بعممده مهممم لن هممذه العلمموم عارضممة فممي‬
‫العمران كثيرة في المدن‪ .‬و ضررها في الممدين كممثير فمموجب‬
‫أن يصدع بشأنها و يكشف عن المعتقد الحق فيها‪ .‬و ذلك أن‬
‫قوما من عقلء النوع النساني زعموا أن الوجود كله الحسي‬
‫منه و ما وراء الحسي تدرك أدواته و أحواله بأسبابها و عللها‬
‫بالنظممار الفكريممة و القيسممة العقليممة و أن تصممحيح العقممائد‬
‫اليمانية من قبل النظر ل من جهممة السمممع فإنهمما بعممض مممن‬
‫مدارك العقل‪ .‬و هؤلء يسمون فلسفة جمع فيلسمموف و هممو‬
‫باللسان اليوناني محب الحكمة‪ .‬فبحثوا عن ذلك و شمروا له‬
‫و حوموا على إصابة الغرض منه و وضممعوا قانونمما يهتممدي بممه‬
‫العقل في نظره إلى التمييممز بيممن الحممق و الباطممل و سمموه‬
‫بالمنطق‪ .‬و محصل ذلك أن النظر الذي يفيد تمييز الحق من‬
‫الباطل إنما هو للذهن في المعاني المنتزعة من الموجودات‬
‫الشخصممية فيجممرد منهمما أول صممور منطبقممة علممى جميممع‬
‫الشممخاص كممما ينطبممق الطممابع علممى جميممع النقمموش الممتي‬
‫ترسمها في طين أو شمع‪ .‬و هذه مجردة مممن المحسوسممات‬
‫تسمى المعقولت الوائل‪ .‬ثم تجرد من تلك المعمماني الكليممة‬
‫إذا كانت مشتركة مممع معممان أخممرى و قممد تميممزت عنهمما فمي‬
‫الذهن فتجرد منها معان أخرى و هي التي اشممتركت بهمما‪ .‬ثممم‬
‫تجرد ثانيا إن شاركها غيرها و ثالثا إلى أن ينتهي التجريد إلى‬
‫المعمماني البسمميطة الكليممة المنطبقممة علممى جميممع المعمماني و‬
‫الشخاص و ل يكممون منهمما تجريممد بعممد هممذا و هممي الجنمماس‬
‫العالية‪ .‬و هذه المجردات كلها من غير المحسوسات هي من‬
‫حيث تأليف بعضها مع بعممض‪ .‬لتحصمميل العلمموم منهمما تسمممى‬
‫المعقولت الثممواني‪ .‬فممإذا نظممر الفكممر فممي هممذه المعقممولت‬
‫المجردة و طلب تصممور الوجممود‪ .‬كممما هممو فلبممد للممذهن مممن‬
‫إضافة بعضها إلى بعممض و نفممي بعضممها عممن بعممض بالبرهممان‬
‫العقلي اليقيني ليحصل تصور الوجود تصورا صممحيحا مطابقمما‬
‫إذا كان ذلك بقانون صحيح كما مر‪ .‬و صممنف التصممديق الممذي‬
‫هو تلك الضافة و الحكم متقدم عندهم علممى صممنف التصممور‬
‫في النهاية و التصور متقدم عليممه فممي البممداءة و التعليممم لن‬
‫التصممور التممام عنممدهم هممو غايممة الطلممب الدراكممي و إنممما‬
‫التصديق وسيلة له و ممما تسمممعه فممي كتممب المنطقييممن مممن‬
‫تقممدم التصممور و توقممف التصممديق عليممه فبمعنممى الشممعور ل‬
‫بمعنممى العلممم التممام و هممذا هممو مممذهب كممبيرهم أرسممطو ثممم‬
‫يزعمممون أن السممعادة فممي إدراك الموجممودات كلهمما ممما فممي‬
‫الحس و ما وراء الحس بهذا النظر و تلك البراهين‪ .‬و حاصل‬
‫مداركهم في الوجود على الجملة و ما آلت إليممه و هممو الممذي‬
‫فرعوا عليه قضممايا أنظممارهم أنهممم عممثروا أول علممى الجسممم‬
‫السممفلي بحكممم الشممهود و الحممس ثممم ترقممى إدراكهممم قليل‬
‫فشممعروا بوجممود النفممس مممن قبممل الحركممة و الحممس فممي‬
‫الحيوانات ثم احسمموا مممن قمموى النفممس بسمملطان العقممل‪ .‬و‬
‫وقف إدراكهم فقضوا على الجسم العالي السماوي بنحو من‬
‫القضاء على أمر الذات النسانية‪ .‬و وجممب عنممدهم أن يكممون‬
‫للفلك نفس و عقل كما للنسممان ثممم أنهمموا ذلممك نهايممة عممدد‬
‫الحاد و هي العشر‪ ،‬تسع مفصمملة ذواتهمما جمممل و واحممد أول‬
‫مفممرد و هممو العاشممر‪ .‬و يزعمممون أن السممعادة فممي إدراك‬
‫الوجود علممى هممذا النحممو مممن القضمماء مممع تهممذيب النفممس و‬
‫تخلقها بالفضائل و أن ذلك ممكن للنسان و لو لم يرد شممرع‬
‫لتمييزه بين الفضيلة و الرذيلة من الفعال بمقتضممى عقلممه و‬
‫نظره و ميله إلى المحمود منها و اجتنابه للمذموم بفطرته و‬
‫أن ذلك اذا حصل للنفممس حصمملت لهمما البهجممة و اللممذة و أن‬
‫الجهل بذلك هو الشقاء السممرمدي و هممذا عنممدهم هممو معنممى‬
‫النعيم و العذاب في الخرة إلى خبط لهم في تفاصمميل ذلممك‬
‫معروف فممي كلممماتهم‪ .‬و إمممام هممذه المممذاهب الممذي حصممل‬
‫مسائلها و دون علمها و سمطر حججهما فيمما بلغنما فمي همذه‬
‫الحقاب هو أرسممطو المقممدوني مممن أهممل مقدونيممة مممن بلد‬
‫الروم من تلميذ أفلطون و هممو معلممم السممكندر و يسمممونه‬
‫المعلم الول على الطلق يعنون معلم صناعة المنطق إذ لم‬
‫تكممن قبلممه مهذبممة و هممو أول مممن رتممب قانونهمما و اسممتوفى‬
‫مسائلها و أحسن بسطها و لقد أحسن في ذلممك القممانون ممما‬
‫شاء لو تكفل له بقصدهم في اللهيات ثم كان من بعده فممي‬
‫السلم من أخذ بتلك المذاهب و أتبع فيهمما رأيممه حممذو النعممل‬
‫بالنعل إل في القليل‪ .‬و ذلمك أن كتمب أولئك المتقممدمين لممما‬
‫ترجمها الخلفاء من بني العبمماس مممن اللسممان اليونمماني إلممى‬
‫اللسممان العربممي تصممفحها كممثير مممن أهممل الملممة و أخممذ مممن‬
‫مذاهبهم من أضله الله من منتحلي العلمموم و جممادلوا عنهمما و‬
‫اختلفوا في مسائل من تفاريعها و كان من أشهرهم أبو نصر‬
‫الفارابي في المائة الرابعة لعهد سيف الدولة و أبو علممي بممن‬
‫سينا في المائة الخامسة لعهممد نظممام الملممك مممن بنممي بممويه‬
‫بأصبهان و غيرهما‪ .‬و اعلممم أن هممذا الممرأي الممذي ذهبمموا إليممه‬
‫باطل بجميع وجمموهه‪ .‬فأممما إسممنادهم الموجممودات كلهمما إلممى‬
‫العقل الول و اكتفمماؤهم بممه فممي الممترقي إلمى الممواجب فهممو‬
‫قصور عما وراء ذلك من رتب خلق الله فالوجود أوسع نطاقا‬
‫من ذلك و يخلق ما ل تعلمون و كأنهم فممي اقتصممارهم علممى‬
‫إثبممات العقممل فقممط و الغفلممة عممما وراءه بمثابممة الطممبيعيين‬
‫المقتصرين على إثبات الجسام خاصة المعرضين عن النقممل‬
‫و العقل المعتقدين أنممه ليممس وراء الجسممم فممي حكمممة اللممه‬
‫شيء‪ .‬و أممما الممبراهين الممتي يزعمونهمما علممى مممدعياتهم فممي‬
‫الموجودات و يعرضونها علممى معيممار المنطممق و قممانونه فممى‬
‫قاصممرة و غيممر وافيممة بممالغرض‪ .‬أممما ممما كممان منهمما فممي‬
‫الموجممودات الجسمممانية و يسمممونه العلممم الطممبيعي فمموجه‬
‫قصوره أن المطابقة بين تلك النتائج الذهنيممة الممتي تسممتخرج‬
‫بالحدود و القيسة كما في زعمهم و بين ما في الخممارج غيممر‬
‫يقينممي لن تلممك أحكممام ذهنيممة كليممة عامممة و الموجممودات‬
‫الخارجيممة متشخصممة بموادهمما‪ .‬و لعممل فممي المممواد ممما يمنممع‬
‫مطابقممة الممذهني الكلممي للخممارجي الشخصممي اللهممم إل مممال‬
‫يشهد له الحس من ذلك فدليله شهوده ل تلك البراهين فأين‬
‫اليقين الذي يجدونه فيها ؟ و ربما يكون تصرف الممذهن أيضمما‬
‫في المعقولت الول المطابقة للشخصيات بالصممور الخياليممة‬
‫ل في المعقولت الثممواني الممتي تجريممدها فممي الرتبممة الثانيممة‬
‫فيكون الحكم حينئذ يقينيا بمثابة المحسوسات إذ المعقممولت‬
‫الول أقرب إلى مطابقة الخارج لكمال النطباق فيها فنسلم‬
‫لهم حينئذ دعاويهم في ذلك‪ .‬إل أنه ينبغي لنمما العممراض عممن‬
‫النظر فيها إذ هو من ترك المسلم لما ل يعنيممه فممإن مسممائل‬
‫الطبيعيات ل تهمنا في ديننا و ل معاشنا فوجب علينمما تركهمما‪.‬‬
‫و أما ما كان منها في الموجممودات الممتي وراء الحممس و هممي‬
‫الروحانيات و يسمونه العلم اللهممي و علممم ممما بعممد الطبيعممة‬
‫فممإن ذواتهمما مجهولممة رأسمما و ل يمكممن التوصممل إليهمما و ل‬
‫البرهمممان عليهممما لن تجريمممد المعقمممولت ممممن الموجمممودات‬
‫الخارجية الشخصية إنما هو ممكن فيما هو مدرك لنا‪ .‬و نحن‬
‫ل ندرك الذوات الروحانيممة حممتى نجممرد منهمما ماهيممات أخممرى‬
‫بحجمماب الحممس بيننمما و بينهمما فل يممأتي لنمما برهممان عليهمما و ل‬
‫مدرك لنا في إثبات وجودهمما علممى الجملممة إل ممما نجممده بيممن‬
‫جنبينا من أمر النفس النسانية و أحوال مممداركها و خصوصمما‬
‫في الرؤيا التي هي وجدانيممة لكممل أحممد و ممما وراء ذلممك مممن‬
‫حقيقتها و صفاتها فأمر غامض ل سبيل إلى الوقوف عليممه‪ .‬و‬
‫قد صرح بذلك محققوهم حيث ذهبوا إلى أن مال مممادة لممه ل‬
‫يمكن البرهان عليممه لن مقممدمات البرهممان مممن شممرطها أن‬
‫تكون ذاتية‪ .‬و قال كممبيرهم أفلطممون‪ :‬إن اللهيممات ل يوصممل‬
‫فيها إلى أينين و إنما يقال فيها بالخلق و الولى يعني الظن‪:‬‬
‫و إذا كنا إنما نحصل بعد التعب و النصممب علممى الظممن فقممط‬
‫قيكفينمما الظممن الممذي كممان أول فممأي فممائدة لهممذه العلمموم و‬
‫الشتغال بها و نحن إنممما عنايتنمما بتحصمميل اليقيممن فيممما وراء‬
‫الحس مممن الموجممودات و هممذه هممي غايممة الفكممار النسممانية‬
‫عندهم‪ .‬و أما قولهم إن السعادة في إدراك الموجودات على‬
‫ما هي عليه يتلك البراهين فقول مزيف مردود و تفسيره أن‬
‫النسان مركب من جزءين أحدهما جسماني و الخر روحاني‬
‫ممترج به و لكمل واحمد ممن الجزءيمن ممدارك مختصمة بمه و‬
‫المدرك فيهما واحد و هو الجزء الروحاني يدرك تارة مممدارك‬
‫روحانية و تممارة مممدارك جسمممانية إل أن المممدارك الروحانيممة‬
‫يدركها بذاته بغيممر واسممطة و المممدارك الجسمممانية بواسممطة‬
‫آلت الجسم من الدماغ والحواس‪ .‬و كل مممدرك فلممه ابتهمماج‬
‫بما يدركه‪ .‬و اعتبره بحال الصبى في أول مداركه الجسمانية‬
‫التي هي بواسطة كيف يبتهج بممما يبصممره مممن الضمموء و بممما‬
‫يسمممعه مممن الصمموات فل شممك أن البتهمماج بممالدراك الممذي‬
‫للنفس من ذاتهما بغيمر واسمطة يكمون أشمد و ألمذ‪ .‬فمالنفس‬
‫الروحانية إذا شعرت بإدراكها الذي لها من ذاتها بغير واسطة‬
‫حصل لها ابتهاج و لذة ل يعبر عنهما و هممذا الدراك ل يحصممل‬
‫بنظر و ل علم و إنما يحصل بكشف حجاب الحممس و نسمميان‬
‫المدارك الجسممانية بالجملمة‪ .‬و المتصموفة كمثيرا مما يعنمون‬
‫بحصول هذا الدراك للنفس بحصول هممذه البهجممة فيحمماولون‬
‫بالرياضة إماتة القوى الجسمانية و مداركها حممتى الفكممر مممن‬
‫الدماغ و ليحصل للنفس إدراكها الذي لها من ذاتها عند زوال‬
‫الشواغب و الموانمع الجسممانية يحصمل لهمم بهجمة و لممذة ل‬
‫يعبر عنهما‪ .‬و هذا الذي زعموه بتقممدير صممحته مسمملم لهممم و‬
‫هو مع ذلك غير واف بمقصودهم‪ .‬فأما قولهم إن الممبراهين و‬
‫الدلة العقلية محصلة لهذا النوع مممن الدراك و البتهمماج عنممه‬
‫فباطل كممما رأيتممه إذ المبراهين و الدلمة مممن جملممة الممدارك‬
‫الجسمانية لنها بالقوى الدماغية من الخيال و الفكر و الذكر‪.‬‬
‫و نحن نقول إن أول شيء نعنى به في تحصمميل هممذا الدراك‬
‫إماتة هذه القوى الدماغية كلها لنها منازعة له قادحممة فيممه و‬
‫تجد الماهر منهممم عاكفمما علممى كتمماب الشممفاء و الشممارات و‬
‫النجاء و تلخيص ابن رشد للقص من تأليف أرسممطو و غيممره‬
‫يبعثر أوراقها و يتوثق من براهينها و يلتمس هذا القسط مممن‬
‫السعادة فيها و ل يعلم أنه يستكثر بذلك من الموانع عنهمما‪ .‬و‬
‫مستندهم في ذلك ما ينقلونه عن أرسطو و الفممارابي و ابممن‬
‫سينا أن من حصل له إدراك العقل الفعممال و اتصممل بممه فممي‬
‫حياته فقد حصل حظة مممن هممذه السممعادة‪ .‬و العقممل الفعممال‬
‫عندهم عبارة عن أول رتبة ينكشممف عنهمما الحممس مممن رتممب‬
‫الروحانيات و يحملون التصال بالعقممل الفعممال علممى الدراك‬
‫العلمي و قد رأيممت فسمماده و إنممما يعنممي أرسممطو و أصممحابه‬
‫بذلك التصال و الدراك إدراك النفس الذي لهمما مممن ذاتهمما و‬
‫بغير واسطة و هو ل يحصل إل بكشف حجاب الحممس‪ .‬و أممما‬
‫قولهم إن البهجة الناشئة عن هذا الدراك هي عين السممعادة‬
‫الموعود بها فباطل أيضا لنا إنما تبين لنا بما قممرروه أن وراء‬
‫الحممس مممدركا آخممر للنفممس مممن غيممر واسممطة و أنهمما تبتهممج‬
‫بإدراكهمما ذلممك ابتهاجمما شممديدا و ذلممك ل يعيممن لنمما أنممه عيممن‬
‫السعادة الخروية و لبد بل هي من جملممة الملذ الممتي لتلممك‬
‫السمممعادة‪ .‬و أمممما قمممولهم إن السمممعادة فمممي إدراك همممذه‬
‫الموجودات على ما هي عليه فقول باطل مبني على ممما كنمما‬
‫قممدمناه فممي أصممل التوحيممد مممن الوهممام و الغلط فممي أن‬
‫الوجود عند كل مدرك منحصر في مداركه‪ .‬و بينا فساد ذلممك‬
‫و إن الوجممود أوسممع مممن أن يحمماط بممه أو يسممتوفى إدراكممه‬
‫بجملته روحانيمما أو جسمممانيا‪ .‬و الممذي يحصممل مممن جميممع ممما‬
‫قررناه مممن مممذاهبهم أن الجممزء الروحمماني إذا فممارق القمموى‬
‫الجسمانية أدرك إدراكا ذاتيا له مختصا بصنف من المدارك و‬
‫هي الموجودات التي أحاط بهمما علمنمما و ليممس بعممام الدراك‬
‫في الموجودات كلها إذ لم تنحصر و أنه يبتهج بذلك النحو من‬
‫الدراك ابتهاجا شديدا كما يبتهج الصبي بمداركه الحسية فممي‬
‫أول نشوءه و من لنا بعد ذلممك بممإدراك جميممع الموجممودات أو‬
‫بحصول السعادة التي وعدنا بهمما الشممارع إن لممم نعمممل لهمما‪،‬‬
‫هيهات هيهات لما توعدون‪ .‬و أما قولهم إن النسان مسممتقل‬
‫بتهممذيب نفسممه و إصمملحها بملبسممة المحمممود مممن الخلممق و‬
‫مجانبة المذموم فأمر مبني على أن ابتهمماج للنفممس بإدراكهمما‬
‫الذي لها من ذاتها هو عين السعادة الموعود بها لن الممرذائل‬
‫عائقة للنفممس عممن تمممام إدراكهمما ذلممك بممما يحصممل لهمما مممن‬
‫الملكات الجسممانية و ألوانهما‪ .‬و قمد بينما أن أثمر السمعادة و‬
‫الشقاوة و من وراء الدراكات الجسمممانية و الروحانيممة فهممذا‬
‫التهذيب الممذي توصملوا إلمى معرفتممه إنمما نفعممه فمي البهجممة‬
‫الناشئة عن الدراك الروحاني فقط الذي هو على مقاييس و‬
‫قمموانين‪ .‬و أممما ممما وراء ذلممك مممن السممعادة الممتي وعممدنا بهمما‬
‫الشارع على امتثال ما أمر به من العمال و الخلق فممأمر ل‬
‫يحيط به مدارك المدركين‪ .‬و قد تنبه لذلك زعيمهم أبو علممي‬
‫ابن سينا فقال في كتاب المبدأ و المعاد ما معناه‪ :‬إن المعمماد‬
‫الروحاني و أحواله هو مما يتوصل إليممه بممالبراهين العقليممة و‬
‫المقاييس لنه على نسبة طبيعيممة محفوظممة و وتيممرة واحممدة‬
‫فلنمما فممي الممبراهين عليممه سممعة‪ .‬و أممما المعمماد الجسممماني و‬
‫أحواله فل يمكن إدراكه بالبرهان لنه ليس على نسبة واحدة‬
‫و قد بسممطته لنمما الشممريعة الحقممة المحمديممة فلنظممر فيهمما و‬
‫ليرجممع فممي أحممواله إليهمما‪ .‬فهممذا العلممم كممما رأيتممه غيممر واف‬
‫بمقاصدهم التي حوموا عليها مع ما فيه من مخالفة الشممرائع‬
‫و ظواهرها‪ .‬و ليممس لممه فيممما علمنمما إل ثمممرة واحممدة و هممي‬
‫شحذ الذهن في ترتيب الدلة و الحجج لتحصيل ملكة الجودة‬
‫و الصواب في البراهين‪ .‬و ذلك أن نظم المقاييس و تركيبهمما‬
‫على وجه الحكام و التقان هو كممما شممرطوه فممي صممناعتهم‬
‫المنطيقية و قولهم بذلك في علومهم الطبيعيممة و هممم كممثيرا‬
‫ممما يسممتعملونها فممي علممومهم الحكميممة مممن الطبيعيممات و‬
‫التعاليم و ما بعدها فيسممتولي النمماظر فيهمما بكممثرة اسممتعمال‬
‫البراهين بشروطها على ملكة التقان و الصواب فمي الحجمج‬
‫و الستدللت لنها و إن كانت غيممر وافيممة بمقصممودهم فهممي‬
‫أصح ما علمناه من قوانين النظار‪ .‬هذه ثمرة هممذه الصممناعة‬
‫مع الطلع على مذاهب أهممل العلممم و آرائهممم و مضممارها ممما‬
‫علمت‪ .‬فليكن الناظر فيهمما متحممرزا جهممده معاطبهمما و ليكممن‬
‫نظر مممن ينظممر فيهمما بعممد المتلء مممن الشممرعيات و الطلع‬
‫على التفسير و الفقممه و ل يكبممن أحممد عليهمما و هممو خلممو مممن‬
‫علوم الملة فقل أن يسلم لذلك من معاطبها‪ .‬و الله الموفق‬
‫للصواب و للحق و الهادي إليه‪ .‬و ما كنا لنهتدي لول أن هدانا‬
‫الله‪.‬‬

‫الفصممل الثمماني و الثلثممون‪ :‬فممي ابطممال صممناعة‬


‫النجوم و ضعف مداركها و فساد غايتها‬
‫هذه الصناعة يزعم أصحابها أنهم يعرفممون بهمما الكائنممات فممي‬
‫عالم العناصر قبل حدوثها من قبل معرفممة قمموى الكممواكب و‬
‫تأثيرها فممي المولممدات العنصممرية مفممردة و مجتمعممة فتكممون‬
‫لذلك أوضاع الفلك و الكواكب دالة علممى ممما سمميحدث مممن‬
‫نمموع مممن أنممواع الكائنممات الكليممة و الشخصممية‪ .‬فالمتقممدمون‬
‫منهم يرون أن معرفة قمموى الكممواكب و تأثيراتهمما بالتجربممة و‬
‫هممو أمممر تقصممر العمممار كلممما لممو اجتمعممت عممن تحصمميله إذ‬
‫التجربة إنما تحصل في المممرات المتعممددة بممالتكرار ليحصممل‬
‫عنها العلممم أو الظممن‪ .‬و أدوار الكممواكب منهمما ممما هممو طويممل‬
‫الزمن فيحتاج تكممرره إلممى آممماد و أحقمماب متطارلممة يتقاصممر‬
‫عنها ما هو طويممل مممن أعمممار العممالم‪ .‬و ربممما ذهممب ضممعفاء‬
‫منهم إلى أن معرفة قوى الكواكب و تأثيراتها كممانت بممالوحي‬
‫و هو رأي فائل و قد كفونا مؤنة إبطاله‪ .‬و مممن أوضممح الدلممة‬
‫فيه أن تعلم أن النبياء عليهم الصمملة و السمملم أبعممد النمماس‬
‫عمن الصمنائع و أنهمم ل يتعرضمون للخبمار عمن الغيمب إل أن‬
‫يكون عن الله فكيف يدعون استنباطه بالصممناعة و يشمميرون‬
‫بذلك لتابعيهم من الخلممق‪ .‬و أممما بطليمممس و مممن تبعممه مممن‬
‫المتأخرين فيرون أن دللة الكواكب على ذلك دللممة طبيعيممة‬
‫من قبل مزاج يحصل للكواكب في الكائنممات العنصممرية قممال‬
‫لن فعل النيرين و أثرهما في العنصريات ظاهر ل يسع أحممدا‬
‫حجده مثل فعممل الشمممس فممي تبممدل الفصممول و أمزجتهمما و‬
‫نضج الثمار و الزرع و غير ذلك و فعل القمر فممي الرطوبممات‬
‫و الممماء و إنضمماج المممواد المتعفنممة و فممواكه القنمماء و سممائر‬
‫أفعمماله‪ .‬ثممم قمال‪ :‬و لنمما فيممما بعممدها مممن الكممواكب طريقممان‬
‫الولى التقليد لمن نقل ذلك عنممه مممن أئمممة الصممناعة إل أنممه‬
‫غير مقنع للنفس و الثانية الحدس و التجربة بقياس كل واحد‬
‫منها إلى النير العظممم الممذي عرفنمما طممبيعته و أثممره معرفممة‬
‫ظاهرة فننظر هل يزيد ذلك الكوكب عند القران في قمموته و‬
‫مزاجممه فتعممرف ممموافقته لممه فممي الطبيعممة أو ينقممص عنهمما‬
‫فتعرف مضادته‪ .‬ثم إذا عرفنا قواها مفردة عرفناها مركبممة و‬
‫ذلممك عنممد تناظرهمما بأشممكال التثليممث و الممتربيع و غيرهممما و‬
‫معرفة ذلك من قبل طبائع البروج بالقيمماس أيضمما إلممى النيممر‬
‫العظم‪ .‬و إذا عرفنا قمموى الكممواكب كلهمما فهممي مممؤثرة فممي‬
‫الهممواء و ذلممك ظمماهر‪ .‬و المممزاج الممذي يحصممل منهمما للهممواء‬
‫يحصل لما تحته من المولممدات و تتخلممق بممه النطممف و الممبزر‬
‫فتصممير حممال للبممدن المتكممون عنهمما و للنفممس المتعلقممة بممه‬
‫الفائضة عليه المكتسبة لما لها منه و لما يتبع النفس و البدن‬
‫من الحوال لن كيفيات البزرة و النطفمة كيفيمات لممما يتولممد‬
‫عنهما و ينشأ منهما‪ .‬قال‪ :‬و هو مممع ذلممك ظنممي و ليممس مممن‬
‫اليقين في شيء و ليس هو أيضمما مممن القضمماء اللهممي يعنممي‬
‫القدر إنما هو من جملة السباب الطبيعيممة للكممائن و القضمماء‬
‫اللهي سابق على كل شميء‪ .‬همذا محصمل كلم بطليممس و‬
‫أصحابه و هو منصوص في كتابه الربع و غيممره‪ .‬و منممه يتممبين‬
‫ضعف مدرك هذه الصناعة و ذلك أن العلم الكممائن أو الظممن‬
‫به إنما يحصل عن العلم بجملة أسبابه من الفاعل و القابل و‬
‫الصممورة و الغايممة علممى ممما يتممبين فممي موضممعه‪ .‬و القمموى‬
‫النجوميممة علممى ممما قممرروه إنممما هممي فاعلممة فقممط و الجممزء‬
‫العنصممري هممو القابممل ثممم إن القمموى النجوميممة ليسممت هممي‬
‫الفاعل بجملتها بل هناك قوى أخرى فاعلة معهمما فممي الجممزء‬
‫المادي مثل قمموة التوليممد للب و النمموع الممتي فممي النطفممة و‬
‫قوى الخاصة الممتي تميممز بهمما صممنف مممن النمموع و غيممر ذلممك‪.‬‬
‫فالقوى النجومية إذا حصل كمالهما و حصمل العلمم فيهما إنمما‬
‫هي فاعل واحد من جملة السممباب الفاعلممة للكممائن‪ .‬ثمم إنمة‬
‫يشترط مممع العلممم بقمموى النجمموم و تأثيراتهمما مزيممد حممدس و‬
‫تخمين و حينئذ يحصل عنده الظن بوقوع الكائن‪ .‬و الحدس و‬
‫التخمين قوى للناظر في فكره و ليس من علممل الكممائن و ل‬
‫من أصول الصناعة فإذا فقد هذا الحدس و التخميممن رجعممت‬
‫أدراجها عن الظن إلى الشك‪ .‬هممذا إذا حصممل العلممم بممالقوى‬
‫النجومية على سداده و لم تعترضه آفة و هذا معوز لممما فيممه‬
‫مممن معرفممة حسممبانات الكممواكب فممي سمميرها لتتعممرف بممه‬
‫أوضاعها و لما أن اختصاص كل كوكب بقوة ل دليممل عليممه‪ .‬و‬
‫مدرك بطليمس في إثبات القوى للكواكب الخمسة بقياسممها‬
‫إلى الشمس مدرك ضعيف لن قمموة الشمممس غممالبه لجميممع‬
‫القوى من الكواكب و مستولية عليها فقل أن يشعر بالزيممادة‬
‫فيها أو النقصممان منهمما عنممد المقارنممة كممما قممال و هممذه كلهمما‬
‫قادحة في تعريف الكائنات الواقعة في عممالم العناصممر بهممذه‬
‫الصناعة‪ .‬ثم إن تأثير الكواكب فيما تحتهمما باطممل إذ قمد تمبين‬
‫في باب التوحيد أن ل فاعل إل اللممه بطريممق اسممتدللي كممما‬
‫رأيته و احتج له أهل علم الكلم بما هو غني فممي البيممان مممن‬
‫أن إسناد السباب إلى المسممببات مجهممول الكيفيممة و العقممل‬
‫منهم على ما يقضى به فيما يظهممر بممادئ الممرأي مممن التممأثير‬
‫فلعل استنادها على غير صمورة التمأثير المتعمارف‪ .‬و القمدرة‬
‫اللهية رابطة بنهما كما ربطت جميع الكائنممات علمموا و سممفل‬
‫سيما و الشرع يرد الحوادث كلها إلى قدرة الله تعالى و يبرأ‬
‫مممما سمموى ذلممك‪ .‬و النبممؤات أيضمما منكممرة لشممأن النجمموم و‬
‫تأثيراتها‪ .‬و استقراء الشرعيات شاهد بذلك في مثل قوله إن‬
‫الشمس و القمر ل يخسممفان لممموت أحممد و ل لحيمماته و فممي‬
‫قوله أصبح من عبادي مؤمن بي و كافر بممي‪ .‬فأممما مممن قممال‬
‫مطرنا بفضل الله و رحمته فذلك مؤمن بي كممافر بممالكواكب‬
‫و أممما مممن قممال مطرنمما بنمموء كممذا فممذلك كممافر بممي مممؤمن‬
‫بالكواكب الحديث الصحيح‪ .‬فقد بان لك بطلن هذه الصممناعة‬
‫من طريممق الشممرع و ضممعف مممداركها مممع ذلممك مممن طريممق‬
‫العقل مع ما لها من المضار في العمران النساني بما تبعممث‬
‫من عقائد العوام من الفساد إذا اتفممق الصممدق مممن أحكامهمما‬
‫في بعض الحايين أتفاقا ل يرجع إلى تعليل و ل تحقيق فيلهج‬
‫بممذلك مممن ل معرفممة لممه و يظممن اطممراد الصممدق فممي سممائر‬
‫أحكامها و ليس كذلك‪ .‬فيقع في رد الشياء إلى غيممر خالقهمما‪.‬‬
‫ثم ما ينشأ عنها كممثيرا فممي الممدول مممن توقممع القواطممع و ممما‬
‫يبعممث عليممه ذلمك التوقممع مممن تطمماول العممداء و المتربصممين‬
‫بالدولة إلى الفتممك و الثممورة‪ .‬و قممد شمماهدنا مممن ذلممك كممثيرا‬
‫فينبغي أن تحظر هذه الصناعة على جميع أهل العمممران لممما‬
‫ينشأ عنها من المضار في الدين و الدول‪ ،‬و ل يقدح في ذلك‬
‫كون وجودها طبيعيمما للبشممر بمقتضممى مممداركهم و علممومهم‪.‬‬
‫فممالخير و الشممر طبيعتممان موجودتممان فممي العممالم ل يمكممن‬
‫نزعهممما و إنممما يتعلممق التكليممف بأسممباب حصممولهما فيتعيممن‬
‫السعي في اكتسمماب الخيممر بأسممبابه و دفممع أسممباب الشممر و‬
‫المضار‪ .‬هذا هو الواجب على من عرف مفاسد هممذا العلممم و‬
‫مضاره‪ .‬و ليعلم من ذلك أنها و إن كانت صحيحة في نفسممها‬
‫فل يمكن أحدا من أهل الملة تحصيل علمهمما و ل ملكتهمما بممل‬
‫إن نظر فيها ناظر و ظن الحاطة بها فهو فممي غايممة القصممور‬
‫في نفس المر‪ .‬فإن الشريعة لما حظممرت النظممر فيهمما فقممد‬
‫الجتماع من أهل العمران لقراءتها و التحليق لتعليمها و صار‬
‫المولع بها من الناس و هم القل و أقل من القل إنما يطالع‬
‫كتبها و مقالتها في كسممر بيتممه متسممترا عممن النمماس و تحممت‬
‫ربقة الجمهور مع تشغب الصناعة و كثرة فروعها و اعتياصها‬
‫على الفهمم فكيمف يحصمل منهما علمى طمائل ؟ و نحمن نجمد‬
‫الفقه الذي عم نفعه دينا و دنيا و سهلت مآخذه مممن الكتمماب‬
‫و السممنة و عكممف الجمهممور علممى قراءتممه و تعليمممه ثممم بعممد‬
‫التحقيمق و التجميممع و طممول المدارسممة و كمثرة المجمالس و‬
‫تعممدها إنممما يحممذق فيممه الواحممد بعممد الواحممد فممي العصممار و‬
‫الجيال‪ .‬فكيممف يعلممم مهجممور للشممريعة مضممروب دونممه سممد‬
‫الخطر و التحريم مكتوم عن الجمهور صممعب المآخممذ محتمماج‬
‫بعد الممارسة و التحصيل لصوله و فروعه إلى مزيد حممدس‬
‫و تخمين يكتنفان به من الناظر فأين التحصيل و الحممذق فيممه‬
‫مع هذه كلها‪ .‬و مدعى ذلك من الناس مردود على عقبه و ل‬
‫شاهد له يقوم بذلك لغرابة الفن بين أهل الملة و قلة حملته‬
‫فاعتبر ذلك يتبين لك صحة ما ذهبنا إليه‪ .‬و الله أعلم بممالغيب‬
‫فل يظهر على غيبه أحدا‪ .‬و مما وقع في هذا المعنممى لبعممض‬
‫أصحابنا من أهل العصر عندما غلب العرب عساكر السلطان‬
‫أبي الحسن و حاصممروه بممالقيروان و كممثر إرجمماف الفريقيممن‬
‫الولياء و العداء و قال فمي ذلمك أبمو القاسمم الروحمي ممن‬
‫شعراء أهل تونس‪:‬‬
‫قد ذهب العيش و الهناء‬ ‫أستغفر الله كل حين‬
‫و الصبح لله و المساء‬ ‫أصبح في تونس و أمسي‬
‫يحدثها الهرج و الوباء‬ ‫الخوف و الجوع و المنايا‬
‫و ما عسى ينفع المراء‬ ‫و الناس في مرية و حرب‬
‫حل به الهلك و التواء‬ ‫فأحمدي يرى عليا‬
‫به إليكم صبا رخاء‬ ‫و آخر قال سوف يأتي‬
‫يقضي لعيديه ما يشاء‬ ‫و الله من فوق ذا و هذا‬
‫ما فعلت هذه السماء‬ ‫يا راصد الخنس الجواري‬
‫أنكم اليوم أملياء‬ ‫مطلتمونا و قد زعمتم‬
‫و جاء سبت و أربعاء‬ ‫مر خميس على خميس‬
‫و ثالث ضمه القضاء‬ ‫و نصف شهر و عشر ثان‬
‫أذاك جهل أم ازدراء‬ ‫و ل نرى غير زور قول‬
‫أن ليس يستدفع القضاء‬ ‫إنا إلى الله قد علمنا‬
‫حسبكم البدر أو ذكاء‬ ‫رضيت بالله لي إلها‬
‫إل عباديد أو إماء‬ ‫ما هذه النجم السواري‬
‫و ما لها في الورى اقتضاء‬ ‫يقضى عليها و ليس تقضي‬
‫ما شأنه الجرم و الفناء‬ ‫ضلت عقول ترى قديما‬
‫يحدثه الماء و الهواء‬ ‫و حكمت في الوجود طبعا‬
‫تغذوهم تربة و ماء‬ ‫لم تر حلوا إزاء مر‬
‫ما الجوهر الفرد و الخلء‬ ‫الله ربي و لست أدري‬
‫ما لي عن صورة عراء‬ ‫و ل الهيولى التي تنادي‬
‫و ل ثبوت و ل انتفاء‬ ‫و ل وجود و ل انعدام‬
‫ما جلب البيع و الشراء‬ ‫و الكسب لم أدر فيه إل‬
‫ما كان للناس أولياء‬ ‫و إنما مذهبي و ديني‬
‫و ل جدال و ل رياء‬ ‫إذ ل فصول و ل أصول‬
‫يا حبذا كان القتفاء‬ ‫ما تبع الصدر و اقتفينا‬
‫و لم يكن ذلك الهذاء‬ ‫كانوا كما يعلمون منهم‬
‫أشعرني الصيف و الشتاء‬ ‫يا أشعري الزمان إني‬
‫و الخير عن مثله جزاء‬ ‫لم أجز بالشر غير شر‬
‫فلست أعصى و لي رجاء‬ ‫و إنني إن أكن مطيعا‬
‫أطاعه العرش و الثراء‬ ‫و إنني تحت حكم بار‬
‫أتاحه الحكم و القضاء‬ ‫ليس انتصار بكم و لكن‬
‫له إلى رأيه انتماء‬ ‫لو حدث الشعري عمن‬
‫مما يقولونه براء‬ ‫لقال أخبرهم بأني‬

