Professional Documents
Culture Documents
عن عائشة رضي ال عنها أنها قالت هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال لقد •
لقيت من قومك فكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد يا ليل
بن كلل فلم يجبني إلى ما أردت فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أفق إل في قرن
الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال إن
ال قد سمع قول قومك وما ردوا عليك وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم .
قال فناداني ملك الجبال فسلم علي ثم قال يا محمد إن ال قد سمع قول قومك وأنا ملك
الجبال وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك إن شئت أطبق عليهم الخشبين فقال رسول
ال صلى ال عليه وسلم بل أرجو أن يخرج ال من أصلبهم من يعبد ال وحده ول يشرك
به شيئا ) .متفق عليه(
ويوم أحد كان يومًا عظيمًا ،نزف فيه دم النبي صلى ال عليه وسلم من جسده ،وشج •
وجهه ،وكسرت رباعيته ،وتعرض النبي صلى ال عليه وسلم للموت الحقيقي ،بل لقد
انتشر بالفعل في الميدان خبر قتل النبي صلى ال عليه وسلم ،حتى ألقى بعض الصحابة
السلح وقالوا :وماذا نصنع بالحياة بعد موت رسول ال صلى ال عليه وسلم؟ فقام أنس
بن النضر رضي ال عنه -وحديثه في الصحيحين -فقال لهم) :قوموا فموتوا على ما مات
عليه رسول ال صلى ال عليه وسلم( ،ونزل في هذه المعركة قول ال جل وعلَ } :وَما
ن َيْنَقِل ْ
ب عَقاِبُكْم َوَم ْ
عَلى َأ ْ
ل اْنَقَلْبُتْم َ
ت َأْو ُقِت َ
ل َأَفِإْين َما َ
سُ
ن َقْبِلِه الّر ُ
ت مِ ْ
خَل ْ
ل َقْد َ
سو ٌ ل َر ُ حّمٌد ِإ ّ
ُم َ
ن { ]آل عمران.[144: شاِكِري َ
ل ال ّ
جِزي ا ُّ سَي ْ
ل شَْيئًا َو َ
ضّر ا َّ
ن َي ُعِقَبْيِه َفَل ْ
عَلى َ َ
تصور معي أنه صلى ال عليه وسلم مشى من مكة إلى الطائف على قدميه أكثر •
من سبعين كيلو ،ل توجد سيارة ،ول دابة ،بل مشى على قدميه المتعبتين
الداميتين
ل ،ول جوادًا ،ول ناقة ،ومع ذلك طريق غير ممهدة ،لم يركب حمارًا ،ول بغ ً •
ف السفهاَء والصبيان على رسول ال صلى لما وصل إلى الطائف سلط الشرا ُ
ال عليه وسلم ،ففعلوا به ما ل يتصور البتة أن يفعله إنسان صاحب مروءة
بإنسان غريب؛ رموه بالحجارة ،سبوه ،شتموه
لو كان الحبيب صلى ال عليه وسلم ممن ينتقمون لنفسهم وذواتهم وأشخاصهم، •
ولو كان الحبيب ممن خرج لذاته أو لمجد شخصي أو لنتفاع دنيوي حقيٍر
زائل؛ لمر النبي ملك الجبال أن يحطم هذه الرءوس الصلدة ،والجماجم العنيدة،
ولسالت دماء من الطائف ليراها أهل مكة بمكة ،لكن اسمع ماذا قال صاحب
الخلق الرفيع؟ اسمع ماذا قال الرحمة المهداة لملك الجبال؟ قال النبي صلى ال
عليه وسلم ) :بل أرجو ال عز وجل أن يخرج من أصلبهم من يعبد ال ول
يشرك به شيئًا ( لم يبعث لعانًا ول فحاشًا ،وإنما كما قال هو عن نفسه صلى ال
ك ِإلّ
سْلَنا َ
عليه وسلم ) :إنما بعثت رحمة ( ،وكما قال ربه جل جللهَ } :وَما َأْر َ
ن { ]النبياء ،[107:وكما قال ابن عباس :هو رحمة للفاجر حَمًة ِلْلَعاَلِمي َ
َر ْ
والبار؛ فمن آمن به فقد تمت له النعمة ،ومن كفر به أمن من العذاب في الدنيا:
ت ِفيِهْم { ]النفال.[33:
ل ِلُيَعّذَبُهْم َوأَْن َ
ن ا ُّ} َوَما َكا َ
نبي الرحمة يطلق ثمامة
وعن أبي هريرة قال بعث رسول ال صلى ال عليه وسلم خيل قبل نجد فجاءت •
برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة فربطوه بسارية من
سواري المسجد فخرج إليه رسول ال صلى ال عليه وسلم فقال ماذا عندك يا ثمامة ؟
فقال عندي يا محمد خير إن نقتل تقتل ذا دم وإن تنعم تنعم على شاكر وإن كنت تريد
المال فسل تعط منه ما شئت فتركه رسول ال صلى ال عليه وسلم حتى كان الغد فقال
له ما عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي ما قلت لك إن تنعم تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل
ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت .فتركه رسول ال صلى ال عليه
وسلم حتى كان بعد الغد فقال له ما عندك يا ثمامة ؟ فقال عندي ما قلت لك إن تنعم
تنعم على شاكر وإن تقتل تقتل ذا دم وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت .
فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم أطلقوا ثمامة فانطلق إلى نخل قريب من المسجد
فاغتسل ثم دخل المسجد فقال أشهد أن ل إله إل ال وأشهد أن محمدا عبده ورسوله يا
محمد وال ما كان على وجه الرض وجه أبغض إلي من وجهك فقد أصبح وجهك
أحب الوجوه كلها إلي وال ما كان من دين أبغض إلي من دينك فأصبح دينك أحب
الدين كله إلي ووال ما كان من بلد أبغض إلي من بلدك فأصبح بلدك أحب البلد كلها
إلي .وإن خيلك أخذتني وأنا أريد العمرة فماذا ترى ؟ فبشره رسول ال صلى ال
عليه وسلم وأمره أن يعتمر فلما قدم مكة قال له قائل أصبوت ؟ فقال ل ولكني أسلمت
مع رسول ال صلى ال عليه وسلم وال ل يأتيكم من اليمامة حبة حنطة حتى يأذن
فيها رسول ال صلى ال عليه وسلم .رواه مسلم واختصره البخاري
ثمامة بن أثال سيد أهل اليمامة ،وكان من أعدى أعداء النبي صلى ال عليه •
وسلم ،وكان يتفنن في إيذائه ،ويتفنن في تأليب القوم على النبي وعلى
السلم
ل ول شكورًا ول ثناًء. أطلقوه ،ل نريد ما ً •
إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإذا أنت أكرمت اللئيم تمردا •
خر كل طاقاته ،وقدراته ،وإمكاناته انظر إلى هذا الرجل حين أسلم؛ بدأ ُيس ّ •
لدين ربه جل وعل ،يوم أن خلع على عتبة اليمان رداء الشرك والكفر؛
ظف كل ما يملك لدين ال سبحانه وتعالى ،ففرض حصارًا اقتصاديًا -على وّ
سبيل التحقيق ل على سبيل المجاز -على مكة وأهلها.
وفي رواية ابن إسحاق ) :حتى اشتدت المجاعة بهم بالفعل(؛ لن القمح كان •
يصل إليهم من اليمامة ،وهو سيد أهل اليمامة؛ فمنع كل حبة قمح تصل إلى
مكة وأهلها ،إل بعد أن يأذن رسول ال.
انظر كيف حول إحسان النبي صلى ال عليه وسلم البغض الكامن الدفين •
في قلب ثمامة إلى حب مشرق ،فبالحسان تأسر القلوب ،وبالرفق وباللين
تحول البغض إلى حب ،وتحول الكراهية إلى قرب.
