You are on page 1of 5

‫إصلح التعليم بالمغرب‪ :‬الحقيقة والوهم‬

‫عرف التعليم بالمغرب عدة إصلحات‪ ،‬حيث عملت الدولة عبر مجموعة من اللجان على النظر في قضايا التعليم‪ ،‬وتبنت‬
‫مجموعة من الخيارات الخطيرة في حقل التربية والتعليم‪ .‬ولعل أهم هذه الصلحات انطلقت من المعمورة سنة ‪1963‬‬
‫والتي جاءت لتعيد النظر بشكل أو بآخر في المبادئ الربعة التي أقرها إصلح ‪ .1957‬بعد ذلك ستتوالى حلقات‬
‫الصلحات والندوات بدءا بندوة إفران الولى والثانية مرورا بالميثاق الوطني للتربية والتكوين وصول للبرنامج‬
‫الستعجالي للتربية والتكوين ‪ ...2012_2009‬والمتأمل في هذه الصلحات سيتوقف عند مجموعة من الملحظات‬
‫‪:‬أهمها‬
‫التعامل مع أزمة التعليم بشكل تقني‪ ،‬وغياب تصور شامل يضع النظام واختياراته تحت المجهر‪ ،‬ويحدد السباب‬
‫‪.‬الحقيقية لهذه الزمة‬
‫انفراد الدولة باتخاذ قرارات مصيرية‪ ،‬وتهميش لقوى المجتمع ومختلف المؤسسات والهيئات التي لها علقة بقطاع‬
‫‪.‬التعليم‬
‫‪.‬هيمنة الشعارات والنشائية‪ ،‬إذ أن كل إصلح يغرق في تفاصيل جزئية شكلية‪ ،‬ويتجنب التطرق للنقط الساسية‬
‫‪.‬كل إصلح يأتي لمعالجة أزمة التعليم ينتهي بفشل ذريع ويؤزم الوضع أكثر‬
‫تعامل الخطاب الرسمي مع أزمة التعليم بمعزل عن بقية القطاعات‪ ،‬مما يوحي أن الزمة تهم هذا القطاع فقط والحال‬
‫‪...‬أنها أزمة شاملة‬
‫هذه الملحظات البسيطة تدفعنا إلى التساؤل عن طبيعة الصلحات التي يعرفها الحقل التعليمي وهل تتوخى الصلح‬
‫‪.‬كهدف لها أم تتوسله شعار التمرير مخططات طبقية خطيرة؟‬
‫إن الصلحات التعليمية والتي انطلقت بالخصوص في الثمانينات‪ ،‬كان هاجسها الكبير تقليص ميزانية القطاع التعليمي‪،‬‬
‫أي أن الهاجس المالي هو المتحكم فيها‪ ،‬فالمغرب عرف احتداد الزمة القتصادية في هذه الفترة‪ ،‬وانتقلت المديونية‬
‫الخارجية من ‪ 900‬مليون دولر سنة ‪ 1972‬إلى ‪ 12‬مليار دولر سنة ‪ ،1983‬مما جعل الدولة توقع اتفاقيتين مع‬
‫صندوق النقد الدولي‪ ،‬الولى في أكتوبر ‪ 1980‬والثانية سنة ‪ .1981‬وستتوج كل ذلك بتوقيع اتفاق جدولة الديون مع‬
‫نادي باريس ‪ ،1983‬لتدخل في سياسة التقويم الهيكلي )سياسة التقشف( والتي على ضوئها يمكن قراءة خلفيات كل‬
‫‪.‬الصلحات التي انطلقت منذ تلك الفترة إلى الن‬
‫بعد انتهاء الجدولة ومرحلة التقويم الهيكلي‪ ،‬ستعرف جميع القطاعات أزمة خانقة‪ ،‬فقد تبين أن سياسة خدمة الدين‬
‫الخارجي أدت إلى مضاعفات كارثية حيث ثم ضخ ثروات هائلة لصالح المبريالية‪ ،‬ورغم ذلك فما زالت نسبة الدين‬
‫الخارجي مرتفعة‪ .‬ويأتي قطاع التعليم على رأس القطاعات المتضررة والمستهدفة باعتباره حسب الخطاب الرسمي‬
‫قطاعا غير منتج‪ ،‬لهذا ستعمل الدولة على الجهاز عليه تحت غطاء الزمة التعليمية وضرورة الصلح‪ ،‬وفي هذا‬