‫الفصل الثالث و الثلثون‪ :‬في انكار ثمرة الكيميا و‬


‫استحالة وجودها و ما ينشممأ مممن المفاسممد عممن‬
‫انتحالها‬
‫اعلم أن كثيرا من العاجزين عن معاشممهم تحملهممم المطممامع‬
‫على انتحال هذه الصنائع و يرون أنها أحد مذاهب المعمماش و‬
‫وجوهه و أن اقتناء الممال منهما أيسمر و أسمهل علمى مبتغيمه‬
‫فيرتكبون فيها من المتاعب و المشمماق و معانمماة الصممعاب و‬
‫عسف الحكام و خسمماره الممموال فممي النفقممات زيممادة علممى‬
‫النيل من غرضه و العطممب آخممرا إذا ظهممر علممى خيبممة و هممم‬
‫يحسبون أنهم يحسنون صنعا‪ .‬و إنما أطمعهم في ذلممك رؤيممة‬
‫أن المعممادن تسممتحيل و ينقلممب بعضممها إلممى بعممض للمممادة‬
‫المشتركة فيحاولون بالعلج صيرورة الفضة ذهبمما و النحمماس‬
‫و القصدير فضة و يحسبون أنها من ممكنات عالم الطبيعة و‬
‫لهممم فممي علج ذلممك طممرق مختلفممة لختلف مممذاهبهم فممي‬
‫التممدبير و صممورته و فممي المممادة الموضمموعة عنممدهم للعلج‬
‫المساة عندهم بالحجر المكممرم هممل هممي العممذرة أو الممدم أو‬
‫الشممعر أو الممبيض أو كممذا أو كممذا مممما سمموى ذلممك‪ .‬و جملممة‬
‫التدبير عندهم بعد تعين المادة أن تمهممى بممالفهر علممى حجممر‬
‫صلد أملس و تسقى أثناء إمهائها بالماء و بعد أن يضاف إليها‬
‫من العقاقير و الدويممة ممما يناسممب القصممد منهمما و يمموثر فممي‬
‫انقلبها إلى المعدن المطلوب‪ .‬ثم تجفف بالشمس مممن بعممد‬
‫السقي أو تطبخ بالنار أو تصعد أو تكلس لسممتخراج مائهمما أو‬
‫ترابها فإذا رضي بذلك كله من علجها و تم تممدبيره علممى ممما‬
‫اقتضمته أصممول صممنعته حصممل مممن ذلمك كلممه تممراب أو ممائع‬
‫يسمممونه الكسممير و يزعمممون أنممه إذا ألقممى علممى الفضممة‬
‫المحماة بالنممار عممادت ذهبمما أو النحمماس المحمممى بالنممار عمماد‬
‫فضة على ما قصد به في عمله‪ .‬و يزعم المحققون منهم أن‬
‫ذلك الكسير مادة مركبممة مممن العناصممر الربعممة حصممل فيهمما‬
‫بذلك العلج الخاص و التدبير مزاج ذو قمموى طبيعيممة تصممرف‬
‫ما حصلت فيه إليها و تقلبه إلى صورتها و مزاجها و تبث فيممه‬
‫ما حصل فيها من الكيفيات و القوى كممالخميرة للخممبز تقلممب‬
‫العجين إلى ذاتها و تعمل فيه ما حصل لها مممن النفشمماش و‬
‫الهشاشة ليحسن هضمة في المعدة و يسممتحيل سممريعا إلممى‬
‫الغذاء‪ .‬و كذا إكسير الذهب و الفضممة فيممما يحصممل فيممه مممن‬
‫المعادن يصرفه إليهما و يقلبممه إلممى صممورتهما‪ .‬هممذا محصممل‬
‫زعمهم على الجملة فتجدهم عاكفين على هذا العلج يبتغون‬
‫الرزق و المعاش فيه و يتناقلون أحكامه و قواعده من كتممب‬
‫لئمة الصناعة من قبلهممم يتممداولونها بينهممم و يتنمماظرون فممي‬
‫فهممم لغوزهمما و كشممف أسممرارها إذ هممي فممي الكممثر تشممبه‬
‫المعمممى‪ .‬كتممآليف جممابر بممن حيممان فممي رسممائله السممبعين و‬
‫مسلمة المجريطممي فممي كتممابه رتبممة الحكيممم و الطغممرائي و‬
‫المغيربي في قصائده العريقة في إجادة النظم و أمثالها و ل‬
‫يحلون من بعد هذا كله بطائل منها‪ .‬ففاوضت يوما شيخنا أبمما‬
‫البركات التلفيفممي كممبير مشمميخة النممدلس فممي مثممل ذلممك و‬
‫وقفته على بعض التآليف فيها فتصفحه طويل ثممم رده إلممي و‬
‫قال لي و أنا الضامن له أن ل يعود إلى بيتممه إل بالخيبممة‪ .‬ثممم‬
‫منهم من يقتصر في ذلك على الدلسممة فقممط‪ .‬إممما الظمماهرة‬
‫كتمويه الفضة بالذهب أو النحمماس بالفضممة أو خلطهممما علممى‬
‫نسبة جزء أو جزءيممن أو ثلثممة أو الخفيممة كإلقمماء الشممبه بيممن‬
‫المعممادن بالصممناعة مثممل تممبييض النحمماس و تلبيسممه بممالزوق‬
‫المصعد فيجيء جسما معدنيا شبيها بالفضة و يخفى إل على‬
‫النقاد المهرة فيقدر أصحاب هذه الممدلس مممع دلسممتهم هممذه‬
‫سكة يسربونها في الناس و يطبعونها بطابع السلطان تمويها‬
‫علممى الجمهممور بممالخلص‪ .‬و هممؤلء أخممس النمماس حرفممة و‬
‫أسوأهم عاقبة لتلبسهم بسممرقة أممموال النمماس فممإن صمماحب‬
‫هذه الدلسة إنما هممو يممدفع نحاسمما فممي الفضممة و فضممة فممي‬
‫الذهب ليستخلصها لنفسه فهو سارق أو شر من السممارق‪ .‬و‬
‫معظم هذا الصنف لدينا بالمغرب من طلبة الممبربر المنتبممذين‬
‫بأطراف البقاع و مساكن الغمار يأوون إلى مسمماجد الباديممة‬
‫و يموهون على الغنياء منهم بممأن بأيممديهم صممناعة الممذهب و‬
‫الفضمة و النفموس مولعمة بحبهمما و السمتهلك فمي طلبهمما‬
‫فيحصلون من ذلك على معاش‪ .‬ثم يبقى ذلك عنممدهم تحممت‬
‫الخوف و الرقبة إلى أن يظهر العجز و تقع الفضيحة فيفرون‬
‫إلى موضع آخر و يستجدون حال أخممرى فممي اسممتهواء بعممض‬
‫أهل الممدنيا بأطممماعهم فيممما لممديهم‪ .‬و ل يزالممون كممذلك فممي‬
‫ابتغاء معاشهم و هذا الصنف ل كلم معهم لنهم بلغوا الغايممة‬
‫في الجهل و الرداءة و الحتراف بالسرقة و ل حاسم لعلتهممم‬
‫إل اشتداد الحكام عليهم و تنمماولهم مممن حيممث كممانوا و قطممع‬
‫أيديهم متى ظهروا على شأنهم لن فيه إفسادا للسكة الممتي‬
‫تعم بها البلوى و هي متمول الناس كافة‪ .‬و السلطان مكلممف‬
‫بإصلحها و الحتياط عليها و الشتداد علممى مفسممديها‪ .‬و أممما‬
‫من انتحل هذه الصناعة ولم يرض بحال الدلسة بل استنكف‬
‫عنها و نزه نفسه عممن إفسمماد سممكة المسمملمين و نقممودهم و‬
‫إنممما يطلممب إحالممة الفضممة للممذهب و الرصمماص و النحمماس و‬
‫القصممدير إلممى الفضممة بممذلك النحممو مممن العلج و بالكسممير‬
‫الحاصل عنده فلنما ممع همؤلء متكلمم و بحمث فمي ممداركهم‬
‫لذلك‪ .‬مع أنما ل نعلممم أن أحممدا مممن أهممل العممالم تمم لممه هممذا‬
‫الغرض أو حصل منممه علممى بغيممة إنممما تممذهب أعمممارهم فممي‬
‫التممدبير و الفهممر و الصمملبة و التصممعيد و التكليممس و اعتيممام‬
‫الخطار بجمع العقاقير و البحث عنهمما‪ .‬و يتنمماقلون فممي ذلممك‬
‫حكايات و تمت لغيرهم ممممن تممم لممه الغممرض منهمما أو وقممف‬
‫علممى الوصممول يقنعممون باسممتماعها و المفاوضممات فيهمما و ل‬
‫يستريبون في تصديقها شممأن الكلفيممن المغرميممن بوسمماوس‬
‫الخبار فيما يكلفون به فإذا سئلوا عن تحقيق ذلممك بالمعاينممة‬
‫أنكروه و قالوا إنما سمعنا و لممم نممر‪ .‬هكممذا شممأنهم فممي كممل‬
‫عصر و جيل و اعلم أن انتحال هذه الصنعة قديم في العممالم‬
‫و قد تكلم الناس فيها مممن المتقممدمين و المتممأخرين فلننقممل‬
‫مذاهبهم في ذلك ثم نتلوه بما يظهر فيها من التحقيممق الممذي‬
‫عليممه المممر فممي نفسممه فنقممول إن مبنممى الكلم فممي هممذه‬
‫الصناعة عند الحكماء على حال المعادن السبعة المتطرقة و‬
‫هممي الممذهب و الفضممة و الرصمماص و القصممدير و النحمماس و‬
‫الحديد والخارصين هل هي مختلفات بالفصول و كلهمما أنممواع‬
‫قائمة بأنفسها أو إنها مختلفممة بخممواص مممن الكيفيممات و هممي‬
‫كلها أصناف لنوع واحد ؟ فالذي ذهب إليه أبو البصر الفارابي‬
‫و تابعه عليه حكماء الندلس أنها نوع واحد و أن اختلفها إنما‬
‫هو بالكيفيات مممن الرطوبممة و اليبوسممة و الليممن و الصمملبة و‬
‫اللوان من الصفرة و البيمماض والسممواد و هممي كلهمما أصممناف‬
‫لذلك النوع الواحد و الذي ذهب إليه ابن سممينا و تممابعه عليممه‬
‫حكماء المشرق أنها مختلفة بالفصول و أنها أنواع متباينة كل‬
‫واحد منها قائم بنفسممه متحقممق بحقيقتممه لممه فصممل و جنممس‬
‫شأن سائر النواع‪ .‬و بنى أبو نصر الفارابي على مممذهبه فممي‬
‫اتفاقها بالنوع إمكان انقلب بعضها إلممى بعممض لمكممان تبممدل‬
‫الغممراض حينئذ و علجهمما بالصممنعة‪ .‬فمممن هممذا المموجه كممانت‬
‫صناعة الكيمياء عنده ممكنة سهلة المأخممذ‪ .‬و بنممى أبممو علممي‬
‫بن سينا على مذهبه في اختلفها بالنوع إنكار هذه الصممنعة و‬
‫استحالة وجودها بناء على أن الفصل ل سبيل بالصممناعة إليممه‬
‫و إنما يخلقه خالق الشياء و مقدرها و هو الله عممز و جممل‪ .‬و‬
‫الفصممول مجهولممة الحقممائق رأسمما بالتصمموف فكيممف يحمماول‬
‫انقلبهمما بالصممنعة‪ .‬و غلطممه الطغممرائي مممن أكممابر أهممل هممذه‬
‫الصناعة في هذا القول‪ .‬و رد عليه بأن التدبير و العلج ليممس‬
‫فمي تخليممق الفصممل و إبمداعه و إنممما هممو فمي إعممداد المممادة‬
‫لقبوله خاصة‪ .‬و الفصل يأتي من بعد العداد من لدن خممالقه‬
‫و بارئه كما يفيض النور على الجسام بالصقل و المهاء‪ .‬و ل‬
‫حاجة بنا في ذلك إلى تصمموره و معرفتممه قممال‪ :‬و إذا كنمما قممد‬
‫عثرنا على تخليق بعض الحيوانات ممع الجهمل بفصمولها مثمل‬
‫العقرب مممن الممتراب و النتممن و مثممل الحيممات المتكونممة مممن‬
‫الشعر و مثل ما ذكره أصحاب الفلحة من تكمموين النحممل إذا‬
‫فقدت من عجاجيل البقر‪ .‬و تكوين القصب من قممرون ذوات‬
‫الظلف و تصييره سكرا بحشو القرون بالعسل بين يدي ذلك‬
‫الفلح للقرون فما المانع إذا من العثور علممى مثممل ذلممك فممي‬
‫الذهب و الفضة‪ .‬فتتخذ مممادة تضمميفها للتممدبير بعممد أن يكممون‬
‫فيها استعداد أول لقبول صورة الذهب و الفضة‪ .‬ثممم تحاولهمما‬
‫بالعلج إلى أن يتم فيها الستعداد لقبول فصمملها‪ .‬انتهممى كلم‬
‫الطغرائي بمعناه‪ .‬و هو الذي ذكرة في الرد علممى ابممن سممينا‬
‫صحيح‪ .‬لكن لنا في الرد على أهل هذه الصممناعة مأخممذا آخممر‬
‫يتممبين منممه اسممتحالة وجودهمما و بطلن مزعمهممم أجمعيممن ل‬
‫الطغرائي و ل ابن سينا‪ .‬و ذلك أن حاصل علجهم أنهممم بعممد‬
‫الوقوف علممى المممادة المسممتعدة بالسممتعداد الول يجعلونهمما‬
‫موضوعا و يحاذون في تدبيرها و علجها تممدبير الطبيعممة فممي‬
‫الجسم المعدني حتى أحالته ذهبا أو فضة و يضاعفون القوى‬
‫الفاعلممة و المنفعلممة ليتممم فممي زمممان أقصممر‪ .‬لنممة تممبين فممي‬
‫موضوعه أن مضاعفة قوة الفاعل تنقممص مممن زمممن فعلممه و‬
‫تبين أن الذهب إنما يتم كونه في معممدنه بعممد ألممف و ثمممانين‬
‫من السنين دورة الشمس الكممبرى فممإذا تضمماعفت القمموى و‬
‫الكيفيات في العلج كان زمن كونه أقصر مممن ذلممك ضممرورة‬
‫على ما قلناه أو يتحرون بعلجهم ذلك حصول صورة مزاجيممة‬
‫لتلك المادة تصيرها كممالخميرة فتفعممل فممي الجسممم المعالممج‬
‫الفاعيل المطلوبة في إحممالته و ذلممك هممو الكسممير علممى ممما‬
‫تقدم‪ .‬و اعلم أن كل متكون مممن المولممدات العنصممرية فلبممد‬
‫فيه من اجتماع العناصممر الربعممة علممى نسممبة متفاوتممة إذ لممو‬
‫كانت متكافئة في النسبة لما تم امتزاجهمما فلبممد مممن الجممزء‬
‫الغالب على الكل‪ .‬و لبد في كل ممتزج مممن المولممدات مممن‬
‫حرارة غريزية هي الفاعلة لكونها الحافظة لصمورته‪ ،‬ثمم كمل‬
‫متكون في زمممان فلبممد مممن اختلف أطممواره و انتقمماله فممي‬
‫زمن التكوين من طور إلى طممور حممتى ينتهممي إلممى غممايته‪ .‬و‬
‫انظر شأن النسان في طور النطفة ثم العلقممة ثممم المضممغة‬
‫ثم التصوير ثم الجنين ثم المولود ثم الرضيع ثم إلى نهايته‪ .‬و‬
‫نسب الجزاء في كل طور تختلف في مقاديرها و كيفياتهمما و‬
‫إل لكان الطور الول بعينه هو الخر و كذا الحممرارة الغريزيممة‬
‫في كل طور مخالفة لها في الطور الخر‪ .‬فانظر إلى الذهب‬
‫ما يكون له في معدنه من الطوار منذ ألف سنة و ثمممانين و‬
‫ما ينتقل فيه من الحمموال فيحتمماج صمماحب الكيميمماء إلممى أن‬
‫يساوق فعل الطبيعة في المعدن و يحمماذيه بتممدبيره و علجممه‬
‫إلى أن يتم‪ .‬و من شرط الصممناعة أبممدا تصممورها يقصممد إليممه‬
‫بالصممنعة فمممن المثممال السممائرة للحكممماء أول العمممل آخممر‬
‫الفكممرة و آخممر الفكممرة أول العمممل‪ .‬فلبممد مممن تصممور هممذه‬
‫الحالت للذهب في أحواله المتعددة و نسممبها المتفاوتممة فممي‬
‫كممل طممور و اختلف الحممار الغريممزي عنممد اختلفهمما و مقممدار‬
‫الزمممان فممي كممل طممور و ممما ينمموب عنممه مممن مقممدار القمموى‬
‫المضاعفة و يقوم مقامه حتى يحاذي بذلك كله فعل الطبيعة‬
‫فممي المعممدن أو تعممد لبعممض المممواد صممورة مزاجيممة كصممورة‬
‫الخميرة للخبز و تفعل في هممذه المممادة بالمناسممبة لقواهمما و‬
‫مقاديرها‪ .‬و هذه المادة إنما يحصرها العلم المحيط والعلمموم‬
‫البشرية قاصرة عن ذلك و إنما حال من يدعي حصوله علممى‬
‫الذهب بهذه الصنعة‪ .‬بمثابة من يدعي بالصنعة تخليق إنسمان‬
‫من المني‪ .‬و نحن إذا سلمنا له الحاطممة بممأجزائه و نسممبته و‬
‫أطواره و كيفية تخليقه في رحمه و علمم ذلمك علمما محصمل‬
‫بتفاصيله حتى ل يشذ منه شيء عن علمه سمملمنا لممه تحليممق‬
‫هذا النسان وأنى له ذلك‪ .‬و لنقرب هممذا البرهممان بالختصممار‬
‫ليسهل فهمه فنقول حاصل صناعة الكيمياء و ما يدعونه بهذا‬
‫التدبير أنمه مسماوقة الطبيعيممة المعدنيممة بالفعمل الصممناعي و‬
‫محاذاتها به إلى أن يتم كون الجسم المعدني أو تخليق مممادة‬
‫بقوى و أفعال و صورة مزاجية تفعل في الجسم فعل طبيعيا‬
‫فتصمميره و تقلبممه إلممى صممورتها‪ .‬و الفعممل الصممناعي مسممبوق‬
‫بتصورات أحوال الطبيعة المعدنية الممتي يقصممد مسمماوقتها أو‬
‫محاذاتها أو فعل المادة ذات القوى فيها تصورا مفصل واحدة‬
‫بعد أخرى‪ .‬و تلك الحوال ل نهاية لها و العلم البشممري عمماجز‬
‫عن الحاطة بما دونها و هو بمثابة من يقصد تخليق إنسان أو‬
‫حيوان أو نبات‪ .‬هذا محصل هذا البرهان و هو أوثق ما علمته‬
‫و ليست الستحالة فيه من جهة الفصول كما رأيتممه و ل مممن‬
‫الطبيعة إنما هو من تعذر الحاطة و قصور البشر عنها‪ .‬و ممما‬
‫ذكره ابن سينا بمعزل عن ذلك و له وجه آخر في السممتحالة‬
‫من جهة غايته‪ .‬و ذلك أن حكمة الله في الحجرين و ندورهما‬
‫أنهما قيم لمكاسب الناس و متمممولتهم‪ .‬فلممو حصممل عليهممما‬
‫بالصنعة لبطلت حكمة الله في ذلك و كثر وجودهممما حممتى ل‬
‫يحصل أحد مممن اقتنائهممما علممى شمميء‪ .‬و لممه وجممه آخممر مممن‬
‫الستحالة أيضا و هو أن الطبيعة ل تترك أقرب الطريممق فممي‬
‫أفعالها و ترتكممب العمموص و البعممد‪ .‬فلممو كممان هممذا الطريممق‬
‫الصناعي الذي يزعمون أنه صمحيح و أنمه أقمرب ممن طريمق‬
‫الطبيعة في معممدنها أو أقممل زمانمما لممما تركتممه الطبيعممة إلممى‬
‫طريقها الذي سلكته في كون الفضة و الممذهب و تخلقهممما و‬
‫أما تشبيه الطغراءي هذا التدبير بما عثر عليممه مممن مفممردات‬
‫لمثاله في الطبيعة كالعقرب و النحل و الحية وتخليقها فأمر‬
‫صحيح في هذه أدى إليه العثور كما زعم‪ .‬و أما الكيمياء فلممم‬
‫تنقل عن أحد من أهل العالم أنه عثر عليها و ل على طريقها‬
‫و ما زال منتحلوها يخبطون فيها عشممواء إلممى هلممم جممرا و ل‬
‫يظفرون إل بالحكايات الكاذبممة‪ .‬و لممو صممح ذلممك لحممد منهممم‬
‫لحفظه عنه أولده أو تلميذه و أصحابه و تنوقل في الصدقاء‬
‫و ضمن تصديقه صحة العمل بعده إلى أن ينتشر و يبلغ إلينمما‬
‫و إلى غيرنا‪ .‬و أما قولهم إن الكسير بمثابممة الخميممرة‪ .‬و إنممه‬
‫مركممب يحيممل ممما يحصممل فيممه و يقلبممه إلممى ذلممك فمماعلم أن‬
‫الخميمرة إنمما تقلمب العجيمن و تعمده للهضمم و همو فسماد و‬
‫الفساد في المممواد سممهل يقممع بأيسممر شمميء مممن الفعممال و‬
‫الطبممائع‪ .‬و المطلمموب بالكسممير قلممب المعممدن إلممى ممما هممو‬
‫أشرف منه و أعلى فهو تكوين و صلح و التكوين أصعب من‬
‫الفساد فل يقاس الكسير بالخميرة‪ .‬و تحقيق المر في ذلممك‬
‫أن الكيمياء إن صح وجودها كممما تزعممم الحكممماء المتكلمممون‬
‫فيها مثل جابر بممن حيممان و مسمملمة بممن أحمممد المجريطممي و‬
‫أمثممالهم فليسممت مممن بماب الصممنائع الطبيعيممة و ل تتممم بممأمر‬
‫صناعي‪ .‬و ليس كلمهم فيها من منحممى الطبيعيممات إنممما هممو‬
‫من منحى كلمهم في المور السحرية و سائر الخوارق و ممما‬
‫كان من ذلممك للحلج و غيممره و قممد ذكممر مسمملمة فممي كتمماب‬
‫الغاية ما يشبة ذلك‪ .‬و كلمه فيها في كتاب رتبة الحكيم مممن‬
‫هذا المنحى و هذا كلم جابر في رسائله و نحممو كلمهممم فيممه‬
‫معروف و ل حاجة بنا إلى شرحه و بالجملممة فأمرهمما عنممدهم‬
‫من كليات المواد الخارجة عن حكم الصنائع فكما ل يتدبر ممما‬
‫منه الخشب و الحيوان في يوم أو شهر خشبا أو حيوانا فيممما‬
‫عدا مجرى تخليقه كذلك ل يتدبر ذهب من مادة الممذهب فممي‬
‫يوم و ل شهر و ل يتغير طريق عادته إل بإرفاد ما وراء عممالم‬
‫الطبممائع و عمممل الصممنائع فكممذلك مممن طلممب الكيميمماء طلبمما‬
‫صممناعيا ضمميع ممماله و عملممه و يقممال لهممذا التممدبير الصممناعي‬
‫التدبير العقيم لن نيله إن كان صممحيحا فهممو واقممع مممما وراء‬
‫الطبائع و الصممنائع كالمشممي علممى الممماء و امتطمماء الهممواء و‬
‫النفوذ في كشائف الجساد و نحو ذلك من كرامممات الوليمماء‬
‫الخارقة للعادة أو مثل تخليق الطيممر و نحوهمما مممن معجممزات‬
‫النبياء‪ .‬قال تعالى‪ :‬وإذ تخلق من الطين كهيئة الطيممر بممإذني‬
‫فتنفخ فيها فتكون طيرا بإذني وتبرئ الكمه والبممرص بممإذني‬
‫و على ذلك فسبيل تيسيرها مختلف بحسب حال من يؤتاهمما‪.‬‬
‫فربما أوتيها الصالح و يؤتيها غيره فتكون عنده معارة‪ .‬و ربما‬
‫أوتيها الصالح و ل يملك إيتاءها فل تتممم فمي يمد غيممره‪ .‬و مممن‬
‫هذا الباب يكون عملها سحريا فقد تبين أنها إنما تقع بتأثيرات‬
‫النفوس و خوارق العادة إممما معجممزة أو كرامممة أو سممحرا‪ .‬و‬
‫لهذا كان كلم الحكماء كلهم فيها إلغازا ل يظفممر بحقيقتممه إل‬
‫من خاض لجة من علم السحر و اطلع على تصرفات النفس‬
‫في عالم الطبيعممة‪ .‬و أمممور خممرق العممادة غيممر منحصممرة و ل‬
‫يقصد أحد إلى تحصيلها‪ .‬و الله بما يعملون محيط‪ .‬و أكثر ممما‬
‫يحمل على التماس هذه الصممناعة و انتحالهمما هممو كممما قلنمماه‬
‫العجممز عممن الطممرق الطبيعيممة للمعمماش و ابتغمماؤه مممن غيممر‬
‫وجمموهه الطبيعيممة كالفلحممة و التجممارة و الصممناعة فيصممعب‬
‫العاجز ابتغاءه ممن همذه و يمروم الحصمول علمى الكمثير ممن‬
‫المال دفعة بوجوه غير طبيعية من الكيمياء و غيرهمما‪ .‬و أكممثر‬
‫من يعني بذلك الفقراء من أهل العمران حممتى فممي الحكممماء‬
‫المتكلمين في إنكارهمما و اسممتحالتها‪ .‬فممإن ابممن سممينا القممائل‬
‫باستحالتها كان عليه الوزراء فكان من أهل الغنى و الثروة و‬
‫الفارابي القائل بإمكانها كان من أهممل الفقممر الممذين يعمموزهم‬
‫أدنى بلغة من المعاش و أسممبابه‪ .‬و هممذه تهمممة ظمماهرة فممي‬
‫أنظار النفوس المولعة بطرقها و انتحالها‪ .‬و اللممه الممرازق ذو‬
‫القوة المتين ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الرابع و الثلثون‪ :‬في أن كثرة التآليف في‬


‫العلوم عائقة عن التحصيل‬
‫اعلم أنه مما أضر بالناس في تحصيل العلم و الوقوف علممى‬
‫غاياته كثرة التآليف و اختلف الصطلحات في التعاليم و تعد‬
‫طرقها ثم مطالبة المتعلم و التلميذ باستحضار ذلممك‪ .‬و حينئذ‬
‫يسلم له منصب التحصيل فيحتاج المتعلم إلى حفظها كلها أو‬
‫أكثرها و مراعاة طرقها‪ .‬و ل يفي عمره بما كتب في صناعة‬
‫واحدة إذا تجرد لها فيقع القصور و لبد دون رتبة التحصيل‪ .‬و‬
‫يمثل ذلك مممن شممأن الفقممه فممي المممذهب المممالكي بممالكتب‬
‫المدونة مثل و ما كتب عليهمما مممن الشممروحات الفقهيممة مثممل‬
‫كتمماب ابممن يممونس و اللخمممي و ابممن بشممير و التنبيهممات و‬
‫المقدمات و البيان و التحصيل على العتبية و كذلك كتاب ابن‬
‫الحاجب و ما كتب عليه‪ .‬ثم إنممه يحتمماج إلممى تمييممز الطريقممة‬
‫القيروانيممة مممن القرطبيممة و البغداديممة و المصممرية و طممرق‬
‫المتممأخرين عنهممم و الحاطممة بممذلك كلممه و حينئذ يسمملم لممه‬
‫منصب الفتيا و هي كلها متكممررة والمعنممى واحممد‪ .‬و المتعلممم‬
‫مطالب باستحضار جميعها و تمييز ممما بينهمما والعمممر ينقضممي‬
‫فممي واحممد منهمما‪ .‬و لممو اقتصممر المعلمممون بممالمتعلمين علممى‬
‫المسائل المذهبية فقط لكمان الممر دون ذلمك بكمثير و كمان‬
‫التعليم سممهل و مأخممذه قريبمما و لكنممه داء ل يرتفممع لسممتقرار‬
‫العمموائد عليممه فصممارت كالطبيعممة الممتي ل يمكممن نقلهمما و ل‬
‫تحويلها و يمثل أيضا علم العربية من كتمماب سمميبويه و جميممع‬
‫ما كتب عليه و طممرق البصممريين و الكمموفيين و البغممداديين و‬
‫الندلسيين من بعدهم و طرق المتقدمين و المتممأخرين مثممل‬
‫ابن الحاجب و ابممن مالممك و جميممع ممما كتممب فممي ذلممك كيممف‬
‫يطالب به المتعلم و ينقضي عمره دونه و ل يطمممع أحممد فمي‬
‫الغاية منه إل في القليل النادر مثل ما وصممل إلينمما بممالمغرب‬
‫لهذا العهد من تآليف رجل من أهل صناعة العربية مممن أهممل‬
‫مصر يعرف بابن هاشم ظهممر مممن كلمممه فيهمما أنممه اسممتولى‬
‫على غاية من ملكة تلك الصممناعة لممم تحصممل إل لسممييبويه و‬
‫ابن جني و أهل طبقتهما لعظيممم ملكتممه و ممما أحمماط بممه مممن‬
‫أمصول ذلك الفممن و تفمماريعه و حسممن تصممرفه فيممه‪ .‬و ذلممك‬
‫على أن الفضل ليس منحصرا في المتقممدمين سمميما مممع ممما‬
‫قممدمناه مممن كممثرة الشممواغب بتعممدد المممذاهب و الطممرق و‬
‫التآليف و لكن فضل الله يممؤتيه مممن يشمماء‪ .‬و هممذا نممادر مممن‬
‫نوادر الوجود و إل فالظاهر أن المتعلم و لو قطع عمممره فممي‬
‫هذا كله فل يفي له بتحصيل علم العربيممة مثل الممذي هممو آلممة‬
‫مممن اللت و وسمميلة فكيممف يكممون فممي المقصممود الممذي هممو‬
‫الثمرة ؟ و لكن الله يهدي من يشاء‪.‬‬

‫الفصممل الخممامس و الثلثممون‪ :‬فممي المقاصممد الممتي‬


‫ينبغي اعتمادها بالتأليف و إلغاء ما سواها‬
‫اعلم أن العلوم البشرية خزانتها النفس النسممانية بممما جعممل‬
‫الله فيها من الدراك الذي يفيدها ذلممك الفكممر المحصممل لهمما‬
‫ذلك بالتصور للحقائق أول‪ ،‬ثم بإثبات العوارض الذاتية لهمما أو‬
‫نفيها عنها ثانيا‪ ،‬إما بغير وسط أو بوسط‪ ،‬حتى يستنتج الفكر‬
‫بذلك مطالبه التي يعنى بإثباتها أو نفيهمما‪ .‬فممإذا اسممتقرت مممن‬
‫ذلك صورة علمية في الضمير فلبد من بيانها لخر‪ :‬إما علممى‬
‫وجه التعليممم‪ ،‬أو علممى وجممه المفاوضممة‪ ،‬تصممقل الفكممار فممي‬
‫تصممحيحها‪ .‬و ذلمك البيمان إنمما يكممون بالعبممارة‪ ،‬و هممي الكلم‬
‫المركب مممن اللفمماظ النطقيممة الممتى خلقهمما اللممه فممي عضممو‬
‫اللسممان مركبممة مممن الحممروف‪ ،‬و هممي كيفيممات الصمموات‬
‫المقطعة بعضلة اللهاة و اللسان ليتبين بها ضمائر المتكلمين‬
‫بعضهم لبعض في مخاطباتهم و هذه رتبممة أولممى فممي البيممان‬
‫عما في الضمائر‪ ،‬و إن كان معظمها و أشرفها العلوم‪ ،‬فهممي‬
‫شاملة لكل ما يندرج فممي الضمممير مممن خممبر أو إنشمماء علممى‬
‫العموم‪ .‬و بعد هذه الرتبة الولى من البيان رتبة ثانية ل يؤدى‬
‫بها ما في الضمممير‪ ،‬لمممن تمموارى أو غمماب شخصممه و بعممد‪ ،‬أو‬
‫لمن يأتي بعد و لم يعاصره و ل لقيممه‪ .‬و هممذا البيممان منحصممر‬
‫فممي الكتابممة‪ ،‬و هممي رقمموم باليممد تممدل أشممكالها و صممورها‬
‫بالتواضممع علممى اللفمماظ النطقيممة حروفمما بحممروف و كلمممات‬
‫بكلمات‪ ،‬فصار البيممان فيهمما علممى ممما فممي الضمممير بواسممطة‬
‫الكلم المنطقممي‪ ،‬فلهممذا كممانت فممي الرتبممة الثانيممة واحممدا‪،‬‬
‫فسمي هذا البيان‪ .‬يدل على ما فممي الضمممائر مممن العلمموم و‬
‫المعممارف‪ ،‬فهممو أشممرفها‪ .‬و أهممل الفنممون معتنممون يإيممداع ممما‬
‫يحصممل فممي ضمممائرهم مممن ذلممك فممي بطممون الوراق بهممذه‬
‫الكتابة‪ ،‬لتعلم الفائدة في حصوله للغائب و المتممأخر و هممؤلء‬
‫هممم المؤلفممون‪ .‬و التممآليف بيممن العمموالم البشممرية و المممم‬
‫النسمانية كمثير‪ ،‬و منتقلمة فمي الجيمال و العصمار و تختلمف‬
‫باختلف الشرائع و الملل و الخبار عن المم و الدول‪ .‬و أممما‬
‫العلوم الفلسفية‪ ،‬فل اختلف فيها‪ ،‬لنها إنما تممأتي علممى نهممج‬
‫واحد‪ ،‬فيما تقتضيه الطبيعة الفكرية‪ ،‬فممي تصممور الموجممودات‬
‫على ما هي عليه‪ ،‬جسمانيها و روحانيها و فلكيهمما و عنصممريها‬
‫و مجردها و مادتها‪ .‬فإن هممذه العلمموم ل تختلممف‪ ،‬و إنممما يقممع‬
‫الختلف في العلمموم الشممرعية لختلف الملممل‪ ،‬أو التاريخيممة‬
‫لختلف خارج الخبر‪ .‬ثم الكتابة مختلفمة باصمطلحات البشممر‬
‫في رسومها و أشكالها‪ ،‬و يسمممى ذلممك قلممما و خطمما‪ .‬فمنهمما‬
‫الخط الحميري‪ ،‬و يسمى المسند‪ ،‬و همو كتابمة حميمر و أهمل‬
‫اليمن القدمين‪ ،‬و هو يخممالف كتابممة العممرب المتممأخرين مممن‬
‫مضر‪ ،‬كما يخالف لغتهم‪ .‬و إن الكل عربيا‪ .‬إل أن ملكة هؤلء‬
‫في اللسان و العبارة غير ملكة أولئك‪ .‬و لكل منهممما قمموانين‬
‫كلية مستقرأة من عبارتهم غير قوانين الخرين‪ .‬و ربما يغلط‬
‫فممي ذلممك مممن ل يعممرف ملكممات العبممارة‪ .‬و منهمما الخممط‬
‫السرياني‪ ،‬و هو كتابة النبط و الكلدانيين‪ .‬و ربما يزعم بعممض‬
‫أهل الجهممل أنممه الخممط الطممبيعي لقممدمه فممإنهم كممانوا أقممدم‬
‫المم‪ ،‬و هذا وهممم‪ ،‬و مممذهب عممامي‪ .‬لن الفعممال الختياريممة‬
‫كلها ليس شيء منهمما بممالطبع‪ ،‬و إنممما هممو يسممتمر بالقممديم و‬
‫المران حتى يصير ملكممة راسممخة‪ ،‬فيظنهمما المشمماهد طبيعيممة‬
‫كما هو رأي كثير مممن البلممداء فممي اللغممة العربيممة‪ ،‬فيقولممون‪:‬‬
‫العرب كانت تعرب بممالطبع و تنطممق بممالطبع‪ .‬و هممذا وهممم‪ .‬و‬
‫منها الخط العبراني الذي هو كتابة بني عممابر بممن شممالح مممن‬
‫بني إسرائيل و غيرهم‪ .‬و منها الخط اللطيني‪ ،‬خط اللطينيين‬
‫من الروم‪ ،‬و لهم أيضا لسان مختممص بهممم‪ .‬و لكممل أمممة مممن‬
‫المم اصمطلح فمي الكتماب يعمزى إليهما و يختمص بهما‪ .‬مثمل‬
‫الممترك و الفرنممج و الهنممود و غيرهممم‪ .‬و إنممما وقعممت العنايممة‬
‫بالقلم الثلثة الولى‪ .‬أما السرياني فلقدمه كما ذكرنا‪ ،‬و أما‬
‫العربي و العبري فلتنزل القرآن و التمموراة بهممما بلسممانهما‪ .‬و‬
‫كان هذان الخطان بيانا لمتلوهما‪ ،‬فوقعت العناية بمنظومهما‬
‫أول و انبسطت قوانين لطراد العبمارة فمي تلمك اللغمة علمى‬
‫أسلوبها لتفهم الشرائع التكليفية مممن ذلممك الكلم الربمماني‪ .‬و‬
‫أما اللطيني فكان الروم‪ ،‬و هم أهل ذلك اللسان‪ ،‬لممما أخممذوا‬
‫بدين النصرانية‪ ،‬و هو كله مممن التمموراة‪ ،‬كممما سممبق فممي أول‬
‫الكتمماب‪ ،‬ترجممموا التمموراة و كتممب النبيمماء السممرائيليين إلممى‬
‫لغتهم‪ ،‬ليقتنصوا منها الحكام على أسمهل الطمرق‪ .‬و صمارت‬
‫عنايتهم بلغتهمم و كتمابتهم آكمد ممن سممواها‪ .‬و أمما الخطمموط‬
‫الخرى فلممم تقممع بهمما عنايممة‪ ،‬و إنممما هممي لكممل أمممة بحسممب‬
‫اصطلحها‪ .‬ثم إن الناس حصروا مقاصد التآليف الممتي ينبغممي‬
‫اعتمادها و إلغاء ما سواها‪ ،‬فعدوها سبعة‪:‬‬
‫أولها‪ :‬استنباط العلم بموضوعه و تقسمميم أبمموابه و فصمموله و‬
‫تتبع مسممائله‪ ،‬أو اسممتنباط مسممائل و مبمماحث تعممرض للعممالم‬
‫المحقق و يحرص على إيصاله بغيره‪ ،‬لتعم المنفعة به فيودع‬
‫ذلك بالكتاب في المصممحف‪ ،‬لعممل المتممأخر يظهممر علممى تلممك‬
‫الفائدة‪ ،‬كما وقع في الصول في الفقه‪ .‬تكلمم الشمافعى أول‬
‫فممي الدلممة الشممرعية اللفظيممة و لخصممها‪ ،‬ثممم جمماء الحنفيممة‬
‫فاستنبطوا مسائل القياس و استوعبوها‪ ،‬و انتفممع بممذلك مممن‬
‫بعدهم إلى الن‪.‬‬
‫و ثانيهمما‪ :‬أن يقممف علممى كلم الوليممن و تممآليفهم فيجممدها‬
‫مستغلقة على الفهام و يفتممح اللممه لممه فممي فهمهمما فيحممرص‬
‫علممى إبانممة ذلممك لغيممره ممممن عسمماه يسممتغلق عليممه‪ ،‬لتصممل‬
‫الفائدة لمستحقها‪ .‬و هممذه طريقممة البيممان لكتممب المعقممول و‬
‫المنقول‪ ،‬و هو فصل شريق‪.‬‬
‫و ثالثهمما‪ :‬أن يعممثر المتممأخر علممى غلممط أو خطممأ فممي كلم‬
‫المتقدمين ممممن اشممتهر فضممله و بعممد فممي الفممادة صمميتة‪ ،‬و‬
‫يستوثق في ذلك بالبرهان الواضح الذي ل مدخل للشك فيه‪،‬‬
‫فيحرص على إيصال ذلممك لمممن بعممدة‪ ،‬إذ قممد تعممذر محمموه و‬
‫نزعه بانتشار التآليف في الفاق و العصار‪ ،‬و شهرة المؤلف‬
‫و وثوق الناس بمعارفه‪ ،‬فيودع ذلك الكتاب ليقف علممى بيممان‬
‫ذلك‪.‬‬
‫و رابعها‪ :‬أن يكون الفممن الواحممد قممد نقصممت منممه مسممائل أو‬
‫فصول بحسب انقسام موضوعه فيقصد المطلممع علممى ذلممك‬
‫أن يتمم ممما نقممص مممن تلممك المسممائل ليكمممل الفممن بكمممال‬
‫مسائله و فصوله‪ ،‬و ل يبقى للنقص فيه مجال‪.‬‬
‫و خامسها‪ :‬أن تكون مسائل العلم قد وقعت غير مرتبممة فممي‬
‫أبوابها و ل منتظمة‪ ،‬فيقصممد المطلممع علممى ذلممك أن يرتبهمما و‬
‫يهذبها‪ ،‬و يجعل كل مسئلة في بابها‪ ،‬كممما وقممع فممي المدونممة‬
‫من رواية سحنون عن ابن القاسم‪ ،‬و في العتبيممة مممن روايممة‬
‫العتبي عن أصممحاب مالممك‪ ،‬فممإن مسممائل كممثيرة مممن أبممواب‬
‫الفقه منهمما قممد وقعممت فممي غيممر بابهمما فهممذب ابممن أبممي زيممد‬
‫المدونة و بقيت العتبية غير مهذبة‪ .‬فنجد في كل باب مسائل‬
‫من غيره‪ .‬و استغنوا بالمدونة و ما فعله ابن أبي زيممد فيهمما و‬
‫البرادعي من بعده‪.‬‬
‫و سادسها‪ :‬أن تكون مسائل العلممم مفرقممة فممي أبوابهمما مممن‬
‫علوم أخرى فيتنبه بعض الفضلء إلممى موضمموع ذلممك الفممن و‬
‫جميع مسائله‪ ،‬فيفعل ذلك‪ ،‬و يظهر به فن ينظمه فممي جملممة‬
‫العلموم الممتي ينتحلهمما البشمر بأفكممارهم‪ ،‬كممما وقمع فمي علممم‬
‫البيان‪ .‬فممإن عبممد القمماهر الجرجمماني و أبمما يوسممف السممكاكي‬
‫وجممدا مسممائله مسممتقرية فممي كتممب النحممو و قممد جمممع منهمما‬
‫الجاحظ في كتاب البيان و التبيين مسائل كثيرة‪ ،‬تنبه النمماس‬
‫فيها لموضوع ذلك العلم و انفراده عن سائر العلوم‪ ،‬فكتبممت‬
‫في ذلك تأليفهم المشهورة‪ ،‬و صممارت أصممول لفممن البيممان‪ ،‬و‬
‫لقنها المتأخرون فأربوا فيها على كل متقدم‪.‬‬
‫و سابعها‪ :‬أن يكممون الشمميء مممن التممآليف الممتي هممي أمهممات‬
‫للفنممون مطممول مسممهبا فيقصممد بالتممآليف تلخيممص ذلممك‪،‬‬
‫بالختصار و اليجاز و حذف المتكرر‪ ،‬إن وقع‪ ،‬مع الحممذر مممن‬
‫حذف الضروري لئل يخل بمقصد المؤلف الول‪.‬‬
‫فهممذه جممماع المقاصممد الممتي ينبغممي اعتمادهمما بالتممأليف و‬
‫مراعاتها‪ .‬و ما سوى ذلك ففعل غير محتاج إليه و خطممأ عممن‬
‫الجادة التي يتعين سلوكها في نظر العقلء‪ ،‬مثممل انتحممال ممما‬
‫تقدم لغيره من التآليف أن ينسبه إلى نفسممه ببعممض تلممبيس‪،‬‬
‫من تبديل اللفاظ و تقديم المتممأخر و عكسممه‪ ،‬أو يحممذف ممما‬
‫يحتمماج إليممه فممي الفممن أو يممأتي بممما ل يحتمماج إليممه‪ ،‬أو يبممدل‬
‫الصواب بالخطأ‪ ،‬أو يأتي بما ل فائدة فيه‪ .‬فهذا شممأن الجهممل‬
‫و القحة‪ .‬و لذا قال أرسطو‪ ،‬لما عدد هذه المقاصد‪ ،‬و انتهممى‬
‫إلى آخرها فقال‪ :‬و ما سوى ذلك ففصل أو شره‪ ،‬يعني بذلك‬
‫الجهل و القحة‪ .‬نعوذ بالله من العمل في ما ل ينبغي للعاقممل‬
‫سلوكه‪ .‬و الله يهدي للتي هي أقوم‪.‬‬

‫الفصممممل السممممادس و الثلثممممون فممممي أن كممممثرة‬


‫الختصارات المؤلفة في العلوم مخلة بالتعليم‬
‫ذهب كثير من المتأخرين إلى اختصار الطممرق و النحمماء فممي‬
‫العلوم يولعون بها و يدونون منها برنامجمما مختصممرا فممي كممل‬
‫علم يشتمل على حصر مسائله و أدلتها باختصار في اللفاظ‬
‫و حشو القليل منها بالمعاني الكثيرة من ذلممك الفممن‪ .‬و صممار‬
‫ذلك مخل بالبلغة و عسرا علممى الفهممم‪ .‬و ربممما عمممدوا إلممى‬
‫الكتممب المهممات المطولممة فممي الفنممون للتفسممير و البيممان‬
‫فاختصروها تقريبا للحفظ كما فعله ابن الحاجب في الفقه و‬
‫ابن مالك في العربية و الخونجي فممي المنطممق و أمثممالهم‪ .‬و‬
‫هو فساد في التعليم و فيه اخلل بالتحصمميل و ذلممك لن فيممه‬
‫تخليطا على المبتدئ بإلقاء الغايات من العلم عليه و هممو لممم‬
‫يستعد لقبولها بعد و هو من سوء التعليم كما سيأتي‪ .‬ثم فيممه‬
‫مممع ذلممك شممغل كممبير علممى المتعلممم بتتبممع ألفمماظ الختصممار‬
‫العويصة للفهممم بممتراحم المعمماني عليهمما و صممعوبة اسممتخراج‬
‫المسائل من بينها‪ .‬لن ألفاظ المختصرات تجدها لجممل ذلممك‬
‫صعبة عويصة فينقطع في فهمها حظ صالح عمن الموقت‪ .‬ثمم‬
‫بعد ذلك فالملكة الحاصلة من التعليم في تلممك المختصممرات‬
‫إذا تم على سداده و لم تعقبه آفممة فهممي ملكممة قاصممرة عممن‬
‫الملكات التي تحصممل مممن الموضمموعات البسمميطة المطولممة‬
‫لكثرة ما يقع في تلك من التكرار و الحالة المفيدين لحصول‬
‫الملكة التامة‪ .‬و إذا اقتصر على التكرار قصرت الملكة لقلته‬
‫كشأن هممذه الموضمموعات المختصممرة فقصممدوا إلممى تسممهيل‬
‫الحفظ على المتعلمين فأركبوهم صعبا يقطعهم عن تحصمميل‬
‫الملكات النافعة و تمكنها‪ .‬و من يهد الله فل مضل لممه و مممن‬
‫يضلل فل هادي له‪ .‬و الله سبحانه و تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل السابع و الثلثون‪ :‬فممي وجممه الصممواب فممي‬


‫تعليم العلوم و طريق إفادته‬
‫اعلم أن تلقين العلوم للمتعلميمن إنمما يكمون مفيمدا إذا كمان‬
‫على التدريج شيئا فشيئا و قليل قليل يلقى عليممه أول مسممائل‬
‫من كل باب من الفن هي أصول ذلك الباب‪ .‬و يقرب له فممي‬
‫شرحها على سبيل الجمممال و يراعممى فممي ذلممك قمموة عقلممه‬
‫واستعداده لقبول ما يرد عليه حتى ينتهممي إلممى آخممر الفممن و‬
‫عند ذلك يحصل لممه ملكممة فممي ذلممك العلممم إل أنهمما جزئيممة و‬
‫ضعيفة‪ .‬و غايتها أنها هيأته لفهم الفن و تحصيل مسممائله‪ .‬ثممم‬
‫يرجع به إلى الفن ثانية فيرفعه في التلقين عممن تلممك الرتبممة‬
‫إلممى أعلممى منهمما و يسممتوفى الشممرح و البيممان و يخممرج عممن‬
‫الجمال و يمذكر لمه مما هنالمك ممن الخلف و وجهمه إلمى أن‬
‫ينتهي إلى آخر الفن فتجود ملكته‪ .‬ثم يرجع به و قممد شممد فل‬
‫يترك عويصا و ل مهما و ل مغلقا إل وضحه و فتح لممه مقفلممه‬
‫فيخلص من الفن و قد استولى على ملكته هذا وجه التعليممم‬
‫المفيد و هو كما رأيت إنما يحصل فممي ثلثمما تكممرارات‪ .‬و قممد‬
‫يحصل للبعض في أقل من ذلك بحسب ما يخلق له و يتيسممر‬
‫عليه و قد شاهدنا كثيرا من المعلمين لهذا العهد الذي أدركنا‬
‫يجهلون طرق التعليم و إفاداته و يحضرون للمتعلم فممي أول‬
‫تعليمه المسائل المقفلة من العلم و يطالبونه بإحضممار ذهنممه‬
‫في حلها و يحسبون ذلك مرانا علممى التعليممم و صمموابا فيممه و‬
‫يكلفونه رعي ذلك و تحصيله و يخلطون عليه بممما يلقممون لممه‬
‫من غايات الفنون في مبادئها و قبل أن يسممتعد لفهمهمما فممإن‬
‫قبممول العلممم و السممتعدادات لفهمممه تنشممأ تممدريجا و يكممون‬
‫المتعلم أول المر عاجزا عن الفهم بالجملممة إل فممي القممل و‬
‫على سبيل التقريب و الجمال والمثال الحسنة‪ .‬ثممم ل يممزال‬
‫الستعداد فيه يتدرج قليل قليل بمخالفة مسائل ذلممك الفممن و‬
‫تكرارها عليه و النتقممال فيهمما مممن التقريممب إلممى السممتيعاب‬
‫الذي فوقه‪ ،‬حتى تتم الملكة في الستعداد ثم فممي التحصمميل‬
‫و يحيممط هممو بمسممائل الفممن و إذا ألقيممت عليممه الغايممات فممي‬
‫البداءات و هو حينئذ عاجز عممن الفهممم و المموعي و بعيممد عممن‬
‫الستعداد له كل ذهنه عنها و حسب ذلك مممن صممعوبة العلممم‬
‫في نفسه فتكاسل عنمه و انحمرف عمن قبموله و تممادى فمي‬
‫هجرانه‪ .‬و إنما إلى ذلك من سوء التعليم‪ .‬و ل ينبغي للمعلممم‬
‫أن يزيد متعلمه على فهم كتابه الذي أكب على التعليممم منممه‬
‫بحسممب طماقته و علممى نسمبة قبمموله للتعليممم مبتمدئا كممان أو‬
‫منتهيا و ل يخلط مسائل الكتاب بغيرها حممتى يعيممه مممن أولممه‬
‫إلى أخره و يحصل أغراضه و يسممتولي منممه علممى ملكممة بهمما‬
‫ينفذ في غيره‪ .‬لن المتعلم إذا حصل ملكة ما فممي علممم مممن‬
‫العلوم استعد بها لقبول ما بقي و حصل له نشاط في طلممب‬
‫المزيد و النهوض إلممى ممما فمموق حممتى يسممتولي علممى غايممات‬
‫العلم و إذا خلط عليه المر عجز عن الفهم و أدركه الكلل و‬
‫انطمس فكره و يئس من التحصيل و هجر العلممم و التعليممم‪.‬‬
‫و الله يهدي من يشاء‪ .‬و كذلك ينبغي لممك أن ل تطممول علممى‬
‫المتعلم في الفن الواحد بتفريق المجالس و تقطيع ممما بينهمما‬
‫لنه ذريعة إلى النسيان و انقطمماع مسممائل الفممن بعضممها مممن‬
‫بعض فيعسر حصول الملكة بتفريقها‪ .‬و إذا كانت أوائل العلم‬
‫و أواخره حاضرة عند الفكرة مجانبة للنسمميان كممانت الملكممة‬
‫أيسر حصول و أحكم ارتباطا و أقرب صنعة لن الملكات إنما‬
‫تحصل بتتابع الفعل و تكممراره و إذا تنوسممي الفعممل تنوسمميت‬
‫الملكة الناشئة عنه‪ .‬و الله علمكم ما لممم تكونمموا تعلمممون‪ .‬و‬
‫من المممذاهب الجميلممة و الطممرق الواجبممة فممي التعليممم أن ل‬
‫يخلممط علممى المتعلممم علمممان معمما فممإنه حينئذ قممل أن يظفممر‬
‫بواحد منهما لما فيه مممن تقسمميم البممال و انصممرافه عممن كممل‬
‫واحد منهما إلى تفهم الخر فيسممتغلقان معمما و يستصممعبان و‬
‫يعود منهما بالخيبة‪ .‬و إذا تفرغ الفكممر لتعليممم ممما هممو بسممبيله‬
‫مقتصرا عليه فربما كان ذلك أجدر لتحصيله و الله سمبحانه و‬
‫تعالى الموفممق للصممواب‪ .‬و اعلممم أيهمما المتعلممم أنممي أتحفممك‬
‫بفممائدة فممي تعلمممك فممإن تلقيتهمما بممالقبول و أمسممكتها بيممد‬
‫الصناعة ظفرت بكنممز عظيممم و ذخيممرة شممريفة و أقممدم لممك‬
‫مقدمة تعينك في فهمهمما و ذلممك أن الفكممر النسمماني طبيعممة‬
‫مخصوصة فطرها الله كما فطر سائر مبتدعاته و هو وجممدان‬
‫حركة للنفس في البطممن الوسممط مممن الممدماغ‪ .‬تممارة يكممون‬
‫مبدأ للفعال النسانية على نظام و ترتيب و تارة يكون مبممدأ‬
‫لعلم ما لم يكن حاصل بأن يتوجه إلى المطلوب‪ .‬و قد يصممور‬
‫طرفيه يروم نفيممه أو إثبمماته فيلمموح لممه الوسممط الممذي يجمممع‬
‫بينهما أسرع من لمممح البصممر إن كممان واحممدا‪ .‬أو ينتقممل إلممى‬
‫تحصيل آخر إن كان متعددا و يصير إلى الظفر بمطلوبه هممذا‬
‫شأن هذه الطبيعة الفكرية التي تميز بها البشر من بين سائر‬
‫الحيوانممات‪ .‬ثممم الصممناعة المنطقيممة هممي كيفيممة فعممل هممذه‬
‫الطبيعة الفكرية النظريممة تصممفه لتعلممم سممداده مممن خطئه و‬
‫أنها و إن كان الصواب لها ذاتيا إل أنه قمد يعمرض لهما الخطمأ‬
‫في القل من تصور الطرفين على غير صورتهما من اشممتباه‬
‫الهيئات فممي نظممم القضممايا و ترتيبهمما للنتمماج فتعيممن المنطممق‬
‫للتخلص من ورطة هذا الفساد إذا عرض‪ .‬فممالمنطق إذا أمممر‬
‫صناعي مساوق للطبيعة الفكرية و منطبق على صورة فعلها‬
‫و لكونه أمرا صناعيا استغني عنممه فممي الكممثر‪ .‬و لممذلك تجممد‬
‫كثيرا من فحول النظار في الخليقة يحصلون على المطممالب‬
‫في العلوم دون صممناعة علممم المنطممق و ل سمميما مممع صممدق‬
‫النية و التعرض لرحمة الله تعالى فإن ذلممك أعظممم معنممى‪ .‬و‬
‫يسلكون بالطبيعة الفكرية على سدادها فيفضي بممالطبع إلممى‬
‫حصول الوسط و العلم بالمطلوب كما فطرها الله عليه‪ .‬ثممم‬
‫من دون هذا المر الصناعي الذي هو المنطق مقدمممة أخممرى‬
‫مممن التعلممم و هممي معرفممة اللفمماظ و دللتهمما علممى المعمماني‬
‫الذهنيممة تردهمما مممن مشممافهة الرسمموم بالكتمماب و مشممافهة‬
‫اللسممان بالخطمماب‪ .‬فلبممد أيهمما المتعلممم مممن مجاوزتممك هممذه‬
‫الحجب كلها إلى الفكممر فممي مطلوبممك‪ .‬فممأول‪ :‬دللممة الكتابممة‬
‫المرسممومة علممى اللفمماظ المقولممة و هممي أخفهمما ثممم دللممة‬
‫اللفاظ المقولة علممى المعمماني المطلوبممة ثممم القمموانين فممي‬
‫ترتيب المعاني للستدلل في قوالبها المعروفممة فممي صممناعة‬
‫المنطق‪ .‬ثم تلك المعاني مجردة في الفكر اشتراطا يقتنممص‬
‫بهمما المطلمموب بالطبيعممة الفكريممة بممالتعرض لرحمممة اللممه و‬
‫مواهبه‪ .‬و ليس كل أحممد يتجمماوز هممذه المراتممب بسممرعة و ل‬
‫يقطع هذه الحجب في التعليم بسهولة‪ ،‬بل ربما وقف الممذهن‬
‫في حجب اللفاظ بالمناقشممات أو عممثر فممي اشممتراك الدلممة‬
‫بشغب الجدال و الشبهات و قعد عممن تحصمميل المطلمموب‪ .‬و‬
‫لم يكد يتخلص من تلك الغمرة إل قليل ممن هداه الله‪ .‬فممإذا‬
‫ابتليت بمثل ذلك و عرض لك ارتباك فممي فهمممك أو تشممغيب‬
‫بالشبهات في ذهنممك فمماطرح ذلممك و انتبممذ حجممب اللفمماظ و‬
‫عوائق الشبهات و أترك المر الصناعي جملممة و اخلممص إلممى‬
‫فضاء الفكر الطبيعي الذي فطرت عليه‪ .‬و سرح نظرك فيممه‬
‫و فرغ ذهنك فيه للغوص على مرامك منممه واضممعا لهمما حيممث‬
‫وضعها أكابر النظار قبلك مستعرضا للفتح من الله كممما فتممح‬
‫عليهم من ذهنهم من رحمته و علمهم ما لم يكونوا يعلمممون‪.‬‬
‫فإذا فعلت ذلك أشرقت عليك أنوار الفتممح مممن اللممه بممالظفر‬
‫بمطلوبممك و حصممل المممام الوسممط الممذي جعلممه اللممه مممن‬
‫مقتضيات هذا الفكر و نظره عليه كممما قلنمماه و حينئذ فممارجع‬
‫به إلى قوالب الدلة و صورها فأفرغه فيها و وفممه حقممه مممن‬
‫القانون الصناعي ثم اكسه صور اللفاظ و أبممرزة إلممى عممالم‬
‫الخطاب و المشافهة وثيق العممرى صممحيح البنيممان‪ .‬و أممما إن‬
‫وقفممت عنممد المناقشممة و الشممبهة فممي الدلممة الصممناعية و‬
‫تمحيممص صمموابها مممن خطئهمما و هممذه أمممور صممناعية وضممعية‬
‫تستوي جهاتها المتعددة و تتشابه لجل الوضع والصطلح فل‬
‫تتميز جهة الحق منهمما إذ جهممة الحممق إنممما تسممتبين إذا كممانت‬
‫بالطبع فيسممتمر ممما حصممل مممن الشممك و الرتيمماب و تسممدل‬
‫الحجب على المطلوب و تقعد بالنمماظر عممن تحصمميله‪ .‬و هممذا‬
‫شأن الكثرين من النظار و المتأخرين سيما مممن سممبقت لممه‬
‫عجمة في لسانه فربطت عن ذهنمه و مممن حصمل لممه شممغب‬
‫بالقانون المنطقي تعصب له فاعتقد أنه الذريعممة إلممى إدراك‬
‫الحق بالطبع فيقع في الحيرة بين شبه الدلة و شممكوكها و ل‬
‫يكاد يخلص منها‪ .‬و الذريعة إلى إدراك الحق بالطبع إنممما هممو‬
‫الفكر الطبيعي كما قلناه إذا جرد عن جميع الوهام و تعممرض‬
‫الناظر فيه إلى رحممة اللمه تعمالى و أمما المنطمق فإنمما همو‬
‫واصف لفعل هذا الفكر فيساوقه في الكممثر‪ .‬فمماعتبر ذلممك و‬
‫استمطر رحمة الله تعالى متى أعوزك فهم المسائل تشممرق‬
‫عليك أنواره باللهام إلى الصواب‪ .‬و الله الهادي إلمى رحمتممه‬
‫و ما العلم إل من عند الله‪.‬‬