فالعنف يهدم ول يبني ،والشدة إذا استخدمت في غير موضعها تفسد ول •
تصلح ،والنبي صلى ال عليه وسلم يقول) :عليك بالرفق إن الرفق ل يكون
في شيء إل زانه ول ينزع من شيء إل شانه ،صحيح الجامع (
نبي الرحمة مع وهب بن عمير
لما رجع وفد المشركين إلى مكة أقبل عمير بن وهب الجمحي حتى جلس إلى •
صفوان بن أمية في الحجر ،فقال صفوان :قبح العيش بعد قتلى بدر ،قال :أجل
وال ما في العيش خير بعدهم ولول دين علي ل أجد له قضاء وعيال ل أدع لهم شيئا
لرحلت إلى محمد فقتلته إن ملت عيني منه ،إن لي عنده علة أعتل بها أقول :
قدمت على ابني هذا السير ،ففرح صفوان بقوله وقال :علي دينك وعيالك أسوة
عيالي في النفقة ل يسعني شيء ويعجز عنهم ،فحمله صفوان وجهزه وأمر بسيف
عمير فصقل وسم وقال عمير لصفوان :اكتمني أياما ،فأقبل عمير حتى قدم المدينة
فنزل بباب المسجد وعقل راحلته وأخذ السيف فعمد إلى رسول ال صلى ال عليه
وسلم فدخل هو وعمر بن الخطاب رضي ال عنه فقال رسول ال صلى ال عليه
وسلم لعمر :تأخر ثم قال :ما أقدمك يا عمير ؟ قال :قدمت على أسيري عندكم ،
قال :اصدقني ما أقدمك ؟ قال :ما قدمت إل في أسيري ،قال :فماذا شرطت
لصفوان بن أمية في الحجر ؟ ففزع عمير وقال :ماذا شرطت له ؟ قال :تحملت له
بقتلي على أن يعول بنيك ويقضي دينك ،وال حائل بينك وبين ذلك ،قال عمير :
أشهد أنك رسول ال ،إن هذا الحديث كان بيني وبين صفوان في الحجر لم يطلع
عليه أحد غيري وغيره فأخبرك ال به فآمنت بال ورسوله ،ثم رجع إلى مكة فدعا
إلى السلم فأسلم على يده بشر كثير
الراوي :أنس بن مالك -خلصة الدرجة :إسناده صحيح -المحدث :السيوطي
قصة الذي تكلم أثناء الصلة
• عن عطاء بن يسار عن معاوية بن الحكم السلمي قال قلت :يا رسول ال
إنا حديث عهد بجاهلية فجاء ال بالسلم وان رجال منا يتطيرون قال ذاك
شيء يجدونه في صدورهم فل يصدنهم ورجال منا يأتون الكهان قال فل
تأتوهم قال يا رسول ال ورجال منا يخطون قال كان نبي من النبياء يخط
فمن وافق خطه فذاك قال وبينا أنا مع رسول ال صلى ال عليه وسلم في
الصلة إذ عطس رجل من القوم فقلت يرحمك ال فحدقني القوم بأبصارهم
فقلت واثكل أمياه مالكم تنظرون الي قال فضرب القوم بأيديهم على
أفخاذهم فلما رأيتهم يسكتوني لكني سكت فلما انصرف رسول ال صلى
ال عليه وسلم دعاني بأبي وأمي هو ما ضربني ول كهرني ول سبني ما
رأيت معلما قبله ول بعده أحسن تعليما منه قال ان صلتنا هذه ل يصلح
فيها شيء من كلم الناس إنما هو التسبيح والتكبير وتلوة القرآن قال ثم
اطلعت إلى غنيمة لي ترعاها جارية لي في قبل أحد والجوانية وأني اطلعت
فوجدت الذئب قد ذهب منها بشاة وأنا رجل من بني آدم آسف كما يأسفون
فصككتها صكة ثم انصرفت إلى رسول ال صلى ال عليه وسلم فأخبرته
فعظم ذلك علي فقلت يا رسول ال أفل أعتقها قال ادعها فقال لها رسول ال
صلى ال عليه وسلم أين ال عز وجل قالت في السماء قال فمن أنا قالت
أنت رسول ال صلى ال عليه وسلم قال إنها مؤمنة فاعتقها
قال الشيخ اللباني :صحيح
رفقه ورحمته بأمته صلى ال عليه وسلم
ل صلى ال عليه وسلم قال: ل ا ِّسو َ • عن أبي ُهَرْيَرَة )رضي ال عنه( َأ ّ
ن َر ُ
صلٍة(
سَواكِ مع كل َق على ُأّمِتي أو على الناس َلَمْرُتُهْم ِبال ّ ش ّ
ن َأ ُ
)َلْول َأ ْ
)متفق عليه(
تتجلى عظمة هذا الخلق النبوي حين يتخّلى الحبيب صلى ال عليه وسلم عن
استمراء أحب المور إليه ,و أعزها لديه التي هي من جملة العبادة مخافة
المشقة على أمته !!!