‫الصدد سيتم توجيه رسالة ملكية إلى مجلس النواب بتاريخ ‪ 16‬يونيو ‪ 1994‬والتي دعت إلى ضرورة الحوار والتشاور‬
‫بشأن القضايا التعليمية‪ ،‬والدعوة إلى تكوين لجنة موسعة تتكون من أعضاء من مجلس النواب‪ ،‬وممثلي الدارات‬
‫التعليمية والفعاليات الجتماعية والقتصادية والنقابية‪ .‬وبالفعل تكونت هذه اللجنة ونظمت سلسلة من الجلسات خلل‬
‫الفترة الممتدة من ‪ 5‬ماي ‪ 1995‬إلى ‪ 9‬يونيو ‪ ،1995‬واستطاعت إنجاز تقرير مفصل في ‪ 25‬يونيو ‪ 1995‬يعرف‬
‫‪.‬بوثيقة المبادئ الساسية‬
‫وثيقة المبادئ الساسية‪ :‬رؤية جريئة من أجل إصلح التعليم‬
‫إن وثيقة المبادئ الساسية حاولت ملمسة مكمن الخلل في نظامنا التعليمي‪ ،‬وحاولت طرح بعض الحلول الممكنة‬
‫لتجاوز هذه الوضعية‪ ،‬ففي ديباجة هذه الوثيقة تنطلق اللجنة من اعتبار قضية التعليم ذات طابع استراتيجي ووطني‪،‬‬
‫وربطت الصلح بالمؤسسة ل بالفراد "يكتسي موضوع التربية والتعليم في عصرنا الحاضر أهمية استراتيجية بل‬
‫ومصيرية في تاريخ الشعوب والدول‪ ،‬وهو يعتبر قضية وطنية تهم الجميع مما يحتم الحوار والتوافق عليها من خلل‬
‫‪).‬مؤسسات قارة ودستورية وقانونية" )وثيقة المبادئ الساسية‬
‫وتعامل التقرير مع التعليم باعتباره حقا من حقوق النسان‪ ،‬وشرطا لتحقيق الديمقراطية والمواطنة ولو في بعدها‬
‫الليبرالي الذي تتغنى به الدولة "يتعين أن يأخذ النظام التعليمي بعين العتبار البعد الكوني للتعليم كحق د ستوري‪ ،‬حق‬
‫من حقوق النسان‪ ،‬وشرط أساسي لتكريس الديمقراطية‪ ،‬وتنمية التربية بروح المساواة‪ ،‬ولزرع القيم التي تؤسس‬
‫لمجتمع منفتح وديمقراطي للمساهمة في إعداد الفرد للحياة وتوعيته بحقوقه وواجباته وترسيخ روح الديمقراطية‬
‫واحترام حقوق النسان" )نفس المرجع( لقد حددت الوثيقة منذ البداية مجموعة من السس التي يجب ن ينبني عليها‬
‫الصلح‪ ،‬كما دققت الهداف والغايات ولخصتها في ‪ :‬التعميم ‪ -‬اللزامية ‪ -‬المجانية‪ ،‬وأولت أهمية كبيرة لهذه الخيرة‬
‫إذ يشير التقرير بوضوح إلى أن مبدأ المجانية يعتبر نتيجة حتمية للظروف القتصادية والجتماعية لعدد كبير من السر‬
‫المغربية بالضافة إلى أن "المجانية تعتبر عنصرا حاسما لستمرار المدرسة العمومية المغربية‪ ...‬وبخصوص هذا‬
‫المبدأ ل بد من القرار بمسؤولية الدولة في مجانية التعليم" )ن‪ -‬المرجع(‪ .‬كما ألح التقرير على اعتبار التعليم خدمة‬
‫عمومية يجب أن تكون مجانا بدءا بالتعليم الولي وصول إلى التعليم العالي ودعا إلى ضرورة الهتمام الجدي بالوضاع‬
‫المادية والدارية والمعنوية لكل هيئات التعليم والمراقبة التربوية والدارية‪ ،‬وخلص إلى توصيات هامة وعلى رأسها‪:‬‬
‫صياغة نتائج اللجنة الوطنية في شكل ميثاق وطني واحد‪ ،‬وبلورة العمال والتوصيات في إطار مشاريع نصوص‬
‫‪.‬تنظيمية وتشريعية‬