‫الفصل الثامن و الثلثون‪ :‬في أن العلوم اللهيممة ل‬


‫توسع فيها النظار و ل تفرع المسائل‬
‫اعلم أن العلوم المتعارفة بين أهممل العمممران علممى صممنفين‪:‬‬
‫علوم مقصودة بالذات كالشرعيات من التفسير و الحممديث و‬
‫الفقه و علم الكلم و كالطبيعيات و اللهيات من الفلسفة‪ ،‬و‬
‫علوم هي وسمميلة آليممة بهممذه العلمموم كالعربيممة و الحسمماب و‬
‫غيرهما للشرعيات كالمنطق للفلسفة‪ .‬و ربما كان آلممة لعلممم‬
‫الكلم و لصول الفقه على طريقممة المتممأخرين فأممما العلمموم‬
‫التي هي مقاصد فل حممرج فممي توسممعة الكلم فيهمما و تفريممع‬
‫المسائل و استكشاف الدلة و النظار فإن ذلك يزيد طالبهمما‬
‫تمكنا في ملكته و إيضاحا لمعانيها المقصممودة‪ .‬و أممما العلمموم‬
‫التي هي آلة لغيرهمما مثممل العربيممة و المنطممق و أمثالهممما فل‬
‫ينبغي أن ينظر فيها إل من حيث هي آلة لذلك الغير فقممط‪ .‬و‬
‫ل يوسع فيها الكلم و ل تفممرع المسممائل لن ذلمك يخممرج لهمما‬
‫عن المقصود إذ المقصود منها ما هي آلممة لممه ل غيممر‪ .‬فكلممما‬
‫خرجت عن ذلك خرجت في المقصممود و صممار الشممتغال بهمما‬
‫لغوا مع ما فيه من صعوبة الحصممول علممى ملكتهمما بطولهمما و‬
‫كثرة فروعها‪ .‬و ربما يكون ذلممك عائقمما عممن تحصمميل العلمموم‬
‫المقصودة بالذات لطول وسائلها مع أن شأنها أهممم و العمممر‬
‫يقصر عن تحصيل الجميع على هذه الصورة فيكون الشتغال‬
‫بهذه العلوم اللية تضييعا للعمر و شممغل بممما ل يغنممي‪ .‬و هممذا‬
‫كما فعل المتأخرون في صممناعة النحممو و صممناعة المنطممق و‬
‫أصول الفقه لنهممم أوسممعوا دائرة الكلم فيهمما و أكممثروا مممن‬
‫التفاريع و الستدللت بما أخرجها عن كونها آلة و صيرها من‬
‫المقاصد و ربما يقع فيها لذلك أنظمار و مسمائل ل حاجمة بهما‬
‫في العلوم المقصودة فهي من نوع اللغو و هي أيضمما مضممرة‬
‫بمالمتعلمين علمى الطلق لن المتعلميمن اهتممامهم بمالعلوم‬
‫المقصودة أكثر من اهتمامهم بوسائلها فإذا قطعوا العمر في‬
‫تحصيل الوسممائل فمممتى يظفممرون بالمقاصممد ؟ فلهممذا يجممب‬
‫على المعلمين لهذه العلوم اللية أن ل يستجيروا فممي شممأنها‬
‫و ل يستكثروا من مسائلها و ينبهوا المتعلم على الغرض منها‬
‫و يقفوا به عنده‪ .‬فمن نزعت به همتممه بعممد ذلممك إلممى شمميء‬
‫من التوغل و رأى من نفسه قياما بذلك و كفاية به فليرق له‬
‫ما شاء من المراقي صعبا أو سهل و كل ميسر لما خلق له‪.‬‬

‫الفصممل التاسممع و الثلثممون‪ :‬فممي تعليممم الولممدان و‬


‫اختلف مذاهب المصار السلمية في طرقه‬
‫اعلم أن تعليم الولدان للقرآن شعار الدين أخذ به أهل الملة‬
‫و درجوا عليه في جميع أمصارهم لما يسبق فيه إلى القلوب‬
‫من رسوخ اليمان و عقائده من آيات القرآن و بعممض متممون‬
‫الحاديث‪ .‬و صار القرآن أصل التعليممم الممذي ينبنممي عليممه ممما‬
‫يحصل بعد من الملكات‪ .‬و سبب ذلك أن التعليم في الصممفر‬
‫أشد رسوخا و هو أصل لما بعممده لن السممابق الول للقلمموب‬
‫كالسمماس و للملكممات‪ .‬و علممى حسممب السمماس و أسمماليبه‬
‫يكون حال مممن ينبنممي عليممه‪ .‬و اختلفممت طرقهممم فممي تعليممم‬
‫القرآن للولدان باختلفهم باعتبار ما ينشممأ عممن ذلممك التعليممم‬
‫مممن الملكممات‪ .‬فأممما أهممل المغممرب فمممذهبهم فممي الولممدان‬
‫القتصار على تعليم القرآن فقط‪ ،‬و أخممذهم أثنمماء المدارسممة‬
‫بالرسم و مسممائله و اختلف حملممة القممرآن فيممه ل يخلطممون‬
‫ذلك بسواه في شيء من مجالس تعليمهم ل من حديث و ل‬
‫من فقه و ل من شعر و ل من كلم العرب إلى أن يحذق فيه‬
‫أو ينقطع دونممه فيكممون انقطمماعه فممي الغممالب انقطاعمما عممن‬
‫العلم بالجملة‪ .‬و هذا مممذهب أهممل المصممار بممالمغرب و مممن‬
‫تبعهم من قرى الممبربر‪ ،‬أمممم المغممرب فممي ولممدانهم إلممى أن‬
‫يجاوزوا حد البلوغ إلممى الشممبيبة‪ .‬و كممذا فممي الكممبير إذا رجممع‬
‫مدارسة القرآن بعد طائفة من عمره‪ .‬فهم لذلك أقوم علممى‬
‫رسممم القممرآن و حفظممه مممن سممواهم‪ .‬و أممما أهممل النممدلس‬
‫فمذهبهم تعليم القمرآن و الكتماب ممن حيمث همو‪ ،‬و همذا همو‬
‫الذي يراعونه في التعليم‪ .‬إل أنه لما كان القرآن أصل ذلك و‬
‫أسمه و منبمع المدين و العلمموم جعلمموه أصمل فمي التعليمم‪ .‬فل‬
‫يقتصرون لذلك عليه فقط بل يخلطون في تعليمهم للولممدان‬
‫رواية الشعر في الغالب و الترسل و أخذهم بقوانين العربيممة‬
‫و حفظها و تجويد الخط و الكتمماب‪ .‬و ل تختممص عنممايتهم فممي‬
‫التعليم بالقرآن دون هذه‪ ،‬بل عنايتهم فيممه بممالخط أكممثر مممن‬
‫جميعها إلى أن يخرج الولد من عمر البلوغ إلى الشبيبة و قد‬
‫شدا بعض الشيء في العربية و الشعر و البصممر بهممما و بممرز‬
‫في الخط و الكتاب و تعلق بأذيال العلم على الجملة لو كممان‬
‫فيها سند لتعليم العلوم‪ .‬لكنهم ينقطعون عممن ذلممك لنقطمماع‬
‫سند التعليم في آفاقهم و ل يحصل بأيديهم إل ما حصممل مممن‬
‫ذلك التعليم الول‪ .‬و فيممه كفايممة لمممن أرشممده اللممه تعممالى و‬
‫استعداد إذا وجد المعلم‪ .‬و أما أهممل أفريقيممة فيخلطممون فممي‬
‫تعليمهممم للولممدان القممرآن بالحممديث فممي الغممالب و مدارسممة‬
‫قوانين العلوم و تلقين بعض مسائلها إل أن عنممايتهم بممالقرآن‬
‫و اسممتنظار الولممدان إيمماه و وقمموفهم علممى اختلف روايمماته و‬
‫قراءاته أكثر مما سواه و عنايتهم بالخط تبع لذلك‪ .‬و بالجملة‬
‫فطريقهم في تعليم القرآن أقرب إلى طريقة أهممل النممدلس‬
‫لن سند طريقتهم في ذلك متصل بمشمميخة النممدلس الممذين‬
‫أجازوا عند تغلب النصارى على شممرق النممدلس‪ ،‬و اسممتقروا‬
‫بتونس و عنهم أخذ ولدانهم بعممد ذلممك‪ .‬و أممما أهممل المشممرق‬
‫فيخلطمون فمي التعليمم كمذلك علمى مما يبلغنما و ل أدري بمم‬
‫عنايتهم منها‪ .‬و الذي ينقل لنا أن عنممايتهم بدراسممة القممرآن و‬
‫صحف العلم و قوانينه في زمن الشبيبة و ل يخلطون بتعليممم‬
‫الخط بل لتعليممم الخممط عنممدهم قممانون و معلمممون لممه علممى‬
‫انفراده كما تتعلم سائر الصممنائع و ل يتممداولونها فممي مكمماتب‬
‫الصبيان‪ .‬و إذا كتبوا لهم اللواح فبخط قاصممر عممن الجممادة و‬
‫من أراد تعلم الخط فعلى قممدر ممما يسممنح لممه بعممد ذلممك مممن‬
‫الهمة في طلبه و يبتغيه من أهل صنعته‪ .‬فأممما أهممل أفريقيممة‬
‫والمغرب فأفادهم القتصار على القرآن القصممور عممن ملكممة‬
‫اللسان جملة و ذلك أن القرآن ل ينشأ عنه في الغالب ملكة‬
‫لما أن البشر مصروفون عن التيممان بمثلممه فهممم مصممروفون‬
‫لذلك عن الستعمال على أساليبه و الحتذاء بها‪ .‬و ليس لهم‬
‫ملكة في غير أساليبه فل يحصل لصاحبه ملكممة فممي اللسممان‬
‫العربي و حظممه الجمممود فمي العبممارات و قلممة التصممرف فمي‬
‫الكلم‪ .‬و ربما كممان أهممل أفريقيممة فممي ذلممك أخممف مممن أهممل‬
‫المغرب بما يخلطون فممي تعليمهممم القممرآن بعبممارات العلمموم‬
‫في قوانينها كما قلناه فيقتدرون على شيء مممن التصممرف و‬
‫محاذاة المثمل بالمثمل إل أن ملكتهمم فمي ذلمك قاصمرة عمن‬
‫البلغة كما سيأتي في فصله‪ .‬و أممما أهممل النممدلس فأفممادهم‬
‫التفنن في التعليم و كثرة رواية الشعر و الترسل و مدارسممة‬
‫العربية من أول العمر‪ ،‬حصول ملكة صمماروا بهمما أعممرف فممي‬
‫اللسممان العربممي‪ .‬و قصممروا فممي سممائر العلمموم لبعممدهم عممن‬
‫مدارسة القرآن و الحديث الذي هو أصل العلمموم و أساسممها‪.‬‬
‫فكانوا لذلك أهل حظ و أدب بارع أو مقصر علممى حسممب ممما‬
‫يكممون التعليممم الثمماني مممن بعممد تعليممم الصممبي‪ .‬و لقممد ذهممب‬
‫القاضي أبو بكر بممن العربممي فممي كتمماب رحلتممه إلممى طريقممة‬
‫غريبة في وجه التعليم وأعماد فمي ذلمك و أبمدأ و قمدم تعليمم‬
‫العربيممة و الشممعر علممى سمائر العلمموم كممما هممو مممذهب أهممل‬
‫الندلس‪ .‬قال‪ :‬لن الشعر ديوان العرب و يدعو على تقممديمه‬
‫و تعليم العربية في التعليم ضرورة فساد اللغة ثم ينتقل منه‬
‫إلى الحساب فيتمرن فيه حتى يرى القوانين ثممم ينتقممل إلممى‬
‫درس القرآن فإنه يتيسر عليك بهذه المقدمة‪ .‬ثمم قمال‪ :‬و يما‬
‫غفلة أهل بلدنا في أن يؤخذ الصبي بكتاب اللممه فممي أوامممره‬
‫يقرأ مال يفهم و ينصب في أمر غيره أهم ما عليممه منممه‪ .‬ثممم‬
‫قال ينظر في أصول الدين ثممم أصممول الفقممه ثممم الجممدل ثممم‬
‫الحممديث و علممومه‪ ،‬و نهممى مممع ذلممك أن يخلممط فممي التعليممم‬
‫علمممان إل أن يكممون المتعلممم قممابل لممذلك بجممودة الفهممم و‬
‫النشاط‪ .‬هذا ما أشار إليه القاضي أبو بكر رحمممه اللممه و هممو‬
‫لعممري ممذهب حسمن إل أن العموائد ل تسماعد عليمه و همي‬
‫أملك بالحوال و وجه ما اختصت به العوائد من تقدم دراسممة‬
‫القرآن إيثارا للتبرك و الثواب‪ ،‬و خشية ما يعرض للولممد فممي‬
‫جنممون الصممبي مممن الفممات و القواطممع عممن العلممم فيفمموته‬
‫القرآن‪ ،‬لنه ممما دام فممي الحجممر منقمماد للحكممم‪ .‬فممإذا تجمماوز‬
‫البلوغ و انحل من ربقة القهر فربما عصفت به رياح الشممبيبة‬
‫فألقته بساجل البطالة فيغتنمممون فممي زمممان الحجممر و ربقممة‬
‫الحكم تحصيل القرآن لئل يذهب خلوا منه‪ .‬و لو حصل اليقين‬
‫باسممتمراره فممي طلممب العلممم و قبمموله التعليممم لكممان هممذا‬
‫المذهب الذي ذكره القاضي أولى ما أخذ به أهممل المغممرب و‬
‫المشرق‪ .‬و لكن الله يحكم ما يشاء ل معقب لحكمه‪.‬‬

‫الفصل الربعون‪ :‬فممي أن الشممدة علممى المتعلميممن‬


‫مضرة بهم‬
‫و ذلك أن إرهمماف الحممد بممالتعليم مضممر بممالمتعلم سمميما فممي‬
‫أصاغر الولد لنه من سوء الملكة‪ .‬و من كان مرباه بالعسف‬
‫و القهر من المتعلمين أو المماليك أو الخدم سطا به القهر و‬
‫ضيق عن النفس في انبساطها و ذهب بنشاطها و دعاه إلممى‬
‫الكسل و حمل على الكذب و الخبث و هو التظمماهر بغيممر ممما‬
‫في ضميره خوفا ممن انبسماط اليمدي بمالقهر عليممه و علممه‬
‫المكممر و الخديعممة لممذلك و صممارت لممه هممذه عممادة و خلقمما و‬
‫فسممدت معمماني النسممانية الممتي لممه مممن حيممث الجتممماع‪ .‬و‬
‫التمرن و هي الحمية و المدافعة عن نفسه و منزلممه‪ .‬و صممار‬
‫عيال على غيره في ذلك بل و كسلت النفممس عممن اكتسمماب‬
‫الفضممائل و الخلممق الجميممل فانقبضممت عممن غايتهمما و مممدى‬
‫إنسانيتها فارتكس و عاد في أسفل السممافلين‪ .‬و هكممذا وقممع‬
‫لكممل أممة حصمملت فمي قبضممة القهمر و نمال منهما العسمف و‬
‫اعتممبره فممي كممل مممن يملممك أمممره عليممه‪ .‬و ل تكممون الملكممة‬
‫الكافلة له رفيقة به‪ .‬و تجد ذلك فيهم استقراء و انظممره فممي‬
‫اليهود و ما حصل بممذلك فيهممم مممن خلممق السمموء حممتى إنهممم‬
‫يوصفون في كل أفق‪ .‬و عصر بالحرج و معناه في الصطلح‬
‫المشهور التخابث و الكيد و سببه ممما قلنمماه‪ .‬فينبغممي للمعلممم‬
‫فممي متعلمممه و الوالممد فممي ولممده أن ل يسممتبدا عليهممما فممي‬
‫التأديب‪ .‬و قد قال محمد بن أبى زيد في كتابه الذي ألفه في‬
‫حكم المعلميممن و المتعلميممن‪ :‬ل ينبغممي لمممؤدب الصممبيان أن‬
‫يزيد في ضربهم إذا احتاجوا إليه على ثلثممة أسممواط شمميئا‪ .‬و‬
‫من كلم عمر رضي الله عنه‪ :‬من لممم يممؤدبه الشممرع ل أدبممه‬
‫الله‪ .‬حرصا على صون النفوس عن مذلة التأديب و علما بأن‬
‫المقممدار الممذي عينممه الشممرع لممذلك أملممك لممه فممإنه أعلممم‬
‫بمصلحته‪ .‬و من أحسن مذاهب التعليم ما تقممدم بممه الرشمميد‬
‫لمعلم ولده‪ .‬قال خلف الحمر‪ :‬بعث إلي الرشيد فممي تممأديب‬
‫ولده محمد المين فقال‪ :‬يا أحمر إن أمير المؤمنين قممد دفممع‬
‫إليك مهجة نفسه و ثمرة قلبه فصير يممدك عليممه مبسمموطة و‬
‫طاعته لك واجبة و كن له بحيث وضعك أمير المؤمنين أقرئه‬
‫القرآن و عرفه الخبار و روه الشعار و علمه السنن و بصره‬
‫بمواقع الكلم و بدئه و امنعممه مممن الضممحك إل فممي أوقمماته و‬
‫خممذه بتعظيممم مشممايخ بنممي هاشممم إذا دخلمموا عليممه و رفممع‬
‫مجالس القواد إذا حضروا مجلسه‪ .‬و ل تمرن بك ساعة إل و‬
‫أنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنممه‪.‬‬
‫و ل تمعن في مسامحته فيستجلي الفممراغ و يممألفه‪ .‬و قممومه‬
‫ما استطعت بالقرب والملينة فممإن أباهممما فعليممك بالشممدة و‬
‫الغلظة‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫الفصممل الحممادي و الربعممون‪ :‬فممي أن الرحلممة فممي‬
‫طلب العلوم و لقاء المشيخة مزيممد كمممال فممي‬
‫التعلم‬
‫و السبب في ذلك أن البشر يأخممذون معممارفهم و أخلقهممم و‬
‫ما ينتحلون به من المذاهب و الفضائل‪ :‬تارة علما و تعليممما و‬
‫إلقمماء و تممارة محاكمماة و تلقينمما بالمباشممرة‪ .‬إل أن حصممول‬
‫الملكات عممن المباشممرة و التلقيممن أشممد اسممتحكاما و أقمموى‬
‫رسوخا‪ .‬فعلى قدر كمثرة الشمميوخ يكممون حصمول الملكمات و‬
‫رسوخها‪ .‬و الصطلحات أيضا في تعليم العلوم مخلطة على‬
‫المتعلم حتى لقد يظن كثير منهم أنهمما جممزء مممن العلممم‪ .‬و ل‬
‫يممدفع عنممه ذلممك إل مباشممرته لختلف الطممرق فيهمما مممن‬
‫المعلمين‪ .‬فلقاء أهممل العلمموم و تعمدد المشممايخ يفيممده تمييمز‬
‫الصطلحات بما يراه من اختلف طرقهم فيها فيجممرد العلممم‬
‫عنها و يعلم أنها أنحاء تعليم و طرق توصل و تنهض قواه إلى‬
‫الرسوخ و الستحكام في المكان و تصحح معممارفه و تميزهمما‬
‫عن سواها مع تقوية ملكتممه بالمباشممرة و التلقيممن و كثرتهممما‬
‫من المشيخة عند تعددهم و تنموعهم‪ .‬و همذا لممن يسمر اللمه‬
‫عليه طرق العلم و الهدايممة‪ .‬فالرحلممة ل بممد منهمما فممي طلممب‬
‫العلم لكتساب الفوائد و الكمممال بلقمماء المشممايخ و مباشممرة‬
‫الرجال‪ .‬و الله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم‪.‬‬

‫الفصل الثاني و الربعون‪ :‬في أن العلماء مممن بيمن‬


‫البشر أبعد عن السياسة و مذاهبها‬
‫و السبب في ذلك أنهممم معتممادون النظممر الفكممري و الغمموص‬
‫على المعاني و انتزاعهمما مممن المحسوسممات و تجريممدها فممي‬
‫الذهن‪ ،‬أمورا كلية عامة ليحكم عليها بأمر العلوم ل بخصوص‬
‫مادة و ل شخص و ل جيل و ل أمة و ل صنف مممن النمماس‪ .‬و‬
‫يطبقممون مممن بعممد ذلممك الكلممي علممى الخارجيممات‪ .‬و أيضمما‬
‫يقيسممون المممور علممى أشممباهها و أمثالهمما بممما اعتممادوه مممن‬
‫القيمماس الفقهممي‪ .‬فل تممزال أحكممامهم و أنظممارهم كلهمما فممي‬
‫الذهن و ل تصير إلى المطابقة إل بعمد الفمراغ ممن البحمث و‬
‫النظر‪ .‬و ل تصير بالجملة إلى المطابقة و إنما يتفرغ ممما فممي‬
‫الخارج عما فمي المذهن ممن ذلمك كالحكمام الشمرعية فإنهما‬
‫فروع عما في المحفوظ من أدلممة الكتمماب و السممنة فتطلممب‬
‫مطابقة ما في الخارج لها عكس النظار في العلوم العقليممة‪.‬‬
‫الممتي تطلممب فممي صممحتها مطابقتهمما لممما فممي الخممارج‪ .‬فهممم‬
‫متعودون في سائر أنظارهم المور الذهنية و النظار الفكرية‬
‫ل يعرفون سواها‪ .‬و السياسة يحتاج صاحبها إلى مراعمماة ممما‬
‫في الخارج و ما يلحقها من الحمموال و يتبعهمما فإنهمما خفيممة‪ .‬و‬
‫لعل أن يكون فيها ما يمنع من إلحاقها بشبه أو مثال و ينافي‬
‫الكلي الذي يحاول تطبيقه عليها‪ .‬و ل يقاس شيء من أحوال‬
‫العمران على الخر كما اشتبها في أمر واحد فلعلهما اختلفمما‬
‫في أمور فتكون العلماء لجل ما تعودوه من تعميممم الحكممام‬
‫و قياس المور بعضها علممى بعممض إذا نظممروا فممي السياسممة‬
‫افرغوا ذلك في قالب أنظممارهم و نمموع اسممتدللتهم فيقعممون‬
‫في الغلط كثيرا و ل يؤمن عليهم‪ .‬و يلحق بهم أهل الممذكاء و‬
‫الكيس من أهل العمران لنهم ينزعون بثقمموب أذهمانهم إلمى‬
‫مثل شممأن الفقهمماء مممن الغمموص علممى المعمماني و القيمماس و‬
‫المحاكمماة فيقعممون فممي الغلممط‪ .‬و العممامي السممليم الطبممع‬
‫المتوسط الكيس لقصور فكره عن ذلك و عدم اعتيمماده إيمماه‬
‫يقتصر لكل مادة على حكمها و في كل صنف من الحمموال و‬
‫الشخاص على ما اختممص بممه و ل يعممدي الحكممم بقيمماس و ل‬
‫تعميمم و ل يفمارق فمي أكمثر نظمره الممواد المحسوسمة و ل‬
‫يجاوزها في ذهنه كالسممابح ل يفممارق الممبر عنممد الممموج‪ .‬قممال‬
‫الشاعر‪:‬‬
‫فإن السلمة في الساحل‬ ‫فل توغلن إذا ما سبحت‬
‫فيكون مأمونا من النظر فممي سياسممته مسممتقيم النظممر فممي‬
‫معاملة أبناء جنسه فيحسن معاشه و تنممدفع آفمماته و مضمماره‬
‫باستقامة نظره‪ .‬و فوق كل ذي علم عليم‪ .‬و مممن هنمما يتممبين‬
‫أن صناعة المنطق غيممر مأمونممة الغلممط لكممثرة ممما فيهمما مممن‬
‫النتزاع‪ ،‬و بعدها عن المحسوس فإنها تنظر فممي المعقممولت‬
‫الثواني‪ .‬و لعل المواد فيها ممما يمممانع تلممك الحكممام و ينافيهمما‬
‫عند مراعاة التطبيق اليقينممي‪ .‬و أممما النظممر فممي المعقممولت‬
‫الول و هي التي تجريدها قريب فليس كمذلك لنهمما خياليممة و‬
‫صور المحسوسات حافظة مؤذنممة بتصممديق انطبمماقه‪ .‬و اللممه‬
‫سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل الثالث و الربعون‪ :‬في أن حملة العلم فممي‬


‫السلم أكثرهم العجم‬
‫مممن الغريممب الواقممع أن حملممة العلممم فممي الملممة السمملمية‬
‫أكثرهم العجم ل من العلوم الشرعية و ل من العلوم العقلية‬
‫إل في القليل النادر‪ .‬و إن كان منهم العربي في نسممبته فهممو‬
‫أعجمي في لغته و مربمماه و مشمميخته مممع أن الملممة عربيممة و‬
‫صاحب شريعتها عربي‪ .‬و السبب في ذلك أن الملة في أولها‬
‫لم يكن فيهمما علممم و ل صممناعة لمقتضممى أحمموال السممذاجة و‬
‫البداوة و إنما أحكام الشريعة التي هي أوامممر اللممه و نممواهيه‬
‫كان الرجال ينقلونها في صدورهم و قد عرفمموا مأخممذها مممن‬
‫الكتاب و السنة بما تلقوه مممن صمماحب الشممرع و أصممحابه‪ .‬و‬
‫القوم يومئذ عرب لم يعرفوا أمر التعليم و التأليف و التدوين‬
‫و ل دفغوا إليه و ل دعتهم إليه حاجة‪ .‬و جرى المر على ذلك‬
‫زمن الصحابة و التابعين و كممانوا يسمممون المختصممين بحمممل‬
‫ذلك‪ .‬و نقله إلى القممراء أي الممذين يقممرأون الكتمماب و ليسمموا‬
‫أميين لن المية يومئذ صممفة عامممة فممي الصممحابة بممما كممانوا‬
‫عربا فقيل لحملة القرآن يومئذ قراء إشممارة إلممى هممذا‪ .‬فهممم‬
‫قراء لكتاب الله و السنة المأثورة عن الله لنهم لممم يعرفمموا‬
‫الحكام الشرعية إل منه و من الحديث الذي هممو فممي غممالب‬
‫موارده تفسممير لممه و شممرح‪ .‬قممال صمملى اللممه عليممه و سمملم‪:‬‬
‫تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما تمسكتم بهما‪ :‬كتمماب اللممه و‬
‫سنتي‪ .‬فلما بعد النقل من لدن دولة الرشيد فممما بعممد احتيممج‬
‫إلى وضع التفاسير القرآنية و تقييد الحديث مخافة ضياعه ثم‬
‫احتيممج إلممى معرفممة السممانيد و تعممديل النمماقلين للتمييممز بيممن‬
‫الصحيح مممم السممانيد و ممما دونممه ثممم كممثر اسممتخراج أحكممام‬
‫الواقعات من الكتاب و السنة و فسد مع ذلك اللسان فاحتيج‬
‫إلى وضع القوانين النحويممة و صممارت العلمموم الشممرعية كلهمما‬
‫ملكات في الستنباطات و الستخراج و التنظير و القيمماس و‬
‫احتاجت إلى علمموم أخممرى و هممي الوسممائل لهمما مممن معرفممة‬
‫قوانين العربية و قوانين ذلممك السممتنباط و القيمماس و الممذب‬
‫عن العقائد اليمانية بالدلممة لكممثرة البممدع و اللحمماد فصممارت‬
‫هذه العلمموم كلهمما علوممما ذات ملكممات محتاجممة إلممى التعليممم‬
‫فاندرجت في جملة الصنائع‪ .‬و قد كنا قدمنا أن الصممنائع مممن‬
‫منتحل الحضر و أن العرب أبعد الناس عنها فصممارت العلمموم‬
‫لذلك حضممرية و بعممد عنهمما العممرب و عممن سمموقها‪ .‬و الحضممر‬
‫لذلك العهد هم العجم أو من هم في معناهم مممن الممموالي و‬
‫أهل الحواضر الذين هممم يممومئذ تبممع للعجممم فممي الحضممارة و‬
‫أحوالها من الصنائع و الحرف لنهم أقوم على ذلك للحضممارة‬
‫الراسخة فيهم منذ دولة الفرس فكان صاحب صممناعة النحممو‬
‫سيبويه و الفارسي من بعده و الزجمماج مممن بعممدهما و كلهممم‬
‫عجم في أنسابهم‪ .‬و إنما ربوا في اللسان العربي فاكتسممبوه‬
‫بممالمربى و مخالطممة العممرب و صمميروه قمموانين و فنمما لمممن‬
‫بعدهم‪ .‬و كذا حملة الحديث الذين حفظوة عن أهممل السمملم‬
‫أكثرهم عجم أو مستعجمون باللغممة و المربممى لتسمماع الفممن‬
‫بالعراق‪ .‬و كان علماء أصول الفقه كلهم عجما كممما عممرف و‬
‫كذا حملة علم الكلم و كذا أكثر المفسرين‪ .‬و لم يقم بحفظ‬
‫العلم و تدوينه إل العاجم‪ .‬و ظهر مصمداق قمموله صملى اللمه‬
‫عليه و سلم‪ :‬لو تعلق العلم بأكنمماف السمماء لنمماله قمموم مممن‬
‫أهممل فممارس‪ .‬و أممما العممرب الممذين أدركمموا هممذه الحضممارة و‬
‫سوقها و خرجمموا إليهمما عممن البممداوة فشممغلتهم الرئاسممة فممي‬
‫الدولة العباسية و ما دفعوا إليه من القيام بالملك عن القيام‬
‫بالعلم‪ .‬و النظر فيممه‪ ،‬فممإنهم كممانوا أهممل الدولممة و حاميتهمما و‬
‫أولي سياستها مع ما يلحقهمم ممن النفمة عمن انتحمال العلمم‬
‫حينئذ بما صار من جملة الصنائع‪ .‬و الرؤساء أبممدا يسممتنكفون‬
‫عن الصنائع و المهن و ما يجر إليها و دفعوا ذلك إلى من قام‬
‫به من العجم والمولدين‪ .‬و ما زالوا يرون لهم حق القيام بممه‬
‫فإنه دينهم و علومهم و ل يحتقرون حملتها كل الحتقار‪ .‬حتى‬
‫إذا خرج المر من العرب جملة و صار للعجم صارت العلمموم‬
‫الشرعية غريبة النسبة عند أهل الملك بما هم عليه من البعد‬
‫عممن نسممبتها و امتهممن حملتهمما بممما يممرون أنهممم بعممداء عنهممم‬
‫مشتغلين بما ل يغني و ل يجدي عنهم في الملك و السياسممة‬
‫كما ذكرناه في نقل المراتب الدينية‪ .‬فهذا الممذي قررنمماه هممو‬
‫السبب في أن حملة الشريعة أو عممامتهم مممن العجممم‪ .‬و أممما‬
‫العلوم العقلية أيضمما فلممم تظهممر فممي الملممة إل بعممد أن تميممز‬
‫حملة العلم و مؤلفوه‪ .‬و استقر العلم كلممه صممناعة فاختصممت‬
‫بالعجم و تركتها العرب و انصرفوا عن انتحالهمما فلممم يحملهمما‬
‫إل المعربون من العجممم شممأن الصممنائع كممما قلنمماه أول‪ .‬فلممم‬
‫يزل ذلممك فممي المصممار السمملمية ممما دامممت الحضممارة فممي‬
‫العجم و بلدهم من العراق و خراسان و ما وراء النهر‪ .‬فلممما‬
‫خربت تلك المصار و ذهبت منها الحضارة التي هي سر اللممه‬
‫في حصول العلم و الصنائع ذهب العلم من العجم جملة لممما‬
‫شممملهم مممن البممداوة و اختممص العلممم بالمصممار الموفممورة‬
‫الحضارة‪ .‬و ل أوفر اليوم فممي الحضممارة مممن مصممر فهممي أم‬
‫العالم و إيوان السلم و ينبوع العلم و الصنائع‪ .‬و بقي بعممض‬
‫الحضارة في ما وراء النهر لمما هنماك ممن الحضمارة بالدولمة‬
‫التي فيها فلهم بذلك‪ ،‬حصة من العلوم و الصممنائع ل تنكممر‪ .‬و‬
‫قد دلنا على ذلك كلم بعض علمائهم من تآليف وصمملت إلينمما‬
‫إلى هذه البلد و هو سعد الدين التفتازاني‪ .‬و أممما غيممره مممن‬
‫العجم فلم نر لهم من بعد المام ابن الخطيب و نصير الممدين‬
‫الطوسي كلما يعول على نهايته في الصابة‪ .‬فمماعتير ذلممك و‬
‫تأمله تر عجبا في أحوال الخليقممة‪ .‬و اللممه يخلممق ممما بشمماء ل‬
‫شريك له الملك و له الحمممد و هممو علممى كممل شمميء قممدير و‬
‫حسبنا الله و نعم الوكيل و الحمد لله‪.‬‬
‫الفصممل الرابممع و الربعممون‪ :‬فممي أن العجمممة إذا‬
‫سممبقت إلممى اللسممان قصممرت بصمماحبها فممي‬
‫تحصيل العلوم عن أهل اللسان العربي‬
‫و السر في ذلك أن مباحث العلوم كلها إنما هي في المعاني‬
‫الذهنية و الخيالية‪ ،‬من بين العلوم الشرعية‪ ،‬الممتي هممي أكممثر‬
‫مباحثها في اللفاظ و مودها من الحكام المتلقاة من الكتاب‬
‫و السنة و لغاتها المؤدية لها‪ ،‬و هي كلها فممي الخيممال‪ ،‬و بيممن‬
‫العلوم العقلية‪ ،‬و هي في الذهن‪ .‬و اللغات إنما هي ترجمممان‬
‫عما في الضمائر من تلك المعماني‪ ،‬يؤديهما بعمض إلمى بعمض‬
‫بالمشافهة بالمناظرة و التعليممم‪ ،‬و ممارسممة البحممث بممالعلوم‬
‫لتحصيل ملكاتها بطول المران على ذلك‪ .‬و اللفاظ و اللغات‬
‫وسائط و حجب بين الضمائر‪ ،‬و روابط و ختام بين المعمماني‪.‬‬
‫و لبد في اقتياض تلممك الضمممائر مممن المعمماني مممن ألفاظهمما‬
‫لمعرفة دللتها اللغوية عليها‪ ،‬و جودة الملكة لنمماظر فيهمما‪ ،‬و‬
‫إل فيعتاض عليه اقتناصها زيادة على ممما يكممون فممي مباحثهمما‬
‫الذهنية من العتياص‪ .‬و إذا كممانت ملكتممه فممي تلممك الممدللت‬
‫راسخة‪ ،‬بحيث يتبادر المعاني إلى ذهنه من تلك اللفاظ عممن‬
‫استعمالها‪ ،‬أن البديهي والجبلممي‪ ،‬زال ذاك الحجمماب بالجملممة‬
‫بين المعاني و الفهممم أو خممف‪ ،‬و لممم يبممق إل معانمماة ممما فممي‬
‫المعاني من المباحث فقط‪ .‬هذا كله إذا كان التعاليم تلقينمما و‬
‫بالخطاب و العبارة‪ .‬و أما إن احتاج المتعلممم إلممى الدراسممة و‬
‫التقييد بالكتمماب و مشممافهة الرسمموم الخطيممة مممن الممدواوين‬
‫بمسائل العلوم‪ ،‬كان هنالك حجاب آخر بين الخممط و رسممومه‬
‫في الكتاب‪ ،‬و بين اللفاظ المقولممة فممي الخيممال‪ .‬لن رسمموم‬
‫الكتاب لها دللة خاصة على اللفاظ المقولة‪ .‬و ما لم تعممرف‬
‫تلممك الدللممة تعممذرت معرفممة العبممارة‪ .‬و إن عرفممت بملكممة‬
‫قاصرة كانت معرفتها أيضا قاصممرة‪ ،‬و يممزداد علممى النمماظر و‬
‫المتعلم بذلك حجاب آخر بينممه و بيممن مطلمموبه‪ ،‬مممن تحصمميل‬
‫ملكات العلوم أعوص من الحجاب الول‪ .‬و إذا كممانت ملكتممه‬
‫في الدللة اللفظيممة و الخطيممة مسممتحكمة ارتفعممت الحجممب‬
‫بينه و بين المعاني‪ .‬و صار إنما يعاني فهم مباحثها فقط‪ .‬هذا‬
‫شأن المعاني مع اللفاظ و الخممط بالنسممبة إلممى كممل لغممة‪ .‬و‬
‫المتعلمون لذلك في الصغر أشد استحكاما لملكاتهم‪ ،‬ثممم إن‬
‫الملة السلمية لما اتسع ملكها و اندرجت المم في طيهمما و‬
‫درست علوم الولين بنبوتها و كتابها‪ ،‬و كانت أميممة النزعممة و‬
‫الشعار‪ ،‬فأخذ الملك و العزة و سخرية المم لهممم بالحضممارة‬
‫و التهذيب‪ ،‬و صيروا علومهم الشرعية صناعة‪ ،‬بعد أن كممانت‬
‫نقل‪ ،‬فحدثت فيهم الملكات‪ ،‬و كثرت الممدواوين و التممآليف‪ ،‬و‬
‫تشوفوا إلى علوم المممم فنقلوهمما بالترجمممة إلممى علممومهم و‬
‫أفرغوهمما فممي قممالب أنظممارهم‪ ،‬و جردوهمما مممن تلممك اللغممات‬
‫العجمية إلى لسانهم و أربموا فيهما علمى ممداركهم‪ ،‬و بقيمت‬
‫تلك الدفاتر التي بلغتهم العجمية نسيا منسيا و طلل مهجورا‬
‫و هباء منثورا‪ .‬و أصبحت العلوم كلها بلغة العرب‪ ،‬و دواوينهمما‬
‫المسطرة بخطهم‪ ،‬و احتمماج القممائمون بممالعلوم إلممى معرفممة‬
‫الدللت اللفظية و الخطية في لسممانهم دون ممما سممواه مممن‬
‫اللسن‪ ،‬لدروسها و ذهاب العناية بها‪ .‬و قد تقدم لنا أن اللغة‬
‫ملكة في اللسال‪ ،‬و كذا الخط صناعة ملكتها فممي اليممد‪ ،‬فممإذا‬
‫تقدمت في اللسان ملكممة العجمممة‪ ،‬صممار مقصممرا فممي اللغممة‬
‫العربية‪ ،‬لما قدمناه مممن أن الملكممة إذا تقممدمت فممي صممناعة‬
‫بمحل‪ ،‬فقل أن يجيد صاحبها ملكة في صممناعة أخممرى‪ ،‬و هممو‬
‫ظاهر‪ .‬و إذا كال مقصرا في اللغة العربية و دللتها اللفظيممة‬
‫و الخطية اعتمماص عليممه فهممم المعمماني منهمما كممما مممر‪ .‬إل أن‬
‫تكون ملكة العجمة السابقة لم تستحكم حين انتقل منها إلى‬
‫العربية‪ ،‬كأصاغر أبناء العجم الذين يربون مع العرب قبممل أن‬
‫تستحكم عجمتهم‪ .‬فتكون اللغة العربية كأنها السابقة لهم‪ ،‬و‬
‫ل يكون عندهم تقصير في فهم المعاني مممن العربيممة‪ .‬و كممذا‬
‫أيضا شأن من سبق له تعلم الخط العجمي قبممل العربممي‪ .‬و‬
‫لهذا نجد الكثير من علماء العاجم فممي دروسممهم و مجممالس‬
‫تعليمهم يعدلون عن نقل التفاسير مممن الكتممب إلممى قراءتهمما‬
‫ظمماهرا يخففممون بممذلك عممن أنفسممهم مؤونممة بعممض الحجممب‬
‫ليقرب عليهم تناول المعاني‪ .‬و صاحب الملكة في العبممارة و‬
‫الخط مستغن عممن ذلممك‪ ،‬بتمممام ملكتممه‪ ،‬و إن صممار لممه فهممم‬
‫القوال من الخط‪ ،‬و المعاني من القوال كالجبلة الراسممخة‪،‬‬
‫و ارتفعت الحجب بينه و بين المعاني‪ .‬و ربما يكممون الممدؤوب‬
‫على التعليم و المران على اللغة‪ ،‬و ممارسة الخممط يفيضممان‬
‫لصاحبهما إلى تمكن الملكة‪ ،‬كما نجده في الكثير من علممماء‬
‫العاجم‪ ،‬إل أنممه فممي النممادر‪ .‬و إذا قممرن بنظيممره مممن علممماء‬
‫العرب و أهل طبقته منهم‪ ،‬كان بمماع العممرب أطممول و ملكتممه‬
‫أقوى‪ ،‬لما عند المستعجم من الفتور بالعجمة السممابقة الممتي‬
‫يؤثر القصور بالضرورة و ل يعترص ذلك بما تقدم بأن علممماء‬
‫السمملم أكممثرهم العجممم‪ ،‬لن المممراد بممالعجم هنالممك عجممم‬
‫النسب لتداول الحضارة فيهم التي قررنا أنها سممبب لنتحممال‬
‫الصنائع و الملكات و من جملتها العلوم‪ .‬و أممما عجمممة اللغممة‬
‫فليست من ذلك و هي المرادة هنمما‪ .‬و ل يعممترض ذلممك أيضمما‬
‫مما كان لليونانيين في علومهم من رسوخ القدم فأنهم إنممما‬
‫تعلموها من لغتهم السابقة لهم و خطهم المتعارف بينهممم‪ .‬و‬
‫العجمي المتعلم للعلم في الملة السلمية يأخذ العلممم بغيممر‬
‫لسانه الذي سبق إليه‪ ،‬و من غير خطه الممذي يعممرف ملكتممه‪.‬‬
‫فلهذا يكون له ذلك حجابا كما قلنمماه‪ .‬و هممذا عممام فممي جميممع‬
‫أصناف أهل اللسان العجمي من الفرس و الروم و الترك و‬
‫البربر و الفرنج‪ .‬و سائر من ليس من أهل اللسان العربي‪ .‬و‬
‫في ذلك آيات للمتوسمين‪.‬‬