توافيه تلك المرأة )وفي عقلها شئ( في بعض الطرق الضيقة ،المصطفة من
النخيل ،المسلوكة التي ل تنفك عن مرور الناس غالًبا) ،(3و تسأله حاجتها،
و ما ثّم لول ما آنسته من الحبيب صلى ال عليه وسلم من تمام التواضع و
القرب من المستضعفين ،ولينه في أيديهم ومشيه في حوائجهم ،وتشوقِه
شؤوِنهم .شكواُهم وقضاِء ُ ع َإلى إرضاِئهم وسما ِ
فيسعها النبي صلى ال عليه وسلم بعطفه المعروف و تواضعه المألوف ،ملبيًا
حّتى
ت َ
شْئ ِ
ك ِ
سَك ِ
ي ال ّ
ظِري َأ ّ
ن ،اْن ُ
لٍرغبتها بسخاوة نفس و تقدير )َيا ُأّم ُف َ
جَتك( !!!
حا َ
ك َ
ي َل ِ
ضََأْق ِ
سهل
ح طّوق الوعر وال ّ
و خفض جنا ٍ فلّله لين ذاع في الناس صيته
ي َقِميصٌ علَ ّ
ل -صلى ال عليه وسلم َ -مَع َأِبيَ ،و َ ل ا ِّ سو َت َر ُ ت َأَتْي ُسِعيٍد َقاَل ْن َ خاِلِد ْب ِ
ت َ خاِلٍد ِبْن ِ
ن ُأّم َ عْ َ •
سَنْه(.
سَنْه َ
ل -صلى ال عليه وسلم َ ) - ل ا ِّ سو ُل َر ُ صَفُر َقا ََأ ْ
ل- ل ا ِّسو ُ ل َر ُ خاَتِم الّنُبّوِة َفزَبَرِني َأِبيَ ،قا َ
ب ِب َ
ت َأْلَع ُتَ :فَذَهْب ُ سَنٌة َقاَل ْحَشّيِة َ حَب ِ
ي ِباْل َ
ل َوِه َ عْبُد ا ِّ
ل َ َقا َ
خِلِقي ُثّم َأْبِليل -صلى ال عليه وسلم َ) :-أْبِلي َوَأ ْ ل ا ِّ
سو ُ ل َر ُ عَها( ُثّم َقا َ صلى ال عليه وسلم َ) :-د ْ
حّتى َذَكَر).متفق عليه( ت َ ل َ :فَبِقَي ْعْبُد ا ِّ
خِلِقي( َقالَ َ خِلِقي ُثّم َأْبِلي َوَأ َْوَأ ْ
ص ،تكّنى أم خالد ،و سعْيد بن الَعا ِ تأتيه جارية صغيرة هي :أَمة )بمفتوحة وخّفة ميم( بنت خالد بن َ
تقترب منه لترسم صورة أخرى رائعة من التواضع و العطف النبوي .
نرى فيها الّنبي المرّبي -صلى ال عليه وسلم -و هديه القويم في رعاية الطفال ،وقربه من الصَّغار،
صة ! .أل ترى إلى عظيم تقديره شر وسهولة الخلق ..والرحابة ...وشفقته على البنات خا ّ وتلّقيهم بالِب ْ
لم خالد واصطفائها من سائر القوم وتشريفها بهديته ...بعدما سأل الحضور من أصحابه عمن
ن َأ ْ
ن ن َتَرَو َ لَ) :م ْ يستحقها ...وسكتوا حيرة فاستشرفوا لها وكانت تلك الجارية هي الجديرة بها َقا َ
ل :ائتوني بأّم خالٍد(. سَو هذه؟ فسكت القوُمَ ،قا َ نْك ُ
خَذإنه يدعوها بكنيتها زيادة في إكرامها والهتمام بها وجيء بها تحمل في -رواية– لحداثة سّنها – )َفَأ َ
صَة – وهي كساء من خّز أو صوف -بيده الشريفة فألبسه( إياها! خِمْي َ ال َ
ح العلم – سُ ل َيْم َجَع َ
صلة والسلم -في العطف عليها والحسان إليها ..والّبر بهاَ) .ف َ وبالغ -عليه ال ّ
حا لها مثنًيا على جمالها وروعتها ..هذا وهي ألوانها البارزة الصفراء أو الخضراء – بيده ويقول ماد ً
ي الفصيح! ب -صلى ال عليه وسلم -بالحبشّية ،وهو العرب ّ سَنْه( بمعنى حسن ،وما قالها الحبي ُ سَنْه َ )َ
إل محاكاة ّللغة التي ألفتها منذ طفولتها ...وتطييًبا لخاطرها وطمًعا في إدخال السرور والبهجة إلى
قلبها.