‫فيما يخص مسألة تمويل التعليم فقد ركزت اللجنة على ترشيد النفقات لن هذه العملية قد توفر جزءا ل يستهان به من‬
‫الميزانية‪ ،‬وأصرت على العمل في سياق الشفافية ودمقرطة القرار واللمركزية في تدبير الوسائل البشرية والمالية‪ ،‬ولم‬
‫‪.‬تنس اللجنة أن تشير إلى ضرورة الزيادة في ميزانية التعليم‪ ،‬مع صرف الميزانية المقررة بكاملها ومراقبة هذا الصرف‬
‫يمكن القول باختصار شديد إن وثيقة المبادئ الساسية هي محاولة جادة لصلح التعليم‪ ،‬وتقييم جماعي للسياسة‬
‫‪.‬التعليمية المتبعة منذ عقود‪ ،‬وقد استطاعت إلى حد بعيد الوقوف عند أهم الختللت‬
‫‪:‬تقرير البنك الدولي وإقبار وثيقة المبادئ الساسية‬
‫لم تلتفت الدولة إلى ما قامت به اللجنة الوطنية لصلح التعليم‪ ،‬ولم تعره أي اهتمام‪ ،‬رغم أنها هي التي دعت إلى‬
‫تشكيلها‪ ،‬والسبب واضح ويعود إلى عدم مسايرة اللجنة للطروحات المخزنية‪ ،‬إذ تمسكت بالمجانية‪ ،‬والتعميم الحقيقي‬
‫والجودة والزيادة في ميزانية التعليم ودمقرطته ‪ ...‬لهذا سيتم بشكل سافر وخطير اللجوء إلى البنك الدولي قصد‬
‫استشارته وطلب معونته‪ ،‬ولن يتأخر هذا الخير كثيرا فسرعان ما سيرد على الرسالة الملكية الموجهة إليه بتقريره‬
‫المشهور سنة ‪ ،1995‬متناول مجموعة من المشاكل التي يتخبط فيها كل من الجهازين التشريعي والقضائي والقطاع‬
‫التعليمي ‪ ...‬وهنا نسجل أن التقرير قد لمس بعض أوجه الزمة ووضع أصبعه على الجرح وكشف القناع البراق الذي‬
‫تختفي وراءه الدولة‪ ،‬وأشار إلى الزمة القتصادية والجتماعية التي تنخر المجتمع‪ ،‬ولكنه في الواقع لم يأت بجديد‬
‫فهذا الوضع معروف عند جميع المهتمين‪ ،‬والمثير أن تقرير البنك الدولي بعد وقوفه على الزمة المتعددة البعاد لم‬
‫يحدد أسبابها الحقيقية ‪،‬والمتمثلة في نظرنا في السياسة الطبقية المتبعة من طرف الدولة المخزنية‪ ،‬المملة من طرف‬
‫‪.‬الدوائر المبريالية والتي يأتي البنك الدولي على رأسها‬
‫وما يهمنا في هذا التقرير هو الجانب الخاص بالتربية والتكوين‪ ،‬فقد تضمنت دراسة البنك الدولي مجموعة من‬
‫‪:‬التوصيات الخطيرة جدا وعلى رأسها‬
‫خوصصة التعليم وخاصة التعليم الثانوي والعالي‪ ،‬يقول التقرير ‪" :‬إن دور الدولة في التعليم يجب أن يتغير حتى تتمكن‬
‫أنظمته من مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين‪ .‬وقبل سنة ‪ 2010‬فإن نسبة مهمة من التعليم الثانوي والعالي‬
‫يجب أن توفرها مؤسسات خاصة" )انظر تقرير البنك الدولي حول‪ :‬التربية والتكوين في القرن ‪ – 21‬المملكة‬
‫‪-).‬المغربية‬
‫ضرب مجانية التعليم كخدمة عمومية‪ :‬إن الهدف الحقيقي الذي يسعى إليه البنك الدولي هو تخفيض ميزانية التعليم‬
‫والتراجع عن المجانية لتستطيع الدولة تخصيص حصص كبيرة في الميزانية لخدمة الدين الخارجي‪ ،‬فهو يشير بوضوح‬