‫الفصممل الخممامس و الربعممون‪ :‬فممي علمموم اللسممان‬


‫العربي‬
‫أركانه أربعة و هي اللغة و النحو و البيان و الدب و معرفتهمما‬
‫ضرورية على أهل الشريعة إذ مأخذ الحكممام الشممرعية كلهمما‬
‫في الكتاب و السنة و هي بلغة العرب و نقلتها مممن الصممحابة‬
‫و التممابعين عممرب و شممرح مشممكلتها مممن لغمماتهم فلبممد مممن‬
‫معرفة العلوم المتعلقة بهذا اللسان لمن أراد علم الشممريعة‪.‬‬
‫و تتفاوت في التأكيد بتفمماوت مراتبهمما فممي التوفيممة بمقصممود‬
‫الكلم حسبما يتبين في الكلم عليها فنا فنا و الممذي يتحصممل‬
‫أن الهم المقدم منها هو النحو إذ به تتممبين أصممول المقاصممد‬
‫بالدللة فيعرف الفاعل من المفعممول و المبتممدأ مممن الخممبر و‬
‫لوله لجهل أصل الفادة‪ .‬و كان من حممق علممم اللغممة التقممدم‬
‫لول أن أكثر الوضاع باقية في موضمموعاتها لممم تتغيممر بخلف‬
‫العراب الدال على السممناد و المسممند و المسممند إليممه فممإنه‬
‫تغير بالجملة و لم يبق له أثر‪ .‬فلذلك كان علم النحو أهم من‬
‫اللغممة إذ فممي جهلممه الخلل بالتفمماهم جملممة و ليسممت كممذلك‬
‫اللغة و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫علم النحو‬
‫اعلممم أن اللغممة فممي المتعممارف هممي عبممارة المتكلممم عممن‬
‫مقصوده‪ .‬و تلك العبارة فعل لساني ناشئ عن القصد بإفادة‬
‫الكلم فلبد أن تصير ملكة متقررة في الغصو الفاعممل لهمما و‬
‫هو اللسان و هو في كل أمة بحسممب اصممطلحاتهم‪ .‬و كممانت‬
‫الملكة الحاصلة للعرب من ذلك أحسن الملكممات و أوضممحها‬
‫إبانة عن المقاصد لدللة غير الكلمممات فيهمما علممى كممثير مممن‬
‫المعاني‪ .‬مثل الحركات التي تعين الفاعل من المفعممول مممن‬
‫المجرور أعني المضاف و مثل الحروف التي تفضي بالفعال‬
‫أي الحركات إلى الذوات من غير تكلف ألفاظ أخرى‪ .‬و ليس‬
‫يوجد ذلك إل في لغة العرب‪ .‬و أما غيرها مممن اللغممات فكممل‬
‫معنى أو حال لبد له من ألفاظ تخصه بالدللممة و لممذلك نجممد‬
‫كلم العجم من مخاطباتهم أطول مما تقدره بكلم العرب‪ .‬و‬
‫هذا هو معنى قوله صمملى اللممه عليممه و سمملم‪ :‬أوتيممت جوامممع‬
‫الكلممم و اختصممر لممي الكلم اختصممارا‪ .‬فصممار للحممروف فممي‬
‫لغتهم‪ .‬و الحركات و الهيئات أي الوضاع اعتبممار فممي الدللممة‬
‫على المقصممود غيممر متكلفيممن فيممه لصممناعة يسممتفيدون ذلمك‬
‫منها‪ .‬إنما هي ملكة في ألسنتهم يأخذها الخر عن الول كممما‬
‫تأخذ صبياننا لهذا العهممد لغاتنمما‪ .‬فلممما جمماء السمملم و فممارقوا‬
‫الحجاز لطلب الملك الذي كممان فممي أيممدي المممم و الممدول و‬
‫خالطوا المجم تغيرت تلك الملكة بما ألقى إليها السمممع مممن‬
‫المخالفات التي للمستعربين‪ .‬و السمع أبو الملكات اللسانية‬
‫ففسدت بما ألقممي إليهمما مممما يغايرهمما لجنوحهمما إليممه باعتيمماد‬
‫السمع‪ .‬و خشممي أهممل العلمموم منهممم أن تفسممد تلممك الملكممة‬
‫رأسمما و يطممول العهممد بهمما فينغلممق القممرآن و الحممديث علممى‬
‫المفهوم فاستنبطوا من مجاري كلمهم قوانين لتلممك الملكممة‬
‫مطردة شبه الكليات و القواعد يقيسممون عليهمما سممائر أنممواع‬
‫الكلم و يلحقون الشباه بالشباه مثممل أن الفاعممل مرفمموع و‬
‫المفعول منصوب و المبتدأ مرفوع‪ .‬ثم رأوا تغير الدللة بتغير‬
‫حركممات هممذه الكلمممات فاصممطلحوا علممى تسممميته إعرابمما و‬
‫تسمية الموجب لذلك التغيممر عممامل و أمثممال ذلممك‪ .‬و صممارت‬
‫كلهمما اصممطلحات خاصممة بهممم فقيممدوها بالكتمماب و جعلوهمما‬
‫صناعة لهم مخصوصة‪ .‬و اصطلحوا على تسميتها بعلم النحو‪.‬‬
‫و أو ل من كتب فيها أبو السود الدؤلي من بني كنانة و يقال‬
‫بإشارة علي رضي الله عنه لنه رأى تغير الملكة فأشار عليه‬
‫بحفظها ففزع إلى ضبطها بالقوانين الحاضرة المستقرأة‪ .‬ثم‬
‫كتب فيها الناس مممن بعممده إلممى أن انتهممت إلممى الخليممل بممن‬
‫أحمد الفراهيدي أيمام الرشميد و كمان النماس أحموج مما كمان‬
‫الناس إليها لذهاب تلك الملكة من العرب‪ .‬فهذب الصناعة و‬
‫كمل أبوابها‪ .‬و أخذها عنه سيبويه فكمممل تفاريعهمما و اسممتكثر‬
‫من أدلتها و شواهدها و وضع فيها كتابه المشهور الممدي صممار‬
‫إماما لكل ما كتب فيها من بعده‪ .‬ثم وضع أبو علي الفارسي‬
‫و أبو القاسم الزجاج كتبا مختصممرة للمتعلميممن يحممذون فيهمما‬
‫حذو المام في كتمابه‪ .‬ثمم طمال الكلم فمي همذه الصمناعة و‬
‫حممدث الخلف بيممن أهلهمما فممي الكوفممة و البصممرة المصممرين‬
‫القديمين للعرب‪ .‬و كممثرت الدلممة و الحجمماج بينهممم و تبمماينت‬
‫الطرق في التعليم و كثر الختلف في إعممراب كممثير مممن آي‬
‫القممرآن بمماختلفهم فممي تلممك القواعممد و طممال ذلممك علممى‬
‫المتعلميمممن‪ .‬و جممماء المتمممأخرون بممممذاهبهم فمممي الختصمممار‬
‫فاختصروا كثيرا من ذلك الطول مع استيعابهم لجميع ما نقل‬
‫كما فعله ابن مالك في كتاب التسهيل و أمثاله أو اقتصممارهم‬
‫على المبادئ للمتعلمين‪ ،‬كما فعله الزمخشري في المفصممل‬
‫و ابن الحاجب في المقدمة له‪ .‬و ربما نظموا ذلك نظما مثل‬
‫ابن مالك في الرجوزتين الكممبرى و الصممغرى و ابممن معطممي‬
‫في الرجوزة اللفية‪ .‬و بالجملة فالتآليف في هذا الفممن أكممثر‬
‫من أن تحصممى أو يحمماط بهمما و طممرق التعليممم فيهمما مختلفممة‬
‫فطريقة المتقدمين مغايرة لطريقة المتممأخرين‪ .‬و الكوفيممون‬
‫و البصممريون و البغممداديون و الندلسمميون مختلفممة طرقهممم‬
‫كذلك‪ .‬و قد كادت هذه الصناعة تؤذن بالذهاب لما رأينمما مممن‬
‫النقص في سائر العلوم و الصنائع بتناقص العمممران و وصممل‬
‫إلينا بالمغرب لهذه العصور ديمموان مممن مصممر منسمموب إلممى‬
‫جمممال الممدين بممن هشممام مممن علمائهمما اسممتوفى فيممه أحكممام‬
‫العراب مجملة و مفصلة‪ .‬و تكلم على الحروف و المفردات‬
‫و الجمل و حذف ما في الصناعة من المتكرر في أكثر أبوابه‬
‫و سماه بممالمغني فممي العممراب‪ .‬و أشممار إلممى نكممت إعممراب‬
‫القممرآن كلهمما و ضممبطها بممأبواب و فصممول و قواعممد انتظممم‬
‫سائرها فوقفنا منع على علم جم يشهد بعلو قدره فممي هممذه‬
‫الصناعة و وفور بضاعته منها و كأنه ينحو في طريقته منحمماة‬
‫أهل الموصل الذين اقتفمموا أثممر ابممن جنممي و اتبعمموا مصممطلح‬
‫تعليمه فأتى من ذلك بشيء عجيب دال علممى قمموة ملكتممه و‬
‫اطلعه‪ .‬و الله يزيد في الخلق ما يشاء‪.‬‬

‫علم اللغة‬
‫هذا العلم هو بيان الموضوعات اللغوية و ذلك أنه لما فسدت‬
‫ملكة اللسان العربي في الحركات المسماة عند أهممل النحممو‬
‫بالعراب و استنبطت القوانين لحفظها كما قلناه‪ .‬ثم اسممتمر‬
‫ذلك الفساد بملبسة العجم و مخالطتهم حتى تممأدى الفسمماد‬
‫إلى موضوعات اللفاظ فاستعمل كثير من كلم العممرب فممي‬
‫غيممر موضمموعه عنممدهم ميل مممع هجنممه المسممتعربين فممي‬
‫اصممطلحاتهم المخالفممة لصممريح العربيممة فاحتيممج إلممى حفممظ‬
‫الموضوعات اللغوية بالكتاب و التدوين خشية الدروس و ممما‬
‫ينشا عنه من الجهل بالقرآن و الحديث فشمر كثير من أئمممة‬
‫اللسان لذلك و أملوا فيه الدواوين‪ .‬و كان سابق الحلبممة فممي‬
‫ذلك الخليممل بممن أحمممد الفراهيممدي‪ .‬ألممف فيهمما كتمماب العيممن‬
‫فحصر فيه فركبات حروف العجم كلها من الثنممائي و الثلثممي‬
‫والرباعي و الخماسي و هو غاية ما ينتهي إليممه الممتركيب فممي‬
‫اللسان العربي‪ .‬و تأتي له حصر ذلك بوجوه عديدة حاضرة و‬
‫ذلك أن جملة الكلمات الثنائية تخرج من جميع العممداد علممى‬
‫التمموالي مممن واحممد إلممى سممبعة و عشممرين و هممو دون نهايممة‬
‫حروف العجم بواحد‪ .‬لن الحرف الواحد منها يؤخممذ مممع كممل‬
‫واحد من السبعة و العشرين فتكون سممبعة و عشممرين كلمممة‬
‫ثنائية‪ .‬ثم يؤخذ الثاني مع الستة و العشرين كذلك‪ .‬ثم الثالث‬
‫و الرابع‪ .‬ثم يؤخذ السابع و العشرون مع الثممامن و العشممرين‬
‫فيكون واحدا فتكون كلها أعدادا على توالي العدد مممن واحممد‬
‫إلى سبعة و عشرين فتجمع كما هي بالعمممل المعممروف عنممد‬
‫أهممل الحسمماب و هممو أن تجمممع الول مممع الخيممر و تضممرب‬
‫المجموع في نصف العدة‪ .‬ثم تصاعف لجل قلب الثنائي لن‬
‫التقديم و التأخير بين الحممروف معتممبر فممي الممتركيب فيكممون‬
‫الخارج جملمة الثنائيمات‪ .‬و تخمرج الثلثيمات ممن صمرب عمدد‬
‫الثنائيات فيما يجمع من واحد إلى ستة و عشرين على توالى‬
‫العدد لن كل ثنائية يزيد عليهمما حرفمما فتكممون ثلثيممة‪ .‬فتكممون‬
‫الثنائية بمنزلة الحممرف الواحممد مممع كممل واحممد مممن الحممروف‬
‫الباقية و هي ستة و عشرون حرفا بعممد الثنائيممة فتجمممع مممن‬
‫واحد إلى ستة و عشممرين علممى تمموالي العممدد و يضممرب فيممه‬
‫جملة الثنائيات‪ .‬ثم تضرب الخارج في ستة‪ ،‬جملممة مقلوبممات‬
‫الكلمة الثلثية فيخرج مجموع تراكيبها من حممروف العجممم‪ .‬و‬
‫كذلك في الرباعي و الخماسي‪ .‬فانحصرت له التراكيب بهممذا‬
‫الوجه و رتب أبوابه على حروف العجم بممالترتيب المتعممارف‪.‬‬
‫و اعتمد فيه ترتيب المخارج فبدأ بحروف الحلق ثم بعده من‬
‫خروف الحنك ثم الضراس ثم الشفة و جعممل حممروف العلممة‬
‫آخرا و هي الحروف الهوائية‪ .‬و بدأ من حروف الحلق بممالعين‬
‫لنه القصر منها فلذلك سمممي كتممابه بممالعين لن المتقممدمين‬
‫كانوا يذهبون في تسمية دواوينهم إلى مثل هذا و هو تسميته‬
‫بأول ما يقع فيه من الكلمات و اللفاظ‪ .‬ثم بين المهمل منها‬
‫من المستعمل و كان المهمل في الرباعي و الخماسي أكممثر‬
‫لقلة استعمال العرب له لثقله و لحق به الثنائي لقلة دورانممه‬
‫و كان السممتعمال فممي الثلثممي أغلممب فكممانت أوضمماعه أكممثر‬
‫لدورانه‪ .‬و ضمن الخليل ذلك كله في كتاب العين و استوعبه‬
‫أحسن اسممتيعاب و أوعمماه‪ .‬و جمماء أبممو بكممر الزبيممدي و كتممب‬
‫لهشام المؤيممد بالنممدلس فممي المممائة الرابعممة فاختصممره مممع‬
‫المحافظة على الستيعاب و حذف منه المهمل كلممه و كممثيرا‬
‫من شواهد المسممتعمل و لخصممه للحفممظ أحسممن تلخيممص‪ .‬و‬
‫ألف الجوهري من المشممارقة كتمماب الصممحاح علممى الممترتيب‬
‫المتعارف لحروف العجم فجعل البداءة منها بالهمزة و جمممل‬
‫الترجمة بالحروف على الحرف الخير من الكلمممة لضممطرار‬
‫الناس في الكثر إلى أواخر الكلم فجعل ذلمك بابما‪ .‬ثمم يمأتي‬
‫بممالحروف أول الكلمممة علممى ترتيممب حممروف العجممم أيصمما و‬
‫يترجم عليها بالفصول إلى آخرها‪ .‬و حصر اللغة اقتداء بحصر‬
‫الخليل‪ .‬ثم ألف فيها من الندلسيين ابن سيده من أهل دانية‬
‫في دولة علي بن مجاهد كتاب المحكممم علممى ذلممك المنحممى‬
‫من الستيعاب و علممى نحممو ترتيممب كتمماب العيممن‪ .‬و زاد فيممه‬
‫التعممرض لشممتقاتات الكلممم و تصمماريفها فجمماء مممن أحسممن‬
‫الدواوين‪ .‬و لخصه محمد بن أبي الحسين صاحب المستنصر‬
‫من ملوك الدولة الحفصية بتونس‪ .‬و قلب ترتيبه إلى ترتيممب‬
‫كتاب الصحاح في اعتبار أواخر الكلممم و بنمماء الممتراجم عليهمما‬
‫فكانا توأمي رحم و سليلي أبوة و لكراع من أئمة اللغة كتاب‬
‫المنجد‪ ،‬و لبن دريممد كتمماب الجمهممرة و لبممن النبمماري كتمماب‬
‫الزاهممر هممذه أصممول كتممب اللغممة فيممما علمنمماه‪ .‬و هنمماك‬
‫مختصممرات أخممرى مختصممة بصممنف مممن الكلممم و مسممتوعبة‬
‫لبعض البواب أو لكلها‪ .‬إل أن وجه الحصر فيها خفي و و في‬
‫الحصر في تلك جلي مممن قبممل الممتراكيب كممما رأيممت‪ .‬و مممن‬
‫الكتممب الموضمموعة أيضمما فممي اللغممة كتمماب الزمخشممري فممي‬
‫المجاز سممماه أسمماس البلغممة بيممن فيممه كممل ممما تجمموزت بممه‬
‫العرب من اللفاظ و فيما تجمموزت بممه مممن المممدلولت و هممو‬
‫كتاب شريف الفادة‪ .‬ثم لما كانت العرب تضع الشمميء علممى‬
‫العموم ثم تستعمل في المور الخاصة ألفاظما أخممرى خاصممة‬
‫بها فوق ذلك عندنا‪ ،‬و بين الوضع و السممتعمال و احتمماج إلممى‬
‫فقه في اللغة عزيز المأخذ كما وضممع البيممض بالوضممع العممام‬
‫لكل ما فيه بياض ثم اختص ما فيه بياض من الخيل بالشهب‬
‫و مممن النسممان بممالزهر و مممن الغنممم بالملممح حممتى صممار‬
‫استعمال البيممص فممي هممذه كلهمما لحنمما و خروجمما عممن لسممان‬
‫العرب‪ .‬و اختص بالتأليف في هذا المنحى الثعممالبي و أفممرده‬
‫في كتاب له سممماه فقممه اللغممة و هممو مممن أكممد ممما بأخممذ بممه‬
‫اللغمموي نفسممه أن يحممرف اسممتعمال العممرب عممن مواضممعه‪.‬‬
‫فليس معرفة الوضع الول بكاف في الترتيب حتى يشهد لممه‬
‫استعمال العرب لذلك‪ .‬و أكثر ما يحتاج إلى ذلك الديب فممي‬
‫فني نظمه و نثره حذرا من أن يكثر لحنممه فممي الموضمموعات‬
‫اللغوية في مفرداتها و تراكيبهمما و هممو أشممد مممن اللحممن فممي‬
‫العراب و أفحش‪ .‬و كذلك ألف بعض المتأخرين في اللفاظ‬
‫المشتركة و تكفل بحصرها و إن لم تبلغ إلى النهاية في ذلك‬
‫فهو مستوعب للكثر‪ .‬و أما المختصرات الموجممودة فممي هممذا‬
‫الفممن المخصوصممة بالمتممداول مممن اللغممة الكممثير السممتعمال‬
‫تسممهيل لحفظهمما علممى الطممالب فكممثيرة مثممل اللفمماظ لبممن‬
‫السكيت و الفصيح لثعلب و غيرهما‪ .‬و بعضممها أقممل لغممة مممن‬
‫بعض لختلف نظرهم في الهم على الطالب للحفظ‪ .‬و الله‬
‫الخلق العليم ل رب سواه‪.‬‬
‫فصل‪ :‬و اعلم أن النقل الذي تثبت به اللغمة‪ ،‬إنمما همو النقمل‬
‫عن العرب أنهم استعملوا هذه اللفاظ لهذه المعاني‪ ،‬ل تقل‬
‫إنهم وصغوها لنه متعذر و بعيد‪ .‬و لممم يعممرف لحممد منهممم‪ .‬و‬
‫كذلك ل تثبت اللغات بقياس ما لم نعلم اسممتعماله‪ .‬علممى ممما‬
‫عرف استعماله في ماء العنب‪ ،‬باعتبار السممكار الجممامع‪ .‬لن‬
‫شهادة العتبار في باب القيمماس إنممما يممدركها الشممرع الممدال‬
‫على صحة القياس من أصله‪ .‬و ليس لنمما مثلممه فمي اللغممة إل‬
‫بالعقل‪ ،‬و هو محكمم‪ ،‬و علممى همذا فمي جمهمور الئممة‪ .‬و إن‬
‫مال إلى القياس فيها القاضي و ابممن سممريح و غيرهممم‪ .‬لكممن‬
‫القممول بنفيممه أرجمح‪ .‬و ل تتمموهمن أن إثبممات اللغممة فممي بمماب‬
‫الحممدود اللفظيممة‪ ،‬لن الحممد راجممع إلممى المعمماني‪ .‬ببيممان أن‬
‫مدلول اللفظ المجهول الخفي هو مدلول الواضح المشممهور‪،‬‬
‫و اللغة إثبات أن اللفظ كذا‪ ،‬لمعنى كذا‪ ،‬و الفممرق فممي غايممة‬
‫الظهور‪.‬‬

‫علم البيان‬
‫هذا العلم حادث في الملة بعد علم العربية و اللغة‪ ،‬و هو من‬
‫العلوم اللسانية لنه متعلق باللفاظ و ما تفيده‪ .‬و يقصممد بهمما‬
‫الدللممة عليممه مممن المعمماني و ذلممك أن المممور الممتي يقصممد‬
‫المتكلم بها إفادة السامع من كلمه هي‪ :‬إما تصممور مفممردات‬
‫تسند و مسند إليها و يفضي بعضها إلى بعض‪ .‬و الدالممة علممى‬
‫هذه هي المفردات من السماء و الفعممال و الحممروف و إممما‬
‫تمييز المسندات ممن المسمند إليهما و الزمنمة‪ .‬و يمدل عليهما‬
‫بتغير الحركات من العراب و أبنية الكلمات‪ .‬و هذه كلها هي‬
‫صممناعة النحممو‪ .‬و يبقممى مممن المممور المكتنفممة بالواقعممات‬
‫المحتاجة للدللة أحوال المتخاطبين أو الفاعلين و ما يقتضيه‬
‫حال الفعممل و هممو محتمماج إلممى الدللممة عليممه لنممه مممن تمممام‬
‫الفادة و إذا حصلت للمتكلم فقد بلغ غاية الفادة في كلمممه‪.‬‬
‫و إذا لممم يشممتمل علممى شمميء منهمما فليممس مممن جنممس كلم‬
‫العرب فإن كلمهم واسع و لكل مقام عنممدهم مقممال يختممص‬
‫به بعد كمال العراب و البانة‪ .‬أل ترى أن قولهم زيد جمماءني‬
‫مغاير لقولهم جمماءني زيممد مممن قبممل أن المتقممدم منهممما هممو‬
‫الهم عند المتكلم فمن قممال‪ :‬جمماءني زيممد أفمماد أن اهتمممامه‬
‫بالمجيء قبل الشخص المسند إليه و مممن قممال‪ :‬زيممد جمماءني‬
‫أفمماد أن اهتمامممة بالشممخص قبممل المجيممء المسممند‪ .‬و كممذا‬
‫التعبير عن أجزاء الجملة بما يناسب المقام مممن موصممول أو‬
‫مبهم أو معرفة‪ .‬و كذا تأكيممد السممناد علممى الجملممة كقممولهم‪:‬‬
‫زيد قائم و أن زيدا قائم و إن زيممدا لقممائم متغممايرة كلهمما فمي‬
‫الدللة و إن استوت من طريق العممراب فممإن الول العمماري‬
‫عن التأكيد أنما يفيد الخالي الذهن و الثاني المؤكد بإن يفيممد‬
‫المتردد و الثالث يفيد المنكر فهممي مختلفممة‪ .‬و كممذلك تقممول‪:‬‬
‫جاءني الرجل ثم تقول مكانه بعينه جمماءني رجممل إذا قصممدت‬
‫بذلك التنكير تعظيمه و أنه رجل ل يعممادله أحمد مممن الرجممال‪.‬‬
‫ثممم الجملممة السممنادية تكممون خبريممة و هممي الممتي لهمما خممارج‬
‫تطابقه أول‪ ،‬و إنشائية و هممي الممتي ل خممارج لهمما‪ .‬كممالطلب و‬
‫أنواعه‪ .‬ثم قممد يتعيممن تممرك العمماطف بيممن الجملممتين إذا كممان‬
‫للثانية محل من العراب‪ :‬فيشرك بذلك منزلة التابع المفممرد‬
‫نعتا و توكيدا و بدل بل عطممف أو يتعيممن العطممف إذا لممم يكممن‬
‫للثانيممة محممل مممن العممراب‪ .‬ثممم يقتضممي المحممل الطنمماب و‬
‫اليجاز فيممورد الكلم عليهممما‪ .‬ثممم قممد يممدل بمماللفظ و ل يممراد‬
‫منطوقه و يراد لزمه إن كان مفردا كما تقول‪ :‬زيممد أسممد فل‬
‫تريد حقيقة السد المنطوقة و إنما تريممد شممجاعته اللزمممة و‬
‫تسندها إلى زيد و تسمى هذه اسممتعارة‪ .‬و قممد تريممد بمماللفظ‬
‫المركب الدللة على ملزومه كما تقممول‪ :‬زيممد كممثير الرممماد و‬
‫تريد ما لزم ذلك عنممه مممن الجممود و قممرى الضمميف لن كممثرة‬
‫الرماد ناشئة عنهما في دالة عليهما‪ .‬و هذه كلهمما دللممة زائدة‬
‫على دللة اللفاظ من المفرد و المركب و إنما هممي هيئات و‬
‫أحوال الواقعممات جعلممت للدللممة عليهمما أحمموال و هيئات فممي‬
‫اللفاظ كل بحسب ما يقتضمميه مقممامه‪ ،‬فاشممتمل هممذا العلممم‬
‫المسمممى بالبيممان علممى البحممث عممن هممذه الدللممة الممتي هممي‬
‫للهيئات و الحوال و المقامممات و جعممل علممى ثلثممة أصممناف‪:‬‬
‫الصنف الول يبحممث فيممه عممن هممذه الهيممآت و الحمموال الممتي‬
‫تطابق باللفظ جميع مقتضيات الحال و يسمى علممم البلغممة‪،‬‬
‫و الصنف الثاني يبحث فيه عن الدللة على اللزم اللفظممي و‬
‫ملزومه و هي الستعارة و الكناية كممما قلنمماه و يسمممى علممم‬
‫البيان‪ .‬و ألحقوا بهما صنفا آخر و هو النظر في تزييممن الكلم‬
‫و تحسينه بنوع مممن التنميممق إممما بسممجع يفصممله أو تجنيممس‪.‬‬
‫يشممابه بيممن ألفمماظه أو ترصمميع يقطممع أو توريممة عممن المعنممى‬
‫المقصود بإيهام معنى أخفممى منممة لشممتراك اللفممظ بينهممما و‬
‫أمثال ذلك و يسمى عندهم علم البدء‪ .‬و أطق على الصناف‬
‫الثلثة عند المحدثين اسم البيان و هممو اسممم الصممنف الثمماني‬
‫لن القدمين أول من تكلموا فيها ثم تلحقممت مسممائل الفممن‬
‫واحدة بعد أخرى و كتب فيهمما جعفممر بممن يحيممى و الجمماحظ و‬
‫قدامة وأمثالهم إملءات غير وافية فيها‪ .‬ثم لممم تمزل مسمائل‬
‫الفن تكمممل شمميئا فشمميئا إلممى أن محممص السممكاكي زبممدته و‬
‫هذب مسائله و رتمب أبموابه علمى نحمو مما ذكرنماه أنفما ممن‬
‫الترتيب و ألف كتابه المسمى بالمفتاح في النحو و التصريف‬
‫و البيممان فجعممل هممذا الفممن مممن بعممض أجممزائه‪ .‬و أخممذه‬
‫المتأخرون من كتابه و لخصوا منه أمهات قي المتداولة لهممذا‬
‫العهد كما فعله السكاكي في كتاب التبيان و ابممن مالممك فممي‬
‫كتاب المصباح و جلل الدين القزويني فممي كتمماب اليضمماح و‬
‫التلخيص و هو أصممغر حجممما مممن اليضمماح و العنايممة بممه لهممذا‬
‫العهد عند أهل المشرق في الشرح و التعليم منممه أكممثر مممن‬
‫غيممره‪ .‬و بالجملممة فالمشممارقة علممى هممذا الفممن أقمموم مممن‬
‫المغاربة و سببه و الله أعلم أنه كمالي في العلمموم اللسممانية‬
‫و الصنائع الكمالية توجد في وفور العمران‪ .‬و المشرق أوفممر‬
‫عمرانا من المغرب كما ذكرناه‪ .‬أو نقول لعناية العجمم و همم‬
‫معظم أهل المشرق كتفسير الزمخشممري‪ ،‬و هممو كلممه مبنممي‬
‫على هذا الفن و هو أصله‪ .‬و إنما اختص بأهممل المغممرب مممن‬
‫أصنافه علم البدء خاصممة‪ ،‬و جعلمموه مممن جملممة علمموم الدب‬
‫الشعرية‪ ،‬و فرغوا له ألقابا و عممدوا أبوابمما و نوعمموا أنواعمما‪ .‬و‬
‫زعموا أنهم أحصوها من لسممان العممرب و إنممما حملهممم علممى‬
‫ذلك الولوع بتزيين اللفاظ‪ ،‬و العلممم البممديع سممهل المأخممذ‪ .‬و‬
‫صعبت عليهم مآخذ البلغة و البيان لدقة أنظارهما و غممموض‬
‫معانيهما فتجممافوا عنهمما‪ .‬و مممن ألمف فمي البمدء مممن أهمل‬
‫أفريقية ابن رشيق و كتاب العمدة له مشممهور‪ .‬و جممرى كممثير‬
‫من أهل أفريقية و الندلس على منحاه‪ .‬و اعلم أن ثمرة هذا‬
‫الفن إنما هي في فهم العجاز من القممرآن لن إعجممازه فممي‬
‫وفاء الدللة منه بجميع مقتضيات الحوال منطوقة و مفهومة‬
‫و هي أعلى مراتب الكمال مممع الكلم فيممما يختممص باللفمماظ‬
‫في انتقائها و جودة رصفها و تركيبها‪ .‬و هذا هو العجاز الذي‬
‫تقصر الفهام عن إدراكه‪ .‬و إنما يدرك بغض الشيء منه مممن‬
‫كان له ذوق بمخالطة اللسان العربي و حصول ملكته فيدرك‬
‫من إعجازه على قدر ذوقه‪ .‬فلهذا كانت مدارك العرب الذين‬
‫سمعوة من مبلغه أعلى مقاما في ذلك لنهم فرسممان الكلم‬
‫و جهابذته و الذوق عندهم موجود بأوفر ما يكون و أصممحه‪ .‬و‬
‫أحوج ممما يكممون إلممى هممذا الفممن المفسممرون و أكممثر تفاسممير‬
‫المتقدمين غفل عنه حتى ظهر جاز الله الزمخشممري و وضممع‬
‫كتابه في التفسير و تتبممع آي القممرآن بأحكممام هممذا الفممن بممما‬
‫يبدي البعض مممن إعجممازه فممانفرد بهممذا الفصممل علممى جميممع‬
‫التفاسير لول أنه يؤيد عقممائد أهممل البممدع عنممد اقتباسممها مممن‬
‫القرآن بوجوه البلغممة‪ .‬و لجممل هممذا يتحاممماه كممثير مممن أهممل‬
‫السنة مع وفور بضاعته من البلغة‪ .‬فمن أحكم عقائد السممنة‬
‫و شارك في هذا الفن بعض المشاركة حتى يقتدر على الممرد‬
‫عليه من جنس كلمممه أو يعلممم أنممه بدعممة فيعممرض عنهمما و ل‬
‫تضر في معتقده فممإنه يتعيممن عليممه النظممر فممي هممذا الكتمماب‬
‫للظفر بشيء من العجاز مع السلمة من البدع و الهممواء‪ .‬و‬
‫الله الهادي من يشاء إلى سواء السبيل‪.‬‬

‫علم الدب‬
‫هذا العلم ل موضع له ينظر فممي إثبممات عوارضممه أو نفيهمما‪ .‬و‬
‫إنما المقصود منة عند أهل اللسان ثمرته‪ ،‬و هي الجادة فممي‬
‫فني المنظوم و المنثممور‪ ،‬علممى أسمماليب العممرب و منمماحيهم‪،‬‬
‫فيجمعون لذلك من كلم العرب ما عساه تحصل به الكلمممة‪.‬‬
‫مممن شممعر عممالي الطبقممة‪ ،‬و سممجع متسمماو فممي الجممادة‪ ،‬و‬
‫مسائل من اللغة و النحو مبثوثة أثناء ذلك‪ ،‬متفرقة‪ ،‬يستقري‬
‫منها الناظر في الغالب معظم قوانين العربية‪ ،‬مع ذكر بعممض‬
‫من أيام العرب يفهم به ما يقع في أشممعارهم منهمما‪ .‬و كممذلك‬
‫ذكممر المهممم مممن النسمماب الشممهيرة و الخبممار العامممة‪ .‬و‬
‫المقصود بذلك كله أن ل يخفى على النمماظر فيممه شمميء مممن‬
‫كلم العرب و أساليبيهم و مناحي بلغتهم إذا تصممفحه لنممه ل‬
‫تحصل الملكة من حفظممه إل بعمد فهمممه فيحتماج إلمى تقممديم‬
‫جميع ما يتوقف عليه فهمة‪ .‬ثم إنهم إذا أرادوا حد هممذا الفممن‬
‫قالوا‪ :‬الدب هو حفظ أشعار العرب وأخبارها و الخذ من كل‬
‫علم بطرف يريدون من علمموم اللسممان أو العلمموم الشممرعية‬
‫من حيث متونها فقط و هي القممرآن و الحممديث‪ .‬إذ ل مممدخل‬
‫لغيممر ذلممك مممن العلمموم فممي كلم العممرب إل ممما ذهممب إليممه‬
‫المتممأخرون عنممد كلفهممم بصممناعة البممديع مممن التوريممة فممي‬
‫أشعارهم و ترسمملهم بالصممطلحات العلميممة فاحتماج صماحب‬
‫هذا الفن حينئذ إلى معرفة اصطلحات العلمموم ليكممون قائممما‬
‫على فهمها‪ .‬و سمعنا من شميوخنا فممي مجالسممى التعليممم أن‬
‫أصول هذا الفن و أركممانه أربعممة دواريممن و هممي أدب الكتمماب‬
‫لبن قتيبة و كتمماب الكامممل للمممبرد و كتمماب البيممان و التممبيين‬
‫للجاحظ و كتاب النمموادر لبممي علممي القممالي البغممدادي‪ .‬و ممما‬
‫سوى هذه الربعة فتبع لها و فممروع عنهمما‪ .‬و كتممب المحممدثين‬
‫في ذلك كثيرة‪ .‬و كان الغناء في الصدر الول من أجزاء هممذا‬
‫الفن لما هممو تممابع للشممعر إذ الغنمماء إنممما هممو تلحينممه‪ .‬و كممان‬
‫الكتاب و الفضلء من الخواص في الدولة العباسممية يأخممذون‬
‫أنفسهم به حرصا على تحصيل أساليب الشعر و فنممونه فلممم‬
‫يكن انتحالة قادحا في العدالة و المروءة‪ .‬و قد ألف القاضممي‬
‫أبو الفرج الصبهاني كتابه في الغاني جمع فيه أخبار العممرب‬
‫و أشعارهم و أنسابهم و أيامهم و دولتهم‪ .‬و جعل مبناه علممى‬
‫الغنمماء فممي المممائة صمموتا الممتي اختارهمما المغنممون للرشمميد‬
‫فاسممتوعب فيممه ذلممك أتممم اسممتيعاب و أوفمماه‪ .‬و لعمممري إنممه‬
‫ديوان العرب و جامع أشتات المحاسن التي سلفت لهم فممي‬
‫كل فن من فنون الشعر و التاريخ و الغناء و سائر الحمموال و‬
‫ل يعدل به كتاب في ذلك فيما نعلمه و هو الغاية التي يسمممو‬
‫إليها الديب و يقف عندها و أنممى لممه بهمما‪ .‬و نحممن الن نرجممع‬
‫بالتحقيق على الجمال فيما تكلمنا عليه من علوم اللسان‪ .‬و‬
‫الله الهادي للصواب‪.‬‬
‫الفصل السممادس و الربعممون‪ :‬فممي أن اللغممة ملكممة‬
‫صناعية‬
‫إعلم أن اللغات كلها ملكات شبيهة بالصناعة إذ هممي ملكممات‬
‫في اللسان للعبارة عن المعانى و جودتها و تصورها بحسممب‬
‫تمام الملكة أو نقصانها‪ .‬و ليس ذلك بالنظر إلى المفردات و‬
‫إنما هو بالنظر إلى التراكيب‪ .‬فإذا حصلت الملكة التامة فممي‬
‫تركيب اللفاظ المفردة للتعبير بها عن المعاني المقصممودة و‬
‫مراعاة التأليف الذي يطبق الكلم علممى مقتضممى الحممال بلممغ‬
‫المتكلم حينئد الغاية من إفممادة مقصمموده للسممامع و هممذا هممو‬
‫معنممى البلغممة‪ .‬و الملكممات ل تحصممل إل بتكممرار الفعممال لن‬
‫الفعل يقع أول و تعود منه للذات صفة ثم تتكرر فتكون حال‪.‬‬
‫و معنى الحال أنها صفة غير راسخه ثم يزيد التكممرار فتكممون‬
‫ملكممة أي صممفة راسممخة‪ .‬فممالمتكلم مممن العممرب حيممن كممانت‬
‫ملكته اللغة العربية موجودة فيهممم يسمممع كلم أهممل جيلممه و‬
‫أساليبهم في مخاطباتهم و كيفية تعبيرهم عن مقاصدهم كما‬
‫يسمع الصبي استعمال المفردات في معانيها فيلقنها أول ثممم‬
‫يسمع التراكيب بعدها فيلقنهمما كممذلك‪ .‬ثممم ل يممزال سممماعهم‬
‫لذلك يتجممدد فمي كمل لحظمة و مممن كمل متكلمم و اسمتعماله‬
‫يتكممرر إلممى أن يضممير ذلممك ملكممة و صممفة راسممخة و يكممون‬
‫كأحدهم‪ .‬هكذا تصيرت اللسن و اللغات من جيل إلى جيل و‬
‫تعلمها العجم و الطفال‪ .‬و هذا هو معنى ما تقوله العامة من‬
‫أن اللغة للعرب بالطبع أي بالملكة الولى التي أخممذت عنهممم‬
‫و لم يأخذوها عن غيرهم‪ .‬ثممم إنممه لممما فسممدت هممذه الملكممة‬
‫لمضر بمخالطتهم العاجم و سبب فسممادها أن الناشممئ مممن‬
‫الجيل صار يسمع في العبممارة عممن المقاصممد كيفيممات أخممرى‬
‫غير الكيفيات الممتي كممانت للعممرب فيميممز بهمما عممن مقصمموده‬
‫لكثرة المخالطين للعرب من غيرهم و يسمع كيفيات العممرب‬
‫أيضا فاختلط عليه المممر و أخممذ مممن هممذه وهممذه فاسممتحدث‬
‫ملكة و كانت ناقصة عن الولى‪ .‬و هذا معنممى فسمماد اللسمان‬
‫العربي‪ ،‬و لهذا كممانت لغممة قريممش أفصممح اللغممات العربيممة و‬
‫أصرحها لبعدهم عن بلد العجم مممن جميممع جهمماتهم‪ .‬ثممم مممن‬
‫اكتنفهم من ثقيف و هذيل و خزاعة و بنممي كنانممة وغطفممان و‬
‫بني أسد و بني تميم‪ .‬و أما من بعد عنهم من ربيعة و لخممم و‬
‫جذام و غسممان و إيمماد و قضمماعة و عممرب اليمممن المجمماورين‬
‫لمم الفرس و الروم و الحبشة فلم تكن لغتهم تامممة الملكممة‬
‫بمخالطممة العمماجم‪ .‬و علممى نسممبة بعممدهم مممن قريممش كممان‬
‫الحتجاج بلغاتهم فممي الصممحة و الفسمماد عنممد أهممل الصممناعة‬
‫العربية‪ .‬و الله سبحانة و تعالى أعلم و به التوفيق‪.‬‬

‫الفصل السابع و الربعون‪ :‬في أن لغة العرب لهممذا‬


‫العهد مستقلة مغايرة للغة مصر و حمير‬
‫و ذلك أنا نجدها فممي بيممان المقاصممد و الوفمماء بالدللممة علممى‬
‫سنن اللسان المضممري و لممم يفقممد منهمما إل دللممة الحركممات‬
‫على تعين الفاعل مممن المفعممول فاعتاضمموا منهمما بالتقممديم و‬
‫التممأخير و بقممرائن تممدل علممى خصوصمميات المقاصممد‪ .‬إل أن‬
‫البيممان و البلغممة فممي اللسممان المضممري أكممثر و أعممرق‪ ،‬لن‬
‫اللفمماظ بأعيانهمما دالممة علممى المعمماني بأعيانهمما‪ .‬و يبقممى ممما‬
‫تقتضيه الحوال و يسمى بساط الحال محتاجمما إلممى ممما يممدل‬
‫عليه‪ .‬و كل معنى ل بد و أن تكتنفه أحوال تخصممه فيجممب أن‬
‫تعتبر تلك الحمموال فممي تأديممة المقصممود لنهمما صممفاته و تلممك‬
‫الحوال في جميع اللسن أكثر ما يدل عليهمما بألفمماظ تخصممها‬
‫بالوضع‪ .‬و أما في اللسان العربي فإنما يدل عليهمما بممأحوال و‬
‫كيفيات في تراكيب اللفاظ و تأليفها مممن تقممديم أو تممأخير أو‬
‫حممذف أو حركممة أعممراب‪ .‬و قممد يممدل عليهمما بممالحروف غيممر‬
‫المستقلة‪ .‬و لذلك تفاوتت طبقات الكلم في اللسان العربي‬
‫بحسب تفاوت الدللة على تلك الكيفيات كممما قممدمناه فكممان‬
‫الكلم العربي لذلك أوجز و أقل ألفاظمما و عبممارة مممن جميممع‬
‫اللسن‪ .‬و هذا معنى قموله صملى اللمه عليمه و سملم‪ :‬أوتيمت‬
‫جوامع الكلم و اختصر لي الكلم اختصارا‪ .‬و اعتممبر ذلممك بممما‬
‫يحكى عن عيسى بن عمر و قد قممال لممه بعممض النحمماة‪ :‬إنممي‬
‫أجد في كلم العرب تكرارا في قولهم‪ :‬زيممد قممائم و إن زيممدا‬
‫قائم و إن زيدا لقائم و المعنى واحممد‪ .‬فقممال لممه‪ :‬إن معانيهمما‬
‫مختلفة‪ .‬فالول‪ :‬لفادة الخالي الذهن من قيام زيد‪ .‬و الثاني‪:‬‬
‫لمن سمعه فتردد فيه‪ ،‬و الثالث لمممن عممرف بالصممرار علممى‬
‫إنكاره فاختلفت الدللة بمماختلف الحمموال‪ .‬و ممما زالممت هممذه‬
‫البلغممة و البيممان ديممدن العممرب و مممذهبهم لهممذا العهممد‪ .‬و ل‬
‫تلتفتن في ذلك إلممى خرفشممة النحمماة أهممل صممناعة العممراب‬
‫القاصرة مممداركهم عممن التحقيممق حيممث يزعمممون أن البلغممة‬
‫لهذا العهد ذهبت و أن اللسان العربي فسد اعتبارا بممما وقممع‬
‫في أواخر الكلم من فساد العراب الذي يتدارسون قمموانينه‪.‬‬
‫و هي مقالة دسها التشيع في طباعهم و ألقاها القصممور فممي‬
‫أفئدتهم و إل فنحن نجد اليوم الكممثير مممن ألفمماظ العممرب لممم‬
‫تزل في موضوعاتها الولى و التعبير عن المقاصد و التعمماون‬
‫فيه بتفاوت البانة موجود في كلمهم لهممذا العهممد و أسمماليب‬
‫اللسان و فنونه من النظم و النثر موجودة في مخاطبمماتهم و‬
‫فهم الخطيب المصقع فممي محممافلهم و مجممامعهم و الشمماعر‬
‫المفلممق علممى أسمماليب لغتهممم‪ .‬و الممذوق الصممحيح و الطبممع‬
‫السليم شاهدان بذلك‪ .‬و لم يفقد من أحوال اللسان المدون‬
‫إل حركات العراب في أواخممر الكلممم فقممط الممذي لممزم فممي‬
‫لسان مضر طريقة واحدة و مهيما معروفا و هو العممراب‪ .‬و‬
‫هو بعض من أحكممام اللسممان‪ .‬و إنممما وقعممت العنايممة بلسممان‬
‫مضر لما فسد بمخالطتهم العاجم حين استولوا على ممالك‬
‫العراق و الشام و مصر و المغرب و صارت ملكته على غيممر‬
‫الصورة التى كانت أول فممانقلب لغممة أخممرى‪ .‬و كممان القممرآن‬
‫منزل به و الحديث النبوي منقول بلغتممه و هممما أصممل الممدين و‬
‫الملممة فخشممي تناسمميهما و انغلق الفهممام عنهممما بفقممدان‬
‫اللسممان الممذي نممزل بممه فاحتيممج إلمى تممدوين أحكممامه و وضممع‬
‫مقاييسه و استباط قوانينه‪ .‬و صار علما ذا فصول و أبممواب و‬
‫مقدمات و مسائل سماه أهله بعلم النحممو و صممناعة العربيممة‬
‫فأصبح فنا محفوظا و علما مكتوبمما و سمملما إلممى فهممم كتمماب‬
‫الله و سنة رسوله صلى الله عليه و سمملم وافيمما‪ .‬و لعلنمما لممو‬
‫اعتنينا بهذا اللسان العربممي لهممذا العهممد و اسممتقرينا أحكممامه‬
‫نعتمماض عممن الحركممات العرابيممة فممي دللتهمما بممأمور أخممرى‬
‫موخودة فيممه تكممون بهما قموانين تخصممها‪ .‬و لعلهما تكممون فمي‬
‫أواخره على غير المنهاج الول في لغة مضر فليست اللغات‬
‫و ملكاتها مجانمما‪ .‬و لقممد كممان اللسممان المضممري مممع اللسممان‬
‫الحميري بهذه المثابة و تغير عند مضر كثير مممن موضمموعات‬
‫اللسممان الحميممري و تصمماريف كلممماته‪ .‬تشممهد بممذلك النقممال‬
‫الموجممودة لمدينا خلفمما لممن يحملمه القصمور علممى أنهما لغمة‬
‫واحدة و يلتمس إجراء اللغة الحميريممة علممى مقمماييس اللغممة‬
‫المضرية و قوانينها كما يزعم بعضهم في اشتقاق القيل فممي‬
‫اللسان الحميري أنه من القول و كثير من أشباه هذا و ليس‬
‫ذلك بصحيح‪ .‬و لغة حمير لغة أخرى مغممايرة للغممة مضممر فممي‬
‫الكثير من أوضاعها و تصمماريفها و حركممات إعرابهمما كممما هممي‬
‫لغة العرب لعهفدنا مع لغة مضر إل أن العنايممة بلسممان مضممر‬
‫من أجل الشريعة كممما قلنمماه حمممل ذلممك علممى السممتنباط و‬
‫الستقراء و ليس عندنا لهذا العهد ما يحملنا على مثل ذلك و‬
‫يدعونا إليه‪ .‬و مما وقع في لغة هذا الجيل العربي لهذا العهممد‬
‫حيث كانوا من القطار شأنهم فممي النطممق بالقمماف فممإنهم ل‬
‫ينطقون بها مممن مخممرج القمماف عنممد أهممل المصممار كممما هممو‬
‫مذكور في كتب العربية أنه مممن أقصممى اللسممان و ممما فمموقه‬
‫من الحنك العلى‪ .‬و ما ينطقون بها أيضا من مخرج الكاف و‬
‫إن كان أسفل من موضع القاف و ما يليه من الحنك العلممى‬
‫كما هي بل يجيئون بها متوسطة بيممن الكمماف و القمماف و هممو‬
‫موجود للجيل أجمع حيث كانوا من غرب أو شرق حتى صممار‬
‫ذلك علمة عليهممم مممن بيممن المممم و الجيممال مختصمما بهممم ل‬
‫يشاركهم فيها غيرهم‪ .‬حتى إن من يريد التقممرب و النتسمماب‬
‫إلى الجيل و الدخول فيه يحاكيهم في النطممق بهمما‪ .‬و عنممدهم‬
‫أنممه إنممما يتميممز العربممي الصممريح مممن الممدخيل فممي العروبيممة‬
‫والحضري بالنطق بهذه القاف‪ .‬و يظهر بذلك أنها لغممة مضممر‬
‫بعينها فإن هذا الجيل الباقين معظمهم و رؤسمماؤهم شممرقا و‬
‫غربا في ولد منصممور بممن عكرمممة بممن خصممفة بممن قيممس بممن‬
‫عيلن من سليم بن منصور و من بني عامر بن صعصممعة بممن‬
‫معاوية بن بكر بن هوازن بن منصور‪ .‬و هم لهممذا العهممد أكممثر‬
‫المم في المعمور و أغلبهم و هم من أعقمماب مضممر و سممائر‬
‫الجيل معهم من بني كهلن في النطق بهذه القاف أسمموة‪ .‬و‬
‫هممذه اللغممة لممم يبتممدعها هممذا الجيممل بممل هممي متوارثممة فيهممم‬
‫متعاقبة و يظهر من ذلك أنها لغة مضمر الوليمن و لعلهما لغمة‬
‫النبي صلى الله عليه و سلم بعينها قد ادعى ذلك فقهاء أهممل‬
‫البيت و زعممموا أن مممن قممرأ فممي أم القممرآن اهممدنا الصممراط‬
‫المستقيم بغير القاف الممتي لهممذا الجيممل فقممد لحممن و أفسممد‬
‫صلته و لم أدر من أين جاء هذا ؟ فإن لغة أهل المصار أيضا‬
‫لم يستحدثوها و إنما تناقلوها من لدن سلفهم و كان أكثرهم‬
‫من مضر لما نزلوا المصممار مممن لممدن الفتممح‪ .‬و أهممل الجيممل‬
‫أيضا لم يستحدثوها إل أنهم أبعد مممن مخالطممة العمماجم مممن‬
‫أهل المصار‪ .‬فهذا يرجح فيما يوجد من اللغة لديهم أنممه مممن‬
‫لغة سلفهم‪ .‬هذا مع اتفاق أهل الجيل كلهم شرقا و غربا في‬
‫النطق بها و أنها الخاصية التي يتميز بها العربى مممن الهجيممن‬
‫و الحضري‪ .‬و الظاهر أن هممذه القمماف الممتي ينطممق بهمما أهممل‬
‫الجيل العربي البدوي هو من مخمرج القماف عنمد أولهمم ممن‬
‫أهل اللغة‪ ،‬و أن مخرج القاف متسع‪ ،‬فأوله من أعلى الحنممك‬
‫و آخره مما يلي الكاف‪ .‬فالنطق بها من أعلى الحنك في لغة‬
‫المصار‪ ،‬و النطق بها مما يلممي الكمماف هممي لغممة هممذا الجيممل‬
‫البدوي‪ .‬و بهذا يندفع ما قاله أهممل الممبيت مممن فسمماد الصمملة‬
‫بتركها في أم القرآن‪ ،‬فإن فقهاء المصممار كلهممم علممى خلف‬
‫ذلك‪ .‬و بعيد أن يكونوا أهملمموا ذلممك‪ ،‬فمموجهه ممما قلنمماه‪ .‬نعممم‬
‫نقول إن الرجح و الولى ما ينطق به أهل الجيل البدوي لن‬
‫تواترها فيهم كما قمدمناه شماهد بأنهما لغمة الجيمل الول ممن‬
‫سلفهم‪ ،‬و أنها لغة النممبي صمملى اللممه عليممه و سمملم‪ .‬و يرجممح‬
‫ذلك أيضا ادغامهم لها في الكمماف لتقممارب المخرجيممن‪ .‬و لممو‬
‫كانت كما ينطق بها أهل المصار من أصل الحنك‪ ،‬لما كممانت‬
‫قريبة المخرج من الكاف‪ ،‬و لم تدغم‪ .‬ثم إن أهل العربية قممد‬
‫ذكروا هذه القاف القريبة من الكاف‪ ،‬و هي الممتي ينطممق بهمما‬
‫أهل الجيل البدوي من العرب لهذا العهد‪ ،‬و جعلوها متوسطة‬
‫بين مخرجي القاف و الكاف‪ .‬على أنها حرف مستقل‪ ،‬و هممو‬
‫بعيد‪ .‬و الظاهر أنها من آخر مخرج القاف لتساعه كما قلناه‪.‬‬
‫ثم إنهممم يصممرحون باسممتهجانه و اسممتقباحه كممأنهم لممم يصممح‬
‫عنممدهم أنهمما لغممة الجيممل الول‪ .‬و فيممما ذكرنمماه مممن اتصممال‬
‫نطقهم بها‪ ،‬لنهم إنما ورثوها مممن سمملفهم جيل بعممد جيممل‪ ،‬و‬
‫أنها شعارهم الخاص بهم‪ ،‬دليممل علممى أنهمما لغممة ذلممك الجيممل‬
‫الول‪ ،‬و لغة النبي صلى اللممه عليممه و سمملم كممما تقممدم ذلممك‬
‫كله‪ .‬و قد يزعم زاعم أن هذه القمماف الممتي ينطممق بهمما أهممل‬
‫المصممار ليسممت مممن هممذا الحممرف‪ ،‬و أنهمما إنممما جمماءت مممن‬
‫مخالطتهم للعجم‪ ،‬و إنهم ينطقممون بهمما كممذلك‪ ،‬فليسممت مممن‬
‫لغة العرب‪ .‬و لكن القيس كما قدمناه من أنهما حرف واحممد‬
‫متسع المخرج‪ .‬فتفهم ذلك‪ .‬و الله الهادي المبين‪.‬‬