ي الدافئ ليحكي مشهدا مؤّثرا من اللطف الغامر بتلك الصبية ،دنت منه بعدما ن النبو ّ ستمّر الحنا ُ • وَي ْ
سها ت نف ُ اطمأّنت لتواضعه ورحمته ...لفت نظرها خاتم النبوة البارز بين كتفيه )كزّر الحجلة(َ ..فَتاَق ْ
إلى لمسه فطفقت تلعب به ،مما أثار حفيظة والدها الذي نهرها بقسوة ،فنهاه النبي -صلى ال عليه
حا مستأنسة برضى النبي -صلى ال عليه وسلم -مطمئنة وسلم -وقال) :دعه( فاستمرت تلهو به مر ً
ت لها مباركٍة يرددها ثلًثا ويمتّد أثرها إلى أمد ذاك اللقاء بما إلى سماحته ،ثم يختم اللقاء الطيب بدعوا ٍ
يحويه من المعاني القّيمة للتواضع وخفض الجناح
عّفته و حياؤه صلى ال عليه وسلم
عن سالم بن عبد ال عن أبيه أن رسول ال صلى ال عليه وسلم مّر على رجل من •
ن الحياء النصار وهو يعظ أخاه في الحياء فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم ):دعه فإ ّ
من اليمان().البخاري و مسلم(
عن أنس قال) :لما تزوج النبي صلى ال عليه وسلم زينب أهدت له أم سليم حيسا في تور •
من حجارة فقال أنس فقال رسول ال صلى ال عليه وسلم اذهب فادع لي من لقيت من
المسلمين فدعوت له من لقيت فجعلوا يدخلون عليه فيأكلون ويخرجون ووضع النبي صلى
ال عليه وسلم يده على الطعام فدعا فيه وقال فيه ما شاء ال أن يقول ولم أدع أحدا لقيته
إل دعوته فأكلوا حتى شبعوا وخرجوا وبقي طائفة منهم فأطالوا عليه الحديث فجعل النبي
صلى ال عليه وسلم يستحيي منهم أن يقول لهم شيئا فخرج وتركهم في البيت فأنزل ال
غْيَر
طَعاٍم َ
ن َلُكْم ِإَلى َ
ن ُيْؤَذ َ
ي ِإّل َأ ْت الّنِب ّ
خُلوا ُبُيو َ
ن آمَُنوا ل َتْد ُ
عز وجلَ) :يا َأّيَها اّلِذي َ
خُلوا( ،حتى بلغَ) :ذِلُكمْ عيُتْم َفاْد ُن ِإَذا ُد ِ
ن ِإَناُه( ،قال قتادة :غير متحينين طعاماَ) ،وَلِك ْ ظِري ََنا ِ
ن(().مسلم( طَهُر ِلُقُلوِبُكْم َوُقُلوِبِه ّ
َأ ْ
عن أبي سعيد الخدري -رضي ال عنه -قال) :كان النبي صلى ال عليه وسلم أشد حياء •
من العذراء في خدرها حدثني محمد بن بشار حدثنا يحيى وبن مهدي قال :حدثنا شعبة
مثله وإذا كره شيئا عرف في وجهه().متفق عليه(
• ترجمت لنا سيرته العطرة حقيقة ذلك الحياء ،و تمّكنه من خلقه و سلوكه
العملي ،في مواقف شتى منها زواجه من زينب بنت جحش -رضي ال
عنها:-
فقد كان صلى ال عليه وسلم حديث عهٍد بأهله ،و الضياف في بيته قد
حضروا وليمته ،و طعموا حتى شبعوا ،و ظّلوا مستأنسين بالحديث في غفلٍة
عن حال النبي صلى ال عليه وسلم و تكّدره من طول بقائهم ،و هو يستحي
أن يواجههم بأمر الخروج من بيته ،و النفراد بعروسه!