‫إلى‪" :‬إدخال آليات وميكانزمات لستخلص التكاليف ويجب حث الجماعات المحلية على لعب دور أكثر نشاطا في تمويل‬
‫وتعبئة التعليم البتدائي‪ ...‬ويجب تقييم وقع إدخال مصاريف التمدرس في التعليم الثانوي العمومي على المالية العامة‪،‬‬
‫وذلك عن طريق إحداث مصاريف التمدرس في قطاع التعليم الثانوي العام‪ ،‬وكذلك المسجلون في التكوين المهني يجب‬
‫عليهم المشاركة في تكاليف تكوينهم‪ ،‬أما فيما يخص التعليم العالي العام فيجب الحصول على مصاريف التمدرس لتغطية‬
‫‪ 20‬في المائة إلى ‪ 25‬في المائة من التكاليف‪ ...‬ويجب التقليص من العانات المالية الموجهة للخدمات الجتماعية‪"..‬‬
‫‪)).‬نفس المرجع‬
‫هكذا يظهر الوجه البشع للبنك الدولي‪ ،‬ومكان أ ن يقدم استشارته للدولة قد تعمل بها أو تتجاوزها فإنه يقدم أوامر‬
‫للتطبيق بالحرف الواحد )انظروا كم مرة كرر فعل يجب في هذا المقطع فقط(‪ .‬ولم ينس التقرير إبداء ملحظة ولو بشكل‬
‫ضمني خبيث حول المجهودات التي قامت بها اللجنة الوطنية لصلح التعليم‪ ،‬إذ يشير إلى أن المغرب‪" :‬قد أحدث عددا‬
‫من الصلحات في نظام التعليم والتكوين منذ بداية سنوات ‪ 1980‬؛ وقد بدأ أخيرا نقاش في البرلمان حول ميثاق‬
‫التربية يتناول مشاكل التعليم بصفة عامة‪ ،‬وقد بدا أن هذا النقاش غامض لحد الن وليست له نظرة شاملة على المدى‬
‫‪.).‬الطويل للتربية والتكوين" )ن‪ .‬م‬
‫يبدو جليا هنا أن التقرير يلمح إلى ضرورة وأد توصيات وخلصات اللجنة الوطنية لصلح التعليم لسنة ‪ 1995‬لنها‬
‫تتعارض مع مصالحه‪ .‬ويختتم البنك الدولي رسالته‪ ،‬بتحديد الكيفية التي يراها مناسبة لتكوين لجنة إصلح التعليم " من‬
‫الحسن إسناد صياغة هذه اللجنة إلى مجموعة صغيرة من المسؤولين ذوي المستوى العالي‪ ،‬والذين يعملون تحت إمرة‬
‫شخصية نشيطة ومحترمة على الصعيد الوطني‪ ،‬هذه المجموعة ستتلقى أجرا وموارد مالية وبشرية من أجل القيام‬
‫بالتحليل التقني وطلب النصيحة من دول أخرى" )ن م‪ .(.‬فاللجنة المقترحة هنا ذات طبيعة تقنوقراطية‪ ،‬وليست لجنة‬
‫ديمقراطية ؛ إن توجيه البنك الدولي هذا‪ ،‬هو الذي ستعمل به الدولة في"الصلحات" التي سيشهدها قطاع التعليم فيما‬
‫‪.‬بعد‬
‫إن تقرير البنك الدولي هو الذي سيكون منطلق الدولة لنجاز ما يعرف بالميثاق الوطني للتربية والتكوين‪ ،‬وكذا المخطط‬
‫‪.‬الستعجالي‬
‫الميثاق الوطني للتربية والتكوين‪ :‬التطبيق الفعلي لتوصيات البنك الدولي‬
‫استقبلت الطبقات السائدة تقرير البنك الدولي بارتياح كبير وعملت على ترويجه‪ ،‬لنه يخدم مصالحها باعتبارها وكيل‬
‫محليا للمبريالية‪ .‬وقد انتهزت كعادتها فرصة تشكيل حكومة التناوب المخزني‪ ،‬لتعلن ميلد "اللجنة الخاصة بالتربية‬
‫وقد تكونت من ‪ 33‬عضوا‪ :‬عضوان عن المجالس العلمية‪ 14 ،‬عضوا عن الحزاب السياسية )‪" (c.o.s.e.f‬والتكوين‬