‫الفصل الثامن و الربعون‪ :‬في أن لغة أهل الحضممر‬


‫والمصار لغة قائمة بنفسها للغة مضر‬
‫اعلم أن عرف التخمماطب فممي المصممار و بيممن الحضممر ليممس‬
‫بلغة مضر القديمة و ل بلغة أهل الجيممل بممل هممي لغممة أخممرى‬
‫قائمة بنفسها بعيممدة عممن لغممة مضممر و عممن لغممة هممذا الجيممل‬
‫العربي الذي لعهدنا و هي عن لغة مضر أبعممد‪ .‬فأنمما إنهمما لغممة‬
‫قائمة بنفسها فهو ظاهر يشهد له ما فيهمما مممن التغمماير الممذي‬
‫يعممد عنممد صممناعة أهممل النحممو لحنمما‪ .‬و هممي مممع ذلممك تختلممف‬
‫باختلف المصار في اصطلحاتهم فلغة أهل المشرق مباينممة‬
‫بعض الشيء للغة أهل المغرب و كذا أهل الندلس عنهممما و‬
‫كل منهم متوصل بلغته إلى تأدية مقصوده و البانة عممما فممي‬
‫نفسه‪ .‬و هذا معنى اللسان و اللغة‪ .‬و فقدان العممراب ليممس‬
‫بضائر لهم كما قلناه في لغة العرب لهممذا المهممد‪ .‬و أممما أنهمما‬
‫أبعد عن اللسان الول ممن لغممة همذا الجيممل فلن البعممد عممن‬
‫اللسان إنما هو بمخالطة العجمممة‪ .‬فمممن خممالط العجممم أكممثر‬
‫كانت لغته عن ذلممك اللسممان الصمملي أبعممد لن الملكممة إنممما‬
‫تحصل بالتعليم كما قلناه‪ .‬و هذه ملكة ممتزجممة مممن الملكممة‬
‫الولى التي كانت للعرب و من الملكممة الثانيممة الممتي للعجممم‪.‬‬
‫فعلى مقدار ما يسمعونه من العجم و يربون عليه يبعون عن‬
‫الملكة الولى‪ .‬و اعتبر ذلك فممي أمصممار أفريقيممة و المغممرب‬
‫والنممدلس و المشممرق‪ .‬أممما أفريقيممة و المغممرب فخممالطت‬
‫العرب فيها البرابرة من العجم بوفور عمرانها بهم و لم يكممد‬
‫يخلو عنهم مضر و ل جيل فغلبت العجمة فيها علممى اللسممان‬
‫العربممي الممذي كممان لهممم و صممارت لغممة أخممرى ممتزجممة‪ .‬و‬
‫العجمة فيها أغلب لما ذكرناه فهي عن اللسان الول أبعد‪ .‬و‬
‫كذا المشرق لما غلب العرب على أممه من فارس و الممترك‬
‫فخالطوهم و تداولت بينهم لغاتهم فممي الكممرة و الفلحيممن و‬
‫السبي الذين اتخذوا خول ً و دايات و أظآرا و مراضع ففسدت‬
‫لغتهم بفسماد الملكممة حممتى انقلبمت لغمة أخمرى‪ .‬و كممذا أهممل‬
‫الندلس مع عجم الحللقة و الفرنجة‪ .‬و صممار أهممل المصممار‬
‫كلهم من هذه القاليم أهل لغة أخرى مخصوصة بهم تخممالف‬
‫لغة مضر و يخالف أيضا بعضهم بعضا كما نذكره و كممأنه لغممة‬
‫أخرى لستحكام ملكتها في أجيالهم‪ .‬و الله يخلق ما يشمماء و‬
‫يقدر‪.‬‬

‫الفصممل التاسممع و الربعممون فممي تعليممم اللسممان‬


‫المضري‬
‫اعلممم أن ملكممة اللسممان المضممري لهممذا العهممد قممد ذهبممت و‬
‫فسدت و لغة أهل الجيل كلهم مغايرة للغة مضممر الممتي نممزل‬
‫بها القرآن و إنما هي لغة أخرى من امتزاح العجمممة بهمما كممما‬
‫قدمناه‪ .‬إل أن اللغات لما كانت ملكات كما مممر كممان تعلمهمما‬
‫ممكنا شأن سائر الملكات‪ .‬و وجه التعليممم لمممن يبتغممي هممذه‬
‫الملكة و يروم تحصيلها أن يأخذ نفسه بحفظ كلمهم القممديم‬
‫الجاري على أساليبهم من القرآن و الحممديث و كلم السمملف‬
‫و مخاطبممات فحممول العممرب فممي أسممجاعهم و أشممعارهم و‬
‫كلمات المولدين أيضا في سممائر فنممونهم حممتى يتنممزل لكممثرة‬
‫حفظه لكلمهم من المنظوم و المنثور منزلة من نشممأ بينهممم‬
‫و لقن العبارة عن المقاصد منهم‪ .‬ثم يتصرف بعممد ذلممك فممي‬
‫التعممبير عممما فممي ضممميره علممى حسمماب عبمماراتهم و تممأليف‬
‫كلماتهم و ما وعاه و حفظه من أساليبهم و ترتيممب ألفمماظهم‬
‫فتحثممل لممه هممذه الملكممة بهممذا الحفممظ و السممتعمال و يممزداد‬
‫بكثرتهما رسوخا و قوة و يحتاج مع ذلك إلى سلمة الطبممع و‬
‫التفهممم الحسممن لمنممازع العممرب و أسممليبهم فمي الممتراكيب و‬
‫مراعاة التطبيق بينهممما و بيممن مقتضمميات الحمموال‪ .‬و الممذوق‬
‫يشهد بذلك و هو ينشأ ما بين هممذه الملكممة و الطبممع السممليم‬
‫فيهما كما نذكر‪ .‬و علممى قممدر المحفمموظ و كممثرة السممتعمال‬
‫تكون جودة المقول المصنوع نظما و نثرا‪ ،‬و من حصل علممى‬
‫هذه الملكات فقد حصل على لغة مضر و هممو الناقممد البصممير‬
‫بالبلغة فيها و هكذا ينبغي أن يكون تعلمها‪ .‬و الله يهدي مممن‬
‫يشاء بفضله و كرمه‪.‬‬

‫الفصل الخمسون‪ :‬في أن ملكممة هممذا اللسممان غيممر‬


‫صناعة العربية و مستغنية عنها في التعليم‬
‫و السبب في ذلك أن صناعة العربية إنما هي معرفة قمموانين‬
‫هذه الملكممة و مقاييسممها خاصممة‪ .‬فهممو علممم بكيفيممة ل نفممس‬
‫كيفية‪ .‬فليست نفس الملكممة و إنممما هممي بمثابممة مممن يعممرف‬
‫ل‪ .‬مثمل أن يقمول‬ ‫صمناعة ممن الصمنائع علمما ً ول يحكمهما عم ً‬
‫بصير بالخياطة غيممر محكممم لملكتهمما فممي التعممبير عممن بعممض‬
‫أنواعها الخياطة هي أن يدخل الخيممط فممي خممرت البممرة ثممم‬
‫يغرزها فمي لفقمي الثمموب مجتمعيممن و يخرجهما ممن الجمانب‬
‫الخر بمقدار كذا ثم يردها إلى حيث ابتممدأت ويخرجهمما قممدام‬
‫منفذها الول بمطرح ما بين الثقبين الولين ثم يتمادى علممى‬
‫ذلممك إلممى آخممر العمممل و يعطممي صممورة الحبممك و التثممبيت و‬
‫التفتيح و سائر أنواع الخياطة و أعمالها‪ .‬و هممو إذا طممولب أن‬
‫يعمل ذلك بيممده ل يحكممم منممه شمميئًا‪ .‬و كممذا لممو سممئل عامممل‬
‫بالنجارة عن تفصيل الخشممب فيقممول‪ :‬همو أن تضمع المنشممار‬
‫على رأس الخشمبة وتمسمك بطرفممه و آخممر قبالتممك ممسممك‬
‫بطرفه الخر و تتعاقبانه بينكما و أطرافه المضرسة المحددة‬
‫تقطع ما مرت عليه ذاهبة و جائيممة إلممى أن ينتهممي إلممى آخممر‬
‫الخشبة‪ .‬و هو لو طولب بهذا العمل أو شيء منه لم يحكمه‪.‬‬
‫و هكذا العلم بقوانين العراب مممع هممذه الملكممة فممي نفسممها‬
‫فإن العلم بقمموانين العمراب إنمما هممو علممم بكيفيممة العممل و‬
‫ليس هو نفس العمل‪ .‬و لذلك نجد كثيرا ً من جهابذة النحاة و‬
‫المهرة في صناعة العربية المحيطين علما ً بتلك القمموانين إذا‬
‫سئل في كتابة سطرين إلى أخيممه أو ذوي مممودته أو شممكوى‬
‫ظلمه أو قصد من قصوده أخطممأ فيهمما عممن الصممواب و أكممثر‬
‫مممن اللحممن ولممم يجممد تممأليف الكلم لممذلك و العبممارة عممن‬
‫المقصود على أسمماليب اللسممان العربممي ‪ ,‬و كممذا نجممد كممثيرا ً‬
‫ممممن يحسممن هممذه الملكممة ويجيممد التفنممن فممي المنظمموم و‬
‫المنثممور و هممو ل يحسممن إعممراب الفاعممل مممن المفعممول و ل‬
‫المرفوع من المجرور و ل شيئا ً من قوانين صناعة العربية‪.‬‬
‫فمن هممذا تعلممم أن الملكممة هممي غيممر صممناعة العربيممة و إنهمما‬
‫مستغنية عنها بالجملة و قد نجممد بعممض المهممرة فممي صممناعة‬
‫العراب بصيرا ً بحال هذه الملكة و هو قليل و اتفاقي و أكممثر‬
‫ممما يقممع للمخممالطين لكتمماب سمميبوبه‪ .‬فمإنه لممم يقتصممر علممى‬
‫قمموانين العممراب فقممط بممل مل كتممابه مممن أمثممال العممرب و‬
‫شواهد أشعارهم و عباراتهم فكان فيه جزء صالح مممن تعليممم‬
‫هذه الملكة فتجد العاكف عليه و المحصل له قد حصل علممى‬
‫خط من كلم العممرب و انممدرج فممي محفمموظه فممي أممماكنه و‬
‫مفاصل حاجاته‪ .‬و تنبه بممه لشممأن الملكممة فاسممتوفى تعليمهمما‬
‫فكان أبلغ في الفادة‪ .‬و من هؤلء المخالطين لكتاب سيبويه‬
‫يغفل عن التفطن لهذا فيحصل على علم اللسان صناعة و ل‬
‫يحصل عليه ملكة‪ .‬و أما المخالطون لكتب المتأخرين العارية‬
‫عن ذلك إل من القوانين النحوية مجردة عن أشعار العرب و‬
‫كلمهم‪ ،‬فقل ما يشعرون لذلك بأمر هذه الملكممة أو ينتبهممون‬
‫لشأنها فتجممدهم يحسممبون أنهممم قممد حصمملوا علممى رتبممة فممي‬
‫لسان العرب و هم أبعد الناس عنممه‪ .‬و أهممل صممناعة العربيممة‬
‫بالندلس ومعلموها أقرب إلى تحصيل هذه الملكة و تعليمهمما‬
‫من سواهم لقيامهم فيهمما علممى شممواهد العممرب و أمثممالهم و‬
‫التفقه في الكثير من التراكيب في مجالس تعليمهم فيسممبق‬
‫إلى المبتدئ كثير من الملكة أثناء التعليم فتنقطع النفس لها‬
‫و تستعد إلى تحصيلها و قبولها‪ .‬و أما مممن سممواهم مممن أهممل‬
‫المغرب و أفريقية و غيرهم فممأجروا صممناعة العربيممة مجممرى‬
‫العلوم بحثا ً و قطعوا النظر في التفقه في كلم العرب إل أن‬
‫أعربوا شاهدا ً أو رجحوا مذهبا ً مممن جهممة القتضمماء الممذهني ل‬
‫من جهة محامل اللسان و تراكيبه‪ .‬فأصبحت صممناعة العربيممة‬
‫كأنها من جملة قمموانين المنطممق العقليممة أو الجممدل و بعممدت‬
‫عن مناحي اللسان و ملكته و أفاد ذلك حملتها في المصار و‬
‫آفاقها البعد عن الملكة في الكلية‪ ،‬و كممأنهم ل ينظممرون فممي‬
‫كلم العرب‪ .‬و ما ذلك إل لعممدولهم عمن البحمث فمي شمواهد‬
‫اللسان و تراكيبه و تمييز أساليبه و غفلتهم عن المممران فممي‬
‫ذلك للمتعلم فهو أحسن ما تفيد الملكة في اللسممان‪ .‬و تلممك‬
‫القوانين إنما هي وسائل للتعليم لكنهم أجروها على غيممر ممما‬
‫قصد بها و أصاروها علما ً بحت ما ً و بعممدوا عممن ثمرتهمما‪ .‬و تعلممم‬
‫مما قررناه في هذا الباب أن حصممول ملكممة اللسممن العربممي‬
‫إنما هو بكثرة المحفممظ مممن كلم العممرب حممتى يرتسممم فممي‬
‫خياله المنوال الذي نسجوا عليه تراكيبهم فينسج هممو عليممه و‬
‫يتنزل بممذلك منزلممة مممن نشممأ معهممم و خممالط عبمماراتهم فممي‬
‫كلمهم حتى حصلت لممه الملكممة المسممتقرة ف يالعبممارة عممن‬
‫المقاصد على نحو كلمهممم‪ .‬و اللممه مقممد المممور كلهمما و اللممه‬
‫أعلم بالغيب‪.‬‬

‫الفصل الواحد و الخمسون‪ :‬في تفسر الممذوق فممي‬


‫مصطلح أهل البيان و تحقيق معناه و بيممان أنممه‬
‫ل يحصل للمستعربين من العجم‬
‫اعلممم أن لفظممة الممذوق يتممداولها المعتنممون بفنممون البيممان و‬
‫معناها حصول ملكة البلغة للسان‪ .‬و قد مر تفسير البلغة و‬
‫أنها مطابقة الكلم للمعنممى مممن جميممع وجمموهه بخممواص تقممع‬
‫للتراكيب في إفادة ذلممك‪ .‬فممالمتكلم بلسممان العممرب و البليممغ‬
‫فيه يتحرى الهيئة المفيدة لذلك على أساليب العرب و أنحمماء‬
‫مخاطباتهم و ينظم الكلم على ذلك الوجه جهده فإذا اتصلت‬
‫مقاماته بمخالطة كلم العرب حصمملت لممه الملكممة فممي نظممم‬
‫الكلم على ذلك الوجه و سممهل عليممه أمممر الممتركيب حيممث ل‬
‫يكاد ينحو فيممه غيممر منحممى البلغممة الممتي للعممرب و إن سمممع‬
‫تركيبا ً غير جار على ذلك المنحى مجه و نبا عنه سمعه بأدنى‬
‫فكر‪ ،‬بل و بغير فكر‪ ،‬إل بما استفاد من حصول هذه الملكممة‪.‬‬
‫فإن الملكات إذا استقرت و رسخت في محالها ظهرت كأنها‬
‫طبيعة و جبلة لذلك المحل‪ .‬و لذلك يظن كثير من المغفليممن‬
‫ممن لم يعرف شأن الملكات أن الصواب للعرب في لغتهممم‬
‫إعرابمما و بلغممة أمممر طممبيعي‪ .‬و يقممول كممانت العممرب تنطممق‬
‫بالطبع و ليس كذلك و إنما هي ملكة لسانية في نظم الكلم‬
‫تمكنت و رسخت فظهرت في بادئ الرأي أنها جبلممة و طبممع‪.‬‬
‫و هذه الملكة كما تقدم إنما تحصل بممارسممة كلم العممرب و‬
‫تكممرره علممى السمممع و التفطممن لخممواص تراكيبممه و ليسممت‬
‫تحصل بمعرفة القوانين العلمية في ذلك التي استنبطها أهل‬
‫صممناعة اللسممان فممإن هممذه القمموانين إنممما تفيممد علممما بممذلك‬
‫اللسان و ل تفيد حصول الملكة بالفعل في محلهمما و قممد مممر‬
‫ذلك‪ .‬و إذا تقرر ذلك فملكة البلغة في اللسان تهممدي البليممغ‬
‫إلى وجود النظم و حسن التركيب الموافق لممتراكيب العممرب‬
‫في لغتهم و نظم كلمهم‪ .‬و لو رام صاحب هذه الملكة حيممدا‬
‫عن هذه السبل المعينة و التراكيب المخصوصة لما قدر عليه‬
‫و ل وافقه عليه لسانه لنممه ل يعتمماده و ل تهممديه إليممه ملكتممه‬
‫الراسخة عنده‪ .‬و إذا عرض عليممه الكلم حممائدا عممن أسمملوب‬
‫العرب و بلغتهم في نظم كلمهم أعرض عنه و مجه و علممم‬
‫أنة ليس من كلم العرب الذين مارس كلمهم‪ .‬و ربما يعجممز‬
‫عن الحتجاج لذلك كما تصنه أهل القوانين النحوية و البيانيممة‬
‫فممإن ذلممك اسممتدلل بممما حصممل مممن القمموانين المفممادة‬
‫بالستقراء‪ .‬و هذا أمر وجداني حاصل بممارسة كلم العممرب‬
‫حتى يصير كواحد منهم‪ .‬و مثاله‪ :‬لو فرضنا صبيا من صبيانهم‬
‫نشممأ و ربممى فممي جيلهممم فممإنه يتعلممم لغتهممم و يحكممم شممأن‬
‫العراب و البلغة فيها حتى يستولي على غايتها‪ .‬و ليس مممن‬
‫العلم القانوني في شيء و إنما هو بحصول هذه الملكممة فممي‬
‫لسانه و نطقه‪ .‬و كذلك تحصمل همذه الملكممة لممن بعممد ذلممك‬
‫الجيل بحفظ كلمهم و أشعارهم و خطبهم و المداومممة علممى‬
‫ذلك بحيث يحصل الملكة و يصير كواحد ممن نشأ في جيلهم‬
‫و ربى بين أجيممالهم‪ .‬و القمموانين بمعممزل عممن هممذا و اسممتعير‬
‫لهذه الملكة عندما ترسخ و تستقر اسم الذوق الذي اصطلح‬
‫عليه أهل صناعة البيان و الممذوق و إنممما هممو موضمموع لدراك‬
‫الطعوم‪ .‬لكن لما كان محممل هممذه الملكممة فممي اللسممان مممن‬
‫حيث النطق بالكلم كما هو محل لدراك الطعوم استعير لهمما‬
‫اسمممه‪ .‬و أيضمما فهممو وجممداني اللسممان كممما أن الطعمموم‬
‫محسوسة له فقيل له ذوق‪ .‬و إذا تبين لك ذلممك علمممت منممه‬
‫أن العمماجم الممداخلين فممي اللسممان العربممي الطممارئين عليممه‬
‫المضطرين إلى النطق به لمخالطة أهله كالفرس و الروم و‬
‫الترك بالمشرق و كالبربر بالمغرب فإنه ل يحصممل لهممم هممذا‬
‫الذوق لقصور حظهم في هذه الملكة التي قررنمما أمرهمما لن‬
‫قصاراهم بعمد طائفمة ممن العممر و سمبق ملكمة أخمرى إلمى‬
‫اللسان و هي لغاتهم أن يعتنوا بما يتداوله أهممل مصممر بينهممم‬
‫في المحاورة من مفرد و مركب لما يضطرون إليه من ذلك‪.‬‬
‫و هذه الملكة قد ذهبت لهل المصار و بعدوا عنها كما تقدم‪.‬‬
‫و إنما لهم في ذلك ملكة أخرى و ليست هممي ملكممة اللسممان‬
‫المطلوبممة‪ .‬و مممن عممرف أحكممام تلممك الملكممة مممن القمموانين‬
‫المسطرة في الكتب فليس من تحصيل الملكممة فممي شمميء‪.‬‬
‫إنما حصل أحكامها كما عرفممت‪ .‬و إنممما تحصممل هممذه الملكممة‬
‫بالممارسة و العتياد و التكرر لكلم العرب‪ .‬فإن عممرض لممك‬
‫ممما تسمممعة مممن أن سمميبويه و الفارسممي و الزمخشممري و‬
‫أمثالهم مممن فرسممان الكلم كممانوا أعجاممما مممع حصممول هممذه‬
‫الملكة لهم فاعلم أن أولئك القمموم الممذين تسممع عنهممم إنممما‬
‫كانوا عجما في نسبهم فقط‪ .‬و أما المربى و النشممأة فكممانت‬
‫بين أهل هذه الملكة من العرب و من تعلمها منهم فاستولوا‬
‫بذلك من الكلم على غاية ل شيء وراءها و كممأنهم فممي أول‬
‫نشأتهم من العرب الذين نشأوا في أجيالهم حتى أدركوا كنممه‬
‫اللغة و صاروا من أهلها فهم و إن كممانوا عجممما فممي النسممب‬
‫فليسوا بأعجام فممي اللغممة و الكلم لنهممم أدركمموا الملممة فممي‬
‫عنفوانها و اللغة في شبابها و لم تذهب أثار الملكممة و ل مممن‬
‫أهل المصار ثممم عكفمموا علممى الممارسممة و المدارسممة لكلم‬
‫العرب حتى استولوا على غايته‪ .‬و اليوم الواحممد مممن العجممم‬
‫إذا خالط أهل اللسان العربممي بالمصممار فممأول ممما يجممد تلممك‬
‫الملكة المقصودة من اللسان العربي ممتحيممة الثممار‪ .‬و يجممد‬
‫ملكتهممم الخاصممة بهممم ملكممة أخممرى مخالفممة لملكممة اللسممان‬
‫العربي‪ .‬ثم إذا فرضنا أنة أقبل على الممارسة لكلم العممرب‬
‫و أشعارهم بالمدارسة و الحفممظ يسممتفيد تحصمميلها فقممل أن‬
‫يحصل له ما قدمناه من أن الملكممة إذا سممبقتها ملكممة أخممرى‬
‫فممي المحممل فل تحصممل إل ناقصممة مخدوشممة‪ .‬و إن فرضممنا‬
‫أعجميمما فممي النسممب سمملم مممن مخالطممة اللسممان العجمممي‬
‫بالكلية و ذهب إلى تعلممم هممذه الملكممة بممالحفظ و المدارسممة‬
‫فربما يحصل له ذلك لكنه من النممدور بحيممث ل يخفممى عليممك‬
‫بما تقرر‪ .‬و ربما يدعى كثير ممممن ينظممر فممي هممذه القمموانين‬
‫البيانية حصول هذا الذوق له بها و هو غلط أو مغالطة و إنممما‬
‫حصلت لممه الملكممة إن حصمملت فممي تلممك القمموانين البيانيممة و‬
‫ليست من ملكة العبارة في شمميء‪ .‬و اللممه يهممدي مممن يشمماء‬
‫إلى طريق مستقيم‪.‬‬

‫الفصل الثاني و الخمسممون‪ :‬فممي أن أهممل المصممار‬


‫على الطلق قاصرون في تحصيل هذه الملكممة‬
‫اللسانية التي تستفاد بالتعليم و من كان منهم‬
‫أبعد عن اللسان العربي كان حصولها له أصعب‬
‫و أعسر‬
‫و السبب في ذلك ما يسبق إلى المتعلممم مممن حصممول ملكممة‬
‫منافية للملكة المطلوبة بما سبق إليه من اللسممان الحضممري‬
‫الذي أفادته العجمة حتى نزل بها اللسان عممن ملكتممه الولممى‬
‫إلى ملكة أخممرى هممي لغممة الحضممر لهممذا العهممد‪ .‬و لهممذا نجممد‬
‫المعلمين يذهبون إلى المسممابقة بتعليممم اللسممان للولممدان‪ .‬و‬
‫تعتقد النحاة أن هممذه المسممابقة بصممناعتهم و ليممس كممذلك و‬
‫إنما هي بتهليم هذه الملكة بمخالطة اللسان و كلم العممرب‪.‬‬
‫نعم صناعة النحو أقممرب إلممى مخالطممة ذلممك و ممما كممان مممن‬
‫لغات أهل المصار أعرق في العجمة و أنعد عن لسان مضممر‬
‫قصممر بصمماحبه عممن تعلممم اللغممة المضممرية و حصممول ملكتهمما‬
‫لتمكن المنافاة حينئذ‪ .‬و اعتبر ذلك في أهممل المصمار‪ .‬فأهمل‬
‫أفريقية و المغرب لما كانوا أعممرق فممي العجمممة و أبعممد عممن‬
‫اللسان الول كان لهم قصور تام في تحصيل ملكته بالتعليم‪.‬‬
‫و لقد نقل ابن الرفيممق أن بعممض كتمماب القيممروان كتممب إلممى‬
‫صاحب له‪ :‬يا أخي و من ل عدمت فقمده أعلمنممي أبمو سممعيد‬
‫كلما أنك كنت ذكرت أنك تكون مع الذين تأتي و عاقنا اليوم‬
‫فلم يتهيممأ لنمما الخممروج‪ .‬و أممما أهممل المنممزل الكلب مممن أمممر‬
‫الشين فقد كذبوا هذا بمماطل ليممس مممن هممذا حرفمما واحممدا‪ .‬و‬
‫كتابي إليك و أنا مشممتاق إليممك إن شمماء اللممه‪ .‬و هكممذا كممانت‬
‫ملكتهممم فممي اللسممان المضممري شممبية بممما ذكرنمما‪ .‬و كممذلك‬
‫أشعارهم كانت بعيدة عن الملكة نازلة عن الطبقة و لم تزل‬
‫كممذلك لهممذا العهممد و لهممذا ممما كممان بأفريقيممة مممن مشمماهير‬
‫الشعراء إل ابن رشيق و ابن شممرف‪ .‬و أكممثر ممما يكممون فيهمما‬
‫الشعراء طارئين عليها و لم تزل طبقتهممم فممي البلغممة حممتى‬
‫الن مائلة إلمى القصمور‪ .‬و أهمل النمدلس أقمرب منهمم إلمى‬
‫تحصممميل همممذه الملكمممة بكمممثرة معانممماتهم و امتلئهمممم ممممن‬
‫المحفوظات اللغويممة نظممما و نممثرا‪ .‬و كممان فيهممم ابممن حيممان‬
‫المؤرخ إمام أهل الصناعة في هذه الملكة و رافع الراية لهم‬
‫فيها و ابن عبد ربه و السقطلي و أمثالهم من شممعراء ملمموك‬
‫الطوائف لما زخرت فيها بحار اللسان و الدب و تداول ذلممك‬
‫فيهم مئين من السممنين حممتى كممان النفضمماض و الجلء أيممام‬
‫تغلب النصرانية‪ .‬و شغلوا عن تعلممم ذلممك و تنمماقص العمممران‬
‫فتناقص لذلك شأن الصنائع كلها فقصرت الملكممة فيهممم عممن‬
‫شأنها حتى بلغممت الحضمميض‪ .‬و كممان مممن آخرهممم صممالح بممن‬
‫شممريف و مالممك بممن مرحممل مممن تلميممذ الطبقممة الشممبيليين‬
‫بسبتة و كتاب دولة بني الحمر في أولهمما‪ .‬و ألقممت النممدلس‬
‫أفلذ كبدها من أهل تلك الملكمة بمالجلء إلمى العمدوة لعمدوة‬
‫الشبيلية إلى سبته و من شرقي الندلس إلى أفريقية‪ .‬و لم‬
‫يلبثمموا إلممى أن انقرضمموا و انقطممع سممند تعليمهممم فممي هممذه‬
‫الصممناعة لعسممر قبممول العممدوة لهمما و صممعوبتها عليهممم بعمموج‬
‫ألسنتهم و رسوخهم في العجمة البربريممة و هممي منافيممة لممما‬
‫قلناه‪ .‬ثم عادت الملكمة ممن بعممد ذلمك إلمى الندلسمس كممما‬
‫كانت و نجممم بهمما ابممن بشممرين و ابممن جممابر و ابممن الجيمماب و‬
‫طبقتهم‪ .‬ثم إبراهيم السمماحلي الطريحممي و طبقتممه و قفمماهم‬
‫ابن الخطيب من بعممدهم الهالممك لهممذا العهممد شممهيدا بسممعاية‬
‫أعدائه‪ .‬و كممان لممه فممي اللسممان ملكممة ل تممدرك و اتبممع أثممره‬
‫تلميذه من بعده‪ .‬و بالجملة فشأن هذه الملكة بالندلس أكثر‬
‫و تعليمها أيسر و أسهل بما هم عليه لهذا العهد كممما قممدمناه‬
‫من معاناة علوم اللسممان و محممافظتهم عليهمما و علممى علمموم‬
‫الدب و سممند تعليمهمما‪ .‬و لن أهممل اللسممان العجمممي الممذين‬
‫تفسد ملكتهم إنممما هممم طممارئون عليهممم‪ .‬و ليسممت عجمتهممم‬
‫أصل للغة أهل الندلس و البربر في هذه العدوة و هممم أهلهمما‬
‫و لسانهم لسانها إل في المصار فقط‪ .‬و هم منغمسون فممي‬
‫بحر عجمتهممم و رطممانتهم البربريممة فيصممعب عليهممم تحصمميل‬
‫الملكة اللسانية بالتعليم بخلف أهل النممدلس‪ .‬و اعتممبر ذلممك‬
‫بحال أهل المشممرق لعهممد الدولممة المويممة و العباسممية فكممان‬
‫شأنهم شأن أهل الندلس فممي تمممام هممذه الملكممة و إجادتهمما‬
‫لبعدهم لذلك العهد عن العاجم و مخالطتهم إل في القليممل‪.‬‬
‫فكان أمر هذه الملكممة فمي ذلمك العهممد أقمموم و كممان فحممول‬
‫الشعراء و الكتاب أوفر لتوفر العرب و أبنممائهم بالمشممرق‪ .‬و‬
‫انظز ما اشتمل عليه كتاب الغاني من نظمهم و نثرهم فممإن‬
‫ذلممك الكتمماب هممو كتمماب العممرب و ديمموانهم و فيممه لغتهممم و‬
‫أخبارهم و أيامهم و ملتهم العربية وسيرتهم و آثار خلفائهم و‬
‫ملوكهم و أشعارهم و غناوهم و سائر معممانيهم لممه فل كتمماب‬
‫أوعب منه لحوال العرب‪ .‬و بقي أمر هذه الملكة مسممتحكما‬
‫في المشممرق فممي الممدولتين و ربممما كممانت فيهممم أبلممغ ممممن‬
‫سواهم ممن كان في الجاهلية كما نذكره بعد‪ .‬حممتى تلشممى‬
‫أمر العرب و درست لغتهم و فسد كلمهم و انقضى أثرهم و‬
‫دولتهم و صار المر للعاجم و الملممك فممي أيممديهم و التغلممب‬
‫لهم‪ .‬و ذلك في دولممة الممديلم و السمملجوقية‪ .‬و خممالطوا أهممل‬
‫المصمممار و كمممثروهم فمممامتلت الرض بلغممماتهم‪ .‬واسمممتولت‬
‫العجمة على أهل المصار و الحواضر حتى بعدوا عن اللسان‬
‫العربي و ملكته و صار متعلمها منهم مقصرا عن تحصيلها‪ .‬و‬
‫علممى ذلممك نجممد لسممانهم لهممذا العهممد فممي فنممي المنظمموم و‬
‫المنثور و إن كانوا مكثرين منه‪ .‬و الله يخلق ما يشاء و يختار‬
‫و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق ل رب سواه‪.‬‬

‫الفصل الثالث و الخمسون‪ :‬في انقسام الكلم إلى‬


‫فني النظم و النثر‬
‫اعلممم أن لسممان العممرب و كلمهممم علممى فنيممن فممي الشممعر‬
‫المنظوم و هو الكلم الموزون المقفى و معنمماه الممذي تكممون‬
‫أوزانه كلها على روي واحد و هو القافيممة‪ .‬و فممي النممثر و هممو‬
‫الكلم غير الممموزون و كممل واحممد مممن الفنيممن يشممتمل علممى‬
‫فنون و مذاهب في الكلم‪ .‬فأما الشعر فمنه المدح و الهجاء‬
‫و الرثاء و أما النثر فمنه السجع الذي يؤتى به قطعا و يلممتزم‬
‫فممي كممل كلمممتين منممه قافيممة واحممدة تسمممى سممجعا و منممه‬
‫المرسل و هو الذي يطلق فيه الكلم إطلقا و ل يقطع أجزاء‬
‫بل يرسل إرسال من غير تقييد بقافية و ل غيرها‪ .‬و يسممتعمل‬
‫قي الخطب و الممدعاء و ترغيممب الجمهممور و ترهيبهممم‪ .‬و أممما‬
‫القرآن و إن كان من المنثممور إل أنممه خممارج عممن الوصممفين و‬
‫ليس يسمى مرسممل مطلقمما و ل مسممجعا‪ .‬بممل تفصمميل آيممات‬
‫ينتهي إلى مقاطع يشهد الذوق بانتهاء الكلم عندها‪ .‬ثممم يعمماد‬
‫الكلم في الية الخرى بعدها و يثنى مممن غيممر الممتزام حممرف‬
‫يكون سجعا و ل قافية و هممو معنممى قمموله تعممالى‪ :‬اللممه نممزل‬
‫أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلممود الممذين‬
‫يخشون ربهم‪ .‬و قال‪ :‬قد فصلنا اليات‪ .‬و يسمى آخر اليممات‬
‫منها فواصل إذ ليست أسجاعا و ل التزم فيها ممما يلممتزم فممي‬
‫السجع و ل هي أيضا قواف‪ .‬و أطلق اسم المثاني على آيات‬
‫القرآن كلها على العموم لما ذكرنمماه و اختصممت بممأم القممرآن‬
‫للغلبة فيها كممالنجم للثريمما و لهممذا سممميت السممبع المثمماني‪ .‬و‬
‫انظر هذا مع ما قاله المفسرون في تعليل تسميتها بالمثمماني‬
‫يشهد لك الحق برجحان ما قلناه‪ .‬و اعلم أن لكل واحممد مممن‬
‫هذه الفنون أسمماليب تختممص بممه عنممد أهلممه و ل تصمملح للفممن‬
‫الخممر و ل تسممتعمل فيممه مثممل النسمميب المختممص بالشممعر و‬
‫الحممممد و المممدعاء المختمممص بمممالخطب و المممدعاء المختمممص‬
‫بالمخاطبات و أمثال ذلك‪ .‬و قد استعمل المتأخرون أسمماليب‬
‫الشعر و موازينه فممي المنثممور مممن كممثرة الشممجاع و الممتزام‬
‫التقفيممة و تقممديم النسمميب بيممن يممدي الغممراض‪ .‬و صممار هممذا‬
‫المنثور إذا تأملته من باب الشعر و فنه و لممم يفترقمما إل فممي‬
‫الوزن‪ .‬و استمر المتأخرون من الكتاب على هذه الطريقممة و‬
‫استعملوها في المخاطبات السمملطانية و قصممروا السممتعمال‬
‫فممي المنثممور كلممه علممى هممذا الفممن الممذي ارتضمموه و خلطمموا‬
‫الساليب فيه و هجممروا المرسممل و تناسمموه و خصوصمما أهممل‬
‫المشرق‪ .‬و صارت المخاطبممات السمملطانية لهممذا العهممد عنممد‬
‫الكتاب الغفل جارية على هذا السلوب الذي أشرنا إليه و هو‬
‫غير صواب من جهممة البلغممة لممما يلحممظ فممي تطممبيق الكلم‬
‫على مقتضى الحال من أحوال المخاطب و المخاطب‪ .‬و هذا‬
‫الفن المنثور المقفى أدخل المتأخرون فيممه أسمماليب الشممعر‬
‫فوجب أن تنزه المخاطبات السلطانية عنه إذ أساليب الشعر‬
‫تنافيها اللوذعية و خلط الجد بالهزل و الطناب في الوصاف‬
‫و ضممرب المثممال و كممثرة التشممبيهات و السممتعارات حيممث ل‬
‫تدعو ضرورة إلى ذلك في الخطمماب‪ .‬و الممتزام التقفيممة أيضمما‬
‫من اللوذعة و الممتزيين و جلل الملممك و السمملطان و خطمماب‬
‫الجمهممور عممن الملمموك بممالترغيب و الممترهيب تنممافي ذلممك و‬
‫يباينة‪ .‬و المحمود في المخاطبات السمملطانية الترسممل و هممو‬
‫إطلق الكلم و إرساله من غير تسجيع إل في القل النادر‪ .‬و‬
‫حيث ترسله الملكممة إرسممال مممن غيممر تكلممف لممه ثممم إعطمماء‬
‫الكلم حقممه فممي مطممابقته لمقتضممى الحممال فممإن المقامممات‬
‫مختلفة و لكل مقام أسلوب يخصممه مممن إطنمماب أو إيجمماز أو‬
‫حذف أو إثبات أو تصريح أو إشارة أو كناية و استعارة‪ .‬و أممما‬
‫إجراء المخاطبات السلطانية على هذا النحو الممذي هممو علممى‬
‫أسمماليب الشممعر فمممذموم و ممما حمممل عليممه أهممل العصممر إل‬
‫استيلء العجمة على ألسنتهم و قصورهم لممذلك عممن إعطمماء‬
‫الكلم حقه في مطابقته لمقتضى الحال فعجممزوا عممن الكلم‬
‫المرسل لبعد أمده فممي البلغممة و انفسمماح خطمموبه‪ .‬و ولعمموا‬
‫بهذا المسجع يلفقون به ما نقصممهم مممن تطممبيق الكلم علممى‬
‫المقصود و مقتضى الحال فيه‪ .‬و يجممبرونه بممذلك القممدر مممن‬
‫الممتزيين بالسممجاع و اللقمماب البديعممة و يغفلممون عممما سمموى‬
‫ذلك‪ .‬و أكثر من أخذ بهذا الفن و بممالغ فيممه فممي سممائر أنحمماه‬
‫كلمهممم كتمماب المشممرق و شممعراؤه لهممذا العهممد حممتى إنهممم‬
‫ليخلون بالعراب في الكلمات و التصريف إذا دخلت لهم في‬
‫تجنيس أو مطابقة ل يجتمعان معها فيرجحممون ذلممك الصممنف‬
‫مممن التجنيممس‪ .‬و يممدعون العممراب و يفسممدون بنيممة الكلمممة‬
‫عساها تصادف التجنيس‪ .‬فتأفل ذلممك بممما قممدمناه لممك تقممف‬
‫على صحة ما ذكرناه‪ .‬و الله الموفق للصواب بمنه و كرمه و‬
‫الله تعالى أعلم‪.‬‬

‫الفصل الرابع و الخمسون‪ :‬في أنه ل تتفق الجادة‬


‫في فني المنظوم و المنثور معا ً إل للقل‬
‫و السمبب فمي ذلمك أنمه كمما بينماه ملكمة فمي اللسمان فمإذا‬
‫تسبقت إلى محلمه ملكممة أخممرى قصمرت بالمحمل عممن تممام‬
‫الملكة اللحقة‪ .‬لن تمام الملكممات و حصممولها للطبممائع الممتي‬
‫علممى الفطممرة الولممى أسممهل و أيسممر‪ .‬و إذا تقممدمتها ملكممة‬
‫أخممرى كممانت منازعممة لهمما فممي المممادة القابلممة و عالقممة عممن‬
‫سرعة القبول فوقعت المنافاة و تعذر التمممام فممي الملكممة و‬
‫هذا موجود به في الملكممات الصممناعية كلهمما علممى الطلق‪ .‬و‬
‫قد برهنا عليه في موضعه بنحو من هذا البرهان‪ .‬فاعتبر مثله‬
‫في اللغات فإنها ملكممات اللسممان و هممي بمنزلممة الصممناعة‪ .‬و‬
‫انظر من تقدم له شيء من العجمة كيف يكممون قاصممرا فممي‬
‫اللسممان العربممي أبممدا‪ .‬فممالعجمي الممذي سممبقت لممه اللغممة‬
‫الفارسية ل يسممتولي علممى ملكممة اللسممان العربممي و ل يممزال‬
‫قاصرا فيه و لو تعلمه و علمه‪ .‬و كممذا الممبربري و الرومممي‪ .‬و‬
‫الفرنجممي قممل أن تجممد أحممدا منهممم محكممما لملكممة اللسممان‬
‫العربممي‪ .‬و ممما ذلممك إل لممما سممبق إلممى ألسممنتهم مممن ملكممة‬
‫اللسان الخر حتى إن طالب العلم من أهل همذه اللسممن إذا‬
‫طلبه بين أهل اللسان العربي جاء مقصرا فممي معممارفه عممن‬
‫الغاية و التحصيل و ما أوتي إل من قبل اللسان‪ .‬و قممد تقممدم‬
‫لك من قبل أن اللسن و اللغات شبيهة بالصنائع‪ .‬و قد تقممدم‬
‫لك أن الصنائع و ملكاتها ل تزدحم‪ .‬و أن من سبقت له إجادة‬
‫في صناعة فقل أن يجيمد فمي أخمرى أو يسمتولي فيهما علمى‬
‫الغاية‪ .‬و الله خلقكم و ما تعملون‪.‬‬