ص حقوق نفسه في ليلة البناء بأهله و الشوقحمله الحياء على أن يترك أخ ّ
إليهم ،و تحّمل مشقة الحرج من أصحابه الذين أكرمهم بضيافته ،و التناول
من مائدته ،على أن يصارحهم بما يجول في خاطره و ما يعتمل في نفسه
إيثارًا للحياء و حرصًا على توفير الراحة و النبساط لهم.
فتوّلى الرحمن سبحانه أمره ،و رفع عنه ما أهّمه ،و أنزل قرآنا يتلى إلى يوم
ق العظيم من الحترام القيامة يصدع بما للنبي صلى ال عليه وسلم من الح ّ
و التوقير و الداب المتّعينة له على أصحابه و أمته.
و يدعونا في الوقت نفسه إلى القتداء به و التحلي بهذا الخلق الفاضل ،فمن
استحيا من ال سبحانه حق الحياء رأى نعمه و آلءه ،و استشعر إساءته
وتقصيره ،و بادر بالخيرات و ترك المنكرات ،و من استحيا من نفسه عّفها
و صانها في الخلوات ،و من استحيا من الناس كف أذاه عنهم و ترك
المجاهرة بالقبيح و السيئات
أمانته صلى ال عليه وسلم
لقد نشأ يتيمًا مطبوعًا على المانة و الوفاء بالعهد ،فل يكاد يعرف في قومه إل •
ل في نفوسهم و قلوبهمبالمين ،فيقولون:جاء المين ،و ذهب المين ،و ح ّ
أعلى منازل الثقة و الرضى!!
ل على ذلك احتكامهم إليه في الجاهلية في قصة رفع الحجر السود عند كما د ّ •
بنائهم الكعبة المشرفة ،بعد تنازعهم في استحقاق شرف رفعه و وضعه في
محله ،حتى كادوا يقتتلون لول اتفاقهم على تحكيم أول داخل يدخل المسجد
الحرام ،فكان هو محمد صلى ال عليه وسلم فلما رأوه قالوا) :هذا المين،
رضينا هذا محمد(
و بلغ من ثقتهم الكبيرة في أمانته و وفائه ما اعتادوا عليه من حفظ أموالهم و •
نفائس مّدخراتهم لتكون وديعة عنده ،و لم يزل هذا شأنهم حتى بعد معاداته
بسبب نبّوته و دعوتهم إلى اليمان و نبذ عبادة الوثان ،فلم يخالجهم الشك في
أمانته و وفائه! و مما يدل على ذلك ترك علي بن أبي طالب -رضي ال
عنه -بمكة بعد هجرته صلى ال عليه وسلم ليرد للناس ودائعهم التي كانت
عنده ،حتى إذا فرغ منها لحق برسول ال صلى ال عليه وسلم.
• لقد تحقق ذلك الخلق العظيم بأتّم معانيه ،و أحسن مراميه بعد نبّوته صلى
ال عليه وسلم لن ال تعالى أراده خاتمًا لنبيائه و رسله إلى الناس كافة ،و
ل ُيمّكن من ذلك إل أمين كامل المانة ،يحظى بثقة الناس فيستجيبون له و
يؤمنون به.
و أّدى نبينا صلى ال عليه وسلم شرع ربنا تبارك و تعالى كما أراده ال عّز و
ل ،و بّلغ آياته فلم يكتم منها حرفًا و إن كان عتابًا له و لومًا ،و شهد له جّ
في كتابه بهذا البلغ الكامل حتى تّم الدين ،و ظهر السلم قال تعالى:
سلَم ِدينًا(
ت َلُكْم اِل ْ
ضي ُ
عَلْيُكْم ِنْعَمِتي َوَر ِ
ت َ
ت َلُكْم ِديَنُكْم َوَأْتَمْم ُ
)اْلَيْوَم َأْكَمْل ُ
]سورة المائدة.[3:
• و إن من المواقف العظيمة في أمانته ما رواه سعد -رضي ال عنه -قال لما
كان يوم فتح مكة اختبأ عبد ال بن سعد بن أبي سرح عند عثمان بن عفان
فجاء به حتى أوقفه على النبي صلى ال عليه وسلم فقال :يا رسول ال بايع
عبد ال .فرفع رأسه فنظر إليه ثلثا كل ذلك يأبى فبايعه بعد ثلث ،ثم أقبل
على أصحابه فقال) :أما كان فيكم رجل رشيد يقوم إلى هذا حيث رآني
كففت يدي عن بيعته فيقتله( فقالوا :ما ندري يا رسول ال ما في نفسك أل
أومأت إلينا بعينك؟ قال) :إنه ل ينبغي لنبي أن تكون له خائنة العين(
)رواه أبو داود و الحاكم و قال صحيح على شرط مسلم(
وفاؤه صلى ال عليه و سلم
أما الوفاء فله منزلة عظيمة في أخلق النبي صلى ال عليه وسلم ،فكان أوفى الناس مع •
ربه تبارك و تعالى ،و مع أصحابه و أزواجه و ذويه ،بل و أعدائه!.