‫‪:‬الممثلة في البرلمان‪ ،‬و ‪ 8‬أعضاء عن المركزيات النقابية و ‪ 9‬أعضاء آخرين‪ .‬وهنا ل بد من تسجيل ملحظتين‬
‫الملحظة الولى‪ :‬إن هذه اللجنة ل تضم في عضويتها أي ممثل للوزارات المعنية بقطاع التعليم ول ممثل عن القوى‬
‫‪.‬السياسية غير الممثلة في البرلمان‪ ،‬وكذا ممثلين عن المجتمع المدني‬
‫الملحظة الثانية‪ :‬إن إشراك النقابات في هذه اللجنة كان الهدف منه هو ضمان تمرير الميثاق بسلسة ؛ لهذا نجد‬
‫المركزيات النقابية لم تعمل على التصدي لهذا المخطط‪ ،‬بل باركته بشكل ضمني مما انعكس على مصداقيتها وأدى إلى‬
‫‪.‬المزيد من التشرذم النقابي وخاصة في قطاع التعليم‬
‫لقد عملت اللجنة المشكلة‪ ،‬وأحيطت أشغالها بسرية تامة‪ ،‬لتخرج في النهاية بتقريرها الذي لم يناقش ويصادق عليه‬
‫‪:‬داخل البرلمان‪ .‬هكذا سيظهر الميثاق الوطني للتربية والتكوين الذي يتوزع على قسمين كبيرين‬
‫القسم الول ويضم المبادئ الساسية المتمثلة في المرتكزات الثابثة والغايات الكبرى وحقوق وواجبات الطراف‬
‫‪.‬والتعبئة الوطنية من أجل إنجاح الصلح‬
‫القسم الثاني‪ :‬يحتوي على مجالت التجديد )‪ 178‬مادة موزعة على ‪ 19‬دعامة للتغيير( ويضم الميثاق الكثير من‬
‫التفاصيل والشعارات غير الدقيقة‪ ،‬كما يركز على الجوانب التقنية وإعادة الهيكلة البيداغوجية والرفع من الجودة‪،‬‬
‫والتكوين إلى غيره من الشعارات التي تكسرت الواحدة تلو الخرى على صخرة الواقع‪ .‬ويبقى جوهر الميثاق وروحه‬
‫هو توصيات البنك الدولي والتي تتمحور كما سلف الذكر على ‪ :‬تقليص النفقات‪ ،‬خوصصة التعليم‪ ،‬إعادة النظر في‬
‫المجانية‪ ...‬فالميثاق عمل جاهدا على تطبيق هذه التوصيات إذ نجده‪ * :‬يفتح الباب على مصراعيه أمام القطاع الخاص‬
‫وذلك بتمكينه من امتيازات كثيرة كإعفائه كليا من الضرائب‪ ،‬أداء منح مالية لدعم المؤسسات الخاصة ‪،‬تكوين أطر‬
‫التربية والتكوين والتسيير وجعلها رهن إشارة المؤسسات الخاصة‪ * ...‬يلغي بكل بساطة الترقي عن طريق الشهادة أو‬
‫الختيار ويعتمد بدل ذلك على المردودية‪ ،‬إذ يشير إلى أنه " يعتمد في ترقية أعضاء هيئة التربية والتكوين ومكافأتهم‬
‫على مبدأ المردودية التربوية ")الميثاق الوطني للتربية والتكوين – اللجنة الخاصة بالتربية والتكوين ‪ -‬ص ‪ (63‬وهذا‬
‫‪.‬التفا ف واضح على الترقية كحق واعتماد مبدأ فضفاض يكرس الزبونية والنتهازية‬
‫ولعل أخطر نقطة في الميثاق تتعلق بتمويل التعليم‪ ،‬فهناك توجه نحو تخلي الدولة عن التزاماتها ضاربة مجانية التعليم‬
‫في الصميم؛ حيث يشير الميثاق إلى أنه‪" :‬يقتضي تنويع موارد التمويل‪ ،‬إسهام الفاعلين والشركاء في عملية التربية‬
‫والتكوين من دولة وجماعات محلية ومقاولت وأسر ميسورة‪) "...‬ن‪.‬م‪ .‬ص ‪ .(79‬إن الدولة تسير بخطى ثابثة نحو‬