‫الفصل الخامس و الخمسون‪ :‬في صناعة الشممعر و‬


‫وجه تعلمه‬
‫هذا الفممن مممن فنممون كلم العممرب و هممو المسمممى بالشممعر‬
‫عندهم و يوجد في سائر اللغات إل أننا الن إنممما نتكلممم فممي‬
‫الشعر الذي للعممرب‪ .‬فمإن أمكممن أن تجممد فيممه أهممل اللسممن‬
‫الخرى مقصودهم من كلمهم و إل فلكل لسممان أحكممام فممي‬
‫البلغة تخصه‪ .‬و هو في لسممان العممرب غريممب النزعممة عزيممز‬
‫المنحى إذ هو كلم مفصل قطعا قطعا متسمماوية فممي المموزن‬
‫متحممدة فممي الحممرف الخيممر مممن كممل قطعممة و تسمممى كممل‬
‫قطعيممن مممن هممذه القطعممات عنممدهم بيتمما و يسمممى الحممرف‬
‫الخير الذي تتفق فيه رويا و قافية و يسمى جملة الكلم إلى‬
‫آخممره قصمميدة و كلمممة‪ .‬و ينفممرد كممل بيممت منممه بإفممادته فممي‬
‫تراكيبه حتى كأنه كلم وحده مستقل عما قبله و ممما بعممده‪ .‬و‬
‫إذا أفممرد كممان تاممما فممي بممابه فممي مممدح أؤ تشممبيب أو رثمماء‬
‫فيحرص الشمماعر علممى إعطمماء ذلممك الممبيت ممما يسممتقل فممي‬
‫إفممادته‪ .‬ثممم يسممتأنف فممي الممبيت الخممر كلممما آخممر كممذلك و‬
‫يستطرد للخروج من فن إلى فن و من مقصود إلى مقصممود‬
‫بأن يوطئ المقصود الول و معانيه إلى أن يناسب المقصممود‬
‫الثاني و يبعد الكلم عن التنافر‪ .‬كما يسممتطرد مممن التشممبيب‬
‫إلى المدح و من وصف البيداء و الطلول إلى وصف الركمماب‬
‫أو الخيل أو الطيف و من وصف الممدوح إلى وصف قومه و‬
‫عساكره و من التفجع و العزاء في الرثاء إلى التأثر و أمثممال‬
‫ذلك‪ .‬و يراعي فيه اتفمماق القصمميدة كلهمما فممي المموزن الواحممد‬
‫حذرا من أن يتساهل الطبع في الخممروج مممن وزن إلممى وزن‬
‫يقاربه‪ .‬فقد يخفى ذلممك مممن أجممل المقاربممة علممى كممثير مممن‬
‫النمماس‪ .‬و لهممذه الممموازين شممروط و أحكممام تضمممنها علممم‬
‫العروض‪ .‬و ليس كل وزن يتفق في الطبع اسممتعملته العممرب‬
‫في هذا الفن و إنما هي أوزان مخصوصة تسممميها أهممل تلممك‬
‫الصناعة البحور‪ .‬و قد حصروها في خمسة عشر بحرا بمعنى‬
‫أنهم لممم يجممدوا للعممرب فممي غيرهمما مممن الممموازين الطبيعيممة‬
‫نظما‪ .‬و اعلم أن فن الشعر من بين الكلم كان شممريفا عنممد‬
‫العرب‪ .‬و لذلك جعلمموه ديمموان علممومهم و أخبممارهم و شمماهد‬
‫صمموابهم و خطئهممم و أصممل يرجعممون إليممه فممي الكممثير مممن‬
‫علممومهم و حكمهممم‪ .‬و كممانت ملكتممه مسممتحكمة فيهممم شممأن‬
‫الملكات كلها‪ .‬و الملكات اللسانية كلما إنما تكسب بالصناعة‬
‫و الرتياض في كلمهم حتى يحصل شبة في تلممك الملكممة‪ .‬و‬
‫الشعر من بيمن فنمون الكلم صمعب المأخممذ علمى ممن يريممد‬
‫اكتساب ملكته بالصناعة من المتممأخرين لسممتقلل كممل بيممت‬
‫منه بأنه كلم تممام فممي مقصمموده و يصمملح أن ينفممرد دون ممما‬
‫سواه فيحتاج من أجل ذلك إلى نوع تلطف فممي تلممك الملكممة‬
‫حتى يفرغ الكلم الشعري في قمموالبه الممتي عرفممت لممه فممي‬
‫ذلك المنحى من شعر العرب و يبرز مستقل بنفسه‪ .‬ثم يأتى‬
‫ببيت آخر كممذلك ثممم بممبيت آخممر و يسممتكمل الفنممون الوافيممة‬
‫بمقصوده‪ .‬ثم يناسب بين البيوت في موالة بعضها مع بعممض‬
‫بحسب اختلف الفنون التى في القصيدة‪ .‬و لصعوبة منحاه و‬
‫غرابة فنه كان محكا للقرائح فممي اسممتجادة أسمماليبه و شممحذ‬
‫الفكار في تنزيممل الكلم فممي قمموالبه‪ .‬و ل يكفممي فيممه ملكممة‬
‫الكلم العربي على الطلق بل يحتاج بخصوصه إلى تلطف و‬
‫محاولممة فممي رعايممة السمماليب الممتي اختصممته العممرب بهمما و‬
‫استعمالها فيه‪ .‬لنممذكر هنمما سمملوك السمملوب عنممد أهممل هممذه‬
‫الصناعة و ما يريدون بهمما فممي إطلقهممم‪ .‬فمماعلم أنهمما عبممارة‬
‫عندهم عن المنوال الذي ينسج فيه التراكيب أو القالب الذي‬
‫يفرغ به‪ .‬و ل يرجع إلممى الكلم باعتبممار إفمادته أصمل المعنممى‬
‫الذي هو وظيفة العراب و ل باعتبار إفادته كمال المعنى من‬
‫خواص التراكيب الذي هو و ظيفة البلغة و البيان و ل باعتبار‬
‫الوزن كما استعمله العرب فيه الممذي هممو وظيفممة العممروض‪.‬‬
‫فهذه العلوم الثلثة خارجة عن هذه الصناعة الشعرية و إنممما‬
‫يرجممع إلممى صممورة ذهنيممة للممتراكيب المنتظمممة كليممة باعتبممار‬
‫انطباقها على تركيب خاص‪ .‬و تلممك الصممورة ينتزعهمما الممذهن‬
‫مممن أعيممان الممتراكيب و أشخاصممها و يصمميرها فممي الخيممال‬
‫كالقالب أو المنوال ثم ينتقي التراكيب الصحيحة عند العممرب‬
‫باعتبار العراب و البيان فيرصها فيه رصمما كممما يفعلممه البنمماء‬
‫فممي القممالب أو النسمماج فممي المنمموال حممتى يتسممع القممالب‬
‫بحصول التراكيب الوافية بمقصود الكلم و يقع على الصورة‬
‫الصحيحة باعتبار ملكة اللسان العربي فيه فإن لكل فن مممن‬
‫الكلم أساليب تختممص بممه و توجممد فيممه علممى أنحمماء مختلفممة‬
‫فسؤال الطلول في الشعر يكون بخطاب الطلول كقوله‪ :‬يمما‬
‫دار مية بالعلياء فالسند و يكون باستدعاء الصحب للوقوف و‬
‫السؤال كقوله‪ :‬قفا نسأل الدار التي خف أهلها‪ .‬أو باسممتبكاء‬
‫الصحب على الطلل كقوله‪ :‬قفا نبك من في ذكممرى حممبيب و‬
‫منزل‪ .‬أو بالستفهام عن الجواب لمخاطب غير معين كقوله‪:‬‬
‫ألممم تسممأل فتخممبرك الرسمموم‪ .‬و مثممل تحيممة الطلممول بممالمر‬
‫لمخاطب غير معين بتحيتها كقوله‪ :‬حي الديار بجانب الغممزل‪.‬‬
‫أو بالدعاء لها بالسقيا كقوله‪:‬‬
‫و غدت عليهم نضرة و نعيم‬ ‫أسقى طلولهم أجش هزيم‬
‫أو سؤاله السقيا لها من البرق كقوله‪:‬‬
‫واحد السحاب لها حداء‬ ‫يا برق طالع منزل بالبرق‬
‫الينق‬
‫أو مثل التفجع في الجزع باستدعاء البكاء كقوله‪:‬‬
‫و ليس لعين لم يفض‬ ‫كذا فليجل الخطب و ليفدح المر‬
‫ماؤها عذر‬
‫أو باستعظام الحادث كقوله‪ :‬أرأيت من حملوا علممى العممواد‬
‫أرأيمت كيممف خبما ضمياء النمادي‪ .‬أو بالتسممجيل علممى الكمموان‬
‫بالمصيبة لفقده كقوله‪:‬‬
‫مضى الردى بطويل‬ ‫منابت العشب ل حام و ل راع‬
‫الرمح و الباع‬
‫أو بالنكممار علممى مممن لممم يتفجممع لممه مممن الجمممادات كقممول‬
‫الخارجية‪:‬‬
‫كأنك لم تجزع على ابن‬ ‫أيا شجر الخابور مالك مورقا‬
‫طريف‬
‫أو بتهيئة فريقه بالراحة من ثقل وطأته كقوله‪:‬‬
‫أودى الردى بفريقك المغوار‬ ‫ألقى الرماح ربيعة بن نزار‬
‫و أمثال ذلك كثير من سائر فنون الكلم و مممذاهبه‪ .‬و تنتظممم‬
‫التراكيب فيه بالجمل و غير الجمل إنشائية و خبريممة‪ ،‬إسمممية‬
‫و فعليممة‪ ،‬متفقممة‪ ،‬مفصممولة و موصممولة‪ ،‬علممى ممما هممو شممأن‬
‫التراكيب في الكلم العربي في مكان كل كلمة من الخممرى‪.‬‬
‫يعرفك فيه ممما تسممتفيده بالرتيمماض فممي أشممعار العممرب مممن‬
‫القالب الكلي المجرد في الذهن من التراكيب المعينممة الممتي‬
‫ينطبممق ذلممك القممالب علممى جميعهمما‪ .‬فممإن مؤلممف الكلم هممو‬
‫كالبناء أو النساج و الصورة الذهنية المنطبقة كالقممالب الممذي‬
‫يبنى فيه أو المنوال الذي ينسج عليه‪ .‬فإن خرج عممن القممالب‬
‫في بنائه أو عن المنوال في نسجه كممان فاسممدا‪ .‬و ل تقممولن‬
‫إن معرفة قوانين البلغة كافية لذلك لنا نقول قوانين البلغة‬
‫إنما هي قواعد علمية قياسية تفيد جواز اسممتعمال الممتراكيب‬
‫علممى هيئتهمما الخاصممة بالقيمماس‪ .‬و هممو قيمماس علمممي صممحيح‬
‫مطرد كما هممو قيمماس القمموانين العرابيممة‪ .‬و هممذه السمماليب‬
‫التي نحن نقررها ليست من القياس في شيء إنما هي هيئة‬
‫ترسممخ فممي النفممس مممن تتبممع الممتراكيب فممي شممعر العممرب‬
‫لجريانها على اللسممان حممتى تسممتحكم صممورتها فيسممتفيد بهمما‬
‫العمل على مثالها و الحتذاء بها في كل تركيممب مممن الشممعر‬
‫كما قدمنا ذلك في الكلم بإطلق‪ .‬و إن القوانين العلمية من‬
‫العربية و البيان ل يفيد تعليمه بوجه‪ .‬و ليس كل ما يصح فممي‬
‫قيمماس كلم العممرب و قمموانينه العلميممة اسممتعملوه‪ .‬و إنممما‬
‫المسممتعمل عنممدهم مممن ذلممك أنحمماء معروفممة يطلممع عليهمما‬
‫الحممافظون لكلمهممم تنممدرج صممورتها تحممت تلممك القمموانين‬
‫القياسية‪ .‬فإذا نظر في شعر العرب على هممذا النحممو و بهممذه‬
‫السمماليب الذهنيممة الممتي تصممير كممالقوالب كممان نظممرا فممي‬
‫المستعمل من تراكيبهم ل فيما يقتضيه القياس‪ .‬و لهممذا قلنمما‬
‫إن المحصل لهذه القوالب في الذهن إنما هممو حفممظ أشممعار‬
‫العرب و كلمهم‪ .‬و هذه القمموالب كممما تكممون فممي المنظمموم‬
‫تكممون فممي المنثممور فممإن العممرب اسممتعملوا كلمهممم فممي كل‬
‫الفنين وجاؤوا به مفصل في النمموعين‪ .‬ففممي الشممعر بممالقطع‬
‫الموزونممة و القمموافي المقيممدة و اسممتقلل الكلم فممي كممل‬
‫قطعين و في المنثور يعتبرون الموازنة و التشابه بين القطع‬
‫غالبا و قد يقيدونه بالسجاع‪ .‬و قد يرسلونه و كل واحممد فممي‬
‫مممن هممذه معروفممة فممي لسممان العممرب‪ .‬و المسممتعمل منهمما‬
‫عندهم هو الذي يبني مؤلف الكلم عليه تأليفه و ل يعرفممه إل‬
‫من حفظ كلمهم حتى يتجرد في ذهنه من القمموالب المعينممة‬
‫الشخصية قالب كلي مطلممق يحممذو حممذوه فممي التممأليف كممما‬
‫يحذو البناء على القالب و النساج على المنمموال‪ .‬فلهممذا كممان‬
‫مممن تممآليف الكلم منفممردا عممن نظممر النحمموي و البيمماني و‬
‫العروضي‪ .‬نعم إنه مراعاة قوانين هذه العلمموم شممرط فيممه ل‬
‫يتم بدونها فإذا تحصلت هذه الصفات كلها فممي الكلم اختممص‬
‫بنمموع مممن النظممر لطيممف فممي هممذه القمموالب الممتي يسمممونها‬
‫أساليب‪ .‬و ل يفيده إل حفظ كلم العممرب نظممما و نممثرا‪ .‬و إذا‬
‫تقرر معنى السلوب ما هو فلنذكر بعده حدا أو رسما للشعر‬
‫به تفهم حقيقته على صعوبة هذا العرض‪ .‬فإنا لم نقممف عليممه‬
‫لحد من المتقدمين فيما رأيناه‪ .‬و قول العروضيين في حممده‬
‫إنه الكلم الموزون المقفى ليس بحد لهذا الشعر الذي نحممن‬
‫بصدده و ل رسم له‪ .‬و صناعتهم إنما تنظممر فممي الشممعر مممن‬
‫حيممث اتفمماق أبيمماته فممي عممدد المتحركممات و السممواكن علممى‬
‫التوالي‪ ،‬و مماثلة عروض أبيات الشعر لضربها‪ .‬و ذلممك نظممر‬
‫في وزن مجدد عن اللفاظ و دللتها‪ .‬فناسممب أن يكمون حممدا‬
‫عندهم‪ ،‬و نحممن هنمما ننظممر فممي الشممعر باعتبممار ممما فيممه مممن‬
‫العراب و البلغة‪ .‬و الوزن و القوالب الخاصممة‪ .‬فل جممرم إن‬
‫حدهم ذلك ل يصلح له عندنا فل بد من تعريف يعطينا حقيقته‬
‫من هذه الحيثية فنقول‪ :‬الشعر هو الكلم البليغ المبني علممى‬
‫الستعاره و الوصاف‪ ،‬المفضل بأجزاء متفقممة فممي المموزن و‬
‫الروي مستقل كل جزء منها في غرضه و مقصده عممما قبلممه‬
‫و بعده الجاري على أساليب العرب المخصوصممة بممه‪ .‬فقولنمما‬
‫الكلم البليغ جنس و قولنا المبني على الستعارة و الوصاف‬
‫فصل له عما يخلو من هذه فإنه فممي الغممالب ليممس بشممعر و‬
‫قولنا المفصل بأجزاء متفقة المموزن و الممروي فصممل لممه عممن‬
‫الكلم المنثور الذي ليس بشعر عنممد الكممل و قولنمما مسممتقل‬
‫كل جزء منها في غرضممه و مقصممده عممما قبلممه و بعممده بيممان‬
‫للحقيقة لن الشعر ل تكون أبياته إل كممذلك و لممم يفصممل بممه‬
‫شيء‪ .‬و قولنا الجاري على الساليب المخصوصممة بممه فصممل‬
‫له عما لم يجر منه على أساليب العرب المعروفة فإنه حينئذ‬
‫ل يكون شعرا إنما همو كلم منظموم لن الشمعر لمه أسماليب‬
‫تخصه ل تكون للمنثور‪ .‬و كذا أساليب المنثور ل تكون للشعر‬
‫فما كان من الكلم منظوما و ليس علممى تلممك السمماليب فل‬
‫يكون شممعرا‪ .‬و بهممذا العتبممار كممان الكممثير ممممن لقينمماه مممن‬
‫شيوخنا في هذه الصممناعة الدبيممة يممرون أن نظممم المتنممبي و‬
‫المعري ليس هو من الشعر في شيء لنهما لم يجريمما علممى‬
‫أساليب العرب فيه‪ ،‬و قولنا في الحد الجمماري علممى أسمماليب‬
‫العرب فصل له عن شعر غير العرب من المممم عنممدما يممرى‬
‫أن الشعر يوجممد للعممرب و غيرهممم‪ .‬و مممن يممرى أنممه ل يوجممد‬
‫لغيرهممم فل يحتمماج إلممى ذلممك و يقممول مكممانه الجمماري علممى‬
‫الساليب المخصوصة‪ .‬و إذ قد فرغنا من الكلم على حقيقممة‬
‫الشعر فلنرجع إلى الكلم في كيفية عملممه فنقممول‪ :‬اعلممم أن‬
‫لعمل الشعر و إحكممام صممناعته شممروطا أولهمما‪ :‬الحفممظ مممن‬
‫جنسه أي من جنس شعر العرب حتى تنشأ في النفس ملكة‬
‫ينسج على منوالها و يتخير المحفوظ من الحر النقممي الكممثير‬
‫الساليب‪ .‬و هذا المحفوظ المختار أقل ما يكفممي فيممه شممعر‬
‫شاعر من الفحول السلميين مثممل ابممن ربيعممة و كممثير و ذي‬
‫الرمة و جرير و أبى نممواس و حممبيب و البحممتري و الرضممي و‬
‫أبى فراس‪ .‬و أكثره شعر كتاب الغاني لنه جمع شممعر أهممل‬
‫الطبقة السلمية كله و المختممار مممن شممعر الجاهليممة‪ .‬و مممن‬
‫كان خاليمما مممن المحفمموظ فنظمممه قاصممر رديممء و ل يعطيممه‬
‫الرونق و الحلوة إل كثرة المحفوظ‪ .‬فمن قل حفظه أو عدم‬
‫لم يكن له شعر و إنممما هممو نظممم سمماقط‪ .‬و اجتنمماب الشممعر‬
‫أولى بمن لم يكن له محفوظ‪ .‬ثم بعد المتلء مممن الحفممظ و‬
‫شممحذ القريحممة للنسممج علممى المنمموال يقبممل علممى النظممم و‬
‫بالكثار منه تسممتحكم ملكتممه و ترسممخ‪ .‬و ربممما يقممال إن مممن‬
‫شممرطه نسمميان ذلممك المحفمموظ لتمحممى رسممومه الحرفيممة‬
‫الظاهرة إذ هي صادرة عن استعمالها بعينها‪ .‬فإذا نسيها و قد‬
‫تكيفت النفس بها انتقش السمملوب فيهمما كممأنه منمموال يؤخممذ‬
‫بالنسج عليه بأمثالها من كلمات أخري ضرورة‪ .‬ثممم ل بممد لممه‬
‫من الخلموة و اسمتجادة المكممان المنظمور فيمه مممن الميماه و‬
‫الزهممار و كممذا المسممموع لسممتنارة القريحممة باسممتجماعها و‬
‫تنشيطها بملذ السرور‪ .‬ثم مممع هممذا كلممه فشممرطه أن يكممون‬
‫على جمام و نشاط فذلك أجمع له و أنشط للقريحة أن تأتي‬
‫بمثل ذلك المنوال الذي فممي حفظممه‪ .‬قممالوا‪ :‬و خيممر الوقممات‬
‫لذلك أوقات البكر عند الهبوب مممن النمموم و فممراغ المعممدة و‬
‫نشاط الفكر و في هؤلء الجمام‪ .‬و ربما قالوا إن من بواعثه‬
‫العشق و النتشاء ذكر ذلك ابن رشميق فمي كتمماب العممدة و‬
‫هو الكتاب الذي انفممرد بهممذه الصممناعة و إعطمماء حقهمما و لممم‬
‫يكتب فيها أحد قبلممه و ل بعممده مثلممه‪ .‬قممالوا‪ :‬فممإن استصممعب‬
‫عليه بعد هذا كله فليممتركه إلممى وقممت أخممر و ل يكممره نفسممه‬
‫عليه‪ .‬و ليكن بناء البيت على القافية من أول صوغه و نسجه‬
‫بعضها و يبني الكلم عليها إلى آخره لنممه إن غفممل عممن بنمماء‬
‫البيت على القافيممة صممعب عليممه وضممعها فممي محلهمما‪ .‬فربممما‬
‫تجيء نافرة قلقة و إذا سمممح الخمماطر بممالبيت و لممم يناسممب‬
‫الذي عنمده فليمتركه إلمى موضمعه الليمق بمه فمإن كمل بيمت‬
‫مستقل بنفسه و لم تبق إل المناسبة فليتخير فيها كما يشمماء‬
‫و ليراجع شعره بعد الخلص منه بالتنقيح و النقد و ل يضن به‬
‫على الترك إذا لم يبلغ الجادة‪ .‬فإن النسان مفتممون بشممعره‬
‫إذ هو نبات فكممره و اخممتراع قريحتممه و ل يسممتعمل فيممه مممن‬
‫الكلم إل الفصح من الممتراكيب‪ .‬و الخممالص مممن الضممرورات‬
‫اللسانية فليهجرها فإنها تنزل بالكلم عن طبقة البلغة‪ .‬و قد‬
‫حظر أئمة اللسان المولد مممن ارتكمماب الضممرورة إذ هممو فممي‬
‫سعة منها بالعدول عنها إلى الطريقة المثلممى مممن الملكممة‪ .‬و‬
‫يجتنب أيضا المعقد من التراكيب جهده‪ .‬و إنما يقصد منها ما‬
‫كممانت معممانيه تسممابق ألفمماظه إلممى الفهممم‪ .‬و كممذلك كممثرة‬
‫المعاني في البيت الواحد فإن فيه نوع تعقيد علممى الفهممم‪ .‬و‬
‫إنما المختار منه ما كانت ألفاظه طبقا على معممانيه أو أوفممى‬
‫منها‪ .‬فإن كانت المعاني كثيرة كان حشوا و اسممتعمل الممذهن‬
‫بالغوص عليها فمنع الذوق عن استيفاء مدركه من البلغممة‪ .‬و‬
‫ل يكون الشعر سهل إل إذا كانت معانيه تسابق ألفمماظه إلممى‬
‫الذهن‪ .‬و لهذا كان شيوخنا رحمهم الله يعيبون شعر أبى بكر‬
‫بن خفاجة شاعر شرق الندلس لكثرة معانيه و ازدحامها في‬
‫البيت الواحد كما كانوا يعيبون شعر المتنبئ و المعري بعممدم‬
‫النسج على الساليب العربية كما مممر فكممان شممعرهما كلممما‬
‫منظوما نازل عن طبقة الشعر و الحاكم بممذلك هممو الممذوق‪ .‬و‬
‫ليجتنممب الشمماعر أيضمما الحوشممي مممن اللفمماظ و المقصممر و‬
‫كممذلك السمموقي المبتممذل بالتممداول بالسممتعمال فممإنه ينممزل‬
‫بالكلم عن طبقة البلغة و كذلك المعاني المبتذلممة بالشممهرة‬
‫فإن الكلم ينزل بها عن البلغة أيضا فيصممير مبتممذل و يقممرب‬
‫مممن عممدم الفممادة كقممولهم‪ :‬النممار حممارة و السممماء فوقنمما‪ .‬و‬
‫بمقدار ما يقرب من طبقة عدم الفادة يبعد عن رتبة البلغة‬
‫إذ هما طرفان‪ .‬و لهذا كان الشعر فممي الربانيممات و النبويممات‬
‫قليل الجادة فممي الغممالب و ل يحممذق فيممه إل الفحممول و فممي‬
‫القليل على العشر لن معانيها متداولة بين الجمهممور فتصممير‬
‫مبتذلة لممذلك‪ .‬و إذا تعممذر الشممعر بعممد هممذا كلممه فليراوضممه و‬
‫يعاوده فإن القريحة مثل الضرع يدر بالمتراء و يجف بممالترك‬
‫و الهمال‪ .‬و بالجملة فهذه الصناعة و تعلمهمما مسممتوفى فممي‬
‫كتاب العمدة لبن رشيق و قد ذكرنا منها ما حضممرنا بحسممب‬
‫الجهد‪ .‬و مممن أراد اسممتيفاء ذلممك فعليممه بممذلك الكتمماب ففيممه‬
‫البغية من ذلك‪ .‬و هذه نبذة كافية و الله المعين‪ .‬و قممد نظممم‬
‫الناس في أمر هذه الصناعة الشعرية ممما يجممب فيهمما‪ .‬و مممن‬
‫أحسن ما قيل في ذلك و أظنه لبن رشيق‪:‬‬
‫من ضنوف الجهال منه لقينا‬ ‫لعن الله صنعة الشعر ماذا‬
‫كان سهل للسامعين مبينا‬ ‫يؤثرون الغريب منه على ما‬
‫و خسيس الكلم شيئا‬ ‫ويرون المحال معنى صحيحا‬
‫ثمينا‬
‫رون للجهل أنهم يجهلونا ‌‬ ‫يجهلون الصواب منه و ل يد‬
‫ن و في الحق عندنا يعذرونا‬ ‫فهم عند من سوانا يلمو‬
‫و إن كان في الصفات‬ ‫إنما الشعر ما يناسب في النظم‬
‫فنونا‬
‫وأقامت له الصدور المتونا‬ ‫فأتى بعضه يشاكل بعضا‬
‫تتمنى و لم يكن أن يكونا‬ ‫كل معنى أتاك منه على ما‬
‫كاد حسنا يبين للناظرينا‬ ‫فتناهى من البيان إلى أن‬
‫و المعاني ركبن فيها عيونا‬ ‫فكأن اللفاظ منه وجوه‬
‫يتحلى بحسنه المنشدونا‬ ‫إنما في المرام حسب الماني‬
‫رمت فيه مذاهب المشتهينا‬ ‫فإذا ما مدحت بالشعر حرا‬
‫و جعلت المديح صدقا مبينا‬ ‫فجعلت النسيب سهل قريبا‬
‫و إن كان لفظه موزونا‬ ‫و تنكبت ما يهجن في السمع‬
‫عبت فيه مذاهب المرقبينا‬ ‫و إذا ما عرضته بهجاء‬
‫و جعلت التعريض داء دفينا‬ ‫فجعلت التصريح منه دواء‬
‫دين يوما للبين و الظاعنينا‬ ‫و إذا ما بكيت فيه على الغا‬
‫ن من الدعع في العيون‬ ‫خلت دون السى و ذللت ما كا‬
‫مصونا‬
‫عد وعيدا و بالصعوبة بينا‬ ‫ثم إن كنت عاتبا جئت بالو‬
‫حذرا آمنا عزيزا مهينا‬ ‫فتركت الذي عتبت عليه‬
‫و إن كان واضحا‬ ‫و أصح القريض ما قارب النظم‬
‫مستبينا‬
‫و إذا ريم أعجز المعجزينا‬ ‫فإذا قيل أطمع الناس طرا‬
‫ومن ذلك أيضا قول بعضهم و هو الناشي‪:‬‬
‫و شددت بالتهذيب أس‬ ‫الشعر ما قومت ربع صدوره‬
‫متونه‬
‫و فتحت باليجاز عور‬ ‫و رأيت بالطناب شعب صدوعه‬
‫عيونه‬
‫و جمعت بين مجمه و معينه‬ ‫و جمعت بين قريبه و بعيده‬
‫و قضيته بالشكر حق ديونه‬ ‫و إذا مدحت به جوادا ماجدا‬
‫و خصصته بخطيره و ثمينه‬ ‫أصفيته بتفتش و رضيته‬
‫و يكون سهل في اتفاق‬ ‫فيكون جزل في مساق صنوفه‬
‫فنونه‬
‫أجريت للمخزون ماء‬ ‫و إذا بكيت به الديار و أهلها‬
‫شؤونه‬
‫باينت بين ظهوره و بطونه‬ ‫و إذا أردت كناية عن ريبة‬
‫بثبوته و ظنونه بيقينه‬ ‫فجعلت سامعه يشوب شكوكه‬
‫أدمجت شدته له في لينه‬ ‫و إذا عتبت على أخ في زلة‬
‫مستأمنا لوعوته و حزونه‬ ‫فتركته مستانسأ بدماثة‬
‫إذ صارمتك بفاتنات شؤونه‬ ‫و إذا نبذت إلى الذي علقتها‬
‫و شغفتها بخبيه و كمنه‬ ‫تيمتها بلطيفه و رفيقه‬
‫و أشكت بين مخيله و‬ ‫و إذا اعتذرت لسقطة أسقطتها‬
‫مبينه‬
‫عتبا عليه مطالبا بيمينه‬ ‫فيحول ذنبك عند من يعتده‬
‫الفصممل السممادس و الخمسممون‪ :‬فممي أن صممناعة‬
‫النظممم و النممثر إنممما هممي فممي اللفمماظ ل فممي‬
‫المعاني‬
‫إعلم أن صناعة الكلم نظما و نثرا إنممما هممي فممي اللفمماظ ل‬
‫في المعاني إنما المعاني تبع لها و هي أصل‪ .‬فالصممانع الممذي‬
‫يحمماول ملكممة الكلم فممي النظممم و النممثر إنممما يحاولهمما فممي‬
‫اللفمماظ بحفممظ أمثالهمما مممن كلم العممرب ليكممثر اسممتعماله و‬
‫جريه على لسانه حتى تستقر له الملكة فممي لسممان مضممر و‬
‫يتخلص من العجمة التي ربي عليها في جبله و يفرض نفسممه‬
‫مثل وليد نشممأ فممي جبممل العممرب و يلقممن لغتهممم كممما يلقنهمما‬
‫الصبي حتى يصير كأنه واحد منهممم فممي لسممانهم‪ .‬و ذلممك أنمما‬
‫قممدمنا أن للسممان ملكممة مممن الملكممات فممي النطممق يحمماول‬
‫تحصيلها بتكرارها على اللسان حتى تحصل شأن الملكممات و‬
‫الذي في اللسان و النطممق إنممما هممو اللفمماظ و أممما المعمماني‬
‫فهي في الضمائر‪ .‬وأيضا فالمعاني موجودة عند كممل واحممد و‬
‫في طوع كممل فكممر منهمما ممما يشمماء و يرضممى فل يحتمماج إلممى‬
‫تكلف صممناعة فممي تأليفهمما و تممأليف الكلم للعبممارة عنهمما هممو‬
‫المحتاج للصناعة كما قلنمماه و هممو بمثابممة القمموالب للمعمماني‪.‬‬
‫فكما أن الواني التى يغترف بها الممماء مممن البحممر منهمما آنيممة‬
‫الذهب و الفضة و الصدف و الزجاج و الخزف و الممماء واحممد‬
‫فممي نفسممه‪ .‬و تختلممف الجممودة فممي الوانممي المملممؤة بالممماء‬
‫باختلف جنسها ل باختلف الماء‪ .‬كذلك جودة اللغة و بلغتهمما‬
‫في السممتعمال تختلممف بممإختلف طبقممات الكلم فممي تممأليفه‬
‫باعتبار تطبيقه على المقاصد‪ .‬و المعاني واحدة في نفسها و‬
‫إنممما الجاهممل بتممأليف الكلم و أسمماليبه علممى مقتضممى ملكممة‬
‫اللسان إذا حاول العبارة عممن مقصمموده و لممم يحسممن بمثابممة‬
‫المقعد الممذي يممروم النهمموض و ل يسممتطيعه لفقممدان القممدرة‬
‫عليه‪ .‬و الله يعلمكم ما لم تكونوا تعلمون‪.‬‬
‫الفصل السابع و الخمسممون‪ :‬فممي أن حصممول هممذه‬
‫الملكة بكثرة الحفظ و جودتها بجودة المحفوظ‬
‫قد قدمنا أنه ل بد من كثرة الحفظ لمن يممروم تعلممم اللسممان‬
‫العربي و على قدر جممودة المحفمموظ و طبقتممه فممي جنسممه و‬
‫كثرته من قلته تكون جممودة الملكممة الحاصمملة عنممه للحممافظ‪.‬‬
‫فمن كان محفوظه من أشعار العرب السلميين شعر حبيب‬
‫أو العتابي أو ابن المعتز أو ابن هانئ أو الشممريف الرضممي أو‬
‫رسائل ابمن المقفمع أو سمهل ابمن همارون أو ابمن الزيمات أو‬
‫البديع أو الصابئ تكون ملكته أجود و أعلى مقاما و رتبة فممي‬
‫البلغة ممن يحفظ شممعر ابممن سممهل مممن المتممأخرين أو ابممن‬
‫النبيه أو ترسل البيساني أو العممماد الصممبهاني لنممزول طبقممة‬
‫هؤلء عن أولئك يظهر ذلك للبصير الناقممد صمماجب الممذوق‪ .‬و‬
‫علممى مقممدار جممودة المحفمموظ أو المسممموع تكممون جممودة‬
‫الستعمال من بعده ثم إجادة الملكممة مممن بعممدهما‪ .‬فبارتقمماء‬
‫المحفوظ في طبقته من الكلم ترتقي الملكممة الحاصمملة لن‬
‫الطبع إنما ينسج على منوالها و تنمو قوى الملكة بتغممذيتها‪ .‬و‬
‫ذلك أن النفس و إن كممانت فممي جبلتهمما واحممدة بممالنوع فهممي‬
‫تختلف في البشر بالقوة و الضعف في الدراكات‪ .‬و اختلفها‬
‫إنما هو باختلف ممما يممرد عليهمما مممن الدراكممات و الملكممات و‬
‫اللوان التي تكيفها من خارج‪ .‬فبهذه يتم وجودها و تخرج من‬
‫القوة إلى الفعل صممورتها و الملكممات الممتي تحصممل لهمما إنممما‬
‫تحصل علممى التدريممج كممما قممدمناه‪ .‬فالملكممة الشممعرية تنشممأ‬
‫بحفظ الشعر و ملكة الكتابة بحفممظ السممجاع و الترسمميل‪ ،‬و‬
‫العلمية بمخالطة العلوم و الدراكات و البحمماث و النظممار‪ ،‬و‬
‫الفقهية بمخالطة الفقه و تنظير المسائل و تفريعها و تخريممج‬
‫الفروع على الصول والتصوفية الربانية بالعبادات و الذكار و‬
‫تعطيل الحواس الظاهرة بالخلوة و النفممراد عممن الخلممق ممما‬
‫استطاع حتى تحصل له ملكة الرجمموع إلممى حسممه البمماطن و‬
‫روحه و ينقلب ربانيا و كذا سائرها‪ .‬و للنفس فممي كممل واحممد‬
‫منها لون تتكيف به و على حسب ما نشأت الملكة عليه مممن‬
‫جودة أو رداءة تكون تلك الملكة فممي نفسممها فملكممة البلغممة‬
‫العالية الطبقة فممي جنسممها إنممما تحصممل بحفممظ العممالي فممي‬
‫طبقته من الكلم و بهممذا كممان الفقهمماء و أهممل العلمموم كلهممم‬
‫قاصرين في البلغة و ما ذلك إل لما سبق إلى محفمموظهم و‬
‫يمتلئ به من القوانين العلمية و العبممارات الفقهيممة الخارجممة‬
‫عن أسلوب البلغة و النازلة عممن الطبقممة لن العبممارات عممن‬
‫القوانين و العلمموم ل حممظ لهمما فممي البلغممة فممإذا سممبق ذلممك‬
‫المخفوظ إلى الفكر و كثر و تلونت به النفس جاءت الملكممة‬
‫الناشئة عنه في غاية القصور و انحرفت عباراته عن أساليب‬
‫العرب فممي كلمهممم‪ .‬و هكممذا نجممد شممعر الفقهمماء و النحمماة و‬
‫المتكلمين و النظار و غيرهم ممن لم يمتلئ من حفظ النقي‬
‫الحر من كلم العرب‪ .‬أخبرني صاحبنا الفاضل أبو القاسم بن‬
‫رضمموان كمماتب العلمممة بالدولممة المرينيممة قممال‪ :‬ذكممرت يوممما‬
‫صاحبنا أبا العباس بن شعيب كاتب السلطان أبممي الحسممن و‬
‫كممان المقممدم فممي البصممر باللسممان لعهممده فأنشممدته مطلممع‬
‫قصيدة ابن النحوي و لم أنسبها له و هو هذا‪:‬‬
‫ما الفرق بين جديدها و‬ ‫لم أذر حين وقفت بالطلل‬
‫البالي‬
‫فقال لي على البديهة‪ :‬هذا شعر فقيه‪ ،‬فقلت له‪ :‬و مممن أيممن‬
‫لك ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬من قمموله ممما الفممرق ؟ إذ هممي مممن عبممارات‬
‫الفقهاء و ليست مممن أسمماليب كلم العممرب‪ ،‬فقلممت لممه‪ :‬للممه‬
‫أبوك إنه ابن النحوي‪ .‬و أما الكتاب و الشعراء فليسوا كممذلك‬
‫لتخيرهم في محفوظهم و مخالطتهم كلم العرب و أساليبهم‬
‫في الترسل و انتقائهم لهممم الجيممد مممن الكلم‪ .‬ذاكممرت يوممما‬
‫صاحبنا أبا عند الله بن الخطيب وزير الملمموك بالنممدلس مممن‬
‫بني الحمر و كان الصدر المقدم في الشعر و الكتابة فقلممت‬
‫له‪ :‬أجد استصعابا علي في نظم الشعر متى رمته مع بصري‬
‫به و حفظي للجيد من الكلم من القرآن و الحممديث و فنممون‬
‫من كلم العرب و إن كان محفوظي قليل‪ .‬و إنما أتيت و الله‬
‫أعلممم بحقيقممة الحممال مممن قبممل ممما حصممل فممي حفظممي مممن‬
‫الشعار العلمية و القوانين التألفية‪ .‬فممإني حفظممت قصمميدتي‬
‫الشاطبي الكممبرى و الصممغرى فممي القممراءات فممي الرسممم و‬
‫اسممتظهرتهما و تدارسممت كتممابي ابممن الحمماجب فممي الفقممه و‬
‫الصول و جمل الخونجى في المنطق و بعض كتاب التسهيل‬
‫و كثيرا من قوانين التعليممم فممي المجممالس فممامتل محفمموظي‬
‫من ذلك و خدش وجه الملكة التي استعددت لهمما بممالمحفوظ‬
‫الجيد من القرآن و الحديث و كلم العرب تعاق القريحة عممن‬
‫بلوغها‪ .‬فنظر إلي ساعة معجبا ثم قال‪ :‬لله أنت و هل يقممول‬
‫هذا إل مثلك ؟ و يظهر لك من هممذا الفصممل و ممما تقممرر فيممه‬
‫سر آخر و هممو إعطمماء السممبب فممي أن كلم السمملميين مممن‬
‫العرب أعلى طبقة في البلغممة و أذواقهمما مممن كلم الجاهليممة‬
‫في منثورهم و منظومهم‪ .‬فإنا نجد شعر حسممان بممن ثممابت و‬
‫عمر بن أ بي ربيعة و الحطيئة و جرير و الفرزدق و نصمميب و‬
‫غيلن ذي الرمممة و الحمموص و بشممار ثممم كلم السمملف مممن‬
‫العرب في الدولة الموية و صدرا مممن الدولممة العباسممية فممي‬
‫خطبهم و ترسمميلهم و محمماوراتهم للملمموك أرفممع طبقممة فممي‬
‫البلغممة مممن شممعر النابغممة و عنممترة و ابممن كلثمموم و زهيممر و‬
‫علقمة بن عبدة و طرفة بن العبممد و مممن كلم الجاهليممة فممي‬
‫منثممورهم و محمماوراتهم و الطبممع السممليم و الممذوق الصممحيح‬
‫شاهدان بذلك للناقد البصير بالبلغة‪ .‬و السممبب فمي ذلمك أن‬
‫هؤلء الذين أدركوا السلم سمعوا الطبقة العالية مممن الكلم‬
‫في القرآن و الحديث اللذين عجز البشر في التيان بمثليهما‬
‫لكونها ولجت في قلمموبهم و نشممأت علممى أسمماليبها نفوسممهم‬
‫فنهضت طباعهم و ارتقت ملكاتهم في البلغممة علممى ملكممات‬
‫من قبلهم من أهل الجاهلية ممن لم يسمع هذه الطبقممة و ل‬
‫نشأ عليها فكان كلمهم في نظمهم و نثرهم أحسن ديباجة و‬
‫أصفى رونقا مممن أولئك و أرصممف مبنممى و أعممدل تثقيفمما بممما‬
‫استفادوه من الكلم العالي الطبقة‪ .‬و تأمل ذلممك يشممهد لممك‬
‫به ذوقك إن كنت من أهممل الممذوق و البصممر بالبلغممة‪ .‬و لقممد‬
‫سألت يوما شيخنا الشريف أبا القاسم قاضي غرناطة لعهدنا‬
‫و كممان شمميخ هممذه الصممناعة أخممذ بسممبتة عممن جماعممة مممن‬
‫مشيختها من تلميذ الشلوبين و استبحر فممي علممم اللسممان و‬
‫جمماء مممن وراء الغايممة فيممه فسممألته يوممما ممما بممال العممرب‬
‫السلميين أعلى طبقة في البلغة من الجاهليين ؟ و لم يكن‬
‫ليستنكر ذلك بذوقه فسكت طممويل ثممم قممال لممي‪ :‬و اللممه ممما‬
‫أدري‪ ،‬فقلت‪ :‬أعرض عليك شيئا ظهممر لممي فممي ذلممك و لعلممه‬
‫السبب فيه‪ .‬و ذكرت له هذا الذي كتبممت فسممكت معجبمما ثممم‬
‫قال لي‪ :‬يا فقيه هذا كلم من حقه أن يكتب بالذهب‪ .‬و كممان‬
‫من بعدها يؤثر محلي و يصيخ في مجالس التعليم إلى قممولي‬
‫و يشهد لي بالنباهة في العلوم‪ ،‬و الله خلق النسان و علمممه‬
‫البيان‪.‬‬

‫الفصل الثامن و الخمسون‪ :‬في بيان المطبوع مممن‬


‫الكلم و المصممنوع و كيممف جممودة المصممنوع أو‬
‫قصوره‬
‫إعلممم أن الكلم الممذي هممو العبممارة و الخطمماب‪ ،‬إنممما سممره و‬
‫روحه في إفادة المعنى‪ .‬و أممما إذا كممان مهمل فهممو كممالموات‬
‫الذي ل عبرة به‪ .‬و كمال الفادة هو البلغة علممى ممما عرفممت‬
‫من حدها عند أهل البيان لنهممم يقولممون هممي مطابقممة الكلم‬
‫لمقتضى الحال‪ ،‬و معرفة الشروط و الحكام التي بها تطابق‬
‫التراكيب اللفظيممة مقتضممى الحممال‪ ،‬هممو فممن البلغممة‪ .‬و تلممك‬
‫الشروط و الحكام للتراكيب في المطابقة اسقريت من لغة‬
‫العرب و صارت كالقوانين‪ .‬فالتراكيب بوضممعها تفيممد السممناد‬
‫بين المسندين‪ ،‬بشروط و أحكام هي جل قمموانين العربيممة‪ .‬و‬
‫أحوال هذه التراكيب من تقديم و تأخير‪ ،‬و تعريف و تنكيممر‪ ،‬و‬
‫إضمممار و إظهممار‪ .‬و تقييممد و إطلق و غيرهمما‪ ،‬يفيممد الحكممام‬
‫المكتنفة من خمارج بالسممناد و بالمتخماطبين حمال التخماطب‬
‫بشروط و أحكام هي قوانين لفن‪ ،‬يسمونه علم المعاني مممن‬
‫فنون البلغة‪ .‬فتندج قوانين العربيممة لممذلك فممي قمموانين علممم‬
‫المعاني لن إفادتها السناد جزء من إفادتها للحوال المكتنفة‬
‫بالسناد‪ .‬و ما قصر مممن هممذه الممتراكيب عممن إفممادة مقتضممى‬
‫الحال لخلممل فممي قمموانين العممراب أو قمموانين المعمماني كممان‬
‫قاصرا عن المطابقة لمقتضى الحال‪ ،‬و لحق بالمهمممل الممذي‬
‫هو في عداد الموات‪.‬‬
‫ثممم يتبممع هممذه الفممادة لمقتضممى الحممال التفنممن فممي انتقممال‬
‫التركيب بيممن المعمماني بأصممناف الممدللت لن الممتركيب يممدل‬
‫بالوضع على معنى ثم ينقل الذهن إلممى لزمممه أو ملزومممه أو‬
‫شبهه‪ ،‬فيكمون فيهما مجمازا‪ :‬إمما باسمتعارة أو كنايمة كمما همو‬
‫مقرر في موضعه‪ ،‬و يحصل للفكممر بممذلك النتقممال لممذة كممما‬
‫تحصل في الفادة و أشممد‪ .‬لن فممي جميعهمما ظفممر بالمممدلول‬
‫من دليله‪ .‬و الظفر من أسباب اللممذة كممما علمممت‪ .‬ثممم لهممذه‬
‫النتقالت أيضا شروط و أحكام كالقوانين صيروها صناعة‪ ،‬و‬
‫سموها بالبيان‪ .‬و هي شقيقة علم المعانى المفيممد لمقتضممى‬
‫الحال لنها راجعة إلى معاني التراكيب و مدلولتها‪ .‬و قوانين‬
‫علم المعاني راجعة إلى أحوال الممتراكيب أنفسممها مممن حيممث‬
‫الدللة‪ .‬و اللفظ و المعنى متلزمان متضممايقان كممما علمممت‪.‬‬
‫فإذا علم المعاني و علم البيان هما جزء البلغة‪ ،‬و بهما كمال‬
‫الفادة‪ ،‬فهو مقصر عن البلغة و يلتحق عند البلغاء بأصمموات‬
‫الحيوانات العجم و أجدر به أن ل يكون عربيا‪ ،‬لن العربي هو‬
‫الذي يطابق بإفادته مقتضى الحال‪ .‬فالبلغممة علممى هممذا هممي‬
‫أصل الكلم العربي و سجيته و روحه و طبيعته‪.‬‬
‫ثممم اعلممم أنهممم إذا قممالوا‪ :‬الكلم المطبمموع فممإنهم يعنممون بممه‬
‫الكلم الممذي كملممت طييعتممه و سممجيته مممن إفممادة مممدلوله‬
‫المقصممود منممه‪ ،‬لنممه عبممارة و خطمماب‪ ،‬ليممس المقصممود منممه‬
‫النطق فقط‪ .‬بل المتكلم يقصد بممه أن يفيممد سممامعه ممما فممي‬
‫ضميره إفممادة تامممة‪ ،‬و يممدل بممه عليممه دللممة وثيقممة‪ .‬ثممم يتبممع‬
‫تراكيب الكلم في هذه السجية التي له بالصالة ضروب مممن‬
‫التحسين و التزيين‪ ،‬بعد كمال الفادة و كأنهمما تعطيهمما رونممق‬
‫الفصاحة من تنميق السجاع‪ ،‬و الموازنة بيممن حمممل الكلم و‬
‫تقسمميمه بالقسممام المختلفممة الحكممام و التوريممة بمماللفظ‬
‫المشمممترك عمممن الخفمممي ممممن معمممانيه‪ ،‬و المطابقمممة بيمممن‬
‫المتضادات‪ ،‬ليقع التجانس بين اللفمماظ و المعمماني‪ .‬فيحصممل‬
‫للكلم رونق و لذة في السماع و حلوة و جمممال كلهمما زائدة‬
‫على الفادة‪.‬‬
‫و هممذه الصممنعة موجممودة فممي الكلم المعجممز فممي مواضمميع‬
‫متعددة مثل‪ :‬والليل إذا يغشممى * والنهممار إذا تجلممى‪ ،‬و مثممل‪:‬‬
‫فأما من أعطى واتقى * وصدق بالحسنى‪ ،‬إلى آخر التقسيم‬
‫في الية‪ .‬و كذا‪ :‬فأما من طغى * وآثر الحياة الدنيا إلى آخممر‬
‫الية‪ .‬و كذا‪ :‬هم يحسبون أنهم يحسنون صنعا‪ .‬و أمثاله كثير‪.‬‬
‫و ذلك بعد كمال الفادة في أصبل هذه التراكيب قبممل وقمموع‬
‫هذا البديع فيها‪ .‬و كذا وقع في كلم الجاهلية منه‪ ،‬لكن عفمموا‬
‫من غير قصد ول تعمد‪ .‬و يقال إنه وقع في شعر زهير‪.‬‬
‫و أممما السمملميون فوقممع لهممم عفمموا و قصممدا‪ ،‬و أتمموا منممه‬
‫بالعجممائب‪ .‬و أول مممن أحكممم طريقتممه حممبيب بممن أوس و‬
‫البحتري و مسلم بن الوليد‪ ،‬فقممد كممانوا مممولعين بالصممنعه‪ .‬و‬
‫يأتون منها بالعجب‪ .‬و قيممل أن أول مممن ذهممب إلممى معاناتهمما‬
‫بشاز بن برد و ابن هرمة‪ ،‬و كانا آخممر مممن يستشممهد بشممعره‬
‫في اللسان العربي‪ .‬ثم اتبعهما عمرو بن كلثمموم و العتممابي و‬
‫منصور النميري و مسلم بن الوليد و أبو نواس‪ .‬و جمماء علممى‬
‫آثارهم حبيب و البحممتري‪ .‬ثممم ظهممر ابممن المعممتز فختممم علممى‬
‫البدء و الصناعة أجمع‪ .‬و لنذكر مثال من المطبوع الخالي من‬
‫الصناعة‪ .‬مثل قول قيس بن ذريح‪:‬‬
‫أحدث عنك النفس في‬ ‫و أخرج من بين البيوت لعلني‬
‫السر خاليا‬
‫و قول كثير‪:‬‬
‫تخليت عما بيننا و تخليت‬ ‫و إني و تهيامي بعزة بعدما‬
‫تبوأ منها للمقيل اضمحلت‬ ‫لكالمرتجي ظل الغمامة كلها‬
‫فتأمل هذا المطبوع‪ ،‬الفقيد الصنعة‪ ،‬ي أحكام تأليفه و ثقافممة‬
‫تركيبه‪ .‬فلو جاءت فيممه الصممنعة مممن بعممد هممذا الصممل زادتممه‬
‫حسنا‪.‬‬
‫و أما المصنوع فكثير من لدن بشار‪ ،‬ثم حبيب و طبقتهما‪ ،‬ثم‬
‫ابن المعتز خاتم الصنعة الذي جممرى المتممأخرون بعممدهم فممي‬
‫ميدانهم‪ ،‬و نسجوا على منوالهم‪ .‬و قد تعممددت أصممناف هممذه‬
‫الصنعة عند أهلها‪ ،‬و اختلفت اصطلحاتهم في ألقابها‪ .‬و كثير‬
‫منهم يجعلها مندرجة في البلغممة علممى أنهمما غيممر داخلممة فممي‬
‫الفممادة‪ ،‬و أنهمما هممي تعطممى التحسممين و الرونممق‪ .‬و أممما‬
‫المتقدمون من أهل البديع‪ ،‬فهي عندهم خارجة عممن البلغممة‪.‬‬
‫و لذلك يذكرونها في الفنون الدبية التي ل موضوع لها‪ .‬و هو‬
‫رأي ابن رشمميق قمي كتمماب العمممدة لممه‪ ،‬و أدبمماء النممدلس‪ .‬و‬
‫ذكروا في استعمال هذه الصممنعة شممروطا منهمما أن تقممع مممن‬
‫غير تكلف و ل اكتراث فممي ممما يقصممد منهمما‪ .‬و أممما العفممو فل‬
‫كلم فيه لنها إذا برئت مممن التكلممف سمملم الكلم مممن عيممب‬
‫السممتهجان‪ ،‬لن تكلفهمما و معاناتهمما يصممير إلممى الغفلممة عممن‬
‫التراكيب الصلية للكلم‪ ،‬فتخل بالفادة من أصمملها‪ ،‬و تممذهب‬
‫بالبلغة رأسا‪ .‬و ل يبقى في الكلم إل تلك التحسينات‪ ،‬و هذا‬
‫هو الغالب اليوم علممى أهممل العصممر‪ .‬و أصممحاب الذواق فممي‬
‫البلغة يسخرون من كلفهم بهذه الفنون‪ ،‬و يعدون ذلممك مممن‬
‫القصور عممن سممواه‪ .‬و سمممعت شمميخنا السممتاذ أبمما البركممات‬
‫البلفيقي‪ ،‬و كان من أهل البصر في اللسان و القريحممة‪ .‬فممي‬
‫ذوقه يقول‪ ،‬إن من أشهى ما تقترحه على نفسي أن أشمماهد‬
‫في بعض اليام مممن ينتحممل فنممون هممذا البممديع فممي نظمممه أو‬
‫نثره‪ ،‬و قد عوقب بأشد العقوبة‪ ،‬و نممودي عليممه‪ ،‬يحممذر بممذلك‬
‫تلميذه أن يتعمماطوا هممذه الصممنعة‪ ،‬فيكلفممون بهمما‪ ،‬و يتناسممون‬
‫البلغة‪ .‬ثم من شروط اسممتعمالها عنممدهم القلل منهمما و أن‬
‫تكون في بيتين أو ثلثة من القصيد‪ ،‬فتكفي في زينممة الشممعر‬
‫و رونقه‪ .‬و الكثار منها عيب‪ ،‬قاله ابن رشيق و غيره‪ .‬و كممان‬
‫شيخنا أبو القاسم الشممريف السممبتي منفممق اللسممان العربممي‬
‫بالنممدلس لمموقته يقممول‪ :‬هممذه الفنممون البديعيممة إذا وقعممت‬
‫للشاعر أو للكاتب فيقبح أن يستكثر منها‪ ،‬لنها من محسنات‬
‫الكلم و مزينمماته‪ ،‬فهممي بمثابممة الخيلن فممي المموجه يحسممن‬
‫بالواحد و الثنين منها‪ ،‬و يقبح بتعممدادها‪ .‬و علممى نسممبة الكلم‬
‫المنظوم هو الكلم المنثور في الجاهلية و السلم‪ .‬كممان أول‬
‫مرسل معتبر الموازنة بين جمله و تراكيبممه‪ ،‬شمماهدة ممموازنته‬
‫بفواصله من غير التزام سجع و ل اكتراث بصممنعة‪ .‬حممتى نبممغ‬
‫إبراهيم بن هلل الصابي كاتب بني بويه‪ ،‬فتعمماطى الصممنعة و‬
‫التقفيه و أتى بذلك بالعجب‪ .‬و عاب الناس عليه كلفممه بممذلك‬
‫في المخاطبات السلطانية‪ .‬و إنما حملممه عليممه ممما كممان فممي‬
‫ملوكه من العجمة و البعد عن صولة الخلفة المنفقة لسمموق‬
‫البلغة‪ .‬ثم انتشرت الصممناعة بعممده فممي منثممور المتممأخرين و‬
‫نسي عهد الترسيل و تشممابهت السمملطانيات و الخوانيممات و‬
‫العربيات بالسوقيات‪ .‬و اختلط المرعممى بالهمممل‪ .‬و هممذا كلممه‬
‫يدلك علممى أن الكلم المصممنوع بالمعانمماة و التكليممف‪ ،‬قاصممر‬
‫عممن الكلم المطبمموع‪ ،‬لقلممة الكممتراث فيممه بأصممل البلغممة‪ ،‬و‬
‫الحاكم في ذلك الذوق‪ .‬و الله خلقكم و علمكم ما لم تكونوا‬
‫تعلمون‪.‬‬