و من أروع المواقف النبوية التي تتجسد فيها هذه السجية الفاضلة ؛ و فاؤه لحاطب بن أبي •
بلتعة -رضي ال عنه -مع فعلته الكبرى و هي إفشاؤه لسر النبي صلى ال عليه وسلم في
أشد المواقف خطورة ،موقف الغزو الذي ل تغفر البشرية لمثله!لنه تجسس و خيانة
عظمى.
فقد كتب حاطب إلى أهل مكة يخبرهم بمقدم رسول ال صلى ال عليه وسلم إليهم بجيشه •
لفتح مكة ،و أرسله خفية مع ظعينة له ،فلما أطلع ال تعالى نبيه صلى ال عليه وسلم على
ذلك و مّكنه من إحباطه ،و راوده بعض أصحابه على ضرب عنقه ،قال صلى ال عليه
طلع على من شهد بدرًا فقال اعملوا ما وسلم) :إنه قد شهد بدرًا و ما يدريك لعّل ال ا ّ
شئتم فقد غفرت لكم()رواه البخاري و مسلم(
فانظر إلى مبلغ وفائه لصحابه! و إن عظمت زّلة أحدهم أو كبر خطؤه ما لم يكن في حّد •
من حدود ال سبحانه ،أو تهاون بشرعه ،و أمكن تدارك الخطر قبل و قوعه.
ب ذلك الصحابي للتوبةو لشك أن هذا الوفاء الفريد و التصرف الرشيد سيعزز ح ّ •
النصوح من هذا الذنب الذي ل يبرره خوفه على أهله و ذويه في مكة.
أسلوب النبي صلى ال عليه و سلم في الدعوة
لقد كان النبي عليه الصلة والسلم رحمة لكل العالمين ،وليس كما يفهم •
ل ،هو البعض من أنه صلى ال عليه وسلم كان رحمة للمسلمين فحسب ،ك ّ
حَمًة
ل َر ْ
ك ِإ ّ
سْلَنا َ
رحمة للمسلمين ولغير المسلمين ،قال ال تعالىَ } :وَما َأْر َ
ن { ]النبياء[107:؛ قال ابن عباس رضي ال عنهما) :رسول ال ِلْلَعاَلِمي َ
صلى ال عليه وسلم رحمة للفاجر والبار( ،ما هذا؟ رحمة للبار؟ نعم.
لكن النبي عليه الصلة والسلم رحمة للفجار للكفار؟! لماذا؟ لنه بمجرد أن •
بعثه ربه تبارك وتعالى ،وعده بأل يعذب القوم ما دام رسول ال فيهم ،قال
ت ِفيِهْم { ]النفال.[33: ل ِلُيَعّذَبُهْم َوَأْن َ
ن ا ُّ
ال عز وجلَ } :وَما َكا َ
فمن آمن به تبارك وتعالى فقد اكتملت له الرحمة في الدنيا والخرة ،ومن •
كفر به رحم في الدنيا ،ونجا من عذاب الدنيا ،وبعد ذلك يعاقبه أو يحاسبه
ربه بما شاء وكيف شاء في الخرة.
ومن ثم كان الحبيب صلى ال عليه وسلم رحمة للعالمين :للفجار للكفار •
للبرار الموحدين والمؤمنين المصدقين به صلى ال عليه وسلم.
• رسول ال صلى ال عليه وسلم بعثه ربه عز وجل رحمة ،ولذلك قال النبي صلى ال عليه وسلم:
ل بسند ل ،إل أن الحاكم قد رواه موصو ً ) إنما أنا رحمة مهداة (...الحديث ،وإن كان قد روي مرس ً
صحيح ،وأقر الحاكم الذهبي وغيره.