‫القضاء على المدرسة العمومية وإلغاء المجانية مع تحميل السر العبء الكبر في تمويل التعليم عبر رسوم التسجيل‬
‫والضريبة الوطنية لتمويل التعليم – التي أحدثها الميثاق – أما الجماعات المحلية التي تعول عليها الدولة فأغلبها فاسد‬
‫‪.‬أو ميزانيته ل تكفي حتى متطلباته‬
‫إن الميثاق الوطني للتربية والتكوين وما انبثق عنه من قوانين وعلى رأسها النظام الساسي لموظفي وزارة التربية‬
‫الوطنية‪ ،‬ليس سوى ميثاق طبقي حرم أبناء الطبقات الشعبية من حقها في تمدرس جيد )حسب دراسة لليونسكو فإن‬
‫‪).‬المغرب يتوفر على أكبر نسبة للهدر المدرسي في العالم العربي‬
‫هكذا إذن سيتم تطبيق الميثاق‪ ،‬وتلته تعبئة كبيرة ولم تعترض المركزيات النقابية عليه بل عبرت عن تعاونها في البدء‬
‫كشريك متناغم مع خيارات الدولة‪ .‬لكن وقبيل انتهاء الفترة المخصصة لهذا الميثاق ستظهر مجددا مجموعة من‬
‫التقارير وعلى رأسها تقرير البنك الدولي‪ ،‬وتقرير اليونسكو ليكشف العورة من جديد‪ ،‬ليتضح مرة أخرى زيف ووهم‬
‫الصلح؛ هنا ستتدخل الدولة مجددا عبر الخطاب الرسمي للملك‪ ،‬الذي سيتلوه التقرير الوطني الول حول المدرسة‬
‫المغربية وآفاقها‪ ،‬بعد ذلك سيتم إنزال ما يعرف بالبرنامج الستعجالي للتربية والتكوين ‪ ،2012-2009‬وستطالب‬
‫‪.‬الدولة مجددا عبر الوزارة الوطنية بالتعبئة لنجاح هذا الصلح الجديد القديم‬
‫البرنامج الستعجالي للتربية والتكوين‪ :‬مسمار آخر في نعش المدرسة العمومية‬
‫إن البرنامج الستعجالي ‪ 2012-2009‬ينطلق بالساس من الميثاق الوطني للتربية والتكوين‪ ،‬وجاء كما يدعي لتسريع‬
‫وثيرة الصلح؛ وبتعبير أكثر وضوحا فهذا البرنامج يهدف بالساس إلى إنقاذ الميثاق الوطني من الفشل الذريع الذي آل‬
‫إليه؛ حيث إنه ومكان أن يعالج الزمة عمقها أكثر‪ ،‬لتجد المدرسة المغربية العمومية نفسها مجددا أمام تحديا ت‬
‫خطيرة‪ .‬هذه التحديات عالجتها الوزارة الوصية بطريقتها المعهودة " إزاء هذا التحدي وضعت وزارة التربية والتعليم‬
‫العالي وتكوين الطر والبحث العلمي برنامجا استعجاليا طموحا ومحددا يروم إعطاء الصلح نفسا جديدا معتمدا في‬
‫‪).‬مرجعيته على توجيهات الميثاق الوطني للتربية والتكوين" )البرنامج الستعجالي ص ‪1‬‬
‫يتضح هنا الطريقة المعروفة في مواجهة أزمة التعليم وهي اللجوء إلى إصلح جديد هو في الواقع عبارة عن إصلح‬
‫الصلح دون القيام بتقييم للصلح الول ‪ /‬المرجع‪ :‬الميثاق الوطني للتربية والتكوين ودون وضع الصبع على أسباب‬
‫الزمة وهل هي قطاعية فقط أم بنيوية تشمل المجتمع برمته ؟‪ ..‬والدهى من كل هذا هو عدم إشراك النقابات ومختلف‬
‫المهتمين وهذه المرة كان القصاء كليا حيث تمت صياغة المشروع وقدم للنقابات على أساس الموافقة عليه‪ ،‬بل نجد‬