‫الفصممل التاسممع و الخمسممون‪ :‬فممي ترفممع أهممل‬


‫المراتب عن انتحال الشعر‬
‫اعلم أن الشعر كان ديوانا للعرب فيه علممومهم و أخبممارهم و‬
‫حكمهم‪ .‬و كان رؤساء العرب منافسين فيممه و كممانوا يقفممون‬
‫بسوق عكاظ لنشاده و عرض كل واحد منهمم ديبماجته علمى‬
‫فحول الشأن و أهمل البصمر لتمييمز حمموله‪ .‬حمتى انتهمموا إلمى‬
‫المناغاة في تعليمق أشمعارهم بأركمان المبيت الحمرام موضمع‬
‫حجهم و بيت أبيهم إبراهيم كما فعل امرؤ القيس ابن حجر و‬
‫النابغة الذبياني و زهير بن أبى سمملمى و عنممترة بممن شممداد و‬
‫طرفة بن العبد و علقمة بن عبممدة و العشممى و غيرهممم مممن‬
‫أصحاب المعلقات السبع‪ .‬فإنه إنما كممان يتوصممل إلممى تعليممق‬
‫الشعر بها من كمان لممه قمدرة علممى ذلمك بقممومه و عصممبته و‬
‫مكانه في مضر على ما قيل في سبب تسممميتها بالمعلقممات‪.‬‬
‫ثم انصرف العرب عن ذلك أول السلم بما شغلهم من أمممر‬
‫الدين والنبؤة و الوحي و ما أدهشهم مممن أسمملوب القممرآن و‬
‫نظمه فأخرسوا عن ذلك و سكتوا عن الخوض فممي النظممم و‬
‫النثر زمانا‪ .‬ثم استقر ذلك و أونس الرشممد مممن الملممة‪ .‬و لممم‬
‫ينزل الوحي في تحريم الشعر و حظره و سمعه النبي صمملى‬
‫الله عليه و سمملم و أثمماب عليممه‪ ،‬فرجعمموا حينئذ إلممى ديممدنهم‬
‫منه‪ .‬و كان لعمممر بممن أبممي ربيعممة كممبير قريممش لممذلك العهممد‬
‫مقامات فيه عالية و طبقة مرتفعممة و كممان كممثيرا ممما يعممرض‬
‫شعره على ابن عباس فيقف لسممتماعه معجبمما بممه‪ .‬ثممم جمماء‬
‫من بعد ذلك الملك الفحل و الدولممة العزيممزة و تقممرب إليهممم‬
‫العرب بأشعارهم يمتدحونهم بها‪ .‬و يجيزهمم الخلفماء بمأعظم‬
‫الجمموائز علممى نسممبة الجممودة فممي أشممعارهم و مكممانهم مممن‬
‫قومهم و يحرصممون علممى اسممتهداء أشممعارهم يطلعممون منهمما‬
‫علممى الثممار و الخبممار و اللغممة و شممرف اللسممان‪ .‬و العممرب‬
‫يطالبون ولدهم بحفظها‪ .‬و لم يزل هذا الشأن أيام بني أميممة‬
‫و صدرا من دولة بني العباس‪ .‬و انظر ما نقله صاحب العقممد‬
‫في مسامرة الرشيد للصمعي فممي بمماب الشممعر و الشممعراء‬
‫تجد ما كان عليه الرشيد من المعرفة بذلك و الرسوخ فيممه و‬
‫العنايمممة بانتحممماله و التبصمممر بجيمممد الكلم و رديئه و كمممثرة‬
‫مخفوظه منممه‪ .‬ثممم جمماء خلممق مممن بعممدهم لممم يكممن اللسممان‬
‫لسانهم من أجل العجمة و تقصيرها باللسممان و إنممما تعلممموه‬
‫صناعة ثم مدحوا بأشعارهم أمراء العجم الذين ليس اللسممان‬
‫لهم طالبين معروفهم فقط ل سوى ذلك مممن الغممراض كممما‬
‫فعله حبيب و البحتري و المتنبئ و ابن هانئ و مممن بعممدهم و‬
‫هلم جرا‪ .‬فصار غرض الشعر في الغلب إنممما هممو الكممذب و‬
‫الستجداء لذهاب المنافع التي كانت فيه للولين كما ذكرنمماه‬
‫آنفا‪ .‬و أنف منه لذلك أهل الهمم و المراتب من المتأخرين و‬
‫تغير الحال و أصبح تعاطيه هجنة في الرئاسممة و مذمممة لهممل‬
‫المناصب الكبيرة‪ .‬و الله مقلب الليل و النهار‪.‬‬

‫الفصل الستون‪ :‬في أشعار العرب و أهممل المصممار‬


‫لهذا العهد‬
‫اعلممم أن الشممعر ل يختممص باللسممان العربممي فقممط بممل هممو‬
‫موجود في كل لغة سواء كانت عربيممة أو عجميممة و قممد كممان‬
‫في الفرس شعراء و في يونان كممذلك و ذكممر منهممم أرسممطو‬
‫في كتاب المنطق أوميروس الشاعر و أثنى عليه‪ .‬و كان في‬
‫حمير أيضا شعراء متقدمون‪ .‬و لما فسد لسان مضر و لغتهم‬
‫التي ذونت مقاييسها و قوانين إعرابها و فسدت اللغممات مممن‬
‫بعد بحسب ما خالطها و مازجهمما مممن العجمممة فكممانت تحيممل‬
‫العممرب بأنفسممهم لغممة خممالفت لغممة سمملفهم مممن مضممر فممي‬
‫العراب جملة و فمي كمثير ممن الموضموعات اللغويمة و بنماء‬
‫الكلمممات‪ .‬و كممذلك الحضممر أهممل المصممار نشممأت فيهممم لغممة‬
‫أخرى خالفت لسممان مضممر فممي العممراب و أكممثر الوضمماع و‬
‫التصاريف وخالفت أيضا لغة الجيل من العرب لهذا العهممد‪ .‬و‬
‫اختلفممت هممي فممي نفسممها بحسممب اصممطلحات أهممل الفمماق‬
‫فلهل الشرق و أمصاره لغة غير لغة أهل المغرب و أمصاره‬
‫وتخالفهما أيضا لغممة أهمل النمدلس و أمصماره‪ .‬ثمم لمما كمان‬
‫الشعر موجودا بالطبع في أهل كل لسان لن الموازين علممى‬
‫نسممبة واحممدة فممي أعممداد المتحركممات و السممواكن و تقابلهمما‬
‫موجممودة فمي طبمماع البشممر فلممم يهجممر الشممعر بفقمدان لغممة‬
‫واحدة و هي لغة مضر الذين كانوا فحولممة و فرسممان ميممدانه‬
‫حسبما اشتهر بين أهل الخليقة‪ .‬بل كل جيل وأهممل كممل لغممة‬
‫من العرب المستعجمين و الحضر أهل المصار يتعاطون منه‬
‫ما يطاوعهم في انتحاله و رصممف بنممائه علممى مهيممع كلمهممم‪.‬‬
‫فأما العرب أهل هذا الجيل المسممتعجمون عممن لغممة سمملفهم‬
‫من مضر فيعرضون الشعر لهذا العهممد فممي سممائر العمماريض‬
‫علممى ممما كممان عليممه سمملفهم المسممتعربون و يممأتون منممه‬
‫بممالمطولت مشممتملة علممى مممذاهب الشممعر و أغراضممه مممن‬
‫النسيب و المدح و الرثاء و الهجاء و يستطردون في الخروج‬
‫من فن إلى فممن فممي الكلم‪ .‬و ربممما هجممموا علممى المقصممود‬
‫لول كلمهم و أكثر ابتدائهم في قصائدهم باسم الشمماعر ثممم‬
‫بعد ذلك ينسبون‪ .‬فأهل أمصار المغرب من العممرب يسمممون‬
‫هذه القصائد بالصمعيات نسبة إلى الصمممعي راويممة العممرب‬
‫في أشعارهم و أهل المشرق من العرب يسمون هممذا النمموع‬
‫من الشعر بالبدوي والحورانى و القيسي‪ .‬و ربما يلحنون فيه‬
‫ألحانا بسيطة ل على طريقة الصناعة الموسيقية‪ .‬ثممم يغنممون‬
‫به و يسمون الغناء به باسم الحوراني نسبة إلى حمموران مممن‬
‫أطراف العراق و الشام و هي مممن منممازل العممرب الباديممة و‬
‫مساكنهم إلى هذا العهد‪ .‬و لهم فممن آخممر كممثير التممداول فممي‬
‫نظمهم يجيئون به معصممبا علممى أربعممة أجممزاء يخممالف آخرهمما‬
‫الثلثة في رويه و يلتزمون القافية الرابعة في كل بيممت إلممى‬
‫آخممر القصمميدة شممبيها بممالمربع و المخمممس الممذي أحممدثه‬
‫المتأخرون من المولدين‪ .‬و لهممؤلء العممرب فممي هممذا الشممعر‬
‫بلغممة فائقممة و فيهممم الفحممول و المتممأخرون و الكممثير مممن‬
‫المنتحلين للعلوم لهذا العهد و خصوصا علم اللسان يسممتنكر‬
‫صاحبها هذه الفنون التي لهممم إذا سمممعها و يمممج نظمهممم إذا‬
‫أنشد و يعتقممد أن ذوقممه إنممما نبمما عنهمما لسممتهجانها و فقممدان‬
‫العراب منها‪ .‬و هذا إنما أتى من فقممدان الملكممة فممي لغتهممم‬
‫فلو حصلت له ملكة مممن ملكمماتهم لشممهد لممه طبعممة و ذوقممه‬
‫ببلغتها إن كان سليما من الفات فممي فطرتممه و نظممره و إل‬
‫فالعراب ل مدخل له في البلغة إنما البلغة مطابقممة الكلم‬
‫للمقصود و لمقتضى الحال من الوجود فيه سواء كان الرفممع‬
‫دال على الفاعل و النصب دال علممى المفعممول أو بممالعكس و‬
‫إنما يدل على ذلمك قمرائن الكلم كمما همو فمي لغتهمم همذه‪.‬‬
‫فالدللة بحسب ممما يصممطلح عليممه أهممل الملكممة فممإذا عممرف‬
‫اصطلح في ملكة و اشتهر صمحة الدللمة و إذا طممابقت تلممك‬
‫الدللة المقصود و مقتضى الحممال صممحت البلغممة و ل عممبرة‬
‫بقوانين النحاة في ذلك‪ .‬و أساليب الشممعر و فنممونه موجممودة‬
‫في أشعارهم هذه ما عدا حركات العراب في أواخممر الكلممم‬
‫فإن غالب كلماتهم موقوفممة الخممر‪ .‬و يتميممز عنممدهم الفاعممل‬
‫من المفعول و المبتدأ مممن الخممبر بقممرائن الكلم ل بحركممات‬
‫العراب‪.‬‬
‫فمن أشعارهم على لسان الشريف بن هاشم يبكممي الجاريممة‬
‫بنت سرحان‪ ،‬و يذكر ظعنها مع قومها إلى المغرب‪:‬‬
‫ترى كبدي حرى شكت‬ ‫قال الشريف ابن هاشم علي‬
‫من زفيرها‬
‫يرد غلم البدو يلوي‬ ‫يغز للعلم أين ما رأت خاطري‬
‫عصيرا‬
‫عداة وزائع تلف الله‬ ‫و ماذا شكاة الروح مما طرا لها‬
‫خبيرها‬
‫طوى و هند جافي ذكيرها‬ ‫يحس إن قطاع عامر ضميرها‬
‫على مثل شوك الطلح‬ ‫و عادت كما خوارة في يد غاسل‬
‫عقدوا يسيرها‬
‫على شوك لعه و البقايا‬ ‫تجابذوها اثنين و النزع بينهم‬
‫جريرها‬
‫شبيه دوار السواني‬ ‫و باتت دموع العين ذارفات لشانها‬
‫يديرها‬
‫مرون يجي متراكبا من‬ ‫تدارك منها النجم حذرا و زادها‬
‫صبيرها‬
‫عيون و لجاز البرق‬ ‫يصب من القيعان من جانب الصفا‬
‫في غزيرها‬
‫ناضت من بغداد حتى‬ ‫هاذا الغنى حتى تسابيت غزوة‬
‫فقيرها‬
‫و عرج عاريها على‬ ‫و نادى المنادي بالرحيل و شدوا‬
‫مستعيرها‬
‫على أيدين ماضي وليد‬ ‫و شد لها الدهم دياب بن غانم‬
‫مقرب ميرها‬
‫و سوقوا النجوع إن‬ ‫و قال لهم حسن بن سرحان غزبوا‬
‫كان أنا هو غفيرها‬
‫و باليمين ل يجدوا في‬ ‫و يركض و بيده شهامه بالتسامح‬
‫مغيرها‬
‫و ما كان يرضى زين‬ ‫غدرني زيان السيح من عابس‬
‫حمير و ميرها‬
‫و أناليه ما من‬ ‫غدرني و هو زعما صديقي و صاحبي‬
‫درقتي ما يديرها‬
‫بحرالبلدالعطشى ما‬ ‫و رجع يقول لهم بلل بن هاشم‬
‫بخيرها‬
‫داخل و ل عائد ركيره‬ ‫حرام علي باب بغداد و أرضها‬
‫من نعيرها‬
‫على الشمس أوحول‬ ‫تصدف روحي عن بلد بن هاشم‬
‫الغظامن هجيرها‬
‫يلوذ و بجرجان يشدوا‬ ‫و باتت نيران العذارى قوادح‬
‫أسيرها‬
‫ومن قولهم في رثاء أمير زناتة أبي سعدى اليفرني مقارعهم‬
‫بأفريقية و أرض الزاب و رثاؤهم له على جهة التهكم‪:‬‬
‫لها في ظعون‬ ‫تقول فتاة الحي سعدى و هاضها‬
‫الباكرين عويل‬
‫خذ النعت مني ل‬ ‫أيا سائلي عن قبر الزناتي خليفه‬
‫تكون هبيل‬
‫من الربط عيساوي بناه‬ ‫تراه يعالي وادي ران و فوقه‬
‫طويل‬
‫به الواد شرقا و اليراع‬ ‫أراه يميل النور من شارع النقا‬
‫دليل‬
‫قد كان لعقاب‬ ‫أيا لهف كبدي على الزناتي خليفه‬
‫الجياد سليل‬
‫جراحه كافواه المزاد‬ ‫قتيل فتى الهيجا دياب بن غانم‬
‫تسيل‬
‫لترحل إل أن يريذ رحيل‬ ‫أيا جائزا مات الزناتي خليفه‬
‫و عشرا و ستا في النهار‬ ‫أل واش رحلنا ثلثين مرة‬
‫قليل‬
‫و من قولهم على لسان الشريف بن هاشم يمذكر عتابما وقمع‬
‫بينه و بين ماضي بن مقرب‪:‬‬
‫أشكر ما نحنا عليك‬ ‫تبدى ماضي الجبار و قال لي‬
‫رضاش‬
‫و رانا عريب عربا لبسين‬ ‫أشكر أعد ما بقي ود بيننا‬
‫نماش‬
‫كما صادفت طعم الزباد‬ ‫نحن غدينا نصدفو ما قضى لنا‬
‫طشاش‬
‫ليحدو و من عمر بلده عاش‬ ‫أشكر أعد إلى يزيد ملمه‬
‫هنا العرب ما زدنا‬ ‫إن كان نبت الشوك يلقح بأرضكم‬
‫لهن صياش‬
‫و من قولهم في ذكر رحلتهم إلى الغرب و غلبهم زناتة عليه‪:‬‬
‫و أي رجال‬ ‫و أي جميل ضاع لي في الشريف بن هاشم‬
‫ضاع قبلي جميلها‬
‫عناني بحجة ماغباني‬ ‫لقد كنت أنا وياه في زهو بيتنا‬
‫دليلها‬
‫من الخمر فهو ما قدر‬ ‫وعدت كأني شارب من مدامة‬
‫من يميلها‬
‫غريبا و هي مدوخه‬ ‫أو مثل شمطامات مظنون كبدها‬
‫عن قبيلها‬
‫و هي بين عربا غافل‬ ‫أتاها زمان السوء حتى تدوحت‬
‫عن نزيلها‬
‫شاكي بكبد باديتها‬ ‫كذلك أنا مما لحاني من الوجى‬
‫زعيلها‬
‫و قووا و شداد الحوايا‬ ‫و أمرت قومي بالرحيل و بكروا‬
‫حميلها‬
‫و البدو ماترفع عمود‬ ‫قعدنا سبعة أيام محبوس نجعنا‬
‫يقيلها‬
‫يظل الجرى فوق النضا و‬ ‫نظل على حداب الثنايا نوازي‬
‫نصيلها‬
‫و من شعر يلطان بممن مظفممر بممن يحيممى مممن الممزواودة أحممد‬
‫بطممون ريمماح و أهممل الرياسممة فيهممم‪ ،‬يقولهمما و هممو معتقممل‬
‫بالمهدية فممي سممجن الميممر أبممي زكريمما بممن أبممي حفممص أول‬
‫ملوك أفريقية من الموحدين‪:‬‬
‫حرام على أجفان عيني‬ ‫يقول و في بوح الدجا بعد وهنة‬
‫منامها‬
‫و روح هيامي طال‬ ‫يا من لقلب حالف الوجد و السى‬
‫ما في سقامها‬
‫عداوية و لها بعيد مرامها‬ ‫حجازية بدوية عربية‬
‫سوى عانك الوعسا يؤتي‬ ‫مولعة بالبدو ل تألف القرى‬
‫خيامها‬
‫ممحونة بيها و بيها صحيح‬ ‫غيات و مشتاها بها كل شتوة‬
‫غرامها‬
‫يواتي من‬ ‫و مرباها عشب الراضي من الحيا‬
‫الخورالخليا جسامها‬
‫عليها من السحب‬ ‫تشوق شوق العين مما تداركت‬
‫السواري عمامها‬
‫عيون غرار المزن‬ ‫و ماذا بكت بالما و ماذا تناحطت‬
‫عذبا حمامها‬
‫عليها و من نور القاحي‬ ‫كأن عروس البكر لحت ثيابها‬
‫خزامها‬
‫و مرعى سوى ما في‬ ‫فلة و دهنا و اتساع و منة‬
‫مراعي نعامها‬
‫غنيم و من لحم‬ ‫و مشروبها من مخض ألبان شولها‬
‫الجوازي طعامها‬
‫يشيب الفتى مما‬ ‫تفانت عن البواب و الموقف الذي‬
‫يقاسي زحامها‬
‫و بل و يحيى ما بلي‬ ‫سقى الله ذا الوادي المشجر بالحيا‬
‫من رمامها‬
‫ظفرت بأيام مضت في‬ ‫فكافأتها بالود مني و ليتني‬
‫ركامها‬
‫إذا قمت لم تحظ من‬ ‫ليالي أقواس الصبا في سواعدي‬
‫أيدي سهامها‬
‫زمان الصبا سرجا‬ ‫و فرسي عديد تحت سرجي مشاقة‬
‫و بيدي لجامها‬
‫من الخلق أبهى من‬ ‫و كم من رداح أسهرتني و لم أرى‬
‫نظام ابتسامها‬
‫مطرزة الجفان باهي و‬ ‫و كم غيرها من كاعب مرجحنة‬
‫شامها‬
‫بكفي و لم ينسى‬ ‫و صفقت من وجدي عليها طريجة‬
‫جداها ذمامها‬
‫و توهج ل يطفا من‬ ‫و نار بخطب الوجد توهج في الحشا‬
‫الماء ضرامها‬
‫فني العمر في دار‬ ‫أيا من وعدتي الوعد هذا إلى متى‬
‫عماني ظلمها‬
‫و يغمى عليها ثم‬ ‫و لكن رأيت الشمس تكسف ساعة‬
‫يبدا غيامها‬
‫إلينا بعون الله يهفو‬ ‫بنود و رايات من السعد أقبلت‬
‫علمها‬
‫و رمحى على كتفي‬ ‫أرى في الفل بالعين أظعان عزوتي‬
‫و سيري أمامها‬
‫أحب بلد الله‬ ‫يجرعا عتاق النوق من فوق شامس‬
‫عندي حشامها‬
‫مقيم بها مالذ عندي مقامها‬ ‫إلى منزل بالجعفرية للوى‬
‫يزيل الصدا و الغل عني‬ ‫ونلقى سراة من هلل بن عامر‬
‫سلمها‬
‫إذا قاتلوا قوما سريع‬ ‫بهم تضرب المثال شرقا و مغربا‬
‫انهزامها‬
‫مدى الدهر ما غنى‬ ‫عليهم و من هو في حماهم تحية‬
‫يفينا حمامها‬
‫فذي الدنيا ما‬ ‫فدع ذا و ل تأسف على سالف مضى‬
‫دامت لحد دوامها‬
‫و من أشعار المتأخرين منهم قول خالد بن حمممزة بممن عمممر‪.‬‬
‫شمميخ الكعمموب‪ .‬مممن أولد أبممي الليممل‪ .‬يعمماتب أقتممالهم أولد‬
‫مهلهل و يجيب شاعرهم شبل بن مسكيانة بن مهلمهل‪ .‬عممن‬
‫أبيات فخر عليهم فيها بقومه‪:‬‬
‫قوارع قيعان يعانى‬ ‫يقول و ذا قول المصاب الذي نشا‬
‫صعابها‬
‫فنونا من انشاد‬ ‫يريح بها حادي المصاب إذا سعى‬
‫القوافي عذابها‬
‫تحدى بها تام الوشا ملتها بها‬ ‫محيرة مختارة من نشادها‬
‫محكمة القيعان دابي و‬ ‫مغربلة عن ناقد في غضونها‬
‫دابها‬
‫قوارع من شبل و‬ ‫و هيض بتذكاري لها يا ذوي الندى‬
‫هذي جوابها‬
‫فراح يريح الموجعين الغنا‬ ‫اشبل جنينا من حباك طرائفا‬
‫بها‬
‫سوى قلت في‬ ‫فخرت و لم تقصر و ل أنت عادم‬
‫جمهورها ما أعابها‬
‫وحامي حماها عاديا في‬ ‫لقولك في أم المتين بن حمزة‬
‫حرابها‬
‫رصاص بني يحيى و غلق‬ ‫أما تعلم أنه قامها بعد ما لقي‬
‫دابها‬
‫و هل ريت من جا‬ ‫شهابا من أهل المر يا شبل خارق‬
‫للوغى و اصطلى بها‬
‫و أثنى طفاها جاسرا ل‬ ‫سواها طفاها أضرمت بعد طفيه‬
‫يهابها‬
‫لفاس إلى بيت‬ ‫و اضرمت بعد الطفيتين ألن صحت‬
‫المنى يقتدى بها‬
‫فصار و هي عن كبر‬ ‫و بان لوالي المر في ذا انشحابها‬
‫السنة تهابها‬
‫رجال بني كعب الذي‬ ‫كما كان هو يطلب على ذا تجنبت‬
‫يتقى بها‬
‫منها في العتاب‪:‬‬
‫غنيت بمعلق الثنا و‬ ‫وليدا تعاتبتوا أنا أغنى لنني‬
‫اغتصابها‬
‫بأسياف ننتاش العدا من‬ ‫علي ونا ندفع بها كل مبضع‬
‫رقابها‬
‫علينا بأطراف القنا‬ ‫فإن كانت الملك بغت عرايس‬
‫اختضابها‬
‫و زرق كالسنة الحناش‬ ‫و ل بعدها الرهاف و ذبل‬
‫انسلبها‬
‫تسير السبايا و المطايا‬ ‫بني عمنا ما نرتضي الذل غلمه‬
‫ركابها‬
‫بل شك و الدنيا سريع‬ ‫و هي عالما بأن المنايا تنيلها‬
‫انقلبنها‬
‫و منها في وصف الظعائن‪:‬‬
‫فتوق بحوبات‬ ‫قطعنا قطوع البيد ل نختشي العدا‬
‫مخوف جنابها‬
‫وكل مهاة محتظيها‬ ‫ترى العين فيها قل لشبل عرائف‬
‫ربابها‬
‫بكل حلوب الجوف ما‬ ‫ترى أهلها غب الصباح أن يفلها‬
‫سد بابها‬
‫ورا الفاجر الممزوج عفو‬ ‫لها كل يوم في الرامي قتائل‬
‫رضابها‬
‫و من قولهم في المثال الحكمية‬
‫و صدك عمن صد‬ ‫و طلبك في الممنوع منك سفاهة‬
‫عنك صواب‬
‫ظهور المطايا يفتح‬ ‫إذا رأيت أناسا يغلقوا عنك بابهم‬
‫الله باب‬
‫و من قول شبل يذكر انتساب الكعوب إلى برجم‪:‬‬
‫جميع البرايا تشتكي من‬ ‫لشيب و شبان من أولد برجم‬
‫ضهادها‬
‫و من قول خالد يعاتب إخوانه في موالة شيخ الموحدين أبي‬
‫محمد بن تافراكين المستبد بحجابة السمملطان بتممونس علممى‬
‫سلطانها مكفولة أبي إسحاق ابن السلطان أبي يحيى و ذلك‬
‫فيما قرب من عصرنا‪:‬‬
‫مقالة قوال و قال‬ ‫يقول بل جهل فتى الجود خالد‬
‫صواب‬
‫هريجا و ل فيما يقول‬ ‫مقالة حبر ذات ذهن و لم يكن‬
‫ذهاب‬
‫و ل هرج ينقاد منه معاب‬ ‫تهجست معنا نابها ل لحاجة‬
‫حزينة فكر و الحزين‬ ‫و كنت بها كبدي و هي نعم صابة‬
‫يصاب‬
‫جرت من رجال في‬ ‫تفوهت بادي شرحها عن مآرب‬
‫القبيل قراب‬
‫بني عم منهم شايب و‬ ‫بني كعب أدنى القربين لدمنا‬
‫شباب‬
‫مصافاة ود و اتساع‬ ‫جرى عند فتح الوطن منا لبعضهم‬
‫جناب‬
‫كما يعلموا قولي بقيه‬ ‫و بعضهم ملنا له عن خصيمه‬
‫صواب‬
‫جزاعا و في جو‬ ‫و بعضهمو مرهوب من بعض ملكنا‬
‫الضمير كتاب‬
‫خواطر منها للنزيل و‬ ‫و بعضهمو جانا جريحا تسمحت‬
‫هاب‬
‫نقهناه حتى ماعنا به ساب‬ ‫و بعضهمو نظار فينا بسوة‬
‫مرارا و في بعض المرار‬ ‫رجع ينتهي مما سفهناقبيحه‬
‫يهاب‬
‫غلق عنه في أحكام‬ ‫و بعضهمو شاكي من أوغاد قادر‬
‫السقائف باب‬
‫على كره مولى‬ ‫فصمناه عنه و اقتضي منه مورد‬
‫البالقي و دياب‬
‫لهم ما حططنا‬ ‫و نحن على دافي المدى نطلب العل‬
‫للفجور نقاب‬
‫نفقنا عليها سبقا و‬ ‫و حزنا حمى وطن بترشيش بعدما‬
‫رقاب‬
‫على أحكام والي‬ ‫و مهد من الملك ما كان خارجا‬
‫أمرها له ناب‬
‫بني كعب لواها الغريم و‬ ‫بردع قروم من قروم قبيلنا‬
‫طاب‬
‫و قمنا لهم عن كل‬ ‫جرينا بهم عن كل تاليف في العدا‬
‫قيد مناب‬
‫ربيها و خيراته عليه‬ ‫إلى أن عاد من ل كان فيهم بهمة‬
‫نصاب‬
‫و لبسوا من أنواع‬ ‫و ركبوا السبايا المثمنات من أهلها‬
‫الحرير ثياب‬
‫جماهير ما يغلو بها‬ ‫و ساقوا المطايا يالشرا ل نسوا له‬
‫بجلب‬
‫ضخام لحزات‬ ‫و كسبوا من أصناف السعايا ذخائر‬
‫الزمان تصاب‬
‫و إل هلل في زمان‬ ‫و عادوا نظير البرمكيين قبل ذا‬
‫دياب‬
‫إلى أن بان من نار العدو‬ ‫و كانوا لنا درعا لكل مهمة‬
‫شهاب‬
‫ملمه و ل دار‬ ‫و خلوا الدار في جنح الظلم و ل اتقوا‬
‫الكرام عتاب‬
‫وهم لو دروا لبسوا‬ ‫كسوا الحيى جلباب البهيم لستره‬
‫قبيح جباب‬
‫ذهل حلمي إن كان عقله‬ ‫كذلك منهم حانس ما دار النبا‬
‫غاب‬
‫تمنى يكن له في السماح‬ ‫يظن ظنونا ليس نحن بأهلها‬
‫شعاب‬
‫بالثبات من ظن‬ ‫خطا هو و من واتاه في سو ظنه‬
‫القبايح عاب‬
‫وهوب للف بغير‬ ‫فوا عزوتي إن الفتى بو محمد‬
‫حساب‬
‫بروحه ما يحيى بروح‬ ‫و برحت الوغاد منه و يحسبوا‬
‫سحاب‬
‫لقوا كل ما يستاملوه‬ ‫جروا يطلبوا تحت السحاب شرائع‬
‫سراب‬
‫و ل كان في قلة‬ ‫و هو لو عطى ما كان للرأي عارف‬
‫عطاه صواب ‌‬
‫و إنه باسهام التلف‬ ‫و إن نحن ما نستاملوا عنه راحة‬
‫مصاب‬
‫عليه و يمشي‬ ‫و إن ما وطا ترشيش يضياق وسعها‬
‫بالفزوع لزاب‬
‫خنوج عناز هوالها و قباب‬ ‫و إنه منها عن قريب مفاصل‬
‫ربوا خلف أستار و‬ ‫و عن فاتنات الطرف بيض غوانج‬
‫خلف حجاب‬
‫بحسن قوانين و صوت‬ ‫يتيه إذا تاهوا و يصبوا إذا صبوا‬
‫رباب‬
‫يطارح حتى ما كأنه‬ ‫يضلوه عن عدم اليمين و ربما‬
‫شاب‬
‫و لذة مأكول و طيب‬ ‫بهم حازله زمه و طوع أوامر‬
‫شراب‬
‫من الود إل ما بدل‬ ‫حرام على ابن تافركين ما مضى‬
‫بحراب‬
‫يلجج في اليم الغريق‬ ‫و إن كان له عقل رجيح و فطنة‬
‫غراب‬
‫كبار إلى أن تبقى الرجال‬ ‫و أما البدا ل بدها من فياعل‬
‫كباب‬
‫و يحمار موصوف القنا‬ ‫‌ و يحمي بها سوق علينا سلعه‬
‫و جعاب‬
‫ندوما و ل يمسي صحيح‬ ‫و يمسي غلم طالب ريح ملكنا‬
‫بناب‬
‫غلطتوا أدمتوا في السموم‬ ‫أيا واكلين الخبز تبغوا أدامه‬
‫لباب‬
‫و من شعر علي بن عمر بن إبراهيم مممن رؤسمماء بنممي عممامر‬
‫لهذا العهد أحد بطون زغبة يعاتب بني عمه المتطمماولين إلممى‬
‫رياسته‪:‬‬
‫إذا كان في سلك الحرير‬ ‫محبرة كالدر في يد صانع‬
‫نظام‬
‫و شاء تبارك و الضعون‬ ‫أباحها منها فيه أسباب ما مضى‬
‫تسام‬
‫عصاها و ل صبنا‬ ‫غدا منه لم الحي حيين و انشطت‬
‫عليه حكام‬
‫تبرم على شوك القتاد‬ ‫و لكن ضميري يوم بان بهم إلينا‬
‫برام‬
‫و بين عواج الكانفات‬ ‫و إل كأبراص التهامي قوادح‬
‫ضرام‬
‫أتاهم بمنشار القطيع‬ ‫و إل لكان القلب في يد قابض‬
‫غشام‬
‫إذا كان ينادي‬ ‫لما قلت سما من شقا البين زارني‬
‫بالفراق و خام‬
‫بيحيى و حله و القطين‬ ‫أل يا ربوع كان بالمس عامر‬
‫لمام‬
‫دجى الليل فيهم ساهر و‬ ‫و غيد تداني للخطا في ملعب‬
‫نيام‬
‫لنا ما بدا من مهرق و‬ ‫و نعم يشوف الناظرين التحامها‬
‫كظام‬
‫و لطلق من شرب المها‬ ‫و عرود باسمها ليدعو لسربها‬
‫و نعام‬
‫ينوح على اطلل لها‬ ‫و اليوم ما فيها سوى البوم حولها‬
‫و خيام‬
‫بعين سخينا و الدموع‬ ‫وقفنا بها طورا طويل نسالها‬
‫سجام‬
‫و سقمي من‬ ‫‌ و ل صح لي منها سوى وحش خاطري‬
‫أسباب إن عرفت أوهام‬
‫سلم و من بعد‬ ‫و من بعد ذا تدى لمنصور بو علي‬
‫السلم سلم‬
‫دخلتم بحور غامقات‬ ‫و قولوا له يا بو الوفا كلح رأيكم‬
‫دهام‬
‫لها سيلت على الفضا و‬ ‫زواخر ما تنقاس بالعود إنما‬
‫أكام‬
‫و ليس البحور الطاميات‬ ‫و ل قمستمو فيها قياسا يدلكم‬
‫تعام‬
‫من الناس عدمان‬ ‫و عانوا على هلكاتهم في ورودها‬
‫العقول لئام‬
‫قرار و ل دنيا لهن دوام‬ ‫أيا عزوة ركبوا الضللة و ل لهم‬
‫مثل سراب فله ما لهن‬ ‫أل غناهمو لو ترى كيف زايهم‬
‫تمام‬
‫مواضع ماهيا لهم‬ ‫خلو القنا يبغون في مرقب العل‬
‫بمقام‬
‫و من زارها في كل‬ ‫و حق النبي و البيت و أركانه العلى‬
‫دهر و عام‬
‫يذوقون من خمط‬ ‫لبر الليالي فيه إن طالت الحيا‬
‫الكساع مدام‬
‫بكل رديني مطرب و‬ ‫و ل بزها تبقى البوادي عواكف‬
‫حسام‬
‫عليها من أولد الكرام‬ ‫و كل مسافة كالسد إياه عابر‬
‫غلم‬
‫يظل يصارع في العنان‬ ‫و كل كميت يكتعص عض نابه‬
‫لجام‬
‫و تولدنا من كل ضيق‬ ‫و تحمل بنا الرض العقيمة مدة‬
‫كظام‬
‫لها وقت و جنات‬ ‫بالبطال و القود الهجان و بالقنا‬
‫البدور زحام‬
‫وفي سن رمحي للحروب‬ ‫أتجحدني و أنا عقيد نقودها‬
‫علم‬
‫حتى يقاضوا من‬ ‫و نحن كاضراس الموافي بنجعكم‬
‫ديون غرام‬
‫يلقى سعايا‬ ‫متى كان يوم القحط يا مير أبو علي‬
‫صايرين قدام‬
‫و خلى الجياد العاليات‬ ‫كذلك بو حمو إلى اليسر ابعته‬
‫تسام‬
‫و ل يجمعوا بدهى‬ ‫و خل رجال ل يرى الضيم جارهم‬
‫العدو زفام‬
‫و هم عذر عنه دائما و دوام‬ ‫أل يقيموها و عقد بؤسهم‬
‫ما بين صحاصيح و ما‬ ‫و كم ثار طعنها على البدو سابق‬
‫بين حسام‬
‫لنا أرض ترك‬ ‫فتى ثار قطار الصوى يومنا على‬
‫الظاعنين زمام‬
‫حليف الثنا قشاع كل‬ ‫و كم ذا يجيبوا أثرها من غنيمة‬
‫غيام‬
‫غدا طبعه يجدى عليه‬ ‫و إن جاء خافوه الملوك و وسعوا‬
‫قيام‬
‫ما غنت الورقا و ناح‬ ‫عليكم سلم الله من لسن فاهم‬
‫حمام‬
‫و من شعر عممرب نمممر بنممواحي حمموران لمممرأة قتممل زوجهمما‬
‫فبعثت إلى أحلفه من قيس تغريهم بطلب ثأره تقول‪:‬‬
‫بعين أراع الله من ل رثى لها‬ ‫تقول فتاة الحي أم سلمه‬
‫موجعة كان الشقا في‬ ‫تبيت بطول الليل ما تألف الكرى‬
‫مجالها‬
‫بلحظة عين البين‬ ‫على ما جرى في دارها و بو عيالها‬
‫غير حالها‬
‫و نمتوا عن أخذ الثار‬ ‫فقدنا شهاب الدين يا قيس كلكم‬
‫ماذا مقالها‬
‫و يبرد من نيران قلبي‬ ‫أنا قلت إذا ورد الكتاب يسرني‬
‫ذبالها ‌‬
‫و بيض العذارى ما‬ ‫أيا حين تسريح الذوائب و اللحى‬
‫حميتو جمالها‬
‫الموشحات و الزجال للندلس‬
‫و أما أهل الندلس فلما كممثر الشممعر فممي قطرهممم و تهممذبت‬
‫مناحيه و فنونه و بلغ التنميق فيه الغاية استحدث المتممأخرون‬
‫منهم فنا منه سموه بالموشممح ينظمممونه أسممماطا أسممماطا و‬
‫أغصممانا أغصممانا يكممثرون مممن أعاريضمما المختلفممة‪ .‬و يسمممون‬
‫المتعدد منها بيتا واحدا و يلتزمون عند قوافي تلك الغصان و‬
‫أوزانها متتاليا فيما بعممد إلممى آخممر القطعممة و أكممثر ممما تنتهممى‬
‫عندهم إلى سمبعة أبيمات‪ .‬و يشمتمل كمل بيمت علمى أغصمان‬
‫عممددها بحسممب الغممراض و المممذاهب و ينسممبون فيهمما و‬
‫يمدحون كما يفعل في القصائد‪ .‬و تجاروا في ذلك إلى الغاية‬
‫و استظرفة الناس جملة الخاصممة والكافممة لسممهولة تنمماوله و‬
‫قرب طريقه‪ .‬و كان المخترع لها بجزيرة الندلس مقممدم بممن‬
‫معممافرالفريري مممن شممعراء الميممر عبممد اللممه بممن محمممد‬
‫المرواني‪ .‬و أخذ ذلك عنه أبو عبممد اللممه أحمممد بممن عبممد ربممه‬
‫صاحب كتاب العقد و لممم يظهممر لهممما مممع المتممأخرين ذكممر و‬
‫كسدت موشحاتهما‪ .‬فكان أول من برع في هذا الشأن عبادة‬
‫القزاز شاعر المعتصم بن صمادح صاحب المرية‪ .‬و قممد ذكممر‬
‫العلم البطليوسي أنممه سمممع أبمما بكممر بممن زهيممر يقممول‪ :‬كممل‬
‫الوشاحين عيال على عبادة القزاز فيما أتفق له من قوله‪:‬‬
‫غصن نقا‪ .‬مسك شم‬ ‫بدر تم‪ .‬شمس ضحا‬
‫ما أورقا‪ .‬ما أنم‬ ‫ما أتم‪ .‬ما أوضحا‬
‫قد عشقا‪ .‬قد حرم‬ ‫ل جرم‪ .‬من لمحا‬
‫و زعموا أنة لم يسبقه وشاح من معاصريه الممذين كممانوا فممي‬
‫زمن الطوائف‪ .‬و ذكر غير واحممد مممن المشممايخ أن أهممل هممذا‬
‫الشأن بالندلس يذكرون أن جماعة من الوشمماحين اجتمعمموا‬
‫في مجلس بأشبيلية و كان كل واحد منهم اصطنع موشحة و‬
‫تممأنق فيهمما فتقممدم العمممى الطليطلممي للنشمماد فلممما افتتممح‬
‫موشحته المشهورة بقوله‪:‬‬
‫ضاق عنه الزمان‪ .‬و‬ ‫ضاحك عن جمان‪ .‬سافرعن در‬
‫حواه صدري‬
‫صممرف ابممن بقممي موشممحته و تبعممه البمماقون‪ .‬و ذكممر العلممم‬
‫البطليوسي أنه سمع ابن زهر يقول‪ :‬ما حسدت قممط وشمماحا‬
‫على قول إل ابن بقي حين وقع له‪:‬‬
‫أطلعه الغرب‪.‬‬ ‫أما ترى أحمد‪ .‬في مجده العالي ل يلحق‬
‫فأرنا مثله يا مشرق‬
‫و كممان فمي عصمرهما مممن الموشمحين المطبموعين أبمو بكممر‬
‫البيض‪ .‬و كان في عصرهما أيضا الحكيممم أبممو بكممر بممن باجممة‬
‫صاحب التلحين المعروفممة و مممن الحكايممات المشممهورة أنممه‬
‫حضممر مجلممس مخممدومه ابممن تيفلممويت صمماحب سرقسممطة‬
‫فألقى على بعض قيناته موشحته التي أولها‪:‬‬
‫وصل الشكر منك بالشكر‬ ‫جرر الذيل أيما جر‬
‫فطرب الممدوح لذلك لما ختمها بقوله‪:‬‬
‫لمير العل أبي بكر‬ ‫عقد الله راية النصر‬
‫فلما طرق ذلك التلحين سمع ابن تيفلويت صمماح‪ :‬و اطربمماه‪:‬‬
‫و شق ثيممابه و قممال‪ :‬ممما أحسممن ممما بمدأت و ختمممت و حلممف‬
‫باليمممان المغلظممة ل يمشممي ابممن باجممة إلممى داره إل علممى‬
‫الذهب‪ .‬فخاف الحكيم سوء العاقبة فاحتممال بممأن جعممل ذهبمما‬
‫في نعله و مشى عليه‪ .‬و ذكر أبو الخطاب بن زهر أنه جممرى‬
‫في مجلس أبي بكر ابن زهير ذكر أبي بكممر البيممض الوشمماح‬
‫المتقدم الذكر فغص منه نعض الحاضرين فقممال كيممف تغممص‬
‫ممن يقول‪:‬‬
‫لول هضيم‬ ‫ما لذي شراب راح على رياض القاح‬
‫الوشاح إذا أسا في الصباح‬
‫ما للشمول لطمت خدي ؟‬ ‫أو في الصيل أضحى يقول‪:‬‬
‫غصن اعتدال ضمه بردي‬ ‫و للشمال هبت فمال‬
‫يا لحظة رد نوبا و يا‬ ‫مما أباد القلوبا يمشي لنا مستريبا‬
‫لماه الشنيبا‬
‫ل يستحيل فيه عن عهدي‬ ‫برد غليل صب عليل‬
‫يرجو الوصال و هو في الصد‬ ‫و ل يزال في كل حال‬
‫و اشتهر بعد هؤلء في صدر دولة الموحدين محمممد بممن أبممى‬
‫الفضل بن شرف‪ .‬قال الحسممن بممن دويممدة‪ :‬رأيمت حماتم بممن‬
‫سعيد على هذا الفتتاح‪:‬‬
‫و نديم‬ ‫شمس قاربت بدرا راح‬
‫و ابن بهرودس الذي له‪:‬‬
‫بالله عودي‬ ‫يا ليلة الوصل و السعود‬
‫و ا بن مؤهل الذي له‪:‬‬
‫و إنما العيد‬ ‫ما العيد في حلة و طاق‪ .‬و شم و طيب‪.‬‬
‫في التلقي‪ .‬مع الحبيب‪.‬‬
‫و أبو إسحاق الرويني قممال ابممن سممعيد‪ :‬سمممعت أبمما الحسممن‬
‫سهل بن مالك يقول‪ :‬إنه دخل على ابن زهيممر و قممد أسممن و‬
‫عليممه زي الباديممة إذ كممان يسممكن بحصممن سممبتة فلممم يعرفممة‬
‫فجلس حيث انتهى به المجلس‪ .‬و جممرت المحاضممرة فانشممد‬
‫لنفسه موشحة وقع فيها‪:‬‬
‫الفجر على الصباح‬ ‫كحل الدجى يجري من مقلة‬
‫خضر من البطاح‬ ‫و معصم النهر في حلل‬
‫فتحرك ابن زهير و قال أنت تقول هذا ؟ قال‪ :‬اختممبر ! قممال‪:‬‬
‫و من تكون فعرفة‪ ،‬فقال ارتفع فوالله ما عرفتممك‪ ،‬قممال ابممن‬
‫سعيد و سابق الحلبة الذي أدرك هؤلء أبو بكر بن زهير و قد‬
‫شرقت موشحاته و غربت‪ ،‬قال‪ :‬و سمعت أبا الحسن سممهل‬
‫بن مالك يقول قيل لبن زهير لو قيل لك ما أبدع و أرفممع ممما‬
‫وقع لك في التوشيح قال كنت أقول‪:‬‬
‫ما للموله من سكره ل يفيق‪ .‬يا له سكران‪ .‬من غير خمر‪ .‬ما‬
‫للكئيب المشوق‪ .‬يندب الوطان‪.‬‬
‫بالخليج‪ .‬و ليالينا‬ ‫هل تستعاد‪ .‬أيامنا‬
‫الريج‪ .‬مسك دارينا‬ ‫أو نستفاد‪ .‬من النسيم‬
‫البهيج‪ .‬أن يحيينا ؟‬ ‫أو هل يكاد‪ .‬حسن المكان‬
‫روض أظله‪ .‬دوح عليه أنيق‪ .‬مورق الفنان‪ .‬و الماء يجري‪ .‬و‬
‫عائم و غريق‪ .‬من جنى الريحان‬
‫و اشتهر بعده ابن حيون الذي له من الزجل المشهور قوله‪:‬‬
‫بما شئت من يد و عين‬ ‫يفوق سهمه كل حين‬
‫و ينشد في القصيد‪:‬‬
‫فليس تخل ساع من قتال‬ ‫خلقت مليح علمت رامي‬
‫ما تعمل يدي بالنبال‬ ‫و تعمل بذي العينين متاعي‬
‫و اشتهر معهما يومئذ بغرناطة المهر بممن الفممرس‪ ،‬قممال ابممن‬
‫سعيد‪ ،‬و لما سمع ابن زهر قوله‪:‬‬
‫بنهر حمص على تلك المروج‬ ‫لله ما كان من يوم بهيج‬
‫نفض في حانه مسك الختام‬ ‫ثم انعطفنا على فم الخليج‬
‫و رداء الصيل ضمه كف‬ ‫عن عسجد زانه صافي المدام‬
‫الظلم‬
‫قال ابن زهر‪ :‬أين كنا نحن عن هممذا الممرداء و كممان معممه فممي‬
‫بلده مطرف‪ .‬أخبر ابن سعيد عن والده أن مطرفا هذا دخممل‬
‫على ابن الفرس فقام له و أكرمممه‪ ،‬فقممال‪ :‬ل تفغممل ! فقممال‬
‫ابن الفرس‪ :‬كيف ل أقوم لمن يقول‪:‬‬
‫فقل كيف تبقى بل وجد‬ ‫قلوب تصاب بألحاظ تصيب‬
‫و بعد هذا ابن خزمون بمرسية‪ .‬ذكممر ابممن الممرائس أن يحيممى‬
‫الخزرجي دخل عليه فممي مجلسممه فأنشممده موشممحة لنفسممه‬
‫فقال له ابن حزمون‪ :‬ل يكون الموشممح بموشممح حممتى يكممون‬
‫عاريا غممن التكلممف‪ ،‬قممال علممى مثممل ممماذا ؟ قممال علممى مثممل‬
‫قولي‪:‬‬
‫منك سبيل‬ ‫يا هاجري هل إلى الوصال‬
‫قلب العليل‬ ‫أو هل ترى عن هواك سالي‬
‫و أبو الحسن سهل بن مالك بغرناطة‪ .‬قممال ابممن سممعيد كممان‬
‫والدي يعجب بقوله‪:‬‬
‫عاد بحرا في أجمع الفق‬ ‫إن سيل الصباح في الشرق‬
‫فتداعت نوادب الورق‬
‫فبكت سحرة على الورق‬ ‫أتراها خافت من الغرق‬
‫و اشتهر بأشبيلية لذلك العهد أبممو الحسممن بممن الفضممل‪ ،‬قممال‬
‫ابن سعيد عن والده‪ ،‬سمعت سهل ابممن مالممك يقممول‪ :‬لممه يمما‬
‫ابن الفضل لك على الوشاحين الفضل بقولك‪:‬‬
‫عشية بأن الهوى و انقضى‬ ‫واحسرتا لزمان مضى‬
‫و بت على جمرات الغضى‬ ‫و أفردت بالرغم ل بالرضى‬
‫و ألثم بالوهم تلك الرسوم‬ ‫أعانق بالفكر تلك الطلول‬
‫قال و سمعت أبا بكر بن الصابوني ينشد الستاذ أبمما الحسممن‬
‫الدباج موشحاته غير ما مرة‪ ،‬فما شنمعتة يقول له لله درك‪،‬‬
‫إل في قوله‪:‬‬
‫ما لليل المشوق من فجر‬ ‫قسما بالهوى لذي حجر‬
‫جمد الصبح ليس يطرد ما لليلي فيما أظن غد إصح ياليل‬
‫إنك البد‬
‫فنجوم السماء ل تسري‬ ‫أو قفصت قوادم النسر‬
‫و من محاسن موشحات ابن الصابوني قوله‪:‬‬
‫أمرضة يا ويلتاه‬ ‫ما حال صب ذي ضنى و اكتئاب‬
‫الطبيب‬
‫ثم اقتدى فيه الكرى بالحبيب‬ ‫عامله محبوبه باجتناب‬
‫لم أبكه أل لفقد الخيال‬ ‫جفا جفوني النوم لكنني‬
‫منه كما شاء و شاء‬ ‫و ذا الوصال اليوم قد غرني‬
‫الوصال‬
‫بصورة الحق و ل بالمحال‬ ‫فلست باللئم من صدني‬
‫و اشممتهر بممبر أهممل العممدوة ابممن خلممف الجممزائري صمماحب‬
‫الموشحة المشهورة‪:‬‬
‫يد الصباح قدحت زناد النوار في مجامز الزهر‬
‫و ابن خرز البجائي و له من موشحة‪:‬‬
‫حباك منه بابتسام‬ ‫ثغر الزمان موافق‬
‫و مممن محاسممن الموشممحات للمتممأخرين موشممحة ابممن سممهل‬
‫شاعر أشبيلية و سبتة من بعدها فمنها قوله‪:‬‬
‫قلب صب حله عن‬ ‫هل درى ظبي الحمى أن قد حمى‬
‫مكنس‬
‫لعبت ريح الصبا بالقبس‬ ‫فهو في نار و خفق مثل ما‬
‫و قد نسج على منواله فيها صاحبنا الوزير أبو عبممد اللممه ابممن‬
‫الخطيب شاعر الندلس و المغرب لعصممره و قممد مممر ذكممره‬
‫فقال‪:‬‬
‫يا زمان الوصل بالندلس‬ ‫جادك الغيث إذا الغيث همى‬
‫في الكرى أو خلسة المختلس‬ ‫لم يكن وصلك إل حلما‬
‫ينقل الخطو على ما يرسم‬ ‫إذ يقود الدهر أشتات المنى‬
‫مثل ما يدعو الوفود الموسم‬ ‫زمرا بين فرادى و ثنا‬
‫فثغور الزهر فيه تبسم‬ ‫و الحيا قد جلل الروض سنى‬
‫كيف يروي مالك عن‬ ‫و روى النعمان عن ماء السما‬
‫أنس‬
‫يزذهي منه بأبهى ملبس‬ ‫فكساه الحسن ثوبا معلما‬
‫بالدجى لو ل شموس الغرر‬ ‫في ليال كتمت سر الهوى‬
‫مستقيم السير سعد الثر‬ ‫مال نجم الكأس فيها و هوى‬
‫أنه مر كلمح البصر‬ ‫وطر ما فيه من غيب سوى‬
‫هجم الصبح هجوم الحرس‬ ‫حين لذ النوم منا أو كما‬
‫أثرت فينا عيون النرجس‬ ‫غارت الشهب بنا أو ربما‬
‫فيكون الروض قد مكن فيه‬ ‫أي شيء لمرئ قد خلصا‬
‫أمنت من مكره ما تتقيه‬ ‫تنهب الزهار فيه الفرصا‬
‫و خل كل خليل بأخيه‬ ‫فإذا الماء يناجي و الحصا‬
‫يكتسي من غيظيه ما يكتسي‬ ‫تبصر الورد غيورا برما‬
‫يسرق الدمع بأذني فرس‬ ‫و ترى الس لبيبا فهما‬
‫و بقلبي مسكن أنتم به‬ ‫يا أهيل الحي من وادي الغضا‬
‫ل أبالي شرقه من‬ ‫ضاق عن وجدي بكم رحب الفضا‬
‫غربه‬
‫تنقذوا عانيكم من كربه‬ ‫فأعيدوا عهد أنس قد مضى‬
‫يتلشى نفسا في نفس‬ ‫و اتقوا الله احيوا مغرما‬
‫أفترضون خراب الحبس‬ ‫حبس القلب عليكم كرما‬
‫بأحاديث المنى و هو بعيد‬ ‫و بقلبي منكم مقترب‬
‫شقوة المغرى به و هو سعيد‬ ‫قمر أطلع منه المغرب‬
‫في هواه بين وعد و وعيد‬ ‫قد تساوي محسن أو مذنب‬
‫جال في النفس مجال‬ ‫ساحر المقلة معسول اللمى‬
‫النفس‬
‫بفؤادي نبلة المفترس‬ ‫سدد السهم فأصمى إذ رمى‬
‫و فؤاد الصب بالشوق يذوب‬ ‫إن يكن جار و خاب المل‬
‫ليس في الحب لمحبوب ذنوب‬ ‫فهو للنفس حبيب أول‬
‫في ضلوع قد براها و قلوب‬ ‫أمره معتمل ممتثل‬
‫لم يراقب في ضعاف النفس‬ ‫حكم اللحظ بها فاحتكما‬
‫و يجازي البر منها و المسي‬ ‫ينصف المظلوم ممن ظلما‬
‫عادة عيد من الشوق جديد ؟‬ ‫ما لقلبي كلما هبت صبا‬
‫قوله إن عذابي لشديد‬ ‫كان في اللوح له مكتتبا‬
‫فهو للشجان في جهد جهيد‬ ‫جلب الهم له و الوصبا‬
‫فهي نار في هشيم اليبس‬ ‫لعج في أضلعي قد أضرما‬
‫كبقاء ألصبح بعد الغلس‬ ‫لم يدع من مهجتي إل الدما‬
‫و اعتبري الوقت برجعى‬ ‫سلمي يا نفس في حكم القضا‬
‫و متاب‬
‫بين عتبى قد تقضت و‬ ‫و اتركي ذكرى زمان قد مضى‬
‫عتاب‬
‫ملهم التوفيق في‬ ‫و اصرفي القول إلى المولى الرضى‬
‫أم الكتاب‬
‫أسد السرج و بدر المجلس‬ ‫الكريم المنتهى و المنتمى‬
‫ينزل الوحي يروح القدس‬ ‫ينزل النصر عليه مثلما‬
‫و أممما المشممارقة فممالتكلف ظمماهر علممى ممما عممانوه مممن‬
‫الموشحات‪ .‬و من أحسن ما وقع لهم في ذلك موشممحة ابممن‬
‫سناء الملك التي اشتهرت شرقا و غربا و أولها‪:‬‬
‫عن العذار‬ ‫حبيبي ارفع حجاب النور‬
‫في جلنار‬ ‫تنظر المسك على كافور‬
‫بالحلى و اجعلي‬ ‫كللي يا سحب تيجان الربى‬
‫سوارها منعطف الجدول‬
‫و لما شاع فن التوشيح في أهل الندلس‪ ،‬و أخذ به الجمهور‪.‬‬
‫لسلسته و تنميق كلمه و ترصيع أجزائه‪ ،‬نسجت العامة مممن‬
‫أهممل المصممار علممى منممواله‪ .‬و نظممموا فممي طريقتممه بلغتهممم‬
‫الحضرية من غيممر أن يلممتزموا فيهمما إعرابمًا‪ .‬و اسممتحدثوا فنمما‬
‫سممموه يالزجممل‪ ،‬و الممتزموا النظممم فيممه علممى منمماحيهم لهممذا‬
‫العهد‪ ،‬فجاءوا فيه بالغرائب و اتسع فيه للبلغة مجال بحسب‬
‫لغتهم المستعجمة‪.‬‬
‫و أول مممن أبممدع فممي هممذه الطريقممة‪ .‬الزجليممة أبممو بكممر بممن‬
‫قزمممان‪ .‬و إن كممانت قيلممت قبلممه بالنممدلس‪ ،‬لكممن لممم يظهممر‬
‫حلهمما‪ ،‬و ل انسممبكت معانيهمما و اشممتهرت رشمماقتها إل فممي‬
‫زمممانه‪ .‬و كممان لعهممد الملثميممن‪ ،‬و هممو إمممام الزجممالين علممى‬
‫الطلق‪ .‬قال ابن سعيد‪ :‬و رأيت أزجمماله مرويممة ببغممداد أكممثر‬
‫مما رأيتها بحواضر المغرب‪ .‬قال‪ :‬و سمعت أبمما الحسممن بممن‬
‫جحدر الشبيلي‪ ،‬إمام الزجالين في عصرنا يقول‪:‬‬
‫ما وقع لحد من أئمة هذا الشأن مثممل ممما وقممع لبممن قزمممان‬
‫شمميخ الصممناعة‪ ،‬و قممد خممرج إلممى منممتزه مممع بعممض أصممحابه‪،‬‬
‫فجلسوا تحت عريش و أمامهم تمثال أسد مممن رخممام يصممب‬
‫الماء من فيه على صفائح من الحجر متدرجة فقال‪:‬‬
‫بحال رواق‬ ‫و عريش قد قام على دكان‬
‫من غلظ ساق‬ ‫و أسد قد ابتلع ثعبان‬
‫بيه الفراق‬ ‫و فتح فمه بحال إنسان‬
‫و ألقى الصياح‬ ‫و انطلق من ثم على الصفاح‬
‫و كان ابن قزمان‪ ،‬مع أنه قرطبي الدار‪ .‬كثيرا ما يممتردد إلممى‬
‫إشبيلية و نيتاب نهرها‪ ،‬فاتفق أن اجتمع ذات يوم جماعة من‬
‫أعلم هذا الشأن‪ .‬و قد ركبوا في النهر للنزهة‪ .‬و معهممم غلم‬
‫جميممل الصممورة مممن سممروات أهممل البلممد و بيمموتهم‪ .‬و كممانوا‬
‫مجتمعين في زورق للصيد‪ ،‬فنظموا في وصف الحممال‪ ،‬و بممدأ‬
‫منهم عيسى البليدي فقال‪:‬‬
‫و قد ضمني عشقو‬ ‫يطمع بالخلص قلبي و قد فاتو‬
‫لشهماتو‬
‫يغلق و كذاك أمر عظيم‬ ‫تراه قد حصل مسكين محلتو‬
‫صاباتو‬
‫وذيك الجفون الكحل‬ ‫توحش الجفون الكحل إن غابو‬
‫أبلتو‬
‫ثم قال أبو عمرو بن الزاهر الشبيلي‪:‬‬
‫ترى ايش دعاه يشقى‬ ‫نشب و الهوى من لج فيه ينشب‬
‫و يتعذب‬
‫و خلق كثير من ذا‬ ‫مع العشق قام في بالوان يلعب‬
‫اللعب ماتوا‬
‫ثم قال أبو الحسن المقري الداني‪:‬‬
‫شراب و ملح من حولي قد‬ ‫نهار مليح يعجبن أوصافو‬
‫طافوا ‌‬
‫و البوري أخرى‬ ‫و المقلين يقول من فوق صفصافو‬
‫فقلتو‬
‫ثم قال أبو بكر بن مرتين‪:‬‬
‫في الواد النزيه و البوري و‬ ‫الحق تريد حديث بقالي عاد‬
‫الصياد‬
‫قلوب الورى هي في‬ ‫لسنا حيتان ذيك الذي يصطاد‬
‫شبيكاتو‬
‫ثم قال أبو بكر بن قزقان‪:‬‬
‫ترى البوري يرشق لذاك الجيها‬ ‫إذا شمر كمامو يرميها‬
‫إل أن يقبل بدياتو‬ ‫و ليس مرادو أن يقع فيها‬
‫و كان فممي عصممرهم يشممرق النممدلس محلممف السممود‪ ،‬و لممه‬
‫محاسن من الزجل منها قوله‪:‬‬
‫و ردني ذا العشق‬ ‫قد كنت منشوب و اختشيت النشب‬
‫لمر صعب‬
‫تنتهي في الخمر إلما‬ ‫حتى تنظر الخد الشريق البهي‬
‫تنتهي‬
‫تنظر بها الفضة و ترجع‬ ‫يا طالب الكيميا في عيني هي‬
‫ذهب‬
‫و جمماءت‪ .‬بعممدهم حلبممة كممان سممابقها مممدغليس‪ ،‬وقعممت لممه‬
‫العجائب في هذه الطريقة‪ ،‬فمن قوله في زجله المشهور‪:‬‬
‫و شعاع الشمس يضرب‬ ‫و رذاذ دق ينزل‬
‫و ترى الخر يذهب‬ ‫فترى الواحد يفضض‬
‫و الغصون ترقص و تطرب‬ ‫و النبات يشرب و يسكر‬
‫ثم تستحي و تهرب‬ ‫و تريد تجي إلينا‬
‫و من محاسن أزجاله قوله‪:‬‬
‫فقم بنا ننزع الكسل‬ ‫لح الضيا و النجوم حيارى‬
‫أحلى هي عندي من العسل‬ ‫شربت ممزوج من قراعا‬
‫قلدك الله بما تقول‬ ‫يا من يلمني كما تقلد‬
‫و أنه يفسد العقول‬ ‫يقول بان الذنوب تولد‬
‫ايش ما ساقك معي‬ ‫لرض الحجاز موريكن لك أرشد‬
‫في ذا الفضول‬
‫و دعني في الشرب منهمل‬ ‫مر أنت للحج و الزيارا‬
‫النية أبلغ من العمل‬ ‫من ليس لو قدره و ل استطاع‬
‫و ظهممر بعممد هممؤلء بأشممبيلية ابممن جحممدر الممذي فضممل علممى‬
‫الزجالين في فتح ميورقة بالزجل الذي أوله هذا‪:‬‬
‫أنا بري ممن يعاند‬ ‫من عاند التوحيد بالسيف يمحق‬
‫الحق‬
‫قال ابن سعيد لقيتة و لقيت تلميذة المعمممع صمماحب الزجممل‬
‫المشهور الذي أوله‪:‬‬
‫أفتل اذنو بالرسيل‬ ‫يا ليتني ان رأيت حبيبي‬
‫و سرق فم الحجيل‬ ‫ليش أخذ عنق الغزيل‬
‫ثم جاء من بعدهم أبو الحسن سهل بن مالك إمام الدب‪ ،‬ثم‬
‫من بعدهم لهممذه العصممور صمماحبنا المموزير أبممو عبممد اللممه بممن‬
‫الخطيب إمام النظم و النثر في الملة السلمية غير مممدافع‪،‬‬
‫فمن محاسنه في هذه الطريقة‪:‬‬
‫ما خلق المال إل أن يبدد‬ ‫امزج الكواس و امللي تجدد‬
‫و من قوله على طريقة الصمموفية و ينحممو منحممى الششممتري‬
‫منهم‪:‬‬
‫اختلطت الغزول‬ ‫بين طلوع و بين نزول‬
‫و بقي من لم يزول‬ ‫و مضى من لم يكن‬
‫و من محاسنه أيضا قوله في ذلك المعنى‪:‬‬
‫و حين حصل لي قربك‬ ‫البعد عنك يا بني أعظم مصايبي‬
‫سببت قاربي‬
‫و كان لعصر الوزير ابن الخطيممب بالنممدلس محمممد بممن عبممد‬
‫العظيم من أهل وادي آش‪ ،‬و كان إماما في هذه الطريقممة و‬
‫له من زجل يعارض به مدغليس في قوله‪:‬‬
‫لح الضياء و النجوم حيارى بقوله‪:‬‬
‫مذ حلت الشمس في‬ ‫حل المجون يا أهل الشطارا‬
‫الحمل‬
‫ل تجعلوا بينها ثمل‬ ‫تجددوا كل يوم خلعا‬
‫على خضورة ذاك النبات‬ ‫إليها يتخلعوا في شنبل‬
‫أحسن عندي من ذيك‬ ‫و حل بغداد و اجتياز النيل‬
‫الجهات‬
‫ان مرت الريح عليه و‬ ‫و طاقتها أصلح من أربعين ميل‬
‫جات‬
‫و ل بمقدار ما يكتحل‬ ‫لم تلتق الغبار امارا‬
‫إل و نسرح فيه النحل‬ ‫و كيف ولش فيه موضع رقاعا‬
‫و هذه الطريقة الزجلية لهذا العهد هي فن العامممة بالنممدلس‬
‫من الشعر‪ .‬و فيها نظمهم حتى أنهم لينظمون بها فممي سممائر‬
‫البحور الخمسة عشر‪ ،‬لكن بلغتهم العامية و يسمونه الشممعر‬
‫الزجلي مثل قول شاعرهم‪:‬‬
‫و أنت ل شفقة و ل‬ ‫دهر لي نعشق جفونك و سنين‬
‫قلب يلين‬
‫صنعة السكة بين‬ ‫حتى ترى قلبي من أجلك كيف رجع‬
‫الحدادين‬
‫و المطارق من شمال و‬ ‫الدموع ترشرش و النار تلتهب‬
‫من يمين‬
‫و أنت تغزو قلوب العاشقين‬ ‫خلق الله النصارى للغزو‬
‫و كان من المجيدين لهذه الطريقة لول هممذه المممائة الديممب‬
‫أبو عبد الله اللوشي و له فيها قصيدة يمممدح فيهمما السمملطان‬
‫ابن الحمر‪:‬‬
‫و نضحكو من بعدما‬ ‫طل الصباح قم يا نديمي نشربو‬
‫نطربو‬
‫في ميلق الليل فقم قلبو‬ ‫سبيكة الفجر أحكت شفق‬
‫فضة هو لكن الشفق‬ ‫ترى عيارها خالص أبيض نقي‬
‫ذهبو‬
‫نور الجفون من نورها يكسبو‬ ‫فتنتفق سكتوا عند البشر‬
‫عيش الغني فيه بالله ما‬ ‫فهو النهار يا صاحبي للمعاش‬
‫أطيبو‬
‫على سرير الوصل يتقلبو ‌‬ ‫والليل أيضا للقبل و العناق‬
‫ولش ليفلت من يديه‬ ‫جاد الزمان من بعدما كان بخيل‬
‫عقربو‬
‫يشرب بيننو و ياكل طيبو‬ ‫كما جرع مرو فما قد مضى‬
‫في الشرب و العشق ترى‬ ‫قال الرقيب يا أدبا إيش ذا‬
‫ننجبو‬
‫فقلت يا قوم من ذا‬ ‫و تعجبوا عذالي من ذا الخبر‬
‫تتعجبوا‬
‫علش تكفروا بالله أو‬ ‫نعشق مليح ال رقيق الطباع‬
‫تكتبوا‬
‫يفض بكرو و يدع ثيبو‬ ‫ليش يربح الحسن إل شاعر أديب‬
‫على الذي ما يدري‬ ‫أما الكاس فحرام نعم هو حرام‬
‫كيف يشربو‬
‫يقدر يحسن الفاظ أن‬ ‫و يد الذي يحسن حسابه و لم‬
‫يجلبوا‬
‫يغفر ذنوبهم لهذا إن‬ ‫و أهل العقل و الفكر و المجون‬
‫أذنبوا‬
‫و قلبي في جمر الغضى‬ ‫ظبي بهي فيها يطفي الجمر‬
‫يلهبو‬
‫و بالوهم قبل النظر‬ ‫غزال بهي ينظر قلوب السود‬
‫يذهبوا‬
‫و يفرحوا من بعدما يندبوا‬ ‫ثم يحييهم إذا ابتسم يضحكوا‬
‫خطيب المة للقبل يخطبو‬ ‫فميم كالخاتم و ثغر نقي‬
‫قد صففه الناظم و لم‬ ‫جوهر و مرجان أي عقد يا فلن‬
‫يثقبو‬
‫من شبهه بالمسك قد‬ ‫و شارب أخضر يريد لش يريد‬
‫عيبو‬
‫ليالي هجري منه‬ ‫يسبل دلل مثل جناح الغراب‬
‫يستغربوا‬
‫ما قط راعي للغنم يحلبوا‬ ‫على بدن أبيض بلون الحليب‬
‫ديك الصليا ريت ما أصلبو‬ ‫و زوج هندات ما علمت قبلها‬
‫من رقتو يخفي إذا‬ ‫تحت العكاكن منها خصر رقيق‬
‫تطلبوا‬
‫جديد عتبك حق ما أكذبو‬ ‫أرق هو من ديني فيما تقول‬
‫من يتبعك من ذا و ذا‬ ‫أي دين بقا لي معاك و أي عقل‬
‫تسلبوا‬
‫جين ينظر العاشق و حين‬ ‫تحمل ارداف ثقال كالرقيب‬
‫يرقبو‬
‫في طرف ديسا و البشر‬ ‫ان لم ينفس عدر أو ينقشع‬
‫تطلبو‬
‫و حين تغيب ترجع في‬ ‫يصير إليك المكان حين تجي‬
‫عيني تبو‬
‫أو الرمل من هو الذي‬ ‫محاسنك مثل خصال المير‬
‫يحسبو‬
‫من فصاحة لفظه يتقربو‬ ‫عماد المصار و فصيح العرب‬
‫و مع بديع الشعر ما أكتبو‬ ‫بحمل العلم انفرد و العمل‬
‫و في الرقاب بالسيف ما‬ ‫ففي الصدور بالرمح ما أطعنه‬
‫أضربو‬
‫فمن يعد قلبي أو‬ ‫من السماء يحسد في أربع صفات‬
‫يحسبو‬
‫الغيث جودو و النجوم‬ ‫الشمس نورو و القمر همتو‬
‫منصبو‬
‫الغنيا و الجند حين‬ ‫يركب جواد الجود و يطلق عنان‬
‫يركبوا‬
‫منه بنات المعالي‬ ‫من خلعتو يلبس كل يوم بطيب‬
‫تطيبوا‬
‫قاصد و وارد قط ما‬ ‫نعمتو تظهر على كل من يجيه‬
‫خيبوا‬
‫لش يقدر الباطل‬ ‫قد أظهر الحق و كان في حجاب‬
‫بعدما يحجبو‬
‫من بعد ما كان الزمان‬ ‫و قد بنى بالسر ركن التقى‬
‫خربو‬
‫فمع سماحة وجهو ما‬ ‫تخاف حين تلقاه كما ترتجيه‬
‫أسيبو‬
‫غلب هو ل شي في‬ ‫يلقى الحروب ضاحكا و هي عابسة‬
‫الدنيا يغلبو‬
‫فليس شيء يغني من‬ ‫إذا جبد سيفه ما بين الردود‬
‫يضربو‬
‫للسلطنة اختار و استنخبو‬ ‫و هو سمي المصطفى و الله‬
‫يقود جيوشو و يزين موكبو‬ ‫تراه خليفة أمير المؤمنين‬
‫نعم و في تقبيل يديه‬ ‫لذي المارة تخضع الرؤوس‬
‫يرغبوا‬
‫يطلعوا في المجد و ل يغربوا‬ ‫ببيته بقى بدور الزمان‬
‫و في التواضع و الحيا‬ ‫و في المعالي و الشرف يبعدوا‬
‫يقربوا‬
‫و أشرقت شمسه و لح‬ ‫و الله يبقيهم ما دار الفلك‬
‫كوكبو‬
‫يا شمس خدر مالها‬ ‫و ما يغني ذا القصيد في عروض‬
‫مغربو‬
‫ثم استحدث أهل المصار بالمغرب فنا ً آخر من الشممعر‪ ،‬فممي‬
‫أعاريض مزدوجة موشح‪ ،‬نظموا فيه بلغتهم الحضرية أيضمما و‬
‫سموه عروض البلد‪ ،‬و كان أول مممن حممدثه فيهممم رجممل مممن‬
‫أهل الندلس نزل بفمماس يعممرف بممابن عميممر‪ .‬فنظممم قطعممة‬
‫بطريقة الموشح و لم يخممرج فيهمما عممن مممذاهب العممراب إل‬
‫قليل مطلعها‪:‬‬
‫على الغصن في البستان‬ ‫اني بشاطي النهر نوح الحمام‬
‫قريب الصباح‬
‫و ماء الندى يجري بثغر القاح‬ ‫السحر يمحو مداد الظلم‬
‫كثير الجواهر في‬ ‫جرت الرياض و الطل فيها افتراق‬
‫نحور الجوار‬
‫يحاكي ثعابين حلقت بالثمار‬ ‫مع النواعير ينهرق انهراق‬
‫و دار الجميع بالروض‬ ‫بالغصون خلخال على كل ساق‬
‫دور السوار‬
‫و يحمل نسيم المسك عنها‬ ‫الندى تخرق جيوب الكمام‬
‫رياح‬
‫و جر النسيم ذيلو عليها و‬ ‫الصبا يطلى بمسك الغمام‬
‫فاح‬
‫قد ابتلت ارياشو‬ ‫و يطير الحمام بين الورق في القضيب‬
‫بقطر الندى‬
‫قد التف من توبو‬ ‫تنوح مثل ذاك المستهام الغريب‬
‫الجديد في ردا‬
‫ينظم سلوك جوهر و‬ ‫و لكن بما أحمر و ساقو خضيب‬
‫يتقلدا‬
‫جناحا توسد و‬ ‫جلس بين الغصان جلسة المستهام‬
‫التوى في جناح‬
‫منها ضم منقاره‬ ‫و صار يشتكي ما في الفؤاد من غرام‬
‫لصدره و صاح‬
‫أراك ما تزال تبكي‬ ‫قلت يا حمام احرمت عيني الهجوع‬
‫بدمع سفوح‬
‫بل دمع نبقى‬ ‫قال لي بكيت حتى صفت لي الدموع‬
‫طول حياتي ننوح‬
‫ألفت البكا و الحزن‬ ‫على فرخ طار لي لم يكن لو رجوع‬
‫من عهد نوح‬
‫انظر جفون صارت بحال‬ ‫كذا هو الوفا و كذا هو الزمام‬
‫الجراح‬
‫يقول عناني ذا البكا و‬ ‫و أنتم من بكى منكم إذا تم عام‬
‫النواح‬
‫كنت تبكي و ترثي‬ ‫قلت يا حمام لو خضت بحر الضنى‬
‫لي بدمع هتون‬
‫ما كان يصير تحتك فروع‬ ‫و لو كان بقلبك ما بقلبي أنا‬
‫الغصون‬
‫حتى ل سبيل جمله‬ ‫اليوم نقاسي الهجر كم من سنا‬
‫تراني العيون‬
‫أخفاني نحولي‬ ‫و مما كسا جسمي النحول و السقام‬
‫عن عيون اللواح‬
‫و من مات بعد يا‬ ‫لو جتنى المنايا كان يموت في المقام‬
‫قوم لقد استراح‬
‫من خوفي عليه ودا‬ ‫قال لي لو رقدت لوراق الرياض‬
‫النفوس للفؤاد‬
‫طوق العهد في‬ ‫و تخضبت من دمعي و ذاك البياض‬
‫عنقي ليوم التناد‬
‫بأطراف البلد و‬ ‫أما طرف منقاري حديثو استفاض‬
‫الجسم صار في الرماد‬
‫فاستحسنه أهل فاس و ولعوا بممه و نظممموا علممى طريقتممه‪ .‬و‬
‫تركوا العراب الذي ليس من شأنهم‪ ،‬و كثر سماعه بينهممم و‬
‫اسمتفحل فيمه كمثير منهمم و نوعمةه أصمنافا إلمى الممزدوج و‬
‫الكممازي و الملعبممة و الغممزل‪ .‬و اختلفممت أسممماؤها بمماختلف‬
‫ازدواجهمما و ملحظمماتهم فيهمما‪ .‬فمممن المممزدوج ممما قمماله ابممن‬
‫شجاع من فصولهم و هو من أهل تازا‪:‬‬
‫يبهي وجوها ليس هي‬ ‫المال زينة الدنيا و عز النفوس‬
‫باهيا‬
‫ولوه الكلم و الرتبة العاليا‬ ‫فها كل من هو كثير الفلوس‬
‫و يصغر عزيز القوم‬ ‫يكبر من كثر مالو و لو كان صغير‬
‫اذ يفتقر‬
‫و كاد ينفقع لول‬ ‫من ذا ينطبق صدري و من ذا تغير‬
‫الرجوع للقدر‬
‫لمن ل أصل عندو و‬ ‫حتى يلتجي من هو في قومو كبير‬
‫ل لو خطر‬
‫و يصبغ عليه ثوب‬ ‫لذا ينبغي يحزن على ذي العكوس‬
‫فراش صافيا‬
‫و صار يستفيد الواد‬ ‫اللي صارت الذناب أمام الرؤوس‬
‫من الساقيا‬
‫ما يدروا على‬ ‫ضعف الناس على ذا و فسد ذا الزمان‬
‫من يكثروا ذا العتاب‬
‫و لو رأيت كيف يرد‬ ‫اللي صار فلن يصبح بو فلن‬
‫الجواب‬
‫أنفاس السلطين في‬ ‫عشنا و السلم حتى رأينا عيان‬
‫جلود الكلب‬
‫هم ناحيا و المجد‬ ‫كبار النفوس جدا ضعاف السوس‬
‫في ناحيا‬
‫و جوه البلد و العمدة‬ ‫يرو أنهم و الناس يروهم تيوس‬
‫الراسيا‬
‫و من مذاهبهم قول ابن شجاع منهم في بعض مزدوجاته‪:‬‬
‫اهمل يا فلن ل يلعب الحسن‬ ‫تعب من تبع ذا الزمان‬
‫فيك‬
‫قليل من عليه تحبس و‬ ‫ما منهم مليح عاهد إل و خان‬
‫يحبس عليك‬
‫و يستعمدوا تقطيع قلوب‬ ‫يهبوا على العشاق و يتمنعوا‬
‫الرجال‬
‫و ان عاهدوا خانوا على‬ ‫و ان واصلوا من حينهم يقطعوا‬
‫كل حال‬
‫و صيرت من خدي‬ ‫مليح كان هويتو وشت قلبي معو‬
‫لقدمو نعال‬
‫و قلت لقلبي اكرم‬ ‫و مهدت لو من وسط قلبي مكان‬
‫لمن حل فيك‬
‫فل بد من هول الهوى‬ ‫و هون عليك ما يعتريك من هوان‬
‫يعتريك‬
‫فلو كان يرى حالي اذا‬ ‫حكمتوا علي و ارتضيت بو أمير‬
‫يبصرو‬
‫مرديه و يتعطس بحال‬ ‫يرجع مثل در حولي بوجه الغدير‬
‫انحرو‬
‫و يفهم مرادو قبل أن‬ ‫و تعلمت من ساعا بسبق الضمير‬
‫يذكرو‬
‫عصر في الربيع أو في‬ ‫و يحتل في مطلو لوان كان‬
‫الليالي يريك‬
‫وايش ما يقل يحتاج‬ ‫و يمشي بسوق كان و لو باصبهان‬
‫لو يجيك‬
‫حتى أتى على آخرها‪.‬‬
‫و كان منهم علي بن المؤذن بتلمسان‪ ،‬و كان لهممذه العصممور‬
‫القريبة مممن فحممولهم بزرهممون مممن ضممواحي مكناسممة رجممل‬
‫يعرف بالكفيف‪ .‬أبدع في مذاهب هذا الفن‪ .‬و من أحسن ممما‬
‫علق له بمحفوظي قوله في رحلة السمملطان أبممي الحسممن و‬
‫بنى مرين إلى أفريقية يصف هزيمتهم بممالقيروان‪ .‬و يعزيهممم‬
‫عنها و يؤنسهم بما وقع لغيرهم بعد أن عيبهممم علممى غزاتهممم‬
‫إلى إفريقية في ملعبة مممن فنممون هممذه الطريقممة يقممول فممي‬
‫مفتتحها‪ .‬و هو من أبدع مذاهب البلغة في الشعار بالمقصممد‬
‫في مطلع الكلم و افتتاحه و يسمى براعة الستهلل‪:‬‬
‫و نواصيها في كل حين و‬ ‫سبحان مالك خواطر المرا‬
‫زمان‬
‫و ان عصيناه عاقب بكل‬ ‫ان طعناه أعظم لنا نصرا‬
‫هوان‬
‫إلى أن يقول في السؤال عن جيوش المغرب بعد التخلص‪:‬‬
‫فالراعي عن رعيته‬ ‫كن مرعى قل و ل تكن راعي‬
‫مسؤول‬
‫للسلم و الرضا السني‬ ‫‌ و استفتح بالصلة على الداعي‬
‫المكمول‬
‫و اذكر بعدهم اذا تحب‬ ‫على الخلفاء الراشدين و التباع‬
‫و قول‬
‫ودوا سرح البلد مع السكان‬ ‫أحجاجا تخللوا الصحرا‬
‫وين سارت بوعزايم‬ ‫عسكر فاس المنيرة الغرا‬
‫السلطان‬
‫و قطعتم لو كلكل البيدا‬ ‫أحجاج بالنبي الذي زرتم‬
‫المتلوف في افريقيا‬ ‫عن جيش الغرب حين يسألكم‬
‫السودا‬
‫و يدع برية الحجاز رغدا‬ ‫و من كان بالعطايا يزودكم‬
‫و يعجز شوط بعدما يخفان‬ ‫قام قل للسد صادف الجزرا‬
‫أي ما زاد غزالهم‬ ‫و يزف كر دوم تهب في الغبرا‬
‫سبحان‬
‫و بلد الغرب سد السكندر‬ ‫لو كان ما بين تونس الغربا‬
‫طبقا بحديد أو ثانيا بصفر‬ ‫مبنى من شرقها إلى غربا‬
‫أو يأتي الريح عنهم بفرد خبر‬ ‫ل بد الطير أن تجيب نبا‬
‫لو تقرا كل يوم على‬ ‫ما أعوصها من أمور و ما شرا‬
‫الديوان‬
‫و هوت الخراب و خافت‬ ‫لجرت بالدم و انصدع حجرا‬
‫الغزلن‬
‫و تفكر لي بخاطرك جمعا‬ ‫أدرلي بعقلك الفحاص‬
‫عن السلطان شهر و‬ ‫ان كان تعلم حمام و ل رقاص‬
‫قبله سبعا‬
‫و علمات تنشر على‬ ‫تظهر عند المهيمن القصاص‬
‫الصمعا‬
‫مجهولين ل مكان و ل امكان‬ ‫ال قوم عاريين فل سترا‬
‫و كيف دخلوا مدينة‬ ‫ما يدروا كيف يصوروا كسرا‬
‫القيروان‬
‫قضية سيرنا إلى تونس‬ ‫امولي أبو الحسن خطينا الباب‬
‫واش لك في اعراب‬ ‫فقنا كنا على الجريد و الزاب‬
‫افريقيا القوبس‬
‫الفاروق فاتح القرى‬ ‫ما بلغك من عمر فتى الخطاب‬
‫المولس‬
‫و فتح من افريقيا و‬ ‫ملك الشام و الحجاز و تاج كسرى‬
‫كان‬
‫و نقل فيها تفرق الخوان‬ ‫رد ولدت لو كره ذكرى‬
‫صرح في افريقيا بذا‬ ‫هذا الفاروق مردي العوان‬
‫التصريح‬
‫و فتحها ابن الزبير عن‬ ‫و بقت حمى إلى زمن عثمان‬
‫تصحيح‬
‫مات عثمان و انقلب علينا‬ ‫لمن دخلت غنائمها الديوان‬
‫الريح‬
‫و بقي ما هو للسكوت‬ ‫و افترق الناس على ثلثة أمرا‬
‫عنوان‬
‫اش نعمل في أواخر الزمان‬ ‫اذا كان ذا في مدة البرارا‬
‫و في تاريخ كأنا و كيوانا‬ ‫و أصحاب الحضر في مكناساتا‬
‫شق و سطيح و ابن مرانا‬ ‫تذكر في صحتها أبياتا‬
‫لجدا و تونس قد سقط بنيانا‬ ‫ان مرين إذا تكف براياتا‬
‫عيسى بن الحسن الرفيع‬ ‫قد ذكرنا ما قال سيد الوزرا‬
‫الشان‬
‫لكن إذا جاء القدر عميت‬ ‫قال لي رأيت و أنا بذا أدري‬
‫العيان‬
‫من حضرة فاس إلى عرب‬ ‫و يقول لك ما دهى المرينيا‬
‫دياب‬
‫سلطان تونس و صاحب‬ ‫أراد المولى بموت ابن يحيى‬
‫البواب‬
‫ثم أخذ في ترحيممل السمملطان و جيوشممه‪ ،‬إلممى آخممر رحلتممه و‬
‫منتهى أمره‪ ،‬مع أعراب إفريقية‪ .‬و أتى فيها بكل غريبممة مممن‬
‫اليداع‪ .‬و أما أهل تونس فاستحدثوا فن الملعبممة أيضمما علممى‬
‫لغتهم الحضرية‪ ،‬إل أن أكممثره رديممء و لممم يعلممق بمحفمموظي‬
‫منة شيء لرداءته‪.‬‬