• وفي صحيح مسلم ) :عن ابي هريرة قال قيل للنبي عليه الصلة والسلم :ادع على المشركين! فقال:
إني لم أبعث لعانًا ،إنما بعثت رحمة(،
• انظر إلى رحمته بالمة عليه الصلة والسلم :النبي عليه الصلة والسلم جلس يومًا فقرأ قول ال
ن الّنا ِ
س ن َكِثيرًا ِم ْ
ضَلْل َ
ن َأ ْ
ب ِإّنُه ّ
تبارك وتعالى في سورة إبراهيم على نبينا وعليه الصلة والسلمَ } :ر ّ
حيٌم { ]إبراهيم ،[36:انظر إلى كلم سيدنا الخليل، غُفوٌر َر ِ ك َ صاِني َفِإّن َع َن َ
ن َتِبَعِني َفِإّنُه ِمّني َوَم ْ
َفَم ْ
هذا كلم إبراهيم على نبينا وعليه الصلة والسلم ،يقول) :رب إنهن أضللن كثيرًا من الناس( ،يعني:
الصنام واللهة المكذوبة المدعاة) ،فمن تبعني فإنه مني ،ومن عصاني( لم يقل :فانتقم منه فأهلكه ،بل
قال) :فإنك غفور رحيم(.
) فلما قرأ النبي صلى ال عليه وسلم هذه الية في حق خليل ال إبراهيم ،وقرأ قول ال في عيسى على
حِكيُم {
ت اْلَعِزيُز اْل َ
ك َأْن َن َتْغِفْر َلُهْم َفِإّن َ
ك َوِإ ْ
عَباُد َ
ن ُتَعّذْبُهْم َفِإّنُهْم ِ
نبينا وعليه الصلة والسلمِ } :إ ْ
]المائدة ،[118:بكى ،فقال ال عز وجل لجبريل عليه السلم :يا جبريل! انزل إلى محمد -صلى ال
عليه وسلم -فسله :ما الذي يبكيك؟ فنزل جبريل عليه السلم إلى النبي صلى ال عليه وسلم وسأله :ما
الذي يبكيك؟! فقال الحبيب صلى ال عليه وسلم :أمتي! أمتي! يا جبريل ،أمتي! أمتي! يا جبريل،
فصعد جبريل إلى الملك الجليل ،فقال :يبكي على أمته -وهو أعلم جل جلله -فقال ال تبارك وتعالى
لجبريل :انزل وقل لمحمد -صلى ال عليه وسلم :-إنا سنرضيك في أمتك ول نسوءك ().رواه مسلم(
• ولذلك روى مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي ال عنه أن النبي صلى ال عليه وسلم
قال) :لكل نبي دعوة مستجابة( ،أي :كل نبي له دعوة ،وعده ال تبارك وتعالى أن يستجيبها ) ،لكل
نبي دعوة مستجابة ،فتعجل كل نبي دعوته إل أنا ،فإني قد اختبأت دعوتي شفاعة لمتي يوم القيامة،
فهي نائلة إن شاء ال تعالى من مات ل يشرك بال شيئًا ().صحيح الجامع(
نبينا محمد صلى ال عليه وسلم آية من آيات ال،
وعجيبة من عجائب الكون ،فهو نبي الرحمة ،والنعمة
المهداة إلى المة ،صاحب الخلق الفاضل الرفيع ،وقد
ظيٍم(،
عِق َخُل ٍ
ك َلَعلى ُ
شهد ال تعالى له بقولهَ) :وِإّن َ
فحري بنا أن نتعرف على أخلقه صلى ال عليه وسلم
لنقتدي بها في جميع شؤون حياتنا.
• من سلسلة ايمانيات لفضيلة الشيخ محمد حسان حفظه ال
• من موقع شبكة السنة النبوية و علومها )الحلقات و
الدروس ::الشمائل النبوية ( المشرف العام الدكتور فالح
الصغير حفظه ال
ل تنسونا و اخوانكم المسلمين في كل بقاع الرض من
الدعاء
و الحمدل رب العالمين
و أصلي و أبارك على المبعوث رحمة للعالمين و على آله
و صحبه أجمعين