‫أن هذا البرنامج له مفهوم خاص للشراكة التي يراها فقط أثناء التطبيق "اعتماد رؤية تشاركية ترتكز على إشراك‬
‫مجموع الفاعلين الساسيين داخل منظومة التربية والتكوين في تطبيق البرنامج الستعجالي" )البرنامج الستعجالي ص‬
‫‪1).‬‬
‫على غرار الميثاق الوطني فالبرنامج الستعجالي يتضمن العديد من الشعارات والمفاهيم )تأهيل المؤسسات ‪ -‬الجودة –‬
‫محاربة الهدر ‪ -‬المقاربة بالمشروع – الكفايات‪ (...‬ويركز على جوانب تقنية ويطرح العديد من الهداف والمهام يصعب‬
‫‪.‬تحقيقها أول‪ :‬المدة الزمنية للصلح غير كافية ثانيا ‪ :‬وسائل تحقيق الصلح هزيلة إن لم نقل منعدمة‬
‫لقد حدد البرنامج الستعجالي ‪ 23‬مشروعا موزعة على ‪ 4‬مجالت‪ ،‬ولعل المتأمل لهذه المشاريع سيتوصل إلى أن‬
‫‪:‬البرنامج يعزف على نفس الوتر الذي عزف عليه الميثاق وهي توصيات البنك الدولي حيث نجد‬
‫تشجيع القطاع الخاص‪ :‬في العديد من فقرات البرنامج الستعجالي يتم الشارة إلى الدور المهم الذي يجب أن يضطلع به‬
‫القطاع الخاص ؛ بل هناك العديد من التنازلت الجديدة لصالح هذا القطاع وذلك بـ‪" :‬إقرار تدابير تحفيزية تمكن من‬
‫تسهيل استثمار الخواص في قطاع التعليم‪ ...‬تفويض تدبير مؤسسات عمومية قائمة‪ ...‬تطوير نموذج جديد ومتكامل‬
‫للعرض التربوي الخاص‪ ...‬تنظيم تكوين أساسي ومستمر لفائدة مدرسي التعليم الخصوصي وتدعيم جهاز تفتيش‬
‫‪).‬المؤسسات الخصوصية‪) "...‬البرنامج ص ‪82‬‬
‫الجهاز على المجانية‪ :‬فالبرنامج الستعجالي يسير بخطى حثيثة نحو إلغاء المجانية والتوجه نحو تسليع التعليم ويتجلى‬
‫‪:‬هذا في مجموعة من النقط منها‬
‫تنصل الدولة من ضمان حق التمدرس بعد ‪ 15‬سنة؛ إذ يشير البرنامج الستعجالي إلى أن الدولة تلتزم بالخصوص *‬
‫‪.‬بالتحقيق الفعلي للزامية التعليم إلى غاية ‪ 15‬سنة‬
‫‪.‬تخلي الدولة عن التعليم الولي لفائدة الخواص *‬
‫عدم تحمل الدولة لمسؤوليتها بشكل واضح في تمويل التعليم ؛ فداخل البرنامج الستعجالي العديد من الصيغ *‬
‫التمويهية والمتضاربة تبين بجلء رغبة الدولة في التخلي التدريجي عن تمويل التعليم‪ ،‬من مثل "يتعين كذلك توفير‬
‫الموارد المالية الضرورية واستدامتها عبر تنويع مواردها ووضع آلية للتمويل اللزم‪)"..‬البرنامج ص ‪ (78‬من سيوفر‬
‫هذه الموارد؟ وما المقصود بتنويع مواردها؟ ونجد كذلك "إحداث صندوق خاص بالتعليم تتم تغذيته عن طريق‬
‫مساهمات مختلف شركاء المنظومة‪ ..‬تخفيف الضغط على الميزانية يظل رهينا بتفعيل دعامتين‪ :‬اللجوء إلى مكونات‬
‫المجتمع عبر إحداث صندوق الدعم‪ ،‬تشجيع تنمية العرض التربوي الخصوصي" )البرنامج الستعجالي ص ص ‪-79‬‬
‫‪80).‬‬
‫‪:‬الهجوم على مكتسبات الشغيلة التعليمية وذلك بسن إجراءات خطيرة من بينها‬
‫التوظيف على أساس التعاقد "إن توظيف الطر التربوية سيتم على الصعيد الجهوي على أساس التعاقد" )البرنامج *‬