‫الموشحات و الزجال في المشرق‬


‫و كان لعامة بغداد أيضا فن مممن الشممعر يسمممونه المواليمما‪ ،‬و‬
‫تحته فنون كثيرة يسمون منها القوما‪ ،‬و كممان و كممان‪ ،‬و منممه‬
‫مفرد و منه فممي بيممتين‪ ،‬و يسمممونه دوبيممت علممى الختلفممات‬
‫المعتبرة عندهم في كمل واحمد منهما‪ ،‬و غالبهما مزدوجمة ممن‬
‫أربعة أغصان‪ .‬و تبعهم في ذلك أهل مصر القاهرة و أتوا فيها‬
‫بالغرائب‪ .‬و تبحروا فيها في أساليب البلغة بمقتضممى لغتهممم‬
‫الحضممرية‪ ،‬فجمماؤوا بالعجممائب‪ .‬و رأيممت فممي ديمموان الصممفي‬
‫الحلي من كلمه أن المواليا من بحر البسيط‪ ،‬و هو ذو أربعة‬
‫أغصممان و أربممع قممواف‪ ،‬و يسمممى صمموتا و بيممتين‪ .‬و أنممه مممن‬
‫مخترعات أهل واسط‪ ،‬و أن كان و كان فهو قافيممة واحممدة و‬
‫أوزان مختلفة في أشطاره‪ :‬الشطر الول من الممبيت أطممول‬
‫من الشطر الثاني و ل تكون قافيته إل مردفة بحرف العلمة و‬
‫أنه من مخترعات البغداديين‪ .‬و أنشد فيه لنا‪:‬‬
‫بغمممز الحممواجب حممديث تفسممير و منممو أوبممو‪ ،‬و أم الخممرس‬
‫تعرف بلغة الخرسان‪ .‬انتهى كلم الصممفي‪ .‬و مممن أعجممب ممما‬
‫علق بحفظى منه قول شاعرهم‪:‬‬
‫و الدما تنضح‬ ‫هذي جراحي طريا‬
‫في الفل يمرح‬ ‫و قاتلي يا أخيا‬
‫قلت ذا أقبح‬ ‫قالوا و ناخذ بثارك‬
‫يكون أصلح‬ ‫إلى جرحتي يداويني‬
‫و لغيره‪:‬‬
‫فقلت مفتون ل‬ ‫طرقت باب الخبا قالت من الطارق‬
‫ناهب ول سارق‬
‫رجعت حيران من بحر‬ ‫تبسمت لح لي من ثغرها بارق‬
‫أدمعي غارق‬
‫و لغيره‪:‬‬
‫و ان شكوت الهوى‬ ‫عهدي بها و هي ل تأمن علي البين‬
‫قالت فديتك العين‬
‫ذكرتها العهد قالت لك‬ ‫لمن يعاين لها غيري غلم الزين‬
‫على دين‬
‫و لغيره في وصف الحشيش‪:‬‬
‫تغني عن الخمر و‬ ‫دي خمر صرف التي عهدي بها باقي‬
‫الخمار و الساقي‬
‫خبيتها في الحشى‬ ‫قحبا و من قحبها تعمل على احراقي‬
‫طلت من احداقي‬
‫و لغيره‪:‬‬
‫كم توجع القلب‬ ‫يا من و صالو لطفال المحبة بح‬
‫بالهجران أوه أح‬
‫كل الورى كخ في‬ ‫أودعت قلبي حوحو و التصبر بح‬
‫عيني و شخصك دح‬
‫و لغيره‪:‬‬
‫جودي علي بقبلة في‬ ‫ناديتها و مسيبي قد طواني طي‬
‫الهوى يا مي‬
‫ما ظن ذا القطن‬ ‫قالت و قد كوت داخل فؤادي كي‬
‫يغشى فم من هو حي‬
‫و لغيره‪:‬‬
‫ماط اللثام تبدي‬ ‫راني ابتسم سبقت سحب أدمعي برقه‬
‫بدر في شرقه‬
‫رجع هدانا بخيط‬ ‫اسبل دجى الشعرتاه القلب في طرقه‬
‫الصبح من فرقه‬
‫و لغيره‪:‬‬
‫وقف على منزل‬ ‫يا حادي العيس ازجر بالمطايا زجر‬
‫أحبابي قبيل الفجر‬
‫ينهض يصلي على‬ ‫و صيح في حيهم يا من يريد الجر‬
‫ميت قتيل الهجر‬
‫و لغيره‪:‬‬
‫ترعى النجوم و‬ ‫عيني التي كنت ارعاكم بها باتت‬
‫بالتسهيد اقتاتت‬
‫و سلوتي عظم الله‬ ‫و أسهم البين صابتني و ل فاتت‬
‫أجركم ماتت‬
‫و لغيره‪:‬‬
‫غزال يبلى السود‬ ‫هويت في قنطرتكم يا ملح الحكر‬
‫الضاريا بالفكر‬
‫وان تهلل فما‬ ‫غصن اذا ما انثنى يسبي البنات البكر‬
‫للبدر عندو ذكر‬
‫و من الذي يسمونه دوبيت‪:‬‬
‫أن يبعث طيفه مع السحار‬ ‫قد اقسم من أحبه بالباري‬
‫ليل فعساه يهتدي بالنار‬ ‫يا نار أشواقي به فاتقدي‬
‫و اعلم أن الذواق كلها في معرفة البلغة إنممما تحصممل لمممن‬
‫خالط تلك اللغة و كثر استعماله لها و مخمماطبته بيممن أجيالهمما‬
‫حتى يحصل ملكتها كما قلنمماه فممي اللغممة العربيممة‪ .‬فل يشممعر‬
‫الندلس بالبلغة التي في شمعر أهممل المغمرب و ل المغربممي‬
‫بالبلغممة الممتي فممي شممعر أهممل النممدلس و المشممرق و ل‬
‫المشرقي بالبلغة التي فممي شممعر النممدلس و المغممرب‪ .‬لن‬
‫اللسان الحضري و تراكيبه مختلفة فيهم‪ .‬و كممل واحممد منهممم‬
‫مدرك لبلغة لغته و ذائق لمحاسن الشعر من أهممل جلممدته و‬
‫في خلممق السممماوات والرض و اختلف ألسممنتكم و ألمموانكم‬
‫آيات للعالمين و قد كدنا نخرج عن الغرض‪.‬‬
‫و جاء مصليا خلفه منهم ابن رافع‪ ،‬رأس شعراء المأمون ابن‬
‫ذي النون صاحب طليطلة‪ .‬قالوا و قد أحسن في ابتدائه فممي‬
‫موشحته التي طارت له حيث يقول‪:‬‬
‫و سقت المذانب رياض‬ ‫العود قد ترنم بأبدع تلحين‬
‫البساتين‬
‫و في انتهائه حيث يقول‪:‬‬
‫مروع الكتائب يحيى‬ ‫تخطر و ل تسلم عساك المأمون‬
‫بن ذي النون‬
‫ثم جاءت الحلبة التي كانت في دولة الملثمين‪ ،‬فظهرت لهم‬
‫البدائع‪ ،‬و سابق فرسان حلبتهم العمى الطليطلي‪ ،‬ثم يحيى‬
‫بن بقي‪ ،‬و للطليطلي من الموشوحات المهذبة قوله‪:‬‬
‫صبري و في العالم أشجان‬ ‫كيف السبيل إلى‬
‫بالخرد النواعم قد بان‬ ‫و الركب وسط الفل‬
‫خاتمة‬
‫و لذلك عزمنا أن نقبض العنان عن القممول فممي هممذا الكتمماب‬
‫الول الذي هو طبيعة العمران و ما يعرض فيه و قد استوفينا‬
‫من مسائله ما حسيناه كفاية له‪ .‬و لعل من يأتي بعممدنا ممممن‬
‫يؤيده الله بفكر صحيح و علم مبين يغوف من مسممائله علممى‬
‫أكثر مما كتبنا فليس على مسممتنبط الفممن إحصمماء مسممائله و‬
‫إنما عليه تعيين موضع العلم و تنويع فصوله و ما يتكلم فيه و‬
‫المتأخرون يلحقون المسائل من بعممده شمميئا فشمميئا إلممى أن‬
‫يكمل‪ .‬و الله يعلم و أنتم ل تعلمون‪.‬‬
‫قال مؤلف الكتاب عفى الله عنه‪ :‬أتممممت هممذا الجممزء الول‬
‫المشمتمل علمى المقدممة بالوضمع و التمأليف قبمل التنقيمح و‬
‫التهذيب في مدة خمسة أشهر آخرها منتصممف عممام تسممعة و‬
‫سبعين و سبعمائة‪ .‬ثم نقحته بعد ذلك و هممذبته و الحقممت بممه‬
‫تواريخ المم كما ذكرت في أولممه و شممرطته‪ .‬و ممما العلممم إل‬
‫من عند الله العزيز الحكيم‪.‬‬

You might also like