‫ص ‪ (61‬أي بكل بساطة ضرب حق الموظف في الستقرار والترسيم‬
‫‪.‬إدخال مفهوم المدرس المتحرك الذي يقوم على تعيين المدرسين بحسب الجهة وليس بحسب المنطقة أو المؤسسة *‬
‫‪.‬إقرار المدرس المتعدد التخصصات أو المزدوج *‬
‫‪.‬العمل بساعتين إضافيتين إجباريتين *‬
‫‪.‬إضافة مسؤوليات وأعباء جديدة للمدرسين *‬
‫إن المتأمل في هذه التدابير ؛ سيرى بوضوح أن المستهدف الحقيقي في البرنامج الستعجالي هو المدرس وعبره‬
‫المدرسة العمومية‪ ،‬وحتى الصورة المتدنية للمدرس والمدرسة في الواقع‪ ،‬يحملها البرنامج لرجال ونساء التعليم‬
‫"صورة المدرسين تعرف بعض التدهور‪ ،‬بسبب تدني أخلقيات المهنة لدى البعض منهم‪ ،‬وبسبب عدم إعطاء قيمة‬
‫كافية لمهنتهم" )البرنامج ص ‪ (60‬والحال أن صورة المدرس في تدهور نتيجة لعدة عوامل منها‪ :‬وضعه المادي‬
‫المزري‪ ،‬إضافة إلى الصورة السلبية التي ترسخها حوله الجهزة المخزنية عبر وسائطها المتعددة للنيل الرمزي من‬
‫المدرس لنه كان دائما في طليعة النتفاضات التي عرفتها البلد وكذا الحركات الحتجاجية؛ لذا فهو يشكل هدف‬
‫‪.‬الطبقات السائدة وجهازها المخزني‬
‫‪:‬إضافة إلى كل ما سبق نلحظ أن البرنامج الستعجالي يتجاهل مجموعة من النقط المطروحة والساسية أبرزها‬
‫‪.‬مراجعة النظام الساسي الخاص بموظفي وزارة التربية الوطنية‬
‫‪.‬الخصاص في الموارد البشرية نتيجة للمغادرة الطوعية والتقاعد وضعف التوظيف‬
‫تدني مستوى أجور الشغيلة التعليمية ؛ فما يقارب ثلثي المدرسين والمدرسات يتقاضون ما بين ‪3250‬د إلى ‪ 3797‬د‬
‫بعد قضاء عشر سنوات من الخدمة في السلم التاسع‪ ،‬وما يقارب من ثلثي رجال ونساء التعليم ل يستطيعون الحصول‬
‫‪.‬على ‪ 5290‬د إل بعد قضاء ما بين ‪ 10‬إلى ‪ 20‬سنة من العمل‬
‫تقليص الساعات المخصصة لتدريس اللغات‪ ،‬في الوقت الذي يتحدث فيه البرنامج عن تشجيع تدريس اللغات والتحكم‬
‫‪.‬فيها‬
‫‪.‬الفساد الداري والمالي الذي تعاني منه العديد من الكاديميات والنيابات‬
‫‪.‬تجاهل التفاقات المبرمة مع الطارات النقابية‬
‫السكوت عن الساعات التطوعية التي أصبحت رسمية بل يتم إضافة ساعتين إجباريتين وقد تتحولن بدورهما إلى‬
‫‪.‬ساعات رسمية‬
‫…عدم التطرق من قريب ول من بعيد للموظفين الشباح في قطاع التربية والتكوين‬
‫وخلصة لكل ما سبق فالبرنامج الستعجالي المؤطر بالميثاق الوطني يهدف في العمق إلى تسليع التعليم وضرب‬
‫مصداقية المدرسة العمومية وإيصالها إلى حافة الفلس ليسهل تفويتها إلى القطاع الخاص وهي نفس الطريقة المتبعة‬
‫في قطاعات أخرى‪ .‬لهذا فالمطروح على الطارات النقابية المناضلة الخروج من حلقيتها والدخول في عمل نضالي‬
‫‪.‬تنسيقي يهدف إلى التصدي لهذا المخطط والدفاع عن المدرسة العمومية‬
‫منقول لتعميم الفائدة‬

You might also like